الكتاب: حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي، الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي المؤلف: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ) دار النشر: دار صادر - بيروت عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي الشهاب الخفاجي الكتاب: حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي، الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي المؤلف: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ) دار النشر: دار صادر - بيروت عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي (الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي) المؤلف: أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي دار النشر: دار صادر ـ بيروت عدد الأجزاء: 8 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   تعريف بالكتاب: هذه حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير الإمام البيضاوي "أنور التنزيل وأسرار التأويل" وهي من أعظم الحواشي فائدة وأكثرها نفعاً وأسهلها عبارة، وقد قال الشهاب في مقدمة حاشيته: "نظمتها في سلك التحرير عقداً، واجتهدت في أن أقلد بها جيد هذا العصر العاطل تقليداً، فجاءت مواردها صافية من الكدر ورياضها محروسة بعين القضاء والقدر"، فجاءت هذه الحاشية كما قال. ولا بد هنا من كلمة حول تفسير الإمام البيضاوي، فننقل ما قاله حاجي خليفة في كشف الظنون. قال: "وتفسيره هذا كتاب عظيم الشأن غني عن البيان، لخص فيه من الكشاف ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ومن التفسير الكبير ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن تفسير الراغب ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات. وضم إليه ما ورى زناد فكره من الوجود المعقول والتصرفات المقبولة فجلا رين الشك عن السريرة وزاد في العلم بسطة وبصيرة". قال: "ولكونه متبحراً جال في ميدان فرسان الكلام فأظهر مهارته في العلوم حسبما يليق بالمقام، كشف القناع تارة عن وجوه محاسن الإشارة وملح الاستعارة، وهتك أستار أخرى ممن أسرار المعقولات بيد الحكمة ولسانها وترجمان الناطقة وبنانها، فحل ما أشكل على الأنام، وذلل لهم صعب المرام وأورد في المباحث الدقيقة ما يؤمن به عن الشبه المضلة، وأوضح له مناهج الأدلة ... ". بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة يا مفيض البركات ومنزل الآيات البينات، افتح عيون بصائرنا لمشاهدة أنوارك، وارزقنا من موائد كرمك ذوق حلاوة أسرارك، ووفقنا لشكر آلائك، والتوفيق له من جملة نعمائك، واجعلنا ممن تمسك بعرا اليقين، واعتصم بحبلك المتين، من كتابك الكريم المنزل نجوماً مشرقة بنور الهدى، ورجوماً لشياطين الغواية المسترقة لسمع التحدّي في ظلمات الردي، فقطع علاقتهم عن طريق الحقيقة، فلم يهتدوا إلى المجاز، حتى تصغى أسماعهم إلى هيمنة الإعجاز، فظل كل شاعر في واد يهيم لا يجد شعوراً، وكل خطيب لسن يرى أسجاعه هباء منثورا، إلا من لمعت له أنوار ذاته، من خلف سرادقات صفاته، قد حل عكاظ الحقائق، وفاز بمتاع أسرار الدّقائق، بالوساطة المحمدية لا زالت الملائكة تهدي منا إليه كل حين أنفس صلاة وسلام وتحية، فإنه جزاه الله عنا خير الجزاء ختمت به الأديان، وفتحت به أبواب الرحمة وقصور الجنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه عرانين الكرم ومصابيح الدجى والظلم، حماة بيضة الهدى، وكماة حومة الوغى، ما لمعت بروق البراهين، من مطالع اليقين. (هذا) وإنّ الله تعالى لما خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، خط على مهارق البسيطة آيات توحيده معربة بالنبات منقوطة بالزهوره والأرض طرس والرياض سطوره والزهر شكل بينها وحروف وجعل أديم الخضراء المحيط بالستور لأوراقها جلد مذهباً بالشموس والبدور، بعدما خاط دفاتر الرياض بإبر الطل وخيوط الوسمي الفياض، ثم نشر صحفها على كراسي الروابي، بأيدي الصبا والقبول حتى درسنها بمكتب الهيولي أطفال الطبائع والعقول، فردّدها خرير الماء الجاري، وخطبت بسجعها على منابر القصب فصحاء القماري، فآذان الزهور لها مصغية، ورؤوس الجبال مطرقة، وعيون سيارة الزهر لها حائرة باهتة محدقة، فلم تهتد لها قلوب ميتة ظلت أجسامها لها قبورا: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] فسبحان ما أوضح دلائل توحيده، وما أفصح ألسنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الكائنات الناطقة بتمجيده، كما أبداه ترجمة الحضرة القدسية، دوحة جرثومة المجد الأبطحية، من قرع هامة العز والشرف، وشنف مسامع الدهر بدرر لا تعرف آذان الصدف، من كتاب تدفقت مياه البلاغة من حياضه، وتفجرت ينابيع الإعجاز خلال رياضه، فشرقت بها المصاقع حدا، وغصت بعريض العجز كمداً. كما قال الوليد وقد أصاخ له: " والله إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أسفله لمغدق وان أعلاه لمثمر وما هذا بقول بشر ". والفضل ما شهدت به الأعداء، فكل من ينعم النظر فيه ويمعنه يقول هذا طراز ما أحسنه، وهم ما هم في الجلاد والجدال، وفتح أكمام الأفواه عن أنوار المقال من كل من ساجل الدهر حتى مل ساجلتة، وصبر حتى وجد صبره من الفرج ضالتة، وكانت مناهل تفسيره تردها سابلة الأفهام، والمورد العذب كثير الزحام، وتفسير البيضاوي له من بينها اليد البيضاء لاقتناصه رواتع الأصلين وبدائع الشريعة الغرّاء، وقد تقدم رتبة وأن جاز منه أخيرا، فلسان حاله يتلو {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] وإن أمعنت في تأويله نظراً ليس حسيرا ولا كليلاً، فهو خير وأحسن تأويلاَ. أتيت بها يدا بيضاء حتى ~ كأنك في الذي أبدعت موسى وقد أحييت موتى الفضل فيها ~ كما قد كان يحيى الميت عيسى له فيه وفور حظ وسلاسة لفظ كما قال البحتري: قد ركبن اللفظ القريب فأدرك ~ ن به غاية المرام البعيد بل لفظه قريب لكنه أمنع من معشوق له رقيب، وشاؤه بعيد، ولكن ليس لنفس الفكر وراءه تصعيد فيه أنضر روض طابت ثماره، وتفتحت بيد النسيم أنواره، سقاه من صيب البلاغة هتونه، حتى تشعبت فروعه وتهدلت غصونه، نجوه بصوب الوحي مغدق، ودوحه في ربيع المعاني مثمر مورق وكنت ممن اجتنى باكورة أبكاره، وتمشت في حدائقه أحداق أفكاره، وقد كثرت حواشيه، ونمّ على ضمائر أسراره وأشيه، وتبرّج القليب بعذب ماؤه، وبإنفاق المال يزكو نماؤه، وبصقل الفرند يبدو جوهره وعنقه، ويزيد في عطر المسك الذكي سحقه، راقت محاسنه فالعيون والأذان تهواها، فلو مني الحسن أمانيّ ما تعدّاها. إذا امتحنت محاسنه أتته ~ غرائب جمة من كل باب وكيف تتشبث يد المحجن بأهداب سحره، أو يصل غائص النظر إلى قرار فكره، والتفاسير جداول تنصبّ في لجة بحره ولكني رأيت البغاث ربما تفكهت بأعذب الثمار، ووردت قبل الضواري غير الأنهار فحداني ذلك إلى موارده ومصادره، وحثني على الغوص على فرائد جواهره، وأن أكتب عليه حواشي تكون سياجا لثماره، ومقدمات لنتائج أفكاره، التي تحير فيها البيان، ونادت الفضل للمتقدم في كل زمان، ولما ثقبت دررها من الأقلام المثاقب، وكان فكر الشهاب لها هو الثاقب. ولاح نور من سنا أفقها ~ لا يدعيه البدر والشمس نظمتها في سلك التحرير عقودا، واجتهدت في أن أقلد بها جيد هذا العصر العاطل تقليداً، فجاءت مواردها صافية من الكدر، ورياضها محروسة بعين القضاء والقدر، لا زالت وجوهها ناضرة، وعيون معانيها إلى ربها ناظرة، ما انجلى صدأ القلوب والأفهام بتدبر ما في الذكر الحكيم من الأحكام فرحم الله من استصبح من نور القرآن، واستضاء بقبس البيان، وجعل ذلك مطية إلى سبل الجنان. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومد من القرع للأبواب أن يلجأ ولما وقفت دهم الأقلام على ساحل التمام، سميتها " عناية القاضي وكفاية الراضي "، وها أنا أقول مستعطياً بكف الضراعة القبول. ( مصنف هذا الكتاب ) أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد بن علي أبو الخير القاضي ناصر الدين البيضاوي نسبة إلى البيضاء قرية من أعمال شيراز كان إماماً في فقه الشافعيّ رحمه الله تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 والتفسير والأصلين والعربية، والمنطق نظارا زاهدا متعبدا، ومن مصنفاته هذا التفسير وهو أجلها ومنهاج الأصول وشرحه، وشرح مختصر ابن الحاجب ومتن في علم الهيئة وشرح المنتخب للرازي والطوالع والإيضاح في أصول الدين، والغاية القصوى في فقه الشافمي وشرح المصابيح ومختصر الكافية وتاريخ الدول الفارسية الذي سماه نظام التواريخ، وتوفي سنة خمس وثمانين وستمائة بتبريز وقال السبكي: سنة إحدى وتسعين وستمائة قدس الله روحه، ونوّر ضريحه. أقول هذا هو المشهور والذي اعتمده وصححه المؤرّخون في التواريخ الفارسية أنه توفي في شهر جمادى الأول سنة تسع عشرة وسبعمائة تقريبا ويشهد له ما في آخر تاريخه نظام التواريخ وهو المعتمد: قوله: (الحمد لله الخ) براعة استهلال وفي نسخة القرآن بدل الفرقان والأولى موافقة للتنزيل إن فسر بما يكون مفرّقاً في النزول لا بالفارق بين الحق والباطل ونحوه بحسب الظاهر بناء على الفرق بين التنزيل والإنزال بأن الأول التدريجي والثاني الدفعيّ، وهل هو أكثريّ أو كليّ أو عند القابل وضعيّ مستفاد مما يدلّ عليه التكثير أولاً ذهب إلى كل طائفة. وسيأتي في محله ولا يرد هنا السؤال الوارد على النظم في سورة الفرقان بأنّ الموصول يقتضي سبق العلم بالصلة ليتعرّف بها وهذا ليس كذلك، فيجاب بأنه نزل منزلة المعلوم لسطوع برهانه ونحوه لأنه علم بعد ذلك فضلاً عن زمان التصنيف، والنزول وإن استعمل في الأجسام، والأعراض لا يوصف به إلا باعتبار محالها والقرآن من الأعراض الغير القارّة فلا يتصوّر إنزاله ولو بتبعية المحل فهو مجاز متعارف لوقوعه على مبلغه كما يقال نزل حكم الأمير من القصر، أو التنزيل مجاز عن إيحائه من الأعلى رتبة إلى عبده تدريجاً كالتجوّز في الطرف أو الإسناد، والقرآن مصدر قرأ قراءة وقرآناً صار حقيقة في المقروء وهو كلام الله الذي بين دفتي المصحف ويطلق على المجموع، وعلى المشترك بينه وبين الأجزاء المختصة به، وعلى تلك الأجزاء، وعلى الكلام النفسيّ القائم بذاته، والظاهر اشتراكه بينها خلافاً لمن جعله حقيقة في أحدها، وقيل: المعرّف مخصوص بالجميع بخلاف المنكر حتى لو حلف لا يقرأ القرآن لا يحنث إلاً بقراءة الجميع بخلاف ما لو حلف لا يقرأ قراناً ثم إنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يقل تبارك مع أنه الموافق للنظم والمناسب للاقتباس المتعارف فيه ترجيحاً لمقتضي المقام من التصريح بالحمد. وقيل: لا حاجة إلى العذر لأنه عند ارتكاب خلاف الظاهر إلا أن يقال إنه هو الظاهر بعد قصد الاقتباس، فإذا عارضه مقتضى المقام فرعايته أولى لأنّ مبنى البلاغة على مطابقته والاقتباس من المحسنات، وفيه نظر ثم إنه رتب استحقاق الحمد على تنزيل القرآن لبراعة الاستهلال مع أنه من أعظم النعم لأنّ به نظام المعاش والمعاد وقال على عبده موافقة للنظم، ولأنه أشرف الأوصاف لاقتضائه التمحيض لجانب الحق بخلاف النبوّة والرسالة، ولذا قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] كما قال الشاعر: لاتدعني إلا بياعبدها ~ فإنه أشرف أسمائي وإضافته لله للتشريف وفي كيفية نزوله كلام فقيل نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأمرت السفرة بانتساخه، ثم نزل إلى الأرض منجّما في ثلاث وعشرين سنة على حسب المصالح وإنّ جبريل تلقاه في مقامه عند سدرة المنتهى من حضرة القدس إمّا بسماعه بلا صوت ولا حرف أو بصوت من جميع الجهات على خلاف العادة أو من جهة بصوت غير مكتسب للعباد، وقيل: أخذ المعنى وخلق فيه علم ضروري بعبارته، وقيل: تلقاه بلفظه ومعناه بالذات أو بواسطة ملك آخر كما فصل في محله وقوله: (ليكون) فيه ضمير مستتر للعبد وهو الأظهر أو للقرآن، وقد جوّز أن يكون لله، ونذير بمعنى منذر أو مصدر بمعنى الإنذار كالنكير والاقتصار على الإنذار إمّا اكتفاء والمعطوف مقدّر أي وبشيراً، وحذف لتوافق النظم وفيل لأنه يعمّ الكل بخلاف البشير، والأوجه أن يقال اقتصر عليه ليوافق قوله فتحدّي إلخ إذ المعارضة إنما صدرت من الكفرة واللائق بهم الإنذار لا التبشير، وعلى تقدير عمومه فهو للبشر أو للثقلين، وهو المناسب للعالمين، لا يشمل الملائكة إلا بتكلف أنّ إنذار الثقلين إنذار لهم وما قيل من أنه إن كان المراد بالإنذار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 والبشارة ما هو بطريق التعيين مثل فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار، فلا عموم في شيء منهما وإلا فهما سيان في العموم نحو من اتصف بكذا يثاب، أو يعاقب فليس بشيء إذا المراد الثاني والعصاة، والكفرة من حيث العصيان والكفر منذرون غير مبشرين بلا شبهة، وتحقيق الحمد ومعنى العالمين سيأتي في محله، ولام ليكون تعليلية، وهو ظاهر على رأي من جوّز تعليل أفعاله تعالى، ومن منعه يقول لها ثمرات وحكم نزلت منزلة العلل أو هي لام العاقبة، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى قوله: (فتحذّي الخ) التحدّي طلب المعارضة ويكون بمعنى المعارضة نفسها كما صرّح به أهل اللغة لكنه غير مناسب هنا كما توهم إلا بتعسف لا حاجة إليه وأصله من الحداء، وهو التغني لحث الإبل على سرعة السير، ثم توسعوا فيه وصار حقيقة لما مرّ، ولذا قيل إن فيه إيماء إلى اختصاصه بالإنس بل العرب لأنهم أصحاب إبل فيكون تمهيدا لما بعده، وجملة تحدّي لا تحتاج إلى رابط وإن عطفت على جملة الصلة، وكان الضمير فيها عائدا إلى العبد كما هو الظاهر لتكلف عوده إلى القرآن من غير حاجة إليه إذ الفاء تجعلهما كجملة واحدة، فيكتفي بالضمير الواقع في إحداهما مثل الذي يطير الذباب فيغضب عمرو كما قرّره النحاة سواء قلنا الفاء سببية فقط، أو سببية وعاطفة كما ارتضاه الرضى فإن كان الضمير لله فهو ظاهر، والتحدّي كما ينسب للنبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] وهذا مما لا مرية فيه وإنما الكلام في أنه إن أريد بالقرآن المجموع لم يصح دخول الفاء لأنّ التحدّي لم يكن بعد نزول المجموع وإن لم يرد لم يصح رجوع الضمير في من سورة إليه إذ هي بعض من الأوّل دون الثاني، كما في بعض الحواشي، وقد أجيب عنه بوجوه: الأوّل: أنّ المراد المجموع لكنه تجوّز به عن الإرادة كما في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] ولا يلائمه ما بعده لأنّ الإنذار بما نزل لا بما أريد إنزاله اللهمّ إلا أن يقال إرادة إنزال الكل لا تنافي إنزال مقدار يتحدّى به وينذر ولا يظهر أيضاً كونه محمودا عليه، وإن كان الأمر فيه سهلاً. الثاني: أنّ المراد به الثاني والتفريع باعتباره، وإرجاع الضمير إليه باعتبار المجموع استخداماً، ولا يخفي ما فيه، فإنّ المقام لا يناسبه، وإرجاع الضمير إليه لأنه من جنسه كعندي درهم، ونصفه أقرب وإن قيل إنه استخدام أيضاً. الثالث: أنّ الفاء للترتيب الرتبيّ لا الوجوديّ كما في يرحم الله المحلقين فالمقصرين لأنّ التنزيل أعلى وأشرف رتبة من التحدّي لأنه من أعظم النعم في هداية المؤمنين ولذا جعل محموداً عليه أو للترتيب في الوجود لكنه بالنسبة إلى إنزال بعض القرآن لكون التحدي في أثناء التنزيل قاله الفاضل الليثيّ في حواشيه، ثم اعترف ببعده ونوّره بقوله وهو وان كان بحسب الظاهر بعيداً لكنهم اعتبروا مثله فإنهم ذكروا أنّ المعطوف إذا كان ذا أجزاء تحصل بتمامه في زمان طويل جاز عطفه بالفاء إذا كان أوّل أجزائه متعقبا وجاز عطفه بثم نظرا إلى تمامه، وعلى هذا إذا كان المعطوف عليه كذلك والمعطوف متعقباً لآخره جاز الفاء نظرا إلى آخره وثم نظراً لأوّله كما قرّره التفتازاني في " شرح المفتاح " في قوله: فأصح ثم اختل في الالتفات، وان ردّه الشريف، فدل على أنّ تراخي المعطوف لا يجب أن يكون عن جميع المعطوف عليه بل يجوز أن يكون مجتمعاً مع بعض أجزائه متراخيا عن بعض فلا يبعد تجويز مثله في التعقيب والمقصود مجرّد التمثيل لاعتبارهم في الترتيب بين المعطوف والمعطوف عليه بعض الأجزاء، ولا ينافي ذلك الاعتبار تعقيب الأمر الممتدّ المتعقب أوّل أجزائه بالمعطوف عليه، ووصفه بكونه عقيبه لأنه كذلك حقيقة، أو في العرف نظراً إلى عدم تخلل زمان بين زمان وجوده وزمان المعطوف عليه بخلاف ما ذكرنا لأنا نذعي أنّ ذلك متعارف. والرابع: أنّ المراد بالقرآن الجنس من حيث الوجود لا المجموع ولا المفهوم الكلي، وهو أقرب إذ به يصح التفريع وعود الضمير بلا تكلف وتأوّل، لكنه لا يخلو عن نظر وكون المتحدي به اقصر سورة يؤخذ من التنوين في قوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] وقوله من سوره احتراز عن سور غيره من الكتب السماوية، فإن فيها سورا أيضاً كما صرّحوا به. قوله: (مصاقع الخطباء (جمع خطيب وهو من يأتي بالخطبة وهي الكلام البليغ المقول على رؤوس الأشهاد وأن لم يكن على الوجه المتعارف الآن، ولا يشترط فيه السجع أيضاً كما توهم والمصقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بكسر الميم بزنة منبر البليغ ومن لا يرتج عليه كلامه، والجهير صوته، ومثله لفظا ومعنى مجهر من صقع الديك إذا صاح، أو من الصقع بمعنى الجانب لأنه يأخذ في كل جانب من الكلام، أو من صقعه إذا ضرب صوقعته وهي وسط رأسه، والعرباء كالعاربة الخلص الصريح، وقال ابن قتيبة: العرب العاربة ولد اسماعيل والمتعرّبة غيرهم وهذا معنى آخر غير مراد هنا لأنه للتأكيد من لفظه كليل أليل وظل ظليل كما هو دأبهم إذا ارادوا المبالغة ومن في قوله: من العرب الخ تبعيضية سواء أريد ما هو أعمّ من الفصحاء او خص بهم بقرينة ما بعده لأن منهم خطيبا وشاعر وغيره وليس خاصا بالخطباء، ويجوز أن تكون بيانية بتاويله بما من شأنه ذلك وقيل هي على الأوّل تبعيضية، وعلى الثاني بيانية. وقيل: الأوجه على التقديرين أن تجعل بيانية لأنّ مصاقع الخطباء أخص من مطلق الفصحاء، ولا يخفى أنّ فيه ما هو غنيّ عن البيان. قوله: (فلم يجد به قديرا) قيل أي لم يجدهم أو لم يصب إشارة إلى ما في الرضى من أنّ وجد لإصابة الشيء على صفة ومن خصائص أفعال القلوب أنك إذا وجدته على صفة لزم أن تعلمه عليها بعد أن لم يكن معلوما انتهى يعني أنّ أصل معناها الإصابة كوجد ضالتة فيتعدّى لواحد قال المتنبي: والظلم من شيم النفوس فإن تجد~ذاعفة فلعله لا يظلم ثم إنها إذا دلت على الوجدان العلمي، كانت مثله في التعدي لاثنين، وهذا يخالف ما في التسهيل من أنّ كلا منهما معنى على حدة، وليس هذا محل تفصيله، والوجهان جائزان هنا، ولو قيل إنه على تعديه لاثنين مفعوله الأوّل تقديره هنا فلم يجد المتحدي بصيغة المفعول وبه صلتة لتعديه بالباء والضمير للفرقان لم يبعد، وهو أقرب من تعلقه بيجد على أنّ الباء للسببية، أو الملابسة أو بمعنى مع، والضمير للفرقان أولاً قصر سورة أو للتحدي لا للعبد لما فيه من البعد أو هو متعلق بقدير قدم للفاصلة أو للقصر لقدرتهم على غيره والباء بمعنى على كما قال النحاة في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ} [آل عمران: 75] وقوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] أو على ظاهرها لأنه في معنى لاطاقة له به، فلا يعترض عليه بأنّ صلتة على لا الباء لا يقال لا يلزم من نفي كامل القدرة الخاص نفي من له قدرة ما العام لما قيل من أنّ قديرا هنا بمعنى قادر جرّد عن قيد المبالغة أو هو كقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أحد الوجوه، وهو أنّ المبالغة في النفي لا المنفيّ على ما فيه، وقيل: إن المبالغة في وصف العبد به لا تضرّ لأنها باعتبار تعلمه وكسبه. وقيل: إنه لا ضير فيه إذا الآتي بالكامل في البلاغة لا بد من كونه كاملاً كما ستراه في سورة الأنبياء في تفسير قوله: {لَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] على أن المراد بمثله نفى أصل الفعل وعبر بهذا للدلالة على أنه يقتضي الغاية من ذلك، وقيل الباء للملابسة فيصح أن يكون نفي قدير نفي الكامل على ظاهره بلا تكلف، والباء متعلقة بقدير أي لم يجد من يقدر عليه فضلاً عن وجوده، فعدم الوجدان لعالم الغيب والشهادة كناية عن نفي الوجود، وأيضا المبالغة ليست لازمة لفعيل إلا إذا كان من فعل بضم العين، وليس هذا كذلك حتى يلزم أن عدم وجدان القدير لا ينافي ثبوت من يقدر عليه في الجملة، ولو سلم أنه من نفس الصيغة فلا ضير فيه كما مرّ آنفاً، وقيل: عليه أنّ القول بالنقل إنما هو في الصغة المشبهة من المتعدي ولزوم الضرر بعد التعدي ظاهر إذ الآتي بالكامل في البلاغة لا يلزم أن يكون كامل القدرة في ذلك الإتيان وإن كان كاملاً في الجملة فلا يلزم من نفي كامل القدرة نفي الآتي مطلقاً، ولا يخفي ما فيه من الخبط فإن هذا القائل أرجع ضمير يجد لله ليستلزم نفيه نفي الوجود وتصح الكناية، وما ذكر ليس بلازم حتى يرتكب مخالفة الظاهر، وما ذكره في الصيغة لا وجه له كما بينه المعترض مع أنه لم يقف على المراد فإنه عين ما حققه المصنف رحمه الله كغيره في سورة الأنبياء وستعرفه، والأوجه أن الباء بمعنى في الظرفية متعلقة بيجد كقولك خطب إذا نزل لم نجد فيه معينا أي في شأنه وحاله والضمير للتحدّي، وإذا لم يوجد إذا تحدّى بأقله ذو قدرة تامّة فغيره بالطريق الأولى، وأولى من هذا كله ما قرّره العز بن عبد السلام في الأسئلة القرآنية أن المبالغة كما تكون في الكيف تكون في الكمّ، فالمراد كثرة العجزة عن إعجازه. واعلم أن الإمام الراغب قال: إن القدير لا يطلق على غير الله تعالى بخلاف المقتدر ففي إطلاقه هنا نظر لا يخفى فتأمّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 قوله: (وأفحم الخ) وفي نسخ أفحم بدون عاطف لأنه بيان أو توكيد لقوله: لم يجديه قديرا، فالعطف إمّا لعدم قصد ذلك أو لعطفه على جملة تحدّى ويجوز كونه استئنافاً بيانيا حينئذ أيضا والإفحام إسكات الخصم عجزاً حتى كانه لافتضاحه اسودّ وجهه وصار كالفحم كما قيل: *فتعجبوا لسواد وجه الكاذب* وتصدّى بمعنى تعرّض، وأصله تصدّد، فأبدلت الدال الأخيرة حرف علة هرباً من ثقل التكرار، كما قالوا في تقضض تقضي، فالمراد أسكتهم للعجز لا للصرفة كما يشهد له السياق، وهذا يدلّ على وجود التصدّي للمعارضة وقوله في) الكشاف) : فلم يتصدّ للاتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم يدلّ على عدمه وكلام المصنف رحمه الله هو الموافق للواقع وما في الكشاف أمّا محمول على نفي القيد أي لم يأتوا وإن تصدّوا بموازيه، أو على تنزيل تصدّيهم منزلة العدم لعدم ثمرته، وأمّا كون من تصدّي غير فصيح، فليس بشيء، وقد اعترف به الوليد مع بلاغتة ومبالغته في كفره في كلامه المعروف في السير، وقول قريش له صباً والله فإن قلت لم خالفه المصنف رحمه الله، وهو أبلغ كما قيل من وجهين، لأن عدم التصدّي مع كمال الحرص عليه أدل على العجز من عدم الإتيان بعد التصدّي كما أن عدم تصدّي واحد للإتيان بما يدانيه فضلاَ عن مساويه كذلك، ولا احتمال أن ذلك لقلة المبالاة. قلت: هو كما ذكرت في إلا بلغية لكنه مخالف للواقع وموهم للصرفة إيهاماً قوياً فلذا رجحه المصنف رحمه الله تعالى فاختر لنفسك ما يحلو فاثباته للتصدّي يدلّ على أنه ليس للصرفة أو الإخبار بالمغيبات، قيل: ولو قال أفحم به اندفع توهم أن الإفحام بالصرفة لا للبلاغة، وفيه أن السياق يدفعه مع أنه لا مجال له هنا إذا الصرف فعله تعالى وإلا فحام مسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعبارة الكشاف توهمه لإسناده الإفحام إلى الله تعالى، فلذا زاد به مع أنه لولا دلالة السياق أيضاً لم يفهم أنه بالبلاغة لاحتمال أنه لاشتماله على المغيبات والسلامة من التناقض والاختلاف، ولا يخفى أن زيادة به تدفعه لأن مقدار أقصر سورة لا يجري فيه ذلك نعم لو قيل: هو لا يدفع كونه بالنظم الغريب المخالف لغيره أو بمجموع النظم والبلاغة، كما ذهب إليه الباقلانيّ لم يبعد ولا يخفى ما فيه من التعسف. وفي تهذيب الأزهريّ. اختلف الناس في العرب، ولم سموا عرباً فقال بعضهم أوّل من نطق بالعربية يعرب بن قحطان أبو اليمن وهم العرب العاربة ونشأ إسماعيل عليه الصلاة والسلام معهم فتكلم بلسانهم وأولاده العرب المستعرية، وقال آخرون: نشأ بعربة وهي بلدة من تهامة فنسبوا إلى بلدهم وفي الحديث " خمسة أنبياء من العرب إسماعيل ومحمد وشعيب وصالح وهود، وهذا يدلّ على أن لسان العرب قديم وكل من يسكن جزيرة العرب وتكلم بلسانهم فهو منهم انتهى فقوله عدنان وقحطان إشارة إلى قسمي العرب العارية والمستعربة وكناية عن جميعهم، وعدنان أبو معدّ أحد أجداده صلى الله عليه وسلم، وإضافة الفصاحة إلى عدنان، والبلاغة إلى قحطان إمّا تفنن أو بناء على المتعارف من إطلاق الفصاحة على الكلام العذب السهل، والبلاغة المتين الجزيل، وهو الغالب في اللغة القديمة، والإضافة لهما لأنهما من أولادهما أو لأنهما أريد بهما القبيلة كما يقال تميم لأولاده، وهو مجاز مشهور، ثم إن المراد بالفصحاء هنا ما يشمل البلغاء، والشيخ في الدلائل كثيراً ما يستعمل الفصاحة بمعنى البلاغة فلا يقال إن الفصاحة لا دخل لها في الإعجاز مع ما يرد عليه من المنع الظاهر قوله: (حتى حسبوا الخ) السحر كل ما لطف ماخذه ورق وما يخيل شيأ ليس بواقع واقعاً وفعله سحر مخففاً ومشدّدا وقد يمدح به نحو إنّ من البيان لسحرا على أحد الوجهين فيه وحسبوا بمعنى ظنوا، وقد يرد بمعنى اليقين نادراً كقوله: ~ حسبت التقى والجود خير تجارة وليس بمراد هنا، وفيه إشارة إلى أنه ظن فاسد، وتوهم كاسد إذ ليس عجزهم لسحر ونحوه وحسبانهم لعدم الفرق بين المعجزة والسحر وسيأتي تحقيقه وليس في هذا إشعار بالصرفة لأن جعل المانع عن الإتيان بمثله السحر يشعر بأن لهم قدرة في حد ذاتهم، ولذا قيل إن إظهار الحسبان لدفع الخجالة والتليس على سفهائهم لعلمهم بأنه ليس بساحر وان نسبوه له مكابرة وعنادا، ولو اعترفوا بصرف الله عن معارضتة اعترفوا بأنه من عنده فمثل هذا الخيال الفارغ لا يضرّنا، وقيل في عبارة الحسبان ردّ على معتقدي الصرفة لدلالتة على أنه مجرّد توهم وفيه نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وسحروا مبنى للمجهول، وحسبوا معلوم، ويصح فيه بناء المجهول، والمعنى على الأول حسبوا أنفسهم، وعلى الثاني حسبهم من رآهم من الناس، وقد قيل: إنه أبلغ قوله: (ثم بين للناس الخ) ثم لتفاوت ما بين مرتبتي المنكر المتحدّي والمؤمن المتدبر أو للتراخي لأنه أمر ممتدّ فعطف بثم باعتبار أوّله وإن قارنه ويعقبه بعض منه حتى جاز فيه الفاء أيضاً كما مرّ وقيل هو للإشارة إلى جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، وإن لم يجز عن وقت الحاجة، وفيه نظر ولام للناس صلة أو تعليلية والعموم لا يقتضي ثبوته لكل فرد فرد، وكذا قوله ليدبروا. ونزوله إليهم بواسطة الرسول، وهم المقصودون بالذات والجن بالتبع، وأمّا تفسير الناس بالإنس والجن كما في الصحاح فمع كونه خلاف الظاهر لا يوافق ما ارتضاه المصنف رحمه الله في سورة الناس وسيأتي ما فيه فإن قلت هل نسبة التنزيل إليهم مجاز ونسبته إلى الرسول حقيقة لأنها له أوّلاً وبالذات ولامّته ثانياً وبالعرض كحركة السفينة وراكبها كما في بعض الحواشي. قلت: لا فإن الأصل الحقيقة وقوله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [سورة الأنبياء: 10] يتبادر منه ذلك لأن المراد بإنزاله إليهم إيصاله لهم ليأتمروا بأوامره، وينتهوا بنواهيه لا الوحي وخطاب جبريل عليه الصلاة والسلام، فإن فسر بهذا لزم اختصاص معناه الحقيقي بالرسول ولا حاجة تدعو إليه. قوله: (حسبما عن الخ (أي بمقدار أو على مقدار ما سنح وعرض من قولهم لا أفعله ما عن في السماء نجم أي طلع وظهر وما موصولة أو موصوفة عبارة عن الأمور والحوادث التي لها أحكام بينها الشارع وحسب منصوب على نزع الخافض أو على الظرفية لأنه بمعنى وقت الحاجة وعامله بين أو نزل أو هو حال أي بقدر ما عن لهم وسينه مفتوحة، وقد تسكن وتبيينه كما قيل يشمل القياس، ودليل العقل لارشاده إلى ما يدلّ عليه فما رجع إليه رجع في الحقيقة إلى بيان الرسول، وفي هذا تلميح إلى قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] قيل وظاهره أن القرآن كله محتاج للبيان ولذا قال الإمام: المراد بيان ما يحتاج إلى البيان من مجمله ونحوه ولا حاجة لهذا إن فسر البيان بالإعلام والتبليغ الذي لولاه لم يعرف وقد ورد هذا المعنى في القرآن كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] الآية ولذا عمم في تفسيره يقوله فكشف الخ ليشمل جميع الأقسام ورعايته لمصالحهم تفضل منه لا بطريق الوجوب كما ذهب إليه المعتزلة، والتدبر النظر في عواقب الأمور وأدبارها، والتذكر الإيقاظ و (لمحالحظة عليها لحفظها والألباب جمع لبّ وهو العقل فانه لبّ الإنسان والبدن قشره واللباس قشر القشر، وبما ذكرناه من تفسير البيان اندفع ما أورد عليه من أنه بعد البيان لا يحتاج إلى التفكر لمعرفة ما ذكر حتى يجاب باً نه لم يبين جميع الآيات بل البعض ليتفكر في نظائره ويستنبط منها وقد يكون اللفظ بحيث لا يمكن التفكر فيه إلا بعد البيان في الجملة لكمال صعوبتة قوله: (تذكيرا (مصدر من غير فعله أو مصدر فعل مقدّر أو مصدر المجهول فيؤل إلى معنى التذكير قيل وفيه دقة لأنّ المراد تذكيرهم أنفسهم، فالتذكر تذكير بهذا الاعتبار فقصد هذا وان جاز أن يرأد تذكير الغير لأجل السجع، ويجوز أن يكون من ذكره الشيء فتذكر أي ليستحضروا ويذكروا ما هو مركوز في عقولهم مع تمكنهم من معرفتة للدلائل المنصوبة عليه، فان القرآن بيان لما لا يعرف إلا من الشرع وارشاد إلى ما يستقل به العقل ولعل التدبر للأوّل والتذكر للثاني وفيه اقتباس مع تغيير مّا وقد جوّزوه إذا لم يقصد به التلاوة (وألوا) وفي (ليدبروا) ضمير) أولى الألباب) على التنازع وأعمال الثاني أو للناس قوله: (فكشف قناع الانغلاق) الكشف إزالة ما يستر الشيء عن المستور به والقناع بالكسر ما يستر به الرأس وهو أوسع من المقنعة والانغلاق انفعال من غلق الباب إذا سده وضرب عليه ما يمنع فتحه كالقفل وقد شاع فيما يشق الوصول إليه وما يشتد خفاؤه فيقال استغلق عليه الكلام وكلام مغلق وضده الفتح والإضافة فيه من قبيل لجين الماء، فالتقدير كشف انغلاقاً كالقناع، ولما كان المناسب للانغلاق الفتح والكشف يناسب القناع يقال كشفت قناعها وألقت جلبابها كما في الأساس جعلوا الكشف هنا ترجيحا للتشبيه وفيه ما فيه، وفي الحواشي أنه يحتمل المكنية والتخييل والترشيح تشبيها لهذا الخفاء بخفاء ما تحت القناع، وقيل: شبه الآيات تارة بمخزونات النفائس، وأخرى بمحتجبات العرائس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 على طريق الكناية وأثبت للأولى الانغلاق وللثانية القناع ففيه استعارتان مكنيتان وتخييليتان وهو وجه وجيه ذكر أهل المعاني نظيره في قوله تعالى: {جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [سورة الأنبياء: 5 ا] كما في شرح المفتاح فمن ظن أنه لم يسبق إليه فقد وهم إلا أنّ ما في الآية من أعلى طبقات البلاغة وما هنا أضيف أحد التخييلين للآخر والمعروف فيه عدم الإضافة كما في هذه الآية، أو إضافة التخييل مكنية، كإظفار المنية فلو كان النظم جعلناهم في حصاد الخمود كان مما نحن فيه لا يقال الانغلاق من لوازم الخزانة دون المخزونات والقناع أثبت للإنغلاق لا للآيات لأنا نقول إذا كان من لوازم الخزانة كان من لوازم المخزون بواسطة ومثله كثير، ولما شبه الانغلاق بالقناع تشبيهاً بليغا صيره من جنسه كزيد أسد كان ثابتا لللآيات ادّعاء إن كان على هذا الوجه من قبيل لجين الماء أيضا إلا أنه يكون القناع مسوقاً للتشبيه فيبعد جعله تخييلاَ واثبات الكشف له كما مرّ. وعلى كل حال فركاكته ظاهرة والقوم صرّحوا بجواز أجتماع المصرّحة والمكنية في لفظ واحد كما في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] فلو حمل ما هنا عليه كان أوجه وأقرب مما ذكر فيقال استعير الانغلاق لخفاء المعاني وصعوبة فهمها ثم لما شاع في الاستعمال استعير مرّة أخرى على طريق الكناية فشبه خفاء المعاني في ألفاظها باحتجاب العرائس، وتسترها بقناعها وأثبت ذلك لها تخييلاً فتدبر قوله: (عن آيات محكمات الخ (فسر المصنف رحمه الله في سورة آل عمران المحكم بما أحكمت عبارته بأن حفظت عن الاحتمال والاشتباه والمتشابه بخلافه فيندرج في المحكم النص والظاهر وفي المتشابه ما يخالفه كالمجمل والمؤوّل، وهو مصطلح الشافعية في أصولهم، فيشملان جميع أقسام النظم وعند الحنفية المحكم ما زاد ظهوره حتى سذ احتمال النسخ معنى وإن احتمله لفظا وتلاوة والمتشابه ما خفي بنفسه فلا يدري أصلاً فلا يشمل الأقسام، ويرد عليه أن كشف قناع الانغلاق يقتضي سبق الاستتار فيه، وهو غير ظاهر في المحكم، وأجيب عنه بأنّ معاني المحكمات قبل نزول الوحي والقائه على الناس كانت مخفية، وبالقاء النبيّ الكلمات ظهرت معانيها، وزال خفاؤها لبروزها من فناع الكمون إلى تجلي الظهور قوله: (تأويلاَ وتقسيرا) لف ونشر غير مرتب وهما منصوبان على المصدرية لأنهما نوعان من الكشف أو على التمييز أو الحالية أي مؤوّلاً ومفسرا، فالأوّل للتشابهات، والثاني للمحكمات كما في التفسير، وتسميتة تفسيراً على هذا بالنظر إلى المعنى اللغويّ، وهو التبيين والمراد به ما يتناول التلبيغ، أو المراد ما يتناول التعبير عن مراد الله بعبارة أوضح بالنسبة إلى متفاهم العامة وحينئذ الانغلاق عبارة عن خفائها بالنسبة إلى متفاهمهم أيضاً، وقيل: لما كانت في عرضة الانغلاق كالمتشابهات، وحفظت عنه جعلها مكشوفة عنها على حدّ قولهم ضيق فم الركية، ولا يخفي ما فيه من التكلف ومنافاته لقوله تفسيرا مع تكلف الجمع بين الحقيقة والمجاز، وإن قال به المصنف رحمه الله تعالى، ومع أنه لا يناسب نسبة الكشف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قيل إنه على تقدير إرجاع الضمائر لله تعالى، وأمّا على ارجاعها للعبد كما هو المتبادر من الإفحام وقرائنه فالوجه أن يراد بالمحكم غير ما ذكره المصنف ثمة وفي الدرّ المنثور المحكم ما عرف المراد منه إمّا بالظهور وإمّا بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعمله، وقيل ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحد والمتشابه ما احتمل أوجهاً، وقيل ما كان معقول المعنى وما خالفه وفيه ما فيه، ومن قال في شرحه كشف لثام الانغلاق عن آيات محكمات واضحات لا تقبل النسخ فقد غفل عن مذهب المصنف رحمه الله تعالى، والمراد بكونها أمّ الكتاب أنها أصله الذي يردّ إليه وأفردها لأن المراد كل واحدة منها أو لأنها بمنزلة شيء واحد لاشتراكها كلها في الظهور وللمتشابه أسباب مختلفة، والرمز الإشارة بشفة أو حاجب والمراد ما أفيد لا بطريق الظهور، فلا يرد أنه يناسب ما فسر به الحنفية المتشابه والخطاب توجيه الكلام نحو الغير للافهام ويطلق على الكلام الموجه نفسه والتأويل من الأول وهو الرجوع لأنه بيان ما يرجع إليه بمقتضى القواعد والنظر الصحيح؛ أو بيان عاقبة الأمر كما سيأتيء ولينى هو التفسير بالرأي المنهي عنه في حديث:) من فسر القرآن برأيه فليتبوّأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مقعده من النار لأنه ما كان بمجرّد التشهي وما يتكلف فيه أو يجزم فيه بأنه مراد الله تعالى، والتفسير ما كان برواية معتبرة، وفد يراد به مطلق التبيين ولهما معان أخر، ومن السلف من أنكر هذا الحديث لما رأى السلف والخلف على خلافه، ولا حاجة إليه كما عرفت، وما قيل من أنّ نسبة المتشابه إلى غيره تعالى تدلّ على أنّ المصنف رحمه الله تعالى لا يقف على إلا الله فيه أنّ من وقف فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه كوقت الساعة ومن لم يقف لا يفسر بذلك كما يسأتي قوله: (وأبرز غوامض الحقائق) أبرز بمعنى أخرج وأظهر لأنه جعله في براز من الأرض أي مرتفع وغوامض جمع غامضة أو غامض بمعنى خفي لأن فاعلاً في الأسماء وصفات غير العقلاء يجمع على فواعل، واللطيف ضدّ الكثيف والحقيقة ماهية الشيء وكنهه ولا يخفي مناسبتها للغموض، لأن حقائق الأشياء تخفي معرفتها حتى تحتاج للنظر التام بخلاف المعرفة بوجه ومناسبة الدفائق وهي الأمور المحتاجة لدقة النظر للطائف في غاية الظهور أيضاً ومنهم من فسر الحقائق بعالم الشهادة الدقائق بعالم الغيب، أو نفس العوالم وأحوالها، والإضافة لامية، أو من إضافة الصفة إلى الموصوف، وعطفه بالواو لأنه لم يقصد به تفسير ما قبله ولو قصده لصح، أو لجعل مجموع الكشف والإبراز بياناً للتبيين قوله: (لتنجلي لهم خقايا الملك والملكوت الخ) متعلق بقوله أبرز والإنجلاء الظهور والانكشاف، والملك بالضم التصرف في الأمور، وميأني تحقيقه والفرق بينه، وبين الملك بالكسر في سورة الفاتحة، وخفايا جمع خفية وهي ضدّ الظاهرة والملكوت عظيم الملك، لأنه مبالغة فيه كالرهبوت ولذا فسر الملك بعالم الشهادة، والملكوت بعالم الغيب، وهو عالم الأمر، وقيل: الملك ما يدرك بالحس والملكوت ما لا يدرك به، والخبايا جمع خبية من خبأته إذا سترته، وفي أمالي الغزالي: عالم الملك ما ظهر للحواس تميز بعضه من بعض بقدرته تعالى، والملكوت ما أوجده بالأمر الأزليّ بلا تدريج، وبقاؤه فوق الأوّل، وعالم الجبروت ما بينهما مما يصح أن يلحق بكل منهما انتهى، والقدس بضم القاف والدال، وتسكن الطهارة والتنزه عن دنس النقص وشوائبه، والجبروت القهر والكبرياء والعظمة ويقابله الرأفة، وفي القاموس: إنه تكبر من ليس لأحد عليه حق، وإضافة القدس له لأنّ جبروت الله متنزه عن النقص بخلاف العباد فإن تجبرهم ظلم وتعدو في نسخة القدس، والجبروت بالعطف وهو أنسب بما قبله، والمراد أن تعرّفوا ما في قهره من الحكم والمصالح، فإنه بسورة باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وفي الحواشي الليثية المراد بخبايا قدس الجبروت صفات الله تعالى، وذكرها بعد خفايا الملك والملكوت تخصيص بعد تعميم لزيادة شرفها، ويجوز عطف خبايا قدس الجبروت على غوامض الحقائق، والتخصيص لما ذكرنا، وجوّز أن يكون المراد بخبايا قدس الجبروت صفات الأفعال، ويؤيده قوله: (ليتفكروا) فإنّ المناسب بحسب المعنى أن يكون الإبراز باعتبار تعلقه بالغوامض واللطائف معللاً بالتجلي، وباعتبار تعلقه بخبايا قدس الجبروت معللاً بالتفكر وان كان المناسب بحسب اللفظ عطفه على خفايا وحينئذ، فقوله ليتفكروا متعلق بتنجلي، وانما قلنا المناسب ذلك لأنّ صفات الذات وجمال الحضرة الإلهية، كما قاله حجة الإسلام في نهاية الإشراق والعقول لا تطيق النظر إليها إلا من آثار الصفات كما ترى الشمس إذا انكشف بعضها في طشت فيه ماء فكذا الأفعال واسطة لمشاهدة صفات الفاعل لئلا تبهر أنوار ذاته، وهذا سرّ قوله في الحديث " تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته ") (ولذا قال الأصفهانيّ في شرح قول المصنف في المطالع إبراز أسرار اللاهوت عن أستار الجبروت أنّ أسرار اللاهوت صفات الذات، وأستار الجبروت صفات الأفعال انتهى. ولذا قال الدواتي في شرح الهياكل المراد بالجبروت عالم العقول ويسمى أيضا بالملكوت الأعلى والأعظم ذكره الشيخ في كتاب برنونامه. قيل: وإنما سمي به لأنها مجبورة على كمالاتها النظرية، ولأنه حفظها وجبر نقصها الإمكاني بحصول ما يمكن لها بالعقل انتهى، وقال القرطبيّ في " شرح الأسماء الحسنى) : الجبروت التكبر وا العظمة ولما وقع هذا الاسم بين العزيز والمتكبر علم أن المراد به ذو الجبروت، وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في ركوعه وسجوده ص سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والجبروت " فجاء في الحديث بعد الملك والملكوت والعزة على ترتيب الأسماء فمعنى الجبار ذو الجبروت أي المستعلي المتعاظم، وقيل: هو الصفات السلبية، وقيل: الجبروت الملأ الأعلى لأنه جبر به نقص الإمكان بالكمال بالفعل، أو لأنهم مجبورون على حفظ كمالاتهم وهو بعيد رواية ودراية، فإن قلت انجلاء الخفايا والخبايا بحسب المآل هو ابراز الغوامض، فكيف يجعل غاية وعلة له، وهل هذا إلا كتعليل الشيء بنفسه ولا يخفي ما فيه. قلت إبراز غوامض الحقائق والدقائق المراد به إظهار حقائق الموجودات المحسوسة والمعاني المعقولة بقدر ما تسعه الطاقة البشرية، وانجلاء خفايا عالم الغيب والشهادة في الملك والملكوت معرفة الصانع والعقائد الحقة، والحاصل أنه أوجد العالم ليدل على موجده، ويصدق بكل مّا جاء منه فما قيل من أنّ قوله لتنجلي غاية للإبراز، وترتب الغاية على ذي الغاية غير لازم، ولذا قالوا غاية العلوم الغير الآلية أنفسها تعسف من غير داع له. قوله: (ليتفكروا فيها تفكيرا) التفكير بمعنى التفكر واختياره لرعاية السجع كما مرّ. وقيل المراد بالتفكر حصول العقل المستفاد منه، وفيه إشارة إلى أصول علم الكلام فتدبر قوله: (ومهد لهم قواعد الآحكام وأوضاعها) التمهيد وضع المهاد، وهو البساط استعير للتهيئة والإعداد والقواعد جمع قاعدة وهي المسائل والقضايا الكلية، والأحكام جمع حكم، وهو النسبة التامّة وخطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين عملاً واعتقادا، والمراد بالأوضاع جمع وضع أئا بالمعنى للغوي من وضع كذا في كذا أو عليه إذا كان في داخله أو متمكنا عليه والمعنى أنه بين الأحكام وأحوالها أو مصطلح أهل الأصول المسمي بخطاب الوضع، وهو بيان أسباب الأحكام وشروطها ونحوهما، والضمير للقوإعد أو للأحكام والنصوص جمع نص، وهو ما كان معناه صريحا غير محتمل لمعنى آخر، والإلماع جمع لمع كضوء وأضواء، وهو لمعان الضوء ونحوه والمراد به إشارة النص، وليس جمع لامع كما قيل. قوله: (ليذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا) علة لقوله مهد أو لجميع ما مرّ والرجس اسم لما يستقذر والتطهير إزالته والمراد إزالة الأقذار الحسية والمعنوية لتكفل الشريعة بالطهارتين، واكثر على أنّ المراد الثاني فإن قلت معنى الطهارة إزالة الحدث أو الخبث، وكونها بمعنى إزالة دنس الذنوب مجاز على طريق تشبيهها بالطهارة الحسية والتأكيد بالمصدر ينافي المجازية. قلت: هكذا قرّره بعض أهل العربية لكن ذهب بعض المحققين إلى أنّ الفعل المؤكد بالمصدر لا يتعين استعماله في معناه الحقيقي، لما ورد في كلام العرب مما يدلّ على خلافه، كما فصل شرّاح التسهيل، ولك أن توفق بينهما بأنه إذا لم تقم قرينة تعينت الحقيقة والا فلا أو أنه إذا اشتهر المجاز جاز كما هنا لالتحاقه بالحقيقة، فإن الطهارة. كذلك ولذا ورد) الصدقة أوساخ الناس) (1 (وسمي المشركون نجسا، وفيه اقتباس مع تغيير يسير، والمراد بالرجس هنا الجهل والذنب وتطهيره بالعلوم والملكات الفاضلة قيل: وهو مناسب لما قيل في الآية من أنّ المراد بأهل البيت الأمّة لأنهم أهل بيت الشريعة، والقرينة الأولى للإشارة إلى إفادة القرآن للمسائل الكلامية، والثابة لبيان إفادته للمسائل الأصولية والفرعية كما أنّ ما قبلهما لبيان كشفه تعالى للمعاني القرآنية بالقرآن وغيره والكل للحمد الذاتي وغيره قوله: (فمن كان له قلب الخ) نكر القلب لتفخيمه، وللإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر أي من كان له قلب واع يتفكر في حقائق القرآن، وما بين له فيه، أو أصغي لسماعه، وهو حاضر بذهنه ليفهم معانيه أو شاهد بصدقه فيتعظ بمواعظه، وينزجر بزواجره فهو حميد محمود في الدنيا سعيد في الآخرة، وهذا على اللف والنشر التقديري أو فيهما وهذا اقتباس من قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] وفي بعض رسائل الرازي أنه إشارة إلى أنّ المدرك هو القلب لا الدماغ كما بين في محله، فإن قلت العطف بالواو هنا أليق من أو الفارقة لأن القلب محل الإدراك وإلقاء السمع عبارة عن الجدّ في تحصيل المدرك ولا بدّ من الأمرين. قلت: إن أريد به ظاهره فالمراد بالأوّل من له كماد في معرفته وقلبه مشتغل باستخرأج حقائقه ودقائقه وبالثاني من سواه، وقريب منه ما قيل: إنّ المراد بمن له قلب ذوو الأنفس القدسية الغنية عن الكسب والتعلم، وبمن ألقى السمع المحتاج إلى ذلك وقيل الأوّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 إشارة إلى رتبة الاجتهاد والثاني إلى التقليد، وعلى كل تقدير فأوفى موقعها، وعلى التأويل، فالأمر أظهر وهذا بيان لحال المكلفين بما بين فيه والمأمورين بالاهتداء بنوره المبين والفاء تفريعية أو قصيحة قوله: (ومن لم يرفع إليه رأسه الخ) يعش مجزوم في جواب الشرط، ويصل سعيراً مجزوم بعطفه عليه وفي نسخة وسيصلى سعيرا بالرفع على الاستئناف والقطع، ولذا قيل عرّاه عن الجزم ليفيد الجزم لأنّ دخوله النار محقق، ولذا أتي بالسين الدالة على التأكيد والتحقيق عند الزمخشريّ، كما فصل في المغني وشروحه بخلاف معيشتة مذموماً فإنه قد لا يقع في الدنيا وهو بيان لحاله في الدارين كمقابله فإن المراد بكونه في عيشة مذمومة أنها مستحقة للذم، أو هي كذلك عند الله، وعند المؤمنين، وهذا محقق أيضاً وعدم رفع الرأس عبارة عن تركه أو عدم الالتفات له والاعتداد به وقد يكنى به أيضاً عن الحياء والخجل وليس بمراد هنا كقوله: خجل البنفسج حين لاح عذاره ~ أو ما تراه ليس يرفع رأسه وهمزة رأسه لسكونها بعد فتحة يجوز إبدالها ألفاً وهو المناسب هنا ليشاكل قوله نبراسه، وأطفأ مهموز من قولهم أطفأت النار، وقد يرد معتلاَ وضمير إليه للنبي صلى الله عليه وسلم وللقرآن، والنبراس المصباح وبزنته، والضمير المضاف إليه إن عاد إلى من، فالمراد به نور العقل أو الفطرة التي يولد كل مولود عليها وإطفاؤه بريح الجهل والعناد، وعوده إلى النبيّ أو القرآن على معنى أراد إطفاءه بعيد جدا. قوله: (ذميماً) بالذال المعجمة بمعنى مذموم في الدنيا ما دام حياً وكونه بالدال المهملة بمعنى قبيح غير مناسب هنا، وإن جوّزه بعضهم ويصل سعيرا أي يدخل جهنم في الآخرة، ويقابله ما في الفقرة السابقة، فإن أريد بمن له قلب صاحب القوة القدسية، وبمن ألقى المسمع صاحب العقل المستفاد فمن لم يرفع رأسه ذو الغباوة والغواية وان أريد بالأول المجتهد، وبالثاني المقلد فهذا هو المنهمل في الجهل والضلال، وقيل: الأوّل صاحب التأويل والثاني صاحب التفسير وهذا الجاهل البحت وفي قوله: (نبراسه) إشارة إلى مكنية فإن فهمت فنور على نور وفي قوله يرفع إليه رأسه إشارة إلى علوّ مرتبتة ورفعة منزلته لأنّ الناظر إنما يرفع رأسه لما كان عالياً عليه مرتفعاً فوقه، وهكذا هو يعلو ولا يعلى عليه فوله: (فيا واجب الوجودا لما كان جميع ما سبق إلى هنا يدل على ان كلامه المعجز الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدّى به، وأبرز فيه خفايا الملك والملكوت، وخبايا قدس الجبروت من الصفات القدسية الدالة على وجوب وجوده، وإنعامه بجلائل النعم بواسطة ما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يصدع به فبذل طاقته في تبليغه وتبيينه على أحسن وجه يرتسم في مرآة البصائر والعقول صار كأنه مشاهد لذلك في حضرة قدسه واقف بين يدبه مناج له فلهذا التفت بعد الغيبة وفرع النداء بالفاء على ما مرّ، كما سبأني في الفاتحة، فقال: فيا واجب الخ. وقيل: لما لزم من كون القرآن معجزا كون المتكلم به واجب الوجود إذ الممكن الوجود، لو قدر على مثله لم يكن ذلك معجزاً ومن كونه مكملاَ للناس بحسب القوّتين كونه فائض الوجود، وكان المقصود الأصلي والغرض الأولي لكل من استكمل بالكمالين تحصيل الرضوان، ومشاهدة جمال الرحمن فرّع عليه قوله: فيا واجب الوجود الخ. وقيل: إن هذه الفاء سببية رابطة لما بعدها بشرط مفهوم من الكلام السابق أي، من كان بهذه المثابة من السعي في أعلاء كلمتك، والشفقة على خلقك فصل عليه يا واجب الوجود الغنيّ بالذات، وهذا يناسب كون الأفعال السابقة مسندة للعبد كما لا يخفى، وستسمع عن قريب توجيهاً آخر اخترناه فيه كفاية عن القيل والقال، ووجوب الوجود كون ذاته مقتضية لوجوده، أو كونه عين وجوده، وهو يقابل الامتناع والإمكان، فإن كان ذاتياً فمعناه ما لا يمكن عدمه، كما فصل في علم الكلام، وإطلاق واجب الوجود على الله مبني على ما ذهب إليه الغزالي رحمه الله تعالى من جواز إطلاق ما علم اتصافه تعالى به على طريق التوصيف دون التسمية لأنّ إجراء الصفة إخبار بثبوت مدلولها فيجوز إذا تحقق بدون مانع بخلاف التسمية، فإنها تصرّف في المسمى لمن له الولاية، وهو منزه عن ذلك. قوله: (ويا فائض الجود) فسر الحكماء الفيض بفعل فاعل يفعل دائماً لا لعوض ولا لغرض، والجود بإفادة ما ينبغي لمن يبغي لا لعوض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 لأن من فعل لعوض يناله فهو فقير، أو متجر والغنيّ هو الذي لا يحتاج في ذاته وكماله إلى غيره، والغنيّ المطلق هو الذي وجوده من ذاته، وهو نور الأنوار ولا غرض له في صنعه بل ذاته فياضة للرحمة، وهو الملك المطلق كما في هياكل النور، وأصل الفيض سيلان الماء من جوانب ما هو فيه لزيادته، ووجه الثبه كثرة المنافع، أو هو من فاض الخبر إذا شاع فيكون حقيقة كما فصل في حواشي شرح المطالع، وفائض الجواد وصف بحال المتعلق كواجب الوجود أي فائض جوده وواجب وجوده. قوله: (ويا غاية كل مقصود) أي كل مطلوب يطلبه كل طالب لا بدّ أن ينتهي إليك، فإنك المفيض للخير لا سواك من الوسايط، فالمراد بالغاية معناها اللغوي وهو المنتهى، وهذا هو الظاهر، أو هو من العلة الغائية، ومعنى كونه العلة الغائية أنّ ذاته كافية في وجود ما يوجد، ويصدر عنه، فهو بذاته علة فاعلية من حيث التأثير، وعلة غائية من حيث كونه المقتضي لفاعليته على نحو ما حقق في كون صفاته تعالى عين ذاته، كما قاله الدواني في " شرح هياكل النور " فتأمّل في الوجهين، واختر لنفسك ما يحلو، ويحتمل أن يكون المعنى أنه أسنى المقاصد وأعلاها فإن جميع الموجودات وسيلة لمعرفته التي هي نهاية المآرب، وقبلة وجوه المطالب. لمانما أنت مغناطيس أنفسنا فحيثما كنت دارت نحوك الصور وإطلاق الغاية وقع في كلام الحكماء كالمبدإ، ولما كان غاية الغايات دعا بعد التوجه إليه للواسطة بيننا وبينه، فقال: صلى عليه أي على عبدك ونبيك السابق ذكره. قوله: (توازي غناءه الخ (سيأتي معنى الصلاة، وتوازى بمعنى تقابل، وتساوى وماضيه آزى، وتبدل همزته واواً في المضارع فيقال: يوازي ولا يبدل في الماضي، فيقال: وازى، وهي مولدة عند بعض أهل اللغة، وقال التبريزي: يجوز حملاَ على المضارع وتجازى تكون جزاء وعوضا، والغناء بفتح الغين المعجمة والمد النفع، وقيل: معناه اقامته للدين لقوله في القاموس: ما فيه غناء ذاك أي إقامته، ولا يخفى ما فيه من الركاكة، والعناء بالمهملة التعب، ونفعه عليه الصلاة والسلام في الدارين أجلى من البيان، وتعبه في تبليغ الرسالة، واعلاء كلمة الله على ما فصل في السير مما لا تفي به طاقة البشر، والمعنى صل عليه صلاة لا تحصى ولا تعد، كما أنّ منافعه وما تحمله من اعباء الرسالة كذلك، والغناء بالمعجمة في الأوّل، وبالمهملة في الثاني، وأجاز بعضهم عكسه، وجزالة المعنى تأباه، وفي قوله توازى وتجازى جناس مضارع، وفي قوله غناءه وعناءه جناس مصحف، وهذا مأخوذ مما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا من أن من قال: جزى اثبما عنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أهله، أتعب سبعين كاتبا ألف صباح. قوله: (وعلى من أعانه الخ) الإعانة المساعدة قولاً وفعلاً، والمراد بهم الصحابة رضي الله عنهم، وبما يعده من خلفهم من التابعين وعلماء الدين والتقرير والتقوية والتثبت، وتبيانه بكسر التاء المثناة الفوقية مصدر بمعنى البيان، وفي وزن تفعال بالكسر كلام سيأتي في محله، وفي نسخة بنيانه بضم الباء الموحدة مصدر بناه يبنيه، وهو استعارة لما أتى به من الشرع وأحكامه كما في الحديث) بني الإسلام على خمس " (1 (والتقرير على النسخة الأولى من قرّر المسألة حققها وبينها فجعلها قارّة في الأذهان أو في نفسها، وعلى الثانية من القرار والبقاء ترشيحا لاستعارة البناء، لأنه من شأنه أو استعارة أخرى تبعية، وتقريرا مصدر مؤكد. قوله: (وأفض علينا من بركاتهم الخ) قد مرّ تحقيق الإفاضة، وما يدلّ على أنها الإحسان الكثير والبركة للزيادة والنماء، وهي هنا زيادة معنوية، والمعنى حصل لنا الخيرات بالتوسل بهم إليك حتى كان ذلك من نفس خيراتهم، أو علمنا علومهم، وأفض علينا من معارفهم. قوله: (واسلك بنا مسالك كرامائهم) أي أدخلنا في الطريق التي أوصلتهم إلى إكرامك لهم بنيل المراتب العلية عندك، وبما أعددته لهم مما هو، كالمنزل لهم في دار البقاء، وهذا أحد معاني الكرامة، وقال بعض الفضلاء ذكرهما بين صل وسلم لكونه أقرب إلى الاستجابة لوقوعهما بين المستجابين، ولو بالنسبة إلى بعض المدعوّ لهم، والباء في بنا للدلالة على التكرير والدوام، فإنّ السلك بالفتح بمعنى الإدخال متعد قال تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الشعراء: 200] وفي لغة أخرى يقال أسلك فيه، وأدرج دعاء التسليم على من أراده بضمير علينا في دعاء التسليم على النبي صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 عليه وسلم ومن أعانه حيث أخر سليما رجاء استجابتة مع رعاية السجع فيه انتهى. وقيل إن الدوام فهم من الملابسة المحمولة على الكمال فتدبر. واعلم أكرمك الله أنّ زبدة ما قصده المصنف رحمه الله من أوّل الخطبة إلى هنا مع رعاية براعة الاستهلال أنه حمد الله بعد حمد. الذاتي على نعمه التي من أجلها تنزيل معجز كلامه على أعظم رسله المرشد. لكافة الاً نام بما بلغه من الأحكام، كما أومأ إليه بقوله، ثم بين الخ وبما قرّره من حقائق العلوم اللدنية، ودقائقها المشار إليه بقوله: وأبرز الخ. وبما أبداه من العقائد الحقة الدالة على التحميد والتمجيد بصفات الذات والأفعال المرموز إليه بقوله لينجلي إلى آخره، وأدرج فيه بعدما أفاضه بالوساطة المحمدية من جلائل النعم ما قاساه في حمل اً عباء الرسالة في مغازاة الجاهلية من الشدائد والمهالك المكنى عنه بقوله: فتحدى، ومن لم يرفع إليه رأسه، ونحوه ليتفكر العارف تفكيرا وتشرق به مشكاة قلبه، وتنفتح عين بصيرته حتى يشاهد جمال ذاته من مشرق صفاته قائما في مقام الإحسان كأنه يراه، وهذا هو السبب في التفاته لخطابه والتماس الفيض من جنابه، فلهذا فرّعه عليه بالفاء واصفاً له بوجوب الوجود وافاضة الجود اللذين هما أصل صفات الذات والأفعال، والتمس منه غاية مناه من سعادة الدارين بعد الدعاء للواسطة في ذلك والثناء عليه، واذا عرفت هذا فاعلم أيضا أنّ المناسب لمغزاه أن يرجع الضمائر ويسند الأفعال السابقة عليها للنبي صلى الله عليه وسلم ليدل ذلك صراحة على غنائه، ونفعه بإرشاده وتعليمه، وغير ذلك مما أثمر السعادة العظمى، وعلى عنائه وتعبه في تحدّيه وعناد أعدائه الداعي للقتل والقتال، فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض ويضمخ بمسك ختامه مفارق افتتاحه، وهذا مما من الله به بفيض كرمه. قوله: (وبعد فإن أعظم العلوم مقدارا) الكلام على بعد وكون الفاء لتوهم أمّا أو تقديرها أشهر من قفا فيك فإعادته تعدّ من الففمول والمقدار والقد وبمعنى والمراد به هنا المنزلة والشرف الرقبيّ والعلوم إن كان المراد بها صا العلوم الشرعية، وهي التفسير والحديث والفقه على أنّ تعريفها عهدي، وهو المتبادر منه إذا أطلق، ولذا اختاره بعض المحشين فلا شبهة في كونه أعظمها وإن كان الصراد ما يشصل سائرها، فكذلك لأنه عظم بشرف موضوعه، وشرف معلومه وغايتة، وئذّة الاحتياج إليه، وهو حائز لجميعها، فإنّ موضوعه كلام الله الذي هو معدن الحكم ولا شك في أت أشرف الموضوعات، ومعلومه أشرف المعلومات مع أنه مراد الله تعالى الدالى عليه كلامه الجامع للعقائد الحقة والأحكام الشرعية وغير دّلك مما لا بدّ منه كما قألا تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وغايته الاعتصام بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والوصول إلى سعادة الدارين وشدّة الاحتياج إليه ظاهرة لتوقف الأدلة والأمحمال والأحكام علبه، فإن قلت: موضوع علم الكلام دّات الله وصفاته، وس أشرف من كل شيء فيكون علم الكلام أشرف منه. فلت: المتقدّمون على أنّ موضوع علم الكلام المعلوم " وقيل: الموجود من حبث يتعلق به إثبات العقائد الدينية على ما فصلوه، وحينئذ لا يلزم ى ن موضوعه أشرف، وذهب القاضي الأرمويّ من المتأخرين إلى أنّ موضوعه ذات الله، وذهب صأحب الصحائف إلى أنه ذات الله من حيث هي، وذات الممكنات من حيث اسننادها إليه، وردّ يأنه لو كان كذلك ما كان اثبات من المطالب الكلامية كما في شرح المقاصد، وليى هذا محل تفصيله إلا أنا إذا سلمناه نقول كلام الله مشتمل على التوحيد والعقائد الحقة يختد وج في موضوعه موضوع الكلام، وزيادة الخير خير أو فقول مجموع الثلاثة لا تجتمع في غيره هـ وقال بعض الفضلاء رحمه الله تعالى: فإن قيل قد ذكروا أن علم الكلام أساص العلوم الشرعية ت وعليه مبنى الثرائع والأحكام إذ لولا ثبوت الصانع وصفلايه لم يتصوّر علم العنسير والحديث وكذا الفقه والأصول، وكلام المصنف رحمه الله تعألى يدلّ على خلافه وتخصيصه بما سوى الأحكام خلاف الظاهر. فلنا: السمعيات من الكلام دليلها القرآق أو ما يتوقف حجيته عليه وما يستقل بإثباته العقل لا يعتدّ به ما لم يؤخذ من الشرع، فيستند إليه أيضاً من حيث الاعتداد به والاستدلال به يتوتف على علم المكسير، وهذا لا ينافي كون الكلام أساسه باعتار القسم الأخير صن حيث التصديق لا من حيث الاعتداد به أنتهى. قلت: قد علمت مما مرّ عدم ورود هذا السؤال، وأمّا كون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ما يستقل به العقل كالإيمان بوجود الباري يوخذ من الشرع فهو بناء على ما قاله بعض الأشرية وخالفه بعضهم، وبعض الماتريدية قال في التلويح وغيره إن ثبوت الشرع موقوف على الإيمان به وجود الباري وعلمه وقدرته وكلامه، وعلى التصديق بنبوّة النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة معجزأته، فلو توقف شيء من هده الأحكام على الشرع لزم الدور انتهى وفيه كلام ليى هذا محله، وما يل، من أن المراد أنه من أعظمها لكن قصد المبالغة في مقام الخطابة بعيد. فوله: (وأرفعها شرفاً ومنارا) الشرف علوّ القدر والمكان العالي والمراد الأوّل أو الثاني على أنه استعار لئلا يتكرّر مع ما فبله، وهو الأنسب لما بعده أيضاً، ومن فسره بالعلماء لم يصب والمنار كالمنارة ويقال منورة على الأصل موضع النار وجمعه مناور ومناير كما في كتاب النبات وشاع في كل بناء عال يهتدى به سالك الطريق، ولما يوضع عليه السراج وشاع في العرف لمحل الأذان المعروف وفسر هنا بالدليل ولا وجه له إلا أن يريد به بيان حاله فإنّ المراد أنه أعلى العلوم من جهة شرفه، ودلالتة على طرق النجاح، والكسير يطلق على بيان معنى كلام الله رواية ويقابله التاويل، وهو ما كان بطريق الدارية ويطلق على بيان معناه مطلقا وعلى ذكر ما يتوقف ذلك عليه، وهو المراد هنا وموضوعة القرآن بمعنى الكل أو الكلي، والحنسير تفعيل من الفسر وهو الكشف، ومنه التفسير لما يعرف به الطبيب المرض، وفيل: إنه مقلوب من السفر ومنه أسفر الصحيح. فوله: (رئيس العلوم الدينية ورأسها) الرئيس سيد القوم ومقدّمهم والرأس عضو معروف، ويكون بمعنى الرئيس أيضاً وهو هنا استعارة، أو تشبيه بليغ فجعله رئيساً لنفاذ حكمه عليها وتوقفها عليه، لأنّ مرجع أدلتها إليه ورأصاً لأن به بقاء البدن، وبحواسه يتصرّف في مهماته وبه يتم غيره من العلوم ويتمشى معتمدا عليه لما فيه من الحقائق، وهمزته مبدلة ألفاً لما مرّ والمبني موضع البناء، والأساس ما يوضع عليه غيره، وهو المراد لما فيه من الأدلة التي يبنى عليها، والقواعد جمع قاعدة، وهي الأساس وساق البناء والصف الأوّل منه أيضاً، وهو معطوف على المبني عطف تفسير لا على القواعد لئلا يلزم اختلاف حركة ما هو كالرويّ المعيب لا التكرار كما توهم قوله: (لا يليق لتعاطيه الخ) التعاطي في أصل اللغة تفاعل من العطاء، ثم أطلق على الأخذ والتناول وهو المراد، وخص في عرف الفقهاء بالأخذ من غير إيجاب ولا قبول، وفي عرف الناس بالسؤال، والتصدّي التعرّض، وبرع بفتح الموحدة وفتح الراء المهملة. وضمها، وعين مهملة براعة وبروعاً فاق غيره في علم وغيره، والدينية ما له انتساب وتعلق بالدين كالفقه والحديث والأصلين، وأصولها وفروعها بدل قصد به التعميم أي كلها، فإن قلت في كلامه هنا اختلال ظاهر، فإنّ كونه رئيس العلوم الدينية ورأسها، يستلزم توقف البراعة، والتفوّق فيها عليه، فتتوقف على تعاطيه والتكلم قيه أيضا، فكيف يتوقف تعاطيه والتصدّي للتكلم فيه على وجه اللياقة على البراعة فيها قلت: المراد بتعاطيه والتكلم فيه أخذه من كتب التفسير والتكلم بكلامهم فيها، فإنه يتوقف على البراعة في العلوم الدينية، كما قيل: فالأوّل بالنظر إلى السلف المقتبسين لأنوار التنزيل من مشكاة النبوّة بواسطة، أو بدونها، وأصحاب الأنفس القدسية والسليقة العربية، والثاني ما عداهم. وقيل تقدّمه بالذات إذ ما من علم من العلوم الدينية إلا وهو محتاج إلى كلام الله تعالى الذي لا يتحصل بدون علم التفسير، وأمّا تاخره فمن حيث التعلم لأنّ العلماء بينوه بها وهو قريب مما مرّ فليس جواباً مستقلاَ كما توهم وقد قال بعض الفضلاء المتأخرين: إنه لا طائل تحت السؤال إذ دعوى الاستلزام غير ظاهرة لما مرّ أنّ المتوقف عليه الاعتداد بها أي لا يعتد بها ما لم تؤخذ من الشرع، وكذا الأوجه للقول بأنّ الأوّل بالنسبة للسلف، والأصحاب والثاني بالنسبة لغيرهم، لأن المراد بالعلوم العلوم المدوّنة المشهورة، وهي بعد الصدر الأوّل والمقصود الترغيب فيه من بينها لتبقى علوم السلف خارجة انتهى. وفيه دخل يعلم مما قذمناه ولبعضهم هنا كلام تركه أتم فاثدة من ذكره. قوله: (وفاق في الصناعات العربية الخ) قيل: العلم إن لم يتعلق بكيفية عمل كان مقصوداً في نفسه، ويختمى باسم العلم، وإذا تعلق بها، وكان المقصود منه ذلك العمل يسمى صناعة في عرف الخاصة، وينقسم إلى قسمين قسم يكون حصوله بمجرّد النظر والاستدلال كالطب، وقسم لا يحصل إلا بمزاولة العمل كالخياطة، وهذا القسم يختص باسم الصناعة في عرف العامة، والظاهر أنه لا يطلق العلم على مثل الخياطة والحياكة إلا أن يراد أنه علم لغة، وعلم الأدب عرّفوه بعلم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا أو كتابة وقسموه إلى اثني عشر قسماً على ما في شرح المفتاح. وسميت أدبية لتوقف أدب النفس والدرس عليها بقي أنه قيل إن بعض فنون الأدب لا يستمد منه التفسير، وهو العروض والقافية وقرض الشعر والإنشاء فمراده بأنواعها أنواعها الكاملة المعتبرة، ولا شك أن من أراد النظر فيه على أتمّ الوجوه يحتاج إليها، أمّا الخط فإن الرسم العثمانيّ يحتاج إليه فيه، فلا بد من معرفتة ليعلم ما جرى على وفقه ووجه مخالفة ما خالفه، وكذلك قرض الشعر والعروض والقافية لو لم ينظر فيها لم يفرق بينه وبين الشعر حتى يعرف معنى قوله {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] مع وقوع أنواع من الموزون فيه، وكذا الإنشاء ينظر فيه ليعرف مخالفة النظم المعجز له كما قيل: عرفت الشرّ لا للشرّ لكن لتوقيه، ثم قال: إن علم القراآت لا بد منه أيضاً في التفسير ولم يعد من العلوم الأدبية فإمّا أن يدرج في الدينية لاختصاصه بالفرآن، أو في علم التفسير كما يشعر به كلام المصنف رحمه الله فيما سيأتي ويعرّف التفسير حينئذ بما يعرف به معاني كلام الله وألفاظه بحسب الطاقة البشرية، وتكون تسميته بالتفسير تسمية له بأشرف أجزائه، ولا يخفى ما فيه فإن أحداً لم يعدّ القرا آت من التفسير مع أن أكثر مسائله المتعلقة بالأداء لم يذكر فيه، والمصنف لم يحصر ما يتوقف عليه التفسير فيما ذكره فكم من أمور تلزم فيه أحيانا ولم يذكرها، ثم إنّ المصنف رحمه الله أن جعل قوله بأنواعها قافية لفروعها فلا يخفى ما فيه من اختلاف الردف فكأنه لم يقصد التقفية فيه، وفي تعبيره عن الشرعيات بالعلوم وعن غيرها بالصناعة حسن أدب لطيف. تنبيه: قال الجواليقيّ في) شرح أدب الكاتب ": الأدب في اللغة حسن الأخلاق، وفعل المكارم، واطلاقه على علوم العربية المذكورة مولد حدث في الإسلام، وكذا قاله الإمام المطرزيّ رحمه الله. قوله: (ولطالما أحدِّث نفسي الخ) هذه اللام زائدة للتأكيد أو جواب قسم مقدّر وليست توطئة وما كافة عن طلب الفاعل، فإن قل وكثر وطال تكف بها ولا تتصل ما الكافة بفعل غير هذه الأفعال الثلاثة، أو هي مصدرية فترسم منفصلة، والموجود في أكثر النسخ اتصالها ويليها الماضي في اكثر نحو طالما دار في خلدي والمضارع كقوله: فلمما يبرح الحبيب إلى ما~يورث المجد داعياً ومجيبا وتقديره هنا بنحو طالما كنت أحدث الخ تكلف لا داعي له، ويحتوي بمعنى يشتمل والصفوة مثلث الصاد المهملة بمعنى الخالص، والصحابة بفتح الصاد بمعنى الأصحاب وكذا الصحبة، وقال المرزوقيّ في شرح الفصيح: صحابة مصدر بمعنى صحبة لكنه وصف به، وقد يجعل الصحبة جمعا كالرفقة، وفي التسهيل: صحبة اسم جمع لصاحبة، وكذا صحابة اسم جمع كلراية اسم جمع للقريب. والصحابي كل مسلم لتى النبي صلى الله عليه وسلم أو اجتمع معه وهو يعقل وهذا أحسن من قولهم رأى لشموله الأعمى ولا يشترط طول الصحبة ولا الرواية عنه ولا يثترط بقاؤ. على الإسلام أيضا وانما يشترط موته عليه، وعظماؤهم كابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم والتابعين: جمع تابع، وهو من لقي الصحابي، واشترط بعضهم فيه طول الصحبة بخلاف الصحابيّ لأن نور النبوّة مؤثر فيمن لمحه طرفة عين، ومن دونهم من بعد التابعين، والمرويّ عنه التفسير من الصحابة كثير والمعروف منهم الخلفاء وابن عباس، وقد كثر عنه ذلك حتى سمي ترجمان القرآن، وكذا يروى عن ابن مسعود ما لا يحصى، والمشهور من التابعين مجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وطاوس وزيد بن أسلم وبعد هؤلاء ألفت تفاسير جمع فيها أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة ووكيع وشعبة وعبد الرزاق وزيد بن هرون، وبعد هؤلاء أبن جرير وتفسيره أجل تفسير للمتقدّمين ثم استفاض التأليف حتى انتهى للزجاج والرماني، ومنهما أخذ الزمخشريّ، ثم جاء بعدهم من كثر السواد بأقوال الحكماء والصوفية كالرازي حتى قيل في تفسيره كل شيء إلا التفسير، وقوله أحدث نفسي حديث النفس هنا مستعار للخواطر والأماني استعارة مشهورة كقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 أكذب النفس إذا حدثتها ... إنّ صدق النفس يزري بالأمل قوله: (وينطوي على نكث الخ) انطوى مطاوع طواه ضد نشره وضمن معنى الاشتمال فعدّاه بعلى أي ينطوي مشتملاً على النكت وهو جمع نكتة بضم النون، وهي اللطيفة المستخرجة بقوّة الفكر من نكت في الأرض إذا نبشها بإصبع، أو قضيب ونحوه سميت بها لمقارنتها لذلك غالباً، أو لأنّ تأثير الفكر كالنكت في القلب، ويصح أن ينقل من نكتة الأديم والثوب، وهي ما تخالف لونه لكونها تخالف غيرها بلطافتها، وبارعة بمعنى فائقة، ورائعة من الروع بفتح الراء، وهو الإعجاب يقال راعني الشيء إذا أعجبني ورافني أو من راعه إذا أفزعه كان الرائع الجميل يفرط حتى يروع من يراه قاله السهيلي في) الروض الأنف) : وقيل إنه من الريع بمعنى الزيادة والنماء، والاستنباط أصل معناه إستخرج ماء البئر ونحوه، فاستعير لاستخراج المعاتي بجدّ واجتهاد وفيه تشبيه المعاني بالماء للطفه، وصفائه، أو لأنه سبب الحياة، ومراده رحمه الله بالأفاضل الزمخشريّ والراغب والرازي، فإنّ معوّل المصنف رحمه الله على هؤلاء في الأثر حتى قيل: إنّ كل ما فيه من العربية وما فيه من اللغة من الراغب، وما فيه من الكلام من التفسير الكبير. قوله: (ويعرب عن وجوه القراآث الخ) المعزية ويقال: معزوّة بمعنى منسوبة، وفعله عزيتة وعزوته، والثاني كثر والثمانية هم القرّاء السبعة المشهورون، والثامن يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري وراوياه روح بفتح الراء وروشى بالتصغير، والشاذ ما وراء السبعة والأصح أنه ما فوق العشرة، وأحكامه مبسوطة في محلها قوله: (الثمانية الخ) إشارة إلى وجه اختياره الثامنة دون باقيها لأنها اشتهرت حتى قيل إنها الشائعة في الصدر الأوّل إلى رأس الثلثمائة، ثم أسقطها منها ابن مجاهد وأثبت بدلها قراءة الكسائي، وقد قالوا: إنّ يعقوب كان أعلم أهل عصره بالعربية، ووجوه القراآت كما في الإتقان وغيره. قوله: " لا أن قصور بضاعتي الخ) في الأساص قصر عنه قصورا عجز عنه، ولم ينله والبضاعة المتاع المجلوب،. فنسبة القصور إليه مجازية، والأصل قصوري عن تكثير بضاعتي، أو ترويجها وهو استعارة شبه العلم والاشتغال به بالمال الذي يتجر فيه أهله، وقلة معلوماته بقلة رأس مال التجارة، وثبطه عن الأمر عوقه عنه، وأبطأه عتة، قوله: (ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام) ويعني به مقام تأليف ما ذكره. وقوله: (أن أوسمه) أي أجعل سمة وعلامة والمعروف فيه وسمه يسمه كوعده يعده، وأمّا وسم المشدّد، فإنه بمعنى حضر الوسم، فإن صح روايته هنا، فهو لأجل الازدواج مع قوله أتممه، وصمم على صيغة المبني للفاعل أي خلص عن التردّد، وموجب التوقف وصار ماضياً لا فتور فيه. يقال صمم في السفر ونحوه أي مضى، وصمم السيف نفذ للعظم وقطعه، وصمم أي عض ونشب فلم يرسل ما عضه ويجوز كون صمم مبنياً للمفعول من هذه اللغة أي أخذ عزمي ولم يرسله قوله: (بأنوار التنزيل الخ) النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره فإن فهمت، فهو نور والسر ما يلزم كتمانه ولب الشيء ولا يخفى مناسبته للتأويل، والسول السؤل أبدلت همزته واوا على القياس، وفي بعض النسخ مسؤل بدله، وأقول هنا نزل منزل اللازم فلا سول له، أو سوله ومقوله ما بعده على الحكاية. سورة فاتحة الكتاب السورة مهموزة وغير مهموزة بإبدال إن كانت من السؤر وهو البقية، لأن بقية كل شيء بعضه، وبدونه إن كانت من سور البناء، وهي المنزلة منه أو من سور المدينة لإحاطتها بآياتها، ومته السوار المحيط أو من التسوّر، وهو العلوّ والارتفاع نقلت إلى مقدار من القرآن يشتمل على آيات ذي فاتحة، وخاتمة أقلها ثلاث آيات، وقيل: السورة الطائفة المترجمة، والترجمة في الأصل تفسير لغة بأخرى وتطلق على التبليغ مطلقا كما في قوله: إنّ الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وتطلق على التسمية كثيراً في كلام المصنفين وهو المراد هنا وأسماء السور كلها توقيفية ثابتة بالأحاديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 والآثار، والمراد بالطائفة قطعة مستقلة أو آيات مخصوصة منه فلا يراد آية الكرسي لأنها غير مستقلة إذ هي بعض من سورة البقرة وآية واحدة أيضا، ودفعه بأنّ المراد بالترجمة أنها مسماة بالسورة ضعفه غنيّ عن البيان، وإنما جعل القرآن سورا لأنه أسهلى للحفظ وأ نشط. وقال الشريف قدس سره: الفاتحة مصدر كالكاذبة بمعنى الكذب، ثم أطلق على أوّل الشيء تسمية للمفعول بالمصدر لأنّ الفتح يتعلق به أوّلاً، ثم بواسطته يتعلق بالمجموع، فهو المفتوح الأوّل، وهذا بالنسبة للمقروء، والمكتوب مطلقاً، فقول بعض المتصلفين من أهل العصر أنه إنما يتحقق في المكتوب إذا كان كالطومار من خمود الفكر وجموده، وقيل: الفاتحة صفة جعلت اسماً لأوّل الشيء إذ به يتعلق الفتح مجموعه، كالباعث على الفتح فالتاء علامة للنقل من الوصفية إلى الإسمية، وقيل: للمبالغة ولا اختصاص لها بزنة علامة كما توهم، وهذا أقرب لقلة فاعلة في المصادر قيل، ولم يجعل آلة، وأن أطلق عليها فاعل كالقاطع والقاتل لأنّ الآلة لا تتصف بالفعل، وهذه متلبسة بالفتح، ولا باعثاً لأنه لا يقارن الفعل، وهذه قارنت الفتح، وفيه أنه إن ادّعى كلية ما ذكر، فليس كذلك فإنّ الصبغ آلة للصباغ يصبغ أيضاً، وفي نحو قعدت عن الحرب جبناً الجبن باعث على القعود،، وهو مقارن وإن ادّعى الأغلبية لم يفد لأنه يقال له هذا من غير الغالب، اللهمّ إلا أن يقال كفى بالندرة باعثاً على الترك أو المراد أنه لا يقصد اتصافها به، وما ذكر لا يعد باعثا مع أنّ جعل بعض القرآن آلة غير مناسب لإيهام أنه غير مقصود منه وحيسئذ يتمّ هذا وجهاً، والحاصل أنه مفتوح من جهة، وفاتح من أخرى، فنظر كل فريق إلى جانب، وجوّز أن يكون للنسبة أي ذات فتح مع وجوه أخرى مرجوحة لم نكثر بها السواد، ثم قال: الكتاب بمعنى المكتوب والمصحف يطلق على المجموع وعلى جزئه وعلى المشترك بينه وبين أجزائه، وفاتحة الكتاب صارت علما بالغلبة لهذه السورة، فالفاتحة علم آخر، والألف واللام عوض عن الإضافة وفيه نظر، وذكر بعضهم أنّ هذه الإضافة بمعنى من لأنّ أوّل الشيء بعضه، ورد بأن البعض يراد به الجزئي كزيد للإنسان، والجزء كاليد لزيد واضافة الأوّل بيانية بمعنى من، وإضافة الثاني على معنى اللام وليس الكتاب جنسا شاملاً هنا لأنّ فتح الفاتحة بالقياس إلى المجموع لا إلى الكل الذي هو القدر المشترك، فإن قيل في الكشاف أن معنى إضافة اللهو إلى الحديث التبيين، وهي الإضافة بمعنى من أي من يشتري اللهو من الحديث، فبين اللهو بالحديث لأنه قد يكون من الحديث، وقد يكون من غيره والمراد بالحديث المنكر كما ورد) الحديث في المسجد يأكل الحسنات ") 1 (ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية، كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي اللهو منه، فعلى التقدير الثاني إن أريد بالحديث مطلقه كان جنسا للهو صادقا عليه، كما يطلق عليه الحديث المنكر، فتكون الإضافة بيانية لا مقابلة لها وإت أريد العموم والاستغراق، كان لهو الحديث جزأ منه، فقد ثبت أنّ إضافة الجزء إلى كله بمعنى من التبعيضية وإن لم تكن مشهورة قيل الظاهر أنّ المراد مطلق الحديث، لكن العلامة دقق النظر في إضافة الشيء إلى ما هو صادق عليه، فإن حسن فيه جعل المضاف إليه بياناً وتمييزاً للمضاف كالساج للباب، والحديث المنكر للهو جعلها بيانية، وان لم يحسن ذلك فيه كالحديث المطلق للهو جعلها تبعيضية ميلاً إلى جانب المعنى. أقول هذا ردّ لما في الكشاف تبع فيه الشارح المحقق، وليس بوارد عليه وما ذكره المدقق مخالف لكلام قدماء النحاة كشرّاح الكتاب، ومن حذا حذوهم، فإن إضافة نحو يذ زيد على معنى اللام، وقال قوم منهم كابن كيسان والسيرافي: إن إضافة ما هو جزء من المضاف إليه بمعنى من التبعيضية، واستدلوا عليه بفصله عن الإضافة بمن كقوله: كأنّ على الكتفين منه إذا انتحى ~ مداك عروس أو صلاية حنظل وهو شائع كما فصله أبو حيان في شرح التسهيل، ومنهم من ذهب إلى أنّ من المقذرة في الإضافة مطلقا تبعيضية من غير فرق بين الجزء والجزئي، كما في لمع ابن جني وشرحه للثمانين، وعبارته: إن كان الأوّل جزأ من الثاني كانت الإضافة بمعنى من نحو باب ساج، ودار آجرّ وجبة صوف، وتقديره باب من ساح ودار من آجرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 والأوّل في هذا جزء من الثاني ومن فيه للتبعيض انتهى. فادعاء أنها غير موجودة، أو غير مشهورة مكابرة لمخالفته ما سطر في كتبهم المعوّل عليها، وفيما ذكره في توجيه كلام الكشف دقة لا يتحملها نظر أهل العربية، ثم إنّ للناظرين في كلام الشريف وجوهاً شتى كلها خارجة عن قانون العربية، لاقتصارهم على ما لا يغني، ولا يسمن من كلام المتأخرين ولذا أضربنا عنهما صفحا، وأمّا إضافة السورة فحن إضافة المسمى إلى الاسم كيوم الأحد وهي مشهورة، ثم إنهم أطلقوا كون الإضافة إلى الجزئي بيانية، وهو مخالف لما صرّح به كثير من المتقدمين والمتأخرين من أنها إنما تكون كذلك إذا كان بينهما عموم وخصوص وجهيّ، كخاتم فضة، فإن كان مطلقاً كمدينة بغداد فهي لامية، وذهب شاوح الهادي إلى أنها بيانية أيضا، ولذا تراهم يجعلون شجر الأراك من الإضافة اللامية تارة، ومن البيانية أخرى، وهذا مما غفل عته كثير من الناس فاحفظه. قوله: (وتسمى أمّ القرآن) عطف على مقذر رأى تسمى بفاتحة، أو على سورة الفاتحة باعتبار المعنى، أو التقدير هذه سورة فاتحة الكتاب وتسمى الخ وعطف الفعلية على الاسمية شائع كعكسه، والمراد بالتسمية وضع العلم لا الإطلاق. وتال الفاضل الشريف: فاتحة ألكتاب صارت علما بالغلبة للسورة وقد ذكر. في الكشف أيضاً، وفي اجتماع الغلبة والتجوّز نظر مع أنه مناف لما مرّ من النقل قيل: وفيه خفاء أيضاً لأنّ القول بعلمية الجنس ضروريّ لمنع الصرف ونحوه من الأحكام ويجب في العلمية الشخصية تشخص المعنى ولا تشخص هنا، والأصح أن أسماء السور موضوعة لتلك الألفاظ المقروأة، فتكون واحدة بالنوع كما في التلويح وشرح المقاصد إلا أن يقال مثل هذا المؤلف بحسب العرف يعد شخصا، وأمّا جعلها وأمثالها من قبيل أسماء الإشارة في عموم الوضع وخصوص الموضوع له فبعيد جداً، وما ذكر من السبب في عدم اعتباوه فيها من أنها لو كانت موضوعة لشيء من الخصوصيات كانت في غيره مجازيات، وإن كانت موضوعة لكل منها كانت مشتركة بين معان غير محصووة، وإن كانت. موضوعة لمعان كلية لزم كونها مجازات لا حقائق لها، والكل فاسد لا يتاتى هنا إذ قلما تستعمل في شخص، والأكثر استعمالها في الكل، فلا يلزم ما ذكر وتفصيله في شرج الرسالة الوضعية. ، أقول الذي عليه المعوّل في أسماء السور وأسماء الكتب والعلوم، ونحوها أنها أعلام شخصية لتلك الألفاظ المخصوصة لا للصور الذهنية، ولا للنقوس، ولا للمركب منها وهي تعد في العرف شيأ واحدا شخصا، واختلاف اللافظ، وتعدّده كتعدد أمكنة زيد لا يغير تشخصه، لأنها غير معتبرة فيه، ومما يشهد له شهادة يزكيها الاستقراء تسميتها بالجمل ك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ومثله معهود معروف في الاعلام كتأبط شرّا وبرق نحره وصردر دون اسم الجنس، فإئه وان لم يكن مفقوداً فيها نادر، وأمّا الاسندلال بدخول اللام عليه كالكافية والثافية، فليس بشيء، لأنه ليس مما يستدلّ بمثله، وما قيل من أنّ العلمية الجنسية ضرورية مما تفرّد به الرضيّ، وهو غير مسلم عند النحاة، ودلالة الموصول على ماهية نوعية أو جنسية لا ترد عليه نقضا. وفي شرح الفوائد العتابية لشيخ مشايخنا أسماء العلوم كأسماء الكتب أعلام أجناس عند التحقيق وضعت لأنواع وأعراض تتعدد بتعدد محالها القائمة بها كزيد وعمرو، وقد تجعل أعلاما شخصية باعتبار أن المتعدد باعتبار المحل يعد واحداً في العرف، وهو إنما يتتم إذا لم تكن موضوعة للمفهوم الاجماليّ وتردّد السبكيّ في أسماء العلوم هل هي أعلام بالغلبة أو منقولات عرفية كالدابة ورجح الثانية، وسيأتي تتمة لهذا المبحث في تعريف الجلالة الكريمة. قوله: (لأنها مفتتحه ومبدؤه الخ) الأمّ في اللغة الأصل والوالدة ثم أطلق على الفاتحة ومحكم القرآن قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [اس عمران: 7] ومفتتح اسم مفعول أو اسم مكان أو مصدر ميمي، وقال صاحب القاموس في شرح الديباجة المفتتح لغة شائعة فصيحة يقال فتحه وافتتحه نقيض أغلقه، وأمّا المختتم فغير فصيحة، ولا تكاد توجد عند لغويّ ثبت، والمراد به غير الأوّل ولذا عطف عليه قوله ومبدؤه عطفاً تفسيرياً، ولما كان افتتاحه وابتداؤه بها في كتابة المصاحف، أو في التلاوة، أو في الصلاة أو في النزول بناء على أنها أوّل سورة نزلت ويتلوها ما عداها في ذلك جعلت أمّا وأصلاَ له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ومنشأ بطريق التسبب لأنّ الولد يتكوّن ويوجد بعه أمّه، ولذلك سميت أساساً لتوقف بقية البناء وابتنائه عليه، ووجوده بعده وبهذا التقرير سقط ما في بعض الحواشي من الأوهام مثل ما قيل من أنّ المبدأ يقال للجزء الأوّل، ولما منه ذلك الشيء، والفاتحة مبدأ بالمعنى الأوّل، وأمّ بالمعنى الثاني، فجعل هذا وجها لتسميتها أمّا غير مرضي، وكذا ما قيل أنه لا فائدة لذكر الأصالة والمنشئية إذ ليس في الفاتحة سوى المبدئية، وان كانتا موجودتين في المنقول عنه، وهي الوالدة والأمّ في اللغة الأصل، ومنه قيل للوالدة: أصل وحينئذ لا يناسب ذكر كان، لأن الجزء الأوّل من الشيء أصل ينبني عليه باقي الأجزاء من حيث أنها أجزاء متأخرة انتهى. وقيل: إنها سميت اماً لجمعها كل خير كأمّ الدماغ الجامعة للحوأس، أو لأنها مفزع أهل الإيمان كما تسمى الراية أمّا وركاكته ظاهرة، فإن قلت: زعم بعض فضلاء العصر أنّ قوله في الكشاف، وتسمى أمّ القرآن لأنّ أم الشيء أصله وهي مشتمدف على كليات معاني القرآن أولى مما ذكره المصنف، لأنّ الاشتمال أنسب بالأمّ من الافتتاح، والمبتدئية بمعنى الابتداء، وان كان ما ذكره صحيحا أيضاً. قلت: هذا وهم منه فإنّ المصنف ذكر ما في الكشاف بعينه وزاد عليه وجها آخر قدمه عليه إشارة لأرجحيته عنده لأنّ أصل معنى القرآن والكتاب الألفاظ لا المعاني، وهو فيما اختاره باق على أصله بخلافه في الوجه الثاني فإنه محتاج إلى التجوّز أو التقدير. أي أمّ معاني القرآن، وهو بعيد كحمل القرآن على المعاني، وهذا لم ينبه عليه أحد وتنبه له. واعلم أنّ في كلام المصنف هنا وجهين: أحدهما: أن يكون قوله مفتتحه بيانا لوجه التسمية بفاتحة الكتاب، ومبدؤه لأمّ القرآن لفا ونشراً. وقوله: (فكأنها الخ) بيان لمشابهته للمعنى الأصلي للامّ في المبتدئية حقيقة للمعنى العرفي وهو الوالدة فيما له زيادة خصوصية واشتهار به أعني المبتدئية، والمنشئية ادّعاء دون المتبدئية الأوّلية، وكونه مفتتحاً غنيّ عن البيان. والثاني: أن يكون مبدؤه عطفا تفسيرياً وهما علة لقوله أمّ القرآن، وترك تسميتها بالفاتحة لظهوره. قال الفاضل الليثيّ: وهو وجه وجيه إلا أنه مخالف لما نقل عن المصنف في حواشيه من أنّ قوله لأنها مفتتحه تعليل لما تضمنه قوله سورة فاتحة الكتاب من الجملة الخبرية التي تقديرها تسمى فاتحة الكتاب، في هذا الوجه يكون المنقول عته بالمعنى العرفيّ أنسب، كما أنّ الوجه الأوّل بالأصليّ أنسب، وان جرى كل منهما في كل منهما. وقوله: (ولذلك) أي لكونها أصلاَ وهو ظاهر، ثم أنها تسمى أيضاً أمّ الكتاب، وفاتحة القرآن ووجهه يعلم مما مرّ، ثم أنه قيل: إن في كلام المصنف إشارة إلى أنّ التسمية بفاتحة الكتاب من قبيل تسمية المكان باسم الفاعل، وهي من فروع الإسناد إليه، واذا كان مصدراً كالعافية، فمن فروع تسمية المكان بالمصدر وجعلها من تسمية المفعول بالمصدر إذ فاتحة الشيء أوّله والفتح يتعلق به أوّلاً وبتبعيته للمجموع، فهو المفتوح الأوّل بعيد إذ تسمية المفعول بالمصدر غير مشهورة، وقيل: فاتحة الشيء، وأوّله آلة لفتحه، وهو من تسمية الآلة بالفاعل كالباصرة والسامعة، وعلى اشتقاقها تاؤها للنقل لا للتأنيث بتقدير طائفة فاتحة ولا للمبالغة لقلة مجيئه في غير صيغ المبالغة، وعدم مناسبته هنا وجعله من النسب كتامر بعيد غير مسموع إذ هو مقصور على السماع انتهى. ولا يخفى ما فيه من التعسف، لأنه ليس بمكان حقيقيّ، فنقل اسم الفاعل إلى المكان المتجوز به عن الأوّل مع صحة تسمية الأوّل فاتحاً لحصول الفتح به تطويل بغير طائل، وقد مز ما فيه غنية عنه، والذي حمله على هذا قوله مفتتحه. قوله: (أو لأنها تشتمل على ما فيه الخ (في بعض الحواشي أن المراد جميع ما فيه يعني ادّعاء واجمالاً ويأباه قوله فيما بعد أو على جملة معانيه إلا أن يكون تفنناً في التعبير، والذي في الحواشي الشريفية وغيرها تفسيره بأصول ما فيه، ومقاصده، وهو الظاهر فلا يرد عليه أن فيه القصص وغيرها، وان قيل إنها ترجع لما ذكر لما فيها من العبرة والإتعاظ، وهذا هو الوجه الثاني لكونها اً مّا. وعليه اقتصر في الكشاف كما مرّ. قوله: (والتعبد بأمره ونهيه (أي التكليف، وهو في إياك نعبد لأن العبادة قيام العبد بما تعبد به من امتثال الأوامر واجتناب النواهي كما قيل، وأورد عليه أق في قوله إياك نعبد التنسك الذي هو وصف العبد لا التكليف، وأجيب بأنه بناء على أنه على لسان العباد تعليما لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وطلبا لعبادتهم فهو تكليف، ثم إنّ تفسير التعبد بالتكليف لا تساعده اللغة إلا أن يقال هو تفسير له بلازم معناه، وحقيقته اتخذه عبداً، أو تضمين لتعذيه بالباء كذا قيل. (وأنا أقول) الذي دعا الشريف وغيره لتفسير التعبد بما ذكر أنه ليس المراد مطلق التنسك لتقييده بأمر الله ونهيه، بل تعبد المرء تنسكه بما كلفه الشارع به، فتفسيره بالتكليف إمّا لأنه أظهر في العبادة المقصودة هنا سواء كانت الآية تعليماً للعباد أم لا نعم إذا كانت تعليما كانت أظهر وأنور فهو كقولهم حصول الصورة أو هو حقيقة لغة قال السمين في " مفرداته ": قوله تعالى: {أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] أي اتخذتهم عبيداً وقيل ذللتهم ذلة العبيد وقيل كلفتهم الأعمال الشاقة التي يكلف مثلها العباد، وبهذا وقفت على ما في كلام هذا القائل، وأن قوله لا تساعده اللغة من قصور الباع وعدم الإطلاع، ثم إنّ الإيمان بالله ورسله داخل في التعبد، لأنه مع توقف العبادة عليه مأمور به في آمنوا بالله ورسله، فلا يتوهم أنه خارج وهو أجل المقاصد، واشتمالها على الثناء من الحمد واجراء الصفات المذكورة، والتعبد في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} كما مرّ وفي قوله: {الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} إن أريد به ملة الإسلام، وقيل: هو في قوله الحمد لله لأنه بتقدير قولوا وفيه نظر، وأمّا الوعد والوعيد، ففي قوله: {أَنعَمتَ} و {المَغضُوبِ} عليهم أو في يوم الدين والجزاء لتناوله الثواب والعقاب، ولما كانت مقاصد الأمور نتائجها والنسل أعظم المقاصد ونتيجة مقذمات الأعمار شبهت بالولد، ولذا سمي نتاجا ووجه الشبه ظاهر كما قيل: لنامن بنات الفكر نسل بهانسلو وإنما كانت هذ. مقاصد وأصولاً، لأنه أنزل إرشاداً للعباد، إلى معرفة المبدإ والمعاد ليؤدّوا حق المبدإ بامتثال أوامره ونواهيه، ويدّخروا للمعاد مثوبة كبرى، ولأنه كافل لسعادة الإنسان، وذلك بمعرفة مولاه، والتوصل بما يقرّ به والتنصل عما يبعده منه، والباعث عليه الوعد والزاجر عنه الوعيد، والا حجب عن نور الأنوار، وهوى في ظلمات بعضها فوق بعض، وأمّا الدعاء والسؤال، فوسيلة يعتبر منها ما تعلق بالمعاد، ولا يرد اشتمال غير هذه السورة على مثل ما ذكر لأن وجه التسمية لا يلزم اطراده ولأنها استحقته بالسبق إليه، والترتيب الخاص والإجمال المفصل في غيرها فضاهت مكة في تسميتها أمّ القرى لما تقذمت، ودحيت الأرض عنها، وتمام تفصيله في شروج الكشاف، وفي بعض الحواشي أنّ ابن سيرين كره تسميتها أمّ القرآن والحسن البصري تسميتها أمّ الكتاب، وردّ بثبوته في الصحيحين وغيرهما كحديث " الحمد لله أمّ القرآن وأمّ الكتاب " (1 (قوله: (أو على جملة معانيه الخ) الجملة بمعنى الجميع، وبمعنى الإجمال والمراد الثاني، والحكم جمع حكمة وهي لغة العلم الحق المحكم عن قبول الشبه، ولذا فسرها ابن عباس في قوله عز وجل: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] بعلم القرآن وفسرها الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية، وهو قريب مما قبله، والنظرية نسبة للنظر بمعنى الفكر والمراد ما لا تعلق له بالعمل من العقائد الحقة الشاملة لأمر المعاد والنبوّة وسائر الإلهيات ونحوها مما المقصود منه بالذات العلم دون العمل، والأحكام مرّ تفسيرها، والعملية منها العبادات، وكل ما ذكر في الفروع، والأوّل مستفاد من أوّل السورة إلى قوله: {يَوْمِ الدِّينِ} والثاني من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وما بعده، وسلوك الطريق المستقيم من قوله اهدنا الصراط، والإطلاع بتشديد الطاء افتعال من طلع ظهر، وبسكونها أفعال منه والأوّل أظهر وهو من قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} الخ وفيه، وعد ووعيد فدخلا فيه، والأمثال والقصص المقصود بها الاتعاظ، وكذا الدعاء واك اء فهذه جملة المعاني القرآنية إجمالاً مطابقة، والتزاما فقوله من الحكم بيان لجملة وقوله: (التي الخ) في موصوفه احتمالات، لأنه يحتمل أن يكون صفة جملة أو معان أيضاً المبينة بالحكم، والأحكام فيكون في المعنى صفة لهما من غير تكلف، كما في القول بأنه صفة لهما معا وليس صفة للأحكام وحدها كما في بعض الحواشي قيل: لأن السلوك شامل للنظرية والعملية، وقيل لأنه لا يصح الحكم عليها بأنها سلوك الطريق المستقيم، لأنه العمل لا الحكم يخحتاج إلى تقدير مضاف أي أحكام الخ، وكلاهما على طرف الثمام، ومنهم من جعل المشير إلى الأحكام العملية الصراط المستقيم، وإلى النظرية ذكر السعداء والأشقياء على أنه لف ونشر غير مرتب مع أنّ ذكر الصفات دال على ما هو من الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 النظرية أيضا، وقوله والإطلاع الخ إن قرىء بالجرّ على أنه معطوف على الحكم في قوله من الحكم فالأقسام ثلاثة، والإطلاع على مراتب السعداء للإقتداء، وعلى منازل الأشقياء للإتقاء، والأوّل من قوله: {أَنْعَمْتُ} والثاني من {غَيرِ المَغضُوبِ} الخ وهذا لا يختص بالنظرية، ولا بالعملية بل هو من آثارهما وثمراتهما، وان رفع فهو معطوف على قوله سلوك الطريق على أن التي صفة للحكم، والأحكام معنى أو حقيقة لا للثاني، ولذا قيل الإطلاع ناظر إلى الحكم النظرية، ولم يراع ترتيب اللف محافظة على ما عليه التنزيل من تقديم الأوّل أعني {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} وتاخير الثاني أعني الذين أنعمت الخ. وقد قيل عليه أيضا: إنه محتاج إلى التقدير أي بعيد سلوك الخ أو أصله التي غايتها أي المقصود منها، فلما حذف المضاف ارتفع الضمير، وانفصل أو هو محمول عليه مبالغة وادّعاء، وليس هذا مخصوصاً بكونه صفة للأحكام فقط كما توهم.) قلت (نقل هنا بعض أهل العصر عن المصنف حاشية قال فيها: الحكم النظرية معرفة الله تعالى بصفات الكمال المشتمل عليها الحمد لله إلى قوله {يَوْمِ الدِّينِ} والأحكام العملية هي سلوك الطريق المستقيم، والإطلاع على مراتب السعداء والأشقياء المشتمل عليها {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إلى آخر السورة انتهى. فإن صح عنه ما ذكر فهو مخالف لما مرّ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه تدبر، وعبر في السعداء بالمراتب لاشعاره بالعلوّ والرفعة لأنه من رتب بمعنى انتصب قائماً كما في الفائق، وفي الأشقياء بالمنازل لاً نه من النزول، وهو الانحطاط المقابل به كما قيل: درج الجنة ودرك النار، والفرق بين التوجيهين قد مرّ، وقيل: مبنى الأوّل على اشتمال ألفاظه باعتباره جميع أجزائها والثاني على اشتمالها باعتبار ما هو دعامتها ولو عكس كان أظهر، ولذا قيل: إنّ الأوّل بيان لاشتمالها على ما يستفاد منه أصول المعاني القرآنية وأساس مقاصدها. والثاني لاشتمالها على جملة مقاصده المستفادة من تلك الأصول وكونها أماً على هذا لتأخر التفصيل عن الإجمال تأخر الولد عن الأمّ، كما قيل في أمّ القرى وقيل إنّ هذا التوجيه متضمن لوجه تسميتها فاتحة أيضاً لأن ما يدلّ على الشيء إجمالاً حقه أن يكون فاتحة، كعنوان الكتاب الدال على ما فيه، ويدل عليه عطف قوله وتسمى، وذكر المبدأ بعد المفتتح والمنشأ بعد الأصل، والتأسيس أولى من التكيد مع مناسبة ألفاظه للفتح لفظاً ومعنى، والمبدأ لللامّ، ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنه قد اعترف بما ينافيه وقد علم مما ذكرناه ضعف ما قيل: من أنّ ما ذكر هنا مستفاد من الوجه السابق لأنّ الحكم، وهي الأحكام الاعتقادية تستفاد من إجراء صفات الكمالى عليه تعالى، والأحكام العملية من تفاصيل التكاليف المشار إليها بالتعبد، والإطلاع المذكور من الوعد والوعيد، ونوقش بأن الإطلاع من قبيل العلم والمعاني معلومات فكيف يعد منها، ودفع بأنّ المراد به الاطلاع بقرينة السياق وقال بعض المدققين: لا يخفى ما في جعل الثناء مقابلاً للتعبد أي التكليف بالعبادة، والوعد والوعيد من عدم المناسبة، وأيضا لا يظهر من الدليل جعل الثناء مقصوداً أصليا من الكتاب بل المقصود معرفته تعالى وقد أشير إليها بقوله {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي موجدهم ومربيهم، وأبعد منه جعل الوعد والوعيد مقصودين وهما مقحمان باعثان على العبادة، وقد عرفت مما قدمناه الجواب عنه، وبقي هنا وجوه أخر لم نسودّ بها وجه القرطاس، فإن قلت اشتمال الفاتحة على جميع المعاني القرآنية مناف لما في الحديث من أنها تعدل ثلثي (1) القرآن قلت: إن صح فلا منافاة، لأنّ الإجمال لا يساوي التفصيل فزيادة مبانيه تنزل منزلة ثلث آخر في الثواب، ومن العجب ما قيل هنا من أنّ ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن والالتزام، وهما ثلثا الدلالات، وقيل الحقوق ثلاثة حق الحق على العبد وعكسه، وحق العبد على العبد، وقد تضمنت الأوّلين فلذا جعلت ثلثيه. قوله: (وسورة الكئز الخ الذلك أي لاشتمالها على مقاصد القرآن، أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد، والسعادة الأبدية فتفي، وتكفي في ذلك، وقيل سميت وافية لأنها لا تنصف في الصلاة كغيرها وكافية لأنها تكفي المصلي دون غيرها، وهذه الألفاظ كلها منصوبة عطفا على قوله أمّ القرآن، وهو الموافق لتصريحهم بأنّ الوافية والكافية بدون إضافة سورة من أسمائها، وإن وقع في كلام بعضهم خلافه وجرهما يستلزم حذف جزء العلم، أو العطف عليه، وقد قيل حذفه جائز إذا أمن اللبس كما سيأتي في شهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 رمضان وان كان من قبيل حذف بعض الكلمة نظراً لأصله إلا أنه قيل عليه أنه في مقام بيان الاسم لا يؤمن الإلباس وانما يلزم ما ذكر لو لم يكن كل منهما بدون السورة، وقد قيل به، ويؤيده ما جاء في الحديث مما يدل على أنه يطلق عليها الكنز بدون السورة وهو قوله عليه الصلاة والسلام " إن الله قال فيما من به على رسوله إتي أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي " وقد قالوا إنه سبب تسميتها به ثم إنّ كونها كنزا أو من كنز استعارة وتمثيل لعظم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل هي عنده من الحجارة، أو أخس وجعل العرس، والسموات مهبطه، لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه، ولذا رفعت الأيدي في الدعاء نحوها وان تنزه الله عن المحل والجهة وقيل: إنه من المتشابه الذي استأثر به وهو أسلم. قوله: (سورة الحمد والشكر الخ الاشتمالها عليها أي على المذكورات أمّا اشتمالها على الحمد فظاهر، وكذا على الشكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة كما سيأني، وليس هذا مبنيا على تقدير قل كما قيل واستشكل بأنه في مقابلة النعمة بل النعمة الواصلة للشاكر، وأين ذلك هنا إلا أن يقال إنّ توصيفه برب العالمين يشعر بالعلمية وأنّ الحمد لذلك كما صرّح به الإمام، وهذا لا يتم إذا جعل حمداً من الله لذاته الأقدس، ولذا قيل إنه شكر إذا قرأه العبد في مقابلة نعمة، وهو تكلف ولا يخفى سقوطه، لأنه سواء قدر قل، أولا فإن كل قارىء منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك، ولا حاجة إلى ما قيل إنه يؤخذ من قوله: (أنست الخ (بل لا وجه له، فإنها مشتملة على الحمد وهو أعم من الشكر والحمد الحقيقي شكر لغوفي فتدبر. وقوله: (والدعاءا لوقوعه فيها وتعليم المسألة بأن يثنى ويبظم المسؤول، ثم يتوجه إليه بصفاته، والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال، والمراد تعليم كيفية السؤال، وطريقه وليس محل السؤال لاحتياجه إلى التكلف، والشكر وما بعده مجرورات، وفيه ما مرّ من حذف جزء العلم أو العطف عليه، وكون التسمية بمعنى الإطلاق لا وضع العلم، ونصبها على أنّ العلم الشكر وما بعده بعيد، وفي التفسير الكبير الاسم العاشر السؤال يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن رب العزة سبحانه وتعالى قال: من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " (2) وقد فعل الخليل عليه الصلاة والسلام ذلك حيث قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] إلى قوله: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعرأء: 83] ففي هذه السورة وقعت البداءة بالثناء عليه تعالى، ثم ذكر العبودية، ثم ذكر الاستعانة، ثم وقع الختم على طلب الهداية. وأورد عليه أنه لا يتحصل مما ذكره الدلالة على تسميتها بالسؤال الذي أراده، ثم مقتضى الحديث تجرّد الذكر عن السؤال والسورة جامعة بينهما، فلا مناسبة لهذا الحديث هنا، وليس كما توهمه المعترض بل المراد أنّ تسميتها بالسؤال، لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين كما مرّ، ويشهد له قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وكذلك هذا الحديث القدسي أيضا بناء على أنّ المراد منه اشتغاله بذكره في ابتداء توجهه للسؤال لأنه نصب عينيه وقبلة اقباله، ومن أحب شيأ أكثر من ذكره ويؤيده ما ذكره بعده نعم هو لا يخلو من الخفاء وكون المراد بالحديث ما ذكر غير مسلم، وقد سئل بعض التابعين عما ورد في الحديث " أفضل ما دعاني به عبدي، لا إله إلاً الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ") 1 (فقيل كيف سمي هذا دعاء، وهو صرف ذكر، فقال هو دعاء أيضاً لحديث " من شغله ذكري " الخ ثم نقل هذا الجواب لبعض السلف فقال: هو كما قال فإنّ الثناء على الكريم سؤال وطلب، فقيل: هل عرف مثله فقال: نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان في قصيدته المشهور ة: " ذكرحاجتي أم قدكفاني حياؤك إنّ سميتك الحياء إذا أثنى عليك المرءيوما كفاه من تعرّضك الثناء ونحوه قول الغنوي: واذا طلبت إلى كريم حاجة فلقاؤه يكفيك والتسليم وهو معنى بديع سيأتي بيانه. قوله: (لاشتمالها عليها) أي على المسألة، وكيفية تعليمها ولو قال: عليه بإرجاع الضمير للتعليم كان أظهر وفي تفسير ابن برحان من آداب الدعاء وحلية السؤال، والضراعة إلى الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الملك الأمر كله أن يقدم العبد بين يدي دعائه التوحيد والتعظيم والإجلال، ثم يحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، ويثني عليه ويمجده ويتبرأ إليه من حوله وقوّته، ثم يسأل الله الهداية إلى ما يرضيه، وحسن العون على ذكره، ئم يسأل الله بعدما ما يشاء، لعموم قوله الحق: " ولعبدي ما سأل " ومن قدم أمر الآخرة على أمر الدنيا نظمه الله في نظام الاقتداء بأمّ القرآن وإنّ المطلوب الأعظم لفي أمّ القرآن مجملاً ويحق ما قال بعضهم: لو قرئت أمّ القرآن على ميت فحي ما كان ذلك بعجب لأنّ الحمد اسم من أسماء الله وكذلك سائر الحروف كلها فافهم انتهى. قوله: (والصلاة لوجوب قراءتها الخ الفعل الصلاة يجوز جرّ. ونصبه هنا لأنها كما تسمى سورة الصلاة، تسمى الصلاة أيضاً، وهو من تسمية الجزء باسم كله، أو تسمية أحد المتلازمين باسم الآخر والصلاة بمعنى العبادة المعروفة. قوله. (واستحبابها) قيل عليه إنه لا قائل بالاستحباب لأنها فرض عند الشافعي وواجبة عند أبي حنيفة، وانما تبع صاحب الكشاف في قوله لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها، وما ذكروا رد عليه أيضاً، ولذا قال في المدارك لأنها واجبة أو فريضة، وهو أحسن لأنه لا قائل بالاستحباب كما عرفت هذا زبدة ما في جميع الحواشي، وهو لا يسمن ولا يغني من جوع (وأنا أقول) كون المذاهب الأربعة متفقة على عدم الاستحباب، وأنه لا صلاة بدونها مما اتفق عليه هنا لما رووه في كتب الفقه المشهورة خصوصا كتب الحنفية، وليس كذلك، فإنّ المصنف شافعي المذهب، وفي كتبهم المعتمدة ما يخالفه، وعبارة الإمام الغزالي في شرح الوجيز الفاتحة متعينة في الصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث قال: فرض الصلاة قراءة آية ما طويلة أو قصيرة، وان كان ترك الفاتحة مكروها انتهى. وعليه اعتمد المصنف رحمه الله، فالاستحباب عنده مذهب أبي حنيفة، ولو سلم عدم صحة ما ذكر فالسلف لهم في أكثر الأحكام أقول شتى، ومذاهب مختلفة، وان لم يرخص لنا العمل بها، وقد نقل الإمام الجصاص رحمه الله في كتاب أحكام القرآن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما أنه يجزىء في الصلاة قراءة شيء ما من القرآن، ولا تتعين الفاتحة، وبه فسر قوله تعالى: إ فاقرؤا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] فإن أردت تفصيله فراجعه فإذا ثبت عن بعض الصحاية ومجتهدي السلف أنها غير واجبة في الصلاة مطلقا، وأنّ المراد بقوله في الحديث " لا صلاة إلاً بفاتحة الكتاب " (1 (نفي الكمال لا الصحة، فمراد المصنف والزمخشرفي الإشارة إلى مذهب هؤلاء لا إلى شيء من المذاهب الأربعة حتى يحتاج إلى ما قالوه من التعسف هنا: من أنّ استحبابها إشارة إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله بناء على تفسير المستحب بما يشمل الواجب والسنة لا المستحب المتعارف على أنّ الواجب بمعنى الفرض والمستحب ما يقابله، أو هو مبني على أنّ الوجوب في الكل عند الشافعي رحمه الله أو الركعتين الأوليين عند أبي حنيفة والاستحباب فيما عداهما عنده، أو في صلاة النفل في رواية عن الشافعي، وأبعد منه ما قيل من أنه مذهب ابن حنبل، وأنه لورعه كان لا يطلق الواجب على ما لم يتواتر عن السلف إطلاقه عليه، وقد جوز أن يكون المراد بالصلاة هنا الدعاء فيكون كتسميتها بسورة الدعاء، فإن قلت هل لما قيل من تعين الجرّ هنا وجه وان كان النصب بناء على تسميتها صلاة الحديث " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين الحديث " (11 لأن تعليل المصنف يناسب معنى الجرّ لا النصب، لأنّ تسميتها في الحديث بالصلاة من إطلاق اسم الكل، وارادة الجزء الذي هو ركن تنتفي الحقيقة بانتفائه، وهو غير منايسب لقوله، أو استحبابه مع أن بعضهم قدر في الحديث مضافا أي قراءة الصلاة، أو ذكر الصلاة قلت لا، فإنّ ما ذكره من الشرط غير مسلم عند المحققين من أهل الأصول، مع عدم تعين التجوّز أيضاً فتدبر. قوله: (الشافية والشفاء الخ) بالنصب أي تسمى الشافية الخ. كما صرّحوا به ويجوز جرّه. وفي الكشاف أنها تسمى سورة الشفاء. وقيل: إنّ المصنف ذهب إلى أئه يطلق عليها هذا بدون سورة، ولولاه لقدّم الشفاء على الشافية وفيه نظر، وقد ورد في البخاري أيضا تسميتها سورة الرقية، وهو قريب مما هنا والحديث الذي ذكره المصنف (2) صحيح أخرجه البيهقي، والدارميّ، وغيرهما، إلا أنه قيل عليه إنه لا يدل على تسميتها بذلك إذ لا يدل قولنا زيد كاتب على غير اتصافه، وصدق كاتب عليه، وأمّا تسميته به فلا، وقريب منه ما قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الحديث إنما يدل على أنها شفاء في نفس الأمر وأنه أطلق عليها الشفاء شرعا، وليست التسمية هنا بمعنى الإطلاق إلا أن يقال وضمع الاسم ثبت بالنقل عن الثقات، ولا حاجة لدعوى الاجماع كما قيل، فالحديث إنما ذكر لبيان سند ما نقل ولا ثبات الباعث على التسمية به. قوله: (والسبع المثاني الخ) السبع منصوب. وقوله: (لآنها الخ) علة لتسميتها سبعا، وفيه أنه ذكر في التيسير أنها ثمان آيات عند الحسن البصريّ وست آيات في قول الحسن الجعفي، وقد نقل عن بعضهم أنها تسع أيضا فكيف يتأتي دعوى الإتفاق أو الإجماع المذكور في كثير من التفاسير وعليه المصنف فقيل أراد اتفاق الجمهور ومن يعتد به فخلاف غيرهم بمنزلة العدم، ومخالفة واحد أو اثنين تسمى خلافا لا اختلافاً، فلا يخرج بها الحكم بكونه متفقا عليه، وقيل المراد اتفاق القرّاء، وقيل اتفاق الحنفية، والشافعية وما له لما مرّ فلا وجه لردّه به، وقيل: إنه لا خلاف فيه والزيادة وأخرجه الديلمي 4385 والبيهقي في الشعب كما في الدر 1 / 22 من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ " فاتحة الكتاب شفاء من السم ". وللحديث شواهد أخرى انظر الدر المنثور 1 / 22- 23. والنقص وهم من الراوي لأنه لما رأى عد {أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} آية ظن أنه في الباقي مع غيره ولما رأى عدّ التسمية فيه كذلك، وهو مراد المصنف بقوله إلا أنّ الخ وفي قوله: {أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} تسامح أي {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ} الخ لظهور أنّ الموصول بدون صلته، والمضاف بدون المضاف إليه لا يعد آية فمبدؤها معلوم وانما الخلاف في آخرها قوله: (ومنهم من عكس) أي عد أنعمت عليهم آية دون التسمية والمناسب لما جعل عكسا له أن يكون المراد أنه جعل التسمية جزأ من آية كما ذهب إليه البعض، فيلزمه عدم التعرّض لمذهب الحنفية وهو أنّ التسمية خارجة عن السورة. وقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} آية وقوله {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} آية أخرى، وان لم يحمل عليه يلزم عدم التعرّض لبعض المذاهب وأمره سهل إذ ليس في كلامه ما يدل على الانحصار قيل: ولا يبعد أن يجعل قوله: ومنهم من عكس إشارة إليهما على أنّ المراد بعدم جعل التسمية آية ما يتناول خروجها عنها وجعلها جزأ منها وليس في القرآن سورة آياتها سبع غير الفاتحة، وسورة أرأيت. قوله: (وتثني في الصلاة الخ) أي تكرّر وأصل معنى ثني الشيء ردّ بعضه على بعض. قال الراغب سمي القرآن مثاني لأنه يثني على مرور الأوقات، ويكزر فلا يدرس وينقطع، ولا تنقضي عجائبه، ويصح أن يكون من الثناء لأنه يثنى عليه، وعلى من يتلوه ويعمل به وجوّز فيه أن يكون جمع مثنى كمرمى أو مثنى مشدّد النون أو مثنى مخففاً مته، وكلها مع هاء التأنيث وبدونها، والجمع بالنظر للآيات، وهذا بيان لإطلاق المثاني عليها وهي من التثنية، وقد فسرت هنا بالتكرير ولا يرد أنها تثلث في المغرب، وتربع في الرباعية مع أنه اقتصار على الأقل، فلا ينفي الزيادة، ولا ترد الركعة الواحدة، وصلاة الجنازة لأنّ المراد المتعارف الأغلب من الصلاة، وغير المصنف عبارة الكشاف وهي قوله: تثني في كل ركعة وهي عبارة مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عته، وقد أورد عليها أنها تثني في الصلاة لا في الركعة وأجيب عنه بأنه مجاز مبالغة في أنّ كل صلاة فعلة واحدة كركعة أو أنها تكرّر في كل ركعة بالقياس إلى أخرى، وقيل: في للمصاحبة أي تثني مع كل ركعة، ويفهم منه عرفا أنّ كل ركعة تثني معها كما إذا قيل فلان يأكل مع كل أحد لا يفهم مته إلا أنه يأكل مع كل أحد يأكل معه، وهذا مع كونه تكلفا بارداً زعم قائله أنه أحسن الوجوه وأولاها، وقيل الأشبه أن يراد بيان محل التكرير على معنى أنّ الفاتحة تكرّر في كل الصلاة بحسب الركعة لا بحسب أركانها كلها، كالطمأنينة ولا بحسب ركعتين ركعتين كالتشهد في الرباعية ولا بحسب كل صلاة كالتسليم، فإن تعددت الركعة تعدّدت الفاتحة والا فلا كأنه قيل تثني باعتبار الركعة واعترض عليه بأنّ هذا المعنى، وان كان واضحاً في نفسه إلا أنّ دلالة هذه العبارة عليه في غاية الخفاء ويردّ بأنّ مراده أنّ لفظ في ههنا، كما في قولهم يستعمل في وضع الشرع لكذا بمعنى أنه مستعمل بحسبه، واعتباره وهو واضح، وان خفي عن الفاضل المعترض (وأقول) هو لم يخف عليه كيف وهو أبو عذرته كما حققه في شرح العضد في قول ابن الحاجب الحقيقة اللفظ المستعمل في وضع أوّل حيث قال: هذا يحتاج لتمهيد مقدمة وهي أنّ في ليس ظرفاً للاستعمال تحقيقا، بل تقديراً، فإنه لما تعلق بالمعنى تعلقا مخصوصا صار كأنه ظرف للاستعمال محيط به، ولا شك أنّ الاستعمال متعلق بالوضع ناشىء عنه بحيث يتصوّر فيه ظرفية تقديرية، فكما يقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 استعمل اللفظ في معنى كذا بناء عليها يقال استعمل في وضع كذا أيضاً لأنّ مآل الظرفية هنا إلى تعلق خاص تستعمل فيه اللام كثيراً وان كان في أكثر وههنا أيضاً ما لها إلى السببية والباء فيه أكثر وفي تستعمل فيه أيضاً نتهى وليس إنكار خفائه وتكلفه مسموعا وان لم تنكر صحته فكيف يعترض عليه بما مرّ وليس الغافل إلا المعترض، ثم إنّ، الظرفية المجازية به إنما تظهر وتحسن إذا لم يكن مقارن في صالحاً للظرفية الحقيقية كما في التوضيح فليس وزان في كل ركعة وزانها في قوله المستعمل في وضع أول فتأمل، ثم قال: والذي أدّى إليه الخاطر القاصر أن اضطرابهم في هذه العبارة إنما نشأ من حمل الظرفية على اللغوية المتعلقة بتثني وهو مستقرّ، والتقدير تثني واقعة في كل ركعة، وقال بعض علماء العصر: لا يخفي ما فيه. أمّا أوّلاً: فلأنه مع التقدير فيه لا فائدة فيه بالنظر لهذا المقام لتعزضه للوقوع في الركعة والكلام في بيان تكرارها وليس هذا قيد للتكرار بل خارج عنه. وأمّ ثانياً: فلأنه لا يصح قوله باعتبار كل ركعة إذ الصحيح أن تكرارها باعتبار تعذد كل ركعة وفهمه من هذه العبارة في غاية الخفاء كما قاله السيد السند رحمه الله والمعترض لم يفهم مراده وفيه بحث وقيل إنه لا يبعد حمل العبارة على التضمين أي تثني مقروأة في كل ركعة وقيل يرد عليه أنه مع الاستغناء عنه فاسد لظهور أنّ التكرار ليس في حال القراءة في كل ركعة، بل في حال القراءة في الركعة الثانية والثالثة والرابعة، فإذا قلنا زيد يقوم في زمان قيام كل واحد من القوم لا يفهم منه إلا أن يكون قيام زيد مقارنا لزمان قيام كل واحد لا لزمان قيام المجموع من حيث هو مجموع فافهم. قوله: (أو الإنزال) عطف على الصلاة إلا أنّ العامل وهو تثني لا يظهر تعلقه به لأن تثنية الإنزال قد وقعت فعاملها فعل ماض لا مضارع، ففي هذه العبارة خلل ظاهر، ولذا قيل إنّ تثني للاستمرار بالنسبة إلى الصلاة وماض بالنسبة إلى الإنزال والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة وحكاية الحال الماضية بناء على وأي المصنص رحمه الله في جواز إرادة معني اللفظ معاً أو على عموم المجاز بأن يراد مطلق الزمان الشامل للماضي وغيره يعني أنّ المضارع لدلالته على الحال الحاضر الذي من شأنه أن يشاهد قد يذكر ليستحضر به ما مضى، فيستمر وتثني لاستحضار التسمية المعللة بالتثنية ولا يفعل ذلك إلا بما يهتم بمشاهدته لغرابته أو فظاعته، كما ذكره أهل المعاني، وهو مجاز، ولذا لما لزم المصنف الجمع بين الحقيقة، والمجاز أشار المحشي إلى دفعه بما ذكر ولا يخفى بعده لاختصاصه بما يستغرب ولا غرابة هنا، والأقرب عندي أن يقال إنّ المراعى تحقق الاستقبال وغيره زمان الحكم لا زمان التكلم كما حقق في كتب الأصول والتسمية مقدمة على تثنيتها في الصلاة، وكذا على تكرار الإنزال لأنها توقيفية، فإن كان الواضع هو الله في الأزل فاستقبال الإنزال ظاهر وان كان الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتسمية في أوّل النزولين وتكرر النزول إنما يتحقق بالثاني فهو مستقبل من غير تكلف لتقدير متعلق أو عطف معمول ماض على معمول مستقبل، وأمّا كونه من قبيل. *علفتها تبناً وماء باردا* فلا يخفى برودته وركاكته مع أنهم لم يذكروه إلا مع اختلاف الحدثين دون الزمانين وان كان القياس لا يأباه فتدبر. قوله: (إن صح أنها نزلت بمكة) هذا بناء على جواز تكرّر النزول وهو في الآيات متفق عليه وفي السورة مختلف فيه، فأنكره بعضهم مطلقاً لعدم الفائدة فيه قيل ولذا قال المصنف: إن صح واستدل المنكر له بأنّ نزوله ظهوره من عالم الغيب إلى الشهادة والظهور به لا يقبل التكرر فإن ظهور الظاهر ظاهر البطلان كتحصيل الحاصل وايجاد الموجود ويرد بأنه ليس من هذا القبيل، وفي منازل السائرين من توإضع للدين لم يعارض بمعقول منقولاً، ولم يتهم دليلاً، ولم ير إلى الخلاف سبيلاً، وقال الزركشي في البرهان: قد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوفاً لنسيانه وفي جمال القراء للسخاوي فائدة نزول الفاتحة مرتين أنها نزلت أوّلاً على حرف، وبعده على آخر كملك ومالك، ويجري هذا في وجوه القرا آت وقد قيل إنها نزلت مرّة أخرى بعد تحويل القبلة ليعلم أنها ركن في الصلاة كما كانت وقيل: نزلت مرّة بالبسملة، وأخرى بدونها، واستحسنه ابن حجر والجزري، وبه جمع بين المذاهب، والروايات وسقط ما قاله المعترض من أنه لا فائدة في تكرر النزول، وذهب الغزالي رحمه الله إلى أنه ليس في القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 مكرر أصلاً لأنه يفسر بمعان مختلفة وما توهم من أنه لو تكرّر نزولها كانت أربع عشرة آية توهم باطل ومعنى قوله إن صح الخ إن صح مجموع هذين الأمرين لأنه لا تردّد في نزولها بمكة ولذا قيل لو قال إن صح أنها نزلت بالمدينة لما حوّلت القبلة وقد صح الخ كان أوضح وأخصر، وقد علم مما مرّ أنّ في تكرّر النزول مذاهب. قوله: (وقد صح أنها مكية الخ) هذا قول ابن عباس وأكثر الصحابة والمفسرين والمراد بكونها مكية أنها نزلت بمكة لأنه أشهر معانيه كما سيأني وقيل: إنه لم يقل نزلت بمكة لأنه ليس بصدد إثبات ما في الشرطية بل بصدد بيان كون السورة مكية باصطلاح المفسرين وأمّا القول بأنها مدنية وهو قول مجاهد فقد قيل إنه هفوة منه والقول بأنّ بعضها مكي وبعضها مدنيّ في غاية الضعف، وكون المراد بالسبع المثاني في الحجر الفاتحة عليه أكثر المفسرين، وقد ورد التفسير به مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وقيل هي السبع الطوال وقيل الحواميم وقيل غير ذلك، فإن قيل اسمها السبع المثاني والواقع في الآية سبعا من المثاني فلم جعلت عين المثاني قيل من في الآية بيانية فمؤداهما واحد لأن الجار والمجرور صفة والمعنى سبعاً هي المثاني مع أنّ كونها مثاني مخصوصة لا ينافي كونها بعضا من مطلق المثاني وكونها مكية بالنص على ما في بعض النسخ وقد سقط من بعضها، وأورد عليه أنّ المكية والمدنية إنما يعلم من الصحابة والتابعين لا بالنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أمر لم يؤمر به ولا يلزم بيانه؟ " ضاسخ والمنسوخ كما نقله في الإتقان، وفيه أنه لا مانع من نقله عنه عليه الصلاة والسلام كان يقول بمكة أو بالمدينة بملا من الصحابة (أنزل علئ اليوم أو الساعة كذا) ثم ينقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام وقد وقع مثله وقيل المراد بالنص هنا نص العلماء أي تصريحهم بأنها مكية فهو بالمعنى اللغوي، والنص له معان منها اللفظ المفيد لمعنى لا يحتل غيره ويقابله الظاهر، ومنها ما يقابل القياس والإجماع والاستنباط فيراد به أدلة الكتاب والسنة، ويطلق في الفروع على ما يقابل التخريج أي القول المأخوذ من النعى، كما قاله ابن أبي شريف رحمه الله، وقيل إنه هنا بمعناه المتعارف، فإنّ ما قبلها وما بعدها إلى آخر السورة في حق أهل مكة، وظاهر أن الله لم يمن على النبي صلى الله عليه وسلم بإتيانه السبع المثاني بمكة ثم نزلها بالمدينة، وما قيل عليه من أنه لا بعد في الإمتنان بما هو محقق الوقوع قبل وقوعه لبيان شأنه، وقد وقع قوله. {إِنَّا فَتَحْنَا} [الفتح: ا، الآية والمجاز المتعارف يساوي الحقيقة في جواز الإرادة فلا يعترض عليه بأنّ الأصل الحقيقة سقوطه في غاية الظهور لأنه لا يدفع الظهور، وأمّا بعد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بضع عشرة سنة بلا فاتحة الكتاب، وفرض الصلاة كان بمكة ففيه أنه أمر ظني مستقل في إثبات مكيتها خارج عن الاستدلال بالآية والكلام فيه، وقيل المراد بالنص صريح النقل عن الصحابة لأنه ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكلام الصحابة فيما لا اجتهاد فيه له حكم المرفوع، فلذا أطلق عليه النص، وبما ذكرناه علم حال ما قيل من أنا لا نسلم أنّ المراد بالسبع المثاني في الآية الفاتحة للاختلاف في تفسيرها وكون آتيناك فيها من قبل، ونادى أصحاب الجنة، وأنه لو سلم لا ينافي نزولها مرة أخرى بالمدينة ولا يخفى عليك أنّ كون ما قبلها، وما بعدها في حق أهل مكة إنما يكون مؤيداً على القول بأنّ المكي ما كان في حق أهل مكة، والمشهور خلافه، وكون سورة الحجر نزلت بمكة بعد الفتح لم يقل به أحد، وفيه نظر، وفي الوجيزأنّ ترتيب السور، ووضع الشملة في أوّلها بوحي له عليه الصلاة والسلام، ولو كان من الصحابة لكان بحسب النزول، ولا خلاف في ترتيب الآيات، وقال ابن عطية: إن زيدا رضي الله عنه لما جمع القرآن في المرة الأولى جمعه غير مرتب السور، ونقل عن القاضي أن ترتيب السور اليوم من تلقاء زيد رضي الله عنه مع مشاركة عثمان رضي الله عنه، ومن معه في المرة الثانية، وذكر نحوه مكي أيضا والصحيح أنه بوحي له عليه الصلاة والسلام في العرضة الأخيرة. بسم الله الرحمن الرحيم ويقال لمن قال بسم الله الرحمن الرحيم: بسمل بالنحت كحمدل وحوقل، وهو كثير في كلام العرب إلا أنه قيل إن بسمل لغة مولدة لم تسمع من النبيّ لمجيرو، ولا من فصحاء العرب والمشهور خلافه، وقد أثبتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 كثير من أهل اللغة كابن السكيت والمطرزي، ووردت في قول عمر بن أبي ربيعة: لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فياحبذاذاك الحديث المبسمل قوله: (من الفاتحة الخ) في البسملة في غير النمل، فإنها فيها بعض آية بالاتفاق أقول عشرة. الأوّل: أنها ليست آية من السور أصلأ. الثاني: أنها آية من جميعها غير براءة. والثالث: أنها آية من الفاتحة دون غيرها. الرابع: أنها بعض آية منها فقط. الخامس: أنها آية فذة أنزلت لبيان رؤوس السور تيمنا، وللفصل بينها وهذا وإن ارتضاه متأخرو الحنفية لا نظير له إذ ليس لنا قرآن كير سورة، ولا بعض منها. السادس: أنه يجوز جعلها آية منها وجعلها ليست منها بناء على أنها نزلت بعضاً منها مرّة، ولم تنزل أخرى لتكرّر النزول استقلالاً أو لمدارسة جبريل له عليه الصلاة والسلام في كل عام، وهكذا سانر القراآت وهو المشار إليه في حديث: أنزل القرآن على سبعة احرف كلها كاف شاف وهذا أغربها، وكان ابن حجر يرتضيه، ويقرّره في دروسه، ويدفع به الاعتراض بأنّ القرآن فطعيّ التواتر، فكيف يصح إثباته، أو نفيه، بدونه، فيقول: إثباتها ونفيها حينئذ متواتران كسائر القراآت، وقد نقله القرّاء كأبي شامة وغيره، وأطنب في تحسينه السيوطي في حواشيه، فإن قلت لو سلم هذا لجاز على سائر المذاهب الجهر بها وعدمه ولا قائل به، وأيضا لم يعهد في وجوه القرا آت اختلاف في الآيات بل في الحروف وهيآتها، ووقع في بعض حروف المعاني، وهذا سرّ التعبير عن القرا آت بالأحرف في الحديث وتقليلها، وان اندفع به الاعتراض بأنه قرىء بالبسملة في السبعة، وهي متواترة فيما عدا الأدأء، فكيف صح تركها قلت: هذا غير وارد، فإنه يجوز ترجيح أحد المتواترين، وان لم يبلغ غيره مرتبته مع تواتره كما في وجوه القرا آت السبعة، وكونه خلاف المعروف يبعده ولا يبطله. والسابع أنها بعض آية من جميع السور كما نقله السيد رحمه الله والثامن أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور. والتا سع: عكسه. والعاشر: أنها آية فذ وان أنزلت مراراً، وعلى هذا اختلف الأداء وبنوا علية فصلها ووصلها وتركها، فابن كثير وعاصم والكسائي يعتقدون أنّ البسملة آية من كل سورة الفاتحة وغيرها وقرّاء المدينة، وأبو عمرو يرونها آية من الأوائل وحمزة يراها آية من الفاتحة فقط كما تاله الجعبري. والمصنف سكت عن سائر السور، فلا ينافيه أنّ قزاء مكة ومن تبعهم ذهبوا إلى أنها آية من كل سورة مصدرة بها، وكلامه شامل لكونها آية وبعض آية، وقرّاء مكة ابن كثير ورواته، والكوفة عاصم وحمزة والكسائي ورواتهم، والمدينة نافع ورواته، والبصرة أبو عمرو ويعقوب ورواتهما والشام ابن عامر ورواته، ومالك من فقهاء المدينة، والأوزاعي هو الإمام عبد الرحمن الشامي منسوب للأوزاع، وهي قبيلة معروفة، وذكر مالك والأوزاعي من ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على جلالته. قوله: (وفقهاؤهما) كذا هو في كثير من النسخ بالتثنية رجوعا إلى البصرة، والشام فقط دون المدينة. وفي الكشاف: وفقهاؤها بضمير الجمع للجميع، وتعقبه البلقيني بأنه يقتضي اتفاق أهل المدينة عليه وليس كذلك، فإنّ جماعة من فقهاء المدينة من الصحابة والتابعين كابن عمر والزهري وغيرهما يرونها آية من الفاتحة وغيرها، فكأن المصنف رحمه الله غير عبارته إشارة إلى إصلاحها بذلك، وفي بعض النسخ فقهاؤها كما في الكشاف، وقدّم كونها من الفاتحة على خلافه ترجيحاً لمذهبه، ولذا عكسه الزمخشري. قوله: (ولم ينص أبو حتيفة الخ) ضمير فيه يرجع إلى كونها من الفاتحة المعلوم من السياق، وهي المراد بالسورة لحضورها أو كل سورة، ولما كان المصنف رحمه الله شافعيا قائلاً بمفهوم المخالفة مع أنه مراعى في الروايات وعبارات المصنفين، ومفهوم قوله لم ينص أي لم يصرّح أنّ في كلامه إشارة، وتلويحا يورث الظن كاخفائها في قراءة الصلاة، فصح تفريع قوله فظن عليه فلا يرد عليه أنّ عدم النص على الشيء نفيا واثباتا لا يتسبب ويتفزع عليه ظن عدمه، ولا حاجة إلى ما قيل إنه بناء على أنه من أهل الكوفة الذاهبين إلى كونها من الفاتحة كما مر، فسكوته يشعر بمخالفته لهم لما تقرّر في الأصول من أنّ السكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيان ولا مرية في أنّ هذا موضعه، وأورد عليه أن سكوته يجوز أن يكون احترازاً عن الخوض فيما لا دليل عليه كما ذهب إليه الإمام أو لتعارض أدلته، واقتصر على الظن دون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 نفي القرآنية رأسا لأنه أدنى مراتب الخلاف مع قيام الأدلة على قرآنيتها، وكذا ذهب بعض الحنفية إلى أن الصحيح أنها آية فذة أنزلت للفصل أو لبيان أوائل السور فلا يرد عليه الفاتحة حتى يقال هو بالنسبة لعود الخاتم إلى الصدر. وقوله: (ليست من السورة عنده) يحتمل القولين وقيل الفاء لمجرّد تأخر الظن عن عدم النص، وسبب الظن أمر بالإسرار بها، وقال الكرخي: لا أعرف هذا المسألة بعينها لمتقدمي أصحابنا إلا أن أمرهم باخفائها يدل على أنها ليست من السورة، وقيل: إنه لم ينص فيها بشيء ظن أنه أبقاها على أصلها من العدم حتى يظهر الثبوت وقيل: ظن في هذه العبارة ليس فعلاَ مجهولاً بل مصدر منوّن مرفوع لأنه خبر أنّ مقدم والمراد تزييف نسبته إليه، والردّ على الزمخشري في قوله: إنه مذهب أبي حنيفة تلميحاً لقوله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (قلت) وهو من بعض الظن أيضا. وما في الكشاف: إن لم نقل أنه ظفر برواية عنه بناء على إطلاق مذهب أبي حنيفة على ما يشمل كلام أصحابه كما هو المتداول بينهم. فمان قلت: كيف يصح القول بأنها ليست منها وأن أبا حنيفة لم ينص فيها بشيء مع أنّ محمد بن القاسم، والبرهان الكافي وغيرهما نقلوا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إيجابها في الصلاة، حتى قال الزيلعي رحمه الله: يجب سجود السهو بتركها، ونقل عن المجتبى وجوبها في كل ركعة قلت: قال أستاذي المقدسي في كتاب الرمز عن شرح المختار لشيخه السمديسي: إنها ليست بواجبة فقد حكى المحققون كالإمام أبي بكر الرازي والكاشافي وغيرهما أن الخلاف في السنية لا في الوجوب، وقال بعض المحققين: القول بوجوب البسماة ليس له أصل في الرواية وما نسب إلى أبي حنيفة من الخلاف في الوجوب من طغيان اليراع، وكذا ما ذكره الزيلعي ويلزم مما ذكر أنها ليست آية من غيرها أيضاً إذ لا قائل بأنها آية من غير الفاتحة فقط قوله: (وسئل محمد الخ) الدف والدفة بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء الجنب من كل شيء، ودفتا المصحف جانبا جلده المتضمن له ونحوه وهو أيضاً لم ينص على نفي، وإثبات تأدّيا وان كان المراد قرآنيتها، والمراد المصاحف العثمانية القديمة المتداولة، فلا يرد كتابة القنوت في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه. فإدط قلت: ما بين دفتي المصحف صور الألفاظ ونقوشها وكلام الله إمّا لفظيّ أو نفسيّ فما وجه إطلاقه عليها. قلت: في المواقف أنّ الكلام يطلق بالاشتراك عليها وعلى صور الألفاظ، والصور دلائل ألفاظ القرآن، ولشذة الامتزاج يقال لها قرآن انتهى وأورد عليه أنه كلام متناقض، لأنّ قوله بالاشتراك يقتضي أنه حقيقة، وقوله لشدة الامتزاج يدل على أنه مجاز، وهو من إطلاق الدال على مدلوله، وفي قوله لشذة الامتزاج تسامح ظاهر، ورذ بأنه لا منافاة لأنه مجاز بالعلاقة المذكورة شاع فصار حقيقة عرفية، ولما قال محمد: هذا قيل له لم نسرّ بها فلم يجب إشارة إلى أنه أمر تعبدي لا ينبغي الخوض فيه، وما قيل في توجيهه من أنّ نزولها للفصل والتبرك ولا يلزم أن يثبت لها سائر أحكام القرآن، أو هي لقوّة الشبهة في قرآنيتها في أوائل السور ألحقت بالأذكار، والأصل فيها استحباب الإسرار فسكوت محمد رحمه الله أبلغ منه، فإنها كيف تكون للفصل، وهي في الابتداء، ولو قيل بالتبرك وحده، فهو لا يدري مع الإخفاء، والحاق القرآن بالأذكار فيه عبرة لأولى الأبصار فتدبر. قوله: النا أحاديث كثيرة الخ) أي يدل لنا، والأحاديث جمع حديث لا أحدوثة على خلاف القياس والضمير لأصحاب المذهب الأوّل، وقد عرف اًن منهم من يقول بكونهم بعض آية من السور، وان لم يذكره المصنف، كما أنّ منهم من يقول بكونها آية من كل سورة وهم المذكورون على ما في الكشاف وشروحه. فمجموع الفريقين يستدل على المدعى الأعمّ المشترك بالحديثين على التوزيع أي من يقول بكونها آية من كل سورة يستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه على جزء دعواه وهو المعنى الأعم، ومن يقول بكونها بعض آية من السورة يستدل بحديث أم سلمة رضي الله عنها عليه، وما قيل. من أنّ الاستدلال على جزء المدعى بما ينافي الكل غير مستحسن خصوصا عند الحاجة إلى ارتكابه لا وجه له إذ عدم المنافاة ظاهر، وأما الإجماع والوفاق مع المبالغة في التجريد فلنمي مذهب المخالف إذ لا يلزم من كونها كلام الله بل من القرآن كونها من الفاتحة، ونقل عن المصنف هنا حاشية، وهي هذان الدليلان يدلان على أنها من القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 لا أنها من الفاتحة اللهم إلا أن يضم إلى الدليل الأوّل في كل محل أثبتت فيه، والى الثاني عما ليس بقرآن في محله والقيدان في حيز المنع انتهى. وأنت تعلم أنه على تقدير تسليم القيدين لا يلزم كونها جزأ من الفاتحة لجواز كونها قرانأ في صدر السورة، وليست جزأ منها، وكون القرآن مفصلاً سورا وسوره آيات فإذا كانت من القرآن كانت من سوره قطعاً ممنوع عند الخصم واذا حمل قوله ليست من السورة عنده على.، ذهب إليه المتقدمون لم يكن المصنف رحمه الله متعرّضا إلا لخلاف من قال: إنها ليست ص، القرآن أصلاً لا لمن قال إنها آية فذة فيلزم من قرآنيتها كونها من الفاتحة لعدم القاثل بالفصل إلا أنه إنما ينفع في إلزام الخصم لا في إثبات المدّعى وهذا تحقيق حقيق بالقبول، وإن كان هـ أعلى أنّ المراد بالسورة في كلام المصنف رحمه الله الجنس لا الفاتحة بقرينة مقابلة وتد مز، وتفصيله في المطوّلات، فاستدل الشافعيّ رحمه الله بهذا الحديث، وما ضاهاه، وتد قيل عاء4 إنه موقوف، وفي سنده ضعف، وهو معارض بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أ / " تعالى قال: < قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدتي عبدي >) 3) الحديث. وما ذكر خبر واحد والمسألة مما يطلب هـ " اليقين. وأجيب بأنه روى من طرف أخرى تقوّى بها وأنّ له حكم المرفوع لأنّ مثله لا يقال. من قبل الرأي، وما رووه من الحديث القدسي مداره على العلاء بن عبد الرحمن وقد ضعمه الم، معين، وهو انفرد بروايته مع احتماله التأويل بأنّ التقسيم لما يخص الفاتحة والبسملة مشتركة بينها وبين غيرها، وردّه ابن عبد السلام رحمه الله بأنّ ظاهره ليس بمراد، لأنّ الصلاة ليست مقسومة بالإجماع بدليل السورة المضمومة بل بعض القراءة، فالتقدير قسمت بعض قراءة الصلاة، وبعض قراءة الصلاة لا يستلزم الفاتحة فالمقسوم بعض الفاتحة، ونحن نقول به انتهى. وفيه نظر بعد، وكونه مما يطلب فيه اليقين قول القاضي أبي بكر الباقلاني، وقد خالفوه حتى قال القرطبي رحمه الله المسألة اجتهادية ظنية لا قطعية، كما ظنه بعض الجهلة من المتفقهة. ) أقول (فيه إنّ القرآن على المشهور إنما ثبت بالتواتر وهو قطعي، فكيف يقال إنّ المسألة ظنية ويجهل من قال بقطعيتها وقد أجيب بأنّ المتواتر كونه منزلاً من عند الفه للإعجاز بنوعه وقرآنيته وأمّا كونه جزأ منه في بعض معين فليس بمتواتر والا لم يسمع الاختلاف فيه، وتحقيقه كما في تفسير السمين المسمى بالوجيز أنّ الأحاديث تدل على أنّ البسملة آية من الفاتحة، وهي متعاضدة محصلة للظن القوي بكونها قرآنآ والمطلوب هنا الظن لا القطع خلافاً لأبي بكر الباقلاني حيث قال: لا يكتفى هنا بالظن، وشنع على الشافعية، وقال: كيف يثبت القرآن بالظن، وأنكر عليه الغزالي رحمه الله، وأقام الدليل على الإكتفاء بالظن، فيما نحن فيه كحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم (1 (والقاضي معترف بهذا، ويتأوّل على أنها كانت تنزل، ولم تكن قرآناً، وليى كل منزل قرآنا قال الغزالي رحمه الله ما من منصف إلا وششبرد هدّا التأويل ويضعفه انتهى. (أقول (هذه مسألة أصولية اختلف فيها وحاصلها أنه هل يكفي فيما نحن فيه الظن لأنّ التواتر إنما يشترط فيما يثبت قرآناً على سبيل القطع كغيرها من القرآن فأما ما يثبت قرآنا على سبيل الحكم فيكفي فيه الظن كما مرّ عن الغزالي ومعنى كونه على سبيل الحكم أنّ له حكم القرآن مبن الكتابة بين الدفتين ووجوب القراءة وهو الأصح عند الشافعية وذهبت الحنفية إلى أن كل ما يشمى قرآنا لا بد فيه من القطع والتواتر في نفسه ومحله كما في سورة النمل، وما بين السور ليس كذلك فحيث انتفى ذلك انتفت القرآنية والشافعية مختلفون في هذه المسألة، فمن ذاهب إلى المنع على الأصح عندهم، ومن ذاهب إلى التسليم مذع لثبوت موجبه لأنّ اثباتها في جميع المصاحف في معنى التواتر وانما لم يتواتر تسميتها قرآنا، وآية بالنقل عنه عليه الصلاة والسلام إذ لو تواتر لكفر جاحدها، وهو لا يكفر بالاتفاق بينهم، ولا ضير فيه إذ لا يلزم من انتفاء تحققه تحقق انتفائه، وهو المذعى لهم. قوله:) وقول أمّ سلمة الخ) هي أمّ المؤمنين رضي الله عنها من كبار الصحابة وسلمة بفتح السين المهملة واللام والميم، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الطبراني وابن مردوية والبيهقي وصحح الدارقطني ما يفيد معناه وحديث أمّ سلمة رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الله عنها لم يثبت بهذا اللفعل، وانما الوارد في طرقه أنه عد البسلمة آية وصحح البيهقي بعض طرقه، وتفصيله في حاشية السيوطي رحمه الله، وقد طعن الطحاوي فيه بأنه رواه ابن مليكة ولم يثبت سماعه منها مع أنه روى عنها ما يخالفه. وأجيب: بأنّ له حكم الاتصال لأنه تإبعي أدركها وعدم السماع خلاف الأصل وقد روى الشيخان ما يعارضه من حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح القراءة بالحمد لله رلث العالمين وتأويله بأنّ معناه يفتتح القراءة بهذه السورة لأنه علم لها خلاف الظاهر، وقد رووا أحاديث كثيرة تؤيده، وقد حمل النفي الواود على نفي السماع والجهر، وقيلى: إنّ عليا رضي الله عنه كان مبالغاً في الجهر فشدد بنو أمية في المنع منه إبطالاً لآثاره، واضطراب رواية أنس فيه لا يبعد أن يكون لخوف بني أمية، ولا يخفى فساده لما فيه من سوء الظن بالسلف، وقول الدارقطني: لم يصح في الجهر حديث يشهد على فساده وما قيل من أن الخلاف في التسمية ينفي تواتر القرآن، فلا بد من القول بعدم جزئيتها حتى يكون القرآن متواتراً ردّ بما في النشر من أنّ هذا الاختلاف كاختلاف القراآت بالزيادة والنقص، ولكنها عند الجمهور ليس لها حكم القرا آت في جواز الترك احتياطا ليحصل الخروح من فرض الصلاة يقينا. قوله: (ومن أجله الخ (بإفراد الضمير أي من أجل اختلاف الرواية، أو من أجل ما ذكر، وفي بعض النسخ من أجلهما بضمير التثنية أي من أجل الروايتين أو الحديثين، فإن قلت: الحديثان متعارضان، وليس هذا مما يقع فيه النسخ حتى يقال: المتأخر ناسخ للمتقدّم ما لم يمكن الجمع بينهما. قلت: قد جمع بينهما بأنّ أمّ سلمة فهمت كونها بعض آية من الوصل والوقف على العالمين، وهو لا يدل على ذلك مع أنّ حديث أمّ سلمة لم يصح بهذا اللفظ، كما في الإتقان. قوله: (والإجماع على أنّ الخ) هو مرفوع لعطفه على أحاديث أو لأنه مبتدأ خبره على أنّ الخ. قيل: من المخالفين من نفي كونها من الفاتحة، ومنهم من نفى كونها في أوّل السورة قرآنا، والمصنف أراد أن يصرح برد كل منهما فأتى بالأحاديث لرد الأوّل وبالإجماع لردّ الثاني والإجماع المشهور قول وفعل، والأوّل أقوى ولذا قدّمه وعبر عن الثاني بالوفاق، وأورد عليه أنهما لا يثبتان كونها جزأ من الفاتحة لما مرّ، وجوابه يعلم مما قدمناه، والمراد بالمصحف هنا المصحف العثماني، وما جرى على وسمه من المصاحف القديمة، وهي مجردة عن أسماء السورة وغيرها فلا يرد أنه يكتب في المصاحف أسماء السور وعدد آياتها، وكونها مكية أو مدنية ولو أطلق، فالمراد بما فيه ما فيه احتمال القرآنية، وهذه خارجة بالإتفافي، والمخصص عقلي فبقي الثاني على عمومه قطعاً وثبت بحجة قطعية أو أمر ظني كما مرّ، فلا يرد أنّ العام إذا خص منه البعض لم يبق حجة قطعا ولا حاجة إلى الجواب بأنه مميز بكتابته بلون آخر أو خط آخر، وما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه من أنّ الفاتحة والمعوّذتين ليست من القرآن لا أصل له، وأن اذكر في مطاعن القرآن من الكلام. قوله: (مع المبالنة في تجريد القرآن الخ) يعني أنّ الإجماع والإتفاق المذكورين مع المبالغة ني تجريده بحسب الظاهر يقتضي أنها من القرآن في ذلك المحل، والمخالف فيه لا يسلمه ويقول: إنه إنما يقتضي أنها قرآن وأمّا كونها من السورة، فلا ولا يرد أنه لا نزاع في هذا الإجماع، فكيف جاز للحنفية مخالفته، وقد روى عن ابن مسعود رضي الله عنه جرّدوا القرآن، ويروى جرّدوا المصاحف أخرجه عبد الرزاق والطبراني عن ابن عباس وعن ابن مسعود أنه كان يكره التعشير في المصاحف، وقال البيهقي: المراد لا تخالطوا به غيره وعن قرظة بن كعب أنه قال لما خرجنا إلى العراق قيل: إنكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدوقي النحل، فلا تشغلوهم بالأحاديث، فتصدوهم وجرّدوا القرآن كما في غريب الحديث. وفيه أنه يحتمل أمرين التجريد في التلاوة وأن لا يخلط به غيره والتجريد في الخط، والنقط والتعشير حتى قيل يكره نقطه وشكله وأوّل من فعل الأوّل أبو الأسود الدؤلي، وأوّل من فعل الثاني الخليل بن أحمد، والمتأخرون على أنه بدعة حسنة، وقيل: هو أمر بتعليم القرآن وحده دون غيره من كتب الله لتحريفها. قوله: (حتى لم يكتب آمين) غاية لتجريد القرآن عن غيره، لأنها أبعد أفراد ما ليس بقرآن عن عدم الكتابة لأنها مأمور بذكرها بعدها، ولذا قيل إنه دليل على السلب الكلي المستفاد من المبالغة في التجريد، وهو لا شيء مما ليس من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 القرآن أذن في كتابته لأنّ أنسب الأشياء بالإذن آمين، فإذا لم يؤذن فيه كان غيره أولى، وقد قيل عليه لا نسلم هذا بل أنسب الأشياء مما ليس من القرآن البسملة، فإنّ من ذهب إلى أنها ليست من القرآن يقول أثبتت فيه للتبرك والفصل، والإذن من الشارع إلى غير ذلك مما لا يوجد في آمين ولا يخفى أنه محل النزاع 0 قوله: (والياء متعلقة بمحذوف الخ (تقديره أي تقدير المحذوف وحروف الجرّ تسمى حروث- الإضافة أيضاً وهي تفضي بمعاني الأفعال وما أشبهها، وما يفضي بمعناه يسمى متعلقا لها بفتح اللام وهي متعلقة بكسرها وقد يعكس ذلك، ثم قال: وسائر الظروف منها ما هو لغو، وما هو مستقرّ بفتح القاف لأن معنى العامل استقرّ فيه فهو من الحذف والإيصال، واختلف في تفسيرهما فقيل: اللغو ما يكون عامله مذكوراً، والمستقرّ ما يكون محذوفا مطلقاً، وقيل: المستقرّ ما يكون عامله عامّا من معنى الحصول والاستقرار، وهو مقدّر واللغو بخلافه كما في اللب، ويسمى مستقرّ التقدير معنى الاستقرار، والمفهوم من اللب وشرحه أنّ اللغو ما يكون عامله خارجا عن الظرف غير مفهوم منه سواء ذكر أو لا والمستقرّ ما فهم منه معنى عامله المقدر الذي هو من الأفعال العامة، ولما كان تقدير الأفعال العامة مطرداً اعتبره النحاة، وفسروا المستقرّ بما عامله محذوف عام وكائن المقذر هنا من كان التامة، وإلا تسلسلت التقديرات، كما قاله الفاضل الشارح، وتقديره خاصاً هنا لأنه أولى عند قيام قرينة الخصوص، وأتم فائدة وكون هذا لغواً أو مستقرّا علم مما ذكر، والحاصل أنّ متعلقه أما مذكور أو محذوف، وعلى الثاني مؤخر أو مقدم عام أو خاص، فعل أو اسم، مفرد أو جملة، ويضم له معاني الباء فتزيد احتمالاته على ثلاثين، واختار المصنف منها كونه فعلاً خاصاً مؤخرا، وفي الكشاف تقديره أقرأ أو أتلو إشارة إلى أنه لا يتعين هنا لفظ بل كل ما يؤذي هذا المعنى ولظهوره تركه المصخف فلا يتوهم أنّ الأحسن ذكره كما قيل. قوله: (بسم الله أقر " بلفظ المضارع ورجح بعضهم تقديره ماضيا لوروده كذلك كما في الحديث " باسم ربي وضعت جنبي " (1 (ومنهم من قدره أمرا وعن الفراء أنه قال المقدّر فعل أمر لأنه تعالى قدم التسمية حثا 4 للعباد على فعل ذلك، فالتقدير ابدؤا أو اقرؤا ورواه السيوطي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المناسب لتعليم العباد الآتي. قوله: (لأن الذي يتلوه مقروء الخ) ضمير يتلوه للفظ التسمية، ومقروّ بتشديد الواو وتخفيفها قبل همزة لأنه يقال: صحيفة مقروّة ومقروأة ومقرية، والمراد بما يتلوه ما جعل التسمية مبدأ له، وفي الحواشي الشريفية فإن قلت: الأولى أن يقال لأنّ الذي يتلوه قراءة لأنّ المقصود افتتاح القراءة بالتسمية كما يدل عليه قوله وكذلك يضمر كل فاعل الخ قلت: المراد بتلو المقروّ تلو القراءة لاستلزامه إياه وانما ترك ذكره ودلّ عليه يتلو المقروّ رعاية للمجانسة بين التالي والمتلو إذا أمكنت، وبيانه أنّ البسملة يتلوها فيما نحن فيه شيئان. أحدهما: من جنسها ويتلو ذكره ذكرها وهو المقروّ. والثاني: من غير جنسها، ويتلو وجوده ذكرها، وهو القراءة، وتلو كل واحد منهما مستلزم تلو الآخر، فصرّح بتلوّ الأوّل ليفهم الثاني مع المحافظة على التجانس، وإنما قلنا إذا أمكنت الرعاية، لأن تسمية الذابح مثلاً لا يتلوها إلا الذبح لتبع وجوده لذكرها، وأمّا المذبوح فلا يتغ ذكرها لا في الوجود ولا في الذكر فلا يستقيم أن يقال ما يتلو التسمية مذبوح انتهى. فإن قلت على تقدير كونها من القرآن أو السورة كيف يتأتى تقدير أقرأ فعل المتكلم وهي متقدمة على قراءة هذا القارىء بل على وجوده وكيف يتأتى أن يقال القراءة قرينة لهذا المقدر، فينبغي أن يقدر اقرؤا من أمر الله للعباد ليتحد قائل الملفوظ، والمقدر، ويكون على نسق ما نطق به التنزيل. قلت: الظاهر أنه على هذا يقدر قبل قراءة كل قارىء ويكون إخباراً منه تعالى عما يصدر من عباده وليس المراد باقرأ متكلما مخصوصا، بل من يصح منه التكلم على حد قوله: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 27] وبعد الوقوع ينوي كل بالضمير نفسه كما في الاستفتاح بقوله: " وجهت وجهي " الخ ومن هنا يتبين لك وجه جعل القرينة المقروّ دون القراءة، لأن ذلك القدر اقتضى تقديره في الأزل يدل عليه المقروّ قبل وجود القراءة، فعبر به المصنف رحمه الله بناء على مذهبه، والزمخشري ليشمل المذاهب فلا حاجة لما ذكره قدس سره ولا للاعتذار بأنّ القرينة اللفظية أظهر، ثم قوله إنّ المذبوح الخ إن أراد به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الشاة وإن لم تذبح، فمثله لا يسمى مذبوحا حقيقة، وان أراد بعد تعلق الذبح به، فكونه لا يليه في الوجود غير مسلم إذ المذبوح من حيث هو مذبوح تال له بلا مرية، فإن قلت مقدّرات القرآن هل هي منه حتى يطلق عليها كلام الله أم لا قلت: معانيها مما يدل عليها لفظ الكتاب التزاما للزومها في متعارف اللسان فهي من المعاني القرآنية، وأمّا ألفاظها فليست منه لأنها معدومة، ومنها ما لا يجوز التلفظ به أصلاً كالضمائر المستترة وجوبا، وأمّا جعلها مقدرة فامر اصطلاحي ادّعاه النحاة تقريبا للفهم، فانظره فإنه من الحور المقصورات في الخيام، ثم إنّ في جريان هذا التقدير على القول بأنها آية فذة، ولذا وقف عليها بعض القراء نظر أو بتفسير ما يتلوها بما مر مما قصد جعله تالياً لها، وجعلت مبدأ له، وان كان يقارنه غيره سقط ما قيل من أنّ الذي يتلوها، كما وقع عليه القراءة وقع كثير من الأفعال، ككونه ملفوظا ومحدثا ومؤلفا وغير ذلك، والمراد بقوله: كل فاعل الفاعل الذي جعل التسمية مبدأ لفعله بقرينة السياق لسقوط غيره عن درجة الاعتبار، والمراد بالإضمار معناه اللغوي أي أنّ كل فاعل يتصوّر ما هو بصدده من الأفعال، فالظاهر أن يقدر بحسب الصناعة ما يليق به، فلا يرد عليه ما قيل لا نسلم أنّ كل فاعل يضمر اللفظ المذكور بل يقصد المعنى، وينويه ولا حاجة إلى الجواب: بأن النفس تعوّدت ملاحظة المعاني، وأخذها من الألفاظ حتى تناجي نفسها بألفاظ متخيلة كما نقله السيد عن ابن سينا، وان كان هذا أمراً عقليا وجدانياً لا منطقيا اصطلاحيا كما توهم، ثم اختار مقروّا على متلوّ مع ما فيه من التجنيس حتى قيل: إنّ تقديره أحسن لما فيه من الإبهام المشوس لذهن السامع فما اختاره أظهر، وبمقام التفسير أنسب قوله:) وكذب يضمر الخ) أي كالقارىء الذي يضمر القراءة التي جعلت التسمية مبدأ لها يضمر الخ، وهذا تتميم للفائدة بوضع قاعدة مطردة كلية في تقدير كل متعلق باسم الله، وقد تبع 10 لمصنف في هذه العبارة الزمخشري، وفيها تسامح كما في عامة حواشيه، فإنّ التسمية جعلت مبدأ للفعل الحقيقي كالقراءة والحلول والإرتحال، والمضمر الفعل النحوي الدال عليه فلا بد من تقدير في الكلام في آخره بأن يقدر ما جعل التسمية مبدأ لمعناه أي معنى مصدره، وهو معناه التضمني أو في أوّله بأن يقدر لفظ ما تجعل التسمية مبدأ له وهذا مختار الشريف تبعا للشارح المحقق، وتبعه المحشون للكشاف وهذا الكتاب، وقد قيل عليه إنّ اعتبار الحذف قبل مسيس الحاجة إليه غير مرضي وهنا كما يحتمل أن يكون المراد بكلمة ما في عبارتهم المذكورة المعنى يحتمل أن يكون اللفظ، ووقوعها بعد قوله يضمر الخ يقتضي الثاني، فالأول الحمل عليه بلا تقدير، فإذا جاء قوله ما جعل التسمية الخ مست الحاجة للتقدير فيقدر فيه معنى، ويؤيده أنّ ما جعل التسمية مبدأ له الفعل الحقيقي أي القراءة، والمضمر فعل اصطلاحي، وهو أقرأ والقول بأن أقرأ لفظ للقراءة، كما اقتضاه تقديرهم غير متعارف بخلاف القول بأن القراءة معنى أقرأ اللازم لتقديرنا، فإن معنى اللفظ يراد به المعنى التضمني كثيرا، وقيل عليه أيضا إن هذا الإضمار إنما يحسن لو كان المقدر مصدراً، وقد يقال يجوز أن يراد بالإضمار الإخفاء في القلب لا الحذف، فيتعلق بالمعنى لكنه لا يلائم المشبه به، أو يجعل ما مفعولاً لفاعل، وفيه أنّ المقصود بالبيان التقدير، ولم يحصل إلا أن يقال علم من التشبيه، وقد يوجه بالاستخدام بأن يراد بلفظ ما اللفظ وبضميرة المعنى. (أقول) : ما ذهب إليه الشراح هو الأظهر، وكونه قثل الاحتياج إليه أمر سهل، فإنّ المبادرة إلى الإصلاح أصلح وأوضح، واذا كان جزء المعنى يطلق عليه معنى فلا بعد في جعل اللفظ له، وما ذكر من كون المقدّر مصدرا غير صحيح لما عرفت من أنه معنى تضمني لا مطابقي، فإن قلت: الذابح مثلاً إذا ذكر البسملة يريد التيمن بالقرآن وتقدير أذبح لا يناسب كونها قرآنا، وتقدير أقرأ لا يناسب فعله قلت: هذا تخيل فاسد تخيله بعض الناس، وليس بشيء، فإن كالاقتباس لفظه منقول من لفظ القرآن إلى معنى آخر كما نبه عليه علماء البديع، فإن قلت كيف قيل هنا بالاستخدام، وتعريفه لا يصدق عليه، لأنه ليس هنا معنيان برجع الضمير لأحدهما قلت: هو كقولك بعته بدرهم ونصفه، وسيأتي بيانه في قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} [فاطر: اا] الآية ولفظ ما عام عموما بدليا، وقد أريد به أحد ما يصدق علبه، وأرجع إليه الضمير باعتبار الآخر مع أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 أبا عذرته لم يصرح بالاستخدام ومن لم يقف على مراده قال إنه غير صحيح، وغاية توجيهه أنّ كل لفظ إذا أطلق يصح أن يراد به معناه الموضوع له ونفس لفظه كما في نحو ضرب فعل فما عبارة عن الفعل باعتبار لفظه أو باعتبار معناه ولا يخفى فساده، فإنه لم يؤت بلفظ الفعل ولا بما يصدق عليه بل بما المكنيّ به عنه فتدبر. قوله: (وذلك أولى الخ) ردّ على من زعم أن تقدير الإبتداء أولى لأنهم يقدرون متعلق الظرف المستقرّ عاما كالكون والحصول، ولأنه مسثقل بما قصد بالتسمية من وقوعها مبتدأ بها، فتقديره أوقع في المعنى ولا يرد عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} لأنّ الأهم هنا فعل القراءة لا الابتداء لوقوعه في أوّل البعثة قبل أن يألف القراءة المطلوبة منه، ولذا صرح به وقدم، وردّه صاحب الإنصاف بأن تقدير الخصوصيات أحسن وأليق بالمقام، وأولى بتأدية المرام لأن تقدير أقرأ يدل على تلبس القراءة كلها بالتسمية على وجه التبرك والإستعانة وابتدىء يفيد تلبس ابتدائها، وتقدير النحاة لا يجد به لأنه تمثيل، وتقريب اقتصروا عليه لإطراده، وأذا قامت قرينة الخصوص نحو زيد على الفرس، فلا شك في أنها أولى، وأمّا قوله إنّ الغرض وقوع التسمية مبتدأ بها فمسلم لكن معناه أن يجعل في الأوائل سواء قدز لفظ الابتداء أو لا، وقد قيل إن في تقدير أقرأ امتثالاً للحديث فعلاً فقط، وفي تقدير أبدأ امتثالاً له قولاً وفعلاً، ولا شك أنه أولى. (قلت) هذه مغالطة لا يلتفت إليها بعد ما نوّر. شراح الكشاف لأن الامتثال القوليّ إن أراد به أنّ معنى قوله لا يبدأ فيه باسم الله لا يقدر فيه أبدأ فغير صحيح لأنه أمر اصطلاحي حادث بعد عصر النبوّة فلا يصح حمله عليه وان أراد مجرّد الموافقة اللفظية، فيعارض بما يرجح مقابله كإفادة تلبس الفعل كله بالتبرك ونحوه، وفي بعض الحوإشي فإن قلت الحديث المشهور المستدعي للابتداء بالبسملة، ووقوعها في الابتداء قرينة ظاهرة على تقدير أبدأ قلت: لا يصلح شيء منهما لذلك أمّا الحديث، فلأنه يستدعي تقدّم البسملة على الأمر ذي البال، والتلفظ بها في ابتداء ذلك الأمر ولا يستدعي تقدير ابتدىء أو فعل آخر، وأمّا الوقوع في الابتداء، فإنه وان صلح مع حث الشارع على وقوعه فيه قرينة لكنها ليست بظاهرة لأنه لو كفى قرينة على تقدير أبدأ لكفى الوقوع في النهاية والوسط على تقدير الانتهاء والتوسط، وليس كذلك، وهو كلام حسن، وفي قول المصنف رحمه الله لعدم ما يطابقه إشارة ما إليه إذ معناه أنّ كل ما صرح فيه بالمتعلق ذكر مخصوصاً نحو باسمك ربي وضعت جنبي وغيره مما ضاهاه، وقيل: المراد عدم ما يطابقه في القرآن لوقوع القراءة مستعلقاً في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ا] ولم تقع الباء فيه متعلقة بإبدأ، وردّ بأنه في الآية ليس تعلقه به متعيناً، ولو سلم فلا يلزم كون ما في أوائل السور مثله، ولذا قيل: إنّ المطابقة بهذا الاعتبار لا تصلح مرجحاً بدون ملاحظة ما ذكر عند وجود القرينة الدالة على تعيين المحذوف في محل التكلم، فلا يلتفت إليها فيصلح لأن يعتبر ضميمة لا استقلالاً. (بقي ههنا بحث) وهو أنّ الشريف كغيره قال في تقرر تقديره عاماً زعم بعض النحاة أنّ تقدير الابتداء أولى فيقال بسم الله ابتدىء القراءة مثلاَ، ولا يخفى أنّ ابتداء القراءة أخص من القراءة لا أعم لصدقها على قراءة الأوّل والوسط والآخر واختصاص ابتداء القراءة بالأوّل وليس هذا هو الكون، والحصول الذي قدره النحاة حتى يحتاج إلى الجواب وما قيل من عموم ابتدئ باعتبار أنه منزل منزلة اللازم لكته يعلم بقرينة المقام أنّ المبتدأ به هو القراءة، أو باعتبار أصل العامل في الجميع لا يخفى فساده، فإنه إذا دل المقام على إرادته ما معنى تنزيله منزلة اللازبم حينئذ وكونه باعتبار الأصل لا يدفع السؤال باعتبار الحال فتدبر. قوله: (لعدم ما يطابقه وما يدل عليه) وفي نسخة ويدل عليه بدون ما والضمير المرفوع للموصول والمنصوب لأبدأ، والمراد بما يدل عليه القرينة الدالة عليه دلالة ظاهرة، وإن وجد الدليل في الجملة، فلا يرد عليه أنه يدل على عدم صحة إضمار أبدأ لا على مرجوحيته، وقوله أولى يدل على خلافه فإنّ ابتداءه بالبسملة قرينة لإرادة البدء لكنها في الظهور ليست بمنزلة الأولى، فسقط أنّ وقوعه في الابتداء دال عليه كغيره من الدلالات الحالية إذ لا قرينة إلا مقارنة الفعل وهي داعية إلى تقدير شيء من جنسه لا إلى تقدير الابتداء وقيل معنى قوله: وذلك أولى أن إضمار كل فاعل ما جعل التسمية مبدأ له أولى من إضماراً بدأ لعدم ما يطابقه فيما إذا كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الفعل الواقع بعده غير ممتدّ، ولا يخفى بعده. وأمّا كون تالي التسمية ما يصدق عليه مقروء لأنفسه فسهل لأنّ تحقق ما يصدق عليه الشيء تحقق له، وقد يقال يمكن اعتبار مثله عند تقدير ابدا لأن الفعل المبدوء بالتسمية يصدق عليه المبدوء بها، وقد أجيب عته بأنّ عنوان القراءة أقرب إلى الفهم لأنه المقصود من التصدير بالتسمية، وفيه نظر ظاهر. قوله: (أو ابتدائي لزيادة إضمار فيه) ومو إضمار المصدر وفاعله والخبر سواء جعل الجار والمجرور متعلقاً بالمصدر المذكور أو خبراً، وسواء قدر ابتدائي أو بدئي وهذه احتمالات عقلية والا فكلامه مقتض لتعلق الجار بابتدائي والسياق صريح فيه، ويلاحظ هذا مع ما مر من عدم المطابقة والدلالة، وأقرأ وان كان جملة فعلية والفاعل مستترة، وأقل لما مرّ ودلالة الإسمية على الثبوت معارضة بدلالة المضارع على الاستمرار التجددي المناسب للمقام، وقيل زيادة الحذف هنا باعتبار زيادة الحروف فلا بد أن حذف الجملة ليس أقل من حذف المضاف والمضاف إليه، وأورد عليه أن النظر هنا متوجه إلى المعنى كما مرّ في كلام الكشاف في ذكر أقرأ وأتلو، وهنا لو قذر بدئي لا زيادة له في الحروف وانما ارتكب هذا التكلف بناء على أنّ أهل المعاني لا يطلقون الحذف على إضمار العام، وأنت تعلم أن كلا منا في زيادة الإضمار سواء أطلق عليه الحذف عند أهل المعاني أم لا، ثم إنّ المصنف رحمه الله لما أتمّ الكلام على تقديره فعلاً خاصاً شرع في بيان تقديمه. قوله: (وتقديم السول ههنا أوقع الخ) هنا إشارة إلى البسملة في أوائل السور، وأوقع بمعنى أحسن مرقعاً وأنسب بمقامه يقال: إنه ليقع مني في موقع مسرة وله موقع حسن كما في الأساس، وقيل: أوقع بمعنى أثبت وأمكن من وقع الحق إذا ثبت وثباته باعتبار وقوعه في محل يقتضيه الحال، وفي نسخة بدل المعمول المفعول أي المفعول بواسطة حرف الجر وقوله ههنا للاحتراز عن نحو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: أ] مما يقتضي المقام تقديم عامله لأنه أوّل نازل من الآيات اهتماما بثأن القراءة وان كان اسم الله أهم في ذاته كما سيأتي. قوله: كما في قوله: {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا} [هود: 41] تنظير له باعتبار المتبادر لا استشهاد ونقل الفاضل الليثي هنا حاشية عن المصنف رحمه الله وهي أي على تقدير أن يكون معناه مجراها وفي نسخة مجراة بالنصب والتنوين باسم الله وجوز فيه غير هذا الوجه انتهى. يعني أن التمثيل به على تقدير أن يكون عاملاَ في باسم الله بناء على وجواز تقديم معمول المصدر عليه مطلقا، واذا كان جاراً ومجروراً لأنه مصدر ميمي بمعنى الإجراء والإرساء أي ذلك باسم الله لا بهبوب الرياح والقاء المرساة بكسر الميم وقيل إنه إشارة إلى وجه كون الجملة الإسمية حالاً بدون الواو لأنها في تأويل المفرد كما في قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36] أي متعادين وفيه نظر ستراه ثمة، وقيل: هو تنظير لمجرّد التوضيح حيث قذم فيه هذا الظرف بعينه إلا أنه مستقز، وفيما نحن فيه لغو فدل على تقدم المتعلق هنا خصوصاً على القول بأنّ المبتدأ عامل في الخبر والاستشهاد أيضا، إنما يتأتى إذا جعل اسم الله خبرا لمجراها لا متعلقا باركبوا كما أشار إليه المصنف رحمه الله حيث قال إنه حال من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين باسم الله وقت إجرائها وإرسائها أو مكانهما على أنّ المجرى والمرسي للوقت أو المكان أو المصدر والمضاف محذوف كقولك آتيك خفوق النجم وانتصابهما بما قدر حالاً أو جملة اسمية من مبتدأ وخبر انتهى. وقيل عليه: إنّ الاستشهاد ليس بصحيح على الوجوه كلها لأنها منافية له، ودفعه يعلم مما مرّ، واياك نعبد مثال لتقديم مطلق المعمول. قوله: (لآنه أهم الخ) الظاهر أنّ الضمير للمعمول فإن أهميته تقتضي التقديم حتى صار قولهم المهم المقدم كالمثل كما قال: فقلت له هاتيك نعمى أتمها ودع غيرها إنّ المهم المقدم لكن قوله أدل وما بعده يقتضي كون الضمير للتقديم لأنها من صفاته إلا أن يكون فيه تقدير تقديمه ولذا قيل إنّ الضمير للتقديم وإن كان أهميته باعتبار ما أضيف إليه لأنّ قوله أدل وما بعده معطوف على أهم ولا يصح أن يقال المعمول أدل إلا بتكلف أن يكون المراد وتقديمه أدل بحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه وفيه ما فيه، وأهميته ذاتية لاشتماله على اسم الذات الأقدس المعبود بحق لأن الاستعانة نصب خاطره في كل أمر خطر، ولظهوره لم يصرح بوجه الأهمية فيه، فلا يرد عليه ما قيل إنه لا يكفي أن يقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قدم كذا للأهمية من غير بيان وجه الاهتمام كما صرح به الشيخ عبد القاهر، فالظاهر أن يقول لأنه أدل على الاختصاص ولا يجوز أن يكون عطفاً تفسيريا لأنه لا يحسن تفسير الشيء بما يوجبه، وكلام المصنف رحمه أدلّه صريح في خلافه أيضا فسقط ما قيل من أنّ الردّ على المشركين المبتدئين بأسماء الأصنام منوط على الاختصاص المستفاد من التقديم وقيل عليه إنه من فوائد الاختصاص المذكور، فلا وجه لجعله من نكات التقديم نعم لو قلنا إن المشركين يبتدؤن أفعالهم بذكر آلهتهم الباطلة، فالمنأنسب لنا الابتداء بذكره سبحانه لكان وجها انتهى. وقد عرفت مما قدمناه ما يغنيك عنه ومن الناس من جعل أدل وما بعده معطوفا على أوتع، وقال: لما كان دليل الوسطين معلوما، ودليل الطرفين غير معلوم تعرّض للأوّل بقوله لأنه أهم وللرابع بقوله فإنّ اسمه الخ واكتفى بذلك لأنّ دليلهما دليل الوسط بعينه، وقول عبد القاهر، إنهم لم يعتمدوا في التقديم شيأ يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، ونقله عن سيبويه ليس لإبطال إفادته الحصر كما توهمه ابن الحاجب وأبو حيان بل إشارة إلى أنّ العناية أمر كلي مجملى لا بد له من وجه كالتعظيم والاختصاص، ولذا قيل إن قوله وأدل الخ بيان وتفصيل للأهم لكنه كان الأظهر أن يقول لأنه أدل، واعتذر له بأنه إشارة إلى تمييز الأهمية الناشئة من ذاته عن غيرها، وحذف متعلق اسم التفضيل لمعلوميته والقصد لأهميته أي أهم من غيره كالعامل، وقيل: إنه مجرّد عن التفضيل مؤوّل باسم الفاعل أو الصفة المشبهة. قوله: (وأدل على الاختصاص) أمّا الاختصاص فلابتداء المشركين بأسماء آلهتهم استعانة وتبركا فقطع الموحد عرق الشرك باختصاصه ردّاً عليهم وقوله أدل يستدعي وجود أصل الدلالة بدون التقديم ووجه بأنّ التخصيص بالذكر قد يفيد الحصر بمعونة السياق وتعليق الحكم بالأوصاف يشعر بالعلية وانتفاء العلة يستلزم انتفاء المعلول في المقام الخطابي إذا لم تطهر علة أخرى فيفيد الاختصاص أيضاً، فكأنه قيل باسمه أقرا لأنه الرحمن الرحيم لا سيما عند القائل بمفهوم الصفة لإشعاره بأنّ من لم يتصف بها لا يتبرك باسمه وقيل: الظاهر أنّ المراد بالاختصاص مطلق التعلق لا الحصر، فيكون التقديم المفيد للحصر دلالته أظهر على اختصاص القراءة باسم الله وتكلفه غني عن البيان، ثم إنّ هذا القصر كما قالوه قصر إفراد لأنهم لا ينكرون التبرك باسم الله تعالى، فإن قلت: المعروف في قصر الإفراد أنّ المخاطب بالكلام الواقع فيه يعتقد أن المتكلم مشرك لصفتين، أو أكثر في موصوف واحد، أو لموصوفين فأكثر في صفة واحدة، والمخاطب بقصر القلب يعتقد أن المتكلم بعكس الحكم، وما نحن فيه ليس كذلك كما لا يخفى قلت: هذا مما اعترف بوروده بعض الفضلاء وفي شرج الفاضل المحقق ما يشير إلى الجواب عنه بأنه غير لازم، وإن ترك القوم بيانه في كتبهم، والشارج المحقق جعل قصره قصر إفراد وتبعه فيه السيد السند ولم يجزم به لاحتمال كونه قصر قلب لأنّ ابتداءهم بأسماء آلهتهم لما كثر وقوعه منهم على الإنفراد قلبه الموحد، ثم إنّ اعتبار مخاطب لكل موحد غير من خاطبه في غاية التكلف وتوجيه السعد رحمه الله له بأن المشركين لما كانوا يبتدؤن بأسماء آلهتهم كان مظنة أن يتوهم المخاطب أن سائر الناس كذلك تعسف بعيد، وقال قدس سره: التقديم من المشركين لمجرّد الاهتمام لا للإختصاص، فوجب على الموحد أن يقصد قطع شركة الأصنام لئلا يتوهم تجويز الابتداء بأسمائها، وكتب في حواشيه أنه لردّ السؤال السابق وهذا القدر كاف في قصر الأفراد إذ لا يجب أن يكون معتقداً للشركة بل ربما كان متوهما وهنا مظنة توهم الشركة، وأورد عليه أنه ادّعاء منه مخالف لما صرح به أهل المعاني إلا أن يقال أنه ليس قصر أفراد على الحقيقة بل على التشبيه، وتنزيله منزلته. (وأنا أقول) : ليت شعري ما الداعي لما ارتكبوه من التكلفات مع إمكان جعله قصرآ حقيقيا ولو ادّعائيا حتى لا يحتاج فيه إلى مخاطب ولا إلى اعتقاده فمرد الموحد التبرك في أفعاله باسم الله لا اسم غيره وهو يتضمن الردّ على المشركين فإياك من الوقوف في حضيض التقليد إذأ أمكنك الصعود لقصر التحقيق المشيد، وأمّا توهم التنافي بين قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وبين الاستعانة باسمه في البسملة الكريمة بناء على أنّ الباء للاستعانة فما لا ينبغي أن يذكر وان تكلف له بعض المتأخرين بأنه هنا استعانة توسل، والمنفي ثمة استعانة تحصل المستعان فيه، ثم إنه قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 في الكشاف: فوجب على الموحد أن يقصد معنى اختصاص اسم الله بالابتداء، وذلك بتقديمه، فأورد عليه أنه لا يناسب ما هو بصدده من ترجيح تقدير أقرأ مؤخرأ ولذا قيل إنّ المصنف حذفه لذلك وان وجه بأنه إشارة إلى جواز تقدير ابتدىء أيضا، وبأنه أراد ابتداء الفعل الذي شرع فيه كالقراءة لا مفهومه الحقيقي وقد قيل إنه إيماء إلى دفع مناقشة أخرى وهي كيف يكون قصر الموحد ابتداء قراءته، ونحوها باسمه تعالى ردا على المشرك الذي لا يقرأ أبدا وانما يصير ردّاً عليه لو حصر مطلق الابتداء، وقد مرّ أنه يكفي فيه التوهم فيذكره ثم إنه أورد على قول الزمخشري وغيره أنّ تقديم الفعل في قوله: (اقرأ باسم ربك) أوقع لأنها أوّل ما نزل، فالأمر بالقراءة فيه أهم كما مر أنّ هذا العارض وان كان يقتضي أن يكون الأمر بالقراءة أهم إلا أنّ العارض الأوّل وهو ابتداء المشركين باسماء اكهتهم يقتضي أن يكون اسم الله تعالى أهم، فأنى يرجح هذا على ذاك وكان السكاكي نظر إلى هذا حيث جعله متعلقاً باقرأ الثاني، ويمكن أن يقال لما تعارض العارضان قدّم العامل على المعمول بحكم الأصالة انتهى. (قلت) : الظاهر أنّ المراد أنه نازل أوّلاً على النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم فأمر فيه بالقراءة ليتدرّب لتلقي الوحي من غير قصد إلى أمره بتبليغ ولا إنذار حنى يقصد فيه الردّ على من خالفه ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارىء) 1 (فلا حاجة إلى ما ادّعاه مما لا يقتضيه المقام ولا فحوى الكلام فتدبر. قوله: (وأدخل في التعظيم الخ) من قولهم هو حسن الدخلة، والمدخل أي المذهب في أموره من دخل بمعنى جاز، والمعنى أنّ دلالة وتسببا في تعظيمه، وأتى بأفعل لأنّ الابتداء به والتبرك فيه تعظيم له فإذا قدم على متعلقه المقدر كان أقوى في ذلك وقيل في تعظيم الاسم تعظيم المسمى. وقوله: (وأوفق للوجود من وفق أمره) أي وجد موافقا أو حسن كما في شرح أدب الكاتب لا من وافقه حتى يكون على خلاف القياس، والمراد بكونه أكثر موافقة للوجود أي لما في الخارج أو نفس الأمر أنّ اسمه تعالى مقدم على القراءة والمقروء، فتقديمه على عامله المقدر أوفق من تأخيره تقديرا، وقيل: لأنّ ذات واجب الوجود قبل كل موجود واسم السابق سابق فتدبر فإن قوله إن اسمه تعالى مقدّم على القراءة يأباه، ثم إنه أيد ذلك بوجه يدل على مغنى الباء ويدخل به لتفسيرها، وهو قوله كيف لا الخ ولفظة لا سقطت من بعفى النسخ فقدّرها بعضهم أي كيف لا يكون اسمه تعالى مقدما على القراءة، وقد تقدم عليها بالذات، ومن حيث الكمال والاعتداد بها شرعا لأنها جعلت آلة، وهي لا بد من تقدمها في الوجود. وقوله:) من حيث الخ) بيان لجعلها آلة على أنّ الباء للإستعانة والظرف لغو باعتبار أنّ الفعل لا يتم ويعتد به شرعا ما لم يصدر بالتسمية أي تجعل في أوّله لأنّ الصدر إستعير للأوّل اسنعارة مشهورة حتى صار كأنه حقيقة فيه فمعنى كونه ا-لة له توقفه عليه حتى كأنه فعل به، فلا يرد عليه أنّ مذهب الشافعية أنها من الفاتحة فلا يناسب جعلها للآلة المغايرة لما يستعان بها فيه ولا أنّ الآلية تقتضي الامتهان فلا يلائم التعظيم والآلة هي الواسطة بين الفاعل ومنفعله في وصول الأثر إليه وقوله ما لم يصدر أي جميع أوقات عدم التصدير فتدبر. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام كل أمر الخ) الأبتر هو الناقص الآخر والمقطوع الذنب ولذا قيل لمن لا عقب له أبتر واستدل بالحديث على ترجيح الآلة لدلالته على عدم التمام بدونها التزاما بخلاف المصاحبة فإنها لا دلالة لها على ذلك فلا توافق معنى الحديث وفي طبقات السبكي رحمه الله روى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو، دطع " (2) ورواه البغوي بحمد الله والكل بلفظ " أ-دطع) وعن ابن شهاب " أجذم " وأدخل الفاء في الخبر وليس في أكثر الروايات، وقد يروى " كل كلام " وجاء موضع أقطع أجذم وأبتر، وجاء الجمع بينهما، وجاء موضع يبدأ يفتتح، وموضع الحمد الذكر، ويروى أيضا ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد وقع الاضطراب في هذا الحديث سنداً ومتناً، ثم قال: والحمل على الذكر الأعم أولى لأنّ المطلق إذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل على واحد منهما ويردّ إلى أصل الإطلاق، ثم إنّ الحديث في فضائل الأعمال فيغتفر فيه ذلك لا سيما وقد تقوّى بالمتابعة معنى إلى آخر ما فصله، فقول ابن حجر رحمه الله: إنا لم نجده بهذا اللفظ، فكأنه رواية بالمعنى وقريب منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ما في الكشف لا يلتفت إليه، فإنّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، وفي لفظ أبتر مبالغة في نقصانه حتى كأنه سرى لآخره وقيل فيه ترك للمبالغة فإنّ الحيوان المقطوع الرأس منتف بالكلية لا المقطوع الآخر والبال الشأن والحال وأمر ذو بال أي شريف عظيم يهتم به والبال القلب في الأصل كأنّ الأمر ملك قلب صاحبه لاشتغاله به، وقيل: شبه الأمر العظيم بذي قلب على الاستعارة المكنية والتخييلية، والوصف به تقييدي لتعظيم اسمه تعالى حيث ابتدىء به في الأمور المعتد بها دون غيرها، وللتيسير على الناس في محقرات الأمور، والتصدير عرفي أو شامل للحقيقي، والإضافي فلا تعارض بين الروايات، وشهرته تغني عن ذكره. قوله: (وقيل الباء للمصاحبة) اختار كونها للاستعانة مخالفا للزمخشريّ في ترجيح المصاحبة لأنها أعرب وأحسن. قال قدس سره: أمّا أنها أعرب أي أدخل في لغة العرب أو أفصح أو أبين فلأن باء المصاحبة والملابسة أكثر في الاستعمال من باء الاستعانة لا سيما في المعاني وما يجري مجراها من الأفعال وأمّا أنها أحسن أي أوفق لمقتضى المقام، فإن التبرك باسم الله تعالى تأدّب معه وتعظيم له بخلاف جعله آلة فإنها مبتذلة غير مقصودة بذاتها، ولأنّ ابتداء المشركين بأسماء آلهتهم كان على وجه التبرك فينبغي أن يردّ عليهم في ذلك ولأن الباء إذا حملت على المصاحبة كانت أدل على ملابسة جميع أجزاء الفعل لاسم الله منها إذا جعلت داخلة على الآلة، ولأنّ التبرك باسم الله معنى ظاهر يفهمه كل أحد ممن يبتدىء به والتأويل المذكور في كونه آلة لا يهتدى إليه إلا بنظر دقيق، ولأنّ كون اسم الله تعالى آلة للفعل ليس إلا باعتبار أنه متوسل إليه ببركته فقد رجع بالآخرة إلى معنى التبرك، وقد أيد الوجه الأوّل بأنّ جعله آلة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل ويشتمل على جعل الموجود لفوات كما له بمنزلة المعدوم ومثله يعد من محسنات الكلام انتهى، وقد أيد الثاني أيضا بأن جعل اسمه آلة لقراءة الفاتحة لا يتأتي على مذهب من يقول بأنّ البسملة من السورة، ومنهم المصنف رحمه الله فاللائق جعل الباء للمصاحبة ومما يستأنس به للمصاحبة كما ذكره البلقيني في تفسيره ما روى في السنن عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: " باسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ") 1 (. فإنّ قوله مع اسمه صريح في إرادة المصاحبة. (أقول) : كل ما ذكر أمور اقناعية غير مسلمة ولذا كرّ عليها بالإبطال في الحواشي 0 فقيل: على الأول: إثبات الأكثرية دونها خرط القتاد وباء الاستعانة تدخل كثيراً على المعاني كما في قوله:) اسنعينوا بالصبر والصلاة (اسورة البقرة: 153] وإنما نشأ هذا التوهم من تمثيلهم في الآلة بالمحسوسات، وليس كل استعانة بآلة ممتهنة ولا شك في صحة استعنت بالله، وقد ورد في لسان الشرع وهو إذن في إطلاقه، فلا يقال إنه موهم للنقصى فلا يصح هنا وقد يقال إنّ اكثرية علمت بنقل الثقات وقد قال سيبويه رحمه الله تعالى أصل معاني الباء الإلصاق وجميع معانيها ترجع له وهو إن لم يكن عين المصاحبة فليس ببعيد منها فتأمله. وأمّا الثاني: وهو أنّ التبرك باسم الله تعالى تأذب الخ فردّ بأنّ جهة الابتذال غير ملحوظة هنا بل الملحوظ كون الفعل غير معتد به شرعا ما لم يصدر باسمه تعالى كما مرّ وهو يعارض التبرك بل أرجح منه، وفي الانتصاف أنّ معناها اعتراف العبد في أوّل فعله بأنه جار على يديه وأنّ وجود فعله بقدرة الله وايجاده لا بفعله تسليما لله من أوّل الأمر والزمخشرفي لا يستطيع هذا لنزعات الشيطان الاعتزالية، وليت شعري ما يصنع بقوله: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إذ المراد أنه لا يطلب المعونة إلا من الله والتوفيق على عبادته في جميع أحواله ولا يلزم من كون الله معينا ما تصوّر في القلم كأنه يقول اقرأ باستظهاره ومكانته عند مسماه، وفي الحقيقة هو المعين في كل جزء كما قاله الطيبي رحمه الله ولا يتوهم اتحاد المستعان والمستعان به، أو عدم الفرق بينهما كما قيل، وقيل عليه: إنه تعصب لأنه يريد أنّ في التبرك تعظيما وتكريما ليس في الآلة وان لم يدل على التحقير واللفظ الدال على التعظيم في حقه تعالى أولى من غيره مما لا يدل عليه أو يوهم خلافه، وإن كان معناه صحيحاً ثابتاً له ألا ترى أنه لا يقال خالق الخنازير وان كان خالق كل شيء، ولك أن تقول التبرك ليس معنى الباء كما سيأتي، وما ذكر إنما هو فيما يدل على الآلة وضحعا بالمادّة، كلفظ ا-لة أو بالهيئة كمفتاح، فإنه لا يطلق عليه تعالى، ولذا استقبح ابن رشيق في العمدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قول أبي تمام: والله مفتاح باب المعقل الأشب أمّا الحروف الداخلة على الآلة إذا دخلت على ما يتعلق به تعالى بطريق المشابهة المكنية، وقامت القرينة على وجه الشبه لا نقص فيه فلا مانع من الحمل عليه إذا قصد به ما يدل على التعظيم، وايهام ما لا يليق وان كفى مرجحا إلا أنه مغتفر لبعده وظهور قرينة ضده فإذا ساعده المرجح رجح. وأما الثالث: وهو أنّ المشركين كانوا يبدؤن بأسماء اكهتهم للتبرك الخ فغير مسلم بل كانوا يقصدون الاستعانة أيضا لعدها وسايط يتقرّب بها إليه تعالى وهذا شبيه بالآلة. وأما الرابع: وهو إنّ المصاحبة أدل على ملابسة جميع أجزاء الفعل الىخ فقد مر أنّ اقرأ يدل على ذلك دون ابتدىء ولا يلزم من مصاحبة شيء لشيء ملابسته لجميع أجزائه في جميع أزمانه، والآلة لا بد من وجودها إلى آخر الفعل والا لم يتم، وفيه أن تقدير أقر، إذا دل على ذلك فمع ما يدل على المصاحبة يكون أظهر ولذلك قال أدل وأمّا الخامس وهو أن التيرك معنى ظاهر الخ فإن أراد أنّ المصاحبة معنا. التبرك، فظاهر البطلان لأنه لا تبرك في نحو دخلت عليه ا / م هـ بثياب السفر وقد مثلوا لها برجع بخفي حتين ومعناها خائباً كما صرحوا به فكيف يتوهم التبرك فيما هو بمعنى الخيبة، وإن أراد أنه يفهم منها بالقرينة إذ لا معنى لمصاحبتها لجميع الفعل إلا مصاحبة بركتها فلك أن تقول تلك القرينة باقية بعينها، فتفيده إذا قصد الآلة لتوقف الاعتداد بها شرعا عليها، وأما كون التبرك معنى ظاهراً لكل أحد، فغير مسلم أنه مأخوذ من خصوص معنى المصاحبة كما عرفت فما قيل عليه من أن العمدة والنظر للخواص، والعوامّ كالهوامّ، والدقة من أسباب الترجيح لا الرد مما لا حاجة إليه وإن ردّ بأنه ذهول عن المراد فإنه ينادي على أنّ كل أحد من الخواص والعوام والبله والحذاق مأمورون بذلك من الشارع فلو لم يكن معناه مكشوفا لكل أحد لكانوا مأمورين بما لم يعرفوه وهو بعيد جداً. وأمّا السادص: فإنّ ما يفتح به الشيء لا مانع من كونه جزأ له كالطومار والكتاب يفتح بأوّل أجزائه، وقد مرّ أنّ الفاتحة مفتتح القرآن مع كونها جزأ بلا خلاف، ولو سلم فجعلها مفتتحاً ومبدأ بالنسبة لما عداها وأمّا الاستئناس بالحديث فقد قيل عليه: إن المراد بما في الحديث الإخبار عن أنه لا يضر مع ذكر اسمه شيء من مخلوق، والمصاحبة تستدعي أمراً حاصلاَ عندها نحو جاءكم الرسول بالحق والقراءة لم تحصل حينئذ فتعذرت حقيقة المصاحبة فيه، ولا وجه له فإن المصاحبة هنا ليست محسوسة، وكونها إخباراً بنفي صحبة الضرر يفهم منه صحبة النفع والبركة كما لا يخفى، والمراد بالبركة دفع الوسوسة عن القارىء مع جزيل الثواب كما قاله ابن عبد السلام رحمه الله، فلا يتوهم أنّ القرآن أشرف من البسملة فكيف يطلب له بركتها، وقيل: الباء للإلصاق، وقيل: بمعنى على وقيل زائدة ومن الغريب ما قيل إنها قسمية. (وأعلم) : أنّ الجمهور على أنّ الظرف إذا كانت الباء للملابسة والمصاحبة ظرف مستقرّ فإذا كانت للاسنعانة والآلية لغو لأنّ مدخونها سبب للفعل متعلق به بواسطة الباء من غير اعتبار معنى فعل آخر عامل في الظرف وجوّز الرضى، وصاحب اللباب اللغوية على الأوّل أيضاً قال في اللباب: ولا صادّ عندي من الإلغاء كما في باء الاستعانة وقال الفاضل الليثي: إنه إذا قصد بباء المصاحبة مجرّد كون سول الفعل مصاحبا لمجرورها زمان تعلقه به من غير مشاركة في معنى العامل، فمستقرّ ني موضع الحال وان قصد مشاركته فيه فلغو ويؤيده التمثيل بإشترى الفرس بسرجه لاحتماله لكلا المعنيين، فعلى أحد الوجهين يكون مشترى دون الآخر بخلاف نحو نمت بالعمامة، فإنه لا يحتمل اللغوية وكذا ما نحن فيه إذ لم يقصد إيقاع القراءة على اسم الله وفيه نظر ظاهر لمنعه خصوصاً على مذهب المصنف وقد قيل عليه أيضاً أنّ المصاحبة إفما هي المعنى الأوّل، وأما الثاني فهو معنى الإلصاق وليس بشيء إذ الإلصاق لا ينافي المصاحبة خصوصاً على مذهب القائل بعدم انفكاكه عنها وقولهم متبركاً ليس لبيان المتعلق بل بيان لمعنى الملابسة، وعلى الد صاحبة تعنقه بالفعل إلمقذر معنويّ لا صناعيّ، فهو متعلق بحال هو قيد له فكأنه متعلق به إلا أنه لا يلائم ظاهر كلامهم، واختلافهم في تقدير عامل عام أو خاص كما مرّ، وكيف يتأتى هذا في قول الكشاف تعلقت الباء بمحذوف تقديره بسم الله اقرأ انتهى. وليس المقصود بالحصر حينئذ التبرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 على معنى أني لا أبدأ إلا متبركا بل حصر التبرك في اسمه تعالى لأنّ دخول الحصر على مقيد كدخول النفي في وجوهه. قوله: (والمعنى متبركاً الخ) هو بيان للمعنى على الثاني لأن المصاحبة وإن كان معناها مجرّد لملابسة لكنها بمعونة قرائن المقام محمولة على الملابسة بطريق التبرك، ولا يصح رجوعه إليهما بناء على أنّ كونه اسم اكة ليس إلا باعتبار التوسل ببركتة فيرجع بالآخرة إلى هذا كما يعلم من الكشاف وشروحه: وليس المراد أنّ الباء صلة التبرك كما توهم بل هو تصوير للمعنى، وبيان للملابسة فإنها تكون على وجوه شتى فلا يرد أنّ التبرك لم يعد من معاني الباء أصلاً، وما قيل من أنّ الباء موضوعة لجزئيات الملابسة، ومنها التبرك فحملت على بعض معانيها بقرينة المقام بشيء لأنه لا يلزم من 6لصاف بعض جزئياتها بالتبرك كون التبرك موضوعا له لأنه وضع لذوات الجزئيات لا لصفاتها كما لا يخفى، ثم إنّ الشارح المحقق قال في شرح قول الزمخشري هنا على معنى متبركا يعني أنّ التقدير ملتبساً باسم الله ليكون المقدر من الأفعال العامة لكن المعنى بحسب القرينة على هذا، فلهذا يجعل الظرف مستقراً إلا لغواً انتهى. فقيل عليه: إنه مبنيّ على أنّ المقدر في الظرف المستقرّ عام البتة وان كان المعنى على الخصوص، فيناقض ما سبق مته من أنّ النحويين إنما يقدرون متعلق الظرف المستقرّ عاما إذا لم توجد قرينة الخصوص، ودفع بأنه لا مناقضة لأنّ العموم الذي نفى لزومه في متعلق الظرف المستقرّ هو العموم المطلق البالغ الغاية، كما أنّ الكون والحصول الذي دل كلامه هنا على لزومه هو العموم بالإضافة إلى متبركاً ونور، بأنّ هذا القسم من الظروف سمي مستقرّاً لاستقرار معنى المتعلق فيه وانفهامه منه وكل ظرف يفهم مته حصول شيء ما فيه، فبعضها ما لا يفهم منه إلا ذلك كزيد في الدار وبعضها يفهم مته خصوصيته بوجه كزيد على الفرس، وفيما نحن فيه ليس للظرف نفسه دلالة على التبرك فلو قدر متعلقه متبركا خرج عن كونه مستقرّاً بخلاف ما إذا قدّر ملتبساً مع أنّ فيه أيضاً خصوصية بالنسبة إلى كائن وحاصل، فإنه لا يخرج عن كونه مستقرّ الانفهام معنى ملتبساً منه، ويدل عليه جعله ملتبساً من الأفعال العامة انتهى ولا يخفى أنّ هذا وإن حصل به التوفيق بين كلاميه إلا أنه معنى معقد من غير فائدة ولذا اعترف بعض الفضلاء بأنه واود غير مندفع فتدبر. قوله: (وهذا وما بعده الخ) هذا راجع إلى الوجهين السابقين كما نبه عليه كثير من أصحاب الحواشي وهو الأظهر، فإن خص بالثاني لذكر التبرك ونحوه على أنه من مقول قيل، فالوجه الأول يعلم أمره بالمقايسة على الثاني إلا أنّ بيان متعلقات ما مرّضه وترك ما اختاره بعيد، وهذا جواب سؤال نشأ مما مرّ، فإنه بحسب الظاهر لا يليق بجناب العزة أن يقول أقرأ متبركا وكذا الاستعانة ونحوها، والتبرك مفهوم من البسملة لأن الاستعانة لا تخلو عنه أيضاً والحمد من قوله الحمد لله وكونه على نعمه من قوله رب العالمين الرحمن الرحيم لا لأن الحمد في مقابلة النعمة والسؤال من فضله من قوله: {اهْدِنَا} الخ ويعلم منه أيضاً بقية ما فيها، فلا يرد عليه أنه لم يتعرّض لقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} حتى يتكلف ادخاله فيما ذكر. قوله: {لِيَعْلَمُواْ} الظاهر أنه بالتخفيف من العلم، ويجوز أن يكون من التعليم ونقل الطيبيّ رحمه الله تعالى عن الزمخشرفي أنه قال: مثاله إذا أمرك إنسان أن تكتب رسالة من جهته إلى غيره فإنك تكتب كتبت هذه الاً حرف، وانما تفعله على لسان آمرك، وليس فيه قل مقدرة كما يتوهم إذ المراد أنه تعالى حمد نفسه ليقتدى به ومدح النفس، وان استقبح من العباد يحسن منه تعالى كما قيل: ويقبح من سواك الشيء عندي وتفعله فيحسن منه ذاكا مع أنه ليس كذلك مطلقا ولذا قال يوسف عليه الصلاة السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] وقال البلقيني رحمه الله: إنّ جعله مقولاً على آلسنة العباد نزغة اعتزالية لم يتنبه لها من اتبعه، فقيل: إنه باطل وقيل: وجهه أنّ المعتزلة يقولون أنه يكلم الله خلقه الكلام على لسان غيره فتدبر، وقوله في الكشاف هنا: فكيف قال الله متبركا باسم الله الخ وهي ليست من السورة عنده ظاهر لمن له أذن واعية. قوله: (كيف يتبرك الخ) يتبرك بصيغة المجهول أي يتبرك العباد، ومعنى كيف يتبرك كما قاله الشريف بأي عبارة يتبركون فلا يرد أنّ ما ذكر تعليم للتبرك باسمه لا لكيفية التبرك به انتهى. يعني أنّ الإستفهام هنا حقيقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وهو عن التبرك، فإنه إنما يكون في كلام العبد لا في كلام الله تعالى، فكيف استفهم عن كيفيته دونه، فأشار إلى أنّ المراد بالكيفية العبارة المخصوصة لأنها لباسه الذي يبرز فيه، فكأنها كيفية وحالة، فما قيل من أنه استفهام إنكارفي استعيرت صيغته للاستبعاد لأنّ الإنكار مجاز مشهور، وتعلق الإستفهام سواء كان إنكارا أو استبعادا بمدخول كيف واقحامه للمبالغة بطريق الكناية عن انتفاء الشيء بانتفاء كيفيته إذ لا بد لكل ماله خطر- من الوقوع على كيفية مّا على ما حقق في تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] ومن لم يتنبه لهذا اعترض بأنه تعليم للتبرك لا لكيفيته، كما سمعته آنفا ليس بشيء لأنه استفهام حقيقيّ لا إنكاريّ حتى يحتاج لما ذكر، وكذا ما قيل من أنه ليس المراد بالكيفية العبارة بل أي كيفية متبرك بها من اعتبار تقديم المتعلق وتأخيره، والدلالة على الاختصاص وغيره، وفيه أنّ ذلك التقديم والتأخير في النص ليس بحسب اللفظ، فإن علم العباد ما يوجب اعتبار هذا التقديم والتأخير، فلا حاجة إلى تعليم تلك الكيفية، وان لم يعلموه لم يعلموا ذلك التقديم والتأخير، فكيف يكون فيه تعليم لهم، فإنه تعسف من غير داع له، وقريب مته ما قيل: من أنه لا خفاء في أنّ ما ذكره يشتمل على التبرك باسمه تعالى بملى وجه معين وكيفية مخصوصة، وبهذا الإعتبار يصح أن يقع جوابا للسؤال عن كيفية التبرك من غير احتياج لاعتبار العبارة، وصرفه للسؤال عنها وهذا غريب منه فإنه عين ما أفاده الشريف إلا أنه كما قيل: إذا محاسني اللاتي أدلّ بها كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر ثم إنّ التبرك بتقديم اسمه لا ينافي تقدّم لفظ اسم إذ المراد منه بعد الإضافة اسمه تعالى إذ الإضافة إن كانت لمطلق الاختصاص شمل أسماء الذات والصفات فيفيد التبرك بجميع أسمائه، ويعلم منه وجه إقحامه ورجحه بعضهم، وإن كانت للاختصاص الوضعي الكامل يختص بلفظ الله لأنه اسم وضع للذات، وما عداه أسماء صفات وأما الباء فهي وسيلة إلى ذكره على وجه يؤدّي إلى جعله مبدأ للفعل فهي تتمة لذكره على الوجه المطلوب. قوله: (وإنما كسرت الخ) أي حروف المعاني الموضوعة على حرف واحد، وحروف المعاني ما يقابل الأسماء والأفعال، وحروف المباني ما تركب وبني منه الكلم، ولما كان البناء لا يختلف بتعاقب العوامل كان أصله السكون لخفته، فإنّ الدائم بالخفيف أولى، وأيضا أصل الإعراب أن يكون وجوديا لكونه أثر العامل وعلما للمعاني، فحق مقابله أن يكون عدميا، وقد امتنع البناء على السكون في الحروف التي جاءت على حرف واحد لأنها من حيث كونها كلمة برأسها مظنة للابتداء بها، وقد رفضوا الابتداء بالساكن لتعذره أو تعسر. كما سيأتي بيانه فحقها أن تبني على الفتحة التي هي أخت السكون في الخفة، وان كانت الكسرة أختا له في المخرج لأنها اً دوات كثيرة الدور على الألسنة فاستحقت الأخف كما قاله الشارح المحقق، وبقوله كثيرة الدور الخ اندفع عنه ما قيل من أنه معارض بأنّ الكسر يناسب العدم بقلته، والساكن إذا حرك حرك بالكسر إلا أنه قيل عليه أن لا مخرج للسكون يوأخى فيه فقيل: إن أراد أنّ السكون ليس له مخرج، ومخرج الكسرة لضعفه قريب من العدم مناسب له أو المراد أنّ مخرج الحرف الساكن يناسب مخرج الحرف المكسور، ولا يخفى عليك ضعف الجواب الأوّل وفساد الثاني ولو قيل: المخرج في كلامه مصدر ميمي بمعنى الخروج لا المخرح المعروف يعني أنّ الأصل في الخروج من السكون والتخلص منه أن يكون بالكسر كما صرح به النحاة لم يبعد فتدبر. قوله: (لاختصاصها بلزوم الحرفية الخ) في الكشاف لكونها لازمة للحرفية والجر والمصنف رحمه الله عدل عنه لما ذكره فزاد الاختصاص وغير لازمة بلزوم الخ كما رأيته ومناسبة الحرفية للكسر لأنّ الأصل فيها البناء وأصله السكون الذي هو عدم الحركة والكسر قليل، والقلة أخت العدم، وأما الجرّ فلمناسبته لعمله وأثره، وقد اقتصر بعضهم على الثاني قيل: وهو الأظهر. وقد اعترض على ما في الكشاف بأنها ليست لازمة لهما بل ملزومة فالصواب أن يقال ملزومة للحرفية والجر، ولذلك غير المصنف رحمه الله عبارته لأنّ اللزوم مصدر مضاف لفاعله، فالحرفية والجر لازم لا ملزوم، ومن لم يتنبه له أوّل عبارته أيضاً بناء على أنه مضاف إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المفعول ثم قال: ويحتمل أن تكون الإضافة للفاعل، وتبعه القائل بأن إضافة اللزوم للمفعول، فالحرفية والجر ملزومة واللازم الباء ولم يضف اللزوم للباء إذ بعد إضافته إليها لا يحس القصر عليها لأنه لا يتصور أن يتجاوز لزوم الباء إياهما عن الباء، فيحتاج إلى التكنف والتجريد عن تلك الإضافة بأن يراد أنّ عدم الإنفكاك عن الأمرين مقصور على الباء، وقيل: إلى الفاعل ونظيره ما ضرب زيد إلا لعمرو، وهو من قصر الفعل المسند إلى الفاعل على المفعول، وردّ بأن القصر منحصر في قصر الموصوف على الصفة، والصفة على الموصوف، والضرب المسند إلى زيد وإن اعتبر تعلقه بالمفعول ليس صفة لعمرو وإلا أن يقال: إنّ الضرب المذكور صفة لزيد لكنه بحسب تعلقه بعمر ويحصل له صفة اعتبارية، كما في الوصف بحال المتعلق والقصر باعتباره، وسيأني ما في الاختصاص الذي زاده المصنف رحمه الله، وقد أجيب عما ذكر من اللزوم بأنّ المراد باللازم للشيء هنا ما لا يفارقه كما يدل عليه تقسيمهم العارض إلى لازم ومفارق، ومعنى عدم مفارقة شيء لآخر أن لا يوجد الثاني بدونه لا العكس، ولذا صح انقسام اللازم إلى الأعم والمساوي، وكتب اللغة ناطقة به كما في الصحاح والأساس وعليه قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] فمرجع اللزوم لغة إلى عدم الإنفكاك، وهم يقولون لزم فلان بيته إذا لم يفارقه، فلا يخلو البيت منه، ويلزمه عدم خروجه عنه، وهو معنى كنائيّ، ومنه قولهم أم المتصلة لازمة لهمزة الإستفهام فمن قال: إنّ ما ذكر معنى اللازم الاصطلاحي، وله معنى آخر لغويّ فقد وهم، وما قيل: إنّ ما ذكر لا يدفع الإعتراض، وإن الصواب في دفعه أن يقال: إنّ اللازم بمعنى الملزوم مجازا مبالغة في اللزوم، وقد نبه عليه السعد بتفسيره لازمة بملاصقة غير منفكة عنهما، فلا توجد بدونهما كما هو معنى اللزوم في اصطلاح الحكمة إلا أنه لم يصب في زعمه أنه معنى اصطلاحيّ لا لغويّ ليس بشيء لأنّ عدم الدنع مكابرة معلومة مما نوّرناه والمجازية هنا فاسدة لعدم القرينة المصححة له، ولا حاجة له مع أنه مآل المعنى اللغوي الحقيقي، كما اعترف به، والتخريج على متعارف أهل اللغة أنسب مع أنه قيل عليه: إنه غير مطابق لمصطلح الحكمة لأنه لا يلزم أن يكون كل حرف جار باء لأنهئم إذا قالوا الكتابة لازمة للإنسان، أرادوا أنه كلما وجد الإنسان وجدت الكتابة، وهو فاسد هنا، وتكلف بعضهم توجيهه بما نحن في غنية عنه. (والذي نصححه) : ما في حواشي بعض الفضلاء العصريين من أنّ الصحيح من نسخ شرح الفاضل التفتازاني على ما هو معنى الملزوم في اصطلاح الحكماء بصيغة المفعول، وما في بعض النسخ من معنى اللزوم بصيغة المصدر لا صحة له وواية ودراية فإن قلت: إن الباء تكفّ بما عن العمل كما في حرف الميم من مغنى اللبيب فكيف يتم أمر اللزوم قلت: كأنه لقلته بالنسبة لعملها جعل كالمعدوم، أو أنه الأصل ما لم يعارضه معارض فتدبر واللزوم أحد المصادر التي جاءت على فعول للمتعذي وهي محفوظة، وأمّا قيد الاختصاص الذي زاده المصنف على الكشاف فذهب ناس إلى أنها زيادة ضارة فتركها أولى وآخرون إلى لزومها أو حسنها لأنّ اللزوم قد يكون عرفياً غير كليّ عقليّ، فأشار بإقحامه إلى أنه كليّ عقليّ، وما قيل في توجيهه من أنه لا يطلق حرف الجر على غير الباء لا يسمن ولا يغني من جوع وقيل: إنه زيد لئلا يتوجه عليه شيء من النقوض الآتية إذ معناه لامتيازها من بين الحروف باللزوم وظاهر أنه إنما يصح إذا اعتبرت صووة الحرف من حيث دلالتها على معنى مع قطع النظر عن خصوصية نشأت من الإضافة أو غيرها، فإن شيأ من حروف الجر المفردة من حيث هو حرف لا ينفك عن الحرفية والجر فيلزم أن تكون كلها مكسورة، فلا بد من قطع النظر عن الخصوصية والباء داخلة على المقصور كما هو المشهور وكل من الحرفية والجر مناسب للكسر كما مرّ ثم إنه قيل إنهما وجهان ونقص الأوّل بواو والعطف وفائه اللازمتين للحرفية والثاني بكاف التشبيه اللازمة للجر، وقيل: هما وجه واحد فاندفع النقضان لكن بقي النقض بواو القسم وتائه ودفع بأنّ عملهما بالنيابة عن الباء فكان الجر ليس أثرهما واحترز بلزوم الحرفية عن كاف التشبيه، وقيل هو مستدرك لأنها لا تعمل الجر إذا كانت اسما إلا أن يقال إنه على قول قوله: (كما كسرت لام الأمر الخ) التثبيه في أنها خالفت الحروف المفردة التي حقها الفتح لعلة اقتضت المخالفة، وهي هنا دفع اللبس المذكور ولام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الإضافة هي لام الجر، وبعض النحاة يسمى حروف الجر حروف الإضافة لأن الإضافة إفضاء لإيصالها معاني متعلقها إلى مجرورها ولام الابتداء هي الداخلة على بعض أجزاء الجملة الإسمية سميت بها لدخولها في الابتداء بحسب الأصل كما بينه، وما ذكر لا ينافي فتح غيرها كلام الجواب والقسمية، وكسرت لام الجر لما ذكر مع مناسبة عملها أيضاً وكسرت لام الأمر حملاً عليها لأنها مشابهة لها في مطلق العمل أو في الاختصاص بنوع من الكلم وأثرها يثبه أثرها في كونه من خواص بعض الكلمات، وفتحت الجارة للضمير على الأصل من غير نظر للفرق المذكور لأنه حاصل بجوهر المدخول عليه، ولم ينظر لإعراب مدخولها لأنه قد لا يظهر كما في حالة الوقف ونحوها، وهذا كلام غير مطرد مجمل إذ اللام الداخلة على الضمير قد تكسر إذا دخلت على ياء المتكلم واللام غير العاملة مفتوحة وان لم تكن لام ابتداء كما مرّ ولام الاستغانة والتعجب مفتوحة مع جرها للمظهر، وان وجهوها بأنها واقعة في موقع اللام الجارة للمضمر وهو كاف أدعوك لكن هذه علل نحوية بعد الوقوع كما قيل. عهدالذي أهوى وميثاقه أضعف من حجة نحويّ فلا نطيل الكلام فيها. قوله: (والاسم عند أصحابنا الخ) عند ظرف متعلق بالثبوت المفهوم من نسبة الخبر إلى المبتدأ والإعجاز جمع عجز وهو الآخر، وفيه لغات أي هو عندهم محذوف اللام مثتق من السمو وهو الرفعة لأن المسمى يرتفع ذكره باسمه، فيعرف به، واذا جهل اسمه كان خاملاَ، وفي الأمالي الشجرية يقال فلان له اسم إذا كان شهيراً، وأصل اسم سمو كجأع وأجذاع أو فعل كقفل وأقفال أو فعلى كرطب وأرطاب، ومن قال: اسم حذف لامه وسكن فاءه وعوّض همزة الوصل كما في ابق ومن قال سم لم يعوض وقوله أصحابنا إشارة إلى أنه يقول بقول البصريين بعد من يوافق رأيه رأيه صاحباً له كما يقول الحنفي أصحابنا الحنفية يقولون كذا، وخالفهم الكوفيون، فزعموا أنّ المحذوف فاؤه ومن الوسم والسمة، وهي العلامة وأصله وسم بالكسر أو وسم بالفتح، ويدل عليه تصغيره وتكسيره وفعله وأنك لا تجد في العربية اسما حذفت فاؤه وعوّض عنها همزة الوصل وانما عوّضوا من حذف الفاء تاء التأنيث في عدة وثقة ونظائرهما. قوله: (لكثرة الاستعمال) يعني به أنه حذف لمجرّد التخفيف الذي أوجبه كثرة الاستعمال، فصار نسيا منسيا وما قبله محل للإعراب، وليس حذفا إعلاليا حتى يكون الحرف الأخير منونا والإعراب مقدر عليه واجتلاب الهمزة لا ينافي التخفيف لسقوطها درجا. قوله: (وبنيت أوائلها على السكون الخ) أي استعملت هكذا تخفيفا وان كانت متحركة بحسب الأصل وأصله سمو بالضم أو الكسر، وهذا أحد مذهبي البصريين والآخر أنهم أدخلوا الهمزة على المتحرك، ثم سكنوه تخفيفا ومعنى بنيت صيغت ووضعت لأن البناء في اصطلاح النحاة يطلق على هذا، وعلى ما يقابل الإعراب وليس المراد الثاني لأنه يختص بالآخر وقوله: (وأدخل الخ) لأنّ من دأبهم الابتداء بالمتحرك، وقوله: (مبتد " أي واقعاً في الابتداء منصوب على الحال من ضمير عليها أو من الهمزة لأنهم لما احتاجوا إلى حرف يثبت في الابتداء ويسقط في الدرج دفعا للضرورة بمقدارها لم يجدوا ما يصلح له غيرها وخصوها لقوّتها من بين حروف الزوائد وكونها من ابتداء المخارج وفي قوله دأبهم أي عادتهم إشارة إلى أنّ الابتداء بالساكن ممكن، لكن ترك لما فيه من اللكنة والبشاعة وقد قيل: إنه موجود في لغة العجم وانما ترك لتعسره ولا لتعذره واختاره الشريف وقال غيره الحق أنّ وجوده في الفارسية غير ثابت وان لم يقم الدليل على استحالته والاستدلال على هذا، وعلى كون الحركة مع الحرف أو قبله أو بعده مما لا طائل تحته، وقيل: إن كان السكون ذاتياً كسكون الألف امتنع والا أمكن فالأقوال فيه ثلاثة وانما كان الوقف على الساكن لأنه ضد الابتداء فأعطى ضد وصفه، ولأنه انتهاء وعدم فناسب السكون، والأسماء المذكورة على ما في المفصل أحد عشر اسما ابن وابنة بزيادة الميم للتأكيد، وتيل: هي بدل من اللام واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وايم الله وأيمن الله واسم واست والكلام عليه مشروح في المطوّلات، ولاختلافهم في عددها لاختلاف النظر فيه لم يذكره المصنف رحمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الله كما في الكشاف. والحركة والسكون حقيقة من صفات الأجسام، وهما هنا صفة اللسان وصف الحرف بهما مجازاً، ثم شاع حتى صار حقيقة عرفية أيص. قوله: (ويشهد له تصريفه الخ) بإفراد الضمير للاسم وفي نسخة تصريفهم بضمير الجمع للعرب والتصريف الخويل ومنه تصريف الرياح والمرإد نقله وتحويله إلى صيغ وأبنية مختلفة وأسامي جمع أسماء فهو جمع الجمع ويأوه في الأصل مشددة، ويجوز تخفيفها قياساً مطردا في نحوه كأماني وأثافي، ولهذا رسم بالياء في النسخ، فلا وجه لما قيلى: من أنّ الأصح رسمه بدون ياء كما ني ياء قاضى إلا أن يكون جمع أسماء فإنه أفاعيل بياءين وهذه اللفظة غير مذكور في الكشاف، وفي نسخ تفسير القاضي كتبت بالياء انتهى. وسمي مصغر، ولو لم يكن كذلك قيل أوسام ووسيم ووسمت ونحوه وقوله: (ومجيء سمى الخ) معطوف على قوله تصريفه ولغة بالنصب على أنه حال من سمى أو بنزع الخافض أي في اللغة ففي الاسم لغات اسم بالضمّ والكسر وسم بالضم والكسر أيضا وسمة وسماة مثلثين كما في القاموس وسمى كهدى ورضى ووزن اسم أفع. قوله: (والله أسماك سمى مباركاً الخ البيت) هو لأبي خالد القتاني نسبة إلى قتان بن سلمة بن مذحج وأسماك لغة في سماك المشدد بمعناه، وروى مشذدا أيضا ومعناه وضع له اسماً ويكون بمعنى دعاه باسمه كما في شرج الشواهد، وسمى مفعول أسماك، وهو يتعدى بنفسه وبالباء وآثرك بالمد بمعنى اختصك باسم مبارك أي متبرك به تفاؤلاً كغانم وسعيد وفي شرح الإصلاح لابن جني رحمه الله المعنى آثرك الله بالتسمية الفاضلة، كما آثرك بالفضل، وهو مفعول مطلق للتشبيه كضربت ضرب الأمير، وقيل: إيثارك للمعالي والذكر الحسن، وهو مفعول مطلق على هذا أيضا وقيل هو مفعول لأجله، وقيل: منصوب بنزع الخافض أي كإيثارك، واستشهد به على أنّ سمى كهدى لغ في الاسم، ولا دليل فيه لاحتمال أن يكون على لغة من يقول سما بضم السين غير مقصورة ونصب على أنه مفعول ثان لأسماك، وفي شرح كتاب سيبويه أنه يجوز أن يكون سمى غير مقصورة فألفه ألف تنوين بدليل إنه روى سما بالكسر، ور وى بدل إيثارك تبارك، وهو بيت من أرجوزة لم أقف عليها. قوله: (والقلب بعيدا لأنه خلاف الظاهر وقوله غير مطرد محتمل لمعنيين أحدهما أن يراد أنه شاذ لا يقاس عليه، فلا ينبغي تخريج ما ذكر عليه والثاني أن يراد أنه غير مطرد في جميع تصاريف الكلمة إذ لا تكون كلمة مقلوبة خولف الأصل فيها بالتقديم والتأخير في جميع تصاريفها حتى لو وجد مثله قيل هما مادّتان مختلفتان ليس أحدهما مقلوب الآخر كما في جبذ وجذب كيف، وشأن الجمع والتصغير ونحوهما رذا لشيء إلى أصله، وهذا ردّ الجواب الكوفيين عما ذكر مما استدل به البصريون، وحينئذ لا يرد أنه لم يعهد دخول الهمزة على ما حذف صدره لأنه حينئذ مما حذف عجزه وما قيل من أنه يحتمل أن يراد قلب الواو همزة في أسماء لما في المفصل وغيره، ومن أن إبدال الهمزة من حروف اللين مطرد في المضمومة وغير مطرد في غيرها كما في إشاح، واعاء لا يلتفت إليه أصلاً. قوله:) من السموّ) مشددا كالعلو وزنا ومعنى أي مأخوذ منه على هذا الوجه، والشعار بكسر الشين المعجمة وفتحها أصلها ما يلي شعر الجسد من اللباس، وهو عطف على الرفعة أي لكونه زينة، ومعدا لما يعتني به مما يقصد تعريفه، فاندفع عنه ما قيل عليه: من أنّ الشعار يناسب الوسم والعلامة، فينبغي ذكره معه وقيل العلامات الحسية مرتفعة في اكثر والاسم يرفع مسماه من حضيض الخفاء إلى الأوح والظهور والجلاء فظهر مناسبته له مناسبة معنوية تراعى في الاشتقاق والاسم ليس هو المقابل للفعل والحرف، بل هو بالمعنى اللغوي الأعم، ولو خص به لم يبعد أيضاً. قوله: (ومن السمة) بكسر السين وهي العلامة والاسم علامة على مسماه حذفت الواو وعوض عنها الهمزة وقيل قلبت همزة على خلاف القياس، ثم جعلت همزة وصل تخفيفاً وقوله ليقل أعلاله علة لكونه من السمة أو للحكم في قوله وأصله وسم أو علة للتعويض، والإعلال هنا بمعنى مطلق التغيير لا الإصطلاحي، وهو تغيير حرف العلة بالقلب أو الحذف أو الإسكان، وقلة تغييره لأنه ليس فيه إلا حذف الواو، وسينه كانت ساكنة وقيل كان الأحسن أن يقول من الوسم لأنّ سين سمة محركة وإنما ذكرها لأنها أشهر في معنى العلامة وليغاير بين المشتق والمشتق منه، ومن قال: إنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 من الوسم تسامح أو كسر الواو كما قيل ليتغايرا والمعترض لم يفرق بينهما، وفيل إنّ قوله ليقل إعلاله متعلق بقوله عوض عنها همزة الوصل أي عوضت الهمزة من الواو المحذوفة ليقل تغييره إذ بزيادة الهمزة يجبر نقصان الحذف. وتلخيصه: أنّ الحذف يجبر نقصان كمية ما يتركب منه الكلمة وانعدام خصوصية حرف منه وبالتعويض ينتفي الأوّل فيقل التغيير، أو بقوله من السمة والمراد قلة إعلاله بالنسبة إلى كونه من السموّ فإنه على الأول الإعلال في أوّله فقط، وعلى الثاني في أوّله وآخره معاً وفيه تكلف ظاهر انتهى. ولا يخفى أنّ ما ظنه تكلفاً هو المراد، وما قذمه مشترك بين القولين، فلا وجه لذكره هنا فتدبر. قؤله: (ورذ الخ) قدّم جوابهم عنه وما فيه فتذكره، ولغاته مرّ تفصيلها وأنها تزيد على العشرة، يعني أنّ ارتكاب زيادة الإعلال أحسن من عدم النظير لأنّ المعروف تعويض الهمزة عن اللام المحذوفة، والهاء عن الفاء كعدة وسعة وزنة. قوله: (باسم الذي في كل سورة سمه الخ) هو بيت أو مصراع باعتبار أنه من مشطور الرجز أو تمامه وهو من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وبعده: أرسل فيها بازلاً ضث مه فهوبهاينحوطريقاً يعلمه الخ والباء متعلقة بأرسل والضمير للراعي أي أرسل الراعي في الإبل جملاً بازلاً للنتاج متبركاً باسم الله الذي برّك به في أوّل كل سورة، ويقرّمه بمعنى ترك استعماله في الركوب والحمل ليقوى الفحل، وهو من التقريم لا الإقرام كما توهم والجملة صفة بازلاً، وقيل: حال من المرسل فهو أي البازل ينحو أي يقصد بتلك إلا بل طريقاً يعلمه لاعتياد سلوكه، وذكره للإشارة إلى ما في جعل الهمزة عوضاً لما فيه من حذف العو ضوالمعوّض إلا أن يقال من يحذفها لا يقول بأنها عوض، واليه يشير قول المصنف إنها لغة، والبازل البعير الذي انشق نابه وهو في السنة التاسعة وسمه كما في شرح المفصل بكسر السين وضمها كما في سمى البيت السابق ويجوز فتحها، كما في كتب اللغة فسينه مثلثة. قوله: (والاسم إن أريد به الخ) قد اشتهر في كتب الأصول ذكر الخلاف في أنّ الاسم هو عين المسمى أو التسمية أو هو غيرهما، وقد تحير الناس في المراد من ذلك وذكروا له تأويلات لم تظهر لها ثمرة، ولم يتحرّر إلى الآن محل الخلاف ومقطعه، وأشار إلى ذلك المصنف رحمه الله ولم يذكر القول بأنه عين التسمية أو غيرها وإن كان قولاً لبعض المعتزلة لأنه في غاية الضعف والبعد والمراد بالتسمية أيضاً العبارة المعبر بها عن المسمى كما نقل عن الأشعري رحمه الله. وقوله: (فنير المسمى) يعني به أنه لم يتحرّر له محل النزاع لأنه إن أريد بالاسم لفظه فهو غير المسمى بلا نزاع لأنه يتألف من أصوات غير تارة أو من هيآت وكيفيات للأصوات يتميز بها كل صوت من غيره على ما حققه الرئيس في بعض رسائله، والمسمى ليس كذلك دائما، وان اتفق ذلك له في بعضها كالقرآن ونحوه مما اسمه ومسماه لفظاً أيضاً، وان أريد به ذات الشيء، فهو المسمى لكنه لا يصلح محلاً للنزاع، ولا يناسبه ما ذكر في الاستدلال وان أريد به الصفة أو الأعم لا يصح الجزم بأحد طرفيه، وقد أراد السيد السند في شرح المواقف تحرير المبحث فلم يتم له الدست، وقد ذكره برمته وما له وما عليه هنا بعض أرباب الحواشي، فأعرضنا عنه لعدم الفائدة فيه. قوله: (لأنه يتألف من أصوات الخ) الصوت كما قال الرئيس كيفية تحدث من تموّج الهواء المنضغط بين قارع ومقروع، وزعم النظام أنه جسم، وفي التفسير الكبير بعد ما ذكره إبطاله وما أبطلوه به أقول: النظام كان من أذكياء الناس، ويبعد أن يذهب إلى أنّ الصوت نفس الجسم إلا أنه لما ذهب إلى أنّ سبب حدوث الصوت تموّج الهواء ظن الجهال أنه يقول: إنه عين ذلك الهواء انتهى (وأنا أقول) الظاهر أنه إن ذهب إلى أن الصوت هو الهواء المتموّج المنضغط، فلا يرد عليه شيء مما زعمه، وأي مانع يمنع عنه إلا التحكم البحت، وقول المصنف رحمه الله أنّ الاسم مؤلف من الأصوات ظاهر فيه فاندفع عنه ما قيل من أنه تسمح أو رجوع عما اختاره في الطوالع من أنّ الصوت عارض للحرف. قوله: (ويتعذّد) أي الاسم مع إتحاد المسمى كما في المترادفات، واجتماع العلم والكنية واللقب واتحاد الاسم مع تعدد المسمى كما في المشتركات، وهذا كله إثبات لتغايرهما إن أريد بالاسم اللفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وله: (والمسمى لا يكون كذلك (قيل هو رفع للإيجاب الكليّ كما مرّت الإشارة إليه، والا فسمى القصيدة والشعر يتألف من أصوات مقطعة غير قارّة، وأورد عليه أنّ الإيجاب الكليّ لا يصدق في حق الاسم أيضاً إذ ليس اختلافه باختلاف الاسم أمرا مطردا، وأجيب بأنّ قوله والمسمى الخ يمكن أن يكون حالاً من الجمل الثلاث يعني يتألف الخ حال كون مسماه ليس كذلك، وهكذا يختلف، ويتعدد الاسم والأحسن أن يقال معنى الكلام إن اسم باعتبار نوعه، وان تحقق فيه بعض منها، فذلك من خصوصية المادّة. قوله: وقوله تعالى ة {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] في نسخة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [سررة الأعلى: ا] وهو إمّا إشارة إلى جواب سؤال مقدّر، ورد على قوله لكنه لم يشتهر بهذا المعنى أو إلى الردّ على من ادّعى أنّ الاسم هو الذات مستدلاً بما ذكر كما نجصله الإمام وأشار إليه المصنف رحمه الله لأنّ المتبارك والمسبح هو الذات لا اللفظ الدال عليها فدفعه بأنّ الاسم هنا المراد به لفظه وكما يجب تعظيم ذاته تعالى يجب تعظيم أسمائه وتنزيهها عما لا يليق بها. وقوله: (عن الرفث) أي الفحش، وما يستهجن ذكره، ولا يليق كالتأويلات الفاسدة، واطلاقها على غيره وقيل الاسم مجازفيه عن الذات، وقيل: هو كناية عن تسبيح ذاته كما يقال سلام على المجلس الشريف والنادي الرفيع. قوله: (أو الاسم فيه مقحم الخ) في الأصل اسم مفعول من أقحمه إذا أرما. أو أدخله في شيء ثم تجوز به عن الزيادة وشاع فيها فقيل لكل مزيد مقحم، ولا شعاره بالتحقير تحاشوا عن إطلاق الزيادة والإقحام على ما وقع في كلام الله تأدّبا فسموا الزائد صلة، وتفسيره بما أدخل تعسف من غير ضرورة واحتياج وغير مناسب هنا إلا أن يريد بيان ما وضع له بي نفسه وهذا جواب آخر عما استدلوا به من أن الاسم هو المسمى بما ورد في النص من نحو قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [، الأعلئ الآية: ا] وتأخيره إشارة إلى أنّ الأصل عدم الزيادة فالمراد باسم السلام السلام نفسه، وهو مسماه فأضيف الاسم إلى مسماه كما يضاف المسمى إلى الاسم في يوم الأحد ونحوه والإقحام كثير في كلام العرب، ومقبول إذا كان لنكته كما في الآيات لأنه إذا نزه اسمه، فكيف بذاته. قوله: " لى الحول الخ) هو من شعر لبيد بن ربيعة بن مالك الشاعر المشهور وأوّله: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر فقوما وقولا بالذي تعلمانه ولاتخمشا وجها ولا تكشفا شعر وقولا هو المرء الذي لا صديقه أضاع ولا خان الخليل ولا غدر إلى الحول ثم اسم السلام عليكم ومن يبك حولا كاملاَفقد اعتذر قاله قبيل موته وكان من المعمرين عاس مائة وثلاثين سنة. وقوله: (إلى الحول) متعلق يقوله قولاً أو بما يفهم مما قبله، وتقديره أفعلا جميع ما ذكر إلى الحول أي إلى تمام الحول وهو السنة، والمراد سنة موته، وقوله وهل أنا إلا من ربيعة الخ يعني أنه من البشر والنوع الذي لا بدّ له من ورود حوض المنية، فأنا من أمّة قد خلت، وأنا ماض على أثرهم كما قال أبو نواس: وهل أنا إلا هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق وقوله ولا تخمشا بالخاء والشين المعجمتين من خمش وجهه إذا لطمه لطمياً يدميه، ويخدشه بأظفاره فنهاهما عن ذلك، وكان العزاء، البكاء في الجاهلية إلى حول، والسلام هنا سلام متاركة، وهو كناية عن أمرهما بترك ما كان قد أمرهما به، وثم هنا للتراخي بين أوّل الفعل والترك، واقحام الاسم هنا في غاية الحسن لأنه ليس بسلام حقيقيّ فما لهم منه إلا اسمه كماقيل: قال السلام مودّعا لمحبه هيهات هيهات السلامة بعده ومن في البيت شرطية ووقع لبعض شرّاح الأبيات أنه قدر هنا بكيت بكسر التاء وجعل إلى الحول متعلقا به والخطاب لزوجته وهي غفلة نشأت من عدم الوقوف على الشعر وحرّف بعضهم ثم بالمثلثة بتم بالمثناة الفوقية وهو غلط منه. قوله: (وإن أريد به الصفة الخ (الصفة لها إطلاقات النعت النحويّ وما يدل على معنى قائم بالغير كالعلم والحلم والمشتق كاسم الفاعل والصفة المشبهة وما شاكلهما وقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الآمديّ ذهب الأشعري، وعامة الأصحاب إلا أنّ من الصفات ما هو عين الموصوف كالوجود وما هو غيره. وهو كل صفة أمكن مفارقتها عن الموصوف كصفات الأفعال من كونه خالقا ورازقا. ومنها ما يقال إنه لا عين ولا غير، وهو ما يمتنع انفكاكه كالعلم والقدرة يدلّ على أنه أراد بالصفة المعنى الثاني ومدلول الاسم المدلول التضمني وبعد ما فسر الغير بما ذكر لا يرد عليه أنّ الصفة أمر خارج عن الذات، فكيف تكون عينه وأنه يلزمه تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره، وقوله في شرح المواقف أنه قد اشتهر الخلاف في أنّ الاسم هل هو نفس المسمى أو غيره ولا يشك عاقل في أنه ليس النزاع في لفظ فرس أنه الحيوان المخصوص أو غيره بل في مدلول الاسم أهو الذات من حيث هي أم باعتبار أمر آخر عارض له صادق عليه، فلذلك قال الشيخ قد يكون الاسم عين المسمى نحو الله، وقد يكون غيره كالخالق والرازق، وقد يكون لا هو ولا غيره كالعالم والقادر يقتضي أنه أراد المعنى الأخير، وأنّ الكلام في الاسم مطلقا صفة أو جامداً وصريح في أنه أراد بالمدلول المطابقي، وقد أورد عليه أنّ ما ذكره الشيخ من أنّ الاسم قد يكون عين المسمى الخ لا يتفرع على ما ذكره من أنّ مدلول الاسم هو الذات من حيث هي أم باعتبار أمر صادق عليه إذ لو كان الذات باعتبار أمر صادق عليه مدلول الاسم لكان لا محالة بهذا الاعتبار مسماه، فيكون الاسم عين المسمى كما إذا كان مدلوله هو الذات من حيث هي هي، وما نقل عن الشيخ من أنّ اسم الله علم للذات من غير اعتبار معنى فيه ممنوع، إذ قد اعتبر فيه المعبودية بحق، أو الاتصاف بجميع صفات الكمال كيف لا وذاته من حيث هي هي غير معقولة لنا كما لا يخفي، ثم إنّ ما نقله مخالف لما في الكتاب من أنّ الاسم الذي هو عين المسمى مدلوله الذات من حيث هي، ومن أنه أن أريد بالاسم الصفة فقد تكون عين الذات وغير. ولا عينه ولا غنره. والجواب أمّا عن الأوّل فهو أنّ تفريعه ظاهر لأن مراده بالمسمى ذات المسمى، وعينه لا مدلول الاسم مطلقا، وقد يستعمل ويراد به كل منهما والقرينة قائمة على أنّ المراد الأول. وأمّ الجواب عن الثاني فسيأني في عملية الجلالة الكريمة. وأمّا عن الثالث فالمخالفة إنما نشأت من الاختلاف في معنى كلام الشيخ أو من اختلاف الروأية عنه. ثم أنّ للقوم في تحرير محل الخلاف هنا وجوها أخر منها أنّ الاسم يطلق ويراد به اللفظ كما في كتبت زيد أو يطلق ويراد به المسمى كما في كتب زيد فإذا ورد ما يحتملهما من غير قرينة مرجحة كرأيت زيد فالقائل بالغيرية يحمله على اللفظ، وبالعينية على المسمى قيل وهو أحسن الوجوه ولا يخفي أنّ الموضوع له قمحداً المسمى، وأرادة اللفظ مجاز بوضمع غير قصدى مع أنّ ما ذكر لا مساس له بالأصول. ". ومنها ما ذكره الإمام وادّعى لطفه ودقته وهو أنّ لفظ الاسم اسم لك لفظ دال على معنى في نفسه غير مقترن بزمان ولفظ الاسم كذلك فيكون الاسم اسما لنفسه وعين مسماه وهذا إنما يصح لو كان النزاع في لفظ اسم ولا يصلح محلاً للخلاف حتى ينكره المعتزلة مع أنه مبنيّ على أق الاسم موضوع بإزاء كل فرد منه لا بإزاء المفهوم الكليّ أو على حمل المسمى على ما يطلق عليه عيناً كان أو فرداً وهذا لا يخص الاسم بل يجري في غيره كلفظ لفظ وككلمة كلمة ولفظ موضوع ونحوه، فلا حاجة إلى ما تكلف به بعضهم فمثله بضمير الغائب إذا عاد على مثله نحو هو زيد وهو ضمير غائب وهو تكلف بارد، ولو قيل أنه مخصوص بأسماء صفات الله، ولذا أطبقوا على ذكرها في الأصول وأنّ المراد أنّ وضعها هل هو للذات المقدسة أولاً وبالذات، والمعنى الوضعيّ مقصود بالتبع، أو وضعت لأمر كليّ، وهو ذات مّا متصفة بما دل عليه مأخذ اشتقاقها على ما حقق في الوضعيات، فعلى الأوّل يكون المقصود بالوضع أوّلا عين المسمى وذاته وعلى الثاني غيره لمغايرة الكلي للجزئيّ حقيقة، وليس المراد بالغيرة مصطلح الأشعري، وبعد كل كلام فلم نر في هذه المسألة ما فيه ثلج الصدور وشفاء الغليل. وللسهيليّ فيها كلام ادّعى أنه الحق وصنف في ردّه ابن السيد رسالة مستقلة لا يسع تفصيلها هذا المقام. وقوله: (كما هو الخ) إن كان نقل عن الشيخ في هذه المسألة أن المراد بالاسم الصفة فالكاف تتعلق بأريد كما في بعض الحواشي، والا فهو قيد للصفة كما ارتضاه كثر أرباب الحواشي، لكن قال بعض الفضلاء أن الظاهر أنّ الظرف متعلق بالإرادة دون الصفة، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الموافق لما نمى عليه الشيخ في كتاب الصفات من أنّ الاسم هو الصفة، فما ذكروه مردود لأنه ناشىء من عدم الإطلاع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وبقي هنا أمور كثيرة قصر مسافتها أليق بالرأي السديد ثم إنّ السبكي رحمه الله قال في كتاب القواعد: إنهم بنوا على هذه المسألة فروعا فقهية منها ما إذا قال اسملث طالق هل يقع به الطلاق أم لا. ومنها ما لو قال باسم الله لأفعلن كذا هل يكون يميناً أم لا، ومنه عرفت نكتة في تعقيب المصنف رحمه الله تعالى لهذه المسألة بما بعدها وهو. قوله: (وإنما قال بسم الله الخ) قيل إنه محتمل لوجهين: أحدهما: أن يراد لم يبدا باسم خاص من أسمائه تعالى، وبدأ بما يدلّ عليها اجمالاً. والثاني: أنه لم يتبرك بذاته تعالى بل تبرّك باسمه، وفيه أنّ قوله لأن التبرّك الخ يعين الثاني، وعلل بأنه الذي يتلبس به الفاعل ويأتي به دون الذات لتنزهها عن أن يتلبس بها أحد ويأتي بها، وقيل عليه، إنّ التلبس بالذات من حيث هي هي غير ممكن لكنه من حيث الاستحضار بالذكر ممكن، وردّ بأنّ مرجعه أيضا إلى الإتيان بالاسم، وهو أولى بالاعتبار، وظواهر النصوص دالة على أنّ الابتدأء بالاسم، وأمّا الاستعانة بالذات المقدس نحو بك استعين، فأكثر من أن تحصر وحقيقة الاستعانة كما مرج التوسل بمد خولها لتشريف المشروع فيه والاعتداد بشأنه، ولو كان فيه ترك أدب لم ينسب للاسم أيضا غايته أنه احترز عن إطلاق لفظ الآلة وتخلص منه بأنّ الشرع عين الاسم لذلك فاتغ، وتعين الاسم له ليس بصحيح ألا ترى قوله تعالى: {اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ} [الأعراف: 128] وانما جاءهم هذا من عدم الفرق بين الاستعانة والآلية، وإنما يقتضيان الابتذال وهو غلط نشأ من التمثيل بكتبت بالقلم، والصواب أنّ الاستعانة طلب العون، وهي تتعدى بنفسها كما في {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وبالباء كما في اسنعينوا بالله، والاستعانة تسند إلى الله تعالى حقيقة، فيقال أعانني الله، وهو خير معين وسيأني تحقيقه في قوله: و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فاحفظه فإنه معين على ما مرّ، وفي قوله لأنّ التبرّك الخ لف ونشر غير مرتب لأن التبرّك بناء لى أن الباء للمصاحبة والاستعانة على الوجه الأوّل وقدم المصاحبة وان كانت مرجوحة عنده لأنها أظهر فلا يقال كان الظاهر العكس، وبين اليمين والتيمن تجنيس، والتيمن تفعل من اليمن بالضم وهو البركة، وهو من اليمن لأنّ العرب تنسب الخير إلى اليمين والشرّ إلى الشمال، وبه فسر قوله تعالى: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] أي تصدوننا عن فعل الخير، وقال قدس سرّه: لفظ ذكر في قوله بذكر اسمه للتصريح بالمراد، فإنّ تصدير الفعل باسم الله إنما يقع بذكره، ويقع على وجهين. أحدهما: أن يذكر اسم خاص من أسمائه تعالى كلفظ الله مثلاً. والثاني: أن يذكر لفظ دالّ على اسمه كما في التسمية، فإنّ لفظ اسم مضاف إلى الله يراد به اسمه تعالى، فقد ذكر هنا اسم لا بخصوصه بل بلفظ دال عليه مطلقاً فيستفاد أنّ التبرّك والاستعانة بجميع أسمائه والباء وسيلة لذكره على وجه يؤذن بجعله مبدأ للفعل، فهو من تتمته فبطل توهم أنّ الابتداء بالتسمية ليس ابتداء باسم الله، ثم قال: إن فائدة لفظ اسم تعميم التبرّك بأسمائه وتمييز التيمن عن اليمين فإنّ التيمن إنما يكون باسمه لا بذاته واسمه آلة لا ذاته واليمين إنما يكون به لا بأسمائه التي هي ألفاظ انتهى. وأورد عليه أمور منها أق بعض الأسماء لم يعهد فيها ذلك كالقهار والمذل والمتكبر ويدفعه أنه لا يلزم من التبرّك ونحوه بجميع أسمائه جملة أن يتأتى أو يحسن ذلك بها فرداً فرداً، ويدلّ عليه أنّ الأوّل واقع دون الثاني، فإنه ورد في الحديث: " أسألك بكل اسم هو لك أظهرت عليه أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " (1 (وهو ظاهر ومنها أنّ اليمين أيضا باسمه تعالى لا بذاته كما في عامة كتب الفقه، وفي الهداية اليمين باسم الله، وقال الشرّاح: أي بهذا الاسم أو باسم آخر كالرحمن أو بصفة، من صفاته كالعزة والكبرياء وقد صرّحوا بأنّ الكفارة شرعت لدفع هتك حرمة اسم الله وهو شاهد لأنّ اليمين باسمه لا بذاته، فلا يتم الفرق المذكور وفيه ما فيه، وأيضا لفظ باسم الله يمين إذ نوى به اليمين وفي رواية ابن رستم عن محمد رحمه الله أنه يمين وأن لم ينو فلا يتم ما ذكر وهو قول للشافعيّ أيضاً رحمه الله بهما في قواعد السبكي، فلا يتوهم أنه غير وارد على المصنف رحمه الله لأنه ليس من مذهبه، وبقوله واسمه آلة لا ذاته على ما بيناه لك يسقط ما قيل من أنّ التبرّك، وان سلم أنه لا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 إلا بالاسم فالاستعانة لا تكون حقيقة إلا بالذات كيف لا وقد قال تعالى: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فحصر مطلق التلبس، والاستعانة في الاسم ممنوع فلا أقل مما قاله بعض الفضلاء من أنّ الاستعانة، وإن كانت حقيقة بالذات إلا أنّ الطريق إلى تحصيلها لما كان ذكر اسمه جعل مستعانا به تعظيماً وان لم يكن مراد، فإنه ناشىء من عدم الفرق بين استعنت المتعدي بنفسه الذي معناه طلب المعونة منه، وبين المتعد بالباء المتعلق بغير ذوي العلم غالباً نحو: {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البفرة: 153] . ومنها أن قوله فيستفاد أنّ التبرّك والاستعانة بجميع أسمائه ليس بمسلم وقد قال التفتازاني في شرح تلخيص جامع الخلأطي معنى إضافة الاسم إلى الله إن كان الاختصاص شمل أسماءه كلها، وأن كان الاختصاص وصفا نذاته المتصف بالكمالات المستجمع له الصفات فهو لفظ الله خاصة للإتفاق على أنّ ما سواه معان وصفات، وفي التبرك بالإسم غاية التعظيم للمسمى، وقيل إثالاسم صلة أتى به للتبرك وللفرق بينه وبين القسم قليل الجدوى، لأن الابتداء إنما هو بالاسم لا بالذات انتهى. وأمّا تصلف المورد على السيد السند هنا والبحث معه، بأنه إن أراد بالابتداء الذي ذكره الابتداء الحقيقي فلا يتم بما ذكره وان أراد الإضافي أو الأعم، فالتوهم باطل ولا يتفرّع بطلانه على ما ذكر مع أنه لا يتمّ أيضا إذا دلت البسملة على الاستعانة والتبرك بجميع أسمائه وبالله الرحمن الرحيم على وقوعه باسم واحد وهو ممنوع، ولا يصح إرادة اللفظ مع وصفه بالرحمن الرحيم، فالأولى أنه لم يقل بالله الخ لما فيه من إساءة الأدب بجعله تعالى آلة أو مصاحبا لفعل العبد فسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيأ لأنّ المراد الابتداء الحقيقي وعدم تمامه مكابرة ودلالته على جميع الأسماء من عموم الاسم المضاف أظهر من الشمس، والوحدة في مقابلة العموم واساءة الأدب لا تتوهم مع ما مرّ من أنّ معنى الآلية توقف الفعل أو الاعتداد به عليها وماكها التبرك والمصاحبة لا تنكر بعد التصريح بها في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4] فقد وضح الصبح لذي عينين وما على الأعمى من حرج. قوله: (ولم تكتب الألف) أي لم ترسم ألف اسم بعد الباء على ما هو مقتضى الظاهر من الرسم إذ الأصل في كل كلمة أن تكتب باعتبار ما يتلفظ بها في الوقف والابتداء، وفي الابتداء هنا يلفظ بالهمزة، وهي ألف لأنّ الألف كما في الصحاح لينة وغير لينة، وهي الهمزة فلا حاجة لما قيل من أنها سميت ألفا لأنها تكتب بصورتها قال أبو حيان رحمه الله: إن قلت باسم زيد، أو تبركت باسم الله تعالى ترسم الألف لأنّ الأوّل لم يضف إلى الله تعالى، والثاني ذكر فيه متعلق الباء وقال الدمامينيّ ما حاصله: إنه لا بد لحذف الألف من أمرين عدم ذكر المتغفق، واضافة لفظ اسم للجلالة وهل يثترط تمام البسملة فيه تردّد وظاهر كلام التسهيل اشتراطه قيل: وإنما طوّلت الباء عوضا عنها لتكون الباء بمنزلة ألف اسم الله، فيكون الابتداء ببسم الله ابتداء باسمّ الله فاعرفه، فإنه ليس من عمل الأفهام بل من مبذولات الإلهام، وهو من مبتذلات الأوهام وخصت هذ. الأسماء بالابتداء لأنّ الذات مقدّمة على سائر الموجودات فناسب الابتداء باسمها وهو الله كما مرّ وكذا الرحمن الرحيم لقوله: " سبقت رحمتي) (1) وهذه نكتة حسنة، وتحذف ألف الرحمن مع أل وبدونها وفي الكشاف قال عمر بن عبد العزيز لكاتبه طوّل الباء وأظهر السينات ودور الميم قال فدّس سره (2) : تحسيناً للخط ومحافظة على تفخيم اللفظ الذي أريد به الأسماء المعظمة ييهبرياء سيماها وهو إيماء إلى أنه لا دليل فيه على التعويض حتى يعترض عليه بذلك كما توهم والموجود في النسخ السينات بدل السنات وفيه مبالغة، كائنه جعل كل سِنَّة كسين في الظهور، وهو دفع لما قيل من أنه ليس في البسملة سينات بل سِنات لسين واحدة ولو أراد تعددها باعتبار أفراد البسملة لقال الباآت والميمات أيضاً. وأجيبّ بأنّ المراد من السين السئة تسمية للجزء باسم كله إذا ما عداه مطروح خطاً قيل وهو على طرف الئمام ومبناه على حرف واحد وهو أنّ السئات هنا جمع السّن لا جمع السين فإنه لا يقال في جمع سٍنّة سينات حذراً من الالتباس بالمصادر التي تجىء على يخغال كما قال الجوهريّ في دينار أصله دنار بالتشديد فأبدل من حرف التضعيف ياء لئلا يلتبس بالمصادر التي تجيء على يخغال نحو جمذب، ثم أنّ هذا القائل تجج وقال: هذا ما عنلإي في تحقق المقام، ولعمري إنّ اشتباه السين على هؤلاء الفضلاء شين تام فنعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الكلائم كلائم أبي تمام كم ترك الأول للأخر، ولعمري إن في زوايا الأفكار خبايا، وفي أبكار الخواطر سبايا لكن قد تقاصرت الهمم، ونكصت العزائم فصار قصارى الآخر أن يتبع الأول، وهذا كما قيل في الياسمين لا يساوي تجفغة وقد قال عليه بعض فضلاء عصره الإبدال المذكور مخصوص بمغال الاسم بدون هاء وسنات يخغلات لا يخغال فما افتخر به ليس بصواب، وهذا كله صيد مق المفلاة ففي حواشي المالول الحسنية بعدما تنبه لهذا الاعتراض دفعه بقوله أبدل فيه أحد حرفي التضعيف لوقوعه في بناء ممتد ولما لم يتنبه شارحوه لهذه الدقيقة التجؤ إلى المجاز، وأنت خبير بأنه مشروطاً بالقرينة الصارفة والا ارتفع الوثوق، وأشار بقوله بناء ممتد إلى أنّ فعلات تشبه فعالاً في الامتداد والوزن العروضي، وأيده بقول الزمخشري في سورة الحديد في قراءة الحسن تيلآ بفتح اللام، وسكون الياء وحكاه قطرب بكسر اللام، ووجه بأنه حذفت فيه همزة أن وأدغمت نونها في لام لا فصار للإثم أبدل من اللام المدغمة كما في ديوان انتهى. ولا يخفى أنه بعد الإبدال يلتبس جمع السين بجمع السن، فإن قامت عليه قرينة، فهي بعينها قرينة المجاز، وهو مع بلاغته لاشتماله على نكتة أسهل مما تكلفه من ذلك الأمر الغير القياسي والقرينة هنا حالية، وهو أنّ في البسملة سنات لا سينات والجواب الممرض أظهر وإنما جمعها دون أخويها لأنّ لها أجزاء في الخط. قوله: (لكئرة الاستعمال) قيل الظاهر أنّ المراد كثرة الكتابة، فلما كثرت كتابته حذف تخفيفا على الكاتب كما خفف تلفظه به، وكثرة التلفظ لا دخل لها في الحذف الخطي فما قيل في شرحه لكثرة الاستعمال بحسب اللفعل والكتابة، وفيه نظر لأنه لا دخل للأوّل هنا ليس بشيء، فإنهما كالمتلازمين، وكل يناسب الآخر، فمثله لا ينبغي ذكره، والعلل لا يلزم إطرادها حتى يقال هذا يقتضي حذف ألف الله، قيجاب بأنها عوض، أو أنه لئلا يلزم الإجحاف لحذف ألفه الثانية خطاً، أو لئلا يلتيس بقولك لله مجرورا، وبشدّة الامتزاج به، وما ذكر هو المشهور، وهو منقول عن مكي (1) رحمه الله وقيل إنه لا حذف فيه وإنّ الباء داخلة على ييمم بكسر السين أو ضمها أحد لغات اسم كما مرّ، ثم سكنت سينه هربا من توالي كسرتين، أو انتقال من كسرة لضمة، وهو بعيد. قوله: (والله أصله إله الخ) اعلم أنّ في لفظ الجلالة باعتبار أصلها واشتقاقها وكونها عربية أو غير عربية أقوالاً واختلافالب كثير؟ حتى قالوا: كما تاهت العقلاء في ذاته وصفاته لاحتجابها بنور العظمة تحيروا في لفظ الله لأنه انعكس له من تلك الأنوار أشعة بهرت أعين المستبصرين، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه دون صفاته تخئز الصفات وضل هناك تصاريف اللغات ففيه أقوال لا تحصر اختار المصنف رحمه الله منها أربعة، وقال في الكشاف: الله أصله الإله قال: معاذ الإله أن يكون كظبية فحذفت الهمزة، وعوض عنها حرف التعريف فقيل عليه: إن كان أصله الإله معرفاً باللام لم يكن حرف التعريف عوض الهمزة، لما يلزمه من الجمع بين العوض والمعوض، ولذا قال أبو عليّ إنه كالعوض. وأجيب بأنّ حرف التعريف في الإله من الحكاية لا من المحكى فهو يعني أنّ أصله إله وإنما أدخل عليه حرف التعريف للحصر رداً على من قال أنّ أصله لاه إذ لم ئقل لاه إلا نادرا، ولو شلم أنها من المحكي ففيه مضاف مقدر أي لزوئم أو لازمية حرف التعريف، فلما رأى المصنف ما ورد عليه عدل عنه إلى قول أصله إله لأنه أسلم، ومعنى التعويض على رأي جماعة منهم المصنف أن يورد ما يكون عوضاً وعلى المشهور جعله عوضا وقيل المراد به اعتباره عوضا لا إيراده وهل حذث هذه الهمزة اعتباط على غير القياس، فلذا لم يمنع الإدغام وعوض عنها أل أو هو قياس بأن نقلت حركتها إلى ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين الهمزة بعد نقل الحركة إلى اللام قبلها فلزوم الحذف والتعويض، وعدم منع الإدغام مع أنّ المحذوف لعله كالموجود من الأمور الشاذة التي اختص بها هذا الاسم الأعظم قولان أظهرهما الأوّل والمراد بالأصل هنا الأصل الإعلالي لا الإشتقاقي وعدل المصنف رحمه الله عن قول الزمخشريّ حرف التعريف إلى قوله الألف واللام، ليكون نصاً في تعويض الحرفين معا فيقتضي القطع، لأنه على القول بأنه اللام فقط يحتاج إلى أن يقال وتبغتة الهمزة كما في شروج الكشاف. هذا زبدة ما هنا من القيل والقال بعد طرح مقذمات منتجة للملال، وفيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 أنّ ما أجابوا به عن الزمخشري ليس بشيء أمّا كونه من الحكاية، فكيف يتأتى مع أن إنشا إه الشعر المذكور لإثبات تعريف المنقول عنه، ولو كان من الحكاية كان يضرب عنه صفحاً، وكذا ما زعموه من أنّ المعوض اللزوم، فإنه مع كونه خلاف الظاهر لأنّ تعويض الأمور المعنوية عما حذف لم يعهد، ويأباه أيضاً قوله إن المعرف باللام من الإعلام الغالبة، واللام لازمة في مثله كما صرحوا به، فالمحذور باق. فالصواب أن يقال إنّ المراد بالعوضية اعتبارها جزأ من الكلمة وعوضاً عن الهمزة لا الإيراد للعوضمية فاللام قبل الحذف للتعريف، ثم جردت عنه وصارت عوضاً، فلا عوضية قبل الحذف، ولا جمعية بعده كما في قولهم عدة أصله وعدة، ثم إنّ تعريفه بأل جار على القياس المطزد لكنه بعد الغلبة والشيوع الذي نزل منزلة العلم الشخص خفف، واستغني بمخمفه وهو الله عن الإله حتى صار كالفضالت المرفوض فما قيل من أنّ الشاعر اضطر فيه والضرورة تردّ الأشياء لأصولها، وفي إوادته العلم المردود إلى الأصل بحث لا مكان إرادة المعنى الوضعي وأيضاً في جعل الإله المعرف من الإعلام الغالبة خفاء إذ اسنعماله لا يوجد إلا قليلاَ، فكيف يكون من الإعلام الغالبة، ودعوى أنه كان منها قبل شهرة الله أيضاً غير ظاهرة من ترّهات الأوهام، ولغو الكلام الذي أوقعه فيه جمود الأفهام. قوله: (ولذلك قيل يا أدلّه بالقطع) أي لكونها عوضاً عن المحذوف قيل يا ألله بقطع الهمزة لأنها جزء من عوض الحرف الأصليّ مع أنّ كون المعوض عنه همزة قطع فيه تمائم المناسبة بينهما قطعاً. وتوفم أبو علي أنها أيضاً عوض فيئ- الناس إذ لا يقال الأناس في السغة وزدّ بكثرة استعمال ناسق ئنكراً دون لاه، وبامتناع يا ألناس دون يا ألله كذا قال المحقق ودفع الأخير بقول الرضى: إنما جاز يا ألله بالقطع لاجتماع شيئين في هدّا لزومها الكلمة إلا نادراً كما في لافة الكتار، وكونها بدل همزة إله، وأمّا النجم وأمثاله فلامها لازمة لكنها ليست بدلاً من الفاء وأمّا الناس، فاللام عو ضمن الفاء إلا أنها ليست لازمة إذ يقال في السعة ناس هذا وانما اختص القطع بالنداء إذ هناك يتمحض الحرف للعوضية بلا شائبة تعريف للاحتراز عن اجتماع أداتي التعريف وفي غير النداء يجري الحرف على أصله، ثم أنه قيل أنّ كلام المصنف رحمه الله يحتمل أن يكون بياناً لعلة اجتماع أداتي التعريف والقطع معاً وأن يكون للقطع وحده والأول أوجه وان كان الثاني هو الظاهر من العبارة يعني أنه كان القياس أن لا يدخل عليها بالعدم اجتماع التي التعريف، واذا دخلت تسقط الهمزة في الدرج كما في غير هذه الكلمة لكن أدخل عليها حرف النداء، ولم تسقط الهمزة لأنه صار عوضا، فيضمحل عنه معنى التعريف والعوض لا يحذف غالباً إن صار جزأ والجزأ لا يحذف في الدرج كاكرم وتجغل المصنف العوضية علة إذ المراد العوضية على سبيل الجزئية كما فحن فيه، وان سلم فالمراد أنه علة ناقصة لا علة نامة، ولا يتوهم أنّ الأصل عدم الجمع والقطع، فاذكر يعارض الأصل فتساقطاً فلم رجح ذلك لما عرفت من أنّ فيه نكتتين على أنّ ذلك غير متوجه إذ لا يلزم الترجيح بين النكات بل يكفي الإرادة، ولذا قد يراعي الأصل مع وجود تلك النكتة ولا مقتضى للعدول فإن قلت كان يجب القطع في غير النداء لوجود علته. قلت: قد روعي فيه جانب الزيادة والأصالة فروعى الأصل تارة والتعويض أخرى، فإن فلت قد مرّ أنّ فيه نكتتين لعدم الحذف، فكيف رجحوا جانب الأصل المرجوح. قلت: قيل إنه لا يلزم البليغ رعاية الأرجح والأبلغ وله العدول عنه كما في شرح الفوائد النياثية وفيه أنّ قول أهل المعاني إن كذا يذكر لكونه أصلاً ولا يقتضي العدول يقتضي أنه لا يجوز مع وجود العارض رعاية الأصل لضعفه، فكيف جوز ذلك إلا أن يحمل على أن المراد ان لم يخالف مقتضى الحال، وقال المحقق التفتازاني رحمه الله: قد يقال في قطع الهمزة إنه نوى فيه الوقف على حرف النداء تفخيما للاسم الشريف، ونقله بعضهم عن سيبويه رحمه الله وقيل في توجيهه إنّ المعالم الجليل القدر ئغذ نداؤه باسمه من سوء الأدب، فلذا جعل النداء " لمحالمنقطع عما بعده والاسم الكريم كأنه غير منادى لا يقال إنه قد ورد نداء الله تعالى في الحديث الشريف كثيراً وفي المأثور يا رحمن الدنيا والآخرة (11 لأنّ النداء بالوصف المادح ليس كالنداء بالعلم المجرد والمقصود من النداء كالخطاب التوجه إلى الله بقلبه وقالبه، ليقبل عليه يإحسانه، ولطفه فالمراد بالتفخيم إمّا تعظيم مسماه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 بالتأني في دعائه أو اسمه بإثبات حرف المد وتفخيم لامه وإبقاء حروفه، ولو وصل فات بعض هذا والثاني هو المراد والأمر فيه يختلف باختلاف المقام، والعبارة ناطقة بخلاف ما قاله القائل، ثم قطع الهمزة في النداء أكثري كما ذكره الرضى، وتجغل عقة القطع العوضية لا اللزوم لأنه غير كاف بدليل قوله: بحقك يا التي حيرت قلبي بالوصل وبعضهم جعل العلة العوضية واللزوم فتدبر. قوله: (إلا أنه يختص بالمعبود ، لحق الخ) يعني أنه بعد التغيير والحذف اختص بالمعبود بالحق بحيث لم يستعمل في غيره أصلاً وصار المراد به الذات كما في سائر الإعلام فصح التوحيد والغلبة كما قال الشارح المحقق أن يكون لففظ عموم فيحصل له بحسب الاستعمال خصوصية لشيء بمعنى زيادة اختصاص إمّا إلى حد التشخص فيصير علما كالنجم أو لا فيصير اسما غالبا كالسنة أو صفة غلابة كالرحمن ثم أنّ الغلبة بحسب الاصطلاح أعم من أن تستعمل أوّلاً في غيره أو لا تستعمل أصلاً وهي في الأول تحقيقية كالإله والنجم وفي الثاني تقديرية، وقياسية كالذترّان (1) والله ولا عبرة بما قاله الأستاذ الخال من أن غلبة ألله تحقيقية، وان اسندل عليه بما لا يجديه وكلام المصنف رحمه الله مخالف لما في الكشاف من جعله اسم جنس لا وصفاً، فمن توهم أنه بمعناه، وأنّ قوله المعبود لم يرد به أن مرادف له ليكون صفة فينا في أنه اسم غير صفة فقد غفل عما ذكر ولا ينافي غلبة الإله قلة الاسنعمال فإنه يكفي أن يكون غيره أقل منه، فسقط ما قيل من أنّ في الغلبة مع ندرة الاسنعمال خفاء. ثم إنّ كلام المصنف رحمه الله محتمل لأن يكون المراد أنّ الإله المعرف باللام يقع على كل معبود وغلب على المعبود بحق أي على ذاته المخصوصة فصار علماً بالغلبة ينصرف إليه عند الإطلاق، ثم أكد الاختصاص بالتغيير فصار مختصاً به فالإله المعرّف قبل الهمزة وبعده علم لتلك الذات إلا أنه قبل الحذف قد يطلق على غيره وبعده لا يطلق أصلاً وهذا ما اختاره فذس سره، ويحتمل أن تكون اللام للعهد إشارة إلى الأصل المذكور أوّلاً فيكون المراد أنّ إلهاً المنكر مستعمل للمعبود مطلقاً والمعرف صار بالغلبة مختصاً بالمعبود بالحق بدون أن يصير علماً والله علم لذات معين هو المعبود بالحق سبحانه وتعالى وهذا ما اختاره السعد وحمل عليه كلام الكشاف، واستشهد له بتنكيره الحق في الأوّل وتعريفه في الثاني وذكر أنّ الإله اسم لفهوم كليّ هو المعبود بحق والله علم لذات معين هو المعبود بالحق تبارك وتعالى وبهذا الاعتبار كان قولنا لا إله إلا الله كلمة توحيد وقال قدّس سره أنّ الاستشهاد المذكور لا يجديه نفعاً لأن المفيد لتعين ذات المعبود أو عدم تعينه تعريفه أو تنكيره، ولا مدخل في ذلك لتعريف الحق ولا تنكيره كما في قولك جاء الذي له عليك الحق أو الذي له عليك حق، وتأييد بكلمة التوحيد في غاية الضعف لاقتضائه اختصاص المنكر بذلك المفهوم الأخص، وبطلانه ظاهر قال ولا يشتبه على أحد أنّ المقصود من قوله على كل معبود هو الذاهت المعبودة لا المفهوم المتبادر لها، واللام في قوله على المعبود بحق إشارة إلى بعض تلك الذات المعبودة لا إلى مفهوم أخص من مفهومه الأصليّ، ولما كان المراد بلفظ الحق مفهومه المقابل للباطل، ولا تعدّد فيه فلا حاجة إلى تعريفه ذكره ثانياً منكراً أيضاً، وعرفه ثالثا تفنناً فكان الثالث أولى لتقدم ذكره مرتين وئو عرف الأوّل وقال: على كل معبود بالحق لم يتعين المقصود من المعبود انتهى ولا يخفى عليك أنّ الباء في قوله بالحق باء الملابسة وملابسة العبادة للحقية بمعنى اتصافها بها وكون العبادة حقة تستلزم حقية المعبود، وهي المراد هنا بطريق الكناية، فإن المقصود منه أنه المعبود الحق وتغيراً لحق بتعريفه تعين للمعبود وهو تشخصه فيقتضي أنّ المراد منه الذات المقدّس الموجود في الخارج وتنكيره بقرينة المقابلة يقتضي إرادة المفهوم لأن المعبود الحق واجب التوحيد فكليته باعتبار مفهومه لا باعتبار أفراده وهو لا غبار عليه ويؤيده ما نبه عليه المحقق رحمه الله من تمثيله له بالسنة ولا شبهة في عدم علميتها، ولذا قال رحمه الله: وأمّا تشبيه الإله بالنجم وغيره من الأعلام فليس في العلمية بل في مجرّد الغلبة سواء انتهت إلى حد العلمية أو لا. ألا ترى أنّ السنة ليست علماً شخصيا ولا جنسياً إذ لا ضرورة تدعو إليه، وجواب الشريف عنه بقوله أما السنة فظاهر التثبيه يقتضي كونه علماً كسائر أخواته، إلا أن فيه مانعا مخصوصاً يخرجها عن ذلك إذ لا يفهم منها معنى شخصي حتى تجعل من أعلام الأشخاص، وليست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فيها ضرورة ملجئة إلى جعلها علماً جنسياً اعتراف منه بوروده، فذكره في صدد الجواب من العجب العجاب وأما ما ذكره في تفسير كلمة التوحيد من قوله: أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد، فلا يقتضي ما أورده عليه لأنه تأييد لعلمية الله وهو لا يقتضي اختصاص المنكر، وهو من قبيل العام المخصوص بقرينة، ولذا فسره بذلك كما بين في محله، وما ذكره في توجيه التنكير غير لائق بنظره اللطيف، ومقامه الشريف، وقيل في الجواب عما قاله الشريف إنّ ما قاله السعد في غاية القؤة والمتانة، وتقريره أنّ الشارع جعل هذه كلمة توحيد وهو مستلزم لكون الله علما لما ذكرنا مما لا مجال لمنعه كما سيأتي تحقيقه وإشارة تعريفه وتنكيره لما ذكره ليست مبنية على الوضع اللغوي والمعنى الأصلي بل هي من نكات البلاغة والاعتبارات المناسبة فحيث لم يكن في المعنى تعين بوجه لم يورد في الكلام تعريفاً أصلاً، فقلت اسم الله يقع على كل معبود بحق أو باطل فإذا حصل بالعلمية تعين ما أورد في الكلام المعبر عنه تعريفاً، فقال: ثم غلب على المعبود بحق، فإذا ازداد التعريف زاد فيه تعريفاً، ولا يخفى على المنصف أنه اعتبار مناسب صالح لكونه، إشارة لما ذكره ولا يرد عليه ما أورده قدس سره نظراً إلى الوضع اللغويّ مع أنّ قوله لا مدخل في ذلك لتعريف الحق، وتنكيره محل نظر إذ تعريفه إذا كان إشارة إلى الحق المختص بالله تعالى يفيد تعين ذات المعبود إفادة تامّة واضحة، فلا يصح القول بأنه لا مدخل لتعريفه وتنكيره في ذلك، ولا يخفى أنه لا معنى له، فإنّ نكات البلاغة لا بد لها من دليل في الكلام وضعي أو تابع له، فلا تثبت بمجرّد التشهي، وقد عرفت ما يغنيك عن مثله، ثم إنّ قوله: إن مفهومه المقابل للباطل لا تعدّد فيه ممنوع سواء أراد في نفس الأمر، أو في الذهن وعند العقل* تنبيه: كان عندي فيما قاله الشيخان هنا في لفظ الله، وما فيه للشراح من قيل، وقال شبه لم أبدها تأدّبا حنى رأيت ابن مالك رحمه الله في شرح التسهيل صرّح بها حيث قال الله من الأعلام التي قارن وضعها أل، وليس أصله الإله كما زعموا بل هو علم جامع لمعاني الأسماء الحسنى كلها، ولذا يقال لكل ما سواه الله بلا عكس، ولو لم يرد على من قال أصله إلا له إلا انه ادّعى ما لا دليل عليه لكان ذلك كافياً لأن الله، والإله مختلفان لفظاً ومعنى، أمّا لفظاً فلأنّ احدهما معتل العين والثاني مهموز الفاء صحيح العين واللام، فهما من مادّتين فرذهما إلى أصل واحد تحكم من سوء التصريف، وأمّا معنى فلأنّ الله خاص به تعالى جاهلية واسلاما والإله ليس كذلك لأنه اسم لكل معبود ويوضحه قول الأنصاري: باسم الإله وبه بدينا ولوعبدناغيره شقينا ومن قال: أصله الإله لا يخلو حاله من أمرين لأنه إمّا أن يقول الهمزة حذفت ابتداء ثم أدغمت اللام، أو يقول نقلت حركة الهمزة إلى اللام وحذفت على القياس، وهو باطل لأنه ادعاء حذف بلا سبب ولا مشابهة ذي سبب من ثلاثيّ فذكر الفاء تنبيه على أنّ حذفها ابتداء أشد استبعاداً من حذف العين واللام لأنّ الأواخر وما يتصل بها أحق بالتغيير، وقولي بلا سبب تنبين على أنّ الفاء قد تحذف لسبب كواو عدة مصدر يعد حمل المصدر على الفعل فحذف للتشاكل، وقولي ولا مشابهة ذي سبب كرقة بمعنى ورق حذفت فاؤه بلا سبب لشبهه بعدة وزنا، إعلالاً ولو أنّ رقة بمعنى ورقة لتعين الحاقة بالثنائي المحذوف اللام نحو لغة، فإن قيل قد حذفت الفاء بلا سبب في الناس فإن أصله أناس، قلنا لو صح أنّ الناس مفرع على أناص لم يجز أن يحمل عليه غيره لأن الحمل عليه زيادة في الشذوذ وكثرة مخالفة الأصل بلا سبب ملجىء لذلك، فكيف والصحيح أن ناسا في أناس بمعنى من مادّتين مختلفتين نوس وأنس كاوقية ورقية وأمثاله كثيرة، وأمّا ادّعاء نقل حركة همزة إله إلى اللام فأحق بالبطلان لأنه يستلزم مخالفة الأصل من وجوه. أحدها: نقل حركة من كلمتين على سبيل اللزوم ولا نظير له. والثاني: نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها فيوجب اجتماع مثلين متحرّكين، وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن لأنّ اجتنابه في الكلام آكد، وهو ملتزم إلا في أفعال الروية لأنّ العرب تلتزمه إلا تيم اللات. ، الثالث: من مخالفة الأصل تسكين المنقول إليه الحركة فيوجب كونه عملاَ كلا عمل وهو بمنزلة من نقل في بض، ولا يخفى ما فيه من القبح مع كونه في كلمة، فما هو في كلمتين أمكن في الاستقباح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وأحق بالإطراح. الرابع: إدغام المنقول إليه فيما بعد الهمزة، وهو بمعزل عن القياس لأن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت فإدغام ما قبلها فيما بعدها، كادغام أحد المنفصلين وقد اعتبر أبو عمرو رحمه الله في الإدغام الكبير الفصل بواجب الحذف نحو يتبع غير فلم يدغم فاعتبار غير واجب الحذف أولى، ولأجل الاعتداد بالمحذوف تخفيفاً جاز أن يقول في إغدودن من وأل وول بتقدير واوين، وأصله وأوأل ثم نقلت حركة الهمزتين إلى الواوين واغتفر تقديرهما دون قلب أولاهما همزة لانفصالهما بالهمزة تقديراً وهذا مثل ما ندر في لكن أنا إذ قيل فيه لكنا إلا أنّ هذا ليس ملتزما، ثم زعم أن أصل الله إله يقول الألف واللام عوض من الهمزة، ولو كان كذلك لم يحذفا في لاه أبوك أي دلّه أبوك إذ لا يحذف عوض ومعوض في حالة واحدة، وقالوا لهي أيضاً فحذفوا لام الجرّ والألف واللام وقدّموا الهاء وسكنوها فصارت الألف ياء، وعلم بذلك أنّ الألف كانت منقلبة لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها، وفتحتها فتحة بناء، وسبب البناء تضمين معنى التعريف، هذا قول أبي علي وهو عندي ضعيف لأنّ الألف واللام في الله زائدة مع التسمية مستغنى عن معناها بالعلمية، واذا حذفت لم يبق لها معنى يتضمن، والذي أراه أنّ لهي مبنى لتضمن معنى حرف التعجب وإن لم يكن له حرف موضوع كما قالوه في اسم الإشارة يعني أنه من المعاني التي حقها أن يوضع لها حرف إذ لا ئقع لهي في غير التعجب، وهو مع بنائه في موضع جرّ باللام المحذوفة واللام ومجرورها في موضع رفع خبر، وأبوك مبتدأ انتهى. ما قاله ابن مالك ملخصا، وفي شرح ناظر الجيش أنه لا مريد عليه في الحسن والتحقيق إلا أنّ في ردّه على أبي علي في سبب بناء لهي أبوك نظراً لأنه حكم بزيادة الألف واللام، وليس القول بزيادتها متعينا عند أبي علي فيلزمه ما ألزم به بناء مثل انتهى. وبهذا علم أنّ كلامهم مع مخالفة القياس مبنيّ على غير أساص فأعرفه. (أقول) : هذا زبدة ما قالوه. وأنا أقول إنّ الخلاف فيه مبنيّ على خلاف آخر ذكره ابن الشجري في أماليه، وهو أن جمهور البصريين ذهبوا إلى أنّ أناساً وناسا من مادّة واحدة وهي أنس لاً نس بعضهم ببعض، وناس وزنه عال وبنوا عليه ما تقدّم تبعا لسيبويه، والقول الآخر ما ارتضاه الكسائي والفرّاء، وكثير من النحاة أنهما ماذتان مختلفتان معنى ومبنى فأناس من أنس وناس من نوس بمعنى تحرّك، واستدلوا بتصغيره على نويس دون أنيس، وعليه بنى ما قاله ابن مالك ومن تبعه وهو عندي أوضح معنى وأقوى دليلاً، وجوابهم بأن ألفه لوقوعها ثانية عوملت معاملة الزائدة في التصغير تكلف لا داعي له عندي، وهو الحق الحقيق بالقبول. قوله: (واشتقاقه من أله الخ) ما مرّ بيان لأصله الإعلاليّ، وما يترتب عليه، وهذا شروع في بيان أصله الاشتقاقي، وقد اختلفوا فيه فقيل إنه غير مشتق، وقيل مثتق، وفي المشتق منه أقوال اختار منها المصنف أنه من أله بفتح الهمزة واللام، فإن قلنا بأن المشتق مته الفعل فهو على ظاهره، والا فهو بتقدير مضاف أي من مصدر إله أو المراد أنه مأخوذ من هذه المادة ومصدره إلاهة بزنة عبارة، وألوهة بالضم كنبوّة، وألوهية بالضم والياء المشددة كعبودية وتأله واستأله بمعنى تعبد وانقطع إلى الله، وضمير اشتقاقه المضاف إليه راجع لأصل الجلالة، وعبد بفتحتين كما قيد في نسخ الجوهري او هو مجهول، كما قيل لأن الظاهر من كلامهم أنه متعد لالازم يعين أنّ إلها فعال بمعنى مألوه اي معبود فهو صفة مشبهة ككتاب بمعنى مكتوب، وامام بمعنى مؤتم به، وهذا منقول عن المصنف هنا، وفعال قد يكون اسم ا-لة سماعاً كركاب لما يركب به وهو كثير وخالف المصنف رحمه الله الزمخشري فيما اختاره من أنّ الفعل وبقية المادّة هنا مشتقة من ازله اسم العين كاستجمر واستنوق وتجوهر لأنه على خلاف القياس لا سيما في الثلاثيّ، كأبل إذا أحسن رعي الإبل والقيام عليها، والمعروف كون معنى المشتق منه مراعى في المشتق، وهذا بالعكس إلى غير ذلك مما فصل في شرّاح الكشاف وذهب الإمام المرزوقي وصاحب المدارك إلى أنّ الإله مصدر كالإلاهة، وهو خلاف المشهور، ولا وجه لما قيل عليه من أنه لم يوجد في اللغة مع أنّ المرزوقي أمام أهلها فكفى به مقتدى. قوله: (وقيل من إله إذا تحير الخ) أله يأله في هذا وفيما بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 كفرح يفرح، وضعفه إمّ لأنّ الأصل في الإشتقاق أن يكون لمعنى قائم بالمشتق، والحيرة قائمة هنا بالخلق لتحيرهم في ذاته وصفاته أو لكون أله بهذا المعنى واوي عند أهل اللغة كالجوهريّ وغيره، فعدّه أصلاَ آخر لا وجه له لأنّ همزته مبدلة من الواو، وإن ذهب بعض أهل اللغة إلى أنها أصلية، وعليه صاحب القاموس حيث ذكره بهذا المعنى في المادّتين، والقول بأنه اشتقاق كبير بعيد إذا النزاع في الصغير فإن سلم إبدالها من الواو اتحد الوجهان، ومن حاول إثبات التغاير بينهما زاد في الشطرنج بعلة، وقوله: (في معرفته) أي في معرفة الله، والظاهر في معرفة الأله لأن الكلام في اشتقاق أصل الجلالة، إذ لا وجه لكون الأصل مشتقاً من غير ما اشتق منه الفرع، ولا لكونهما من أصل واحد كما قيل، فتحير العقول في مطلق المعبود لاتخاذ اكهة شتى وزعم كل أنه على الحق، أو المراد التحير في معرفته تعالى والكفرة، وإن أثبتوا شركاء معترفون بأنه إله الآلهة وأعظمها. قوله: (أو من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه) سكن إليه بمعنى استأنس من السكون، وعدم الإضطراب، أو هو مجاز من السكنى، ومته السكن بفتحتين، فإنه ما يؤلف من نحو الصديق والأهل والحبيب والمنزل قال: ". سا بارقا أذكرالحشى سكنه منزلنا بالعقيق من سكنه ويقال ألهنا بمكان كذا أي أقمنا قال: ألهنا بدار ما تبيد رسومها كأنّ بقاياها وشام على يد وقيل: إنه ذكر في اللباب بعد ذكر السكون الثبات، واستشهد له بهذا البيت، فاللائق للمصنف ذكر الثبات أيضاً بعد السكون ليكون الإطمثنان مرتبطاً بالأول والسكون وبالثاني، ولا وجه له رواية ودراية والهنا في البيت بمعنى سكنا فهو لغو من القول. قوله: (لأن القلوب تطمئن بذكوه والأرواح تسكن لمعرفتة) يقال اطمأن يطمئن اطمئنانا وطمأنينة بمعنى سكن، وهو مطمئن إلى كذا وذاك مطمأنّ إليه، فهو حقيقة في المكان واطمئنان القلب، والنفس مجاز كما في الأساس، ومنه النغس المطمئنة إلا أنة شاع حتى صار حقيقة في استقرارها بزوال القلق والاضطراب، وهو لا يتاتى تعالى الله، فلذا قدم المتعلق للحصر في قوله: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] أي لا بغيره فإن الطمأنينة لما عداه غرور والثقة به مجز واستهداف للبلاء، وطمانينة القلب والنفس بمعرفة الله والتسليم له منقادة بزمام الطاعة وحينئذ تصل الروح بنور المعرفة إلى مستقرّها في مقعد صدق، فإن قلت كيف يتأتى هذا الوجه فى الآلهة الباطلة وصرفه إلى إطلاق الإله عليه تعالى غير مناسب للسياق والسباق قلت: قد قيل فى دفعه إنه لا يبعد أن يكون ملحوظ واضع اللغة في وضع الإله للمعبود اطمئنان القلوب بذكر المعبود الحق لما مرّ من الحصر، ثم استعمل في الآلهة الباطلة بعد عبادتها على زعمهم أو لاعتراف الكل به كما قيل، ومن العجب ما قيل إنّ الأحسن أن يقال كل شيء يطمئن تحت فغائه، ولا يستطيع أن يضطرب في دفع امضائه، وقيل: إنّ هذا بالنسبة إلى المعبود بحق لعد ما سواه كالعدم وفيه نظر لا يخفى. قوله: (أو من أله إذا فزع الخ) في الأساس فزعت إليه فأفزعني أي أزال فزعي، وفزع عن قلوبهم كشف، وقال الراغب: الفزع انقباض، ونفار يعترى الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الفزع، ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه، وفزع إليه استغاث به عند الفزع وفزع له أغاثه انتهى. ففزع إليه بمعنى لجأ واله فعال بمعنى مفعول أي مفزوع إليه، وأفزعه وفزعه يكونان للسلب وآلهة بالمد مزيد أله وأصله " لهه بمهمزتين أبدلت الثانية ألفاً علي القياس قيل وفي ذكره آلهه المزيد إشارة إلى صحة اشتقاق الإله منه، فيكون فعالاً من الأفعال بمعنى الفاعل، وكلاهما منظور فيه وليس بشيء إذ الظاهر أنه لم يقصد ما ذكره، وإنما أشار إلى كثرة مجيء مادّته ني معنى الفزع، وما يتبعه كالسلب وقيل إنه يعني أنه مأخوذ منه أخذ الوجه من المواجهة باعتبار اللزوم، وحاصله تحقق العلاقة بين الإله وإله ولازمه أيضا ولا يخفى ما فيه، وانما قال حقيقة أو بزعمه ليشمل الإله الحق والباطل، لأنّ الزعم بتثليث أوّله، وان كان بمعنى الظن غلب امتعماله في الباطل، ولم يصرّح به فيما قبله إمّا لظهور أنه جار ذلك فيه بطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 المقايسة، أو لأنّ ذاك واقع بخلاف الإغاثة، فإنها غير واقعة، وفيه نظر لما مرّ قيل: ويمكن أن يكون كلاهما ناظرا للحق بناء على ارجاع ضمير اشتقاقه لله، فإنه تعالى لا يجبر كل أحد لكن كل أحد يزعم ؤلك، ثم إن إيراد المصنف لهذا في مقابلة وله الواوي مشعر بأنّ الهمزة فيه أصلية كما في القاموس، وهو مخالف لما في التيسير من تفسيره، وله بفزع إلا أن يثبت الترادف. وقوله: (إذ العائذ) تعليل وتوجيه لاشتقاقه وهو من العوذ بالعين المهملة والذالط المعجمة بمعنى الالتجاء، وإنما ذكره توضحيا وتحقيقاً له إذ من شأن من يفزع من أمر أن يلتجىء لمن يخلصه منه وهو كبيره، فما قيل من أنه لا دخل لوصف العياذة هنا، وإنّ قوله يفزع إليه ناظر إلى المعنى الأوّل، وهو يجرّه إلى الثاني من ضيق العطن فتدبر. قوله: (أو من إله الفصيل الخ (الفصيل هو رضيع الإبل، وأولع وولع بمعنى لازم محبتها وألح في اتباعها وأله بمعناه إذا أسند إلى الفصيل والعباد الظاهر أنه بكسر العين وفتح الباء المخففة جمع عبد، وجوّ ز بعضهم ضم عينه وتشديد بائه على أنه جمع عابد، ومولعون جمع مولع بضم الميم وفتح اللام قال في الصحاح: أولع به فهو مولع به بفتح اللام أي مغرى به، فلا يفارق جنابه والتضرّع التذلل والخضوع والشدائد جمع شديدة، وهي المصيبة وكل ما يصعب ويشتد، وأولع في بعض النسخ بالهمزة من المزيد ووقع في بعض الحواشي ولع بدونها قال: وكان المناسب أن يقول إذ العباد والعون لكنه لم يستعمل والع بل مولع والباء صلة مولع ولا حاجة إلى ما قيل من أنها سببية لمن له أدنى تأمّل وضمير إليه إن رجع إلى الإله مطلقاً كان شاملاً للفريقين، ولا مانع منه وان رجع إلى الله كما هو المتبادر فقدم ذكره لما مرّ من كونه حقيقة أو على زعمهم، وعلى الوجه الأوّل فيه إشارة إلى هذا التخصيص لأنهم كانوا إذ أنزل بهم ما يدهشهم لا يلجؤن إلا إلى الله كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ} [الأنعام: 40] وقيل: فيه اكتفاء عن عبدة غير الله تعالى للعلم بحالهم، ولا يخفى بعده. قوله: (أو من وله إذا تحير إلخ الم يذكر وجهه لعلمه مما مرّ وفيه تصريح بأنّ أله ووله لغتان لا أنّ أصل أله وله كما ذكره الجوهريّ رحمه الله، ولا أنّ بينهما فرقا لأن هذا التحير من تخبط العقل أي اختلاله، وذاك لكماله حيث دهش في عظمته لأنه خلاف الظاهر، وان ارتضاه بعض المتأخرين، والتخبط تفعل من الخبط، وهو الضرب بالأرض ونحوه أريد به فساد العقل من الخباطة بالضم، وهي شيء كالجنون قال تعالى: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] وسيأني تحقيقه. قوله: (وكأنّ أصله ولاه الأن إبدال الواو المكسورة في أوّل الكلم همرة مطرد في لغة هذيل، كما في التسهيل، ولم يجزم به لعدم سماع ولاه إن كانت العبارة كأنّ بفتح الكاف والهمزة وتشديد النون، ويجوز أن يكون مخففاً بالألف ماضي كان الناقصة وما قيل من أنه لا يصح لأنه يجب حينثذ نصب ولاه ورسمه بألف وليس كذلك هو في النسخ ليس بشيء لأنه يجوز حكاية لفظه كما في بعض الحواشي فيمنع صرفه، وقوله وقيل إله عطف على قوله فقلبت وتقديره فقلبت ثم حذفت إن كان الضمير لله كما مرّ. قوله: (ويردّه الجمع الخ (يعني لو كان أصله ذلك سمع فيه أولهة كأوعية لأنّ الجمع يردّ الأشياء إلى أصولها، ويبعد قلب الواو ألفا إذا لم تتحرّك لمخالفته القياس، فلا وجه للتوجيه به كما قيل وما قيل من أنه لتوهم كون الهمزة أصلاَ لعدم استعمال ولاه، وشيوع إله لا يدفعه، بل يحققه لأنه خلاف الظاهر. قوله: (وقيل أصله لاه الخ (هذا معطوف على قوله والله أصله إله الخ والضمير راجع إلى الله لا إلى الإله، وان جاز لأنه إذا كان هذا أصل إله لزم كونه أصل الجلالة أيضا، لأن أصل الأصل أصل ولاه مصدر، وفي بعض كتب اللغة لا يليه ليها إذا احتجب ولاه يلوه إذا ارتفع والمصنف رحمه الله جعلهما أي الارتفاع، والاحتجاب معنيين من مادّة واحدة، وبينهما على طريق اللف والنشر وهو ظاهر، وليس المراد أنه مستعمل فيهما معا بناء على مذهبه في المشترك بل صحة النقل من كل منهما، وهذا المذهب منقول عن سيبويه رحمه الله بناء على ما حقق في كتب اللغة، وقال ابن خروف: إنه منقول من لفظ متوهم كباب، وهو مقلوب من وله لأن باب لوه وليه ليس في كلام العرب كما قاله السيوطي، وقيل: لاه يليه بمعنى ارتفع ليس بلغة. قوله: (لآنه تعالى محجوب الخ) هو بيان للأوّل قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 لاهت فما عرفت يوماً بجارحة يا ليتها خرجت حتى رأيناها وقد اعترض عليه بما قاله الإمام من أنّ حقيقة الصمدية محتجبة عن العقول، ولا يجوز أن يقال محجوبة لأنّ المحجوب مقهور وهو العبد، وأمّا الحق فقاهر ففي عبارة المصنف رحمه الله قصور أو خطأ، والصواب محتجب كما في بعض النسخ، وهكذا قاله الفاضل الليثي وغيره (وأئا أقول) في حكم ابن عطاء الله نفعنا الله به الحق ليس بمحجوب إنما يحتجب عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر، وكل حاصر لشيء فهو لوجوده قاهر، وهو القاهر فوق عباده انتهى. وفي الشفاء ما وقع في حديث الإسراء من ذكر الحجاب هو في حق المخلوق لا في حق الخالق، فهم المحجوبون والباري جل اسمه منزه عما يحجبه، والحجب إنما يحيط بمقدر محسوس، ولكن حجبه عن أبصار خلقه وبصائرهم، وإدراكاتهم بما شاء، وكيف شاء، ومتى شاء لقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 5 ا] انتهى. يعني أنّ الحجاب حقيقته المنع والستر، وانما يكون في الأجرام المحدودة، والله تعالى منزه عن ذلك، فهو إمّا تمثيل لمجرّد المنع عن رؤيته تعالى مشاهدة، وإحاطة أو هو في حق المخلوق دونه، حينئذ فالمحجوب يطلق على الخلق حقيقة، لأنهم حجبوا عن رؤيته أو قربه، أو نحو ذلك كما في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} فإن أسند إليه تعالى كما ورد في الأحاديث، فهو تمثيل لارتفاع شأنه وعظمته كما صرحوا به، أو مجارّ عن منعه لهم فهو مانع وممنوع وانما الممنوع منع ما سواه له وفي الدرر والغرر لعلم الهدى قذس سرّه في قوله تعالى: {مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الشورى: 51] أنه تعالى يوصف بالحجاب بمعنى الخفاء وعدم الظهور والعرب تستعمله بهذا المعنى فتقول بيني وبين هذا الأمر حجاب أي مانع وساتر انتهى. وفي شرج المواقف المحجوب مقهور، وهو عز شأنه منزه عنه وهو كما يصدق عليه أنه محتجب يصدق عليه أنه جعل ذاته محجوبا لأن الخفاء من فرط الظهور، فلا غبار على كلام المصنف كما سمعته، وقوله لها بفتحهما سان لأصله، وقيل: أصل لوها أولوها كما في الدرّ المصون فلا حاجة إلى القول بأن قلب ياء لبها الساكنة الفا على خلاف القياس، وقد أثبت الكرماني ما ذكر بأنه قرىء في الشواذ وهو الذي في السماء لاه، والمصنف رحمه الله ثقة يعتمد نقله فلا يلتفت لما قيل أنّ لاه يليه لم يثبت في اللغة، وكذا كون لاه مصدرا، وقوله: مرتفع أي عال منز؟ عنا لا يليق بجانب كبريائه بيان للمعنى الثاني. قوله: (ويشهد له قول الثاعر: كحلفة من أبي رباح يشهدها لاهه الكبار) أنشده الفرّاء ولم يبين قائله وهو الأعشى كما في شروح الكتاب والشواهد، والأعشى اسمه ميمون بن قيس وهو من قصيدة أوّلها: ألم تروا ارما وعادا أفناهم الليل والنهار وهي في ديوانه، وحلفة بفتح فسكون وفاء المرة من الحلف وهو اليمين، وهو شاهد للاه بمعنى إله. وروى كدعوة، وأبو رباح براء مهملة مفتوحة وموحدة مفتوحة، وآخره حاء مهملة اسم رجل من بني ضبيعة، وهو حصن بن عمرو بن بدر، وكان قتل رجلاً من بني سعد بن ثعلبة، فسألوه أن يحلف أو يدي، فحلف ثم قتل بعد حلفته، فضربته العرب مثلاً لما لا يغني من الحلف كما قاله ابن دريد في شرح ديوان الأعشى، ويشهدها بمعنى يحضرها ويطلع عليها، وروى يسمعها الواحد الكبار، وهو بضم الكاف، وتخفيف الباء هنا، ويجوز تشديدها في غيره كما قرىء به، وهو مبالغة في الكبير، والمراد بلاهه الكبار ضمه، وروى أيضاً لأهم الكبار بضم الميم، واستشهد به النحاة على مجيء لاهم في اللهم مخفف الميم في غير النداء لأنه فاعل، فلا يكون على بعض الوجوه شاهداً لما ذكره المصنف رحمه الله قيلى: والاستشهاد بما مرّ من اثقراءة الشاذة أولى. قوله: (وقيل علم لذاته الخ) هذا معطوف على قوله: والله أصله إله أي هو علم بحسب أصله وضع ابتداء لذات مخصوصة، وليس باسم جنس، أو صفة غلب عليه حتى صار علماً كما مرّ قيل: ولا يخفى أنّ الأدلة المذكورة لا تفيد ذلك أصلاً، فلا يبعد أن يكون مراده بيان القول بالعلمية مع قطع النظر عن أنه مشتق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أولاً فقد ثبت القول بالعلمية مع الاشتقاق أيضاً، فالمصنف بجد ما ذكر أنّ أصله له بمعنى المعبود، واشتقاقه نقل قولاً بالعلمية بعبارة جامعة بينهما، واستدل عليه ثم نفاه مطلتما، وقال: الحق إنه ليس كذلك بل هو باق على ما قلناه من المعنى واختص بالغلبة لا بالعلمية، ولو لم يحمل كلام المصنف على ذلك لم يكن في كلامه ذكر القول بالعلمية مع الاشتقاق والأصالة مع أنه المذهب المختار عند صاحب الكشاف وغيره، وهذا تكلف لا حاجة إليه، وستعرف انطباق الأدلة على المدعى مع أنه لا يهم المصنف ذلك لأنه ليس مختاراً له حتى يضرّه الخلل في أدلته وقوله: (لذاته) إشارة إلى أنّ هذا القائل لم يعتبر فيه صفة أصلاً، وبه صرّحوا وإن قال العلامة أنه ممنوع بل اعتبر فيه صفة كالذات المستجمعة للكمالات، أو المستحق لجميع المحامد، وسيأتي ما له وعليه فتدبر. قوله: (لأنه يوصف الخ) قيل عليه إنّ هذا إنما يدلّ على كونه اسماً على كونه علماً مع أنّ الزمخشريّ صرّح في سورة فاطر بجواز كون لفظ الله صفة اسم الإشارة وودّ بأن الاختلاف وقع فيه بعد تسليم اختصاصه به تعالى، فموصوفيتة تقتضي ذلك اقتضاء راجحاً يكفي في مثله، وأمّا وصفه اسم الإشارة فعلى خلاف القياس لوقوعه بالجوامد في نحو ذلك الرجل وهذا الكتاب، ونيس المنظور فيه سوى رفع الإبهام فهو مستثنى مما ذكر، والزمخشريّ تفرّد بقياس العلم عليها فلا وجه لما ذكره، وأمّا قراءة العزيز الحميد الله بالجرّ، فقيل إنه عطف بيان لا صفة، وقوله لذاته المخصوصة استعمل الذات فيه تعالى بمعنى العين والحقيقة لأنه ورد إطلاقه عليه في الأحاديث الصحيحة نحو: " لا تتفكروا في ذات الله " فلا عبرة بمن أنكر إطلاقه على الله لأنه مؤنث وتفصيله في شرح الكشاف وغيره. قوله: (ولأنه لا بد له من اسم تجري عليه الخ) أي يجعلها جارية عليه بأن تكون نعتاً له لأن العرب لم تاع شيئاً إلا وضعت له اسماً كما هو دأبهم وعادتهم، وليس هذا محالاً لأنّ المحال هو وجود صفة بدون موصوف لا بدون ما وضع له، وإنما هو أمر استقرائي استحساني، وكونه اسم جنس معرّفاً بأل، وإن كفى لكن الظاهر أن يكون خاصاً به وضعاً، وهو العلم وكونه علما منقولاً من الوصفية لا يكفي إذ عليه لم يكن له اسم في أصل الوضع تجري عليه صفاته. قوله: (ولأنه لو كان وصفاً الخ الأنه حينئذ موضوع لأمر كليّ، وكذا لو كان اسم جنس لأن ثبوت الأعم لا يقتضي ثبوت الأخص بقي أنه قيل عليه أنه لو كفى في التوحيد اختصاص المستثنى بذاته في الواقع فلا إله إلا الرحمن كذلك لاختصاصه به، وإن لم يكف واقتضى ما يعينه بحيث لا تجوز فيه الشركة لم يكن لا إله إلا الله كذلك لأنه لا يحضر ذاته لنا على وجه التشخص، وأجيب بأنّ الألفاظ تنوب في الشرع عن المعاني الموضوعة لها ألا ترى أنّ أنت طالق يفيد الطلاق، وإن لم يقصد فالله تعالى، وإن لم يمكن احضاره بذاته، لكن لفظة الله تنوب مناب احضاره، فنزل ذكوه في التوحيد منزلتة بخلاف الرحمن انتهى. وردّ بأنه لا وجه للحكم بإيمان أحد بمجرّد لفظ لا يعرف معناه، وما توهمه في مسألة الطلاق فاسد إذ لا بدّ فيه من استعمال اللفظ واستحضار المعنى، ولذ لا يقع بسبق اللسان به ولا من النائم والأعجمي الذي لا يعرف مدلوله، نعم لا يعتبر فيه قصد إيقاع الطلاق لمن تلفظ به اختياراً مع علم معناه، وإن لم ينو إيقاعه، والقائل لم يفرق بين عدم اعتبار المعنى وعدم اعتبار قصده، والأقرب أن يقال إنه توحيد بالنظر للمشركين القائلين إنّ غير تعالى مستحق للعبادة لقطعه هذا الاستحقاق، وأمّا من اعتقد الشركة في وجوب الوجود، فلا نسلم الحكم بتوحيده بمجرّد تكدسه بهذه الكلمة، ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام ذلك، وأمّا معاوضته بقل هو الله أحد بأنه لو دلّ على التوحيد لم يكن لذكر الأحدية فائدة معه، فسيأتي ما يدفعه ثمة من تفسير الأحدية بعدم قبول التعدد بوجه من الوجوه وهو ليس من لوازم العلمية وأما ما قيل عليه من أنه لا يخفى ما فيه من الركاكة لأنّ وضع العلم لإحضار المسمى على ما وضع له، ولا شك في أن الله علم، وعدم حضور الله تعالى بشخصه لا ينافي علميته، والعجب كيف خفي عليه هذا مع ظهوره، فلا محصل له والعجب من ابن أمّه، وقد نقل عن المصنف هنا حاشية قال فيها نظر لجواز أن يكون التوحيد مستفادا من الشرع انتهى. وغير خاف أن سرّ ما أفاده الشرع هو هذا، فإن فرقه بين إلا الله والا الرحمن لا بدّ له من وجه، ولذا قيل كون لا إله إلا الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مفيداً بنفسه ثبوت ذلك الفرد الواجب وعدم كون لا إله إلاً الرحمن كذلك سر أن الشارع جعل لا إله إلا الله توحيدا دون لا إله إلا الرحمن وأورد أيضا أنه لا يثبت عدم الاشتقاق، والأصل لجواز الاشتقاق من مثتق منه عرضيّ اعتبر مرجحاً للتسمية، ويكون له أصل كما في الكشاف إلا أنه لما غيره الواضع جعله علماً فالأدلة الثلاثة لا تفيد المدعى إن جعلناه خاصا على ما مرّ ولا يخفى أنه لو كان مشتقا لكان كلياً بحسب الأصل وجزئيته الآن ثابتة، فالظاهر أنه كان قبل ذلك كذلك، فيتمّ الدليل على ضعفه عند المصنف رحمه الله، وقد مرّ ما فيه وسيأتي تنويره، وقيل: الحق أنّ إيجاب إحضاره سبحانه على الوجه المذكور تكليف بما لا يطاق فالمطلوب إنما هو إحضاره على وجه كلي منحصر في فرد، وعدم حصول التوحيد بالرحمن لإطلاقه مضافا على غيره كرحمن اليمامة، فإن قلت: إن قدر الخبر هنا موجود لم يفد نفي إمكان آخر وأن قدر ممكن لم يلزم منه وجود المستثنى بل إمكانه، قلت أجابوا عنه بأنه يقدر موجود ولا يلزم أن يفهم من هذه الكلمة نفي الإمكان لإله آخر فإنه للردّ على المشركين في إثبات الشركاء، قيل: ويمكن أن يستنبط منها نفي إمكان إله آخر على تقدير موجود أيضا لأنّ المراد بالإله المعبود بحق والكلمة إذا دلت على نفي معبود بالحق غيره تعالى دلت غلى نفي إمكانه، إذ لو كان معبود بحق غيره تعالى ممكنا كان موجودا، إذ من استحق أن يكون معبود يجب اتصافه بصفات الكمال، فلم يكن له نقص وكيف يستحق الناقعى العبادة مع وجود الكامل من جميع الوجوه فيكون واجباً موجودا، وهذا ظاهر لمن له حدس صائب، ومن هذا يعلم أنه لو قيل بتقدير الخبر ممكن، فالمطلوب حاصل أيضاً لأنه لما كان المستثنى معبودا بحق وجب أن يكون موجوداً لما مرّ وقيل عليه أنه تكلف والحصول لا يلزم الخصم، وفيه نظر، ولو قدر الخبر إله اندفع ذلك، ويكون المعنى لا إله إله إلا الله أي ليس ما يعتقد أنه معبود معبود بالحق إلا الذات الفرد الصمد. ونقل عن الشريف أنه قال: إنه تحقق بديع وصنف فيه مقالة مستقلة، ولم نره لغيره ومنع احتياج لا إلى الخبر بناء على ما نقل عن ابن الحاجب من أن بني تميم لا يثبتون خبرها مما لا يعوّل عليه، وقد قال الأندلسي: لا أدري من أين نقله والحق أنّ بني تميم يحذفونه وجوبا، إذا وقع في جواب سؤال، وقامت عليه قرينة، وإلا فلا يحذفونه مع أنه يدل على حذفه لا على عدم تقديره، فإن قلت هذه كلمة لا تصدق إلا إذا أريد بالإله المنفيّ المعبود بحق وهو أعم قلت هو مخصوص بقرينة عقلية قائمة عليه وهي أنّ المعبود بغير حق موجود متعدد، وهو لشهرته لا يخفي على أحد، فلا يصح نفيه من عاقل. قوله:) والأظهر أنه وصف الخ) في نسخة والحق بدله، ثم إنه قيل: إنه مذهب ثالث وقيل: بل هو المذهب الأوّل، وهو أنّ ألله مثتق إلا أنه مختص بالمعبود بحق، فأشار إلى تأييده، وبطلان الثاني، وربط بتحرير المدعي ما يردّ به الوجوه السالفة، ثم أنه قدص سرّه حقق في هذا المقام أنّ الاسم قد يوضمع لذات مبهمة باعتباره معنى يقوم به، فيكون مدلوله مركبا من ذات مبهمة لم يلاحظ معه خصوصية أصلاً، ومن صفة معينة، فيصح إطلاقه على كل متصل بتلك الصفة، ومثل ذلك الاسم يسمى صفة، وذلك المعنى المعتبر فيه يسمى مصححا للإطلاق كالمعبود مثلاً، وقد يوضحع لذات معينة بلا ملاحظة قيام معنى بها، فيكون إسما لأ يشتبه قطعا بالصفة كالفرس، وقد يوضع لها ويلاحظ في الوضع معنى له نوع تعلق بها، وهو على قسمين: الآوّل: ما يكون ذلك المعنى خارجا عن الموضوع له، وسببا باعثا على تعيين الاسم بإزائه، كأحمر إذا جعل علماً لمولود فيه حمرة، وكالدابة إذا جعلت اسما لذوات الأربع في أنفسها، وجعل الدبيب سببا لوضع هذا الاسم بازائها لآجزأ من مفهوم اللفظ. الثاني: أن يكون ذلك المعنى داخلاً في الموضوع له، فيتركب مفهومه من ذات معينة، ومعنى مخصوص كأسماء الآلة والزمان والمكان، وكالدابة إذا جعلت اسما لذوات الأربع مع دبيبها. وهذان القسمان أيضا من الأسماء لكن ربما يشتبهان بالصفات، والقسم الأخير أشد التباساً بها، لأنّ المعنى المعتبر في الوضع داخل في كل منهما، ومعيار الفرق أنهما يوصفان بشيء، ولا يوصف بهما شيء على عكس الصفات، ولما وجد لي الاستعمال إله واحد ولم يوجد شيء إله مع كثرة دورانه على الألسنة علم أنه من الأسماء دون الصفات وهكذا حكم كتاب وإمام، وسائر ما اعتبر فيه المعاني مع خصوصية الذوات انتهى. وهو برمّته مأخوذ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 كلام العضد، وفيه على فرض تسليمه للبحث مجال. أمّا أوّلاً: فإنّ الفرق بين الصمفة وأسماء المكان وما جرى مجراها بأن الذات في الأوّل مبهمة دون الثاني مما لم يقم عليه دليل فإن ضاربا كما أنه ذات صدر عنها الضرب كذا مضرب مكان مّا وقع فيه الضرب حنى لو اعتبر خصوصيته كمدرسة، ومقبرة خرج عن بابه وألحق بأسماء الأجناس كما صرّحوا به، لا يقال لم يعتبر فيه مطلق الذات بل خصوصية كونه مكانا دثبة الشهاب / ج ا / م 7 لأنا نقول يلزم على هذا أنّ الصفات المخصوصة ببعض العقلاء أو بغيرهم خارجة عنها كمرضع وحائض وبازل ولا قائل به لا يقال لما أعلموا القسم الأوّل دون الثاني، واستتر فيه الضمير دلنا ذلك على أنهم لاحظوا خصوص الوصفية فيه، لأنا نقول يجوز أن يكون الثاني لما دل على المكان، وما ضاهاه ألحقوه بالجوامد مع أنّ ما ذكر أمور سماعية لا يلزم الوقوف على أسرارها، وقد استدلّ له بعض المحققين بأنّ شخصا لو فتح القفل بإصبعه لم يقل له مفتاح لأنه اعتبر فيه هيئة متعارفة وفيه نظر. وأمّا ثانياً: فلان وصفه وعدم الوصف به يجوز أن يكون لإجرائه مجرى الأسماء كأجرع وأبطح وهو كثير في كلامهم. وأمّا ثالثاً: فلأن الدابة بمعنى ما يدب مطلقاً لا شهة في أنها صفة وتخصيص العرف لها ببعض أفرادها لا يخرجها عن الوصفية ألا ترى أنّ مملوكا صفة لكل متصف بالمملوكية، وتخصيصه بالرقيق لا يخرجه عن الوصفية لاستتار الضمير فيه، وعمله في الظاهر نحو عندي رقيق مملوك نصفه، وليس هذا مناقشة في المثال ألا ترى قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ} [الأنعام: 38] حيث تعلق بها الجارّ والمجرور، ولا نقول قارورة في الدار متعلق الجارّ فقول المصنف وحمه الله إنه وصف لا يتأتى على تحقيق الشريف، إلا أن يكون غير مسلم عنده، ولذا قال بعضهم: يحتمل أن يكون مراده بالوصفية اعتباره المعنى مع الذات، وإن كانت الذات معينة، فيكون اسما اصطلاحيا، وهذا إذا لم يمتنع فهو بعيد جدّاً. قوله: (لكنه لما غلب عليه بحيث الخ) الغلبة كما مرّ أن يكون للفعل عموم بحسب المعنى، فيحصل له بحسب الاستعمال تخصيص ببعض إفراده إمّا إلى حدّ التشخص، فيصير علماً كالنجم أولا فيصير اسماً غالباً كالكتاب للقرآن أو صفة غالبة كالرحمن وهو أعم من أن يستعمل في غيره نادرا أو لا، وتسمى غلبة تقديرية، وهذا جواب عما مز من أدلة العلمية وظاهره أنه استعمل في غيره ث ولفظ الله لم يستعمل في غيره اتفاقا، ويردّ بجعل مجموع المعطوف والمعطوف عليه، وهو قوله: (وصار الخ) مدخول حيث، فاللازم عدم تحقق المجموع قبل العلمية، وانتفاء المجموع يتحقق بانتفاء المعطوف فقط إلا أنّ ظاهر قوله: صاو كالعلم إنه عنده ليس من الأعلام الغالبة أيضاً، ولا يجوز أن يكون مراده من العلم العلم الابتدائي لتبادره عند الإطلاق كما ذهب إليه بعض أرباب الحواشي، وادّعى أنّ المصنف رحمه الله ذهب إلى أنه من الأعلام الغالبة، ويبعده أنّ ما ذكر في نفي علميته مشترك بين الابتداء وغيره ولذا اختلف في قوله: كالثريا فعلى الأوّل هو تمثيل للعلم، وعلى هذا لما صار كالعلم، وسيأتي ما ينوّره. قوله: (مثل الثريا والصعق) الثريا تصغير ثروي مؤنث ثرو إن جعل اسماً للنجم لكثرة كواكبه، ونقل علماً لامرأة أيضاً وكواكبها ستة أو سبعة كما قال: خليلي إني للثريا لحاسه واني على ريب الزمان لواجد تجمع فيها شملها وهي سبعة وأفقدمن أحببته وهوواحد والصعق بفتح العين شدّة الصوت، وبكسر العين الشديد الصوت، والمتوقع للصاعقة والنازلة عليه، ولقب خويلد بن نفيل فارس بني كلاب، وتسكن عيته ويقال صعق كإبل لقب به لأنّ تميما أصابوا رأسه بضربة، فكان إذا سمع صوتا صعق أو لأنه اتخذ طعاماً فكفأت الريح قدره، فلعنها فأرسل الله عليه صاعقة، وهما وصفان في الأصل صارا علماً بالغلبة، والغلبة في الله، والثريا تقديرية، وفي الصعق تحقيقية. وقوله: (أجرى مجراه الخ) فسره المصنف رحمه الله بما فيه غني عن غيره، وقد علمت حالة مما مرّ، وهذا جواب عن دليل العلمية بأنه يوصف ولا يوصف به، ومنه يعلم جواب ما معه برمته لأنه صار اسماً تجري عليه صفاته وتعين تعينا قطع الشركة وصح به التوحيد ويرد عليه أنه قبل العلمية لم يوصف به أصلاً إذا لم يسمع شيء إله فتدبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قوله: (لأنّ ذاته من حيث هو الخ (ظاهره عدم صحة العلمية فيه بطريق الوضع القصدي وفي شرح المواقف من ذهب إلى جواز تعقل ذاته تعالى جوّز أن يكون له اسم بإزاء حقيقته المخصوصة، ومن ذهب إلى امتناع تعقل ذاته تعالى لم يجوّزه، لأنّ وضع الاسم لمعنى فرع تعقله ووسيلة إلى تفهمه فإذا لم يمكن أن يعقل ويفهم لم يتصوّر وضع اسم بإزائه، وفيه بحث لأن الخلاف في تعقل كنه ذاته ووضع الاسم بإزائه لا يتوقف عليه، إذ يجوز تعقل ذات بوجه من وجوهها، ويوضع الاسم لخصوصها، ويقصد تفهيمها باعتبار ما لا يكنهها، ويكون ذلك مصححا للوضع وخارجا عن مفهوم الاسم على ما عرف أنّ لفظ الله اسم علم موضوع لذاته من غير اعتبار فيه انتهى. قال شيخ مشايخنا السيد عيسى قدس يى س هـ: إعلم أنهم عرفوا العلم بما وضع لشخص بعينه، والمتبادر منه أن يكون التشخص ملاحظا للواضع، وأورد يهليه صدر الأفاضل أنه يلزم أن لا يمكن تسمية ما لا نعرت بعينه كالولد والمملوك الغائبين، وأن لا نعلم معاني الأسماء الموضوعة لما لا نعرفه كالله والملائكة والأنبياء، وعليه يترتب أنه لا يمكن لغير الله وضع لفظ له، والجواب أنه ليس المراد الشخص، والتشخص بعينه، وملاحظته حين الوضع بل يجوز الوضع له، وان كنا نلاحظه بوجه مساوله في الواقع، ومن المعلرم أنّ الوضمع لشيء لا يستلزم معرفة الموضوع له بالكنه، ولا بوجه مشخص بل مساو كما تقرّر في المبهما. ت، فاندفع الأوّل والمعلوم في الأشخاص المذكورين هو بوجوه مساوية ولا خلف في الجهل بالشخص، والكنه إلا أنه يبقى على الأوّل أنه ذكر في الرسالة الوضعية عند تقسيم الموضعات إلى الإعلام وغيرها أنّ اللفظ الذي مدلوله مشخص إن كان وضعه شخصيا فهو علم وان كان كليا فغيره من المبهمات ونحوها، وعرف الوضع الشخصيّ بأن يكون الموضوع له ملاحظا بخصوصه مقصوداً بعينه، والوضع الكليّ بأن يكون الموضوع له متصوّراً بوجه كليّ، فوضع لكل من الجزئيات ووافقه غيره، والحق أنه كلام مموّه ومؤوّل وليس العلم منحصراً فيما ذكر لما مرّ من كلام شرح المواقف، وقد صرّحوا في تفسير العلم بما وضع لشيء مع جميع مشخصاته بأنّ المراد أن تكون ملاحظتها بوجه مختص وضعه لفرد المخصوص بل في كثير من المواضع اضطرّوا لذلك، كما في أعلام الكتب والعلوم إن لم نقل بانها أعلام جنسية بل جميع المشخصات قلما تكون ملاحظة بالذات كما في الإنسان المتولد المتغيرة تشخصاته من الولادة إلى الموت فالتشخص المستمر الباقي من الأوّل إلى الآخر قلما يعرفه أحد إلا بوجه مجمل صادق عليه، فعند التحقيق يجب القول بذلك، وحيث تحقق هذا لم يبق في المقام إشكال بعون الملك المتعال، فظهر أنّ ما توهمه الفاضل المرشدي في هذا المقام من أنّ الوضع في العلم الشخصي شخصيّ إن أراد بالتشخص الجزئي الحقيقي بحسب المفهوم، فهو توهم ناشىء من ظاهر عبارة الرسالة وغيرها، والتحقيق خلافه، وإن أراد أنه أمر مخصوص مشخص في نفس الأمر، فله وجه لكن لا يضرنا، ثم إن أردت تحقيق هذا المقام، فلا بد من النظر في أنه هل يجب في العلم أن يكون الملاحظ أمرا خاصا بشخص في نفس الأمر فيوضع لذلك الشخص، وفي المبهمات أمرا كلياً في نفس الأمر يوضع لكل فرد، فيكون ذلك مدار الفرق، وهو الأظهر أو لا يلزم ذلك بل يمكن ملاحظة الكليّ، والوضع العلمي لكل واحد من أفراده على ما قيل في أسماء الكتب والعلوم ونحوها محل نظر، وحنيئذ إثبات الفرق بين المبهمات والأعلام على تحقيق السيد مشكل فلا بدّ من نظر دقيق، وبعد فالمقام لا يخلو من كلام، والغلبة التي ذهب إليها المصنف رحمه الله أسلم الطرق، ومما مرّ عن شرح المواقف علم جواب ما أورده وأمّا إن العرب وضعت لكل شيء اسماً تجري عليه صفاته، فقد قيل إنه فيما تعرف حقيقته، وأمّا ما ليس كذلك فعدم الوقوف عليه سبب لعدم الوضع له، وتقرير الدليل بأنّ ذاته من حيث هو بلا ملاخظة صفة غير معقول للبشر، والعلم ما وضع للذات من غير صفة، فلو كان علما كان دالاً على الذات، والذات لا يكون مدلولاً عليه بلفظ، فلا يكون علما له: قيل: وهو مبني على مقدمات ضعيفة، أمّ الأولى فلا نسلم أنّ ذاته من غير صفة غير معقول للبشر بل مذهب أهل السنة جواز معرفة الله بالكنة لغير الله، وان سلم فلم لا يجوز أن يكون الواضع هو، وهو يعلم كنهه، وان كان الواضمع غيره وقلنا هو على التفصيل غير واقع، فلم لا يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ملاحظته على الإجمال، ولا نسلم أنّ ملاحظة المجمل إنما هي بوجه وصفة خارجة بل هو نوع من التعقل للذات انتهى. وقيل: عليه إنّ القائل به هو عنده غير واقع فلا يكفي به الجواز، ولأنه لو كان الواضع هو الله علم من تتبع موارد الاستعمال، وهو يتوقف على فهم ما أرد ولأنه لا معنى للإجمال في البسيط، إلا ما ذكر وقد قيل أيضاً إنّ الظاهر أن واضع اللغة لا يفعل إلا ما فيه فائدة معتدّ بها، بل كل عاقل كذلك والشيء الذي له صفات وجهات كثير يعلم بوضع أسماء الصفات فوضع العلم إنما تكون فائدته معرفة الذات من غير صفة إذ لو قصد ما يحصل بوضع الصفات لم يكن في وضع العلم فائدة يعتدّ بها، فإذا فرض أن تلك الذات من حيث هي لا يمكن تفهيمها واعلامها للمخاطب لا يبقى لوضع العلم فائدة أصلاً، وهو غير مسلم أيضا عند الذاهب إلى العلمية لأنه يقول لها فوائد أخرى، كإجراء الصفات، وهو لا ينفي أيضا كونه اسم جنس، فهو اقناعي لا يحسم عرق النزاع، وقد نقل هنا عن المصنف حاشية قال فيها ما نصه فيه نظر إذ يكفي في وضع العلم تعقله بوجه يمتاز به عن غيره من غير أن يعتبر ما به الامتياز في المسمى، فيمكن وضع العلم لمجرّد الذات المعقولة في ضمن بعض الصفات، وقد تقرّر في الكلام أنه يمكن أن يخلق الله العلم بكنه ذاته في البشر، ولأنه إنما يتمشى إذا لم يكن الواضع هو الله، والتحقيق أن تصور الموضوع له بوجه ما كاف في وضع العلم، وكذا في فهم السامع عند استعماله انتهى. ويعلم أمره مما مرّ، وانما أطلنا الكلام هنا لكثرة ما فيه من القيل والقال، فربما ظن أنا لم نحط بما تالوا خبرا، وقد بينا علمية الاسم الشريف في رسالة مستقلة حققنا فيها معنى التشخص فمن أراد تحقيق هذا المقام فلينظر ما كتبناه فيها. واعلم أنّ علمية العلم بالغلبة بالوضع أيضا كما صرّح به بعض أرباب الحواشي، وعند الرضى أنها لا تحتاج إلى وضع قال: وقد يصير بعض الأعلام اتفاقيا أي يصيرعلما لا بوضع واضع معين بل لأجل الغلبة، وكثرة الاستعمال في فرد، وقيل: فيه وضع غير قصدى، وبه يندفع ما قيل من أنّ ما ذكره المصنف على تقدير تمامه يفيد أنه ليس من الإعلام الغالبة أيضا إذ الإعلام بها صارت موضوعات لأشخاص معينة يدل بها عليه، وهو ليس كذلك. قوله: (فلا يمكن أن يدل عليه) بالبناء للمجهول وفي بعض النسخ، فلا يمكته أن يدل بصيغة المعلوم أي لا يمكن البشر أن يدل عليه غيره، وهو على تقدير كون الواضع البشر. قوله: (لما أفاد ظاهر الخ) فإنّ ظاهره أنه متعلق به باعتبار معناه الوضمي كمعبود ونحو.، وانما قال ظاهر لأنه يحتمل تعلقه بيعلم في قوله تعالى: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ} [الأنعام: 3] الخ ويحتمل تعلقه به باعتبار معنى خارج عته لازم له أو مشتهر به اشتهار حاتم بالجود كقوله: أسد عليّ وفي الحروب نعامة وأمّا كون الاسمية لا تقتضي الدلالة على مجرّد الذات كما في أسماء الزمان والآلة، يلم يلتفت إليه المعكحنف رحمه الله، وسيأتي تفصيله في سورة الأنعام فاندفع ما قيل عليه إن صحة معناه كما تكون متعلقة بلفظ الله مع العلمية بالغلبة، تكون باعتبار تضمنه معنى المعبودية، أو اشتهاره بها. قوله: (لأنّ معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركاً للاخر الخ) الاشتقاق إن اعتبر فيه الحروف الأصول مع الترتيب وموافقة الأصل في المعنى فهو الاشتقاق الصغير، وإلا فإن اعتبر الحروف الأصول مع عدم الترتيب فالكبير، وإلا فإن اعتبر مناسبة الحروف في النوعية أو المخرج مع عدم الموافقة في جميع الحروف الأصول فاكبر ولا بد من تناسب المعنيين في الجملة وزيادة معنى أحدهما على الآخر ويعتبر في لفظه أن يتغاير المشتق والمشتق منه، وهو يعرّف باعتبار العلم، فيقال: هو أن تجد بين اللفظين تناسبا وباعتبار العمل، فيقال: هو أن تأخذ من اللفظ ما يناسبه، وباعتبار حال اللفظ، فيعرف بما ذكره المصنف فلا يرد عليه ما توهم من أن تعريف بالمباين، ويقال هو مسامحة منه، وظاهر أنه ليس باسم زمان، ولا مكان وباب قارورة وأحمر نادر، والمدعى ظني فيكفي هذا في إثبات وصفيته على ضعف فيه فاندفع ما أورد عليه من أنه لا يستلزم الوصفية إذ لا يسمى الزمان والمكان اشتقاقا بهذا المعنى من غير وصفية، وأيضا الكتاب والإمام من المشتقات بهذأ المعنى ولا وصفية فيهما، والمنكر لاشتقاقه لا يسلم التوافق في المعنى. قوله: (وقيل أصله لاها الخ) فهي على هذا غير عربية سريانية كما ذكره المصنف وغيره، أوءجرانية كما ذكره الإمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 والعبري والعبراني بكسر العين لغة بني إسرائيل من اليهود، والسريانية لغة آدم. وقال ابن حبيب: كان اللسان الذي نزل به آدم من الجنة عربياً، ثم حرّف وصار سريانيا، وهو منسوب إلى أرض سريانة وهي جزيرة كان بها نوح عليها السلام، وقومه قبل الغرق وهو يشاكل اللسان العربي إلا أنه محرّف، وكان لسان جميع من في الأرض إلا رجلاَ واحدة يقال له: حر فلسانه عربيّ كذا في الزاهر لابن الأنباري رحمه الله، وهم يلحقون ألفاً في أواخر الكلم، فيقولون لاها رحمانا كما في الفارسية ومعناه ذو القدرة، ويحتمل أنه من توافق اللغات كما ذكره الإمام رحمه الله، وأخر هذا القول لضعفه إذ لا وجه للذهاب إلى العجمة من غير دليل مع أنّ قولهم تأله وأله ياباه، فلا وجه لما قيل من أنه كان ينبغي ذكره مع الأقوال السالفة لبيان أصله مع أنّ تلك مبنية على عربيته، وليس هو من عدادها قيل: والتصرف فيه يدل على أنه لم يكن علماً في غير العربية ألا تراهم اشترطوا في منع صرف العجمة كون الأعجمي علماً في العجمية لما مرّ من تصرّف العرب فيه المضعف ليجمته. قوله: (فعرّب بحذف الألف الأخيرة وإدخال اللام عليه) يقال عرب اللفظ با أضشديد، وأعرب أي نقل إلى لغة العرب، وهل يشترط فيه تغيير اللفظ أم لا فيه اختلاف، والأصح أنه أكثريّ، وفي كلام المصنف ميل إلى القول الأوّل قوله: (وتفخيم لامه (أي لام الله وفي كلامه ما يوهم اختصاص التفخيم بهذا الاسم، وليس كذلك لأنّ من القرّاء من يغلظ اللام المفتوحة إذا تقدّمها صاد أو طاء أو ظاء مفتوحة أو ساكنة، والتفخيم هنا ضدّ الترقيق، ويطلق على ما يقابل الإمالة، وعلى إمالة الألف نحو مخرج الواو كما يعرفه أهل الأداء في الصلاة، واشتهر في لسمان القراء التفخيم في الراء، والتغليظ في اللام، وضدهما الترقيق والتفخيم بعد الضم والفتح أمر لازم يكاد ينعقد الإجماع عليه، إلا ما نقله الداني وتبعه في الإقناع في رواية شاذة عن السوسيّ، وروح من ترقيقها وقد ردّها الجمهور، وقالوا: إنها لم تصح رواية ودارية، وأمّا التفخيم بعد الكسر، فقال ابن الجزريّ: إنه متفق على تركه ولم يقله غير الزجاج، ونقله الشيخان والقراء لم يلتفتوا إليه ولم يعدوه خارقا للإجماع ولذا مرضه، واضطرب فيه كلام الكشاف، فقول السيد والسعد قد أطبقوا على أنه لا تفخيم عند كسر ما قبلها فيه نظر وقد يقال أنهما لم يعتد بالشاذ فإن قلت إذا أميلت الفتحة هل ترقق اللام معها أو تفخم قلت فيه وجهان كما في نرى الله بالإمالة، والتفخيم لتعظيم اسمه، وقيل: للفرق بينه وبين اللات إذا وقف عيها بالهاء وتفصيله في كتب القراآت وقوله سنة أي طريقة معروفة عند الناس والقراء. تنبيه: الترقيق انحاف الحرف عن صوته ويقابله التفخيم وعبر عنه القراء في اللام بالتغليط فإن خص باللام فالتفخيم، وقال الجعبري: هما مترادفان والحروف بالنسبة للتفخيم والترقيق أربعة أقسام: مفخم وهو حروف الإطباق الضاد والطاء والظاء والصاد ونحوها، ومرقق وهو ما عداها، وله تفصيل في علم القراآت. قوله: (وحذف ألفه (أي ألف الله التي بعد اللام لحن أي خطأ في اللغة وفسر في القاموس اللحن بالخطا في القراءة، فلا وجه لما قيل من أن اللحن مخالفة صواب الإعراب وما هنا ليس منه، وقال الأسنويّ رحمه الله: إنه لغة حكاها ابن الصلاح عن الزجاجي فلا لحن فيه حينئذ، وفي التيسير إنه لغة جائزة في الوقف دون الوصل، والأفصح إثباتها، وإن تملح به المولدون في أشعارهم كثيرا كقوله: أيها المستبيح قتلى خف الله وأت عينيك للدم المستحقة قوله: (ولا ينعقد به صريح اليمين) يشير إلى أنه تنعقد به الكتابة مع النية كما ذكره الجويني والغزالي من الشافعية، وان قال النوويّ منهم: إنه ينبغي أن لا يكون يميناً أصلاً لأنّ بله يحتمل أن يكون يخعذ من البلل، وهو الرطوبة، ولذا فسدت به الصلاة لتغييره المعنى، ونقل ما ذكر أرباب الحواشي من كتب الشافعية ولم ينقلوه عن الحنفية، وقد نقلى شيخنا المقدسيّ في الرمز عن كتب المذهب، أنه إذا قال بله لا يكون يميناً إلا إذا أعرب الهاء بالكسر أو نوى اليمين انتهى. وقوله: (تفسد به الصلاة) أي إذا وقع في لفظ القرآن كما في الحمد لله، أو في البسملة إذا قلنا أنها من السوإة، كما هو مذهب المصنف، وفي التفسير الكبير أنه في التكبيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 قوله: (ألا لأبارك الله في سهيل الخ الم أقف على تانله، وهو دعاء على رجل اسمه سهيل بعدم البركة والله مرفوع فاعل بارك وما زائدة، وروى إذا ما بارك الله في الرجال، فالتمثيل به في موضعين. قوله: (والوحمن الرحيم اسمان بنيا الخ) أي لأجل المبالغة والذي ذكره النحاة ير باب اسم الفاعل أنّ منه صيغا بنيت للمبالغة، ونقلت من فاعل إلى فعال كضراب، وفعول كشروب، ومفعال كمنحار، وفعيل كسميع، وفعل كعمل، وهي تعمل عمل اسم الفاعل رفعاً ونصباً. كقوله: ضروب بنصل السيف سوق سمانها ومنع الكوفيون عملها مطلقاً لأنها لا تجاري الفعل وزنا، ولزيادة المبالغة فيها لا تساويه معنى فقدروا للمنصوب بعدها عاملاً، وسيبويه جوّز أعمال الخمسة وخالفه كثر البصريين في أعمال فعيل وفعل دون غيرهما إلا أنهم لم يذكروا موازن رحمن فيها ولم يشترط أحد من النحاة لزوم فعلها وانما اشترطوه في الصفة المشبهة لأنها لا بذ لها من ملاقاة فعل لازم ومن ثبوت معناها، ولذا قال في شرح التسهيل: إنّ ربا وملكا ورحمن ليست منها التعدّي أفعالها، ولم يقل أحد بنقل فعل ما تعدى منها الفعل المضموم العين، والمسطرفي المتون المعوّل عليها أنّ فعل بفتح العين وكسرها إذا قصد به التعجب يحوّل إلى فعل المضمون كقصو الرجل بمعنى ما أقصاه، وحيحئذ فيه اختلاف هل يعطي حكم نعم أو فعل التعجب كما فصلوه ثمة والحاقهم له بنعم كالصريح في عدم تصرّفه، وأنه لا يؤخذ منه صفة أصلأ، فما نقلوه عن الفائق في فقير ورفيع مع أني راجعتة، فلم أجده فيه وان كانت الثقة بناتله تأبى سوء الظن به مخالف لما صرّح به الزمخشريّ في غيره، كالمفصل بل لا صحة له لأنّ قولهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما بالإضافة للمفعول دون الفاعل يقتضي عدم اللزوم وأنه ليس بصفة مشبهة، وقد يقال: إنّ تمثيل المصنف له بعليم دون مريض وسقيم فيه إيماء إلى ما ذكر إلا أنّ كلام النحاة لا يخلو عن شيء لعدم ذكر نحو رحمن في أبنية المبالغة حتى صار باعثا لاذعاء العلمية فيه لبعض أهل العربية، فقد ظهر مما مرّأن فيهما وجهين. أحدهما: وهو الأصح أنهما من أبنية المبالغة الملحقة باسم الفاعل فهما من فعل متعد بلا تردّد. وثانيهما: أنهما صفة مشبهة على ما فيه. وقول الشريف تبعاً للشارح الفاضل، فإن قيل الرحمن صفة مشئهة فكيف يشتق من رحم، وكذا القول في رب وملك حيث عدا صفة مشبهة، وأمّا الرحيم فإن جعل صيغة مبالغة كمأ نص عليه سيبويه في قولهم هو رحيم فلاناً، فلا إشكال فيه، وان جعل من الصفات المشبهة، كما يشعر به تمثيلهم بمريض وسقيم اتجه عليه السؤال أيضا وأجيب بأنّ الفعل المتعدي قد يجعل لازما بمنزلة الغرائز فينقل إلى فعل بضم العين، ثم يشتق منه الصفة المشبهة، وهذا مطرد في باب المدح والذم كما نص عليه في تصريف المفتاح، وذكره المصنف في فقير ورفيع ومن ثمة قيل معنى رفيع الدرجات رفيع درجاته لا رافع الدرجات أنتهى كلام مموّه مختل من وجوه: الأوّل: أنه ذكر في شرح التسهيل إنّ رباً ليس صفة مشبهة بل اسبم فاعل لأنّ أصله رابب فقصر منه أو ربب كحذر فهو من صيغ المبالغة الملحقة باسم الفاعل. الثاني: أنّ نقل الفعل الذي ذكروه لا وجه له رواية ودراية، كما عرفته. الثالث: أنّ ما نقل عن تصريف المفتاح على ما بيناه لك لا يطابق مدعاه، ولا داعي لهذه التخيلات سوى ادّعاء أنه صفة مشبهة ودونه خرط القتاد. الرابع: أن استناده لما ذكر في رفيع الدرجات لا يجدي وانما فسروه بما ذكر لأنّ المراد درجات عزه وجبروته ليناسب المراد من. قوله: {ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} [غافر- الآية 15] وهي بسطة ملكه وسعة ملكوته، وتلك الدرجات ليست مرفوعة بفعل كما نبه عليه بعض الفضلاء والمبالغة في الكمّ والكيف، وفيه الدوام والثبات. فإن قلت قد قال الدمامينيّ رحمة الله. إنّ صفاته تعالى التي على صيغ المبالغة كرحيم مجازية إذ لا مبالغة في صفاته تعالى لأنها تنسب للشيء أكثر مما له، أو تدل على الزيادة فيما يقبلها وصفات الباري منزهة عن ذلك. قلت: هو ليس بشيء لأنّ صفات الأفعال قابلة للزيادة، وكذا صفات الذات باعتبار متعلقاتها وان لم تقبله في ذاتها كما صرحوا به. قوله: {مَن رَّحِمَ} بكسر الحاء لا بضمها لنقله لفعل المضموأ العين كما توهم لما مرّ. وقوله: {غَضْبَانَ} قيل في هذه التشبيه سوء أدب، والأولى التشبيه بالمنان من المن وليس بشيء لأنه مثله في اشتقاق فعلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 من فعل بكسر العين ومن ليس من هذا الباب بل من باب حسن مع أنّ إطلاق غضبان عليه تعالى وارد وفي الحديث " سبقت رحمتي غضبي " (1 (فأين سوء الآدب، ولذا لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى سكران الذي مثل به الزمخشرقي، وفي تمثيله لرحيم بعليم مريض وسقيم الذي مثل الزمخشريّ إشارة إلى أنه من المتعدّي لإلحاقه باسم الفاعل دون الصفة المشبهة، وما قيل: من أنه جعل لازما بالنقل وهم، وما قيل من أنّ الرحمن معرّب وهو بالعبرية رخمانا بالمعجمة، ويدل عليه قولهم ما الرحمن لما سمعوه قول واه وما ذكر تعنت في الكفر كما بين في محله. قوله: (والرحمة في اللغة وقة القلب الخ) قيل الانعطاف المقتضي للإحسان أمر روحاني، وانعطاف الرحم على ما فيه جسمانيّ وبينهما مباينة تنافي أخذ أحدهما من الآخر فلا وجه قوله ومنه الرحم. وأجيب بأنّ الانعطافين سببان للحفظ، فاستعيرت الرحمة لانعطاف الرحم، واشتق منها اسم لها، وقيل: أنه أراد هنا بالانعطاف الميل الروحاني أعني الشفقة والرقة لا الجسماني لأنه ليس مفى الرحمة، وان كان مسبباً عنه ومشابها له، ومدلولاً لبعض ما يلاقيه في الاشتقاق كالرحم والميل الروحاني هو المقتضى للتفضل والإحسان يعني أنّ وصفه بالاقتضاء المذكور للاحتراز عن الجسماني، فإنه ليس معنى الرحمة كما صرح به بعضهم، وهذا كله واه، فاصغ لما يتلي عليك، فإنه ورد في الحديمف الصحيح) الرحم شجنة من الرحمن " (1) . وقال الإمام القرطبيّ: إنه نص في الاشتقاق فلا مجال للشقاق. وقال الراغب في معنى الحديث أنه تعالى لما جعل بين نفسه وبين عباده سبباً كما أنه كتب على نفسه الرحمة لهم وأوجب في مقابلتها شكر نعمته لما كان هو السبب الأوّل في وجودهم وخلق قواهم، وقدرهم وسائر خيراتهم كذلك جعل بين ذوي اللحمة بعضهم مع بعض سببا أوجب على الأعلى التوقر على الأدنى، وعلى الأدنى توقير الأعلى فصار بين الرحم والرحمة مناسبة معنوية كما أنّ بينهما مناسبة لفظية، ولذا عظم شكر الوالدين، وقرنه بشكره لأنهما السبب الأخير في الوجود يعني أنّ بين الرحمة والرحم مع الاشتراك في الحروف مناسبة ومثابهة معنوية، وذلك كاف في صحة الاشتقاق كما يرشدك إليه تعريفه السابق، فإن لنا حالة روحانية تثبت للنفس وكيفية أخرى للقلب وحالة ثالثة جسمانية تشابه الأولى في الحفظ، وقد تنشأ وتتسبب شنها كما يثاهد في اعتناق الأحباب، وهؤلاء توهموا أنه لا بد من اتحاد معناهما، وهو من قصور النظر فلا يغرّنك ما هنا من الأوهام الناشئة من عدم، فهم المرام كقول بعض علماء اأحصر أنّ المصنف إنما فصلها بقوله: ومنه إشارة إلى أنه مشترك مع الرحمة في المادّة لأ. أنه مشتق منها فافهم. قوله: (ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها) الرحم بفتح الراء وكسر الحاء موضمع يكون الولد فيه، وقد يخفف بتسكين الحاء مع فتح الراء وكسرها في لغة، وفي لغة بكسر الحاء اتباعاً للراء ثم سميت القرابة رحماً، وهي مؤنثة وقد تذكر. وقوله: (لانعطافها الخ) إشارة إلى س ابينهما من المشابهة، والمناسبة الكافية في صحة الاشتقاق كما عرفته. قوله: (وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ الخ) قيل المراد مطلق أسماء الله تعالى، أو المأخوذة من الرحمة، كالرحمن الرحيم وأرحم الراحمين، وكان المراد الثاني لكن سياق المصنف رحمه الله حيسئذ ركيك مخالف للظاهر. وأمّا الأوّل: فغير صحيح لأنّ من أسمائه ما هو حقيقة من غير تأويل كالله الحيّ القاهر العليم ونحوها، ومنها ما أطلق عليه استعارة ثم صار كالحقيقة فيه، ومنها ما هو مجاز بطريق آخر يعرفه من نظر في أسمائه الحسنى وشروحها وقيل إنه يعني أنه إذا أخذ اسم له تعالى مما ينبىء عن الانفعال المنزه هو عنه يؤخذ باعتبار غايته، وحاصله أنه يجعل مجازاً عنها بعلاقة السببية، نالرحمة والرقة سبب للتفضل والإحسان، ولو جعل مجازاً لمحن إرادة الإنعام لجاز، فإنها سبب للإرادة أولاً وللإنعام. ثانياً: كما جعل الزمخشري الغضب مجازاً عن إرادة الانتقام فيما سيأتي فالحصر في قوله: إنما تؤخذ الخ إضافيّ بالنسبة إلى المبادي أو المراد هي أفعال مثلاً، فإنّ إرادتها أيضاً من الغايات أو المراد بها المسببات وهي مسببة عن تلك الانفعالات انتهى. قيل وإنما اعتبر التجوّز في مبدأ الاشتقاق دون المشتق لئلا يحتاج إلى بيان التجوّز في كل فا يطلق عليه تعالى من المشتقات. أقول: (ما ذكره المصنف برمته من التفسير الكبير) ، فالعهدة عليه إلا أنه كلام غير مهذب، ولذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 اضطرب فيه كلام الحواشي، فإنه أطلق في الأسماء وليس على إطلاقه، وذكر أنّ مباديها انفعالات وغايتها المقصودة منها أفعال، وليس كذلك في كل اسم مؤوّل منها حتى ما نحن فيه، فإنّ الرحمة الشفقة والرقة وهي في الحقيقة كيفية لا انفعال، ولذا قيل إنّ الانفعال لازم لها لأنّ حصولها بتبعية المزأج الذي هو كيفية حاصلة من تفاعل البسائط بين فاعل ومنفعل، والله تعالى منزه عن ذلك كله، وقيل المراد بالإنفعال ما ليس بفعل الكيفيات، وليس هو بالمعنى المشهور، ثم إنه إذا جعل التأويل والتصرّف في مأخذ تلك الأفعال ومصادرها، كما قرّره أهل المعاني في الاستعارة التبعية، فهو غير جار هنا لأنه مجاز مرسل لا يحتاج للتبعية كما صرحوا به، فلذا اعتذر عنه بما مرّ مما لا يخلو عن شيء، وأيضاً من الأسماء ما أخذ باعتبار المبدأ كالسلام بمعنى معطى السلامة فيما قيل، فلذا قيل: إنّ المراد أن ما احتاج منها للتأويل يؤول بما يليق بجلاله، وأذا ظهر المراد سقط الإيراد، وما قيل من أنّ الأقرب هنا أن يقال أنه حقيقة شرعية لأنه يراد سنه الإنعام من غير أن تخطر رقة القلب بالبال لا ينافي ما ذكره باعتبار حقيقته اللغوية كما لا يخفى، وقوله قدس سره: إنه يجوز فيه أن يكون استعارة على سبيل التمثيل كما في الغضب فيه ما سيأتي بيانه. قوله (أبلغ من الرحيم) أي أكثر مبالغة، فهو أفعل من المزيد على خلاف القياس، لأنه سمع من العرب أو هو على قول الأخفش الذي جوّزه، وليس من البلاغة على القياس بمعنى أزيد بلاغة لأنّ البلاغة لا يوصف بها المفرد كما صرّحوا به إلا أن يقال: إنه اصطلاحيّ أو أغلبيّ، وأمّا إنّ المراد بغير المفرد المركب من الغير أو مع الغير كما قيل فتكلف، وقيل الرحيم أبلغ لتأخره. وأنه يؤيده قول ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل غضب وفيه نظر، وقيل هما سواء وقيل كل أبلغ من وجه. قوله: (لأن زيادة البناء الخ) هذه القاعدة أوّل من أسسها ابن جنى في الخصائص وقرّرها في المثل السائر بما حاصله أنّ اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان، ثم نقل إلى وزن آخر أكثر منه لا لغرض آخر لفظيّ، كالإلحاق فلا بد أن يتضمن المنقول إليه معنى أكثر مما تضمنه الأوّل لأنّ الألفاظ ظروف المعاني، فإفراغها في ظرف أوسع مما كانت فيه من غير فائدة عبث، وهذا مما لا نزاع فيه نحو خشن واخشوشن وقال: إنه لا بدّ أن يكون ذلك في فعل أو مشتق، وظنه بعضهم مطلقاً، فأورد عليه أنّ عليماً أبلغ من عالم مع تساويهما وأورد غيره نحو رجل ورجيل ثم اعتذر عنه بأنه زيادة نقص لا مبالغة كما قال بعض الشعراء يذم صديقاً له: صحبته ولم يكن نظيري ~ نقصت إذا جعلته تكثيري كما تزاد الياء للتصغير وله نظائر من كلام الأدباء المتظرفين وأطال فيه بما نحن في غنية عنه، وأنت إذا تنبهت لأنّ القاعدة مخصوصة باكثر الذي نقلته العرب عن الأقل وغيرته عنه علمت أنّ أكثر ما أورد مدفوع بالتي هي أحسن وأنّ قوله قدس سره كغيره: إنه منقوض بمثل حذر وحاذر، وجوابه بأنّ شرطه بعد تلاقي الكلمتين في الاشتقاق اتحادهما في النوع كفرح فرحا وأنه أكثريّ، فلا نقض وبأن حذراً إنما كان أبلغ لإلحاقه في الثبوت بالأمور الجبلية كشره وفطن فجاز أن يكون حاذر أبلغ من حذر لدلالته على زيادة الحذر وان لم يدل على ثبوته ولزومه مع اندفاعه لا يخلو من الكدو فإنهم صرحوا بأنه قد كثر استعمال فعيل في الغرائز كشريف وكريم وفعلان في غيرها كغضبان وسكران، فيقتضي أنّ عليماً أبلغ، ولو من وجه وأن قوله أنّ حذرا يدل على الثبوت يقتضي أق حذرا صفة مشبهة، وقد صرح ابن الحاجب وغيره بأنه من أبنية المبالغة المعدودة من اسم الفاعل فهما متحدان نوعا، وعلى تسليم تخصيصه بالمشتقات لا يرد عليه شقدف وشقنداف للمحمل الصغير والكبير كما في الكشاف حتى يقال إنه أغلبيّ لما في القاموس من أنّ الشقدف مركب معروف بالحجاز وأمّا الشقنداف فليس من كلامهم، " ولا ينافيه نقل الزمخشريّ له عن بعض الإعراب لأنه قاله هزلاً وتمليحاً، ومثله لا تثبت به اللغة كما قيل لبعضهم لم صار الدينار خيراً من الدرهم والدرهم خيراً من الفلس فقال: لأنّ الفلس ثلاثة أحرف، والدرهم أوبعة والدينار خمسة، وقطع في كلام المصنف الأوّل مخفف الطاء، والثاني مشدد وكبار الأوّل بضم الكاف وتخفيف الموحدة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والثاني بتشديدها مبالغة في كبير بمعنى عظيم. قوله: (وذلك إنما ثؤخذ الخ) إشارة إلى الزيادة المدلول عليها بزيادة البناء المستلزمة للأبلغية، وهي أمّا باعتبار الكمية في مبدأ الاشتقاق، وهو الرحمة والكمية العدد نسبة إلى كم بعد ما شدّدت ميمه جريا على القاعدة المعروفة في باب النسب والكيفية نسبة إلى كيف التي يسأل بها عن الحال الذي يسمونه مقولة الكيف، وكيفيتها جلالتها وعظمتها ونفاستها، وكثرة كميتها إمّ باعتبار كثرة افراد متعلقها من المرحومين، أو بتعدد ما تتعلق فيه من الدنيا والآخرة أو باعتبار كثرة ما يحصل به من النعم أو بكثرة زمانه الواقع فيه كزمان الآخرة المؤبد، فهذه وجوه أربعة سيأتي شرحها وتمثيلها. قوله: (فعلى الأوّل قيل يا رحمن الدنيا الخ) أي على اعتبار المبالغة في الكمية خص الرحمن بالدنيا دون الرحيم، فإنه خص بالآخرة لكثرة المرحومين فيها كما بينه المصنف رحمه الله، وهذا بناء على أنّ النعم فيها تعم المؤمن والكافر والبر والفاجر، وان كانت النعمة التامّة مخصوصة بالمؤمنين لاتصالها بسعادة الأبد، وقيل لا نعمة لله على كافر والصواب ما مرّ، فإن فلت كيف تختص رحمة الآخرة بالمؤمنين، وفد ورد في الحديث الشريف شفاعته صلى الله عليه وسلم لعامّة الناس من هول الموقف) 1) وأدهـ يخفف عنهم العذاب في الآخرة كما ورد في حق أبي طالب (2 (وارتضاه المصنف رحمه الله في سورة الزلزلة، فلو قال: لعموم رحمة الدنيا لجميع المؤمنين والكافرين خفت المؤنة قلت: قد أورد هذا بعضهم، وأجاب عنه بأنّ الكفار في الأوّل تبع غير مقصودين كيف، وهم بعد الموقف يلاقون ما هو أشد من هو له، فليس ذلك رحمة في حقهم، وتخفيف العذاب سما تردّد فيه المصنف رحمه الله، وعلى فرض تخفيفه قيل أنه ينزل من مرتبة من مراتب الغضب إلى مرتبة دونها، فليس رحمة من كل الوجوه، ولا ينافي العذاب فتدبر. قوله:) وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا) أي على اعتبار المبالغة في الكيفية قيل ذلك وبين بأن كثرة الجلائل تستلزم كثرة الجلالة، وهي كيفية النعم إلا أنه قيل عليه إنّ هذا يصح أن يكون بالاعتبار الأوّل لأنّ نعم الدنيا والآخرة تزيد على نعم الدنيا، وردّ بأنه يلزم أن يكون ذكر رحيم الدنيا بعده لغواً إذا لمراد معطى نعمهما كليهما، وقد حصل بإضافة الرحمن إليهما. وأجيب عنه بأن لا نسلم أنّ المراد مجرّد ذلك بل مقصود القائل التوسل بكلا الاسمين المشتقين من الرحمة في مقام طلبها مشيراً إلى عموم الأوّل وخصوص الثاني، ويحصل في ضمته الاهتمام برحمته الدنيوية الواصلة إليه بالباعثة لمزيد شكره، وقد اعترض عليه بأنّ الوارد في الأحاديث المرفوعة كما رواه الترمذي والحاكم في دعاء مأثور فيه: " الهم فارج الهئم ى ف النمّ مجيب دعوة المضطر رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت ترحمني فارحمني وحمة تغنيني بها عمن سواك " وليس الآخران مرويين ولا صحيحين حتى يستدل بهما والقول بأنّ المصنف لم يذكر أنهما واردان في الحديث، فيكفي كونهما من كلام السلف الأخيار ليس بشيء، وأمّا احتمال أن يراد في الأوّل جلائل النعم، وفي الثاني دقائقها فلا يجدي. قوله: (لأنّ النعم الأخروية الخ) الجسام جمع جسيم بمعنى عظيم ومعناه في الأصل عظيم الجسم، فاستعير لما ذكر أو أطلق عليه إطلاق المشفر والمرسن يعني أنّ إضافة الرحمن للدارين باعتبار ما فيهما من الجلائل، وإضافة الرحيم للدنيا، وان اشتملت على حلائل النعم ودقائقها باعتبار الثاني لأنه متمم لما قبله، ولذا أخر عنه كما سيأتي وقد عرفت ما فيه رواية ودراية فتدبر. قوله: (وإنما قذّم الخ) أي قياس نظائره مما جمع فيه بين وصفين أحدهما أبلغ والقياس هنا بمعنى القاعدة أو اللائق المعقول قال قدس سره الأبلغ إذا كان أخصر مما دونه، ومشتملاً على مفهومه تعين في الإثبات الترقي وفي النفي عكسه، إذا لو قدّم كان ذكر الآخر عارياً عن الفائدة كما في عالم تحرير، واذا لم يكن الأبلغ مشتملاً على مفهوم الأدنى كالرحمن والرحيم إذا أريد بالأوّل جلائل النعم وبالثاني دقائقها يجوز كل من طريقي التتميم والترقي نظرا لمقتضى الحال، ولما كان الملتفت إليه بالقصد الأوّل في مقام العظمة والكبرياء عظائم النعم دون دقائقها قدم الرحمة وأردفه بالرحيم كالتتمة تنبيها على أن الكل منه لشمول عنايته ذرّات الوجود ير لا يتوهم أنّ المحقرات لا تليق به، فيستحيا أن يسألها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وقد توهم أنّ تأخير الرحيم للترقي، وأنه أبلغ من الرحمن لأنّ فعيلاَ للأمور الغريزية كشريف وكريم وفعلان للعارضة كسكران وغضبان، وأبطل بأنه من باب فعل بالضم لا من صيغة فعيل انتهى. وهذا بعينه كلام المدقق في الكشف وفيه بحث من وجوه: منها أنه لا يلزم أن يكون الأبلغ مشتملاً على معنى الأدنى بل يكفي أن يستلزم وجوده وجود الآخر بالطريق الأولى، وكذا عكسه في النفي بحيث يكون ذكر الآخر بعده لغواً لا يليق بكلام البليغ وبليغ الكلام، ألا تراك تقول فلان يهب المئات والألوف، ولو عكست قبح وقد اعتبر الزمخشريّ الترقي في قوله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172] وفي قوله: ". وما مثله ممن يجاور حاتم ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخره مع أنّ الملائكة والبحر ليسا من جنس ما قبلهما كما في شرح الطيبي طيب الله ثراه. ومنها أنّ قوله واذا لم يكن الأبلغ مشتملاَ على مفهوم الأدنى الخ تبع فيه صاحب التقريب حيث قال: إنّ ذلك فيما إذا كان الثاني فيه من جنس الأوّل وفيه زيادة عليه، والرحمن لجلائل النعم وأصولها، والرحيم لدقائقها وفروعها فلما لم يكن في الثاني زيادة على الأوّل كان كائنه من جنس آخر، وقد ردّه الكرماني في حواشيه بقوله إن أراد إن الجنسية تعتبر فيما يجري فيه الترقي، فلم قال: إنها مفقودة في هاتين الصيغتين مع اشتمالهما على معنى الرحمة وأحدهما أبلغ من الآخر وان أراد أنّ الصيغتين لا بد أن يتفقا في خصوص المعنى كجواد وفياض فغير مسلم لما بيناه في البحث الأوّل فهو لا يوافق كلام العلامة، ولو اقتصر على ما بعده كان وجهاً وجيهاً لأنّ المراد أنهما ذكر الإفادة الشمول والعموم كما تقول الكبير والصغير يعرفا، ولو عكست صح وكالط المعنى بحاله، ومثله لا يلزم فيه الترتيب كما فصله في المثل السائر، ولولا خوف الإطالة لا وردناه برمتة ومنها أنّ قوله وأبطل الخ فيه ما مرّ فإنّ من النحاة وشرّاح الكشاف من ذهب إلى أنّ (الرحيم والرحمن) صفتان مشبهتان، فلا بدّ من لزوم فعلهما معاً فلا يصح الفرق والنقل لباب فعل بالضم، وذهب ابن ما لك وغيره إلى أنهما من مبالغة اسم الفاعل فلا كلزم اللزوم ولا يتأتى ما ذكره، فإن قلت كيف يدّعي اللزوم، وقد ورد رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما بالإضافة إلى المفعول. قلت: من يدعيه يقول: إنه على التوسع، كما بينه النحاة في باب الظروف، ثم أنّ المدقق قال في الكشف: والتحقيق يقتضي أن يرد النظم على هذا الوجه، ولا يجوز غيره لأنّ الله اسم للذات الإلهية باعتبار أنّ الكل منه واليه وجوداً ورتبة وماهية، والرحمن اسم له باعتبار تخصيص كل ممكن بحصة من الرحمة، وهي الوجود الخاص، وما يتبعه من وجود كمالاته فلو لم يورد كذلك لم يكن على النهج الواقع المحقق ذوقا وشهودا عقلاَ ووجوداً، وأيضاً لما كان المقصود تعليم وجه التيمن بأسمائه الحسنى وتقديمها عند كل مسلم كان المناسب أن يبدأ من الأعلى فالأعلى إرشادا لمن يقتصر على واحد أن يقتصر على الأولى فالأولى وتقريراً في ذهن السامع لوجه التنزل أوّلاً فأوّلاً انتهى. (قلت) : يؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت سورة النمل فدقق النظر ليتم الظفر، وما قيل على هذه القاعدة من أنها غير مطردة لقوله تعالى: {رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم: 51] ليس بوارد لما ذكر ثمة من أنهما بالمعنى اللغويّ أو كل أبلغ من وجه أو هو لرعاية الفاصلة. قوله: (لتقذّم رحمة الدنيا الخ) أي تقدما زمانيا وجوديا فروعي ذلك في لفظه على كلا الاعتبارين لإضافته فيهما الدنيا، وقيل إنما هو إذا قصد المبالغة في الرحمن باعتبار المرحومين، والظاهر أنه باعتبار ما ذكره أوّلاً من قوله رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، وما قيل من أنّ الرحمن يتناول رحمة الدنيا على كل حال سواء اعتبر الكمية أو الكيفية بخلاف الرحيم ورحمة الدنيا مقدّمة في الوجود، فناسب تقديم ما يدل عليها ففيه أنّ الرحمن بالاعتبار الثاني لا تعلق له بالثاني فتقديمه أولى قوله: (ولآنه صار كالعلم الخ) أي أشبه في اختصاصه به استعمالاً ومعنى إلا لتعنت في الكفر كقولهم لمسيلمة رحمن اليمامة، فناسب مقارنة العلم، وتقدمه على الوصف المحض، ولأنه بمنزلة الموصوف لمحض الوصف، واقتضاء السياق تقديمه باعتبار المعنى الوصفي، وبهذه المشابهة ضعف فيه ذلك، فلم يعلم به، وله مناسبة بالعلم والوصف، فناسب توسطه بينهما، وما قيل: على هذه الوجوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 من أنها مبنية على كون الرحيم وصفاً محضا لا غالباً وهو إذا عرف باللام من الأوصاف الغالبة أيضاً ليس بشيء لأن القائل بذلك لا ينكر إطلاقه على غير الله فكيف يدّعي الغلبة فيه، وذهب الأعلم وتبعه ابن هشام وغيره إلى أنه علم وأنه بدل لا نعت، واستدل باختصاصه به ومجيثه غير تابع نحو الرحمن على العرس استوى، ولا يخفى ما فيه وأنّ استفاضة إضافته نحو رحمن الدنيا تنافيه، وفي شرح الكتاب لابن خروف أنّ الرحمن صفة غالبة ولم يقع تابعاً إلا لله في بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، ولذا حكم. عليه بغلبة الإسمية وقل استعماله منكر أو مضافاً فوجب كونه بدلاً لا صفة لكون لفظ الله أعرف المعارف انتهى. وقد نبهنا عليه في السوانح. قوله: (لا يوصف به غيره الاختصاصه به معرفاً ومنكراً حتى صار علما أو كالعلم وأمّا قول الشاعر في مسيلمة لعنه الله: سموت بالمجد يا ابن اكرمين أبا وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فقد قالوا: إنّ إطلاقه عليه غير صحيحي لغة وشرعا، وهذا من غلوّهم في الكفر إذ سموا المخلوق باسم الخالق كما سموا الحجارة آلهة، وفيه أنه إذا كان إطلاقه على الله مجازا أو بالغلبة فكيف يقال إنّ استعماله في حقيقته وأصل معناه خطأ لغة، وقد ذهب السبكيّ رحمه الله إلى أنّ المخصوص به تعالى هو المعرّف بأل دون المنكر والمضاف لو روده لغيره في اللغة، ورذ به على القول بأنه مجاز لا حقيقة له، وإن صحة المجاز إنما تقتضي الوضع للحقيقة لا الاستعمال، نعم هو في لسان الشرع يمتنع إطلاقه على غيره مطلقا، وان جاز لغة كالصلاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلا اوهو كلام سديد وبه صرّح ابن عبد السلام وقال إنه صحيح مطلقا لغة وأنما منع شرعا. قوله: (لأنّ معناه المنعم الحقيقئ الخ) قيل الحقيقيّ هو الذي لا يستند إنعامه إلى غيره فهو الحقيق باسم المنعم بخلاف العبد فإنه كالواسطة، فالنسبة في قوله الحقيقي إلى الحقيق بمعنى الحرى للمبالغة كأحمري ودواري، أو هو من حق بمعنى ثبت أي من ثبتت فيه صفة الإنعام غير متجاوزة لغيره، كالعبد الذي يستند إنعامه إلى غيره وهو الله فليس ثابتاً متقرّرا فيه، والذي دعاه لما ذكر ما سيأني ولذا لم نجعله منسوبا للحقيقة المقابلة للمجاز مع أنه المعروف المتبادر إذ هو المنعم بلا عوض، ولاءس ض وهو الغني المطلق الخالق للنعمة والمنعم عليه فلما أريد به المبالغة إلى النهاية دل على إرأدة أعظم أفراده، فقوله البالغ في الرحمة غايتها يحتمل أن يكون تفسيرا لما قبله وأن يكون معنى آخر ودلالته على ذلك بقرينة الاختصاص وتبا إر الفرد ا! مل من صيغ المبالغة فلا يرد عليه أنّ معناه اللغوي المبالغ في الرحمة، وأمّا وصوله إلى الغاية القصوى فليس مقتضى وضمع اللغة إلا أن يقال إنه معنى عرفي ولا أنه صفة مى ششقة فلا فرق بينها وبين غيرها إلا بالمبالغة، فلا يدل على كونه منعما حقيقياً مع أنّ اعتباره ينافي الوصفية، إذ هي تستلزم الدلالة على ذات مبهمة وهذا موجب لتعينها، وأيضا أنه يفهم مته أن لفظ المنعم لا يطلق على غيره إلا مجازاً وهو غير ظاهر لاقتضائه أنّ نسبة سائر الأفعال إلى العباد مجازية ولا يخفى أنه غير وارد إذا فسر الحقيقي بما مرّ وهو الداعي إلى تفسير. به، وقوله إنه لا يفيده مكابرة مع أنه لفا اختص به تعالى، وألحق بالإعلام خرج عن نظائره، وألحق بالأسماء واختصاصه به لإرادة أكمل أفراده فلا يلزم اختصاص المنعم أيضا كما توهمه فتدبر. قوله: (وذلك لا يصدق على غيره (أي ذلك المعنى المذكور وان كان بحسب الوضع مفهوما كلياً، فهو منحصر في فرد كالشمس، والصدق ضد الكذب تجوّز به أو نقل للدلالة على بعض أفراد معناه كما هو معروف في كلامهم أي لا يطلق عليه وقوله مستعيض بالعين المهملة أي طالب للعوض! لا بالفاء، وان صح هنا بتكلف وهو تعليل لكون المنعم الحقيقي لا يصدق على غيره أو لكون المنعم الحقيقي هو البالغ نهاية ذلك لأنّ الإنعام والجود إفادة ما ينبغي سمن ينبغي لا لعوض كما في الإشارات حتى قالوا من جاد لعوض، فهو فقير كما في الهياكل وفيه تأمّل. قوله: (يريد) تفسير لكونه مستعيضا ولما لم يكن المراد به العوض المالي، لأن طالبه تاجر لا واهب بل المنافع المعنوية بينه بما ذكر. وقوله: (جزيل ثواب الخ) من إضافة الصفة للموصوف أي الثواب الجزيل، والثناء الجميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وهو لبيان الواقع إذ الثناء لا يكون إلا جميلاَ، والثواب سصكماعف كما وعد الكريم به فهو جزيل بالنسبة بما أعطاه أبدا، فلا وجه لما قيل من أنّ الأظهر أن يقول يريد به ثوابا إذ العموم أنسب، فيعتذر بأنه لموازنة ما بعده، ويزيح بزاي معجمة وحاء مهملة مضارع أزاج بمعنى أزال، وفي نسخة مزيح بصيغة اسم الفاعل منه معطوف على مستعيض وهذه أعواض سلبية بخلاف ما قبلها. وقوله: (أنفة الخسة) الأنفة كثمرة ما يستنكف من عاره، والخسة بالخاء المعجمة الدناءة أي يقصد بما يعطيه ذلك أو عدم لحوق عار الخسة، وفي نسخة رقة الجنسية وهي الأصح رواية عند الفاضل الليثي، والمراد ألم رقة الجنسية كما وقع كذلك في عبارة الغزالي، ونقله هذا الفاضل في حواشيه يعني أنه يرق قلبه، ويتأثر بما يشاهد. من احتياج أبناء جنسه وسوء حالهم فيزيل ذلك الألم عنه بإحسانه، وهذا عوض وفائدة عائدة عليه ولو قيل الرقة هنا بمعنى الضعف، كما في قوله عجبت من قلة ماله، ورقة حاله، كما في الأساس لم يبعد فسقط ما قيل من أنه وقع بهذه العبارة في كتب الكلام في مبحث الحسن والقبح، وليس لها كبير معنى. قوله: (ثم إنه كالواسطة الخ أقيل: إنّ ما قبله تعليل لعدم صدق البالغ في الرحمة غايتها على غير.، وهذا تعليل لعدم صدق المنعم الحقيقي على غيره، وقيل: إنه بيان لكونه منعما حقيقيا إذ لولاه لم يكن محسن، ولا إحسان، والأظهر أنه بيان لأنه لا منعم غيره مطلقا وهو أبلغ مما قبله، ولذا عطف بثم لتفاوت رتبتهما لأنه في الأوّل أثبت لغيره إنعاما وهنا نفاه، وقال: كالواسطة دون واسطة لأنها ما يتوقف عليه فعل الفاعل وفعله تعالى لا يتوقف على شيء، وقيل: لأنّ كل ما له دخل في الإنعام فهو بخلقه تعالى حتى الكسب على رأي الأشعري. . قوله: (لأن ذات النعم الخ) أي ذات النعم حاصلة من خلقه لها، ومعنى كون وجودهاً من خلقه أنّ ثبوته لها مستند له أيضاً، فلا وبر4 لما قيل من أنّ نسبة الخلق إلى الوجود غير ظاهرة وأنه بناء على أن الماهيات مجعولة، والداعية هي الخاطر المشوّق للفعل حتى كأنه يدعوه. قوله: (الباعثة الخ) تفسير له، والقوى جمع قوّة، وهي معروفة شاملة للباطنة والظاهرة المبينة في الحكمة. قوله: (أو لأن الرحمن الخ) يعني أنّ الوجوه السابقة مبنية على أنّ الأب! خ مشتمل على معنى ما بعده، وهذا ليس كذلك على هذا، لأنّ الرحمن المنعم بجلائل النعم وأصولها كالإيجاد، والرحيم المنعم بما عداها، فأردف به ليتناول ما بقي منها كالتتميم وذكر الرديف وهو البالغ المتمم وإنما يتعين الترتيب المذكور على الأوّل، إذ لو عكس عراً عن الفائدة، وعلى هذا ليس كذلك فلذا أردف الرحيم تنبيها على شمول عنايته ذرات الوجود لئلا يتوهم أنه لا تطلب منه المحقرات لعظيم جنابه كما أفاده الشريف، وفيه ما مرّ فتدبر. قوله: (أو للمحافظة الخ) الآي جمع آية ورؤوسها أواخرها التي تنتهي بها سميت رأساً مجازاً تشبيهاً لها برأس الجبل والنخلة، ونهايتها التي ينتهي إليها الصاعد من أسفلها، وئذا يقال رأس السنة لآخرها وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس الأربعين أي آخرها كما بين في السير، وقيل: لأنها عليها مباني الآيات كما أنّ الرأس مبني الإنسان وفيل: عبر عن الآخر بالرأس للتعظيم تأدّبا والمحافظة عليها بمجانسة ما قبل الآخر من الرويّ وحرف اللين وهذا بناء على أنّ في القرآن سجعاً، وفيه كلام سيأني في سورة يس، وقيل وؤوس الآي أوائلها والمعنى لتكون رؤوس الآي بعد كلمات متناسبة، ولا يخفي ما فيه من التكلف، ثم إنّ المحافظة لا تجري في كل سورة بل فيها ما يقتضي خلاف هذا كورة الرحمن ولهذا قيل: إنّ هذا في غاية الضعف لابتنائه على أنّ الفاتحة أوّل نازل! فروعي فيها ذلك، ثم طرد في غيرها وعلى أنها آية من السورة. قوله: (والأظهر أنه غير مصروف الخ) في التسهيل وشروحه ؤمنع صفة على فعلان ذي فعلى بإجماع النحاة، كسكران سكرى للصفة، والزيادتين المشابهتين لألفي التأنيث في عدم قبولها التأنيث، فلو قبلها انصرف كندمان ندمانة، واختلف فيما لزم تذكيره كلحيان بمعنى كبير اللحية فمن منعه ألحقه بباب سكران لأنه أكثر ومن صرفه رأى أنه ضعيف وادّعى منعه والأصل الصرف انتهى. وقال ابن الحاجب: الألف والنون إن كانا في اسم، فشرطه العلمية، أو في صفة انتفاء فعلانة، وقيل: وجود فعلي ومن ثمت اختلف في رحمن دون سكران وندمان، وبنو أسد يصرفون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 جميع فعلان لأنهم-قولون في كل مؤنث له فعلانة انتهى. وقيل: أحسن ما قيل في تقريره إنّ شرط كون مؤنثه فعلي إنما اعتبر لتحقق انتفاء فعلانة إذ به تتحقق مضارعتها لألفي التأنيث والاختصاص العارض كما منع وجود فعلي منع وجود فعلانة فإن نظر إلى انتفاء فعلي وجب أن لا يمنع صرفه لأنّ وجودها شرط للمنع ومناط له في الحقيقة إلا أنه لخفائه جعل وجود فعلى علامة له، فاعتبار الاختصاص العارض يوجب امتناع الصرف وعدمه، وهو محال فلزم أن يعتبر انتفاؤهما لسببه وأن يرجع إلى أصل هذه الكلمة قبل الاختصاص، ويتعرّف حالها قبله، وذلك بالقياس على نظائرها من باب فعلي بالفتح، وإذا كانت كلها، وأكثرها ممنوعة من الصرف لتحقق وجود فعلي فيها علم أنّ هذه الكلمة أيضا مما لولا المانع تحقق فيها وجود فعلي فيمتنع صرفها مثلها، وأورد عليه أنه لا يصح حينئذ ما ذكر من أنه اختلف في الرحمن، فمن اشترط وجود فعلي صرفه على الإطلاق ويمنعه من الصرف من اشترط انتفاء فعلانة قال الرضى: إذا كان المقصود من وجود فعلي انتفاء فعلانة، وقد حصل هذا المقصود في الرحمن يجب أن يكون غير منصرف ولشرّاح الكشاف هنا مناقضات وكلام لا تحتمل العربية دقته، وأنما عدلوا إلى الاستدلال لأنه لم يسمع إلا مضافا أو معرفاً بأل أو منادى، وقد شذ قوله: وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا مع أنه لا يصلح شاهدا للصرف ولا لعدمه لاحتمال أن يكون ممنوعاً وألفه للإطلاق ومصروفا، وألفه بدل من تنوين المنصوب كقوله: تبارك رحمانا رحيماً وموئلا ولا يرد هنا ما قيل من أنّ ما مرّ يستلزم كون الحمل على النظائر من علل الصرف، ولا ما قيل من أنا لا نسلم أنّ الأصل في فعلان منع الصرف سلمناه لكن كون الأصل في الاسم الصرف مطلقا وان لم يترجح عليه يعارضه فتدبره، وفي الكتاب وشروحه هنا كلام مخالف لما قالوه ذكرناه في حواشي الرضى. قوله: (إن حظر اختصاصه الخ) حظر بالحاء المهملة، والظاء المعجمة بمعنى منع، وهذا إشارة إلى أنه إن لم يحظر كلاهما بل الثاني فقط كان عدم الإنصراف أولر،، أو إلى أنه إن لم يحظر الاختصاص العارض إياهما بل كان انتفاء فعلانة مع قطع النظر عنه، وكان فعلي موجود أو منتفيا لهذا العارض كاز عدم الانصراف أو أظهريته أولى، وعلى كلا التقديرين فالأولى بالاستلزام للجزاء أخص من نقيض الشرط ولا يخفى أنه بعيد عن مواطن استعمال إن الوصلية أمّا على الأوّل فلأن نقيض الشرط يتناول حظر وجود فعلي دون فعلانة وعدم حظر شيء منهما ولا استلزام لهما للجزاء، وأمّا على الثاني فلأدأ نقيض الشرط يتناول انتفاء فعلي ل! ختصاص أو مع قطع النظر عنه ووجودها، وليس شيء منهما أولى بالالتزام للجزاء هكذا قاله وارتضاه بعض المدققين يعني أنّ الوصلية موجبها ثبوت الحكم بالطريق الأولى عند نقيض شرطها والحكم هنا أظهرية منع صرف رحمن والشرط منع اختصاص وجود مؤنث له مطلقا كما تفيده كلمة أو بعد المنع الذي هو نفي معنى والنقض عدم ذلك المنع وهو يتحقق بوجهين: أحلدم! ما: أن لا يكون فيه اختصاص، فلا منع وحينئذ، أمّ أن ينتفي فعلي فقط، فيجب الصرف أو فعلانة، فيجب منع الصرف، وعلى التقديرين لا تتحقق الأظهرية فضلاَ عن أولويتها وأمّا أن ينتفيا فثبوت الحكم عنده مثل ثبوته عند الشرط بل دونه إذ عند الشرط دليل انتفاء فعلانة، وهو الاختصاص موجود. وثانيهما أن يكون فيه الإختصاص، ولا يمنع وجود شيء من المؤنثين فتجىء الترديدات الثلاثة أو يمنع فعلانة فقط، وحينئذاً أمّا أن توجد فعلي فيجب منع الصرف أو لا توجد، فالحكم فيه كما في صورة الشرط أو ئمفع فعلي فقط، فأمّا أن توجد فعلانة، فيجب الصرف أو لا فكما في صورة الشرط، فالأولوية لا تتحقق في شيء من صور النقيض كما قرّره بعض الفضلاء، وهذا كله تطويل نلا طائل أوردناه لئلا يتوهم من يراه غفلتنا عنه وهو مندفع بأدنى تأمّل فإنّ قوله وان حظر اختصاصه الخ كناية المقصود منها إنه لم يتحقق شرط المنع على المذهبين ولا شك أنّ نقيضه أنّ ذلك محقق، والأظهرية عليه ثابته بالطريق الأولى فإن قلت: لو سلم ما ذكرت لم يسلم أنّ مغ الصرف حينئذ للإلحاق بالأغلب بل هو واجب لوجود شرطه قلت: لا يلزم النظر لذلك، بل يكفي النظر لنفس الشرط على أنا نلتزمه، ونقول إذا وجد الشرط الأغلب منع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 صرفه أيضاً لأنه قد يصرف نادراً مع وجود شرط آخر لضرورة أو تناسب أو لأمر آخر على خلاف القياس في بابه. قوله: (على فعلي) بغير تنوين وفعلانة يجوز صرفه، وعدمه على ما بين في محله. قوله: (بما هو الغالب في بابه) يعني بباب فعلان الذي مؤنثة، فعلى بفتح العين، فإنّ الغالب فيه أنه غير منصرف، ومؤنثه على فعلي إلا ماشد كخشيان، فإنه منصرف ومؤنثه خشيانة كما ذكره المرزوقي، ولذا تيده المنصف بالغالب وخالف قول الزمخشركيئ إلحاقاً بإخوانه من غير ذكر للغالب فيه، وان قيل إن الذي في الصحاح أنّ خشيان مؤنثه خشي على القياس، وهو الذي ارتضاه العلامة، ثم إنه قيل إنّ العمل بالغالب وان كان الأصل يعارضه إذ الأصل في الأسماء مطلقاً الصرف مخالف لما عليه الفقهاء من ترجيح الأصل، على الغالب إلا أنّ رجحان الغالب أظهر لأنّ الغالب يقتضي إلحاقه بنوعه، وهو أولى من إلحاقه بما هو الأصل في جنسه، وهو مطلق الاسم، وليس ما نقل عن الفقهاء صحيحا بل المصرّح به خلافه كما في أء ول الشافعية الذين منهم المصنف، وقد قال السبكي رحمه الله في قواعده إنما يرجح الأصل جزما إذا عارضه احتمال مجرّد، والا فقد يرجح غيره كما فصله. قوله: (وتخصيص! التسمية بهذه الأسماء الثلاثة) وهي الله والرحمن والرحيم والمراد بالتسمية البسملة لأنها تطلق عليها أو المعنى المصدري، وهو إطلاق الاسم وأل عهدية، وخصى العارف بالذكر لأنه الذي يتأتى منه ما بعده، ومعرفته بما ذكر من تعلق الإستعانة بالوصف المشعر بالعلية، ومجامع الأمور المهمة المعزوم عليها أو جميعها. قوله: (المعبود الحقيقي) إشارة إلى الجلالة الكريمة، ومولى لنعم بضم الميم بزنة اسم الفاعل وما بعده مشير لما مرّ، وجليل النعم وحقيرها، لف ونشر للاسمين، أو كناية عن الكل على نهج قوله ولا صغيرة ولا كبيرة. قوله: (فيتوجه بشراشره) جمع شرشرة بالفتح وتستعمل بمعنى النفس والجسد فيقال ألقى عليه شراشره اي نفسه حرصا ومحبة قال ذو الرمة: وكائن ترى من شدة ومحبة ومن عته تلقي عليها الشراشر وتكون بمعنى الانتقال والثبات وهدب الإزار وقطعه، وتحقيقه أنه في الأصل أطراف الأجنحة والذنب، وفي كتاب النبات أنّ شرشرة الطائر تعريثه قال ابن هرمة: فعوين يستعجلنه ولقينه يضربنه بشراشر الأذناب فكنى به عن الجملة كما يقال أخذه بأطرافه، ويمثل به لمن يتوجه بكليته فيقال: ألقى عليه شراشره كما قال الأصمعي كأنه لتهالكه طرح عليه نفسه بكليته، وهو الذي عناه المصنف رحمه الله إذ مراده التوجه ظاهر أو باطناً ولذا خصه بالعارف. وفي الكشف أنّ من مذهب صاحب الكشاف أن يجعل تكرار الشيء للمبالغة كما في زلزل ودمدم، وكأنه لنقل الشر في الأصل، ثم استعمل في الإلقاء بالكلية مطلقاً شرا كان أو غيره واعترض عليه صاحب القاموس رحمه الله في شرح ديباجة الكشاف بأنه غير جيد لأنّ مادّة شرشر ليست مونحموعة لضد الخير وانما هي موضوعة للتفرّق والانتشار وسميت الأثقال شراشر لتفرّقها انتهى. وفيه نظر. قوله: (إلى جناب القدس) أي إلى الله المنزه المقدس جنابه عز وعلا وحبل التوفيق كلجين الماء أو مكنية أو تخييلية أو الكلام بجملته تمثيل، كأنه لتوجهه إلى عالي جنابه وتقرّبه منه كمن يترقى بحبل إلى العلو، والسرّ في الأصل الخفي وما يكتم وكنى به هنا عن الباطن، وقيل: هي حالة للمعارف تكون سببا للفيض، وفي كتاب البدائع لابن القيم نقلاَ عن ابن عقيل: أنّ من قال بين الله وفلان سرّ فقد كفر وكذبك وقولهم أسالك بالسرّ الذي بينك وبين أنبيائك وأوليائك حماقة، وأي سرّ بين الله وعبده وردّه ابن الجوزي رحمه الله بأنهم يعنون به العبادة المستورة عن الخلق ونحوها انتهى. والذي يظهر لي من السرّ أنه أسماء الله وصفاته ونحوها مما وقف الله عليها بعض خلص! عباده وأعلمهم أنه متى سئل بها أجاب كما ورد في الآثار الصحيحة أسألك بكل اسم هو لك استأثرت به أو علمته أحداً من خلقك، وقد اشتهر أن اسمه الأعظم الذي يجاب به الدعاء لا يعلمه كل أحد وعن متعلقه بيشغل أو بحال مقدرة أي معرضاً محن غيره، وقيل عن هنا بدلية قيد للاستمداد وهو تعسف. وقوله:) فيتوجه الخ) إشارة إلى ما سيأني في الفاتحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 في الإلتفات فتدبر. قوله: (الحمد هو الثناء الخ) اختلف أهل اللغة في الثناء فقال ابن القطاع: إنه يستعمل في الخير والشرّ، والأصح كما قاله ابن السيد أنه لا يستعمل إلا في الخير وإنّ العام هو الثناء بتقديم النون عى المثلثة، وما ورد على خلافه على ضرب من التأويل والتجوّز كالمشاكلة والتهكم، فهو ذكرى الجميل، وهل يشترط فيه اللسان أم لا فقيل لا، وحقيقة الحمد إظهار الصفات الكمالية سواء كان ذلك باللسان أم لا، ومن ذكر اللسان لم يرد العضو المخصوص، والا لم يكن الله حامداً لنفسه ولا لغيره حقيقة، وهو ظاهر البطلان بل قوّة التكلم وليس حقيقة التكلم إلا الإفاضة والإعلام مع شعور الفيض، وارادته وبؤيده حديث " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " (1 (وإن حمل على المشاكلة أو التجوّز فالمعنى عظمت نفسك أو ذكرت نفسك بكلامك القديم بناء على مذهب الشهرستاتي، أو التخصيص باللسان بالنسبة لحمد العباد، وقيل عليه إنّ قوله والا لم يكن حامدا الخ لا يخلو عن شيء لأنه إن أراد أنه لا يكون كذلك على هذا القول حقيقة فمسلم، لكن قوله ظاهر البطلان في حيز المنع بل هو باطل لأنّ صريح إطلاقهم يدل على خلافه كقول الزمخشريّ والحمد هو الثناء باللسان وحده، وقال في الحواشي الشريفية: ادّعى اختصاصه باللسان لكونه أشبع وأدلّ، فظهر أنّ المراد العضو المخصوص ولو سلم أنه ليس بمراد فليس بمعنى قوة التكلم المذكورة أي لعدم لزوم الإفاضة في حمده لنفسه، وان أراد أنه لاث كون حامد إلا حقيقة ولا مجازا فغير مسلم لجواز إطلاق عليه مجازا كالرحمة، ففي عدم الاحتياج إلى قيد اللسان مناقشة ظاهرة كما أشار إليه الخطابي، وزاد بعضهم فيه على جهة التعظيم ليخرج الهزؤ والسخرية، وقيل لا حاجة إليه أصلاً أما على تعريف الحمد الأول، فلاستغنائه عنه بلفظ اأشناء إذ المتبادر منه ما طابق فيه اللسان الجنان، وأمّا على الثاني فلأن إظهار الصفات الكمالية معتبر فيه قيد الحيثية كما في سائر التعاريف فيخرج ما ذكر، وما قيل أن لفظ الثناء لا يأباه لأنهم فسروه بمطلق الذكر بالخير ليس بشيء على أنه قيل إنّ الوصف على طريقة الاستهزاء ليس وصفة بالجميل حقيقة إذ المستهزىء يريد ضذه على نهج الاستعارة التهكمية وقد يوصف بالجميل ظاهرا بلا قصد للتعظيم ولا للاستهزاء بل حكاية لما يزعمه الموصوف تعريفاً له، وقد فيل أنّ قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] يحتملهما وهو أيضاً خارج فتدبر. قوله: (على الجميل الاختياري الخ) الجميل ضفة مشبهة من جمل الرجل بالضم والكسر جمالاً فهو جميل وامرأة جميلة وقال سيبويه رحمه الله: الجمال دقة الحسن والأصل جمالة بالهاء كصباحة فخفف لكثرة الاستعمال، وتجمل تجملاً بمعنى تزين وتحسن فالجميل بمعنى الحسن، فتوصف به الذوات والأفعال كما عليه أهل اللغة قاطبة، فما قيل أنّ الجميل هنا صفة للفعل، ولذا ترك في الكشاف قيد الاختياري يرد عليه أنّ معناه اللغوي أعم، ولذا قال بعض الفضلاء في حواشيه لا دليل على أنه صفة الفعل إلا أن يقال إنه أخذه من الأمثلة، وفبه بحث. وقال قدّس سره: إذا خص الحمد بالأفعال الإختيارية لزم أن لا يحمد الله سبحانه على صفاته الذاتية كالعلم والقدرة سواء جعلت عين ذاته، أو زائدة عليها بل على انعاماته الصادرة عنه باختبار؟ ، اللهم إلا أن تجعل تلك الصفات لكون ذاته كافية فيها بمنزلة أفعال اختيارية، وقيل إنّ الاختياري كما يجيء بمعنى ما صدر بالإختيار يجيء بمعنى ما صدر من المختار، وهو المراد هنا على ما فيه، وقيل إنها صادرة بالاختيار بمعنى إن شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل لا بمعنى صحة الفعل والترك فيشمل ما صدر بالاختيار وبالايجاب فالاختيار بالمعنى الأعم، وهو الأوّل والثاني أخص أو هو بالمعنى الأخص، ولا نسلم كون الصفات الذاتية غير صادرة بالاختيار لجواز أن يكون سبق الاختيار عليها ذاتياً كسبق الوجود على الوجوب لا زمانياً حتى يلزم حدوثها، وقيل إنه بالنظر إلى حمد البشر فالمراد ما جنسه اختياريّ كما قيل في قيد اللسان في الثناء، وإن لم يثترط فيه الاختيارية فالأمر ظاهر ولا يخفى عليك ما يتوجه على ما ذكر، أما أوّلها فإنه مع كونه خلاف الظاهر إنما يحسن إذا كان المعتاد في الأفعال الإختيارية كون فاعلها مستقلاً في إيجادها من غير احتياج إلى شيء آخر من آلة وغيرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ليظهر استقامة تثبيه الصفات الذاتية بها، وتنزيلها منزلتها لذلك وليس كذلك، فإن كل فعل اختياري يحتاج إلى علم فاعله وقدرته، وأكثرها محتاج إلى آلات وأسباب أخر كما ذكر. بعض الفضلاء، وانه على تسليم استعمال الاختياري بالمعنى الثاني لا نسلم اتصاف الصفات الذاتية بالصدور إلا بتكلف يأباه لفظه، وأمّا كونها صادرة بالاختيار بالمعنى الأخص على ما قرّر في الكلام من أنّ الفلاسفة ادّعوا إيجاد العالم بطريق الإيجاب فلزمهم أن لا يكون لموجده إرادة واختيار، وقيل بانهم يقولون بأنه فاعل مختار بمعنى إن شاء فعل الخ. وصدق الشرطية لا يقتضي وجود مقدمها ولا عدمه، فقدم الشرطية الأولى بالنسبة إلى وجود العالم دائم الوقوع ومقدّم الثانية دائم اللا وقوع، ولهذا أطلق عليه الصانع وهو من له الإرادة بالإتفاق وهذا وأن ارتضوه ففي نهاية الطوسي إنه كلام لا تحقيق له لأنّ الواقع بالإرادة والاختيار ما يصح وجوده بالنظر إلى ذات الفاعلى، فإن أريد بالدوام واللا دوام المذكورين أنه مع صحة وقوع نقيضهما فهو مخالف لما صرحوا به من أنه موجب بالذات للعالم بحيث لا يصح عدم وقوعه منه، وان اريد دوامهما مع امتناع نقيضهما فليس هناك حقيقة الإرادة، والاختيار بل مجرّد اللفظ، ومتعلق الإوادة لا محيص عن حدوثه، والعالم عندهم قديم، فما هذا إلا تمويه وتلبيس انتهى. وأيضا ما ذكر من تفسير الاختيار بمختار المتكلمين لا الفلاسفة، مع أنه قد قيل عليه هنا أنه لا يجري في صفة المشيئة، وما يسبق عليها من الحياة والعلم والقدرة، ولذا قال في رسالة الحمد: إنه تكلف لا يتأتى في صفة القدرة، لأنّ صدورها ليس بالاختيار والألزم تقدّم الشيء على نفسه، فما ذكر ليس بحاسم للسؤال، ولا قاطع لمادّة الإشكال ولك أن تدفع ما ذكر باختيار الشق الأوّل، فتقول الصادر عن الموجب بالذات ليس واجبا بالدّات بل باعتبار صدوره عن الواجب بالذات، وهو في حد ذاته ممكن، وقوله: إنه قديم ليس المراد به القدم الذاتي، فنقول بصحة وقوع نقيضيما وان لم يقع لأنّ صحة الوقوع أعمّ من الوقوع، فإن قلت هذا ظاهر في العالم فما حال الصفات الذاتية، قلت: هي وان لم تكن مخلوقة لأنّ الخلق الإيجاد بعد العدم، فهي ممكنة في حد ذاتها عند بعض المحققين لأنها مستندة للذات ومحتاجة لها، وكل محتاج لغيره ممكن، فليست واجبة بالذات، وان كانت قديمة حتى يلزم تعدد الواجب، وان قيل بعدم امتناعه إذ الممتنع تعدّد ذوات واجبة، وفي التفسير الكبير الذات كالمبدأ للصفات، وهو صريح فيما ذكر، ثم إنه قيل على قول الشريف يلزم أن لا يحمد الله الخ أنه إن أراد أنه يلزم أن لا يحمد مطلقاً عليها حقيقة أو مجازا، فالشرطية بينة البطلان إذ التخصيص بالأفعال الاختيارية إنما هو في المعنى الحقيقيّ، وان أراد أنه يلزم أن لا يحمد حقيقة، فليس لقوله اللهم الخ وجه لأنه يقتضي أنّ هذا الجعل مما يصحح الحمد الحقيقيّ، وليس بصحيح، إذ عليه يكون الحمد مجازيا لأنّ الحقيقيّ ما يكون على الاختيار حقيقة، وهو غير وارد لأنّ مراده قدّس سر. أنه يحمد عليها، وهي غير داخلة في التعريف، فليس بجامع فأدخلها فيه بهذا التأويل، فالتجوّز في التعريف لا المعرّف، ولما كان المجاز في التعاريف فيه ما فيه أشار إلى ضعفه بقوله اللهم، وقد خطأ الرازي في هذا بعض علماء المغرب وأشبعنا الكلام فيه في شرح الشفاء. واعلم أنّ ما عرّفه المصنف هو الحمد اللغوفي، مورده ص اهـ ومتعلقه عامّ، والشكر اللغويّ ما ينبىء عن تعظيم المنعم على الشاكر فعلاً أو قولاً أو غير ذلك ومورده عام ومتعلقه خاص، والحمد عرفا فعل ما يشعر بتعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره، والشكر عرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه به لما خلق لأجله والنسبة بينها معروفة، والمراد بالعرف هنا عرف اللغة المستعمل، والحق الحقيق بالاتباع أن الحمد اللغويّ لا يكون إلا بالأفعال الاختيارية قال تعالى: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} أسورة آل عمران: 1188 فالحمد بالصفات الذاتية حمد عرفيّ لدلالته على تعظيمه. قوله:) من نعمة أو غيرها (قيل في فذا وفي قوله على علمه إشارة إلى أنه ليس المراد بالجميل الفعل بالمعنى المصدريّ اللهم إلا أن يقال المراد بالنعمة الإنعام بها والعلم بمعناه المصدريّ انتهى. قيل: وفي قوله اللهم إشارة إلى بعد هذا المراد كيف والمنظور إليه في مقام حمد العالم والكريم ما لهما من الكمال الذي تميزا به، وهو الملكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لا المعنى المصدريّ وان كان له تعلق بذلك الكمال وهو ممنوع ثم إنه استشكل التقييد بالاختيار بقوله تعالى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79] وأجيب بأنه حال من قوله يبعثك أو نعت لمقاما، والمعنى محموداً فيه إليه بشفاعته أو الله لتفضله عليه بالإذن في الشفاعة على الحذف والإيصال، أو هو مما يدّعى فيه قيد الاختيار، وسيأني ما فيه، وقيل: المراد بالنعمة الإنعام مجازاً أو حقيقة لورودها بمعناه أيضاً أو المراد إنعام نعمه بتقدير مضاف. واعلم أنّ الفاضل ابن المعز قال في بعض تعليقاته إن الاختيار في اللغة كما في المحكم وغيره بمعنى الانتقاء والاصطفاء يقال خاره واختاره وتخيره فهو مختار والاسم منه الخيرة إذا ارتضاه لكونه خيراً عنده، وأمّا كونه بمعنى الإرادة كما هنا فلم يرد في اللغة، وانما هو من اصطلاح المتكلمين، والمعنى اللغويّ أخص منه ومن لم يتفطن لهذا فسر به قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] وسيأني تحقيقه في سورة القصص. قوله: (والمدح الخ) يعني أنّ الحمد يختص بالثناء على الفعل الاختياري لذوي العلم، والمدح يكون في الاختياري وغيره وفي ذوي العلم وغيرهم كما يقال مدحت اللؤلؤة على صفائها، وفي بدائع ابن القيم الفرق بينهما بأنّ الحمد يتضمن العلم بما يثني به على الكمال بخلاف المدح فهو أعم منه، ولذا لم يرد في الكتاب والسنة حمد الله فلانا كما جاء مدحه وأثنى عليه، فهو لا يحمد إلا نفسه، وردّ بأنه غير مسلم، وقد ورد ما أنكره كما في الأثر أنه صلى الله عليه وسلم شضيّ محمدا لأن الله وملائكته حمدوه، فالصحيح أنّ الأخبار عن محاسن الغير إن أفرد بالصحبة والإجلال فحمد، والا فمدح، ولذا كان الحمد خبرا يتضمن إنشاء، والمدح خبر محض وتسمح من فسره بالرضا والمحبة وان لم يمنع حمد الله لعباده، فإن ذلك بحسب ما يضاف له فهو من الله إكراما وإلقاء لإجلاله في قلوب خلقه انتهى. وكون العلم اختياريا لحصوله باستعمال الحواس ونحوها وكذا الكرم إن كان بمعنى الإعطاء، وكذا إن كان بمعنى السخاء بناء على أن الملكات كسبية فإن كان بمعنى الشرف كما ورد إطلاقه عليه فلا يلزم كونه اختياريا إلا بتكلف، ولذا حمل هنا على الأوّلين، وما قيل من أنّ المراد بالاختياري هنا ما للاختيار مدخل في تحققه في بعض المواد وما من شأنه ذلك، ويؤيده ما ذكره المصنف رحمه الله فإنّ العلم كيفية انفعالية فائضة بفضل الله وليست من الأفعال الاختيارية لنفس، وكذا الكرم فأنه غريزة مجبول عليها لا يناسب المقام لعوده على الفرق بما ينافيه فتدبر. قوله: (ولا تقول حمدته على حسنه بل مدحته) فلا يلزم أن يكون المدح اختياريا ولم يتعرض لوقوعه في الاختياري لأنه ليس محلاَ للنزاع قيل: ثبوت مدعاه من عدم الترادف متوقف على صدور ما ذكر عن البلغاء الموثوق يهم، وهو غير ظاهر مع أنّ الترداف لا يقتضي استعمال كل منهما حيث يستعمل الآخر وليس بلازم كما صرحوا به، ولا يخفى أنه ناف لا مثبت حتى يطالب بالاستعمال، وعدم وقوع أحد المترادفين موقع الآخر من غير مانع ما غير ظاهر، ولا يرد عليه الحمد الذاتي لله لأنه بمعنى استحقاقه له بجميع صفاته من غير تعيين، ولما كانت ذاته كافية في اتصافه بها جعل ذاتياً كما ذكره الشريف وسيأتي تحقيقه إن شاء الله. قوله: (وقيل هما أخوان) هذا ردّ على الزمخشري: بناء على فهمه منه، وقد قال السعد في شرحه إنّ الشائع في كتب العلامة أنه يريد بكون اللفظين أخوين أن يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب أو أكبر، بأن يشتركا في أكثر الحروف مع اتحاد في المعنى، أو تناسب كما مرّ، وقال الشريف: المراد أنهما مترادفان، والترادف بعدم اعتبار قيد الاختياو فيهما أو باعتباره فيهما، وهذا هو المراد وإن ذهب بعضهم إلى الأوّل ويدلّ على ذلك أنه قال في الفائق الحمد هو المدح والوصف بالجميل، وأنه جعل ههنا نقيض المدح أعني الذمّ نقيضاً للحمد، فإن قيل نقيض المدح هو الهجو دون الذمّ قلنا المدح يطلق على الثناء الخاص، وهو الوصف بالجميل ويقابله الذمّ، وقد يخص بعدّ المآثر ويقابله الهجو أي عدّ المثالب وكلامنا في المعنى الأوّل ثم أيده بأنّ ما ذكره أوجب حمل الأخوة على الترادف وبأنه قال في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} [الحجرات: 7] إنّ المدح لا يكون بفعل الغير، وتأوّل التمدح بإجمال وصباحة الوجه، فالمدح أيضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 مخصوص بالاختياري عنده وتركه اعتماداً على الأمثلة، والجميل الفعل وهو ما يكون بالاختيار، وقد نوقش بأنّ الأدباء يجوّزون التعريف بالأعم، والنقيض في كلامه بمعناه اللغويّ، ويجوز أن يكون شيء واحد نقيضاً لشيئين بينهما عموم وخصوص بهذا المعنى، وهذا مراد القاضي رحمه الله بقوله الذم نقيض المدح مع أنه أخص من المدح عنده فئهون الذمّ نقيضاً لهما لا يدل على إتحادهما إلا أنها مع سوق كلام الكشاف قرينة ظنية على الترادف كافية في المطلوب، وقيل على هذا إنّ الواجب أن يحافظ في كل مبحث على ما هو وظيفته فلا يطالب في الظنيات باليقين، ولا يكتفي في اليقينيات بالظن، ومثل هذا المقام من الظنيات، والظاهر الغالب من التعريف بيان أصل المفهوم والتعريف بالأعئم، دمان كان جائزاً لكنه نادر بالنسبة لغيره، فالمطلق لا ينصرف إلا لبيان تمام المفهوم والنقيض وإن كان بالمعنى اللغويّ بمعنى المقابل الذي لا يجتمع مع الشيء فالظاهر عدم كون شيء مقابلاَ للأمرين ولولا هذا لأمكن أن يكون مراد الزمخشريّ بالأخوين المتشابهين فإن الأخوّة شاعت في المشابهة كما في الفائق أيضاً، وما ذكر من مقابلة المدح بالذمّ لا يعارضه قول أبي تمام: كريم متى أمدحه أمدحه والورى ~ معي ومتى ما لمته لمته وحدي فإنه مدخول وعدل عن مقابلته به إشارة إلى أنه لا يمكن ذمه، فإن قلت كيف ينكر المدح على غير الاختياري، وقد قال البحتري في مدح شفيع، وهو ممن يستشهد بكلامه في المعاني: حاز شكري وللرياح اللواتي ~ تحلب الغيث مثل مدح الغيوم وقال آخر: أرح المسك مدحة الغزلان ومثله أكثر من أن يحصى، فكيف يسمع ما قيل من أنّ مثال اللؤلؤة مصنوع. (قلت) وروده في كلام الموثوق به لا يمكن إنكاره، فمن أنكره يقول إنه وأمثاله من قبيل التمثيل والتنزيل، نعم هو مخالف لما قاله علماء البلاغة، فقد قال الآمديّ في الموازنة وناهيك به ما نصه: جمال الوجه وحسنه مما يتمدح به لأنه يتيمن به، ويدل على الخصال الممدوحة، والدمامة يذمّ بها لعكس ذلك، وقد غلط فيه من ظن أنه لا ينبغي أن يذكر في مدح العظماء انتهى. مع أنه يقتضي أنه لم ينكر مطلقا وإنما أنكر مدح عظماء الرجال به دون النساء ونحوهن فتفطن له، وانما مرّض المصنف رحمه الله قول الزمخشري إنهما أخوان لجزمه بأنه أراد الترادف كما ذهب إليه السيد السند. قوله: (والشكر الخ) الواقع في النسخ عطف العمل وقرينه بالواو، وهو المرويّ عن المصنف رحمه الله في الحواشي، وقيل إنه وقع في بعضها أو بدل الواو، وهما بمعنى لأنّ الواو بمعنى أو هنا كما يدل عليه قوله بعده أعمّ إذ المعنى أنّ الشكر كل ما أنبأ عن تعظيمه سواء كان ثناء باللسان وخضوعاً بالأركان أو محبة واعتقادا بالجنان وقولاً منصوب بنزع الخافض أي بالقول، وما قيل من أنه كان الظاهر أن يقول المصنف مقابلة القول، والعمل والاعتقاد بالنعمة إذ يقال قابلت كتابي بكتابه لا وجه له، وما مثل به ليس من كلام العرب الموثوق بهم بل من استعمال المولدين والمفاعلة تنسب لكل من الطرفين على حدّ سواء، ولو سلم ما ذكره فلك أن تقول إضافنه للنعمة لأدنى ملابسة. وقولا مفعوله وأصله مقابلة القول بالنعمة ويجوز أن يكون تمييزاً أو خبر كان مقدرة، والتقدير سواء كانت قولاً الخ ثم إنه قال: المراد بالقول، وأخويه الحاصل بالمصدر فيوأفق ما قيل إنه فعل ينبىء عن تعظيم المنعم سواء كان عملاً أو لا، فإن المراد بالقول والعمل فيه المعنى المصدري وأمّا الاعتقاد فجعله شكرا على التسامح والمراد تحصيله ويصدق على المعنى المصدريّ أنه مقابلة النعمة بالمعنى الحاصل بالمصدر، والواو بمعنى أو لما مرّ ولأنه لا يقال لأجزاء الشيء شعبه بل لأقسامه ومعنى مقابلة النعمة الخ أنه يثنى على المنعم بلسانه ويدأب في الطاعة له ويعتقد أنه وليّ النعمة، وقيل لا يكفي الاعتقاد بل لا بد من انبعاث محبته وتعظيمه له في القلب انتهى. وقيل عليه أنّ صيغة المصدر تطلق حقيقة على كون الذات بحيث صدر عنها الحدث، وبهذا الاعتبار يسمى المبنيّ للفاعل، وعلى كونها بحيث وقع عليها، وبهذا الاعتبار يسمى المبنيّ للمفعول، وعلى نفس ذلك الحدث الصادر عنها، وبهذا الاعتبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 يسمى الحاصل بالمصدر، وهو المفعول المطلق كما في الرضى. وحاصل كلامه أنه حمل هذا التعريف على التعريف المشهور بحمل القول والعمل في كلام المصنف رحمه الله على الحاصل بالمصدر، وفي المشهور على المصدر المبنيّ للفاعل، واذعى كون المقابلة بالفعل والقول صادقة على المعنى المصدرفي، ويرد عليه أنّ تفسير الفعل المنبىء عن تعظيم المنعم بالكون الذي هو من الاعتبارات العقلية، والعدول عن الحاصل بالمصدر الذي هو أمر موجود في الخارج مشاهد واضح الدلالة على التعظيم غير مرضيّ، فما معنى قوله ويصدق الخ. وحمل المقابلة بالفعل والقول على أضدادها خروج عن الجادّة من غير ضرورة، ولا فائدة، والمعتبر في الشكر اللغويّ وصول النعمة إلى الشاكر، ولذا قالوا: إنه عين الحمد العرفي لو اعتبر فيه أيضا وصول النعمة للحامد، وأخص منه إن لم يعتبر، ويشترط فيه موافقة القول والعمل للاعتقاد، والشكر الجنانيّ كما قال قدّس سره: إنه اعتقاد اتصاف المنعم بصفات الكمال، وهو من حيث إظهاره أو إظهار ما يدل عليه تعظيم للمنعم مستلزم لمحبته ظاهراً فلا يرد عليه ما قيل من أنّ الظاهر أن يقال: إنه محبة المنعم لإنعامه إذ العدوّ قد يعتقد اتصاف عدوّه بالكمال، ولا يعد بمجرّد ذلك شاكراً. (أقول) ما ذكره القائل مبنيّ على ما أسسه في مقالته المعقودة لبيان المصدر، والحاصل بالمصدر، وهو كلام مموّه بينا ما له، وما عليه ثمة، والذي عناه الفاضل الليثيّ أنّ مدلول المصدر الفعل، والتأثير نفسه، ويطلق حقيقة على أثره، وهو الحاصل بالمصدر، فإنهما كشيء واحد تعدد بتعدّد محله فباعتبار تعلقه بالفاعل تأثير، وبالمفعول تأثر وأثر، ونظيره ما قيل إنّ التعليم والتعلم واحد، وبهذا عرفت سقوط ما أورد عليه برمّته نعم في كلامه نظر آخر، لأنّ قوله إنه لا يقال لأجزاء الشيء شعبه غير مسلم، وما ذكره من التسامح منشؤه، كما قيل ذكر الفعل في تعريفه، وقد قيل إنهم أرادوا به الأمر الحادث لا التأثير، فيشمل الاعتقاد وفيه تأمّل. قوله: (أفادتكم النعماء الخ) هذا البيت لم يذكر أصحاب الشواهد قائله ولا ما قبله وما بعده، وفي بعض الحواشي أنه لأعرابيّ أتى علياً رضي الله عنه سائلاَ، فأعطاه درهماً فلما استقله ولم يكن عند غير درع له ناوله إياها فامتدحه بشعر هذا من جملته، ولست على ثقة منه، وأفاد من الفائدة، وهي الزيادة تحصل للإنسان، ومعناه أعطى يقال أفدته ما لا إذا أعطيته، وأفدت منه ما لا أخذت، وكرهوا أن يقال أفاد الرجل ما لا إفادة إذا استفاده، وبعض العرب تقوله كما في المصباح، والنعماء بفتح النون والمد بمعنى النعمة فاعل أفاد وثلاثة مفعوله ويدي وما عطف عليه بدل منه، ومني متعلق بأفاد أو حال من ثلاثة متقدمة عليها لكونها نكرة واليد واللسان معروفتان ويتجوّر بهما عن معان مشهورة أيضا، وضمير الإنسان قلبه وباطنه ونيته المضمرة في قلبه، ويجمع على ضمائر على التشبيه بسريرة وسرائر، وحقه أن لا يجمع عليها والمحجب بمعنى الخفي وسيأتي معنى توصيف الضمير به، وقال الشارح المحقق: المراد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد والاستدلال على أنّ لفظ الشكر يطلق عليها. وقال قدس سره: هو استشهاد معنويّ على أنّ الشكر يطلق على أفعال الموارد الثلاثة، وبيانه أنه جعلها بإزاء النعمة جزاء لها متفرعا عليها، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة، ومن لم يتنبه لذلك زعم أنّ المقصود مجرّد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد على أن لفظ الشكر يطلق عليها، فإنه غير مذكور، وما يقال من أن الشاعر جعل مجموعها بإزاء النعمة، فيستفاد منه أنه يطلق عليه لا على كل واحد منها، فجوابه أنه لا شبهة في إطلاقه على فعل اللسان حتى توهم كثير اختصاص الشكر لغة به، وإنما الاشتباه في إطلاقه على فعل القلب والجوارح فلما جمع مع الأوّل علم أن كلا شكر على حدة، فكأنه قيل كثرت نعماؤكم عندي وعظمت، فاقتضت استيفاء أنواع الشكر، وبولغ في ذلك حتى جعلت مواردها واقعة بإزاء النعماء ملكا لأصحابها مستفاداً منها، وفي وصف الضمير بالحجب إشارة إلى أنهم ملكوا ظاهره وباطنه انتهى. وقد قيل عليه إنّ المقدمة الأولى ظاهرة لا تحتاج لإثبات بمثل هذا الشعر والثانية غير مسلمة لما في التيسير وغيره في الفرق بين الحمد والشكر من أنّ الأوّل بالقول، والثاني بالعمل وقيل الأوّل على النعم الظاهرة، والثاني على الباطنة، وقال الراغب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الشكر هو الثناء على المحسن كيف، وقد ذكر هو أنّ كثيراً من الناس ذهب إلى تخصيص الشكر باللسان، ومثله لا يندفع بمجرّد دعوى القائل من غير دليل، ويرد عليه أيضاً أنّ كون المقدمة الأولى ظاهرة في غاية الخفاء لاحتمال أن يكون مراد الشاعر أنكم ملكتم بإحسانكم ظاهري، وباطني، وأسرتموني جملة، فلا قدرة لي على مفارقتكم كقول بعض العرب علي يدا مطلقها، وأرق رقبة معتقها، ومنه أخذ أبو تمام قوله: هممي معلقة عليك رقابها ~ مغلولة إنّ العطاء أسار وسرق منه السارق أبو الطيب فقال: ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا وأيضا قوله يدي لا يدل على مدعاه من تعظيم الأركان والجوارح لأنها إن كانت بالمعنى الحقيقيّ لم يفده، فإنه تجوّز بها عن الإنعام على أنّ المراد مكافأة نعمهم كما قيل، فمثله قد لا يعد شكرا ألا ترى أنّ من وهبك برداً، فأعطيته ضعف ثمنه لا يقال إنك شكرته بل ربما يشعر ذلك بعدم قبول منته وارتضائه منعما، ولذا عد الفقهاء الهبة المعوّضة بيعاً، وقيل ابتغاء العوض ربا وتجارة، ولا يكون كذلك إلا إذا كانت مجازاً عن القوة أو التصرف، كقوله تعالى: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] والمراد المنع والدفع عن المنعم والثناء عليه، والعزيمة على ذلك من صميم فؤاده لخلوص طويته فيكون حينئذ شاكراً له فتنبه له، فإنهم لم يتعرّضوا لتفسير اليد بما يؤيدهم، فإن كان المجموع تمثيلاً أو كناية عن تملكه بأسره، فإن الإنسان عبد الإحسان، كانت على ظاهرها وفي ترتيبه نكتة حسنة حيث بدأ باليد التي هي من الأعضاء الظإهرة وثنى باللسان الذي هو واسطة بين الظاهر والباطن، وأتبعه القلب الخفيّ، ووصفه بما يدل على ذلك، ففي كون اليد والاعتقاد والعمل مما اعتبره الشاعر جزاء للنعمة نظر لا يخفى، وقد قيل عليه أيضا إنّ المدعى هنا إطلاق الشكر على الموارد الثلاثة، وقد جعل هذا المذعى جزأ من إثبات الاستشهاد، وهو دور ظاهر وقيل عليه مصادرة أيضا، ؤردّا بأن ما جعل جزأ لإثبات الاستشهاد كلية مشتملة على الدعوى اشتمال الكبرى الكلية في الشكل الأوّل على المطلوب، ومثله لا ضير فيه كما توهم، وقيل الدعوى يتوقف ثباتها على الاستشهاد وجعلها جزا لإثباته لا يستلزم الدور نعم جعلها جزأ لنفس الاستشهاد أي ذكرها فيه لا في إثباته يستلزم الدور، والفرق واضح على أنه لم يجعل الدعوى جزأ لإثبات الاستشهاد أيضا إثباته بأنّ البيت ذكر لإثبات إطلاق الشكر على الأفعال المذكورة وكل ما هو كذلك يكون استشهاداً، أقا الكبرى فظاهرة، وأمّا الصغرى فلأن كلا من الثلاثة جزاء للنعمة، وكل ما هو جزاء لها شكر، فالدعوى مقدّمة لدليل صغرى إثبات الاسنشهاد، وأمّا العلاوة فمندفعة كيف، وكون الشكر عبارة عن مقابلة النعمة أظهر من أن ينكر، ولو سلم فغاية ما لزم العلامة إيراد النقل وقول الطيبي مع ورود هذا المعنى في اللغة وشيوعه غير مسموع. وقوله: (توهم كثيرا الخ) كيف يصير منثأ للتعجب مع تصريحه بأنه مردود عنده بل ربما يعلم منه عدم صحة الاستشهاد بقول الطيبي أيضاً، وقيل فيه نظر. أمّا أوّلاً: فقوله وجعلها جزا لإثبات الاستشهاد لا يستلزم الدور باطل كيف، والاستشهاد موقوف على جعله والدعوى متوقفة على الاستشهاد والمتوقف على المتوقف متوقف. وأما ثانياً: فلان قوله نعم الخ فاسد إذ لا فرق بينهما في استلزام الدور غايته أنه يزيل مرتبة التوقف على الأوّل. وأمّا ثالثاً: فلانّ قوله على أنه لم يجعل الدعوى الخ تطويل بغير طائل، إذ غايته أن يكون المدّعى جزا لإثبات مقدّمة من دليل الاستشهاد، وهو لا يدفع الدور إذ معنى الدور متحقق بل يحصل التوقف مرّة أخرى. وأمّا رابعاً: فلما في قوله وأمّا العلاوة الخ إذ اندفاعها لا يظهر مما ذكر. وأما خامساً: فلما في قوله كيف، وكون الشكر الخ لأنه إن أريد أنه بديهيّ، وهو أمر لغويّ نقليّ لا مجال للعقل فيه فهو مما لا يقوله عاقل ودعوى ظهوره بعد مخالفة كثير من العلماء كصاحب التيسير والمرزوقي في شرج الحماسة وغيرهم من العلماء الأعلام محل تعجب، وجعل السيد له توهماً لا يوجب عدم الاعتداد به في الواقع، وفيه كلام تركناه لطوله، وسنورده في تعليقه مستقلة فتدبر. قوله: (فهو أعغ الخ) أي الشكر أعم من الحمد والمدح من وجه، وهو المورد وأخص من وجه آخر وهو المتعلق فبينه وبينهما عموم وخصوص وجهيّ، ثم لما جعل في الحديث " الحمد رأس الشكر " (1) وهي جزء يتبادر مته كونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أعمّ منه أو مساويا له كما هو شأن الخبر، وكذا قوله ما شكر الله عبد لم يحمده لأق الأعنم من وجه لا يلزم من انتفائه انتفاؤه أشار إلى دفعه بقوله: ولما كان الخ. فهذا جواب عن سؤال مقذر. قوله: (من شعب الشكر) جمع شعبة كغرف جمع غرفة من تشعب بمعنى تفرق ويكون بمعنى تجمع فهو من الأضداد وأصل الشعبة الخشبة المشعبة وقال شمر: الشعبة من كل شيء القطعة، والطائفة فهي لغة تكون للأجزاء، والأقسام، فتخصيصها هنا بالثاني إن كان عرفياً فمسلم. قال قدّس سره: وهو إحدى شعب الشكر باعتبار المورد وإن كان الشكر إحدى شعبه باعتبار المتعلق، وعبر عن الأقسام بالشعب لتشعبها من مقسمها، فإذا لم يعترف العبد بإنعام المولى، ولم يبن عليه ما دلّ على تعظيمه لم يظهر مته شكر ظهورا كاملاَ، وان اعتقد وعمل لم يعدّ شاكرا، لأن حقيقة الشكر إظهار النعمة والكشف عنها، كما أنّ كفرانها إخفاؤها وسترها، والاعتقاد أمر خفيّ في نفسه وعمل الجوارح، وإن كان ظاهراً إلا أنه يحتمل خلاف ما يقصد به إذا لم يعين له بخلاف النطق، فإنه ظاهر في نفسه، ومعين لما أربد وضعا فهو الذي يفصح عن كل خفيّ، فلا خفاء فيه، وعلى كل نسبة، فلا احتمال له، وكما أنّ الرأس أظهر الأعضاء، وأعلاها وعمدة لبقائها كذلك الحمد أظهر أنواع الشكر وأشملها على حقيقته، حتى إذا فقد كان ما عداه بمنزلة العدم انتهى. فجعل أنواع الشكر بمنزلة الجسد والحمد بمنزلة رأسه لما ذكره، ولما كان المقصود بالتشبيه كونه عمدة البقاء مع العلوّ والظهور خص دون القلب كما لا يخفى، فلا يرد عليه ما قيل إنّ العمدة القلب إذ لو لم يوافقه اللسان لا يكون القول معتبراً ولا يعتدّ به، ولا حاجة إلى قوله ويمكن أن يقال جنس الحمد رأس الشكر لكونه من اللسان الذي اعتبره الشارع في مقام الإظهار، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام شبه الشكر بشجرة لأنه مشتمل على أمر خفيّ به قوامه وصلاحه وهو الاعتقاد، وعلى أمر ظاهر وهو القول، وعلى متوسط بينهما وهو العمل فقال " الحمد رأس الشكر " فذكر الشكر استعارة بالكناية واثبات الرأس تخييل، فقصد الردّ عليه لملاءمة الشعب لما ذكره، وهو لم يقع في الحديث مع أنه يطلق على ما بين القدمين أيضاً، والحديث يدل على عدم وجود الشكر بدون الحمد، وما ذكره لا يناسبه، وفي قوله ذكر الشكر الخ تسامح ظاهر، فلا وجه لتخطثته فيه والقول بأنه اصطلاح جديد. قوله: (أشيع للنعمة وأدلّ على مكانها) أشيع بمعنى أكثر إشاعة، وإظهاراً من بقية شعبه وأقسامه، وهذا بناء على مذهب سيبويه في جواز أخذ أفعل التفضيل من الأفعال المزيدة، وعليه الرضى لكثرته استعمالاً والجمهور على أنه نادر موقوف على السماع، ولك أن تقول لا حاجة لهذا لأنه من شعت الشيء كبعته ة ذا أظهرته كما في القاموس، ولم يتعد بالباء بل باللام لأنه أفعل تفضيل يطرد تعديته بها كما فصله النحاة وكان الأظهر أن يقول للتعظيم بدل قوله للنعمة لأن الحمد لا يلزم أن يكون في مقابلتها، وأدلّ بمعنى أظهر دلا أت، ومكان النعمة المراد به النعمة على طريق الكناية، كما يقال المجلس العالي كناية عمن هو فيه، ولفظة مكان مقحمة لورودها كذلك في كلام العرب كقول الشماخ: وماء قد نقيت به بكوراً ~ مكان الذنب كالرجل اللعين أو مكان النعمة المنعم عليه، وأمّا كونه مصدراً ميمياً بمعنى الكون، والثبوت فبعيد وبين الأظهرية بقوله لخفاء الخ. قوله: (وما في إدآب الجوارح من الاحتمال) الإدآب بالهمزة والدال المهملة، وآخره موحدة كالاتعاب وزناً ومعنى، والدأب بمعنى العادة منه، والجوارح أعضاء الإنسان لأنه بها يكتسب مأخوذ من جرح بمعنى اكتسب، ومنه جوارح الطير لما تصيد منه، وهذا صريح في أنّ دلالة الألفاظ على المعاني أقوى من دلالة الأفعال عليها لما ذكره قيل وفيه نظر لأنّ من الأفعال ما يدل على المعنى المراد منه دلالة قطعية لا يتطرّق لها شبهة، واحتمال فطعاً، فإن حمل الشخص مراراً للثقيل يدل على قدرته على ذلك قطعا واشتغاله بصنعة يدل على علمه بها وادارتها بلا احتمال، ويشهد له المثل لسان الحال أنطق من لسان المقال بخلاف الألفاظ، فإنه ليس شيء منها يخلو من احتمال الاشتراك ولتجوّز والزيادة والنقصان نعم يصير بعضها قطعيا فيما يراد منه بواسطة قرينة فأمّا ينفسها فلا، وكذا قيل إنّ المدلول يتخلف عن الدال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 في القول ولا يتخلف في الفعل ولا يخفى أنّ ما ذكر من احتمال التجوّز خلاف الظاهر كالاستهزاء، وأمّا الأفعال فقلما يخلو شيء منها من الاحتمال، وما ذكر من الأمثلة إنما صار قطعياً لط احتف به من قرائن الأحوال، وكيف يدعى أنّ الأفعال أدلّ من الأقوال، والمرإد من المدلول هنا تعظيم المنعم ونحوه، وأعظم أفراده تعظيم الله بحمده وشكره، وأعظم أفعاله العبادة، وكلها موافقة للعادة كقيام الصلاة، وجلوسها والذهاب للحج ومباشرة أركانه، وما منها إلا والاحتمال فيه أظهر من أن يخفى بخلاف حمدت الله وشكرته وعظمته ومجدته، ولا احتمال فيه لولا التعنت والمكابرة، وما ذكر من المثل أمر ادّعائي كما هو المعروف في أمثاله، ولذا قال بعض المتأخرين في دفع ما ذكر أنّ دلالة القول على التعظيم الذي منشؤه الإنعام أظهر، فإنّ الة حل، وإن دل على التعظيم لكنه لا يدل من هذه الحيثية، والأظهر أنّ الحمد اللساني لما تحقق بذكر النعمة دون غيره، وذكر النعمة أتم في إشاعتها كان أدل انتهى. والاحتثال افتعال من الحمل تقول حملتة المتاع فاحتمله تجوّزوا به عن جواز أمرين، أو معنيين فكثر، وليس من كلام العرب، وفي الأساس من المجاز هذه الآية تحتمل وجهين، وفي المصباح الاحتمال في اصطلاح الفقهاء والمتكلمين بجواز استعماله بمعنى الوهم، والجواز فيكون لازماً وبمعنى الاقتضاء، والتضمن فيكون متعديا مثل احتمل أن يكون كذا واحتمال الحال وجوها كثيرة انتهى. قوله: (فقال عليه الصلاة والسلام الحمد رأس الشكر الخ) هذا الحا. يث رواه عبد الرزاق من طريقة الديلمي عت معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وانكار الطيبي له، وقوله لم يوجد في الأصول لا يلتفت إليه، وفيه دليل على أنّ الشكر يكون بغير القول كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13] فلا عبرة بما قيل إنه غير لغويّ، ومنه علم وجه كونه أعمّ من وجه كما مرّ فتدبر. وقوله: <ما شكر الله من لم يحمده> أي لتفويته ما هو العمدة في الشكر مع تيسير مع غير تعب، ولأنه إذا لم يعترف العبد بإنعام مولاه ويثنى عليه لم يظهر منه شكر ظهوراً تاما، وإن اعتقد أو عمل لا يعذ شاكرأ لأن حقيقة الشكر إظهار النعمة، كما أن الكفران سترها. ) قلت) سئل عن الحديث السخاوي فقال بعدما مرّ إن فيه القطاعا بين قتادة وابن عمر، ولكن له شاهد عند ابن السني والديلمي أيضا من طريق يزيد بن الحباب عن عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أنس قال: قال رسول الله كلاقي: " إنّ إبراهيم سأل ربه فقال يا رب ما جزاء من حمدك قال الحمد مفتاح الشكر والشكر يعرج به إلى عرس رب العالمين قال فما جزاء من سبحك قال لا يعلم تأويل التسبيح إلا رب العالمين ") 1 (وهو منقطع أيضا. واعلم أنّ في قوله رأس الحمد استعارة مكنية وتخييدية لأنه حقيقة الشكر إشاعة النعم والكشف عنها، فجعل بمنزلة شخص يعاون وظهوره برأسه، ونظيره مفتاح الشكر فاعرفه. قوله: (والذمّ نقيض الحمد الخ) أمّ الثاني: فظاهر قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] لأنه إظهار النعمة والكفران جحودها وسترها وهذا بناء على أن أصل معناه أظهر كمقلوبه كشر إذا أظهر أنيابه، وقيل: معناه الإمتلاء. ومنه عين شكرى أي ممتلئة، وأمّا الأوّل فلأنه الثناء بالجميل، وذكر المحاسن والذمّ ذكر القبائح وكذا المدح، فإطلاق الذمّ في مقابلته مشهور، وأمّا المدح بمعنى عد المناقب فمقابله الهجو بمعنى عذ المعايب والمراد بالنقيض المنافي، ومنافي العام منافي للخاص، فلا يرد أنه مقابل للمدح، والمثشف رحمه الله غير قائل بترادف المدح والحمد، فكيف ذكر أنه نقيض الحمد، ومن وهم أنّ اشتهار الذمّ في مقابلة المدح يبطل كونه نقيض الحمد، أو كون المدح أعنم من الحمد فقد وهم، وقد مال قدس سره إلى أنّ اتحاد نقيضهما يقتضي ترادفهما كما مرّ، وقد قيل عليه أيضا إنه إن أراد بالنقيض متعارف أرباب الميزان، فظاهر أنّ الذم ليس نقيضا للحمد بذلك المعنى إذا ليس هو رفعه لوجود رفعه في صورة السكوت بدون الذمّ، وان أراد معنى الضد، فلا يلزم أن يكون للشيء ضد واحد غير متعدد البتة إن أراد به الضد المشهور، وان أراد الضد الحقيقي المعتبر فيه غاية الخلاف، فلا نسلم ذلك أيضا، وما ذكره الحكماء من أنّ ضدّ الواحد إذا كان حقيقيا يكون واد غير مسلم عند المتكلمين والحكماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لا يقولون بثبوته بالبرهان القاطع بل يدعون فيه الإستقراء، وهذا كله تعسف وتنزيل كلام اللغويين على مدعي الحكماء حرزة، والنقيض عند اللغويين كما مرّ المقابل المنافي، فلا حاجة لشيء مما ذكر. قوله:) ورفعه بالابتداء الخ) كون العامل الإبتداء هو القول الأصح المشهور، وذكر هذا الإعراب مع ظهوره إمّا لدفع ما يتوهم من أنّ المجرور معمول المصدر واللام للتقوية، فذكر رفعه بالابتداء ليتعين لشهاب لم ج ا / م 9 أنّ لله خبره و) يربط به ما بعده، وقيل إنه لدفع توهم رفعه بفعل محذوف مجهول أي حمد الحمد مع أنه أوفق بأصله، ولا يخفى فساده وقيل الأولى أن يقال إنه للتنبيه على أنّ الحمد يستحق التقديم على لله باعتبار الحال والأصل، وتوهم كون الظرف أو المجرور معمولاً للحمد يرتفع ببيان كون لله خبراً ولا دخل للتعرّض لرفع الحمد إلا أن يقال التعرّض لرفعه لتوطئة بيان الخبرية، وهي لدفع التوهم المذكور، وكله على طرف التمام. قوله: (وأصله النصب الخ) قال سيبويه: من العرب من ينصب المصادر بالألف واللام، ومن ذلك الحمد لله ينصبها عامّة بني تميم وكثير من العرب، وسمعنا العرب الموثوق بهم يقولون العجب لك، فتفسير نصب هذا كتفسيره حيث كان نكرة، كأنك قلت حمداً وعجباً، ثم جئت بلك لتبيين معنى من يعني، ولم تجعله مبنياً عليه فتبتدىء به، وقولك الحمد لله والعجب لك والويل لك، إنما استحق الرفع لأنه صار معرفة، فقوي في الابتداء بمنزل عبد الذ انتهى. وفي شرح السيرافي دخل الألف واللام المصدر حسن الابتداء به، كما في الحمد لله والويل لك، فإذا أنكر ضعف الابتداء به، إلا أن يكون فيه معنى المنصوب نحو سلام عليكم، وخيبة لزيد مما يدعى به، ويجوز فيه النصب والرفع ويجري مجرى المنصوب في حسنه، وان كان الابتداء بنكرة، وليس كل ظرف يفعل به ذلك، كما أنه ليس كل حرف يدخله الألف واللام، فلو قلت السقي لك والرعي لك لم يجز إلا عند الجرمي والمبرد لأنه لم يسمع، والحمد دلّه وان ابتدىء به ففيه معنى المنصوب وهو إخبار فإذا نصب فمعناه أحمد الله حمداً، واذا رفع فكأنه قال: أمري وشأتي فيما أفعله الحمد لله هذا زبدة ما في الكتاب وشرحه في باب كسره عليه، وهو مأخذ الزمخشريّ وعليه اعتماده. وقال قدّس سوه: إنما كان أصله النصب، لأنّ المصادر أحداث متعلقة بمحالها، فيقتضي أن تدل على نسبتها إليها، والأصل في بيان النسب والتعلقات هو الأفعال، فهذه مناسبة تستدفي أن يلاحظ مع المصادر أفعالها لفظاً، فتسدّ مسدّها وتستوفي حقها لفظاً، ومعنى فلا يستعملونهما معا ويجعلون ذكر أفعالها، كالشريغة المنسوخة في أنه خروج عن طريقة معهودة إلى طريقة مهجورة يستنكرها المتدين بعقائد اللغة، ولا يرد عليه ما قيل من أنه لا يدل على أنّ أصله النصب بل على أنّ المقام مقام الأتيان بالجملة الفعلية لأنه حينئذ إذا أتى بمصادرها كان حقها النصب كما سمعته عن سيبويه، وقراءة النصب هنا شاذة منسوبة لهرون بن موسى العتكي، والقراءة الشاذة يستدل بها النحاة، والنصب على المصدرية بفعل محذوف تقديره نحمد بنون الجماعة لأنه مقول على ألسنة العباد ومناسب. لقوله: (نعبد ونستعين الا بنون العظمة لعدم مناسبته لمقام العبادة المقتضي لغاية التذلل والخضوع وليس مفعولاً به بتقدير اقرؤا، وأن جوّزه بعضهم لما مرّ، وقراءة الرفع أولى لدلالة الجملة الإسمية على الدوام والثبوت بقرينة المقام بخلاف الفعلية فإنها تدل على التجذد والحدوث، واذا كان الخبر ظرفاً فإن قدّر متعلقه اسماً فهو ظاهر، وإلا فقيل الخبر الفعل إنما يفيد الحدوث إذا كان مصرّحاً به مع إنه قيل إنّ المعدولة تفيد ذلك مطلقاً فيفيد العدول، والتعريف بلام الاستغراق ثبوت الحمد الشامل لجميع أفراده لله تعالى، وإلى هذا أشار المصنف فيما بعده، وهو قوله وإنما عدل عنه إلى الرفع الخ. وقد شرحناه على وجه يعلم منه مراده إجمالاً وسنفصله ونحققه على أتم وجه. قوله: (على عموم الحمد) قيل إنّ هذا على تقدير أن تكون اللام في المبتدأ للعموم، وفيه نظر لأنه أريد به معناه الذي يفيده النصب من إنشاء الحمد من نفس الحامد، واللام في النصب متعينة للجنسية إذ يمتنع إنشاء الحمد الذي يقوم بغيره، فكذا في حالة الرفع كذا نقل عن المصنف في حاشية كتبها هنا، وقيل على ما نقل عنه أنّ الإنشائية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 غير متعينة لجواز أن تكون خبرا، وأن يريد أنّ معنى قوله نحمد ننشىء الحمد، فإن كان هذا خبراً والمفعول المطلق ما أوجده فاعل الفعل المذكور، فلا شك أنه ههنا لا توجد جميع أفراد الحمد حتى الصادر عن غيره مثل الملائكة ومن حمده قبله وحتى ما لم يأت به أحد من أفراده الممكنة عقلاً، فإن جميع ما ذكر مندرج في الحمد على تقدير الإستغراق كما صرّج به الإمام، وفيه نظر لأنه لا يجب أن يكون المراد بالحمد حال الرفع ما أريد به حال النصب إذ المانع من حمله على الاستغراق حال النصب منتف حال الرفع، وان حمل كلامه على أنه في حال النصب إنشاء، والجملة أيضا إنشائية فهو ممنوع لأنّ كلام الكشاف صريح في خبريتة، وقيل المشهور أنّ جملة الحمد إنشائية وأن كانت خبرية في الأصل والاستغراق لا ينافيه، ولا يستلزم كونه منشئا لكل حمد وموجدا له، بل يكفي كونه منشئاً للأخبار بأنّ كل حمد ثابت له وهو محمود به، وليس العموم الذي ذكره المصنف بحسب الأزمنة، لأنّ قوله بعده وثباته يخلو عن الفائدة، ودلالة العدول على ما ذكر لأنه إذا جرّد عن التجدد والحدوث ناسب قصد الدوام بمعونة المقام، ولذا قيل إن عمومه شموله لكل حمد لا حمد المتكلم وحده كما جمو مدلول حمدت حمدا وردّ بأنه يقدر الفعل نحمد، كما في الكشاف فيفيد عموم الحمد إذ المراد به كل من يصلح لأن يكون حامدا، وفيه أن نحمد يدل على عموم صدور الحمد لا على عموم نفس الحمد إذ يجوز أن يكون الثابت له تعالى فردا من حمد كل حامد، وقد يحمل العموم على عموم مفهومه بأن لا يلاحظ فيه زمان بوجه لا خاصا ولا عاما، والثبات وإن دل على شمول الأزمنة لكنه مدلول الجملة الاسمية لا الحمد وفيه نظر، وقد يحمل العموم على الاستغراق الصريح والتضمني على تقدير كون اللام للاستغراق أو الجنس، وأورد عليه أن يستفاد من اللام لا من العدول، وهو حاصل على تقدير النصب أيضا، وأمّا أنه إنشاء فلا وجه للاستغراق فيه ففد مرّ ما فيه: وقد يحمل على شمول جميع الأزمنة فالثبات تفسير له وأيد بتعرّضه للتجدّد المقابل للثبوت دون مقابل العموم، وقيل العدول يدل على أنّ الحمد بالمعنى المصدري والدلالة على الثبات لا تناسبه لتجدده بل تنالسب الحاصل بالمصدر إلا أن يقال بعد العدول لا يلزم اعتبار ما كان بحسب الأصل من التجدّد، وفيه أنا لا نسلم أنّ المصدر متجدد، فالدلالة على الثبات لا تناسبه بل التجدد في الفعل لمقارنة حدثه للزمان كما ستعرفه عن قريب. قوله: (وثباته له ثرن تجتده وحدوثه (وفي نسخة دون التجذد والحدوث والثبات اسم مصدر من ثبت الشيء يثبت ثبوتاً إذا دام واستغرق كما في المصباح، ولما كان الرفع دالاً على الثبوت المجرّد عن قيد التجذد والحدوث قصد به ما ذكر بمعونة المقام كما مرّ بخلاف النصب لتقدير الفعل الدال على التجدد والحدوث وضعاً معه، وقولهم المضارع يفيد الإستمرار المراد به الإستمرار التجددي في المستقبل لا في جميع الأزمنة، فلا ينافيه وكون الخبر الظرف تصير به الإسمية كالفعلية في التجدّد مرّ بياكه مع أنه قيل إنه لا تقدير فيه، وما ذكره النحاة لأمر صناعي اقتضاه وقولهم الظرفية اختصار الفعلية كذلك، وعطف الحدوث تفسيرى إشارة إلى أنّ التجدّد بمعنى الحدوث لا التقضي شيأ فشيأ، فإن الفعل لا يفيده إلا من قرينة خارجية واستعماله في الأمور الثابتة، كعلم الله قيل إنه مجازيّ ولا شعار النصب بالتجدد اختار سيبويه النصب في إذا له صوت صوت حمار، لأنّ الصوت عرض غير قارّ والرفع في فإذا له علم علم الفقهاء. واعلم أن الشيخ قال في دلائل الإعجاز أنه لا دلالة لقولنا زيد منطلق على أكثر من ثبوت الإنطلاق لزيد وهو مناف لما ذكر هنا، وقد وفق بينهما بأنّ الجملة الاسمية بمجرّدها لا تدل على الدوام والثبوت بل مع انضمام العدول وغيره تفيدهما، وهذا هو المفهوم من كلامه قدس سره في شرح المفتاح، والظاهر عندي أنّ كلام الكشاف والمفتاح على خلاف كلام الشيخ، فإنهما قالا إنّ المنافقين أخبروا عن إيمانهم بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث لرواج الحدوث دون الثبات منهم، وعن كفرهم بالإسمية المفيدة للثبوت، فإنّ دوام ذلك راسخ فيهم، وفي المفتاح في الحالة المقتضية لذكر المسند أنه قد يذكر لتعين كونه ظرفا، فيحتمل الثبوت والتجدد بحسب التقديرين، فالظاهر أنهما جعلا الأصل في الإسمية الثبوت لأنهما اعتبرا ذلك فائدتها على وجه الإطلاق بلا تقييد، فالاسمية الجامدة الخبر مفيدة للثبوت والظرفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الخبر محتملة عندهما وقد صرحوا به في مواضع كثيرة. (أقول) قد ذكر الفاضل الحفيد هذا في أكثر تأليفه اعتناء به وحاول بعضهم الجواب عنه وكله ناشىء من عدم تدبر كلام الشيخ رحمه الله، فإنه قال في بحث الحال من الدلائل فرق لطيف تصمق الحاجة في علم البلاغة، إليه بيانه أق موضوع الإسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدد شيأ فشيأ، وأمّا الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيأ بعد شيء، فإذا قلت زيد منطلق فقد أثبت الانطلاق فعلاَ له من غير أن تجعله يتجدّد، ويحدث منه شيأ فشيأ، بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمرو قصير فكما لا تقصد ههنا إلى أن تجعل الطول والقصر يتجددان ويحدثان، بل توجبهما وتثبتهما فقط، وتقضي بوجودهما على الإطلاق كذلك لا تتعرّض في قولك زيد منطلق لأكثر من إثباته لزيد، وأما الفعل فإنك تقصد فيه إلى ذلك، فإذا قلت زيد ينطلق فقد زعمت أنّ الإنطلاق يقع منه جزأ فجزأ وجعلته يزاوله ويوجبه انتهى. فمعنى قوله لا دلالة له على أكثر من ثبوت الانطلاق أراد به أنه يدل على الثبوت دون التجدد، وإذا كان ذلك بالفحوى صح اعتباره تارة وعدم اعتباره أخرى كما حققه قدّس سرّه. ومن هنا ظهرت فائدة هي إنّ حذف المعمول كما يدل على العموم يدل عليه أيضاً حذف العامل، فليست على ذكر منك. (وههنا بحث) وهو أنّ أهل المعاني قاطبة قالوا: إنّ الاسم يدل على الثبوت مطلقا وهو مخالف لقول النحاة إنّ الصفة المشبهة تدل على ثبات معناها، واستمراره بغير تجدد بخلاف اسم الفاعل، فإنه دال على ذلك، فإذا أريد الثبوت قيل صدره ضيق، واذا لم يرد قيل ضائق ولذا قال تعالى: {ضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود 2 ا] وخالفهم فيه الرضى فقال الذي أرى أن الصفة المشبهة كما أنها ليست موضوعة للحدوث ليسست موضوعة للاستمرار في جميع الأزمنة ما لم تقم قرينة على خلافه، فانظر التوفيق بينهما، وما مرّ من معنى التجدد هو الظاهر لكن ما نقلناه عن الشيخ في الدلائل يخالفه فتدئر، وهذا البحث ذكره بعض النحاة ولم يجب عنه، ثم رأيت في بعض كتب المعاني التعرّض له والجواب عنه بأنّ دلالة اسم الفاعل على الحدوث بالعرض دون جوهر اللفظ، وانما جاز ذلك في اسم الفاعل دون الصفة المشئهة لأنه على عدد حروف المضارع وزنته في حركاته وسكناته، بخلاف الصفة المشبهة، فلا تدل وضعا إلآ على الثبوت المجردّ أو عليه مع الدوام بمعونة المقام، وفيه أنّ الصفة المشبهة تكون موازنة لاسم الفاعل كثيرا، فلا يتم ما ذكر من الفرق ولعل الجواب ما أشير إليه في قولهم أنّ اسم الفاعل حقيقة في الحال من أنه باعتبار العمل فتدبز قوله: (وهو من المصادر إلخ) في الكشاف أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الأخبار كقولهم شكراً وكفرا وعجبا وما أشبه ذلك، ومنها سبحانك ومعاذ الله ينزلونها منزلة أفعالها، ويسدون بها مسدّها ولذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها معها كالشريعة المنسوخة انتهى وفي التسهيل هذا في ذكر المصدر الذي يحذف عامله وجوبا لكونه بدلاً من لفظ الفعل وفي خبر بحسب الصيغة إنشاء بحسب المعنى وفي شرحه للدمامينيّ تمثيلاَ للثاني نحو حمداً وشكراً صرّح به الشلويين، وأورد عليه سؤالاً وهو أنه يجوز أن يقول حمدت الله حمداً أو أحمده حمدا فكيف يقال أنّ هذا لا يظهر فعله وأجاب بأنه مع التلقظ بالفعل يكون خبراً لا إنشاء، واذا كان إنشاء كان المصدر والفعل متعافيئ يريد أنهما لا يجتمعان ولكن إن أتيت بالمصدر تركت الفعل وجوبا وان أتيت بالفعل لم يجز أن تذكر المصدر انتهى، وقال الرضى: يجب حذف الفعل قياساً، والمراد بالقياس أن يكون هناك ضابط كليّ يحذف الفعل حيث حصل ذلك الضابط والضابط ههنا ما ذكرنا من ذكر الفاعل أو المفعول بعد المصدر مضافا إليه أو بحرف الجرّ لا لبيان النوع انتهى، وفصله بتفصيل يطول، وحاصله أنّ من المصادر ما يجب حذف عامله مطلقاً، ومنها ما يجب حذف عامله إذا بين فاعله أو مفعوله بحرف جرّ نحو سقيا لك، أو لإضافة نحو صبغة الله ووعد الله لأنّ حق الفاعل والمفعول أن يتصلا بالفعل، فلما حذف لداع بين المصدر المبهم لإضافة أو بحرف جز، فلو ظهر الفعل ورجع الفاعل والمفعول لمركزهما انتقض الغرض المذكور، فوزانه وزان أن امرؤ هلك، واذا أصخت لما تلونا عرفت أنّ كلامهم في حذف فعل هذا المصدر مختلف مضطرب، وظاهر كلام بعض أنه ليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بواجب الحذف مطلقاً وظاهر كلام آخرين أنه واجب مطلقا، وذهب ابن مالك والشلويين إلى أنه يجب في الإنشاء دون الخبر وفي كلام الكشاف ميل له، ولذا قال المدقق في الكشف في قوله في معنى الإخبار لا الإنشاء، ولذا فضل عنه سبحان الله ونحوه لأنه في معنى الإنشاء، وقيل: لأنه غير متصرّف انتهى وذهب الرضى تبعاً لغيره أنه يجب إذا بين فاعله أو مفعوله باللام أو بالإضافة، ويفهم منه أنه يذكر في غير ذلك من غير تعرّض لقلّته أو كثرته، لأنه إنما يوقف عليه بالاستقراء والتامّ منه متعذر والناقص لا يفيد فقول المصنف رحمه الله (لا تكاد إلخ أليس بكلام منقح وعدوله عما في الكشاف وهو كلام مهذب لا يخلو من الخلل، ولذا قال بعض علماء العصر في حواشيه إنّ ما ذكره المصتف إنما يتحقق فيما يستعمل باللام نحو عفوآلك على ما صرّح به في العربية بخلاف نحو سقاك الله سقيا لكن قوله أنه مراد المصتف رحمه الله وترك للعلم به، ولأن ما نحن فيه كذلك غير صحيح، ومن قال بعدما ذكر كلام الرضى يحتمل أن يكون المصئف رحمه الله يشير بهذه العبارة إلى قلة استعمالها بدون معمول فعلها، ويحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى الحمد المخصوص المذكور مع معمول العامل فلا تكاد إلخ إشارة إلى عدم استعماله مع العامل انتهى كلام مغ اختلاله لا معنى له أصلاً، وكذا ما في بعض الحواشي من أنه دل بتغيير الأسلوب على أنّ الجفلة إنشاء لا إخبار على ما شاع في أصله، ونبه بقوله لا تكاد إلخ على ضعف قول من قال: لا يجب حذف عامل الحمد لثبوت حمدت حمدا انتهى. وقوله: (لا تكاد تستعمل إلخ) أي المصادر مع الأفعال أو الأفعال مع المصادر قوله: (والتعريف فيه للجنس إلخ) ذهب المحققون كالشريف وغيره إلى أنّ التعريف يقصد به معين عند السامع من حيث هو معين، فهو إشارة إلى تعيين معنى اللفظ وحضوره في الذهن، فإذا دخلت اللام على اسم الجنس فإمّا أن يشار بها إلى حصة معينة فرداً كان أو أفراداً، وتسمى لام العهد الخارجي، وامّا أن يشار بها إلى الجنس نفسه وحينئذ فإمّا أن يقصد الجنس من حيث هو كما في التعريفات، فاللام حينئذ تسمى لام الحقيقة والطبيعة، وقد تسمى لام الجنس ونظيره العلم الجنسي،، وامّا أن يقصد الجنس من حيث هو موجود في ضمن جميع الأفراد وتسمى لام الإستغراق أو في ضمن بعض الأفراد الغير المعينة، وتسمى لام العهد الذهني، ولى جعل العهد الخارجي قسيما للجنسي والذهني والاستغراق قسماً منه، وكان في وجهه خفاء جعله بعضهم تحكما وخلاف التحقيق، وذهب إلى أنّ التحقيق أنّ اللام موضوعة للإشارة إلى الماهية بشرط شيء ويتشعب منها أربع شعب، لأنه إن اكتفى بأصل الموضوع له، ولم يقصد معنى زائد تسمى لام الحقيقة، وان قصد به الماهية في ضمن فرد وبشرط شيء فإنّ عين ذلك الفرد لسبق ذكر أو علم أو غير ذلك تسمى لام العهد الخارجي، وإن لم تقم قرينة معينة لذلك البعض، وكانت قائمة على إرادة بعض مّا كأدخل السوق، فإنّ الدخول قرينة له، فهو العهد الذهني، وهو كالنكرة في الإثبات، وأن وجدت قرينة العموم فهي لام الاستغراق والقصد إلى الماهية من حيث هي لم يعتبر لأنه لا يقع في المحاورات، فجميع أقسام اللام ترجع إلى الجنس والإستغراق والفرد المعين، وما عداها أمور زائدة على الموضوع له، ولا يلزم أن يكون اللفظ فيها مجازا لأنها إنما تستفاد من القرائن واللفظ مستعمل في الموضوع له، فقولهم قصد به البعض يعنونه بمعونة المقام وما ينضمّ إليه، وفي المطوّل احتمال ثالث وهو جعل الأقسام أربعة وهي أصول متقابلة وقدم الجنس ترجيحا له بتبالره إلى الفهم بخلاف الفرد المعين وجميع الأفراد، والإشارة بمعنى الإشارة الذهنية التي هي كناية عن حضوره في الذهن، وهو معنى التعريف ثم إنّ المصتف رحمه الله أختار تبعا للزمخشري أنّ التعريف هنا للجنس والمراد به الحقيقة، وانما ترجح لأنّ مدخول اللام حمد وهو اسم جنس واللام لتعيينه، ولذا قيل إن الاستغراق إنما يستفاد بمعونة المقام، وثبوت جميع المحامد له تعالى على هذا التقدير ثابت بالطريق البرهاني، إذ لو خرج فرد منه خرجت الحقيقة في ضمنه أيضا، فيلزم عدم اختصاص الحقيقة وهدّا مبني على أنّ الاختصاص المستفاد من اللام بمعنى الحصر، وسيأتي ما فيه قوله: (ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد) أي معنى تعريف جنس الحمد وقد بيئا لك المراد بالإشارة هنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ومعنى التعريف كما اختاره بعض المحققين الإشارة إلى أنّ مدلول اللفظ معلوم حاضر في ذهن السامع، فمعنى التعريف هنا الإشارة إلى معلومية مفهوم الحمد لا الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو ففي العبارة تسامح، وكأنه على حذف مضاف أي معلومية ما يعرفه كل أحد، وبيانه بأنّ الحمد ما هو تسامح والمراد جواب هذا السؤال وما يقع جوابا لماهية الحمد، ولما كانت اللام في الأصل للإشارة، وكان المخاطب في هذا المقام عاما كانت إشارة إلى ما يعرفه كل أحد أي كل أحد عالم بالوضع، فتعريفه كتعريف الخطاب العام قوله: (أو للإستنراق) وفي نسخة وقيل للا ستغراق. وفي الكشاف هو نحو التعريف في أرسلها العراك، وهو ته ريف الجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو، والعراك ما هو من بين أجناس الأفعال، والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم انتهى. وفي كتاب سيبويه في باب ما جاء من المصدر بالألف واللام وذلك قولك أرسلها العراك قال لبيد: فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على بعض الدخال كأنه قال اعتراكا. وليس كل المصادر في هذا الباب تدخله الألف واللام، كما أنه ليس كل مصدر في باب الحمد دلّه والعجب لك تدخله الألف واللام، وانما شبه هذا بهذا حيث كان مصدراً، وكان غير الأوّل انتهى. وفي شرج السيرافي العراك المزاحمة، وقد جعل العراك في موضع الحال وهو معرفة، وذلك شاذ وإنما يجوز هذا لأنه مصدر ولو كان اسم فاعل ما جاز إذ لم تقل العرب مثل أرسلها المعارك، وانما وضعوا بعض المصادر المعارف في موضع الحال، فمنها مصادر بالألف واللام، ومنها مصادر مضافة إلى معارف نحو فعلته جهدي وطاقتي أي مجتهداً انتهى. فإذا قرّطت سمعك بما تلوناه علصت معزاه ومرمى سهام الأنظار فيه من أنّ المصدر المعرف يقع حالاً ومفعولاً مطلقاً غير نوقي، وهو حيمئذ في المعنى نكرة لأنها الأصل فيه وما عرف منه على خلاف القياس مقصور على السماع، والنكرة لا دلالة لها على غير الجنس ولا يصح فيها الاستغراق في الإثبات، فأحمد الحمد بمعنى أحمد حمداً، وكذا ما عدل عته، وانما يفهم ذلك منه بقرينة السياق، ولذا قيل إنّ الاستغراق ليس من التعريف في شيء، وكفاك شاهداً استغراق لا رجل، وتمرة خير من جرادة، فلا بد معه من تعيين ذهنيّ أو خارجيّ، وهو مسمى التعريف ولذا حصر في المفصل معنى اللام في التعريف والتعريف في العهد والجنس، وقد صرّح به صاحب اللباب في إعراب الفاتحة، وهو معنى ما نقل عن المصثف رحمه الله في حواشيه من أنّ اللام لا تفيد سوى التعريف، والإشارة إلى حضوره، والاسم لا يدل إلآ على مسماه، وقد وقع في الشروح هنا كلمات كلها مجروحة مرجوحة، كما قيل إنّ الوهم في كون الاستغراق معنى تعريف الجنس لا كونه مستفاداً من المعرّف باللام بمعونة المقام، فقوله بتوهمه أي بوهم أنه معنى تعريف الجنس بدليل قوله ما معنى التعريف، وقيل: إنه مبنيّ على مسئلة خلق الأعمال فإن أفعال العباد لما كانت مخلوقة لهم عند المعتزلة، كانت المحامد عليها راجعة إليهم، فلا يصح تخصيص المحامد كلها به تعالى، وفساده ظاهر لأنّ اختصاص الجنس به يستلزم اختصاص أفراد. أيضا إذ لو وجد فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه وصح هذا عندهم، لأنّ الأفعال الحسنة التي يستحق بها الحمد عندهم إنما هي بتمكين الله واقداره عليها، فبهذا الاعتبار رجع الحمد كله إليه، وأمّا حمد غيره فاعتداد بأنّ النعمة جرت على يده، وقد قيل إنه جعل الجنس في المقام الخطابيّ منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة كما في ذلك الكتاب، ومنه ظهر أنّ في الحمل على الجنس محافظة على مذهبه، ويردّ بأنه يجوز في الاستغراق أيضاً بأن يجعل ما عدا محامده منزلاً منزلة العدم بالقياس إلى محامده فلا فرق بين اختصحاص الجنس والاستغراق في أنهما ظاهرا منافيان مذهب الاعتزال، وتدفع المنافاة بالتأويل نعم فرق بين مذهب أهل الحق والمعتزلة بأنّ كل فعل جميل سواء كان من الله تعالى محضا أو بكسب العبد يصلح أن يحمد الله عليه بالحقيقة باعتبار خلقه له على المذهب الحق لا على مذهب المعتزلة، وأيضاً المحامد الراجعة إلى العباد لما كانت أنفسها بخلقه تعالى على المذصب الحق كان القول بكون جميع المحامد مختصة به تعالى أقرب، وأظهر منه على مذهب المعتزلة، وقيل مبناه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أنّ المصادر نائبة مناب الأفعال سادّة مسدها والأفعال لا تعد ودلالتها عن الحقيقة إلى الاستغراق وردّ بأنّ ذلك لا ينافي قصد الاستغراق بمعونة قرائن الأحوال، وقيل إنما اختاره بناء على أنّ الجنس هو المتبادر إلى الفهم الشائع في الاستعمال لا سيما في المصادر، وعند خفاء القرائن وردّ بأنّ المحلي بلام الجنس في المقامات الخطابية يتبادر منه الاستغراق، وهو الشائع في الاستعمال هناك مصدرا كان أو غيره وأي مقام أولى بملاحظة الشمول والاستغراق من مقام تخصيص الحمد به سبحانه تعظيما، فقرينة الاستغراق كنار على علم، والحق أنّ سبب الاختيار هو أنّ اختصاص الجنس مستفاد من جوهر الكلام، ومستلزم لاختصاص جميع الأفراد فلا حاجة في تأدية المقصود الذي هو ثبوت الحمد له تعالى، وانتفاؤه عن غيره إلى أن يلاحظ الشمول والإحاطة، ويستعان فيه بالأمور الخارجية بل نقول على ما اختاره يكون اختصاص جميع الأفراد ثابت بطريق برهاني، فيكون أقوى من إثباته ابتداء انتهى. وفيه أنّ ملخص ما ذكره من أنّ اختصاص الجنس يستفاد من جوهر الكلام من غير حاجة إلى الإستعانة فيه بأمور خارجية أنّ الجنس هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا معنى للتبادر إلاً التسارع، واذا كان فهمه من جوهره قبل ملاحظة أعرا منه فلا شبهة في سرعته إلى الفهم قبل كل شيء، وقد ردّه آنفا واذا كان اختصاص جميع الأفراد بطريق برهاني، فلا شبهة في خفائه، فكيف يقال إنه كنار على علم. ونوله أي مقام أولى إلخ فيه بحث ظاهر مع أنّ الاختصاص المدعى مبنيّ على أنّ مدلول اللام الاختصاص بمعنى القصر وهو غير ثابت، وكلامهم فيما يفيد الاختصاص هنا مضطرب، كما فصله بعض الفضلاء ولولا خوف السآمة أوردناه برمته، ولما رأى المصتف رحمه الله أنّ كل ما ذكر من الوجوه مقتض لمرجوحية الاستغراق دون كونه، وهما عدل عن عبارته في الكشاف ومبناه على أنّ معاني اللام كل منها أصل برأسه كما مرّ، فاندفع عنه ما قيل إنه إن أراد المصتف رحمه الله أنّ التعريف للاستغراق في مقابلة كونه للجنس، فهو ظاهر البطلان إذ اللام لتعريف مدخولها قطعاً، وليس مدلول لام الجنس الاستغراق، وان أراد أنّ الحمد محمول على الاستغراق بمعونة المقام، فصحيح إلاً أنه لا يقابل قوله والتعريف للجنس، إلاً أن يحمل على أنّ التعريف للجنس بلا انضمام استغراق معه قوله: (إذ الحمد في الحقيقة كله له) المصنفون يستعملون قولهم في الحقيقة كما بينه شراح الهداية فيما إذا دل أمر بحسب ظاهره على شيء، فإذا دقق النظر فيه علم أنه يؤل إلى شيء آخر هو المراد منه، فليس المراد بها مقابل المجاز كما قد يتوهم قيل ويرد على ما قاله المصتف أنّ حمد العبد بصفته الجميلة على الجميل الاختياري القائم به ليس حمد الله تعالى لامتناع وصفه بصفات العباد وان خلقها، والمتبادر من كون الحمد لله أنه المستحق له وأنه محمود له إلاً أن يراد بالحمد المحمدة، فإنّ كل محمدة له تعالى إما لكونها صفة له أو صادرة منه أو يراد بكون الحمد له أعم من كونه متعلقا به تعقق الفعل بالمفعول به، أو مستند إليه باعتبار استناد المحمود به أو المحمود عليه إليه خلقاً، أو يقال لما كان كل جميل إمّا له أو منه فاذا حمد العبد على فعل الجميل، فكأنه حمد الله على خلقه فيه ووصفه بما يليق بشأنه ويأباه قوله في الحقيقة وقد ذكر في سبأ ما يدلّ على أنّ بعض أفراد الحمد يستحقه العبد حيث قال ثمة إنّ تقديم الصلة للاختصاص، فإنّ النعم الدنيوية قد يتوسط فيها من يستحق الحمد لأجلها بخلاف نعم الآخرة انتهى. وقد اعترض عليه بأنّ ظاهره أنّ شيئاً من حمد العبد لا يحمد به الله تعالى، ولا يخفى أنّ المحمود به وعليه إذا كان وصفاً بيته وبين عباده، كالعلم والجود يصح أن يقال إنه المستحق له إذا جرّد عن إضات، للعبد إلاً أن يكون ذلك مما تنره عنه سبحانه اللهتم إلاً أن يقال هذا على رأي من يقول لا اشتراك بين الله وغيره في شيء من الصفات إلأ بحسب اللفظ، فالوجه أن يقال أنه لم يرد بكون الحمد كله لله جعله محمودا بعين تلك المحامد موصوفا بئلمك الأوصاف نفسها، ويدل عليه قوله: (ما من خير إلخ) إذ الإيلاء لا يقتضي الاتصاف بل يريد أنّ كل حمد لسواه مستلزم لحمد الله وهو أنه مولى لتلك النعمة وموصلها فهو حامد بلسان الحال، والأوّل كالمعدوم في جنب الثاني بمنزلة الواسطة إلى المقصود ففي الحقيقة لا وجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 لمحامد الغير، وانما الموجود في كل حمد حمده، وأيضا حمل الحمد على المحمدة، قيل إنه لا يفيد لأنّ الكلام في الحمد بمعناه الحقيقيّ لا بمعنى المحمدة، والأولى أن يقال الحصر بناء على عدم الاعتداد بحمد العبد باعتبار كسبه، وأيضاً قوله ويأباه قوله في الحقيقة ليس بمسلم على ما مرّ من معناه. (أقول) ما ذكره المصتف هنا برمّته مأخوذ من الإمام وقد قدم طرفا منه في تفسير لفظ الرحمن زحاصله أنّ كل ما هو في الوجود موجود مما هو ممدوح ومحمود صفات وأفعالاً بخلقه تعالى ابتداء أو بوسط كلا وسط، إذ هو خالق لفاعله وممكن له من فعله وموجد لدواعيه، وهذا لا ينكره أحد من العقلاء فإنّ إنكاره تعطيل فحينئذ إذا حصر الحمد فيه، وقيل إنه لا يحمد سواه نظراً لهذا أي ضير فيه، وهذا مما يجري في المقام الخطابي ادّعاء ومبالغة لا سيما إذا انسلخت الأخبار من الخبرية إلى الإنثاء، فإن أراد هؤلاء أنه لا يتأتى باعتبار اللغة، وعرف التخاعب حقيقة فقد وقع في كلامهم مرّة بعد أخرى ما يدفعه، فتذكره ولا تكن من الغافلين، وأمّا كون ما ذكره في سورة سبأ مما ينافيه مع أنه صريح فيه فغنيئ عن الجواب. وقوله: " ذ الحمد إلخ) تعليل للاستغراق، وأفرده بالتعليل لأنّ الجنس معنى ظاهر أصليّ وما جاء على الأصل مستغن عن بيان وجهه وعلته كما قيل ويحتمل أنه تعليل لهما أي لم يجعل لفرد معين لما ذكر، والأوّل هو الظاهر، والمولى بضم الميم وكسر اللام كالمعطى زنة ومعنى، فالوسايط بمنزلة الشروط والآلات ولا مؤثر سواه، وهو مذهب المشايخ والحكماء أيضاً كما في الإشارات قوله: كما قال تعالى {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [النحل 53] ) ذكر. مؤيد الكون كل خير منه إذ لا فرق بين الخيرات المتعدية والقاصرة أو أنعم هنا بمعنى أعطاه الله وأوجده مطلقا وفي هذه الآية إشكال سيأني في كلام المصثف دفعه قال ابن الحاجب في إيضاح المفصل: الشرط وما شبه به الأوّل فيه شرط للثاني نحو أسلم تدخل الجنة وهنا على العكس، وهو أنّ الأوّل استقرار النعمة بالمخاطبين، والثاني كونها من الله عز وجل، ولا يستقيم أن يكون الأوّل فيه سببا للثاني لكونه فرعا عته، وتأويله أنّ الآية جيء بها لإخبار قوم استقرّت بهيم نعم جهلوا معطيها وشكوا فيه فاستقرارها مشكوكة أو مجهولة سبب للإخبار بكونها من الله عز وجل، وجواب الشرط جملة قصد تبيين مضمونها، أو الإعلام بها فيصير الشرط سبباً للمشروط ومن ثمة وهم من قال إنّ الشرط قد يكون مسببا انتهى قيل: ويمكن أن يقال وجود النعمة بهم سبب لكونها من عند الله إذ كونها من عند الله متوقف على أصل الكون، وقد ذكر الرضى أنّ الشرط يدلّ على لزوم الجزاء للشرط ولا يخفى ما فيه من التعسف، وما نقله عن الرضى هو ما قال ابن الحاجب إنه وهم وسيأتي فيه كلام في محله قوله: (وقيه إشعار إلخ) أي في قوله الحمد لله، أو في إثبات الحمد له، وهو من اعتبار الاختيار فيه، ولذا قيل إنّ فيه إشارة إلى إيثار الحمد على المدح أيضا لا في اختصاص جميع المحامد به تعالى كما توهم لما فيه من التكلف، وقيل بل فيه إشعار بثبوت جميع الكمالات له تعالى، إذ يفهم منه اختصاص جميع أفراد الحمد، وكل كمال يصلح لأن يقع في مقابلة حمد، فالمستحق لجميع المحامد متصف بجميع الكمالات، والإشعار الذي ذكره بناء على أنّ المحمود لا بذ له من أن يكون مختاراً، والمختار يتصف بتلك الصفات، وقدرته تعالى عند أهل الحق كونه بحيث يصح منه صدور الفعل وعدم صدوره بالقصد، والقدرة في الحيوان مصححة للفعل وعدمه، وارادته تعالى صفة مخصصمة لأحد المقدورين، وقيل هي في الحيوان شوق يؤدّي إلى حصول المراد، وقيل إنها مغايرة للشوق إذ هي ميل اختياريّ، والشوق ميل طبيعي، وإرادة الله عند الحكماء علمه بنظام الكل على الوجه الأكمل، فإنّ العلم عندهم من حيث أنه كاف، ومرجح لطرف وجوده على عدمه إرادة، والحياة في الحيوان صفة تقتضي الحس والإرادة، وحياة الله عند المتكلمين صفة مصححة للقدرة والإرادة وتال الحكماء الحيّ الدرّاك الفقال وفي إشعار الحمد باتصافه بالحياة والعلم والقدرة، والإرادة على مذهب المتكلمين نظر إلاً أن يقال الحمد مشعر بأصل الإتصاف، وكيفيته معلومة من خارح، والحق أنه يفهم من اتصاف إنسان ما بالاختيار اتصافه بهذه الصفات، فمن يعتقد اتصافه بالاختيار أيضا يعتقد تلك الصفات في حقه لكن مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها إلى الإنسان، واليه أشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 بقوله إذ الحمد إلخ قوله: (وقرىء إلخ) الأولى قراءة الحسن البصري والثانية قراءة إبراهيم بن أبي عبلة وقوله: (تنزيلاَ إلخ) إشارة إلى قول الزمخشري الذي جسرهم على ذلك والاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشف القراءتين أي أفضلهما قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، وعدل عنه المصنف رحمه الله لما فيه من الإشارة إلى أنّ القراءة تكون بالرأي، وسيأتي ردّه مع أنّ ما ذكره قد ردّ بأنّ الأكثر في اللغة جعل الثاني متبوعا وكون غير اللازمة تابعة أولى، وكون الحركة الإعرابية أقوى غير مسلم والإتباع يتعدّى إلى مفعول واحد وإلى اثنين واختلفوا في أنّ ما كان فاعلاَ له قبل الهمزة هل يصير مفعولاً أوّلاً أو ثانياً فيحتمل كون الدال تابعاً وعكسه فتدبر (بقي هنا شيء شريف) وهو أنّ الماتريدي في التأويلات جعل هذا حمداً من الله لنفسه قال: وانما حمد نفسه ليعلم الخلق فإن قيل كيف يجوز ومثله في الخلق غير محمود. قيل إنه لوجهين: أحدهما أنه استحق بذاته لا بأحد فيكون في ذلك تعريف الخلق لما يزلفهم لديه بما أثنى على نفسه ليثنوا عليه وغير. إنما يكون ذلك لرئه عز وجل، فعليه توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه إذ نفسه لا تستوجبه بها بل بالله تعالى. والثاني أنه تعالى حقيق بذلك إذ لا عيب يمسه ولا آفة تحل به، فيدخل نقصاناً في ذلك، ولا هو خاص بشيء والعبد لا يخلو عن عيوب تمسه، وآفات تحل به ويمدح بالايتمار ويذم بتركه وفي ذلك تمكن النقصان انتهى. يعني أنه لا يقاس على غيره فإنه تعالى متصف بالمحامد من ذاته فله أن يحمد ذاته بذاته، وأيضاً مدح النفس نهي عنه لما فيه من النقص والغرور والافتخار على الغير المؤذي لانكساره وهو منزه عنه، ولهذا لا يذمّ إذا سلم من ذلك كأن يكون تحدثا بالنعمة أو سبباً للاقتداء به، والحث على مثله مثلاً، فعلى الأوّل لا يسمى مادح نفسه حامداً، وعلى الثاني يصح والزمخشريّ لم يجعله حمداً لنفسه فقال: والمعنى تحمد الله حمداً، ولذلك قيل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأنه بيان لحمدهم له كأنه قيل كيف تحمدون فقيل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إلخ وقد قيل عليه إنه تعكيس، لأنّ جعل صدر الكلام متبوعا أولى من العكس والمحققون على تعميم الحمد، وانما ترك العاطف في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأنّ الكلام الأوّل جار على مدح الغائب لاستحقاقه كل حمد، والثاني حكاية عن نفس الحامد من بيان أحواله بين يدي ذلك الغائب، فترك العاطف للفرق بين الحالتين لا للبيان وبدلّ عليه أنّ الالتفات إنما يكون في سياق واحد لمعلوم واحد وكأنه حين قرّر الالتفات نسي هذا. وما بالعهد من قدم. وفي هذا كلام طويل تركناه خوف السآمة، وكأنّ المصتف لم يتعرّض لهذا رأساً لما رأى فيه من الاضطراب والخفاء، ولعل التوبة تفضي إلى بيانه أتم بيان إن شاء الله تعالى قوله: (الرث في الأصل إلخ) المراد بالأصل حالة وضعه الأوّل، فهو فيه مصدر أطلق على الفاعل مبالغة كما يقال: عدل بمعنى عادل بدون تأويل، ولا تقدير مضاف لأنه يفوتها، فالرب والتربية مترادفان، وربه يربه ورباه تربية بمعنى والتربية من ربى الصغير بالتخفيف كعلا يعلو إذا نشأ فعدى بالتضعيف، وقيل أصل رباه رببه فجعلت إحدى البا آت ياء والرت كما يكون بمعنى المربى يكون بمعنى المالك وقد فسر بهما، وعلى الأوّل قوله: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} معنى جديد، وعلى الثاني تخصيص بعد تعميم قيل، وكلامه في الكشاف يميل إلى اختيار الثاني قوله: (وهي تبليغ الشيء إلى كماله إلخ) المراد بكماله ما يتمّ به الشيء في صفاته، ويطلق على الخروج من القوّة إلى الفعل والفرق بينه وبين المقام أنّ الثاني يشعر بالانقطاع كما قال: إذا تم أمر بدا نقصه تيقن زوالاً إذا قيل تم وقوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} [الانفطار 6] تفصيل لما دلّ عليه الرث فلا يقال إجراء هذه الصفات على الرت يقتضي عدم تضمنه لمعناها كما توهم وقوله: (شيئا فشيئاً) منصوب على الحال لأنّ المراد منه متدرجاً أو مترتباً وفيه إشارة إلى أنّ التفعيل يدلّ على التدريج كما صرّج به الزمخشري في قوله تعالى: {يَتَسَاءلُونَ} [النور 3 آ] فقال أي قليلاً قليلاً، ونظيره تدرج وتدخل، وفي المثل درّج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الأيام تندرج، وعلى هذا فإضافته معنوية وجعله بمعنى الصفة المشبهة أو اسم الفاعل غير مرضيّ، كما حقق في شرج التلخيص، وقوله ثم وصف به للمبالغة بصميغة المجهول المسند للجار والمجرور أو هو مسند لضمير الله وهو بمعنى المالك مأخوذ من هذا، أو منقول منه كما سيأتي بيانه قوله: (وقيل هو نعت إلخ) المراد بالنعت الصفة المشتقة التي من شأنها أن ينعت بها، وهو صالح للصفة المشبهة وغيرها، وشراح الكشاف قالوا المراد أنه صفة مشبهة. وفي شرح التسهيل كونه صفة مشبهة ممنوع، والظاهر أنه من مبالغة اسم الفاعل، أو هو اسم فاعل وأصله رإت فخفف، وكلام ابن مالك في التصريف يشهد له، ويؤيده قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} فإنه متعد مضاف إلى المفعول والصفة المشبهة تضاف لل نماعل، وقال قدس سرّه: لما كان مجيء الصفة على فعل من باب فعل يفعل بفتح الماضي وضتم المضارع عزيزاً استشهد له، فقال: نمّ ينئم بالضم والكسر فهو نمّ، ولا بد فيه من النقل أيضا، وفي ترك المفعول إشارة إليه وفي التمثيل به أيضا غاية المناسبة للممثل له حيث وصف بالمصدر، وهو النم كالرث، وفي نظر لا يخفى، فإنه يجوز أن لا يكون نمّ من مضموم العين بل من مكسورها، وكلام القاموس على أنه يجيء من كل منهما، ونمّ متعذ بنفسه للحديث، ويعلي واللام للمنقول عنه كما في من نمّ لك نمّ عليك، والنميمة نقل الكلام على وجه الإفساد وقوله مجيء الصفة على فعل إن كان على أنه محرّك العين فغير صحيح، وان كان بسكونها فغير مسلم. قال ابن الصائغ في حواشيه على الكشاف: ومن خطه نقلت لم يتعرّضوا لوزنه، وينبغي أن يكون فعلاَ بكسر العين، فأدغم لا فعلاً لأنه جمع على أرباب، وأفعال لا يقاس فيه فتدبر قوله: (ثم سمي به المالك إلخ) أي نقل له بعدما كان مصدراً بمعنى التربية، أو نعتاً بمعنى المربي ولما كان تبليغ الشيء لكماله من شأن المالك سمي به وأيضاً هو لا يسمى بدون حفظه، فلذا أطلق على الحافظ، وهذه المناسبة لا تنافي كونه حقيقة إذ هي تراعى في المنقولات وغيرها من الموضوعات، فمن قال إنه ردّ على الواحديّ حيث قال: الرب في اللغة له معنيان التربية والمالك لم يات بشيء مع أنّ كلام الواحدي لا يقتضيه أيضاً، وفي بعض التفاسير أنه يطلق على المالك والشهيد والمربي والمدبر والمنعم والمصلح والمعبود، وقال ابن عبد السلام حمله على المصلح أولى لعمومه قوله: (لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه) معطوف على يحفظ أو يملك، وقد مرّ بيانه قيل هو إشارة إلى أنّ معنى الحفظ معتبر في أصل معناه إذ لا يتصوّر التبليغ إلى الكمال بدونه لكن في كونه جزءاً من معناه نظر، وقيل في ردّه إنّ الحفعل من جملة التربية بل تبليغ الشيء إلى كماله مستلزم لحفظه، فلا خفاء في كون معنى الحفظ جزءاً لمعنى الرب بحسب الأصل وليس برمته شيئاً قوله: (ولا يطلق على غيره تعالى الآ مقيداً) بإضافة ونحوها مما يدل على ربوبية مخصوصة سواء كان إضافة أولاً قال في المصباح: الرث يطلق على الله تعالى معرّفاً بالألف واللام ومضافا، ويطلق على مالك الشيء الذي لا يعقل مضافا إليه، فيقال رب الدين، ورب المال، وفي التنزيل {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف 41] قالوا ولا يجوز استعماله بالألف واللام للمخلوق بمعنى المالك لأنّ اللام للعموم، والمخلوق لا يملك جميع المخلوقات، وربما جاء باللام عوضاً عن الإضافة إذا كان بمعنى السيد قال الحارث بن حلزة: فهو الرب والشهيد على يوم الجبارين والبلاء بلاء ومنع بعضهم أن يقال: هذا رب العبد، وأن يقول العبد هذا ربي وقوله عليه الصلاة والسلام: " حتى تلد الأمة ربتها " (1) في رواية حجة عليه انتهى. وحاصل ما قالوه أنه إذا كان بمعنى المالك لا يطلق على غيره تعالى إلاً مقيداً بإضافة، وما هو بمعناها لأنّ المالك الحقيقي هو الله والملك المطلق له، ولو كان بمعنى غير المالك جاز مع القرينة إطلاقه على غيره وكذا إذا أضيف لفظ كرث الدار أو معنى كزيد رب الإبل والرب يتصرّف كما يريد وكذا إذا كانت اللام عوضاً عن الإضافة كما مرّ، فلا وجه لما قيل في القاموس مز، أنه لا يطلق باللام إلاً على الله لأنّ ما ذكر يرذه ولا حاجة إلى ما قيل من أنه كان في الجاهلية، وقد نسخه الإسلاه أو هو جهل بالحكم الإسلاميّ، وهذا أيضاً إذا كان مفردا فإذا جمع كالأرباب جاز إطلاقه على الله، وعلى غيره إذ لم يطلق على الله أو على الله وحده، وكان حقه أن لا يجمع لكنه ورد جمعاً كما في قوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ} [يوسف 39] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وهذا وارد على زعمهم، وما قيل من أنه يجوز إطلاقه كما في هذه الآية، وتقييده كما في رب الأرباب قيل: إنه سهو لأن المقيد الرب لا الأرباب ولك أن تقول إنّ المراد التقييد المعنوي كما مرّ لأنه بإضافة الرث إليه علم أنّ المقصود به ما سوى الله من الآلهة، وقوله كقوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوشف 50] عدل عن تمثيل الزمخشري بقوله: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف 23] لأنه قيل إنه عنى به الله تعالى، وقيل عنى الملك الذي رتاه كما قاله الراغب. وأما هذه الآية فالمراد فيها الملك ولا وجه لما قيل من أنّ استشهاده بما حكي عن يوسف عليه الصلاة والسلام يشعر بأنّ كلامه غير مختص بالإسلام لأنّ ما قمق علينا من شرع من قبلنا من غير إنكار، ولا إشعار باختصاص بتلك الأمة فهو شرع لنا كما صرّحوا به، والقول بأنه يزعم المخاطب به لا يناسب الاستشهاد به. وأمّا قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يقل أحدكم أسق ربك " فهو نهي تنزيه، وقد قال النوويّ رحمه الله إنه مكروه مطلقاً وقيل إنه منسوخ قوله:) والعالم اسم لما يعلم به إلخ) أي يكون وسيلة للعلم به، وهو شامل للأشخاص وغيرها كما سيأتي، وهو اسم آلة مشتقة من العلم كالخاتم من الختم لكنه غير مطرد، ولذا لم يذكر في علم التصريف، وقالب بفتح اللام ويجوز كسرها آلة معروفة يفرغ فيها الجواهر المذابة، وهو في الأصل غير عربيّ معرّب كالب كما في بعض كتب اللغة، وقيل عربيّ اسم لما يقلب به الشيء، فإنه يقلب الشيء من شكله الأصليّ إلى شكله نفسه، وقدم المصتف رحمه الله هذا الوجه لأنه أدخل في المدح، والزمخشري أخره، والمراد بالصانع الله تعالى، وإطلاقه عليه قد ورد في حديث صحيح رواه الحاكم والبيهقي عن حذيفة ولفظه: " إنّ الله تعالى صانع كل صانع وصنعته " (1 (ولا يتوهم أنه مشاكلة فلا يجوز إطلاقه عليه منفردا لما سيأتي، وسئل السبكي رحمه الله عن إطلاق المتكلمين الصانع على الله عز وجل مع أئه لم يرد في أسمائه الحسنى، فأجاب بأنه ورد في القرآن {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل 88] وقرىء في {صبغة الله} [البقرة 138] صنعة الله بالعين المهملة، وفي طبقات النحاة أنه إنما يتمشى على رأي من يكتفي في صحة الإطلاق عليه تعالى بورود الماذة، والأصل ولا حاجة إليه لما سمعته، وأيضا روى الطبرانيّ في حديث آخر: " اتقوا الله فإنّ الله فاتح وصانع " قوله: (وهو كل ما سواه إلخ الما ذكر أنه اسم جنس غلب على ما يعلم به الصانع سواء كان من ذوي العلم أو لا فسره بكوله وهو إلخ. ولما كان ظاهره يوهم أنه اسم لمجموع ما سواه بحيث لا يطلق على أنواعه وأجناسه، قالوا إنّ المراد به القدر المشترك من أجناس ما سوا. تعالى، فإنه يطلق على كل جنس مما يعلم به الخالق أعني غيره جل وعلا كما يطلق أيضا على جنسين منه فصاعداً فيقال عالم الملك، وعالم الإنس وعالم الجن وعالم الأفلاك إلى غير ذلك، ويطلق على مجموعها أيضاً لأنّ مجموعها فرد من جملة ما يعلم به الصانع، فهو مشترك بين المجموع، وما تحته من الأجناس والأنواع والأصناف، ولا يطلق على فرد كزيد مثلاً كما سيأتي أو كل ما يعلم به الصانع من الأجناس، فكلمة ما على الأوّل عبارة عما وضع له لفظ العالم بالغلبة، وعلى الثاني عما يطلق عليه بها وليس اسما للمجموع فقط، والاً استحال جمعه وكونه من قبيل قوله نحن الغالبون في إطلاق الجمع تعظيماً على فرد واحد خلاف الظاهر، وغير مناسب للمقام وقوله: (من الجواهر إلخ) الجوهر ما يقابل العرض، وهو مما اصطلحوا عليه وليس معنى لغويا لكنه حقيقة عرفية، وقد قيل إنّ عبارة المصتف رحمه الله أحسن من قول صاحب الكشاف من الأجسام والأعراض لأنه لا يتناول الجواهر الفردة ولا المركب من جوهرين منها على رأي المعتزلة، واعتذر عنه بأنّ الاستدلال إنما هو بما يشاهد وهو الأجسام والأعراض فلذا لا يضرّ خروج المجردات، وصفات الله والأمور المعقولة منه قوله: (فإنها إلخ) الضمير المؤنث لما باعتبار معناها أو للجواهر والأعراض، وهما بمعنى واحد والدليل عند أهل المعقول القياس المنطقي وهو محمول على أقوال يؤدّي التصديق بها إلى التصديق بقول آخر وهو النتيجة وأهل الأصول يطلقونه على ما يدل وقوعه، أو وقوع شيء من أحواله وصفاته على وقوع غيره من ذالب أو صفة، فيقولون العالم دليل على وجود الصانع قالعالم بفسه عندهم دليل لأن صفاته وهي الحدوث، أو الإمكان تدل على الصانع وهو المدلول فقول المصتف رحمه الله تدلّ على ظاهره وقيل: إنه إشارة إلى مقدمتي دليل ثبوت الصانع أعني العالم ممكن، وكل ممكن له موجد مؤثر، وفيه إشارة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ما تقرّر في الكلام من أنّ الممكن محتاج إلى السبب إلاً أنّ ذلك عند الفلاسفة، وبعض المتكلمين لا مكانه، وعند قدماء المتكلمين لحدوثه، وهو عبارة عن مسبوقية الوجود بالعدم، وليس هو نفس الوجود كما يتوهم وقيل هو الإمكان مع الحدوث، وقيل بشرط الحدوث وأدلتهم وابطال كل فريق ما ذهب إليه غير. مبسوطة في المطوّلات، وستأتي أيضا في محلّها وفي شرح المقاصد أنّ ما ذكر علة بحسب العقل بمعنى أنه ملاحظ الإمكان أو الحدوث فنحكم بالاحتياج كما يقال علة الحصول في التحيز هو التحيز لا بحسب الخارج بأن يتحقق الإمكان أو الحدوث فيوجد الاحتياج، فما ذكروه في الإبطالات مغالطة، والقول بأنه الإمكان أظهر وبالقبول أجدر، واعترض بأنه لو كان علة الاحتياج إلى المؤثر هو الإمكان أو الحدوث، وهما لازء، ن للممكن والحادث لزم احتياجهما حالة البقاء له لدوام المعلول بدوام العلة واللازم باطل لأنّ التأثير حينئذ إمّا في الوجود وقد حصل بمجرّد وجود المؤثر فيلزم تحصيل الحاصل بحصول سابق، وأما في البقاء أو في أمر آخر متجدد وهو التأثير في غير الثاني أعني الممكن والحادث، فيلزم استغناؤهما عن المؤثر وفي كون الإمكان علة الاحتياج فساد آخر، وهو احتياح الممكن إلى المؤثر حال عدمه السابق مع أنه نفي محض أزليّ لا يعقل له مؤثر، وأجيب بأنّ معنى احتياج الممكن أو الحادث إلى المؤثر توقف حصول الوجود له أو العدم أو استمرارهما على تحقق أمر أو انتفائه بمعنى امتناعه بدون ذلك، وهو معنى دوام الأثر بدوام المؤثر، واذا تحققت فاستمرار الوجود أعني البقاء ليس إلاً وجودا مأخوذاً بالإضافة إلى الزمان الثاني، وصحة قولنا وجد ولم يبق ولم يستمر لا يدلّ على مغايرة البقاء لمطلق الوجود ولا نزاع في ذلك فتدبر قوله: (واجب لذاته) أي واجب ولازم وجوده من ذاته لذاته بحيث لا يستند لغيره، ويحتاج إليه قيل: هذا بناء على ما يقال بعد هذا الدليل، وهو مؤثر العالم إن كان واجب الوجود فهو المطلوب، والاً كان ممكنا فله مؤثر، ويعود الكلام فيه ويلزم الدور أو التسلسل أو الأنتهاء إلى مؤثر واجب الوجود. والأوّلان باطلان فتعين الثالث وهو مبنيّ على كون المحوج هو الإمكان وهو مختار المصثف رحمه الله تعالى في الطوالع، ومن حكم بأنه الحدوث، أو الإمكان معه، أو بشرطه انسدّ عليه باب إثبات الوأجب لجواز أن يكون علة الحوادث ممكنا قديما، ولا حاجة إلى سبب على هذا التقدير، ولذا من تمسك نجالحدوث في إثبات الصانع، ولم يجعل الإمكان وحده محوجا للمؤثر ما أثبت إلآ قديماً تنتهي إليه الحوادث كما صرّحوا به، وبهذا يظهر ضعف ما نقل هنا عن المصئف رحمه الله تعالى، وهو قوله لو قال بدل قوله لإمكانها لحدوثها، أو ضم له الحدوث كان أحسن لأنّ علة الافتقار هي الحدوث، أو الإمكان بشرط الحدوث أو كلاهما، ويجوز على بعد حمل كلام المصتف رحمه الله على ما يوافق مذهب المتكلمين بأن يقال أراد بالافتقار سببه المستلزم له وهو الحدوث، أو يقال جعل جهة الدلالة الإمكان والافتقار ولم يجعل الافتقار مسببا عنه وحده فلعله مسبب عنهما، والوجه ما تقذم. (أقول (فيه بحث من وجوه: الأوّل أنّ قوله ويلزم الدور إلخ. الأولى تركه لأنّ إثبات الواجب لا يتوقف برهانه على ذلك كما فصل في الرسالة الجلالية وشروحها، إذ على تقدير التسلسل يقال مجموع الممكنات أيضا ممكن محتاج إلى مؤثر واجب الوجود لذاته، والحاصل أنّ كل فرد من الجوهر والعرض يدلّ على وجود الواجب، وهو ممكن مفتقر إلى مؤثر والمؤثر لا بذ أن يكون واجباً بلا واسطة، أو معه والأ تسلسل، وكل سلسلة أيضا ممكنة تحتاج إلى الواجب، وإلاً يلزم علة الشيءلنفسه. اشية الشهاب / ج ا / م 10 الثافي أنّ ادّعاءه انسداد باب إثبات الصانع الواجب الوجود على ما ذكره غير مسلم لما مرّ من كلام المحقق في شرح المقاصد أنّ هذ. العلة بحسب التعقل والتصديق لا بحسب الخارح فالمعلول، وهو قدم الصانع كذلك والقدم المتقرّر في العقل لا يتخلف فيقتضي وجوب الوجود. ولذا قالوا ما ثبت قدمه استحال عدمه فهذه مغالطة أيضا. الثالث أنّ ما نقله عن المصئف رحمه الله في حواشيه وادّعى سقوطه لقوّة ضعفه الظاهر أنه ليس كما اذعاه، وأنّ المصتف رحمه الله مراده غير ما فهمه عنه، فإنّ مراده أنّ ما ذكره لا يناسب شيئاً من المذاهب المقرّرة في الكلام كما تلوناه عليك لأنّ أحداً لم يقل أنّ العلة الإمكان والافتقار، فلو بدل الإمكان بالحدوث، وعطف عليه الافتقار على أنه تفسير له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ولو ادّعا أو بدل الافتقار بالحدوث، وضم إلى الإمكان كان أظهر إلا أنه يبقى ما الداعي للمصنف إلى تعبيره بما ذكر حتى احتاج إلى التاويل والتبديل فتدبر ثم إنّ هذه النكتة مصححة للإطلاق لا موجبة حتى يقال إنه يلزمه أن يطلق على الأشخاص لجريانها فيها. قوله: (وإنما جمعه إلخ) في الكشاف، فإن قلت لم جمع قلت ليشمل كل جنس مما سمى به انتهى. وفي شرحه للمحقق يعني أنّ الإفراد هو الأصل وهو مع اللام يفيد الشمول بل ربما يكون أشمل، وتوجيه الجواب أنه لو أفرد ربما يتبادر إلى انفهم أنه إشارة إلى هذا العالم المشاهد بشهادة العرف أو إلى الجنس والحقيقة لظهوره عند عدم العهد، فجمع ليشمل كل جنس سمى بالعالم لأنه لا عهد، وفي الجمع إشارة إلى أق القصد إلى الإفراد دون الحقيقة وما زعموه من إبطال الجمعية إنما هو حيث لا عهد ولا استغراق، وما قيل من أنه لو أفرد ما دل على أجناس مختلفة تشملها الربوبية فجمع ليدل على ذلك، كالطهارات معناه أنه موضوع للأجناس، فدل جمعه على عموم الأجناسق بخلاف ما لو أفرد فانه ربما يكون لعموم أفراد جنس واحد لكنه إنما يتتم إذا صح إطلاق العالم على فرد كزيد وكون استغراق الفرد إشمل يأني مفصلاً في محله. وقال قذس سرّه: إنّ معناه أنّ الإفراد هو الأصل الأخف ولو أفرد مع اللام توهم أن القصد إلى استغراق الإفراد فزال التوهم بلا شبهة، وما قاله الشارح مردود أما أوّلاً فلأنّ المقام يقتضي ملاحظة شمول آحاد الأشياء المخلوقة كلها كما يشهد به قوله هنا مالكاً للعالمين لا يخرج منهم شيئء من ملكوته، وقوله في تفسيره {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 98 ا] نكر ظلما وجمع العالمين على معنى ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه، وقد اتضح لك وجه الشمول وأمّا ثانياً فلأنّ المقابل للعالم المشاهد هو العالم الغائب فإذا أوهم الإفراد القصد لأ الأوّل ناسب أن يثني ليتناولهما معاً، فانّ الكل مندرج فيهما قطعا، وهذا يدل أنّ الجمعية باقية في الجمع المعزف باللام إذا أريد بها الاستغرأق، فالحكم على جماعة جماعة ولا يلزم عدم شمول الحكم لكل فرد لأنه لو خرج عنه فرد فهذا الفرد مع كل فردين آخرين جماعة لم يثبت لها الحكم، سواء ثبت لبعضهم أم لا، فلا يصح الحكم بشمول ذلك الحكم لكل جماعة لاستلزامه الثبوت لكل فرد، واعتراض الفاضل على كون الحكم على كل جماعة باستلزامه التكراو في مفهوم الجمع المستغرق لأنّ الثلاثة مثلاً جماعة مندرجة فيه بنفسها، وهي جزء من الأربعة والخمسة، وما فوقها فيندرج فيه أيضاً في ضمنها بل نقول الكل من حيث هو كل جماعة، فيكون معتبراً في الجمع المستغرق، وما عداه من الجماعات مندرج فيه، فلو اعتبر كل واحدة منها كان أيضا تكرارا محضاً مدفوع بأنه لو لزم ما ذكر لزم أيضاً في مثل قوله تعالى {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] وقوله {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة: 22 ا] وأن لم يلزم منه فساد فتدبر وأيضا إن كان مراده لزوم التكرار له ذهنا، فهو ممنوع إذ المفهوم منه أمر مجمل ليس فيه ملاحظة فرد مما صدق عليه أصلاً فضلاً عن تكراره، وكذا إن أريد لزمه خارجاً لأنّ ثبوت الحكم فيه لكل جماعة ولكل فرد واحد لا يتفاوت بأيّ عبارة يعبر بها عنه بلا مرية. أقول العالم اسم جمع لكونه على زنة المفردات كخاتم وقالب، وقد حقق النحاة كما في شرح ألفية ابن مالك أنّ الاسم الداذ على أكثر من اثنين إن كان موضوعا للأحاد المجتمعة دالاً عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف فهو الجمع، وإن كان موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، فهو اسم الجنس الجمعي كتمر وتمرة، وإن كان موضوعا لمجموع الآحاد فهو اسم جمع سواء كان له واحد كركب أو لا كرهط ومنه العالم، وأما عالمون فقال ابن هشام هو اسم جمع على وزن جمع السلامة ولا نظير له وفيه نظر، وقال ابن مالك: ليس جمعاً لعالم لأنه يعم العقلاء، وغيرهم وعالمون خاص بالعقلاء وضعا، وردّ بكونه جمعاً له بعد تخصيصه بالعقلاء، وفي الكشف لو قيل عالم وعالمون كعرفة وعرفات لم يبعد وأنت إذا فهمت ما ذكر عرفت أنّ كلام السعد هو الموافق لكلام النحاة، وعبارة الشيخين صريحة فيه بغير شك لمن تدبر فقوله قدس سرّه في ردّه إنّ ملاحظة المقام تقتضي شموله للآحاد إن أراد وضعا فلا ضير فيه وان أراد ما هو أعمّ منه كدلالته عليه بالالتزام ونحوه كما مرّ فممنوع للزومه له، كما سمعتة آنفاً وفرق بين الإطلاق والشمول، فكما أنّ الجمع إذا عرّف استغرق آحاد مفردة، وان لم يصدق عليها كذا عالم إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 عرّف شمل أفراد جنسه، فالعالمون كجمع الجمع كالأقاويل يتناول كل فرد كذلك يتناول العالمين. وقوله المقابل للعالم المشاهد إلخ. يجاب عنه بأنه لو ثنى تبادر الذهن إلى مجرّد الجنسين وربوبيتهما لا تستلزم ربوبية ما تحتهما، والجمع في إفاد 9 استغراقه لجميع ما تحتهما أظهر من التثنية، وإن صح إرادة ذلك منهما أيضا، وما أورد عليه من أنّ اللام إذا كانت لاستغراق آحاد الجنس والجمع لا يفيد إلا تعدّد الجنس، فاستغراق الأجناس من أين يفهم فجوابه أنّ استغراق الآحاد إنما جاء من استغراق الجموع، وانما سكت عنه لظهوره إذ اللام الاستغراقية تدل على استغراق أفراد ما دخلت عليه وهو الأجناس، والبحث فيه بأنّ التوهم الحاصل في صورة الإفراد وان انتفى عن الجمع لكن فيه إيهام آخر، وهو أنّ المراد منه الجنس دون الاستغراق كالأنهار في قوله تعالى {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25، مدفوع بأنّ التوهم في الافراد أقوى منه في الجمع لأنّ المتبادر منه الاستغم- اق فإنه من صيغ العموم كما تقرّر في الأصول، وسيأتي في قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] تتمة له، وقد بقي هنا مباحث أخر مذكرة في شروج المفتاح وحواشي المطوّل يضيق عنها هنا نطاق البيان. قوله: (وغلب العقلاء منهم (لما كان هذا الجمع مخصوصاً بما هو علم أو صفة لممذكر عاقل بشروطه المذكورة في كتب النحو وقد جمع هنا عالم مع عدم استيفائه شروطه نبه على ذلك بما ذكره إشارة إلى تصحيح جمعيته، ولذا قيل إنما يجمع بالياء والنون صفات العقلاء أو ما هو في حكمها من الأعلام فإنها تؤوّل بمسمى به، وتقديم فائدة الجمع مطلقاً على صحة الجمعية المفيدة لأنّ بيان فائدة المطلق مقذم على بيان وجه صحة المقيد، أو للاهتمام بشأن الفوائد والمعاني والاحتياج إلى بيان وجه صحته بانتفاء شرطيه معا فإنه اسم لا صفة شامل لغير العقلاء، وتعرّض المصنف للأخير إنما هو لظهور الأوّل تنزيلاَ لا تحقيقأ فإنه اسم يشابه الصفة لاعتبار معنى فيه وهو العلم به، وصاحب الكشاف تعرّض للأوّل دون الأخير لظهوره أيضاً أو لأنه عنده صفة وليس المراد بالاسم هنا ما يقابل الصفة بدليل قوله كسائر أوصافهيم إلا أن يراد بالأوصاف ما يتناول الحقيقية والتنزيلية، ولا يخفى أنه غلب فيه الذكور أيضاً وان في قوله منهم تغليبين، وفيه نظر لأنّ تأويل العلم المسمى به ليس لما ذكره، كما فصل في كتب العربية ولأنّ كونه وصفا لا يصح لأق قوله ما يعلم به، وتمثيله السابق صريح في أنه اسم آلة، وهي لا تسمى وصفاً كما لا يخفى. قوله: (كسائر أوصافهم) أي كباقي أوصافهم فإنها غبى الصحيح بمعنى الباقي لا الجميع، وقال بالياء والنون ولم يقل بالواو والنون كما في الكشاف لموافقته للنظم وهو اعتبر أوّل أحواله وأشرفها. قوله: (وقيل اسم وضع إلخ) أي هو اسم يطلق على كل جنس من أجناس ذوي العلم لا على كل فرد أو للقدر المشترك بين ذلك فيقال عالم الملك وعالم الإنس وعالم الجن، ولم يرتض المصنف هذا لما يأتي، والمراد بالاستتباع تبعية غير هؤلاء لهم، فتدل ربوبيتهم على ربوبيتهم كدلالة قولك جاء السلطان على مجيء أتباعه وجنده أو مستتبعات اك راكيب، وهي ما يدل عليه بالالتزام، وهو دلالة النص أو إشارته عند الأصوليين إذ من رت أشرف الموجودات رب غيرهم، وهذا جواب عما يخطر بالبال من أنه تخصيص غير مناسب للمقام، وحيحئذ لا تغليب ولا تجوّز فيه والظاهر أنّ القائل بهذا لا يوجه به الجمعية لأنه ليس بصفة عنده، وانما جرى مجراها، كما مرّ فما قيل من أنه مرضه لأنّ هذه الصيغة لم تسمع إلا اسم ا-لة لا اسم فاعل ليس بشيء لأنّ من يرجحه كالزمخشريّ لم يرد ذلك كما بينه شراحه فإن وهم من قوله لذوي العلم، فوهم على وهم إذ لا يلزم من كون معناه ذوي العلم كونه اسم فاعل، وانما مرض لأنه إن قيل إنه حقيقة خالف اللغة وإن قيل إنه مجاز لم يفد فائدة، قيل وجمع جمع قلة على الأصح لقلتهم في جنب عظمة قدرته أو بالنسبة لما عداهم وفيه نظر ولفظ اسم بمعنى مقابل الفعل أو مقابل الصفة، وما قيل من أنه على هذا مأخوذ من العلم وعلى ما مرّ من العلامة دعوى بلا دليل. قوله:) من الملاتكة إلخ) بيان لذوي العلم، والثقلان الجن والإنس لأنهما ثقلا الأرض والاستدلال به على تجسم الجن في غاية الوهن. قوله: (وقيل عنى به الناس ههنا إلخ) عنى بمعنى قصد مبنيّ للمجهول أو للمعلوم، والضمير المستتر فيه لله تعالى لأنه معلوم بقرينة المقام والتعبير به إشارة إلى أنه معنى مجازيّ، وهذا القول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 نسب إلى الحسين بن فضل، واحتج بآيات منها قوله تعالى {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165] وهو منقول عن أهل البيت أيضاً، ونقله الراغب عن جعفر الصادق،: عبارته عبارة المصنف بعينها، والمراد أنه في الأصل والحقيقة كل ما سوى الله من الجواهر والأعراض، وقصد به هنا الناس خاصة لتنزيله منزلة جميع الموجودات لأنه فذلكة جميع الموجودات ونسخة كل الكائنات المنقولة من اللوح الرباني بالقلم كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله من حيث إلخ واياه عنى القائل: وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر وهو منزع صوفيّ، فمن قال في شرحه: إنّ تخصيصه بهم لأنّ المقصود بالذات من التكليف بالأحكام من الحلال والحرام وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وانزال الكتب هو الإنسان قال الله تعالى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ا] لم يقف على مراده، ولم يحم حول مرامه، وعلى هذا هو شائع في أفي اد البشر مشترك بينها اشتراكا معنويا فكل فرد منه بمنزلة جنس من تلك الأجناس، ومرّضه المصنف رحمه الله لمخالفته لأصله من غير مقتض، ولا دليل يدل عليه إذ المناسب للمقام التعميم، فلا يرد عليه أنه قد يختص بهؤلاء كما في قوله تعالى {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية: 116. قوله: (من حيث أنه يشتمل إلخ) قيد الحيثية في كلام المصنفين يستعمل على وجوه هي الإطلاق كمايقال إنّ الإنسان من حيث هو إنسان مدرك للكليات والجزئيات، والتقييد كما يقال دلالة التضمن دلالة اللفظ على جزء معناه من حيث هو جزؤه، والتعليل كما يقال الأفيون من حيث إخراجه للحرارة الغريزية يسخن ظاهر البدن وهذا هو المقصود هنا، ويشتمل افتعال من الشمول وهو الإحاطة والفرق بين الاشتمال، والشمول أنّ الشمول يوصف به المفهوم الكليّ بالنسبة إلى جزئياته، والاشتمال يوصف به الكل بالنسبة لأجزائه وهذا أغلبيّ، فلا يرد عليه ما يخالفه، والمراد بالعالم الكبير عالم الملك وهو السماء، وما تحويه بأسره، واشتماله كما في حاشية متقولة عنه لأنّ ما في ذلك العالم من شيء إلا وفي الإنسان نظيره مما يحكيه، ويفيد ما يفيده في الجملة إذ بدن الإنسان بمنزلة العالم السفليّ، وأخلاطه كعناصره، فالسوداء كالأرض والتراب لكونها باردة يابسة، والبلغم كالماء لكونه باردا رطباً، والدم كالهواء حارّ رطب، والصفراء كالنار حار يابس، ورأسه بما فيه من الحواس الظاهرة والباطنة على رأى، كالعالم العلوي لأنه منبت للأعضاء التي هي محل الحس، والحركة كما أنّ العالم العلوي منوط به أمر السفليات على ما قال تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5] ما مع انفرد به من الكمالات المتنوّعة، والهيئات النافعة، والمناظر البهية، والتراكيب العجيبة المبنية في علم التشريح ونحوه مما لا يحصى، كالتمكن من الأفعال الغريبة، واستنباط الصنائع المختلفة، فسبحان من زوّج الآباء العلوية بالأمّهات السفلية، ونقل نسخ الوجود بقلم قدرته العلية إلى الصحف المكرّمة الإنسانية. قوله: (من الجواهو والأعراض) يجوز أن يكون بيانا للنظائر، ولما أضيف إليه، قيل والأوّل أظهر ليكون قوله يعلم بها متعلقا بما هو أقرب وفي قوله بما أبدعه في العالم إشعار بأنّ المشبه به مبدع بخلاف المشبه لنكتة، وهي أنه لما جعله نظيراً للعالم الكبير كان مسبوقا بالمثل في الجملة، وان كان نوعه باعتبار صورته الخاصة به مبدعا على أحسن تقويم. ومن لم يتنبه له أورد عليه أنّ الإبداع إيجاد الشيء من غير سبق مثال وهذا متحقق بالنسبة إلى العالم الصغير والكبير. قوله: (ولذلك سوّى إلخ) ذلك إشارة إلى الاشتمال على النظائر المعلوم مما قبله، والنظر بمعنى الابصار بالعين، وبمعنى التفكر، والتفات النفس بالبصيرة للمعاني، وهو المراد هنا لتعديه بفي، وهو في الأصل مصدر شامل للقليل والكثير، وحقه أن لا يثنى، ولا يجمع فلذا أفرده، فلا وجه لما قيل من أنّ الظاهر أن يقال بين النظرين لاقتضاء بين التعدّد، فكأنه اكتفى بالتعدد المعنوقي من قوله فيهما ضرورة أن النظر فني أحدهما عين النظر في الآخر انتهى، وضمير فيهما عائد على العالم الكبير والصغير، وهو الإنسان والتسوية واقعة في النظم، أمّا في قوله تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20- 21] وهو الظاهر أو في قوله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} [صورة فصلت: 53] وقوله: (وقال إلخ (معطوف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 قوله سوّي عطف تفسيريّ، فتكون التسوية إشارة إلى الآية الأولى أو هو أمر مستقل مغاير لما عطف عليه، فالتسوية بما في الآية الثانية وهي سنيريهم إله. وقوله وفي الأرض إن أريد به ظاهره فتخصيصها من بين دلائل الآفاق لظهورها لمن على ظهورها، وفي قوله {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} من غير تمييز بين الإبصار المتعلق بالأنفس، والمتعلق بما يقابلها إشارة إلى شذة ظهورها إذ سوّى بين المحسوس وغيره حتى، كأنّ الجميع محسوس. قوله: (وقرىء رث العالمين بالنصب إلخ) مثل هذا النصب على ا) قطع، وكونه على المدح مستفاد من المقام إذا قدر أمدح وليس بمتعين فقد يقدر غيره كاذم وأذكر وأعني ونحوه وفي شرح العمدة لابن مالك أنّ المنعوت إذا كان متعيناً لم يقدر أعني بل أذكر، وهذه قراءة زيد بن عليّ، وهي من الشواذ وضعفت بالاتباع بعد القطع إلا أنه قيل إنّ زيداً قرأ بنصب الرحمن الرحيم أيضاً فلا ضعف فيها، وقال أبو حيان قرىء بالنصب، وهي فصيحة لولا خفض الصمفات بعدها، لأنهم نصوا على أنّ الاتباع بعد القطع في النعوت غير جائز، إلا أن يقال الرحمن بدل لا نعت وهو مبنيّ على وجوب تقديم المتبع، وهو غير متفق عليه فإنّ صاحب البسيط جوّزه، وروى شواهد تدل عليه ونصبه على النداء ظاهر لكته، كما في الدرّ المصون أضعف الوجوه لما فيه من الليس والفصل بين الصفة والموصوف، وفيه أيضاً التفات إلا أنه لا يجري فيه ما سيأتي. قوله: (أو بالفعل الذي دل عليه الحمد) فهو منصوب بفعل مقدر هو أحمد أو نحمد لدلالة الحمد عليه، ليس على التوهم، فقول أبي حيان إنه ضعيف لأنه للتوهم، وهو من خصائص العطف توهم غير صحيح مع أنه لا يختص بالعطف أيضاً كما بين في محله، ونصبه به صادق بأن يكون مفعوله أو صفة مفعوله، فإنّ صاحب الكشاف قدر. نحمد الله رب العالمين لأنّ رث صفة لا بد له من موصوف يجري عليه في الأفصح، ولم يجعل الحمد المذكور عاملاً فيه لقلة أعماله محلى باللام، ولأنه يلزم الفصل بين العامل ومعموله بالخبر، وهو أجنبيّ كما قيل وأورد عليه في بعض الحواشي أنّ الزمخشري ذكر في قوله تعالى {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] في قراءة أبيّ أنّ متاعاً نصب بمتاع، لأنه في معنى التمتع كقولك الحمد لله حمد الشاكرين فقال التفتازانيّ جاز نصب حمد الشاكرين بالحمد، وهو مصدر معرّف أيضا مع الفصل بالخبر لأنه في الأصل معمول للحمد في موضع المفعول كما تقول حمداً له فجاز لذلك، وكذا كل مصدر جعل متعلقه خبراً عنه، ويؤيده أنّ صاحب الكشاف والمصنف قالا في قوله تعالى {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي} [مريم: 46] إنّ راغب خبر مقدم مع تعلق عن اكهتي به، وفي الكشف جاز هذا بناء على أنّ المبتدأ ليس أجنبيا من كل وجه فالمبتدأ والخبر لاتحادهما معنى كشيء واحد لا يعد الفصل بأحدهما من الفصل بالأجنبيّ، وهو قدس سره عده منه. وأنا أقول فيما ذكر اختلاف للنحاة، أمّا أعماله معزفاً ففيه أربعة مذاصب إجازته مطلقا وهو مذهب سيبويه، ومنعه مطلقا وهو مذهب الكوفيين، وجوازه على قبح، وهو مذهب الفارسيّ، وبعض البصريين، والتفصيل بين أن يعاقب فيه أل الضمير فيجوز أولاً فيمتنع، وكذا اعماله مع الفصل مطلقا سواء كان بأجنبيّ أو لا فمنعه بعض النحاة وأجازه بعضهم لقوله تعالى {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 8] لتعلق يوم برجعه، ومن منعه قدر عاملاً على أنّ منهم من تساهل في الظروف، وقيل الأظهر في توجيه هذه القراءة أنه مفتوح فتحة بناء لأنه ماض يقال ربه يربه إذا ملكه، ولا يخفى بعده وتكلفه فإنّ هذه الجملة لا بد لها من موضع ولا يصح أن يكون هنا صفة، والحالية غير مناسبة معنى مع أنه قرىء بنصب الرحمن الرحيم، فالمناسب كون ما قبله منصوباً، فما اذعى أظهريتة ليس بظاهر. قوله: (وفيه دليل إلخ) أي في توصيف الله برب العالمين دليل على ما ذكر، ومن حكم بأن المحوج إلى المؤثر هو الإمكان قال: إنّ اتصاف الممكن بالوجود ليس من مقتضى ذاته حدوثا وبقاء، فهو في ابتداء وجوده، واستمراره محتاج إليه، ومن قال بأنّ المحوج له هو الحدوث لزمه استغناؤه عنه حال بقائه، ودفع بأن شرط بقاء الجوهر العرض، وهو متجدد محتاج إلى المؤثر في كل حين، فكان الجوهر محتاجا إليه حال بقائه بواسطة احتياج شرطه، فلا استغناء له أصلاً فرجع إلى المذهب المنصور بلا اختلاف في احتياجه إليه في البقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وانما الخلاف في أنه بالذات أولاً وهو سهل، وكذلك افتقار. إلى المبقي في كلام المصنف رحمه الله، ووجه الدلالة أنّ التربية تبليغ الأشياء إلى كمالها شيئاً فشيئا إلى انقضائها فيلزم استنادها إليه بقاء وحدوثا، وأيضا العالم ما يعلم به الصانع ولا يكون ذلك إلاً بعد وجوده وهو ظاهر، وكذا الملك لما يلزم من الحفظ والاستناد إلى المالك فسقط ما قيل من أنّ الدلالة فيها كلام، فإنّ التربية والمالكية تجامعان استغناء الممكنات عن المبقى، وان دفعه القائل بأنه يمكن أن يقال إنّ الحفظ معتبر في معنى الرب أو لازم له إذ معناه إدامة وجود الممكنات وإبقاؤها كما ذكره الغزاليّ، وأورد عليه أنّ الحفظ له معنيان كما صرّح به الإمام أحدهما ما ذكر، والآخر صيانة المتعاديات والمتضادّات بعضها عن بعض، ففي كون المعتبر في مفهومه، أو لازمه هو الأوّل نظر إلا أن يراد بالمبقى أعمّ مما يديم الوجود أو يصونه، وما قيل من أنّ بقاء الممكنات من جملة بلوغها إلى الكمال، واحتياجها في بلوغ الكمال إلى المؤثر يدل على احتياجها إليه مطلقاً، فالرب من حيث تبليغها إلى البقاء مبق كما أنه من حيث إخراجها من العدم إلى الوجود مبدع لا محصل له، وقد عرفت ما يغنيك عن أمثاله، فإنّ البقاء ليس إلا وجوداً مأخوذاً بالإضافة إلى الزمان الثاني، والوجود في الزمان الثاني متوقف على ما قبله ومحتاج والمحتاج إلى المحتاج محتاج بديهة، فإنّ اتصافه بالوجود لما لم يكن ذأقياً أوّلاً كان كذلك فيما بعده لاستواء نسبته إلى الوجود في سائر الأزمان وتجدد الوجود له في كل حين هو التربية الإلهية ولا حاجة إلى أن يقال الدليل في كلامه ليس بمعنى البرهان القطعيّ بل ما يقتضيه الفحوى ويشهد به الذوق، والمصنف رحمه الله كثيراً ما يريد به هذا. قوله: (كرّره إلخ) ما سيذكره هو قوله وإجراء إلخ. فان ترتب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فهذا تعليل لاستحقاقه للحمد وأنه لاتصافه تعالى بهما، كما أنّ ذكرهما في البسملة تعليل للابتداء باسمه والتبرّك به، وهذا بناء على مذهبه من أنّ البسملة من الفاتحة أو جواب عما قيل أنّ البسملة ليست من السورة، والا لزم تكرار الاسمين من غير فائدة وفي التفسير الكبير الحكمة في تكريره أنه في التقدير، كأنه قيل اذكر أني إله رب مرة، واذكر أني رحمن رحيم مرّتين ليعلم أنّ العناية بالرحمة أكثر من سواها، ثم لما بين تضاعف الرحمة قال: لا تغترّ بذلك فإني مالك يوم الدين فهو كقوله {غَافِرِ الذَّنبِ} [غافر: 3] إلخ وفيه أنّ الألوهية مكرّرة أيضاً فتدبر. قوله: (قرأه عاصم إلخ (ضمير قرأه راجع إلى مالك بالألف لأنه معلوم من تقدّم ذكره، ويعضده بمعنى يؤيد. ويقوّيه، يقال عضده إذا صار له عضدا أي معينا وناصرا، وأصل العضد في اليد من المرفق إلى الكتف فاشعير للمعنى المذكور ثم شاع حتى صار حقيقة فيه وجعل هذه الآية مؤيدة لهذه القراءة لأنها مأخوذة من الملك بالكسر، وسيأتي الفرق بيته وبين الملك بالضم، فإنّ المراد باليوم فيها يوم القيامة، وهو يوم الدين أيضا، ونفى المالكية عما سواه يقتضي إثباتها له إذ السياق لبيان عظمتة تعالى، ومجرّد نفي المالكية عن غيره لا يقتضيها بشهادة الفحوى والذوق، وتنكير الأسماء الثلاثة للتعميم، وتعميم الأخير لشموله الضرّ والنفع والقليل والكثير، وأورد عليه أنّ قوله {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] ظاهره يعضد قراءة ملك لمناسبته للأمر مناسبة تامّة، وقد فسره في التيسير وغيره بأنّ الحكم حكمه ولا قاضي سواه، وهو صريح في إثبات الملك بالضم له، ولذا قيل إنه يؤيد خلاقه وقيل إنها مقوّية، ومؤيدة لا نص موجب لمدّعاه فيكفي موافقة معناه لأوّلها مع أنّ آخرها موافق له اً يضا فإنّ المراد بالأمر المالكية فلما نفاها أوّلاً عن غيره صرّح بعده بإثباتها على العموم له كما هو المعروف في أمثاله من التذييل، نعم هو على هذا بمنطوقه مؤكد لمفهوم ما قبله، ولو فسر الأمر بالحملك بالضم كما مرّ أو بالأعمّ منه كان تأسيسا متضمناً للتأكيد على وجه أبلغ، ومن هنا ظهر ضعف ما قيل أنه تعالى لما نفى مالكية أحد لشيء على العموم أثبت بعده أنّ جميع الأمور مملوكة له تعالى في ذلك اليوم، فلا يشاركه أحد في مالكية شيء منها، وهو معنى مالك يوم الدين ولا وجه لكونه مشتقا من الملك بالضم، لأنّ المقام يقتضي نفي التصرّف مطلقا لا نفي التصرّف بطريق التكليف فقط، والقرآن يفسر بعضه بعضا، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري هو التاسع من القرّاء العشرة. قوله: (وقرأ الباقون ملك) أورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 عليه أنّ قراءة خلف بن هشام توافق الة راءة الأولى، وردّ بأنّ المراد بالباقين هنا باقي الثمانية الذين قدم المصنف ذكرهم بقوله الأئمة الثمانية المشهورون، وقوله وهو المختار قيل عليه قد رجح كل فريق إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط مقابلتها وهو غير مرضيّ لتواترهما، وقد زوي عن ثعلب أنه تال: إذا اختلف إعراب القراءات السبعة لا أفضل إعرابا على إعراب في القرآن بخلاف ما إذا وقع في كلام الناس، وقريب منه ما قيل لو أبدل المختار بالأبلغ، كان أولى لتواترهما ووصف إحداهما بالمختار يوهم أنّ الأخرى بخلافه. وأنا أقول في الفقه الأكبر أنّ الآيات لا يكون بعضها أفضل من بعض باعتبار التلاوة إنما يكون باعتبار المعنى، فسورة الإخلاص مثلاً أفضل معنى من سورة تبت لأنّ معنى الأولى توحيد وهذه في صفة بعض الكفار، والأوّل أفضل من هذه الجهة كآية الكرسي، ولا شبهة أيضاً في أنّ بعض القراءات أفصح من بعض كقراءة ابن عامر {قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [ الأنعام: 137] لا يخفى على ذي تمييز أنّ قراءة الجمهور أفصح منها وأنّ بعض القراءات أشهر من الأخرى، كالقراءة المتفرّد بها راو وغيرها المتفق عليها الباقي وكبعض القراءات الجارية على مقتضى الظاهر، ومقابلها الجاري على خلافه لنكتة، فعلى هذا ما المانع من أن يقال أنّ بعضها مختار لبعض العلماء أو الرواة، ولا يلزم من كونه مختاراً نقص مقابله، والقرّاء يقولونه من غير إنكار فهذا الإمام الجعبري يقول دائماً ومختاري، كذا من غير تردّد منه. قوله: (لأنه قراءة أهل الحرمين) قيل عليه أنه لو سلم كون أوائلهم أعلم بالقرآن لا نسلم ذلك ني عهد القرّاء المشهورين ألا ترى صحيح البخاري يقدّم على موطأ مالك، وهو عالم المدينة على أنّ القراءات المشهورة كلها متواترة، وبعد التواتر المفيد للقطع لا يلتفت إلى أحوال الرواة، اللهتم إلا أن يريد زيادة الفصاحة فإنّ لغتهم أفصح، وقد وافقهم قرّاء البصرة، والثأم وحمزة من الكوفيين أيضاً، ولذا قيل هم أولى الناس بأن يقرؤا القرآن غضاً طريا ما أنزل وهم الأعلون فصاحة ورواية وعليه أرباب الحواشي بأسرهم، والمصنف رحمه الله تغ الزمخشريّ في ذلك، ولم يعترضوا عليه بل أوردوه مسلماً، وقال الفاضل لعلوّ رتبة القاري رواية وفصاحة. قلت: لا يخفى أنّ أهل الحرمين قديما وحديثاً أعلم بالقرآن والأحكام، ولذا استدل بعض الفقهاء بعمل أهل المدينة، وأمّ مجرّد فصاحتهم التي توكأ عليها ذلك القائل، فلا يجد به نفعاً لأنّ القراءة سماعية لا دخل للراوي، والفصاحة في روايتها أصلاَ. قوله: (ولقوله تعالى إلخ) فقد وصف ذاته بأنه الملك يوم القيامة، وهو يوم الدين والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والآية السابقة لا تعارضه لأنها ليست نصاً في المالكية كما مرّ، وكل منها مقوّ لا دليل قاطع، ولم يذكر قوله تعالى {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 2] مؤيداً كما في الكشاف لمغايرة معناها لما هنا لئلا يتكرّر مع قوله رب الناس، وأمّا رب العالمين، فلا تكرار فيه لأنه فسر بما يدل على صئانعه، فيختص بالدنيا وما بعده في الآخرة، ولو فسر بالأعئم أيضاً يكون ذكر الخاص بعده اعتناء بشأنه غير مكرّر، ولو سلم فمثله كثير وباب التأكيد مشهور. قوله: (ولما فيه من التعظيم) فإنّ لفظ الملك كالسلطان فيه دلالة على العظمة، لأنّ الناس قلما يخلو أحد منهم من كونه مالكاً، ولا يكون الملك إلا أعلاهم، فهو ما بينهم عزيز قليل، وتصرّفه عام قويّ كما سيأتي، فلذا أردفه المصنف رحمه الله ببيانه فقال: والمالك هو المتصرّف إلخ، وفي الكشاف أنّ الملك بالضم يعغ وبالكسر يخص فقال المدقق في الكشف لم يرد به العموم والخصوص المصطلحين لأنّ أحدهما لا يدخل في مفهوم الآخر، فلا يفرص شاملاَ له، وهذا بحسب العرف الطارىء في الملك بالكسر، وفي التحقيق الملك بالكسر جنس للملك بالضم، والمم اد أنّ ما تحت حياطة الملك من حيث كونه ملكاً والعموم والخصوص لغة يقع على مثل هذا، وجاز أن يراد أنّ شمول سياسته فوق سياسة المانك، والتحقيق أنّ الملك بالضم نسبة بين من قام به ومن تعلق، وان شئت قلت صفة قائمة بذاته متعلقة بالغير تعلق التصرف التام المقتضي استغناء المتصرف، وافتقار المتصرف فيه، ولذا لم يصح على الإطلاق إلا لله وهو أخص من الملك بالكسر لأنه تعلق الاستيلاء مع ضبط، وتمكن من التصغيئ في الموضوع اللغويّ، وبزيادة كونه حقاً في الشرع من غير نظر إلى استغناء وافتقار، وانّ ما يملكه الملك من المتملك عليه أعنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 سياسته الخاصة ملكه فيه أتتم مما ملكه المالك أمّا ما لا يملكه الملك ويملكه المالك، فليس موود البحث كعكسه، فقد لاح أنّ ما يتوهمه بعض العامّة من أنّ تصرّف المالك في الملوك أتمّ من تصرّف الملك في الرعايا منشؤه من عدم فرض اتحاد المورد والنظر إلى العرف الفقهيّ، والكلام في الموضوع اللغويّ بل المعنى الأصليّ المشترك بين اللغات كلها، وقولهم الملك بالضم التصرّف بالأمر والنهي في الجمهور، ويختص بسياسة الناطقين، والملك بالكسر ضبط الشيء المتصرّف فيه بالحكم بناء على العرف العامي، ولذا قلنا لا يدخل أحدهما في مفهوم الآخر، ويرجح هذه القراءة تكرار الرث بمعنى المالك، ووصفه تعالى ذاته بالملكية عند المبالغة دون المالكية في قوله تعالى {مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] انتهى. أقول هذا مما تلقوه بالقبول ولخصه قذس سره من غير تصرّف فيه، وهو مأخوذ من كلام الراغب، وقد قال السمين في مفرداته أنه مخصوص بصفات الآدميين، وأمّا في صفته تعالى فالمالك والملك بمعنى واحد، والظاهر أنّ بين المالك والملك عموما وخصوصا وجهيا لغة وعرفاً، فيوسف الصديق عليه الصلاة والسلام بناء على أنه ملك رقاب أهل مصر في القحط بناء على شرعهم ملك ومالك، والتاجر مالك غيره ملك والسلطان على بلد لا ملك له فيها ملك غير مالك وأمّا ما مرّ ففيه نظر من وجوه: الأوّل أنّ قوله إنّ أحدهما لا يدخل في مفهوم الآخر غير مسلم لأنّ الظاهر أنّ الملك بالضم هو التصرّف في كل ما في مملكته كما يرى وبالكسر تصرّف خاص فيما تحت يده فالأول أعمّ وكذا الملك وا اصالك وما ذكره من معنى العموم والخصوص اللغويّ خلاف المتبادر ولا يذهب لمثله من غير داع وان صح في نفسه. . قوله: (والتحقيق إلخ) مؤيد لما قلنا. والثاتي أنّ قوله من غير نظر إلى استغناء وافتقار فيه نظر لأنّ ذلك من شأن المالك والمملوك فلو نظر إلى ما يخالفه نادراً كان الأوّل كذلك من غير فرق. والثالث أنّ قوله التصرف بالأمر والنهي إلخ غير مسلم أيضا لأنّ المعروف خلافه، فإنّ الملك يملك بالسلطنة الحصون، والبلاد وغيرها مما لا يعقل، وله التصرّف فيها أيضا فلا وجه لهذا التخصيص فأعرفه. قوله: (والمالك هو المتصرّف إلخ) قيل عليه أنه لا يناسب المقام وإنما يلائم كون المالك أولى لأنّ المالكية سبب لإطلاق التصرّف دون الملكية، ويمكن أن يقال مراده أنّ المالك هو المتصرّف فىب الأعيان المملوكة له كيف شاء، والملك هو المتصرّف بالأمر والنهي في المأمورين الذين هم رعيتة جميعاً، فيتناول تصرّف الأعيان المملوكة وغيرها من المالكين لها وغيرهم، فالمالك من حيث هو مالك دون الملك، وما ذكر من أنّ الملك هو المتصرف بالأمر والنهي في المامورين بناء على أنّ الملك يضاف عرفا إلى ما ينفذ فيه التصرّف بالأمر والنهي، ولا ينافي كونه أكثر حياطة وتصرفا هذا، وما ذكر إنما هو بالنظر إلى اللفظ والى مجرّد مفهومي الفردين، وأمّا بعد الإضافة إلى الأمور كلها، فكونه مالكاً للأمور كلها في يوم الدين في قوّة كونه ملكاً، ولذا قال مالكاً لأمورهم يوم الثواب والعقاب بعد اختيار الملك. أقول هذا غريب منه مع دقة نظره، فانّ مراد المصنف أنّ الملك بالكسر مختص بالأعيان من غير العقلاء كالثياب والأنعام، والرقيق أيضاً له حكمها لالحاقه بما لا يعقل، والملك بالضم مختص بالعقلاء، وتملكهم أشرف وأقوى، ومن يملكهم يملك غيرهم بالطريق الأولى، فكيف يكون هذا مرجحا للمالك، وهذا معنى لغويّ لا عرفيّ كما قيل. قولى: (وقرىء ملك بالتخفيف) أي بفتح الميم وسكون اللام بعد كسرها، ولذا سماه تخفيفاً، فإنّ السكون أخف من الكسر، وفعل المكسور والمضموم عينه يجوز تسكينه قياسا بخلاف المفتوح، وهي قراءة شاذة، وظاهر. أنه ليس لغة أصلية، وقد ذهب بعض أهل اللغة إلى أنه غير مخفف وأنه صفة بزنة صعب أو مصدر وصف به مبالغة كما في القاموس. وقوله. (بلفظ الفعل) أي الماضي المفتوح العين واللام ونصب اليوم وفي الكشاف قرأ أبو حنيفة رضي الله عنه ملك يوم الدين بلفظ الفعل إلخ وفي نشر ابن الجزري القراءات المنسوبة لأبي حنيفة التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي وغيره لا أصل لها، قال أبو العلاء الواسطيّ: إنّ الخزاعي وضع هذا الكتاب ونسبه إلى أبي حنيفة، فأخذت خطوط الدارقطني وجماعة على أن هذا الكتاب موضوع لا أصل له قلت وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 رأيت الكتاب المذكور، وفيه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28] برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راح ذلك على أكثر المفسرين، ونسبوها إليه، وتكلفوا توجيهها، وأبو حنيفة رضي الله عنه بريء منها انتهى. فإيراد هذه القراءة غير لائق من الشيخين، ومن قال إنها قراءة حسنة لاحتمالها معنى القراءتين لجواز كونه من الملك والملك، وهذه الجملة صفة لموصوف تقديره اله ملك إلخ وهو بدل من المعرفة لوصفه، فقد زاد في الطنبور نغمة وذكر ما يحسن تركه، وقال أبو حيان: إنها جملة لا موضع لها، ويجوز أن تكون حالاً. قوله: (ومالكاً بالنصب على المدح إلخ) وفي بعض النسخ وملكا بدون ألف، وهي قراءة أيضا كما في حواشي الليثي، وقيل نصبه على الحال وفي التيسير أنه على النداء وهو بعيد، ولذا قيل أنّ غيره أولى منه لإفادته علية هذه الصفات للعبادة، فلذا تركه الأكثر، والمراد بالمدح تقدير أمدح ونحوه، وهو في عرف النحاة في النعت بمعنى القطع إلا أنّ النكرة لا توصف بها المعرفة، فهو تسامح منه أو بناء على ما ذكره بعض النحاة من أنّ النعت المقطوع لا يلزم فيه موافقة منعوتة تعريفا وتنكيراً، وانما يلزم لو تبع منعوته وعلى تنوينه يوم ظرف أو مفعول به، وما قيل من أنه إذا نوّن رفعا ونصبا بألف ودونها منصوب على الظرفية لا غير لأنّ الصفة لا تعمل النصب، واسم الفاعل إنما يعمل بمعنى الحال أو الاستقبال، وصفاته تعالى أزلية ليس بشيء لأنّ نصبه على التوسع فيجوز عطلقا، وأيضا الأزلية لا تنافي العمل لشمولها للحال والاستقبال، وما ذكر غير متفق عليه. قوله: (ويوم الدين إلخ) الدين له معان كالعبادة والملة وسيأتي وقيل بين الدين والجزاء فرق، فإنّ الدين ما كان بقدر فعل المجازي والجزاء أعئم، واختار يوم الدين على غيره من أسماء القيامة رعاية للفاصلة وافادة للعموم، فإنّ الجزاء يتناول جميع أحوال الآخرة إلى الأبد وكما تدين تدان معناه كما تفعل تجازى، وهو من المشاكلة إلا أنه قذم فيه المشاكل وهو جائز وان كان المشهور خلافه كما في البيت، وقد قرّره شرّاج المفتاح في قوله: أوما إلى الكوماء هذاطارق نحرتني الأعداء إن لم تنحر وقيل معناه كما تجازي غيرك تجازى، فلا مشاكلة فيه، وهو مثل أوّل من قاله خالد بن نفيل، وله قصة في مجمع الأمثال، وقد تمثل به النبيّ تعليم في حديث رواه أبو الدرداء وهو " البرّ لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان ") 1 (. وفي التوراة ما معناه كما تدين تدان، وكما تزرع تحصد وفي الإنجيل كما تدين تدان وكما تكيل تكتال، والجارّ والمجرور أو الكاف فيه صفة مصدر مقدّر أي دينا مثل دينك. قوله: (وبيت الحماسة إلخ) أي ومنه بيت الحماسة وأصل معنى الحماسة الشدة والشجاعة وهو اسم الكتاب المعروف لأبي تمام الطائي والشعر المذكور من قصيدة في حرب البسوس لشاعر يسمى الفند الزماني وأوّلها: صفحنا عن أبي ذهل ولخا القوم إخوان ولم يبق سوى العدوا ~ ن دناهم كما دانوا وقوله دناهم جواب لما، والعدوان بضم العين الظلم، وبقية القصيدة، والكلام عليها في شرح المرزوقي وغيره. قوله: (وأضاف اسم الفاعل إلخ) الظرف إمّا متصرّف، وهو الذي لا يلزم الظرفية، أو غير متصرّف، وهو مقابله، والأوّل كيوم والليلة فلك أن تتوسع فيهما بأن ترفع، أو تجرّأ وتنصب من غير أن يقدر فيه معنى في، فيجري مجرى المفعول به لتساويهما في عدم تقدبر في فيهما، فإذا قلت سرت اليوم كان منصوباً انتصاب زيد في نحو ضربت زيدا ويجري سرت مجرى ضربت في التعدي مجازا، لأنّ السير لا يؤثر في اليوم تأثير الضرب في زيد، ولا يخرج بذلك عن معنى الظرفية، ولذا يتعذى إليه الفعل اللازم ولا يظهر الفرق في الاسم الظاهر، وإنما يظهر في الضمير لأنك إذا أضمرت في قلت سرت فيه، والا قلت سرته كما في بيت الكتاب: ويوم شهدناه سليما وعامرا قليل سوى طعن النهار نوافله واذا توسع في الظرف إن كان فعله غير متعد صار متعديا، وان كان متعدّيا إلى واحد صار متعذيا إلى اثنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 كحفرت بئر اليوم. وان كان متعذيا إلى مفعولين فمن النحويين من أبى الإتساع فيه لأنه يصير متعدياً إلى ثلاثة وهو قليل، ومنهم من جوّزه وان كان متعدياً إلى ثلاثة لم يجز، لأنه يصير متعدّيا إلى أربعة ولا نظير له، وحكى ابن السراج عن بعضهم جوازه هذا خلاصة مذاهب جميع النحاة كما في شرح الهادي، وهذا نصه وتحقيقه أنّ التوسع في الظروف جعل نسبة الفعل إليها وتلقه بها باعتبار كونه واقعا فيها بمنزلة نسبته إلى المفعول به الواقع عليه لما بيبهما من الملازمة والمشابهة لأنّ نحو زيداً المفعول، كمحل الفعل لظهور أثره فيه، فالتوسع هنا تجوّز حكمي في النسبة الظرفية الواقعة بعد نسبة المفعول به الحقيقيّ وأثره يظهر في الإضمار كما مرّ، فلذا كان اللازم معه متعدّيا والمتعدي متعديا لأكثر مما كان يتعدى له فالمتعدي قبله باق على حاله، حتى إذا لم يذكر مفعوله قدر أو نزل منزلة اللازم، ومنه عرفت أنّ الجمع بين الحقيقة والمجاز في المجاز الحكميّ ليس محل الخلاف، ولذا قال الرضيّ: اتفقوا على أنّ معنى الظرف متوسعا فيه وغير متوسع فيه سواء لا ما توهمه بعض أرباب الحواشي، وهذا مما يعض عليه بالنواجذ لكثرة جدواه كما ستراه، وفي قوله اسم الفاعل دون مالك مع أنه أخصر دقيقة وهو أنه على القراءة الأخرى إن قيل أنه صيغة مبالغة كحذر كان ملحقا باسم الفاعل، وله حكمه فيدخل فيه على ألطف وجه، وأخصره وإلا فهو إمّا صفة مشبهة أو ملحق بأسماء الأجناس الجامدة كسلطان، فلا كلام في إضافته، قويل إنه تعرّض لإضافة مالك مع أنه غير مختار عنده، لأنه لا إشكال فيه إذ هو صفة مشبهة مضافة إلى غير معمولها، فإضافته معنوية، فيوصف به المعرفة، وفي إضافة اسم الفاعل خفاء، فلذا تعرّض لتخصيصها، ونص على ظرفية يوم الدين لإفادة أنّ مملوكيته غير حقيقية، واليوم من الفجر الصادق أو من طلوع الشمس إلى الغروب ويطلق على مطلق الوقت قليلاً أو كثيرا، ويوم القيامة حقيقة شرعية في معناه المعروف ومجرى بضم الميم من الإجراء، وهو اسم مكان مجازفي ويجوز فتح الميم أيضاً قيل: وقد يتوهم أنّ مجرى بزنة موسى دون مرض ليناسب الإجراء، ونحن نجعله على وزن مرضى بفتح الميم ليدل على أنّ المفعول به يجري في هذا المكان بنفسه بخلاف الظرف، فإنه يجري بإجراء المتكلم لأنه ليس مذهبه، نعم لو جعل مجرى مفعولاً مطلقاً كان الأظهر جعله كموسى، وأورد عليه أنّ المفعول المطلق من المصدر لم يسمع وليس معه فعل يكون هو مفعوله وهو غفلة منه، فإنه مصرّح بخلافه في متون النحو، وقد مرّ قريبا ما في الكشاف من أنّ متاعا في قوله تعالى {؟ متاعاً إلى الحول} [البقرة: 245] منصوب بمتاع الأوّل. قوله: (يا سارق الليلة أهل الدار) يقال سرقه مالاً يسرقه من باب ضرب، وسرق منه مالاً يتعدى إلى الأوّل بنفسه، والى الثاني بالحرف، وقد يحذف فيتعدى له بنفسه كما في المصباح، وهذا شاهد على أنّ هذه الإضافة للمفعول المجازيّ كما مرّ، وهو بيان لحكمه في نفس الأمر كما بينه النحاة لا تصحيح لوصف المعرفة به، لأنّ المعمولية غير مناسبة له، ولو كان كذلك لم يصرحوا به بعده، فما قيل من أنه جواب لسؤال مقدر، وهو أنّ هذه الإضافة لفظية إذ هي من إضافة الصفة لمعمولها فكيف وصف به المعرفة، فأجيب بما ذكره المصنف رحمه الله لا وجه له، ثم إنك قد عرفت مما تلوناه عليك أنّ هذا المفعول لا بدّ من زيادته على مفعوله الأوّل إن كان متعدّيا وأكثر أرباب الحواشي هنا لم يقفوا على تفصيله فخبطوا خبط عشواء، فمنهم من قال أنّ انتصاب أهل الدار بمقدر أي احدّر، وقد يجعل مفعولاً أوّل لسارق لأنه قد ينصب مفعولين كما مرّ، فتوهم أنه ينافي نصب المفعول، فاحتاج إلى التقدير أو تعديه لاثنين، وكذا من قال إنّ المفعول الذي صرف النسبة مته إلى الظرف في هذا البيت محذوف كما في مالك يوم الدين وأهل الدار غير ذلك المفعول، فإنه يقال سرقه مالاً وسرق منه مالاً كما مرّ وعلى الثاني أهل الدار منصوب بنزع الخافض، فلا يرد أنه ينافي كونه مجازاً حكميا ذكر المفعول لأنّ المفعول المجازيّ لا يجتمع مع المفعول الحقيقيّ، ولا مع مفعول آخر مجازفي، فلا يقال أجرى النهر الماء، ولا أجريت النهر الزرع انتهى. وهو كله من ضيق العطن لما مرّ فتدبر، وقوله قدس سره: من قال الإضافة في مالك يوم الدين مجاز حكمي، ثم زعم أنّ المفعول به محذوف عامّ يشهد لعمومه الحذف بلا قرينة خصوص، ويرد عليه أنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 مثل هذا المحذوف المقدر في حكم الملفوظ فلا مجاز حكمي، كما في نحو واسأل القرية إذا كان الأهل مقدراً انتهى ناشىء من عدم تحرير المبحث، ثم قال وأمّا إضافة ملك فلا إشكال فيها لأنها إضافة الصفة المشبة إلى غير معمولها كما في رث العالمين، فهي حقيقية فإنها تضاف إلى الفاعل دون المفعول، لأنها لا تعمل النصب أصلاً، واذا توسع فيه نصب الظرف نصب المفعول به أو إضيف إليه على معنى اللام، ولم يعتد بالإضافة بمعنى في، وأن رفعت مؤنة الإتساع وما يتبعه من الإشكال إمّالأنّ الاتساع محقق في الضمائر المنصوبة لأنها لا تنصب على الظرفية، فحمل على ما هو محقق، وامّا لأنّ في الاتساع قخامة المعنى فكان أولى بالاعتبار ومن أثبتها نظر إلى الظاهر من غير تحقيق، وأهل الدار منصوب بسراق لاعتماد. على حرف النداء كقولك يا ضاربا زيداً ويا طالعا جبلاً، وتحقيقه أنّ النداء يناسب الذات، فاقتضى تقدير موصوف أي يا رجلاَ ضارباً انتهى. وفيه يحث كا وجوه: الأوّل أن قوله إنّ الصفة المشبهة لا تعمل النصب مخالف لما صرّحوا به من أنها تنصب معمولها على التشبيه بالمفعول به، فإن قيل المراد أنهالا تنصب حقيقة فهذا المفعول هنا غير حقيقيّ أيضاً فكأنه أراد أنها لا تعمل النصب في محل المضاف إليه لأنه فاعل واذا نصب نصب على التسمح، واذا أضيف ردّ لأصله إذ لا داعي لمخالفته، وهذا من الكشف، وعبارته لأنّ الصفة المشبهة لا تعمل النصب أبدا، ألا ترى إلى قولهم إنّ الصفة المشبهة تضاف إلى فاعلها في بحث الإضافة، وهي ناطة ة بهذا. الثاني أنّ النحاة صرّحوا بأنّ إضافة الصفة المشبهة غير محضة ليست على معنى حرف، والفرق بين معمول ومعمول تحكم محتاج لنقل. الثالث أنّ ابن مالك لما ذكر الاعتماد على النداء تبعاً لبعضهم اعترضوا عليه بأنه ليس كالاستفهام والنفي في التقريب من الفعل لاختصا عالنداء بالأسماء، فكيف يكون مقرّباً من الفعل. ". فأجيب بأنّ الاعتماد في مثله على موصوف مقذر، واليه جنح قدس سرّه، إلا أن الرضمى قال في باب الموصول إنّ تقدير الموصوف فيه لا سند له في كلام العرب ولا شاهد لهم على ما ادّعوه هنا، وقال بعض حذاق العصر حرف النداء قام مقام أدهو وهذا يكفي في التقرب، ولو أجيز الاعتماد على المقدر لفات شرط الاعتماد، إذ لا بد للصفة من موصوف تجري عليه ملفوظ أو مقدّر وليس بشيء لأنّ كون يا بمعنى أدعو يقتض ي كون المنإدى مفعولاً، والأصل فيه الاسمية فلا تقريب فيه أيضاً، وليس كل مكان يقذر فيه الموصوف نا لم يكن يقتضيه ويتقاضاه، ثم إنه جعل هنا التوسع والإضافة لأدنى ملابسة مجازاً لغويا وبينهما مخالفة ظاهرة وسيأتي تحقيقه في محله. بقي هنا فائدة وهي أنّ السعد رحمه الله تعالى صرّح بأنّ الإضافة بمعنى في معنوية وتبعه قدّس سرّه، وقد ذكر الرضى أنّ إضافة مالك يوم الدين سواء كانت بمعنى في أو متوسعا فيها لفظية لأنّ المضاف إليه إمّا مفعول فيه أو به، وعلى أيّ تقدير هو معمول الصفة، ووفق بينهما بأنّ الأوّل محمول على ما إذا كان معنى في مدلولاً للإضافة، ومالك يوم الدين إذا لم يرد به الماضي أو الاستمرار بل الاستقبال وتعمل الصفة في اليوم لا يكون معنى في فيه مدلولاً للإضافة لأنه قد كان حاصلاَ قبلها، وتأثير الإضافة في اللفظ فتدبر. قوله: (ومعناه ملك الأمور يوم الدين) قوله معناه صريح في أنه لم يرد تقدير الأمور في النظم حتى يلزم كون اليوم ظرفا محضا، فيفوت تنزيله منزلة المفعول به وعموم الأمر يفهم من حذف المفعول بلا قرينة الخصوص لتأ هب النفس كل مذهب، أو من جعل مالكيته ليوم الدين كناية عن كونه مالكا للأمر كله لأنّ تملك الزمان كتملك المكان يستلزم تملك جميع ما فيه بناء على أنه لا يلزم في الكناية إمكان المعنى الحقيقيّ، فإنّ الزمان عند بعض المتكلمين معدوم وتملك المعدوم ممتنع، وعلى أنّ الاستلزام بمعنى الانتقال في الجملة لا بمعنى امتناع الانفكاك، فلا يرد منع الاستلزام. قوله: (على طريقة ونادى أصحاب الجنة إلخ) يعني أنّ اسم الفاعل كالمفعول يخالف الصفة المشبهة الدالة على الثبوت، فهو حقيقة في الحال إلا أنه منزل منزلة الماضي في تحقق الوقوع، فاستعير له استعارة تبعية كما في قوله تعالى {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] فإنه بمعنى ينادي، وارادة الماضي منه، ولو بالتنزيل مانعة عن العمل كما أإرادة الحال ولو حكاية كما في قوله تعالى {وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: 8 ا] كافية فيه هذا هو المشهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وقيل إنه حقيقة فيه، وفي الماضي أيضاً، وأمّا في المستقبل فمجاز اتفاقاً ونقل عن المصنف رحمه الله أنه مجاز في الماضي المنقطع لا مطلقا وهو مخالف للمشهور وبنى عليه أن مالك يوم الدين حقيقة عنده، وان لم يعتبر استمراره وكيف يتأتى هذا مع قوله إنه على طريقة ونادى أصحاب الجنة، وهذا مقرّر في الأصول الفقهية، والمعاني وذكره بعض النحاة وفيه إشكال ظاهر، لأنّ الدال على الزمان وضعا بالاتفاق، إنما هو الفعل وما قالوه مخالف له وليس كالصبوح والغبوق، ولذا ذهب بعض الأصوليين إلى أنه لا دلالة له على الزمان أصلاً وفي شرح المصنف أنه اأحق، ثم إنه قيل إذا كان مجازا في الماضي كما في التلويح كان اسم الفاعلى هنا على تقدير كونه بمعنى الماضي، وقد كان مستعملاً في المستقبل مجازا في المرتبة الثانية وهو مما حرّره السيد في تفسير قوله تعالى {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم} [البقرة: 9] والطيبي. (أقول) هذا زبدة أنظار من كتب الحواشي من المدققين هنا، وفيه نظر أ 14 أؤلأ فانّ قولهم إنه في المستقبل مجاز اتفاقا غير صحيح لأنّ من أهل الأصول من ذهب إلى أنه حقيقة في الحال والمستقبل، وأمّ ثانياً فما ادّعوه من أنه مجاز في المرتبة الثانية مع ما فيه من التعسف غير مسلم كما يعلم مما سيأتي في تقريره مع أنّ شرط ذلك المجاز المشهور غير مقرّر هنا، وأمّا ثالثاً فالتجوز المذكور إذا كان كالتجوز في نادي مما ذكروه في أكثر الكتب، وأورد نحوه ابن هشام في رب من المغني، وقد أورد عليه شارحه أنه يقتضي أنّ المستقبل حينئذ عبر به عن ماض متجوّز به عن المستقبل، وهو مع تكلفه ني صحته تردد لا يخفى وجهه فتدبر.، وهذا مأخوذ من الكشف وسيأتي تحقيقه، وأمّا الإشكال فدفعه أنّ الوصف لما كان موضوعاً لذات متصفة بحدث سواء كان في الماضي أو الحال أو الإسنقبال خصه العرف بأحد أفراده تخصيص الداية فصار حقيقة عرفية إمّا لتبادره منه مطلقا أو في حال العمل لأنه يتمّ به مشابهة المضارع، وقوله في المطوّل إنه حقيقة في الحال بالإتفاق غير مرضيّ وليست دلالة التزام لأنه لا يلزمه زمان معين، وقول نجم الأئمة الرض إنه مدلول العمل كأنه أراد به مدلوله في حال العمل وسيأتي تفسير قوله ة {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] ما يتممه. قوله: (أوله الملك في هذا اليوم إلخ) عطف على قوله ملك إلخ يعني أنه بمعنى الماضي، أو المراد به الاستمرار لا الحال، أو الاستقبال لتكون إضافته حقيقية فيوصف به المعرفة كما فصله المصتف رحمه الله بعد. (وههنا بحث) مشهور وهو أن الشيخين في سورة الأنعام جعلا إضافة جاعل إلى الليل في قوله تعالى: {؟ وتجعل الليل سكناً} [الأنعام: 96] لفظية لأنه دال على جعل مستمرّ، وهنا جعلا الإضافة حقيقية إذا قصد الاستمرار، وبينهما تناف ظاهر، وقد وفق بينهما بوجوه منها أنّ الزمان المستمرّ شامل للأزمنة الثلاثة، فيجوز النظر فيه إلى الماضي، فلا يعمل وتكون إضافته حقيقية، والنظر لمقابله فيعمل، وتكون إضافته لفظية فيراعى ما يقتضيه المقام، فروعي الثاني في الأنعام لئلا يلزم مخالفة الظاهر بنصب سكنا بمقدر، وروعي الأوّل هنا لئلا يقطع مالك عن الوصفية إلى البدلية، ولا يأباه ما في نحو المفتاح من أنّ اسم الفاعل يعمل عمل فعله المبنيّ للفاعل إذا كان على أحد زماني ما يجري عليه، وهو المضارع دون الماضي والاسبتمرار، فإنّ اتباع مذهبه غير لازم وسيأتي ما فيه، ومنها أنّ المذكور ثمة عمله دون إضافتة، فلا منافاة بينهما لجواز أن يكون الوصف عاملاً واضافته حقيقية، لأنّ المستمرّ لما احتوى على الماضي ومقابليه روعي الجهتان معاً فجعلت الإضاءة حقيقية نظراً إلى الأولى، واسم الفاعل عاملاً نظراً إلى الثانية، وليس بشيء لأنّ مدار كون إضافته حقيقية، أو غيرها على كونه عاملاً أو غير عامل، ومنها أنّ الاسنمرار ههنا ثبوتيّ وثمة تجددي متعاقب الافراد، فعمل الثاني لورود المضارع بمعناه دون الأوّل، قيل: والمراد بالثبوت ما لم يعتبر معه الحدوث في زمان لا ما ينافي التجدّد حتى يرد أنّ ما وقع في يوم الدين متجدّد، ومالكية الشيء تتوقف على وجوده واستمرارها يكون متجذدا قطعاً، والباعث على اعتبار التجدّد في جاعل الليل لا هنا عدم مخالفة الظاهر فيهما، فاندفع ما قيل أنّ المصنف جعل إضافة {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [دورة غافر: 3] حقيقية لأنه لم يرد بهما زمان مخصوصر، ولا شك أنّ استمرارها تجددئ فإن أريد بمالكية يوم الدين القدرة ضلى تصرّف الإيجاد والإعدام والنقل من صفة إلى صفة، كقا ذكره الإمام لم يبق خفاء في أنّ استمرار مالك ثبوتيّ، وستراه عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 قريب مع ما فيه والملك كالملك قال الراغب: يكون بمعنى قوّة التصرّف، وقدرته ويكون بمعنى التصرّف نفسه، وقال الإمام: هو القدرة على التصرّف، والله تعالى مالك الموجودات أي قادر على نقلها من الوجود إلى العدم، وعلى نقلها من صفة إلى أخرى، ومعنى مالك الملك القادر على القدرة آي كل ما يقدر عليه الخلق فهو بإقداره وملك يوم الدين بإحياء الموتى، وليس هذا كله إلاً لله، فهو الملك الحق، فإن قيل المالك لا يكون مالكاً للشيء إلاً إذا كان المملوك موجوداً والقيامة غير موجودة في اكحال، فالواجب أن يقال ملك يوم الدين لا مالكه، ولهذا قالوا لو قال أنا قاتل زيد بالإضافة فهو إقرار، ولو قال قاتل زبداً بالعمل والتنوين فهو وعيد، قيل هذا حق إلاً أنّ قيام القيامة لما كان محققا جعل كالقائم في الحال، وأيضا من مات فقد قامت قيامته فكانت القيامة حاصلة في الحال، فزال السؤال اتتهى. وقد قيل عليه إنّ اسم الفاعل ليس حقيقة في المستمرّ، فيكون مجازا على المجاز، وإنّ معنى الاستمرار هو الثبات من غير أن يعتبر معه الحدوث في أحد الأزمنة، وذلك ممكن في المستقبل كأنه قيل هو ثابت المالكية في يوم الدين، واذا لم يعتبر في مفهومه الحدوث لا يعمل لانتفاء مشابهة الفعل على أنه إذا إريد بالمالكية القدرة على التصرّف لا يبقى في الاستمرار خفاء كما مرّ. بخلاف ما إذا كان مالك بمعنى ملك إذ لا يراد هنا المالكية المستمرّة الغير الحادثة، وهي تتوقف على وجود المملوك، فلذلك يحتاح إلى التأويل. (أقول) هذا زبدة ما قرّروه وكرروه وزعموا أنهم حققوه وحرّروه، وللنظر فيه مجال، فإنّ الاستمرار اسنفعال من المرور، ولذا ورد بمعنى الذهاب، وعدم البقاء كما في قوله تعالى: {سحر مستمرّ} [القمر: 2] على وجه، وبمعنى الدرام والثبات، وهو المراد هنا إلآ أنه على وجوهـ، فإنه يكون بمعنى الوجود في جميع الأزمنة الثلاثة، وبمعنى عدم اعتبار الحدوث، وماتارنة الزمان له كالأمور الجبلية وعدم الانقطاع أزلم لأ وأبداً كما في الصفات الذاتية، وجاعل ومالك وصفان ثبوتيان، والجعل من صفات الأفعال، وكذا الملك إن فسر بالتصرّف، فإن فسر بالقدرة، كما هو رأي الإمام كان من الصفات الذاتية، واتصافه تعالى بالثانية أزلاً وأبداً متفق عليه، وأمّ الأولى فذهب الماتريدية إلى أنها مثلها من غير فرق فنقل عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: كان الله خالقاً قبلى أن يخلق ورازقاً قبل أن يرزق، ووافقهم عليه بعض الأشعرية. قال الزركشيّ رحمه الله في البحر: إطلاق الخالق والرازق ونحوهما فى حقه تعالى قبل وجود الخلق والرزق حقيقة، وان قلنا صفات الفعل من الخلق والرزق ونحوهما حادثة ورده ابن شريف: بأنه ممنوع عند الأشعرية القائلين بحدوثها، وفيه بحث فحينئذ يقال لا شك أنّ النحاة بأسرهم اشترطوا في عمل اسم الفاعل غير صلة أل، وفي كون إضافته لفظية أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال ليتمّ شبه المضارع له، فيعمل عمله ولم يخالف فيه غير الكسائيّ، فالاستمرار بالمعاني الثلاثة يقتضي عدم العمل وأنّ الإضافة حقيقية لتخلف شرطه، فلا غباو على ما نحن فيه، ولا يأباه كونه من صفاته تعالى مطلقاً، وأمّا ما في سورة الأنعام فمشكل، وان لم يكن له تعنق بالإضافة فإنه لا يصح فيه شرط العمل، أمّا على الأوّل فلأنّ الأزمنة الثلاثة تشمل الماضي، وهو مناف لعمله عند الجمهور، وقد صرّح به صاحب المفتاح كما مرّ، وأما على الثاني فلأنه إما أن يلحق بالصفة المشبهة كما صرّحوا به في طاهر القلب ونحوه، أو بالأسماء الجامدة كما قالوه في نحو والد وكاهل، فلا يعمل النصب أو لا يعمل أصلاً، وكذا هو على الثالث بالطريق الأولى مع أنه برمته لا يتسنى لسلامة الأمر في صفاته تعالى كما سمعته ولك أن تقول المراد به الأوّل ثمة فاستمراره بالنظر إلى الحال المستمرة في المستقبل، ولما كان الحال أجزاء من الماضي والمستقبل شمل حكمه الماضي مطلقاً لعدم الفارق والمضارع يستعمل بهذا المعنى أيضا، وبه صرّج السيرافي في شرح الكتاب فقال يجوز أن يكون جاعل في معنى فعل ماض، ويجوز أن يكون في معنى فعل مستقبل، فإذا جعلته في معنى الفعل الماضي ة فتقديره ومعناه قدّر الليل لهذا، وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، وهو أظهر الوجهين، وينصب الشمس والقمر بإضمار فعل ومن جعله بمعنى المستقبل، فهو على تقدير يجعل وذلك لأته فعل لم ينقطع لأن الليالي يتصل بها ما قد كان، وما يكون منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فهو بمنزلة زبد ياكل إذا كان في حال كله قد تقضى بعضه وبقي بعضه انتهى. وهذا قريب من الجواب الأوّل إذا دقق فيه النظر، وقال أبو حيان في البحر: اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال، أو الاستقبال جاز فيه وجهان: أحدهما ما قدمناه من أنه لا يتعرّف بالإضافة لأنه منويّ الانفصال، فكأنه عمل النصب والثاني أن يتعرّف بها إذا كان صفة معرّفة فيلحظ أنّ الموصوف صار معروفا بهذا الوصف، فكان تقييده بالزمان غير معتبر، وهذا الوجه غريب لا يعرفه إلآ من له اطلاع على كتاب سيبويه وتنقيب عن لطائفه وقد قال فيه ما نصه: زعم يونس والخليل أنّ الصافات المضافة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكن معرفة، وذلك معروف في كلام العرب انتهى. وهو كلام يض، ج إلى تأمّل تامّ. قوله: (لتكون الإضافة حقيقية) قد عرفته وما له وما عليه، فإن قلت: كون الظرف هنا مفعولاً به على التوسع يقتضي أن اسم الفاعل مضاف لمفعوله، وهو يأبى كون الإضافة حقيقية قلت قال الشريف: كون الإضافة معنوية لا ينافي التوشع في الظرف لأنّ المراد أنه مفعول من حيث المعنى لا من حيث الإعراب، أي يتعلق المالك به تعقق المملوكية حتى لو كانت شرائط العمل حاصلة عمل فيه وفيه تأمّل، وقد بقي في كلام شروج الكشاف كلام كنا ذكرناه هنا ثم طويناه لطوله وسيأتي تتمته في الأنعام إن شاء الله. قوله: (وقيل الدين الشريعة إلخ) قال الراغب الدين الطاعة والجزاء واستعير للشريعة، والدين كالملة لكنه يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشريعة انتهى. والشريعة وضع إلهيّ سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات كذا عرفها الأصوليون، والدين كما سمعته يكون بمعنى الملة، وهي أعم من الدين لشمولها الدين الحق وغيره، وهو مقول عليهما بالاشتراك اللفظيّ كما قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] وهو كثير في الفرآن، ومن عرّفه بما عرفت به الشريعة نظر لمعناه الغالب المتبادر منه عند الإطلاق فلا وجه للاعتراض عليه، ومرضه المصتف رحمه الله لأنه معنى مجازيّ، ومحتاج للتقدير عنده كما أشار إليه قوله: (والمعنى يوم جزاء الدين) قدّره لأنه ليس يوماً للتكاليف، وانما هو للجزاء وهو على التفسيرين قيل، وهو على الأوّل بتقدير مضاف آي جزاء أحكام الشريعة أو جزاء قبول الدين وترك قبوله أو جزاء العمل به من الثواب والعقاب، ويجوز أن تكون إضافته لما بينهما من الملابسة باعتبار الجزاء من غير تقدير، وقيل البلاغة تحكم بأولوية عدم التقدير إذ يقال في يوم ظهور سلطان أحد وغلبة ما يتعلق به إنّ اليوم يوم فلان، فبذلك الاعتبار يقال يوم الشريعة أيضا، وقيل أيضاً إن كان المراد بالطاعة العبادة احتاج إلى التقدير، فإن أريد الانقياد المطلق كما فسر به في كتب اللغة، فلا حاجة للتقدير، فإنّ الناس في الدنيا بين منقاد وغير منقاد بخلافهم في ذلك اليوم لانقياد الكل ظاهرا وباطنا وهو وجه وجيه. قوله: (وتخصيص اليوم بالإضافة إلخ) الإضمافة مصدر المبنيّ للمفعول أي إضافة مالك أو ملك إلى يوم الدين مع كونه مالكاً للأيام كلها ولجميع الأمور وهذا هو المراد، وقد قيل إنه محتمل لوجوه أربعة لأنه إمّا بمعنى كونه مضافاً إليه أو كونه مضافا إلى الدين وعليهما مدخول الباء مقصور أو مقصور عليه، وقوله: (لتعظيمه) أي لتعظيم اليوم المستلزم لتعظيم مالكه، ويجوز أن يكون الضمير لله للعلم به من السياق، وقوله: (بنفوذ الآمر فيه) يقال: نفذ الأمر نفوذا ونفاذاً بالذال المعجمة بمعنى مضى وقيل على الفور بلا تردّد وأصله من نفذ السهم في الرمية إذا خرقها، وأمّا نفذ بالمهملة فمعناه فني وانقطع والأمر هنا مقابل النهي، وفي نسخة الأمور بالجمع. قال الليثيّ في حواشيه: الظاهر الأوامر به له أي خص لتفرده بالتصرّف فيه إذ الأمر يومئذ لله الواحد القفار، ولا ملك لأحد سواه بخلاف أيام الدنيا فإنّ لغيره فيها أمراً ونفوذا ظاهراً وان كان المنفذ له في الحقيقة هو الله، وما ادّعى ظهوره بناء على ما تعارفوه، ووقع في كلام الأصوليين من أنّ الأمر بمعنى القول المخصوص يجمع على أوامر، وبمعنى الفعل والشأن على اً مور وهو مما تفرّد به الجوهريّ واللغة وقواعد العربية لا تساعده وفيه كلام طويل، قيل والأحسن أن يقال: إنه. للإشارة إلى المعاد بعد الإشارة إلى المبدأ بقوله رب العالمين، وبما بينهما لما بين النشأتين كأنه قيل الحمد لمن منه الابداء وباحسانه البقاء وبحكمته إليه الانتهاء، وهو غفلة عما بعده، فإنّ ما ذكر مأخوذ من إجراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 تلك الصفات كما أشار إليه المصثف رحمه الله، فهذا أتم فائدة، وأطلق الإضافة ليشمل القراءتين وقيل الأوّل علة لكونه مالكاً، وهذا لكونه ملكا كقوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] واليوم معروف كما مرّ واطلاقه هنا على التشبيه لأنه زمان له مبدأ ومنتهى كما قال تعالى، وإن يوماً عند ربك كألف سنة، وقيل خص لإفادة ملكه لجميع الأمور لدلالة تملك الزمان والمكان على تملك ما فيه كما مرّ وهو يرجح كون الإضافة لامية لا على معنى في لأنّ كونه مالكا في يوم الدين لا يقتضي العموم كما قاله قدس سرّه. قوله: (وإجراء هذه الأوصاف إلخ) الإجراء هنا مستعار من إجراء الماء إلى ما يستقى به أو من إجراء الوظيفة على من يأخذها بمعنى إيصالها إليه من غير انقطاع، وهو حقيقة عرفية، وإن استعير من الأوّل لجعله صفة تابعة لموصوفها وصار هذا حقيقة عند المصنفين أيضاً، وهذا ملخص ما في الكشاف كما بئنه شراحه. وقوله من كونه ربا هكذا هو في أكثر النسخ من كونه رباً للعالمين موجداً لهم، وفي نسخة موجدا للعالمين رباً لهم وفي أخرى ربا موجداً للعالمين ربا لهم، وهذه أقلها ولا معول عليها والكل متقاربة ولا خفاء فيه، والتربية دالة على الإيجاد تضمناً أو التزاما فتقديم كونه موجداً رعاية للترتيب في الوجود وتأخيره لتقدم ما يدل عليه رتبة، وقيل إنه لما كانت تربيته للعالمين أنه رقاهم في مدارج الكما اط فإفاضة الوجود واعداد أسباب الكمالات وكان الإيجاد مبدأ التربية جعله كأنه خارج عنها، والأحسن ما قيل من أنّ قوله موجدا وما بعده تفصيل لربوبيته، وقوله رباًيهم تعميم بعد تخصيص لمزيد الاهتمام لأنّ الكمال الأوّل الذي هو أساس جميع الكمالات لا ينبغي إخراجه من مفهوم الربوبية مع أنّ ربوبيته لهم بإضافة سائر الكمالات لا تستلزم كونه موجداً لهم، ولا حاجة إلى أن يقال إنه مبنيّ على كون الرب بمعنى المالك وموجداً، وربا خبراً كون، أو أحدهما خبر والآخر حال. قوله: (منعماً عليهم إلخ) هذا تفصيل لمعنى الرحمن الرحيم فقوله: بالنعم كلي من فحوى كونه المعطي للجلائل والدقائق، فإنه عبارة عن العموم والشمول كما مرّ، وفصل عمومه وفسره بقوله ظاهرها وباطنها. وقوله:) عاجلها وآجلها) من كونه رحمن الدنيا والآخرة، فلا وجه لما قيل من أنّ ما ذكر فهم من قرينة ذكرهما في مقام المدح وانّ الأنسب ذكر جليلها وحقيرها بدل قوله ظاهرها وباطنها، فإنه مذكور في تفسير الرحمن الرحيم، وقد تبع الزمخشريّ في الظاهر والباطن، وزاد عليه العاجل والآجل تفسيراً لهما، فإن النعم الدنيوية ظاهرة والأخروبة باطنة، ومما هو مشهور معروف أنّ الدنيا ظاهر والآخرة باطن قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [صورة الروم: 7] ولم يعد لفظ من كونه كما في الكشاف لأنّ المجموع عنده وجه واحد وإعادته تشعر بالاستقلال وقال قدس سرّه: إنّ الوصف الأوّل متعقق بالإبداء والثاني والثالث بالبقاء والرابع بالإعادة وهو ثماأ هر، وليس مبنياً على أنه فسر الرت بالمالك كما توهم. قوله:) مالكاً إلخ) الثواب والعقاب من الدين كما مرّ، وهو تفسير له على القراءتين لأنّ كلاً منهما يؤدّي مؤدّى الآخر إذ لا منافاة بينهما ألا ترى قوله تعالى: {مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] فليس على إحدى القراءتين كما توهم حتى يقال إنّ المناسب لما اختاره أن يقول ملكاً الأ أنه اختاره لكون أصل التفسير عليه وقوله للدلالة خبر قوله إجراء. قوله: (للدلالة على أنه الحقيق إلخ) في الكشاف، وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه بعد الدلالة على اختصاص الحمد به، وأنه به حقيق في قوله الحمد لله دليل على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله انتهى. فقال الفاضل الليثيّ رحمه الله إنّ قول المصئف رحمه الله للدلالة إن كان مصدر الدليل بمعنى الحجة وافق ما في الكشاف، والاً وهو الظاهر خالفه لأنّ إفادة الحمد لله الحصر محل خفاء واشتباه، فإنّ المقيد للحصر إمّ اللام الجنسية أو اللام الجارّة وارادة الجنس من حيث هو لا تفيد الحصر في مثل المنطلق زيد وفي مثل الحمد لله إفادته الحصر تتوقف على استلزام استحقاقه تعالى حمداً باعتبار عدم استحقاق غيره له باعتبار آخر وهو محل نظر على أنّ المختار حمل الحمد على الجنس من حيث هو، وأمّا اللام الجارّة ففي مواضع من الكشاف ما يدل على إفادتها الحصر دلالة واضحة وبه صرّح المحقق السعد والسيد السند، وقالا لام الاختصاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 للحصر وقوله قذس سرّه في الحمد لله: دل بلام التعريف والاختصاص على أنّ جنس الحمد مختص به تعالى دال على أنّ لام التعريف للجنس ولام الاختصاص للحصر، ولم يرد أنهما دليلان على الحصر بناء على أنّ تعريف الجنس يفيد الحصر لأنّ إفادته على تقدير الحمل على الاستغراق، والحمد محمول على الجنس نفسه، ولو كان لام الجنس مفيداً للحصر كلام الاختصاص أفاد قوله الحمد لله قصر الحمد على المختص بالله غير متجاوز إلى المختص بغير. أو غير المختص به وهو غير مراد، وذكر السعد رحمه الله في قوله تعالى: {الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً} [المائدة: 48، أنّ دلالة لام الجرّ على الاختضاص الحصري ممنوع، وذكر الشريف مثله في تقديم المسند من المفتاح، ويعضده أنها لو كانت للحصر كان نحو ما المال إلأ لزيد مفيداً لحصر المال في الاختصاص بزيد لا حصره في زيد لحصوله قبل ورود النفي والاستثناء، وقولك الحمد لله مفيداً لقصر الحمد على الاختصاص بالله وكذا قوله الحمد لله على تقدير الحمل على الاستغراق، أو كانت اللام فيها مجردة عن معنى الاختصاص للتعقق الخاص مجازاً والأوّل إفادة ما ليس بمقصود، والثاني يستلزم اشتمال الكلام على المجاوز وزيادة ما والاً وتقديم ما حقه التأخير لإنادة معنى يحصل بدودن ارتكاب شيء منها، وقال الزمخشريّ في سورة التغابن في قوله تعالى: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التغأبن: ا] قدّم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله وهو يدل على أنّ هذا الحصر غير مستفاد من الكلام عند التاخير والآ لم يكن التقديم للدلالة عليه ولم يكن للتقديم وهو خلاف الأصل وجه إلاً أنه لما دل كلامه في مواضح اخر على إفادة اللام الحصر. قال في الكشف: أراد تاكيد الاختصاص المدلول عليه بلامي التعريف والتخصيص، ووجه إفادته تأكيد ذلك الاختصاص مع أنّ المستفاد من التقديم هو حصر الملك والحمدش الاختصاص بالله المدلول عليه باللامين أي اختصاص الملك والحمد بالله تعالى أنّ حصرهما في الاختصاص بالله يتضمن إثبات الإختصاص به تعالى لهما، وهو حاصل على تقدير التأخير أيضا ونفى مقابله عنهما، وهو يتضمن إثبات الاختصاص، فإن نفى أحد الوصفين المسلم س ثبوت أحدهما على ما هو مقتضى القصر يستلزم ثبوت الآخر سيما إذا كان أحدهما سلبا للآخر، لكن الظاهر أنّ هذا الحصر غير مقصود، ويعضدّه جعل الرضى إضافة العام للخاص مطلقا واضافة المظروف للظرف كضرب اليوم بمعنى اللام المفيدة للاختصاص واللام في نحو لأوّل ليلة باقية على اختصاصها الأصلي، والأوّل اختصاص الفعل بالزمان لوقوعه فيه، والثاني اختصاصه بوقوعه بعده، وبالجملة فالظاهر أنّ زيدا ثبت له القيام، وقائم متساويان في عدم إفادة القصر، وأما عدم عدهم اللام من طرق الحصر كسائر الحروف المشعرة به فلأنه في اصطلاحهم كما في شرح المفتاح جعل أحد طرفي النسبة مخصوصا بالآخر بطرق معهودة واللام ليست مفيدة لجعل أحد إلخ لكونها جزءاً من أحد الطرفين، ولذا لم يعد لفظ الاختصاص، ونحوه من طرق القصر، والحق أنّ معناها التعقق الخاص، وأنها قد تفيد الحصر بحسب المقام وقرائن الحال، وتمثيل النحاة شاهد صدق عليه، فحيث كان المقام مقتضيا للحصر، ولم يكن فيه ما يدل عليه غيرها نسب القصر لها، وحيث لم يقتض ذلك أو كان فيه ما هو أدل عليه منها استراحت من الحصر، فلذا ترى العلامة الزمخشريّ نسبه لها في موضع دون موضع من غير تعارض في كلامه كما يوهمه كلام هذا الفاضل رحمه الله، وأمّا كون طرقه خارجة عن طرفي النسبة طارئة عليهما فليس بلازم، ألا ترى أنّ ضمير الفصل منها، وقد قيل إنه مبتدأ نعم ما يدل عليه بصريح الوضع كلفظ خص وحصر لا يعد منها لأنه من وظائف اللغة دون المعاني الناشئة عن خواص التراكيب كما لا يخفى، وقد حرّرنا هذا المبحث بما لا مزيد عليه، فليكن على ذكر منك إذا مست الخاجة له. قوله: (لا أحد أحق به منه) أراد بقوله إنه الحقيق الحصر والمفيد له تقديم المسند إليه أو تعريف الخبر على أنّ المراد به الاستغراق، وظاهر عبارة الكشاف تدلّ على أنّ الحمد حقيق به لا بغيره، حيث قال بعد الدلالة على اختصاص الحمد به وأنه به حقيق، ويفهم من كون المحامد حقيقة به كونه حقيقا بها. فلم تك تصلح إلا له. ولم يك يصلح الآلها فلذا قال: لم يكن أحد أحق منه يعني أنه أحق من كل أحد ونسب الزمخشريّ الدلالة إلر، الحمد لله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 والمصتف نظر إلى أنّ جملة الحمد إنما تدل على ثبوت المحامد له تعالى على قصر الحقيقة، فنسب الدلالة إلى إجراء الأوصاف، واكتفى بثبوت الحقيقة، أوّلاً نظراً إلى جل النظر، ثم ترقى فقال لا أحد إلخ. ثم ترقى في النظر فالأوّل تدافع بين قوله أنه الحقيق النافي استحقاق غيره بتعريف الخبر وقوله لا أحد أحق إلخ المفيد لمشاركة غيره في الاستحقاق لكن الحصر ادّعائي بتنزيل استحقاق الغير منزلة العدم، وقيل إنه لم يرد به الحصر لئلا ينافي كونه أحق ولئلا يصير قوله بل لا يستحقه إلخ. لغوا وكون تنزيل استحقاق الغير منزلة العدم بالنسبة إلى استحقاقه لا يستلزم عدم استحقاقه في الحقيقة لا يضرنا إذا دققنا النظر فيه، وقيل: إنه لم يكتف بالقصمر المستفاد منه فزاد هذا للتاكيد والمبالغة ولما فهم من ظاهر نفي الأحقية عن الغير أصل استحقاقه نفاه بقوله بل لا يستحقه على الحقيقة سواه، وقال: على الحقيقة، لأن استحقاقه في الجملة ثابت لا ينكر، وقال قدّس سرّه. المناسب لكون الحمد حقيقا به دون غيره أن يقال: لم يكن غيره حقيقاً بالحمد لأن قوله أحق يدل على أنّ غيره حقيق في الجملة، فكأنه لما أشار أوّلأ إلى انحصار الحمد فيه تعالى نبه هنا كلى أنه ادعائي على ما سبق من التأويل إيماء إلى مذهبه انتهى. والمصنف لما تبعه في أوّل كلامه أضرب عن ذلك بما يدل على أنّ الحصر حقيقي لا ادعائي إيماء إلى مخالفته وفيه نظر، ولا أحق منه كقولهم لا أفضل في البلد من زيد ومعناه أنه أضمل من الكل بحسب العرف إذ يستفاد منه نفي المساواة، وفي شرج المقاصد في بحث تفضيل الصحابة السر فيه أنّ الغالب فيما بين كل شخصين الأفضلية، / أو المفضولية لا التساوي، فلهذا نفى الأفضلية دون المساواة، وانما لم يستحقه سواه على الحقيقة لما قيل من أنّ الأفعال الاختيارية للعباد مخلوقة له تعالى ولا تأثير بل لا مدخل لاختيارهم فيها أصلاً، فلا يستحقون الحمد عليهيا ومعنى الاستحقاق المنفي كونه حقا لازما لهم، وأها الاستحقاق بمعنى ترتبه عليها عقلاً وعادة، فلا نزاع فيه كاستحقاق الئواب، ولا يلزم من نفي الاستحقاق بالمعنى المذكور كون حمد غيرهم مجازاً لأنه لغة الثناء على الجميل الاختياري أي المنسوب إلى الاختيار ونسبته إليه بكونه مسبباً عنه، وله مدخل في حقيقته أو مقارنته له، وأمّا كونه لا اختيار لغير الله عند أهل الحق فيختص الحمد به حقيقة لاختصاصه بالجميل الاختياري، فيلزم أن يكون إطلاقه في حق غيره مجازا ففيه أنه إن أريد نفي الاختيار الذي له مدخل في الفعل، فانمكاؤه مسلم لكن لا يتجه القول بمجازية الحمد إذ أطلق على غيره تعالى، فإنهم قائلون بوجود الاختيار للعبادو بانتساب أفعال العباد إلى الاختيار بالمقارنة، وفي شرح المواتف ليس لقدرة البشر تأثير في أفعالهم بل الله أجرى عادته بأن يوجد في العباد قدرة، واختياراً فإن لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما وساغ إطلاق الاختياري في كلام أهل الحق على أفعالهم، واد أريد نفي الاختيار مطلقا فممنوع. (أتول) ما ذكره في معنى الاستحقاق تساعده اللغة. قال في المصباح: قولهم هو أحق بكذا له معنيان أحدهما اختصاصه بذلك من غير مشاركة نحو زيد أحق بماله أي لا حق لغيره فيه. والثاتي أن يكون أفعل تفضيل، فيقتضي اشتراكه مع غيره وترجيحه عليه قاله الأزهريّ واستحق فلان الأمر استوجبه قاله الفارابي وجماعة انتهى. وكذا ما حكاه من كون حمد العباد ليس بمجازي الأ أنّ الذي نراه أنّ كلام المصنف أظهر مما يذكر فتدبر فيما بعده. قوله: (فإن ترتب الحكم إلخ الما ذكر أنه الحقيق ولا أحق منه، ثم أضرب عن الأحقية إلى نفي استحقاق الغير رأسا أشار إلى وجه ذلك، والحكم هو ثبوت الحمد لله المعلوم من جملة الحمد لله، والترتب المذكور معنويّ فإنك إذا قلت كرم هذا الرجل العالم فهم منه أنّ سبب إكرامه علمه، ولذا قيل إنّ في قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6] تلقينا للحجة وهو من ألطف الكرم، والوصف وإنّ تأخر عن موصوفه لفظاً، وكذا عن الحكم عليه فهو مقدم عليه رتبة لتقدم العلة على المعلول والسبب على المسبب بالذات والاضتبار فلا يقال إنه ليس من ترتب الحكم على الوصف بل الأمر بالعكس كما توهم وهذا ما وعده قبل بقوله كرّره للتعليل على ما سنذكره، والظاهر أنّ كل واحد من هذه الأوصاف المذكورة علة لاستقلاله في إيجاب الحمد عقلاً كما ستراه لا المجموع كما قيل، وقد قيل عليه إنّ انحصار العلة في المذكورات إنما يتم إن كان الحكم ثبوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 جنس الحمد على وجه الاسنحقاق الحقيقي، والأ فالعلل كثير وفيه نظر وأيضا الإشعار بالعلية لا يفيد حصر الاستحقاق فيه تعالى، وأنما يفيد حصر العلية في الوصف وقد ردّ هذا بأنّ ثبوت العلية مع عدم ظهور علة أخرى يقيد الظن بحصر العلية، وهو كاف في مثله قيل: ولاحتياح ما اختاره المصتف إلى العناية قال في الكشاف: بعد الدلالة على اختصاص الحمد به، فجعل الاستحقاق مستفاداً من اللامين، وفيما مرّ غني عنه، فإن قلت كيف يصح ذلك وله تعالى صفات ذاتية وفعلية موجبة للاستحقاق غير ما ذكر قلت أجابوا بأنّ الصفات الذاتية لا تصلح لأن تكون محموداً عليها بالحقيقة لكونها غير اختيارية، وأما الصفات الفعلية الموجبة للحمد، فليس شيء منها خارجا عما ذكر فيما قيل وقيل: للحصر جزآن، وهذا دليل جزء منه ويدل على عدم استحقاق الغير بمفهوم المخالفة لانتفاء تلك الأوصاف فيه، وفيه أنّ ما بعده يدل على عدم اعتبار المفهوم أوّلاً. (أقول) ولا يخفى عليك أنا سواء قلنا كل من هذه الأوصاف أو المجموع علة للحمد سواء كان جنسه أو جميع إفراده، وكل منها لا يوجد في غيره تعالى لزم أن لا يوجد الحمد في أحد سوى الله المحمود في كل أفعاله وأنه لا يستحقه غيره حقيقة، وفرق بين هذه الحقيقة والحقيقة اللغوية التي يذكرها النحاة، وسائر أهل العربية واللغة، فإنها مبنية على المتعارف في التخاطب، ويسمى السبب العادي فيه فاعلاً حقيقياً كمن يقوم به الفعل والوصف دون من أوجده، والمتكلمون والمشايخ لا يطلقون الحقيقي على غير من أوجده ولعدم الفرق بيت الفاعلى اللغوي والفاعل في نفس الأمر وبين الحقيقتين غلطوا في أمور كثيرة كما نبه عليه الأبهري في شرح العضد، وكل جميل هو فعل الله وهو الفاعل له دون من عداه فكيف يحمد غيره عليه أيحبون اًن يحمدوا بما لم يفعلوا، وهو له في الدنيا والآخرة فالحمد لله حمداً يليق بجنابه. قوله: (وللإشعار من طريق المفهوم) معطوف على قوله للدلالة، وفي نسخة أو بدل الواو إشارة إلى أنّ كلاً منهما نكتة مستقلة، والإشعار على ما ذكره أهل اللغة قاطبة الإعلام يقال أشعرته الأمر وأشعرته به والمصنفون يستعملونه لما ليس بصريح فهو عندهم كالإيماء والإشارة وهو الذي عناه المصتف رحمه الله، فكأنه في اصطلاحهم من أشعر الهدي إذا جعل فيه علامة فهو استعارة مشهورة بمنزلة الحقيقة قيل: ولا يخفى أنّ مؤدّى الإشعار المذكور هو مؤدّى الدلالة السابقة فعطفه عليه ليس بظاهر، وزيادة قوله من طريق المفهوم غير مقيدة لزيادة تسوّغ العطف، فإن فيه تعليق الحكم بالأوصاف المذكورة أيضاً وما ذكر من أن ترتب الحكم إلخ وجه لإفادته انتفاء الحكم عند عدمه، ويمكن أن يقال إنه جعل الإشعار مستندا أيضا لعلة مفهوم المخالفة، وهي أن تعليق الحكم بالوصف يفيد انتفاءه عند عدمه والدلالة بوجه آخر من الدلالة وأيضاف لم يجعل متعلق الإشعار مجرّد استحقاق الغير للحمد بل عدم استحقاقه للعبادة بالطريق الأولى انتهى. وهذا الأخير هو الذي عوّل عليه بعض المتأخرين، فقال إنه ذكر للإجراء فائدتين الآولى أنّ الكلام بمنطوقه دليل على اختصاص الحمد به بواسطة إشعاره بعلية تلك الأوصاف للحكم وبالعلم الضروري بانتفائها عما سواه تعالى. والثانية أنه بمفهوم المخالفة دال على اختصاص العبادة به تعالى لأنّ من لم يتصف بها لا يليق به الحمد فعدم كونه أهلاً لأن يعبد أولى، فالأوّل تأييد لما قبله، وهذا تمهيد لما بعده، فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض، وسياق الكلام لا يلائمه، وتصريحه بالدلالة في الأوّل، وبالمفهوم في الثاتي ينادي على أنّ مراده أنّ الأوّل مبنى إفادته لحصر الحمد، أو استحقاقه فيه تعالى بواسطة الألف واللام ولام الاختصاص، ودلالته على انتفائه عما سواه من توابع المنطوق الملحق به والإجراء تأييد له، أو حجة وبرهان عليه وهذا مأخوذ من طريق المفهوم، فلذا جعل الأوّل دلالة وهذا إشعارا، وصرّح بأنه مفهوم لا منطوق، ودلالة فتدبر. قوله: (لا يستأهل لأن يحمد إلخ) بالهمزة والألف المبدلة منها استفعال من الأهل أي لا يستحق وشوجب وقال الحريري: إنه بهذا المعنى مولد لم يسمع من العرب والمسموع استأهل بمعنى أخذ الإهالة وهي الشحم المذاب، وليس كما زعم فقد قال الأزهري: خطأ بعضهم من يقوله، فأمّا أنا فلا أنكره، ولا أخطىء من قاله لأني سمعت أعرابيا فصيحاً من بني أسد يقول لرجل شكر عنده يداً أولاها تستأهل أبا حازم بمحضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 جماعة من الأعرأب فما أنكروها وأنكره المازني، وقال يستأهل لا يدل على معنى يستوجب لأنّ معناه أن يطلب أن يكون من أهل كذا، وقد بسطنا الكلام عليه في شرح الدرّة، وقوله فضلا مصدر يتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه بنفي الأدنى واستبعاده عن الوقوع على نفي الأعلى، واستحالته عادة وفيه كلام طويل في شروح الكشاف والمفتاح، وصثف فيه ابن هشام رسالة مستقلة، وقوله ليكون بالياء التحتية أو التاء الفوقية أي لتكون الأوصاف المذكورة أو كل واحد منها أو أجزاؤها، وأفرد دليلا لأنه على وزن فعيل أو في عداد الأسماء أو جعلها كشيء واحد، وهذا مما زاده المصئف رحمه الله على الكشاف. قوله: (فالوصف الأوّل إيخ) قيل عليه إنّ- كلامه أوّلاً يشعر بأنّ الأوصاف المذكورة علل الحمد ويشعر بعليتها ترتب الحكم جمليها وهذا يدل على أن الموجب للحمد مدلول الوصف الأوّل وذكر الأوصافي الأخر لفوائد أخر فكأنه جعل ما يفهم من الأوصاف الآخر مندرجا في معنى الرب إجمالاً اكن اندراج غقاب الكافر في معنى الرب غير ظاهر. وأجيب بأنه يوفق بينهما بأنّ علية امملربوبية مشروطة بالاتجتيإرأ المستفاد منها، فإن نظر إلى ذات العلية خكم بأنها الربوبية وإن نظر إلى أنّ الذات بدون الشرط لا تؤثر قيل: كل واحد منهما علة، لأنّ له مدخلاَ في العلية، فأوّل الكلام إجمال وآخره تفصيل، وما مرّ من الجواب فيه ما فيه وعدم اندراج عقاب الكافر مع تضمن المالك له يجاب عنه بأنّ تربيته للمؤمن لا يجابه زيادة الشكر ومعرفة قدر الإيمان ونحوه، وقيل: خذا البيان الموجب لثبوت. المحمد فلا ينافي ما تقدم من أنّ علة حصره هو المجموع، وقيل هذا شروع في بيان فائدة كل واحدة منها بعد بيان فائدة مجموعها، ولذا فرعه بالفاء التفصيلية لتفرّع التفصيل على الإجمال كما بينه المصتف رحمه الله. (أقول) قد جعلوا الفاء- هنا. تفصيلية، ولما فيه من الخفاء قيل ما قيل والظاهر أنها فصيحة جواب لسؤال نشا مما مرّ، فكأنه لما بين أنّ استحقاق جميع المحامد مختص به، وأنّ إجراء تلك الصفات مجموعها أو كل واحدة منها أو الأعمّ منهما دال على علته منطوفاً ومفهومأ قيل هل هذا واجب وما يوجبه فأجيب بما ذكر فهي واقعة في جواب شرط تقديره إذا اختص به، ووجب فالمبين لإيجابه ما ذكر من الصفات أيضاً ففيها مع ما سبق من الفوائد بيان لما يوجبه أو هي تفريعية كأنّ ذلك لما كان ثابتاً للذات بالذات قبل وجود الكائنات تفرع عليه وجوبه عليهم بعد البروز لساحة الوجود فالصفة الأولى لبيان الموجب، وما بعدها تحقيق للإيجاب، فإنه لو كان صدوره عنه بإيجاب، أو وجوب عليه لم يتحقهق الاستحقاق أو كماله لأنه يكون كالملجأ فلا يحمد ويحمد من ألجأه؟ كما قيل: وكنا كالسهام متى أصابت ~ مراميها فراميها أصابا ومن وجب عليه دين فأدّاه لا يحمد أو لا يعتدّ بحمده، ولما تمت الفائدة بما ذكر بين أنّ فائدة ما بعده من تحقيقه تحقيقه للاختصاص الحث على أداء ما وجب بوعده ووعيده، وهذا أمر آخر غير ماتقدم أتمّ فائدة وأحسن عائدة. واعلم أنّ الإمام رحمه الله قال: إنّ من ذهب إلى وجوب الشكر عقلاَ قبل مجيء الشرع استدل بقوله الحمد لله لأنه يدل على أنّ الحمد حقه وملكه على الإطلاق فيدل على ثبوته قبل الشرع ولأنه قال رب العالمين، وقد ثبت أنّ ترتب الحكم على الوصف المناسب يدل على كون الحكم معللاً بالوصف فلما أثبت الحمد لنفسه ووصفه بكونه رباً للعالمين رحمانا رحيما بهم مالكاً لعاقبة أمرهم في القيامة دذ على ثبوت الحمد له قبل الشرع وبعده، فكأنّ المصثف رحمه الله أشار بما ذكر إلى الردّ عليه، فإنه بيان من الله لإيجابه فهو سمعيّ لا عقليّ فما ذكر دليل عليه لا له فتدبر. قوله:) متفضل بذلك) المذكور من الإيجاد والتربية، ودلالتهما عليه لأنّ المراد بالرحمة في حقه تعالى أثرها من التفضل والإحسان الاختياريين وضمير يصدر راجع إلى ذلك، وانتفاء الإيجاب بالذإت يلزم من كونه مختارا إن فسر الاختيار بصحة الفعل والترك، فإن كان المختار من إن شاء فعل وان شاء ترك لم يلزمه إنتفاء الإيجاب، ففيما ذكره المصنف رحمه الله نظر، وجوابه يعلم مما مرّ، وهو رذ على الفلاسفة وتحقيقه في الأصول. وقوله أو وجوب عليه ردّ على المعتزلة فإنهم يزعمون وجوب أمور عليه تعالى كثواب المطيع ورعاية الأصلح، وما قيل في بيانه من أنّ الأعمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 السابقة من العبد توجب على الله الآلاء اللاحقة به كما قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وما أورد عليه من أنّ المعتزلة لا يقولون بالوجوب عليه تعالى في غير الثواب والعقاب، كما بين في الكلام ليس بشيء، وقوله قضية مصدر أو اسم مصدو بمعنى القضاء كالعطية بمعنى العطاء والقضاء بمعنى الأداء، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ} [النساء: 03 ا] أي أديتموها وقيل الحكم. وفي المصباج إنّ استعمال الفقهاء القضاء لما يفعل خارج الوقت مقابلاَ للأدأء اصطلاح مخالف للوضع اللغويّ، وهو تعليل للوجوب يعني أنّ الوجوب عندهم لقضاء حق الأعمال السابقة من العبد وأدائها، وهو منصوب على أن مفعول لأجله لقوله وجوب، وقيل ليصدر من حيق التعلق بالوجوب واللام متعلقة بقضية، ونصبه مع أنه ليس فعلاً لفاعل الفعل المعلل لأنه في الحقيقة علة لما هو مضاف إليه الوجوب معنى، وهو الإيجاد والتربية على أنّ الرضمى لم يرض اشتراط ذلك، والمراد بقضاء سوابق الأعمال الإتيان بمثلها من الجزاء، وهذا علة لبعض ما يوجبونه عليه، ومعنى الوجوب عليه اللزوم في موجب الحكمة بحيث يحكم العقل بامتناع عدم صدور الفعل منه، وقد يضم له أنه لو لم يفعل يستحق الذم بمخالفته الحكم، وانتفاؤه يلزم منه كونه متفضلاً كذا قيل، وأورد عليه أنه يصير المعنى حينئذ ليس إيجاد. وتربيته لقضاء سوابق الأعمال، وهو وان تصوّر في بعض أفراده القريبة لا يتصوّر في الإيجاد أن يكون لقضائها، وقد علمت سقوطه مما مرّ وان كانت العبارة لا تخلو عن قصور مّا. قوله: (حتى يستحق به الحمد) هو غاية لقوله متفضل بذلك مختار ومستقبل بالنسبة إليه، فيجوز فيه الرفع والنصب كما في قوله تعالى: {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214، وقيل حتى استئنافية ويستحق مرفوع مسبب عما قبله وقصد به حكاية الحال الماضية وفيه نظر أي لو لما يكن متفضلاً مختاراً لم يستحق الحمد كما مرّ، وهو في الحقيقة متعلق بالتفضل دون الاختيار إذ من أدّى ما يجب عليه لا يحمد أو لا يعتد بحمده، ولذا قال الفقهاء إنّ الهبة بعوض بيع معنى، فلا يرد عليه أنّ الوجوب بالمعنى المذكور يجامع القدرة على الترك والتمكن منه نعم الوجوب بمعنى منافي الاختيار ينافي الاستحقاق، وليس كالوجوب على العبد كما قيل لا لما ذكر من أنّ هذا الوجوب بمعنى عدم قدرته على الترك إذ هو واقع كما عرفت بل لأنّ الوجوب الشرعي عدم منافاته للاختيار ظاهر جدا، فلا يناسب التشبيه إلا أن يكون باعتبار إرادة المبالغة في عدم استلزام الوجوب عليه لسلب الاختيار، وقد عرفت ما يرده واذا ظهر المراد سقط الإيراد. قوله: (لتحقيق الاختصاص) أي اختصاص الحمد بالله وعدم قبول مالكية يوم الدين للشركة فيه ظاهر بخلاف الربوبية والرحمة فإنها بحسب الظاهر بتصوّر فيها الشركة، وان كانت بالنظر للمعنى المراد كما مرّ لا تقبلها أيضاً واختصاص الحمد لاختصاص المحمود به أو عليه، وتضمين إلخ بالجرّ معطوف على تحقيق، والوعد والوعيد من الدين بمعنى الجزاء، وما قيل عليه من أنّ اختصاص الأمور به في يوم الدين لا يوجب اختصاص الحمد لجواز أن يحمد على غير ما في هذا اليوم وأنه لا دخل لتضمين الوعد والوعيد فيما هو بصدده من بيان وجه إجراء الصفات عليه، فكان ينبغي أن يقول واجراء هذه الصفات للدلالة إلخ وللحث على الحمد والنهي عن الإعراض ليرتبط الكلام لا يرد لأنّ الحمد على ما في غيره، واختصاصه أيضاً علم من رب العالمين وقرينيه، وأكد بهذا الظهور اختصاصه، ووعد الحامدين يقتضي استحقاق الحمد وينبه على لزومه فمناسبته للمقام ظاهرة، وعبر بالتضمين لما فيه من زيادة الوعيد مع أنه وعد للمؤمنين أيضا كما قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد وقوله للمعرضين أي عن حمده أو عنه وعن عبادته. قوله: (ثم إنه لما ذكر إلخ) ثم للعطف مع مهلة، وهي هنا للانتقال من كلام إلى آخر، ولما كانت العبادة أهمّ عطفها بها للدلالة على تفاوت الرتبة أو هو إشارة إلى بعد طريق الخطاب عن طريق الغيبة والضمير للشأن وخالف الزمخشريّ في تقديم ما ذكر لأنه المقصود بالذات قيل: ولو قال بدل ذكر حمد كان أولى وهو اشتغال بما لا يعني وتميز صفة لصفات وعظام جمع عظيمة هنا ويكون جمع عظيم، وجمع عظم أيضاً كما صرّح به صدر الأفاضل، فمن قصره على الأخير فقد وهم وتعفق عطف على تميز بحذف العائد، ووقع في بعض النسخ بدون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 واو فهو جواب لما وعلى الأوّل خوطب جوابها وفي نسخة فخوطب بالفاء، وباء بذلك سببية أو ا-لية فالإشارة للتميز أو للفظه قيل والذكر يحتمل أنه ذكر الله ذلك حكاية عن العباد تعليما لهم، فحصول التميز والتعلّق على ظاهره لكن قوله خوطب ليس على ظاهر إذ هو تعالى ليس بمخاطب في تلك المرتبة بل المراد منه حكاية خطابه تعليماً، ويحتمل أن يراد ذكر العباد ذلك في مقام الحمد والقراءة كما علمهم، فحصول التمييز والتعلق بالنسبة إلى من عنده التمييز والعلم باعتبار التفات جديد لازم للقراءة والخطاب على ظاهره، وقيل وجه سببية الذكر والوصف المستلزمين للتميز والعلم التنزيل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة التي أوجبت تميزه وانكشافه حتى صار كأنه يبدل خفاء غيبته بجلاء حضوره منزلة المخاطب في التميز والظهور فيصح إطلاق ما هو موضوع للمخاطب عليه، وظاهره أنّ الحق سبحانه لا يخاطب حقيقة ولا يظهر وجه لصحته كيف ولا يثترط في الخطاب إلاً السماع لا المشاهدة والعيان، والآ يلزم أن لا يخاطب الأعمى حقيقة ولا من هو خارج الدار من في داخلها ولم يقل به أحد انتهى. (أقول) هذا مشكل من أهمّ المهمات بيانه وكلام كتب المعاني كلها أو جلّها ناطق بمثل باردة، فلا بدّ من بيان معنى الخطاب المدلول عليه بضمائره ونحوها فإنه إن قيل إنّ حقيقته توجد إذا اجتمع المتخاطبان بجث يرى كل منهما الآخر، ويسمعه لم يكن خطاب الداعين لله حقيقيا، وكذا خطاب الأعمى ومن هو خارج الدار ونحوه والبدإهة شاهدة بخلافه، فإن لم يشترط ذلك لزم أنّ كل من وجه له الخطاب غائبا كان أو حاضراً مخاطب حقيقة، وفساده ظاهر فلا بدّ من بيان المراد منه حتى تتميز حقيقته من مجازه، والذي لاح لي بعد إمعان النظر فيه أنّ كل شيء له تحقق في الخارج ونفس الأمر وتحقق ذهناً باعتبار دلالة العبارة عليه، ولا تلازم بينهما فتحقق الخطاب في الأوّل بحيث يعدّ حقيقة يكفي فيه سماع المخاطب ووجوده عنده، وإن لم يحوهما مكان واحد ولم يركل منهما الآخر فالعبد يخاطب الله في دعائه حقيقة لسماعه دعاءنا وهو معنا، وأمّا باعتبار استعمال ما وضع للخطاب كضمائره، فإن وقع ذلك ابتداء في حال التكلّم كان مدلولها مخاطباً حقيقة، والاً فلا، وإن وقع في أثناء الكلام ينظر لما قبله فإن كان لفظاً موضوعاً للمخاطب، فكذلك هو حقيقيّ حتى يعد ما خالفه التفاتا، والاً فهو مجازي، لأنّ الحكم وقع عليه أوّلاً من غير دلالة على توجه النفس إليه توجه الخطاب سواء كان كذلك أو لا حسبما يقتضيه الحال ألا ترى الرجل بين يدي الملك لمهانته يخاطب بعض خدامه، ويقول أنا راج أن يحسن إليّ السلطان ويخلصني بعدله من العدوان، ولا يعدّ التعبير بالغيبة فيه مجازاً والتفاتاً مع أنه بمسمع منه ومرأى، وهكذا جرى القياس ومتعارف الناس، ولما كان الغالب المتعارف كون المخاطب حاضراً محسوساً وغيره ليس كذلك جعلوه معيار الحقيقة والمجاز، ولما ذكر الله هنا بطريق الغيبة جعل إجراء الأوصاف المعينة لتميزه في قوّة التعبير عنه بما يدل على الخطاب، ولما لم يكن كذلك حقيقة جعل التفاتا وهو الذي عناه ذلك الفاضل، فبيته وبين ما أورد عليه بعد المشرقين، وقد وضح الصبح لذي عينين، وهذا سرّ حديث: " الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه " كما قال الشاعر: واني لأرجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانع قوله: (أي يا من هذا شأنه إلخ) فيه إشارة إلى المرجح بعد المصحح، وكأنّ الخطاب المعلل بهذه الفوائد مسبب عما تقدّم، ولما كان في إطلاقه عليه ملاحظة لتلك الأوصاف صار الحكم مرتبا على الوصف المناسب، فكأنه قيل يا من اتصف بتلك الأوصاف، وتميز بها نعبدك فيشعر من طريق المفهوم باختصاص العبادة به، فيكون ما خوطب به أدل على الاختصاص من إياه نعبد لاشتراكهما في الدلالة على الاختصاص بالتقديم، واختصاص الأوّل بالدلالة من طريق المفهوم أو المعنى ليكون الخطاب أدل على الاختصاص من الغيبة، لأنه ربما يفهم من الصفات السابقة معه لا به، وقال قذس سرّه: حاصل ما ذكر أنه لو قيل إياه نعبد واياه نستعين كما يقتضيه السياق ظاهراً لم يكن فيه دلالة على أنّ العبادة له والاستعانة به لأجل اتصافه بتلك الصفات المجراة عليه وتميزه بها عن غيره، لأنّ ذلك الضمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 راجع إلى ذاته بمقتضى وصفه، وليس فيه ملاحظة لأوصافه، وان اتصف بها فالحكم متعقق بذاته فلا يفهم منه تسببه عرفا، واذا قيل إياك بدله نزل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة الكاشفة له كما مرّ منزلة المخاطب في التميز والحضور، وأطلق عليه ما هو موضوع له، ففهم منه عرفا أن ذلك لتميزه بتلك الصفات ونظير إياك هنا اسم الإشارة الآتي في قوله أولئك على هدى، فإثبته له في الخطاب بطريق برهاني بخلاف الغيبة فلذا قال أدل. قوله: (نخصك بالعبادة إلخ) قال الفاضل الليثي: فيه تصريح بفائدة التقديم والخطاب والباء داخلة على المقصور لأنّ الاختصاص والتخصيص والخصوص يقتضي بحسب مفهومه الأصلي دخول الباء في المقصور عليه كقوله مخصوص بالمعبود يالحق، وهذا عربي كثير إلآ أن الأكثر في الاستعمال دخولها على المقصور ووجهه استعمال ماذة التخصيص في معنى التمييز أو التميز لكون تخصيص شيء بآخر في قوّة تمييز الآخر به أو تميز. به، وقد تبع في الشريف قدّس سرّه كما حققه في حواشيه على المطوّل حيث قال معنى نخصك بالعبادة نميزك، ونفردك من بين المعبودين فتكون العبادة مقصورة عليه تعالى، وكذأ قوله واختص بوا أي ميز المندوب عن المنادي بوا فتكون مختصة بالمندوب وكذا قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء} أسورة آل عمران سا الآية: 74] وبالجملة تخصيص شيء بآخر في قوّة تمييز الآخر، وأمّا أن يجعل التخصيص مجازاً عن التمييز مشهوراً في العرف حتى صار كأنه حقيقة فيه، وأمّا أن يجعل من باب التضمين، فيلاحظ المعنيان معا وتكون الباء المذكورة صلة المضمن، ويقدر للمضمن فيه أخرى فيقال ونخصك بالعبادة مثلاً نميزك بها مخصصين إياها لك (وههنا بحثان (: الآوّل أنّ المصرّح به في كتب اللغة أنّ الباء تدخل على المقصور قال في الأساس خصه بكذا فاختص به، وفي مفردات الراغب: التخصيص تفرّد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة، وكذا قال الجوهرفي خصه بالشيء فاتفقوا كلهم على تفسيره بالتفرّد والتميز وعلى إدخال الباء على المقصور، وهو الوارد في القرآن المجيد كقوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء} [آل عمران: 74] فما الداير إلى ارتكاب التجوّز والتضمين مع ما في الثاني من التكلّف المخالف للمعهود في أمثاله وهو يكون لازما ومتعديا لمفعول بنفسه وللآخر بالباء، وقد يتعدى لمفعولين كقوله: إن أمر أخصني عمدا مودّته ويحتمل الحذف والإيصال، فقول الشارح المحقق: المعنى نخصك بالعبادة أي نجعلك منفرداً بها لا نعبد غيرك وهذا هو الاستعمال العربي ولو قال: نخص العبادة، لكان استعمالاً عرفياً انتهى هو الصواب فلله دره والعجب من المدقق بعدما سمع هذا قال ما قال {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يونس: 32] الثاني: القصر هنا حقيقيّ، فلا يتوهم أنه يكون لردّ خطأ المخاطب، ولا مجال له هنا لأنه في القصر الإضافي ومن لم يفرق بينهما فقد سها، وأعجب منه ما قيل إنه اعترض بأنّ المعنى نخص العبادة، وطلب المعونة بك لا نخصك بالعبادة، وكأنه نظر إلى أنهم علموا أنّ ذلك يكون لغير الله أو له ولغيره فقال: نخص العبادة بك قصر قلب على الأوّل، وافراد على الثاني، فوجب حمل كلام المصتف على القلب، وفيه أن ردّ الخطأ في القصر على المخاطب وهو هنا محال، وأجيب بأنه على سبيل التعريض، وهو غير صحيح كما سيأتي، وهو من قصر الفعل على المفعول قلبا لكن النظر في دفع الخطأ لم يندفع انتهى. قوله: (والترقي من البرهان إلى العيان) الترقي في أكثر النسخ بدون لام، ووقع في بعضها وللترقي مصرحا بها كما في بعض الحواشي، فلذا احتمل أن يكون معطوفا على قوله ليكون أو على الاختصاص، أو على أدل وهذا أبعدها، ولما ذكر أوّلأ المصحح للخطاب والالتفات أتبعه بالمرجح له، وهو أنه أدل على الاختصاص به تعالى كما مرّ، وفيه الترقي المذكور مع فوائد ونكات أخر مفصلة في المعاني قيل وكون ما خوطب به أو الخطاب أدل على الترقي، والانتقال محل نظر، فالوجه أن يعطف على مدخول اللام فيكون ين فوائد الخطاب لكن ترتبهما عليه ليس في الوجود الخارجي بل في الوجود العلمي فإن الترقي والانتقال المذكورين متقدمان على الخطاب، وهذا إذا أريد به الحالتان الداعيتان للخطاب، وأمّا إذا أريد بهما الترقي، والانتفال من حيث التعبير بالعبارة الدالة على الحالين فليسا بمتقذمين عليه، والعيان بكسر العين وفتحها خطأ هو مشاهدة العين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 والذات. قوله: (والانتقال إلخ) قيل ب / بم ا / م 1 حضوراً بنى أوّل الكلام على ما هو مبادىء حال العارف من الذكو والفكر والتأمّل في أسمائه، والنظر في آلائه، والاستدلال بصنائعه على عظيم شأنه، وباهر سلطانه ثم قفي بما هو منتهى أمره، وهو أن يخوض لجة الوصول، ويصيره من أهل المشاهدة، فيراه عيانا إنه عطف تفسيريّ وليس المراد بالشهود الرؤية الحقيقية لعدم وقوعها وإن لم يمتنع بل التوجه التامّ لحضرة القدس والإعراض عما سواه: وثمّ وراء الذوق معنى يدق عن مدارك أرباب العقول السليمة وقوله بنى أوّل الكلام إلخ جملة مستأنفة استئنافا بيانياً، أو مفسرة ومبينة لما قبلها فلذا لم تعطف، وقيل: الأولى أن يذكر في مبادي حاله تهذيب الظاهر بوظائف العبادات المستفاد من الحمد إن كان بمعناه العرفي ودلالتة إن حمل على المعنى اللغوي لأنّ من عرف أنّ جميع النعم له يلزمه أن ث ممره بجميع الموارد وقيل أواسط حاله الإيمان بالشرع وما لا طريق للعقل إليه إلاً من جهة الوحي رجاء وعده ووعيده وقد تضمنه {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فلم يفت النظم أواسط حاله وفيه نظر إذ كيف يكون الإيمان بالشرع من أواسط حال العارف بل أواسط حاله تزكية البطن عن الأخلاق الرديئة، والملكات الذميمة وتخلقه بأضدادها والجتة والنار صورة تلك الأخلاق، فمالك يوم الدير، فيه إشارة إليها لكن لا كما توهم، ويمكن أن يقال التحلي بالأخلاق الفاضلة والتخلي عن الملكات الرديئة من مقتض الرحمة الرحمانية لأنه من النعم الجليلة الدنيوية، وجزاؤه في الآخرة من مقتضيات الرحمة الرحيمية فالاسمان يشعران بأواسط حاله، وهذا كله تكلف ناشىء من الغفلة عن قوله العارف فإنه في اصطلاحهم من أشهده الله ذاته وصفاته، وأسماءه وأفعاله والعارف تكفيه الإشارة. قوله: (من الذكر إلخ) الذكر من الجلالة أو من جملة الحمد لله لأنه ذكر للأوصاف الجميلة إجمالاً والفكر في الآفاق والأنفس من رب العالمين، والتأمّل التدبز دماعادة النظر مرّة بعد أخرى في الشيء حتى تعرفه من الأمل، وهو الرجاء كأنك كنت ترجوه والآلاء بالفتح والمد جمع إلى بكسرة الهمزة وفتحها مع فتح اللام، وئبسكونها بمعنى النعمة من الرحمن الرحيم، والاستدلال من مالك يوم الدين، والظاهر أنه من الرحمن الرحيم أيضاً والمشاهدة المذكورة من الخطاب والصنائع جمع صنيعة وهي الإحسان، أو صناعة والتعبير بالتأمّل في الأسماء والنظر في الآلاء ظاهر، والباهر من بهر بمعنى فضل وغلب، السلطان الحجة والولاية والسلطنة وكل منها صحيح هنا، وهو إشارة إلى مقامات العارفين في السلوك والسير إلى الله فتدبر. قوله: (ثم قفى إلخ) قفى بالتخفيف بمعنى تبع وبالتشديد بمعنى أتبعه كأنه جعله خلف قفاه. قيل وفيه بحث أمّا أوّلاً فلأنّ منتهى حال العارف مرتبة حق اليقين والظاهر أنّ ما ذكره إشارة إلى مرتبة عين اليقين وامّ ثانياً فلما ذكره بعض العلماء من أنّ الخطاب لا يقتضي إلآ كون المتكلم بحيث يراه المخاطب، ويسمع صوته لا كونه رائيا للمخاطب ومشاهداً له، وفيه نظر لأنه لا يفهم من كلام المصتف استدعاء الخطاب مطلقا شهود المتكلم بل يفهم أنّ الخطاب الواقع بعد إجراء الصفات الموجبة لليقين يوجب كون المخاطب كأنه مشاهد ولا شبهة في صحة هذا الكلام، والجواب عن الأوّل أنّ هذا منتهى السير إلى الله فلذا عدت منتهى حاله، وفب نظر لا يخفى، ومنتهى اسم مفعول أو مصدر ميمي بمعنى النهاية والخوص الدخول في الماء، والمجة الماء المجتمع من البحار ونحوها وهو استعارة تمثيلية أو يخوض استعارة تبعية بمعنى يشرع، واللجة ترشيح له أو لجة الوصول من قبيل لجين الماء، والمراد من العين الذات المعاينة، والأثر فسر هنا بالخبر، وهو المناسب للسمع ولمراده إذ المراد الدعاء بأن يكون ممن كثف له الغطاء فلم يقف على السماع والمعروف في الأثر المقابل للعين أنه بمعنى العلامة، وفي المثل لا أثر بعد عين، والمناجاة المكالمة، والشفاه مصدر بمعنى المشافهة. قوله: (ومن عادة العرب إلخ) قدّم المصنف رحمه الله نكتة إلالتفات الخاصة بهذا المقام لشدة ارتباطها بتفسيره، وللاهتمام بها. 3 أشار إلى فائدته العامّة من جهة المتكلم وهي التصرّف في وجوه الكلام واظهار القدرة عليها، ولذا قال ابن جني رحمه الله إنه شجاعة العربية، وأردفها بفائدة أخرى من جهة الكلام، وهي التطرية أي تجديد أسلوبه وابراز عرائس المعاني في حلة بعد حلة، وفائدة أخرى من جهة السامع وهي تنشيطه وله فوائد خاصة بكل مقام كما أشار إليه أوّلاً بقوله ليكون إلخ. والتفنن ط لإفتنان الإتيان بفنون، وأنواع من الكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وهو أعمّ من ألالتفات لشموله اختلاف وجوه الإعراب في النعوت المقطوعة، والأسلوب بضم الهمزة الطريق والفن ويصمح إرادة كل وإحد منهما هنا، والتطرئة بهمزة بعد الراء أو ياء فهو مهموز وغير مهموز وقيل بمعنى التجديد، إمّا من الطراوة أو من طرأ بمعنى ورد وحدث، وفي المصباح طرو بالواو بزنة قرب فهو طريّ بين الطراوة وطري وزان تعب لغة، وطرأ فلان علينا يطرأ مهموز بفتحتين طرو أصلع فهو طارىء، وطرأ الشيء يطرأ أيضا طرآنا مهموز حصل بغتة وأطريته بالياء والهمزة مدحته اهـ وتنشيط السامع ترغيبه في الاستماع واذهاب كسله وملله من قولهم رجل نثيط أي طيب النفس للعمل، والمصنف رحمه الله جعل التنشيط علة للعدول، والمفهوم من كتب المعاني أنه غرض التطرية والأمر فيه سهل. قوله: (فتعدل من الخطاب إلخ) فأقسامه ستة وهي ظاهرة، وهو عند السكاكي مخالفة الظاهر في التعبير عن الشيء بالعدول عن إحدى الطرق الثلاث إلى غيرها تحقيقاً أو تقديرا، ومنهم من اشترط سبق تعبير بطريق آخر معدول عنه وهو ظاهر كلام الممتف، ويقرب منه التجريد المذكور في البديع، والفرق بينهما بين في محله، ووضع الظاهر موضح المفمر قد يكون التفاتا وقد لا يكون، وهل الالتفات حقيقة أو مجاز والحق أنه قد يكون جمقة وقد يكون مجازاً، ولذا ذكر في المعاني، وقيل إنه حقيقة حيث كان معه تجريد وهو كلام سطحيّ، وقد اتفقوا على أنّ ما نحن فيه من الالتفات، وأنّ فيه التفاتاً واحداً، وفي شرح التلخيص للسبكي فيه نظر لأنّ الالتفات خلاف الظاهر مطلقاً، فإن كان التقدير قولوا الحمد لله إلخ ففي الكلام المامور به التفاتان أحدهما في الجلالة، وأصله الحمد لك لأنه تعالى حاضر والثاني في إياك لمجيئه على خلاف أسلوب ما قبله، وان لم يقدّر كان في الحمد لله التفات من التكلم للغيبة، لأنه تعالى حمد نفسه، ولا يكون في إياك التفات لتقدير قولوا معها قطعاً، فيلزم الشيخين العلامة والسكاكيّ أحد أمرين، إمّا أن يكون هنا التفاتان أو لا يكون التفات أصلاَ إن قلنا برأي السكاكي، وهو مقتضى كلام الزمخشريّ لجعله في الشعر ثلاث التفاتات، وان قلنا برأي الجمهور ولم نقدّر قولوا فلا التفات لأنا نقدر قولوا إياك نعبد فإن قدر قولوا قبل الحمد لله كان فيه التفات واحد في إياك، وبطل قول الزمخشريّ: إنّ في الشعر ثلاث التفاتات اهـ وهذا كلام مشوّس، ويعلم حاله مما قرّروه، فلا يلتفت له فتدئر. قوله: (وبالعكس كقوله تعالى إلخ) متعلق بجميع ما سبق وسكت عن قسمي العدول من الخطاب إلى التكلم، وبالعكس قيل لقلة وقوعهما في التراكيب، أو لأنهما يعلمان بالمقايسة إلى ما ذكر بل بالأولى إذ القرب بين التكلم والخطاب أشد قيل: وفي الوجهين نظر إذ الأوّل غير ظاهر، والثاني لا يختصى بالوجهين، وكون القرب بين التكلم والخطاب أشد من قرب التكلم من الغيبة غير ظاهر، وقد يفال. المصمراع الأوّل من الأبيات إشارة إلى النقل من التكلم إلى الخطاب على طريقة السكاكي، وانكاره القرب بين التكلم والخطاب سهو أو مكابرة، فإنّ بينهما تلازماً ظاهراً بخلاف ائثكلم والغيبة. قوله: (وقوط امرىء القيس إلخ) قائله امرؤ القيس بن عانس بالنون والسين المهملة ابن المنذر بن امرىء القيس بن السمط الكندي على الأصح المعروف عند الرواة، وهو صحابيّ وفد كلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأسلم وكان نزل الكوفة، وفي الصحابة عذة رجال يسمون بامرىء القيس غيره، وقيل: إنّ قائله امرؤ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهليّ المعروف وهذا هو الثابت في كتاب أشعار الشعراء الستة، وعليه صاحب المفتاح وأكثر أهل المعاني، ونص ابن دريد على أنه وهم. وقال ابن الكلبي: هو لعمرو بن معد يكرب في قتله بني مازن بأخيه عبد الله واخراجهم عن بلادهم وأثمد اسم موضع وهو بفتح الهمزة وسكون المثلثة وضم الميم وروي فتحها أيضا، وروي بكسر الهمزة والميم كاسم الكحل والعائر كالعوار القذى الرطب الذي تلفظه العين في الوجع، وبمعنى الرمد أيضأ ويطلق على محله فيحتاج إلى تقدير أي ذي الجفن العائر، والمراد تشبيه نفسه بذي العائرللأرمد في القلق والاضطراب، وتشبيه ليلته بليلته في الطول، والخليّ الخالي من الحزن وأبو الأسود صاحب له نعاه أو من بلغه خبر أبيه، وأبو الأسود كنيته واسمه ظالم بن عمرو من بني الجون أكل المرار، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ابن عمّ امرىء القيس رثاه بهذه القصيدة، وقيل أبى أب مضاف لياء المتكلم والأسود صفته وهو أفعل من السودر أو السواد، والنبأ الخبر أو خبرس فيه فائدة عظيمة وعما له شالط فهو أخص مته، والشعر هو-هلى ا: تطاول ليلك بالإثمد ونام الخليّ ولم ترقد وبات وباتت له ليلة كليلة ذي العائر الأرمد وذلك من نبا جاءني ونبئته عن أبي الأسود ولو عن نبأ غيره جاءني وجرح اللسان كجرح اليد لقلت من القول مايلايزال يؤثرعني يدالمسند بأقي علاقتنا يزعمون أعن دم عمروعلى مرثد فإن تدفنوا الهداء لانخفه وأن تبعثوا الداء لا نقعد وإن تقتلونا نقتلكم وان تقصدوا الدم لم نقصد متى عهدنا بطعان الكما ة والمجد والحمد والسودد وملء القباب وملء الجفان والنار والحطب الموقد وأعددت للحرب وثابة جواد المجيئة والمورد سبوخاجموحاواحصارها كمعمعة السعف الموقد ومطرد كرشاء الجزو رمن جلب النخلة الأجرد وذي شطب غامض كله إذاصاب بالعظم لم يتأد ومسدودة السبك موضونة تضاءل بالطرّ بالمبرد تفيض على المرء أردانها كفيض الأنيئ على الخدخد وهي مشروحة في كتب الشواهد، وقال قدس سرّه: اعلم أنّ قوله تطاول ليلك إن حمل على الالتفات لم يكن تجريداً وان عد تجريداً كقوله: وهل تطيق وداعا أيها الرجل لم يكن التفاتا لأنّ مبنى التجريد على مغايرة المنتزع للمنتزع منه حتى ترتب عليه ما قصد به من المبالغة في الوصف، ومدار الالتفات على اتحاد المعنى ليحصل به ما أريد من إرادة إبراز المعنى في صورة أخرى مغايرة لما يستحقه بحسب الظاهر، فالقول بأنّ أحد أقسام التجريد، وهو مخاطبة الإنسان نفسه التفات مما لا يعتد به، وهذا لم يرتضه بعض الفضلاء وقال فإن قيل مبنى الالتفات على ملاحظة اتحاد المعنى، والافتتنان في التعبير عن معنى واحد بطرق مختلفة، ومبنى التجريد على اعتبار التغاير ادّعاء قلنا يكفي في الالتفات، والافتتان اتحاد المعنى في نفس الأمر، ولا ينافيه اعتبار التغاير ادّعاء ألا ترى أنّ صاحب المفتاج جوّز أن يكون فائدة الالتفات في مثل تطاول ليلك أنّ المتكلم لشدّة المصيبة وقع شاكاً في اتحاده مع نفسه، فأقامها مقام مكروب يخاطبها فلا ينافي الالتفات أن تعتبر المغايرة أيضا بحيث ينزع منه مصاب آخر نعم لا تلزم المغايرة والانتزاع في الالتفات. (وأنا أقول) الظاهر أنّ المقصود بالذات في التجريد التغاير لابتنائه على المبالغة الحاصلة به، وفي الالتفات الاتحاد لابتنائه على تلوين الخطاب المقتضي لاتحاد المعنى، فلا ينافي إيهام خلافه لنكتة ألا ترى أنّ صاحب المفتاح لما نزله منزلة المصاب جعل ذلك لذهوله، فكأنه لو لم يقدر نفسه ذاهلا لا يتأتى التغاير ثم إنه نقل عن المصنف رحمه الله هنا أنه قال إنّ ليلك بفتح الكاف وان كان خطابا لنفسه لأنه أقامها مقام مكروب ذي حرقة، أو مقام المستحق للعقاب على ما صرّح به في المفتاج بدليل الخطاب في لم ترقد، فإنه مذكر والاً قيل لم ترقدي بإظهار الضمير وقيل عليه إنّ ضعف هذا الدليل غنيّ عن التفصيل وسيأني تحقيقه وما فيه، وقد اختلفوا في عدد الالتفات في هذه الأبيات فعذها الزمخشرقي ثلاثة في ليلك لأنّ حقه أن يقول ليلي، وفي بات لعدوله إلى الغيبة بعد الخطاب، وفي جاءني لعدوله بعدها إلى التكلم، واكثر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أنّ فيها التفاتين فقط، وأنّ الأوّل ليس بالتفات بل تجريد، وقيل إنّ الثاني والثالث ذلك وجاءني ورجحه في الإيضاح أو ذلك وخبرته ورجحه في عروس الأفراح، وقيل فيه أربع التفاتات، وقيل هي سبع في ليلك وترقد وبات وله وذلك وجاءني وخبرته. قوله: (وأيا ضمير منصوب إلخ) ذكر صاحب البسيط فيه أقوالاً سبعة وبينها وأدلتها فذهب الزجاج إلى أنّ أيا اسم مظهر مبهم مضاف للضمائر بعده، والخليل إلى أنه ضمير مضاف للضمير بعده، وكون الضمير يضاف ردّه النحاة، وذهب ابن كيسان وغيره إلى أنّ أياً دعامة وما بعدها هو الضمير، وقوم إلى أنّ إياك بجملته ضمير وآخرون إلى أنّ أيا هو الضمير وما بعده حروف مبنية للمراد به وهو الأصح وقد ارتضاه المصتف رحمه الله تعالى. قوله: (كالتاء في أنت إلخ) أمّا الكاف في أرأيتك بمعنى أخبرني فحرف بلا خلاف في المشهور وأما تاء أنت ففيها خلاف، فمنهم من ذهب إلى أنها ضمير وما قبلها دعامة فلا يصح جعلها مقيسا عليها، وان كان ذلك مما سبق المصتف رحمه الله إليه ابن الحاجب ووجهه أنّ الخلاف فيها ضعيف لم يعتدوا به، ولذا قال في شرح اللب أنها حرف بالإجماع. قوله: (واحتج إلخ) أي الخليل احتج لما قاله من أنه ضمير مضاف بسماع إضافته للاسم الظاهر، وجره له وكون الضمائر لا تضاف غير مسلم عنده أو هو يقول لا مانع من إضافة هذا النوع منها لأنّ الأحكام العامّة قد تتخفف في بعض الصور كتخلف لدن عن جر غدوة وتخلف لولا عن وقوع الضمير المرفوع بعدها، فكذا هذا تخلف عن حكم المضمرات في منع الإضافة. قوله: (أيضاً واحتج إلخ) قال سيبويه: وحذثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول فذكره، والشوالت بالتشديد جمع شابة كدواث جمع دابة الفتية من النساء بالغ في التحذير، فأدخل أيا على الثواب كأنه توفم أنّ كلا منهما محذر من الآخر أي عليه أن يقي نفسه عن التعرّض للشواب، ونهين عن التعرّض له فعليهن مثل ذلك وهذا شاذ لا يرد على المخالف واعترض عليه بأنه وان كان شاذاً لا يقاس عليه، لكنه لا ينكر شهادته لإضافة أيا إلى ما بعده ولا يصح دفعه بأنه لم يصدر عمن يعتد به مع نقل سيبويه السابق، ومعناه نهيه إذا بلغ هذا السن عن الشواب لأنهن يرغبنه في الجماع وهو مفن له، وفي حواشي الكشاف لابن الصائغ من رواه السوآت بالمهملة والتاء الفوقية جمع سوأة وهي الفعل القبيح فقد صحف ولا خصوصية لبالغ الستين بذلك، وردّ بأنه رواه كذلك صاحب البسيط وقال: إنه أبلغ في التحذير من الجماع عند الكبر، والمعنى ينبغي للشيخ العفة عن كل قبيح، وقال الزركشيّ رحمه إلله تعالى أنه يبطل دعوى التصحيف فيه وفي إياك لغات فتح الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها وابدال الهمزة هاء وواواً. قوله: (والعبادة أقصى غاية الخضوع) أقصى بمعنى أبعد والمراد البعد المعنوي ففيه إستعارة ويجوز أن يكون تمثيلا والغاية النهاية ولما كان الخضوع والتذلل نهايات ولفظ الغاية شامل لها لكونه اسم جنس مضافا صح إضافة أقصى إليه، كأنه قيل أقص غاياته كما قال قدس سرّه: فاندفع أنّ الغاية والنهاية لا تنقسم لأقصى وأقرب وأوسط إلأ بتجوّز، وليس هنا قرينة تدل عليه، وأنّ أفعل التفضيل لا يضاف إلاً إلى ما هو بعضه مما يصدق عليه، فهو إمّا مفرد نكرة نحو أفضل رجل، أو معرفة مجموعة، أو في معناها نحو البرني أفضل التمر على ما قرّر. النحاة واسم الجنس المضاف هنا في معنى الجمع لكن قيل عليه إنه لا وجه للفرق بينه، وبين اسم الجنس المعرّف باللام إذا لم يقصد به العهد، وفيه نظر فتامّل. قوله: (ومنه طريق معبد إلخ (المذلل هنا إمّا من الذل بالضم بمعنى الإهانة أو من الذل بالكسر وهو السهولة واللين ومعبد كمكرّم بمعنى مذلل بالفتح في كل منهما لكثرة وطئه، وثوب ذو عبدة بفتحتين أي متانة ومثله يكثر لبسه فيذلل، وقيل لما فيه من اللين أو هو ضد والصفاقة بالصاد المهملة والفاء والقاف ضد السخافة، وفي القاموس ثوب سخيف قليل الغزل. قوله: (ولذلك إلخ) 3 ي لكون معنى العبادة ما ذكر اختص بالله سواء كان ذلك بالتسخير أو بالاختيار كما فصله الراغب والاستعمال استفعال من العمل، وفي المصباح استعملته جعلته عاملا واستعملته سألته أن يعمل، واستعمدت الثوب ونحوه أعملته فيما يعدّ له اهـ فالعبادة لما كانت أقصى غايات الخضوع لم تستعمل إلآ في الخضوع لله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 المستحق لذلك، لأنه المولى لأعظم النعم، كالوجود والحياة وما يتبعهما، وأورد عليه أنّ دليله لا يفيد انحصار أقصى غاية الخضوع في الخضوع دلّه إلاً أن يقال أنّ ما لا يقع في موقعه غير معتبر، فهو بمنزلة العدم فناسب أن لا يستعمل ذلك لغيره، وهو منتقض بقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 98] وغيره مما تكرّر في القرآن، ولسان الشرع إلاً أن يقال العبادة عند عدم التقييد بالمفعول، لا تستعمل إلاً في الخضوع له تعالى، ونقل عن المصئف رحمه الله هنا حاشية لا يرد عليها هذا، وهي قوله أي لا يجوز شرعا ولا عقلاً فعل العبادة إلآ لله تعالى لأنّ المستحق لأقصى غاية الخضوع من كان موليا لأعظم النعم من الوجود، والحياة وتوابعهما، ولنهلك يحرم السجود لغير الله قعالى لأن وضع أشرف الأعضاء على أهون الأشياء، وهو التراب غاية الخضوع اهـ. قيل وهو مبنيّ على أنّ المراد بقوله لا يستعمل لا يفعل ويأباه قوله إلا في الخضوع دثه إذ الواجب حينئذ إلا لله وليس بشيء لأن مراده أنه لم يستعمل في لسان الشرع ولغة العرب المعتد بها مطلقا لغيره تعالى بخلاف العبودية والخضوع والتواضع ونحوه وما ورد في القرآن ونحوه وارد على زعمهم تعريضا لهم ونداء على غباوتهم ولذا حرم السجود لغير الله وخص التحريم به لغاية ظهوره في قصد العبادة، فلا حاجة لأن يقال إنه لا مانع من أن يراد لا يجوز فعل أقصى غاية الخضوع، إلاة في ضمن خضوعه لله تعالى، وسخافته تغني عن ردّه وبتفسير غاية الخضوع بما ذكرناه سقط ما قيل: إنّ العبادة إذا كانت أقصى غايات الخضوع يلزم أن لا يكون أكثر الناس بل أكثر المؤمنين عابدين لله. قوله: (والاستعانة طلب المعونة إلخ) العون الظهير على الأمر والجمع أعوان، واستعان به فأعانه، وقد يتعدى بنفسه فيقال: استعانه والاسم المعونة والمعانة أيضاً بالفتح، ووزن المعونة مفعلة بضم العين فنقلت ضمته لثقلها على الواو، وقيل الميم أصلية مأخوذة من الماعون، فوزنها فعولة على هذا، والمراد بها المعنى اللغوي،. وهو الإعانة مطلقاً لا ما اصطلح عليه أهل الكلام من أنه بمعنى القدرة، وهي الصفة المؤثرة على وفق الإرادة العدم صدقها على شيء مما ذكره المصتف رحمه الله سوى اقتدار الفاعل، ولا القدرة بمعنى ما يتمكن به العبد من أداء ما لزمه بقسميه من الممكنة والميسرة على ما فصله الحنفية في كتب الأصول، وفي بعض الحواشي أنه المراد قيل: وهو مردود من وجوه. أمّ أؤلاً فلعدم صدقه على شيء مما سيذكره. وأمّ ثانياً فلأنّ القسم الأوّل من الفدرة يتوقف عليه صحة التكليف كما سيذكره المصئف رحمه الله بطريق المفهوم، فتتوقف عليها العبادة فتتقدم عليها بالضرورة، وطلبه في عامة المهمات الداخلة فيها العبادة بخصوصها يقتضي تأخره عنها فيلزم التنافي، والقسم الثاني وان لم يتوقف عليه صحة التكليف لكن العبادة الواجبة على تقدير كونها ميسرة بالمعنى الاصطلاحي متوقفة عليه فتتقدم عليه وطلبه فيها يقتضي لتاخر عنها فيلزم التنافي أيضاً. وأمّا ثالمثاً فلأنّ طلب قدرة قجب بها العبادة ممكنة كانت أو ميسرة، مما لا معنى له إذ حاصله طلب الوجوب عليه والمقصود طلب الإعانة في تبرئة الذمم عما يجب عليها. وأمّا رابعا فلأنّ قوله اهدنا إلخ لا يصح أن يكون بيانا للمعونة بهذا المعنى، وألمصئف جعله بيانا ولعمري لقد أطال بما لم يفد غير الملال والداعى له ما وقع لهم من الاضطراب والاختلال، والحق أنّ المصنف رحمه الله لم يرد شيئا مما قالوه أمّ القدرة فلأنها عند المصتف لها معنى غير ما ذكروه، وهو شافعيّ أشعريّ فلا يليق تفسير كلامه بما في أصول الحنفية مع أنّ ما ذكره المصتف لا يوافقه كما سنذكره، وأمّا المعنى اللغويّ فكذلك لأنّ المعاونة في اللغة والعرف العام المساعدة والمظاهرة بالأمور المحسوسة كالمال والرجال وتكون بالبدن كرفع الحمل الثقيل معه، وبالمقال كبيان حجة، والمطلوب هنا لا يختص بما ذكر ألا ترى إلى قوله: {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: 153] ونحوه مما يعد استعانة فيهما، فالمراد كما أشار إليه الإمام ومته أخذ المصتف تيسير الله له ما يريده على وفق رضاه وهو معنى لا حول ولا قوّة إلآ. بالله أي لا حول عن معصيته، ولا طاقة لطاعته إلاً بتوفيقه فيشمل الأسباب البعيدة والقريبةاالضرورية وغيرها وتندرىء به الشبهات كما سترأه إن شاء الله تعالى. قوله: (والضرورية إلخ) سميت ضرورية لتوقف الفعل عليها ضرورة، وهي مناط التكليف بالاتفاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ولا يصح تفسيرها هنا بالقدرة الممكنة كما في بعض الحواشي لأنها مما يتمكن به المأمور من أدإء ما أمر به بدنيا أو ماليا من غير حرج غالمبا قال صدر الشريعة: إفما قيدفا بهذا لأنهم جعلوا الزاد والراحلة في الحبئ من قبيل القدرة المصكنة على ما بين ثمة، والمصئف رحمه الله سيصرّح نجلافه. قوله: (كاقتدار الفاعل الخ) - قيل عليه لا شبهة في أنّ ما ذكر ليس من إفرأد المعونة وكأنه أراد به مباديه من الأقدار والتصبوير والتحصيل بقرينة تمثيل الثاني بالتحصيل ولذا فسر الاقتدار بإعطاء الاقتدار في بعض الحواشي، ففي كلامه تسامح ووقع في بعض النسخ كإقدار ووجهه ظاهر، وقيل المراد بالمعونة ما يعان به وفيه نظر وضرورية التصوّرلأنّ طلب المجهول وتكليفه لا يتأتى، وتوقفه على المادّة والآلة ظاهر لأنّ الفعل الموقوف عليهما لا يتأتى بدونهما وضمير بها للألة، وفيها للمادّة والجملة مستانفة لا صفة. قوله: (وعند استجماعها إلخ) أي حصولها والمصدر مضاف للفاعل. قال في المصباح: اجتمع القوم واستجمعوا بمعنى تجمعوا واستجمعت شرائط الإمامة واجتمعت بمعنى حصلت فالفعلان لازمان اهـ. والاستطاعة عند الأشعرية بمعنى القدرة وهو المعنى اللغوي عند بعض أهل اللغة أيضا وقال الراغب في مفرداته: الاستطاعة استفعالة من الطوع وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتياً، وهي عند المحققين اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل، وهي أربعة أشياء بنية مخصوصة للفاعل، وتصوّر للفعل، ومادّة قإبلة لتأثيره وآلة إن كان الفعل آليا كالكتابة اهـ وهو مأخذ كلام المصتف وبه يقتدى في المعاني اللغوية في كتابه هذا غالباً. قوله: (يوصف الرجل بالاستطاعة) في نسخة ويصلح أن أي لأن يوصف بالاستطاعة والطاقة المعبر بها عن سلامة الأسباب والآلات إلاً أنّ الاستطاعة لكونها من الطاعة تخص الإنسان دون الطاقة فيقال البعير يطيق الحمل ولا يقال يستطيعه، وقوله بالفعل إن أراد به مقابل القوّة، فظاهر لأنّ تكليف ما لا يطاق وان صح عند الأشعري لكنه غير واقع كما ستراه وان أراد الحدث وواحد الأفعال، فالمراد الصحة المقارنة للوجود وهي تستلزم الوقوع ولذا أخرها عن الاستطاعة، والقدرة عندهم مع الفعل لا قبله فلا يقال إنه لا قرينة على أن المصنف رحمه الله أراد هذا، ولا يرد عليه أنه يجوز تكليف العاجز، وإن لم يقع لا تتوقف صحة التكليف على ما ذكر لأنّ الصحة فيه غير مقارنة للفعل، إن قلت لا بد من رفع المانع وقصد الفاعل، والعزم والشوق إن كان مغايرا للإرادة والتصديق بالفائدة إن لم نقل الإرادة كافية في الترجيح لأنها مما يصح به أصل التكليف فيما قيل قلت: هذه داخلة في الاقتدار والتصوّر من غير احتياح لما قيل من أنّ المصنف أتى بأداة التشبيه إشارة إلى عدم الانحصار فيما ذكره، وأمّا البلوغ فيفهم من التكليف بطريق الاقتضاء، كما يشير إليه ذكر الرجل في عبارته، وإن قيل: الأولى ذكر الشخمى بدله ليشمل المرأة فتأمّل. قوله: (وغير الضرورية إلخ) قيل المراد بالتحصيل تحصيله للفاعل لا تحصيل الفاعل وهذا الفاعل متصف عنده عرفا بالتوفيق والجد. وقوله: (كالراحلة) مثال لما يتيسر به الفعل والمراد بتحصيلها ملكها ذاتا أو منفعة، وهذا من القدرة الممكنة عند الأصولين فإنّ القدرة على السفر لا تتحقق بدونه عادة اهـ وهذا ليس بشيء لأنه على مصطلح الحنفية والشابعية لم يحدّوا القدرة، ولم يقولوا بتقسيمها لما ذكر كما مرّت الإشارة إليه وعطف يسهل على يتيسر عطف تفسيري والمراد بقربه معرفة فائدته المترتبة عليه والداعية الباعثة على الفعل بناء على ما تقرّر في أصولهم قال الأسنوي في شرح منهاج المصنف رحمه الله: مجموع القدرة والداعية يسمى بالعلة التامّة، فإذا وجدت يجب وقوع الفعل وقيل: لا يجب بل يصير الفعل أولى، وإذا عدمت الداعية امتنع وقوعه على المختار الذي جزم به الإمام، ونقل الأصفهانيّ في شرح المحصول أنّ أكثر المتكلمين على أنّ الفعل لا يتوقف عليها. اهـ. قوله: (والمراد طلب المعونة إلخ) العموم من الإطلاق مع خفاء قرينة التقييد ولزوم الترجيح بلا مرجح في الحمل على البعض وقدّمه المصنف رحمه الله لأنه الراجح عنده لما ذكر، ولأنه المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وأمّا تقييده بأداء العبادات (1) بحذف متعلق خاص يقدر هنا بقرينة مقارنة العبادة، ويظهر تناسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الجمل وشدة ارتباطها ويظهر كون اهدنا بيانا للمعونة فيتم الاتصال بين الجملتين ووجه التخصيص كمال احتياج والعبادة إلى طلب الإعانة لكونها على خلاف مقتضى النفس، وبكون العموم من حذف المتعلق وتنزيل الفعل بالنسبة إليه منزلة اللازم سقط ما يتوهم من أنّ الفعل لا عموم له كمصدره. قوله: (والضمير المستكن إلخ) المستكن بتشديد النون اسم فاعل من استكن بمعنى استتر هو بمعنى المستتر، وهو ضمير المتكلم مع الغير، ويكون للمعظم نفسه لتنزيله منزلة الجمع الكثير: فالف س ألف منهموكواحد وواحد كالألف إن أمر عنا ولكون هذا غير مناسب هنا قال المصئف رحمه الله: إنه له ولمن معه من الحفظة أي الملائكة جمع حافظ وليس المراد حفظة القرآن كما توهم أو للجماعة في الصلاة أو لسائر الموحدين، وأمّا تعميمه لسائر الخلق أو العقلاء فلا يناسب المقام وان قيل إنه الأقرب، لأنّ المشركين أيضا يعبدونه ويستعينون به، ولذا قيل إنه غفلة عما فيه من الحصر إذ هو غير متحقق في المشرك، وهو نكتة اختيار المصتف رحمه الله لفظ الموحدين على المؤمنين لى، فيه من الإشارة إلى توجيه الحصر، فلله دره ما أبعد مرماه وهذه الوجوه بعضها بالنسبة إلى المصلى وقراءتها في الصلاة، وهي المقدّمة اهتماما بها وبعضها بالنسبة لغيره، وقيل هي جميعها للمصلي الآ أنّ بعضها بالنسبة للمصلي مع الجماعة، وبعضها للمنفرد ثم بين وجهه والنكتة فيه. قوله: (أدرج عبادنه في تضاعيف عبادتهم) أي أدخلها في جملتها وأثنائها، وفي الأساس من المجاز هو في أضعاف الكتاب وتضاعيفه في أثنائه وأوساطه قال رؤبة: والله بين القلب والاضعاف يريد بواطن الإنسان وأحشاء. اهـ. ولم يفصح عن المراد بالتضاعيف، وأن مرد. ما هو، وقد ذكره في شرح مقاماته قال التضاعيف جمع تضعيف بمعنى ضعيف وسمى الضعف بالتضعيف كما يسمى النبت بالتنبيت قال رؤبة: وبلدة ليس بها تنبيت اهـ وقد أوضحناه في كتابنا شفء الغليل ومن لم يقف على ما فصلناه قال بعدما فسره بما مرّ لم يذكر في القاموس هذا المعنى للتضاعيف، ثم فسر أضعاف الكتاب بأثناء سطوره وحواشيه، فالظاهر أنه جمع تضعيف فإنه يدل على الكثرة والجمع للمبالغة والمقام يستدعيها، فالمعنى أدرج عبادته في عبادتهم الموصوفة بغاية الكثرة، إذ كلما كان المدرج فيه أكثر كان رجاء القبول ببركة الاندراج أكثر. قوله: (لعلها تقبل ببركتها (قيل ضمير لعلها لمجموع العبادة والحاجة تنزيلاً لهما منزلة أمر واحد لتمام مناسبتهما فإنّ العبادة ما يتقرّب به العباد إلى ربهم وحاجتهم ما يطلبونه منه من الإعانة، وأيضاً العبادة وسيلة إلى حاجتهم في الجملة، وحاجتهم وسيلة إليها الجملة أيضاً، وهذا على تقدير تعميم الاستعانة، فإن خصت بالعبادة، فحاجتهم وسيلة إلى العبادة دون العكس، وضمير تقبل لعبادته، وضمير بركتها لعبادتهم، وضمير تجاب بصيغة المؤنث وبناء المفعول لحاجته وضمير إليها أي منضمة إليها لحاجتهم على طريق اللف والنثر المرتب، ويجوز أن يكون ضمير إليها لحاجته والظرف قائم مقام الفاعل، فإن إلى قد تكون صلة الإجابة كما في قول صاحب الكشاف ليستوجبوا الإجابة إليها، وقيل عليه: إن تكلفه ظاهر ؤقبول الحاجة مما لا صحة له بظاهره وليس بشيء فإنّ ما ذكره ظاهر لمن تأمّله، والحاجة هنا لما كانت دعاء كان قبولها ظاهرا، وما ذكر من تعدي الجواب بإلى كثير في كلام العرب كقوله: وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب فلا حاجة لإثباته بعبارة الزمخشريّ يعني أنه لما خلط أموره بأمور غيره ممن يقبل منه ذلك كان ذلك أدعى لقبولها، فإنّ كرمه تعالى يأبى قبول بعض وردّ بعض ونظروا له بما إذا اشترى أحد ثيابا في صفقة واحدة ووجد بعضها معيبا، فليس له ردّ المعيب بل إنما يردّ الجميع، أو يقبل الجميع، فكأنه يقول إلهي رفعت حاجتي مع حاجة خلص عبادك، فاقبلها مني ببركتهم وجملة لعلها مستأنفة أو حال من ضمير إدرج، وخلط أي راجياً ذلك وأيضا في تغليب المخلصين على غيرهم تحاس عن وصمة الكذب بين يدي مالك الملك لأنه قصر الاستعانة عليه تعالى وكثيراً ما يستعان بغيره فيكون فيه مظنة الكذب، وبهذا يسلم منها حتى قال مالك بن دينار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 لولا أن الآية مأمور بقراءتها ما قرأتها لعدم صدقي فيها، وروي أنّ العبد إذا قرأها يقول الله تبارك وبعالى كذبت لو كنت إياي تعبد لم تطع غيري، ولو كنت بي تستعين لم ترفع حوائجك إلى ذليك مثلك، ولم تسكن لمالك وكسبك. قوله: (ولهذا شرعت الجماعة) أي مشروعية الجماعة في الصلإة والجمع، ووقوف عرفة والاستسقاء ونحوه رجاء لإجابة دعائهم لا لغير ذلك من الآراء، ولذا شرعت صلاة النوافل في المنازل فسقط ما قيل من أنه لا وجه لتقديم الظرف المشعر بالحصر. قوله: (وقدّم المفعول إلخ) المراد بالتعظيم تعظيمه لشرفه، فهو ذاتيئ والاهتمام ما نشأ من المقام لكونه نصب عينه لا مطلق الاعتناء، فلا يرد عليه ما قيل من أنّ هذا يدلّ على أنّ مجرّد الاهتمام به نكتة مستقلة غير التعظيم والحصر، وليس كذلك بل لا بذ أن يكون بطريق من الطرق المعتبرة كما قال الشيخ عبد ابقاهر لا يكفي أن يقال قدم الشيء للاهتمام به بل لا بد من بيان وجه الأهمية، فحق العبارة أن يقال للاهتمام وهو إمّا للتعظيم أو للحصر اهـ. قوله: (والدلالة على الحصر (أنكر أبو حيان وابن الحاجب وكثير من النحاة دلالة التقديم على الحصر لقوله في الكتاب إذا قلت ضربت زيداً وزيداً ضربت فالتقديم والتأخير سواء، وردّه في الانتصاف بأنه ليس في كلام سيبويه ما ينفيه بل هو مسكوت عنه، وقد زاده أصحاب المعاني، وكم لهم من دقائق زادوها على النحاة والذي في الكشاف الاختصاص والمصنف رحمه الله عبر بالحصر، والمشهور أنهما بمعنى وفرق بينهما السبكيّ رحمه الله وأفرد لذلك رسالة سماها الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص قيل: فلا خلاف بين الزمخشريّ وأبي حيان والاختصاص عنده افتعال من الخصوص والخصوص في نحو ضربت زيداً كون مطلق الضرب واقعا منك على زيد فقد يكون قصد المتكلم لهذه الثلاثة على السواء، وقد يترجح عت ده بعضها ويعرف ذلك بابتدائه فإنّ الابتداء بالشيء يدل على الاعتناء به، من غير قصد لغيره بإثبات أو نفي، ومعنى الحصر نفي غير المذكور، واثبات المذكور ويدل عليه بما والاً وانما، وهو معنى زائد على الاختصاص، وقد استشهد لمدّعاهم بشواهد كثيرة، كقوله ونوحاً هدينا وأنه لو دل على الحصر لم يكن غيره من الرسل مهديا وليس بصحيح، وردّه في الفلك الدائر بأنهم لم يدعوا اللزوم بل الغلبة. (أقول) : الحق أنّ ما ذكر من الفرق بين الحصر والاختصاص مسلم، فإنّ اختصاص شيء بشيء ثبوته له على وجه خاص به، فلا يقتضي القصر، وان كان لا ينافيه، ولذا حمل عليه في كثير من المواضع، وكون التقديم دالاً على الحصر وضعا غير صحيح، فإنه لا يمكن أن يقال إنه مدلول وضعي للفظ المقدّم كإياك هنا، فإنّ مدلوله ذات المخاطب لا غير، ولا للتقديم أيضا، فإنه قد يكون لأمور أخر لا سيما في الشعر والإنشاء، وهو أمر معنوي لا معنى لوضعه أيضا فلا يوصف بالدلالة بمعناها المعروف ولا فرق بينه وبين الاختصاص والعناية والاهتمام، فلم يبق إلاً أن يقال إنّ عدول البليغ عما هو الأصل من غير ضرورة لا بد له من وجه، وقد فهم منه أهل اللسان أنه الاهتمام، واهتمام العاقل بشر، ء لا يكون إلأ لمعنى وهو مختلف باختلاف المقامات فقد يكون ذلك المعنى اختصاص المقدّم بما بعده من حكم ونحوه، فان قلت الاختصاص من حيث هو لا يعقل اقتضاؤه للتقديم ألا تراهم التزموا في غيره من الطرق تاخير المقصور عليه كأنما قلت: هذا لو سلم لم يضرّنا، فكم في لسان العرب من أمور متواترة لا يعقلى معناها كالأمور التعبدية في الوضع الشرعي، أو نقول كون الشيء لم يلزم من سواه يقتضي غالبا شهرة انتسابه له، فلذا لم نجعل إة، دته مقصودة بالذت وأخر، ومما ذكرت عرفت أنّ الاختلاف فيه لفظيّ فاعرفه، وما قيل هنا من أنّ في الحصر أشكالاً إذ قل من يصدق في دعواه إلآ أن ئدعي تغليب المخلصين الصادقين على غيرهم جوابه ظاهر مما أسلفناه. قوله: (ولذلك قا ا، ابن عبّاس رضي الله عنهما إلخ) إشارة إلى ما استدل به على إفادة التقديم للحصر كالأثر الذي يرويه عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو صحيح مأثور عنه كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الضحاك، وعن أبي عبيد أنه قال لامرأة شتمته في جمع من تعني فقالت إئاك أعني فقال خصتني بالشتم، وأورد عليه أنّ تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لا يدل على أنّ الحصر مستفاد من التقديم بل يكفي كون الجملة دالة على الحصر من طريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الخطاب فإنه لدلالته على الأوصاف يدل على الحصر كما مرّ، ولا يندفع هذا بأن يقال إنه إسناد له إلى أقوى شيء يمكن استناده إليه وأظهره إذ هذه الدعوى غير ظاهرة، وغير مسلمة عند بعضى النحاة كما بيناه، ولذا قيل: إنه ليس باستدلال بل استثناس له، وتقديم لذلك ليس للحصر بل للاهتمام لكون الدلالة مقصودة، وكون لعلة متقدمة في الوجوه. قوله: (وتقديم ما هو مقدّم في الوجود) وفي نسخة المقدم بالتعريف، والمقدم في الوجود مدلول إياك لأنه القديم الواجب وجوده قبل كل موجود فجعل لفظه موافقا لمعناه وهذا إمّا معطوف على التعظيم أو الدلالة ويجوز أيضا عطفه على الحصر ولكونه خلاف الظاهر لم يذهب إليه أرباب الحواشي مع أنه أورد على ما قبله أنّ التقديم المذكور ليس علة للتقديم حقيقة، وانما العلة كونه ضدّماً في الوجود، أو تقدم ما هو مقدم في الوجود في العبارة وهذا أبعد من نحو ضربته للتأديب، وإن اشتركا في أنّ المعلل والعلة واحد في الحقيقة والعلة في الحقيقة أثر المذكور أي التقدم، والتأدب لنوع اشتراك في المفهوم إلاً أن يقال التقديم هنا بمعنى التقدم على أنه مصدر المبنيّ للمفعول أي لكونه مقذما، أو يؤخر من قدم بمعنى تقدم لوروده في اللغة إذ حصول تقديم ما هو مقذم في الوجود غاية لتقدم المفعول أو يحصل ضمنه كما إذا قدم زيد العالم في مجلس يقال قذم زيد على غيره لتقديم العالم، وقيل أيضاً تقديم ما هو المقدم عليه لتقدم المفعول لا العكس كما يقتضيه التركيب الآ أن يقال: إنه من قبيل ضربته للتأديب لا من قبيل قعدت عن الحرب جبناً، والمعنى قدم المفعول ليتحقق تقا- يم ما هو المقدّم في الوجود فتأمّل. قوله: (بل من حيث " أنها نسبة شريفة إليه) النسبة معناها في اللغة الوصلة بالقرابة فتجوّز بها هنا عن مطلق الوصلة ولذا عطفها المصنف رحمه الله عليها عطفا تفسيريا، فالمراد بها التقرّب إلى الله بطاعته وهو وصلة معنوية، وحقيقة العبادة كما في كتاب النثأتين للراغب فعل اختياري مناف للشهوات البدنية يصدر عن نية يراد بها التقرّب إلى الله طاعة للشريعة، وجعلها نفس النسبة، والوصلة مبالغة في تقريبها إلى الله، فما قيل من أنّ في النسبة هنا استعارة فشبه ما بين العابد والمعبود، بما بين الطرفين من الارتباط تكلف مستغنى عت "، وكذا ما قيل من أنّ التنبيه عليه حصل من هيئة تركب الفعل مع المفعول به. قوله: (فإن العارف إنما يحق وصوله إلخ) العارف عند أهل السلوك من أشهده الله ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وأمّا في اللغة والعرف فأشهر من أن يذكر، ويحق بفتح ألياء وضم الحاء وكسرها بصيغة المعلوم بمعنى يثبت، ويتحقق ويقع بلا شك، وفعله لازم أو هو من حق بمعنى أوجب، فالوصرل مفعوله واستغرق بمعنى تمحض معرضاً عن غير ما استغرق أ، وهو إمّا من الاستغراق بمعنى الاستيعاب لاستيعاب أوفاته، أو نظره في ذلك، أو بمعنى اشتغل به، وتفرّغ عن غيره، وفي القاموس فلأنه تغترق نظرهم أي تشغلهم بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها لحسنها، والملاحظة من لاحظته ملاحظة، ولحاظا بمعنى رأقبته وأصله النظر باللحظ وهو مؤخر العين يقال لحظته بالعين ولحظت إليه لحظا، والجناب بالفتح الفناء والجانب والقدس بضم القاف والدال وتسكن في اكثر الأفصح بمعنى النزاهة والطهارة، وجناب النزاهة عبارة عنه سبحانه وتعالى بمعنى المقدس، وحظيرة القدس الجثة كما قاله الراغب. وقوله: (حتى أنه إلخ) غاية لاستغراقه لأنه إذا استغرق غاب عن ذهنه كل شيء حتى نفسه. قوله: (1 لأ من حيث إلخ الما كان قوله: فإنّ العارف إلخ تعليلاً لقوله: ينبغي لأنّ العابد إمّا عارف أو بصدد أن يكون عارفاً وعلى الأوّل الاستغراق مقتضى حاله وعلى الثاني هو طالب لأن يكون حاله. وقوله: (من حيث أنها إلخ) ملاحظة إن كان بكسر الحاء اسم فاعل فضمير إنها راجع للنفس وضمير له للجناب كما في بعض الحواشي، وإن كان بفتحها فهو مصدر وفسمير أنها للملاحظة المفهومة من يلاحظ كما ذهب إليه بعض المحشن، وما ارتكبه دعاه إليه تصحيح الحمل والمعنى حينئذ لا يلاحظ نفسه وأحوالها إلاً من حيث أنّ ملاحظتها ملاحظة للمعبود واستبعده بعضهم وقال الأولى أنّ المعنى إلاً من حيث أنّ النفس، وأحوالها اكة ملاحظة له تعالى، ومرآة تشاهد فيها، كما هو شأن كل مصنوع غايته أنه جعل آلة الشيء نفسه مبالغة في كونه آلة ومثله شائع وهو تكلف، وقوله ومنتسبة بالواو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 العاطفة وفي بعض النسخ بدونها لأنه كالتفسير لما قبله. قوله: (ولذلك إلخ) أي لأنّ العارف إنما يحق وصوله إلخ أو لأنّ العابد ينبغي أن يكون نظره إلخ فضل لما فيه من ملاحظة الحق قبل نفسه بالتقديم عليها قيل، والوجه هو الثاني لأنّ المحكيّ عن الحبيب فيه النظر إلى المعبود أوّلاً بخلاف المحكيّ عن الكليم، وأمّا من حيث الاستغراق في جناب القدس لا يظهر به وجه التفضيل بل صيغة المتكلم مع الغير في الأوّل والمتكلم وحده في الثاني توهم خلافه إلاً أن يقال شأن المستغرق تقديم ما استغرق فيه ولئن سلم، فالوجه الثاني أظهر في المقصود، ولا يخفى أنه إذا غابت نفسه عنه، وأحوالها من جملة ما تضمنه قوله نعبد كان مقتضاه أن لا يذكر ذلك فضلاً عن أن يقدّم وهذا أبلغ ولذا قدمه، وأمّا ذكر المتكلم مع الغير ثمة وهنا، هو المطابق للواقع فلا وجه لما ادّعاه، ثم إنه قيل هنا لكل وجهة فالحبيب قدّم الاسم لأنه في مقام تسكين روع الصديق بالإرشاد إلى ملاحظة الحق والاعتماد عليه والرجوع في كل مهمّ إليه، والكليم عليه السلام قدّم الظرف في جواب قول قومه {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] تنبيهاً على اختصاصه ومن تبعه بالمعية، كأنه قال: إنّ معي واتباعي ربي لا معهم فالهداية إلى طريق النجاة لي لا لهم، فإن قيل الكليم أيضا في مقام التسكين لروع قومه قيل: هو وإن كان كذلك إلأ أنه غير منظور إليه أوّلاً بل إلى ملزومه وهو اختصاصه بالمعية الموجبة للنجاة ردّ للقوم لما جزموا بلحوقهم، ثم إن تعليقه المعية باسم الذات دون الوصف، كما فعله الكليم عليه السلام ما لا يخفى من علوّ شرفه في موارد النبوّة، فإنّ ما حكاه الله عن حبيبه عليه الصلاة والسلام، وان كان أفضل مما حكى عن كليمه صلى الله عليه وسلم من الجهة المذكورة لكن الأمر بالعكس من حيث إفادة الثاني للحصر دون الأوّل قيل إنّ الحصر فيه أيضاً مستفاد من نفس النسبة لامتناع كونه مع المعاندين ناصرا لهم، فإنّ معنى قوله تعالى عنه {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] أنه تعالى معنا بالعصمة والمعونة، ثم إنّ في تعبيره بالحبيب والكليم دون محمد وموسى نكتة لطيفة وهي مناسية ذلك للمعية لأنّ المرء مع من أحب، واقتضاء المكالمة للاجتماع ظاهر أيضاً. قوله: (وكرّر الضمير إلخ الاحتمال تقديره مؤخرا عند الحذف، وعذم نصوصية الخطاب في الحصر وعلى تقدير تقديره مقدما وعدم اعتبار تقديره مؤخراً أنّ التصريح بتقديمه تنصيص بخلاف نصب القرينة على تقديمه، وأيضاً يختمل تعلق الحصر بالمجموع وبالتكرار يرتفع ذلك، وفي قوله المستعان به إيماء إلى أنه يتعدى بنفسه وبالباء وأنهما بمعنى. وقوله لتوافق رؤوس الآي ظاهره أنّ القرآن فيه سجع وسيأتي ما فيه. قوله: (ويعلم إلخ) يعلم مرفوع ويجوز نصبه أيضا، ويؤيده أنه وقع في نسخة وليعلم، والوسيلة كل ما يتقرّب به يقال توسل إلى الله بوسيلة أي تقرّب إليه بعمل كذا في المصباح: وأدعى أفعل تفضيل من دعاه إلى كذا إذا حثه على قصده أي تقديم السائل على سؤاله شيئاً يرضاه المسؤول منه كهدية أو تعظيم أو ثناء، ونحوه يقتضي إجابتة، ولذا قدمت العبادة على الدعاء في الواقع. وسن الدعاء عقب الصلوات، فقدم هنا لفظ العبادة على الإستعانة ليوافق ترتيب الألفاظ ترتيب معانيها، فيرشد الترتيب الذكري للترتيب الخارجيّ، ومن خصوصية المادّة يتفطن أنه لكونه أدعى إلى الإجابة، وهذا مراد المصتف رحمه الله تبعا للزمخشريّ في توجيه الترتيب، وهو جواب عن سؤال تقديره إنّ العبادة تقرّبهم لمولاهم، والاستعانة طلب الفعل المولى، فكان ينبغي تقديمه، فلم عكس ذلك، ثم إنهم قالوا قد مرّ أنّ الاستعانة المذكورة طلب المعونة في المهمات كلها، أو في أداء العبادات، وعلى الثاني العبادة مقصودة لذاتها، والإعانة وسيلة لها دون العكسى، فهذا على الوجه الأول فقط، وهو الراجح عند المصنف رحمه الله، فصنيعه أحسن مما في الكشاف لا يقال جائز أن يكون بعض العبادات وسيلة إلى الإعانة على البعض لأنا نقول لا اختصاص، لقوله نعبد ونستعين ببعضها لإطلاقهما، فحينئذ ينبغي أن يقال وجه تقديم العبادة أنّ الإعانة مطلوبة لتكميل العبادة بالزيادة أو الثبات، ويؤيده كون اهدنا بيانا لها، وطلب ما يزداد به الشيء، أو يدوم متأخر عنه، وإن جعلت الإعانة مطلوبة لتحصيل العبادة ابتداء، فالتقديم لأنها مقصودة بالنسبة إلى الاستعانة وعلى الأوّل إن أريد بالمهمات ما لا يتناول العبادة، لتبادره مع أنه المعروف المناسب على ما اختاره قذس سرّه فكون العبادة وسيلة إلى الإعانة ظاهر، ووجه التقديم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ما ذكره المصتف رحمه الله كما بيناه لك، وان أريد ما يتناولها لعدم قيام القرينة على التقييد يقال: الإعانة المطلقة وان كان بعض أفرادها وسيلة إلى العبادة إلاً أنّ كثيرا من أفرادها يتوسل بالعبادة إليه وهو ما يترتب على العبادة، ويكون نتيجة لها فكونها وسيلة معتبر بالقياس إلى بعض أفراد الإعانة لا إلى جميعها، وتقديمها في الذكر للإشارة لما مّر من أنّ تقديم الوسيلة أدعى للإجابة، وفيه تكلف ظاهر، ولو قيل العبادة وسيلة إلى بعض أفراد الإعانة، ومقصودة من البعض، فتقديمه بالنسبة إلى الأوّل لما ذكر، وبالنسبة إلى الثاني لما سبق كان وجهاً هكذا قرّره الفاضل الليثيّ تبعاً للسيد السند، وهو حاصل ما في شروح الكشاف، ومن لغو القول هنا ما قيل إنّ كلام المصتف رحمه الله مناف لما سيأتي منه في سورة هود في تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} [هود: 90] ولا يليق الاشتغال به إلاً أنّ فيما قاله هؤلاء هنا بحثاً، وهو أنّ هذا كما لا يتأتى على الثاني أصلاً، أو بغير تكقف لا يتأتى على الأوّل أيضاً على ما يقتضيه كلام المصتف رحمه الله لأنه قسم المعونة إلى ضرورية يتوقف عليها صحة التكليف، وغير ضرورية يتيسر بها الفعل مطلقاً، فإن بنى كلامه هنا على أنّ المراد مجموع المعونتين، أو الأولى أو الأعنم لزم توقفها على العبادة لتوقف التكليف عليها، فلا يتأتى ما ذكر على الأوّل أيضاً إلأ إذا أريد بالمعونة غير الضرورية، وبالمهمات المهمات الدنيوية لا الدينية، ولا ما يشملهما، فيندرج فيه العبادة، وانما نشأ هذا من توهم اتحاد كلام المصنف وكلام الزمخشريّ، وقد عرفت معنى الوسيلة، وأنها ليست بمعنى السبب كما يتوهم وحينثذ، فالظاهر أنّ المراد بالمهمات كلها مهمات كل عبد في أمور دنياه، فإنه المتبادر منها والمعونة كل ما له مساعدة على فعل، أو تحصيل غرض مّا من الأمور المحسوسة فهي بالمعنى اللغوي فإن قلنا إنها عامة شاملة للعبادة، وكذا إن قلنا إنها إعانة على أداء العبادة، فالجواب ما قيل من أن العبادة مع العلم بأنها مما يتوّسل به إلى إجابة طلب الحاجة، وذكر الاسنعانة المطلوب منها المعونة في العبادة المستلزم كونها وسيلة للعبادة قرينة على أنّ العبادة باعتبار بعض أفرادها وسيلة، وباعتبار بعض آخر يتوسل إليها بالاستعانة فلا إشكال، وعلى ما ذهب إليه المصنف رحمه الله لا بد في الخلاص عما مرّ من التزام ما ذكر إلاً أنه محتاج إلى تكقف فتأمّل. قوله: (وأقول لما نسب إلخ) اعترض عليه بأنّ المتبادر منه أنه من خواصه التي تفرّد بها، وهو بعينه مذكور في التفسير الكبير، والحمل على التوارد، أو أنه دل بذلك عمى اختياره له، كما قيل بعيد كما لا يخفى. وقوله: (تبجحاً) تفعل من البجح بالباء الموحدة الشهاب / ج ا / والجيم والحاء المهملة، ومعناه الفرح والسرور كما في الصحاح، وقد فشر بالافتخار الناشىء من العجب والكبر، وهو أنسب بالمقام، ويستتبّ بسين مهملة وتاءين فوقيتين من استتمث الأمر إذا تهيأ واستقام كما في الصحاح، أو هو من التباب بمعنى الهلاك وهو يتبع التمام فكان ما تمّ يطلبه كما في الأساس، وهو منزع حسن وعليه قوله: إذا تم أمر بدا نقصه ~ تيقن زوالاً إذا قيل تم وفسر أيضاً بيستمرّ أو يستقل. وقال الراغب: التبب الخسار وتببته قلت له ذلك، وقضمنه الاستمرار قيل: استتب لفلان كذا إذا استمرّ اهـ. وما قيل من أنه لم يثبت عند صاحب القاموس، فلذا لم يذكره من قصره باع الاطلاع، وفي كلامه تصريح بأنّ المراد بالمعونة التوفيق، وبه يتمّ التوفيق. (فإن قلت) : هل هذا جاو على الوجهين أو مخصوص بأنّ الاستعانة في أدأء العبادة على الوجه الراجح المستحسن كما قيل، وعلى كل حال كيف يفهم هذا من قصر الاستعانة على الله وإنما يفيده لو قيل لا يصدر منا أمر الأ باستعانة منك قلت: هذا من قبيل الاحترام، واتباع الكلام يما يزيل إبهامه كقوله: فسقى ديارك غير مفسدها وهو من ذكره بعد مطلقاً ومقتض لتأخيره فما ذكر لا وجه له مع أنّ قوله: إنه الراجح من عدم الفرق بين كلام الثيخين بل هو على مقابله أوضح والمعنى المذكور يؤخذ من عدم تقييده بمتعلق ظاهر ولك أن تقول إنه مغاير لما مرّ أيضاً. قوله: (وقيل الواو إلخ) ليس هذا من قبيل قمت واصك وجهه بناء على تجويزه شذوذا، أو تقدير مبتدأ فيه أي، ونحن إياك نستعين كما توهم حتى يورد عليه أنه غير فصيح، أو ينازع في المثال، وان كان الاشتغال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بمثله ليس من دأب المحصلين، فيقال: إنّ الزمخشرفي جعل أصك حكاية حال ماضية، والواو معه عاطفة وتقديره قمت، وصككت وجهه، فابرز في صورة المسمقبل حكاية لتلك الحالة العجيبة الشأن، فإنّ ما ذكره النحاة إذا كان المضارع في صدر جملة أمّا إذا تقدم عليه شيء من متعلقاته، فيجوز اقترانه بالواو لمشابهته للاسمية صورة، وقد أشار إلى ما ذكر ابن مالك في تسهيله، وأمّا تجوبز الزمخشريّ الحالية من غير تقدير فيه، فمعترض عليه كما ستراه، فاحفظه فإنه مما خفي على أرباب الحواشي. قوله: (وقوئ بكسو النون الخ) هي قراءة الأعمش ونسبت لغيره، وهي لغة قيس وتميم وأسد وربيعة وهذيل، وهي مطردة عندهم بشرط أن لا يكون ياء مثناة تحتية لثقل الكسرة على الياء على أنّ بعضهم قال: يجل بكسر ياء المضارع من وجل وقركأ أيضا فإنهم يعلمون، وهذا مما يقتض عدم صحة ذلك الاستثاء، وأن يكون ماضيه مكسور العين كعلم أوفى أوّله همزة وصل كنستعين أو تاء مطاوعة نحو تتكلم، فلا يجوز في نضرب، ونقتل كسر حرف المضارعة ونحوها من الأفعال بشرط أن لا ينضم ما بعدها لاستثقال الخروج من الكسرة إلى الضمة فإن توسط حرف وإن كان ساكنا جاز. وأعلم أنه قرىء وإياك يعبد بصيغة المجهول بوضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع والالتفات وهو غريب نادر لة ول بعض أهل المعاني إنّ وقوع الملتفت والملتفت عنه في جملة واحدة لم يعهد. قوله: (بيان للمعونة إلخ) هو بيان لتناسب الجمل، وارتباطها لا لترك العاطف كما قيل لاختلافها خبراً وانشاء، والقول بأن نستعين لدلالتة على الطلب بمعنى أعنا، فهو إنشاء معنى تبرع لمن لا يقبل وفي الكشاف، والأحسن أن تراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة، ويكون قوله اهدنا بياناً للمطلوب من المعونة كأنه قيل كيف أعينكم فقالوا: اهدنا الصراط المستقيم، وإنما كان أحسن لتلاؤم الكلام، وأخذ بعضه بحجز بعض، وقال قدس سرّه: أي لتناسب الجمل الواقعة فيه، وانتظام بعضها مع بعض حيث دلّ إياك نستعين على طلب الإعانة على العبادة، وصار اهدنا بياناً للإعانة المطلوبة، فكملت الملاءمة بين الجمل الثلاث لمزيد ارتباط بينها، وربما يقال إتاك نعبد بيان للحمد، واستئناف نشا من إجراء تلك الأوصاف على ما مرّ، فتكون الجمل الأربع التي في الفاتحة متلاصقة متلاحقة وأذا جعلت الاستعانة عامّة، لم يكن اهدنا بياناً للمعونة المطلوبة، ولا المعونة مخصوصة بالعبادة، فلم يكن الاتصال بين الجمل بتلك المثاية اهـ. فالبيان بمعناه اللغوي لأنه استئناف بياني في جواب سؤال متدّر تقديره ما ذكر فعليه ترك العاطف، لأنه مستأنف لا لكمال الاتصال كما توفم فإنّ تقدير السؤال يأباه، وقيل: إنّ المصثف وحمه الله عنى أنّ ترك الواو إمّا لكمال الاتصال، كما في الوجه الأوّل، أو الانقطاع كما في الثاتي، وفساده ظاهر وسوف يرى إذا انجلى الغبار. قوله: (كانه قال كيف أعينكم) قيل: المناسب لكونه بيانا للمعونة أن يقدر أيّ إعانة تطلبون يعني أنّ البيان حقه أن يكون عين الميين لا فرد منه، وإن كان قد يكون المطلوب منه بيان الكيفية، ولا يخفى أنه مع قيام القرينة على أنّ المراد المعونة في المهمات كلها أو في أداء العبادة يتعين الإعانة، فلا يبقى لهذا السؤال وجه، وإنما يحتاج إلى بيان كيفيته ولذا اتفق الشيخان على تقدير ما ذكر فلا تغفل ثم إنه أورد على ما مرّ من أنّ قوله إياك إلخ بيان للحمد كأنه قيل كيف تحمدونه، فقيل: إتاك نعبد إلخ مع أنه لا حاجة إلي، لا صحة له في نفسه، فإن السؤال المقدر لا بذ أن يكون بحيث يقتضيه انتظام الكلام وتنساق إليه الأذهان والأفهام، ولا ريب في أنّ الحامد بعد ما ساق حمده تعالى على تلك الكيفية اللائقة لا يخطر ببال أحد أن يسأل عن كيفيته على أنّ ما قدر من السؤال غير مطابز، للجواب، فإنه مسوق لتعيين المعبود لا لبيان العبادة حتى يتوهم كونه بياناً لحمدهم، والاعتذار بأنّ المعنى نخصك بالعبادة، وبه يتبين كيفية الحمد تعكيس للأمر، وتمحل لتوفيق المنزل المقرّر بالموهوم المقدّو، وبعد اللتيا والتي إن فرض السؤال من جهته عز وجل فاتت نكتة الالتفات التي أجمع عليها السلف والخلف، وان فرض من جهة الغير يختل النظام لابتناء الجواب على خطابه تعالى، وبهذا يتضح فساد ما قيل من أنه استئناف جواب لسؤال يقتضيه إجراء تلك الصفات العظام على الموصوف بها، فكأنه قيل ما شأنكم معه، وكيف توجهتم إليه، فأجيب بحصر العبادة والإستعانة فيه، فإن تناسى جانب السائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 بالكلية، وبناء الجواب على خطابه عز وعلا مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله، والحق الذي لا محيد عنه أنه استئناف صدر عن إلحاقه بمحض ملاحظة اتصافه تعالى بما ذكر من النعوت الجليلة الموجبة للإقبال الكلي عليه من غير أن يتوسط هناك شيء آخر كما ستحيط به خبراً. (أقول) هذا مع أنه على طرف التمام مسروق من حواشي الطيبي، وليس أوّل سار غرّه القمر، فإنّ هذا السؤال ليس محققاً ولا مقدراً في النظم حتى يلزم ما توهموه وانما هو أمر ينساق إليه الكلام السابق حتى نزل منزلة السؤال، وماكه إلى اقتضاء ما قبله للخطاب، وحينئذ يكون أشذ اتصالاً به سواء قدر من جهة الله أو لا، ولو جعل استئنافا حقيقيا لم يرتبط به لكونه في حكم كلامين والإلتفات فيه لا يلتفت إليه، ولكون العبادة أجل تعظيم وأظهره صح أن تجعل كالمبين للحمد لأنه أخو الشكر، فتبين أنه ليس بمجرّد اللسان بل ظاهره مطابق لباطنه فيه، ولا يلزم من الالتفات اتحاد الخطاب كما صرح به ابن الأثير، وأشار إليه السكاكي، فما ذكره من التعكيس وغيره ساقط. قوله: (أو أفراد إلخ) وقع في نسخة بالواو يعني أفرد بالذكر كبدل البعض من الكل في الجملة نحو أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين، ولا ينافيه اختلافهما خبرا وانشاء ولا حاجة لتأويل نستعين بأعنا، وقيل إنه توجيه لتخصيص الهداية بالطلب في مقام الجواب عن قوله كيف أعينكم وليس بيانا لكونه من ذكر الخاص بعد العامّ كما في قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] لأنّ الطريقة المسلوكة فيه العطف بالواو، وكون الهداية للصراط مقصودة لا يضره كونه طريقا وفيه ما فيه ط وأمّا ما قيل من أنه ابتداء دعاء وسؤال حينئذ إذ لم يجعل مربوطا فيكون ترك الواو لكمال الانقطاع بين الجملتين لاختلافهما في الخبرية والإنشائية، فغير سديد كما أشرنا إليه، وقيل: إن كان المراد بالاستعانة طلب المعونة في المهمات كلها، فإن كان المراد بالصراط المستقيم طريق الوصول إليها كان اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة، وان كان المراد به ما يخص العبادات كان إفراداً لما هو المقصود الأعظم منها والأوّل وان كان خلاف المتبادر لكنه محتمل، وبه يلتثم الكلامان، وينتظمان أشدّ انتظام، وان كان المراد بالاستعانة طلب المعونة في أداء العبادات كان اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة لكون الصراط ما يوصل إلى العبادة، كما هو الظاهر فيتلاءم الكلام وتنتظم جمله أشد انتظام وحكم السيد بأنه على عموم الاستعانة لا يكون اهدنا بيانا للمعونة بناء على حمل الزمخشريّ الصراط المستقيم على ملة الإسلام، فإن قلت: كيف يكون اهدنا بياناً للمعونة المطلوبة، وخلق القدرة ممكة كانت أو ميسرة من المعونة المطلوبة ولا تندرح في الهداية قلت بتقييد اللطف في تعريف الهداية تندرج فيها لإنه عندنا خلق القدرة على الطاعة كما في شرح المقاصد، فإذا اندرج فيها جاز أن تكون المعونة المطلوبة هي الهداية إلى طريق الوصول إلى المهمات على الأوّل، والى العبادات على الثاني، فيحمل عليه الكلام ليتلاءم، ويجوز أن يقال المراد أنّ المعونة المطلوبة إن كانت الهداية، فاهدنا بيان لها، وان كانت ما يتناولها، فافراد لما هو إلخ ثم إنه سيجيء أنّ المطلوب إمّ زيادة الهدى أو الثبات عليه، أو حصول المراتب المترتبة عليه، فكون اهدنا بياناً بناء على أنّ زيادة الهدى أو الثبات عليه إعانة على بعض ما يستعان فيه قطعاً، وانّ الإعانة على البعض إعانة على الكل لتوقفه عليه، أو على أنّ المستعان فيه تكميل العبادات، أو المهمات بأحد الوجهين الازدياد، أو الثبات وأمّا الهداية إلى المراتب المترتبة عليه، وكونها بيانا للمعونة على أداء العبادات، فإنما يصح إذا كانت وسيلة إلى العبادة، وقد قيل عليه إنّ قوله في صدر كلامه إن كان إلخ غير متأت هنا لأنّ الأوّل يأباه ما في الدرّ المنثور عن ابن عباس وضي الله عنهما من تفسير الهداية إلى الصراط المستقيم بالهام الدين الحق، ولذا فنره في الكشاف، وغيره بملة الإسلام، فهو مخالف لما عليه المفسرون، وكذا كون صراط الذين أنعمت عليهم بدلاً منه. وقوله وا ن كان المراد بالاستعانة طلب المعونة في أداء العبادات كان اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة لكون الصراط ما يوصل إلى العبادة مخالف للمتبادر من كلام المصتف، فإنه يفهم منه إنّ البيان على تقدير تخصيص الاستعانة بالعبادات، والافراد على تقدير تعميمها، وعليه أكثر أرباب الحواشي بل كلهم، وقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فإن قلت إلخ قد يجاب أيضا بأنه يمكن أن يقدر متعلق الاستعانة ما ينطبق أحد هذه الأمور عليه، فليتأمّل انتهى وفيه ما فيه. قوله: (والهداية دلالة إلخ (هذا برمته مأخوذ من كلام الرإغب رحمه الله في مفرداته، إلاً أنه وقع في نسخة بدل قوله بلطف بتلطف، والأولى أولى رواية ودراية، وانما قيده به لدلالة اشتقاقه وماذته عليه ولذا أطلق على المشي برفق تهاد وسميت الهداية لطفا، ومن لم يدر هذا قال لاً نها في اللغة الإرشاد، وهو عين اللطف، ولذا قال ابن عطية إنها لغة الإرشاد، وهل يعتبر في هذه الدلالة الإيصال أم لا فيه خلاف سيأتي تحقيقه، ونعني باللطف كما في الصحاح وغيره من كتب اللغة الرفق المقابل للعنف وهو في صفة الأجسام مقابل للغلظ والكثافة، ويكون اللطف واللطافة أيضاً عبارة عن الحركة الخفية، وتعاطي الأمور الدقيقة وقد يعبر به عما لا تدركه الحاسة كما قاله الراغب وهذا تحقيقه باعتبار الوضع اللغوي مطلقا. وأمّا هو في صفاته تعالى، فمعناه كما قاله الراغب أيضاً إمّ العالم بدقائق الأمور والخفيات أو الرفيق بالعباد في هدايتهم وغيرها انتهى. وفي شرج الأسماء الحسنى للشيخ بهاء الدين قدس سرّه، اللطيف الذي يعامل عباده معاملة اللطف لأنّ ألطافه في الدارين لا تتناهى، والله لطيف بعباده يرزق من يشاء فيهيىء مصالح الناس من حيث لا يشعرون وتيل اللطيف العليم بالغوامض والدقائق ولذا قيل لكل حاذق لطيف ويحتمل أن يكون من اللطافة مقابل الكثافة، وهو وأن وصفت به الأجسام ظاهراً إلاً أنّ الجسمية لا تنفك عن الكثافة، ولطافتها إضافية، فاللطافة المطلقة لا يوصف بها الآ نور الأنوار المتعالي عن إدراك البصائر والأبصار، ووصف غيره بها بالإضافة لما هو دونه، فهو من الأسماء الدالة على الصفات الذاتية، وعلى الأولين يرجع إلى الفعل ويقاربه اسم الكريم انتهى. وسيأتي في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 53 ا] ما يشير لما ذكر، فما نقل هنا عن السيد السند من أنّ اللطف عندنا خلق قدرة الطاعة في العبد وعند المعتزلة اللطف ما يختار المكلف عنده الطاعة، أو يقرب منها ولا يفضي إلى القسر والإلجاء إن كان تفسيرا لما وصف به العباد، فهو مخالف لما حققه أهل اللغة وإن كان لما وصف به الباري، فهو مخالف أيضاً لما في النظم ولما عليه أئمة التفسير فتدبر. قوله: (ولذلك تستعمل في الخيرا لأنه المناسب للطف كما سمعته. وقوله: (على التهكم) إشارة إلى أنّ ما ذكر ونحوه لا يرد نقضاً، على أنه إنما يستعمل في الخير لأنه معتبر في معناه الحقيقي، وهذا مجاز استعارة تمثيلية أو تبعية، فلا يرد نقضاً، وقيل: ليس هذا من الهداية بمعنى الدلالة بل من الهداية بمعنى التقديم والتخوز أحسن وأبلغ وقوله ومنه الهدية فصله لأنه مغاير له بحسب المعنى واللفظ، لأنّ فعل الأوّل هدى، وفعل الثاني بمعنى الإعطاء أهدى كأهديت الهدية والهدى إلا أنه يشاركه في أصل المعنى والمادّة كما مرّ. قوله: (وهوادي الوحش إلخ) الهوادي جمع هاد وهو العنق، وأوّل القطيع من الظباء ونحوها والوحش بفتح الواو، وسكون الحاء المهملة، والشين المعجمة الوحوس، وهي حيوان البر الواحد وحش ويقال حمار وحش بالإضافة وحمار وحش، فالوحش يكون للواحد والجمع، ولا تختص الهوادي بالوحش كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله، وفي الصحاح والهادي العنق، وأقبلت هوادي الخيل إذا بدت أعناقها ويقال أوّل رعيل منها وقول امرىء القيس: ". كأنّ دماء الهاديات بنحره يعني به أوائل الوحش انتهى. وظاهر كلام أهل اللغة أنه حقيقة في العنق، وإطلاقه على الأوّل مجاز وإن اشتهر فيه كما في الأساس فقوله لمقدّماتها بفتح الدال المتقدمة منها في الورود ونحوه، أو أعضاؤها المتقدمة كالرأس والعنق لأنها تسمى هوادي أيضاً كما سمعته. قوله: (والفعل منه) أي من الهداية المقصودة بالذكر هنا لا من مجموع ما مرّ فلا يرد عليه أنّ فعل الهدية أهدى كما مرّ. وقوله: (وأصله أن يعدى إلخ) أي إلى المفعول الثاني وقد يحذف منه الحرف فيتعدّى إليه بنفسه كاختار فإنه يتعدى لأحد المفعولين بنفسه وللآخر بمن وقد يتعدى له بنفسه، كقوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] على الحذف، وا لإيصال هذا ما قاله المصنف تبعاً للزمخشري وقيل: هما لغتان كما في الصحاح هديته الطريق لغة أهل الحجاز وإليه لغة غيرهم، والفاء في قوله فعومل فصيحة، وقيل: إنه إذا عدّي باللام مصدره الهدي، وإذا عدّي بإلى مصدره الهداية كما في الديوان وغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ومنهم من فرق بينهما كما قال قدّس سرّه: ونقل عن المصئف رحمه الله إن هداه لكذا أو إلى كذا إنما يقال إذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية إليه، وهداه كذا لمن يكون فيه، فيزداد أو يثبت، ومن لا يكون فيه فيصل. قيل: ولا نزاع في الاستعمالات الثلاثة إلاً أنّ منهم من فرق بينهما بأنّ المتعدّي بنفسه هو الإيصال إلى المطلوب، ولا يكون إلاً فعل الله، فلا يسند لغيره كقوله: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] ومعنى المتعدّي بالحرف الدلالة على الموصل، فيسند له وللقرآن والبيّ صلى الله عليه وسلم انتهى. قيل: وعلى الفرق الأوّل يظهر الجواب عن النقض المشهور على تعريف الهداية بالدلالة الموصلة بقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] إلخ إذ يجوز أن يكون التعريف للهداية المتعدّية بنفسها، والهداية في الآية متعدّية بالحرف، فترك المفعول بواسطة اختصاراً من غير احتياج إلى تجوّز ونحوه، وقيل: الهداية تتضمن معاني يقتضي بعضها تعديتها بنفسها وبعضها التعدية بالحرف، كالإرادة والإشارة والتلويح، وليس بشيء وسيأتي تتمته، واعترض على الفرق الثاني بقوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم، الآية؟ 43] ونحوه، ودفعه بأنه إسناد مجازيّ مخالف للظاهر. قوله: (لا يحصيها عدّ) أي لا يحصى إفرادها الجزئية أحد يعدّ، وأصل الإحصاء العد بالحصى، ثم صار حقيقة في مطلق العدّ كما هنا، فإسناده إلى العدّ مجاز للمبالغة، ولما كان إطلاق نفيه يوهم عدم انحصار أنواعها وأجناسها استدرك ما يدفع ذلك الإيهام وقيل إنّ المصنف رحمه الله تعالى فسر الهداية المطلوبة بقوله اهدنا بالدلالة السالفة ثم قال وهداية الله إلخ ولم يقل، وهي تتنوّع لأنّ ما ذكر من الإفاضة والنصب والإرسال والإنزال، لا تصدق عليه الدلالة إلاً بضرب من التأويل، ولو سلم فالمقسم لهذه الأجناس خصوص هداية الله تعالى، فالوجه أن يقال المقسم ما يطلق عليه هداية الله بوجه، أو فيه مضاف مقدّر أي أسباب هداية الله. (أ+دول) الظاهر أنّ الدلالة الساباتة أعمّ من هذه، كما ينطق به وينادي عليه فحوى كلامه، فكون ما ذكر لا يطلق عليه الدلالة غير مستقيم، فإنّ إطلاقه الهداية عليه يأباه والإظهار في مقام يقتضي ظاهره الإضمار إشارة إلى أنه ليس عين ما قدّمه، والمر1د بكونها هداية الله أنها بخلقه وإحسانه، فلا ينافي إسنادها لغيره كما يشهد له ما ذكره من قوله: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73] فافهم. قوله: (1 لأوّل إفاضة القوى إلخ) المراد بالإفاضة الإيجاد بالفيض، وهو الإحسان والجود الإلهي، والقوى جمع قوّة وهي لغة بمعنى القدرة، والتهيؤ كما فاله الراغب وفي اصطلاح الحكماء كما قالوه مبدأ التغير من أمر إلى آخر من حيث هو آخر، وهذا هو المراد هنا، وهي عند الأطباء ثلاثة أجناس لأنّ فعلها إمّا مع شعور أو لا، والأوّل يسمى فوّة نفسانية، والثاني إن اختص بالحيوان فقوّة حيوانية والاً فهي طبيعية، وعند الفلاسفة أربعة لأنّ كل قوّة إمّا أن يصدر عنها فعل واحد أو أكثر، وعلى التقديرين إمّا مع شعور أو لا، فالتي فعلها متغير مع الشعور قوّة حيوانية والتي فعلها متغير بدونه قوّة نباتية، والتي فعلها غير متغير مع الشعور قوّة فلكية، والتي بلا شعور طبيعية إن كانت في البسائط كالنار وخاصية في المركب كتخدير الأفيون، وهذه هداية إلى طريق التعقل والإحساس وفيها ما لا يختص بالإنسان، وإلى العامّ منها الإشارة بقوله تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] واثبات الحواس الباطنة وإن كان رأي الفلاسفة، فقد ذهب إليه كثير من أهل السنة، وقال الغزاليّ: الذي أبطلوه استقلالها بالإدراك والتأثير وما أثبتوه لها مما هو مبنيّ على أصولهم الواهية ومجرّدها لا ضير فيه لما فيه من الحكم البديعة والقدرة الباهرة. وفي شرح المقاصد: لا يخفى إنا إذا جعلنا القوى الجسمانية ا-لة للإحساس، وادراك الجزئيات والمدرك هو النفس ارتفع النزاع، فلا وجه لما قيل: من أنّ اللائق بالمصتف أن لا يذكرها لابتنائها على هذيانات الفلاسفة، ونفصيلها في مطوّلات الكلام، وكتب الحكمة، والمشاعر الحواس الظاهرة جمع مشعر جعلت محلاً للشعور، وهو الإحساس، وجعل الأولى حواس والثانية مشاعر تفنناً. قوله: (والثاتي نصب الدلائل إلخ) الظاهر أنّ المراد بهذه القوّة النظرية والفكر في الأنفس، والآفاق حتى يعلم أنّ له صانعا ورباً قديراً، ولأجل هذا أوح الله فيه العقل والقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الظاهرة والباطنة، فظهر من هذا كونه مترتباً على ما قبله، وما قيل من أنّ الحق والباطل إشارة إلى الكمال بجسب القوّة النظرية والصلاح والفساد بحسب القوّة العملية لا وجه له، وقيل: من جملة هذه. الدلائل المعجزات المفضية إلى ثبوت الشرع الموقوف عليه الأدلة السمعية، وفيه نظر. قوله: (وإليه أشار إلخ) أي إلى نصب الدلائل العقلية أشير في هذه الآية الكريمة، والنجد المكان الغليظ المرتفع، وهو مثل لطريقي الحق والباطل في الاعتقاد، والصدق والكذب في المقال، والجميل والقبيح ني الفعال فبين أنه عرفهما كقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3] قيل وما ذكره المصتف تبع فيه الزمخشريّ، والهداية فيه متعدّية بنفسها وليست بمعنى الإيصال بل بمعنى الإراءة ألا ترى إلى قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} قال المصنف: فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة فإنّ الإيصال إلى طريق الشرّ ليس من الأيادي بخلاف إراءته من حيث أنه طريق شر يحترز عنه فإنه يكون خيراً في حقه، وعلى ما يفهم من كلامه أوّلاً من اختصاصها بالخير في قوله: {هَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] تغليب انتهى. ولا يخفى ما فيه من الاضطراب، فإنّ المصتف رحمه الله لم يقل هنا أنّ المتعدي بنفسه يفيد الإيصال حنى ينافيه ما وقع في النظم، ثم إنه على ما ذكره لا يحتاج إلى التغليب فكان عليه أن لا يذكره أو يجعله وجهاً آخر فتدئر. قوله: (وقال وأمّا ثمود إلخ) قيل إنّ كلامه في تفسيره يدل على أنّ المراد بالهداية فيه ليس الجنس الثاني فقط حيث قال: فدللناهم على الحق بنصب الحجج، وارسال الرسل، ولعله أولى لأنه أدل على شقاوتهم، والرسل هنا رسل الله من البشر. قوله: (والثالث إلخ) قيل الظاهر أنّ المراد بالرسل ما يعم الملائكة ليتناول هذا الجنس من الهداية الأنبياء، ثم جعل المنحصر في الأجناس هداية الله يقتضي أن يكون المراد هداية الله تعالى بإرسال الرسل، وانزال الكتب والعبارة أيضا تفيد هذا المعنى، وعلى هذا في قوله واياها عنى إلخ نظر، فإن قيل الهداية فيها صفته تعالى أسندت إليهم والى القرآن مجازاً كما يقال قطع السكين قلنا لو سلم ذلك في الثاني فلا نسلمه في الأوّل، وقد قال المصئف في تفسير.: وجعلناهم أئمة يقتدى بهم يهدون الناس إلى الحق بأمرنا لهم بذلك، وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين نعم جعلهم أئمة يهدون بأمره هداية منه تعالى بإرسال الرسل لكن ظاهر قوله واياها عنى بقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} [الأنبياء: 73] إلخ يشعر بأنه إياها عنى بالهداية المذكورة فيه، وقد يتكلف له فيقال المراد بهداية الله المنحصرة في الأجناس الهداية المنتسبة إليه تعالى بوجه، وهداية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كذلك لكونها بأمره تعالى، وارساله وبالهداية لإرسال الرسل وانزال الكتب الهداية الحاصلة بهما سواء كانت قائمة بالرسل والمنزل، أو بمن هداه وأمره بالهداية، وقس عليها هداية القرآن إن كان متصفا بها حقيقة، وقال الغزالي: الهادي من العباد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والعلماء المرشدون للسعادة الأخروية، والدالون على الصراط المستقيم بل الله الهادي بهم، وعلى اً لسنتهم، وهم مسخرون بقدرته وتدبيره، فالهداية المسندة لهم من هداية الله، ومندرجة- تحت جنس الهداية بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام بهذا الاعتبار. (أقول الك أن تجعله شاملاً للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من غير تأويل بما ذكره، فإنهم مأمورون أيضاً بما أوحي إليهم كما لا يخفى، وأمّا أمر الحصر والتوفيق بينه، وبين ما ذكر فغير محتاج إلى تكلف ادّعاء مجازية الإسناد مع أنّ الظاهر الحقيقة، ولا موجب للعدول عنها في الآية الأولى بخلاف الثانية، وان توهموا العكس فإنّ قوله تعالى بأمرنا صريح في أنّ الله هداهم حيث أمرهم بالعمل والتبليغ، وهذا مراد المصتف رحمه الله ومحل استشهاده، وأمّا القرآن في نفسه فليس هو الهادي حقيقة فتدبر. وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي} [الإسراء: 9] أي يدل على خصلة، أو ملة أقوم مما عداها. قوله: (والرابع أن يكشف إلخ) مغايرته لما قبله ظاهرة لاختصاصه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء إذ المراد بالوحي كشف الحقائق وإظهارها لهم بغير الطرق المعهودة ولا وجه لتعميمه والإلهام إلقاء الخير في القلب إذ غيره يقال له وسوسة وأمّا قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] فمؤوّل كما سيأتي في محله، والمنامات الصادقة هي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الميشرات وهي جزء من أجزاء اليحوّة كما ورد في الحديث المشهور (1) ، وانكشاف الحقائق بها يقيناً مخصوص برؤياهم سواء أوّلت، أو وقعت بعينها. وقوله: (كما هي) أي كما هي هي في نفس الأمر، كقولهم من حيث هو هو وإعرابه مشهور. وقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ} [الأنعام: 90] الآية الشاهد فيها في الهداية الأولى أو فيهما والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد، وأصول الدين كما سيأتي في سورة الأنعام تحقيقه، فلا وجه لما قيل من أنه يمكن حملها على الثالث حتى توهم بعضهم أنه أظهر وأولى، وعدى المصتف رحمه الله الكشف بعلى، لأنه مضمن أو متجوّز به عن معنى جلا وأظهر، وان لم يخل من ركاكة العجمة والنيل الوصول. قوله: (والذين جاهدوا إلخ) قال المصتف رحمه الله في تفسيره: والذين جاهدوا في حقنا، واطلاق المجاهدة ليعمّ جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [صورة العنكبوت: 69] سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير وتوفيقاً لسلوكها إهـ. ولعل هداية سبيل السير إليه تعالى أن يكشف عن قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي، وقال الطيبيّ: طيب الله ثراه الاستشهاد فيه أنه تعالى أثبت لهم الجهاد على لفظ الماضي، وأوقع ضمير التعظيم ظرفاً له على المبالغة أي في سبيلنا ووجهنا مخلصين لنا ولا يكون مثل هذا الجهاد إلاً هداية لا غاية بعدها، ثم قال: لنهدينهم سبلنا على الاستقبال، وصرّح بلفظ سبلنا ولا يستقيم تأويله إلآ بما ذكر من طلب الزيادة بمنح الألطاف اهـ. والسرائر جمع سريرة، وهي ما يسره المرء في قلبه وأواد بها المصتف رحمه الله السرّ الإلهيّ، وليس ببعيد وان كان خلاف المعروف من استعماله. قوله: (أمّا زيادة ما منحوه إلخ) منح بمعنى أعطى يتعدى لمفعولين وهو مبنيّ للمجهول هنا والزيادة نزول الآيات وظهور الأحاديث في زمانه عليه الصلاة والسلام وظهور طرق الاحتياط والأخذ عن أهل العلم بعده، وقال قدس سرّه: إنه يعني أنّ من خص الحمد به تعالى وأجرى عليه تلك الصفات فهو مهتد فكيف طلب الهداية. فالمطلوب لزيادة أو الثبات أو ثمرة ذلك من سعادة الدارين، ثم إن حمل لفظ الهداية على التثبيت، كان مجازاً وان حمل على الزيادة فإن كان مفهوم الزيادة داخلاَ في المعنى المستعمل فيه كان مجازا أيضاً وان جعل خارجاً عنه مدلولاً عليه بالقرائن كان حقيقة لأنّ الهداية الزائدة هداية كما أنّ العبادة الزائدة عبادة فلا يلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز وإن جاز كما سيأتي بيانه وتبعه أرباب الحواشي هنا برمّتهم كما قيل إنه جواب عما يقال من أنّ ما قبله منزل على ألسنة العباد الذين حمدوه وخصوا الحمد به تعالى، ووصفوه بغاية الكمال وخصوه بالعبادة، والاستعانة ومثل هؤلاء لا يصح منهم طلب الهداية إلى الصراط المستقيم بمعنييه لحصوله لهم، ففيه تحصيل الحاصل فأجاب عنه بقوله فالمطلوب إلخ. فهو جواب شرط مقدّر أي إذا انقسمت الهداية لما ذكر، وكثره حاصل لهم فالمطلوب الزيادة والثبات أي مجموعهما، وفي نسخة أو الثبات بأو بدل الواو، وهي الموافقة لما في الكشاف والحاصل أنّ الهداية مطلقة، فتصرف للكمال، وهو بما ذكر من الزيادة أو الثبات أو حصول مراتب أخرى من جنسها، وقد قيل عليه أنه إن أريد بالإيصال المفهوم من الدلالة الإيصال القريب، وبالصراط المستقيم ما يشمل العقائد الحقة والأعمال الصالحة، فلا مرية في أنّ من خص الحمد به تعالى وأجرى عليه تلك الصفات لا يلزم أن يكون مهتدياً بهذا المعنى لأنّ الموصل القريب لها الأدلة وإن أريد البعيد صح ولكن لا يتعين الحمل عليه، وأيضاً جزمه بالتجؤز إذا أريد الثبات وتفصيله في الزيادة فيه بأنه إن جعل الثبات داخلاً في المعنى المستعمل فيه كان مجازا وإلاً فهو حقيقة من غير فرق بينهما تحكم ورد بأنّ الموصل القريب لا ينحصر فيما ذكر، إذ يكون بما عرف سماعا من الشرع، وبالعقل السليم والثبات ليس كالزيادة لخروجه عن مفهومه بغير شك (أقول والهداية منه وإليه أليس كلام المصنف رحمه الله مطابقاً لما في الكشاف حتى يشرح بما شرح به ويورد عليه ما أورد عليه، فإنه في الكشاف لم يتعرّض لشيء مما ذكره المصتف أصلاً، فالحق أن يقال في بيان ما هنا إنه لما فسر الهداية المطلقة بالدلالة بلطف ونوّع منها هداية الله تعالى، وفسر الصراط بما ذكر، صار المعنى يا ربنا دلنا على طريق الحق بسلامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 القوى ووقفنا على أدلة الآفاق والأنفس ووفقنا لتلقي الأدلة السمعية من الرسل عليهم الصلاة والسلام والكتب حتى نصل لها فالتفريع هنا على ما قبله من تنويع الهداية الربانية إذ المطلوب هدايته لما يوصل إليه منها وكلها أو جلها حاصل لهم، فالمطلوب الزيادة إلخ والفاء فصيحة أي إذا تنوّعت الهداية لما هو معلوم الحصول، فالمطلوب ما ذكر وتفريعه على ما في النظم كما في الحواشي أبعد بعيد فعليك بالنظر السديد إذا صعدت من صعيد التقليد. قوله: (من الهدى) قال بعض الفضلاء: الهدى جاء لازماً بمعنى الاهتداء ومتعدّياً بمعنى الدلالة والأوّل هو المراد بقرينة قوله منحوه. والمراد بزيادة الهدى إمّا زيادة الله إياهم الهدى كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [ئحمد: 17] أو ازدياد الهدى على أنّ المراد بالمطلوب المطلوب الأصليّ الذي يطلب ما أريد بمصدر اهد لأجله، وهو زيادة الله إياهم الهدى أو الهداية، أو زيادة الهدى والهداية الزائدة والمراد بالثبات، أمّ ثباته تعالى على الهدى بمعنى الهداية على سبيل الاستخدام، أو ثباتهم على الهدى على قياس ما عرفت في زيادة الهدى، وعلى الثاني المراد بالهداية تثبتهم على الهدى أو ثباته تعالى على هدايتهم أي دوامه. (بقي) هنا أنه قد يقال الصراط بمعنييه لا يخلو إثا أن يراد جميعه أو بعض منه معين أو غير معين لا سبيل إلى الأوّل لأنّ هؤلاء لم يحصلوا جميع طرقه، وجميع الأعمال الصالحة والعقائد الحقة والبعض المعين لا بد له من قرينة تعيينه ولا قرينة هنا فإن أريد بعض غير معين، فلا ريب في صحة طلب البعض لآخر من غير تأويل أو تجوّز فتأمّل. قوله: (فإذا قاله العارف إلخ) الظاهر أنه تفريع على قوله حصول المراتب المترتبة عليه وأنّ هذا من جملتها، ولذا قالوا إنّ العارف لا يزال مسافرا فكلما ألقى عصاه بدا له سفر، فهو من معنى الهداية المترتبة على أحد الأربعة، وقيل: الحصر فيها بالنسبة إلى السالك، وهذا متفرع عليها بعد التكميل، فلا يرد عليه ما قيل لا يخفى إنّ الإرشاد المذكور جنس خاسى من الهداية، فإنّ الرابع هو هداية السير إلى الله كما سبق، فالحصر في الأجناس الأربعة غير مستقيم، وقد رد أيضا بأنه قد قيل إنّ الفناء عبارة عن نهاية السير إلى الله عر وجل، والبقاء عبارة عن بداية المسير في الله سبحانه والسير إنما ينتهي إذا قطع بادية الوجود بالكلية، وبعده يتحقق السير فيه بالإتصاف بالأوصاف الإلهية، والتخلق بالأخلاق الربانية، وقطع بادية الوجود عبارة عن فناء الحظوظ الدنيوية والأخروية، ويلزمه بقاء طلب الحق سبحانه بل يندرج فيه السير إليه أيضا، كما أنّ قوله تعالى: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] يشملهما فالحصر مستقيم، والعارف الواقف على الأسرار الإلهية، والسير في الفتوحات أن يكشف له عجائب الملكوت، فتنتقش في جوهر نفسه فيفرّ إلى الله مسافرا عما سواه إلى أن يراه في كل شيء ويطلق عندهم أيضاً على الانتقال من اسم إلهيّ إلى. آخر: فيا دارها بالخيف إنّ مزارها قريب ولكن دون ذلك أهوال قوله: (أوشدنا) عذاه بنفسه على الحذف والإيصال، أو ضمنه معنى أرنا لأنه يتعدى بالحرف وفي المصباح أرشدني إلى الشيء وعليه وله قاله أبو زيد، ونمحو بالنون والتاء الفوقية والياء التحتية، وكذا نميط في الوجوه الثلاثة ونمحو بمعنى نزيل، ونميط بمعنى نبعد وننحى، والغواشي جمع غاشية بمعجمتين ما يغشى أي يعرض ويكون بمعنى الغطاء، ومنه غاشية السرج لغلافه فغواشي الأبدان المراد بها هي بأنفسها، أو ما يطرأ عليها من كدورات البشرية وظلمات الهيولى، ونور قدسه الملكات الفاضلة أو الفيوض الإلهية. وقوله: (فنزاك بنورك) أي نشاهدك بما أودعته في سثمكاة قلوبنا من الأنوار، والله نور السموات والأرض، فإذا فهمت فنور على نور. قوله: (والأمر والدعاء) المراد بهما مفهوما هما، أو ما صدقا عليه، كصم وصل أو المعنى المصدري، وقيل: هذا تكلف من غير حاجة داعية له، فإنّ صيغة افعل لا تدل على مصدر أمر ودعا، وان تحقق عند تحققها وفيه نظر، والمنقول في أصول الشافعية كما في شروح جمع الجوامع أنه لا يعتبر في مسمى الأمر ولا في حدّه علو ولا استعلاء، واعتبر فيه المعتزلة وهو المشهور عنهم، وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والسمعانيّ العلو، وأبو الحسين من المعتزلة، والإمام الرازي والآمدي، وابن الحاجب الاستعلاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وتابعهم المصنف وحمه الله هنا وخالفهم في منهاج الأصول، ورذ مذهب المعتزلة المشهور من اشتراط العلوّ قي الأمر وضد. في الدعاء، وقيل بالرتبة وهو مختار الزمخشريّ والاشتراك اللفظي بينهما كونهما بصيغة واحدة في الأكثر، وهي أفعل والمعنوي إنّ فيهما معنى الطلب الذي هو كالجنس لهما. وقوله: (ويتفاوقان) أي يتغايران ويفترقان بأنّ الطلب إن كان استعلاء فأمر، وان سفلا فدعاء والاً فيسمى التماساً وقال بعض المعتزلة: إن كان عالي الرتبة فأمر وان كان سافلها فدعاء هذا ما أراده المصتف رحمه الله، فمن توهم أنه لا مغايرة بين القول الأوّل والثاني فقد وهم لأنّ الاستفعال قد يكون لعد الشيء متصفا بشيء، وان لم يكن كذلك كاستحسنه، وان لم يكن حسناً وكذا التفعل كتحلم وان يكن حليماً فالاستعلاء والتسفل يقابل العلو، والسفل وتفصيله في الأصول. قوله: (والسراط إلخ) السراط هو الطريق السهل، أو الواضح المستوي من سرط الطعام، كفرح ونصر ابتلعه وزرده فقيل: إنه يتصوّر أن يبلعه سالكه، أو يبتلع هو سالكه ألا تراهم قالوا قتل أرضا عالمها، وقتلت أرض جاهلها وعلى النظرين قال أبو تمام: رعته الفيافي بعدما كان حقبة رعاها وماء المزن ينهل ساكبه فقوله: كأنه يسترط السابلة تتبع فيه الزمخشريّ، وفي الكشف لو قال لأنهم يسترطون السبل، وهي تسترطهم كان أولى، وفي نسخة يسرط من الثلاثي وهذا بيان لوجه أخذه منه، والسابلة الطريق ومن يسلكها والمراد الثاني. وقوله: (ولذلك) باللام وفي نسخة بالكاف، وهي صحيحة أيضا، واللقم بفتحتين معظم الطريق أو طرفه أو وسطه من الالتقام، وهو الابتلاع ففعل بمعنى فاعل أو مفعول كالسراط، والمصنف رحمه الله اقتصر على الأوّل لوضوحه، وعن الأزهري أكلته لمفازة إذا نهكته لسيره فيها، وأكل المفازة إذا قطعها بسهولة، وقيل: إنّ السابلة إذا ذهبوا من عندنا، فحالهم بالنسبة إلينا شبيهة بابتلاع الطريق، فإذا جاؤوا إلينا، فكأنهم يبتلعون الطريق ويلتقمونه. قوله: (والصراط من قلب السين إلخ) إنما قلبت السين صادا لمناسبة الطاء في الإطباق، وفي انخة اض السين مع تفخيم الراء استثقال للانتقال من سفل إلى علو بخلاف العكس نحو طست لأنّ الأوّل عمل والثاتي ترك كما قرّره أهل الأداء. وقوله: (ليطابق) أي ليوافق مجانسه مع الأطباق والصاد والضاد والطاء والظاء مطبقة، ويقال منطبقة لانطباق اللسان معها على الحنك. وقوله: (وقد يشئم إلخ اليكون أقرب إلى المبدل منه لأنّ الزاي والسين من المنخفضة المنفتحة، ولأنّ مخرجهما من بين الثنايا، وقيل: ليكتسب بذلك نوع جهر ويزداد قربها من الطاء، والإشمام هنا خلط الصاد بالزاي وعرفه الفرّاء بخلط حرف بآخر وكل وفي الوقف ضم الشفتين مع انفراج بينهما، ولا يدركه إلاً البصير، وله معان أخر سيأني تفصيلها ني سورة يوسف والزاي اسم هذا الحرف المعجم بياء بعد الألف، للفرق يينها وبين الراء المهملة، وفي النشر يقال زاء معجمة بالمد، وزاي بالف وياء وزيّ بالكسئر والتشديد اهـ وعامّة بلادنا يقولون زين، وهو غلط وشين. قوله: (والباقون بالصاد إلخ الغة قريش إبدال السين صادا هنا، وفي كل موضع بعدها عين أو خاء أو قاف باطراد، وقول الجوهري السراط لغة في الصراط لا يقتضي أصالتها، ولذا رسمت صادا لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش، فإنّ القرآن نزل بها وقرىء بالزاي الخالصة أيضا. قوله: (والثابت في الإمام) أي المثبت كتابة وخطأ في مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه المسمى إماماً عند القرّاء والمفسرين وغيرهم، فإنّ الإمام لغة ما يؤتم ويقتدى به، فيتبع وان لم يكن من العقلاء، ولهذا أطلق على اللوح والكتاب كما فال تعالى: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} [الأحقاف: 2 ا] فسمى الكتاب إماماً على وجه، وقد كان في سنة ثلانين لما سار حذيفة رضي الله عنه لبعض الغزوات وعاد قال لعثمان رضي الله عنه: إني رأيت أمراً عجيباً رأيت الناس يقول بعضهم لبعض قراءتي خير من قراءتك، فإن تركوا ليختلفوا في القرآن، فيكون لذلك أمر، فجمع عثمان الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم، فأشاروا عليه بجمعهم على مصحف واحد، فارسل إلى حفصة أمّ المؤمنين رضي الله عنها لترسل الصحف لتنسخ، وكان أبو بكر رضي الله عنه جمعها لما كثر قتل الصحابة رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الله عنهم باليمامة، وهو الجمع الأوّل، فأرسلتها إليه، فامر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت وابن الزبير وسعيد بن العاصن. وعبد الرحمن بن الحارث، فنسخوها في مصاحف اختلف في عددها كما في شرح الرائبة للسخاوي رحمه الله وأرسل إلى كل مصر مصحفا، وحرّق ما سواها، فسمي كل من تلك المصاحف إماماً لا المصحف الذي كان عند عثمان وحده كما قيل. فإن قلت: قد قيل على ما ذكره المصتف رحمه الله أنّ جميع القراءات السبعة بل العشرة ثابتة في الإمام لأنهم قالوا: لا بد فيها من أمور ثلاثة صحة السند وموافقة قواعد العربية، ومطابقة الرسم العثماني الثابت في الإمام. قلت: المراد بالثبوت فيه الثبوت، ولو تقديراً كما فصله في النشر وقال: انظر كيف كتبوا الصراط، والمصيطرون باله ماد المبدلة من السين وعدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين، وان خالفت الرسم من وجه قد أتت على الأصل فيعتدلان، وتكون قراءة الإشمام محتملة ولو كتب بالسين على الأصل فات وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم، فلا إشكال. قوله: (وجمعه شزط الخ) ظاهره أنّ هذا الجمع يكون له مطلقاً سواء ذكر أم أنث ولذا قدّمه، وقد قيل إنه إن ذكر جمع على أفعلة في القلة وعلى فعل في الكثرة كحمار وحمر وأحمرة وان أنث فقياسه أن يجمع على أفعل كذراع وأذرع، وفسر المستقيم وهو الذي لا اعوجاح فيه بالمستوى، وهو من قولهم سوّى الأرض والمكان فاستوى هو بأن لا يكون في سطحه وحدوده اختلاف، ومته قوله تعالى: {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} [النساء: 42] أي يوضع عليهم ترابها ويسطح. وقيل: وصف الطريق به له معنيان: أحدهما أنه مستو بنفسه. والآخر أنّ سالكه يستقيم فيه. وقوله: (كالطريق إلخ) هو مثله معنى وقيل: بينهما فرق، فإنّ الطريق ما يسلك مطلقاً، والسبيل ما هو معتاد السلوك والسراط ما لا عوجاح فيه يمنة، ويسرة فهو أخصها، فإن قيل فما فائدة وصفه حينئذ بالمستقيم قيل: لأنّ الصراط يطلق على ما فيه صعود أو هبوط، والمستقيم ما لا ميل فيه إلى شيء من الجوانب، وأصل الاستقامة في الشخص القائم. قوله: (والمراد به طريق الحق إلخ) هذان التفسيران رواهما ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكرهما المصنف والزمخشريّ إلاً أنّ الزمخشريّ قال المراد به طريق الحق وهو ملة الإسلام قجعلهما متحدين والمصتف رحمه الله تعالى أشار إلى الرد عليه وجعلهما متغايرين، وقد ذهب بعض أرباب الحواشي إلى أنّ الحق ما فهمه الزمخشريّ وقال ابن تيمية الخلاف بين السلف في التفسير قليل جدّا، وهو في الأحكام أكثر وغالب ما روي عنهم من الأوّل راجع إلى تنوّع العبارة وإليه أشار الزمخشريّ، وعلى ما فهمه المصئف هما متغايران إمّا لأنّ ملة الإسلام تختص بالأصول والإعتقاد، وطريق الحق أعمّ لشموله الفروع والأصول سواء فسر الحق هنا بما يخالف الباطل أو بأنه اسم الله فإنه ورد إطلاقه عليه، وهو مخالف لقوله قدس سرّه: إن ملة الإسلام تشمل الأحكام الأصلية والفرعية، وإن قيل: إنه مبني على مسلك الزمخشريّ. وقيل: طريق الحق مطلقاً تتناول ملة الإسلام، وما فيها من العبادة كما هو المناسب لتنوّع الهد اية. وقيل: طريق الحق أخصى لشمول ملة الإسلام للفرق الضالة كالقدرية. وقيل: اصحق أعمية الحق لشموله السير في الله، وما يترتب على الهداية من المراتب كما مرّ وقيل الطريق المستقيم هنا العبادة، لقوله تعالى: {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 61] والقرآن يفسر بعضه بعضاً وفيه نظر، وقول الفاضل الليثي: إنه ليس المراد تعفق الهداية بجميع ملة الإسلام، بل ببعضها سواء أريد به التثبت أو الزيادة ناشىء من عدم النظر للوقوع، وعموم الطلب فتأمّل. قوله: (بدل من الأوّل الخ) بدل خبر مبتدأ مقدر أي هذا بدل من الصراط الأوّل. وقوله: (بدل الكل من الكل) بدل من البدل، وهو من حسن الإتفاق الذي سماه المتأخرون في البديع تسمية النوع، وقد عاب ابن مالك رحمه الله في بعض كتبه هذه العبارة على النحويين لأنّ الكلية لا تصح في مثل {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللهِ} [إبراهيم: ا- 2] فإنها إنما تقال فيما ينقسم ويتجزئ، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، فالأولى أن يقال فيه البدل الموافق أو المطابق. والورع البارد في نحوه يغنيك عنه النظرالحامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وقوله: (وهو في حكم تكرير العامل) هذه عبارة مهذبة صادقة على مذهبي التقدير وعدمه فلا وجه لما قيل إنّ هذا مذهب الأخفش والرمّاني والفارسي وأكثر المتأخرين، وبدل عليه كلام صاحب الكشاف في بحث البدل من المفصل، لكن ذهب جماعة إلى أنّ العامل في البدل هو العامل في المبف ل منه، وعد الرضي صاحب الكشف منهم. قوله: (من حيث إنه المقصود إلخ) قيل: إنه إشارة إلى ما استدل به الفريق الأوّل على تقدير عامل من جنس الأوّل لكونه مستقلاً أو مقصودا بالذكر، واذا لم يشترط مطابقتة للمبدل منه تعريفا وتنكيراً. وأجيب: بأنّ استقلال الثاني، وكونه مقصودا يوذنان بأنّ العامل هو الأوّل لا مقدّر آخر لأنّ المتبوع أذن كالساقط، فكأنّ العامل لم يعمل في الأوّل، ولم يباشره بل عمل في الثاتي والمعتى أنه مهصود بالنسبة دون متبوعه، وبهذا فارق العطف، وأورد عليه أنّ صرف العامل عن المبدل منه إلى البدل ينافي تكريره. وأجيب عنه بأنه في حكم تكريره مع كلمة بل، وأورد عليه أنه لا يفهم من التكرير إلأ تقرير الأوّل وكلمة بل إضراب عنه، والحق أنّ الإضراب إنما هو من صرف خصوص نسبة العامل إلى خصوص آخر، ىأصل النسبة باق، فإن قلت النسبة تتغير بتغير أحد طرفيها قلت: إذا لم يكن " البدل أجنبيا عن المبدل مته لم تتغير بالكلية خصوصا في بدل الكل، فإنّ الإضراب فيه إنما هو باعتبار الوصف لا الذات، ثم إنما ذكر إنما يتأتى إذا كان للمبدل منه نسبة، فلا ينتقض بإبدال الجمل التي لا محل لها من الإعراب من مثلها، وقد جوّزه النحاة، وأهل المعاني، وترك المصئف رحمه الله ما استدل به في الكشاف لما فيه، كما لا يخفى على من له بصيرة نقادة. قوله: (وفأئدته التثيد إلخ) في الكشاف فائدة البدل التوكيد، لما فيه من التثنية والتكرير والإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه، وتفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه، وآكده كما تقول: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم فلان، فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل، لأنك ئنيت ذكره مجملاً أوّلاً، ومفصلاً ثانيا وأوقعت فلانا تفسيرا، وايضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل، فكأنك قلت: من أراد رجلاً جامعاً للخصلتين فعليه بفلان، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه من غير مدافع ولا منازع اهـ. وهو جواب عن نكتة التكرار والعدول عن الاختصار بأنه لفائدتين إحداهما قصده بالنسبة، وتكرير العامل حكما، والثانية تفسيره وبيانه به، ومذه مشتركة بينه وبين عطف البيان أو هي أظهر في الثاني، ومن دأب المصنف رحمه الله أنه إذا غير عبارة الكشاف، أو أسقط منها شيثاً أنه يشير بذلك إلى ردّ ضمني أو أنه غير مرضيّ، فلذا أسقط هنا تمثيله للبدل بالمنعوت المتقدم عليه نعته نحو أدلك على أكرم الناس زيد لأنه غير مسلم عند علماء المعاني، وفي المطوّل كل صفة أجرى عليها الموصوف نحو جاءني الفاضل الكامل زيد، فالأحسن أنّ الموصوف فيه عطف بيان لما فيه من إيضاح الصفة المبهمة، وفيه إشعار بكونه علما في هذه الصفة، وفي الحواشي الثريفية أنه أشار إلى أن جعله عطف بيان أحسن من جعله بدلاً من وجهين: أحدهما أنه يوضح تلك الصفة المبهمة، والإيضاح من شأن عطف البيان دون البدل والثاتي أنّ الإشعانة بكونه علما فيما ذكر إنما تتفرّع من جعل فلان تفسيرا للأكرم الأفضل، وايضاحا له فجعلته علماً في الكرم والفضل، ولا شك أنّ إيضاج المتبوع وتفسيره فائدة عطف البيان دون البدل، ولك أن تقول أنه اختار البدل في الآية وذكر له فائدتين الأولى تأكيد النسبة بناء على أنّ البدل في حكم تكرير العامل والثانية الإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه وتفسيره صراط المسلمين فيكون ذلك شهادة لصراطهم بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده، ولا خفاء في أنّ هاتين الفائدتين مطلوبتان في الآية الكريمة، فوجب أن يختار فيها البدل لأنّ الفائدة الأولى مختصة به، وأمّا الثانية فتحصل منه أيضا إذ قد يقصد ببدل الكل تفسير المتبوع، وايضاحه كما سيأتي إلآ أن ذلك لا يكون مقصودا أصليا منه كما في عطف البيان، وانما شبهه بقولك: هل أدلك إلخ إذا ورد في مقام ية صحمد فيه تكرير النسبة، وايضاح المتبوع معاً لا مطلقاً، وهناك يتعين البدل ولا يجوز عطف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 البيان فضلاً عن أن يكون أحسن، ولا بد من اعتبار هذا التقييد في التشبيه به ليوافق المشبه، ويتحصل به غرضه اهـ. والحاصل أنّ المبدل منه إذا كان وصفاً لفظاً أو تقديرا أثر في العناية بالبدل والقصد إليه فجعله في نية الطرح وجعل اسم الذات تابعاً له يومىء إلى أنّ تلك الصفات كمشخصاته التي يدل عليها اسمه، وانّ ثبوتها له أمر ظاهر مسفم وهي نكتة بديعة يشعر بها الكلام. وبالغ المصتف رحمه الله في ذلك فجعله نصا فيها إلاً أنهم اختلفوا فيها، وفي منشئها فمنهم من جعله توضيح الموصوف باسم الذات، وجعله مشتركا بين البدل وعطف البيان، والمرجح للبدلية أمر خارج، وهو الفائدة الأولى المخصوصة به، وجعله قدس سرّه مجموع الفائدتين، فيختص بالبدل لأنّ الثانية متفرّعة على التأكيد بالوجهين، والإشعاو بأنّ الطريق المستقيم بيانه، وتفسيره صراط المسلمين، كما أوضحوه والتفصيل بعد الإجمال أبين وأقوى في الشهادة، وتكرير العامل يوذن بالقصد فيجب أن يكون علماً في الصفة المذكورة ليكون، أوفى بتأدية ما قصد من اتصافه بالصفة المذكورة، فيستحق أن يستأنف القصد إليه، ولذا رجح المدقق في الكشف كونه بدلاً في الآية، والمثال مطلقاً على كونه عطف بيان، لأنّ استئناف القصد يدل على أنه أوضح من الأوّل في إفادة المقصود، فيلزم أن يكون هو الشخص غير مدافع ولا منازع اهـ. وما أورد على الشريف من أنه يأباه عدم تعرّض الزمخشريّ في بيانها لتكرير العامل والنسبة كما ترى ليس بشيء، فإنه قدس سرّه إنما جزم بما ذكره لقوله في الكشاف لما فيه من التثنية والتكرير لأن جعلهما بمعنى قليل الجدوى، فحمل التثية على تكرير لفظه لتبادره منه وحمل التكرير على تكرير العامل والنسبة، وقرينة الأوّل ظاهرة، وقرينة الثاني اشتهاره في البدل. وقوله: (المشهود عليه) عداه بعلى لتضمته معنى المحكوم أو المجمع، وفي الكشاف المشهود له قيل: وتعبيره أوّلاً بالمسلمين، وثانياً بالمؤمنين إيماء لترادف الإيمان والإسلام وقيل: لاتحادهما صدقا فلا ينافيه تصريحه في شرح المصابيح بتباينهما وأنّ {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} المؤمنون، وأن النعمة الإيمان إذ لا نعمة أعظم منه، ولذا أطلق لأنّ المنعم عليه بها كانه منعم عليه بجميع النعم. وقوله: (لأنه جعل إلخ) تعليل للتنصيص. وقيل: إنه تعليل لقوله على آكد وجه. قوله: (من البين الذي لا خفاء فيه إلخ) قيل: عليه جعله بيانا، وتفسيراً للطريق المستقيم يقتضي أن لا يكون كون الطريق المستقيم طريق المؤمنين كالبين الذي لا خفاء فيه بل إنما يقتضي كون طريق المؤمنين علماً في الاستقامة متعينا ليصح تفسير المبهم به، وقيل: إنه إنما يرد إذا كان المقصود من التفسير دفع الإبهام، وأمّا إذا لم يقصد مته ذلك، وقصد كون المذكور في معرض التفسير علماً بيناً متعيناً على ما ذكره بقرينة كمال ظهوره فلا يرد ذلك، فإن فلت: سلمتا أنّ التفسير حينئذ لا يقتضي ذلك لكن كونه من البين الذي لا خفاء فيه من أين يفهم قلت: إذا تقرّر كون طريق المؤمنين كالعلم المتعين في الاستقامة مع ادّعائه أنّ هذه العلمية والتعين مشهود عليه معلوم عند كل أحد يفهم منه ذلك بلا شبهة. قوله: (وقيل الذين أنعمت عليهم الأنبياء إلخ) عطف على ما فهم مما سبق من انه طريق المؤنين مطلقاً وهو المنقول عن السدّي وقتادة، وصراطهم المطلوب هدايتنا إليه ما توافقوا عليه من التوحيد، وأصول الدين دون الفروع المختلف فيها فإنها ليست صراطاً مضافا للكل، أو ما اشتمل على التوحيد والعبادة والعدل واجتناب المعاصي والعمليات التي لم تنسخ، والنبوّة أجل النعم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأمم، وفي الدر المنثور عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسره بطريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين، ومن أطاعه وعبده، وهو يشمل الأقوال الثلاثة، ويوافق قوله تعالى {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ} [مريم، الآية: 58] الآية. قوله: (وقيل أصحاب موسى الخ) أي المصدقون بهما وبما جاءا به قبل ما صدر من بعضهم من التحريف وقبل نسخ شيء مما جاءا به وهذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وخصوا لشهرة أمرهم وكثرتهم ووجودهم في عصر نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام والتحريف تغيير ما في الكتابين كذكر نبئنا صلى الله عليه وسلم حيث أرادوا إخفاءه ويابى الله إلاً أن يتم نوره، ولو كره الكافرون، والنسخ رفع بعض الأحكام من شريعتهم وانتهاؤها، قيل: وفيه لف ونشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 مرتب، فالأوّل بالنسبة لأصحاب موسى عليه الصلاة والسلام، والثاني بالنسبة لأصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام، والظاهر أن كلاً منهما بالنسبة إلى كل منهما وقيل: هم مؤمنو الأمم السابقة وقيل: هم المؤمنون مطلقاً، وهو الأولى والأنسب، وليس بزائد على ما مرّ كما توهم. واعلم أنّ التوراة والإنجيل اللذين عند اليهود والنصارى الآن اختلف فيهما هل هما مبدلان ومحرّفان لفظا أو تأويلاً، فأمّا التوراة فأفرط فيها قوم وقالوا كلها أو جلها مبدل حتى جوّزوا الاستنجاء بها، فليست المنزلة على موسى عليه الصلاة والسلام، وذهبت طائفة من الفقهاء والمحدّثين إلى أنّ ذلك إنما وقع في التأويل فقط كما صرّح به البخاري، واختاره الفخر الرازي وغيره لقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [أل عمران: 93] وهو أمر للنبيّ عليه الصلاة والسلام بالاحتجاج بها والمبدّل لا يحتج به، ولما اختلفوا في الرجم لم يمكنهم تغيير آيته منها، وتوسطت طائفة وهو الحق فقالوا: بدل بعض منها وحرف لفظه، وأوّل بعض منها بغير المراد منه، وإنه لم يعط منها موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل غير سورة واحدة، وجعل ما عداها عند أولاد هارون، فلم تزل عندهم حتى قتلوا عن آخرهم في وقعة بختنصر، وبعد ذلك جمع عزير بعضاً منها ممن حفظها، فهو الذي عندهم اليوم وليس أصلها وفيه زيادة ونقص، واختلاف ترجمة وتأويل، وأمّا الإنجيل ففيه تبديل وتحريف في بعض ألفاظه ومعانيه، وهو مختلف النسخ، والأناجيل أربعة كما فصله بعضهم في كتاب عقده لذلك سماه المفيد في التوحيد. قوله: (صراط من أنعمت) فيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة كمن على الله كما ورد في الأحاديث المشهورة يا من بيده الخير ونحوه، فلا يغرنك ما نقله الحفيد عن صاحب المتوسط من منعه. قوله: (والإنعام للصال النعمة إلخ) قال الراغب: النعمة الحالة الحسنة، لأنّ بناء الفعلة بالكسر للهيئة كالجلسة والركبة والنعمة بالفتح للمرّة كالضربة، وهو بمعنى التنعم، ولذا قيل كم ذي نعمة لا نعمة له أي لا يتنعم بما رزقه الله، والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء كما قاله الراغب فلا يقال: أنعم على فرسه، ولذا قيل إنّ النعمة نفع الإنسان من هو دونه لغير عوض، والنعماء إزالة الضراء، والنعمى ضد البؤسى ونعمه بالتشديد جعله في نعيم، ولين عيش وناعم وناعمة من نعومة المسلمين، وأصل معناه لغة من النعمة بالفتح، وأصله في المستلذات الحسية، ثم أطلقت على المعنوية، كنعمة الإسلام لأنّ اللذة عند المحققين أمر تحمد عاقبته، ولذا خصها بعضهم بالمعارف، وقيل: لا نعمة لله على كافر، ولما فيها من الإيصال والإنهاء كان حقها أن تعدّى بإلى لكنها عديت بعلى إشارة لعلو المنعم، ولذا قيل اليد العليا خير من اليد السفلى فقوله: من النعمة بالفتح، وهي اللين ظاهر، وفي نسخة من نعمة الإسلام؟ وهي الدين وهي صحيحة أيضا، وليست تحريفا لأنّ إضافته بيانية قال تعالى: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ} [سورة البقرة: 211] وكذا ما في بعضها من النعهمة، وهي الدين مع ما فيه من الركاكة، ولا ينافي تخصيصها بنعمة الإسلام الإطلاق المستفاد من ظاهره لشمول الإسلام لكل نعمة، وششلذ. بمعنى يجده لذيذاً وقد يعدى بالباء، وعدى الإطلاق باللام، وهو معدّى بعلى لكونه بمعنى الاسنعمال أي استعملت فيما يلائم من الأمور الموجبة لتلك الحالة، فهو من إطلاق المسبب على السبب. وقوله: (لا تحصى) أي لا تعد أنواعها فضلاً عن أفرادها قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 8 ا] أي نعمه تعالى، لأنّ الإضافة تفيد ما تفيده اللام قيل: وقيه نكتة حيث قال: نعمة دون نعم مع أنّ عدّ الواحد هين بل ليس هو بعدد لاشتمال كل فرد منها على نعم لا تحص كنعمة الصحة مثلاً، لو أريد تفصيلها جزءاً جزءا ظاهرا وباطنا أعجزت العادّ، وفسرها بعض الفضلاء بقوله: إن تشرعوا في عد أفراد نعمة من نعمه لا تطيقوه فتدبر. قوله: (روحانئ كنفخ الروح إلخ) تحقيق التسوية ونفخ الروح على ما نقله في كتاب الروح عن حجة الإسلام أنّ التسوية تهيئة المحل القابل للروح، كطينة آدم عليه الصلاة والسلام ونطفة بنيه، لأن يقبلها كالفتيلة التي تتقد بشرب الدهن لتعلق النار بها، وأصل النفخ إخراح هواء من جوف النافخ إلى جوف المنفوخ، وهو غير متصوّر في حقه تعالى، إلاً أنّ النفخ لما كان سبباً لاشتعال النار في بعض الأجساد، ويعذ ذلك نتيجة له عبر عن نتيجة النفخ بالنفخ وان لم يكن على صورة النفخ، والسبب الذي اشتعل به نور الروح في فتيلة النطفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 صفة في الفاعل وصفة في المحل القابل، فالأوّل الجود الإلهيّ الذي هو ينبوع الوجود على ما يقبله وصفة القابل هو الاعتدال الحاصل بالتسوية، كما قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر: 29] وهو في الأصل استعارة تمثيلية أو تصريحية أو مجاز مرسل، ثم صار حقيقة شرعية في فيض الأرواح على ذويها، وسيأني إن شاء الله تعالى تفصيله في سورة الحجر وما قاله المصئف فيه، ثم إنّ المصتف رحمه الله قسم ومثل بالأنعام تسمحاً، أو المراد الحاصل بالمصدر وتقسيمه على سبيل منع الخلو، فلا يرد عليه أنّ معرفة الله تعالى دنيوية وأخروية، ولا حاجة إلى ادّعاء تغايرهما ونحوه، وبدؤه بما ذكر إشارة إلى أنّ الحياة أصل النعم وأنها نعمة في ذاتها ويتوقف جمليها الانتفاع بغيرها والشيء لا يكمل إلآ إذا أمكن الانتفاع به، وما قيل نقلاً عن التأويلات النهجة أنّ النعم. إمّا ظاهرة كإرسال الرسل وانزال الكتب والتوفيق لقبوله وإتيانه به والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية. وإمّا باطنة وهي ما أصاب الأرواح في عالم الذرّ من رشاس نور النور: وأوّل الغيث قطر ثم ينسكب فكان على المصنف أن يدخله في تقسيمه ليس بشيء لدخول ما ذكر في الروحاني، إذ نعمة العقل والفهم إنما تعد نعمة إذا اهتدى بها للتصديق بما ذكر، وقيل: إنه لم يتعرّض لها لأنه لم يلتزم تعداد جزئيات النعم، وانما حصر أجناسها وهذه داخلة في النعم الدنيوية الموهبية، وقد جعل أيضا قسمي الموهبية من الدنيوية نظرا إلى أنها موهبة في الدنيا حالاً، وان كانت من الأخروية مالاً، والروحاني بضم الراء ما فيه الروح، وكذلك النسبة إلى الملك والجن، وهي نسبة على خلاف القياس، وأراد به هنا ما يقابل الجسماني مما يتعفق بالروح، وجسماني بالضم نسبة إلى الجسمان وهو الجسم، والجثمان بالثاء المثلثة بمعناه أيضا، ولك أن تقول إنه الروح لمشاكلته الجسماني. قوله: (وإشراقه بالعقل) ضمير إشراقه للمنفوخ فيه المعلوم من النفخ، وفيل: هو للإنسان أو للبدن كضمير فيه لفهمه من السياق وأرجعه بعضهم للروح لتأويله بمذكر، فإنها مؤنث سماعيّ، والعقل قوّة للنفس تدرك بها الكليات والجزئيات المجردة، ويتبعها ذلك الإدراك ويسمى نطقا وهو المراد بالناطق في تعريف الإنسان، ويكون بمعنى ما يعبر به عما في الضمير، وهذا معناه الحقيقي في اللغة والعرف العامّ، والفكر ترتيب أمور معلومة لتؤدّي إلى مجهول، والكلام عليه مفصل في محله وعلم ما أدى إليه الفكر هو الفهم وهذه أمور كسبية، والقوى جمع قوّة والمراد بها النفسانية التي هي مبدأ النطق وأخويه قيل: وهي عين العقل ومتحدة بقوّة الفهم ويتبعها أيضا سرعة الانتقال إلى المطالب، ويمكن أن يطلق عليه الفهم والذكر، وهو العلم بالشيء بعد ذهابه عن النفس ويطلق عليه الفكر والتعبير عما في النفس نطق، والآخر كسبيّ، والأولان قد يكونان فيما للاختيار دخل فيه، ومباديها قوى موهبية تابعة للعقل، فينبغي أن يحمل عليها إذا عرفت هذا، فالتمثيل بالنطق لا يخفى ما فيه لأنه بمعنى إدراك الكليات كسبيّ، كما برهن عليه في المنطق والقوّة التي هي مبدؤه عين العقل، وهو بمعنى التكقم أو مبدئه جسمانيّ، وجعل للعقل إشراقا على طريق التمثيل لأنه نور إلهيّ، وقد عرّف بذلك وقيل القوى تعم الحواس الظاهرة والباطنة لكن قوله كالفهم إلخ يقتضي تعميمه بحيث يشملهما، وادراكهما وادراك العقل وما يترتب عليه، والفهم المطلق بمعنى الإدراك، والفكر ترتيب المعلومات والنطق إدراك الكليات أو ما يعبر به عنها والقوى البدنية كالنامية وأخواتها، ويحتمل أن يراد بها ما يعم الحواس، ويراد بالأولى الإدراكات، فإنها يقوى بها العقل فتدبر. قوله: (كتخليق البدن إلخ) البدن والجسد بمعنى، وقد يفرق بينهما وتخليقه إعطاؤه خلقه، وتكميل بنيته والقوى الحالة فيه معطوف على تخليق، والمراد بها القوى الطبيعية التي قسمها الحكماء والأطباء إلى خادمة ومخدومة متصرّفة لأجل التشخص أو لأجل النوع كالنامية والغاذية والجاذبة والدافعة، والهيئات العارضة جمع هيئة، وهي عندهم مرادفة للعرض فقوله العارضة أي للبدن صفة مفسرة. وقوله: (من الصحة إلخ) بيان لها، فإنّ الصحة عندهم هيئة بدنية تكون الأفعال بها سليمة لذاتها ويقابلها المرض، وكمال الأعضاء ظاهر. قوله: (والكسبي إلخ) الظاهر أنّ الكسبي أعمّ من أن يكون ووحانياً كتزكية النفس، أو جسمانياً كتزيين البدن، أو خارجا عنهما وسيلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إليهما كحصول المال، وقيل: إن الكسبيّ ينقسم أيضاً إلى روحانيّ وجسماني، والمصتف رحمه الله أشار إلى الأوّل بتزكية النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق والملكات الفاضلة، وإلى الثاني بتزيين البدن إلخ وأورد عليه أن جعل حصول المال والجاه من الجسماني تكلّف، والمراد بالكسبيّ ما للكسب مدخل فيه، وإن لم يستقل به، ولا يرد عليه الصحة لأنها قد تحصل بمعالجات طبية كما توهم لأنّ أصل الصحة لا دخل للكسب فيها والمعالجات إنما هي لدفع ما يضادّها كما صرّحوا به، وتزكية النفس تطهيرها من دنس النقائمى، وفي كلامه إشارة إلى أنّ التخلية بالإعجام مقدّمة على انتحلية بالمهملة، والملكات شاملة للصانع، والمطبوعة بمعنى المقبولة الراجحة في ميزان الطبيعة، وقد وقع هذا اللفظ بهذا المعنى في كلام من يوثق به كالثعالبي، وقال المرزوقي: الشعر منه مصنوع ومطبوع، فلا عبرة بإنكار بعضهم له. وقوله: إنه لم يوجد في اللغة، وفي مفردات السمين، ومن خطه نقلت طبعت البكيال ملأته لكون الملء، كالعلامة المانعة عن تناول ما فيه، والطبع المطبوع أي المملوء اهـ وكذا قال الراغب. وفي كلام علي رضي الله عنه العقل عقلان مطبوع ومسموع، وهو فيه بمعنى الجبليّ، وفسر هنا بالعارضة لنفس البدن كتطهيره من الأوساخ وقمى الشارب ونحوه مما يورث البدن زينة والحلي بكسر الحاء مقصور جمع حلية، وهي الزينة المجاورة للبدن كاللباس، وجوّز فيه ضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء. قوله: (أن ينفر إلخ الم يتعرّض لتقسيمه، كما مرّ لعدم تعفق الغرض به، وقد قسم إلى روحاني كعلم ما لهم من الرضوان وجسمانيّ، كنعيم الجنة المحسوس، ووهبي كمغفرة الله وعفوه، وكسبي كجزاء الأعمال، وقيل: ليس فيها كسبي لأنه لا يجب على الله شيء ولكل وجهة، ويبوّئه مضارع بوّأه بباء موحدة، ثم واو مشددة وهمزة من التبوئة، وهي الإسكان، وعليين أعلى الجتة، أو موضع في السماء السابعة تصعد إليه أرواح المؤمنين، وهو في الأصل جمع علية أو عليّ بمعنى الغرفة أو لا واحد له، وجمعه جمع سلامة على خلاف القياس، وأبد الآبف ين كدهر الداهرين يستعمل للتأبيد والخلود. وفي القاموس: الأبد محركة الدهر والجمع آباد وأبود، والدائم والقديم الأزليّ، والولد الذي أتت عليه سنة، ولا آتيه أبد الأبدية، وأبد الآبدين وأبد الأبدين، كأرضين، وأبد الأبد محرّكة، وأبد الأبيد وأبد الآباد وأبد الدهر، وأبيد الأبيد بمعنى اهـ فالآبدين جمع آبد وهو مبالغة الأبد كما أنّ الداهر مبالغة الدهر لزيادة المبالغة بالياء والنون على خلاف القياس أو المراد بالآبد الدائم جمع بهما تغليباً للعقلاء كالعالمين وإضافة الأبد للمبالغة. وقوله: (فرط منه) بالفاء وتخفيف الراء يقال فرط من باب قتلى إذا تقدّم، والمراد ما فعله قبل من الذنوب، وهو إشارة إلى ما فيه من التخلية والتحلية. قوله: (والمراد هو القسم الأخير إلخ) أي المراد بالإنعام المدلول عليه بقوله: أنعمت النعم الأخروية، وما يتوصل بها إليها من الدنيوية، كتزكية النفس وما معها لا ما قبله لأنه لا يخص المؤمن، فلا وجه لإدراجه في الدعاء بنيله ولا يرد عليه أنه داخل في الوصلة، وإن لم يختص، فلا حاجة إلى حمل ألوصلة على ما يشمل القريبة والبعيدة ويتكلف تاويله والتعبير بالماضي لتغليب ما مضى منه لتوقف النعم الأخروية عليه، وإن كانت أجل، وقيل: إنه لتحققه أو لأن المراد أنعمت عليهم في علمك ففيه استعارة تبعية، والأوّل أحسن وأولى، وفي كلامه إشارة إلى ما ارتضاه من تفسير الذين أنعمت عليهم بالمؤمنين لا أنه شامل لجميع المكلفين كما توهم، وقيل: إنه يلزمه جعل ترك الأولى من الأولياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الزلات المغتفرة إلاً أن يجعل الأوّل للمذنب والأخيران للمعصوم مع أنه، وإن خالف صريح كلامه غير محتاج إليه رأساً ولا مخالفة بين المصنف والزمخشريّ، كما توهمه السيوطي، وعبارته في الكشاف: الذين أنعمت عليهم هم المؤمنون، وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام لأنّ من أنعم الله عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلاً أصابته واشتملت عليه، وإنما عدل عنه المصتف رحمه الله إلى ما هو أخصر وأظهر لما يوهم من مخالفة ما تقرّر في الأصول، إذ لم يفرق فيه بين المطلق والعامّ مع ظهور الفرق بينهما، وهذا إنما نشأ من عدم الفرق بين المطلق اللغوي والأصولي، والمراد الأوّل كما أشار إليه في الكشف، وأوضحه قدس سرّه فقال: المراد أنه لم يقيده بشيء معين مما يتعدى إليه بالباء ليستغرق بمعونة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 المقام كل إنعام بنعمة ولما كان هذا الشمول ادّعائياً قال: لأنّ من أنعم إلخ ومن لم يفهم ما قالوه هنا قال بعدما أورد من كلامهم أقول ينافي هذا التأويل إسناد العموم إلى الإطلاق إذ لو قيد وقيل: أنعمت عليهم بنعمة الإسلام، أو الذين أنعمتة عليهم يستفاد منه العموم، ولا دخل للإطلاق في إفادة العموم فحينئذ يكون الحذف للاختصار، ويمكن أن يجاب عنه بأنه ليس المراد أنّ مفعول أنعمت المحذوف هو نعمة الإسلام حتى يرد عليه ما ذكر بل هو عام، وجعل المطلوب باهدنا الذي هو سلوك طريق الإسلام عامّا إنما استفيد من تقييد الطلب بصراط من أنعمت، وتعليقه به على ادّعاء إن الإسلام كل نعمة، وقد خبط خبط عشواء، ولم يهتد للصراط المستقيم وهو أظهر من أن يخفى. قوله: (يشترك إلخ (في بدائع ابن القيم اختلف السلف هل لله على كافر نعمة فقيل: لا نعمة له عليه لظاهر قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ} [مريم: 58] الآية وقيل: قد يكون منعماً عليه، والصواب إنّ مطلق النعم يعم البرّ والفاجر والنعم التامّة مختصة بالمؤمنين لاتصالها بسعادة الأبد وهو الحق اهـ وهو ملخص كلام الإمام هنا. قوله: (بدل من الذين أو صفة إلخ) قدم البدلية إشارة لترجيحها لما فيها من وجوه المبالغة والنكت السالفة، وهو بدل كل من كل ولم يجعله بدلاً من ضمير عليهم لا لأنه يلزم خلو الصلة عن الضمير لأنّ المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة، كما يتوهم بل لأنه لا يخلو من الركاكة بحسب المعنى، وهذا مختار أبي عليّ، وقول أبي حيان: إنه ضعيف لأنّ غير في أصل وضعه صفة بمعنى مغاير والبدل بالوصف ضعيف ولذا أعربه سيبوبه صفة غير متجه لأنّ غير أغلبت عليه الإسمية، ولذا كان في الأكثر غير مجرى وقدم الصفة المبينة، وهي الكاشفة المنزلة منزلة التعريف كما صرّحوا به، لأنّ المنعم عليهم بالإسلام المهتدين لطريق الاستقامة لا يكونون من أهل الغضب، واذا أريد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالأمر ظاهر، ولذا لم يبينه صريحاً لأنّ قوله على إلخ يحتمل رجوعه إلى الوجوه الثلاثة أماة الآوّل فلكونه عينه ولأنّ الصفة والموصوف كشيء واحد لما مز، ومنهم من أرجعه إلى الأوّل فقط وجعل قوله هم الذين سلموا نظير ما مرّ من قوله فهو المشخص المعين، وهذا بناء على ما وقع في بعض النسخ، وهو بدل من الذين على معنى أنّ المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال، أو صفة له مبينة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة، وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من الغضب والضلال اهـ وهذه عبارة الكشاف بعينها وفي بعض الحواشي هنا تصخيح هذا الوجه أيضا فيتجه حينئذ وقال قدس سرّه: إذا جعل غير المغضوب بدلاً من الذين أريد بالثاني الذات مع قصد تكرير العامل وتفسير المبهم، فيؤخذ منه تلك المبالغات، فقوله: هم الذين سلموا نظير لقوله: فهو المشخص المعين، وبذلك يظهر أن الإبدال أوقع، وإن جعل صفة كان المعنى أنهم جمعوا بين النعم المطلقة التي أثبتت لهم بطريق الصلة وبين السلامة التي أثبتت لهم بطريق الصفة، وفي قوله: ههنا نعمة الإيمان إشاوة إلى أنّ الإيمان متحد بالإسلام ومشتمل على الأعمال كما هو مذهبه، وحينئذ يكون الوصف بالسلامة من الغضب والضلال بعد إثبات ألإيمان تأكيداً لا تقييداً وتخصيصا، وهو المراد بالصفة المقيدة إلآ إذا حمل الإيمان على التصمديق وحده أو مع الإقرار كما ذهب إليه غيره اهـ. ومما مرّ علم معنى المبينة والمقيدة وأنّ الإيمان إن شمل الأعمال فالصفة مبينة والآ فهي مقيدة، وقد أورد على ما في الحواشي الشريفية أنّ قوله، فهو المشخص المعين حكم على البدل بالتشخص والتعين بما يشتمل عليه المبدل منه من الصفة الذي هو كالعلم فيها، وقوله: هم الذين سلموا حكم على المبدل منه بالبدل وانحصار الأوّل في الثاني، أو عكسه بل هو حكم بالاتحاد، وهو المناسب لكون الثاني تفسيرا للأوّل فكيف يكون نظيراً له، ويمكن أن يقال إذا أريد به قصر المسند إليه على المسند أفاد ما يفيده. قوله: فهو المشخص المعين إلخ من الحصر. وهذه العبارة في كلام المصتف رحمه الله نظير قوله الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين لا نظير قوله: طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة، ثم جعله بدلاً على تقدير كون الموصول عبارة عن كمل المؤمنين المشتمل إيمانهم على الأعمال والمراد بالمغضوب عليهم والضالين مطلقهما كما يشعر به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 قوله سلموا من الغضب والضلال، ليكون ذات البدل عين ذات المبدل منه، وان اكتفى في اتحادهما ذاتا بمجرد صدق أحدهما على ما صدق عليه الآخر، فلا يخفى أن ما ذكر من الفائدة يتوقف على ما ذكرنا وتعقب هذا بأنه صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما في الدرّ المنثور وغيره أن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى، فلو كان الموصول عبارة عن مطلق المؤمنين وأبدل منه غير الفريقين كان حسناً بلا محذور وحينئذ يفسر قول المصنف رحمه الله سلموا إلخ بالسلامة عن مثل الغضب والضلال الكائن فيهما، ومنهم من قال في تفسيره: إنه قد سبق أنّ المراد بالموصول المؤمنون، وقيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل أصحاب موسى وعيسى إلخ فإن كان الأوّل، فالمراد بالمغضوب عليهم والضالين إن كان الذين أريد الانتقام منهم والعادلين عن الطريق السويّ، أو العصاة والجاهلين بالله فالصفة مقيدة إلاً أن يراد المؤمنون إيمانا كاملاَ كما يدل عليه قوله فيما سيأتي لأنّ المنعم عليه من وفق للجمع بين معرفة الحق لذاته والخير للعمل به، وإن كان اليهود والنصارى فمبينة بل مؤكدة وان كان الثاني فمبينة على أي تفسير فسر المغضوب عليهم والضالين، وإن كان الثالث فكالأوّل، ثم إنّ قوله فيما سبق والمراد هو القسم الأخير إلخ يشير إلى وجه آخر، وهو أنّ المراد بالموصول المنعم عليهم بالنعم الأخروية، وما يتوصل به إليها من الدنيوية فإن حمل على المنعم عليه بجميع ذلك فالصفة مبينة، وان حمل على المنعم عليه في الجملة فمقيدة على المعنى الأوّل والثاني للمغضوب عليهم والضالين، ومبينة على المعنى الثالث. قوله: (على معنى أنّ المنعم إلخ) قيل فيما مرّ دلالة على أنّ الإيمان ينافي العصيان. وقوله: (على معنى إلخ) إنما يلائم الابدال والوصف الكاشف لا الوصف المقيد المخصص لأنّ المنعم عليه على هذا التقدير يكون أعمّ، فلا يصح الحمل هو هو إذ لا يقال الحيوان هو الإنسان، فكان عليه أن يؤخر قوله أو مقيدة عن هذا التفسير لثلا يقع الفصل بالأجنبي بين المفسر والمفسر، وهذا مع أنه غير مسلم إنما يرد على غير ما في النسخة الأولى، وقيل إنه إشارة إلى حمل الموصول على المؤمنين والنعمة على الإيمان والمغضوب عليهم والضالين على الأوّل أو الثاني، ويجوز أن يراد أيضاً أنها مبينة بحسب الظاهر، ومقيدة بحسب العاقبة والنظر إلى الموافاة، ثم إنّ لفظ الذين يقع صفة وموصوفاً بخلاف من وما من الموصولات فإنهما لا يوصف بهما كما في الرضى وغيره من كتب العريية، وفي نسخة بين النعم المطلقة التي أثبتت لهم بطريق الصلة، وبين السلامة من الغضب والضلالة التي أثبتت لهم بطريق الصفة وسمي الإيمان نعمة مطلقة لاشتماله على سعادة النشأتين، فكأنه مشتمل على جميع النعم فينصرف المطلق إليه. قوله: (وذلك إنما يصح الخ) إشارة إلى الوصفية أو اصا سبق، وهو جواب عن سؤال مقدّر وهو أن غير أو مثلاَ ونحوهما من الأسماء المتوغلة في الإبهام قال النحاة: إنها لا تتعرّف بالإضافة، فلا يوصف بها المعرفة ولا يبدل على المشهور من مغ إبدال النكرة من المعرفة كما سيأتي، فما وجه ما مرّ من تجويز ما ينافيه فأجاب بوجهين إمّا من جانب الموصوف أو من جانب الصفة، فالأوّل أنّ الموصوف هنا معنى كالنكرة، فيصح أن يوصف بها لأنه لم يرد بالذين أنعمت عليهم قوم بأعيانهم ولا جميعهم، فهو عهد ذهني وحكمه حكم النكرة وإن جاز مراعاة لفظه، وظاهره بمعاملته معاملة المعرفة والموصول حكمه حكم المعرف باللام، فتجري فيه أقسامه وأحكامه هذا محصل ما قرّروه هنا، ولما وود عليه أنّ الموصول حمل أوّلاً على المؤمنين أو أصحاب موسى وعيسى أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهو معهود خارجيّ ولو سلم عدم العهدية في الأوّل، فلا ينبغي سلبها على الإطلاق لعدم جربه على جميع الوجوه أشار الشارح المحقق إلى دفعه بأنه جواب جدليّ أي لا نسلم أنّ غير المغضوب على تقدير الوصفية صفة للمعرفة، ولو سلم فلا نسلم أنه نكرة ومعوّل الزمخشريّ على تعريف غير، ولذا أخره وقال قدّس سرّه: يجوز أن يريد بما ذكره أو لا طائفة من المؤمنين لا بأعيانهم وإذا حمل على الاستغراق المتبادر من العبارة تعين أن يكون ما ذكر في الجواب وجهاً رابعاً لتلك الثلاثة، وهو العهد الذهني كما يشهد له. تشبيهه بقول الشاعر، وذكر بعضهم أنّ المستغرق لا يحيط العلم بحصره لكثرته فاشبه النكرة، وعومل معاملتها، وهذا مع كدم اشتهاره في الاسنعمال يدفعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ذلك التثبيه دفعاً ظاهراً، واعترض عليه بأنه تعسف يأباه النظر الصحيح، وحمل الموصول على ما ذكر مع بعده غير مناسب لجعل طريقهم مشهودا عليه بالإشقامة علماً فيها مع أنه يؤل بالآخرة لذلك، ولا فرق بين كونه جدلياً، وكونه وجها آخر غير ما قدّمه (بقي ههنا بحبث ينبني التنببه له) : فإنّ أهل الأصول جعلوا الموصول من صيغ العموم. والنحويون وأهل المعاني، جعلوه معرفة، وقالوا تعريفه بالعهد الذي في الصلة على ما حقق في شرح الرسالة الوضعية وكلامهم هنا على أنّ المقصود من الموصول أما المعهود الذي هو حصة معينة من الجنس أو الجنس من حيث تحققه في ضمن فرد مّا، وهذه مسالك متباعدة أو متنافية متنافرة، وقول المحقق هنا بعدما قرّر الجواب نعم يتجه أن يقال: جواز الوصف بالنكرة إنما يكون إذا أريد البعض المبهم كاللثيم ولا كذلك الموصول ههنا فكأنه مال إلى تعريف غير وعول عليه، ولذا أخره ليس بشاف فليحرّر وقوله كالمحلي باللام هذه عبارة مشهورة لأهل العربية، فيقولون للمعرف باللام محلي جعلوا التعريف حلة للنكرة، فهو استعارة صار حقيقة اصطلاحية فيما ذكر، وقيل إن التعبير إشارة إلى أن اللام لمجرّد تزيين اللفظ من غير زيادة معنى فيه. وفيه نظر. قوله: (ولقد أمرّ على اللئيم إلخ) هذا الشعر لرجل من بني سلول وهو هكذا: ولقدأمرّعلى اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لايعنيني غضبان ممتلئاعليّ إهابه إني وربك سخطه يرضيني وروى فأعف ثم أقول وكون جملة يسبني صفة أظهر دلالة على المعنى المقصود منه، وهو التمدّح بالوقار لأنّ المعنى على لئيم عادته المستمرّة سبه لي، وهو اقعد وأدل على ما أراد ولا شك أنه لم يرد كل لئيم ولا لئيماً معينا وأمرّ بمعنى مررت، وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية كما في خصائص ابن جني أو للاستمرار التجددي وهذا أولى من جعل قوله: فمضيت قرينة على أنّ المراد بأمر مررت فمضيت بمعنى أمضي، وعبر به للدلالة على تحقق إعراضه عنه، ولم يرتضوا الحالية في جملة يسبني لأنّ المعنى ليس على تقييد المرور بحال السب بل على أنّ مروراً مستمرّا في أوقات متعاقبة على لئيم مّا من اللئام اتخذ سبه دأبا له، وهو يضرب عنه صفحا لاغضائه عن السفهاء وقد قالوا ما تساث اثنان الآ غلب ألامهما فالسكوت أجمل، وقال بعض الأعراب: لايغضب الحرّعلى سفلة ~ والحرّ لا يغضبه النذل إذا لئيم سبني جهده ~ أقول زدني فلي الفضل ولذا قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] ولا يعنيني بمعنى لا يريدني أو لا يهمني الاشتغال به، والانتقام منه وقيل: كأنه يسب نفسه في تصوّرها بصورة أخرى وثمت، ثم العاطفة، وتختص زيادة التاء فيها بعطف الجمل عند المازني وخالفه بعض النحاة فيه، وهي هنا للتراخي في الرتبة. قوله: (إني لامرّ إلخ) مثال آخر لما لا يتعرّف بالإضافة، وقد وصف به المعرفة لأنها في معنى النكرة، وهو أظهر في الوصفية من البيت لاحتمال الحال فيه، وذهب الأخفش إلى أنّ اللام في هذا المثال زائدة، وارتضاه أبو علي وابن جني ورده غيرهم من النحاة، وفي الدرّ المصون: إنّ الموصول لإبهامه يشبه النكرة فيصح أن يوصف بالنكرة وإن لم يؤوّل وفيه نظر. قوله: (أو جعل غير معرفة بالإضافة إلخ) قال صدر الأفاضل: غير لها ثلاثة مواضع أحدها أن تقع موقعاً لا تكون فيه معرفة وذلك إذا أريد بها النفي الساذج نحو مررت برجل غير زيد الثاني أن تقع موقعا لا تكون فيه إلأ معرفة، وذلك إذا أريد بها شيء قد عرف بمضادّة المضاف إليه في معنى لا يضاده فيه إلاً هو، كما إذا قلت مررت بغيرك أي بالمعروف بمضادّتك إلاً أنه في هذا لا يجري صفة، فتذكر غير جارية على موصوف الثالث أن تقع موقعاً تكون فيه نكرة تارة ومعرفة أخرى كقولك مررت برجل كريم غير لئيم اهـ قيل ومن هنا تبين أنّ من قال: إنها لا تتعرّف أصلاً لم يصب، وكذا ما قاله المصتف هنا لأنّ ما ذكر لم يعرف بمضادة المضاف إليه، وهو الشرط فلا تعرف وان سلم فهي لا يوصف بها فلا يفيده ما ادعاه شيئاً، وليس بشيء فإن المغضوب عليه ضد للمنعم عليه، وانكاره مكابرة، وأمّا كونه لا يقع صفة، فلا بدّ له من دليل وكلام صدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الأفاضل لا يعارض ما قاله مثل الزمخشريّ، وابن السراج، وقد نقله أبو علي في التذكرة عن الفراء، وناهيك به إلآ أنّ أبا عليّ ردّه في التذكرة بقوله تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] وأجاب عنه ابن الصائغ في حواشيه على الكشاف بأنّ صالحا حال قدّمت على صاحبها، وهو غير الذي أو غير الذي بدل من صالحا، ولو قيل: ضد الصالح الطالح، والذي كانوا يعملون فرد من أفراده، فليس بضد لم يبعد، ثم إنّ ما ذهبوا إليه من عدم تعرّف مثل وغير وحسب وسوى اختلفوا في وجهه فقال ابن السراج والسيرافيّ: هو شدّة الإبهام لأنّ غير صالح لكل مغاير. وقال سيبويه والمبرد: هو كونه بمعنى اسم الفاعل، وهو مغاير ومماثل وكاف وما ذكره المصثف رحمه الله كما في الدرّ المصون إنما يتمشى على مذهب ابن السراج، وهو مرجوح أمّا على مذهب سيبويه فلا لأنّ ما إضافته غير محضة إذا قصد به الثبوت يتعرف بالإضافة كما مرّ، وأحد الضدين هنا المنعم عليه لأنّ المراد به المؤمنون الكاملون علماً وعملاً، والآخر المغضوب عليهم إن اتحدوا مع الف لين أو مجموعهما إن لم يتحدوا فلا يرد أنه ليس له ضد وإحد بل ضمدان، وضمير هو للضد والضمير في يتعين لغير وقوله تعين الحركة غير السكون في نسخة من غير السكون بمعنى تبينها بها وغيرها. وبضدها تتبين الأشياء والبحث هنا بأنه كما لا يجوز وصف المعرفة بالنكرة لا يجوز إبدالها منها. والجواب عنه بأنّ ذلك إنما هو إذا لم يفد البدل معنى زائدا على المبدل منه، فإن أفاده جاز كمررت بابنك خير منك غير متجه لما عرفته من أنه توجيه للبدلية والوصفية معا صراحة وضمنا لاتحادهما على ما ذكر تعريفا وتنكيراً، وفي جوابه أيضا شيء، فإنهم صرحوا بجوازه مطلقاً، واشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ، وأن تكون النثرة موصوفة نحو لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة، ووافقهم ابن أبي الربيع على الثاني وما ذكر لا يوافق شيئاً من المذاهب فتأمّل. قوله: (وعن ابن كثير نصبه على الحال) قال قدس سرّه فلا بدّ أن يكون نكرة على الوجه الذي أشرنا إليه، وقد يجعل بمعنى مغاير لتكون إضافته لفظية، كما يشهد له إدخال اللام عليه في عبارة كثير من العلماء لكنه مما لا يرتضيه الأدباء، وقالوا لم نجد له شاهدا في كلام يستشهد به اهـ وما أشار إليه هو كون التضاد ليس بمحقق، فيكون نكرة على أصله من مذهب ابن السراح وكونه بمعنى مغاير مذهب سيبويه كما مرّ، وفي قوله لتكون إضافته لفظية قصور ظاهر مما أسلفناه، وأيضا إذا لم يكن دخول اللام عليه مرضيا للأدباء وهم علماء العربية ومنهم أهل اللغة كيف يتأتى استشهاده به. وفي المصباح لم يسمع دخول اللام عليه واجترأ بعضهم، فأدخلها عليه لأنه لما شابه المعرفة بإضافته إلى المعرفة جاز أن يدخل عليه ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام، ولك أن تمنع الاستدلال وتقول الإضافة هنا ليست للتعريف بل للتخصيص والألف واللام لا تفيد تخصيصاً، فلا تعاقب إضافة التخصيص مثل سوى وحسب فإنه يضاف للتخصيص ولا تدخله الألف واللام اهـ وفي الدرّ المصون تعريفه باللام خطأ وجعله حالاً من الذين ضعيف لأنه ليس من مواضع الحال من المضاف إليه، وصرح بأنّ العامل أنعمت مع ظهوره إشارة إلى اتحاد عامل الحال وذيها، فإنّ المشهور لزومه ومنهم من جوز اختلاف العامل في الحال وصاحبها كما نقله الرضى عن المالكيّ، أمّا الأوّل فظاهر، وأمّ الثاني فلأنّ الذي في محل نصب أو رفع عند التحقيق هو المجرور، وقولهم الجارّ والمجرور في محل كذا تسامح، قيل: وهو في غير الخبر وتقدير أعني مذهب الخليل، قيل: وعليه فالمراد بالذين أنعمت عليهم المؤمنون الكاملون كما إذا كان بدلاً أو صفة كاشفة، وهو بناء على ما يتبادر من أنه للتفسير، والمفسر عين المفسر، وقيل عليه: إنه غير لازم لأنه قد يراد أعني منهم، فلا ينافي العموم، وقد قال شيخنا في الآيات البينات إنّ الغالب في كلام المصنفين استعمال أي فيما هو ظاهر وأعني فيما فيه نوع خفاء وقد يستعملان بمعنى قيل وهذه الرواية عن ابن كثير شاذة خارجة عن السبعة. قوله: (أو بالاستثناء إلخ) قد تقرّر في النحو أنّ غيرا يستثنى بها، فتكون منصوبة عن تمام الكلام عند المغاربة، كانتصاب الاسم بعد إلاً عندهم واختاره ابن عصفور، وعلى الحال عند الفارسيّ، واختاره ابن مالك، وعلى التشبيه بظرف المكان عند جماعة، واختار. ابن الباذس وقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بالاستثناء يجري على الأقوال والظاهر أنه على الأول منها، والمراد بالقبيلين في كلامه المؤمن والكافر لأنّ مطلق النعم على ما مرّ يشملهما، وقيل: المغضوب عليهم والضالين، والأوّل هو الصحيح وإنما قيده بذلك ليكون الاستثناء متصلاً على الأصل وليس بلازم، وقد ذهب جماعة هنا إلى أنه منقطع فلا حاجة له غير بيان الراجح عنده، وقد اعترض الفراء على الاستثناء بأنّ لا لا تزاد إلاً إذا تقدمها نفي كقوله: ما كان ب رضى رسول الله فعلتها والطيبان أبو بكر ولا عمر ومنع مستندا إلى أنها وردت زائدة من غير تقدّم نفي كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف، الآية: 12] وقوله: وتلحفني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل وغيره مما لا يحصى من الشواهد، وكأنه أراد أنها لا تزاد بعد الواو العاطفة، وحينئذ لا يتم السند فتأمّل. قوله: (والنضب إلخ) الثوران بفتحات كهيجان لفظاً، ومعنى من ثار يثور إذا تحرّك بسرعة، والنفس تطلق على معان منها الذات والروح، والدم والقوى الحيوانية المقابلة للقوى العقلية، كما قاله الغزالي رحمه الله في كتاب معارج القدس. والمراد هنا إمّا النفس الناطقة لأن الغضب من كيفياتها أو الدم كما قال الراغب الغضب ثوران دم القلب لأنه يكون من تحرّك الحرارة الغريزية لحركة النفس ولذا ورد في الحديث: " اتقوا النضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم " ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه، والدم مركب الروح الحيواني، فلذا احمرّ الوجه وانتفخت العروق حينئذ، ويجوز أن يراد بها القوى الحيوانية، والانتقام افتعال من النقمة وهي العقوية قال تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الأعراف: 136] أي عاقبناهم أشد عقوبة، وقوله إرادة منصوب على أنه مفعول له، والغضب فسر تارة بحركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام كما في شرح المفتاح للسعد وتارة بإرادة الانتقام كما في شرح الكشاف له، وتارة بكيفية تعرض للنفس، فيتبعها حركة الروح إلى خارج طلباً للانتقام كما في شرح المقاصد، ويقرب منه ما قيل إنه تغير يحدث عند غليان دم القلب وقال قدّس سرّه: إنه سبب قريب لإرادة الانتقام، وسبب بعيد لنفس الانتقام، وأمّا شهوة القلب للانتقام وميله إليه فمتقدّمة على الغضب، ولذا وفق بعض المحققين بين جعل إرإدة الانتقام متقدمة تارة ومتأخرة أخرى بأن قال: إرادة الانتقام سبب الغضب إرادة بالإرادة الشهوة، وغايته إرادة الضرر، فقول المصتف رحمه الله أرادة الانتقام إمّا علة متقدّمة أو غاية متأخرة، وعلى الأوّل فمراده بالمنتهى الانتقام، وعلى الثاني إرادته أو نفسه إطلاقا لاسم السبب على مسببه القريب أو البعيد. قوله: (على ما مرّ) أي في أسمائه تعالى قال العلامة القرافي في كتاب القواعد: كل ما يستحيل حقيقة عليه تعالى، فهو محمول على المجاز كالرحمة والغضب، واختلف السلف فيه فقال الأشعريّ: المراد به إرادة الإحسان، وارادة العقاب. وقال أبو بكر الباقلاتي: المراد أنه يعاملهم معاملة الراحم والغضبان، فيراد بالأوّل الإحسان نفسه، وبالثاني العقاب نفسه وقس عليه، وفي القرآن مواضع منها ما يشهد للأوّل كقوله تعالى: {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ) 1 (أخرجه الترمذي 92 1 2 وأحمد 3 لم 319 وأبو يعلى 1 0 1 1 من حديث أبي سعيد الخدري مطولاً، قال الترمذي: حسن صحيح اهـ. وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وأخرجه الديلمي 4313 من حديث أنس. 7] فإن الاقتران بالعلم والوصف بالسعة لعموم تعلق الإرادة، ومنها ما يشهد للثاتي كقوله: {هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي} [000:. . .] فإنّ الإشارة للسدّ وهو إحسان منه، ومنها ما يحتملهما كما في الفاتحة اهـ. وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أخذه بحروفه من التفسير الكبير، وقولهم إنما يؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي الحصر فيه إضافيّ، والمراد بالمبادي مبادبه المخصوصة المستحيلة على الله كرقة القلب وثورإن النفس، فلا يرد عليه أنه قد يؤخذ باعتبار الأسباب كما اختاره التفتازاني، وقد يجعل اسنعارة من غير نظر للمباديء والغايات كما سيأني وما في الكشاف من أن معنى غضب الله إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده حمله الشارح المحقق على أنّ الغضب مجاز عن سببه، وهو إرادة الانتقام وضبط إنزال العقوبة بكسر اللام عطفاً على الانتقام، وكذا وأن يفعل، وقال قدّس سرّه: الغضب والرحمة من الأعراض النفسانية المستحيل إطلاقها عليه تعالى، فيصرف الكلام عن ظاهره، وذلك من وجوه الأوّل أن تجعل الرحمة إرادة الإنعام والغضب إرادة الانتقام إطلاقا لاسم السبب. على المسبب القريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الثاتي أن يجعلا مجازاً عن الإنعام والانتقام إطلاقا لاسم السبب على المسبب البعيد الثالث أن يحمل الكلام على الاستعارة التمثيلية، والمصنف اختار في الرحمة الثاني وفي الغضب التمثيلية بأن تشبه حاله تعالى مع العصاة في عصيانهم له، وإرادته الانتقام منهم وإنزاله العقوية بهم بحال الملك إذا غضب على من عصاه فأراد أن ينتقم منه ويعاقبه ألا ترى إلى قوله: وأن يفعل بهم إلخ فإنه نبه به على علاقة المشابهة، وإلى اعتبار التركيب حيث قال: هو إرادة الانتقام، وإنزال العقوية برفع اللام كما في النسخ المعوّل عليها فقوله، وان يفعل مرفوع المحل أيضاً، وتوهم الجر لجعل الغضب مجازاً عن الإرادة لا الانتقام والرحمة الإنعام دون إرادته إشارة إلى سبق رحمته غضبه مخالف للنسخ ولا يكون لقوله: وإنزال العقوبة فائدة وعليه، فالتعرّض للتشبيه مستدوك فالواجب أن يقال لأنّ الملك إذا غضب على من عصاه أراد أن ينتقم منه ونكتة السبق مجرّد تخيل، فإنّ إرادته تعالى إذا تعلقت بأفعاله أفضت إليها إجماعا، والوصف بالإنعام والانتقام أقوى في الترغيب والترهيب من الوصف بإرادتهما، وقال ابن جني: إنه صرح بإسناد النعمة إليه تقرباً وروى عنه إسناد الغضب تأدّباً كأنه قيل: الإنعام فائض من جنابك، وأمّ أولئك فيستحقون أن يغضب عليهم. (أقول) لنا فيه كلام من وجوه: (الأوّل) إنّ تأييد الرفع الذي بنى عليه بعض مدّعاه بصحتة رواية لأنه الموجود في النسخ المعتمدة مع أنه ضبط قلم معارض بأن قوام الدين الاتقاني ضبطه بكسر اللام، وقال فيما كتبه عليه: هكذا هو بخط المصنف، كما في بعض الحواشي. (الثاني، اًنّ قوله: ولا يكون لقوله: وانزال العقوبة فائدة ليس كما قال بل له فائدة أحسن مما ذكره، وهو تفسير الانتقام إذا وصف به العزيز المنتقم لأنه قد يكون بمعنى الإنكار كما في قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} [البروج: 8، وتشفي النفس كعطفه عليه عطفاً تفسيريا للاحتراز وأقي فائدة أتتم من هذه. (الثالث) أنّ ما عوّل عليه من استدراك التشبيه غير وارد لأنّ هذه عبارة السلف كما أسلفناه وفيها معنى دقيق، وهو الإشارة إلى أنّ هذه السببية معروفة مشهورة، وأنها باعتبار غضب العظماء، فإنّ غضب غيرهم لا يلزمه ما ذكر وأن أفعاله تعالى لا ترتبط بالأسباب وانما هو جار على نهج كلامهم فتدبر. (الرابع (أنه يلزمه أن تكون هذه الاستعارة التمثيلية مما اقتصر فيه على ذكر بعض ألفاظ الهيئة المشبه بها كما سيأتي في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} [ممورة البقرة: 5] وأنه إنما يكون إذا كان مدلوله هو العمدة في تلك الهيئة كما حققه ثمة ولا شك أنّ معنى الغضب ليس كذلك بل قيل: إنه ليس من أجزاء الهيئة المشبه بها إذ لا نظير له في الهيئة المشبهة وأمّا قوله وأن يفعل إلخ فظاهر مما مرّ وقيل إنه إشارة إلى أنّ علاقة السحبية في نوع المعنى المجازي كما ذكر أنّ الرحمة مجاز عن إنعامه لأنّ الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وانعامه. وقوله هو أي غضب الله إرادة الانتقام لا يلائم الاستعارة التمثيلية فإنها جميع الألفاظ الدالة على الهيئة المشبه بها ولا شيء منها بمستعمل في غير ما وضع له وانما يراد بالمجموع الهيئة المشبهة، فلا يكون معنى غضب الله ما ذكره والآ لكان مستعملاَ فيه، وليس كذلك كما عرفته فاعرفه ترشد. (الخاس) أنّ قوله: ونكتة السبق مجرّد تخيل إلى السبق المذكور ورد في الحديث الصحيح،، فلا يصح أن يقال فيه أنه تخيل وانما أراد أنّ ابتناء تفسير الرحمة بالإنعام، والغضب بإرادة الانتقام عليه مجرّد تخيل لا يدل عليه كلام الزمخشريّ، ولا يقتضيه النظم القرآني، ومثله الغاز لا يليق ببلاغة القرآن، فإن أردت توضيحه فاصح لما يتلى عليك فنقول السبق فسر في الحديث بمعنا. الظاهر، وهو التقدّم، وبالغلبة أي الزيادة الكثيرة، فلما جعلت الرحمة، والغضب تارة من صفات الأفعال وأخرى من صفات الذات جاز حملهما معا على أحدهما، وحمل أحدهما على وجه دون لآخر، فالاحتمالات أربعة والظاهر كونهما على نهج واحد، ولا يعدل عنه إلاً لنكتة يخصصها المقام فيجعل اقتضاؤه قرينة على تغايرهما، والزمخشريّ لما فسر الأول بالإنعام الذي هو صفة فعل، والثاني بالإرادة التي هي صفة ذاتية، ومثله لا يقرع له العصا علم أنه أنسب بالنظم، وهو كذلك لأنه قدم لفظاً وكرر معنى، وص هح بوقوعه في قوله أنعمت، فناسب ذلك تفسيره بالإنعام، لأنه وصف جميل وهو في مقام المدح والامتنان يقتضي الوقوع عاجلاً وخير البرّ عاجله، فينبغي تفسيره بما يدل على ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وهو الإنعام والانتقام العقاب، فهو وعيد تمدّح بخلفه ولذا قال الطيبي رحمه الله غضبه تعالى على عباده وعيد، وهو كريم يتجاوز عنه بفضله كما قال: واني وان أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي فلا يرد عليه أنّ الإرادة صفة ذاتية قديمة، فتفسير الرحمة بالإرادة أوفق للحديث، وأمّا كونه أنسب بمقام الترغيب والترهيب فقد يقال: المقام مقام ترغيب لا غير فنفي إرادة الانتقام أبلغ من نفيه، وأنسب لحال المؤمنين المقصودين بالذات هنا، ثم إق الغضب وان كان منفيا صريحا فهو مثبت ضمناً، وقد أسند إليه في غير هذه الآية فلا يرد أن ادخمضب منفيّ فلا حاجة للتجوّز فيه، وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26] الآية وأمّا ما قيل: من أنّ الغضب مشترك بين ما ذكرو.، وبين ما يصح إطلاقه عليه تعالى كالإرادة المذكورة فإطلاقه على الله حقيقة كغيره من الصفات التي تطلق على العباد كالسميع البصير إن أراد أنه كذلك في الوضع اللغوي، فمخالف للمعقول والمنقول، وان أراد في عرف الشرع ولسانه جاز لكنه لا يرد على من حقق مجازيته، ونحن أطلنا هنا فإنه لا يسأم من الخير. قوله: (وعليهاً في محل رفع إلخ (لا يخفى أنّ معنى الإعراب المحليّ أن يكون فيما لا يقبل الإعراب لفظاً، كالمبني والجمل بحيث لو حل محله اسم مفرد خال من موانع الإعراب كلها مستوف لشرائطه أعرب بذلك الإعراب، ولا يشترط أن يكون قابلاً للإتصاف به بالفعل، إذ لا يتصوّر فيما مرّ مع اتفاقهم على إعرابه محلاً، فلا معنى لما قالوه هنا من أنّ في هذا تسمحا إذ ليس في محل الرفع إلاً المجرور، إلاً أنّ الخبر إذا كان ظرفا أو جاراً ومجرورا فهو كله في محل رفع لأنه القائم مقام الخبر عندهم، وفي الحجة أنّ حروف الجر تنزل منزلة بعض حروف الفعل فباء ذهب به بمنزلة همزة أذهبه، وقد تنزل منزلة بعض حروف الاسم المجرور بها في حكم الإعراب، وما قيل من أنّ نائب الفاعل فاعل عند نحاة البصرة ومن تبعهم، وليس بفاعل عند ابن الحاجب وغيره من النحاة، وكلام المصتف بناء على المذهب الثاني إلأ أنه خالفه في سورة الجن في إعراب قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} [الجن: ا] فأعربه فاعلاً الأمر فيه سهل لمن تدبز. وقوله: (بخلاف الأوّل) هو عليهم في أنعمت عليهم، فإنه في محل نصب على المفعولية. قوله: (ولا مزيدة إلخ) قيل كلمة لا في ولا الضالين مزيدة عند أهل البصرة بل وانما تزاد بعد الواو العاطفة في سياق النفي للتأكيد وا أضصريح، لشمول النفي لكل واحد من المعطوف والمعطوف عليه لئلا يتوهم أنّ النفي هو المجموع من حيث هو مجموع، فليست زيادتها مؤدّية إلى لغويتها وانما ذلك بحسب أصل المعنى المراد والكوفيون يجعلونها هنا بمعنى غير، وقد مرّ أ+نه لم يقل غير الذين غضبت تأذبا فتذكره. قوله: (فكأنه قيل لا المغضوب عليهم ولا الضالين) . قيل على هذا أنّ كلمة لا في قول المصتف رحمه الله لا لث! اب / ج / م هـ ا المغضوب عليهم ليست عاطفة، إذ لم يرد اهدنا صراط المنعم عليهم لا صراط المغضوب عليهم، فيتعين كونها بمعنى غير، وهو مقرّر عند النحاة حتى قال السخاوي: إنّ لا فد تكون اسماً مراد، فا أنحير لكنه يظهر إعرابه فيما بعده، لكونه على صورة الحرف، ولذا جاز تقديم معمول ما بعدها عليها كما سيأتي، فلا فائدة في تبديل غير بلا هنا في تصوير المعنى. وأجيب عنه بأنه لما كانت موضوعة للنفي مشتهرة فيه فهي أمّ بابه والعلم في الدلالة عليه صارت أظهر في إفادة معناه، وهذا هو فائدة التبديل هنا، ثم إنهم قالوا إنّ معنى النفي إمّا لازم معناها كما يفيده كلام السيد السند وإمّا جزء معناها، كما يدل عليه كلام المحقق التفتازاني وعليهما، فإثبات المغايرة متضمن للنفي، فيجوز تكبده بلا، وقد ترد لصريح النفي، ولك أن تقول إنّ الأوّل بحسب معناها الوضعيّ، والثاني بحسب ما يفهم من موارد استعمالها فلا مخالفة بين الوجهين. قوله: (ولذلك جاز أنا زيدا غير ضارب إلخ) أي لأنّ غير لتضمنه معنى النفي صار بمنزلة لا في جواز تقديم ما في حيزه عليه، وإن كان السول إنما يجوز تقدمه إذا جاز تقدّم عامله، والمضاف إليه لا يجوز تقدمه على المضاف، فكذا سوله إلاً أنه لما ذكر صارت إضافته كلا إضافة وانما يمنع النفي تقدم ما بعده عليه إذا كان بما لان، فإنهما لدخولهما على الفعل والاسم أشبها الاستفهام، فطلبا صدر الكلام بخلاف لم، ولن فإنهما اختصا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 بالفعل وعملا فيه وصارا كالجزء منه فجاز أن يقال زيدا لم أضرب وعمراً لن أضرب، وأمّ لا فإنها مع دخولها على القبيلين جاز التقديم معها لأنها حرف متصرّف فيه حيث أعمل ما قبلها فيما بعدها، كما في أريد أن لا تخرج وجئت بلا طائل، فجاز أيضاً أن يتقدم عليها سول ما بعدها بخلاف ما إذ لا يتخطاها العامل أصلاً، وإن جوّز الكوفيون تقديم ما في حيزها عليها قياساً على أخواتها. (أقول) هذا ما قاله قدس سرّه وارتصاه هنا ولا يخفى ما فيه، فإنه لما حقق أنّ صدارة أدوات الئفي إنما هي إذا لم تختص بقبيل، وكانت لا كذلك استشعر منافاته لما هو المقصود فدفعه بأنه جاز فيها ذلك لتخطي العامل رقبتها، وهو مصادرة منافية لما أراد فإنّ تخطيه لها إنما هو لعدم صدارتها وهذا غريب منه، وقد قال أبو حيان رحمه الله بعدما ذكر ما في الكشاف: أورد الزمخشريّ هذه المسئلة على أنها مسئلة مقرّرة مفروغ عنها ليقوّي بها التناسب بين غير، ولا إذ لم يذكر فيها خلافاً، وما ذهب إليه مذهب ضعيف جدّا، وقد بناه على جواز أنا زيدأ لا ضارب، وفي تقديم معمول ما بعد لا عليها ثلاثة مذاهب، وكون اللفظ يقارب اللفظ في المعنى لا يقضي له أن تجري أحكامه عليه، ولا يثبت تركيب إلاً بسماع من العرب، ولم يسمع أنا زيدا غير ضارب، وقد ذكر النحاة قول من جوّزه وردّوه اهـ. قوله: (وإن امتنع أنا زيدا مثل ضارب) تبع المصتف رحمه الله فيه الزمخشريّ وهو أخذه برمته من تفسير الزجاح كما نقله الطيبي، وقد مرّ اعتراض أبي حيان عليه. (فإن قلت) إذا كان تاويل المضاف بحرف مختلف في صدارته مجوّزاً لتقديم ما في حيزه عليه، فلم امتغ أنا زيداً مثل ضارب مع أنّ مثل بمعنى الكاف، وان كانت العلل النحوية لا يلزم إطرادها (قلت) هذا وارد بغير شبهة، وفي حواشي ابن الصائغ أنّ أبا الفتح بن جني أجازه أيضا لأنّ معنى مثل ضارب أشبه ضارباً أو كضارب، ومنعه ابن السراح على تقدير عمل المضاف إليه، وأجازه على تقدير عمل ما يدل عليه، وبه أخذ أكثر المتأخرين وابن مالك، وذكر الجرجاني في نظم القرآن أنّ فائدة دخول لا في، ولا الضالين نفي توهم عطف الضالين على الذين، وقراءة غير الضالين نسبها السجاوندي إلى عمر وعليّ وأبي بكر رضي الله عنهم، وهي تؤيد كون لا وغير بمعنى لتعاقبهما ولذا أوردها المصنف وحمه الله هنا، وفي القاموس وأمّا قراءة غير الضالين فمحمولة ععى أنّ ذلدث على وجه التفسير، وفيه نظر ظاهر. قوله: (والضلال العدول إلخ) هذا كلام الراغب بعينه، والسوفي والمستوي بمعنى المستقيم، والمراد المسلوك الموصل وفسره بعنصهم بفقدان الطريق السويّ سواء وجده أو لا وهو قريب مما ذكره المصتف. وقوله:) وله عرض عريض) ذكر الأدباء كالمرزوقي وصاحب الموازنة أنّ العرض على ضربين في المجسمات وفي غيرها، وفي الثاني يراد اتساع الشيء وامتداد وقته، وأكثر ما يستعمل فيه العرض دون الطول كنعمة عريضة، وجنة عرضها السموأت والأرض فذو دعاء عريض، وربما جمعوا بينهما فقالوا عشنا زمانا طويلاً عريضا، والدهر العريض الطويل فيراد الكمال والاتساع قال كثير: بطاحيّ له نسب مصفى وأخلاف لها عرض وطول فهذا على التشبيه بالمجسمات والقصد إلى السعة، وقد عيب على أبي تمام قوله: بيوم كطول الدهر في عرض مثله ووجدي 3 ص هذا وهذاك أطول وقيل جعل للزمان عرضا مع أنه لا حاجة إليه إذ كان بذكر الطول قد استوفى المعنى، وهذا من قائله ظلم لأنه سلك مثل طريقه كثير من التشبيه بالمجسمة، وهذا كما قال في الأخلاق: لي عرض وطول وكذا في الزمان له كذا في عرض مثله ولا فصل. (واعلم) أق في هذه العبارة منزعاً بديعا لم ينبهوا عليه، وهو كما أشار إليه في الأساس أنّ حقيقة الضلال في الطريق المحسوس المسلوك لفقده، حتى لا يصل لقص ره ثم استعير لفقد العلم والعمل الموصل للسعادة، وشاع ذلك حتى صار حقيقة في عرف اللغة والشرع فقوله العدول إلخ إن أريد به ظاهره فهو بيان لمعناه الأصلي، وان أريد ما يطلق عليه الطريق القويم، والصراط المستقيم فهو بيان لمعناه الثاني المراد في النظم وعرض عريض صالح لهما كما مرّ، وان كان ما بعده ظاهراً في الثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ويقابله الهداية، ولما كان ما مرّ من تنويع مراتبها يقتضي تنوع ما هنا أيضاً أشار إلى أنه لا ينضبط، ولا يعتنى به مع أنه قد يهتدي له من التقابل، وفي قوله عرض عريض مبالغة ليل أليل حيث أثبت للعرض عرضاً وما في قوله ما بين زائدة، وأدنى الضلال أقله إثماً كالزلات وأقصاه أعظمه، وهو الكفر قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] . قوله: (وقيل المنضوب إلخ) قيل هذا ضعيف لأنّ منكري الصانع والمشركين أخبث ديناً من اليهود والنصارى، فكان الاحتراز عن دينهم أولى. (وأتول) الغضب والضلال، وردا جميعاً في القرآن لجميع الكفار على العموم حيث قال: {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ} [ادنساء: 671] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 167] ولليهود والنصارى جميعا على الخصوص حيث قال في حق اليهود من لعنه الله وغضب عليه إلخ. وفي حق النصارى {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ} [المائدة: 77] كما في التيسير فالاستشهاد بهاتين الآيتين على أنّ المراد بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى ليس بسديد انتهى. وقد قيل: على ما ذكره أوّلاً أن ابن أبي حاتم رحمه الله قال: لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى (1) كما صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي، وأخرجه جم غفير من المحدّثين كما قاله في الدرّ المنثور فهذا لا يصدر إلاً ممن لا إطلاع له على أقوال المفسرين والمحدّثين أعاذنا الله من الجراءة على تفسير كتابه، وقد يقال أيضا: من لا ملة له لا اعتداد به وهؤلاء أشدّ في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد، ولذا ضربت عليهم الذلة، وخص النصارى بالضلال لفرط جهلهم في التثليث ولكونهبم أقرب من اليهود للإسلام وصفوا بالضلال لأنّ الضالّ قد يهتدي. قوله: (لقوله تعالى فيهم {مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] فيهم ليس من لفظ التلاوة بل من كلام المصتف رحمه الله ومعناه في حقهم وشأنهم وهكذا صحح في النسخ كما قاله بعض الفضلاء، ووقع في بعضها منهم بدل فيهم وهو تحريف من الناسخ، فلذا اعترض عليه بأنّ الآية في سورة المائدة وليس فيها منهم، فهو غلط في التلاوة والاستشهاد بالآيتين بناء على أنه ورد عن السلف تفسيرهما بذلك لما مرّ، فلا وجه للاعتراض على المصئف رحمه الله بأنّ الغضب والضلال مما وصف به الكفرة مطلقاً في مواضع كثيرة من القرآن كما في بعض الحواشي. وقوله: (وقيل إلخ) وقع في بعض النسخ بدون واو عاطفة، على أنها جملة مستأنفة لنقل بعض الأقاويل، وفي بعضها بها عطفا على ما علم من السياق من الإطلاق لوقوعه في مقابلة من أنعم عليه بالنعمة المطلقة، وهي نعمة*الإيمان كما مرّ وفي بدائع ابن القيم ليس المراد بهذا التفسير التخصيص، فإنّ اليهود ضالون والنصارى مغضوبون، وإنما ذكر كل طائفة بأشهر صفاتها، وأخصها وفيه نظر. قوله: (وقد روي مرفوعاً إلخ) أخرجه أحمد في مسنده وحسنه ابن حبان في صحيحه عن عدفي بن حاتم وأخرجه ابن مردوية عن أبي ذرّ رضي الله عنهما بلفظ سالت وسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله غير المغضوب عليهم قال: " هم اليهود ولا الضالين قال النصارى " (1) وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود رضي الله عنه وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم فيه خلافا عن المفسرين، فهذه حكاية إجماع منهم فكيف يعدل عنه بالرأي. قوله: (ويتجه إلخ) أي يسنح، ويظهر ظهوراً موجها وقيل معناه أنه لو فسر بهذا كان كلاماً موجها، وأن خالف ما عليه الجمهور ففيه إيماء إلى أنه ليس أولى كما قاله الإمام رحمه الله، فإنه اختاره في تفسيره فالمنعم عليه العالم العامل وأراد بالحق العقائد الثابتة في نفس الأمر المطابقة للواقع، وعبر عنها بذلك لأنها مقصودة لذاتها والتصديق بها لا للعمل كالفروع الشرعية، وتسمية هذه خيراً ظاهر، وفي ترك التعبير عنها بالحق إشعار بانها خير، وإن أخطأ المجتهد فيها إذ يثاب على العمل بها، ولم يذكر الشرّ للاجتناب عته كما في قوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أسورة البدد: 10] أي طريقي الخير والشر لدخوله في الخير بهذا الاعتبار واستلزام معرفته وقيل المراد بالحق ذاته تعالى وصفاته والذي عناه المصنف رحمه الله ما مرّ، وهو الموافق للأية الآتية وقوله لذاته متعلّق بالمعرفة، والمراد من كون المخل بالعمل مغضوباً عليه أنه مستحق لذلك عدلاً، فلا ينافي العفو تفضلاً وكرما، فسقط ما توهم من أنّ الغضب الانتقام أو إرادته، وإرادة الله لا تتخلف عن المراد، فيلزمه القطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 بتعذيب المؤمن العاصي، وهو مخالف لما عليه أهل الحق. قوله: (والمخل بالعمل إلخ) في نسخة بالعقل والتقابل في الأولى أظهر. وقوله: (وقرىء ولا الضالين) أي بهمزة مفتوحة مبدلة من الألف اللينة وهذه قراءة أيوب السختياني كما قاله ابن جني، وهي شاذة وهي لغة فاشية، ولا يلزم أن يكون بعد الألف ساكن، فإنه سمع في غيره كقوله: وخندف هامة هذا العألم بهمز العالم وقالوا في قراءة ابن ذكوان: منسأته بهمزة ساكنة أنّ أصلها ألف فقلبت بهمزة ساكنة. وقوله: (من جذ) أي اجتهد وبالغ، والهرب من التقاء الساكنين لأنّ التقاءهما إذا كان أولهما حرف لين والثاني مدغماً مغتفر ومن ترك الجائز فقد بالغ في الترك، والهرب مجاز عن الترك هنا، وفي التعبير به لطف لا يخفى. (فائدة وتكميل) وقد مرّ قول ابن جني رحمه الله أنه أسند النعمة إليه في قوله تعالى {أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} تقرباً وانحرف عن ذلك عند ذكر الغضب إلى الغيبة تأدّباً وقال الشارح المحقق: هو كلام حسن ومعنى الغيبة ترك الخطاب، فكأنه فسره مع ظهوره إيماء إلى أنه افتنان لا التفات وفي المثل السائر وعلى نحو من الالتفات جاء قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ} إلخ فصرح بالخطاب لما ذكر النعمة، ثم قال غير المغضوب عليهم، ولم يقل الذين غضبت عليهم، لأنّ الأوّل موضع التقرّب إلى الله بذكر نعمته، فلما صار إلى ذكر الغضب زوى عنه لفظه تحنناً ولطفاً، فانظر إلى هذا الموضع، وتناسب هذه المعاني الشريفة التي الأقدام لا تكاد تطؤها والأفهام مع قربها صافحة عنها، وهذه السورة قد انتقل في أوّلها من الغيبة إلى الخطاب لتعظيم شأن المخاطب، ثم انتقل في آخرها من الخطاب إلى الغيبة لتلك العلة بعينها، وهي تعظيم شأن المخاطب أيضا لأن مخاطبة الرب تعالى بإسناد النعمة إليه تعظيم لشأنه، وكذلك ترك مخاطبته بإسناد الغضب إليه تعظيم لخطابه، فينبغي أن يكون صاحب هذا الفن من الفصاحة والبلاغة عالماً بوضع أنواعه في مواضعها اهـ وفي عروس الأفراح ذكر التنوخي في الأقصى القريب، وابن الأثير في كنز البلاغة، وابن الغلس في طرق الفصاحة نوعا غريبا من الالتفات، وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله كقوله تعالى: {غَيرِ المَغضُوبِ} إلخ وفيه نظر. ولا نظر فيه عندي بل إمّا على رأي الأدباء والمتقذمين في اسنعمال الالتفات بمعنى الافتنان، فلا غبار عليه وأمّ على المتعارف فلك أن تقول على طريق السكاكي الذي لا يشترط تعدد التعبير بل مخالفة مقتضى الطا*ص أنّ المخاطب إذا ترك خطابه، وبنى ما أسند إليه للمفعول، والمحذوف كالغائب، فلا مانع من أن يسمى التفاتا، فكما يجري في الانتقال من مقدّر إلى محقق يجري في عكسه وهو معنى بديع ينبغي التنبه له. قوله: (لقوله تعالى إلخ) قيل عليه إنّ الاستشهاد بما ذكر لا يتم، نإنّ الغضب في المخل بالاعتفاد أيضاً على أنه لا يقتضي كون كل من أخل بالعمل مغضوبا عليه، ويدفعه ما قيل من أنّ مقابلة الضالين بالمغضوب عليهم تقتضي أن يراد بالضالين غير ما أريد بالمغضوب عليهم، ولما ورد الغضب في حق لمفاسق، والضلال في حق المخل بالاعتقاد ناسب أن يراد بالأوّل العصاة وبالثاني الجاهلون بالله تعالى، وليس مبنياً على عدم ورود الضلال في حق الفاسق فتأمّل. قوله:) اسم الفعل إلخ) ءدل عن قوله في الكشاف آمين اسم صوت لأنه غير ظاهر حتى أوّله شراحه بأنه تجوّز لقرب أسماء الأفعال من أسماء الأصوات، ولذا أوردهما النحاة في فصل واحد، أو لأنه اصطلح على أنّ الأسماء التي لا يعرف وجه وضعها يعبر عنها بالأصوات وأسماء الأفعال مفروغ عنها في كتب النحو ومذهب البصريين أنها أسماء لتنوينها ووجود بعض علامات الأسماء فيها، وقال الكوفيون: أفعال نظرا لمعناها. وقيل: إنها خارجة عن أقسام الكلمة الثلاثة وتسمى عند هؤلاء خالفة وعلى الأوّل الجمهور، وهل هي اسم لمعنى الفعل، أو للفظه قولان، ولا محل لها من الإعراب وقيل: محلها النصب على المصدرية وقيل: في محل رفع على الابتداء، ولا خبر لها لسدّ معمولها مسده وحكمها حكم أفعالها في التعدي واللزوم غالبا ولا علامة للمضمر المرتفع بها قيل: وخرج بقيد الغلبة آمين فإنه بمعنى استجب المتعدي ولم يسمع له مفعول (أقول) قال النحاة: إنه كفعله غالبا ومن غير الغالب آمين وايه بمعنى زد، فإنه لم يسمع له مفعول وقيل لما لم يقع الأ بعد دعاء متقدّم، وكذا بعد حديث أريد به زيادته استغنى عن ذكر مفعوله، فهو إمّا معدى، أو منزل منزلة اللازم وسينه ليست للطلب، وانما هي مؤكدة ومعناه أجب وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 العصام إنه ليس متعديا، وانما وضع لحدث متعد وهو استجابة الدعاء كالادلاج لسير الليل، ولا يقال أدلج الليل إذا سار ليلاً، فمعناه استجب دعاني والمفعول داخل في معناه، وهو معنى قول ابن مالك رحمه الله إنه لازم في معنى المتعدّي. وقوله: (الذي هو استجب) توضيح لما أراده من أنه اسم مسماه ألفاظ الأفعال، وإن قيل إنه تكلف لأنّ قائل آمين لا يخطر بباله لفظ استجب ولأنه لم يعهد فيما وضع للألفاظ الدالة على معانيها. وقيل: إنها موضوعة للمصادر السادة مسدّ أفعالها وردوه بوجوه مفصلة في شرح الكشاف والخلاف بين الفاضلين والانتصار لكل من الجانبين معروف مشهور، وقيل: إنه أعجمي معرب همين لأنّ فاعيل كقابيل ليس من أوزان العرب وردّ بأنه يكون وزنا لا نظير له ونظائره كثيرة ولذا قيل: إنه في الأصل مقصور وزنه فعيل فأشبع، ومن الغريب ما قيل أنه اسم الله، وتأويله بأنّ الضمير المستتر فيه لما كان راجعاً على الله قيل: إنه من أسمائه أغرب منه. قوله: (وعن ابن عبّاس (1) إلخ) قال الزيلمي رحمه الله في تخريج أحاديث الكشاف: إنه واه جدا، وأخرجه الثعلبي عن أبي صانح عنه، وهو مع مخالفته للمشهور لا يصح في كل مقام نحو لا تعذبنا وليس فيه تأييد لأنه اسم للفظ كما قيل، ولذا قيل إنّ المصنف رحمه الله جعل تفسيره باستجب أصلاً لعدم الثقة بهذه الرواية مع مخالفتها لتفسيره المشهور، وما قيل: من أنّ ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما يدل على أنّ النهي لطلب الكف، لا لطلب عدم الفعل، وإلاً لكان آمين في مثل لا تهلكنا بمعنى لا تفعل مردود بأن افعل فيه طلب لتعلق الإرادة بما هو المطلوب سواء كان فعلاَ أو تركاً لا إيجاد لأثرها، كما يوهمه ظاهر اللفظ وقيل كلمة آمين مثلاً ليست موضوعة للفظ استجب وحده بل لما هو أعمّ مته، ومن مرادفه أو لكل واحد منهما على الوضع العام للموضوع له الخاص، على أنّ كلام ابن عباس رضي الله عنهما يدل على أنه ليس موضوعا لمجردّ استجب، ولا لأعثم منه، ومن مرادفه فقط، ولا لكل واحد منهما بل للأعمّ منهما ومن لفظ افعل أو لكل منهما، وأما جعل افعل وحده موضوعا له، فبعيد وهو تعسف وتكلف فتدبر. قوله: (بني على الفتح الخفته وثقل الكسر مع الياء ولم يصرح به لظهوره مما نظره به، وما قيل: من أنّ علته إنما ئقتضي البناء على الحركة، فاختيار الفتح للخفة فيما يكثر استعماله أضعف من علة نحويّ فأين هو من قوله كأين واختلف في مده، وقصره أيهما الأصل فذهب إلى كل طائفة وأمّا تشديد ميمه فذكر الواحديّ رحمه الله أنه لغة فيه وقيل: إنه جمع آمّ بمعنى قاصد منصوب باجعلنا، ونحوه مقدراً وقيل إنه خطأ ولحن إلآ أنه لا تفسد به الصلاة وبه يفتي كما قاله شيخنا المقدسي رحمه الله، ولا وجه للفساد، فإنه ليس من القرآن بل دعاء ومعناه صحيح. قوله: (ويرحم الله إلخ) هذا من شعر رواه الأدباء لصاحب الحماسة البصرية لمجنون عامر، وهو قيس بن معاذ المعروف بالملوج وشعره وديوانه مشهور، وفيه من فنون الفنون ما يقول راويه وراثيه أساحر هو أم مجنون، فمنه ما قيل إنه حبئ مع أبيه فقال له تعلق بأستار الكعبة واح الله أن يريحك من حب ليلى فقال: اللهمّ زدني من حبها، فضربه فبكى، وأنشد يقول: يارب إنك ذو قن ومغفرة بيت بعافية ليلى المحبينا الذاكرين الهوى والناس قد رقدوا والساهرين على الأيدي مكبينا باتف رقودا وسار الركب مدلجا وما الأوانس في فكر كسارينا كأنّ ريقتهامسك على ضرب شيبت بأصهب من بيع الشآمينا يارب لاتسلبني حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا وهذا شاهد على المدّ، وقد بسطنا الكلام فيه في الروض النضير في شرح شواهد التفسير. قوله: (أمين فزاد الله إلخ) قال في شرح الفصيح: هو من شعر قائله جبير بن الأضبط، وكان سأل الأسديّ جماله فحرمه، والأسدي اسمه فطحل بفتح الفاء، وسكون الطاء المهملة، وفتح الحاء المهملة، واللام كجعفر، وروى بضمهما والمعنى تباعد لأن سألته، وما زائدة أو موصولة، وأمين مقدّم من تأخير للاهتمام بالإجابة، أو هو تأمين على دعاء مقدّر لعلمه من فحواه وتقديره أبعده الله عني فلا حاجة لما قيل: إنّ حقه التأخير عن قوله فزاد الله إلخ وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 هذا لضرورة الوزن، وقال ابن درستويه في شرح الفصيح: القصر ليس بمعروف وإنما قصره الشاعر للضرورة، وقد قيل: تلجىء الضرورات في الأمور إلى سلوك ما لا يليق بالأدب وقيل الرواية فيه المدّ أيضاً وما هنا محرّف وهو هكذا: تباعد مني فطحل وابن أمه فآمين زاد الله ما بيننا بعدا ويروى سألته، ولقيتة بدل قوله دعوته. قوله: (وليس من القرآن) أي بالإجماع، وما نقل في بعض الكتب لا ينبغي نقله كما في التيسير أنها من السورة عند ابن مجاهد ولعدم اعتداد المصئف رحمه الله به قال: وفاقاً فلا حاجة لما قيل: إنه محمول على إجماع من بعد عصر مجاهد، ولذا سن الفصل بيته وبين السورة، ولم يكتب في الإمام، ولا في غيره من المصاحف أصلاً. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام " علمني جبريل (1) " إلخ) هو تعليل لكونه سنة، ويجوز أن يكون تعليلاً أيضاً لكونه ليس من القرآن لقوله عند فراكي من قراءة الفاتحة، فإنه صريح في أنه ليس منها، وإن كان الأول هو الظاهر، وقد روى ابن شيبة في مصنفه، والبيهقيّ في الدلائل عن أي ميسرة أنّ جبريل عليه السلام أقرأ النبيّ صلّى الله عليه وسقم فاتحة الكتاب، فلما قال: ولا الضالين قال له: قل آمين فقاله (2 (. وروى أبو داود في سننه عن أبي زهير النميري أحد الصحابة أنه قا اط: آمين سثل الطابع على الصحيفة أخبركم عن ذلك خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسأ3 ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألخ في المسئلة لحقال عليه الصلاة والسلام: " أوجب إن ختم " فقال رجل من القوم: بأفي شيء يختم؟ فقال: " بآمين " (3) وفي نواهد الأبكار أنه عرف بهذا أنّ المصتف رحمه الله أورد حديثين لا حديثاً واحدا، وأنّ الضمير في قوله وقال للنبيّ صقى الله عليه وسقم لا لجبريل عليه السلام كما يتوهم، وفي الكشاف لقنني بدل قوله عفمني وهما بمعنى، وقوله كالختم وجه الشبه فيه أنه لا يعتد بالدعاء بدونه كما أنّ الكتاب لا يعتد به إذا لم يختم لا ما قيل من أنّ معناه أنه يوجب الاعتداد بالدعاء، كما أنّ ختم القاضي على الكتاب يوجب الاعتداد به لأنه أمر حادث وما للقاضي وكئابه هنا، وفي أكثر الحواشي أنّ معناه أنه يمنعه عن الخيبة وعدم القبول أو يمنغه عن أن يضيع ما فيه لأنّ غير المختوم يطلع الناس على أسراره فيضيع، ولك أن تقول إنّ المراد أنه علامة الإجابة كما تعارفه الناس وهو معنى ما ورد في الأثر أنّ الدراهم خواتيم الله في أرضه. قوله: (وفي معناه قول علئ إلخ) جعله لقربه منه في معناه وقول الصحابي فيما لا يقال مثله بالرأي في حكم المرفوع لكنه يدل على تشبيهه بالخاتم نفسه وقد قيل الظاهر أنّ قراءته كالختم ونفسه كالخاتم، وفي تخريج أحاديث الكشاف إنّ هذا لم يوجد في شيء من كتب الأحاديث وقال الحافظ السيوطيّ: لم أقف عليه عن عليّ رضي الله عنه وانما خرّجه الطبراني في الدعاء وابن عديّ في الكامل وابن مردوية في التفسير بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين) (1) والخاتم والطابع بالفتح بمعنى، وهو ما يطبع به أي يختم. قوله: (يقوله الإمام ويجهر به إلخ) عند الحنفية أنه يؤمّن الإمام والمأموم سرّا ومذهب المصتف وغيره من الشافعية كما في شرح الوجيز أنه يستحب لكل من قرأ الفاتحة خارج الصلاة أو فيها أن يقول عقبها آمين بعد سكتة لطيفة ليتميز القرآن عن غيره ويستوي في استحبابها الإمام والمأموم والمنفرد ويجهر بها الإمام والمنفرد في الجهرية تبعاً للقراءة لحديث وائل المذكور، وأما المأموم ففي القديم يؤمّن جهراً أيضاً وفي الجديد لا يجهر واختلفوا فقال الأكثرون في المسئلة قولان: أحدهما أنه لا يجهر كما لا يجهر بالتكبير وان جهر الإمام والأصح، وبه قال الإمام أحمد رضي الله عنه أنه يجهر لما روي عن عطاء وغيره: كنت أسمع الأئمة، ومن خلفهم يقولون آمين حنى إنّ للمسجد ضجة، ومنهم من أثبت في المسئلة قولين إذا جهر الإمام أمّا إذا لم يجهر، فيجهر المأموم لينبه الإمام وغيره، ومنهم من حمل النصين على أنّ قوله لا يجهر الماموم إذا قلوا أو صغر المسجد وبلغ صوت الإمام القوم، وألا يجهروا حتى يبلغ الكل، والأحب أن يكون تأمين الإمام والمأموم معاً، فإن لم يتفق ذلك أمّن عقب تأمينه وعن مالك في أحد قوليه أنه لا يسن التامين للمصلي أصلاً انتهى وهل يقولها الإمام والمأموم أو المأموم فقط لحديث " إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين " (2) وهو رواية عن أبي حنيفة، وبي رواية أخرى " يؤمّنان معاً "، وتفصيله في الفروع وكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الحديث، وأجاب الحنفية عما قالوه نجأنه عليه الصلاة والسلام جهر بها للتعليم، ثم خافت أو أنّ ذلك إذا كان فذاً ولأنه دعاء ومن شأنه الإخفاء والجهر به مع القرآن يوهم أنه منه وفيه نظر. قوله: (لما روي عن وائل (3) إلخ) هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذيّ، والدارقطنيّ، وصححه ابن حبان، ووائل بهمزة بعد الألف يليها لام، وهو وائل بن حجر بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم ابن ربيعة الحضرمي الصحابي كان أبوه من أقيال اليمن أي ملوكها، فإنّ الملك يسمى عندهم قيلاَ، ووفد على النبيّ صفى الله عليه وسقم واستقطعه أرضاً فأقطعه إياها وقال: هذا وائل سيد الأقيال، وله مع معاوية رضي الله عته قصة ولما صار خليفة قدم عليه فاستقبله وأكرمه وتوفي رضي الله عنه في عهده، وقد سمعت ما أجيب به عن هذا الحديث. وقوله: (وعن أبي حتيفة إلخ) هدّه رواية عنه ضعيفة جداً موافقة لأحد قولي مالك والذي صححوه عنه ما مرّ كما أشار إليه المصتف رحمه الله. وقوله: (ووفع بها صوته) قد مرّ جواب الحنفية عنه أنه تعليم، ثم خافت وخافتوا وأوود عليه أنّ الصلاة مقام مناجاة فلا يناسب التوجه إلى الغير لقصد العليم، وجوابه ظاهر. وقوله: (لا يقوله) قيل: لأنه داع بقوله: اهدنا ولا يخفى أنه لا تنافي بين كونه داعياً وطالباً للإجابة فتدبر. قوله: (كما روا 0 عبد الله بن مغفل إلخ) العراقي وتبعه من بعده من الحفاظ لم أقف على هذا الحديث من هذه الطريق، وأخرج الطبرانيّ في الكبير عن أبي وائل قال: كان عليّ وعبد الذ بن مسعود لا يجهران بالتأمين، وعبد الذ بن مغفل بن غنم من مشاهير الصحابة توفي بالبصرة سنة ستين ومغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة، وتشديد الفاء المفتوحة وبعدها لام بزنة اسم المفعول. قوله: (إذا قال الإمام (1)) الحديث أخرجه البخارفي ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ووقع في أمالي الجرجاني في آخر هذا الحديث زيادة " وما تأخر " وعليها اعتمد الغزاليّ رحمه الله تعالى في الوسيط، وأحسن ما فسر به هذا الحديث ما رواه عبد الرزاق عن عكرمة رضي الله عنه قال: صفوف أهل الأرض تلي صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد قال ابن حجر رحمه الله: مثل هذا لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى وفي بعض النسخ كما في وسيط الواحديّ إذا قال الإمام ولا الضايىن فقولوا إلخ وأورد عليه أن الدليل لا يوافق المدعى وهو تأمين الإمام والمأموم معا لا يراده بعد قوله والمأموم يؤمن معه، وليس في الحديث غير تامين المؤتم، وما قيل: إن تأميبئ الإمام قد علم من الأحاديث الأخر لا وجه له وفي أكثر النسخ كما في التيسير والمعالم هكذا، فإنّ الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين: فمن وافق تأمينه إلخ وعليه فلا إشكال أصلاَ. (أقول) وقد وقع نحو من هذا في البخاري فقال ابن بطال في شرحه بعدما أورد هذا الحديث أنه يعلم مته تأمين الإمام لأنّ المأموم مامور بالاقتداء بالإمام، وقد ثبت في الحديث سابقاً أنّ الإمام يجهر بالتأمين فلزم جهره بجهره، وتعقب بأنه يلزمه أن يجهر الماموم باً لقراءة لأنّ الإمام جهر بها. وأجيب عته بأن الجهر بالقراءة خلف الإمام نهي عنه فبقى التأمين داخلاَ تحت عموم الأمر باتباع الإمام واستدل بقوله فأمنوا على تأخير تاسين المأموم عن تأمين الإمام لترتبه عليه بالفاء وفيه كلام في كتب الأصول، فذهب بعضهم إلى أنها تدل على التسبب دون التعقيب، وقيل المعنى إ 16 أراد الإمام، وقال الجمهور الفاء في جواب الشرط تدل على المقارنة، والمراد بالملائكة جميعهم وقيل: الحفظة، وقيل: الذين يتعاقبون إن قيل: إنهم غير الحفظة، فالمراد بموافقة الملائكة وقوع تأمين المصلي والملائكة في وقت واحد وقيل المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع لأنه المناسب للمغفرة، وقال ابن حجر رحمه الله: المراد الأوّل لما رواه عبد الرزاق عن عكرمة قال صفوف أهل الأرض إلخ وهذا يدل على أنّ المراد بالملائكة غير ما مرّ، وقال بعض فضلاء العصر في حواشيه: المخاطب بقوله عليه الصلاة والسلام قولوا آمين الإمام والمأموم جميعاً، والمعنى أيها المصلون 1 قولوا جميعاً إمامكم ومأمومكم آمين، ويؤيد. أنّ تعليق المغفرة بالموافقة ترغيب، وحث على ما ينبغي أن يعم الإمام والمأموم جميعا، فلا يحرم الإمام هذه الفضيلة ومثله لا يتم بسلامة الأمير فتدبر. قوله: (وعن أبي هريرة إلخ) هو صحابيّ مشهور، - اسمه عبد الرحمن على " الأصح وهريرة تصغير هرّة وهي معروفة، وهو غير منوّن لأنه جزء العلم وتحقيقه مشهور في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 محله وابيّ بصيغدة المصغر هو أبيّ بن كعب الصحابي المعروف، وهدّا الحديث صحيح وليس بموضوع كما توهم وان كان آكثر الأحاديث المروية عن أبيّ في فضائل السور موضوعة وضعها رجل من عبادان من الكرامية وهم يرون جواز وضع الحديث للترغيب ويجيبون عن الاستدلال جديث " من كذب علئ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار " (1) بأنه كذب له لا عليه، وقد اعترف به واضعه وقال رأيت رغبة الناس عن حفظ القرآن وتلاوته فوضعته، والمفسرون منهم من ذكره في أوائل السور حثاً على تلاوتها ومنهم من أخره لأنه صفة لها فحقها التأخير عن موصوفها كما نقل عن الزمخشريّ. وقوله: (ينزل) بالياء التحتية وهو ظاهر وروي بالمثناة الفوقية مع تذكير مثل فقيل: إنه بتقدير سورة مثلها أو لأنّ المراد بالمثل السورة، فروعي معناه وقيل لاكتساب المضاف التأنيث مما أضيف إليه، ورد بأنّ الرضى وغبره صرحوا بأنّ شرط الاكتساب المذكور أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه، أو كالبعض وهذا لا بد فيه من صحة المعنى مع سقوطه وهذا ليس كذلك وفيه أنه ليس بمسلم، فإن مثل يصح إسقاطها من الكلام مع بقاء المعنى بحاله فتقول في نحو زيد هو مثل الأسد هو الأسد فيؤذي المعنى على وجه أبلغ، كما تقرّر في المعاني على أنّ صاحب الكشاف ذكر في قوله تعالى: {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 58 ا] على قراءة التاء الفوقية أنها لإضافة الإبمان إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه وقال الشارج المحقق: ثمة أنهم يعنون بالبعض ما هو أعمّ من الأجزاء أو الصفات القائمة بها وسيأتي تفصيله في سورة الأنعام، وما قيل من أن ما نقل عن الرضى شرط لوجوب الاكتساب غنيّ عن الرذ وخصى التوراة والإنجيل لأنهما أعظم الكتب السماوية، وقيل لأنها لم تتل تلاوتهما أو لأن منها ما هو تابع للتوراة لا ناسخ لها. قوله: (قلت بلى إلخ) في الكشاف ما لفظه هكذا، وعن النبيّ صقى الله عليه وسلّم أنه قال لأبيّ بن كعب: " ألا " خبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها قلت: بلى يا رسول الله قال: فاتحة الكتاب " (1) إلخ اهـ قال الشارح المحقق: فيه حذف أيّ قال أبيّ رضي الله عنه: قلت بلى وقال قدس سرّه: ظاهر سياق الكلام يقتضي أن يقال قال: بلى يا رسول الله أي قال أبيئ ذلك في جوابه فلذا احتيج إلى تقدير وعن أبيّ رضي الله عنه أنه قال: قلت لكنه اختصر في العبارة، ولا يكفي تقدير قال وحده كما توهم إذ يصير المعنى قال أبيّ في جواب رسول الله صقى الله عليه وسلّم قلت: بلى وفساده ظاهر بين ورده المدقق الليثي بأنه إن كان المراد نقل ما وقع في مجلس النبيئ صقى الله عليه وسلّم من المكالمة بينه وبين أبيّ، فكما لا يصح تقدير قال وحده كذلك لا يصح تقدير، وعن أبيّ أنه قال إذ يصير المعنى على كل تقدير قال أبيّ في جواب الرسول صلّى الله عليه وسفم قلت بلى، وان أريد نقل كلامه عليه الصلاة والسلام وما وقع من أبيّ رضي الله عنه في غير مجلسه من حكاية قوله، فكلاهما صحيح غايته أنّ ما ذكره الشريف أظهر دلالة على المقصود قيل: ولما كانت عبارة الكشاف تحتاج إلى تكلف كثير عدل عنها المصئف رحمه الله وصرح باسم الراوي حيث قال: وعن أبي هريرة إلخ لئلا يرد عليه ما مرّ لأنّ الظاهر أنّ أبا هريرة رضي الله عنه هو المجيب بقوله بلى إلخ تشوّفا إلى بيانه عليه الصلاة والسلام وان كان المخاطب له عليه الصلاة والسلام في مثله غير متعين فحاصله أنه روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام لما قال لأبي رضي الله عنه: ألا أخبرك إلخ بادرت إلى الجواب وقلت: بلى إلخ وهو كلام لا يرد عليه شيء، ولم يفرق كثير بين كلام الكشاف والقاضي ولم ينبهوا على وجه عدول المصنف رحمه الله بناء على أن أبا هريرة رضي الله عنه روى ما وقع في مجلسه عليه الصلاة والسلام من المكالمة بين أبيّ وبينه والسياق يقتضي أن يقول قال دون قلت: وأورد عليه أنه حينئذ لا فائدة في عدول المصئف رحمه الله إلأ تقوية الإيراد، لأنه يرد عليه ما لا يدفع بما مرّ، إذ رواية أبي هريرة تكون قاصرة عن إفادة المقصود وهو ظاهر وفي بعض نسخ المصتف قال: بدل قلت والمشهور الثاني حتى قيل إن الأولى من تصرّف النساخ ثم إنّ قوله بلى في الحديث مخالف لما اتفق عليه النحاة من أنّ بلى إنما يجاب بها النفي، لكنه وقع في كثير من الأحاديث ما يخالفه كما ورد في مسلم أنت الذي لقيتني بمكة فقال بلى، فلا يلتفت لما خالفه وان اعترض عليه في المغني، وينزل بضم الياء وفتحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 قوله: (إنها السبع المثاني إلخ) إشارة إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] الآية وسيأتي تتمة في محله والقرآن بالرفع عطف على خبر إن والموصول صفته وأوتيته بضم التاء قيل: في الحديث ما يدل على أنّ القرآن العظيم في الآية بمعنى الفاتحة وأنه اسم لها ولم يذكروه هنا ولا في سورة الحجر ولم يعده أحد من أسمائها كالسبع المثاني وأم القرآن، ولا يخفى أنّ القرآن العظيم يطلق على الفاتحة بالمعنى الكلي ولا يطلق عليها بمعنى الكل إلاً مبالغة نحو أنت الرجل، فإن أريد هذا فلا مانع منه، وأمّا كونه اسماً فلا وجه له لأنه لا يلزم من الحمل المساواة. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله عنهما (1) إلخ) هو حديث رواه مسلم بمعناه ووسول الله مرفوع مبتدأ خبره مقدر أي جالس ونحوه، ويقال بينا وبينما وتقع بعدها إذا وإذ الفجائيتين وقال الرض اكثر في جواب بينما إذ وفي جواب بينا إذا وما زعمه الحريري من أنه خطأ خطأ وألف بينا للإشباع أو كافة أو بعض من ما، وقال الرضى ة لما قصد إضافة بين إلى جملة ومثله يلزم الإضافة إلى المفرد والإضافة إلى الجمل كلا إضافة زادوا عليها ما تارة وأشبعوها أخرى، وقيل: أصله بين أوقات كذا والجمل مما يضاف إليها أسماء الزمان ثم حذف المضاف الذي هو وقت، وأقيم بين مقامه، والملك في الحديث غير جبريل عليه السلام لما في مسلم بينا جبريل عنده عليه الصلاة والسلام إذ سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه وتال: " هذا باب من السماء فتح لم يفتح إلاً اليوم نزل مته ملك لم ينزل إلاً اليوم فسقم " (2) إلخ والنقيض بمعجمات هنا صرير الباب، وأبشر كأكرم بمعنى صر ذا بشارة وخبر سارّ، وقوله بنورين أي أمرين عظيمين من الكلام الموحى إليك يدلان على علمين عظيمين من العلوم اللدنية، والعلم والوحي يطلق عليه النور كص تطلق الظلمة على مقابله قال تعالى: {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: 13] . وقوله: (لم يؤتهما) إلخ أي هو مخصوص به صلّى الله عليه وسلّم من بين الأنبياء، والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وفاتحة الكتاب وما عطف عليه بالجرّ عطف بيان أو بدل مما قبله ويجوز رفعه ونصبه، وخواتم سورة البقر من قوله: ولمن الرسول} [البقرة: 285] إلخ وخواتم بميم بعد المثناة وفي نسخة خواتيم بياء تحتية جمع خاتمة على خلاف القياس وهو مسموع كما نقله الثقات وفي الحديث: " الآعمال بخواتيمها " (1 (وقيل سميا نورين لاشتمالهما على الحروف النورانية، وهي أربعة عشر حرفا مذكورة في أوائل السورة وهو بعيد، والمخاطب النبيّ عليه الصلاة والسلام حقيقة وإن شمل أمّته معنى. قوله: (لن تقرأ حرفاً إلخ) الحرف واحد الحروف المعروفة، ويكون بمعنى الكلمة وكل محتمل هنا وضمير أعطيته راجع له وقيل إنه راجع لما وعده أي أعطيت ما وعدته من الثواب، وقيل إنه راجع للنور الشامل للنورين، وما قيل من أنّ المراد أعطيت ثوابا لأجل قراءة ذلك الحرف سوى ثواب كلماتها وثواب المجموع المؤلف منها أو المراد أعطيت به ما لا يحصيه إلاً الله، أو لن تدعو بحرف منها وفيه دعاء كاهدنا إلاً أجبت، أو المراد أعفيت ذلك الحرف بأن تتصرف به فيما تشاء، لأنّ الملك مظهر الأسماء ومتصرف الحروف العالية التي هي الملائكة لا يدفع ما أورد عليه من أنّ ما ذكر مشترك بينه وبين سائر القرآن الكريم، وان تشبث به ذلك القائل بزعمه. قوله: (وعن حذيفة بن اليمان (2) إلخ) حذيفة بن اليمان العبسي من كبار الصحابة وكان أبوه يسمى حنبلاً، فأصاب دماً وهرب إلى المدينة فخالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليماني لكونه حالف اليمانية، وهو نسبة إلى اليمن وأصله يمنيّ، فعوض عن إحدى ياءيه ألف ورسم بغير ياء كما هو معروف في علم الرسم وكان يقال له صاحب السرّ لقوله حذثني رسول الله صلّى الله عليه وسفم عما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة ومات بالمدائن في ست وثلاثين، وكان عمر رضي إلله عنه استعمله عليها، وهذا الحديث أسند. الثعلبي، وقال العراقي: إنه موضوع. وقيل: إنه ضعيف. والمعنى أن من الناس من يبعث عليه بشؤم معاصيه الموجبة للعقاب عذاب، ثم يؤخر عنهم ببركة قراءة صبيانهم ما ذكر وحتماً بمعنى واجباً ومقضياً بمعنى أنه تعلق به قضاء الله أزلاً أو قدر، وسطر في اللوج المحفوظ، وفيه دليل على أنّ القضاء يكون غير مبرم فيغير أو يؤخر والمعنيّ برفعه تأخيره لا إزالته لقوله أربعين سنة ولولاه صار حشواً، والكتاب بوزن رمّان هنا بمعنى المكتب، وقد أثبته الجوهريّ واستفاض استعماله بهذا اله سنى كقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وأتوا بكتاب لو انبسطت يدي فيهم رددتهم إلى الكتاب وأصله جمع كاتب مثل كتبة، فأطلق على محله مجازا للمجاورة وليس موضوعا له ابتداء كما قيل، وقال الأزهريّ عن الليث: إنه لغة، وعن المبرّد الموضحع المكتب والكتاب الصبيان ومن جعله الموضع فقد أخطأ، وفي الكشف الاعتماد على نقل الليث لترجيحه من وجوه. وقوله: (الحمد لله إلخ) منصوب مفعول ليقرأ، أو مرفوع على الحكاية لأنّ المراد به السورة، والعذاب بالنصب مفعول يرفع (تمت) السورة الكريمة بحمد الله، ومنه نفع الله بأسرارها، وأشرق في مشكاة قلوبنا ساطع أنوارها وأعاد علينا شامل بركاتها إنه قريب مجيب، وحسبنا الله ونعم الوكيل. سورة البقرة بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مدنية وآيها إلخ (مرّ الكلام في المدني والمكي والأقوال فيه مشهورة وكونها مدنية قيل إنه بالإجماع، وقيل فيها آخر آية نزلت {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281، الآية وقيل هذه الآية ليست بمدنية نزلت في حجة الوداع يوم النحر وهو كلام واه وآي بالمد والتخفيف جمع آية أو اسم جنس جمعيّ لها كتمر وتمرة، وفي وزنها وأصلها كلام معروف في اللغة والتصريف وهي في اللغة العلامة والجماعة والرسالة والمناسبة ظاهرة، وفي عددها اختلاف فقيل مائتان وست وقيل سبع أو خمس وثمانون، والسورة تهمز ولا تهمز كما قاله ابن قتيبة، فمن همز جعلها من السؤر وهو ما بقي من الطعام في الإناء لأنها قطعة من القرآن ومن لم يهمزها أبدل همزتها واوا لسكونها وضم ما قبلها، أو جعلها منقولة من السورة بمعنى المنزلة كأنّ السور منازل، فهي منزلة بعد منزلة، ويؤيده ما في الحديث من استعارة الحال المرتحل للقارىء وهي للمنزلة الحسية والمعنوية، كالمرتبة المرتفعة قال النابغة: ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ترى كل ملك حولها يتذبذب وقيل: إنها من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها فيها اجتماع البيوت في الحصن، ومنه السوار لإحاطته بالساعد أو لارتفاعها بأنها كلام الله، أو لتركب بعضها على بعض من التسوّر بمعنى التصاعد ومنه {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} أسررة ص: 21] وفي شرج الشاطبية حد السورة ما يشتمل على آي ذات فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات وقيل: السورة الطائفة المترجمة توقيفا أي المسماة باسم خاص، وبهذا خرج العشر والحزب والآية وآية الكرسيّ لأنه مجرّد إضافة لا تسمية وتلقيب وفيه نظر، إذ لا بد من قيد كونها مستقلة أو مفصولة من غيرها بالبسملة إذ لولاه دخلت آية الكرسي. وقوله لأنه مجرّد إضافة لا يجدي، فإنّ سورة البقرة بل أكثر السور إضافات، وأسماء السور كلها توقيفية ثابتة بالحديث كما في الإتقان، وسيأتي بيانه وكره بعضهم أن يقال سورة البقرة ونحوه، لما روى البيهقيّ وغيره عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً " لا تقولوا سورة البقرة، ولا سورة آل عمران ، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله، ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها أل عمران وهكذا " واسناده ضعيف وادّعى ابن الجوزي أنه موضوع، وردّه ابن حجر رحمه الله بأنّ البيهقيّ رواه بسند صحيح موقوف عن عليّ رضي الله عنه، وقد صح إطلاق سورة البقرة وغيرها مما منع في هذا الأثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، وهو معارض له، ومن ثمة أجازه الجمهور من صير كراهة، ولك أن توفق بينهما بأنه كمان مكروهاً في بدء الإسلام وقبل الهجرة لاستهزاء كفار قريش بذلك، وقد أخرح ابن أبي حاتم عن عكرمة أنّ المشركين قالوا سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزؤن بهما فنزل {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95] ثم بعد سطوع نور الإسلام نسخ النهي عنه، فشاع من غير نكير، وورد في الحديث بيانا لجوازه. قوله: (ألم وسائر الألفاظ إلخ) أي هذه وباقيها فإنّ سائر بمعنى باق أو جميعها إن قلنا به، والخلاف فيه معروف بين أهل اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وسيأتي تفصيله. وقولى:) يتهجى بها (قال في الأساس: هجا الحروف وهجاها وتهجاها وهو يهجوها ويتهجاها ولتهجوها يعددها وقيل لرجل من قيس: أتهجو القرآن فقال: والله ما أهجو منه حرفا، ومن المجاز فلان يهجو فلاناً هجاء يعدد معايبه ونحوه في الصحاح، وفي التهذيب الهجو والهجاء الض اءة فيقال أتقرأ القرآن فيقال: لا أهجو فيه حرفاً أي لا أقرأ، وكنت أروي القصيدة، فلا أهر اليوم منها بيتين أي لا أروي وفي القاموس الهجاء ككساء تقطيع اللفظة بحروفها وهجيت الحروف وتهجيتها، ونقل عن الزمخشرفي في حواشيه المروية عته أنّ التهجي تعداد حروف الهجماء بأشياء منها ألف باء تاء، فإذا وعيت ما ذكرناه لك عن أئمة اللغة، وعرفت أنّ هذا الفعل متعد بنفسه ومفعوله لا يخلو من أن يكون الكلم المنظومة والكلام المركب منها أو الحروف المركبما منها بأنفسها أو أسمائها الدالة عليها، ومعناه على الأوّل القراءة وعلى الأخيرين تعداد الثروف بأنفسها وهو التقطيع أو بأسمائها، وهو ظاهر أو مطلق التعديد، وكلام الأساس ظافر في الأخير وكلام الحواشي فيما قبله، وكلام القاموس في الثاني وكلام الأزهرفي في الأوّل، فإمّا أن نقول هو مشترك بين هذه المعاني المتغايرة، أو هو حقيقة في بعضها مجاز مسموع من العرب في غيره لأنه هو الذي يعتني به اللغويون، وعلى كل حال فمفعوله كالكلم، والحروف ليس داخلاً في مسماه والا لم يكن متعدياً، كأثمر الشجر بمعنى أطلع الثمر، فإنّ الثمر لما دخل في مسماه لم نقل أثمر الشجر الثمر حتى أنّ السكاكيّ لما استعمله متعديا أوّله الشراح، وهو مثل ما تقدم في آمين، وذكر أئمة اللغة له كما سمعته دالّ على ذلك وإنما الكلام في دخول متعلقه المجرور بالباء سواء قلنا إنها للصلة، أو للآلة فيحتمل دخوله فيه دخول البصر في أبصرت زيداً أي شاهدته ببصري فلا يذكر إلا على ضرب من التأويل أو المسامحة أو خروجه خروجا العصا في ضربته بالعصا، فإنه قيد خارج قد يذكر وقد يترك، ولما قال العلامة: الألفاظ التي يتهجى بها أسماء ذكر المدقق في الكشف ما مرّ من كلام اللغويين، وقال إنه المناسب المطرد في العرف، ونقله سلمه الله عن الأساس وكلام الجوهريّ والأزهريّ ينزل عليه، والباء في قوله بها لتضمين معنى الإتيان أي يؤتى بها مهجوّة اهـ يعني أنه موضوع لتعداد مخصوص، وهو تعداد الحروف المركب منها الكلم بأسمائها وقيد بأسمائها داخل في مسماه، فلذا أوّل ذكره في عبارة الكشاف بالتضمين والشارح المحقق لم يرتضه وجعله خارجا والباء للصلة والآلة، والمعنى يتهجى بها الحروف أي تعدد على حذف المفعول بلا واسطة وقال: إنّ حملها على التضمين أي يؤتى بها مهجوة سهو لأنّ المهجوة المسميات لا الأسماء، وقيل: التهجي مجرّد عن قيد الأسماء، فهو بمعنى عد الحروف مطلقاً، فالمفعول بلا واسطة محذوف والجارّ والمجرور قائم مقام الفاعل، والباء فيه للآلة أو هو مضمن معنى الإتيان أي يؤتى بها مهجوة مسمياتها، أو هو من قبيل أبصرته بعيني، فيبني الفعل للمفعول بواسطة كأبصر بالعين وفيه بعد فأوّل العبارة بوجوه منها ما مرّ ودفع السهو الذي مرّ بتقدير مضاف، كما في قوله أيضاً والسبب في أن قصرت متهجاه، فإنّ المراد متهجى مسمياتها، وقيل عليه: إنه ليس في اللفظ ما يدل عليه، فهو سهو بلا مرية وتمسكه بعبارته الآتية مع احتمالها التأويل لا يجدي، وقوله: إنّ أمثال أبصرته بعيني مستبعد لا ينبغي افإنه كثير في كلامهم، وقد ورد في النظم يقولون بأفواههم مع أنه ليس أبعد مما ارتضاه. (بقي هنا) أنه على تقدير تسليم أنّ القيد داخل في مفهومه، فالتهجي من المعاني النسبية، كالوضع فيوصف به اللافظ ويقال: هو متهج والحرف نفسه فيقال متهجي بصيغة المفعول، فإذا وصف به اسمه الذي به التهجي، فلا بد من توسط الحرف وذكره فضلاً عن أن يكون زائدا محتاجاً للتأويل كما أنّ الوضع إذا وصف به اللفظ قيل موضوع، فإن وصف به المعنى قيل موضوع له ذلك اللفظ، فإنما يكون كذلك إذا جرى على ما هو له، فأمّا إذا جرى على غيره مما هو لسببية فلا بد من الصلة والعجب أنّ هذا مع وضوحه كيف خفي على هؤلاء الفحول فتدبر. قوله: (لدخولها في حدّ الاسم إلخ (لدلالتها على معنى، وهو حروف المباني دون اقتران بأحد الأزمنة، والاعتوار في الأصل الأخذ باليد ويكون بمعنى التعاقب أيضا، كما في الأساس الاسم تعتوره حركات الإعراب، وتعاورت الرياج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 رسم الدار فلا حاجة إلى تكلف أن يقال كأنّ ما ذكر يأخذ هذه الألفاظ على التعاقب، وهو متعد بنفسه والنحاة تعدية بعلى إمّا لتضمته معنى التعاقب، أو لحمله عليه لأنه بمعناه ولتوهم بعضهم أنها حروف أيده المصنف رحمه الله بالنقل عن إمامي العربية الخليل وأبي عليّ الفارسي في كتاب الحخة، وتقديم قوله به للاهتمام لا للحصر وان صح، وفيه من علامات الاسم غير ما ذكر وتركه المصنف رحمه الله لظهوره كما ترك قول الزمخشريّ كالإمالة والتفخيم لأنه غنر مسلم اختصاصه بالاسيم، وقد كفانا المصنف مؤنثه، فلا حاجة للجواب عما أورد عليه، والمراد بالحد التعريف الجامع المانع، أو مصطلح أهل المنطق. قوله: (وما روى ابن مسعود إلخ (هذا الحديث رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف " وروى ابن أبي شيبة والبزار في مسنديهما عن عوف بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: " من قرأ حرفاً من كتاب الله كتبت له به حسنة لا أقول ألم حرف وكن الحروف المقطعة الآلف حرف واللام حرف والميم حرف ". قال الحافظ مدار إسناده على موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ورواه الطبراني في الكبير من غير طريقه ولفظه " من قرأ حرفاً من القرآن كتبت له حسنة ولا أقول ألم ذلك الكتاب حرف ولكن الآلف حرف واللام حرف والميم حرف والذال حرف والكاف حرف " (3 (. وقال أبو عمرو الداني في كتاب العدد: إنا على صور الكلم في الرسم دون اللفظ ألا ترى أن صورة ألم في الكتابة ثلاثة أحرف، وهي في التلاوة تسعة أحرف، فلو كانت الكلمة إنما تعدّ حروفها على حال استقرارها في اللفظ دون الرسم، لوجب أن يكون لقارىء ألم تسعون حسنة، فلما قال: إنها ثلاثة أحرف ولقارئها ثلاثون حسنة بكل حرف عشر حسنات ثبت انّ حروف الكلمة، إنما تعدّ على صورة الكتابة دون ايلاوة والثواب جار على ذلك اهـ. وأورد عليه صاحب مصاعد النظر أنّ العامل إنما يثاب على أله لا على عمل غيره، فالقارىء يثاب على نطقه بالحروف سواء كتبت أم لا ثبت ما يكتب في الرسم أم لا، وما قاله يلزمه تعطيل بعض الحروف التي نطق بها بلسانه وهو لا يرضاه أحد، فإن ثوابه على بعض عمله دون بعض تحكم والذي يكشف لك معنى الحديث حمل الحرف على الكلمة، ولما رسمت ألم بصورة كلمة واحدة بين في الحديث أنها ثلاث كلمات، فإنّ المنطوق به أسماء الحروف لا مسمياتها، وكل اسم منها كلمة بلا شك، وهذا ما ارتضاه صاحب النشر وهو حسن وبما ذكرناه سقط ما قيل: إن ما ذكره المصنف لم يوجد في كتب الحديث، فإنه مروقي كما في الترمذي والطبراني، وكثير من كتب الحديث وصححه الحاكم وإن كان فيه اختلاف يسير لا يحوجنا إلى القول بأنه رواية بالمعنى. وقوله: (بعشر أمثالها) متعلق بمقدر أي يجازى بعشر إلخ. قوله: (فالمراد به إلخ) هذا خبر ما في قوله ما روي فإنها موصول اسميّ مرفوع محلاً بالابتداء، والموصول إذا وقع مبتدأ يجوز أن يقرن خبره بالفاء، لكونه في معنى الشرط، كما قرره النحاة، وهذا جواب عن سؤال تقديره إنّ ابن مسعود رضي الله عنه من كبار الصحابة، وأهل اللسان، وقد أطلق عليها الحرف، وهذا مناف لما قلت فأجاب بأنه إنما يعارضه لو قصد به المعنى المصطلح بين النحاة وهو الكلمة الدالة على معنى، حفي غيرها، وليس بمراد بل لا يصح إرادته هنا فإنّ حقيقة الحرف لغة كما قاله الجوهري طرف كل شيء، وواحد حروف التهجي، وحروف المباني التي تركب منها الكلم، وما ذكر هو حروف المعاني واطلاق الحروف عليها عرف جديد أحدثه النحاة بعد العصر الأوّل، فكيف يصح إرادته في الحديث وتفسيره به، ويكون بمعنى الكلمة كما في قول بعض العرب، وقد قيل له: أتقرأ القرآن فقال: والله لا أهجو منه حرفا، أي لا أقرأ منه كلمة كما ذكره الأزهريّ، وان أهمله الجوهريّ، وصاحب القاموس، وهو معنى حقيقيّ أو مجازفي مسموع من العرب أي مجاز مرسل من إطلاق الجزء على الكل، أو استعارة لأنها من الكلام بمنزلة الحرف من الكلمة، وقوله في الأساس من المجاز، هو على حرف من أمره أي طرف لا يعارض ما قاله الجوهرفي، لأنّ حقيقته الطرف الحسي، ولولا هذا الحمل تناقض كلامه. قوله: (فإنّ تخصيص الحرف به (أي بالمعنى الذي اصطلح عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 النحاة إن كان المراد بالمعنى الآتي الكلمة، فكونه تخصيصاً ظاهر لأنه قسم منه، ولذا اختاره كثير من أرباب الحواشي فإن لم يرد فالتخصيص ليس في مفابلة الإطلاق بل بمعنى التعيين مطلقاً، كما في قولهم الوضع تخصيص شيء بشيء، فلا حاجة إلى التكفف في توجيهه مثل ما قيل: من أنّ مراد المصنف بالمعنى اللغويّ الطرف وهو متناول لجميع حروف المباني، وأقسام الكلمة لخروج أصواتها من طرف اللسان، فهي حروف بالمعنى المذكور. قوله: (بل المعنى اللنويّ) وهو الكلمات كما مرّ تحقيقه، فقوله ولعله سماه إلخ جواب آخر إذ المراد منه حينئذ حروف المباني، فإن أريد بالمعنى اللغويّ ما ذكر من الحروف المقطعة، وهي حروف المباني بالتحتية فهما جواب واحد، وليس المراد به الطرف كما توهم. قوله: (ولعله سماه باسم مدلوله (هذا ما ذكره الإمام في تفسيره، وعبارته توهم أنه من بنات فكره، وعلى هذا فالحكم على ما ذكر بالحرفية باعتبار مدلوله فهو معنى حقيقي له لا مجازيّ، وما قاله الإمام ومن حذا حذوه من أنه سماه حرفا مجازاً لكونه اسم الحرف واطلاق أحد المتلازمين على الآخر مجاز مشهور ليس بشيء ويعلم مما ذكر غيره مما يشاركه في معناه ولا يرد عليه أنه إذا كان في الحديث بالمعنى اللغويّ يصير معناه من قرأ كلمة من كتاب الله أيّ كلمة كانت بدليل أنه ضم إليه في رواية، كما مرّ ذلك الكتاب، وليست كل كلماته مسماها الحروف حتى يصح تسميته باسم مدلوله فالظاهر أن يقال إنه جعل الكلمات بمنزلة حروفه، ولا يخفى ما فيه من التعسف لأنه على ما ذكر لا يراد بالحروف الكلمات بل حروف التهجي كما بيناه، فهذا تخليط منه وان كان ما ذكره من الرواية ينبو عنه إلا بتوفيق من بيده التوفيق، والحاصل أنّ ما ذكر إنما يدل على حرفية المسميات لا على حرفية هذه الألفاظ لما اشتهر من أنّ الحكم في القضية على مدلولى الموضوع لا على عنوانه، ولا كلام في حرفية المسمى هنا، والعجب من بعض الناس إذ توهم هذا وجهاً آخر ثمّ قال إنّ المصنف رحمه الله لم يلتفت إليه لأنه غير قطعيّ في سقوط المعارضة، فإنّ كلام المعارض مبنيّ على أنّ ما ذكر من نحو ألف ولام وميم إعلام لا نفسها فيصح أن يطلق كل واحد منها، ويراد به ذلك اللفظ ويحكم عليه بأنه حرف، كما في قولك من حرف جر وضرب فعل ماض ونحوه وهذا لمن له بصيرة نقاذة خلط، وخبط نثر. خير من نشره فإنه ليس من قبيل الألفاظ الموضوعة لا نفسها إذ مدلول لام ل، وهو مغاير لاسمه الدال عليه وان أتفق كونه جزءاً له كلفظ كلمة كلمة الذي هو من جزئياتها كما مرّ نعم عبارة المصنف لا تخلو من الركاكة وهذا هو الذي أوقعه فيما وقع فيه، فإن قلت المقصود من الحديث تكثير الحسنات، وهو لا يناسب جعل ألف حرفا وهي ثلاثة أحرف قلت أجيب بأنّ المراد مسماه وهو بسيط، وفيه أنّ المقروء هنا الاسم والحسنة باعتبار القراءة إلا أن يقال قراءة الأسماء تقتضي قراءة المسميات وفيه نظر، فإن قيل المراد بسائط هو المركب أعني أنه اكتفى بذكر بسيط واحد عن كل واحد من الأسامي الثلاثة اختصاراً فهو بعيد، ولذا قيل إن الأوجه أن يراد بالحرف الكلمة. قوله: (ولما كانت مسمياتها حروفاً وحداناً) وحدان بضم الواو جمع واحد كراكب وركبان وهذا زبدة ما في الكشاف من أنه ووعيت في هذه التسمية لطيفة، وهي أنّ المسميات لما كانت اً لفاظا كأساميها وهي حروف وحدان، والأسامي عدد حروفها مرتق إلى الثلاثة اتجه لهم أن يدلوا في التسمية على المسمى، فلم يغفلوها وجعلوا المسمى صدر كل اسم منها، كما ترى إلا الألف، فإنهم استعاروا الهمزة مكان مسماها لأنه لا يكون إلا ساكنا، ومما يضاهيه في إيداع اللفظ دلالة على المعنى التهليل والحوقلة، وتسميه النحاة نحتا، والمصنف رحمه الله تبعه في ذلك، إلا أنه عدل عن قوله، والأسامي عدد حروفها مرتق إلى الثلاثة إلى قوله وهي مركبة لأنه أخصر وأظهر، وفيه إشارة إلى أنّ ارتقاءه لذلك لا تتوقف عليه هذه اللطيفة، وإنما هو بيان للواقع، وفي شروح الكشاف كلام لا مساس له بعبارة المصنف رحمه الله، وهذا برمّته من كلام ابن جني في سرّ الصناعة حيث قال فيه: كل حرف يقرأ أوّل حروف تسميته لفظه بعينه ألا ترى أنك إذا قلت جيم، فأوّل حروفه ج وإذا قلت: ألف فأوّل الحروف التي نطقت بها همزة، ولما لم يمكن الواضع أن يبتدىء بالألف التي هي مذة ساكنة دعمها باللام قبلها متحرّكة ليتمكن من الابتداء بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فقالوا لا بزنة ما، فلا تقل كما يقول المعلمون لام ألف فانه خطأ، وخص اللام بالدعامة لأنهم توصلوا للنطق بلام التعريف بأن جعلوا قبلها الهمزة التي هي أختها، فتوصلوا فيها باللام لضرب من المعاوضة بين الحرفين فالألف التي هي أوّل حروف المعجم صورة الهمزة في الحقيقة اهـ. وقال ابن فارس في كتابه فقه اللغة: يزعم قوم أنّ العرب لا تعرف الحروف بأسمائها، والدليل على ذلك ما حكاه عن بعض الأعراب إنه قيل له أتهمز إسرائيل فقال إني إذاً لرجل سوء لأنه لا يعرف من الهمز إلا الضغط، والعصر ويرده أنهم أهل مدر ووبر، ومنهم من يعرف الكتابة سورة البقرة / الآية 2431 السمع، واستعيرت الهمزة مكان الألف لتعذر الابتداء بها، وهي ما لم تلها العوامل موقوفة والحروف ومنهم من لا يعرفها كالإعرإب اهـ فقول الزمخشريّ ومن تبعه هنا إلاً الألف مخالف لكلام ابن جني، فإنها عنده اسم الهمزة، والألف اللينة اسمها لا التي يعبر عنها المعلمون بلام ألف، كما سيأتي فاللطيفة تامّة بلا توجهية، والهمزة صفة لها لأنها تسهل وتبدل، وذلك كالعصر لها وليس اسما مستحدثاً كما قيل، وذهب غيره إلى أنّ الألف اسم للينة إلا أنها أبدلت همزة لتعذر الابتداء بها وهو المرإد بالاستعارة هنا، فاللطيفة جارية فيها باعتبار أصلها ولم تتخلف اضطراراً. (تنبيه) قول معلمي الصبيان لام ألف خطأ فإنّ اسمها لا وقول بشار: يخط في الطريق لام ألف ليس معناه هذا فإنه في وصف السكران يجرّ رجليه في التراب فأثرهما فيه معوجاً يعود شكل لام، ومستقيما شكل ألف. (وأقول) الشعر صريح فيه. قوله: (ليكون تأديتها بالمسمى أوّل ما يقرع السمع) قيل الباء زائدة، كما في قولهم أخذت بالخطام، وأنه ليس المراد بالتأدية الدلالة حتى يقال: كان الأنسب ذكر المسميات في الآخر لأنّ فهم المعنى بعد فهم اللفظ بل إحضار المسمى بذاته لأنهم لما قصدوا أن يضعوا لهذه البسائط أسامي مركبة لمصلحة راعوا هذه اللطيفة في التسمية بأن ركبوا كل اسم من مسماه مع غيره، وقدموا المسمى ليكون أوّل ما يقرع السمع لزيادة مناسبة وللإشارة إلى أنّ هذه التأدية ليست من جنس تلك التأدية، فلو لم يكن الاسم مركبا من عدة حروف والمسمى حرف مفرد لم تتيسر هذه النكتة فيه، فانظر فائدة هذه القيود، ووقوع كل منها في محزه. (أقول الا يخفى أن تأويله بالإحضار وحده لا يدفع ما ذكر، ولا يكفي في أداء ما قصده بدون قيد بذاته، ولا قرينة على تقديره هنا، فالظاهر أنّ ضمير تأديتها راجع لقوله: حروفها وحدانا والباء للملابسة لا زائدة، لأن زيادتها في المفعول غير مقيسة كما صرّحوا به أي إيصال المتكلم لتلك الحروف من جهة كونها مسمى، ومدلولاً عليها أوّل إلخ وأصل معنى التأدية الإيصال، فإنها تفعلة من الأداء قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ومنه أداء الدين من الدين، وفي عرف الفقهاء يكون بمعنى إيقاع الفعل في وقته، ويقابله القضاء وهو مضاف للمفعول لأنه متعد بنفسه، والقرع مس جسم باخر بحيث يسمع له صوت والصوت يسمع بوصول الهواء إلى مقعر الأذن شبه وصوله بالقرع، وصار حقيقة فيه، فلذا تال يقرع السمع دون يسمع مع أنه أخصر. قوله:) واستعيرت الهمزة) أي جعلت أوّلاً في مكانها لتعذر الابتداء بها كما مرّ، فالاستعارة ههنا بمعناها اللغويّ على ضرب من التوسع، وهذا إذا لم تكن الألف موضوعة في الأصل للهمزة، واستعمالها في المدة على التوسع كما نقل عن ابن جني لأنها تد تصير مدة، أو هي مشتركة بينهما كما ذهب إليه بعض أهل اللخة. قوله: (وهي ما لم تلها العوامل إلخ) المراد بكونها تليها أن تتصل وتفترن بها سواء كانت مقدمة أو مؤخرة لأنّ الولي يكون بمعنى الاتصال، كما يكون بمعنى وقوعها بعدها ومنه التالي، وليس هذا مراداً والاً كان الظاهر العكس، وهذا إمّا بناء على الأصل أو المراد به ما كان كذلك حقيقة أو حكماً، فلا يضره فصل الجملة المحترضهه ونحوها، ولا يرد عليه العوامل المعنوية، حتى يقال إنه باعتبار اكثر والعوامل جمع عامل وهو مشهور. قوله: (موقوفة خالية عن الإعراب (قال أبو حيان في شرح التسهيلى الأسماء المتمكنة قبل التركيب كحروف الهجاء المسرودة ألف باء تاء ثاء، وأسماء العدد نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة فيها للنحاة ثلاثة أقوال، فاختار ابن مالك رحمه الله أنها مبنية على السكون لشبهها بالحروف في كونها غير عامله ولا معمولة، وهذا عتك. يسمى بالشبه الإهمالي، وذهب غيره إلى أنها ليست معربة لعدم تركبها مع العامل ولا مبنية لسكون آخرها في حالة الوصل، وما قبله ساكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وليس في المبنيات ما هو كذلك وذهب بعضهم إلى أنها معربة يعني حكما لا لفظا، والمراد به قابلية الإعراب، وائه بالقوّة كذلك ولولاه لم يعل فتى لتحرّكه وانفتاح ما قبله، وهذا الخلاف مبنيّ على اختلافهم في تفسير المعروب والمبني، فإن فسر المعرب بالمركب الذي لم يشبه مبنيّ الأصل شبها تافآ، والمبنيّ بما خالفه فهي مبنية، وان فسرا بما شابهه وخلافه، ولم نقل بالشبه الإهمالي، فهي معربة تنزيلاً لما هو بالقوّة منزلة ما هو بالفعل، وان قلنا المعرب ما سلم من الشبه وتركب مع العامل والمبني ما شابهه فهي واسطة: وللناس فيما يعشقون مذاهب فالخلاف لفظيّ، والأمر فيه سهل، وكلام الكشاف مبنيّ على الثاني وكلام المصنف محتمل له ولما، حده وان كان الأوّل أظهر، ثم إنه قيل إنّ المحققين حصروا سبب بناء الأسماء في مناسبة ما لا تمكن له أصلاً، وسموا الأسماء الخالية عنها معربة، وجعلوا سكون أعجازها قبل التركيب وقفاً لا بناء، واستدلوا على ذلك بأنّ العرب جوّزت في الأسماء قبل التراكيب التقاء الساكنين كما في الوقف، فقالوا زيد عمر وصاد قاف، ولو كان سكونها بناء لما جمعوا بينهما، كما في سائر الأسماء المبنية نحو كيف وأخواتها لا يقال ربما عددت الأسماء مساكنة الإعجاز متصلاً بعضها ببعض، فلا يكون سكونها، وقفاً بل بناء لأنا نقول هي قبل التركيب في حكم الوقف سواء كانت متفاصلة، أو متواصلة إذ ليس فيها قبله ما يوجب الوصلة، فالمتواصلة منها في نية الوقف، فتكون ساكنة بخلاف كيف، وأين وحيث وجير إذا عذدت وصلاً، فإن حركتها لكونها لازمة لا تزول إلا بوجود الوقف حقيقة اهـ (أقول) ما ذكر وان كاد زهرة لا يحتمل إلا أنه يرد عليه أنّ صاحب المذهب الآخر يقول: إنّ ما استدلوا به من التقاء الساكنين فيها، وهو لا يجوز في المبنيّ غير تائم لأنه بناء عارض، كبناء المنادي واسم لا والتقاء الساكنين يغتفر فيه لمشابهته للمعرب في أنه على معرض الزوال، وليس هذا بأبعد من نية الوقف فيما لا يوقف عليه كألف في ألم. وقوله لا يصح الوصل بنية الوقف، في نحو جير غير مسلم أيضاً مع أنه قائل بأن فيها مناسبة لغير المتمكن لمشابهتها للحرف، كما مرّ عن ابن مالك ثم إنّ المصنف رحمه الله عدل في الكشاف لنكتة، كما هو دأبه إذا غير عبارته فأتى مع الإيجاز بعبارة محتملة للمذهبين سالمة عما في قوله: هي أسماء معربة، وإنما سكنت سكون زيد وعمرو وغيرهما من الأسماء حيث لا يمسها إعراب إلخ من شبه التناقض، وان كان مدفوعاً بأنّ المثبت الإعراب بالقوّة، والمنفي ما هو بالفعل فمن توخم أنه عينه فردّ ذلك التوفيق، فهو ممن حرم نعمة التوفيق، ثم إنّ الوقف له معان يكون بحسبها متعديا ولازما، فيكون بمعنى التأخير كقولهم يوقف الميراث لوضع الحمل، وبمعنى الإمساك والمنع، وبمعنى تسكين آخر الكلمة دون بناء لقطعها عما بعدها حقيقة، أو حكماً وهذا هو المراد هنا لا كونها غر معربة ولا مبنية وان صح كما أشرنا إليه، فلذا أورد عليه بعض المتأخرين أنه بهذا المعنى لا يمكن في نحو قولك صيم امرىء ولام الرجل، وهكذا كل مضاف. ذكر على سبيل التعداد، وأجيب بأنه مخصوص بما إذا لم يمنع منه مانع، وفيه نظر لأنه لا تعرف هذه الحركة فيه، كما لا يعرف علامة الإعراب الحرفية، وحال النعت في الأسماء، كما إذا قلت: اثنان ثلاثة وقلت: الفصل الأوّل الفصل الثاني. قوله: (معرّضة له) بزنة اسم المفعول من التعريض أي مهياة له، ومستعدة لقابليتهاءله، كما يقال فلان عرضة للوائم إذا استحق اللوم، وقيل: معناه محل لعروض الإعراب بمعنى الحركات الإعرابية لا بمعنى كونه بحيث لو اختلفت عليه العوامل اختلف آخره، وموجبه أي موجب الإعراب بكسر الجيم، وهو العامل ومقتضيه، وهو المعاني المعتورة عليه من نحو ألفاً علية والمفعولية، والإضافة وليسا بمعنى واحد وهو العامل لأنّ ما ذكر أتم فائدة. قوله: (إذ لم تناسب إلخ) تعليل لكونها معرّضة للإعراب وقابلة له وليس استدلالاً مبنياً على انحصار علة البناء في المناسبة المذكورة، كما قيل لأنّ كلامه غير متعين له كما قدّمناه وكذا ما قيل من أنه أشار إلى أنّ الاسم يبنى تارة لعدم الموجب وتارة لمناسبته مبنيّ الأصل، وان وجد الموجب وما نحن فيه من الأوّل إن حمل على ما ذهب إليه الجمهور من أنّ المبني ما ناسب مبني الأصل أو وقع غير مركب، فان حمل على أنه ما شابه مبني الأصل، وما عداه معرب فالمراد بقوله خالية عن الإعراب خلوّها من ظهور الإعراب لفظا أو تقديرا، فإنه محل نظر ويرد على المصنف رحمه الله أنها مناسبة لمبنى الأصلي عند ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 مالك لما فيها من الشبه الإهمالي فتدبر. قوله: (ولذلك إلخ) قد عرفت أنه تعليل لكونها غير مبنية وهذا ما ذهب إليه من تقدمه من أهل العربية، فإنهم جوّزوا التقاء الساكنين في الوقف، ولو على غير حدة ولم يجوّزوه في غيره كحالة البناء فسكون هذه الأسماء سكون وقف لا بناء، ولا يرد عليه حيث وجير وغيرهما من المبنيات مما إذا وقف عليه سكن نعم من يقول إنه بناء عارض وهو يجوز فيه ذلك لاشيقول بما ذكره المصنف كما مرّ، والاعتراض على هذا بأنه قياس بغيو جامع في اللغة ظاهر السقوط. قوله: (ثم إنّ مسمياتها إلخ) شروع في تفسيرها وتوجيه افتتاح السور بها، وقد ذكر في الكشاف وجوهاً ثلاثة أوّلها أنها أسماء للسور، والثاني الإيقاظ، والثالث أنها مقدمة لدلائل الإعجاز، والمصنف وحمه الله ذكر الأخيرين وأخر الأوّل، وأورده بقيل، ثم أورد بلا يقال وجوها أربعة مزيفة، ثم أورد أربعة أخرى بصيغة التمريض فالوجوه أحد عشر، وما ذكر من الوجهين يشتركان في الإشارة إلى أمارة الإعجاز ويفترقان بأنّ الأوّل بالنظر إلى حال الكلام المنزل، والثاني بالنظر إلى حال المتكلم به، والعنصر بضم العين وسكون النون وضم الصاد المهملة، وقد يفتح للتخفيف ووزنه فنعل، ويحتمل أن يكون فعلل على ما بين فالصرف ومعناه الأصل وهو المراد هنا، وبسائط جمع بسيطة وهي الحروف المفردة فقوله التي تركب منها تفسير له فمن قال إنه جمع بسيطة بمعنى مبسوطة وهي المنثورة لم يصب المحز، وعطف بسائطه تفسيري أيضاً، وقوله بطائفة منها أي من الأسماء إذ هي المفتتح بها، وليس فيه تفكيك الضمائر المحذور لظهور القرينة عليه، وتعريف السور للعهد أي التي افتتحت بالحروف، وفي نسخة السورة بتاء الوحدة والأولى أولى رواية ودراية، وأمّا على الثانية فقيل تعريفها للعهد الخارجي، والمعهود سورة البقرة لا للاستغراق لأنّ من السور ما لم يفتتح بطائفة منها مثل ص وق. ويحتمل العهد الذهني على تقدير أنّ المصنف قدّم هذا الوجه لأنه الأصل الأظهر ولطوله فلو أخر أتى بعد ذهاب النشاط فقد لا يحيط به السامع خبرا، وحاصله أنّ المراد بها إمّا مسماها من الحروف المقطعة أو لا، وعلى الأوّل فالافتتاح بها وتخصيص البعض به في أبلغ الكلام لا بد له من وجه فوجه الأوّل بوجهين ولم يجعل كلاً منهما تأويلاً مستقلاً كما فعله الزمخشريّ قصرا للمسافة لتقاربهما واتحادهما مآلا، ثم إنّ بعض أرباب الحواشي أورد هنا ما في الكشاف من السؤال عن رسمها على صور الحروف بأنفسها دون صور أساميها وما أجاب به من أنه مبنيّ على ما. جرت به العادة المألوفة من أنه يقال للكاتب إذا أملى عليه اكتب باء جيم فيكتب مسماها هكذاب ح. ولكونه مع اختصاره مأمون الليس، ولأنّ خط المصحف كخط العروضيين سنة متبعة لا يلتزم أن يجري على قياس الرسم، ولم يتنبه لأنّ هذا إنما يتجه على الوجه الآتي وهو كونها اسماً للسورة، فإنها إذا قصد بها الحروف أنفسها فالمعروف أن تكتب كما هنا إلا أنها في غير المصحف تكتب غير متصلة، فيقال هجاء ضرب ض رب وغفل أيضاً عن إيراد العلامة له ثمة وقوله: استمرّت العادة لمن تهجى أن يلفظ بالأسماء، وتقع في الكتابة الحروف أنفسها. قوله: (إيقاظاً لمن تحدّى بالقرآن) الإيقاظ مصدر أيقظه إذا نبهه من نومه والتنبه منه يقظة بفتحات وتسكين القاف في قوله: فالعمرنوم والمنية يقظة والمرءبينهما خيال ساري ضرورة وقيل إنه جائز سعة، وتحدى بصيغة المجهول من التحدي وهو طلب المعارصة أو المعارضة نفسها كما تقدم أي ليوقظ من تحداه، وعارضه من نومة الغفلة، فينبهه على أنّ ما تلي عليه منظم مما تركب منه كلامهم فعجزهم عن معارضته مع علوّ كعبهم في صناعة الكلام ليس إلا لأنه من غير جنس كلام البشر لأنّ ما فيه من الخواص، والمزايا خارج عن طوقهم، والتظاهر التعاون وأصله أن يسند كل إلى ظهر آخر، ويدانيه بمعنى يقاربه، فإن قيل إعجاز القرآن ليس بتركيب الحروف بل بتركيب الكلمات التي يكون المركب منها معجزاً بمطابقته لمقتضى الحال، فاللائق بما ذكر سرد ما يتركب منه الكلام، وهو الكلمات لا الحروف قيل المراد أن يذكر المادّة التي تتركب منها الكلمة وهي الحروف ومادة الكلام، وهي الكلم أنفسها معاً غير أنه اكتفي بالأول لظهور أن القدرة على الحروف وحدها لا تفي بأداء ما هو بصدده من الإتيان بكلام بليغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 معجز لا يقال حينئذ ينبغي الاكتفاء بالكلمات عن الحروف، لأنّ التركيب من الكلمات يستلزم التركيب من الحروف بلا عكس لأنا نقول هو كما ذكرت إلا أنه لا يحصل بهذه الإيقاظ لأنه لو سردت كلماته موضوعة على هذا النمط توجه الذهب إلى تحصيل معناها وطلب ارتباطها لا إلى ما ذكر من الإشارة فتدبر. قوله: (وتنبيهاً على أن المتلوّ عليهم إلخ) هذا وما عطف هو عليه منصوب على أنه مفعول له، فإن قلت دلالة اللفظ كغيره إمّا وضعية أو عقلية أو طبيعية، والمراد بالوضعية ما للوضع مدخل فيه، فيشمل الدلالات الثلاث والمجاز والكناية، وهذه الألفاظ موضوعة للحروف المقطعة، فكيف تدل على الإيقاظ، وعلى ما يتيقظ له من الإعجاز، ولا يظهر في طريق من طرق الدلالة المذكورة. قلت: هو مما يحتاج للتنبيه عليه والإيقاظ ولم يتعرّض له أحد من أرباب الحواشي والشروح (والذي ظهر لي) بالتأمّل الصادق أنه من الدلالة العقلية، وهي قد تدل على أمور متعددة كصوت غناء من وراء جدار يدل على أن خلفه ناساً في لهو ولعب، واجتماع لما يسرّهم وهنا لما صذر الكلام بهذه الحروف، وليس المراد إفادة مسماها والمتكلم بليغ يصون كلامه عن العبث دل عقلاً على أنّ المراد به الإشارة إلى أنّ ما بعده كلام مركب، ونحن إذا سمعنا المعلم يهجي طفلأ علمنا منه أنه سيقرئه والتنبيه على هذا بخصوصه مع أنه كلام مركب منها لا بد له من وجه، فإذا أصاخ له اللبيب تفطن لما ذكر ولله در العلامة خطيب المفسرين إذ أشار لما ذكر بقوله كالإيقاظ وقرع العصا، فجعله كقرع العصا إيماء إلى أنّ دلالته عقلية صرفة موكولة لفطنة السامع إذ دلالة قرع العصا لذي الحلم المضروب به المثل في قوله: إن العصا قرعت لذي الحلم لكونها على خلاف المعتاد تدل على خطئه كما نبه قرع الأسماع هنا على خطا هؤلاء، وتال في الكبير: بيانه أنه عليه الصلاة والسلام كان يتحداهم بالقرآن فلما ذكر هذه الحروف دتت قرينة الحال على أنّ مراده من ذكرها أن يقول لهم هذا القرآن إنما نزل بهذه الحروف التي أنتم قادرون عليها فلو كان هذا من فعل البشر لوجب أن تقدروا على الإتيان بمثله اه. قوله: (عن آخرهم) هذه عبارة مشهورة مسموعة من العرب قديماً أي عبارة عن الاستيعاب والشمول. وقال العلامة هو أبلغ من جميعهم لأن عن للمجاوزة، فالمراد عجزوا عجزاً متجاوزاً عن آخرهم وإذا تجاوز العجز عن آخرهم شملهم كلهم أوّلاً وتجاوز عنهم ثانيا، فهو أبلغ من عجزوا جميعا، وقيل عليه بل المعنى عجزاً صادراً عن آخرهم لا متجاوزاً عنه، لأنّ معنى تجاوز عنه عفا عنه، وغفروا ما بمعنى التعدّي فالمجاوزة فيه متعدّية بنفسها، ودفع بتضمين معنى التباعد بمعونة المقام إذ لا محل للعفو هنا مع أنه تعدى بكلمة عن أيضا في كلام من يوثق به، وقيل المعنى حينئذ عجزاً صادراً عن آخرهم إلى أوّلهم، وفيه أن مقابل كلمة إلى من الابتدائية لا عن، فإن قيل هذا تطويل بغير فائدة، إذ قدر التجاوز وضمنه معنى التباعد فهلا قدر التباعد ابتداء، فإنه يتعدّى بعن في كلام العرب كما مرّ في قوله: تباعد عني فطحل إذ دعوته قيل بل فيه فائدة، وهي أنّ التباعد عن الآخر هنا بطريق المجاوزة لا بطريق عدم الوصول إلى الآخر أو المحاذاة، فلو لم يقدّر كذلك توهم هذا، وإن كان المقام قد يأباه، وقيل إنه غير وارد لأن مراد ذلك القائل بيان معنى عن واظهار وجه تعلقه بالفعل، ونظيره قول ابن الحاجب في معنى جلست عن يمينه متراخيا عنه، كأنه متجاوز عن موضعه إلى الموضع الذي بحيال يمينه، وله نظائر ولا يخفى عليك أنه إذا تعلّقت عن بالفعل لا تفيد هذا المعنى الذي ادعاه هذا القائل لأنّ معنى العجز عن الآخر أنهم لا يقدرون على الآخر لا أنّ الآخر عجز وتجاوزه العجز، ولو كان مراده ذلك لقال متجاوزا الآخر، ولا يخفى ما فيه من الخلل، ثم أنهم لم يستندوا في التعدية المذكورة إلى نقل، وقول الشريف من يوثق به أراد به الرضى كما أشار إليه في حواشيه عليه (وأنا أقول) إنه وقع بهذا المعنى معذى بعن في قول أبي تمام: فلا ملك فرد المواهب واللها ~ تجاوز لي عنه ولا رشأ فرد قال التبريزي في شرحه: لا نفي لتجاوز الملك، والتقدير لا تجاوز لي عنه الملك الفرد، ولا الرشأ أي متى ملكني لم يقدر على تنحيتي عنه ملك بذال ولا رشأ فرد اهـ فمثل أبي تمام إذا استعمله، وما يقول بمنزلة ما يرويه كما سيأتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ومثل التبريزي من أئمة اللغة، وناهيك به لم يعترضه، وأشار إلى تعديه بعن لما فنه من معنى التنحية المعذاة بها كفى دليلاً عليه، وقيل عن بمعنى من مع وجوه أخر متكلفة ضربنا عنها صفحا لركاكتها. قوله:) وليكون أوّل ما يقرع الأسماع إلخ) عطف على قوله: إيقاظا وأظهر اللام تفننا، وللإشارة إلى أنه وجه آخر وحذفت من الأوّل دونه لوجود شرط النصب، وهو كون المفعول له فعلاً لفاعل الفعل المعلل إلا أنه قيل عليه أنه إذا عطف على إيقاظا تعلق بافتتحت، وسببية عنصرية المسميات للكلام للافتتاح المعلل بكون أول ما يقرع الأسماع مستقلاً بنوع من الإعجاز غير ظاهرة فلا يجعل المعطوف في حكم المعطوف عليه من حيث كونه جواب السائل في مجرّد افتتاح السورة بطائفة منها وفيه ما فيه، اللهمّ إلا أن يقال عنصريتها للكلام تستدعي تقديمها، فناسبه أن يكون ذكر أساميها المستقلة بنوع من الإعجاز أول ما يقرع السمع، ثم إن هذا ظاهر إن كانت البسملة ليست من السورة، والأ فالمراد أنه أوّل ما يقرعه مما يختص بها. وقال قدس سرّه: إشارة إلى أنّ المقصود من الأغراب في أوائل السور أن يكون دليلأ على إعجاز ما يرد بعدها ومقدّمة منبهة عليه، فالفواتح على ما قبله نبه بها على أنّ هذا المتلوّ لتركبه مما يتركب منه كلامهم على قواعدهم ليس إعجازه ببلاغته الفائقة إلا لكونه من الله، وعلى هذا نبه بها على أنها لاستقلالها بوجه من الاغراب من حيث صدورها ممن يستبعد منه أمارة على إعجاز ما بعدها بالنسبة إلى حال من ظهر على لسانه اغتراب بكلمة مما يستغرب منه إشارة إلى تكلمه بما يعد منه معجزا، فالوجهان ناظران إلى الوجهين في تفسير قوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] وفيه أنّ قوله أمارة على إعجاز ما بعدها مع قوله قبله لاستقلالها بوجه من الاغراب فيه تناف يحتاج إلى التوفيق، واعترض بأنه يمكن تعلم أسماء الحروف، ولو بسماع من صبيّ في أقصر مدة فلا إغراب فيه، وأجيب بأنه وإن أمكن ذلك لكن صدوره ممن لم يشتهر أنه تعلم، وهو بين قوم أمّيين مستبعد جدا، وفيه بحث وأما ما يذكر بعده من لطائف تلك الحروف فمع كونه لا يختص بهذا الوجه يبعد كونه من تتمة الجواب، لأنه لا يتفطن له إلاً الماهر في أوصاف الحروف فضلاً عمن لا يقرأ ولا يدرس فكيف يعجزهم، ويتحذاهم بما لا يفهمونه، فلا وجه للجواب عنه بأنه ليس المستغرب مجزد التلفظ بها بل مع رعاية اللطائف التي ذكرت متصلة بها، وقول المصنف رحمه الله سيما إشارة إلى هذا الجواب، والكتاب بضم فتشديد جمع كاتب لا بمعنى المكتب لأنه غير مناسب هنا وان أثبته بعض أهل اللغة، والأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الأمّ لأنه خرج من بطن أت أو نسبة إلى أمة العرب لأنهم كانوا كذلك، أو إلى أمّ القرى لأنّ أهلها كذلك والحاصل أنّ ذكرها يدل على إعجازه في نفسه أو بالنسبة إلى من أنزل عليه. قوله: (كالكتابة والتلاوة (إدراجه الكتابة بين تلفظه بأسماء الحروف، والتلاوة الواقعين منه على خرق العادة يقتضي اً نه صلى الله عليه وسلم كتب من غير تعلم بل على خرق العادة وسيأتي فيه كلام في قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبرت: 48، فعلى المشهور التمثيل لمجرّد استغرابه وإن لم يقع. وقوله: (سيما إلخ (الكلام على سيما ومعنى قول بعض النحاة أنه للاستثناء مفصل في حواشينا على الرضى وحاصله أن سيّ بمعنى مثل يقال هما سيان أي مثلان، فمعنى لا سيما لا مثل ما، وما زائدة أو موصولة أو موصوفة، وعدهم له من كلمات الاستثناء لأنه للاستثناء عن الحكم المتقدم ليحكم عليه على وجه أتمّ من جنس الحكم السابق، والمعروف ذكر اسم بعده معرب بالوجوه الثلاثة كما في قول امرىء القيس: ولا سما يوم بدارة جلجل وايقاع الجملة الحالية بعده كما وقع في عبارة المصنف رحمه الله وان كثر في كلام المصنفين إلا أنّ النحاة لم يذكروه، كما ننه عليه بعض المتأخرين، وحكى الرض أنه يقال سيما بالتشديد والتخفيف مع حذف لا كما هنا، وقال الدماميني في شرح التسهيل: لم أقف عليه لغيره، وهو كثير في كلام المصنفين، وقال أبو حيان ما يوجد في كلام المولدين من حذف لا لا يوجد في كلام من يوثق به، ونص عليه أبو عليّ الفارسيّ وقال حذفها غير جائز، وكذا في البارع والتهذيب، وقال في المصباح: ربما حذفت لا في الشعر وهي مرادة للعلم بها، والأديب العارف بفنون العربية، وما يلحق بها مما فصل في أوّل شرح المفتاح، وتسميتها أدباً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 والعارف بها أديباً من الاصطلاحات المولدة، ومعناه في لغة العرب الأخلاق والصفات الحميدة كما ورد في الحديث " أذبني ربي فأحسن تأديبي " أا (قال المطرزي في شرح المقامات: والأريب بالراء العاقل وجملة وقد راعى حالية. قوله: (وهو أنه أورد إلخ) الضمير راجع إلى ما في قوله ما يعجز وكونها نصفا بإسقاط المكرّر ظاهر ولم يورد الكل لأن أداء ما ذكر تام بدونه، فاقتصر منه على ما هو بمنزلته، وحروف المعجم ليس من إضافة الموصوف للصفة إن كان المعجم مصدراً ميمياً بمعنى الإعجام، أو هو منها إن كان اسم مفعول وقلنا بذلك كصلاة الأولى، أو هو مؤوّل أي حروف الخط المعجم وصلاة الفريضة الأولى أي الذي من شأنه ذلك والإعجام من العجم بمعنى النقط، وقد شاع في كلام المصنفين تخصيص المعجمة بالمنقوطة وتسمية غيرها مهملة، أو هو بمعنى الإبهام والإخفاء، ومنه عجم الزبيبة لاستتاره، والعجم وان كان هنا للإيضاح لا للإبهام، فإنما جاءه هذا من جهة كون همزته للسلب كاشكيته إذا أزلت شكايته، وأشكلت ا. لكتاب أزلت إشكاله، وقالوا أيضا: عجمت الكتاب على التفعيل للسلب كمرّضته بمعنى داويته، وأزلت مرضه، وقذيت عينه أزلت عنها القذى، وهذا رأي أبي عليّ الفارسيّ، وهو حسن ومن لم يقف عليه اعترض بأنّ السلب غير مقيس، وإذا سمع هذا اللفظ بعينه من العرب ودل بفحواه على ما ذكر كان هذا من فضول الكلام ولا يقال عجم مخففاً بل عجم وأعجم. قوله: (إن لم يعدّ الألف إلخ) ضمحر فيها المؤنث لحروف المعجم، وفي بعضها فيه وهو تحريف من الناسخ قال ابن جني في سر الصناعة: أعلم أنّ أصول حروف المعجم عند الكافة تسعة وعشرون حرفاً، أوّلها الألف، وآخرها الياء على المشهور من ترتيب حروف المعجم إلا أبا العباس، فمانه كان يعدها ثمانية وعثرين حرفا أوّلها الباء الموحدة، ويدع الألف من أوّلها ويقول هي همزة لا تثبت على صورة واحدة، وليس لها صورة مستقرّة فلا أعدها مع الحروف التي أشكالها معروفة محفوظة، وهو غير مرضيّ عندنا اهـ. فإن كان هذا مراد المصنف ليوافق النقل المذكور، فالمراد بالألف الهمزة لأنها غير مستقلة لتبعيتها لغيرها لفظاً وخطاً، وان كان المراد بها المدّة التي هي حرف لين كما قيل: فمعنى عدم عذها برأسها درجها مع الهمزة تحت الألف، أو بأن لا تعتبر أصلاً بناء على أنها مدة منقلبة غالباً عن الواو والياء، وهو المناسب إذ المراد بالألف المعدودة الهمزة ومعنى قوله برأسها مستقلة غير مندرجة مع غيرها تحت اسم واحد، والرأس حقيقتها معروفة ثم إنهم توسعوا فيها لمعان كالأول في قولهم رأس السنة، والرئيس في قوله هو رأسهم أي رئيسهم وهي هنا بمعنى الاستقلال وهو في كلام المولدين مشهور، والعلاقة فيه اللزوم لأنه لا يستقل بدونها. قوله: (بعددها إذا عدّ فيها الألف إلخ) إشارة إلى أنه سلك في الأوّل طريقا فيه عدم عذها ثم سلك في الثاني طريق عدّها اعتباراً لكل منهما واحترازاً عن تعطيل واحد منهما، وقوله مشتملة بالنصب صفة أربعة عشر أو حال منها وكون المذكورات إنصافاً تقريبيّ، لأنّ في بعضها زيادة يسيرة ونقصا يسيرا يجبر كل منهما الآخر. وقيل: قد مرّ أنّ الهمزة اسم مستحدث، فلو جعل الألف حرفا برأسه أيضا، فلا اسم لمسمى الهمزة في زمان نزول القرآن، فالواقع في الفواتح نصف أسامي الحروف على كل حال، وأجيب بأن مراده نصف أسامي جميع الحروف وعلى تقدير عد الألف حرفا برأسه لا يتحقق لجميع الحروف أسامي، وهذا يستلزم عدم تحقق نصف أسامي الجميع وقيل الألف مثترك بين الخاص، وهو المدة والعام الشامل لها وللهمزة وهذا مبيّ على عدها حرفا برأسها، وهو تكلف مبنيّ على أنّ لفظ الهمزة بهذا المعنى لم يثبت عن العرب، وقد مرّ أنه لا أصل له لا يقال ما ذكر من الأنواع اصطلاحات أحدثها أرباب العربية حتى دوّنوها، فكيف تقصد حين نزول القرآن المتقدّم عليها، لأنا نقول المستحدث الأسامي والعبارات لا المعاني المرادة بها، وهي المقصودة ههنا وقيل: إن كون المذكور أنصافا لها باعتبار الأكثر وإلا فقد يشتمل على ثلثي بعض الأنواع كما في حروف الصفير، وهي الصاد والزاي والسين والحلقية وقد يشتمل على تمام النوع كحروف الغنة، وهي الميم والنون الساكنة والحرف المكرّر وهو الراء وأراد بالأنواع مشاهيرها المعتبرة لأنّ بعضهم زاد فيها إلى ما يبلغ أربعة وأربعين إلى غير ذلك. قوله: (وهي ما يضعف إلخ) وقع في بعض النسخ هو بدل هي فذكره باعتبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الخبر أو لتأويلها بالنوع، والمهموسة اسم مفعول من همست الكلام، وهو متعد من باب ضرب ومصدر. الهمس، وهو في اللغة مقابل للجهر وفسر بالإخفاء كما فسر الجهر بالإعلان، وقيل معناه الخفاء وفي الصحاح الهمس الصوت الخفيّ، والظاهر أنّ حقيقته إخفاء الصوت لا المطلق ثم توسع فيه فأطلق على الخفاء، وتجوّز فيه فأطلق على المهموس نفسه وصار حقيقة فيه، ويوصف به الكلام والحروف، وتقول العرب ما سمعت له همسا ولا خرساً وهما الخفيّ من الصوت لأنه المسموع قال تعالى: {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108] وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف بقوله ما يضعف إلخ وعليه النحاة وأهل الأداء تبعا لما في كتاب سيبويه حيث قال المهموس حرف ضعيف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس، ولم ينقطع جريه حتى أمكن أن يتلفظ به ويتنفس فلذا سميت بذلك لجريان النفس معها لضعفها، وضعف الاعتماد عليها في مخارجها قيل وجعل الضعفين علة للجريان أولى من ضمهما إليه وجعل المجموع علة للتسمية ومن ضم الأول خاصة وجعل الثاني بانفراده علة للجريان فتأمّلء قوله: (ستثحثك خصفه) هو تركيب لجمع الحروف المذكورة وضبطها ليسهل استحضارها كقولهم: فحثه شخص سكت ونحوه والسين هنا حرف تنفيس ويشحث بمعنى يلح في السؤال ومثله يكدي وبه فسر في حواشي الكشاف والمكدي السائل وليس لحنا أو مغيراً من محدي، وهو طالب الحداء كما توهمه الحريريّ في الدرة ولا معربا من كدال كردن كما توهمه بعض فضلاء العصر بل هو عربيّ صحيح استعمله من يوثق به، وذكر. الراغب في مفرفى اته، ومن قولهم يستحث أخذ شحاث للسائل الملح وسمي شحاثة برنة ثلاثة، وقال ابن برّي: كغيره أنه محرف من شحاذ فالعلم شحاذة أيضا، وفي القاموس الشحاث للشحاذ من لحن العوام، وأصل الشحذ السن فاسنعير لإلحاح السائل، وقد صحح لغة على أنه من الأبدال، فإنّ الذال تبدل ثاء فلا غلط فيه، وخصفه بفتحات علم ويكون بمعنى سلة التمر وورد في الحديث بمعنى الحصير، وهو المعروف في الاستعمال اليوم، ولو فسر بما ذكر هنا كان أظهر أي ستطلب منك ما ذكر، وما قيل من أنه لا يبعد أن يكون يشحث ماخوذا من شحثاً، وهي كلمة سريانية يفتح بها المغاليق بغير مفتاح أي ستفتح مغاليقك بلا مفتاح خصفه تعسف غير محتاج له، وقوله نصفها بالنصب مفعول لقوله ذكر وقوله الحاء بدل منه، أو عطف بيان تفسير له. قوله: (ومن البواقي المجهورة) معطوف على قوله من المهموسة إلخ والمجهورة اسم مفعول من جهر الشيء يجهر بفتحتين ظهر، وأجهرته بالألف أظهرته يتعدى بنفسه، وبالباء أيضاً فيقال: جهرته وجهرت به كما في المصباح، ولم يعرّف المصنف المجهورة لأنّ ذلك عرف من جعلها مقابلة للمهموسة، فهي ما يقوي الاعتماد على مخرجه ولذلك كان مجهورا لأنه لا يخرج إلا بصوت قويّ يمنع النفس من الجري معه، وهي ثمانية عشر حرفاً، رالمذكور منها نصفها تحقيقاً وهي تسعة أحرف معروفة، وبهذا علم حدها وعدها. قوله: (ومن الشديدة الثمانية) الذي ذكره النحاة، وأهل الأداء من القراء إنّ الحروف إمّا شديدة أو رخوة أو متوسطة بينهما، وسموها بينية نسبة إلى بين بمعنى التوسط وقالوا معنى الشدة على ما ذكره سيبويه امتناع الصوت أن يجري في الحروف، فلو رمت مد صوتك في القاف والجيم مثلاً نحو الحق والحج لامتنع عليك، والشديدة هي ثمانية المذكورة والمتوسطة بين الشديدة والرخوة فيها خلاف بين النحاة والقراء، فأكثر النحاة على أنها ثمانية يجمعها لم يروعنا أو ولينا عمر، وأكثر القراء على أنها خمسة وهي حروف لن عمر أي كن لينا يا عمر وما عداهما رخوة والرخوة صفة مشبهة مصدرها الرخاوة، ومعناها اللين الذي هو ضدّ الشذة، وقالوا الرخوة حروف ضعف الاعتماد عليها في مواضعها، فجرى معها الصوت فكأنها تلين عند النطق بها، وفي البينية يجري بعض الصوت معها وينحصر بعضه فإن قلت هل بين المجهورة، والشديدة فرق أم لا قلت: قد فرقوا بينهما باعتبار عدم جري النفس في المجهورة وعدم جري الصوت في الشديدة، وكذا الف ق بين الهمس والرخاوة أنّ الجاري في الهمس النفس، وفي الرخاوة الصوت كما في شروح التسهيل والثافية، وقد يجري النفس ولا يجري الصوت كما في الكاف والتاء، وقد يجري الصوت، ولا يجري النفس كالغين والضاد المعجمتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وما وقع في بعض شروح الجزرية من أنّ الشدّة تمنع النفس من الجري غير صحيح، فظهر أنّ بين المجهور والشديد عموما من وجه إذ ليس كل شديد مجهوراً ولا كل مجهور شديداً وقيل: بينهما عموم مطلق فكلى شديد مجهور، فالشدة تؤكد الجهر ولا عكس، ومادّة الاجتماع على الأوّل حروف أجد قط بكت إلاً الكاف والتاء، ومادتا الإفتراق أحداهما الكاف والتاء، والأخرى جميع المجهورة إلا مادّة الاجتماع المذكورة فظهر لك مما قررناه أنّ ما محره المصنف رحمه الله هنا غير موافق لما عليه الجمهور. وقوله:) عشرة (بناء على أن الألف ليس حرفا برأسه، وأجدت من الإجادة والطبق معروف، والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف ثم طاء مهملة طعام يتخذ من اللبن، والحمس بزنة حمر مهمل الحروف جمع أحمس، وهو المشدد في دينه ولذا قيل لقريش الحمس، ومنه الحماسة ويعدى بعلى أي هم أشداء على نصره. قوله: (ومن المطبقة التي هي الصاد إلخ) حروف الأطباق الأربعة المذكورة هي بعضى من المستعلية الآتية، وسميت بها لإطباق بعض اللسان عند خروجها على ما يحاذيه من الحنك الأعلى. ولذا قال الجعبريّ: الإطباق تلاقي طائفتي اللسان والحنك الأعلى عند لفظها وكون المطبق طائفة من اللسان لا ينافي تسمية الحرف مطبقا مجازا بأن يكون الأصل مطبق عنده أي عند خروجه فاخحصر وقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك، وجوّز بعض شراح الجزرية في بائه الكسر على التجوّز فيه كالتجوّز في المستعلي، والإطباق لغة بمعنى الإلصاق، ويقابله المنفتحة بصيغة اسم الفاعل لا غير من الانفتاج وهو الافتراق سميت بها لانفتاج ما بين اللسان، والحنك عند خروجها والنطق بها، وهو في الأصل مجاز لأن الحروف نفسها لا تنفتح، د ة نما ينفتح عندها اللسان عن الحنك. قوله: (ومن القلقلة وهي إلخ) فيه مضاف مقدر أي حروف الشهاب / ج ا / م 97 القلقلة أو سماها بالمصدر توسعا، ومثله سهل ويقال لها حروف القلقلة، واللقلقة وكلاهما بمعنى الحركة، وإليه أشار المصنف بقوله تضطرب لأنه افتعال من الضرب معناه ما ذكر قال في المصباح: يقال رميته، فما اضطرب أي ما تحرّك، ومنه اضطراب الأمور بمعنى اختلافها لما يلزمها من ذلك، وإنما سميت بها لأنّ صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه المتحرّك لثدة أمرها، وإنما حصل لها ذلك لكونها شديدة مجهورة، فالجهر يمنع النفس أن يجري معها والشدة تمنع الصوت من جريه معها فاحتاح بيانها إلى تكلف، وحصل ما حصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تخرج إلى شبه تحريكها لقصد بيانها، ومنهم من عللها بأنها حين سكونها تتقلقل عند خروجها حتى يسمع لها صوت ونبرة، وفيه تجوز لأنه أراد بتقلقلها مثابهتها للمتقلقل لا تحرّكها حقيقة، وإلا لزم اجتماع السكون، والتحرّك في حالة واحدة، ومن علل بأنها إذا وقف عليها تقلقل اللسان بها عند خروجها فقد سها لأنّ الباء منها، وهي شفوية لا يتحرّك اللسان بها، وقد حرف تحقيق وطبج ماض من الطبج، وهو الضرب على شيء مجوف، وله معان أخر وفي قوله نصفها الأقل تسامح، والمراد أقل من نصفها لأنها لا نصف لها صحيح ولم يزد لقلتها وثقلها. وقوله: (ومن اللينتين إلخ) أنثه لأن أسماء الحروف مؤنثة سماعية وأراد الياء والواو ولم يذكر الألف لما مرّ، وهذا بناء على أنه ليس المراد باللينة الألف، وما يشملها وخصت الياء لأنها أخف وأكثر من أختها، وحروف اللين هذان والألف واللين أعم من المدّ لأنه لا يطلق عليها في المشهور إلا إذا سكنت، وجانسها ما قبلها من الحركة، وسميت بذلك لأنها تخرج بلين، وعدم كلفة على اللسان. قوله: (ومن المستعلية الخ) سميت هذه الحروف مستعلية لاستعلاء اللسان عند النطق بها إلى الحنك الأعلى لأن حقيقة الاستعلاء لغة طلب العلو، وهو الارتفاع وقد يطلق على الارتفاع نفسه، فلذا سمي مقابلها منخفضاً ومستفلاً بالفاء والحنك بحاء مهملة مفتوحة ونون وكاف إن كان حقيقته سقف أعلى الفم، كما في الأساس أو باطن أعلى الفم من داخل فالأعلى صفة كاشفة مؤكدة، وان أطلق على اللحيين فهي مقيدة وتوصيف الحروف بأنها مستعلية قالوا: إنه مجاز في النسبة أو في الطرف لأنّ المستعلي حقيقة اللسان، والظاهر أنّ وقوعه صفة للصوت كما في عبارة المصنف حقيقة، وان كان بتبعية اللسان وقد يقال: إنه مجاز، وفي بعض الحواشي أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله أحسن من تعريفها بما يرتفع به اللسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 إلى الحنك لما فيه من الاشتباه بالمنطبقة، وليس بشيء لأنهم صرحوا بأنّ الاستعلاء المذكور قد يكون مع انطباق اللسان على الحنك الأعلى، وقد لا يكون فعلى الأوّل يسمى الحرف مستعليا ومطبقاً، وعلى الثاني يسمى مستعليا فقط، فكل مطبق مستعل وليس كل مستعل مطبقا لأنّ الإطباق يستلزم الاستعلاء والاستعلاء لا يستلزم الإطباق، فهذا أعم ولا ضير في صدقه عليه، واسمهما صريح في ذلك، فإن قلت الخاء المعجمة من المستعلية، وهي من الحروف الحلقية، فكيف يقال إنّ اللسان يستعلي بها قلت: هذا مما استشكله بعض القراء. فأجيب بأنه يستعلي عند ذلك تبعا وان لم يكن مخرجا لها كما يشهد به الحس وقد يقال: إنّ المصنف لأجل ذلك عدل عن قولهم يستعلي اللسان إلى قوله يتصعد الصوت كما في بعض شروح التسهيل: إنّ الريح يخرج مستعليا، ولذا منع من الإمالة فتدبر. وقوله: (نصفها الأقل ومن البواقي المنخفضة اليتعادلا، وما وقع هنا في بعض النسخ نصفها الأكثر سبق قلم. قوله: (ومن حروف البدل إلخ) باب الإبدال واسع وقد أطالوا فيه في المفصلات، حخى إنّ ابن السكيت أفرد. بتأليف وقد اختلفوا في عدد حروفه، وزادوا فيها لنحو خمسة وعشرين، والذي ارتضاه النحاة أن حروفه الشائعة في غير الإدغام لأنّ بدل الإدغام يجري في الحروف كلها غير الألف اثنان وعشرون اللام والجيم والدال، والصاد والراء والفاء والشين والكاف، والسين والهمزة والألف والميم والنون والطاء والياء والتاء، والواو والباء والعين والزاي والثاء والهاء، وما بقي منها لا يبدل، وقسموا الابدال إلى ضروريّ لازم وجائز وقالوا: خرج بقيد الشائعة إبدال الذال من الدالى في قرأءة الأعمش " فشرذبهم " وذكر في المفصل أنها ثلاثة عشر، والخلاف فيه كاللفظيّ لأنّ منيم من اقتصر على الاً شهر، ومنهم من استقصاه لكل وجهة، والمراد الحروف التي تبدل من غيرها كالتي يبدل منها غيرها، وأشار بقوله على ما ذكره سيبويه إلى أنّ فيها اختلافا، وأنّ ما ذكر هو الشائع المقيس، وما زاد منه قليل ومنه نادر شاذ ومنه ما وقع ضرورة لقافية ونحوها، والفرق بين البدل والقلب يعلم من كلامهم فيه، وابن جني الإمام أبو الفتح المشهور، وليس منسوبا إلى الجن، وإنما هو معرب كني كما في شرح المغني. وقوله: (الستة) معطوف على مفعول ذكر في أوّل الكلام. وقوله: (أجد إلخ) مثال لما يجمع حروفها واجد أمر من الإجادة، وطويت فعل من الطيّ مسند للضمير ومنها منها، وما ذكر لأجل جمع الحروف تقرؤه كيفما شئت، ولا حاجة لتفسيره حتى يتكلف كما قيل إن اهطمين من الهطم، وهو الكسر. قوله: (وقد زاد بعضهم) ظاهر سياقه أنّ هذه الزيادة على ما ذكر سيبوبه في الكتاب، وليس كذلك فإنّ سيبويه قال في باب الإبدال: وقد أبدلوا اللام وذلك قليل جدا قالوا: أصيلال، وإنما هو أصيلان اهـ وأصيلال اللام فيه مبدلة من النون، فإنّ الأصيل وهو الوقت الذي بين العصر والمغرب جمعه أصل وآصال وأصائل، وقد يجمع على أصلان مثل بعير وبعران، ثم صغروا الجمع فقالوا: أصيلان ثم أبدلوا من النون لاما فقالوا أصيلال، وفي تذكرة أبي عليّ الفارسيّ إن قيل: في أصيلال كيف زعمتم أنّ اللام بدل من النون في أصيلان، وهلا قلتم إنّ اللام مكرّرة والنون بدل منها قيل: إنه لا يجوز لأنّ اللام لو كانت أصلاً لم تثبت في التحقير الألف قبل اللام، ولا تقلب ياء ألا ترى أنه لا يجوز في شملال شمليل، فلو كان الأصل اللام كان مثل شمليل في التحقير، ولا يكون أصيلال جمعا لأنّ هذا الضرب من الجمع لا يحقر ولكنه اسم اختص به التحقير كسائر الأسماء التي لم تستعمل في التحقير، وفي شرح المعلقات لابن النحاس في قول النابغة: وقفت فيها أصيلانا أسائلها أصيلان تصغير أصلان جمع أصيل وقيل: هو مفرد بمنزلة غفران، وهذا أصلح لأن الجمع لا يصغر إلا أن يردّ إلى أقل العدد اهـ. قوله: (والصاد والزاي في صراط إلخ) يعني أنّ سينه أبدلت صاداً وزايا معجمة خالصة أو بالإشمام كما مرّ، وقوله والفاء في أجداف بالجيم ودال مهملة وألف وفاء جمع جدف، وأصله جدث بالثاء المثلثة ومعناه القبر فأبدلت ثاؤه فاء، وقوله والثاء في ثروغ الدلو تعني أنّ ثاءه بدل من الفاء وأصله فروغ، وهو جمع فرخ والفرغ مخرج الماء من الدلو من بين العراقي، وقد دل كلامه على أنّ بين الثاء والفاء تقارضا. قوله: (والعين في أعن) أي العين تبدل من الهمزة، وفي شرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 التسهيل عن الخليل أنّ لغة تميم وقبائل من قيس إبدال العين من الهمزة والهمزة من العين فيتقارضان وهذه اللغة تسمى العنعنة، وهي مشهورة فيقولون في أنّ المشددة المفتوحة والمكسورة عن، وفي أن المصدرية عن، وفي إن الشرطية عن قال ذو الرمة: أعن توسمت من خرقاءمنزلة ماءالصبابة من عينيك مسجوم فقول المصنف رحمه الله أعن يجوز فيه فتح العين وكسرها ونونه ساكنة مخففة، والهمزة مفتوحة ووقع في نسخة بفتح الهمزة، وكسر العين وتشديد النون وأصله أانّ. قوله: (والباء في با اسملث) أي تبدل الميم بالموحدة لتقاربهما مخرجا وما استفهامية والاسم معروف، وسمع إبدال ميمه باء أيضا با اسبك بباءين وهذه لغة بني مازن فيبدلونها كذلك قال المازنيّ: دخلت على الخليفة الواثق بالله فقال لي: ممن الداخل فقلت: من مازن فقال لي: با اسبك يريد ما اسمك بلغة قومي في قصة مشهورة، فصارت ثمانية عشر، وقد ذكر منها نصفها وهو تسعة. قوله: (ومما يدغم في مثله إلخ) الإدغام في عبارة الكوفيين أفعال بسكون الدال، وفي عبارة سيبويه ادّغام بتشديدها افتعال، وهو لا يكون إلا في المثلين أو المتقاربين مع أنه يرجع في المتقاربين إلى المثلين، لأنّ المقارب يقلب من جنس الحرف الآخر، وأوّل المثلين يدغم وجوبا إن سكن وفيه تفصيل في المفصلات فيه موافقة للمصنف من وجه ومخالفة من وجه. وقوله: (والهاء إلخ (أورد عليه أنّ النحاة قالوا كما في شرح التسهيل والمفصل: إنّ الهاء تدغم في الحاء نحو أحبه حاتماً وعغسه نحو أمدح هذا إلا أن سيبويه نص على أنه لا تدغم الحاء في الهاء. وقوله: (لما في الإدغام من الخفة والفصاحة) إشارة إلى وجه اختيار النصف اكثز في هذا والأقل فيما قبله وان أردت بسط هذا وما له وعليه فراجع شروح الكتاب. وقوله: (نصفها) متصوب كما مرّ. وقوله-: (ومن الأربعة إلخ) في النسخ بعد الألف الزاي ياء، فهي معجمة لا غير والسين مهملة فظهر أنّ المذكور نصفها وسقط ما قيل عليه من أنه غير صحيح إن كان الزاء والشين في عبارته معجمتين وكذا إن كانتا مهملتين. قوله: (ولما كانت الحروف الذلقية إلخ) هذه الحروف يقالط لها: ذلقية وذولقية ومذلقة وما عداها مصمتة وفي التمهيد المصمتة غير هذه وغير الألف، فهي اثنان وعشرون حرفاً وفي شرح التسهيل لابن عقيل بعدما نقل هذا إنه يقتضي دخول الهمزة، والواو والياء فيها، وهي طريقة وأسقط الخليل هذه من المصمتة، وسميت مذلقة لخروجها من طرف أسلة اللسان، وهي ذلقة بالسكون كما في التهذيب والتحقيق ما في شرح الشاطبية للجعبري من أنها سميت به لخروجها من ذلق اللسان والشفة والمراد كما حققه بعض فضلاء العصر أنّ بعضها يخرج من ذلق اللسان، وهو طرفه وبعضها من الشفلة التي هي ذلق المخارج، فالذلق مطلق الطرف ثم خص هنا بمطلق طرف المخارج بقرينة المقام، فلا يختص باللسان كما يوهمه قول أهل العربية، كصاحب المفصل حروف الذلاقة ما في قولك مر بنفل والذلاقة الاعتماد بها على ذلق اللسان وذولقه وهو طرفه، ويقابله الإصمات لأنه لم يكد توجد كلمة رباعية أو خماسية معراة من حروف الذلاقة، فكأنها هي المنطوق بها ومقابلها لأنه كالمسكوت عنه مصمت وقال ابن الحاجب في إ يضاحه: هذا غير مستقيم من جهتها في نفسها، ومن جهة أمر مضادها من المصمتة أما من جهتها فلأنها لا يعتمد على طرف اللسان إلا بعضها فالميم والباء والفاء لا مدخل لها في طرف اللسان، فكيف يصح تسميتها بذلك مع خروج بعضها عن ذلك المعنى ومن جهة القسم الآخر المضاد لها فلأنه إنما سمي مصمتا لأنه كالمسكوت عنه، فلا ينبغي أن يقابل المنطوق بطرف اللسان، وإنما الأولى أن يقال: سميت حروف ذلاقة أي سهولة من قولهم لسان ذلق من الذلق الذي هو مجرى الحبل في البكرة لسهولة جريه فيه، فلما كانت كذلك ألزموا أن لا يخلو رباعي أو خماسي منها وكان هذا هو الحكم المعتبر في تسميتها إلا أنهم استغنوا بسببه، وهو الذلاقة فأضافوها إليه، والمصمتة على هذا المعنى تكون ضدها، وهي الحروف التي لا يتركب منها على انفرادها رباعي أو خماسي لكونها ليست مثلها في الخفة، فكأنها صمت عنها لقلتها ولم يقصد في تفسيره إلا إلى ذلك، وإنما وقع الوهم من أخذ الذلاقة من الطرف، وجعها من طرف اللسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 لما ذكرناه اه. (أقول (ما في المفصل هو بعينه كلام ابن جني في سر الصناعة، وبعيد من مثل هؤلاء الفحول الغفلة كما أورده ابن الحاجب والذي دعاه لما ذكر ما فهمه من اختصاص الذلاقة بطرف اللسان، وقد عرفت أنه لا يختص به، فلا يرد عليه ما ذكر، ولو سلم بناء على أن أئمة اللغة كالأزهريّ والجوهريّ ذكروا ما يقتضيه، فيجاب عما ذكره على فرض تسليمه بأنه غلب فيه طرف اللسان على طرف الشفة مع أنّ في قولهم الاعتماد على طرف اللسان إشارة إلى أنّ المراد أنه آلة للنطق عليها الاعتماد فيه، وهو لا ينافي مشاركة غيره فيه، وقد قال: إنّ الحروف تنسب تارة إلى مخارجها وأخرى إلى ما يجاورها، والأوّل كحرف حلقيّ والثاني كهوائيّ، وقريب منه ما قيل: إنه أراد بالاعتماد على ذلق اللسان الاعتماد عليه حقيقة أو حكما، فإنّ الشفويّ، والمعتمد عليه متقاربان ولتقاربهما سميا ذولقية، ومر أمر منه، والنفل من الغنيمة معروف ومن يعطاه منفل وكثر الحلقية والذولقية معروفة بالاستقراء وصريح أئمة اللغة، ولذا قالوا إنه لا يخلو من الذولقية كلمة رباعية أو خماسية إلا أن تكون معرّبة أو دخيلة او شاذة أو فيها ما يقرب منها فيسد مسدها كالعسجد بمعنى الذهب والدهدقة بدالين منهملتين مفتوحتين وهاء وقاف بمعنى الكسر كما قاله الجاربردي، والزهزقة بزاءين معجمتين بمعنى شدة الضحك، والعسطوس بفتح العين والسين المهملتين اسم لشجر، ولكثرتها ذكر ثلثاها ومن مقابلها أقل من نصفها (بقي هنا بحث) وهو أنّ ما قرّرناه متفق عليه في كتب العربية والقراءات إلا أنه يخالفه ما في الكشاف في سورة التكوير من قوله: إنّ الظاء المعجمة من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا وهي أحد الأحرف الذولقية أخت الذال والثاء اهـ فجعله الظاء ثمة بل وأختيها ذولقية ينافي ما تقرّر هنا، وقول أهل العربية والأداء أن مخرج هذه الثلاثة من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا ويقال: لها الثوية نسبة للثة وهي اللحم النابت حول الأسنان لمجاورتها إياها لا أنها مخرج كما قيل يقتفخيه أيضا، فإذا كانت من طرف اللسان كما يشهد به الحس، فكيف لا تكون ذولقية كما قاله العلامة في سورة التكوير، وما وجه تركهم لذكرها، وقول المدقق في الكشف كون الظاء ذولقية مخالف لما في المفصل وغيره، وأمّا الاشتقاق من ذلق اللسان وذولقه أي حده فلا يخالف ما في الكشاف أيضا إلخ يشير لما ذكرناه أيضا فتدبر. قوله: (ذكر ثلثيها إلخ) هو جواب لما، وهو من كل منهما أربعة كما لا يخفى. وقوله: (ولما كانت أبنية المزيد إلخ (قال في التسهيل: بعدما قسم الكلم المتمكنة إلى مجرّد، ومزيد فيه ولا يتجاوز المجرد خمسة أحرف إن كان اسما، ولا أربعة إن كان فعلاً ولا ينقصان عن ثلاثة والمزيد فيه إن كان اسما لم يتجاوز سبعة إلا بهاء التأنيث، أو زيادتي التثنية، أو التصحيح أو النسب، وان كان فعلاَ لم يتجاوز ستة إلا بحرف التنفيس، أو تاء التأنيث، أو نون التوكيد اهـ وفي شرحه لأبي حيان أنه باعتبار المشهور الأكثر إذ قد ورد من الاسم المزيد ما هو ثماني نحو كذبذبان بتشديد الذال الأولى، ووزنه فعلعلان مع ألفاظ أخر ذكرها فقوله: لا تتجاوز عن السباعية هنا باعتبار الأغلب أيضاً وتعديته للتجاوز بعن، وليس بمعنى المغفرة قد علمته قريباً وإن منهم من قال إنه لم يرد عن العرب فتذكره. قوله: (اليوم تنساه) وبعضهم جمعها في قوله سألتمونيها وبعضهم في قوله أمان وتسهيل، وهو ألطف وما أحسن قول القيراطي في قصيدته النبوية التي عارض بها بانت سعاد: وفارغ ما له شغل سوى عذلي والناس بالناس في الدنيا مشاغيل فأين تصريف ألفاظ زوائدها فيها أمان لذي خوف وتسهيل وقوله على ذلك الإشارة إلى عدم تجاوزها ما ذكر المفهوم مما قبله، فإن قيل كون المذكور سبعة مبيّ على عد الهمزة والاً لف واحدا وكونها عثرة مبنيّ على خلافه، فلا يناسبه قيل: إنها في نفس الأمر عثرة فلذا بني أوّل كلامه عليه، ولما لم يذكر الألف والهمزة معا في أسماء السور ناسب عدّهما واحداً لأنه أمر اعتباريّ بني عليه آخر الكلام إشارة إلى الوجهين كما قيل. قوله: (ولو استقريت) الاستقراء استفعال من القراءة يقال استقرأت بالهمزة، وقد تبدل ياء فيقال استقريت كما وقع في النسخ هنا، ومعناه تتبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الأشباه لمعرفة أحوالها، والكلم واحده كلمة، وهي معروفة ولما ذكر المصنف رحمه الله أنّ المذكور من أنواعها أنصافها تقريبا أشار هنا إلى أنه، وإن كان بحسب الظاهر كذلك، وهذا أدخل في الإيقاظ إلا أنه لو دتق النظر عرف أن ما ذكر في الحقيقة أكثرها، وجلها فهو منزل منزلة الكل حتى كأنه عدد لهم جميع حروف المباني مشتملة على هذه اللطائف لما ذكر من الإعجاز. وقوله: (مكثورة) أي زائدة عليها، وغالبة لها في الكثرة يقال كاثرته فكثرته إذا غلبته في الكثرة فهو مكثور أي مغلوب، فلا يتوهم أنّ كثر بضم الثاء المخففة كقل لازم، فكيف بني منه اسم مفعول بغير واسطة، ثم إنه لما بين التشارك في المادّة أشار بقوله ثم إلخ إلى أنها تشاركها في الصورة أيضاً ليكون الإلزام أتمّ وأقوى، وتوله إيذانا أي إعلاماً تعليل لذكرها كذلك أو هو تفنن على عادتهم. وقوله: (إلى الخمسة) هذا باعتبار الأصل في المفرد المجرّد كما مرّ. قوله: (وذكر ثلاث مفردات) هي ص ق ن. وقوله: (في الأقسام الثلاثة) ففي الاسم ككاف الضمير وتائه، وفي الفعل نحوق فعل أمر من الوقاية، وهكذا كل أمر من ثلاثيّ معتل الطرفين كوعى وع، وفي الحرف كثير كواو العطف، وقد قيل عليه إنه لا يتصوّر ذكر ثلاث مفردة فيما دون سور، فالبنية موقوف عليها لا تقال بدونها فتدبر، والأربع الثنائية هي طه طس يس حم. وقوله: (لأنها إلخ) تعليل لكونها أربعة، وفيه تسامح لأنه مع عدم ظهوره يرد أنها تكون في الحرف بدون حذف نحو من، وبه نحو ان المخففة فن الثقيلة بالفتح والكسر كما هو معروف، فالتربيع لهم يتمكبئ له والحواميم ست بإسقاط الشورى، فلو أسقط ما زاده على الكشاف كان أولى وأولى. وقوله: (على ثلاثة أوجه) هي فتح الأوّل وكسره وضممه، والحاصل من ضربها في مثلها تسعة، وفي تسع متعلق بذكر المقدر أو المتقدم، وهو الظاهر. وقوله: (على لغة من جرّبها) احتراز عن غيره فإنها حينئذ تكرن اسما كما فصله النحاة، والثلاثيات الم الر طسم. قوله: (تنبيهاً على أنّ أجمول الأبنية إلخ) هي جمع بناء، وله كما في شرح الهادي ثلاثة " معان الهيئة والصيغة، كقولنا بناء فعل للسجايا وتحويل صيغة إلى أخرى كقول الصرفي ابن لي مثال جعفر، وثبوت أواخر الكلم على حالة واحدة ووجه الضبط أنّ الأوّل لا يكون إلا متحرّكا بثلاث حركات والآخر- غير معتبر، والوسط متحرّك بثلاث حركات أو ساكن، والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر سقط منها اثنان فعل بضم الفاء، وكسر العين وعكسه؟ لثقلهما وأوّل أصل الأفعال، وهو الماضي مفتوح لا غير، وعينه لا تكون ساكنة فأبنيته ثلاثة ولم يعتبر المجهول لأنه فرع المعلوم فخرج بقوله أصول، ولهذا أقحمه ولم يقل إنّ الأبنية، وقد أورد عليه دئل ونحوه وأجيب عنه في محله والرباعيتان المر في سورتين والخماسيتان كهيعص وحمعسق. قوله: (أصلاَ إلخ) المراد بالأصل ما وضعت عليه الكلمة ابتداء، *والملحق الكلمة التي فيها زيادة لم يقصد بها إلا جعل ثلاثي أو رباعي موازنا، لما فوقه محكوماً له بحكم مقابله غالبا ومساوياً له مطلقاً في تجرّده من غير ما يحصل به الإلحاق وفي تضمن زيادته إن كان مزيداً فيه، وفي حكمه ووزن مصدره الشائع إن كان فعلاً نحو علقي الملحق بجعفر، وهو لا يكون إلا في الأسماء والأفعال، فلزم كون هذه القسمة رباعية، والإلحاق له باب مستقل فصك فيه أحكامه، وما قيل من أنّ الكلمة المركبة من أربعة أحرف أو خمسة لا توجد في الحرف بل في الاسم، وليس في الأصول ما هو مركب من خمسة أحرف سهو لوجود لكن المشدّدة ونحوها مما لا حاجة إلى تعداده، وجعفر اسم للنهر وعلم شخص وسفرجل معروف، وتردد بزنة جعفر ملحق به ولذا لم يدغم كمهدد، وهو الجبل أو ما ارتفع من الأرض ويجمع على قرادد وقراديد، وقولهم اركب من الأمر قراديده أي ما شق منه استعارة، وجحنفل بزنة سفرجل ملحق به لأنه من الجحفلة ومعناه ما هو بمنزلة الشفة من الخيل والبغال والحمير، فلذا قيل: جحنفل للغليظ الشفة. قوله: (ولعلها فرّقت إلخ) جواب عن سؤال مقدر تقدير. " إتها إذا ذكرت ألفاظ لإعجاز ما تركب منها أو مبلغها، فلم لم تذكر جملتها أو ما اختير منها دفعة في أوّل التنزيل، فأجاب بأنها فرقت لتدل على ما ذكره بقوله، ثم إنه ذكرها مفردة إلخ ولو جمعت لم يتنبه لهذا وهو الفائدة المشار إليها بقوله لهذه الفائدة. وقوله: (مع ما فيه إلخ) إمارة إلى جواب ثان، وهو أن فيما ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قوّة ليست في جمعها في محل واحد، وهكذا كل تكريير جاء في القرآن كالواقع في سورة الرحمن. وقوله: (وتكرير الثنبيه) عطف على قوله إمحادة التحدي للتفسير وبيان المراد منه، فإنّ في كل منها إشارة إلى إعجازه المقتضي لطلب التحدي. قوله:) والمعنى أنّ هذا المتحدي به إلخ (كذا هنا كناية عن كونه متحدى به قيل إنه يعني أنّ تقدير الكلام هكذا على أنه جملة اسمية بتقدير مبتدأ لهذه الحروف المكنى بها عن المؤلف المركب منها أو تقدير خبر لها بتأويلها بالمركص من هذه الخروف، والخبر متحدى به، ولا يخفى أنّ " نظم التعداد مستغن عن هذا التأويل مميد لما قصد به من غير تأويل وتقدير، وهو المفهوم من الكشاف فإنها إنما يكون لها حظ من الإعراب عنده إذا كانت أسماء للسور، وقيل إنّ المصنف لم يقصد ما ذكر، وإنما هو بيان لما في المعنى ومحصله من غير نظر لإعرابه وعدمه فلا مخالفة بين كلام الشيخين فيه إلا أد تصريحه بوجهي الكدير ينبو عنه، وإن قيل إنّ مقصوده أنّ المقصود من سياق التعداد مجمل يمكن أن يعبر عنه بكل من الوجهين، وقيل إنه كما يجوز أن لا يكون لها محل من الإعراب كسائر الأسماء المسرودة على نمط التعديد كدإر غلام جارية يجوز أيضاً أن يكون لها محل بتأويلها بالمؤلف منها على ما مر من الوجهين وكلام المصنف محتمل لهما، وإن كان المتبادر منه الأوّل، وفيه إنه سيصرّج بخلاف هذا كله. قوله: (وقيل هي أسماء للسور إلخ (هو عطف على ما تضمنه قوله ثم إنّ مسمياتها إلخ. فكأنه قال: هذه الفواتح أسماء حروف ذكرت لما مر وقيل هي إلخ. وقوله: (وعليه أطباق الأكثر (أي من المفسرين اتفقوا عليه يقال: أطبق الناس على كذا إذا اجتمعوا واتفقوا عليه وأصل معنى أطبق وضع الطبق، ثم الستعمل لما دكر بملاحظة ما فيه من معنى الإحاطة والشمول كما يستعمل للدوام في إطباق الحمى والجنرن، وأتى بصيغة التمريض لأن الأوّل أرجح عنده، ولذا قدمه وقد قيل إنه عنى أنه في غابه الضعف، وإنما ذكره هنا لانتسابه للأكثر وقيل إنه تبع في هذه النسبة الإمام إلا أنّ عبارته هكدأ هو قول أكثر المتكلمين، واختاره الخليل وسيبويه ونعما هي فإق الأكثر لم يذهبوا إليه، ولد أورد عليه ما سيأتي وأقوى ما عليه وان لم يذكروه أنّ أسماء السور توقيفية، ولم ينقل تسميحها بها عن أحد من الصحابة- والتابعين لا مرفوعا ولا موقوفا، فوجب إلغاء القول به وهذا كله. كا ضيق العطن لأنه توهم أنّ مراد الإمام بالمتكلمين أهل الكلام ولا وجه له إذ ليس لأهل الكلام هنا مقال أصلاً وانجما أراد بالمتكلمين المفسرين الذين تكلموا على الآية وبحثوا فيها وما مهـ*اأوّلاً غني غن الردّ، ثم إنه كيف يقول: إنهم لم يذكروه، وقد قال الإمام معترضا هنا: لو كانت أسماء للسور وجب اشتهارها بها وليس كذلك لاشتهارها بخلافها كسورة البقرة وآل عمران وغير ذلك، ثم إنه كيف يتأتى له ما قاله على سعة حفظه، وقد ورد عن النبيّ عليه الصلاة والسلام: " يس قلب القرآن ومن قرأ حم حفظ إلى أن يصبح) (1) وقال ابن مسعود حم ديباج القرآن، وفي السنن روي حديثا فيه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سجد في ص فكيف يدعي عدم الورود وإذا ثبت في البعض ثبت في الجميع إذ لا فارق بينها فقوله إنه لم يشتهر غير صحيح مع أن شهرة أحد علمين لا يضر علمية الآخر فكم من مسمى لا يعرف اسمه لاشتهاره بكنيته أو لقبه كأبي هريرة رضي الله عنه وعدم اشتهار بعضها لكونه مشتركا بينها وبين غيرها، فترك استعماله لعدم تمييزه واحتياجه لضميمة كالم هنا. قوله: (إشعارا بأنها كلمات إلخ) هذا بيان لوجه التسمية وهو الدلالة على أنها كلمات عربية من جنس كلامهم مادّة وصورة كما مرّ وقد قال قدس سرّه الأولى في الاعلام المنقولة أن يراعى مناسبة معانيها الأصلية عند التسمية، وربما تراعى عند الإطلاق باقتضاء المقام ولما كانت هذه السور مركبة من حروف مخصوصة لها أسماء في لغتهم وجعلت تلك الأسماء أعلاما لها كان ذلك لتركبها من تلك الحروف على قاعدة لغتهم فإذا أطلقت عليها لوحظ هذا المعنى لاقتضا التحدي له وحيث كان القرآن نوعاً واحدا، فالإشعار في بعضه إشعار بأنّ المجموع كذلك. (قلت) وللإشعار بذلك اتضح جعلها لقبا كما سيأتي لدلالتها على أقصى ما يمدح به الكلام، وهو الإعجاز فلا وجه للتوقف فيه، والمقدرة مثلثة الدال مصدر ميمي بمعنى القدرة، ودون معارضتها بمعنى قبل أو عند معارضتها، وتتساقط بمعنى تساقط مبالغة وبما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ذكر فهم أنّ في هذا الوجه إيقاظا للأعجاز أيضاً، كما في الأول إلا أنه كما قيل مقصود إفادته بالذات فيه، وهنا بالعرض لأنّ الإشعار به جاء من لمح الأصل المنقول عنه لترجيح التسمية به دون غيره، وقد قالوا إنّ العرب سصت بها أيضاً غير الحروف المقطعة كلام اسم رجل من طيىء وعين للماء، وغين للسحاب وقاف للجبل وقد نقله بعض اللغويين في جميع أسمائها وأفرده بالتدوين ابن خالويه، والضمير في قوله بأنها للسور. قوله: (بأنها لو لم تكن مفهمة إلخ) فهم كتعب متعد لواحد ويتعدى بالهمزة، والتضعيف لمفعولين فيقال أفهمته المسئلة، ويكون أفهم متعذيا لوأحد أيضا ولا يقال: انفهم، فإنه لحن فمفهمة في كلامه إما بكسر الهاء اسم فاعل من المتعدّي لواحد بمعنى دالة على شيء أو بفتحها اسم مفعول من الافهام أي معلومة المراد منها بحسب العلم بالوضعفكأنّ الواضع أفهمنا المعنى المراد بها. وفيه تنبيه على أنه لا دخل للرأي في معرفتها بل يجب استفادتها من الغير كما قيل، والمراد بكونها مفهمة أن يراد بها ما يكون طرف نسبة مقصودة في الخطاب، فلا يرد أنها موضوعة لحروف الهجاء والإفهام لازم للعلم بالوضع، وحاصله أنها إما مفهمة أولاً وعلى الثاني تكون كالرطانة وعلى الأوّل إما أن تفهم منها السور لأنها أعلام لها أولاً والثاني باطل لأنها إما أن تفيد ما وضعت له في لغتهم وهو الحروف ولا معنى له أو غيره ولا يصح لأنهم لا يخاطبون بغير لغتهم فتعين أنها أعلام ولا يخفى ضعفه ووجهه أنه يصح أن يراد بها الحروف، ومعناه أنّ المتحدى به من جنسها كما مرّ ثم إنّ قوله لم تكن مفهمة إن أراد إفهام جميع الناس، فلا نسلم أنه موجود في العلمية، وإن أراد إفهام المخاطب بها وهو هنا الرسول فيجوز أن يكون سرا بينه وبين ربه فلا ينافي كونه عربيا مبينا، ونحوه لأنه كذلك بالنسبة إليه وأما التحدي فليس بجميع أجزائه، وكون أوّل السور ينبغي أن يكون مما يتحدى به ليس بمسلّم. قوله: (كالخطاب بالمهمل) المهمل بزنة اسم مفعول الأبل ونحوها تترك بغير راع، ثم استعير لما لم يوضع أو جعل مجازاً مرسلاَ عن مطلق الترك وصار هذا حقيقة في الاصطلاح، ووجه الشبه هنا عدم الدلالة إلا أنّ ما يترتب عليه من عدم الصحة ليس بصحيح لأنه يجوز أن يكون من المتشابه الذي لا يوقف عليه، وان أمرنا بتلاوته فإنه ليس كل ما أمرنا به معقولاً لنا وقوله العربي أي المتكلم بالكلام العربي. وقوله: (بيانا) أي معربا عما في الضمير، وقوله وهدى لأنّ الهداية فرع الدلالة. وقوله ولما أمكن التحدي به أي بما ذكر أو بالقرآن كله إذ ظهور النقص دليل على أنه من عند غير الله فيردّ بلا معارضة. قوله: (التي هي مستهلها) المستهل بفتح الهاء وتشديد اللام على صيغة المفعول وأصله من طلوع الهلال، ولما كان الهلال إنما يسمى هلالاً في أوّل الشهر، ثم هو بعده قمر وبدر قيل لكل أوّل مستهل، ثم شاع حتى صار فيه حقيقة فيقال: مستهل القصيدة لأوّلها ومطلعها، وقد أولع بعضهم بكسر هائه على زنة اسم الفاعل، وهو خطأ كما قاله الدماميني في شرح التسهيل، وخطأ بعض الشعراء في قوله: أنا من أدمعي ووجهك أرّكأت غرامي بمستهل وغرّه فإنّ التورية إنما تتم له بما ذكر، فليس هذا استعارة من قولهم استهل الصبيّ إذا صاح عند الولادة، فشبهت السورة بالصبيّ الصائح كما قيل، ولا من استهل المطر إذا نزل. قوله: (على أنها ألقابها) قد قدمنا لك بيانه، فإنه يدل على الإعجاز وناهيك به من صفة مادحة، فإنّ اللقب ما أشعر بمدح كمحمد أو ذم كأبي جهل، فإن اشترط فيه أن يدل على ذلك بحسب معناه الوضعي، فتسميتها ألقابا على طريق الادعاء والتشبيه، وهي أعلام منقولة على هذا لا أعلام بالغلبة فلا يرد عليه ما قيل: من أنّ الإشعار هنا خفيّ، ولعل وجهه ما مرّ من أنها كلمات معروفة التركيب، وأما اشتراط الإضافة، أو دخول أل فهو في الاعلام الغالبة لا المنقولة مع أنه، وان اشقر فيه خلاف إذ لم، يشترطه بعض أئمة العربية. كما في شرح التسهيل. وقوله وظاهر أنه ليس كذلك يبطله ما مرّ في بيان الوجه الأوّل. وقوله: (لقولمه قعالى) تعليل لما قبله، ويحتمل أن يكون تعليلاَ لجميع ما سبق، والأوّل أظهر. قوله: (لا يقال إلخ) منع للاستدلال بأنها لو لم تكن أعلاما يلزم ما ذكر مستنداً إلى جواز الزيادة للدلالة على الاستئناف، ونقله عن قطرب لغرابتة إذ لم يعهد الاسخئناف بمثله بل بقولهم دع ذا ونحوه، كما ذكره الأدباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 والبسملة مغنية عنه مع أنه لا يتأتى على القول بأنها آية من كل سورة وقطرب لقب لإمام في العربية، وهو صحمد بن المستنير تلميذ سيبويه، وهو الذي لقبه به لما كان يبكر إليه فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل والقطرب اسم دويبة لا تزال تمشي ليلاً وتسكن نهارا، ولذا أطلقه الأطباء على نوع من الجنون. قوله: (اقتصرت عليها، ألخ) هكذا وقع في النسخ وقد قيل: إنه سهو لأنه مجهول وعليها قائم مقام فاعله أي وقع الاقتصار عليها اقتصار الشاعر في قوله إلخ ولا يصح أن يقال مرّت بهند بتأنيث المجهول لتأنيث المجرور وقد سبقه إلى هذا في المطوّل في قول الخطيب في بحث الفصاحة صوحبت معها، فذكر ما هنا بعينه، وليس كما قالوه فإنّ مثله جائز، ولم يشتهر استعماله وقد قرآه مجاهد في قراءة شاذة: في توله تعالى {إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} [التوبة: 66] كما سيأتي تفصيله ثمة قال ابن جني في المحتسب: عن مجاهد إن تعف عن طائفة بالتاء في تعف، والوجه يعف بالياء لتذكير الظرف ولقولك قصدت هند وقصد إليها لكنه حمل على. المعنى كإنه قال: تسامح وترحم وزاد في الأنس تأنيث تعذب بعده اهـ وهنا أيضاً يحمل على معنى أفردت، وفيه دليل على أنّ المحل للمجرور وأنه المسند إليه في الحقيقة وإذا اكتسب المضاف التأنيث من المضاف إليه، فلا يعد في اكتساب الظرف التأنيث من مجروره والمعترض غافل عن هذا كله، وهذا شروع في إيراده وجوه ضعيفة وردها والمراد بقوله للتنبيه تنبيه المخاطب للكلام الملقى إليه حتى يصغي له مثل ألا وأما في حروف الاستفتاج. وقوله ملى انقطاع كلام متعفق بالدلالة، وقيل بالتنبيه وعطف الدلالة تفسيرفي، ولا يبعد تنازعهما له، وما نقله المصنف عن ضقطرب نقل عنه في البحر ما يخالفه، أو إشارة معطوفة على مزيدة. قوله: (قلت لها قفي فقالت قاف) هذا من أبيات الكتاب، وهو من رجز للوليد بن المغيرة عامل عثمان بن عفان رضي الله عنه قاله يخاطب به عديّ بن حاتم، وقد نزل معه لما امتحصه عثمان رضي الله عنه، وقد اتهم بشرب الخمر في قصة مشهورة في التواريغ فقال: قلت لهاقفي فقالت قاف لاخباشدنسينا الإيجاف والنشوات من معتق صاف وعزف قينات علينا عزاف إلخ وقيل إنّ الصواب ما أورده ابن جني رحمه الله في الخصائص وهو هكذا. قلت لها قفي لنا قالت قاف فإنّ ما في نسخ القاضي محزف، وغير موزون وليس كما قاله فإنّ عروض هذا لت قاف وزنه فعلن، وهو أحد أعاريض الرجز، وهم يكثرون زحافه، ولا يبالون به حتى ذهب كثيرون إلى أنّ الرجز ليس بشعر، وليس هذا محل تفصيله، والإيجاف سرعة سير الخيل. قوله: (كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما) قيل هذا إنما روي عن أبي العالية كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وروايته عن أبي العالية لا تمنع روايته عن غيره، والآلاء بوزن أفعال ممدود مهموز الأوّل والآخر، ومعناه النعم وهو جمع واحده إلى، وفيه لغات فتح الهمزة وسكون اللام، وكسرها وسكون اللام وألو بالفتح والسكون أيضا والى بكسر الهمزة وفتح اللام والقصر كإلى الجازة وقد جوز هذا في قوله تعالى {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 123 كما سيأتي واللطف معروف. وقوله: (ملكه) بضم الميم ويحتمل الكسر قيل المعنى على هذا: أن القرآن يشتمل على آلاء الله ولطفه وملكه، وقيل إنه يحتمل أن يكون المعنى اذكر آلاء الله ولطفه وملكه لتعلم أنّ القرآن من أعظمها إذ لطف بإنزاله على مماليكه رحمة عليهم، وهذا بطريق الرمز والإيماء. قوله: (وعتة أنّ الر إلخ) في الوجه السابق كل حرف إشارة إلى كلمة، وفي هذا فرّقت حروف الكلمة ونظر إلى المرسوم منها دون الملفوظ فلذا أسقطت الألف، وقد قيل إن المعنى المراد منه أنه إذا جمعت هذه الحروف في الكتابة استنبط منها اسم الرحمن لا إنه إذا تلفظ بها تلفظ بالرحمن إذ لشى هنا همزة بعدها راء مشدّدة تليها حاء ساكنة بعدها ميم مفتوحة وألف ونون، ولبعده أخره المصنف رحمه الله وقد أخرجه مسنداً إلى ابن عباس رضمي الله عنهما ابن أبي حاتم كما قاله السيوطي رحمه الله. قوله:) وعنه أنّ الم معناه إلخ) أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عنه، وهذا كالأوّل في أنه حروف مقطعة من الكلم إلا أنه روعي في الأوّل كون الحرف المأخوذ أوّلاً من كل كلمة، وهذا لم يلاحظ فيه ذلك وقوله ونحو ذلك إلخ كما قيل في الر أنا الله أرى، وفي الممأنا الله أفصل، وهو مروقي عن سعيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 جبير واستحسنه الزجاج. وقوله: (وعنه إلخ) قيل إن هذا لم يعرف عن ابن عباس، ولا عن غيره من السلف. وقوله: (أي القرآن إلخ) يعني أنه رمز باقتطاع هذه الحروف من هذه الكلمات إلى ما ذكر، ولا يخفى بعده. قوله: (أو إلى مدد أقوام وآجال) وفي نسخة إلى مدد آجال أقوام وهذا معطوف على قوله إلى كلمات المتعلق بالإشارة وأقوام جمع قوم اسم جمع، وله حكم المفرد في اطراد جمعه، وآجال بالمد جمع أجل وهو العمر أو نهايته والحساب بمعنى العد معروف والجمل بضم الجيم وفتح الميم المشددة يليها لام حساب حروف المعجم وهو كبير وصغير كما هو معروف عند أهله وجوّز بعض تخفيف ميمه، وقال أبو منصور الجواليقي: هو عربيّ صحيح، وما روي عن أبي العالية أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم. وقوله: (بما روي أنه عليه الصلاة والسلام) هذا الحديث أخرجه البخاريّ في تاريخه وابن جرير من طريق ابن إسحاق عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن وثاب وسنده ضعيف، وجابر المذكور صحابيّ آخر غير جابر المشهور كما في الاستيعاب. وفي الإصابة أنه أنصاريّ وروايته قليلة جدا وقصته هي أنه مرّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلو سورة البقرة الم ذلك الكتاب ثم أتى أخوه حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف فسألوه صلّى الله عليه وسلم عن ألم وقالوا: ننشدك الله الذي لا إله إلا هو الحق أنها أتتك من السصاء، فقال عليه الصلاة والسلام: " نعم كذلك أنزلت " فقال حييّ: إن كنت صادقا إني لأعلم أجل هذه الأمة من السنين ثم قال: كيف ندخل في دين رجل دلت هذه الحروف بحساب الجمل على منتهى أجل مدته إحدى وسبعون سنة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال حييّ: فهل غير هذا فقال: " نعم المص " فقال حييّ هذا أكثر من الأوّل هذا مائة واحدى وستون سنة فهل غير هذا قال: " نعم الر ". تال حييّ: هذا أكثر من الأول والثاني، فنحن نشهدك إن كنت صادقا ما ملك أمّتك إلا مائتان واحدى وثلاثون سنة، فهل غير هذا قال: " نعم المر " قال: فنحن نشهدك أنا من الذين لا يؤمنون، ولا ندري بأفي أقوالك نأخذ فقال أبو ياسر: أما أنا فأشهد أنّ أنبياءنا أخبرونا عن ملك هذه الأمة، ولم ئتئنوا أنها كم تكون، فإن كان محمد صادقاً فيما يقول: فإني لأراه يستجمع له ذلك كله فقام اليهود وقالوا: اشتبه علينا أمرك فلا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير (1) اهـ وهذا تفصيل ما ذكره المصنف رحمه الله. وقوله: (فحسبوه) بزنة ضربوه ماض من الحساب. قوله: (دليل على ذلك إلخ) ذلك إشارة إلى المدد والآجال المارّة وهذا جواب عن سؤال تقدير. كيف يكون قول اليهود حجة فأجيب بأنّ الدليل هو عدم إنكاره وتقريره لهم على ما ذكروه، وتبسمه صلى الله عليه وسلم ليس للإنكار بل إشارة إلى غلطهم في تعيينهم للمعدود المذكور، وهذا لا يقتضي إنكار أصله وفيه نظر. قوله: (وهذه الدلالة وإن لم تكن عربية إلخ) جواب عما يقال من أنّ هذه الدلالة إن سلم صحتها، فهي غير عربية لانتفاء الوضع العربي فيها والقرآن نزل بلسان عربيّ مبين، فأجاب بأنّ هذه الدلالة لاشتهارها ألحقت بالمعرّبات التي عدت بعد التعريب عربية، فكذا ما ألحق بها، وتلحق مسند للدلالة إسناداً مجازياً. وقوله: (كالمشكاة إلخ) تمثيل للمعرّب وهي الكوّة، وسجيل كسكيت معرّب سنك، وكل أي حجر وطين، والقسطاس بالضم والكسر الميزان وسيأتي بيانها، وظاهره أنها موضوعة في غير لغة العرب، وقد قيل إنه معروف في اللغات القديمة كالعبرانية وهو كثير في التوراة كما في رسالة فضائح اليهود للغزالي، وفي كتاب الملل والنحل أنّ طائفة من الفيثاغورسية ذهبوا إلى أنّ المبادىء هي التأليفات الهندسية على مناسبات عددية حتى سارت طائفة منهم إلى أنّ المباديء هي الحروف المجرّدة عن المادّة، وأوقعوا الألف في مقابلة الواحد والباء في مقابلة الاثنين، ولست أدري لم قدروها ولا على أفي لسان ولغة هي اهـ ولو قيل: إنها مجازية روعي فيها ترتيب أبجد في مراتب الآحاد وما بعدها فهي من دلالة الحالّ على محله ثم على صفته من الأوّلية ونحوها لم يبعد، ولم نر من وجه هذه الدلالة بما يشفي الصدور. قوله: (أو دالة (عطف على قوله مزيدة وهذا قول الأخفش رحمه الله وعبارته أقسم الله تعالى بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها، لأنها مباني كتبه المنزلة على الألسنة المختلفة، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأصول كلام الأمم بها يتعارفون وبذكرون الله ويوحدونه. قوله: (وما " خطابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 هذا) قيل هذا بيان لخطابه والإشارة إلى القرآن، وقيل: إنه ابتداء كلام أي خذ هذا المذكور من أنه لا يقال لم لا يجوز إلخ وهذا في هذا التركيب، ونحوه مرفوع المحل خبر مبتدأ مقدر أي الأمر والشأن هذا أو مبتدأ خبره مقدر أي هذا كما ذكر أو مفعول لفعل تقديره خذ هذا ونحوه، وقيل ها اسم فعل بمعنى خذ وذا مفعوله ويبعده رسمه متصلاً في جميع النسخ والواو بعده واو الحال لا عاطفة لئلا يلزم عطف الخبر على الإنثاء في بعض الوجوه، وقيل: إنه عطف على قوله لم لا يجوز أي لا يقال هذا في تضعيف ذلك القول وهو كقوله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص: 55] وهو فيه مبتدأ وقال في المثل السائر: لفظ هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل، وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام إلى كلام آخر وذلك من فصل الخطاب الذي هو أحسن موقعاً من التخلّص، وعندي أنه منصوب بدع مقدرة لأن عادة العرب في مثله أن يقولواح ذا كما قال: فاع ذا وسل الهتم عنك بحسرة دمول إذا صام النهار وهجرا وهذا شروع في إبطال مدعي العلمية بعدما بين ما في دليله أو هو معارضة للاستدلال المذكور بعد المناقضة والمنع للملازمة بين عدم كون الفواتح مفهمة، وكون الخطاب بها بالخطاب بالمهمل مسنداً لما ذكر من الوجوه المروية. قوله: (لأنّ التسمية بثلاثة أسماء فصاعدا إلخ) قال تدس سزه التسمية بأسماء معدودة لم توجد في كلامهم، وما ذكره سيبويه كما سنبينه مجرّد قياس، ولذا قال المصنف رحمه الله مستنكر، ولم يقل باطل ولا غير واقع ونحوه، والمستنكر ما ينكره الناس لكونه غير معروف بخصوصه، وإن كان معروفا بتلاوة ألفاظ نحو سرّ من رأى وشاب قرناها وغيره مما ذكر من الجمل، ولذا قال: أسماء، ولم يقل ألفاظا إلا أنّ الفرق بينهما محتاج للتأمّل الصادق وأمّا ما قيل من أنهم لم يسموا السور بهذه الأسماء ويبعد أن تهمل أسماء سماها الله تعالى في كتابه، فتخيل لا أصل له كما مرّ. قوله:) ويؤذي إلى اتحاد الاسم إلخ البعض أرباب الحواشي هنا تطويل بغير طائل كما قيل: إنّ الاسم هنا جزء من المسمى والجزء لا يغاير الكل وإلا لصار غير نفسه وقيل: الاسم جزء خارجيّ من الكل غير ممتاز عنه في الوجود مثلاً إذا قلت سورة البقرة {الم ذلك الكتاب} إلخ واسم هذه السورة ألم اتجه أن يقال: الاسم متحد مع المسمى بالمعنى المذكور لا بمعنى كونه نفسه، فإذا كان موضوعا للكل كان موضوعاً لنفسه، والمراد أنّ الم مثلاً لو كان علما للسورة كان مسماه المجموع الداخل فيه جميع الأجزاء، فكان اسما للجزء أيضا ويلزمه اتحاد الاسم، وسيأتي بيانه وما فيه. قوله: (ويستدعي تأخر الجزء عن الكل إلخ (أي يستدعي تأخر الجزء مع تقدمه عليه فيلزم توقف الشيء على نفسه لتوتفه على ما يتوقف عليه وهو دور، وفيه ما سيأتي بيانه وهذه الشبهة لا تختص بالإعلام بل تأتي في لفظ القرآن، ولفظ سورة الواقعين في النظم وقد أوردها خاتمة المحققين السيد عيسى الصفوي على بعض الألفاظ القرآنية كالضمائر في نحو قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [يوسف: 2] ، فإنها إخبار عن إنزال القرآن وهذه الجملة من جملته والضمير للقرآن ومنه الضمير نفسه، فيعود حينئذ على نفسه حتى اضطز في دفعها إلى جواز كون الكلام خبراً عن نفسه نحو قول القائل: كل كلامي صادق إذا لم يتكلم بغير هذا اللفظ بناء على ما ذكروه في دفع المغالطة المعروفة بالجزء الأصم فتدبر. قوله: (يتأخر عن المسمى بالرتبة (المعروف أنّ التقدم على خمسة أوجه تقدم بالزمان وهو ظاهر، وتقدم بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين، وتقدم بالشرف كتقدم أبي بكر على عمر رضي الله عنهما، وبالعلية للفاعل المستقل بالتأثير كتقدم حركة اليد على حركة القلم، وتقدم بالرتبة وعرفوه بما كان أقرب من مبدأ محدود كتقدم بعض صفوف المسجد، وقد زادوا سادسا وهو التقدّم بالذات، وهنا بعض من النقض والإيراد مذكور في الحكمة، وفي كون هذا التقدّم رتبيا بالمعنى المصطلح نظر. وقوله: الم تعهد إلخ) أي لم تعرف رتشتهر بما ذكر، وهذا كرّ على رد قول قطرب، وما بعده صريحا بعدما رذه ضمنا، ولما دخل النفي هنا على قيد ومقيد، والقرينة قائمة على نفيهما قيل: إنه نفي لما سبق من وجوه إذ لم تعهد مزيدة للتنبيه على انقطاع كلام واستئناف آخر، فما قيل عليه من أنه ليس مدلول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الكلام صريحا وان أمكن استنباطه بضرب من التأويل ليس بوارد، وزاد على هذا أيضا أنه لم يعهد في الكلام زيادة أكثر من اسم، وأمّا ما قيل من أنّ قائل هذا الوجه لا يقول إنها مزيدة بل يقول إنها تفيد بطريق الرمز والإيماء إلى معنى التحدي كما صرّحوا به ولذا فرقت على السور لهذه الفائدة ولإعادة التنبيه على التحدي والمعنى هذا المتحدى به مؤلف من جنس هذه الحروف فليس بشيء لأنه ليس فيما نقله المصنف رحمه الله تعالى عن قطرب شيء مما ذكر بل لا يصح، لأنه يكون قولاً آخر فتدبر. قوله:) والدلالة على الانقطاع إلخ (الدلالة هنا إمّا مجرور بالعطف على ما قبله أو مرفوع بالابتداء يعني أنّ الدلالة على الانقطاع لم تعهد بها وأمثالها وأمّا الاستئناف فحاصل بكل ما وقع في الابتداء، ولا يلزم أن لا يكون له معنى في حيزه وموقعه غير الدلالة على الانقطاع فلم حكم بأنها مزيدة صرفة وليست مما عهد زيادته للاستفتاح نحو ألا، وأما وان رجحه الطيبي. وقوله:) من حيث أنها فواتح السور (بكسر همزة إن، لأنّ حيث لا تطرد إضافتها لغير الجمل وجوّز بعضهم فتحها وخطىء فيه على ما فصله في المغني وشروحه، وقيل عليه: بل يلزمها ذلك من حيث إنها كلمات غير مفهومة المعنى، فيجوز أن لا تدخل في شيء من السورتين المفصولتين بها، فيجوز كون دلالتها على ما ذكر باعتبار عدم الإفهام من غير أن تكون فاتحة السورة أو جزأها، وأجيب بأن احتمال كونها خارجة منها غير متجه لكتابة التسمية قبلها فتعين كونها فاتحة، وبقي الكلام في أنّ دلالتها على ما ذكر من حيث أنها غير مفهمة أو من حيث أنها فاتحة بالمعنى الأوّل لوجود الدلالة على ما ذكر فيما يفهم أيضاً، نعم هو في غير المفهم أظهر إذ لا فائدة فيه غيرها فتدبر. قوله: (ولا يقتضي ذلك إلخ) قيل المطلوب هنا صحة أن لا يكون لها معنى فيستغي عن تكلف جعلها أسماء للسور بلا دليل، فلا طائل لنفي اقتضاء ذلك إذ يكفي لنا ما يصحح وقوع ما ليس فيه إفهام، وقيل التنبيه على ما ذكر إذا لم يتوقف على أن لا يكون لها معنى وتحقق على تقدير أن يكون لها معنى، وكون القرآن هدى وبيانا مع ما هو المتعارف في الخطاب يدل على أن يكون لها معنى فالقول: بأنها ليس لها معنى ترجيح بلا مرجح للمرجوح، وهو غير جائز. نعم لو لم يحصل التنبيه على تقدير كونه مفهماً كان له وجه، وهذا كله تعسف فالحق أنّ مراده أنّ ما ذكر مخالف للمعهود، ومثله لا يرتكب بغير مقتض، ولا مقتضى له هنا فلا وجه لارتكابه فاعرفه، هاب / ج ا / م 18 وما قيل من أنّ القرآن كلام لا يشبه كلاماً فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد ليكون أبلغ في قرع السمع، فهو غنيّ عن الردّ. قوله: (ولم تستعمل للاختصار إلخ) جواب عما مرّ أنها مختصرة من كلمات وسنده المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما بأنه لم يرد مثله في كلام العرب والشعر المذكور شاذ، وبؤيده أن حذف بعض الكلم في غير الترخيم لا يجوز عند النحاة، وأمّا ما حمل عليه كلام ابن عباس رضي الله عنهما فيأباه سياقه وما قيل: من أن قاف في البيت أمر من قافاه بمعنى تبعه وبيان معنى البيت بما نقله بعضهم، فمثله من المزخرفات مما لا ينبغي أن تشحن به الدفاتر. قوله: (وأمّا قول ابن عباس رضي الله عنهما إلخ) قيل عليه: إنه يأباه كل الإباء. قوله معناه أنا الله إلخ وليس في كلامه ما يدل على ما ذكره المصنف هنا بوجه من وجوه الدلالة الثلاثة فحمله عليه خروج عن طريق التحقيق ولو كان مقصوده مجزد كون هذه مواد الأسماء لكان ما ذكر من التركيب لا وجه له ولذا منع بعض المتأخرين صحة الرواية وقال: لو صحت لكانت من الرموز التي لا يفهمها إلا صاحب الوحي، أو من تلقى عنه بواسطة أو بدونها كابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (ألا ترى أنه عدّ كل حرف إلخ (تقرير لمدعاه بأنه عدها من كلمات متباينة فعدّ الألف تارة من أنا، وتارة من الله وتارة من الآلاء واللام تارة من جبريل، وتارة من لطفه والميم تارة من أعلم وتارة من محمد، وتارة من ملكه واللفظ الواحد لا يمكن أن يكون كذلك. وقوله: (لا تفسير إلخ) عطف على قوله تنبيه. قوله: (ولا لحساب الجمل إلخ) باللام الجازة في أكثر النسخ وهو معطوف على قوله للاختصار ولا لتأكيد النفئي يعني أنّ إلحاتها بالمعزبات فرع استعمال العرب إياها في ذلك ولم يتحقق وفي نسخة بحساب بالباء بدل اللام، وهو معطوف أيضاً على ما عطف عليه ما قبله، واحتمال عطفه على قوله بهذه بعيد، وان قرب، وفي المصباح، واستعملته جعلته عاملاً، واستعملته سألته أن يعمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 واستعملت الثوب ونحوه أعملته فيما يعد له اهـ. واستعمال الألفاظ في معانيها مأخوذ من الأخير وهو محدث ويقال استعمل لفظ الضرب بمعنى السير، وفي معنى السير ولمعنى السير والكل شائع في كلامهم فما قيل من أنّ هذه الباء سهو من قلم الناسخ لأنه لم يقل لم يستعمل به بل له سهو من ابن أخث خالته. قوله: (لجواز أنه عليه الصلاة والسلام تبسم تعجباً من جهلهم) قيل جهلهم لتفسيرهم النازل بلسان عربيّ بما ليس من معاني لغة العرب أو لأنهم بعدما سلموا كونه شرع الله لا وجه لعدم دخولهم فيه لقصر مدّته، ويرد بأنّ كلامهم لا يدل على تسليم كونه دين الله في نفس الأمر لجواز أن يكون قولهم في دين مبنيا على ما يدعيه النبيّ عليه الصلاة والسلام وهو مما لا شبهة فيه، ثم إنّ أبا العالية رحمه الله لم يستدل بتبسمه المفيد للتقرير بل بما بعد التبسم من تلاوته صثى الله عليه وسغ إياها عليهم بالتريب المخصوص، وتقريرهم على استنباطهم وكما جاز كون التبسم لما ذكر جاز أيضا كونه تعجبا من إطلاعهم على المراد، ولهذا مرجحات عند بعضهم والظاهر أنه صلّى الله عليه وسلّم فعل ذلك مجاراة معهم ليلزمهم بما يعرفونه فتأمّل. قوله: (وجعلها مقسماً بها إلخ) جواب عن قوله أو دلالة على الحروف المبسوطة مقسما بها والمضمر حينئذ فعل القسم وفاعله، وحرفه وجوابه لخلوّ ذلك الكتاب مما يتلقى به القسم من أنّ واللام، فلا يصلح لكونه جواباً، وأورد عليه أنهم ارتضوا كونها مقسما بها إذا كانت أسماء لله أو القرآن أو السور، ولم يستضعفوه، لما ذكر وتبعهم في ذلك المصنف رحمه الله فإن قيل إنه لشرف معانيها المناسبة للقسم قيل: هذه أيضا شريفة لأنها منبع أسماء الله وخطابه مع أنّ وجه التضعيف وأورد ثمة بلا فرق، والجواب عنه أنها إذا كانت من أسماء الله أو من صفاته كالقرآن كانت صالحة لأن يقسم بها في نفسها فارتكاب تلك الإضمارات شائع في الجملة أمّا ما لا يصلح لذلك، كأسماء الحروف المقطعة، فيبعد ذلك عنه بمراحل، وما ذكره من التأويل إن سلم أنه يصححه لا يقربه، وقول المصنف رحمه الله غير ممتنع إلخ يشير لما ذكرناه وقوله لا دليل عليها أي دليلاً معينا لها فلا يرد أنّ عطفه المجرور في مثل {قاف والقرآن} دليل فمطرد لأنّ واو والقرآن تحتمل التسمية فلا دليل فيها أيضاً. قوله: (والتسمية بثلانة أسماء إلخ) جواب عن أنّ التسمية بثلاثة أسماء مستنكر في لغة العرب بأنّ المستنكر تركيب ثلاثة أسماء تركيبا مزجياً كحضرموت، وأمّا التسمية بها منثورة غير مركبة كذلك بل مسرودة سرد الاعداد فليس بمنكر، وإذا سموا بنحو شاب قرناها وجاز جعل الجمل علماً كما ذكره سيبويه كيف يستنكر هذا، فإن قلت كيف سلموا هنا أنّ تركيب ثلاثة أسماء ممتنع، وغير ثابت من غير نزاع فيه، وقد ورد في اسم المدينة دارابجرد فإنها في الأصل من دار ومن آب ومن جرد قلت قال قدس سرّه في شرح الكشاف: لما مثل به الزمخشريّ دارابجرد علم بلدة بفارس معرب دارابكرد، وهو مركب من كلمتين إحداهما دارا اسم ملك بناها والثانية بكرد، وقيل هو معرّب دراب كرد فيكون ثلاث كلمات في الأعجمية لأن دراب معناه درآب سمي بذلك لأنه وجد في الماء، وصار بالغلبة اسما واحدا فضمت إليه كلمة أخرى وصار المجموع كبعلبك وعلى هذا تتأكد المشابهة بينه، وبين طسم وقد وجد في نسخة المصنف رحمه الله داربجرد بلا ألف بعد الدال، وهو سهو من طغيان القلم والآفات المقصود وهو إثبات موازن له في كلامهم اهـ. أقول إنما تركه المصنف رحمه الله وغيره، وان ذكره سيبويه رحمه الله وتابعه الزمخشرفي لأنه ليس بعربي والمدعى أنه لا يوجد مثله في كلام العرب إلا أنّ ما ذكره الشريف غير تام رواية ودراية. أقا الأؤل فقد قال ياقوت في معجم البلدان: دارإبجرد بألفين بعد الألف الثانية ياء موحدة ثم جيم ثم راء ودال مهملة ولاية بفارس وداربجرد بدون ألف كورة بفارس عمرها داراب، وهي معرّب داراب كردود اراب اسم رجل وكرد بمعنى عمل قال الأيادي: يقاتل من قصور درابجرد ويحمي للمغيرة والرفاد وهي أكبر من دارابجرد اهـ. فما وقع في خط العلامة صحيح والموازنة فيه ثابتة بحسب الأصل لأنّ دراب بمنزلة طس، وهو ظاهر لا غبار عليه نعم التسمية بأسماء منثورة لم توجد في كلامهم، وما ذكره سيبويه مجزد قياس محتاج للإثبات كما ذكره السيد أيضاً. وقوله: (نثرت (بنون وثاء مثلثة وراء مهملة من النثر ضد النظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 والمراد لم تركب أصلاً. قوله: (وناهيك إلبئ) ناهيك بمعنى حسبك، ويكفيك تقول هذا رجل ناهيك من رجل وتأويله أنه بجده وغنائه ينهاك عن تطلب غيره، وهذه امرأة ناهيتك من امرأة تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع لأنه اسم فاعل فإذا قلت نهيك أو نهاك لم تثن، ولم تجمع لأنه مصدر في الأصل، وهو مستعمل في المدح لأنه لغاية كفايته كأنه ينهاه عن طلب غيره، وهو كالدليل الآخر هنا، والباء متعلقة به لأنه بمعنى اكتف، وهكذا نقل سماعه عن الثقات قال ابن الأنباري: رحمه الله في الزاهر قولهم ناهيك بفلان معناه كافيك به من تولهم قد نهى الرجل باللحم، وأنهى إذا اكتفى به وشبع اهـ. فلا حاجة لما في بعض الحواشي من أنها زائدة أو متعلقة به نظراً لمآل المعنى، وقيل إنها زائدة في المبتدأ وناهيك خبر مقدم له وربما توهم عكسه، وهو فاسد معنى وصناعة، وفيه نظر، وقيل إنها متعلقة بالتمسك أي ناهيك التمسك بتسوية سيبويه، وأنت في غنية عنه بما مرّ، وتسويته هو قوله في بالب العلم وباب الترخيم لو رخمت تأبط شرّاً من الأسماء لرخمت رجلأ مسمى بقول عنترة:. يا دار عبلة بالجواء تكلمي اهـ وهو أظهر من أن يذكر. قوله:) والمسمى هو مجموع السورة إلخ (جواب عن أنه يؤدّي إلى اتحاد الاسم، والمسمى قال العلامة: ليست هذه التسمية تصير الاسم والمسمى واحد لأنها تسمية مؤلف بمفرد، والمؤلف غير المفرد ألا ترى أنهم جعلوا اسم الحرف مؤلفا منه ومن حرفين مضمومين إليه نحو صاد يعني أنهما متغايران ذاتا، وصفة فلا يلزم من تسمية المؤلف بالمفرد اتحاد الاسم، والمسمى كما لا يلزم ذلك من عكسها في أسماء الحروف، وما ذكر من الشبهة مندفع لأن مغايرة الكل لجزئه لا تستلزم مغايرته لكل جزء منه حتى يلزم المحذور فسقط ما قيل من أنّ الجواب المذكور لا يرد لزوم تسمي الشيء باسم نفسه لأن لهذا الجزء حظاً في المسمى بالاسم، ولو مقرونا بسائر الأجزاء. قوله:) وهو مقدّم من حيث ذاته إلخ) جواب عن شبهة الدور الذي أوردوه، ودفع فساده لإفساد وجود الكل بدون الجزء، وان استلزمه يعني أنّ ذات الجزء متقدمة على ذات الكل، وأمّا ذات الاسم فلا يجب تأخره عن ذات المسمى بل ربما كان جر اً كما في الفواطح فيتقتمه، وربما انعكس الحال فيجب تأخره عن المسمى كما في أسماء الحروف، وإذا لم يكن الاسم جزءاً من المسمى، ولا كلاً له لم يوصف بالتقدم، ولا بالتأخر بأحد الاعتبارين المذكورين نعم وصف الاسمية متأخر عن ذات المسمى لا يقال وقوع الفواتح أجزاء للسور من حيث أنها أسماء لها فإذا كانت الاسمية متأخرة لزم تأخر الجزء أيضا لأنا نقول اللازم على*ذهلد الئقدير تأخر وصف الجزئية عن ذات الكل، ولا استحالة فيه كما حققه خاتمة المدققين فسقط ما قيل من أنّ هذا " الجواب مدخول لأنه إنما وقع جزءا من حيث أنه اسم للسورة على ما هو المفروض فالأولى أن يجاب بمنع لزوم تأخر الاسم عن المسمى بحسب الوجود العيني كما سمعته، وجعله اسما يتوقف على تصوّر الكل لا على تحققه ألا تراك تسمي ولدك قبل أن يولد، وجعله جزءا عند التحقق لا عند التصوّر، وما قيل من أنّ تسمية من سيولد ليست بتسمية حقيقية بل تعليق لها أي إذا ولد كان هذا اسما له. رذ بقوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] فالبعدية باعتبار الإتيان، والرسالة، والتسمية، ولا يجوز صرف القرآن عن ظاهره بلا موجب، ونظائره كثيرة كيف، وتصوّر الموضوع- له بتشخصه عند الوضع ليس بشرط بل يكفي تصوّر، بوجه مّا على ما مرّ بيانه. قوله: (فلا دور) بطلان الدور واستحالته على ما قزروه، لأنه يستلزم تقدم الشيء على نفسه، وهو ضرورفي الاستحالة على ما بين، وبرهن عليه في الكلام، وهنا لما قال أنّ الاسم مؤخبر عن المسمى، والمسمى- هو الكل، وما تأخر عن الكل تأخر عن جميع أجزائه ضرورة، فإذا كان الاسم جزءا لزم تأخر الاسم عنه، فيلزم تأخره عن نفسه، وتأخر الشيء عن نفسه مستلزم لتقدّمه على نفسه، وهو ظاهر البطلان، وحاصل جوابه أنّ الجزء مقدّم من حيث ذاته مؤخر من حيث وصفه، وهو الاسمية فانفك الدور باختلاف الجهة والشيء الواحد يجوز أن يتقدم من جهة، ويتأخر من أخرى (ومما يتعجب منه هنا) ما قيل من أنّ المحذور المذكور لزوم تأخر الجزء عن الكل حال كونه جزءا متقدما على الكل لا لزوم الدور حتى يحتاج إلى دفعه باختلاف الجهة فلعله أراد أنّ لزوم تأخر الجزء عن الكل على تقدير اسمية الجزء لا يخلو عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 لزوم الدور فإن اسمية الجزء للكل موقوفة على وجود الكل، ووجود الكل موقوف على وجود الأجزاء، ومن جملتها الجبزء الذي هو اسم الكل، وهذا دور لأنه توقف الشيء على ما يتوقف عليه فحاصل الجواب ط أن توقف الجزء على الكل إنما هو في وصف الاسمية فيتأخر عن الكل وضعا، وتوقف الكل إنما هو على ذات الجزء لا على وصف اسميته فيتقدم على الكل ذاتا فلا دور. قوله: (والوجه الأؤل أقرب إلخ) يعني به الوجهين الأوّلين لأنهما عنده وجه واحد كما مرّ لاتحادهما بحسب المراد والفال كما مرّ، وصاحب الكشاف جعل كلاً منهما وجهاً على حدته، وله وجه، وكونه أقرب إلى التحقيق لظهوره، وعدم التجوّز فيه، وسلامته مما يرد على غيره، ولأنّ كونها أسماء الحروف المقطعة محقق لا محالة بخلاف غير.، وقيل المراد تحقيق إعجاز القرآن لأنّ الدلالة فيه على التحدي بالقصد الأوّلي بخلاف غيره، وقوله وأوفق للطائف التنزيل لدلالته على الإعجاز قصداً، وعداه باللام، وفي بعضها بلطائف معدّى بالباء، وكل منهما صحيح، وأورد عليه أنّ كل ما ذكر من النكات على الوجه الأوّل ينافي العلمية أيضا، وأجيب بأنّ الانتقال إلى اللطائف على كونها تعدادا للحروف أسرع إذ على تقدير كونها أسماء للسور يتوجه الذهن ابتداء إلى مسماها فربما غفل عن تلك اللطائف لوجوب التوجه إلى المسمى ابتداء، وليس ذلك موجودا على الأوّل لأنّ احتمال الغفلة عنها منتف هناك إذ لا تحصل بدونها فائدة الخطاب فتأمّل. قوله: (وأسلم من لزوم التقل إلخ (الذي هو الأصل لا سيما في ألفاظ القرآن، وكلمة من هنا للتعليل، ومن التفضيلية مقدّرة، والمعنى أسلم من الوجه الآخر لأجل لزوم النقل في الثاني وليست صلة والاً يلزم سلامة الوجه الثاني أيضا كما أشار إليه بعض الفضلاء فسقط ما قيل من أنه كان الظاهر أن يقول سالم لأنه يقتضي أنّ في الأوّل نقلاَ، وليس كذلك، وكون من غير تفضيلية ظاهر، وأمّا كونها تعليلية فلا حاجة إليه إذ الظاهر أنها صلة لأن سلم يتعدّى بمن فيقال سلم من العيوب، وإذا بنى أفعل مما يتعدّى بمن قد تذكر صلته وتترك من التفضيلية كما وقع في الحديث أقربهما منه لأنّ قرب يتعدى بمن أيضا فتأمّله، وقوله وقوع معطوف على لزوم، وقوله من واضع واحد إشارة إلى أنّ الاشتراك مع تعدد الواضعلا محذور فيه، والاشتراك واقع في بعضها كالم، وهو مناف لمقصود العلمية، وهو التمييز، ثم إنّ الألفاظ وتلك اللطائف، وان وجدت في العلمية لكنها بطريق التبع لا بالقصد الأوّل كما في مختاره فلا ينافي قوله في العلمية سميت بها إشعاراً إلخ، وأمّا كونه مذهب سيبويه، وغيره من المتقدّمين فما صدر عنهم ليس نجص فيه لاحتمال أنهم أرادوا أنها جارية مجراها كما يقولون قرأت بانت سعاد ورويت قفا نبك، وقرأت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وإنما نعني ما أوّله واستهلاله ذلك فلما غلب جريانها على الألسنة صارت بمنزلة الاعلام الغالبة فذكرت في باب العلم وأثبت لها أحكامه. قوله: (وقيل إنها أسماء القرآن إلخ) هذا معطوف على ما عطف عليه قيل الأوّل والمراد بالقرآن مجموعه لا القدر المشترك لاتحاد الاسم فيه، والمسمى بحيث لا يدفع ولا ضير في تعذد الاسم لأنه يدلّ على شرف المسمى، وهذا أخرجه ابن جرير عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد عن تتادة، ولذا قيل إنه أرجح مما اختاره المصنف رحمه الله فإنه لم ينقل عن أحد من السلف. وقوله: (ولذلك أخبر عنها إلخ (لأنّ المتبادر منهما إرادة الجميع، وأنه عين المبتدأ وان احتمل خلافه والإخبار بالكتاب ظاهر كما في قوله: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: ا] ونحوه، وأمّا القرآن فقيل إنه عطف تفسيريّ، وفيل إنه إشارة إلى قوله: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ} [النمل: ا] أو إلى ما في قوله: {الر الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} [الحجر: ا] وفيه نظر لأنه لم يخبر بالقرآن صريحا كما في الكتاب، وإنما جعلت من آياته في الأوّل، وفي الثاني عطف على ما أضيف إليه الخبر لا على الخبر. قوله: (وقيل إنها أسماء الله إلخ (أخرجه ابن جرير، وإبن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما بسند صحيح فالمعنى هنا يا الم، وما بعده مستأنف، وقوله: (وبدل عليه أن علياً رضي الثه عتة إلخ (أخرجه ابن ماجه في تفسيره من طريق نافع بن أبي نعيم القارىء عن فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب أنها سمعت علياً رضي الله عنه يقول يا كهيعص اغفر لي، وقوله: (ولعله أراد إلخ) تأويل له بتقدير مضاف فيه إذ لا يظهر له معنى مناسب كسائر أسمائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وأسماؤه توقيفية، وقيل: إنما المقدر يا عالمهما لاختصاصه بذلك العلم على حقيقته، وقيل إنّ هذا التأويل يرده ويأباه ما ورد في الأحاديث مثل ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: كهيعص قال: معناه يا من يجير ولا يجار عليه فتدبر. قوله: (وقيل الألف إلخ) هذا مع اختصاصه بألم ليس واقعا في محله فهو كالدخول بين العصا ولحائها، وما قيل من أنه تأويل من استغرق في ذكر الله بحيث لا يشغله عن ذكره شاغل حسيّ، أو عقليّ لا يسمن ولا يغني من جوع، وقيل: إنه تتمة لما قبله وهو توجيه لتسميته تعالى به ولا يخفى بعده، ولذا قيل: ليس هذا تعليلاً لأنها أسماء الله متمما لما قبله كما يقتضيه ظاهر الكلام، وسياقه إلا أنه متصل به لقربه، وان كان الإيماء المذكور جاريا فيه وفي غيره، وهو قليل الجدوى. وقوله: (من أقصى الحلق) أي أبعده مما يلي الصدر والمراد بالألف الهمزة، فإنه مخرجها أو الألف اللينة فإنه مخرجها في قول أيضا وقيل: إنها من الجوف أي جوف الفم أو ما يشملهما. قوله: (إنه سر استأثر الله بعلمه) استأثر بالشيء استبد به أو اختص، وهو لازم كما في كتب اللغة وعليه ما هنا في أكثر النسخ وفي الحديث: " من ملك استأثر " وهو مثل أي من قدر آثر نفسه بالدنيا، وأصله أنّ داود عليه الصلاة والسلام، لما أمره الله تبارك وتعالى ببناء بيت المقدس بنى لنفسه بيتاً مثله، فأوحى الله عز وجل له قد أمرتك ببيت لي، فبنيت لنفسك مثله فقاله ووقع في بعض النسخ استأثره الله بعلمه بتعديته للضمير فذهب أرباب الحواشي إلى أنّ حقه أن يتركه لمخالفته للاستعمال وكتب اللغة، وقيل: إنه حمله على خصه، فعداه تعديته والضمير للرسول صلى الله عليه وسلم والياء داخلة على المقصور وقيل: إنه يقال آثره الله بكذا أي أكرمه، وهذا استفعال منه والضمير للرسول صلى الله عليه وسلم أيضا أي أكرمه الله بعلمه دون غيره، وهذا القول ارتضاه كثير من السلف والمحققين وسئل الشعبي رحمه الله عنها فقال: إن لكل كتاب سرّاً وسر القرآن فواتح السور، فدعها وسل عما بدا لك، فهي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلاً الله. قوله: (وقد روي عن الخلفاء إلخ) فعن الصدّيق رضي الله عنه في كل كتاب سر وسز الله في القرآن أوائل السور، وعن عمر وعثمان رضي الله عنهما الحروف المقطعة من السرّ المكتوم الذي لا يفسر، وعن عليّ رضي الله عنه أيضاً ما هو بمعناه، والحاصل أنه تفسير مأثور عن أكثر السلف فهو أرجحها ولذا اقتصر عليه بعض المفسرين. وقوله: (ولعلهم إلخ (ضمير أرادوا للحلفاء أولهم وللذاهبين إلى هذا القول، وإنما أوّل بما ذكر اقتداء بالإمام وانتصاراً لمذهب الشافعي رضي الله عنه في المتشابه وأن الله والراسخين يعلمونه كما سيأتي تحقيقه في آل عمران والذي اختص الله تعالى به من علم الغيب هو علمه تفصيلاَ ذاتا وزمانا من غير واسطة أصلا فلا ينافيه علم بعض الأولياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام له بواسطة ذلك أو إلهام من الله. وقوله: (إذ يبعد الخطاب إلخ (هو دليل الشافعية في تفسير المتشابه والمخالف فيه يقول لا حاجة إلى هذا التأويل ولا يلزم اللغو والعبث لجواز كون بعض القرآن لا للإفهام بل للتنبيه على اختصاص بعض الأسرار بعلمه تعالى على أنّ فيه فائدة، وهي الثواب في تلاوته وابتلاء الراسخين بمنعهم عن التفكر فيما يوصلهم إلى مبلغهم من العلم كما يبتلى الجهلة بتحصيله، ولكل وجهة فتأمل. قوله: (فإن جعلتها إلخ) شروع في بيان إعرابها بعدما بين معانيها واستوفى الأقوال المشهورة منها وما لها وعليها، وحظها في الوجوه الثلاثة ظاهر لأنها أسماء منقولة من مفرد أو مركب وإعرابها بالوجوه الثلاثة، فالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي الله أو القرآن أو السور الم، أو على الابتداء وتقدير ما ذكر مؤخراً وهذا إن لم يكن بعدها ما يصلح للحمل عليها نحو (الم الله) و {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1] فإن كان جاز عدم التقدير كما فصلوه. وقوله على الابتداء أو الخبر والخبر مصدر بمعنى الخبرية لعطفه على الابتداء الصريح في المصدرية أو الابتداء مؤول بالمبتدأ كضرب الأمير بمعنى مضروبه. قوله: (أو النصب بتقدير فعل القسم إلخ) فالنصب بفعل القسم المقدر بعد حذف حرفه، وإيصاله للمقسم به نحو الله لأفعلن كما قالوا استغفر الله ذنبا، لكن في القسم لا يحذف حرفه إلا مع حذف الفعل، فلا يقال حلفت الله في فصيح الكلام وظاهر تقديم المصنف رحمه الله النصب ترجيحه على الجز، لأنه يضعف عند بعض النحاة حذف حرف الجرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وإبقاء عمله من غير عوض عنه وان لم يضمر القسم أضمر اذكر ونحوه مما يناسب المقام فقوله: أو غيره بالجرّ معطوف على فعل القسم، وذكره النصب من غير إيماء لمرجوحيته في بعض المواضع مخالف لما في الكشاف فإنه زيفه لعدم استقامته في {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: 1] و {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1] لاستكراه أئمة العربية له لما فيه من اجتماع قسمين على مقسم واحد، ولا يجوز كون الواو عاطفة للمخالفة في الإعراب، ولذا جاز على تقدير الجرّ فيه، وقيل: لا مخالفة بينهما فإنّ مبنى وكلام المصنف رحمه الله على التوزيع والتفصيل دون التعميم فتجري كلها فيما يصح فيه وبعضها فيما يصح فيه البعض دون البعض إذ لم يدع جريان جميع الوجوه في كل واحدة منها حتى يمتنع حمل كلامه على ما ذكر، فإن قلت كيف منعوا أو استكرهوا توارد قسمين على مقسم عليه واحد من غير عطف لأحد القسمين على الآخر،، فلم يقولوا والله والرسول لأفعلن كذا- مع أن القسم مقوّ ومؤكد للجواب ولا مانع من ورود تأكيدين بل تأكيدات بغير عطف على مؤكد واحد نحو قام القوم كلهم أجمعون أكتعون، وأيضاً إذا اجتمع القسم والشرط على جواب واحد يجعل ذلك الجواب لأحدهما لفظاً ومعنى، وللآخر معنى فقط من غير استكراه أصلاً، فلم لا يجوزون ذلك هنا من غير استكراه، وما السرّ فيه قلت: - قد- صرحوا بأنه المسموع من العرب ووجهه، كما قاله السيد السند تبعاً للسراج قصور العبارة عما قصد من التشريك في المقسم عليه لإيهامه أن كل قسم يقتضي جوابا برأسه، وقيل: إنه لو جعل الواو للقسم كان كل واحد قسماً مستقلاَ بقصد يقتضي ارتباط الجواب به ارتباط الجزاء بالشرط، فينتقل من كلام إلى آخر قبل تمامه، فإن القسم الأوّل إنما يتمّ بالمقسم عليه، وقد فصل بينهما بالقسم الثاني فاقتضى القياس منعه إلا أنّ الثاني لما توجه لما توجه له الأوّل لم يكن احتياجا من كل الوجوه، فجار على استكراه، ولا يخفى ما فيه، فإنه لا مانع- من جعل أحد القسمين مؤكدا للآخر من غير عطف فيكتفي بجواب واحد، أو يقال: هما لما كانا مؤكدين لشيء واحد وهو الجواب جاز ذلك، فأي وجه للاستكراه إلا أن لما قاله سيبويه والخليل رحمهما الله تلقوه بالقبول، فليس على مستمع هذا الكلام غير تصديق حذام، وكأنّ هذا هو الداعي للمصنف رحمه الله غلى ترك ما في الكشاف فتدبر. قوله: (أو الجرّ الخ) قال في المغني: من الوهم قول كثير من المعربين والمفسرين في فوقح السور أنه يجوز كونها في موضع جرّ بإسقاط حرف القسم، وهذا مردود، فإنّ ذلك مختص عند البصريين باسم الله سبحانه، وبأنه لا أجوبة؟ - " للقسم في سورة البقرة وآل عمران، ويونس، وهود ونحوهن، ولا يصح أن يقال قدر ذلك الكتاب في البقرة و {اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 2] في آل عمران جوابا وحذفت اللام من الجملة الاسمية كحذفها في قوله: ورب السموات العلا وبروجها ~ والأرض وما فيها المقدر كائن لأنّ ذلك على قلته مخصوص باستطالة القسم اهـ، ولعمري قد استسمن ذا ورم، وفد وهمهم وهم الواهم وقد ساقه هنا بعضهم ظنا منه أنه وارد غير مندفع، وهو كلام واه فإنّ إتباع البصريين ليس بفرض، فكفى لصحة ما ذكر كونه على مذهب الكوفيين، وأمّا اعتراضه الثاني بأنه ليس في تلك السور أجوبة، فجوابه ظاهر لأنه كثيراً ما يستغني عن الجواب بما يدل عليه كمتعلقه في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [النازعات: 6] أي ليبعثن وهنا المقسم عليه مضمون ما بعده، فهو قرينة قريبة وقد صرح بهذا في التسهيل وشروحه، وأمّا حديث الاستطالة، وهو حذف اللام الجوابية لطول القسم كقول بعض العرب أقسم بمن بعث النبيين مبشرين ومنذرين، وختمهم بالمرسل رحمة للعالمين هو سيدهم أجمعين فهو إلخ جواب حذفت لامه لما ذكر، فليس بلازم بل هو الأغلب كما صرّح به ابن مالك رحمه الله وإن قال أبو حيان في شرح التسهيل: لم يذكر أصحابنا لاستغناء عن اللام وعن إنّ في الجملة الاسمية، فينبغي أن يحمل على الندور بحيث لا يقاس عليه، ولم يخص المصنف رحمه الله الإضمار بالباء، كما في الكشاف حتى يحتاج إلى الاعتذار له بأصالتها في القسم وكثرة استعمالها فيه دون الواو والتاء، وأخر هذا الوجه لما فيه مما سمعته، وعبر بالإضمار دون الحذف، لأنهم فرقوا بينهما بأنّ الإضمار الحذف مع بقاء الأثر لأنه يشعر بوجود مقدّر له، والحذف أعم منه، وقد يستعمل كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 منهما بمعنى الآخر كما يعلم بالاستقراء. قوله: (ويتأتى الإعراب إلخ) أي يجوز من غير محذور ويتسهل قال في المصباح: وتأتى له الأمر تسهل وتهيأ، وتأتى في أمره ترنق، وهو قريب منه، ولما بين الإعراب فيها تممه ببيان كونه لفظاً أو محلاً فقال: إنه في المفرد والمركب الذي على وزن المفردات كحم بزنة قابيل يكون ملفوظا أو محكيا بأن يسكن حكاية لحاله قبله ويقدر إعرابه، وما خالفهما نحو كهيعص يحكي لا غير لأنه ليس مفرداً ولا بزنته. وقوله: (والحكاية) هي أن يجيء باللفظ بعد نقله على صورته الأولى، وقد تبع المصنف رحمه الله الزمخشريّ فيما ذكره، وأورد عليه أنّ الحكاية في الاعلام إنما تجري في الجمل كتأبط شرا الرعاية صورها المنبئة عن أسباب نقلها إلى العلمية وفي الألفاظ التي وقعت إعلاماً لأنفسها، كقولك ضرب فعل ماض لحفظ المجانسة مع المسمى والإشعار بأنها لم تنقل عن أصلها بالكلية، وأمّا في غيرهما، فلا وجه للحكاية سواء كان مفرداً أو مركباً إضافياً أو مزجياً، ألا ترى ضرب إذا سميت به مجرّدا عن الضمير لم يحك، وما نحن فيه من هذا القبيل، فيتعين فيه الإعراب لا الحكاية والنوع الأوّل لا يمكن فيه الإعراب، فوجب أن يحكي ضرورة ولا ضرورة في الثاني. وأجيب بأنّ أسماء الحروف كثر استعمالها مقدرة ساكنة الإعجاز موقوفة حتى صارت هذه الحالة كأنها أصل فيها، وما عداها عارض لها، فلما جعلت أسماء للسور جازت حكايتها على تلك الهيئة الراسخة فيها تنبيهاً على أنّ فيها شبهاً من ملاحظة الأصل لأنّ مسمياتها مركبة من مدلولاتها الأصلية أعني الحروف المبسوطة، والمقصود من التسمية بها الألفاظ وقرع العصا، فتجويز الحكاية مخصوص بهذه الأسماء إعلاماً للسور، فلو سمى رجل بصاد، أو بسورة الفاتحة لم تجز الحكاية، وكذا غاق علماً معرب لا محكيّ على بنائه، وأمّا غاق حكاية صوت الغراب فقد أريد به لفظه فلذا حكي بناؤه. (أقول (هذا ما حققه قدس سرّه، وهو زبدة ما في شروح الكشاف، والذي في الكشاف برمّته من كتاب سيبويه حرفاً بحرف، ولا غبار عليه، وما اتفقوا عليه من أنّ الحكاية تختص بالاعلام المنقولة كدرّاج وبالألفاظ التي جعلت أسماء لأنفسها نحو من حرف جرّ غير متجه لمخالفته لما صرّح به في باب الحكاية كما في التسهيل وغيره، فإنهم أطبقوا على أنّ المفردات تحكى بعد من وأيّ الاستفهاميتين كما تقول لمن قال: رأيت زيداً من زيداً وبدونهما أيضا كقولهم دعنا من تمرتان، فكيف يختص هذا باسم السور، ويعلل بما ذكر وأنت إذا راجعت الكتاب وشروحه اتضح لك ما قلناه، فلا تكن من الغافلين. قوله: (والحكاية ليس إلخ) في نسخة ليست أي ما لم يكن مفرداً، ولا موازيا لمفرد ليس فيه غير الحكاية لما كان عليه ولا يعرب نحو كهيعص لأنه موقوف على تركيبه وجعله اسما واحدا، وهو فيما فوق الاسمين خروج عن قانون العرب ولا خفاء في امتناع إعراب عذة كلمات بإعراب واحد قيل: الحكاية مبتدأ خبره ما بعده أي الحكاية ليس يتأتى إلا هي فيما عدا ذلك. وقوله: (فيما عدا ذلك) أي ما يجاوز المفرد، وما وازنه وزاد عليه، وهو خبر ليس والأولى تقديم الخبر لأنه من تتمة الصفة، وقد منع كثير قصر الصفة قبل تمامها وأراد بالموصوف الحكاية، وبالصفة الكون فيما عدا ذلك، وبالقصر أن لا يتصف بهذا، لكون غيرها، وهذا صريح في أنّ ضمير ليس لا يرجع إلى الحكاية بل إلى يتأتى، وكلام المصنف صريح في رجوع الضمير إلى الحكاية، وكون فيما عدا خبر ليس غير ظاهر بل هو ظرف للحصر والتقدير الحكاية ليست الحالة المتأتية إلا إياها فيما عدا المفرد، وموازنه كما يقال في جاء زيد ليس إلا المعنى ليس الجائي إلا زيدا فالمعنى ليس المتأتي إلا إياها، فحذف المستثنى لفهم المعنى، وقد جوزه النحاة بشرط كون أداة الاستثناء إلأ، أو غير وتقدم النفي بليس وأجازه بعضهم مع لا يكون وتفسيره بفقط بيان لحاصل المعنى. قوله: (وإن أبقيتها على معانيها إلخ) عطف على قوله: فإن جعلتها أسماء، وأبقيتها بالألف بمعنى جعلتها باقية وفي نسخة وبقيتها بدونها مشددة القاف، وفيه مخالفة لما في الكشاف من قوله: ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصوّر أن يكون لها محل من الإعراب، فردّه بأنها إنما تكون كذلك إذا كانت مسرودة على نمط التعديد فإنها لا تعرب لعدم المقتضى، والعامل كما في قولنا دار غلام جارية، وهذا لا يستلزم نفي محلية الإعراب عند إبقائها على معانيها مطلقاً إلا أن ما ذكره الزمخشريّ بناء على الظاهر قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 التأويل. وقوله: (فإن قدرت إلخ) إشارة إلى التأويل الذي صارت به مبتدأ أو خبراً. وقوله على ما مرّ إشارة إلى قوله سابقاً، والمعنى هذا المتحدى به مؤلف من جنس هذه الحروف، أو المؤلف منها، ومن هنا تبين المراد به ثمة، فان قلت: موجب كون هذه الأسامي معرضة للإعراب لعدم مناسبتها مبنى الأصل أن يكون إعرابها لفظياً لا محليا قلت: إذا أوّلت بما ذكر كانت واقعة في التركيب معرضة لما ذكر إلا أنه لما تعذر فيها الإعراب اللفظيّ. لاشتغال آخرها بالسكون المحكيّ قدر إعرابها لأنّ الحكاية تستلزم إبقاء صورته الأولى. قوله: (وإن جعلتها مقسماً بها إلخ) إشارة إلى ما قدّمه من جعل الحروف، المبسوطة مقسماً بها لشرفها من حيث أنها بسائط أسماء الله ومادّة خطابه. وقوله علىء الالغتين ة لعد حذف حرف الجرّ وتقدير. فإنّ فيه لغتين النصب والجر. وقوله: (تكون كل كلمة منها منصوبة أو مجرورة) وفي نسخة منصوبا أو مجروراً والظاهر أنّ المحل لمجموع الاسم لا لأجزائه، 1. لذا قيل إنّ المراد بالكلمة ما وقع في افتتاح كل سورة دمالاً فمجموع المذكورة مقسم به لأزا 4 تعدد القسم على مقسم عليه واحد مستكره كما مرّ، وامّا أنّ المجموع استحق إعرابا وكل- فىء منه صالح له فيقدر الإعراب في كل جزء نحو جاؤوا ثلاثة ثلاهلة حيث أجرى إعراب الحالى " 3 على كل منهما والحال واحدة بتأويل مفصلاً بهذا التفصيل، فتكلف بعيد لا يرتكب من غير داع هو ثمة موجود لظهور إعرابه على أجزائه، وقيل الرفع بالابتداء أيضا جائز على تقدير القسب ها بأن يقدر ألم قسمي كما ذكروه في لعمرك لأفعلن ورد بما صرح به الرضى وغيره من أن هذا الى " ررير مخصوص بما إذا كان المبتدأ صريحا في القسمية ومتعينا لها. (بقي ههنا) أنّ جعل بعض الفواتح منصوبة نحو {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [. . . .:. . . .] مع جرّ ما عطف عليه مستلزم لمخالفة المعطوف للمعطوف عليه أو لاجتماع قسمين علرلأ مقسم عليه واحد ولذا قيل إنه مقيد بما إذا لم يمنع منه مانع كأحد هذين المحذورين " ءحينئذ يتعين الجرّ ولا يأباه تفسير كل كلمة بما مز فتدبر. قوله: (وإن جعلتها أبعاض كلمات إلخ) الأبعاض جمع بعض، والمراد به الحروف المقتصر عليها، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما والمناقشة في هذا بأنه يجوز أن يكون لها محل بتنزيلها منزلة ما هي أبعاض له واهية جدّاً، وإن ذهب إليه صاحب الدرّ المصون وقال: إنه يجري عليها إعراب كلها، كالأسماء المرخمة نعم في التعليل قصور، لأنها ليست أبعاضا حقيقية حتى يقال: إنّ أبعاض الكد أت لا يتصوّر أن تعرب لأنها أسماء أبعاض فلا يتمّ ما ذكر ألا ترى أنّ قاف في قلت لها قاف " لها محل لأنها مفعول القول والمراد بكونها أصواتا كونها مزيدة للفصل ونحوه لمشابهتها لاسماء الأصوات وترك قول أبي العالية أو أدخله في الأصوات، فإنّ بعض أرباب الحواشي قال: إنه يدخل فيها ستة وجوه الأوّلان، وهما الألفاظ وكونها أسماء، وما قاله قطرب وأبو العالية وما حكاه بقيل من أن الألف من أقصى الحلق إلخ وما روي عن الخلفاء وان كان الظاهر- لأفه، والجمل المبتدآت هي المستأنفة التي لا محل لها من الإعراب، والمفردات المعدودة هي االمسرودة على نمط التعديد، ولا إعراب لها أيضاً لفظا ومحلاً وأورد مثالين ليطابق الممثل له من الفواتح، فإنّ بعضها مركب كالجمل وبعضها مفرد، وقد أشرنا إلى أنّ تفصيل المصنف رحمه الله مخالف لما في الكشاف من قوله ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل في مذهبه. (فائدة) قال ابن القيم في بدائع الفوائد: ألم مشتملة على الهمزة من أوّل المخارج من لحروف اعتمادا على اللسان، والميم من آخر الحروف لبداية والوسط والنهاية، وكل سورة افتتحت بها، فهي لمبدأ والمعاد وعلى الوسط من التشريع والأوامر فتأملها وتأمل الحروف المفردة فإن سورها مبنية عليها نحو ق إذ ذكر فيها القرآن والخلق، وتكرير القول ومراجعته والقرب وتلقي الملك قول العبد السائق والقرين والإلقاء في جهنم والتقدم بالوعيد وذكر المتقين والقلب والقرون والتنقيب والقيل، وتشقيق الأرض، وإلقاء الرواسي، عيد، ومعانيها مناسبة لشدة القاف، وجهرها وعلوها وانفتاحها وص ذكر فيها الخصومات مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 والاختصام عند داود صلّى الله عليه وسلّم، فإذا تأملت علمت أنه يليق بكل سورة ما بدئت به وهو سرّ من الأسرار البديعة اهـ. قوله: (ويوقف عليها وقف التمام إلخ) التمام بفتح التاء وميمين هذا هو الصحيح الموافق حدة فإن صحت، فالمعنى كوقف الكلام التامّ والوقف قطع من أهل الأداء إلى كامل وتام وحسن وناقص، وهو الذي رسموه قبيحا لأنه إما أن يتم الكلام عنده أم لا، والثاني الناقص نحو بسم ورب والأوّل إما أن يستغني عن تاليه أم لا، والثاني إما أن يتعلق به من جهة المعنى، فالكافي أو من جهة اللفظ، فالحسن والأول إما أن يكون استغناؤه استغناء كلياً أو لا، فالأوّل الكامل كأواخر السور والمفلحون في أول البقرة، والثاني التام كنستعين، وأحوال الوقف القرآني مفردة بالتاليف، وهي معلومة عند أهلها. قوله: (إذا قدرت بحيث لا تحتاج إلى ما بعدها) في الكشاف يوقف على جميعها وقف التمام إذا حملت على معنى مستقل غير محتاج إلى ما بعده وذلك إذا لم تجعل أسماء للسور ونعق بها كما ينعق بالأصوات، أو جعلت وحدها أخبار ابتداء محذوف كقوله عز قائلا: {الم اللهُ} [عمران: 1] ، أي هذه ألم ثم ابتدأ فقال {اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} اهـ فأشار إلى شرطي الوقف التام وهما كون الموقوف عليه غير محتاج لما بعده، وكون ما بعده أيضا مستقلا بنفسه غير مرتبط بما أصلاً والمصنف رحمه الله أخل بالشرط الثاني، فورد عليه أنه يصدق على الوقف على ألم إذا قدر قبله مبتدأ له خبران أحدهما ألم والثاني الله، وعنه احترز الزمخشري بقوله جعلت وحدها اخبار ابتداء محذوف مع أنّ الوقف حينئذ ليس بتام لفقد أحد شرطيه، والزمخشري أشار بالتمثيل إلى اعتبار الأمرين معا والمصنف رحمه الله لم يذكره فورد عليه ما ورد، وقول بعضهم: تركه اعتماداً على ما أشار إليه من الأمثلة المستقل ما بعدها بقوله إذا قدرت لا يخفى بعده، وكذا ما قيل: من أنّ مراد المصنف رحمه الله من الاحتياج التعلق بينهما بوجه مّا. قوله: (وليس شيء منها آية) هذا هو الصحيح كما في مصاعد النظر للبقاعي فما نقل عن المرشد من أنّ الفواتح في السور كلها آيات عند الكوفيين من غير تفرقة، وكذا ما في الكشف عن بعض الحواشي من أن ألم في آل عمران ليست بآية لا يعارض النقل الصحيح. قوله: (وهذا توقيف لا مجال للقياس فيه) في الكشاف هذا أي عد الآيات القرآنية علم توقيفي لا مجال للقياس فيه كمعرفة السور اهـ (أقول) أمّا عدد الآيات ففيه مذاهب خمسة مدنيّ ومكيّ وكوفيّ، وبصرفي وشاميّ، فالمدنيّ رواه شيبة المدنيئ مولى أمّ سلمة عنها، ويزيد بن القعقاع المدنيّ، والمكيّ رواه ابن كثير وغيره من أهل مكة عن أبيئ وابن عباس رضي الله عنهم، والكوفي عن حمزة بن حبيب الزيات مسنداً إلى عليّ رضي الله عنه، والبصريّ عن المعلى بن عيسى عن عاصم والشاميّ عن ابن ذكوان وابن عامر ومن ثمة اعترض الكوراني في كشف الأسرار بأنّ التوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجد في الآيات إذ لو كان كذلك لم يقع فيها اختلاف وليس كذلك لاتفاق أهل الأداء على نقل هذه المذاهب، وقد نقل ابن الصائغ في حواشي الكشاف عن شيخه الجعبريّ ما يقرب منه والجواب عنه ما في مصاعد النظر من أنّ موجب اختلافهم في هذا التوقيف كالقراءة قال أبو عمرو: وهذه الأعداد وان كانت موقوفة على هؤلاء الأئمة، فإن لها لا شك مادّة تتصل بها وإن لم نعلمها إذ كل واحد منهم لقي غير واحد من الصحابة وسمع منه، أو لقي من لقي الصحابة مع أنهم لم يكونوا أهل رأي واخترع بل أهل تمسك واتباع، وقال السخاوي رحمه الله: لو كان ذلك راجعاً إلى الرأي لعذ الكوفيون) الر " آية كما عدوا " ألم " ومثله كثير، وأمّا السور فقالوا إنّ عددها علم توقيفاً من رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ما روى أبيئ رضي الله عنه ما كنا نعلم آخر السورة إلا إذا قال عليه الصلاة والسلام: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ") 1 (. وأمّا ترتيبها الذي في مصاحفنا، وهو الذي في المصحف العثمانيّ المنقول من مصحف الصديق المنقول مما كتب بين يدي النبيّ عليه الصلاة والسلام وعليه القراء فهو توقيفي أيضا إلا أنه أورد عليه ما في صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة، ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت يركع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 بها، ثم افتتح سورة النساء، ققرأها ثم افتغ آل عمران فقرأها (1) إلخ فإنه كما قال القاضي عياض وحمه الله: يدل لما قيل من أنّ ترتيب السور وقع باجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف لا من النبيّ صلى الله عليه وسلم بل وكله لأمته بعده، وهو قول مالك رحمه الله وجمهور العلماء، وقال أبو بكر الباقلاني: هو أصح القولين مع احتمالهما، فليس بواجب في الكتابة والقراءة في الصلاة وغيرها، ومن قال بأنه توقيفيّ يؤوّل ذلك على أنه كان قبل التوقيف في العرضة الأخيرة، ولا خلاف في أنّ ترتيب آيات كل سورة على ما هو عليه الآن توقيفيّ كما فصله في شرح طيبة النثر. قوله: (ذلك إشارة إلخ الما لم تصح الإشارة إلى لفعل ألم على بعض الوجوه بين حينئذ أنه اسم للسورة أو ما يؤوّل بالمؤلف على الوجهين الأوّلين أو القرآن ولا يتأتى على بقية الاحتمالات السابقة المذكورة لعدم صحة الحمل والوصف الذي هو في معناه، وذلك في قول المصنف ذلك إشارة فيه إبهام ولطف ظاهر، وقيل: إنه يحتمل أن يراد به نفسه، وأن يراد به الإشارة إلى ما في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ا] ولا يخفى أنه يحتاج حينئذ إلى تكلف في اعتبار البعد، وهو بريء من التكلف. قوله: (أو فسر بالسورة إلخ) الكتاب كالقرآن يطلق على المجموع وعلى القدر الشاثع بين الكل والجزء، وهو معنى حقيقيّ لغويّ إذ الكتاب بمعنى مطلق المكتوب فيصح إطلاقه على السورة بلا تكلف، فإذا كان تعريفه للعهد الحضوري أي هذا المقدار الحاضر منه تمّ المراد، فما قيل من أنّ السورة حينئذ يراد بها جميع القرآن مع مخالفته لما عليه اكثر من تفسيرها بالسورة يأباه كل ذوق سليم وكذا كون الكتاب اسم الكل تجوز به عن البعض منه، فإنه تعسف مستغنى عنه. قوله: (فإنه لما تكلاً به وتقضى إلخ) اختلف النحاة فيما وضعله اسم الإشارة فقيل: منها ما وضع للقريب ومنها ما وضح للمتوسط، ومنها ما وضع للبعيد وقيل إنما هي على قسمين بعيد وقريب دون توسط، وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل للمذهبين ولما كانت الإشارة هنا لألم، وقد ذكر آنفاً فليس ببعيد تبادر الذمن للسؤال عنه، فبينه بوجهين أردفهما الزمخشريّ بثالث هو من تتمة الثاني كما ستراه قريباً، فالأوّل أنّ ذلك لتقضي ذكره، والمتقضي كالمتباعد والإشارة إليه بما يشار به إليه مشهور جار في كل كلام، ولذا قيل: ما أبعد ما مض، وما قد ناتا وفي المثل أبعد من أمس فهو لكونه متقضياً معداً للعدم في حكم البعيد لا بعيد عن الوجود كما قيل، وليس المراد أنه لفظ من قبيل الأعراض السيالة الغير القارّة فكل ما وجد منه اضمحل، وتلاشى وصار صتقضيا غائبا عن الحس وما هو كذلك في حكم البعيد كما توهمه بعضهم، فإن هذا ناشىء من عدم فهم المراد، وسيأتي توضيحه وأنه لا يختص بالألفاظ بل يجري فيها، وفي المعاني والأجسام القارّة ألا ترى تمثيل العلامة لهذا بقوله تعالى: {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] فافهم ترشد والثاني أنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه وقع في حذ البعد كما تقول لصاحبك، وقد أعطيته شيئا احتفظ بذلك وهذا أمر مطرد في العرف أيضا واعترض عليه بأنه قبل الوصول إلى المرسل إليه كان كذلك. وأجيب بأنّ المتكلم إذا ألف كلاماً ليلقيه إلى غيره فربما لاحظ في تركيبه وصوله إليه وبنى كلامه عليه، وقيل: لم يرد بالمرسل إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل من وصل إليه حال إيجاده بمنزلة السامع لكلامك كملك الوحي، وردّ بأنه مخالف لما يفهم من العبارة، وأيضا إن أراد باللفظ الذي وصل للسامع لفظ ألم، فذلك ليس إشارة إليه وان أراد لفظ جميع السور أو المنزل فقبل أن يصل إليه الجميع كان ذلك على حاله كذا قال قدس سرّه تبعا للفاضل المحقق، ثم قال: ذكر بعضهم إنّ السؤال مخصوص بكون ألم اسما للسورة، وهو عام ويؤيده قوله أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل ونحوه، ويمكن أن يقال لما كان مجموع المنزل مرموزا إليه غر مصرح به كالسورة نزل لذلك منزلة البعيد أيضاً، ثم إنّ اسم الإشارة موضوع للمشار - إليه إشارة حسية، ولا يستعمل كي غيره إلا بتنزيله منزلته كما قال السكاكيّ المشار إليه باسم الإشارة امّا مدرك بالبصر أو منزل منزلته، فذلك إن كان إشارة إلى ألم فمدلوله سواء كان اسما للسورة، أو رمزاً لجملة المنزل ليس مبصرا بل منزل منزلته، فإن نظر إلى ابتداء نزوله كان كمعنى حاضر يجعل كالمشاهد لذكره، وفي حكم ألبعيد لزوال ذكره وتقضيه، وان نظر إلى أنه لم ينزل كلتمامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 كان كتائب ضمير يجعل كالمشاهد البعيد لما ذكر، وجاز أن تعلل مثاهدته بالذكر وبعده بتقدير وصوله إلى المرسل إليه ووقوعه في حال البعد، وقد توهم بعضهم أنّ المشار إليه إذا كان مذكورا مع اسم الإشارة صفة له لم يلزم أن يكون محسوساً فضلاَ عن أن يكون مشاهدا فلا حاجة لتأويله، وليس بشيء لأنّ المعتبر هنا الإشارة الحسية التي لا تتصوّر في غير مشاهد، فغيره منزل منبزلته فإنّ كل غائب عينا أو معنى إذا ذكر يشار إليه بالقريب نظرا لذكره، وبالبعيد لتقضيه نحو بالله الغالب الطالب في ذلك أو وهذا قسم عظيم لأفعلن كذا، والأغلب أن يؤتى بالقريب اهـ. (أقول) : ما في الكشاف، وكلام المصنف مأخوذ من أئمة العربية وتحقيقه كما نقله أبو حيان في شرح قوله في التسهيل: قد يتعاقب صيغة البعيد والقريب مثارا بهما إلى ما ولياه كقوله تعالى في: قصة عيسى عليه الصلاة والسلام {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ} [آل عمرأن: 58] ثم قال {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 62] وله نظائر في الكتاب الكريم ونقله الجرجاني وطائفة من النحويين وأنشدوا تأمّل حقاً إنني أنا ذلكا. وقال السهيلي: إنه باطل لأنّ الشاعر إنما أراد ذلك الذي كنت تحدث عنه، وتسمع به هو أنا، والذي حداهم إليه قوله تعالى {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ا] فإنّ معناه هذا الكتاب ألا تراه قال في آية أخرى، وهذا كتاب أنزلناه فهذا وذلك فيه بمعنى، وليس كذلك لأنّ الإشارة في هدّه الآية إلى ما حصل بحضرتنا وانفصل عن حضرة الربوبية بالتنزيل، فصار مكتوبا مقروءا، فالمعنى ذلك الكتاب الذي عندك يا محمد والمتكلم يقول هذا لما عنده وذلك لما عند المخاطب أو غيره، وقوله: ألم بحروف التهجي التي تقطع بها الحروف، وتكتب حرفا حرفا، والكتابة والتلفظ إنما هو في حقنا وإذا لم تذكر هذه الحروف قيل هذا كتاب أنزلناه، لأنه عنده سبحانه على ما هو عليه حقيقة، وعندنا هو متلوّ مكتوب كما يليق به، فاقتضته البلاغة والإعجاز فصلاً بين المقامين وتفرقة بين الإشارتين اهـ. (أ-دول) هذا معنى بديع ونظر لطيف رفيع علم منه معنى الوجهين المذكورين هنا أمّ الأوّل فقد مرّ ما يكفيك مؤنة بيانه، والمراد من الثاني أنّ من أعطى غيره شيئا أو أوصله إليه، ثم ذكره فإن ى ن عنده، أو لاحظ كونه عنده عبر بهذه لأنه في حضرة القرب منه، فإذا أوصله لغيره أو لاحظ وصوله له عبر بذلك لأنه بانفصاله عنه بعيد، أو في حكمه كما قيل: كل ما ليس في يديك بعيد. وليس هذا هو البعد والقرب الرتبي كما يوهمه كلام الشرّاح هنا، ولما لم يتفطن له بعض أرباب الحوإشي صرح به لظنه أنه اهتدى له ومن لم يهد الله فما له من هاد، وقول المعترض: إنه كان قبل الوصول كذلك مبنيّ عليه، فالاعتراض وجوابه ليس بشيء وتخصيصه بالألفاظ لا يطابق قول العلامة، كما تقول لصاحبك، وقد أعطيته شيئا: احتفظ بذلك. وكون المراد بالمرسل إليه ليس هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا مرية في صحته لمن تحقق ما حكيناه عن النحاة آنفا وكونه مخالفا لما يفهم من العبارة دعوى قام الدليل على خلافها. وقوله وأيضاً إلخ كلام فارغ لا حاصل له، وقد قيل عليه إنه إن أراد أنّ ألم ليس بمشار إليه مطلقا، فممنوع، وان أراد من حيث لفظه فمسلم، لكن المدعي أنه مشار إليه من حيث كونه رمزا للمؤلف من الحروف، وما قيل: من أنّ رجوعه له من هذه الحيثية رجوع لمسماه فيرد عليه ما يرد عليه لا يخفى ما فيه، وأمّا ردّه على الفاضل، فغير وارد لما في شرحه للمفتاج من أن وضع أسماء الإشارة للإشارة إلى محسوس وان كان استعمالها في غيره أكثر من أن يحصر وإذا شاع مثله وقارنه الوصف الدال على المشار إليه تقوى بذلك حتى صح أن يقال إن مثله حقيقة في عرت التخاطب، وله شواهد " لولا خوف الإطالة أوردناها والعجب منه أنه أنكر هذا أشد إنكار، ورجح ما هنا على ما في المفتاح بأنه صار حقيقة فيه فما الفرق بين اللفظ المتقدم والمتأخر، ثم إنّ صاحب المفتاح ومن تبعه من أهل المعاني ذهبوا إلى أنّ نكتة الإشارة هنا تعظيم المشار إليه بالبعد تنزيلاً لبعد درجته، ورفعة محله منزلة بعد المسافة، وقد يقصد به تعظيم المشير كقول الأمير لبعض حاضريه ذلك قال: كذا ولم يذكروا ما في الكشاف لظنهم أنه مصحح لا مرجح، كما ذهب إليه بعضهم، فلا مخالفة بين المسلكين وكلام المطوّل يميل له، وأمّا كونه محصل الوجه الثاني لأنه بعد رتبي مآله التعظيم فتعسف ياباه النظر السديد، فالحق أنّ المصحح هنا كونه محسوساً أو منزلاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 منزلته والمرجح تقضي لفظه وتقدّمه ملاصقاً له أو وصوله من المرسل، وقد قالوا: إنّ ما في الكشاف أرجح لأنه أشهر في العرف، وأجدى في المراد، حتى ادعوا انه صار حقيقة وقد سمعت قول الإمام السهيلي رحمه الله أنه مقتضى المقام والإعجاز. وقوله بالله الطالب الغالب وقع كذا من النحاة والفقهاء، وقد قيل عليه إنّ إطلاق الغالب على الله قد ورد في القرآن في قوله تعالى {غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] وأمّا الطالب فلم يسمع إلا في حديث ضعيف قاله السيوطي رحمه الله تعالى، وهذه مشاحة في المثال. قوله: (وتذكيره متى أريد إلخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو إذا كانت ألم اسم السورة فلم لم يؤنث وأمّا كون ألم علماً لمنزل مخصوص ولا تانيث في لفظه فحقه أن يشار إليه بمذكر واطلاق السورة لا يقتضي تأنيثه إلا إذا عبر به عته كما إذا عبر عن زيد بالتسمية، فقد أجيب عنه بأنه لما اشتهر التعبير عن ذلك المنزل بالسورة، واستمرّ ذلك حتى صار كأن حقه أن يعبر عنه بها، فيقال سورة البقرة مثلاَ، وقصد بوضع العلم تمييزه عن سائر السور كان اعتبار كونه سورة ملحوظا في وضعه له، وكان قوله ألم في قوّة قوله هذه السورة، فحقه أن يؤنث بخلاف إعلام الأماكن والقبائل التي يعبر عنها تارة بألفاظ مذكرة، واخرى بالفاظ مؤنثة ولم يستمرّ فيها شيء منهما فإنه يجوز تذكيرها وتانيثها، فكون مسماه لا يعرف إلا بلفظ مؤنث يقتضي أنه مؤنث سماعيّ، وسيأتثي تحقيقه في سورة آل عمران، فما قيل من أنه لا حاجة لتوجيه التذكير لأنّ الإشارة إمّا للفظ ألم أو لمسماه، وليس واحد منهما بمؤنث غنيّ عن الجواب، وما قيل عليه: من أنه لا وجه لاعتبار الكتاب صفة، وجعل ذلك إشارة إليه إلا أن يحمل الكتاب على المعنى اللغوي أي المكتوب، واللام على الجنس، فإن جعلت للعهد لا يظهر هذا، وأنه يبعد تذكير العائد إلى المذكور بلفظ مؤنث خاص به بمجرّد أنه يجوز التعبير عته بلفظ مذكر غير خاص به مع أنّ الكلام في ابتداء النزول قبل الاشتهار، اللهمّ إلا أن يلاحظ حال الانتهاء كما مرّ نظيره، ليس بوارد عليه لأنّ وصف الإشارة بمذكر هو عينه لتبيينه به لا محذور فيه، كما إذا قلت مكة ذلك المكان الذي شرّفه الله، وليس هذا كتذكير الضمير حتى يرد عليه ما سيأتي عن ابن الحاجب رحمه الله، وما قيل: من أنّ كلام المصنف رحمه الله يدلّ على أنه إذا لم يرد به السورة بل المؤلف، أو المتحدى به لم يحتج تذكيره لتاويل ردّ بأنّ ما ذكر لا يصلح وحد. لأن يكون مسمى السورة لصدقه على الجميع وما قيل من أنّ لفظ تذكير في قوله لتذكير الكتاب فيه لطف لإيهامه إرادة الموعظة بعيد عن السياق جدّاً. قوله: (فإنه صفته إلخ الا ياباه كونه جامدا لأنه جائز في اسم الإشارة كما ذكر النحاة، وقيل: إنه عطف بيان وعلى هذا ذلك الكتاب خبر (ألم) وإذا كان خبرا، فالجملة خبره واسم الإشارة سادّ مسد العائد وهذا إشارة إلى ما قاله ابن الحاجب في الإيضاح: من أنّ كل لفظتين وضعتا لمعنى واحد واحدهما مؤنثة والأخرى مذكرة، وتوسطهما ضمير، أو ما يجري مجراه كاسم الإشارة، لأنه يوضمع موضع الضمير كما صرح به النحاة جاز تأنيثه، وتذكيره واعتبار الخبر أولى لأنه محط الفائدة، وأمّا الاستشهاد له بمن كانت أمّك فغير مسقم لأنه لا يتعين رجوع الضمير لأمّك لاحتمال رجوعه لمن باعتبار معناه، ولذا تركه المصنف رحمه الله وقد قيل إنّ القاعدة المتقولة عن ابن الحاجب إنما هي في الخبر، ولم يذكرها النحاة في الصفة، فكأنهم قاسوها عليه، لكن تعليل ابن الحاجب يقتضي الفرق بين الصفة والخبر. وأجيب بأنّ قولهم الأوصاف قبل العلم بها اخبار تصريح بذلك مع أنّ المثبت مقدم على النافي. وقال الزمخشريّ: إذا جعل الكتاب صفة، فاسم الإشارة إنما يشار به إلى الجنس الواقع صفة له، والذي هو هو صفة الخبر أي عينه ويعلم منه حال الصفة بالمقايسة عليه. قوله: (أو إلى الكتاب الخ) فتكون صفته، وهي الكتاب هي المشار إليه حقيقة لا ما قبله لأنّ اسم الإشارة مبهم إلذات وإنما يتغير ذاته ويرتفع إبهامه بالإشارة الحسية أو بالصفة ولذا التزم في نعته أن يكون معرفا بأل أو موصولاً لأنه بمعناه، وأوجبوا فيه المطابقة وعدم الفصل، وظاهر كلام الزمخشريّ أنّ تعريفه للجنس كما مرّ. وقيل: إنه إشارة إلى الكتاب الحاضر، فاللام للعهد الحضوري وقال ابن عصفور كل لام واقعة بعد اسم الإشارة، او أيّ في النداء، أو إذا الفجائية فهي للعهد الحضوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 فالكتاب مثار إليه صريحا لا ضمناً كما في الوجه الأول فوجب أن يطابقه في تذكيره، وان كان بمعنى المؤنث، وأمّا أنّ السورة مسماة بالكتاب، فجاز أن تذكر الإشارة إليها لذلك مع قطع النظر عن الخبر، فهو وجه آخر توهم بعضهم إنّ قول الزمخشريّ صريحاً إشارة إليه، كما قال قدس سرّه والإشارة إلى الصفة لا غير والمصنف رحمه الله جوّز أن يشار إليه، والى ألم فتدبر. قوله: (والمراد به الكتاب إلخ) ظاهر. أنه على هذا أعني الوصفية الكتاب هو الموعود وتعريفه للعهد الخارجي وهو مخالف لما في الكشاف فإنه جعله وجهاً مستقلاً فقال: وقيل: معناه ذلك الكتاب الذي وعدوا به، وقال شراحه: إنه جواب آخر بأنه ليس إشارة إلى ألم بل إلى الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أو بقوله {سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] لتقدم نزوله، لكن قيل: الأنسب على هذا وعد به، ولما لم يكن هذا الجواب مختارا أخر. وان اقتضى ترتيب البحث تقديمه بأن يقال ليس ذلك إشارة إلى ألم وان حمل عليه فهو في حكم البعيد لجعل بعد ذكره في العدة بمنزلة بعده نفسه، وقيل: جعل كالمحسوس بناء على صدق الوعد والموعود إذا حمل على ما في التوراة والإنجيل، وهو القرآن فلا يصح حينئذ أن يكون ذلك الكتاب خبرا لا لم، لكونه جزأه لا هو إلا أن يراد بألم القرآن كله أو يجعل موعوداً في ضمن كله، أو يجعل مبالغة كانت الرجل علماً، وإذا حمل على الموعود الآخر صح، وفيه نظر، لأنّ الموعود هو النبيّ عليه الصلاة والسلام لا الأنبياء السابقون، وإنما هم مبشرون أو واعدون لتبليغهم الوعد فالجمع على كل حال للنبيّ عليه الصلاة والسلام وأمّته ثم إنّ كلام المصنف رحمه الله مخالف للكشاف، لأنه جعل الوعد توجيهاً للبعد والمصنف رحمه الله جعله توجيها للتذكير، ولم يخصه بالوصفية والمصنف خصه، ولا يخفى أنّ مسلك العلامة أظهر، فلا وجه للعدول عنه. قوله: (وهو مصدر إلخ) فهو كالخطاب سمي به المكتوب كالضرب بمعنى المضروب جعل لكمال تعلقه به كأنه عينه للمبالغة قال الراغب: الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة يقال: كتبت السقاء وفي المتعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض، والأصل في الكتابة النظم بالخط، وقد يقال ذلك للمضموم بعضه إلى بعض باللفظ لكن قد يستعار كل واحد للآخر، ولذا سمي كتاب الله وإن لم يكن كتابا والكتاب في الأصل مصدر ثم سمي المكتوب كتاباً، والمكتوب فيه كالكتاب في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيها اهـ، وهو مأخذ المصنف رحمه الله وحاصله أنّ أصل حقيقته في اللغة مطلق الضم، ثم خصى بفرد منه وهو ضم الحروف بعضها إلى بعض في الخط، وصار حقيقة فيه لغة أيضاً، ثم شاع في عرف اللغة إطلاقه على الخط والصحيفة المكتوب فيها، فلا يسمى قبل الكتابة كتابا وليس هذا مجازاً من إطلاق الحال على المحل فمن نقل عن الراغب ما اعتوض به على المصنف رحمه الله لم يصب. قوله: (وقيل فعال بمعنى المفعول إلخ) هو على هذا التقدير وما قبله بمعنى المكتوب خطا إلا أنه على الأوّل مجاز وعلى هذا حقيقة، ثم عبر به عن المنظوم عبارة قبل أن تنضم حروفه التي يتألف منها في الخط تسمية له بما يؤول إليه مع المناسبة، والانضمام الاجتماع لانضمام الحروف لفظا أو خطاً، ولا وجه لما قيل من أنه فيهما مجاز غير أنّ التجوّز في الأوّل في الإسناد وفي الثاني في تفسير الكلمة. وقوله: (وأصل الكتب الجمع) بيان للعلاقة بين الكتاب والعبارة في ضمن بيان ما وضع له أو لا، والأصل له معان في اللغة فيكون بمعنى ما يبني عليه غيره، وبمعنى المحتاج إليه كما في المحصول، وبمعنى ما يستند تحقق الشيء إليه كما في المنتهى، وما منه الشيء ومنشؤه، والمراد هنا الأخير وله في الاصطلاح أيضا معان الدليل والراجح والقاعدة الكلية والصورة المقيس عليها وقوله ومنه الكتيبة هي الجيش، أو جماعة الخيل المغيرة من مائة لألف، وفصله بقوله منه على عادة أهل اللغة في بيان ما يؤخذ من الأصل لمناسبة معنوية وان لم تكن ظاهرة. واعلم أنه على خبرية الكتاب معناه أنّ ذلك هو الكتاب الكامل كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص وهو المستأهل لأن يسمى كتاباً كقوله: هم القوم كل القوم يا أمّ خالد لإفادة هذا التركيب الحصر لأنه لا عهد فلامه جنسية ووصف بالكامل تنبيها على أنّ المقصود من حصر الجنس حصر الكمال، وإلا لم يصح إلى آخر ما فصل في الكشاف وشروحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 والمصنف رحمه الله لم يتعرّض له لما فيه من الخفاء والإبهام، وقوله: بمعنى المفعول ظاهر، وفي بعض النسخ بني للمفعول، وهو إن صح فبنى معناه صيغ لبيان معنى المفعول، وهو أحد معاني البناء المارة. وقوله: (ثم أطلق على الننظوم إلخ) ولم ينظر حينئذ إلى أنه حروف مجموعة وأصله الجمع مطلقا لأنه أصل مهجور هنا فلا يقال إنه مضيّ إلى المجاز بلا ضرورة كما توفم. قوله: (معناه أنه لوضوحه إلخ (جواب عن أنه كيف نفى الريب استغراقا مع كثرة المرتابين والريب، أي هو لوضوح شأنه، ونير برهانه لا يرتاب فيه ذو نظر صحيح فتعين أنه وحي معجز وما سواه بمنزلة العدم لا يعتد به، ولا بارتيابه فمعنى نفيه عنه أنه ليس محلاً له، ولا مظنة عند العاقل المنصف ولذا قيل إنه لنفي اللياقة، والسطوع ظهور النار والنور، وارتفاعهما استعير لغاية الظهور وقوله بحيث خبر أن وما بينهما اعتراض، وحد الإعجاز له معنياه نهايته ومرتبته والإضافة بيانية أي النهاية التي هي الإعجاز، أو مرتبة هي الإعجاز، وسيأتي تنويره في تفسير قوله تعالى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وقد قيل عليه: إن بلوغه حذ الإعجاز هو برهانه الساطع، فالأولى أن يقتصر على كونه وحيا، ولا يذكر قوله بالغا حد الإعجاز، وقيل السطوع إجمال والبلوغ المذكور تفصيل له، والإجمال لا يغني عن التفصيل، على انّ قوله بالغاً إلخ من تتمة بيان محل الارتياب المنفي بعد النظر الصحيح وتلخيصه أنّ ظهور برهانه بحسب نفس الأمر يوجب نفي الارتياب بعد النظر الصحيح في كونه بالغا حذ الإعجاز، فهذا كالعلة لعدم الارتياب في كونه وحياً، فليس في الكلام ما يستغنى عنه حتى يقال: إن الأولى تركه والأحسن أن يقال: إنّ قوله لوضوحه أي لظهور أحواله المخصوصة به علة لكونه وحيا وسطوع برهانه أي كونه في القوّة والنور المبين غير خفيّ علة لبلوغه حد الإعجاز، ففيه لف ونشر. قوله: (لا أنّ أحداً لا يرتاب فيه إلخ) عطف على معناه أي المعنى هذا لا هذا، وقوله: ألا ترى بتاء الخطاب تأييد للنفي وعبر بما ذكر للدلالة على أنه لغاية وضوحه كالمحسوس الذي يرى وبعض الطلبة يقرؤه بالياء التحتية المضمومة تأدبا، والرواية بخلافه أو عدل عن قوله في الكشاف ما نفى أن أحداً لا يرتاب فيه وإنما المنفي كونه متعلقاً للريب، ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة، وسطوع البرهان، بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه إلخ. فغير العبارة وقدم وأخر إشارة إلى ما فيه مما لا يرتضيه لأنه كما اتفق عليه شراحه كان الظاهر أن يترك لا من قوله إنّ أحدا لا يرتاب إلخ لثلا يفسد المعنى لأنّ نفي نفي الريب إثبات له، وقد وجه بما لم يصف من الكدر فقيل: لا زإئدة وليس بشيء، وقيل: في نفي ضمير مستتر راجع للريب بقرينة السؤال وقيل: إن قبل أنّ حرف جرّ مفدّر، لأنها مفتوحة رواية ودراية، فكسرها توهم فارغ وتقديره ما نفى الريب بأنّ أحدا، أو لأنّ أحداً، أو على معنى أنّ أحداً لا يرتاب فيه، وردّ بأنّ المنفي حينئذ العلة، والتفسير فلا يقابله قوله وإنما المنفي إلخ. فالواجب أن يقال: وإنما نفي لعلة، أو على معنى آخر، وفيه نظر والأحسن ما قاله المحقق من أنّ في الكلام نقصا نوّه عنه لما أشار إليه بعض الفضلاء من أنّ المقابلة نظرا لمآل المعنى، ومحصله أو هو وارد على خلاف مقتضى الظاهر مثلاً بل المعنى ومثله أكثر من أن يحصر، وقيل: معناه ليست القضية الماتي بها سالبة هي هذه فالنفي بمعنى الإتيان بالخبر سالباً لا بمعنى الإعدام، فتصح المقابلة لا أنّ الكلام في استعمال النفي بهذا المعنى مع أنّ الحكم بزيادة لا أقل تكلفا منه كما قال قدس سرّه: والظاهر أنّ النفي بهذا المعنى في كلام المصنف، وعرف التخاطب غير عزيز، وما ذكره من المقابلة غير مسلم، فإنّ المنفي في قوله: إنما المنفي ليس بذلك المعنى، فلا تصح المقابلة ظاهرا والتكلف في تصحيح الأوّلين أقل من التكلف في هذا، ثم قال قدس سرّه: وفي مبالغته في الحصر بقوله وإنما إلخ إشارة إلى أنه ليس المنفي ههنا إلا كون القرآن محلاً صالحا في نفسه لتعلق الريب به، ومظنة له بل هو لوضوج الدلالة وسطوع البرهان على كونه حقا منزلاً من عند الله بحيث لا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه، وهذا معنى صحيح لا يقدح في صدقه ارتياب جميع الناس فضلاً عن ارتياب بعضهم "، وفي اختيار إنما إشعار بأنّ كون المنفي ما ذكره أمر مكشوف، كما تقول بعد تلخيص مسئلة على وجه صواب هذا مما لا شك، ولا شبهة فيه مع تردّد المخاطب فيها تريد أنها يقينية لا يليق بأحد أن يشك فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وتقول لمن ينكر أمراً لا إنكار فيه أي ليس هو محلاً للإنكار وخليقا به هذا زبدة ما حققه السيد السند وفيه مؤاخذات مفصلة في حواشي المطول لا حاجة لإيرادها هنا، والحق كما قاله بعض الفضلاء أنّ في عبارة الكشاف تعسفا على سائر الوجوه فلذا عدل عنها المصنف رحمه الله، فلفه دره. قوله: ( {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] ) قيل: إنّ مراد المصنف أنّ وجود الريب وان تحقق إلا أنه منزل منزلة العدم لأنه لا يصدر عن عاقل تدبره، وما يصدر عن غيره لا عبرة به، فكأنه غير موجود رأسا فنفيه عنه نفي لكونه محلاَ له، ومظنة لثبوته والدليل على أنه أراد هذا تأييده ما مرّ بقوله ألا ترى إلخ، فليس حاصل جوابه تخصيصا لنفي الريب، كما توهم بل يثير إلى ما نقل هنا عن بعض الفضلاء من أنّ ما في الكشاف معناه ليس القرآن مظنة للريب، ولا ينبغي أن يرتاب فيه، فقيل عليه: إنه مثنة لريب المرتابين ومع تحقق المئنة كيف يصح نفي المظنة وقول المصنف لا يرتاب العاقل بعد النظر الصحيح تخصيص لنفي الريب العام، ولو صح هذا ما أشكل على أحد، وقد استشكله مهرة المفسرين، فالأصح أنّ معنى ما في الكشاف أنّ الريب بمعنى جنسه منفي على عمومه، وإن كان المتقي في الحقيقة استحقاق الريب ولياقته به لا هو نفسه، وليس المراد تقدير الاستحقاق فيه، ولا أنّ المنفي وجوده بل تعلقه بالقرآن تعلق الوقوع من غير نظر إلى تعلقه بالمرتاب فضلاَ عن أن يكون المنفي هو التعلق الثاني، وذلك أنّ الارتياب له نسبة إلى الطرفين، وكل ما هو كذلك يجوز أن يكون مناط إيجابه، وسلبه تعلقه بأحد الطرفين ليس إلا كما بين في محله، فإن قلت إنهم قالوا قراءة لا ريب بالفتح نص في الاستغراق لأنّ نفي الجنس مستلزم له قطعا، فكيف يتأتى ادّعاء التخصيص قلت: هذا غير مسلم لما قاله بعض المدققين: من أن الموجبة الجزئية والسالبة الجزئية لا يتناقضان، فيجوز أن ينتفي الجنس في ضمن فرد ويثبت في ضمن فرد آخر، إلا أن يقال المفهوم بحسب العرف من نفي الجنس بلا تقييد نفيه بالكلية، وأيضا لا يظهر الكلام على رأي من جعل اسم الجنس موضوعا بازاء فرد، ومن ههنا تبين لك أنه لا فرق بين كلام الشيخين لمن كان صادق النظر. قوله: (فإنه ما أبعد عنهم الريب إلخ) أي لم يجعل الريب بعيداً عنهم فما نافية لا تعجبية وقد أورد عليه أنّ قوله ما أبعد إلخ لا يناسب ما قبله بل المناسب له أن يقول إنّ إن الشرطية هنا بمعنى إذا إلا أنه قصد توبيخهم على الإرتياب، فصوّر بصورة ما لا يثبت إلا على سبيل الفرض والتردد لوجود ما يقلعه من أصله، أو على من لم يقطع بارتيابه على المرتابين وأيضاً إنّ ظاهر قوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة: 23] الآية لا يفيد القطع بوجود الريب فلا يلائم قوله: لا أن أحداً لا يرتاب إلخ ليحصل التأييد، فالمناسب أن يؤيد بقوله: {مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى} [سبأ: 43] ونحوه وأجيب بأنّ القطع بوجود الريب كما أنه ينافي القطع بانتفائه كذلك تجويز الريب ينافي القطع بانتفائه واختيار هذه الآية لوجود لفظ الريب فيها وليس بشيء لمن تدبر السياق، لأنّ المصنف رحمه الله قصد بما ذكر. تنوير أمرين أحدهما إنّ معناه نفي ارتياب العاقل بعد النظر الصحيح. والثاني عدم إرادة نفي الإرتياب مطلقاً بقوله ما أبعد الريب إلخ أي جوّزه بكلمة الشك وان كان تجويزه لا يستلزم نفي إبعاده لجواز أن يجوز أمر بعيد لأنه إنما يتأتى إذا كانت كلمة الشك على حقيقتها، وليس كذلك فإنه عبر هنا بصورة الشك عن ريب محقق قطعاً إشعاراً بأنه ليس في محله لسطوع برهانه، وبقوله بل عرفهم الطريق المزيح إلخ فإنه يفيد نفي الارتياب بعد الإزاحة، فظهر أن لا ريب نفي لجنس الريب، رآلمراد منه نفي الريب الخاص، كما مرّ للعلم بوجود جنس الريب بدليل العقل والنقل، وتعيين هذا المعنى المجازي بسطوع البرهان، فلا وجه لما تكلف من البيان. قوله: (عرّفهم الطريق المزيح الخ) المزيح بضم الميم وكسر الزاي المعجمة والياء المثناة التحتية، ثم حاء مهملة كالمزيل لفظاً ومعنى وضمير له للريب وهو للطريق، لأنه يذكر ويؤنث أو للمزيج، لأنه ففسر له، والاجتهاد في الأمر أن يأتي به على أبلغ ما في وسعه وطاقته، ومنه الاجتهاد في الأمور الشرعية، والنجم المقدار عنه الذي يحصل به التحدي، والنجوم المقادير المفرقة والقرآن نزل نجوما، ونجم عليه الك ين نجعله نجوماً أي مقادير معينة يقال: نجمت المال إذا وزعته، كأنك فرضت أن تدفع إليه عند طلوع كل نجم نصيبا، - ثم صار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 متعارفا في تقدير دفعه بأي شيء قدرت ذلك كما قاله الراغب والجهد بالضمّ الطاقة وما يقدرون عليه. وقوله: (أن ليس فيه مجال للشبهة) هذا ناظر لقوله لا يرتاب العاقل بعد النظر الصحيح، وأصل المجال محل الجولان، وهو الحركة في الجوانب، وهو كناية عن نفي الشبهة على أبلغ وجه كما يقال لا محل له. قوله: (وقيل معناه إلخ) هذا معطوف على معناه السابق، وهو جواب آخر عن السؤال السابق في توجيه نفي الريب والمرتابين كما مرّ، وعلى هذا فيه صفة لاسم لا وللمتقين خبر لا، ومرّضه المصنف رحمه الله الما قيل عليه من أنّ المعروف في الظرف الواقع بعد لا أن يكون خبراً لا صفة، والمناسب لمقام المدح نفي الريب مطلقا مع أنه ينبو عن وصل المتقين بالذين إذ المعنى حينئذ لا شك في حقيته للمتقين المصدقين بحقيته، ولا يخفى ما فيه، والظاهر توجه النفي إلى القيد حينئذ فيختل المعنى إذ يلزمه وجود الريب إذا لم يكن هاديا مع تنافي القيد، والمقيد ظاهراً وما قيل: من أنه قيد للنفي لا للمنفي حتى لا يرد ما مرّ لا يدفعه، لأنه إثبات لما هو منشأ الإشكال، ونفي لما لم- يصدر عن صاحب هذا المقال، فإن أريد الرذ على غيره، فلا مشاحة ولا جدال. (أقول) ما توهمه من أنّ منشأ الإشكال كونه قيدا للنفي ليس بصحيح إنما منشؤه أنه إذا لم يكن هديا اقتضى ثبوت الريب فيه للمتقين، وهو فاسد لأنّ المتقي لا يرتاب أصلاً، ولذا قيل إنّ الحال على هذا الأزمة، فلا يبقى للإشكال مجال، وأمّا جعله قيدا للنفي، كما في قوله تعالى: {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [الطور: 29] وقوله ونجي التلخيص لم أبالغ في اختصاره تقريبا فهو مستقيم لكنه لا يدفع الإشكال، وكونه لا يقول به صاحب هذا المقال دعوى غير مسموعة نعم تمريض المصنف له ظاهر لعدم املاءمته للسياق، وقلة جدواه، فإنّ المتقي لا يتصوّر منه الريب حتى ينفي. قوله: (وهدي حال من الضمير المجرور) نفي الراجع على القرآن والمصدر يقع حالاً مبالغة بجعله عين الهدي أو مؤوّلاً بالتأويل المشهور. وقوله: (والعامل فيه) أي في الحال، لأنها تذكر وتؤثث والمراد بالظرف لفظ فيه لأنّ الظرف يطلق على أسماء الظروف نحو عند وحيث، وعلى الجارّ والمجرور لا سيما وفي الجارّة هنا ظرفية وفيه تسامح لأنه أراد بالظرف متعلقه وهو حاصل أو استقرّ، لأنه هو الصفة والعامل حقيقة في الضمير محلاً فلا يرد عليه أنّ العامل في الحال، وهو متعلق الظرف غير العامل في ذيها، وهو في الجارّة حتى يقال إنه على رأي من لم يثترط إتحاد عاملهما قيل: وهذا هو السرّ في إطناب المصنف هنا بقوله والعامل إلخ وأما تعلق فيه بريب، فردّ بأنه يكون مطوّلا، فيتعين نصبه على اللغة الفصيحة، وإن وجه بأن المراد أنه معمول لما دلّ عليه الريب لا له نفسه كما في الدرّ المصون. قوله: (والريب في الأصل) أي هذا معناه في أصل اللغة ثم استعمل في الشك والكذب والتهمة، وهو مصدر أيضا لكنه بحسب أصل اللغة مجاز من استعمال المسبب في السبب كما أيثحار إليه بقوله: لأنه يقلق قال أبو زيد: يقال رابني من فلان أمر إذا كنت مستيقنا منه بالريب، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن منه بالريب قلت: أرابني من فلان أمر هو فيه إرابة وقد أبان الفرق بين راب وأراب بشار في قوله: أخوك الذي إن ربته قال إنما ~ أراب وان عاتبته لان جانبه والارتياب يجري مجرى الإرابة كما قاله الراغب. وقوله. حصل بتشديد الصاد المهملة من التحصيل، والريبة بكسر الراء، وقلق النفس أصله عدم السكون والقرار كتقلب المريض على فراشه، والإضطراب بمعناه لأنه افتعال من الضرب ويقابله الإطمئنان، ثم عمّ الحركات الحسية والمعنوية. قوله: (سمي به الشك إلخ (ظاهر قوله سمي أنه حقيقة في معنى الشك ويشهد له ظاهر كلام الأساس وغبره من كتب اللغة إلا أن سياقه. وقوله. (لأنه يقلق إلخ (يأباه، ولذا قال: أرباب الحواشي إنّ المصنف رحمه الله أراد أنه عدل به عن معناه المصدري واستعمل في معنى الشك مجازا بعلاقة السببية بذكر المسبب وإرادة السبب، ولو أريد معناه الأصلي لقيل لا ريب له فسمي هنا بمعنى استعمل وهو كثيراً ما يستعمل بهذا المعنى، وان كان الأكثر أنه بمعنى وضع الاسم العلم أو مطلق الوضع، وقيل عليه: إن القرآن لا يتوهم أن يكون رائباً حتى يقال: لا ريب له بل لو كان مصدراً كان الواجب لا ريب فيه، وهو على كل حال مصدر لأنه تجوّز في فعله أيضاً، وهذا من عدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الوقوف على مراده فإنّ مراده بالمصدر المصدر الحقيقي أي القلق، وهو يتعدّى باللام يقال قلق له وان تعدى الشك بقي، وفيه إشارة إلى أنه مجاز في الأصل صار حقيقة في الاستعمال، وعوف اللغة وظاهر. ترادف الشك والريب إلا أنه قيل عليه أنه ليس كذلك لأنّ الريب شك مع تهمة، ولذا قال الإمام: الريب قريب من الشك وفيه زيادة كأنه ظن سيء وقال الراغب الشك وقوف النفس بين شيئين متقابلين بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر بأمارة، والمرية التردد في المتقابلين، وطلب الإمارة مأخوذ من مري الضرع إذا مسحه للدّرّ، فكأنه يحصل مع الشك تردد في طلب ما يقتضي غلبة الظن، والريب أن يتوهم في الشيء أمر مّا ثم ينكشف عما توهم فيه، وقال الحوي: يقال الشك لما استوى فيه الاعتقادان، أو لم يستويا ولكن لم ينته أحدهما لدرجة الظهور الذي تنبني عليه الأمور، والريب لما لم يبلغ درجة اليقين، وان ظهر نوع ظهور ولذا حسن هنا لا ريب فيه للإشارة إلى أنه لا يحصل فيه ريب فضلاً عن شك، وعلى هذا ينبني ما في كتب الأصول من الفرق بين الشك والظن إلا أنّ المصنفين يفسرون بالأعمّ ونحوه كثيراً من غير مبالاة منهم ومثله تعاريف لفظية مبنية على التسامح. وقوله: (لأنه) أي الشك إشارة للعلاقة والطمأنينة السكون ويقابلها القلق وهو الحركة يقال: اطمأنّ القلب إذا سكن، ولم يقلق والاسم الطمأنينة، وأطمأنّ بالموضع أقام به واتخذه وطنا وقال بعضهم: الأصل في اطمأنّ القلب إذا سكن، ولم يقلق والاسم الطمأنينة، واطمأنّ بالموضع أقام به واتخذه وطنا وقال بعضهم: الأصل في اطمأنّ الألف مثل احمارّ واسوادّ، فهمزوه فرارا من الساكنين وقيل الأصل همزة متقدمة على الميم، فقلب على غير القياس بدليل قولهم طأ من الرجل ظهره إذا حناه، والهمزة يجوز تسهيلها. قوله: (وفي الحديث دع ما يريبك الخ (1)) استشهد به على أنّ الريب له معنى غير الشك، وهو القلق كما مرّ إذ لو اتحدا لكان قوله فإنّ الشك بمنزلة قولك فإنّ الأسد غضنفر، وهو من لغو الحديث وقد قالوا: إنّ هذا الحديث رواه الترمذيّ، والنسائيّ وحسناه، وصححه الحاكم هكذا: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنّ الصدق طمأنينة والكذب ريبة) 2 (والمعنى دع ذلك إلى ذلك أي استبدله به أو دع ذلك ذاهباً إلى غيره على التقدير أو التضمين. وقوله: (فإق إلخ) معلل، وممهد لما تقدمه. قيل: والمعنى إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء فاتركه فإنّ نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق، وترتاب في الكذب، فارتيابك في الشيء ينبىء عن كونه باطلأ، فاحذره واطمئنانك إلى الشيء يشعر بكونه حقاً فاستمسك به، وهذا خاص بذوي النفوس القدسية الطاهرة من وسخ الطبائع، فظهر أنّ قوله: فإنّ الشك ريبة لا يستقيم رواية ودراية، وردّ بأنهما ممنوعان أمّا الدراية، فلأنّ الشيخين بيناه بما لا مزيد عليه، وأمّا الرواية فإنّ إحدى الروايتين لا تبطل الأخرى وكان عليه أن يبين الأخرى التي ادّعاها فإنّ مثله لا يقال بالتشهي، وقد صحح الحافظ ابن حجر ما في الكتاب بعينه وقال: إنه رواه الطبرانيّ، وروى البيهقي " فإن الشرّ ريبة والخير طمأنينة " (3 (فاستشهد به كما مرّ على أنّ الريبة غير الشك، والاً لم يفد الكلام وبمقابلتها للطمأنيثة علم أنها موضوعة للقلق، فانطبق الاستشهاد على تمام المدعى ويريبك في الحديث روي بضمّ الياء وفتحها والثاني هو المناسب هنا. (بقي) إنّ الظاهر أنه ليس معنى الحديث ما قاله وتبعه فيه الشرّاح بل معنا. كما قاله المحدثون خذ ما تيقنت حله وحسنه، واترك ما شككت في حله وحسته، كما ورد في الحديث الصحيح " اتقوا الشبهات فإنّ من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " (1) ومما هو صريح في ذلك ما روي أنّ وابصة بن معبد رضي الله عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " جئت تسال عن البرّ والإثم ". فقال: نعم فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال له: " استفت نفسك يا وابصة ثلاثاً، البرّ مات اطمأنت إليه النفس، واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) (2) فلا وجه لما زعموه من اختصاصه بالأنفس القدسية فتدبر. قوله: (ومنه ريب الزمان) أي مما نقل من القلق إلى ما هو سببه من الشدائد وفصله بقوله: ومنه والضمير للريب المتجوّز فيه مطلقاً، لأنه ليس بمعنى الشك وإنما شاركه فإنّ أصله القلق فسمي به ما هو سبب له كما قال الهذلي: أمن المنون وريبه تتوجع وقال الرازي: إنّ هذا قد يرجع إلى معنى الشك، لأنّ ما يخاف من الحوادث محتمل، فهو كالمشكوك فيه وكذا ما يختلج بالقلب وفيه نظر، والنوائب جمع نائبة، وهي الحادثة من حوادث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الدهر خيراً كانت أو شرّاً كما في حديث مسلم نوائب الحق وقال لبيد: نوائب من خير وشرّكلاهما شلا الشيم ممدود ولا الشرّ لازب لكن خصت بما يحدث من الشرّ والمصائب وهو المراد هنا وهو المناسب للقلق. قوله: (يهديهم إلى الحق) إشارة إلى أنه مصدر في الأصل، والمراد به هنا الهادي بأحد الوجوه المعروفة في أمثاله وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار التجدّدي، فإنه وان كان مما يدلّ عليه غير المضارع إلا أنّ اسم الفاعل والمفعول يدلان على ذلك في الجملة. وقوله: (في الأصل) إشارة إلى أنه هنا ليس المراد به ذلك، كما عرفته، وهذا وزن نادر في المصادر لم يرد منه فيما قيل إلاً الهدي والتقى والسري والبكي بالقصر في لغة، وزاد الشاطبيّ لغي بالضمّ في لغة أيضا، ولذا قال كالسري إلخ إشارة إلى أنه ليس من أوزان المصادر المطردة المشهورة، وما قيل من أنّ كلام سيبويه مضطرب فيه، فمرّة قال: هو عوض من المصدر لأذ فعلاً: لا يكون مصدراً وأخرى يقول هو مصدر هدي يدفع بأنّ مراده أنه اسم مصدر لا مصدر لمخالفته لصيغ المصادر، واسم المصدر مصدر عند اللغويين. قوله:. (ومعناه الدلاله إلخ) اختلف السلف في الهداية فقيل: هي الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب وقيل هي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، ورجح كثير الأوّل ومنهم المصنف، وقيل: مراده الدلالة بلطف بقرينة ما: قدمه في الفاتحة، وإلا كان بين كلاميه مخالفة مّا وليس بشيء، ونسب، الثاني إلى البعض ونقض بقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى} [فصدت: 17] والأوّل منقوض بقوله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} واحتمال التجوز مشترك وللمناقشة في امتناع حمله على هك االمعنى مجال لإمكان أنّ الهداية فيمن لا يهتدي بمعنى الدلالة على ما يوصل أي أنت لا تتمكن من إراءة الطريق، لكل من أحببت، وإنما نحن نمكنك لمن أردنا كقوله {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17] وما قيل / عليه:. من أنه يأباه ما قاله الجمهور من أنها نزلت في أبي طالب وطلب النبيّ صلى الله عليه وسلم إيمانه عند وفاته،، واعراضه لتعيير قريش، وسؤق الاية إذ لا فائدة يعتد بها حينئذ، والهداية بهذا المعنى أي الدلالة واقعة منه بلا خفاء، والكلام في الإيصال ليس بوارد لأنّ المراد تسليته صلى الله عليه وسلم، فكأنه قيل له ليس لك من الأمر شيء فلا تحزن، ويؤيده التمثيل بقوله وماءرمت ولا يتوهم أنّ للمناقشة في امتناع حمل الأية الأولى على المعنى الثاني أيضا مجالاً بأن يقال: معناها أوصلناهم إلى المطلوب فتركوه، فإنه خلاف الواقع وخلاف ما عليه المفسرون ولفظ الاستحباب مناد على خلافه، ووقاءل الفاضل المحقق: إنها تتعدّى بنفسها وبإلى واللام ومعناها على الأوّل الإيصال وعلى غيره إراءة الطريق، ولذا أسند الأوّل لله، والثاني للنبيّ صلى الله عليه وسلم تارة وللقرآن أخرى نحو {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] فيندفع النقض وفيه أنه ينتقض حصر إسناد الفتعدي ينفسه إلى الله بقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] وحصر المتعذي بالحرف في غيره بقوله: {يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213] إلا أن يقال إنه أغلبيّ أو مخصوص بالإثبات كما قيل: ولا يخفى ما فيه. وقال الجلال الدواني: إنّ المذكور في كلام الأشاعرة أنّ المختار عندهم هو القببرل الثاني وعند المعتزلة القول الأوّل، والمشهور هو العكس. وقيل: يمكن التوفيق بينهما بأنّ كلام الأشاعرة في المعنى الشرفي المراد في أغلب استعمالات الشارع، والمشهور مبني على المعنى اللغوي أو العرفي ويخدشه أنّ صاحب الكشاف مع تصلبه في الاعتزال اختارا الثاني هنا مع أن الظاهر في القرآن هو المعنى الشريئ فالأظهر التوفيق بعكس ما ذكر وأما عند أهل الحق فالهداية مشتركة بين المعنيين المذكورين وعدم الإهلاك فيندفع ما مرّ كما ذكره بعض مدققي أهل الكلام وفيه تفاصيل أخرى تركناها خوف الملل. وقوله: (إلى البغية) بالموحدة والمعجمة بمعنى المطلوب، والمقصود ويجوز في بائها الكسر والضمّ قال في المصباح: ولي عند. بغية بالكسر، وهي الحاجة التي تبغيها وضمها لغة. وقيل: بالكسر الهيئة، وبالضمّ الحاجة اهـ. قوله: (لأنه جعل مقابل الضلالة إلخ) هذا شروع في مرجحات الثاني الذي ارتضاه الزمخشريّ، واقتصر عليه والمصنف أخره، ومرّضه مخالفاً له وطوى بعضه لما سيأتي عن قريب وهذا هو الدليل الأوّل على ترجيح الثاني، وحاصله أنه مقابل في القرآن والإستعمال بالضلالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 والضلال، ولا شك أنّ عدم الوصول معتبر في مفهوم الضلال، فلو لم يعتبر الوصول في مفهوم الضلال لم يتقابلا، وأورد عليه أنّ المقابل للضلال هو الهدي اللازم الذي بمعنى الاهتداء مجازا، أو اشتراكا وكلامنا في المتعدي، ومقابله الإضلال، ولا استدلال به إذ ربما يفسر بالدلالة على ما لا يوصل لا بجعله ضالاً أي غير واصل وأجيب بأنه لا فرق بين اللازم والمتعدّي في باب المطاوعة إلا بأنّ الأوّل تأثر، والثاني تأثير فإذا اعتبر الوصول في اللازم كان معتبراً في المتعدي أيضاً وحينئذ يكون الضمير في مقابله راجعا إلى اللازم على طريق الاستخدام، وهو فاسد لأنّ التمسك بالمطاوعة وجه مستقل، فذكر المقابلة حينئذ مستدرك، فإنّ اعتبار الوصول في الاهتداء مستغن عن الدليل كذا قاله قدس سرّه، وقيل: عليه اعتبار عدم الوصول في مفهوم الضلال ليس لكونه فقدان المطلوب بل فقدان طريق من شأنه الإيصال إليه، كما صرّح به الثقات، وفي الإضلال لاراءة ضده، فمقتضاه كون معنى الهداية اللازمة وجدان طريق من شأنه الإيصال، ومعنى الهداية المتعدية الدلالة على ذلك الطريق، ولو سلمناه، فاستعمال الهداية في أحد فرديها بقرينة المقابلة والكلام في مطلقها. وههنا أبحاث: (الأوّل) أنه إذا فسرت بمطلق الدلالة على ما من شأنه الإيصال أوصل أم لا، وفسر الضلال المقابل لها تقابل الإيجاب والسلب بعدم تلك الدلالة المطلقة لزم منه عدم الوصول لأنّ سلب الدلالة المطلقة سلب للدلالة المقيدة بالموصلة إذ سلب الأعمّ يستلزم سلب الأخص كالحيوان، والإنسان، فليس في هذا التقابل ما يرجح الثاني كما لا يخفى، وقوله: فلو لم يعتبر الوصول لم يقع في حيز القبول. (الثاني) أنّ قوله لا فرق بين اللازم والمتعدي في باب المطاوعة مبنيّ على أنّ المعنى المصدري أمر نسبي بين الفاعل والمفعول متحد بالذات مختلف بالاعتبار كالتعليم والتعلم، وهو وأن اشتهر مشكل لأنّ الأوّل صفة قائمة بالأستاذ، والثاني صفة قائمة بالتلميذ فيلزم أمّا قيام الصفة الواحدة بمحلين متغايرين أو اتحاد، وصفين ونسبتين متغايرتين وكلاهما ظاهر الفساد وقد أجاب عنه بعض الفضلاء بأنّ معنى كونهما واحداً أنّ في المتعلم حالة مخصوصة يسمى قبولها تعلماً، وتحصيلها له تعليما ولا استحالة في قيام صفة واحدة بالذات بمحل يكون لمباينة معها تعلق التحصيل والتأثير كما هو الواقع في جميع تاء المطاوعة، ولم يريدوا أنّ النسبتين واحدة لأنهما بالضرورة متغايرتان، ففي كل طرف غير ما في الطرف الآخر، ولكن متعلقهما صفة واحدة قائمة بطرف واحد فلا يرد عليه شيء. (الثالث) إنّ القول بفساد الجواب لاستدراك المقابلة، ولأنّ التمسك بالمطاوعة وجه مستقل مدفوع بأنهما متغايران بالإعتبار، فإنّ مقابلة الضلال المعتبر فيه عدم الوصول تدل على اعتبار الوصول في الهدي أخذاً من مقابله وضده: وبضدها تتبين الأشياء والمطاوعة الدالة على الوصول تدلّ على اعتباره فيه باعتبار أنه لازم له لا ينفك عنه، فالفرق مثل الصبح ظاهر. قوله: (ولأنه لا يقال مهديّ إلخ) وفي الكشاف: ويقال: مهديّ في موضع المدح كمهتد، ولا يمدح إلا بالوصول إلى الكمال، واعترض بأنّ التمكن من الوصول أيضا فضيلة يصح أن يمدح بها، وبانّ المهدي فيما ذكر أريد به المنتفع بالهدي مجازاً، ودفع الأوّل بأنّ التمكن مع عدم الوصول نقيصة يذمّ بها كما قيل: ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقصالقادرين على التمام والثاني بأنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة، كما حققه قدس سرّه، والمراد بقول الزمخشريّ في موضع المدح أنها صفة مادحة وضعاً، وإنما يتمدح بها بهذا المعنى فلا يرد عليه أنّ مقام المدح قرينة لذلك، وانّ المصنف لدّلك عدل عنه، فبين كلاميهما مخالفة، وقيل: عليه إنّ التمكن مع عدم الوصول ليس بنقيصة لمن هو بصدده مجد في بلوغه، وكون الأصل في الإطلاق الحقيقيّ إنما يفيد إذا اسنعمل بلا قرينة والمدح قرينة، وقد مرّ ما يعارضه من الآيات، وما قيل من أنه مجاز عن إفاضة أسباب الاهتداء، وازاحة العلل ردّ بأنّ الأصل الحقيقة، ولولا قرينة الضدح والمقابلة لم يتبادر منه إلا مطلق الدلالة وعليه أكثر أئمة اللغة والتفسير ولا يضرّ. مخالفة الزمخشريّ، فلذا أخره ومرّضه، وكون المهدي لا يستعمل إلا بمعنى المهتدي غير مسفم عندهم. (بقي هنا دليل) تركه المصنف، وهو إن اهتدى مطاوع هدي، والمطاوعة حصول الأثر في المفعول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 بسبب تعلق الفعل المتعدي به، فلا يكون المتعدي مخالفاً لأصله إلا في الأثر والتاثر كما مرّ، فلو لم يكن في الهدي إيصال لم يكن في الاهتداء وصول، ونقض بنحو أمرته فلم يأتمر وعلمته فلم يتعلم، وردّ بأنّ حقيقة الائتمار صيرورته مأموراً، وهو بهذا المعنى مطاوع للأمر ثم اسنعمل في الامتثال مجازا وشاع حتى صار حقيقة عرفية وليس مطاوعا بهذا المعنى، وان ترتب عليه في الجملة على صورة المطاوعة وأمّا نحو علمته فلم يرد به حقيقته أعني حصلت فيه العلم بل المعنى المجازيّ وهو وجهت إليه ما قد يفضي إلى العلم وليس التعلم مطاوعاً إلا لمعناه الحقيقيّ، فلا حاجة إلى ما قيل: من أنّ المتأثران كان مختار ألم يجب أن يوافق المطاوع أصله والاً وجب نعم كثر في المختار استعمال الأصل في معناه المجازيّ، ولهم في هذه المسئلة أقوال لا يلزم من وجود الفعل وجود مطاوعه مطلقاً يلزم مطلقاً التفصيل بين المختار وغيره، وارتضاه السبكيّ واستشهد لوجوده بدون المطاوع بقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وبقوله: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا} [الإسراء: 60] لوجود التخويف بدون الخوف وأنه يقال علمته فما تعلم، ولا يقال كسرته فما انكسر، والفرق بينهما مفصل في كتاب عروس الأفراح، والمصنف رحمه الله لم يلتفت لهذا الدليل إمّا لأنّ مذهبه تخلف فعل المطاوعة، أو لأنه مختلف فيه، أو لأنّ الدليل الأوّل، وهو مقابلته بالضلال مبنيّ على المطاوعة، فالأدلة ثلاثة وهي عند التحقيق اثنان كما قيل، وأعلم أنهم اختلفوا في الهداية هل هي حقيقة في الدلالة المطلقة مجاز في غيرها أو العكس، أو هي مشتركة بينهما، أو موضوعة لقدر مشترك ذهب إلى كل طائفة، والمصنف رحمه الله اختار الأوّل إلا أنّ فيه بحثاً لأنه فسر الهداية بما يخالف ما هنا بحسب الظاهر، ونوّعها إلى أنواع رابعها كشف الأمور بوحي ونحوه، مما يختص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء، وهي دلالة موصلة بغير شك، والجواب عنه ظاهر لمن تدبر. قوله: (واختصاصه بالمتقين إلخ) قيل: إن أراد بالمتقين المتقين عن الشرك وجعل الذين ابتداء كلام فقصر الاهتداء ظاهر، وان أراد الكاملين في التقوى، والموصول موصول بالمتقين، فالقصر باعتبار كمال الاهتداء، وهذا جواب عن سؤال مقدّر تقديره ظاهر على الوجهين، لأنّ الهدي سواء كان مطلق الدلالة، أو الموصلى منها حاصل بل غير خاص بالمتقي إن أريد المتقي غير الكامل، أو الكامل نعم هو على الأوّل أظهر، فمن قدره بقوله لم خص الهدى بالمتقين مع أنه الدلالة وهي عامة، وقال: صرح به الإمام قصر في فهم المرام، والمراد بالاختصاص في كلام المصنف وحمه الله تعالى التخصيص الذكري الواقع في النظم المستفاد من اللام كالانتفاع في قوله: المنتفعون لأنّ اللام للانتفاع، وعلى للمضرّة في نحو دعا له، وعليه لأنّ هذه اللام زائدة للتقوية، والقول بأنها تفيده في الجملة تكلف لا حاجة إليه مع أنّ مدلول اللام ليس الاختصاص بمعنى الحصر كما حقق في محله، والحاصل أنّ هنا أمرين يختلجان في الصدر إذا سمع النظم الكريم. الأوّل أنّ المتقي مهتد فما فائدة جعله هدي له وهو تحصيل الحاصل. الثاني أنّ هداية القرآن عامة للناس، فلم خصت بهؤلاء. واذا فسرت بالدلالة الموصلة، ورد محذور آخر وهو المهتدي لمقصوده دلالته على ما يوصله إليه لغو، والعلامة اقتصر في الكشاف على دفع الأوّل وقال: هو كقولك للعزيز المكرّم أعزك الله، وكرمك تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه، واستدامته كقوله {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [صررة الفاتحة: 6] ووجه آخر، وهو أنه سماهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى متقين كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل قتيلاَ فله سلبه "، ولم يقل الضالين لأنهم فريقان فريق علم بقاؤه على ضلاله ولا يهتدي وما ليس كذلك حق التعبير عنه الصائرين إلى التقوى، فاختصر ليكون سلما لتصدير أولى الزهراوين التي هي سنام القرآن بذكر المرتضى من عباده، وقال قدس سرّه: لا بد من أحد أمرين إمّا أن يراد بالهدي زيادة الهدي إلى مطالب أخر غير حاصلة والتثبيت على ما كان حاصلاَ، كما في اهدنا أو يراد بالمتقين المشارفون للتقوى والأوّل مختاره فإن قلت قد ثبت أنّ الهدي في التثبيت مجاز قطعاً، وفي الزيادة إمّا مجاز، أو حقيقة فكيف جمع بينهما قلت أراد أنّ اللفظ مستعمل في الزيادة فقط والتثبيت لازم له تبعا لا يقال تأويل نحو أعزك الله لازم لأنه طلب مختص بالاستقبال، فلو لم يؤول كان تحصيل الحاصل بخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} إذ يجوز أن يكون معناه هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ المهديين بذلك الهدى، كما في السلاج عصمة للمعتصم أي سبب لها إذ لم يفهم منه أن هناك عصمة أخرى مغايرة لما كان معتصماً به، لأنا نقول إذا عبرت عن شيء بما فيه معنى الوصفية، وعلقت به معنى مصدرياً مطلقا فهم منه في عرف اللغة أن ذلك الشيء موصوف بتلك الصفة حال تعلق ذلك المعنى به لا بسببه، فإذا قلت ضربت مضروباً فهم منه أنه موصوف بالمضروبية بضرب آخر حال تعلق ضربك به لا بسبب ضربك إياه، فأخذت مضروبيته على أنها صفة مقزرة له وان لم يضرب، فإذا أردت أنه مضروب بضربك هذا كان مخالفاً للظاهر مجازاً باعتبار الأوّل، فقولك هدي لزيد أو للضالّ واضلال لبكر، أو للمهتدي جار على ظاهره بخلاف هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ واضلالى للضالّ، وحديث العصمة لا يجدي إذ لم يرد معناها المصدري المتضمن للحدوث بل الحاصل بالمصدر، وهو معنى مستقرّ ثابت يضاف للمعتصم فإن أريد المعنى المصدري احتيج لأحد التأويلين، وما يتوهم من أنّ متعلقات الأفعال، وأطراف النسب حقها على الإطلاق أن يعبر عنها بما يستحق التعبير به حال التعفق والنسبة لا حال الحكم بالنسبة حتى لو خولف ذلك كان مجازاً منظوراً فيه، لأنّ قولك عصرت هذا الخل في السنة الماضية مشيراً إلى خل بين يديك لا مجاز فيه مع أنه لم يكن خلاَ زمان العصر، وقولك سأشرب هذا الخل مشيراً إلى عصير عندك مجاز باعتبار المآل، وان كان خلاَ حال الشرب، فالواجب في ذلك كما قال قدّس سرّه أن ترجع إلى وضمع الكلام، وطريقته فإنه كثيراً ما يعتبر زمان النسبة، كما في الأمثلة المتقدّمة، وربما يعتبر زمان إثباتها كما في هذين المثالين، ثم المجاز باعتبار المآل قد يكون بطريق المشارفة، كما في " من قتل قتيلآ " فإنه قتيل حقيقة عقيب تعلق القتل به بلا تراخ كما في تمريض المريض، وقد يكون بطريق الصيرورة مجرّدة عن المشارفة، كما في قوله: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [سورة نوح: 27] فإنّ الإتصاف بالفجور والكفر متراخ عن الولادة. (أقول) اختلف أهل العربية، والأصول في الوصف المشتق هل هو حقيقة في الحال، أو الاستقبال، وهل المراد زمان النسبة، أو التكلم من غير واسطة بينهما وما ذكره هنا مخالف للفريقين، والذي عليه المحققون أنه زمان النسبة، فما ذكر. الشارح الفاضل هنا وفي التلويح موافق لما قاله الجمهور، وهو الذي ارتضاه في الكشف، ويرد على ما ادّعاه من أنّ تعلق المعنى المصدري يقتضي- كون اتصافه بالمعنى الوصفي مقرّر مستحقاً له قبل التعلّق أنّ اسم الفاعل نحو السلاج عصمة للمعتصم يكون حقيقة في الماضي، وهو مرجوح، فإن قلت إنه لو لم يكن كذلك يكون لغوا من الكلام إذ لا مفاد لإثبات القتل لمقتول به في من قتل قتيلاً. وما ضاهاه، وهو الداعي لارتكاب ما ارتكبه كما أشار إليه قلت: نعم لو صدر من غير بليغ قصد ظاهره كان كما زعمت أنا إذا قصد أنّ القتل المتصف به صادر عن هذا الفاعل دون غيره فكأنه قيل لم يشاركه في قتله غيره، فسلبه له دون غيره، كما يشير إليه تقدّم له كان كلاما بليغا يفيد الحصر بقرينة عقلية فمعنى المال غنى للغنيّ، لا غنى له إلا بالمال، وكذا إذا قلت الذليل من أذثه الله، فالمعنى هنا لا هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ إلا بكتاب الله المتلألىء نور هدأيته، وإذا وعيت هذا عرفت أنّ الحق مع الفاضلين السعد، وصاحب الكشف، ولا خلاف بينهما إلا في أنّ من قتل قتيلاً حقيقة أم لا، وقد ذهب إلى أنّ الحق هو الأوّل الكرماني والسبكي حتى خطآ من قال: إنه مجاز وأمّا الشبهة الموردة بنحو عصرت هذا الخل، فليست بواردة ولذا قال بعض المدققين بعدما ساق كلام السيد: السند إذا وجد اسم الإشارة مثل أن يقول عصرت هذا الخل، أو هذا المتصف بالخمرية، أو الخلية فالمعتبر زمان الإشارة لا زمان الحكم السابق، فإن صح إطلاق الخل على المشار إليه، وا-لصافه بالخلية مثلاً في زمان الإشارة مع قطع النظر عن الحكم السابق كان حقيقة ولا فمجاز، والحاصل أنه إذا علق حكم على اسم الإشارة الموصوف بما مرّ ففي الحقيقة هنا تعليقان تعليق الحكم السابق بذات المشار إليه وتعليق الإشارة به فالمعتبر زمان الإشارة لا زمان الحكم السابق، وهكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام المشتبه على كثير من الأقوام ولذا بسطنا الكلام فيه لأنه يحتاج إليه في مواضع مهمة ستراها في محلها إن شاء الله تعالى، فما نحن فيه غير محتاج للتأويل وليس من المجاز إذ المتقي مهتد بهذا الهدي حقيقة، وهذا ما جنح إليه المصنف رحمه الله ودفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 السؤال بوجهين الأوّل أنّ الهداية بمعنى مطلق الدلالة والإرشاد، وان عمت جميع الناس كما صرّح به في قوله تعالى: {هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة: 85 ا] لكن غيرهم لما لم ينتفع بها كانت هدايتهم كالعدم، فلذا أضرب عنهم صفحا لتنزيلهم منزلة الجماد. وأعلم أنّ الهداية على مراتب أربعة مرّت في الفاتحة، والتقوى أيضا على مراتب ثلاثة توقي الشرك، وتجنب المعاصي، واجتناب ما عاق عن الحق، وإذا ضربت أنواع الهداية في التقوى فهي اثنا عشر إلا أنّ الهداية بالمعنى الأوّل لا دخل للكتاب فيها، والرابعة وان كانت تتصوّر فيه لو أريدت، فالمراد بالمتقين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو صحيح ويراد حينئذ من التقوى المرتبة الثالثة، لكنه غير مناسب ومنه يعلم أنّ التقوى بالمعنى الثالث غير مرادة، فبقي من الهداية قسمان نصب مطلق الدلائل، أو السمعي منها وهما يحصلان بالقرآن ومن الهداية قسمان تجنب الشرك وتجنب الآثام، فالصور الباقية أربع، وكلام المصنف رحمه الله في هذا الوجه محتمل لها والمعنى لا ينتفع بالدلائل مطلقاً، أو الدلائل القرآنية إلا المسلمون، أو إلا المجتنبون للمعاصي لعلمهم بما ظهر منها، والأولى أوفق بكلامه، ولا مجاز في النظم على هذا كما توهم. قوله: (بنصبه) قيل هو بضمتين كل ما جعل علامة كما في القاموس، وليس جمعاً هنا وان كان في غير هذا المحل يكون جمعاً لنصاب بمعنى الأصل، وقيل: إنه بفتح النون وسكون الصاد المهملة والباء الموحدة مصدر والمعنى نصب الله تعالى إياه دليلاَ على ذلك لهم دون غيرهم، وفي بعض النسخ بنصه على أنه واحد النصوص، وعليه اقصر بعض أرباب الحواشي، وقال في تفسيره: أي بنص من نصوصه وآية من آياته وليس هذا بتحريف كما قيل، فإنه أقرب مما فالوه نعم هو المناسب للمقام كما سيأتي، وهو الحامل للقائل على ادعاء تحريفه قيل: وهنا نكتة لأنه يؤخذ من قوله {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} وقوله: {هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة: 185] أنّ المتقين هم الناس كما قال: وما الناس إلا أنتمو لا سواكمو (وههنا بحث) وهو أنه إذا حكم على الوصف بضده وما يقتضي زوال معناه سواء كان ذلك حمليا كبلغ اليتيم، أو شرطيا كأعط اليتيم ما له إذا بلغ وإذا شفي المريض عرف قيمة العافية، فالوصف ليس متصفاً بمعناه حال تعفق ذلك الحكم به، فهل هو حقيقة أو مجاز، والظاهر أنه حقيقة إمّا لأن اتصافه بمعناه لما لاصق الاتصاف بضده، وقرب منه كان زمانهما في حكم زمان واحد، فيراد اتصافه في زمان الحكم حقيقة أو حكماً، أو لأنه يعتبر الزمانان المتلاصقان زماناً واحداً ممتداً تصف بهما على التعاقب فيه فالحقيقة بالنظر إلى أوّله، والحكم ناظر إلى جزئه الأخير، والظاهر أنّ هذا لا محيد عنه، كما سيأتي في أوّل سورة النساء في {آتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] حيث جعله المصنف رحمه الله حقيقة بالنظر إلى أصل اللغة، أو بتقدير إذا بلغوا وهو لا يخالف ما في التلويح كما قيل لأنّ كلام المصنف مبنيّ على تقدير الشرط بقرينة الآية الأخرى {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6، وما في التلويح مبنيّ على إرادة معنى ذلك من غير تصمريح، ولا تقدير. وقوله: (وإن كانت دلالته عامة) أي على المختار عنده، وكذا قوله وبهذا الإعتبار، فلا منافاة بين قوله هنا {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} وقوله في أخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة: 85 ا] فلا حاجة لتخصيص الناس فيه. قوله: (أو لآنه لا ينتفع بالتأمّل فيه إلخ) التأمّل بمعنى التدبر والتفكر كما في كتب اللغة يقال: تأمّلته إذا تدبرته، وفي المصباح هو إعادتك النظر فيه مرة بعد أخرى حتى تعرفه اهـ. فكان معرفته مما تؤمله وترجوه، وصقل بالتخفيف بمعنى جلا من صقل السيف والمرآة، وقد يكون في غيره كالثوب والورق فشبه العقل بالمرآة وجعل النظر والفكر مرارا بمنزلة صقله وهو ظاهر، وضمير لأنه راجع للكتاب والتأمّل النظر الصحيح في معانيه فإنه دليل إذ به الإرشاد، ويمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب، واستعمله بمعنى أعمله فيما ذكر والضمير للعقل. وقوله ة (في تدبر الآيات) التدبر أصله النظر في أدبار الأمور وعواقبها، والآيات هنا العلامات، والأدلة الدالة على وجود الصانع ووحدانيته، واتصافه بصفات الكمال، وتنزهه عن سمات النقصان كما قال: وفي كل شيء له آية ~ تدل على أنه الواحد ولا يصح حملها هنا على آيات القرآن لمن تدبر. وقوله: (والنظر في المعجزات) أي معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلم وتعرّف النبوّات بالأدلة الدالة على ثبوتها، وثبوت ما لا بد منه للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليصدق به، وثبوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بالأدلة العقلية المثبتة لها وقد أجاب المصنف رحمه الله عما أورد على تخصيص الهدى بالمتقين بوجهين استصعب الناظرون فيه الفرق بينهما حتى قيل: إنّ هذا الجواب الثاني هو الأوّل بعينه لأنّ معنى صقل العقل صونه عن طوارق الثبه، وصد الآراء الفاسدة، وتجريده عن انتقاش الصور الباطلة الشاغلة له عن ارتسام الصور الحقة، وهو عين التقوى فلا يحسن عطفه عليه بأو، إلا أن يقال هذا بحسب التقوى في القوّة النظرية، والأوّل بحسبها في القوّة العقلية، فعطف بأو نظرا للقوّتين، وقريب منه ما قيل حاصل الأوّل اختصاصهم بهداه بسبب اختصاصهم بالعمل به، والثاني بحسب معرفة معانيه وإسراره لأنّ غير المتقي لا يصقل عقله باستعماله في تدبر آياته المفضي إلى المعرفة (وقد أعملت بريد النظر هنا) ووقفت على ما في الحواشي، فرأيته دائرا بين أمرين الخطأ في فهم كلام المصنف، كالذي ذكر آنفا والتدليس بالإجمال الغير المفيد مثل ما قيل: إن الفرق بين الوجهين أنّ محصل الأوّل إنّ دلالة الكتاب، وان عمت المتقي وغيره والمسلم والكافر إلا أنّ دلالته نزلت منزلة العدم بالنسبة لمن لم ينتفع بها، والثاني أنّ دلالته عامّة لكل ناظر وإنما يكون حجة بالنسبة للمسلم المصدق بوحدانية الباري وصفاته، وبالرسالة وحقوقها، وهذا إنما يكون لمن صقل عقله عما يمنعه عن الوصول للحق، واستعمله في التفكر فيه وفي دلائله، فلا يكون هدى إلا للمتقي عن الكفر وما يؤدّي إليه (وإن أردت تحقيق هذا المقام) فاعلم أنّ المصنف رحمه الله اقتدى بالإمام حيث قال القرآن كما هو هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ودلالة لهم على وجود الصانع وعلى دينه وعلى صدق رسوله صلّى الله عليه وسلّم فهو أيضا دلالة للكافرين إلا أنه تعالى ذكر المتقين مدحا ليبين أنهم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] مع عموم إنذاره ومن فسر الهداية بالدلالة الموصلة فالسؤال زائل عته لأنّ إيصال القرآن ليس إلا للمتقين ثم قال كل ما يتوفف صحة كون القرآن حجة على صحته لا يكون القرآن هدى فيه كمعرقة ذات الله وصفاته ومعرفة النبوّة فليس من شرط كونه هدى أن يكون هدى في كل شيء بل يكفي فيه أن يكون هدى في بعض الأشياء كتعريف الشرائع، أو يكون هدى في تأكيد ما في العقول وهذا أقوى دليل على أنّ المطلق لا يقتضي العموم، فإنه تعالى وصفه بكونه هدى من غير تقييد لفظاً مع استحالة أن يكون هدى في إثبات الصانع وصفاته، وإثبات النبوّة فثبت أنّ المطلق لا يفيد العموم اهـ ومنه أخذ المصنف رحمه الله ما هنا برمّته، فمعنى الجواب الأوّل أنّ الهداية مطلق الدلالة، وهي لا تختص بالمتقين وإنما خصوا بالذكر، لأنهم أكمل الأفراد وأشرفهم إذ هم المنتفعون بالدلالة وثمرة الإيصال لا أنها مختصة بهم فهي هنا على الحقيقة وكذا التقوى حقيقة في المرتبة الثانية ومعنى الثاني أنّ المراد بهداية " القرآن أيضا دلالته حقيقة، والتقوى حقيقة بمعنى التبري عن الشرك في المرتبة الأولى، ودلالة القرآن أي كونه دليلاً على ما فيه لا يكون إلا بعد الإيمان بالله ورسله وبما جاؤا به عليهم الصلاة والسلام بناء على ما ذهب إليه الماتريدية وبعض الأشعرية من أنّ ثبوت الشرع موقوف على الإيمان بوجود الباري وعلمه وقدرته، وكلامه وعلى التصديق بنبوّة النبيّ صلى الله عليه وسلم بدلالة معجزاته، ولو توقف شيء من هذه الأحكام على الشرع لزم الدور كما قرّر في الأصلين، فدّكر المتقين على المعنى الثاني لأنّ دلالة القرآن موقوفة على التقوى بهذا المعنى، لأنها إنما تثبت بالعقل على المشهور، والانتفاع المذكور في كلام المصنف أوّلاً الانتفاع بالهداية، وهو الاهتداء والانتفاع الثاني الانتفاع بالقرآن، وما فيه من الدلالة بعد وجود ما يتوقف عليه من التصديق، وهم توهموا الانتفاعين بمعنى فخبطوا خبط عشواء فلذا عطفه بأو وأخره لأنه خلاف المشهور عن الأشاعرة كما سيأتي، وبهذا ظهر أنّ ما قيل: إن المعنى أنه مرشد للمؤمنين منتفعون به في تحصيل سائر مراتب التقوى ليس له وجه فظهر وجه التخصيص وعلم فائدة التعلق كما مرّ، ويتبين بطلان ما قيل أنّ تقرير الثاني أنّ المراد به التثبت على ما كان حاصلاً من التقوى فيختصى بهم، ولا يتخطاهم وانّ الحاصل أنّ الهدى حقيقة على الجواب الأوّل، ومجاز على الجواب الثاني ولا حاصل له ولا طائل وقيل: إنّ الثاني فيه المتقي مجاز بمعنى العاقل المتدبر المشارف لها لأنها جلاء عقله عن صد الغفلة، والفساد فانطبع فيها الأدلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 السمعية وقيل حاصل الأوّل إن اختصاصه بالمتقين لاختصاصهم بالاهتداء والانتفاع بالقرآن، وحاصل الثاني أن الاختصاص بهم، لأجل أن العلم بأسرار الآيات ودقائقها والاستدلال على صفات الصانع وآثاره كما ينبغي يختص بالمتقين وقد عرفت حقيقة الحال المغنية عن القيل والقال. قوله: (لأنه كالفذاء إلخ) كما قال أبقراط: البدن الغير التقيّ، كلما غذوته إنما تزيده شرّا ومنه أخذ المتنبي قوله: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وان أنت أكرمت اللئيم تمزدا ولم يقل- كالدواء س لأنّ الغذاء الحافظ للصحة دواء أيضا، ويزيد عليه أنه يلزم دائماً، كالهداية بخلاف الدواء، فإنه يكون أحياناً للضرورة، فلا يقال الظاهر أن يقول دواء ليطابق ذكر الشفاء في الآية، وسمي شفاء لأنه يشفي من مرض الجهل والعلم يسمى حياة وشفاء، وليس المراد أنه يستشفى به في الرقى، كما توهم فالكتاب لا يجلب نفعا ما لم يكن الإيمان بالله ورسله حاصلاً. قوله: (قوله كمالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} الآية [الإسراء: 82] ) من بيانية مبينة لما لجوار تقدمها على المبين على ما بين في النحو لا تبعيضية على أنّ المعنى أن منه ما يستشفى به كالفاتحة، وآيات الشفاء، لأنه غير مناسب للسياق إذ المراد أنه شفاء من مرض الجهل والضلال في الدنيا، كما هو رحمة في الآخرة أو في الدارين، وخص الشفاء بالمؤمنين، كما خص الهدى بالمتقين هنا والمراد بالظالمين الكفرة لقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ، والخسار لتكذيبهم به، وعدم قبولهم لما جاء به كالمريض الذي لا يفيده العلاج وربما كان الدواء زيادة في الداء. قيل فالوجه الثاني هو المختار إذ علنى الأوّل لا يحسن جعل الذينء يؤمنون صفة، ولا مخصوصا بالمدح رفعا ونصباً، ولا استئنافا لأنّ الضالين الصائرين إلى التقوى ليسوا متصفين بشيء مما ذكر وحمل الكلي على الاستقبال، والمشارفة يأباه سياق الكلام وفيه نظر. قوله: (ولا يقدح ما فيه إلخ) القدح الطعن من قدح الزناد، وهو ضرب بعضه ببعض والمراد به الاعتراض، وهذا جواب عن سؤال تقديره جميف يكون الكتاب هدى ودالاً، وفيه ما لا يفهم من المجمل والمتشابه، كما قاله الإمام وأجاب عنه بما ذكره المصنف، وهو على مذهب الشافعية القائلين بأنّ المتشابه يعلمه غير الله من الراسخين في العلم، كما سيأتي نن سورة آل عمران، وأمّا عند غيرهم، فينبغي أن يقال: إنه لا يستليزم كونه هدى هدايته باعتبار كل جزء منه، وإنما ذكر فيه ذلك ابتلاء لذوي الألباب بما لا تصل إليه العقول، ولما لم يخل عند المصنف من مبين يعين المراد منه كان بعد التبيين فيه هدى ودلالة، وتوقف هدايته على شيء لا يضر فيها، كما أنه على رأي متوقف على تقدم الإيمان بالله ورسله، ومن هنا عرف وجه تأخير ما هنا لتوقفه على ما قبله وارتباطه به، والمعين العقل أو السمع كما صرّحوا به، فسقط ما قيل إذا بين ذلك المراد منه لم يكن هدى في نفسه، وإنما يكون كذلك لو أفاد ابتداء ما يفيده الكتاب. وقوله: (لما لم إلخ) بكسر اللام الجارّة وتخفيف الميم من ما المصدرية أي لعدم انفكاكه إلخ ويجوز فتح اللام مع تشديد الميم إلا أنّ قوله لا يقدح ينبو عنه في الجصلة. قوله: (والمتقي إلخ (أي هو اسم فاعل اتقى مطاوع وقي أبدلت واوه تاء على القاعدة المعروفة، وما ذكر مذهب الزمخشرفي، وخالفه في لباب التفاسير والدرّ المصون، وهو ظاهر كلام أهل اللغة لأنّ الافتعال " له معان: منها الإيجاد قالوا ومنه اتقى، وقد بين معناه لغة وشرعا، وذكر له مراتب وأراد بالشرك مطلق الكفر، وهو شائع فيه حتى صار كأنه حقيقة، فلا يقال حقه أن يبدل الثرك بالكفر، ولا إلى الجواب بأنّ المراد هذا وما في حكمه مما يوجب العذاب المخلد من وجوه الكفر. وقوله: (والوقاية إلخ) مثلث الواو والفرط بفتح الفاء وسكون الراء المهملة والطاء المهملة بمعنى الزيادة والمبالغة لأنه يكون بمعنى مجاوزة الحدّ كما في القاموس وفيما قاله شيء، لأن المذكور في كتب اللغة تفسيرها بالحفظ والصيانة، وما ذكره من الزيادة زيادة كأنه أخذها من المادّة وما قاله بعض الفضلاء من أن ما ذكر. المصنف لا يوجد في شيء من كتب اللغة المشهورة لا وجه له. وقوله: (في عرف الشرع) أي نقلت لصيانة مخصوصة لها مراتب والمعنى اللغوي شامل لها كما لا يخفى، وإن لم يكن ذلك لازماً. وقوله: (بقي نفسه) في بعض النسخ يتقي عما إلخ بالتاء، وبإسقاط لفظ نفسه وما ذكره بيان للمتقي، ويعلم منه التقوى. قوله: (1 لتجنب عن كل ما يؤثم) التجنب الترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 والاحتراز، وأصل معناه الأخذ في جانب غير الجانب الذي هو فيه ويؤثم تفعيل من الإثم أي يوجب استحقاق الإثم أو يوقع فيه. وقوله: (من فعل أو ترك) لأنّ ما به حصول الإثم عام يتناولهما معاً، ولذا قيل إنّ حق العبارة وترك بالعطف بالواو وترك أو، وقد أجيب عنه بأنه مطلق مفسر بأحدهما لكنه وقع بعد ما يتضمن النفي فيفيد الإستغراق كأنه قيل: لا يفعل ما يؤثم من فعل أو ترك أي لا يفعل واحدا منهما كما في قوله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في محله، والمراد بكلمة التقوى في قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] كلمة التوحيد، وهي لا إله إلاً الله، وسيأتي بيانها، وكون التقوى فيها بمعنى الإيمان ظاهر. قوله: (حتى الصغائر) في كون اجتناب الصغائر مشثروطاً في وجود التقوى وتحققها قولان فإذا لم يجتنبها هل يقال له متق أم لا، والكلام فيما إذا لم يصرّ عليها وتغلب على حسناته، كما ذكره الفقهاء في كتاب الشهادة، وقالوا: إنه حينئذ تسقط العدالة، وقيل: إنّ هدّا الاختلاف مبني على أن ما يستحق العقوبة بسببه هل يتناول الصغائر أم لا، فمن ذهب إلى تناولها قال احتياجها للتكفير دلّ على أنها سبب لاستحقاق العقوبة، ومن اختار عدمه تمسك بأنها وقعت مكفرة فلم يظهر للاستحقاق بها أثر، فكأنه لا استحقاق فلا تندرج فيما يستحق به العقوبة عند الإطلاق، وقيل: إن فرط الصيانة مقتض لاجتناب الصغائر وكذا حديث: " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى ياع ما لا بأس به حذرا مما به باس) (1) إن صح وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى أنّ المختار أنّ اجتنابها غير معتبر في مفهوم التقوى لا لما مرّ قبيله فإنه رأي المعتزلة بل لأنها لا تنافي التقوى ومرتكبها لا يخرج عن زمرة المتقين والاً لخرج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعدم عصمتهم عنها عند الجمهور ولأنه قلما يخلو عنها أحد متق والحديث محمول على أكمل المراتب، وهي المرتبة الثالثة، وما زعمه من أنه مذهب المعتزلة ليس كذلك فإنه عليه كثير من المحدثين، وأهل السنة، ولا وجه لتردّده في صحة الحديث مع رواية الترمذي له، وورود ما يعضده مما هو بمعناه في الأحاديث الصحيحة. وقوله: (والمعنئ إلخ) المعنيّ بكسر النون وتشديد الياء اسم مفعول أي المقصود لأنّ عطف اتقوا على آمنوا يؤذن بأنّ المراد بالتقوى فيه الإتيان بالأعمال الصالحة وتجنب المعاصي. قوله: (أن يتنزه عما يشغل سرّه إلخ) أي يبعد نفسه عن ذلك، لأن أصل معنى التنزه البعد كما حقق في اللغة، ويشغل سرّه بمعنى يلهيه يقال شغله الأمر شغلاً من باب نفع، والاسم منه الشغل بالضم وشغلت به أي تلهيت، والسرّ الحديث المكتوم في النفس قال تعالى: {يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [صورة التوبة: 78] والمراد به محله من القلب أو الفكر، والحق الظاهر أن المراد به هنا الله تعالى. قال الراغب: الحق الموجد للشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله تعالى هو الحق، ويجوز أن يراد به معناه المعروف إلا أنّ المنايسب للتبتل هو الأوّل لأنه الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة، واخلاص النية انقطاعاً يختص بالله لأنّ معنى البتل القطع كالبت. قوله: (بشراشره) أي ينقطع إليه بكليته ونفسه قال صاحب القاموس في شرح الديباجة: الشراشر الأثقال الواحدة شرشرة يقال: ألقى عليه شراً شره أي نفسه حرصا ومحبة وشراشر الذنب ذباذبه، وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً في آخر شرح الديباجة. قوله: (وهو التقوى الحقيقي إلخ أليس المراد بالحقيقي مقابل المجازي، بل هو مبالغة في الحقيق كدواريّ أي الأحق بتسميته تقوى، لأنه تقوى خواص الخواص، وإنما فسر هذه الآية به لأن مقتضى النظم المبالغة في التقوى، كما في حق اليقين والأمر فيه للندب لا للوجوب حينئذ، لأنه يلزم أن يأثم كثير من المؤمنين بل هو للحث على تكميل النفس وقطع المراتب ومثله كثير، ولا ينافيه تفسير المصنف رحمه الله هذه الآية بقوله: {حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالمواجب، والاجتناب عن المحارم وقيل إنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وفي الكشاف يطلق على الرجل اسم المؤمن لظاهر الحال والمتقي لا يطلق إلا عن خبرة كما لا يجوز إطلاق العدل إلا على المختبر. قوله: (وقد فسر إلخ) فمعناه على الأوّل ذلك الكتاب هدى لمن اتقى الشرك فأمن، وعلى الثاني هدى لمن اتقى جميع الآثام، وعلى الثالث هدى لمن لم يشتغل عن مولاه وانقطع عما سواه، ويجوز أن يفسر بما يعمها، وهذا كله مأخوذ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 تفسير الراغب وقيل: وجه تعلق الهدى بهم على الأوّل أنّ المراد به الهدى الذي حصل به ذلك التقوى، أو الزائد عليه من المرتبتين الباقيتين وكذا الثاني، وأمّا الثالث فعلى التفسيرية يتعين إرادة الهدى الذي حصل به ذلك التقوى إذ لا مرتبة بعدها، ولا يخفى ما فيه وأنه لا يتنزل على كلام المصنف بعد التأمّل. قوله: (وأعلم إلخ) هذا معطوف على مقدر أي احفظ ما ذكرناه هـ وأعلم أو استئناف وعادة المصنفين أن يأتوا به في صدر الكلام الذي يهم للدلالة على الشروع في أمر غير ما قبله حثاً عليه وتحريضا، وقد استعمله العرب قديما قال: وأعلم فعلم المرء ينفعه ~ أن سوف يأتي كل ما قدرا والأوجه جمع وجه ومعناه الحقيقي معروف، وله معان أخر مجازية، وشاعت حتى صارت كالحقيقي منها النوع وفي الأساس لهذا الكلام وجه صحة أي نوع وضرب منها. وقوله: (ألم مبتدأ إلخ (لم يذكر بقية الاحتمالات السابقة لأنها غير ملائمة لقوله (وذلك إلخ) وجوّز في) ألم) ثلاثة أوجه، فإذا كان اسم السورة فالألف واللام في الكتاب للعهد، والمراد به السورة أو القرآن بالمعنى الكلي، وهو الوحي المقروء وكونه بمعنى الكلي يحتاج إلى تأويل، وإذا أريد به القرآن فهو ظاهر، وإن أريد به المؤلف منها كما سيأتي، فهو أعم من القرآن والمحمول لا بد أن يكون أعم، أو مساوياً ولا يجوز أن يكون أخص، فلذا أوّله بأنّ المراد به مؤلف معجزاً، وهو يخصى القرآن فتساويا، ولا يضرّه كونه أعمّ بحسب الأصل، والأصل له معان مرت والمراد منها القاعدة الكلية، أو الأغلب لا ما يبتنى عليه غيره. قوله: (أو مقدّر إلخ) يعني أنه مؤوّل بهذا بقرينة المقام، وليس المراد التقدير اللفظي، وان أوهمه اللفظ بأن يحذف الجار ومتعلقه، ويقام المجرور مقامه، كما توهم لأنه مع بعده فيه تعسف ظاهر. قوله: (وإن كان أخص إلخ) إشارة لما ترّر في المعقول من أنّ معنى القضية الحملية صدق المحمول على ما اتصف بمعنى الموضوع، فلو كان أعم لزم صدق الأخصى عليه، فلا يكون الأعم أعم والأخص أخصى، ووجهه ما ذكره المصنف بعد*ـ، فهو مثل الإنسان زيد، فإنّ معناه الإنسان الكامل ولولاه لم يصح الحمل، وما قيل: من أنّ الأحسن الأبلغ أن يراد في مثله بالمحكوم عليه الجنس على إطلاقه، ويحمل عليه فرد خاص من افراده بادّعاء أنّ الجنس منحصر فيه، كما يقال زيد هو الإنسان، وهو الرجل كل الرجل كأنّ ما عداه لا يدخل تحت الجنس، ولا يسمى باسمه لعدم الاعتداد به بالنسب إليه غير موافق لما نحن فيه، فإنّ المحمول هنا ذلك، وهو اسم لجزئي لا لجنس، ولو. كان الكتاب بدونه أمكن ذلك مع أنّ ما ادّعاه من وجه الأبلغية موجود بعينه فيما ذكره المصنف رحمه الله، فالخبر المذكور أخص من المبتدأ ظاهراً، وبحسب الإرادة مساو له. كوله: (الكامل في تأليفه البالغ إلخ) المراد بكونه في أقصى درجاتها أنه أقصى ما وجد منها في الخارج، وأعلى-ما خرج من القوّة إلى الفعل، فلا يرد عليه ما قيل من أن كون القرآن، أو السورة في أقصى درجات البلاغة، والفصاحة غير مسلم، لأنه تعالى قادر " على أن يوجد ما هو أعلى منه، وذلك وإن كان. إشارة لجزئي، فالصفات المذكورة كلية،، وضم الكليّ للكلي لا يفيد نكتة إلا أنه يفيد انحصار موصوفها في شخصه بحسب الخارج، لأنه معلوم نزول بعضه، وتعجيزه لهم، فكأنه قال المؤلف المعلوم عندهم بصفاته ذلك إلخ والدرجات المراقي كالسلم واحدها درجة والمراتب جمع مرتبة وهي محل الرتوب وهو الاستقرار استعير للشرف، كالمنزلة والمكانة والرتبة كما يخاطب العظيم بالمجلس السامي تأدّبا، وليس ما هنا مجرّد تفنن لأنّ المرقاة توصل للرتبة فهي أعلى منها، فلذا أتى بها في البلاغة، إشارة إلى أنها أشرف من الفصاحة، كما تقرّر في محله. قوله: (والكتاب صفة ذلك) هذا حكم الاسم الواقع بعد كل اسم إشارة على المشهور ولا يكون إلا معرفا بأل، وقال ابن مالك إن كان جامدا محضا فهو عطف بيان، وأكثر المتأخرين يقلد بعضهم بعضا في أنه نعت ودعاهم إليه أنّ عطف البيان لا يكون إلا أخص من متبوعه، وهو غير صحيح وممن ذهب إلى أنه عطف بيان الزجاج وابن س جني، وقال ابن عصفور: من حمله على النعت لحظ- فيه محنى الاشتقاق كأنه قال الحاضر والمحسوس، وهو مبني على " أنّ النعت لا يكون إلا بمشتق أو مؤول به، وقد قال ابن الحاجب: إن التحقيق خلافه فما ذهب إليه المصنف أحد الآراء في هذه المسئلة، وأل فيه إذا كان صفة عهدية، وإذا كان عطف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 بيان حضورية وهي قسم منها، وهذا مما جزم به النحاة، وبعض الناس قال هنا اللام فيه عهدية لأنه المتبادر أيضا لا فائدة في الإخبار عن السورة، أو القرآن بأنه أي المؤلف المخصوص يصدق عليه جنس الكتاب فإنّ قصد الحصر في اسم الإشارة، ثم حمل ذلك الكتاب على القرآن ظاهر، وأمّا على السورة أو المؤلف، فباعتبار صحة إطلاق الكتاب علة الكل والجزء بالاشتراك، فأثبته بالدليل، وهو غني عنه ما في دليله عن المنع الظاهر. قوله: (وأن يكون ألم خبر مبتدأ) قيل تقديره القرآن أو السورة أو المتحدي به ألم أي المؤلف من نجنس طذه الحروف التي ألفوا منها كلامهم، والمقصود من الإخبار الإلزام والتبكيت، وقيل تقديره هذه ألم وصحة الإخبار عن هذه بألم على معنى أن هذه السورة المشهورة بالفضل، والكمال بلاغة وهداية أو على أنها مسماة بهذا الاسم،: ولا يخفى قصوره فإن هذا الإعراب عند المصنف على الوجوه الثلاثة، كما صرّح به في أوّل كلامه إلا أن يكون صرح ببعض الوجوه وأحال الباقي على القياس. قوله: (ولا رب في المشهورة إلخ) المشهورة صفة لمقدّر أي القراءة المشهورة المتواترة، وهي قراءة الفتح على البناء عليه. وقوله: (لتضمنه) معنى من هو مذهب محققي النحاة فعلة البناء تضمن معنى الحرف الذي هو من الاستغراقية، كما أنّ ما جاءني من رجل نص في الاستغراق بخلاف ما إذا رفع ما بعدها سواء أعملت أو ألغيت، وقيل: إنما بني لتركب لا مع اسمها تركيب خمسة عشر، وقيل إنه معرب حذف تنوينه، وهو ظاهر كلام سيبويه في الكتاب ومنهم من أوّله ومنهم من ردّه، وقالوا: إنّ قراءة الفتح إنما كانت نصاً في الاستغراق، لأنّ نفي الجنس مستلزم له قطعاً وأورد عليه أنّ الموجبة الجزئية، والسالبة الجزئية لا تتناقضان فيجوز أن ينتفي الجنس في ضمن فرد، ويثبت في ضمن فرد آخر إلا أن يقال المفهوم عرفا من نفي الجنس بلا تقييد نفيه بالكلية، وأيضا لا يظهر الكلام على من جعل اسم الجنس بازاء فرد مّا، وليس بوارد لأنّ من ذهب إلى أنها نص في الاستغراق يقول إنها لعموم النفي لا لنفي العموم كما صرّحوا به، وقالوا: لا يجوز لا رجل في الدار بل رجلان ورجال، فكيف تكون سالبة جزئية. قوله: (لأنها نقيضتها) بهاء التأنيث في بعض النسخ، وفي بعضها نقيضها بدون هاء يعني أنها حملت على أنّ في العمل، كما يحمل النقيض على النقيض، لأنّ لا لتأكيد النفي العامّ، وإنّ لتاكيد الإثبات، أو تلك موضوعة للنفي، وهذه للإثبات، أو هو من حمل النظير على النظير استعمالاً لملازمة لا العاطفة لا مطلق لا للأسماء كانّ، وأبو الشعثاء بشين معجمة مفتوحة وعين مهملة ساكنة وثاء مثلة تليها ألف ممدودة، وهو سليم بن الأسود المحاربي التابعي راوي هذه القراءة الثاذة. قوله: (مرفوع بلا إلخ) هذا هو المشهور بين النحاة في رفع ما بعدها على أنها عاملة عمل ليس، وقال ابن مالك: لو ذهب ذاهب إلى أنها لا تعمل عمل ليس كان حسناً إذ لا يحفظ في نظم ولا نثر سوى قوله: تعزفلا شيء على الأرض باقياً ولا وزرمما قضى الله واقيا وبالجملة في ذلك ثلاثة أقوال الجواز وهو مذهب سيبويه، والمنع وهو مذهب الأخفش والمبرّد، والثالث أنها عاملة في الاسم، وهما جميعا في موضعالابتداء ولا تعمل في الخبر، وحكي عن الزجاح، وسماع نصب الخبر قاض بالمذهب الأوّل. قوله: (وفيه خبره) ضمير خبره راجع للأعلى المذهب المشهور من أنها العاملة الرافعة للخبر وذكر باعتبار اللفظ، أو إلى ريب لأنه مبتدأ بحسب الأصل، فالخبر له واختلفوا في رافع الخبر هل هو لا وحدها أو مع الاسم أو المبتدأ وعلى هذا، فضمير صفته الآتي راجع إليه كضمير خبره من غير تفكيك أو تقدير مضاف أي صفة اسم والمراد على قراءة الرفع أيضاً الاستغراق، لأنه لم يرد نفي ريب واحد كما في البحر، وعلى كونه خبراً على القراءتين محله مختلف، فإن قلت من هذه زائدة كما في المغني وغيره، فكيف يتأتى دلالتها على الاستغراق والزائد لا معنى له وأيضاً الزائد إذا لم يذكر لا يقدر، فكيف قالوا بالبناء والاستغراق لتضمته معناها، وفي كلام الشريف ما يقتضي الفرق بين ذكرها وعدمه وهو مناف لذلك ظاهراً قلت: الزائد في فصيح الكلام ليس زائداً من كل الوجو.، ولذا يسمى صلة تأدّباً وتحاشيا عن إيهام اللغوية، والفرق بين التضمين، والتقدير ظاهر فيفيد التأكيد لما يدل عليه الكلام والنكرة في سياق النفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ظاهرة في العموم فإذا أكدت تقوى ذلك فصار نصاً في العموم فتدبر. قوله: (ولاً يقدم إلخ) قال قدس سرّه: لما كان المقصود بالنفي ليس هو الريب بل كونه متعلقا له كان مظة لتوهم أن النفي ليس متوجها إلى أصل الريب بل إلى متعلقه الذي هو الظرف فكان ذكره أهمّ، فهلا قدم أجاب العلامة بأن النفي متوجه إلى الريب لا إلى متعلقه، لكن لم يقصد بنفي الريب عته أنه لم يرتب فيه أحد بل قصد إثبات أنه حق وصدق، وأن الريب فيه غير واقع موقعه، ومن المعلوم أنّ هذا القصد لا يقتضي تقديم الظرف، على أن ثمة مانعا منه وهو أنه لو قدم لأفاد معنى بعيداً عن المراد، وهو أنّ الريب ثابت في كتاب آخر لا في هذا الكتاب، وهذا المعنى سواء استقام أو لا لا يناسب المقام إذ لا منازعة فيه، وفي المفتاج أنه لو قدم لدل على أنّ ريباً في سائر كتب الله تعالى، وهو باطل ولا خفاء في اً نه توجيه آخر، وأما لا فيها غول، فإن نظر إلى حاصل المعنى كان قصر الصفة الاغتيال على خمور الدنيا وان روعي القاعدة القائلة بأنّ تقديم المسند يفيد الحصر المستدير قصراً للموصوف على الصفة أي الغول مقصور على عدم الحصول في خمر الجتة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول فيما يقابلها أي عدم الغول مقصور على الحصول فيها لا يتجاوزه إلى الحصول في هذه الخمور، والغول الصداع أو مصدر غاله إذا أهلكه، وقد بقي هنا أمور لعل النوبة تفضي إلى بيانها بإذن الله تعالى، وقد أورد على الزمخشريّ أنه لا محذور فيما ذكره لوقوع الريب في كثير من الكتب، وأجيب بأنّ المراد لزوم الريب في الكتب السماوية، وقيل عليه: إنها لما فيها من التحريف محل ريب فلا محذور أيضا وفيه بحث، وقيل: لو قدم لزم نفي حصر الريب فيه فيلزم مشاركته لغيره في الريب، وهذا بناء على أنّ ملاحظة الحصر قبل دخول النفي والأمر بالعكس كما صرّحوا به (وههنا بحث) أورده بعض المتأخرين، وهو أنّ لا ريب فيه لا يصح تقديم الخبر فيه إذ لا يجوز لا فيه ويب من غير تكرار لا لأنه إذا فصلى بينها وبين اسمها وجب الرفع والتكرير ولا عديل للمنفي هنا حتى يصح تكريرها أو يقدر، وهذا وان صح في قراءة أبي الشعثاء، فالزمخشريّ ذكره في المشهورة وسوق القاضي على العموم، ورد بأن وجوب تكريرها فيما ذكر ليس متفقاً عليه لذهاب المبرد وابن كيسان إلى جوازه ولا يخفى أنه قول مرجوح عند النحاة، فإنه عندهم ضرورة، على أنه على فرض جوازه غير فصيح، وانكار أبي حيان إفادة تقديم الخبر للحصر هنا مما لا يلتفت إليه، وان أورد في بعض الحواشي. قرله: (أو صفتة إلخ) معطوف على قوله خبره، وما قيل عليه: من أنّ فيه تفكيك الضمائر، ولو قال: صفة بدون ضمير كان أوجه لسلامته مما ذكر ليس بشيء لإمكان اتحاد مرجعها كما مرّ، مع / أنّ التفكيك لا محذور فيه إذا ظهر المراد، وذكر في الخبر ثلاثة اأوجه تقريرها ظاهر من كلام المصنف رحمه الله، وحذف الخبر كما في لا ضير أي فيه هو الأفصح الأكثر وقد التزمه بعض العرب وجعله لازما مع القرينة، وحينئذ يصح الوقف على ريب لتط م اللفظة والمعنى قال في المرشد: إن جعلت (لا ريب) بمعنى حقا، فالوقف عليه تامّ، ولا حاجة لتقدير فيه ولولاه كان قبيحاً، وقال الإمام: الأولى الوقف على فيه ليكون الكتاب نفسه هدى وقد ورد في آيات كثيرة وصفه بأنه نور أو هدى وفيه نظر، وهذا الوقف لنافع وعاصم، وقوله على أنّ فيه خبر هدى أي لفظ فيه المذكور وخبر لا فيه أخرى مقدرة. قوله: (وهدى نصب إلخ) ذو الحال ذلك أو الكتاب والعامل على كلا التقديرين اسم الإشارة، ويجوز أن ويكون حالاً من الضمير المجرور في فيه والعامل ما في الظرف من معنى الفعل، وجعل المصدر حالاً على الأوجه المشهورة في أمثاله، وإذا كان العامل فيه ما في هذا من معنى الإشارة فاتحاد عامل الحال وذيها على اشتراطه موجود فيه، وسيأتي إن شاء الله تحقيقه في قوله تعالى: {هَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] فلا نطيل الكلام بذكره. قوله: (وأن يكون ذلك مبتدأ إلخ) وصف الكتاب بالكامل إيماء إلى أن المقصود من حصر الجنس حصر الكمال، وإلا لم يصح أي لأنه لكماله في بابه ونقصان ما سواه يستحق دون غيره أن يسمى كتابا، كأنه الجنس كله نحو هو الرجل، وهم القوم، وقد مرّ تحقيقه في تقديم الخبر، وأمّا لزوم نقصان غيره من الكتب السماوية فدفع بأنه لعدم الإعجاز، أو استكمال الأحكام الشرعية، ونقصان الفاضل عن الأفضل لا يخرجه عن كونه فاضلاً خصوصاً إذا اقتضى ذلك حكما ومصالح بخلاف الريب، وهو التردّد في أنها من عند الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فإنه لا يليق، وقد مرّ وجه آخر فتذكره، وإنما لم يقدم هذا على قوله ولا ريب، وينظمه في سلك الوجهين السابقين، لأنهما يعمان الاحتمالات، وهذا خاص بما إذا أريد بألم القرآن كما تنطق به عبارته، وفصله وقيل: إنه أخره إيماء إلى ضعفه، لأنّ ألم إذا كان اسما للسورة، وذلك إشارة إليها كان حصر الكمال فيها إثباتاً للنقصان في سائر السور، فإنها المقابلة لها دون الكتب السالفة، فأما ملاحظة الحصر في السورة باعتبار قرآنيتها لا خصوص كونها سورة، وأن يراد بالسورة القرآن مجازاً، فخلاف الظاهر، ويستأهل بمعنى يصير أهلا المراد به يستحق كما مرّ تفصيله، ولك أن تقول أخره لأنّ ما يليه مبني عليه. قوله: (والأولى أن يقال إلخ) متناسقة بمعنى متناسبة مرتبطة بدون عاطف من نسقت الدر إذا نظمته، ومنه عطف النسق ففي قوله متناسقة إيهام نسق العطف وليس بمراد لأن اللاحقة تقرّر ألسابقة وتؤكدها، ولما بين المؤكد والمؤكد من الاتصال لا يعطف أحدهما على الآخر كما اتفق عليه أهل المعاني، وإن صرّح النحاة بخلافه في نحو {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4- 5] كما سيأتي، ولما ذكر ما ذكره من الإعراب الناظر للمفردات، وكان المتبادر منه أنها جملة واحدة، أو في حكمها كما سيظهر للنظر الصادق فيما قدمه أشار إلى أنه لا يليق بجزالة البلاغة، وفخامة المعنى، ومقتضاها أن تجعل جملاً متعددة، فبين ذلك بوجهين وقال فالم إلخ، بالفاء التفصيلية. قوله: (جملة دلت إلخ (كونه جملة اصطلاحية حقيقة إن قدّر خبراً أو مبتدأ، وجعل علما، فإن أريد به طائفة من الحروف للإيقاظ، وأولت بما مرّ فهي في حكم ذلك إن قلنا لها محل من الإعراب، فإن لم نقل به لا يتأتى ما ذكر وإليه أشار بقوله على أنّ المتحدي به هو المؤلف وفي الكشاف نبه على أنه أي (ألم) الكلام المتحدّى به فجعل ألم هو المبتدأ والمتحدي به خبره المقدر والمصنف عكسه، ففيل في وجهه إنه نظر إلى أنّ اتصاف الكتاب بأنه المتحدى به معلوم مكشوف دون اتصافه بأنه المؤلف من جنس ما يركبون منه كلامهم، ولا يخفى ما فيه، فإنّ كونه مؤلفاً من جنس الحروف لا غطاء عليه حتى يكشف بل الظاهر أنه غير مفيد فائدة تامة لظهوره، فلذا أخبر عنه بما ذكر ليجدي، وهذا اظاهر محلى إرادة الحروف، وعلى العلمية لإشعارها بذلك كما مرّ، ولم يلتفت لبقية الأقوال لضعفها عنده. قوله: (مقرّرة لجهة التحدي إلخ) بأنه متعلق بقوله مقرّرة، واتصافه بغاية الكمال في لفظه، ومعناه فهو هاد بالمعنى، والعبارة بخلاف غيره من الكتب، فلا يقال: كيف يفضل بكماله في التحدي على غيره من الكتب ولا إعجاز لها، وفي شرح التلخيص معنى ذلك الكتاب أنه الكامل في الهداية لأنّ الكتب السماوية إنما تتفاوت بحسنها لا غير، فإن قلت: قد تتفاوت الكتب بجزالة النظم وبلاغته كالقرآن الفائق على جميع الكتب بإعجاز نظمه فلت: هذا داخل في الهداية لأنه إرشاد إلى التصديق به ودليل عليه. (أقول) الحروف المقطعة دالة على الأعجاز الدال على أنه ليس من صنيع البشر بل من كلام خالق القوى والقدر على ما مرّ وهو المراد بجهة التحدي هنا، فالمقرّر المؤكد له هو كونه هاديا لجميع العباد لخيري المعاس والمعاد، فإنه مقتض أيضا لأنه أمر إلهي، فلا حاجة لإدخال الإعجاز فيما تدل عليه الجملة الثانية بل لا وجه له إذ هو مع أنه كالمصادرة غير مثترك بين الكتب، فلا يلتفت لما قيل في بعض حواشي المطوّل من أنه كلام على السند الأخص، وأن كون البلاغة سبباً في نفسها مما لا يمكق إنكاره غاية الأمر أنه صار سببا لكمال آخر هو الهداية انتهى، وفي نسخ القاضي هنا اختلاف بالزيادة والنقصان. قوله:) ثم سجل إلخ) أي قرّره وأثبته، وفسره الشريف رحمه الله بحكم به حكماً قطعيا ويقال سجل مشددا وأسجل قال المعري: طويت الصبا في السجل وزادني ~ زمان له بالشيب حكم وأسجال وفي شرح مقامات الزمخشريّ له يقال سجل عليه بكذا إذا شهره كأنه كتب به عليه سجلاً اهـ. فهو استعارة للتشهير والنداء والمصنف رحمه الله استعاره للإثبات وهو قريب منه ولا حجر في المجاز وتعديه بعلى وبالباء ووجهه يعلم مما مرّ أي أظهر كماله بنفي الريب عنه فإن المعجز المرتدي بالكمال لا يرتاب فيه عاقل، وعطف هذا بثم لما بينهما من التفاوت الرتبي فإنّ ما قبله دال على الإعجاز وبلوغ غاية الكمال، وهما صفتان جليلتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 لازمتان له وهذا نفي للريب وإثبات للحقيقة، وبينهما بون بعيد. قوله: (لأنه لا كمال أعلى إلخ) في الكشاف لا كمال أكمل مما للحق واليقين، ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة، وقيل لبعض العلماء فيم لذتك فقال في حجة تتبختر اتضاحا، وفي شبهة تتضاءل افتضاحا وقوله لا يحوم الشك حوله مبالغة في كونه يقينا لا تعتريه شبهة أصلاً لأنه إذا نفى قربه منه علم نفيه عنه بالطريق الأولى، ويحوم مضارع حام الطائر حول الماء إذا دار به، وفي الحديث: " من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " أي من قارب المعاصي ودنا منها قرب وقوعه فيها وهذه استعارة مكنية بتشبيه اليقين بعين عذبة والشك بطائر يريد الشرب منه، ولا يصل إليه، واثبات الحومان تخييل أو هو استعارة تمثيلية وقيل هو كناية كقوله: فما جازه جود ولا حل دونه ~ ولكن يصير الجود حيث يصير فيفيد مبالغة مأخوذة من جعله نفس الهدى. وأعلم أنّ المصنف تبعاً للزمخشريّ ذكر أنّ هنا جملاً أربعا كل منها مؤكد لما قبله والسكاكي خالفه في ذلك بعدما وافقه في أصل التأكيد، فقال: إنّ بعضها منزل منزلة التأكيد المعنوي لاختلاف معناهما، وبعضها منزلة التأكيد اللفظي لاتحاده، فلا ريب بالنسبة إلى ذلك الكتاب بمنزلة التأكيد المعنوي ولما بولغ في وصف الكتاب بأنه بلغ أقصى الكمال بجعل المبتدأ ذلك، وتعريف الخبر باللام الجنسية المفيد للحصر حقيقة أو ادعاء، أفاد أنّ ما سواه ناقص، وأنه المستحق لأن يسمى كتابا فجاز أن يتوهم أنه رمي به جزء مّا، فاتبع ذلك الكتاب بلا ريب فيه، لنفي ذلك التوهم ووزانه وزان نفسه و {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} معناه إن ذلك الكتاب بلغ في الهداية درجة لا يدرك كنهها، فهو كزيد زيد إلخ ما فصلى في شروحه وحواشيه، وقال قدس سرّه: لا إشكال فيما سلكه الزمخشريّ، ومن تابعه وما في المفتاح، وكتب المعاني يتجه عليه أنّ الأنسب أن يعطف هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ على لا ريب فيه لاشتراكهما في أنهما تأكيد لذلك الكتاب عندهم ولا امتناع فيه إنما الممتنع عطف التوكيد على المؤكد لا عطف أحد التأكيدين على الآخر والتفصي عنه أن يقال لما كان لا ريب فيه مؤكداً للجملة الأولى اتحد بها، فالجملة السابقة التي يتوهم العطف عليها هي ذلك الكتاب معتبرا معه ما هو من تتمته، واليه أشار في المفتاح. (أقول) قد استحسن هذا بعض الفضلاء، وقال: إنه يظهر منه وجه عدم العطف في نحو قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] مع اتحاد كلهم وأجمعون في التأكيد به للملائكة، وليس الاستحسان بحسن فإنّ التأكيد إذا تعدد سواء كان من نوع أو لا لا يصح عطفه إذ لم يسمع، ولم يقل به أحد من النحاة ثم إنه قيل عليه أنه يقتضي أن يكون من أسباب الفصل كون الثانية مؤكدة لما أكد بالجملة الأولى، ولو قيل أنه لم يعطف على لا ريب فيه لئلا يتوهم عطفه على ذلك الكتاب جاز، وهو أحسن مما ذكره السيد وأقرب ولا يلزمه اختراع سبب آخر للفصل، ثم إنه قيل إنّ سبب عدول صاحب المفتاح عما في الكشاف أنه لا يجوز أن يكون للتأكيد تأكيد في المفرد المقيس عليه، وان ترك العطف فيما اختاره لأنّ بين اللفظي والمعنوي مباينة تقتضي الفصل، وأنه لا يصح العطف على أمر هو من تتمة أمر آخر، ولا يخفى أنه يرد عليه أنه مخالف لذلك أيضاً في الجملة الأولى، وفي تقديم التأكيد المعنوي على اللفظي، والمعروف خلافه، وقد وجه بما تركه أحسن من ذكره، فالحق أنّ ما ينزل منزلة الشيء لا يلزم أن يكون مثله من جميع الوجوه وما استصعبوه أهون من أن يستصعب فافهم ترشد. قوله: (أو تستتبع كل واحدة إلخ) هذا معطوف على قوله تقرّر اللاحقة منها السابقة. وقوله: (استتباع) بالنصب مفعول مطلق وعامله تستتبع، وهو إمّا نوعي أو تشبيهي كخبط خبط عشواء لأنّ الاستتباع طلب التبعية، والمراد به الاستلزام، وهو على ضروب منها استلزام الدليل لمدلوله أو المراد ما يقرب منه، ويشبهه لما بينهما من التلازم لاستلزام الإعجاز غاية الكمال، وغاية كمال الكلام البليغ ببعده من الريب والشبه لظهور حقيقته، وذلك مقتض لهدايته، وإرشاده فإن نظر إلى اتحاد المعاني بحسب المآل كان الثاني مقرّرا للأوّل، فيترك عطفه وهو الوجه الأوّل، وان نظر لأنّ الأوّل مقتض لما بعده للزومه له بعد التأمّل الصادق، فالأوّل لاستلزامه لما يليه، وكونه في قوّته بجعله منزلاً منه منزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بدل الاشتمال لما بينهما من الملابسة، والملازمة فوازنه وزان حسنها في أعجبتني الجارية حسنها، فيترك العطف لشدّة الاتصال، كما قرّره أهل المعاني في قوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا وهذا مراد المصنف رحمه لملا لا أنّ الثاني مترتب على الأوّل ترتب المدلول على الدليل، كما توهموه لقصور النظر، فورد عليهم أنّ المعروف في مثله اقتران الثاني بالفاء التفريعية كما عقال العالم متغير وكل متغير حادث، فالعالم حادث وهى وإن لم تكن عاطفة فهي أداة وصل كواو الحال، لأنّ المعتبر عندهم في مثله كونه عاطفا بحسب الأصل والصورة، فدفع بأنّ الظاهر أنه من القسم ااثانن من الاستئناف البياني، وهو أن يكون جوابا عن سؤال عن غير السبب المطلق والخاص، كأنه لما قيل إنه متحدي به مع أنه من جنس كلامكم قيل: فما يلزم من هذا قال إنه يكون هو الكامل دون غيره، وهكذا يقدر فيما بعده إلى أن ينتهي السؤال وينقطع الجواب، ولا يخفى أنه ليس في كلامه ما يدل على ما ذكره وإنما يريد أنه لكون الجملة الثانية معناها لازم للأولى حتى كأنه مستفاد منها اقتضى ترك العطف، كما عرفته آنفا، ولم ينظر إلى تفريعه عليه حتى يقال أيضاً: إنّ الظاهر الفاء، كما في قوله ضرب فانفجرت، وقيل: إن نكتة الفصل على هذا أنّ اللاحق نتيجة السابق، فبينهما كمال الاتصال ففي هذا الوجه كل سابق مقرّر للاحق على عكس التوجيه السابق، وهو لطيف جداً إلا أنا لم نعثر عليه في كلام القوم، والمطابقة لقواعدهم جعل اللاحق مقرّراً للسابق، لأنه لكونه نتجا له متضمنا له، فذكره يتضمن ذكره والفصل على هذا الوجه، لكون اللاحقة مقرّرة للسابقة، فان قلت لم يعهد ذكر النتيجة بلا رابطة فحسن هذا التوجيه، وقبوله يتوقف على استغناء النتيجة عن الرابطة نعم لا تعطف النتيجة، لكن تربط بحرف التعقيب أوالتفريع فقد أحوجه هذا الوجه إلى نكتة ترك حرف التفريع بل إلى وجه صحته قلت: إذا قصد الاستدلال والاستنتاج، فلا بدّ من حرف التفريع، ولم يقصد هتا بل قصد الإخبار بكل جملة استقلالاً إلا أنه كان كل لاحق نتيجة للسابق، فلهذا لم يحسن العطف لعدم صحة عطف النتيجة على الدليل ولما لم يقصد الاستدلال لم يكن لإيراد حرف التفريع معنى اهـ. ولا يخفى ما فيه من الخبط، والخلط فعليك بض النواجذ على ما قدمناه والمراد بالاستتباع هنا الاستلزام كما مرّ، وفي اصطلاح أهل البديع أن يساق الكلام لمدح ونحوه ثم يلوّح ب لمعان أخر كما في قوله: نهبت من الأعمارما لو حويته ~ لهنئت الدنيا بأنك خالد وهو قريب منه، ويتشبث بمعنى يتعلق وهو استعارة هنا، ولا محالة بفتح الميم والبناء على الفتح بمعنى لا بد. قوله: (وفي كل واحدة منها إلخ) يعني أنّ هذه الجمل المتناسقة مع ما تضمنته من الفوائد الجمة في نظمها بدائع أخر، والنكتة الدقيقة اللطيفة معنوية كانت أو لفظية، والمراد الثانية وأصلها من نكت في الأرض بقضيب ونحوه يؤثر فيها، والجزالة مصدر جزل الحطب بالضم إذا عظم وغلظ فهو جزل، ثم استعير في العطاء فقيل أجزل له العطاء إذا وسعه وفي الرأي، فيقال: رأي جزل أي قويّ محكم ومنه ما هنا. وقوله: (ففي الأولى) أي الجملة الأولى وهي ألم على تقدير التقدير هذه ألم إن جعلت اسماً للسورة، أو أولت نكتة، وهي ما يقتضيه الحذف، وهو من الإيجاز المستحسن، وجعله نفسه نكتة تسمحا والرمز الإشارة الخفية إلى إعجازه لتحديهم بما هو من جنس كلامهم وأصله الإشارة بالشفة أو الحاجب، وهو في الاصطلاح كناية مخصوصة، وهو المراد والمقصود هر التحدي، والتعليل هو أنهم إنما عجزوا عنه لأنه كلام الله، وليس هذا التعليل البديعي المسمى بحسن التعليل، لأنهم اشترطوا فيه أن لا يكون علة في الواقع بل أمر تخييليّ ادعائي كما في قول ابن الرومي: رأيت خضاب المرء بعد مشيبه ~ حدادا على شرخ الشيبة يلبس والجملة الثانية ذلك الكتاب، وفخامة التعريف الجنسي لإفادته للحصر لكماله، كما مرّ وإيهام الباطل في الثالثة، وهو كون غيره من الكتب السماوية محلاً للويب وهي منؤهة عنه كما هو مسلك السكاكي، فإن حملت قوله فيما مضى لأنه لم يقصد تخصيص نفي الريب بة على هذا، فالأمر ظاهر، والاً فلما كان فيه وجثان بين أحدهما فيما مضى، والآخر هنا استيفاء للنكات، وقيل: المراد بإيهام الباطل إيهام ما ليس بمقصود، وكل ما ليس بمقصود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 باطل أو إبهام الريب في كتب الله أو في بعض الصور وهو باطل، وهذا هو الحامل على الوجه الأوّل لئلا يخالف ما مرّ، ومن لم يتنبه لهذا فسر. بالثاني، وفسر السابق بما مرّ، ولك أن تقول ما نحاه الزمخشريّ هو المقصود الأعظم من النظم، وما نحاه السكاكي دفعا لما يوهمه عرض الكلام، فلا منافاة بينهما وأمر الرابعة ظاهر. قوله: (وتخصيص الهدى بالمتقين إلخ) معطوف على قوله الحذف، فهو من جملة نكات الرابعة والاستئناف فيه بعيد وهذا لا ينافي قوله: وفي كل واحدة منها نكتة بالتوحيد لتعدد لنكات في كل واحدة منها، لأنه جعل مجموع ما في كل واحد واحداً لتعلقه بأمر واحد، وقيل: المعنى أنّ شيئا من تلك الجمل لا يخلو عن نكتة واحدة البتة، وهو لا ينافي الزيادة والمراد بالغاية غاية الهدى وفائدته، وهو الانتفاع به كما مر وقيل المراد بالغاية المآل ومجاز الصيرورة كتسمية العصير خمراً والفرق بينه وبين المشارفة أن مجاز الأول إن حصل على الفور نحو: من قتل قتيلاً فهو مجاز المشارفة، وإن كان بعد زمان فهو مجاز الصيرورة، فمآل الوجهين إلى أنّ المتقي مهتد لكنه علق به الهدى باعتبار المآل مشارفة، أو صيرورة إلا أنه كان الظاهر حينئذ العطف بأو دون الواو، وكونها بمعنى أو بعيد، قيل هما وجه واحد وإنّ قوله باعتبار الغاية بيان لعلاقة المجاز لشموله الصيرورة والمشارفة وتسمية إلخ بيان صنفها، وقيل: إنه حقيقة عنده والمجاز على تقدير حمل المتقين على الدرجة الثالثة للتقوى، لأنه يتقي بذلك الهدى، وقيل أوّله بناء على أنه حقيقة وما بعده مجاز فتدبر. قوله: (إيجازاً وتفخيماً إلخ) مع ما فيه من حسن المطلع بتصدير سنام القرآن، وأولى الزهراوين بأشرف عبارة وعبادة، والإيجاز لأنّ أصله الضالين الصائرين للتقوى، وهذه نكتة تجري في كل مجاز، وقيل لأنّ أصله ينفع هداه ولا وجه له، وضمير لشانه للهدى تعظيما له بأنه لا يليق أن يشد إلا إلى أشرف المخلوقين، ومنهم من أرجعه للمتقي بمعنى من هو بصدد التقوى لمدحه وجعله، كأنه متق بالفعل، ولا يرد عليه أنه لا يليق حينئذ إجراء الذين يؤمنون إلخ عليه لأنّ من هو بصدده نزل منزلة المتصف بالفعل مع أن يؤمنون وما بعده مستقبل وفي بعض شروح الكشاف البحث عن مناسبة الكلم المفرد، وان كان أرسخ في البلاغة إلا أنّ ملاحظة الإرتباط فيما بين الجمل أدق، وألطف لأنها في الأغلب بين الجمل باعتبار المعاني العقلية، وفي المفردات باعتبار المعاني الوضعية، ولا شك أنّ الأولى ألطف، وأخفى وهذا منه بناء على أنّ أحكام الفصل، والوصل تجري في المفردات، كما صرّح به عبد القاهر وأن تبادر من كتب المعاني خلافه فتأمّل. قوله: (أمّا موصول بالمتقين إلخ) ذكر فيه وجوها معلومة من كلامه، والذين يحتمل الرفع والنصب والجرّ على أنه نعت تابع للمتقين، وجوز فيه البدل وعطف البيان، والرفع والنصب على القطع المدحي بتقديرهم، أو أعني ونحوه والابتداء على الاستئناف وأولئك خبره، ثم إنّ الوصف يذكو لأمور كالكشف والتعريف وذلك إذا اتحد مفهومه بمفهوم الموصوف، كالجسم الطويل العريض العميق متحيز، والتمييز إذا كان مفهومها غير مفهوم الموصوف نحو زيد التاجر عندنا، والمدح كما في صفات الباري الذي لا يخفى على أحد ولا يشاركه شيء فيميز عنه، وقد يقصد مدح الصفة نفسها، والدلالة على أنها خصت بالذكر، لأنها أشرف من سائر الصفات كما سيأتي، وفرقوا بين المدح صفة والمدح اختصاصاً بأنّ الوصف في الأوّل أصل، والمدح تبع والثاني بالعكس، وبأنّ المقصود الأصلي من الأوّل إظهار كمال الممدوح، والاستلذاذ بذكره ومن الثاني إظهار أنّ تلك الصفة أحق باستقلال المدح من غيرها إمّا مطلقا أو بحسب المقام، والمصنف قسمها إلى مقيدة وهي ما أفادت قيداً، ومعنى لا يفهم من الموصوف وموضحة وهي بخلافها ومادحة وهي ما لا يقصد به التقييد، ولا الإيضاح وقدم الأولى لأنها الأصل الأغلب. وقوله: (موصول) أي متصل معنى يدخل فيه النعت المقطوع لأنه تابع حقيقة ومعنى، وإن خرج صورة بخلاف المستأنف، وفي تعبيره بالموصول هنا لطافة لا تخفى لما فيه من التورية. قوله: (إن فسر التقوى إلخ) قد مرّ أنّ للتقوى معنى لغويا وهو الصيانة أو فرطها وشرعيا، وله مراتب مرّ تحقيقها، وما ذكر هنا خارج عنها بحسب الظاهر، فأمّا أن يكون معنى آخر عرفياً لها، كما ذهب إليه العلامة في شرح الكشاف، والمراد بالعرف فيه عرف أهل اللغة، أو العرف العام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 لا عرف الشرع حتى يعود الاستشكال، أو يقال هو من الشرعي، وان لم يكن داخلاً في قسم من الأقسام السابقة على التعيين لأنّ المقصود من تلك المراتب بيان حدّها الأدنى والأوسط والأعلى، فلا ينافي أن يكون بينها مراتب أخر مركبة أو مفردة منها، فسقط ما قيل من أنه إن حمل هذا على المرتبة الأولى، فالصفة مقيدة باعتبار الصلاة فيما بعدها، لكن لا يتعين فيه ترتيب التحلية على التخلية لأنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فتقتضي اجتناب المنكرات كلها وهي تحلية أيضاً إلا أن يتكفف وان حمل على المرتبتين الأخيرتين فليست بمقيدة، أو هو لغويّ، لأنّ التقوى في اللغة الاحتراز، وأورد عليه أنّ المراد هنا احتراز خاص فلا يكون حقيقة لغوية، ولذا قيل إنها مقيدة إن فسرت التقوى بما يناسب معناها اللغوي الذي هو الاجتناب أعني ترك ما لا ينبغي شرعاً من المعاصي والمنهيات، ولا يخفى أنه مع ما فيه لا يجدي نفعاً، كالقول بأنه نوع من اللغوي خص لاقتضاء المقام له، والحق اًنّ هذا معنى حقيقي شرعي، أو لغوي كما في الكشف، وهو الأظهر ولا يرد عليه ما مرّ، لأنه إنما يكون كذلك إذا لم يخص بتعريف بأل، أو إضافة وأمّا في ذلك، فلا مرية في أنه معنى حقيقي فرجل وغلام عام أو مطلق لو أريد به زيد وعمرو كان مجازا، ولو قيل الرجل والغلام بالتعريف العهدي وأريد ذلك، فلا وهو أشهر من أن يذكر، والمراد بالمتقي هنا من يتجنب القبائح والمنهيات سواء امتثل لأوامر وأتى بالحسنات أم لا، فالصفة مخصصة كزيد التاجر لدلالتها على ما هو خارج عن معنى الموصوف فإن قيل اجتناب المعاصي لا يتصوّر بدون فعل الطاعات لأنّ ترك الطاعة معصية، كما قال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6] قيل إن مبنى هذا على أنّ المعصية فعل ما نهى الله عنه وأنّ الترك ليس بفعل، وقيل المراد بالمعاصي ما تعلق به صريح النهي، وترك المأمور به منهي عنه ضممناً، وأورد عليه أنّ الأوّل ضعيف لأن السائل استدل على أن ترك الطاعة معصية بآية {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6] فلا يدفعه مجرّد أن يقال إنّ المعصية مخصوصة بغير الترك على أن ترك الطاعة بمعنى الكف عنها مما يعاقب عليه، فيكون حراما والكف عن المعصية مما يثاب عليه فيكون واجبا كما تقرّر في الأصول، ويلزم الثاني أن لا تبطل التقوى بارتكاب المنهيات الضمنية المستفادة بإشارة النص أو الاقتضاء، والدلالة وليس كذلك مع أنه يختل بالواجب الذي وقع الوعيد على تركه صريحا فإنه يدخل هذا الترك في المعصية، وبالجملة لا يظهر تخصيص التقوى بما يتعلق صريح النهي به، فإنها الاحتراز عن المعصية مطلقا، وليس بوارد، لأنه ليس الكلام في أنّ هذه الأمور معصية، وان ترك المنهيات، والمعاصي مطلقاً تقوى إنما الكلام في أنها داخلة في مفهوم هذه التقوى أم لا وعلى الثاني، فلزوم اجتنابها مفهوم من الصفة المقيدة، وعلى كل حال فلا بدّ من اجتنابها، ولكن هل يؤخذ هذا من الموصوف، أو من الصفة وعلى كل لا محذور فيه حتى يرد على ما أورده. قوله: (بترك ما لا ينبغي الخ) ينبغي مطاوع بغاه يبغيه إذا طلبه، ويكون لا ينبغي بمعنى لا يصح، ولا يجوز وبمعنى لا يحسن، وهو بهذا المعنى غير متصرف لم يسمع من العرب إلا مضارعه، كما في قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] وقد قيل إنه يدخل فيه ترك الكفر، وترك العقائد الفاسدة، وجميع المناهي والإخلال بالأعمال الصالحة، وترك الكفر عين الإيمان، وإلا لزم ثبوت المنزلة بين المنزلتين، وأمّا دخول جميع الأعمال فقد مرّ مع جوابه، ومن تخلى عما ذكر يجوز تحليه بالطاعات وعدم تحليه بها فلهذا كانت هذه الصفة على هذا مقيدة وقد علم مما مرّ أنه مما ينبغي فكان عليه أن يقتصر على المناهي فافهم ترشد. (تنبيه في فائدة مهمة) قال الآمدي رحمه الله في ابكار الأفكار: الترك في اللغة يطلق على عدم الفعل يقال ترك كذا إذا لم يفعله سواء تعرّض لضده أم لا، سواء كان له قصد أم لا كالنائم والغافل، ولا مانع منه لغة وخالفه بعض المتكلمين فشرط أن يكون الفعل مقدوراً له في العادة، فلا يقال ترك خلق الأجسام، وقد يطلق الترك على مقدور مضاف لمقدور آخر عادة نحو ترك الحركة بالسكون وعكسه وعلى هذا إن أوجبنا ربط الثواب، والعقاب بالأفعال، فلا يكون مرتبطا بالترك بمعنى عدم الفعل بالاصطلاح الأصولي، وان لم نوجب ارتباطه بالفعل بل جوزنا نصب العدم علامة على الثواب والعقاب، فلا مانع من ارتباطه بالترك بالمعنى اللغوي على كلا الاصطلاحين فيمتنع إطلاق ترك خلق العالم في الأزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 عليه تعالى إذ تحقق أنه في الأزل غير مقدور، ويخصى امتناع ذلك على الاصطلاح الأصولي إذ الترك لذلك فعل مضاف لخلق العالم، وتقدير فعل الله تعالى في الأزل اهـ ومنه علم أنّ الترك فيه خلاف هل هو عدم صرف أم لا، فليكن هذا على ذكر منك، فإنه ينفعك في مواضع كثيرة. قوله: (ترتب التحلية على التخلية) الترتب في كلام المصنفين التفرّع على الشيء، ووقوعه بعده مطلقا أو بحيث يكون الأوّل مقتضياً للثاني بسببية ونحوها، والذي في كتب اللغة رتب رتوباً إذا ثبت، ولم يتحرّك كترتب، فهذا مجاز يظهر وجه التجوّز فيه بالتأمّل، والتحلية الأولى بالحاء المهملة بمعنى التزين من الحلي، والثانية بخاء معجمة من الخلوّ والتفريغ هذا هو الصحيح رواية ودراية، لأنّ ما أريد تزييته، بنقش ونحوه ينظف ويفرغ، ثم يزين وما في بعض الحواشي من أنّ هذه تجلية بالجيم، وأنّ التجلية بالجيم داخلة في التخلية بالمعجمة، لأنه تنظيف الصدإ وما ضاهاه وفسرها بتصفية الباطن عن الكدورات ورذائل الأخلاق، والتوجه إليه تعالى فمن صقل باطنه تحلى بالصور الحقة الفائضة من المبدأ الفياض، وهو بالخاء المعجمة المرتبة الأولى، وهي تهذيب الظاهر عما لا ينبغي، والتصوير والتصقيل إشارة إلى مرتبة التجلية بالجيم، فتجتمع المراتب الثلاث اهـ تعسف نشأ من لفظ التصقيل لاتحاد الصفاء، والجلاء وإنما أراد المصنف تالتخلية ترك ما لا ينبغي، وبالتحلية فعل ما ينبغي، وهو معنى قول الإماء كمال السعادة لا يحصك إلا لترك ما لا ينبغي، وفعل ما ينبغي، فالترك هو التقوى، والفعل إمّا فعل القلب، وهو الإيمان أو فعل الجوارح، وهو الصلاة والزكاة، وقدم التقوى لأنّ القلب كاللوح ألقابل لنقوش العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة، واللوح يجب تطهيره أوّلا عن النقوش الفاسدة نتمكن إثبات النقوش الفاضلة، فلهذا قدم ترك ما لا ينبغي على فعل ما ينبغي اهـ فالتصوير والتصقيل بيان للتحلية، والتخلية إلا أنا لم نر التفعيل من الصقل في كتب اللغة، ولا في كلام من يوثق به، وقد يقال: إنه للازدواج والمشاكلة، وقيل نقل لباب التفعيل ليفيد المبالغة. قوله: (أو موضحة إلخ) يجوز فيه تخفيف الضاد وتشديدها على أنه من الأفعال أو التفعيل، وهو مرفوع معطوف على قوله مقيدة، والضمير المستتر ثمة في إن فسر للتقوى وذكره نظرا للفظ أو الاتقاء وهذا هو المرتبة الثانية من المراتب الشرعية وفي الكشاف يحتمل أن ترد على طريق البيان والكشف، وهو مراد المصنف أيضاً إذ الموضح يطلق على مقابلة المخصمى، ولا يلزم فيه المساواة وعلى الكاشف الذي هو كالتعريف ولا بدّ فيه من المساواة تصريحاً أو تلويحا، وهو المراد هنا، كما في شروح الكشاف، فمن قال لا حاجة في كونه موضحاً إلى جعل الإيمان والصلاة والصدقة مشتملة على جميع العبادات، لأنه يكون أعم، والوصف بالأعم كالوصف بالمساوي يفيد التوضيح كزيد التاجر فقد غفل عن الفرق بين الاصطلاح واللغة، وفي شرح المفتاح الشريفي إن حمل المتقي على معناه الشرعي أعني الذي يفعل الواجبات بأسرها، وترك السيئات برمتها، فإن كان المخاطب جاهلاَ بذلك المعنى كان الوصف كاشفاً وان كان عالماً كان مادحاً وان حمل على ما يقرب من معناه اللغوي كان مخصصاً. قوله: (لاشتماله على ما هو أصل الأعمال) ضمير اشتماله للوصف، وهذا جواب عن سؤال تقديره أنّ الصفة الموضحة كالتعريف فينبغي أن تستوفي الطاعات والاجتنابات كلها وتقريره ظاهر، وهذا معنى ما في الكشاف من قوله لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من فعل الحسنات وترك السيئات أمّا الفعل فقد انطوى تحت ذكر الإيمان الذي هو أساس الحسنات ومنصبها، وذكر الصلاة والصدقة لأنّ هاتين أمّا العبادات البدنية والمالية، وهما العيار على غيرهما إلا أنه قيل إنّ في الكشاف لطيفة خلا عنها كلام المصنف رحمه الله، وهي أنه جعل الإيمان أصل العبادة، وأساسها لتوقف صحتها عليه مع عدم انفكاكه عنها وجعل الصلاة والصدقة أمي العبادات البدنية، والمالية لا أساسها، فإنهما وان كانا أصلين لها لا يتوقف صحتها على صحتهما لعدم توقف الولد على الأم بقاء بخلاف الأساس، وهذه النكتة صاحب الكشاف أبو عذرتها وتبعه من بعده كالشريف في شرح المفتاح وغيره، وقيل: إنّ الإيمان بيان لأساس الحسنات، والصلاة والصدقة بيان للأصل بمعنى الأمّ على اللف والنشر غير المرتب، فهو مشتمل على تلك النكتة ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 يخفى أنه خفيّ مشوّس، وعلى هذا فالأساس مغاير للاصل وعلى الأوّل هما بمعنى، ويؤيده قوله: فإنها أمّهات جمع أمّ، وهي يتجوّز بها عن المبدأ، والمتقدّم وعن المشتمل المحتوي لمشابهته لها في ذلك، وعن الأصل والمعزف لأنّ الشيء يعرف بأصله، ونسبه وعما يتوقف عليه الوجود، أو يضاهيه كالصحة، وهو المراد هنا وقال الطيبي رحمه الله: الأعمال إمّا قلبية: وأعظمها اعتقاد حقية التوحيد، والنبوّة والمعاد إذ لولاه كان كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، أو بدنية: وأصلها الصلاة لأنها الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي عمود الدين والأمّ التي تتشعب منها سائر الخيرات، والمبرات أو مالية، وهي الإنفاق لوجه الله وهي التي إذا وجدت علم الثبات على الإيمان، والنفسانية نسبة للنفس على خلاف القياس كما يقال روحاني، وكثيراً ما يزاد في النسب ألف ونون للمبالغة أو الفرق، والأعمال جمع عمل، وهو الفعل الصادر بالقصد فلذا لا ينسب للجماد والغالب فيه استعماله في أفعال الجوارح الظاهرة وقد يطلق على غيرها كما هنا. قوله: (المستتبعة لسائر الطاعات) الاستتباع هنا بمعنى اللزوم العرفي المقتضي لوقوع غيره تبعا له كالفروع للأصول وهذا بيان لاشتماله على جميع العبادات قلبياً وقالبياً فعلاً وتركا حتى يتم كونه كاشفاً ومحددا لموصوفه، وقيل لأنه كناية عن فعل جميع الحسنات، وترك جميع السيئات كما قرّروه، وقيل: في ذكر هاتين العبادتين وجعلهما دليلاً فائدتان الاختصار والإفصاح عن فضلهما بانهما أصلان تبعهما ما سواهما، فلا حاجة إلى ذكره معهما فسائر العبادات مفهومة تبعا لا داخلة فيما استعمل فيه اللفظ، وكذا ترك السيئات ومنهم من زعم أنه كناية وحينئذ تكون الطاعات بأسرها مذكورة بلفظ بعضها، فلا ينحصر المذكور فيما هو عنوان لها، وهو مخالف لما يتبادر من عبارة الكشاف ولا حاجة إليه فإنّ المعاني التبعية لم تستعمل فيها الألفاظ، وليست أيضا أجزاء لما استعملت هي فيها وردّ بأنّ اعتبار الكناية غير مناف لما ذكره المصنف من أنّ المذكور في الآية، كالعنوان لسائر العبادات، فتجرّها وتستتبعها فإن ذلك بالنظر إلى أصل الوضع والمعنى المكنى عنه (لا يقال الا حاجة إلى اعتبار الكناية، فيكفي فهم سائر العبادات تبعاً بلا استعمال (لأنا نقول الا يخفى أنّ الكشف عن مفهوم المتقين يحصل بجميع الصفات بلا مزية لبعض على الباقي في ذلك الكشف، وان كان بعضها أكمل في نفسه من سائرها، وهذا البعض يستلزم الباقي في الوياقع، ولا يخفى إنّ المتبادر من الاستتباع اللزوم وليس بمجاز فيكون كناية، وكلامه لا ينافيه لأنه كالعنوان لا عنوان فلا حاجة لتأويله بما ذكره، وكلامه قدس سرّه مبني على دلالة الكلام بغير الطرق الثلاثة الحقيقة، والمجاز والكناية وسيأتي ما فيه ومن هنا علم حال ما قيل من أنّ ذكر الصلاة، والزكاة من باب إطلاق البعض على الكل وشرط مثله من المجاز إيراد أشرف ما في ذلك الشيء لأنّ معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله لتضمن هذا المعنى أفضلية هاتين العبادتين، ولهذا قال مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين أي لزم من ذلك هذا على سبيل الادماج، وامنا على الثاني، فلم يذكر المذكورات لاستجلاب الغير بل هي المرادة أوّلاً وإنما ترجح ذكرها لفضلها على غيرها اهـ وعبر بالصدقة ليعمّ الزكاة وغيرها. وقوله: (غالباً) قيد للمستتبعة للأمرين، فإنّ استتباع الأصول للبواقي ليس أمراً كلياً تحقيقيا، كما لا يخفى. قوله: (ألا ترى إلى قوله تعالى إلخ) هو بيان لاستتباع التجنب وقدمه وان كان المبين به مؤخراً، لظهور دلالته على ما قصد، ولشرف الآية-- اد الحديث وفيه إيماء إلى ضعفه كما سيأتي وسيأتي معنى الآية في محلها. وقوله: (الصلاة عماد الدين (1) إلخ) بيان لاستتباع سائر الطاعات، ففيه لف ونشر غير مرتب، وليس هذا حديثاً واحدا، وان أوهمه كلام المصنف لا بل حديثان، وقال الإمام النوويّ في شرح الوسيط: إنّ الأوّل حديث منكر باطل وقال ابن حجر ليس كذلك فقد أخرجه أبو نعيم عن بلال بن يحيى مرفوعاً، وهو مرسل وسنده رجال ثقات إلا أنّ لفظه " الصلاة عمود الدين) وأخرجه بلفظ " الصلاة عماد الدين " البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً بسند فيه انقطاع، وقال الحافظ العراقي: أخرجه الديلمي أيضاً في الفردوس عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عته، وفي معناه حديث الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 " رأس الأمر الإصلام وعموده الصلاة " (2) وأمّا حديث " الزكاة قنطرة الإسلام " (3 (فأخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً بسند ضعيف، والعماد الدعامة من عمدت الحائط إذا دعمته والعمود معروف والقنطرة الجسر، وما ارتفع من الأرض وفي كتب الفقه أنّ الجسر ما يوضع ويرفع، والقنطرة ما يحكم كما في فتاوى قاضيخان، فكأنه معنى عرفيّ عندهم والدين الشريعة والإسلام، والإيمان متقاربان والكلام عليهما مفصل في الكتب الكلامية، وكون " الصلاة عماد الدين على التشبيه أو الاستعارة لأنها أشرف أعماله التي لا تسقط فرضيتها إلا نادراً) الزكاة قنطرة لأنّ مؤدّيها طهر ماله ونفسه وبين خلوصه، والقنطرة كالجسر يستعار للموصل كما قال أبو تمام: لا يطمع المرء أن يجتاب لجته ~ بالقول ما لم يكن جسراً له العمل فإن قلت: وقع في الحديث الصحيح المشهور " بني الإسلام على خمس " وعدّ منها الزكاة فيه، فجعلت ثمة عمادا داخلة وهنا قنطرة خارجة عنه فما النكتة فيه قلت: هو تجوّز لا حجر فيه، فمن حيث أنها من شعائر الإسلام تعدّ ركنا منه ومن حيث أنّ المال بصرفه يجعل بازله داخلاً في الإسلام تعد قنطرة أو ذاك باعتبار من رسخ إصلامه وقدم، وهذا باعتبار من حدث إيمانه فتأمّل. قوله: (أو مسوقة للمدح بما تضمته) أي المتقون وفي نسخة أو مادحة بما تضمنه، والمعنى واحد وهو معطوف على مقيدة أو موضحة، وترك كونها مؤكدة كنفخة واحدة لأنّ التاسيس أولى لا سيما إذا اشمل على نكتة. وقوله: (وتخصيص الإيمان إلخ) إشارة إلى جواب سؤال تقديره لم اختص المدح بهذه دون غيرها مما تضمنه. وقوله: (إظهار) أقحم لفظ الإظهار الحماء إلى أنها في الواقع كذلك، وأنّ في الوجه الأوّل إشارة إليه أيضا، وإنما الفرق بينهما بالقصد وعدمه، فلا يقال إنه يجوز جعل وجه التخصيص ما مرّ من كونها أمهات وأصولاً، مع أنه مناسب للاستتباع دون المدح كما لا يخفى وقيل إنّ في قوله مسوقة إشارة إلى أنه أقل من أخوبه، ولذا أخر. لأنّ لفظ السوق يشعر بأنه لا يفيده بنفسه ولذا غير الأسلوب. وأعلم أنّ من الناس من قال: إنّ كون الذين يؤمنون مادحاً إنما يحسن إذا حمل المتقين على حقيقته دون المشارفة إذ ليس الإيمان، وما بعده حاصلاَ للضالين الصائرين للتقوى فجعل الصفة كاشفة إذا أريد بالتقوى ما في المرتبة الثانية، وجعلها مخصصة على الأولى وإذا جعلت مادحة فالمراد ما هو في المرتبة الثالثة. وقيل: إن كان المخاطب جاهلاَ بالمعنى فالصفة موضحة والاً فهي مادحة، وفيه ما فيه كما سيأتي قريبا فتدبر. قوله: (أو على أنه ماخ منصوب إلخ) الجاز والمجرور معطوف على الجارّ والمجرور السابقين في قوله على أنه صفة مجرورة وجعل المصنف رحمه الله المنصوب والمرفوع موصولاً بما قبله كالمجروو، لأنهما تابعان له معنى وصفة له بحسب الأصل، وان خرجا صورة ولفظا، ولذأ سماه النحاة قطعا بخلاف المستأنف، ووجه دلالته على ما قصد به في الاتباع، والقطع من المدح ونحوه أنه صفة حميدة علم ثبوتها فيفهم عها ذلئا، وقيل: إنّ هذا علم من تغييو الإعراب لأنّ تغيير المألوف يدل على زيادة ترغيب في استماعه ومزيدى اهتمام لشأنه لا سيما مع التؤام حذف الغععل، أو إ أحبتدأ ولا يخفى أنّ دلالة الإعواب المقدّو على ذلك غير ظاهرة مع أنها مادحة على الاتباع أيضا كما صرحت به أيضاً متون العربية، وفي قوله هم الذين تسامع لأن المقدر هم فقط*قوله:) وإمّا مفصول إلخ) معطوف على قوله موصولى، وإنما انفصك لأنه قصد الإخبار عنه بما بعده لا إثباته لما قبله وان فهم ذلك ضمنا فهو، وان لم يجر عليه كالجاري ويكفي هذا في ارتباط الكلام سواء كان الاستئناف نحوياً أو بيانياً، فيكون جواباً عن سؤال تقديره ما بال المتقين خصوا بذلك الهدى، فلا يتوهم ضعف هذا الوجه لعدم الارتباط فيه كما نقل عن أبي حيان، ولا إنّ الظاهر على هذا إنّ بينهما كمال الانفصال، وتقدير السؤال يقتضي الاتصال وكونه كالجاري عليه لا ينافي كون الوقف تاماً كما ستسمعه قريبا، وقال قدس سرّه: حاصل ما قرّره من الاحتمالات أنّ المتقي إن حمل على المعنى الشرعي، فإن كان خطاباً لمن عرف مفهومه مفصلاَ كانت الصفة مادحة، والاً كاشفة وأن حمل على مجتنب المعاصي كانت مخصصة، ولما كان الاستئناف أرجح لم يكن في الترجيح بين هذه الأقسام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فائدة، ثم إنّ المتقين إن أريد بهم المشارفون لم يحسن أن يجعل الذين يؤمنون بالغيب صفة، ولا مخصوصاً بالمدح نصباً أو رفعاً ولا استئنافاً أيضا، لأن الضالين الصائرين إلى التقوى ليسوا متصفين بشيء مما ذكر، وحمل الكلام على الاستقبال والمشارفة يأبا. سياق الكلام عند من له ذوق سليم اهـ. وقيل: يمكن دفعه بأنّ في هذا النوع من المجاز زمانين زمان النسبة وزمان إئبات النسبة، واعتبار المشارفة بالنظر إلى زمان نسبة الهدى واعتبار حقيقة التقوى بالنظر إلى زمان إثبات الهدى فلا إشكال، ونظيره أن يقال قتلت قتيلاً كفن في ثوب كذا ودفن بموضع كذا، فإنّ اعتبار المشارفة بالنظر إلى زمان نسبة القتل واعتبار حقيقة القتل، والتكفين والدفن بالنظر إلى زمان إثبات نسبة القتل، وقيل: أيضاً يمكن أن يكون المتقين مجازاً بالمشارفة، والصفة ترشيحاً له بلا مشارفة، ولا تجوّز أصلأ كما هو المعهود في ترشيح المجاز والاستعارة. (أقول الا يخفى ما في هذا أمّا الآوّل فلأنّ أهل الأصول اختلفوا في أنّ المعتبر زمان الحكم، أو زمان التكلم، ورجحوا الأوّل، وما ذكره هذا المجيب منتحت من القولين، فهو بناء على غير أساس، وسقوطه ظاهر بلا التباس. وأمّا الثاني فهو إن لم يبعد عن الصواب إلا أنه مسلم للإشكال وتوجه وروده وليس كذلك لأنا إن حملنا المتقين على حقيقته فظاهر وان حملناه على المشارفة فالمشارفة ثابتة في الحال والتقوى الحقيقية عقبه، كما هو شأن المشارفة فلتعقبها لها، كأنها واقعة فيمدح صاحبها بما يتصف به بعد ذلك في المستقبل من غير محذور، وإذا علم المخاطب ثبوت وصف حميد في المستقبل لموصوف، فما المانع من المدح به كما يقول المؤمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الشفيع في المحشر، فالإشكال ليس بوارد أصلاً. قوله: (فيكون الوقف إلخ) قال السخاوندي: الوقف إمّا لازم، وهو الذي إذا وصل غير المعنى المراد نحو وما هم بمؤمنين يخادعون الله لأنّ القصد نفي الإيمان ولو اتصل لم يفد.، ومطلق وهو ما يحسن الابتداء به وهو الذي عناه العلامة بقوله مقتطع، وجائز وهو ما استوى وصله وفصله وهو المراد بقوله حسن غير تامّ لأنّ اعتبار الوصفية يقتضي الوصل، واعتبار الفاصلة يقتضي الفصل، وفي الكشف اعتبار الفاصلة في الوقف لا يقول به السخاوندي والكواشي، والظاهر أنّ مثله يجوز في الآيات إذا قصد البيان خاصة لما مرّ من أنّ التامّ عند القرّاء والزمخشريّ هو الوقف على جملة مستقلة لا ترتبط بما بعدها، وأمّا الحسن فقيل: هو الوقف على جملة لها ارتباطاً بما بعدها ارتباطاً لا يمنع الاستقلال، وقيل الوقف على كلام مستقل بعده ما لا يستقل كالحمد لله وفي تسميته حسناً نظر، وعلى القطع هو في المعنى وصف، فلذا كان الوقف غير تامّ واعترض بأنه على تقدير كونه مبتدأ خبر. أولئك ينبغي أن يكون الوقف غير تامّ أيضاً لأنه استئناف على تقدير سؤال نشأ عما قبله فهو كالجاري عليه معنى، فلا فرق بينه وبين النعت المقطوع وأجيب بأنه لم يتغير في المقطوع ما قصد من إجرائه عليه في المعنى بخلاف الاسنئناف، فإنّ المقصود فيه الاخبار عنه بما بعده وان فهم وصفه به ضمنا فليس جاريا عليه معنى ورذ بأنّ ما فهم عن الزمخشريّ في تعريف التامّ، ونقل عن القرّاء كما مرّ غير صادق على المستأنف فإنه مرتبط بالمستأنف عنه معنى كما صرّح به المجيب، ولا يخفى أنّ الارتباط من الثاني لا الأوّل، والمعتبر في التامّ عكسه فتأمل. قوله: (والإيمان في اللغة التصديق) وفي نسخة عبارة عن التصديق، فالإيمان أفعال من الأمن، وقد كان متعدياً فتعدى بالهمزة لاثنين كامنته غيري أي جعلت غيري آمناً منه، وقيل إنّ همزته تحتمل أن تكون للصيرورة كاغد البعير إذا صار ذا غدة وقول المصنف رحمه الله كأنّ المصدق إلخ يشير إلى الأوّل، وقوله بعده صار ذا أمن يشير إلى الثاني، واستعماله متعدياً لاثنين يأباه، وما توهمه وهم فإنه معنى آخر، وهمزة التعدية فيها معنى الصيرورة بمعنى الجعل كما لا يخفى، واستعماله في التصديق إمّا مجاز لغوي لاستلزامه إيا. لأنّ من صدقك أمنك تكذيبه كما يشعر به كلام الكشاف أو حقيقة لغوية، كما في الأساس ووفق بينهما بأنّ كلامه في المعنى الحقيقيّ الذي وضع له اللفظ أوّلاً في اللغة، ثم وضع فيها لمعنى آخر يناسبه، وهو دأبه في تحقيق الأوضاع الأصلية وبيان مناسبات المعاني اللغوية بعضها لبعض مع كون اللفظ حقيقة لغوية في كل منهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 فلا خلاف بين كلاميه وهو الحق ولذا قال المحقق في شرح المختصر: إنه في اللغة التصديق بالإجماع، وقال الراغب: الإيمان التصديق الذي معه أمن، وإذا كان مجازا فالمناسبة بينه وبين المعنى الأصليّ مراعاة وكذا إذا كان منقولاً، ولذا قال المصنف رحمه الله مأخوذ من الأمن. قوله: (كأنّ المصدّق) بكسر الدال أمن المصدق بفتحها، وأتى بكأنّ إشارة إلى أنه قطع فيه النظر عن معناه الأصليّ فلا يخطر ببال من يستعمله إلا نادرا، وهذا دأبهم فيما لا يظهر فيه مراعاة المعنى الأصلي، ولخفائه هنا أنكره بعضهم ولا وجه له وبهذا التقرير سقط ما قيل: هنا من أنه إن أريد به الأمن من تكذيب المصدّق فهو محقق فلا وجه لقوله: كأنّ وان أريد الأمن من تكذيب غيره فهو غير صحيح، وقد يقال ة الأمن في الحال لا يستلزم الأمن في الاستقبال، فيجوز أن يكون ذكر كأنّ باعتباره أو إشارة إلى أنّ الظن في مثله كاف. وقوله:) وقد يجيء بمعنى الوثوق) وفي نسخة " وقد يطلق) وهما بمعنى وهذا أيضاً مأخوذ من المعنى الأوّل. وقوله بمعنى الباء صلة أو بمعنى في وقيل إنّ الجار والمجرور حال لأنّ الإطلاق لا يتعدى بالباء، وهذا المعنى محتمل لأن يكون مجازاً أو حقيقة، وقد ذهب إلى كل منهما بعض الشراح والظاهر الثاني وقوله ما أمنث أن أجد صحابة حكاه أبو زيد عن العرب، وأنه يقوله ناوي السفر إذأ عوّقه عنه عدئم الرفيق أي ما وثقت أن أظفر بمن أرافقه فأمنت فيه بالمدّ لازم أو متعدّ لواحد، وأن أجد منصوب محلاً والظاهر أنه على نزع الخافض أي بأن أجد، فإنّ حذفه فيه مطرد وهذا هو الصحيح وصحابة بفتح الصاد ويجوز كسرها في الأصل مصدر يقال صحبه صحابة وصحبة ثم جعل جمع صاحب، أو اسم جمع له على الأصح وهو المراد هنا. قوله: (من التكذيب والمخالفة) تبع فيه الزمخشريّ وقال السكوتي في كتاب التمييز الذي بين فيه ما في الكشاف من الدسائس الاعتزالية إنّ قوله المخالفة المراد به مخالفة الشرع بالكفر، وارتكاب الكبائر فإنّ مرتكبها عندهم غير مؤمن مخلد في النار وان لم يطلقوا عليه أنه كافر، ولك أن تقول إنه عطف تفسيري والمراد به مخالفة خاصة بالكفر، فلا يرد عليه ما ذكر، ولو تركه كان أولى. قوله: (وتعديته بالباء إلخ الما ذكر أنه بمعنى التصديق، وهو متعدّ بنفسه وجه تعديته بالباء بما ذكر، وتضمنه يكون بمعنى يدل عليه ضمنا وبمعنى التضمين المصطلح عليه، وكلامه محتمل لهما إلا أنهم اقتصروا على الثاني هنا لتبادره، والتضمين المصطلح كما قال السيد السند أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقيّ، ويلاحظ معه معنى فعل آخريناسبه ويدل عليه بذكر صلته كأحمد إليك فلاناً أي أنهى حمده إليك، وفائدة التضمين إعطاء مجموع المعنيين فالفعلان مقصودان معاً قصداً وتبعاً قال المصنف رحمه الله: من شأنهم أن يضمنوا الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه فيقولون هيجني شوقا معدّى إلى مفعولين، وان كان معدى بإلى لتضمنه معنى ذكر المشدّد واختلفوا فيه فذهب بعضهم إلى أنّ المضمن مراد بلفظ محذوف يدل عليه ذكر متعلقه، فتارة يجعل المذكور أصلاً في الكلام، والمحذوف قيدا فيه على أنه حال كقوله: {وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي حامدين وتارة يعكس فيجعل المحذوف أصلاً، والمذكور مفعولاً كما مرّ في أنهي حمده، أو حالاً كما في {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أي يعترفون مؤمنين به، ولما كانت مناسبته للمذكور بمعونة ذكر صلته قرينة على اعتباره جعل كأنه في ضمنه، ومن ثمة كان جعله حالاً وتبعا للمذكور أولى من عكسه، وما توهم من أنّ ذكر صلة المتروك يدل على أنه المقصود أصالة مدفوع بأنّ ذكرها إنما يدل على كونه مرادا في الجملة إذ لولاه لم يكن مراداً أصلاً، وذهب آخرون إلى أنّ كلا المعنيين مراد بلفظ واحد على طريق الكناية إذ يراد بها معناها الأصلي ليتوسل بفهمه إلى ما هو المقصود الحقيقيّ، فلا حاجة للتقدير إلا لتصوير المعنى، وفيه أنّ المعنى المكنى به قد لا يقصد ثبوته وفي التضمين يجب القصد إليهما والأظهر أنّ اللفظ مستعمل في معناه الأصلي قصداً وأصالة لكن قصد بتبعيته معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه اللفظ، أو يقدر له لفظ آخر فلا يكون إضمارا ولا كناية بل حقيقة قصد بمعناها الحقيقيّ معنى آخر يناسبه، ويتبعه في الإرادة وحينئذ يكون معنى التضمين واضحاً بلا تكلف إلى هنا ما أفاده قدس سرّه. (وفيه بحث حا وجوه) : (الأؤل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أنّ اعتراضه بقوله إنّ المعنى المكنى إلخ لا اتجاه له إذ لا يبعد أن يلتزم في بعض الكنايات شيء، ولذا سمي باسم خاص ومنه علم أصاً أنه لا يرد على الوجه الأوّل إنه من قبيل الحذف لقرينة، فلا معنى لتسميته تضميناً. (الثاني) أنّ ما استظهر. بعيد لجعل المتعلق معمولاً من غير تقدير عامل لمجرّد فهم معناه لا سيما نصب المفعول، واعمال المذكور فيه من غير استعماله في معناه، ألا ترى أنه لا ينصب بحرف التنبيه فهذا أولى. (الثالث) أنه يرد على الوجه الأوّل في صورة جعله مفعولاً أنّ فيه جعل الجملة مفعولاً ومعمولاً لما لا يعمل في الجمل، وتاويله بالمصدر من غير سابك مخالف لأحكام العربية، ثم كون المقدّر تابعا للمذكور أولى عنده وقد عكسه المدقق في الكشف وناهيك به، وقد تبعه هو في شرح المفتاح في أوّل القانون الأوّل، وتخصيص التضمين بالفعل في عبارته لا ينبغي فكأنه الأصل الغالب وهكذا الناس مع الغالب، وأيضا هو لا ينحصر في الطرق المذكورة ألا ترى إلى تقديرهم التضمين في قوله: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [البقرة: 187] بالرفث، والإفضاء بالعطف وهو لم يذكر في طرقه، ومن تتبع موارد الاستعمال وجد له طرقا كثيرة، وقد ذكرنا طرفا منها في كتابنا طراز المجالى، وما قيل: من أنّ الأحسن أن يقال ويدل على الثاني إئا بذكر شيء من متعلقاته كما مرّ، أو حذف شيء من متعلقات الأوّل كما في قوله: هيجني شوقاً بحذف إلى ليس بشيء لأنّ المفعول الصريح معمول المحذوف، ومعمول المذكور لم يتعرّض له وليس من مهمات التضمين. (الرابع) أنّ ما ارتضاه مبنيّ على أنّ اللفظ قد يدل على معنى دلالة صحيحة بغير الطرق الثلاثة الحقيقة والمجاز والكناية، وفيه ما لا يخفى من أنّ مستتبعات التراكيب لا يمكن إنكارها، فإنها الشمس في وسط النهار إنما النظر في كونها مقصودة منه بدون الطرق الثلاث، وكونها عاملة في المتعلقات مما لا يعهد مثله في بليغ الكلام، فإن قلت كيف يكون مضمنا معنى الاعتراف، وقلما يوجد في الكلام آمنت الله بل لم يسمع أصلاً للزوم الباء فيه، وقد قال نجم الأئمة الرضى أنه إذا كان الغالب في فعل التعدية بحرف فهو لازم متعد بالحرف وأيضاً اعتبار الاعتراف يشعر بلزوم الإقرار باللسان في الإيمان شرعا على ما سيأتي بيانه فيه قلت: هذا ما أورد. بعض الفضلاء، ولم يجب عنه ولا يخفى اندفاعه فإنه مجاز وقد أجازوا فيه أن يلتؤم، وتهجر الحقيقة فأيّ مانع هنا مما ذكر خصوصاً واللزوم إنما نشأ من نقله شرعا إلى هذا المعنى مع أنه غير مسلم، ولزوم الإقرار فيه مما ذهبوا إليه في بعض المذاهب فتأمّل. قوله: (وكلا الوجهين حسن في يؤمنون بالغيب (أي يعترفون به أو يثقون بأنه حق، فالوثوق بمعنى اعتقاد حقيته وهذا بالنظر إلى المعنى اللغوي، وأمّا بالنظر إلى المعنى الشرعي، فالحمل على التصديق ظاهر الجرحان للإجماع على أنّ الإيمان المعتبر نفس التصديق، أو هو داخل فيه كما في الكشف. قوله: (وأمّ في الشرع إلخ) لما كان المعنى الشرقي منقولاً من اللغوي قدمه، وبين أنّ حقيقته الأصلية جعله آمنا وقد يكون بمعنى الوثوق حقيقة، ثم إنه صار في عرف اللغة حقيقة في التصديق، وضمن معنى الاعتراف، وأمّا الشرقي فاختلف فيه أهل القبلة على عشرة أقوال أصحابها فرق أربع على ما فصله الإمام، فهو منقول من مطلق التصديق إلى التصديق بأمور مخصوصة، كما عرف في مثله من الحقائق الشرعية، والتصديق هو الإذعان والتسليم والرضا به من غير تردد وشك فيه لا مجرّد العلم والمعرفة، إذ من الكفار من يعرف الحق ولا يقرّ به عناداً، والضرورة ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال بحيث تعلمه العامّة، وهو العلم الضرورفي المراد هنا فكونه من الدين ضروريّ، وأن كان في نفسه يتوقف على النظر والاستدلال، ويكفي الإجمال فيما يلاحظ إجمالاً ولا يشترط التفصيل إلا فيما يلاحظ تفصيلاً حتى لو لم يصدق بوجوب الصلاة عند السؤال عنه، ومجرمة الخمر إذا سئل عنها كان كماقراً، وقيل: هو التصديق بالقلب واللسان، وهو منقول عن أبي حنيفة، ومشهور عن أصحابه ومحققي الأشاعرة فهما ركنان له إلا عند العجز قال ابن الهمان: والاحتياط واقع عليه، وذهبت الكرّامية إلى أنه الإقرار باللسان فقط، فإن طابق القلب فهو ناج والأ فهو مخلد في النار، فإن قلت ما المراد من التصديق بما اشتهر كونه من الدين بحيث تعلمه العاثة من غير نظر واستدلال، فإن أريد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 التصديق بجميع ذلك لزم أنّ من صدق بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، ولم يصدّق بغير ذلك لأنه لم يبلغه لأنه في دار الكفر أو لقوب عهده بالإسلام لا يكون مؤمناً، وهو مؤمن بالإجماع، وإنما الخلاف في الإيمان المجمل، وهو أن يقول آمنت بالله كما هو بأسمائه وصفاته وقبلت جميع أحكامه، وان أريد التصديق في الجملة، ولو ببعضه كالتوحيد فهو غير كاف بالإجماع قلت قد أورد هذا بعض الفضلاء، وأجاب عنه بأنّ المراد التصديق بجميع ذلك بشرط بلوغ الخير إليه وعلمه بكونه من ضروريات الدين، وفيه بحث فتدبر. قوله: (ومجموع ثلانة أمور إلخ) هو مرفوع معطوف على التصديق في قوله فالتصديق إلخ وأن المراد بالحق هنا هو الله بل خلاف الباطل وتعريفه للعهد لأنّ المراد به ما مز، وهو المعلوم من الدين بالضرورة، وقيل: هو الحكم الثابت بالشرع علميا كان او عمليا، ولا يخفى أنه لا يصح على إطلاقه، فلا بد مما قلناه والاعتقاد افتعال من العقد، وهو عقد القلب أي الجزم به، وهو مجاز صار حقيقة عرفية وفي بعض النسخ ومجموعة ثلاثة أمور بالإضافة إلى الضمير الراجع للإيمان وليست سهواً كما توهم. نعم الأولى أولى رواية ودراية، والمراد بالإقرار ما يعتبر شرعاً وهو كلمة الشهادة والعمل فيما إذا كان عملياً ولم يقيد به لظهوره، فإن قلت إن أراد أن أصل الإيمان ما ذكر فمذمب السلف من المحدثين ليس كذلك لعدم تكفيرهم لمن أخل ببعضها، ولا واسطة والاً كان عين المذهبين الآخرين وان أراد أنه الكامل منه لم يتفرع عليه ما ذكر، ولذا قيل الظاهر أن يأتي المصنف بالواو مكان الفاء قلت قال: بعض المدققين أنّ من جعل الأعمال جزءاً من الإيمان منهم من جعلها داخلة في حقيقته حتى يلزم من عدمها عدمه وهم المعتزلة، ومنهم من جعلها أجزاء عرفية لا يلزم من عدمها عدمه كما يعد في العرف الشعر والظفر واليد والرجل أجزاء لزيد مثلاً، ومع ذلك لا يعدم بعدمها، وهو مذهب السلف كما في الحديث " الإيمان بضع وستون شعبة " إلخ فلفظ الإيمان عندهم موضوع للقدر المشترك بين التصديق والأعمال، فإطلاقه على التصديق فقط، وعلى مجموع التصديق والأعمال حقيقي كما أنّ المعتبر في الشجرة بحسب العرف القدر المشترك بين ساقها فقط، ومجموع الساق مع الأوراق والشعب ولا يتطرّق إليها الانعدام ما بقي الساق، وكذا حال زبد فالتصديق بمنزلة أصل الشجرة، والأعمال بمنزلة عروقها وأغصانها، فما دام الأصل باقيا يكون الإيمان باقيا وان انعدصت الشعب، ومن قال: إنها خارجة عنه لا يمنع من إطلاق الإيمان عليها كما في الحديث مجازاً، فلا مخالفة بينهم إلا في أنّ الإطلاق حقيقي أو مجازي، وهو بحث لفظي، ومن هنا علم لطف إطلاق الشعب في الحديث لما فيه من الإيماء إلى ما ذكر، وفي شرح المقاصد أنّ الإيمان يطلق على ما هو الأصل والأساس في دخول الجنة، وهو التصديق وحده أو مع الإقرار وعلى ما هو الكامل المنجي بلا خلاف، وهو التصديق مع الإقرار والعمل على ما أشير إليه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] إلى قوله: " {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال، الآبة: 74] وموضع الخلاف أنّ مطلق الاسم للأوّل أو للثاني وهذا لا ينافي كونه لفظياً لأنه يرجع بالآخرة إليه وما قيل من أنّ المراد اتفاق هذه الفرق في هذه العبارة يعني مجموع الثلاثة لا يسمن ولا يغني من جوع. قوله: (فمن أخل بالاعتقاد إلخ) يقال أخل إذا افتقر لأنه صار ذا خلة أي فقر، وأخل بالشيء إذا تركه، أو قصر فيه وهو المراد هنا وعبر به لإخراح العجز في أخويه لأنه لا يضرّ واشارة الأخرس المفهمة في حكم الإقرار فتدخل فيه، وقيل عليه: إنّ من أخل بالاعتقاد والعمل أيضا منافق، فينبغي ترك قوله وحده كما في بعض النسخ، ولذا قال في الكشاف: فمن أخل بالاعتقاد، بأنّ شهد وعمل، فهو منافق ولم يقيد الإقراو والعمل به لأنّ المخل بالإقرار كافر مطلقاً والمخل بالعمل فاسق مطلقا، ولشى بوارد لأنّ المخل بالاعتقاد والعمل ليس بمنافق وفاقا لأنه كافر عند الخوارج، وخارج من الإيمان عند المعتزلة والمنافق من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فإذا جعل قوله وفاقا قيد الجميع ما قبله اندفع ما ذكر بلا مرية، وقد قيل: إذا ظهر المراد، فلا إيراد وعدل عما في الكشاف تنبيها على ما قصده لا لغفلة منه كما توهم، وقد يقال: إنّ من ينافق قد يتركهما خفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وهذا لا يخرجه عن النفاق كما قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ وإذا ختوا إلى شياطينهم قالوا إتا معكم إنما نحن مستهزؤن} [البقرة: 14] وهو لا يرد هنا. قوله: (ومن أخل بالإقرار إلخ) أي من أخل بالإقرار عامداً معانداً متمكنا منه، وقد تقدم أنّ إشارة الأخرس المفهمة إقرار والمراد بقوله كافر أنه كافر مجاهر بكفره بخلاف المنافق لإخفائه للكفر، وما قيل: من أنّ في هذا نظر لما قاله الإمام من أنّ من عرف الله بالدليل ولم يجد من الوقت ما يتلفظ فيه بكلمة الشهادة هل يحكم بإيمانه وكذا لو وجد من الوقت ما أمكنه التلفظ به فيه، فعن الغزالي فيهما: أنه مؤمن والامتناع من النطق يجري مجرى المعاصي التي مع الإيمان والأحاديث الصحيحة شاهدة له كحديث " يدخل الجنة من في قلبه خردلة من للمان " والذي يعتذر له أنّ المراد بالإخلال هو أن يقصد به الجحود والعناد مدفوع بأنه الراجح عند الأشاعرة، فإنّ الراجح عندهم إنّ الإيمان مجرّد التصديق، والقول الآخر أنه التصديق مع الإقرار، وهو الراجح عندنا معاشر الحنفية الماتريدية إلا أنّ الشفي رحمه الله قال في العمدة على ما نقله ابن الهمام في المسايرة إنّ الإيمان هو التصديق، فمن صدق الرسول صلى الله عليه وسلّم فيما جاء به فهو مؤمن بينه وبين الله تعالى والإقرار شرط الأحكام وهو بعينه القول المختار عند الأشاعرة، والمراد بالأحكام أحكام الدنيا من الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك قال ابن الهمام رحمه الله: واتفق القائلون بعدم اعتبار الإقرار على أنه يلزم أن يعتقد أنه متى طلب منه أتى به فإن طولب فلم يقرّ فهو كفر عناد اهـ فاعتراضه بما ذكر على الزمخشريّ وهو من الحنفية أو المعتزلة لا وجه له، وأمّا من أورده على المصنف فله ذلك فتأمل. قوله: (ومن أخل بالعمل ففاسق إلخ) أي أنه مؤمن فاسق، وعند بعضهم كافر فاسق لأنّ الفسق يطلب على الكفر أيضا. قال تعالى: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] لأنه من فسق الرطب إذا خرج عن قشره وهو أعمّ من الكفر وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع، وأخل ببعض أحكامه والفرق بين مذهب الخوارج والمعتزلة أنه لا واسطة بين الكفر والإيمان عند الخوارج، وبينهما واسطة عند المعتزلة إذ شرط الإيمان، أو شطره ترك الكبائر أو الذنوب مطلقاً عندهم، وما قيل: من أنه يفهم من كلام المصنف أنّ المخل بالعمل وحده مؤمن فاسق وليس بكافر عند جمهور المحدّثين أيضاً فينا في ما قالوه من أنه مجموع الثلاثة ساقط لما مرّ. قوله: (والذي يدلّ على أنه التصديق إلخ) أي مما يدل على أنه وضع في الشرع لتصديق القلب دون عمل اللسان والجوارح، والإضافة في اصصلاج النحاة مشهورة، وكذا في اصطلاح غيرهم والمراد بها هنا معناها اللغوي، وهو في الأصل الإمالة وتطلق على تعلق خاص، وهو كونه صفة له وملابأ ملابسة تامّة، فإنه جعل في هذه الآيات مظروفا تارة، وأسند إليه أخرى فيكون من أحواله لا من أحوال الجوأرج، وهو لا يضاف إليها إلا بتأويل، وعطف العمل عليه يدل على التغاير، وكونه من قبيل حافظوأ على الضلوات والصلاة إنوسطى خلاف الظاص يائماه كثرته، وكذا تخصيصه بالنوأفل بناء على خروجي، وقرنه بالمعاصي وأس دن على الطاعة لم يقرن بضدها وهذا وإن دلّ على خروج ألأعمال دون الإقرار كاف في ردّ القول؟ نه مجموع الثلاثة وفيه تظر، واسنشهاده بآية {لَمْ يَلْبِسُواْ} إلخ لأن اللبس لا يقتضي وفعه بك مخالطته وهو مبني على ما يقتضيه ظاهرها من أنه مطلق القلم الشامل لجميع المعاصي حتى الشرك فإن خصص بالشرك كما سيأتي في تفسيرها، فإن صت أشرك عنادا سمي تصديقه إيماناً، وان لم يعتبر شرعا لعدم شرطه، فلا يرد على المصنف وحمه الله أنه لا يصح إيراد هذه الآية هنا لأنّ الظلم فيها بمعنى الشرك ثم إنه أورد على المصنف أنه تبع فيما ذكر الإمام، وهو مخالف لمذهبه فإنه صح عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وقد تقدم ما يدفعه، والمراد بالكتابة في الآية إثباته، والإقرار والعمل غير مثبت فيها وقد قيل: إنّ كؤ واحمي من هذه الأدلة، وان كان محلاً للمناقشة، لكن بالمجموع تحصل الطمأنينة والاستدلال بآية، وان طائفتان لأنه سماهم مؤمنين مع عصب ن أحد الفريقين. قوله: (فع ما فيه من قلّة التغيير إلخ (هذا ما وقع في بعض النسخ، ومعناه أنه في اللغة مطلق التصديق، وعلى هذا هو تصديق خاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 والإطلاق والتقييد تفاوت ما بينهما قليل، وهو المعروف في المنقولات بخلاف قولهم إذ فيه مع التغيير زيادة الإقرار والعمل، وليس معنى هذه العبارة ما قيل: من أنّ المراد بالتصديق الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وهو قلما يقبل التغيير بتشكيك مشكك يخلاف القول والعمل لأنه متغير، وغير دائم فإنه تكلف وعدول عن جادّة الطريق. وقوله: (وإنه إلخ) المراد بالأصل المعنى اللغوي المنقول عنه وفي بعض النسخ فإنه بالفاء على أنه تعليل لما قبله، قيل سر هذا الاختلاف، وترجيح ما ذكر راجع إلى أن المكلف الروج فقط والبدن آلة لها ومركب أو البدن أو مجموعهما، فإن قلنا بالأوّل وهو الأظهر فهو التصديق وان قلنا بغيره يعتبر عمل اللسان والجوارج. قوله:) وهو متعين الإرادة إلخ) الظاهر أن هذه جملة حالية والواو واو الحال لا عاطفة على ما قبله، كما قيل لما فيه من التعسف وكذا قوله مع ما فيه أيضاً أي يدلّ على مجرّد التصديق ت ذكر مقرونا بما فيه إلخ والوفاق المذكور بيننا وبين المعتزلة، والقصر إضافي ناظر لإرادة المجموع لا حقيقيّ والتعين بالنسبة إلى ألمعنى الشرفي، فلا يرد عليه ما مرّ من قوله وكلا الوجهين حسن في يؤمنون بالغيب لتعدي وثق بالباء أيضاً، وقد قيل إنه إنما يتم لو تعين أنّ الباء للتعدية وسيجيء أنّ فيها احتمالات أخر مع أنه على التضمين يتعدى بالباء لتقديره بمعترفين بالغيب كما مرّ، وأيضا ظاهر عبارته أنه يراد التصديق على أنه معنى شرقي كما بينا لك، وليس كذلك لقول الإمام أجمعنا على أنّ الإيمان المعدى بالباء يجري على طريقة أصل اللغة أمّا إذا ذكر مطلقا غير معدّي، فقد اتفقوا على أنه منقول عن المسمى اللغوي، وهو التصديق إلى معنى آخر والجواب أنّ التعدية هي الأصل المتبادر، ولذا قدمها المصنف فيما سيأتي فلا يلتفت لما يخالفها، وما ذكر الإمام مخالف للجمهور وليس مما يعوّل عليه فعليك بالتتبع والنظر السديد إن أردت أن تميط لثام الشبه، ومن الناس من قال: إنّ الضمير في قول المصنف، وهو متعين رأحر إلى الأصل فهو عين كلام الإمام وبنى على ما فهمه ما تركه خير من ذكره. قوله: (ثم اختلف في أنّ مجرد التصديق إلخ) هذا مترتب على أنه التصديق وحده الدال عليه قوله والذي يدلّ إلخ أي اختلف القائلون بأن حقيقته التصديق لا غير هل يكفي ذلك التصديق وحده في كونه مؤمنا، فإنه حقيقته الموضوع لها لفظه أو يثترط له شرط خارج عن مسماه، وهو الإقرار بالنطق بكلمة الشهادة للتمكن منها كما مرّ تحقيقه، وان المعتبر منه حقيقة ذلك أو ما هو في حكمه كإشارة الأخرس وليس الخلاف في الحكم بإيمانه ظاهرا، واجراء أحكام الإسلام بل في كونه كذلك في الآخرة ناجيا من العذاب المخلد كما أنّ المصز على عدم الإقرار مع طلبه بلا مانع منه كافر اتفاقاً كما مرّ، ولم يجزم المصنف رحمه الله باشتراطه إذ قال ولعل إلخ لتعارض الأدلة كما مرّ، وبما ذكر من كون الاختلاف في الشرط الخارج عن ماهيته علم أنه مذهب آخر فلا يصح تفريعه على ما قبله. وقوله: (لا بذ من انضمام الإقرار) ينافي قوله وحده، والتمكن القدرة يقال مكنته وأمكنته من الأمر، فتمكن واستمكن إذا قدر، والمعاند هو الذي عرفه وصذق به وامتني من الإقرار به، والتشنيع عليه وقع في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] والجاهل هو الذي لا يعرف ذلك لقصور. وتقصيره في النظر الصحيح. وقوله: (للإنكار) أي لكون سكوته عن الإقرار مع تمكنه ومطالبته به دليل الإنكار القلبيّ وعدم التصديق به، فيؤل لما ذكر فتدبر. قوله: (والغيب مصدر وصف به إلخ) أي أقيم مقام الوصف، وهو غائب للمبالغة بجعله كأنه هو وقيل إنه بمعنى المغيب، فأطلق المصدر وأريد به المفعول نحو خلق الله ودرهم ضرب الأمير، وردّه أبو حيان في البحر بأنّ الغيب مصدر غاب، وهو لازم فلا يبني منه اسم مفعول وكونه تفسيراً بالمعنى لأنّ الغائب يغيب بنفسه تكلف من غير داع، والشهادة ما يقابل الغيب لأنها ما يحس ويشاهد فهي مثله في المصدرية والوصفية. قوله: (والعرب تسمي المطمئن إلخ) روي بكسر الهمزة وفتحها فبالكسر اسم فاعل، وبالفتح اسم مكان وهو الوهدة المنخفضة في الأرض، والخمصة بفتح الخاء وسكون الميم وفتح الصاد المهملة وهاء تأنيث تليها النقرة والحفرة، وما يشبهها في ظاهر الجسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أو باطنه، ويقال للجوع أيضاً لانخفاض البطن به كما في قولهم ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها، والبطنة هي الامتلاء من الطعام والكلية بالضم ويقال كلي بطنه عند الخاصرة، وقيل تسمية الأرنها مطمئنة مجاز وتذكير اسم الفاعل باعتبار المكان كأنه قيل المكان المطمئن من الأرض والأظهر جعله صفة لبعض كما يشعر به من التبعيضية، وشهادة تسمية الأرض ليست بينة لاحتمال أن يكون فيه فيعلاَ وليس بشيء لأنّ من بيانية وان جاز فيها أن تكون تبعيضية أيضاً، وليس مراده الاستشهاد بل الاستئناس، والإشارة إلى أنه استعمل اسماً جابدا بمعنى قريب مما نحن فيه. قوله: (أو فيعل خفف إلخ) القيل بفتح القاف وسكون الياء المخففة واحد أقيال وأقوال وهو ملك حمير، ويقال يقول لأنه يقول ما شاء، فينفذ قوله أو هو من دون الملك، وأصله قيل مثدّداً قال أبو حيان: لا ينبغي أن يدعى في قيل وأمثاله ذلك حتى يسمع من العرب مثقلاَ كنظائره من نحو ميت وهين فإنها سمعت مخففة ومثقلة، ويبعد أن يقال التزم تخفيف هذا خاصة مع أنه غير مقيس عند بعض النحاة مطلقاً أو في الثاني وحده، ولا يخفى أنّ قيلاً وان لم يسمع مشذداً إلا أنّ أئمة اللغة صرحوا بأنه أصله كما قاله بعضهم في سيف، وريحان لكن بينهما فرق فإنه واوي فلولا ادّجماء ما ذكر لم يكن لقلب الواو ياء وجه فتأمّل. قوله: (والمراد به إلخ) بديهة العقل والرأي ما لا تحتاج إلى فكر ونظر من بده بدها، وبداهة إذا بغت وفاجأ، وفي الكشاف المراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم اللطيف الخبير، وإنما نعلم نحن منه ما أعلمناه أو نصب لنا دليلاً عليه، ولهذا لا يجوز أن يطلق، فيقال: فلإن يعلم الغيب اهـ وهذا بعينه ما ذكره المصنف، ومن الناس من توهم أنه غيره لأنه بظاهره يدل على أنه مطلقاً لا يتعلق به علم أحد سوى الله، وهو افتراء عليه لما سمعته، وهو بعينه مأخوذ من الراغب قال في مفرداته: الغيب ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة العقول وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اهـ. والمراد إدخال البديهي الغير المحسوس فيما ليس بغيب في الظهور، فلا يرد عليه ما قيل من أنه لا تقابل بين الحس، وبديهة العقل إلا أن يراد به البديهي الأولي للعقلى فيبقى كثير من الضروريات داخلة في الغيب اهـ. لأن ما يدركه العقل من غير نظر وفكر، ولا يدركه الحس مقابل لما يدركه الحس تقابل الشيء لما هو أخص من نقيضه، كما إذا أريد البديهي الأوّلي للعقل وإدخال الضروريات التي لا يدركها الحس، وفيها خفاء في الغيب لا محذور فيه بل هو أمر مستحسن. قوله: (وهو المعني بقوله تعالى إلخ) قيل: إنه جعل كون مفاتح الغيب عنده كناية عن اختصاص غيب لا دليل عليه به تعالى، وهو مبني على أن المفاتح جمع مفتح بالكسر بمعنى مفتاح أمّا إذا كان جمع مفتح بالفتح، وفسرت بالمخازن، فلا حاجة لادّعاء الكناية لأن قوله لا يعلمها إلا هو صريح في ذلك الاختصاص، وسيأتي بيانه في تفسير هذه الآية، والمراد بهذا كل ما استأثر الله بعلمه. قوله: (وقسم نصب إلخ) نصب الدليل واقامته عبارة عن بيانه على الوجه المعروف، وهو مجاز في الأصل صار حقيقة اصطلاحية فيه. وقوله: (كالصانع) أي كإثبات وجود الصانع وهو الله عر وجل، واطلاقه على الله تعالى ورد في حديث مسند وهو " إن الله صانع كل صانع وصنعته " (1) فلا حاجة لقول السبكي جواز إطلاقه لوروده في قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] فإنه إنما يتمشى على رأي من يكتفي بورود المادّة ولا حاجة إليه وما ورد إطلاقه على الله وثبت بإخبار الآحاد يجوز تسميته به على خلاؤ، فيه في شروح الصحيحين وقوله وهو المراد إلخ فالغيب الذي آمنوا به الله وصفاته وما يجب اعتقاده، فإن قلت على هذا يشمل الغيب الله، ويطلق عليه ضمنا والغيب والغائب ما يجوز عليه الحضور والغيبة واطلاق المتكلمين في قولهم قياس الغائب على الشاهد لا يصح سنداً له. قلت: السلف مطبقون على تفسيرها بما ذكر، وليس فيها إطلاقه عليه بخصوصه فليس هذا من تبيل التسمية، وفي بعض الحواشي فرق بعض أهل العلم بين الغيب والغائب فيقولون الله غيب وليس بغائب ويعنون بالغائب ما لا يراك ولا تراه، وبالغيب ما لا تراه أنت فتدبره. قوله: (هذا إذا جعلته إلخ) الصلة في اصطلاح النحاة صلة الموصول والمفعول به بواسطة الحرف، وتطلق على الزائد كما مرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فقوله وأوقعته إلخ تفسير له بالثاني لأنه المقصود، وهذا إشارة إلى المراد أي كون المراد بالغيب القسم الثاني من الخفيّ المذكور على هذا التقدير لا إلى كونه بمعنى الغائب، أو الخفيّ على التقديرين كما قيل، لأنّ القسم الأوّل ليس مما يلزم الإيمان به إلا إجمالاً بأن يعتقد غيباً لا يعلمه إلاً الله فتأمّل. قوله: (وإن جعلته حالأ إلخ) فالإيمان على الأوّل مضمن معنى الإقرار والاعتراف أو مجاز عن الوثوق، ومعنى الغيبة صفة للمؤمن به أي يؤمنون بما هو غائب عنهم، وعلى هذا هو بمعنى التصديق بلا تضمين ولا تجوّز والغيبة صفة للمؤمنين والمؤمن به محذوف للتعميم والمبالغة أي يؤمنون بجميع ما يؤمن به في حال غيبتهم كما يؤمنون حال حضورهم لا كالمنافقين، وهذا الوجه يختص بغير الصحابة رضي الله عنهم لمشاهدتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ومعجزاته، وهو مما يجب الإيمان به، فليس إيمانهم كله بالغيب، وكذا في الوجه الأوّل ويجوز أن لا يخصص أمّا على أنه من إسناد ما للبعض إلى الكل مجازاً كبنو فلان قتلوا قتيلاً، وهو المناسب لظاهر الحصر في أولئك هم المفلحون لئلا ينتفي الفلاح عنهم، أو التخصيص بالغيب نظرا كثر. كالله وصفاته وأحوال الآخرة من الحشر وتحوه، ولفضل الإيمان بالغيب أو خروج الرسول، ونعته عنه لا ضير فيه لأنه معلوم بدلالة النص والطريق الأولى، أو المراد أنهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة، فهو للدلالة على قوّة إيمانهم، وأنهم استوى عندهم المشاهد وغيره. قوله: (أو عن المؤمن به) المؤمن بفتح الميم الثانية اسم مفعول وهذا معطوف على قوله: عنكم والمؤمن به النبيّ عليه الصلاة والسلام كما في كلام ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا هو الظاهر أو الأعئم الشامل. وقوله: (لما روي أنّ ابن مسعود إلخ) هو عبد الفه بن مسعود الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا أثر صحيح عنه مخرج في السنن موقوفاً عليه وقد قال له الحارث بن قيس: عند الله نحتسب ما سبقتمونا به من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال ابن مسعود: عند الله نحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلّم، ولم تروه إنّ أمر محمد صلى الله عليه وسلّم كان بينا لمن رآه، والذي لا إله إلا هو ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} إلى قوله: {الْمُفْلِحُونَ} كذا أخرجه الدارمي في سننه وصححه الحاكم، وقراءته للآية مستشهدا بها على ما ذكره تدلّ على أنها محمولة عنده على هذا المعنى وبمعناه ما روي مرفوعاً في السنن أيضا أنّ أبا عبيدة بن الجزاح قال: يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا وجاهدنا معك قال: " نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ") 1 (وما قيل: من أنه يفضي إلى أن الصحابة أجمعين غير داخلين في الآية، وأنها مخصوصة بغيرهم ومعنى كونهم أفضل إنهم أعجب حالاً ليس بشيء لأنهم خارجون على تفسير ابن مسعود ولا محذور فيه وليس معنى الخيرية ما ذكر لأنها تختلف بحسب الإضافات، والاعتبارات فالصحابة خير الناس لنيلهم شرف القرب من الرسول صلى الله عليه وسلّم واشراق باطنهم وظاهرهم بنور النبوّة ولزوم سيرة العدل والصدق والتنز. عن دنس المعاصي، وهو المراد بحديث " خير القرون قرتي) (1) إلخ وخيرية غيرهم بإيمانه بالغيب، ورغبته ومحبته لله ورسوله مع انقضاء مشاهدة الوحي وآثار. وفساد الزمان كما قال القائل لله درّه: رأيت عبيد الذ أكرم من مشى وأكرم من فضل بن يحيى بن خالد أولئك جادوا والزمان مساعد وقد جاد ذا والدهر غير مساعد وكذا ما قيل: من أنّ في عبارة المصنف رحمه الله إيجازا مخل لجواز أن يراد به الغيب عن المؤمنين، فكأنه اعتمد على ما في الكشاف من أنّ أصحاب عبد الفه ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وايمانهم فقال ابن مسعود رضي الله عنه: إنّ أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم كان بينا إلخ. قوله: (وقيل المراد بالغيب القلب إلخ) فالغيب القلب لأنه غائب مخفيّ قيل: ويعضده التعبير بالمضارع، لأنّ إيمان القلب مستمرّ. وقوله: (والمعنى يؤمنون بقلوبهم) في بعض النسخ بدله والمؤمنون بقلوبهم. قوله: (قالباء على الآوّل إلخ) قيل يراد بها تصيير الفعل اللازم متعدياً أي مساويا له معنى، فمعنى ذهب بزيد أذهبه، وقد يراد بها ما هو لازم لكل حرف جر، وهو إفضاء معنى متعلقها إلى مدخولها، وهو متعين للإرادة هنا، وحينئذ لا تحس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ن مقابلة الآلة لها إذ التعدية بالمعنى الثاني موجودة فيها، إلا أن يقال المراد إفضاء معناها بحيث يصير مفعولاً به وفي الآلة ليس كذلك، وهو كلام مشوّس لأنّ ما بعد إلا هو عين ما ادّعى تعين خلافه، فالحق أنّ التعدية هنا بالمعنى الأوّل لأنّ معنى قوله يؤمنون بالغيب على الأوّل يصدّقونه، ويتيقنونه فهو مفعول به. قوله: (وعلى الثاني للمصاحبة) قيل إذا جعلت الباء للمصاحبة لا يلزم أن يكون المتعلق محذوفاً حتى يكون حالاً لأنك إذا قلت: دخلت عليه بثياب السفر ليس معناه دخلت مصحوباً بثياب السفر لتعلق الباء بالدخول بل معنى الصحبة يدل عليه الباء، فالوجه تعلق الباء بالإيمان، وما مرّ من تقدير الحال معنى انسحابي لا من حاق اللفظ. (قلت) قالط نجم الأئمة الرض تكون الباء بمعنى مع، وهي التي يقال لها باء المصاحبة نحو، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به، واشترى النار بآلاتها قيل ولا تكون بمعنى مع إلا مستقراً، والظاهر أنه لا مانع من كونها لغواً اهـ. وما ذكره هو الذي ارتضاه النحاة، وما استظهر. بطريق البحث هو مختاره، وعليه شارح اللباب أيضاً فالحالية في كلام المصنف محمولة على ظاهره، وما ظنه تحقيقا حاله في الضعف ظاهر. قوله: (أي يعدّلون أركانها إلخ) فسرت الإقامة بأربعة أوجه، وهي كما في شروح الكشاف على الأوّلين استعارة تبعية، وعلى الأخيرين مجاز مرسل، وقيل: هي في بعض الوجوه كناية وستسمع ذلك وما له وعليه وأركان جمع ركن كقفل وأقفال وركن الشيء جانبه ولذا اصطلحوا على عد أجزاء الماهية أركانا بخلاف ما توقف الصحة عليه ولم يكن داخلا فيها والتعديل التسوبة، وتعديل الأركان إيقاعها مستجمعة للفرائض والواجبات، أولها مع الآداب والسنن، والأوّل أوسع دائرة للمهتدين بهداية الكتاب والثاني 31 فائدة وأنسب بشأن الصلاح والمدح والزيغ الميل عن الاستقامة. وقوله: (من أقام العود إلخ) إشارة إلى أنه استعارة تبعية شبه تعديل أركان الصلاة وحفظها بتقويم العود وتسويته بازالة اعوجاجه فهو قويم تشبيها له بالقائم، ثم استعير من تسوية الأجسام لتسوية المعاني كتعديل الأركان، وأخذ منه الثاني لزيادة المناسبة بين المعاني وقيل حقيقته جعلها قائمة أو قويمة، واسنعمال أقام العود بمعنى سوّاه أكثر من أقام زيداً إذا جعله منتصباً وان رجع القويم لمعنى المنتصب والحق أنه حقيقة فيما مرّ لأنّ التقويم يقع على الأجسام والمعاني على السواء بل وصف نحو الدين والرأي بالتقويم أكثر، فلا حاجة إلى الاستعارة، فكأنهم جعلوا النقل من المحسوس، وهو الانتصاب إلى المحسوس، وهو تسوية العود ونحو. ثم منه إلى المعقول وهذا ما آثره الزمخشريّ، ولا يخفى ما فيه فإنّ مجازيته في المعاني لا شبهة فيها رواية ودراية، وما ذكره لا يثبت إلا كثرة استعمالها فيها، فهو مجاز مشهور أو حقيقة عرفية وقيل إن ما استند إليه من أنّ التقويم عامّ للقبيلين من الأعيان، والمعاني وحقيقة فيهما لا يستلزم كون الإقامة كذلك إذ معناها جعل غير المستقيم مستقيما بإزالة اعوجاجه ولا شك أنّ التسوية المتعلقة بالمعاني معناها الإتيان بالمعنى على ما ينبغي لا جعلها مستقيمة بعد أن لم تكن، وقد قيل على هذا الوجه إنه غير متجه ولا يفهم من إقامة الصلاة إلا أداؤها، وايقاعها من غير نظر للتقويم المذكور، وهذا مع أنّ مآله ترجيح الوجه الأخير قد رذ بأنه لو أريد ذلك قيل يصلون والعدول عن الأخصر الأظهر بلا فائدة لا يتجه في كلام بليغ فضلاً عن أبلغ الكلام ومن هنا علمت وجه تأخير الأخير فتأمّل. قوله: (أو يواظبون عليها إلخ) وظب على الأمر وظبا ووظوباً وواظب عليه لازمه وداومه وفيه على هذا استعارة تبعية أيضا كما يدلّ عليه تصريحهم بالتشبيه وهذا معنى قول الزمخشريّ أو الدوام عليها والمحافظة عليها كما قال عز وعلا: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23] ، {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9] من قامت السوق إذا نفقت إلخ ونفاق السوق رواح ما فيها من الأمتعة، وكثرة الطلاب فيها يقال نفقت السلعة والمرأة نفاقا بالفتح كثر طلابها وخطابها كما بين في كتب اللغة، وهذا المعنى كما في بعض الحواشي يحتمل أن يكون معنى أصلياً في اللغة، وأن يكون من قام العود تشبيهاً للنفاق بالانتصاب في حسن الحال والظهور، وقال الطيبي: إنها في هذأ الوجه كناية تلويحية عبر عن الدوام بالإقامة، فإن إقامة الصلاة بمعنى تعديل أركانها وحفظها من الزيغ مشعر بكونها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 مرغوبا فيها، وإضاعتها في تعطيلها تدلّ على ابتذالها كالسوق إذا شوهدت قائمة دلت على نفاق سلعتها ونفاقها يدلّ على توجه الرغبات إليها، وتوجه الرغبات يستدعي الاستدامة بخلافها إذا لم تكن قائمة، فالمراد بقوله من قامت السوق أنه من بابه فهو مثله لا منقول منه، وردّ بأنه مخالف لصريح لفظه ولا يبقى حينئذ للاستشهاد بالبيت معنى، لأنّ إقامة الصلاة بمعنى التعديل إذا صارت شائعة جاز أن تجعل كناية كيف والكلام فيه، وقال قدّس سرّه: نفاق السوق كانتصاب الشخص في حسن الحال، والظهور التام فاستعمل القيام فيه والإقامة في إنفاقها أي جعلها نافقة، ثم استعيرت منه للمداومة على الشيء، فإنّ كلاً من الإنفاق والمداومة يجعل متعلقه مرغوبا متنافسا فيه متوجها إليه، وقد أورد عليه أنّ هذه المشابهة خفية جداً، وأيضا الأصل أعني أقام السوق مجاز فالتجوّز منه ضعيف، ودفع الأوّل بالحمل على المجاز المرسل بعلاقة اللزوم فإنّ الإنفاق يستلزم المداومة عادة، وأنت تعلم أنّ هذا الحمل على تقدير صحته خلاف ما في الكتاب والثاني بأنه صار بمنزلة الحقيقة اهـ وقيل في دفع الأوّل أيضاً: بأنّ في ذلك الخفاء دقة لا تفضي إلى التعقيد المعنويّ بل تجعله غير عامي مبتذل للطفه حتى لا يقف عليه إلاً الخواص، وهذا موجب للمدح لا مقتض للقدح، فإن قلت: إذا كان بمعنى المداومة والمحافظة والمواظبة ينبغي أن يتعدى بعلى لأنها تتعدّى بها، كما قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23] قلت إذا تجوّز بلفظ عن بمعنى آخر، وكان عملهما في الحرف الذي تعدّيا به مختلفاً يجوز فيه إعماله عمل لفظ الحقيقة، وعمل لفظ المجاز ويكون ذلك كالتجريد والترشيح ألا ترى أن نطقت الحال بكذا بمعنى دلت وتعديه بعلى، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. قوله: (أقامت غزالة إلخ) غزالة علم امرأة شبيب الخارجي الذي قتله الحجاج، وهي من شجعان النساء لما قتل زوجها خرجت بعسكر على الحجاح تطلب دمه، وحاربته سنة كاملة وهجمت عليه، فهرب فصلت في جامعه صلاة الصبح بسورة البقرة إظهاراً لامتهانه، وقصتها مشهورة كما في كامل المبرد واليها يشير القائل يهجو الحجاج: أسدعليّ وفي الحروب نعامة فتخاءتنفرمن صفيرالصافر هلا برزت إلى غزالة في الوغى إذ كان قلبك في جناحي طائر وهذا البيت من قصيدة طويلة من بحر المتقارب، لأيمن بن خريم الأنصاري أوّلها: أبى الجبناء من أهل العراق على الله والناس إلا سقوطا أيهزمهم مائتا فارس من السافكين الحرام العبيطا وخمسون من مارقات النسا يجرّون للمندبات المروطا وهم مائتا ألف ذي قونس) 1 (يئط العراقان منه أطيطا رأيت غزالة إذ طرّحت بمكة هودجهاوالغبيطا سمت للعراقين من سومها فلاقى العراقان منها البطيطا (2 ( ألا يتقي الله أهل العراق إذا قلدوا الغانيات السموطا وخيل غزالة تغتالهم فيقتل كهل الوفاءالوسيطا وخيل غزالة تحوي النهاب وتسبي السبايا وتجبي النبيطا أقامت غزالة سوق الضراب أهل العراقين حولاً قميطا وسوق الضراب استعارة مكنية وتخييلية أو تمثيلية أو تصريحية في السوق، وفي الأساس رأيته يكر في سوق الحرب في حومة القتال ووسطه، والعراقان البصرة والكوفة، وقميط بالطاء المهملة بمعنى تامّ وقيل إنه كناية عن التمام كأنه شدّ في قماط أي حبل، وترك في جانب والضراب كالقتال لفظاً، ومعنى والحول والعام والسنة بمعنى. قوله: (فإنه إذا حوفظ إلخ) إشارة إلى وجه الشبه فيهما وهو الرغبة كما مرّ بيانه. قوله: (أو يتشمرون إلخ) قال في المصباح: التشمر في الأمر السرعة فيه والخفة، ومنه قيل شمر في العبادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 إذا اجتهد وبالغ وشمر ثوبه رفعه، وشمرت السهم أرسلته مصوباً على الصيد والأداء في اللغة حقيقته دفع ما يحق دفعه، وتوفيته كأداء الدين والأمانة قال تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ، وأصله على ما قاله الراغب من الأداة وهي ما يتوصل بها إلى الشيء كالحبل للاستقا من البئر، وهو في الاصطلاح أخص منه لأنه فعل الشيء الذي عين له الشارع وقتا معيناً فيئ وقته أوّلاً، ويقابله القضاء والإعادة على ما تقرّر في الأصول لأنّ ما عين له وقت كالصلوات الخمس إن وقع في وقته المعين ولم يسبق بأداء غير مختل فأداء والاً فإعادة، فإن وقع بعده ووجد فيه سببه فقضاء، والأداء هنا بمعناه اللغوي أو الشرعي ولا محذور فيه، والتجلد المبالغة في إظهار الجلد والقوّة لا تكلفه كما في قوله: وتجلدي للشامتين أريهم وفي الكشاف او التجلد والتشمر لأدائها وأن لا يكون في مؤدّيها، فتور عنها ولا توان من قولهم قام بالأمر وقامت الحرب على ساقها، وفي ضدّه قعد عن الأمر وتقاعد عنه إذا تقاعس وتثبط اهـ (والكلام هنا في أمرين الأوّل) أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله هل هو بعينه ما في الكشاف أم بينهما فرق (الثاني) أنّ الباء في قام بالأمر هل هي للتعدية ليلزم الجدّ لأن جعل الأمر قائما لا يتأتى بدون جد، أو للملابسة فإنه لا يقال عرفا قام بالأمر إلا إذا تلبس به على وجه الاهتمام قال قدس سزه: حقيقته قام متلبساً بالأمر والقيام له يدل على الاعتناء بشأنه ويلزمه التجلد والتشمر، وأطلقوا القيام على لازمه فهو مجاز مرسل كما مرّ، ومنه قاصت الحرب على ساقها إذا اشتدت كأنها تشمرت لسلب الأرواح وتخريب الأبدان، واعترض عليه بأنّ الإقامة إذا كانت مأخوذة مما ذكر كان معناها على قياس التعدية جعل الصلاة متجلدة متشمرة لا كون المصلي متشمرا في أدائها بلا فتور كما ذكر، ووصف الصلاة بالتجلد إنما يصح بوصفها بما لفاعليها كجد جدّه، ولا يخفى بعده وليس لك أدن تقول باء قام بالأمر للتعدية، فالمستعمل بمعنى التجلد والاجتهاد هو الإقامة في الحقيقة لأنّ قولهم في ضده قعد وتقاعد عن الأمر يبطله، وأيضا القيام يناسب التشمر لا الإقامة كما أنّ القعود يلائم الكسل لا الإقعاد اهـ. ومنه يعلم أنّ ما أورد على الكشاف من أنّ كلامه لا يشعر بوجه التجوّز والعلاقة، ودفعه بأنه ليس بلازم ساقط من درجة الاعتبار، وقيل: إنّ المصنف عدل عما في الكشاف، وضمّ إليه إقامة إشارة إلى أن قام بالأمر وأقامه بمعنى جد فيه، فأقامه من باب الحذف، والإيصال والقيام بالشيء يدلّ على التشمر له فكذا الإقامة، وزعم هذا القائل أنه جواب عما أورد على المصنف من أنّ كلامه يدلّ على أنّ معنى قام بالأمر وأقامه واحد، وليس كذلك لأنّ الباء في قام به ليست للتعدية، فلا يكون بمعنى أقامه، واقامة الأمر ليست بمعنى التجلد أيضاً ولو كان أقام من القيام بمعنى الجد لكانت الصلاة مجدة، ولا يخفى فساده لأن أقام متعد، وعلى الحذف والإيصال إمّا أن يكون لازما أو مفعوله مقدر، وكلاهما غنيّ عن الردّ، وقيل: إنه أشار بضمّ الإقامة إلى أنّ الباء للتعدية، وبقوله إذا جد فيه وتجلد إنى أنّ الجد والتجلد على تقدير كون الباء للتعدية أيضاً صفة المصلي دون الصلاة بطريق اللزوم فإن معناه نصبه بعد انخفاضه أو سوّاه بعد اعوجاجه، فيكون مسببا عق الجد والتجلد، ويؤيده قول عين المعاني والكواشي قام بالأكحر إذا قوّمه وأتمه هذا زبدة القال والقيل. (وأنا أقول) معتمدا على من بيده الهداية إلى سواء السبيل. اعلم أنّ قول المصنفين من قولهم كذا أو من كذا قد يريدون به بيان حقيقة المجاز أو أصله، ومأخذه المنقول عنه، فتكون من ابتدائية وقد يريدون أنه من قبيله، وأمثاله فتكون من بيانية وما نحن فيه من الثاني لا من الأوّل على ما سيأتي، وقام بالأمر معناه جد فيه، وخرج عن عهدته بلا تأخير ولا تقصير، فكأنه قام بنفسه لذلك الأمر، وأقامه أو رفعه على كاهله بجملته كما قال: شديدا بأعباء الخلافة كاهله فقد قام وأقام وحينثذ يصح فيه أن يكون استعارة تمثيلية أو مكنية أو تصريحية، وحقيقته ما ذكرناه، ويجوز أن يكون مجازا مرسلاً لأنّ من قام لأمر على أقدام الاقدام، ورفعه على كاهل الجدّ فقد بذل جهد.، وتمثيله بقامت الحرب على ساقها إلى الأوّل أميل إلا أنّ كلام الشريف رحمه الله لا يخلو من الإشكال لأنّ قوله ملتبساً لا يفيد ما ذكرناه على أنه لو كان معناه قام له كان الأنسب جعل الباء سببية، فكلامه بفحواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 شاهد على خلاف مدّعاه. وقوله: (كأنها تشمرت إلخ) يناسب الاستعارة لا المجاز المرسل الذي أطبقوا عليه، وكان هذا هو الباعث للمصنف رحمه الله على إهمال ذلك المثال وما ذكره من الاعتراض غير وارد لما عرفت من أنّ معنى فام به أقامه، والتشمير والجد لازمه أو حاو معناه وهو المعنيّ بقوله، وليس لك أن تقول إلخ وهو معناه بعد التعدي بالباء أو الهمزة، وما اعتمد عليه من أنه لا يتأتى في ضدّه لتعيينه لأنه معنى الثلاثيّ بدون تعدية مدفوع لأنه توهم أنّ عن ليست للتعدية، فكذا الباء وهو تخيل فارغ فإنها تأتي للتعدية كما في رضي الله عنه وأرضاه، فأيّ مانع من جعل قعد عته بمعنى أقعده أي تركه وأهمله، أو جعل ضد القيام المتعدّي القعود اللازم على أنا نبهناك قبل عن أنّ اللفظ المتجوّز فيه يعمل بكلا العملين عمل المعنى الحقيقي والمعنى المجازيّ، وأمّا حديث التجوّز في الإسناد، فنحن في غنية عنه. واذا تامّلت ما قصصناه عليك عرفت أنّ منهم من لم يفصح عن المراد، ومنهم من لم يحم حول موارد السداد، وقد أوردناه بعرضه وطوله، لتفرق بين فضله وفضوله. قوله: (وضذّه إلخ) أي ضد قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد والضدية باعتبار أصل المعنى، وهو القيام والقعود ولازمه وهو الاجتهاد والتكاسل، وقيل إنما هي باعتبار المعنى اللازم لهما، فاذا كان ذلك في الأوّل الجذ، والتجلد يكون في الثاني التكاسل، والتهاون بالضرورة والمصنف لم يذكر الثأني اكتفاء بالأوّل وصاحب الكشاف عكس ذلك. قوله: (أو يؤذونها إلخ) يعني أنّ الإقامة هنا عبارة عن مجرّد الأداء أي فعل الصلاة وايقاعها، كما عبر عنها بالقنوت في قوله وكانت من القانتين أي المصلين إذ القنوت يطلق على القيام في الصلاة، ويسمى السكوت فيها قنوتاً أيضاً كما في قوله: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [مورة البقرة: 238] والركوع معروف، ويطلق على الصلاة كما في قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] أي صلوا معهم، والسجود كذلك كما في قوله {وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 98] وكذا التسبيح كقوله {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] واطلاق هذا يدل على إطلاق غيره بالطريق الأولى كما سيجيء وقد مرّ أنّ المحقق السعد قال إنه لا يفهم من إقامة الصلاة إلا أداؤها وايقاعها دون غيره من المعاني السابقة ويؤيده عندي تعينه في كثير من الأحاديث الصحيحة كحديث البخاري " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الأ الله وأنّ محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم الأ بحق الإسلام " ولا يخفى على ذي لب تعينه فيه. وفي الكشاف عبر عن الأداء بالإقامة لأنّ القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت إلخ قال قدّس سرّه تبعاً للشراح إن أراد أنّ القيام يطلق على الصلاة لكونه بعض أركانها ثم يؤخذ منه الإقامة ورد عليه أنّ الهمزة إن جعلت للتعدية، كان معنى إقامة الصلاة جعل الصلاة مصلية، وان جعلت للصيرورة كان معنى أقام صار ذا صلاة، فلا يصح ذكر الصلاة معه إلا أن يجعلها مفعولاً مطلقاً والكل مما لا يرتضيه طبع سليم، وان أراد أنّ القيام لما كان ركناً منها كان فعله، وايجاده أعني الإقامة ركنا لها أيضا توجه عليه أنّ ركنها فعل القيام بمعنى تحصيل هيئة القيام في المصلي حال الصلاة لا بمعنى تحصيلها في الصلاة وجعلها قائمة، فإن قيل لعله أراد أنّ القيام جزء منها فيكون إيجاده أي الإقامة جزءا من إيجاد جميع أجزائها الذي هو أداؤها فعبر عن أدائها بجزئه، قلنا فمعنى يقيمون حينئذ يؤدّون الصلاة (فيحتاج في ذكر الصلاة معه إلى ارتكاب كونها مفعولأ مطلقا، ولا إشكال في استعمال قنت ونحوه بمعنى صلى إذ لا يذكر معه الصلاة، وفي قوله لوجود التسبيح فيها إشارة إلى أنه ليس ركنا منها فإذا جاز أن يعبر به عن الصلاة، فالتعبير عنها باركانها أولى، وذكر بعضهم أنّ الإقامة تستعمل بمعنى جعل الشيء قائماً في الخارج أي حاصلاً فيه، فإنّ القيام بمعنى الحصول في الخارح شائع الاستعمال، ومنه القيوم وهو الحاصل بنفسه المحصل لغيره، فأقيموا الصلاة من الإقامة بهذا المعنى أي حصلوها وأتوا بها على الوجه المجزيء شرعاً وهو معنى الأداء اهـ. وهذا على أنه مجاز مرسل من إطلاق الجزء على الكل. (وقد أمعنت النظر) ، فرأيت ما ذكروه لا يخلو من الكدر بل فيه عبرة لمن اعتبر، فإنه كله ناشىء من عدم تدبر كلام الشيخين، وتنويره أنهما جعلا الإقامة مجازا، وعبارة عن الأداء، ومعنى يقيم يؤذي لا يصلي حتى يلزم ما لزم، وبينهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بعد المشرقين، وقد بينا لك أنّ معنى الأداء لغة واصطلاحا الفعل، فيؤدّي الصلاة بمعنى يفعلها مطلقا، أو في وقتها المعين فلا إشكال في كون الصلاة مفعولاً به بل لا بد منه ووجه التجوّز حينئذ أنّ الأداء المراد به فعل الصلاة والقيد خارج خروج البصر عن العمى عبر عنه بالإقامة بعلاقة اللزوم إذ يلزم من تأدية الصلاة، وايجادها كلها فعل القيام، وهو الإقامة لأنّ فعل الشيء فعل لأجزائه، أو العلاقة الجزئية لأنّ الإقامة جزء أو جزئي لمطلق الفعل، ويجوز أن يكون استعارة لمشابهة الأداء للإقامة في أنّ. ور منهما فعل متعلق بالصلاة، فإن قلت إذا كان التجوّز في التعبير عن الأداء بالإقامة فلم قال الزمخشريّ: لأنّ القيام بعض أركانها، وهل ترك المصنف رحمه الله له، وتعبيره بالاشتمال لمخالفته له، أو هو مجرّد تفنن في الطريق قلت: لما كان فعل الأداء الصلاة الإقامة فعل القيام بين أنه من أركانها ليكون فعله لازماً لفعلها كما بينا. وعدول المصنف ليشمل التسبيح من أوّل الأمر إن حمل على ظاهره لأنه ليس ركناً، ولذا عطفه الزمخشريّ عليه وقال: وقالوا إلخ كما سيجيء، وهذا مما يرجح كون العلاقة اللزوم لأنه يكفي فيه اللزوم العرفي، فلا يرد عليه ما قيل من أن هذا الكل لا يستلزم الجزء هنا، وأجيب بأنّ المراد القيام في الصلاة، وهو يستلزمه قطعاً ولما ذهبوا بأسرهم إلى علاقة الجزئية، وأنّ معنى يقيمون يصلون لزمهم ما لزم فتفرّقوا أيدي سبأ، فمن قائل لما كان القيام جزءاً من الصلاة كانت الإقامة التي هي إيجاد القيام جزءا من إيجاد الصلاة الذي هو أداؤها فعبر عن الأداء بالإقامة وعلق بالصلاة لتعيين المؤدى، وتلك العلاقة لا يلزم إطرادها إلى آخر ما تكلفه مما لا يجدي، ومن قائل معنى إقامتها جعلها قائمة أي ذات قيام كعيشة راضية، ثم جعل ذات قيام كناية عن أدائها، وعبر بالقيام لأنه ركن يشتمل على أشرف الأركان، وهو قراءة القرآن، وقيل الإقامة كناية عن الأداء، ومنهم من رأى أنّ ما حاولوه لا يتم بحال ولا يخلص من الإشكال، فاختار شقاً آخر وزعم أنه أحسن مما ذهبوا إليه فقال: إنه استعارة، وأنه شبه الصلاة المركبة من القيام الذي هو صفة المصلي بشخص قائم لاشتراكهما في القيام؟ فتولد منه تشبيه من يوقع الصلاة بمن يجعل الشخص قائما، وأطال من غير طائل. قوله: (والتسبيح) قال الراغب: التسبيح تنزيه الله تعالى، وأصله المرّ السريع في عبادة الله تعالى، وجعل ذلك في فعل الخير كما فعل في الإبعاد للنشر فقيل أبعده الله، وجعل التسبيح عاما في العبادات قولآ كان أو فعلاً أو نية وقوله، فلولا أنه كان من المسبحين قيل من المصلين والأولى أن يحمل على نيتها اهـ وقد قدمنا ما قاله الشريف، وفي التجوّز به كلام سيأتي في محله. قوله: (والأوّل أظهر) أي حمل النظم الكريم على تعديلهاوحفظها عن العدول عن اللائق بها أظهر من بقية الوجوه، لأنه المروقي عن سيد مفسري السلف، وهو ابن عباس رضي الله عنهما كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عنه. قال قدس سرّه: لما كان يقيمون الصلاة في معرض المدح بلا دلالة على إيجاب، كان حمله على تعديل الأركان كما قرّره أوّلاً أولى، فإنه المناسب لترتيب الهدي الكامل والفلاح التام الشامل، وهذا معنى قول الإمام الأولى حمل الكلام على ما يحصل معه الثناء العظيم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا الإقامة على إدامة فعلها من غير خلل في أركانها وشرائطها، فإنّ عدم ذلك الخلل هو عين التعديل المذكور، وأمّا إدامة فعلها فهو من صيغة المضارع والاستمرار التجددي فيه، أو من لازمه لأنّ من لم يخل بركن منها كيف يحل بجملتها بتركها أحياناً فليس هذا هو المعنى الثاني، كما توهمه الطيبي فقال: هذا أولى من قول القاضي لما مز في تقرير الكناية فإنها جامعة جميع المعاني المطلوبة فيها، ومن هنا علم وجه آخر لترجيحه على الثاني لأنه متضمن له، فهو أفيد منه مع ما ذكره وهو معنى كلام الراغب لا ما فهمه بعضهم عنه من أنه الوجه، وإنما غرّهم لفظة الإدامة، وقد عرفت المراد منها. وقوله: (أشهر) إشارة إلى اشتهار هذا التفسير بين السلف كما مرّ، والى شهرة الإقامة بهذا المعنى في لسان الشارع والقرآن قال الراغب في مفرداته: إقامة الشيء توفية حقه قال تعالى: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [المائدة: 68] أي توفوا حقهما بالعلم والعمل ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر، ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة تنبيها على أنّ المقصود منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 توفية شروطها لا الإتيان بهيئاتها وقوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ} [إبراهيم: 40] أي وفقني لتوفية شرائطها اهـ وقول المحقق في شرحه هنا أنت خبير بأنّ المفهوم من إطلاق إقامة الصلاة ليس إلا أداؤها، وايقاعها في الخارج من غر إشعار بما اعتبره من التقوّم على الوجه المذكور إلخ لا وجه له لما عرفت من أنّ المفهوم من النظم الكريم خلافه، كما بينه الراغب مع أنّ حقيقة الإقامة المتقدمة جعل الشيء قائما وارادة ما ذكر منها والعدول عن يصلون الأخصر الأظهر لا بد له من وجه، ومثله لا يسلم بسلامة الأمير، ولذا لم يعرج السيد عليه. قوله: (وإلى الحقيقة أقرب) لأنّ حقيقته إقامة العوج وتسويته في الأجسام كما في قوله تعالى فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه، وتعديل المعاني والأركان أقرب شيء لهذا لظهور اشتراكهما في وجه الشبه، وقد مرّ قول المدقق في الكشف إن أقام العود بمعنى سوّاه أكثر استعمالاً من إقامه إذا جعله منتصباً، وقوله: إنّ استعماله في تعديل الأجسام، والمعاني على السواء بل التقويم في نحو الدين والرأي أكثر، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه إذ جعل مأخذ الأوّل أقام العود ولا مرية في أنه أقرب إلى الحقيقة من قامت السوق الذي هو مأخذ الثاني، ومن قام بالأمر الذي هو مأخذ الثالث إذ لا قيام فيه على الحقيقة بل هو مأخوذ منه، واعتبار قيام الصلاة نفسها فيه ما مرّ. قوله: (وأفيد) أفيد بالياء وأفود بالواو أفعل تفضيل من الفائدة لأنه واويّ ويائيّ، كما في القاموس وغيره والأوّل أشهر، ولذا اقتصر عليه بعض أهل اللغة وقال: يقال هما يتفايدان ولا يقال يتفاودان، والفائدة ما استفدت من علم أو مال، وتخص في العرف العام بالربح. وقوله: (لتضمنه إلخ) أي لتضمن قوله (يقيمون) على هذا التفسير التنبيه على ما سيمدحون به من قوله أولئك إلخ فهو توطئة، وبها يأخذ بعض الكلام بحجز بعض، ويحتمل أن يريد كما قيل إنّ هذه الجملة تفيد المدح فإذا حمل على ما ذكر كانت منبهة على وجه استحقاق المدح فيرجح بهذا كونها صفة مادحة، وحدودها بمعنى أوصافها وأحكامها المختصة بها شبهت بالحد الذي لا يجوز تجاوزه. قوله: (ولذلك ذكر في سياق المدح إلخ) أي لما مرّ من كونه أشهر وأقرب وأفيد، أو للتنبيه المذكور لأنّ من راعى حدودها لا يتركها فهو داخل فيه أو مفهوم بالطريق الأولى فلا يرد عليه أنه لا يدل على مدعاه من أن الأوّل أولى إذ يمكن أن تكون الإقامة بمعنى المواظبة والمداومة، والساهون عن الصلاة كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما المنافقون الذين يتركونها إذا غابوا عن الناس، ويؤدّونها إذا حضروا والمصنف رحمه الله بنى تفسيره على الحقيقة الظاهرة، والمعرض ضبطه في شرح الشافية بفتح الميم وكسر الراء وهو موضع العرض أو العروض، والمشهور كسر الميم وفتح الراء وهو الذي صرح به أئمة اللغة كما في شرح الفصيح للمرزوقي ومعناه اللباس الذي تتزين به الجارية إذا عرضت للبيع، فاستعير للسياق أو للعبارة الواقعة فيه. قوله: (والصلاة فعلة من صلى) فعلة بفتح العين على الظاهر المشهور وجوّز بعضهم سكونها فتكون حركة العين منقولة من اللام وشبهها بالزكاة المأخوذة من التزكية وهي التنمية أو التطهير لمشابهتها لها لفظا ومأخذاً ورسماً. وقوله: (من صلى إذا دعا) أي مأخوذة ودائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق أو هو بناء على أنّ أصل الاشتقاق الفعل لا المصدر على المذهبين المشهورين في التصريف، فالصلاة لغة الدعاء، ونقلت في الشرع إلى العبادة المخصوصة والدعاء يكون بمعنى النداء والتسمية والسؤال مطلقاً أو من الأدنى للأعلى وهذا هو المراد، فإن قلت: سيذكر المصنف رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] صلى الله عليه وسلم أنّ الصلاة مشتركة بين الرحمة والاستغفار والدعاء، وهو المشهور في أصول الفقه قلت: قال في المصباح المنير: إنه قول لبعض أهل اللغة فمشى المصنف رحمه الله على قول هنا، وعلى قول ثمة وسيأتي تحقيقه في محله. قوله: (كتبتا بالواو إلخ) التفخيم له ثلاث معان ترك الإمالة، واخراح اللام مغلظة من أسفل اللسان كلام الله إذا لم تل كسرة، والإمالة إلى الواو.، وهذا هو المراد هنا كما ذكره شراح الكشاف لا أن تمال فتحة اللام نحو الضمة لمناسبة الواو الأصلية كما توهم، لأنه لا وجه شخصيصه باللام، كما هو أحد الوجوه المروية عن ورش لأنّ ذكر زكى يأباه، وكون التفخيم علة لذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ليس بمرضيّ عند المحققين من القراء قال الإمام الجعبري في شرح الرائية: اتفقت المصاحف على رسم الواو مكان الألف في مشكاة ونحاة ومناة وصلاة وزكاة وحياة، حيث كن موحدات مفردات محلاة باللام، وعلى رسم المضاف منها كصلاتي بالألف وحذفت من بعض المصاحف العراقية، واتفقوا على رسم المجموع منها بالواو على اللفظ ووبمظ كتابة الواو الدلالة على أنّ أصلها المنقلبة عنه واو وهو اتباع للتفخيم، وهذا معنى قول ابن قتيبة بعض العرب يميل لفظ الألف إلى الواو، ولم اختر التعليل به لعدم وقوعه في القرآن العظيم وكلام الفصحاء اهـ ولفظ المفخم ضبطه أرباب الحواشي هنا تبعاً لشراح الكشاف بكسر الخاء المعجمة المشددة على زنة اسم الفاعل، ولا مانع من الفتح على زنة اسم المفعول على أنه من إضافة الموصوف للصفة، فإنه كعكسه وارد في كلام العرب، وان كان لا ينقاس. وقوله: (لاشتماله على الدعاء) فهو من إطلاق الحال على المحل، وهو الظاهر لا من إطلاق الجزء على الكل، وان جاز إن لم نقل بأنه مثروط بأن يكون مما يزول الكل بزواله كالرأس والرقبة على ما سيأتي. قوله: (وقيل أصل صلى إلخ) تمريض لقوله في الكشاف وحقيقة صلى حرّك الصلوين لأنّ المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده، ونظيره كفر اليهوديّ إذا طاطأ رأسه وانحنى عند تعظيم صاحبه لاً نه ينثني على الكاذتين وهما الكافرتان، وقيل للدّاعي مصل تشبيهاً له في تخشعه بالراكع والساجد اهـ. وقال الفاضلان في شرحه إنه يريد أنّ صلى ماخوذ من الصلا بمعنى حرك الصلوين وهما العظمان الناتئان في أعالي الفخذين يقال: ضرب الفرس صلويه بذنبه أي ما عن يمينه وشماله ثم استعمل صلى بمعنى فعل الهيئات المخصوصة مجازا لغوياً لأنّ المصلي يحرّك صلويه في ركوعه وسجود.، ولما اشتهر في هذا المعنى استعير منه لمعنى دعا تشبيهاً للداعي بالمصلي في خضوعه وتخشعه وفيه ضعف من وجهين. الأوّل إنّ الاشتقاق مما ليس بحدث قليل الثاني أنّ الصلاة بمعنى الدعاء شائعة في أشعار الجاهلية، ولم يرد عنهم إطلاقها على ذات الأركان بل ما كانوا يعرفونها، فأنى يتصوّر لهم التجوّز عنها فالصواب ما ذهب إليه الجمهور من أنّ لفظ الصلاة حقيقة في الدعاء مجاز لغويّ في الهيئات المخصوصة المشتملة عليها كما حقق في أصول الفقه، فإن قيل إذا ثبت صلى بمعنى حرّك الصلوين كان الأنسب أن يؤخذ منه لفظ الصلاة بمعنى الهيئة المخصوصة، ثم يشتق منه صلى بمعنى أحدثها، فلماذا عكس المصنف رحمه الله قلنا: لأنّ المناسبة بين تحريك العضو وإحداث الهيئة أقوى منها بين تحريكه ونفس الهيئة، ولذلك أيضاً جعل الزكاة من زكى الشرعي المأخوذ من زكى اللغوي على أنّ قوله الصلاة من صلى قد يراد به أنها من جنسه أي يتلاقيان في الاشتقاق بلا تعيين للمشتق منه فجاز أن يحمل على اشتقاق صلى من الصلاة، وكذا الحال في الزكاة، وأورد عليه في الكشف أيضاً أنه مخالف لمذهب المعتزلة فإنها عندهم حقائق مخترعة شرعية وليست منقولة من معان لغوية، والقائلون بالنقل، وهم الجمهور قالوا: إنها منقولة من الدعاء، وفي الروض الأنف: الصلاة أصلها انحناء وانعطاف من الصلوين وهما عرقان في الظهر إلى الفخذين، ثم قالوا: صلى عليه أي انحنى عليه رحمة وسمواً الرحمة حنوّا وصلاة وعطفاً وأصله في المحسوسات فجعل في المعاني مبالغة وتأكيدا، ولذلك لا تكون الصلاة بمعنى الدعاء على الإطلاق، فلا تقول صليت على العدوّ أي دعوت عليه إنما يقال صليت عليه في الرحمة والتعطف لأنها في الأصل الإنعطاف، ولذا عديت بعلى، ولا تقول في الدعاء إلا دعوت له باللام فهذا فرق مّا بين الصلاة والدعاء، وأهل اللغة لم يفرقوا بينهما. (أقول) ما تقدّم هو الشائع أمّا ما اختاره العلامة فهو ما ذهب إليه المحققون من أهل اللغة والعربية فقال أبو عليّ الفارسيّ الصلاة من الصلوين لأنّ أول ما يشاهد من أحوال الصلاة تحريك الصلوين للرّكوع، فأفا القيام فلا يختص بها قال ابن جني وهو قول حسن وكذا رجحه السهيليّ في الروض كما سمعته، وما قاله شراح الكشاف مردود على ما فيه من المؤاخذات، وما ذكر. من معنى الصلويق أحد الأقوال فيه فقيل: عظمان ناتئان في جانبي الذنب. وقيل: أعلى الفخذين. وقيل: عرقان في الظهو. وقيل: في الفخذين. وقوله: (ولما اشتهر إلخ) توجيه لنقلى المجاز عن المجاز، لأنّ شرطه شهرة الأوّل حتى ينزل منزلة الحقيقة، وقوله إنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الاشتقاق مما ليس بحدث قليل مردود لأنه وان إشتهر، ومثلوا له باستنوق الجمل وأبك إذا أحسن رعي الإبل وسبقه إليه غيره إلا أنه غير تام لأنهم إن أرادوا به ملاحظة معنى اسم الجنس في الفعل ومتصرّفاته مطلقا، فهو أكثر من أن يحصى ويحصر كطين الحائط إذا طلاه بالطين، وأترب الكتاب إذا وضع عليه التراب وزفت الإناء وقيره واثبات القلة النسبية موقوف على الاستقراء التام وهو متعذر وان أرادوا أنّ اسم الجنس وضعه الواضع أوّلاً، ثم أخذ منه الفعل ومتصرفاته كاستنوق والناقة فهو وان كان الوقوف عليه لغير الواضع عسيراً إلا أنه يستدذ عليه بشهرة الجامد دون ما أخذ كالإبل وابل، وهذا ليس كذلك لشهرة صلى والمصلي دون الصلا والصلوين وفيه نظر. وقوله إنّ الصلاة بمعنى الدعاء شائعة مسلم، وعدم ورود إطلاق الصلاة على ذات الأركان من العرب باطل، وان تبع غيره هنا وهو ظاهر كلام السيوطي في المزهر في الفصل الذي عقده للألفاظ الإسلامية لأنهم إن أرادوا أنّ الصلاة بمعنى العبادة المخصوصة ولم يكن قبل شرعنا مسمى، واسم فليس كذلك لورود ما يخالفه في آيات كثيرة كقوله تعائى حكاية عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] والاستدلال عليه بظاهر قوله {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] أي المصلين من ضيق العطق، والمخصوص خصوص هذه الأقوال والأفعال وان أرادوا أنها لم تسم صخلاة قبل شرعنا وأنه لم ينقل عن العرب قبل الإسلام، فليس كذلك لنقل أئمة اللغة كالجوهرفي ما يخالفه، وان اختلف في أنه حقيقة لغوية أم لا، ولا خلاف في أنه حقيقة شرعية وتحقيقه ما قاله ابن فارس في كتابه فقه اللغة، وعبارته كانت العوب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم، فلما جاء الله تعالى بالإسلام حالت أحوال، ونقلت ألفاظ مبن مواضع إلى مواضع أخر بزيادات، ومما جاء في الشرع الصلاغ، وأصله في لغتهم الدعاء، وقد كانوا عرفوا الركوع والسجود، وإن لم يكن على هذه الهيثة فقالوا: أو درّة صدفية غواصها ~ بهج متى يرها يهلى ويسجد (وقال الأعشى: يراوح من صلوات الملي ~ ك طوراً سجوداً وطوواً جؤارا وهذا وان كان كذا، فإن العرب لم تعرفه بمثل ما أتت به الشريعة من الإعداد، والمواقيت والتحريم للصلاة والتحليل منها وكذلك الصيام والحج والزكاة اهـ. فقد عرفت أنّ العرب سمتها بذلك قديما وأنّ قوله لم يرد عنهم إطلاقها على ذات الأركان وأنهم ما كانوا يعرفونها لا أصل له، وما ذكره من السؤال والجواب قد قيل في توجيهه أيضاً: إنه إنما جعل الصلاة من صلى لعدم استعمال التصلية بمعنى الدعاء، وفي القاموس يقال: صلى صلاة ولا يقال تصلية اهـ وما في القاموس تبع فيه الجوهريّ وبعض أهل اللغة، وليس بصحيح وان اشتهر قال الإمام الزوزني في أفعاله: التصلية غازكرون، وفي أمالي ثعلب إمام أهل اللغة أنشد لبعض العرب: تركت القيان وعزف القيان وأدمنت تصلية وابتهالا وقال في تفسيره يقال صليت صلاة وتصلية ههـ وكذا في العقد لابن عبد ربه، وإنما تركه أهل اللغة لأنه من المصادر القياسية، وعادتهم تركها وأخذ الصلاة من الصلوين، واطلاق المصلي على ثاني خيل الحلبة مما لا يثك فيه أحد من أهل اللغة وقول المصنف رحمه الله حرّك الصلوين وقع في بعض النسخ الصلا مفردا بدله، وما أورده صاحب الكشف عليه من أنه مخالف لمذهب المعتزلة وأهل السنة إشارة إلى ما تقرّر في أصول الفقه من أنّ الألفاظ المستفادة من الشرع هل لها حقيقة شرعية أم لا فقال القاضحي أبو بكر رحمه الله: إنّ الشرع لم يستعملها إلا في الحقائق اللغوية، فالمراد بالصلاة المأمور بها الدعاء إلا أنّ الشرع أقام أدلة على أنّ الدعاء لا يقبل إلا بشرائط مضمومة إليها، وأثبتها المعتزلة وقالوا نقل الشارع هذه الألفاظ عن مسمياتها اللغوية، وابتدأ وضعها لهذه لا لمناسبة، فليست حقائق لغوية، ولا مجازات عنها، والحق أنها مجازات اشتهرت، فصارت حقيقة شرعية والزمخشريّ ليس بمقلد للمعتزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 في كل ما يقولونه خصوصا فيما يتعلق بالعربية والكلام على هذه المسئلة مع أدلته مفصل في الأصول. قوله: (واشتهار هذا اللفظ إلخ) هو رذ لما في التفسير الكبير من أنّ ما اختاره الزمخشريّ من الاشتقاق يفضي إلى الطعن في كون القرآن حجة، لأنّ الصلاة من أشهر الألفاظ، واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء معرفة فلو جوّزنا ذلك وقلنا: إنه خفي واندرس بحيث لا تعرفه إلاً الآحاد لجاز مثله في سائر الألفاظ ولو جاز ما قطعنا بأنّ مراد الله من هذه الألفاظ ما يتبادر إلى أفهامنا لاحتمال إرادة تلك المعاني المندرسة ولما كان مبناه على أنّ ما اشتهر لا ينقل من الخفيّ أجاب عنه بما ذكر مع أنه غير مسلّم مطلقا أيضاً لأنه إن أراد بهذا اللفظ لفظ الصلاة، فهو كذلك وان أرأد لفظ صلى أو مادّته فغير مسقم ديمانّ المصلي بمعنى السابق، وثاني خيل الحلبة مشهور مستفيض بل قد يقال إنه قبل الشرع أشهر منه، والمراد بالمعنى الثاني العبادة ذات الأركان المعلومة الدال عليها قوله لأن المصلي يفعله، وقيل إنه أراد بالثاني المنقول إليه المتنوّع إلى نوعين الدعاء والفعل المخصوص، وردّ بأنّ قوله وإنما سمى إلخ مرتبط بقوله لأنّ المصلي يفعله إلخ وحينئذ يكون هذا فصلاَ بين العصا ولحائها، والظاهر أنه تكلف مستغن عن الردّ وأنه كله مقول القول فإنه بعينه كلام الكشاف. وقوله: (لا يقاخ) أي لا يضرّه، وهو مجاز من قولهم قدح في عرضه ونسبه إذا عابه هذا هو المراد بنوع تسمح، والقدح بمعنى العيب كما في الأساس من قدح الدود في العود إذا وقع فيه، والقدح في عرف الأطباء إدخال الميل في العين إذا انصب فيها مادّة تمنع النظر ومنه قال بعض المتأخرين من الشعراء: إذا انصبّ ماء اليأس في مقلة الرجا فليس لها عند اللبيب سوى القدح قوله: (وإنما سمي الداص إلخ) قد علمت أنه من مقول قوله قيل: فإنه برمته كلام الكشاف، وهو بيان لما في الواقع عنده من أنها في الدعاء استعاوة من الصلاة المشهورة لا أصل لها واطلاقها عليها مجاز من إطلاق الحال على المحل أو الجزء على الكل، وقد أورد عليهم أنهم اشترطوا فيه أن يعدم الكل بعدمه وأن يكون الجزء مقصودا من الكل، وأنه لا يصح حينئذ إطلاقه على صلاة الأخرس، وهو كله مخالف للواقع وقيل إنه معنى متعلق بالأخير وهو كون الصلاة من تحريك الصلوين، فكأنه جواب عن سؤال تقديره ما وجه استعمالها على هذا في الدعاء إلى آخر ما فصله مما لا حاجة إليه. قوله: (الرزق في اللغة الحفظ إلخ) هذه الجملة معطوفة على الصلة وما موصولة أو موصوفة أو مصدرية وقوله في اللغة الحظ وقيل: العطاء. وقيل: الملك تبع فيه، وفي استشهاده بهذه الآية الراغب كما هو دأبه وقال في تفسيرها: تجعلون نصيبكم من النعم تحرّي الكذب اهـ. وقيل الرزق في لغة أزد يكون بصعنى الشكر وهو المراد في هذه الآية وقيل شكر فيها مقدّر له هو مع أنه خلاف الظاهر محتاج إلى التأويل والتجوّز إذ لا يكون التكذيب شكرا إلا على التنزيل منزلته والتهكم، فلا يرد على المصنف رحمه الله ما قيل: من أنه لا استشهاد في الآية وقيل: الظاهر من الحظ الاسم بمعنى الجدّ والنصيب لا المصدر من حظظ الشيء بالكسر بمعنى بهر منه شدّة، وإن جاء في اللغة لكليهما، ويؤيده استدلاله بالآي، ولا يخفى أنّ المناسب أن يفسر الرزق بالمعنى المصدري لأنّ المذكور فيها أن والفعل. قوله: (والعرف خصصه بتخصيص الشيء إلخ) هذا يناسب المعني المصدري إلا أن يقال المراد بالشيء المخصض إلخ لأنّ تخصيص الشيء إنما يكون ببعض أفراده والتض عيص ليس من أفراد الحظ، والرزق بالفتح لغة الإعطاء لما ينتفع الحيوان به، وقيل إنه يعمّ غيره كالنبات، والرزق بالكسر اسم منه ومصدر أيضاً بمعناه، لكن المفهوم من كلامهم أنه ليس بمصدر، ثم إنّ المعنى اللغوي وهو النصيب شامل للغذاء ولغيره وللأمور الحسية والمعنوية وللحلال والحرام، ولذا قال: والعرف خصصه والتخصيص جعله خاصاً به لا يتعذاه، وتمكينه من الانتفاع به بحيث لا يمنعه مانع منه يقال مكنته من الشيء أي جعلت له عليه قدوة فتمكن منه، واستمكن وكذا أمكنته، ويقال أمكنه الأمر إذا سهل وتيسر، والانتفاع به بأكله وشربه ولبسه ونحوه والمراد بالعرف عرف اللغة، أو الشرع وشتعمل الرزق بمعنى المرزوق المنتفع به، وهو النصيب المعطى لأنه يتعدّى لمفعولين، فيصح تسمية كل منهما مفعولاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 إلا أنّ المتبادر منه الثاني إذا أطلق لأنّ الأوّل آخذ فهو فاعل معنى كما صرّح به النحاة، فمن قال الظاهر أنّ المرزوق الشخمى الذي وصل إليه الرزق لا نفس الحظ فقد خلط وخبط، وتمكن الانتفاع صحته منه، وإن لم يكن بالفعل فهو بمعنى ما قيل من أنه سوق الله إلى الحيوان ما ينتفع به كما هو عند الجميع، والفرق ما سيأتي من فسره بما ساقه إلى العبد ليأكله فهو باعتبار الأغلب أو التغليب، وما أعطاه الناس لغيرهم داخل فيه لتمكنهم منه أو هو رزق نظراً للغير الواصل إليه كما قال: لم لا أحبّ الضيف أو أرتاح من طرب إليه والضيف يثل رزقه عندي ويشكرني عليه- وقيل هو ما به قيام الحيوان وبقاؤه. قوله: (والمعتزلة لما استحالوا إلخ) ردّ على الزمخشريّ، وقد اختلفوا في أنّ الحرام رزق أم لا وليس الخلاف في معناه اللغوي، فإنه ما ينتفع به مطلقاً كما صرّحوا به وليس هو مما ينبغي ذكره في علم الكلام وليس أيضاً نزاعا لفظياً راجعا لتفسيره بل النزاع في معناه شرعا بعد الاتفاق على أنّ الإضافة إلى الله الرازق معتبرة في مفهومه، ولذا فسر تارة بما أعطاه الله عبده ومكنه من التصرّف فيه بحيث لا يكون لغيره المنع منه، فلا يكون الحرام رزقاً وتارة بما أعطاه الله لقوامه وبقائه خاصة فقالت المعتزلة: لما كانت الإضافة إليه تعالى معتبرة فيه لزم أن لا يصدق على الحرام بناء على أصلهم الفاسد في عدم إسناد القبائح إليه تعالى وأهل السنة قالوا كل من عند الله، والإضافة لا تمنع كون الحرام رزقا وفي الكشف الاتفاق على أنه من فضل الله عليهم كما تفضل بالى ئجاد وسائر أسباب التمكين، فليس عدم الاستناد لكونه ليس من فعله تعالى، كما توهم بعضهم بل لأنهم يقولون لا يحسن أن يسند إليه تعظيماً له ولأنّ فيه شوباً من فعل العباد، لأنهم أكسبوه وصف الحرمة فنقول التعظيم في إسناده إلى الله تعالى لئلا يوهم إيجاد العبد ما لا يستقل به اتفاقا، وأمّا وصف الحرمة، فلو سلم أنه ليس بإيجاده لم يفد كيف، وقد ثبت بالقاطح العقل والنقل أنّ الكل منه وبه واليه، نعم لا يوصف الفعل بالصفات الخمس إلا من حيث قيامه بالى مملف لا من حيث صدوره عنه تعالى، وهذا أصل نافع وقد ذهب إلى مذهب المعتزلة بعض أهل السنة بناء على أنه لا يملكه لخبثه كما قال النسفي، وفي أحكام القرآن للجصاص: إطلاق اسم الرزق إنما يتناول المباح دون المحظور، وما اغتصب وأخذ بالظلم لم يجعله الله رزقا له لأنه لو كان رزقاً جاز إنفاقه، والتصدّق والتقرّب به إليه تعالى، ولا خلاف بين المسلمين في أنّ الغاصب محظور عليه الصدقة بما اغتصبه وفي الحديث: " لا يقبل الله صدقة من غلول " اهـ. (أقول) ما ذكره من عدم الخلاف لا يخفى ما فيه قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد لو عمل الخير بمال مغصوب اختلف فيه فقال ابن عقيل رحمه الله: لا ثواب للغاصب لأنه آثم مستحق للعقوبة ولا لرب المال لأنه لا نية له ولا ثواب بدون فصد ونية، وإنما يأخذ من حسنات الغاصب بقدر ماله، وقيل إنه نفع حصل بماله وتولد منه، ومثله يثاب عليه كمن له ولد برّ يؤجر به وان لم يقصده والمصائب إذا ولدت خيرا الظاهر أنه يؤجر عليها وعلى ما تولد منها، وكذا الغاصب فإنه وأن تعدّى واقتص من حسناته فما كان يعمله يؤجر عليه لأنه لو فسق به عوقب مرّتين على الغصب والفسق، فإذا عمل به خيراً ينبغي أن يثاب عليه فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومعنى استحالوا عدّوه محالاً لأنّ الإقدار على القبيح قبيح كخلقه عندهم، واعترض على المصنف رحمه الله بأنّ وصف التمكين ليس معتبرا عند أهل الستة وبأنّ التمكين لا ينافي المنع والزجر كما في سائر المعاصي، ألا ترى أنهم قالوا بإرجاع المحامد إليه تعالى دون القبائح باعتبار أنّ الأقدار على الحسن حسن والتمكين من القبيح ليس بقبيح، وقد اشتهر أنه تعالى خالق القوى والقدر وأجيب بأنّ الأقدار والتصكين على وجهين: الأؤل إعطاء القدرة الصالحة لصرفها إلى الخير والشرّ، وذلك غير قبيح وحاصل منه تعالى على زعمهم. والثاني جعل الشيء خاصاً بأحدهما داخلاً تحت تصرّفه قريبا من الانتفاع بالفعل، وذلك غير واقع في زعمهم فلا إشكال. قوله: (ألا ترى إلخ) في الكشاف وأسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ينفقون الحلال الطلق الذي يستاهل أن يضاف إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الله تعالى ويسمى رزقاً منه وقال قدس سرّه: تمسك بالإسناد فقط نظرا إلى أنّ الرزق لغة يتناول الحرام أيضا وتخصيصه بما عداه عرف شرعي كما ينبىء عنه قوله رزقا منه، وقد يقال بنى كلامه على التقدير أي إن قدر أنّ الحرام يسمى وزقا شرعا أو لغة فالإسناد إلى نفسه يخرجه قطعا، وهو إشارة إلى ما قيل من أنه إذا أسند 10 لى الله تعالى فالمراد به الحلأل بالإتفاق فلا يكون هذا مؤيدا لمذهبه، ولم يرتض الجواب بأنّ المؤيد له قوله ويسمى رزقا، لأنّ الظاهر من قوله منه أنه للتقييد، فلا يصلح أيضا له وحمله على أنه تجريد بناء على أنّ الإضافة إليه معتبرة في مفهومه خلاف الظاهر والطلق بكسر الطاء وسكون اللام وقاف الحلال كما في النهاية يقال أعطيته من طلق مالي أي من صفوته وطيبه فالوصف للمبالغة، والأولى تفسيره بالخالص وفي المصباح وشيء طلق وزان حمل أي حلال، وافعل هذا طلقاً لك هـ أي حلالاً ويقال الطلق المطلق الذي يتمكن صاحبه فيه من جميع التصرّفات فيكون فعل بمعنى مفعول مثل الذبح بمعنى المذبوح اهـ. قوله: (فإنّ انفاق الحرام إلخ) بيان وتعليل للإيذان، ولا يرد عليه قول الفقهاء إذا اجتمع عند أحد مال لا يعرف صاحبه ينبغي له أن يتصدّق به، فإذا وجد صاحبه دفع قيمته أو مثله إليه، فهذا الإنفاق مما يثاب عليه لأنه لما فعله بإذن الشارع اسنحق المدح لأنه لما لم يعرف صاحبه كان في يده وله التصرّف فيه، وانتقل بالضمان إلى ملكه وتبدلت الحرمة إلى ثمنه فتامل. قوله: (وذمّ المشركين إلخ) عطف على قوله وأسند إلخ وهذا دليل ثان لهم بأنهم ذموا على جعل بعض الحرام رزقا فيقتضي أنه ليس كذلك، ولا يخفى ضعفه فإنهم إنما ذموا على جرأتهم على التحريم والتحليل وهو لا يليق بغير الشارع وسيأتي ما فيه. قوله: (وأصحابنا إلخ) حاصله منع كون الإسناد للإيذان المذكور بل لأمر آخر، وهو تعظيم الرزق لأنه جل وعلا إنما يضاف إليه، وينسب ما عظم كبيت الله، وقال تعالى حكاية {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] فإنه إنما يضاف إليه الأفضل فالأفضل وتعظيم الرزق يتضمن معرفة قدر النعمة وهو أوّل مراتب الشكر وأمّا التحريض وهو الحث على الإنفاق فلأنّ الرزق إذا كان منه وله لا ينبغي الإمساك، وقد قيل الجود بالموجود ثقة بالمعبود، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، ومن تحقق أنّ معطيه ذو الجلال والإكرام كيف يضن بما لديه من الحطام ولذا قال عليه الصلاة والسلام: " أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً " (1) . وقيل إنه لتعظيم حق الإنفاق بأن يعرف أنه معط من مال الله لعبيده فلا يضيفه لنفسه لأنه أمين يصرف ماله لمستحقه، وهذا مع ظهوره خفي على من قال إنّ التحريض غير ظاهر، وهو إنما يفهم من المدح، وقد يوجه بأنّ الرزق والإنفاق يشتركان في أنهما صرف الشيء إلى الغير، فإذا كان الرزق صفة كمال لنسبتة إلى الله تعالى كان الإنفاق كذلك وهذا مما يقضي منه العجب. قوله: (والذم لتحريم ما لم يحرّم) مبني للفاعل ########## الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 #######كونه أهمّ كأنه قال: ويخصمون بعض المال الحلال بالتصدّق به، وقال قدّس سرّه: الجارّ والمجرور مفعول للفعل على الإطلاق تنبيهاً على أنه بحسب المعنى مفعول به أي بعض ما رزقناهم، وان كان بحسب اللفظ صفة مفعول مقدّر أي شيئاً مما رزقناهم وأمّا كونه أهمّ فلقصد الاختصاص مع رعاية الفاصلة لا يقال إدخال من التبعيضية يغني عن التقديم للتخصيص، فإنّ إنفاق البعض يتبادر منه عدم الشمول ومن ثمة كان فيه صيانة وكف لأنا نقول يجوز مع إنفاق البعض الشمول بأن يكون الباقي مسكوتا عنه، وان كان احتمالاً مرجوحاً، فإذا قدم زال ذلك الاحتمال بالكلية لظهور الفرق بين بعض مالي أنفقت وأنفقت بعض مالي، فإن قلت: تخصيص الإنفاق بالزكاة إذا فسرت به نفي لما يقابلها من التطوّع، والمقام يأباه قلت: لما عبر عنها ببعض ما رزقناهم كانت بهذا الاعتبار مقابلة لجميع المال، فالنفي. توجه نحوه، وقد عرفت غير مرّة وجه صلوح المطلق لتناول. الكل، ومن البين أنّ مقام المدح يناسب العموم (أقول) المذكور في كلام القوم أنّ تقديم المعمول يفيد الحصر فيما يدل عليه صريحا وأنه المقصور عليه فإذا قلت من التمر أكلت كان المعنى ماكولي التمر دون الزبيب لا بعض التمر دون كله فادّعاء الحصر فيما يفيده المفهوم وجعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قيدا يتوجه إليه النفي الذي هو فبه بالقوّة لأنه بمعنى ما، وإلا على تقدير صحته لا يخفى بده وتكلفه وكأنّ الداعي له إلى ارتكابه أنه إنما يناسب مذهب أهل السنة فإنه إذا عمّ الرزق الحلال والحرام كان الإنفاق الممدوح به بعضه، وهو الحلال دون البعض الآخر، فيتأتى الحصر بلا تكلف أمّا على مذهبه، فلا ينبغي تفسير الاهتمام بالحصر، ولذا قيل إنه لشرف المكتسب بإسناده إليه تعالى، وقيل تقديمه لأنّ المكتسب مقدّم على الإنفاق في الخارج. قوله: (والمحافظة على رؤوس الآي) بالمد جمع آية وهي في الأصل العلامة والمراء بها بعض مخصوص من القرآن، وهذا بناء على أنّ في القرآن سجعا، وقال البقاعي في كتاب فصاعد النظر: اختلف فيه السلف فقال أبو بكر الباقلاني في كتاب الإعجاز: ذهب أصحابنا الأشاعرة كلهم إلى نفي السجع عن القرآن كما ذكره أبو الحسن الأشعريّ في غير موضع من كتبه، وذهب كثير ممن خالفهم إلى إثباته اهـ. والقول الثاني فاسد لما في القرآن من اختلاف أكثر فواصله في الوزن والرويّ، ولا ينبغي الاغترار بما ذكره بعض الأماثل كالبيضاوي والتفتازاني من إثبات الفواصل والسجع فيه، وأنّ مخالفة النظم في مثل هارون وموسى بحسبه، ونقل أبو حيان في قوله تعالى: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: 21] في فاطر أنه لا يقال في القرآن قدم كذا أو أخر كذا للسجع لأنّ الإعجاز ليس في مجرّد اللفظ بل فيه، وفي المعنى ومتى حوّل اللفظ لأجل السجع عما كان لا يتمّ به المعنى بدون سجع نقض المعنى، وقيل عليه إنه نسي ما قاله في الصافات من أنّ التعبير بما رد ومريد للفاصلة، ثم أنه قال لو كان في القرآن سجع لم يخرج عن أساليب كلأمهم ولم يقع به إعجاز ولو جاز أن يقال سجع معجز جاز أن يقال شعر معجز، والسجع مما تألفه الكهان، وقد أنكر النبيّ صئى الله عليه وسلّم على من سجع عند 5 (1) على ما عرف في كتب الحديث، ولو كان سجعا كان قبيحا لتقارب أوزانه واختلاف طرقه فيخرح عن نهجه المعروف، ويكون كشعر غير موزون وما احتجوا به من التقديم والتأخير ليس ببئميء فإنه لذكر القصة بطرق مختلفة (أقول) أطال بلا طائل لتوهمه أنّ السجع كالشعر لالتزام تقفيتة ينافي جزالة المعنى. وبلاغتة لاستتباعه للحشو المخل وأنّ الإعحاز بمخالفته لأساليب الكلام فثغ على هؤلاء الاعلا 3، وليس بشيء، والعجب منه أنه ذكر كلام الباقلاني مع التصريح فيه بأنّ من السلف من ذهب إليه، والحق أنه في القرآن من غير التزام له في الأكثر وكأنّ من نفاه نفى التزامه أو أكثريته، ومن أثبته أراد وروده فيه في الجملة، فاحفظه ولا تلتفت لما سواه، وهذا مما ينفعك فيما سيأتي ولت افصلناه هنا لتكون على ثبت منه، والذي عليه العلماء أنه تطلق الفواصمل عليه دونل السجع. قوله: (وإدخال من إلخ) قد مرّ أنّ الجارّ والمجرور في محل نصب لأنه صفة مفعول 1 مقدر قد قام مقامه لا مفعول حقيقة ميلاً مع المعنى لأنه اسم تأويلاَ كما سياتي في قوله (ومن الناس) وقد قيل: إنّ هذه النكتة مبنية على أنّ المراد بالإنفاق مطلقه 1 الأعئم إذ الزكاة لا تكون بجميع المال، واً نه مخصوص بمن لم يصبر على الفاقة ويتجرّع مرارة الإضا- قه، وقد تصدّق بعضهم بجميع ماله، ولم ينيهره- عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وما في بعض الحواشي من أنّ المصئف تبع في هذا الزمخشريّ، وهو نزغة اعتزالية وهم فاسد. قوله: (ويحتمهل إلخ) المعاون بوزن المساجد جمع معونة، وهي ما يستعان به وينعكع من العون، وهو المساعدة والمظاهرة ويقال: استعانه واستعان به، والاسم منه المعونة والمعانة بالفتح، ووزن المعونة مفعلة بضم العين، وبعضهم يجعل الميم. أصلية، فوزنها فعولة وجمعها على معاون قياس، فلا يقال إنه لم يوجد في كتب اللغة المشهورة، وأنه ركيك وهي عامّة لما ينتفع به في قوام البدن وبقاء الروح، فيشمل المال والعلوم والمعارف، والإنفاق حينئذ بمعنى الإيصال مطلقا بالبذل والتعليم وغير ذلك، فهو مجاز من استعمال المقيد في المطلق فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم، والرزق رزق الأبدان وهو معلوم، ورزق القلوب وهو المعارف، وأجلها معرفة الله تعالى، ومقام المدح يقتضي التعميم، لكنه خلاف الظاهر المعروف في استعمال الرزق والإنفاق، ولذا أخره والإنفاق من المعارف يزيدها ومن الأموال ينقصها وهذا من كلام الراغب. وعبارته: الإنفاق كما يكون من المال والنعم الظاهرة يكون من النعم الباطنة كالعلم والقوّة والجاه، والجود التامّ بذل العلم ومتاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الدنيا عرض زائل، وقال بعض المحققين في الآية: ومما خصصناهم به من أنوار المعرفة يفيضون قيل في بعض النسخ معادن بالدال بدل الواو جمع معدن، وهو موضع العدن بمعنى الإقامة، ومعدن كل شيء مركزه، وهو تحريف من جهلة النساخ نشأ من لفظ الكنز، فلا ينبغي ذكره. قوله: (ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام إنّ علماً لا يقال به (1) إلخ) هذا هو الصحيح الموافق للحديث كما سيأتي وفي نسخة يقاد وفي نسخة يقال فيه وهذا حديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر مرفوعاً وأخرج الطبراني في الأوسط " مثل العلم الذي يتعلم به، ثم لا يحدث به كمثل الكنز الذي لا ينفق منه)) 2 (وأخرح ابن أبي شيبة عن سلمان علم لا يقال به كنز لا ينفق منه، ومعنى يقال به يحدث ولذا عداه بالباء كما يقال: قال بيده إذا أهوى بها، وقال برأسه إذا أشار بها. وقوله: (وإليه ذهب إلخ) ففسره هذا القائل بإفاضة أنوار المعرفة، وخصها لشرفها أو لأنها غير متبادرة فلا يرد عليه أنه غير مطابق لما قبله لأنه خص الرزق بالمعرفة ولم يعمم، وأنوار المعرفة كلجين الماء لأنّ النور ظاهر بنفسه مظهر لغيره، فأطلق على كل مظهر، ولذا سمي العلم والكتب الإلهية والرسل نورا وافاضة الأنوار انتشار أشعتها مستعارة من إفاضة الماء، وما في مما رزقناهم تحتمل المصدرية والموصوفة والموصولة، وأقربها الأخير، وعليه فالعائد محذوف تقديره على ما قاله أبو البقاء رزقناهموه أو رزقناهم إياه وأورد عليه في الدرّ المصون أنه على الأوّل يلزم اتصال ضميرين متحدي الرتبة والانفصال في مثله واجب، وعلى الثاني يمتنع حذفه، لأنّ العائد متى كان منفصلاً لزم ذكره كما نصوا عليه وعللوه بأنه لم ينفصل إلاً لغرض، وإذا حذف فاتت الدلالة عليه، وأجاب عن الأوّل بأنه لما اختلف الضميران جمعاً وافراداً جاز اتصالهما، وإن اتحدا رتبة كقوله: وقدجعلت نفسي تطيب لضغمة لضغمهماهايقرع العظم نابها وردضاً فإنه لا يلزم من منع ذلك ملفوظاً به منعه مقدّر الزوال القبح اللفظي، وعن الثاني بأنه إنما يمنع لأجل الليس ولا لبس هنا اهـ. (وأنا أقول) هذا غير مسقم لأنّ الذي يمنع حذفه ما كان انفحماله لغرض معنويّ كالحصر لا مطلقا، كما قاله ابن هشام في الجامع الصغير، وقال الرضيّ: شرط حذفه أن لا يكون منفصلاً بعد إلاً نحو ما جاءني الذي ما ضربت إلا إياه، وأما في غيره فلا منع نحو ضيع الزيدان الذي أعطيتما أي إياه واعترض عليه الأستاذ الخال رحمه الله بأنه كان ينبغي له أن يقول إلاً لغرض معنويّ، ولا يقيده بإلاً فتأمّل. قوله: (ومما خصصناهم به من أنوار المعرفة يفيضون) قد مرّ بيانه، وقد أورد عليه أنه تفسير للقرآن بخلاف ظاهر اللفظ من غير ضرورة ومثله لا يجوز نعم يجوز أن يقال: إنّ مثله يستفاد بطريق الإشارة، وأصل الفيض ما فاض من الماء لامتلاء الإناء ونحوه، ثم استعير لغيره كالحديث فيقال: حديث مستفيض أي شائع وهو المراد لما في التعليم من الإشاعة. قوله: (هم مؤمنو أهل الكتاب إلخ) قدّم هذا الوجه لرجحانه رواية ودراية لأنه مأثور عن الصحابة، كابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ولأنّ التغاير هو الأصل في العطف، والحاصل أنّ المعطوف إمّا أن يكون مقابلاً للمعطوف عليه ومباينا له أو لا وعلى الأوّل المعطوف عليه الذين يؤمنون بالغيب أو المتقين وعلى الثاني، إمّا أن يكون المعطوف متحدا بالمعطوف عليه بالذات أو طائفة منه، فالوجوه فيه أربعة وسيأتي بيانها، وعبد الله بن سلام بتخفيف اللام، وهي مثددة في غيره من الأعلام صحابيّ أنصاريّ بطريق الحلف وهو من اليهود وبني إسرائيل من بني قينقاع من ولد يوسف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان اسمه الحصين فسماه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عبد الذ وكان صلّى الله عليه وسلم كثيرا ما يغير الأسماء، وقد جمع السيوطيّ رحمه الله من غير النيّ عليه الصلاة والسلام اسمه في جزء له، وقد شهد له النبيّ صقى الله عليه وسلّم بالجتة، ونزلت فيه آيات كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] وقوله: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] واختلف في زمان إسلامه دون وفاته فإنه توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين من الهجرة النبوية وله قصة مع اليهود مذكورة في كتب الحديث والأضراب جمع ضرب بفتح الضاد وكسرها ورجح الزمخشريّ الثاني، وقيل جمع ضريب كشريف وأشراف، وقال النوويّ أضرأب أشباه جمع ضرب وبمعناه ضريب، وجمعه ضرباء ككريم وكرماء وانكار القاضي عياض له وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وأصله كما في الفائق من يضرب قداح الميسر، ثم تجوّز به عن كل نظير وشاع فيه، وفي الأساس ضرب القدح، وهو ضريبي لمن يضربها معك وهم ضربائي، ومنه ضرب وضريب وقوله قدّس سرّه: أضرابه أمثاله والجمهور على أنه جمع ضرب بالفتح وعند المصنف رحمه الله بكسرها فعل بمعنى مفعول كالطحن وهو الذي يضرب به المثل، ولا بد أن يكون مماثلاَ للمضروب فيه، ويعضده مثل وشبه، وهو مخالف لما حقق في اللغة كما سمعته، وفي بعض النسخ أصحابه أي الذين صاحبوه في الإيمان من أهل الكتاب. قوله: (معطوفون على الذين إلخ) أي سواء كان منقطعا عن المتقين أو موصولاً به، وهذا بخلاف عطف، والذين يؤمنون على المتقين كما في الوجه الآني، فإنما يصح على تقدير الوصل دون الانقطاع كما صرّح به الفاضل المحقق، وذلك لما- فيه من الفصل بين المعطوفين بأجنبيّ كما سيأتي ومعطوفون خبر ثان للفظ هم وكذا داخلون، ودخول أخصين بالنصب على أنه مفعول مطلق، وأخصين يجوز فيه كسر، الصاد وفتحها على أنه جمع مذكر سالم لا خمى باعتبار المعنى أو مثنى باعتبار أنهم فريقان، وأعتم بالإفراد المراد به المتقون وأفرده لوقوعه في مقابلة الجمع أو المثنى. وقوله: (إذ المراد إلخ) تعليل لما يدل عليه المقام من تغاير المتعاطفين بالذات، وأولئك إشارة إلى الذين يؤمنون بالغيب المعطوف عليه، والذين. آمنوا خبر لقوله: المراد وآمنوا بمد ألف بعد الهمزة، وعن الشرك والإنكار وقع في نسخة عن شرك وإنكار منكرين أي آمنوا إيماناً منتقلاَ أو متباعداً عن ذلك، وهم من لم يكن من أهل الكتاب ويجوز قصرها، وليس هذا الوجه مقطوعا به حتى يرد عليه ما قيل: لأنه لا ينبغي والظاهر أن يبدل ما ذكر بقوله على أنّ المراد إلخ لأنّ ذكر ما يقابله يأباه قطعاً، وأما القول بأنّ التغاير بالصفات لا بالذات أرجح لاشتراك الفريقين في الإيمان بالمنزلين، فقد دفع بأنّ المتبادر من العطف أنّ الإيمان بكل منهما على طريق الاستقلال، وهو مختص بأهل الكتاب لأنّ إيمان غيرهم بما. أنزل من قبل إنما هو على طريق الإجمال والتبع للإيمان بالقراًن لا سيما في مقام المدح كما هنا، وقد قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [الأنعام: 20] إلى قوله: {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [القصص: 54] كما ورد في الصحيح أنّ لأهل الكتاب أجرين بواسطة ذلك إلاً أنه قيل عليه أنّ قوله تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 136] الآية بالعطف مع عمومها لسائر المسلمين يمنع التبادر لخفاء التغاير الذاتي بينهما، وقيل: التغاير باعتبار آخر وهو أنّ الإيمان الأوّل بالعقل، وهذا بالنقل، وأمن الفريق الأوّل عن الشرك أنّ شأنهم ذلك، وجلهم كذلك وان كان فيهم من لم يشرك أصلاَ كعليّ رضي الله عنه، فلا يرد ما قيل إنه يخرج عن الطائفتين من نشأ على الإسلام، ولم يتدنس بشرك إلاً أن يقال الإيمان المتضمن للاعراض عن الشكر لا يوجب سبقه، ثم قال: الأوجه أنّ المراد بالذين يؤمنون بالغيب من عدا أهل الكتاب لأنّ إيمانهم بما عرفوه كما يعرفون أبناءهم، وإنّ أولئك على هدى إشارة إلى الطائفة الأولى لأنّ إيمانهم بمحض الهداية الربانية، {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إشارة إلى الثانية لفوزهم بما كانوا ينتظرونه، وهم يقاتلونهم. لأنهم لم يشركوا ولم ينكروا، والمراد لجالفريقإ الأوّل مجموعهم لا جمصهم إذ هم ليسوا كذلك، فلا يرد النقض بمن مرّ مع أنه مغمور بينهم، فيدخل على حد بنو فلان قتلوا قتيلاً، وتقديم الإيمان بالغيب لسبقه ذاتا وزمانا وعدم شرك أهل الكتاب ظاهر، وأمّا ما ذكره المصئف رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى ما كان إبراهيم يهودياً فستراه وما فيه. قوله: (وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما إلخ) أخرجه ابن جرير مسنداً، فلا وجه للتردّد فيه، والقول بأنه إن صح عنه فهو تفسير للموصول الثاني بالسمع، ويؤيده أنّ صدور الإيمان عنهم مرّتين سابقاً قبل ظهور الإسلام، ولاحقاً بعده أدخل في المدح والعطف لا يقتضي المباينة الكلية لجواز أن يراد بالموصول الأوّل ما يعم الثاني، وعطف الأخص على الأعمّ لمزيد الاهتمام شائع وفيه ما فيه. قوله: (أو على المتقين) هذا هو الوجه الثاني وهو مشارك للأوّل في أنه أريد فيهما بالذين يؤمنون بما أنزل إليك مؤمنو أهل الكتاب ولذا قدمه على ما بعده. وقوله: (وكأنه قال هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ عن الشرك إلخ) إشارة إلى وجه التغاير بيم، المتعاطفين، نإنّ المراد بالمعطوف عليه من آمن من العرب الذين ليسوا بأهل كتاب وبالمعطوف من آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، وإنما بينا هذا مع ظهوره، لأنه قيل: إنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 لتخصيص الذين يؤمنون بمن آمن عن الثرك، لتكون الصفة مقيدة للمتقين، وهو تكلف لا حاجة إليه وبهذا علم أنه لا وجه لما قيل هنا من أنه لا معنى لإخراجهم من المتقين مع اتصافهم بالتقوى إلاً أن يحمل على المشارفين، فيتعين العطف عليه لتعذر الحمل على المشارقة في المعطوف، وكذا ما قيل إنه كان على المصنف رحمه الله أن يؤخر هذا عن الاحتمال الذي بعده لئلا يفصل بين الوجهين المتناسبين بأجنبي، فإنّ الاحتمال من عطف الذين على الذين بتوسيط العطف على المتقين بينهما لا ينبغي، وقد مرّ ما قاله الفاضل المحقق من أنّ العطف على المتقين إنما يصح على تقدير الوصل دون الانقطاع لما يلزمه من الفصل بالأجنبي بين المبتدأ، وهو الذين يؤمنون بالغيب وخبره أعني أولئك أو بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبيّ، وهو الذين يؤمنون بالغيب أيضا، وقد قيل إنّ هذا ليس بممتنع لأنّ المستأنف مرتبط بالمستأنف عنه، فليس بأجنبي من كل الوجوه وفيه نظر. قوله: (ويحتمل أن يراد إلخ) أشاروا بالتعبير بيحتمل هنا إلى أنّ هذا التفسير غير مأثور وأنه من بنات الأفكار، وأورد عليه قدس سرّه أنّ الإيمان بالكتب المنزلة مندرح في الإيمان بالغيب، وأجاب بأنه للاعتناء بشأنه كأنه العمدة، وأورده هنا بعض أرباب الحواشي، وهو غير ملاق لكلام المصنف رحمه الله لأنه بين عقبه أنّ المراد عنده بالإيمان بالغيب الإيمان بما يدرك بالعقل، كالإيمان بالله وصفات جلاله واليوم الآخر وأحواله، والإيمان بما أنزل إليه وأنزل من قبله الإيمان بما يدرك بالسمع كالكتب، وبما تضمنته فبينهما تغاير باعتبار المفهوم والصفات، لا أنه من قبيل عطف ملائكته وجبريل، وهذا إن لم يرد على الشريف لعدم تصريح الزمخشريّ بما ذكوه يرد على من أورده هنا من أرباب الحواشي والأعيان جمع عين بمعنى الذات أي ما صدقت عليه الأسماء الموصولة في النظم متحد بحسب الذات متغاير بحسب المفهوم والصفات كما سيأتي. قوله: (ووصط العاطف إفي) جواب عن سؤال مقدّر، وهو أنّ العطف يقتضي المغايرة واتحاد الأعيان ينافيه، وعدد الشواهد إشارة إلى أنه يجري في الأسماء والصفات باعتبار تغاير المفهومات ويكون بالواو والفاء، وثم باعتبار تعاقب الانتقال في الأحوال. وقوله: (إلى الملك إلخ) بيت من قصيدة من المتقارب، والقرم بفتح فسكون أصله الفحل، ثم قيل للسيد والهمام العظيم، وإنما تصف العرب به الملوك لعظم هممهم أو لأنهم يفعلون ما يهمون به لما عرف من عزائمهم، والكتيبة بالتاء المثناة الفوقية الجيش، والمزدحم موضع الازدحام وهو التدافع لضيق المجلس بكثرة من فيه، ومنه استعير ازدحام الغرماء على المال والمراد به هنا المعركة. قوله: (يا لهف إلخ) هو من شعر لابن زيابة التيمي أجاب به عن شعر قاله الحارث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان وهو: أيا ابن زيابة إن تلقني لاتلقني في النعم العازب وتلقني يشتد بي أجرد مستقدم البركة كالراكب (فاجابه بقوله) : يا لهف زيابة للحارث الصابح فالغانم فالآيب والله لولا لاقيته خالياً لآب سيفانا مع الغالب أنا ابن زيابة إن تدعني آتك واللعن على الكاذب والعازب البعيد في المرعى، والنعم الإبل أي تلقني حاضرا، وهذا تعريض له بأنه راعي الإبل لا سيد في قومه والأجرد الفرس القصير الشعر، وهو ممدوح في الخيل والبركة، بكسر الموحدة وسكون الراء المهملة بمعنى الصدر هنا، وزيابة اسم أبي الشاعر وقيل اسم أمّه كما في شروح إلحماسة، وما قيل من أنّ قول الطيبي أنه اسم أبي الشاعر وهم هو الوهم أي يا حسرة أبي أو أمي من أجل ذلك الرجل، والصابح بالباء الموحدة المغير صباحاً ويكون بمعنى الآتي صباحاً كالمصبح يتأسف على أنه فعل ذلك وهو غائب، فيقول: ليتني أدركته أو أنه قدّر ذلك في نفسه، ويجوز أن يكون تهكما، وسيفاناً تثنية سيف مضافا للمتكلم مع الغير، وقوله مع الغالب التفات أي معي، أو هو من الكلام الصصمى بالأسلوب النصف أي يقتل أحدنا صاحبه، فيرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 كذلك كما قاله التبريزيّ، ولما كانت الغنيمة تعقب الغارة والإياب يعقبها عطف بالفاء، وإن كان موصوفها واحداً. قوله: (على معنى إلخ) متعلق بقوله وسط وعداه بعلى إلى ما وقع التوسط عليه من الوجه المخصوص به، كما يقال بنيت الدار على طبقتين، فيعدّى بعلى لأسلوبه الخاص كما حققه الفاضل الدواني في حواشي الشمسية في تعدّي الترتيب بعلى، وهو بيان لأنّ التغاير بحسب المفهوم والصفات، وأنّ الجمع المستفاد من العاطف واقع بين معاني الصفات المفهومة من المتعاطفين، وهي في المعطوف عليه التصديق بالغيب مع الإتيان باماراته، وفي المعطوف التصديق بما أنزل إليه وإلى من قبله. وقوله: (جملة) أي مجملاً، وهو منصوب بنزع الخافض أو على الحالية، وخصه بهذا لأنه كما مرّ الإيمان بالله وصفاته والآخرة وأحوالها، وذلك لا يمكن الوقوف على كنهه وتفصيله. وقوله: (والإتيان إلخ) مجرور معطوف على الإيمان والضمير في يصدّقه راجع إليه، فأثبت التغاير بينهما بعد تغاير مفهوميهما بوجهين. الأوّل: أنّ الإيمان بالأوّل إجمالي وبالثاني تفصيلي. والثاني: أنّ الأوّل عقل والثاني نقل والمصدّق العبادات البدنية والمالية المفهومة من قوله: {يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ} إلخ فإن قلت: الإتيان بهذا المصدق فرع الإتيان بما لا طريق إليه غير السمع، لأنه يعلم بالوحي والكتب المنزلة، فعلى هذا ينبغي أن يقدّم الإيمان المنزلين على الإتيان بالصلاة والزكاة، قلت الإيمان بالغيب أهم وأعظم، ولخفائه احتياجه للمصدّق أقوى، ولذا جعله بعضهم داخلاً في الإيمان، وينبغي اتصاله به. وقوله: (غير السمع) قيل: إنه أتى فيه بالحصر، ولم يأت به فيما قبله لأنّ ما قبله يجوز أن يدرك بالسمع أيضاً بخلاف هذا، فإته لا يدرك ابتداء بغير السمع، وفيه أنه قد يدرك بالعقل فيعرف أنه كلام الله بالإعجاز المدرك بالعقل والذوق فتأمّل. قوله: (وكرّر الموصول إلخ) جوأب عما يقال كان يكفي فيما ذكر عطف الصلات بعضها على بعض وهو ظاهر، وأمّ إعادة الموصل فيما أنزل فغير محتاح للتوجيه، لما فيه من التغاير الحقيقيّ، فلا يرد عليه أنه يحتاج أيضاً إلى نكتة كما قيل: والمراد بالقبيلين قسما الإيمان المذكوران في النظم والسبيلين طريقا الإدراك من العقل والنقل، ووجه دلالة إعادة الموصول على ذلك ما فيه من الإشارة إلى استقلال كل من الوصفين وتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين، وفائدة العطف ما مرّ من معنى الجمع، وقال قدس سرّه: رجح هذا الاحتمال على الأوّل بأنّ الإيمان بالمنزلين مثترك بين المؤمنين قاطبة، فلا وجه لتخصيصه بمؤمني أهل الكتاب، ولا دلالة للأفراد بالذكر في الآية على أنّ الإيمان بكل منهما بطريق الاستقلال ألا ترى إلى قوله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 136] صلى الله عليه وسلم فقد أفرد فيه الكتب المنزلة من قبل، ولم يقتض الإيمان بها على الانفراد وبأنّ ما ذكر في تقديم بالآخرة، وبناء يوقنون على هم إنما يقع موقعه إذا عمّ المؤمنين، وإلاً أوهم نفيه عن الطائفة الأولى، فإنّ أهل الكتاب لم يكونوا مؤمنين بجميع ما أنزل من قبل، فإنّ اليهود لم يؤمنوا بالإنجيل، وما يقال: من أنّ اشتمال إيمانهم على كل وحي إنما هو بالنظر إلى جميعهم، فاليهود اشتمل إيمانهم على القرآن والتوراة والنصارى اشتمل إيمانهم على القرآن والإنجيل مردود بأنّ المفهوم المتبادر من استعمال ما نحن فيه ثبوت الحكم لكل واحد، وبأنّ الصفات السابقة ثابتة لمن آمن من أهل الكتاب، فتخصيصها بمن عداهم تحكم وجعل الكلام من قبيل عطف الخاص على العامّ لا يلائم المقام، وقد يرجح الاحتمال الأوّل بأنّ الأصل في العطف التغاير بالذات، ويجاب بأنّ هناك تفصيلاً هو أنّ أداة العطف إن توسطت بين الذوات اقتضت تغايرها بالذات، وان توسطت بين الصفات اقتضت تغايرها بحسب المفهومات وكذا الحكم في التأكيد والبدل ونحوهما، وان وقعت فيما يحتملهما على سواء كان الحمل على التغاير بالذات أولى، فلا يحكم في مثل زيد عالم وعاقل فأن الحمل على تغاير الذات أظهر، وقد رجح في الآية الكريمة الحمل على عطف الصفة بأن وضع الذين على أن يكون صفة، فالظاهر عطفه على الموصول الأوّل على أنه صفة أخرى للمتقين بلا تقسيم مع أنّ ما تقدم من وجوه الترجيح شاهد له (أقول) المتبادر من السياق استقلال كل منهما لا سيما في مقام المدح، لأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما مرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 من الإشارة إلى التصريح في الآيات والأحاديث وأمّا قوله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ} [البقرة: 136] الآية ففيها صارف عما ذكر معنى ولفظا. أمّا الأوّل فلأنّ الخطاب للمسلمين فلا يقتضي الإيمان بكل منها على الانفراد. وقوله: (قولوا) دالّ عليه، فإنه تكليف بقوله دفعة واحدة. وأمّا الثاني فلأنه لم يعد فيه الإيمان، والمؤمن بل جعل ذلك إيمانا واحداً لعدم الاستقلال، فلا يرد نقضا كما لا يخفى، والإيهام المتوهم من قوله {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} مدفوع بأنّ مدح الفريق الأوّل بالإيمان الكامل، ودخول الآخرة في الإيمان بالغيب دخولاً أوّليا صارف عنه بغير شبهة، وإنما هو تعريض بأهل الكتاب، وما كانوا مليه قبل الإيمان بما أنزل إلينا، فإذا كمل إيمانهم بهذا علم كمال إيمان غيرهم بالطريق الأولى، وأمّا أنّ اليهود لم يؤمنوا بالإنجيل، وكون دينهم منسوخاً حتى قيل: المراد باهل الكتاب هنا أهل الإنجيل فقط، فقد أجيب عنه فأن الإنجيل ليس بناسخ للتوراة بل مبين لها كما في الملل والنحل وغيره وسيأتي بيانه، أو الكلام على التوزيع، وليس خلاف المتبادر كما لا يخفى، وأمّا كون إقامة الصلاة، وما معه. مشتركا بين القبيلين، فمسلم لكنه لا يضرنا لأنه مذكور في الأوّل صريحا وفي الثاني التزاماً لاستلزام الإيمان بما أنزل له وأمّا جعل الصفة الثانية داخلة تحت الأولى صريحاً وفي الثاني التزاماً لاستلزام الإيمان بما أنزل له وأمّا جعل الصفة الثانية داخلة تحت الأولى ومنفردة بالذكر، فغير ظاهر إلاً أن يقال الإيمان بالله وان كان أصلاً لكن طريق سعادة الدارين مستفاد من الكتب، وجعل الإيمان بالآخرة مقصوداً أصلياً من ملة الإسلام ظاهر، فإن قلت كيف يكون تعويضاً بأهل الكتاب والمفهوم منه إنّ الإيقان بالآخرة حقيقة مختص بأهل القرآن دون أهل الكتب السماوية السالفة، فالمستفاد منها خلاف حقية الآخرة، وهو غير صحيح فانّ أهل الحق من أهل الإسلام، وأهل الكتاب يعتقدون حقيتها، وأهل الباطل منهم جميعاً، كالملاحدة والمحرّفين ليسوا كذلك، فلت قد أجاب عن هذا بعض المدققين بأنّ الكتب السالفة لم تتعرّض لتفصيل أحوال الآخرة، فلذا ظن أهلها ظنونا فارغة بخلاف القرآن الناطق بتفصيلها وبيانها، أو وفي شرح الطوالع: أنّ موسى عليه الصلاة والسلام لم يذكر المعاد الجسماني، ولم يذكر في التوراة، وإنما ذكر في كتب حزقيل وشعيا والمذكور في الإنجيل إنما هو المعاد الروحاني فتدبر. قوله: (أو طائفة منهم الخ) معطوف على قوله الأوّلون وضمير منهم لهم، والمراد بالطائفة مؤمنو أهل الكتاب والأوّل عامّ عطف عليه بعضه، وأفرد بالذكر لنكتة أشار إليها بقوله تعظيما لشأنهم إلخ وفي نسخة بدله إشادة بذكرهم، وهو بالدال المهملة معناه رفع الصوت بالنداء تجوّز به عن التعظيم ورفع القدر، والترغيب فيه ظاهر قيل وكونه كذكر جبريل وميكائيل عليهما السلام بعد الملائكة في مجرّد ذكر الخاص بعد العامّ لنكتة، وهي ترغيب أهل الكتاب في الدخول في الإسلام وفيه نظر، إذ الظاهر اشتراكهما في التعظيم والأفضلية باعتباو أنهم يعطون أجرهم مرّتين، وقد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل، كما قيل في أفرضكم زيد فلا يرد عليه أنه لا تتمّ فيه النكتة المذكورة فيما استشهد به من التنبيه على أنهم لشرفهم كأنهم لم يدخلوا في العامّ لئلا يلزم تفضيلهم على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، والتشبيه في مجرّد التخصيص، ولذا مرّض هذا الوجه وأخر، وقال قدس سرّه: إنه غير مناسب للمقام إذ ليس في السياق ما يقتضي التخصيص، وفيه نظر يعلم مما مرّ، وقيل في قول المصنف ذكرهم إلخ ما يدفعه وفيه نظر. قوله: (والإنزال إلخ) كون هذا حقيقة النزول وأصل معناه مما لا شبهة فيه وليس هو في الإقامة أصلاً أيضاً كما توهم إلا أنه شاع فيه حتى صار حقيقة فيه في عرف اللغة، فإن كان هذا مراده لم يرد عليه شيء، وكونه صفة للذات بالذات، ولغيرها بالعرض مما لا غبار عليه أيضا فاستعماله فيما هنا ونحوه مجاز حكمي لجعل ما للمحل للحال أو لغويّ على أنه استعارة، أو جعل بمعنى أوصلها وأظهرها. قوله: (ولعل نزول الكتب إلخ الما ذكر أنّ نزول القرآن عبارة عن نزول الملك المبلغ له، كما يقال نزل أمر الأمير من القصر إذا نزل به بعض خدامه، وهذا ملخص من قول الإمام حيث قال: المراد من إنزال القرآن أنّ جبريل عليه السلام في السماء سمع كلام الله، فنزل به على الرسول صقى الله عليه وسلّم، كما يقال نزلت رسالة الأمير من القصر، والرسالة لا تنزل، ولكن كان المستمع في علو، فنزل وأدى في سفل، وقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الأمير لا يفارق ذاته، فإن قيل كيف يستمع جبريل عليه السلام كلام الله عر وجل، وكلامه ليس من الحروف والأصوات، قلنا يحتمل أن الله تعالى يخلق له سماعا لكلامه يقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم فيسمع له كلام بلا صوت، كما يرى بلا كم وكيف عند الأشعريّ رحمه الله، ويجوز أن يكون الله عز وجل خلق في اللوح المحفوظ كتابه بهذا النظم المخصوص، فقرأه جبريل عاجه السلام، فحفظه ويجوز أن يخلق أصواتا مقطعة بهذا النظم المخصوص في جسم مخصوص، فيتلقفه جبريل عليه السلام ويخلق له علماً ضرورياً بأنه هو العبارة المؤدّية لذلك المعنى القديم اهـ. وإنما عبر عنه بقوله ولعل وعادة المصنفين أن يعبروا به فيما اخترعوه للإشارة إلى أنه ليس بمأثور، فلا ينبغي الجزم بأنه مراد الله تأدّباً منه، وهذا دأبه فاحفظه ولذا ذهب بعض السلف إلى أنه من المتشابه أي يجزم بالنزول من غير معرفة بكيفيتة، وهو الحق إذ مثل هدّا من التدقيقات الفلسفية لا ينبغي ذكره في التفسير، كقول بعض الحكماء: إنّ نفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام زكية نقية فتقوى على الاتصال بالملأ الأعلى، فينتقش فيها من الصور ما ينتقل إلى القوّة المتخيلة، والحسن المشترك فيرى كالمشاهد وهو الوحي، وربما يعلو فيسمع كلاماً منظوما، ويشبه أنّ نزول الكتب من هذا والتلقف بالقاف والفاء الأخذ بسرعة ويلقنه من التلقين، وهو معروف وفي نسخة فيلقيه بالتحتيتين والروحاني بضم الراء، وقد تفتح منسوب إلى الروح على خلاف القياس والمراد بكونه روحانياً أنه يلقى في قلبه من غير صوت، وأوود عليه أنه غير صادق على ما نزل صحفاً وألواحاً ولا ضير فيه كما لا يخفى. قوله: (والمراد بما أنزل إلخ) معنى بأسره بجملته، والأسر ما يشدّ به الأسير وإذا أعطي الأسير بقيده فقط أعطي بكليته ثم أريد به ذلك مطلقاً. وقوله: (عن آخرها) بمعنى إلى آخرها وقد مرّ تحقيقه، والمراد بجملتة ما نزل، وما سينزل سواء كان وحياً متلوّاً أو لا لأنه المطابق لمقتضى الحال، فإنه يلزم المؤمن أن يؤمن بما نزل، وبأنّ كل ما سينزل حق وان لم يجب تفصيله وتعيينه، وهذا هو المناسب للهدى والفلاح فلا يقال إنه يصح حمله على ما أنزل قبل وقت الخلاب بلا تأويل لأنّ من آمن ببعضه مؤمن بكله لعدم القائل بالفارق، وما قيل: من أنّ الإيمان بما سينزل ليس بواجب إلاً أنّ حمله على الجميع أكمل، فلذا اقتصر عليه لا وجه له، وأمّا كون الوحي ما هو خفيّ، فالتغليب لازم على كل حال إلاً أن يلتزم أنه بواسطة ملك أيضاً، فبمعزل عما نحن فيه. قوله: (وإنما عبر عنه بلفظ المضئ إلخ الما تعين أنّ المنزل عليه المراد به جميعه لاقتضاء السياق، والسياق له من ترتيب الهدى والفلاح الكاملين عليه، ولوقوعه في مقابلة ما أنزل قبل ولدلالة يؤمنون على الاستمرار المقتضي له، وكان جميعه لم ينزل وقت نزول هذه الآية وجهوه بوجهين الأوّل أنه تغليب لما وجد نزوله على ما لم يوجد، وتحقيقه أنّ إنزال جميع القرآن معنى واحد يشتمل على ما حقه صيغة الماضي، وما حقه الاستقبال فعبر عنهما معاً بالماضي، ولم يعكس تغليبا للموجود على ما لم يوجد فهو من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل، والثاني تشبيه جميع المنزل بشيء نزل في تحقق النزول لأنّ بعضه نزل، وبعضه منتظر سينزل قطعاً، فيصير إنزال مجموعه مشبهاً بإنزال ذلك الشيء الذي نزل، فتستعار صيغة الماضي من إنزاله لإنزال المجموع، فاضمحل بهذا ما توهم من لزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز في كل واحد من الوجهين، ولا يشتبه عليك أنّ المجاز المرسل، والاستعارة المذكورين يتعلقان بصيغة أنزل وحدها بلا اعتبار لمادّته، هذا ما حققه قدّس سرّه وقد تبع في هذا الشارح المحقق حيث قال: يرد على كلا الوجهين. أوّلا أنه جمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يتصوّر معنى مجازي يعمهما ليكون من عموم المجاز، وأجاب بأنّ الجمع هو أن يراد باللفظ معناه الحقيقي والمجازي على أنّ كلا منهما مراد باللفظ، وهنا أريد المعنى الذي بعض أجزائه من إفراد الحقيقة دون البعض. وثانياً إنّ وجوب اشتمال الإيمان على السالف والمترقب لا ينافي الإخبار عنهم في ذلك الوقت بأنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 يؤمنون بالفعل بالسالف إذ الإيمان بالمترقب إنما يكون عند تحققه، وإن أريد الإيمان بأنّ كل ما نزل، فهو حق فهذا حاصل الآن من غير حاجة إلى اعتبار تحقق نزوله، وأجاب بأنه لما وجب ذلك وجب في مقام الإخبار عنهم بأنهم يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به أن يتعرّض لذلك سيما، ولفظ يؤمنون المضارع منبىء عن الاستمرار بلا اقتصار على المضيّ وهذا ظاهر إن أريد بالذين يؤمنون مطلق المؤمنين، فإن أريد مؤمنو أهل الكتاب فلا يخلو عن تكلف، وكأنّ وجه التكلف أنّ من آمن منهم الآن لا يعرف ما نزل، حتى يتحقق عنده ويجب عليه الإيمان به تعيينا، وقد خفي وجهه على الناظرين فوجهوه بما هو أشد تكلفاً منه، وكانوا فيه كمن فرّ من السحاب، فوقف تحت الميزان ققيل إنّ وجهه أنّ إيمان أهل الكتاب بالسالف قد تحقق من قبل، فلا يظهر فيه الاستمرار وعدم المضيّ وقيل وجهه أنّ بعض المؤمنين من أهل الكتاب لم يدرك جميع القرآن بل بعضه فلا يحسن أن يحكم بانهم مؤمنون على الاستمرار التجددي بحسب تجدّد المنزل عليه، وفيه أنّ مطلقهم يدركه كمطلق المؤمنين على الإطلاق، وإن اعتبر الاستغراق لم يصح ذلك في الفريقين وقيل: إنه لا تتمشى حينئذ المقدمة الخطابية، لأن تمدحهم بجمعهم بين الكتابين في الإيمان بكل واحد على الخصوص بخلاف سائر المؤمنين، فلا تروج هذه المقدّمة، ولا يخفى ضعفه لمن له أدنى تأمّل، وفي الكشف فإن قلت: فهلا قيل ينزل ليطابق يؤمنون. قلت: لمطابقة ما أنزل من قبلك وللتنبيه على أنّ المترقب كائن لا محالة ولأنّ إيمانهم يتعلق بشيء قد أنزل بعضه، وسينزل باقيه فلو قيل بما ينزل لم يشمل الماضي، وفسد المعنى، ولو ذكر الم يطابق البلاغة القرآنية واختصاراتها. (أقول) هذا زبدة ما ذكره القوم، وفيه أنّ التغليب باب واحد وما دفع به الشبهة لا يتأتى في مثل قولهم حكم العمران وضي الله عنهما بكذا، فإنّ المقصود الإسناد إلى كل منهما استقلالاً لا إلى المجموع من حيث هو حتى يكون كل منهما جزءا ملحوظا على وجه الإجمال، وأمّا الجواب عنه بأنّ التجوّز في مثله في الفرد وليس في إطلاقه استقلال، وإنما الاستقلال والتفصيل مستفاد من التثنية فلا يصح فإنه لو كان التجوّز في عمر فإن قيل إنه تجوز به عن الشيخين فلا يخفى بعده، وإن قيل تجوز به عن أبي بكر يكون كتثنية العينين للباصرة والذهبية، ومثله ليس من باب التغليب وادّعاء أنه بمعنى صدر الخلفاء من غير اعتبار تفصيل فيه مع ركاكته أقرب من هذا على أنهم كما في التلويح وغيره، اشترطوا في إطلاق اسم الجزء على الكل أن يكون التركيب حقيقياً له اسم على حدة وأن يكون الكل يعدم بعدم ذلك الجزء حقيقة، أو ادعاء كالرأس للإنسان والعين للربيئة، وهذا ليس كذلك مع أنه لم يعهد تشبيه الجزء بالكل، لما يلزمه من تشبيه الشيء بنفسه وهو كما قيل: وشاعر أوقد الطبع الذكي له ~ وشبه الماء بعد الجهد بالماء واستعارة الهيئة دون المادّة الذي أشار إليه بقوله بلا اعتبار لمادّته في الاستعارة التبعية فيه كلام في حواشي المطوّل، وفي كلام الكشف إشارة إلى أنه يجوز أن يجعل من المشاكلة لوقوع غير المتحقق في صحبة المتحقق وان ذكره بعضهم على أنه من بنات أفكاره إلاً أنه لا يصفو من الكدر، ولو قيل: إنّ المراد به الماضي حقيقة، ويدل على الإيمان بالمستقبل بدلالة النص كان أحسن من هذا كله. قوله: (ونظيره قوله إلخ) عدل عن قوله في الكشاف، ويدل عليه قوله {إِنَّا سَمِعْنَا} إلخ فجعله دليلاَ لما ذكر من وجهي التعبير بصيغة المضيّ، لأن إرادة مجموع الكتاب متبادرة عند الإطلاق خصوصا، وقد قيد بكونه منزلاً من بعد موسى صلى الله عليه وسلم لا بعضه، ولا القدر المشترك بينه وبين كله، وهو عبر عن إنزاله بلفظ المضيّ مع أنّ بعضه كان حينئذ مترقباً فوجب تأويله بأحد هذين التأويلين، وأما سمعنا ففيه تغليب للمسموع على غيره مما لم يسمع قي إيقاع السماع على أنّ الكتاب المراد به الكل مع أنه لم يسمع إلاً بعضه، وإنما عدل المصنف رحمه الله عما في الكشاف من جعل هذه الآية دليلاً إلى جعلها نظيراً لأنه لا فرق بينهما في احتياج كل منهما إلى التأويل بل هذه أحوج له، ولذا قال الفاضل في شرحه في قوله تعالى {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ} [الأحقاف: 30] الآية إشكال قويّ، فإنّ السماع لم يتعلق إلاً بما تحقق إنزاله بالحقيقة، فكيف يكون سبيله سبيل ما ذكر في جعله غير المتحقق بمنزلة المتحقق غاية الأمر أنّ الكتاب اسم للمجموع فيجب أن يراد به البعض، أو يحمل على المفهوم الكلي الصادق على الكل والبعض، فوجب التأويل في هذه الآية أيضا، ولم يمثل للتغليب بأنا، وأنت فعلنا لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فيه من الإشكال أيضاً وسيأتي تفسير هذه الآية في محلها وبيان قوله {مِن بَعْدِ مُوسَى} مع أنه من بعد عيسى أيضاً صلى الله عليهما وسلم. قوله: (وبما أنزل من قبلك إلخ) معطوف على قوله {بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} في قوله والمراد {بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} إلخ ولم يذكر الشريعة هنا اكتفاء بما في ضمن الكتب، وللإشارة إلى أنها منسوخة. وقوله بهما بضمير التثنية، والمراد ما أنزل إليه وما أنزل من قبله، وجملة بمعنى إجمالاً وكونه فرض عين أي فرض على كل أحد بعينه ظاهر، والمراد بالأوّل ما أنزل إليك والعلم به تفصيلاً فرض كفاية أي فرض على بعض غير معين، فإذا قام به سقط عن الباقي لأنه لوكان فرض عين شغلهم عن معاشهم مع ما فيه من الحرج والمشقة وعدم تيسره لكل أحد، وقال جلال الملة والدين في شرح العقائد العضدية: يجب على الكفاية تفصيل الدلائل الأصولية بحيث يتمكن معه من إزالة الشبه والزام المعاندين، وإرشاد المسترشدين وقد ذكر الفقهاء أنه لا بد أن يكون في كل حدّ من مسافة القصر شخص متصف بهذه الصفة، ويسمى المنصوب للذب، ويحرم على الإمام إخلاء مسافة القصر عن مثل هذا الشخمى كما يحرم إخلاء مسافة العدو عن العالم بظواهر الشريعة والأحكام التي يحتاج إليها العامّة، وإلى الله المشتكى من زمان انطمس فيه معالم العلم والفضل، وعمر فيه مرابط الجهل وتصدّى لرياسة أهل العلم والتمييز. بينهم من عرّي عن العلم والتمييز متوسلاً في ذلك بالحوم حول الظلمة سعياً لتحصيل مرامهم خذلهم الله ودمّرهم تدميرا وأوصلهم قريباً إلى جهنم وساءت مصيرا: إلى الله أشكو أنّ في الصدر حاجة ~ تمرّ بها الأيام وهي كما هيا وقيل: إنه لا بدّ من شخص كذلك في كل إقليم، وقيل يكفي وجوده في جميع البلاد المعمورة الإسلامية والمعاس بفتح الميم تكسب الناس الذي يعيشون به أي يبقون لأنه من العيش وهو الحياة وهو في الأصل مصدر ميمي كالمعيشة، وقد يكون اسم زمان ومكان. وقوله: (متعبدون) بفتح الباء وكسرها أي مكلفوق. قوله: (أي يوقنون لمقاناً إلخ) هذا بناء على ما رجحه من لحفسير الموصول الثاني بمؤمني أهل الكتاب خاصة، وما ذكره يفهم من قصر الإيمان بالآخرة عليهم مع أنّ جميع أهل الكتاب يؤمنون بالآخرة، فلو لم يخص بما ذكر بطل الحصر، ووصف الإيقان بقوله زال معه اإلمخ إشارة إلى ما سيأتي في معنى اليقين، واختلافهم بالرفع عطف على ما كانوا أو بالجرّ على أنّ الجنة، ومن قاًل بأنه ليس من جنس هذا ااضعيم منهم من قال: إنهم لا يتناكحون ولا ياكلون ولا يشربون، وإنما يتلذذون بالروائح الطيبة والأصوات الحسنة والسرور، فإن غيره لأجل النماء والبقاء، وهي في غنية عنه فألحصر على أنّ المراد به إيقاد خاص لا يوجد في سائرهم. قوله: (وفي تقديم الصلة إلخ) هذا معنى ما في الكشاف وهو قوله وفي تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هم تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأنّ قولهم ليس بصادر عن إيقان وأنّ اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، فهنا تقديمان: تقديم الصلة وهي الجارّ والمجرور، وهو يفيد تخصيص إيقانهم بالآخرة، فإن قلت: هذا التقديم يفيد أنهم يؤمنون بالآخرة لا بغيرها وهو غير صحيح هنا ولا يفيد التعريض المراد. قلت: المراد بغير الآخرة المتقيّ عنهم إيمانهم بالآخرة التي يزعمها أهل الكتاب، فالمعنى أنّ إيقانهم مقصور على حقيقة الآخرة لا يتعداها إلى ما هو خلاف حقيقتها ففيه تعريض بأنّ ما عليه مقابلوهم ليس من حقيقة الآخرة في شيء كأنه قيل يوقنون بالآخرة لا بخلافها كبقية أهل الكتاب. الثاني تقديم المسند إليه الذي أخبر عنه بجملة يوقنون، وهو يفيد التخصيص، وأنّ الإيقان بالآخرة منحصر فيهم لا يتجاوزهم إلى أهل الكتاب وفيه تعريض بأنّ اعتقادهم في الآخرة جهل محض وتخيل فارغ، فإنّ الضمير المقدّم أو المزيد المنفيّ يأتي لإفادة الحصر وقد يأتي للتقوّي أيضاً كما حقق في المعاني ففي النظم قصران، وتعريضان لا قصر واحد كما قيل، وتفصيل ردّه في شروح الكشاف والمراد بالبناء جعله خبرا لا خبرا مؤخراً، كما قيل إلاً أن يراد بيان الواقع هنا، فإنّ البناء كما مرّ يكون مقابل الإعراب وصوغ الكلمة والبنية والاخبار، لأنّ المحمول كأئه مبنيّ على الموضوع، كما يشعر به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 تعبير المحمول والموضوع أيضا وما نقل هنا من أنه قال بناء يوقنون دون تقديم هم لأنّ التقديم يكون عن تاخير واعتباره ليس بلازم هنا نقض للبناء لأنه لو لم يقدر ذلك لم يفد الحصر المدّعي. وقوله: (بمن عداهم إلخ) توطئة لما عطف عليه، وهو المقصود على نهج أعجبني زيد وكرمه وفيه لف ونشر مرتب لأنّ قوله غير مطابق ناظر إلى تقديم الصلة وقوله ولا صادر ناظر إلى بناء يوقنون وجوّز بعضهم فيه أن يكون نشرا على خلاف الترتيب. قوله: (واليقين إتقان العلم إلخ) قيل عليه: إنّ المذكور في كتب الأصولط، والكلام أنّ اليقين متناول للضروري فإنهم عرّفوا اليقين بالاعتقاد الجازم الثابت بحيث لا يزول بتشكيك مشكك المطابق للواقع وهو يشمله، ويكفي في الإتقان عدم تطرق الشك والشبهة، ولذا لم يعتبر صاحب الكشاف غيره إلا أنّ المف مرين اختلفوا فيه فذهب الإمام الرازي والواحدي وجماعة وتبعهم المصنف رحمه الله إلى أنه ما يكون عن نظر واستدلال فلا يوصف به الضروري ولا علم الله تعالى، وذهب الإمام النسفي وبعض الأئمة إلى خلافه وقالوا: هو العلم الذي لا يحتمل النقيض مطلقاً. وقال الإمام القشيري في كتاب مقامات الصوفية: اليقين علم لا يتداخل صاحبه ريب على مطلق العرف، ولا يطلق في وصف الحق سبحانه وتعالى لعدم التوقيف اهـ. (أقول) إذا كان فيه طريقان ومذهبان، فكيف يعترض على إحدى الطريقتين بالأخرى وعدم إطلاقه على الله على الأوّل ظاهر، وعلى الثاني لعدم التوقيف كما سمعته، وأمّا الضروري فقد قال الإمام: لا يقال بيقين إنّ الكل أعظم من الجزء وذكره قدّس سرّه من غير نكر، والمراد بالضروري البديهي الأوّلي فإنه قد يفسر به كما في شرح المطالع وإن كان الضروري يعمّ جميع اليقينيات وهي الحدسيات والمتواترات والمحسوسات الظاهرية والباطنية، كالتجربيات والأوّليات، وهي قضايا مجرّد تصوّر طرفيها كاف في الجزم بنسبتها، والمراد بنفي الشك والشبهة بالاستدلال أن يكون قابلاً لذلك في حال من الأحوال، ولا يلزم كون ذلك بالفعل، أو دائما فيدخل بعض المشاهدات إذ قد يرد عليها الشك، فعين اليقين عين ما كان متيقنا فسقط ما مرّ من أنهم فسروا اليقين بالاعتقاد الجازم إلخ مما يشمل الضروري والمصنف رحمه الله غيم عبارة الكشاف، فوقع فيما وقع إلاً أن يقال له معنيان وقد أيد هذا بأنه صرّح به في الإحياء حيث قال: اليقين مشترك بين معنيين. الأول عدم الشك، فيطلق على كل ما لا شك فيه سواء حصل بنظر أو حس أو غريزة عقل أو بتواتر كوجود مكة أو دليل، وهذا لا يتفاوت قوّة وضعفاً. الثاني وهو ما صرّح به الفقهاء والصوفية وكثير من العلماء، وهو ما لا ينظر فيه إلى التجويز والشك بل إلى غلبته على القلب حتى يقال فلان ضعيف اليقين بالموت، وقويّ اليقين بإثبات الرزق، فكل ما غلب على القلب، واستولى عليه فهو يقين وتفاوت هذا قوّة وضعفا ظاهر، ومما قيل عليه أيضاً إنه مناف لما ذكره في تفسير قوله تعالى {لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 7] أي الرؤية التي هي نفس اليقين، فإنّ علم المشاهدة أعلى مراتب اليقين فجعل المشاهد المحسوس يقينا وهو من الضروريّ، فناقض نفسه وليس بوارد أما على القول الآخر فظاهر، وأما على ما اختاره هنا فيدفع أيضاً بأنّ الشيء قبل رؤيته يكون يقينا، فإذا شوهد وصاو ضرورياً انتقل إلى مرتبة من العلم أعلى من الأولى والمعلوم شيء واحد أحواله متعدّدة، كأحوال الآخرة في الدنيا والآخرة غايته أنّ في قوله أعلى مراتب اليقين تسمحاً على أنه بمعنى أعلى من جميع مراتب اليقين، كيوسف أحسن اخوته وظق الفرق بين اليقين والإيقان وهم. قال الجوهريّ رحمه الله: اليقين والعلم وزوال الشك يقال منه يقنت الأمر بالكسر يقنا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كلها بمعنى، وما ذكوه المصنف رحمه الله مطابق له ولما في الكشاف فتدبر. قوله: (والآخرة تأنيث الآخر) أي الآخرة تأنيث آخر اسم فاعل من أخر الثلاثي بمعنى تأخر وإن لم يستعمل ويسمع من العرب كما أنّ الآخر بفتح الخاء اسم تفضيل منه، والآخرة صفة في الأصل كالدنيا، فإنها فعلى صفة أيضاً من الدنوّ وهو القرب فغلبت على ما يقابل الآخرة قال الزمخشريّ: الغلبة تكون في الأسماء كالبيت على الكعبة والكتاب وفي الصفات كالرحمن، وفي المعاني كالخوض بمعنى مطلق الشروع غلب على الشروع في الباطل خاصة، وقد قرق بين ما غلب من الصفات على موصوف معين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 لكثرة جريه عليه وبذلك خرح عن الوصفية في الجملة كأسماء المكان والزمان لأنّ أصل الصفة أدط توضع لمعنى قام بذات غير معينة وبين ما جرى مجرى الأسماء، كالأجرع والأبطح بحذف الموصوف وعدم جريه عليه حتى يتيادر منه الذات، فضاهى الأسماء الجامدة، ومنها ما اشتدت غلبته حتى الحق بالأعلام، وما لم يصر علماً قد يلمح أصله، فيوصف به وقد يترك كما يقال: الدار الآخرة والحياة الدنيا، إلاً أنه قليل كذا قرّره قدّس سره تيعاً لغيره فيه، وقال الرضى: الغلبة تخصيص اللفظ ببعض ما وضح له فلا يخرح بها عن مطلق الوصف بل عن الوصف العامّ، فلا يطلق على كل ما وضع له، ولا يتبع الموصوف، فلا يقال فيد أدهم وفي حواشيه للشريف السرّ فيه أنّ خصوصية الموصوف صارت بالغلبة داخلة في مفهوم الوصف مع ملاحظة اتصافه بمفهوم المشتق منه، فلا يصح إجراؤه على غيره ولا على عيته أيضاً إذ- يصير معنى أدهم قيد فيه دهمة، وهذا منه يقمفمي امتناع إجرائمه على الموصوف، وما مرّ عنه يقتضي جوازه فبين كلامية تعارض ولذا اعترض به عليه، وأجيب بأن ما هنا هو الواقع في نفس الأمر وأما ثمة فلعدم الاعتداد بالناثر وتنزيله منزلة العدم فلا تعارض، وهو تلفيق بارد والحق أنه لا تعارض رأساً فإنّ المذكور هنا غلبة الوصفية وثمة غلبة الاسمية والفرق بينهما ظاهر، والأدهم من القبيل الثاني لأنه يسيحمله من لا يخطر بباله معنى الدهمة أصلاً فلا يجري إلاً على خلاف الأصل بضرب من التأويل كرجل أسد. قوله: (فغلبت كالدنيا) غلبت بفتح اللام وتخفيفها، والدنيا حقيقتها ما على الأرض من الهواء والجوّ، وقيل كل المخلوقات من الجواهر والأعراض مما قبل قيام الساعة، وهو الراجح وتطلق على أجزائها مجازا، وهي صفة من الدنوّ أي القرب لسبقها الأخرى أو لقربها من الزوال " وكونها صفة للدار ليس بلازم فقد وصف بها النشأة أيضا كقوله تعالى {يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت: 20] وقد تضاف الدار لها، كقوله تعالى {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف: 109] أي دار الحياة الآخرة، وقد تقابل الآخرة بالأولى كقوله {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} [القصص: 70] . قوله: (وعن نافع إلخ) التخفيف هنا نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، واسقاطها وهو نوع من أنواع تضيفد الفمزة المفردة، وهو لغة لبعض العرب اختص بروايته ورش بشروطه كما في كتب القراءات، ونقله السفاقسي هنا، فنقل المصنف له عن نافع فيه مخالفة، إلاً أن يقال أنه ظفر بروايته عنه، ثم أنّ الواو إذا ضمت ضمة غير عارضة، كما فصل في العربية يجوز باطراد إبدالها همزة كما قيل في وجوه جمع أجوه وأما إبدال الواو هنا همزة فلمجاورتها للمضموم أعطيت حكمه وهو من أحكام الجوار كما قيل: قد يؤخذ الجار بظلم الجار على ما فصله ابن جني في كتاب الخصائص، واستشهد له بما ذكر من البيت، ومحل الشاهد فيه المؤقدان ومؤسسي، فإنهما رويا بالهمزة كما صرّح به ابن جني، والبيت من قصيدة طويلة من الوافر لجرير مدح بها هشام بن عبد الملك أوّلها: عفا النسران بعدك فالوحيد ~ ولا يبقى لجدّته جديد (ومنها) : نظرنا نار جعدة هل نراها ~ علاها بعد ضوء أم همود لحمب المؤقدان إليّ مؤسى ~ وجعدة إذا أضاءهما الوقود (ومنها) : تعرّضت الهموم لنا فقالت ~ جعادة أيّ مرتحل تريد فقلت لها الخليفة غير شك هو المهديّ والحكم الرشيد (ومنها) : هشام الملك والحكم المصفى ~ يطيب إذا نزلت به الصعيد يعم على البرية منك فضل ~ وتطرف من مخافتك الأسود وإن أهل الضلالة خالفوكم ~ أصابهم كما لقيت ثمود وأمّا من أطاعكم فيرضى ~ وذو الأضغان يخضع مستفيد والقول بأنّ الشعر لأبي. حية النميري غلط نشأ من إنّ هذه القراءة معزوّة له، وموسى وجعدة ابناه، والشاهد فيه في موضعين كما مرّ واللام في قوله لدبئ لام القسم وحب فعل ماض أصله حبب بزنة كرم فادغم، ويجوز فيه نقل ضمة العين إلى الفاء، فتكون الحاء مضمومة، ويجوز إبقاؤها على الأصل من الفتح، وقد روي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 بالوجهين هذا البيت وغيره كما في كتب العربية، وهو من أفعال المدح بمعنى ما أحبه وهو جامد في حكم نعم، ولذا لم يؤت بقد بعد لام القسم والنار نار القري أو السفر قيل: والأولى أولى لأنها التي يمدح بها وكنى بإضاءة الوقود عن الاشتهار والوقود بضم الواو مصدر وبالفتح ما يوقد، وقد رويا هنا، ومؤسي وجعدة عطفا بيان، أو، بدل من المؤدين المثنى الواقع فاعلاَ لحب كذا قالوا، والظاهر أن مؤسي هنا هو المخصوص بالمدح وإعرابه معروف، وإذ أضاءهما بدل من مؤسي وجعدة أيضا كقوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ} [مريم: 16] . قوله: (الجملة في محل الرفع إلخ) أولئك مبتدأ خبره الجار والمجرور، وهذه الجملة إمّا مستأنفة وإمّا خبر عن الذين الأوّل أو الثاني، وجؤز أن يكون أولئك وحده خبرا وعلى هدى حال وأن يكون أولئك بدلاً من الذين والظرف خبر وأولئك اسم إشارة يمدّ ويقصر، ويزاد في رسمه الواو وللفرق بينه وبين إليك الجار والمجرور، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر غنيّ عن الشرح، وقيده بالفصل لأنه على الوصل ليس بمبتدأ كما مرّ. وفوله: (خبر له) خبر بعد خبر عن لفظ الجملة، وعدل عن قول الزمخشريّ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلخ إلى قوله أحد الموصولين إشارة إلى منا فيه من الإهمال، وإن اعتذر له بأنه اقتصر على الأقوى، وأشار إلى الوجه الآخر فيما بعده لأنه أخصر وأفيد، ولا وجه لما قيل من أنّ قول المصئف وكأنه إلخ إنما ينتظم على غير مسلكه كما لا يخفى وهذا أيضاً وإن كان علم بما مرّ الآ أنه ذكر توطئة لما بعده من تحقيق الاستئناف وأحد الموصولين وإن شمل الأوّل بدون الثاني كعكسه، لكنه لما كان فصل الأوّل يستلزم فصل الثاني بحسب الظاهر، إذ لا يقطع المعطوف عليه دون المعطوف تركه لظهوره لأنّ القرينة العقلية قائمة على المراد مع ما فيه من الإشارة إلى أنّ الفصل أولاً، وبالذات إنما يعلق بأحد الموصولين، والثاني منفصل بتبعيته وفي التعبير بالموصول لطف كما مرّ. قوله: (وكأنه لما قيل) عبر بكأنّ إشارة إلى أنه أمر فرض غير محقق أي لما خصهم بالهدى فقط، أو بالهدى والإيمان بالغيب، كما تدلّ عليه اللام الجارة نشأ منه سؤال هو ما بالهم إلخ. فأجيب بقوله الذين إلخ أي جيء بما له استحقوا أن يلطف بهم ويخصوا بالتكريم العاجل والآجل لأنهم استحقوا ذلك لعقائدهم وأعمالهم، فالسبب تلك الأوصاف، ولا يخفى عليك أنّ قول المصنف خصوا بذلك مبهم، فالمراد به هداية أهل التقوى أو هداية المتقين المؤمنين بالغيب، وكذا قوله {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} إلخ محتمل للموصولين، وللثاني فقط لعدم ذكره لصلة يؤمنون، فأجمله ليشمل ما أشار إليه من الوجهين، وإن اقتصر على الموصوف في قوله كأنه لما قيل هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ لأنه العمدة في منشأ السؤال خصوصاً إذا كان الوصف مؤكدا، فلا يرد عليه ما توهم أنّ مدعاه شامل لوجهين وما ذكره قاصر على جعل الذين يؤمنون بالغيب فقط مبتدأ فيحتاج إلى أن يعتذر له بما قيل من أنّ في جعل الذين الثاني مبتدأ تكلفاً لا يرتضيه المحققون، ولذلك أخره الزمخشبريّ وأشار في تقريره إلى أنه مجرّد احتمال والمصنف أدخله في صدر كلامه للإيجاز إشارة إلى جوازه، وتركه في التفصيل والبيان إيماء إلى أنه غير مقبول عنده لأنّ الموصول الثاني إن اتحد بالأوّل حينثذ بحسب الذات فحقه أن يجري على ما جرى عليه الأوّل، فإن قطع وجعل مبتدأ، فإن لم يجعل الاختصاص الحاصل من تعلق الحكم بالوصف الذي يتضمنه المبتدأ تعريضاً بما ذكره، فقد قطع عن حقه وضيعت فائدة الاسنئناف أيضاً بلا داع مع تكراره، وإن جعل تعريضاً به كان فائدة مطلوبة يرتكب لها خلاف الظاهر، والوجه فيه أنه لما عبر عن المؤمنين بأنهم جامعون في الإيمان بين المنزلتين قابلهم بهذا الاعتبار من انفرد بأحدهما، وهم كفار أهل الكتاب، فعرّض بأنّ ظنهم أنهم على الهدى ظن كاذب، وطمعهم في نيل الفلاح تخيل فارغ، ومعنى الكلام إنّ الكتاب هدى للذين آمنوا به، والذين لم يؤمنوا به ليسوا على هدى وإن ظنوه ولا فلاح وإن طمعوا فيه، فالجملنان بحسب المعنى، وإن تقابلنا في إثبات الإيمان وسلبه وتوافقتا في الظرف ليسا على حذ يحسن العطف بينهما، فإنّ الأولى في وصف الكتاب بكمال الهداية للمؤمنين، والثانية لسلب الاهتداء عن طائفة أخرى لم يؤمنوا به، وقيل المعنى على التعريض أنّ الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 هدى للمتقين وليس هدى لمن عداهم، فالجملتان متناسبتان غاية التناسب، وفيه أنّ سلب كونه ليس هدى لغيرهم ليس صفة كمال له، فلا يناسب ما مرّ من أوصافه الفاضلة التي يشدّ بعضها بعضاً بخلاف سلب الاهتداء عمن لم يؤمن به لما فيه من الإشارة إلى كماله، وإن اختلف الموصولان بالذات كان الأولى بالثاني أن يعطف على الأوّل تقسيماً للمتقين، فإن جعل مبتدأ بلا تعريض فقد ترك الأولى بلا سبب، وفات أيضاً نكتة السؤال المقدّر وكان التخصيص المستفاد من المعطوف منافياً في الظاهر لما استفيد من المعطوف عليه، وإن قصد التعريض كان أظهر، ولم يكن التخصيص قي المعطوف مقصودا بل وسيلة إلى التعريض، ويتعين أن يكون بالقياس إلى المعرّض بهم والحال في العطف، كما سلف وجعل الواو اعتراضية خلاف الظاهر، وهذا زبدة ما حققه شراح الكشاف وارتضوه. (وفيه بحث الما سيأتي مما يأباه ولأنه إذا عطف على أوّل الكلام من قوله ألم إلخ على أنه من الأوّل إلى هنا في وصف الكتاب، وكماله والمعطوف عليه في صفة من آمن به، وبما فيه من حيازة خير الدارين كما إذا قلت هذا كتاب السلطان والذي يمتثل في الخير والأمان، فإنّ المناسبة بين الرسالة والمرسل إليه إن لم تكن تامّة، فليست بخفية وإنما جاء هذا من جعله معطوفاً على صفات الكتاب وما بعده بأن يعطف على جملة {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} كما صرّحوا به، وأمّ قول العلامة في هذا الوجه: إنه يجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضا باهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بنبوّته عليه الصلاة والسلام، وهم ظانون أنهم على الهدى طامعون في نيل الفلاح فقد يقال إنه لدفع التكرار بين هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ وعلى هدى لا تأويل له بجعله من صفات الكتاب، ولو سلم فليس ما-له أنه ليس هاديا لهم حتى يلزم أنها ليست بصفة كمال بل إنّ معناه لا ينالون هدى وفلاحاً بدونه وإن قرءوا الكتب السالفة، ومحصله أنه لا نافع سواه، وكونها صفة كمال أظهر من أن يخفى وأمّا جعله من عطف القصة من غير ملاحظة خصوصية، فيأباه أنّ الأنسب حينئذ عطف إنّ الذين كفروا عليه كما في {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [ألانفطار: 13-14] كما في الكشف. قوله: (ما بالهاً خصوا بذلك إلخ) البال يكون بمعنى القلب والخاطر والشأن والحال، والمراد الأخير وما استفهامية خبر أو مبتدأ، وبالهم خبر أو مبتدأ أي ما الحال والثأن الذي خصصهم فجملة خصوا مفسرة أو عطف بيالط، أو بدل من البال أو حال وذكر الفاضل في سورة آل عمران أنها حال لا غير وأنها لا يجوز اقترانها بالواو لأنه لم يسمع كما في قوله: ما بال عينك منها الكحل ينسكب واعترض على الزمخشريّ في قوله ما باله وهو امن، ويرده قول جرير: ما بال جهلك بعد الحلم والدين ~ وقد علاك مشيب حين لاحين وسيأتي منا تحقيقه إن شاء الله إذا اقتضاه الحال، وخصوا مبني للمجهول وأبهم قوله بذلك لما مرّ. وقال قدس سرّه أي ما بالهم مختصين بذلك، وهل هم أحقاء به فمآل السؤال إلى أنهم هل يستحقون ما أثبت لهم من الاختصاص، والجواب مشتمل على هذا الحكم المطلوب مع تلخيص موجبه، وقد ضمّ فبه إلى الهدى نتيجته تقوية للمحبالغة التي تضمنها تنكيره كأنه قيل: هم مستحقون للاختصاص والسبب فيه تلك الأوصاف التي رتب عليها الحكم، فاستغنى عن تأكيد النسبة ببيان علتها، وقد يقال المقصود من السؤال هو السبب فقط أي ما سبب اختصاصهم، واستحقاقهم إلاً أنه بين في الجواب مرتباً عليه مسببه، فإنّ ذلك أوصل إلى معرفة السبب، فلا حاجة أصلاً إلى تأكيد الجملة، وربما قيل قصد به مجموع الأمرين أي هل هم أحقاء بذلك وما السبب فيه حتى يكونوا كذلك، وقال في شرح المفتاح: فإن قلت إذا قدر السؤال هكذا ما للمتقين اختصوا أو ما بالهم اختصوا كان معناه أيّ أسباب تأخذت في شأنهم حتى استحقوا تلك الهداية، واختصوا بها فكان سؤالاً عن السبب، فلا يطابقه الجواب إذ لا دلالة له على السبب قلت: الكلام السابق مشتمل على تفصيل السبب إلا أنّ السامع لم يتنبه له، فنبه عليه إجمالاً باسم الإشارة الدالة على ذوات المتقين باعتبار تميزهم بتلك الصفات حتى صاروا كالمحسوس، واليه أشار بقوله وأجيب إلخ وأورد عليه أنّ بين كلاميه تعارضاً، فإنه جعل هذه العبارة في شرح المفتاح سؤالاً عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 سبب الاستحقاق، وهنا جعلها سؤالاً عن وجود الاستحقاق وجعل الجواب لاشتماله على علة الاستحقاق مستغنياً عن التأكيد وهو، وإن كان معقول المعنى غير معروف بين أهل المعاني أنّ الجواب جملة اسمية، وهي من جملة المؤكدات عندهم. (أقول) ما في شرح المفتاح هو الحق الحقيق بالقبول لأنّ منطوق السؤال الذي قدّروه صريح فيه بل لا يحتمل غيره بوجه من الوجوه، وقد يقال: إنه ذكر الوجوه المحتملة التي تضمنها كلامهم واقتصر في شرح المفتاح على ما هو الحق عنده فتدبر. قوله: (فأجيب إلخ (أورد عليه أنه إذا فصل الموصول الثاني تكون الجملة معطوفة على ما سبق لا جواباً لسؤال والاً يجب الفصل، وردّ بأنه لا يرد عليه لأنّ قوله أجيب إلخ ينادي بأنّ مراده بيان حاصل المعنى على تقدير مفصولية الموصول الأوّل وحاصل الجواب لأنّ تمكنهم من الهدى، واستقرارهم عليه بتوفيق من ربهم متميزين عما سواهم خصهم بهداية الكتاب على الوجه الأتم وقد عرفت أنّ عبارته شاملة للوجهين إلاً أنّ ما ذكره بناء على ما وقع في نسخته كما حكاه، وهو وأجيب بقوله {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} والذي عندنا الذين يؤمنون فقط بدون ذكر بالغيب فالإيراد باق مجاله، وإن كانت الواو غون استئنافا، فيصدر بها الكلام المستأنف، كما ذكره في المغني ومثل له بقوله تعالى {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء} [الحج: 5] ونحو لا تكل السمك وتشرب اللبن فيمن رفع إلاً أنّ المراد به الاستئناف النحوي لا البياني كما لا يخفى، ومن هنا ظهر حسن صنيع الزمخشريّ إذ ضعف هذا الوجه وأخره، والمصنف رحمه الله لما خلطه وقع فيما وقع فيه. قوله: (وإلا فاستئناف الخ) أي إن لم يجعل أحد الموصولين مفصولاً فوصلا بما قبلهما فالجملة حينئذ مستأنفة إمّا استئنافاً نحويا لا يقدّر فيه سؤال أصلاً أو بيانياً وفيه نظر، ولما كان ما قبله مستلزما له فهو مستفاد مته، وفي ضمنه حتى كأنّ نتيجة له كان بينهما كمال الاتصال المقتضي لترك العطف، والمراد بالأحكايم ما وصف به الكتاب وبالصفات صفات المؤمنين الدال عليها بالموصولين، فلا يرد عليه إن كونه نتيجة ليس من جهات الفصل بل هي مقتضية للرّبط بالفاء، وهذا غفلة عن قوله كانه بالتذكير أي الكلام، وفي نسخة كأنها أي الجملة. قوله: (أو جواب سائل قال إلخ) هو معطوفءلمى قوله نتيجة أي ما سبب اختصاص الموصوفين بهذه الصفات بهدى الكتاب الكامل، فاجيب بأنه تمام روخهم على كمال الهدى منه تعالى والهدى منه توفيق وإعانة بلا مرية والظاهر أن يقال في تقريره: إنّ سبب اختصاصهم بالانتفاع بهداية الكتاب أنه تعالى قدّر في الأزل سعادتهم وهدايتهم، فجبلتهم مطبوعة على الهداية، والسعيد سعيد في بطن أمّه لا سيما إذا انضم إليه الفلاح الأخروي الذي هو أعظم المطالب فيندفع س قيل عليه في شرح الكشاف من أنّ هذا مجرّد احتمال لظهور أن ليس لهذا السؤال أعني ما للمستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى زيادة توجه، ولا للجواب بأنّ اختصاصهم بالفوز بالهدى غير مستبعد كبير فائدة وزيادة بيان، بل هو إعادة للدّعوى بعينها، وكذا ما قيل من أنه لا وجه للسؤال لأنّ الأوصاف التي أجريت عليهم مقتضية، لذلك الاختصاص اقتضاء ظاهرا لكن السائل كأنه قد غفل عن اقتضائها فسال، فلذا أجيب بإعادة المدعى بعيته تنبيها على أنّ التامّل فيه يرفع مؤنة السؤال إلاً أنه غير وجه النسبة بين الهدى والمتقين، وزيد التصريح بالنتيجة دفعاً لبشاعة التكرار وهذا زبدة ما قاله الفضلاء تبعاً للمدقق في الكشف، وعلى ما ذكوناه لا يرد ما قالوه نعم هو لخفائه لا ينافي مرجوحيته وسياتيك عن قريب إن شاء الله تعالى ما يثلج صدوك ويقرّ عينك، وقيل أيضاً إنّ المعنى الشرعي للتقوى مشتمل على الجواب ومغن عن السؤال فتدبر. قوله: (ونظيره أحسنت إلى زيد الخ) هذا خلاصة ما في الكشاف حيث قال: واعلم أنّ هذا النوع من الاستئناف يجيء تارة بإعادة اسم من استؤنف عنه الحديث كقولك: قد أحسنت إلى زيد زيد حقيق بالإحسان، وتارة بإعادة صفته كقولك أحسنت إلى زيد صديقك القديم أهل لذلك منك، فيكون الاستئناف بإعادة الصفة أحسن وأبلغ لانطوائها على بيان الموجب وتلخيصه، وتبعه السكاكي وغيره من أهل المعاني قال المحقق: يعني النوع المشتمل على إعادة ما عنه الحديث جواباً عن سؤال سبب الحكم، بخلاف النوع الذي لا يكون كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 كقوله: قال لي كيف أنت قلت عليل سهر دائم وحزن طويل فإن قلت: الإعادة باسم الإشارة من أيّ قبيل أمن هذا النوع قلت: الظاهر إنه من قبيل الإعادة بالصفة لأنه إشارة إلى الموصوف بالصفات لا إلى نفس الذات، فالاستئناف ههنا سواء وقع على الذين أو على أولئك وارد على الوجه الأحسن، لكن الثاني لا يزيد على إعادة الدعوى، وودّه المدقق وقال: أراد أنه جواب عن سؤال اسنحقاقه لما نسب إليه، فإذا قيل أحسنت إلى زيد اتجه أن يقال: هل هو حقيق بذلك فإن أجيب بذكر اسمه فقد ترك تأكيد الجملة على خلاف مقتض الظاهر، وإن أجيب بذكر صفته أفاد الحكم المطلوب مع بيان سببه القائم مقام تكيده، وليس ما مرّ بشيء لأنه إذا فيل ما سبب الإحسان إليه، واستحقافه إياه كان ذلك طلباً لتصوير سبب مخصوص بعد العلم بأن هناك سبباً في الجملة، فلا يصح في جوابه زيد حقيق بالإحسان إذ لا يفهم منه سبب مخصوص أصلاً، وقد يتوهم أنه على الثاني من إعادة الاسم ولذلك كان مرجوحاً ويدفعه قوله فأجيب إلخ، وقوله وفي اسم الإشارة إلخ، وقال في حواشي المطوّل: إنه كلام مختل فإن الحكما المثبت لزيد في المثال المذكور هو إحسان المخاطب إليه، وليس يقدّر هنا سؤال من المخاطب عن سبب إحسانه كيف وهو أعلم من غيره باسباب أفعاله الاختيارية نعم يتصوّر ذلك إذا نسي، أو أراد أن يمتحن غيره هل يعرف ذلك، لكنه عما نحن فيه بمراحل، فالصواب تقدير هل هو حقيق بالإحسان. (أقول) هذا تتحير فيه البصيرة التقادة، فإنّ ما ذكره قدس سرّه من الإيراد وارد عليه بعينه، لأنّ ما ارتضى تقديره إن كان من المخاطب بأحسنت أعني المحسن ورد عليه ما أورده وردّت بضاعته إليه، فيحتاج إلى ادّعاء النسيان أو قصد الامتحان، وإن كان من سامع غيرهما صح أيضأ قصذه فيما ذكره الفاضل، وهو لماذا أحسن إليه على أن يكون أحسن ماضياً مجهولاً لا مضارعا معلوماً، وقد جوّز. هو فيه فادّعاء أنه غير صحيح غير صحيح كما لا يخفى، وقول بعض الفضلاء ربما يتكفف في دفع ما أورده الشريف، ويقال يجوز أن يكون السائل هو السامع لا المخاطب، فيكون الاستئناف جوابا لسؤاله حينئذ لا وجه له، وأمّ اذعاء أنه تكلف فكأنه نشأ من الخطاب في قوله صديقك إذ هذا يقتضي ترك الخطاب، وأن يقال صديقه ونحوه، ويوجه بأنّ السؤال لعدم التصريح به لم ينظر إليه وطبق آخر. على أوّله، وقد أورد مثله بعض المتأخرين على الالتفات في سورة الفاتحة ومرّ ما فيه، ثم إنّ ما أورده قدّس سرّه هنا مندفع أيضماً بأنّ السؤال عن سبب الإحسان لا الاستحقاق والإحسان، فلا شك في أنّ كونه حقيقاً به سبب معين من أسبابه غاية الأمر أنّ هذا السبب له سبب، ولا ضرر فيه على أنّ لك أن تقول إنّ قوله أحسنت إلى زيد لم يقصد به فائدة الخبر لأنه من لغو القول بل لازمها وهو علمه بذلك، فالسؤال المقدّر من المخاطب سؤال عن علمه، ومعرفتة أيضاً من غير نسيان ولا امتحان كما لا يخفى على الفطرة السليمة، أو يقال إنّ هذا السؤال يلوح به عرض الكلام من غير نظر لسائل معين، والنظر لمثله تكلف يجرّ تكلفات أخرى ألا ترى أنّ ما في هذه الآية الكريمة لا يصح أن يقدّر السؤال فيها من رب الكلام، وهو الله مسبب الأسباب العالم بسائر الخفيات ولا من الملقى إ ايه الكلام أوّلاً، وهو النيّ عليه الصلاة والسلام، والمؤمنون لعلمهم بأنه لا يسأل عما يفعله مع ظهور ذلك عندهم، ومن عداهم لا يسلم الهداية من أصلها فلا يسئل عن سببها، ولذا لم يعرج عليه المفسرون فتدبر ترشد. قوله: (فإنّ اسم الإشارة ههنا الخ) في الكشاف وفي اسم الإشارة الذي هو أولئك إيذان بأن ما يرد عقيبه فالمذكورون قبله أهل لاكتسابه من أجل الخصال التي عدّدت لها كما قال حاتم: ولله صعلوك مناه وهمه ثم عدد له خصالاً فاضلة، ثم عقب تعديدها بقوله: فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه وإن عامى لم يقعد ضعيفاً مذمماً قال قدّس سرّه تبعاً للشارح المحقق: قد توهم أنّ الإيذان المذكور مختص بما إذا وقع الاستئناف على أولئك، والصواب أنه جار على الأوجه الثلاثة، وذلك أنّ أسماء الإشارة حقها أن يشار يها إلى محسوس مشاهد، أو إلى ما ينزل منزلته في تميزه وظهوره، ولما كانت الصفات المجراة على المتقين مميزة لهم جاعلة إياهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 كانهم حاضرون مشاهدون وضع أولئك موضمع الضمير إشارة إليهم من حيث أنهم موصوفون بها، كأنه قيل: أولئك المتميزون بتلك الصفات، فيكون الكلام من ترتب الحكم على الأوصاف المنامبة، ومفيدا للعلية بخلاف الضمير، فإنه راجع إلى الذات وليس فيه ملاحظة أوصافها، فإن قلت قد تقدّم منك في قوله ليكون الخطاب أدل على أنّ العبادة له لذلك التميز ما يدل على أن في الضمير إيذاناً في الجملة، وسياق الكلام هنا ينافيه قلت: إذا حمل التنوين في إيذاناً على التعظيم زالت المنافاة اهـ. وفي شرحه للمفتاح أنّ من اللطائف الداعية لأن يورد اسم الإشارة التنبيه على أنّ المشار إليه إنما استحق ما ذكر بعده لأجل الصفات السابقة إلاً أنه من إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر، وقد قيل عليه أنه من لطائف كون المسند إليه اسم الإشارة لا من اللطائف الداعية إليه لأنّ الإيذان المذكور يحصل بالموصول أيضاً، ولذا لم يعدّه السكاكي من الدواعي وذكر في المثال المذكور داعياً آخر يعني كمال العناية بتمييزه وتعيينه لما اف ف به من المحامد هذا زبدة ما ذكروه. وفيه بحث كا وجوه (الأول) إنّ ما ادّعوه من أنه جار على الأوجه الثلانة، وتخصيصه توهم غير ظاهر، لأنه على وجهي الابتداء بالموصول الذي هو معنى الوصف المفيد للعلية، كما صرّحوا به لا وجه حينئذ للعدول إلى اسم الإشارة لأجل ذلك لسبق ما يفيده ولا يقتضي التأكيد فيتعين أنه لكمال العناية به كما في المفتاح، فما عدّوه توهماً هو النظر السديد. (الثاني) أنّ سؤاله قدّس سرّه وجوابه ليس بقويّ لأنّ ما مرّ في الفاتحة من العدول إلى الخطاب لا إلى الضمير مطلقا وفي أولئك خطاب أيضاً فتأمّل. (الثالث) أن ما أورد عليه مدفوع بما ذكر في حالة الإضافة من أنّ الداعي إليها أن لا يكون إلى إحضاره طريق سواها أصلاً أو طرق سواها أخصر، واسم الإشارة أخصر من الموصول فترجيحه ظاهر على أنّ ما ذكر ليس بوارد رأساً فتدبر. قوله. (كإعادة الموصوف بصفاته إلخ) الجار والمجرور أعني ض له بصفاته متعلق بإعادة لا بالموصوف أي إعادة المستأنف عنه المذكور أولاً بواسطة صفاته الدالة عليه ضمناً، وهذه العبارة أخصر وأحسن من قوله في الكشاف بإعادة اسم من استؤنف عنه الحديث، أو إعادة صفته لما يرد عليه من أنّ الصفة لم تذكر أوّلاً حتى تعاد وإن اعتذر له بأنه أراد به إعادة ذكر من استؤنف عنه الحديث باسمه أو بصفته إذ هو مشاكلة، ومن لم يتنبه لهذا قال بعدما ذكر قسمي الاستئناف، ومثل لما يجيء بإعادته بصفته بأحسنت إلى زيد الكريم الفاضل ذلك الموصوف بتلك الصفات حقيق بالإحسان معترضاً على المصئف إنّ مثاله لا يناسب الممثل له، فالمناسب له أن يمثل بما؟ كر. قوله: (لما فيه) أي لما في الاستئناف بإعادة الصفة الدال عليها اسم الإشارة من البيان لمقتضى الحكبم، وهو الوصف المناسب المشعر بالعلية لترتب الحكم عليه. وقوله: (وتلخيصه) بالجرّ معطوف على بيان، والتلخيص هما بمعنى الاختصار لأنّ اسم الإشارة أخصر من تلك الصفات لو أعيدت. وقوله: (الموجب له) أي المقتضي لاستحقاقه تفضلاَ منه، كما قال تعالى {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] وهذا لا كلام فيه إنما الكلام في الإيجاب عليه تعالى بمعنى لحوق الذمّ الذي ذهب إليه المعتزلة، وليس بمراد. قوله: (ومعنى الاستعلاء إلخ) الاستعارة فى الحرف بتبعية متعلقة وهو المعنى الكلي الشامل له كما حققوه، فلذا قال: معنى الاستعلاء دون معنى على والتمثيل ضرب المثل والإتيان بمثال، ومطلق التشبيه والمركب منه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه وإنما النزاع في الاستعارة التبعية هل تكون تمثيلية أم لا، فذهب الفاضل المحقق إلى جوازه متمسكاً بما صرح به العلامة في مواضع من كشافه كما صرّح به هنا، وقد سبقه إليه الطيبي وقال: إنه مسلك الشيخين الزمخشريّ والسكاكي، ولم يرتضه المدقق في الكشف، وأوّل ما في عباراتهم، وتبعه فيه السيد وشنع على الفاضل حتى كأنه أبو عذرته وهي المعركة العظمى التي عقدت لها المجالس وصنفت الرسائل مما هو أشهر من قفا نبك. قال قدس سرّه بعدما ذكر قول الزمخشريّ: ومعنى الاستعلاء في قوله على هدى مثل لتمكنهم من الهدى، واستقرارهم عليه وتمسكهم به شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه إلخ يريد أنه استعارة تبعية شبه فيها تمسك المتقين بالهدى باستعلاء الراكب على مركوبه في التمكن والاستقرار، فاستعير له الحرف الموضوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 للاستعلاء، وقوله مثل أي تصوير فإن المقصود من الاستعارة تصوير المشبه بصورة المشبه به إبرازا لوجه الشبه بصورته في المشبه به، ثم إنه قدم تصوير وجه الشبه أعني التمكن والاستقرار على تصوير المشبه الذي هو التمسك، لأنه المقصود الأصلي بالقياس إليه، ومن الناس من زعم أنّ الاستعارة في على تبعية تمثيلية، وانّ كونها تبعية لجريانها في متعلق معنى الحرف، وكونها تمثيلية لكون كل من طرفي التشبيه حالة منتزعة من عدة أمور، فورد عليه إنّ انتزاع كل من طرفيه من عدة أمور يستلزم تركيبه من معان متعددة، ومن البين أنّ متعلق كلمة على، وهو الاستعلاء معنى مفرد كالضرب، فلا يكون مشبها له في تشبيه تركب طرفاه، وإن ضم إليه معنى آخر وجعل المجموع مشبها له لم يكن معنى الاستعلاء مشبهاً به في هذا التشبيه، فكيف يسري التشبيه والاستعارة إلى معنى الحرف، والحاصل إن استعارة على استعارة تبعية تستلزم كون الاستعلاء مشبها به، وتركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبهاً به، فلا يجتمعان وقد أجيب لأنّ انتزاع كل من طرفيه من عدة أمور لا يوجب تركبه بل يقتضي تعددا في مأخذه وردّ بأنّ المشبه مثلا إذا كان منتزعا من أشياء متعددة، فلا يخلو من أن ينتزع بتمامه من كل واحد منها وهو باطل، فإنه إذا أخذ كذلك من واحد منها كان أخذه مرّة ثانية من آخر لغوا وتحصيلاً للحاصل، أو ينتزع من كل واحد منها بعض منه فيكون ضرورة مركبا أو لا يكون لا هذا ولا ذاك، وهو أيضا باطل إذ لا معنى حينئذ لانتزاعه من تلك الأمور المتعددة على أنه صرح بخلافه في قوله تعالى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [البقرة: 17] وهو لا يشتبه على ذي مسكة. (واعلم) أنّ على هدى محتمل لثلاثة وجوه: (الأوّل) لثيه تمسكهم بالهدى باعتلاء الراكب. (الثاني) تشبيه هيئة منتزعة من المتقى والهدى وتمسكه به بهيئة منتزعة من الراكب والمركوب، واعتلائه عليه فتكون تمثيلية تركب كل من طرفيها لكن لم يصرح من الألفاظ التي بإزاء المشبه به إلا بكلمة على فإنّ مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة، وما عداه تابع له ملاحظ في ضمن ألفاظ منوية، وأن لم يقدر في نظم الكلام وبينهما فرق، فليس في على استعارة أصلاً بل هي على حالها لو صرّح بتلك الألفاظ. (الثالث) أن يشبه الهدى بالمركوب فعلى قرينة التخييلية هذا زبدة ما ارتضاه، ومن الفضلاء من ردّه وانتصر للسعد سعد جدّه فقال: هو ممنوع أمّا المقدمة الثانية، فإنّ الاستعلاء المطلق متعلق لمعنى مطلق كلمة على لكن خصوصياتها متعلقات خاصة مثلاً هنا استعلاء الراكب على المركوب استعلاء ملتبس بوجه التمكن والاستقرار، وذلك لأنّ متعلق معنى الحرف ما يرجع إليه بنوع استلزام، وقد يعبر عن ذلك المعنى في العرف به وهذا الاستعلاء الخاص لازم لمعنى على هنا لزوم العامّ للخاص ويجوز تفسيره بذلك عرفاً، ولا شك أنّ المشبه به هنا ليس مطلق الاستعلاء بل الاستعلاء الخاص، فإن قيل إنه مقيد لا مركب قيل نعم لكن في حواشي المطوّل له ردّ كون الترشيح خارجا عن الاستعارة بواسطة كون المستعار مقيدا به بدون تركيب، لأنه إذا كان المشبه به هو المقيد من حيث هو مقيد، فلا بدّ أن يستعار منه ما يدلّ عليه من حيث هو كذلك فلا تتض تلك الاستعارة بدون ذلك القيد، فلا يكون متعلق معنى الحرف مدلولاً بلفظ مفرد وكذا معنى الحرف نفسه لا يدلّ عليه بلفظ مفرد وإن كان معنى واحدا مقيدا بقيود غاية الأمر أن يكون الموضوع بإزائه لفظا مفردا، والحاصل أنّ معنى الحرف في أدائه يحتاج إلى ألفاظ متعددة كالمعنى المركب إلا أنّ المقصود الأصلي فيه تشبيه المقيد دون القيد وفي المركب المجموع، وأمّا المقدّمة الأولى، فهو أنّ مبنى التمثيل هنا على تشبيه الحالة المنتزعة من أمور متعددة بمثلها، ومعنى انتزاعها حصولها منها عند وجودها على وجه اللزوم وقيامها بها، ولا يخفى أنه يجوز أن يكون شيء بتمامه منتزعا من مجموع قائماً به بدون التركيب والتكرار وبلا قيام بكل جزء كالنقطة في الخط، والإضافة في محلها عند القائل بوجودهما، وكذا جميع الأعراض التي لا تسري في محالها: كما حقق فالكلام، فعلى هذا يجوز أن تسري الاستعارة التمثيلية في معنى الحرف المفرد بهذا الوجه وينتزع منه الأمور المتعدّدة كما مرّ، فإنّ معنى على هنا نسبة بين الراكب والمركوب على وجه الاستقرار قائمة بينهما مسببة عنهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ولا يضره أنه لم يلاحظ الأمور المتعددة قصداً بألفاظ كثيرة، أو التفصيل والتركيب في المأخذ لا في نفسه وما ذكروه من أنّ الوجه مركب في التمثيل، فباعتبار المأخذ، وعلى هذا يحمل ما قيل إنه لا معنى للتشبيه المركب إلاً أن ينتزع كيفية من أمور متعدّدة، فتشبه بكيفية أخرى مثلها نعم لا تجري الاستعارة التمثيلية بالمعنى المشهور في الحرف، فإنها في مجموع الكلام المركب من ألفاظ متعددة مفصلة بلا تصرّف في الأجزاء كما في أراك تقدم رجلاَ، وتؤخر أخرى إذ يراد بمجموعه أراك متردّدا في أمر كذا، وقد اعترف بذلك جدي والحاصل أنه يجري في الحرف التمثيل بمعنى انتزاع الحالة من الأمور المتعددة ولا يجري فيه معنى التشبيه في المفصل المركب قصدا على أنه ينبغي أن يعلم أنّ معنى الاستعارة التمثيلية بالمعنى المشهور في الآية بعيد غير ظاهر، فإنه لا يقصد بها تشبيه حال المجموع بل تشبيه التمسك بالهدى بتلبس الراكب بالمركوب في استقراره عليه، وأيضاً لا وجه لاعتبار ألفاظ المشبه به في هذا التركيب بعد دخول على على الهدى وجعله خبراً عن أولئك المشار به للمتقين مع أنّ الهدى، وأولئك من أجزاء المشبه، فإن قلت: قد يطوى ذكر المشبه في التشبيه، كما يطوى في الاستعارة بحيث لا يكون في حكم المذكور، ولا يحتاج إلى تقديره في النظم إلاً أنه يكون منسياً في الاستعارة منويا في التشبيه كما في قوله تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} [فاطر: 2 ا] الآية فإنّ البحرين مستعملان في معناهما الحقيقيّ، وقد أريد تشبيه الإسلام والكفر بهما، ولا يقدر اللفظ إلاً في مجرّد الإرادة فكذا بالنسبة إلى المشبه به في الاستعارة، قلت الفرق ظاهر فإنّ التشبيه قد يكون ضمنياً مكنياً كما في قوله: فإن تفق الأنام وأنت منهم إلخ إذ مجموعه مفيد لتشبيه المخاطب إ، لمسك في الانفراد عن بني جنسه فقوله {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} إلخ أيضا مفيد للتشبيه غاية الأمر أنّ اعتبار لفظ المشبه فيهما يغير نظم الكلام بخلاف قوله {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} فإنّ المجموع ليس كناية عن الاستعارة، ووجود أجزاء المشبه فيه ينافي اعتبار ألفاظ الاستعارة، فإنّ التشبيه ينسى فيها أصلا، وبالجملة لا وجه لدخول على على الهدى وأيضاً الاستعارة مجاز أي كلمة مستعملة في غير معناها لعلاقة التشبيه، وإذا لم تذكر ألفاظها ولم تقدّر يبعد اعتبار التجوّز (بقي هنا إشكال) على اعتبار الاستعارة التمثيلية في المركب مطلقاً، فإنّ المقصود فيه التشبيه بين الحالتين المنتزعتين من الأمور المتعدّدة الواقعة في الطرفين ولم يظهر وضع أمر بإزاء حالة، حتى يصرف عنها إلى أخرى بعلاقة التشبيه، وبالجملة لا يظهر في تلك إلاستعارة ما يتصرف فيه بالتجوّز وأمّا الهيئة التركيبية فموضوعة بإزاء الإثبات أو النفي، وظاهر أنه لم يقصد التشبيه فيها، فلا تجوز فيه إذا عرفت ما تلونا. عليك، وهو زبدة ما في هذا المقام فالذي يخطر بالبال بعد طيّ شقة القيل والقال، إنّ الخلاف بينهم في حرف واحد إذ لا خلاف في أنّ التمثيل التفصيليّ المعروف يستدعي تركب الطرفين حقيقة وإنّ التمثيل الآخر الذي هو محل النزاع هل يشترط فيه التركيب بعد الاتفاق على أنه لا يلزم التصريح بأجزائه لفظاً ولا تقديرا، فذهب الشريف إلى أنه يشترط فيه أن تكون أجزاؤه مرادة منوية، فلا يكون ما اقتصر عليه من الحرف، ونحوه مما هو عمدة المعنى المجازي مستعملا في معنى مجازي بل حقيقة والأكان مجازا مفردا لا تمثيلاً. أو لا يشترط فيه ذلك بل يكفي تركب المأخذ المنتزع منه ذلك، ويكون الحرف المذكور مع ما يدلّ عليه بالالتزام من طرفي التشبيه، وما يتممها متجوّزا فيه، وإلا لم يصح دخول على على الهدى كما مشى عليه السعد ومن مشى على جادّته، فالنزاع كاللفظيّ وأمّا الإشكال الذي أورده ولم يجب بم ضه فقد استصعبه بعض المتأخرين، فيدفعه أنّ اللفظ المركب له هيئة ومادّة دالة على معنى مجموع مركب موجود في الخارج ومجموع المادّة والهيئة موضوع له بالوضعالنوعي أو بأوضاع مفرداته على الخلاف المعروف فيه، وهو المتصرف فيه لا الهيئة فقط، ولا المفردات وسنحققه في محله إن شاء الله نعم يرد على ما مرّ من أنّ الاستعلاء الخاص المقيد تمثيل أنه لو اقتضى ذلك لم يكن لنا استعارة تبعية أصلاَ لاستلزامها لهذا التركيب، والمراد بالاستعلاء العلو لا طلبه، وهي قد اشتهرت بهذا المعنى وتمكنهم بمعنى ثباتهم ودوامهم، فعطف الاستقرار عليه لتفسيره وتوضيحه. قوله ة (بحال من اعتلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الشيء إلخ) فيه تسمح والأصل تمثيل حالهم في تمكنهم، واستقرارهم بحال من اعتلى إلخ إن قلنا: إنّ التمثيل بمعناه المشهور أو تمثيل تمكنهم بالاعتلاء على المركوب إن كان التمثيل بمعنى مطلق التشبيه، فالاستعارة تبعية على ما أسلفناه، ووجه الشبه إيصاله إلى المقصد الاً عظم في الدارين. قوله: (وقد صرحوا به إلخ) أي صرّحوا بالتمثيل، فإنه استعارة لم يصرح فيها به وان كانت مبنية عليه، أو المراد صرّح فيه بالمركوب المرموز إليه في التبعية لأنّ معنى امتطى ركب كما سيأتي، وقال قذس سرّه: إنه لما ذكر استعارة على للتمسك بالهدى رام منه تشبيه الهدى ونظائره بالمركوب، وقد يتبادر إلى الوهم أنه استعارة، فأزاله بأنّ هذا التشبيه فيما ذكرناه ضمني غير مقصود من الكلام، وقد صرّحوا به وجعلوه مقصوداً في مواضع أخرى وعدل عن قوله في الكشف، وفيه إشارة إلى أنّ التشبيه هنالك ضمني لأنّ الاستعلاء لازم الحرف لا نفس معناه لما فيه من الخفاء كما لا يخفى. قوله: (امتطى الجهل وغوى) هذا هو الصحيح وغوى فيه فعل ماض كنوى بمعنى ضل وفي بعض النسخ، والغوى معرفا بالألف واللام، وكأنها تحريف لأق الغوي كالهوى فساد الجوف فجعله بمعنى الغواية وان كان له وجه تكلف، والجهل هنا بمعنى البغي والتجاوز، وهو أصله الشائع في كلام الفصحاء قال: ألالايجهلن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا وورد أيضا فيما يقابل العلم كما هو المستعمل، والتصريح بما ذكر إتا في صورة التشبيه كقولهم: جعل الغواية مركبا، فإنه في قوّة قولك الغواية مركب، أي كالمركب وإمّا في صورة الاستعارة كقولهم اقتعد غارب الهوى إذ شبه فيه الهوى بالمطية على طريقة الاستعارة المكنية، وخيل بإثبات الغارب ورشح بذكر الاقتعاد، فإنه من اقتعد بمعنى ركب، وهو في الأصل افتعال من القعود، والغارب له كما في كتب اللغة معان ما بين السنام، والعنق ومنه استعير حبلك على غاربك ومقدم السنام، وما يعلوه راكب البعير من مطلق الظهر، وهو المراد المناسب هنا فمن فسره بما قبله وقال: إنّ فيه إشارة إلى إشراف مرتكب الهوى على السقوط لم يصب، وأنا قولهم امتطى الجهل، فإن جعل بمنزلة قولك ركب مطا الجهل كان استعارة بالكناية، وان جعل في قوّة قولك اتخذ الجهل مطية كان تشبيها، وأياً ما كان فثبيه الجهل بالمطية مقصود منه كما في قوله: إنّ الشباب مطية الجهل وذلك إنما يحصل باسنفراغ الفكر، وادامة النظر فيما نصب من الحجج؟ والمواظبة على محاسبة النفس في العمل، ونكر هدى للتعظيم، فكأت أريد به خير لا يبلغ كنهه، ولا في رواية وهو المراد بكونه مصرحا به، وقيل: امتطى استعارة تبعية شبه اتصافه بالجهل، واستقراره عليه بامتطاء المطية، واستعير لفظ المشبه به للمشبه، فسرت الاستعارة إلى الفعل وذكر المفعول قرينة لها- وفيه بحث إذ لا فرق حينئذ بينه وبين قوله {عَلَى هُدًى} في أن تشبيه الهدى والجهل ليس مقصوداً فيهما، فكيف يجعل مصرّحا به ة ب أحدهما دون الآخر، ولا يخفى أنّ دلالة الفعل على الحدث، وهو الركوب والإمتطاء ليست كالحرف فتدبر، وفي الكشف عدّ امتطىء الجهل تشبيهاً خطأ بين سواء كان معناه ركب مطاه فيكون كغارب الهوى، وقد سلم فيه الاستعارة، أو اتخذه مطية فيكون نظير قوله: قتل البخل وأحيا السماحا نعم لو ذكر ترجمته كان تشبيها ومنه أتى على من أتى وقد نوّر هذا بأنّ معنى امتطى الجهل اتخذه مطية على سبيل الحقيقة دون التشبيه، فلا بد من الاستعارة إذ لا يمكن تقدير الأد اة. نعم إذا ذكرت الترجمة يمكن جعله تشبيهاً والتصريح بحسب الأصل لا يقتضي القصد بل مجرّد الظهور دون استبعاد ولا شك في أنّ تشبيهه الجهل بالمركب في هذا المثال أظهر من تشبيه الهدى به بحيث لا يخفى على أحد سواء اعتبر فيه الاستعارة بالكناية أو التبعية أو التشبيه بل نقول اسم الإشارة في قوله: صرّحوا بذلك إشارة إلى تشبيه حال المهتدي بحال الراكب، فإنّ ذلك خفيّ يحتاج إلى النظر والتوضيح: وقدبقيت يا صاح في النفس حاجة لعل بفضل الله يوما أقضيها قوله (وذلك إنما يحصل إلخ) إشارة إلى التمكن والاستقرار المار أي لا يحصل إلا بتكميل القوّتين النظرية والعلمية، فاستفراغ الفكر، وادإمة النظر إشارة إلى الأولى ومحاسبة النفس إلخ إشارة إلى الثانية، وفي قوله استفراغ إيماء إلى تشبيه الذهن بقليب يستقى منه، وتشبيه ما يفيده بماء عذب ومحاسبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 النفس بجعلها كعامل أو وكيل واعمالها بمنزلة أموال عندها والعقل حاكم عليها يحاسبها، وفيه لطف لا يخفى. قوله: (ونكر هدى إلخ) إنما أفاد التنكير التعظيم لما فيه من الإبهام الذي يفيده نحو الحاقة ما الحاقة لأنه في معنى هدى أيّ هدى أي هدى عظيم لعظمته لا تعرف حقيقته ومقداره، واليه أشار المصنف بقوله خير وفي نسخة ضرب أي نوع منه وهو الصحيح الموافق لما في الكشاف. وقوله: (لا يبلغ) ببناء المجهول أي لا يدرك، والكنه الحقيقة والنهاية كما في كتب اللغة أي لا يصل أحد إلى حقيقته أو نهايته، ويقادر بضم الياء وفتح الدال المهملة مجهول من قادره بالقاف كضاربه، وقدره بسكون الدال ويجوز فتحها أي لا يعرف مقداره، وفي الأساس قدرت الشيء قدره وهذا شيء لا يقادر قدره، وهو من قولهم تقادر الرجلان إذا طلب كل منهما مساواة الآخر في المقدار قيل: ويحتمل أن يكون التنكجر للإفراد أي على هدى واحد ألا لا هدى إلاً هدى ما أنزل إليك لنسخه ما قبله. وفي الكشاف تفسير من ربهم بقوله أي منحوه من عنده وأوتوه من قبله وغيره المصنف لما فيه من الركاكة بزيادة أي التفسيرية بين المبتدأ والخبر وتقدير ما لم يدل عليه دليل والقصد أن من ابتدائية {وَمِّن رَّبِّهِمْ} صفة وتفسيره الهدى باللطف والتوفيق، لأنه مذهب المعتزلة، وعندنا هو خلق الاهتداء وقا. قدم ما يغني عنه وسيأتي تتمته. قوله: (ونظيره إلخ) في نسخة ومثله قول الهذلي: وفي نواهد الأبكار أنه في الديوان المجموع لشعر هذيل قطعة لا قصيدة، وهي ثلاثة أبيات لا رابع لها وقد روي لها رابع وهي بجملتها على ما صححه الرواة وارتضاه الفاضل في شرحه: لعمرأبي الطيوالمربة غدوة على خالدلقد وقعت على لحم فلاوأبي لاتأكل الطيرمثله عشية أمسى لايبين من السلم وانك لو أبصرت مصرع خالد بجنب الثنار بين أبرق فالحزم لأيقنت أن البكرغيررذية ولا الناب لا ضمت يداك على غنم والشعر لأبي خراس وهو خويلد بن مرّة الهذلي يرثي به خالد بن زهير الهذلي، وقد قتل في وقعة مشهورة مذكورة في شرح أشعار هذيل وأبو خراس كان من فرسان العرب وفصحاء شعرائها، وكان يعدو على قدميه فيسبق الخيل، ثم أسلم وحسن إسلامه ومات في زمن عمر رضي الله عنه من نهش حية وخالد المرثي كان رفيع الشأن في هذيل، والمربة بضم الميم وكسر إلراء المهملة، وتشديد الباء الموحدة والهاء بمعنى الملازمة من أرث وألب باللام أقام بالمكان، وقد نقل أنّ الزمخشريّ كان يقول ما أفصحك من بيت إذا أنشده فإنه استعظم لحمه ولذا نكره وسبب استعظامه له أنه استعظم الطير الواقعة عليه حيث أقسم بأبيها، أو بها إن قلنا إنّ لفظ الأب مقحم كما ذهب إليه بعضهم، والطير مجرورة بإضافة الأب إليه، فإن قيل إنه مضاف لياء المتكلم فهو مرفوع على أنه ناعل فعل مقدر مفسر بما بعده وعلى الأوّل التكنية والقسم لتعظيمه ولا ردّ لما يتوهم من تحقيره بأكل الطير له أو زائدة وجواب القسم لقد إلخ. وقوله: (وقعت) بكسر التاء المثناة خطاب للطير على أنه التفات على هذه الرواية، وقد روي وقعن، وعلقن أيضاً فلا التفات فيه، والإقسام بها لوقوعها على اللحم العظيم فيه تعظيم للمقسم عليه نفسه كما في قول الطاني: وثناياك إنها اغريض وقوله تعالى {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 2] وقيل أبو الطير خالد نفسه لوفوعها عليه كما يقال أبو تراب وأبو الزند لصاحب الملازمة له ولا حاجة إلى جعل أبي جمعاً وأصله أبين، فسقطت نونه للإضافة كما قيل: وإنشاد المصنف له، فلا وأبي الطير المربة بالضحى إلخ تبع فيه الزمخشريّ وقال السعد هو في ديوان الهذليين هكذا: لعمرأبي الطيرالمربة غدوة على خالدلقدعلقن على لحم إلخ وفي حواشي الكشاف لابن الصائغ، ومن خطه نقلت نقلاً عن الرضى الشاطبي أنه هو الصواب، وهو كما قال وإنما استدل به لأنه لو لم يقصد التعظيم كان لغواً من القول فتأمل. قوله: (وكد تعظيمه إلخ) قيل: إنه لما توهم أنّ الهدى لا يكون إلا من الله، فما فائدة قوله من ربهم بين أنه تأكيد لتعظيمه بإسناده إليه تعالى كما يستفاد من فحو بيت الله، والتوفيق هو اللطف الداعي إلى أعمال الخير كما أنّ العصمة هي اللطف المانع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 عن أعمال الشر، وقيل: معنى كونهم على هدى من ربهم خلق الهدى فيهم وإعطاؤه لهم لا اللطف والتوفيق كما هو رأي المعتزلة، وهذا من ضيق العطن، فإنه لم يفسر الهدى به كما فعله الزمخشريّ على أنه لو قاله لم يكن به بأس فتدبر. قوله: (وقد أدغمت إلخ) الغنة صوت يخرج من الخيشوم والنون أشدّ الحروف غنة والأغن الذي يتكلم من قبل خياشيمه، وقد قال القراء: إنه يجب إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء بلا غنة عند الجمهور، وعليه العمل كما في الشاطبية وشروحها، وذهب كثير من أهل الأداء إلى الإدغام مع بقاء الغنة ورووه عن نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب. وقال الإمام ابن الجزري رحمه الله: وردت الغنة وصحت من طرق كتابنا عن أهل الحجاز والشام، وأطال في تقريره في النشر وقد أظهر النون والتنوين عند الراء واللام ابن عون عن قالون وأبو حاتم عن يعقوب، وأوجب غيرهم الإدغام كما قاله الجعبريّ ففيها عند أهل الأداء ثلاثة وجوه، ووجه الإدغام تلاصق المخرح أو تجاوره، ووجه وجوبه عند الجمهور كثرة الدور ووجه حذف الغنة المبالغة في التخفيف واتباع الصفة الموصوف، أو تنزيلهما لشدّة لمناسبة منزلة المثلين النائب أحدهما مناب الآخر ووجه بقاء الغنة أنّ الأصح بقاء الصوت المدغم، كما في شرح الطيبة ومنه علم أنه لا غبار على ما قاله الشيخان، وإنّ ما في شرح الفاضل المحقق من أنه بحسب العربية وأمّا بحسب الرواية عن القراء فاكثر أنه لا غنة مع الراء واللام لا وجه له وإن اقتفوا أثره فيه. قوله: (كرر فيه اسم الإشارة إلخ) هذا بعينه ما في الكشاف من قوله وفي تكرير أولئك تنبيه على أنهم كما ثبتت لهم الأ. لرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح إلخ. والأثرة بفتح الهمزة وفتح الثاء المثلثة وراء مهملة، وهاء لغة بمعنى الاستئثار والاستبداد وقيل هي التقدم والاختصاص من الإيثار ويجوز فيه ضم الهمزة وسكون المثلثة وفسرها بعفنهم بالمكرمة المتوارثة وقال: إنها إشارة إلى أنه تعالى أكرم بها آدم عليه الصلاة والسلام وخواص بنيه، فكأنها انتقلت لهم إرثا وهو تكلف، والمراد بالأثرتين تمكنهحم من الهدى في الدنيا وفوزهم بالفلاح في العقبى مما دل عليه محمول القضيتين في النظم. يعني أنّ هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات يستحقون بذلك الاستقلال بالتمكن في الهدى والاستبداد بالفلاح. والاختصاص بكل منهما، ولو لم يعد أولئك لربما توهم أنّ الاستقلال بالمجموع لا بكل واحد منهما، وإنما أفاد ذلك الاختصاص لدلالته على الصفات، وأنه في المشتق كما مرّ فيفيد العلية لثبوتهما لهم والعلة لا تخلف عن المعلول فيقتضي الاختصاص بهما والتميز. وفي الإشارة ما يغني عن الكلم. ومن غفل عن هذا قال: إنّ هذا الوجه إنما يستقيم إذا أفاد مجرّد تعريف المسند إليه التخصيص ليحصل في الجملة الأولى أيضا وهو مختلف فيه، فكأنه تبع صاحب الكشاف في القول بالحصر في نحو {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء} [الرعد: 26] وقد تجعل أولئك الثانية إشارة إلى المتقين الموصوفين بكونهم على هدى من ربهم وبجعل الفلاح مترتبا على كونهم على تلك الهداية الواصلة إليهم من ربهم المترتبة على الأوصاف السابقة، فلا تكرأر حينئذ إلا بحسب الظاهر، وقد أشار قدس سرّه إلى أنّ كلام الكشاف محتمل له فإنه قال: وفي تكرير أولئك تنبيه على أنهم كما ثبتت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح، فإنّ الفاء في قوله: فهي تحتملى الزيادة، والدلالة على أنّ الأثرة بالهدى سبب الأثرة الأخرى، والمصنف عدل عنه. وقوله: (وأنّ إلخ) كالعطف التفسيري، وما ذكر هنا قريب من الإيماء إلى وجه بناء الخبر المذكور في المعاني في تعريف المسند إليه بالموصولية فتدبر. قوله: (ووسط العاطف إلخ) هذا جواب سؤال مقدّر يلوح به ما قبله من التكرير في المبتدأ أو كفاية كل من الأثرتين، فإنه يوهم أنّ المقام يقتضي عدم العطف كما في الآية الأخرى يعني أنّ على هدى والمفلحون مع تناسبهما معنى مختلفان مفهوماً ووجودا فإنّ الهدى في الدنيا والفلاح في العقبى، واثبات كل منهما على حدة أمر مقصود في نفسه، فالجملتان المشتملتان عليهما المتحدتان في المخبر عنه بين كمال الاتصال والانفصال فلذا عطفت إحداهما على الأخرى، وأمّا كالأنعام والغافلون، وان اختلفا مفهوما فقد اتحدا مقصودا إذ المراد بالتشبيه بالانعام المبالغة في الغفلة فالجملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الثانية مع مشاركتها للأولى في المحكوم عليه مؤكدة لها فلا مجال للعطف. (فإن قلت) إن أريد الاختلاف والاتحاد بحسب أصل المعنى وباعتبار اللوازم فلا فرق (قلت) نعم يجوز إجراء كل منهما فيهما إلا أنّ الأوّل أظهر في الأوّل والثاني أظهر في الثاني كما لا يضنى، وقيل الفصل في الثانية لأنها كالمتصلة بالأولى لأنها جواب سؤال نئأ من قوله بل هم أضل كأنه قيل لم كانوا أضل، فاجيب بأنهم غافلون عن رعي مهمات مصالحهم، فالأنعام لا تفوتهم رعايتها، وهذا أنسب وأظهر وفيه نظر، والتسجيل أصله كتابة- السجل والصك ويتجوّز به عن إثبات الحكم القطعي والتشهير، وهذا هو المراد وقيل معنا. رميهم بالغفله وفي القاموس سجل به رمى به من فوق على أنه مأخوذ من التسجيل بمعنى الحجارة والأوّل أنسب وأقرب. قوله: (وهم فصل إلخ) ضمير الفصل، ويسمى عماداً له فوائد فصل الخبر، وتميزه عن النعت فلذا سمي فصلاً، وهو أغلبيّ لأنه قد يتوسط بين غيرهما كما ذكر النحاة ويؤكد ألنسبة والحكم الخبري، وقيل إنه لتأكيد المحكوم عليه لمطابقتة له، وضعف بأنه لو كان كذلك لم يفد التخصيص كما لا يفيده زيد نفسه أكرم الناس، وادخال اللام عليه في نحو إن زيدا لهو الظريف ربما دل كلى أنه من تتمة المحكوم به، ويفيد اختصاص المسند بالمسند إليه لا عكسه كما ذهب إليه بعض شراح المفتاح، وهذا مما أطلقوه وأثبتوه بقوله تعالى {كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 17 ا] وهو إنما يتم إذا ثبت القصر في مثل كان زيد هو أفضل من عمرو مما الخبر فيه نكرة، والاً فتعريف الخبر بلام الجنس يفيد قصره على المبتدأ، وان لم يكن فصل كزيد الأمير، وتعريف المبتدأ بلام الجنس يفيد قصره على الخبر وان كان مع ضمير الفصل نحو الكرم هو التقوى أي لا كرم إلا التقوى، وفي الفائق ما يشعر بأنّ مثله يفيد قصر المبتدأ كلى الخبر سواء عرف المبتدأ والخبر أو لا لأنه صرح بأنّ معنى، فإنّ الدهر هو الله أن جالب الحوادث هو الله لا غيره، وفي المفتاح ما يخالفه، وقال الفاضل المحقق: التحقيق أنّ الفصل قد يكون للتخصيص بقصر المسند على المسند إليه نحو زيد هو أفضل من عمرو وزيد هو يقاوم الأسد وفي الكشاف في قوله تعالى {أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ} [التوبة: 104] هو للتخصيص والتوكيد، وقد يكون لمجرّد التأكيد إذا كان التخصيص حاصلاً بدونه بأن يكون في الكلام ما يفيد قصر المسند على المسند إليه نحو أنّ الله هو الرزاق أي لا رزاق إلاً هو أو قصر المسند إليه على المسند نحو الكرم هو التقوى، والحسب هو المال أي لا كرم إلا التقوى إلخ ولذا قيل إنّ كلامه محتمل لأمرين أن يكون إشارة إلى المدعى، وهو الحق والا يتعارض كلاماه وأن يكون إشارة إلى الدليل وهو فاسد وفيه نظر. قوله: (أومبتد " جعله قسيماً للفصل بناء على ما اشتهر من أنّ ضمير الفصل لا محل له من الإعراب وذهب بعضهم إلى أنه رابطة، وحرف فلا يرد عليه أنّ فيه جعل الشيء قسيما لنفسه لأنّ من النحاة من ذهب إلى أنّ ضمير الفصل في محل رفع على الابتداء. قوله: (والمفلحون خبره) قال الطيبي: فعلى هذا تكون الحملة من باب تقوّي الحكم أو من باب التخصيص على نحو هو عارف قلت: المراد الأخير لتطابق الوجوه في إفادة الحصر، ولا حاجة لما ذكره لما تقدّم من أنّ أولئك في معنى الصفة المشتقة، ومثله يفيد علية مبدأ الاشتقاق ويفيد الحصر. قوله: (والمفلح بالحاء والجيم إلخ) هذا بناء على ما عليه قدماء أهل اللغة من أنّ المشاركة في أكثر الحروف اشتقاق يدور عليه معنى المادّة، فيتحد أصل معناها ويتغاير من بعض الوجوه كما يعرفه من طالع التهذيب والعين ونحوهما من كتب اللغة القديمة، ولذا اعتبروا ني الترتيب الأوّل، وما يليه ولم ينظروا إلى الأخير كما فعله الجوهريّ، والمراد بقوله بالحاء والجيم تفسير اللفظ من حيت اللغة وإلا فالقراءة بالحاء المهملة لا غير ولم يقرأ بالجيم في شيء من الشواذ والفلح بالحاء بمعنى الشق والفتح، وكذا الفلج بالجيم أيضاً كما في كتب اللغة، والظاهر أنهما معنيان فإنّ الشق قد يقع من غير فرجة والفتح قد يكون بغير شق كفتح الباب والكتاب، فبينهما عموم وخصوص وجهي وقوله الفائز بالمطلوب هذا هو المعنى العرفي المعروف في الاستعمال والشق والفتح معناه الحقيقي الأصلي. وقوله: (كأنه إلخ) بيان للملابسة والمناسبة بينهما واكتفى بذكر الفتح فيه لاشتماله على الشق في الغالب فلا يقال المناسب لما بعده أن يذكره، لكنه لو صرّح به كان أحسن والوجوه جمع وجه، ومعناه النوع أو الطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فقوله وجوه الظفر كما في بعض النسخ أنواعها أو طرقها، وفي نسخة وجوه اللطف وهو بضم فسكون معروف، وهو الرفق والتوفيق وبفتح اللام والطاء ويقال بالهاء لطفة أيضا، وهو اسم بمعنى البرّ ولم يشتهر في الهداية قال الزمخشريّ في شرح مقاماته الألطاف بمعنى الهدايا واحدها لطف قال: كمن له عندنا التكريم واللطف وغبارة المصئف رحمه الله تحتملهما والظاهر الأوّل وأفلح بمعنى فاز ببغيته دنيوية وأخروية وهي سعادة الدإرين، وما قيل من أنّ قوله انفتحت يدل على أنّ همزة أفلح للصيرورة فيه نظر ظاهر. قوله: (وهذا التركيب) أي تركيب فلح، وهو ظاهر وفلق بمعنى شق وفلذ بالذال المعجمة بمعنى قطع، وفلى بالفاء من فليت الشعر إذا فتحته لتنظر ما تحته من الهوام، أو من فلوته بالسيف إذا ضربته، وفي الضرب معنى الشق هنا أو من فلوته عن أمّه إذا فطمته. قوله: (وتعريف المفلحين إلخ) هذا زبدة قوله في الكشاف، ومعنى التعريف في المفلحون الدلالة على أنّ المتقين هم الناس الذين عنهم بلغك أنهم مفلحون في الآخرة، كما إذا بلغك أنّ إنسانا قد تاب من أهل بلدك، فاستخبرت من هو فقيل زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته، فاللام حينئذ لتعريف العهد الخارجي، ولا حاجة إلى اعتبار قصر كما إذا قلت الزيدون هم المنطلقون إشارة إلى معهودين بالانطلاق ولك أن تعتبر كلمة هم فصلاً، وتقصد قصر المسند على المسند إليه افرادا نفياً لما عسى يتوهم من أنّ المعهودين بالفلاح يندرج فيهم غير المتقين أيضاً. وقوله: (كما إذا يلنك إلخ) تركه المصئف رحمه الله اختصاراً لا لما قيل: من أنه لأجل أنه اعترض عليه بأنّ المطابق للسؤال أن يقال: التائب زيد حتى لو اقتصر على زيد كان خبر المبتدأ محذوف، ورد فأن الضمير في من هو راجع إلى التائب أي من التائب، فمن مبتدأ والتاثب خبره، كما هو مذهب سيبويه والمعنى أزيد التائب أم عمرو فالمطلوب بالسؤال أن يحكم بالتائب على شيء من تلك الخصوصيات، فالصواب ما في الكتاب ليكون الجواب مطابقا للسؤال، والمثال موافقا للتنزيل في تعريف الخبر العهدي فإن جعل من خبراً مقدما، فالحق ما ذكره المعترض فتفوت موافقة المثال، وهذا مع ظهوره خفي على جماعة حتى زعم من لم يتنبه له أنّ دعوى رعاية المطابقة منقوضة بأنّ من قام جملة اسمية، ويجاب بفعلية، ولم يدر أنّ السائل بمن قام لطلب الحكم بالقيام على زيد أو عمرو، فإذا أجيب بقام زيد طابق سؤاله في المعنى، وان خالفه لفظا بفعلية لسرّ ستراه بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التقديم فيه يوجب اختلاف المحكوم عليه فتفوت المطابقة المعنوية التي تجب رعايتها في نحو زبد أخوك وأخوك زيد. هذا ملخص ما ارتضاه قدّس سرّه مخالفاً فيه للفاضل المحقق وتبجح به في غير موضوع وسلمه له عامة الفضلاء إلاً من رمى ربقة التقليد من جيد فكره كما قال بعض الفضلاء: إنه مردود لمخالفته لكلام القوم، فإنهم صرّحوا بأنّ من لطلب التصوّر لا لضلب الحكم والتصديق، فتأويله لا يجدي في مقابلة خرق إجماعهم ولذا قيل إنّ من يسأل بها عن تشخيص ذي العلم وتعيينه، فالمقصود بمن قام تعيين الفاعل مع تقرير الفعل بحيث لا يشك فيه، وليس لطلب مطلق الحكم بالقيام، فالمطابق في الجواب أن يقال: زيد قام إذ المقصود الفاعل وتقرير الفعل أمر ذكره مجرّد اعتبار نحوي، ولذا قالوا إنّ قوله تعالى {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا} [الأنبياء: 62] لو كان لتقرير الفعل كان الجواب فعلت أو لم أفعل، والحاصل أنّ في قام زيد إبهاما لتردّد السائل في الفعل، وتقرير المجيب إياه، وقد قال محققو أهل المعاني: إنّ الهمزة يليها المسؤول عنه ذاتا أو غيرها فيقال أضربت زيدا إذا كان الشك في نفس الفعل، وأأنت ضربت إذا كان في الفاعل مع تقرير الفعل، ولا شك في أن خلق السموات والأرض مقرّر لا مرية فيه، والتردّد إنما هو في تعيين الفال فلا يكون من خلق السموات والأرض جملة فعلية معنى بل اسمية لفظا ومعنى، ولا ينبغي أن يكون من قام في معنى أقام زيد أم عمرو بل في معنى أزيد أم عمرو قام لما عرفته، والنكتة في ذكر الجملة الفعلية في جواب من خلق أنه على خلإف مقتضى الظاهر للتعريض بغباوة المخاطبين، وأنهم لا ينبغي لهم التردّد في الفاعل أصلاً، كما وقع فلو كان هنا تردّد كان في أصل الفعل وقيل الضابط هنا أنّ الشيء إذا كان له صفتان تعرّفانه، وقد عرف السامع اتصمافه بإحداهما دون الأخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فأيهما عرف اتصاف الذات بها، وهو طالب لأن يحكم عليه بالأخرى يجب تقديم الدال عليه وجعله مبتدأ وتأخير غيره فإذا عرف مثلاً زيدا بعيته واسمه دون اتصافه بالأخوّة وطلب أن تعرّفه ذلك قلت: زيد أخوك وإذا عرف أخا لم يعينه بذاته قلت أخوك زيد، ولا يصح. غيزه وهذا موافق لقوله في الدلائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 إنك في قولك زيد منطلق وزيد المنطلق تثبيت فعل الانطلاق لزيد لكته في الأوّل لم يسمع السامع أنه كان وفي الثاني سسه، ولكنه لم يعلمه لزيد فإذا بلغك أنه كان من إنسان انطلاق مخصوص وجوّزت أن يكون من زيد ثم قيل زيد المنطلق انقلب الجواز وجوبا بحصوله منه، فإذا قصد تاكيده قيل زيد هو النطلق وإذا قيل المنطلق زيد، فالمعنى أنك رأيت منطلقاً لم تعلم أزيد هو أم عمرو فيقال لك المنطلق زيد أي ما تراه من بعيد هو زيد وهكذا ما نحن فيه، فإنك عرفت المتقين وبلغك أنّ قوما مفلحون في الآخرة وجوّزت كونهم المتقين فطلبت الحكم عليه بالفلاح، وهذا مراد الزمخشريّ بعبارته السالمه نجأفى يبهون معنى من هو أزيد هو وافراده بالذكر لما يقتضي الاهتصام به، ولما كان ظاهره أنّ معناه أزيد التائب أم عمرو إلخ ورد عليه الاعتراض فأن المناسب التائب زيد لأنك عرفت أنّ إنساناً قد تاب، وطلبت الحكم عليه بأنه زيد أو غيره، فمقتضى تلك الضابطة أنك إذا عرفت التائب، وقلت من هو كان معناه أزيد التائب أم عمرو إلخ، فالترديد إنما هو في الخصوصيات والمطلوب الحكم حمبى التائب بواحدة منها، كما ذكره الثخ في المنطلق زيد فلا يصح حينئذ زيد التائب بل التائب زيد فظهر فساد الجواب بأنّ الضمير للتائب كما مرّ، فإنه لا يدفع الاعتراض لعدم مطابقته للضابطة المقرّرة قيل: وبهذا ظهر ما في كلام الشارحين من الاختلال وتبين التوفيق بين كلامي الشيخ فإنّ كل مقام ر " مقال (أقول) هذا جملة ما يعتد به مما وقع هنا من القيل والقال (وها أنا بأذل) لك جهد المقول مما بقي فيه فأقول راجيا من الله القبول المطابقة المتفق عليها هي جعل مطلوب المخاطب محكوما به ومحط الفائدة، وهي كما قاله الشيخ والسكاكي إنما تخفى إذا تعرّف إلطرفان والجملة اسمية لأنه إدّا نكر أحدهما يكون هو الخبر إذ هو من شأنه أن يكون غير معلوم، فإذا تعرّفا كان معلوما بطريق من طرق التعريف ليصح التعريف والاً عرف حينئذ محكوم عليه والمعروف من وجه المجهول من وجه محكوم به لأنه لو عرف من كل و. جه لم يطلب، فإذا بلغك أنّ قوما معينين من أهل بلدة أو محلة انطلؤ / منهم واحد وأنت تعلمهم بمشخصاتهم، وتعلم السنطلق بوجه مّا وتجهله من غير ذلك الوجه تعين في جواب من المنطلق زيد المنطلق ولا يصح عكسه، ولو شاهدت من بعيد شخصاً منطلقاً، ولمم تعرفه بذاته ومشخصاته وقلت من المنطلق كنت عارفا بالمنطلق. بمشاهدته، والمجهول لك ما يشخصه، فتعين حينئذ المنطلق زيد وهذا مرادهم كما ستسمعه في الدلائل فقوله في الكشاف: إذا بلغك أنّ شخصا قد تاب إلخ إشارة إلى ما يصحح تعريفه وهو كونه معلوما بوجه لا من كل الوجوه حتى يتعين أنه مبتدأ كما توهموه، فإنه فرية بلا مرية ومن هنا نثا الاعتراض، وليس هذا مبنيا على إعراب من مبتدأ أو خبراً لأنّ من شاهد المنطلق إذا قال: من المنطلق، فمطلوبه ما يشخصه، فحق المنطلق أن يكون مبتدأ ومن خبره، وأنما عكسه سيبوبه لأنه يراه ملتزم التقديم، والمسؤول عنه أهم بالذكر وادّعاء التقديم عن تأخير خلاف الظاهر مع أنه فكرة، والكلام ليس فيه وجملته إنشائية لا خبرية حتى يلاحظ فيه الملقى إليه الخبر، فليس مما نحن فيه، وليس الاختلاف فيه مبنيا على هذا قطعاً، فلا حاجة إلى تكلف ادّعاء أنه مبتدا لأنه معرفة تأويلاَ لأنه في معنى أزيد أم عمرو إلخ مع أنه لا يتم لأنّ التأويل المذكور لا يتأتى في أفعل التفضيل، وكم في نحوكم مالك لأنها في معنى أمائة أم ألف أم أكثر، فقول السعد هنا إنّ المناسب حينثذ التائب زيد إلخ مردود بما مرّ من أنّ قوله بلغك إلخ مصحح لتعريف التائب، وجعله معهودا كما أشار إليه بقوله الذي أخبرت بتوبته، ولا يقتضي أن لا يكون مجهولاً ومطلوبا من وجه، فما ذكر ليس بشيء، وقوله قدس سرّه: حتى زعم إلخ ردّ له كما فصله وهو وارد عليه كما يعلم مما قدمناه، وقول الشارح الفاضل: أورد الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز كلاما يؤيد أوّله كلام المصنف، وآخره كلام المعترض ليس بشيء، فإنهما متفقان وهو غفلة عما حققوه، وعبارة الدلائل إنك في قولك زبد منطلق وزيد المنطلق تثبت فعل الانطلاق لزيد لكنك تثبت في الأوّل فعلاً لم يسمع السامع من أصله أنه كان وفي الثاني فعلاً قد علم السامع أنه كان، ولكن لم يعلمه لزيد فإذا بلغك أنه كان من إنسان انطلاق مخصوص وجوّزت أن يكون ذلك من زيد، ثم فيل لك زيد المنطلق انقلب ذلك الجواز وجوابا وزال الشك، وحصل القطع بأنه كان من زيد اهـ. يعني أنّ المخاطب لما علم زيداً بمشخصاته وبلغه أنّ إنسانا انطلق كان المنطلق حاضرا في ذهنه فيصح أن يعرف بالتعريف العهدي، ولكنه لما لم يتعين كان مطلوبا لتردده فيه فتعين جعله خبراً، لكونه هو المجهول عنده من وجه بخلاف الصورة الآتية، وهذا بعينه ما في الكشاف، إلا أنّ المعتر ضومن سلم اعتراضه لم يهتد لتطبيقه، ثم قال الشيخ: وإذا قيل: المنطلق زيد فالمعنى على أنك رأيت إنسانا منطلقا بالبعد منك، فلم يثبت ولم تعلم أزيد هو أم عمرو فقال: لك صاحبك المنطلق زيد أي هذا الشخصى الذي تراه من بعد هو زيد، وقد تشاهد لابس ديباج وقد كنت تعرفه فنسيته، فيقال لك اللابس الديباج صاحبك الذي كان معك في وقت كذا، فيكون الغرض إثبات أنه ذلك الشخص المعهود لا إثبات لبس الديباج لأنه شاهده يعني أنك لما شاهدت انطلاقه ولبسه الديباج كان اللابس والمنطلق محسوسا عندك لا تردّد فيه، ولا تطلبه وإنما تطلب تشخيصه، وتعيينه فتعين جعله مبتدأ وزيدا خبراً بخلاف ما مرّ من عكسه لأنّ زيدا محسور أو بمنزلته، والمنطلق لم تعرفه إلا بأنّ ثمة شخصاً صدر منه انطلاق، فأنت لم تشاهده ولم يعينه المخبر عندك، فلذا جعل خبرا فقد وافق أوّل كلامه آخره من غير شبهة، وهو بعينه ما في الكشاف فقد انكشف لك المراد بما لا مزيد عليه، وتبين أنّ ما ارتضاه الشريف المرتضى، وادّعى أنه لا يتزلزل فيه من له رسوخ قدم في علم المعاني غنيّ عن البيان الهادم لما أسسه من البنيان لما عرفت من أنّ المراد أنك شاهدت شخصا منطلقا، ولم تعرفه بعيته وقلت من هذا المنطلق تعين أن يقال لك المنطلق زيد سواء كان من مبتدأ أو خبراً، فإنك إذا لم تشاهده نأخبرت بأنّ شخصاً من قوم معلومين لك بأعيانهم انطلق فقلت من المنطلق يقال: زيد المنطلق على القولين في باب من لأنّ مبنى الخلاف أمر آخر غير ما توهمو.، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذه المطابقة في محله، فإنه هنا جملة معترضة لا محل لها لم يتعرّض لها شراح الكشاف، وهذا من الحور المقصورات في الخيام التي من بها الملك العلام. قوله: (أو الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد إلخ) في الكشاف أو على أنهم الذين إن حصلت صفة المتقين وتحققوا ما هم، وتصوّروا بصورتهم الحقيقية فهم هم لا يعدون تلك الحقيقة، كما تقول لصاحبك هل عرفت الأسد وما جبل عليه من فرط الإقدام إنّ زيدا هو هو اهـ. وهذا بعينه ما ذكره الشيخ في دلائل الإعجاز فقال اعلم أن للخبر المعرّف بالألف واللام معنى غير ما ذكرت لك وله مسلك دقيق، ولمحة كالسحر يكون التأمّل عندها، كما يقال تعرف دينك وذلك قولك هو البطل الحامي، وهو المتقى المرتجى وأنت لا تقصد شيثا مما تقدّم، فلست تشير إلى معنى قد علم المخاطب أنه كان ولم يعلم ممن كان كما مض في قولك زيد هو المنطلق، ولا تريد أن تقصر معنى عليه على معنى أنه لم يحصل لغيره على الكمال، كما كان في قولك هو الشجاع ولا تقول ظاهر أنه بهذه الصفة كما كان في قوله، ووالدك العبد ولكنك تريد أن تقول لصاحبك هل سمعت بالبطل الحامي، وهل حصل معنى هذه الصفة، وكيف ينبغي أن يكون الرجل حتى يستحق أن يقال ذلك له وفيه، فإن كنت قلته علما وتصوّرته حق تصوّره فعليك صاحبك، واشدد به يدك فهو ضالتك وعنده بغيتك، وطريقه طريق قولك هل سمعت بالأسد وهل تعرف ما هو، فإن كنت تعرفه فزيد هو هو بعينه اهـ المقصود منه، وهذه قصة في شرحها طول، وقد وقع النزاع في مراد الشيخ بين الفاضلين فقال المحقق: السعده نجوّر الله مرقده أطلق الناظرون في الكشاف على أنه يريد بذلك تعريف الجنس، وتعيين الحقيقة المسه ى بالعهد الذهني، ثم منهم من زعم أنه لقصر المبتدأ على الخبر نظرا إلى قوله لا يعدون تلك الحقيقة على عكس ما تحقق، وتقرّر في مثل زيد الأمير وعمرو الشجاع، ومنهم من ذهب إلى أنه لقصر المسند إليه قصر قلب وعلى تقدير العهد قصر إفراد وينبغي أن تعلم أنه إشارة إلى معنى آخر لتعريف الجنس، وقال قدس سرّه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يرد عليه في ادّعائه أنّ مراد الثيخ معنى غير تعريف الجنس أز، اللام حينئذ لتعريف الجنس المسمى بتعيين الحقيقة، والمعرّف بلام الجنس قد يقصد به تارة حصره في المبتدأ إمّا حقيقة أو ادّعاء نحو زيد الأمير إذا انحصرت الإمارة فيه أو كان كاملاً فيها كأنه قيل زيد كل الأمير، وقد يقصد به أخرى أنّ المبتدأ هو عين ذاث الجنس ومتحد به، فكأنه تجسم منه لا أنّ ذلك الجنس مفهوم مغاير للمبتدأ منحصر فيه على أحد الوجهين، فهذا معنى آخر للخبر المعرّف بلام الجنس غير الحصر وهو مراد الشيخ بالعبارة المذكورة، وقد وضحه وكثر أمثلته، وقال: هذا كله على معنى الوهم والتقدير وأن يتصوّر في خاطره شيئاً لم يره، ولم يعلمه ثم يجريه مجرى ما علمه، وإنما قال ذلك لأنّ دعوى كون زيد عين حقيقة الأسدية مثلاً إنما تتأتى إذا صوّرت تلك الحقيقة في الوهم بصورة تناسب تلك الدعوى، فإنها لو تركت على حالها لم يكن ادّعاء كون زيد متحدا بها مستحسناً فتبين أنّ تعريف الخبر بهذا المعنى تعريف جنسي اعتبر معه تصوّر الحقيقة بصورة وهمية توصلاَ إلى دعوى الاقحاد فهو من فروع الجنس كما يحمل على الكمال كيف لا، وتعريف اللام منحصر في العهد والجنس. (فإن قلت) ظهور الاتصاف بمض صمون الخبر ليس شيثا منهما. (قك) هو راجع إلى الجنس أيضا كأنه بعدما جعل خبرا عرّفه باللام إشارة إلى حضور الجنس في الذهن من حيث أنه صفة للمخبر عته، وهذا معنى ظهور اتصافه به واختار المصئف رحمه الله في المفلحين دعوى الاتحاد على حصر الجنس لأنه ألطف وأبلغ. وقوله: (لا يعدون إلخ) تأكيد للاتحاد لا بيان لحصر المبتدأ في الخبر، كما توهم فإنه مخالف للقاعدة المقرّرة من أنّ تعريف الخبر الجنسي يفيد قصره على المبتدأ لا عكسه، وان أشعر به كلام الفائق في تفسير، فإنّ الله هو الدهر بأنّ الله هو الجالب للحوادث لا غيره الجالب (فإن قيل) إن ادّعى أنّ المتقين عين حقيقة المفلحين لم يتصوّر هناك حصر أصلاً، فكيف يستعمل فيه الفصل (قلنا) يجرّد حينئذ لتمييز الخبر عن النعت وتأكيد الحكم معاً أو لأحدهما، وكذا الكرم هو التقوى أي لا كرم إلا التقوى. (أقول) هذا المقام قد انسحبت فيه أذيال الكلام، ونم يكشف عن وجوه مخدراته اللثام، فإنّ السعد لما خالف الشراح وادعى أنه نوع آخر من التعريف لم يعينه، ولم يبين أنه أيّ معنى هو من معاني أل المحصورة في العربية، والشريف لما قال إنه لتعريف الجنس إلاً أنه حصر فيه لم يعرج على مراد الشيخ، فإنه بالغ في وصفه بالدقة وقال: إنه سن عجيب الشأن له مكان من الفخامة والنبل، وهو من سحر البيان الذي تقصر العبارة عن تأدية حقه ومجرّد تعريف الجنس معنى مكشوف ينادي عليه في الطرق ادخل السوق واشتر اللحم، وهو أوّل ما يشترى وأيضا تمثيلهم بهل عرفت الأسد خفاؤه أشد وأشدّ، وهذا مما لم يظهر لي حاله، ولم يتضح مع إمعان النظر إشكاله. (فاعلم) أنّ الثيخ نوّر الله مرقده ذكر قبيله أنّ الخبر المعرّف بلام الجنس فيه ثلاثة وجوه. (الأؤل) أن يقصر الجنس على المخبر عنه لقصد المبالغة نحو زيد هو الجواد أي الكامل في الجود إلاً أنك تخرجه في صورة توهم أنه لا يوجد إلاً فيه لعدم الاعتداد بغيره. (الثاني) أن يقصر جنس المعنى الذي تفيده بالخبر على المخبر عنه، لا على عدم الاعتداد بغيره بل على دعوى أنه لا يوجد إلاً منه ولا يكون إلاً إذا قيد بشيء يخصصه، ويجعله في حكم نوع برأسه نحو هو الوفيّ حين لا تظن نفس بنفس خيرا. (الثالث) أن يقصد قصره في جنسه لا على ما ذكر بل على وجه آخر جاء في قول الخنساء: إذا قبح البكاء على قتيل ~ فإنّ بركاءك الحس الجميل أرادت أنه قد قرّ في جنس ما حسته الحس الظاهر الذي لا ينكر ولا يشك فيه شاك، ثم لما فصل هذه الأقسام قال: للخبر المعرّف باللام معنى آخر غير ما ذكرت لك، وله مسلك دقيق إلخ وقد مرّ بعضه فوص فه بالحسن والدقة الزائدة وصرّح بأنه غير الوجوه الثلاثة السابقة، والمغايرة لها يحتملى أنها في النوع فلا يكون من تعريف الجنس، وهو ما ذهب إليه الفاضل التفتازاني، وهو السابق إلى الفهم، ويحتمل المغايرة في المفاد والوصف أعني الحصر، لأن الأقسام الثلاثة منها ما يفيده عنده، وهذا يغايرها بعدم إفادته وهذا ما ارتضاه الشريف المرتضى وفي كلامه ما يؤيده بحسب الظاهر، كقوله: ولا تريد أن تقصر معنى عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ونحوه مما يظهر لمن أحاط به خبراً وهذا منشأ الخلاف فيه، فأمّا تصفيته من غش الخفاء وكدر الشقاق فالحق أن يقال إنّ الشيخ أراد بالتعريف هنا الحقيقة والماهية، وإذا جعل فرد من أفرادها عينها كان ذلك ادّعاء وتقديراً، ولما كان هذا أظهر في زيد هو الأسد أتى به تنويرا له لأنّ اتحاد المباين إذا صح وأفاد المبالغة، فهذا أظهر وجعل الفرد عين ماهية وصفه يقتضي تحقق اتصافه به، وأنه جدير به ومستحق له وو-4 الدقة المحتاجة إلى زيادة التأمّل إنّ أهل المعقول، وان ذهب كثير منهم إلى وجود الماهية في ضمن أفرادها إلاً أن جعلها عين فرد فيه من المبالغة ما لا يخفى لجعلها محسوسة ث اهدة، ولهذا صار ضربا من السحر ولام الطبيعة والحقيقة من أقسام الجنس لافحصارها عند الجمهور في العهد والجنس، كما أشار إليه قدس سرّه إلا أنه بقي ههنا أمران: الأوّل إنّ الثارح الفاضل لم يصرّح فر، كتبه بأنها على هذا ليست من الجنس، رأسا عند الشيخ بل قال: إنه تعريف آخر للجنس عنده، فلك أن تقول مراده بقوله آخر أنه مغاير لأفراد التعريف الجنسي الذي قدّمه، وهو الأقسام الثلاثة التي قرّرناها فمآله إلى ما ذكره الشريف فلا وجه لتشنيعه عليه فهوكما قيل: ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ~ بين الرجال ولوكانوا ذوي رحم الثاني أنّ في كلام الشيخ نظراً ظاهراً، فإنّ تشبيهه بالموصول يقتضي أنّ ما نحن فيه تعريف عهديّ، وقد أشار في حواشي المطوّل إلى دفعه، ومن ذهب إلى القصر تمسك بما يقتضيه من قوله لا حقيقة لهم وراء ذلك وقوله (لا يعدون) تلك الحقيقة، وقد اعترف الشريف في حواشي المطوّل بأنها موهمة لذلك، وعبارة الدلائل لما فيها من التصريح بعدم القصر فيه تدفع ما ذكر وأمّ كلام الكشاف فليس فيها ما يمنعه، ولذا قيل لا وجه لتخطئة من ذهب إليه من شراح الكشاف، وقد قيل إنه لما شبه معنى التعريف بقولك هل سمعت بالأسد وهل تعرف حقيقته فزيد هو هو بعينه وهذا لم يقصد فيه الحصر أصلاً علم إن ما توهمه عبارته ليس بمراد أيضاً وبما قرّرناه لك علم سقوط ما قيل إنّ قول الشيخ لا حقيقة له وراء ذلك لا يوهم القصر وإنما معناه اتحاد الحقيقة معه بخلاف قول الزمخشريّ: لا يعدون تلك الحقيقة إذ معناه أنهم غير متجاوزين لها وهو معنى القصرة وقد بقي هنا أمور مفصلة في حواشي كتب المعاني من أرادها فليرجع إليها. قوله:) من حقيقة المفلحين) إشارة إلى أنها على هذا لام الطبيعة والحقيقة، كما قرّرناه آنفا. وقوله: (وخصوصياثهم) عطفه على الحقيقة عطف تفسير إشارة إلى أنّ المراد بالحقيقة المفهوم المختصى بهؤلاء لا ما علمه أهل المعقول وخصوصيات جمع خصوصية من خصه بكذا إذا أفرده به فاختص أي انفرد. قال الجوهرفي خضه بالشيء خصوصاً وخصوصية بالضم والفتح والفتح أفصح. واعلم أنّ في الخصوصية وأمثالها طريقين إحداهما أنها مصدر وضع هكذا كالطفولية والرجولية وهو كثير فيئ المصادر المأخوذة من أسماء الأجناس فياؤه كياء كرسيّ كما في التسهيل والارتثاف الثانية أن الفعولة بالضم كثرت في المصادر المأخوذة من الجوامد كالأبوّة والبنوّة والفعولة بالفتح نادرة فيها، فلما ضعفت في باب المصدرية ألحق بها ياء المصدرية تأكيدا وايذانا بأنها جارية مجرى أسماء الأجناس في قلة تصرفها وبناء الأفعال منها كما قاله المرزوقي في شرح الفصيح وعليهما فالتاء للتأنيث اللفظي كتاء أبوّة ولا بد منها على الطريقة الثانية لأنها تلزم المصدر الذي بواسطة الياء فيقال عالمية لا عالمي كما نص عليه الرضي في بحث الحروف المشبهة بالفعل والمرأوقي في شرحه للفصيح أو هي تاء النقل إلى المصدرية، فلا وجه لما قيل من أنها للمبالغة، فإن قلت الضم هو اكثر فيه لشيوعه في نحو رجولية وطفولية وعبودية وغيرها، فكيف يكون الفتح أفصح. قلت: قال المرزوقي في شرح الفصيح الضم في هذه أكثر وحكى الفتح في النصوصية والخصرصية والحرورية بمعنى الحرية لكن الفتح هو المستفصح في هذه الأحرف الثلاثة: ولا يمتنع أن يكون الأقيس أقل استعمالاً فلا يستفصح اهـ فقد علمت أنّ فتح خصوصية أفصح سماعا، ومن ردّ على الجوهريّ فقد وهم، ثم إنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تلخيص لما في الكشاف من غير مخالفة، ومن الناس من ظن أنه مخالف، وأنه إشارة إلى أنها لتعريف الجنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الشامل للإفراد وأنه مفيد للقصر عنده، وقيل إنه يحتمله ويحتمل ما ذهب إليه العلامة وقيل إنه أراد أنها للاستغراق والذي غرّة لفظ الخصوصيات، وقد مرّ بيانها حتى قيل إنها هنا ليس لها وجه ظاهر (واعلم) أنهم أطبقوا على أنّ الألف واللام حرف تعريف هنا مع أن الداخلة على اسم الفاعل موصولة عند الجمهور، وهذا إذا لم تكن للعهد، أمّا إذا كانت له كما في قولك جاءني ضارب، فأكرمت الضارب فلا كلام في حرفيتها، ولا خلاف فيه كما في أكثر نسخ الرضي، ولا يسمع إنكاره كما في بعض شروح المغني فكأنه لأنّ المراد الثبات على الفلاح، فهو حينثذ مما غلب عليه الاسمية أو ألحق بالصفة المشبهة، وتخريجه على مذهب المازتي بعيد، وما ذكر صرح به المبرد في الكامل كما بيناه في نكت المغني. قوله: (تنبيه تأمّل إلخ) التنبيه مصدر نبهه من نومه إذا أيقظه، وهو في اصطلاح المصنفين ترجمة كالمسئلة لما يعلم مما قبله لا بطريق التصريح أو لما يدرك بأدنى إشارة والتفات إليه حتى كأنه مما غفل عنه، وهو إمّا معرب خبر مبتدأ مقدّر ونحوه أو ساكن موقوف غير معرب كالأسماء المعدودة لأنه لم يقصد تركيبه، وتاقل أمر من التأمّل يقال تأمّلت الشيء إذا تدبرته، وهو إعادتك النظر فيه مرّة بعد أخرى حتى تعرفه وقوله كيف نبه كيف في الأصل للاستفهام عن الأحوال، فيقال: كيف زيد أي على أيّ حال، وقال الأستاذ ابن كمال قد تكون كيف أسما للحال من غير معنى السؤال فتجرّد لجزء معناها وهو المراد هنا، ومنه ما حكاه قطرب عن بعض العرب انظر إلى كيف تصنع أي إلى حال صنعك اهـ. ويتجوّز بها أيضاً عن التعجب كقوله {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] وقد يقال إنه المراد هنا أي ما أحسن ما نبه فتكون معمولة لنبه مقدّمة عليه باقية على صدارتها، وقد جوّز بعض النحاة في أمثاله خروجه عن الصدارة، فهو حينئذ معمول لتأمّل ولذا قيل معناه تأمّل كيفية تنبيه الله تعالى، فانسلخ عنها معنى الاستفهام للظرفية، أو هي مفعول به كما وقعت مضافا إليها في قول البخاري رحمه الله باب كيف كان بدء الوحي، وعبارة الكشاف، فانظر كيف فقال قدس سرّه: لما كان النظر وسيلة إلى العلم كان متضمنا لمعناه فجاز إيقاعه على الإستفهام، وكذا التأمّل هنا أنه معلق هنا كما يعلق العلم إلا أنه تسمح في العبارة، وقوله بنيل متعلق باختصاص، من وجوه متعلق بنيل، وشتى بمعنى متفرّقة مفرد أو جمع شتيت والوجوه أربعة: الأول منها متعلق بالجملتين والباقي مختص بالجملة الثانية، وقيل كلها متعلقة بالجملة الثانية، ويصح في قوله بناء الجرّ والرفع والنصب، وافادة اسم الإشارة للتعليل بدخول الصفات فيه كما مرّ وبناء الخبر على الصفة ونحوها قد يشعر بالعلية، والإيجاز بدلالتها على ما فصل قبلها ويفيد أيضاً الاختصاص وقوله وتكريره معطوف على بناء، ويجوز في هذا أن يكون مشتركا أيضاً لأنّ التكرير يكون بمعنى مجموع الذكرين أيضاً كما يكون للثاني والأوّل وقد سبق تفصيله، وتعريف الخبر الدال على الحصر أو المبالغة بجعلهم عين الحقيقة، وتوسيط الفصل الدال على الحصر أو التأكيد. قوله: (لإظهار قدرهم) تعليل للتعريف والتوسيط، وقدر بسكون الدال وهو اكثر وتفتح، وهو الموازن لأثرهم الواقع في أكثر النسخ وفي بعضها آثارهم بالجمع والمراد بالقدر شرفهم وأصله مقدار الشيء ومبلغه قال في المصباح: قدر الشيء ساكن الدال والفتح لغة سبلغه يقا اط: هذا قدر هذا وقدره أي مماثله ويقال ما له عندي قدر، ولا قدر أي حرمة ووقار اهـ والاقتفاء الإتباع والاقتداء. وقوله: (في اقتفاء) متعلق بالترغيب، أو بقوله نبه وما قبل هذا بالنسبة إليهم أنفسهم وهذا بالنسبة إلى غيرهم، وبقي هنا أمور أخر تعلم مما مرّ كالتمكن واضافة التشريف والترغيب بذكر ما يرغب فيه من الهدى والظفر. قوله: (وقد تشبث به الوعيدية إلخ) أي تمسكوا واستدلوا بما في هذه الآية كما سيأتي بيانه إلاً أنه تمسك ضعيف جدا، ولذا عبر بالتشبث بالمثناة والشين المعجمة والموحدة والثاء المثلثة وحقيقه التعلق مع ضعف، ولذا قيل للعنكبوت شبث فهو استعارة يشير إلى أنه أوهن من بيت العنكبوت، وضمير به لما ذكر من الآيات أو لقوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقيل للاختصاص، وفيل للإخباو بنيل ما ذكر، والوعيدية نسبة إلى الوعيد لتمسكهم بظاهر آيات الوعيد، والأحاديث الواردة فيه على خلود الفساق في النار، وهذه العبارة في غاية الإيجاز لدلالتها على سبب التسمية، وشمولها للمعتزلة والخوارج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ومن قصرها على الأوّل فقد قصر، وتقريره كما في التفسير الكبير أنّ المفلح من اتصف بهذه الصفات فغير. ليس بمفلح فيخلد في النار أو يحرم النعيم، وترتب الحكم على الوصف، وما في معناه يشعر بعليته للحكم فعلة الفلاح الإيمان وفعل الصلاة والزكاة فمن أخل بشيء منها لم يفلح، والقبلة بالكسر في الأصل اسم للحالة التي عليها المقابل كالجلسة والقعدة، وفي التعارف صار اسماً للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة وإذا أطلق يراد به الكعبة كقوله تعالى {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] وأهل القبلة كناية عن المسلمين، وهو المراد. قوله: (وردّ بأنّ المراد إلخ) الرادّ هو الإمام في تفسيره يعني أنّ المراد بالمفلحين هنا الكاملون في الفلاح والنجاة، فمن عداهم ليس بكاملا لا غير مفلح، وكذا ما ذكر من العلية علة لكماله لا لأصله، فلا يرد عليه شيء وقيل نفي السبب الواحد لا يقتضي نفي المسبب لجواز أن يكون له سبب آخر كعفو الله هنا، وما قيل من أنّ الأحسن في الجواب أنّ المراد بالمتقين المجتنبون للشرك ليدخل العاصي فيهم، فإن قلت كيف جاز أن يسمى العاصي مفلحاً قلت: كما جاز أن يكون مصطفى في قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} [فاطر: 32] إ أخ اهـ فلا يخفى ما فيه، فإنه ليس إشارة إلى المتقين فقط، ولذا تركه الشريف وغيره، وكون الصفة مادحة لا يجدي ولذا قيل إنه جواب جدليّ، وفي الكشف لا استدلال للمعتزلة فيه على خلود الفساق، كما عرّض به المصنف لأنّ الفلاح عدم الدخول، أو لأنّ انتفاء كمال الفلاح لا يقتضي انتفاءه مطلقاً على الوجهين في اللام اهـ. قوله: (لا عدم الفلاح لهم رأساً) أي أصلاً لاستلزام الرأس لوجود الحيوان فإذا أنتفت انتفى وهو منصوب بنزع الخافض، وأصله لا عدمه برأسه أي بجملته. قوله: (خاصة عباده وخالصة أوليائه إلخ) الخاصة خلاف العامة والتاء للتأكيد، وعن الكسائيّ الخاص والخاصة واحد كذا في المصباح فخاصة العباد أكرمهم عند الله والخالص في الأصل كالصافي. وقال الراغب: الخالص في الأصل ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه، والصافي قد يقال لما لا شوب فيه، ويقال: هذا خالص وخالصة نحو واهبة وواقية اهـ. فالتاء فيه للمبالغة، وخالصة أوليائه من اشتد إخلاصه لله من صالح عباده المتقين وفي نسخة خلاصة وهو قريب منه، والمراد بصفاتهم ما تضمنته الآية من قوله المتقين إلى قوله أولئك وأهله أي جعله أهلاَ أي مستحقاً من قولهم هو أهل لكذا أي خليق وجدير، والهدى في الدنيا والفلاح في العقبى لأنهم السعداء في الدارين، وهذا معنى قوله {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} إلخ. قوله: (عقبهم بأضدادهم إلخ) جواب لما يقال عقبه تعقيباً إذا جاء بعده من العقب وهو مؤخر القدم، والأضداد جمع ضد والضدان المتنافيان اللذان تحت جنس واحد كالبياض والسواد، فإن لم يندرجا تحت جنس كالحلاوة والحركة لم يكونا متضادّين قال الراغب: الضد أحد المتقابلين المختلفين اللذين كل واحد منهما قبالة الآخر ولا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد، وذلك أربعة أشياء الضدّان كالبياض والسواد والمتضايفان كالضعف والنصف، والوجود والعدم كالبصر والعمى، والإيجاب والسلب، وكثير من المتكلمين، وأهل اللغة يجعلونها كلها متضادّة إلى آخر ما فصله، والعتاة جمع عات من عتا إذا استكبر وجاوز الحد والمردة كفسقة جمع مارد، وقد فسروه بالعاتي والظاهر أن يفسر بما هو شديد العتوّ حتى يكون من الترقي. وقوله الذين لا ينفعهم إلخ بيان لما به التضاد لأنّ الأوّلين على هدى مؤمنين بالآيات، وهؤلاء بخلافه واجمال لحال هؤلاء توطئة لما بعده مع ما فيه من الإشارة إلى ارتباطه بم قبله حتى جاء على عقبه من غير فاصل فإنه لا بد منه، وان لم يكن مصححاً للعطف، والنذو بضمتين جمع نذير. قوله: (ولم يعطف قصتهم إلخ) في الكشاف ليس وزان ما هنا وزان نحو قوله {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13] لأنّ الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، وسيقت الثانية لأنّ الكفار من صفتهم كيت وكيت فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب، وهما على حد لا مجال فيه للعاطف فيه، وهذا إذا كان الذين يؤمنون جاريا على المتقين، وكذا إذا كان مبتدأ فالاستئناف مبنيّ على تقدير سؤال، فذلك إدراج له في حكم المتقين وجعله تابعا له في المعنى، وإن كان مبتدأ في اللفظ، فهو في الحقيقة كالجاري عليه، وذكر السكاكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 في الفصل والوصل فيما ترك عطفه للانقطاع، وإن كان بينهما جامع غير ملتفت إليه لبعد المقام عنه فقال من هذا القبيل قطع إنّ الذين كفروا عما قبله، ليكون ما قبله حديثا عن القرآن، وأنّ من شأنه كيت وكيت وهذا حديث عن الكفار وتصميمهم في كفرهم، والفصل لازم للانقطاع فالعطف في مثله برز في معرض التوخي للجمع بين الضث والنون، وقال قدس سرّه: تباينهما في الفرض لأنّ المقصود من الجملة الأولى بيان اتصاف الكتاب بغاية الكمال في الهداية تقريرا لكونه يقيناً لا مجال للشك فيه، وتحقيقا لكماله في جنس المتحدي لإعجازه، ومن الجملة الثانية بيان اتصاف الكفار بالإصرار على الكفر والضلال بحيث لا يجدي فيهم الإنذار، وفي الأسلوب وهو الفن والطريق لأنّ طريق الأداء في الأوّل الحكم على الكتاب مع حذفه لفظاً بما جعل المتقين قيدا له، وفي الثانية أن يحكم على الكفار، ضدا مع ذكرهم لفظاً لإصرار لا إقلاع معه أصلاَ مصدرا بأنّ المؤذنة بالانقطاع والشروع في نوع آخر من الكلام، لا يقال هما مسوقتان لبيان حال الكتاب وأنه هدى لطائفة، وليس هدى لضدهم فيحسن العطف لأنا نقول إنّ الثانية سيقت لبيان إصرار الكفار وأنّ وجود الإنذار وعدمه سواء عليهم، وأمّا كون الكتاب لا يفيدهم هدى فمفهوم تبعا، ولو كان مقصودا أيضا لم يحسن العطف لأنّ الانتفاع به صفة كمال له يؤيد ما سبق من تفخيم شأنه، واعلاء مكانه بخلاف عدم الانتفاع، وعلى الاستئناف وان انقطع عنه ظاهراً فهو مرتبط به ارتباطا معنوش صار به متصلاَ بما قبله اتصال التابع بمتبوعه لعدم استقلاله لأنه مبنيّ على سؤال مبنيّ على ما نثا منه، فهو من مستتبعاته، فإذا لم يصلح المنشأ وهو هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، لأن يعطف عليه إنّ الذين كفروا لم يصلح لذلك ما هو من توابعه، وأمّا على الوجه الأخير، وهو جعل {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} مبتدأ خبره {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} فهو وان كان جملة مستقلة معطوفة على ما قبلها، فلا مانع من أن يعطف عليها جملة وصف الكفار كما في الآيات اللاحقة لكنه وجه مرجوح لم يلتفت إليه وبنى الكلام على ما ارتضاد، وربما يستدل بهذا على ضحفه، وأيضا قد عرفت أنّ هذه الجملة محمولة على التعريض، ومعناها يناسب وصف الكتاب بالكمال، ولذا جاز عطفها على سابقتها، ومن الظاهر أنّ جملة إنّ الذين كفروا لا مدخل لها في ذلك، ومنهم من زعم أنّ خلاصة جواب هذا الكتاب أن الذين يؤمنون بالغيب إلخ استئناف جواب سؤال وأنّ قوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} لا يصلح للجوابية، فلذا امتنع العطف، ورذ بأنه مغار لكلام المصئف وغير مستقيم فإنه إذا قيل ما بال المتقين مخصوصين بكون الكتاب هدى لهم حسن أن يقال إنّ الموصوفين بتلك الصفات أحقاء بذلك، والكفار المصرّون لا ينتفعون به بل يستوي عليهم وجوده وعدمه، فيكون هذا المعطوف مؤكدا لاختصاصه بالمتقين عن غيرهم وتوهم جماعة أنّ ترك العاطف في الآية لأنه استئناف آخر كأنه قيل ثانيا: ما بال غيرهم لم يهتدوا به فأجيب بأنهم لأعراضهم، وزوال استعدادهم لم ينجع فيهم دعوة الكتاب إلى الإيمان، وليس بشيء لأنه بعد ما تقرر أنّ تلك الأوصاف المختصة هي للمقتضية لم يبق لهذا السؤال وجه، وتخيل آخرون أنّ تركه لغاية الاتصال والاتحاد وهو فاسد جداً لأنّ شرح تمرّد الكفار لا يؤكد كون الكتاب كاملاً في الهداية هذا زبدة ما في الشروح وكتب المعاني. (أقول) ما ذكره قدس سرّه: من أنه على الوجه الثالث يصح العطف لا وجه له، ولا معنى للتردّد فيما نحن فيه من كمال الانقطاع، لأنه لا بد فيه من قصد التعريض كما مرّ وكفى به مانعا، فاستدلاله به على ضعفه صلح لم يرضه الخصمان على أنه لو لم يقصد التعريض لم يصح أيضا لأنّ قوله {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} مبين لما اتصف به الكتاب، ومقرّر لعلوّ شأنه وهذه الجملة إمّ معطوفة عليها أو قيد لها وحال منها فكيف يعطف عليها ما يباينها أتم مباينة، وقد جزم به في شرحه للمفتاح فقال: فإن قلت كيف يصح هذا العطف مع أنّ الجملة الأولى بيان حال الكتاب والثانية ليست كذلك قلت: من حيث إنّ المراد بالثانية التعريض المذكور، فكأنه قيل: هو هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، وليس هدى لليهود فالثانية في حكم صفة الكتاب وقيل: الواو للحال وليس بظاهر، وإذا جعلت هذه الجملة من مستتبعات وصف الكتاب امتنع عطف {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} على ما قبله في هذا الوجه أيضا، كما في الوجهين السابقين لا يقال. إذا كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 تعريضا بكفار أهل الكتاب يكون التشنيع على الكفار مناسبا لأنا نقول المقصود حينثذ التعريض بأنهم لما لم يؤمنوا بما أنزل عليه لم يصح إيمانهم، وهذا غير مناسب لما بعده، وأمّا قوله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [الإسراء: 82] فشيء آخر وهو تصريح لا تعريض فتدبر (ثم إنه بقي ههنا أمر لا بدّ من التعرّض له) وهو إنّ المباينة في أسلوب الأداء وطريق التعبير السابق تقريره جعلها الزمخشريّ مقتضية لترك العطف، ولم ينوّره أحد منهم ووجهه أنّ قوله {إن الذين كفروا} إلخ يتضمن عدم انتفاع هؤلاء الكفار بالآيات والنذر، وهو في قوّة أن يقال إنهم لم يهتدوا بهدى هذا الكتاب وهذه جهة جامعة لو لوحظت جاز العطف كما تقول إنّ المتقين اهتدوا بنور الكتاب وانّ الكافرين هاموا في مهامة العقاب إلاً أنه لم يلتفت لهذا، وأنما قفصد أن ينعي حالهم ويشنع عليهم، فنزه قدر التنزيل عن النظر إلى تعاميهم عنه، فإنه ذنب عقابه فيهم، وقد جعل العلامة مباينة الأسلوب كناية عن عدم الالتفات لهذه الجهة الجامعة واليه أشار السكاكيّ بقوله، وان كان بينهما جامع غير ملتفت إليه لبعد المقام عنه فلذ درّه ما أبعد مرماه وأحسن مغزاه، فمباينة الأسلوب متممة لمباينة الغرض، ولذا أدرجها المصنف فيها ولو صرّح بها كان أحسن، فما قيل من أنه لم يذكر التباين بي الأسلوب كما في الكشاف لأنّ التباين في الغرض هو الأصل في الفصل والتباين في الأسلوب من توابعه، ولوازمه كما لا يخفى على المتأمّل، ولهذا فرع صاحب الكشاف التباين في الغرض والأسلوب معاً على ما يوجب التباين في الغرض فقط، وهذا مما لم يتعرّضوا له مع لزومه ليس مما يشفي الغليل، وإنما سكت عن تغاير الأسلوب لظهوره، وقيل إنما لم يتعرّض له المصنف لأنه نظر إلى أنّ العمدة في وصل الجملتين بالواو، وهو وجود الجامع المعنوي بينهما وتناسب الجملتين في الغرض جامع معنويّ معتد به يحسن به عطف الثانية على الأولى بخلاف الأسلوب، فإنه أمر لفظيّ وكثيراً ما يغيرون أسلوب المعطوف عن سنن المعطوف عليه لنكتة داعية إليه، ولما كان التباين في الأسلوب غير ضارّ في العطف إذا كان بينهما جامع مصحح للعطف لم يجعل من أسلوب القطع وهذا كله غفلة عما حققنا، فاشدد يدك عليه ولا تنظر لما بين يديه. قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13] سيأتي تفسيرها واتحاد الأسلوب فيها ظاهر وأما الجامع، فلأنها سيقت فيها الجملة الأولى لبيان ثواب الأخيار والثانية لذكر جزاء الأشرار مع ما فيها من الترصيع والتقابل، لتضادّ كل من طرفي الجملتين، وقد عد أهل المعاني التضادّ وشبهه جامعاً يقتضي العطف، لأنّ الوهم ينزل المتضادين منزلة المتضايفين، فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن حتى قالوا: إنّ الضد أترب خطورا بالبال مع الضد من الأمثال. قوله: (وإنّ من الحروف التي إلخ) يعني أنها شابهت الفعل الذي هو أصل العوامل فعملت لشبهها له مادّة وهيئة ومدخولاً ومعنى وعمله هو الرفع والنصب، إلاً أنه قدم من معمولاته المرفوع لأنه عمدة وأخر المنصوب لأنه فضلة على مقتضى الأصل وعكس فيها تنبيها على فرعيتها وحطاً لرتبتها وعدد الحروف ثلاثة، وهي أقل ما ينبني عليه الفعل وبنى على الفتح آخرها، ولزمت الأسماء ولها معان مثله كالتأكيد والاستدراك، وهو ظاهر. وقوله: (والمتعذي) بالنصب معطوف على الفعل أي وشابهت الفعل المتعدي فيما ذكر، وما قبله في مشابهة الفعل مطلقا، والإيذان الإعلام، وضمير بأنه راجع إلى الحرف المعلوم مما قبله ودخيل فيه أي ليس بأصيل في العمل لأنه عمل لمشابهته للفعل يقال هو دخيل في بني فلان إذا انتسب إليهم ولم يكن منهم، وقال: حروف دون أحرف لأنه المشهور في جمع حرف بمعنى كلمة أو جزئها وأحرف مشهورة في الحرف بمعنى اللغة كما في الحديث " أنزل القرآن على سبعة أحرف ") 1) وهو وان كان جمع كثرة وهي ستة إلاً أنه بعد دخول الألف واللام بطلت جمعيته فجاز استعماله في القليل والكثير. قوله: (كان مرفوعاً بالخبرية إلخ) فيه تسمح لأنّ العامل فيه عند الكوفيين المبتدأ أو الابتداء والباء للسببية واعتمد على شهرته وظهور المراد منه، فاندفع ما قيل عليه من أنه لم يقل أحد إنّ العامل في الخبر الخبرية بل من نحاة الكوفة من قال: العامل في الخبر المبتدأ كما إنّ العامل في المبتدأ الخبر إذ المعنى المقتضي للرفع فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الخبرية والعامل المبتدأ أو بقاء الخبرية باعتبار كون اسم إنّ كان مبتدأ، وهو الآن كذلك محلاً بناء على أنه لا يشترط فيه بقاء المحرز قال ابن يعيش في شرح المفصل: ذهب الكوفيون إلى أنّ هذه الحروف لم تعمل في الخبر الرفع، وإنما تعمل في الاسم النصب لا غير والخبر مرفوع على حاله كما كان مع المبتدأ، وهو فاسد لأنّ الابتداء قد زال وبه وبالمبتدأ كان يرتفع الخبر فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولا فيه ومع ذلك فإنا وجدنا كل ما عمل في المبتدأ عمل في خبره نحو كان وأخواتها وظننت وأخواتها لما عملت في المبتدأ عملت في الخبر وليس فيه تسوية بين الأصل والفرع، لأنه قد حصلت المخالفة بتقديم المنصوب على المرفوع اهـ. فقوله ة وهي أي الخبرية باقية على حالها قبلها، فيعمل ما كان عاملاَ فيها استصحابا له أي إبقاء له مصاحباً له كما كان، لأنّ أصل ما اتصف بشيء أن تبقى صفته، ويعمل بمقتضاها حتى يتحقق ضده، والاستصحاب من جملة الأدلة عند بعضهم كالشافعية ومنهم المصنف، وأدلة الأحكام الفقهية تجري في العربية حتى إنّ بعض المتأخرين دوّن للنحو أصولاً كأصول الفقه، وهذا تقرير لدليل الكوفيين. وقوله: (قضية) بالنصب مفعول له على أنه مصدر لقضى بمعنى حكم أي حكماً للاستصحاب، وابقاء الأثر أو مفعول مطلق أي مقتضية للرفع اقتضاء، ولام الاستصحاب لام التقوية. قوله: (فلا يرفعه الحرف) أي لا يرفع استصحاب ما كان من العمل الأوّل ويزيله لضعفه، فالرفع بمعنى الإزالة، أو لا يرفع الخبر فالرفع بالمعنى المصطلح. وقوله: (بأنّ اقتضاء الخبرية إلخ) جواب عما استدلّ به الكوفيون من أن إنّ ليست هي العاملة، كما مرّ وفي قوله الخبرية ما مرّ من التساهل وتخلفه في خبر كان لنصبه بها، فلو كان رفع الخبر بلا شرط شيء دام ما دامت الخبرية مطلقاً، فلما تخلف علم أنه مشروط بالتجرّد من العوامل اللفظية. وقوله: (وفائدتها إلخ الم يقل معناها لأنه ليس كغيره من المعاني الوضعية المعبر عنها، ولذا توهم بعضهم زيادتها في كلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 العرب والتأكيد والتوكيد تقوية الشيء، فلذا عطف عليه قوله وتحقيقها عطفاً تفسيرياً لاً نه من حققت الأمر أحقه إذا تيقنته، أو جعلته ثابتا لازما وفي لغة بني تميم أحققته بالألف، وحققته بالتشديد مبالغة، وفيه إشارة إلى أنّ التوكيد هنا ليس بمعناه المصطلح، وجعلها مؤكدة للنسبة الحكمية دون أحد الطرفين لتأثيرها فيها، واستدلّ عليه بوقوعها في جواب القسم لأنّ القسم، كما قال النحاة جملة إنشائية يؤكد بها جملة أخرى، فئاذا كان الجواب جملة اسمية يصدّر في الإثبات إذا كان القسم غير طلبي بلام مفتوحة أو أن مثقلة أو مخففة، ولا يستغني عنها دون استطالة إلاً شذوذاً. وهذا مراد المصنف، ولا يرد عليه شيء لأنه لم يدع الكلية، وأمّا ذكرها في الجواب فلأنّ السائل متردد فيحسن تأكيد جوابه، كما تقرّر في علم المعاني، والأجوبة جمع جواب، وهو معروف إلا أن ابن الجوزي قال في كتاب غلط العوامّ: قال العسكري: العامّة تقول في جمع الجواب جوابات وأجوبة، وهو خطأ لأنّ الجواب مثل الذهاب لا يجمع، وقد قال سيبويه: الجواب لا يجمع وقولهم جوابات وأجوبة كتبي مولد اهـ 0 ولم أر من ذكره غير صاحب المصباح إلا أنه لم ينقله ومشبه للوثوق به لا يطالب بالنقل. قوله: (وتذكو في معرض الشك (أي تذكر أنّ لتأكيد ما فيه شك للمخاطب أو لغيره، ومعرض بفتح الميم وكسر الراء محل عروض الشك كذا في شرح الشافية، فهو كالمظنة والمئنة وضبطه شراح الفصيح بكسر الميم وفتح الراء كاسم الآلة وأصله ثوب تلبسه الجارية المعروضة للبيع، فيكون من العرض والأوّل من العروض، وهو على هذا المعنى ما يظهر الشك ويبرزه لمن يريده، وفي لو المصباح يقال: عرفته في معرض كلامه قال بعض العلماء: هو استعارة من المعرض وهو الثوب الذي تجلى فيه الجواري، وكانه قيل في هيئته وزيه وقالبه، وهذا لا يطرد في جميع أساليب الكلام فإنه لا يحسن أن يقال ذلك في موضمع السبّ والشتم بل يقبح أن يستعار ثوب الزينة الذي هو أحسن هيثة للشتم الذي هو أقبح هيئة، فالوجه أنه مقصور من معرا ضواحد المعاريض وهو التورية وأصله الستر اهـ. وهو كلام واه وضثعفه ظاهر لمن له معرفة بالبغة، ولم يذكر الإنكار لأنه وان علم بالطريق الأولى، فشهرته تغني عن ذكره وسيأتي التصريح به في كلام المبرد جوإبا لأبي إسحاق المتفلسف الكندي لما قال له: إني أجد في كلام العرب كما فصله في المفتاح، وقد تذكر أنّ لمعان أخر كما في شرح المفتاح. وقوله: (ويسئلونك) إلخ مثال للأجوبة، ويجوز أن يكون للشك أيضا، ولم يذكر القسم لوضوحه. قوله: (وتعريف الموصول إلخ) كذا في الكشاف، وفي الحواشي الشريفية تعريف الذي وتصاريفه ص من بين الموصولات كتعريف ذي اللام في كونه للعهد تارة، - وللجنس أخرى سواء جدلت من المعرّف باللام كما ذهبت إليه شرذمة أو لا كما عليه المحققون والوجه في العهد إنّ هؤلاء أعلام الكفر المشهورون به فهم لذلك كالحاضرين في الأذهان، ولا يخفى ما فيه، فإنّ تخصيص الذي وتصماريفه دون من، وما مما ليس فيه أل لا وجه له، وإنما دعاه له ظاهر قول الكشاف تعريف الذين، ولذا عدل عنه المصنف إلى قوله تعريف الموصول إشارة إلى أنّ الزمخشريّ إنما اقتصر عليها لأنها أمّ الباب، وهذا مما ينبغي التنبيه عليه، وهم مطبقون على أنّ تعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، والقول بأنه بأل واه لا يلتفت إليه سواء قلنا إنه موضوع للخصوصيات بوضع عام أو لأمر عام بشرط استعماله فيها، وستسمع تحقيقه عن قريب، وقدم التعريف العهدي لأنه الأصح رواية ودراية، وما قيل من أنّ الماثور ما رواه ابن جرير بسند متصل إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المراد به هنا كفار اليهود خاصة، وهو الظاهر لأن السورة مدنية، وما قبلها في أهل الكتاب فالمراد اليهود وقد ورد مثله في سورة يس في كفار قريش عجيب منه، فإنه ذكر عقبه إنّ أبا نعيم قال في دلائل النبوّة: إنها في كفار قريش، ورواه عن ابن عباس أيضاً، فإنّ الروايتين تؤيدان ما ذكره المصنف،؟ وإلا كان بينهما تناف فوجه العهد أنّ المراد بالموصول هنا من شافههم بالإنذار في عهده، وهو مصر على كفره وهذا أوجه مما مرّ. قوله: (أو للجنس متناولأ من صمم على الكفر وكيرهم) هذا بناء على ما بينه شراح المفتاح من أنّ تعريف الموصول كتعريف الألف واللام، فيكون تارة للعهد وتارة للجنس والاستغراق، وقد صرّح به بعض النحاة أيضاً فقال ابن مالك في شرح التسهيل المشهور عند النحويين تقييد جملة الصلة بكونها معهودة، وذلك غير لازم، وذلك لأنّ الموصول قد يراد به معهود فتكون صلته معهودة، وقد يراد به الجنس فتوافقه صلته كقوله تعالى {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} [البقرة: 171] وكقول الشاعر: وأسعى إذا يبني ليهدم صالحي ~ وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم وقد يقصد تعظيم الموصول فتبهم صلته كقوله: فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ~ فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه اهـ وهذا مخالف لما في الرسالة الوضعية مما اتفق عليه شراحها من أنّ الموصول موضوع بوضع عام لمعنى مشخص معين بنسبة جملة خبرية إليه، وأنه لا بد من كون انتسابها معهوداً بين المخاطب والمتكلم، فإن أريد به معنى كليّ، فإنما هو لتنزيله منزلته كما في اسم الإشارة، وعلى هذا فهذا معنى مجازي وهو ظاهر كلام أهل المعاني، وهو الموافق لما اشتهر عند النحاة، كما قاله ابن مالك وظاهر كلام ابن مالك والزمخشريّ أنه ليس بمجاز، فلا خلاف في استعماله، وإنما الخلاف في تعيين الحقيقة وهذا أمر سهل، وقد قيل إنه ليس المراد بالعهد في كلام النحاة معناه المشهور بل مطلق الحضور الذهني بايّ وجه كان وهو جار في جميع المعارف، ولذا حصر بعض الخاة معنى أل في العهد والجنس، وهو منشأ الخلاف بينهم وقول أهل الأصول الموصول من صيغ العموم مؤيد للثاني (وهذا مما من الله به) وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله فاحفظه، وصمم على الكفر بمعنى استمرّ عليه إلى موته، ونقله لسجن سجين وحقيقة صمم مضى في السير فتجوّز به عما ذكر للزومه له، وليس من الصميم بمعنى الخالص احترازا عن المنافقين كما توهم. قوله: (فخص منهم غير المصرّين بما أسند إليهم إلخ) ضمن خص معنى أخرح أو تجوّز به عته، وإلاً لقال خص المصرّون والأوّل أولى لتعديته بالباء في قوله بما أسند، وفي نسخة بدل منهم عنهم، وضمير غيرهم وما بعده لمن باعتبار معناه وكذا إليهم، وفي نسخة إليه باعتبار لفظه أو هو عائد إلى الموصول، وفي قوله خص تصريح بأنه عام مخصوص لا مطلق مقيد، وهو الموافق لمذهبه وفيه مخالفة للزمخشريّ في تعبيره حيث قال: وأن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 للجنس متناولاً كل من صمم على كفره تصميما لا يرعوي بعده وغيرهم، ودل على تناوله للمصرّين الحديث عنهم باستواء الإنذار وتركه عليهم اهـ. وقال قدس سرّه: إذا حمل على الجنس عمّ الكفار إلا أنّ الاخبار عنهم بما يدلّ على الإصرار دال على أن المراد هم المصرّون فقط، فيكون اللفظ عاماً مقصورا على بعض إفراده فإن قيل: كيف يجعله عاما مخصوصاً مع أنه لم يذهب إلى أنّ الجمع المحلى بلام الجنس للاستغراق حيث قال في قوله تعالى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء} [البقرة: 231] لا عموم ولا خصوص في النساء ولكنه اسم جنس للإناث من الإنس، وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن وفي بعضهن، فجاز أن يراد بالنساء هذا وذاك فإذا قيل لعدتهن علم أنه أطلق على بعضهن وهن المدخول بهن من المعتدّات بالحيض، وقال في قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] إنّ اللفظ مطلق في تناول الجنس صالح لكله، وبعضه فجاء في أحد ما يصلح له يعني في ذوات الأقراء كالاسم المشترك قلنا هو لا يمنع صلوحه للعموم بل ظهوره فيه كما ذهب إليه أصحاب الأصول فاختار ههنا أنّ هذا الصالح للعموم مستعمل ومقصور على البعض بواسطة القرينة، ويرد عليه أنه تطويل للمسافة بلا طائل، وزعم بعضهم أنّ المختار عنده هو أنّ مثل هذا الجمع للعموم، وأمّا كونه للإطلاق، فشيء ذكره في بعض مواضع هذا الكتاب، وفيه أنه مناف لما نقلناه من نصه على عدم العموم وأمّا تفسيره للجموع المعرّفة باللام للاستغراق فذلك لاستفادته منها بمعونة المقام، ولا معونة للمقام ههنا، فالصحيح أنه أراد كون الذين كفروا مطلقاً في تناول الجنس صالحا بحسب مفهومه، لأن يراد به كله وبعضه لكن الخبر دلّ على تقييده فقوله متنا ولا إلخ لم يرد به الشمول بل التناول بحسب الإطلاق نظرا إلى اللفظ وحده وإذا اعتبرت القرينة دلت، على تناوله بحسب الإرادة للمصرّين فقط اهـ. (أقول) فيه خلل لا يخفى، وبيانه يتوقف على تقديم مقدمة في الفرق بين العموم والإطلاق والتخصيص، والتقييد) فالعامّ الفظ يستغرق الصالح له من غير حصر، ويشمل النادر وغير المقصود على الأصح وفخر الإسلام لم يشترط فيه الاستغراق فعرّفه بما ينتظم بعض المسميات (والمطلق) ما دل على فرد شائع وقيل ما دلّ على الماهية بلا قيد، وتوخم بعضهم أنه مرادف للنكرة، وهو خطأ أو تساهل للاعتماد على ظهور المراد (والتخصيض) قصر العامّ على بعض ما صدق عليه (والتقييد) يقرب منه وألفاظ العموم مفصلة في مبسوطات الأصول وفي بعضها اختلاف كالجمع المحلى بالألف واللام، ففي جمع اأجوامع أنّ الجمهور على أنه للعموم خلافا لأبي هاشم من المعتزلة، فإنه ذهب إلى نفي العموم عنه مطلقا، فيكو 1 غ مطلقا عنده ولإمام الحرمين وافادة العموم كما ذكره المصنف في منهاجه تكون بحسب الوضع اللغوي والعرفي والعرف ودلالة العقل والموصول مفردا وجمعا من ألفاظ العموم حتى قال القرافيّ رحمه الله: إنه بالإجماع وليس هو من قبيل الجمع المحلى باللام، فإنّ لامه كبعض حروف الكلمة، وتعريفه ليس بها على الصحيح إذا عرفت هذا فقياس ما هنا على ما ذكره في صريح الجموع في غير هذا المحل لا وجه به، وما صرّح به في كتابه على مذهبه من أنه من المطلق لا من العامّ وتاويله من فضول الفضلاء. وقوله: إنه لا يمنع صلوحه للعموم بل ظهوره فيه أيضاً لا وجه له فإنه لو صلح للعموم كان عاماً وهو مناف لما صرّح به. وقوله: تطويل للمسافة بلا طائل غير متوجه لأنه من ألفاظ العموم، وهو نص فيه فحمل عليه، ثم خص وهو طائل وأيّ طائل، فإن قلت كيف يكون الخبر مخصصاً إذا سلم فيه العموم والخصوص والأصوليون حصروا المخصص الغير المستقل في الاستثناء والصفة والغاية والبدل والشرط، وقد أوردوا عليه أن تعين المخبر عنه بمفهوم الخبرينافي ما تقرّر من أنّ المخبر عنه لا بذ أن يكون متعينا عند المخاطب إذا حكم عليه ليقيد الكلام فإثبات مفهنوم الخبر له متوقف على تعين المخبر عته عند المخاطب قبل ورود الخبر، فلو توقف تعين المخبر عنده على الخبر لزم الدور حتى قيل إنه من إسناد ما للبعض إلى الكل على حد بنو فلان قتلوا فتيلاَ، والقاتل واحد منهم. (قلت) أمّا أن يقال على هذا المخصص العقل والاخبار بما ذكر قرينة عليه أو المخصص عود ضمير خاص عليه من الخبر لا الخبر نفسه، فإنّ أهل الأصول قالوا عود ضمير خاص على العامّ فيه أقواد ثلاثة: فقيل يخصصه وقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 لا يخصصه وقيل بالوقف ومثلوه بقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] فإنّ الضمير في قوله {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] للرجعيات فقط وكذا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [الطلاق: ا] فإنّ قوله تعالى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ا] المراد به الرغبة في مراجعتهن، وهي لا تتأتى في البائن وما قيل من أنّ المصنف أحسن حيث أسقط لفظة كل التي في الكشاف في قوله كل من صمم إلخ إذ يفهم منه الاستغراق الذي اضطربوا في توجيهه غفلة عما قرّوناه، ومن الخلط والخبط ما قيل هنا أنه على الأول يكون الذين كفروا من قبيل إطلاق لفظ المطلق العامّ المستغرق وارادة الخاص، وعلى الثاني من قبيل إطلاق لفظ المطلق المتناول لكل بعض على سبيل البدل، وارادة المقيد بقيد الإصرار من حيث أن الخبر يدل على التقييد، وهو أظهر من الأوّل لأنه على الأوّل خاص، وعلى الثاني عامّ مخصوص. قوله: (والكفر لغة ستر النعمة إلخ؟ أي الكفر بالضم مقابل الإيمان، وأصله المأخوذ منه الكفر بالفتح مصدر بمعنى الستر يقال كفر يكفر من باب قتل وقول الجوهريّ تبعاً للفارابي من باب ضرب الظاهر أنه غلط ولم ينبه عليه في القاموس، ثم شاع في ستر النعمة خاصة وفي مقابل الإيمان لأنّ الكفر فيه ستر الحق وستر نعم فياض النعم ويقالط لليل: كافر لستر ظلامه لوجه الأرض وقد تلطف العارف بالله حيث قال: يا ليل طل أو لا تطل إني على الحالين صابر لي فيك أجر مجاهد إن صح أنّ الليل كافر والكمام جمع كمّ بالكسر، وهو غطاء النور والثمر، والكافور أيضاً اسم طيب معروف إلاً أنّ ما ذكره المصمنف هو المعروف في اللغة الفصيحة القديمة، ولذا اقتصر عليه وهو اسم جنس جامد ومن قال: إنه مبالغة الكافر فقد وهم. قوله: (وفي الشرع إنكار ما علم إلخ) هذا مذهب الشافعي، والمراد بالضروريّ ما اشتهر حتى عرفه الخواص والعوام. قال النووقي في الروضة: ليس يكفر جاحد المجمع عليه على إطلاقه بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص، وهو من الأمور الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام، كالصلاة وتحريم الخمر ونحوهما فهو كافر، ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلاً الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب ونحوه فليس بكافر، ومن جحد مجمعاً عليه ظاهرا لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف اهـ. وقال ابن الهمام في المسايرة: الحنفية لم يثترطوا في الإكفار سوى القطع بثبوت ذلك الأمر، الذي تعلق به الإنكار لا بلوغ العلم به حد الضرورة، ويجب حمله على ما إذا علم المنكر ثبوته قطعا لأن مناط التكفير التكذيب أو الاستخفاف إلخ وأورد على ما قالوه أنّ الخالي عن التصديق والتكذيب كافر، والشاك وكفره ليس بإنكار فيخرح عن التعريف، وأجاب عنه الإمام بأنّ من جملة ما جاء به النبيّ عليه الصلاة والسلام أنه يجب تصديقه في كل ما جاء به فمن لم يصدقه في ذلك فقد كذبه، وردّ بظهور منعه وانّ الصواب أن يقال الكفر عدم الإيمان عمن هوشأنه فيشمل التكذيب، وترك التصديق بعد وجوبه عليه، وقيل الأنكار ههنا الجهل من قولهم أنكرت الشيء إذا جهلته وليس بمعنى الجحود حتى يكون قولاً بالمنزلة بين المنزلتين لأنّ من تشكك، أو لم يخطر النبيّ عليه الصلاة والسلام بباله ليس بمقرّ مصدق ولا منكر جاجد، وهو باطل عند أهل السنة، ولا يخفي أنه يأباه ما بعد. من قوله يدلّ على التكذيب، فإنه صريح في أنّ الإنكار ههنا بمعنى الجحد والتكذيب، وفي المواقف الكفر عدم تصديق الرسول صلّى الله عليه وسغ في بعض ما علم مجيئه به بالضرورة وخرح بالضرورة ما علم بالاستدلال وخبر الآحاد، ولا يرد على الإنكار ما قاله الزنجاني من أنه يختص بالقول والكفر قد يحصل بالفعل لما ذكره المصنف بعده. قوله: (وإنما عذّ ليس الغيار) بكسر الغين المعجمة وفتح الياء المثناة التحتية تليها ألف وآخره راء مهملة. قال في الحهذب أهل الذمّة يلزمهم الإمام الغيار والزنار، وفي شرحه الغيار أن يخيطوا على ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونه لونها وتكون الخياطة على خارج الكتف دون الذيل والأشبه أنه لا يختص حالكتف، والزنار كتفاح خيط غليظ يشد على أوساطهم خارج الثياب اهـ. وسمى غيار المغايرة لونه للون ما خيط عليه، أو لأنه يتغاير به أهل الذمّة، ومن قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الغيار قلنسوة طويلة كانت تلبس قبل الإسلام، وهرت من شعار الكفرة لم يدر حقيقته وفي تعبيره باللبس والشد ما يشير إلى تغايرهما، والزنار كان حزإما مخصوصا بالنصارى والمجوس. قوله: (لأنها تدلّ على التكذيب إلخ) أي تكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما جاء به، وهذا جواب سؤال مقدر تقديره أنّ أهل الشرع حكموا على بعض الأفعال والأقوال بأنها كفر وليست إنكاراً من فاعلها ظاهراً، فأجاب بأنها ليست كفراً، وإنما هي دالة عليه فأقيم الدال مقام مدلوله حماية لحريم الدين، وذبا عن حماه حتى لا يحوم حوله أحد ويجتريء عليه، وليس بعض المنهيات التي تقتضيها الشهوة النفسانية كذلك، ولذا ورد في الحديث: " وإن زنى وإن سرق " (1) فلا يرد على ما ذكر الاعتراض فأن ارتكاب المنهيّ إذا دل على التكذيب بطل طرده بغير المكفر من الفسق حتى يحتاج إلى أن يقال يجوز جعل الشارع بعض المنهيات علامة للتكذيب فيحكم بكفر مرتكبه، وقال ابن الهمام: اعتبروا في الإيمان لوازم يترب على عدمها ضده كتعظيم الله سبحانه وتعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام وكتبه، ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفروا بألفاظ، وأفعال كثيرة وأمّا لبس شعار الكفر سخرية بهم، وهزلاً ففي بعض الحواشي أنه ليس بكفر وليس ببعيد إذا قامت القرينة ولا يلزم مما مرّ تكفير أهل الباع من الفرق الإسلامية كما توهم. قوله: (واحتجت المعتزلة إلخ) اتفق المليون على أنه تعالى متكلم، ثم اختلفوا في المراد بالكلام وقدمه وحدوثه، لما رأوا قياسين متعارضين انتاجا وهما كلام الله صفة له، وكل ما هو صفة له قديم فكلام الله قديم، وكلام الله أي القرآن مؤلف من حروف مترتبة متعاقبة وكل ما هو كذلك حادث ضرورة فكلامه حادث، فاضطرّوا إلى القدح في أحدهما لامتناع حقيقة النقيضين، فمنعت كل طائفة مقدّمة فالحنابلة ذهبوا إلى أنه حروف، وأصوأت تديمة فمنعوا اقتضاء التعاقب للحدوث حتى لزمهم قدم الورق والجلد بل الكاتب والمجلد ونحوه، مما هو بين البطلان فقيل مرادهم التأدّب للاحتراز عن سريانه للنفسي، كما صرّح بعض الأشاعرة بمنع أن يقال القرآن مخلوق، والمعتزلة ذهبوا لحدوثه لتركبه من الحروف والأصوات، فقالوا هو قائم بغيره ومعنى كونه متكلما أنه موجد للكلام في جسم كاللوح أو جبريل أو النبيّ عليه الصلاة والسلام أو غيره كشجرة موسى عليه السلام ومنعوا اتصاف الله به رأساً، والكرامية لما رأوا الجنابلة خالفوا الضرورة، وهو مكابرة والمعتزلة خالفوا العرف واللغة في جعل المتكلم موجد الكلام قالوا: هو حادث ويجوز قيامه بذاته، والأشاعرة قالوا كلامه قديم نفسيّ قائم بذاته لا بأصوات وحروف، ولا نزاع بينهم وبين المعتزلة في حدوث الكلام اللفظي إنما النزاع في إثبات النفسي، وذهب العضد تبعاً للشهرستاني إلى أنّ مذهب الشيخ أنه ألفاظ قديمة وأفرد لتحقيقه مقالة ذكر فيها أنّ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ وعلى القائم بالغير، والشيخ لما قال الكلام هو المعنى النفسيب فهموا منه أنّ مراده مدلول اللفظ، وأنه القديم عنده والعبارات إنما تسمى كلاما مجازاً لدلالتها على الكلام الحقيقي حتى صرحوا بأنّ الاً لفاظ حادثة عنده، ولكنها ليست بكلام حقيقيّ، وقد قيل عليه أنّ له لوازم كثيرة الفساد كعدم تكفير من أنكر كلامية ما بين الدفتين لله مع أنه معلوم من الدين بالضرورة، وكوقوع التحدّي بغير كلام الله تعالى حقيقة، وعدم كون المقروء المحفوظ كلام الله حقيقة وغير ذلك، فوجب حمل كلامه على إرادة المعنى الثاني فيكون الكلام النفسي عنده شاملاً للفظ، والمعنى معاً قائما بذاته تعالى والترتب والتعاقب إنما هو في اللفظ لعدم مساعدة الآلة ونظيره وقوع الحروف دفعة في الختم وأدلة الحدوث يجب حملها على الصفات المتعلقة بالكلام دونه جمعاً بين الأدلة. وقال الدواني: مبدأ الكلام النفسي فيناصفه نتمكن بها من نظم الحروف وترتيبها على ما ينطبق على المقصود، وهي صفة ضد الخرس مبدأ للكلام النفسي، وهي غير العلم إذ قد تتخلف عنه فإنّ في الناس من قد يعلم الكلام للغير ولا يقال إنه كلامه بل كلام من رتبه في نفسه، فكلامه تعالى الكلام المرتب في علمه الأزليّ الذي هو مبدأ للنظم وتاليفه، وهو صفة قديمة وكذا الكلمات بحسب وجودها العلمي، وليس كلاماً له إلاً ما أوجده مرتباً بغير واسطة، ولا تعاقب فيه قبل الوجود الخارجيّ، وهذا مما لا محذور فيه، ومن هنا علم أنّ المعتزلة أنكروا الكلام وقدم الألفاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وقالوا: معنى تكلم الله خلقه الكلام، فالمراد بما ذكره المصنف أنّ ما عبر عنه بالماضي إمّا أن يحدث بعد مضيه أو لا، وعلى الثاني يلزم الكذب لأنه أخبر أزلاً عما لم يمض بأنه مضى، وهو محال فلزم حدوثه والحادث لا يقوم به، فالمراد بتكلمه خلقه له والمواد بالمخبر عنه النسبة التي يصدق بها لا المحكوم عليه، فأجيب عنه بأنّ المضيّ، ونحوه بالنسبة إلى بعض المتعلقات مع بعض آخر، ومعنى إنّ الذين كفروا مثلاَ بعد إرسالك من أصر على الكفر كذا، والمضيّ بالنسبة إلى الإرسال ونحوه ولا يلزم من حدوث التعفق حدوث المتعلق بالكسر كما أنّ حدوث المعلوم وتعلق العلم به لا يلزم منه حدوث نفس العلم، ومما يثير إليه قول الأصوليين المضيّ وغيره بالنسبة إلى زمان الحكم، لا إلى زمان التكلم كذا ينبغي أن يفهم كلام المصنف من غير نظر لبعض الأوهام كما قيل من أنه ذهب إلى قدم الألفاظ تبعاً للشهرستاني، وما قيل: من أنه إشارة إلى جواب الغزالي عن هذه الشبهة بأنّ نحو {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: ا] قائم بذاته ومعناه قبل إرساله إنا نرسله وبعده إنا أرسلناه واختلاف اللفظ باختلاف الأحوال ولا محمل له غير هذا مع أن ما ذكره الغزاليّ لا يظهر له وجه مع أنهم قالوا: مدلول اللفظيّ بعينه هو النفسيّ فتأمّل، فإن قلت ليس هذا أوّل ماض وقع في التنزيل وقد سبق أنعمت ورزقنا فلم ذكره هنا 0 قلت: قد أشرنا إلى أنه بالنسبة إلى زمان الحكم لا التكلم وأنعمت ماض بالنسبة للهداية وكذا رزقنا بالنسبة للإنفاق، وكذا أنزل بالنسبة إلى الإيمان فلا يتأتى الاحتجاج به بخلاف ما هنا فإنه كلام مبتدأ وزمان الحكم والتكلم فيه واحد، ولأرباب الحواشي هنا كلمات رأينا الضرب عنها صفحاً أنفع من ذكرها. قوله: (خبر إنّ إلخ) هو جار على الوجهين أمّا إذا كان مبتدأ وخبرا فظاهر، وأمّا إذا كان ما بعده فاعله، فكذلك لكن أجرى الإعراب على جزئه الأوّل، كما في إنّ زيدا قائم أبوه لصلاحيته له بخلاف زيد يقوم وقام، فإنّ الخبر الجملة لا الفعل وحده. قوله: (اسم بمعنى الاستواء إلخ) أراد بالاسم اسم المصدر وهو المراد منه إذا قرن بالمصدر كما هنا، وفي غيره يراد به الجامد أو العلم واسم المصدر ما دل على معناه ولم يجر على وفق أبنية المصادر كالكلام، وللنحويين خلاف في أعماله عمل مصدره والأصح الجواز. وقوله: (نعت به كما نعت بالمصادر) أي المصادر القياسية، والاً فهو مصدر بحسب الأصل كما قاله الراغب، ونعت به بمعنى وصف به، والنعت والوصف بمعنى وقد فرق بينهما بعضهم فقال النعت لا يقال إلا في غير الله، كنعت الثوب والفرس، والرجلى ولا يقال نعوت الله بخلاف الوصف والصفة، وهما يكونان بمعنى التابم النحوي وبمعنى إثبات صفة لشيء مطلقاً سواء كان تابعاً أم لا، وهو المراد هنا لأنّ ما نحن فيه كذلك، فإنّ إرادة الأوّل لقوله يعده إلى كلمة سواء لأنه نعت نحوي، ويعلم حكم غيره بالقياس عليه تكلف من غير داع إليه، وأشار بقوله كما نعت بالمصادر إلى إفادته المبالغة، ولا ينافيه تفسيره بمستو لأنه بيان لحاصل المعنى المراد منه. وفي الكشاف اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر إلخ فقال قدس سره: أي كما تجري المصادر على ما اتصف بها كذلك تجري سواء على ما يتصف بالاستواء أي يجعل وصفاً له معنوياً إمّا نعتا / نحويا كما في كلمة سواء وأمّا غيره كما في هذه الآية فإن سواء هنا في موقع مستو إمّا حنبرا عما قبله ومسندا لما بعده كما يسند الفعل إلى فاعله فيجب حينئذ توحيده وامّا خبراً عما بعده فيكون ترك تثنيته لجهة المصدرية وكأنه نبه على ذلك حيث قال: أوّلاً مستو عليهم، وثانيا سواء عليهم، واختار بعضهم الوجه الثاني، لأنه اسم غير صفة فالأصل فيه أن لا يعمل، وأيضا المقصود من ايوصف بالمصادر المبالغة في شأن محالها كأنها صارت عين ما قام بها، فزيد عدل كأنه تجسم منه، فإذا أولت باسم الفاعل، أو بتقدير مضاف فات المقصود إهـ. وفيه بحث لأنّ ما نقله من الاختيار وأقرّه ليس بشيء لأنّ قوله إنّ الأصل فيه أن لا يعمل لا وجه له لأنه مصدر والأصل فيه العمل على القول الأصح، فكأنّ هذا القائل توهم أن معنى الاسم في كلامهم اسم الجنس الجامد، وقد علمت أنه غير مراد. وقوله: (المقصود من الوصف إلخ) هو هنا أيضاً كذلك كما ستسمعه عن ابن الحاجب، وصرّج به الطيبي رحمه الله، وقد مرّ توجيهه فلا حاجة إلى ما قيل من أنه إذا أسند إلى الفاعل لا يفيد المبالغة، وان كان له وجه، وكذا ما قيل من أنّ المبالغة تكون بحسب اللفظ وبحسب المعنى، وهو يفيد الأولى كحذف أداة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 التشبيه وإذا كان خبرا فقال في المفصل تقديمه على سبيل الوجوب، وفي إيضاح ابن الحاجب الظاهر أنه مما التزم فيه التقديم لأنه لم يسمع خلافه مع كثرته وسرّه ما فهم من المبالغة في معنى الاسنواء حتى فعلوا ما ذكرنا. من التعبير، فناسب تقديمه تنبيها على المبالغة، وقول أبي عليّ: سواء مبتدا لأنّ الجملة لا تكون مبتدأ مردود فأن المعنى سواء عليهم الاستغفار وعدمه، وبأنه كان يلزم عود ضمير إليه ولا ضمير يعود في هذا الباب كله اهـ. وما قيل من أنه لا يحتاج إلى رابط لأنّ الجملة عين المبتدأ قيل إنه لا وجه له لأنه مخصوص بضمير الشأن كما في كتب العربية وليس كذلك، فإنهم صرّحوا بسماعه في غيره كقوله تعالى {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] وسيأتي فيه كلام في سورة يس إن شاء الله تعالى. قوله: (رفع بأنه خبر إنّ إلخ) هذا أحد الوجوه في مثل هذا التركيب وتقديمه يوذن بترجيحه. وقد اعترض عليه أبو حيان بأنّ فيه وقوع الجملة فاعلاً والجمهور على أنّ الفاعل لا يكون إلاً اسماً مفردا، وستسمع ما يدفعه عن قريب ومن الناس من لم يتنبه له فجزم بوروده. وقوله في هذا الوجه مستو وفي الثاني سيان إشارة إلى أنّ حقه في الأوّل الإفراد وأن يؤوّل بمشتق، وفي الثاني التثنية إلا أنها تركت لأنه في الأصل لا يثنى ولا يجمع، ولذا قالوا إنّ العرب لم تثنه اسنغناء بثنية سيان عنه إلاً شذوذاً، وفي قول المصنف سيان إيماء إليه وهمزة سواء مبدلة من ياء وأصله سواي. قوله: (والفعل إنما يمتنع إلخ) شروع في دفع ما أورد على ما ذكر وهو أمور. الأوّل أنّ الفعل لا يكون مخبراً عنه. الثاني أنه مبطل لصدارة الإستفهام. الثالث أنّ الهمزة وأم موضوعان لأحد الأمرين، وسواء وكل ما يدل على الاستواء لا يسند إلاً إلى متعدد، فلذا يقال استوى وجوده وعدمه ولا يصح أن يقال أو عدمه. ولذا اختار الرضي وجها رابعاً وقال الذي يظهر لي أنّ سواء في مثله خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمران سواء ثم بين الأمرين بقوله أقمت أم قعدت كما في قوله {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ} [الطور: 6 ا] أي الأمران سواء عليكم، وسواء لا يثنى ولا يجمع وكأنه في الأصل مصدر اهـ. فقوله والفعل إلخ جواب عن الأوّل، ولو بدل الإخبار بالإسناد وقال: يمتنع الإسناد إليه كان أحسن ليدفع ما يرد على ما قبله أيضا لكنه خصه لأنّ الكلام فيه، وكون الفاعل مثله يعلم بالمقايسة أيضاً واليه يشير قوله بعد هذا والإسناد إليه وقيل عليه المخبر عنه الجملة لا الفعل وحده، واعتذر له بأن جعل الفعل مع فاعله المضمر فرلأتسمح شائع، ولا حاجة إليه لأنّ الاخباو في الحقيقة عن الفعل المقيد بالفاعل فهو قيد للمسند إليه لا جزء منه فإن قلت: على تقدير كون سواء خبراً كيف صح تقديمه مع التباسه بالفاعل قلت: قد صرّج النحاة بتخصيصه بالخبر الفعلي نحو زيد قام دون الصفة فإذا لم يمتنع في صريح الصفة فعدم امتناعه هنا أولى على كلام فيه سيأتي قي محله. وقوله: (تمام ما وضع له إلخ) تمام ما وضع له هو الحدث والزمان، والنسبة إلى شيء مّا وهو الفاعل، وأمّا نفس الفاعل فلا يدلّ عليه وضعاً، فما قيل تمام ما وضع له مجموع ثلاثة أمور معنى المصدر وذات الفاعل وزمان مخصوص من الأزمنة الثلاثة غفلة عما حقق في الرسالة الوضعية وإطلاقه بمعنى استعماله وهو أعم من الوضع، والمراد بمطلق الحدث الحدث المجرّد عن الزمان لا الحدث الغير المنسوب إلى فاعل، فلا يرد عليه ما قيل من أنّ المراد في قوله تسمع بالمعيدي، وفي قوله يوم ينفع ليس مطلق السمع والنفع بل سماعك ونفع الصدق وهو وهم ظاهر، وإذا لم يرد تمام معناه فإمّا أن يراد جزؤه وهو مدلوله الضمني المشار إليه بقوله ضمناً أو معنى آخر لم يوضع له، وهو لفظه سواء جرد عن المعنى نحو زعموا مطية الكذب أو لا كما في {قُولُوا آمَنَّا} [البقرة: 136] فإنّ المراد هذا اللفظ المراد معناه، وكون اللفظ لم يوضعلنفسه كما هو ظاهر كلام المصنف أو وضع له بوضع غير قصدّي مشهور، وقد مرّ في آخر الفاتحة، والمراد من الوضع إذا أطلق القصديّ فلا يرد عليه شيء على هذا أيضاً، والاتساع كالتوسع المراد به التجوّز، وهو أعم منه لأنه ة د يتوسع في بعض الألفاظ بنحو تقديم وتأخير من غير تجوّز، وكون الفعل في الإضافة بمعنى المصدر صرّح به النحاة وهو مراد المصنف قال ابن السراج في كتاب الأصول: القياس أن لا يضاف اسم إلى فعل ولكن العرب اتسعت في بعض المواضمع، فخصت أسماء الزمان بالإضافة إلى الأفعال لأنّ الزمان مضارع للفعل، لأنّ الفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 بني له وصارت إضافة الزمان له كإضافته إلى مصدره، ومما يدل عليه ما قرّره ابن جني في قول طرفة: من سديف يوم هاح الضبر (أقول) عدل المصنف رحمه الله عما في الكشاف من تصحيح الإسناد إلى الفعل بقوله هو من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى، وقد وجدنا العرب يميلون في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلاَ بيناً من ذلك قولهم لا تثل السمك وتشرب اللبن معناه لا يكن منك كل السمك وشرب اللبن وإن كان ظاهر اللفظ على ما لا يصح من عطف الاسم على الفعل اهـ. وما في الكشاف هو المطابق للمنقول، والحق الحقيق بالقبول، وما ذكره المصئف لا وجه له لأنه أدّعى أنه استعمل فيه اللفظ في جزء معناه، وهو الحدث تجوّزا فلذا صح الاخبار عنه كما يجوز الإخبار عما يراد به مجرّد لفظه نحو ضرب ماض مفتوح الباء، وهو مما صرّحوا به لكن قوله إنّ نحو {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ} [البقرة: 13] منه يقتضي أنّ كل مقول للقوق مما قصد به مجرّد لفظه، ساعا، وليس بصحيح فإنه أريد به معناه الموضوع له ولفظه إنما يدلّ على إرادة القول لا نفسه كما في المثال السابق ألا ترى قوله تعالى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] فلو لم يرد معناه الخبري لم يكذبوا (وما قيل) أنّ فوله على الاتساع متعلق بإرادة مطلق الحدث، فإنها هي المبنية على التوسع والتجوّز لا إرادة اللفظ فإنها لا تجوّز فيها عند التفتازاني {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} [الغاشية: 7] لمن له أدنى تدبر وكذا قوله إنّ الفعل المضاف إليه في قوله {يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ} [المائدة: 119] جرد للحدث اتساعا، فإنّ ينفع أريد به نفع فيما يستقبل من يوم القيامة فكيف لا يدل على الزمان وادّعاء مثله مكابرة، ألا ترى قود {يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33] وقوله {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة: 5] فإنها ناطقة بإرادة الزمان والذي ذكره القوم إنه نظر فيه إلى المصدر ولوحظ لا أنه خص به، وهو كالتغليب ولا يلزم من التأويل خروجه عن حقيقته كما سياتي، وهذا هو الميل مع المعنى ففي كلام المصنف خال ظاهر يصدق قولهم كم ترك الأول للآخر، والعجب أنه لم يتنبه له شراح هذأ الكتاب وقال قدّس سرّه: الفعل إذا نظر إلى لفظه واعتبر معناه على ما يقتضيه ظاهره امتنع الاخبار عنه لكن هجر ههنا مقتضى لفظه، وأول بمعنى مصدر مضاف إلى فاعله فصح الإخبار عنه، ولو أجرى لا تاكل السمك إلخ على ظاهره لزم عطف الاسم وهو تشرب المنصوب على الفعل بل المفرد على جملة لا محل لها، فهو من قبيل ما هجر فيه جانب لفظه إلى معناه من حيث أنه أوّل لا تأكل السمك بما فيه اسم يصلح أن يعطف عليه أن تشرب أي لا يكن منك أكل السماث وشرب اللبن لا من حيث أنه جعل في تأويل مصدر على حدّ قوله {؟ لأنذرتهم} إلخ فإنّ الفرق بين (فإن قيل) هذه الواو بمعنى مع إذ المنهيّ هو الجمع فلو جعل ما بعدها مفعولاً معه كما في ما صنعت، وأباك استغنى عن التأويل. (قلنا) بل يحتاج إليه لأنّ ما بعد الواو لا يصلح لمصاحبة معمول لا تأكل بل لمصاحبة معمول فعل يمال إليه أي لا يكن منك أكل السمك مع شرب اللبن يعني أنه نظر إلى المصدر في الآية، وفي لا تأكل إلخ وإن كان بينهما بون، فإن ما نحن فيه تركت فيه الحقيقة من كل وجه وفي ذاك الجملة باقية على حالها مستعملة في معناها، لكن هجر الأصل نظرا إلى العطف لا إلى نفسها كما في الكشف، وهذا مما اتفق عليه الشرّاح وما ذكره من السؤال وجوابه مما سبقه إليه الفاضل المحقق وهو مخالف لما حققه الرضي في بحث الحروف حيث قال تبعا لما في ضوء المصباح: لما قصدوا معنى الجمعية فيما بعد واو الصرف نصبوا المضارع بعدها، ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدّم مرشدا من أوّل الأمر إلى أنها ليست للعطف، فهي إذن إما واو الحال وأكثر دخولها على الاسمية، فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر، وإمّا بمعنى مع، وهي لا تدخل إلا على الاسم فقصدوا ههنا مصاحبة الفعل للفعل فنصبوا ما بعدها ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على ملكمدر متصيده من الفعل قبله كما قاله النحاة لم يكن فيه نصوصية على معنى الجمع، وكون واو العطف للجمعية قليل نحو كل رجل وضيعته، والأولى في قصد النصوصية في شيء على معنى أن يجعل على وجه يكون ظاهراً فيما قصد النصوصية عليه اهـ والثقة بالفاضلين تأبى غفلتهما عما قاله نجم الأئمة نوّر الله مثواه، فكأنهما لم يرتضياه لأنّ ما قرّره النحاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 في باب المفعول معه ينافيه بحسب الظاهر، وليس هذا محل تفصيله ثم إنّ ما ذكره المصنف أيضاً يرد عليه إنّ ما ذكره من التجوّز في الفعل بإرادة جزء معناه، وهو الحدث لا يتأتى فيما إذا كان المعاد لأن بعد همزة التسوية أو أحدهما جملة اسمية كما في قوله {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] لكته يدخل في الميل مع المعنى، وقد نقل ابن جني في إعراب الحماسة عن أبي علي رحمه الله أنه قال: الجملة المركبة من المبتدأ والخبر تقع موقع الفعل المنصوب بأن إذا انتصب وانصرف القول به، والرأي فيه إلى مذهب المصدر كقوله تعالى {هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} [الروم: 28] (ووجدت أن في التنزيل) موضعاً لم يذكره، وهو قوله تعالى {أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم 35] أي فيرى ألا ترى أنّ الفاء جواب الإستفهام وهي تصرف الفعل بعدها إلى الانتصاب بأن مضمرة، وأن والفعل المنه صوب مصدر لا محالة، حتى كأنه قال أعنده غلم الغيب فرؤيته كما أنّ قوله تعالى {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} [الروم: 28] في معنى هل بينكم شركة فاستواء هذا وجه السماع اهـ وهذا من نفيس الفوائد وستأتي تتمته في محله إن شاء الله تعالى. قوله: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) فتسمع فيه بمعنى السماع على ما مرّ، وهو مبتدأ وخير خبر وما قالوه هنا إنما يتاتى على رفع تسمع من غير تقدير أن المصدرية فيه وهو رواية، وفيه روايات أخر نصب تسمع بأن مقدرة فيه. وفي شرح الفصيح روي لا أن تراه وكان الكساتي يقول أن تسمع ويدخل فيه أن والعامّة لا تدجلها وقال أبو عبيد: حذف أن أشهر، ويقولون تسمع بالرفع والنصب. وقال الأستاذ: ليس فيه إسناد إلى الفعل كما ظنه بعضهم مستدلاً به وبقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ يريكم البرق} [الروم: 24] وقول الشاعر: وحق لمثلي يا بثينة يجزع جعله مسندا إليه مبتدأ ونائب فاعل وهو فاسد لأنّ الفعل وضع لأن يخبر به لا عنه وما ذكروه أن مقدرة فيه، فهو اسم وقال الفرّاء تسمع بالمعيدي لا أن تراه لغة بني أسد وهي العليا وقيس تقول لأن تسمع بالمعيدي إلخ والمعيدي قال الكسائي تصغير معدي منسوب إلى معد بالتشديد وكان يروى المعيديّ بالتشديد ولم يسمع من غيره وقال سيبويه: خفف لكثرة دوره ولو حقر معدفي في غير المثل شدد، والمثل يضرب لمن تراه حقيراً وقدره خطير وخبره أجل من مرآه وأوّل من قاله النعمان بن المنذر، وقيل المنذر بن ماء السماء والمعيدي رجل من بني فهد، وقيل من بني كنانة واختلفط في اسمه فقيل صقعب بن عمرو، وقيل شقة بن ضمرة، وقيل ضمرة التميي، وكان صغير الجثة عظيم الهيئة، ولما قيل له ذلك قال أبيت اللعن إن الرجال ليسوا بجزر يراد بها الأجسام، وإنما المرء بأصغريه وقال الميداني: عدي تسمع بالباء لتضمته معنى تحدّث، وظاهر كلامهم أنه يعدّي بها حقيقة وقال قدس سرّه في بعض كتبه الفعل كضرب يشتمل على حدث، ونسبة مخصوصة بينه وبين فاعله، وتلك النسبة ملحوظة بينهما على أنها ا-لة لملاحظتهما على قياس معنى الحرف، فلا يصح أن يحكم عليه بشيء ولا أن يحكم به نعم جزؤه، وهو الحدث مأخوذ من مفهوم الفعل على أنه مسند إلى شيء آخر، فصار الفعل باعتبار جزئه محكوما به وأمّا باعتبار مجموع معناه فلا يكون محكوماً عليه ولا به أصلاَ اهـ. وفيه بحث لا يخفى، وهو لا ينافي قول العلامة الفعل أبداً خبر فتدبر. قوله: (وإنما عدل هنا إلخ) جواب عن سؤال تقديره إذا صح الإسناد إليه لتجرده لمعنى الحدث وكونه بمعنى المصدر قيل، فلم لم يؤت بالمصدر على الأصل والحقيقة، فقال عدل عنه لنكتة ومعنى وسبب العدول وجه واحد وهو إيهام التجدد أو وجهان معنويّ، وهو المذكور ولفظيّ وهو حسن دخول الهمزة وأم لأنّ الإستفهام بالفعل أولى وقد اختار الثاني كثير من أوباب الحواشي بناء على أنّ قول المصئف رحمه الله وحسن دخول الهمزة حسن فيه اسم مجرور لعطفه على مجرور من قبله، وهو إيهام التجدّد، وفيه احتمالان آخران كما سيأتي بناء على أنّ السبب واحد وهو المطابق لما قاله الإمام، فإنه الذي أبدى هذه النكتة فقال في جواب السؤال معناه سواء عليك إنذارك لهم وعدمه بعد ذلك لأنّ القوم كانوا بالغوا في الإصرار واللجاج والإعراض عن الآيات والدلائل إلى حالة ما بقي فيهم البتة رجاء القبول بوجه وقبل ذلك ما كانوا كذلك، ولو قال إنذارك وعدم إنذارك لما أفاد أنّ هذا المعنى إنما حصل في هذا الوقت دون ما قبله، ولما قال " نذرتهم إلخ أفاد أنّ هذه الحالة إنما حصلت في هذا الوقت فكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ذلك يفيد حصول اليأس وقطع الرجاء منهم والمقصود من هذه الآية ذلك اهـ. فإن قلت: التجدّد له معنيانا مطلق الحدوث، وهو الموجود في كل ماضمياً كان أو غير. لأنّ المفيد له مقارنة الزمان والحدوث في المستقبل مطلقاً، وهو الاستمرار التجذدي ويختص بالمضارع والأوّل محقق والثاني لا وجود له رأساً فما الذي أراده المصنف قلت: قيل أراد الأوّل والفعل إنما يدلّ عليه إذا بقي على أصل معناه أمّا إذا جرّد عن الزمان للحدث كما هو هنا، فلم يتحقق فيه ذلك وإنما يتوهم نظر الظاهر الصيغة، وقيل المراد الثاني لأنّ الماضي بمعنى المضارع بقرينة قوله لا يؤمنون لكنه نظر إلى ظاهر الصيغة، فذكر الإيهام والأوّل أوفق بالمقام وكلام المصئف، والثاني مناسب للاقتداء بالإمام إلاً أنه لا يحلو من شيء لأنّ القول بأنه بمعنى المضارع مع القول بتجرّده للحدث جمع بين الضب والنون، فإن قلت ما وجه إيهام التجدّد هنا، قلت الدلالة على أنه أحدث ذلك، وأوجده فادّى الأمانة وبلغ الرسالة وإنما لم يؤمنوا لسبق الشضاء، ودرك القضاء لا لتقصيرء "، فهو وإن أفاد اليأس فيه تسلية للنبيّ عليه الصلاة والسلام أيضا فلا يخفى ما فيه من الفوائد السنية. قوله: (وحسن دخول الهمزة وأم إلخ) حسن بفتح الحاء وضم السين ماض أو بضم الحاء وسكون السين اسبم مجرور كما تقدم أو مرفوع بالابتداء والجار والمجرور خبره وعلى الأوّل هو متعلق بحسن أو بدخول وعلى الثاني بحسن أو بقوله لتقرير، وكلام الإمام الذي هو مأخذه يبعد الأوّل وخير الأمور أوسطها والتقرير التحقيق والتئبيت، وهو قريب من التوكيد فهو كالتفسير له، وإنما عدل المصنف رحمه الله عن تقرير الاستواء الأخصر الأظهر إلى قوله تقرير معنى الاستواء، لأنه أراد به مجرّد مفهومه بقطع النظر عن الذهن والخارج، لأنه المتبادر من المعنى لأنه مطلق المفهوم وهو المراد بقوله أوّلاً اسم بمعنى الاستواء، فأعاد المعرفة برمّتها ليدلّ على أنها عينها ولا يصح أن يريد به مدلول سواء هنا لأنهما متغايران ومقتض التغاير التأسيس فتأكيده لما في ضمنها من المطلق، وما قيل من أنّ إقحام معنى لأنّ أصل معنى الاستواء قد حصل في علم المستفهم الذي قدر منه أن يستفهم بقوله {؟ لانذرتهم أم لا} لا معنى له أصلاً وبتقرير التقرير سقط ما قيل إنه ظاهر على تقدير الفاعلية، وأمّ على الابتداء فالوجه أنه لما تاخر المبتدأ لفظاً فذكر ما تضمنه الخبر المتقدم مع المبتدأ المتأخر لا يجعل الخبر لغواً بل مقرّواً ومؤكدا، وظن بعضهم أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله عين ما في شروح الكشاف، وليس كذلك لأنّ الاستواء المستفاد من أم والهمزة عندهم غير ما يستفاد من سواء، فلا تأكيد ولا تقرير على تقريرهم اهـ. قوله: (فإنهما جرّدتا عن معنى الإستفهام إلخ) كلام المصنف رحمه الله هنا منتخب مما نقله الزمخشريّ عن سيبويه رحمه الله، وما على الرسول إلاً البلاغ، وعبارة سيبويه في باب ترجمته باب ما جرى على حرف النداء وصفاً له، وليس بمنادى يعني الاختضاص قال: أجري هذا على حرف النداء كما أنّ التسوية أجرت ما ليس باستخبار ولا اسنفهام على حرف الإستفهام، لأنك تسوّي فيه كما تسوي في الإستفهام، وذلك قولك ما أدري أفعل أم لم يفعل فجرى هذا كقولك أزيد عندك أم عمرو إذا استفهمت لأنّ علمك قد استوى فيهما، كما استوى عليك الأمرإن في الأوّل فهذا نظير الذي جرى على حرف النداء اهـ. قال السيرافيّ: يعني بحرف النداء أيها لأنها لا تستعمل إلاً في النداء وليس هنا بمنادى ولا يجوز دخول حرف النداء عليه، ولكنه استعمل للتخصيص لأنك تخص المنادي من بين من يحضرك بامرك ونهيك وغير ذلك، فاستعير لفظ أحدهما للآخر حيث شاركه في الاختصاص كما جعل حرف الاسنفهام لما ليس باستفهام لما اشتركا في التسوية إلخ. وكذا قال أبو عليّ؟ كما رأيناه في تأليفه وزبدة س مخصة الإفهام أنّ أم المعادلة للهمزة حقيقتها هنا الاستفهام عن أحد أمرين، فمعنى أكان كذا أم كذا أيّ الأمرين كان، ولا يستفهم عنهما إلاً من تصوّرهما فقد استويا في علمه واستوت أقدامهما على سطح فهمه من غير تقديم رجل على أخرى، وهذا مما يلزم الإستفهام لزوما بيناً فلما لم يرد بهمزة التسوية ومعادلها حقيقتهما من الإستفهام تجوّز بهما عن معنى الواو العاطفة الدالة على اجتماع متعاطفيها في نسبة مّا من غير دلالة على تقدّم أو تأخر، وهذا مراد سيبويه بالتساوي والمعادلة، كما أشار إليه السيرافي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 في شرحه ومثل هذا المعنى وان كان مرادا ولازما إلاً أنه لا يلاحظ في عنوان الموضوع بعد السبك كما لا يلاحظ معنى العاطف، فلا يقال في الترجمة هنا إلاً الإنذار وعدمه سواء من غير نظر إلى التساوي حتى يقال إنه إذا كان تقدير المبتدأ المتساويان يلغو حمل سواء عليه كما لغا سيد الجارية مالكها، فيدفع بأنّ التساوي فيه تساو في علم المستفهم وتساوي المحكوم به في عدم الفائدة في الخارج كما قالوا، ولو. كان ما ذكر لهذا لم يصح ذكره في نحو ما أدري وما أبالي أقمت أم قعدت ولا حمل فيه لسواء، وقد حام حول الحمى المولى الفناري فيما قاله من أنّ التجريد لمعنى الاستواء، لحديث اللغوية على ما يفهم من ظاهر قول المصنف أنه مقرّر، ومؤكد وفيه أنه لا يحصل المقصود بدون الحكم به فإنّ قوله {؟ لأنلرتهم أم لم تنذرهم} بدون سواء لا يفهم منه حقيقته، وما فهمه الشراح من الكشاف أنّ الاستواء الذي تضمنه الهمزة وأم استواء في علم المستفهم وما بعده في نفس الأمر، فالمعنى الإنذاو، وعدمه المستويان في علم المستفهم مستويان في نفس الأمر كما ذكره الرازي، وقال التفتازاني: معناه المستويان في علم المستفهم مستويان في عدم الفائدة، وقال الجمال الأقسراني: إنّ هذا كله تكلف لا يلائمه المقام إذ لا وجه للتعرّض لعلم المستفهم فضلاً عن التعرّض لاستواء الأمرين فيه وإنما الكلام في أنّ الهمزة وأم لما انسلخا عن معنى الإستفهام عن أحد الأمرين، وكانا مستويين في علم المستفهم جعلا مستويين في تعلق الحكم بكليهما، فانتقل قوله أأنذرتهم إلخ عن أن يكون المقصود أحدهما إلى أن يكون المراد كليهما، وهذا معنى الاستواء الموجود فيه فالحكم بالاسنواء في عدم النفع لم يحصل إلا من قوله {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} وظفرت بمثله عن أبي عليّ الفارسي اهـ. وقال قدس سرّه: إن صاحب الكشاف أراد أنّ هذا معناهما في أصلهما ليظهر تضمنهما للاسنواء فيصح الحكم بتجريدهما لا أنّ الاستواء في علم المستفهم مقصود هنا كيف، وهما بعد التجريد لم يقعا في كلام مستفهم، وقيل أراد به أنّ الاستواء الذي جرّدتا له استواؤهما في علم المستفهم عند استعمالهما في الإستفهام وهنا قد ذهب، وبقي الاستواء في العلم وهذا أقرب إلى الحقيقة وأليق بقولهم جرّدتا لمعنى الاستواء منسلخاً عنهما الإستفهام لاقتضائه أنّ المراد بالاستواء هو الذي كان والاً لم يكن تجريداً، والمستفاد من سواء الاستواء فيما سيق الكلام له كأنه قيل المستوياظ في علمك مستويان في عدم الجدوى، وهذا معنى ما نقل عن المصنف ومحصوله من أنّ هنا سؤالاً مقدرا وقع هذا عقبه فلأشير إلى الاستواء في علم ذلك المستفهم كأنه سال ربه لأنذرتهم أم لا، وعن أبي عليّ رحمه الله أنّ الفعلين مع الحرفين في تأويل اسمين معطوفين بالواو وهما الواقعان موقع الفاعل أو المبتدأ، ثم اختار أنّ سواء خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء عليّ ثم بينهما بقوله أقمت أم قعدت، والفعلان في مة ضى الشرط والاسمية قبله دالة على جوابه أي إن قمت أو قعدت فالأمران سواء. ولذا كان الماضي في معنى المستقبل لتضمن معنى الشرط، واستهجن الأخفش كما في الحجة أن يقع بعدهما جملة ابتدائية ولولا تقدم الفعلية في قوله تعالى {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] لم يجز واستقبح المضارع بعدهما أيضا ويؤيده أنه في التنزيل ماض، وإنما أفادت الهمزة الشرط لأن ان في المفروض! في الأغلب والإستفهام يستعمل فيما لم يتيقن فقامت مقامهما، ولذا جعلت أم بمعنى أو لأنها مثلها في إفادة أحد الشيئين ط ومما يرشد إلى أنّ سواء في مقام جواب ال! شرط لا خبر أنّ معنى سواء أقمت أم قعدت ولا أبالي معنى واحد وليس خبراً فيه ب! ، بمعنى إن قمت أو قعدت لا أبالي بهما وكذا قوله: سيان عندي إن برّوا وإن فجروا ~ فليس يجري على أمثالهم قلم وانما اختصت الهمزة وأم في التسوية بما بعد سواء وما أبالي وما يجري مجراهما، لأنّ المراد التسوية في الشرط بين أمرين، فاشترط فيما يقع خبرا أن يشتمل على معنى الاستواء قضاء لحق المناسبة ولذا وجب تكرير الشرط وعلى هذا الجملة الشرطية خبر إنّ اهـ. (أقول) قد عرفت المراد بالتسوية هنا على وجه يزيل هذه التكلفات، وأنّ قولهم التجريد يوهم أنه مجاز مرسل استعمل فيه الكل في جزئه، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 إمّا استعارة أو مستعمل في لازم معناه فرية بلا مرية، وما ذكر من السؤال لا وجه له خصوصا والسورة مدنية وهو صقى الله عليه وسلم قد أمر بالتبليغ قبل الهجرة فكيف يتأتى السؤال، وما نقل عن أبي عليّ صرّح في القصريات بخلافه وقال إنه لا يجوز العطف بأو بعدها حتى قال في المغني إنه من لحن الفقهاء وقال السيرافي في شرح الكتاب سواء إذا دخلت بعدها ألف الإستفهام لزمت أم كقولك سواء عليّ أقمت أم قعدث فإذا عطف بعدها أحد اسمين على آخر عطف بالواو لا غير نحو سواء عندي زيد وعمرو، فإذا كان بعدها فعلان بغير اسنفهام عطف أحدهما على الآخر بأو كقولك سواء عليّ قمت أو قعدت، فإن كان بعدها مصدران نحو سواء عليّ قيامك وقعودك فلك العطف بالواو وبأو وإنما دخلت في الفعلين بغير استفهام لما فيهما من معنى المجازاة فإذا قلت سواء عليّ قمت أو قعدت، ثتقديره إن قمت أو قعدت فهما عليّ سواء اهـ، وهذا مخالف لما نقل عن أبي عليّ رحمه الله، وقوله واستهجن الأخفش إلخ يعارضه قول السيرافي أيضاً البدء بالفعل ههنا أحسن وقد يعادل بالفعلى والفاعل المبتدأ والخبر لاستواء المعنى في ذلك كقوله تعالى {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] وان شئت قلت سواء عليكم أنتم داعون لهم أم أنتم صامتون عنهم وسواء عليكم أهم مدعوّون لكم أم هم متروكون اهـ وما ذكر. من العطف بأو يأباه تصريحهم بخلافه، وأنّ معنى الشرط إنما يلاحظ إذا لم يكن استفهام وما ذكره من البيت لا حجة فيه، لأنه كما صرّح به في أواخر شرح الكافية لابن سينا وكلام مثله لا يستأنس به فضلاً عن أن يحتج به، وهو في الحقيقة له من قصيدة أوّلها: يا ربع نكرك الأحداث والقدم ~ فصار عينك كالآثار تتهم قوله (كما جرّدت حروف النداء عن الطلب إلخ) المراد بالطلب طلب إقبال المنادى، لأنّ النداء إنشاء إذ ليس المراد إخبار المتكلم بأنه ينادي وأنث جرّدت لتأنيث الجمع، وهو حروف جمع حرف وفي نسخة حرف بالإفراد فيقرأ جرّدت بتاء الفاعل المخاطب، وهذه وان كانت أقل فهي أقعد، والمراد بحرف النداء أيها لأنها لا تستعمل إلاً في النداء فالحرف بيمعنى الكلمة، وآثر المصنف هذه العبارة تبرّكا لأنها عبارة سيبويه والمتقدمين، فجمعها باعتبار أفرادها، وأيتها بضم التاء مؤنث أيّ وهي يجوز تأنيثها إذا وصفت بمؤنث كقوله تعالى {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] وقد كان منادى مبنيا وها بعده حرف تنبيه ويلزم وصفه بمعرّف بأل أو بموصول أو اسم إشارة كما ذكر النحاة ويلزم رفع صفتها، كما في النداء لأن منقول منه إلى الاختصاص ومجموع أيتها العصابة في محل نصب لوقوعه موقع الحال أي مختصا من بين الرجال والطوائف ونحوه، مما يقتضيه لفظه والعصابة صفته ومعناه طائفة من الناس، وقيل هو من العشرة إلى الأربعين كالعصبة ويختص بالرجال، وجمعه عصب كغرفة وغرف والاختصاص والتخصيص لغة الانفراد والإفراد، وفي اصطلاج النحاة قصد المتكلم بعد ضمير ونحوه إلى ذكر اسم ليخصه بحكم ينسبه إليه فيأتي به على صورة المنادى مجرياً عليه أحكامه إلا ذكر حرفه لما بينهما من المناسبة إذ المنادى يختص بالخطاب من بين أمثاله، فنقل من الاختصاص بالخطاب إلى الاختصاص بالحكم كما نقلت الهمزة وأم من الإستفهام إلى التسوية كما مرّ والمراد بالتخصيص الاختصاص في الإثبات والذكر، وهو أعمّ من الحصر، فما قيل من أنّ استعمال النداء في الاختصاص محل خفاء بناء على أنه فهم منه الحصر ليس بشيء. (واعلم) أنّ على هنا باعتبار أصل معناه لأنه يتعذى بعلى فيقال استوى على الأرض قال تعالى {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 45] وقيل: إنها بمعنى عند وفي المغني على تجيء للظرفية، ولذا فسره في اللباب: بمستو عندهم وقيل على هنا للمضرّة كدعا عليه، وليس بشيء لأنّ سواء استعمل مع على مطلقاً فتقول مودّني دائمة سواء عليّ أزرت أم لم تزر، وبما مرّ علم أنه ليس في قوله حرف النداء خلل كما قيل: إنه غير مطابق لنفس الأمر لأنّ باب الاختصاص لم تجرّد فيه حروف النداء بل لا وجود لحرف النداء فيه أصلاَ لا لفظا ولا تقديراً كما اتفق النحاة عليه، وعبارة الكشاف في غاية الحسن لسلامتها مما ذكر، وقد تؤوّل العبارة على أنه أراد بالحروف الكلمات الجارية في الاختصاص، وهي الأسماء التي على صورة المنادى لا الحروف التي هي يا وأخواتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 اهـ. قوله: (والإنذار التخويف الخ) كون معناه لغة التخويف قول هشهور، وقيل معناه فيها الإبلاغ قال في المصباح وأنذرت الرجل كذا إنذارا أبلغته يتعدّى إلى مفعولين، وكثر ما يستعمل في التخويف وأمّا استعماله في القرآن بمعنى التخويف من عذاب الله، فإمّا أن يجعل منقولاً من العذاب أو بطريق النقل والتخصيص في عرف الشرع أو لأنه في تأويل مصدر معرّف بتعريف عهديّ، وقيل إنه من استعمال المطلق في بعض أفراده مجازاً، وقال ابن عطية رحمه الله: لا يكاد يكون الآ في زمان يسع الاحتراز فإن لم يسعه فهو إشعار لا إنذار، والمفعول الثاني هنا محذوف تقديره " نذرتهم العذاب أم لم تنذرهم إياه والأحسن أن لا يقدر له مفعول ليعمّ كما في الدرّ المصون وغيره، فقوله من عذاب الله كما مرّ إشارة للمفعول أو التأويل والأوّل أقرب وأولى. وقوله: (اقتصر إلخ) قيل مراده محتمل لعدم ذكر البشارة بطريق الاقتصار عليها أو بالاشتراك بأن يذكرا معاً لأنها تفهم بطريق دلالة النص، لأنّ الإنذار أوقع وأولى كما أشار إليه المصنف فاندفع ما قيل من أنّ هذه النكتة لا تفيد ترك الجمع، فالوجه أن يقال الكافر ليسى أهلاً للبشارة فتأمّل. قوله: (وقرىء لأنذرتهم إلخ) قالوا تحقيق الهمزتين لغة تميم، فلا عبرة بمن أنكرها، وتخفيف الثانية بين بين لغة الحجاز وكذا إدخال الألف بين الهمزتين تحقيقاً وتسهيلاً كقوله: فياظبية الوعساء بين حلاحل وبين النقاآ أنت أم أمّ سالم وروي عن ورس إبدال الثانية ألفاً محضة فقال الزمخشريّ وتبعه المصنف: إنها لحن لأنّ الهمزة المتحرّكة لا تبدل ألفا ولأنه يؤذي إلى جمع الساكنين على غير حده، وهو خطا لثبوتها تواتراً في القراءات السبعة كما ذكرناه وما طعنوا به ليس بشيء لأنه وود عن فصحاء العرب إبدال الهمزة المتحرّكة وان كان أقل من إبدال الساكنة كما في قوله لا هناك المرتع وقوله: سألت هذيل رسول الله فاحشة والتقاء الساكنين على حده في اصطلاج أهل العربية، والأداء أن يكون الأوّل حرف لين والثاني مدغماً نحو الضالين وخويصة ثم خصوا الوقف بجواز التقائهما مطلقا لكونه عارضا فتلخص من كلامهم أنه لا يجمع بين ساكنين وصلا في غير ما ذكر، وإنما اغتفر في الإدغام لعروضه ولأنّ المدغم والمدغم فيه كحرف واحد، فكأنه متحرّك وضمير على حدّة للجمع، والحد بمعنى حكمه الذي لا يتعداه ويجوزه جوازا، كما في قوله وأجدر {أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ} [التوبة: 97] أي أحكامه اللائقة به. وأجيب عن التقاء الساكنين بأنّ من قلبها ألفاً أشبع مد الألف بزيادة ألف أو ألفين ليكون ذلك فاصلاً بين الساكنين، كما ذكروه في قراءة محياي بسكون الياء وصلا وهذا مما اتفق عليه القرّاء، وقالوا التخلمى من التقاء الساكنين إذا كان على غير حده بالتحريك أو الحذف أو زيادة ألف في المد، ولا يخلو من إشكال وان سلموه لهم هنا لأنّ الألف المزيدة ساكنة أيضاً، فكيف يتخلص بها من التقاء الساكنين وقد زيد ساكن ثالث. وقال أبو حيان القراءة المتواترة لا تدفع ببعض المذاهب وكون حد التقاء الساكنين ما مرّ مذهب البصريين ولا يجب اتباعه مع أنه في المطرد المقيس، وكلام الله مما يقاس عليه لا مما يقاس على غيره، فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل على أنه عارض، والأصل أنه لا يعتدّ به، ثم إنّ هذه القراءة من قبيل الأداء ورواية البغداديين عن ورش التسهيل بين بين على القياس فليس الطعن فيها طعناً في القرآن المتواتر بل في كيفيته أو في روايته على أنه لا يبالي بذلك وما ذكره المصنف رحمه الله أحسن من قوله في الكشاف: وقرىء بتحقيق الهمزتين والتخفيف أعرب، وأكثر أي أدخل في العربية وأفصح والشرّاح على أنّ هذه جملة معترضة بين المتعاطفين قدمت اهتماما وأصلها التأخير قيل وهو مبنيّ على أنّ التخفيف بمعنى جعلها بين بين، وليس هذا مراده بل مراده التخفيف بإسقاط إحداهما، فمرتبته بعد التخفيف كما يشهد به الذوق، وليس بشيء لأنّ الحذف شأتي في عبارته أيضا والتأخير لا يدفع التكرير، ولو قيل التخفيف المراد به هنا أعمّ من الحذف والتسهيل بين بين على أنّ ما بعده تحقيق للتخفيف، وتفصيل له كان أحسن فتأمّل. قوله: (بين بين) ظرف مكان مبهم وهما اسمان ركبا وبنيا على الفتح كخمسة عشر وجعلا اسما واحداً بتقدير بين التخفيف والإبدال أو بين الهمزة والهاء. وقوله: (وبحذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 الاستفهامية إلخ) في الكشاف وبحذف حرف الإستفهام وبحذفه، والقاء حركته على الساكن قبله كما قرىء {قَدْ أَفْلَحَ} اهـ 0 وتبعه المصنف رحمه الله، وقد أشكل على شرّاحه بأسرهم. قال قدس سرّه هذه القراءة والتي بعدها من الشواذ والباقية متواترة، وأنما جعل المحذوف همزة الإستفهام، لكثرة حذفها كما في قوله: بسبع رمين الجمر أم بثمان دون حذف همزة الأفعال في الماضي والظاهر أنّ الضمير في قوله حركته راجع إلى حرف الإستفهام المحذوف، فالقراءة بفتح الميم والهمزة معاً، وهي مع كونها غير مروية عن أحد مخالفة للقياس موجبة للثقل، فلذا قيل الضمير راجع للحرف الذي بعد حرف الاستفهام، فالقراءة عليهم نذرتهم بلا همزة أصلاً وبشهد له قوله {قَدْ أَفْلَحَ} [المؤمنين: ا] اهـ. وقد اختلف الناس بعدهم إلى مسلم ومجيب كما قيل إنّ أبا شامة نقل عن ابن مهران أنّ للقرّاء في الهمزة بعد ميم الجمع ثلاثة مذاهب. الأول نقل حركتها للميم مطلقا فتحة كانت أو ضمة أو كسرة. والثاني ضمها مطلقا لأنه حركتها الأصلية. والثالث نقل الضمة والكسرة دون الفتحة فقولهم غير مروية عن أحد مندفع. وفي شرح الشاطبية أنّ لحمزة في الهمزة بعد ميم الجمع وجوها منها النقل، وقد قرأ أأنذرتهم ونحوه بنقل الأولى وتسهيل الثانية فلك أن تحمل هذه العبارة على ظاهرها مرت غير ارتكاب تعسف أو شذوذ غايته أنهم تركوا التصريح بالتسهيل وهو سهل فتدبر. قوله: (جملة مفسرة إلخ) الجارّ والمجرور أعني لإجمال متعلق بقوله مفسرة وهو الظاهر وقيل إنه مستقرّ أي مسوقة لإجمال إلخ والإجمال لغة الإتيان بجملة الشيء من غير تفصيل، ويكون بمعيى فعل الجميل كما في قول المتنبي: إنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان واجمال والمفسرة جملة مبينة لجملة سابقة أو لبعض مفرداتها ولا محل لها من الإعرإب على القول المشهور بين النحاة قيل: هذا بالنظر إلى مفهوم اللفظ مع قطع النظر عن أنه إخبار عن الكفار المصرّين فإنه حينئذ لا يبقى إجمال والعجب من بعض شرّاج الكشاف إذ ذهب إلى أنّ لها محلاً من الإعراب، وليس بشيء لأنّ كفرهم وعدم نفع الإنذار في الماضي بحسب الظاهر مسكوت فيه عن الاستمرار والدوام وقوله {لَا يُؤْمِنُونَ} دال عليه ومبين له وأما كون الجملة المفسرة لها محل من الإعراب الذي عده من العجب فهو من العجب لأنه مذهب الشلويين كما في المغني لاً نها عنده عطف بيان، ولذا قال قدس سرّه: لها محل من الإعراب إذا جعلت بيانا للجملة وأجريت مجرى التوابع، ومعنى استواء الإنذار وعدمه في؟ عدم النفع أنهم لا يتصوّر منهم إيمان أبدا والمراد بالمحل أنه لو حل محلها اسم مفرد أعرب بذلك الإعراب. قوله: (أو حال موّكدة إلخ) الحال المؤكدة عندهم إذا أطلقت فالمراد بها نحو زيد أبوك عطوفا، وقد اشترط النحاة فيها الوقوع بعد جملة اسمية طرفاها معرفتان جامدان وعاملها محذوف أبدا، وقد يرإد بها ما يؤكد شيئا مّا قبله، وهو المراد ومن توهم أنّ المراد الأوّل فقد خبط خبط عشواء، وصاحب الحال الضمير في عليهم أو أنذرتهم والبدل إمّا بدل اشتمال لاشتمال عدم نفع ما مز على عدم الإيمان أو بدل كل من كل لأنه عيته بحسب المآل. وقال أبو حيان: {لَا يُؤْمِنُونَ} له محل من الإعراب خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هم لا يؤمنون، وقد جوّز فيه أن يكون حالاً وهو بعيد، ويحتمل أن لا يكون له محل على أنّ الجملة تفسيرية أو دعائية وهو بعيد، وما قيل من أنّ عبارة الكشاف إما أن يكون جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبر الآن ولم يذكر الحالية وكلام المصنف منسوح على منواله، فكأنّ النساخ حرفوا الجملة بالحال تركه أولى من ذكره. قوله: (أو خبر إق والجملة إلخ) في الكشف كونه جملة مؤكدة أولى من المقابل سواء جعل لا يؤمنون تاكيداً كما ذكره أو بيانا لعدم الاجداء المقصود من الكلام، لأن جعل سواء الجملة اعتراضاً، وان حسن فيه أنّ من حق الاعتراض أن يساق مساق التأكيد لما عسى يختلج في وهم، وأن يتم المقصود دونه لفظاً ومعنى ولا كذلك ما نحن فيه لأنه أقوى في الإبانة عما سيق له الكلام من قوله {لَا يُؤْمِنُونَ} على ما لا يخفى وأمّا جعل لا يؤمنون خبرا بعد خبر أو حالاً مؤكدة، فلا يخفى ما فيه من فوت فخامة المعنى وتبعه قذس سرّه هنا وارتضى ما ارتضاه يعني أنّ جملة التسوية أدل على ما قصد من النظم في السباق بالموحدة، وهو أنّ المؤمنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 بما جاء به، وبما أنزل إليه وأنزل من قبله هم المهديون الفائزون بخير الدارين، وحق هؤلاء أن يقابلوا بكفار مصرين إنذار الرسل والكتب، سواء لديهم والعدم وكذا سياق ما بعده من ختم المشاعر، وتغطية البصائر إنما يأخذ بحجزه عدم الانتفاع بالآيات والنذر على ما لا يخفى، وأمّا ما قيل عليه من أنه أراد بما سيق له الكلام وصف الكتاب بما هو شأنه فكما أنّ في الحكم بالاستواء إدماجا لوصف الكتاب بأنه لا يجدي، فكذا هو في قوله {لَا يُؤْمِنُونَ} فهما متساويان والثانية أبين دلالة على المراد فهو أظهر وأقوى، وجعله ركناً من الكلام أوجه وأولى، وان أراد به عدم نفع الدعوة كقوله تعالى {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] فنفي الإيمان أيضاً أدل عليه خصوصا وما قبله معلل ومؤكد له، فسواء والعدم على من دقق النظر وأحسن الورد والصدر، وقيل: الاعتراض أن يؤتى في أثناء كلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة لا محل لها من الإعراب لنكتة سوى دفع الإيهام، وجوز بعضهم كونه لدفع الإيهام وكونه في آخر الكلام وأمّا اشتراط كونه للتأكيد فمما لم نسمعه، وهذا إن كان ما قبله جملة فإن كان اسم فاعل وفاعلا تعين أن يكون {لَا يُؤْمِنُونَ} بيانا وتقريراً له لأنّ الاعتراض لا يكون إلاً جملة وهو يرد على عامّة الشراح، وقد اغترّ به المولى ابن كمال والحق معهم دراية ورواية أمّا الأوّل فلأنه لو لم يؤكد كان ترقيعاً للديباج بالخيش. وأمّا الثاني فلقوله في الكشاف في سورة الزمر حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبيته، وقال ابن مالك في التسهيل: الجملة الاعتراضية هي الجملة المفيدة تقوية، وبعد هذا المقال ما بعد الحق إلاً الضلال، وقول المصنف رحمه الله بما هو علة الحكم فيه إشارة إليه ووجهه أنه يدل على قسوة قلوبهم وعدم تأثرهم بالإنذار وهو مقتض لعدم الإيمان، وما قيل من أنه ليس في الاخبار عن الذين كفروا بعدم الإيمان فائدة إلاً أن يقيد بقيد وهو خلاف الظاهر قد دفع بأنّ الموضوع دل على عدم إيمان في الماضي، والمحمول على استمراره في المستقبل وما أورد عليه من أنّ مراد المعترض أنه لا فائدة تناسب ما سيق له الكلام، لأنه إذا جعل بيانا أفاد أنّ عدم إيمانهم لقصور فيهم لا في كمال الكتاب الذي سيقت الآية لبيانه غير مسلّم، وما روي من الوقف على قوله {أَمْ لَمْ تُنذِرْ} والابتداء بقوله {هُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} على أنه مبتدأ وخبر مردود لا يلتفت إليه وإن نقله الهذلي رحمه الله في كتاب الوقف والابتداء كما في الدرّ المصون. قوله: (والآية مما احتج به إلخ) هذا مما زاده المصنف على ما في الكشاف، وهو من أمّهات المسائل الأصولية وله أدلة منها ما ذكر كما يثير إليه قوله مما، واطلاقه التكليف يتناول الوجوب وغيره وتقريرهم ظاهر في أنّ الخلاف في الوجوب، وفي الآيات البينات لا مانع من إ-هـ ائه في غير.، وفي تحرير ابن الهمام القدرة شرط التكليف بالعقل عند الحنفية والمعتزلة لقبح التكليف بما لا يطاق، واستحالة نسبة القبيح إليه تعالى، وبالشرع عند الأشاعرة في الممكن لذاته كحمل جبل، واختلف في المحال لذاته، فقيل عدم جوازه شرعي لأنه تعالى قال {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فلو كلف الجمع بين النقيضين جاز عقلاً، وهدّا منسوب للأشعري، وقيل: عقليّ وتحرير محل النزاع أنّ مراتب ما لا يطاق ثلاث أدناها ما يمتنع لعلم الله بعدم وقوعه أو لإرادته ذلك، أو لإخباره به ولا نزاع في وقوع التكليف به فضلاً عن الجواز فإنّ من مات على كفره ممن أخبر الله تعالى بعدم إيمانه يعدّ عاصيا إجماعاً يعني بإجماع أهل الإسلام وفرقه فإنّ الآمديّ نقل عن بعض الثنوية أنه منع جوازه كما في شرح منهاج المصنف رحمه الله وأقصاها ما يمتنع لذاته كجمع الضدّين، وفي بخواز التكليف به تردّد بناء على أنه يستدعي تصوّر المكلف به واقعاً وتصوّر الممتنع واقعاً فيه تردّد ليس هذا محل تفصيمه والحق جوازه لا وقوعه وإن قيل به أيضاً، والمرتبة الوسملى ما أمكن في نفسه لكنه لم يتعلق بوقوعه قدرة العبد أصلاً كخلق الجسم أو عادة كصعود السماء، وهذا هو الوإقع فيه الخلاف على المشهور عند المحققين، والمراد بالتكليف هنا طلب تحقيق الفعل والإتيان به، واستحقاق العقاب على تركه لا مطلق الطلب، ولا الطلب قصداً للتعجيز واظيار عدم الاقتدار على الفعل كما في طلب معارضة القرآن للتحثي، ثم إنّ النزاع في هذا إنما هو في الجواز، وأمّا الوقوع فممتنع بحكم الاستقراء الشاهد عليه اننصوص كقوله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] الآية وبهذا ظهر أنّ كثيرا من تمسكات الفريقين لم يرد على المتنازع فيه هذا محصل ما في شرح المقاصد وكله مما طبق فيه المفصل إلا قوله أخيرا إنّ النزاع إنما هو في الجواز، فإنه صرّح في كثير من كتب الأصول بخلافه إلاً أن يقال إنه لم يعتد بالخلاف في الوقوع، ثم إنّ بعض أهل الأصول فرق بين التكليف بالمحال بالباء الموحدة وتكليف المحال بدونها، وقال: الكلإم هنا في الأوّل وفي الثاني أيضا خلاف الأشعريّ على ما في شرح منهاج المصئف. قوله: (فإنه سبحانه وتعالى أخبر عنهم بأنهم إلخ) بيان لوجه الاحتجاج ودفع لما يرد عليه من أنّ ما نحن فيه ليس محالاً لذاته ولا عادة بل عقلاً فقط، وهو واقع بالاتفاق كما مرّ فقرّره على وجه يبينه ويدفع ما يرد عليه، وإن جاز ووقع وهو مستلزم لاجتماع الضدّين لزم منه وقوع المحال لذاته وما يستلزم المحال لذاته محال لذاته فالمستحيل لذاته قد وقع لأنّ أبا لهب مثلاً قد أمر بالإيمان بكل ما أنزله تعالى وبالتصديق به، ومنه أنه لا يؤمن فصاو مكلفاً بأنه يؤمن بأنه لا يؤمن، أو بأنه يؤمن وبأنه لا يؤمن، وهو جمع بين النقيضين، وحاصله أنّ التكليف بالشيء تكليف بلوازمه، وردّ بالمنع لا سيما اللوازم العدمية، وهذا يحتمل أن يكون دليلاً للقائلين بالوقوع، فيدل على الجواز الذي ذكره المصنف بالطريق الأولى، ويحتمل أن يكون نقضاً لاستدلالهم بالاستقراء المقرّر في كلام القوم. وقوله: (فلو آمنوا إلخ الما صوّره بالاخبار المناسب للمقام قرّره بانقلاب نجره كذباً ومن المتكلمين من قرّره بلزوم انقلاب علمه جهلاً وهو قريب منه، وفي شرح المقاصد لا يقال لا نسلم أنه لو آمن لزم انقلاب العلم جهلاً بل يلزم أن يكون العلم المتعلق به أزلاً أنه لا يموت مؤمنا، فإنّ العلم تابع للمعلوم فيكون هذا تقدير علم مكان علم لا تغيير علم إلى جهل كما إذا قدر من يأتي بالقبيح آتيا بالحسن، فإنه يكون من أوّل الاً مر مستحقا للمدح لا منقلباً من استحقاق الذم لاستحقاق المدح، لأنا نقول الكلام فيمن تحقق العلم بأنه يموت كانرا فعلى تقدير الإيمان يكون الانقلاب ضروريا، وكذا من أخبر تعالى بأنه لا يؤمن كأبي جهل، وقد عرف أنه ليس محل النزاع فليس الدليل في محله، وعلى تقرير أكثر المحققين هو يدل على وقويم التكليف بالمحال لذاته لجمع النقيضين وفي إرشاد إمام الحرمين رحمه الله، فإن قيل: ما جوّزتموه عقلاَ من تكليف المحال هل اتفق وقوعه شرعاً قلنا: قال شيخنا ذلك واقع شرعا فإنه تعالى أمر أبا لهب بأنّ يصدق ويؤمن بجميع ما أخبر عنه، ومنه أنه لا يؤمن فقد أمره أن يصدّقه بأن لا يصدقه وذلك جمع بين التقيضين، وكذا في المطالب العالية للرازي، وقال أيضاً إنّ الأمر بتحصيل الإيمان مع حصول العلم بعدمه أمر بجمع الوجود والعدم لأنّ وجود الإيمان مستحيل أن يحصل مع العلم بعدمه بمقتضى المطابقة، وهي بحصول عدم الإيمان، وقيل ما ذكر لا يدل على أنّ المكلف به هو الجمع بل تحصيل الإيمان، وهو ممكن في نفسه مقدور للعبد بحسب أصله وإن امتنع لسابق علم أو إخباو من الرسول صلّى الله عليه وسلم بأنه لا يؤمن فيكون مما هو جائز بل واقع، وفيه أنّ الكلام فيمن وصل إليه هذا الخبر وطلب بالتصديق به على التعيين، وقيل المطلوب من مثل أبي لهب التصديق بما عدا هذا ألاخبار وهو في غاية السقوط اهـ. وقال شيخنا رحمه الله في الآيات البينات أنّ الاستحالة باعتبار الانقلاب في العلم القديم وخبر الصادق عقليّ لا دخل للعادة فيه والجواز العاديّ باعتبار كون الشيء مما يقع نوعه متكررا كإيمان الكافر فلا مخالفة بين كونه ممكناً عقلاً ومحالاً عقلاً لذاته أو لغيره، فإنه بخصوصه بعد قيام الدليل ممتنع عقلاً وعادة، فإن نظر لكون الدليل غير لازم لزوما بينا فهو ممتنع لغيره وان قطع النظر عن الدليل كان ممكنا عقلاً وعادة نظرا لنوعه، وهو نظر دقيق إن ساعده التوفيق. قوله: (فيجتمع الضدّان) هذه عبارة الإمام في المحصول، ومن تبعه من أهل الأصول وعبر في الحاصل وفي شرح المقاصد وغيره بنقيضين بدل ضدين، وكذا عبر به المصنف في المنهاج ووجهه أنّ من نظر إلى الإيمان وعدمه جعلهما نقيضين، وهو الظاهر فإن نظر إلى أنّ العدم غير مكلف به وأنه إنما يكلف بنفس الكف، وهو فعل وجودي فهما ضدان بهذا الاعتبار والحاصل أنّ تصديقه في أن لا يصدقه محال ممتنع لذاته لأنّ فرض وقوعه مستلزم لعدم وقوعه، وكل ما يلزم من فرض وقوعه لا وقوعه فهو ممتنع بالذات، فيكون ممتنعاً عادة بالطريق الأولى، وبهذا استدلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 بعضهم على أنّ التكليف بالممتنع لذاته واقع، فاذا كان التكليف بهذا التصديق واقعا كان التكليف بالمحال واقعا فتدبر. قوله: (والحق أنّ التكليف إلخ) هذا إشارة إلى أنّ القائل بعدم التكليف به من المعتزلة مأخذه أنه لا فائدة في طلب المحال، وفي شرح مختصر ابن الحاجب أنّ مأخذه أنّ الآمر يريد وقوع المأمور به والجمع بين علمه بعدم وقوعه وارادة وقوعه كالتناقض، وهذا بناء على أنّ الأمر عندهم هو الإرادة وأنّ أفعال الله تعالى معللة بالاغراض، والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله لا تستدعي غرضاً أي لا تقتضيه يعني أنه إنما يستحيل الأمر بما لا يقدر عليه المكلف إذا كان غرض الآمر حصول المأمور به وحكم الله لا يكون لغرض، وان ترتب عليه فوائد ومصالح كلها نافعة لأنه الحكيم المتعالي وقال إمام الحرمين: الأمر بهذا ليس للطلب بل إن كان ممتنعاً لذاته فالأمر به للإعلام بأنه معاقب لا محالة لأنه تعالى له أن يعذب من يشاء، وان كان ممتنعا لغيره، فالأمر به لفائدة الأخذ في المقدمات كما قرروه في أصولهم وعليه أنه لا يتوجه على المعتزلة، لأنهم يمنعون هذه القاعد 6، وقد مرّ في شرح المقاصد أنّ الطلب التكليفي للإتيان بالفعل، واستحقاق تاركه العذاب واندفاعه ظاهر. قوله: (سيما الامتثال إلخ) الامتثال هو الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا، كما في كتب الاً صول فالمراد أنّ الامتثال أحق شيء بعدم الاستدعاء لأن يكون غرضا للأمر، ولذا جاز النسخ قبل الفعل، ولو كان الامتثال مقصعا لم يجز والمذكور بعد سيما منبه على أولويته بالحكم لا مستثنى خلافا لبعض النحاة، ووجهه أنه كأنه أخرج عما قبله من حيث أولويته بالحكم قيل استعماله بدون لا كما في عبارة ثمصتف لحن غير جائز فما في عبارة المصنف كما في شرح المفصل، والمغني خطأ وهو غير وارد لأن الحذف لقرينة جائز والقرينة أنه شاع استعماله معها، وقد قال الرضي أنه يجوز تثقيل ياث وتخفيفها مع ذكر لا وحذفها، وهو ثقة فقول الدماميني أنه لم يقله غيره، وأنه لم يستعمله بدونها إلا العجم سوء ظن بالثقة وليس مثله من الحزم، ويجوز في الامتثال الرفع والنصب والجرّ كما قالوه في يوم في قوله: ولا سيما يوم بدارة جلجل وقوله للاستقراء هو ما ذكره القوم في أستدلالهم ولم يذكر النص وهو قوله {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] الآية لأنه غير صريح فيه كما سيأتي بيانه والاستقراء وهو السبر والتقسيم الاستدلال بثبوت الحكم في الجزئيات على ثبوته للكلي الشامل لها مأخوذ من قرأت بمعنى جمعت وسينه للطلب لأنّ المستقرىء طالب للافراد التي يجمعها لينظر اتفاقها يعني أنّ التكاليف تتبعت فلم يوجد فيها محال لذانه قد وقع. قوله: (والإخبار بوقوع الشيء إلخ) يعني أنّ الإخبار بوقوع شيء أو عدمه لا ينفي القدرة التي هي شرط التكليف وصحته ولا ينافي كون الإيمان وعدمه مقدورين في حد ذاتهما، وإن لزم امتناع الإيمان في بعض الأشخاص لمانع آخر لتخلف ما أخبر به الله أو وجود ما يخالف علمه أو اجتماع ضدّين إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عنه فلا يقتضي الامتناع الذاتي فيه لأنّ علمه بعدم الشيء واخباره عنه لا يجعله ممتنعا كما أنّ علمه بوجوده واخباره به لا يجعله واجباً كما ستراه، وهذا جواب عما احتج به من خالف المذهب الحق، وقد مرّ في توجيه الاحتجاج بهذه الآية أمران الأوّل أنه تعالى أخبر بعدم إيمانهم وأمرهم بالإيمان، فلو آمنوا انقلب خبره كذبا والثاني لزوم اجتماع ضدّين لما مرّ أو لأنّ تصديقه للرسول صلّى أدلّه عليه وسلّم في أن لا يصدقه تصديق له في نحو قوله {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} الآية فلو صدر منه تصديقه للرسول صلى الله عليه وسلّم في هذا الخبر علم وقوع فرد من أفراد تصديقه للرسول صقى الله عليه وسلم، وهو خلاف مضمون الخبم الذي صدق الرسول صقى الله عليه وسلم فيه وهو أنه لا يصدقه في شيء أصلاً، والعلم بوقوع ما يناقض مضمون الخبر مستلزم لتكذيب المخبر فيه، فإنّ العلم بوقوع الخسوف في ساعة كذا من سنة كذا مستلزم عادة لتكذيب من قال لا خسوف في تلك السنة أصلاً فيكون تصديقه الرسول صلى الله عليه وسلم في أن لا يصدقه مستلزما، لتكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم في أن لا يصدّقه أصلاً، وتكذيبه فيه مستلزم لعدم تصديقه فيه لامتناع اجتماع التصديق والتكذيب في شيء واحد فيستلزم عين كل منهما نقيض الآخر، فتصديقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 في أن لا يصدقه مستلزم لعدم تصديقه فيه كما قرّره بعض الفضلاء هذا، ثم إنه قيل إنّ هذا جواب عن الأمرين أمّا الأوّل فظاهر لأنّ الكذب إنما يلزم إذا وقع خلاف المخبر به، والتكليف بالشيء لا يقتضي إيقاعه بالفعل بل القدرة عليه والإخبار بطرفي الشيء لا ينفيها وأمّا الثاني فبأن يقال إنهم لم يكلفوا إلا بتصديقه، وهو ممكن في نفسه مقصود وقوعه إلاً أنه مما علم الله أنهم لا يصدقونه لعلمه بالعاصين وأخباره لرسوله صلّى الله عليه وسلم كإخباره لنوح عليه الصلاة والسلام بقوله {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ} [هود: 36] الآية لا أنه أخبرهم بذلك ولا يخرج الممكن عن الإمكان بعلم، أو خبر، ولا ينفيان القدرة عليه إلخ كما أفاده المحقق عضد الملة والدين يعني لا يلزم التكليف بما يستلزم نقيضه لأنهم كلفوا بتصديق الرسول صلّى الله عليه وستم في جميع ما جاء د 4 إجمالاً، وفيما علموا مجيئه به تفصيلاَ وقوله سواء عليهم إلخ ليس مما علموا مجيئه به لأنه إخبار للرّسول صلّى الله عليه وسلّم بحالهم، وليس من الأحكام المتعلقة بأفعالهم حتى يجب تبليغه إليهم، فلا يكلفون بتصديقه والتصديق بغيره مما جاء به ممكن وقوعه منهم عادة، فلا يكون التكليف به تكليفاً بالمحال وتعلق العلم أو الإخبار بعدم صدوره منهم لا يخرجه عن الإمكان لأنهما تابعان للوقوع لا سببان له على أنا لا نسلم أنهم أمروا به بعدما أنزل أنهم لا يؤمنون. قوله: (كإخباره إلخ) هذا تلخيص لما قاله الإمام من أنّ ما يدل على العلم بعدم الإيمان لا يمنع من وجود الإيمان لأنه لو كان كذلك وجب أن لا يكون الله قادراً على شيء لأنّ ما علم وقوعه يكون حينئذ واجباً فليس للقدرة فيه أثر وأمّا الممتنع فلا قدرة عليه، فلا يكون تعالى قادرا على شيء أصلاً، وهو كفر فثبت أنّ العلم بعدم الشيء لا يمنع من وجوده، والعلم متعلق بالمعلوم على ما هو عليه فإن كان ممكناً فعلمه به ممكن، وان كان واجباً كان واجباً ولا شك أنّ الإيمان والكفر في حد ذاته ممكن، فلو وجب بسبب العلم كان العلم مؤثراً في المعلوم، وقد ثبت أنه محال، وأيضا لو كان العلم والخبر مانعا لم يكن العبد قادرا على شيء أصلاَ كالجماد، وأفعاله كلها اضطرارية ونحن نعلم بالبديهة خلافه فدل على أنّ كلا منهما غير مانع من الفعل والترك، ولو مغ العلم بالعدم عن الوجود كان أمره تعالى الكافر بالإيمان أمراً بإعدام علمه، وهو غير معقول والإيمان في نفسه من الممكنات، فيجب أن يعلمه الله كذلك لئلا ينقلب علمه سبحانه جهلاً، أو يجتمع في شيء واحد كونه واجباً وممكناً وهو محال وقوله باختيار. قيد لفعل العبد إشارة لما تقرّر في الأصول من أنّ الإكرا. الملجىء يمنع التكليف، لزوال القدرة عليه بالاتفاق وأمّ غير الملجىء ففيه خلاف والأصح عند المصنف أنه لا يمنعه بهما ذكره في المنهاج. قوله: (وفائدة الإنذار إلخ) هذات مة لما قبله فإنّ المنكرين له كما في التفسير الكبير قالوا لا يجوز ورود الأمر بالمحال في الشرع لأنه كأمر الأعمى بنقط المصاحف والمقعد بالطيران، وهو كبعثة الرسل للجماد فأشار إلى جوابه بما ذكر، وينجع مضارع نجع بنون وجيم وعين مهملة بمعنى أفاد ونفع وأصله من نجع الدواء إذا نفع المريض ففيه تشبيه لإنذار الرسل بالدواء النافع ولطفه ظاهر كما قال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة والزام الحجة أن لا يبقى لهم شبهة يجيبون بها، أو يقولون ما جاءنا من نذير، وحيازة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أي تحصيله ووصوله لها من حازه إذا ضمه وجمعه كما في القاموس وغيره، وتفسيره بالإحاطة على أنه من الحيز وهو المكان تكلف، ولم يقل سواء عليك لأق الإنذار وعدمه ليس سواء لديه لفوات فضيلة الإنذار الواجب عليه على تركه وإذا أربد بالموصول ناس معينون على أنّ تعريفه عهديّ، كما هو الأصل فيه كان فيه معجزة لأخبار. بالغيب وهو موت هؤلاء على الكفر كما كانوا بخلاف ما لو كان للجنس لعدم التعيين وهو ظاهر. قوله: (تعليل للحكم السابق إلخ) إشارة إلى أنه ترك عطفه، لأنه مستأنف في جواب سؤال عن مطلق سبب الاستواء، وإصرارهم على كفرهم كانه قيل ما بالهم إستوى لديهم الإنذار، وعدمه فاجيب بأنهم ختم الله إلخ وهذا لا ينافي كونه له سبب آخر كالانهماك الآتي، وإن علل هذا أيضاً بما دل عليه استواء الأمرين من التصميم على الكفر ولذا قيل إنّ هذا الاستئناف ورد لبيان علة تلك العلة، سواء أريد بالحكم ما تضمنه لا يؤمنون أو الاستوإء أو مجموع ما مرّ. وقوله: (وبيان إلخ) عطف تفسيري وكونه نتيجة لما قبله خلاف الظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 مع أنّ النتيجة تستعمل بالفاء كما اعترف به هذا القائل وكون عطف ولهم عذاب عظيم عليه يعينه إذ لا يصلح للعطف سبأتي بيانه. قوله: (والختم الكتم إلخ) في الكشاف الختم والكتم أخوان أي بينهما مف سبة معنوية مع التوافق في العين واللام وكثر الحروف، وهو نوع من الاشتقاق عندهم يسمونه الاشتقاق الأكبر، وهو المراد بالأخوّة في مثله وهذا أحسن من تفسيره به كما فعله المصنف رحمه الله فإنّ حقيقة الختم الوسم بطابع ونحوه والأثر الحاصل من ذلك وحقيقة الكتم الستر والإخفاء، وهما متغايران فلا وجه لتفسيره به لكنه لما لزمه ذلك جعله كأنه عينه مبالغة وهو ظاهر فلا غبار عليه كما قيل، وسمي به بمعنى أطلق عليه واستعمل فيه والتسمية تكون بهذا المعنى وبمعنى وضع العلم والمراد الأوّل، والاستيثاق استفعال من الوثوق، ومعناه سد الأبواب والإقة، ل على ما وراءها لحفظه والمنع، ومن فعل ذلك صار ذا وثوق، فالاستفعال للصيرورة كاستحجر الطين وهو أحد معانيه المعروفة. قال الراغب في مفرداته الختم رالطبع يقال على وجهين مصدر ختمت وطبعت وهو تأثر الشيء بنقش الخاتم والطابع، والثاني الأثر الحاصل عن الشيء، ويتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشيء والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب نحو قوله تعالى {خَتَمَ اللهُ} إلخ وتارة في تحصيل أثر عن شيء اعتبارا بالنقش الحاصل وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر، ومنه ختمت القرآن إذا انتهيت إلى آخره اهـ. وهذا تفصيل لما أجمله المصنف وغيره من معناه لغة فقوله والبلوغ بالرفع معطوف على الاستيثاق عطف قسيم على تسيم، وليس معطوفاً على الكتم فيكون من جملة تفسيره ومعناه الحقيقي كما توهم وهو مراد لما نقل إليه مطلقاً لا لما أريد به ههنا حتى يرد عليه أنّ ختم الكتاب متعد بنفسه، وما هنا متعدّ بعلى مع أنه لا أصل له فإنه يقال ختمت الكتاب وعلى الكتاب كما صرّحوا به. قوله: (بضرب الخاتم إلخ) الضرب إيقاع جسم على آخر وضرب الخاتم إيقاعه على ما يؤثر فيه من شمع ونحوه كما سيأتي. وقوله: (لأنه كتم له) أي لأنه يؤدّي إلى الإخفاء والستر، وهو الغرض منه فجعل عينه مبالغة كما مرّ، وهذا بيان للمناسبة بينهما وبلوغ الآخر الوصول إليه وآخره مفعوله من بلغت المنزل ونحوه لا منصوب بنزع الخافض على أنّ أصله إلى آخره. وقوله: (نظرا إلخ) تعليل لإطلاق الختم على بلوغ الآخر والإحراز جعل الشيء في الحرز وهو ما يحفظه، ولذا سمت العامّة ما يكتب ويعلق عوذة حرزاً يعني أنّ من أتمّ شيئاً فقد حازه بما يحاز به مثله كحفظ القرآن إلى آخره، فكأنه استوثقه وني كلام المصنف رحمه الله نظر من وجهين، فإنه يقتضي أنّ إطلاق الختم على بلوغ الآخر معنى مجازي، وهو خلاف المعروف في الاستعمال، ولأنه يقتضي أيضاً أنه ماخوذ من الاستيثاق، وكلام الراغب الذي هو مأخذه صريح في أنه مجاز برأسه كما سمعته آنفاً. وما في الكشاف سالم من هذه لأنه قال: الختم والكتم أخوان لأنّ في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطيه لئلا يتوصل إليه ولا يطلع عليه اهـ. والجواب أمّا عن الأوّل، فإنّ اشتهاره حتى صار حقيقة في عرف اللغة لا ينافي كونه مجازاً بحسب أصل اللغة وقد عدّه من المجاز في الأساس. وأمّا عن الثاني فالذي ذكره الراغب أنه مجاز عن مطلق المنع كالمشفر فلا ينافي كونه حقيقة في المنع بضرب الخاتم عليه ويؤخذ منه غيره فتدبر. قوله: (والغشاوة فعالة) نقل بعض الأفاضل عن جار الله أنّ فعالة هنا غير منصرفة وكذا هو في نسخ الكشاف، وقال إنّ الأصل في أمثاله أنّ ما كان موزونه غير منصرف فإنه يستعمل غير منصرف البتة، وما كان موزونه منصرفا ففيه وجهان الصرف، وتركه بشرط أن لا تدخل عليه رلت، وله تفصيل في الإيضاح والرضى وذهب بعض علماء اللغة إلى أنّ هيآت الكلم قد تدلّ على معاني مخصوصة، وان لم تكن مشتقة ومته ما هنا فإنّ فعال بكسر الفاء إن لم تلحقه هاء التأنيث فهو اسم لما يفعل به الشيء، كالآلة كإمام وركاب وحزام لمن يؤتم به ولما يركب به، ويحزم ويشد به كما مرّ في كتاب فإن لحقته الهاء فهو اسم لما يشتمل على الشيء ويحيط به كاللفافة والعمامة والقلادة، وهذا في غير المصادر " وأمّ فيها ففي الحجة لأبي عليّ في سورة الكهف فعالة بالكسر في المصادر يجيء لما كان صفة، ومعنى متقلداً كالكتابة والأمارة، والخلافة والولاية وما أشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 ذلك وبالفتح في غيره اهـ. وقول الزجاج كل ما اشتمل على شيء مبنيّ على فعالة نحو العمامة والقلادة، وكذا أسماء الصناعات، فانّ الصناعة مشتملة على ما فيها نحو الخياطة والقصارة، وكذلك ما استولى على شيء نحو الخلافة والأمارة يقتضي عدم الفرق بينهما، ونقل عن الراغب أنّ فعالة لما يفعل به ذلك الفعل كاللف في اللفافة، فإن استعملت في غيره فعلى التشبيه كالخلافة والأمارة، وهو يقتضي أنه كالمجرّد من الهاء وهو مخالف لهما والظاهر هو الأوّل. والفضل للمتقدّم. وسلمت واو الغشاوة لعدم تطرّفها ولو تطرّفت قلبت همزة كالغشاء وقال أبو عليّ رحمه الله لم يسمع منها فعل إلاً يائي فالواو مبدلة من الياء وردّ بأنه لا مقتضى للقلب فلعل له مادّتين وغشى كغطى لفظا ومعنى والعصابة ما يعصب على الرأس ويدار عليها قليلاً فإن زاد فعمامة وهي معروفة. قوله: (ولا ختم ولا تغشية إلخ) توطئة لبيان المراد واشارة إلى قرينة المجاز العقلية والى ضعف حمله على الحقيقة كما نقله الراغب عن الجبائي من أنه تعالى جعل ختماً على قلوب الكفار ليكون دليلاً للملائكة على كفرهم، فلا يدعون لهم وليس بشيء، لأن هذه الغشاوة إن كانت محسوسة، فمن حقها أن تدركها أصحاب التشريح وإلاً فهم باطلاعهم على اعتقادهم، وأحوالهم مستغنون عنها وسيأتي في كلام المصئف رحمه الله ما يشير إليه، وما قيل من أنه لم يحمل على الحقيقة تحاشياً عن نسبة الظلم والقبيح ليس بشيء لأنه ليس مذهب أهل السنة، وكذا ما قيل إنه لا يرتصوّر في شأنه وحمله على حقيقته غنيّ عن الردّ وما روي عن الحسن من أنّ الكافر إذا بلغ في الغواية غايتها رين في قلبه الكفر وعلم الله منه أنه لا يؤمن فذلك هو الختم دليل على المجاز لا الحقيقة كما توهم وأمّا إسناده بعد التجوّز فحقيقة عند أهل السنة مجاز عند المعتزلة لمنعهم من إسناد القبيح إلى الله تعالى كما نقل مفصلاً عن الكمال القاشاني. قوله: (وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم إلخ الما لم تصح الحقيقة علم امتناع الكناية أيضاً والكناية المتفرّع عليها المجاز مجاز بحسب نفس الأمر، فبقي أنه مجاز مرسل أو استعارة كما ستراه، والإحداث والإيجاد بمعنى والمراد بالنفوس الذوات المشتملة على الجوارح والمشاعر، والهيئة الصفة والحال التي هم عليها والتمرّن الاعتياد يقال: مرن على الشيء مرونا من باب قعد ومرانة بالفتح إذا اعتاده وداومه وأصله التليين وبسبب متعلق بيحدث، ويجوز تعلفه باستحباب واستقباح وتنازعهما فيه، والغيّ الضلال، والانهماك التوغل واللجاج، وتعاف بمعنى تكره وتنفر ويحدث بضم الياء التحتية وكسر الدال، فهيئة منصوب والمحث هو الله تعالى ويجرز قراءته بفتح التاء الفوقية وضم الدال ورفع هيئة على الفاعلية، وجملة تمرّنهم صفة لهيئة. وقوله: (فتجعل) بالمثناة الفوقية مرفوع معطوف على قوله تمرّنهم والضمير المستتر فيه للهيئة والإسناد مجازيّ أو بالتحتية، وهو منصوب معطوف على يحدث على الأوّل وفاعله المستتر لله والإسناد حقيقيّ وقوله فتصير ضميره للاسماع والقلوب. وقوله: (وأبصارهم) معطوف على أسماعهم أو قاوبهم وتجتلي بمعنى تنظر أو بمعنى تراها مجلوّة عليها كالعروس ففيه استعارة مكنية وتخييلية. وقوله:) كأنها) بدل من قوله لا تجتلي وفي نسخة فتصير كأنها وحيل مجهول بمعنى وقعت الحيلولة. وقوله: (كأنها مستوثق إلخ) بيان للمناسبة بين ما أريد به ومعناه الحقيقي كما مرّ، وليس هذا معنى مجازيا حتى يكون المراد مجازاً بمرتبتين محتاجا للتوجيه المشهور، وقد مرّ أنه لا خلاف بين أهل السنة والمعتزلة في المجازية وإنما الخلاف في الإسناد بعد التجوّز. وقال الإمام الراغب: أجرى الله العادة أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل وارتكاب محظور فلا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه وعلى ذلك قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [النحل: 108] وعلى هذا النحو استعارة الإغفال في قوله {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] واستعارة الكن في قوله {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الأنعام: 25] واستعارة القساوة في قوله {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13] اهـ وهو كلام حسن ومنه أخذ المصنف رحمه الله، ثم اعلم أن البزار روى حديثا مرفوعا عن ابن عمر فيه أنّ الطابع معلق بقائمة العرس فإذا عمل العبد بالمعاصي، واجترأ على الله بعث الله الطابع فيطبع على قلبه، فلا يعقل بعد ذلك شيئاً فقيل: إنه روي مثله في كثير من الأحاديث فحملها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 من لم يتضلع من الحديث على المجاز، والأقوى كما في شرح السنة للبغوي إجراؤها على الحقيقة إذ لا مانع منها والتأويل خلاف الأصل ولا يخفى أنه مذهب الظاهرية والحس والعقل شاهدان للتأويل، فلا يغرّنك كثرة القال والقيل. قوله: (وسماه) بتذكير الضمير كما في أكثر النسخ، وهو راجع إلى الاحداث أو الحدوث وفي بعض النسخ سماها بتأنيثه والظاهر رجوعه للهيثة، وهي الكيفية والحالة محسوسة كانت أو لا فإمّا أن يكون بتقدير مضاف أي إحداثها أو لا يقدر لما سيأتي من أنّ الهيئة مستعار لها أيضاً في بعضى الوجوه. قوله: (على الاستعارة إلخ) الاستعارة تستعمل بمعنى المجاز مطلقاً، وبمعنى مجاز علاقته المشابهة مفرداً كان أو مركباً وقد تخص بالمفرد منه، وتقابل بالتمثيل كما في مواضع كثيرة من الكشاف والتمثيل وإن كان مطلق التشبيه غلب على الاستعارة المركبة ولا مشاحة في الاصطلاح، وحاصل ما قرّروه هنا أنّ الختم استعير نن ضرب الخاتم على الأواني ونحوها لأحداث هيئة في القلب والسمع تمنع من خلوص الحق إليهما كما يمنع الختم فهي استعارة محسوس لمعقول بجامع عقليّ هو الاشتمال على مغ القابل عما من حقه أن يقبله ثم اشتق منه الماضي ففيه استعارة تصريحية تبعية، ويلزم من التشبيه الذي تتضمنه هذه الاستعارة تشبيه القلوب والأسماع بالأواني كما في جوامع الكلم بل بالاقماع المقفلة إلاً أنه، ضا تابع لذلك التشبيه لم يقصد ابتداء، فبطل ما توهم من أنّ في القلوب والاسماع مكنية مخيلة بالختم إذ ردّ التبعية في مثله إلى المكنية غير مرضيّ، ومنه تعلم أنّ ما في العبارة من قوله بجعل قلوبهم وأسماعهم كأنها مستوثق منها بالختم لا يدل عليه كما تخيلوه وهو كقولهم في نطقت الحال أنها جعلت لكونها دالة كأنها ناطقة مع أنّ المراد تشبيه دلالتها بالنطق لا تشبيهها بالناطق فهو بيان لحاصل الكلام، ولذا قيل لفظة كأنّ كثيراً ما تستعمل عند عدم الجزم بالشيء من غير قصد إلى تشبيه نحو كأنّ زيداً أخوك، فكنى بها هنا عن عدم القصد من الفحوى وهو كلام حسن، وكثيرا ما تراه في كلامهم ولفظ الغشاوة استعير من معناه الأصلي لحالة في أبصارهم مقتضية لعدم اجتلاء الآيات والدلائل، فهي استعاوة أصلية مصرّحة من محسوس لمعقول كما مرّ لا تبعية كما سيأني، ودعوى أنّ الأبصار مكنية لا يأباه الحكم بأنّ الختم والتغشية مجاز، وقد عرفت أنه غير مقبول، ويوضحه ما ذكره المدقق في الكشف من أنه إنما يكون إذا اتضح كون التخييل من روادف المسكوت عنه، وكان شائعاً لائحاً تشبيهه بالمستعار منه، كما في نحو {يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27] وعالم يغترف منه الناس إذ لا فرق بينهما سوى أنّ النقض تمهيد لكون المنقوض حبلاً والاغتراف منه لكونه بحرا، وأنّ لهما مزيد اختصاص بالحبل والبحر وتشبيه العهد والعالم بهما مستفيض لا كتشبيه القلوب بالاً واني، فإنه إنما يؤخذ من إيقاع الختم عليها والمشبه أحداث ذلك والمشبه به ضرب الخاتم وقيل شبه عدم نفوذ الحق في القلوب وتحقيق نبوّ الاسماع عن قبوله بكونها مختوماً عليها ومغطى عليها تثبثا بقوله كأنها مستوثق منها بالختم، واعترض عليه بأنه إذا كان المشبه به المختومية كان استعارة في المصدر المبنيّ للمفعول. وأجيب فأن مصدر الفعل المتعدّي يشتمل على معنى المصدر المبنيّ للمفعول كما صرّح به قدّس سرّه في بحث متعلقات الفعل من شرح المفتاح: والمقصود هنا استعارة المختومية لحالة القلوب والاسماع، واظهار المشابه بينهما ويلزم ذلك استعارة خاتميته تعالى بالتبعية فالمستعار لفظ المصدر المبنيّ للفاعل المتعدي، لكن المقصود نسبته إلى المفعول التي هي جزء منه والتشبيه به بل التشبيه يلازم هذا الجزء الذي هو الهيئة والحالة، لكن أداؤه بالفعل لا يمكن إلاً بإحدى النسبتين، فالظاهر حينئذ أن يجعل المشبه الهيئة التي يلزمها عدم نفوذ الحق لكن المقصود ما ذكرنا، وبهذا علم ما وعدته في تأنيث ضمير سماها. قوله: (وتغشية) قد قدمنا لك أنّ هذه الاستعارة أصلية تصريحية لا تبعية، وقد قيل إنه ظاهر تقرير المصنف والزمخشريّ حيث جعلا المشابهة بين عدم اجتلاء الأبصار والتغشية، وحيث قالا لا ختم ولا تغشية وإليه ذهب الرازي في شرح الكشاف وتابعه بعضهم فيه، وأيده بعض المدققين بأنهم جعلوا الاستعارة تبعية في أسماء الزمان والآلة، وسائر المشتقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 لأنّ المقصود الأهم فيها هو المعنى القائم بالذات لا نفسر الذات، فينبغي أن يعتبر التشبيه فيما هو الأهم فتكون تبعية، فإن جعلنا الغشاوة اسم ا-لة كما ذكر في لفظ الإزار والإمام فيجب أن تكون تبعية، وإلا فلا يخلو عن خفاء اهـ. وقيل المفهوم من هذا أنّ في قوله تعالى {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} استعارة تبعية كما في ختم، فكأنهم جعلوه بمعنى غشى الماضي، كما يدلّ عليه قوله ما معنى الختم على القلوب والأسماع، وتغشية الأبصار ويؤيده قراءة النصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة فيوافق ما في سورة الجاثية وهو قوله تعالى {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] أو على حذف الجارّ كما سيأتي وهو مخالف لما في شرح الكشاف من أنه استعارة أصلية لا تبعية (والذي خطر بالخاطر الفاتر) أنّ الجملة باقية على اسميتها والنكتة في تغيير الأسلوب إفادة الدوام والثبات الذي يقتضيه المقام لما تقرّر في الأصول من أنّ سبب الإيمان حدوث العالم وتغيره المدرك بالبصر فكل عاقل شاهده بعين الاستبصار والاعتبار استدل به، وترك الأفكار، ومن لم يؤمن كأنه لم يبصره لغشاوة خلقية على بصره وهو معنى الثبات والدوام، وأمّا ما في سورة الجاثية، فالمقام مقتض لبيان عدم قبولهم النصح، ومبالاتهم بالمواعظ المتعاقبة عليهم حيناً بعد حين، فيناسبه الفعل الدال على التجدّد وهذا مما تفرّدت به، ثم قال: والحاصل أنّ استعارة الختم تبعية كما مرّ بيانه، وكذا ما في قوله وعلى أبصارهم غشاوة لكن بالتأويل الذي سمعته فظهر أنّ كلام شراح الكشاف بالنظر لظاهر الآية، وكلام المصئف ومن حذا حذوه بالنظر للتأويل. (أقول) لو كان المقام مقتضيا للثبات والدوام لم يكن لتصدير. بالفعلية هنا وجه أصلاَ لأنّ الاستبصار والاعتبار بالقلب، فإذا تجدّد لزمه تجدد الختم أيضاً، وأمّا قراءة النصب على الوجهين، فالغشاوة فيها مصدر، فكيف تكون استعارة تبعية بمقتضى النظر السديد، ولو سلم أنّ المقام يقتضي الثبات في الجملة الثانية تكون قراءة النصب مخالفة لمقتض المقام، ومثله من وساوس الأوهام فالحق أنّ العدول إنما هو للإيجاز، واًنّ منشأ الخلاف إنما هو أنّ الاسم الجامد إذا أوّل بمشتق هل ينظر لأصله فتجعل استعارته أصلية أو لما قصد به لأنه بمعنى الشيء المغشي فتجعل تبعية، وأمّا كونه اسم آلة كالإزار فصلح من غير تراض للخصمين لأنّ الذي ادّعوه هنا أنه اسم لما يشتمل على الشيء كالعمامة، وان ذهب له الراغب كما مرّ، فالحمد دلّه الذي هدانا بفضله لتوفيقه. قوله: (أو مثل قلوبهم ومشاعرهم إلخ) مثل فعل ماض من التمثيل والظاهر أنه معطوف على سماه لقربه منه، وتناسب جملتيهما في الفعلية والمراد بالاستعارة المقابلة للتمثيل المجاز في المفرد كما مرّ، وفي الحواشي أنه معطوف على قوله المراد وهو بعيد لفظا ومعنى، وان قيل: إنه بنى معناه على التمثيل ولو بناه على الأوّل لم يتعرّض له وفيه نظر، وهو بيان لكونه استعارة تمثيلية بأن يشبه حالة قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم مع الهيئة الحادثة فيها المانعة من الاستنفاع بها في الأغراض الدينية التي خلقت هذه الآلات لها بحال أشياء معدة للانتفاع بها في مصالح مهمة مع المنع من ذلك بالختم والتغشية، ثم يستعار للمشبه اللفظ الدال على المشبه به، فيكون كل واحد من طرفي التشبيه مركباً من عدّة أمور والجامع عدم الانتفاع بما أعدّ له بسبب عروض مانع يمكن فيه كالمانع الأصلي، وهو أمر عقليّ ينتزع من تلك العدّة فتكون الاستعارة حينئذ تمثيلية وليس للإسناد إلى الختم والتغشية في هاتين الفعليتين مدخل في هذا التمثيل كما لا مدخل له في قولك أراك تقدم رجلاَ وتؤخر أخرى، وهل هذا التمثيل تبعيّ في الفعل وحده أو في لفظ مركب ملحوظ بعضه ومنويّ في الإرادة ارتضى الشريف المرتضى الثاني وغيره الأوّل، وعليه إنما صرّح بالختم والتغشية لأنهما الأصل والعمدة في تلك الحالة المركبة، فيلاحظ باقي الأجزاء بألفاظ متخيلة إذ لا بد في التركيب من ملاحظات قصدية متعلقة بتلك الأجزاء، ولا سبيل إلى ذلك إلاً بتخيل ألفاظ بإزائها، وقد قدمنا لك ما له وعليه في تحقيق الاستعارة في قوله تعالى {عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} فليكن على ذكر منك، وقد يتوهم من ظاهر العبارة أنّ المشبه القلوب والأسماع، وأنّ الختم تخييل كما ذهب إليه بعضهم، ولله درّ القائل جزاه الله خيرا أنه إذا كان الغرض الأصليّ الواضح الجليّ تشبيه المصدر وذكر المتعلقات بالتبع، فالاستعارة تبعية كما في قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 تقري الرياح رياض الحزن مزهرة ~ إذا جرى النوم في الأجفان إيقاظا فإنّ حسن التشبيه بحسب الأصالة إنما هو فيمابن هبوب الرياح والقرى لا فيما بين الرياض والضيف أو الإيقاظ والطعام، وإذا كان في المتعلق وذكر الفعل تبعا كما في ينقضون عهد الله، فاستعارة بالكناية لشيوع طشبيه العهد بالحبل، وان كان الأمران على السواء كما في نطقت الحال، فمحتمل إذ كل من تشبيه الدلالة بالنطق والحال بالناطق حسن كما مرّ. قوله: (ومشاعرهم المؤفة إلخ) المشاعر الحواس، وقوله {وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} معناه لا تدركون بالحواس وهو جمع مشعر بفتح الميم وكسرها لأنه محل الشعور أو آلته إلا أنه لا يعرف في الاستعمال كالجمع، والمؤفة بزنة معونة بفتح فتضم يليه واو ونون وهاء أي التي أصابها ما أفسدها وأبطل إحساسها، وهي اسم مفعول من الآفة بمعنى العاهة أعل إعلال مقولة إلا أنّ فعله لازم وهو آف الزرع إذا اً صابته آفة وقد سمع قعديه في قولهم ايف الزرع بزنة قيل فصيغة المفعول على هذا مقيسة، وعلى ما قبله على خلاف القياس ولذا أنكره بعض اللغويين. وفي كتاب الأفعال للسرقسطي آف القوم أوفا إذا دخلت عليهم مشقة، ويقال في لغة ايفوا وتال الكسائيّ: طعام مؤف إذا أصابته آفة، وأنكر أبو حاتم طعام مؤف اهـ وضمير بها للنفوس، وقد سقط من بعض النسخ والباء بمعنى في وعوده على الهيئة والباء للسببية جائز، وبأشياء متعلق بمثل والاستنفاع طلب النفع، وكأنه آثره على الانتفاع مع أنه المعروف في الاستعمال لأنه أبلغ فإنه إذا حيل بينه وبين طلب النفع فقد حيل بينه وبين الانتفاع بالطريق الأولى وختما وتغشيه منصوبان على التمييز، ومنه تعلم أنه يجوز أن يثون مجازا مرسلاَ باستعماله في لازم معناه وهو المنع والحيلولة ولم يتعرّضوا له لأنّ الاستعارة أكسب وأبلغ. قوله: (وقد عبر عن إحداث هذه الهيئة إلخ) هذا مأخوذ من كلام الراغب بعينه كما قدمناه يعني أنه كما عبر عن إحداث هذه الهيئة بالختم عبر عنه بما ذكر، فالطبع تصوير الشيء إصورة مّ كطبع السكة وطبع الدراهم، فهو أعمّ من الختم وأخص من التقش، والطابع الخاتم، وقد يفسر الطبع بالختم والطبع أيضا الجبلة التي خلق عليها كالطبيعة يقال طبعت الكتاب، وعليه إذا ختمته، ويجري في الطبع ما مرّ بعينه، وأمّ الإغفال، فهو استعارة من إغفال الكتاب أي تركه غفلاَ بزنة قفل أي غير منقوط ومشكول، وهو ضدّ المعجم وقوله تعالى {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] معناه تركناه غير مكتوب فيه الإيمان كما قاله الراغب رحمه الله، فلا إشكال في كلام المصنف رحمه الله، ومنهم من فسره بجعل الشخمى غافلاً فاعترض عليه بأنه غير إحداث الهيئة المذكورة وغير مستلزم لها فاعتذر عنه بعضهم وهو غفلة لا إغفال، وأمّا القسوة فهي من قولهم درهم قسيّ أي مغشوس، فهو استعارة أيضاً كما ذكره الراغب، وسيأتي تحقيقه في سورة المائدة والإقساء ذكر لحاصل معنى جعلها قاسية فلا يتوهم أنه ليس في النظم الأقساء بل القسوة إلاً أنها لغة غير فصيحة، ولذا عدل عنها في القرآن مع أنها أخصر. قوله: (وهي من حيث أنّ الممكنات إلخ) هذا ردّ على قوله في الكشاف القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها، وأمّا إسناد الختم إلى الله عز وجل فلينبه على أنّ هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضيّ ثم قال وكيف يتخيل ما خيل إليك وقد وردت الآية ناعية على الكفار شناعة صفتهم وسماجة (1) حالهم ونيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم فصرف الإسناد إلى الله تعالى عن ظاهره وجعله غير حقيقيّ بناء على مذهبه من أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم، لئلا تسند المعاصي وا اغبائح إلى الله سبحانه وتعالى على ما تقرّر في الكلام وضمير هي راجع إلى الأمور المذكورة المعلومة من السياق من ختم القلوب والغشاوة وتابعهما ويجوز إرجاعه إلى الهيئة، وهو مبتدأ خبره جملة أسندت إليه أي إلى الله والرابط الضمير المستتر في أسندت، ومن حيث الأوّل متعلق بأسندت مقدم عليه للاهتمام أو للحصر بالنسبة إلى قبحها وحيث مضافة إلى الجملة المصدّرة بأنّ المكسورة والممكنات اسمها، ومستندة وواقعة خبر ان لها بغير عطف لما بينهما من شبه الاتحاد أو الثاني بدل أو عطف بيان، والواو الداخلة على من حيث الثانية عاطفة لجملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وردت على أسندت، ومن حيث متعلق به مقدّم لما مرّ، والرابط لهذه الجملة ضمير إنها وقيد الحيثية هنا للتعليل، وله معنيان آخران الإطلاق نحو الماء من حيث هو بارد بالطبع والتقييد نحو الإنسان من حيث أنه نشأ بدارنا لا يصح تملكه، وهذا مع أنه أمر مكشوف ذكرته لما قيل عليه من أنّ في تركيبه إشكالاً لأنّ الظاهر أنّ قوله، ومن حيث أنها معطوف على من حيث أنّ الممكنات، فيلزم أن يكون قوله وردت الآية إلخ خبر إلهي ولا مجال له لخلوّه عن الرابط، ويمكن أن يقال الواو داخلة في الحقيقة على وردت وهو مع ما تقدّمه من قوله من حيث إلخ معطوف على مجموع وهي من إلخ. وهو مما يقضى منه العجب، وأعجب منه ما قيل في توجيهه من أنّ الآية منصوب على الظرفية، والتقدير من حيث أنها مسببة عما اقترفوه وردت في الآية ناعية عليهم فاستسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم وحاصل ما ردّ به المصنف رحمه الله عليه أنّ الممكنات كلها واقعة بإيجاده وقدرته وان كانت معاصي قبيحة لأنه لا قبح في إيجادها بل في كسبها والاتصاف بها، كالمصوّر لصورة قبيحة إذا تمّ محاكاتها فإنه يدلّ على جودة تصوّره وتصويره والقبح إنما هو في ذي الصورة لا في التصوير. قوله: (مسببة عما اقترفوه إلخ) اقترفوه بمعنى اكتسبو. من القبائح لأنه من القرف، وهو قشر اللحاء عن العود والجليدة عن الجرح، ثم استعير للاكتساب مطلقاً إلاً أنه متعارف في القبيح والإساءة كما قيل: الاعتراف يزيل الاقتراف، وهو المراد هنا وفيه إشارة إلى أنّ الباء في الآيتين سببية كما سيأتي في محله، وناعية بمعنى مظهرة ومنادية بتشهير قبائحهم وفيه إيماء إلى أنّ قبائحهم كأنها مهلكة، وقاتلة لهم كانهم قتلوا بها أنفسهم: قتل المسيءبماجنته نفسه حقاوقاتل نفسه في النار وفي الأساس عن الفراء النعي رفع الصوت بذكر الموت وكانت العرب إذا مات من له قدر ركب راكب وساش في الأرض قائلاَ نعاء فلانا ثم قيل مجازا نعى عليه هفوته إذ أشهرها، والشناعة كالقباحة وزناً، ومعنى والوخامة بفتح الواو والخاء المعجمة كالوخام مصدر وخم البلد والمرعى بالضم إذا كان فيه وباء وفساد هواء يضرّ ساكنه، فاستعير هنا لكون العاقبة غير حميدة وهو إشارة لقوله ولهم عذاب عظيم كما أنّ ما قبله لما قبله، وهذا ردّ على ما ادّعاه من أنّ القباحة ونعيها يأبى إسناده إلى الله على الحقيقة، فإنّ الإسناد للاحداث والإيجاد والنعي لاتصافهم بما اقترفوه من الفساد ولا منافاة بينهما. قوله: (واضطربت المعتزلة إلخ) أي تخالفت أقوالهم فيما أسند إليه تعالى مما مرّ ونحوه لمخالفته لما ادّعوه مما نحن في غنية عن إعادته لشهرته في كتب الأصول، والاضطراب افتعال من الضرب يقال: اضطرب أمره وفي أمره إذا اختلف اختلافا يؤدّي إلى الاختلال. قوله: (الأوّل أنّ القوم لما أعرضوا إلخ) هذا ما ذكره الزمخشريّ بقوله القصد إلى صفة القلوب إلخ كما ذكرناه آنفا، وقد قال قدس سرّه: إنه يعني أنّ الإسناد إليه تعالى كناية عن فرط تمكن هذه الصفة التي هي- الهيثة الحادثة المانعة، وثبات رسوخها في قلوبهم وأسماعهم، فإن كونها كذلك يستلزم كونها مخلوقة لله صادرة عنه فذكر اللازم لينتقل منه إلى الملزوم المقصود فيصدق به ألا تراهم يقولون هو مجبول على كذا ولا يعنون خلقه عليه بل ثباته وتمكنه فيه ولما لم تمكن حقيقة الإسناد على مذهبه وجب عده مجازا متفرّعا على الكناية كما ذكره في قوله تعالى {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمرأن: 77] وأنّ أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية، ثم جرّد في غيره لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عته فيمن يجوز عليه فظهر أنه إذا أمكن المعنى الأصلي كان كناية والاً فمجاز مبنيّ على الكناية فيجوز إطلاق الكناية عليه باعتبار أصله وان انقلب مجاز التغاير اعتباريّ، ولذا جعل بسط اليد وغلها في المائدة مجازاً وفي طه كناية كالاستواء على العرس، ولا منافاة بين قوليه ولا حاجة إلى الدفع بأنه قد يشترط في الكناية إمكان المعنى لأصليّ وقد لا يشترط، وقد سبق إلى بعض الأوهام من قوله كالمختوم عليها، ومستوثق منها بالختم أنّ المشبه به الختم المبنيّ للمفعول دون الفاعل، ولذا قيل إنّ المشبه عدم نفوذ الحق في القلوب والاسماع لا إحداث الهيئة المانعة فيها، وفساده ظاهر لأنه إذا استعير المصدر المبنيّ للمفعول اشتق منه فعل مبنيّ له كما يشتق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 من المبني للفاعل ما بنى له، فينبغي أن يقال: ختم على قلوبهم إلخ وأيضاً كون الشيء مختوماً عليه مستلزم لعدم النفوذ فيه استلزاما ظاهراً، فهو مجاز مرسل وجعله استعارة تعسف نعم قد يشبه كون القلب مثلأ قد أحدث فيه هيئة مانعة من أن ينفذ فيه الحق بكون الشيء مختوما عليه، وتنقيحه أنّ المشابهة التامّة إنما هي بين النقش الحاصل في الخاتم والهيئة المانعة الحادثة في القلوب، والأسماع لمنعهما من النفوذ فحينئذ جاز أن يشبه أحداث هذه الهيئة باحداث ذلك النقش، ويبنى منه الفعل للفاعل، وأن يشبه كون القلب محدثا فيه هذه الهيئة بكون الشيء محدثا فيه ذلك النقش، ويبنى منه الفعل للمفعول وعدم النفوذ من تتمة وجه الشبه لا مشبه ولا مشبه به، والمقصود بالصفة التي نبه بإسنادها إليه تعالى على ثبات قدمها، وتمكنها هو الهيئة الحادثة لا إحداثها فتبصر اهـ. (أقول) اتفقت كلمة محققي الشراح هنا على أنّ مراده أنه كناية في الإثبات لا نعت لذاته إلا أنه وقع النراع بينهم فيما ستراه عين اليقين (ويرد على ما قاله الشريف) مما حذا فيه حذوهم أمور.، (منها) أنّ الزمخشريّ، لما لزمه بناء على مذهبه أن لا يسند الختم إلى الله حقيقة وقال: بأنّ أفعال العباد مخلوقة لهم، وإنما خلق الله فيهم أجسامهم، وطبائعهم، وقواهم، ونحوها من الأجرام والأمور القارّة فأسند إليه أفعالهم للدّلالة على الرسوخ والثبات فيها، لجعلها بمنزلتها فهو إسناد مجازيّ أحد طرفيه مجاز كأحيا الربيع الأرض فأقي داع إلى اذعاء الكناية المؤدّي إلى التعب والنزاع والشغب، وليس في كلامه ما يقتضيه أصلاَ، وهو من الإسناد إلى المضاهى أو إلى السبب البعيد لأنها بإقداره وتمكينه، كما لا يخفى والتمثيل له بمجبول يؤيد ما قلناه، والداعي لارتكابه ما سيأتي من عذه الإسناد المجازقي وجهاً آخر وستعرفه إن شاء الله تعالى. (ومنها (أنّ ما ذكره من المجاز المتفرّع على الكناية، وان تبع فيه غيره لا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع، فإنّ الجمع بين المجاز والكناية في شيء واحد مما لم يعهد مثله، وما ذكره الفاضل المحقق في التوفيق بين كلامي العلامة ليس بابعد مما ارتكبوه بل لو دقق النظر في أمثلة الكنابة شوهد فيها ما يؤيده والنظر السديد، لا يسجد للتقليد على أنه ذكره في الكناية التي وقع التلازم فيها في المعنى الوضمي كالنظر لا في النسبة والإثبات وبينهما بون بعيد فتدبر. (ومنها) أنّ ما خطأ فيه الفاضل المحقق، وادّعى ظهور فساده في المصدر المبنيّ للمفعول فهو وإن ترا أى في النظرة الأولى ورود. إذا أمعن فيه النظر علم أنه غير وارد إلاً أنه يستدعي تقديم مقدمة هي أنّ المصدر إمّا مصرّح به، أو في ضمن الفعل والأوّل قد ذكروا فيه أنه يكون مبنيا للفاعل وللمفعول ولقد ماء النحاة فيه اختلاف فذهب البصريون إلى أنه مشترك بينهما وقالوا إنه إذا أضيف لمفعوله يجوز أن يتبع بالجرّ والنصب والرفع على تقديره بأن والفعل المجهول كما في الحديث " أمر بقتل الأبتر وذو الطفيتين " (1) بالرفع أي بأن يقتل الأبتر وذو الطفيتين، فيجوز عندهم أن ينحل بحرف مصدريّ وفعل مجهول فيرفع به نائب الفاعل وهو ثمرة الخلاف فيه، وارتضاه ابن مالك كما في شرح التسهيل لأبي حيان وخالفهم فيه بقية النحاة، لأنه لم يسمع وإنما معناه الحدث بقطع النظر عن ذلك، وهو التأثير وقد يراد أثره تسمحاً فيظن مبنياً للمفعول، وعليه الشارح المحقق في شرحه، ولذا قال بعض المتأخرين أنّ صيغ المصادر حقيقة في أصل النسبة مجاز في الهيئة الحاصلة منها للمتعلق معنوية كانت أو حسية للفاعل في اللازم كالمتحركية وله، وللمفعول في المتعدي كالعالمية والمعلومية، وقولهم المصدر مبنيّ للفاعل أو للمفعول تسامح يعنون به الهيئتين اللتين هما معنيا الحاصل بالمصدر، وقد قال قدس سرّه: في حواشي الرضى أنّ النحاة جعلوا المفعول الحقيقي الذي هو الأثر عين الفعل الذي هو التأثير بناء على أنهم لا يميزون بينهما إلى آخره، ذكره بعض المتأخرين في تعليقة له في الفرق بين المصدر والحاصل بالمصدر، وهذا في صريح المصدر أمّا معناه الذي تضمنه الفعل فلا مانع من ملاحظة المعيين في كلا الصيغتين إذا كان الفعل متعديا كما هنا فدلالة ختم المبنيّ للفاعل على المصدر المبنيّ للمفعول جارية على السداد من غير فساد وقد حام حول الحمى من قال الفعل المتعدّي، كما يشتمل على نسبة مصدره إلى فاعل ما يشتمل على نسبته إلى مفعول مّا كما في شرح المفتاح، والمقصود هنا استعارة مختومية الأواني لحالة الكفار واظهار تشابههما ويلزمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 استعارة خاتمية الله إياهما وابراز المناسبة بينهما على طريق القصد، فالمستعار لفظ المصدر المبنيّ للفاعل المتعدي لكن القصد الأصليّ التشبيه بجزء معناه أي النسبة المفعولية لا الفاعلية بل بلازم الجزء أي هيثة المختوم وحالته عند الختم، وأداء هذا المقصود في ضمن الفعل لا يمكن إلا باعتبار الاستعارة في إحدى النسبتين ولا يخفى أنه لا يقصد أصالة عند أدائه إلى اعتبار الاستعارة ني النسبة الفاعلية بل يكفي في النسبة المفعولية ولا بحد في اعتبار الاستعارة نظراً إلى الجزء كما في استعارة الأفعال باعتبار الزمان أو الحدث دون النسبة فاندفع اعتراضه تدس سرّه. وأمّا ما قيل في دفعه بأنه تحاصحى العلامة عن تشبيه فعل العبد بفعله تعالى صريحاً وأوجب أن يشبه عدم نفوذ الإيمان في قلوبهم بكون الشيء مجبولاً عليه، فلزم منه تشبيه إحداث العبد الهيئة في نفسه بختم الله فعمل بهذا اللازم، وقيل ختم ولم يعمل بمقتضى صريح التشبيه لأنه لو لم يذكر الفاعل لم يفهم جعل فعل العبد بمنزلة الأمر الخلقي، ولا يخفى اضطرابهم في هذا التوجيه فتعسف لا طائل تحته. (ومنها) أنّ قوله: إنّ كون الشيء مختوما عليه مستلزم لعدم النفوذ فيه قيقتضي أن يكون مجازاً مرسلاً وجعله استعارة تعسف لا وجه له، لأنّ اللزوم لا بدّ منه في جميع المجازات ألا ترى أنّ استعارة الطيران لشدة العدو استعارة لا شبهة في حسنها، والجامع بينهما السرعة اللازمة للطيران لزوماً ظاهراً ولم يقل أحد أنه ينبغي أن يكون مجازاً مرسلاَ عن السرعة اللازمة له، وكما في النطق والدلالة على ما بين في المعاني. قوله: (شبه بالوصف الخلقي المجبول صليه الم يرد بالتشبيه التشبيه الذي يفاد بنحو الكاف بل الجهة التي راعاها المتكلم حين أعطى الوصف الذي أوجده العبد حكم الخلقي في إسناده إلى الخالق كما تال في دلائل الإعجاز أنّ لشبيه الربغ بالقادر في تعلق وجود الفعل به ليس هو التشبيه الذي يفاد بكأنّ والكاف ونحوهما هانما هو عبارة عن الجهة التي راعاها المتكلم وإذا جاز أن يشبه الفاعل من حيث هو فاعل بالفاعل استلزم أن يشبه فعله بفعله في أمرمّ، وقد ذكر في شرح التلخيص أنّ المجاز الإسنادي ليس بمقصور على ما ذكروه، فأيّ مانع من أن يقصد في الإسناد تشبيه الفعل بالفعل خصوصا إذا تضئن معنى بديعاً، فلو قلت في عدم تحرّك عطيم، وقيامه إلاً إذا غزا فيتحرّك بحركته ما سواه إنما تتحرّك الأرض إذا زلزلت شبهة حركته بحركتها وأسندت ما له إلى محله من غير نظر لتتشبيهه بالأرض، فهنا أيضاً شبه فعل العبد بفعل الله في الثبات والرسوخ، ولم ينظر إلى الفاعل تأدّبا عن تشبيه السيد بعبيده، وإن لزم كما قيل كل ما يصلح للمولى على العبد حرام فبطل ما قيل من أنّ المراد أنه استعارة تبعية شبه إعراضهم عن الحق المانع عن نفوذه بالوصف الخلقي للشيء المانع عما هو مطلوب منه في التمكن والاستقرار، ولم يصرّح بالمشبه بل كنى عنه بالختم المسند إلى الله، وهذا مقتضى عبارة الكتاب، وسقط ما قيل: من أنه مضطرب من وجوه. أمّ أوّلاً فلأنّ المجاز في الإسناد إنما يكون بالإسناد إلى ملابس غير ملابس هوله بتنزيل الملابس منزلة ما هو له ولم يجىء الإسناد لتنزيل الفعل منزلة فعل غير الملابس الذي هو له، على أن الزمخشريّ جعل هذا الوجه مقابلاَ للوجه الثالث الذي ذكره المصنف وصرّح فيه بأنه إسناد مجازيّ، فلو كان هذا من المب ز الإسنادي كان ذلك لتفصيل ما هنا لتقدّمه. وأمّا ثانياً فلأنّ إسناد الختم إلبه تعالى إنما يفيد كون الإعراض عن الحق متمكناً في قلوبهم، لو كان كل ما يحدثه الله في العبد خلقياً لازماً له وليس كذلك. وأمّا ثالثاً فلأنّ إسناد القبيح إليه تعالى، وإن كان مجازا مما لا يقدم عليه عاقل ومجبول بمعنى مطبوع مخلوق من الجبلة بكسرتين وتثقيل اللام وهي الطبيعة والخليقة والغريزة بمعنى، وجبلة الله على كذا فطره فهو مجبول. قوله: (الثاني أنّ المراد به تمثيل حال قلوبها إلخ) هذا ملخص قوله في الكشاف: ويجوز أن تضرب الجملة كما هي وهي ختم الله على قلوبهم مثلاً كقولهم سال به الوادي إذا هلك، وطارت به العنقاء إذا أطال الغيبة، وليس للوادي ولا للعتقاء عمل في هلاكه، ولا في طول غيبته وإنما هو تمثيل مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي، وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء، فكذلك مثلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق بحال قلوب ختم الله عليها نحو قلوب الاغتام التي هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم، أو بحال قلوب البهائم أنفسها، أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 حتى لا تعي شيئاً ولا تفقه وليس له عز وجل فعل في تجافيها عن الحق ونبوّها عن قبوله، وهو متعال عن ذلك اهـ وفي قوله تضرب الجملة إشارة إلى الفرق بين هذا التهثيل والتمثيلى السابق، وهو أنّ العمدة ثمة والتصرّف في الختم وهنا في مجموع الجملة وتحقيقه أنه لما ذهب إلى أنّ القبائح الصادرة من العباد مخلوقة لهم، ولا يجوز صدورها عنه تعالى بناء على قاعدة الحسن والقبح، فلا يجوز حينئذ أن تنسب-قيقة إلى الله تعالى على زعمهم كما فصل قبولاً وردا في الأصلين وشهرته تغني عن ذكره توجه السؤال على إسناده في الآية، فأجاب أولاً بأنه إنما يمتنع حقيقة، وهو هنا إسناد مجازيّ للدلالة على تنزيله منزلة الجبليّ المطبوع عليه، وثانياً بأنه لو سلم إسناده إليه على الحقيقة فليس الختم فيه بالمعنى السابق حتى يلزم المحذوو على زعمهم إذ المراد به خلقهم على فطرة خالية عن الفطنة غير قابلة لانتقاش صور كثيرة من المدركات كالبله المجاذيب، أو البهائم الغلف ومثله مما ينسب إلى الله بالإتفاق لخلقه الذكيّ والأحمق، والمعتزلة يؤوّلون ما يدل على خلقه تعالى للأفعال بجعلها عبارة عن التوفيق، ومنح الألطاف في الحسن والخذلان ومنعها في ضده، ونحو ذلك من إفاضة الاستعداد وعدمها، ثم شبهت حال هؤلاء في الاعراض عن الحق، والإصرار على عدم النظر والإصغاء له بحال أغتام، أو أنعام ختم الله على مشاعرها بخلقها كذلك، فالختم بمعنى ذلك الختم مجاز لكنه مسند إلى الله حقيقة لصدور ذلك المعنى المجازي عنه ومجموع ختم الله مجاز مركب قد تجوّز في بعض مفرداته، ومثله مشهور لا تكلف فيه، أو شبهت حالهم بحال مخلوق لا نعرفه قد ختم الله على قلبه من غير واسطة بطابع حقيقيّ فالاستعارة تمثيلية لا تجوّز في شيء من مفرداتها إلاً أنّ المشبه به أمر متخيل لا تحقق له في الخارج، وسيأتي في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزاب: 72] ومنه ما يحكى عن ألسنة الجماد والحيوان والتمثيل يكون بالأمور المحققة نحو أراك ققدم رجلاً وتؤخر أخرى ويسمى تمثيلاً تحقيقيا وبالأمور المفروضة كما في الآية السابقة، ويسمى تمثيلاً تخييلياً كما فصله العلامة في سورة الزمر، وقال قدّس سرّه: إنّ هذا الجواب تغيير للمدّعي، وهو أق لا يحمل الختم على الاستعارة، ولا على التمثيل المذكور بل على تمثيل آخر يكون وجهاً ثالثاً وهو أن تشبه حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي، والنبوّ عن الحق بحال قلوب محقق ختم الله عليها كقلوب الاغتام أو البهائم، أو بحال قلوب مقدر ختمه عليها، ثم تستعار الجملة أعني ختم الله على القلوب كما هي بتمام الجملة مع إسنادها من المشبه به للمشبه إمّا على سبيل التمثيل التحقيقي أو التخييلي، فيكون المسند إلى الله سبحانه إسناداً حقيقياً ختم تلك القلوب المحققة، أو المقدرة حتى لا تعي شيئاً ولا قبح فيه أصلاَ سواء كان ختما حقيقياً أو مجازيا، كما هو الظاهر لا ختم قلوب الكفار، لأنّ الإسناد إليه تعالى داخل في المشبه به فلا مدخل له تعالى في تجافي قلوبهم، ونبوّها كما لا مدخل للمتردّد في أراك تقدم رجلاَ، وتؤخر أخرى في تقديم الرجل وتأخيرها إذ كل منهما داخل في المشبه به، وان فرض أنه عبر عنهما أو عن أحدهما بلفظ مجازيّ كالختم إذا حمل على المجاز الذي هو المختار. (أقول) ما حققه تبعا لما في الكشف تحقيق حقيق بالقبول إلاً أنّ ما ذكره من تغيير المدّعي أمر سهل، لأنه ليس على حقيقته، لأنه تمثيل، لران اختلف وجه التمثيل، والمعنى متقارب فيهما وإنما غيره ليثبت ما ادّعاه من أنّ الإسناد لا يجري على الحقيقة الظاهرة منه، وقد تحققت مما مرّ أن الختم في الأوّل مجاز، وفي الثاني حقيقة، فلا وجه للتردّد فيه تبعا للكشف، وقد انكشف لك أتم كشف وأمّا ما أورد عليه من أنه خلاف المتبادر من العبارة بل هو استعارة تمثيلية متفرّعة على الاستعارة الأولى فلا بعد فيه لأنه شاع مجاز ا " لمجاز كما عرف تفزع المجاز على الكناية في الوجه الأوّل وبيانه أنّ حقيقة الكلام ضرب الخاتم على الأواني بحيث يمنع الوصول إلى ما فيها، ثم استعير لأحداث الهيئة المعلومة في القلوب، ثم أريد حال قلوب الكفار فيما كانت عليه من النبوّ عن الحق، فالمقصود تشبيه تلك الحال بحال من تلبس بالأحداث المشبه بضرب الخاتم، لا حال من يتصف بضرب الخاتم حقيقة ففيه مبالغة كاملة اهـ. ولا يخفى أنّ ما ادّعى تبادره مع أنه أبعد مما ارتضاه الشريف المرتضى، لا يلاقي عبارة الكتاب ولا يجدي نفعاً فيما قصده من توجيه الإسناد إلى الله تعالى مع أنه لا يسند مثله إليه على زعمهم، لأنّ الأحداث المذكور من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أفعال العباد القبيحة فلا يصح إسناده إلى الله تعالى وحال قلوب الكفار أيضا من هذا القبيل، فأيّ فائدة فيما ارتكبه بل هذا مما يكاد أن يكون غفلة عن مرمى أنظارهم، ومغزى أفكارهم. وقوله مقدر مجرور نعت سببيّ لقلوب، وختم الله يصيغة المصدر نائب فاعله وجعل القلوب قلوب بهائم لا يجري عليها التكليف أسلم من المحذور الذي ادّعوه وإنما أخروه لأنّ إضافته إلى ضمير العقلاء يأباه إلا أن يدعي أنه من قبيل التجريد. قوله: (ونظيره سال به الوادي إلخ) قد سمعت آنفاً تفصيل الجواب الثاني وعرفت أنّ التمثيل على فسمين تحقيقيّ وتخييليّ وأنهما محتملان هنا في النظم فعلى تقدير القلوب قلوب الاغتام أو الأنعام يكون محققاً وسال به لوادي مثاله لأنّ السيل وإهلاكه للناس أمر محقق، وعلى تقديرها قلوباً مقدّرة مفروضة يكون تخييلياً، ونظيره طارت به العتقاء، ففي كلامه لف ونشر، وسال به الوادي مثل يضرب لمن هلك كما قاله الزمخشريّ وقال الميداني يقال لمن وقع في أمر شديد والظاهر الأوّل وكذا طارت به العنقاء أيضاً مثل لما هلك، أو لمن طالت غيبته، والعنقاء بألف لتأنيث الممدودة في آخره اسم طائر سمي به لأنه في عنقه بياض كالطوق، ويقال عنقاء مغرب كمبعد لفظاً، ومعنى بالإضافة والتوصيف فيل إنه كان بأرض الرس جبل مرتفع قدر ميل فيه طيور كثيرة منها، العنقاء، وكانت عظيمة لخلق جدّا ولها وجه كوجه الإنسان وأجنحة كثيرة، وفيها من كل حيوان شبه وكانت تأكل الطير ثم جاعت فاختطفت صبياً ثم جارية، فشكوها لنبيّ كان ثمة قيل اسمه حنظلة بن صفوان، وقيل: خالد بن سنان فدعا عليها فهلكت وقطع الله نسلها، وقيل غير ذلك، وقيل: إنها لا حقيقة لها، ولم توجد أصلاً كالغول ولذا قال الصفيّ الحلي: لما رأيت بني الزمان وما بهم ~ خل وفيّ للشدائد أصطفى أيقنت أنّ المستحيل ثلاثة ~ الغول والعنقاء والخل الوفي وما قيل: من أنها اسم ملك فضعيف جدّا. (تنبيه) أسقط المصنف رحمه الله قول الزمخشريّ نحو قلوب الأغتام إشارة إلى أنه مع ما بعده وجه واحد لا وجه مستقل كما توهمه عبارته، ولأنّ الثاني أنسب بمدعاه كما بيناه لك، ولذا قيل القلوب المقدّر ختمها قلوب العقلاء، لأنه لا يجوز عند المعتزلة ختم الله عليها إلا يطريق الفرض بخلاف قلوب البهائم، والزمخشريّ جعل الأغتام ممن ختم على قلبه وهم الجهال أو من لا يفصح وهو خرم لمذهبه لأنه منع للطف عن العبد وهم لا يجوّزونه، وقد عرفت مما قرّرناه لك سقوطه، وإن كان إسقاطه أولى فعبارته أخصر وأظهر، وهذا مما ينبغي أن يتفطن له فإنّ المصنف قدّس سرّه لا يعدل عن شيء مما في الكشاف إلاً لنكتة، ونحن إن شاء الله لا نهمل شيئاً منها. قوله: (الثالث أنّ ذلك في الحقيقة فعل الشيطان إلخ) يعني أنه إسناد مجازيّ من إسناد الفعل إلى السبب، كبنى الأمير المدينة والمسند مجاز فيه نحو أحيا الأرض الربيع وفاعله حقيقة الشيطان أو الكافر، وأورد عليه أنه يلزمه إسناد أفعال الكفرة والشياطين وقبائح الشرور كلها إليه تعالى، فإن. قيل قد أسندتموها أنتم إليه حقيقة، فلم تنكرون إسنادها مجازا قيل نحن نسند خلقها إليه لا نفسها، ولو سلم فلا قبح في إيجادها عندنا بل في الاتصاف بها، كما مرّ وأنتم تدّعون قبحها، ولك أن تقول هو غير وارد رأساً فإنهم لم يقولوا بجوازه دهانما قالوا ما ورد منه موهما للقبح تؤوّله، كما اتفقوا على تاويل اليد ونحوها مما يوهم التجسيم وان لم يجز إطلاقنا الجارحة عليه تعالى نعم الاقدار والتمكين من القبيح قالوا إنه قبيح أيضا كما منع الشرع من بيع آلات القتال من أهل الحرب فما كان جوابهم فهو جوابنا، فإن قلت على ما ارتضيناه من الوجه السابق فيه مجاز في الإسناد أيضاً كهذا، فهو تكرار محض وهو الداعي لشراح الكشاف بأسرهم على جعله كناية إيمائية في الإثبات كما مرّ، وان كان تكلفاً لكنه كما قيل: تدعو الضرورات في الأمور إلى سلوك ما لا يليق بالأدب قلت: التجوّز في الإسناد على وجهين لأنه يكون بجعل الفعل كالفعل في معنى كالثبات والرسوخ السابقين، أو الفاعل كالفاعل للملابسة بينهما، وكل منهما مجاز حكمي إلا أنّ الأوّل فيه حشمة وأدب عندهم، فلذا قدم لا يقال لم يجيء الإسناد لتنزيل الفعل منزلة الفعل، ولم يتعرّض له أحد من أهل المعاني، وإنما جاء لتنزيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الفاعل، لأنا نقول هذه شهادة نفي لا تسمع، ولو قبلت قلنا إذا شبه الفعل بالفعل لزم منه تشبيه الفاعل بالفاعل، والملابسات لا تنحصركمامرّ. فلا تظن السراب بحراً وأيّ بأس في جعل وجهي المجاز الحكمي جوابين، وقد فعل مثله في التمثيل من غير أن يستبعده أحد من شراحه وما قيل هنا-ت أنه بقي وجه آخر لم يذكر، وهو أن يستعار الختم للأقذار والتمكين من الاعراض الكليّ عن الحق الموجب لعدم نفوذه ووصوله إلى محال القبول تشبيهاً لإعطاء القدرة على ذلك الاعراض السادّ لطرق النفاذ بالختم، وهو من الله لأنّ الأقدار، والتمكين لا يقبح عندنا وعندهم ليس بشيء لأنه يصير المعنى حينئذ أقدرهم الله على الختم ومراده أنه أقدرهم على إحداث الكفر والمعاصي، فإن قيل المعنى أقدرهم على الختم المتجوّز به عن إحداث ذلك فهو تعسف بلا قرينة، ثم إنّ المصنف رحمه الله. أسقط تمثيله في الكشاف بناقة ضبوث وقوله: إذا ردّعا في القدر من يستعيرها لأنه غير. ضعين لما مثل له كما في شروحه مع أنّ شهرة المجاز الحكمي تغني عن التمثيل، ولذا أسقط ما فيه من التفصيل، ثم إنّ قوله فعل الشيطان أو الكافر تبع فيه الزمخشريّ، وهو مناف لمذهب المعتزنة، لأنهم قالوا لو لم تكن العباد خالقين لا " فعالهم، لكان إثابة بعضهم بالإيمان وتعذيب بعضهم بالكفر قبيحاً والله تعالى منزه عن فعله، فالظاهر أنّ إحداث ما يمنع عن قبول الحق من نفس العبد لكنه نقل عنهم أنّ الإضلال، والإغواء من فعل الشيطان كما نقله الحفيد فتنبه. قوله: (الرابع أق أعراقهم إلخ) الذي يظهر بعد إمعان النظر أنّ المراد بهذا أنه لما ذكر في الآية السابقة كفرهم، وغلوّهم فيه بحيث لا تنجع فيهم الآيات والنذر ونحوه مما يقتضي الإعراض عن الحق، وعدم قبول الإيمان علم منه أنه لم يبق طريق إلى إيمانهم غير القصر والإلجاء إليه، وهو مناف للتكليف فدل السياق والسباق على أنه شبه ترك الإلجاء والقسر بختم وطبع، فرضي على مشاعرهم لأنّ الختم يمغ من الوصول إلى ما ختم عليه والنفوذ فيه، وفي الإلجاء للإيمان رفع للمانع عنه، وفي تركه إبقاء له وابقاء المانع من القادر على رفعه مانع معنى كما قيل: إنّ السفيه إذا لم ينه مأمور وهذا وان لم يخل من البعد ليس بمستبعد منهم فإنهم يركبون أطراف الأسنة في سلوك طرق الضلالة. وقال قدّس سرّه: الختم عبارة عن ترك القسر والإلجاء إلى الإيمان فيجوز إسناده إلى الله حقيقة، وتحريره أنّ الختم على القلوب يستلزم ترك القسر، والإلجاء إلى الإيمان فمعنى ختم الله على قلوبهم أنه لم يقسرهم عليه، وليس هذا المعنى أعني ترك القسر مقصودا في نفسه بل لينتقل منه إلى أنّ مقتضى حالهم الإلجاء لولا ابتناء التكليف على الاختيار، وينتقل من هذا المقتضى إلا أنّ الآيات والنذر لا تغني عنهم، وأنّ الألطاف لا تجدي عليهم، وينتقل من عدم الإغناء والإجداء إلى تناهيهم في الإصرار على الضلال، فأطلق الختم على ترك القسر مجازا مرسلاً، ثم كنى به عن ذلك التناهي، فيكون هذا وجها مستقلاً في الآية كالجواب الثاني، وهذا ما يقتضيه ظاهر قوله عبر عن ترك القسر إلخ، ومنهم من قال حاصلهإنالختم المستعار لما مرّ جعل مجازاً عن ذلك الترك بعلاقة اللزوم فهو مجاز بمرتبتين، ولا يجوز أن يستعار الختم من معناه الأصلي، لترك القسر المشابه له في المنع عن وصول الحق في شأن هؤلاء خاصة، لأنّ الختم إحداث مانع محسوس، وترك القسر ترك رفع مانع معقول، واستعارة الأحداث للعدم بعيدة على أنّ معنى المنع في ترك القسر غير ظاهر إلا بعد سبق العلم بحالهم والآية لبيانها. (أقول) ما ذكره من أنّ الختم على القلوب يستلزم ترك القسر، والإلجاء إلى الإيمان إن أراد به أنّ الختم الحقيقيّ الفرضي يستلزمه فلا استلزام فيه بوجا من الوجوه وان أراد الختم المجازي السابق فهو المجاز بمرتبتين الذي لم يرضه هنا. وقوله ينتقل منه إلى أنّ الآيات والنذر لا تغني عنهم إلخ لا يخفى أنه صريح معنى قوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} كما مرّ تقريره، فما معنى تكلف الكناية عنه بعد التصريح به وما المقتضى لهذا التكلف بعد النداء عليه، وهذا لم يظهر له وجه أصلاً وقوله ولا يجوز أن يستعار الختم إلخ إذا تدبرت ما فرّرته لك آنفاً ظهر ما فيه فتدبر، فإنّ هذا المقام من مزالق أقدام الأفهام ولهم فيه ما يتحير الناظر فيه، كما قيل إنّ هذا ليس وجهاً مستقلاً كما هو الظاهر، وان قال به الشارحون بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 مبنيّ على الاستعارة السابقة فإنّ الختم الحسي بمعنى ضرب الخاتم الحسي لا يستلزم ترك القسر، والإلجاء إلى الإيمان بل إحداث الهيئة المانعة عن قبول الحق على القطع يستلزم ترك الإلجاء إلى الإلمان، فإنّ الإلجاء والإحداث متنافيان فلا يليق ذلك بشأنه تعالى على زعم المعتزلة. قوله: (لم يقسرهم) يقال: قسره على الأمر قسرا من باب ضرب بمعنى قهره وألجأه والترامي تفاعل من الرمي والمراد به التزايد والترقي فيه يقال رميت على الخمسين، وأرميت إذا زدت كما في الأساس وصيغة التفاعل للمبالغة، وهو المناسب لما بعده لأنّ فرط الزيادة يؤدّي إلى التناهي أي بلوغ النهاية والوصول إلى الغاية، وقيل: هو مجاز عن التناهي، لأنّ المتناظرين في الرمي يبذلان جهدهما فيه فهو مكرّر مع ما بعده، ورسوخ الأعراق، كما في كتب القوم كناية عن الثبات والتصميم كما يقال له أعراق في اللوم قال: جرى طلقاً حتى إذا قيل قدجرى تداركه أعراق سوء تبلدا ومن فسره بضمائرهم المحتجبة بأبدانهم لم يصب، وعرق الشجر والنبات أصله ومنبته، وجمعه عروق وأعراق وقوله إبقاء على غرض التكليف إشارة لما تقرّر في الأصول من أنّ الإلجاء والإكراه الملجىء يمنع صحة التكليف بالمكره عليه لأنه لا يبقى للشخص معه قدرة واخت! ار والتكليف مبنيّ على ذلك، فإنّ القادر هو الذي إن شاء فعل، وإن شاء ترك، واستخكمت بمعنى قويت وأصله بمعنى أتقنت يقال: أحكمت الأمر إذا أتقنته، فاستحكم. وقوله: (إشعار على إلخ) الإشعار بمعنى الاعلام، ويتعدّى بالباء والمصنف عداه بعلى لأنه ضمنه معنى التنبيه، وهم يتساهلون في الصلات. قوله: (حكاية لما كانت الكفرة إلخ) يحتمل أنه حكاية له بلفظه إذ لا مانع من أن يقولوه بعينه، وحينئذ يقطع النظر فيه عن كونه حقيقة أو مجازا، لكنهم أطبقوا هنا على أنه حكاية بالمعنى، فإن كون القلوب في كنة هو معنى الختم عليها، كما أنّ وقر الآذان ختم عليها وثبوت الحجاب تغشية الأبصار، فتكون عبارة المحكيّ ما في الآية الأخرى قال الشارح الفاضل رحمه الله: هو حكاية لكلام الكفرة لا يعبارتهم فإن قولهم {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت: 5] إلخ هو معنى ختم الله إلخ وكون إسناد الختم إليه تعالى حقيقياً معلوم من حال الكفرة، وأما أنّ الختم على هذا حقيقة أو مجاز ففيه تردّد ذكر في قوله وقالوا قلوبنا غلف أرادوا أنها في أغطية جبلة، وفطرة وفي قوله {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} [فصلت: 5] أنها تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن الحق اهـ. وقال قدّس سرّه: الإسناد إلى الله حينثذ حقيقة لأنهم يجوزون إسناد القبيح إليه تعالى فإن جعل الختم حقيقة كان هذا وجهاً مستقلاً، وإن جعل مجازاً، كما هو الأولى كان راجعاً إلى ما تقدّم، وقوله معلوم من حال الكفرة مع إجماله أتم من ادعاء أنهم يجوزون إسناد القبيح إليه فإنه لا دليل عليه بل على خلات، فإنهم لما ادّعوا بطلان ما جاء به لم يكن الإعراض عنه وعدم قبوله قبيحاً بل مستحسناً كما لا يخفى ثم إنه يرد عليهم أنّ الختم هنا مجاز قطعا لأنّ معناه ضرب الخاتم كما مرّ وهو مففود بناء على أنّ معناه ما في الآية الأخرى وكونها أغطية جبلية لا يشعر بذلك بل بخلافه، ثم إنه ليس في عبارة المحكي إسناد إلى الله أصلاَ والكلام مسوق لتوجيه الإسناد، وكون الكلام تمثيلاَ لا ينافي حقيقة الأطراف، والجواب بأنّ مجازية الختم أعمّ من كون التجوّز فيه نفسه ومن كونه في الكلام المشتمل عليه كما قيل لا يجدي نفعاً، وأورد على هذا الجواب أنّ المقصود من هذه الآية تأكيد ما قبلها ولذا لم يعطف وعلى تقدير الحكاية يفوت هذا وقيل في رده: إنّ قولهم هذا يدل على كمال إصرارهم على الكفر فيؤكد عدم إيمانهم وعدم نفع الإنذار فيهم وهذا بين وإن خفي على السعد والسيد وكم من بين يخفى لدقتة، وهذا غريب فإنّ الذي في شرح الفاضل اعتراض على الوجه الثالث دون هذا والذي في شرح السيد ما نصه اعتراض على الخامس بأنه ياباه سوق الكلام، فإنّ القصد بختم الله إلى تقرير ما تقدّم من حال الكفار، وتأكيده سواء جعل استئنافا أو لا اهـ ومراده أنه ليس فيه ما يدل على الحكاية لعدم لفظ القول ونحوه، وقصد الاستهزاء والتهكم غير قصد التقرير والتكيد وإن كان مآل معناه إليه فتدبر. قوله: (تهكماً واستهزاء إلخ) التهكم والاستهزاء بمعنى هنا وهو ظاهر وفي شروح الكشاف أنه يفهم بالذوق السليم ووجه بأنه إذا نقل كلام أحد مع ظهور بطلانه يفهم منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الاستهزاء وهذا كما في قوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً} [البينة: 1] لأنّ الكفار كانوا يقولون قبل مبعث النيّ صلّى الله عليه وسثم لا ننفك عما نحن فيه حتى يأتينا النبيّ الموعود به في التوراة والإنجيل، فلما جاءهم كفروا به، فحكى الله كلامهم ثمة على سبيل الوعيد والتهديد، ولو كان إخبارا لزم تخلفه والتشبيه في الحكاية فقط أو في الحكاية والتهكم كما في شروح الكشاف، وسيأتي معنى هذه الآية في محله. قوله: (إند ذلك في الآخرة إلخ) وهذا ليس بقبيح لأنّ الآخرة ليست بدار تكليف، ولأنه حينئذ وقع جزاء لأعمالهم قي الدنيا، فليس بظلم بل عدل ويؤيده معنى قوله تعالى {وَنَحْشُرُهُمْ} [الإسراء: 97] إلخ وكذا عطف قوله {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} لأنّ المراد به عذاب الآخرة، وفي الاستشهاد بالآية إشارة إلى أنّ الختم مجاز عن إبطال المشاعر ففيه حينئذ تجوز أن في المادة لما ذكرنا وفي الهيئة لأنه مستقبل عبر عنه بالماضي لتحققه فهو كقولك قتل بمعنى يضرب، وقد أورد عليه ما أورد على الخامس أيضا ويدفع بالعناية فتأمل. قوله: (إنّ المراد بالختم وسم قلوبهم إلخ) يعني ليس المراد به ما مرّ حتى يمتنع إسناده إلى الله بل هو سمة وعلامة في قلوبهم لتعرفهم الملائكة، فلا يدعون لهم ولا يخفى ضعفه، وان نقل عن الحسن البصري، واختاره الجبائيا ووضمع العلامة على القبيح ليجتنب غير قبيح بل حسن كما قيل عرفت الشرّ لا للشرّ، لكن لتوقيه والختم على هذا ليس بحقيقة بل استعارة تبعية، ويحتمل أن يكون مجازا مرسلاً كالمشفر بمعنى مطلق العلامة إذ الختم علامة مخصوصة. وقوله في الدر المصون: الختم لغة الوسم بطابع أو غيره إن أراد هذا فمسقم وإلا فلا وجه له. وقوله لغة لا يأباه والقول بأنّ الختم كناية عن الوسم لأنّ الشيء عند بلوغ آخره توضع عليه علامة يتميز بها بعيد وقد ردّ هذا بأنه غير مناسب لقوله {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] أيضا وقوله وعلى هذا إلخ المنهاج كالمنهج الطريق أي جرى على هذا الأسلوب الخلاف بيننا وبين المعتزلة في كل ما ينسب إليه تعالى من هذا القبيل فنحن نقول هومسند إليه حقيقة ولا قبح فيه كما قيل: من عرف الله أزال التهمه ~ وقال كل فعله لحكمه وهم يتكلفون تأويله بما مرّ، ونحوه على ما هو معروف في الأصول، وأنما أشبع الكلام فيه هنا لأنه أوّل آية وقع فيها ذلك. قوله: (وعلى سمعهم معطوف إلخ) لما احتمل أن يكون على سمعهم وما عطف عليه خبراً مقدما لغشاوة أو عاملان فيه على التنازع مع أنّ عطفه على قلوبهم أولى وأحسن معنى لتعينه في الآية التي ذكرها بينه، لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضا، وأمّا تقديم القلب هنا وتأخيره هناك، فلأنّ المراد هنا بيان إصرارهم على الكفر وعدم قبول الإيمان الذي معناه، أو عمدة معناه التصديق وهو متعلق بالقلب فمقتضى هذا المقام تقديمه، والمقصود هناك بيان عدم قبول النصح والعظة، وهي مما يتعلق بالسمع فالمناسب ثمة تقديمه، وقيل في توجيهه أنّ الختم على السمع مقدمة لمنع القلب عن الفهم، فلذا قدم في النظم ولكون القلب، وأحواله مقصودة بالذات أخر في محل آخر وهو مع ما فيه من الإبهام غير مخل بالتمام، والوفاق وهو اتفاق القراء على الوقف على سمعهم يقتضي دخوله تحت الختم وهو ظاهر، وفي قول المصنف على قلوبهم إيهام لاحتمال عطف مجموع الجار والمجرور على مثله، كما هو الظاهر المتبادر وعطف المجرور فقط لأنّ الجار لتكرّره في حكم الساقط، ولذا لم يقل على قوله على قلوبهم مع أن صنيعه أخصر ويفهم مما ذكره أن قوله {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] ابتداء لا تعلق له بما قبله، كما في الآية المذكورة، وقد صرّح به في الكشاف وادعاء أنّ المصنف قصر في تركه من قصور النظر وكيف يتوهم هذا وقد صرّح به فيما سيأتي حيث جعله مبتدأ وقال إنه من عطف الجمل فلو ذكره هنا كان تكريراً بلا فائدة. قوله: (ولأنهما لما اشتركا) هذا وجه آخر لاتصاله بما قبله متضمناً لسببه، ومعناه أنّ فعل القلب، وهو الإدراك لا يختص بجهة فمانعه يمنعه من جميع الجهات أيضا، وان اختص وقوعه بجانب إلاً أنه لا يتعين فجعل الختم عاماً، كمنعه وقارن السمع لأنه يدرك الأصوات من جميع الجهات: وكل قرين بالمقارن يقتدي وأمّ إدراك البصر، فلا يكون إلاً بالمحاذاة والمقابلة فجعل المانع له ما يمنع منها أيضاً، وهو الغشاوة لأنها في الغالب كذلك كغاشية السرج، كما قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 تعالى {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] فخصها بجهة العلوّ المقابلة، ومثله يكفي في النكات، ولا يضره ستره لجميع الجوانب كالإزار وقيل الغشاوة إنما تكون بين الرائي والمرئي، فتختص بالمقابلة وهو واضح لا سترة فيه وقوله في الكشف فيه نظر لأنّ لفظ الغطاء والغشاوة لا ينبىء عن خصوص جهة المحاذاة، فالوجه أن الغشاوة مشهورة في أمراض العين فهي أنسب بالبصر من غير حاجة لما تكلفوه يعلم ما فيه مما قدمناه وقال: في القلب والسمع خاص فعلهما دون العين لما سيأتي وفي الانتصاف الأسماع والقلوب لما كانت مجوّفة كان استعارة الختم لها أولى والأبصار لما كانت بارزة، وادراكها متعلقاً بظاهرها كان الغشاء بها أليق والنكات لا تتزاحم. قوله: (وكرّر الجأر إلخ) الشدة لأنّ الختم على الشيء وعلى ما يوصل إليه أشدّ من الختم عليه وحده أو عليهما معاً فإنّ ما يوضع في خزانة إذا ختمت خزانته، وختمت داره كان أقوى في المنع منه وأمّا الاستقلال، فلأنّ إعادته تقتضي ملاحظة معنى الفعل المعدى به حتى كأنه ذكر مرّتين، ولذا فرق النحاة بين مررت بزيد وعمرو، ومررت بزيد وبعمرؤ بأنّ في الأوّل مروراً واحدا، وفي الثاني مرورين والعطف، وأن كان في قوّة إعادة العامل ليس ظاهرا في إفادته كإعادته، لما فيه من الى*حتمال وهذا معنى ما في الكشاف مع أنّ هذا أوضح وأظهر، لأنه قال فيه: لو لم يكرر لكان انتظاماً للقلوب والأسماع في تعدية واحدة وحين اسنجد للأسماع تعدية على حدة كان أدل على شدة الختم في الموضعين اهـ فإنّ قوله في الموضعين إشارة إلى الاستقلال الذي صرّح به المصنف، وقيل: ختم يستعمل تارة متعدّيا بنفسه يقال ختمه فهو مختوم وأخرى بعلى، فإذا عدي بعلى دل على شدة الختم، لأنّ زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى، وليس هنا معنى مناسب سوى الشدة، والاستقلال لما مرّ هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام، والعجب أنّ صاحب الكشاف ذكر الفائدة الأولى دون الثانية ولم يتعرّض لحلها جميس ر الشراح وبعض أفاضل المتأخرين بينها بما هو بيان للثانية اهـ. يعني الشريف حيث قال في شرحه ة لقوله أدل على شدّة الختم لأنّ ملاحظة معنى الجار في كل منهما تقتضي أن يلاحظ مع كل واحد معنى الفعل المعدى به، فكأنّ الفعل مذكور مرّتين اهـ. ولا يخفى ما فيه، فإنه إن أراد بزيادة المعنى زيادة الكتم، فهو بعينه ما بعده فيقع فيما فرّ مته، وإن أراد زيادة الكيف، فليس فيما ذكره ما يدل عليه والحكم في كلام المصنف النسبة أو المحكوم به، وهو الختم هـ قوله: (ووحد السمع للامن إلخ) رفيم لما يخطر في الخواطر من أنّ مقتضى انتظام الكلام أن تجري المذكورات على نمط واحد، فيؤتى بها كلها مفردة أو مجموعة فلم أفرد هذا دون أخويه، فوجه بأنه يطرد إفراد ما حقه الجمع إذا أمن الليس كما في قوله: كلوا في بعض بطنكم تعفوا ~ فإنّ زمانكم زمن خميص فذكر بطنكم في موضع بطونكم لذلك، فلو ألبس مثله لم يجز كما في نحو ثوبهم، وفرشهم في محل يحتمل الاشتراك، وهو غير مراد أو لأنه مصدر في الأصل والأصل فيه الإفراد لصدقه على القليل والكثير، فلا يجمع ما لم يرد تنوّعه لمحاً لأصله، وهذا مصحح، وقيل: إنه مر] ح لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه وفيه أنه عند السائل له مقتضى لا ينكر، وهو مجانسة أخويه وتعدّده في الواقع. فالظاهر ما فيل من أنّ المرجح الاختصار والتفنن مع الإشارة إلى نكتة هي أنّ مدركاته نوع واحد ومدركاتهما أنواع مختلفة وقيل الجوإب أنه إذا نساويا، فتعيين الطريق ساقط، ودلالة إفراده على وحدة متعلقه لا تعلم من أيّ الدلالات هي ورد بأنها دلالة التزامية وهي يكتفى فيها بأيّ لزوم كان ولو بحسب الاعتقاد في اعتبارات البلغاء أو على تقدير مضاف مثل وعلى حواس سمعهم أو مواضع سمعهم، فالسمع بالمعنى المصدري لأنه كما قال الراغب قؤة في الأذن تدرك بها الأصوات، وفعله يقال له: السمع أيضاً ويعبر تارة بالسمع عن الأذن وتارة عن فعله نحو {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] والحواس جمع حاسة، وهي القوّة التي تدرك بها الأغراض الجسمية والحواس هي المشاعر الخمس اهـ فما قيل عليه من أنه مجرّد تجويز نحويّ لأنّ حمل السمع على المعنى المصدري بدون ذكر هذا المضاف بعيد، وفي تقديره نظر لا وجه له، وقرأ ابن أبي عبلة في الشواذ وعلى أسماعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 واستشهد له بقوله: قالت ولم تقصدلقيل الخنا مهلاً لقدأبلغت أسماعي وما قيل في توجيه الإفراد أنّ المراد سمع كل واحد، وهذا وإن كان حقه الإفراد إلا أنّ حمل الجمع على كل فرد فرد جائز لا واجب كما قيل في قوله تعالى {يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غافر: 67] على وجه. واعلم أنه قال في المثل السائر إنّ مما هو من صناعة البلاغة بمنزلة عليته اختلاف الألفاظ، فمنها ما لا يحسن استماعه الآ مجموعاً كاللب، فلذا لم ترد في القرآن مفردة لأنّ الجمع فيها أحسن وبضدّه ما ورد مفرداً ولم يرد مجموعا كالأرض، وأمّا المصادر فالإفراد فيها هو الأحسن ومما جاء منها مجموعاً قول عَنترة: فإن يبرأ فلن أنفث عليه ~ وإن يفقد فحق له الفقود فهذا غير شائع، ولا لذيذ وإن كان جائزا وكله يرجع إلى حاكم الذوق السليم، فإن قلت: الدلالة الالتزامية من توابع الوضعية، واللزوم معتبر فيها بالنسبة لمدلول اللفظ وضعاً سواء كان لزوماً عقليا، كما اعتبره أهل الميزان أو أعمّ منه فيشمل العرفي وغيره، كما هو عند الأدباء وأهل المعاني، ومدلول السمع الحاسة أو فعلها كما مرّ ولا دلالة لذلك على وحدة المتعلق أو تعدّده وهذا هو الذي قصده المدقق في الكشف فما وجه ردّه قدّس سرّه. قلت: أراد أنّ الكلام البليغ الملقى للمخاطب إذا قصد به ما اتضح دلالته عليه يعدّ تصريحا، فإن قصد ما يستلزمه يكون كناية لزومية، وإن لم ينشأ ذلك مما وضمع له كما قرّر في شرح قول السكاكيّ إنّ إخراح الكلام لا على مقتضى الظاهر يسمى كناية، وهو مما خفي على بعض شراحه، أو نقول وحدة اللفظ تدلّ على وحدة مسماه، وهو الحاسة ووحدتها تدلّ على قلة مدركاتها قي بادىء النظر، ومثله يكفي في اللزوم عرفاً، وقيل اعتبار البلغاء دلالة رابعة، كما أنّ العادة طبيعة خامسة وهذا مخالف لما قرّره في شرح المفتاح فليحرّر التوفيق بينهما فإنه محتاج لمزيد تدفيق ومنه يتنبه لوجه جمع القلوب كثرة والأبصار قلة وإن كان ذلك هو المعروف في استعمال الفقهاء في جمعهما. قوله: (والآيصار جمع يصر إلخ) في الكشاف والبصر نور العين وهو ما يبصر به الراني ويدرك المرئيات كما أنّ البصيرة نور القلب وهو ما به يستبصر ويتأمّل وكانهما جوهران لطيفان خلقهما الله فيهما اكتين للأبصار والاسنبصار اهـ. وعدل المصنف عته لما فيه من التطويل والخفاء، والبصر في الأصل مصدر بمعنى إدراك العين وإحساسها، كما في كتب اللغة، ثم تجوّز به عن القوّة التي هي سببه وعن العين التي هي محله وشاع هذا حتى صار حقيقة في العرف لتبادره، وهو المناسب للختم والغشاوة لتعلقهما بالأعيان، والقوّة واحدة القوى، وهي في العرف العام معنى يصدر به عن الحيوان أفعال شاقة وضدّها الضعف، وعند الحكماء معنى راسخ هو مبدأ للتغيير وصدور الآثار والقوّة البصرية عندهم معنى في ملتقى العصبتين الواصلتين من الدماغ إلى الحدقتين من شانه إدراك الألوان والأشكال وتفصيله معروف في محله، وتحمل هذه القوى أجسام لطيفة بخارية تتكوّن من لطيف الأخلاط، وتسمى أرواحاً عند الأطباء، واشتهر إطلاق النور عليها فيقولون في الأعشى ضعف نور بصره وفي الأعمى فقد نور بصره. وقال الإمام الغزالي في كتاب المشكاة اسم النور بالنور الباصر أحق منه بالنور المبصر وهذا مراد الزمخشريّ، وفيه كلام في الشروح إيراده هنا من الفضول، وقد كفانا المصنف رحمه الله مؤنته بتركه. قوله: (ولعل المراد بهما في الآية إلخ) العضو بضم العين ويجوز كسرها، وبضاد معجمة ساكنة يليها واو الظاهر أنه أراد به جزءاً من أجزاء البدن مطلقا إلاً أنّ أهل اللغة كما في العين وغيره قالوا: إنه مخصوص بالجزء المشتمل على لحم وعلى عظم كاليد والرجل، فعلى هذا هو هنا مجاز، ولا ضمير فيه وفي قوله أشد إشارة إلى أنّ في الآخر مناسبة أيضاً باعتبار محله أو التقدير فيه كما مرّ إلا أنه يتوجه عليه إذا كان البصر مصدرا أنه كيف يتم ما مرّ في توجيه إفراد السمع بأنه لمح أصله ووجه المناسبة تقدم تقريره وهو جار على التجوّز نظراً لأصله، أو لأنّ إحداث الهيئة يكون فيها، وأتى بلعل لعدم جزمه به والظاهر أنه تأدّب منه في التفسير بغير المأثور وهذا دأبه، ودأب السلف نفعنا الله ببركاتهم، وفي الكشف أنّ الزمخشريّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 يعبر بكأن فيما لم يسبق فيه بنقل، ولذا قال: كان هنا وقيل إنما عبر بكأن فيه لأنه ناشىء عن ظن وتخمين كسائر الأمور العقلية التي يدعونها، وأمّا كيفية الإبصار فليس هذا محلها، وقوله وبالقلب ما هو محل العلم إلخ الظاهر أنه الجسم الصنوبري المعروف، لأنه اشتهر في الآيأت والأحاديث، ولسان الشرع أنه محل العلم وكونه في الدماغ أو مثتركا بينهما مبنيّ على إثبات الحواس الباطنة التي لم يثبتها الشرع والكلام فيها مشهور، وقيل: إنما قال ما هو إلخ ليشمل الدماغ ولا يخفى ضعفه والقلب، في الأصل مصدر سمي به لتقلبه أو لأنه لبه، ولذا سمي العقل لباً أيضاً. قوله: (وقد يطلق ويراد به العقل والمعرفة) الإطلاق لغة فك القيد والعقال ونحوهما، والمراد به هنا الاستعمال، وقد يراد به استعمال بدون قيد وشرط، وهو فيهما حقيقة عرفية، والعقل يقال للقوّة المتهيئة لقبول العلم وللعلم المستفاد بها وأصل معنا. الإمساك بعقال ونحوه كما قال: قد عقلنا والعقل أيّ وثاق وصبرنا والصبر مرّ المذاق وفي جمع المصنف بين يطلق، والعقل إيهام تضاد، وفيه لطف لا يخفى، والعقل هنا إن كان العلم بالكليات والمعرفة العلم بالجزئيات، كما هو أحد معانيها، فذكره للتعميم، وان كان مطلق الإدراك، فهو المراد بالمعرفة أيضاً، وقيل العقل بمعنى التعقل وعطف المعرفة عليه عطف تفسيرقي، لثلا يراد به القوّة العاقلة، واستشهد بالآية على أنّ المراد بالقلب فيها العقل بعلاقة الحالية والمحلية، كما أشار إليه قبيله، وقد قيل عليه إنه مخالف لما فسره به في سورة ق من قوله أي قلب واع يتفكر في حقائقه وتنكيره وابهامه تفخيم واشعار بأنّ كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر. وقال الشيخ في الدلائل بعدما نقل تفسيرهم: القلب في الآية بالعقل منكراً على من فسره به أنّ المرجع إليه لكن ذهب عليه أنه كلام مبنز، على تخييل أن من لا ينتفع بقلبه فلا ينظر ولا يعي بمنزلة من عدم قلبه جملة، كما في قول الرجل: غاب عني عقلي، ولم يحضرني يريد أن يخيل إلى السامع أنه غابءخه قلبه بجملته، ويريد أنه لم يكن علمه هناك، وكذا إذا قال: لم أكن هناك يريد غفلته عن شيء فهو يضع كلامه على التخييل، وفي الإيضاح: كلام الشيخ حق لأنّ المراد بالآية الحث على النظر والتقريع على تركه فإن أريد بهذا التفسير أن المعنى، لمن كان له عقل مطلقاً، فهو ظاهر الفساد، وان أراد أنّ المعنى لمن كان له عقل ينتفع به، ويعمله فيما خلق له من النظر فتفسير القلب بالعقل ثم تقييده بما قيد به عار عن الفائدة لصحة وصف القلب بذلك بدليل قوله تعالى {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] . (أقول) هذا ليس بشيء لأنّ المقصود بصدد بيان معاني القلب لغة وبيان وجو. استعماله في النظم، فذكر أحدها هنا تبعاً لغير. كالراغب تتميماً للفائدة فلا ينافي ذكره لوجه آخر ثمة وتفسيره به هـ هذا بحسب جليّ النظر وأمّا بحسب دقيقه، فالمآل واحد، لأنّ من فسره بالعقل وسكت عن توصيفه جنح أيضاً إلى ما جنح إليه الشيخ من تنزيل الموجود منزلة المعدوم لعدم غنائه، فكأنّ من لم يتدبر لا عقل له رأسا كما أنّ الشيخ لما أبقاه على أصله وحقيقته أشار إلى أنّ من لا يعي ولا يفهم بمنزلة الجماد الذي لا قلب له، ومن قدر الصفة نظر إلى الظاهر، وسلك الطريق الواسع فما في الإيضاح لا وجه له نعم كلام الشيخ فيه من لطف التخييل والجري في ميدان البلاغة العربية ما لا يلحق وقد ألنم بمثله ااشعراء وعدوه من لطيف المعاني كماقيل: قالت وقد سألت عنها كل من ~ لاقيته من حاضر أو بادي أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ~ ترني فقلت لها وأين فؤادي وفي ذريعة الشريعة لما كان تأثير هذه القوى من الدماغ قيل مسكن الفكرة وسط الدماغ، ومسكن الخيال مقدّمه، ومسكن الحفظ والذكر مؤخره، ولما كان قوام الدماغ بل الجسم كله من القلب الذي هو منشأ الحرارة الغريزية عبر الناس عن هذه القوى مرّة بالدماغ، فقيل لمن قويت قواه المدركة له دماغ، ولمن ضعفت فيه خالي الدماغ وتارة بالقلب، وهو أكثر وعليه قوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] اهـ. قوله: (وإنما جاز إمالتها إلخ) يعني أنّ الصاد حرف مستعل، وهو عند النحاة وأهل الأداء مناف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 للإمالة فيمنع منها لأنها إن ينحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء وذلك مقتض لتسفل الصوت، والاستعلاء مقتض لخلافه، فوجهوه بأنّ سببه هنا الكسرة الواقعة على الراء وهو كما بينوه في مباحث مخارج الحروف، وصفاتها حرف مكرر، لتكرّره على اللسان في النطق به فإنه يرتعد وأظهر ما يكون التكرير إذا شدد أو وقف عليه فكسرته بمنزلة كسرتين، فقوي السبب حتى أزال المانع وهذا معنى ما في الكشاف من أنّ الراء المكسورة تغلب المستعلية لما فيها من التكرير كأنّ فيها كسرتين، وذلك أعون شيء على الإمالة وأن يمال له ما لا يمال، ولم يرتض هذا الإمام الجعبري في شرح الشاطبية والرائية فقال: وجه الإمالة مناسبة الكسرة واعتبرت الكسرة على الراء دون غيرها لمناسبة الإمالة الترقيق لا ما توهمه المعللون لقوّتها بالتكرير لعدمه، يعني أنّ طائفة فهموا من قولهم إنّ الراء حرف مكرّر إنه حقيقة وليس معناه إلاً أنّ اللافظ بها يجب عليه المحافظة عليها لئلا يقع تكرير، وهو خطأ عظيم، إذ لم يقل أحد بأنّ في نحو ضرب راآن اهـ. ولا يخفى أن فيها تكرارا مّا، كما يدركه الطبع السليم وإن كان في الوقف والتشديد أظهر وما ذكره العلامة مما اتفق عليه أهل العربية، وأيده الوجدان فتدبر. قوله: (رفع بالابتداء عند سيبويه إلخ) هذا مذهب الجمهور وخص سيبوبه لأنه مقتداهم، والأخفش يجعله فاعلاً بالظرف وإن لم يعنمد على ما يجب الاعتماد عليه من النفي والإستفهام وأخواتهما، وهو محل الخلاف، والأخفش لا يمنع صحة كونه مبتدأ، كما توهم والالتباس مخصوص بالخبر الفعلي، كما مرّ فلهذا كان فيه الوجهان إذا اعتمد بالاتفاق، وإن اختلف في الأرجح لأنه إجمال لا ليس والفرق بينهما مما خفي على كثير حتى توهم اتحادهما وهو فاسد قطعاً، والفرق بينهما أنّ في الإلباس فهم خلاف المراد وفي الإجمال عدم الفهم مطلقاً، لأنه لا يفهم من المجمل شيء بدون بيان، ولا ضرر في عدم الفهم إنما الضرر في فهم غير المراد، كذا أفاده شيخنا في حواشي شرح التسهيك، وقيل: الرفع بالابتداء لا يختص بسيبور لاتفاق ما عدا الأخفش عليه إذا لم يعتمد على ما يجب اعتماد اسم الفاعل عليه حتى يعمل، والذي اختص به سيبويه أنه لا يكتفى بالاعتماد على ما سوى الموصول، ويشترط كون المرفوع حدثا، وقال الرضي: إذا لم يعتمد الظرف على أحد الأشياء الستة، ولم يقع بعده أن المصدرية، فالمرفوع مبتدأ مقدّم الخبر وعند الكوفيين والأخفش في أحد قوليه هو فاعل الظرف، لأنّ الكوفيين لا يجوزون تقديم الخبر على المبتدأ، وأمّا الأخفش، فيجوّز ارتفاعه على الابتداء أيضاً لتجويزه عمل الصفة بلا اعتماد،. وله في الظرف قولان. قوله: (ويؤيده العطف على الجملة الفعلية) أي يؤيد رأي الأخفش عطفه على جملة ختم الفعلية، لأنّ الأصل الأقوى في متعلقه أن يقدر فعلا لا سيما إذا وجد ما يقضتيه كالعطف على مثله، وما قيل: من أنه لو قدر وصفاً ضعف من وجهين عمل اسم الفاعل والظرف من غير اعتماد ضعفه أقوى منه، وحينئذ فقوله {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} [اس عمران: 176] مثله وقد أيد أيضاً بنصب غشاوة وقيل إنّ التحقيق أن تجعل اسمية معطوفة على الفعلية، وعدل عن فعليتها للدلالة على الثبوت، والدوام الذي اقتضاه المقام لأنّ سبب الإيماذ على ما تقرر حدوث العالم وتغيره، وهو لا يدرك الآ بحاسة البصر وكون الجملتين دعائيتين ليس بشيء هذا، والظاهر أنا إن لم نقل بأنّ هذه الجملة وما عطف عليها حالية ثابتة على كل حال وعليه لا إشكال، فوجه العدول عن الفعلية إلى الاسمية، وترك التناسب المطلوب أنه قصد فيه إلى أنّ غشاوة البصر ثابتة جبلية فيهم، كما قال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [آلى عمران: 90 ا] فمن لا لبّ له لا ينظر نظر استبصار في الأنفس، والآفاق بخلاف عدم التصديق وعدم الإصغاء للنذر فإنه متجدّد فيهم قديماً وحديثاً، فدل النظم على أنهم، كما لم يمتثلوا أوامر الرسول لم يجروا على مقتض العقول لخبث طينتهم والطبع على طويتهم، وهذا هو السر في التعبير بالغشاوة الخلقية في العين، وهذا من بدئع التنزيل، التي ينبغي العض عليها بنواجذ التعويل. قوله: (وقرىء بالنصب إلخ) هذه القراءات كلها شواذ الآ المشهورة منها، وهي غشاوة بكسر الغين المعجمة مع الألف بعد الشين والرفع ولذا عبر المصنف بقرىء المجهول، والنصب نصب غشاوة المكسور أوّله. وقال قدّس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 سرّه لا بدّ في النصب مطلقاً من تقدير فعل كجعل وأحدث على طريقة قوله: علفتها تبناً وماء بارداً وفيه مناقشات منها أنه قيل عليه: إنه يدفعه قول المصئف وغيره أنه على حذف الجار، وأيضاً أنه يحتمل كما في البحر أن يكون غثاوة اسماً وضع موضع مصدر من معنى ختم، كقعدت جلوساً لأنّ معنى ختم غشي وستر، فكأنه قيل تغشية على سبيل التأكيد ويكون قلوبهم وسمعهم وأبصارهم مختوماً عليها مغشاة، وأيضاً ليس هو من قبيل، علفتها تبناً وماء باردا، سواء قدر فيه جعل أو انتصب على نزع الخافض لأنّ الغشاوة ليست مما يختم عليه كالقلب والسمع بل مما يختم به وبين المختوم عليه والمختوم به فرق ظاهر وقد صرّج به في الجاثية في قوله تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] فجعل البصر مختوماً عليه بالغشاوة، فإن قلت هل في تغاير أسلوب ما هنا، وثمة نكتة غير التفنن، فإنه عكازة أعمى. قلت: لما ذكر هنا الكتب السماوية وهداية من اهتدى بها من المؤمنين، وهم السعداء أزلاً وأبدا، ثم عقبهم بأضدادهم الذين لم يفدهم الإنذار أصلاَ بين ذلك وعلله فأن مشاعرهم مجبولة على الغواية، وعدم قبول الحق وأفاد أنّ بصرهم وبصيرتهم مستمرّة ثابتة على عدم نظر الآيات البينات قبل الدعوة وبعدها، فلذا عدل فيها إلى الاسمية، أو ترك التصريح بالفعل، وثمة ذكر من عرف الحق، ثم عدل عنه كأهل الكتاب الذين لما جاءهم ما عرفوا كفروا به، فناسب التصريح بتجدّد الغشاوة ولذا صدرت بقوله أفرأيت وقدم السمع فيها، وما قيل من أنه في الجاثية قصد بيان عدم قبول النصح وعدم المبالاة بالمواعظ الواصلة إليهم حينا بعد حين فناسب الفعل الدال على التجدّد لا يصلح وجهاً لمدعاه، فإن قوله تعالى {سَوَاء عَلَيْهِمْ} إلخ أدلّ على ما ذكره لصراحته في 4، كما لا يخفى فهذا غفلة أو تغافل. (أقول) ما ذكره قدس سرّه من قوله علفتها تبنا وماء بارداً، كقوله متقلداً سيفاً ورمحا. وقوله: فزججن الحواجب والعيونا، وهو أصل من أصول العربية معناه أنه إذا عطف على معمول عامل معمول آخر لا يليق عطفه عليه بحسب الظاهر لمانع منه معنويّ أو صناقي، ففيه طرق أحدها التقدير، والثانية أن يضمن العامل المذكور معنى عامل عام لهما، أو يتجوز به عنه كأنلتها في الأؤل وحاملاَ، وحسن فيما بعده، وذكر الثعالبي رحمه الله أنه من المشاكلة، ووجه ما قاله من أنه يتعين كون ما هنا من هذا القبيل إنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً، وقد صرّح في غير هذه الآية بإخراح الإبصار عن حكم ألختم إلى التغشية المغايرة له بمعنييه، وهذا يأبى جعله مصدر الختم من معناه، كما في البحر ويقتضي عدم انتصابه بنزع الخافض لأنه إن لم يقدر له فعل اقتضى اشتراك القلوب والأسماع فيه، والاً كان فيه تعسف لأنه إذا ارتكب التقدير فليقدر فعل متعد بنفسه، وقد قيل عليه إنه يزيفه الوفاق على الوقف على سمعهم، وفوت نكتة تخصيص الختم بما عدا الأبصار، ويحتمل أن تكون غشاوة مفعول ختم والظروف أحوال أي ختم غشاوة كائنة على هذه الأمور لثلا يتصرّف فيها بالرفع والإزالة اهـ وفيه نظر. قوله: (وقرىء بالضم والرفع إلخ) أي قرىء في الشواذ بضم الغين، ورفعه وبفتح الغين المعجمة ونصمبه، وضم الغين وفتحها لغتان، وقرىء غشوة بكسر المعجمة مرفوعا، وبفتحها مرفوعا، وعنصوبا، والتخصيص في مثله نقليّ لا يسئل عن وجهه، وغشاوة بفتح المهملة والرفع وجوّز فيه الكسر والنصب من العشي بالفتح والقصر، وهو الرؤية بالنهار دون الليل ومنه الأعشى والمعنى أنهم يبصرون الأشياء ابصار غفلة لا تنظر غير الواضح لا إبصار عبرة، أو أنهم لا يرثون آيات الله في ظلمات كفرهم، ولو زالت تلك الظلمات أبصروها، وقال الراغب: العشاء كللتي تعرض في العين وعشى عن كذا عمي قال تعالى {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] وعلى هذا معناه ظاهر. قوله: (وعيد وبيان لما يستحقونه إلخ) الظاهر أنه معطوف على ما قبله فيكون بيانا لإصراوهم بأنّ مشاعرهم ختمت وأنّ الشقوة في الدارين عليهم حتمت، وهو غنيّ عن البيان، وليس استئنافاً ولا حالاً، وقيل إنه دفع لما يتوهم من عدم استحقاقهم العقاب على كفرهم لأنه بختم الله وتغشيته وفي استعمال اللام المفيدة للنفع وجعل فائدتهم ونفعهم العذاب العظيم تهكم بهم، ولا وجه له فإنّ اللام إنما تفيد النفع وتقع في مقابلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 على في الدعاء وما يقاربه ولم يقل به أحد هنا ولا يقال عليهم العذاب فلا تهكم فيه، وهي لام الاستحقاق وفي المغني لام الاستحقاق هي الواقعة بين معنى وذات نحو {الْحَمْدُ للهِ} [الفاتحة: ا] والأمر لله و {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: أ] و {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ خزي} [البقرة: 114] ومنه وللكافرين النار أي عذابها اهـ وهذه الجملة اسمية قدم خبرها استحسانا لأنّ النكرة موصوفة ولو أخر جاز كما في قوله تعالى {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} [صورة الأنعام: 2] وسيأتي تفصيله ويجوز أن يقال تقديمه للتخصيص، وقيل إنه تهويل لما يستحقونه من القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى، ومن وجوه تهويله بيان أنّ ما يستحقونه من العذاب مخصوص بهم فلا يعذب عذابهم أحد، ولا يوثق وثاقهم أحد. قوله: (والعذاب كالنكال إلخ) أمّا اتحادهما في البناء، وهو الوزن فظاهر، وأما في المعنى فبينه بقوله تقول إلخ. وقد اختلفوا في أصله، فقيل إنه من قولهم عذب الرجل إذا ترك اكل والشرب والنوم، فالتعذيب حمله على أن يجوع ويظمأ ويسهر، وحاصله الإمساك ومنه العذب لمنعه من العطش كما قيل: مابال ريقك ليس ملحاطعمه ويزيدني عطشا إذا ماذقته ويقمع بمعنى يزيل، وأصل معنى القمع الكف والرح والمنع والزجر، ونقاخ كغراب الماء البارد العذب الصافي بنون وقاف وخاء معجمة آخره وكذا الفرات، وفي الكشاف ويدل عليه تسميتهم إياه نقاخا لأنه ينقخ العطش أي يكسره، وفراتا لأنه يرفته على القلب أي يفتته ويكسره، وعلى القلب وزنه عفال إلاً أنه قيل عليه إنه تعسف لأنه لم يرد رفات بمعنى فرات قط، وقد يقال مراده أنه يلاحظ فيه معنى اعتبره الواضع حتى إذا لم يوجد صريحاً تصرفوا في مادّته بتقدير التقديم والتأخير، فليس قلباً حقيقياً وهذا كثيراً ما يذكره في العين والتهذيب، ولبعده توهم بعضهم أنّ القلب فيه بمعنى الجارحة، ولا وجه له وقال ابن الصائغ: إنه لم يرده ولكنه أوهمه، كما يقال للثقيل خفيف على القلب، وأمّا كون الرفت الكسر والمذكور أوّلاً المنع وبينهما فرق فقد دفع بأن الكسر يعبر به عن المنع كما يقال 3 سر سورته إذا كفها، فبينهما مناسبة أو الرح مؤثر، ولا تأثير أعظم من الكسر. قوله: (ثم يسع فأطلق على كل ألم فاح إلخ) اتسع مبنيّ للمجهول وأصله اتسع فيه فهو كمشترك، ولو قرىء معلوماً جاز لكن الأؤل أولى والفادح اسم فاعل من فدج بفاء، ودال وحاء مهملتين بمعنى مثقل، والمرأد مؤلم شاق مطلقا وإن لم يكن مانعاً رادعا. وقال السخاوندي العذاب إيصال الألم إلى الحيّ مع الهوان فإيلام الأطفال والبهائم ليس بعذاب. وقوله: (قهو أعنم منهما) ذهب كثير إلى أنّ ضمير التثنية للنكال والعقاب، لأنّ النكال ما كان رادعا، والعقاب بمعناه، أو هو ما يجازى به كعقاب الآخرة والعذاب أعم إذ هو ما يؤلم مطلقاً فيشمل عذاب البهائم والأطفال وغيرهما وقيل معناه أعم مما يكون نكالاً وما لا يكون نكالاً لوجوده في كل منهما بدون الآخر، ومن أرجع الضمير إلى العقاب فقد زاغ عن سنن الصواب اهـ. يعني لأنّ العقاب لم يذكر قصدا بل للتفسير، وأنه على هذا الثفسير مطابق لكلام الكشاف، ولكنه ليس ما ذكره أقرب عند الإنصاف، حتى يدعي أنه خطأ. قوله: (وقيل اشتقاقه من التعذيب إلخ) قال الراغب في مفرداته: قيل أصل التعذيب من العذب فعذبته أزلت عذب حياته على بناء مرّضته وقذيته، وقيل: أصل التعذيب إكثار الضرب يعذبة السوط، وقيل من قولهم بئر عذية فيها قذى وكدر فعذبته بمعنى كدّرت عيشه، وقال أيضاً التمريض القيام على المريض، وتحقيقه إزالة المرض عن المريض كالتقذية في إزالة القذى عن العين اهـ. والقذى ما يسقط في العين، فيؤلمها أو الشراب فيعاف وأقذاه أوقع فيه القذى وقذاه أزاله وأوقعه فيه، فهو ضدّ هذا تحقيقه على ما بيناه، ومنه علم ما أراده المصنف رحمه الله وأنّ التفعيل فيه للسلب كالأفعال، ومعنى عذبه أزال ما يستعذبه كمرضه وقذاه وإنما أوضحناه مع وضوحه لما وقع فيه من الخبط، حتى قيل: إنّ التمريض التوهين، وحسن القيام على المريض فكأنه جعل حسن القيام على المريض إزالة للمرض عنه وقيل لعله وحده بمعنى الإزالة وقد سمعت التصريح به من أهل اللغة، وإنما جعل العذاب مشتقا من التعذيب، فالمراد أنه مأخودّ منه في الأصل، ثم استعمل في الإيلام مطلقا وقطع النظر فيه عن الإزالة، وما قيل من أنّ الثلاثيّ لا يشتق من المزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 في الأصل الأكثر، وقد يجعلونه مشتقاً ومأخوذا منه إذا كان أظهر وأشهر، كما قالوا إنّ الوجه مشتق من المواجهة وفيه أنّ العذاب ليس ثلاثياً لأنه اسم مصدر للتعذيب، ولو قيل أصله العذب كما قيل اتضح ما قاله. قوله: (والعظيم نقيض الحقير إلخ) التناقض عند المنطقيين اختلاف القضيتين بحيث يلزم من صدق إحداهما كذب الأخرى، وبالعكس والنقيضان الدالان على معنى وعدمه، والمراد بالنقيض هنا ما يرفع الشيء عرفاً كما قاله قدّس سرّه، فإذا قيل هذا كبير أو عظيم رفع الأوّل بأنه صغير، والثاني بأنه حقير ولا اختلاف بينهما بالإيخاب والسلب، فهو بمعنى المقابل هنا، وفسروه بما يعلم منه وجه اختيار العظيم على الكبير في التوصيف به، ولما كان الحقير دون الصغير كان العظيم فوق الكبير لأنّ كل وحد من الحقير والصغير خسيسان والحقير أخسهما، كما أنّ كل واحد من العظيم والكبير شريفان، والعظيم أشرفهما فتوصيف العذاب به كثر في تهويل شانه من توصيفه بالكبير، ألا ترى إلى جريان العادة بأنّ الأخ يقابل بالأشرف والخسيس بالشريف، فما يتوهم من أنّ نقيض الأخص أعم مما لا يلتفت إليه في أمثال هذه المباحث، وقال الراغب: عظم الرجل كبر عظمه ثم استعير لكل كبير وأجرى مجراه محسوسا كان أو معقولاً معنى كان، أو عينا والعظيم إذا استعمل في الأعيان، فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة والكثير يقال في المنفصلة وقد يقال في المنفصلة عظيم نحو جيش عظيم، ومال عظيم وذلك في معنى الكثير. (أقول) محصل ما قالوه هنا أنّ العظيم والكبير يستعملان في الأجرام، والمعاني والعظيم فيهما فوق البهير، فناسب الوصف به دونه وقد تبعهم الإمام في تفسيره هنا، وهو مخالف لما ذكره في أوائله في قوله في الحديث القدسي: " الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري " حيث جعل الكبرياء قائمة مقام الرداء والعظمة مقام الإزار، وقد علم أنّ الرداء أرفع من الإزار فوجب أن يكون صفة الكبر أرفع من العظمة لأنّ الكبير هو الكبير في ذاته سواء استكبره غيره أم لا، وأمّا العظمة فعبارة عن كونه بحيث يستعظمه غيره، وإذا كان كذلك كانت الصفة الأولى ذاتية وأشرف من الثانية، وهو مناف لما ارتضاه هنا فتدبر. قوله: (ومعنى التنكير الخ) زاد قوله في الآية إشارة إلى شمول ما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للعلامة لتنكير غشاوة وعذاب فهو توطئة لما بعده، فالتنكير فيهما للنوعية والمعنى أنّ عذاب الآخرة نوع من العذاب غير متعارف كعذاب الدنيا، وجعل صاحب المفتاح التنوين للتهولل، وفسره بالتعظيم وقد رجح كلاً من المسلكين طائفة وكل حزب بما لديهم فرحون، وقد قيل الأقسام أربعة هي أنّ التنوين إمّا للنوعية أو للتهويل، وهما شديدا التناسب، وامّا أن يكون الأوّل للنوعية والثاني للتهوبل، وهو أيضاً بليغ، أو على العكس وهو مرجوح، وأختار التعامي على العمى تنبيهاً على أنّ ذلك من سوء اختيارهم وشآمة إصرارهم على إنكارهم، لأنه كتجاهل إذا أظهر من نفسه الجهل، وعلى التعظيم معناه غشاوة أيّ غشاوة، والقول بأنه أنسب بقوله عظيم معارض بالمثل، لأنّ حمله على التنويع أظهر لاستفادة التعظيم من صريحه وحمله على التأكيد لا حاجة إليه، والآلام بالمدّ جمع ألم إشارة إلى العذاب، كما أنّ العظام جمع عظيم إشارة لصفته. وقوله: (لا يعلم إلخ) إشارة إلى أنّ عظمه، وتفخيمه لإيهامه حتى كانه مما لا يوقف على كنهه كما في {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: ا] . قوله: (نوع غشاء) هذا معنى قوله في الكشاف: نوعاً من الأغطية غير ما يتعارفه الناس، وهذا النوع هو المعنى المجازي الذي مز تقريره، وقيل الظاهر منه أن براد بالغشاوة بواسطة التنكير نوع من المعنى المجازي أي غطاء التعامي وكأنّ وجهه أن تحمل الغشاوة على عموم المجاز وفيه بعد جدّا، والظاهر أن يراد مجازا بالغشاوة غطاء الله تعالى فيراد بالتنكير نوع منه، ثم الظاهر أن يحمل التنكير على النوعية والتعظيم معاً، كما حمل على التكثير والتعظيم معاً في قوله تعالى {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} [فاطر: 4] اهـ. ولا يخفى أنّ ما ذكره تكلف لما لا حاجة إليه، وأمّا حمل التنكير عليهما فمتجه لأنّ مآل التنويع للتعظيم أيضاً لإفادته الإبهام الدال ص ليه، ولا فرق بين المسلكين إلاً في العبارة وفي كلامهم إيماء إليه فتأمّل. قوله: (لما افتتح سبحانه وتعالى كتابه إلخ) في الكشاف افتتح سبحانه بذكر الذين أخلصوا إلخ والمصنف رحمه الله لخصه وزاد فيه التصريح بالكتاب، والظاهر أنّ المراد منه القرآن فيقتضي أنّ سورة البقرة أوّله وافتتاحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وهو بناء على أنّ سورة الفاتحة بمنزلة الخطبة والثناء والدعاء يقدم على مقاصد الكتاب ولا ضير فيه، ولو أريد بالكتاب اإسورة استغنى عن التوجيه، ولذا قال بشرح حال الكتاب، ولم يقل بشرحه وإعادة المعرفة معرفة في مقام ربما اقتضت المغايرة والقاعدة المشهورة غير كلية، كما قاله العراقي، وان وقع خلافه في القرآن كقوله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء} [آل عمران: 26] وعلى الأوّل وهو جار عليها والشرح أصله لغة بسط اللحم ونحوه، ومنه شرح الصدر أي بسطه بنور إلهي، وروح من الله وشرح الكلام، والكتاب إظهار ما يخفى من حاله ومعانيه وهو المراد هنا لأنه وان كان مجازاً صار حقيقة عرفية. وقوله: (وساق بيانه ذكر المؤمنين إلخ) بيان فاعل ساق وأصل السوق تسيير الدواب فتجوّز به هنا عن اقتضاء ذكره كما يقال سياق الكلام لما ينجرّ له وواطات بمعنى وافقت وطابقت. قوله: (وثنى بأضدادهم إلخ) قيل إنه يتمشى على العهد، ولا يتمشى على كون تعريف الذين كفروا للجنس متناولاً للخلص وغيرهم، كالمنافقين سواء جعل عاماً خمى بالخبر أو مطلقا قيد به كما مرّ وأجيب بأنه إذا اختص قوله: ومن الناس بالمنافقين، وهم بعضهم دل على أنّ الباقين هم الخلص ضرورة لا لأنّ اللفظ خاص بهم، لأنّ افراد بعض الافراد بحكم خاص يدل على بقاء الباقي على أصل الحكم، كما إذا قلت رأيت بني فلان الكرماء، وبنو فلان منهم العلماء دل على اشتراك الكل في الكرم وأنّ بعضهم علماء، فلو قلت ذكر أو لا من ليس منهم عالماً ثم ثانياً العلماء منهم كان كلاما جاريا على الصحة، وقيل عليه إنّ ضعفه ظاهر لأنه لا يدل على اختصاص الذكر بالأخص غايته أنه حكم على الجنس بحكم يتناول الفزيقين، ثم على البعض منهم بحكم خاص به كما يقال بنو فلان كلهم علماء ومنهم فقهاء، فإنه لا يكون الأوّل ذكرا لغير الفقهاء بالخصوص لا يقال المراد إنّ المقصود الأصلي من ذكر الحكم المشترك المجاهرون بالكفر لمقابلته بالمنافقين لأنا نقول ذلك أيضاً ممنوع، فإنّ إفراد بعض الافراد كالمنافقين لا يراد الأحوال المختصة بهم لا لأنه غير مقصود أصالة من الحكم السابق والفاضل الشريف لم يلتفت لهذا إشارة إلى عدم ارتضائه له، وفي بعض الحواشي إنّ الوجه أنّ مراد العلامة بقوله إنّ الذين كفروا إذا كانت اللام للعهد، أو للجنس الذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً، أمّا على الأوّل فظاهر، وأمّا على الثاني فلأنّ الجنس مطلق والمطلق ينصرف إلى الكامل ولا شك أنّ المتمحضين للكفر ظاهراً وباطناً هم الكاملون في الكفر، فإن قيل لا يرد هذا رأسا على الزمخشريّ حتى يتكلف لدفعه لما مرّ من قوله: إن الإيمان الصحيح أن يعتقد الحق ويعرب عته بلسانه ويصدقه بعمله، فمن أخل بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر ومن أخل بالعمل فهو فاسق، فإذا كان الكافر عنده مقابلاً للمنافق كيف يتوجه عليه اعتراض لكنه وارد على المصنف رحمه الله، وقيل: إنه أشار إلى أنّ المراد بالذين كفروا الماحضون المجاهرون بالكفر بقرينة السياق، وهو ذكر المؤمنين ظاهرا وباطنا والسباق، وهو ذكر المنافقين وحالهم، وقد أطلق الكافر على ما يعم الماحض والمنافق إمّ بالاشتراك أو التجوّز حيث قال: الكفر جمع الفريقين معا وصيرهم جنسا واحداً وكون المنافقين نوعاً من نوعي هذا الجنس مغايراً للنوع الآخر بزيادة قيد كالخديعة والاستهزاء لا يخرجهم عن أن يكونوا بعضا من الجنس. (أقول) هذا زبدة ما في الشروح من القيل والقال والحق الذي لا محيد عنه أنه لا إشكال فيه أمّا على العهد، فظامر غنيّ عن البيان وأمّا على غيره فالجنس، ومسمى اللفظ كما يكون بحسب اللغة والوضع الأوّل يكون بحسب العرف سواء أكان عاما أو خاصا والكافر في عرف الشرع والعرف العامّ إنما يقال لمن أظهر جحده، وانكاره سواء كان عن صميم اعتقاد أو عتوّ وعناد، كما أنّ المؤمن من وافق ظاهره باطنه في التصديق، وأمّا إطلاقه على هذا وعلى ما يشمل المنافق، وهو من أظهر الإسلام وأبطن الكفر فبحسب نفس الأمر وحقيقة اللغة، فالمراد هنا الأوّل على ما يشهد له السياق والسباق ولله درّ الفاضل الشريف ما أبعد مرماه، وأسعد مغزاه حيث طوى هذا من البين فتدبر. قوله: (محضوا الكفر) بتشديد الحاء وتخفيفها بمعنى أخلصوه، وأصل المحض اللبن الذي لا ماء فيه، ثم تجوّز به عما ذكر واشتهر حتى صار حقيقة فيه. وقوله: (ولم يلتفتوا لفتة) الالتفات الانصراف من جانب إلى آخر، واللفت بكسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 فسكون بمعنى الجانب فنصبه على الغلرفية تسمحا أو على نزع الخافض أي إلى جانبه، ويجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً وعدم الالتفات إلى جانبه أبلغ من عدم الالتفات إليه والضمير للإيمان المعلوم من السياق والنظم وكونه لله بعيد وأبعد منه وان قرب لفظه كونه للكفر ظاهراً وباطنا على أنّ المعنى لم ينظروا إلى الكفر حتى يظهر لهم قبحه، ورأساً بمعنى أصلاَ وبالكلية و في ذكرها مع الالتفات لطف لا يخفى. قوله: (ثلث إلخ) بتشديد اللام جواب لما أي أتى به ثالثا، وأصل الذبذبة حكاية صوت الشيء المعلق به ثم استعير لكل حركة واضطراب، وتذبذب المنافقين تردّدهم بين الإيمان والكفر أو اضطرابهم بميلهم تارة إلى المؤمنين وتارة إلى الكافرين وانحصمار الأقسام في الثلاثة ظاهر، وقوله تكميلاً للتقسيم علة له، ووجهه أنّ الناس بحسب الاعتقاد إمّا مؤمن ظاهراً وباطناً أو كافر كذلك أو كافر باطناً مؤمن ظاهرا، ولا يرد عليه مبطن الإيمان ومظهر الكفر كعمار لأنه مؤمن لقوله تعالى {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 06 ا] ثم إنّ هذا كله بقطع النظر عما مرّ من الإصرار وعدمه وعن خصوص التعريف، فسقط ما قيل من أنه إنه، يتم إذا لم يعتبر في الكفر التصميم والختم إذ لو اعتبر لم يكمل التقسيم لخروج من لم يصمم على الكفر عن التقسيم، وأن لم يعتبر أشكل إدخال المنافقين المصممين على أنّ اعتباره لا بدّ منه لقوله سواء إلخ وقد صرّح بدخولهم، ولذا قيل إنه إنما يلزم على اعتبار العدم لا على عدم الاعتبار، والفرق ظاهر. قوله: (وهم أخبث الكفرة) كونهم أخبث وأبغض لما ذكره بقوله لأنهم إلخ لا ينافي كون غيرهم أخبث باعتبار آخر، والخلاف المذكور في كلام الإمام لفظيّ قال: اختلفوا في كفر المنافق، والكفر الأصلي أيهما أقبح فقيل الأصلي أقبح لأنه جاهل بالقلب كاذب باللسان، وقيل غيره لأنّ المنافق كاذب أيضاً مع زيادة أمور أخر منكرة، ومن الناس من لم يتنبه له فظنه مخالف لكلام المصنف وليس بشيءه وقوله: (أبغضهم إلى الله) هو كما في الكشاف، وقيل عليه استعمل أفعل من غير الثلاثي وللمفعول وليس بقياسيّ ولا يرد اعتراضاً لأنه سمع من العرب قديماً كما في القاموس وغيره. وقوله: (موهوا الكفر إلخ) في المصباح موهت الشيء طليته بماء الذهب والفضة، وقول مموّه أي مزخرف أو ممزوج من الحق والباطل اهـ. والمراد هـ، لتمويه هنا الستر إمّا استعارة أو مجازاً مرسلاَ لأنهم ستروا الكفر وأظهروا الإسلام. وقوله: (ولذلك إلخ) بيان لما جاء في حقهم إجمالاً وهو ظاهر كما ستراه عن قريب، وهذا بحسب الظاهر يدل على أنهم أعظم جرماً من الكفار، والعمه في البصيرة كالعمى في البصر والتطويل لذكره الأول في أربع آيات، والثاني في آيتين ثم نعى حال هؤلاء في ثلاث عشرة آية بذكر ادعائهم الإيمان ثم تكذيبهم، وذكر مخادعتهم وتلبيسهم، ومرض قلوبهم وتسفيههم للمؤمنين الذين هم أرجح الناس أحلامأ. وقولى: (وجهلهم) بميغة ط ضي التجهيل عطف على طوّل، وهو من قوله {لَّا يَشْعُرُونَ} و {لَا يَعْلَمُونَ} واستهزأ بالماضي من الاستهزاء، وبهم جار ومجرور متعلق به، وهو معطوف على طوّل أو جهل إشارة لقوله {؟ الله يستفزىء بهم} والتهكم في قوله اشتروا إلخ وقوله {؟ ولم تؤمن قلويهم} قال الطيبي الإيمان إن كان مجرد تصديق الجنان ينسب إلى القلب حقيقة وإلخ غيره مجازا، ولذا فسر آمنوا بأفواههم بأظهروا كلمة الإيمان، وإن كان مجموع التصديق، والأعمال فنسبتة إلى الشخص حقيقة وإلى الجوارح مجاز وقوله سجل على عمههم وفي بعض النسخ على غيهم وهو مناسب للغطيان، وهذا إشارة إلى قوله {يَمُدُّهُمْ} إلخ والمراد بالتسجيل الحكم القطعي وأصله كتابة السجل، وهو الكتاب الحكمي قيل: وقد توهم أنّ قوله جهلهم وقوله استهزأ بهم بصيغة المصدر المضاف إلى الضمير فيهما وهو خطأ لعدم التطويل في بيان جهلهم واستهزائهم وليس بشيء، وإن كان الأوّل أرجح رواية ودراية لأنه على هذا التطويل بالنسبة إلى المجصوع لا إلى كل على حدة وهو ظاهر وضرب الأمثال في قوله مثلهم إلخ وطوّل بمعنى أطنب فما قيل من أنّ التعبير بالاطناب أنسب ببلاغة القرآن لا وجه له. وقوله: (وأنزل) معطوف على طوّل. قوله: (وقصتهم عن آخرها إلخ) هذا معنى قوله في الكشاف، وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا، كما تعطف الجملة على الجملة، يعني كما قاله المدقق في الكشف، وتبعه الفاضلان أنه ليس من باب عطف جملة على جملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 ليطلب مناسبة الثانية مع السابقة بل من باب ضم جمل مسوقة لغرض إلى أخرى مسوقة لآخر، والمعنى بالعطف المجموع وشرطه المناسبة بين الغرضين، فكلما كانت المناسبة بين القصتين أشد وأمكن كان العطف بينهما أشدّ وأحسن، ولا يتكلف لخصوص كل جملة تناسب خاص، وهذا أصل في العطف لم يصرّح به الإمام السكاكي، ولذلك أشكل عليه العطف في نحو {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [ابقرة: 25] على الوجه المذكور وسيجيء له مزيد تقرير، وهو ردّ ضمنيّ على الطيبي في قوله إنّ كلام الكشاف هنا يحتمل وجهين. أحدهما أن يعطف من حيث حصول مضمون الجملتين في الوجود. وثانيهما أنّ الجهة الجامعة بين من محض الكفر ظاهرا وباطناً. وبين من أظهر الإيمان وأبطن الكفر التوافق في الكفر، فإنه لم يحم حول المراد، وأمّا من اعترض على الكشف وإرجاع ما هنا إليه بأنه ذهول عن التعبير عنهم بلفظ المصرّين في قوله معطوفة على قصة المصرين إيماء إلى الجامع بين القصتين المصحح للعطف، وهو تناسب التضادّ بين الإصرار والذبذبة، وكذا من قال معترضاً على المدقق لا بدّ في ضم الجمل من التناسب بينهما، فهو لظهور سقوطه غنيّ عن الرد، فإنه ناشىء من عدم التدبر، ولولا أنّ لكل ساقطة لاقطة لم أورده هنا. وقوله: (عن آخرها) معناه جميعها وجملتها وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً، وتناسب الغرضين ظاهر لما فيهما من النعي على أهل الضلال من الكفار والمنافقين. قوله: (والناس أصله أناس إلخ) اختلف النحاة في ناس فذهب سيبويه والجمهور إلى أنّ أصله أناس، وهو جمع أو اسم جمع لإنسان حذفت فاؤه، فوزنه عال ونقصه وإتمامه جائزان إذا نكر فإذا عرف بال فالأكثر نقصه ويجوز على قلة إتمامه كما ستراه، واشتقاقه من الإنس ضد الوحثة أو من أنس بمعنى ظهر أو علم، وذهب الكسائي إلى أنه اسم تامّ، وعينه واو من نوس إذا تحرّك بدليل تصغيره على نوشى وقال سلمة بن عاصم كل من ناس وأناس مادّة مستقلة. قوله: (لقولهم إنسان الخ) استدلال لحذف الهمزة منه بثبوتها في مفرده من إنسان، وإنسيّ بكسر فسكون، وأنسيّ بفتحتين بمعناه ولا دليل فيه على القول بأنهما مادّتان مستقلتان، وإنّ ناساً اسم جمع لا مفرد له من لفظه كقوم ورهط. وقوله: (أناسي) بتخفيف الياء وتشديدها جمع إنسيّ أو إنسان، وأصله أناسين، فأبدلت نونه ياء، وأدغمت كظرابي، واقاحي وعلى هذا، فالإبدل فيه غير لازم لقول الشاعر: وبالأناسيّ إبدال الأناسين فحذفت الهمزة حذفها في لوقة وعوّض عنها حرف التعريف، ولذلك لا يكاد يجمع بينهما وقوله: إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا شاذ وهو اسم جمع كرخال إذ لم يثبت فعال في أبنية الجمع مأخذو من أنس، لأنهم وبه يردّ على ابن عصفور حيث ادّعى لزومه، والإنسان يقال للذكر والأنثى، وانسانة عامية مولدة والشعر الذي نقله فيه وهو: لقدكستني في الهوى ملابس الضث الغزل إت نة فتانة بدرالدجى منهاخجل للثعالبي كما صرّح به في عامّة كتبه، فلا وجه للاستدلال به ولا لإيراد صاحب القاموس له، وتشككه فيه. قوله: (حذفها في لوقة) فقيل ألوقة ولوقة، وفي الصحاح اللوقة بالضم الزبدة عن الكساتي، وقد لوّق طعامه إذا أصلحه بالزبد يقال لا آكل إلا ما لوّق لي أي لين لي حتى يصير كالزبد في لينه. وقال ابن الكلبي: هو الزبد بالرطب وفيه لغتان لوقه وألوقة، ولذا ذكروه في مادّة لوق وألق وذهب بعضهم إلى أنهما لغتان وأصلان ولوق بالتشديد دليل عليه، وقيل إنه لم يثبت عند القائلين بالحذف وفي الحذف ودخول اللام والتعويض وعدمه ما مرّ في لفظ الله. وقوله: (لا يكاد يجمع بينهما) إشارة إلى ما اشتهر من أنّ العوض والمعوّض عنه لا يجتمعان ولا يرتفعان وقد اجتمعا في قول العرب الأناس، وارتفعا في مثل قولهم إذ الناس ناس والزمان زمان. وهذا كثير في كلام العرب، فصيح فذهب بعضهم إلى أنّ مقتضى العوضية عدم الاجتماع في الفصيح الشائع لا في النادر الشاذ، فتأمّل وقد تقدم تفصيله في الفاتحة. قوله: " ن المنايا يطلعن البيت) هو بيت من مجزوء الكامل قال ابن يعيش: قائله مجهول فالاستشهاد به على الجمح مردود وبعده: فتذرهم شتى وقد كانوا جميعاً وافرينا وقيل هو من قصيدة لعبيد بن الأبرص طويلة يخاطب بها أمرأ القيس، وأوّلها كما في الحصاسة البصرية: نحن الأولى فاجمع جمو ~ عك ثم وجههم إلينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 يا ذا المخوّفنا بقت ~ ل أبيه إذلالا وجبنا ويطلعن بتشديد الطاء بمعنى ينظرن ويشرفن وقد تجوّز به عن القرب والمنايا جمع منية، وهي الموت وآمنينا جمع آمن وألفه للإطلاق في القافية. قوله: (وهو اسم جمع) الفرق بين الجمع واسم الجمع كما سيأتي تفصيله إنّ اسم الجمع ما دل على ما فوق الاثنين، ولم يكن على أوزان الجموع سواء كان له مفرد أو لا، ويشترط فيه أيضا أن لا يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة ولا بالياء كزنج وزنجيّ، فإنه اسم جنس جمعيّ ويعرف بإطراد تصغيره من غير ردّ إلى المفرد وقد يراد باسم الجمع الجمع الوارد على خلاف القياس، وهذا عرف النحاة، وأمّا أهل اللغة فاسم الجمع عندهم يسمى جمعاً حقيقة. وقوله: " ذ لم يثبت إلخ) إشارة إلى ما قلنا. في تعريفه وفيه إشارة إلى الردّ على من قال أنه جمع لأنّ ما سمع منه قالوا إنه اسم جمع لا جمع، واطلاق الجمع عليه قالوا: إنه إمّا تجوّز، وإمّا بناء على اصطلاح اللغويين فلا يعترض عليه، وذهب بعضهم إلى أنّ أصله الكسر، وهو جمع تكسير حقيقة لأنّ فعالاً بالكسر من أبنية الجمع، فأبدل كسره ضماً كما أبدلت ضمة سكارى من الفتحة، وقد ذهب إلى هذا الزمخشريّ، ورده أبو حيان في البحر وشنع عليه في ذلك وقد نقلوا كلمات جاءت على هذا الوزن منظومة في أبيات عزيت للزمخئ! ريّ، والأصح أنها لصدر الأفاضل، وهي: ماسمعنا كلما غير ثمان ~ هي جمع وهي في الوزن فعال فتؤام ورباب وفرار ~ وعراق وعرام ورخال وظؤار جمع ظئر وبساط ~ جمع بسط هكذافيمايقال فتؤام واحدة توأم، وهو المولود مع أخيه، ورباب براء مهملة وموحدتين واحده ربى، وهي شاة حديثة عهد بنتاج، وفرار بفاء وراءين مهملتين جمع لفرير ولد البقرة الوحشية، وعراق بعين وراء مهملتين وقاف لعرق وهو عظم عليه لحم وعرام مثله معنى واهمالاً، ورخال براء مهملة وخاء معجمة ولام واحدة رخل أو رخلة وهي أنثى ولد الضأن، وظؤار لظئر وهي المرضعة، وبساط لبسط بكسر الباء للناقة تخلي مع ولدها، ولا وجه لهذا الحصر، فإني وجدت في كتب اللغة وغيرها ألفاظا جاءت على هذا الوزن، فمنها أناس وظباء بالضم لغة في ظباء المكسور ونفاس بالضم لنفساء، ونذال لنذل ورذال لرذل وكباب بمعنى كثير متراكب وملاء بالضم لملاءة ذكره أبو عليّ وقماس وظهار لظهر، وسحاح لشاة ساح، وبراء لبريء في قول وثناء ورعاء لراع ورجال لراجل مع أخوات له، وقد أشبعنا الكلام فيه في شرح الدرّة للحريري. قوله: (مأخوذ من أنس إلخ) أنس كفرح من الأنس ضد الوحشة لأنسه بجنسه لأنه مدني بالطبع كما قيل: وما سمي الإنسان إلاً لأنسه ولا القلب إلا أنه يتقلب وقوله آنس بالمد بمعنى أبصر قال تعالى: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص، الآية: 29] وهو محتمل للأفعال والمفاعلة، وجاء بمعنى سمع وعلم فسمي به لأنه ظاهر محسوس وقد مرّ ما قيل من أنه من نوس، وقيل إنه من نسي بالقلب لقوله تعالى في آدم {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] وهذا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما رقد لمحه الشعراء كثيراً كما قيل: نسيت وعدك والنسيان مغتفر فاغفر فأوّل ناس أوّل الناس ووزنه على الأوّل عال، وعلى الثاني فعل وعلى الثالث فلع، وأمّا الاستدلال بنويس فعورض بأشياء على كلام فيه في كتب اللغة، والأخذ أعثم من الاشتقاق، وهو كما في خصائص ابن جني صوغ الكلمة سواء كانت مشتقة أو جامدة من مادة توجد في تصاريفها، ويدور عليها المعنى، فلا يرد على المصنف أنّ الاشتقاق يكون في الأفعال والصفات، وهذا جامد ولا أنّ الفعل لا يشتق منه على الأصح، وعلم منه سقوط قول الإمام لا يجب في كل لفظ أن يكون مشتقاً من شيء آخر وإلا لزم التسلسل، فلا حاجة إلى جعل الإنسان مشتقاً. وقوله: (ولذلك سموا بشرا) أي لظهور جلودهم، ومنه البشرة لظاهر الجلد والأدم لباطنه لخلوها من ستر الشعر ونحوه مما هو في سائر الحيوانات، ويستوي في لفظ البشر الواحد وغيره في الأكثر، وحيث ورد في القرآن فالمراد ما يتعلق بجثته كقوله {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا} [الفرفان: 54] والجن مقابل به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وسمي به لاجتنانه واستتاره، وكذا كل ما تدور عليه هذه المادّة. قوله: (واللام فيه للجنس إلخ) هذا تلخيص لما في الكشاف من قوله، ولام التعريف فيه للجنس، ويجوز أن تكون للعهد والإشارة إلى الذين كفروا المارّ ذكرهم، كأنه قيل ومن هؤلاء من يقول وهم عبد الذ بن أبيّ وأصحابه، ومن كان في حالهم من أهل التصميم على النفاق، ونظير موقعه موقع القوم في قولك نزلت ببني فلان فلم يقروني والقوم لئأم، ومن في من يقول موصوفة كأنه قيل، ومن الناس ناس يقولون كذا كقوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23] إن جعلت اللام للجنس وإن جعلتها للعهد فموصولة كقوله ومنهم الذين يؤذون النبيّ فإن قيل أيّ فائدة في الإخبار عمن يقول: بأنه من الناس أجيب بأنّ فائدته التنبيه على أنّ الصفات المذكورة تنافي الإنسانية، فيتعجب منها ومن كون المتصف بها منهم، وردّ بأنّ مثل هذا التركيب يجيء في مواضع لا يتأتى فيها مثل هذا الاعتبار فلا يقصد فيها ألاً الاخبار بأنّ من هذا الجنس طائفة متصفة بكذا كقوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23] فالأولى أن يجعل مضمون الجار والمجرور مبتدأ على معنى، وبعض الناس أو بعض منهم من اتصف بما ذكر، فيكون مناط الفائدة تلك الأوصاف ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأوّل معناه مبتدأ، ويرشدك إليه قول الحماسي: منهم ليوث لاترام وبعضهم مما قمشت وضمّ حبل الحاطب حيث قابل لفظة منهم بما هو مبتدأ، وهو لفظ بعضهم، وقوله تعالى {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] وقد يقع الظرف فيه موقع المبتدأ بتقدير موصوف، كقوله تعالى {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصفات: 164] فالقوم قدر والموصوف في الظرف الثاني، وجعلوه مبتدأ والظرف الأوّل خبرا، وعكسه أولى بحسب المعنى أي جمع منا دون ذلك، وما أحد منا إلاً له مقام معلوم لكن وقوع الاستعمال على أنّ من الناس رجالاً كذا وكذا دون رجال يشهد لهم، وقد مرّ نبذ من هذا في قوله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} . (أقول) إذا أطبقوا على نصب ما بعد الظرف بعد دخول إنّ تعين كونه مبتدأ بلا تكلف لما مرّ من جعل الحرف مبتدأ ميلاَ مع المعنى، وإن كان الرضي نقله عن العلامة، ولو كانت من بمعنى بعض كانت اسماً، ولم يقل به أحد من النحاة كما في غيره من الحروف فالأولى أن يقال إنّ بعض الناس كناية عن معنى مفيد مثل منحصر ومنقسم إذا وقع في محل التقسيم، ومثل معلوم لكنه يخفى ويستر لئلا يفتضحوا، وقد جنح إليه القائل انه تفصيل معنويّ لأنه تقدّم ذكر المؤمنين ثم ذكر الكافرين، ثم عقب بالمنافقين فصار نظير التفصيل اللفظي نحو ومن الناس من يعجبك قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي} [لقمان: 6] فهو في قوّة تفصيل الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق ولك أن تحمله على الثاني فالمعنى من يختفي من المنافقين معلوم لنا ولولا أنّ من الكرم الستر عليه فضحناه فيكون مفيدا وملوّحا إلى تهديدمّ وقد أبرز هذا القائل: وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كلى الناس والتبعيض يكون للتعظيم وللتحقير وللتقليل وللتكثير، ولذا قيل المراد بكونهم من الناس أنهم لا صفة لهم تميزهم سوى صورة الإنسانية أو المراد أنّ تلك تنافي الإنسانية كما مرّ، وأمّا ما استشهدوا به، فلا دليل فيه لأنّ قوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} ليس مما نحن فيه لأنّ شهادة الله للصادقين بالإيمان مفيدة، وليست كجعلهم من الناس وكذا بيت الحماسة والآية أمّا البيت، فلأنه يريد أنّ الأسود المعروفون بالجراءة من الرجال مع أنّ بعضهم كالهشيم المحتطب، وكذا الآية لما قال: إنّ المؤمنين المتقين قليل منهم من صدق وقع في الذهن التردّد في أكثرهم فبينه وصياتي لهذا تتمة، وأمّا تقديرهم الموصوف في الظرف الثاني، فلأنه إنما يقام مقام موصوفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أوفى قبله قال في التسهيل يقام النعت مقام المنعوت بظرف أو جملة بشرط كون المنعوت نعض ما قبله من مجرور بمن، أو في وإذا لم يكن كذلك لم يقم الظرف والجملة مقامه الآ في الشعر، فلا حاجة لما قيل من أنّ مناط الفائدة البعضية، وردّه بأنّ البعضية أوضح من أن يفيد الاخبار بها أو أنّ مناطها الوجود أي أنهم موجودون بينهم، أو أنهم من الناس لا من الجن لأنّ النفاق لا يكون منهم، أو المراد بالناس المسلمون، لأنه حيث ورد يراد به ذلك، والمعنى أنهم يعدونهم مسلمين أو أنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 يعاملونهم معاملة المسلمين فيما لهم، وعليهم لما فيه من التعسف. قوله: (ومن موصوفة إذ لا عهد إلخ) هذا برمّته من الكشاف كما سمعته آنفاً، وحاصله أنّ اللام في الناس إمّ للجنس، أو للعهد الخارجي لا الذهني، فإن كانت للجنس، فمن نكرة موصوفة وإن كانت للعهد فهي موصولة، واستشكله الناس قديماً وحديثاً بأنه لا وجه لهذا التخصيص لجواز أن تكون موصولة على تقدير الجنس، وموصوفة على تقدير العهد، وتبعهم ابن هشام في المغني، ثم اختلفوا فمعترف بالورود لأنّ بعض الجنس قد يتعين بوجه مّا، وبعض القوم المعينين المعهودين قد يجعل باعتبار حال من أحواله كأهل محلة محصورين فيهم قاتل لم يعلم بعيتهءص نه قاتلاً، وان عرف شخص " فنقول في هؤلاء قاتل لهذا القتيل، ومجيب موجه لما ذكر على وجوه شتى، فقيل: إن هذا هو الأنسب فإذا اقتضاه المقام تعين في كلام البليغ، لأنّ المعرّف بلام الجنس لعدم التوقيت فيه قريب من النكرة وبعض النكرة نكرة فناسب من الموصوفة للطباق، والأمر بخلافه في العهد، ويدلّ عليه وروده على هذا الأسلوب نصاً في القرآن ففي قوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} لما أريد الجنس جعل بعضهم رجا لاً موصوفين، وفي قوله عز وجل {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: 61] لما كان مرجع الضمير طائفة معينة من المنافقين قيل الذين يؤذون، وتحقيق السرّ فيه أنّ قولك من هذا الجنس طائفة من شانها كذا يفيد التقييد بالجنس فائدة زائدة، أمّا إذا قلت من هذا الجنس الطائفة الفاعلة كذا فمن عرفهم عرف كونهم من الجنس أو لا وإذا قلت من هؤلاء الفاعل كذا حسن، لأنه زيادة تعريف، ولا يحسن فاعل كذا لأنه عرفهم كلهم إلاً إذا كان غرض في التنكير كستر عليه أو تجهيل، والكلام الآن في الأصل اهـ وتابعه السيد السند مع تمريضه ما حققه في غيره، وكذا الفاضل التفتازاني إلاً أنه استشهد له بكلام للإمام المرزوقي لم يزك شاهده، ثم قال: وقد يقال إنّ العلم بالجنس لا يستلزم العلم بابعاضه، فتكون باقية على التنكير فتكون من المعبر بها عن البعض نكرة موصوفة وعهدية الكل تستلزم عهدية أبعاضه، فتكون من موصولة، وهذا بعد تسليمه إنما يتم بما ذكر من وجه المناسبة، والاً فلا امتناع في أن يعبر عن المعين بنكرة لعدم القصد إلى تعيينه، وفي أن يعين بعض من الجنس الشائع فيعبر عنه بلفظ المعرفة اهـ. (أقول) هذا زبدة ما ارتضوه، وقد وقع في بعض الشروح كلام طويل بغير طائل، ولذا أضرلب عنه المدقق في الكث ف ولم يلتفت لفته الفاضلان إيماء إلى ما فيه فاقتصروا على ما قصصناة لك وفيه بحث من وجوه. (1 لأوّل) أنّ قوله في الكشف إنّ التقييد بالجنس يفيد إذا كانت من نكرة موصوفة فائدة زائدة فيه أنّ كون كل قائل من جنى الناس، كالسماء فوقنا فأيّ فائدة فيه فتأمّل. (الثاني) أنّ قوله ولا يحسن فاعل كذا لأنه عرفهم ليس بتام، لأنّ معرفنه لهم بأعيانهم لا تنافي جهل الفاعل من حيث كونه فاعلاَ، كما أوضحناه لك أو لا، وادّعاء الندرة لا يصمفو من كدر الإنكار. (الثالث) قد علم مما ذكر أنّ قوله وعهدية الكل تستلزم عهدية أبعاضه غير ظاهر ولا حاجة لقول الفاضل فلا امتناع إلخ، وفي قوله بعد تسليمه إيماء إليه وبعد كل كلام مآل ما حاموا حوله أنه أنسب لا قطعيّ، كما صرّح به المدقق في الكشف، وان قيل عليه إنّ لفظ الزمخشريّ يشعر بالوجوب لا الأنسبية، وإن كان مدعي بلا بينة فلا بد من الرجوع إليها، وكلهم حولها يدندن، ومطالب العربية يكتفي فيها بمثل هذه الأمور الخطابية وما جوّزه الشيخان واختاره أبو البقاء من كونها موصوفة قيل عليه أنها لا تكون موصوفة في الأكثر إلاً في موضع يختص بالنكرة كما في قوله: رب من أنضجت غيظا صدره بل ذهب الكسائي رحمه الله وهو الإيمان المقتدى به إلى أنها لا تكون موصوفة إلاً في ذلك الموضع، فالوجه أنها موصولة وبه جزم في البحر، فلا ينبغي أن يخرّح كلام الله على وجه نادر أو منكر وهو كلام واه جدا، وقول المصنف إذ لا عهد تعليل لإرادة الجنس أو لمجموع الأمرين أي لم يجر لهؤلاء ذكر قبل حتى تكون الألف واللام عهدية ومن موصولة لعهد خارجيّ، أو ذكرفي وسيأتي منه ما يعلم جوابه، وقوله ناس تفسير لمن لأنها هنا مفردة لفظاً مجموعة معنى. قوله: (او للعهد إلخ) في بعض النسخ وقيل للعهد، وهو مناسب لتأخيره، والمعهود منهم ناس من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 المنافقين كانوا على عهده صلى الله عليه وسلم للعهد الذي في الموصول، والكفرة المصرّين مطلقا للإطلاق الذي في الناس، وقد مرّ بيان وجه اختيار الموصولية على هذا وما له وعليه، وجواز كونها موصوفة على تقدير العهدية، وقول أبي البقاء: إنّ هذا ضعيف بناء على اختياره إنّ الذين يتناول قوماً بأعيانهم والمعنى هنا على الإبهام، وقد ردّ بالمنع فإنها نزلت في عبد الله بن أبيّ وأضرابه، وابن أبيّ بصيغة التصغير كان رأس المنافقين بالمدينة وأصحابه أتباعه، فإنه كان رئيسا، وإنما حمله على النفاق حب الرياسة كما ذكره أصحاب السير ونظراؤ. أقرانه من أعلام النفاق وهو جمع نظير ككريم وكرماء. قوله: (فإنهم من حيث أنهم صمموا إلخ) جواب سؤال مصرّح به في الكشاف، وهو: فإن قلت: كيف يجعلون بعض أولئك والمنافقون غير المختوم على قلوبهم إلخ وقد اتفق شرّاحه على أن السؤال وجوابه على تقدير كون التعريف للعهد لا للجنس، أي كيف يجعل أهل التصميم على النفاق بعض الكفرة الموصوفين بالختم، وهم محضوا الكفر ظاهرا وباطنا كما يدل عليه قوله، ثم ثنى والمنافقون المذكورون غيرهم، نأجيب بأنّ الكفر المصمم بالإصرار المختوم به، والمغشى على القلوب والأبصار جمع الفريقين من الماحضين المصرّين والمنافقين المصممين معاً وصيرهما جنسا واحدا وهو من لا ينتهي عن الكفر أصلاَ، والمنافقون قد امتازوا عن الماحضين بما ذكر من الزيادة لكن ذلك لا يخرجهم عن الجنس الجامع بينهما وحاصله أنّ المراد بالذين كفروا على تقدير الجنس المصرون مطلقا، فيندرج فيهم المصممون على النفاق، وقوله ثنى بذكر الماحضين حملوه على أنّ الدنافقين لما أفردوا بالذكر كان المقصود بالذات من الحكم المشترك بيان حال الماحضين لا على أنهم المراد به مطلقاً فلا إشكال، وخروج المنافق الذي لا يصرّ لا يضرّ كالكافر الذي لم يدم على كفره وكصاحب الكبيرة بالنسبة للمتقين، فالمذكور من الأقسام الثلاثة أعلى أعلامهم، وقد ذهب بعضهم في تقريره إلى خلافه فزيفوه كما في الحواشي الشريفية وإليه ذهب في الكشف، ثم قال: ولقد تعمق بعضهم في هذا المقام إلى أن جرّه صلفه إلى أن جعل اللام في المتقين للعهد زاعماً أنّ القسمة المثلثة تقتضي تقابل الثلاثة جنسا أو عهدا، وقد ضل عنه أنّ التقابل لا على الحقيقة، وإلاً لوجب عطف إنّ الذين كفروا على سالفه وقد سبق ذلك مستوفى في تقريره، ولا بدّ للجواد من كبوة فإن قلت على العهد إمّا أن يراد العهد الذهني، أو الذكري والخارجي، وليس المراد الأوّل كما لا يخفى ويرد على الثاني أنه لم يتقدم له ذكر قلت: لا يلزم في العهد الذكري أن يذكر بلفظه بل بما يساوبه، كما قرّووه في قوله تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: 36] فإنّ قولها قبله نذرت لك ما في بطني محرّرا بمعنى الذكر، لأنهم لم يكونوا يحرّرون لخدمة بيت المقدس إلاً الذكور فلذا كان التعريف فيه عهدياً، ومن هذا القبيل ما نحن فيه إذ لا يشترط اتحاد اللفظ بل المعنى. وقوله قدّس سرّه ولما كان المعهود هنا مذكورا بلفظ آخر أشار إلى ذلك الزمخشريّ بقوله: ونظير موقعه أي موقع الناس موقع القوم في قولك نزلت ببني فلان والقوم لئام إشارة لذلك، وفيما ذكره مخالفة لقول الشارح الفاضل الناس على تقدير العهد إشارة إلى ذلك الجنس لا إلى المصرّين المخصوصين بواسطة الاخبار عنهم باستواء الإنذار وعدمه، ولا إلى الخلص الذين كفروا ظاهرا وباطناً على ما ينساق إليه الكلام بعد امتياز المنافقين منهم، ففيه ردّ ضمني له وبوافقه ما في حواشيه على شرح التلخيص من أنّ المعهود الخارجي كضمير الغائب في تقدّم الذكر تحقيقاً أو تقديراً، وقد جوزوا عود الضمير إلى المطلق المذكور في ضمن المصرّح الحاضر فتدبر. وقوله: (في عداد) بكسر العين أي دخلوا في جملتهم، فيعدون منهم. وقوله: (واختصاصهم الخ) يعني أنّ هذه الضميمة صيرتهم نوعاً، كما يصير الحيوان بانضمام النطق إليه نوعاً منه. قوله: (فعلى هذا تكون الآية الكريمة تقسيماً للقسم الثاني) قيل: إنه ردّ لما يفهم من ظاهر الكشاف من جريان وجهي التعريف على تثليث القسمة لأنّ التثليث إنما يتأتى بجعل الذين كفروا ماحضين للكفر ظاهراً وباطناً، وحينئذ لا يصح جعل المنافقين منهم، أو توجيه له بأنّ قوله ويجوز أن يكون للعهد ليس عديلاً لقوله: ولام التعم يف فيه للجنس، فليسا معاً من تتمة تثليث القسمة بل العهد عديل لتثليث القسمة والجنس من تتمته، والحق معه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وإن لم يتنبه له شارحو الكشاف وتكلفوا لتصحيحه بما لم ترض أن نلقي عليك شيئاً منه، وقد قدّمناه لك وجعلناه بمرأى منك ومسمع، ومن الناس من فسر كلام المصنف رحمه الله بقوله أي فعلى أن تكون اللام في الناس للعهد يكون قوله عز وجل {وَمِنَ النَّاسِ} إلخ تقسيماً للقسم الثاني، وهم الذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً، وفيه ما فيه من ركاكة المفى المشار إليه آنفاً لعدم صدق المقسم على القسم هنا مع وجوب صدق الجنس على النوع والمقسم على القسم وهذا يشير إلى أنه اعتراض على الزمخشريّ في التثليث، وأنه على هذا ينبغي أن تجعل القسمة ثنائية وليس هذا كله بشيء ولو سلم أنّ مراده الاعتراض كان واردا عليه، فإنه ثلث القسمة وأتى بما ذكره افي مخشريّ أولاً على أنه مرضيّ له وليس في سياقه ما يدل على أنه اعتراض، فالحق أن يقال إنّ مراده أنّ القسمة ثنائية بحسب الحقيقة ثلاثية بعد اعتبار التقييد والتقابل، كما تقدّمت الإشارة إليه لأنهم ذكروه بعد التقسيم وسكتوا عنه، فالظاهر جريانه على الوجوه، وهذا إنما يتأتى إذا لم يكن الذين كفروا للعهد على أنّ المراد به ناس باعيانهم فتدبر. قوا 4: (واختصاص الإيمان بالله الخ) أي فائدة اختصاص الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر أو سببه تخصيص إلخ. والمراد بيان وجه تخصيص الإيمان بهما بالذكر من بين جملة ما يجب الإلمان به بأربعة أوجه بعضها ناظر إلى الحكاية، وبعضها ناظر إلى المحكيّ وقوله بالذكر إشارة إلى أنّ التخصيص ليس بمعنى الحصر، وهو أحد معنييه، ويسمى تخصيصاً ذكرياً وتخصيصاً بالإثبات، وهذا صريح في أنّ بالله وباليوم الآخر صلة الإيمان لما مرّ من أنه يتعدّى بالباء، وما قيل: من أنه لا تخصيص هنا لأنّ قوله بالله إلخ قسم منهم أو منه تعالى عدول عن جادّة الصواب بلا داع كما لا يخفى وما تكلفه لتوجيهه غنيّ عن الردّ وكون الإيمان بالله والحشر والنشر أعظم المقاصد الاعتقادية وأجلها ظاهر مع أنّ من آمن بالله على ما يليق يجلال ذاته آمن بكتبه ورسله وشرائعه، ومن علم أنّ إليه المصير استعدّ لذلك بالأعمال الصالحة. قوله: (اجتاؤوا الإيمان من جانببه إلخ) أي جمعوه من أوّله وآخره من الحيازة وهي الضم والجمع ومنه تحيز وتجوز إذا صار في حيز وأصله في كلام العرب العدول من جهة إلى أخرى كما قال تعالى {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 6 ا] كما سيأتي بيانه، والقطر بضم القاف وسكون الطاء المهملة تليها راء مهملة بمعنى الجانب، والإحاطة بقطربه وحيازته من جانبيه كناية عن جميعه كما يقال من أوله إلى آخره، والإيمان بهما إيمان بالمبدأ والمعاد اللذين هما طرفا الوجود، وهذا هو الوجه الثاني، وهو بالنظر إلى المحكي كما يشير إليه قوله ادّعاء. وأمّ ما قيل من أنه على هذا ينبغي أن يقالى أو رد ذان، لأنّ الوجهين الأخيرين لا يجامعانه بوجه وجعلهما جانبي الإيمان إنما يصح لو كان اليوم الآخر آخر أركان الإيمان، وليس كذلك لأن آخر أركانه البعث بعد الموت كما اشتهر في تفصيل الإيمان، فليس بشيء لما بيناه لك فتدبر. قوله: (وإءلذان بأنهم منافقون إلخ) الإيذان الإعلام إعلاما ظاهرا لأنه ذكر في معرض 474 ذمّهم وهو حق فعلم أنّ ظاهره غير مراد وهذا هو الوجه الثالث، وهو بالنظر إلى الحكاية، ولذا صدّره بالإيذان ونفاقهم فيما ذكر لأنهم أظهروا الإيمان بما ذكر وظنوا الإخلاص فيه، وما في ضمائرهم لا يوافق ما أظهروه، فهو ضرب من النفاق لعدم موافقة ظاهره لباطنه لأنهم كانوا قبل إظهار الإسلام يهودا فإيمانهم كلا إيمان لقولهم بتشبيه الله بغيره المستلزم للتجسيم، وقول آبائهم {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] ونسبة الولد له بقولهم عزير ابن الله فإقرارهم بالآخرة كلا إقرار لزعمهم أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وأنّ النار لن تمسهم إلا أياما معدودة قليلة، واعتقادهم أنّ أهل الجنة يتنعمون باستنشاق نسيم الروائح بدون أكل وشرب، ومع ذلك يظهرون أنهم يؤمنون، كما نؤمن فإخلاصهم بحسب زعمهم ونفاقهم باعتبار نفس الأمر، لأنّ النفاق مخالفة الباطن للظاهر فلا يتوهم أنه لا يتصوّر اجتماع الإخلاص والنفاق، وهم منافقون حقيقة ويهود اسم جنس جمعيّ ليهوديّ، وهو مما يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة أو بياء النسبة كزنج وزنجيّ، وأمّا يهود مفردا فعلم للقبيلة غير منصرف ويرون بضم الياء من الإراءة أي يظهرون لهم. قوله: (وبيان لتضاعف خبثهم إلخ) التضاعف والإفراط الزيادة، وهذا الوجه هو الرابع، وهو متعلق بالحكاية ويجوز تعلقه بالمحكي أيضا، والمراد أنهم قصدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 بتخصيص الإيمان بهما التعريض بعدم الإيمان بغيرهما من رسالة خاتم الرسل صتى ألله عليه وسلم وما بلغه ولذا سماه كفراً، ومن خلط فيه أنهم مع إثبات الصانع يصفونه بما هو منزه عنه لم يصب لأنه يوّل بالآخرة لما قبله، وهذا حينئذ لو قصد حقيقتة لم يكن إيمانا لأنه لا بد من الإقرار بنبوّته صلى الله عليه وسلم وإبطال ما كانوا عليه فكيف، وهو مخادعة وتلبيس منهم. وقوله: (وعقيدتهم عقيدتهم إلخ) جملة حالية أي معروفة مشهورة كقوله شعري شعري وجوز نصب الأوّل عطفا على اسم أنّ والظاهر الأوّل، وتمويه بمعنى تلبيس وإظهار لما لا حقيقة له من قولهم موهت الشيء إذا طليته بماء الذهب أو الفضة، وقول مموّه أي مزخرف ممزوج من الحق والباطل. قوله: (وفي تكرير الباء إلخ) يعني أنهءررل عن الظاهر، وهو عدم إعادة الجار إذ! عطف على اسم ظاهر مثله، وهو الأظهر الأخصر، لأنهم لمخادعتهم وتلبيسهم أظهروا أنّ إيمانهم إيمان تفصيليّ مؤكد قوي، لأنّ إعادة العامل تقتضي أن متعلقه كالمعد، كما قاله سيبوبه في نحو مررت بزيد وبعمرو، فيفيد ما ذكر وهو ظاهر. قوله: (والقول إلخ) هو في الأصل مصدر كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله التلفظ، وأمّا تخصيصه بالمفيد، فهو أحد الأقوال في مسماه لغة فإن أريد بها مطلق الإفادة يكون بمعنى الموضوع احترازا عن المهمل كدير فلا يسمى قولا وإن سمي لفظاً فالقول أعم منه، وهذا ما اختاره ابن مالك رحمه الله، فيعمّ الكلام والكلمة والكلم، وان أريد الفائدة التامّة أي ما شانه ذلك فهو احتراز عن الكلمة والمركب الناقص فلا يسمى مثله قولا وقد صرّح به الحوفي في تفسيره وقال: القول حقيقة المركب المفيد وإطلاقه على المفرد والمركب الذي لا يفيد مجاز مشهور، وقال ابن معطي: إنه حقيقة في المفرد واطلاقه على المركب مجاز، وقيل حقيقته المركب مطلقاً أفاد أم لم يفد وهو مجاز في غيره وقيل إنه مرادف للفظ حقيقة فيعمّ الموضوع مركباً ومفردا، والمهمل كما حكاه أبو حيان في شرح التسهيل، وقال الرضي: القول والكلام واللفظ من حيث أصل اللغة بمعنى يطلق على كل حرف من حروف المعاني والمباني وعلى ما هو كثر منه مفيدا كان أو لا لكن القول اشتهر في المفيد بخلاف اللفظ، واشتهر الكلام في المركب، من جزأين فصاعدا فالأقوال خمسة، ثم تجوّز به عن المقول كالخلق بمعنى المخلوق مجازا اشتهر حتى صار حقيقة عرفية، فلا يرد على المصنف أنّ قوله وللرأي والمذهب مجا أايفهم منه أنّ ما قبله حقيقة، وتفسيره له بالتلفظ يخالفه، وهذا إن جعل قيدا لما عنده، فإن جعل قيداً لما يعد يقال فلا قيل ولا قال ويستعمل في المعنى المتصوّر في الذهن المعبر عنه باللفظ، وهو المسمى بالكلام النفسيّ في عرف الناس، وبه فسر قوله تعالى {يَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] وقد صرّح بعض أهك الكلام بأنّ إطلاق الكلام والقول على النفسيّ حقيقة وان خالفهم فيه كثير، وأوّله بعضهم ويطلق على الرأي والمذهب فيقال قال: بكذا إذا ذهب إليه، والرأي قريب من المذهب وقد يفرق بينهما بأنّ الرأي أعتم من المذهب، لأنه يكون في الشرعيات فقط، وأصله مكان الذهاب أو نفس الذهاب، ثم نقل عرفا لمعناه المشهور، واطلاقه على الرأي مجاز علاقته السببية، لأنه سبب لإظهاره والإعلام به كما قاله ابن أبان. قوله: (والمراد باليوم الآخر إلخ) هو على الأوّل من الحشر إلى ما شاء الله وسماه آخراً لأنه ليس بعده يوم آخر كما قال ابن شبل في رائيته المشهورة في صفة الدنيا: فمن يوم بلا أمس ليوم بغيرغد إليه مايسار يعني بالأوّل يوم الولادة وبالثاني يوم الموت، أو لتأخره عن الأيام المنقضية من أيام الدنيا، وفي قوله إلى ما لا ينتهي تسامح مشهور كما في قولهم إلى ما شاء الله، فسقط ما قيل من أنّ ما لا ينتهي ليس نهاية اليوم الآخر فالواضح أن يقول ما لا ينتهي من وقت الحشر والأمر فيه سهل، وعلى الثاني هو من وقت الحشر إلى مستقر أهله وسمي آخراً لأنه آخر وقت له حد وطرفان، لأنّ أيام الدنيا محدودة، لأنّ اليوم عرفا من طلوع الشمس إلى غروبها، وشرعا من طلوع الفجر إلى الغروب، وعند المنجمين من نصف النهار إلى نصف الليل، ويكون اليوم بمعنى مطلق المدّة، ويوم الحشر له ابتداء وانتهاء، فهو محدود أيضا كما قال تعالى {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] وما بعده مما لا يتناهى، وهو المسمى بالأبد المطلق. قوله: " نكار ما اذعوه إلخ) هو قولهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 آمنا إلخ والانتحال بالحاء المهملة أن تنسب لنفسك ما ليس لك، وماكه إلى الكذب من النحلة، وهي الدعوى وهي عند الإطلاق يتبادر منها الدعوى الباطلة، والظاهر أنّ قوله إنكار ما ادعوه ناظر إلى ادّعائهم الإخلاص وإحاطة عقائدهم بالإيمان من جميع جهاته. وقوله: (ونفي ما التحلوا) ناظر إلى ما أشار النظم إليه من حشو عقائدهم الفاسدة بالتشبيه وما يضاهيه ومن لم يدقق النظر فيه قال: إنه عطف تفسيريّ فلم يحم حول الحمى: فيا دا- ها بالخيف إنّ مزارها قريب ولكن دون ذلك أهوال ولذا عدل عن قوله في الكشاف القصد إلى إنكار ما ادّعوه ونفيه، وهو أخصر. قوله: (لكنه عكس إلخ) لأنّ ما قالوه في مأن الفعل لا الفاعل، وما هنا في شأن الفاعل لا الفعل أي في بيان أنه بحيث لم يصدر عنه ذلك الفعل سواء قصد بذلك اختصاصه بنفي الفعل، كما سيأتي في قوله تعالى {وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: 91] أو لم يقصد فإنه لا يطابق ردّ دعواهم، والمطابق أن يقال: وما آمنوا. والجواب أنّ العدول إلى الاسمية لسلوك طريق الكناية في ردّ دعواهم الكاذبة فإنّ انخراطهم في سلك المؤمنين و 5 ونهم طائفة من طوائفهم من لوازم ثبوت الإيمان الحقيقي لهم وانتفاء اللازم أعدل شاهد على انتفاء ملزومه ففيه من التوكيد، والمبالغة ما ليس في نفي الملزوم ابتداء، وكيف لا وقد بولغ في نفي اللازم بالدلالة على دوامه المستلزم لانتفاء حدوث الملزوم مطلقا وكد ذلك النفي بالباء أيضاً فليس في هذه الاسمية تقديم لقصد الاختصاص أصلاَ ولا لجعل الكلام في شأن الفاعل أنه كذا، أو ليس كذا قطعاً بل المقصود بها ما ذكرناه من سلوك طريق هو أبلغ وأقوى في ردّ تلك الدعوى، ونظيرها في سلوك " فذه الطريقة وما هم بخارجين منها كذا أفاده الشراح، وزاد السعد روّح الله روحه قوله: لا يقال: الاسمية تدل على الثبات فنفيها يفيد حينئذ نفي الثبات لإثبات النفي وتأكده لأنا نقول ذلك إذا اعتبر إثبات بطريق التأكيد والدوام ونحو ذلك، ثم نفي وهنا اعتبر النفي أو لا، ثم أكد وجعل بحيث يفيد الثبات، أو الدوام وذلك، كما أنّ ما أنا سعيت في حاجتك لاختصاص النفي لا لنفي الاختصاص وبالجملة فرق بين تقييد النفي ونفي التقييد، وقد قيل في تقرير هذا الجواب أنّ الكلام من قبيل الكناية الإيمائية للتلاجد لأنّ الضمير لما أولى حرف النفي وحكم على الكفار بإخراج ذواتهم عن طوائف المؤمنين لزم من ذلك نفي ما ادّعوه من الإيمان على القطع والبت، وقيل: يمكن أن يجري الكلام على التخصيص ويكون الكلام في الفاعل، فإنّ الكفار لما رأوا أنفسهم أنهم مثل المؤمنين في الإيمان الحقيقي وادّعوا موافقتهم قيل في جوابهم، وما هم بمؤمنين على قصر الإفراد لأنهم ادّعوا الشركة فرد قولهم باختصاص المؤمنين بذلك، وقرّره بعض الأفاضل بأنّ إثبات الإيمان بالجملة الفعلية لا يطابقه نفيه بالجملة الاسمية والجواب أنّ المقصود نفي ما ادّعوه، وهو يحصل بهما والاسمية أبلغ، ولا يخفى ما فيه من القصور والفضل للمتقدّم. (أقول) هذا ملخص القيل والقال لا مخلص الإفهام من شرك الإشكال، وتلخيص تخليصمه أنه يرد أولا على ما قيل: من أنّ انخراطهم في سلك إلخ ما سمعته آنفا أنه إنما يصح لو قيل: وما هم من المؤمنين إذ ليس قوله {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] مثل قوله: وما هم من المؤمنين لأنّ هذا يفيد أنهم ليسوا من عدادهم، وجملتهم على ما قرّروه في مثل قوله {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12] حيث عدل عن كانت قانتة الأخصر الأظهر إليه لما ذكر على ما في شرح المفتاح ويجاب عنه بأنّ المبالغة من تقديم الفاعل وإيلائه حرف النفي لأنّ نفي فاعليتهم يستلزم نفي صدور الفعل منهم على أبلغ وجه سواء جرّ الوصف بالباء أو بمن فلا يرد عليهم شيء كما توهم ويرد عليه ثانياً أنه قال: فليس في هذه الاسمية تقديم لقصد الاختصاص أصلاً، وقد عرفت أنه في النظم أثبت الإيمان للمؤمنين على أتم حال ونفي عن هؤلاء ذلك بأبلغ وجه ولا اختصاص أقوى مصتفهذا، ولا بدّ من القول به للزومه لتثليث القسمة السابق، ويدفع بأنّ المراد أنه لم يقصد الحصر، وإنما قصد تأكيد نفي الإيمان عن هؤلاء وهو لا ينافي صحة الحصر في نفسه لأنّ الكلام البليع كثيرا ما يلوح بأمور لازمة للمقام، وإن لم تقصد منه بالذات، ويرد هنا ثالثا أنه قال في الكشاف فقد انطوى تحت الشهادة عليهم بذلك نفي ما انتحلوا إثباته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 لأنفسهم على سبيل القطع والبت ونحوه قوله تعالى {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: 37] هو أبلغ من قولك وما يخرجون منها، ولما صرح في تفسير هذه الآية حيث قال ثمة هم هنا بمنزلتها في قوله هم يفرشون اللبد كل طمرّة. في دلالته على قوّة أمرهم لا على الاختصاص، اهـ. علم أنه لا اختصاص هنا أيضاً، كما صرّح به الفاضلان في شرحه، وأنّ من حمله عليه لم يصب لغفلته عما هناك، والمصنف رحمه الله لما ترك هذا رأساً علم أنه ذاهب إلى الاختصاص، أو مجوز له وقد تردد فيه بعض أرباب الحواشي هنا إلا أنه رمية من غير رام، وفي عروس الأفراح: أنّ ما ذكره الزمخشرقي في قوله تعالى {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [الماثدة: 37] دسيسة اعتزالية لأنه لو جعل للاختصاص لزمه تخصيص عدم الخروج من النار بالكفار، فيلزم خروج أص! ، ب الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والزمخشريّ أكثر الناس أخذاً بالاختصاص في مثله، فإذا عارضه الاعتزال فزع منه اهـ ويحتمل أنّ المصنف إنما طرحه لهذه النكتة ولم يتنبه له أحد من أرباب الحواشي مع أنّ دأبه أنه لا يعدل عما في الكشاف إلا لمقتضى. قوله: الأنّ إخراج ذواتهم من عداد المؤمنين إلخ) العداد بكسر العين ما يعد يقال هو عديد بني فلان وفي عدادهم أي يعد فيهم وهذا الإخراج مستفاد من إيلاء الضمير حرف النفي، كما قرّرناه لك فلا يرد عليه أنه إنما يفيد ذلك لو كان النظم من المؤمنين وليس كذلك وبينهما فرق ظاهر. وقوله في التفسير الكبير: نظيره أنّ من قال: فلان ناظر في المسئلة الفلانية، فإن قلت: إنه لم يناظر فيها فقد كذبته، وأمّا لو قلت أنه ليس من المناظرين فقد بالغت في تكذيبه يعني أنه ليس من هذا الجنس، فكيف يظن به ذلك، فكذا ههنا إن أراد أنهما سواء معنى لم يصح وان أراد أنه يشبهه، وإن لم يكن منه صح ومن لم يتنبه له أورده هنا فتدبر. قوله: (وأطلق الإيمان إلخ) الظاهر المطابق لما في الكشاف أنه ابتداء كلام لفائدة مستقلة ويجوز جعله متعلقاً بقوله ولذلك أي لأجل التأكيد أتى به مطلقاً عما قيدوه من الإيمان بالله واليوم الآخر، لأنّ نفي المطلق يستزلم نفي المقيد لعمومه، كما أشار إليه بقوله ليسوا من الإيمان في شيء فهو أبلغ وآكد وحينئذ إمّا أن ينزل منزلة اللازم أو يحذف مفعوله للعموم المذكور، ولما كان التقدير محتملا هنا بقرينة وقوعه في جواب المقيد ذكره مؤخراً إيماء لمرجوحيته، ثم إنّ من الإطلاق أيضا ذكره باسم الفاعل الذي ليس بمقيد بزمان، فيشمل نفيه جميع الأزمان، ولو قيل ما آمنوا كان لنفي الإيمان في الماضي، والمقصود أنهم ليسوا متلبسين بشيء من الإيمان في شيء من الأوقات، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى هذا ولم يصرّج به كما في البحر لظهوره. وقوله: (بما قيدوا به) الظاهر أنّ لفظ قيدوا مبنيّ للمعلوم، وتقييدهم بناء على الظاهر المتبادر منه من أنه للتخصيص، فإذا كان ادّعاء لحيازة جميع أجزاء الإيمان من جوانبه فهو بحسب ظاهره تقييد، أو هو تقييد بجميع ما صدق عليه، فلا وجه لما قيل من أنه حينئذ ليس بتقييد مطلقاً، فإنه إطلاق على إطلاق وتقييد على تقييد، فالأولى أن يقرأ قوله بما قيدوا به على صيغة المجهول، ولا يخفى ما فيه فتأمّل. قوله: (والآية تدلّ عفى أن من اذص الإيمان إلخ) مذهب الكرامية أنّ الإيمان هو التصديق باللسان فقط، لكنهم قالوا: إن طابق القلب، فهو مؤمن ناج، والا فهو مؤمن مخلد في النار ولذا قيل ليس للكرامية خلاف في المعنى، والإمام تبعاً للماتريدي في التأويلات استدل بهذه الآية على إبطال مذهبهم لأنها إخبار عنهم بأنهم قالوا ذلك بألسنتهم وأظهروا خلاف ما في قلوبهم، وقد قال تعالى إنهم ليسوا بمؤمنين فهذه الآية ونحوها تدل على أنّ الإيمان تصديق القلب وحده، أو مع اللسان فكيف يقول الكرامية إنه التصديق اللساني فقط ورذه المصنف رحمه الله بأنّ الآية إنما تدل على أنّ من ادّعى الإيمان بلسانه، وخالف لسانه قلبه ليس مؤمنا أمّا على تقدير كون تعريف الناس للعها-، فظاهر لأنهم من المختوم على قلوبهم وأمّا على أنها للجنس فلأنّ الله كذبهم وليس ذلك إلا لعدم مطابقة التصديق القلبي للساني، فلا يدل على أنّ من أقرّ بلسانه، وليس في قلبه ما يوافقه، أو ينافيه ليس بمؤمن وهو محل النزاع، فكيف يكون حجة عليهم وقد أورد عليه أنّ المذكور في المقاصد، وغيره من كتب الكلام أنّ مذهبهم القول بأنّ من أضمر الكفر وأظهر الإيمان مؤمن عندهم مطلقا، والآية حجة عليهم بلا شبهة، وقد نقل الإمام كغيره عنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 أنّ المنافق مؤمن عندهم، ومن مذهبهم أنّ الإيمان لا يلزم أن يكون منجياً من العذإب المخلد وذهب غيرهم إلى أنه لا يسمى إيمانا إلا المنجي وقيل: إنّ المصنف رحمه الله دقق النظر في مذهبهم فرأى أنّ المناق مخلد في النار عندنا وعندهم وأمّا في الدنيا فأحكام الإسلام جاربة عليهم عندنا وعندهم، فليس بيننا وبينهم اختلاف إلا فيمن تلفظ بالشهادتين فارغ القلب عن النفي والإثبات، فعندهم هو مؤمن ناج وعندنا ليس بمؤمن وهو كلام حسن. قوله: (الكرامية) هم فرقة معروفة منسوبة إلى رئيسهم أبي عبد الفه محمد بن كرام النيسابوري واختلف في اسم أبيه فقيل: إنه بفتح الكاف وتشديد الراء، لأنّ أباه كان يحفظ الكرم، ويقال لحافظه كرام كما قاله السمعاني، وقال المطرزي أخبرني الثقات أنه بفتح الكاف، وتخفيف الراء بزنة حذام وقطام، وكذا صححه الذهبيّ وابن المرحل واستشهدوا بقول أبي الفتح البستي رحمه الله تعالى: إنّ الذين بجمعهم لم يقتدوا بمحمد بن كرام غيركرام الرأي رأي أبي حنيفة وحده والدين دين محمد بن كرام قوله (الخدع أن! ومم غيرك إلخ) كذا في أكثر النسخ بغير ألف وفي بعضها الخداع بالألف والخداع والخدع بكسر الخاء وفتحها بمعنى، وفي المصباح خدعته خدعاً والخدع بالكسر الاسم منه يعني أنه اسم مصدر بمعناه والخديعة مثله، وفي الكشاف والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، وزاد المصنف تبعاً للراغب في مفرداته قوله: لتنزله عما هو فيه، أو عما هو بصدده كما هو في النسخ الصحيحة بالخطاب مضارع من التنزيل أو الإنزال، وهو مجاز عن صرفه عما هو متصد له، وهو بمعنى ما في بعض النسخ وهو قوله لتزله من الأزلال وقد فسر هنا بالإسقاط والإزالة، وهو تفسير له بلازم معناه وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البقرة: 36] وقال الإمام: هو إظهار ما يوهم السلامة، وابطان ما يقتضي الإضرار بالغير أو التخلص منه فقيل إنه إشارة إلى أنّ ما في الكشاف غير جامع، وقال الطيبي: لعل توله من المكروه يشمل التخلص منه لأنّ العدوّ يكره خلاص عدوّه، وقال قدس سرّه: هو أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من إ أصكروه، ويصيبه به كما يدل عليه تفسير أعحله المأخوذ منه ويؤيده قوله مخدوعا ومصاباً بالمكروه من وجه خفيّ، وهذا معنى لغويّ لا عرفيّ كما قيل، وقال المدقق في الكشف: التحقيق أنّ الخاع صفة فعلية قائمة بالنفس عقيب اسنحضار مقدمات في الذهن متوصل بها توصلا يستهجن شرعا، أو عقلاَ أو عادة إلى استجرار منفعة من نيل معروف لنفسه، أو إصاية مكروه لغيره مع خفائهما على الموجه نحوه القصد بحيث لا يتأتى ذلك النيل أو الإصابة بدونه إذ لو تأتى لزم فوت غرض آخر حسب تصوّره والغنيّ عن كل نيل وإصابة واستجرار منفعة لنفسه لا يصح عليه ذلك، وهو متعال عن العمل واستحضار المقدّمات، وأمّا أنه لا يخاع، فهو أظهر لأنه جل عن أن يحوم حول سرادقات جلاله نقمى الانفعال وخفاء معلوم مّا عليه اهـ. فعلى هذا يكون الحرب خدعة وخدعة الأب البار لولاه هـ واستدراج بعض الناس إلى الخير مجاز، وهذا ردّ على ما قيل من أنّ من الخداع ما يكون حسناً. قوله: (عما هو فبه أو عما هو بصدده) هكذا صححه أرباب الحواشي ووقع في نسخة عندي عما هو بصدده، وكانه من إسقاط النساخ وصدد بفتحتين بمعنى القرب يقال هو بصدد كذا إذا تصدّى لفعله وقرب من تناوله أي لتصرفه عن مطلوبه الحاصل له، أو عن مطلوبه الذي هو بصدد تحصيله فمعنى الخداع الإيهام المذكور مع قصد الإزلال سواء حصل إزلاله أم لا، ولا يرد عليه ما قيل من أنّ الظاهر أنّ الإزلال بالفعل معتبر في معنى الخداع في عرف العامّة، كما يدل عليه ما بعده لأنّ ما ذكره على تقدير صحته لا ينافي ما ذكره المصنف رحمه الله في معناه لغة وحقيقة، كما لا يخفى وأوهم يتعدى إلى مفعولين يقال: أوهمته الشيء أهمه أوقعته في خلده، وأوهمنيه غيري ووهمنيه. قوله: (من قولهم خدع الض! ب إذا إلخ) الضبّ حيوان: صروف، وخدع الضبّ بمعنى توارى واختفى وضب خادع وخاع بفتح فكسر بزنة حذر وكتف مبالغة خادع، والحارس من الحرس، وهو صيد الضب خاصة وخارش الضباب يحرك يده على حجره ليظته حية فيخرج ذنبه ليضربها فيؤخذ. وقولهم: هو يحترس لعياله أي يكتسب مجاز منه فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 يرد يرد عليه كما توهم وخداع الضب لأنه يتخذ لحجره منافذ يسترها، ويرقق سترها فإذا رأى حارشه أوهمه أنه يقبل عليه، ثم يخرق إحدى منافذه ويخرج منها، وفي الصحاح والنافقاء إحدى حجرة اليربوع يكتمها ويظهر غيرها، وهو ئوضع يرققه فإذا أتى من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه، فانتفق أي خرج والجمع النوافق والنفقة أيضا مثال الهمزة النافقاء تقول منه نفق اليربوع تنفيقا ونافق أي أخذ في نافقائه ومنه اشتقاق المنافق في الدين اهـ. وبهذا عرفت موضع الخداع من المنافق فإنّ له هنا موقعا يذوقه من شمّ رائحة الإعجاز وقال الراغب خاع الضب استتر في جحره، واستعمال ذلك فيه لصا اعتقدوا من أنه يعدّ عقرباً يلدغ من يدخل يده في جحره حتى قيل العقرب بوّاب الضب وحاجبه، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل أخدع من ضبّ، وقوله من باب آخر إشارة إلى ما ذكرناه من أنه يتخذ لجحره منافذ متعدّدة وقلت فيه: خدام المرء وصاحبه في لؤم الطبع يناسبه والعقرب قالوا في مثل بوّاب الضث وحاجبه وقوله: وأصله الإخفاء يعني أنّ معن! الخداع لغة ما مرّ وأصل معناه بحسب اشتقاقه ما ذكر، وهو الإخفاء لتعدبه في أكثر معانيه فإنّ المنافق يخفي مقصده والضبّ يخفي مخرجه، وما قيل من أنّ الظاهر أن يقول الخفاء فإنّ أهل اللغة يقولون: أخاع إخداعا بمعنى أخفى إخفاء، فيكون خاع بمعنى خفي لا وجه له أصلا وقال ابن عطية: أصله الفساد، وحكى ما ذكوه المصنف رحمه الله بصيغة التمريض، وكلام الراغب يوهم أنّ أصل معناه التلوّن. وقوله: (ومنه المخاع للخزانة) أي مما أخذ من الخاع بمعنى الإخفاء المخاع بتثليث الميم كما في المصباح وفتح الدال، وقال الراغب: المخاع بيت في بيت كأنّ بانيه جعله خادعاً لمن رام تناول ما فيه وقالوا أصله الضم وكسر لتوهم أنه آلة، والخزانة بكسر أوّله ما يخبأ فيه المتاع، ولذا قيل الخزانة لا تفتح، والأخدعان تثنية أخاع، وهما عرقان في جانبي العنق وشعبة من الوريد تخفي وتظهر، فلذا توهم فيهما الخداع فسميا بذلك ويطلق على جانب العنق مجازاً. قوله: (والمخادعة تكون بين اثنين إلخ) المعروف في المفاعلة أن يفعل كل أحد بالآخر مثر ما يفعله به، فصيغة المخادعة تقتضي أن يصدر من كل واحد من الجانبين فعل يتعلق بالآخر، وخاع المنافقين لله، وهو أن يوقعوا في علمه خلاف ما يريدونه به من المكروه، ويصيبونه مما لا خفاء في استحالته لأنه لا تخفى عليه خافية، وخاع الله إياهم بأنّ يوقع في أوهامهم خلاف ما يريدون من المكاره ليغتروا، ثم يصيبهم به لا يصدر منه تعالى أمّا عند المعتزلة، فلأنه قبيح بناء على أصلهم الفاسد، ولذا ترك المصنف رحمه الله التعرّض له وأمّا عندنا معاشر أهل السنة فلأنه يمتنع أن ينسب إليه تعالى حقيقة لما يوهمه ظاهره من أنه إنما يكون عن عجز عن المكافحة، وإظهار المكتوم لأنه المعهود منه في الإطلاق كما ذكره في الانتصاف، ولذا زبد في تفسير الخاع مع استشعار خوف، أو استحياء من المجاهرة، وأيضا من المعلوم أنّ حاله تعالى مع المنافقين لم يكن حقيقة هذا المعنى المذكور، وأنّ المؤمنين وإن جاز أن يخدعوا من غير أن يرجع إليهم في ذلك نقصان لم يجز أن يقصدوا خدعهم، فإنه غير مستحسن بل مذموم مستهجن وقوله وخداعهم لم يقل فخداعهم بالفاء التفريعية لأنه ليس علة لما قبله، كما لا يخفى ولا معلولا له لأنه علله بقوله لأنه إلخ فلا وجه لما قيل من أنه كان الظاهر أن يقول: فخداعهم لتفرّعه على ما قبله مع أنه لو صح، فالمصنف رحمه الله لم يقصده لخفائه. قوله: (لأنه لا يخفى عليه خافية إلخ الما اقتضت المفاعلة أنّ المنافقين يخدعون الله وأنّ الله يخدعهم، وكل منهما غير مراد وغير مستقيم أمّا الثاني فظاهر، وأمّ الأوّل فلأنه تعالى لا يخفى عليه خافية، فكيف يخدعه غيره، والمنافقون عالمون بذلك أيضاً لأنهم من أهل الكتاب. وقوله: (ولأنهم لم يقصدوا خديعته) إشارة لهذا فإنهم إذا تحققوا أنه لا يخاع بالضم لم يقصدوه إذ العاقل لا يقصد ما تحقق امتناعه ولذا قال في شرح التأويلات لا أحد يقصد مخادعة الله مع إقراره بأنه خالقه، ولئن سألتهم من خلقهم ليقولهن الله، وهذا كما قاله بعض الفضلاء ردّ على ما قاله الزمخشريّ في الجواب الثاني من الأربعة حيث قال أن يكون ذلك ترجمة عن معتقدهم، وظنهم أن الله تعالى ممن يصح خداعه لأنّ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 كان ادّعاؤه الإيمان بالله نفاقاً لم يكن عارفاً بالله ولا بصفاته، ولا أنّ لذاته تعلقاً بكل معلوم، ولا أنه غنيّ عن فعل القبائح فلم يبعد من مثله تجويز أن يكون الله في زعمه مخدوعا! ومصابا /. بالمكروه من وجه خفيّ، ويجوز أن يدلس على عباده، ويخدعهم لأنه في غاية البعد إذ لا ينكر جاهل علم الله تعالى بجميع الأشياء، حتى المشركون الجاهلون، فكيف يخفى على المنافقين الذين هم من أهل الكتاب، فإن قلت: الحكماء عقلاء وقد ذهبوا إلى أنّ علم الله تعالى لا يتعلق بالجزئيات قلت: الحكماء لا يقولون بهذا، كما نص عليه الطوسي ولو سلم فحينئذ لا يتصوّر الخديعة لأنها فرع العلم بالجزئيات مع ما في. قؤله لأنّ لذته تعالقاً بكل معلوم من! إلاعتزال لإسناده العلم لذاته أ! ماء ففي صفة العلم، فهو من دس السمّ في الدسم، وقد سبقه لهذا بعض المدققين وقال إصابته تعالى بالمكروه للخداع بعيدة جداً إذ في نفافهم اعتراف بعلمه تعالى بالأقوال الظاهرة الجزئية المفضية إلى ما هو تاعث على الخداع من جلب المنافع، ودفع المضار، فلا يتصوّر هذا منهم، وبالجملة ففساد هذا الجواب أظهر من أن يخفى،. ولذا أسقطه المصنف زحمه الله، وان لم يتنبه له بعض أرباب الحواضي. قوله: (بل المراد إما مخادعة رسوله صلى الله عليه وسلّم على حذف المضاف) قيل: إنه نبه بقوله حذف المضاف على أنه لا يصح أن يراد بلفظ الله ورسوله مجازاً، كما هو ظاهر عبارة الكشاف، لأنه لا يصح إطلاق لفظ الله على غيره، ولو " نجازاً كما صرّحوا (قلت أليس الأمر كما زعمه فإنّ صاحب الكشاف لم يرد ما قاله، كما أوضحه شرّاحه، وما في الكشاف بعيته هو بعينه ما ذكره المصنف بقوله، أو على أنّ معاملة الرسول صلى الله عليه وسبم معاملة الله وهو ت! جوّز في الإسناد لا في لفظة الله، كما سنقصه عليك وبعض الناس لم يفرق نجين الجوابين، فذكر كلام الراغب في تقرير الجواب الآتي هنا، وليس هذا من أوّل طبخه للحبوب. قوله: (أو على أنّ معاملة الوسول صئى الله عليه وسنم إلخ الا بأن يطلق مجازاً لفظ الجلالة الكريمة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما سمعتة آنفاً بل بالتجوّز في النسبة الإيقاعية لأنه يجري فيها، كما يجري في الإسنادية على ما تقرّر في المعاني، فإن قلت ظاهر كلامه أنّ هذين الوجهين يبتنيان على أن يخادعون ليس بمعنى يخدعون لقوله بعده ويحتمل إلخ وليس كذلك إذ لا خاع من الرسول، ولا من المؤمنين ولا مجال لأن يكون الخاع من أحد الجانبين حقيقة، ومن الآخر مجازا لاتحاد اللفظ، وان جعل مجازا منهما لم يبق إلاً الاحتبال الذي في قوله: وامّ أنّ صورة صنيعهم إلخ كما قيل: قلت: هذا مقتضى كلام الكشاف، والمصنف رحمه الله لا يسلمه إمّا بناء على أنّ اللفظ الواحد يجوز أن يكون حقيقة ومجازاً عنده، لأنه ممن يجوّز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وامّا على أنه حقيقة لأنّ الخدع من المنافقين محقق، ولا مانع من صدوره من الرسول صلى الله عليه وسقم، والمؤمنين بإغفالهم حتى يتأتى لهم ما يريدون منهم، ولذا أسقط قوله في الكشاف: والمؤمنون وإن جاز أن يخدعوا لم يجز أن يخدعوا ألا ترى إلى قوله: واستمفروا من قريش كل منخاع إلخ وهذان جوابان باعتبارين وجواب واحد باعتبار آخر فلا بأس بعدّهما وجهين ولا سهو فيه كما توهم وما وقع في بعض الحواشي من أنّ هذا الوجه من إطلاق اسم المسبب على السبب فليس بشيء. قوله: (كما قال {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء: 80] إلخ) هذا تأييد لكونه خليفة الله ولكون معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم معاملة مع الله، لأنّ كل ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم عائد بالآخرة إلى الله وإلى دينه، ولا يرد عليه أنّ إطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تستلزم إطاعة الله ومبايعته صلى الله عليه وسلم تستلزم مبايعة الله، لأنهم إذا عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلّم أن يعاونوه فقد عاهدوا الله أن يؤيدوا ديته كما توهم، فإن قلت: الإسناد في جانب المشبه عقليّ، وفي جانب المشبه به حقيقيّ لأنّ إطاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم إطاعة الله حقيقة. قلت: التشبيه باعتبار ظاهر المشبه وهو ادّعاء الاتحاد بينهما مبالغة فتدبر. قوله: (وإمّا أنّ صورة صنيعهم إلخ) يعني أنّ هذا فعل صادر عنهم بالقياس إلى الله والمؤمنين يشبه الخدع بحسب الصورة وكذا الحال في صنع الله والمؤمنين معهم، فبينهم من الجانبين معاملة شبيهة بالمخادعة، فهو إمّا استعارة تبعية في لفظ يخادعون وحده أو تمثيلية في الجملة، وما قيل من أنه ليس فيه اعتبار هيئة مركبة من الجانبين، وما يجري فيهما مشبهة بهيئة أخرى مركبة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الخاح والمخدوع ليحمل الكلام على الاستعارة التمثيلية على قياس ما في ختم الله، لا خفاء في أنه ناشىء من العصبية، ولا خفاء فيه كما قيل والاسنبطان الإخفاء في الباطن من بفنه خلاف أظهره، واجراء أحكام المسلمين كحفظ المال والدم والتوريث، واعطاء سهم من المغنم والدوك خلاف الدرج لأنه ما يكون أسفل والدرح ما يكون أعلى، والاستدراح الإدناء على التدريج، كأنه يصعده إليه درجة درجة وهو منصوب على أنه مفعول له للإخفاء أو الإجراء أو الامتثال. وقوله: (صورة صنع إلخ) بالرفع خبر إنّ والمخادعين جمع مخادع وقيل: إنه مثنى والمفاعلة على هذا من الجانبين مجازية. واعلم أنّ المصنف ترك وجهين آخرين ذكرهما الزمخشريّ الأوّل أنه ترجمةء! ن معتقدهبم، وظنهم أنه تعالى ممن يصح خداعه، وقد عرفت أنه لا وجه له فتركه أولى والثاني أنه من قبيل قولهم أعجبني زيد، وكرمه في إفادة قوّة الاختصاص، فذكر الله ليس لتعليق الخإع به بل لمجرّد التوطئة، وفائدتها هنا التنبيه على قوّة اختصاص المؤمنين بالله وقربهم منه حتى كان الفعل المتعلق بهم دونه يصح أن يعلق به أيضا وكذا الحال في أعجبني زيد وكرمه، فإن ذكر زيد توطئة، وتنبيه على أنّ الكرم قد شاع فيه، وتمكن بحيث يصح أن يسند إليه أيضا الإعجاب الذي هو لكرمه، وهو عطف تفسيريّ أو جار مجرى التفسير، وأمّا قولك أعجبني زيد كرمه على الابدال فليس في تلك المرتبة من إفادة التليس بينهما لدلالته على أنّ المقصود بالنسبة هو الثاني فقط، وإنما ذكر الأوّل سلوكاً لطريقة الإجمال وا اخفصيل، وفي صورة العطف قد دل بحسب الظاهر على قصد النسبة إليهما معاً، فيكون أدل على قوّة التمكن، كذا أفاده السيد السند وقال صاحب الكشف: والفاضل اليمني الشرط في هذا الباب أن يكون في الكلام دلالة ظاهرة على التمهيد، والا صار من قبيل الألغاز، ثم إنه قدس سرّه ترك قوله في الكشف: إذا أدخلت العاطف، فقد آذنت بالمغايرة وأنه كرم غير الأوّل أوكد منه عطف عليه عطف جبرائيل على الملائكة في ال! ثال، وعطف مستقلين في الآية وعوّل في إزالة الإبهام على شهادة العقل، ومن هذأ القبيل ما يقال له واو التفسير لما فيه مما سنتلوه عليك وهذا محصل ما في الكشاف وشروحه، وقد قالوا إنّ المصنف رحمه الله تركه لبعده ولأنّ مداره كما قيل على قوّة الاختصاص، وهي ظاهرة بالنظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام دون سائر المؤمنين، فليس هذا مثل قوله تعالى {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] . (أ. دول) حاصل ما ذكره العلامة أن يكون المعطوف عليه إنما ذكر توطئة لما عطف عليه لادّعاء. الاتحاد بينهما بحيث إذا ذكر الأوّل فهم منه الثاني، ولم يكتف بأحدهما للدلالة على قوّة الاختصاص بينهما فيعدل عن مقتضى الظاهر من البدلية إلى العطف تنبيها على ذلك، كما في المثال المذكور، ولذا اشترطوا فيه ظهور دلالة الكلام على التمهيد (وفيما ذكروه أمور منها) أنّ قوله: إنّ الابدال ليس في تلك المرتبة من إفادة التليس بينهما غير مسلم لمنافاته، لما قرّره النحاة، وأهل المعاني في بدل الاشتمال من أنّ المبدل منه يدل على المبدل إجمالا بحيث تصير النفس متشوّفة ومنتظرة له، فيجيء هوب ناً وملخصا لما أجمل، ولولا الملابسة التامّة لم يكن كذلك، وكيف يكون العطف المبنيّ على المغايرة دالا على الملابسة دون البدل. (ومنها) أنّ قول المدقق في الكشف: إنه كعطف جبرائيل، أو عطف مستقلين مناف للمعنى الادّعائي الذي بنى عليه هذا الأمر ومناف لقوله بعده: إنّ من هذا القبيل ما يقال له واو التفسير، وكأنه لهذا تركه من بعده من الشراح. (ومنها) أنّ قول المعترض قوّة الاختصاص ظاهرة بالنظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام دون سائر المؤمنين لا يخفى ما فيه، فإنّ المؤمنين لا سيما الصحاية المكرّمين رضي الله عنهم اختصاصهم وتعلقهم بجناب رت العزة بئ وعلا في غاية الظهور، وإن كان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أتمّ اختصاصاً ولذا جعل إطاعتهم إطاعة لله في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] فإنكاره مماثلة ما هنا لقوله والله ورسوله أحق أن يرضوه لا يتمّ له بسلامة الأمير، وعلى كل حال، فلا يخفى ما في هذا الجواب من الاختلال وأنّ نظر المصنف رحمه الله في تركه، وعدم الالتفات إليه في غاية السداد فاعرفه، ثم إنّ قوله تعالى {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] شاهد لهذا الوجه، لأنه لما وجد ضميره دل على أنّ المقصود إرضاء الرسول صتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 الله عليه وسئم، وذكر الله للإشعار بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم من الله بمنزلة عظيمة، واختصاص قوي حتى سرى الإرضاء ت 4 إليه، وأمّا ما قيل على هذا التوجيه من أنه لا يرتضيه الذوق السليم، لأنّ مقتضى المقام إيراد حالهم خاصة، وتصويرها بما يليق بها من الصورة المستهجنة، وبيان أنّ غائلتها آيلة إليهم من حيث لا يحتسبون كما يعرب عته ما بعده، فهو من أحاديث خرافة لأنّ استدراج الله لهم، ومجازاة الرسول صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين مما يختص بهم، ويؤل بالآخرة إلى بيان سوء حالهم، كما لا يخفى فتدبر. قوله: (ويحتمل أن يراد إلخ) هذه الجملة معطوفة على ما تقدّم من قوله، والمخادعة تكون بين اثنين، وهو ظاهر قيل، وعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل خداع الله تعالى، أو المؤمنين بما مرّ، فإن أراد أنه جواب عن سؤال المخادعة ووجه رابع، فليس كذلك إذ السؤال وارد على هذا التقدير، والجواب الجواب، وجعله بيانا أو استئنافا غير مختص بهذا الاحتمال كما لا يخفى، وقيل: إنه مقابل لما سبق، لأنه لا باس بخداع الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين إياهم لإعلاء الدين ومصالحه، ويحتم أنه تتميم لما قبله، فليس بمقابل له، وهو الظاهر الموافق لما في الكشاف، فلا مخالفة بينهما، وستسمع عن قريب ما يتممه. قوله: (لأنه بيان لبقول إلخ) المراد بالبيان التفسير فعلى كلا الوجهين لا محل لهذه الجملة من الإعراب، وليس المراد بالبيان عطف البيان، لأنه لا يجري في الجمل عند النحاة، وان كان كلام أهل المعاني في الفصل والوصل يوهمه، والاستئناف هنا استئناف بيانيّ في جواب سؤال مقدر كأنه قيل لم يدعون الإيمان كاذبين وما نفعهم في ذلك فقيل: يخادعون إلخ. وعلى تقدير السؤال هو أيضاً مبين، فالمآل واحد فيهما والمناسبة تامّة لكون يخادعون بمعنى يخدعون، لاختصاصهم به كاختصاص القول المذكوو، وان كان لا بقاء المخادعة على ظاهرها وجه أيضاً، لأنّ ابتداء الفعل في باب المفاعلة من جانب الفاعل وهو صريحه، وإن كان المفعول يأتي بمثل فعله، فهو مدلول عليه من عرض الكلام. وقال قدس سرّه تبعاً للمدقق في الكشف: جعل يخادعون بيانا ليقول أولى من جعله مستأنفاً لأنه إيضاح لما سبق، وتصريح بأنّ اقولهم كان مجرّد خداع، وأيضاً ليست المخادعة أمرا مطلوبا لذاته فلا يكون الجواب شافياً بل يحتاج إلى سؤال آخر كما ذكره، وتعبير. بيجوز وما بعده ناطق بها، وما قيل: من أنه بيان للتعجب من كونهم من الناس لا يخفي ما فيه كما يعلم مما مرّ، وقد جوّز في البحر كون هذه الجملة بدلا من صلة من بدق اشتمال، فلا محل لها أيضاً أو حالا من الضمير المستكن في يقول! لي. مخادعين، وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا من الضمير المستتر في مؤمنين، والعامل فيها اسم الفاعل، ويرد بأنه حينئذ نظير ما زيد أقبل ضاحكاً وللعرب في مثله طريقان أحدهما نفي القيد وحده، واثبات أصل الفعل، وهو الأكثر فيكون الإقبال ثابتا والضحك منفيا، ولا يتصوّر في الآية نفي الخداع، وثبوت الإيمان والثاني أن ينتفي القيد ومقيده، وهو العاملءفالمعنى لم يقبل ولم يضحك، وهذا غير مراد هنا أيضاً أعني نفي الإيم! الط! والخداع معا بل المعنى على نفي الإيمان، وثبوت الخداع ففسد جعلها حالا من ضمير المؤمنين والع! جب من أبي البقاء رحمه الله كيف استشعر هذا الإشكال، فمنع من جعل هذه الجملة في محل جرّ صفة مؤ! نيق،! لأنه يوجب نفي خداعهم والمعنى على إثباته، ثم جعلها حالا من ضمير المؤمنين ولا فرق بين الحال والصفة كما قيل. . (أقول) هذا غفلة منهم فإنّ الجملة الحالية بل الحال مطلقاً إذا وقعت بعد نفي، وهي حال من مدخوله إنما يلزم انتفاء مقارنتها لا نفيها نفسها لأنه لا يلزم من نفي الشيء في حال نفي تلك الحال ألا تراك تقول ما جاءني! زيد " وقد طلع الفجر، فينتفي مجيئه مقارناً لطلوعه ولا يقصد نفي طلوعه، وتعتذر لترك زيارة صديقك لضيق ذات يده، فتقول لا أزورك مملقاً ولا أرى هذا يثتبه على أحد وفي الكتاب المجيد {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] وهي حالية جوزوا فيها الوجهين، والعجب من هؤلاء أنهم صرّحوا بهذا في سورة الأنفال من غير تردّد فيه، وأمّا الصفة فليس لها مثل هذه الحال، س وما ذكروه من الوجهين جار فيها، ولا يجري في كل قيد وقد تجعل الحال ونحوها في مثله قيدا للنفي لا للمنفيّ، كما قرّروه في قوله ألم أبالغ في اختصاره تقريباً، ومنه ا! لم تضيق مثل هذه الضابطة، وأنها ليست على إطلاقها، كما توهم وسيأتي في سورة آل عمران تفصيله. قوله: (بذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ما هو النر ضإلخ) بيان للاستئناف وأنه جواب لسؤال مر بيانه، ويحتمل أنه راجع لهما يعني أنّ الغرض من الباين والاستئناف بيان حالهم فقط على ما بيناه لك. قوله: (1 لأ أنه أخرج في رّنة الخ) مستثنى من قوله يراد بيخادعون إلخ والزنة كالعدة بمعنى الوزن أي أنّ هذا المعنى، أو مطلق هذا اللفظ أتى به على س وزن المفاعلة للمقابلة أي لأن يقابل كل الآخر بمثل فعله، وفي نسخة للمعارضة وهي بمعناها من قولمهم عارضت الكتاب إذا قابلته كما ذكر في كتب الفة، فليس تصحيفا كما توهم، والمتغلبان يبذل كل منهما جهده ويبالغ فيه، فتجوّز به عن لازم معناه، وهو المبالغة وبقي على ما- كان عليه، ولم يزل، وهو معنى قوله استصحبت أي الزنة، وفي نسخة استصحب لأنها بمعنى الوزن وفي نسخة بدل قوله: لما كانت للمغالبة للعبالغة، وهو من طغيان القلم، والخدع مجاز أيضاً يجري فيه الكلام السابق لا الثالث لاحتياجه للتكلف، فصيغة المفاعلة المحوّلة عن الثلاثي يتجوّز بها عن المبالغة في الفعل لما قرّره المصف وغيره هنا، وقد يتجوّز بها أيضاً عن إيجاد، فعل فيما يقبله بتنزيل قبوله منزلة فعله، كما في قولهم: عالج الطبيب المريض وسيأتي تفصيله، والمباراةء بالموحدة والراء المهصلة عق قولهم باراه إفا فعل مثلى فعله وعارضه قيه ليغلبه، وحينئذ تقوي دواعي الفعل فيجيء6لم وأقوى. وقوله: (ويعصقه) أي يؤيده ويقوّبه من عضدته بمعنى أعنته، وأصله صرت له عضد اً وا! قوا- المذكورة مروية عن ابن مسعود وأبي حيوة. قوله: (وكان غرضهم إلخ) بين ا! عرض من ج! ة " لمتافقين، وهو صونهم أنفسهم وتحصيل منافعهم، والاطلاع على أحوالهم واسرارهم، وقر! الجاتب ة الآخر، وقد يينه في الكشاف بأنّ؟ فيه مصالح وحكماً إلهية بحيث لو قو! اخى!! ى عغلاسدد كثيرة، وما يطرق به ما عبارة عن القتل وا الخلرة ونحوهما، وضمير به الهللعوصواله، وعن مغعولى يطرق أو فاعل، والمفعول محذوف أي يطرقهم، أو هو مجهول من طوف الؤعاقه يعصلثيه إذا أصايه بها وأصله الإتيان ليلاَ، والإذاعة بالذال المعجمة والعين المهملة ال!! هلر، والعنلي! اتة إظهار العداوة كأنّ كلاَ ينبذ لصاحبه ما في قلبه من العداوة أو ينبذ إليه عهده- قواله-امريى فافع) أي يخادعون بالألف هنا كالسابقة قراءة هؤلاء، فقرأه بضمير الغيبة للقظ يخادعودة المعلوم لفظاً ووسما أو بتاء تأنيث أي هذه قراءة إلخ. قوله: (والمعن! أنّ دائرة! خدع ثخ) الداءلرة اسم لعا يحيط بالشيء ويدور حوله، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسعية، لأن الد، لرة في الأص اسبم فاعل أو لتأنيث والمراد بها هنا ما يترتب على، خداعهم من الضرر، لأن الدائرة تقال في العكروه عقابلة للدولة قال تعالى {نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} [المائدة: 52] قيل كما أنّ العحاط لا يتجاوز المحيط كذلك العلة لا تتجاوز عن المعلول فقوله وضررها إلخ تفسير له، ويحيق بمعنى يصيب، وينزل وهو إثمارة إلى قوله {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] ولما كان معنى يخادعون السابق ما مرّ خطر ببال الواقف عليه، أنّ هذا الخداع هل هو كذلك على الوجوه السابقة أم لا، وكيف يكون المرء مخادعا لنفسه وما معناه فوجهه المصنف رحمه الله بقولي والمعنى إلخ وهو معنى ما في الكشاف من أنّ المراد، وما يعاملون تلك الم! املة المشبهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم، لأنّ ضررها يلحقهم ومكرها يحيق بهم، كما تقول فلان يضارّ فلانا، وما يضارّ إلا نفسه أي دائرة الضرر راجعة إليه وغير متخطية إياه إلى آخر ما ذكره من الوجوه الثلاثة، وفي التعبير بالدائرة لطف لأنها خط مستدير تتساوى جميع الخطوط الخارجة عن مركزه إليه، وإذا رسم يختم من حيث ابتدىء، ولما كان الخداع ابتداء منهم ثم عاد إليهم كان كالدائرة الرسمية، وعلى هذا يجوز أن تكون دائرة الخداع استعارة مكنية مخيلة، لأنّ خداعهم كانه دائرة آخرها أوّلها، وهذا مما أغفلوه فلا تكن من الغافلين، وقد اختلف شراح الكشاف في مراده، فقيل إنه مشاكلة للمستعار السابق كما نقلى عن الواحديّ أي لما كان خداع أنفسهم بمعنى إيصال الضرر إليها مسببا عن تلك المخادعة المشبهة بمعاملة المخادعين ومصاحبا لها قيل: يخادعون، فجاء باللفظ على اللفظ، ولا يخفى أنّ كون المشاكل، والمشاكل مجازاً بعيد جداً وقيل جعل مخادعة الصاحب عين مخادعة نفسه نظرا إلى المآل، وهذا نوع من المجاز كثير الدور في كلام العرب وغيرهم، ولا يختص بباب المفاعلة كقولهم قصد مساءة زيد، وما قصد إلا نفسه، وهو من باب تسمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الشيء باسم ما يؤدى إليه، وفيه ملاحظة السببية والانتهاء إليه، ففي الكلام مجاز على مجاز، وليس المجاز هنا بمعنى مجاز الأول المشهور بل الغاية المسببة لا أنه يؤل إليه، كما نبه عليه بعض الفضلاء، وقيل: إنه إشارة إلى تطبيقه على أوّل الوجوه الأربعة، وتلخيصه أنّ المخادعة استعيرت للمعاملة الجارية فيما بينهم وبين الله والمؤمنين المشبهة بمعاملة المخادعين، فقصرت هذه المعاملة ههنا على أنفسهم بعد تعليقها بما علقت به سابقا بناء على أنّ ضررها عائد إليهم لا يتعداهم، ونظيرها فلان يضار فلانا وما يضار إلا نفسه، ولا يختص هذا بالمفاعلة ولا بلغة العرب، فالعبارة الدالة على قصر تلك المعاملة مجاز أو كناية عن انحصار ضررها فيهم، أو يجعلى لفظ الخداع المستعار مجازاً مرسلا عن ضرره في المرتبة الثانية، ويمكن أن يقال لما انحصرت نتيجة تلك المعاملة فيهم جاز أن يدعى أنّ نفس تلك المعاملة مقصورة عليهم، ويكون حينئذ انحصار ضررها فيهم مفهوماً تبعاً لا قصداً، فلا حاجة إلى تجوّز أو كناية، وفي كلامه إشارة إليه ولك أن تطبقه على الوجوه الباقية، وأورد عليه أنه لا فائدة في انحصار المعاملة فيهم بل في انحصار الضرر، فجعل الثاني مقصودا تبعا والأوّل ملحوظا قصدا تحكم، ألا ترى أنّ المحققين اعتبروا في الكناية تبعية القصد في المكنى به، وأصالته في المكنى عنه فتامل حق التأمل لتعرف أنه غير وارد عليه، فإن قلت إنهم جوّزوا هنا المجاز بمرتبتين من غير نكير وقد اشترطوا فيه أن يشتهر المجاز الأوّل حتى يلتحق با! حقيقة ليصح الانتقال عنه بدون الغاز قلت: الظاهر أنّ الاشتراط المذكور وإنما هو إذا لم يكن المجاز الأوّل مذكوراً صريحاً في الكلام، فإنّ ذكر. يغني عن شهرته لحصول المراد به، ولم يلتفتوا هنا للمشاكلة مع ظهورها، وسهولة مأخذها حتى رجحها بعضهم على بقية الوجوه لما مرّ، فإن لم تر ذلك محذوراً، فقل كل يعمل على شاكلته، وأن شئت على مشاكلته. قوله: (أو أنهم في ذلك إلخ) الوجه الماضي 489 مبنيّ على أنه خداع آخر جار بينهم وبين أنفسهم الأباطيل وا! اذيب، وأنه سيتفرع على ذلك أمور لك وتطمئن حتى تخدعهم بخرافات الأماني، والفارغة بمعنى الخالية عن الفائدة مجازا، فكانوا فارغا ليرويه، والخاء فيه بمعنى الخفية، وغير قوله نّ حقيقة الخداع إنما تكون بين اثنين بإيهام الغير بصدده كما مرّ، ولا يمكن اعتبارها بين الشخص لحقيقية إلى غير ذلك من التكلفات التي ارتكبوها في لمعنى على سبيل التجوّز، ومنهم من فسر النظم سوله صلّى الله عليه و، صلّم والمؤمنين، لأنه كما لا حداعه لها يمتنع خداع الله لأنه لا يخفى عليه خافية، منين، لأنه تعالى يخبرهم به، أو هو كناية عن أنّ الله عليه وسلم والمؤمنين معاملة مع أنفسهم، لأنّ ينفعونهم كأنفسهم، ولا يخفى بعده. قوله: (لأن مفاعلة تقتضي حقيقة اثنين مخاح ومخاع، ولا كما مرّ، وما قيل عليه: من أنّ الخاع بل كل متعدّ ق بدون فارق ودفعه بأنه لا بدّ للشركة في الخداع نه يكفي فيه المغايرة بين الفاعل والمفعول بالاعتبار لسحص بنفسه ليس بشيء أمّا السؤال، فلأنّ مراده أنّ باب تغاير الفاعل والمفعول فليس وضعيا، وأنما هو لملوب، وما ألحق بها اتحاد الفاعل والمفعول، وأمّا لى التأويل كما مز، والعلم مستثنى من هذه القاعدة من هذا بيان ترجيح هذه القراءة على الأخرى واختيار ## الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 #الصحيحة فيهما فلا يرد عليه أنّ القراءة إنما هي بالرأي ومقتضى العقل وحسن الظن بالسلف يدفع لال في تقرير قوله خدعوا أنفسهم: أنه على طريقة تحديث كل منهما صاحبه بالأحاديث، فيجرّدون من لغير ويخاطبونهم كقول المتنبي: فليسعد النطق إن لم يسعد الحال والفرق بين هذا وبين الالتفات قد مرّ، وقد قيل: إنّ قراءة يخادعون مبنية على التجريد من الجانبين، وهذه مبنية عليه من جانب واحد، وقال قدس سرّه: إنه تكلف بارد والمراد بالباقين من بقي من القرّاء السبعة غير من ذكر أوّلا وما عدا القراءتين شاذ. قوله: (وقرىء يخدّعون من خذّع إلخ) أي قرىء يخدعون بتشديد الدال مع ضم الياء وفتح الخاء، ويخدعون بفتح الياء والخاء وتشديد الدال مع الكسر وكلاهما على البناء للفاعل، ويخدعون من الاخداع، ويخادعون كلاهما على البناء للمفعول والتشديد لأنه افتعال وأصله يختدعون بنقل حركة الدال، وادغامها في التاء لقرب مخرجهما، واختدع جاء عن العرب متعديا كما في الأساس وغيره يقال خدعه، واختدعه إذا ختله فانخدع وما قيل على هذا من أنه ينبغي أن يكون النصب بنزع الخافض إلا إن ثبت اختدع بمعنى خدع من عدم الوقوف عليه، وفي محتسب ابن جني والبحر قراءة المجهول لابن شدّاد والجارود بن أبي سبرة، وهذا على معنى خدعت زيداً نفسه أي عن نفسه على أنّ نصبه على الحذف والإيصال كاختاو موسى قومه، أو هو متعدّ حملا على ما هو بمعناه أو ضمن معنى ينتقصون، ويسلبون أو هو على التشبيه بالمفعول أو على جواز تعريف التمييز، كما قيل في غبن زيد رأيه، وأمّا كون ضمير يخادعون لجميع من ذكر من الله والرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين والمنافقين، والمستثنى منهم أنفس المنافقين، والمعنى ليس من وقع بينهم النفاق إلا نفس المنافقين، فتكلف لا يليق بالنظم الكريم. قوله: (والنفس ذات طشيء إلخ) هذا باعتبار المعنى العام الشامل لكل شيء، وهو على هذا لا يختص بالأجسام، ولا بذوات الأ- واح كما يقال: هو في نفسه كذا وحقيقة الشيء وعينه، وذاته بمعنى في العرف العامّ، فليس المراد بالشيء الحيوان كما قيل بناء على أنّ تقريره في بيان مناسبات المعاني يقتضيه إلا أنّ الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، فسر الذات في السرّ المصون بأمر شامل للروح والجسد، أو هو الجسد القائم به الروح، وعند أهل المعقول بمعنى الحقيقة، وهي وهو جوهر يحل به المعقولات، وهو من عالم الأمر اهـ فإن أراد به هذا اختص بالحيوان بل بالإنسان، وقد قال في كتاب الروح: إنه حقيقة عرفية فيه. وقال بعض الفضلاء: الظاهر أنّ الشيء على عمومه كما يشعر به ما في الصحاح من أنّ النفس الجسد، وعين الشيء، فلا يلائم تعليل إطلاقه على القلب بأنّ النفس به، فإنه لا يجدي إلا في بعض أفراده، والمناسب أن نعتبر المناسبة بين نفس المفهوم الحقيقي، والمعنى المجازي لا بينه وبين بعض أفراده، فالوجه أن يخصص الشيء بالحيوان كما يدل عليه قوله قدس سرّه لأنّ ذات الحيوان به، وما ذكره ملخص ما في الكشاف. وهو كما قال قدس سرّه: يتبادر منه أنّ لفظ النفس حقيقة في الذات مجاز فيما عد 51، وذلك ظاهر في الدم والماء والرأي واطلاق النفس على الرأي والداعي من قبيل تسمية المسبب باسم السبب أو استعارة مبنية على المشابهة، والثاني أنسب بالمقام وأظهر كما أشار إليه المصنف رحمه الله. وقوله: (لأن نفس الحئ به) أي لأنّ ذاته تقوم وتحيا، وتبقى به، وقد ذهب كثير إلى أنّ النفس حقيقة في الروح، ويوفق بينهما بما نقلناه من كتاب الروح، ويؤيده أنّ النفس لا تطلق على الله دائما أو غالبا إلا بطريق المشاكلة، كما سيأتي تحقيقه في تفسير قوله تعالى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] . قوله: (وللقلب لآنه محل الروح) القلب عضو صنوبريّ معروف واطلاق النفس عليه من قبيل ذكر المسبب وارادة السبب أو من إطلاق اللازم على ملزومه لأنّ النفس ذات الشيء وذات الحيوان بالقلب تتقوّم لأنّ القلب مبدأ الحياة، ومحل الروح الحيواني، ولذلك خلق في وسط الصدر لأنه أحرز المواضع في البدن إذ العظام سور حصين له والعضلات حرس له، والمراد بالروح التي تحله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 بخار لطيف في تجويفه الأيسر وتسميه الأطباء بالروح الحيوافي، وهو الطف ما في البدن وأكثره مناسبة للروح المجردة. وقوله: (أو متعلقه) بناء على أنّ المراد بالروح الجوهر المجرّد المتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرّف، فإنه مما يطلق على الروح أيضا كما صرحوا به، ففي كلامه شبه استخدام وقد اختلفوا في أوّل ما يتعلق به النفس الناطقة هل هو القلب أو الدماغ، ورجح ابن سينا الأوّل وتبعه المصنف رحمه الله. قوله: (وللدم إلخ) ومنه قولهم لا نفس له سائلة أي دم يجري وتسميته لما ذكر، والقوام بالكسر ما به يقوم ويبقى والنفس تؤنث بمعنى الروح وتذكر بمعنى الشخص كما في المصباح. وقوله: (وللماء إلخ) هذا مما تبع فيه الزمخشريّ، وهو إمام يقتدى به إلا أنّ ابن الصائغ رحمه الله أشار في حاشيته على الكشاف إلى أنه لم يوجد في كتب اللغة والذي فيها النفس بفتحتين كما نقله كراع، واستشهد له بما ثبت في كلامهم، وفي الصحاح النفس الجرعة قال جرير: تعلل وهي ساغبة بنيها بأنفاس من الشبم القراج وترك ما في الكشاف من الاستشهاد عليه بقوله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] لأنه لا يثبت المدعى وأنما يؤيد التعليل. وقوله: (يؤامر نفسيه) بالتثنية أي يتردد بين رأيين له، فمؤامرة النفس كناية عن التردّد والمؤامرة المشاورة، كالائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما يشير به عليه فأبدلت الهمزة واواً، وقد مرّ بيان العلاقة فيه. قوله: (والمراد بالأنفس إلخ) في الكشاف والمراد بالأنفس هنا ذواتهم والمعنى بمخادعتهم ذواتهم أن الخداع لاصق بهم لا يعدوهم ولا يتخطاهم إلى من سواهم، ويجوز أن يراد قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم اهـ فإذا أريد بالأنفس الذوات كان المراد بالمخادعة أنّ خداعهم لا يتجاوزهم، ويرجحه أنه المعنى الحقيقيّ المتبادر ولا مانع يمنعه هنا، وأمّا إرادة الآخرين فيضعفها أنّ المتبادر من المخادعة أن تكون بين شخصين متغايرين حقيقة، وهذا فيه مغايرة لكنها غير حقيقية وفيه نظر، وقيل إنّ الأوّل ناظر إلى قوله دائرة الخداع إلخ. وما بعده إلى قوله أو أنهم إلخ. وعدل عن قول الزمخشريّ قلوبهم إلى قوله أرواحهم، لأنه أظهر في المغايرة. وقد قال قدّس سرّه: إنه على الأوّل يتعين أن يراد بحصر خداعهم في ذواتهم قصر ضروه عليهم كما ني الجواب الأوّل، وعلى ما بعده ذكر القلوب تمهيدا لذكر الدواعي، والآراء لا أنه ونجه آخر، وإذا أريد بالأنفس الدواعي تعين الجوابان الأخيران، وكان اعتبار المشابهة أولى كما لا يخفى فبيان المراد بالأنفس تتمة للأجوبة. (وفيه بحث الأنه لا مانع من جعل ذكر القلوب في كلام العلامة إشارة إلى وجه آخر لأنّ القلوب ينسب إليها الإدراك كما قال تعالى {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] ويؤيده إبدال المصنف لها بالأرواح فما ذكره عدول عن الظاهر من غير داع. (تنبيه) بقي للنفس هنا معان أخر لم يذكرها المصنف رحمه الله كالعين المصيبة والقوى الحيوانية الجامعة للصفات المذمومة المضادة للقوى العقلية، وباختلاف هذه الصفات والأحوال تسمى النفس تارة أمارة وتارة لوامة وتارة مطمئنة، وليست هذه نفوساً متغايرة كما سيأتي تحقيقه. قوله: (لا يحسون إلخ) يشير إلى أنّ الشعور معناه الإدراك بالمشاعر، وهي الحواس الظاهرة في الأصل، وإن ورد بمعنى لا يعقلون مطلقاً إلا أنّ حمله على هذا أولى لأنه أصل معناه وأبلغ لأنّ عدم الشعوو بالمحسوس في غاية القبح لكون المحسوسات من البديهيات، ومن لا يشعر باله ديهيّ المحسوس مرتبته أدنى من مرتبة البهائم، فنفي الشعور يدلّ على التهكم بهم وعلى نفي العلم بالطريق الأولى فهو أبلغ من لا يعلمون هنا وأنسب بما مرّ من قوله {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} إلخ. وقوله: (لتمادي غفلتهم) من قولهم تمادى في الأمر إذا تمادّ فيه إلى الغاية جمما في الأساس، فتمادي الغفلة بمعنى امتدادها على ظاهره وحقيقتة، أو هو بمعنى تماديهنم في غفلتهم، فالتمادي من المدد وأصله تمادد كقصيت بمعنى قصصت، ويجوز أن يكون من المدى بدون إبدال. قوله: (جعل لحوق وبال الخداع إلخ) يشير به إلى المعنى الأوّل من معنى خداعهم لأنفسهم كما في الكشاف، واقتصر عليه لأنه الأرجح الأظهر وغيره يعلم بالمقايسة عليه أيضا، ولذا أمر الشريف رحمه الله بالتدبر فيه، وفيه إشارة إلى أنّ قوله {وَمَا يَشْعُرُونَ} مرتبط بقوله {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ولذا قال الزجاج في تفسيره: وما يشعرون أنهم يخدعونها، وهو أقرب لفظاً ومعنى من جعله متصلا بقوله يخادعون الله على أنّ المعنى، وما يشعرون أنّ الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومن لم يشعر بهذا جعله من فوائده الزوائد هنا، والوبال سوء العاقبة وأصله وخامة المرعى، فتجوّز به عما ذكر ثم صار حقيقة عرفية فيه، وقد يراد به الإثم وهو قريب منه، فمن فسره بالوخامة فقد تسمح فيه هنا، ومؤفة أصابتها آفة وهي العاهة يقال: أيفت الأشياء فهي مؤفة كما يقال ايلت فهي مؤلة، وفي عبث الوليد للمعرّي لو جيء به على الأصل فقيل: ما ووفة بوزن مضروبة جاز عند بعض الناس، وكذا استعمله البحتري في شعره. قوله: (والشعور الإحساس إلخ) أي الإدراك بالحوإس الخصس الظاهرة، وقد يكون بمعنى العلم وصرّح الراغب بأنه مشترك بينهما، وذهب بعضهم إلى أنّ هذا أصله، وذاك مجاز منه صار لشهرته فيه حقيقة عرفية، وهو ظاهر كلامهم هنا، والمشاعر الحواس، ولها معان أخر كمناسك الحج وشعائره، وقوله الشعر بكسر الشين وسكون العين لأنه اسم للعلم الدقيق، كما في قولهم ليت شعري. ثم نقل في عرف اللغة للكلام الموزون المقفى، فهو مصدر أخذ منه الفعل وتصاريفه، ولو قرىء بفتحتين صح أيضاً لقول الراغب في مفرداته شعرت أصبت الشعر ومنه استعير شعرت، كذا أي علمت علماً في الدقة كإصابة الشعر اهـ. ولذا فسر الشعور بالفطنة ودقة المعرفة. وقوله: (ومنه الشعار) ضمير منه راجع للشعر والشعار يكون بمعنى الثوب الذي يلي الجسد لمماستة الشعر، ويكون بمعنى العلامة وبمعنى ما يتنادى به في الحرب ليعرف بعضهم بعضا، فإن كان الشعر بالفتحتين فالمناسب! فسيره بالمعنى الأوّل وإلا فبالثاني، وجملة ما يشعرون مستانفة أو معطوفة أو حال من فاعل يخدعون، ومفعول يشعرون مقدّر أي لحوق الضرر بهم، وأنّ وبال خداعهم راجع إليهم ونحوه أو غير مقدر للعموم وتنزيله منزلة اللازم، وقوله بذلك ورجوع ضرره يشير إلى الأول وجعلهم في حواسهم آفة يشير إلى الثاني، وهو أبلغ كما مرّ. قوله: (المرض حقيقة فيما يعرض للبدن إلخ) من الأطباء من ذهب إلى أنّ أحوال الإنسان ثلاث صحة ومرض وحال لا صحة، ولا مرض كجالينوس، وعند الرثيس أنّ له حالتين صحة ومرض بغير واسطة، والصحة تصدر عنها الأفعال سليمة، والمرض يقابلها، وذهب أهل اللغة كما في المصباح إلى أنه حالة خارجة عن الطبع ضارّة بالفعل، والفرق بينه وبين ما ذهب إليه الأطباء ظاهر، فإنهم يسمون نحو الحول والحدب مرضا بخلاف أهل اللغة، ثم إنّ المصنف رحمه الله عدل عن قوله في الكشاف: فالحقيقة أي حقيقة المرض أن يراد الألم كما تقول: في جوفه مزض لما فيه، لأنّ الألم أثر المرض لا عينه لغة واصطلاحا كما لا يخفى، وما قيل من أنّ كون الألم مرضا من أظهر القضايا عند أهل اللغة والعرف، وأمّا كونه عرضا لا مرضا فمن تدقيقات الأطباء على أنّ استعماله في المرض! شائع فيما بينهم أيضاً كقولهم الصدع ألم في أعضاء الرأس فيه ما لا يخفى، والمراد بالأفعال ليست الأفعال المتعارفة كالضرب بل متعارف الحكماء، وهي إمّا طبيعية كالنمو أو حيوانية كالنفس، أو نفسانية كجودة الفكر والألم ما يتألم، ويتوجه به وهو أعمّ من المرض، والاعتدال توسط حال بين حالين، وكل ما تناسب فقد اعتدل كما في القاموس. قوله: (ومجاز في الأعراض النفسانية إلخ) الأعراض جمع عرض كسبب وأسباب، وهو ما يعرض ويطرأ على المرء ثم ضمير كمالها للنفس التي تفهم من نفسانية، والنفساني منسوب للنفس على خلاف القياس كووحاني، وقد أثبته أهل اللغة وله معنى آخر في الكشف، وهذا برمته مأخوذ من كلام الراغب، والجهل ضد العلم، وقيل المراد به البسيط، لأنّ سوء العقيدة جهل مركب، والحسد تمني زوال نعمة الغير والغبطة تمني نيل مثلها من غير زوال، والضغينة كالضغن بمعجمات الحقد واضمار العداوة، والحياة الحقيقية هي الأخروية، لأنها السعادة الأبدية والحياة الدنيوية، لأنها في معرض الزوال كلا شيء، كما قال تعالى {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أسورة العنكبوت: 64] ولما كان المرض الحقيقي يؤدي إلى اختلال البدن ثم إذا تناهى أدى إلى الموت أشار المصنف رحمه الله إلى أنّ وجه الشبه فيه من هذين الوجهين الأوّل مغ الفضائل والكمالات المشابهة لاختلال البدن المانع عن الملاذ، والثاني زوال الحياة الأبدية الذي هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 كهلاك المريض والمراد بالحياة الأبدية السعادة المخلدة لأنّ حياة المخلد في النار لا يعتد بها فلا يرد عليه ما قيل من أنه كان عليه أن يبدل الحياة بالسعادة لأنّ الحياة الأبدية مشتركة بين المسلمين وغيرهم. قوله: (والآية الكريمة تحتملهما إلخ) مخالف لما في الكشاف من تعين المعنى المجازي حيث قال فيه: المراد في الآية المعنى المجازي الذي هو آفة في الإدراك كسوء الاعتقاد والكفر أو حالة تبعث على ارتكاب الرذائل كالحسد أو مانعة عن اكتساب القضائل كالجبن إلخ. وقد غفل عن هذا من توهم أنّ صاحب الكشاف قائل بما ذهب إليه المصنف رحمه الله، فقال حمل الآية على المجاز هو المنقول عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة، وسائر السلف من غير اختلاف فيه، والتفسير مرجعه إلى النقل والعجب من الزمخشريّ والقاضي أنهما يحملان ما ظاهره الحقيقة على المجاز من غير داع إليه لأنه أبلغ، وهنا ورد التفسير عن الصحابة والتابعين بالمجاز ليس إلا فلم يقتصروا عليه إلى آخر ما فصله، ولا وجة له والمصنف تبع فيما ذكره الإمام حيث قال: الإنسان إذا ابتلي بالأخلاق الرديئة كالحسد والنفاق والكفر، ودام به ذلك ربما أدّاه إلى تغير مزاجه وقلبه واليه أشار المصنف، وقال بعضهم: إنه الأرجح لأنه مع كونه حقيقة أبلغ والمجاز إنما يرتكب لبلاغته، وفيه من الخلل ما لا يخفى فإنه مع ابتناء ظاهره على أنّ المرض الألم وقد صرّح الإمام بعدم ارتضائه كما مرّ مفصلا وصبعه المصنف رحمه الله لأنّ الألم مسبب عن المرض لا نفسه لا وجه له سواء قلنا: إنّ قوله فانّ قلوبهم كانت متألمة إلخ بيان للحقيقة. وقوله: (ونفوسهم كانت مؤفة إلخ) بيان للمجازءلمى اللف والنثر المرتب، أولا فإنّ مآله إلى التألم بفوت الرياسة والحسد، وأنّ نفوسهم مؤفة بالفساد وسوء الاعتقاد، وليس في ذلك رائحة من الحقيقة وكون المرض الحقيقي كناية عما ذكر والكناية يكفي فيها صحة إرادة الحقيقة تكلف لا يفيد، وقد أشار شرّاح الكشاف إلى أنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي، وهو الحق الحقيق بالقبول رواية ودراية، وما قيل من ير قلوبهم ألماً عظيماً بواسطة شوكة أهل الإسلام، نّ حقيقة المرض الألم الذي يسوء المزاج، وهو ية مطلق الألم الذي هو أقرب إلى الحقيقة أو نظراً اج في غاية الركاكة والبعد ولا داعي لارتكابه كما صهم) وفي نسخة عما فات عنهم والتخق تفعل من لإنّ الحديد بالحديد يفلح، واستعير لحك بعض له عن شدّة الغيظ والغضب، وهو المراد هنا وليس محرق كالنار كما قيل: د فإنّ صبرك قاتله إن لم تجد ما تأكله لس! هذا بقاطع عرق الاحتمال خصوصاً في عبارة سبهة في أنه المراد، ولا وجه لما قيل من أنّ الأولى على الاحتراق مناسب جذاً، وتعدى فات بعن لتضمنه من الرياسة) إشارة إلى قصة ابن أبيّ المشهورة في لحسدهم، وقولهم في دولة الإسلام إنها ريح لهبوبها لى غير ذلك من ظنونهم التي خيبها الله، واشارة الإشادة الرفع ففيه إشارة إلى قوله تعالى {وَرَفَعْنَا} بالدال المهملة. قوله: (فزاد الله إلخ) هذا وما عمهم إشارة إلى تفسير قوله {فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً} ولا له تعالى {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [التوبة: #### الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ### ، وقد اختلف في هذه الجملة هل هي خبرية أم لا معترضة مصدرة بالفاء، وقد صرّح النحاة بأنها تكون أن سوف يقضي كل ما قدرا التلويح وغيره فلا وجه لما قيل إنّ الأنسب حينئذ نّ قوله فزادهم الله إلخ إخبار وعطف الماضي على الاسمية لنكتة إن أريد في الأولى أعني في قلوبهم مرض أنّ ذلك لم يزل غضاً طرياً إلى زمن الإخبار، وفي الثانية أن ذلك مسبب لازدياد مرضهم المحقق إذ لولا تدنس الفطرة لازدادوا بزيادة إمداد الإسلام ونزول الآيات شفاء. وقوله تعالى {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [التوية: 125] جملة مستأنفة لبيان الموجب لخداعهم وما هم فيه من النفاق، ويحتمل أن تكوق مقرّرة لعدم شعورهم والأوّل أنسب لأنّ قوله وما يشعرون سبيله سبيل الاعتراض وما قيل في ترجيح الاعتراض على الإخبار بأنّ الثاني مكرّر مع قوله تعالى {يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} ليس بشيء للفرق الظاهر بين زيادة المرض وزيادة الطغيان، على أنه لا مانع من التأكيد مع بعد المسافة، ثم إنّ كلام الشيخين لا ينافيه لأنّ الدعاء من الله إيجاب مؤكد ولولاه لم يكن للدعاء من الله معنى كما لا يخفى فتدبر. وقوله: (ونفوسهم) بالنصب عطف على قلوبهم لبيان المعنى المجازي كما مرّ، ومؤفة هو وجه الشبه، والمرض الأوّل والآلام ومنشؤها وهي تزداد بزيادة الغموم: والغم يخترم النفوس نحافة ويشيب ناصية الصبيّ ويهرم والثاني تلك الآفات، وازديادها بالطبع والختم الذي يثبتها والثبات، أو بما بعده. قوله: (أو بازدياد التكالبف إلخ) أورد عليه أمران الأوّل أنّ المشهور في الازدياد أنه مصدر ازداد اللازم، وقد اسنعمله متعديا تبعاً لما في الكشاف، فإنّ قوله فيه ما ازدادوه يدل على أنه عداه لمفعول واحد كما بينه شرّاحه، والثاني أنّ المنافقين في إجراء الأحكام عليهم كالمؤمنين الخلص، ولا مزية لهم في التكاليف لأنّ المراد بها ما كلف به لا المعنى المصدري، ولو قيل إنه في حق ماحضي الكفر، وازدياد تكاليفهم بشرعية القتل والأسر والجزية تفكك النظم لأنّ ما قبله وما بعده في المنافقيق، وقد أورده بعضهم على أنه وارد غير مندفع (أقول) هذا زبدة القيل والقال، وليس بوارد بوجه من الوجوه. أمّا الأول فلأن زاد يتعدى لمفعول واحد وتارة يتعدى لمفعولين وازداد مطاوعه، والمطاوع ينقص عن مطاوعه مفعولا واحداً، فإذا كان مطاوع المتعدي لمفعولين تعدى لواحد من غير شبهة، وعليه قوله تعالى {نَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} [يوسف: 65] وفي الأساس ازددت مالا وازداد الأمر صعوبة، وازداد من الخير ازدياد فالقول بأنه لازم وان اتفق عليه الشراح لا وجه له وكذا قول الراغب: يقال زدته فازداد، وقوله {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ} نحو ازددت فضلا أي ازداد فضلي، فهو من باب سفه نفسه اهـ. فحمل ما ورد من منصوبه على التمييز ولا حاجة إليه، وهذا هو الذي غرّ المعترض. وأمّا الثاني فسقوطه ظاهر، لأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله أخذه بحروفه من التفسير الكبير ومعناه أنّ التكاليف والأحكام كلما تكرّرت تكرّر بسببها كفرهم المضمر وسوء عقائدهم، فيزداد مرضهم بسبب ذلك، ويجوز أن يراد بالتكليف معناه اللغوي، وهو تكليف النبيّ صلى الله عليه وسغ لهم في بعض الأمور وتخلفهم عنه، وتعللهم كما وقع في بعض الغزوات من تخلف المنافقين ونحو ذلك، وهذا مما لا مرية فيه. وأمّا ما ذكره من الجواب ففي غاية الفساد، وتضاعف النصر تكراره وتواليه، ولا وجه لما قيل من أنّ الظاهر أن يبدل التضاعف بالتضعيف، لأنه لازم مضاف لفاعله، كما أنّ الازدياد يجوز فيه أن يكون مضافاً للفاعل على أنه مصدر اللازم، وإن كان متعديا كما مرّ، ومن العجب ما قيل أنّ الازدياد والتضاعف كناية عن الزيادة، والضعف لكونهما لازمين. قوله: (وكان إسناد الزيادة إلى الله إلخ) قيل عليه: إنه لا حاجة هنا إلى ارتكاب الجاز العقليّ لصحة إرادة الحقيقة بل هي متعينة، وإنما يحتاج إلى هذا التاويل المعتزلة لأنهم ينزهون الله تعالى عن حقيقة الختم والطبع لزعمهم قبحه، ولا قبح ني إيجاده عندنا بل في الاتصاف به والزمخشريّ رحمه الله إنما ارتكبه بناء على مذهبه فلا ينبغي للمصنف رحمه الله أن يتبعه فيما ذكر، وقد صرّح صاحب التاويلات، ومن بعده بأنه مبنيّ على أصلهم الفاسد وذهب الفاضل المحقق إلى أنّ مرادهم بما ذكر أنه ليس هناك من يزيدهم مرضاً، حقيقة على رأي الشيخ عبد القاهر في أنه لا يلزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 في الإسناد المجازي أن يكون للفعل فاعل يكون الإسناد إليه حقيقة مثل: يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا وتابعه قدّس سرّه عليه، وأومأ إلى تأييده فقال هو إسناد مجازي سواء فسر المرض بالكفر، أو الحسد والغل، أو الضعف والخور كما صرحت به عبارته، وان جاز إسناد زيادة المعنى الأخير إلى الله تعالى حقيقة على رأبه أيضاً، والمراد بالمعنى الأخير الجبن والخور لا الحسد كما توهمه بعضهم فقال عدم كون حسد نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين بطلب زوال ما أنعم الله به عليهم قبيحاً غير صحيح، وهو غفلة عن مرادهم نعم يرد عليه ما قيل من أنّ الظاهر أنّ الحسد كما هو قبيح، فكذا الجبن والخور، لأنّ كلا منهما من الملكات الرديئة المستلزمة للأثار الغير السنية، فالفرق بينهما بأنّ الأوّل قبيح والثاني حسن حتى جاز إسناد الأخير إليه تعالى دون السابق تحكم إلا أنّ الأخير قد يترتب عليه آثار حسنة بالنظر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين كتباعد الكفار عن محاربتهم ونحوه اهـ. فعلم أنّ ما ذكر ليس مبنيا على الاعتزال، وان خفي على كثير من الناس، ونطاق البيان يقصر عنه هنا، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وأمّا ما قيل من أنّ ما ذكره المصنف جواب عما يقال من أنّ المسند إلى الله تعالى زيادة مرضهم وهو صحيح بالنظر إلى الطبع دون ازدياد التكاليف وأخويه لأنّ الزائد يجب أن يكون من جنس المزيد عليه، أو ملائماً له وتقريره أنّ المراد بإسناد زيادة مرضهم إليه تعالى ليس إسنادا للزيادة من حيث نفسها بل من حيث أنها مسببة عن فعله تعالى وهو ما ذكر من ازدياد التكاليف، وما بعده فإنّ كلا منهما سبب لزيادة مرضهم على ما مرّ إلى آخر ما أطال به من غير طائل وتبعه من بعده ممن كتب على هذا الكتاب، من غير فرق بين البحر والسراب وضمير أنه للزيادة مراعاة للخبر أو نظراً لأنها بمعنى الازدياد أو لعدم الاعتداد بتأنيث المصادر، ولا فرق بين ما ذكره المصنف رحمه الله، والزمخشريّ على ما يتوهم من تغيير العبارة فتدبر. قوله: (ويحتمل أن يرادب لمرض إلخ) احتمل معناه الحقيقي العفو والإغضاء، وفي اصطلاح المصنفين يستعمل بمعنى الجواز فيكون لازما وبمعنى الاقتضاء، والتضمن فيكون متعدياً مثل إحتمل أن يكون كذا، واحتمل الحال وجوهاً كثيرة وتداخل كيدخل بمعنى دخل بطريق التعانب، والتف ريج ولذا اختاره على دخل مع أنه أخصر وأظهر، والجبن ضعف القلب عما يحق أن يقوى فيه، ورجل جبان وامرأة جبان، والخور بخاء معجمة وواو وراء مهملة أصله رخاوة في العصب ونحوه، ثم تجوّز به عن الجبن وشاع فيه حتى صار حقيقة عرفية فيه والشوكة معروفة وتستعار لهلقوّة في الحرب فيقال: فلان ذو شوكة ومنه شاكي السلاح على قول كأنهم شبهوا الأسلحة بالشوك ولذا قيل: ورد الخدود ودونه شوك القنا أبداً بغير لحاف لا يجتنى والبسط التوسعة كما قال تعالى {؟ ولو تج! ط القة الرزق لعبا؟ هـ} [الشورى: 27] أي وسعه فالتبسط في البلاد بمعنى سعة ممالكهم أو انتثارهم فيها وهدّا معنى آخر مجازيّ، لكنه قريب إلى معناه الحقيقي جداً لأنّ الجبن وضعف القلب أخوان. قوله: (أي مؤلم إلخ) ذهب أرباب الحواشي هنا إلى أنّ مؤلم بفتح اللام اسم مفعول من الإيلام المزيد لأنه الموافق لما في الكشاف ولأنه الأبلغ لجعل العذاب نفسه متألماً، ومعذبا بزنة المفول ولو كان بالكسر كما ذهب إليه بعضهم لم يكن فيه تجوّز في الإسناد كجد جده فلا يوافق أوّل كلامه آخره وليس بشيء فإنّ الكسر إن لم يتعين لا شبهة في صحته كما ذكره بعض فضلاء العصر في حواشيه فيكون ما فسره به المصنف، أولا بيانا لحاصل المعنى المراد منه، ثم صرّح بقوله يقال ألم إلخ إشارة إلى أنه فعيل من ألم الثلاثي كوجيع من وجع فإنه الفصيح المطرد، وفعيل بمعنى مفعل ليس بثبت عند الزمخشريّ والمصنف، وان خالفه فيه لا يمكنه أن ينكر قلته، وعدم إطراده كما ستسمعه مفصلاَ عن قريب في تفسير قوله تعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 17 ا] ولا حاجة إلى ارتكابه ليكون المعنى أبلغ لأنه إذا جعل الإسناد مجازياً رجع بالآخرة إلى صرب وجيع) هو من قصيدة طويلة لعمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 معد يؤرقني وأصحابي هجوع تحية بينهم ضرب وجيع هنا الفرسان، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: لمهملة واللام والفاء بمعنى دنوت وزحفت، والتحية سياتي والباء للتعدية، وبينهم مضاف إليه مجرور د مبنيا لإضافته إلى المبني، والأوّل أصح وان قيل لمعنى على أن ضربهم الوجغ كتحية بينهم على تفسير قوله تعالى {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . قوله: لكشاف هنا على أنّ المراد أنه على طريقته في أنه سناد إلى مصدر المسند كما في ضرب وجيع بل هو ألم أليم ووجع وجيع، وسنكشف لك؟ أنّ الإسناد إلى مصدر ذلك الفعل أو زمانه أو مكانه أو سببه، والضرب أي المضروبية هو الوجع، ولا حاجة إليه قاله الفاضل المحقق. قوله: (قرأها عاصم إلخ) لمرينة المقابلة. وقوله: (بسبب كذبهم) إشارة إلى أنّ لى أنه يجوز أن تكون للبدلية كما في قوله: شنوا الإغارة فرساناً وركبانا ل! حو وما مصدرية مؤوّلة بمصدر كان إن قيل بوجود.، أبو البقاء: الموصولية هنا أظهر لأنّ الضمير المقدر ، وقيل المناسب هنا ذكر المقابلة بدل البدلية، فإن روال المبدل عته وقيام البدل مقامه بدليل قوله جزاء عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم للعسكري من حديث أنس ولابن عائذ عن قتادة مرسلاَ. لهم، ثم إنّ الباء في قوله بسببه وببدله كالباء في قولهم معنى كتبت بالقلم باستعانته ومعنى دخلت علييما بثياب السفر بمصاحبة ثيابه إلى غير ذلك، فإنهم كثيراً ما يجعلون الباء بين الحرف وبين ما يدل عليه. (قلت) البدلية والمقابلة متقاربان، والثانية تدخل على الأثمان وما في معناها وجعل كذبهم بمنزلة الثمن مبنيّ على التهكم ولا يخفى خفاؤه هنا، وأمّا دخول الباء بين الحرف ومدلوله فالظاهر أنه للملابسة بينهما، فلا يتوهم أنه معنى آخر حتى يقال لم يقل أحد أنّ من معاني الباء التفسير، ثم إنّ قوله بما كانوا يكذبون صفة لعذاب لا لأليم، كما قاله أبو البقاء رحمه الله، لأنّ الأصل في الصفة أن لا توصف. وقال قدس سرّه: كلمة كان في النظم للدلالة على الاستمرار في الأزمنة، وقولهم آمنا إخبار بإحداثهم الإيمان فيما مض ولو جعل إنشاء للإيمان كان متضمناً للاخبار بصدوره عنهم. فقيلى: الدلالة على الاستمرار والانقطاع ليست بمعتبرة وضعاً في معنى كان بل هو مستفاد من القرينة، والمقصود دفع ما يتوهم من المنافاة بين لفظي كان، لكذبون لدلالة الأوّل على انتساب الكذب إليهم في الماضي والثاني على انتسابه في الحال والاستقبال، فالزمان فيهما مختلف فما وجه الجمع بينهما، فدفعت 4 ن كان دالة على الاستمرار في جميع الأزمنة ويكذبون دلّ على الاستمرار التجددي الداخل في جميع الأزمنة اهـ، وما ذكره من المنافاة توهم فاسد فإنه مستفيض في أخبار الأفعال الناقصة، كأصبح يقول كذا أو كادت تزيغ قلوب فريق منهم والاسنعمال مستمر عليه لأنّ معناه أنه في الماضي كان مستمرا متجدّداً بتعاقب الأمثال، وللمضي والاستقبال بالنسبة لزمان الحكم، وقد عذ العلماء الاستمرار من معاني كان، كما في التسهيل فتدبر. قوله: (وقرأ الباقون إلخ) أي قرأه باقي السبعة بالتشديد من كذبه المتعدي والتضعيف للتعدية ومفعوله مقدّر وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر إجلالا له عن أن يواجهه بالت!! يب، وقيل إنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 لرعاية الفاصلة، أو لقصد التعميم إذ كان التقدير يكذبون ما جاء به أي جميع ما جاء به مما يلزم تصديقه فيه أو للاختصار، أو لأنّ العناد وتكذيب الرسول كانا من شأن اليهود، ولما كانوا غير مجاهرين بالتكذيب والكفر وإلا لم يكونوا منافقين حمله على التكذيب بقلوبهم، أو بدون مواجهة المؤمنين بل مع شياطينهم وهو مجاز عن رؤسائهم وعقلائهم، وفي نسخة شطارهم جمع شاطر وهو من أعيا أهله خبثاً والمراد به ما ذكر مجازاً أيضاً أو كناية أي يكذبونه بقلوبهم دائماً وبألسنتهم {إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} فقوله وإذا خلوا معطوف على قوله: بقلوبهم بتقدير وبألسنتهم إذا إلخ. قوله: (أو من كذب الذي هو للمبالنة إلخ) فهو لازم بلا تقدير والتفعيل حينئذ إمّا للمبالغة لقوة كذبهم وتصميمهم عليه كبين بمعنى تبين الوارد في كلامهم بمعنى كمال ظهور الشيء واتضاحه، أو للتكثير دلالة على كثرة الفاعل كما في قولهم موتت البهائم جمع بهيمة وهي معروفة، وقيل إنهم ذهبوا إلى أنّ الكثرة في موتت لتعذر تكثر الفعل بالنسبة لكل واحد، وهنا ليس كذلك فيرح إلى الوجه الذي قبله من المبالغة إلا أن يقال المبالغة بالنسبة إلى ذات الكذب في نفسه، والكثرة بالشبة لتعدده، فحقيقة الأمرين راجعة إلى القوّة والكثرة، وتغايرهما ظاهر فسقط ما قيل من أنّ عطف التكثير على المبالغة بأو الفاصلة ليس كما ينبغي، وقد يكون التكثير في المفعول كقطعت الأثواب، وكذب الوحشي قيل إنه. على هذا مجاز مأخوذ من كذب المتعدي، كأنه يكذب رأيه وظنه، فيقف لينظر ما وراءه ولما كثر استعماله في هذا المعنى وكانت حالة المنافق شبيهة بهذا جاز أن يستعار منه لها، ولا يخفى ما فيه من التكلف، وأنّ كونه متعديا بحسب الأصل غير موافق لما نحن بصدده فتدبر. قوله: (الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به) الخبر هنا بمعنى الاخبار، وهو أحد معنييه قال الراغب في كتاب الذريعة: ذهب كثير من المتكلمين إلى أنّ الصدق يحسن لعينه، والكذب يقبح لعينه. وقال كثير من الحكماء والمتصوّفة أنّ الكذب يقبح لما يتعلق به من المضارّ الخالصة، والصدق يحسن لما يتعلق به من المنافع الخالصة لأنّ شيئاً من الأقول والأفعال لا يقبح ويحسن لذاته اهـ. وقوله: (على خلاف ما هو به) أي ما هو متليس به في نفسه وحد ذاته في الواقع ونفس الأمر، أو في اعتقاد المخاطب، وفي ذهنه فكلامه صادق على المذاهب ففيه إيجاز حسن. قوله: (وهو حرام كله إلخ) قيل عليه إنه تبع فيه الزمخشريّ، وهو مبنيّ على مذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح المقتضي لأن يكون حراما لعينه كما مرّ، ولذا قال: وهو قبيح كله وعدل عنه المصنف والمصزح به في كتب الافعية المعتمدة أنّ من الكذب ما هو حرام وما هو مباح، وما هو مندوب وما هو واجب وقد ورد الحديث بجوازه في ثلاثة مواطن في الحرب، واصلاح ذات البين وكذب الرجل لامرأته ليرضيها (1 (وهو مرويّ في الصحيحين، والسنن كما فصله النووي في أذكاره، وفيه تفصيل قاله الغزاليّ وهو أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذب فيه حرام لعدم الحاجة إليه فإن لم يمكن إلا بالكذب، فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مبا-حا وواجب إن كان واجباً فلو اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو سأل عن ماله ليأخذه ولو استحلفه لزمه أن يحلف، ويوري في يمينه، وكذا في كل مقصود، فلا يختص بالصور الثلاث الواردة في الحديث بل ينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب، والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة في الصدق أشذ ضررا فله الكذب، وإن كان عكسه أو شك حرم عليه الكذب اهـ ونحوه في كتاب الذريعة للراغب، فما قيل في الجواب عنه بأنه مذهب الشافعية من قصور النظر، فإنه متفق عليه في جميع المذاهب كما صرحوا به، وقيل إنّ معنى الكلية في كلام المصنف أنّ الكذب حرام مز حيث ذاته مطلقاً وقد يكون مباحاً من حيث وصفه كما في الصور المذكورة، وهو وهم على وهم، فإنه مع مخالفته لمذهبه مبنيّ على الاعتزال. قوله: (لأنه علل به استحقاق العذاب إلخ) في الكشاف وفيه رمز إلى قبح الكذب وسماجته، وتخييل أنّ العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم ونحوه قوله تعالى {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] والقوم كفرة وإنما خصت الخطيآت استعظاماً لها، وتنفيراً عن ارتكابها يعني أنّ فيه تعريضاً يتضمن تحريضاً للمؤمنين على ما هم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 عليه من الصدق والتصديق، فإنّ المؤمن إذا سمع ترتب العذاب على الكذب دون النفاق الذي هو أخبث الكفر وصاحبه في الدرك الأسفل تخيل في نفسه تغليظ اسم الكذب، وتصوّر سماجته فانزجر أعظم انزجار فسقط ما قيل من أنّ قبحه لا سيما عندهم تحقيق لا تخييل، لما عرفته من معنى التخييل والزجر وهذا من قبيل ما في قوله تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر: 7] من ذكر الوصف سواء كان نعتاً أولا لمدح ذلك الوصف في نفسه، أو ذمه ترغيباً فيه أو تنفيراً، كما يكون الوصف لمدح الموصوف أو ذمه، وهذا كما صرّج به السكاكيّ والخطيب، ومن الناس من حسبه من البديع الغريب وسيأتي في كثير من النظم الكريم، والمراد بترتبه عليه أنه مسبب عنه، فهو مؤخر رتبة وما ذكره ظاهر على قراءة التخفيف وكذا في غيرها لأنّ نسبة الصادق إلى الكذب كذب، وكذا كثرته ونحوها فتدبر. قوله: (وما روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلخ) إشارة إلى ما روي في الصحيحين وغيرهما في حديث الشفاعة فيقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام إني كذبت ثلاث كذبات على روايات مختلفة في بعضها أنه عذها فذكر قوله في الكوكب {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78] وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وقوله {إِنِّي سَقِيمٌ} (1 ( [الصافات: 89] وروى الترمذفي رحمه الله في حديث الشفاعة أنهم يأتون إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيقولون له اشفع لنا فيقول: لست لها إني كذبت ثلاث كذبات، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما منها كذبة إلا ما حل بها وفي رواية جادل بها عن دين الله وفي رواية أحمد رحمه الله إنها قوله {إنّي سَقِيم} [سورة الصافات، الآية: 89] وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [سورة الأنبياء، الآية: 63] وقوله للتيك في جواب سؤاله عن امرأته سارة هي أختي حين أراد الملك غصبها وكان من طريق السياسة التعرّض لذوات الأزواج دون غيرهن بدون رضاهن، وقيل: هي قوله ثلاث مرات هذا ربي والحديث بطوله مشهور في كتب الحديث، وكذبات قال القاضي عياض في مشارق اللغة: هو بفتح الكاف والذال جمع كذبة بفتح الكاف الواحدة من الكذب اهـ. فليس جمع كذبة بكسر الكاف، وسكون الذال المعجمة بمعنى الكذب لمخالفته للرواية فيه. قوله: (فا المراد التعريض إلخ) قد عرفت أنّ الحديث صحيح وما في بعض الحواشي نقلاً عن الرازي من أنه يجب القطع بكذب رواته، وان يكذب الرواة حتى يصدق إبراهيم أولى لا أصله له عنه، فإن صح فهو خطأ، ونحن ننظر لما قيل لا لمن قال، وسيأتي ما الحامل له على مثله من الشبهة ودفعه، والمراد بالتعريض هنا معناه اللغوي وهو ما يقابل التصريح والتصريح أن يكون اللفظ نصاً في معناه لا يحتمل! معنى آخر احتمالاً معتدا به والتعريض خلافه، وهو أن يكون اللفظ محتملا لمعنيين سواء كانا حقيقيين كما في إني سقيم أولاً وسواء كان أحدهما أظهر من الآخر كما في الإبهام البديعي أولاً كما في التوجيه، فهو أعمّ من التعريض الاصطلاحي لاختصاصه بالمجاز والكناية كما ذكره السكاكيّ في آخر البيان، وكذا من الكناية والتورية والابهام والتوجيه في الاصطلاح، ويسمى في اللغة أيضا كناية وتورية وليست هذه الكناية بيانية وليست التورية بديعية، والتعريض تفعيل من عرض كذا إذا اعترض وطرأ، والكناية من كنى إذا ستر والتورية إمّا من الوراء على ما اختاره ابن الأثير كأنه ألقى البيان وراء ظهره أو من أورى القابس إذا أظهر نوراً وفي النهاية الأثيرية في الحديث المرفوع عن عمران بن حصين " إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب " المعاريض جمع معراض من التعريض، وهو خلاف التصريح يقال عرفت ذلك في معراض كلامه ومعرض كلامه بحذف الألف، وفي حديث عمر رضي الله عنه " أما في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب " وتسمية المعاريض كذبا من حيث مظنة السامع وهي صدق من حيث يقوله القائل وهي التورية والكناية اهـ ومن الناس من ظن أنّ التعريض هنا بمعناه المصطلح، فخبط خبط عشواء وأطال من غير طائل، وفي كلام الشريف ما يوهمه ولله در المحقق حيث فسره بأن يشار بالكلام إلى جانب ويعرض منه جانب آخر ومن لم يتفطن له قال ذكر المحقق الشريف أنّ الكلام لا يكون مستعملاَ في المعنى التعريضي أصلا بل في غيره مع إشارة إليه بقرينة السوق، وعليه ظاهر تفسير قوله تعالى {فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ} [البقرة: 235] الآية فإذا أريد بقوله {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] ساسقم لا يتحقق التعريض، فإنه لا يمكن أرادة ذلك إلا بطريق الاستعمال، نإنه لا دلالة لسياق الكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وسباقه عليه كما في صورة التعريض، وكذا الحال فيما إذا حمل قوله هذه أختي عنى الأخوة في الدين لا في النسب، اللهم إلا أن لا يراد بالتعريض هنا ما هو المصطلح المشهور بين الجمهور بل ما فيه خفاء في أداء المراد من الكلام على ما في الأذكار من أنّ التورية، والتعريض معناهما أن تطلق لفظاً ظاهرا في معنى، وتريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، ولكنه خلاف ظاهره اهـ. قوله: (لما شابه الكذب في صورته سمي به) ، فإطلاق الكذب بطريق الاستعارة لمشابهتها الكذب من حيث كونها في الظاهر إخبارا غير مطابقة للواقع لا، كما تسمى صورة الإنسان المنقوشة إنسانا لكنها في التحقيق تعريضات، والغرض من قوله {إِنِّي سَقِيمٌ} أنه سيسقم لما علم من ذلك بأمارة النجوم، أو أنه سقيم أي متألم بما يجد من الغيظ، والحنق باتخاذهم النجوم آلهة، ومن قوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} التنبيه على أنّ من لم يقدر على دفع المضرّة عن نفسه كيف يدفعها عن غيره فكيف يصلح إلها، ومن هذه أختي إخوة الدين تخلصاً من الظالم، ومن {هَذَا رَبِّي} الفرض، أو الحكاية تنبيهاً على خطيئتهم في ادعاء ألوهيتها مع قيام دليل الحدوث، وسيأتي تحقيقه في محله. (فإن قلت) كيف يقول الخليل عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إني كذبت وأنا لما صدر مني الذنب أستحيي من أن أقوم شافعاً بين يدي الله، فإنّ ما في الدنيا إن كان من المعاريض فليس بكذب، ويكون قوله ثلاث كذبات مخالفا للواقع، ومثله لا يستحيا مته، فيقعوا فيما فرّوا منه وإن لم يكن كذلك يكن وقع منه الكذب في الدنيا، وهو مناف لعصمته صلّى الله عليه وسلم، ولا بد من أحد هذين الأمرين، وهذا هو الذي جسر الإمام على الطعن في الحديث وتكذيب راويه لتوهمه لأنه أ] ف من نسبة الكذب إلى الخليل عليه الصلاة والسلام. (قلت) هذه شبهة قوية ويؤيدها أنّ مثل هذه المعاريض صدرت منه عليه الصلاة والسلام في مواضع كقوله " من ماء " ولم يقل أحد إنه مشكل محتاح للتأويل ويمكن دفعها بأن يقال هي من المعاريض الصادقة ولكنها لما كانت مبنية على لين العريكة مع الأعداء دفعاً لضررهم، ومثله ممن تكفل الله بعصمتة وحمايته يناسبه مبارزة أعدائه بالمكروه بذلا لنفسه في سبيل الله أو دخولا في حفظ حصن الله، فلعدوله عما يليق بمقامه ثمة عذ ذلك لشدة خوفه، أو تواضعه ذنبا وسما. كذباً لأنه على صورة الكذب خوفا من وخامة مداراة أعدائه، وما وقع من النبيّ عليه الصلاة والسلام لم يقع في مثل هذا المقام حتى يستحيى منه، فإنّ لكل مقام مقالا وقد حام حول الحمى من قال: إنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قصد براةء ساحة الخليل صلى الله عليه وسلم، فجعلها معاريض جادل بها عن الدين والخليل لمح برتبة الشفاعة وأنها مختصة بالحبيب صنى الله عليه وسلّم، فتجوز في الكذبات، أو هو من هول ذلك اليوم واهتمامهم بشأن أنفسهم دفعهم بدّلك، فتامله. (فإن قلت) إذا كان للفظ معنيان سواء كانا حقيقيين، أو لا وهو باعتبار أحدهما مطابق مطابقة تصيره صادقا على أيّ الأقوإل اعتبرته فيه، وباعتبار الآخر غير مطابق، فهل المعتبر من ذلك ما قصده المتكلم أو ما ظهر منه أو أيهما كان، أو هو يوصف بالصدق والكذب باعتبارين، أو لا يوصف فتثبت الواسطة. (قلت) الظاهر أنّ المعتبر ما قصده المتكلم قصدا جاريا على قانون التكلم، ولذا قال السكافي مرجع الخبرية واحتمال الصدق والكذب إلى حكم المخبر الذي يحكمه في خبره، سواء كان فائدة الخبر أو لازمها، فإذا طابق حكمه الواقع كان صدقا على الأصح لا على مذهب النظام كما يسبق إلى بعض الأوهام. واعلم أنّ ظاهر كلام المصنف، وغيره هنا أنّ المعاريض لا تعد كذباً، وهو الموافق لما مز في الحديث من أنّ فيها مندوحة عن الكذب، وحينئذ فلا بد فيها من قرينة على المراد وإن كانت خفية لأنها الفارقة بين الكذب وغيره، كما صرّح به السكاقي، إلا أنّ قول الزمخشريّ في سورة الصافات الصحيح أنّ الكذب حرام إلا إذا عرّض ظاهر في أنه من الكذب المستثنى إلا أن يجعل منقطعا، وما في شرح الآثار للطحاوي أنّ ما روي في الحديث " لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: إصلاح يين الناس، وكذب الرجل لامرأته ليرضيها، وكذب في الحرب " (1) في روايته ض عف وان صح كان المراد به المعاريض أيضا لأنها في صورة الكذب، ويؤيده حديث أم كلثوم من أنه عليه الصلاة والسلام " لم يرخص في شيء من الكذب مما يقوله الناس إنما يصلح في ثلاث " (1) إلخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فصرّح بنقي الكذب في هذه الثلاثة، وهو حديث صحيح لا علة فيه والترخيص في الثلاث لم يصح، فإن ثبت فهو من قول الراوي، وقد قال تعالى {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وقال: {اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 35] على العموم اهـ وهذا مخالف لما مرّ عن الفقهاء فتدبر. قوله: (عطف على يكذبون) فهو جملة في محل نصب لعطفها على خبر كان وجملة كان صلة ما، وقد تقدّم أنها يجوز أن تكون موصولة، ومصدرية على الخلاف في الترجيح، وقد قالوا بجواز الوجهين على الاحتمالين، كما صرّح به أبو البقاء رحمه الله واعترض عليه أبو حيان بأت على الموصولية خطا! لعدم العائد على ما من تلك الجملة، فيصير التقدير، ولهم عذاب أليم بالذي كانوا إذا قيل لهم {لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} و. هو كلام غير منتظم وكذا على المصدرية على القول باسميتها، وأمّا على مذهب الجمهور، فهو سائغ وقيل عليه إنّ لزوم الضمير هنا غير مسفم، وأنّ النحاة لم يذكروا وصمل ما! المصدرية بالجملة الشرطتة فتأمل. قوله: (أو يقول) واذا خلصت الماضي للاستقبال، فلذا حسن عطف الماضي على المضارع في الوجهين إلا أنه على هذا لا محل لهذه الجلة لعطفها على الصلة، وفي الكشاف الوجه الأوّل أوجه وتقديم المصنف له يشعر بموافقته، وإن احتمل عدم التصريح لأنه ذهب إلى التساوي بينهما لما سيأتي، وقال قدّس سرّه: تبعا لمن قبله من الشراح وجه الأوجهية قربه في إفادته تسبب الفساد للعذاب، فيدل على صحته ووجوب الاحتراز عنه كالكذب، ولخلوّه عن تخلل ابي ن أو الاستئناف، وما يتعلق به بين أجزاء الصلة أو الصفة، وقد يرجح الثاني بكون الآيات حينئذ على نمط تعديد قبائحهم وافادتها اتصافهم بكل من تلك الأوصاف استقلالا وقصدا، ودلالتها على لحوق العذاب الأليم بسبب كذبهم الذي هو أدنى أحوالهم في كفرهم ونفاقهم، فما ظنك بسائرها. (أقول) هذا مناف لما قدّمه قبله من قوله: إنه جعل عذابهم مسبباً لكذبهم رمزاً إلى قبح الكذب حيث خص بالذكر من بين جهات استحقاقهم إياه مع كثرتها، وفيه تخييل أنّ لحوق العذاب بهم، إنما كان لأجل كذبهم نظرا إلى ظاهر العبارة المقتصرة على ذكره واختار لفظ التخييل بناء على أنّ السامع يعلم أنّ ذلك اللحوق لجهات كثيرة، وأنّ الاقتصار على ذكره رمز إلى سماجته وتنفير عن ارتكابه كما سيأتي، ووجه إفادته لتسبب الفساد للعذاب أنه داخل في حيز صلة الموعول الواقع سبباً إذ المعنى في قولهم {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} إنكار اذعائهم أنّ ما نسب لهم منه صلاح، وهو عناد واصرار على الفساد، والإصرار على ذلك فساد واثم، فلا وجه لما قيل عليه من أنّ العطف على يكذبون يقتضي أن يكون المعنى، ولهم عذاب أليم بقولهم {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض فيفيد تسبب هذا القول للعذاب لا تسبب الفساد له، وكذا ما قيل من أنه لا دلالة له على تسبب الفساد بل على تسبب الكذب، وهو قوله إنما نحن مصلحون، وأمّ تخلل ألا انهم هم المفسدون بين إذا قيل وإذا قيل وهما من أجزاء الصلة، فيرد على هذا ما ورد أوّلاً، فليس بشيء لمن له نظر سديد، وسيأتي تتمته نعم قوله {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} كذب فيؤل المعنى إلى استحقاق العذاب بالكذب لا غير، وهذا مما يأبى الأوجهية لأنه تأكيد لا يليق عطفه، وعطف التفسير بالواو في الجمل خلاف الظاهر، وأمّا ما ذكر من ترجيح الثاني فيرد عليه أنه في المآل كذب كما أشرنا إليه، ولو سلم تغايرهما بالاعتبار وضم القيود، فهو جزء من الصلة أو الصفة وكلاهما يقتضي عدم الاستقلال، وإنما يكون مستقلا على ما اختاره المدقق في الكشف حيث قال لو قيل إنه معطوف على. قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ} لبيان حالهم في ادعاء الإيمان، وكذبهم فيه أوّلا ثم لبيان حالهم في انهماكهم في باطلهم ورؤية القبيح حسنا والفساد صلاحا ثانيا ويجعل المعتمد بالعطف مجموع الأحوال، وان لزم فيه عطف الفعلية على الاسمية كان أرجح بحسب السياق، ونمط تعديد القبائح وهذا قريب مما اختاره صاحب البحر، وقال الذي نختاره أنه من عطف الجمل وأنّ هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب لأنها وما بعدها من تفاصيل الكذب، ونتائج التكذيب ألا ترى أنّ قولهم {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} وأنؤمن إلخ وقولهم آمنا كذب محض، فناسب جعلها جملا مستقلة لإظهار كذبهم ونفاقهم وتكثير ذمهم والردّ عليهم، وهذا أولى من جعلها صلة وجزءا من الكلام، لأنها لا تكون مقصودة لذاتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 والمراد باستئنافها عطفها على الجملة المستأنفة، وقول الشارحين الفاضلين في ردّه إنه ليس مما يعتد به وان توهم كونه أوفى بتأدية هذه المعاني، وذلك لعدم دلالته على اندراج هذه الصفة، وما بعدها في قصة المنافقين وبيان أحوالهم إذ لا يحسن عود الضمائر التي فيها إليهم كما يشهد به سلامة الفطرة لمن له أدنى درية باساليب الكلام لا يظهر له وجه عندي، فإنّ عود الضمائر رابط للصفات بهم، وسوق الكلام مناد عليه، وقد يأتي في الصفة الواحدة جمل مستأنفة بغير عطف كما مرّ فإذا لم ينافه الاستئناف رأسا كيف ينافيه العطف على أوّله المستأنف، والعطف إنما يقتضي مغايرة الأحوال لا مغايرة القصص، وأصحابها ألا ترى أنه لو قال قائل لولا الحمقى لخربت البلدان، ولولاهم لم يحتج لحاكم ولا سلطان، فالجملة الثانية معطوفة على أوّل الكلام وهما صفة لشيء واحد بغير مرية، ومن الناس من سرد الوجوه هنا من غير تفطن لما بينهما من المنافاة، وفي شرح الكشاف للرازي الثاني أوجه، لأنّ قوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ} [البقرة، الآية: 91] وقوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ} [البقرة: 76] معطوفان على قوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ} فلو عطف على يكذبون كانا أيضاً معطوفين عليه فيدخلان في سبب العذاب، فتنتفي فائدة اختصاص الكذب بالذكر المبنيّ عليه ما مرّ، وقيل عليه إنّ الثلاثة حينئذ معطوفة على يكذبون عطفاً تفسيرياً لكذبهم لأنّ قولهم {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} و {أَنُؤْمِنُ} إلخ وآمنا كذب فلا يقابل الكذب حتى يبطل الاختصاص وفائدته. وأجيب عنه بأنّ جعل العطف تفسيريا يأباه تصريحه بأنّ المراد بكذبهم قولهم ولمنا بالثه واليوم الآخر} وقوله {أَنُؤْمِنُ} إنشاء لا يلحقه الكذب وفائدة الاختصاص تفهم من تقديمه، والتصريح بكونه سبباً أوّل وهلة، ثم إنه اختار مسلكا آخر، وهو أنّ الأوّل أوجه على قراءة يكذبون بالتشديد والثاني أنسب بالتخفيف لأنه يكون سبباً للجمع بين ذمهم بالكذب والتكذيب، وعلى الثاني يكون تأكيدا والتأسيس أولى، وفيه نظر فتدبر. قوله: (وما روي عن سلمان الخ) هذا أثر روي عن سلمان الفارسيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه كما أخرجه ابن جرير عنه وكذا تأويله الذي ذكره المصنف عنه، وعبارته كما نقله عنه خاتمة الحفاظ السيوطي لعله قال ذلك بعد فناء الناس الذين كانوا بهذه الصفة على عهده صلّى الله عليه وسلم خبراً منه عمن هو جاء منهم بعدهم، وإن لم يجيء وقوله بعد مبنيّ على الضم، وهذا الاستعمال معروف يقال لم يكن كذا بعد أي إلى الآن لأنّ التقدير بعدما مضى من الزمان، وتفسيره بأنه بعد هؤلاء، أو بعد زمانه عليه الصلاة والسلام ليس بتام، والمراد بأهل الآية من ذكر فيها ووصف بها، فسموا أهلها توسعاً لظهور معناه. قوله: (فلعله أراد به إلخ) قد مرّ أنّ المصنف دأبه أن يعبر بلعل عما لم يجزم به لا لما هو من نتائج قريحته كما يريده غيره بهذه العبارة، وما ذكره من الأثر وتوجيهه حاصله أنّ الآية في المنافقين مطلقاً لا تختص بمنافقي عصره أو منافقي المدينة، وان نزلت فيهم لأنّ خصوص السبب لا ينافي عموم النظم كما هو مشهور، فالآية عامة تشملهم، وتشمل من ياني بعدهم عن جنسهم ولا يريد أنها مخصوصة بقوم آخرين مباينين لهؤلاء بالكلية حتى يقال إنه مناف لظاهر النظم وعود الضمير على ما بعد، ولذا قيل إنّ المرويّ يدل بظاهره على أنّ المراد بهذه الآية غير المراد بما قبلها فلا يكون عطفا على يقول أو يكذبون، ولا يمكن أن يراد به ظاهره، فلعله أراد به أنّ أهل هذه الآية ليسوا الذين كانوا موجودين عند نزولها فقط بل وسيكون من بعد من حاله حالهم، وإنما له يمكن إرادة ظاهره لأنّ الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي هو في لهم، وقالوا فيقتضي أن يراد بهذه الآية الناس المذكورون في الآية المتقدّمة، وإلا لم يحسن محود الضمير على من قبل كما يشهد به سلامة الفطرة، وأمّا ما قيل من أنّ توجيه المصنف رحمه الله لا يخفى بعده، والأوجه أنّ المراد أهل الاتعاظ بهذه الآية من مفسدي الأرض من المسلمين لأنه لم يكن في زمنه عليه الصلاة والسلام من المؤمنين مفسدون، فغفلة عما أراده، وعدول إلى ما هو أبعد منه. قوله: (والفساد خروج الشيء عن الاعثدال إلخ) هذا معناه اللغوي المضاد للصلاح ويقرب منه البطلان، ولذا فسر به والط كان للفقهاء فرق بين الفاسد، والباطل على ما فصلوه يقال فسد فسادا وفسوداً، وأفسده غيره، وقوله في الأرض قيل: إنّ ذكره للدلالة على الاستغراق، وفيه إيماء إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 تعظيم الشريعة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بأنهم صلاج الدنيا كلها والإفساد الضارّ بهم ضمار بالدنيا كلها، فما الناس والدنيا سواهم، أو جعلى ما عدا أرض المدينة لتمحض الكفر فيها إذ ذاك ملحقاً بالعدم، وأرضها كأنها الدنيا. قوله: (وكلاهما يعمان كل ضار ونافع وكان من فسادهم إلخ) أي الفساد والصلاج يشمل كل منهما ما يضرّ وما ينفع، هذا بحسب الظاهر مخالف لما في الكشاف وفي العدول عنه إشارة إلى عدم ارتضائه له وعبارته هكذا، والفساد خروج الشيء عن حال استقامته، وكونه منتفعا به ونقيضه الصلاج، وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة اهـ. وهكذا هو في التفسير الكبير، وقد يقال إنه لا منافاة بينهما لأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله باعتبار الحقيقة، والمآل وهو الذي ارتضاه الراغب، وما ذكره الزمخشريّ باعتباره في أصله وما هو من شأنه، وما قيل: من أنّ الضارّ منتفع به لمن يقصد الإضرار تكلف لا حاجة إليه، ومقابلة الفساد بالصلاح هو المشهور كما قال تعالى {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} أسورة الأعرأف: 56] وقد يقال: في مقابلة السيء كما قال تعالى {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 02 ا] وقد يجعل مقابل الصحة وهو مختص في الأكثر بالأفعال وقوله وكان من فسادهم إلخ من إمّا ابتدائية أي وكان ينشأ من فسادهم ما ذكر فهو توطئة لما بعده، وتحتمل التبعيضية، ولذا قيل إنه أشار بادراجها إلى أنّ الفساد لا ينحصر في هذه الأمور التي في الكش! اف بل منه ما ذكره غير. من تغيير الملة، وتحريف الكتاب، ودعوة الكفار في السرّ إلى تكذيب ال! صلمين، ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين، فيكون كلام المصنف رحمه الله مخالفا لما في الكشاف، والذي في حواشي غيره أنهما متحدان، وفي الحواشي الشريفية تفسير فساد المنافقين بالفساد الناشىء من جهلهم لإفسادهم في أنفسهم، والأولى أن يقال إفسادهم لأنّ ممالأتهم لإفشاء الأسرار إفساد، ولما كان حقيقة الإفساد جعل الشيء فاسداً، ولم يكن صنيعهم كذلك جعلوه من قبيل مجاز الأوّل أي لا تفعلوا ما يؤذي إلى الفساد، وقد يقال: ما كانوا فيه عين الفساد في أنفسهم ومعنى {لاَ تُفْسِدُواْ} لا تأتوا بالفساد، ولا تفعلوه، فلا حاجة إلى المجاز، وليس بشيء إذ ليس إتيان الشيء بفساد نفسه حقيقة الإفساد، وفائدة في الأرض التنبيه على أنّ فسادهم يؤدّي إلى فساد عامّ من الحروب والفتن واختلال الدين والدنيا كما مرّ، ولم يحمل إفسادهم على تحريف الكتاب والأحكام، ودعوة الكفار سر التكذيب المؤمنين، كما حمله عليه غيره، لأنه لا ظهور حي! عذ لتلك الفائدة. (أقول) تبع في هذا من قبله من الشراح، وفي بعض الشروح أنه وهم، لأنّ ممايلتهم وممالأتهم لما كانا مفضيين إلى هيج الحروب والفتن فساد بالتفسير المذكور باعتبار ما يترتب عليهما، وكونه إفسادا للأمور والمصالح لا ينافي كونه فسادا بالتفسير المذكور، ولا وجه له إلا أنّ ما ذكروه غير متجه لأمور فيه أكسبته خللا منها أنّ قولهم إنّ الأولى أن يقال إفسادهم بدل فسادهم فيه فساد، لأنّ الفساد ورد بمعنى الإفساد فالأولى تفسيره به ألا ترى قوله تعالى في سورة المائدة {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 64] فإنه بمعنى الإفساد وبه فسر كما في أنبتكم من الأر ضنباتاً والذي دعاهم، لما ذكر ظنهم أنه مصدر فسد اللازم وليس بلازم، ومنها أنهم زيفوا ما في الكشف وتلقاه من بعدهم بالقبول، وليس بوارد أيضا لأنه يريد أنّ الداعي لتأويله، وجعله مجازا أنه لم يقع منهم الإفساد، وإنما صدر منهم الفساد، فلو نزل منزلة اللازم وأريد منه أنه يفعل الفساد ويتصف به بقطع النظر عن تعدي إفساده لغيره، كما في يعطي ويمنع تم المراد، ولم يقل إنّ فساد نفسه حقيقة الإفساد ولم ينظر لحقيقة ولا مجاز فيه، ومنها أنّ قولهم لا ظهور لتلك الفائدة غير مسفم أيضاً لأنّ التحريف المذكور، والدعوة للتكذيب يؤدّي إلى الفتن، والاختلال في الدين والدنيا بغير مرية فتدبر. قوله: (هيج الحروب والفتن) يقال: هاجت الحرب هيجا وهياجا وهيجاناً إذا ثارت، ووقع القتال وغيره مما يفعل بالعدوّ، ويقال هاجها أيضاً، فهو متعد ولازم كما ذكره اللغويون من غير تفرقة بينهما غير أنّ اللازم كثر استعمالاً، وفي حواشي الكشاف لابن الصائغ نقلا عن أفعال ابن طريف أنّ مصدر اللازم الهياج ومصدو المتعدي الهيج قال: فهيج الحروب مصدر مضاف للمفعول، ولو قال هياج كان مضافا للفاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 اهـ والممالأه بميمين ولام ثم همزة كالمعاونة لفظاً ومعنى. ، ومنه قول عليّ رضي الله عنه ما مالأت على قتل عثمان أي ما ساعدتهم، ولا وافقتهم كما زعمه بعضهم، وأصل معناه ما كنت من الملأ الذين فعلوا ذلك، ثم تجوّز به عما ذكر، وفي الأساس مالأه عاونه، وأصله المعاونة في الملء، ثم عمّ كالاجلاب. وقال قدّس سرّه تبعاً لغيره: المراد بقوله هيج الحروب هو اللازم، لأنّ المتعدي إفساد لا فساد، وقد عرفت ما فيه وأنه يجوز فيه التعدي بالنظر إلى الماس كما يجوز اللزوم نظرا لأصله، والعجب ممن ارتضى تبعاً له لزوم اللزوم، ثم قال والقول بأنّ الأنسب من إفسادهم لأنّ الهيج ههنا متعد بقرينة قوله بمخادعة المسلمين، وممالأة الكفار أي معاونتهم على المسلمين إفساد وفساد كما لا يخفى على أهل السداد، وغفلة عن قوله: فإنّ ذلك إلخ. ولا يخفى ما فيه من الخللى الغني عن البيان. قوله: (فإن ذلك يؤدّي إلى فساد ما في الأرض إلخ) في قوله يؤدّي إشارة إلى ما فيه من مجاز الأوّل كما مز تقريره، وقيل المراد من الفساد في الأرض هيج الحروب، والفتن بطريق الكناية الرمزية، لأنّ هيجها يستلزم خروج الأرض عن اعتدالها واستقامتها، فذكر اللازم وهو الخروح عن ذلك وأريد الملزوم وهو الهيج، ثم أنهم ما كانوا يهيجونها بل يفعلون ما يؤدّي إلى ذلك، فهو مجاز مرتب على الكناية وقيل إنه مجاز عما يلزمه من ذلك وهو غير بعيد. وقوله: (من الناس والدواب والحرث) إشارة إلى قوله تعالى {سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205] والحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزرع ويسمى المحروث حرثاً أيضاً تصورّ منه العمارة التي تحمل عنه في كون الدنيا محرثا ونحوه، وقيل: إطلاق اسم الفساد على هيجان الحروب من إطلاق اسم المسبب على السبب مجازاً، ومعنى لا تفسدوا لا تهيجوا الفتن المؤدّية إلى فساد ما في الأرض، ولا يخفى ما فيه من التخليط والتخبيط. قوله: (ومنه إظهار المعاصي إلخ) أي من الفساد في الأرض ما ذكر، وهذه معطوفة على ما قبلها، أو على قوله من فسادهم في الأرض، وضمن الإهانة معنى الاستخفاف أو حملها عليه، فلذا عداه بالباء، وهو متعد بنفسه وبينه بقوله فإنّ إلخ. وقيل: إنه ردّ لما يقال من أنّ الزمخشريّ خص هذا الفساد لأنّ فيه زيادة بيان لفائدة قوله في الأرض لأنّ غير ما ذكره أيضاً يعود إلى فساد الأرض، والهرج والمرج بمعنى القلق والاضطراب قيل: وإنما يسكن المرج مع الهرج للإزدواح، فإذا لم يقارنه فتحت راؤه وفي بعض كتب اللغة ما يخالفه فالهرج بالسكون وقوع الناس في فتنة واختلاط والمرح قريب منه ويكون موضح الخضرة، ولذا تظرّف بعض المحدثين فقال: حمى مرج العذاربمقلتيه فبات الناس في هرج ومرج وإنما قال: ومنه إلخ لأنه نقل عن ابن عباس رضي الله ش! ما تفسيره به أشار إلى أنه لم يقصد به الحصر ونظام العالم ما ينتظم ويتمّ به، وهو بالشرائع فلو عطلت والعياذ بالله كان تعطيلها يجرّيء الناس على ما يفني الحرث والنسل، ويخرب العالم. قوله: (والقائل هو الله إلخ) هذا من كلام الإمام في التفسير الكبير قال: وكل ذلك محتمل، ولا يجوز أن يكون القائل لذلك من لا يختمى بالدين والنصيحة، وان كان الأقرب هو أنّ القائل من يشافههم بذلك، فإمّا أن يكون الرسول صلّى الله عليه وسلم بلغه عنهم النفاق ولم يقطع بذلك فنصحهم، فأجابوه بما يحقق إيمانهم في الصلاح بمنزلة سائر المؤمنين، وامّا أن يقال إنّ بعض من كانوا يلقون إليه الفساد لا يقبله فهم فينقلب، واعظاً لهم قائلاَ لا تفسدوا أو يخبرون الرسول صلى الله عليه وسلّم بذلك فتدبر. قوله: (جواب لاذا إلخ) عبر بالناصح دون الناهي إشارة إلى أنّ هذا من القائل شفقة عليهم، ومعاملة بلطف من غير مبارزة وعنف منه، ووحه المبالغة ذكر الاسمية المؤكدة المحصورة والتمحض الخلوص من قولهم لبن منحض أي لم يخالطه ماء، والشوائب جمع شائبة، وهو ما يخالط الشيء، فيمنعه من الخلوص والعرب تسمي العسل شوبا لأنه عندهم مزاج الأشربة، وفي المصباح وقولهم ليس فيه شائبة ملك يجوز أن يكون مأخوذاً من هذا ومعناه ليس فيه شيء مختلط به، وان قل كما قيل: ليس فيه علقة ولا شبهة وأن تكون فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية هكذا استعمله الفقهاء ولم أجد فيه نصا. نعم قال الجوهريّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الشائبة واحدة الشوائب وهي الأدناس والأقذار، وفيه إشارة إلى أنّ القصر فيه إفراديّ، فإنهم لما نهوا عن الفساد، والإفساد توهموا بأنهم حكموا عليهم بأنهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيثا، فاجابوهم بأنهم مقصورون على محض الإصلاح الذي لم يشبه شيء من وجوه الفساد، واختاروا إنما إيماء إلى أنّ ذلك مكشوف لا سترة عليه، ولا ينبغي أن يشك فيه، واحتمال القلب الذي ذهب إليه بعض شراح الكشاف لأن المسلمين لما وصفوهم بالإفساد فقط دون الإصلاح خصوا أنفسهم بعكسه، وان صح خلاف الظاهر من كلام الشيخين. وفي قوله ما دخله أي دخل عليه حذف، وايصال والمراد بما بعده الجزء الأخير، ولم يصرّح به استغناء بشهرته عن ذكره. قوله: (وإنما قالوا ذلك إلخ) قصر قولهم على ما ذكر ولم ينظر إلى غيره من الاحتمالات ككوز " كذبا محضا من غير تأويل لخوفهم من المؤمنين، لأنّ العاقل " إذا كان له مخلص من الكذب بزعمه يقصده لدفع ضرر الخصم، بما يفيده ظاهر الكلام إذ الكذب يقبح عند المؤمن والكافر فلا يرتكب بغير ضرورة ولا يرتضي تعمده بغير تأويل خصوصاً إذا كان بحيث يسبق إليه بغير تصنع وذلك لما أفاده بقوله لما في قلوبهم إلخ أو كونه مخادعة، كما قيل لأنه لا يناسب قوله {وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} وهذا اً حد احتمالات ذكرها الإمام، واختار. المصنف رحمه الله لأنه أظهرها وأتمها، وزاد الإمام أنه إن فسر لا تفسدوا بمداراة الكفار كان معنى قوله مصلحون إنّ هذه المداراة سعي في الإصلاح بين المسلمين والكفار كقوله {إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 62] وأيده بعضهم بأنه الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد أخرج عنه ابن جرير أنه قال في تفسيره إنما يريد الإصلاج بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب والمصنف رحمه الله لم يلتفت إليه مع اعتنائه باً لتفسير المأثور لأنه غير مناسب للواقع، والسياق والسباق مع إرجاعه إلى صورة الصلاح التي ذكرها. قوله: (رذ لما اذعوه أبلغ رذ إلخ الما بولغ في كونهم مصلحين بولغ في رذه، وتقرير ضدّه من جهات، كالاستئناف البياني، فإنه يقصد به زيادة تمكن الحكم في ذهن السامع لوروده عليه بعد السؤال والطلب، وما فيه من كلمتي ألا وأنّ من تأكيد الحكم وتحقيفه، وفي قوله {لاَ يَشْعُرُونَ} من الدلالة على أنّ كونهم مفسدين قد ظهر ظهور المحسوس بالمشاعر، وان لم يدركوه ووجه إفادة ألا وأما أختها ذلك بناء على تركبها من همزة الإستفهام الإنكاري الذي هو نفي معنى، ولا النافية فهي نفي نفي يفيد الإثبات بطريق برهاني أبلغ من غيره، وارتضى كثير من النحاة أنها بسيطة غير مركبة، وارتضاه أبو حيان رحمه الله وأبطل مقابله بدخولها على أنّ المشددة، ولا النافية لا تدخل عليها، فبين تركبها وتلقيها بما يتلقى به القسم منافاة ظاهرة، وردّ بأنها بعد التركيب انتسخ حكمها الأصلي، واستدلوا على إفادتها التحقيق بتلقيها بما يتلقى به القسم أي وقوع فا! يضدر به جواب القسم بعدما- كأنّ واللام وحرفي النفي، وردّه أبو حيان رحمه الله بأنها قد دخلت على رب وحبذا ويا الندائية كقوله: ألا رب يوم صالح لك منهما وقوله: ألا حبذا هند وأرض بها هند وقوله: ألا يا قيس والضحاك سيرا فقوله لا تكاد إلخ غير صحيح وهو وارد عليه وعلى من تلقاه بالقبول، كصاحب المغني والمصنف وادّعاء العلة فيه لا يصلح بسلامة الأمير وقوله ألا المنبهة بدل من حرفي التأكيد، أو بتقديرهما أو أعني. وقوله: (وإن إلخ) عطف عليه، وتعريف الخبر عطف على قوله للإستئناف. قوله: (وأختها أما إلخ) أي أما المفتوحة الهمزة المخففة الميم حرف استفتاح مثلها في إفادة التحقيق لا في جمبع ما ذكره، كما أشار إليه بقوله التي هي من طلائع القسم، لأنّ معناه تدخل على القسم كثيراً، وهذا مما فارقت به ألا أما قال في التسهيل وشرحه كثر ألا قبل النداء كقوله ألا يا اسجدوا، وأما قبل القسم، كقول إبن صخر الهذلي: أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر قال العلامة التفتازانيّ جوابه: لقد تركتني أحسد الوحش إن أرى أليفين منها لا يروعهما الذعر وفي بعض تصانيف ابن هشام ما يخالفه، فإنه أنشد الشعر هكذا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد كنت آتيها وفي النفس هجرها بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجر 515 وما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت لا عرف لديّ ولا نكر والدّي ذكره السعد هو المرويّ في الفضليات وشعر هذيل، ولولا خوف الإطالة أوردت القصيدة بتمامها والطلائع جمع طليعة، وأصلها مقدمة الجيش التي تطلع قبله، وهو استعارة أو مجاز مرسل لمطلق المقدم أريد به هنا أنها تقع قبل القسم، كما في البيت المذكور ونظائره. قوله: (وتعريف الخبر إلخ) هو وما عطف عليه مجرور لما مرّ. ووجه المبالغة على ما قالوه إنّ الأوّل يفيد حصر المسند إليه في المسند، والثاني يفيد تأكيد هذا الحصر، وهذا وإن كان مناسباً لردّ دعواهم الكاذبة، فإنهم لما قصروا أنفسهم على الإصلاح قصر إفراد ناسب في ردّهم أن يقصروا على الإفساد قصر قلب فهم مقصورون على الإفساد لا حظ لهم في الإصلاح، وأورد عليه أنّ تعريف الخبر بلام الجنس يفيد حصر المسند إليه في المسند، كما في المفتاح والمشهور أنّ ضمير الفصل يفيده أيضا أو يؤكده. وأجيب بأنّ تعريف المسند يفيد حصر المسند إليه فيه كما ذكره الزمخشرفي في الفائق في قوله " إنّ الله هو الدهر " وان ردّ بأنه إنما ورد للنهي عن سبّ الدهر (1) وهو يقتضي أن يقال إن الدهر الذي يظن أنه جالب الحوادث لا يجاوز الله لا أنّ الله لا يب، وزه كما لا يخفى، وقيل: إنّ الوجه أن يقال إنّ المبالغة في تعريف المفسدين على قياس ما مرّ في المفلحين من أنه إن حصلت صفة المفسدين وتحققوا ما هم، وتصوّروا بصورهم، فالمنافقون هم هم لا يعدون تلك الحقيقة، فالفصل مؤكد لنسبة الاتحاد الذي هو أقوى من القصر في إفادة المقصود، ولما مرّ من الإشكال عدل المصنف رحمه الله عما في الكشاف من قوله ردّ الله ما ادّعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ ردّ وأدله على سخط عظيم وجعله ردّاً لما في قولهم من التعريض للمؤمنين كأنهم قالوا أنتم المفسدون وقصروا الإفساد على المؤمنين فأجيبوا بقصره عليهم، وهذا مستفاد من مساق الكلام في مقام الجدال ومن فحواه فلا يتوهم أنّ التعريض إنما يستفاد منه لو قيل إنما المصلحون نحن. قوله: (والاستدراك بلا يشعرون) فإن قلت لم ذكر ما يشعرون بعد يخادعون بدون استدراك وههنا به. قلت المخادعة تقتضي في الجملة الإخفاء وعدم الشعور بخلاف ما هنا فانهم لما نهوا عما تعاطوه من الفساد فأجابوا بادّعاء أنهم على خلافه وأخبر تعالى بفسادهم كانوا حقيقين بالعلم به مع أنهبم ليسوا كذلك فكان محلا للاستدراك لأنه يقع بين الأمور المتخالفة، وما يقال لما يذمّ من أفسد عن علم والجواب لا يشعرون} أنّ أمرهم يظهر للنبيّ لهم مفسدون فقوله {؟ ألا إنهم هم الفساد صلاحا أو المراد أنهم لا كما ذكره السمرقنديّ في تفسيره. ل! مكن منه مذموم أيضاً، بل قد يقال 5 الآية حجة على المعتزلة في أنّ للزم بدون المعرفة، فإنّ الله أخبر أنّ حصقة العلم شرطا للتكليف، ولا علم عنه، فإذا لم يكن النهي قائما عليهم ليام آلة العلم، والتمكن من المعرفة عة على مسئلة مقارنة القدرة للفعل ممام النصح والإرشاد إلخ) فيه إشارة لطهر منه أنّ القائل المؤمنون لا الله شارة إلى التخلية بالخاء المعجمة على أنّ الأعمال داخلة في كمال### الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ### لنه على التكذيب المنافي للإيمان، لعص المنافقين لبعض لأنه المناسب لقائل المؤمنين والمجيب المنافقين موا لا يتصوّر بدون الملاقاة، وقوله فما وجه التوفيق حينئذ، وهذا هو سسشكله وأجاب عنه كثير من الفضلاء لهم {أَنُؤْمِنُ} إلخ مقول فيما بينهم سن،! انما يتعذر هذا لو قيل: وإذا أنؤمن} إلخ كما أشار إليه الفاضل م لو قيد قول المنافقين بكونه في لحصيص الجواب بوقت الشرط لكونه هذأ الوقت، والإشكال متوجه على لى السفه لأنه صريح ني مجاهرة لكفر منافية لما بعده من قوله تعالى {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ} إلخ. وردّ بأنه لا إشكال فيه لأنه لم يصرّح بأنّ المنافقين جاهروا المؤمنين بل في عبارته ما يوهمه، وهو قوله من جوابهم بناء على أنّ الجواب ما يقال مواجهة، وكونه كذلك موقوف على السماع من أهل اللغة وهو لم يوجد، ويدل على خلافه ما استفاض من إطلاق االخلف لفظ الجواب على ردّ كلام السلف مع بعد العهد من غير نكير، وقيل إذا هنا بمعنى لو تحقيقا لنفاقهم وأنهم على حال تقتضي أنهم لو قيل لهم كذا قالوا كذا كما قيل مثله في قوله: واذ! ما لمته لمته وحدي واستشهد له بقول الزمخشريّ: إنّ مساق هذه الآية بخلاف ما سيقت له أوّل قصة المنافقين فليس بتكرير، لأنّ تلك في بيان مذهبهم والترجمة عن نفاقهم، وهذه في بيان ما كانوا يعملون عليه من المؤمنين من التكذيب لهم، والاستهزاء بهم، ولقائهم بوجوه المصادقين وايهامهم أنهم معهم، فإذا فارقوهم إلى شطار دينهم صدقوهم ما في قلوبهم شاهد صدق عليه، فهو ضرب من التقدير والتمثيل، وقيل: يجوز أن يقول المنافقون ذلك إذا انفردوا عن المؤمنين خالين من مشهدهم، فلا يكون مجاهرة لتمكنهم من الإنكار، كما سيأتي في سورة المنافقين في قصة زيد بن أرقم رضي إلله عنه، وقيل: إنه كان بحضرة المسلمين لكن مسارّة بينهم هذا ما ذكروه من القيل والقال، وحلوا به شكال الإشكال ليفرّوا من غائلة الاختلالء (والذي عندي) أنه لا يرد رأسا فإنّ المؤمنين أمروهم بالإيمان المطابق لإيمان خلص الناس والأمر كالنفي ينصب على القيد، فكأنهم قالوا لهم أخلصوا الإيمان، وفيه اعتراف بأصل إيمانهم وهو مطابق لقوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا} [البقرة: 8] فأجابوهم وجاط وثسفاها بقولهم {أَنُؤْمِنُ} إلخ أي نحن مؤمنون متصفون بصفات، وسمات للإيمان لا يخالفها إلا من كان سفيهاً وهذه موأجهة بالإيمان لا بالكفر كما ادّعاه السائل وان كان هذا سماً في شهد، لأنهم قصدوا به عدم إيمانهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم، وتسفيه من اتبعه لكنه خلاف ظاهر الكلام، والشرع إنما ينظر للظاهر، وعند الله علم السرائر، ولهذا قال العلامة سفهوهم، ولا يلزم من هذا عدم مطابقة جوابهم نصح الناصح، لأنه كناية عن كمال إيمانهم وان كان في قلب تلك الكناية نكاية وبعدما كتبت هذا رأيت لبعض فضلاء العصر ما يقاربه، فقلت مرحبا بالوفاق وترك المصنف لما في الكشف وشروحه هنا من توجيه إسناد قيل: إلى جملة آمنوا بأنه أريد به لفظه فهو اسم وهو مفعول به ساد مسد الفاعل، وهو مقول القول، فلا حاجة إلى ادعاء أنه مسند لضمير المصدر والجملة بدل منه، ولا إلى الجار والمجرور لظهوره. قوله: (فإنّ كمال الإيمان إلض) المواد بكماله ما به يتمّ ويتحقق وهو بحسب الاستعمال يتناول الاجزاء وغيرها ك! اقيا! : وما تنفع الآداب والعلم والحجى وصاحبها عند الكمال يموت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فلا يشعر كلامه بدخول الأعمال في الإيمان كما قيل. وقوله: (وهو المقصود) قيل: إنه جعل ولمنوا} كناية عن طلب الإتيان بما ينبغي، ويمكن أن يراد بالنهي عن الإفساد النهي عن الشرك، ويكون الأمر بالإيمان بعد النهي عن الشرك على طبق كلمة التوحيد والأظهر حمل النهي عن الإفساد علي! النهي عن الئفاق، والأمر بالإيمان على إخلاصه ظاهرا وباطنا ولا حاجة لمثله. قوله: (في حيز النصب إلخ) كما بعد الجمل في الأكثر إمّا نعت لمححدر، وائا حال كما صرح به النحاة والثاني مذهب سيبويه لأنّ الصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا في مواضع مخصوصة، فهي عنده حال من المصدر ال! مضمر المفهوم من الفعل ولم تجعل متعلقة بآمنوا على أنّ الظرف لغو بناء على أنّ الكاف لا تكون كذلك، وإذا كانت ما كافة للكاف عن العمل مصححة لدخولها على الجمل، فالتقدير حققوا إيمانكم كما تحقق إيمانهم وان كانت مصدرية، فالمعنى آمنوا إيماناً مثابها لإيمانهم، ولم تجعل موصولة لما فيه من التكلف، وتقديم المصنف للمصدرية، لأنها أرجح لإبقاء الكاف على ما لها من العمل الأصلي، وقيل: الثاني أرجح والأمر فيه سهل. قوله: (واللام في الناس للجنس إلخ) قدم هذا على عكس ما فيءالكشاف إمّا لأنه الأصل المتبادر، أو لأنه أحسن هنا عند. كما قاله الراغب وتبعه المصنف وحمه الله، وما ذكر. برمّته مأخوذ من تفسيره بنوع من الاختصار. وقوله: (والمراد به إلخ) في الكشاف أو للجنس أي كما آمن الكاملون في الإنسانية، أو جعل المؤمنون كأنهم الناس على الحقيقة، ومن عداه! كالبهائم في فقد التمييز بين الحق والباطل اهـ. ولما كان المعرّف الجنسي قد يقصد به بعض الأفراد من غير اعتبار وصف فيه، كما في أمرّ على اللئيم، وقد يقصد البعض باعتبار وصف الكمال كما في ذلك الكتاب وقد يقصد الجنس بأسره، كما في قوله تعالى {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أسورة العصر: 2] والأوّل لقلة جدواه يصار إليه إذا تعذر الأخيران س فسر الناس بالكاملين في الإنسانية، أو بمن هم الناس في الحقيقة حتى كأنّ من عداهم في عداد البهائم وهذا إنما هو على تتمدير كونه مقول المؤمنين لا المنافقين بعضهم لبعض، كذا أفاده الشارح المحقق والظاهر منه أنّ المراد من الجنس الجنس من حيث هو، ومن قوله: أو جعل المؤمنون إلخ! الاستغراق كما يتبادر من الكشاف، لأنّ المعرّف بلام الجنس من حيث هو يفيد الحصر، كما في شرح التلخيص فيناسب أن يعبر عن الكاملين بلفظ الجنس، لادّعاء انحصاره فيهم، والشريف هنا اختار أنّ المفيد لذلك لام الاستغراق لا غير فلذا حمل الوجهين هنا على الاستغراق وجعل الأوّل ناظرا إلى كمال المقصور عليه والثاني إلى قصور من عداه، وقد قيل إنه لا يحسن حمل الناس على الجنس، وإخراج المنافقين عنه على تقدير أن يعطف قوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ} على صلة من يقول اهـ. (قلت) ما بين الفاضلين من الخلاف منشؤه ما فصل في المعاتي في بحث التعريف، وليس هذا محله، فالعارف تكفيه الإشارة، كما أنّ الغبيّ لا تشفيه العبارة، والحاصل أنّ الحصر إمّا لأنهم الكاملون المستجمعون لمعانيه، فكأنهم جميع أفراده أو بملاحظة أنّ غيرهم كالبهائم لفقد التمييز بين الحق والباطل، فلا يندرجون في الناس والأوّل يشبه القصر الحقيقي والثاني الإفرادي، والمصنف رحمه الله صرّح بالأوّل لدلالته على كمالهم المقصود، واشارة إلى أنه مستلزم للثاني بقوله: ولذلك يسلب عن غيره إلخ، ومن غفل عن هذا قال إنّ عبارة المصنف ناظرة إلى الأوّل فقط فما قيل من أنّ الئاني أبلغ في هذا المقام، وأنه على الأوّل تخصيص وعلى الثاني استعارة لقول العلامة: كانهم الناس على الحقيقة ليس بشيء. قوله: (بقضية العقل) أي بحكم العقل أو بمقتضاه، وهما متقاربان. وقوله: (فإنّ اسم الجنس إلخ) المراد باسم الجنس الاسم الجامد الموضوع لمعنى عام سواء كان معرفة أو نكرة، وإذا عرف دلّ التعريف على تعيين معناه قال الراغب: كل اسم نوع يستعمل على وجهين. أحدهما دلالتة على مسماه فصلا بينه وبين غيره. والثاني لوجود المعنى المختص به، وذلك هو الذي يمدح به لأنّ كل ما أوجده الله في العالم جعله سالحاً لفعل خاص به لا يصلح له سواه كالفرس للعدو، والبعير لقطع الفلاة البعيدة، وعلى ذلك الجوارح كاليد والعين والناس أوجدوا ليعلموا فيعملوا، فكل ما لم يوجد فيه المعنى الذي خلق لأجله لم يستحق اسمه مطلقاً بل ينفي عنه، فيقال زيد ليس لإنسان اهـ. وهذا ما أشار إليه المصنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 رحمه الله. قوله: (ولذلك يسلب عن غيره) أي لأجل استعماله فيما استجمع المعاني المقصودة منه سلب عمن لم يستجمعها فيقال: ليس بإنسان. ولولا هذا لكان كذباً مع أنه صدق مستحسن كما قال: يا قارع الباب على عبد الصمد لاتقرع البا ب فماثمّ أحد وقد مرّ لك أنّ هذا مستلزم لجعل الناقص بمنزلة العدم، فليس مغايراً له كما قيل فتدبر واستجمع بمعنى جمع، فهو متعد كما يشعر به كلام الصحاح، وفي المصباح أنه لازم كتجمع فعليه يكون تضميناً أو مجازا. قوله: (وفد جمعهما الشاعر) أي جمع استعمال اللفظ في مسماه مطلقا واستعماله فيما يستجمع المعاني المقصودة مته، فإنّ المراد من الناس الأوّل الجنس ومن الثاني الكاملون في الإنسانية، وقس عليه الزمان والديار فيما سيأتي، وقد عرفت أنّ منشأ هذا اسم الجنس نفسه بقطع النظر عن تعريفه، وتعريفه إنما يفيد تعيينه كما صرّح به المصنف رحمه الله والراغب آنفاً، فمن قال ومن هما يعلم أنّ دعوى الكمال يجوز اعتبارها في النكرة أيضاً فقد أجمل إذا أهمل، ثم إنّ أخذه من نفس اللفظ معرفة كان أو نكرة لا ينافي إفادة التعريف له عند من له أدنى بصيرة نقادة. وقوله: (ومن هذا الباب) أي نفي اسم الجنس عمن لم توجد فيه خواصه المقصودة منه، فإنه في الآية الآتية جعل المسامع صماحين لم تسمع الحق والعيون عميا إذ لم تر الصواب لانتفاء فوائدها وثمراتها المقصودة منها وهو ظاهر، وقيل: إنّ التمثيل به مبنيّ على أنه الاستعارة لا على التشبيه، فإنّ الصم وما معه عليه حقيقة، والشعر المذكور مشهور في كتب الأدب، الآ أنه وقع على وجوه: ففي بعضها: إذ الناس ناس والبلاد بلاد وفي آخر: إذ الناس ناس والزمان زمان وفي آخر: إذ الناس ناس والديار ديار وأنشده في الحماسة البصرية هكذا: ألا هل إلى أحبال سلمى بذي اللوى لوى الرمل من قبل الممات معاد بلادبها كنا وكنا نحبها إذ الناس ناس والبلاد بلاد ولم يسم قائله، وفي الأغاني أنه لرجل من عاد وله حكاية ذكرها هكذا في بعض الحواشي، وفيه ما فيه وقيل: صدر المصرع المذكور: لقد كنت ذا حظ من الجود والعلى وقيل: ديار بها كنا وكنا نحبها قوله (أو للعهد والمراد به الرسول صنى الله عليه وسغ إلخ) قدم هذا صاحب الكشاف، وذهب صاحب البحر إلى أنه أولى، وأيده بعضهم بأنه الماثور، لأنه مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما أخرجه ابن جرير، والمعهود أمّا النبيّ عليه الصلاة والسلام، ومن معه ممن اتبعه من المؤمنين، لأنهم نصب عينهم دائما وقد مرّ ذكرهم أيضا بقوله الذين يؤمنون لأنهم داخلون فيه دخولا أوليا وان عمّ فالعهد خارجيّ أو خارجيّ ذكريّ، لأنّ بينهما عموماً وخصوصاً فقولك: أكرم هذا الرجل فيه تعريف خارجي، ولم يجر له ذكر كما لا يخفى، وتشبيه الإيمان المطلوب منهم ب! يمان هؤلاء لا يقتضي مساواته له من جميع الوجوه، كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله والمعنى إلخ. فلا وجه لما قيل: من أنّ الظاهر أنّ المراد على تقدير العهد مطلق المؤمنين فقط إذ المطلوب مجرد إيمانهم لا الإيمان المشابه لإيمان النبيّ وأصحابه في الكمال ولا المشابه لإيمان النبيّ وأصحابه في الكمال ولا المشابه لإيمان من آمن منهم كعبد الله بن سلام وفي بعض شروح الكشاف وتبعه بعض أرباب الحواشي هنا العهد الخارجي باعتبار كونهم كالمذكورين سابقا بوجه خطابي وهو أنّ الرسول! ك! نرو ومن محه- من المؤمنين كانوا نصب أعينهم وملتفت خواطرهم لأنهم كانوا متألمين منهم لإظهار المعجزات، وتلاوة القرآن عليهم أو عبد الله بن سلام وأشياعه، فانهم أيضاً محل التفات خواطرهم لأنهم من جلدتهم، ولا يغيبون عن خواطرهم لشدة! غيظهم بسبب إيمانهم وشدة تألمهم بسببهم والتقدير، كما آمن أصحابكم واخوانكم، ولا يخفى ما فيه. قوله: (أو من آمن من أهل جلدتهم إلخ) الجلدة والجلد بكسر الجيم، وسكون اللام التي تليها دال مهملة هو من الحيوان ظاهر بشرته، وقال الأزهريّ: الجلد غشاء جسد الحيوان والجمع جلود وقد يجمع على أجلاد كحمول، وأحمال، وجلدة الرجل، وأهل جلدته أبناء جنسه، أو قومه وعشيرته وبهما فسره! أهل اللغة، وورد استعماله والمناسب هنا الثاني وقد ورد في الحديث " قوم من جلدتنا " (1 (أي من أنفسنا وعشيرتنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 كما في نهاية ابن الأثير، وفي كتب العربية في باب أفعل التفضيل استشهدوا على صحة يوسف أحسن إخوته بما سمع من العرب من قولهم نصيب أشعر أهل جلدته، فقد عرفت أن استعماله مع لفظ أهل كما في المثال وبدونها كما في الحديث " صحيح فصيح) (2 (فمن! قال: لفظ الأهل زائد والظاهر حذفه كما في الكشاف من جلدتهم، ومن أبناء جنسهم لم يطلع على موارد استعماله؟ لقصوره، أو إهماله ومعناه ما تقدّم، وفي بعض شروح الكشاف عطف أبناء جنسهم تفسيريّ قال الجوهريّ رحمه الله: أجلاد! الرجل جسمه، وبدنه.، ؤوملاحظة المعنى الأصليّ تدعي أن يكون كناية عن المبالغة في القرب، كقولهم هو بضعة مني والظاهر أنه شبه الجنس أو العشيرة بالجلد، وظاهر البدن لجعل القوم كجسد واحد، فأهل جلدته كلجين الماء، ثم قد يجعل مجازاً، ووجه الشبه إلاتصاءل، فإذا أريد زيادته أتى بما يدل عليه كقوله: وجلدة بين العين والأنف سالم والمراد بأهل جلدتهم إليهود، لأنّ منافقي المدينة منهم. قوله: لأجمابق سلام) هو عبد الفه بن سلام بن الحرث أبو يوسف من ذرية يوسف المنبيّ عليه الصلاة والسلام حليف القوافل من الخزرح الإسرائيلي، ثم الأنصاري كان حليفا لهم وكان من بني قينقاع من اليهود، واسمه الحصين فغير النبيّ صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الذ لما أسلم أوّل ما قدم المدينة، وقيل تأخر إسلامه إلى سنة ثمان وشهد له رسول إدلّه صلّى الله عليه وسلم بالجنة، وهو من كابر الصحابة روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره، وله مناقب وأموره مع اليهود مشهورة في كتب الحديث، وتوفي بالمدينة في سنة ثلاث وأربعين من الهجرة وسلام بفتحتين مخفف اللام وغيره من الأعلام مشدد اللام، والمراد بأصحابه من آمن من بني إسرائيل. وقوله: (والمعنى إلخ) هو على الوجهين، لأنه شبه الإيمان المأمور به بإيمان خلص المؤمنين، أو بعض من الخلص المعهودين وايمانهم كذلك. قوله: (واستدل به إلخ) قال الجصاص في أحكام القرآن: احتج به في استتابة الزنديق الذي اطلع منه على الكفر متى أظهر الإيمان لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك، ولم يأمر بقتلهم، وهي نزلت بعد فرض القتال اهـ. والزنديق بوزن إكليل معرب ومعناه الملحد، وفسره في المقاصد بالمنافق، وهما متقاربان وبهذا المعنى استعملته العرب كما قال: ظللت حيران أمشي في أزقتها كأنني مصحف في بيت زنديق وهو معرب زنده أي يقول ببقاء الدهر أو زندا، وهو كتاب مزدك المجوسي، أو زن دين أو زندي وجمعه زنادقة، وفسره الفقهاء بمن يبطن الكفر ويظهر الإسلام كالمنافق، وقد فرق بينه وبين الملحد والمرتد في الفروع وما قيل من أنه لا دلالة فيه على قبول توبة الزنديق، لأنّ النفاق غير الزندقة كيف لا، والزنديق يقتل دون المنافق، ولم يقل أحد أن في عدم قتل الرسول صلّى الله عليه وسلم المنافق دلالة على عدم قتل الزنديق واه جذأ لأن الزنديق إن فسر بالمنافق فظاهر، وألا فهو مثله، وقد طلبت منه التوبة والإيمان، ولو لم يكن ذلك مقبولا لم يطلب منه إلا أنه قيل: على هذا إنه إنما يتمّ لو كان طلب الإيمان لدفع القتل، وليس كذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بإجراء أحكام الإسلام عليهم مع علمه عليه الصلاة والسلام بنفاقهم، فلم يطلب الإيمان منهم إلا لنجاتهم عند الله والزنديق ليس كذلك، وفيه نظر لا يخفى، وحكم الزنديق على المختار المفتي به بعد الاختلاف في قبول توبته بعد الأخذ عند الشافعية والحنفية أنه إن كان معروفا بذلك داعيا إليه، فإن تاب قبل الأخذ قبلت توبته وبعدها لا، ويقتل كالساحر وان لم يكن داعياً للضلال فهو كالمرتد كما قاله أبو الليث وعليه الفتوى، وله تفصيل في الفروع. قوله: (وإن الإقرار باللسان إيمان إلخ) يعني أنّ الإيمان يكون إيمانا صحيحا بمجرّد التلفظ سواء واطأ القلب أم لا إذ لو لم يكن كذلك لم يكن للتقييد في الآية. بقوله {كَمَا آمَنَ النَّاسُ} فائدة لكفاية آمنوا فيه، لأنه موضوع للتصديق القلبي المقارن للإقرار اللساني للقادر كما مرّ، واحتمال كون ذكره للترغيب، أو للتأكيد لاقتضاء المقام له كما قيل خلاف الظاهر وهذا مأخوذ من التفسير الكبير، وأجاب عنه بأنّ الإيمان الحقيقي عند الله هو الذي يقترن به الإخلاص أمّا في الظاهر، فلا سبيل إليه إلا بالإقرار الظاهر، فلا جرم افتقر إلى تأكيده بقوله {كَمَا آمَنَ النَّاسُ} والمصنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 رحمه الله لم يذكر الجواب، لأنه أراد أنّ المعتبر في ضسمى الإيمان لغة وبحسب ظاهر الشرع هذا، وأمّا مطابقة ما في القلب فمعتبر في الإيمان المنجي من الخلود في النار عند الله، فما ذكره مذهب الفقهاء وغيرهم فما قيل من أنّ المستدل به على هذا الكرامية، وقد مرّ أنّ الخلاف معهم، فيمن تفوّه بالشهادتين فارغ القلب عما يوافقه أو ينافيه، وأمّا من ادعى الإيمان، وخالف قلبه لسانه كالمنافقين فكافر بالاتفاق، وهو يصير عدم تعرّض المصنف للجواب بمعزل عن الصواب. قوله: (الهمزة فيه للأئكار) الإنكار قسمان إبطاليّ بمعنى لم يقع وتوبيخي بمعنى لم وقع، والمراد الأوّل، ولذا فسر بلا يكون. وقوله: (مشار بها إلى الناس) أي المراد بها ذلك، والإشارة ذهنية لا حسية يعني أنها في السفهاء للعهد، والمراد بهم الناس السابق ذكرهم بوجهيه، والعهد الذكري قد يكون بإعادة المتقدم بعينه، وقد يكون بإعادة لازمه ووصفه وإن لم يجر له صريح ذكر ويسمى العهد التقديري، وذلك بأن يسند إلى الموصوف ما يستدعي تلك الصفة، فتذكر الصفة معرفة كأنها جرى ذكرها، كما إذا قيل لك شتمك زيد فتقول: أفعل السفيه، فإنّ الشتم تنبيه على سفاهتة، حتى كأنه فيل اعترض لك سفيه، أو أن يكون الموصوف علماً في تلك الصفة حقيقة، أو ادّعاء فمتى ذكر علمت صفته والعهد هنا إمّا لأنّ الإيمان بزعمهم مستلزم للسفه، ولأنّ المؤمنين فيما بينهم معروفون به. قوله: (أو الجنس بأسره إلخ) أي للجنس في ضمن جميع الأفراد، وهو والاستغراق بمعنى وبأسره عبارة عن جميعه، والأسر في الأصل ما يشد به الأسير، فإذا سلم بوثاقه فقد سلم بجملته، ثم صار عبارة عن كل ما يراد جميعه، ومندرجون فيه بمعنى داخلين من درجه إذا طواه وضمير فيه للجنس، أو للفظ السفهاء وضميرهم للرسول صلى الله عليه وسلم، " ومن معه الثامل لابن سلام، وأضرابه رضي الله عنهم، وهم كمل الناس وأعقلهم، فجعلهم سفهاء بزعمهم الفاسد، وهو مخالف للواقع والسفهاء، وإن شملهم وغيرهم لكنهم داخلون فيه دخولا أوّلياً عندهم وهو أبلغ لما فيه من الكناية كما قال تعالى {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] وقد قيل على هذا أنه إنما يصح بادّعاء انحصار مفهوم السفهاء في المؤمنين المذكورين في قوله {كَمَا آمَنَ النَّاسُ} إذ لا يصح إسناد الإيمان إلى جميع السفهاء، فإن من لم يؤمن من السفهاء لا يحصر، لكن يرد على هذا أنّ معنى الاستغراق لا يلائم مقام إنكار موافقة السفهاء، لأنّ اتباع بعض السفهاء أقبح وليس بشيء، فإنه سواء أريد الاستغراق الحقيقيّ الادّعائيّ أو العرفيّ، كما في جمع الأمير الصاغة إذ لم يكن في المدينة حين نجم النفاق إلا مؤمن، أو منافق موافق للمقام على أتمّ الوجوه وأبلغها، كما لا يخفى فتدبر. قوله: (وإنما س! هوها إلخ) أي دعوهم سفهاء، أو نسبوهم للسفه بناء على اعتقادهم أنهم سفهاء أو تحقيرا لهم، فإنّ قيهم فقراء والموالي بمعنى العبيد، فإنه أحد معانيه وصهيب وبلال الصحابيان رضي الله عنهما كذلك، كما هو معروف في محله، والتجلد والتحمل والتصبر وأصل معناه إظهار الجلد والقوّة، والمبالاة بالشيء الاعتداد والاعتناء به وعدم المبالاة بهم، لأنهم كانوا من أهل الكتاب. قوله: (والسفه إلخ) السفه في اللغة الخفة والتحرّك والاضطراب يقال زمام سفيه أي مضطرب، وسفهت الرياح الرماح والنار إذا حرّكتها بخفة ثم استعمل في عرف اللغة والشرع، وشاع حتى صار حقيقة فيه لنقمى العقل والرأي، وقال الراغب: استعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية، ومنه أخذ المصنف رحمه الله ما ذك ره، وفي شرح التأويلات حد بعضهم السفه بأنه ترك العمل بمقتضى العقل مع قيام العقل، وقيل العمل بموجب الجهل على علم بأنه مبطل، وسخافة الرأي والعقل خفته وعدم استحكامه، وفي المصباح سخف الثوب سخفاً، وزان قرب قربا وسخافة بالفتح رق لقلة غزله، ومته قيل رجل سخيف وفي عقله سخف أي نقمى وقال الخليل السخف في العقل خاصة والسخافة عامّة في كل شيء اهـ. وقوله: (والحلم) بكسر الحاء، وسكون اللام هو الأناة والوقار، ويقابله أي يقع في مقابلته لأنه ضدّه على عادة اللغويين في الإيضاح بذكر الأضداد كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء قوله (ردّ ومبالغة في تجهيلهم إلخ) فيه مع النظم لف، ونشر مرتب فالردّ لتسفيههم المؤمنين ناظر لقوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء} والمبالغة في التجهيلى من قوله {وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} كما ستراه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 عن قريب ويحتمل أنه راجع لقوله {إِلاَّ أَنَّهُمْ} إلخ من غير لف فيه واليه ذهب بعض أرباب الحواشي أو أنه من قوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء} لأنه المقصود بالذات فلذا أتى فيه بألا وإن، ووسط ضمير الفصلى، وعرف الخبر وذيل بالاستدراك المؤكد له لاستلزام السفه للجهل، أو دلالته عليه لأنه خفة العقل، ونقصه وفي الدرّ المصون السفه خفة العقل والجهل بالأمور قال السموأل: نخاف أن تسفه أحلامنا فنجهل الجهل مع الجاهل وقوله (فإنّ الجاهل إلخ) تفسير للمبالغة في التجهيل، وتعليل له بناء على أحد الوجهين في تفسير قوله {لاَّ يَعْلَمُونَ} وهو أنّ معناه لا يعلمون أنهم هم السفهاء حقيقة لقلة تأمّلهم في الدلائل القائمة على أنّ الكفر سفه لا ما قيل من أنّ معناه لا يعلمون ما يحل بهم من العذاب، لأجل السفه في الآخرة، وعلى هذا جهلهم بالسفه الذي هو جهل جهل بالجهل، فهو جهل مركب، فكأنه قيل: إنهم جهلاء، ولكن لا يعلمون أنهم جهلاء. وقوله: (بجهله) صفة الجاهل والجازم صفته، ويصح كونه صفة الجهل، وبما قرّرناه علم أنه لا يرد على المصنف رحمه الله ما قيل من أنه لا يفهم من قوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء} لاعتقاد الباطل، لأنّ السفه وخفة العقل قد يكون سبباً للشك، وكذا عدم العلم لا يستلزم الجهل المركب، ولا حاجة إلى الجواب بأن المراد بالسفه هنا اعتقاد الباطل، وبعدم العلم الجهل المركب بقرينة المقام، لأنه ناشىء من عدم الوقوف على المرام، وتعدّي الجازم بعلى وهو متعد بالباء لتضمنه معنى المصرّ، فإن قلت إنما يفهم من السفاهة، ونفي العلم الجهل وأمّا الجزم بخلاف الواقع فليس هنا ما يدلّ عليه، لأنّ عدم العلم بالجهل محتمل للتحقيق في ضمن عدم العلم بشيء من النقيضين، وفي ضمن الجزم بمقتضى الجهل، قلت: هو كما ذكرت إلا أنّ مقام المبالغة يعين الاحتمال الثاني مع أنّ حالهم يقتضيه لأنّ الجراءة على تسفيه المؤمنين، والسعي في أذيتهم لا يصدر من العاقل إلا إذا جزم بذلك فتأمل. قوله: (وأتئم جهالة من المتوقف إلخ) قيل عليه مراتب الجهل أربع: أحدها ما وصفه المصنف رحمه الله بالأتمية، وبعدها الظان لخلاف الواقع، وبعدها المتوقف عن التصديق بأحد الطرفين المتردّد بينهما من غير اعتراف بجهله، ورابعها المتوقف المعترف، فكان ينبغي أن يقول أتم جهالة من غير الجازم، ليشمل الصور الثلاث أو يكتفي بالثاني لتلزم الأتمية بالنسبة إلى الثالث والرابع بطريق الأولى غير أنه ذكر المعترف ليتصل به قوله: فإنه ربما يعذر كمن أسلم في دار الحرب، أو نشأ في بادية، أو على رأس جبل لاعترافه بجهله، واستعداده لقبولا لىلحق، فينتفع بالآيات والنذر، كما يعذر المؤمن المعترف بذنبه بخلاف الجاهل الجازم بجهله الآبي عن الحق والنذر جمع نذير. قوله: (وإنما صلت الآية إلخ) فصلت مجهول من ال! كصيل، فهو مثدد الصاد أي أتى بفاصلة كقفي إذا أتى بقافية والفاصلة في النثر بمنزلة القافية في الشعر، وهذا بناء على أنه يجوز أن يقال في القرآن سجع وفواصل، وفيه تفصيل ذكرناه في غير هذا المحل، وفي بعض شروح الكشاف فصلت بتشديد الصاد المهملة من التفصيل، وفي بعض النسخ بتخفيفها من الفصل، فجوّز فيه وجهين أي ختمت هذه الآية بلا يعلمون دون لا يشعرون لما ذكر. وقوله: (كثر طباقاً (الطباق كالمطابقة من الأسماء المتضايفة، وهو أن يجعل شيء فوق آخر هو بقدره، ومنه طابق النعل النعل لكونه فوقه يقابله، ولكونه بقدره يوافقه فلذا أطلق الطباق في اللغة على الموافقة، والمناسبة وأطلق في الإصطلاج البديعي على الجمع بين المتضادّين لتقابلهما في الجملة، ولذا ذهب الأكثر هنا إلى أنّ المراد الثاني لأنّ في السفه جهلاً، كما مرّ فذكر العلم معه جمع بين متضادّين في الجملة فالطباق بديعي، وقيل: المراد لمناسب عدم العلم والسفاهة فهو لغوفي يرجع إلى مراعاة النظير قال الطيبي: هو من باب المعنوية إذ لو كانت لفظية لقيل: لا يرشدون فإنّ الرشد مقابل للسفه، أو قيل ألا إنهم ليقابل لا يعلمون اهـ. وفيه نظر لأنه لا منافاة بينهما، فإنه إن نظر للعلم والجهل من لطر لغيره فهو بديعيّ، وان نظر له منفيا فلغويّ ولكل وجهة وإنما قال أكثر لأنّ الشعور ونفيه جهل وسفه، أو ذلك مما يستلزمه، ويؤل إليه إن فسر الشعور بإدراك الحواس ففيه مطابقة للسفه أيضا إلا أنّ ما ذكر أظهر وأقوى، ثم بين له نكتة أخرى، وهي أنّ لدينية غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 محسوسة، فيحتاج إلى فكر ودقة نظر، فلهذا فصلت آية الإيمان بلا يعلمون والفساد الدنيويّ محسوس مشاهد، أو منزل منزلته، فلذا فصلت آيته بلا يشعرون وجعل وجها مستقلاً، وهذا وجها آخر والزمخشريّ جعلهما وجهاً واحدا، فلذا قيل إنّ كلامه مي أنّ التلباق مراعاة النظير، ولو جعل العطف في كلام المصنف تفسيريا عاد إليه لكنه لظاهر، وذهب الراغب كما أشرنا إليه أوّلا إلى أنّ أصل الشعور إدراك المشاعر وهي س الظاهرة، ونفيه أبلغ من نفي العلم، ثم إنه شاع بعد ذلك في الإدراك وقد يخص منه، كما قالوا: فلان نسق الشعر إذا دقق النظر، فالشعور يستعمل بمعنى الإحساس، الإدراك وبمعنى الفطنة، فقوله أوّلا وما يشعرون نفي للإحساس وثانياً لنفي الفطنة ح معرفة الصلاح والفساد لها، ثم نفي عنهم العلم تنبيها على نكتة دقيقة، وهي انّ في لهم الخديعة نهاية الجهل الدالة على عدم الحس، ثم قال: إ أ! م لا يفطنون تنبيها على أنّ زم لهم لأنّ من لا جس له لا فطنة له، ثم قال: لا يعلمون تنبيها على أنّ ذلك لازم، لا فطنة له لا علم له، ثم أنه قرن ذلك بأداة الاستدراك المعطوفة، وقد تستعمل بدون والفرق بينهما دقيق لدفع ما يتوهم من أنهم يعلمون بما هم عليه، ولكنهم يتجاهلون!! دبر. قوله: (بيان لمعاملتهم إلخ (دفع لما توهم من أنّ هذا مكرّر مع ما مرّ في أوّل وليس منه في شيء لأنّ الأوّل لبيان معتقدهم، وادّعائهم حيازة الإيمان من قطريه، منه في شيء، والثاني لبيان سلوكهم مع المؤمنين ومع شيعتهم، وهما أمران مختلفان، يكن هذا لم يلزم تكرار أيضا، لأنّ المعنى ومن الناس من يتفوّه بالإيمان نفاقا للخداع، لتفوّ. عند لقاء المؤمنين، وليس هذا بتكرار لما فيه من التقييد وزيادة البيان وأنهم ضموا لحداع الاستهزاء، وأنهم لا يتفوّهون بذلك إلا عند الحاجة، وقد قيل أيضاً إنّ المراد آمنا أوّلاً الإخبار عن أحداث الإيمان، وهنا عن احداث إخلاص الإيمان وهذا ما ارتضاه وأيده بأنّ الإقرار اللساني كان معلوما منهم غير محتاج للبيان، وإنما المشكوك ص القلبي، فيجب إرادته هنا، وقولهم للمؤمنين يقتضي ما يظهرونه لشياطينهم من د! م الصادر عن صميم القلب، فيجب أن يريدوا بما ذكروه للمؤمنين التصمديق القلبي أيضا، بعضهم كلام المصنف رحمه الله عليه، وقال: إنه لا ينافيه ما سيأتي من أنهم قصدوا بآمنا أحداث الإيمان، لأنّ النراد به الإيمان على وجه الإخلاص، ولا يخفى أنّ كلامه مناد على خلافه لمن له أدنى بصيرة فتدبر. قوله: (روي أنّ ابن أفى إلخ) هذا سبب نزول هذه الآية، وقد أخرجه الواحديّ رحمه الله، وروي أنّ عليا رضي الله عته قال له: يا عبد الله اتق الله ولا تنافق فإنّ المنافقين شرّ خلق الله فقال له: مهلاَ يا أبا الحسن أنى تقول هذا والله إنّ إيماننا كإيمانكم وتصديقنا كتصديقكم، ثم افترقا فقال ابن أبيّ لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت، فإذا رأيتموهم، فافعلوا مثل ما فعلت، فاثنوا عليه خيراً وقالوا: ما نزال بخير ما عشت فينا فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأخبروه بذلك فنزلت هذه الآية (1) وقال ابن حجر: إنّ هذا الحديث منكر وذكر إسناده، ثم قال هو سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب وآثار الوضع عليه لائحة ومما يدلّ على ذلك أنّ سورة البقرة نزلت أوّل ما قدم النبيّ صلّى الله عليه وسغ المدينة على ما صححه المحدّثون وعليّ رضي الله عنه إنما تزوّج فاطمة رضي الله عنها في السنة الثانية من الهجرة فكيف يدعوه ختنا، فإن قلت: ليس فيما ذكر من سبب النزول أنهم قالوا آمنا قلت: سبب النزول أمر مناسب تنزل الآية عقبه، ولا يخفى مناسبته مع ما فيه من إظهار الاستهزاء، وابن أبيّ رأس المنافقين، وهم أصحابه واسمه عبد الله. قوله: (انظروا كيف أرذ إلخ) كأنهم كانوا جاؤوا بجمعهم لينصحوهم أو ليردوا دبيب عقارب بغضائهم وقوله بالصديق سيد بني تيم الصديق صيغة مبالغة من الصدق لقب به في الجاهلية، لأنه كان معروفاً بالصدق، وقيل في الإسلام لما صدق النبيّ عليه الصلاة والسلام في قصة الإسراء، واسمه عبد الذ بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤقي بن غالمث القرشي التيمي، يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرّة فتيم جدّ. الأعلى وبه سمي البطن من قريش الذي ينسب إليه، فلذا قال له سيد بني تيم، وما وقع في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 بعض نسخ القاضي والكشاف تميم بدله خطا وسهو من قلم الناسخ وهو بفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية. قوله: (وشيخ الإسلام) هو كان في زمن الصحابة رضي الله عنهم يطلق على أبي بكر رضي الله عنه وعمر، وهما الشيخان قال السخاوي في كتاب الجواهر في مناقب العلامة ابن حجر شيخ الإسلام: أطلقه السلف على المتبع لكتاب الله، وسنة رسوله مع التبحر في العلوم لمعقول والمنقول، وربما وصف به من بلغ درجة الولاية، وقد يوصف به من طال عمره سلام، فدخل في عداد " من شاب شيبة في الإسلام، كانت له نوراً " (1) ولم تكن هذه مشهورة بين القدماء بعد الشيخين الصديق، والفاروق رضي الله عنهما فأنه ورد وصفهما وعن عليّ فيما رواه الطبريّ في الرياض النضرة عن أنس أنّ وجلاَ جاء إلى عليّ رضي فقال: يا أمير المؤمنين سمعتك تقول على المنبر: اللهمّ أصلحني بما أصلحت به الراشدين المهديين، فمن هم فاغرورقت عيناه وأهملهما، ثم قال: أبو بكر وعمر إماما وشيخا الإسلام، ورجلا قريش المقتدى بهما بعد رسول الله صلّى الله عليه وسئم إلخ. سحهر بها جماعة من علماء السلف حتى ابتذلت على رأس المائة الثامنة، فوصف بها من لا، وصارت لقباً لمن ولي القضاء اكبر ولو عري عن العلم والسن إنا لله وإنا إليه د اهـ. قلت) ثم صارت الآن لقباً لمن تولى منصب الفتوى، وإن عري عن لباس العلم ى: لقدهزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامهاكل مفلس موله (وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) هو ما اشتهر في السير من دخوله رضي غار ثور معه عليه الصلاة والسلام في الهجرة، وبذله لنفسه وماله معروف أمّا الأوّل وأمّا الثاني فلأنه رضي الله عنه، كان له مال عظيم من التجارة أنفقه كله في سبيل الله، ل! جاوة ال! ابحة. وقوله: (بسيد بني عديّ) كغنيّ بطن من قريش أعظمهم، وأشهرهم عمر لله عنه، فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن لن كعب بن لؤيّ أمير المؤمنين أبي حفص القرشيّ العدويّ، ولقبه النبيّ صلى الله عليه لالفاووق، لما أظهر الإسلام، فاعز الله به الدين، وفرق بين الحق والباطل، وهو الترياق! رضي الله عنه. وقوله: (وختنه) مرّ ما فيه وهو بفتحتين، وفي المصباح هو عند العرب كان من قبل المرأة كالأب والأخ والجمع أختان، وختن الرجل عند العامّة زوج ابنته لأزهريّ: الختن أبو المرأة والختنة أمّها، فالأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل والأصهار يعمهما اهـ. فاستعماله هنا على متعارف العامّة مما يدل على الوضمع أيضا، وما خلا بمعنى إلاً الاستثنائية. قوله: (واللقاء المصادفة إلخ) قال الراغب: اللقاء مقابلة الشيء ومصادنته معاً، وقد يعبر به عن كل واحد منهما، وقال الإمام: اللقاء أن يستقبل الشيء قريباً منه والمصادفة بالفاء من صادفه إذا وجده فبينها، وبين الملاقاة عموم وخصوص وجهيّ، وفي كلام المصنف رحمه الله مسامحة ظاهرة. وقوله: (يقال إلخ) هو قريب من قول الزمخشريّ يقال لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريباً منه، وفي شرح الهادي، وقد يفسر الكلام بإذا لكنك إذا فسرت جملة مسندة إلى ضمير الحاضر باي ضممت تاء الضمير فتقول: استكتمته الحديث، أي سألته كتمانه بضم التاء فيهما، واذ! فسرتها بإذا فتحت التاء الثانية فقلت: إذا سألته ونظمه القائل: إذاكنيت بأي فعلا / تفسره فضم تاءك فيه ضم معترف وان تكن ب! ذايوماً تفسره ففتحة التاءأمرغيرمختلف وسرّه كما في شرح المفصل أنّ أي تفسيرية، فينبغي أن يطابق ما بعدها ما قبلها، والأوّل مضموم، فالثاني مثله، وأذ شرطية، وإنما جعلت تفسيرية نظر المآل المعنى، فتعلق قول المخاطب على فعله الذي ألحقه بالضمير، فيستحيل فيه الضم والتعبير بيقال وقع في الكشاف، وتفسير الراغب فقال الشارح العلامة: إنه غير مستقيم لأن يقال غائب، فالصواب تقول: وقال بعض الفضلاء: فيه بحث لأنه إن أراد بعدم الاستقامة فوت المناسبة فالتعبير به غير مستقيم، وان أراد عدم صحة المعنى فممنوع لأن يقال لازم يقول، وكل موضع يصح فيه وضع الملزوم يصح فيه وضع اللازم، وفي بعض شروح الكشاف ما قاله الشارح صحيح بالاعتبارين لأنّ الاستقامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 ليست بمعناها الحقيقيّ الذي هو ضد الإعوجاج، فهي مجاز عن المناسبة ولفظ يقال مباين لتقول لا ملازم له وقوله كل موضع يصح إلخ ممنوع لأنه يصح كل إنسان ناطق دون كل حيوان، " والجواب أنّ ذكر أستقبلته بضمير الخطاب لرعاية التفسير بإذا للجملة الفعلية قاعدة، ولا يلزم مناسبة ما تقدم من الفعل له، وعلى تقدير التسليم يقال هو التفات على مذهب اهـ وفيه نظر لا يخفى، والذي في شرح الفاضلين أنّ حق العبارة تقول لما مرّ من القاعدة في التفسير بأي واذا، فإنه إذا فسر بأي وجب أن يتطابقا في الإسناد إلى المتكلم وجاز في الصدر تقول ويقال: وإذا جيء بإذا، فالواجب أن يكون الشرط، وتقول بصيغة الخطاب أي إذا استقبلته تقول لقيته ولا يصح يقال: إلا بتعسف، وهو بتقدير كون القائل نفس المخاطب، وهو قلق جداً وقد قيل عليه أنه إنما يتوجه إذا ضم تاء لقيته ولاقيته، وليس بمتعين لجواز فتحها وكونه بصيغة الخطاب دون التكلم، ولا تكلف في قولك إذا استقبلته فقد لاقيته إلا أنه قيل إنّ الرواية، وصحيح النسخ على ضم تائه. (أقول) هذا سهل استصعبوه، ولا مانع مما منعوه، فإنّ الخطاب هنا فرضيّ لغير معين، ، فهو في معنى الغائب والمتعدّد كما سمعتة في نحو قوله تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12] فإذا قيل: يقال لقيته إذا استقبلته على أنّ المراد من يقال تقول وبني للمجهول إشارة إلى أنه، وان تعين بحسب الظاهر في الحقيقة غير متعين جاز، ودعوى القلاقة والتعسف فيه غير مسلمة، ولما كان الشرط والجزاء متغايرين تغاير السبب والمسبب جعلوا االقول جوابا دون المقول لإيجاد. به! مع عدم صحة إذا استقبلته أنت يقول غيرك لقيته ألا فإذا فتحت صح بتقدير إذا استقبلته يقول غيرك أنك لقيته أنت، وفي قول الزمخشريّ: يقال لقيته ولاقيته إشارة إلى أنّ المفاعلة فيه لأصل الفعل. قوله: (بحيث يلقى) قال الراغب: الإلقاء طرح الشيء بحيث يلقى، ثم صار في التعارف اسماً لكل طرح قال تعالى {أَلْقِهَا يَا مُوسَى} [طه: 9 ا] فأصله جعل الشيء ملقى مقابلا بحيث يجده ويستقبله الملقى له وهو حينئذ حقيقة فإذا استعمل لمطلق الطرح كان مجازاً مرسلاَ لكه صار حقيقة في عرف اللغة وعليه استعمأل الفصحاء وهمزته للصيرورة وهي المراد من الجعل في عبارة المصنف رحمه الله لا للتعدية لتعديه قبلها وبعدها لواحد. قوله: (من خلوت بفلان وإليه إلخ) ذكر وجوها في خلا كما ذهب إليه عامّة أهل اللغة، وفي الأساس خلا المكان خلاء وخلا من أهله وعن أهله، وخلوت بفلان واليه ومعه خلوة وخلا بنفسه انفرد، وقال الراغب: الخلاء المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما، والخلو يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصوّر في الزمان المضيّ فسر أهل اللغة خلا الزمان بمضى وذهب وخلا فلان بفلان صار معه في خلاء، وخلا إليه في خلوة اهـ والحاصل أنّ أصل معناه الحقيقي فراغ المكان، والحيز عن شاغل وكذا الزمان وليس بمعنى مضى، فإذا أريد به ذلك فمجاز عند الراغب وظاهر كلام غيره أنه حقيقة، وهو غير متعد بالمعنى المشهور، فإنّ التعدية لها معنيان كما قاله ابن الحاجب رحمه الله في الإيضاح أحدهما أن لا يعقل معنى الفعل، وما أشبهه إلا بمتعلقه لأنه من المعاني النسبية، فكل معنى نسبي لا يعقل إلا بما هو منسوب إليه فهو المتعدّي، وغير المتعدي ما لا يتوقف تعقله على متعلق له والثاني كل جارّ تعلق بفعل، فإنه يقال له متعد بذلك الحرف، وإن لم يكن نسبته ولا بمعنى التصيير كما يقال خلا المكان من كذا وعن كذا، وقد يتعدّى هذا بالباء أو بإلى كما صرّحوا به هنا، وهو بمعنى انفرد معه أو اجتمع معه كما في الصحاح وليس قولهم معه للإشارة إلى أنّ إلى بمعنى مع، كما قالوه في قوله تعالى {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} [أك! عمران: 52] وكذا قول. الراغب في خلا إليه: إنه بمعنى المضي إليه ليس إشارة إلى التضمين الآتي. قوله: (أو من خلاك دمّ إلخ) قال الرضي: خلا في الأصل لازم يتعدّى إلى المفعول بمن نحو خلت الدار من الأنيس، وقد يتضمن معنى جاوز فيتعدى بنفسه كقولهم: افعل هذا وخلاك ذم، وألزموها هذا التضمن في باب الإستثناء اهـ. وفي شرح الفصيح قال أبو عبيد: قولهم افعل هذا وخلاك ذمّ مثل لقصير بن سعد اللخمي، قاله لعمرو بن عدي حين أمره أن يطلب الزباء بثأر خاله جذيمة بن مالك فقال: أخاف أن لا أقدر عليها فقال له اطلب الأمر، وخلاك ذمّ فذهب مثلاَ أي إنما عليك أن تجتهد في الطلب، وإن لم تقض الحاجة، فتعذر ولا تذم، ومبلغ نفس عذرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 مثل صحيح كما قال: على المرء أن يسعى لما هو قصده ... وليس عليه أن يساعده الدهر وعن يعقوب المعنى خلا منك الذم أي لا تذم فأسقط الحرف، وعداه مثل واختار موسى قومه سبعين رجلا وقال ابن أغلب المرسي: المعنى وخلوت من الذم وجعل الفعل للذم لأنك إن خلوت منه فقد خلا منك، وقال التدفري: هو من المقلوب أي خلوت من الذمّ، ثم قلب وأسقط الجار منه وقال ابن درستويه العامة تقول خلاك ذم والمعنى صحيح لكن العرب لم تستعمله كذا اهـ وعلى ما ذكر أولا إذا انفردوا واجتمعوا بثياطينهم، وقدم هذا لأنه أظهر الوجوه، وعلى الثاني فهو بمعنى مضوا، وهو على هذا متعد بإلى أيضا، والمراد بمضيهم اجتماعهم معهم لأنّ المضيّ، والذهاب يستعمل بهذا المعنى، كما قال تعالى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [كله: 43] إذ ليس المراد به مجرّد الخروج إلا أنّ في ذكرهم خلاك ذم خفاءسواء. (قلنا) أنه متعد حقيقة كما هو ظاهر سياقهم أولا كما ذكرناه لك عن الرضي وغيره، فالظاهر الاقتصاو على تفسيره بمضى، لأنه مشهور وقيل إنه على هذا المعنى أنهم إذا جاوزوا المؤمنين وذهبوا عنهم إلى شياطينهه، فعلى هذا هو في النظم متعد، ولا يخفى ما فيه وقوله ومنه القرون الخالية أي الذاهبة من منازل الوجود إلى صحراء العدم، فالخلو فيه بصعنى المضيّ والذهاب إلا أنه فرق بين الذهابين، ولذا فصله بقوله ومنه فتدبر. قوله: (أو من خلوت به إذا سخرت منه) في الكشاف وهو من قولك خلا فلان بعرض فلان يعبث به، ومعناه إذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها، كما تقول أحمد إليك فلانا، وأذمه إليك اهـ. وفي الأساس من المجاز خلا به سخر منه وخدعه، لأنّ الساخر والخاح يخلوان به يريانه النصح والخصوصية اهـ. وقال قدس سرّه تبعاً لغيره من الشراح: إنّ ما في الكشاف إشارة إلى أنّ استعمال خلا بهذا المعنى مع إلى بناء على تضمينه معنى الإنهاء، كما في أحمده إليك أي أنهي حمده وهذا بيان لحاصل المعنى وأمّا تقدير الكلام فهكذا، وإذا خلوا أي سخروا منهين إليهم، وأحمده منهياً إليك كما سلف. (أقول) يعني أنّ المضمن يقدر حالا لا مفعولا به، كما صنعوه هنا، وليس هذا بمسلم وقد مرّ الكلام عليه مفصلا في بحث التضمين في قوله تعالى {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] وليس هذا مما يهمنا هنا، وإنما المهم هنا أنّ خلا بمعنى سخر وان ذكره الزمخشريّ وتبعه غيره كصاحب القاموس لم يقع صريحاً في كلام من يوثق به حتى يخرّج عليه كلام رب العزة وما مثلوا به ليس مطابقا للمدعي فإنّ الدال على السخرية فيه قوله يعبث به وخلا إمّا على حمقته فيه، أوبمعنى تمكن منه كما لا يخفى، ثم لايخفى ما فيه من التكلف فعليك بالنظر السديد والترقي عن حضيض التقليد، والتضمين إنما هو على الوجه الأخير لا عليه وعلى الثاني لأنّ مضى يتعدى بإلى، فمن ذهب إليه، وقال: الأنسب تضمين معنى الانتهاء فقد وهم. قوله: (والمراد بثياطينهم إلخ) يعني أنه استعارة تصريحية لتشبيه الكفرة الذين يشيرون إليهم، أو كبار أصحابهم بمردة الشياطين، والقرينة الإضافة على ما نيه كما فصل في بعض شروح الكشاف. وقوله: (والقائلون صنارهم) فيه نبوة عن سبب النزول السابق لأنّ ابن أبيّ من رؤسائهم، ولذا قيل إنه مبنيّ على غير تلك الرواية وذكر في اشتقاقه وجهين، واستدل على الأصالة بقولهم تشيطن، لأنه لو لم تكن النون أصلية سقطت من فعله، واحتمال أخذه من الشيطان لا من أصله على أنّ المعنى فعل فعل الشيطان خلاف الظاهر وأن ارتضاه بعضهم، وشاط بمعنى بطل ورد في كلامهم كقوله: وقد يشيط على أرماحنا البطل وقال الراغب: إنه من شاط بمعنى احترق غضباً والشيطان مخلوق من النار فلذا اختص بفرط الغضب وهو جمع تكسير واجراؤه مجرى جمع التصحيح، كما في بعض القراءات الشاذة تنزلت به الشياطون لغة رديئة، والتمرّد العتوّ والتجبر ومنه مردة الشياطين وقيل: المراد بهم الكهنة لأتباعهم الشياطين فسموا بملا يلإزمهم كما يقال بسمل إذا ذبح اهـ. وقوله من أسمائه الباطل أي من أسماء الشيطان، وهذا يدل على ما ذكر في الجملة وان قيل إنّ تسميته بأسماء كل منها ماخونر من لفظ آخر بمعنى آخر أرجح، لأنه تأسيس. قوله: (في الدين والاعتقاد إلخ) يعني أنّ المعية هنا معنوية، وهي مساواتهم لهم في الاعتقاد لا الصحبة الحسية، لأنها غير مرادة ولا محتاجة للبيان وقوله (خاطبوا المؤمنين إلخ) جواب عما يقال لم ترك التأكيد فيما ألقي إلى المؤمنين المنكرين لما هم عليه أو المتردّدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وأتى بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث، وأكد مع شياطينهم الذين ليسوا كذلك وأتى بالجملة الاسمية الثبوتية فقيل إنه أجيب عنه بوجهين وقيل بثلاثة. أحدها أنهم بصدد دعوى إحداث الإيمان فهو كلام ابتدائي متجدد مناسب للفعلية، وترك التأكيد بحسب زعمهم وقصدهم، وهم لم ينظروا الإنكار أحد أو تردّده فيه بخلاف ما خاطبوا به شطارهم، فإن القصد فيه إلى إفادة الثبات على ما كانوا عليه دفعا لما يختلج بخواطرهم من مخالطة المؤمنين، ومخاطبتهم بالإيمان من أنهم وافقوهم ظاهراً وباطناً، وتركوا اليهود رأساً فيناسب الثبوت والاسمية المؤكدة لدفع التردّد الظاهر من حالهم. والثاني أن ترك التأكيد كما يكون لإزالة الإنكار والشك يكون لصدق الرغبة، ووفور النشاط من المتكلم، كما في قول المؤمنين {رَبَّنَا آمَنَّا} [المؤمنون: 09 ا] فلذا جرّدت الأولى، وأكدت الثانية. والثالث أنهم لو قالوا: إنا مؤمنون كان ادّعاء لكمال الإيمان وثباته وهو أمر لا يروج عند خلص المؤمنين، وهم ما هم في رزانة العقل وحدة الذكما " ولا كذلك الشطار، وفي شرح الكشاف للعلامة طاب ثراه: التو! يكون لبيان حال المخاطب تارة، وأخرى لبيان حال المتكلم، والخبر إمّا أن يورده المتكلم لنفسه أو لمخاطبه، فإن أورده للمخاطب فلا بدّ من أن يقصد به فائدة الخبر أو لازمها وتأكيده حينئذ لنفي الإنكار أو الشك، وان أورده لنفسه لا يلزمه أح! الفائدتين، فيقصد به معاني أخر كالتحسر والتضرّع وغير ذلك، وبهذا ظهر اندفاع ما أورد على السكاكي، لما حصر فائدة الخبر في الحكم، ولازمه مع وروده كثيراً لغير ذلك، وما قيل عليه فى قوله: إنّ حكم العقل عند إطلاق اللسان أن يفرغ المتكلم ما ينطق به قي قالب الإفادة تحاشيأ عن وصمة اللاغية مع إنه يأتي بخلاف ذلك، ولا يعدّ لغواً لأنّ ذلك كله في الخبر الملقى د لمخاطب لا فيما يورده المتكغ لنفسه، ولذلك قال: ومرجع كون الخبر مفيداً للمخاطب إلى فائدة الخبر أو لازمها فقيده بقوله للمخاطب تنبيهاً على هذا وهذا من نفائس المعاني ". ولذا أوردته برمته فعليك بحفظه، ومن لم يتفطن له قال: ليس المقصود هنا فائدة الخبر، ولا لازمها بل الأمان، أو الاستئمان من المؤمنين والخبر لا ينحصر المقصود منه في الفائدة ولا لازمها، وهذا مما استنبط من الكشاف، وأخذ منه أنّ التكيد يكون للرواج عند المخاطب وصدق الرغبة من المتكلم، وتركه لعدمه كما يكون لإزالة الإنكار والتردّد وقوله توقع رواح معطوف على قوله باعث. وقوله: (على المؤمنين) متعلق برواج لا بادعاء وان جوّزه بعضهم قوله تأكيد لما قبله إلخ توجيه لعدم العطف وذكر له ثلاثة أوجه: الأوّل أنه مؤكد له فبينهما كمال الاتصال الموجب للقطع، لأنّ معنى قوله: إنا معكم إنا على دينكم لا على دين أولئك، كما مرّ لا انا معكم بالنصر والمعونة، كما ذهب إليه بعض المفسرين، وان كانا متقاربين، ولما كانا متغايرين لأنّ معنى إنا معكم هو الثبات على اليهودية، وليس {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} بمعناه حتى يكون بظاهره تقريراً، وتأكيداً لهذا المعنى اعتبر لسيخان في الثاني لازما يؤكده، وهو أنه ردّ ونفي للإسلام، فيكون مقرّرا للثبات عليها لأنّ دفع لصض الشيء- ثأكيد لثباته، وقد عكنس صاحب المفتاح، فاعتبر لازم الأوّل حيث قال معنى انا معكم انا معكم قلوبا ومعناه إنا نوهم أصحاب محمد الإيمان فوقع مقرّراً لقوله إنا مستهزؤن! مكون الاستخفاف بهم وبدينهم تأكيداً لذلك اللازم، وما ذكره المصنف رحمه الله أولى كما ل! لحفى، كذا قرّره الشريف قدس سرّه تبعا لما في الكشف حيث قال بعد تقريره: وما هنا أولى مما في المفتاح، وان كان حسناً أيضاً فإنه يؤكد الكلام المذكور لا لوازمه وان جاز أن يعدّ كيدا للوازم تأكيداً له أيضا من وجه، مع أنّ التأويل عند الحاجة أعذب، واعترض عليه بأنه ر هما مسلك السكاكي بأنه تأوّل الأوّل فقط، وهو مخالف لقوله في شرح المفتاح: إنه لا بد أخذ اللازم من الأوّل، ومق الثاني حيث قال: إنّ إيهام الإيمان يتضمن نفيه والاستهزاء هله يتضمنه " أيضا، كما إنّ الثاني تقرير للأوّل والظاهر أنه لا حاجة إلى ذلك، فإنّ قول لمنافقين بغير جد، وصدور من القلب استهزاء وسخرية، ويجوز أن يكون ترك العطف في قوله نما نحن مستهزؤن} لكونه علة للأوّل من غير نظر إلى تأكيد أو بدل أو استئناف اهـ. (أقول) حاصل ما ذهب إليه شرّاج الكشاف والمفتاح على أنه تأكيد سواء قلنا وزانه، ان جاء زيد زيد، أو وزان جاء زيد نفسه أنهما لما بينهما من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 المغايرة لفظا ومعنى لا بدّ من ويلهما، أو تأويل الأوّل أو الثاني، فذهب إلى كل واحد من الاحتمالات الثلاث طائفة كما سمعته آنفا. واختلفوا في الأرجح ورجحوا برمتهم هنا تأويل الثاني لما مرّ، وقد قيل عليه: إنّ صله أنه لمما أفاد إنا معكم إنا مجدون في دينكم مصرون عليه، وأنا مستهزؤن يؤكد. بلازم معناه إلا أن هذا التأويل إنما يتأتى على كونه تأكيدا لفظيا والأوجه أن يجعل تأكيدا معنويا ليكون لحقيقا للمدعي بدليله، فإنّ مدّعاهم بأنا معكهأ الثبات على الكفر، حقق بدليل هو تحقير ما عداه، فإنّ المستخف بشيء منكر له غير معتد به ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته لئلا يلزم ارتفاع ل! قيضين، وعكسه السكاكي وهذا ليس بشيء إذ ليس هنا ما يشعر بتنزيله منزلة التأكيد اللفظي لل فحوى الكلام منادية على خلافه، فما ذكره خيال فارغ. (وههنا بحث) . ينبغي التنبيه عليه وهو أنّ الظاهر الأرجح ما ذهب إليه السكاكي لأنهم لما قالوا لشطارهم ثابتون على دينكم لم نتغير عنه، وهم عرفوا قولهم للناس آمنا لاشتهارهم بذلك في ظهور يّ الإسلام عليهم، ولولا ذلك لم يكونوا منافقين، وتلك المقالة من طرف اللسان دون اعتقاد لجنان، وقد صرّحوا بتسفيه المؤمنين قبل ذلك، وهذا إن لم يكن صريحا في الاستهزاء، فليس سعيد منه، فجعل إنا معكم، وقد أ! يدب4 إنا على حق دينكم ثا! ش ن لا مع ال! سفهاء المبطلين، ن قلنا لهم! ! اعلى إسنلا! كاحناقي ممن الا! م! هزاء أظهر 5 ش تأويق إنا ورمحتوؤن بمإنا م! وون على الكفر، فهو كالتفسير الذي حقه التأخير، وأمّ جعله تعليلا بغير الاستئناف البياني بعده مغايراً له فغفلة أو تغافل، ثم إنه قد يقال إنه لا مخالفة بين كلامي السيد، وإيهام الإيمان في كلامه ليس تأويلا لقوله {أَنَاْ مَعَكُم} بل إشارة إلى أنه يدلّ على أنّ قولهم آمنا مخادعة لم يصدر عن صميم قلب كما يدلّ عليه السياق، ومصت الكلام، وهذا هو الداعي لعدول السكاكي عما في الكشاف فتدبر. وقوله: (المستخف به) أي المحقر والتعبير به في غاية الحسن لانطلاقه على معناه الحقيقي. قوله: (أو بدل منه إلخ) تحقير الإسلام من قوله {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} وتعظيم الكفر هو مدلول قوله {أَنَاْ مَعَكُم} قال ابن الصائغ: للنحاة في إبدل الجملة من الجملة خلاف، وجعل منه ابن فلاج قوله: ذكرتك والخطيّ ب خطربيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر على كلام فيه، وتقرير البدلية بأن من حقر الإسلام إلخ لأنّ البدل إمّا اشتمال وذلك يقتضي المغايرة، أو بدل كل من كل وهو، وإن اقتضى التساوي، فمن حيث الصدق لا من حيث المدلول، ثم إن أستاذه أبا حيان في النهر اشترط في صحة وقوع البدل في الجمل كونهما فعليتين حيث قال لا يظهر لي صحة إبدال قوله تعالى {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] من قوله {؟ مثلها كمثل الذي} إلخلأنّ البدل لا يكون في الجمل إلا إذا كانت فعلية من فعلية، وأمّا أنّ تبدل فعلية من اسمية فلا أعلم أحدا أجازه، والبدل على نية تكرار العامل والجملة الأولى لا موضع لها من الإعراب، فلا يمكن أن تكون الثانية على نية تكرار العامل إذ لا عامل في الأولى، فيتكرّر في الثانية فبطلت جهة البدلية اهـ. وقال الفاضل المحقق هنا: البدل لا يحتاج إلى اعتبار أحد اللازمين ويكفي تصادق الثابت على الباطل، والمستهزىء بالحق مع كون الثاني، أوفى بالمقصود لما في الأوّل من بعض القصور حيث يوافقون المسلمين في بعض الأمور، ثم الظاهر أنه بمنزلة بدل الكل، وأرباب البيان لا يقولون بذلك في الجمل التي لا مخل لها ويعنون بما لا محل له ما لا يكون خبرا أو صفة أو حالاً، وإن كان في موقع المفعول للقول، فلذا كان الاستثناف هنا أوجه، وقال قدّس سرّه: إنهم قصدوا تصلبهم في دينهم وكان في الكلام الأوّل نوع قصور عن إفادته إذ كانوا في الظاهر يوافقون المؤمنين في بعض الأمور، فاستأنفوا القصد إلى ذلك بأنهم يعظمون كفرهم بتحقير الإسلام وأهله فهم أرسخ قدماً فيه من شياطينهم، وفي بعض الحواشي نقلاَ أنّ المراد بالبدل هئا ليس أحد التوابع المشهووة، فإنه لا يكون في الجمل الاسمية، وقد جاء في الفعلية كقوله تعالى {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [الفرقان: 68] فالمراد بالبدل هنا أنّ الجملة الثانية تسدّ مسد الأولى وتغني عنها غناء البدل عن المبدل منه. (أ! دول) هذا جملة ما قالوه، وهو كلام لم ينضج والحق الحقيق بالقبول أنّ البدل بأنواشه يقع في الجمل مطلقا سواء كان) كا محل من الإعراب أو لا، وهو مقتض إطلاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 كلام النحاة والمفسرين، وأهل البيان وتشهد له أمثلتهم، ولا يختص بالفعلية بل كما يكون فيها يكون في الاسمية، وفي الاسمية والفعلية إذ لا فارق يعوّل عليه، وما أوقعهم في هذا المضيق غير قول النحاة أنّ البدل هو التابع المقصود بالنسبة، ولا نسبة لما لا محل له من الإعراب، فإمّا أن يكون هذا تعريفاً لبدل المفردات وما في حكمهما، أو هو باعتبار الأصل الأغلب كما عرفوا التابع بكل ثان أعرب بإعراب متبوعه مع أنّ من أقسامه التوكيد، وهو يقع في الحروف والجمل التي لا محل لها بالاتفاق، نحو لا لا وجاء زيد جاء زيد أو يؤوّل بأنّ المراد من قولهم: مقصود بالنسبة أنه مقصود بالغرض المسوق له الكلام، فلذا نراهم يقولون في توجيهه أنه أوفى بتأدية المرام، وقد اختلفوا ة ي البدل هل هو بدل كل أو اشتمال، أو بعض لأنّ كونهم معهم عام في المعية الشاملة للاستهزاء والسخرية، وبما قرّرناه لك علم أنه يرد على ما قالوه أمور. منها أنّ قول أبي حيان البدل على نية تكرار العامل إلخ كلام مموّه ليس بشيء، وان ذكره النحاة على ظاهره. ومنها أنّ قول الفاضل المحقق أنّ البدل لا يحتاج إلى اعتبار أحد اللازمين بخلاف التاكيد السابق ممنوع أيضا لأنا قد بينا لك أوّلا أنهما متغايران متباينان بحسب الظاهر، فلا تتأتى البدلية المعتبرة فيه بدون الاتحاد كلا أو جزءاً أو اشتمال أحدهما على الآخر وتحقير الإسلام وتعظيم الكفر إن لم يتحدا فأحدهما متضمن ومستلزم للأخر كما لا يخفى، ولهذا اتفق الشيخان على تأويله بما ذكر. ومنها أنّ قوله إنّ أرباب البيان لا يقولون بذلك في الجمل التي لا محل لها من الإعراب إلخ لا وجه له أيضاً، لأنّ أهل المعاني استشهدوا له بقوله {الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 132- 133] وقوله {؟ اثبعوا ال! هـ سلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا} [يى، 1 لآية: 21] وقوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا وهذا كله مخالف لما ادّعاه فليت شعري من أرباب البيان، ثم إنّ ما فسر به ما لا محل له لا سند له فيه لأنه يدخل فيه جواب الشرط، والمفعول الثاني من باب علم ولا قائل بأنه لا محل له فتأمّل. ومنها أنّ قول الشريف في تقرير البدلية فاستأنفوا إلخ غير مناسب لتقرير البدلية فتأمّل. ومنها أنّ ما نقل عن بعض الحواشي من ذكر يضاعف له العذاب في البدل من الجملة لا وجه له، لأنه بدل من الفعل المجزوم وحده لا من الجملة، والفرق بينهما ظاهر، وما أوّل به البدل ظاهر الخلل فاعرفه. قوله: (أو اسنئناف إلخ) قال قدس سرّه: الحمل على الاستنئاف أوجه لكثرة الفائدة وقوّة المحرّك للسؤال والوجوه بيان لترك العاطف بين الجملتين في كلامهم وأمّا تركه في حكايته فللموافقة فيما هو بمنزلة كلام واحد وعلى هذ " ا " المتوجيح جرى غيره من الشرّاح حتى قيل إنه أبمغ من الأوّلين والثاني من الأوّل، فذكر الوجوه على نهج الترقي وهذا تعكيس للصنيع منهم من غير داع إليه، وقد قال الشيخ في دلائل الإعجاز: في فصل عقده لأنما موضوع إنما أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب، ولا يدفع صحته، وهذا يقتضي أنّ تقدير السؤال هنا أمر مرجوح، وما بالكم بمعنى ما شأنكم وحالكم وقوله (توافقون) جملة حالية وهي المسؤول عنها في الحقيقة، كما في قوله: مابال عينك منها الماءينسكب وسيأتي بيانه. قوله: (والاستهزاء السخرية إلخ) هزئت به من باب تعب، ونفع والاسم الهزؤ بضم الزاي وسكونها وهو مهموز والاسنخفاف إستفعال من الخفة ضد الثقل، والمراد به الاستهانة لأنّ معنى السخرية والاستهزاء كما قاله الغزالي الإستحقار والإستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وإذا كان بحضرة المستهزأ به لم يسم غيبة اهـ فقول الإمام إنه عبارة عن إظهار موافقة مع إبطاق ما يجري مجرى السوء على طريقة السخرية غير موافق للغة والعرف، وقوله: يقال هزأت واستهزأت بمعنى يعني كما قال الراغب: إنّ الاستهزاء طلب الهزؤ وقد يعبر به عن تعاطي الهزؤ كالإستجابة في كونها إرشاد للإجابة، وان كانت قد تجري مجرى الإجابة قال تعالى {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} [التوبة: 65] أي تهزؤن والهزؤ مزح في حقه اهـ. قوله: (وأصله الخفة إلخ) أي المعنى الذي اعتبر في هذه المادّة بحسب أصله المنقول عنه الخفة، فإنّ الاستهزاء من الهزء وهو القتل السريع وفي الكشاف، وأصل الباب الخفة من الهزء، وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان عن بعض العرب مشيت، فلغبت فظننت لا هزأنّ على مكاني، وناقته تهزأ به أي تسرع وتخف قال ابن الصائغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 ومن خطه نقله قونه على المكان: كأنه أخذه من قول العربي لأهزأنّ على مكاني، وهذا لا يقتضي أنّ المكان داخل في تفسير هذا وأدخل نون التأكيد لأنّ هذه الأفعال تتلقى بما يتلقى به القسم قال: ولقد علمت لتأتين منيتي. وظن كعلم اهـ. والهزء في قوله: من الهزء بزنة الضرب، وما اعترض به من عدم التدبر، فإن قوله على مكانه بمعنى فجاة كأنه لم يمهل حتى ينتقل عن مكانه إلى محل آخر، خلا بد من دخوله في تفسيره وهو كأاية كما ذكر. قوله: (يجازيهم على استهزائهم) بيان لحاصل المعنى والمجازاة المكافأة والمقابلة ويتعدى بالباء وعلى، وقال الراغب: جزيته بكذا وجازيته ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى وذلك لأنّ المجازاة هي المكافاة والمكافاة مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تتعالى عن ذلك، ولهذا لا يستحمل لفظ المكافة في الله تعالى. اهـ ويرد عليه قوله تعالى {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 7 ا] وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (سمى جزاء الاستهزاء باسمه إلخ) قيل لما كان الاستهزاء بمعنى السخرية محالا على الله تعالى لكونه جهلا لقول موسى عليه الصلاة والسلام {أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] في جواب {؟ أتتخذنا هزؤا} [القرة: 67] أحتيج إلى التأويل، فذكر المصنف رحمه الله وجوها مدار الأوّلين منها على اعتبار الاستهزاء في جانب المستهزأ بهم، وجعل المذكور جزاء له على الأوّل، وارجاع وباله عليهم على الثاني، ومدار الأخيرين على اعتبار الاستهزاء المذكور في جانب المستهزىء وجعله مجازاً عن إنزال الغرض! منه بهم على الأوّل وعن المعاملة معهم معاملة المستهزىء على الثاني. (أقول) تبع في هذا الإمام ومن حذا حدّوه وفي مدعاه ودليله ما لا يخفى أمّا الأول: فلأنّ حقيقة الاستهزاء التحقير على وجه من شأنه أنّ من اطلع عليه غيره يتعجب منه ويضحك، وأيّ استح لله لة في وقوع هذا من الله وأمّا الثاني: فلأنه لا وجه لكونه جهلاً، وأمّا الآية فسيأتي تأويلها ولو سلم فامتناعه من البشر لا يقتضي إمتناعه من الله على ما فصله علم الهدى في التاويلات، وقال السمرقندي في تفسيره ذهب الحسين بن النجار، وطائفة من أهل التأويل أنّ الاستهزاء هنا على حقيقته وهو مما يوصف به الله من غير مانع واليه ذهب أهل الحديث قالوا: وإنما لم يجز من الخلق لما فيه من النقص والجهل، وهذا مما لا يتصوّر في حقه، فليس في الوصف به ضير كالتكبر، ومنعه من قياس الغائب على الشاهد، وذهب كثير من أهل السنة والجماعة إلى أنه لا يوصف به الله تعالى حقيقة لما فيه من تقرير المستهزأ به على الجهل الذي فيه ومقتضى الحكمة والرحمة أن يريه الصواب، فإن كان عنده أنه ليس متصفاً بالمستهزأ به، فهو لهو ولعب لا يليق بكبريائه فلذا أولوا هذه الآية بما ذكره المصنف كغيره. قوله: (إمّا لمقابلة اللفظ باللفظ إلخ) هذا بناء على أنّ الاستهزاء لا يليق به تعالى ولا يجري عليه حقيقته، ولا بذ من تأويله واقترانه بمسوغ له كأن يقال أطلق على مجازاة الله لهم لما بين الفعل وجزائه من الملابسة القوية، ولما في الأوّل من السببية مع وجود المشاكلة المحسنة، ولذا تعدى بما تعدى به الآخر، فالمراد بالمقابلة المشاكلة، وأمّا تحقيقها من أي أنواع المجاز هي وهل تجامع الاسنعارة أم لا فسيأتي عن قريب، وهذا هو الوجه الأوّل من وجوه التأويل. قوله: (أو لكونه مماثلاَ له (يعني أنه استعارة تبعية بعلاقة المشابهة في المقدار، وقيل: إنه مجاز مرسل بجعل جزاء الاستهزا، تابعاً له مترتبا عليه مناسباً له في القدر وفيه نظر وعليهما فقد أطلق عليه تنبيها على عدله في الجزاء كما قال تعالى {جَزَاء وِفَاقًا} [النبأ: 26] وهذا هو الوجه الثاني. قوله: (أو يرجع وبالى الاستهزاء عليهم) يرجع بضم الياء من الإرجاع مبنياً للفاعل أو المفعول، أو بفتحها من الرجع أو الرجوع، لأنّ رجع يكون متعدّيا ولازما كما ذكره شراح الحماسة في قوله: عسى الأيام أن يرج! ش قوماً كالذي كانوا وقيل: إنه من المتعدي وليس بلازم. وقوله: (فيكون افلأ تقدس وتعالى كالمستهزىء بهم) في صدوا ما يترتب على الاستهزاء فيكون الاستهزاء استعارة لردّ وخامة استهزائهم عليهم للمشابهة في ترتب الأثر، فيكون يستهزىء استعارة تبعية أيضا لكن بوجه يغاير الوجه الأوّل، فبطل ما قيل إنّ العطف بأو في قوله: أو يرجع ليس كما ينبغي لأنّ مؤدّى المعطوفين واحد اللهمّ إلا أن يحمل الأوّل على الجزاء الأخروي، والثاني على الدنيوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 لما تحققت من الفرق الذي بينهما كذا قيل، ومن الناس من اتبعه فيما ذكر الآ أنه جعله مع ما قبله وجهاً واحداً ولا وجه له، وقيل يرجع معطوف على يجازيهم والاستعارة معتبرة في المسند إليه بأن شبه بالمستهزىء بسبب رجوع وبال الاستهزاء إليهم، ويجوز أن يكون من المجاز المرسل لإطلاق اسم السبب على المسبب فإنّ استهزاءهم سبب لرجوع وباله عليهم، وقيل: إنه كناية عن اختصاص ضرر الاستهزاء بهم كما في قوله تعالى {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم} [البقرة: 9] وقيل: هدّا تجوّز في الإسناد وما قبله في المسند، فالاستهزاء مجاز فيه، وفي هذا على حقيقته غير أنه أسند إلى غير ما هو له تشبيهاً لمن يردّ وبال الاستهزاء على المستهزىء بالمستهزىء، لكن قوله: أو ينزل بهم الحقارة إلخ لا يلائص4 لأنه أيضا تجوز في المسند فيجعل ردّ وبال الاستهزاء أيضا معنى مجازياً للاستهزاء لشبهه به، والحق أنه على هذا فيه استعارة مكنية، وتخييلية بجعل الله جل جلاله كالمستهزىء بهم، واثبات الاستهزاء له تخييلاً، وعبارة المصنف رحمه الله نص فيه، ولا بأس عليه وهذا أحسن مما ذكروه لما فيه من التكلف والتعسف، فإن قلت: إذا لم يتصف البارىء بالاستهزاء حقيقة لا يطلق عليه المستهزىء وتشبيهه تعالى بغيره لا يخلو من الكدر قلت: إذا صح تشبيه، فعله تعالى، وهو العقاب ورد وبال الأفعال الرديئة على أصحابها بالاستهزاء، فلا مانع من إطلاق المستهزىء عليه، كما أطلق الخادع ونحوه في قوله {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] {اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] ورب شيء يصح تبعاً ولا يصح قصدا، وله تعالى أن يطلق على ذاته المقدسة ما يثاء تفهيما للعباد وتجليا لعيون المعاني في مرائي الألفاظ. وقوله: (يرجع) معطوف على فوله مقابلة اللفظ باللفظ كما في قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 9 ا] والوبال بالفتح من وبل المربع بالضم إذا وخم ولما كان عاقبة المرعى الوخيم إلى الشرّ صار خقيقة في؟ ل شرّ وسوء عاقبة وهو المراد. قوله: (أو ينزل بهم الحقارة إلخ) البوار كالهلاك وزنا ومعنى، وينزل مضارع انزل الغائب، وعلى هذا هو مجاز مرسل بعلاقة انلزوم العادي، أو السببية في التصوّر والمسببية في الوجود وفائدته التنبيه على أنّ حالهم حقيق بأن يسخر منه ويهزأ به. وقوله: (والنرض! منه الخ) وجه آخر وعلاقة أخر! ، أو هو تفسير للازم وهو الأظهر الذي مشى عليه ا! ئر، فسمي لازم الاسنهزاء استهزاء وعطف هذا كالذي فبله، وفي شرح الكشاف يعني أنه مجاز عما هو بمنزلة الغاية للاستهزاء، فيكون من إطلاق المسبب على السبب نظرا إلى التصوّر وبالعكس نظرا إلى الوجود. قوله: (أو يعاملهم معاملة المستهزىء إلخ) أي يفعل بهم فعله وأصل المعاملة التصرّف في الأمور، وهذا هو الجواب الأخير وهو الذي ذكره في انكشاف بقوله، ويجوز أن يراد به ما مرّ في يخادعون من أنه يجري عليهم أحكام المسلمين في الظاهر، وهو مبطن بادّخار ما يراد بهم، وهو محتمل للاستعارة التبعية والتمثيلية، وأمّا كلام المصنف فنص في التمثيل لا يكاد يحتمل خلافه لذكره أوّلاً التجوّز في الطرفين، ومن لم يتنبه لهذا اغتر بقول بعض شرّاح الكشاف أنّ الاستعارة تبعية، فتوهم اتحاد كلام المصنف، وما في الكشاف فقال: إنها استعارة تمثيلية، أو تبعية تخييلية شبه صورة صنع الله معهم في الدنيا بإجراء أحكام الإسلام واستدراجهم بإدرار النعم، والإمهال مع أنهم من أهل الدرك الأسفل بالاستهزاء إلى آخر ما ذكروه والاستدراج الإدناء من الشيء درجة، وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [القلم: 44] وقوله بالإمهال متعلق بقوله بالاستدراج، والزيادة بالجر معطوف عليه. وقوله: (على التمادي إلخ) ظرف مستقرّ في موضع الحال قال المرزوقي: قولهم على أنه يكون كذا يجري في كلام العرب مجرى الاستدراك، وهو في موضع نصب على الحال وهذا كما تقول ما أترك حقه على ظلع بي أي أؤدّيه ظالعاً فمن قال: إنه متعلق باستدراجهم لم يصب، والتمادي في الشيء اللجاج والمداومة عليه، وأصله تمادد فأبدل أحد المثلين حرف علة للتخفيف وقيل: المدى الغاية والتمادي بلوغها. قوله: (فبأن يفتح لهم الخ) بيان لاسنهزاء الله بهم في الآخرة، وقد مرّ أن الاستهزاء والسخرية، كما يكون بالكلام يكون بالفعل، وهذا من الثاني، وهذا مأخوذ من حديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ المستهزئين بالناس يفتح لأحدمم باب إلى الجنة فيقال هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 أغلق ثونه ثم يفتح له باب آخو فيقال له هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا أتاه أغلق دونه فما يزال كدلك حتى إن الرجل ليفتح له باب قيقال هلم هلم فما يأئيه) (1) قال السيوطي: وهذا حديث مرسل جيد الإسناد، وكذا روي ما يقرب منه القرطبي في تذكرته عن ابن المبارك وقوله (وذلك قوله) أي هو معنى هذه الآية وتفسيرها، ففيه مضاف مقدر. قوله: (وإنما استؤنف به إلخ) اختلف شراح الكشاف في هذا الاستئناف هل هو الاستئناف البياني، فهو جواب سؤال مقدر أولاً، أو هو محتمل لهما، فذهب إلى كل بعض من الشرّاح وأرباب الحواشي وقال بعضهم: إنّ الثاني متعين هنا لقول الزمخشريّ ابتدىء قوله {اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} وهذا بناء منه على أنّ الابتداء يختص بالاستئناف النحوي، وهي دعوى منه بلا دليل والمحققون من شراح الكشاف والمفتاح على تقدير السؤال، وذهب السكاكي إلى أنّ فيه مانعاً من العطف، لأنّ المعطوف عليه إمّا جملة قالوا واما جملة إنا معكم إنما نحن مستهزؤن، ولو عطف لكان مقولا لهم أو مقيدا بالشرط، وليس بمراد ثم قال ولك أن تحمله على الاستثناف من حيث أنّ حكاية الله حال المنافقين قبله تحرّك السامعبن أن يسألوا ما مصير أمرهم وعقبى حالهم، وكيف معاملة الله إياهم، فلم يكن من البلاغة أن يعرى الكلام عن الجواب، فلزم المصير إلى الاستئناف، وأنما أخره ومرّضه لما قيل من أنه يفهم منه كون المقام صالحا للعطف بل هو مقتضى الظاهر ولا يظهر ما يحسن عطفه عليه إلا قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ} إلخ وهو بعيد لفظا ومعنى. وقال قدس سرّه في شرح قول العلامة إنه استئناف في غاية الجزالة والفخامة إلخ أي ليس ترك العطف فيه لدفع توهم كونه معطوفا على (إنا معكم) فيندرج حينئذ في مقول المنافقين، أو على قالوا فيتقيد بالظرف أعني وإذا خلوا بل هو لكونه استئنافا، وإنما كان في غاية الجزالة والفخامة لدلالته على أنهم بالغوا ني استهزائهم مبالغة تامّة ظهر بها شناعة ما ارتكبوه، وتعاظمه على الأسماع على وجه يحرّك السامع أن يقول: هؤلاء الذين هذا شأنهم ما مصير أمرهم إلخ ثم إنّ هذا إلاستئناف لم يصدر إلا بذكره تعالى لفائدتين الأولى التنبيه على أنّ الاستهزاء بالمنافقين هو الاستهزاء الأبلغ الذي لا اعتداد معه باستهزائهم لصدوره عمن يضمحل علمهم وقدرتهم في جانب علمه، وقدرته الثانية الدلالة على أنه تعالى يكفي مؤنة عبادة المؤمنين وينتقم لهم، ولا يحوجهم إلى معارضة المنافقين تعظيما لشأنهم، وفي هاتين الفائدتين تأييد لجزالة الاستئناف وفخامته وأورد صيغة الحصر في قوله: وفيه إنّ الله عز وجل هو الذي يستهزىء بهم الاستهزاء الأبلغ تنبيها على ما هو مدلول الكلام من أنّ بناء الفعل على الم! - أمطلقا عنده للاختصاص، ودلّ بقوله ولا يحوج المؤمنين أن يعارضوهم باستهزاء مثله على أنّ الحصر بالقياس إليهم أي هو المستهزىء دون المؤمنين لا يقال الاستهزاء بمعنى السخرية لا يتصوّر منه! تعالى، وبالمعنى المراد من إنزال الهوان والذل لا يتصوّر من المؤمنين، فكيف يتصوّر الحصمر لأنا نقول معناه أنمه تعالى يتولى الاستهزاء بالمعنى الذي يليق به، ولا يتولاه المؤمنون بالمعنى الذي يليق بهم، ويماثل أستهزإء المنافقين وفي كلامه إشارة إليه، فلا إشكال حيمئذ. (أقول) سبقه إلى هذا الفاضل المحقق حيث قال: ليس ترك العطف لمجرّد دفع أن يتوهم العطف إلخ وفي قوله لمجرّد إيماء إلى أنّ كلام الزمخشرقي غير مناف لكلام السكاكي إذ يجوز أن يقال ترك العطف لما فيه من المانع، ولجزالة الاستثناف وفخامته، وكونه مقتضيا لصلاحية المقام للعطف غير مسلم ولا أدري لم لم يجر قدس سرّه على سننه، وفي المانع المذكور كلام في كتب المعاني لا يهمنا الآن، فمن أراده فعليه بها إذا عرفت هذا ففيما قصصناه عليك أمور. (منها) أنّ ئوله إن ترك العطف ليس للمانع المذكور بل هو لكونه استئنافاً في غاية الجزالة إلخ يقتضي أنّ بين المسلكين تنافيا وليس كذلك لما سمعته آنفاً. (ومنها) أنّ ما ذكره من الفائدتين، وانّ فخامة الاستئناف بواسطتهما لا وجه له، فإنهما ما جاآ من الإسناد إلى ألله تعالى وتصدير اسمه الكريم، فالفائدتان متحققتان على تقديري الاستئناف وعدمه وفي كلام الفاضل ألمحقق إشارة إليه وقد ردّه بعضهم بما في عبارة العلامة وإيراده الواو في قوله: وفيه أنّ الله عز وجل هو الذي إلخ وسياتي ما يدفعه. (ومنها) أنّ ما ذكره تبعاً للشارح المحقق من السؤال والجواب، وقال: إنه لا إشكال فيه، لم يتضح لي حل عقدة الإشكال بما ذكروه، فإنه من قصر الصفة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الموصوف، والمعنى ما المستهزىء بهم الآ الله سواء كان قصر قلب، أو إفراد والمذكوو في المعاني أنه لا بد أن تكون الصفة واحدة من الجانبين، وأمّا تغايرها فيهما ودعوى اتحادها فلم نر له نظيراً في كلامهم، وما هو إلأ كأن يقول زيد ضارب لا عمرو والثابت لزيد ضربه بسيفه، والمنفيّ عن عمرو ضربه بسوطه، وإن قيل إنّ الاستهزاء على هذا محمول على ما يطلق عليه الاستهزاء على طريقة عموم المجاز، فيتحقق مفهوم عام يضاف إلى الله تعالى، وألى المؤمنين، ولذا ترك المصنف الحصر، وعدل عما في الكشاف لابتنائه على خلاف المرضى من إفادة مطلق البناء على الفعل له، ولما -. . ر، ثم أنه وقع هنا في لعض الحواشي كلام طويل لغير طائلى، فلذا ليه من العسص المدكو. ضربنا عنه صفحا تجاوز إلله عنه. قوله: (ليدلّ على أن الله ئعالى إلخ) قيل: إنّ للاستئناف مطلقا هنا نكتة، وهي الإشارة إلى أنّ ما ارتكبوه من الاستهزاء أبلغ في الشناع والتعاظم على الأسماع إلى حد يقول كل سامع له ما مصير هؤلاء وعقبى أمرهم، وكيف عاملهم الله تعالى، والمصنف رحمه الله لم يتعرّض لها بل لما في الاسيتئناف من النكتتين حيث لم يصدر بذكر المؤمنين الذين كان ينبغي أن يعارضوهم بقوله ليدل إلخ. ولا يخفى ما فيه من الخلل لعدم التدبر فيما قالوه، فإنّ ما ذكره ليس نكتة للاستئناف بل بيانا للسؤال المقدر، ومنشئه والقرينة الدالة عليه هنا مع ما في تقريره مما لا يخفى، ثم أنه يرد عليه، وعلى المصنف رحمه الله ما قدّمناه من أنّ ما ذكر يؤخذ من إسناد الاستهزاء إلى الله وتصدير الجملة بذكرهـ سواء! (نت مستأنفة أم لا، والمصنف رحمه الله غير عبارذ الكشاف فوقع فيما وقع فيه، رلد أن تتكلول لو! حش--، إ / ن! - لم خ 9 لمءه 3 عطف لم يكن جواباً للسؤال المذكور، ولا جزاء لاسنهزائهم لأنه يصير المعنى أنهم قالوا: إنما نحن مستهزؤن. وهم هزأة في أنفسهم الله مستهزىء بهم، وإذا كان جواباً وجزاء فقد تولى الله جوابهم بنفسه تعظيماً وتكريماً للمؤمنين، ولم يكل الجواب إلى المستهز! بهم كما هو مقتضى الظاهر إشارة إلى أنه يجازيهم بما لا يقدر عليه البثر، وهذا إنما نشأ من الاستئناف، وتغيير الأسلوب بفحوى المقام كما لا يخفى على من له نظر سديد. وقوله: (لا يؤبه به) بضم الياء التحتية وهمزة ساكنة يجوز أن تبدل واو أو باء موحدة مفتوحة، وهاء أي لا يعتدّ به لحقارته، ومثله يعبأ به، وهو متعد بالباء وعدّي في الحديث باللام وهذا إنما يتأتى على غير الوجه الثاني في معاني الاستهزاء. فتأمّل. قوله: (ولعله لم يقل الله مستهزىء إلخ) قال الفاضل المخقق في بيان ما في الكشاف من أنه لم يقل الله مستهزىء بهم ليطابق قوله إنما نحن مستهزؤن. كما هو مقتضى الظاهر لأن يستهزىء يفيد حدوث الاسنهزاء وتجدده، وقتاً بعد وقت يعني أنه لكونه فعلا يفيد التجدّد والحدوث، ولكونه مضارعاً صالحاً للحال يفيد الحدوث حالاً، وكونه مستعملا في مقام لا يناسب التقييد بحال دون حال يفيد التجدد حالا بعد حال وهو معنى الاستمرار، وهذا كما صرّحوا به يفيده المضارع مطلقاً، لا إذا قدم المسند إليه، فصار جملة اسمية حتى يصل التجدّد من الفعل، والاستمرار من كون الجملة اسمية على ما توهمه البعض ألا ترى أنّ في قوله تعالى {وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79] وقوله تعالى {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ} [الحجرات: 7] وغير ذلك قد دل المضارع على التجدّد والاسنمرار من غير تقديم للمسند إليه، وينبغي أن يعلم أنّ هذا غير مستفاد من الجملة الاسمية، فإنه متأت واستقرار لا استمرار بمعنى الحدوث حالا فحالا ومرّة بعد أخرى، وفي شرح الطيبي أنه من اقتضاء المقام، فإنك إذا قلت فلان يقري الضيف عنيت أنه اعتاده واستمرّ عليه لأ. أنه يفعله أو سيفعله، وقد يقال إنّ هذا أبلغ من الاستمرار الثبوتي الذي تفيده الاسمية لأنّ البلاء إذا استمرّ قد يهون وتألفه النفس كما قال المتنبي: حلفت ألوفا لو رجعت إلى ا! ب لفارقت شيبي موجع القلب باكيا وكما قلت أنا: ألفت البكاء فلو زال عن عيوني بكته جميع الجوارح وقوله: (ليطابق تعليل للمنفي وارساء) تعليل للنفي وعداه بالباء، وهو يتعدّى بإلى أو اللام تسمحاً، أو لتضمنه معنى الاعتناء، والنكايات جمع نكاية بمعنى العقوبة، وفعله نكأت ونكيت، وهو من نكأت العدوّ إذا أكثرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 فيه الجرح والقتل حتى وهن، كما في النهاية الأثيرية. قوله: (يحدث حالا فحالا ويتجذّد حيناً بعد حبن) إشارة إلى أنه مستفاد من المضارع، وأنه غير الاستمرار المستفاد من الجمنة الاسمية كما مرّ، وما في شرح الكشاف للعلامة الرازي من توجيه الجواب بأنه لو قال الله مستهزىء بهم حتى تكون الجملة اسمية لزم أن يكون استهزاء الله تعالى بهم ثابتا دائما، وهو لا يليق بالحكيم العليم، ولو قال: يستهزىء الله دل على أنّ الاستهزاء ينتقل عنهم، وهو ليس بمراد فقال تعالى {اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} حتى يفيد تجدّد الاستهزاء بحسب الفعل، وإنّ ذلك المتجدد ثابت دأئماً بحسب الجملة الاسمية فهذأ لا يتم لأنّ المسند إذا كان اسماً دل على الثبوت، وان كان فعلا دلّ على التجدد سواء تقدم المسند إليه أو تاخر كما لا يخفى وقد مرّ ما فيه، وقيل فيه بحث لأنا لو سلمنا إنّ المسند إذا كان فعلاَ دل على التجدد سواء تقدّم المسند إليه 4 أو تأخر لكن لم لا يجوز أن يدل تقدم المسند إليه على الثبوت لصيرورة الجملة اسمية والجمع بين الدلالتين بأن يراد استمرار التجدد، وهو أن يتجدد فرد وينقضي ثم يتجدّد فرد آخر، فالاستمرار في النوع والتجدّد في الافراد، وقيل في التفصي عنه أنّ الجملة الاسمية الدالة على الثبات هي التي كل واحد من جزأيها اسم وأمّا التي الجزء الثاني منها فعل فلا كما صرّح به الكاشي في شرح المفتاح، فالوجه إنه يستفاد من المضارع كما حققناه لك، ثم إنّ قوله إنّ استهزاء الله بهم دائما لا يليق بالحكيم العليم قيل عليه انه لا وجه له، فإنّ الاستهزاء بمعنى إنزال الهوان، والحقارة بأعداء الدين ولا ضرر في دوامه بل قيل إنّ دوامه هو اللائق بالحكيم، ودفع بأنّ المراد بعدم اللياقة أنّ مقتضى الحكمة أن لا يديم الهوان والنكال حتى يألفوه، ويتمرّنوا على مقاساته، فيخف عليهم وقعه، ولا يخفى أنّ سياق كلامه يأبا. فليحرّر. قوله: (من مدّ الجيش إلخ) مد وأمد بمعنى وبهما قرىء هنا، وفي الأعراف في قوله تعالى {يَمُدُّونَهُمْ} [الأعراف: 202] بضم الياء وكسر الميم وبفتح الياء وضم الميم وفي الدر المصون المشهور فتح الياء من يمدهم وقرىء شاذاً بضمها، وفيه نظر لأنّ المصنف رحمه الله عزى الضم لابن كثير لكنها لم تثبت عنه في السبعة، واستدل بها لما ادعاه فإنّ القراءات يعضد بعضها بعضا، وهذه من الإمداد، وهو لم يرد بمعنى الإمهال عنده قال أبو عليّ في الحجة: عامّة ما جاء في التنزيل فيما يحمد وششحب أمددت على أفعلت كقوله تعالى {أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون: 55] وقوله {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} [النمل: 36] وما كان خلافه يجيء على مددت كما هنا وقال أبو زيد أمددت القائد بالجند وأمددت الدواة، وأمددت القوم بمال ورجال وقال أبو عبيدة: يمدونهم في الغي أي يزينون لهم يقال: مد له! ي غيه، وهكذا يتكلمون بهذا، فهذا مما يدل على أنّ الوجه فتح الياء، كما ذهب إليه أكثر ووجه ضمها أنه بمنزلة قوله فبشرهم بعذاب أليم. اهـ وما ذكره المصنف رحمه الله تغ فيه الزمخشريّ حيث قال: إنه من م! د الجيش، وأمده إذا زاده والحق به ما يقويه، ويكثره فهو من المدد دون المد في العمر وهو الإملاء، والإمهال وكفاك دليلا على أنه من المدد دون المد قراءة يمدّونهم بضم الياء على أنّ الذي بمعنى أمهله إنما هو مد له مع اللام كاملى له يعني أنّ هذه المادّة وودت مستعملة بمعنيين في مقامين أحدهما إلحاق الشيء بما يقوّيه، ويكثره وذلك الملحق يسمى مدداً، وثانيهما الإمهال ومنه مد العمر ومدّ الله في الغي والواقع في النظم من الأوّل دون الثاني لوجهين أحدهما أنه قرىء بضم الياء من المزيد، وهو لم يسمع في الثاني وثانيهما أنه متعد بنفسه، والثاني متعد باللام والحذف والإيصال خلاف الأصل فلا يرتكب بغير داع، ودليل وغيره من أهل اللغة لا يسلمه، فورد عندهم كل منهما ثلاثيا ومزيداً ومعدى بنفسه وباللام، وكلاهما من أصل واحد ومعناهما يرجع إلى الزيادة وتعدّى هذا باللام منقول عن أبي عبيدة والأخفش، وقال الجوهريّ: مددت الشيء، فامتذ والمادّة الزيادة المتصلة ومد الله في عمره ومده في غيه أي أمهله وطوّل له، والفرق بين الثلاثي والمزيد إنما هو بكثرة استعمال أحدهما في المكروه والآخر في المحبوب فمدّ في الشرّ وأمدّ في الخير عكس وعدوا وعد، وقيل مده زاده وأمده من غيره. وقوله: (بالزيت والسمادا لف وششر مرتب للسراج والأرض! والسماد بفتح السين، وتخفيف الميم وآخره دال مهملة قال في المصباح السماد وزان سلام ما يصلح به الزرع من تراب وسرقين، أي زبل وسمدت الأرض تسميدا أصلحتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 بالسماد وقوله لا من المد إلخ، قد عرفت ما له وعليه، وانه تبع فيه الزمخشريّ. قوله: (والمعتزلة لما تعذر عليهم إلخ) إنما تعذر لأنهم قالوا بقبح إيجاد القبيح وخلقه وبوجوب ما هو الأصلح للعباد على الله تعالى، والآية بظاهرها تنافي ذلك لأنّ الطغيان قبيح كزيادته، ومثله لا يصدر عنه تعالى على زعمهم فأوّلوه بوجوه بناء على زعمهم الفاسد من أنه لا يصدر عته ولو صدر عنه كيف يذمّهم عليه، ولذلك فسره بعضهم بالإمهال لكنيم لم يرتضوه لأنّ اللغة لا تساعده. وقوله: (منعهم الله تعائى ألطافه إلخ) إشارة إلى أوّل وجوه التأويل، وهو أنه تعالى منعهم ألطافه التي منحها غيرهم وخذلهم لكفرهم وما هم عليه فتزايد رين قلوبهم وظلمتها فسمي ذلك الزإئد مددا في الطغيان وأسند إليه تعالى ففيه مجاز لغوي في المسند وعقلي في الإسناد باسناد الفعل لمسببه، وفاعله في الحقيقة الكفرة، وألطافه جمع لطف كقفل وأقفال، وهو عند المتكلمين ما يختار عنده المكلف الطاعة تركا واثباتا وينقسم إلى توفيق وعصمة. وقال القشيري اللطف قدوة الطاعة على الصحيح، ويسمى ما يقرّب العبد إلى الطاعة، وبوصله إلى ا) خير أيضاً لطفاً كما سيأتي، ومنح بمعنى أعطى والخذلان ترك المساعدة، والرين صدأ يعلو الحلي استعير لما يمنع قبول الحق، والاهتداء له كالظلمة يعني أنهم لما أصروا على الكفر لم يساعدهم الله لمنعهم لطفه عنهم فتزايد رين قلوبهم فسمي ذلك التزايد مدداً، وأسند إلى الله لأنه المسبب لسببه فهو السبب إلبعيد ففيه تجوّزالن كما مز، والكفر والرين ومدده من أفعال الكفرة عندهم، وقوله يسبب كفرهم متعلق بمنعهم أو خذلهم، وهو جواب عن سؤال مقدر أي لم منع بعض عباده، ومنح أخرين والكل عباده، ومثله لا يحسن عقلا عندهم فأجيب بأنهم تسببوا لذلك بالكفر والإصرار، وردّ بأنّ المتبادر من كونه مسببا أنه خالق السبب، ومنع الألطاف عدميّ لا يتعلق به الخلق، فإن قيل يدفعه قوله خذلهم فإنّ الخذلان تيسير أسباب الغواية كما إنّ اللطف تيسير أسباب الهداية، وقعوا فيما فرّوا منه فإنّ تسبيب القبيح قبيح، وأن كان قبحه دون قبح إيجاده، ثم إنه ينقل الكلام إلى ما قبل الكفر والإصرار فإن قالوا بوجود الألطاف عندها كان مكابرة لأنها لو كانت ما كفروا، ولا أصرّوا فالحق ما ذهب إليه أهل الحق فتدبر. قوله: (فتزايدت بسببه قلوبهم) الظاهر أنه ماض معطوف على منعهم لا جواب لما مع الفاء، وان كاد جائزا أيضا فإنّ جوابها يكون ماضيا بلا فاء، وقد يكون معها وبكون مضارعا وجملة اسمية مع إذا الفجائية، والفاء كما فصله شراح التسهيل، وقوله تزايد قلوب المؤمنين مصدر منصوب على إنه مفعول مطلق لقوله تزايدت تشبيهيّ كما تقول وقيته وقى الكتاب، وأمّا كونه ماضيا جواباً للما هربا من اقتران الجواب بالفاء فمع أنه لا حاجة إليه بعيد بحسب المعنى لأنه لا تعرض له في الآية، وان لزم معناها. قوله: (أو مكن الشيطان من إغوائهم) إلخ عطف على منعهم، وأسند جواب لما الثانية كما مرّ، وهو مجهول وهذا هو الوجه الثاني من تأويلات المعتزلة، وحاصلها كما قال قدس سرّه إنه إمّا أن يكون سمي ما تزايد من الرين مدداً في الطغيان، وفيه تجوّز إن كما مرّ أو أريد بالمد في الطغيان ترك القسر والإلجاء إلى الإيمان وهو فعله تعالى واسناده إليه حقيقة والمسند مجاز أو المراد معناه الحقيقي، وهو فعل الشيطان لكنه أسند إليه تعالى مجازا على مذهبه لأنه بتمكيته واقداره، وقد يتوهم أنّ إيقاع المد عليهم تجوّز لازم على كل مدّهب لأنّ حقيقته أن يوقع على الطغيان، ونحوه مما يقع فيه الزيادة، ودفع بأنّ المفهوم من مدّ طغيانهم ومذهم في طغيانهم واحد. (وههنا مباحث جليلة) : (الأوّل (أنه أورد على ما في الكشاف، وشروحه كما سمعته آنفا إنه جعل منع الألطاف سبب الإصرار على الكفر، ولا شك أنّ الكفر والإصرار عليه سبب لمنع الألطاف ففيه دور، وقد مرّ إيماء إليه، ثم إنه جعله فعلاَ للشيطان في الوجه الثاني، والشيطان لا يقدر على خلق شيء في العبد باتفاق منا ومنهم، وإنما هر مغو بوسوسته وتزيينه ولا يقدر على غير ذلك كما حكاه الله عنه في قوله {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22] فتعين إن محدثه العبد عندهم، وقول المعتزلة كما حكاه الزمخشريّ إنه فعل الشيطان لا يقوله شيطان أصلا كما قيل: ما أقبح الشيطان لكنه ليس كما قالوا وما صوّروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وقد أجيب عن هذا بأنّ منع الألطاف سبب الكفر، والإصرار عليه، ثم بعد ذلك يكون الكفر المستمرّ مانعاً لألطاف أخر فلا دور فيه والمراد بكونه فعل الشيطان إنه حدث من العبد بوسوسته فهو مجاز في الإسناد والأول صحيح، وأمّا الثاني فغير صحيح كما لا يخفى، وقد صرح الشراح بخلافه. (الثاني) أنه أورد على الأوّل، وكونه مجازا في المسند والإسناد إنه إن كان المدد وإعطاؤه مختصا بالأجسام كما يتبدر من كلام الأساس لا يصح إنه لا تجوّز في الوجه الأخير إلا في الإسناد، لأنّ الشيطان لا يعطي المنافقين حبة يتقوى، ويتكثر بها طغيانهم إذ ليس منه إلا الوسواس وان كان أعمّ يتناول الذوات والصفات كالرين، والظلم لا يكون في المسند تجوز أصلاَ، وأجيب عنه بإختيار الشق الثاني لكنه وإن عئم مخصوص بالمحسوس. (الثالث) إنه على إرادة تمكين الشيطان قيل إنّ الإسناد إلى الشيطان أيضا مجازي، لأنّ أصل الطغيان وزيادته من فعل الكفرة عندهم إلا أنه لما صدر منهم بإغواء الشيطان أسند إليه لكونه موجدا لسببه إذ لا قدرة له على غير الوسوسة كما مرّ لكن لما حصل ذلك بإغواء الشيطان، وكان إغواؤه بإقدار الله له عليه، وتمكينه منه فالله سبب بعيد، ولذا أسند إليه لأنه مسبب له بصيغة اسم الفاعل، ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلل، وكيف يتوهم إسناده مجازا إلى الشيطان هنا، وهو مسند في النظم إلى الله تعالى فالظاهر أنّ المد تجوّز به عن تزيين الشيطان واغوائه لأنه سبب للزيادة إلا أنه لما شاع ذلك وكثر منه صار كأنه موجد له حقيقة، واسناده إلى الله تعالى مجازي أيضاً فهو كالأوّل في التجوز في المسند، والإسناد إلا أنه يغايره لمغايرة المتجوّز به فيهما، ثم أنّ المصنف رحمه الله خالف الزمخشريّ فطوى التجوّز بالمد في الطغيان عن ترك القسر والإلجاء الذي هو فعل الله وإسناده إليه حقيقة، وإن كان المسند مجازا لقربه من الأوّل لأن منع الألطاف وترك القسر كشيء واحد، ثم إنّ الظاهر أنه اختار أنه مجاز عن منع الألطاف، في الأوّل لا عما تزايد من الرين، ولذا ترك قول الزمخشريّ فسمي ذلك التزايد مددا فهو عنده مجاز في الطرف فقط، وأسناده حقيقيّ عنده فعدل عما في الكشاف لما فيه من تطويل المسافة وزيادة التجوّز، وهذا مما لم يتنبه له شراح هذا الكتاب، وهو من منح الكريم الوهاب، ثم إنّ السمرقندي رحمه الله قال في تفسيره هنا مدهم في الطغيان بمعنى خلق فعل الطغيان لأنّ المدّ متى أضيف إلى الأعيان يراد به الطول والعرض! للعين، والجسم وأن أضيف إلى الفعل يراد به الامتداد، وهو تجذد الفعل بتجدد الزمان، وهذا معنى قول الفقهاء أنّ للفعل الممتد حكم الابتداء نحو السكون والركوب ونحوهما، اهـ. فقد عرفت منه أنه لا يختص بالمحسوس صفة كان أو ذاتا وأنه يختلف باختلاف ما يضاف إليه، ومنه علم ما في كلام بعض الشراح الذي سمعته آنفا. قوله: (وأضاف الطفيان إلخ) هذا وما بعده كله من كلام المعتزلة، وتأ! د أوهامهم الفارغة. وقال قدس سرّه- لم ئيردّ الزمخشريّ-: إنّ هذه الإضافة تدل وضعاً على أنّ الطغيالط بإيجاد العبد لا بإيجاده تعالى حتى يرد عليه أنّ الأمور المخلوقة له تعالى إذا قامت بالعباد كالبياض تضاف إليهم إضافة حقيقية لا مجازية لأدنى ملابسة كما توهم فلا دلالة للإضافة على إيجاد العباد لها بل أراد أنّ الطغيان من الأفعال التي اكتسبوها باختيارهم استقلالاً، ولا تعلق لها به تعالى فحقه أن يضاف إليهم لا إله إشعارا بهذا الاختصاص لا بالاختصاص باعتار المحلية والاتصاف فإنه معلوم لا حاجة فيه إلى الإضافة، ولولا قصد هذا عريت عن الفائدة، ومثله معتبر في الخطابيات عند البلغاء، وردّ بأنّ هذه الخطابيات لا تعارض البراهين القاطعة بأنه لا خالق سواه وأنه لا يقع إلا ما أراده، وقيل عليه: إنّ الزمخشرقي عنى أنّ إثبات اللغو في كلام الله تعالى وترك اعتبار الدلالات الخطابية المعتبرة عند البلغاء مما لا يليق بمقام الإعجاز، وإن بنى عليه تأييد مذهبه وردّ مذهب أهل السئة لئلا يلزم هذان الأمران المنافيان لأسلوب الحكيم فلا يكفي في دفعه أنّ الدلالات الخطابية لا تعتبر مع الدليل القاطع الذي ذكره، فالجواب أنّ فائدة الإضافة الإشارة إلى أنّ نسبة الطغيان إلى العباد ليست بمجرّد المحلية بل باعتبار كسبهم إياه، وإن كان بخلق الله تعالى وارادته، وأيضاً يجوز أن تكون الإضافة للعهد على أنّ المراد بطغيانهم الطغيان الكاملى، ولا يخفى أنه فرّ من السحاب، ووقف تحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الميزاب، فإنّ الإضافة لا تدل على الكسب ولا على عدمه، ألا ترى أنك تقول عبد زيد وبلدة فإنّ موضوعها إنما هو الاختصاص التام بايّ طريق كان فالظاهر أن يقال أنه للإشارة إلى أنّ طغيان غيرهم في جنبهم كلا شيء لادّعاء اختصاصهم به، وهذا أنسب بطريق البلاغة، ومصداق الشيء ما يصدقه أي يحققه ويدلّ على إنه أمر واقع وهو بكسر الميم صيغة مبالغة كما يقال فلان منحار ومطعام، وقد يكون مصدراً واسم مكان وزمان كميعاد وميقات، وليس هذا بشيء فإنّ تعريف اللام والإضافة متقاربان وهو تفنن وسيأتي تفسير هذه الآية في سورة الأعرإف. قوله: (أو كان أصله يمد لهم إلخ) عطف على لما منعهم إلخ، وقيل أنه عطف على قوله من مدّ الجيش، ولا يخفى بعده وهو قول الجبائي من المعتزلة، وهو أحد التأويلات لما تعذر عنده إبقاؤه على ظاهره كما مرّ، وإليه ذهب الزجاج وتبعه البغوي، وغيره من المفسرين ورجح كونه بمعنى الإمهال لأنه في حد ذاته إحسان وخير وهو تعالى لا يمدّهم في الشرّ وقد مرّ ما فيه وإنّ الحذف والإيصال خلاف لأصل وإنّ كونه لا يتعدّى إلا بالحرف غير مسلم عند أهل اللغة فتذكره هـ قوله: (كي يتنبهوا ويطيعوا إلخ) هذا أيضاً من تتمة التأويل، وكلام المعتزلة فإنّ المدّ في العمر فعل الله تعالى حقيقة، وهو عندهم معلل بالإغراض! ، وجار على الوجه الأصلح الواجب عليه ليجري على وفق مصالح العباد فإمهالهم ليس للازدياد في المعاصي القبيحة حتى لا يسند إلى الله، وهذا وما بعده بناء على أنّ في طغيانهم ليس لغواً متعلقا بيمدّهم بل حال من ضميره أو متعلق بيعمهون مقدم عليه والجملة حالية، والمعنى أنه يمهلهم لينتبهوا وهم يزدادون طغيانا وعمى أو بمدهم من المدد أي يمدهم بالمال والبنين لأجل أن يصلحوا والحال أنهم بخلافه، وقد قيل على قوله كي ينتبهوا إلخ أنه لا يدل عليه اللفظ ولا السياق بل يدل على خلافه لأنّ قوله يمدهم معطوف على قوله يستهزىء بهم كالبيان له على أنّ الإمهال يكون للتنبيه والاسندراج والسياق يؤيد هذأ دون ذاك، والله تعالى عالم بعواقب أمورهم وأنهم لا ينتبهون فكيف يقصد خلاف ما يعلمه فإن أراد الاعتراض على المصنف فليس بوارد عليه لأنه ناقل لما قاله المعتزلة وان أراد بيان ما في نفس الأمر فلا ضير فيه، وقوله فيما ازدادوا إلخ الحصر مستفاد من المقام لا من حاق النظم. قوله: (أو التقدير يمدّهم إلخ) هذا جواب رابع للمعتزلة على أن يمدهم من المدد بإرشادهم للأدلة العقلية والنقلية، وافاضة ما يحتاجون إليه ليصلح حالهم واستصلاحا مبنيّ على مذهبهم في التعيل بالإغراض، والإستصلاح إرادة الصلاح، وقد قيل عليه إنه يلزم تخلف مراده تعالى، وهو مذهب المعتزلة وأمّا عندنا فمحال والكلام في تقرير مذهبهم فلا يضرنا، وأمّا أنه وارد على قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [صورة الذاريات: 56] إلا أن يراد البعض منهم، وهم السعداء فهو ساقط ولك أن تفسر الإستصلاح بطلب الصلاح، والطلب غير الإرادة عندنا، وأمّا الآية فلا يرد عليها شيء كما توهم لأنّ ما خلق له الجن! غير ما أريد منهم وسيأتي تفسيرها في محلها فلا حاجة لتلقي الركبان وقوله وهم مع ذلك إلخ قيل إنه إشارة إلى أنّ يعمهون خبر مبتدأ محذوف، وفي طغيانهم متعلق به أو بيمدهم والظاهر أنه بيان لحاصل المعنى من غير تقدير فيه، ويعمهون حال من منصوب يمدهم أو من مجرور طغيانهم أو هما حالان من ضمير يمدهم وان منعه بعضهم وقيل إنه إشارة إلى تقدير مبتدأ، وأنّ الجملة مستأنفة لبيان عدم انتفاعهم بما أمدهم الله تعالى به. قوله: (والطيغان إلخ) المصدر يكون مضموماً كشكران ومكسوراً كحرمان، وقد سمعا في مصدر اللقاء كما أشار إليه المصنف، وقال الراغب: الفرق بين الطغيان والعدوان أنّ العدوان تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه، والوقوف عنده، والطغيان تجاوز المكان الذي وقفت فيه، ومن أخل بما عين من المواقف الشرعية والمعارف العقلية فلم يرعها فيما يتعاطاه فقد طغى ومنه طغى الماء أي تجاوز الحد المعروف فيه قيل، وابغي طلب تجاوز قدر الاستحقاق تجاوزه أو لم يتجاوزه وأصله الطلب ويستعمل في التكبر لأنّ المتكبر طالب منزلة ليست له، وقوله عن مكانه عدى التجاوز بعن، وقد وقع مثله في كلامهم كما في عبارة الرضي والزمخشريّ السكاكيّ وقد اعترض! عليه السيد في حواشي الرضي فقال: جاوزت الشيء وتجاوزته بمعنى، وتجاوز عنه بمعنى عفا يعني أنّ المتعدي بعن، إنما هو بمعنى العفو والمغفرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 فهذه العبارة وأمثالها مخالفة لكلام العرب، وكأنه ضمن التجاوز معنى التباعد واليه ذهب كثير من الفضلاء، وقد وقع مثله في شعر من يوثق به ويجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه كقول أبي تمام في بعض قصائده: فلا ملك فرد المواهب واللها تجاوز لي عنه ولا رشأدفرد وقد تعرّض له الإمام التبريزي في شرحه، ولم ينتقده عليه وهو من أئمة اللغة وهذا مما لم يقف عليه المعترضون كما بيناه في حواشي الرضي تجاوز الله عنه. قوله: (والعمه في البصيرة كالعمى في البصر (ظاهره إنهما متباينان لاختصاص أحدهما بالباطن والآخر بالظاهر، وهو مخالف لقول الزمخشريّ العمى عام في البصر والرأي، والعمه في الرأي خاصة لأنه جعل بينهما عموماً وخصوصا مطلقاً وهو المشهور، وقد أيد بقوله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] ولك أن تقول في التوفيق بينهما إن العمه مخصوص بالقلب والعمى بالبصر بل بالعينين إذ لا يقال لفاقد أحدهما أعمى بل أعور، ثم تجوّز به لما في القلب وشاع حتى صار حقيقة عرفية لغوية، ولذا لم يذكره في الأساس في المجاز فإن نظرنا لأصل الوضع كانا متغايرين كما ذكره المصنف وان نظرنا للاستعمال، والحقيقة الثانية كان كما ذكره الزمخشريّ ولذا كان له صفتان أعمى وعم كحذر وتحقيقه كما في المصباح عمه في طغيانه عمها من باب تعب إذا تردد متحيراً، وتعامه مأخوذ من قولهم أرض عمهاء إذا لم يكن فيها إمارات تدل على النجاة فهو عمه، وأعمه وعمى عمى فقد بصره فهو أعمى، والمرأة عمياء والجمع عمى من باب أحمر، وعميان أيضا ويعدى بالهمزة فيقال أعميته ولا يقع العمى إلا على العينين جميعا ويستعار العمى للقلب كناية عن الضلالة والعلاقة عدم الاهتداء فهو عم وأعمى القلب، اهـ. وما قيل في التوفيق إنّ المصنف رحمه الله لم يرد اختصاص العمى بالبصر بل أراد بيان العمه بأنه صفة للبصيرة بمنزلة العمى في البصر لا طائل تحته، والدهر يرضى العمى بالعور. قوله: (وهو التحير إلخ) تحقيقه كما عرفته أنّ أصل العمه عدم الإمارات في الطرق التي تنصب لتدلهم من حجارة وتراب ونحوهما، وهو المنار، ثم تجوّز به عن التردّد والتحير مطلقا وصار هذا حقيقة ثانية واليه أشار ا! شيخان كغيرهما فأشارا بالتحير إلى المعنى المستعمل فيه وأشار بقوله وأرض إلخ إلى وصفه الأصلي فمن قال إنّ هذا من توصيف المحل بوصف من فيه لم يصب، وقوله: أعمى الهدى بالجاهلين العمه مصراع أو بيت من الرجز من أرجوزة طويل لرؤبة بن العجاج الراجز المشهور وقبله: ومخفق من أهله ونهله من مهمه أطرافه في مهمه وهو في وصف مفازة، وفي شرح الكشاف أي رلت مفازة لا تنتهي سعة بل أطرافها من جوانبها في مفازة أخرى أعمى الهدى أي أخفى المنار بالقياس إلى من لا دراية له بالمسالك جعل خفاء العلم عمى له بطريق الاستعارة، وقيل: أعمى صفة من عمى عليه الأمر التب! أي ملتيس الهداية إلى طرقها على من يجهل ويتحير فيها، وقد يقال أعمى فعل ماض أي أخفى طرق الاهتداء، والعمه بضم العين وتشديد الميم جمع عامه، وقال الطيبي رحمه الله: إنه جمع عمه أو عامه أي المهمة طريقه مشتبهة على الغيّ إذ ليس فيه جادّة أو منار يهتدي به، وقوله إنه جمع عمه أي أثبته أهل اللغة على خلاف القياس فيها وإلا فمفرده المطرد فاعل وفاعلة كركع، ولذا تركه غيره من الشراح. قوله: (تعالى أولئك الذبن إلخ) موقع هذا كموقع أولئك على هدى ومقابله لأنه بعد ذكر المنافقين وصفاتهم القبيحة المفصلة كأنه قيل من أين دخل عليهم هذه القبائح، ولم ينفعهم النذر والنصائح فأجيب بأنهم وإن استعدوا لغير ذلك فإنما خسر أولئك على ما مرّ لأنهم أبطلوا استعدادهم الفطري فاستبدلوا الهداية بالضلالة حتى خسرت صفقتهم، وفقدوا الاهتداء للطريق المستقيم ووقعوا في تيه الحيرة والضلال، ثم لا يخفى موقع الضلالة بعد العمه الذي أصله الضلال في القفار التي لا منار لها. وقال قدّس سرّه: إنّ هذه الآية تعليل لاستحقاقهم الاستهزاء الأبلغ والمد في الطغيان على سبيل الاستئناف أو هي جملة مقرّرة لقوله ويمدهم فتأمّل. قوله: (اختاروها عليه واستبدلوها إلخ) أدخل الاستبدال على المتروك الذي كأنه كان في يده فتركه وعدى الإشتراء بنفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 للنأخوذ المختار، وسيأتي تفصيله وحرك واو اشتروا لالتقاء الساكنين، وجعلت الحركة ضمة لمناسبة الواو فهي عليها أخف من الكسرة، وقال الفرّاء: إنها حركت بحركة المحذوف قبلها والاشتراء مجاز، وهو أمّا مجاز مرسل لأنّ الإشتراء استبدال خاص أريد به المطلق أو استعمل في لازمه، ويجوز أن يكون هذا مراد الزمخشريّ بالاستعارة لأنها تستعمل بمعنى المجاز مطلقاً، وتسمى استعارة لغوية، وذهب بعض شراح الكشاف إلى أنها ألاستعارة المتعارفة لتشابههما في الإعطاء والأخذ، ولا يضر كونه جزء المعنى كما توهم لأنّ وجه الشبه كما يكون خارجا يكون داخلا كما صرّج به أهل المعاني، وجوّز فيه بعضهم أن يكون استعارة مكنية وتخييلية بأن تشبه الضلالة بالمبيع والهدى بالثمن تشبيهاً مضمراً في النفس بجامع الاختيار فيهما، ويجعل الإشتراء قرينة له تخييلية، ثم إنّ ما ذكره المصنف رحمه الله هو ما في الكشاف بعينه حيث قال: ومعنى إشتراء الضلالة بالهدى اختيارها عليه واستبدالها به على سبيل الاستعارة، وما قيل، عليه من أنه كان الأحسن والأليق بما سيأتي أن يقول المصنف إسنبدلوها به أو أختاروها عليه بالعكس، واستعمال أو مكان الواو ليس بشيء لأنّ المراد أنهم جمعوا بين الإختيار والإستبدال فلا وجه للعطف بأو، وقدّم الاختيار لأنه المراد في الحقيقة وما سيأتي شيء آخر سيأتي بيانه. قوله: (وأصله بذل الثمن إلخ) الثمن العوض، وهو أعمّ من القيم لأنها المثل المقاوم له وإن استعملت بمعناه أيضا، والناض بنون وضاد معجمة مشدّدة المراد به النقد وهو الدراهم والدنانير، ويستعمل بمعنى الناجز قال ابن القوطية: نض الشيء حصل والناض من المال ما له مدة وبقاء، وأهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير نضاً وناضاً، والأصل في عبارة المصنف رحمه الله بمعنى الحقيقة لأنه أحد معانيه المستعه لى فيها وفيه إشارة إلى أنّ ما فسره به أولا معنى مجازي له والأوّل أولى، وهذه قضية اتفاقية فإن وجود النقد في أحد الجانبين يعينه للثمنية والإشتراء عرفا وشرعا، فما قيل عليه من أنّ كون أحدهما ناضاً لا مدخل له في تسميته بذل الناض إشتراء لإبتنائه على وضع الشراء لبذل الثمن من ترك ما يعني للاشتغال بما لا يعني، وقوله: من حيث إنه لا يطلب إلخ تعليل لثمنيته أي لكونه غير مقصود لذاته إذ لا ينتفع به في نفسه، ولذا جاء في الحديث الدراهم والدنانير خواتيم الله في أرضه وهو من جوامع الكلم، وقوله وبذله إشتراء بنصب إشتراء إن عطف على اسم كان المستتر، وخبرها للفصل أو بالرفع مبتدأ وخبر، وقوله والا إلخ أي وان لم يكن نقد فيجوز جعل كل من الطرفين ثمناً، وهذا برمته مأخوذ من كلام الراغب في مفرداته، وخرج بقيد الأعيان المعاني كالمنافع في الإجارة، وأن يكون فاعل تعين ومن حيث متعلق به، وقيل إعتراض. قوله: (ولذلك عدّت الكلمتان إلخ) المراد بالكلمتين البيع والشراء وما شاركهما في المادّة وذلك إشارة لما ذكر ولما دلّ عليه الكلام من دلالة أحدهما على البذل والإعطاء، والآخر في الأخذ الذي يقابله واستعمال كل منهما في مكان الآخر على البدل، والأضداد جمع ضدّ، والمراد بها عند الإطلاق في اللغة إذا قالوا هو من الأضداد كلمات وردت في كلام العرب موضوعة بالاشتراك للضدين كالجون الموضوع للأبيض والأسود، وفي قوله عدت إشارة إلى أنّ بعض أهل اللغة ذكر ذلك إلا أنه في الحقيقة ليس منها لأنّ كلا منهما إنما أطلق عى الطرفين باعتبار تثابههما لا باعتبار تضادّهما، وفي المصباح إنما ساغ أن يكون الشراء من الأضداد، لأنّ المتبايعين تبايعا الثمن والمثمن فكل من العوضين مشترى من جانب مبيع من جانب، اهـ ومن لم يقف على المراد قال: لم يلزم مما ذكر كونهما من الأضداد بل يلزم منه أن يكون الشراء بذل الثمن والبيع أخذه ولا يلزم أن يكون لكل منهما معنيان أحدهما ضد الآخر وهو غنيّ عن الردّ. قوله: (ثم استعير للإعراض إلخ) قد مرّ بيان معناه وأنه من أيّ أنواع المجاز، وقد صرّح أولا بأنّ معناه الحقيقيّ مختص بالأعيان وهذه الحقيقة عرفية لغوية، وقوله سواء كان اسم كان المستتر راجع لما قبله من مدلول ما الموصولة وغير الدالة على مقابلة لتأويله بالمذكور، ونحوه لا لكل منهما على البدل كما قيل لأنّ مثله إن سلم صحته فخلاف الظاهر في الضمائر، وما ذكر سائغ صحيح وقد صرحوا بأنّ الضمير قد يجري مجرى اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الإشارة. قوله: (أخذت بالجمة رأساً أزعرا إلخ) في شرح الفاضل المحقق الجمة أي بضم الجيم وتشديد الميم مجتمع شعر الرأس، والأزعر افعل من الزعر بزاي معجمة، وعين وراء مهملتين الأصلع، وفي الصحاح الدردر بضمتين مغارز أسنان الصبي، وقيل إنّ المراد هنا الأسنان الساقطة الباقية الأصول من الدرد بالفتح تحات الأسنان إلى الأسناخ أي انهيارها وإنفتاتها إلى الأصول، والعمر عطف بيان للطويل وفي حواشي شيخ الإسلام الحفيد الظاهر أن يقال مغرز لأنّ الدردر واحد جمعه الدرادر على ما في الصحاح ألا ترى أنّ الفاضل اليمني قال الدردر: قيل هو جمع الدردإر فكتب قدس سرّه في الحاشية الصواب هو واحد الدرادر اهـ. (أقول) الباء في قوله بالجمة إلخ باء البدلية أي استبدلت بالشعر التام الكثير شعر رأس أصلع وبالثنايا الحسنة الواضحة ثنايا مكسورة أو ساقطة، وبالعمر الطويل عمراً قصيرا وهو كناية -عمن يبدل شبابه بمشيبه، وهذا استبدال لأمر سنيّ حسن بأمر حقير قبيح كاستبدال الرجل المسلم إذا ارتد إسلامه بكفره، وهذه الأبيات لأبي النجم الشاعر المذكور من أرجوزة له رائية والمراد بالمسلم المتنصر جبلة بن الأيهم الغساني، وكان وفد على عمر رضي الله عنه وأسلم وهو ملك فكتب عمر رضي الله عنه إلى أجناد الثام أي نواج لها إنّ جبلة ورد إليّ في سراة قومه وأصبلم فأكرته، ثم سار إلى مكة فطاف فوطيء إزارة رجل من بني فزارة فلطمه جبلة لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه فشكاه إلى عمر رضي الله عنه فقال له: إمّا العفو وامّا القصاص فقال أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة فقال له قد سوّى بينكما الإسلام فسأله التأخير إلى الغد فأمهله فلما أتى الليل هرب مع قومه إلى الشام، وارتد وكان كما يقال ندم بعد ذلك وقال شعر ابن أمية: فيا ليت أمي لم تلدني وليتني صبرت على القول الذي قالى عمر والجيذر كضيغم بجيم وياء مثناة تحتية يليها ذال معجمة أو مهملة، ثم راء مهملة. وفي القاموس مجذر كمعظم القصير الغليظ الشثن الأطراف كالجيذر أو هذه بالمهملة ووهم الجوهريّ يعني في إعجامه كما في الذيل والصلة من أنه جتذرا وجتدر بمثناة فوقية أو مهملة، وفي حواشي الصحاج لابن بري قال أبو سهل: الهروي الإعجام تصحيف، والصواب الجيدر بدال مهملة هذا ما رأيته في كتب اللغة بعد كثرة مراجعة الدفاتر من غير اختلاف في المثناة التحتية ثانية وإنما الخلاف في الإعجام والإهمال، وفي حواشي القاضي للجلال السيوطي الجبذر بالجيم والموحدة والذال المعجمة القصير ولولا حسن الظن به قلت إنه تصحف عليه فإنه مما لم يقله أحد من أهل اللغة، وتعريف المسلم كما اتفق عليه الشراح للعهد، ثم إنّ اكتراض الفاضل المذكور على تفسير الجوهريّ الدردر بالمغارز وأنّ صوايه الإفراد لا وجه له فإنه وان كان مفرداً يستعمل بمعنى الجمع كما في البيت المذكور، ومثله كثير في أسماء الأبخناس، ثم إنهم ردّوا على ما ذكره الفاضل اليمني، ولا يرد ما أوردوه عليه أيضاً لأنه ناقل له وهو ثقة ولا مانع من كون الدردار كسلسال مفردا والدردر اسم جمع له، وأيضا قوله إنّ العمر عطف بيان خلاف الظاهر إذ المتبادر أنه مضاف ومضاف إليه كزيد الطويل النجاد، وفي الشعر لطيفة أدبية لم ينبهوا عليها وهي أنه إذا كان المراد بالمسلم جبلة، وسبب ردّته لطمه للبدوي لطمة أسقعمت أسنانه ففيه مناسبة لقوله: وبالثنايا الواضحات الدردرا وما ذكروا أن أمل ما فيه من الإسهاب، فهو مغتفر بما أهداه من لطائف الآداب، والحمد لله الهادي لصواب الصواب، وقوله إذا تنصر أي ارتد ودخل في دين النصارى بدل من المسلم كقوله {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ} [مريم: 16] . قال ابن الصائغ شبه حال صباه بالإسلام وحال شيخوختة بالكفر ومما يضاهيه قوله: أورد قلبي الرد لام عذا ربدا أسود كالفكر في مثل بياض الهدى قوله: (ثم اتسع فيه إلخ) يعني أنّ أصله في عرف اللغة وحقيقته كان استبدال الأعيان بالأعيان، ثم استعمل مجازا لما يعم العين والمعنى، ثم توسعوا فيه فأرادوا به مطلق الرغبة عن شيء سواء كان عيناً أو لا في يده أو لا طمعاً في غيره سواء حصل ذلك الغير أو لا وضمير فيه للإشتراء المفهوم من السياق، وهذا أعمّ مما قبله إذ لا يعتبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 فيه التحصيل بل مجرّد الطمع، وهذا إطلاق على إطلاق والمتبادر منه أنه مجاز على مجاز والتوسع مناسب له وهم قد يستعملونه لمطلق التجوّز، وقد يراد به ما هو قريب من الحقيقة كالتفسح والتمسح، وما قيل من إنه يقال لما لم تقم عليه قرينة ليس بشيء والقرينة هنا معمولاه. قوله: (والمعنى أنهم أخلوا بالهدى إلخ) هذا تحقيق لمعنى النظم بعد بيان معنى الإشتراء على وجه يعلم منه ما في الكشاف حيث قال: فإن قلت كيف (اشنروا الضلالة بالهدى) وما كانوا على هدى قلت جعلوا لتمكنهم منه واعرضه لهم كأنه في أيديهم فإذا تركوه إلى الضلالة فقد عطلوها واستبدلوها به، ولأنّ الدين القبم هو فطرة الله التي فطر الناس عليها فكل من ضل فهو مستبدل خلاف الفطرة والضلالة الجور عن القصد، وفقد الاهتداء يقال ضل منزله وضل دريص نفقه فأستعير للذهاب عن الصواب في الدين، وقال قدّس سرّه: الجواب الأوّل أنهم لما كانو! متمكنين منه تمكناً تاما بعد التكليف به، وتيسير أسبابه أستعير ثبوته لهم لتمكنهم منه فإنّ العبارة تدلّ على ثبوت الهدى لهم والمراد تمكنهم، وأمّا الحمل على جعل الهدى مجازا عن تمكنه فمما يأباه ظاهر كلامه. والجواب الثافي أنّ المراد بالهدى هو الهدى الذي جبلوا عليه، وقد كانوا على هذا الهدى بلا شبهة، ثم استبدلوا به الضلالة فلا مجاز في ثبوت الهدى لهم بل في لفظ الهدى إن لم تكن الفطرة مندرجة في حقيقته، وهو ردّ على قول الشارح المحقق جعل تمكنهم من الهدى بعد التكليف به بمنزلة تملكهم إياه فيكون التجوز في نفس الهدى حيث أريد به التمكن منه، أو في نسبته إليهم حيث استعير ثبوته لهم لتمكنهم منه وإذا أريد الهدى الذي جبلوا عليه فلا مجاز أصلا أو هو في الهدى فقط إن كان، وقد قيل عليه إنّ أوّل كلامه يشعر بأنّ الإسناد مجازي، وآخره بأنّ التجوّز لغوي وكلاهما غير ظاهر وصحة الكلام مقتضية لإسناد الضلالة والهدى إليه. (أقول) لله در الفاضل المحقق فيما أبداه فإنّ العلامة لما قرّر التجوّز في الإشتراء، وأنه بمعنى الاختيار والاستبدال فورد عليه أنّ استبدال الشيء بشيء يقتضي أن يدخل كل منهما تحت حيازة تصرفه، وهم لم يجوّزوا الهداية في الواقع كما ينادي عليه قوله، وما كانوا مهتدين أجاب عنه بوجهين إمّا جعل التمكن من الشيء بمنزلة حصوله، أو يراد بالهدى الهدى الجبليّ فإنّ كل مولود يولد على الفطرة فأشار المحقق رحمه الله إلى أنه إذا نزل التمكن منزلة التملك يجوز، أن يقال إنّ ما بالقوّة جعل كأنه بالفعل فالتجوّز في الهدى كما يسمى العصير مسكرا، أو في النسبة أي نسبة الفعل إلى مفعوله لأنّ معناه بدّلوا الهدى أي بدلوا تمكنه لهم فتركوه، والتجوّز في الإسناد بناء على الظاهر من لفظ الإشترإء وهو لا ينافي التجوّز اللغوي في الظرف كما مرّ، ول! في التجوّز في النسبة من الخفاء أخره، وقوله إنه إذا أريد ما جبلوا عليه فلا مجاز يعني به أنّ إطلاق الهداية على ما في الجبلة، وهو أمر معنوي غير محسوس يكفي في تحقق حقيقة ثبوته في نفس الأمرظهر أم لا كما سيأتي بيانه، وإن قيل إنه لا بد في تحققه من قيامه بهم بالفعل إذ لا يسمى ال! لم قبل وجوده في الذهن مثلا علما، والهدى ليس كذلك فهو مجاز، وهو الظاهر فإنكاره قدس سرّه التجوّز فيه، وادّعاء أنّ كلام الكشاف يأباه لا يسلم بسلامة الأمير، ثم إنه على التجوّز الظاهر أنه من قبيل ضيق فم الركية وبما قرّرناه لك ظهر اندفاع ما أورده عليه من إضطراب كلامه كما سمعته آنفاً، وأمّ كلام المصنف رحمه الله فتقريره إنه لما جعله مجازاً في المرتبة الثانية عن الرغبة عن الشيء بتركه طمعاً في تحصيل غيره، وهم قد رغبوا عن الهدى طمعاً في علو أمرهم، ونفاق نفاقهم واختاروه فاشتروا مجاز، وحاصل معناه مع متعلقاته ما ذكره المصنف أي تركوا الهداية مائلين عنها إلى الضلالة، والغواية وجعل الوجهين وجهاً واحدا لأنّ الهدى المركوز في الجبلة، والفطرة إن لم يكن هدى حقيقياً يرجع إلى الهدى المتمكن منه فما قيل من إنّ ملخص كلام المصنف رحمه الله أنّ المراد بالهدى الهدى الذي جبلوا عليه لا الخارج إلى الفعل إمّا أنّ ذلك هدى حقيقة، أو مجازاً ففيه توقف من الفحول، وقوله واختاروا الضلالة إشارة إلى جواب آخر، وهو أنّ الإشتراء ليس عبارة عن الاسنبدال بل عن الإستحباب والأوّل مبنيّ على حمل الإشتراء على مقتضى الإتساع الأوّل، والثاني على حمله على مقتضى الإتساع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الثاني على ما فيه من التكلف ليس بمراد له لمن تأمّله حق التأمّل، ثم إنه كان الظاهر على هذا أو بدل الواو كأنه وقع في نسخته كذلك كما وجدناه. قوله: (واختاروا الصلاة إلخ) تقدم تفسيره، وأن المختار أنه مع ما قبله وجه واحد. وفي عدم ذكره الإستبدال في بيان المعنى المراد إشارة إلى أنه غير مقصود بالذات، وأنّ ما! معنى اشتروا اختاروا الضلالة على الهدى والاستبدال ملحوظ في معناه الأصلي ليتعلق به باعتباره الباء، ولذا أخره في التفسير ولم يعطفه بأو إلا أنه بقي ههنا أمور. (مئها) أنّ حقيقة الإشتراء استبدال عين بعين على جهة العوضية المعروفة فلو تجوز به ابتداء عن اختيار أمر على آخر لأنه لازم له أو مشابه له من غير توسيع للدائرة، وتطويل للمسافة كما فعله الزمخشريّ. كان أهون وأحسن. (ومنها) أنه وقع في بعض شروح الكشاف كلمات واهية كما قيل إنّ جواب الفطرة لا يطابق السؤال، وهو أنّ المنافقين لم يكونوا على هدى فكيف استبدلوا الضلالة به، والمراد بالفطرة السلامة عن الاعتقادات الفاسدة والتهيؤ لقبول الحق، وأجيب بأنّ المراد أنّ مآل الفطرة إلى الهدى فهي على نهج أعصر خمرا، وفيما قدمناه لك غنية عما ذكر فتدبر. (ومنها) أنه قيل هنا إن حمل الهدى على الفطرة الأصلية الحاصلة لكل أحد يأباه أنّ إضاعتها غير مختصة بهؤلاء، ولثن حملت على الإضاعة التامّة الواصلة إلى حدّ الختم على القلوب المختصة بهم فليس في إضاعتها قط من الشناعة ما في إضاعتها مع ما يؤيدها من المؤيدات العقلية، والنقلية على أنّ ذلك يفضي إلى كون ما فصل في أوّل السورة إلى ههنا ضائعا، وأبعد منه حمل اشتروا الضلالة بالهدى على مجرّد اختارها عليه من غير اعتبار كونها في أيديهم بناء على أنه يستعمل اتساعا في إيثار أحد الشيئين الكائنين في شرف الوقوع على الآخر فإنه مع خلوّه عن المزايا المذكورة مخل برونق الترشيح الآني. (أقول) قد ذكر قبل هذا بعد تقرير التجوّز تقريب ما ذكروه أنه ليس المراد بما تعلق به الاشتراء ههنا جن! الضلالة الشاملة لجميع أصناف الكفر حتى تكون حاصلة لهم من قبل بل هو فردها الكامل الخاص بهؤلاء على أنّ اللام للعهد، وهو عمههم المقرون بالمد في الطغيان المترتب على ما حكي عنهم من القبائح، وذلك إنما يحصل لهم عند اليأس عن اهتدائهم والختم على قلوبهم، وكذا ليس المراد في حيز الثمن نفس الهدى بل التمكن التامّ منه بتعاضد الأسباب، وبأخذ المقدمات المستتبعة له بطريق الاستعارة كأنه نفس الهدى بجامع المشاركة في استتباع الجدوى ولا مرية في أنّ هذه المرتبة من التمكن، كانت حاصلة لهم بما شاهدوه من الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة من جهة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبما سمعوه من صالح المؤمنين التي من جملتها ما حكي من النهي عن الإفساد في الأرض والأمر بالإيمان الصحيح، وقد نبذوها وراء ظهووهم وأخذوا بدلها الضلالة الهائلة التي هي العمه في تيه الطغيان، وهو كما قيل: قعاقع) 1) ماتحتهاطائل! نها! مر أبي ورد وهو على طرف الثمام لأنه ناشىء من الغفلة عن معنى الإشارة فإنها تقتضي ملاحظتهم لجميع ما مز من الصفات والمعنى أنّ الموصوفين بالنفاق المذكور هم الذين ضيعوا الفطرة أشد تضييع بتهويد الأبناء، ثم بعدماظ فروا بها أضاعوها بالنفاق مع تحريضهم على المحافظة عليها، ونصحهم شفاهاً ونحوه مما لا يوجد في غيرهم كما يشير إليه تعريف الطرفين وأقي تضييع للمزايا وكل ما ذكرونا موجود في كلامهم بغير إسهاب ممل، وأمّا الترشيح المذكور فيكفي له وجود لفظ الإشتراء، وان كان المعنى المقصود غير مرشح به كما هو العادة في أمثاله. قوله: (ترشيح للمجارّ إلخ) أصل معنى الترشيح وحقيقته الوضعية خروج البلل والقطر الصغار مما يشتمل على شيء مائع ماء كان أو لا وعاء كان أو غيره كالضرع، وفي المثل: وكل إناء بالذي فيه يرشح ولا يختص بالجلد من الحيوان كرشح الجبين ورشح الفرب، وإن كان في بعض كتب اللغة ما يوهمه، ثم إنّ العرب كنوا به عن تربية الأمّ ولدها لأنها ترشحه بلبنها قليلا قليلا فقالوا رشحت الغزالة ولدها إذا عودته المشي معها، ورشحت الأمّ ولدها باللبن إذا جعلته في فيه شيثا فثيثا حتى يقوى على مصه، ثم تجوّزوا به تجوّزا مبنيا على الكناية عن مطلق التربية، والتهيئة لأمر مّا فقالوا فلان ترشح للوزارة إذا تأهل لها، ثم نقله أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 المعاني لما يلائم المعنى المجازي غير القرينة المعينة، والظاهر أخذه من الأخير لما فيه من تقوية المعنى المجازي وتربيته وتحقيق معناه في إصطلاحهم إنه لفظ يذكر مع المجاز يناسب معناه المراد منه ظاهر المعنى المجازي سواء تقدّم أو تاخر، وسواء كان مستعملا في معناه الحقيقي أم لا وسواء كان المجاز استعارة كرأيت في الحمام أسدا ذا لبد أو مجازاً مرسلا نحو له في الكرم يد طولى، وقد يصحب التشبيه، والتجريد يد على كلام فيه مفصل في الرسالة الليثية وشرحها ومن أراده فليرجع إلى كتب المعاني. (وأعلم) أنّ المدقق قال في الكشف هنا أنّ التعقيب بالملائم قد يكون تبعاً لاستعارة الأصل لأوجه له غير ذلك، كما في قولك رأيت أسدا وافي البراثن عظيم اللبدتين لا يقصد بذلك إلا زيادة تصوير الشجاع بأنه أسد كامل، وهو حقيقة لا يذهب به إلى شيء كالبراثن واللبدة، وقد يكون مستقلا مع الملاءمة كما في قوله: ولما رأيت النسر إلخ وكما في هذه الآية وهذا القسم أعجبها لتقاطر ماء الفصاحة منه وترشحها، وقد يكون بين بين بأن يكون مجازاً مبنيا على الأول ولا يحسن بدونه كقوله: وما أمّ الردين وإن أدلت بعالمة بأخلاق الكرام إذا الشيطان قصع في قفاها تنفقنماه بالحبل التوام فإنّ تقصيع الشيطان تمثيل على سبيل الاستعارة لإساءة الخلق وما يتبعها من تغير الهيثة والخلقة، والتنفق مثل للاجتهاد في إزالة غضبها لكن لولا استعارة التقصع من القاصعاء، أو لا لم يصح استعارة التنفق من النافقاء، والحبل التوأم من تتمة التنفق وفيه لطف آخر فليكن هذا أصلا محفوظا عندك فلقد اشتبه على كثير من الكبراء، اهـ. وحاصله أنّ الترشيح ثلاثة أقسام ما المراد به حقيقتة، ولم يذكر إلأ لأجل الترشح وما هو استعارة في نفسه حسنة مع أنه ترشيح وما هو استعارة تابع لاستعارة أخرى لولاها لم يحسن، وخير الأمور أوسطها وهو كلام حس. قوله: (لما استعمل الاشتراء في معاملتهم إلخ) يعني أنه تجوّز بالإشتراء كما مرّ وعبر بالمعاملة ليشمل الوجوه السابقة مع ما في لفظ المعاملة بمعناها العرفي المعروف من مناسبة البيع والشراء وفيه لطف ظاهر، ويثاكله بمعنى يثابهه ويناسبه وتمثيلا تصويراً وهو تمييز أو مفعول لأجله والخسار بفتح الخاء الخسران الفعروف حقيقته ومجازه أي المقصود الأصلي من الترشيح في الآية تصوير ما فاتهم من نفع الهدى بصورة خسار التجار حتى كأنه هو بعينه مبالغة في تخسيرهم في هذأ الإستبدال، ووقوعهم في أشنع الخسار الذي يتحاشى عنه أولو الأبصار لا تصوير ألاستبدال بصورة التجارة فإنه وسيلة إلى ذلك المقصود، وفي قوله تمثيلا إشارة إلى أنه استعارة مرشحة للاستعارة الأخرى وليس من الترشيح الصرف المتبادر منه عند الإطلاق، وفي لفظ الخسار إشارة إلى أنّ عدم الربح عبارة عن الخسران وان كان أعم والمسند إلى التجارة عدم الربح لا الربح، ثم أدخل عليه النفي فإنه ليس من المجاز في شيء، وتحقيقه ما ذكره المحقق في بحث الرؤية من شرح المقاصد أنّ الكلام المشتمل على نفي وقيد قد يكون لنفي التقييد، وقد يكون لتقييد النفي فما ضربته تأديباً بل إساءة سلب للتعليل، والعمل للفعل وما ضربته إكراماً له أي تركت ضربه تعليل للسلب، والعمل للنفي وعلى هذا الأصل يتبنى أنّ النكرة في سياق النفي إنما تعم إذا تعلقت بالفعل لا بالنفي، وأنّ إسناد الفعل المنفي إلى غير الفاعل والمفعول يكون حقيقة إذا قصد نفي الإسناد مثل ما نام الليل بل صاحبه ومجازا إذا قصد إسناد المنفيّ مثل ما نام ليلي بمعنى سهرت وما ربحت تجارته بمعنى خسرته، وهذا يجري في المجاز العقلي واللغوي ويجري في غير النفي كالنهي والشرط، والأمر كما فصله وما قيل عليه من أنّ حقيقة الإسناد إسناد الشيء إلى ما هو له فلا يكون نفي الإسناد حقيقة ليس بوارد لما سيأتي وبينهما فرق مقرّر. (فإن قيل) إسناد النفي لازم لنفي الإسناد وهو المراد فتتحقق الحقيقة إذ المجاز إسناد النفي الذي بمعنى الإثبات كإسناد نفي الربح بمعنى إسناد الخسران. (قبل الا فرق حينئذ بين السالبة والمعدولة عندهم إلى آخر ما ذكره هنا، وهذا مما يتراءى بحسب جليل النظر بناء على أنّ السالبة لا حكم فيها أصلا كما صزح به في كتب الميزان قال القطب: في مبحث القضايا من شرح الشمسية لا يقال السوالب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 الحملية والمتصلة والمنفصلة على ما ذكرتم يرفع فيها الحمل والإتصال والانفصال فلا تكون حملية أو متصلة أو منفصلة لأنها لم يثبت فيها الحمل والاتصال والانفصال لأنا نقول ليس إجراء هذه الأسامي عليها بحسب مفهوم اللغة بل بحسب الاصطلاح. (أقول) كذا قرّروه هنا من غير نكير وهو عندي في غاية الخفاء والإشكال فإنهم اتفقوا على أنّ الحكم إسناد أمر إلى آخر إيجاباً أو سلبا فإذا كان في السوالب حكم بالاتفاق وإلا لم يكن خبراً محتملا للصدق والكذب وهو بديهيّ البطلان والحكم أيضاً مستلزم للحمل أو الاتصال " أو الانفصال بديهة فقولهم اجس فيها شيء من ذلك مناقض لهذا فلا بدّ من التوفيق بينهما ولا يكون ذلك إلا بتسلييم إسناد النفي له أو عنده وهذا غير مستلزم لما توهموه من عدم الفرق بين المعدولة والسالبة فإن المعدولة فيها النفي جزء من أحد الطرفين أو منهما وهذا نفي للنسبة الحكمية مع قطع النظر عنهما والفرق بينهما ظاهر وإنما بسطت الكلام في هذا المقام لأني لم أر له تفصيلاَ شافياً للصدور فعليك بالتأمّل الصادق فإنه المخلص لك من مثل هذه المضايق ثم إنهم قالوا إنّ عدم الربح جعل كناية عن الخسران لأنه وإن كان أعم منه إلا أنّ التجارة تستلزم غالبا عملا واتلافاً فإن لم يربح لم يخل من الخسران لأنّ المال غاد ورائح معد لآفة النقصان فإن قلت إن كان رأس مالهم الهداية وقد استبدلوها بالضلالة فقد فقد رأس المال فضلاَ عن الخسران قلت هذا بناء على أنهم عدوا ما نالوه في الدنيا عوضاً عنه أو أنه اكتفي في توبيخهم بالخسران فكيف ما هم عليه من عدم رأس المال ولله در القائل: إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير وأجب فوله: ولما رأيت النسر عز ابن دأية وعشش في وكريه جاش له صدري) النسر طائر معروف وأقواه الأبيض ولذا شبه به الشيب وإن كان الأحسن الأشهر تشبيهه باليوم كقوله: أيا بومة قد عششت فوق رأسه وابن دأية الغراب وهو علم جن! له ممنوع من الصرف وإنما صرفه الشاعر هنا للضرورة وقد استعير ههنا للأسود من الشعر الذي في سن الشباب وسمي الغراب ابن دأية لأنه يقع على دأية البعير الدبر والدأية اسم لموضمع الرحل والقتب من ظهره فينقرها فنسب إليها لكثرة ما يرى عليها أو هي الفقار وهي تغذوه كما تغذو الأمّ وقيل سمي به لأن أنثاه إذا طارت عن بيضها حضنها الذكر فيكون كالداية للأنثى والعرب تقول إذا أرادت تكذيب أحد تعريضا غراب ابن دأية وحديث ابن دأية وحدّثه بذلك ابن دأية كما في كتاب المرصع فيجوز أن يراد هنا أيضا أنّ الصبا لسرعة زواله كاضغاث الأحلام وخرافات اكاذيب والأوهام وهو حسن ورشح إحدى الاستعارتين بالأخرى كما رشح بالتعشيش وهو أخذ العش أو اتخاذه وهو الوكر أو بينهما فرق فإنّ الأوّد ما كان من العيدان والثاني ما كان في الجدران ونحوها أو الثاني ما يعد لحفظ البيض والفراخ والتعشيش كناية عن حلوله فيه وعز بمعنى غلب وقهر ومنه العزة لأنّ العزيز من شأنه ذلك وجاس من جاشت القدر إذا غلت وهو هنا كناية أو مجاز عن ارتفاع الأنفاس والاضطراب والترشيح في البيت كالآية ليس من الترشيح المشهور كما أشرنا إليه قبل والنسر يصيد الغراب ويقتنصه كثيرا ووكراه جانبا رأسه أو رأسه ولحيته وقيل طرفا لحيته وزعم بعضهم أنّ الغراب له وكران صيفيّ وشتويّ ولو قيل إنه وصف الكهولة واختلاط الشعر الأبيض بالأسود واحاطته بجانبيه لم يبعد وقوله جاش له صدري خارج عن الاستعارة ولو قال بدله طار له صبري كان أحسن كما قلت: وافى لوكر غرابه سحرا يوما فطارالصبرمن صدري قوله: (طلب الريح بالبيع والشراء إلخ) فيه تسامح لأنّ التجارة كما قال الراغب التصرّف في رأس المال طلبا للربح وفي المصباح ولا يكاد يوجد تاء بعدها جسيم الانتج وتجر والرتج وهو الباب وأرتج في منطقه وأمّا تجاه وتجيب وتجوب فأصلها الواو فلا ترد نقضاً والفضل معناه الزيادة كالشف بالفتح والكسر إلأ أنّ هذا يكون بمعنى النقصان ولذا عده بعض اللغويين من الأضداد ويقال أشف بعض أولاده على بعض إذا زاد عليه ورأس المال بمعنى أصله استعارة صار فيه حقيقة عرفية. قوله: (وإسناده إلى التجارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وهو لأربابها) أي أصحابها، وهم التجار فهو من المجاز اللاغلي وأصله ربحوا في تجارتهم وأورد عليه أنّ الربح الفضل على رأس المال، وهو صفة للتجارة لا للتاجر. (وأجيب) بأنّ هذا معناه في الأصل، ثم نقل إلى تحصيله إذ هو بذلك المعنى لا يصلح أن يكون مصدراً لاتجر وهو المقصود بالتفسير وفيه ما لا يخفى إذ لو كان الفضل معنا. الأصلي لم يكن الإسناد مجازياً فالقاهر أن يقال إنهم تسمحوا في تفسيره بالفضل نظرا إلى حاصل المعنى المراد منه هنا وحقيقته الأفضال لا الفضل، قال الأزهريّ: ربح في تجارته إذا أفضل فيها وكذا نقله في المصباح، ثم إنّ المصنف رحمه الله جعل المسند الربح، وفي الكشاف إسناد الخسران إلى التجارة من الإسناد المجازي، وقد قيل عليه أنّ حقه أن يقول كيف أسند الربح كما ذكر. المصنف رحمه الله لأنّ النفي لا مدخل له في الإسناد فالفعل إذا أسند إلى غير فاعله لملايسة بينهما كالنوم إلى الليل كان مجازاً عقليا سواء كان الإسناد مثبتاً أو متقياً فقولك نام ليلي، وما نام ليلي كلاهما مجازان لأنّ النوم قد أسند فيهما إلى غير ما هو له إمّا بطريق الإثبات، أو بطريق النفي، ورد بأنه ليس بشيء لأنّ نسبة الفعل قد تكون ثبوتية، وقد تكون سلبية وكل واحدة منهما تعتبر في نفسها ألا ترى أنك إذا قلت ما ربحت التجارة بل التجار لم يكن هناك مجاز أصلاَ، وعلى هذا فحقه أن يقول كيف أسيند عدم الربح إلا أنه عدل عنه تنبيهاً على أنّ عدم الربح هنا كناية عن الخسران، وإن كان أعئم منه، ثم أسند وأشار بذلك إلى أنه لو اقتصر على عدم الربح كان منسوبا إلى ما هو محله فلا مجاز، نعم إذا كنى به عن الخسران وأسند إلى التجارة كان مجازاً وفائدة هذه الكناية التصريح بانتفاء مقصود التجارة مع حصول ضده بخلاف ما لو قيل فخسرت تجارتهم، وفي االحال فيما إذا قلت ما صام نهاره بمعنى أفطر وما نام ليله بمعنى سهر فإنه يكون من قبيل المجاز، وان قصد بهما نفي الصوم عن النهار والنوم عق الليل فقط كما في قولك ما صام النهار وما نام الليل لم يكن منه قطعاً، والضابط أنّ الفعل إذا نفي عن غير فاعله، وقصد مجرّد نفيه عنه كان حقيقة، وإذا أوّل ذلك النفي بفعل آخر ثابت للفاعل دونه كان مجازاً، ثم إنه قيل هنا إنّ ما ذكره قدّس سرّه من قصد مجرّد النفي إنما يصح إذا لم توجد قرينة صارفة وقد وجدت هنا فانّ قوله {اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ} إلخ، وقوله {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} في الدلالة على التجوّز كنار على علم، ثم إنه جعل النسبة السلبية كناية عن الخسران لقوله تمثيلاَ لخسارهم لأنّ عدم الربح وان كان أعمّ من الخسران نظراً لمفهومه فهو مساو له بحسب المادّة، فظهر أنّ المصنف رحمه الله يخالف كلامه ما في الكشاف بناء على الظاهر المتبادر منه من إرجاع ضمير إسناده إلى الربح فإن أرجع إلى الخسار المذكور في قوله تمثيلا لخسارهم وافقه لكن الأوّل هو الأولى، وأن اختار بعضهم الثاني، وفي شرح التأويلات إنّ نفي أحد الضدّين إنما يوجب إثبات الآخر إذا لم يكن بينهما واسطة، وهي موجودة هنا فان التاجر قد لا يربح ولا يخسر، وأجاب بأته إنما يكون كذلك إذا كان المحل قابلا للكل كما في التجارة الحقيقية أمّا إذا كان لا يقبل إلاً اثنين منها فنفي أحدهما يكون إثباتاً للآخر، والربح والخسران في الدين لا واسطة بينهما، على أنه قد تامت القرينة هنا على الخسران لقوله {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} فتدبر. قوله: (لتلبسها بالفاعل أو لمشابهتها لىلاه) قد سبق ما في الكشاف في تحقيق الإسناد المجازي من أنّ للفعل ملابسات شتى تلابس الفاعل والمفعول به، والمصدر والزمان والمكان والسبب فإسناده إلى الفاعل حقيقة، وقد يسند إلى هذه الأشياء على طريق المجاز لمضاهاتها الفاعل في ملابسة الفعل، وقال: هنا الإسناد المجازي أن يسند الفعل إلى شيء يتليس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشترين فذهب بعض الشراح إلى أنّ ما هنا أعمّ مما سبق لأنه اشترط هناك مضاهاة الفاعل المجازي للفاعل الحقيقي في ملابسة الفعل، واقتصر هنا على تلبسه به مطلقا سواء كان بينهما مشابهة فيما ذكر أم لا، ومنهم من حمله على التقييد اعتماداً على ما قدمه أوّلاً، والتجارة سبب يفضي إلى كل واحد من الربح والخسران، ورجحوا إجراءه على ظاهره، فإنّ التليس بالذي هو له في الحقيقة مصحح للإسناد كما في قولهم قال الملك: كذ! ورسم كذا، وإنما القائل والراسم بعض خاصتة فمجرّد الملابسة كافية في صحته إلا أنه قيل إنها بمجرّدها وان كفت في ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 لكن ملاحظة مشابهته لما هو له أدخل فيه، وأتم فإنّ الإسناد إنما هو حق ما هو له فناسب أن يكون صرفه إلى غيره لمناسبة، ومشابهة بينهما كما اعتبره صاحب الإيضاح، وكثير من علماء المعاني فقول المصنف لتلبسها بالفاعل أو لمشابهتها إياه إشارة إلى الطريقين، وقوله من حيث إلخ بيان لمشابهة الفاعل. (أقول) لم يوضحوا الخلاف بين الطريقين، وقد قال قدس سرّه في شرح المفتاح نقلاَ عن عبد القاهر: إنه ليس المراد بالمشابهة بين الفاعلين المشابهة التي تبتني عليها الإشتعارة بل الجهة التي راعاها المتكلم حين أعطى أحدهما حكم الآخر، والظاهر أنها هي الملابسة بعينها، ثم إنه قال إذا أسند فعل الأمير إلى بعض خواصه لم يبعد أن يقصد هناك المبالغة في تشبيهه بالأمير حتى كأنه هو، وهذا مناف لما ذكره هنا وان أمكن التوفيق بينهما فتدبر. قوله: (من حيث أنها) أي التجارة المسند إليها الربح المنفي الذي هو هنا كناية عن الخسران فيصح إسنادهما إليها لأنها سبب لهما باعتبار وقوعهما فيها إذ لولاها لم يتحققا فعلى هذا لو كان مال التجارة مشترى به رقيق جاز إسناد الربح له مع القرينة فيصح أن يقال ربح عبدك، وخسرت جاريتك على الإسناد المجازي واحتمال كون العبد والجارية بنفسهما ربحا أو خسراً للإذن لهما في التجارة لا يضرّ مع وجود القرينة الصارفة فلا وجه لإنكاره إلأ أن يقال إنه أنكر حسنه فهو ممتنع في عرف البلغاء، والبلاغة فله وجه وجيه. قوله: الطرق التجاوة فإنّ المقصود إلخ) هذا ما في الكشاف بعينه، وقال الشارح المحقق: إنه بيان لوجه الجمع بين عدم ربح تجارتهم، وعدم اهتدائهم بالواو وترتيبها على اشتراء الضلالة بالهدى بالفاء مع أنّ عدم الإهتداء تكرار وملائم للمستعار له على ما هو شأن التجريد لا للمستعار منه كالترشيح، والجواب أنهم لما أضاعوا رأس المال الذي هو الهدى حيث أخذوا الضلالة التي هي عدم له لا بدل منه تسد مسدّه، وتقوم مقامه فرع على ذلك عدم إتصافهم بإصابة الربح، وعدم إهتدائهم لطرق التجارة فيعود هذا أيضاً إلى الترشيح، ونحوه ما في حواشي الشريف إلا أنه قال: بعده لكن عطفه على إشتروا الضلالة بالهدى أولى كما يرشدك إليه تأملك، يعني أنّ ما ذكر يقتضي عطف ما كانوا مهتدين على قوله (ربحت تجارتهم) مع أنّ عطفه على اشتروا الضلالة أولى بل هو الصواب كما قيل لأنّ عطفه على ما ربحت يوجب ترتبه على ما قبله بالفاء فيلزمه تأخره عنه، والأمر بالعكس إلا أن يقال إنّ ترتيب قوله {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} باعتبار الحكم والإخبار، وهذا وجه قوله أولى فلا يرد عليه شيء كما قيل، ولو جعل قوله وما كانوا مهتدين حالا كان وجها وجيهاً، ففي هذه الجملة ثلاثة أوجه، ثم إن تصريح الشراح بأنه على هذا التفسير ترشيح ردّ على الفاضل الطيبي حيث قال إنّ المصنف يعني أنه إن لم يصلح لأن يكون ترشيحا يصلح أن يكون تجريداً لأنه يحسن أن يوصف التاجر الحقيقيّ بأنه ليس مهتديا لطرق التجارة فكما أنّ مطلوب التجار في متصرّفاتهم الربح كذلك مطلوبهم سلامة رأس المال، ولا يسلم رأس المال إلا بمعرفة طرق التجارة، ورأس مالهم الثبات على الهدى والربح حصول الفلاح في الآجل إلى آخر ما ذكره، وهو مع أنه غير صواب لأنه لا يناسب تقريرهم، فيه إن أوّل كلامه مناقض لما بعده، ولذا قيل إنه سهو منه ونبه عليه الفاضك اليمني، وإنما تركه الشارح لظهوره. (وأقول) إنه لو كان معطوفاً على اشتروا كان الظاهر تقديمه لما في تأخيره من إيهامه عطفه على ما يليه وحيئمذ يكون الأحسن ترك العطف فيقطع احتياطاً كما ذكره أهل المعاني في نحو قوله: ، وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا أراها في الضلال تهيم وما ذكروه من عدم تعقبه على الإشتراء فيه أنه لو عطف عليه، ومعناه أخلوا بالهدى الذي فطروا عليه ومعنى ما كانوا مهتدين أيضاً تضييع رأس مالهم من الفطرة السليمة، وهما متقاربان فلا وجه للعطف فيه على أنه قد يقال المعطوف بالفاء مجموعهما والخسران كما يعقب الاشتراء فكذلك جهلهم الفطري مستمرّ فيتعقب باعتبار أجزائه الأخيرة وإنما ذكر احتراسا لأنّ الخسران قد يكون لآفة نادراً لا لعدم اهتدائهم لطرقه فتدبر. قوله: (قد أضأعوا الطلبتين إلخ) هو تثنية طلبة بفتح فكسر بزنة كلمة ويجوز تسكين ثانيه بمعنى المطلوب، والاستعداد أصل معناه طلب العذة بالضمّ، وهو بمعنى التهيؤ والقابلية، ويكون بمعنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الاستحقاق والمراد به الاستعداد القريب من الفعل لأنّ الاستعداد الأصلي باق لا يزول بالضلالات والاعتقادات الباطلة وان منعت الوصول إلى المطلوب، ودرلث الحق بفتحتين وسكون الراء لغة اسم من أدركت الشيء الكلام على المثل يتوسلون به إلى درك الحق ونيل الكمال فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين للأصل {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} لما جاء بحقيقة حالهم عقبها بضرب المثل زيادة ني التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ لانه يريك المتخيل محققاً، والمعقول محسوساً ولأمر ما كثر الله في كتب الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء، والحكماء والمثل في الأصل بمعنى النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه، وشبه وشبيه، ثم قيل للقول إذا بلغته ووصلت إليه. قوله: (لما جاء بحقيقة حالهم إلخ) أي لما ذكر صفات المنانقين عقبها بضرب المثل لزيادة إيضاحها فإنه إذ تخيل من المعاني شيء لم يصل إلى التحقيق أبرزه المثلى في معرض المحقق، وكذا إذا توهم ولم يتيقن أخرجه في صورة المتيقن، ولو غاب عن الحس صيره كالمحسوس المشاهد، وربما تكون المعاني التي يراد تفهيمها معقولة صرفة فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل فبضرب الأمثال تبرز في معرض المحسو*سات فيساعد الوهم العقل في إدراكها ولهذا تضرب الأمثال لمن يخاصم لأنّ خصومتة بسبب إنقياده للوهم وعصيان العقل، فإذا اتفقا زالت الخصومة لا محالة وأوقع أفعل تفضيل من الوقع، وهو القرار والثبات أي أشد تمكناً في القلب، وأقمع من القمع وهو الصرف والمنع أو القهر والتذليل، وفي القاموس قمعه قهره وذلله كأقمعه وفلاناً صرفه عما يريده، وأصله ضرب الرأس بالمثقل فكني به عما ذكر وصار حقيقة فيه، والألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة وفسره بعضهم هنا بالخصومة وفسر الخصم الألد بالخصم الأخصم كليل أليل وهو سهو منه، والحال الصفة والقصة والحديث وكل منها صحيح هنا وفي هذا إشارة إلى أنّ ما سبق إلى هنا المقصود منه توبيخهم وبيان حالهم وإن احتوى على استعارات وتجوّزات لأنّ المثل في محاورتهم يضرب بعد تقرير المراد، وما قيل من أنه يفهم من هذا إنّ ما ذكر هنا أوّل مثل ضرب في شأنهم، وأنّ بيان أحوالهم إلى هنا حقيقة، وليس كذلك لأنّ قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ} تمثيل لحالهم بحال التاجر الذي لا يدري أمور التجارة، وكذا قوله {؟ الله يستهزىء بهم ولا محيص عنه} إلا بأن يتكلف فيقال ليس المقصود بما ذكر هنا إفادة أمر زائد على ما سبق بل القصد إلى تقريره، وتوضيحه على وجه بديع ناشىء من قلة التدبر، وعدم الفرق بين المجاز والمثل وسيأتيك عن قريب تحقيقه وقوله (ولأمر مّا إلخ) أي لأمر عظيم بليغ كثر ضمرب الأمثال، وفي الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال والمراد بهذا الأمر ما قرّرناه لك 0 قوله: (والمثل في الأصل بمعنى النظير إلخ) قال الراغب: أصل المثول الانتصاب، والممثل المصوّر على مثال غيره يقال مثل الشيء أي انتصب وتصوّر، ومنه الحديث: " من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوّأ مقعده من النار " (1) والتمثال المصوّر اهـ فأصله الأوّل ما ذكر، ثم استعمل بمعنى النظير، ويقال مثل بفتحتين ومثل بكسر فسكون ومثيل كقتيل بمعنى، وقال الميداني: سمع فعل وفعلى وفعيل بمعنى في ثلاثة أحرف شبه ومثل وبدل لا غير، وقد يكون بمعنى الصفة كما سيأتي. قوله: (ثم قيل للقول السائر إلخ) المراد بالسائر الشائع المشهور على الألسنة، وهو مجاز مشهور فيه صار كالحقيقة وحقيقته كقطع المسافة فشبه تداول الألسنة بتنقل الأمكنة، وقد أفصح عن هذا المعنى القائل في صفة تنقله في البلدان، وعدم استقراره في الأوطان: لا استقرّبأرض! قدنزلت بها كأنني بكرمعنى سارفي مثل والمضرب بفتح الميم وكسر الراء، ويجوز فتحها اسم مكان والمراد به الموضع الذي أستعمل فيه بعد استعمال قائله الأوّل، والمورد بالكسر لا غير الموضع الذي ورد فيه أي أوّل استعمالاته فيه وسيأتي أنّ له معنى آخر وهو المعنى الوضعي، ومعنى قول المصنف رحمه الله قيل أنه نقل من معناه الأصلي اللغويّ إلى هذا المعنى المذكور، وفي قوله هنا الممثل أي المشبه تنبيه على ما ذكره المفسرون وأهل المعاني من أنّ المثل هو المجاز المركب والاستعارة التمثيلية الشائعة في الاستعمال فلا تسمى الاستعارة المركبة أو مطلقاً ولا التشبيه مطلقا ولا معنى اللفظ الأصلي الحقيقي مثلا عندهم على ما قزره شراح التلخيص، والمفتاح وكافة أهل المعاني واتفقت كلمة الشروح هنا عليه أيضاً وهذا إذا سلم وأخذ على ظاهره لا غبار فيه، وان قيل على تفسير المورد بالحالة الأصلية التي ورد فيها الكلام إنه على هذا يكون في الكلام مجاز على مجاز وتشبيهان، مثلاَ الصيف ضيعت اللبن أصله أنّ امرأة شابة كانت تحت شيخ ذي مال قال لها ذلك لما تزوجت بشاب، وأتت تطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 منه الإعانة فقحمد اششبيه بحال تلك المرأة دون المعنى الأصلي لما اشتهر في تلك القصة، ولو أريد بالمورد المعنى الأصلي الموضوع له لم يكن إلا تشبيه ومجاز واحد لكنه لم يقصد في الكلام إلأ التشبيه بحال تلك المرأة لا بالمعنى الأصلي، وهذا وان كان غير مسفم لا بأس به. (وههنا بحث) : فيما قاله القوم، وهو أنّ أمثال العرب أفردها المتقدمون بالتأليف، وصنفوا فيها تصانيف جليلة المقدار كأمثال أبي عبيدة والميداني وابن حبيب والزمخشرفي وابن قتيبة وابن الأنباري وابن هلال، وقد ذكروا فيها أمثالا كثيرة مستعملة في معناها الحقيقي، كقولهم السعيد من اتعظ بغيره، وأمثالا مصرحا فيها بالتشبيه كقولهم لمن يخاف شرّه ويشتهي قىهـ به، كالخمر يشتهي شربها ويخشى صداعها، إلى غير ذلك مما لا يحصر أمثاله فكيف يشترط فيها أن تكون استعارة مركبة فاشية. وقد قال الميداني: المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأوّل كقول كعب رضي الله عنه: كانت مواعيد عرقوب لها مثلاَ وما موا! رها إلاً الأ! ا! ل فمواعيد عرقوب مثل لكل ما لا يصح من المواعيد، وقال ابن السكيت: المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه معناه شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه+غيره، وقال غيره: سميت الحكم القائم صدقها في العقول أمالا لانتصاب صورها في العقول مشتقة من المثول الذي هو الانتصاب. وقال النظام: يجتمع في المثل أربع لا تجتمع في غيره، إيجاز اللفظ واصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة، اهـ فالحاصل إنه إنما يشترط في المثل أن يكون كلاما بليغا شائعاً مشهورا لحسنه أو لاشتماله على حكمة بالغة، وأمّا ما ذكروه فلا يلائم أنّ ما نحن فيه من أمثال القرآن أيضاً ليس داخلا في تعريفهم لأنّ الله ابتدأها وليس لها مورد قبله فإنّ الله لا يستحي أن يضرب مثلا مع أنها تشبيهات لا استعارة فإن كان هذا اصطلاحاً حادثا لأهل المعاني ومن حذا حذوهم من الأدباء ينبغي التنبيه عليه مع أنّ السياق ياباه فإن أريد أنه الأغلب فعلى فرض تسليمه ليس في الكلام ما يدل عليه، والمثل كما يطلق على اللفظ باعتبار معنا. يطلق على المعنى أيضا فليس من تسمية الدال باسم مدلوله كما توهم فعليك بتدقيق النظر في هذا المقام، فإنه مما تزل فيه أقدام الأفهام. قوله: (ولذلك حوفظ عليه من التغيير إلخ) أي لما فيه من الغرابة لم يغير لفظه الأوّل، فإنه لو غير وبما إنتفت الدلالة على تلك الغرابة، وأن منع بعضهم زوالها بفتح تاء ضيعت اللبن مثلاً، وقال قدس سرّه: تبعاً للفاضل المحقق الأظهر كما في المفتاح أنّ المحافظة على المثل إنما هي بسبب كونه استعارة فيجب لذلك أن يكون هو بعينه لفظ المشبه، فإن وقع تغيير لم يكن مثلاَ بل ماخوذا منه واشارة إليه كما في قولك الصيف ضيعت اللبن على صيغة التذكير وإنما قال الأظهر لأنه لا تزاحم في الأسباب مع أنه يرجع إليه باعتبار أن في معنى الاستعارة اشتمالا على الغرابة كما قيلى، وقيل إنما حوفظ عليها لأنها صارت بسبب الغرابة والاشتهار كالعلم لتلك الحالة العجيبة، والإعلام لا تتغير، ثم إنّ الشارح المحقق والشريف قدس سرّه لم يفسر المراد بالغرابة، وقد فسرها الشارح الطيبي، وأطال في تفسيرها بما حاصله أنها غموض الكلام، وكونه نادرا بحسب المعنى واللفظ أمّ الأوّل فلما يتراءى منه ظاهرا من التناقض، والتنافي كرمية من غير رام {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} أسورة الأنفال: 17] والثاني باشتماله على ألفاظ نادرة لا تستعملها العامة كقوله أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب يضرب لمن له خبرة وتجربة والظاهر أنه ليس المراد بالغرابة ما ذكر ولذا لم يعرج عليه من بعده من الشراح، وأنت إذا تتبعت الأمثال، وجدت كثرها مخالفاً لما ذكره وليت شعري أيّ غرابة في قوله، السرّ أمانة وقوله السكوت أخو الرضا وأمثاله مما لا يحصى إذا عرفت هذا فأقول أنا استقصيت الأمثال فوجدتها ما بين تشبيه بلا شبهة كقولهم للظالم المتورع هو كالجزار فيهم يذكر الله ويذبح، أو استعارة رائعة تمثيلية أو غيرها نحو أنا جذيلهـ االمحكك، أو حكمة وموعظة نافعة كالصبر مفتاح الفرج، أو كناية بديعة أو نظم من جوامع الكلم الموجز وإليه أشاو في المستقصي بقوله الأمثال قصارى فصاحة العرب العرباء وجوامع كلمها ونوادر حكمها وبيضة منطقها، وزبدة حوّاراها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وبلاغتها التي أعربت بها عن القرائح السليمة والركن البديع إلى دواية اللسان، وغراية اللسن حيث أوجزت اللفظ، وأشبعت المعنى وقصرت العبارة، وأطالت المغزى، ولوحت فاعرقت في التصريح، وكنت فاغنت عن الإفصاح، ثم إنّ الظاهر في توجيه عدم التغيير ما ذكروه هنا وإن اسنظهروا خلافه إلا أنّ المراد بالغرابة ليس ما مرّ بل المراد أنها لما فيها من البلاغة، ورونق الفصاحة، والندرة التي ترقت بها إلى الغاية في بابها حتى عدت عجيبة جداً قيل لها غرابة لإطلاق الغرابة على مثله، اً ولكونها من كلام الغير كالتضمين عدت غريبة أجنبية. وأمّا ما في المفتاح من أنّ الاستعارة التمثيلية قد تغير ألفاظها المؤدّية لمعناها الحقيقي لأنهم صرّحوا بجواز التجوّز في مفرداتها كما مرّ فيه أنّ المثل لا يلزم أن يكون استعارة كما تلوناه عليك آنفاً، وأمّا القول بأنّ الاستعارة مشتملة على الغرابة ففي غاية الغرابة، وكذا كون العلم لا يغير فالمعنى أنها لكونها فريدة في بابها، وقد قصد حكايتها لم يجوّزوا تغييرها لفوات المقصود، وقد صرح بهذا في المستقصي، هذأ وإن طال تطوّلنا بما فيه من الفوائد البديعة فانظره بعين الإنصاف. قوله: (ثم استعير لكل إلخ الما قرّروا للمثل معنى لغويا، وهو النظير، ثم معنى ثانيّ نقل منه إليه وهو القول السائر، وليس واحد منهما مناسباً هنا قالوا إنه استعير من الثاني لمعنى ثالث هو المراد وهو الصفة العجيبة، وقوله لها شأن وفيها غرابة إشارة إلى العلاقة بينهما، وهي الاشتراك في الغرابة وعظم الشأن كما اتفق عليه الشرّاح وأرباب الحواشي، فما قيل من أنّ المثل إذا قصد به القصة لم يرد تشبيهها بذلك القول مما يتعجب منه، وفي مجمع الأمثال، ولشدة امتزاج معنى الصفة به صح أن يقال جعلت زيدا مثلا والقوم أمثالاً، ومنه قوله تعالى {سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ} [الأعراف: 177] في أحد القولين، ثم إنّ الحال والقصة والصفة أموو متقاربة، وقد جمع المصنف والزمخشريّ بينها متعاطفة بأو الفاصلة، ولم ينبهوا على وجهه (والذي يظهر لي) أنّ الشأن العجيب لما كان يعلم تارة بالمشاهدة كحال المنافقين، وما هم عليه مما هو كنار على علم ومنه ما يعلم بإخبار الصادق المسوقة إليه كقصة الجنة التي قصها الله تعالى كما قيل: وعشقتكم قبل العيان لكم كما تهوى الجنان بطيب الأخبار ومنه ما يعلم بالبرهان ويدرك بالبصائر كصفات الباري جمع بينها كذلك وإليه إشارة ما في الكشاف حبث قال: أستعير المثل استعاوة الأسد للمقدام للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قال حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً وكذلك قوله {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: 35] أي وفيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة، ثم أخذ في بيان عجائبها ولله المثل الأعلى أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلال، اهـ. فالحال عبارة عن أمور متعدّدة بقوم شتى وتدرك منهم وهي في المعاني كالقصة في الألفاظ، ولذا يعبر بها عن الاستعارة التمثيلية في اكثر، وفي الكشف جملة مثلهم إلخ الأشبه أن تجعل موضحة لقوله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ} وفي كلامه ما يدل عليه، ويحتمل أن تجعل مقرّرة لجملة قصة المنافقين المسرودة إلى هنا ولا يبعد تنزيل قوله عليه أيضا بحمل حقيقة الصفة على أحوالهم المفهومة من مجموع الآيات، والحمل على الإستئناف ضعيف جدا لا سيما والأمثال تضرب للكشف، والبيان فإن قلت قوله أوّلا بضرب المثلى يقتضي أنّ ما هنا من قبيل ضرب المثل والمعنى الثاني، وتفسيره بالحال يقتضي أنه ليس بمراد بل لا تصح إوادته، قلت هنا أمران لفظ مثل، والتمثيل المدلول عليه بالكاف أداة التشبيه، والمفسر بالحال الأوّل والمشار إليه أولاً الثاني، والمراد به أن يؤتى للحال بنظير من غير نوعه ليرفعه على منصة العيان ويرميه على قارعة التقريع فالمراد بالضرب صياغة ذلك النظير واعتماله من ضرب السكة التي هي بيانه لا الضرب الذي هو مصدر لضرب المقابل للمورد، وهذا من إرسال ااصمثل والمراد بالتمثيل الإتيان بمثال فتدبر. قوله: (والمعنى حالهم العجيبة الشأن إلخ) ذكر للمثل ثلاثة معان، وفسر ما في النظم بالثالث، وحقيقة حالهم هيئة منتزعة من عدة أمور هي استضاءة معنوية بإظهار الإيمان واذهاب الله ذلك النور عند الإستضاءة بتفضيحهم وبقائهم متحيرين في ظلمات معنوية، كما قيل: وفي شرح الفاضل المحقق وجه الشبه هو أنّ المستوقد والمنافقين جميعاً وقعوا عقب مباشرة أسباب المطلوب، وملاحظة خيال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 المحبوب في الحرمان والخيبة والتحسر فعبر عن الأوّل بالإضاءة، وعن الثاني بالظلمة، ولا خفاء في اشتراك الطرفين في الإضاءة والظلمة بهذا المعنى، وبهذا يسقط ما قيل إن أريد بالإضاءة الإضاءة حقيقة لم يشترك فيها المنافقون، أو مجازاً لم يشترك فيها المستوقد، والتحقيق أنه من قبيل ما يتسامح فيه فيذكر مكان وجه الشبه ما يستتبعه كما يقال كلام كالعسل في الحلاوة قصدا إلى لازمها الذي هو ميل الطبع، وقيل عليه الظاهر في تشبيه الأمر المعنوي بالحسي في وصف محسوس في المشبه به غير محسو! ى! في المشبه أن ينزل ما في المشبه منزلة المحسوس لكمال المناسبة بينهما، ويجعلا من نوع واحد إدّعاء ومبالغة في كمال المشابهة فالهيئة المتنزعة من الإضاءة والإنطفاء المعنويين مع بقاء التحير تنزل منزلة تلك الهيئة الحسية ادّعاء، وهذا أقرب إلى مقاصد البلغاء من أن يجعل ما به الاشتراك غير ما يتادر إلى الأذهان من بعض اللوازم، وفي الإتقان عن ابن عباس إنّ هذا مثل ضربه الله للمنافقين كانو! يعترفون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم "! قاسمونهم العز فلما ماتوا سلبهم الله العز. (أقول) إنّ الفاضل يعني أنّ وجه الشبه ملتئم من عدّة أمور، وطرفاه مركبان والوجه هو أنهم عقب حصول تباشير المقصمود، وقوّة الرجاء وقعوا في حيرة الحرمان وتيه الخيبة، وهذا أمر مشترك بين الطرفين قطعا من غير حاجة إلى اعتبار لازم له كما في التشبيه بالعسل، ولا حاجة أيضاً إلى أن ينزل ما في المشبه منزلة المحسوس كما توهمه القائل، وإن كان كلام الفاضل لا يخلو من الكدر لكن إذا ظهر المراد سقط الإيراد، وهذا ليس محل تفصيله لكنه لما أورده ذلك المحشي هنا لزم التعرّض! له فتأمل. قوله: (والذي بمعنى الذين إلخ) يعني أنّ الذي له استعمالان في كلام العرب أحدهما أن يكون مفردا والآخر أن يعم المفرد، وغيره كمن وما في الموصولات وضعا لا استعمالا فإن كان ضمير بنورهم المجموع راجعا إليه لا إلى المنافقين كما ستعرفه كان من الثاني، وجعل المصنف رحمه الله المقتضى لتوجيه هو الضمير لا تشبيه الجماعة بالواحد كما في الكشاف ة إنه جعله منشأ للتوجيه لأنّ المقام ليس مقتضيا لتشبيه الجماعة بالواحد كما في قوله: " - والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عني فأشار بالعدول عنه إلى الاعتراض عليه بأنّ السؤال غير متوجه بعد بيان المعنى، وأنّ التشبيه واقع بين حالهم وحال المستوقد لا بينهم وبينه حتى يتوهم ما ذكر وان وجهه الشراح بما كفانا المصنف مؤنته بتركه، ولذا ذكر هذا المصنف عقب قوله والمعنى حالهم إلخ فمن أرجعه إلى ما في الكشاف، وقال: إنّ هذا جواب سؤال تقديره كيف مثلت الجماعة بالواحد فقد وهم، ومثل لمجيء الذي بمعنى الذين بناء على أحد الوجود فيه فلا يرد عليه أنه ليس متعينا له. قوله: (وإنما جاز ذلك إلخ) إشارة إلى ما ذكره النحاة على اختلاف فيه في وضع المفرد موضع الجمع فإنّ منهم من جوّزه مطلقا كما في قوله تعالى {يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غافر: 67] أي أطفالا ومنعه الجمهور وأوّلوا ما ورد منه فعلى هذا لا يصح استعمال القائم بمعنى القائمين، ولا يصح أيضا أن يكون الذي بمعنى الذين على ذكره في بعض الوجوه، فأشار إلى جوابه على فرض التسليم بأنه خالف غيره لخصوصية إفتضته فإنه إنما وضع ليتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل كما جيء بذي توصلاَ للوصف بأسماء الأجناس فلما لم يقصد لذاته توسعوا فيه دون غيره، ولأنه مع صلته كشيء واحد وعلامة الجمع لا تقع حشواً فلذا لم يلحقوها به ووضعوه لما يعلم كإخواته، ولما ورد عليه أنه جمع على الذين قال: إنه ليس جمعاً له بل اسم وضع مزيداً فيه لزيادة المعنى وقصد التصريح بها، ولذا لم يعرب بالحروف كغيره من الجموع على الأفصح فإنه يقال: الذين في الأحوال الثلاث، وأمّا اللذون في حالة الرفع كما في قوله: نحن اللذون صبحوا الصباحا فلغة قليلة لهذيل وقوم من العرب، ويؤيده أنّ جمع السلامة إنما يكون في الأسماء المتمكنة وأنّ الذي يعم العقلاء وغيرهم والذين يخص العقلاء، وقوله أخواته وفي نسخة أخواتها أي من الأسماء الموصولة كمن وما. قوله: (ولكونه مسنطالا إلخ) علة لقوله إستحق مقدمة عليه للإهتمام بها والإستطالة إستفعال من الطول المقابل للعرض، وهو أطول الإمتدادين إلا أنّ إستطال وطال لازم قال في القاموس طال طولا بالضم إمتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 كاستطال فهو طويل، اهـ. إلا أنّ الزمثس يّ استعمله متعدئا وتبعه المصنف فبنى منه اسم مفعول وكذا وقع في المفصل، وقال شرّاحه: إستطالة عده طويلا إلأ أنهم لم يستندوا فيه إلى نقل من اللغة، وقد ذكر لجواز وضع المفرد موضع الجمع هنا دون غيره وجوها اثنان منها بالنظر إلى نفس الذين، وثالثها بالنظر إلى الصلة ولذا أخره أي لا يستحق أن يجمع لوجهين كونه ليس مقصودا بالوصف فلا يقصد مطابقته حتى يجمع، وأنه كجزء الكلام الذي لا يجمع، ولما ورد عليه أنه جمع على الذين دفعه بأنه ليس بجمع، ولذا لم يجر مجراه في اللغة الفصيحة بل هو مما زيد في لفظه زيادة تدلّ على زيادة معناه على قاعدتهم، وثالثها أنه استحق التخفيف لطوله بالصلة لكنه على هذا حقه أن يقول ولأنه لكونه مستطالا إلخ كما في أخويه فكأنه نبه بصنيعه هذا على إنحطاط رتبته حتى كأنه لا يستحق أن يكون وجهاً مستقلا بل تتمة لغيره، وقيل محصل الوجوه أنّ حذف العلامة في الذين دون القائمين لأمرين. أحدهما راجع إلى ذي العلامة، وهو كونه وصلة غير مستحق لأن يجمع وكونه مستطيلأ. وثانيهما إلى العلامة وأنها زيادة لا علامة محضة. وهذا يقتضي أن لا يفصل بين توله ولأنه ليس باسم تام وقوله ولكونه مستطالا ويؤخر قوله، وليس الذين كما في الكشاف فهذا مناسب لكلام الكشاف والأوّل مناسب لكلام المصنف رحمه الله، وبهذا علم أنّ بينهما فرقا آخر، وكون أل الموصولة أصلها الذي فبولغ في تخفيفها فحذف ياؤها، وقيل اللذ بذال مكسورة ثم سكنت فقيل اللذ إلخ كما حكاه النحاة مذهب مرجوح فيه تكلفات كما فصل في المطوّلات من كتب العربية. وأورد على الوجه الأوّل أنه مناف لتوحيد ضمير استوقد، وأجيب بأنه وان كان جمعا معنى مفرد صورة، قيل: وهذا مع ضعفه معارض بأنّ كونه على صورة المفرد مقتض للجمعية لا للإفراد لما فيه من الإلباس، وفيه نظر، وقرأ ابن السميفع كمثل الذين بلفظ الجمع واستوقد بالإفراد، وهي مشكلة وان خرجت على وجوه ضعيفة، وقد قيل إنّ هذه القراءة مؤيدة للقول بأنّ أصله الذين (وأعلم) أنّ قوله تبعا للزمخشري لم يجز وضعالقائم مقام القائمين إشارة إلى مسئلة ذكرت في المطولات من كتب النحو كما فصله ابن هشام في تذكرته فقال مذهب أبي عليّ الفارسي، وحكي عن ابن كيسان وغيره جواز وضمع المفرد موضع الجمع مطلقاً، وقيل إنه يختص بالمعرفة فقالوا يقال جيرانك ذاهب وقومك راكب وأنشدوا عليه قوله: ياعمروجيرانكم الباكر والقلب لا لاه ولا صابر وخرجوا عليه قوله تعالى {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] في أحد القولين فيه ووجهه في المعرفة ظاهر، وأمّا في النكرة فيحتاج إلى التأويل. قوله: (أو قصد به جنس المستوقدين إلخ) معطوف على قوله بمعنى الذين أي نظر فيه إلى معنى الجنسية العامّة إذ لا شبهة في أنه لم يرد به مستوقد مخصوص، ولا جميع أفراد المستوقدين والموصول كالمعرف بالألف واللام يجري فيه و وهها واسم الجنس وإن كان لفظه مفرداً قد يعامل معاملة الجمع كما في قوله تعالى {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} [الإنسان: 21] وقولهم الدينار الصفر والدرهم البيض، أو يقال إنه مقدر له موصوف مفرداً للفظ مجموع المعنى كالفوج والفريق، ويلاحظ في الذي وفي ضمير استوقد لفظ الموصوف، وفي ضمير بنورهم معناه، والفرق بين هذين الوجهين أنّ الضمير على الأوّل راجع للذي وعلى هذا للموصوف المقدر. قوله: (والاستيقاد طلب الوقود إلخ) هذا بناء على أصله لأنّ بنية الاستفعال موضوعة للطلب وذهب الأخفش إلى أنّ الاستفعال هنا بمعنى الأفعال كاستجاب بمعنى أجاب في قوله: فلم يستجبه عند ذاك مجيب أي لم يجبه ورجح بأنه على الطلب يحتاج إلى التقدير أي طلبوا نارا واستدعوها فأوقدوها فلما أضاءت لأنّ الإضاءة لا تتسبب عن طلب الوقود بل عنه نفسه، والوقود في كلام المصنف بضم الواو مصدر، وأمّا بفتحها فما يوقد به على المشهور، وفوله وهو سطوع النار ضمير هو للوقود وقيل إذا كان هذا معنى استوقد والوقود فلا حاجة إلى ذكر النار، ولذا قيل إنه تجريد وهو غير وارد على من فسر الوقود بإشتعال النار والقول بأنّ التقييد داخل فيه، والمقيد به خارح عن مسماه بعيد والأمر فيه سهل لعدم احتياجه للتنوير، وإشتقاق النار من نار إذا نفر أو تحرك واضطرب، والنوو مأخوذ من النار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 لأنها الأصل فيه وهذا هو المشهور وترك تعريف النار الذي في الكشاف لعدم احتياجها للتعريف كما لا يخفى. قوله: (أي النار ما حول المستوقد إلخ) الضمير المؤنث في قول المصنف رحمه الله جعلتها للإضاءة المفهومة من أضاءت أو لأضاء باعتبار أنها كلمة، والإضاءة جعل الشيء مضيثاً نيرا، وأضاء يكون متعدّياً ولازما كما صرّج به الجوهريّ، وغيره من أئمة اللغة فعلى الأوّل ما موصولة أو موصوفة والظرف المستقرّ صلة أو صفة وهي مفعوله، وعلى الثاني فما كذلك وهي فاعل وأنث فعله لتأويله بمؤنث كالجهات والأمكنة أو فاعله ضمير النار، وما في محل نصب على الظرفية أو زائدة وحوله ظرف كما سيأتي تحقيقه، ونصب ما محلاَ على الظرفية لأنه في معنى الأمكنة الآ أنه قيل على هذا إنه يقتضي التصريح بقي إمّا لأنّ ما موصولة معرفة أو في معناها، ولا بدّ في المكان المعين من ذكر في فإنه لا يقال جلست المسجد، وأمّا ما قيل من إنّ في إنما تحذف في لفظ مكان لكثرة استعماله في كلام العرب، ولا كثرة في الموصول الذي عبر به عنه وما أجيب به عنه من أنها تركت لما في الحول من الإبهام وإن كان مضافاً لمعرفة أو إنه مخرج على نحو قوله: كما عسل الطريق الثعلب فاعترض عليه بأنه لا دخل للتعريف، وغيره في النصب على الظرفية على ما تقرّر في كتب النحو، وبانّ ما خرج عليه شاذ أو ضرورة لا يقاس عليه، وأمّا الحل بأن ما حوله في معنى عند ونصسب ما في معنى عند لإخفاء فيه، فليس بشيء، وقولهم: إنه مختص بلفظ مكان مخالف لما قرّره النحاة قال: نجم الأئمة الرضي لفظ مكان، وكذا لفظ الموضع والمقام ونحوه ينصب بشرطه، وهو انتصابه بما فيه معنى الاستقرار كقعدت وقمت وهو صريح في خلافه، وهذا كله على ما فيه مما لا يجدي فالحق أن يقال إنّ ما الموصولة أو الموصوفة إذا جعلت ظرفاً فالمراد بها الأمكنة التي تحيط بالمستوقد، وهي جهاته الست وأسصاء الجهات الست مما ينصب على الظرفية قياساً مطرداً فكذا ما عبر به عنها، وهو المراد بالأمكنة اختصارا لا المكان وحده وهذا اللفظ هو الذي أوقعهم فيما وفعوا فيه، وهذا معنى قوله في الكشاف وفيه وجه آخر وهو أن يستتر في الفعل ضمير النار ويجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها على أن ما مزيدة أو موصولة في معنى الأمكنة قال قدس سرّه:! أنّ سائلا يقول إذا استتر في الفعل ضمير النار وجب أن توجد النار حول المستوقد حتى يتصوّر إضاءتها وإشرإقها، فأجاب بأنّ النار وإن لم توجد فيما حوله فقد وجد ضوءها فيه فجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها فيه فأسند إليها إسناد الفعل إلى السبب كبني الأمير المدينة فإنّ النار سبب لإشراق ضوئها حول المستوقد، وما-له ما اشتهر في العرف من أنّ الضوء ينتشر من المضيء إلى مقابلاته فيجعلها مستضيئة، وقد قيل عليه إنّ هذا بناء على أنّ إشراق النير في البيت إنما يطلق إذا حل ذلك النير في البيت، وكأنّ المصنف رحمه الله لم يتعرّض له لأنه لا يقول به لإقتضائه أت لا يصلح أن يقال أضاءت الشمس في الأرض إلا على التجوّز، وهو خلاف الظاهر وعلى المدعي إثباته وأيضاً النار في جهة مما حوله ولا يلزم أن تكون في جميع جهاته كما لا يلزم في قولنا أشرق السراج في البيت كونه في جميعه إذ يكفي وقوعه في موضع مّا منه ألا ترى إلى قوله تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ} [التوبة: 101] ونحوه مما هو شائع في كلام العرب كقول حسان رضي الله عنه: أولاد جفنة حول قبر أبيهم - إلى آخر ما فصلوه. (أ-! ول) قد تقرّر في الحكمة أنّ الضوء عرض، وكيفية مغايرة للون وليس عبارة عن ظهور اللون كما ذهب إليه بعض الحكماء وليس أجساما صغاراً تنفصل من المضيء فتتصل بالمستضيء كما ذهب إليه بعض الحكماء، وان كان قد يشاهد للضوء بروق، وتلألؤ على الجسم حتى كأنه يفيض منه ويضطرب مجيئا وذهابا بحيث يكاد يستره فإن كان ذاتيا كما للشمس سمي شعاعا، وان كان عرضيا كما للمرآة سمي بريقا، وهذا ما أشار إليه قدّس سرّه، ثم إنه إذا تعلق الظرف بفعل قاصر صار ظرفا لفاعله بالذات 6 ولحدثه بالتبع كما في قام زيد في الدأر، وهذا غنيّ عن البيان فإن كان ذلك الحدث له أئر متعد كالإشراق والإصباح فهل يشترط في تحقق النسبة للظرفية ذلك أيضا فلا بدّ من قولك أشرق كذا في لو كذا من كون الإشراق، والمشربن فيه أو يكفي وجود أثره فيه، وإن لم يوجد هو بذاته كما في الأفعال المتعدّية فإنك إذا قلت رميت الصيد في الحرم يكون حقيقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وان لم يكن الرامي في الحرم على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى مفصلا في سورة الأنعام فالعلامة في الكشاف ارتضى الأوّل وجعل ما خالفه مجازا وقياسه مع المتعدّي قياس مع الفارق لأنّ المفعول مظروف حقيقة وان كان لك أن تقول إنه حقيقة عرفية، وفي كلامهم إيماء إليه، وقد يقال إنه لذلك تركه المصنف رحمه الله تعالى، وقياس البيت والبلد على الحول إذا كان بمعنى الإحاطة والجهات غير ظاهر، وقوله على الظرف قيل إنّ تخصيص الإضاءة بما حول المستوقد في الوجهين الأوّلين ظاهر لأنها لا تتعلق بمحل المستوقد وأمّا على الظرفية فغير ظاهر، وليس بشيء لأنّ نحله نفسه على كل حال لا تتعلق به الإضاءة كما قال الشاعر: وشمس تضيء الأرض شرقاً ومغربا وموضع رجل منه في البيت مظلم وفيه نكتة لطيفة، وهي الإشارة إلى أنه بنفسه مظلم ظالم لنفسه غير قابل للأنوار الإلهية. قوله: (وقيل للعام حول لآنه يدور) يعني أنّ أصل هذا التركيب من الحاء وما بعدها موضوع للطواف، والإحاطة كالحول بمعنى السنة فإنه يدور من الفصل الذي ابتدأ منه إلى مثله ولما لزم ذلك الانتقال والتغير استعمل فيه بإعتبار. كالإستحالة والحوالة، وان خفي في بعض الموادّ كالحول بمعنى القوّة وهذا مسلك لبعض أهل اللغة ارتضاه العلامة وتبعه المصنف. وقال الراغب: أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول حولا واستحال تهيأ لأن يحول وباعتبار الانفصال، قيل: حال بيني وبينكم كذا اهـ والعام في تقدير فعل بفتحتين، ولذا جمع على أعوام مثل سبب وأسباب، وقال ابن الجواليقي عوام الناس لا تفرق بين العام والست، فيقولون لأفي وقت من السنة إلى مثله عام، وهو غلط والصواب ما قال ثعلب من أنّ السنة من أفي يوم عددته إلى مثله، والعام لا يكون إلا شتاء وصيقاً، وفي التهذيب أيضاً العام حول يأتي على شتوه وصيفه، وعلى هذا فالعام أخص من السنة فكل عام سنة وليس كل سنة عاما فإذا عددت من يوم إلى مثله فهو سنة، وقد يكون فيه نصف الصيف ونصف الشتاء والعام لا يكون إلأ صيفا وشتاة متواليين كذا في المصباح المنير وحول، وحوال بزنة ظلام وحوالان مثناه وحولان تثنية حول وأحوال جمعه وكلها ظرف مكان سمع منصوبا على الظرفية كما صرّحوا به. قوله: (جواب لما إلخ) قدمه لأنه المتبادر الأرجح عند الأكثر ولأنّ الأصل عدم الحذف، والتقدير ولما حرف وجود لوجود أو وجوب لوجوب أو ظرف بمعنى حين أو إذ لاختصاصها بالماضي فعلى الظرفية الأمر ظاهر إن لم يعتبر فيها المجازاة، وعلى اعتبارها بناء على أنه المعروف فيها يتراءى فيه مانع لفظيّ، وهو توحيد الضمير في استوقد وحوله وجمعه في بنورهم، ومعنويّ وهو أنّ المستوقد لم يفعل ما يستحق به إذهاب الله نوره بخلاف المنافق فجعله جوابا يحتاج إلى التأويل، ولذا أورده الزمخشرفي سؤالا وجوابا والمصنف رحمه الله أشار إلى المانع الأوّل والى أنه كان مقتضى الظاهر أن يقال بنارهم بدل قوله بنورهم، وأمّا العدول عن الضوء إلى النور فلم يتعرّض! له هنا وأخره، وأمّا إسناد الإذهاب إلى الله تعالى فليس بمانع عند أهل السنة فلذا تركه إشارة إلى ابتنائه على الاعتزال، وأشار بقوله وجمعه إلخ إلى جواب الأوّل، ولم يفصله لأته قد سبق ما يغني عنه في بيان إفراد الذي، وأشار بقوله لأنه المراد إلخ إلى اختيار النور على النار لأنه المقصود منها، ولا ينافيه أنه يقصد بها أمور أخر كالإصطلاء (1) والطبخ كما توهم لأنّ هذا أعظم منافعها وأدومها وأشهرها وهو المناسب للتشبيه، والمقام كما يعرفه من تأمل قوله {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ؟ حاشية الشهاب لم ج ا / م 37. ظلمات} [البقرة: 17] وأمّا حمل النار على نار حقيقية لا يرضاها الله كنار الغواة الموقدة للمعاصي المستحقة للإنطفاء من الله أو النار المجازية كالفتنة كما في قوله تعالى {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ} [المائد 5: 64] ليظهر التسبب فلا يخفى ما فيه من التكلف، وكذا ما قيل من أنّ الإيقاد سبب لفناء الحطب فتكون الإضاءة المتفرّعة عليه سبباً لإنطفائه. قوله: (أو استئناف أجيب به اعتواض! سائل) المراد بالإعتراض التعرض له فرضاً، وليس بمعنى الإشكال هنا وان جاز، وفي المصباح يقال سرت فعرض لي في الطريق عارض من جبل ونحوه أي مانع يمنع من المضيّ، واعترض لي بمعناه ومنه اعتراضات الفقهاء لأنها تمنع من التمسك بالدليل اهـ، وفيه إشارة إلى أنّ الاعتراض بالمعنى المشهور ليس بلغويّ، وإنما هو اصطلاحيّ، وهذا الوجه رجحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الزمخشريّ لما فيه من المبالغة، والإيجاز بحذف الجواب، وذهاب النفس كل مذهب مع سلامته عن الموانع السالفة، وبين السؤال المقدر بما ذكره وحاصله السؤال عن وجه الشبه فإنّ مشاركة حال المنافقين لحال المستوقد في المعاني المذكورة غير ظاهرة، وحال المشبه معلومة مما مضى، وحال المشبه به وهو المستوقد مذكورة، فأجيب بأنهم بعدما منحوا الهدى {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} وصيرهم هائمين في الضلالة التي هي ظلمات بعضها فوق بعفر،، ثم لا بدّ للحذف من مجوّز ومرجح على الإثبات الذي هو الأصل، فأشار المصنف إلى الأوّل بأمن الإلباس، وإلى الثاني بالإيجاز وعدل عن قول الزمخشريّ، وإنما جاز حذفه لإستطالة الكلام أي لطوله لما قيل عليه من أنه لا استطالة هنا بخلاف قوله قلما ذهبوا به، وإن دفع بأنّ المراد لولا حذف ذلك الجواب لطال الكلام، وأيضا عد الإستطالة في المرجح أولى من عدّها في المجوز، ودفعه بأنه حاول أن يذكر في كل منهما أمرين ليس بشيء كما قاله قدّس سرّه هذا، وفد قيل إن جعل ذهب الله جوابا أوى لعدم الإستطإلة، ولأنّ كونه من تتمة التمثيل الأوّل يوجب مطابقته للتمثيل الثاني لاشتماله على مبالغات، ومن دأب البليغ أن يبالغ في المشبه به ليلزم منه المبالغة في المشبه ضمناً، والحمل على الإستئناف ضعيف لأنّ السبب في تشبيه حالهم قد علم مما سبق فلا معنى للسؤال عن وجه الشبه، أو تعيين المشبه، وجعله بدلا من جملة التمثيل يدل على أنّ المذكور لفظاً أو في لتأدية الغرضى مما حذف لقصور العبارة عنه، وهو باطل نعم لو قيل ذهب الله ابتداء كلام لبيان حال المشبه لم يكن بعيدا، ولعل ما ذكره المصنف من نكتة الحذف ليس إيثارا له بل إيناساً به، وإزالة لاستبعاده فالوجه هو الأوّل وسيرد عليك من كلامه ما يشعر به، وأجيب بأنّ الحذف لما كان أبلغ كانت المبالغة في المشبه به كثر والتطابق بين التمثيلين أوفر، وأيضاً إذهاب النور، وتركهم في ظلمات يدل على أنه كان لهم نور فزال، وصاروا متحيرين خابطين فتكون المبالغة في الطوفين أمّ في المشبه به فبالحذف، وأمّا في المشبه فباللفظ وهذا أوفى بتأدية الغرض الذي هو بيان حال المنافؤين وقيل إنّ قول المصنف رحمه الله شبهت حالهم إلخ معنا، أنّ له حالين الأولى إنطفاء ناره بالكلية بحيث لا يبقى لها أثر، والثانية إنطفاؤها مع بقاء الأثر ففي أيّ الحالتين شبه المنافقون بالمستوقد فكأنه قيل في الأولى حيث ذهب الله بنورهم إلخ فإنّ الميالغات التي فيه تفيد عدم بقاء الأثر فيكون هذا الاستئناف مما يكون السؤال فيه عن أمر غير سبب الحكم هو وجه الشبه أو المشبه، ومما حذف فيه الاسنئناف كله مع قيام شيء مقامه قوله: زعمتم أنّ أضص تكم قريش لهم ألف وليس لكم آلاف فعلم من هذا أنّ وجه الشبه أو المشبه لم يعلم على التعيين مما مرّ، وأنّ حذفه وجعل المذكور استئنافا أبلغ من كونه جوابا لما فيه من بيان حال المشبه بوجهين يوجبان الأبلغية الإجمال والتفصيل، والتصريح بالمبالغة بدون اكتفاء بما في ضمن المبالغة في المشبه به فيطابق التمثيل الثاني بل يكون أبلغ فلا يرد عليه ما في الكشف من الاعتراض! . (أقول) وبالله التوفيق كون الجواب أرجح كما أشار إليه المصنف بتقديمه بأنّ المهم المقدم وارتضاه المدقق مما لا يخفى على من له إنصاف وتطابق التمثيلين وجريهما على نهج فيه أظهر من الشمس، وكل ما ارتكبوه في ردّه على طرف الثمام، والمرجح المذكور معارض بما فيه من الحذف الذي هو خلاف الأصل وبما فيه من الإلباس لاحتمال قوله {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} غيره بحسب الظاهر المتبادر وقرينة جمع الضمير خفية فالحق الحقيق بالقبول ما في الكشف فإنه غنيّ عن الكشف، وكيف يتعين بما ذكر المراد من أنه لم يبق له أثر، وهذا إنما يتضح لو قيل بنارهم بدل بنورهم. قوله: (أو بدل من جملة التمثيل إلخ) معطوف على قوله جواب لما وقد سمعت آنفاً ما في الكشف في البدل فليكن على ذكر منك إذ لا فائدة في الإعادة، والذي يهمنا هنا بيان ما يتعلق به غير ذلك، وإنما قال: المصنف على سبيل البيان إلف رة إلى أنّ المبدل منه ليس في نية الطرح كما اشتهر في أمثاله فهذا معتبر أيضا لأنّ المصرّح به في التمثيل حال المشبه به، وأردفه بالتصريح مجال المشبه على هذا التقرير، ولذا قيل إنه بدل كل والبيان لازم، ولذا جعل بعض المحققين عطف البيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 كله بدل كل وهو في الجمل التي لا محل لها يفيد مفاد المبدل منه فيبينه ويؤكده، وهذا بناء على أنّ المراد بالبدل بدل الكل في الكل، والظاهر أنه بدل بعض لأنّ جملة التمثيل من قوله مثلهم إلى قوله حوله مشتملة على حال المشبه والمشبه به، وهذه الجملة مقصورة على الثاني فكونها بدل أقرب إن قلنا بجريانه في الجمل ولا يلزمه الضمير لأنه شرط بدل البعض، والاشتمال في المفردات دون الجمل لعدم صلاحيتها لذلك باقية على أصلها، وقيل إنه بدل اشتمال لأنّ الغرض بيان حال المنافقين من ظهور نورهم حالاً، ثم اضمحلاله مآلاً، وظاهر أنّ هذا أوفى بتأدية الغرض من ذلك فهو بمنزلة: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا فسقط اعتراض! صاحب الكشف السابق على ما في الكشاف، وقد قدمنا لك أيضاً ما زعمه أبو حيان في ردّ البدلية من أنّ انفعلية لا تبدل من الاسمية اتفاقا، وقيل إنّ الجملة الأولى لا محل لها والبدل تابع معرب بإعراب سابقه فلا تصح البدلية، ورد ما ذكره رواية ودراية من غير حاجة إلى الالتجاء إلى أنّ المراد بالبدل هنا ليس هو البدل النحوي بل أن تكون الجملة الثانية مفسرة، وموضحة للأولى قائمة مقامها في الجملة فتحصلى لك في البدل احتمالات أربعة. قوله: (والضمير على الوجهين للمنافقين) أي على أنه استئناف أو بدل وجواب لما محذوف وتقديره إنطفأت أو خمدت وقد مرّ بيانه وشرح ما ذكره المصنف هنا من المجوّز والمرجح، ووجه عدوله عما في الكشاف من الإستطالة إلى الإيجاز والإعتراض عليه بأن تبادر الجوابية من جملة ذهب إلخ موقع في الإلباس، حتى قال أبو حيان أنه الغاز وهو مدفوع بأنّ ضمير الجمع قرينة على أنه راجع للمنافقين المشبه وهو يقتضي أن لا يكون جواباً، فإن قلت إن سلم هذا اقتضى أن لا يصح كونه جوابا، وهو لأرجح عند المصنف رحمه الله، قلت القرينة لا يلزم أن تكون قطعية ولذا تراهم يجوزون تقادير مختلفة في تركيب واحد من غير نكير، ولذا قالوا في نكتة الحذف هنا أنها إيهام أنّ الجواب مما تقصر عنه العبارة لأنّ ما قدروه أمر غير متعين وأتى المصنف رحمه الله له بنظير من القرآن المجيد، وان كان ثمة الإستطالة ظاهرة لأنه عنده مثبت للحذف لأجل الإيجاز فتدبر. قوله: (وإسناد الإذهاب الخ) عبر بالإذهاب الذي هو مصدر المزيد والمذكور في النظم ذهب إشارة من أوّل الأمر إلى المعنى المراد، وأنه لتعديه بالباء في معنى إذهب كما ستراه. وفي الكشاف فإن قلت فما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى في قوله {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} قلت إذ! طفئت النار بسبب سماويّ ريح أو مطر فقد أطفأها الله تعالى، وذهب بنور المستوقد، ووجه آخر وهو أن يكون المستوقد في هذا الوجه مستوقد نار لا يرضاها الله، ثم إمّا أن تكون ناراً مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام وتلك النار متقاصرة مذة اشتعالها قليلة البقاء، ألا ترى إلى توله {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ} [المائدة: 64] وأمّا ناراً حقيقية أوقدها الغواة ليتوصلوا بالإستضاءة بها إلى بعض المعاصي، ويتهدّوا بها في طرق العيث فأطفأها الله وخيب أمانيهم، وإنما أوردناه برمته لتعلم مراده ومراد المصنف رحمه الله فتتحقق الفرق بينهما، وقد ذهب اكثر إلى أن السؤال على تقدير كونه جواب لما وأنه لدفع المانع المعنويّ الذي قرّرناه اوّلا وأنه مبنيّ على الاعتزال وقاعدة الحسن والقبح لأنّ إطفاء نار المستوقد عبث والعبث عندهم قبيح والوجوه ثلاثة والإسناد. على الأوّل منها مجازقي لكونه المسبب في الريح والمطر، وقال المحقق إنه من قبيل أقدمني حق لي على فلان وهناك قدوم بلا إقدام، وفائدة الإسناد المب لغة في الإذهاب وعلى الئاني فالمراد كما قاله قدس سرّه مستوقد نار لا يرضاها الله، وإطفاؤها ليس قبيحاً، وسواء كان! ت النار مجازية أو حقيقية فالإسناد حقيقيّ، فإن قيل المنافق مستوقد نار الفتنة والعداوة مع ما ذكر من الإضاءة فلا معنى للتشبيه، قيل: هذا المستوقد أعئم وقيل: إنه لا حاجة في توجه السؤال إلى أنّ ذلك الإذهاب قبيح مانع من صحة الإسناد عنده بل يتجه بمجرّد أنّ. الإذهاب عادة يقع بالأسباب بل قبحه علئ- رأي المعتزلة محل مناقشة إلأ أنّ تقريره للجواب الأخير يشعر باعتبار القبح في السؤال، والأظهر في الجواب أن يقال لا حاجة في تمثيل حال المنافقين إلى تحقق الإذهاب من الله تعالى لنورهم إذ يكفي فيه الفرض! والتقدير؟ وعدم رضا الله تعالى بإستيقاد النار لا يلائم التمثيل، والحق في الجواب عن اعتبار التشبيه في نار الفتنة أنهم لم يوقدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 نار الفتنة بتهييج الحروب إذ لم يفعلوا ذلك وإنما صدر منهم ما يؤدّي إليه كما مرّ في تفسير قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ} وأمّا الجواب بأنّ المستوقد أعمّ من المنافقين ففيه إنه لا يحسن تشبيه الخاص بالعام إلا أن يراد بالأعم الخاص الآخر المقابل للمشبه. (أقول) هذا ما في الكشاف، وشروحه ومراده بالتجوّز في النار أنه استعارة تصريحية حيث شبه تهييج الفتن والحروب بإستيقاد النار تشبيه معقول بمحسوس بجامع عقليّ، وهو الإصرار بما يصادفه وأثبت له ما يخصه، وهو الإيقاد ففي الكلام استعارة في تشبيه، وهو من أبلغ ما يكون، وذكر المجاز وإرادة الاستعارة غير مستبعد، ثم إنهم اتفقوا على أن توجيه الإسناد في الكشاف مبني على جعل جملة ذهب جوابا للما والضمير للمستوقد، وانه على الأوّل مجاز في الإسناد لا حقيقة له بناء علىءا قاله عبد القاهر، والشريف لم يعرج على هذا نفيا واثباتا، فكأنه ليس عنده ثلج صدر مته، ووجهه إنه إذا لم يكن فعل الله والريح ونحوه ليس بفاعل مختار وإنما هو سبب عادي لم يكن له فاعل حقيقي، وقد جوّز أهل المعاني مثله وهو كلام حسن، وما ذكره قدس سرّه من تشبيه الخاص بالعام لا وجه له، والمعروف عكسه وهو نوع من التشبيه يسمى التمثيل كما تقول الجمل الفعلية كقام زيد، ولو عكسته كان عبثا، وقد صزح به اً هل المعاني، وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فالظاهر أنه توجيه للإسناد على الوجوه كلها سواء رجع الضمير إلى المستوقد أو إلى المنافقين، وقوله كريح ومطر إلخ ناظر إلى عوده على المستوقد، وهو مقابل للسبب الخفيّ وما يحصل بأسباب سماوية يسند إلى الله تعالى عادة والسبب الخفيّ يعتبر بحسبه، وهو ناظر إلى عود الضمير للمنافقين كما أشار إليه هنا بعض المتأخرين رحمه الله، فقوله لأنّ الكل بفعل الله بناء على مذهب أهل السنة من أنه الفاعل لكل شيء حسناً كان أو قبيحا ولا قبح فيما صدر عنه سبحانه، وفعل الإطفاء إن كان بدون سبب عاديّ، فهو من الله واسناده إليه حقيقة على هذا، وخفاؤه بالنسبة إلينا لعدم إطلاعنا عليه فإذا كان من أحوال المستوقد المشبه به فهو أمر فرضيّ لغير فاعل معين ترى ناره، ويدري ما يطفئها فأسند إلى الفعال المطلق الذي بيده التصرّف في الأمور كلها، والظاهر أنه حقيقة على هذا أيضا وأما إذا أطفئت بأمر سماوي كريح هبت بقدرة الله تعالى فهو الفاعل، والريح اكة كالسكين للقاطع، وإذا قصد المبالغة التي سنقرّرها فهو محتمل للحقيقة، والمجاز بناء على تفسير النار فكلام المصنف مخالف لما في الكشاف من وجوه فمن طبقه عليه، وقال في تقريره إنه يشير إلى أنه على تقدير رجوع الضمير للمنافقين حقيقة بلا خفاء، وعلى رجوعه للذي استوقد فلا يخلو من أن يكون حقيقة أو مجازا، وعلى الثاني إمّا أن يعتبر له فاعل حقيقيّ لو أسند إليه كان حقيقة، وقد نقل عنه إلى الفاعل الجازي أولا وعلى الأوّل إمّا أن يكون الفاعل مجهولا أو معلوما فأشار إلى الأوّل بقوله لأنّ الكل إلخ، وإلى الثاني بقوله أو لأنّ الإطفاء حصل بسبب خفيّ، وإلى الثالث بقوله أو أمر سماويّ إلخ وإلى الرابع بقوله أو للمبالغة كأقدمني حق لي عليك فقد ألزمه بما لا يلتزمه وفسر كلامه بما لا يحتمله، وبما عرفت من تفسير السبب الخفيّ عرفت سقوط ما قيل عليه من أنه تعالى لا يخفى عليه شيء إلى آخر ما أطال به من غيرطائل، وقد بقي هنا أمور يضيق عنها نطاق البيان. قوله: (ولذلك عدي الفعل بالباء دون الهمزة إلخ) أي الباء والهمزة للتعدية إلا أنّ الباء لما فيها من معنى الإلصاق والمصاحبة أبلغ من الهمزة، ولذلك عدي بها هنا والفرق بينهما مذهب المبرد وارتضاه كثير من المحققين وفي المثل السائر كل من ذهب بشيء فقد أذهبه، وليس كل من أذهب شيئا ذهب به لأنه يفهم من ذهب به أنه استصحبه معه وأمسكه عن ال- جوع إلى حاله الأولى، وليس كذلك أذهب، وارتضاه أبو حيان، واستدل عليه بأمور مفصلة في محلها ردا وقبولاً، وذهب سيبويه إلى أنهما بمعنى وتبعه أكثر النحاة، واستدل بهذه الآية لأنه تعالى لا يتصف بالذهاب فمعناه أذهبه لا غير، ودفع بأنه مجاز هنا عن شدة الأخذ بحيث لا يرد كما في قولهم ذهب السلطان بماله فإنه مجاز عن المعنى المذكور بذكر الملزوم، وارادة اللازم فإنّ السلطان لم يذهب، ولم يجعل المال ذاهبا وإنما أخذه وأه سكه، فإن قلت هذا الفرق بين تعدية الباء، والهمزة هل هو مخصوص بهذه المادّة أم لا وعلى ك تقدير كيف يقال إنّ المبالغة جاءت من الإلصاق، والمصاحبة وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 معنى آخر للباء غير التعدية مع أنّ كثيراً من النحاة ذهب إلى أنّ باء المصاحبة مع مجرورها كجاء بثياب السفر ظرف مستقرّ أبدا، وهو مضاف لما ذكر قلت من النحاة من قال: إنه لا يختص بمادّة، وليس المراد بالاستص! اب المصاحبة التي يعبر عنها بمع بل الملازمة، وعدم الإنفكاك كما أشار إليه المصنف بعطف الاستمساك بمعنى الإمساك عليه عطفاً تفسيريا وقد نقل أهل اللغة عن ابن فارس أنّ كل شيء لازم شيئا فقد استصحبه ومنه الاستصحاب عند أهل الأصول لعدم انفكاكه عما كان عليه، والذهاب بمعنى المضيّ، ويستعمل في الأعيان والمعاني كقوله تعالى {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99] وقوله تعالى {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود: 74] وكون المبالغة هنا من إسناد الذهاب إلى الله بمعنى الأخذ والإمساك، وهو القويّ العزيز الذي لا رادّ لما أخذه ولا مرسل لما أمسكه ظاهر أمّ كونه من قبيل أقدمي حق لي فقد عرفت حاله فتدبر. قوله: (ولذلك عدل عن الضوء إلخ) أي لقصد المبالغة عدل عن الضوء مع أنه مقتض الظاهر المطابق له لقوله أضاءت، وهذا بناء على أنّ الضوء أقوى من النور لقوله تعالى {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] والإذهاب والإزالة نفي معنى ونفي الأشد لا يفيد نفي ما دونه بل ربما يشعر بثبوته، وأعترض عليه بأنّ إطلاق النور على الله تعالى دون الضوء ينافيه، وإن كان مجازا بمعنى الهادي، وبأنّ أهل اللغة سوّوا بينهما. وفي الكشاف: والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق، والنور ضوءها وفي الكشف إنّ فيه توسعا لما سيذكره من أنه أدنى من الضوء لكنه شائع في عرف الاستعمال كما أخذ أصل التفاوت من استعمال البلغاء لا أصل الوضعمن نحو جعل الشمس ضياء إلخ وقولهم أضوأ من الشمس، وأنور من البدو ذكره في الأصاس، والتحقيق أنّ الضوء فرع النور يقع على الشعاع المنبسط لا أنهما واحد كما نقل عن ابن السكيت، ولهذا يقع على الذوات الجوهرية بخلاف الضوء والأبصار بالفعل بمدخلية الضوء فجاءت المبالغة من هذا الوجه، ولهذا كان جعل الشمس سراجا أبلغ من جعل القمر نوراً، فافهم، ولا تلتفت إلى ما نقل من إعتراض صاحب الفلك الدائر ولا إلى جوابه، فقد تبين لك القشر من لبابه، اهـ. وقال قدس سرّه: إطلاق كل واحد من الضوء والنور على الآخر مشهور فيما بين الجمهور، فلا ينافي الفرق المأخوذ من استعمال البلغاء على ما ذكره ولا المأخوذ من اصطلاح الحكماء وهو أنّ الضوء ما يكون للشيء من ذاته، والنور ما يكون من غيره. (أقول) ! اذكره قدّس سرّه يقتضي أنّ كلاَ منهما يطلق على ما يطلق عليه الآخر فهما كالمترادفين، والفرق إنما نشأ من الاستعمال أو الإصطلاح لا من أصل الوضعواللغة فكأنه لم يرتض ما في الكشف لأنّ محصله أنّ الضوء أقوى من النور في عرف الاستعمال، والتفاوت بينهما من عرف اللغة والاستعمال، وليس بوضمي فإنهما في أصل الوضع متغايران إذ النور أصل والضوء شعاعه وفرعه، ولذا كان النور يطلق على الذوات المجرّدة دون الضوء والضياء، وأنّ الإبصار لما كان بواسطة الشعاع المنتشر كان بهذا الاعتبار أقوى من النور في المعنى المقصود منه، وهو الإظهار لأن النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، وكأنه لم يرتضه لمخالفته لما تقرر في الحكمة والكلام على ما فصل في شرح المقاصد، إلا أنّ المحققين من أهل اللغة ارتضوه، وقالوا: إنه الموافق لاستعمال العرب العرباء فإنهم يضيفون الضياء للنور، وششدونه له فيقولون ضياء النوو، وأضاء النور كما قال ورقة بن نوفل: ويظهر في البلاد ضياء نور وقال العباس رضي الله عنه: وأنت فماظهرت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق وهو المذكور في الأساس، وقال العلامة السهيلي في الروض الأنف إنه " هو الحق عند من يعرف اللغة والاستعمال فقال. بعدما أنثدناه من الشعر، وهذا يوضح لك معنى النور، ومعنى الضياء وأنّ الضياء هو المنتشر عن النور وأنّ النور هو الا صل للضوء ومنه مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل فلما أضاءت ما حوله وفيه جعل الشمس ضياء والقمر نوراً لأنّ نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس لا سيما في طرفي الشهر، وفي الصحيح " الصلاة نور والصبر ضياء " (1 (وذلك أنّ الصلاة هي عمود الإسلام، وهي ذكر وقرآن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر فالصبر عن المنكرات، والصبر على الطاعات هو الضياء الصادر عن هذا النور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الذي هو القرآن، وفي أسماء البارىء تعالى نور السموات والأرض ولا. - يجوز أن يكون الضياء من أسمائه سبحانه، اهـ وهذا كله يقتضي أنّ أصل مسمى النور، وحقيقته جسم نورانيّ فإنا إذا أوقدنا حطبا وفتيلا مثلا فالجسم المحترق جمر وفتيل، ويتصل به جور آخر جسمانيّ لطيف قابل لأشكال مختلفة مركب من هواء مزاجه أبخرة وأجزاء لطيفة، وهذا هو النور فإن أطلق على غيره فتجوّز وتسمح معروف في اللغة صار حقيقة عرفية فيه، ويتفرّع على هذا أشعة منبثة متباعدة عنه وهي كيفية، وعرض للهواء وذهب بعض الحكماء إلى أنه أجرام صغار منتشرة فإن عنى أنّ هذا مسمى النور الذي ذكر آنفا فليس بعيدا عن الصواب، والفرق حينئذ بين النور والنار مما يعرفه أولو الأبصار، ومن هنا عرفت وجه تسمية الرب الغفور بالنور فإن فهمت فهو {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} [سورء النور: 35] فاحفظه فإنه يستحق أن يكتب بالتبر على خدود الحور. قوله: (فذكر الظلمة إلخ) يعني أنّ ذكر الظبمة المؤكدة لذهاب النور، يقتضي أيضاً أنّ هذه الجملة " مؤكدة لما قبلها كما هو مقتضى المقام إلأ أنه قيل عليه إنه حينئذ لا وجه للوصل فيحتاج دفعه إلى جعل الواو للحال بتقدير قد أي، وقد تركهم فالحال حال مؤكدة وفي بعض الحواشي إنّ المصنف رحمه الله يعني أنّ المراد إزالة النور بالكلية، فإنّ قوله: وتركهم معطوف على قوله {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} والعطف قد يكون للتفسير والتقرير، وفيه إشارة لدفع ما ذكر لكنه مخالف لما في كتب المعاني فإنّ المسطور فيها ما ذكره المعترض! فالذي ينبغي أن يقال إنّ هذا لكونه أوكد واو في بأداء المراد جعل بمنزلة شيء آخر مغاير لما قبله كما قرّره الفاضل المحقق في المطوّل في قوله تعالى {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [البقرة: 49] كما سيأتي بيانه، وأمّا ما أجاب به المعترض فليس بصحيح لفظا ومعنى، أمّا الأوّل فلما فيه من إيهام خلاف المراد لتبادر العطف منه، وفي اقتران الحال المؤكدة بالواو نظر ظاهر لأنّ واو الح لله ل في الأصل عاطفة، وهذه من الم! ، ئل الغريبة وفي شرح الألفية لابن مالك وتبعه ابن هشام إذا كانت الجملة الاسمية حالا مؤكدة لزم الضمير وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه، وذلك الكتاب لا ريب فيه إلا أنهم خصوه بالاسمية، وأمّا الفعلية فلا أدري حالها، وأمّا الثاني فلأنّ هذه الجملة الماضوية إذا كانت حالاً، وقدر معها قد تقتضي ثبوت الظلمة قبل ذهاب النور ومعه وليس المعنى عليه كما لا يخفى، والإنطماس من ط مسه إذا محا. وأزاله وهو يتعذى ولا يتعدى. قوله: (التي هي عدم النور) تبع فيه الزمخشرفي، وترك قيد عما هو من شأنه، وهو المصرّج به في كتب الكلام لأنها عندهم عدم ملكة للضوء والنور وهما بمعنى عندهم وذهب بعضهم إلى أنها كيفية وجودية، وتصريح المصنف رحمه الله تعالى بالعدم رذ عليه فعلى الأوّل بينهما تقابل العدم، والملكة وعلى الثاني تقابل التضاد وتمسك القائلون بأنها وجودية بقوله تعالى {جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:! ا] فإنّ المجعول لا يكون إلا موجوداً وأجيب عنه في شرح المقاصد بالمنع فإنّ الجاعلى كما يجعل الوجود يجعل العدم الخاص كالحمى، والمنافي للمجعولية هو العدم الصرف وإذا قلنا بأنهما من قبيل العدم، والملكة فلا بد من القيد المذكور فإن لم نقل بذلك فتركه لازم فيكون عدماً مقيداً أو مطلقا، وكأنّ المصنف رحمه الله إنما ارتضاه ليصدق على الظلمة الأصلية السابقة على وجود العالم كما ورد في الآثار من نحو كان الناس في ظلمة فرس عليهم من نوره، وما قيل من أنّ زيادة هذا القيل دعوى غير مسموعة لا يعوّل عليه لما عرفت، وعلى هذا فهو كما أرتضاه بعضهم من تقابل الإيجاب والسلب ووجوه التقابل ثلاثة، وقوله وانطماسه بالكلية قيل عليه إنّ الظلمة لها مراتب كثيرة، وهذا أعلى مراتبها وهو المذكور في قوله تعالى {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] فلا ينبغي اعتبار هذا القيد في مطلق الظلمة، وليس بشيء لأنّ صرف الظلمة لا بد فيه من هذا، وهو المتبادر من إطلاقها، وقوله لا يتراءىء إلخ أي بحيث لا يرى شيء فيها، وإنما عبر بالترائي وأتى بقوله شبحان مثنى شبخ بشين معجمة وياء موحدة مفتوحتين تليهما حاء مهملة الشخص الذي يرى، ولا يدرك مشخصاته لبعد وغيره مبالغة في عدم الرؤية لأنّ المراد بهما الرائي والمرئيّ من الشخصين المتقابلين، ولذا عبر بالتفاعل إذ المراد أن يكون من شأنهما أن يرى أحدهما الآخر، وقيل إنه إشارة إلى أنّ الظلمة إذا كانت متراكمة فغاية ما يرى فيها مجرّد الشبح فإذا لم ير فيها الشبح كانت الظلمة في أعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 مراتبها. قوله: (ووصفها إلخ) ظاهره أنه جعل جملة لا يبصرون صفة لظلمات، والعائد مقدّر أي فيها؟ ولو جعل حالا من ضميرهم استغنى عن التقدير ولا يخفى حسنه هنا لأنّ شأن المستضيء في الظلمة زوال إبصاره بالكلية عقب الضوء بخلاف غير المستضيء، فإنه قد يرى في الظلمة والوصفية أظهر في إفادة هذا المعنى. قوله: (وترك في الأصل بمعنى طرح إلخ) يعني أنّ أصل معنى ترك المشهور طرح الشيء، وإلقاؤه كما يقال ترك العصا من يده أي رماها أو تخليته، وإن لم يكن في يده سواء كان محسوساً أو غيره كما يقال ترك وطنه وترك دينه، وقال الراغب: ترك الشيء رفضه قصداً وأختيارا أو قهراً واضطراراً، وفي المصباح تركت المنزل تركاً رحلت عنه، وتركت الرجل فارقته، ثم استعير في المعاني فقيل ترك حقه إذا أسقطه، وهذا لا كلام فيه وأنما الكلام في كونه من النواسخ الناصبة للمبتدأ والخبر بمعنى صير فذكر ابن مالك في التسهيل أنه من معانيه الوضعية، وأنه حينئذ ينصب مفعولين وعلى الأوّل ينصب مفعولا واحداً، وظاهر قول المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري إنه ضمن معنى صيرانه استعمال طارىء عليه غير وضعيّ، ويجوز أ! يكون وضعياً لأنهم يطلقون التضمن على جزء المعنى الوضعي كما في عرف أهل الميزان فيقولون من تضمنت معنى الاسنفهام، وكلامهم هنا يوهم أنّ الآية مقصورة على المعنى الثاني دون الأوّل، وفي أمالي ابن الحاجب إنه من القبيل الأوّل وهم مفعوله {فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] حالان مترادفان من المفعول وقيل إنهم يجوّزونه أيضا وإنما تركوه لظهوره وعلى ما ذكرهم مفعوله الأوّل والثاني في ظلمات ولا يبصرون صفة أو حال من الضمير المستتر فيه، اً ومن هم أو خبر بعد خبر أو هي حال مؤكدة لا خبر وفي ظلمات حال لأنّ الأصل في الخبر أن لا يكون مؤكداً وإن جوّزه بعضهم فتأمّل. قوله: (فتركتة إلخ) هو من قصيدة عنترة المشهورة وهي من المعلقات السبع وأوّلها: يا دارعبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دارعبلة واسلمي ومنها في صفة بطل نازله: ف! شككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرّم فتركته جزرالسباع ينشنه مابين قلة رأسه والمعصم ومسك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم إلى آخر القصيدة، وهي طويلة فما ذكر صدر بيت منها عجزه ما ذكرناه وروي: يقضمن حسن بنانه والمعصم وضمير الغائب للبطل المدجج السابق ذكره في القصيدة، وتركته بالإسناد لضمير المتكلم وروي تركنه بالنون والضمير للنساء أو للقنا وجزر بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة، وبعدها راء مهملة كما ضبطه شرّاح المعلقات فعل بمعنى مفعول، ويقال لما تأكله السباع جزر السباع لأنها تجزره أي تذبحه بأنيابها، ويقال أجزرت فلاناً شاة إذا أعطيتها له كلها هذا ما يعتمد عايه هنا، وقيل جزير بضم فسكون أو بضمتين جمع جزرة، وهي شاة معدة للذبح والنوس التناول بسهولة والقضم بالقاف والضاد المعجمة اكل بمقدّم الأسنان، وعليه الرواية هنا وليس كما قيل إنه بالفاء والمهملة بمعنى الكسر، والمعصم بكسر الميم موضع السوار من الساعد والبيت ليس بنص في العمل كالآية لاحتمال كون جزر السباع حالا أيضا، ومعناه تركته عرضة للسباع تأكله لإنهزام قومه ومنعهم عن دفنه أيضاً، وكونه معرفة إن سلم لا يسد باب الاحتمال. قوله: (والظلمة مأخو " إلخ) بيان لأصل المزيد والمجرّد المأخوذ منه، وظلم الثلاثي وإن أثبته أهل اللغة فعلا للظلمة أيضاً إلا أنهم أشاروا إلى أنّ أصل معناه يدور على المنع فلذا جعلوه مأخوذاً منه، وهذا ما عليه أهل اللغة في الاشتقاق وليس الزمخشري أبا عذرته وفي مثلثات ابن السيد الظلم بفتح الظاء شخص كل شيء يستبصر الناظريقال لقيته أوّل ذي ظلم أي أوّل شخص سد بصري، وزرته والليل ظلم أي مانع من الزيارة، وفي الأساس ما ظلمك أن تفعل كذا أي منعك، ومنه الظلمة لأنها تسد البصر وتمنعه من النفوذ فقيل هو بعيد جدا ووجه إستبعاده ما فيه من جعل المعنى الحقيقي المشهور مأخوذاً من معنى مجازيّ غير معروف، وقد عرفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 ما يدفعه، وقيل سدّ البصر ومنع الرؤية بناء على ما يعتقده الجمهور فلا يتجه عليه أنّ العدم لا يكون مانعا فيقال إنه مبنيّ على رأي غير مقبول من أنه كيفية وجودية وعدم الشرط لا يكون مانعا عن وجود المشروط، فعده مانعاً مبنيّ على التوسع والتسامح. قوله: (وظلمائلهم طلمة الكفر إلخ) توجيه لجمع الظلمة بما يعلم منه معناها هذا بناء على أنّ الظلمة مجازية فإضافة ظلمة الكفر وما بعده من قبيل لجين الماء فالمراد بالنفاق أحواله اللازمة له غير الكفر الخفي، وقوله {وظلمة يوم القيامة يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ} [الحديد: 12] يوم الثاني بدل من الأوّل أو عطف بيان له وهو إقتباس إلا أنه قيل عليه إنّ ظاهر قوله تعالى {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} وجودها في الدنيا بل في ابتداء إذهاب الله نورهم، وقد يجاب عنه بأنه لما تقرّر في حقهم أن يكونوا يوم القيامة في ظلمة صار كأنه واقع بهم ولا يخفى بعده، والظاهر أنّ المراد بظلمة يوم القيامة ظلمة كانت لهم في الدنيا لكنها ظهرت في يوم القيامة كما أنّ نور المؤمنين كذلك كما يشير إليه قوله يوم ترى فهو كقوله {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} [الإسراء: 72] والمراد إقرارهم اللساني، وأحكام الإسلام التي أظهروها في الدنيا إلا أنها لعدم مواطأتها للقلب تعد أوزاراً فهي ظلمات بعضها فوق بعض، وفي تفسير السمرقندي إشارة إليه فإن قلت قد مرّ أنّ الضمائر إمّا للمنافقين أو للمستوقدين فهذا على أيّ اأس جهين، قلت يحتمل أنه على التوزيع فالأوّل، والثالث على أنّ الضمير للمنافقين، والثاني على أنه للذي استوقد والوجوه بأسرها جارية على كل من الاحتمالين، أمّ على العود للمنافقين فظاهر، وأمّا على مقابله فلما قيل إنهم لما شبهوا بمن ترك في ظلمة إنطفأ ضوحمه، وظلمة الليل والغمام المطبق لزم أنّ لهم ظلمات متعددة أو ظلمة شديدة بمنزلتها، وفيه نظر وقيل إنه على هذا بتقدير مضاف أي مثل ظلمات، والسرمد الدائم كالسرمدي والمتراكم الواقع بعضه فوق بعض، وقوله فكأنّ الفعل غير متعذ أي نزل منزلة اللازم لطرحه نسيا منسياً، ولعدم القصد إلى مفعول دون مفعول فيفيد العموم. قوله:! (مثل ضربه الله إلخ) في الكشاف على ما قرّره شراحه أربعة أوجه بناء على أنّ التشبيه مركب، أو مفرّق وعبارته المراد ما استضاؤوا به قليلا من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم ووراء إستضاءتهم بنور هذه البلمة ص ظلمة النفاق التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله، وظلمة العقاب السرمدي، ويجوز أن يشبه بذهاب الله بنور المستوقد إطلاع الله على أسرارهم، وما افتضحوا به بين المؤمنين، واتسموا به من سمة النفاق، والأوجه أن يراد الطبع لقوله {صا صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} وفي الآية تفسير آخر وهو أنهم لما وصفوا بأنهم {اشتروا الضلالة بالهدى} عقب ذلك جمهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه! بالنار المضيئة ما حول المستوقد والضلالة التي اشتروها، وطيع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم، وتركه إياهم في الظلمات، وفي المفتاح وجه تشبيه المنافقين بالذين شبهوا بهم في الآية هو رفع الطمع إلى شيء مطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة لإنقلاب الأسباب وأنه أمر توهمي كما ترى منتزع من أمور جمة، وللشراح في كون السؤالي عن وجه الشبه أو عن المشبه كلام لا مساس له بكلام المصنف رحمه الله لعدم ذكره لمنشئه ومبناه، وتقرير ما في الكشاف إنه شبه إجراء كلمة الشهادة على ألسنتهم، والتحلي بحلية المؤمنين ونحوه مما يمنع من قتلهم، ويعود عليهم بالنفع الدنيوي من الأمن! والمغانم ونحوها وعدم إخلاصهم لما أظهروه بالنفاف الضار في الدارين بإيقاد نار مضيئة للإنتفاع بها هبت عليها، الرياح والأمطار وأطفأتها، وصيرت موقدها في ظلمة وحسرة، وهذا معنى قوله المراد صا إستضاؤوا به إلخ أو النور والاستضاءة ما أظيس وه من الإسلام بإجراء الكلمة أيضاً وظلمته إقتضاحهم وظهور نفاقهم، وهذا معنى قوله ويجوز إلخ أو النور الإيمان والإسلام المتحلين بحليتهما، وظلمته طبع الله- على قلوبهم الذي صيرهم صما عميا وهذا هو الوجه الثالث أو النور الهدى الذي تمكنوا منه، أو فطروا عليه والظلمة الضلالة المشتراة ويجري في هذا كله التفريق والتركيب كما سيصرّح به مع ترجيحه للتركيب فالوجوه أربعة مضروبة، في إثنين فهي ثمانية، وهذا هو الذي إرتضاه الشريف المرتضى حيث قال: إنه إشارة إلى تركيب وجه الشبه وأنه منتزع من أمور متعددة في المشبه، وأما إنتزاعه من متعدد في المشبه به فمما لا شبهة فيه، ولا يخلو كلامه من تلويح إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 جواز التفريق، وتلخيصه أنه اعتبر في المستوقد السعي في إيقاد النار والكدح في إحيائها وحصول طرف من الإضاءة المطلوبة وزوالها بإنطفاء النار بغتة، كما يدل عليه فلما، ولذا قال إستضاؤا به قليلا واعتبر في المنافق القصد إلى إدعاء الإيمان واجراء الكلمة على اللسان، وحصول منافع الأمن والأمان د رانتفاء ذلك دفعة بالموت، ووقوعهم في ظلمات متراكمة فإن لوحظ في كل واحد من الجانبين هيئة وجدانية ملتئمة من تلك المعاتي المتعدّدة كان مركبا، ووجهه ما ذكر، وان قصد تشبيه كل واحد من تلك المعاني بما يناظره كان مفرقا لا يحتاج وجهه إلى بيان، فإن قيل ظلمة النفاق مجامعة للإستضاءة بنور هذه الكلمة لا متعقبة لها، قيل من إلا أنها تمخضت بعد الانتفاع فلذلك حكم بتعقبها منضمة إلى ظلمتين أخريين، والوجه الثاني لا يخالف الأول تركيباً وتفريقا إلا فيما بإزاء ذهاب الله بنور المستوقد فالتورط حيسئذ هو الوقوع في حيرة الفضوح والخيبة، وكذا الثالث إلا أنّ المشبه هنا لإذهابه هو خذلانهم في نفاقهم فطبع على قلوبهم فوقعوا في حيرة، وبعد عن نور الإيمان، وإنما كان أوجه لأنّ ما بده من خواص أهل الطبع، ومحصول الأوّل أنهم انتغعوا بهذه الكلمة مدة حياتهم القليلة، ثم قطعه الله بالموت فوقعوا في تلك الظلمات، ومحصول الثاني أنهم استضاؤا بها مدة، ثم اطلع الله على أسرارهم فوقعوا في ظلمات إنكشاف الأسرار والافتضاح والإتسام بسمة النفاق، ومحصول الثالث أنهم انتفعوا بها فخذلهم الله حتى صاروا مطبوعين واقعين في ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض والثلاثة متعلقة بكونه تمثيلا لجميع أحوال المناقين السابقة، والوجه الرابع على تقدير تعلقه بقوله إشتروا الضلالة، وبينه على التفريق وكونه جواب لما ووجه الشبه على التفريق ظاهر وعلى الوجه المختار، وهو التركيب ما ذكر السكاكيّ كما سمعته آنفا وقول القطب الرازي: في شرحه هنا، وأمّا وجه التشبيه فهو اسم الإضاءة والظلمة أي كما أنّ في حال المستوقد ما يسمى إضاءة وظلمة كذلك في حال المنافقين ما يسمى إضاءة وظلمة ووقوع الاسم في أحدهما بانحقيقة وفي الآخر بالمجاز غير قادح في اشتراك الاسم. وأعلم أنّ لهذا التشبيه إجمالا وتفصيلاً، والإجمال هو تشبيه الحال بالحال مطلقا، وهو تشبيه مفرد بمفرد، وهو المعتبر هنا وامّا تفصيله فهو تشبيه أحوالهم بأحواله، وهو إمّا مفرق أو مركب، وقد قيل عليه إنه لا معنى للتشبيه المركب إلأ أن تنزع كيفية من أمور متعددة فتشبه بكيفية أخرى كذلك فيقع في كل من الطرفين عدّة أمور ربما يكون التشبيه فيما بينها ظاهرا لكن لا يلتفت إليه بل إلى الهيثة الحاصلة من المجموع كما في قوله: وكأنّ أجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق ويكون التشبيه مركبا، وأمّا حدث كون وجه الشبه هو اسم الإضاءة والظلمة على الوجه الذي ذكر فلا أزيد فيه على الحكاية لعلماء لبيان، وهم لا يزيدون على التعجب والسكوت. أقول: التشبيه إذا ذكر طرفاه بمفردين يدلّ، كل منهما على أمور متعدّدة كالقصة والحال ولفظ المثل هنا إن نظر إلى ظاهره فهو تشبيه مفرد بمفرد كقولنا الدنيا خيال باطل، وان نظر إلى ما اشتملا عليه كان تشبيه مركب بمركب بحسب الظاهر ويجوز أن يعتبر فيه التفريق على اللف والنشر الإجمالي فإن رجح هذا لم يمنع الأوّل، ولا يخطأ من ذهب إليه، فإن قصد الفاضل ردّ قوله إنه تشبيه مفرد بمفرد لم يسمع منه، وان ذهب الشرّاج إلى خلافه وأمّا ما تعجب منه واستهزأ به فقد يقال إنّ مراده أنّ قوا، ذهب الله بنورهم إذا كان بخواب سؤال مقدر عن وجه الشبه بأنه الإضاءة والظلم فذلك غير مشترك بين الطرفين هنا لأنّ الحقيقيين يختصان بالمستوقد، والمجازير بالمنافقين، وهذا ما ذكره أهل المعاني كما مرّ من أنهم قد يتسامحون في وجه الشبه كقولهم في الكلام الفصيح هو كالعسل في الحلاوة، مع أنّ الحلاوة غير مشتركة بينهما والمشترك ميل الطباع فعبر عنه بالحلاوة لإطلاقها على ذلك إطلاقا شائعاً، وتسمحوا فيه لمجرّد الاشتراك في الاسم وإن كان في أحدهما حقيقة وفي الآخر مجازاً، ومثل الظلمة والنور هنا إذ! كانا وجه الشبه وإذا ظهر المراد سقط الإيراد، واندفع ما قيل عليه من أنه سهو إذ لم يذهب أحد إلى جواز مثل قولك الباصرة كالذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 لإشتراكهما في إطلاق اسم العين عليهما، ولقد أطلنا الكلام وسحبنا ذيل البيان إثر هؤلاء الأعلام، لأنه من مزالّ الأقدام. قوله: (لمن آ-ماه ضرباً من الهدى إلخ الما رأى المصنف رحمه الله ما في الكشاف يؤل إلى وجه واحد لتقارب ما فسر به النور والظلمات لف النشر، ولئم الشعث فجعلها وجهاً واحداً؟ وزاد وجهاً آخر ذكره بعضهم وتبع السكاكيّ في جعل التمثيل مركباً من غير التفات لغيره أصلا على دأبه في التحقيق والتنقيح والإيجاز، والمعنى أنه تمثيل أستعير فيه النور للهدى والظلمات لإضاعته، وما يتبع ذلك من مباشرة الأسباب التي خابت فأوقعتهم في تيه الحيرة والحسرة، فضمير مثلهم لمن في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 8] إلخ أو للذين اشتروا الضلالة، والموصول فيهما عامّ لكل من أظهر الإيمان، وأضاعه بإضمار خلافه أو بعدم الدوام عليه، ولكل من استبدل هديّ مّا بضلال مّا، وان لم يكن كفر لأنه وان نزل في شأن المنافقين لا ينافيه لأفي العبرة بعموم اللفمل لا بخصوص السبب، فيعمّ غيرهم نظراً للظاهر، وهذا هو الوجه الأولّ فيئ كلام المصنف رحمه الله، أو يقالى إنه مختعر بهم لما في الموصول من العهد تقاضي ما قبله وما بعده له، وهذا هو الوجه الثاني، إذا عرفت هذا فقوله ضرباً من الهدى مفعول آتاه بمعنى أعطاه أي نوعا منه، وفيه إيهام حسن وتجنيس، والمراد به مطلق الهداية الشاملة لإجراء لكلمة والإيمان الظاهر أو الجبلي، أو الذي تمكنوا منه، وهذا من الإضاءة ولذا نكر ضربا إشارة إلى تنكير نارا في الآية، والإمام فأضاعه أي بالنفاق أو الكفر وما يضاهيه وهذا من ذهاب نورهم وتجارتهم الخاسرة، وقوله ولم بتوصل به من الظلمات المتراكمة التي مرّ تفسيرها، ومراده بالآية الأولى قوله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ} إلخ أو قوله ومن الناس إلخ على ما بيناه لك آنفاً، وقد عرفت أن الزمخشرفي جوّز إرجاعه إلى جميع ما قبله من حال المنافقين، وافراد الآية لا يأباه والمتبادر من الأولى تقدمها غير ملاصقة، وقوله حين خلوا إلى شياطينهم مفاد عليه فهو الحق، وان خالفوه نعم دخول من صح له الأحوال في الثاني أظهر، وهو الذي دعاهم إلى تعيينه مع قوله الهدى فينبغي أن يكون داخلاَ فيه لأنّ دخوله تحت الأوّل محتاج إلى التكلف فالمعنى أنّ هؤلاء ممن اشترى الضلالة بالهدى على أنه من حمل العامّ على الخاص من غير تخصيص، كما عرفته فالتمثيل عامّ شامل للمنافقين، وغيرهم ولا يمنعه ضمير مثلهم الراجع إليهم كما قيل لما أسلفناه، وجعله ضربا من الهدى باعتبار الظاهر أو الابتداء كما في حال المرتدين فلا يتوهم أنّ إقترانه بالنفاق، ونية الخداع وتحصيل أغراضهم الفاسدة تصيره فاسدا ابتداء فلا يحصل لهم حتى يضيع، كما قيل وقوله تقريرا مفعول له، وتعليل لقوله ضربه إلخ وتقريره وتوضيحه يقتضي عدم عطفه لشدة إتصاله فإن كان تقريراً لقوله ومن الناس إلخ فلأنه لما دلّ على أنهم ادّعوا الإيمان وأبطله الله تعالى بقوله {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} كانوا كمن أوقد نارا فأنطفأت في الحال، وكذا إن كان لقوله (اشتروا) إلخ فإنهم لما اختاروا العمى على الهدى، وبقوا عدم الاهتداء كان هذا مثلهم فصوّر المعقول بصورة المحسوس توضيحاً وتقريراً له وتصويرا له بصورة المشاهد كما قال في الكشاف لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان، وما قيل هنا من إنّ ضمير مثلهم راجع إلى المنافقين قطعاً فلا يتصوّر العموم، وشموله لغيرهم إلا بجعله مستفادا من دلالة النص كدلالة لا تقل لهما أف على النهي عن الإيذاء، أو من إشارته ليس بشيء فإنّ المراد بالمثل الذي بمعنى الحال إضاعة الهدى، وعدم التوصل به إلى الكمال، واستبطان الكفر إخفاؤه مع المؤمنين، وقوله ومن آثر الضلالة إلخ الظاهر أنهم المنافقون لا الكفار الذين تمحض كفرهم لعطفه بالواو. قوله: (ومن صح له أحوال الإرادة إلخ) هذا من بعض البطون القرآنية على نهج حكماء الإسلام الإشراقيين، وأرباب السلوك من المتصوّفة، والأحوال في إصطلاحهم هي ميراث العمل من المواهب الفائضة من الله تعالى قالوا وسميت أحوالا لتحوّل العبد بها من دركات البعد إلى درجات القرب، وقريب منه ما قيل الحال ما يرد على القلب بمحض الموهبة من غير تعمل واجتلاب كحزن وخوف وقبض، وبسط فإذا دام سمي مقاما، والإرادة حال المريد، وهو السالك في لسانهم فإرادته ما يلقى في قلبه من الدواعي الجاذبة له إلى الإجابة لمنادي الحق، فإذا حصل له هذا وهو منزل من منازل السير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 إلى الله تعالى إذا نزله أشرقت عليه أنواره فإذا ادّعى المحبة انطفأت أنواره، ووقع في تيه الحيرة، والمحبة عندهم هي الابتهاج بحصول كمال أو تخيل، وصول كمال مظنون، أو محقق والابتهاج عجب يضله عن طريق الهدى فيدخل فيمن اشترى الضلالة بالهدى لإدّعائه الوصول لمقام أعلى من مقامه، وهو مضاه للنفاق بإظهاره ما ليس عنده وهذا مأخوذ من تفسير الراغب، وهو محكيّ عن أبي الحسن الورّاق. قوله: (أو مثل لإيمانهم إلخ) هذا هو الوجه الثاني، وهو محصل الوجوه المذكورة في الكشاف كما عرفته، وهو معطوف على قوله مثل ضربه الله إلخ وهو على هدّا مخصوص بالمنافقين لما مرّ وهذا الوجه أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو التفسير المأثور والراجح دراية ورواية فلذا اقتصر عليه في الكشاف والاختصاص المذكور هو الفارق بين هذا الوجه، وما قبله لا أنّ التشبيه فيما قبله مركب وفي هذا مفرق كما قيل لأنه مركب عنده كما مرّ وان كان هذا محتملاَ، واعادة اللام في قوله: ولذهاب توهمه كأنه الدعي لهم على ما قالوه فعلى هذا مثل إيمان المنافقين الذي أظهروه لإجتناء ثمراته المذكورة بنار ساطعة الأنوار، وذهاب آثاره بإهلاكهم وتفضيحهم بإطفاء النار، وفقد تلك الأهوار وحقن الدماء صيانتها، ويقابله إهدارها واباحتها من حقنت الماء في السقاء إذا جمعته فكأنك جمعت الدم في صاحبه إذ لم ترقه فهو مجاز غلب استعماله حتى صار حقيقة فيه، ومنه الحقنة في الدواء، فإن قيل المنافقون من أهل المدينة ودماؤهم كانت محقونة وأموالهم وأولادهم سالمين لكونهم من أهل الذمة، قيل: المراد الحقن والسلامة مآلا أيضاً كما إذا ذهبوا إلى دار لحرب فاستولى عليها المسلمون، وظاهره أنه لم يحقن دمهم حالاً، ولا في المدينة وليس كذلك لأنهم في حال إظهارهم للإسلام في أوطانهم كفرة باطنا فلولا ما ظهر من إسلامهم استحقوا القتلى بالمدينة لأنه ردّة كما لا يخفى فلا حاجة لما ذكر من التكفف، ولا إلى غيره كأن يقال إنّ مجموع ما ذكر حصل لهم بذلك فلا ينافي كون بعضه قيله لأنّ ما ذكرناه هو المراد، وقوله بالنار متعلق بقوله مثل، ولذهاب معطوف على قوله لإيمانهم، وبإهلاكهم أي بسببه متعلق بذهاب عطف على قوله بالنار بالواو العاطفة لشيئين، أو هو متعلق بمثل مقدر هذا تحقيق المقام بما يضمحل معه كثير من الأوهام، وأمّا ما قيل من أنّ المصنف رحمه الله أدرج في هذا الوجه وجهين مما في الكشاف. حاصل الأوّل أنهم إنتفعوا بهذه الكلمة مدة حياتهم القليلة، ثم قطعهم الله تعالى بالموت فوقعوا في الظلمات. وحاصل الثاني أنهم إستضاؤا بها مدة، ثم فشت أسرارهم فوقعوا في ظلمات إنكشاف الأسرار والإفتضاح والإتسام بسمة النفاق، وإنما جعله كذلك قصدا للمبالغة، ويكون المراد بالمثل حينئل! بيان أنهم قممدوا بظاهر الإيمان المنفعة الدنيوية فترتب عليها المضار الدنيوية والأخروية جميعاً الأولى بإفشاء سرّهم المترتب عليه مضرّة إتسامهم بالنفاق، وحرمانهم مما قصدوه وتعيير المؤمنين، والثانية بإهلاكهم حيث ترتب عليه مضرّة فقدان نور يوم يسعى نور المؤمنين بين أيديهم، وابقائهم في العقاب السرمد والدرك الأسفل، والمفهوم من الكشاف ترتب إحدى المضرّتين فتدبر فكم بينهما فلا تتوهم أنه أولى فتخبط خبط عشواء، فهو ردّ على من قال: على المصنف إنّ الأولى أن يجعل ما جعله وجها واحداً وجهين كما في الكشاف الأوّل أنهم انتفعوا بهذه الكلمة مدة يسيرة، ثم قطعهم الله تعالى بالموت فوقعوا في ظلمات البعد عن رحمة الله وسخطه وعقابه، والثاني أنهم إستضاؤا بي مدّة، ثم إطلع تعالى على إسرارهم فوقعوا في ظلمات الإنكشاف وغيره، وهذا كله بمراحل عما عناه المصنف فإنه شامل للوجوه كلها ولا فرق بينهما إلا بالإيجاز والإطناب، وترك القشر للب اللباب، ثم إنه في الكشاف عقب الوجوه بقوله وتنكير النار للتعظيم، وتركه المصنف رحمه الله تعالى رأساً فكأ: له لم يرتض به لما قيل عليه من إنه ليس في محله وكان ينبغي أن يذكر حيث فسر إستوقد ناراً، وأيضا فالظاهر أنه للتحقير وان ردّ بأنّ المشبه به الهدى الذي باعوه، وهو أمر خطير يناسب التشبيه بنار عظيمة، ولذا أخره ليذكره مع الوجه الأخير، وقد يقال إضاءة ما حولها وحصول الظلمات بفقدها يدلّ على عظمها، فتأمّل. قوله: (لما سذّوا مسامعهم إلخ) السد بالمهملتين ضد الفتح، والمسامع جمع مسمع بكسر الميم كمنبر وأمّ مسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 بالفتح فموضع السمع كما في قوله: فأنت بمرأى من سعاد ومسمع. والمسمع هنا كما قال الراغب: خرق الأذن وهو الأنسب بالسد، وفي القاموس والمسمع كمنبر الأذن السامعة، وما قيل المسامع هنا محتمل لأن يكون جمع مسمع بالفتح وهو موضع السمع بمعنى القوّة السامعة عدول عن المعروف في كلام العرب وكتب اللغة من غير داع مع أنه غير ملائم لكلام المصنف رحمه الله تعالى، والإصاخة بصاد مهملة، وألف يليها خاء معجمة الإستماع يقال صاخ له وأصاخ إذا استمع وهو متعدّ باللام ولمصنف عداه بإلى لما فيه من معنى الميل وقوله ينطقوا به ألسنتهم مضارع من الإنطاق كما في قوله {أَنطَقَنَا اللَّهُ} [فصلت: 21] أي جعلنا ناطقين والنطق يضاف اللسان ولصاحبه يقال نطق زيد أو لسانه وكلاهما حقيقة لغة، والألسنة كأرغفة جمع لسان وهو الجارحة المعروفة، ويتبصروا من التفقل معطوف على ينطقوا. قوله: (جعلوا كأنما ايفت إلخ) جواب لما وهذا هو الذي في النسخ الصحيحة باتصال ما الكافة بكأنّ المشبهة، وهو الموافق لما في الكشاف، وفي بعضها كأنها بضمير المؤنث والأولى أكسح رواية ودراية، وهذه تحريف من الناسخ والضمير للقصة أو المشاعر، وإنما قال كأنّ لأنها ليست مؤفة لكنها لما لم تستعمل فيما خلقت له جعلت بمنزلة المؤف، والمشاعر جمع مشعر بفتح الميم وكسرها موضع الشعور أو اكته والمراد بها الحواس الظاهرة وايفت مجهول آف كقال وقيل: إذا أصابته آفة وفي القاموس الآفة العاهة أو عرض مفسد لما أصابه وأيف الزرع كقيل إصابته فهو مؤف، ومئيف على خلاف القياس لأنّ فعله لازم، وفي أفعال السرقسطيّ آف القوم أو فأدخلت عليهم مشقة، ويقال في لغة ايفوا وقال الكسائيّ: طعام مؤف أثابته آفة وأنكر لو حاتم مؤفا اهـ. وفيه كلام في كتابنا شرح الدرّة. قوله: (وانتفت قواهم) القوى بالضم جمع قوّقة كغرفة وغرف، وهي في الأصل ضد الضعف وهي معنى تصدر به الأفعال الشاقة عن الحيوان، وهذا المعنى له مبدأ ولازم فمبدؤه القدرة وهي كونه بحيث إن شاء فعل وان شاء ترك واللازم الإمكان، ثم نقلت في اصطلاح الحكماء والمتكلمين إلى كيفية راسخة هي مبدأ التغير من آخر في آخر وقسموها إلى أنواع معروفة عندهم، ومنها القوى النفسانية وهي محرّكة ومدركة والمدركة مدركة في الظاهر وهي مبدأ الحواس الخمس الظاهرة، ومدركة في الباطن كالحس المشترك وهي أيضاً خمس ويدخل في المحرّكة القوّة الناطقة التي هي مبدأ التكلم، ولهذا زاد المصنف ما ذكر على ما في الكشاف لأنه قال: كأنما ايفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها لا لإحساس والإدراك لأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله شامل للقوّة الناطقة بخلاف ما في الكشاف لخروجه عن الحواس والمشاعر ولذا ذهب شرّاحه إلى أنه عدّ اكة النطق من الحواس، وأدخلها فيها تغليباً، ولك أن تقول إنّ البنا بضم الباء وكسرها وهو ما بني عليه الإحساس، والإدراك هي القوى لأنها أساس للإدراك وغيره فيكون موافقا لكلام المصنف رحمه الله، وإن كان ما ذكره المصنف أظهر فهو لم يقصد الردّ عليه وإنما أوضحه وف! ت! ره وهذا هو الحق وإن أطبق شرّاح الكشاف وأرباب الحواشي على خلافه، فإن قلت كيف يقال إنهم أبوا أن ينطقوا بالحق، وقد كانوا ينطقون به، وإن لم يواطىء قلوبهم كما نطق به قوله تعالى {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا} إلخ ولذا عدوا منافقين، قلت قد قيل: النطق لا ينافي الإباء لأنه يجامع ارتكابه اضطراراً فيصح سلب الإنطاق مع النطق، والأحسن أن يجعل قوله بكم بيانا لأنّ تكلمهم بالحق في حكم العدم فهم ملحقون بمن لا يقدر على النطق رأسا، والحق أنّ الحق شامل لكل حق وهم ساكتون عن أكثره فلا حاجة لشيء مما تكلفوه. وفي إطلاق المشاعر، والقوى تنبيه على أنّ ما ذكر من الصمم والبكم، والعمى على سبيل الاختصار في البيان والاعتماد على تنبه السامع والمراد أنه كناية عن اختلال جميع المشاعر والقوى، وتقديم الصمم لأنه إذا كان خلقياً يستلزم البكم وأخر العمى لأنه كما قيل هنا شامل لعمى القلب الحاصل من طرق المبصرات والحواس الظاهرة، وهو بهذا المعنى متأخر لأنه معقول صرف ولو توسط حل بين العصا ولحائها ولو قدم لأوهم تعلقه بلا يبصرون، أو الترتيب على وفق حال الممثل له لأنه يسصع أوّلاً دعوة الحق، ثم يجيب ويعترف، ثم يتأمّل ذلك ويتبصر. قوله: (كقوله صم إلخ) وهو من قصيدة لقعنب ابن أمّ صاحب أحد بني عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 القه بن عطفان وهو من شعراء الحماسة وأوّلها: ما بال قوم صديق ثمّ ليس لهم عهد وليس بهم دين إذا ائتمنوا شبه العصافير أحلاماً ومقدرة لو يوزنون بزق الريش ما وزنوا ومنها: إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً مني وما سمعوا من صالح دفنوا صمّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بشرّ عندهم أذنوا جهلاً عليها وجبنا عن عدوّهم لبئست الخلتان الجهل والجبن وروي يسوء بدل قوله بشر وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله أي هم صمّ، على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قال: هم صم أي يتصامون عما نسب إليه من الخصال الصالحة، ويقال للمعرض عن الشيء هم أصمّ عنه وعلى ذلك قوله: أصم عما ساءه سميع، فكأنه قال، ومتى ذكرت بشرّ أدركوه وعلموه، ويقال أذن لكذا يأذن كعلم يعلم قال: وسماع يأذن الشيخ له. ويجوز أن يكون اشتقاقه من الأذن الحاسة كما قاله الإمام المرزوقي في شرح الحماسة، وقد فسر أذن بعلم وأدرك كما سمعته، والشراح فسروه هنا باستمعوا وأصغوا قال الراغب: أذن إستمع نحو {؟ ؤآ نث يرئها وخقث} [الإد فاق: 2] ويستعمل في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع. قوله: (أصتم عن الشيء إلخ) أصم صفة مشبهة، وأسمع أفضل تفضيل، ويعدى بعن لما فيه بطريق التضمين من معنى الإعراض أو الذهول، وهو كقوله: ولي أذن عن الفحشاء صماء. وتقديره أنا أصم، أو هو أصم إن كان في وصف نفسه أو في مدح غيره، وفي البيتين شاهد على استعمال الصمم في عدم الإصاخة والإستماع كما في الآية الكريمة، والإطلاق ضد التقييد، وهو في الاصطلاح استعمال اللفظ في معناه حقيقة كان أو مجازا، والضمير المؤنث لقوله صمّ بكم عمي باعتبار أنها ألفاظ والطريقة تأنيث الطريق المعروف والمراد بها الأسلوب والنهج والتمثيل مراد به التشبيه هنا، وله معان أخر. قوله: (إذ من شرطها إلخ الما ذكر إنّ الصمم أخوبه لم يرد بها الحقيقة لسلامة مشاعرهم وقواهم وأنه على طريقة التمثيل أي التشبيه لا الاستعارة بين مانعها، وهو فقد شرطها من طيّ ذكر المستعار له أي المشبه بحيث يمكن حمله على المستعار منه المشبه به لولا قيام القرينة، وفي الكشاف إنه مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة لأنّ المستعار له مذكور، وهم المنافقون والاستعارة إنما تطلق حيث يطوي ذكر المستعار له وبجعل الكلام خلواً عنه صالحا لأن يراد به المنقول عنه، والمنقول إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام، اهـ. والحاصل أنه إذا ذكر الطرفان حقيقة أو حكما ففيه ثلاثة مذاهب لأهل البيان، والمحققون على أنه تشبيه بليغ، وذهب بعضهم إلى أنه استعارة، وآخرون إلى جواز الأمرين كعبد اللطيف البغدادي في قوانين البلاغة، وهذا أمر مفروغ منه مقرّر قديما لا فائدة في إعادته، وتسميته تشبيهاً ظاهرة، ووصفه بالبلاغة لما فيه من حمل المشبه به على المشبه حتى كأنه هو بعينه في أكثر، وعدل المصنف رحمه الله عما في الكشاف من أنه لولا القرينة الحالية أو المقالية صلح لإرادة المنقول عنه، والمنقول إليه إلى أنه لولا القرينة أمكن الحمل على المستعار منه فقط إشارة إلى ما أورده الشراح عليه من أنه إذا عدمت القرينة لا يصلح اللفظ للمعنى المجازي، وأجيب عنه بأنه صالح له في نفسه مع قطع النظر عن عدمها، وردّ بأنّ صلاحية المعنيين ثابتة له في نفسه أيضا مع وجودها إذا قطع النظر عنه فلا معنى لإشتراط عدمها في هذه الصلاحية، ثم إنه قدس سرّه قال: بعدما ذكر الظاهر أن خلو الكلام المشتمل على ذكر اللفظ المستعار عن ذكر المستعاو له مصحح لصلوج المستعار لأنه يراد به معناه المجازي إذ لو اشتمل على ذكره أيضاً تعين المعنى الحقيقي فلا يكون صالحا للمعنى المجازي، وأنّ عدم قرينة المجاز مصحح لأن يراد به معناه الأصلي، إذ مع وجودها يتعين المعنى المجازي فلا يكون صالحا للمعنى الحقيقيّ فالخلو المذكور شرط لصلوج إرادة المعنى المنقول إليه، وعدم تلك القرينة شرط لصلوح إرادة المعنى المنقول عنه فالمجموع متعلق بصلاحية المعنيين على التوزيع، ولو قدم ذكر المنقول إليه كان أولى، وقد يقال كون الكلام مع عدم القرينة صالحا لإرادة المعنى المجازي مبني على ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به حتى كأنه من أفراده فيصلح له لفظه كما يصلح لإفراده الحقيقية واشتراط نفي القرينة إنما هو لصلوج إرادة المعنى الحقيقي، ويرد عليه أنه يلزم أن يكون للخلو عن ذكر المستعار له مدخل في الصلاحية المذكورة إلا أن يجعل عبارة عن ذلك الإدعاء، ولإخفاء في بعده عن الإفهام جدا، ثم إن الكلام وان كان ظاهرا في الاستعارة المصرحة إلا أنهم أدخلوا فيه المكنية بناء على مذهب الزمخشري فيها، والمصنف رحمه الله تبعه كما سيأتي تحقيقه في تفسير قوله تعالى {يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة 27] فلا حاجة إلى السؤال والجواب المذكورين في شروح الكشاف واعترض عليه بأنه ليس في عبارة المصنف ما يدل على مدخلية الخلو في الصلاحية بل يدل على اشتراط تلك الصلاحية مع الخلو في حقيقة الاستعارة، ثم إنه لا يخفى أن الاية من قبيل قولنا الحال ناطقة، وهذا لا يحتمل التشبيه بل هو استعارة تبعية، لا يقال ي! عل الصم البكم العمي من قبيل الأسماء فهو من التشبيه لأنا نقول يبقى الكلام في مثل جعلناهم حصيدا خامدين حيث صرح المصنف فيه بالتشبيه، ويمكن أن يقال إنه بتقدير لفظ مثل أي مثل صم فيصير تشبيها وإن لم يقدر فهو استعارة فالكلام يحتمل كليهما فلا يتم طي ذكر المشبه بالكلية في الاستعارة التبعية، ولذا لم يشترط صاحب المفتاح في الاستعارة طي ذكر المشبه على الاطلاق أقول: هذا زبدة ما هنا من القيل والقال، والذي يميط عن وجهه نقاب الاشكال أن ما ذكره الفاضل المحقق تبعا للطيبي ومن مشى على أثره من الشراح كلام لا غبار عليه، وما أورده عليه من أنه يلزم أن لا يكون للخلو عن ذكر المستعار له مدخل في الصلاحية المذكورة غير مسلم فإنه إذا ادعى أن للأسد فردين متعارفا، وهو معروف وغير متعارف وهو الشجاع كان صالحا لكل منهما في نفسه فإذا لم يخل عنه الكلام، فقد صرح بأحد فرديه فيه فيدل على أنه المراد منه إذا حمل عليه مثلاً لئلا يحمل فرد على غيره فإذا خلا عته كان صالحا لكلى منهما، فالخلو شرط لصحة الادعاء والشمول لهما لا أنه عبارة عنه كما قاله واستبعده ولا حاجة إلى ما دفع به مما مر كما لا يخفي، ثم إن ما إعترض به في نحو الحال ناطقة من ذكر الطبرفين في الاستعارة التبعية، وأنه لا يمتنع في مطلق الاستعارة مناف لما صرحوا به كيف لا وقد عرف السكاكي الاستعارة بأن يذكر أحد طرفي " التشبيه، ويراد به الآخر كما في التلخيص، وهو مبتي على أن الحال مشبهة بالمتكلم، والناطق وليس كذلك في التحقيق وان أوهمه كلامهم، ولو كان كذلك لم تكن تبعية فإنها شبه فيها الدلالة بالنطق واستعير الثاني للأول، ثم سرى منه لما اشتق منه فكيف يرد ما ذكره لمن تدبر حق التدبر، وسيأتي عن قريب تحقيقه قوله: (كقول رّهير) هو زهير بن أبي سلمى بضم السين الشاعر المشهور وهذا الييت من قصيدته المشهورة،! وهي إحدى المعلقات السبعة التي أولها: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحو مانة الدراج فالمتثلم ومنها: وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي عدوي بألف من ورائي ملجم فشدولم ينظربيوتاكثيرة لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم وفي رواية الأصمعي مقاذف بدل مقذف، وقال شبه الجيش بالأسد أي له أقدام كأقدام اسد وحدة كحدته وأظفاره لم تقلم أي حديد شكس، ويقال للأسد إذا أسن هو ذو لبد أي على ظهره شعر قد تلبد، وشاكي السلاح حديد السلاج أصء وقال ابن السيد في المقتضب شاكي السلاح معناه حاد السلاح شبه في حدته بالشوك، ويقال شاك! بكسر الكاف، وضمها فمن كسرها جعله منقوصا مثل قاض، وفيه قولان فقيل أصله شائك فقلب كهار واشتقاقه من الشوكة، وقيل أصله شاكك من الشكة، وهي السلاح فاجتمع مثلان فأبدلوا الثانية ياء تخفيفا، وأعلوه اعلال قاض! ، ومن ضمه ففيه قولان أحدهما أن أصله شوك فانقلبت واوه ألفاً وقيل هو محذوف من شائك كما قالوا جرف هار بضم الراء، وفيه لغى ثالثة شاك باتشديد الكاف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الشكة بكسر الشين وتشديد الكاف وهي السلاح وآلات الحرب، اهـ. وفي الكشف أنه نظير ما يدلّ عليه فحوى الكلام لأنّ شاكي السلاح مما يدل على ذلك لا من دلالة الحال كما قيل، والظاهر أنّ أسداً فيه مستعار للرّجل الشجاع، فهو مثال للاستعارة المنفية في قول الشيخين لا استعارة، وليس نظيراً لما نحن فيه، وقول الأصمعي إنه مستعار للجيش لذكره في البيت الذي قبله فالأسد فيه بمعنى الأسود هنا خلاف الظاهر، وقال ابن الصائغ المراد به هرم ممدوج زهير، وجعله في الكشف شاكي السلاح قرينة لا ينافي ما في كتب المعاني من أنه تجريد لأن التجريد قد يكون قرينة، وقال بعض المتأخرين: ما كان أشذ إختصاصاً بالمشبه فهو قرينة، وما زاد عليها يكون تجريداً، وقيل ما يسبق إلى الذهن قرينة وغيره تجريد، وقد يجعل الكل قرينة إهتماماً، ومقذف اسم مفعول من التقذيف مبالغة في القطف، وهو الطرج والرمي ومقاذف اسم مفعول من فاعلته على الروايتين السمين الكثير اللحم. من قولهم ناقة مقذوفة باللحم، ومقذفة كأنها رميت به، وقيل المراد أنه يرمى به في الوقائع والحروب لشجاعته، والأوّل أشهر عند أهل اللغة وعلى هذا هو تجريد وعلى الأوّل ترشيح، وقيل إنه ليس بتجريد ولا ترشيح، ولبد كعنب بلام وباء موحدة، ودال مهملة جمع لبدة كسدرة، وهي الشعر المتراكم على رقبة الأسد، وقيل على كتفيه، ويقال هو أمنع من لبدة الأسد للقوفي الممتنع، وأظفار جمع ظفر بضمتين معروف والتقليم قطع الأطراف لا قصها ومنه القلم لقطع طرفه أو لأنه معدّ للقطع، ولم تقلم ليس لنفي المبالغة بل للمبالغة في النفي كقوله تعالى {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} وقيل إنّ الأسد موصوف بكمال الأظفار فإذا أتصف بالقلم اتصف بكمال فنفي التقليم نفي للقلم أصلاً، كما قيل في قوله تعالى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46، وتقليم الأظفار كناية عن الضعف، وعدمه كناية عن القوّة، ومن الناس من جعله ترشيحاً للاستعارة قيل: وفيه إنّ التقليم لا يختص بالأسد المشبه به حتى يكون ترشيحا، وقيل إنه تجريد لأنّ الوصف بعدم التقليم إنما يكون لمن هو من شأنه، وهو الإفان، وقيل: إنه ليس بترشيح ولا تجريد لأنّ عدم الضعف مشترك الآ أن يقال المراد أنّ القلم ليس من شأن جنسه، ولا من عادته فتأمّل. قوله: (ومن ثمّ ترى المفلقين إلخ) ثمّ بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم المفتوحة للإشارة إلى المكان في أصل وضعها واختلف هل هي إشارة إلى البعيد أو القريب فتجوّز بها في المعاني في كلام المصنفين لكونها منثأ لما ذكر معها فكأنها مكانه، وفسروها بقوله من أجل ذلك أو من أجل هذا فمن تعليلية، وقيل ابتدائية وقد ترسم بهاء السكت لأنها تلحقها في الوقف، وقيل إنها للتأني! وهو لغة فيها، والمفلقين جمع مفلق اسم فاعل، وهو من يأتي بالفلق بالفتح أو بكسر فسكون، وهو الأمر الغريب العجيب، وهو يكون بمعنى الداهية من الفلق، وهو الشق والمراد البلغاء الواصلون إلى أعلى مراتب البلاغة التي تدهش سامعها وتحيره، وكذا السحرة جمع ساحر من السحر وهو مجازا نهاية البلاغة كما في الحديث: " إن من البيان لسحراً " وفيه كلام مذكور في شروحه، وضرب الصفح عبارة عن الإعراض، والتناسي وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى: {؟ أفنضرث عنكم الذكرّ ضفحاً} [الزخرف: 25] وترى من الرؤية البصرية أو العلمية أي تشاهده، وتتحققه أي لأنّ الاستعارة لا تكون إلا إذا ترك المستعار له لفظا وتقديرا فإنّ المقدّر كالمذكور كما في هذه الآية فإذا كان كذلك تناسوا الث مبيه المستدعي لذكر لطرفين عند الحذف وادخال المشبه في جنس المشبه به حتى كأنه لا تشبيه كما في قوله ويصعد إلخ فإنّ العلو المكاني أستعير لرفعة القدر، وجعل كالحقيقيّ الذي يتوهم فيه إنّ له حاجة في السماء صعد لها، وقد يفعلون ذلك مع التصريح به أيضا كقول العباس بن الأحتف: هي الشمس مسكنهافي السماء فعزالفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع إليها الصعودا ولن تستطيع إليك النزولا كما يدريه من تتغ كتب علم المعاني. قوله: (ويصعد إلخ) هو من قصيدة لأبي تمام الطائي يرثي بها يزيد بن خالد الشيباني أوّلها: نعاء إلى كل حيّ نعاء فتى العرب اختط ربع الغناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 ومنها: فمازال يفرع تلك العلا مع النجم مرتديابالعماء ويصعدحتى يظن الجهول بأنّ له حاجة في السماء إلى آخرها، وهي قصيدة طويلة، ويفرع بمعنى يعلو بفاء وراء مهملة من فرع المنبر والجبل إذا صعده وأصله الصعود إلى فروع الشجر وفي رواية بدل يصعد يرقى، ويروى أيضا بدل حتى يظن حتى لظن باللإم الابتدائية أو هي جواب لقسم كما في شرحه للتبريزي، والشاهد في استعارة يصعد حيث بنى عليها ما بعدها كما سمعته آنفاً كذا قاله قدس سره وغيره من شراح الكشاف، وهو الذي عناه المصنف تبعاً للكشف، وفي الكشف فروع العلاء مستعار من فروع المنابر والجبال، ثم بنى عليه ما يبنى على الفرع الحقيقيّ فجعله ذاهبا في جهة العلو قاصدا نحو السماء لغرض، وهكذا شأن كل استعارة مرشحة اهـ. فجعل قوله يصعد إلخ ترشيحاً للاستعارة في قوله يفرع إلخ، والعماء بفتح العين والمد السحاب الرقيق، وارتداؤه جعله كالرداء وجعل الظان جهولاً لإدّعائه أنه لا حاجة له لأنّ الله أعلاه وأغناه بجده وسعده فلا يقال إنّ الأنسب بالإدعاء في المدح أن يقول الخبير ويروى منزلاً بدل حاجة، وأعلم أنّ ما ذهب إليه صاحب الكشف هو التحقيق لكنه لا يناسب المقام إلاً بتكلف بعيد جذاً. قوله: (وههنا إلخ) يعني أنّ الطرفين لا يشترط في التشبيه ذكرهما بالفعل، بل يكفي الذكر ولو تقديرا ونية فانّ المقدر المنوي كالمذكور كما أنه لا يضرّ الذكر مطلقا بل على طريق القصد فلو كان ذكره غير مقصود بالذات لم يناف الاستعارة كما قرّروه في نحو قوله: لاتعجبوامن بلى غلالته قد زرّ أزراره على القمر وقوله أسد إلى هو من شعر لدمران بن حطان رأس الخوارج يخاطب به الحجاج، وكان همّ بأخذه وقتله وأعد لذلك عدته، وهو من شعر هو بتمامه كما في كامل المبرد: أسد عليّ وفي الحروب نعامة فتخاءتنفرمن صفيرالصافر هلاكررت على غزالة في الوغى بل كان قلبك في جناحي طائر غشيت غزالة حفلةا بفوارس توكت فوارسه كأمس! الدابر والشاهد في قوله أسد فإنه تشبيه لا استعارة لذكر الطرفين تقديرا فيه أي أنت أسد كما في الآية الكريمة فهو في حكم المنطوق، وفي ذكر البيت إشارة إلى أنه لا ينافي التشبيه أن يذكر بعد المشبه به ما يشعر بأنه ليس بمعناه الوضعي كقوله عليّ هنا، وفي الحروب المتعلق بنعامة، وغزالة ممنوع من. الصمرف لأنه علم إمرأة رجل من الخوارج سث! هور يقا! ل ل! شبيب، وكان الحجاج قتله فلما أتى خبره لامرأته وكانت من الشجاعة بمنزلة عجيبة لم يعهد مثلها في النساء لبست درعا وتققدت بسيف ورمح وركبت في ثلاثين فارسا من الشجعان الخوارج، وكانت نذرت أن تغزو الحجاج بالبصرة نهارا وتصلي في جامعها بسورة البقرة ففعلت ذلك، وبالبصرة أكثر من ثلاثي! ألف مقاتل، وهرب الحجاج منها ولم يبرز فلمح في هذا الشعر لقصتها وعير الحجاج بها، والنعامة طائر معروف بالجبن وشدة الهرب، والفتخاء المسترخية الجناحين اللينة المفاصل وهو من صفاتها والصفير صوت بغير حروف، والصافر الريح أو كل مصوّت والظاهر الثاني، وكررت بمعنى رجعت ويروى برزت بدله، والوغى أصله الأصوات المرتفعة المختلطة وبه سمي الحرب وهو المرادء وغشيت بمعنى نزلت وحفلة مرّة الحفل من قولهم رجل ذو حفل أي مبالغ فيما يفعله والمعنى ذات حفلة كما في الكشف، والتشبيه بأمس الدابر أي الماضي في العدم حقيقة أو حكماً وكون قلبه في جناحي طائر من بليغ الكلام وبديعه لأنه عبارة عن ذهابه فارا وقلبه في غاية الخفقان من شدة خوفه، وهذا لا يدرك حسنه إلاً من رزقه الله ذوق حلاوة العربية، وهو تصوير لفراره مرعموبا وفي الكشف فتخاء من باب التصوير كيقولون بأفواههم وقال بعض المتأخرين: كما رأيته بخطه بل هو لبيان وجه الشبه على طريق الإشارة لترتيب، 1 لحكم على المشتق وفيه نظر، وفتخاء بفاء ومثناة فوقية وخاء معجمة ممدوداً. وأعلم أنه إذا ذكر الطرفان كما مرّ، وعمل الثاني منهما كما في البيت المذكور فهذه مسئلة مقرّرة في كتب النحو والمعاني والتفسير، وقد ذكرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 في كتاب سيبويه وقال: في التسهيل لا يتحمل غير المشتق ضميرا ما لم يؤوّل بمشتق خلافا للكسائي وفي شرحه لأبي حيان إذا أوّل تحمل ضميرأ كمررت بقوم عرب أجمعون، وبقاع عرفج كله بتأكيد الضمير المستتر بتأؤيله بفصحاء وخشن فإذا أسند إلى ظاهر رفعه كما قاله سيبويه في نحو مررت برجل أسد أبوه ومنه قوله: كأنّ لتأمنها بيوتا حصينة مسوحاً أعاليها وساجا كسورها برفع الظاهر لتاويله بمشتق أفي سودأ وكثيفا وأجاز الكسائيّ، وبعض الكوفيين ذلك في الجامد وان لم يؤوّل وأستبعده ابن مالك وقال: ينبغي أن يحمل على ما كان لمسماه معنى لازم بين اللزوم كالإقدام والقوّة للأسد اهـ، وقال ابن مالك أيضاً في شرح كافيته لو أشرت إلى رجل، وقلت هذا أسد لكان لك فيه ثلاثة أوجه تنزيله منزلة الأسد مبالغة دون التفات إلى تشبيه، وقصد التشبيه بتقدير مثل ونحوه وعلى هذين لا ضمير فيه، والثالث أن يؤوّل لفظ أسد بصفة وافية بمعنى الأسدية فتجريه مجرى ما أوّلته به فيرفع الضمير والظاهر وينصب الحال والتمييز وهو مجاز على هذا دون ما قبله هذا زبدة ما قاله المضحاة كما قرّره شرّاح التسهجل في باب المبتدأ والخبر، والذي قاله علماء المعاني مبنيّ عليه فقال المحقق السعد اسم المشبه به وان ذكر معه ما يشعر بأنه ليس في معناه كعليّ! في أسد عليّ، فالكلام تشبيه فليس النزاع فيه لفظيا بل مبنيّ على أنه في معناه الحقيقيّ حتى لا يستقيم إلاً بتقدير نحو الكاف؟ ، وييه! ون تشبيها أو في معنى المشبه كالرجل الشجاع فيكون استعارة ويصح الحمل، وهو المختار عندي كما يشهد به الاستعمال فإن هعنى أسد عليّ مجترىء صائل ومعنى نعامة جبان هارب، ومعنى الطير أغربة عليه باكية وتقول هو أخي في الله. وقال انجن مالك: إذا قلت هذا أسد مشيراً للسبع فلا ضصير " ميه، وان قلته مشيراً إلى الرجل الشجح " لفيه ضمير لأنه مؤوّل بما فيه معنى الفعل. وقال قدّس سرّه: تعلق عليّ بملاحظة ما يلزمه من الجراءة لا لأنه في فعنى مجترىء صائل وإلا كان مجازا مرسلاً، وفات معنى التشبيه بالكلية كما في زيد شجاع أ! مجترىء، وما قيل من أنّ أسداً في زيد أسد مسحمل في المشبه وهو الرجل الشجاع مردود بأنّ هذا المجموع الس خنشبهاً بالأسد فإنّ الشجاعة خارجة عن الطرفين إتفاقاً فالحق أنّ أسدا مس! صمل في محعناه الحقيقيّ، وحمل على زيد لإدّعاء أنه من إفراد. مبالغة ولو قدّر فيه الأداءة فاتت المبالغة،! فم قد يلاحظ ما يلزم معناه الحقيقيّ من اجراءة فيعمل كما في نحو رأيت رجلاً أسداً أبوه إمّا لقصمد معنى المشابهة، أو لإعتبار ال! حزم سواء جعل تابعاً أو مستعملاَ فيه اللفظ. وبقي ههنا بحث، وهو أنه لا نجزاع في أنّ التقدير هنا هم صم لكن ليس المستعار ل! حينئذ مذكورا لأنه لبيان أحوال مشاعر المنافقين لا ذواتهم ففي هذه الصفات ااستعارة قبعية مصرّحة فلا يختلف ف! يها الاستعارة مصادرها! لتلك الأحوال، ثم اشتق منها فإن س أجيب بجعل! ها في عداد الأسماء نافاه قوله إلاً أنّ هذا في الصفات، وظ ك في الأسماء أو بأنّ هم صم في قوّة حال إسماعهم الصمم فتمحل مستغنى عنه فإنّ لقيت صما إسنعارة قطعاً، وتقديره أشخاصاً صما وهو في قوّة الحمل إلاً أن يقال تشبيه ذوات! " المنافقين بذوات الأشخاص الصم متفرّع على تشبيه حالهم بالصمصم، فالقصد إلمى إثبات هذا! الفرع أقوى وأبلغ كأنّ المشابهة بين الحالين تعدت إلى الذإتين فحملت الآية على هذا التشبيه رعاية للمبالغة في إثبات الآفة وهو غاية ما يتكلف هنا، هذا زبدة ما قاله الفاضلاق، وقد قيل عليه إنه إن أراد بكون الشجاعة خارجة عن الطرفين خروجها عن حقيقتهما النوعية فمسلم لكنه غير مفيد، وان أرادالخروج من حميث كونه مشبهاً به فغير مسلم إذ ألاتفاق على! ضلافه ". لظهور أن المشبه ليس زيداً نفسه بل باعتبار جراءته كما أنّ المشبه به ليس الأسد ففسه بدون ذلك الإعتبار، ولو كان مستعملاً في معنا. الحقيقيّ كان جامدا محضا وان لوحظ فيه قبعية معناه الحقيقيّ ما يلزمه من نحو الجراءة وإمكان هذا القدر كاف في العمل في الظرف دون غيره لأنه يكفيه رائحة الفعل، ولذا اضطرّ آخرا فقال: أو مستعملاَ فيه اللفظ فالتحقيق أنّ أسداً مجاز عن شجاع بقرينة الحمل كما في رأيت أسدا يرمي فالمراد ذوات مبهمة مشبهة بالأسد، ولا يلزم منه سوق الكلام لإثبات أنّ زيدا هو تلك الذات المشبهة بالأسد لأنّ المؤوّل بشيء لا يعطي حكمه من كل وجه، بل هو مسوق لإدعاء الإتحاد بينهما، ولو لزم ذلك لزم كون معنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 رأيت أسداً يرمي رجلاَ شجاعا يرمي وظهر عدم الفرق بينهما فيما يتعلق بالغرض إلاً أنّ سوق هذا لإثبات الرؤية لتلك الذات، وهذا الإدعاء الإتحاد بينهما، وقيل أيضاً إنّ الشجاع في قوله كالرجل الشجاع قيد للمشبه لا جزؤه حتى يكون المشبه مركباً فليس بمناف لقولهم إنّ الشجاعة خاوجة عن الطرفين مع أنّ الحق أنّ الشجاعة ليست قيدا أيضاً لشيء من الطرفين لأنّ المقصود نقل الشجاعة الكاملة من المشبه به إلى المشبه، والظرف متعلق بمضمون الكلام بحسب المآل أي مجترىء كامل، وقى عليه نعم المتبادر من العبارة تعلق الظرف بالمشبه على وجه القيدية بل بالمشبه به على تقدير التشبيه لا الاستعارة. أقول إذا عرفت أنّ هذه المسئلة مما حققه المتقدمون على اختلاف فيها وأنها من مسائل الكتاب، وكان القول ما قالت حذام، وكان منشأ اختلاف النحاة العمل واختلاف أهل المعاني قصد البليغ عرفت أنّ الحق ما قاله الفاضل المحقق لقوّة أساسه، وسطوع نبراسه، فالنزاع ليس بلفظيّ لابتنائه على ما ذكروه مما يختلف فيه مثل الأسد لفظا بعمله ومعنى بالتجوّز فيه لاستعماله في غير معناه، وما أورده عليه المدقق ليس ليء وإن لاح وروده في النظرة الأولى فقوله إنه عمل باعتبار ما يلزمه من الجراءة مبنى على قول الكسائيّ الضعيف المستبعد عندهم كما عرفته، وقوله إنه إذا كان مستعملاَ في معنى مجترىء صائل كان مستعملاً في لازم معناه فهو مجاز مرسل لا استعارة خيال فارغ، فإنك إذا قلت في زيد أسد إنه مؤوّل بما ذكر، ومعناه رجل مجترىء كالأسد فلا مرية في إنه استعارة لصحة ذلك التشبيه، وترك المشبه فيه بالكلية وإنما لئم تذكر الرجل اعتمادا على إشتهار الجراءة والصولة في صفات العقلاء، وفي بعض كتب اللغة ما يقتضي أنه حقيقتها، وقوله زيد شجاع ليس نظيرا لما ذكره بل نظيره زيدى رجل شجاع كالأسد، وقوله المجموع ليس مشبها بالأسد غير مسلم ولا يلزمه التركيب مع التعبير عنه بالأسد، وقوله إنّ الشجاعة خارجة عن الطرفين إتفاقا ليت شعري من أين جاء هذا الإتفاق فعلى هذا قد شبهت الرجل الشجاع بالأسد في شدة بطشه، واهلاك مقاتلة وإن كثر، ثم إنّ قوله قد يلاحظ ما يلزم معناه الحقيقي من الجراءة إلخ مع أنه لا طائل تحته مناقض لما قبله فإنه إذا كان مستعملاَ في معناه الحقيقي كيف يجوز استعماله في لازم معناه إلاً أن يريد أنه كناية حينئذ، وهو مع تكلفه مبنيّ على القول الضعيفبهما مرّ. واعلم بعدما ارتفع الغين، عن العين ووضح الصبح لذي عينين، أنّ ما ذكره قدس سره من البحث الذي استصعبه حتى جعل الأسنة له مركبا، وسلمه له من مشى خلفه ليس بوارد أيضاً، وما أفسده فيه اً كثر مما أصلحه، وحسن ظننا بالسلف أنا لا نقول به لأنه ناشىء من عدم إعمال النظر في مطاوي كلامهم لأنّ هم المقدّر راجع للمنافقين السابق حالهم وصفاتهم وتشهيرهم بها حتى صاروا مثلاً فكأنه قيل هؤلاء المتصفون بما ترى صم إلخ على أنّ المستعار له ما تضمنه الضمير الذي جعل عبارة عن المتصفين بما مرّ والمستعار ما تضمن الصمم وأخويه من قوله صمّ إلخ فقد انكشف الغطاء من الطرفين، وليس هذا بابعد مما مرّ في قولهم إمتطى الجهل، وبهذا إضمحلت الشبهة من غير حاجة إلى ما ذكر من التعسفات، وأمّا ما ذكر آنفا مما أورده عليه البعض من قوله إن أراد بكون الشجاعة خارجة إلخ فمعلوم أنه لا طائل تحته، وقوله إنّ الشجاعة داخلة في الطرفين، من حيث التشبيه لا وجه له لأنه على مدعاه من أنّ الطرفين زيد والأسد كيف يكون هذا، وهو خارح عنهما وإن كان لازماًاطما، ولو لم يكن هذا مع إرخائه العنان في مجاراة الخصم كان غير صحيح أيضا، وكذا ما قيل من أنّ الشجاع قيد للمشبه لما قدمناه لك فلا تكن من الغافلين، وإنما سحبنا أذيال البيان لما في هذا المقام، من العقد التي لم تحلها أسنان الأقلام، ففي الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا. قوله: (هذا) أي الأمر هذا أوخذ من هذا أوها اسم فعل بمعنى خذ وذا مفعوله، وهذا وان استغنى عن التقدير بعيد مع مخالفته الرسم، والإشارة إلى التفسير المذكور بقوله لما سدّوا مسامعهم إلخ، وقوله إذا جعلت الضمير إلخ المراد بالضمير المقدر هنا مبتدأ وهو هم صم إلخ لا هو والضمير في قوله بنورهم كما توفم لبعده لفظا، ومعنى لأنه قد فرغ عنه فعلى هذا تكون هذه محصل ما سبق واجماله لأنه تمثيل لحالهم، وهو عبارة عن جميع ما مز من أحوالهم السابقة، وقد علم من قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 لا يشعرون ولا يبصرون أنهم صمّ عمي ومن كونهم يكذبون أنهم لا ينطقون بالحق فهم كالبكم، ومن كونهم غير مهتدين أنهم لا يرجعون ووجه الترتيب ما مرّ فلا يرد عليه ما قيل من أنّ التمثيل إنما فيه عدم الإبصار، وأمّا الصمم والبكم فلا حتى يجاب بأنه مثلت حالهم في التحير بالمستوقد فأفاد تحيرهم في المحسوس، والمعقول ولم يذكر سفههم وكونهم عن العقل بمعزل لأنه مفروغ عنه، وهذا نظير الختم على السمع والبصر المستلزم للختم على اللسان في قصة الكفار، وسقط أيضاً ما قيل إنه يرد عليه أنّ نتيجة التمثيل كونهم عميا لا غير وأنه على تقدير صحته المناسب تقديم العمى، وقوله فذلكة التمثيل ونتيجته قيل عطف النتيجة على الفذلكة تفسيريّ، والظاهر أنّ بينهما مغايرة إعتبارية فإن كان إجمالاً لما قبله فهو فذلكة وان كان ما قبله منساقاً إليه ومستلزما له فهو نتيجة له، ولذا قدره بعضهم بقوله فهم صم إلخ، والحاصل أنّ حالهم المضروب له المثل وسعيهم الخاسر أدّأهم إلى فقد الحواس، والقوى ووقوعهم في قفار لا يرجع من ضل فيها والفذلكة عبارة عن إجمال الأمور مأخوذة من قول الحاسب بعدما يملي مفردأت ما يحسبه فجملة ذلك كذا فركب هذا اللفظ من بعض حروفه، ويسمى هذا عند الأدباء نحتاً بالنون كقوله حوقلة، وبسملة وهو مقصور على السماع، وهذه اللفظة لم تسمع من فصحاء العراب الذين يحتج بكلامهم، وإنما أحدثها المولدون كما قال المتنبي: نسقوا لنا نسق الخساب مقدما وأتى فذالك إذ أتيت مؤخرا وأعلم أنّ الجملة الواقعة موقع النتيجة وردت بالفاء ودونها في كلام الفصحاء فالأوّل كقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ليلة وأتممناها بعشر فتتم ميقات ربه أرشين ليلة} [الأعراف: 142] والثاني كقوله {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} الحني وسبعة إذا زتجنتم تلك عَشرّة كاملة} [البقرة: 196، لأنّ إستلزام ما قبله له أو تضمنه له بالقوّة منزل منزلة المتحد معه فيقتضي ترك العطف، ومغايرتها لما قبلها وترتبها عليه ترتب النتاج، والفرع على أصله يقتضي اقترانها بالفاء، وهذا هو المعروف في الاستعمال، وهي بدونها مستأنفة أو حالية،. وعلى الأوّل لا محل لها فمن قال: إنها لا تكون إلا مع الفاء وهي بدونها لا يدري من أيّ أنواع الجمل هي فقد قصر فيما قدر. قوله: (وإن جعلته للمستوقدين إلخ) أي! إذا جعلت هذا من تتمة التمثيل على أنه داخل فيه لا حاجة إلى اعتبار التجوّز فيما ذكر إذ لا مانع من الحقيقة، وهي الأصل فلا يعدل عنه بدون مقتض يقتضيه، والتمثيل لا يقتضي تحقق الممثل به في الخارج بل يكفي فرضه وان امتغ عادة كما في قوله: اعلام ياقوت نشرن على رماح من. زبرجد فلا يرد عليه ما قيل من أنه من المعلوم أنّ من إنطفأت ناره ووقع في ظلمة شديدة مطبقة لا يحصل له صمم ولا بكم ولا عمى، فالظاهر أنها مجازات لا حقائق وأنّ هذا الوجه بعيد، ولذا لم يلتفس! له في الكشاف وشروحه وجعلوه من أحوال المنافقين سواء كان ذهب جوابا أم لا، ولا حاجة إلى الجواب عنه فإنّ من وقع في ظلمات مخوفة هائلة ربما أذاه ذلك إلى الموت فضلاً عن فقد الحواس ألا ترى أنّ من حبس زماناً في مطمورة مظلمة قد يذهب بصره، ويبتلى بأمراض حارّة يعتقل بها لسانه، والذي دعى المصنف إلى اعتبار هذا قراءة النصب فإنها تعينه على الجوابية، وأخره إشارة إلى أنه مرجوح عند. فلا غبار عليه حتى ينقض. قوله: (بحيث اختلت حواسهم وانتقضت قواهم) هذا كعبارة الزمخشرفي السابقة وقد مرّ تفسيرها وبيان القوى فيها والإنتقاض إفتعال من النقض بمعنى الهدم أو الحل فهو استعارة يقال نقضت البناء نقضا إذا هدمته، والنقض بكسر النون وضمها ا! منقوض من البناء ونقضت الحبل إذا فككت ما فتل منه، ومنه يقال نقض ما أبرمه إذا أبطله فانتقض هو بنفسه، وقوله بالنصب على الحال هو أحد الوجوه فيه، وقد جوّز أن يكون ثاني مفعولي ترك بناء على جواز تعديته لمفعولين وعلى تعدد ما هو خبر في الأصل أو منصوبا على الذمّ، وأصل الصمم الصلابة الحاصلة من إكتناز الأجزاء أي اجتماعها الصوت بتموّجه، والبكم الخرس، والعمى عدم البصو عما من شأنه أن يبصر، وقد يقال لعدم البصيرة {؟ قهغ لا تزبلون} لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه، وضيعوه أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيرون لا يدرون أيتقدّمون أم يتأخرون، والى حيث ابتدؤا منه كيف يرجعون، والفاء للدلالة على إنّ اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم، وتداخلها، ومنه الكنز والقناة الرمح وتوصف بأنها صماء لصلابتها ولذا تظرّف القائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 لاتفشين سرّالملوك فحولهم صم الرماح تميل للإصغاء وصمام القارورة بكسر الصاد المهملة ما تسد به لمنعها ما فيها بتداخله، والصماخ بالكسر أيضاً خرق الأذن، وقوله لا تجويف فيه تفسير لقوله مكتنزاً وقوله سببه إلخ إشارة إلى ما ذكره الأطباء من أنّ الصمم أن يخلق الصماخ بدون تجويف فهو كالفراغ المشتمل على اليواء الراكد الذي يسمع الصوت بتموّجه فيه قالو! وقد يكون له تجويف لكن العصب لا يؤدّي قوّة الحس فما ذكره المصنف رحمه الله أحد قسميه، وكأنه أقتصر عليه لأنه الأصل الغالب فيه، ولكن لا يخفى أنه لا يناسب جعله حالاً مما قبله لأنه خلقي لا عارض بسبب الظلمة كما قيل، وهو غفلة لأنّ المعنى كالصم، والتفسير للمشبه به فإن لم تبلغ الآفة عدم الحسق فهو يسمى طرشاً عند الأطباء وان اختلف أهل اللغة في تفسيره. قوله: (والبكم الخرس) بفتحتين فيهما وهذا قول لأهل اللغة كما في المصباح، وقال الراغب: الأبكم هو الذي يولد أخرس. فكل أبكم أخرس، وليس كل أخرى أبكم وقد يقال هو تفسير ئلمراد منه هنا، وقوله: عما من شأنه إشارة إلى أنه من تقابل العدم والملكة وإطلاقه على عدم البصيرة مجاز، وظاهر كلام بعضهم أنه حقيقة فيه أيضاً. قوله: (لا يعودون إلى الهدى إلخ (هذا بيان لارتباطه بما قبله على الوجوه السابقة وإلى أن رجع كعاد يتعذى بإلى وبعن وإذا كان لازماً فمصدره الرجوع كما هنا لا متعدّيا مصدره الرجع كما في قوله: عسى الأيام أن يرج! ن قوما كالذي كانوا وعن تدخل على المتروك والى على المأخوذ وإلى الاحتمالين أشار بقوله إلى الهدى أو عن الضلالة وهو على كون الضمير راجعا للمنافقين، وقوله أو فهم متحيرون إشارة إلى جعل الضمير للمستوقدين وبينه على تقدير إلى وسكت عن تقدير عن لظهوره، أي لا يرجعون عما هم فيه، وقيل: إنه إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم بالنظر إلى متعلقه كما أنه لازم في نفسه، وهو كناية عن التحير، وقوله: لا يدرون مستأنف لبيان تحيرهم، وقوله: والى حيث ابتدؤا منه يأباه لولا ما ذكره من التكلف، وقوله لا يرجعون، وان عئم الحيرة وعدمها والعامّ لا دلالة له على الخاص فهو يدل على ذلك بقرينة السياق، والسباق قيل: لوجهان المتقدمان على أنّ وجه الشبه في التمثيل مستنبط من توله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ} والثالث على أنه من قوله: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} كما مرّ واعتبار التعلق إنما هو على تقدير أن يكون قوله فهم لا يرجعون من تتمة قوله {؟ أولئك الذين اشرتوا} إلخ وما بينهما اعتراض فتأمل. قوله:) والفاء للدّلالة إلخ (إشارة إلى أن هذا متفرّع ومتسبب عما قبله على الوجوه كلها لا أنه على إطلاق لا يرجعون عن المتعلق السابق وترك التعرّض لمعناها على التقييد كما توهم والأحكام السابقة إمّا اشتراء الضلالة بالهدى والعمى وما معه من الظلمة وغيرها والإحتباس الإمتناع وعدم الرجوع لأنه أعمى لا ينظر طريقاً وأبكم لا يسأل عنها، وأصم لا يسمع صوتا من صوب مرجعه فيهتدي به، وهو على الوجهين ظاهر أيضاً وقوله لتحيرهم ناظر إلى المنافقين واحساسهم إلى المستوقد أو بالعكس كما قيل فهو شامل لهما لا مختص بالمستوقد، وترك التعرّض لحال المنافق لأنه يعلم بالمقايسة عليه كما قيل وجملة لا يرجعون خبرية، وقيل إنها دعائية والدعائية تكون فعلية كارحمنا ورحمك الله ويرحمه الله واسمية. قوله: (عطف على الذي استوقد إلخ) في الكشاف، ثمّ ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفاً لحالهم بعد كشف، وايضاحاً غبّ إيضاح وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع وأنشد الجاحظ: ترمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء وقوله عطف على الذي خبر مبتدأ أي هو عطف وهكذا وقعت العبارة في جميع النسخ، وكان الظاهر أدط يقول عطف على كمثل الذي استوقد ناراً إلاً أنه تسمح فيها إعتمادا على ظهور المراد فاقتصر على جزئه المعين له لعدم تكرّره وكلامه ناطق به، وقيل: في توجيهه إنه إشارة إلى أنه من عطف مفردات على مفردات فالكاف مرفوع المحل معطوف على الكاف الأولى ومثل المقدر معطوف على مثل السابق، والصيب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الذي استوقد بتقدير ذوي، وإنما عدل عن الظاهر لإفادة كمال الارتباط بين الجملتين بارتباط مفرداتها وأنه لا بد من إعتبار لفظ مثل مقدرا في النظم كما سيأتي وإليه أشار بقوله ذوي صيب، ولا يخفى ما فيه من التعسف الذي يأباه الطبع السليم، وعطص الكاف وحده غير مستقيم، وان أئده بعضهم بنقله عن مكيّ والكواشيّ والحق الجاوي على نهج الصواب أن يقال إنما عبر المصنف بما ذكر لأنه المقصود بالعطف التخييري أوّلاً وبالذات لأنّ القاف أداة تشبيه والمثل بمعنى القصة كالعنوان، والفهرسة لما بعده فكأنه يقول أنت في تمثيل حال هؤلاء بالخيار إن شئت مثلتها بالذي استوقد نارا وان شئت بذوي صيب مظلم مرعد مبرق فتدبر. قوله: (أي كمثل ذوي صيب إلخ) في الكشاف، والمعنى أو كمثل ذوي صيب والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا، ثم قال: لولا طلب الراجع في قوله {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} ما يرجع إليه لكنت مستغنيا عن تقديره أي تقدير ذوي الذي هو جمع ذو بمعنى صاحب محذوف النون للإضافة، وتبعه المصنف فيما ذكر. وقال المدقق: في الكشف الظاهر من كلام السكاكيّ أن يقدر المضاف لأنّ المقصود تشبيه الصفة بالصفة لا الصفة بالذوات وهو حق لأنّ التركيب إنما أستفيد من تشبيه القصة بالقضة، أمّا أنّ ذوي القصة في الأوّل هم المنافقون وفي الثاني أصحاب الصيب فما لا نزاع فيه، وتحريره أنّ تقدير مثل لا بذ منه للعطف السابق وحينئذ يقدّر ذوي لاستقامة إضافة المثل لها لأن التشبيه يسوق إلى ذلك، وان أمكن إضافة القصة إلى كلى من الأجزاء التي لها مدخل فيها لكن الإضافة إلى أصحابها حقيقية والى الباقي مجازية، وقد نصى المصنف في قوله تعالى {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} [البقرة: 261] إلخ على أنه لا بدّ من حذف المضاف أي مثل نفقتهم أو كمثل باذر حبة لكن المصنف منع ههنا كون التشبيه سائقا إلى ذلك وهو حق، وذكر سبباً واحدا من موجبات حذف المضاف، ولم يمنع أن يكون ثمة موجب آخر أو موجبات، ورده الفاضل المحقق، وقال: نفس التشبيه لا يقتضي تقدير شيء، وضمائر يجعلون إلخ لا تقتضي إلاً تقدير ذوي لكن الملايمة للمعطوف عليه والمشبه تقتضي تقدير مثل وما قيل من أنه لا بدّ منه فيه نظر لأن كلام المصنف صريح في أنه لا موجب لتقدير المضاف سوى طلبية الضمير مرجعاً، وإنما احتاج في الآيتين إلى تقدير المضاف إليه لأنه قد صرّح في جانبي المشبه، والمشبه به بلفظ مثل بمعنى الحال والقصة فلا بد من إضافته إلى ما يستقيم فيه أن يقال هذا الحال ذاك فليتأمّل، ولا خلاف بين الزمخشريّ والسكاكي كما قاله المدقق، إلا أنه اقتصر على أحد وجهي التشبيه لأنه أبلغ وسيأتي لهذا تتمة إن شاء الله تعالى. قوله: (وأوفى الآصل للتساوي في الشك) أي للتساوي الواقع في الشك في النسبة المتعلقة بهما وهو أحد المذاهب للنحاة فيها، والثاني أنها مشتركة بين معان نحو العشرة على ما بينوه، والثالث أنها لأحد الأمرين أو الأمور في الخبر والإنشاء وهو الذي اختاره في المفصل تبعاً لما في الكتاب وأرتضاه محققو النحاة كما في المغني، وقوله للتساوي في الشك أحسن من قول النحاة للشك لما فيه من تحقيق المعنى، والتمهيد لتوجيه التجوز المذكور بعده فلا يتوهم أنّ معنى الشك تساوي وقوع النسبة أولاً وقوعها عند العفل فالتساوي في الشك مآل معناه إلى التساوي في التساوي، وهو لغو من القول كما قيل، وهو لظهوره مستغن عما ذكره من التوجيه فإن قلت قوله قدّس سرّه إنها كلمة شك على هذه افتختص بالخبر لا يظهر مع وقوع الشك كثيراً في غيره كقولك أزيد عندك أو عمرو مستفهماً عما شككت فيه، والإستفهام إنشاء من غير مرية قلت هذا مما صرّح به النحاة، وقد قال الرضي: قالوا إنّ أو إذا كانت في الخبر فلها ثلاثة معان الشك والإبهام والتفصيل وإذا كانت في الأمر فلها معنيان التخيير والإباحة ولهذا لما قالوا إنها حقيقة في الشك جعلوها بعد الأمر والنهى مجازا، ولما قالوا إنها موضوعة لأحد الأمرين قالوا إنها تعم الخبر وغيره كما صرّح به في المفصل فهذا عندهم معنى غير حقيقيّ، أو الجملة خبرية فيه والإستفهام في الحقيقة في المتعلق وكذا الشك وكما صرّحوا باختصاص الشك بالخبر صرّحوا باختصاص التخيير والإباحة بالأمر والطلب، وخالفهم فيه ابن مالك وبعض النحاة فذهبوا إلى ورود ذلك في الخبر الا أنّ كثره ورد في التشبيه كما في هذه الآية وفي قوله تعالى {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 أيّ بأي هذين شبهت فأنت مصيب د ان شئت فبهما جميعاً وعليه قول ابن مقبل: يهززر. للمشي أوصالاً منعمة هز الجنوب ضحا عيدان نسرينا أو كاهتزاز ردييّ تذاوقه أيدي التجار فزادوا متنه لينا قوله: (ثم لسع فيها إلخ) هذا معنى ما في الكشاف من قوله أستعيرت للتساوي في غير الشك، وذلك قولك جال! الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا وهو جواب عن سؤال تقديره إذا كانت أو موضوعة للتساوي في الشك الوارد في الخبر فما وجه استعمالها مع الأمر وغيره من الطلب، وارادة غير ذلك بلا شك فأجاب بأنه وارد على التوسع والتجوّز، وفي شرح الهادي أو لما كانت للتساوي المشكوك فيه جاءت للتساوي من غير شك على الإتساع. وقول الزمخشريّ استعيرت إن صل على ظاهره فالعلاقة المشابهة بأنّ شبه التساوي في غير الشك با! لتساوي الواقع فيه الآ أنه قيل إنّ الأظهر أنّ المراد بالاستعارة الاستعارة اللغوية، كما اصطلح عليه أهل الأصول فإنه مجاز مرسل من إطلاق المقيد اعلى المطلق كالمشفر للشفة، والمتبادر من ظاهر كلامهم هنا إنّ أو نفسها ك! ما تفيد الشك والإبهام تفيد التخيير أو الإباحة وأنه مستفاد منها لا من عرض الكلام كما في التلويح وشرح المفتاح وارتضاه بعض المحققين وأيده بأنه نسب تارة لأو وأخرى للأمر وذهب كثير إلى خلافه، وقال: كيف يكون ذلك من الأمر، وقد ورد في الخبر كما مرّ، وفي المغني التحقيق أنّ أو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء، وهو الذي يقوله المتقدمون، وقذ. تحرج إلى معنى بل والى معنى الواو، وأمّا بقية المعاني فمستعارة من غيرها ومن العجب أنهم ذكروا أنّ من معاني صيغة اً فعل التخيير، والإباحة، ومثلوه بنحو خد من مالي درهما أو دينارا أو جالس الحسن أو ابن سيرين، ثم ذكروا أنّ أو تفيدهما ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك، اهـ. وأشار العلامة بقوله إستصواب إلى أنّ الأمر هنا ليس للوجوب بل للندب والاستحباب فعلى هذا قد تجوّز بأو الموضوعة للتساوي في الشك عن مطلوب التساوي فيما سيق له الكلام، وحينئذ فإذا دل الأمر على الطلب الاستحبابي دلت كلنة أو على تساويهما في تلك المطلوبية وكلاهما أمر وضمي، وليس معنى تعلق ذلك الطلب بشيئين على حد سواء الآ تخيير المخاطب فيهما، أو إباحتهما له والمفيد لمجموع هذا المعنى! صيغة الأمر ولفظ أو فقد علم أنّ هذا منطوق لا مفهوم التزاميّ على هذا القول بخلافه على القول الآخر، فلهذا تراهم يضيفونه تارة إلى الأمر، وتارة إلى أو لأنّ كل منهما مدخلاً فيه فلا وجه للاعتراض عليه والعجب من صاحب المغني كيف تعجب منه، ولا خلاف في ورود أو! لهذه المعاني كلها لأحد من النحاة وإنما الخلاف بينهم هل هي موضوعة للتساوي في الشك مجاز نجي غيره أو موضوعة لأحد الأمر! شامل كثرها أو هو مشترك بينها، واذ دار الأمر بين التجوّز والاشتراك اختلف أهل الأصول في الأرجح والأولى كما فصل في محله فذهب الزمخشري هنا إلى أحد القولين، وفي المفصل إلى الآخر فلا تعارض بين كلاميه كما توهمه الطيبي، وإلى هذا أشار المدقق في الكشف. قوله: (ولا تطع منهم آثماً أو كفورا) إشارة إلى ما مرّ أيضاً من وقوعها بعد النهي لغير التساوي في الشك توسعا، وفي الكشاف ومنه قوله تعالى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [سررة الإنسان، الآبة: 24] أي الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما، وقال المصنف رحمه الله. أو للدلالة على أنهما سيان نجي إستحقاق العصيان والاستقلال به كما سيأتي تحقيقه ثمة، والحاصل أنها على هذا التجوز تدل على أنهما متساويان في كون طاعتهما ممنوعة منهيا نها وعصيانهما واجباً مطلوبا، والتساوي في المنع والحرمة يقتضي حرمة إطاعة كل واحد من القبيلين وحرمة إطاعتهما جميعاً بالضرورة إذ لو انتهى عن أحدهما دون الآخر لم يتساويا في ذلك كما لا يخفى فلا ترد الآية على من ذهب إلى هذا المذهب، وإنما يشكل بحسب الظاهر على من قال إنها موضوعة لأحد الأمرين كما في المفصل، ولذا قال في الإيضاح استشكل بعضهم أو في هذه الآية بأنه لو انتهى عن أحدهما لم يمتثل، ولا يعد ممتثلاً الا بالانتهاء عنهما جميعا، ومن ثمة حملت على معنى الواو والأولى أن تبقى على بابها، وإنما جاء التعميم من النهي الذي فيه معنى النفي لأنّ تقديره قبل وجود النهي تطيع آثماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أو كفوراً أي واحداً منهما فورد النهي على ما كان ثابتا فالمعنى لا تطع واحدا منهما، والتعميم من النهي، وهي على بابها لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر، وهذا معنى دقيق علم منه أنّ التعميم لم يجيء منها وإنما جاء من جهة المضموم إليها. وقال قدّس سرّه إن تفسير النهي عن الطاعة بوجوب العصيان بناء على أنّ النهي عن الطاعة ما-له الأمر بالعصيان فيكون المفعول متعلقا بالنفي كأنه قيل إعص هذا أو ذاك فإنهما متساويان في وجوب العصيان، وذهب بعضهم إلى أنّ كلمة أو هنا على بابها أي لأحد الأمريه، وإنما جاء التعميم في عدم الإطاعة من النهي الذي في معنى النفي إذ المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفوراً أي واحدا منهما فيعم، وقيل: هي بمعنى الواو وإنما يصح إذا اعتبر عطف النفي على النفي لا المنفيّ على المنفيّ، كما قيل ويردّه ما ذكره في سورة الإنسان من أنه لو قيل لا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما لماذا قيل لا تطع أحدهما علم أنّ الناهي عن طاعة أحدهما ناه عن طاعتهما جميعاً اهـ، كما يعلم من تحريم التأفيف تحريم الضرب، وحاصله أنّ العطف بالواو يفيد النهي عن الجمع دون كل واحد وبأو يفيد النهي عن كل واحد منفرداً صريحا، ومعاً بطريق الأولى، وقيل عطف أحد النفيين على الآخر يفيد تحقق أحدهما بلا عموم، وعطف المنفيّ على المنفيّ بأو يفيد العموم في النفي والعطف بالواو على العكس من ذلك فلذا جعل كلام الظاهريين على اعتبار العطف بين النفيين فعط ن وجه ذلك أنّ العامل في النسق يقدر من جنس عامل المعطوف عليه، وهو قول للنحاة وانّ الآية من عطف الجملة على الأخرى بحسب المعنى كما ذكر في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18] الآية، ثم ما ذكره في سورة الإنسان مبنيّ على أنه من عطف المفردات على الإنسحاب بلا تقدير كما هو الظاهر لكن ما ذكره كأنه لتوجيه جعل أو بمعنى الواو مصحح له فلا يكون مردودا بما في سورة الإنسان قلت هذا زبدة ما قاله النحاة، وعطف عليه من بعدهم بالردّ والقبول، وهو من الكنوز المدخرة في خزائن العقول. وفيه مباحث: منها أنه قدس سرّه جعل تفسير النهي عن الإطاعة بوجوب العصيان لأنه ما-له وفرّع عليه كون المفعول متعلقا بالنفي، ونحو منه في شرح الفاضل أيضاً وظاهره أنّ النهي مؤوّل بالنفي، وهو العامل في المفعول وليس كذلك والذي جنحوا إليه في هذا ما ذكر في الأصول من أنّ المطلوب في المنهي الذي تعلق النهي به إنما هو فعل ضد المنهيّ عنه، فإذا قلت لا تتحرك فمعناه اسكن لأنّ المكلف إنما يكلف بما هو مقدور له، والعدم الأصلي ليس بمقدور وخالف الجمهور فيه أبو هاشم والغزالي بناء على أنه ليس بعدم محض بل عدم مضاف متجدّد ومثله مقدور، وهذه المسثلة قريب من قولهم النهي عن الشيء أمر بضده، وفي الفرق بينهما وتحقيق أدلتهم كلام لا يهمنا هنا. ومنها أنّ ما نقله عن البعض 5 س كلام ابن الحاجب في الإيضاح وهو مبنيّ على القول المنقول عن النحاة كما مرّ لا على ما ارتضاه المفسرون تبعاً للزجاح، وذكر بعض أرباب الحواشي له في تحقيق ما في الكشاف خلط لأحد المسئلتين بالأخرى، وإنما ذكره قدس سرّه تتميماً للفائدة وتنبيهاً على ما ذكر. ومنها أنّ ما ذكره بعض الفضلاء في توجيه عطف النفي إذا كان بمعنى الواو وابتناء. على ما قاله من عطف الجمل أو المفردات بالإنسحاب كلام في غاية الخفاء والتشويش وكذا ما قالوه من ردّه بما ذكره الزمخشريّ في سورة الإنسان، وقد ذكر ابن مالك في التسهيل أنّ أو في الآية بمعنى ولا فقال: وتوافق ولا بعد النهي والنفي ومثل شرّاحه للنهي بهذه الآية وللنفي بقوله تعالى {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: 61] الآية فتدبر. . قوله: (ومن ذلك قوله أو كصيب إلخ) هذا معنى قوله في الكشاف معناه أنّ كيفية قصة المنافقين مشبهة بكيفيتي هاتين القصتين وأن القصتين سواء في استقلال كل واحد منهما بوجه التمثيل فبايتهما مثلتها فأنت مصيب، وان مثلتها بهما جميعاً فكذلك يعني أنّ أو ههنا مستعارة لمطلق التساوي، والتسوية في الآية بطريق الإباحة التخيير، وقد فرقوا بينهما بأنه في التخيير لا يملك الجمع بينهما بخلاف الإباحة وردّ هذا أبو حيان في البحر وقال الظاهر أنها للتفصيل ولا ضرووة تدعو إلى كون أو للإباحة وان ذهب إليه الزجاج وغيره من النحاة لأنّ التخيير والإباحة إنما يكونان ني الأمر وما في معناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وما هنا خبر صرف فهو مودود كالقول بأنها بمعنى الواو إو للشك بالنسبة للمخاطبين، أو للإبهام أو بمعنى بل، وليس ما ذكره بوارد لأن النحاة اختلفوا في أو التي للإباحة أو التخيير فقيل إنها تختص بالطلب، وذهب كثير من النحاة إلى أنها لا تختص به فتكون في الخبر كثيراً، وهو مذهب الزمخشري كما صرّح به في الكشف، وقال في المغني ذكر ابن مالك أنّ أكثر ورود أو للإباحة في التشبيه نحو فهي كالحجارة أو أشد قسوة والتقدير نحو {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] فلم يخصها بالمسبوقة بالطلب، اهـ وقد أنطقه الذي أنطق كل شيء حيث قال وما في معناه لأنه مؤوّل بالأمر أي مثله بهذا أو هذا، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق فتدبر. قوله: (وإنهما سواء في صحة الثثبيه إلخ) إشارة إلى أنها وان صارت لمطلق التساوي بغير شك إلاً أنّ المراد التساوي في صحة التشبيه في الجملة لا التساوي من جميع الوجوه لأنّ التشبيه الثاني أبلغ من الأوّل لدلالته على فرط الحيرة، وشدة الهول وفظاكأ 9، ولذا أخره فإنهم قد يتدرّجون من الأسهل الأهون إلى الأغلظ الأهول كما في الكشاف وستراه عن قريب، وليس المراد بقوله في التمثيل بهما إنه يجوز أن يجعل مجموع الآيتين تمثيلاَ واحداً كما زعمه بعضهم، وقال إنه وجه أوجه وفسره بما تركه خير من ذكره فإنّ كلمة أو واعادة الكاف تأباه ولذا قال بعض الفضلا اء إنّ المراد أنّ حال المنافقين شبيهة بالحالتين المذكورتين، وإذا كان كذلد، صح التشبيه بهما جميعاً أي بأن يذكر الحالتان معاً ويشبه حال المنافقين بكل منهما، أو يذكر إحداهما فقط ويشبه حالهم بها وليس المعنى أنه يصح أن يشبه بالمجموع من حيث هو مجموع. قوله: (والصيب فيعل من الصوب إلخ) هذا هو الصحيح عند اللغويين وفيعل بفتح الفاء وكسر العين يكون صفة كسيد وميت واسم جنس كصيب، وكونه فعيل كطويل فقلب تكلف، وهذا الوزن يكون في المعتل وتفتح عينه في الصحيح كصيقل وضيغم، وقال الإلام المرزوقي إن ياءه للنقل من المصدرية إلى الوصفية في الأصل، وإذا كان صفة فهو بمعنى نازل أو منزل فلذا أطلق على المطر والسحاب، وقيل إنه لوجود معنى النزول فيهما وهو من الصوب والصوب له معان منها النزول والمطر ومنه الصيب بمعنى المطر، والسحاب ويكون بمعنى الصواب وبمعنى الجهة كما في قولهم صوب الصواب ذكره في المصباح، وعليه قول الحريري رجوت أن يعرج إلى صوبي وفي الأساس لست على صوب فلأن وأوبه، أي على طريقته ووجهه وقوله: يقال للمطر وللسحاب أي يطلق على كل منهما وهو محتمل للوصفية والاسمية كما جمرفته. قوله: (وأسحم دان إلخ) هو مصراع من قصيدة طويلة أوّلها: ارسما جديدا من سعاد تجنب عفت روضة الأحداد منه فيثقب عفا آية ريح الجنوب مع الصبا وأسحم دان مزنه متصوّب وهكذا روي وروي كما ذكره المصنف رحمه الله وأسحم دان صادق الرعد صيب، وعلى الأول لا شاهد فيه واختلف في قائله فقيل إنه للنابغة الذبياني من قصيدة مدح بها النعمان بن المنذر، وقيل للشماخ وهو شاعر مخضرم اسمه معقل وقيل الهيثم بن ضرار بن حرملة بن صيفي وهو شاعر مشهور، وهذا ما وقع في بعض الحواشي وهو تخليط منه فإنّ ما ذكره شعر آخر وان وافقه وزناً وروياً، وعفا بمعنى أمحى وخرّب وليس هو من العفو بمعنى الصفح كما قال: عفا الله عن قوم عفا الصبر عنهم فلورمت ذركى غيرهم خرس الفم والآي جمع آية أو كتمر وتمرة بمعنى الأثر والعلامة، وريح الجنوب والصبا معروفان وقد وقع بدل ريح في نسخ نسج بتشبيه اختلاف هبوبها بنسج الحائك كأنّ إحداهما سدى والأخرى لحمة، وقريب منه قول البحتري في بعض قصائده: يا دمية جاذبتها الريح بهجتها تبيت تنشرها طوراً وتطويها لا زلت في حلل للغيث صافية ينيرها البرق أحياناً ويسديها والضمير في قوله عفا آية للمنزل أو للرسم المذكور قبله، وأسحم بمعنى أسود مرفوع معطوف على قوله نسج وهو صفة للسحاب والأسود منه ممطر ففيه إشارة إلى أنّ كثرة المطر مما غير الديار أيضاً، ودان بمعنى قريب من الأرض وهكذا يوصف السحاب المملوء ماء كما قال: يكاد يلمسه من قام بالراح. وصادق الرعد براء وعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 ودال مهملات أي إذا أرعد أمطر فكأنه وعد برعده وهو استعارة حسنة ولذا جعله بعض الشعراء تحية كما قال: حياك يا ترب الهادي الرسول حيا بمنطق الرعد باد من فم السحب ووقع في بعض الحواشي الوعد بالواو بدل الراء، وفسره بأنه يفي بوعده للديار، وهو حسن أيضاً الا أني أظن الرواية خلافه، والاستشهاد بالبيت للثاني وإنما استشهد له لأنّ المعروف أنه بمعنى المطر ولذا لم يثبته لشهرته والآية تحتملهما كما سيأتي والاحتمال لا ينافي كون أحدهما أشهر وأظهر، وما قيل من أنّ الأسحم عبارة عن المطر النازل خطوطا مستقيمة كالسدي) والريحان بمنزلة اللحمة، ولذا قيل إنّ الصيب في البيت يحتمل المطر فليس بنص في إرادة السحاب كلام من لم يدر مقاصد العرب في أشعارها، ومن أحال على الذوق فقد أحال على مليء، وقيل ظاهر عبارة المصنف إنه في البيت محتمل لكل من المطر والسحاب، ويحتمل أن يكون ناظرا للسحاب لقربه، ولتبادره من الصفات المذكورة. قوله: (وفي الآية يحتملهما) أي المطر والسحاب والاحتمال لا ينافي الترجيح لأحدهما، وفي قوله وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر شديد إشارة مّا إلى ترجيح كونه بمعنى المطر كما لا يخفى، والتنكير فيه للتنويع والتعظيم ولا مانع من الجمع بين معنييه، ويحتمل أنّ التنويع من التنوين والشدة من صيغة الصفة المشبهة وإن كان المشهور فيها الدلالة على الثبوت لا على التهويل والتعظيم، وأن كان لا مانع منه، وما قيل إنّ المصنف رحمه الله حمل التنكير على النوعية لأنّ الصيب نوعان شديد وضعيف والأولى جعل تنكيره للتعظيم، وإنما اختار النوعية لإشتمالها على معنى العظمة، ولذا وصف النوع بالشدة إلاً أنّ هذا مناف لقوله والآية تحتملهما كلام ناشىء من قلة التدبر وفيما قدّمناه لك كفاية، وإنما رجح المصنف تفسيره بالمطر على عادة السلف في ترجيح التفسير المأثور، وهذا كما قال السيوطي أخرجه ابن جرير من عدّة طرق عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعطاء وقتادة وغيرهم من غير اختلاف فيه. قوله: (وتعريف السماء إلخ) يعني أنّ السماء تطلق على السماء الدنيا، وعلى الغمام كما تطلق على جميع طبقاتها وعلى كل ما علا من سقف، وغره وتطلق على المطر أيضاً كما في قوله إذا نزل السماء بأرض قوم. وتطلق على كل جانب من سماء الدنيا مسامت لقطر من أقطارها، وهو المراد هنا، والآفاق بالمدّ جمع أفق بضمتين يطلق على كل ناحية من نواحي الأرض، ومنه آفاقي وأفقي للمسافر وعلى كل ناحية، وجانب من السماء ومطبق بضم الميم وكسر الباء مشددة ومخففة بمعنى محيط وشامل، وآخذ بالمدّ اسم فاعل بدل أو عطف بيان لمطبق من الأخذ وأصل معناه التناول، ويكون بمعنى الإمساك كالأخذ بالخطام واللجام، وبمعنى الحوز والتحصيل هذا هو المعنى الحقيقي، وما يقرب منه، ثم إنه تجوّز به عن معان أخر كالإحاطة والستر لأنه من شأن المحوز المأخوذ، وهو المراد هنا كما في قول الفرزدق: أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا جبلاها والنجوم الطوالع فهو تعبير جيد هنا، ثم بئن المصنف رحمه الله تعريف السماء على وجه يتضمن بيان فائدتها، ودفع السؤال، وهو أنّ كل صيب مطرا كان أو سحاباً من السماء فلا حاجة لذكره، وإذا كان السماء بمنى الأفق وتعريفه للاستغراق أفاد فاثدة سنية، وهي أنّ السحاب محيط بجميع حواسهم وكذا المطر النازل عليهم منصت من كل أطرافهم ففيه مع الدلالة على قوّته تمهيد لظلمته، وأجاد المصنف رحمه الله إذ عقب التنكير بالتعريف على نهج أدمج فيه ما ذكر. قوله: (ومن بعد أرض إلخ) هو بيت هكذا: فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بنينا وسماء وهو كما في الكشاف دليل على إطلاق السماء على كل أفق من آفاقها، وأوه وروي آه وكلاهما اسم فعل مبنيّ على الكسر بمعنى أتوجع ويوصل بمن واللام، وقال قدس سرّه: أي توجعت لذكر الحبيبة ومن بعد ما بيني وبينها من قطعة أرض، وقطعة سماء تقابل تلك القطعة الأرضية فنكرهما إذ لا يتصوّر بينهما بعد جميع الأرض والسماء، ولما صح إطلاقها على كل ناحية وأفق منها جيء بها معرّفة باللام لتفيد العموم، وتدل على أنه غمام مطبق، ولو نكرت لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق. قلت: هكذا فسروه، ولا يخفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 أن تباعد مسافة الأرض والتفجع لها في غاية الظهور، وأمّا تباعد ما يقابلها من السماء ففي غاية البعد عن مواطن الاستعمال، وما ذكروه معنى لا حاصل له، فالظاهر أنّ هذا جار على ما عرف في التخاطب إذا وصفوا الشيء بغاية التباعد يقولون بي! نهما ما بين السماء والأرض فأصله ومن بعد كبعد أرض وسماء فاقام المشبه به مقام المشبه مبالغة، وأمّا ما قيل من أنه إنما ذكر سماء مع أنه لا يزيد على ما أفاده بعد الأرض لأنه كما تكون موانع الوصول من الأرض تكون من السماء كشدة البرد، والحرّ والأمطار فبعده عن السياق بعد ما بين السماء والأرض. قوله: (أمذ به ما في صيب إلخ) خبر آخر لقوله تعريف السماء، وأمد بمعنى قوّى وأكد كما مرّ في قوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} وقوله (من المبالنة إلخ) بيان لما في صيب لأنّ تعريفه يفيد المبالغة بإطلاقه على جميع الأقطار كما سمعته آنفاً، وصيب يفيد مبالغة باصله أي مادّة حروفه من الصاد المستعلية، والياء المشدّدة والباء الشديدة الدالة على شدة نزوله، والبناء بمعنى البنية والصيغة لأنّ فيعل صفة مشبهة مفيد للثبوت، والدوام المستلزم للكثرة فسقط ما توهم من أنّ الثبوت لا يدل على المبالغة كما أشرنا إليه، وتنكيره دال على التهويل والتكثير، وقوله وقيل المراد بالسماء السحاب أشار بتمريضه إلى أنّ المرضيّ عنده تفسيره بالمطر كما مرّ، وقوله واللام لتعريف الماهية أي على هذا، وليس المراد بالماهية الحقيقية من حيث هي بل في ضمن فرد مّا وهو العهد الذهني، وإنما تعين على هذا لأنه لم ينزل من جميع السحاب ولا من سحاب معين، ولا يصح قصد الأوّل إدّعاء للمبالغة كما في جميع الآفاق لأنه لا يخفى ركاكة أن يقال نزل ليهم مطر شديد من جميع السحاب دون من جميع الآفاق والنواحي فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ المصنف ضرب على هذا بقلمه، وما يتوهم من أنّ المراد بالط هية، والحقيقة ما يشمل الاستغراق حتى لا ينافي ما مرّ فخبط بما لا يخفى فساده فتأمّل، وما قيل: من أنّ قوله من السماء يبطل ما قيل من أنّ السحاب يأخذ ماءه من البحر أو أنّ ماءه يكون من أبخرة متصاعدة من الأرض في الهواء لأنّ نزوله من جهة السماء لا ينافي شيئا مما ذكر، ولذا تركه المصنف. قوله: (إن أريد بالصيب المطر الخ) الإضافة في ظلماته لأدنى ملابسة لا بمعنى في وتكاثفه بتتابع القطر لأن تلاصق القطرات وتقاربها يقتضي قلة تخلل الهواء المنتشر المستنير، وظلمتة بسحمته وسواده لأنه لا ظلمة له في نفسه كالمطر، وقوله مع ظلمة الليل أي منضمة إليها ولم يقل وظلمة الليل لأنها ليست في المطر بل الأمر بالعكس، ثم إنّ الظرف بينه وبين المظروف ملابسة تامّة فاستعيرت الأداة الدالة على تلك الملابسة لمطلق الملابسة الشاملة للسببية، والمجاورة وغيرهما فلا يتوهم أنه جمع فيه بين معنيين أو معان مجازية، والأحسن أن يقال إنها بمعنى مع كمال في قوله تعالى {ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] فإنه أحد معانيها ال مذكورة في المغني وغيره، ولك أن تقول قول المصنف مع ظلمة الليل إشارة إلى هذا، وأمّا جعل ظلمة الليل فيه بتبعية الظلمتين الأخريين تغلي! اً كما قاله: قدس سرّه ومن تبعه فتعسف لما فيه من تغليب المعنى المجازي، وجعل المجاز على المجاز، وظلمة الليل في كلا التمثيلين كالمصرّح بها كما أشار إليه الفاضل المحقق ألا ترى قوله استوقد نارا هل يوقد للإضاءة في غير الليل، أما سمعت قولهم في المثل كموقد الشمع في الشمس وكذا قوله {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} أيكون مثله في سلطان الشمس بالنهار، ولكونها ظلمة أصلية لا ينفك عنها الزمان لم يصرّح بها إيجازا فلا يرد عليه ما فيل من أنّ ظلمة الليل من أين تستفاد حتى يحتاج إلى الجواب بأنها من الجمع، ومقام المبالغة فتدبر. قوله: (وجعله مكاناً للرّعد إلخ) إشارة إلى أنّ الظرفية فيهما مجازية بالمعنى السابق لا بمعنى آخر، وفي الكشاف إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة به فهما فيه ألا تراك تقول فلان في البلد، وما هو منه إلاً في حيز يشغله جرمه، ولشراحه فيه كلام لم يصف من الكدر والذي ارتضاه سيد المحققين أنه توجيه لظرفية المطر للرعد والبرق لعدم ظهورها ظهور ظرفية السحاب لهما بأنهما لما كانا في محل متصل به هو أعلاه، ومصبه أي السحاب جعلا كأنهما فيه باستعارة في لملابسة شبيهة بملابسة الظرفية كما شبهت بها ملابسة الشخص للبلد، وأستعملت فيها وليس المراد بالبلد جزأه، وقيل أراد أنّ المطر كما ينزل من أسفل السحاب ينزل من أعلاه فيشمل الفضاء الذي فيه الغيم فهما في جزء من المطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 متصل بالسحاب كالشخص في جزء من البلد وهذا أقرب إلى المثال وذاك إلى عبارة الكتاب، وقد تبع فيه الشارح المحقز،، وترك ما فيه من أنّ من الناس من ذهب إلى أنّ المراد بالبلد جزؤه، وزعم أنّ الأعلى والمصب جزء من المطر وليس بذاك، ومنهم من جعله من إطلاق أحد المجاورين على الآخر والأعلى والمصب سحاب والتمثيل لمجرّد التلبس، ولمجاورة ورد بأنه يكون المعنى حيحئذ في السحاب رعد وبرق لا في المطر على ما هو المطلوب. ثم قال ردّاً لما في الكشف: فإن قلت الظلمة والرعد أي الصت والبرق أي النارية واللمعان كلها أعراض، والعرض لا يتمكن في المكان إلاً بنوع توسع من غير فرق بين المطر والسحاب، وبين الظلمة والرعد غاية ما في الباب أنّ وجه التلبس يكون في البعض أوضح كالرعد بالنسبة إلى السحاب. قك: معنى الظرفية التي تفيدها في أعم من أن يكون على وجه التمكن في المكان كالجسم في الحيز أو على وجه الحلول في المحل كالعرض في الموضوع أو على وجه الاختصاص بالزمان كالضرب في وقت كذا، وظلمة السحمة والتطبيق في السحاب حقيقة بخلاف ظلمة الليل، وكذا تمكن الجسم الذي يقوم به صوت الرعد وبريق البرق حقيقة في السحاب لا في المطر فاحتيج للتأويل، وما ذكره من أنّ ظرفية الزمان والمكان حقيقة تدل عليها في بالوضع مسلم عند الأدباء وأمّا كون ظرفية العرض في الموضوع كذلك فغير مسلم، والظاهر أنّ إطلاق في على ما ذكره بطريق الاشتراك اللفظي أو المعنوفي لا الحقيقة والمجاز كما قيل، والذي في الكشف أنّ الظرفية الحقيقية أي كون الشيء مكانا لآخر لا تراد هنا فإنهما عرضاه والتمكن من خواص الأجسام وإنما يضاف للعرض بواسطة معروضة، وهو وإن لم يرتضه الفاضل فهو الظاهر الموافق لكلام النحاة، وليس قصره الظرفية الحقيقية على المكانية لنفي الزمانية بل لأنه محل النزاع، ثم إنّ الذي أوقعهم في النزإع قوله أعلاه ومصبه فإنّ ضميربه للمطر وأصل إضافة اسم التفضيل أن يكون لما هو بعض منه فمنهم من أبقاه على ظاهره فجعل الظرف والمظروف قطرا ومنهم من صرفه عنه، وجعله غير مضاف لبعضه وهو الحق وكأنه استعمله ظرفا بمعنى فوق كما أنّ أسفل يكون بمعنى تحت من غير تفضيل أي إذا كانا في شيء فوقه وهو منشؤه ومصبه والمراد بمصبه محل ينصب منه لا فيه وإليه كما توهم، وفي حواشي ابن الصائغ حكى الشيخ عز الدين عن أبي عليّ فيه أي في وقته، وقال غيره في مصبه، وهو ضعيف لأنّ الرعد والبرق لا يكونان في الأرض وهو وهم لما عرفت. وأعلم أنّ ألمصنف رحمه الله أتى بعبارة أوجز من عبارة الزمخشريّ، وقصد في تغييرها مقاصد حسنة فعدل عن قوله مصبه إلى منحدره بضم الميم وفتح الدال المهملة، وهو اسم مكان أيضا لما في عبارة الكشاف من الغموض واحتمال إرادة الأرض! وهو فاسد كما مرّ، وحذف قوله في الجملة إذ لا طإئلى تحتة، وترك قوله ألا تراك إلخ لأنّ المتبادر منه أنّ فلانا في البلد مجاز كما صرّح به بعض شرّاحه، وهو مخالف لما يفهم من العرف، وقد صرّحوا بأن صمت في الشهر حقيقة في صوم يوم منه كما صرّحوا به وقياسه يقتضي أن هذا حقيقة أيضا كما صرّح به في التلويح فقال في للظرف بأنّ يشتمل المجرور على ما قبلها اشتمالاً مكانياً أو زمانيا تحقيقا ن! حو الماء في الكوز وزيد في البلد، أو تشبيها نحو زيد في نعمة، وفي الرضى الظرفية الشحقيقية نحو زيد في الدار وهو مما لا خفاء فيه، وقد يقال إنه تنظير بقطع النظر عن الحقيقة والمجاز فإنّ الكائن في بقعة من البلد يجعل في جميعها لما بينهما من الملابسة إلا أنه يرد حينئذ ما ذكر على شرّاحه فتدبر، وقد أطلنا هنا تحريراً وتقريرا إلا أنّ فيما أبدعناه ما يجعل ذنب الإسهاب (1) مغفوراً، ويبدي لعين الإنصاف نضرة وسرورا. قوله: (وإن أريد به السحاب إلخ) ما مرّ كله على أنّ المراد بالصيب المطر وقدمه لأنه المعروف في اللغة والاستعمال، وسحمته بضم السين سواده وظلمته، وتطبيقه كون بعضه فوق بعض، وفيه تسامح ولم يقل وظلمة الليل لما مرّ وظلمة الليل مستفادة من التظلم كما مرّ وما قيل من أنه يجوز أن يعتبر ظلمات حصلت من إحاطة الغمام، بآفاق السماء على التمام فإنّ كل أفق إذا استتر بسحاب تتراكم الظلمات بلا ارتياب. قلت: لم يزد شيثاً على ما ذكروه، فإنّ ما تصلف به هو معنى تطبيقه بعينه غايته أنه جعل جزء الوجه وجها مستقلاً، وقوله وارتفاعها فضمير المؤنث لظلمات، وفي نسخة وارتفاعه بتذكيره لأنه لفظ والمراد أنّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الظرف هنا لإعتماده على الموصوف يجوز كون المرفوع بعده وهو ظلمات فاعلاَ له كما يجوز أن يكون مبتدأ فيه خبر مقدّم عليه لأنه نكرة بخلاف ما إذ لم يعتمد فإن للنحاة في جواز كونه فاعلاً خلافاً فعند سيبويه والجمهور يتعين أنه مبتدأ هذا هو المراد لا أنّ الفاعلية هنا متعينة بالإتفاق إذ لم يقل به أحد من أهل العربية، وفي التسهيل اشترط سيبويه مع الارتفاع كون المرفوع حدثاً وليس هذا محل تفصيله، وما بعد ظلمات مما عطف عليه حكمه حكمه، ولم يتعرّضوا له لظهوره. قوله: (والمشهور أنّ سببه إلخ الما ذكر أنّ حقيقة الرعد الصوت المسموع من السحاب بين سببه بناء على ما اشتهر بين الحكماء من أنّ الشمس إذا أشرقت عاى الأرض اليابسة حللت منها أجزاء نارية يخالطها أجزاء أرضية فيركب منهما دخان، ويختلط بالبخار ويتصاعدان معاً إلى الطبقة الباردة فينعقد ثمة سحاباً ويحتقن الدخان فيه، ويطلب الصعود إن بقي على طبعه الحارّ والنزول إن ثقل وبرد، وكيف كان يمزق السحاب بعنفه فيحدث منه الرعد، وقد تشتعل بشدّة حرمته ومحاكته نار لامعة، وهي البرق إن لطفت والصاعقة إن غلظت كذا قرّره في حكمة العين ولهم فيه أقوال أخر غير مرضية كما أشار إليه في الشفاء، وقوله اضطراب افتعال من الضوب أي ضرب بعضه بعضاً، ولذا ف! ن! ره بقوله واصطكاكها لأنه يكون بمعنى الحوكة العنيفة مطلقاً ومنه أستعير الاضطراب النفسانيّ. قوله: " ذا حدته! الريح) أصل الحدو من الحداء، وهو غناء للعرب معروف تنشط به الإبل، ثم استعمل بمعنى السوق، وهو المراد هنا وفيه استعارة مكنية حسنة لتشبيه السحاب بإبل وركاب تساق وهو كثير في كلام العرب كقول بعضهم: ركائب تحدوها الثمال زمامها بكف الصبا حتى أتيحت على نجد وفي الحديث كما رواه ابن جرير " الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقها كما يسوق الحادي الإبل) (1) وقال الحكماء أيضاً إنّ بعض الرياح كالشمال مبرّدة لحرارة السحاب، وتحدث فيه رعدا وبرقاً قيل ما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه الزمخشريّ، والحكماء ولا عبرة به، والذي عليه التعويل كما قاله الطيبي، ما ورد في الأحاديث الصحيحة من طرق مختلفة في السنن أنّ الرعد ملك، والبرق مخراق من حديد أو من نار أو من نور يضرب به السحاب (2) ، وعن ابن عباس رضي الله عهما الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح وهو صوته، وورد " سبحان من يسئح الرعد بحمده " (1) وقيل البرق ضحكه، وقيل نار تخرج من فيه إذا غضب وله عدّة طرق، وروايات ذكرها السيوطيّ في الدر المنثور ولا شبهة في صحته فتركه لخرافات الحكماء مما لا يليق كما ذهب إليه بعض من كتب على هذا الكتاب، والقول بأنّ ما في الحديث تمثيلات مسخ لكلام النبوّة نعم لك أن تقول الأجرام العلوية وما في الجوّ موكل بها ملائكة تتصرّف فيها بإذن الله وأمره كملك السحاب والمطر فإذا ساق السحاب، وقطعها حدث من تفريقها أصوات، ولمعان نورية مختلطة فتسبح ملائكتها فأهل الله يسمعون تسبيحها معرضين عما سواه، والمتشبث باذيال العقل يسمع حركاتها ويرى ما يحدث من إصطكاكها فتأمّل. قوله: (من الارتعاد إلخ) قيل عليه إنّ للنحاة، والأدباء في الإشتقاق ثلاثة مذاهب كون المشتق منه المصدر، وكونه مطلقا وكون الفعل من المصدر وبقية المشتقات من الفعل كاسم الفاعل، وأمّا اشتقاق المصدر من المصدر فلم يذهب إليه ذاهب على أنه لو قيل به؟ ، ن المزيد منه مأخوذا من المجرّد لا عكسه كالذي نحن فيه فقيل إنه لم يرد بأنه أصله ظاهره لأنّ أصله الرعدة وإنما أراد أنّ فيه معنى الاضطراب، وهذا تسليم للإعتراض، وقيل إنه على ظاهره وأنه أراد أنه مشتق من الإرتعاد فإنّ الزمخشريّ قد يردّ المجرّد إلى المزيد إذا كان المزيد أعرف، وأعرق في المعنى المعتبر في الاشتقاق كالقدر من التقدير والوجه من المواجهة وهذا منع للسؤال، وقيل من فيه اتصالية والمراد أنهما من جنس واحد يجمعهما الاشتقاق من الرعدة، وكذا قوله من برق الشيء بريقاً وليس فيما ذكر ما يشفي الصدور فلّك أن تقول إنّ مبناه على تعليل الأوضاع اللغوية، والمعنى أنّ الرعد وضمع لما ذكر لما فيه من الإرتعاد وقد مهد له بذكر الاضطراب وليس المراد أنه مأخوذ ولا مشتق من الارتعاد كما فهموه فمن ابتدائية والتقدير مصوغ من مادّة دالة على الارتعاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ومثل هذا التقدير غير منكر في كلام أهل العربية. قوله: (وكلاهما مصدر إلخ) في الكشاف، لما سأل لم لم يجمع الرعد والبرق كما جمعت الظلمات فإن الظاهر أن يكون على نمط واحد، وأيضا الجمع أبلغ فلم عدل عته، أجاب بأنّ فيه وجهين أحدهما أن يراد العينان ولكنهما لما كانا مصدرين في الأصل يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا روعي حكم أصلهما - يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قالوا: فأخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالس! ب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله. قالوأ: فط الصوت الذي نسمع فيه؟ قال: زجرة السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر " قالوا صدقت. . . . . ". تال الترمذي: حسن غريب اهـ ورجاله كلهم ثقات سوى ئغير بن شهاب فإنه مقبول كما في التقريب. وقال الإمام الذهبي في الميزان: عراقي صدوق. بأن ترك جمعهما، وان أريد معنى الجمع والثاني أن يراد الحدثان كأنه قيل، وارعاد وإبراق، وإنما جاءت هذه الأشياء منكرات لأنّ المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف، اهـ. وكون الأصل في المصدر أن لا يجمع مما أتفق عليه، ونص عليه في الكتاب سواء كان مفعولاً مطلقا أو لا حتى إذا جمع على خلاف القياس كان مقصوراً على السماع، ووجهه أنه اسم وحدث والمعاني لا تتغاير إلاً باعتبار المحل بخلاف الأجسام وهو شامل للقليل، والكثير فلا فائدة في جمعه والعدول عن مفرده المفيد لما أفاده مع أنه أخف وأخصر إلاً أن يقصد الأنواع، ثم إذا نقل فأكثر فيه أن يبقى على أصله ويجوز أن يعامل معاملة أسماء الأجرام، ثم إنّ المصنف رحمه الله ترك ما في الكشاف من احتمال أنه مصدر باق على أصله لأنه بعيد بل لم يسمع في الكلام المداول، وترك كون تنوينه للتنويع لما فيه من الخلل لأنه لو أريد نوع مخصوص كان المناسب تعريفه لأن النكرة لا تدل على زعمه، وأيضاً لو صح ما ذكر كان المناسب إفراد الظلمة أيضاً، وهذا من مقاصده فإنه إذا أسقط شيئاً منه أشار إلى ردّه، وهو مما ينبغي التنبه له في هذا الكتاب، وأكثر أرباب الحواشي لا ينبه عليه، ثم إنّ هنا نكتة سرية في أفرادهما هنا وهي أنّ الرعد كما ورد في الحديث وجرت به العادة يسوق السحاب من مكان لآخر فلو تعدد وكثر لم يكن السحاب مطبقاً فتزول شدة ظلمته، وكذا البرق لو كثر لمعانه لم تطبق الظلمة كما يثير إليه قوله {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} فإفرادهما متعين هنا، وهذا مما لمعت به بوارق الهداية في ظلمات الخواطر. قوله:) الضمير لأصحاب إلخ) فيه إيجاز لطيف وأصله كذوي الذي بمعنى أصحاب لأنه جمع ذو بمعنى صاحب وهو أشهر معانيه، والبيت المذكور لحسان بن ثابت رضي الله عنه من قصيدة له مشهورة في مدح آل جفنة ملوك الشام وأوّلها: أسألت رسم الدار أم لم تسأل بين الجوابي فالنصيع فحومل ومنها: لله درّ عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأوّل أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الجواد المفضل يسقون من ورد البريض عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل وهي طويلة وضمير يسقون لأولاد جفنة وبردى بفتح الموحدة، والراء والدال المهملئين نهر بدمشق وقيل: وأدبها والبريض بالضاد المعحمة وروي بالصاد المهملة وهو الأشهر وعليه اقتصر في القاموس اسم لخليج، وشعبة من نهر بردى وقيل إنه اسم موضع فيه أنهار كثيرة بدليل قوله: فما لحم الغراب لنا بزاد ولا سرطان أنهار البريض وفيه نظر، وورد بمعنى قدم وأصل معنى ورد جاء الماء ليستقي ففيه إبهام هنا وورد كقدم يتعدّى بعلى، وقيل إنه يضمن معنى نزل، وبردى مؤتث لما فيه من ألف التأنيث والتقدير ماء بردى، والتصفيق التحويل من إناء إلى آخر ليصفي، والمراد به هنا يمزج ويصفق كما قال أبو حيان: روي بالياء لتحتية والتاء الفوقية والأوّل مراعاة لماء المقدر هنا، وهو محل الاستشهاد هنا كما جمع الضمير العائد على ذوي، ولولاه كان مفردا مذكرا، والثاني مراعاة لبردى ويجوز أن يكون لإكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه، والرحيق الشراب الخالص! ، والسلسل السائغ السهل الإنحدار في الحلق، وقوله أن يعوّل عليه أي يراعى من عوّلت عليه، وبه إذا اعتمدت فتجوّز به عما ذكر، وقوله حيث ذكر الضمير أي بناء على اشهر الروايتين فيه، وذكر بالتشديد من التذكير ضد التأنيث. قوله: (والجملة استئناف إلخ) أي استئناف بياني في جواب سؤال مقدر كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ولذا لم تعطف فلا محل لها من الإعراب وجوّزوا فيها وجوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 أخر ككونها في محل جر على أنها صفة لذوي المقدر، وقد جوّز فيها وفي جملة يكاد كونها صفة صيب لتأويلها بلا يطيقونه، ونحوه أو في محل نص على الحال من ضمير فيه، والعائد محذوف أو الألف واللام نائبة عنه والتقدير من صواعقه، وقوله لما ذكر ما يؤذن بالشدّة والهول أي ما يدل على شدّة ما هم فيه من الأمور المخوفة المهولة. وفي الكشاف لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالثدة والهول فكأنّ قائلاً قال: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق، ثم قال: فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقيل يكاد البرق يخطف أبصارهم، وقيل: بين الكلامين بون بعيد وفرق ظاهر لأنّ المراد بما يؤذن إلخ في كلام المصنف الظلمة والرعد والبرق، وتنكيرها لأنه الأصل من غير مقتض للعدول عنه ووجه إيذانها أنها إمارات، ومقدمات للصواعق لأنها تسبق بها متعاقبة على ترتيب النظم عادة فمنشأ الاستئناف تلك الأمور بلا تفرقة بينها، فالأولى عنده جواب السؤال الناشىء من المجموع، والثانية عن السؤال الناشىء عن ذكر الصواجمق المستلزمة للبرق، والثالثة عما نشا من الجواب الثاني، وأورد عليه أنّ الثالثة لو كانت كذلك كانت على وتيرتها في التعبير والأمر فيه سهل، واختار في الكشاف أنّ منشأ السؤال هنا الرعد القاصف وحده والتنكيو للنوعية كما مرّ فعنده الجمل الثلاثة أي {يَجْعَلُونَ} {؟ ويكاد البوق} {؟ وكلما أضاء} إلخ أجوبة عن أسئلة ثلاثة من قوله {فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} باعتبار الرعد والبرق واختلاف الحال المفهوم من الظلمات والبرق على اللف والنشر المرتب، أمّا في الأوّلين فظاهر، وأمّ في الثالث فلأنّ الاختلاف من تمامها، وأورد عليه أنه إن أراد بالقاصف ما معه. ر فهو عين الصاعقة فلا يتجه الاش خاف لأنّ لفظة فيه إلخ دال على وقوع الرعد فلا يكون وضع الأصابع إلاً بعد وقوع الصاعقة، وهو عبث وإن أراد ما يخلو عنها كان من مقدّماتها قيساويه الباقيان معنى مع أنّ البرق أقرب للصاعقة من الظلمات فلا وجه لاختياوه وهذا هو السرّ في عدول المصنف عما في الكشاف، وقد قيل: عليه أنّ الجواب الأوّل لا يطابق السؤال الذي قدره لأنه يبين حالهم مع الصواعق دون الرعد وان أجابوا عنه بأنه لم كانت الصاعقة بصفة رعد أي شدّة صوت منه ينقض معها شعبة من نار كان الجواب مطابقاً له كأنه قيل يجعلون أصابعهم في آذانهم من شدّة صوت الرعد المنقض معه النار. أقول لك أن تقول لا نسلم أنّ المصنف قصد مخالفة الزمخشريّ، والرد عليه فإنه لا مخالفة بينهما في الثالث إذ قدر ما قدّره بعينه، وكذا في الثاني لأن الزمخشريّ قال كيف حالهم مع مثل ذلك البرق والمصنف قال مع تلك الصواعق وكلاهما نوع واحد ناري كما مرّ وكذا في الأوّل لأنّ كلام المصنف محتمل فيه حيث قال: مع ذلك فلك أن تجعل الإشارة للرعد، ولو سلم أنه للمجموع فقول الزمخشريّ مثل هذا الرعد يريد به المصاحب للظلمة والبرق فلا فرق مع أنه لو سلم تغايرهما فلا وجه لجعل الأصابع في الآذان مع الظلمة والبرق، وكذا الأوجه لجواب السؤال بكيف حالهم مع تلك الصواعق بيكاد البرق إلا بالتوجيه السابق فما في الكشاف أحسن لما فيه من تطبيق الجواب على السؤال، واصابة المحز فمن قال: بترجيح ما هنا عليه لم يصب، ثم إنّ ما ذكره في التنوين ليس في كلام المصنف ما يقتضيه بوجه من الوجوه، والظاهر أنّ المراد بإيذانها بالشدة والهول ما يلوح لهم من مقدمات الهلاك بعد الوقوع في تيه الحيرة، والحسرة لا خصوص الصواعق ليكون الجواب أتمّ فائدة وأوفى عائدة، وما أورده على تقدير الرعد القاصف ليس بشيء، وقد فسر الراغب القاصف بما في صوته تكسر بشدة فالمراد الثاني، وكونه مساوياً لأخويه لا ضير فيه لمن له شعور وبصير، وقوله فأجيب بها الضمير للجملة، ويجوز عوده على الحال. قوله: (وإنما أطلق الأصابع إلخ) أي أوردها واستعملها في موضمع الأنامل المرادة هنا لأجل المبالغة لأنّ الأصابع معروفة، وفيها عقد والأنامل جمع أنملة بفتح الهمزة، ونتح الميم أكثر من ضمها وفي المصباح أنه حكى فيها تثليث الهمزة مع تثليث الميم ففيها تسع لغات، وهي العقدة من الأصابع وبعضهم يقول الأنامل جزء من الأصابع كما في المصباح أيضاً، وعلى كل حال فهي جزء مخصوص، أو غير مخصوص من الأصابع أطلق على كلها مبالغة كأنهم يبالغون حتى يدخلوا جميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الأصبع أي أصبعهم في آذانهم مبالغة في السدان لم يحمل على التوزيع، وقيل إنّ في قولهم آذان دون صماخ مبالغة أيضا، ولا يخفى أنّ الجعل مع في بمعنى الإدخال يأباه، وقال علامة الروم في تعليقات الفرائد في قوله تعالى {يَجْعَلُونَ} مبالغة في فرط دهشتهم وكما حيرتهم من وجوه. أحدها نسبة الجعل إلى كل الأححابع، وهر منسوب إلى البعض منها وهو الأنامل. وثانيها من حيث الإبهام في الأصابع والمعهود إدخال إصبع مخصوص هو السبابة فكأنهم من فرط دهشتهم يدخلون، أيّ إصبع كانت في آذانهم ولا يسلكون المسلك المعهود. وثالثها في ذكر الجعل موضع الإدخال فإن جعل شيء في شيء أدل على إحاطة الثاني بالأوّل من إدخاله فيه، وهذه دقائق لم يتنبهوا لها. فإن قلت: هل هذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل باسم جزئه، أو للتجوّز في الجعل، أو هو من المجاز العقلي بأن ينسب الجعل للأصابع وهو للأنامل. قلت: الذي ذكروه في كتب المعاتي وغيرها أنه من الأوّل الآ اًنّ للمتأخرين فيه كلاما فقال خاتمة المحققين ابن كمال في تكميل الفرائد أيضاً أنهم ظنوه مجازا لغويا، وهو مجاز عقليّ بإسناد ما للبعض إلى الكل، لأنّ المبالغة في الاحتراز عن إستماع ائصاعقة لفرط الخوف إنما تكون على هذا لا على ما قالوه، ولخفاء الفرق بين الاعتبارير، قال: في شرح المفتاح في إطلاق الأصابع على الأنامل مبالغة يخلو عنها ذكر الأنامل، والمبالغة إنما تتأتى إذا كانت الأصابع باقية على حفيقتها إذ لا مب لغة في ذثرها مراداً بها الأنامل، كما لا مبالغة في رجل عدل إذا أوّل بعادل على ما صرّح به القوم تبعاً لصاحب الدلائل، وارادة الأنامل من الأصابع مجاز مرسل، وإنما المبالغة في جعل أجزاء الأصابع في الأذن، والتجوّز في تعلق الجعل لا في متعلقه، وهو الأصابع ثم أنّ بعض فضلاء العصر قال: فيما قرّره القوم نظر آخر لأنه قد يقال إنه لا مجاز هنا، وذلك لأنّ نسبة بعض الأفعال إلى دّي أجزاء تنقسم، يكفي فيها تلبسه ببعض أجزائه، كما يقال دخلت البلد وجئت ليلة الخميس ومسحت بالمنديل ونحوه، فمعنى نسبة الجعل في الأذن إلى الأصبع إذا تليس ببعض منه، وهو الأنملة صحيح حقيقة من غير إحتياج إلى التجوّز في الكلمة أو الإسناد، أو على تقدير مضاف كأنملة أصابعهم. أ! دول الذي غرّه هذا قول بعض أهل المعاني أنّ المجاز المرسل لا يفيد مبالغة كالاستعارة، وهو غير مسلم عند العلامة لتصريحهم بخلافه في مواضع من الكشاف وبه نطقت زبر المتقدّمين، ولو لم يكن كذلك كان العدول عن الحقيقة في أمثاله عبثا لا يحوم مثله حول حمى التنزيل، ويكفي في المبالغة تبادر الذهن إلى أنّ الكل أدخل في الأذن قبل النظر للقرينة كما لا يخفى على ذي بصيرة نقادة وفطنة وقادة، وأمّا كون مثل دخلت البلد لمن دخل دارا منها حقيقة فليس على إطلاقه ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه في نحل آخر،، ثم أنه قال في الكشاف: إنّ ما يسد الأذن أصبع خاصة وهي السبابة إلا أنها لما كانت فعالة من السب كان اجتنابها أولى بأدب القرآن، ولذا كنوا عنها لاستبشاعها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاءة. اهـ وهذا كما قال المعرّي: يشار إليك بدعاءة ويثني على فضلك الخنصر وقال التبريزي: في شرح سقط الزند أنها يوما بها في الخصام فكأنها يسبّ بها ويفظع، أو هي من السبب لأنها تشير للشيء فهي سبب لمعرفته فنزهه عن تسميتها سبابة لأنها مشتقة من السب فجعلها دعاءة. اهـ والمصنف لم يلتفت لهذا أمّا لأنه لا وجه لما ذكره من الاختصاص أو لأنّ هذا مقام ذم وسب لهم فالسبابة أنسب به كما لا يخفى، وهذا من الحور المقصورة في خبايا الأذهان والأزهار التي لم تنفتح لها كمام الآذان. قوله: (أي من أجلها يجعلون إلخ) جعله متعلقاً بيجعلون لأنّ تعلقه بالموت، وان صح بعيد كما في سقاه من العيمة أي من أجلها، بمعنى أنها الباعث وذلك لأنّ من هنا تغني غناء اللام في المفعول له فهي تعليليه، وقد يكون غاية يقصد حصولها، وقد يكون باعثاً بتقدّم وجوده كما قيل، وقيل: من ابتدائية على سبيل العلية، وما بعدها أمر باعث على الفعل الذي قبلها كقعد من الجبن، ولا يكون غرضاً مطلوباً منه إلاً إذا صرّح بما يدل على التعليل ظاهراً، كقولك: ضربته من أجل التاديب بخلاف اللام فإنها تستعمل في كل واحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 منهما، وهو ودّ على المحقق في جعله من التعليلية كاللام تدخل على الباعث المتقدّم، والغرض! المتأخر بأنه إطلاق في محل التقييد لأنها إنما تدخل على المتأخر إذا صحبها ما يدل على التعليل، كلفظ أجل فيما ذكره وهو مخالف لأهل العربية، فإنهم صرحوا بأنها تجيء للتعليل مطلقاً من غير فرق بينهما، وقد قال الطيبي: طيب الله ثراه بعدما ذكر أنها للتعليل هنا أنه كقوله تعالى {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا} [مريم: 53] أي من أجل رحمتنا والرحمة الإحسان، وهو نتيجة الهبة منه مرتب عليها كالتأديب، وكذا في الذر المصون وغيره، ومثله {أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} [تريثى: 4] قال أبو حيان رحمه الله من هنا للتعليل أي لأجل الجوع، وما قيل عليه من أنّ الجوع لا يجامع الإطعام، فالظاهر أنها بدلية لا وجه له فإنهم قالوا في ضابط البدلية إنها ما يحسن وضع لفظ بدل موضعها، ولا يخفى أنه لا يحسن أن يقال الإطعام بدل الجوخ، والعيمة شدة شهوة اللبن بحيث لا يصبر عته، والغيمة بالمعجمة شدة شهوة الماء، والأيمة شدّة شهوة النكاج، والقرم شدة شهوة اللحم، يقال عام إلى اللبن إذا اشتهاه، والعرب تقول سقاه من العيمة أي من جهة العيمة، ولأجلها وعن العيمة أي أنّ سقيه تجاوز به عن حكم العيمة إلى الريّ. قوله: (والصاعقة قصفة رعد هائل إلخ) القصفة واحدة القصف وأصل معناه الكسر، وقاصف الرعد أشده يكون صوتا متعاقباً متكسراً، وهائل بزنة اسم الفاعل بمعنى موقع في الهول وهو الخوف، قال ابن جني: يقال هالني الشيء يهولني فهو هائل وأنا ههول، والعامّة تقول أمر مهول ولا وجه له إلا أنه وقع ني خطب ابن نباتة مهول منظره، وقال بعض شراحها إنه صحيح أيضاً وقصفة رعد على ظاهره لا بمعنى رعد قاصف كما توهم للفرق بينهما، وقيل: إنّ المصنف فسر الصاعقة بتفسيرين دفع بهما ما أورد عليه من أنّ الجواب لا يطابق السؤال، لأنّ السؤال عن حالهم مع الرعد فدفعه بأنّ الصواعق حال الرعد أيضا، أو بأنها تطلق كل حال هائل، وهو مما تبع فيه شراح الكشاف، وهو تخليط كما مرّ لأنّ المصنف لا يقدر السؤال الأوّل بما ذكره، وتفسيره الأوّل حاصله أنها مجموع أمرين شديد رعد ونار تهلك ما تصيبه، لأنّ أصلها اسم فاعل من صعق بمعنى صرخ صراخاً شديداً، كما قال تعالى {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] وقد يكون معها جرم حجري أو حديديّ يبلغ أرطالاً كما فصله ابن سينا في الشفاء، وربما تطلق على النار أو الجرم فقط لكنه غير مناسب هنا، وقيل إنها ريح سحابي تهي إلى الأرض بحدة أشتعال ونفوذ، فربما أحرقت الذهب في الصرة وأذابتة من غير أن تضره، وقوله: أتت عليه بمعنى أهلكته وأفنته لأنّ أتى المتعدي بعلى يكون بهذا المعنى كما سياني تحقيقه في محله. قوله: (وفد تطلق على كل هائل إلخ) وقع في بعض النسخ مسموع ومشاهد، وفي بعضها أو بدل الواو قال الراغب: قال بعض أهل اللغة: الصاعقة على ثلاثة أوجه الموت كقوله {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 68] والعذاب كقوله {أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] والنار كقوله {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} [الرعد: 13] وهي أشياء متولدة من الصاعقة هو قريب مما ذكر وقوله ويقال إلخ. بيان لشمولها للمسموع والمشاهد. قوله: (وهو ليس بقلب إلخ) يعني أنّ الصاعقة والصاقعة وإن تقاربا لفظاً ومعنى فليس أحدهما أصلاً والآخر فرع مقلوب منه قلباً مكانياً لوجهين ذكر أحدهما وهو الأشهر الأظهر، وأنّ قاعدة القلب أن تكون تصاريف الأصل تامّة بأن يصاغ منه فعل ومصدر وصفة، وييبهون الآخر ليس كذلك فيعلم من عدم تكميل تصاريفه أنه ليس بنية أصلية، وهذه قاعدة مقرّرة عند النحاة، والثاني ما ذكره الراغب من أنّ الصقع في الأجسام الأرضية، والصعق في الأجسام العلوية، وهذا غير مطرد، ولذا تركه المصنف رحمه الله مع أنه مخصوص بهذا والأوّل عام، قال في التسهيل: علامة صحة القلب كون أحد البناءين فائقاً للآخر ببعض وجوه التصريف، وله تفصيل في شروحه، ولا شذوذ في جمع صاعقة على صواعق لأنه إنما يثذ في جمع فاعل المذكر العاقل الوصف، فهذا بعيد عن الشذوذ بمراحل، وقول الطيبي والفاضل اليمني إذا كانت الصاعقة للمذكر والتاء للمبالغة فالجمع على فواعل شاذ غفلة عن تحقيق المسئلة، وقوله: يقال صقع الديك أي صاح بيان لاستواء البناءين في التصرف، والمراد بالراوية الراوي الذي تكثر روايته للشعر وغيره، ومصقع كمنير جهوري الصوت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 والظاهر أنّ الصاعقة في الأصل صفة وتاؤها للتأنيث إن قدرت صفة لمؤنث كقصفة، أو للمبالغة إن لم تقدّر كذلك، كراوية أو هي للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في حقيقة، أو هي مصدر رسمي به لأنّ فاعلا مع التاء، وبدونها يكون مصدرا لكنه نادر مقصور على السماع كما مرّ في الفاتحة، ومنه العافية بالفاء بمعنى العفو، ويجوز أن يكون بالقاف والباء الموحدة لأنه قيل في قوله تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] إنه مصدر بمعنى العقبى والكاذبة بمعنى الكذب وهذا أضعفها، ولذا أخرّه المصنف رحمه الله. قوله: (ئصب على العلة) يعني أنه مفعول لأجله ولما كان الغالب فيه التنكير، وجرّ ما ورد منه معرفا باللام استشهد له بالبيت المذكور وهو من قصيدة لحاتم الطاتي الجواد المشهور حث فيها على مكارم الأخلاق والصبر على أذى الأقرباء ومداراتهم وأوّلها: أتعرف أطلالاً ونؤيا مهدما كخطك في رق كتاباً منمنما ومنها: إذا شئت ماريت امرأ السوء ما ترى إليك ولاطمت اللئيم الملطما وعوراءقدأعرضت عنهافلم تضر وذي أود قومته فتقوما وأغفر عوراء الكريم إدخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما ولا أخذل المولى وإن كان خاذلا ولا أشتم ابن العم إن كان مفحما وهي طويلة. وقال ابن يسعون أنه لم يقل قديماً في معناها أحسن منها، وأغفر هنا بمعنى أستر أو أعفو وأصفح، والعوراء الخصلة والفعلة القبيحة كلاما كانت أولاً، وتفسيرها بالكلمة القبيحة غير مناسب هنا، إلا أنه شاع القول للكلمة القبيحة عوراء كما يقال لضدها عيناء أي أتحمله وأسترزلته لتدوم مودّته كما قيل: تريدمهذباً لاعيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان فالمراد بإدخاره إدخار مودته ومحبته، والضمير للكريم أو للغفران المفهوم من أغفر، والشاهد فيه حيث نصبه على أنه مفعول له مع أنه معرفة بالإضافة وأكثر في مثله جرّ. باللام، كقوله {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ا] وتكرما مفعول له أيضاً على الأصل في بابه واستشهادهم بهذا البيت هنا في موقعه والمراد بالتكرّم المبالغة في الكرم لا تكلفه وإن صح هنا. وقال أبو حيان إعرابهم له مفعولاً له مع اسنيفائه شروطه فيه نظر، لأنّ قوله من الصواعق في المعنى مفعول له، ولو كان معطوفا لجاز كقوله تعالى {ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ} [البقرة: 265] وقد جوزوا أن يكون منصوباً على المصدر أي يحذرون حذر الموت، وما ادّعاه لا يتم له بسلامة الأمير، فإنّ لزوم العطف في نحو زرت زيداً لمحبته إكراماً له غير مسلم، وما استشهد به لا شاهد فيه. وقال ابن الصائغ رحمه الله: ومن خطه نقلت بعدما ذكر ما قاله أبو حيان جوابه أنهما إمّا نوعان: أحدهما منصوب، والآخر مجرور، فهما كالمفعول معهما في قوله تعالى {أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] في أحد القولين وأمّا أنّ من الصواعق علة ليجعلون أصابعهم في آذانهم أي لمطلق الجعل، وحذر الموت علة للفعل المعلل أي للفعل مع علته، وهو كلام نفيس فليحفظ فإنّ هذه المسثلة لم يصرّح بها أحد من أهل العربية. قوله: (والموت زوال الحياة إلخ) قال المتكلمون الحياة قوّة هي مبدأ للحس والحركة، وقيل: قوّة تتبع اعتدال النوع وتفيض عنها سائر القوى الحيوانية كما فصلوه مع ما له وعليه، والموت زوال الحياة ومعنى زوال الصفة عدمها عما يتصف بها بالفعل، فبكون عدم ملكة للحياة كالعمى الطارىء على البصر لا مطلق العمى، ولا يلزم كون عدم الحياة عن الجنين عند استعداده للحياة موتاً. وعلى هذا حمل قول المعتزلة أنّ الموت فعل من الله أو من الملك يقتضي زوال حياة الجسم من غير جرح، واحترز بالقيد الأخير عن القتل، وحمل الفعل على الكيفية الصادرة مبني على أنّ المراد به الأثر الصادر عن الفاعل، إذ لو أريد التأثير كان ذلك إماتة لا موتاً، واستدل على كون الموت وجودياً بقوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] فإنّ العدم لا يوصف بكونه مخلوقاً، وأجيب بأنّ المراد بالخلق التقدير أي تعيين المقدار بوجه مّا وهو حقيقة لغة كما قال: ولأنت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وهو مما يوصف به المعدوم والموجود لأن العدم له مدّة ومقدار معين عنده تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] ولو سلم فالمراد بخلق الموت إحداث أسبابه، فالمراد بخلق الموت والحياة خلق أسبابهما وهيأها. وأمّا ما قيل من أنّ أعدام الملكات الطارئة مخلوقة أيضا لأن من شأنها التحقق، فقد قيل عليه أنه إن أراد بالخلق الإيجاد لم يستقم، إذ مجرّد التحقق لا يكفي في الإيجاد، دان أراد الإحداث استقام لأنه أعم من الإيجاد إلا أنه مجاز أيضاً باستعمال المقيد في المطلق، فلا يخرجه عن صرف الخلق عن ظاهره وحقيقته، وإن كان جواباً آخر، فللناس قيما يعشقون مذاهب: وأما ما ورد في الحديث من أنّ " الحياة فرس والموت كبش أملح " حتى ذهب بعض الظاهرية إلى أنهما جسمان فمن متشاب الحديث أو هو تمثيل محتاج للتأويل، وما وقع في شرح مسلم من أنّ الموت عند أهل السنة عرض، وعند المعتزلة عدم محض ليس بشيء، وان إغترّ به بعض أرباب الحواشي، فاعترض على المصنف بأنه تبع صاحب الكشاف في تقويره وتقديمه لمذهب المعتزلة، وسيأتي لهذا تتمة إن شاء الله تعالى. قوله: (لا يفوتونه إلخ) في الكشاف واحاطة الله بالكافرين مجاز، والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة، وقال أبو عليّ الفارسيّ: يجوز في محيط أن يكون بمعنى مهلك كما في قوله تعالى {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81] ويجوز أن يكون بمعنى عالم علم مجازاة ومكافأة كما في قوله تعالى {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الجن: 28] وهؤلاء جعلوه مجازاً عن قدرته عليهم ففيه استعارة شبه اقتداره عليهم وكونهم في قبضة تصرّفه بإحاطة الجيش بالعدوّ بحيث لا يفوته ولا ينجيه منه حيلة وخداع، ثم إنه قيل إن شبه شمول القدرة لهم بإحاطة المحيط بما أ-ظ د به في امتناع الفوات كانت الاستعارة تبعية، وان شبه حاله تعالى معهم بحال المحيط مع المحاط بأن شبهت هيئة منتزعة من عدّة أمور بمثلها فهناك استعارة تمثيلية لا تصرف في مفرداتها، إلا أنه صرّح بالعمدة منها وقدر الباقي. ومن زعم أنها استعارة تبعية لا تنافي التمثيلية لم يصب، وقد مرّ ردّه، وأنّ التركيب باعتبار ما ذكر مع لوازمه ليس بأبعد من اعتبار ألفاظ منوية مقدرة فتذكر ما أسلفناه، تكن على هدى. قوله: (والجملة اعتراضية إلخ) فالواو فيه اعتراضية لا عاطفة ولا حالية، كما بئن في كتب العربية، والاعتراض يكون في وسط الكلام وفي آخره، والمراد بآخره تمامه وانقطاعه حقيقة، كآخر السور والخطب والقصائد، لا آخر الجمل المنقطعة عما بعدها بوجه من وجوه القطع المذكور في باب الفصل والوصل، فما نحن فيه من القسم الأوّل، ولذا قال أبو حيان أنها دخلت بين هاتين الجملتين يجعلون أصابعهم، ويكاد البرق، وهما من قصة وتمثيل واحد، فما قيل من أنّ هذا الاعتراض على مسلك الزمخشريّ وأقع في آخر الكلام، ومخالف لمختار الجمهور من تخصيصه بإثناء الكلام أو الكلامين المتصلين معنى، ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله خيال فارغ غنيّ عن الردّ، ثم أنّ الجملة المعترضة لا بذ من مناسبتها لما اعترضت فيه والاً كانت مستهجنة، واشترط أكثر فيها كونها مؤكدة للكلام، وسمى الأدباء ما تمت مناسبته حشو إللوزنيج، وضدّه حشو اكبر، وما نحن فيه من الأوّل لأنّ أصله والله محيط بهم أي بذوي الصيب، فوضمع فيه الظاهر وهو الكافرين موضع الضمير، والمراد بالكافرين قوم غير معينين جحدوا مولاهم وعبر به إشعاراً باستحقاق ذوي الصيب ذلك العذاب لكفرهم، وفيه تتميم للمقصود من التمثيل بما يفيده من المبالغة كما في قوله تعالى {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران: 117] لأنّ الإهلاك عن سخط أبلغ وأشد كما أفاده الطيبي طيب الله ثراه، ففيه تاييد للكلام الدال على اشتغالهم بما لا يفيدهم من سد الآذان حذر الموت، وقد أحاط بهم الهلاك بما كسبت أيديهم، وليس المراد بالكافرين المنافقين كما يوهمه قول المصنف رحمه الله، لا يخلصهم الخداع والحيل لأنه من صفاتهم الشالفة في قوله {يُخَادِعُونَ اللهَ} [النساء: 142، إلخ على أنّ المراد بالحيل جمع حيلة مداراة المؤمنين ومداهنتهم لأنه لبيان مناسبة الاعتراض لما وقع فيه لأنّ من أحيط به ووقع في شرك الهلاك دأبه الخداع والتحيل في وجوه الخلاص، وبه تتم مناسبة التمثيل للممثل له، فلا وجه لما قيل هنا من أنّ هذا الاعتراض من جملة أحوال المشبه على أنّ المراد بالكافرين المنافقون فإنهم لا محيص لهم عن العذاب في الدارين، ووسط بين أحوال المشبه به تنبيهاً على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 شدة الاتصال والمناسبة. قوله: (استئناف ثان إلخ) جوز أبو حيان في هذه الجملة أن تكون في محل جر صفة لذوي المقدرة أيضاً، والذي اختاره الشيخان الإسنئناف البياني، وقد مرّ أنه في الكشاف قدر السؤال هنا فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقيل) يكاد البرق) إلخ والمصنف رحمه الله عدل عنه وقدره ما حالهم مع تلك الصواعق، ويتراءى من ظاهر الحال في النظرة الأولى أنّ الأوّل أنسب بالجواب وأنّ الثاني أقرب لما قبله مما هو منشأ السؤال، ولذا قيل إنه إذا قدر السؤال كما قدره المصنف لا يلائمه الجواب بأنّ البرق يخطف أبصارهم، لأن البرق شيء والصاعقة شيء آخر، ولقد أحسن صاحب الكشاف في تقديره السابق، وقيل: إنّ المصنف أراد بالصواعق الصواعق المقرونة بالبرق، فقيل في جوابه يكاد البرق أي برقها على أنّ اللام العهدية عوض عن المضاف إليه، فارتبط الجواب بالسؤال على الوجه الوجيه والتوجيه الصواب، وتحقيق كلام المصنف رحمه الله على هذا المنوال من فيض الملك المتعال، ولعمري لقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، وقد مرّ من الإفادة ما يغني عن الإعادة فتذكر. قوله: (وضعت لمقاربة الخبر من الوجود إلخ) أفعإل المقاربة أفعال مخصوصة سماها النحاة بهذا الاسم وان لم تكن كلها للمقاربة، لأنّ منها ما هو للشروع كطفق، ومنها ما هو للترجي، ومنها ما هو للمقاربة، سميت بها تغليبا لها لأنها أشهرها وأصلها كما في شرح التسهيل، وفد يخص بكاد وأخواتها ويجعل ما عداها من الباب قسماً آخر أو ملحقاً بها، والمشهور الأوّل فتدخل فيها عسى، والدلالة على الدنو والقرب مخصوص بكاد وأخواتها، واعتبره الجزولي في جميع الباب من غير تغليب، والمحققون على خلافه لأنّ عسى وضع لرجاء الخبر مطلقاً لا لرجاء دنوه كما زعمه، وطفق يدل على الشروع، وأخذ أوّل أجزاء الخبر، والدنوّ إنما يكون قبل الشروع فيه فليس فيهما مقاربة، وقد قيل إنّ ظاهر كلام المصنف رحمه الله يدل على أنّ عسى ير داخلة في أفعال المقارية لكونها موضوعة لرجاء الخبر، لا لرجاء دنوّه إلا أنّ في كلامه ما يدل على خلافه، كقوله: تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب، ولو جعلت الضمير في قوله وضعت لمقاربة الخبر لكاد لا لأفعال المقاربة لم يرد عليه شيء وإن احتاج ما بعده للتأويل، ثم أنّ عسى لاستعماله فيما يطمع في مما يمكن وقوعه، لو قيل قيه مقاربة لأنّ كل آت قريب ولله در القائل: وإني لأرجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانع لم يبعد وما قيل من أنّ المصنف رحمه الله ذهب إلى أنّ عسى ليس من أفعال المقاربة ليس بشيء، وقوله من الوجود متعلق بمقاربة، والمراد بعروض! سببه حدوثه وكونه في معرض الوقوع، وضمير لكنه لم يوجد للخبر لا للسبب، وقد أورد عليه أنّ المقاربة كما تتصوّر بوجود السبب مع فقد الشرط، أو وجود المانع تتصوّر بفقد المانع ووجود الشرائط كلها، وفقد السبب فتخصيص كاد بالأوّل لا تساعده قواعد العربية إلا أن يقال إنه تصوير للمقاربة من غير تخصيص بها، وليس بشيء لأنّ المراد أنّ قرب الخبر لوجود السبب، وأنه لولا فقد الشرط أو وجود المانع أو نحوه لوفع، وليس مراده الحصر حتى يرد عليه ما ذكر، ثم أنّ ما ذكره بناء على ما جرت به العادة من أنّ الله تعالى إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، وإذا وجدت الأسباب فعدم الوقوع لما ذكر، فلا يرد عليه ما قيل من أنه إذا لم يوجد سبب الخروج مثلاً، ولكنه قرب يصح أن يقال كاد زيد يخرح وهذا كه من ضيق العطن وسياتي تحقيقه، والحاصل أنّ كاد تدل على قرب الوقوع وأنه لم يقع، والأوّل لوجود أسبابه، والثاني لمانع أو فقد شرط، وهذا كله بحسب العادة فلا إشكال فيه. قوله: (فهي خبر محض ولذلك جاءت متصرفة بخلاف عسى) أي كاد خبر لشى فيه شائبة إنشاء فهو متصرّف كغيره، بخلاف عسى فإنها لكونها استعملت ني الإنشاء شابهت الحروف فلم تتصرّف، وهذا هو المشهور في كتب النحو واللغة وبه صرّح ثعلب في الفصيح، وفي شرحه للفهري أنها لم تتصرّف فيستعمل منها مستقبل واسم فاعل لأنها ليست على الحقيقة فعلاَ، وإنما هي حرف أطلقوا عليها الفعل مجازاً لما رأوها تعطي أحكامه، فيقال عسيت وعسيتما إلخ، وهذا هو الذي يجزم به فلا يعتذر لعدم تصرّفها، على أنّ ابن ظفر رحمه الله حكى عن أبي عبيدة في شرح المقامات أنه يقال: عسيت أعسى، قال: وعلى هذا يقال عاس اسم فاعل، وفي كتاب حل الفكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 للقيرواني أنّ أبا زيد ذكر أنه جاء منه ع! بكسر السين بوزن حذر، وقد قال المعرّي: عساك تعذر إن قصرت في مدحي فإنّ مثلي بهجران القريض عسى وهذا غلط فإنّ كلامنا في عسى التي للترجي وهذه بمعنى جدير، وتكون عسى بمعنى ييس أيضاً كقول البحتري: يتعاطى القريض وهو جماد الذهن يحفو عن القريض ويعسو فقوله إنّ عسى لا تتصرّف أي بناء على المشهور من قول النحاة. قوله: (وخبرها مشروط فيه إلخ) أي يشترط في خبر كاد أن يكون مضارعاً غير مقترن بأن المصدرية الإستقبالية، أمّا المضارع فلدلالته على الحال المناسب للقرب والدنوّ بملاصقته له حتى كأنه لشدة قربه وقع، ولذا دلت على تأكيد وقوع الخبر على الأصح وجردت لذلك عن أن لمنافاتها لما قصحد منها، وهذا بناء على أكثر الأفصح، والاً فقد جاء خبرها اسماً مفرداً كقوله: فأبت إلى فهم وما كدت آبياً. ووت د مع أن كقوله: قد كاد من طول البكاء أن يمحصا. وفي الحديث كاد الفقر أن يكون كفرا. وقد يكون الخبر جملة اسمية كما حكاه ثعلب من قول العرب كاد زيد قائم على أنّ اسم كاد ضمير الشأن والجملة الاسمية خبرها بخلاف عسى، فإنه يجوز في خبرها أن يقرن بأن وهو أكثر، وقد يجرد منها كقوله: عسى الكرب الذ؟ ب أميت فيه يكون وراءه فرج قريب وإلى ذلك أشار المصنف رحمه الله بقوله: وقد تدخل أي أن المصدرية عليه أي على خبر كاد كما مرّ حملاً لها على أختها عسى، كما تحذف من خبو عسى حملاً على كاد، وقوله في أصل معنى المقاربة يدل على أنّ عسى فيها معنى المقاربة عنده خلافا لمن توهم خلافه. قوله: (وقرىء يخطف بكسر الطاء إلخ) أي قرىء بكسر الطاء المخففة وهي قراءة مجاهد والفتح أفصح وعليه القراءة المعروفة، وفي الصحاح الخطف الإستلاب يقال خطفة بالكسر وهي اللغة الجيدة وعليها المضارع مفتوح العين، وفيه لغة أخرى حكاها الأخفش بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، وقرىء في الشواذ يخطف بفتح الخاء وكسر الطاء المشددة، وأصله يختطف افتعال من الخطف فنقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت في الطاء، ولذا لما لم ينقل إلى الخاء الساكنة حركة التاء كسرت لإلتقاء الساكنين أو اتباعا للطاء، وكسرت الياء التحتية أتباعاً لها، وفيها قراءات أخرى ذكرها في الحجة، والقراءة الأخيرة يتخطف بالبناء للفاعل، ونصب أبصارهم لأنه متعد كما في قوله يتخطف الناس من حولهم. قوله: (كأنه قيل ما يفعلون إلخ) قد مرّ الكلام على هذا السؤال، والجواب فليكن على ذكر منك، وخفوق البرق بضم الخاء المعجمة والفاء، وفي آخره قاف لمعانه، وأصله الاضطراب ومنه خفقت الراية والسراب، وخفية بفتح الخاء المعجمة وسكون الفاء، وياء مثناة تحتية وهاء تأنيث بزنة المرة من خفي يخفى، كعلم يعلم، أو خفي يخفو، كدخل يدخل، إذا لمع لمعانا ضعيفاً في نواحي الغيم، كما في بعض الحواشي ولا وجه له فإنه تكرار غير منالسب للمراد، فالظاهر أنه أراد ظهوره واختفاءه، وقد وقع في بعض النساث وخفيته بالإضافة للضمير من الخفاء، ويجوز أن يكون خفية أو خفيته نقل من خفت البرق إذا سكن كما في الأساس، وقد ف! ره الفاضل الحفيد بلمعان البرق واستتاره وهو الحق، وهذه العبارة وقعت كذلك في الكشاف ولم يعتن شرّاحه بضبطها، وتارتي خفوقه مثنى تارة وهي المرة، والحالة أي في حالتي الظهور والخفاء. قوله: (وأضاء امّا متعد إلخ الم يتردّد في مجيء أضاء لازما وصشعدّيا لإتفاق أهل اللغة عليه وشيوعه في كلام العرب كقول الفرزدق: أعد نظرايا عبد قيس لعلما أضطءت لك النار الحمار المقيدا وأمثاله مما لا يحصى، والممشى محل المشي ونكره إشارة إلى دهشتهم وحيرتهم بحيث يخبطون خبط عشواء، ويمشون كل ممشى، وقوله أخذوه بمعنى سلكوه. قال الراغب: يقال أخذ مأخذه أي سلك مسلكه، ونحوه في الأساس فلا تسمح فيه، وعلى التعدّي معناه نوره وعلى اللزوم معناه لمع، وقوله في مطرح نوره أصل معنى المطرح محل الطرح وهو الإلقاء، لكنه استعملى بمعنى محل مطلقاً، وشاع حتى صار حقيقة فيه وهو المراد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وأشار به إلى بيان المعنى وأن في النظم مفعولاً مقدرا، وضمير فيه على التعدّي راجع إليه، كما أشار إليه بقوله: أخذوه المفسر به مشوا فيه، إذ ليس المشي في البرق بل في محله، وعلى اللزوم فيه مضافان مقدران، كما أشار إليه بقوله: مطرح نوره وكون في للتعليل، والمعنى مشوا لأجل الإضاءة فيه، كما قيل ركيك لا يليق تنزيل نظم التنزيل عليه لمن له ذوق في العربية. قوله: (وكذلك أطلم) أي هو مثل أضاء في التعدي وا أطزوم، وفي التشبيه إيماء إلى جواز أن يحمل عليه كما يحمل الضد على الضد في ذلك، وقال بهاء الدين بن عقيل رحمه الله: إذا كان أظلم متعدياً فالفاعل ضمير الله، أو البرق أي أفسم ابى ق بسبب خفائه معاينة الطريق، والظاهر الثاني على الوجهين، والإسناد مجازيّ كما يعله من قوله بسبب خفائه. وفي الصحاح ظلم الليل بالكسر، وأظلم بمعنى حكاه الفرّاء، وعلى التعدي فالهمزة نقلت ظلم كفرح من اللزوم إلى التهرزي كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ولم يبين اللزوم لظهوره والإتفاق عليه، وكون ظلم بمعنى أظلم، كما نقل عن الفرّاء لا ينافي نقل الهمزة له كما توهم، فإنّ الهمزة لها معان فلا مانع من إشتراكها في كلمة واحدة. كاكب، فإنه ورد متعدّيا، وهمزته للنقل، ولازما وهمزته للصيرورة، وكذا ما نحن فيه. قوله: (ويشهد له قراءة أظلم إلخ) أي يدل له دلالة بينة ناطقة بتأييده قراءته مبنيا للمجهول في قراءة شاذة منسوبة ليزيد بن قطيب، وقيل عليه أنّ شهادة ما ذكر شهادة زور مردودة بجواز كونه لازماً مسنداً إلى الظرف وهو عليهم، وأجيب بأنّ عليهم مقابل لهم فإن جعلا مستقرّين لم يصح أن يقوم عليهم مقام الفاعل أصلاً، وان جعلا صلتين للفعل على تضمين معنى النفع والضر ففيه نظر، لأنه يصلح لأن يقوم مقام فاعل المضمن دون المضمن فيه، وعلى تقدير صلوحه فعطف إذا أظلم على كلما أضاء مع كونهما معاً جوابا للسؤال عما يصنعون في تارتي البرق، يقتضي أنّ أظلم مسند إلى ضمير البرق كأضاء، على معنى كلما نفعهم البرق بإضاءته اعترضوه، وإذا ضرّهم باختفائه دهشوا، ومبنى البلاغة على رعاية المناسبات. وقد يجاب أيضاً بأنّ بناء الفعل للمفعول من المتعدي بنفسه أكثر فالحمل عليه أولى ولا يخفى ما فيه، وأمّا احتمال إضمار ضمير المصدر كما في قعد أي فعل القعود ففي غاية البعد مع أنه مدفوع أيضاً بما ذكر، فإن قيل إنما غير لأسلوب ولم يعتبر المناسبة لأنّ إظلام البرق غير معقول، فيحتاج إلى أن يتجوز عن إختفائه كما مرّ، قيل إلاً بلغية تقاوم مخالفة الأصل مع أنه لا بدّ منه في غيره أيضاً. أقول هذا ما قاله شراح الكتابين برمته لم يترك منه إلاً ما لا خير فيه. وفيه بحث لأنه تطولل للمقذمات من غير نتيجة، لأنّ حاصل المدّعى إن أظلم قد يتعدّى بدليل هذه القراءة لاتفاق النحاة على أنّ المطرد بناء المجهول من المتعدي بنفسه، فاعترض عليه بأنّ الأفصح المستعمل لزوم أظلم، 9 يجوز إبقاؤه على أصله في هذه القراءة بما ذكر فلا ينهض الدليل، فإن قيل إنّ المعترض عدل عن الأصل قيل هو بعينه لازم للمستدل، وأمّا كون الظرف مستقرا هنا فلغو لا احتمال له، وتعلقه باعتبار الضرّ والنفع نظرا للام، وعلى ليس بشيء لأنه مخصوص بفعل الذعاء كدعا له وعليه ألا ترى قولهم صلى عليه وأوقد له نار الحرب وأمثاله مما لا يحصى، والضرّ والنفع هنا مفهوم من المنطوق من غير احتياج للتضين أصلاً، ولذا قيل إنه مؤيد مستأنس به لا دليل فتأمّل. قوله: (وقول أبي تمام إلخ) أبو تمام كنيته واسمه حبيب بق أوس بن الحارث بن قيس الطائي قبيلة الشامي مولداً، وهو مع فصاحته التامة كان من كبار الأدباء والعلماء في عصره، وديوانه مشهور شرحه الكبار، وروى عنه الأخيار وألف الصولي كتابا في أخباره وآثاره، والبيت المذكور من قصيدة له مدح بها عيام! بن لهيعة الحضرمي أوّلها: تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي وليس جنيي إن عذلت بمصحبي ومنها: أحاولت إرشادي فعقلي مرشدي أم استمت تأديبي فدهري مؤدّبي هما أظلماحاليّ ثمت أجلياف، ميهما عن وجه أمرد أشيب إلى آخرها، ومن أرادها فلينظر ديوانه. وقال الإمام التبويزي: في شرح ارديوان جعل أظلم متعديا وذلك قليل في الاستعمال، وهو في القياس جائز قياساً على قول من قال ظلم الليل بمعنى أظلم، فإن ادّعى أنّ أظلم ههنا غير متعد، وأنّ حاليّ منصوب انتصاب الظرف، فقوله أجليا ظلاميهما يدفعه لأنه عدي أجليا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الظلامين، وقوله عن وجه إلخ عنى به نفسه، وهو يحتمل معنيين أحدهما أن يكون قد شاب في حال كونه أمرد لعظم ما لاقاه من الشدائد، والآخر أن يكون أراد أنه فتى في السن شيخ في العقل، وقوله هما أظلما أي أني صغير السن وقد شيبني عقلي ودهري. اهـ، فضميرهما للعقل والدهر على ما ذكره الإمام التبريزي، وتبعه بعض شرّاح الكشاف، وجوز التفتازاني أن يكون لإرشاد العاذلة، وتأديبها في البيت الذي قبله، وجوز في الكشف أن يكون لليوم واللبلة، وهو بعيد جدا والحالان الخير والشر، أو الغنى والفقر، أو الشيب والثباب، وقيل هما الدنيويّ والأخرويّ وليس بشيء، وقيل هو عام في كل متقابلين خيراً وشراً، أو غنى وفقرا، أو مرضا وصحة، أو عسرا ويسرا، وأسند الإظلام إلى العقل لأنّ العاقل لا يطيب له عيس، وإلى الدهر لأنه لا يسالم الحر أبدا، وأجليا بمعنى كشفا ظلاميهما، وأمرد أشيب تجريد كما مرّ، وهمزة أحاولت إنكارية أي لا ينبغي أن تتجشمي في الإرشاد والتأديب، والفاء تعليلية لمقدّر أي لا تحاوليهما ففي العقل والدهر كفاية عن كل مرشد ومؤدّب، وهذا زبدة ما في شروح الكشاف في هذا البيت (والذي أراه (أنّ المراد بارشادها إياه عتبه وعذله لتصريحه بذلك قبله في قوله: فلم توقدي سخطاً على متنصلي ولم تنزلي عتباً بساحة معتب وضميرهما للعقل والدهر، وحالات صغره وشبابه، وكبره وشيبه، لقوله: أمرد أشيب وفي قوله بعده: شجي في حلوق الحادثات مشرّق به عزمه في الترّهات مغرّب كأن له دينا على كل مشرّق من الأرض أوثارا على كل مغرب فإنه كما في الشرح يصف جده في الأمور وصحة رأيه، وعزمه ولعبه في الصبا ولهوه، واظلامهما عدم كشف حالهما بحيث امتزج صباه بشيخوخته، وهو كقول أبي فراس: وما بلغت أوان الشيب سني فما عذر المشيب إلى عذاري وفي الظلام وانجلائه إيماء إلى سواد الشعر وبياضه. قوله: (فإنه وإن كان من المحدثين إلخ) قالوا: الشعراء على طبقات جاهليون، كامرىء القيس، ومخضرمون بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة، يليها ميم قال ابن خلكان: إنه سمع فيه محضرم بالحاء المهملة وكسر الراء، واستغربه وهو من قال الشعر في الجاهلية، ثم أدرك الإسلام كلبيد، وقد يقال لكل من أدرك دولتين، وأطلقه المحذثون على كل من أدرك الجاهلية، وأدرك حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة، ولم يشترط بعض أهل اللغة نفي الصحبة، وفي المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام، وقال ابن فارس: إنه من الأسماء التي حدثت في الإسلام، وهو من قولهم لحم مخضرم إذا لم يدر من ذكر هو أم أنثى، أو من خضرم الشيء إذا قطعه، وخضرم فلان عطيته إذا قطعها، فكأنهم قطعوا عن الكفر إلى الإسلام، أو لأنّ رتبتهم في الشعر نقصت، لأنّ حال الثعراء تطامنت ينزول القرآن كما قاله ابن فارس: ومتقدّمون، ويقال إسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق، ومولدون وهم من بعدهم كبشار، ومحدثون وهم من بعدبم كأبي تمام والبحتري، ومتأخرون كمن حدث يعدهم من شعراء الحجاز والعراق، ولا يستدل بشعر هؤلاء بالإتفاق، كما يستدل بالجاهليين والمخضرمين والإسلاميين في الألفاظ بالإتفاق، واختلف في المحدثين فقيل: لا يستشهد بشعرهم مطلقاً، وقيل يستشهد به في المعاني دون الألفاظ، وقيل: يستشهد يمن يوثق به منهم مطلقاً، واختاره الزمخشريّ ومن حذا حذوه، قال: لأتي أجعل ما يقوله يمنزلة ما يرويه، واعترض عليه بأنّ قبول الرواية مبيّ على الضبط والوثوق، واعتبار القول مبنيّ على معرفة الأوضاع اللغوية، والإحاطة بقوانينها، ومن البين أنّ أنقان الرواية لا يستلزم إتقان الدرا ية. وفي الكشف: إنّ القول دراية خاعة فهي كنقل الحديث بالمعنى، وقال المحقق التفتازاني: القول بأن بمنزلة نقل الحديث بالمعنى ليس بسديد بل هو يعمل الراوي أشبه، وهو لا يوجب السصاع الآ إن كان من علماء العربية الموثوق بهم، فالظاهر أنه لا يخالف مقتضاها، فإن استؤنى به ولم يجعل دليلاَ لم يرد عليه ما ذكر، ولا ما قيل من أنه لو فتح هذا الباب لزم الاسندلال يكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 بكل ما وقع في كلام علماء المحدثين كالحريري وأضرابه والحجة فيما رووه لا فيما رأوه، وقد خطؤوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياء كثيرة، كما هو مسطور في شروح تلك الدواوين، ثم إنه لا حاجة لمخالفة الجمهور فيه مع وجود ما يقي عنه، وهو أنّ الأزهري وناهيك به قال في التهذيب كل واحد من أضاء وأظلم يكون لازماً ومتعدّياً، وإذا جاء نهر الله يطل نهرمعقل. وقد أورد عليه أيضا أنه يجوز أن يكون لازماً في البيت، وحاليّ ظرف إلا أنك قد عرفت ما يدفعه، وثمت في البيت ثم العاطفة زيد فيها تاء التأنيث، وهو لغة فيه كربت، وفيل إنه مخصوص بعطف الجمل، وعن المازني أنه كثريّ لا كليّ. قوله: (وإفما قال مع الإضاءة كلما الخ) يعنى أنه استعمل كلما المستعملة في التكرار في لازم معناها كناية أو مجازا، وهو الحرص والمحبة لما دخلت عليه، وإذا فيما لا يريدونه فضلاً عن الحرص لأنّ الإظلام والتوقف ليس يمراد لهم، وإفادة كلما التكرار صرّح به أهل الأصول، وذهب إليه بعض النحاة واللغوين. قال في المصباح: كلما تفيد التكرار دون غيرها من أدوات الشرط، فقول أيي حيان لا فرق عندي بين كلما وإذا من جهة المعنى، إذ التكرار متى فهم من كلما أضاء لزم منه التكرار، أيضاً في إذا اظلم عليهم قاموا إذ الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام، ومتى وجد ذا فقد ذا فلزم من تكرار وجود ذا تكرار عدم ذا، على أنّ من النحاة من ذهب إلى أن إذا تدل على التكرار ككلما كقوله: إذا وجدت أوار الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم ابترد لأنّ معناه كلما والتكرار الذي ذكره الأصوليون والفقهاء في كلما إنما جاء من عموم كل لا من وضعها، كما يدل عليه كلامهم، وإنما جاءت كل لتكيد العموم المستفاد من ما الظرفية مع مخالفتة للمنقول مخالف للمعقول. وأمّا الأوّل فلما سمعته. وأمّا الثاني فلأنّ النحاة صرّحوا بأنّ كلما في هذه الآية وأمثالها منصوبة على الظرفية، وناصبها ما هو جواب معنى، وما حرف مصدري، أو اسم نكرة بمعنى وقت، فالجملة بعدها صلة أو صفة، وجعلت شرطاً لما فيها من معناه وهي لتقدير ما بعدها بنكرة تفيد عموماً بدلياً، وليس معنى التكرار إلاً هذا، فكيف لا تفيده وضعاً، وأمّا القول بأنّ إذا وغيرها من أدوات الشرط تفيد ذلك فليس بصحيح فإن فهم منه فهو من القرائن الخارجية، وأمّا ما اعترض به من أنه يلزم من تكرار الإضاءة تكرار الإظلام فغفلة عما أرادوه من المعنى الكنائي، والفرصة واحدة الفرص كغرفة وغرف، وأصل معناها النوية في شرب الماء القليل، يقال جاءت فرصة فلان أي نويته، والمبادرة لذلك يقال لها انتهاز وهو افتعال من النهز بالزاي المعجمة، وقال الأزهري أصل النهز الدفع، وانتهز الفرصة انتهض لها مبادرة، والحراص جمع حريص، والتوقف معنى فوله قاموا. قوله: (ومعنى قاموا وقفوا) وقف كقام يكون في مقابلة قعد أو جلس، وحينثذ يتجوّز به عن الظهور والرواج، فيقال قام أمره وقامت السوق، ومنه يقيمون الصلاة كأنها علت وظهرت ولم تستثقل فتختفي، ويكون قام ووفف في مقابلة مش أو جرى، وحينئذ يتجوّز به عن الكساد وعدم النفاق، كما يقال في ضدّه مشت الحال، ومنه ما نحن فيه لمقابلته بمشوا فليس قام في الرواج والكساد من الأضداد في شيء كما توهم، وركد من قولهم ركد الماء فهو راكد إذا لم يجر، ويكون بمعنى سكن مطلقاً فيعم الماء وغيره. وهو المراد هنا إلاً أنّ التعبير به وقع في محزة لإقترانه بجمود الماء، ويقال قام الماء إذا جمد لوقوفه عن الجري، كما قال المتنبى: وكذا الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء على كلام فيه من شرح ديوانه ليس هذا محله، وقد كشفت لك غطاء لم يكشف قبل، وإن توهم أنه أمر متعلق بالألفاظ يتساهل فيه فتدبر. قوله: (أن يذهب بسمعهم بقصيف الرعد إلخ) سمعهم اسم للجارحة المخصوصة، وأبصارهم جمع بصر والجار والمجرور بعدهما متعلق بيذهب لا مصدر، وبقصيف الرعد متعلق به كالإبصار المتعلق به قوله بوميض البرق، وقصيف فعيل من القصف، وأصله كسر الأجرام اليابسة وهو شدة صوته بتكسر وارتعاد، والوميض شدّة الشعشعة واللمعان، والقصيف والوميض مصدران أو وصفان كالنذير بمعنى الإنذار، وذكر في الكشاف أنّ المعنى لو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وأراد لو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق، والمصنف غير صنيعه فقيد المفعول المحذوف دون الجواب كما صنعه، ولم يتعرضوا لوجه عدول المصنف عنه، ولا لما قصده، ولم يزيدوا على نقل ما في شروح الكشاف على عادتهم فكأنه لما في الكشاف من مخالفته للمعتاد من التقدير في موضعين من الشرط والجواب، فلذا اقتصر المصنف على أحدهما، ولو قيل بأنه بيان لحاصل المعنى لم يكن في محله أيضاً، فصنيع المصنف أحسن على كل حال وفيه نظر سيأتن، وأمّا التقييد بما ذكر فوجهه كما قال قدس سرّه: أنه إشارة إلى أنّ جملة ولو شاء الله عطف على مجموع الجمل الاستئنافية، أعني يجعلون وما بعده نظر إلى محصول معناها، فإنّ الأوّل متعلق با أس عد وشدّة صوته، والآخرين بالبرق وشدّة ضوئه، وقيل: غرضه من هذا التقدير بيان ربطها المعنويّ بتلك الجمل، وأمّا عطفها فعلى قوله {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} [البقرة: 20] وعليه قيل: إنه كان ينبغي أن يجعل السؤال مركباً من أمرين، كأنه قيل كيف يصنعون في خفوق البرق وخفيته، وهل كان البرق يضرّهم، إلا أنه لم يذكر الثاني عند الإسنئناف الثالث لظهور العلم به، كما قيل في رد ما أورد عليه وأشير إليه بصيغة التمريض من أنه لا يظهر كون هذه الجمل جواباً للسؤال المقدّر قبل قويه كلما أضاء إلخ، وأمّا القول بأنّ هذا الردّ غير تام لأنّ العطف لا يقتضي استقلال المعطوف في حكم المعطوف عليه، لجواز كون الثاني من تتمة الأوّل، ويكونان مشتركين في حكم واحد كما في قوله السكنجبيل خل وعسل، والرمان حلو حامض، فلا بد من ضم عدم كون المعطوف من تتمة المعطوف عليه، والأوجه في التوجيه أن يقال هذه الجملة معترضة على رأي، أو معطوفة على الاستئنافية الأولى، أو حال من ضمير قاموا بتقدير وهم لو شاء الله إلخ، فليس بشيء كما ستراه، وكذا ما قيل من أنّ الأظهر أنّ هذه الجملة أتى بها لتوبيخ المنافقين حيث لم يتنبهوا، لأنّ من قدر على أيجاد قصيف الرعد، ووميض البرق وإعدامهما قادر على إذهاب سمعهم، وأبصارهم فلا يرجعون عن ضلالهم فلا حاجة إلى اعتبار إذهابه بالقصيف والوميض، إلا أن يقال أنه لو لم يعتبر الإذهاب بالأسباب كان تعلق المشيئة غريبا، إلا أنه ظهر للشرطية فائدة هي أليق بالمقام، وإنما قصصنا عليك جملة المقال لتعلم أنه ليس في السويداء رجال، فإن أردت أن تقف عنى حقيقة الحال فاعلم أنهم لما رأوا ترك العاطف، أولآ لما مرّ واقتران هذه به لما بينهما من المناسبة، وهي أنّ المراد بالإذهاب الإذهاب بالقصيف، والوميض، لا المطلق رأى الفاضل المحقق أنّ العطف على الأقرب أظهر هنا وأقرب، ولما رأى المناسبة بين المتعاطفين في الجوابية غير تامة جعلها بالنظر لجميع ما قبلها، فكأنه قيل هم محترزون من الرعد بسد المسامع، ويتألمون بالبرق الخاطف والإظلام، ولو أراد الله أعماهم وأصمهم فلم يفدهم صنيعهم شيئا، فأشار قدّس سرّه إلى ردّه بأنّ المناسبة إنما تعتبر بين المتعاطفين، وعطف ما ليس بجواب على الجواب ليس بصواب، فلتكن معطوفة على جميع ما قبلها من غير تكلف، وكأنه جعله من عطف القصة على القصة لخروجه عن التمثيل فكأنه قصة أخرى، وهو وإن كان خلاف الظاهر أسلم من التكلف وأحسن من هذا، وأسلم أن يقال لا بأس بأن يزاد في الجواب ما يناسبه، وان لم يكن له دخل فيه فلو أنّ أحدا قال لك أين تسكن فقلت أسكن البصرة وأتكسب فيها مكاسب واسعة واسعف بفضل كسبي إخواني لم يعده أحد خطأ، بل يستحسن إذا اقتضاه المقام ألا ترى قوله تعالى {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] وقوله في الجواب هي عصاي إلخ كما سمعته غير مرّة، وأمّا ما قصصناه من قول بعض أرباب الحواشي أنه يجوز كونه تتمة للأوّل أو في حكم شيء واحد كالسكنجبيل خل وعسل فلا محصل له، لأنّ المعترض قال: إنّ فيه عطف ما ليس بجواب عليه، ومثله لا يصح، وما ذكره من مثل الرمان حلو حامض لا يجري في الجمل، ولا يجوز عطفه على الأصح عند أهل العربية لأنهما في حكم كلمة واحدة لتأويلهما بمز، ولا مساس له بما نحن فيه، وكون الجملة اعتراضية أو حالية بتقدير المبتدأ، أو معطوفة على الجملة الأولى مع تخلل الفاصل، والأسئلة المقدرة وعدة أوجه لا وجه له، ومثله فضول عند أهل الفضل، لأنه لا يجدي في دفع الاعتراض الذي هو بصدده، وما ذكره القائل بأنها للتوبيخ إلخ، محل للتوبيخ لأنّ العطف يأباه إذ لا يصح عطف الممثل له على حال الممثل به، ألا ترى أنه لما قصد مثله فصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 في قوله {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} فإن قلت إذا قيد المفعول المقدر بما قيد به المصنف في قوله أن يذهب بسمعهم إلخ، يكون مستغرباً لأن ذهاب السمع والبصر بمثله غير معهود فتقديره في الجواب كما فعله الزمخشريّ، إن لم يكن لازماً فهو أحسن، وهو الداعي له على ذلك فالمصنف غافلى أو متغافل قلت قول الزمخشريّ، وأراه يحتمل أن يريد أنه مراد من الكلام من غير تقدير، وعليه فلا إشكال ولا مخالفة بين كلام المصنف وكلامه، ولذا لم يقل والتقدير وعطفه بالواو على تفسيره مطلقاً، ولو سلم فلك أن تقول إنه لما قدم ما يدل عليه من قوله {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي} [البقرة: 19] انهم} وقوله {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} قوى دلالة السياق عليه، فأخرجه عن الغرابة، ولك أن تقول لو أبقى على إطلاقه كان أقوى، والمعنى لو أراد الله إذهاب قواهم أذهبها من غير سبب فلا يغنيهم الاحتراز والخوف مما خافوه، والمناسبة المحسنة للعطف موجودة فلم تركوه فتدبر. قوله: (ولقد تكاثر حذفه في شاء وأراد) أي حذف المفعول في شاء وأراد ومتصرفاتهما إذا وقعت في حيز الشرط لدلالة الجواب على ذلك المحذوف معنى مع وقوعه في محله لفظا، ولأنّ فيه نوعاً من التفسير يعد الإبهام إلاً في المستغرب، فلا يكتفي فيه بدلالة الجواب بل يصرح به اعتناء بتعيينه ودفعاً لتوهم غيره لاستبعاد تعلق الفعل به لاستغرابه، فلو قلت لو شئت بكيت دماً جاز، توهم قصدك لو شئت بكا بالدمع الجاري على المعتاد، والدم المذكور جاء بدلاً عنه من غير فصدك له كأنك قلت لو شئت أن أبكي دمعا بكيت دماً فاعتمدت في حذف المفعول وتعييته على العادة المعروفة وكونه مرجوحا لدلالة تقييد الجواب على خلافه، وأنّ المقدر مثله لا ينافي الاحتمال والتوهم، فإذا ذكر المفعول زال الاحتمال خصوصاً إذا لم يكن المخاطب ذكياً فمن قال إن لو شئت بكيت دماً لا يحتمل سوى لو شت أن أبكي دما لبكيتة، فقد كابر يعئ قول الفاضل المحقق هنا أنّ التعليل بأنه لو حذف فقيل لو شئت أن أبكي لبكيت دماً كما قال الآخر: ولم يبق مني الشوق غيرتفكري فلوشئت أن أيكي بكيت تفكرا أي يخرج بدل الدمع التفكر ليس بمستقيم لأنّ الكلام في مفعول المشيئة فلو قيل لو شئت بكيت دماً واكتفى بقرينة الجواب لم يحتمل سوى لو شئت أن أبكي دماً لبكيتة. أ-دول إنه قدّس سرّه لم ينصف فيما ثغ به على السعد رحمه الله وجعله مكابرة لأنّ مراده الردّ لما وقع في الكشف في تمثيله واستشهاده لأنّ هنا أمرين معمول المشيئة نفسها ومفعول متعلقه، وما نحن فيه هو الأوّل وما مثل به من لو شثت أن أبكي بكيت دماً من الثاني لأنّ المحذوف مفعول أبكي لا مفعول شثت، ثم إنه لم يقل لا احتمال فيه أصلاً حتى يقال: إنه مكابرة بلى قال لو اكتفى بقرينة الجواب، ولم يكن ثمة غيرها ولا شبهة حينئذ في عدم الاحتمال وأمّا إذا لوحظ معها قرينة أخرى كالمعتاد في البكا من الدمع احتمل غير ما ذكر فسقط الاعتراض، ولو قيل إنه استشهاد معنويّ على حذف مفعول مغاير لما في الجواب كان مع تكلفه غير مسلم أيضاً لأنّ البيت يحتمل عدم التقدير بتنزيل البكا منزلة اللازم أي لو شئت بكا ما بكيت تفكرا كما في دلائل الإعجاز، ولا تكلف فيه أصلاَ، وأمّا ما قيل من أنّ المذكور في جواب لو هو البكا المتعلق بالدم فأخذ البكا من المذكور يخيه، وترك متعلقه والاعتماد في تعيينه بالمعتاد خروج عن الإنصاف، ومخالفة للحق الظاهر دال على أنّ المعترض ليس هو المكابر فالصواب في الجواب أن يقال لا نزاع في أنّ الكلام في متعلق المشيئة لكنه قد يكون مطلقاً عن القيد كما في فلو شئت أن أبكي بكيت تفكراً فيتبادر منه المعتاد، وقد يقيد بقيد هو منشأ الغرابة فإذا حذف اعنمادا على الجواب لم يخكن المفعول الذي تعلق به فعل المشيئة غريبا مذكورا لانتفاء المقيد بانتفاء قيده فيلتيس المفعول المقيد بما يفيد الغرابة بمفعول مطلق عنه، ويراد به المعتاد فاستقم واترك العناد فجريرة لا طائل تحتها، وإنما أوقعه فيه عدم الوقوف على المراد وإنما أوردناه لئلا يتوهم الناظر فيه أنه شيء يعبا به ويقي هنا كلام طويل يعلم مما في المطول وحواشيه، وقوله تكاثر المراد به المبالغة في الكثرة لا التفاعل وإن كان هو أصله. قوله: (ولو شئت أن أبكي دماً إلخ) هو بيت من قصيدة لأبي يعقوب الخزيمي يرثي بها خزيم بن عامر المرّي، وفي شرح شواهد المعاني يرثي بها ابنه ليثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ومنها: وأعددته ذخرا لكل ملمة وسهم الرزايا بالذخائر مولع ومنها وهو آخرها: ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته عليك ولكن ساحة الصبرأوسع وإني وإن أظهرت صبرا وحسبة وصانعت أعدائي عليك لموجع وما قي بعض الحواشي من أنه للبحتري كأنه من تحريف الناسخ، والبكا الدمع مع الحزن أو مطلق الدمع ويقال بكاه وبكى له وبكى عليه، وظاهر كتب اللغة وكلام الشرّاح هنا أنها بمعنى، وما وقع من التفرقة بين بكيته ويكيت عليه بأنّ الأول إذا بكى تألماً منه والثاني إذا بكى رحمة ورقة عليه كما في قوله: ما إن بكيت زمانا إلا بكيت عليه كأنه استعمال طارىء أو على أنّ أصل بكيتة بكيت منه ويكى يتعدّى للمبكيّ عليه بنفسه وباللام وعلى وأمّا المبكيّ به فإنما يتعدّى إليه بالباء فتعديته للدم هنا لجعله بمعنى الصت مجازا، وأمّ تضمينه على ما قالوه هنا ففي إجرائه في الضمير المتصل على المشهور فيه فيه خفاء، وقوله ساحة الصبر أوسع الساحة الموضع المتسع فوصفها بالسعة مبالغة، والمراد بسعة ساحته إمّا زيادة تجلده لتلازم عظم الشيء، وسعة مكانه أو كونه جميلاَ محموداً أو مستمرّا باقياً. وأعلم أنّ ما ذكر هنا وفي كتب المعاني من تقدير المفعول من جنس الجواب إذا لم يكن مستغربا بشروطه السايقة أمر أغلبيّ إستحسانيّ، كما يشير إليه التعبير بالكثرة فلو جاء على خلافه مع القرينة المصححة له لم يكن خطأ، ولهذا خالف المصنف هذه القاعدة في مواضع كثيرة من تفسيره هذا فقدر في قوله {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم} [البقرة: 53 ا] ولو شاء هداهم ما اقتتل إلخ فقيل عليه الظاهر أن يقول عدبم إقتتالهم، وفي قوله تعالى {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ} [الأنعام: 07 ا] لو شاء توحيدهم ما أشركوا فقيل عليه الظاهر لو شاء عدم إشراكهم، وفي قوله تعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 12 ا] لو شاء إيمانهم إلى غير ذلك فكأنه يراها غير لازمة فيقدر المذكور بعينه أو ما يلزمه كما بينا.، وقيل إنه إشارة! !! أنّ المشيئة لا تتعقق بالعدم والقاعدة عنده مخصوصة بالمثبت، وهو مخالف لما في المفتاح لذكره المنفيّ والمثبت بقوله: فلوشئت لم ترفل ولوشئت أرفلت مخافة ملويّ من القد محصد كما بينه شرّاحه وحزم القواعد غير سهل. قوله: (وظاهرها الدلالة على انتفل! الأوّل إلخ) تبع فيه ابن الحاجب، ومن حذا حذوه كنجم الأئمة وستراه فريبا، وتحقيقه أنّ الجملة الأولى هنا لا تخلو من احتمال أن تكون سببا وعلة فالثانية مسبب ومعلول أو لازما وملزوما وبالعكس، إلا أنّ الذي ذكره أهل العربية أنها لامتناع الثاني لامتناع الأوّل فهي لنفيهما مع تعليل الثاني بالأوّل، وقيل عليه هذا مآل معناها لأنها وضعت لتعليق وجود مقدر بوجود مقدر للأوّل في الماضي فيفيد إنتفاءهما مع سببية انتفاء الأوّل لإنتفاء الثاني في الواقع من غير استدلال. وقال ابن هشام رحمه الله: إنها تدل على عقد السببية والمسببية في الماضي وامتناع السبب فهي لامتناع الجواب لامتناع الشرط على الأصح لا للعكس، ولا أنها لا تدل على إمتناع أصلاَ كما ذهب إليه الشلوبين، وليست لامتناع الشرط خاصة من غير دلالة على ثبوت الجواب أو انتفائه، ثم إنه تارة يعقل بين الجزأين ارتباط مناسب كالسببية، وتارة لا يعقل ذلك والأوّل إمّا مع انحصار مسببية الثاني في سببية الأوّل عقلاً أو شرعا نحو ولو شئنا لرفعناه بها ولو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا فيلزم من امتناع الأوّل فيه امتناع الثاني، فإن لم ينحصر فيه نحو لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً ولو نام انتقض وضوءه لم يلزم من اشاعه امتناعه، وتارة يجؤز العقل فيه الانحصار وعدمه نحو لو زارني أكرمته فلا يدل عقلاً على انتفاء الثاني، وان دل عليه في استعمال العرف، وذهب ابن الحاجب ومن تبعه إلى أنها تدل على امتناع الشرط لامتناع الجواب وخطأ الجمهور وقال إنّ انتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسببلا لجواز أن يكون لأشياء أخر كما يشهد له قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} [الأنبياء: 22] إلخ فإنها لنفي تعدد الآلهة لامتناع الفساد لا لامتناع الفساد لامتناع الآلهة لأنه خلاف ما يفهم مته، ومن نظائره إذ لا يلزم من انتفاء تعدد الآلهة انتفاء الفساد بمعنى اختلال نظام العالم لجواز وقوعه من إله واحد لمقتض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 له، وقال بعض المحققين دليله باطل، ومدعاه حق لأنّ الشرط النحوي أعمّ من أن يكون سبباً نحو لو كانت الشمس طالعة كان العالم مضيئا أو شرطا نحو لو كان لي مال حججت أو غيرهما، وأمّ الثاني فلأنّ الشرط ملزوم والجزاء لازم وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم دون العكس فوضعها ليكون جزاؤها معدوم المضمون فيمتنع مضمون الشرط الملزوم لامتناع لازمه، وهو الجزاء فهي لامتناع الأوّل لامتناع الثاني فيدل انتفاء الجزاء على انتفاء الشرط، ولهذا قالوا في القياس البرهاني إنّ رفع التالي يوجب رفع المقدم دون العكس كما ارتضاه الفحول، وقال المحقق التفتازاني في شرح التلخيصى نحن نقول ليس معنى قولهم لو لإمتناع الثاني لامتناع الأوّل إنه يستدل بامتناعه على امتناعه حتى يرد أنّ انتفاء المسبب أو الملزوم لا يدلّ على أنتفاء السبب واللازم بل أنّ انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب انتفاء الأوّل فهي تستعمل للدّلالة على أنّ علة انتفاء مضمون الجزاء في الخارج هي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات إلى أنّ علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي، وأرباب المعقول جعلوا أدوات الشرط كلها دالة على لزوم الجزاء للشرط من غير قصد إلى القطع بانتفائهما فصح عندهم استثناء عين المقدم نحو لو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس طالعة فيستعملونها للدلالة على أنّ العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الأوّل ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم من غير التفات إلى أنّ علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هي لاستعماله لها في اكتساب العلوم والتصديقات، ولا شك أنّ العلم بانتفاء الملزوم لا يوجب العلم بانتفاء اللازم بل العكس فإذا تصفحنا وجدنا استعمالها على حد قاعدة اللغة أكثر لكنها قد تستعمل على قاعدتهم كما في قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} [الأنبياء: 22] إلخ فاعتراض ابن الحاجب غلط صريح، وقال قدس سرّه: إنه يفهم منه أنّ المعنى الثاني إنما هو بحسب الأوضاع الاصطلاحية لأرباب المعقول والآية واردة على أوضاعهم، وهو بعيد جداً قالحق أنه من المعاني المعتبرة لغة الواردة في استعمالاتهم عرفا فإنهم قد يتصدون للاستدلال ويسمى المذهب الكلامي عندهم إلاً أنه أقل استعمالاً من المعنى الأوّل كالمعنى الثاني المذكور في نحو نعم العبد صهيب إلخ، وقد قيل في توجيهه أنه أراد بقوله قد يستعمل على قاعدتهم أنّ العرب قد تستعمله منطبقاً على قاعدتهم لا جريا عليها بل تجوز العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، وهذا محصل ما قالوه بأسرهم ردّا وقبولاً، وقد بقيت في النفس منه أمور لأنّ مآل ما ارتضاه الفاضلان، ومحققو المتأخرين أنّ لها ثلاثة معان في اللغة واستعمال العرب سواء كانت حقيقية، أو بعضها حقيقة أحدها مذهب الجمهور، والثاني مسلك ابن الحاجب، والثالث ما ذكر في الأثر وما ضاهاه، وحينئذ يتجه أنه كيف يعد ما قاله غلطا وهو اختيار لأحد المعاني الثابتة فإن كان لإنكار ما عداه فهو مثترك بينه وبين الجمهور إلاً أنه كثر استعمالاً، وقد اختار المصنف رحمه الله ما اختاره ابن الحاجب، وقيل يحتمل أنّ مراده أنّ ظاهر الآية هنا الدلالة على انتفاء الأوّل لانتفاء الثاني يعني أنّ استعمال لو قد يكون للاستدلال، وهو الظاهر إلا أنّ حق العبارة الدلالة على انتفاء الأوّل بانتفاء الثاني لأنه يقال دل عليه بكذا دون لكذا، وهو غريب منه لبعد ما ادّعاه واللام تعليلية لا صلة الانتفاء. وقال قدس سرّه: لو بمعنى إن مجردة عن الدلالة على الانتفاء، وقد يقال إنها باقية على أصلها. قوله: (وقرىء لا ذهب إلخ) أمّا على زيادة الباء لتأكيد التعدية، أو على أنّ أذهب لازم بمعنى ذهب كما قيل بنحوه في تنبت بالدهن، وفي قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، إذ الجمع بين أداتي تعدي لا يجوز، وأسماعهم جمع سمع وفي نسخة سمعهم مفرداً، ويجوز أن يقدر له مفعول أي لأذهبهم وهو أقرب. قوله: (وفائدة هذه الشرطية إلخ) يعني أنّ إذهاب الله لمثله ليس بشيء في جنب مثيئتة، وقدرته فأيّ فائدة في ذكره، والمانع هنا إنتفاء شرطه، وهو تعلق مشيثة الله به لأنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والمقتضى سببه من الرعد والبرق كما يدل عليه ما قبله، وما قيل على المصنف رحمه الله من أن ما ذكره هنا يناقض قوله قبله إنّ لو ظاهرة الدلالة على انتفاء الأوّل لانتفاء الثاني إلخ لجعله مشيئة الله شرطاً والظاهر انتفاء الشيء بانتفاء شرطه لا عكسه كما مرّ، أجيب عنه بأن لو هنا استدلالية تفيد أنّ العلم بانتفاء المشروط التالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 لوجود السبب الموقوف على الشرط يوجب العلم بانتفائه فلا تناقض فتدبر. قوله: (والتنبيه على أنّ تأتلير الأسباب إلخ الأنه لو لم يكن مشروطاً لما تخلف الأثر عن المؤثر القوفي، من الرعد والبرق والصواعق في ظلمات متراكمة، وبيان الحكم في مادّة بيان له في سائرها لإشتراكهما في العلة، وتأثير الأسباب وقيام المعنى المقتضي بناء على الظاهر، وجرى على العادة التي أجراها الله تعالى فلا يقال إنه ليس على ما ينبغي لأنّ الأسباب لا تأثير لها في المسببات، وليس التأثير لغير الله تعالى عند أهل الحق، ودلالتها على الوقوع بقدرته لأنّ المشيئة سواء كانت مرادفة للإرادة أولا شأنها ترجيح أحد طرفي المقدور من الفعل، والترك على الآخر فيستلزمها وإن كان بينهما فرق ظاهر ولذا كان قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [اكل عمران: 65 ا] مقرّراً لما قبله فسقط ما قيل من أنّ وجودها بقدرته على هذا الوجه لا يفهم من الشرطية المذكورة، وإنما المفهوم منها توقف وقوعها على المشيئة، وعدم تخلفهأ عنها فتدبر. قوله: (كالتصريح به والتقرير له) أي ولذا لم يعطف عليه، وقال: كالتصريح لأنه عامّ في جميع المقدورات فيدخل فيه القدرة على ما ذكر واذهابه دخولاً أولياً فهو كالإثبات بالبرهان والتنوير بالبينة لأنّ القادر على الكل قادر على البعض وضمير به وله للتنبيه، لا يقال لا يلزم من قدرته على كل شيء وقوعه بقدرته لتغاير معنييهما، لأنا نقول لما ثبت أنه لا يجوز وقوع مقدورين من قادرين مؤثرين ببرهان التمانع، وثبت أنه تعالى قادر على كل شيء لزم أن لا يكون غيره قادراً مؤثراً فكل شيء واقع بقدرته، وقدرته تابعة لمشيئته في التاثير فثبت أنّ كل شيء واقع بمشيثته. قوله: (والشيء يختص بالموجود إلخ) الكلام في شيء وتفسيره من جهتين ومقامين، فالأوّل في تحقيقه عند المتكلمين فإنهم اختلفوا في أنّ المعدوم الممكن هل هو ثابت، وشيء أم لا وفي أنه هل بين الموجود والمعدوم واسطة أم لا والمذاهب أربعة حسب الاحتمالات أعني إثبات الأمرين أو نفيهما أو إثبات الأوّل، ونفي الثاني أو بالعكس وذلك لأنه إمّا أن يكون المعدوم ثابتاً أولا وعلى التقديرين إمّا أن يكون بين الموجود والمعدوم واسطة أو لا، والحق نفيهما ولهم تردّد في اتحاد مفهوم الوجود والمشيئة، والكلام فيه مرتبط بالوجود الذهني أيضاً فعلى هذا هل يختص بالموجود، أو يشمله ويشمل المعدوم الممكن قولان والثاني في تحقيقه لغة، وهو يقع على كل ما أخبر عنه سواء كان جسماً أو عرضا، ويقع على القديم وعلى المعدوم والمحال فهو أعم العامّ كما في الكشاف فلا يرد عليه ما قيل من أنّ الخلاف بيننا وبين المعتزلة في المعدوم الممكن هل هو شيء أم لا، وأمّا المحال فليس بشيء اتفافا فإنّ الخلاف في المشيئة بمعنى التقرّو والثبوت في الخارج لا في إطلاق لفظ الشيء فإنه بحث لغويّ مرجعه إلى النقل، والسماع لا يصلح محلاَ لاختلاف العقلاء الناظرين في المياحث العلمية لا سيما ورد ورد استعماله على العموم في القرآن وكلام العرب بحيث لا يخفى على أحد. وما ذكره المصنف رحمه الله برمته ماخوذ من كلام الراغب، وفيه المشيئة عند المتكلمين كالإرادة سواء، وعند بعضهم أصل المشيئة إيجاد الشيء وإصابته، وان استعمل عرفا في موضع الإرادة فالمشيئة من الله هي الإيجاد ومن الناس الإصابة، والمشيئة من الله تقتضي الوجود، ولذا قيل ما شاء الله كان بخلاف الإرادة وارادة الإنسان قد تحصل من غير إرادة الله، ومشيئته لا تكون إلا بعد مشيئته كما قال {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [الإنسان: 30] ولذا يقال إن شاء الله دون إن أراد الله، فقول المصنف رحمه الله يختص بالموجود أراد به بيان معناه عند المتكلمين بناء على المشهور من مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة فإنه عندهم يشمل الموجود والمعدوم الممكن بناء على القول بأنه ثابت، وإنّ الثبوت أعم من الوجود، وما نقل عنهم من القول بشموله للمعدوم مطلقاً هنا من عدم الفرق بين معنييه لما سمعته من الإتفاق عليه، وكلام المصنف ظاهره أنه تفسير لما في النظم، وقال: بعض الفضلاء فيه إنّ الشيء في الآية محمول على المعنى اللغوي لا على الموجود كما اصطلح عليه أهل الكلام وفيه نظر فتأمّل. قوله: (أطلق بمعنى شاء) اسم فاعل كجاء، وأصله شاتي فاعل إعلأل قاض فهو مصدر أطلق على الفاعل، وهو من قامت به المشيئة كعدل بمعنى عادل، ولذا فنر بمريد ثم شاع حتى صار حقيقة فبه ومن قامت به المشيئة موجود لا محالة، وحينئذ يصح إطلاقه على الله لقيام المشيئة به، ولأنه موجود واجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الوجود، ثم استشهد على إطلاقه على الله بالآية وأسقط الاستشهاد بقوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] لما سيأتي في تفسيرها وأشار إلى الردّ على ابن جهم، ومن تابعه في منع إطلاق شيء على الله لقوله تعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولو كان شيئاً دخل تحت القدرة، وهو مناف لأنه واجب الوجود بأنّ الذي في الآية بمعنى، والذي يطلق عليه بمعنى آخر أو هو عامّ مخصوص بالعقل، وما قيل من أنّ إرادة شاء بزنة فاعل في قوله تعالى {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} [الأنعام: 19] بعيد جذاً بل المراد أيّ موجود أكبر شهادة كما لا يخفى مدفوع بأنه أصله ذلك، ثم غلب على الموجود مطلقا، وهو المراد كما سنوضح لك عن قريب. قوله: (وبمعنى مشء) بفتح الميم وفي آخره همزة، وقد تبدل ياء، وتدغم اسم مفعول بوزن مبغ ومهيب، وعلى ما قبله وهو اسم فاعل وهو في الأصل مصدر تجوّز به عن كل من هذين المعنيين، واستعمل استعمال المشترك، ثم شاع وغلب استعماله في ذات كل موجود وهو بعد هذه الغلبة عامّ لا مشترك لفظيّ، ولا ينافيه أنه قد يلتفت إلى معناه الأصلي فيراد في الاستعمال كما ذكره المصنف فيما نحن فيه الآن فلا يرد عليه أنّ معناه المصدري قد زال بالنقل إلى الاسمية والاشتراك بين الفاعل والمفعول خلاف الظاهر لتعين معناه لمطلق الوجود، ولذا قالوا الشيئية تساوق الوجود، وفيه بحث. قوله: (وما شاء الله وجوده فهو موجود إلخ الا يخفى ما في كلامه من الخرق الذي أتسع على الراقع، وان غفل عته كثير ممن شرحه، ولنحك ما قالوه أوّلاً، ثم نبين ما فيه فنقول من الناس من قال: المراد أنه مقدر الوجود في وقت مقدر له أو في علم الله تعالى، وفيه رائحة من الاعتزال لقوله بأنه يطلق على المعدوم، وإنما تكلفه ليخرج المستحيل الذي سماه المعتزلة شيئاً، وإنما يسمى قبل وجوده شيئا باعتبار ما يؤول إليه، وما في الانتصاف من أنه يسمى أوّل وجوده شيئاً بلا خلاف ليس بشيء لمن عنده إنصاف، وقيل: إنه من مزال الأقدام لما مرّ من تحرير محل النزاع بين المعتزلة وأهل السنة، والفرق بين كلامهم وكلام أهل اللغة، والمصنف رحمه الله خلط ذلك خلطاً لا يخفى، وتوجيهه أنه أراد أنّ الشيء في أصل اللغة مصدر أطلق بمعنى شاء أو مثى، وكلاهما موجود أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنه ما تعلقت به المشيئة، وما تعلقت به فهو موجود فثبت أنّ الشيء مختص بالموجود وان أراد أنّ الشيء بمعنى الشيئية يختص بالموجود وانق الجمهور الآ أنّ إثبات تعليله المذكور دونه خرط القتاد، ولعل مراده هو الأوّل، وقيل: إنه " جواب عما يرد عليه من أنّ طروّ العدم من الممكن قد يقع متعلقاً للمشيثة كالإعدام بعد الإيجاد بأنّ المشيئة إذا أطلقت تنصرف إلى الكاملة فمشيئة الله لما شاء وجوده تصيره موجودا في الجملة، ولو في المستقبل والمراد بيان المناسبة بين المنقول، والمنقول عنه، وكلها إعتذارات أعظم من الجنايات وتطويل بغير طائل، وتحصيل لغير حاصل وأنت بعدما غرفت أنّ الخلاف في إطلاقه على المعدوم الممكن كما ستراه وما يوجد في المستقبل قبل وجود. معدوم ممكن فلا يكون بيننا وبينهم على ما ذكره المصنف رحمه الله خلاف أصلاً، والذي أوقعه فيما وقع فيه كلام الراغب، ثم إنّ ما ذكره من قوله وعليه قوله تعالى إلخ هو دليل لهم لا لنا لإستحالة تعلق القدرة والخلق، والإيجاد بالموجود بعد وجوده وهو مع جوابه مذكور في التفسير الكبير فتدبر. وقيل إنه مبنيّ على أنّ العدم لا يحتاج إلى المشيئة بل عدم مشيثة الوجود كاف- في العدم فإنّ علة عدم المعلول عدم علته، وهذا هو الباعث له على تقديره في نحو قوله {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم} [البقرة: 253] {وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ} كما مرّ فإن قلت إذا كان على كل شيء قدير على ظاهره من غير احتياج إلى تخصيصه عند المصنف رحمه الله فلم قال في قوله تعالى {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] على قراءتيه مخصوص بمنفصل أو متصل كما سيأتي قلت لما كان المعنى الأصلي فيه متروكاً في الأغلب، وقامت القرينة على تركه، وهو التصريح بخلقه بعده بنى ما هناك عليه فتأمّل. قوله: (بلا مثنوية) المثنوية كالمعنوية بمعنى الاستثناء صرّح به أهل اللغة وورد في الحديث الشريف وفي كلام فصحاء العرب كقول النابغة: حلفت يميناً غيرذي مثنوية ولاعلم إلاً حسن ظن بصاحب وقال في النبراس أصل معناها الرجوع والانصراف كما في قول حمزة سيد الشهداء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 فلما التقينالم تكن مثنوية لناغيرطعن بالمثقفة السمر وكذا ورد في الحديث الثنية (1 (بمعنى الاستثناء أيضا ولما لم يقف بعضهم على ما ذكر تكلف لتأويله فقيل إنه منسوب إلى المثنى مصدر بمعنى الاستثناء، وقيل بمعنى اثنين اثنين، وقد وضح الصبح لذي عينين، ومراد المصنف بها التخصيص تجوزا بقرينة ما بعده. قوله: (والمعتزلة لما قالوا إلخ) قيل إنه تعريض ورد لما في الكشاف من قوله والشيء ما صح أن يعلم ويخبر عنه قال سيبوبه: وهو أعثم العام كما أنّ الله أخص الخاص يجري على الجسم، والعرض! والقديم تقول شيء لا كالأشياء أي معلوم لا كسائر المعلومات، وعلى المعدوم، والمحال فإن كان مقصود المصنف رحمه الله ما زعمه هذا القائل فلا وجه له لأنه بيان لمعناه لغة والخلاف بيننا وبين المعتزلة في شيء آخر غير المعنى اللغوي، وقد تقدّم أنه في المعدوم الممكن، وأنّ غيره من المعدومات ليس بشيء بالاتفاق منا ومنهم، وهو المصرّج به في كتب الأصول القديمة والجديدة فلا يصح الردّ ولا النقل عهم لأنّ ما في الكشاف بيان للمراد به في كلام العرب، واستعمالهم كما أشار إليه بنقله عن سيبويه، فإن قلت لعل المصنف رحمه الله ظفر بنقل فيه فهو قول لهم غير مشهور، ويؤيده قوله في شرح المقاصد، وعند كثير من المعتزلة هو اسم للمعلوم، ويلزمهم أن يكون المستحيل شيئا وهم لا يقولون به اللهم إلا أن يمنع كون المستحيل معلوما على ما بيناه، أو يمنع عدم قولهم بإطلاق الشيء عليه فقد ذكر جار الله إنه اسم لما يصح أن يعلم يستوي فيه الموجود والمعدوم والمحال والمستقيم، اهـ قلت هذا بعينه ما ذكره المصنف، وقد استقرّ كلامه في شرح الكشاف الذي هو آخر تأليفه على خلافه وهو الموافق لما في كتب الأصول بأسرها قال الإمام في كتابه المسمى بالمسائل الأربعين هذه المسئلة متفرّعة على مسئلة أخرى، وهي أنّ الوجود هل هو مغاير للماهية أم لا، ثم قال: بعد ذلك فلترجع إلى تعيين محل النزاع في هذه المسئلة فنقول المعدوم إمّا أن يكون واجب العدم ممتنع الوجود، وامّا أن يكون جائزاً لعدم جائز الوجود، أمّا الممتنع فقد اتفقوا على أنه نفي، وعدم صرف وليس بذات ولا شيء، وأمّا المعدوم الذي يجوز وجوده، ويجوز عدمه فقد ذهب أصحابنا إلى أنه قبل الوجود نفي محض، وعدم صرف وليس بشيء ولا بذات وهذا قول أبي الحسن البصري من المعتزلة وذهب ممثر شيوخ المعتزلة إلى أنها ماهيات وحقائق حالتي وجودها وعدمها، فهذا هوق اخيص محل النزاع، اهـ فقد ظهر لك أنّ ما ذكره المصنف وبعض محشيه لا وجه له وكأنه فهم أنّ الموجود ما يوجد في أحد الأزمنة الثلاثة، والمعدوم خلافه ممكناً كان أو مستحيلاَ وأعلم أنه لا نزاع في استعمال الشيء في كلام الله وكلام العرب في الموجود والمعدوم والمحال والواجب والحادث كما ذكره الزمخشري، وقوله: يصح أن يوجد بمعنى يمكن أن يوجد فإنّ الصحة كما تقابل السقم والفساد تقابل الامتناع الذاتي في كلامهم وهو استعارة مشهورة، والإمكان عام مقيد بالوجود فيشمل الواجب وصفاته عند القائل بها وأفعال العباد لأنها مقدورة له بالذات، أو بواسطة التمكين، وقوله ما يصح أن يعلم ويخبر عته إن قيل ليس هذا شاملاً للفعل، والحرف قلنا يصح الإخبار عنهصا لكن بشرط أن لا يراد معناهما في ضمن لفظيهما، وإذا عرفت أنّ الصحة هنا بمعنى الإمكان العامّ، وهو سلب الضرورة عن أحد الجانبين سقط ما يتوهم من أنّ فيه إطلاق الجائز على الواجب، وهو غير جائز. قؤله: (لزمهم التخصيص إلخ) أي تخصيص شيء في قوله على كل شيء قدير. وخالق كل شيء بالممكن ليخرج الواجب والممتنع، وأمّا إذا كان بمعنى المشيء، وجوده فهو باق على عمومه كما لا يخفى، وظاهره أنه محذور مع أنّ التخصيص به جائز على الأصح فلا ضرر فيه كما يوهمه سوقه إلاً أن يقال إنه خلاف الأصل لا سيما مع كل المقتضية للعموم، وليس ببعيد فإن قلت التخصيص بالممكن لا يكفي في قوله {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنبياء: 02 ا] على مذهبهم لأنّ من الممكنات ما لا تتعلق الإرادة بوجوده، وأفعال العباد ممكنة، وليست مخلوقة له عندهم، قلت تعلق الخلق به كما يدلّ على إمكانه يدلّ على تعفق الإرادة بإيجاده فهو إشارة إلى لزوم المخصص بلا حصر، أو قوله بالممكن على زعمهم إشارة إلى ما فيه من القصوره قوله: (والقدرة هو التمكن الخ) ذكر الضمير رعاية للخبر، ولو أنثه نظرا لمرجعه جاز إلاً أنّ الأوّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 أرجح عند صاحب الإيضاح، وفي المواقف القدرة صفة تؤثر وفق الإرادة، وقيل هي مبدأ قريب للأفعال المختلفة، وهذا فيما قيل يقتضي أنها ليست نفس التمكن بل مبدأة ومقتضيه وبينهما مخالفة، والذي قاله المتكلمون إنها صفة موجودة ثابتة له تعالى، والتمكن أمر اعتباريّ لا وجود له في الخارج فهو معناها لغة وذاك اصطلاحيّ، وقيل إنّ كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى أنّ فيها اختلافاً هل هي صفة إضافية أو ذاتية، وقيل إنّ قوله هو التمكن إلخ يقرب من مذهب المعتزلة، ويشعر بأنّ القدرة ليست صفة حقيقية والتفسير الثاني مذهب الأشاعرة، والثالث يشعر بأنها من الصفات السلبية والتحقيق ما في المسائل الأربعين للإمام من أنّ الصفات ثلاثة أقسام صفات حقيقية عارية عن الإضافات كالسواد والبياض وصفات حقيقية يلزمها إضافات كالعلم، والقدرة لأنّ العلم صفة حقيقية يلزمها إضافة مخصوصة إلى المعلوم، وكذا القدرة صفة حقيقية لها تعلق بالمقدور، وذلك التعلّق إضافة مخصوصة بين القدرة والمقدور وإضافة ونسب محضة ككون الشيء قبل غيره أو بعده فمن فسرها بالمبدا ونحوه نظر إلى حقيقتها، ومن فسرها بغيره رسمها بلوازمها فلا مخالفة في التحقيق، ثم إنه قيل عليه أنه لا يتناول التمكن من إعدامه بعد وجوده ولا التمكق من إبقاء الممكن، وهو معتبر كما سنراه إلا أن يقال التمكن من الإيجاد يستلزم التمكن منهما استلزاماً ظاهراً، فلذا اقتصر عليه مع شرفه، فعلم ضعف ما قيل من أنّ المقدور إن أريد به ما تعلقت به القدرة لا يكون إلاً موجودا، وان أريد ما يصلح لأن يتعلق به يكون معدوما وهو المعنيّ بقولهم إنه تعالى قادر على جميع المقدورأت، وأنّ مقدوراته غير متناهية يني أنها صفة قديمة قائمة بالقادر قبل الإلجاد لمقدوراته وبعد الإيجاد والبقاء فتدبر. قوله: (وقيل صفة تقتضي التمكن) هذا هو القول المرضي فكأنه لم يقصد تمريضه، والمراد التمكن من الإيجاد والإعدام والإبقاء كما سمعتة آنفاً، وقوله وقيل: قدرة الإنسان إلخ فيه إشارة إلى أنّ ما قبله عامّ فيهما أو خاص بالله، والظاهر الثاني ووجه تمريضه أنه وإن فرق بين القدرتين إلا أنه يقتضي أنّ القدرة من الصفات السلبية، والذي عليه المحققون أنها صفة ثبوتية ذاتية، والعجز يضادّها وينافيها فالقائل به اختاره تقليلاً للصفات الذاتية أو نفياً لها، ثم إنّ الهيئة إنما تستعمل إذا أطلقت في المحسوسات، والفعل شامل للإيجاد والإعدام كما مرّ وصاحب هذا القول هو الراغب كما صرّح به في مفرداته فتأمّل. قوله: (والقادر هو الذي إلخ) هذا يحتمل أن يكون كلاما مستأنفا، ويحتمل أنه من تتمة القيل فكلاهما من كلام الحكماء لأنهم لا يقولون بإثبات صفات زائدة كالمعتزلة على ما حقق في الكلام، ويخالفون المتكلمين في أن القدرة عبارة عن صحة الفعل، والترك ويقولون هي عبارة عن كونه بحيث إن شاء فعل وان شاء ترك، أو لم يفعل ومقدم الشرطية الأولى بالنسبة إلى وجود العالم دائم الوقوع، ومقدم الشرطية الثانية بالنسبة إلى وجود العالم دائم اللاوقوع، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها ولا ينافى كذبهما ودوام الفعل، وامتناع الترك بسبب الغير لا ينافي الاختبار عندهم، وفي نسخة وان شاة لم يفعل بدل قوله وان لم يشأ لم يفعل، ولما ذهب الفلاسفة إلى أنّ إيجاد العالم بطريق الإيجاب لم يثبتوا لموجده الإرادة والاختيار إلا بمعنى إنه إن شاء فعل إلخ وهو متفق عليه بين الفريقين، وفيه كلام في نهاية الإمام المدقق الطوسي ليس هذا محله، وقيل إنّ قول المصنف هو الذي إن شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل أحسن مما قيل إن شاء ترك لأنّ ظاهره يقتضي أن يكون العدم الأصلي متعلق المشيئة، وليس كذلك كما قرّروه، ثم إنّ كلاً من الفعل وعدمه أعمّ من الإيجاد أو الإعدام فالمعنى إن شاء الإيجاد، أو الإعدام فعله وان لم يشأ الإيجاد أو الإعدام لم يفعله، ومعنى كونه قادرا على الموجود حال وجود. أنه إن شاء عدمه أعدمه، وان لم يشأ لم يعدمه، ومعنى كونه قادراً على المعدوم حال عدمه إنه إن شاء وجوده أوجده وان لم يشأ وجوده لم يوجده فأحفظه فمانه نافع وفيه بحث. قوله: (والقدير الفغال لما يثاء إلخ) قال الراغب: محال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة يعني بل حقه أن يقال قادر على كذا، والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائداً عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ولا ناقصا عته، ولذلك لا يصح أن يوصف به إلاً الله تعالى والمقتدر يقاربه لكنه قد يوصف به البشر وإذا اسنعمل في الله فمعناه القدير وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة، اهـ ومنه أخذ المصنف رحمه الله ما ذكره ملخصاً فمعنى قوله على ما يشاء إنه متقن جار على وفق الحكمة، وقيل معناه على الوجه الذي يشاء ما يشاؤه عليه من الوجوه المختلفة، ولا محصل له إلاً أن يريد به التعميم أي على كل وجه أراله، وهو توطئة لإختصاصه تعالى به لأنه لا يقدر على إيجاد كل ما يشاء وجوده أو على إيجاد ما شاء في غأية الإتقان جارياً على وفق الحكمة إلاً الله تعالى، والفعال هو المبالغ فيما يفعله كماً وكيفاً، وقيل: إن أراد بالفعال لما يشاء إلخ في الجملة فهو لا يقتضي عدم اتصاف (لع! رب وان أريد العموم لكل ما يدخل تحت المشيئة لزم أن لا يوصف به غيره ولو مجازا، وأورد عبيه أنّ أوّل كلامه في تفسير القدرة يقتضي أن يكون القدير المتمكن من إيجاد الشيء أو ذا صفة ققتضي التمكن منه لا الفعال إلا أن يثبت هذا المعنى نقلاَ ورد بأنّ القدير صيغة مبالغة فقيه زيادة على القادر، وزيادة التمكن التام تقتضي أن يكون فعالاً، ولا يخفى أنّ المراد الثاني وأنه قد التزم ما لزمه فأيّ محذور فيه، ثم إنّ ما ذكره هنا إن كان من تتمة القيل لم يرد ما ذكره، وإن كان ابتداء كلام آخر والقدرة والتمكن الموصوف به الله تعالى صفة قديمة باقي أزلاً وأبداً فيكون قبل الوجود ومعه، وبعده فلا حاجة إلى جعله معنى آخر مستقلاً ولا إلى غيره مما ذكره نعم ما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للراغب من أنّ القدير لا يوصف به غير الله بخلاف القادر، والمقتدر بناء على أنّ المبالغة في القدرة بالمعنى المذكور لا يتصف به غيره تعالى فيه نظر لأنّ المبالغة أمر نسبيّ لا يلزم أن تكون بالمعنى المذكور، ولو تتبعت كلام العرب، وأهل اللغة لم تجده مختصاً به تعالى، ولذا وقع في بعض النسخ قلما يوصف به غير البارىء، وكانّ المصنف أصلح به ما في النسخة الأولى على أنه قد خالف ما ذكره بقوله في أوّل الخطبة فلم يجد به قديراً، فإنّ المراد به غيره تعالى إلاً أن يقال أنه نفى للقدير عن غيره إذ المعنى لا قدير فيوجد وحينئذ لا ينافي ما ذكر. قوله: (واشتقاق القدرة من القدر إلخ) قيل فيه إشارة إلى الردّ على الزمخشري حيث عدل عن قوله: واشتقاق القدير من التقدير لما فيه من إشتقاق المجرّد من المزيد وان أجيب عنه بأنه لم يرد به الاشتقاق المعروف بل إنّ بينهما اتصالاً، ومناسبة، فإنّ القدير مشتق من القدرة، ومعناها الإيقاع على مقدار قوّته، وحكمته وهو معنى التقدير، وقد جرت عادته أن يعين للغات أصلاً يرجع إليه ولما كان في جميع مواده معنى التقدير جعله أصلا له هكذا نقل عنه وإذا اشتمل المزيد على معنى المجرّد، وزيادة جعل أصلاً كالقدير من التقدير، والوجه من المواجهة والبرج من التبرّج والاشتقاق فيه لغوي بمعنى الأخذ من أشهر مواده لا ما اصطلح عليه أهل التصريف، ولذا تراهم يجعلون المصدر مشتقاً من مصدر آخر فلا إشكال فيه كما تقدم. قوله: (وفيه دليل على أنّ الحادث إلخ) أي في قوله إنّ الله على كل شيء قدير لأز الحادث والممكن شيء بالاتفاق وكل شيء مقدور كما صرّح به المصنف، وصورة الدليل كما قيل الحادث حال حدوثه شيء، وكل شيء مقدور له تعالى ينتج أنّ الحادث حال حدوثه مقدور له تعالى أو الممكن حال وجوده شيء مقدور له تعالى، فينتج أنّ الممكن حال وجوده مقدور له وأورد عليه مغالطة مذكورة مع ردّها في حواشي بعض الفضلاء فلا حاجة لإيرادها هنا فوجد الأوّل، وبقاء الثاني بقدرته تعالى، وهذا ردّ على من زعم أنّ الحادث محتاج إلى الفاعل القادر حال حدوثه دون بقائه، والاً لزم تحصيل الحاصل إذ إيجاد الموجود محال، وتأثير القدرة هو الإيجاد وأجابوا عنه بأن المحال إيجاد الموجود بوجود سابق، وهو غير لازم بل إيجاده لوجود هو أثر ذلك الإيجاد مع أنّ هذا مبنيّ على أنّ تأثير القدرة الإيجاد فقط، وليس كذلك لجواز أن يكون الإعدام بعد الوجود فالأحسن أنّ معنى أنه مقدور أنّ الفاعل، إن شاء أعدمه وإن لم يشأ لم يعدمه كما مرّ، وقيل لما رأى بعض المتكلمين أنّ عدم احتياج الباقي في بقائه شنيع قالوا إنّ الجواهر لا تخلو عن الإعراض، والعرض لا يبقى زمانين فلا يتصوّر الاستغناء عن القادر في كل أوان، وهذا مما أنكره كثير من المتكلمين على الأشعري، وقالوا إنّ إدّعاء مثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 في الأعراضى القارّة مكابرة في المحسوس اللهم، إلا أن يقال إنّ المراد إنه ليس له بحسب ذاته بقاء واستمرار، وبقاؤه بالعرض إستناداً لما يقوم به كالجأع المائل إذا استند إلى جدار منى فارقه سقط. قوله: (والممكن حال بقائه) لأنّ المحققين على أنّ علة الاحتياج الإمكان لا الحدوث كما هو مقرر في الكلام قيل إنما أفرد المصنف الممكن بالذكر، وكان يكفي أن يقول الحادث حال حدوثه، وبقائه إشارة إلى صفاته تعالى فإنها ممكنة مع قدمها لكن كونها مقدورة في غاية الإشكال لما تقرّر من أنّ أثر المختار لا يكون الا حادثا، ولذا اضطروا إلى أنه تعالى موجب بالذات في حق الصفات كما كتب الكلام، وقيل عليه أيضاً إنّ صفاته ممكنة فيلزم كونها مقدورة حال بقائها، وقد فسر القادر بالذي إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وحاصله صحة الفعل والترك، وهي يمقتضى ذاته فلا يصح فيها الترك إلا أن يريد المصنف رحمه الله بالممكن الحادث، لكنه خلاف ما يقتضيه سياقه، إذ لو كان كذلك قال حال حدوثه وبقائه. ا! دول الذي ارتضاه المحققون من المتكلمين كما قاله الإمام في الأربعين، أنّ صفات الله تعالى ممكنة لذاتها واجبة الوجود لوجوب الذات، وحاصلة أنّ الصفات واجبة للذات لا بالذات، أي واجبة لأجل الذات المقدّسة لا أنّ ذات الصفات اقتضت وجوب وجود نفسها فتكون ممكنة في حد نفسها معللة بالذات القديمة، لكن يجب أن تكون الذات موجباً بالنسبة إليها مختارا بالنسبة لما سواها، وإلا لزم حدوثها بناء على ما تقرّر من أنّ الصادر عن المختار حادث البتة، وقوله في التفسير الكبير أن الذات المقدّس كالمبدأ للصفات أورد عليه إنّ ظاهر التشبيه أنها ليست مبدأ لها، وإذا لم تكن مبدأ لها لم تكن الصفات ممكنة بل واجبة فيتعذد الواجب وهو لا يجوز، وأجيب بأن المتبادر من الميدأ هو الموجد بعد العدم والصفات ليست مسبوقة بالعدم، إلاً أنها تقتضي الذات وتحتاج إليها وتتوقف عليها فالذات بالنسبة لها كالمبدأ، وإن لم تكن مبدأ حقيقة، وأمّا تعلق القدرة وشمولها للصفات الذاتية فاختلفوا فيه على ما أشار إليه في شرح المقاصد، فقيل تتعلق بها والإيجاب لا ينافي المقدورية بل يحققها، والاختيار بمعنى إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل لا ينافيه أيضاً كط مرّ، وقيل إنه قد يفسر شمول قدرته بأنّ ما سوى الذات والصفات من الموجودات واقع بقدرته فتدبر. فوله: (وأنّ مقدور العبد مقدور الله) المراد بمقدوره الفعل الصادر عنه باختياره وقدرته الكاسبة له مقدور الله أي تتعلق به قدوة الله المؤثرة في إيجاده، وهو مذهب الأشعريّ، ولا يلزمه تعنق قدرتين بمقدور واحد لأنّ المؤثر قدرة الله فقط، والمحذور توارد مؤثرين متساوين ولا يلزمه الجبر أيضاً، لا يقال التأثير معتبر في القدرة لما مرّ من تعريفها بأنها صفة تؤثر وفق الإرادة، لأنا نقول الأشعريّ رحمه الله قسم القدرة إلى المؤثرة والكاسبة، وما ذكرتم تعريف القسم الأوّل لا مطلق القدرة، ومن هنا تبين أنّ معنى الكسب الذي يثبتة الأشعريّ هو تعلق القدرة والإرادة الذي هو سبب عاديّ لتقدير الله تعالى وخلقه في العبد، وأفعال العباد دائرة بحسب الاحتمال العقلي بين أمور. الأوّل: أن يكون حصولها بقدرته تعالى وإرادته من غير مدخل لقدرة العبد. والثاني أن يكون حصولها بقدرة العبد وارادته من غير مدخل لقدرة الله عز وجل وإرادته فيها، أي بلا واسطة إذ لا ينكر عاقل أنّ الأقدار والتصكين مستندان إليه تعالى، إمّا ابتداء أو بواسطة. والثالث أن يكون بمجموع القدرتين، وذلك بأن يكون المؤثر قدرة الله تعالى بواسطة قدرة العبد أو بالعكس، أو يكون المؤثر مجموعهما من غير تخصيص لإحداهما بالمؤثرية، والأخرى بالآلية ذهب إلى كل من الاحتمالات ما خلا الاحتمال الثاني، من محتملات الشق الثالث طائفة، والأخرى بالآلية ذهب إلى كل من الاحتمالات ما خلا الاحتمال الثاني، من محتملات الشق الثالث طائفة، والأوّل مذهب الأشعرية، والثاني مذهب المعتزلة، والثا اث مذهب الاستاذ الإسفرايني، والكلام عليه مبسوط في الكتب الكلامية، وقوله لأنه شيء إلخ إشارة إلى القياس الذي ذكرناه. قوله: (والظاهر أق التمثيلين إلخ) المراد بهما ما في قوله {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} إلخ وقوله {أَوْ كَصَيِّبٍ} إلخ وإنما جعله الظاهر لأنه أبلغ وأقرب من كونه مفرقاً ومفردا، وعرفه ضمناً بتشبيه هيئة منتزعة من عدّة أمور متلاصقة تلاصقاً معنويا حتى صارت كشيء واحد بمثلها، ومثل له بقوله تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ} [الجمعة: 5] إلخ لظهور التركيهب فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 كما سيأتي تفسيرها مع المناسبة لما هنا لأنها في حق اليهود وأكثر المنافقين منهم، وحمل التوراة قراءتها وحفظها، وقوله {لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة: ا] لتنزيل حملهم لها منزلة العدم كما في قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17] أو المراد لم يلتزموا حقها كما في قوله تعالى {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} [الأحزاب: 72] فحالهم مع التوراة التي هي كتاب عظيم فيه نور وهدى نافع مع عدم الانتفاع به لجهلهم وحمقهم، كحال حمار يحمل حملاً ثقيلاً من الكتب النفيسة، ولا يناله منها إلا التعب والكد، وفي ذكر الأسفار هنا لطف ظاهر لإيهام أن يكون جمع سفر بفتحتين، مع أنه المتعارف في التعبير عنها كما لا يخفى. قوله: (والنرض منهما إلخ) أي المقصود والمعنى المراد، وليس المراد ما يترتب على الشيء حتى يفسر بالحكمة والمصلحة، لأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض! ، كما قيل، فالمراد من التشحيه فيهما على تقدير التركيب تشبيه حالتين بحالتين، والمشبه في الأوّل مجموع أحوال المنافقين في تحيرهم واضطرابهم مع إظهارهم الإيمان حفظاً لدمائهم وأموالهم وذراريهم وأهلهم، وزوال ذلك عنهم سريعاً بإفشاء أسرارهم وافتضاحهم المؤدّي إلى خسارة الدارين، والمشبه به حال المستوقد نارا مضيئة له فانطفأت، ووجه الشه صلاح ظاهر الحال الذي يؤول لخلافه، وفي الثاني حالهم في الشدّة ولباس إيمانهم المبطن بالكفر المطرّز بالخداع حذر القتل، بحال ذوي مطر شديد ببرق ورعد يرقعون خروق آذانهم بأناملهم حذر الهلاك، ووجه الشبه وجدان ما ينفع ظاهره وفي باطنه بلاء عظيم، والمكابدة المقاساة وأخذته السماء بمعنى أحاط به مطرها وغلبه، وفي قوله: من الحيرة والشدة لف وير مرتب، فالحيرة للتمثيل الأوّل، والشدّة للتمثيل الثاني، ويحتمل رجوع كل منهما لكل منهما، وبحال معطوف على بما يكابد وما مصدرية أو موصول، وطفئت مجهول مهموز اللام، وفي نسخة انطفأت، وفي أخرى انطفت بدون همز بإبدالها وإجرائه مجرى المعتل، والقياس غيره. قوله: (من قببل التمثيل المفرد إلخ) يعني أنه من تشبيه المفردات بالمفردأت، وهو المسمى بالتشبيه المفرق، ولما كان قوله: المفرد يوهم أنه لا تعدد فيه فسره بقوله: وهو أن أخذ أشياء إلخ، أي أن تأخذ أشياء متعدّدة من غير تركيب فتشبهها بمثلها. كما سنبينه لك، وفي الكشاف أنه إذا كان التشبيه مفرقا فالمشبهات مطوية على سنن الاستعارة، كقوله {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} ! سورة فاطر: 12] الآية. ثم قال: فإن قلت الذي كنت تقدره في المفرق من التشبيه من حذف المضاف وهو قولك أو كمثل ذوي صيب هل تقدّر مثله في المركب منه، قلت لولا طلب الراجع في قوله {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} ما يرجع إليه لكنت مستغنيا عن تقديره، لأني أراعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام، فلا عليّ أولى حرف التشبيه مفرد يتاتى التشبيه به أم لم يله إلخ، والمراد أنه على التفريق طوى ذكر المشبهات، كما في الاستعارة المصرّحة لطيّ ذكر المشبه فيها لفظا وتقديرا قطعاً، وقد يجري التشبيه على سننها وان فرق بينهما بوجهين، الأوّل أنّ المتروك في التشبيه منويّ مراد، وفي الاستعارة منسيّ بالكلية، كما مرّ تحقيقه في الاستعارة التمثيلية في قوله {خَتَمَ اللهُ} الآية من أنّ المعاني قد يقصد إليها بألفاظ منوية غير مقدرة في النظم، الثاني أنّ لفظ المشبه به في التشبيه مستعمل في معناه الحقيقيّ، وفي الاستعارة في معنى المشبه حتى لو أقيم مقامه صح أصل المعنى من غير فرق، وإن فاتت المبالغة، وإذا قدّر فربما انتظم مع المذكور بلا تغيير كما هنا، وقد يحتاج إلى التغيير كما في قوله تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} [فاطر: 2 ا] على ما فصل في محله ثم إنه ذكر أنه على التفرين يحتاج إلى التقدير دون التركيب، وظاهره أنه يقدّر كمثل ذوي صيب إلا أنّ تعليله بطلب الضمير للمرجع يقتضي تقدير ذوي صيب، وأمّا تقدير مثل فلأنّ المقصود تشبيه صفة المنافقين بصفة ذوي الصيب، فتقديره أو في بتأدية هدّا المعنى، وأشد ملاءمة مع المعطوف عليه، وهو كمثل الذي إلخ. ومع المشبه وهو مثلهم وان صح أن يقال أو كذوي صيب كقوله تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ} [يونس: 24] إلخ وقيل تقدير المثل أمر مسلم يقتضيه العطف على السابق وينبني عليه تقدير ذوي لأنّ إضافة القصة إلى كل من الأجزاء التي تدخل فيها صحيحة، لكن إضافتها لأصحابها حقيقية ولغيرهم مجازية لما ذكر في قوله {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [البقرة: 261] وقد قيل عليه ما فيل فمن أراده فعليه بالنظر فيه، وهذا كله مما لا كلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 فيه، وإنما الكلام في أنّ المصنف رحمه الله ترك حديث التركيب والتفريق بين التركيب والتفريق، فأمّا أن يكون اكتفاء بما قالوه مع الإشارة إليه سابقاً حيث اقتصر على تقديره، وامّ أن يكون تركه لعدم ارتضائه له لما فيه من الخفاء، مع أنّ طيّ ذكر المشبهات غير ظاهر لأنّ المشبه في التمثيلين مصرّح به في قوله أوّلاً مثلهم، لأنّ المثل بمعنى القصة، والحال الشاملة لجميع أحوال المنافقين المشبهة إجمالاً، ولا يلزم في التفريق التصريح بالطرفين تفصيلاَ كام قالوه في اللف والنشر التقديري، على أنّ إجماله في قوّة التفصيل لقرب العهد به، فكيف يقال أنه طوى فيه ذكر المشبهات على أنه لا مانع من إبقاء الكلام على حاله من غير تقدير أصلاً، وما ذكره قدس سرّه من نية الألفاظ في التمثيلية مز تحقيقه، إلا أنّ قياسه الاستعارة على التشبيه قياس مع الفارق فإنّ المشبه يطوي ذكره كثيراً بخلاف أجزاء اللفظ المستعار، فتأييد مدعاه به غير تامّ. قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى} [فاطر: 9 ا] هذا من قبيل التشبيه المفرّق وهو نظير لما نحن فيه من وجهين التفريق وتكرير التشبيه، ولذا أعاد لا النافية فشبه الكافر الضال بالأعمى، والمؤمن المهتدي بالبصير، ثم شبهه مرّة أخرى فقال {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] والظلمات والنور، الباطل والحق، والظل والحرور، الثواب والعقاب، وقيل الأعمى والبصير مثلان للصنم والله عز وجل كما سيأتي في سورة فاطر. قوله: (وقول امرىء القيس) بن حجر الكنديّ الشاعر الجاهلي المشهور من فصيدة طويلة أوّلها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي وهل يعمن من كان أقرب عهده ثمانين عاماً في ثماني أحوال كأني بفتخاءالجناحين لقوة على عجل منها أطاطىءشملالي تخطة! حران الأنيعم بالضحا وقد حجرت منها ثعالب أرآل كأنّ قلوب الطيررطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي وضمير وكرها لفتخاء وهي العقاب المذكور أوّلاً، وهو شاهد للتشبيه المفرد، حيث شبه قلوب الطير الطرية وقلوبها المقددة على اللف والنشر المرتب بالعناب في الشكل واللون، وبحشف التمر وهو الردىء أليابس منه، والعقاب من سباع الطير ويوصف بمحبة أكل اللحم دون قلوب الطير، وقال ابن قتيبة: قلوب الطير ألذ ما فيها فهي تأني بها لتزق فراخها ولكثرتها يبقى منها الرطب واليابس وهو الظاهر، وفي كامل المبرّد أنّ هذا البيت عند الرواة أحسن ما قيل في تشبيه شيئين مختلفين في حالين مختلفتين بشيئين كذلك، ورطباً ويابسق حالان من قلوب الطير والعامل فيهما كأنّ نها بمعنى أشبه، ولدى وكرها حال أيضا، والعناب بالرفع خبر كأنّ وهو بزنة رمّان ثمر معروف. قوله: (بأن يشبه في الأوّل ذوات المنافقين إلخ) الجارّ والمجرور متعلق بقوله يمكن أو بجعلهما وعبر بالذوات هنا، وبالأنفس فيما سيجيء تفنناً، واشارة إلى أنه لا بد منه في التشبيه المفرّق لأنهم المشبهون بالمستوقدين، وأصحاب الصيب بخلافه على التركيب فإنّ النظر فيه إلى المجموع فلذا لم يتعرّض له وقد بيناه لك أوّلاً مع ما فيه، وقوله: وإظهارهم الإيمان بإستيقاد النار عدل، عما في الكشاف من قوله وإظهاره الإيمان بالإضاءة لما قيل من إنه اعترض عليه بأنه يخالف ما قدّمه، من أنّ المشبه بالإضاءة هو الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ولا يناسب ما بعده من قوله أنّ المشبه بإنطفاء النار هو انقطاع الانتفاع، إذ المناسب له أن يشبه انقطاع الإظهار بالإنطفاء، وإن أجيب عنه بأن المراد هنا الإضاءة المتعدّية وهي ثمة لازمة، أو أراد بإظهار الإيمان أثره، وهو الانتفاع به، فمعناه شبه المنافق أي نفاقه وإظهاره الإيمان بالمستوقد أي بإسنيقاده، وشبه أثر الأوّل من الانتفاع به، فمعناه شبه المنافق أي نفاقه وإظهاره الإيمان بالمستوقد أي بإستيقاده، وشبه أثر الأوّل من الانتفاع باثر الثاني من الإضاءة، وشبه انقطاع الانتفاع بانقطاع الإضاءة، ويؤيد هذا أنّ تشبيه ذات المنافق بذات المستوقد ليس مقصوداً في الآية قطعاً، والحمل على التوطئة بعيد، فحينئذ للمستوقد إستيقاد واستضاءة وخمود نار، وللمنافق إظهار إيمان وانتفاع به، وانقطاع بالموت وغيره، وهذا زبدة ما في الشروح مما ارتضاه الشريف المرتضى قدس سرّه، وقيل للمستوقدين ذوات، وثلاث حالات الاستيقاد، واضاءة نارهم ما حولهم، وانطفاء نارهم، وكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 للمنافقين ذوات وثلاث حالات فإظهار الإيمان بإزاء الاستيقاد، وحقن الدماء وسلامة المال والأولاد، ونحوها من المنافع الحاصلة بإظهار الإيمان بإزاء الإضحاءة، وزواله بإزاء إنطفاء النار فشبهت الأربعة بالأربعة، ووجه الشبه في الأوّل الوقوع في حيرة ودهشة، وفي الثاني التسبب لحصول المراد، وفي الثالث كونه خيراً لمباشر الفعل، وفي الرابع الفناء بسرعة، والمصنف رحمه الله شبه إظهار الإيمان بالإستيقاد، والزمخشريّ بالإضاءة، وقد قيل عليه أنّ الظاهر أن يشبه إظهار الإيمان بالاستيقاد والانتفاع بالإضاءة كما مرّ، ولذا عدل عنه المصنف وربع القسمة إلا أنه شبه زوال اننفع بإطفاء النار، والمناسب أن يجعل المشبه الإزالة والمشبه به الإنطفاء. 6هول لا يرد ما أورده بعد النظر التامّ ولا مغايرة بين ما ذكره المصنف رحمه الله، وبين ما في الكشاف إلا باختلاف العبارة، وهما في الما! واحد، وتوضيحه أنّ المستوقد هنا بمعنى الموقد، وإيقاد النار إشعالها بحطب ونحوها ويترتب عليه إضاءتها أي جعلها أو كونها مضيثة منتشرة الضوء، ويترتب على هذا الاستضاءة التي هي أثرها، ومطاوعها وهي عين الانتفاع بها، ثم تضمحل النار والنور، ويبدّل الخير بالشرور، وهذا ما في جانب المشبه به، وفي المشبه على ترتيبها المنافق ينطق بقوله ولمنا} وكلمة الشهادة، فيترتب على نطقه إظهار إيمانه بدلالة فحواها، ثم يترتب على هذا الإظهار الانتفاع بصيانة الأموال والدماء ونحوها، ثم ينقلب نفعه ضرّاً بافتضاحه واستحقاقه العقاب في الدارين فتخيب آماله، وتنعكس أحواله، فإذا عرفت هذا ظهر لك بلا اشتباه أنّ إظهار إيمانه في لحقيقة بدلالة الكلمة المجراة لا أنه نفسها، والمشبه بالإيقاد حقيقة إجراء الكلمة، فالمشبه بالإضاءة إظهار الإيمان كما في الكشاف، إلا أنه لقرب الإيقاد من الإضاءة وتلازمهما يجوز أن يقال شبه إظهار الإيان بالإيقاد، والانتفاع بالإضاءة، وان كان استضاءة لأنهما كشيء واحد كما قيل في التعليم والتعقم، فسقط ما أورد على المصنف رحمه الله في الإطفاء والانطفاء، والعجب مما توهم من منافاة قول الزمخشريّ هنا شبه إظهار الإيمان بالإضإ ءة لقوله: أوّلاً المراد ما استضاؤوا به قليلاً من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، وبين الاستضاءة والإضاءة بعد ما بين المشرقين، والباء في قول المصنف رحمه الله بإهلاكهم سببية متعلقة بزوال، وفي قوله بإطفاء متعلقة بيشبه السابق لا بمثله مقدرا ولا بإبقاء. قوله: (وفي الثاني أنفسهم بأصحاب الصيب إلخ) معطوف على قوله في الأوّل، وأنفسهم بالرفع معطوف على قوله ذوات أ، ئب فاعل يشبه المجهول، وبأصحاب معطوف على قوله بالمستوقدين، وأصحاب إشارة إلى ذوي المقدّر، وقوله حذراً إلخ، لنكايات جمع نكاية من نكأت بالهمز، ونكيت معتل الآخر وهي ما يؤلمهم ألماً شديدا، وطرق يطرق من باب كتب إذا أتى ليلاَ، والمراد به ما يصيب الكفرة من الإذلال والإهلاك، فشبه حذرهم منهم بسدّ الآذان للإتقاء به، وقوله (من حيث إلخ) هو وجه الشبه، وانتهزوها بالزاي المعجمة بمعنى اغتنموها وبادروا لها بسرعة، وفرصة كغرفة أصل معناه النوبة والشرب، ثم شاع في كل مطلوب يبادر له خثية فواته وهو منصوب على الحال أو التمييز، أو هو مفعول ثان لانتهز بتضميته معنى التصيير والإيجاد، وأصل معنى الانتهاز الدفع، ثم قيل انتهز بمعنى نهض وبادر، وخطا بضم الخاء مقصور جمع حظوة، ومتقيدين مجاز أو كناية بمعنى واقفين، وحراك بفتح الحاء المهملة بمعنى حركة، وقوله: خفقة بمعنى لمعة، وخفي بمعنى فتر هنا من خفي البرق كرمى إذا لمع بضعف، وفي قوله: يمكن إشارة إلى مرجوحية التفريق بالنسبة إلى التركيب لأنه أبلغ كما صرّح به الشيخ ويس هـ من أهل المعاني. قوله: (وقيل شبه الإيمان إلخ) هذا تفسير لقوله {أَوْ كَصَيِّبٍ} إلخ على أنّ التشبيه مفرّق أيضاً وقائله قيل: إنه الراغب في تفسيره، وقريب منه ما اختاره السمرقنديّ رحمه الله تعالى فقال: جعل الدعاء إلى الإسلام كالصيب وما فيه من الجهاد كظلمة الليل، وما فيه من الغنيمة كالبرق، إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى الإسلام الذي هو سبب المنافع في الدارين حقيقة بمنزلة الصيب الذي هو سبب المنفعة حقيقة إلا أنّ في الإسلام نوعاً شديداً من الجهاد والحدود وغيرها، بمنزلة ظلمة الليل والسحاب، وصوت الرعد مع الصيب، وفي من الغنيمة والمنافع كالبرق هناك، فجعل المنافقون أصابعهم في آذانهم من سماع ما في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 الإسلام من الشدائد، كما جعل من ابتلي بهذا الصيب في ليلة مظلمة في مفازة أصبعه في أذنه من الصواعق، يكاد البرق يخطف أبصارهم أي ما في الإسلام من الغنيمة والنفع، ومعناه أنّ المنافقين إذا رأوا خيراً في الإسلام وغنيمة مشوا إليه، وإذا أظلم عليهم بالشدائد قاموا متحيرين مغمومين وصدوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وتحقيقه بعد العلم باختصاصه بالمنافقين أيضا لا عمومه للكافرين، وان ذهب إليه بعض المفسرين، والفرق بينه وبين ما قبله مع التفريق وتشبيه أحوال المنافقين فيهما أنه على ما قبله الصيب بإزاء إيمان المنافقين، والظلمات كفرهم المضمر، والرعد والبرق المخوّف خداعهم المصير النفع ضرّا، ونفاقهم لدفع المضرّة عنهم بإزاء جعل الأصابع في الآذان مع عدم إفادته، وتحيرهم في جهلهم بمصادفة برق يمشون فيه ثم يقفون، وأمّا على هذا فالصيب بإزاء الإيمان المحقق الخالص، والقرآن المجيد وما يفيده من المعارف التي يحيا بها كل قلب سليم حياة أبدية، كما أن من الماء كل شيء حيّ، وكون المنافقين أصحاب هذا الصيب مع عدم حصوله لهم، ولذا لم يضف إليهم في العبارة لتمكنهم منه وتلبسهم بما يضاهيه، ولأنهم قد أظلهم زمان حصوله كما يشير إليه قوله وسائر ما أوتي الإنسان دون ما أوتوا، والظلمات بإزاء الشبهات والرعد، اأس عد لتبشيره برحمة الغيث، والوعيد لإنذاره بنقمة الصواعق وما فيه من الآيات القرآنية ونعوته ألباهرة أي القاهرة للعقول بإزاء البرق الخاطف للأبصار أي الصارف عما سواه لو هداهم الله، وانصرافهم عن الاستماع والإذعان بإزاء سدّ الآذان عما يخاف من الوعيد واتقائه بما لا يفيد فإنّ الله محيط بالكافرين، وإنما أخره ومرضه لما في جعلهم أصحاب هذا الصيب من البعد الذي هو مع التقدير كالألغاز، وبعد تشبيه الوعد بالرعد، وتشبيه الآيات بالبرق، ومما ذكرناه علم غفلة من قال: إنه لم يتعرّض للتشبيه في قوله {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} وأنه يمكن أن يقال شبه قرب صرف الآيات أنظارهم عما كانوا يصرفونها إليه من حطام الدنيا والأباطيل بخطف البرق أبصارهم، وحياة الأرض بهجتها بنباتها وارتبكت بها الضمير في ارتبكت عائد على ما، وأنثه باعتبار معنى الشبه، وضمير بها للمعارف أو للمذكورات بأسرها، والمعارف جمع معرفة وهي معروفة، وفي بعض الحواشي صححه معاون بواو ونون في آخره جمع معونة من العون وهو اأظهير وفسره بالعون بتهيئة آلات المعارف، وارتبك بمعنى اختلط، يقال ربكه ولبكه إذا خالطه ومازجه، والمبطلة وفي نسخة الطائفة المبطلة، وهم أهل البدع والضلالة المحاولون لإبطال الحق، واعترضت دونها أي حال بينها وبين الحق، والباهر الظاهر العجيب ويهوله بالتخفيف والتشديد أي يخوّفه. قوله: (وهو معنى قوله الله محيط إلخ) أي عدم خلاصهم مما يخافون، وقوله واهتزازهم أي وشبه اهتزازهم وهو في الأصل توالي الحركات في محل واحد، ويكنى به عن النشاط والفرح كما في قول ابن الرومي رحمه الله: ذهب الذين يهزهم مدّاحهم هز الكماة عوالي المرّان وهو المراد هنا ومن فسره بالحركة فقد قصر، وقوله: يلمع لهم من رشد بضم فسكون أو بفتحتين ضد الغيّ، ولم! فه استعارة من لمعان البرق لظهوره ظهورا لا يثبت ويزول سريعا، ورفد بكسر الراء المهملة وسكون الفاء يليها دال مهملة معناه العطاء والشيء المعطى، وتطمح تنظر أو تنتظر يقال طمح بعينه إذا شخص بها، والمطرح موضع الطرح ثم عمّ لكل موضع، وتوقفهم في الأمر ترددهم فيه وهو مجاز من الوقوف شاع في هذا الصعنى إذا تعدّى بفي، وتوقف عن الأمر أمسك عنه ووقف الأمر على كذا علقه عليه، ووقف الميراث إلى الوضع أخره، فيختلف معناه باختلاف تعديه، وتعن يكسر العين المهملة وتشديد النون مضارع عن بمعنى ظهر أو طرأ، وعرض وبتوقفهم متعلق بشبه كقوله بمشيهم، وقوله ونبه أي نبه الله المؤمنين أو نبه كل من يتنبه وهو مما ينبغي التنبه له، وإن لم ينبهوا عليه لأنّ هذا التنبيه من تتمة التشبيه المفرّق، وارتباطه إنما هو به بل بالقيل الأخير ولولا هذا لم يكن لذكره وتأخيره إلى هنا محلى، وبيانه أنه لما كان في التشبيه على هذا إيماء إلى العقائد الحقة والمعارف الإلهية التي مدت نعمها على موائد الوجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وحرم ذوقها هؤلاء المنافقون كما أريناكه آنفاً فهم تحت سماء مغدقة على رياض مخصبة، وقد أحدثوا فانتجعوا بصرفهم الحواس عن أعمالها فيما حقها أن تصرف له وجعلها كالعدم، فنعى الله ذلك عليهم وقال: إنهم تعاموا وتصاموا عمن لو شاء أعماهم وأصمهم حقيقة، وقوله با احالة إلخ المراد بها الصمم والبكم والعمى، وضمير يجعلونها للأسماع والأبصار، وضمير جعلهم مفعول أوّل، وبالحالة مفعول ثان، أي ملتبسين بها، أو ظرف لغو متعلق به، وقد جوّز في يجعلونها أن يبني للفاعل وللمفعول، فقيل: إن التنبيه من كلمة لولا الامتناعية وظاهره أنّ قوله {وَلَوْ شَاء} إلخ في شأن المنافقين، والظاهر أنه تتميم لأصحاب الصيب الممثل بهم، ويجعلون على البناء للمفعول، وضمير المفعول للحالة والاً لزم الاقتصار على أحد مفعولي جعل الذي هو من أفعال القلوب، والمعنى بالحالة ال! ي يجعلون لأنفسمهم تلك الحالة على أن يكون تعلق الجعل بالمفعول الأوّل القائم مقام الفاعل، أو بالثاني. والمراد به الحالة التي هم عليها على الحذف، والإيصال وفيه تكلف، أو! لى البناء للفاعل وهو الظاهر، والمعنى الحالة التي يفعلونها فحينئذ لا يكون الجعل من أفعال القلوب، ولا يلزم المحذور المذكور، اهـ وفيه ما لا يخفى فإنّ التنبيه إنما هو من التذييل يهذه الجملة لا من لو، وجعل يجعلى مبنية للفاعل وليست مما يتعدّى للمفعولين بل لواحد، وهو كثير فيها لأن لها معاني، فتكون بمعنى اعتقد، وبمعنى صير، وهي على هذا ملحقة بأفعال القلوب، وأمّا بمعنى أوجد وأوجب فيتعدّى لواحد، وهو المراد هنا فلا حاجة لما ارتكبوه من التعسف. تم. تنم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني أؤله فوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وفاعله ضمير يرجع إلى الله أو مبني للمفعول والمعنى واحد أي ادّعاء ذلك بالرأي والتشهي كما قرّرناه لك، وتحريم المجتهد وتحليله لشى من هذا القبيل لأنه لأخذه من النمى، واستناده إليه قائم مقامه فكأنه هو، وهذا جواب عن قوله ومّ المشركين إلخ ولم يتعرّض لجواب الأوّل لشهرته في علم الكلام لأنّ استحالة التمكين من الحرام ممنوعة لأن قبح الحرام باعتبار إضافته إلى من اتصف به لا إلى من أوجده. وقوله: (واختصاص إلخ) القرينة هي إسناده إليه تعالى ومدحهم بالإنفاق منه ووصفهم بالتقوى، وهذا ليس محل النزاع بيننا وبينهم مع أنّ في من التبعيضية المشيرة إلى أنّ الحلال بعض الرزق لا كله ما يومىء إلى عمومه وهذا ردّ لما استدلوا به معقب بدليل المخالف لهم. قوله: (وتمسكوا إلخ) تمسك بكذا بمعنى أخذ به وتعلق تجوّز به عن الاستدلال وفيه إشارة لقوّته ووجهه أنه سمى ما حرّم رزقا أو بيته به، وان قيل عليه أنه لا يدلّ على أنه رزق لمن حرّم عليه فليكن رزقا لمن أحل له، ولذا استدل به بعض المعتزلة إلا أنه يكفي لنا دلالة ظاهرة فهو عليهم لا لهم وعمرو بن قرّة بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة لأنّ بعدها هاء تأنيث. قال ابن حجر في الإصابة: أنه ذكره غير واحد في الصحابة، وأسندوا له هذا الحديث ولم يزد على ذلك فيه، ثم ذكر هذا الحديث وهو في سنن ابن ماجه عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاء عمرو بن قرّة فقال يا رسول الله إنّ الله كتب عليّ الشقوة فلا آراني أوزق إلا من دفي بكفي، فأذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال عليه الصلاة والسلام: " لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت يا عدوّ الله لقد رزقك) إلخ. مأ. ذكره المصنف رحمه الله وقوله يا عدوّ الله يشعر بأنه كافر أو منافق، وهو مخالف لما مرّ إلا أن يقال أنه لزجره، وفيه دليل على حرمة التكسب بالغناء. قوله: (لم يكن المتنذي به إلخ) متفعل من الغذاء بالذال المعجمة لا بالمهملة لاختصاصه بطعام أوّل النهار فلا (يناسب ما هنا وهذا هو الدليل العقلي لأهل السنة أتى به بعد الدليل النقلي أي لو لم يكن الحرام رزقا كان المتغذي به طول عمره غير مرزوق، والنص على أنّ كل دابة مرزوقة يبطله وقد أجيب عن هذا من طرفهم تارة بالنقض بمن مات ولم يرزق حراما ولا حلالاً، فما كان جوابكم فهو جوابنا وأخرى بأنّ معنى الآية ما من دابة متصفة بالمرزوقية، كما قالوا في قولهم كل دابة تذبح بالسكين أي كل دابة تتصف بالمذبوحية، فيخرج السمك وقد قيل إنّ هذا يتوقف على وجود من لم يتغذ طول عمره بحلال مّا، وأن لا يكون له في الأرض مناط، وهو لا يكاد يوجد على أنّ الآية إنما تدل على أنه يسوق الرزق إلى كل دابة ويمكنها منه لا أنها تتغذى بما سيق لها بالفعل. (وقد سنح لي هنا نكتة) وهي أنّ الدابة، وإن عمت إلا أنّ المتبادر منها الحيوانات غير الناطقة، ففيها توبيخ لمن يهتم بتدبير المعيشة، فكأنه قيل له ما لك تتعب فيما يتيسر للحيوان بلا تعب. قوله: (وأنفق الشيء وأنفذه إلخ) أنفذه بالدال المهملة، والمراد بالاخوّة توافقهما في الاشتقاق، وهو هنا الاشتقاق الأكبر، وهو الاشتراك في أصل المعنى، وأكثر الحروف مع التناسب في الباقي مخرجا، ولذا اقتصر على الفاء والعين كنفي ونفع وأمثالهما والذهاب يكون بمعنى المضيّ والضياع. وقوله: (والظاهر إلخ) يعني به أنّ الظاهر منه حمل الإنفاق على ما يشمل أنواعه فرضاً ونفلاَ، ومن حمله على الزكاة كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا من فسره بالنفقة على الأهل فيحتمل أنه لم يرد التخصيص، وإنما اقتصر على كمل أفرادها وأمّا أن يريده بقرينة الصلاة المقرونة بالزكاة في كثير من الآيات والشيء بالشيء يذكر والقرينة أمر ظنيّ لا قعلعيّ حتى يقال: مع القرينة المذكورة كيف يحمل على العموم. وقوله: (في سبيل الخير) وقع في نسخة بدله سبيل الله وهما متقاربان، وفي شرح سير محمد الكبير للسرخسي سبيلاَ لله جهة القربة والطاعة، فلو أوص بثلث ماله في سبيل الله صرف في طاعة وقربة لأنّ كل طاعة سبيل ألله كما في الحديث: " من شاب شيبة في سببل الله كانت له نورا يوم القيامة " (1) أي في الطاعة لرواية في الإسلام، وهو إن أطلق يتبادر منه الغزو والجهاد وكون الزكاة أفضل أنواع الإنفاق لأنها فرض، فتكون كثر ثواباً ولذا عدّت من أصول الدين، وشقيقتها أختها والمراد بها الصلاة لاقترانها بها وكونها بمنزلتها في العبادات البدنية لاستتباعها لغيرها، وقولهم باب الصلاة باب الزكاة، وفلان يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة لا يستشهد به هنا لتفرّعه عما ورد في التنزيل فتأمّل. قوله: (وتقديم المفعول الخ) في الكشاف أنه دلالة على بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (لما عدّد فرق المكلفين الخ) أي المؤمنين والكفار والمنافقين السابق ذكرهم من أوّل السورة إلى هنا، وخواصهم ما اختص به كل فريق منهم من الاهتداء بالقرآن، وإنفاق الحلال والإيمان بالغيب والفلاح والفوز في الدنيا، والعقبى في المؤمنين، واصرار غيرهم على الكفر وتغشية قلوبهم، وسوء عقباهم في الكفرة وإخفاء الكفر والخداع، وضررهم العائد عليهم في المنافقين. وقوله: ومصارف أمورهم المصارف جمع مصرف من صرف المال إذا أنفقه أو من صرف الدينار بالدراهم إذا أبدله استعير هنا لما هم عليه في أعمالهم وأعمارهم أو لما يؤول إليه أمرهم من الفوز بالسعادة أو الخسران وهو ظاهر، وهذا معنى قوله في الكشاف عذد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم ومصارف أمورهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله تعالى ويرديها ولقد أجاد في حسن تلخيصه، ويحتمل أنه طوى البيان بقوله مما يسعدها الخ، لما يرد عليه من أنه لم يذكر للمؤمنين مشقيات ومرديات ولا للكافرين مسعدات ومحظيات وإن أجيب عنه بأن المذكور صريحا للمؤمنين المسعدات ولغيرهم المرديات ويفهم من ذلك ما يقابله ضمنا فيكون الكل مذكورا للحل فإنه ردّ بأنّ الاختصاص حينئذ لا معنى له فإن المقابل لما اختص بكل فرقة ليس مخصوصا بها لوجوده في المقابل الآخر وان كان غير وارد لأن مسلكه أسلم من التكلف على أنا نقول إنه لا وجه للردّ لأن مقابل كل خاصة لم يلحظ فيه اتصاف الآخر به هنا إذ مقابل الاهتداء بنور الفرقان شامل لعدم الوقوف عليه كمن لم تبلغه الدعوة وإنفاقه الخير في الخير يقابله عدمه الشامل لمن لم ينفق أصلا ولم يقصد ذمّ مقابلتهم بذلك وكذا الصلاة وغيرها من العبادات ومسعدات الأشقياء المفهومة مما أشقاهم الله به لا يمدح به المؤمنون كما قيل: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا ~ قيل إن السيف أمضى من العصى (فلا) وجه لما قيل من أن الردّ مردود لظهور اختصاص ذلك المقابل بتلك الفرقة بملاحظة انفهامه ضمنا وكونه مفروضا غير محقق مثلاً إذا قلت الصفات المذكورة للمؤمنين مسعدات يفهم منه أنهم لو كانوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 اتصفوا بمقابلاتها لشقوا، ولم يمكن إجراء ذلك في حق الكفار لأنهم متصفون بتلك الصفات حقيقة بلا فرض. وتقدير وكذا الحال في صفات الكفرة وان كان له وجه أيضاً. قوله: (أقبل عليهم بالخطاب الخ) قد قدمنا لك أن الا أشفات الانتقال من إحدى الطرق الثلاث إلى آخر أو الإتيان بأحدها في مقام يقتضي خلافه، والكلام عليه مفصل في محله ولا يهمنا هذا الكلام فيه وإنما الكلام فيما قيل من أنّ هذا مبني على عدم الوثوق بما سيأتي عن علقمة أو على أنه لا يقتضي تخصيص الخطاب إذ لم يكن بمكة منافق حتى يدخل في هذا الخطاب، ثم إنها إن نزلت منفردة عما قبلها فكيف يتحقق فيها الالتفات إلا أن يقال يكفي فيه أنه يتمّ بعد تمام نزول القرآن لمصلحة اقتضت تفريق نزوله فإنّ دعوى انفرادها بالنزول مما لا وجه له حتى يتكلف له ما تكلف وكونه لم يكن بمكة منافق في بدء الإسلام لا ينافي الإخبار عنهم فكم في القرآن مثله من المغيبات والأخبار عما سيأتي، ثم إنه ذكر للالتفات نكات بعضها عامّ وبعضها خاص بهذا المقام فالأوّل هز السامع وأصل معناه التحريك بحركات متوالية ثم كني به عن إدخال المسرّة كما في قول ابن الرومي المتقدم: ذهب الذين يهزهم مذاحهم هز الكماة عوالي المرّان وهو المراد هنا، والتنشيط إيجاد النشاط وهو الخفة والسرعة أريد به الإقبال على الأمر وعطفه على ما قبله كالتفسير، والاهتمام بالعبادة مأخوذ من السياق والمقام لأنّ العظيم إذا أقبل على عبيده في شأن وأمر به بنفسه دل على عظمة ذلك الشأن، وقوله: بأمر العبادة تورية وحسن تعبير، وقوله: وجبر الكلفة العبادة الجبر التكميل والإرداف بما يهوّن الأمر الشاق أو يزيل مشقته لأنها على خلاف مقتضى الطبع، والكلفة المشقة واحدة الكاف كغرفة وغرف والتكاليف المشاق كما في المصباح وهذه من النكت انخاصة بالمقام وهذا بالنسبة إلى المؤمنين ظاهر فإمّا أن يخصوا لعدم الاعتداد بغيرهم وكذا التنشيط أو يقال يكفي للنكتة الوجود في البعض، وقيل إنه بالنسبة لغيرهم أيضا لتيقظهم لأنهم تحت حكم حاكم كريم لم يطردهم عن ساحة الهداية ولا يخفى بعده. قوله:) ويا حرف وضع الخ) هذا هو الصحيح وقيل إنها اسم فعل والأشهر أنها وضعت لنداء البعيد وقيل إنها لمطق النداء أو مشتركة بين البعيد والقريب والمتوسط وعلى الأوّل إذا نودي بها القريب فلتنزيله منزلة غيره أمّا العلوّ رتبة المنادى أو المنادي بالكسر والفتح وقول المصنف رحمه الله ينادى بها القريب يصح فيه فتح الدال وكسرها، وقول الداعي يا رلث يصلح للأول والثاني لأنه لحقارته وعظمة خالقه عد نفسه بعيدا أو عذ الله علياً عن عباد. وغفلة السامع وسوء فهمه بمنزلة بعده، وأمّا للاعتناء بأمر المدعوّ له وزيادة الحث عليه لأنّ نداء البعيد وتكلفه الحضور لأمر يقتضي الاعتناء والحث فاستعمل في لازم معناه على أنه مجاز مرسل أو استعارة تبعية في يا أو مكنية وتخييلية كما حققه بعض الفضلاء، فإن قلت الكلام في تنزيل المنادى منزلة البعيد لا المدعوّ له المنادي لأجله قلت المدعوّ لتحصيل أمر بعيد يبعد عن الذهاب إليه لتحصيله فهو بعيد مالاً وقوله في الانتصاف إنّ ما ذكر في توجيه البعد أمر إقنافي فإنّ الداعي يقول يا قريب غير بعيد ويا من هو أقرب من حبل الوريد فأين هذا من العباد في مقام البعد ليس بشيء فإنّ القرب في كلام المنادي باعتبار الحقيقة ونفس الأمر وهو لا ينافي الاستبعاد الاعتباري وليس هذا نظير قوله: وكم قلت شوقاليتني كنت عنده وما قلت إجلالاً له ليته عندي كما توهمه ابن الصائغ في حواشيه، والوريد عرق! في العنق واضافة الحبل له! كلجين الماء. قوله: (وهو) أي يا مع المنادى بالفتح جملة فالمنادى منصوب لفظاً أو تقديراً بأنادي وما في معناه أو بيا نفسها لقيامها مقامه قولان للنحاة وعلى الأوّل هو لازم الإضمار استغناء بظهور معناه مع قصد الإنشاء وليس المراد الإخبار بأن المتكلم ينادي ولذا ردّ على من قال إنه لا يجوز تقدير الفعل إذ لو قدر كانت الجملة خبرية لأن الفعل مقصود به الإنشاء، ولذا قال الرضي: تقديره بلفظ الماضي كدعوت وناديت أولى لأنه الأغلب في الإنشاء ولكونه إنشاء النداء سقط ما قيل من أنه لو كان ذلك الفعلى كدعوت مقدرا تمّ المعنى بدون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 المنادي لأنه فضلة، وقيل في الجواب عنه إنه قد يعرض للجملة ما يصيرها غير مستقلة كالجمل الشرطية ولا يرد على كونه جملة مفيدة، وكلاماً أن الكلام لا يكون من اسم وحرف، ولا من حرف إن قلناتا بمعنى دعوت كما توهم مع اتفاقهم على أنه لا يتأتى إلا من اسمين أو اسم وفعل لأنه قائم كنعم وبلى، ولا وهو في قوّة المذكور من غير شبهة فلا يلتفت لما توهمه بعضهم فتدبر. قوله:) وأيّ جعل وصلة الخ) أي لها معان كالموصولية والشرطية والاستفهامية، والواقعة في النداء اسم نكرة موضوعة لبعض من كل كما في شرح الهادي ثم تعزفت بالنداء وتوصل بها لنداء ما فيه أل لأنّ يا لا تدخل عليها في غير يا الله إلا شذوذاً، وقيل إنها موصولة ورذه النحاة بما هو معروف في كتب العربية وذو اللام صفة لها فهي موصلة له كما توصل لنداء أسماء الأجناس بذي بمعنى صاحب، وقوله متعذر أي ممتنع بناء على ما عرف من كلام العرب لا تعذرا عقليا، وقوله لتعذر الجمع بين حر في التعريف هذا أحسن مما اشتهر من أنه لا يجمع بين تعريفين لأنهما قد يجتمعان كما في نحو يا زيد وأيهم يفعل كذا لاجتماع العملية والنداء والإضافة والموصولية كما حققه نجم الأئمة الرضي فليس مثله بممتنع عنده حتى يحتاج إلى التنكير وأمّا نحو يا الرجل فممتنع بالاتفاق وقوله فإنهما كمثلين وهما لا يجتمعان إلا شذوذاً كقوله: ولا للما بهم أبدا دواء قيل وإنما قال كمثلين لأنّ يا ليست موضوعة للتعريف كأل ولذا لا يتعرّف المنادي في كل موضع ولم يبين أن تعريفه بماذا وقد ذهب ابن مالك ومن تبعه إلى أنه بالقصد والإقبال عليه، وذهب ابن الحاجب إلى أنه بأل مقدرة فأصل يا رجل يا أيها الرجل والكلام فيه مشهور. قوله: (وأعطي حكم المنادى الخ) أعطي مجهول نائب فاعله ضمير أيّ المذكور باعتبار اللفظ وحكمه هو البناء على الضمّ وايلاؤه وحرف النداء وأجرى عليه المقصود بالنداء باعتبار صريح معناه بمعنى جعله تابعاً له على الوصفية كما صرّح به بعده، وإنما التزم رفعه ليكون على صورة المنادى المفرد المقصود بالنداء لأنه مضموم الآخر فلا يجوز نصبه على الأصح خلافا للمازني فإنه أجاز نصبه. قال الزجاج: ولم يتقدمه ولا تابعه عليه أحد لمخالفته لما سمع عن العرب والتزام الرفع لأنه المقصود أو لأنه مبهم ووصف المبهم معه كالشيء الواحد لمنع الفصل بينهما فإن قلت الوصف تابع غير مقصود بالنسبة لمتبوعه فما ذكر ينافيه قلت! ذا جسب الوضع الأصليّ فلا ينافي ما يطرأ عليه لكونه مفسر المبهم ما يجعله مقصودا في حد ذاته وههنا إشكال وهو أن الرجل في قولك يا أيها الرجل تابع معرب بالرفع وكل حركة إعرابية إنما تحدث بعامل ولا عامل يقتضي الرفع هنا لأن متبوعه مبنيّ لفظا ومنصوب محلاً فلا وجه لرفعه وهذا إنما يرد على غير الأخفش القائل بأنها موصولة حذف صدر صلتها فليس عنده نعتا بل خبر مبتدأ مقدر، وقد استصعبه بعض علماء العربية وقال إنه لا جواب له. قلت: قد قال هذا بطريق البحث وهو عجيب منه مع تبحره فإن هذا من الأسئلة الواقعة بين أبي نزار وابن الشجري وقد أطال الكلام فيها في الأمالي بما حاصله أن أبا نزار قال إنها حركة بناء وقال ابن موهوب إنها حركة إعراب وتبعه ابن الشجري والحق أنها حركة اتباع ومناسبة لضمة المنادي ككسرة غلامي فلا حاجة إلى أن يقال إنه لا يمكن التفصي عنه إلا أن يقال بأن حركة الضمّ ليست إعرابا بل اتباع الحركة البناء المشبهة ل! عراب بالعروض ولذا سميت رفعا تجوزاً إلا أنه مع مخالفته للظاهر لا نظير لا له في اللزوم وقوله: أقحمت بصيغة المجهول بمعنى زيدت من أقحمته في الأمر إذا أدخلته ورميت به فيه وهو مجاز مشهور على الألسنة وزيادتها لازمة للعوضية، وقوله ها التنبيه بالقصر أي لفظها الذي يكون للتن! يه في نحو هذا ولو مذت جاز على أنه تعبير عن الكل بجزئه وسياني بيان تاكيده وفي أزعا. التعوبض نظر لأن هذه لم تستعمل مضافة أصلا والإضافة إنما سمعت في غيرما إلا أنها لما قالت دي، اد واحماءأ جرى عليها حكمها فتأمّل. قوله: (وإنما كثر النداء الخ) المراد بالطريقة أي المناد! الموصرد وحإ؟ ! ها االام وأ، جه التأكيد فسرت بتكرّر الذكر والإيضاح بعد الإيهام واختيار لفظ البعيد وتاكيد معناه بحرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 التنبيه واجتماع التعريفين في النداء وأل، وقوله وكل الخ كل مبتدأ خبره حقيق وما بينهما اعتراض والجملة حالية للتعميم وتتميم التعليل، ولفظ آكد بالمد أفعل تفضيل من التأكيد بالهمزة ويقال من التوكيد أوكد وقوله كثرهم أحسن من قول الزمخشريّ وهم عنها غافلون فلا تغفل. قوله: (والجموع وأسماؤها الخ) الجمع ما دلّ على أكثر من اثنين واسم الجمع مثله إلا أنه اشتراط فيه أن يكون علئ صيغة تغلب في المفردات سواء كان له واحد أم لا ومنه الناس كما بيناه والمحلاة بالتشديد بمعنى الداخلة عليها لام التعريف ولما أفادته التعريف واتصلت بأوّله جعلت لفظا كأنها حلية وزينة له استعارة لشيوعها صارت كالحقيقة وقيد إفادتها العموم بعدم إرادة العهد الخارجيّ لأنه المتبادر من التعريف الموضوع للتعيين ثم الاستغراق لأنه حيث لا عهد لا ترجيح لبعض أفراده على بعض فيتناول الجميع، وهذا في الجموع أقرب وأقوى كما في التلويح. ثم إنه استدلّ على العموم بصحة الاستثناء فإنه استفاض في العامّ حتى جعل معياره فلا يكون حقيقة إلا فيه كقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ} [سورة الحجر، الآية: 42، وقد اختلفوا في أنه إذا لم تكن للعهد هل الأولى حمله على الجنس والعهد الذهني المتيقن أو على الاستغراق لأنه أكثر وأفيد وكلام المصنف ينظر للأخير، وقد قيل على قولهم إنّ الاستثناء يدلّ على العموم أنّ صحة الاستثناء موقوفة على العموم أيضا فيلزم الدور وأيضا الاستثناء يكون في الخاص كاسم العدد نحو له عليّ عشرة إلا ثلاثة والإعلام كضربت زيدا إلا رأسه وصمت رمضان إلا عشرة الأخير فلا يتمّ هذا المدعي ودعوى أكثرية غير مسموعة، وأجيب بأنّ العلم بالعموم يثبت بوقوع الاستثناء في كلامهم ووقوعه يدلّ على وجود العموم لا على العلم به فلا دور والاستدلال ناظر للاستعمال وأمّا النقض المذكور فدفع بأنّ ما ذكر عامّ تأويلا بتقدير جمع معرّف بالإضافة كأعضاء زيد وأيام الشهر، ونحوه الاستدلال بالتأكيد لأنه لو لم يكن عامّاً كان التأكيد تأسيسا والاتفاق على خلافه واستدلال الصحابة شائع وله أمثلة ذكرها الأصوليون كقولهم يوم السقيفة الأئمة من قريش رذا على الأنصار في القصة المشهورة. قوله: (فالناس يعئم الموجودين الخ) هذا هو المسمى بالخطاب الشفاهي عند الأصوليين، وهو ما يدل على الخطاب وضعا كالنداء وبعض الضمائر نحو يأيها الناس قالوا وليس خطاباً عاتا لمن بعد الموجودين في زمن الوحي أو لمن بعد الحاضرين مهابط الوحي والأوّل هو الوجه وإنما يثبت حكمه بدليل آخر من نص أو قياس أو إجماع وأئا بمجرّد اللفظ والصيغة فيما لم يكن مخصوصا كيأيها النبيّ فلا وقالت الحنابلة بل هو عامّ لمن بعدهم ولنا أنا نعلم أنه لا يقال للمعدومين نحو: يا أيها الناس قال العضد رحمه الله وانكاره مكالرة وإذا امتنع خطاب الصبيّ والمجنؤن بنحوه مع وجودهم لقصورهم فالمعدوم أجدر، وهم قالوا: ولو لم يكق الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً به فمن بعدهم لم يكن مرسلاً لهم وردّ بأنّ التبليغ لا يتعين أن يكون مشافهة فيكفي أن يحصل للبعض شفاهلاولمن بعدهم بأدلة تدل على أنّ حكمهم حكمهم كما تقرّر في الأصول وفي شرح العضد للمحقق التفتازانيّ القول بعموم الشفاهي وان نب إلى الحنابلة ليس ببعيد وقد قال الشارح العلامة أنه المشهور حتى قالوا إنّ الحق أنّ العموم علم بالضرورة من الدين المحمديّ وهو الأقرب وقول العضد رحمه الله أنّ إنكاره مكابرة حتى لو كان الخطاب للمعدومين خاصة أمّا إذا كان للموجودين والمعدومين على طريق التغليب فلا ومثله فصيح شائع وكل ما استدلّ به على خلافه ضعيف. انتهى وهذا بعينه ما اختاره المصنف رحمه الله وأشار إليه بقوله لما تواتروا الخ، واليه ذهب كثير من الشافعية في كتبهم الأصلية على أنه عندهم عام بحاق لفظه ومنطوقه من غير احتياج إلى دليل آخر وقد قيل إنه من قبيل الخطاب العامّ الذي أجرى على غير ظاهره كما في قوله: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت كرمت اللئيم تمرّدا فمن أرجع كلام المصنف إلى ما ذهب إليه العضد وأشياعه وقال في شرحه إنه يريد أنه يعمّ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 سيوجد بعد وقت النزول لا لفظا بل لما تواتر من دينه كقوله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة كما ذكر في كتب الأصول من أنّ خطاب المشافهة إنما يثبت لمن بعد الموجودين بدليل آخر لم يصب ولو كان كما زعم لم يكن الناس عامّا السياق مناد على خلافه والعجب أنه مع تخصيصه بالموجودين جعله عامّاً وتبعه فيه بعضهم وأطال بغير طائل (وههنا بحث) يجب التنبه له وهو أنّ خطابه تعالى بكلامه لعباده أزليّ قائم بذاته، والنظم القرآنيّ بإزائه وخطاب المعدوم أزلاً، وتكليفه مقرّر عند الأشاعرة والظاهر أنه حقيقة والا يكن جميع ما في القرآن من الخطاب مجازاً ولا يخفى بعده عن ساحة التنزيل ويوجه أيضا بتقدير قولوا والمأمور الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ونوّابهم من أئمة الدين في تبليغ الأمّة إذا وجدوا، وعلى هذا الفرض والتقدير لا يحتاج إلى التجوّز أصلاً كما ذهبوا إليه كما سمعته آنفا على أنه لو لم يكن من التأويل محيص، فالقول بأنه يدل على ما ذكر بدلالة النص المؤيدة بالإجماع أقرب، وقد حام صاحب التحرير حول هذا التقرير وان لم يفك عقدة تعقيده، وقوله لفظا تمييز ولما بكسر اللام وتخفيف الميم، وقوله إلا ما خصه الدليل أي القائم على تخصيص عمومه بخروج بعض منه كالصبيّ والمجنون. قوله: (وما روي عن علقمة الخ) قال السيوطيّ: أخرجه أبو عبيد في فضائل القران عن علقمة وسيمون بن مهران وأمّا روايته عن الحسن فلم يسنده أحد وقد صح عن ابن مسعود أيضا كما أخرجه البزار في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقيّ في دلائل النبوّة فقول الطيبي أنه لم يجده في شيء من كتب الحديث من تقصيره، والمراد بالرفع في قوله إن صح رفعه اتصالط سنده بمن ذكره لأنّ الناقل لا يلزمه غير تصحيح نقله فالرفع بمعناه اللغويّ أو تجوّز فلا يرد عليه ما قيل من أنّ المرفوع قول النبي صلى الله عليه وسلم أو الصاحب فيما يتعلق بالنزول ونحوه مما لا يقال بالرأي وعلقمة والحسن ليسا من الصحابة، ولو سلم فالمراد رفعه للصحابي أو النبيّ صلى الله عليه وسلم فقولهما في حكم المرفوع المرسل ثم إنه قد علم أنّ للمكيّ والمدني ثلاث معان مفصلة في البرهان والاتقان وقد قيل إنّ هذا لا يتمشى على واحد منها وهو منقوض! بأمور منها: أنّ هذه السورة مدنية وفيها يأيها الناس ومن السور ما فيه يأيها الناس ويا أئها الذين آمنوا، وادّعاء تكرير النزول تعسف فإن كان هذا لكثرة المؤمنين بالمدينة فضعيف وقد اضطربوا في التوجيه فمن قائل المراد أنه خطاب جل المقصود به أهل مكة أو المدينة، وقال الإمام الجعبريّ في كتابه حسن المدد معرفة النزول لها طريقان السماع، والقياس. فالأوّل ما وصل إلينا نزوله بأحدهما والثاني كما قال علقمة عن عبد الله: كل سورة فيها يأيها الناس فقط أو أوّلها حرف تهج سوى الزهراوين والرعد في وجه أو فيها قصة آدأ وابليس سوى الطولى فهي مكية وكل سورة فيها يأيها الذين آمنوا وذكر المنافقين فهي مدنية وقال هشام بن عروة: عن أبيه كل سورة فيها قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأمم الخالية والعذاب فهي مكية وكل سورة فيها لريضة أو حد مدنية انتهى. ومنه يعلم أن ما ذكر مما قاله السلف وكونه أيهثر ما لم يرد به التخصيص بعيد جداً وهذا نقله البقاقي في كتاب مصاعد النظر ونقله عن الإمام الشافمي من غير اعتراض عليه فإذا صح هذا من التابعين وكبار السلف فهو قول لهم لا مشاحة فيه ولا وجه للاعتراض عليه. قوله: (فلا يوجب تخصيصه بالكفار الخ) قيل عليه إنه لم يستدل أحد بهذا الأثر على اختصاص هذه الآية بالكفار حتى يحتاج المصنف رحمه الله تعالى إلى دفعه وغاية ما استدلّ به أنه مكيّ نزل بمكة مع عمومه للمؤمنين والكفار لأنّ سبب النزول ليس بمخصص وليس بشيء لأنه إذا سلم أنّ المراد مشركو مكة احتمل العهدية واختص لا سيما والنفاق في الصدر الأوّل إنما حدث بعد الهجرة وقد ذهب إلى التخصيص على هذا الزمخشريّ، حيث قال أو إلى كفار مكة خاصة على ما روي عن علقمة الخ. وارتضاه في شرح التأويلات ولبعضهم هنا كلام مشوّحر! تركه خير من ذكره. قوله: (ولا أمرهم بالعبادة الخ) عطف على قوله تخصيصه، أي لا يوجب أمر الكفار حال كفرهم بإداء العبادة فإنه باطل ولذا لم يجب عليهم القضاء بعد الإسلام بل هم مأمورون بما يتوقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 عليه من الإيمان وبأدائها بعده، والمنفيّ هنا أمرهم بذلك ابتداء، والمثبت في قوله فالمطلوب الخ. غيره فلا تنافي بينهم كما توهم وحاصله أن طلب الفعل من المكلف لا يقتضي صحته منه بلا تقديم شرط كالمحدث المطلوب منه الصلاة وهذا إشارة إلى ما فصل في الأصول في تكليف الكفار بالفروع وعدمه. وفي النحرير ليس محل النزاع كما في المنهاج للمصنف مبنيا على أنّ حصول الشرط الشرقي ليس شرطاً للتكليف المستلزم عدم جواز التكليف بالصلاة حال الحدث بل ابتداء في جواز التكليف بما شرط في صحته الإيمان حال عدمه فمشايخ سمرقند على أنه شرط لصحته لخصوصية فيه لا لعموم كونه شرطا بل لأنه أعظم العبادات ورأس الطاعات، فلا يجعل شرطا تابعا في التكليف لما هو دونه، ومن سواهم متفقون على تكليفهم وإنما اختلفوا في أنه في حق الأداء والاعتقاد أو في الاعتقاد فقط فالعراقيون والشافعية ذهبوا إلى الأوّل فهم عندهم معاقبون على تركهما والبخاريون إبى الثاني، ولم ينص أبو حنيفة، وأصحابه على شيء فيها لكن في كلام محمد رحمه الله ما يدل عليها، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [سورة فصلت، الآية ة 6] ونحوه وأمّا خطابهم بالعقوبات والمعاملات فمتفق عليه فإن قلت قوله فالمطلوب الخ يدل على أنّ المطلوب من الكفار الشروع في العبادة بعد الإتيان بشرط فقط لا الزيادة والمواظبة، ومن المؤمنين الزيادة، والثبات لا غير، وكون الكفار مكلفين بالفروع على مذهبه يستلزم مطلوبية الكل منهم والمؤمن الذي لم يصدر منه إلا الإيمان يطلب منه الشروع في العبادة مع ما ذكر قيل المراد الشروع وما يقتضيه وقوله من المؤمنين الخ مبنيّ على أكثر الأغلب على أنّ المقصود ظاهر. قوله: (هو المشترك بين بدء العبادة الخ) إشارة إلى ما في الكشاف من السؤال والجواب من أنه لا يصح توجيه الخطاب إلى الفرق الثلاث، ولا إلى الكفار فقط كما روي عن علقمة لأنّ المتبادر من العبادة أعمال الجوارح الظاهرة ولا يؤمر بها المؤمنون العابدون لما فيه من تحصيل الحاصل ولا الكفارة لامتناع العبادة منهم بسبب فقد شرطها وهو الإيمان فيلزم التكليف بالمحال لا يقال: إنّ الأمر يتعلق بالمستقبل وليس المؤمن متلبساً بالعبادة المستقبلة حتى يكون تحصيلا للحاصل ولا يتجه السؤال لأنّ المتبادر من إطلاق اعبدوا إحداث أصل العبادة وهو حاصل فيتجه الجواب بأنّ المطلوب من المؤمنين ليس إيقاع أصل العبادة في المستقبل بل ازديادها وثباتها، وليس ذلك حاصلاً فلا إشكال وأنّ المطلوب من الكفار أصل العبادة على أنهم أمروا أن يأتوا بعد تحصيل شرائطها فإن الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلا به كأنهم قيل لهم حصلوا شرطها ثم افعلوها ولا استحالة في هذا بل في الأمر بإيقاعها مع انتفاء شرائطها كما مرّ، وما يقال من أنّ الإيمان أصل العبادات كلها فلو وجب بوجوبها انقلب الأصل تبعا مردود بأنّ الأصالة بحسب الصحة لا تنافي التبعية في الوجوب على أنّ هذا واجب أيضا استقلالاً بدلائل أخر، والجمع بينهما آكد في إيجابه والكلام فيه مفصل في محله فلا إفادة في الإعادة. قوله: (فالمطلوب من الكفار الخ) إشارة إلى أن اعبدوا أمر موضوع للأمر بالعبادة مطلقاً فهو عامّ فيها شامل لإيجاد أصلها والزيادة والثبات شمول رجل لأفراده وليس موضوعا لأصلها حتى يلزم من تناوله لغيره الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا موضوعا لكل منها استقلالاً حتى يلزم استعمال المشترك في معانيه، وشكلف دفعه بما لا وجه له، وقول المصنف رحمه الله المشترك لم يرد به الاشتراك المقابل للتشكيك والتواطىء بل معنا. اللغوقي وهو صدقه عليها منفردة وغير منفردة فاعبدوا يدل على طلب في الحال لعبادة مستقبلة، وتلك العبادة من الكفار ابتداء عبادة ومن بعض المؤمنين زيادة ومن آخرين موا! لبة وليس الابتداء والزيادة والمواظبة داخلاً في مفهومه وضعا فلا محذور فيه، وهالى هذا أشار المصنف رحمه ألله فالأمر بالعبادة أمر بقدر مشترك بين ما ذكر ولذا قال الفقهاء أنّ الشيء الممتد يعطي لبقائه حكم ابتدائه حتى لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، ثم استمر حنث وترك المصنف قوله في الكشاف على أنّ مشركي مكة كانوا يعرفون الله ويعترفون به: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة الزمر، الآية: 38] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 لأنه وان لم يجعله جوابأ صستقلا بل علاوة غير صالح بوجه من الوجوه لأنّ هذه المعرفة المقارنة للإنكار لا تقتضي صحة العبادة ورب معرفة الجهل خير منها. قوله: (بعد الإتيان بما يجب تقديمه الخ) هذا مبنيّ على أنّ المراد بالعبادة عمل الجوارح فلا يدخل فيها الاعتقاد والمعرفة كما مرّ وقد قيل عليه أنّ الظاهر إدخال أعمال القلب في العبادة لأنها أقصى الخضوع وهو لا يتحقق بدون معرفة المعبود، وقوله والإقرار بالصانع أي أن العبادة لا يعتد بها إلا بعد الإقرار، وقد قيل عليه أنّ الإقرار إن لم يدخل في الإيمان كما ذهب إليه بعض المحققين فلم لا تعتبر العبادة بدونه إلا أنّ المصنف رحمه الله رجح فيما سبق أنّ الإقرار لا بد منه في حصول الإيمان، وفي تفسير السمرقندي رحمه الله أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير اعبدوا بوحدوا وخرّج على وجهين أحدهما: أنّ عبادة الله لا تكون إلا بالتوحيد فهو سبب لها فأطلقت عليه مجازاً والثاني أن: {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} بمعنى اجعلوا عبادتكم لواحد لا تعبدوا غيره لأنّ مشركي العرب كانوا يوحدون الله في التخليق وإنما أشركوا الأصنام معه في العبادة فلذا أمروا بالعبادة للواحد الأحد لا غير ثم إنه قدّس سرّه اعترض على قوله بما يجب الخ بأن مجرد معرفة الله والإقرار به ليس كافيا في صحة العبادة بل لا بد معه من التصديق بالنبوّة والاعتراف بها وهو منتف عنهم وأجيب بأنه يريد أنّ هذا القدر من الشرط إن حصل فليضموا إليه ما بقي ثم ليعبدوا وفيه نظر لا يخفى. قوله: (وإنما قال ريكم الخ (التربية مصدر وفي نسخة الربوبية بضم الراء كالخصوصية وهي مصدر أيضاً وفي نسخة الربية وما ذكر لأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعليته. وهي قاعدة مشهورة وفي شرح الطيبيّ طيب الله ثراه فرق بين قوله: {اعْبُدُواْ اللهَ} وقوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمْ} لأنّ في الثاني، إيجاب العبادة بواسطة رؤية النعم التي بها تربيتهم وقوامهم وفي اعبدوا الله عبادته بمراعاة ذاته عز وجل من غير واسطة وعلى ذلك قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} فحيث ذكر الناس ذكر الرب وحيث ذكر الإيمان ذكر لله وهي فائدة لطيفة ينبغي التأمل فيها. قوله: (صفة جرت على الرب للتعظيم الخ) الجري حقيقة في الاتباع: أي هي صفة أجريت على الرب للمدح إذ لا اشتباه في الرب المضاف إلى الكل فإن خص الخطاب بمشركي مكة احتمل التقييد والتخصيص لإطلاقهم الرلت على آلهتهم والتوضيح لأنه الرب الحقيقي عندهم وهم وسائل وشفعاء فهو في خطاب الشارع لا يحتمل غيره تعالى، والتعليل بيان علة الربوبية بأنه الخالق وكون النعت يفيد التعليل من فحوى الكلام ومن تعليق الحكم بالمشتق فإنه يقتضي عليه مأخذ الاشتقاق وإنما لم يذكره النحاة لأنه ليس وضعياً أو لأنّ بيان علة الشيء توضيح له وإنما قال يحتمل التقييد دون التخصيص لأنهم اصطلحوا على أنّ التخصيص تقليل الاشتراك في النكرات وموصوفه هنا معرفة فالتقييد: رفع الاشتراك الناشئ من إطلاق الرب في استحقاق العبادة بخلاف الخالقية فإنها مخصوصة به عندهم {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وما ذكرناه من تفسير التعليل بأنه بيان علة كونه ربا ومالكاً لهم لأن المالك الحقيقيّ هو الموجد ولذا قيل إنهم إذا اعتقدوا أنّ الآلهة شفعاء يكون إطلاق الرب بمحنى المالك عليها مجازاً، وسيأتي الكلام فيه وذمب إليه بعض أرباب الحواشي وقيل المراد به بيان علة الأمر بعبادته تعالى وبيان سبب الوجود لأنه المنعم بنعمة الإيجاد وما ينبني عليها، ولهذا قال الرازي: أنه بيالط لأنّ العبادة لا تستحق إلا بذلك وهو الوجه فتدبر. قوله: (والخلق إيجاد الشيء الخ) التقدير تعيين المقدار والاستواء افتعال من المساواة وهي كما قال! الراغب المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل يقال هذا مساو لهذا أي هما سواء وقوله خلقك فسوّاك أي جعل خلقك على مقتضى الحكمة فقوله على تقدير واستواء أي مشتفلاً على ذلك وقيل يحتمل أن يريد بالاستواء كون ما برز في الوجود على طبق ما قدر في العلم وما دلّ عليه قوله تعالى: {خَلَقَ فَسَوَّى} [سورة الأعلى، الآية: 2، هو أنه جعل له ما به يتأتى كماله ويتمّ معاشه وهذا أفيد لأنّ الأوّل يستفاد من قوله على تقدير غير أنّ قوله خلق النعل الخ يؤيد الأوّل وأصل معناه التقدير ثم قيل للإيجاد على مقدار معين وجاء على أصله في قول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 زهير: ولأنت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري ومن كلام الحجاج ما خلقت إلا فريت، وما وعدت إلا وفيت، وقيل إنه بهذا المعنى لا يستعمل في الله تعالى وعدل عن قول الزمخشري: الخلق إيجاد الشيء على تقدير واستواء يقال خلق النعل إذا قدرها وسوّاها بالمقياس لما فيه من الاختصار المخل كما أشار إليه. قوله: (متناول لكل ما يتقدّم الإنسان الخ) التناول معناه الحقيقيّ الأخذ يقال ناوله كذا إذا أعطاه فتناوله أي أخذه ثم تجوّز به عن الشمول وشاع حتى صار حقيقة فيه في كلام الناس، واصطلاح المصنفين ولم يرد في كلام العرب بهذا المعنى وقبل من الظروف، وأكثر فيها الظرفية الزمانية وتكون للمكانية وهي في غير هذا مجاز قال الراغب قبل يستعمل على أوجه الأوّل في المكان بحسب الإضافة فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة بغداد قبل الكوفة، ويقول الخارج من مكة إلى أصبهان الكوفة قبل بغداد. الثاني في الزمان نحو زمان عبد الملك قبل المنصور، الثالث في المنزلة نحو عبد الملك قبل الحجاج. الرابع في الترتيب الصناعي نحو تعلم الهجاء قبل الخط انتهى، فهي في اللغة مقابلة لبعد زماناً ومكانا، ويتجوّز بها عن التقدم بالشرف والرتبة في كلام العرب وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله بالذات فجمع بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ الواردين في اسنعمالط العرب وأدخل التقدم المكانيّ في ذلك للإيجار كما هو دأبه، والحكماء قالوا التقدم والتأخر يقال على خمسة أشياء التقدم بالزمان وهو ظاهر والتقدم بالطبع كتقدّم الواحد على الاثنين، والتقدّم بالشرف! قدّم أبي بكر على عمر، والتقدم بالرتبة وهو ما كان أقرب من مبدأ محدود كصفوف المسجد بالنسبة إلى المحراب، والتقدم بالعيية كتقدم حركة اليد على حركة القلم وأثبت المتكلمون قسما آخر للتقدم سموه التقدم بالذات كتقدم بعض أجزاء الزمان على بعض وقيل إنه غير خارج عنها لأنّ بعضه داخل في التقدم بالطبع وبعضه في التقدّم بالرتبة والتحقيق أنه داخل في التقدم بالزمان ومن هنا ظهر لك أن كلام المصنف جار على وفق اللغة واستعمال العرب لا على مصطلح الحكماء فمن أرجعه إليه وقال التقدم الذاتي عبارة عن تقذم المحتاج إليه على المحتاج فيشمل التقدم بالعلية والطبع والتقدم الزماني هو الذي لا يجامع المتقدم فيه المتأخر، ثم قال بعد الفرق بينهما أن المراد هنا التقدم بالطبع والذين موضوع للعقلاء، إلا أنّ المصنف عممه لم يصب، والذي غرّه فيه ما وقع في بعض الحواشي حتى قيل إنّ فيه رائحة من كلام الفلاسفة فإنّ مراده بالتقذم الذاتي ما تقدم على أن الخطاب إن شمل المؤمنين وغيرهم فالمراد بمن قبلهم من تقدّمهم في الوجود ومن هو موجود وهو أعلى منزلة منهم كالنبيّ لمجتن والمؤمنين فقط ما قيل: عليه من أنه جعل القبلية شاملة للتقدم الذاتي والزمانيّ وهو جيد لو ساعدته اللغة وكذا ما قيل من أنه مخالف لما عليه أهل السنة لأنهم لا يثبتون التقدم بالذات لغير الله تعالى إلى آخر ما أطالوا به بغير طائل. قوله: (منصوب معطوف الخ) دفع لتوهم عطفه على الضمير المجرور من غير إعادة الجارّ في فصيح الكلام ولما فيه من الفصل بنعت المضاف إليه. قوله: (والجملة أخرجت مخرج المقرّر الخ) أي جملة لخ! م الواقعة صلة الذي أخرجت مخرج ما هو ثابت مقرّر معلوم لأنّ الصلات لا بد من كونها معلومة الانتساب إلى الموصول عند المخاطب ولذا تعرّف الموصول بما فيها من العهد واشترط فيها الخبرية وقيل: مراده أن الصفة يجب أن تكون معلومة للمخاطب مقرّرة عنده ولذا قالوا: إنّ الإخبار بعد العلم بها أوصاف والأوصاف قبل العلم بها أخبار، وهو بناء على أنّ المخاطب المشركون المنكرون ولذا وجهه المصنف رحمه الله بما سنوضحه لك وإنما رجحنا تفسيره بما ذكرناه أوّلاً لأنه المتبادر من كونه جملة إذ الموصول مفرد فلو كان هو المراد احتاج إلى التأويل بأنه لكونه مع جملة الصفة كالشيء الواحد عدة جملة. على أنّ وجوب العلم بمضمون الجملة وانتسابها إنما هو مقرّر في الصلة دون الصفة عند صاحب الكشاف حيث ذكر في قوله تعالى: {فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} أنّ النار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 جاءت معرفة هنا وفي سورة التحريم نكرة موصوفة، لأنها نزلت أوّلاً بمكة فعرفوا منها ناراً موصوفة بهذه الصفة ثم جاءت في سورة البقرة مشاراً بها إلى ما عرفوه أوّلاً، ولذا قالط بعض الفضلاء الأظهر أنّ الوصف بشيء لا يجب كونه معلوما بل يجب إمّا كونه معلوما أو بحيث يعلم بأدنى توجه ألا تراك تقول اضرب رجلا يضربك، وهو لا يدري من سيضربه لكنه يعلمه بعد الوقوع وكون الخالق هو الله مما تقزر لأنهم لا يشركون فيه وإنما يشركون في العبادة كما مرّ وبه صرّح في النظم المذكور فلا حاجة إلى ادّعاء التغليب على تقدير العموم في الخطاب لعدم الخفاء عند المسلمين، وإنما الكلام فيمن عداهم وإخراجه مخرج المقرّر في التعبير بعبارته لا ينافي كونه مقرّرا في الخارج حتى يتأتى تعليله باعترافهم والاستدلال بالآيتين اللتين ذكرهما المصنف رحمه الله على الاعتراف ظاهر والتنظير فيه والقول بأنّ الوجه هو الثاني لا وجه له. قوله: (أو لتمكنهم من العلم به بأدنى نظر) أي بأقرب نظر أو أقله لسهولته وهذا إن كان من الكفرة من لا يعلم أنّ الله خالقه وخالق من قبله لا سيما على ما فسر به المصنف رحمه الله القبلية فنزل قدرته على العلم منزلة حصوله وأخرجت الجملة مخرج المعلوم على خلاف مقتضى الظاهر فإنه قد ينزل غير العالم منزلة العالم لوضوح البراهين كما ينزل العالم منزلة الجاهل لعدم عمله. قوله: (وقرئ من قبلكم) القراءة المشهورة بمن المكسورة الميم الجارّة، وقد استشكلت أيضاً بأن الجارّ والمجرور لا يصح أن يكون صلة إلا إذا جاز أن يخبر به عن المبتدأ ومن قبلكم ناقص ليس في الإخبار به عن الأعيان فائدة فلا يصح أن يقع خبراً إلا بتأويل فكذلك حكمه في الصلة وتأويله أن ظرف الزمان إذا وصف لفظاً أو تقديراً مع القرينة الواضحة صح الإخبار به والوصل فتقول نحن في يوم طيب وما هنا بتقدير في زمان قبل زمانكم، وقال أبو البقاء التقدير هنا والذين خلقهم من قبل خلقكم فحذف الفعل الذي هو صلة وأقيم متعلقه مقامه، وأمّا قراءة من بفتح الميم كالموصولة وهي قراءة زيد بن عليّ الشاذة فمشكلة لتوالي موصولين والصلة واحدة ولا يصح أن يكون تأكيداً لأنّ المعنوي بألفاظ مخصوصة واللفظيّ بإعادة اللفظ بعينه، وهذا خارج عنهما فخرجت كما قاله المصنف رحمه الله على إقحام الموصول الثاني أي زيادته وأصل معنى الإقحام إدخال شيء في آخر بفف كما مرّ كما أقحم الشاعر في قوله: يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم تيما الثاني بين الأوّل وما أضيف إليه وأقحم لام الإضافة أيضاً بين المتضايفين في لا أبا لكم إلا أنّ المصنف رحمه الله ترك الثاني مع ذكره في البيت وتصريح الزمخشري. به لأنه عند ابن الحاجب ليس مضافا واللام زائدة وأنما عومل معاملة المضاف وارتضاه المصنف رحمه الله لسلامته من التكلف، وقيل على هذا التوجيه أنه غير سديد لأنّ الحرف لا يؤكد بدون إعادة ما اتصل به فالموصول أولى بذلك، وخرج على أنّ من موصولة أو موصوفة وهي خبر مبتدأ مقدر فما بعده صلة أو صفة وهو مع المقدر صلة الموصول الأوّل والتقدير الذين هم من قبلكم، والمراد بالتأكيد على تقديره الزيادة لأنّ الزيادة تفيد تقوية الكلام في كلامهم فلا يرد عليه ما قيل من أنه خارج عن قسمي التأكيد وقد أجاز بعض النحاة زيادة الأسماء وأجاز الكسائي أيضاً زيادة من الموصولة وجعل منه قوله: وكفى بنا فضلاً على من غيرنا فلا حاجة إلى أن يقال إنه تكيد لفظيّ فإنه يكون بعينه وبمرادفه فيرد عليه أنّ الموصول بدون صلته لا يفيد شيئا فكيف يؤكد. قوله: (يا تيم تيم عديّ لا أباً لكم) هو مصراع بيت من شعر لجرير هجا به عمر بن لجا بن حدير أحد بني مصاد والشعر أوّله: هاج الهوى وضمير الحاجة الذكر واستعجم اليوم من سلامة الخبر وياتيم تيم عديّ لا أبالكم لايلقينكم في سورة عمر أحين صرت سمامايا بني لجا وخاطرت بي عن أحسابها مضر خل الطريق لمن يبني المنار به وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر وبرزة أمّ عمر بن لجا فأجابه عمر بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 لقد كذبت وشرّ ألقول أكذبه ما خاطرت بك عن أحسابها مضر بل أنت برزة خوّار على أمة لن يسبق الجلبات اللؤم والخور وله قصة مذكورة في شرح شعر جرير وتيم بفتح التاء الفوقية وسكون التحتية أصل معناه العبد، ومنه تيم الله ثم سمى به عدة قبائل ومنها تيم عديّ التي منها عمر المذكور فخاطب جرير قبيلته لما بنغه عنه أنه أراد هجاءه وقال لهم لا تتركوا عمر أن يهجوني فيصيبكم شرّي بأن أهجوكم بسببه، وبجوز في تيم الأوّل الضم والفتح والثاني مفتوح فقط وما ذكر هنا بناء على أنّ تيم الأوّل مضاف لعديّ والثاني مقحم بينهما للتأكيد وفيه وجوه أخر مفصلة في باب المنادى وشبه الإقحام بين الصلة والموصول ببين المضاف والمضاف إليه ووجه الشبه ظاهر. قوله: (حال من الضمير في اعبدوا الخ) رجح هذا الوجه المصنف تبعا لكثير من المفسرين وخالف الزمخشري في ترجيحه الوجه الآتي بيانه وتقريره، واعلم أنّ لعل موضوعة للترجي وهو الطمع في حصول أمر محبوب ممكن الوقوع والإشفاق وهو توقع مخوف ممكن والمشهور تقابل الترجي والإشفاق فتكون مشتركة بينهما لكن المحقق الرضي ذكر أنّ في لعل معنى ترجيت والترجي ارتقاب شيء لا وثوق بحصوله ويدخل في الارتقاب الطمع والإشفاق فالطمع ارتقاب أمر محبوب والإشفاق ارتكاب أمر مكروه، والترجي أعمّ من الطلب وقيل بالعكس والذي ارتضاه النحاة في شرح التلخيص أنّ الترجي ليس بطلب وما ذكر هو معناه الحقيقيّ وقد تخرج إلى معان أخر، واختلف في لعل الواقعة في كلامه تعالى فقيل ليست على حقيقتها بل هي للتعليل وسيأتي ما فيه وقيل لتحقيق مضمون ما بعدها ولا يطرد لورود نحو لعلة يتذكر أو يخشى والذي ارتضاه سيبويه وبعض النحاة أنها على حقيقتها والرجاء والإشفاق يتعلق بالمخاطبين لأنّ الأصل أن لا يخرج عن الحقيقة بغير داع وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله إلا أن الرجاء لما كان غير لائق به تعالى صرفه إلى المخاطبين بناء على أنّ معاني الألفاظ تكون بالنظر إلى المتكلم وبالنظر إلى المخاطب والى غيرهما والظاهر أنّ الثاني مجاز لكنه أقرب إلى الحقيقة لبقائها في الجملة فإن قلنا إنه حقيقة فلا كلام في ترجيحه وجعله حالاً من فاعل اعبدوا بتأويله براجين لأنه إنشاء ومثله لا يقع حالاً بغير تأويل كما صرّح به النحاة والحال قيد لعاملها وهو الأمر فإن قلنا إنه أعئم من الوجوب فلا إشكال وان قلنا الأصل فيه الوجوب فيقتضي وجوب الرجاء المقيد به العبادة المأمور بها وليس بواجب فقد يمنع ويقال إنه يقتضي وجوب المقيد دون قيده وفيه كلام في الأصول ولهذا جعل ما اختاره المصنف مرجوحا وقيل إنّ فيه أيضا عدولاً عن تعليقه بالأقرب إلى الأبعد وتوسطه بين العصا ولحائها فإنّ {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} [سورة البقرة، الآية: 22] موصول بربكم صفة له بحسب المعنى، دمان جعل منصوبا أو مرفوعا على المدح والتعظيم، وأيضا لا طائل في تقييد العبادة برجاء التقوى لأن رجاء الشيء ينافي حصوله حين الرجاء بل المناسب تقييدها بنفس التقوى أي اعبدوه متقين أو عطفها عليها أي اعبدوه واتقوا ولا مساغ للحمل على رجاء ثواب التقوى لإخراجه الكلام عن سننه كما لا يخفى، وأجيب عنه بأنه يرجح تعلقه بالأبعد أنه حينئذ حقيقة وأنه لم يقيد العبادة برجاء التقوى حتى يرد ما ذكر بل قيد باستمرار التقوى. كما يفيده المضارع ورجاء استمرار التقوى يفيد حصول التقوى على أبلغ وجه وفائدته الاحتراز عن الاغترار وأمّا الفصل المذكور فيهوّنه القطع وان كان بينهما اتصال معنويّ ويدفعه بالكلية جعله مبتدأ خبره جملة فلا تجعلوا الخ ولا يخفى ما فيه من التكلف والردّ بما تداركه من قوله صفة بحسب المعنى مع عدم تعين القطع وبناء الوجه الراجح على مرجوح عنده. كله لا يدفع الترجيح بل يؤيده وقيل في الجواب عنه أيضاً أن قوله راجين الخ جواب عما أورد من أنه لا طائل تحته لأنه إذا حملت التقوى على معناها الثالث وهو التبري عما سوى الله المقتضي للفوز بالهدى عاجلا وبالقرب فيه آجلا ففيه طائل وأيّ طائل وهو أقرب مما قبله فتدبر. قوله: (أن تنخرطوا لخ) الانخراط بمعنى النظم كما يشهد له اقترانه بالسلك وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 الخيط الذي تنظم فيه الدرر وما ضاهاها وقع في كلام كثير من العلماء والأدباء كالزمخشري والحريرفي والسكاكيّ وغيرهم، إلا أني لم أره في كلام العرب بهذا المعنى ونظرت في كتب اللغة التي بأيدي الناس فلم أر في شيء منها تفسير. بما ذكر، والذي أراه في توجيهه أنه من الخريطة وهي الكيس فإنه يقال أخرطت الخريطة كما في المحيط الصاحبيّ من كتب اللغة فيكون على ضرب من التسامح فيه بجعل جمع الكيس كجمع العقد وهو قريب جداً والاستيجاب المراد به ألاستحقاق بفضله تعالى وضمن التبري معنى الفرار فعداه بإلى وهو ظاهر وقوله المستوجبين بصيغة الجمع صفة للمتقين أو بدل منه بمعنى المستحقين وبصيغة التثنية صفة للهدى والفلاح بمعنى المقتضيين لما ذكر، والهدى في الدنيا والفلاح في الآخرة. قوله: (نبه به) أي بما ذكر أو بالحال لأنها تذكر وتؤنث وأشار بقوله نبه إلى أنه ليس من منطوق اللفظ بل من إيمانه فإنه غير مخصوص بهؤلاء سواء عمّ الخطاب أو خص لكن التعبير بالترجي في حق الجميع يومئ إلى أنها رتبة عظيمة لأنّ طالب الحق لا يزال يترقى من حال إلى آخر، ويسمى ذلك سيرآ والسلوك معناه في اللغة مطلق الدخول ثم خص عند الصوفية بالدخول في طريق موصل للحق والسالك عندهم هو السائر إلى الله المتوسط بين المريد والمنتهى ما دام في السير وفسر التقوى بما ذكر وهو من مراتبها السابقة وقوله وأن العابد الخ هذا لما نظرا إلى ظاهر الترجي لأنه يستعمل فيما يحتمل الوقوع وعدمه فكل مترج خائف مما يؤذي إلى سخطه تعالى، ويحتمل أنه إشارة إلى حمل التقوى على معناه الأول الذي به يتقي العذاب فلا يتجه عليه شيء، ولا يرد ما قيل من أنّ المفهوم من لعل الرجاء دون الخوف إذ المراد خوف عدم حصول المرجوّ من التقوى المفضي إلى العذاب فينطبق حينثذ على ما استشهد به من قوله تعالى: {يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [سورة الإسراء، الآية: 57] ويؤيده كون لعل يدل على الإشفاق أيضاً وفي احتماله ما يومئ لما ذكر لمن تدبر. قوله: (أو من حاشية الشهاب / ج 2 / م 2 مفعول خلقكم الخ) معطوف على قوله من الضمير في اعبدوا إشارة إلى ما في الكشاف بعد ما ذكر حقيقتها من الترجي والإشفاق وأنها تكون في كلامه تعالى للإطماع من أنها هنا ليست في شيء لأنّ الرجاء لا يجوز عليه تعالى، وحمله على أنه يخلقهم راجين للتقوى ليس بسديد فلعل هنا مجاز لأنه خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف وركب فيهم العقول والشهوات وأزاح العلة عن أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتقوا ليترجح أمرهم وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجحت حال المرتجي بين أن يفعل وأن لا يفعل ففي الكلام استعارة لتشبيههم بالمرجوّ منهم، وتشبيهه تعالى بالراجي فإنّ هناك حالة شبيهة بالرجاء وهي إرادته تعالى منهم التقوى فأمّا أن تعتبر استعارة كلمة الترجي للإرادة استعارة تبعية حرفية أو يلاحظ هيئة مركبة من راج ومرجوّ منه ورجاء فت! ون تمثيلية صرّج من ألفاظها بالعمد منها ونوى ما سواه فلا تجوّز في لعل كما مرّ تفصيله إلا أنه قيل إن كلامه يميل إلى الأوّل إلا أنه راعى الأدب فلم يصرّح بنسبة التشبيه إليه تعالى ولا إلى إرادته وإن صزح به فيئ محل آخر لأنه لا تظهر المشابهة بين الإرادة والرجاء إلا باعتبار حال متعلقيهما أعني المكلف والمترجي منه فذكر التشبيه بين حاليهما لتظهر تلك المشابهة في أنّ متعلق كل من الإرادة والترجي متردّد بين الفعل وعدمه مع رجحان ما لجانب الفعل فإنه تعالى وضع بأيديهم زمام الاختيار، وأراد منهم الطاعة كما هو مذهب المعتزلة ونصب لهم أدلة عقلية ونقلية داعية إليه، ووعد وأوعد وألطف بما لا يحصى فلم يبق للمكلف عذر وصار حاله في رجحان اختياره للطاعة مع تمكنه من المعصية كحال المترجي منه في اختياره لما ترجى منه مع تمكنه من خلافه وصارت إرادته تعالى لاتقائه بمنزلة الترجي، ولما كان ما ذكره المصنف أقرب إلى الحقيقة وهو مجاز ما فيه من الابتناء على الاعتزال رجح الأوّل واخاره ولم يلتفت لما أوردوه عليه وأسقط منو قوله وضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير لأنه نزغة اعزالية فإذا سلم الكلام منها لم يبق به بأس ولذا قال ابن عطية لما اختار تعلقه بخلقكم لقربه أنه لما ولد كل مولود على الفطرة. كان بحيث إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 تأمّله متأمّل توقع منه رجاء أن يكون متقيا، وليس هذا ما في الكشاف بعينه كما توهم بل هو وجه آخر أبقى فيه لعل على حقيقته من الترجي إلا أن الترجي ليس من المتكلم ولا من المخاطب بل من غيرهما كما في قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} [سورة هود، الآية: 2 ا] ومن نزل عليه كلام المصنف وقال المعنى إنه خلقكم ومن قبلكم والحال أنّ من شأنكم وشأنهم أن يرجو منكم ومنهم التقوى كل من يتأتى منه الر%ظء والتوقع وهذا لا يستلزم تشبيهه تعالى بالمترجي ولا تعيين الراجي خبط وخلط، والذي عليه أرباب الحواشي أنّ هذا بعينه ما في الكشاف والمعطوف عليه قوله والذين من قبلكم. قوله: (في صورة من يرجى منه الخ) هذا صريح في الاستعارة فلا وجه لمن جعله حقيقة والدواعي جمع داعية أو داع لأنه لما لا يعقل والإنسان إذا اعتقد أنّ له في الفعل أو الترك مصلحة راجحة حصل في قلبه ميل جازم إليه فهذا الاعتقاد سواء نشأ عن علم أو ظن هو المسمى بالداعية مجازا من قولهم دعاه أي طلبه فكأنّ علمه بالمصلحة طلب منه الفعل وقد يسمى الداعي بالغرض! ، ومجموع القدرة، والداعية يسمى علة تامّة كما ذكره الأصوليون وفسرت هنا بالزواجر والمرغبات وعلى هذا الوجه الترجي مستعار للإرادة، كما صرّح به السيد وغيره وهو مع ظهوره قيل عليةلم! أن في شرح المقاصد أن الإرادة عند محققي المعتزلة العلم بما في الفعل من المصلحة ولا شك أنه لا شك في أنه لا مشابهة بين العلم والترجي أصلاً فلا يظهر اعتباره في الآية ويمكن أن يقال إنه نقل في شرح المقاصد أيضا عن الكعبيّ من المعتزلة أنّ إرادة فعل الغير الأمر به فيندفع الإشكال إذ المراد بالأمر الظلب بقي أنّ المشابهة بين الرجاء والإرادة بمعنى الطلب أو الصفة المرجحة المخصصة للفعل ظاهرة بلا حاجة إلى اعتبار المترجي منه والمراد منه على أنّ المتبادر من تقديره قدس سرّه أنّ المعتبر في الترجي رجحان جانب الفعل بحسب الوقوع في نفس الأمر وليس كذلك إذ يكفي ترجيحه في نظر الزواجر وهذا كله من ضيق العطن وتكثير السواد بما لا يليق بمثله فإنّ العلم ليس مطلقا بل علم مصلحة الفعل ولا خفاء في مشابهتة للترجي في جانب الوقوع فيهما وما بعده على طرف الثمام. قوله: (وغلب المخاطبين على الفائببن الخ (هذا جواب عن سؤال هو أنه كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون خلق من قبلهم لدّلك فلم قصر عليهم دون من قبلهم، فأجيب بأنه لم يقصر عليهم ولكن غلب المخاطبين على الغائبين في اللفملى والمعنى على إرادتهم جميعاً ولو لم يغلب قيل لعلكم واياهم، وهذا محصل ما في الكشاف إلا أنه قيل على المصنف أنه عمم أوّلاً في قوله الذين من قبلكم لغير العقلاء ثم اعتبر هنا تغليب المخاطبين على من قبلهم العامّ فيلزمه أن يكون ما سوى الإنسان من الجماد والحيوان الداخل فيمن قبلهم مطلوبا منه التقوى وإنما لزمه هذا من جمعه بين كلام الراغب والزمخشري، فإنّ الزمخشري اعتبر التغليب لكنه لم يعمم الذين من قبلهم لغير العقلاء والرإغب عكس فلما جمع بين كلاميهما لزم منه ما لزم، وأجيب بأنّ قوله لعلكم تتقون إذا كان حالاً من ضمير اعبدوا تناول الذين من قبلكم العقلاء وغيرهم وهو الذي اختاره الراغب واقتصر عليه وإذا كان حالاً من مفعول خلقكم والمعطوف عليه كان المراد بقوله الذين من قبلقم الأمم السالفة وهو الذي اختاره في الكشاف والتغليب مختص بهذا الوجه فكأنه قال أو عن مفعول خلقكم والمعطوف عليه لا على غعنى جعله متناولاً لغير ذي العقول بل على أنه خلقكم ومن قبلكم من الأمم السالفة وغلب المخاطبين من الأمم على الغائبين منهم فلا إشكال فيه. وأمّا جعل هذا التفاتاً لمن ذكر بطريق الغيبة من غير حاجة إلى التغليب فقيل إنه لم يلتفت إليه لأنه لا يجوز صرف الخطاب عن جماعة إلى جماعة أشمل من الأولى في كلام واحد ولا يخفى عليك أنه لا بد من التغليب في قوله الذين من قبلكم أيضاً لأنّ الذين ونحوه من صيغ جمع المذكر السالم مخصوص بالعقلاء فإطلاقه على غيرهم إنما يكون بطريق التغليب وحينئذ فلا مانع من أن ينسب إلى الجميع ما ينسب إلى بعضهم من ترجي التقوى ويتبنى هذا على التغليب والاختلاط السابق كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلاً والقاتل واحد منهم ففي الكلام حينئذ تغليبان أحدهما: في اللفظ والآخر: في النسبة فإنّ التغليب كما يكون في طرفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 القضية يكون في نسبتها كما صرّحوا به واجتماع تغليبين في لفظ واحد وارد في القرآن كما صرّح به في شرح التلخيص والمفتاح في قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [سورة الشورى، الآية: 11] وهذا ليس بأبعد مما اذعاه من غير بينة فتأمّل. قوله: (وقيل تعليل الخ (في الكث اف لعل جاءت للأطماع روتي القرآن من كريم رحيم إذا أطمع فعل ما يطمع فيه لا محالة لجري إطماعه مجرى وعده المحتوم وفاؤه وهو معنى ما قيل من أنها بمعنى كي لأنها لا تكون بمعنى كي حقيقة وأيضا فمن ديدن الملوك وعادتهم أن يقتصروا في مواعيدهم المن! ش ة على عسى ولعل ونحوهما أو يخيلوا إخالة رمزة وابتسامة، فإذا عثر على شيء من ذلك لم يبق شك في النجاج والفوز بالمطلوب وعلى هذا ورد كلام مالك الملوك ذي الكبرياء أو جاء على طريق الإطماع لئلا يتكل العباد كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة التحريم، الآية: 8] والأطماع إيقاع الغير في الطمع والطمع كما قاله الراغب نزوع النفس إلى الشيء فهو توجيه فيما له ترجي المخاطب وهو الذي أراده فإنّ معاني الألفاظ كما تكون بالنسبة إلى المتكلم تكون بالنسبة للمخاطب وغيره حقيقة فهو معنى حقيقيّ أيضاً للعل واليه أشار الشريف في شرحه، وهو معنى قول الراغب الطمع والإشفاق لا يصح على الله ولعل وان كان طمعاً فإنه يقتضي في كلامهم أن يكون تارة طمع المخاطب وتارة طمع غيره وتحقيق هذا المقام، وتطبيق مفاصل كلام العلامة من مزالّ الإقدام التي خبط فيها شراحه، والحق الحقيق بالقبول ما تلخص من كلام بعض الفحول، وهو أنه أراد أنها للتحقئين إلا أنه أبرز في صورة الأطماع وترجية الغير إمّا لإظهار أنه لا فرق بين أطماعه في شيء وبين جزمه بإعطائه لاقتضاء كرمه ذلك أو لسلوك طريق الملوك في إظهار الكبرياء وقلة الاعتداد بالأشياء أو للتنبيه على أنّ حق العباد أن لا يتكلوا على العبادة بل يقفوا بين الخوف والرجاء، ولما ذهب ابن الأنبارقي وغيره إلى أنّ لعل تجيء بمعنى كي حتى حملوها عليه في كل موضمع امتنع فيه الترجي سواء كان إطماعاً أو لا أشار إلى توجيه ما قالوه بأنهم لم يريدوا أنها بمعنى كي حقيقة لأنّ أهل اللغة يعدّوه من معانيها ولذا لم تقع في موضعها في نحو دخلت على المريض كي أعوده ولا يقول به أحد فالمراد أنّ ما بعدها، إذا صدر من كريم على سبيل الأطماع سيلحق عقب ما قبلها تحقق الغاية عقيب ما هي سبب له فكأنها بمعنى كي ولا يجري هذا إلا في الإطماعية دون غيرها. وقيل مقصوده الردّ عليهم مشيراً لمنشأ توهمهم وفيه أنه توهم عامّ منشؤه خاص وقد ارتضاه بعضهم ونزل عليه كلام المصنف رحمه الله والظاهر ما ارتضاه قدس سرّه، وما قيل من أنّ من فسرها بكي لا يدعي أنها حقيقة في معناها حتى يكونا مترادفين يصح وقوع كل منهما في موقع الآخر بل مجاز فلا يقتضي صحة وقوعها في جميع مواقع كي حتى يلزم صحة نحو لعلي أعوده مع أنه لا يلزم من كون لفظ بمعنى آخر أن يعطي له جميع أحكامه ولم يدعوا أنه لا فرق بينهما أصلا ولا نسلم الاتفاق على عدم صلوحها لمجرّد معنى العلية بل الظاهر الاتفاق على خلافه لأنّ جمهور المفسرين حتى الزمخشريّ والمصنف فسروها بكي في مواضمع كثيرة كما سيأتي نيه ما فيه ثم إنّ كثيرا من أهل اللغة والعربية " تد عدوه من معانيها كما نقل عن سيبوبه وقطرب، أقول لك أن تقول إنّ الأطماع بمعنى الترجي إذا كان معنى حقيقياً يكنى به بقرينة مقام الكبرياء عن تحقق ما بعدها على عادة الكبراء كما قال زهير: غمرالرداءإذاتبسم ضاحكا عتقت لضحكته رقاب المال ثم يتجوّز به عن كل متحقق كتحقق العلة سواء كان معه أطماع أم لا كما قرّروه في المجاز المبنيّ على الكناية في نحو لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم فالعلامة اختاره لأنّ المجاز أولى من الاشتراك عنده لا سيما وهو أبلغ وفيه جمع لنشر كلام القوم ولا ينافي حيئ! ذ تفسيره به وكيف لا وقد صرّح به وقال إنها جاءت كذلك في مواضع من القرآن فإن نزل كلام المصنف عليه بصرف قوله إذ لم يثبت في اللغة إلى أنه لم لثت على أنه معنى حقيقيّ فيها ونعمت والا يدفع ما يرد عليه حيث فسر به بأنه تغ فيه غيره وان لم يكن مرضياً له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وهي شنشنة من أخزم، نعم كلام كثير من أهل العربية يدلّ على أنه معنى حقيقيّ لها ولكل وجهة يرضاها وليكن هذا على ذكر منك ينفعك فيما سيأتي. قوله: (كما قال سبحانه وتعالى وما خلقت الخ) إشارة إلى جواب سؤال تقديره كيف يصح جعلها بمعنى كي وأفعاله تعالى على المشهور لا قعلل بالأغراض عند الأشاعرة خلافا للمعتزلة فلا يقال فعل كذا لكذا بل لحكمة لأنّ الأصح خلافه حتى قال صدر الشريعة رحمه الله أفعاله تعالى معللة بمصالح العباد عندنا مع أنه لا يجب عليه الأصلح وما أبعد عن الحق من قال إنها غير معللة بها فإنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاهتداء الخلق واظهار المعجزات فمن أنكر تعليل بعض الأفعال لا سيما الأحكام الشرعية كالحدود فقد أنكر النبوّة ولذا كان القياس حجة وأمّا الوقوف على ذلك في كل محل فلا يلزم، والحق أنّ الخلاف في هذه المسألة لفظيّ فان فسرت العلة والغرض بما يتوقف عليه ويستكمل به الفاعل امتنع ذلك في حقه تعالى وان فسرت بالحكمة والثمرة المترتبة على الفعل فلا شبهة في وقوعها كما قيل: من عرف الله أزال التهمه وقال كل فعله لحكمه ولما لم يصح عند الأشاعرة استعارة لعل للإرادة لاستلزامها وقوع المراد جعلوها مجازا عن الطلب الأعمّ وحيث فسرت بالإرادة فيتجوّز عن الطلب وأمّا التعليل فقد عرفته آنفاً. قوله؟ (وهو ضعيف الخ) استشكل بأنه مناف لتفسيرهم به في آيات كثيرة ولتصريح النحاة به واستشهادهم عليه بكلام فصحاء العرب كقوله: فقلتهم لنا كفوا الحروب لعلنا نك! ووثقتم لناكل موثق فإنّ قوله وثقتم الخ يقتضي عدم التردّد في الوقوع كما في الترجي وبهذا يتعين أنها بمعنى كي ووجه بأنه استعارة للطلب فإمّا أن يجعل مفعولاً له أي خلقكم لطلب التقوى والتعليل مستفاد من ربطها بما قبلها أو حالاً أي خلقهم طالبا منهم التقوى ولا يخفى ما فيه من التعسف وأنت إذا عرفت ما قرّرناه استغنيت عن مثل هذه التكلفات. قوله: (والآية تدلّ على أنّ الطريق إلى معرفة الله تعالى الخ) هذه الدلالة ليست بطريق البرهان العقليّ وإنما هي بطريق الإشارة من عرض الكلام وفحوى المعنى ووجهه بعد العلم بأنّ المراد بمعرفة الله التصديق بوجوده متصفا بصفاته اللائقة بجلال ذاته، ووحدانيته بفتح الواو تفرّده ة ي جميع شؤونه بحيث لا يصح عليه التجزي ولا التكثير ولا يشاركه شيء أصلاً وأصله الوحدية فزيد فيه ألف ونون على خلاف القياس للمبالغة كما قيل في نفسانيّ وروحانيّ وهو وان شاع لم يذكره أهل اللغة بخصوصه، والعلم معطوف على المعرفة والفرق بينهما مشهور، والصنع إجادة الفعل فهو أخص منه، والاستدلال إقامة الدليل بأنه لما أمر وجوبا بعبادته توقف ذلك على معرفته فيجب أيضاً لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلا به واستحقاقه العبادة عامّة مأخوذ من هذا الأمر لأنه لو لم يستحق لم يجب أو من عنوان الربوبية لأنّ المالك الانقياد والخضوع له والنظر في مصنوعاته من الأنفس والآفاق يدلّ على ذلك لأنها محدثات مبتدعة في غاية الإتقان فلا بدّ لها من موجد واجب الوجود لئلا يتسلسل ويلزم المحال كما تقرّر في- الأصول، وعقة الاحتياج الإمكان أو الحدوث أو هما كما هو مشهور، والمصنوعات دلّ عليها قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَكُمْ} إلى قوله {رِزْقاً} ، ووجه الترتيب أن أقرب الأشياء إلى الناظر نفسه وأحواله الدال عليها قوله خلقكم فلذا قدم ثم اتبع بالأصول وما يليه، وتعين النظر طريقاً إلى المعرفة يفهم من التوصيف المقصود منه تعيين الرب بمصنوعاته المأمور بعبادته فكأنه قيل إن لم تعرفوا المستحق للعبادة الواجبة فهو من اتصف بما ذكر، ولا شك أنه إشارة إلى طريق النظر والفكر وأمّا كونه طريقا للتوحيد فقيل لأنّ السياق له وما ذكر طريق لمعرفته، وأمّا الاستحقاق فمن تعليق الحكم بالوصف المشتق المشعر بالعلية التي لا تعرف إلا بالنظر في الصنع وبما ذكرناه علم أنه لا يرد على المصنف رحمه الله ما قيل من أنّ ما ذكره ظاهر لو كانت العبادة بمعنى المعرفة كما فسر به قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] أو كانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 شاملة لها وإلا ففيه خفاء لما عرفته من وجه التفسير بها. قوله: (وأن العبد لا يستحق الخ الأنه تفضل بخلقه وإيجاده وتربيته واعطائه ما به قوامه فلو فكر في كل عضو عضو وما ركب فيه من القوى والحواس لوجده أنعم عليه قبل عبادته بما لا يحصى مما لا تفي الطاقة البشرية بشكره ولا تقاوم عبادته بعضاً منه فكيف يستحق بها شيئا آخر كما لا يخفى وهذا مستفاد من تعليق الأمر بالرب الموصوف بما ذكر وبهذا ظهر موقع لعل هنا لمن تدبر. واعلم أنه سأل في الكشاف لم يقل في النظم تعبدون لأجل اعبدوا أو اتقوا لمكان تتقون ليتجاوب طرفا النظم أي ليتناسب أوّل الكلام وآخره إذ معناه حينئذ اشتغلوا بالأمر الذي خلقتكم لأجله مع اشتماله على صنعة بديعة من ردّ العجز على الصدور وما في النظم يوهم أنّ المعنى اشتغلوا بما جلقتم لغيره وهو متنافر وأجاب بأنّ التقوى ليست غير العبادة حتى يؤدّي إلى تنافر النظم وإنما التقوى قصارى أمر العابد فإذا قال اعبدوا ربكم الذي خلقكم للاستيلاء على أقصى غايات العبادة كان أبعث على العبادة وأشد إلزاما ونحوه أن تقول لعبدك احمل خريطة الكتب فما ملكتك إلا لجرّ الأثقال، ولو قلت لحمل الخرائط لم يقع ذلك الموقع، وقال أبو حيان رحمه الله إنه ليس بشيء لأنه لا يمكن هنا تجاوب طرفي النظم على تقدير اعبدوا لعلكم تعبدون أو اتقوا لعلكم تتقون لما فيه من الغثاثة والفساد لأنه كقولك اضرب زيدا لعلك تضربه وتلقاه بعضهم بالقبول حتى قيل: إنّ المصنف إنما تركه لهذا أو لخفائه، مع أنه مبنيّ على أنّ لعل للتجليل فإنه إنما يحسن على ذلك التقدير، وهو مخالف لما قدمه من أنها ليست بهذا المعنى وما في شروحه من تقرير الجواب على وجه يدفع الغثاثة المذكورة كما قال قدس سرّه حاصل الجواب أنّ الملاءمة حاصلة بحسب المعنى مع مبالغة تامّة في إلزام العبادة كما صوّرها في المثال فإنّ الأخذ بالأشق الأصعب يسه!! الشاق الصعب ويعين على تحصيله وهو محل بحث فليتدبر. قوله:) صفة ثانية) هذا الموصول محتمل للرفع والنصف من أوجه، فالنصب إمّا على القطع بتقدير أعني أو على أنه نعت ربكم أو بدل منه أو مفعول تتقون، ورجحه أبو البقاء أو نعت الأوّل لكهم قالوا: إنّ النعت لا ينعت عند بعضهم فإن جاء ما يوهمه جعل نعتا ثانيا إلا أن يمنع منه مانع فيكون نعتا للثاني نحو يا أيها الفارس ذو الجمة فذو الجمة نعت للفارس لا لأيّ لأنها لا تنعت إلا بما تقدم ذكره وقد يعتذر بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل مع أنّ نعت نعت أفي لغلبة الجمود فيه لا يقاس عليه والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبر. جملة فلا تجعلوا وأورد عليه أنّ صلته ماضية فلا تشبه الشرط حتى تزاد الفاء في خبره وأنه لا راد علة فيه وأنّ الإنشاء لا يكون خبرا في الأكثر وأجيمب بأنّ الؤاء قد تدخل في خبر الموصولة بالماضي كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} [سورة البروج، الآية: 0 ا] كما ذكره الرضي وأنّ الاسم الظاهر وهو الله هنا يقوم مقام الضمير عند الأخفش وأنّ الإنشاء يقع خبرا بالتأويل المشهور وكل مصحح لا مرجح ولذا أخره المصنف وما قيل إنه مبتدأ خبره رزقا لكم بتقدير يرزق أو يرزقكم تكلف بارد. قوله:) وجعل من الأفعال العامّة الخ) قال الراغب جعل لفظ عامّ في الأفعال كلها لأنه أعمّ من فعل وصنع وسائر أخواتها ولها خمسة أوجه فتكون بمعنى طفق فلا تتعدى وبمعنى أوجد فتتعدى لواحد ولإيجاد شيء عن شيء وتكوينه عنه وتصيير شيء على حالة دون حالة وللحكم بشيء على شيء حقاً أو باطلا، وقال السيرافي أنها تكون بمعنيين صنع وعمل فتتعدى لواحد وصير فتتعدى لاثنين لا يجوز الاقتصار على أحدهما وهذه كصير على ثلاثة أوجه الأوّل بمعنى سمي نحو: {جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا إنلأناً} [سورة الزخرف، الآية: 19] كما تقول! صير زيداً فاسقا أي بالقول الثاني على معنى الظن والتخيل نحو اجعل الأمير عاميا وكلمه أي صيره في نفسك كذا. الثالث أن تكون بمعنى النقل نحو جعلت الطين خزفاً أي نقلته من حالة إلى أخرى وقد لا يكون مدخول صار جملة نحو صار زيد إلى عمرو اأتهى. وطفق يطفق كجلس وضرب ويقال طبق بالباء من أفعال المقاربة النواسخ تدخل على المبتدأ والخبر فترتفع وتنصب ومعناها الشروع في الفعل والتلبس بأوائله ومنصوبها لفظا أو محلا خبرها فلذا قال المصنف رحمه الله تبعا للراغب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 فلا يتعدى. وهي في الآية بمعنى صير كما سيشير إليه المصنف رحمه الله، وقيل تحتمل معنى أوجد أيضاً أي أوجد الأرض حالة كونها مبسوطة مفترشة لكم فلا تحتاجون لبسطها والسعي في جعلها مفترشة. قوله: (وقد جعلت قلوص بني سهيل الخ) هذا من شعر في الحماسة ومنه: ولست بنازل إلا ألمت برحلي أوخيالتها الكذوب وقدجعلت قلوص بني سهيل من اكواومرتعهاقريب كان لها برحل القوم مثوى رما إن طيها إلا اللغوب واستشهد به المصنف رحمه الله تبعا للنحاة في أنّ جعل بمعنى طفق من أفعال المقاربة فترفع الاسم وتنصب الخبر واسمها هنا قلوص المرفوع، إلا أنّ خبرها وقع جملة اسمية منصوبة محلاً وهو معنى قوله فلا يتعدّى كما سمعته آنفا، وهكذا ذكره في المغني في باب اللام وفي التسهيل والأصل في خبرها أن يكون مضارعا لكنه جاء شذوذاً على خلافه كما هنا وليس بمتفق عليه رواية ودراية فذهب إلتبريزي في شرح الحماسة إلى أنّ جعل بمعنى طفق لا يتعدى هنا حقيقة، وقوله مرتعها قريب في موضمع الحال أي أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة المرتع من رحالهم لما بها من الإعياء فجعلها لازمة فقول المصنف فلا يتعدى يجوز إبقاؤه على ظاهره كما ذهب إليه بعض أرباب الحواشي وعلى هذا يجوز إرجاع قوله فلا يتعدى إلى صار أيضاً لأنها تكون لازمة لكن المصرح به في كتب العربية خلافه، ورواه ابني سهيل بتثنية ابن وسهيل اسم وعلى الأوّل! هو اسم قبيلة وقال أبو العلاء: رفع قلوص رديء لأنّ جعل إذا كانت للمقاربة يكون خبرها فعلا فالأحسن نصب قلوص ويكون في جعلت ضمير يعود على المذكور وجعلت ليست للمقاربة بل بمعنى صيرت فلا تفتقر إلى فعل ومرتعها قريب جملة في موضع المفعول الثاني وذكر مسألة الشلويين ويؤيده أنه روي بنصب قلوص والقلو عالفتية من الإبل أوّل ما تركب وا! وار جمع كور بالضم والراء المهملة قبلها واو ساكنة الرحل بأدأته كما قاله المرزوقي وغيره فمن قال إنه بالفتح بمعنى جماعة كثيرة من الإبل لم يصب رواية ودراية، ومرتعها مرعاها وقربه لإعيائها لا لكثرة الخصب كما توهم لأنّ الأوّل هو المروي ويعينه قوله اللغوب في البيت الذي يليه، فقد عرفت أنّ قلوص في البيت يرفع وينصب وأنه يصح أن يقال بني وابني كما في شرح شواهد المغني وغيره، وقوله بمعنى صار معنى مستقل غير معنى طفق فمن قال ضم صار إلى طفق مع أنّ صار ليس من أفعال المقاربة إشارة إلى ما ذكره بعض المحققين من أن طفق ونحوها ليس من أفعال المقاربة الموضوعة لدنو الخبر بل موضوعة لشروع فاعله في معنى الخبر فقد خلط وخبط خبط عشواء، واعلم أنّ قول المصنف أو مبتدأ مما سبقه إليه بعض المعربين فذكره المصنف رحمه الله تكميلا للوجوه ولا ينافيه أن يكون فيه ضعف من جهة ما ولا وجه للتشنيع عليه تبعاً لبعض أرباب الحواشي، بقوله إنه أخطأ حيث توهم أن قوله في الكشاف رفع على الابتداء معناه أنه مبتدأ أو مرإده أنه خبر، وإنما عبر به لأن العامل في الخبر عنده الابتداء وأورد عليه أنّ الفاء في الخبر تدل على السببية والصفات المذكورة ليست مقتضية لنفي الإشراك وأطال بغير طائل مما تركه خير منه لكنا نبهناك عليه لئلا يظن بعض العقول القاصرة في سرابه ماء فتدبر. قوله: (وبمعنى صير فيتعدّى الخ (التصيير هو انتقال الشيء من حال إلى حال وخلع المادّة صورة ولبس أخرى وهذا هو الذي يكون بالفعل نحو صيرت الحديد سيفا والسبيكة سواراً وقد يكون بالقول كالتسمية في جعلوا الملائكة إناثا وقد يكون بالعقد أي بتصميم الحكم نحو جاعلوه من المرسلين وجمع المصنف رحمه الله بين القول والعقد لتقاربهما وتلازمهما غالبا وعدم التأثر الحسيّ فيهما ومنه الانتقال إلى حال شرفي كتأثير إحياء الموات في انتقاله إلى الملك وتأثير عقد النكاح، وقيل المراد بالعقد الاعتقاد فإن من يعتقد في شيء أمراً انتقل إليه في اعتقاده، وقيل المراد بالعقد العقد الشرعي المحتوي على الإيجاب والقبول وليس بشيء، وكون قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} مما تعدى لمفعولين هو الظاهر وقد جوّز أنّ الجعل فيها بمعنى الإيجاد متعد لواحد وفراشاً حال كما مرّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 قوله: (ومعنى جعلها فراشاً الخ) الفراس معروف وما ذكره المصنف رحمه الله ملخص من قول الإمام أنّ مقتضى طبع الأرض! أن يكون الماء محيط بأعلاها لثقلها ولو كانت كذلك لما كانت فراشاً فأخرج الله بعضها، ومن الناس من زعم أنّ كونها فراشاً ينافي كونها كرية كما هو مبرهن في علم الهيئة وليس بشيء لأنّ الكرة إذا عظمت كان كل قطعة منها كالسطح في افتراشه، وقول المصنف رحمه الله من الإحاطة بها فيه تسمح والأحسن أن يقول كما قال الإمام محيطاً بأعلاها كما لا يخفى. قوله: (متوسطة الخ) التوسط في الأجسام الوقوع في وسطها وهو ظاهر، وفي المعاني والكيفيات الاعتدال من بينها كما هنا فإنها لوكانت كلها صلبة لشق التمكن عليها لتألم الأعضاء ولوكنت لطيفة كالماء والهواء صعب الاستقرار عليها كما لو كانت لينة كالقطن. قوله: (قبة مضروبة الخ) البناء كل ما يرفع ليكتن به صواء كان بيتاً أو خيمة وقد غلب في الأوّل حتى صار حقيقة عرفية فيه وفسره بالقبة وهو أعمّ منها لأنه أكثر وقد جوّز في السماء أن يشمل المجموع وكل طبقة وجهة منها وأن يكون اسم جنس جمعيّ يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمرة وتمر وهم يطلقون عليه الجمع أيضاً وواحده سماءة بالهمز والمد، ويقال أيضاً سماوة بالواو وأمّا سمأة بسكون الميم قبل الهمزة بزنة طلحة فخطأ والبناء مصدر أطلق على المبنيّ بيتاً كان أو قبة أو خباء أو طرافاً وفي الكشهء وغيره من الشروح الأوّل من شعر، والثاني من لبن، والثالث من وبر أو صوف والرابع، من أدم وفي الثاني نظر استعمالاً وفي فقه اللغة عن ابن السكيت ولست من صحة بعضه على يقين خباء من صوف، بجاد من وبر فسطاط من شعر سرادق من كرسف قشع من جلود طراف من أدم حظيرة من شذب خيمة من شجر أقنة من حجر قبة من لبن سترة من مدر، وقوله بنى على أهله الأهل عشيرة الرجل وأقاربه، ويكون بمعنى الزوجة وهو المراد لأنه كان من عادتهم أن يضربوا للعروس خيمة للدخول عليها ويقال بنى على أهله إذا دخل عليها عروساً وتعديته بعلى والناس يقولون بنى بأهله وفي الدرة أنه خطأ والصحيح جوازه سماعا وقياساً كما بيناه في شرحها. قوله: (وخروج الثمار الخ) خروج الأشياء تكوّنها وبروزها وقوله بقدرة الله تعالى ومشيئته إشارة إلى مختار الأشاعرة من أنّ القدرة والإرادة مجموعين هما اللذان يقتضيان وجود الموجودات من غير احتياج إلى صفة التكوين التي أثبتها الماتريدية كما هو مبين في الكلام وقوله جعل الماء الخ جواب عن سؤال مقدّر وهو ما معنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته وارادته بأنه سبب عاديّ يخلقه الله تعالى ويعني به أنّ عروق الأشجار والنبات التي هي بمنزلة الأرحام أو الأفواه لها تجذب من الرطوبة الأرضية ماء مخلوطا بأجزاء دقيقة لطيفة ترابية هي بمنزلة نطفة يتولد منها الثمار والأزهار أو هي لها بمنزلة المأكل والمشرب فإذا صعد بها إلى الأغصان وطبخت بالشمس والهواء صارت كالكيموس والغذاء الذي يحصل به النماء فيتولد منه ذلك بقدرة خفية وعادة الأهية من غير تأثير لشيء بالذات والواسطة في تكوّنها، والإفاضة استعارة للإعطاء والتفصيل وفيه لطف هنا لمناسبته للماء وفي جعل ما يجتذب كالنطفة إشارة إلى قوله في الكشاف ما سوّاه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها والإخراج به من بطنها أشباه النسل المنتج من الحيوان من ألوان الثمار وفيه إيماء إلى قول الحكماء إنّ الأجرام العلوية كالآباء والسفلية كالأمهات التي تلد الموجودات وتربيها في مهد الوجود وكون النطفة مادّة وسببا ظاهر لأنها أصل الأجزاء وسبب ليكون ما عداها منعقداً معها كالمنشا، والمراد بالصور الأشكال، والكيفيات هي الطعوبم والألوان. قوله: (أو أبدع في الماء قوّة فاعلة الخ) يعني أنّ الباء على ما مر من مذصب أهل السئنة للسببية العادية وعلى هذا وهو ما ذهب إليه الحكماء للسببية الحقيقية والإبداع الإيجاد وقد يطلق عندهم على إيجاد شيء غير مسبوق بمادّة ولا زمان كالإنشاء ويقابله التكوين، والقوّة رسمت بأنها مبدأ الفعل مطلقأ سواء كان الفعل مختلفا أو غير مختلف بشعور وارادة أولاً وقيل هي مبدأ التغير في آخر من حيث هو آخر وهذا هو المراد هنا، وهي تنقسم إلى قوى طبيعية ونفسانية وما هنا من الطبيعية التي بلا شعور، والمراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 بنفوس الأسباب أعيانها وذواتها، ومدرجا بكسر الراء حال من ضمير له أو من إنشائها وكونه مفعولاً ثانياً للإنشاء بتضمينه معنى الجعل والتصميير تكلف ما لا حاجة إليه وقوله من اجتماعهما الضمير للقوّتين أو للماء والتراب، والصنائع جمع صناعة أو صنيعة بمعنى نعمة، والسكون بمعنى الاستئناس والاطمئنان وعظيم قدرته وقع في نسخة بدله عظم قدرته بصيغة المصدر مثل كبر لفظ! اً ومعنى، والعبر جمع عبرة كسدرة وسدر الاعتبار والاتعاظ، وقوله وهو سبحانه وتعالى قادر الخ تطبيق لما قالوه على قانون الشرع فإنّ الحكماء لا ينكر " - ن أنه قادر على خلقها ابتداء من غير أسباب ومواد كما ابتدأ خلق الأسباب والمواذ وأبرزها من بطون العدم إلى ظهور الوجود لكن جرت حكمته بعقد الأمور بأسبابها الأقرب إلى العقول لأنه إدل على قوّة قدرته ووفور حكمته لما فيه من خلق الأسباب مستعدة لما أفاضه عليها من التأثير وأدل على عظمته من خلقها دفعة بغير أسباب، وفي رسائل إخوان الصفاء في النبات حكم وصنائع ظاهرة جليلة لا تخفى ولكن صنائعها مختفية محتجبة وهي التي تسميها الفلاسفة القوى الطبيعية ويسميها أهل الشرع ملائكة وجنود الله الموكلين بتربية النبات والمعنى واحد وإنما نسبت هذه المصنوعات إلى القوى والملائكة دون الله لأنه جلت عظمته عن مباشرة الأجسام والحركات الجزئية كما تجل الملوك والرؤساء عن مباشرة الأفعال وان كانت منسوبة إليهم لأنها بأمرهم وارادتهم كما قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [سورة الأنفال، الآية: 17] ومن لم يفهم سره قال إنشاؤها دفعة أدلّ على القدرة وأغرب منه قوله أنّ المصنف إن أراد بالقوّة الفاعلة المؤثر الحقيقيّ كان خلاف مذهب أهل السنة والا لم يصح قوله يتولد الخ وقصر السببية على الماء والتراب لأنّ بهما القوام وهما أعظم الأجزاء المادية، ولذا قال خلقه من تراب ومن الماء كل شيء حيّ فسقط ما قيل من أنّ في هذا الاقتصار قصورا، لأنها من العناصر الأربعة. قوله: (ومن الأولى للايتداء الخ) السماء من السموّ فلذا قالوا: إنّ أصل معناها لغة كل ما علا سواء كان فلكاً أو سحاباً أو نفقا، وحقيقته في العرف يختص بالفلك فإن كان بهذا المعنى فهو ظاهر لأنه المتبادر منه على ما يقتضيه ظواهر الآيات والأحاديث لقوله تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [سورة الزمر، الآية: 21] وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 19] وأمثاله وورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " المطر ماء يخرج من تحت العرش فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في السماء الدنيا في موضع يقال له الأبزم فتجيء السحاب السود فتدخله فتشربه مثل شرب الإسفنجة فيسوقها الله حيث ماء " وهكذا ورد في، أحاديث كثيرة، وتأويلها بعيد من غير حاجة إليه ومن ذصب إلى خلافه أوّل الآيات بأنّ المراد أنها تنزل من السحاب، وهو يسمي سماء لعلوه أو أنه ينشأ من أسباب سماوية وتأثيرات أثيرية فهو مبدأ مجازي له واليه أشار المصنف رحمه الله وتفصيله كما في كتب الحكمة الطبيعية أنّ الشمس إذا سامتت بعض البحار والبراري أثارت من البحار بخارا رطبا ومن البراري بخاراً يابسا والبخار أجزاء هوائية يمازجها أجزاء صغار مائية لطفت بالحرارة حتى لا تتمايز في الحس لغاية صغرها فإذا صعد البخار إلى طبقة الهواء الثالثة تكاثف فإن لم يكن البرد قويا اجتمع ذلك البخار وتقاطر لثقله بالتكاثف فالمجتمع هو السحاب والمتقاطر المطر، وان كان قويا كان ثلجاً وبرداً وقد لا ينعقد سحاباً ويسمى ضبابا، وتثير مضارع أثار التراب والغبار إذا حركه حتى يرتفع، وقوله من أعماق الأرض جمع عمق والمراد به داخلها والمراد بالأرض جهة السفل فيشمل البحار والأنهار لما عرفته مما قرّرناه لك فسقط ما قيل من أنه لا حاجة لهذا، لأنّ الأكثر ارتفاعها من البحار والأنهار والجوهر ما بين الأرض والسماء لا الهواء نفسه حتى يكون من إضافة الشيء إلى نفسه فيحتاج إلى التأويل وان كان هو أحد معانيه. قوله: (من الثانية للتبعيض) بخلاف الأولى وان جوّز فيها على أنّ التقدير أنزل من مياه السماء لما فيه من التكلف وأقرب منه ما قيل إنها للسببية كقوله تعالى: {مَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [سورة نوح، الآية: 25] وقوله بدليل قوله سبحانه وتعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} [سورة فاطر، الآية: 27] استشهاد بنظائره فإنّ التنكير في هذه الآية وتنوينه يدلّ على البعضية في، دره منها لا سيما مع جموع القلة وقوله واكتناف المنكرين له أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وقوعهما قبله وبعده من الكنف بفتحتين وهو الجانب ويقال اكتنفه القوم إذا كانوا منه يمنة وش! رة كما في المصباح فكون ما بعده وما قبله أعني ماء ورزقا محمولين على البعض يقتضي كونه موافقا لهما وقوله كأنه قال الخ بيان لحاصل المعنى لا إشارة إلى أنه مفعول أخرح لتأويل ممن ببعض أو لجعله صفة للمفعول سدّت مسدّة أو اسم وقع مفعولاً ورزقا مفعول له أو مفعول مطلق لأخرج لأنه بمعنى رزق أو حال كما فيل وستأتي تتمته والمعنى شيئا من الثمرات أي بعضها، وأورد عليه أنّ الظاهر أنّ المقدّر مفعول وكلمة من على حالها تبعيضية صفة للمفعول وكون من التبعيضية ظرفا مستقرّاً لم يجوّزه النحاة اللهمّ إلا أن تكون ابتدائية وهو بيان لحاصل المعنى ولا يخفى ما فيه فإنّ كونها ظرفا مستقرّاً أكثر من أن يحص كقوله منهم من كلم الله ولست على ثقة مما ذكر وستأتي تتمة الكلام عليه في قوله: {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّبًا} [سورة المائدة، الآية ت 88] الآية. قوله: (إذ لم ينزل من السماء الماء كله الخ) بيان لأن التبعيض هو الموافق للواقع في الثلاثة أي الذي نزل من السماء بعضه فرث ماء هو بعد في السماء، ولم يخرج بالماء المنزل منها كل الثمرات بل بعضها فكم من ثمرة هي بعد غير مخرجة به، والمخرح بعض الرزق لا كله فكم من رزق ليس من الثمار كاللحم، وقد يتوهم أنّ قوله ولا أخرح بالمطر كل الثمار أريد به أنّ بعضها يخرج بماء البحر والعيون فينافي ما سيأتي في سورة الزمر من أن جميع مياه الأرض! من السماء وفساده ظاهر لما مرّ، أقول هذا المتوهم هو الفاضل الطيبي حيث قال: فإن قلت يخالف قوله ولا أخرح بالمطر كل الثمار ما قاله في الزمر كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسم، قلت على تقدير صحة هذه الرواية الفاء في قوله فأخرج به مستدعية للإخراج بعد الإنزال بلا تراخ عادة ومفهومه أن بعضاً من الثمرات يخرج على غير هذه الصورة وهي ما يسقى بماء الآبار والعيون والأنهار فإنها متراخية عن الإنزال لأنه استودعها الجبال ثم أخرجها من الأرض! وأخرج بها بعض الثمرات وتبعه الفاضل اليمني والمدقق في الكشف لم يعرج عليه نفياً واثباتا وفيما قالوه نظر لا يخفى فإنّ قوله ما أخرج بالمطر كل الثمار يفهم منه أنّ بعضها خرج به وهو صادق على خروج البعض بغيره من المياه كما لا يخفى فكيف يدّعي فساده، فإن قيل إنه غير متعين لم يتنم مذعاهم أيضاً وما قيل من احتمال كون من فيه ابتدائية بتقدير من بذر الثمرات أو تفسير الثمرات بالبذر تعسف ظاهر. قوله: (أو للتبيين الخ) فرزقاً مفعول لأخرج بمعنى مرزوق وفيما ذكر من المثال المراد أن عنده من المال معين هو ألف درهم وقد أنفقه لا أنّ عنده أكثر من ذلك إلا أنه أنفق منه ألفا فإنه على هذا تكون من تبعيضية ولذا ناقثه بعضهم في المثال وان كان مثله غير مسموع من المحصلين وهكذا إذا كانت الثمرات للاستغراق، فإنّ المراد بها الجم الكبير كما أشار إليه في الكشاف والمرزوق هنا هو الثمرات، ولكم صفته وقد كان من الثمرات صفة رزقا فلما قدم صار حالاً على القاعدة في أمثاله إلا أنه تقدم فيه البيان على المبين، وقد اختلف النحاة فيه فجوّزه الزمخشريّ وتبعه كثير من النحاة والمفسرين ومنعه صاحب الدر المصون وغيره، وقال إنّ من ابتدائية سميت بيانية باعتبار مآل المعنى وبه صرّح بعض أهل العربية ومن التي للبيان لا تكون إلا مستقرّاً حالاً أو صفة، وقد تكون خبرا على كلام فيه سيأتي وفي الكشاف فإن قلت فبم انتصب رزقا، قلت إن كانت من للتبعيض كان انتصابه بأنه مفعول له وان كانت مبينة كان مفعولاً لاخرج يعني أنّ من الثمرات على التبعيض مفعول به لا على أنّ من اسم بل على تقدير شيئاً من الثمرات وتقديره بأخرج بعض الثمرات بيان لحاصل المعنى فرزقا بالمعنى المصدري مفعول له، ولكم ظرف لغو مفعول به لرزقا أي أخرج بعض الثمرات لأجل أنه رزقكم، وقد جوّز فيه أن يكون من الثمرات مفعول أخرج ورزقا حال من المفعول أي مرزوقاً أو نصبا على المصدر لأخرج وعلى التبيين رزقا مفعول أخرج كما مرّ. قوله: (وإنما ساغ الثمرات الخ) هذا جواب سؤال تقديره أنّ جمع السلامة المذكر والمؤنث للقلة والمعنى هنا ليس عليها فلم لم يقل الثمار أو الثمر أمّ كون الثمار جمع كثرة فظاهر، وأما الثمر فاسم جنس جمعيّ، وهو مختلف فيه هل هو للكثرة أو للقلة أو مشترك وما ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 على تقدير أنه يكون للكثرة وأمّا جمع التصحيح فاختلف فيه أيضا على الوجوه الثلاثة والمشهور المنصور أنه موضوع للقلة وحكاية لنا الجفنات الغرّ تؤيده، ولذا زاد ابن الرباح الإشبيلي على قوله: بأفعل وبأفعال وأفعلة وفعلة يعرف الأدنى من العدد قوله: وسالم الجمع أيضاً داخل معها وذلك الحكم فاحفظها ولا تزد والحاصل مما ذكره في جوابه أمّا أوّلاً فالثمرات جمع ثمرة أريد بها الكثرة كالثمار لا الوحدة الحقيقية إذ التاء فيها للوحدة الاعتبارية فإنّ كل شيء وان كثر فله وحدة بوجه ما ولي! ص واحد الثمر ثمرة بمعنى واحد مشخص من جنس ألثمر بل ثمار كثيرة عرضت لها وحدة باعتبار ما كوحدة المالك فإنها إذا تلاحقت واجتمعت يطلق عليها ثمرة، فالكثرة المستفادة من الثمرات أكثر من المستفادة من الثمار ولا أقل من المساواة والواحد على هذا الثمرة التي في قولهم أدركت ثمرة بستانه وهي في ذلك القول جنس شامل للأنواع الموجودة في ذلك البستان، وقال ابن الصائغ: في تقريره الثمرات وان كان جمكل! قلة فواحده ثمرة شاملة الثمرات لا فرد من أفراد الثمر، ونظيره قولهم كلمة اأحويدرة لقصيدته المشهورة فهو من إيقاع المفرد موقع الجمع ثم جمعه جمع قلة فإن قيل كان يحصل هذا بالثمار الذي هو جمع كثرة فيقال هذا سؤال دوريّ لحصول المقصود بكل من اللفظين وحاصل ما قالوه برمتهم أنه مع كونه جمع قلة يفيد كثرة أكثر من جمع الكثرة أو مثلها، وقد قيل على هذا أمور منها أنّ الشمول في ثمرة بستانه إنما فهم من الإضافة الاستغراقية لا من المضاف ولا إضافة فيما نحن فيه، وقريب منه ما قيل من أنّ ما ذكر غير ظاهر لأنا لا نسلمه بسلامة الأمير، وقيل أيضاً الثمار جمع كثرة مفرده ثمر، وهو جنس يشمل ثمارا كثيرة فيفيد ما لا تفيده الثمرات لإحاطته بكل جنس يسمى ثمرا بخلاف الثمرات فإنّ آحاد جمع القلة الجموع التي دون العشرة فلا يتناول ما فوقها بغير قرينة على أنّ الثمرات جمع ثمرة وهي واحدة من جنس الثمر لأنّ التاء للوحدة فالثمر لكونه جنسا أكثر من ثمرة وجمعه أكثر من جمعها سواء كان جمع قلة أو كثرة وليس بشيء (وههنا يحث) وهو أنهم قالوا إنه جمع ثمرة مراداً بها ما يشمل الثمرات الكثيرة ووحدته اعتبارية، وقال قدس سره: بهغيره أنه إن لم يكن أكثر من الثمرات فليس بأقل منها، وان كان جمع قلة فيقال لهم الوحدة في ثمرة بستانك جاءت من الإضافة بجعل وحدة المحل أو المالك كالوحدة الحقيقية ولا إضافة هنا فلا بد من اعتبار أمر يصير به واحدا وهو إمّا بجعله صنفا أو نوعا أو جنسا من الثمار وليس فيه ما يجعله واحدا غير هذا فإن كان فعليهم البيان حتى ينظر فيه وعلى هذا يقال إن قلته باعتبار أن آحاده أجناس لا تزيد على العشرة وان كان مفرده قائما مقام الجمع وجنساً تحته ما لا يحصى وكون أجناس الثمار المخرجة بما أنزله الله كذلك غير مناسب للمقام أيضاً، فيعود السؤال وان أراد أن آحاد أجناسه لكونها كثيرة أخرجت الجمع عن القلة لزمهم كون لفظ أجناس وأنواع وأمثالهما جمع كثرة ولا قائل به فلا بد من الالتجاء إلى أن تعريفه أبطل جمعيته فرجع هذا الجواب لما بعده وهو غير صحيح أيضا، وهذا وارد غير مندفع فتدبر. قوله: (ويؤيده قراءة الخ) وهي قراءة محمد بن السقيقع ووجه التأييد أنه ليس المراد بها ثمرة واحدة من غير شبهة فهي واقعة على جماعة الثمار وقوله يتعاور بعضها الخ التعاور من قولهم تعاور القوم كذا واعتوروه إذا تداولوه وتناوبوه فأخذ هذا مرّة وهذا أخرى والمراد أنه يقع كل منهما في موقع الآخر فيكون جمع القلة للكثرة وجمع الكثرة للقلة، وهذا فيما إذا لم يكن للفظ إلا جمعا واحداً ظاهر، وظاهر كلامهم فيه أنه حقيقة وأمّا إذا كان له جمعان أو جموع فلا يقع أحدهما موقع الآخر منكرا إلا مجازا، وقوله كم تركوا الخ وقع فيه جمع القلة موقع الكثرة لقوله كم فإنها تقتضيها وكذا قوله ثلاثة قروء وقع فيه جمع الكثرة وهو قروء موقع القلة لقوله ثلاثة وفيه كلام سيأتي في محله. قوله: (أو لأنها لما كانت محلاة الخ) إشارة لما تقرّر في كتب الأصول والعربية من أنّ الألف واللام إذا لم تكن للعهد ودخلت على الجموع أبطلت جمعيتها حتى تناولت القلة والكثرة والواحد من غير فرق سواء كانت جنسية أو استغراقية، ومن خصه بالثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وقال: المحلى باللام الاستغراقية لتناوله الآحاد لا يخرج عن حوزة شمول كل واحد من الآحاد بخلاف المعري عنها فإنه قد يخرج عن استغراقه واحد واثنان فيصدق أن يقال لا رجال في الدار وفيها رجل أو رجلان بخلاف لا رجل فقد ضيق الواسع وقصر لما قصر، وليس ما ذكر من أمور الجمعية سؤالاً وجواباً مبيّ على كون من بيانية كما توهم من تعقيبه به لما عرفته من أنّ اللام إذا لم تكن للعهد تبطل الجمعية لصدق مدخولها على القليل والكثير، ولذا قال المصنف رحمه الله: خرجت عن حدّ القلة ولم يقل دخلت في الكثرة والنكتة في العدول عن الظاهر المكشوف، إذ لم يقل من الثمار للإيماء إلى أنّ ما برز في رياض الوجود يفيض مياه الجود كالقليل بالنسبة لثمار الجنة ولما ادّخر في ممالك الغيب. قوله: (إن أريد به المصدر الخ) أي إذا أريد بالرزق المصدر كانت الكاف في لكم مفعولاً به واللام مقوية لتعدي المصدر واليه أشار بقوله رزقا إياكم، فحذف اللام وفصل الضمير تنبيهاً على زيادتها ومفعوليته، ولولاه كان انفصالاً في محل الاتصال وهو قبيح، وان أريد به المرزوق فلكم صفة له متعلقة بمقدر وقال ابن عقيل بعدما ذكر عن أبي حيان رحمه الله لا يمتنع عكس هذا. قوله: (متعلق باعبدوا على أنه منهي الخ) المراد بالتعلق التعلق المعنويّ، كلعطف وغيره فهو مجرد ارتباط بينهما وفي الكشاف فيه ثلاثة أوجه أن يتعلق بالأمر أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أندد الآن أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يجعل لله ند ولا شريك واختلف الشراح فيه وهل هو بعينه ما ذكره المصنف رحمه الله على أنه تلخيص له كما هو دأبه أو لا فذهب ابن الصائغ إلى اتحادهما وقال إنه عطف نهي على أمر للاشتراك في الطلب وهو من عطف المسبب على السبب وفيه نظر فالفاء عاطفة جملة على جملة ولا ناهية والفعل مجزوم بها لسقوط نونه وقال الطيبي رحمه الله أن لا نافية، وهو منصوب جوابا للأمر ولذا علله بقوله لأن أصل العبادة الخ فالفاء جوابية لأنها إما عاطفة أو جواب لشرط أو ما في معناه كالأمر أو زائدة، وفي الكشف تبعا للرازي معناه اعبدوا فلا تجعلوا وفيه إرشاد لأن العبادة تتناول التوحيد، وقوله لأنّ الخ تصريح بذلك فيحتمل أن يكون عطف نهي على أمر، ويحتمل أن يكرن جواب الأمر والأوّل أقرب لفظاً لعدم الإضمار والتأويل، ومعنى لأن التصريح بالنهي أبلغ مع استفادة ما يستفاد من النصب لجعله محتملا للموافقة والمخالفة وجزم الفاضلان بخلافه فقالا إنه نهي متعلق باعبدوا متفرع على مضمونه على معنى إذأ كنتم مأمورين بعبادة ربكم وهو مستحق للعبادة فلا تشركوا لتكون عبادتكم على أصل وأساس فإنّ أصل العبادة وأساسها التوحيد وهذا أولى من جعل القاضي له معطوفا على الأمر لأن الأنسب حينئذ العطف بالواو كقوله تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء، الآية: 36] وسيأتي ما فيه، وقيل وجه جواز العطف في الجملة إن تجرّد الفاء المجرّد العطف بلا تعقيب وبعتبر التعقيب بين الأمر والنهي عنه أو يراد بالعبادة قصدها وإرادتها وبصح جعل لا تجعلوا جوابا للأمر ولا يخفى أن شيئاً من هذه الوجوه لا تشعر به العبارة ولا يتبادر من الآية وهذا مما في حواشي الرازي حيث قال بعدما ذكر ما مرّ عن صاحب الكشف وفيه نظر لأنه إذا كان أصل العبادة وأساسها التوحيد فاعبدوا إمّا بمعنى وحدوا فلا يترتب عليه قوله: فلا تجعلوا الخ فالشيء لا يترتب على نفسه أو مغاير له لأنّ التوحيد أصل تتفرّع عليه العبادة فالأمر بالعكس والنصب في جواب الأمر إنما يجوز إذا كان هنا سببية والعبادة ليست سبباً لعدم الشرك إلا أن تجعل من القلب كقوله تعابى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا} [سورة الأعراف، الآية: 4] لأنه ليس في كلامه ما يدل على الترتيب لأنّ التعليق أعمّ منه، أقول يرد على ما في الكشف أنّ كلامه لا يخلو من الخلل لأنّ عطفه وجوابيته تقتضي المغايرة بينهما وينافي قوله لأنّ العبادة تتناول التوحيد لأنّ الجزء لا يعطف على الكل بالفاء وإذا عطف كان بالواو أو حتى نحو قدم الحجاج حتى المشاة، ويردّ على ما قاله الفاضلان أنّ قولهما ما إذا كنتم مأمورين بعبادة ربكم وهو مستحق لعبادة فلا تشركوا لتكون عبادتكم على أصل وأسئاس أنه حينئذ مسبب بحسب الظاهر، فهو جواب شرط مقدر والفاء فصيحة أو قريبة منها والسببية بين الأمر والنهي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 أي العبادة وعدم الشرك لا تتأتى كما سمعته آنفاً فيما نقلناه لك آنفاً من حواشي العلامة الرازي، ولو سلم ذلك صح العطف بالفاء فيهما من غير فرق فكيف يرتضي هذا ويرد ما ذكره القاضي وقد غفل عن هذا من نقله في شرح كلام المصنف: ظلم القضاة بعصرناعمّ الورى عجبالقاض يظلم الخصماء قوله: (أو نفي منصوب بإضمار أن الخ) قيل هذا على تفسير العبادة بالتوحيد وتفسير فلا تجعلوا بلا تعتمدوا على غير الله وتوكلوا عليه كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذا وان اندفع به ما سيأتي لا يوافق ما فسر به المصنف رحمه الله فانه أبقى العبادة على ظاهرها كما مز، وهو على هذا نفي منصوب بإضمار أن في جواب الأمر كقولك زرني فأكرمك وقد قيل عليه أنه ليس بشيء لأن شرطه كون الأوّل سبباً للثاني والعبادة لا تكون سبباً للتوحيد الذي هو مبناها وأصلها ولذا لم يتعرّض! له الزمخشري ولم يرتض به شراحه، والمنصوب في الجواب منصوب بأن مقدرة فهو مصدر تأويلا معطوف على مصدر متصيد مما قبله هو سبب له فتقديره فيما ذكر ليكن منك زيارة فإكرام مني بسببها وقس عليه الآية في التأويل وأجيب عما أورده شرّاح الكشاف بأنّ المراد بكونه جواب الأمر مشابهته له وحمل الشيء على ما يشبهه واعطاؤه حكمه كثير، وقد قال الرضي: إنّ النصب في قوله كن فيكون في قراءة لتشبيهه بجواب الأمو لوقوعه بعده وان لم يكن جواباً معنى، وقيل العبادة سبب لنفي الإشراك الذي تنافيه ولا تجتمع معه وقيل صحة العبادة سبب للعلم بالتوحيد فلتكن السببية بهذا الاعتبار ونحوه ما قيل من أنه بكتفي فيه بببه الأوّل للإخبار بما تضمنه الثاني كما اكتفى بمثله في الشرط، وما بمعناه كما سيأتي في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] أقول هذا كله تكلف تأباه قواعد العربية فلا ينبغي تنزيل التنزيل المعجز عليه فالحق أن يقال إنّ الآية تضمنت عبادة رب موصوف بما يجعله كالمشاهد من خلقه لهم ولا وصولهم عروق الثرى وابداع جميع الكائنات العظيمة والتفضل نجإفاضة النعم الجسيمة فدلت عليه دلالة عرّفتهم به كما أشار إليه المصنف رحمه الله ثمت بقوله والآية تدلّ الخ فجعلها عنده اعبدوا الله الذي عرفتموه معرفة لا مرية فيها ولا شك في أنّ العبادة والمعرفة سبب لعدم الإشراك فإن من عرف الله لا يسوى به سواه ولذا ذيلها بقوله: {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 22] فمن عنده علم الكتاب عرف الفرق بين هذه الآية، وقوله اعبدوا الله ولا تشركوا به والذي سوّل لهم ما مر النظر للعبادة فقط وقطع النظر عما معها، واعلم أنهم اختلفوا في هذه الفاء فذهب الكوفيون إلى أنها جزائية في جواب شرط تضمنه ما قبلها وذهب البصريون إلى أنها عاطفة كما مرّ، واختار الرضي أنها متمحضة للسببية وإنما صرف ما بعدها عن الرفع إلى النصب للتنصيص على ذلك كما فصله. قوله: (أو بلعل على أن نصب تجعلوا الخ) أي متعلق بلعل واقعاً جواباً له وتتمة قال في الكشاف: أو بلعل على أن ينتصب تجعلوا انتصاب فأطلع في قوله عز وجل: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [سورة غافز، الآية: 37] في رواية حفص عن عاصم أي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه ومعناه كما قال قذس سره إنه على تشبيه لعل بليت ويرد عليه أنه إنما يجوز ذلك إذا كان في الترجي شائبة من التمني لبعد المرجوّ عن الوقوع وقد مز أن لعل هنا مستعارة للإرادة التي ترجح فيها وجود المراد بإعداد الأسباب وازاحة الأعذار فمن أين المشابهة وأجيب بأن النصب هنا للنظر إلى أنهم في صورة المرجوّ منهم المعنى خلقكم في صورة من يرجى منه الإتقاء أي الخوف من العقاب المتسبب عنه أن لا تشركوا، فقوله لكي تتقوا بيان الحاصل المعنى، وأخذ زبدة ما سبق من الاستعارة لا حكم بأنها بمعنى كي وفي النصب تنبيه على تقصيرهم كان المراد الراجح مستبعد منهم كالمتمني، واعترض عليه بأنّ الجواب لا يدفع الاعتراض فإنّ لعل لا ينصب الفعل في جوابه لا بمعنى الأصل أعني الترجي ولا بالمعنى المراد أي الإرادة فلا فائدة في النظر إلى صورة المرجوّ منهم اللهمّ إلا أن يقال شبه أوّلاً الرجاء بالتمني صورة وادّعاء على سبيل الاستعارة بالكناية بقرينة لازمة من النصب ثم استعير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 لعل للإرادة فيقصد بحسب الواقع والنظر إلى حال المتكلم تشبيه الإرادة بالترجي ويقصد ادعاء بالنسبة إلى حال المخاطب نفسه بالتمني لا باعتبار النصب، لأنهم في صورة المتمني منهم. أقول هذا كله تعسف نشأ من التزإم ما لا يلزم وذلك لأن نجم الأئمة الرضي قال كغيره من سائر النحاة إنّ أهل العربية إنما اشترطوا في نصب ما بعد فاء السببية تقدّم أحد هذه الأشياء لأنها غير حاصلة المصادر فتكون كالشرط الذي ليس بمحقق الوجود ويكون ما بعد الفاء كجزائها على ما حققناه في حواشيه، ومنه علمت أنّ وجهه عندهم إنما هو عدم تحقق الوقوع في حال الحكم لا اسنحالته لعدم صحته في الأمر المطلوب الذي هو أعظم أقسامه كما هنا وهذا متحقق في الترجي والتمني إلا أنّ التمني أقوى منه لرسوخه في العدم وأشهر فلذا نصب جواب لعل إلا أنّ منهم من جعلها ملحقة بليت كالزمخشريّ وابن هشام لأنّ التمني والترجي من واد واحد ومنهم من جعلها من ذلك الباب لأنه لا ينحصر فيما ذكر كابن مالك في التسهيل تبعاً للفراء فلا حاجة لما ادّعوه سؤالاً وجوابا على الطريقين لأنّ مبناه على أنّ لعل إنما أعطيت حكم ليت لا شرابها معناها وليس بلازم لأنّ الإلحاق والتشبيه! كفيه عدم التحقق حالاً ويعينه أنهم حملوه على الشرط وهو متحقق فيهما مطلقاً ثم إن استشهادهم بهذه الآية بناء على الظاهر، وفيها وجوه أخر كما سيأتي، ولذا قال ابن هشام في الباب الخامس من المغني. قيل في قراءة حفص لعلي أبلغ الأسباب الخ إن اطلع بالنصب عطف على معنى لعلي أبلغ لأنه بمعنى أن أبلغ فإنّ خبر لعل يقترون بأن كثيراً نحو فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجتة من بعض ويحتمل أنه عطف على الأسباب على حد. للبس! عباءة وتقرّ عيني وبهذين الاحتمالين علم معنى قول الكوفيين: إن في هذه الآية حجة على النصب في جواب الترجي حملاً له على التمني. قوله: (إلحاقاً لها بالأشياء الستة) وهي الأمر والنهي والاستفهام والعرض والتمني والنفي، وقد أجاز بعض النحاة أن يلحق بها كل ما تضمن نفياً أو قلة كما قاله الرضي، وقد قيل إن المصنف رحمه الله جعله ملحقة بالأشياء الستة وعدل عما قالوه من إلحاقها بليت لما قيل عليه كما عرفته ولعدم مناسبته للمقام لما فيه من تنزيل المرجوّ لبعده عن الحصول منزلة المتمني وبعد المخاطبين الذين منهم المؤمنون عن التقوى بعيد، وبناؤه على تخصيص الخفاب بالكفار يضعفه لضعف مبناه وفيه بحث يعرفه من يتذكر، وقوله لاشتراكها في أنها غير موجبة بكسر الجيم وفتحها أي مضمون ما بعدها لم يقع وتحققه في المستقبل غير معلوم فموجبه من الإيجاب بمعنى الإثبات، ويقابله السلب وكل ما يدلّ عليه في الجملة أو جعله واجبا مجزوماً به في أحد الأزمنة الثلاثة ويقابله ما لا يتعين ولا يتحقق وهو غير الموجب وعلى كل حال يدخل فيه الترجي، فسقط ما قيل من أن غير الموجب عند علماء العربية هو المنفي والنهي والاستفهام لا غير فكيف يشاركه الستة من غير احتياج إلى ما ادّعاه من الجواب، وقيل المراد لاشتراك أكثرها إن أريد بالإيجاب ما ليس بنفي لأن الأمر ليس فيه ناني حتى يشترك معها في أنها غير موجبة أو لاشتراك الكل إن كان المراد إيقاع النسبة والأمر ليس فيه إيقاع لأنّ الإيقاع في الخبر لا الإنشاء فالأمر غير موجب لهذا المعنى وكذا التمني فإن قلت: إن كانت التقوى بالمعنى الثالث لا يناسب ترتب عدم الشرك عليه لتقدمه وإن كانت بالمعنى الأوّل فهي عينه. قلت الاتقاء عن الشرك يترتب عليه عدم الوقوع فيه بالفعل أو هي بمعنى الاتقاء عن العذاب مطلقاً كما في الكشاف فتأمّل. قوله: (والمعنى الخ) أي لا تجعلوا له شيئاً من جنس الأنداد كما سيأتي فلا يتوهم أن المناسب عدم ند واحد لا أنداد لأنه يجتمع مع جعل النذ والندين ثم إنه قيل إنّ المصنف رحمه الله جعل لا تجعلوا نفياً منصوباً وذكر في بيان المعنى ما يقتضي كونه مجزوما وقصد به بيان حاصل المعنى مع إظهار السببية التي هي شرط لتقدير الناصب ولو جعله مجزوما في جواب الأمر جاز أيضاً إذ لا مانع منه، فتدبر. قوله: (أو بالذي جعل الخ) عطف على قوله: باعبدوا أو على قوله بلعل أي متعلق بالذي إن جعلته مبتدأ وجملة فلا تجعلوا خبره كما صرّح به بقوله على أنه الخ، فالاستئناف بالمعنى اللغوي أي جعله مبتدأ أو بالمعنى الاصطلاحي لأنّ الاستئناف بسببه وليس هذا معنى ما في الكشاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 من قوله أو بالذي جعل لكم إذا رفعته على الابتداء أي هو الذي حفكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية فلا تتخذوا له شركاء لأن معناه أنه جعل الذي مرفوعاً مدحا على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والنهي مترتب على ما تتضمنه هذه الجملة أي هو الذي حفكم بدلائل اأضوحيد فلا تشركوا به شيئاً ومن توهم أنه بعينه ما في الكشاف وأنّ المصنف رحمه الله غفل عما أراده فقد وهم وقوله على تأويل مقول فيه أي مستحق لأن يقال فيه ذلك لا أنه وقع ومقول قبله كما لا يخفى، وهذا تأوبل مشهور في كل إنشاء وقع في موقع الخبر، والفاء زائدة في الخبر مشعرة بالسببية لما ذكره، وقوله والمعنى من خصكم بالصاد المهملة أي خص نوع البشر بما ذكر، وفي نسخة حفكم بالفاء أي شمل وعمّ الناس لأنّ الحف معناه الإحاطة فعلى ما ذكره المصنف لا يخلو من ركاكة وتكلف والأولى ما في الكشاف وجعل هذا جزاء شرط محذوف والمعنى هو الذي جعل لكم ما ذكر من النعم الظاهرة المتكاثرة وإذا كان كذلك فلا تجعلوا الخ. وذكر المصمنف له لأنه من جملة المحتملات وتأخيره المشعر بمرجوحيته في الجملة لا ينافيه وما قيل ردا عليه من أنه في غاية الحسن والرصافة كما يظهر لمن تأمّل قوله والمعنى الخ دعوى بغير بينة، وقوله يشرك به بفتح الراء مبنيّ للمجهول، وتقديم لله يجوز أن يكون للحصر كما يفيده تقديم بعض المعمولات على بعض وحقها التأخير لأنّ عدم الند مخموص به تعالى إذ ما من شيء سواه إلا وله نظير وند، وقيل لأنه خبر نكرة في الأصل لازم التقديم فأجرى على أصله وفيه نقر. قوله: (والندّ المثل الخ) المناوي بضم الميم وكسر الواو واسم فاعل من ناواه والمراد به كما فسره الشارح المعادي وأصله من النوى وهو البعد فكني به أو تجوّز به عن المعادأة لأن العدوّ يتباعد من عدوّه ويهوي بعده ومفارقته، ولما فسر أهل اللغة الند بالمثل بالمثل كما قاله ابن فضالة، وفسره أبو عبيدب لضد حتى جعله ب ضهم من الأضداد أشار العلامة في الكشاف إلى اتحادهما وأنه مثل مخصوص فمنهم من أطلق ومنهم من قيد وفي العين الند ما كان مثل الشيء الذي يضادّه في أموره ويقال ند ونديد ونديدة وأجازوا في أنداداً أن يكون جمعاً لنديد أو نذ كيتيم وأيتام وعدل وأعدال، وقا اء الراغب ند الشيء مشاركه في جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإنّ المثل يقال في أيّ مشاركة كانت وكل ند مثل وليس كل مثل نذا، وهو من نذ إذا نقر وقرئ يوم التناد أي يندّ بعضهم من بعض نحو يوم يفرّ المرء، فالندّ يقال في المشارك في الجوهرية فقط، والشكل فيما يشارك في القدر والمساحة والشبه فيما يشارك في الكيفية فقط والمساوي فيما يشارك في الكمية فقط والمثل عامّ في جميع ذلك انتهى. وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله، والقدر الكمية وعدى المصنف رحمه الله خص باللام لتضمنه معنى عين والمصنف رحمه الله كثيرا ما يتسامح في الصلات. قوله: (قال جرير الخ) هو من قصيدة أوّلها: عفا النسران بعدك فالوحيد ولا يبقى لجدّته جديد والجعل التصيير القولي أو الاعتقادي وضمنه معنى الضم فعداه بإلى كما قيل والظاهر أنه لا حاجة إليه إنه يتعدى بها كثيرا لما فيه من معنى الرجوع كما قال تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [سورة الشورى، الآية: 53] أي أتجعلون أحدا من تيم وهي قبيلة معروفة مثلا " لي مبارزا معاديا وما منيم من هو نديد ومثل لذي حسب فكيف بمثلي وأنا المعروف بنباهة الحسب وتنوين حسب للتنكير، وقيل للتعظيم وقيل إليّ حال من تيما أو ندا أو استدلّ بالبيت على أنه المعادي وما في الكشف من أنه أراد أنه كذا في أصل وضع اللغة والا فالاستعمال قد يخالفه والبيت إن كان شاهدا لكونه بمعنى المثل مطلقاً ظاهر والا فلا دلألة فيه على المعاداة ليس بشيء لأنّ تيما غير قبيلته وما بين قبائل العرب والمتناهين منهم من العداوة أظهر من أن تخفى على مثله ولا حاجة إلى تفسير المعادي بمن ذلك ذلك شأنه حتى يرجع إلى مطلق المثل. قوله: (وتسمية ما يعبده المشركون الخ) ما في قوله ما زعموا نافية والجملة حالية، وفي قوله تساويه إشارة إلى معنى الند كما مرّ وقوله فتهكم الخ أي شنع عليهم بجمعهم بأن جعلوا أندادا لمن لا ند له ولا ضد كما في الكشاف، وتال الفاضل في شرحه: أنه يشير إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 أنه استعارة تهكمية، وقال قدس سرّه في الردّ عليه بل هو إشارة إلى أنّ هناك استعارة تمثيلية وليست تهكمية اصطلاحية إذ ليس استعارة أحد الضدين للآخر بل أحد المتشابهين لصاحبه لكن المقصود منها التهكم بهم لتنزيلهم منزلة من يعتقد أنها آلهة مثله وفي بعض النسخ لتنزيلهم منزلة الأضداد حيث شبهت حالهم بحال المعتقدين، أقول النسخة الثانية صريحة في أنها استعارة تهكمية بالمعنى المشهور وتحقيقه أن الند كما سمعته آنفا بحسب أصل اللغة ليس النظير مطلقا بل نظيرك الذي يخالفك وينافرك ويتباعد عنك معنى ثم توسع فيه فاستعمل لمطلق المثل كما في قولهم ليس لله ضد ولا ند فإنه لنفي ما يسد مسده وما ينافيه وهم إنما يعتقدون أنّ آلهتهم تناسبه وتقرّب إليه كما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [سورة الزمر، الآية: 3] إلا أنهم لتمام حمقهم نسبوا لبعضها البنوّة المقتضية لتمام المشاكلة فإن استعير الضد من معناه الأوّل وهو المعادي المبعد للآلهة المقرّبة عندهم كانت من استعارة أحد الضدين للآخر، لأن التضادّ أعمّ من الوضعي، كالتبشير للإنذار في بشرهم بعذاب أليم ومما هو بحسب اللوازم المرادة بلا وضعلها كالأسد للجبان وحاتم للبخيل، وان نظر إلى الثاني وأنه بمعنى المثل مطلقا لم يكن بينهما تضادّ فيكون من استعارة أحد المتشابهين للآخر بدون تضادّ منزل منزلة التناسب فيكون التهكم فيه غير اصطلاحي لأنها بحسب أحوالهم وأفعالهم مماثلة له تعالى في العبادة لا بحسب الذات وسائر الوجوه إلا أنهم لما جعلوها مثلاً وخصوها بالعبادة دونه وهذه خطة شنعاء وصفة حمقاء في ذكرها ما يستلزم بحميقهم والتهكم بهم فيكون استعارة أي استعارة قصد بها علاقة المشابهة الحقيقية التهكم وهذا معنى غير ما اصطلحوا عليه فالقول به غير متجه والحق ما قاله الشارح المحقق، ومن خرافات بعض العصريين في حواش ومحاكمات له بزعمه بين الفاضلين أنه قال في الردّ عليه قدّس سرّه بعدما حكى كلامه ولا يخفى بعده مع أن الظاهر من قوله كما تهكم بلفظ الندّانة استعارة تهكمية واستعارة أحد الضدين للآخر توجد ههنا لأن التشابه ليس بمطلق بل مشتمل على معنى الضدّية على ما تدلّ عليه المخالفة والمنافرة فاستعمال المثل المقابل القوي المخالف فيما يكون بمعزل عنه من المثل في بعض ما توهموه يكون استعمالاً للقوي في الضعيف وهو عين الاستعارة التهكمية، وقوله أشبهت لبيان وجه الاستعارة في لفظ الأنداد، وما قيل إنه في معناه الحقيقي إذ مدار التشنيع عليه ليس بشيء لأن أوصاف المستعار منه معتبرة في لفظ الاستعارة وبه يتمّ التشنيع انتهى. والبعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدلّ على المسير، وجعل جمع الأنداد للتشنيع لأن من لا ند له كيف يجعلون له أنداداً، ومن الناس من لم يرتض هذا لأنهم كانت لهم أصنام كثيرة فجمعه نظراً للواقع وهو أولى وفيه نظر والتهكم من لفظ الند حيث اختير على المثل والتشنيع من إيراده جمعاً فيبطل ما قيل إنه تسامح والأولى أن يقال تهكم بهم بلفظ الند وشنع عليهم بأن جعلوا أنداداً من غير حاجة إلى تقدير أو تأويل. قوله: (قال موحد الجاهلية زيد الخ) إشارة آلى ما ذكر في السير من أنه في الفترة وزمن الجاهلية اجتمع زيد المذكور وورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وتذاكروا عبادة الأصنام وأمور الجاهلية فهداهم الله للحق وقالوا إنّ هذه أمور باطلة عقلاَ فتركوا عبادة الأصنام وخرج كل منهم إلى جانب يطلب الدين الحق فلقي زيد أحبار أهل الكتاب بالشأم فسألهم عن العقائد والدين الحق فدلوه على ملة إبراهيم فدان بها وكان يطعن في أمور الجاهلية، ولقي النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه وهو زيد بن عمرو بن نفيل بن رباح بن عبد الله ابن قرط بن رزاح بن ربيعة أخي قصيّ أمه وأمّ زيد الجيداء بنت خالد الفهمية وهي امرأة جده نفيل ولدت له الخطاب فهو قرشيّ أخو عمر لأمّه رضي الله عنه ونفيل بنون وفاء ولام مصغر علم جذه وله إشعار في النهي عن أمور الجاهلية منها ما أورد المصنف وهو برمته كما ذكره ابن عساكر رحمه الله: آربا واحداً أم ألف رت أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعاً كذلك يفعل الرجل البصير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 ألم تعلم بأنّ الله أفنى رجالاً كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببرّ قوم فيربومنهم الطفل الصغيرء وبينا المرءيعثربات يوما كمايترنح الغصن النضير ومعناه أنتخذ دينا عبادة ألف رب من الأصنام، وتقسم الأمور بمعنى تفرّقت الأحوال من تسمهم الدهر فتقسموا أي تفرّقوا فهو مبنيّ للفاعل، ووقع في بعضها مجهولاً وله وجه أيضا أي إذا انقسمت الأمور وفوّض اختيار هأ االأمر إليّ لإختار ربا واحدا أم ألف رلت أي كيف أترك رباً واحدا وأختار أربابا متعددة وهذا كقوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} اسورة يوسف، الآية: 39] وتوله ولهذا أي لقصد التشنيع والتهكم، والمراد بالألف التكثير لا خصوصيته واللات والعزى صنمان مشهوران سيأتي بيانهما. قوله: (ومفعول ئعلمون مطرح الخ) في الكشاف معناه وحالكم وصفتكم أنكم من صحة تمييزكم بين الصحيح والفاسد والمعرفة بدقائق الأمور وغوامض الأحوال والإصابة في التدابير والدهاء والفطنة بمنزل لا ندفعون عنه، وهكذا كانت العرب خصوصا ساكنو الحرم من قريش وكنانة لا يصطلي بنارهم في استحكام المعرفة بالأمور وحسن الإحاطة بها ومفعول تعلمون متروك، كأنه قيل وأنتم من اهل العلم والمعرفة، والتوبيخ فيه آكد أي أنتم العرّافون المميزون ثم إنّ ما أنتم عليه في أمر ديانتكم من جعل الأصنام لله أنداداً هو غاية الجهل ونهاية سخافة العقل، وهذا هو الوجه الأوّل الذي ذكره المصنف رحمه الله، ومطرح افتعال من الطرح بمعنى الرمي والترك وفي نسخة مطروح وهما بمعنى أي ترك نسيا منسياً وقصد إثبات حقيقة الفعل مبالغة من غير تقدير لمتعلق لتنزيله منزلة اللازم وأهل العلم أصحابه ممن قام به والأهل في غبر هذا يكون بمعنى المستحق، والنظر بمعنى الفكر لا الرؤية البصرية، والتأمّل التدبر واعادة النظر مرّة بعد أخرى، وهو في الأصل تفعل من الأصل وهو الرجاء وأدنى بمعنى أقل وأقرب والعلم يتعدى لمفعولين أو ما يقوم مقامهما. كان المفتوحة المشددة ومدخولها فالمراد بالمفعول في كلام المصنف جنسه لا الواحد حتى يقال إنه إشارة إلى أنّ العلم هنا، بمعنى المعرفة متعدّ لمفعول واحد وقوله اضطز عقلكم الخ برفع عقلكم ونصبه لأنه يقال ضرّه إلى كذا واضطرّه إذا ألجأه إليه وليس له منه بدّ كما في المصباح أي أعلمهم بالضرورة وجود صانع بجب توحيده في ذاته وصفاته لا يليق أن يعبد سواه فسقط ما قيل عليه من أنّ الأولى أن يقول لاضطرّ عقلكم إلى التوحيد الصرف وردّ الشرك في العبادة لأن الكفار قائلون بانفراده بوجوب الذات وايجاد الممكنات كما قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة الزخرف، الآية: 87] كما صرّح به قبيل هذا في قوله وما زعموا أنها تساويه الخ. قوله: (أو منويّ الخ) المنوفي والمقدّر بمعنى في اصطلاحهم، إلا أنه يلاحظ في التقديرات جانب اللفظ وفي النية الذهن وقوله وهو الخ أي المفعول المقدر قوله أنها لا تماثله وهو سادّ مسد مفعولي العلم، كما مرّ ولما كانت المماثلة عامّة لجميع وجوه المشابهة عطف عليه قوله ولا تقدر على مثل ما يفعله لأنه المقصود بالذات وأثبته بالآية المذكورة فالواو على ظاهرها وقيل إنها بمعنى أو الفاصلة لظهور أنّ المفعول ليس المجموع والثاني بيان له وسقوطه في غاية الظهور وإنما غرّه كلام الكشاف وأشار بقوله أنها الخ كالزمخشرفي إلى أنّ المفعول حذف للقرينة الدالة عليه كما قاله الفاضل اليمنيّ وقول الطيبيّ إنما حذف على هذا القصد التعميم لئلا يقصر على المذكور دون غيره ليس بمناسب لكلام الشيخين. قوله: (وعلى هذا فالمقصود به التوبيخ الخ) التوبيخ الإنكار بمعنى ما كان ينبغي أن يكون نحو أعصيت ربك أو لا ينبغي أن يكون في المستقبل كما في التلخيص وشروحه، والتثريب التعيير والتقبيح وهو قريب منه، واختلف في المراد بقوله هذا فقيل المراد على تقدير كونه حالاً فيشمل الوجهين وفيه مخالفة للكشاف حيث خص التوبيخ بالأوّل وقيل المراد على الوجه الثاني لأنه على الأوّل يمكن إرادة التوبيخ والتقييد فإنه لا تكليف إلا على من قدر على النظر وقيل إنما قصر على هذا لأنّ التوبيخ في الأوّل أظهر وليس فيه احتمال التقييد والزمخشري لما لم يتعرّض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 للتوبيخ في هذا وتعرّض! له في الأوّل عكس المصنف رحمه الله صنيعه تعريضا بالاعتراض عليه وذهب بعض أرباب الحواشي إلى أنه لو كان القصد من هذه الحال تقييد الحكم كان المعنى لا نهي عن اتخاذ الأنداد حال كونهم جاهلين، وهو فاسد لأنّ العالم والجاهل القادر على العلم سيان في التكليف وقيد الجاهل بالمتمكن من العلم احترازاً عن الصبيّ والمجنون وإنما فرّع هذا على الأخير مع أنّ الحال مقيدة على أيّ وجه كان، لأنّ العلم على الوجه الأوّل مناط التكليف لأنه لا يكون إلا عند كمال العقل فكأنه قال انتهوا عن الشرك حال وجود أهلية التكليف فحينئذ يصح معنى مفهوم المخالفة، وهو أنه لا تكليف عليكم عند عدم الأهلية بخلاف الوجه الأخير لأنه قيد الحكم بتعلق العلم بالمفعول وليس مناط التكليف إنما مناطه العلم فقط فعلى هذا لا يفيد التقييد معنى صحيحاً بالنظر لمفهوم المخالفة لأنه يؤدّي إلى أنه لا نهي عن الشرك عند عدم العلم بأن الأنداد لا تماثله وهو باطل وهو مبنيّ على مذهب الشافعيّ في 11 مفهوم وعندنا التقييد على الوجهين للتوبيخ قلت: كأنه لما كان التوبيخ معناه كما مرّ الإنكار لما في الواقع لأنه لا ينبغي أشار العلامة إلى أنه جار في الأوّل لأن ما هم عليه من ديانتهم بعبادة الأصنام أمر منكر مناد على غاية جهلهم ربمخافة عقلهم وأما الثاني فمفعوله المقدر وهو عدم المماثلة أو عدم القدرة على مصنوعاته ليس بمنكر في نفسه وإنما قصد به إلزامهم الحجة، أو يقال إنه اقتصر على بيان التوبيخ فيه لأنه الراجح عنده المهتم بيانه ويعلم الثاني بالقياس عليه كما يومئ إليه قوله آكد بأفعل التفضيل والمصنف رحمه الله لما رآه يؤول إليه معنى جعل التوبيخ مشتركا بينهما توضيحاً لما في الكشاف أو بيانا لأنه غير متعين وأمّا تخصيصه بالثاني وجعله مبنيا على مذهبه في مفهوم المخالفة فليس بشيء لأن الأوّل ليس مجرّد العقل والإدراك الذي هو مناط التكليف كما توهموه بل سلامة الفطرة وغاية الدهاء والذكاء فلو جعل قيدأكما قالوه كان البليد والغرّ الأحمق غير مكلف وهو مما لم يقل به أحد ففساده ظاهر لمن له أدنى بصيرة. قوله: (واعلم أنّ مضمون الآيتين الخ) هذا مأخوذ مما في الكشاف إلا أنه فيه جعله مقدّمة لتفسير الآيتين والمصنف رحمه الله جعله خاتمة وفذلكة ومراده بسطه ولكل وجهة، وفيه إشارة إلى أنّ المقصود من الآيتين أي من قوله يأيها الناس إلى هنا الأمر بالعبادة الدال عليه قوله اعبدوا، والنهي عن اتخاذ الشريك للواحد القهار المستفاد من قوله لا تجعلوا الخ وأدرج النفي في النهي لتقارب معنييهما ولأنه المراد من النفي لأنه خبر بمعنى الإلاء ولأنه يعلم بالمقايسة عليه وفي عبارته إشارة إلى أنّ الأمر والنهي صريح فيهما وعلة الحكم وهو السبب الداعي إليه والمقتضي المستلزم له ليس بصريح وإنما يعلم من ترتيب الأمر على صفة الربوبية وتعليقه بها فإنه يقتضي عليتها وتقدمه رتبة وان تأخر في الذكر، ولذا قال المصنف رحمه الله: رتب الأمر بالعبادة على صفة الربوبية، والمراد بالعلة في قوله إشعاراً بأنها العلة لوجوبها الدليل الدال على وجوبها، وقوله ثم بين ربوبيته الخ إشارة إلى قوله الذي خلقكم الخ وهو وصف للرب مبين له ومثبت له بطريق البرهان، وما يحتاجون إليه في معاشهم أي في تعيشهم وحياتهم من الرزق والأمور الضرورية كالملبس والمسكن والمأكل والمشرب وهو إشارة إلى قوله الذي جعل لكم الأرض! فراشاً الخ والمقلة بزنة اسم الفاعل من اتله إذا حمله هي الأرض لأنهم عليها وهي تحملهم والمظلة بزنته من قولهم أظله إذا جعل عليه ظلة وهي كالسقف لا من أظل بمعنى أقبل ودنا كأنه ألقى ظله عليه كما توهم لأنه معنى مجازي لا يلت! تجأ إليه مع ظهور الحقيقة وهي مبينة في اللغة والاسنعمال والمراد بها السماء وقد شاع هذا حتى صار حقيقة فيهما، وفي الحديث أيّ أرض تقلني وسماء تظلني وقوله والمطاعم الخ إشارة إلى ما تضمنه قوله وأنزل من السماء ماء الخ وأدخل المشرب في المطعم فإنه يشمله كما في قوله ومن لم يطعمه فإنه مني، وقوله فإنّ الثمرة أعمّ الخ إشارة إلى ما قاله الراغب من أنّ الثمرة ما يحمله الشجر ثم عمّ لكل ما يكتسب ويستفاد حتى قيل لكل نفع يصدر عن شيء هو ثمرته، فيقال ثمرة العلم العمل فيشمل كل رزق من مكل ومثرب وملبس سواء كان من النبات كالقطن والكتان أم لا. قوله: (ثم لما كانت هذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 الأمور الخ) المراد بالأمور ما خلق من المخلوقات من الأرضين والسموات وما فيهما من الأجرام العلوية وما أنعم به على من بها من الأرزاق والثمار والأمطار، وشهادتها على وحدانيته ظاهرة: وفي كل شيء له اًية تدل على أنه الواحد وقوله: رتب عليها النهي إشارة إلى أنّ اختيار الفاء في النظم لترتب ما بعدها على ما فعل قبلها ترتب المدلول والنتيجة بخلاف قوله: اعبدوا الله ولا تشركوا به حيث عطف بالواو لعدم ذكر الصفات وقد أرشدنا فيما سبق إلى أنّ السؤال المورد في العطف غير وارد عليه بعد التأمّل في كلامه وما في بعض الحواشي من تحقيق معنى السببية المستفادة من الفاء في قوله: فلا تجعلوا حيث ذكرنا أنها معنى موصل إلى التوحيد وأنّ ايئ ي جعل لكم الآية إن كان خبراً عن الضمير المحذوف يفيد معنى التخصيص الدال على تفرّد الصانع ووحدانيته ولما أفاد الكلام المتقذم معنى التوحيد عقلا ونقلاً رتب عليه النهي عن الإشراك به تعالى ترتيب الصسبب على السبب فتدبر. قوله: (ولعله سبحانه وتعالى أراد من الآية الأخيرة) وهي قوله الذي جعل لكم الأرض فراشاً الخ وإنما قال مع ما دلّ عليه الظاهر دفعاً لتوهم أن يراد من الآية معناها التمثيلي دون ظاهرها فانه غير صحيح فاللفظ مستعمل في معناه الحقيقي، إلا أنه يفهم منه تلك الخواص بطريق الرمز والإشارة، ولذا قال سيق فيه ولم يقل سيق له لأنّ المسوق له التوحيد والانتهاء عن اتخاذ الأنداد، ولذا قال بعضهم الأرض وما معها محمول على ما مرّ لا أنها بمعنى البدن ونحوه نإن سمج والمراد أنه ينتقل من العالم الكبير إلى العالم الصغير كما قيل في المثل الشيء بالشيء يذكر وتشبيه الجسم بالأرض لأنه سفل ثقيل مخلوق من عناصرها والنفس بالسماء لأنها علوية مفيضة للآثار إفاضة السماء على الأرض والعقل بالماء للطافته ونفوذه في كل شيء وإحيائه أرض البدن بعدما كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت، والعقل، كما قال الراغب يقال للقوى المتهيئة لقبول العلم وللعلم المستفاد بتلك القوّة والقوى وان كانت نفسانية وبدنية وبعضها متصل ببعض آثارها تظهر على البدن نفسه بالقبض الرباني فسقط ما قيل من أنّ العقل إنما يقوم بسماء النفس وكذا الفضائل غير قائمة بالبدن فلا يلائم تفسير الماء النازل من السماء بالعقل إذ ليس نازلاً منها بل قائماً بها وكذا تشبيه الفضائل بالثمرات، ثم قال المراد!. ل! سماء عال! القدسء ث كأ. الأ. ضى النف! ى: مى الماء ال! -، هـ أعور، الصعك ف:! الثو ات ما يترتب عليها من الفضائل، وقوله: وازدواج القوى الخ إشارة لما قلناه والقوى السماوية كحرارة الشمس، وقوله بقدرة الله متعلق بقوله المنفعلة. قوله: (فإنّ لكل آية ظهرا وبطنا ولكل حدّ مطلعاً) أصل البطن الجزء المعروف من الحيوان ويقابله الظهر، ثم قيل للجهة السفلى والعليا بطن وظهر، ويقال لما يدرك بالحس ويظهر ولما يخفى، والحدّ الحائز بين الشيئين والنهاية، والمطلع بضم الميم وتشديد الطاء وفتح اللام ثم عين مهملة من اطلع على كذا افتعل إذا أشرف عليه وعلم به والمطلع مفتعل اسم مفعول وموضع الإطلاع من المكان المرتفع إلى المنخفض كذا في المصباح، وقوله ولكل بالتنوين خبر مقدّم وحد مبتدأ مؤ%س، ومطلع معطوف عليه إن رفع كما في بعض الروايات ولو أضيف كل لحدّ نصب مطلعا بالعطف على ظهراً كما في كثر النسخ، وهذه العبارة بعض من حديث صحيح روي من طرق شتى بعبارات مختلفة يطول تفصيلها وشرحها فعن الحسن البصريّ مرسلاً أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل آية ظهر وبطن ولكل حدّ ومطلع ". وروى الطبراني أنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إنّ هذا القرآن ليس منه حرف إلا له حدّ ولكل حدّ مطلع وخرّجه صاحب المصابيح والطحاوي في الآثار وفي معنى السبعة أحرف أقوال كثيرة ليس هذا محلها وإن تعرّض لها بعضهم هنا تكثير للسواد، قال البقافي في كتابه مصاعد النظر. ومن خطه نقلت قال الحسن الظهر الظاهر والبطن السرّ من قول بعض العرب ضربت أمري ظهر البطن والحذ الحرف الذي فيه علم الخير والشرّ، والمطلع الأمر والنهي والمطلع في كلام العرب العلم الذي يؤتى منه خبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 بعلم القرآن والمصعد الذي يصعد إليه في معرفة علمه، وفسر في الغريب المطلع بموضع الإطلاع من أشراف نجد ويكون المصعد من أسفل إلى المكان المشرف فهو من الأضداد، وقيل الظهر لفظ القرآن والبطن تأويله وقيل الظهر ما قص من القصص وبطنه ما في القصص من العظة فالحاصل أنّ الظهر ظاهر الكلام والبطن ما يخص به العلماء مما يحتاج للتأويل، والحد غاية ما ينتهي إليه من الظاهر، والباطن والمطلع الطريق الموصل للحد، وهذا مراد المصنف كما يشهد له سياقه. يعني أنه سبحانه لم يخاطبنا إلا بما يمكن فهمه إمّا للعامّة أو للخاصة الذين يطلعهم على الطريق الموصل للحدّ وفي عوارف المعارف للسهروردي هذا الحديث محرّض لكل طالب ذي همة على أن يصفي موارد الكلام ويفهم دقائقه وغوامض أسراره فإذا تجرّد عما سواه كان له في قراءة كل آية مطلع جديد، وفهم عتيد، ولكل فهم عمل جديد يجلب صفاء الفهم ودقة النظر في معاني الخطاب وعمل القلب غير عمل القالب وهونيات وتملقات روحانية ومسامرات سرّية فكلما أتوا بعمل اطلعوا على مطلع من فهم الآية جديد، وفهم عتيد وعندي أنّ المطلع أن يطلع عند كل آية على شهود المتكلم بها وبتجدّد له التجليات بتلاوة الآيات، وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال قد تجلى الله لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون، وهذا مقام رفيع وقيل وراءه مقام آخر يسمى ما بعد المطلع وقد قيل إنّ لهذا الحديث أيضا ظهراً وبطناً ومطلعاً، وقد جاء في الحديث أن للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن. وروي إلى سبعين بطنا كما في تفسير الفاتحة للفنارقي رحمه الله. قوله: (لما قرّر وحدانيته الخ) إشارة إلى أنّ هذه الجملة معطوفة على ما قبلها لما بينهما من المغايرة الظاهرة والمناسبة التامّة لأنّ توحيد الله وتصديق رسله تعالى عليهم الصلاة والسلام توأمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، والتقرير جعل الشيء قارّاًك ص به عن الإثبات وصار حقيقة فيه ولم يذكر وجوب عبادته إمّا لجعله معطوفا على لا تجعلوا أو لاً نه مقدّم للوحدانية ولازم لها، والطريق الموصل هو النظر في الأمور الموجبة للعلم بذلك من الأنفس والافاق المشار إليها بالرب وصفاته وذكره على عقبه لما مرّ إشارة إلى أنّ التوحيد لا ينفع بدون الاعتراف بنبوّته عليه الصلاة والسلام وقيل إنه لما أوجب العبادة ونفى الشرك بإزالة الآيات والانقياد لها لام يمكن بدون التصديق بأنّ تلك الآيات من عند الله أرشدهم إلى ما يوجب هذا العلم وهذا أنسب بالسياق حيث لم يقل وان كنتم في ريب من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بل في ريب مما نزلنا ثم قال: إنّ الآية كما تزيل الريب تزيل الإنكار لكن خصر هذا إشارة إلى أنّ غاية ما يتوهم الريب دون الإنكار فإنه بمعزل عن التوهم فلا يلتفت إلى إزاحته ولذا لم يقل إن كنتم مرتابين مبالغة فيه أي إن كنتم محاطين بالريب يندفع عنكم بهذا الطريق وليس بشيء لأنّ العدول عن جعل ما مرّ برهانا عقلياً مستقلاً إلى كونه برهانا سمعيا يأباه السياق لأنه لو أربد ذلك، قال اعبدوا الله ولا تشركوا به كما في غير هذه الآية الواردة بعد الإثبات لأنه يضيع حينئذ تفصيل الأدلة الأنفسية والآفاقية وتصير لغواً خالية عن اللطائف السابق تقريرها. قوله: (وهو القرآن المعجز بفصاحته الخ) إشارة إلى المذهب الحق في الإعجاز، وبذت بالذال المعجمة بعد باء موحدة وكذا بالزاي المعجمة بمعنى غلمث وقهر، ومنه المثل من " عزيز " والمنطيق بكسر الميم صيغة مبالغة من النطق وهو البليغ الكثير نطقه، والإفحام بالفاء والحاء المهملة إسكات الخصم بالحجة حتى يسودّ وجهه ويصير كالفحمة وأصله من فحم الضبي إذا بكى حتى انقطع صوته، والمضاذة مفاعلة من الضد بمعنى المعاندة، والمضارّة مفاعلة من الضرر والمعازة بالزاي المعجمة المغالبة والمعارّة بالراء المهملة المخاصمة من المعرّة وهي الفضيحة لأنه يحرص على تفضيح خصمه، والمصقع البليغ والعرب العرباء الخلص كما مرّ في أوائل الديباجة وفي كلامه تجنيس حسن ويعرف إعجازه ونفي الريب عنه بعدم قدرتهم وهم أفصح الناس على مضاهاته ومعارضته وهو يقتضي أنه ليس من كلام البشر، وأمّا احتمال أنه عليه الصلاة والسلام خلق أفصح الناس حتى لا يقدر على مثل كلامه أو أنه كلام ملك فغير ضارّ لعدم تسليم الأوّل ولذا لم يقله أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 منهم وكذا. الثاني لو نزل عليه ملك كان نبياً، وقوله: وافحام من الخ بإضافة الإفحام إلى من كما في أكثر النسخ وقد قيل عليه أنه عطف على قوله نبوّة ولا وجه له لأنّ الحجة لا تقوم على الإفحام بل بعده وفي بعض النسخ إفحامه بالإضافة إلى الضمير عطفاً على فصاحته ولا وجه له أيضاً لأن الباء في المعطوف عليه للسببية فالعطف عليه يقتضي أن يكون إفحامه لمن طلب معارضته سبباً لإعجازه، وليس كذلك بل الأمر بالعكس فالصحيح أن يقال وأفحمت بصيغة الفعل المعطوف على بذت وليس بشيء لمن له أدنى تدبر فإن دفعه على طرف الثمام. قوله: (وإنما قال مما نزلنا الخ) يعني لم يعبر بالأفعال بلى بائتفعيل المقيد للنزول لأنه من أسباب ريبهم وكذا قوله عبدنا لأنهم قالوا لما رأوا نزوله منجماً على عادة الشعراء والخطباء لو كان من عند الله جاء دفعة واحدة كغيره من الكتب الإلهية ولجاء به إلينا ملك بلا واسطة فردّ عليهم بأنه نجم لأجل المصالح والوقائع وليسهل حفظه له عليه الصلاة والسلام ولأمّته كما يدلّ عليه قراءة الجمع، وقد قيل إنّ المراد بالعباد الرسل لأنّ كتبهم نزلت بلغة قومهم فالريب في هذا ريب فيها وفيه نظر، فالمعنى إن كان ريبكم لهذا فأتوا بمقدار نجم منه وأنه أسهل ومن عجز عنه عجز عن غيره بالطريق الأولى ففي هذا التعبير إشارة إلى منشاريبهم بتضمن ردّه على وجه أبلغ وإلى أنّ المنزل عليه أشرف المخلوقات من الملائكة وغيرهم لإنه أخص خلقه وأقربهم منزلة منه، وقوله نجما فنجما أي مفرّقاً ومرتباً لأنّ مثله من الحال يدل على الترتيب نحو علمته النحو بابا بابا وقد يقرن مثله بالفاء للتصريح بالمراد نحو ادخلوا الأول فالأوّل، والنجم اسم للكوكب ولما كانت العرب بوقت بطلوع النجوم لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء سموا الوقت الذي يحل فيه الأداء نجماً تجوّزا ثم توسعوا حتى سموا الوظيفة لوقوعها في الوقت الذي يطلع فيه النجم واشتقوا منه فقالوا نجمت الشيء إذا وزعته وفرّقته ومنه ما نحن فيه، وما ذكره من أن فعل بالتضعيف يدلّ على التنجيم المعبر عنه بالتكثير كما ذكره الزمخشريّ وغيره مشهور وقد اعترض عليه بأنّ التضعيف الدال على ذلك شرطه أن يكون في الأفعالط المتعدية قبل التضعيف غالباً نحو فتحت الباب وقد يأتي في اللازم نحو موّتت الإبل والتضعيف الدال على الكثرة لا يجعل اللازم متعدّياً وما يفيده للنقل لا للتكثير، وقد جعلهما النحاة كما في المفصل وغيره معنيين متقابلين والاستعمال على خلافه كقوله تعالى {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ} جملة واحدة إذ لا وجه لذكر كونه جملة حينئذ وقوله: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ} [سورة الأنعام، الآية: 37] فإن ادّعى أنه يستفاد من التقابل ونحوه كما قيل فلا قرينة هنا، وعندي أن هذا المعنى غير التكثير المذكور في النحو، وهو التدريج بمعنى الإتيان بالشيء قليلاً قليلا كما ذكروه في تسلل حيث فسروه بأنهم يتسللون قليلاً قليلاً من الجماعة قالوا ونظيره تدرّج وتدخل ونحوه رتبه أي أتى به رتبة رتبة وهو غير التكثير لإشعاره بخلافه وقد حصروه في هذه الأمثلة فهو مغاير لما في كتب العربية فلا يخالف ما هنا كلامهم فيه، كما توهموه وحينئذ تكون صيغة فعل بعد كونها للنقل دالة على هذا المعنى إما مجازا أو اشتراكا فلا يلزم اطراده فتدبر. قوله: (وأضاف العبد الخ) يعني أنّ إضافته لضمير الله الذي هو بصيغة العظمة تعظيماً له وتشريفا لقدر. لأنّ الإضافة تكون لتعظيم المضاف أو المضاف إليه أو غيره كما فصل في المعاني، والتنويه من قولهم نوّه به تنويهاً رفع ذكره وعظمه وفي حديث عمر رضي الله عنه: أنا أوّل من نوّه بالعرب أي رفع ذكرهم بالديوان والإعطاء. قوله: (والسورة الطائفة من القرآن الخ) الترجمة تكون بمعنى نقل الكلام من لغة إلى أخرى والناقل ترجمان وبمعنى مطلق التبليغ كما في قوله: إن الثمانين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان وبمعنى التسمية وهو المراد هنا أي المسماة والملقبة باسم مخصوص كسورة الفاتحة أو مشترك كسورة الطلاق وحم والمراد تفسير سورة القرآن لأن أجزاء غيره من الكتب السماوية تسمى سوراً أيضاً كسورة الأمثال في الإنجيل. قيل وبه خرج الآيات المتعددة من سورة واحدة أو سور متفرّقة وقد نقض هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 التعريف بآية الكرسي، وأجيب بأنه مجرّد إضافة لم يصل إلى حدّ التسمية والتلقيب وهو مكابرة لأنّ كثر السور من قبيل الإضافات كسورة آل عمران، وقد وردت تسمية آية الكرسي في الأحاديث الصحيحة واشتهرت على الألسنة فالقول بأنه لم يصل إلى حدّ التسمية لا وجه له، والحق أنه غير وارد رأساً لأن تلقيبها بإضافة الآية ينادي على أنها ليست بسورة فلا يرد نقضا وأيضا المراد أنها طائفة على حدة ليست جزءا من سورة أخرى إذ الآيات يعتبر فيها الاندراج في غيرها، والسور معتبر فيها الاستقلال وهذه غير مستقلة فهي خارجة من غير حاجة إلى التأويل أصلا، والجواب بأنّ المراد المترجمة في المصاحف يردّه أنها بدعة ليست في الإمام وما ضاهاه وما يقال من أنه إن أريد بما ذكر تفسير سورة القرآن فلا يناسب المقام لأنه شامل للسورة التي يأتي بها المتحدي فرضاً وليست منه وإن أريد المطلق لا يصح قوله من القرآن غير وارد لأنّ المراد الأوّل ولما كان سورة المتحدي لم تقع لم يلتفت إليها أو هي داخلة فيما يعارض به ادّعاء فرضيا كما لا يخفى، وقوله أقلها ثلاث آيات المراد به أن جن! تلك الطائفة المسماة بالسورة متفاوت قلّه وكثرة في إفرادها وغاية قلتها ثلاث آيات وبهذا ينكشف المقصود زيادة انكشاف فلا يرد أنّ هذا القيد يوجب أن لا يصدق التعريف والتفسير على شيء من السور، وبه يعلم أيضاً أنّ تلك الآية على تقدير كونها مسماة بذلك الاسم خارجة عن السورة كما أفاده قدّس سرّه والظاهر من قيود التعريف أن تكون أوصافا للأفراد لا حالاً للجنس والقلة والكثرة من صفات الجنس لكن بالنظر إلى الإفراد ربما كان هذا اللفظ صحيحاً سوأء كان في التعريف أولاً، فلا يرد ما ذكره على الشارح الفاضل حيث قال إنّ هذا تنبيه على أنّ أقل ما يتألف منه السورة ثلاث آيات لا قيد في التعريف إذ لا يصدق على شيء من السور أنه طائفة مترجمة أقلها ثلاث آيات لأنه إن أراد أنه يصح إدخاله في التعريف من غير تأويل فغير مسلم لما عرفته آنفاً وان أراد بتأويل ما يجعله صفة للإفراد بأن يكون المراد أقل نوعها أو التي لا تكون أقل من ثلاث آيات فقد أشار إليه الشارح بقوله وفيه تأمّل، والطائفة من الناس جماعة ومن الشيء قطعة وهذا هو المراد. قوله: (من سور المدينة لأنها الخ) السورة الواحدة من البناء المحيط نقلت لما ذكر لكنهم فرقوا بينهما فجمعوا الأوّل على سور بضم فسكون والثاني على سور بضم ففتح وما في القاموس مما يوهم التسوية بين الجمعين فيه نظر لا يخفى، وعدل المصنف عما في الكشاف من أنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسوّر لما قيل عليه من أنه يقتضي أن تسمى تلك الطائفة سورة تشبيها لها بالبلد لا سورة تشبيهاً بحائطها وإن أجيب عنه بأنّ السورة أطلقت على ذي السورة كما يطلق الحائط على المحوّط في قول العرب للحديقة حائطا ثم نقل منه إلى الطائفة اأحذكورة نقلاً مرتباً على المجاز وفي الثاني نقل فقط وفي الكشف في تقرير ما في الكشاف السورة مشتملة على أجزائها اشتمال الكل على أجزائه واحاطة الكل بمفرداته وهو أتمّ الإحاطة، ولولا أنّ تلك الآيات والكلم نزلت منزلة المحال والبيوت في البلد لم يصح هذا التشبيه وهذا الإطلاق على هذا الوجه فصح أنّ النظر في هذا التشبيه إلى المحاط أوّلاً واندفع ما عسى أن يختلج في بعض الخواطر أنّ المناسب على هذا التقدير أن تسمى الطائفة المذكورة المسوّر لا السورة لأنها إذا! ميت بالمسوّر فأين السور وردّ بأنه مخالف لما في تقرير الكتاب لأنّ المعتبر فيه كون السورة محاطة أي محدودة محوزة لا كونها محيطة بأجزائها بل ما ذكرتم هو بعينه الوجه الثاني إلا أنه أبدل فيه فنون العلم وأجناس الفوائد بالآيات والجمل وهو غير وارد لأنه يعني أنّ آياتها وكمالاتها شبهت بالمنازل فجميع أجزائها. كالبلد المسوّر والكل من حيث هو كل مشتمل عليها كالسور والمغايرة بينهما اعتبارية فإنها من حيث إنها أجزاء مجتمعة مدينة وبلد ومن حيث كليتها سور فقوله في الكشاف كالبلد المسور تشبيه للطائفة وهي الكلم وما تركب منها من الآيات وفي قوله المسور إشارة إلى أنها ذات سور وليس معها شيء آخر يشبه بالسور فلزم أن يكون السور الكل المجموعي من حيث اشتماله على ما ذكر ومخالفته لتقرير الكتاب كما قيل ليست بظاهرة، وأمّا في الثاني فالألفاظ محيطة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 بالمعاني وأين هذا من ذاك، والحاصل أنّ الهيئة الاجتماعية التي لا جزاء السورة بمنزلة السور والآيات بمنزلة بيوت البلد، وفي قوله البلد المسوّر إشارة إلى المحيط والمحاط به لا المحاط به فقط كما قيل، وأمّا ما قيل على المصنف رحمه الله من أنّ في كلامه نظراً لأنّ السورة ليست محيطة بطائفة منه بل مشتصلة عليها اشتمال الكل على الأجزاء لا الظرف على المظروف فهو كما قيل: سارت مشرقة وسرت مغرّبا شتان بين مشرق ومغرب وقوله مفرزة بمعنى مفصولة مميزة عن غير! بالمبدأ، والمقطع من فرزت الشيء أفرزه إذا عزلته عن غيره وميزته كما في الصحاح وأمّا افريز الحائط لطنفه فمعرّب رواز وقد عرّبو. قديماً كما في كتاب المغرب ومنه قول أبي نواس في بركة في روضة: بسط من الديباح بيض فروزت أطرافها بفراوز خضر ومحوزة أي مجتمعة وحيالها انفرادها عن غيرها والحاصل أنها مستقلة ممتازة بحيز يخصها. قوله: (أو محتوية على أنواع الخ) هذا هو الوجه الثاني في الكشاف وهو أنّ السورة اسم للألفاظ والمسوّر المحاط بها هو المعاني لأنّ الألفاظ كاللباس والقوالب للمعاني، وأشار إلى وجه الشبه بقوله احتواء الخ. قوله: (أو من السورة التي هي الرتبة الخ) الرتبة من رتب الشيء رتوبا استقرّ ودام فهو راتب وهي كالمنزلة والمكانة وعلى هذا شبهت السور بالمراتب المحسوسة لأن القارئ يترقى في تلاوتها واحدة بعد واحدة كما يرقى الصاعد للمراتب العلية أو لأنها ذات مراتب متفاوتة في الشرف والثواب والفضل والطول والقصر، وتفاوت بعض القرآن في مراتبه بحسب ما ذكر مما صرّح به في الفقه اكبر، وله تفصيل في شروحه وهو لا ينافي قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [سورة النساء، الآية: 82] الآن مثل هذا الاختلاف لا يضرّ كما سيأتي في تفسير هذه الآية، والبيت المذكور من قصيدة للنابغة الذبيان مسطورة في ديوانه أوّلها: نبئت زرعة والسفاهة كاسمها يهدي إليك أو أبد الأشعار ومنها:. فلتأتينك عداوتي وليدفعن ألف إليك قوادم اكوار رهط ابن كوز محقبو أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار ولرهط حرّاب وقدّ سورة في المجد ليس غرابهابمطار وحرّاب بزنة حسان فعال من الحرب بالحاء والراء المهملتين وفي شرح شواهد الكشاف أنه روي بالزاي المعجمة أيضاً ولم يذكره أبو عبيدة في شرح ديوانه، وقذ بفتح القاف وتشديد اندال المهملة وفي بعض شروح الكشاف بالذال المعجمة وهما غلمان لرجلين من بني أسد، وقال الصاغاني: هما ابنا ملك ولا منافاة بينهما، وقوله ليس غرابها بمطار هو مثل كني به عن الخصب وكثرة الثمار بحيث إذا وقع الغراب والطير فيها لا يذاد عنها لكثرة ثمارها، وقيل إنه كناية عن رفعة الشأن والمرتبة أي لا يصل إليها الغراب حتى يطار أو لا تصل الإشارة إلى غرابها حتى يطار وهو كقوله: ولا ترى الضبّ بها ينحجر أي لا غراب بها ولا إطارة وهذا أنسب بالبيت المذكور ومثله قول النابغة أيضاً: ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب قوله: (لأن السور كالمنازل الخ) إشارة إلى أنّ الرتبة يجوز أن تكون حسية ومعنوية كما مرّ، وهذا معنى قوله في الكشاف لأنّ السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ وهي أيضاً في أنفسها مترتبة طوال وأوساط وقصار أو لرفعه شأنها وجلالة محلها في الدين، وقيل بينهما تخالف فإنه في الكشاف جعل وجه التسمية أمرين كون السور كالمنازل والمراتب يترقى فيها القارئ وهي أيضاً في نفسها مرتبة طوال وقصار وأوساط وثانيهما رفعة شأنها وجلالتها في الدين والمصنف عدل عنه وجمع الرتب في الطول والقصر والتوسط مع التفاوت في الشرف والفضل والثواب لأن التسمية إمّا باعتبار مراتب القارئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 فيها وأمّا باعتبار أنها في أنفسها منازل منفصل بعضها عن بعض فيناسب بذلك جمع طولها وقصرها مع تفاوت مراتبها في الفضل، وقد وجه قدس سرّه ما في الكشاف بأنه يريد أن الرتبة إن جعلت حسية فلأن السورة يترقى فيها القارئ ويقف عند بعضها أو لأنها في أنفسها منازل منفصل بعضها عن بعض متفاوتة في الطول والقصر والتوسط وإن جعلت معنوية فلتفاوت رفعة شأنها وجلالة محلها في الدين كل واحدة منها رتبة من تلك المراتب ولا يخفى أن صنيع الزمخشريّ أحسن والمصنف لم يميز الحسيّ من المعنويّ ففي كلامه تسمح إلا أنّ المراد ما في الكشاف. قوله: (وإن جعلت مبدلة الخ) أي إن جعلت السورة مهموزة أبدلت همزتها واواً على القياس المعروف فهي من السؤر ونقل إلى البعض والقطعة مطلقاً وأخروه لما قيل من أنه ضعيف لفظاً إذ لم يسمع همز. ولم ينقل في قراءة من السبع أو الشواذ وان أشعر به كلام الأزهري حيث قال أكثر القرّاء على ترك الهمزة ومعنى لأنها اسم ينبئ عن قفة وحقارة ويستعمل فيما فضل بعد ذهاب الأكثر، ولا ذهاب هنا إلا تقديراً بالنظر إليها نفسها وفيه أنه قال في الدرّ المصون أنها لغة تميم وغيرهم يقولون سؤرة بالهمز، وما ذكر إن كان باعتبار الأغلب فمسلم لكنه لا يرد هنا والا فاللغة تشهد بخلافه ولا يلزم من كون ذلك أصلها أن يلزمها ألا ترى أنّ لفظ سائر من السور، وقد تخلف عنه ما ذكر. قوله: (والحكمة في تقطيع القرآن الخ) أي جعل القرآن سورا مفصلة يشتمل على فوائد وحكم جليلة كما في سائر أفعاله: من عرف الله أزال التهمه. وقال كل فغله لحكمه فمنها إفراد الأنواع أي جعل كل نوع منها على حدة أو كل أنواع متناسبة في سورة مستقلة، وتلاحق الأشكال المراد بالتلاحق وهو تفاعل من اللحوق الاتصال والمقاربة، والأشكال بفتح الهمزة جمع شكل كضرب وهو ما يماثل الشيء قال الله تعالى: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ} [سورة ص، الآية: 58] وبقال الناس أشكال وآلاف كما قيل: إنّ الطيور على أشباهها تقع وتجاوب النظم التئامه وائتلافه حتى كان بعضه يجيب بعضاً منه وهو استعارة حسنة والترغيب فيه لأنه إذا سهل حفظه يرغب فيه وقوله نفس ذلك عنه بتشديد الفاء تفعيل من النفس بالفتح وله معان منها الفرج، ويقال اللهتم نفس عني أي فرج عني كربي وهذا منه والمعنى خفف تعقبه وأراحه، وقوله كالمسافر تشبيه للقارئ وقد ورد في الحديث تسميته بالحال المرتحل والبريد مساقة معلومة وهو معرّب بريده دم أي مقطوع الذنب لأنه كان يوضع فيه دواب لاتصال العمال والإخبار بسرعة للخلفاء وتجعل تلك الدواب كذلك لتكون علامة لها ثم سمي بذلك الرسول والمحل والمسافة وهو اثنا عشر ميلاً، والميل ثلاثة فراسخ والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة وطيّ البريد قطع المسافة وحذقها بزنة ضربها بحاء مهملة وذال معجمة وقاف أي أتم قراءتها مجاز من قولهم سكين حاذق أي قاطع كما في الأساب وغيره والحذق في الأصل الذكاء وسرعة الإدراك وابتهج بمعنى فرج وسرّ وقوله إلى غير ذلك من الفوائد يتعلق بمقدر وهو متصل بأوّل الكلام أي فمن ذلك التقطيع ما ذكر من الحكم مضمونا إلى غيره مما يعلم بالقياس على المذكور ويجوز تعلقه بقوله ابتهج بتضمنه معنى نشطه وهيجه إلى غير ذلك والأوّل هو المراد ومن الفوائد أنه أبلغ في إظهار الإعجاز وذلك لأنه إذا فصل القرآن إلى سور تفصيل كلام البلغاء، ومع ذلك عجزوا عن أقصر سورة منه كان ذلك أبلغ في التعجيز كما مرّت الإشارة إليه وما ذكر من الفوائد منها ما يتعلق بالمقروء ومنها ما يتجلق بالقارئ ومثله الكاتب وهو غنيّ عن البيان. قوله: (صفة سورة الخ) في الكشاف من مثله متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله فأتوا والضمير للعبد وقد اشتهر هنا سؤال في وجه التفرقة بين الوجهين وتجويز رجوع الضمير لما نزلنا وللعبد إذا كان الجار والمجرور صفة لسورة ومنعه ضمنا على تقدير تعلقه بقوله فأتوا وأوّل من سأله أستاذ الكل العلامة العضد حيث قا ا! مستفتياً علماء عصره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 بما صورته: يا أدلاء الهدى ومصابيح الدجى حياكم الله وبياكم وألهمنا الحق بتحقيقه واياكم ها أنا من نوركم مقتبس وبضوء ناركم للهدى ملتمس ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ينشد بأضلق لسان وأرق جنان: ألا قل لسكان وادي الحمى هنيئألكم في الجنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضاً فنحن عطاس وأنتم ورود قد استبهم قول صاحب الكشاف أفيض عليه سجال الألطاف، من مثله متعلق بسورة الخ حيث جوّز في الوجه الأوّل كون الضمير لما نزلنا تصريحاً وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري ما الفرق بين سورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة وهل ثمة حكمة خفية، أو نكتة معنوية أو هو تحكم بحت وهذا مستبعد من مثله فإن رأيتم كشف الريبة واماطة الشبهة والإنعام بالجواب أثبتم بأجزل الأجر والثواب، فكتب جوابه العلامة فخر الدين الجاربردي إلا أنه أتى بكلام معقد لا يظهر معناه فردّه العضد وشنع عليه ثم انتصر لكل منهما ناس من فضلاء ذلك العصر حتى طال الكلام في ذلك وألفت فيه رسائل منقولة برمتها في الأشباه والنظائر النحوية وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك بما لا مزيد عليه. قوله: (والضمير لما نزلنا الخ) شروع في بيان الوجوه المذكورة مع الزيادة على ما في الكشاف فذكر أنه إذا كان ظرفاً مستقراً صفة لسورة فارضمير يجوز رجوعه لما التي هي عبارة عن المنزل وللعبد فعلى الأوّل ذكر في من ثلاثة أوجه أحدها التبعيض ولما كان الأمر هنا باتفاق من الأصوليين والمفسرين للتعجيز اعترض على هذا بأنه يوهم أنّ للمنزل مثلا والعجز عن إتيان بعضه فالمماثلة المصرّح بها لا تكون منشأ للعجز كما سيأتي، وإنما قيل يوهم لأنّ المراد ائتوا بمقدار بعض ما من القرآن مماثل له في البلاغة والأسلوب المعجز فما قيل في جوابه أنه يدفعه مقام التحدي لا وجه له لأنه لا يدفع الإيهام، ومن قال هنا إن المراد بكونها بعض مثل ما نزلنا إنها مثله في حسن النظم وغرابة البيان من حيث كون مقاصده مقتصرة على إيجاب الطاعات والنهي عن الفواحش والمنكرات والحث على مكارم الأخلاق والأعراض عن الدنيا الفانية والإقبال على الآخرة الباقية مع ما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت لم يحم حول الصواب إذ لا وجه لهذه الحيثية سواء كانت مفسرة أو مقيدة كما لا يخفى على من عرف معنى الإعجاز وسيأتي لهذا تتمة عن قريب والقول بأنّ التبعيض غير صحيح لأنها لا تكون ظرفا مستقرّاً ليس بشيء ويردّه قوله: ومن الناس من يقول: وأمثاله كما صزحوا به ولا أدري ما غرّه فيه 0 قوله: (أو للتبيين الخ) فالسورة المفروضة التي تعلق بها الأمر التعجيزي هي مثل المنزل في النظم وغرابة البيان والمعجوز عنه سورة موصوفة بذلك وكونها مثله في الإعجاز وعنوان السورة يدفع احتمال مماثلة الجميع كما قيل، وأمّا ما قيل من أنّ قوله بسورة كائنة من مثله يدل على التبعيض بلا تبيين فكيف بناهما على التفسيرية إلا أن يقال إنّ ابتداء التفسير كلمة من غير نظر لما قبله فكلام ناشئ من عدم معرفة أساليب كلام العرب. قوله: (ورّائدة عند الأخفش) فلا يمتنع عنده زيادتها في الكلام المثبت، والجمهور اشترطوا في زيادتها تقدّم نفي أو شبهه سواء كان مجرورها نكرة أو معرفة وهو خالفهم في ذلك كما في التسهيل والاعتراض عليه بأنه يوافقه فيه الكوفيون فضول من الكلام وقوله أي بسورة مماثلة الخ قيل إنه تفسير للزيادة وبه يتبين التبيين، وقيل إنه تفسير له على جميع الاحتمالات إمّ على الأخيرين فظاهر وأمّا على التبعيض فلأن المراد بكونه بعضاً من مثل القرآن أن يكون مماثلاَ له في البلاغة والا لم يكن بعضاً من مثله. قوله: (أو لعبدنا ومن للابتداء الخ) عطف على قوله لما نزلنا فإذا رجع الضمير للعبد لم يحتمل التبعيض والتبيين والزيادة ويتعين الابتداء كما أنه إذا رجع لما لم يحتمل الابتداء أيضا والمراد بكونها للابتداء أن مجرورها مبدأ للفعل حقيقة أو حكماً سواء كان مكانا نحو سرت من البصرة أو زمانا نحو من أوّل الليل أو غيرهما نحو أنه من سليمان ومنع البصريون كونها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 لابتداء الغاية في الزمان، وقوله من كونه بشرا الخ بيان لحاله وهذا وان لم يرتضه المصنف رحمه الله أورده استيفاء للوجوه المحتملة فلا يرد عليه ما قيل من أنه لا وجه لتخصيص البشر مع أنه معجز للثقلين كما سيأتي في تفسير قوله: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ} [سورة الإسراء، الآية: 88] الخ والتحدي كأن أوّلاً بمثل القرآن كما فئي قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} [سورة الطور، الآية: 34] ثم بعشر سور في قوله: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} [سررة هود، الآية: 13] ثم بسورة ما ومعنى الإتيان المجيء بسهولة سواء كان بالذات أو بالأمر والتدبر ويقال في الخير والشرّ والاً عيان والإعراض ثم صار بمعنى الفعل والتعاطي كما في قوله: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [سورة التوبة، الآية: 54] وأصل فاتوا فأتيوا فأعل الإعلال المشهور. قوله: (والردّ إلى المنزل الخ) أي رجوع ضحمير مثله إلى قوله مما نزلنا أوجه من رجوعه للعبد مطلقا أو إذا كان ظرفا لغواً متعلقا بقوله فأتوا فلا يكون فيه ترجيح لكون الظرف صفة سورة مستقرّا كما قبل لاً نه إذا تعلق بقوله فأتوا فضمير مثله للعبد لا للمنزل فكلامه موافق لما في الكشاف ويرد عليه ما يرد عليه كما ستراه، واعلم أنّ الزمخشري لما جوّز في الوصفية عود الضمير لما وللعبد واقتصر على الثاني في تعلقه بقوله فأتوا ورد عليه أنه لم لا يجوز أن يكون الضمير حينئذ لما نزلنا أيضا كما جاء ذلك على تقدير كون الظرف صفة كما حكيناه لك آنفا، وأجاب الفاضل المحقق ومن تبعه بأنّ الأمر هنا تعجيزيّ باعتبار المأتي به والذوق شاهد بأنّ تعلق من مثله بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتي منه بشيء ومثل النبيّ في البشرية والعربية موجود بخلاف مثل القرآن في البلاغة وأمّا في الوصفية فالمعجوز عنه الإتيان بالسورة الموصوفة وهو لا يقتضي وجود المثل بل ربما يقتضي انتفاءه لتعلق أمر التعجيز به، والحاصل أنّ قولك ائت من مثل الحماسة ببيت يقتضي وجود المثل بخلاف ائت ببيت من مثل الحماسة، وقد أجيب عنه بوجوه الأوّل أنه إذا تعلق بقوله فأتوا فمن للابتداء قطعا إذ لا مبهم حتى يبين ولا سبيل إلى البعضية لأنه لا معنى لإتيان البعض ولا مجال لتقدير الباء مع من لذكر المأتي به صريحاً وهو السورة ومن الابتدائية تعين كون الضمير للعبد لأنه المبدأ للإتيان لا مثل القرآن وفيه أن مبدأ الابتدائية ليس هو الفاعل حتى ينحصر مبدأ الإتيان بالكلام في المتكلم على أنك إذا تأمّلت فالمتكلم ليس مبدأ للإتيان بالكلام منه بل للكلام نفسه بل معنا. أن يتصل به الأ " لر الذي اعتبر له امتداد حقيقة أو توهماً كالبصرة للخروج والقرآن للسورة فاندفع ما قيل إن المعتبر من المبدأ هو الفاعليّ والمادّيّ والغائيّ لذلك الشيء أوجهه يتلبس بها ولا يصح شيء منها هنا على أنّ كون مثل القرآن مبدأ مادّياً للإتيان بالسورة ليس بأبعد من كون مثل العبد مبدأ فاعليا له، وقد قيل على هذا أنه فرق بين كون المأتيّ به عرضاً مقتضيا للمحل وبين أن يكون جوهراً لا يقتضيه فإنه يجوز أن يقال أتيت من البصرة بكتاب ولا يجوز أتيت من البصرة بكلام وبسلام على الحقيقة بل ينبغي أن يقال أتيت من أهل البصرة فلا يقاس مبدئية القرآن للإتيان بسورة على مبدئية- البصرة للخروج لاستدعاء مبدئية القرآن للإتيان بسورة منه أن يكون القرآن متصفاً بالإتيان بسورة منه بخلاف الخروج من البصرة فإنه لا يستدعي أن تكون البصرة متصفة بالخروج وكما أن البصرة لا يجوز أن تكون مبدأ للإتيان بالكلام كذلك لا يجوز أن يكون القرآن مبدأ للإتيان بالسورة الذي هو التكلم بها فما قاله من أنّ المبدأ الذي تقتضيه من الابتدائية هو الفاعل ليس على إطلاقه بل هو على تقدير أن يكون المأني به عرضاً كالكلام فاتصاف المبدئية لازم كما يلزم ذلك إذا رجع الضمير للعبد وليس بشيء كما لا يخفى. الثاني أنه إذا كان الضمير لما ومن صلة فأتوا والمعنى فأتوا من منزل مثله بسورة فمماثله ذلك المنزل لهذا هو المطلوب لا مماثلة سورة واحدة منه بسورة من هذا والمقصود خلافه كما نطقت به الآي الآخر، وفيه أن إضافة المثل إلى المنزل لا تقتضي أن يعتبر موصوفه منزلاً ألا ترى أنه في الوصفية ليس المعنى بسورة من منزل مثل القرآن بل من كلام وكيف يتوهم ذلك والمقصود تعجيزهم عن أن يأتوا من عند أنفسهم بكلام من مثل القرآن ولو سلم فما ادّعاه غير بين ولا مبين الثالث أنها إذا كانت صلة فأتوا فالمعنى ائتوا من عند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 المثل كما في ائتوا من زيد بكتاب أي من عنده، ولا يصح ائتوا من عند مثل القرآن بخلاف مثل العبد وهو بين الفساد، واعترض على الوجه الأول الذي ارتضوه بعض الفضلاء المتأخرين بأن قوله إنه يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء يفهم منه أنه اعتبر مثل القرآن كلا ذا أجزاء وأرجع التعجيز إلى الإتيان بجزء منه، ولهذا مثل بقوله ائت من مثل الحماسة ببيت فإنّ مثل الحماسة كتاب أمر بالإتيان ببيتا منه على سبيل التعجيز، وإذا كان كذلك فلا شك أنّ الذوق يحكم بأنّ تعلق من مثله بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى بشيء منه وأمّ إذا جعلنا مثل القرآن كليا يصدق على كله وبعضه وعلى كل كلام يكون في طبقة البلاغة القرآنية فلا نسلم أنّ الذوق يشهد بوجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء بل الذوق يقتضي أن لا يكون لهذا الكليّ فرد غير القرآن والأمر راجع إلى الإتيان بفرد آخر من هذا الكلام على سبيل التعجيز، ومثله كثير في المحاورات كمن عنده ياقوتة ثمينة لا يوجد مثلها يقول في مقام التصلف من يأتي من مثل هذه الياقوتة بياقونة أخرى فيفهم منه أنه يدّعي أنه لا يوجد فرد آخر من هذا النوع فظهر من هذا أنه لا يلزم من تعلق من مثله بقوله فأتوا أن يكون مثل القرآن موجود فلا محذور، ومثال بيت الحماسة غير مطابق للغرض لأنّ الحماسة مجموع كتاب فلا بد أن يكون مثله كتاباً آخر فيلزم المحذور وأمّا القرآن فمفهوم كفي صادق على كله وأبعاضه إلى حد لا يزول عنه البلاغة القرآنية، فالغرض منه المفهوم الكليّ وهو نوع من الكلام البليغ فرده القرآن وقد أمر بالإتيان بفرد آخر من نوعه بلا محذور وقد تبج!! هذا القائل بما ذكره وأفرده برسالة زيف ما فيها بعض أهل عصره، وقد قيل على هذا الجواب أيضاً إنّ قوله إنّ تعلق من مثله الإتيان يقتضي وجود المثل الخ فيه أنه إنما يتمّ لو لم يكن المثل فرضيا وهو ممنوع. ألا ترى إلى قول الزمخشري أنه لا قصد إلى مثل ونظير هنالك وأجيب بأنّ الذوق شاهد عليه وقوله لا ينفي اقتضاء وجود المثل المحقق بل ينفي القصد إلى مثل محقق، وقريب منه ما قيل من أنه لم لا يكفي وجود المثل في زعمهم كما يكفي على تقدير كون من للتبعيض، وقيل إن بناء الأمر على المجاراة معهم تهكما أو بحسب حسبانهم كقولهم لو نشاء لقلنا عثل هذا يابا. ما قرّر من أنه عبر عن اعتقادهم وانكارهم بالريب إشارة إلى أنه غاية ما يمكن ولذا نكر وصدر بكلمة الشك فإنه مبنيّ على غير تسليمه ولو جدلاً، وهو غير وارد لأنّ بناء جملة على اعتبار وأخرى على آخر تكثيراً للمزايا غير منكر وعندي أنّ هذا الجواب وإن ارتضاه كثير منهم وليس بسديد لأنّ الأمر تعجيزي عندهم وذكر المثل لما لا مثل له أدخل في التعجيز وأقوى كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى في هذه السورة: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ} [سورة البقرة، الآية: 137] حيث قال: إنه من باب التبكيت لأنّ دين الحق واحد لا مثل له وتبعه المصنف رحمه الله فلنجعل ما نحن فيه كذلك (ثم إنه سنح لي هنا) أنّ المراد التحدّي وتعجيز بلغاء العرب المرتابين فيه عن الإتيان بما يضاهيه فمقتضى المقام أن يقال لهم معاشر فصحاء العرب المرتابين في أنّ القرآن من عند الله ائتوا بمقدار أقصر سورة من كلام البشر محلاة بطراز الإعجاز ونظمه وما ذكر يدلّ على هذا إذا كان من مثله صفة لسورة سواء كان الضمير لما أو للعبد لأنّ معناه ائتوا بمقدار سورة تماثله في البلاغة كائنة من كلام أحد مثل هذا العبد في البشرية فهو معجز للبشر عن الإتيان بمثله أو ائتوا بمقدار سورة من كلام هو مثل هذا المنزل ومثل الشيء غيره فهو من كلام البشر أيضاً فإذا تعلق بأتوا ورجع الضمير للعبد فمعناه أيضا ائتوا من مثلى هذا العبد في البشرية بمقدار سورة تماثله فيفيد ما ذكرناه من المقصود، ولو رجع على هذا لما كان معناه ائتوا من مثل هذا المنزل بسورة ولا شك أنّ من فيه ليست بيانية لأنها لا تكون لغوا ولا تبعيضية لأن المعنى ليس عليه فهي ابتدائية كما ذكره الشيخان والمبدأ ليس فاعلاً بل مادّيا فحينئذ المثل الذي السورة بعض منه لم يؤمر بالإتيان به فلا يخلو من أن يدعي وجوده أولاً، والأوّل خلاف الواقع وابتناؤه على الفرض أو زعمهم تعسف لا حاجة إلى ارتكابه بلا مقتض والثاني لا يليق مثله بالتنزيل لأنّ ما-له بأن يأتوا ببعض من شيء لا وجود له فهذا ما أشار إليه العلامة، وأمّا القول بأنّ التخصيص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 المذكور ليس بصريح وإنما أخذوه من مفهومه وانمفهوم غير معتبر فهو اكتفاء لا خصيص قبعياء عن السياق بمراحل. قوله: (لأنه المطابق لقوله الخ) أيد رجوع الضمير للمنزل بوجوه منها أته الموافق لنظائره من آيات التحدي لأنّ المماثلة فيها صفة للمأتيّ به فكذا هنا إذا جعل الظرف صفة للسورة والضمير للمنزل ومن بيانية كما عرفت، ومنها أنّ الكلام فيه لا في المنزل عليه فارتباط آخر الكلام بأوّله وترتب الجزاء على الشرط إنما يحسن كل الحسن إذا كان الضمير للمنزل فإنه الذي سيق له الكلام وفرض! فيه الارتياب قصداً وذكر القيد وقع تبعا فلذا صح عود الضميم- له في الجملة مع أنه لو عاد الضمير له ترك التصريح بمماثلة السورة له في البلاغة وهو عمدة التحدّي وان فهم من السياق ومعونة المقام، فسقط ما قيل هنا من أنه إذا رجع الضمير إلى العبد لا ينفك الكلام عن المنزل لأنّ المراد بالعبد العبد المنزل عليه وحاصله كون المنزل بحيث يعجز كل من طولب بالإتيان بما يداني سورة من سورة ممن هو على حال من أنزل عليه ولا حاجة إلى ما أجاب به من أنه أراد بالانفكاك انفكاك الضمير فإنّ الضمير المقدّر في صلة الموصول راجع إلى المنزل. قوله: (ولأنّ مخاطبة الجتم الفقير الخ) ووجه الأبلغية ظاهر مما قرّره المصنف لأنّ أمرهم بجملتهم بأن يأتوا بشيء من مثل ما أتى به واحد من جنسهم أبلغ من أمرهم بأن يجدوا واحداً يأتي بمثل ما أتى به رجل آخر، والجمّ الغفير بمعنى الناس الكثير جداً من الغفر وهو الستر كأنهم يسترون وجه الأرض! لكثرتهم واستعمله المصنف مجروراً بالإضافة والمعروف في كلام العرب استعماله منصوبا على الحال يقولون جاؤوا الجماء الغفير وجاء الغفير أي بجملتهم، ومثله مما يأباه الأدباء ويعدونه لحنا كما بيناه في شرح الدرّة، وفيه لغات مذكورة في القاموس وقوله بنحو الخ إشارة إلى أنّ المثلية ملحوظة فيه وان رجع الضمير للعبد وكونه من أبناء جلدتهم معناه من جنسهم ونوعهم في البلاغة وأصله أن كل نوع متشابه البنية وظاهر البدن وهو المراد بالجلدة كما مرّ، وقيل إنّ صفة المرء بمنزلة جلده في التلبس والتزي وليس المقصود أنهم من قوم واحد بحسب النسب فإنه لا دخل له في هذا المقام وفيه نظر. قوله: (ولأنه معجز في نفسه الخ) هذا رابع الوجوه في كلام المصنف يعني لو أرجع الضمير إليه أوهم أن إعجازه لكونه من أميّ لم يدرّس ولم يكتب ولم يتعلم من غيره علما ومعرفة، وقوله ولأنّ ردّه الخ أي ردّ الضمير إلى عبدنا يوهم أنه يمكن صدوره من غيره من الخطباء والشعراء وأهل الدراسة وليس بين هذا وما قبله كثير فرق فالظاهر إدراجه فيه وعدهما وجهاً واحداً إلا وجهاً خامساً كما قيل، فقوله ولا يلائمه الخ وجه آخر مستقل وقد عده بعضهم وجها سادسا والأمر فيه سهل. قوله: (ولا يلانمه قوله {وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم} الخ) ادعوا أمر من الدعاء، وله معان ذكرها الراغب وهي النداء والتسمية في نحو دعوت ابني محمداً والاستعانة كقوله تعالى: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 40] والدعاء إلى الشيء الحث على قصده وقيل إنه فسر هنا بالإحضار والاستعانة والمصنف أشار بقوله استعينوا إلى أنّ الثاني هو المختار عنده، والظاهر أنه مجازا أو كناية مبنية على النداء لأنّ الشخص إنما ينادي للحضور ليستعان به، وفي الأساس دعا بالكتاب اسنحضره يدعون فيها بفاكهة والمتبادر منه اختصاصه بالمتعدي بالباء، ويلائمه بهمزة بعد الألف وتبدل ياء كثيراً أي يوافقه ويناسبه وأصله من لأم الصاع والشق ني الإناء ونحوه إذا أصلحه ووجه عدم موافقة رجوع الضمير للعبد لما بعده كما قرّره الشراح مما يحتاج إلى فضل تأمّل كما ذكر. المدقق في الكشف لأنّ المراد أنه إن أريد دعاء الشهداء للاستعانة بهم في المعارضة إمّا حقيقة كما، ي الوجه الأخير من الوجوه الستة وامّا تهكماً كما في الوجهين الأولين فلأنه إنما يلائم الأمر بالإتيان بسورة من مثل القرآن " لا الأمر بالإتيان بسورة من واحد عربيّ أمّيّ إذ لا معنى للاستمداد بطائفة فيما هو فعل واحد كيف ولو استعين بالشهداء في ذلك لم يكن المأتيّ به ما كان مطلوبا منهم وأمّا إذا أريد به دعاؤهم ليشهدوا لهم بأنّ ما يدعونه حق كما في الوجوه الباقية فلأنّ إضافة الشهداء إليهم إنما تقع موقعها إذا كان الإتيان بالمثل منهم لا من واحد والا كانوا شهداء له فحقهم أن يضافوا إليه وان كان للإضافة إليهم وجه صحة، ورجوع الضصير للعبد يوهم أنّ دعاءهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 الشهداء ليشهدوا بأنّ ذلك الواحد مثل له لا أنّ ما أتى به مثل للمنزل وهذا الإيهام مخل بمتانة المعنى وفخامته، وترجيح رجوع الضمير للمنزل بهذه الوجوه يقتضي ترجيح كون الظرف صفة للسورة أيضأ كما قرّره السيد، وقد أورد هنا أمور كثيرة لا طائل تحتها كما قيل من أنّ عدم الملاءمة ممنوعة لجواز أن يكون الأوّل طالبا للإتيان بسورة من مثل المنزل إليه والثاني طلباً له من الكل على سبيل الترقي (قلت فيه بحث الأنه قد أشير فيما سلف إلى أنّ المراد بالسورة المأني بها سورة تماثل نظم القرآن لأنه هو المتحدّي به لا غيره سواء رجع الضمير إلى المنزل أو العبد أمّا في الأوّل فظاهر مسلم، وأمّا في الثاني فلأنه معلوم من السياق وعنوان السورة ناطق به فيكون حينئذ قوله فأتوا بسورة من مثله في الوجه الثاني مشتمل على معناه الأوّل مع زيادة ذكراً لمأتيّ منه ولا يخفى أنّ المأمور بالإتيان على كل حال واحد وان كان الجميع ظاهراً إلا أنه ليس المراد به ليأت بذلك كل فرد فرد بل أنهم إذا ارتابوا وأتى بمثله واحد منهم بين أظهرهم فكأنهم أتوا به أجمعون فيجوز أن يكون قوله من مثل هذا العبد توسيعاً للدائرة كأنه قيل ليأت واحد منكم كائناً من كان بمقدار سورة ما. وقوله: {وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم} [سورة البقرة، الآية: 23] بمعنى احضروا بأجمعكم في وقت الإتيان ليتحقق عجز الجميع وإنواو لا تقتضي ترتيبا على أنّ الوجوه يجوز توزيعها على الاحتمالين وتعدّبه بالباء كقوله: ائتوني باخ لا يتبادر منه الفعل فهو مؤيد له أيضاً فتدبر. قوله: (فإنه أمر الخ) أمر بصيغة المصدر مرفوع خبر لأنّ والباء متعلقة به وهو تعليل لعدم الملاءمة على غير الأوجه كما سمعته آنفاً، وقوله يستعينوا بكل من ينصرهم ويعينهم تفسير له بحاصل معناه على كل الوجوه الآتية، وقيل معناه ادعوا حاضريكم ليعاونوكم على إتيان مثل المنزل أو ليشهدوا لكم أنكم قادرون على إتيانه، والدعاء قيل معناه الحضور وقيل الاستعانة والمصنف اختار الثاني، وقوله بكل من ينصرهم تعبير عن الشهداء بأيّ معنى كان لأنه جعل الدعاء بمعنى الاستعانة وهي إنما تكون من الناصر ومعنى النصرة متحقق في الجميع وقد أشرنا سابقاً إلى ما فيه فتذكر، وجعل أبو البقاء رحمه الله ضمير مثله للأنداد وتذكيره كتذكير الأنعام ولكونه تكلفاً مخالفاً للظاهر لم يلتفتوا إليه أصلاً، ثم إنّ المصنف رحمه الله ترك قوله في الكشاف في تفسير قوله: {مَن مَّثَلُهُ} ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك، ولكنه نحو قول القبعثري للحجاج وقد قال له: لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقدرة وبسطة اليد ولم يقصد أحداً يجعله مثلاَ للحجاج لأنه مع ما فيه من الخفاء وعدم المساس له هنا ليس تحته فائدة كما يعلم من شروح الكشاف. قوله: (والشهداء جمع شهيد الخ) الشهود والشهادة الحضور والمشاهدة وهي تطلق على التحقق بالبصر أو البصيرة وقد تقال لمجرّد الحضور نحو ما شهدنا مهلك أهله أي ما حضرناه فالشهيد كالشاهد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة وهي قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة من شهد كعلم ويتعين فيها لفظ الشهادة شرعاً عند بعضهم وفي المصباح أنه تعبدي والقول بأنها الخبر القاطع بناء على ما اشتهر عند الحنفية من تعريفها بأنها إخبار بحق للغير على آخر، وقد خالفهم فيه الشافعية فقالوا إنها إنشماء يتضمن الإخبار بالمشهودية لا إخبار وعزوا الثاني لأبي حنيفة وأنكره السروجيّ وقال لا نعرفه وإنما هي إنشاء عندنا أيضا ولك أن تقول لا خلاف بينهما عند التحقيق واطلاق الشهيد والشاهد على الناصر والمعين مصرّح به في اللغة وكذا على الإمام ويه فسر وقله ونزعنا من كل أمّة شهيدا لأنّ الشهادة تكون بمعنى الحكم كما ذكره الراغب وبه فسر فوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [سورة اس عمران، الآية: 18] والإمام كل مقتدي بأقواله وأفعاله وخصيصه بإمام الصلاة طارى في عرف الشرع وبالسلطان في العرف العامّ وقال الراغب: الشهيد كل من يعتد بحضوره ممن له الحل والعقد ولذا سموا غيره مخلفاً كما قال الشاعر: مخلفون ويعصى الناس أمرهم وهم مغيب وفي عمياء ما شعروا ومن لم يتفطن لهذا قال مجيء الشهيد بمعنى الإمام في اللغة محل نظر لأنه لم يذكر لي القاموس مع كمال إحاطته وأعجب منه أنه افترى على صاحب القاموس فإنه قال الشاهد ص! أسماء النبيّ صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وسلم واللسان والملك الخ والشاهد والشهيد لا فرق بينهما لمن له بصيرة ولعدم اشتهار وهذا كغيره بينه المصنف رحمه الله بقوله وكأنه الخ وليس هذا مخصوصا به لجريانه بعينه في الناصر، والنوادي بالنون والدال المهملة جمع ناد وهو كالندي المجلس الغاصن! أي الممتلئ بأهله، والإبرام فصل القضايا على وجه الأحكام وأصله قتل الحبل قتلاً قوياً، وقال الراغب: المبرم الذي يلح ويشدّ في الأمر تشبيهاً له بمبرم الحبل وفي كلام العوام الإبرام يحصل المرام. قوله: (إذ التركيب للحضور الخ) الحضور مصدر كالمحضر المعاينة حقيقة أو حكماً، وهذا تعليل لقوله كأنه أو لكون الشهيد بالمعاني السالفة والحضور بالذات والشخص ظاهر كما يقال شهدت كذا إذا كنت عنده وبالتصوّر هو العلم " لأنه حصول الصورة او الصورة الحاصلة عند العقل أو في العقل وهذا كما في قوله: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ وأنتا تشهدون} [سورة اس عمرأن، الآية: 70] أي تعلمون والشهيد فعيل بمعنى فاعل لأنه حاضر ما كان يرجوه في حياته من السعادة الأبدية أو بمعنى مفعول لأن الحور العين تحضره أو الملائكة تكريماً له وتبثيراً بالرضوان كما قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [سورة فصلت، الآية: 30] والمعروف فيه أنه من قتل في حرب الكفار وكانت مقاتلته إعلاء لكلمة الله وهو شهيد الدنيا والآخرةإ1) فإن لم يقاتل لوجه الله وقتل فهو شهيد الدنيا، وأمّا شهيد الآخرة فهو الغريق والمبطون ونحوه مما ورد في الحديث، وتسميته شهيداً لأن له أجره عند الله كما فصل في كتب الحديث، وقوله ومنه الخ من تبعيضية أي مما أخذ من هذه المادّة للدلالة على هذا المعنى وقيل إنها سببية أي لأجل أنّ هذا التركيب للحضور ذاتاً أو تصوّراً قيل الخ لأنه حضر ما يرجوه من النعيم فهو من الحضور بمعنى التصوّر أو الملائكة عنده حضور فهو بمعنى مفعول من الحضور الذاتي. قوله: (ومعنى دون أدنى الخ) دون يكون ظرف مكان في الأمكنة المتفاوتة والمتقاربة كعند إلا أنه ينبئ عن دنوّ وانحطاط ولذا قيل إنه مقلوب عن الدنوّ كما ذكره الراغب ولا يخرج عن الظرفية إلا نادراً كقوله: ألم تريا أني حميت حقيقتي وباشرت حد الموت والموت دونها برفع دون، والى ما ذكر من الدنوّ أشار المصنف رحمه الله بقوله أدنى مكان كما في الكشاف وغيره فبين دون والدنوّ مناسبة معنوية واشتقاق كبير من غير حاجة لادعاء القلب فيه بل لا يصح لاستوائهما في التصرّف وأدنى أفعل تفضيل بمعنى أقرب، وأخر المصنف رحمه الله هنا قول الزمخشريّ ومنه الشيء الدون وهو الدنيء الحقير لما سيأتي ولم يتركه كما توهم لأنّ الدنوّ ليس مأخوذ من دون إذ كل منهما أصل والدنيء مهموز وليس من تركيب دون بوجه من الوجو. لأنه غفلة عما ذكر وعن أنّ الدتي في كلام الكشاف كغنيّ معتل لا مهموز وأما دنيء المهموز كربيء فمادة أخرى وهما مادّتان مختلفتان لفظاً كما في سائر تركيب كتب اللغة والذي غرّه ما في شرح الكشاف الشريفي وهو معترض أيضاً. قوله: (ومنه تدوين الكتب الخ) تبع فيه الزمخشريّ والذي حقق في كتب اللغة كما في كتاب المغرب أنّ التدوين مأخوذ من الديوان وهو فارسيّ معرّب إلا أنه لما شاع قديما تلاعبوا به فصرّفوه وقالوا دوّنه تدوينا والديوان بكسر الدال وفتحها الدفتر ومحله ومنه ديوان الشعر وأصله أنّ كسرى أمر الكتاب أن يجتمعوا في مكان للحساب فلما اجتمعوا اطلع عليهم فرأى سرعة كتابتهم وحسابهم فقال ديوانه أي هؤلاء مجانين أو شياطين على أنه جمع ديو على قياس الفارسية ثم سمي به موضعهم، ومنه ديوان الحق للمحشر فلما استعمله العرب كثيراً ألحقوه بكلامهم وتصرّفوا فيه كما هو دأبهم فقوله لأنه إدناء الخ لا وجه له إلا بتكلف وقد نبه على هذأ في بعض الحواشي. قوله: (ودونك الخ) إشارة إلى أنّ أصله خذه من دونك، وقال الرضي: دونك بمعنى خذ وأصله دونك زيد برفع ما بعده على الابتداء فاقتصر من الجملة على الظرف وكثر استعماله فصار اغ! م فعل بمعنى خذ وعمل عمله، وقوله من أدنى مكان أي أصله خذه من أدنى مكان وأقربه ثم عمّ لكل أخذ كما صرّح به النحاة فلا منافاة بينهما، وقوله ثم استعير للرتب الخ الضمير راجع لدون في أوّل! كلامه لا لما قبله وفي الكشاف ومعنى؟ ون مكان من الشيء ومنه الشيء الدون وهو الدنيء الحقير ثم قال: يقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 هذا دون ذاك إذا كان أحط منه قليلاً، ودونك هذا أصله خذه من دونك أي من أدنى مكان منك فاختصر وأستعير للتفاوت في الأحوال والرتب فقيل زيد دون عمرو في الشرف والعلم، ومنه قول من قال: لعدوّه وقدراً بالثناء عليه أنا دون هذا وفوق ما في نفسك واتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حدّ إلى حدّ وتخطى حكم إلى حكم، قال قدّس سرّه قوله: ويقال الخ بيان لاستعمال دون بمعنى أدنى كان على حقيقته الأصلية، وقيل هو إشارة إلى استعماله في انحطاط محسوس لا يكون في ظرف كقصر القامة فهذا أوّى توسع فيه ثم استعير للتفاوت في المراتب المعنوية تشبيهاً بالمراتب الحسية وشاع استعماله فيها أكثر من استعماله في الأصل ثم اتسع في هذا المستعار فاستعمل في كل تجاوز حدّ إلى حدّ ولو بدون تفاوت وانحطاط وهو في هذا المعنى مجاز في المرتبة الثانية على ما وجهناه وفي المرتبة الثالثة على هذا القول وبالجملة هو بهذا المعنى قريب من أن يكون بمعنى غير كانه أداة استثناء، انتهى وهذا زبدة ما في الكشاف وشروحه ولا فرق بينه وبين كلام المصنف رحمه الله إلا بتغيير يسير في اللفظ دون المعنى وقول الشريف وشاع استعماله الخ إشارة إلى أنّ المجاز المشهور ينزل منزلة الحقيقة حتى يبنى عليه تجوّز آخر بمرتبة أو مراتب كما قرّره أهل المعاني، والاستعارة هنا يجوز أن تكون اصطلاحية ولغوية على أنه مجاز مرسل ثم إنه في الكشاف قدم ذكراً لدون بمعنى الدني والخسيس على التجوّز فيه، والمصنف رحمه الله أخره وجعله مما استعير للرئب فتوهم بعضهم اً نه ردّ ضمنيّ لما في الكشاف ولم يقنع به حتى قال إذا تأمّلت تبين لك أنّ مراد المصنف في هذا المقام الإشارة إلى أنّ ما في الكشاف خبط وخلط في تقرير.، ولم يدر أن الذي خبط ابن أخت خالته لأنّ العلامة قدمه لأنّ النحاة وأهل اللغة قالوا إنّ دون إذا كان ظرفاً لا تصرّف إلا نادراً حتى أبطلوا قول الأخفش أنّ دون في قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [سورة الجن، الآية: اا] مبتدأ بأنه تخريج للتنزيل على ما هو مرجوح وهو غير لائق وعلى الظرفية لا تدخله أل ومعناه حينئذ أدنى مكان وإذا كان بمعنى خسيس لم يستعمل قط ظرفا ويعرّف باللام ويقطع عن الإضافة كما في قوله: إذا ما علا المرء رام العلا ويقنع بالدون من كان دونا قالوا وريس لهذا فعل وقيل إنه يقال دان يدون منه، وبما ذكر علم أنّ ما في القاموس من أنه يقال هذا رجل من دون ولا يقال دون مخالف للنقل والسماع و؟ نّ من اعترض به لم يصب، وكلامهم صريح في أنه حقيقة في هذا المعنى كما في الصحاح والأساس فذكره معه لاشتراكهما في المادّة وتناسبهما في المعنى لا أنه من مجازه والمصنف رحمه الله لما رآه مناسبا بالتفاوت الرتب جعله منه فيحتاج حينئذ إلى أن يقال إنه لما كثر استعماله صار حقيقة عرفية فيه فألحق بأسماء الأجناس في تنكيوه وتعريفه. تنبيه: وقع في الكشاف في بعض المواضع تفسير دون بقوله فضلا ولم يتعرّضحوا له، وفي كتاب الموازنة لأبي الحسين الآمديّ في شرح قول أبي تمام: الودّ للقربى ولكن عرفه للأبعد الأوطان دون الأقرب هذا مما خطئ فيه، وقد قيل: إنه أراد بقوله دون الأقرب فضلا عن الأقرب أي فكيف الأقرب، وهذا وان كان مذهبا للناس حيث يقولون أرض بالقليل دون الكثير وأقنع بقرص من شعير دون ما سواه وهو صحيح معروف. قلت هذا فاسد لأن معنى دون في اللغة التقصير عن الغاية وأمّا ما تأوّلوه فهو معنى بله وموض! وعها دع ودون لا تتضمن هذا المعنى ولا تؤدّبه انتهى. قوله: (أي لا يتجاوز الخ) تفسير للآية بما يتبين منه أنّ دون دالة على تخطي حكم وهو ولاية المؤمنين إلى آخر وهو ولاية الكافرين وقد قيل إن تجاوز الله وتجاوز المؤمنين المراد به غير الله وغير المؤمنين لكن لما كان في ذلك تجاوزهما عما أضيف إليه عبر بما يلزمه عنه تسامحاً وولاية بفتح الواو وكسرها بمعنى الموالاة والمصادقة، وقابل من في النظم بالى إشارة إلى أنها ابتدائية كما سيأتي ثمة، وأمية بصيغة التصغير كما هو معروف هو أمية بن أبي الصلت الشاعر الجاهلي المشهور أحد من وحد الله تعالى في زمن الفترة وترك الشرك وهذا ابتداء شعر له وهو: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 يا نفس ما لك دون الله من واقي وما للسع بنات الدهر من راقي وهو شاهد على كون دون تدلّ على تخطي حكم لآخر ومعناه ما لك إن تجاوزت عن الله وحفظه من واق أي حافظ يقيك ما يضرك وبنات الدهر مصائبه التي تحدث فيه كأنه يلدها كما قيل: الليلة حبلى لست تدري ما تلد وهي استعارة رائعة شائعة كما قلت: بنات الزمان مصيباته وفيها الكريم شديد الثبات وكتمانها مثل دفن لها ودفن البنات من المكرمات وقد شبهها بعد التشبيه بالبنات بالحيات على طريق الاستعارة المكنية وأثبت لها اللسع تخييلا وكذا الرقية على نهج قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [سورة النحل، الآية: 12 ا] وهي في الذروة العليا من البلاغة، وأشار المصنف رحمه الله بقوله غيره إلى أنها قريبة من أدوات الاستثناء كما ستراه وقد مرّت الإشارة إليه أيضاً. قوله: (ومن متعلقة بادعوا الخ) قد ذكر الشيخنا في تعلق من دون الله ستة أوجه ثلاثة على تعلق من بالشهداء وثلاثة على تعلقها بادعوا وهي خمسة معنى كما سيأتي وقد اختلفا في ترتيجها فقدّم الزمخشري تعلقه بالشهداء لتبادره بقربه، وقيل لما فيه من إبقاء الشهادة على معناها الحقيقي وأخر ثالث الأوّل لجواز التعلق فيه بادعوا فيرتبط بما بعدهـ وما قبله ويقع في محزه، وهذا أيضاً دائر على معنى الشهيد من كونه بمعنى الحاضر والمعين والناصر أو من يؤدّي الشهادة كما مرّ. وسيبين لك كل في محله والمصنف رحمه الله عكس ترتيب الكشاف رعاية لتقديم ما هو أقرب وأقوى عنده بحسب المعنى ولنبين لك هذه الوجوه أولاً مراعين لترتيب الكشاف ثم تنزل كلام المصنف عليه فنقول إنهم قالوا: إنّ الأمر على الوجهين الأوّلين للتهكم وعلى الثالث والرابع للاستدراج وعلى الأخيرين للتبكيت والتعجيز والظرف على الثاني لغو معمول لشهداءكم لأنه يكفيه رائحة الفعل وعلى البواقي هو مستقرّ حال فعلى أوّل ثلاثة التعلق بالشهداء معناه ادعوا الذين اتخذتم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة بأنكم على الحق، وعلى الثاني ادعوا الذين يشهدون لكم بين يدي الله ودون بمعنى قدّام كما في بيت الأعشى وفي أمرهم بالاستظهار بالجماد في معارضة المعجز تهكم إلى الغاية، وعبر عن الأصنام بالشهداء ترشيحا للتهكم بتذكير معتقدهم في نفعها لهم بالشهادة أي هؤلاء عمدتكم وملاذكم فادعوهم لهذه العظيمة النازلة بكم وادعوا بمعنى أحضرو! كناية أو مجاز عن الاستظهار والاستعانة قيل والمعنى استظهروا في معارضة القرآن وادعوا أصنامكم الذين تزعمون أنهم يشهدون يوم القيامة لا الله أو بين يدي الله أنكم على الحق، وقال قدس سرّه دون على الأوّل بمعنى التجاوز ظرفث مستقرّ حال ما دل عليه الشهداء أي الذين اتخذتموهم آلهة متجاوزين الله في اتخاذها، كذلك وزعمتم انهم شهداؤكم يوم القيامة ومن ابتدائة، وما قيل من أنّ المعنى ادعوا أصنامكم الخ بين الفساد يعني ما في شرح السعد مما سمعته آنفاً فاسد وقد نوّره الحفيد بأنّ قوله لا الله في أكثر النسخ منصوب فهو معطوف على أصنامكم وهو مفعول ادعوا فيلزمه تعلق من دون بادعوا والمدعي خلافه، ولذا قيل الصواب رفعه عطفاً على فاعل يشهدون بغير تأكيد للفاصل أي يشهدون كائنين في تجاوز الله ومن بمعنى في والكائن في التجاوز متجاوز فالمعنى متجاوزين الله في حق الشهادة أي متباعدين عنه في صفتها وهو بحسب المعنى استثناء منقطع من فاعل يشهدون وهو ضمير الأصنام، ولك أن تقول إنه على النصب معطوف على اسم أنّ فالمعنى أنهم يشهدون منفردين عن الله إذ المراد بالتعلق التعلق المعنويّ لا الصناقي كما مرّ (بقي) أنه قيل إن الله يشهد أيضاً كالأصنام في زعمهم كما صرّحوا به والذي في الكشاف في تفسير الآية لا يفهم منها أصلا لأن من دون الله متعلق بالشهداء لا بما ذكره في تأويله والجواب عن الأوّل أنه اعتبر مع الله قيد الفرد لا مطلقا أو يقال إنهم وإن استشهدوا الله فهو لا يشهد لهم وما في الكشاف بيان لما صدق عليه من الأصنام ومن دون الله من كلام القائل لا من النظم، وثالث الوجوه المتعلقة بالشهداء ما أشار إليه الزمخشريّ بقوله: ادعوا شهداءكم من دون الله أي من دون أوليائه ومن غير المؤمنين ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بمثله على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 إرخاء العنان والإيمان إلى أنّ شهداءهم ما هم تأبى بهم الأنفة وتجمح بهم الحمية عن الشهادة بما هو بين الفساد لظهور بطلانه أي ادعوا رؤساءكم يشهدون أنكم أتيتم بمثل القرآن متجاوزين أولياء الله المؤمنين فإنهم لا يشهدون فمن دون الله حال من فاعل الشهادة وعلى الاستثناء هو منفصل كما مرّ وقدر المضاف على هذا للمقابلة فإنّ أولياء الله في مقابلة أولياء الأصنام وهو استدراج لغاية التبكيت أي تركنا إلزامكم بشهداء الحق إلى شهدائكم المعروفين بالذت عنكم فإنهم لا يشهدون لكم أيضاً لأن ظهور أمر الإعجاز يأبى إخفاءه، والظرف مستقرّ ومن ابتدائية وعلى ما مرّ من كون دون بمعنى قذام هو مستعار من معناه الحقيقي وهو أدنى مكان فقالوا من فيه تبعيضية كما سيجيء في سورة الأعراف قال الفاضل المحقق في شرحه هنا: كلمة من الداخلة على دون إنما هي بمعنى كما في سائر الظروف غير المتصرّفة وهي التي لا تكون إلا منصوبة على الظرفية أو مجرورة بمن خاصة وقد يقال إنها إذا تعلقت بادعوا تكون لابتداء الغاية لأنّ الدعاء ابتدكأ من دون الله وإذا تعلقت بالشهداء على م! ضى يشهدون بين يدي الله فللتبعيض كما سيجيء في تفسير قوله تعالى: {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [سورة الأعراف، الآية: 17] أنّ قولهم جلس بين يديه وخلفه على معنى في لأنه ظرف ومن بين يديه ومن خلفه للتبعيض لأنّ الفعل يقع في بعض! الجهتين كما تقول جثته من الليل أي في بعض الليل، وظاهر كلام الدماميني في شرح التسهيل أنها زائدة وهو مذهب ابن مالك، والجمهور على أنها لابتداء الغاية ولم ينقل عن النحاة التبعيض والظرفية ففيما ذكره نظر، وأمّا على الثلاثة الأخر التي تعلق فيها بادعوا فأوّلها على أنّ المعنى تجاوزوا المؤمنين وادعوا رؤساءكم ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بمثله وهم لا يشهدون، وهذا هو الثالث الذي أشار إليه في الكشاف بقوله ويجوز تعلقه بالدعاء في هذا الوجه الأخير ولا يجوز تعلق من دون الله بادعوا في الوجهين الأوّلين بمعنى لا تدعوا الله وادعوا أصنامكن أو ادعوا بين يدي الله أصنامكم للاستظهار بهم في المعارضة أمّا على الثاني فلأن الدعاء للاستظهار وإنما هو في الدنيا لا بين يدي الله في القيامة وأما على الأوّل فقيل: لأنهم توهموا أنهم لو دعوا الله لأعانهم فيحصل غرضهم من المعارضة وهذا منقوض بالوجه السادس، وقيل: لأن إخراح الله عن حكم الدعاء إنما يصح إذا فسر الشهداء بما يتناوله كالحاضرين وأمّا إذا قيل ادعوا شهداءكم من دون الله وأريد بالشهداء الأصنام فلا إذ لا دخول حينئذ ألا ترى أنك إذا قلت ادعوا من دون زيد العلماء لم يصح إلا إذا كان زيد من العلماء وهذا منقوض بالوجه الثالث حيث أريد بالشهداء أشرافهم ورؤساؤهم الذين لا يدخل فيهم أولياء الله كذا في شرح الفاضل، وقال قدّس سرّه إنما لم يجز تعليقه بالدعاء في الأوّلين لفساد المعنى فإنّ دعاء الأصنام لا يكون إلا تهكما ولو قيل ادعوا الأصنام ولا تدعوا الله ولا تستظهروا به فإنه القادر عليه انقلب التهكم امتحانا إذ لا دخل لإخراج الله عن الدعاء في التهكم وكذا لا معنى لأن يقال ادعوها بين يدي الله في القيامة للاستظهار بها في المعارضة التي في الدنيا ولم يجوّز في التعلق بالشهادة كون الشهيد بمعنى الحاضر لأنه لا معنى لادعوا من يحضركم بين يدي الله، ولأنه تعالى والمؤمنين حاضرون فلا يصح إخراجهم عن حكم الحضور وثانيها على أنّ المعنى ادعوا شهداءكم من الناس وصححوا دعواكم متجاوزين الله في الدعاء غير مقتصرين على قولكم الله يشهد أنّ مدّعانا حق كما يقوله العاجز عن البينة فالأمر لبيان انقطاعهم وأنهم لا متشبث لهم وهو حال من فاعل ادعوا وأن اعتبر الاستثناء فهو منقطع وثالثها على أنّ المعنى ادعوا كل من يحضركم سوى الله القادر فالاسنثناء متصل وهذا آخر الستة وهو أرجحها وهو كقوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ} [سورة الإسراء، الآية: 88] الخ والأمر للتعجيز والإرشاد (أقول) هذا زبدة ما في شبك الأفكار من مصائد أو أبد الأنظار، وفيه بحث من وجوه الأوّل أنّ الشريف اذعى أنّ ما قاله التفتازاني بين الفساد ولا وجه له كما مرّ سواء رفع الله أو نصب على أنه لو عطف على الأصنام أيضا لإفساد فيه لما سمعته من أنّ التعلق معنويّ وما عطف على الأصنام الشاهدة بلا النافية هو غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 شاهد فيؤول المعنى إلى تقييد الشهداء بغير الله وأيّ فساد فيه ولو جعلت لا بمعنى غير صح أيضاً، الثاني أنّ قول الحفيد أن الأصنام بزعمهم تشهد أيضا لاوجه له لأنّ ما ذكر تهكم بهم ولذا أخرج الله من شهدائهم لا لأنهم لا يزعمونه بل لأنه لا مساس له بالمقام وتوله إنّ ما في الكشاف لا يناسب الآية ليس بشيء وإنما خفي عليه لأنه فسر الشهداء بما اتخذوه آلهة من دون الله وليس في اللفظ ما يدلّ عليه فورد عليه ما توهمه حتى احتاج في دفعه لما " تكلفه ووجهه أنهم إنما عبدوا والآلهة لأنها تقرّ بهم وتقريبهم إلى الله إنما يكون في الآخرة إمّا بتزكيتهم عند. وهو عين شهادة أنهم على الحق أو رجاء العفو عنهم وهم لا يعترفون بأنهم عصاة فلزم من عبادة اكهتهم التقريب ومن التقريب التزكية فهذا تفسير له بلازم معناه وبيان لتعلق الجارية باعتباره، فقوله تشهد الخ جملة مفسرة للشهادة وهذا مما ينبغي التيقظ له فإنه في غاية اللطف والدقة، الثالث المراد بالشهداء على الثالث عصبتهم الحامون لحمي ضلالهم لأنهم من شأنهم الشهادة لهم وترويج أباطيلهم فجعل ما بالقوة بمنزلة ما هو بالفعل وان كان ممتنعا استدراجا وهو المراد بإرخاء العنان، الرابع قوله قدس سرّه لفساد المعنى الخ ردّ لما قاله الشارح المحقق إلا أنّ قوله إنه إذا قيل لهم ادعوا الأصنام ولا تدعوا الله انقلب التهكم امتحانا غير مسلم لأنه أي تتهكم وتحميق أقوى من أن يقال لهم استعينوا بالجماد، ولا تلتفتوا نحو رب العباد وهو ظلمات بعضها فوق بعض وقد أطلنا الكلام لأنّ أكثر ما قيل ليس فيه شفاء للصدور وإن كان هذا أيضا نفثة مصا- ور. قوله: (والمعنى وادعوا إلى المعارضة الخ) هذا آخر الوجوه في الكشاف وهو أرجحها ولذا قدّمه المصنف رحمه الله وهو موافق معنى لقوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [سورة الإسراء، الآية: 88] وعلى هذا الشهداء جمع شهيد بمعنى حاضر، وقوله أو رجوتم الخ هو الوجه الثاني والشهيد فيه بمعنى الناصر والمعين ومن المتعلقة بادعوا فيهما ابتدائية واحضارهم للاستعانة بهم في المعارضة بأن يشاركوهم في الإتيان بمثله على زعمهم وقال رجوتم دون أعانكم لأنّ إعانة شهدائهم، إنما هي بحسب رجائهم وزعمهم والأمر للتعجيز والإرشاد وهو المناسب لمقام التحدي فلذا كان أرجح ومن دون الله بمعنى متجاوزين الله فهو بمعنى غير الاستثنائية كما مرّ تحقيقه وقوله من إنسكم الخ بيان لقوله من حضركم أو رجوتم، وقيل إنه على البدل وغير الله منصوب على الاستثناء أو بدل من من الموضولة وعلى كل حال فهو متعلق بادعوا معنى وما قيل من أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله يدل على تعلق الجار بالشهداء وهو مناف لمدعاه إلا أن يقال إنه بيان لحاصل المعنى غنيّ عن الردّ ولم يذكر المصنف رحمه الله الملك واقتصر على قوله من إنسكم وجنكم متابعة لما صرّح به في النظم كما سمعته ولأنه معصوم لا يفعل غير ما يؤمر فلا يتوهم منه ذلك حتى يصرّح به فلا حاجة إلى أن يقال المراد بالجن كل مستور عن الحس فيدخل فيه الملك كما قيل، والحق أنه معجز للملك أيضا كما صرّحوا به وأما قول المصنف رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ} لعله لم يذكر الملائكة لأنّ إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا فقد ردّه في الفرائد وسيأتي تفصيله ثمة. قوله: (فإنه لا يقدر على أن يأتي بمثله إلا الله) علة وسبب مبين لكون المعنى ما ذكر وأنهم وأعوانهم لا محالة عاجزون عنه وضمير أنه للشأن فتامّل. قوله: (أو وادعوا من دون الله شهداء الخ) هذا هو الوجه الثالث في كلام المصنف رحمه الله وتعلقه بأمر ادعوا ومن فيه ابتدائية، وقد مر بيان الظرف فيه، والشهيد فيه بمعنى مقيم الشهادة المعروفة، والمعنى ادعوا من فصحائكم ورؤسائكم من يشهد لكم بأن ما أتيتم به مماثله ولا تدعوا الله للشهادة بأن تقولوا الله شاهد وعالم بأنه مثله فإنه علامة العجز والانقطاع عن إقامة البينة والمعنى ادعوا غير الله للشهادة لكن استشهاد غير الله بالمعنى الحقيقي واستشهاد بقولهم الله شهيد فدعوتهم للاستشهاد لا للاستظهار والمقصود بيان أنهم لم يبق لهم تشبث أصلاً وضمير أنه للشأن، وبما قرّرناه عرفت أنّ ما قيل هنا من أنه لا يبعد في هذا الاحتمال أيضا أن يكون من دون الله بتقدير من دون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 أوليائه لا وجه له هنا، والمبهوت المتحير المدهوس لانقطاعه، والديدن العادة كالديدان وفي شرح ديوان المتنبي للواحديّ الديدن العادة ورواه الخوارزمي بكسر الدال الأولى كأنه أراد أنه معرّب ديدن وليس في كلامهم فيعل بكسر الفاء انتهى. قوله: (أو شهدائكم الذين اتخذتموهم من دون الله ولياء أو كهة الخ) هذا أول الوجوه في الكشاف وهو الرابع هنا، وشهدائكم مجرور في النسخ ولذا رسمت همزته بصورة الياء فهو معطوف على ادعوا في قوله بادعوا، يعني أنّ من متعلق بشهدائكم وما بعده هو الخامس وهو ثاني الوجوه في الكشاف وقد مرّ تحقيقهما والفرق بينهما وحال الظرف فيهما فلا حاجة لاعادته هنا، وتفسير الشهداء بالآلهة هنا وما عليه وتوجيهه والأمر للاستظهار تهكماً والعامل الشهداء نفسه أو ما دلّ عليه واطلاق الشهداء على الآلهة لزعمهم أنهم شهداء وشفعاء لهم عند الله إذاً والوهم واتخذوهم آلهة دون الله، وقد وقع في النسخ اختلاف هنا ففي أكثرها شهدائكم الذين اتخذتموهم بالجرّ بدون باء وفي بعضها أي الذين اتخذتموهم بزيادة أي التفسيرية قيل وهو الصواب وعليه دون للتجاوز ظرف مستقرّ حال عامله ما دل عليه شهداء وهو اتخذتموهم، وفي بعضها أو بشهدائكم الذين الخ بالباء الجارّة في أوّله، قيل وكض ش على الأوّل يحتمل عطفه على قوله شهداء يشهدون وحينئذ يكون تعلق من بادعوا على حاله والتفاوت باعتبار المشهود به، وهو المماثلة في الأوّل وما زعموه مما ينفعهم يوم القيامة في الثاني ويحتمل أن يعطف على قوله ادعوا ويدل عليه النسخة الثانية غير أن تعلق من بشهدائكم باعتبار تضمنه معنى الاتخاذ وبتقدير مفعوله أعني أولياء بعيد جدا إذ لا وجه لهذا التضمن الأسبق العلم بأنهم اتخذوا ما زعموا شهادته أولياء أو ألهة ولا يخفى عليك أنه لا يكفي في انتقال الذهن إلى هذا المراد إلا أنّ المصنف رحمه الله تبع الكشاف في هذا التوجيه (أقول الا يخفى ما فيه من العنى ول عن جاذة الصواب أمّا ما قدمناه من أنّ الصواب الإتيان بأي التفسيرية فسقوطه ظاهر لأنّ الذين على النسخة الأخرى عطف بيان مفسر لما قبله فهو غنيّ عن البيان وقوله: أنه متعلق بالاتخاذ تعسف تبين وجهه مما قصصناه عليك أوّلاً في شرح كلام الزمخشريّ وبهذا ظهر لك سقوط ما بعده لابتنائه على غير أساس فمآل النسخ كلها إلى معنى واحد كما لا يخفى. قوله: (أو الذين يشهدون لكم الخ) قد مرّ من بيانه ما يغني عن تحمل مؤنة التكرار فيه وقوله من قول الأعثى الخ أي كون من دون بمعنى قدام من قبيل ما اشتهر في كلام العرب كما في بيت الأعشى والأعشى شاعر معروف جاهليّ وهو أفعل من العشا وهو نوع من ضعف البصر يمنع الرؤية ليلاَ، واسمه ميمون بن قيس بن جندل وهو من بكر بن وائل أدرك زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ومدحه بقصيدة لكن سبقت شقوته فلم يأت له وقصته مشهووة، والبيت المذكور من قصيدة له في ديوانه مدح بها رجلا يلقب بالمحلق واسمه عبد الحليم بن حنتم بن شداد وأولها: أرقت وما هذا السهاد المؤرّق وما بي من سقم وما بي معشق ومنها: فقدأقطع اليوم الطويل بفتية سماميح تسقى والخباء مروّق ودرّاعة بالطيب صفراء عندنا لجس الندامى في يد الدرع مفتق وساق إذا شئنا كميس بمشعر وصهباء زباد إذا ما ترقرق تريك القذى من دونها وهي دونه إذا ذاقها من ذاقها يتمطق وروي وهي فوقه وذوّاقها بدل دونه ومن ذاقها، والقذى بفتح القاف والذال المعجمة مقصور شيء قليل من تراب ونحوه بقع في العين أو الشراب ويرسب في الإناء والكأس، والتمطق تفعل من المطق وهو التذوّق والتصويت باللسان أو بمص شفته من لذتها وقد فسر بكل منها هنا، وتريك بضم التاء الفوقية من الرؤية البصرية وفيه ضمير مؤنث مستتر يعود للصهباء وهي الخمر في البيت الذي قبله كما سمعته آنفا وهكذا فسر في شرح ديوانه وما في شرح الشريف هنآ تبعاً لغيره من الشراح من أنه يصف الزجاجة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 بغاية الصفاء وأنها تريك القذى قدّامها والحال أنها قدام القذى والضمير في ذاقها باعتبار ما فيها على قياس قولك شربت كأسا والأوّل باعتبار نفسها حذوا فيه حذوا لكشف وهو تبع الأزهري في قوله: لا يريد أنّ هنالك قذى وإنما يريد أن يصف صفاء الزجاجة ويبالغ فيه وعليه ففيه تجوّزوا استخدام لطيف لكن يأباه أنه لم يسبق للزجاجة ذكر في هذا الشعر، وإنما الضمير فيهما للصهباء بمعنى الخمر وهو وصف لها أيضاً بغاية الرقة والصفاء-ضى كات ما تحتها فوقها وما خلفها قدّامها والتبكيت التقريع والغلبة بالحجة وقريب منه ما قيل إنه الإسكات والتهكم الاستهزاء وهو المراد وله معان أخر وهو في قول الحماسيّ: سرى الليلة الظلماء لم يتهكم بمعنى لم يخطئ والتهكم في غير هذا التندّم وقيل معنى لم يتهكم لم يتميز عليهم والتهكم التكذب على ما فصل في شروح الحماسة وقد مرّ بيان ما هنا فتذكر. قوله: (وقيل من دون الله الخ) بتقدير مضاف ليقابل أولياء الأصنام كما يقابل الله أصنامهم والأمر كما مرّ لإرخاء العنان والاستدراج إلى غاية التبكيت أي تركنا إلزامكم بشهداء لا يميلون لأحد الجانبين كما هو العادة واكتفينا بشهدائكم المعروفين بمعاونتكم من الفصحاء والرؤساء فإن شهدوا لكم قبلنا شهادتهم مع أنهم لا يفعلون ما يشهد العقل بخلافه لبلوغ أمر الإعجاز إلى حد لا يخفى فالشهداء بمعنى الرؤساء وهو ناظر لتفسيره بالإمام والظرف حاله معلوم والوجوه مستعار من الجارحة للرؤساء والمشاهد جمع مشهد وهو المجلس الذي يشهده الناس ويحضره الكبار. قيل ولما لم تقم قرينة على هذا التقدير ولا ضرورة فيه ضعفه المصنف رحمه الله تعالى وقيل: لأنه يؤذن بعدم شمول! التحدي لأولئك الرؤساء وليس بشيء، وقد قيل أنّ تخصيص التمريض بهذا الوجه مع ظهور ضعف غيره من الوجوه لا وجه له وهذا الوجه مشترك بين التعلق بادعوا وبالشهداء عند الزمخشرفي وبما قصصناه عرفت استيفاء المصنف لجميع الوجوه وأن قيل إنه ترك سادسها فتنبه. قوله: (إنه من كلام البشر الخ) أي في أنه والجار يطرد تقديره مع أن وأن كما لا يخفى أي إن كنتم صادقين في أنه من كلام البشر أو في أنكم تقدرون على معارضته فافعلوا أو فأتوا بمقدار أقصر سورة منه وهذا معنى قوله إنّ جواب أن الشرطية محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو جواب الشرط الأوّل وليس الجواب المقدم جوابا لهما ولا متنازعا فيه كما لا يخفى وذكر التنازع هنا لغو من القول. فإن قلت لم يذكر فيما سبق ادّعاؤهم أنه من كلام البثر بل ارتيابهم وشكهم فيه والشك من قبيل التصوّر الذي لا يجري فيه صدق وكذب بلا شك والقول بأنّ المراد إن كنتم صادقين في احتمال كونه من كلام البشر لا يدفع السؤال لأنّ الاحتمال شك مع ما فيه من التكلف وكذا ما قيل من أنهم كانوا منكرين لأنه من كلام الله لكن نزل إنكارهم منزلة الشك لأنه لا مستند له فلذا صدر بكلمة الشك وكذا القول بأنهم عالمون بأنه كلام الله لكنهم يظهرون الريب فقيل لهم إن كنتم صادقين في دعوى الريب فهاتوا ما يصلح الريب كأقصر سورة قلت المراد من النظم الكريم والله أعلم الترقي في إلزام الحجة وتوضيح الحجة فالمعنى إن ارتبتم فاتوأ بنظيره ليزول ريبكم ويظهر لكم أنكم أصبتم فيما خطر على بالكم وحينئذ فإن صدقت مقالتكم في أنه مفتري فأظهروها ولا تخافوا فإن قلت لم لم يقل فإن ارتبتم وهو أظهر وأخصر. قلت عدل عنه لابلغيته بدلالنه على تمكنهم وانغماسهم فيه. ؤما قيل من أنّ تقدير الجواب كلام نحويّ لا يرضاه أهل المعاني وقد جعلوا نحو قوله: كأنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتاى عنك واسع من المساواة كلام واه وغفلة عن أنّ الممنوع تقدير جوابه أن الوصلية وهي لا تكون بدون وأو ولأنّ الجواب بعينه فيما ذكر تقدم فلا يحتاج لجواب وما هنا ليس كذلك. قوله: (والصدق الإخبار المطابق) أي الصدق الواقع صفة للمتكلم وفي الصدق والكذب مطلقاً ثلاثة مذاهب مشهورة كما بين في كتب المعاني وثبوت الواسطة بينهما وعدمها المبنيّ على الخلاف ظاهر وأصحها أنه مطابقة الواقع وهو نفس الأمر وقد يعبر عنه بالخارج وان كان تد يخص بالمحسوس والمراد بقوله: الإخبار المطابق للمخبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 عنه في الواقع وتركه لظهوره. قوله: (وقيل مع اعتقاد المخبر) على زنة اسم الفاعل أي الصدق يتحقق بمطابقة الواقع واعتقاد المخبر أنه مطابق له اعتقاداً ناشئاً عن دلالة يقينية أو عن إمارة ظنية بناء على أنّ الاعتقاد يطلق على ما يشمل العلم، والظن الراجح ويحتمل أنه بيان لطريق الاطلاع على اعتقاده الخفي فاعتبار. في الصدق باعتبار ما يظهر من حاله بالوجه المذكور، والظاهر أنّ هذا مذهب الجاحظ إلا أنه يرد على المصنف حينئذ أنّ الاستدلال بالآية المذكورة إنما هو لمذهب النظام كما في المفتاح وغيره من كتب لتعاني لقوله بأنه المطابق للاعتقاد فقط فإنه تعالى كذبهم لعدم مطابقة كلامهم لاعتقادهم وان طابق الواقع وفي شرح التلخيص لابن السبكيّ أنّ ابن الحاجب رحمه الله جعل هذه الآية دليلاَ للجاحظ وتبعه المصنف لأنها تصلح له ولذا قيل إنه اتجه على السكاكيّ أنه يجوز أن يكو) ، التكذيب لأنّ الصدق مطابقة الواقع مع الاعتقاد وأنه لا وجه لترك المصنف التعرّض! لمذهب النظام مع أنه أقرب إلى الحق لأنه لم يبطل فيه انحصار الشبر في الصادق والكاذب وقال بعض الفضلاء مبني ما ذكره المصنف على أنّ مطابقة الواقع معتبرة في مفهوم الصدق بلا نزاع لكثرة الأدلة عليها فلما كذب الله المنافقين علم أنه اعتبر معها شيء آخر وهو مطابقة الاعتقاد فتأمّل وقال الراغب: الصدق والكذب أصلهما في القول ماض! ياً كان أو مستقبلاً وعدا كان أو غيره ولا يكونان بالقصد الأوّل في القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ولذا قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [سورة النساء، الآية: 87] وقوله: إنه كان صادق الوعد وقد يكونان بالعرص في غيره كالاستفهام لأنّ في ضمنه خبراً والصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا بل إما أن لا يوصف بالصدق وامّا أن يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب على طريقين " ختلفين كقول الكافر من غير اعتقاد محمد رسول الله فإنّ هذا يصح أن يقال صدق لكون المخبر عنه كذلك ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله لضميره، وللوجه الثاني أكذب الله المنافقين حيث قالوا إنك لرسول الله فقال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} انتهى. قوله: (ورذ بصرف التكذيب الخ) قد قرع سمعك فيما مضى أنّ الشهادة وقولك أشهد بكذا هل هو إنشاء متضمن للإخبار أو خبر صرف وقول المصنف رحمه الله أنّ الشهادة إخبار ظاهر في الثاني والجمهور وانّ رجحوا أنها إنشاء قالوا إنّ المشهود به خير ولذا قيل في قوله تعالى: {وَاللهُ يَشْهَدُ} [سورة المنافقون، الآية: ا] أنّ الكذب راجع للمشهود به في زعمهم وصرفه تحويله بالعدول عن الظاهر من تعلقه بقوله إنك لرسول الله إلى جعله متعلقا بما تضمنه تشهد من دعوى العلم وليس كذلك في الواقع فينطبق على مذهب الجمهور وفي المطوّل ما قيل من أنه راجع إلى قوله نشهد لأنه خبر غير مطابق للواقع ليس بشيء لأنا لا نسلم أنه خبر بل إنشاء وقيل عليه أنه يتضمن الإخبار وأن كان إنشاء لكن المحقق قصد ردّ من جعل التكذيب راجعا إلى صريح مدلول نشهد بزعم أنه خبر فإن قلت قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} [سورة البقرة، الآية: 146] يدلّ على أنّ شهادتهم كانت إخباراً عن علم. قلت العلم المعتبر في الإيمان مشروط كما قيل بالرضا والتسليم وهم لا يقصدون بقولهم نشهد ذلك لأنه الذي ينجيهم لا التصديق الخالي عنه ولا يخفى عليك أنّ قول المصنف ما كانوا عالمين يأبى ما ذكر من الجواب فينبغي دفعه بطريق آخر. فإن قلت إذا كان الكذب في تسمية الإخبار الخالي عن الاعتقاد شهادة لأنها في ااطغة ما يكون عن علم واعتقاد يكون غلطاً كقولك خذ الثوب مكان خذ الكتاب لا كذباً إذ الكذب راجع لما تضمنه من الخبر وهو مواطأة ما نطقوا به لما في قلوبهم. قلت هذا وان توهمه بعضهم لا وجه له فإنّ الشهادة تدل على العلم والتحقق سواء كان بطريق الوضع أو دلالة الفحوى وسواء كان خبراً صريحاً أو إنشاء يلزمه خبر آخر فإذا لم يكن كذلك كان كذبا والتكذيب راجع لمدلوله فجعله غلطا غلط ثم إنه قيل على المصنف أنّ كلامه ظاهر في تقرير مذصب الجاحظ في اعتبار المطابقتين وما استدل به عليه هو دليل النظام على أنه مطابقة الاعتقاد فقط إلا أنه لم يرد ردّه بل أراد الردّ على الراغب حيث اختار ما يشبه مذهب الجاحظ واستدلّ عليه بدليل النظام فردّه بما ردّ به الجمهور على النظام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فإنه قال إمّا الصدق فإنه يحد بمطابقة الخبر المخبر عنه لكن حقيقته وتمامه أن يتحقق فيه ثلاثة أشياء وجود المخبر عنه على ما أخبر عنه واعتقاد المخبر فيه ذلك عن دلالة أو إمارة وحصول عبارة مطابقة لهما فمتى حصل ذلك وصف بالصدق المطلق، ومتى ارتفع ثلاثتها وصف بالكذب المطلق ومتى حصل اللفظ والمخبر عنه وألاعتقاد بخلافه صح أن يوصف بالكذب ألا تراه تعالى كذب المنافقين في إخبار: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [سورة المنافقون، الآية: ا] لما كان اءمقادهم غير مطابق لقولهم، فإذا قال من اعتقد أنّ زيدا في الدار زيد في الدار ولم يكن فيها صح أن يقال صدق اعتقاده أو كذب إلا أنّ كلامه مناد على أنه يعتبر في الصدق مطابقة الواقع كالجمهور وإنما يعتبر المطابقتين في الكامل بحيث لا يشوبه كذب بوجه ما وظاهر أنه إذا انتفى الاعتقاد لا يكون كذلكءفيجوز أن يتصف بالكذب بحسب الاعتقاد أنه غير مطابق للواقع وقد اعترف هذا الجمهور في جواب النظام كما في التلخيص وشروحه ومراد الراغب بإيراده الآية ذكر شاهد على أنّ الكلام يوصف بالكذب باعتبار أنّ اعتقاد المخبر أنه غير مطابق الواقع لأنّ الاستدلال على أنّ مطابقة الاعتقاد معتبرة في أصل الصدق كمطابقة الواقع فظهر أنّ الردّ في قول المصنف وردّ الخ غير واقع موقعه لأنه إنما هو ردّ للنظاء لا للراغب فتدبر وأخرج رأسك من ربقة التقليد، وتمسك بعروة الإنصاف والرأي السديد (أقول) ما أطال فيه من التصلف، مع أنه ظاهر التكلف غير صحيح في نفسه وما نقله من تفسير الراغب مسطور فج غيره من كتبه، وقد نقلناه بلفظه في المفردات ليتمّ بنور البيان فنقول المذاهب الثلاثة مشهورة فلا إفادة في الإعادة والذي نقله عن الراغب من الأمور الثلاثة المعتبرة فيه ترجع إلى مطابقة الواقع والاعتقاد كما نقلناه لك فإن الأمر الثالث وهو مطابقة العبارة لا يزيد في المطابق بالفتح شيئا وإنما يفيد تغاير المطابق والمطابق كما لا يخفى فمذهب الراغب بعينه مذهب الجاحظ من غير فرد فيرد عليه ما يرد عليه من غير شبهة وليس مذهب رابعاً كما توهمه إلا أنه لما صرّج باعتبار الأمرين كالجاحظ إن أراد اعتبارهما في حقيقته فما بعده من إطلاق الصدق على ما فيه أحدهما تجوّز وان أراد اعتبارهما في كماله فالإطلاق الآخر حقيقة، وكلامه كالتوفيق بين المذاهب والظاهر هو الأوّل ولو سلم أنه مذهب آخر فالمصنف لم يتعرّض له فكيف يذكر في كلامه الردّ عليه من غير دليل ولا قرينة ومثله تعمية والغاز لا اختصار وايجاز فاعرفه. قوله: (لما بين لهم ما يتعرّفون به الخ) في الكشاف لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرّفون أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وما جاء به حتى يعثروا على حقيقته وسرّه وامتياز حقه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 باطله قال لهم فإذا لم تعارضوه ولم يتسهل لكم ما تبغون وبأن لكم أنه معجوز عنه فقد صرّج الحق عن محضه ووجب التصديق فآمنوا وخافوا العذاب المعد لمن كذب انتهى وهو تفسير لهذه الآية إجمالاً على وجه يتبين به ارتباطها بما قبلها وتفريعها عليها والى ذلك أشار المصنف أيضاً مع تغيير ما في التعبير لمعنى اختاره فما يتعرّفون به هو والجهة أي الطريقة التي منها التعرّف واحد، ويتعرّفون إمّا بمعنى يعرفون معرفة قوية لأنّ صيغة التفعل تكون للمبالغة لزيادة البنية كما صرّحوا به أو المراد ما يتطبون معرفته والوصول إليه، وعلى هذا اقتصر شرّاح الكشاف لأنّ صيغة التفعل تأني للطلب الحثيث نحو تعجل الشيء إذا طلب عجلته كاستعجله ومنه ما في الحديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن عند بعضهم أي ليستغن به ويطلب الغني كما ذكره النحاة في معاني أبنية الأفعال وقوله: وما جاء به في محل نصب أو جرّ لصحة عطفه على أمر وعلى الرسول فإن عطف على الرسول فهو من قبيل أعجبني زيد وكرمه وأمر الرسول وان كان عامّا لكل ما جاء به ولغيره من أموره فالمقصود منه هنا ما جاء به لأنه المناسب لما قبله مع ما فيه من البلاغة ولذا اختاره شرّاح الكشاف فإن عطف على الأمر وأريد به صدقه في مدعاه وأريد بما جاء به القرآن الذي ليس من جنس كلام البشر فليس منه لما قصد من الفرق بين الأمرين إلا أنّ الأوّل أرجح رواية ودراية لما عرفته فلا وجه لمن لم يرضى به إلا امنثال خالف تعرف، وقوله وميز لهم الحق عن الباطل أحسن من قوله في الكشاف امتياز حقه من باطله لإيهام الإضافة أنّ قي أمره باطلاً وإن كانوا أوّلوه بكونه حقا عن كونه باطلاً أو المراد بباطله ما هو باطل على زعم الكفرة والرسول في كلامه أنسب من النبيّ أيضاً، ومعنى الفذلكة كما مرّ إجمال يقرب من النتيجة ويضاهيها من قولهم فذلك يكون كذا وهو إشارة إلى توجيه الفاء في النظم ووقوعها موقع تفريع النتيجة وحاصل المعنى على تفصيله وما يقتضيه وهو مما نوّر به ما في الكشاف وأجاد فيه وقوله: وعجزتم جميعا إشارة إلى العموم المستفاد من خطاب المشافهة كما مرّ وأمّا ذكر الشهداء فلا مدخل له فيه بل هو بالتخصيص أنسب فلا وجه لذكره وقوله: يساويه أو يدانيه أي يقاربه في البلاغة والأسلوب والمساواة وان كانت بحسب الأصل في الكمية فالمراد بها المشابهة التامّة بقرينة مقابله وما ذكر إشارة لتعميم المماثلة وأنه لا يشترط فيها المساواة وقد صرّح الراغب بعموم المثل لجميع وجوء الشبه القريبة والبعيدة، وقيل المداناة من حاق اللفظ وصريحه لأنّ المشبه به يكون أقوى في وجه الشبه وأما تعليق الاتقاء بعدم الإتيان بما يساويه فلا يستفاد منه بل ينافي التعليق بالعجز عن الإتيان بما يدانيه وليس بشيء لما عرفته. قوله: (ظهر أنه معجز والتصديق به الخ) يعرف أمر الرسول تجت! ر من التحدي الدال عليه قوله: {فَأْتُواْ} الخ والفذلكة من قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} الخ وهذا إشارة إلى أنّ جزاء الشرط بحسب الظاهر وهو قوله: {فَاتَّقُواْ} الخ. كناية عما يلزمه من ظهور إعجازه والزامهم الحجة الموجبة للإيمان به وبما جاء به كما سيصرّح به عقبه ولا تقدير في الكلام عند الشيخين خلافاً لمن فهم من كلام المصنف رحمه الله تقديره للجزاء جملة خبرية والزمخشريّ تقديره جملة إنشائية لاختلافهم في وقوع الإنشاء جزاء فمنهم من أوجب تأويله بما أوّلوا به خبر المبتدأ. ومنهم من لم يوجبه لعدم الحمل المقتض له فلما لم تكن هذه الإنشاحمية في موضع الجزاء حقيقة لانتفاء ألارتباط انفتح باب التقدير فقدر المصنف ما يصلح للجزائية اتفاقا وجعل المذكور لازما له مترتباً عليه كما أشار إليه بقوله: فآمنوا الخ وليس قوله ظهر من تتمة الشرط لعدم عطفه ولا بدلاً من قوله: عجزتم والجزاء ئآمنوا وقوله: فاتقوا منزلاً منزلته، وقال قدس سرّه قولط الزمخشري: قال لهم الخ. بيان لمآل المعنى وتنبيه على أنّ {فَاتَّقُواْ النَّارَ} كناية عن التصديق وترك العناد وقد توهم أنّ مراده أنه تعالى رتب على ذلك الإرشاد تكميلا له شرطيتين إحداهما محذوفة الجزاء والأخرى محذوفة الشرط فقوله فإذا لم تعارضوه الخ معنى قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} وقوله: فقد صرّح الخ جواب لهذا الشرط المحذوف وقوله: {فَآمِنُواْ} معنى قوله: {فَاتَّقُواْ} وهو جزاء لشرط مقدر أي إذا صرّح الحق عن محضه {فَأَمِنُواْ} وليس بشيء لأنّ {فَاتَّقُواْ} جواب {فَإِن لَّمْ} الخ وقوله فإذا لم تعارضوه إيماء إلى أنّ إن وقعت موقع إذا وأنها للاستمرار دون مجرّد الاستقبال كما يجيء، وإذا جعلت قوله فقد صرّح الحق عن محضه الخ هو الجزاء كان مآله إلى ما قاله المصنف وسيأتي له تتمة عن قريب. قوله: (فعبر عن الإتيان المكيف الخ) أي كان الظاهر أن يقال فإن تأتوا بسورة من مثله فعبر عن الفعل الخاص وهو الإتيان المقيد بسورة من مثله بالفعل المطلق عن المتعلق العام بحسب الظاهر للإيجاز إيجاز القصر حيث أوقع الفعل وحده موقع الإتيان المقيد بسورة من مثله وهو مؤدّ لمعناه لأنه المراد منه والفعل كما قاله الراغب أعمّ من سائر أخواته من الصنع والإبداع والإحداث كما فصله والمكيف اسم مفعول من كيفت الكيفية التي هي أحد الأعراض! المعروفة وفسرها في المصباح بالهيئة والصفة وهي لفظة مولدة من كيف الاستفهامية كالكمية من كم فإن قلت ليس المراد بالفعل المنفيّ في لم تفعلوا مطلق الكعل بل الإتيان المقيد بقرينة السياق والسباق، فلو قال: فإن لم تأتوا الخ فهم المراد قلت فيما عبر به إيجاز وكناية أبلغ من التصريح وأخصر مع إيهام نفي الإتيان بالمثل وما يدانيه وغيره باعتبار ظاهره وان لم يكن مراداً. قوله: (إيجازاً) عدل عما في الكشاف من قوله والفائدة فيه أنه جار مجرى الكناية التي تعطيك اختصارا ووجازة تغنيك عن طول المكنئ عنه. ألا ترى أنّ الرجل يقول ضربت زيدا في موضع كذا على صفة كذا وشتمته ونكلت به ويعدّ كيفيات وأفعالاً فتقول له بئس ما فعلت، ولو ذكرت ما أنبته عنه لطال عليك الخ. وقد اختلفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 كما قال قدس سرّه في معنى جريانه مجرى الكناية فقيل أراد بالكناية الضمير المبنيّ على الاختصار ودفع التكرار لكنه مختص بالأسماء، وهنا عبر عن فعل مخصوص بالفعل للاختصار ودفع التكرأر فهو في الأفعال بمنزلة الضمير في الأسماء، وقيل أراد بالكناية ما يقابل المجاز لإطلاق اللازم من الفعل وارادة ملزومه وهو الإتيان بالسورة إلا أنه حينثذ كناية لا جار مجراها، واعتذر له بأنّ الملازمة ليست متساوية لأنّ الفعل أعمّ مطلقا وحصول الانتقال منه بمعونة المقام فلذا أجرى مجراها، وفيه أنه لا يقدح في كونه كناية حقيقة كما إذا جعل الفعل مطلقا كناية عنه مقيداً بفعل مخصوص وقوله تغنيك عن طول المكنئ عنه يؤيد الأوّل إذ ليس مبني هذه الكناية على الوجازة إلا أن يقال المراد بها المعنيان معا، ولو قيل يجوز أن يحذف متعلق الإتيان أو يجعل هو مطلقا كناية عنه مقيدا بما تعلق به فلا استطالة يدفع الأوّل بأنّ إيجاز القصر أبلغ، والثاني بأنّ الاحتراز عن التكرار أولى لأنّ ما ذكره أخصر وأظهر مما تكلفوه وقالوه (أقول) الكناية في مصطلح البيان غير خفية وعند النحاة وأهل اللغة كما فصله نجم الأئمة الرضي في المبنيات هي أن يعبر عن شيء معين لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح في الدلالة عليه إمّا للإيهام على سامع كجاءني فلان وأنت تريد زيد أو كيت وذيت وكذا وكذا أو بثاعة المعبر عنه، كهن للفرج أو للاختصار كالضمائر أو لنوع من الفصاحة ككثير الرماد للمضياف والمكئ عنه يكون لفظا بمجرّده أو مرادا به معناه كقوله: كأنّ نعلة لم تملأ بوائكها وألفاظ الأوزان إذا عرفت هذا ففيما ذكوه الشريف تبعا لغيره هنا نظر لأنّ الكناية لا تختص بالضمائر عند أحد فالحمل عليها غير ظاهر، والتساوي في اللزوم بأن يكون اللازم لازما مساويا لم يشترطه أحد وكأنّ قوله لا يقدح الخ إشارة لهذا وفيما أيد به الأوّل نظر أيضا لأنّ الاختصار غير مشروط في الكناية اللغوية كالاصطلاحية وادّعاء أكثرية غير مسلم والقول بأنه قد يكون كذلك لا يجدي نفعاً لاستوأئهما فيه، فقولك فهلان ليس باكلول من زيد وكذا أنا وبعض الكنايات الاصطلاحية إيجاز كما صرّحوا به والجواب بأنّ المراد المعنيان معا فيه استعمال المشترك في معنييه وهو في الاصطلاحين أبعد فالأولى أن يقال: أراد الأعم الذي اصطلح عليه أهل العربية كما سمعته آنفا من شموله للكناية البيانية. قوله: (ونزل لازم الجزاء منزلته الخ) هذا صريح فيما قدمناه من عدم التقدير على كل تقدير والمراد أنه ترتب وجوب الإيمان وترك العناد على عجزهم بعد الاجتهاد التامّ واتقاء النار لازم له وهو دفع لما يتوهم من أنّ اتقاء النار لازم وواجب مطلقاً من غير توقف على هذا الشرط فما معنى تعليقه بانتفاء ذلك الإتيان أو أنّ الشرط سبب للجزاء، وملزوم له وليس عدم الإتيان بما ذكر سببا للاتقاء ولا ملزوماً له فكيف وقع جزاء له فأجاب بأنه كناية عن ظهور إعجازه المقتضي للتصديق والإيمان به أو عن الإيمان نفسه، وقيل إنه جعل في الكشاف الاتقاء عن النار كناية عن ترك العناد، والمصنف جعله كناية عن الإيمان وكلاهما حسن إلا أنه في الكشاف جعل ترك العناد نتيجة للاتقاء عن النار فاتجه عليه أنه ليس ذكر الملزوم وارادة اللازم كناية بل العكس، وإن أجيب عنه بما فصلوه وفيه بحث. قوله: (تقرير للمكنى عنه) بيان لوجه سلوك الكناية وأنها اختيرت هنا لأمور كتقرير المعنى أي تثبيته وتبيينه لأنه كإثبات الشيء ببينة لما بينهما من التلازم والتهويل وهو التفخيم مع الإنذار والتخويف لأنه إذا ثبت اتقاء النار بترك العناد فقد أقيم العناد مقام النار كما في قوله تعالى: {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [سورة البقرة، الآية: 75 ا] لأنّ معناه ما أكثر عصيانهم، وهو من أبلغ الكلام كما قاله المرزوقيّ رحمه الله وفيه تصريح بالوعيد وأنهم يستحقون النار ويعاقبون بها لتمرّدهم مع ما فيه من الإيجاز فإنّ الجزاء الحقيقي كما قاله تقديره ظهر أذه معجز وأنّ التصديق به واجب فآمنوا به أطول من قوله اتقوا النار لأنّ الصفة لا دخل لها في الجزاء والكناية كما لا يخفى، وقيل الإيجاز من ترك ذكر العناد وإقامة النار مقامه فإنّ أصل المعنى فاتقوا العناد الذي مصير أمره عذاب النار، وتيل إنّ قوله مع الإيجاز قيد للأخير أو للمجموع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وهو ردّ لما في الكشاف حيث جعل الإيجاز وجهاً مستقلاً وهو لا يصلغ له إن لم يوجه بأن الوسايط التي صرّح بها في ارتباط الجزاء بالشرط مرادة بحسب المعنى وان لم تقدر في العبارة ويرد عليه أنه لو قيل فاتركوا العناد كانت تلك الوسايط مرادة أيضا فلا إيجاز بحسب الكناية إلا أن يوجه بما قيل من أنه أريد بهذه الكناية مجموع المعنيين من اتقاء النار وترك العناد معا فيكون مؤخراً، ويشمل الإيجاز كل كناية أريد بها معنياها جميعا (أقول) : هذا برمّته مأخوذ من شرح الكشاف الشريفي وقد عرفت أنه لا يجري في كلام المصنف رحمه الله لأنه لا يوافقه فيما قدّره جزاء وجواباً كما مرّ ولو وافقه لم يكن لذكره وجه أيضاً سواء كان مستقلا أو بطريق التبعية والمعية، والعجب من هذأ القائل أنه ذكر هذا بعيته في شرح قوله: معجز فما أسرع ما نسي ما قدّمه بين يديه وما بالعهد من قدم وقد عرفت أيضا أنه يرد على الزمخشرفي أنه إذا كان ترك العناد لازما كان إطلاق الاتقاء عليه تعبير بالملزوم عن اللازم فيكون مجازاً لا كناية ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله وأن كان غير مسلم كما فصله قدس سرّه وسيأتي تحقيقه. قوله: (وصذّر الشرطية بأن الخ) أي هذه الجملة الشرطية جاءت على خلاف الظاهر ومقتضى الحال كما أشار إليه بقوله والحال أي وظاهر الحال المناسب للمقام والسياق، وكون أن الموضوعة للشرط تفيد الشك وإذا الظرفية المضمنة معنى الشرط تقتضي الجزم والقطع مما اتفقوا عليه، فإذا خرج كل منهما عن مقتضاه فلا بدّ له من وجه والمراد بالوجوب في كلام المصنف رحمه الله الجزم والقطع فهو بالمعنى اللغويّ وفي المصباح وجب الحق يجب وجوبا وجبة لزم وثبت وهو قريب مما فسرناه به، وما قيل من أنه عبر عن الوقوع المقطوع بالوجوب جريا على ما بين المتكلمين من أنّ الوجود مسبوق بالوجوب فما لم يجب لم يوجد مما لا حاجة إليه ولا يفيد التفسير بل التعقيد ومقابلته بالشك تغني عن الشرح، وأصل الشك المستفاد من أدائه وحقيقته من المتكلم فإن اعتبر حال المخاطب فعلى خلاف الأصل كما أشار إليه بقوله: أو على حسب ظنهم، وقوله: فإنّ القائل الخ تعليل لاقتضاء المقام الجزم وعدم الشك وقوله: ولذلك الإشارة إمّا لاقتضاء الحال أو لأنه تعالى لم يكن شاكا وان كان غير محتاج إلى التعليل لأنّ المراد إظهار نكتة الاعتراض. وقيل: معنى لذلك لعلمه بحالهم أي بنفي الإتيان ولا يخفى أنه لا حاجة إلى الاستدلال على أنه تعالى لم يكن شاكاً فالأوجه أن يصرف إلى تصدير الشرطية بأن أي لذلك التصدير ففي إتيانهم ففائدته نفي الشك الذفي توهمه عن ساحة سلطان علمه، ولك أن تقول: {لَن تَفْعَلُواْ} معطوف على {لَّمْ تَفْعَلُواْ} انتهى. ولا يخفى عليك أنّ جعل الإشارة للتصدير وان صح في غاية البعد وأمّا العطف الذي ارتضاه فغير صحيح بحسب العربية ولا بحسب المعنى ولذا لم يلتفتوا له مع ظهوره وهي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وفيها كما في الكشاف نوع من الإعجاز ودليل آخر على إثبات النبوّة لما فيها من الإخبار بغيب لا يعلمه إلا ألله. قوله: (تهكماً بهم) منصوب مفعول له وتعليل لقوله: وصدر الشرطية بأن أي أنه كلام القويّ العزيز العليم بجميع الكائنات قبل وقوعها علما حضوريا جازماً منزهاً عن الشك فحاطبهم بمثله استهزاء منه وتحقيراً لهم كما يقول الواثق بالغلبة لخصمه إن غلبتك لم أبق عليك وتحميقاً لهم لشكهم في المتيقن الشديد الوضوح وهو على هذا يحتمل أن يكون استعارة تبعية تهكمية حرفية كما قيل ولا مانع منه ويحتمل الحقيقة والكناية كما في غيره مما جاء على خلاف مقتضى الظاهر، وقوله: أو خطابا الخ أي عبر بذلك نظراً لحال المخاطب لا القائل كما في الوجه السابق، وفي الكشاف يساق القول معهم على حسب حسبانهم وطمعهم وأنّ العجز عن المعارضة كان قبل التأمّل كالمشكوك فيه لديهم لاتكالهم على قصاحتهم واقتدارهم على الكلام أي أنّ هذا الكلام بعد قوله: وان كنتم في ريب بلا فاصل فلم يجدوا مهلة التأمّل حتى يحصل لهم التحقق وإنما قال: لم يكن محققاً ولم يقل كان مشكوكاً لأنهم لما لم يحصل مجال للتأمّل لم يحصل الشك أيضا ولذا قال الزمخشرفي: كالمشكوك إذ الشك إنما يكون بعد التصدي للتفحص عن حال الشيء لكنهم لما كانوا متكلين على فصاحتهم واقتدارهم على أفانين الكلام كان عجزهم بالقياس إلى ظاهر حالهم كالمشكوك فيه لديهم كما قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 تعالى: {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [سورة الأنفال، الآية: 31] وفيه رمز إلى أنهم لو تأمّلوا لم يشكوا فتأمل. قوله: (وتفعلوا جزم بلم الخ) جزم بمعنى مجزوم كدرهم ضرب الأمير بمعنى مضروبه وهذا تعليل وبيان لكون العامل الجازم هنا لم لا إن الشرطية لأنه لما اجتمع عاملان وعملهما معا لا يجوز إذ لا يتوارد عاملان على معمول واحد رجحوا الثاني لأنه واجب الأعمال إلا في ضرورة أو شذوذ أو وجود مانع متصل بالفعل كنون التأكيد والإناث وهي مختصة بالمضارع كاختصاص حرف الجرّ بالاسم فكانت جديرة بأن تعمل فيه العمل الخاص به ولأنها لا تنفصل عنه إلا نادراً بخلاف إن ولأنها تقلبه إلى المضي فلما أثرت في معناه لقوّتها أثرت في لفظه وصارت معه كفعل واحد ماض فلم يفعل بمعنى ترك وحرف الشرط حينئذ داخل على المجموع فيعمل في محل فعله ولا يلغى وليس هذا من التنازع في شيء وإن تخيل مشابهته له لأنّ ابن هشام في كتبه كنيره صرّح بأنّ التنازع لا يكون بين حرفين لأنّ الحروف لا دلالة لها على الحدث حتى تطلب المعمولات (أقول) كذا في شرح الكشاف وفي شرح أوضح المسالك ما نصه أجاز ابن العلج التنازع بيى ن الحرفين مستدلاً بقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} الآية فقال تنازع إن ولم في تفعلوا، ورذ بأن أن تطلب مثبتا ولم تطلب منفياً وشرط التنازع إلاتحاد في المعنى إلا أنّ أبا عليّ الافارسي أجازه في التذكرة كما نقله عنه الشاطبيّ فعلى هذا يصح أن يقال الجازم هنا أيضا أن فالحاصل إن لم جازمة للمضارع وإن جازمة للمحل لكثرة عملها فيه في نحو إن جئتني أكرمتك فتوفر حظهما من العمل كما أشار إليه المصمنف بقوله ولأنها لما صيرته ماضيا صارت كالجزء منه وحرف الشرط كالداخل على المجموع أي مجموع لم والفعل فعملهما محليّ فإن تلت هل المحل للفعل وحده أو للجملة أو للم مع الفعل كما هو ظاهر كلام المصنف. قلت: هذا مما لم يصرّحوا به وفيه إشكال لأنه إن كان للفعل وحده لزم توارد عاملين في نحو النسوة إن لم يقمن وان كان للجملة يرد عليه أنهم لم يعدوها من الجمل التي لها محل من الإعراب وان كانت للم مع الفعل فلا نظير له وعلى كل حال فالمقام لا يخلو من الإشكال وقد أطال فيه شارح المغني بما لا مآل له فليحرّر. قوله: (وإن كلاَ في نفي المستقبل الخ) وقد فرق بينهما برجوه كالاختصاص بالمضارع وعمل الممب، ونقل عن بعضهم أنها قد تجزم ولا يقتضي نفي لن التأبيد ولا غيره من طول مدة أو قلتها خلافاً لبعض النحاة في ذلك وليس أصلها لا أن لأنه سمع نادرا كما في قوله: يرجى المرء مالاً أن يلاقي ويعرض دون أيسره الخطوب ولا حجة فيه لاحتمال زيادة أن فيه وقد أورد عليه أن لن تضرب كلام تامّ وأن مع الفعل اسم مفرد غير تام وتقدير ما يتمّ به معه تعسف أهون منه القول بأنه أصله فلما غير لفظه غير معناه وصار لمجرّد النفي، وقيل: أصله لا فأبدلت ألفه نونا ولما كان هذا كله تكلفا بغير طائل لم يرتضه المصنف رحمه الله وقال: إنه مقتضب أي مرتجل وضحع ابتداء هكذا، وأصل معنى الاقتضاب الاقتطاع. قوله: (والوقود بالفتح ما توقد به النار الخ) المشهور عند النحاة الفرق بين فعول وفعول بالفتح والضم فالثاني مصدر والأوّل اسم لما يفعل به وقال بعض النحاة: قد يكون مصدراً وحكي عن سيبويه في ألفاظ وهي الولوغ والقبول والوضوء والطهور وزاد الكسائيّ الوزوع وغيره اللغوب بمعنى التعب وبه قرئ في سورة ق، فتصير سبعة والمشهور في المفتوح أنه اسم فيه معنى الوصفية كالقارورة، وقد قرئ بالضم هنا في الشواذ وهي قراءة عيسى ابن عمر والهمدانيّ وقال ابن عطية الضم والفتح محكيان في الحطب والمصدر فإن كان اسما لما يوقد به فلا حاجة إلى التأويل وإلا فحمله على النار مبالغة كرجل عدل أو بالتجوّز فيه، أو في التشبيه أو بتقدير مضاف في الأوّل كذو وقودها أو في الثاني كاحتراق وقيل فيه نظر يعني لأنّ الإيقاد غير الاحتراق ولذا قيل: فيه مسامحة لأنه يقال اتقدت النار ولا يقال احترقت بل الاحتراق أثره وقريب منه، والأمر فيه سهل، وحكى المصنف عن سيبويه أنّ من العرب من جعل المفتوح مصدرا والمضموم اسما على عكس المشهور وقوله عالياً بمعنى فصيحاً يقال لغة عالية وعلوية وهذه اللغة أعلى أي أفصح وأصله كما قيل من علياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 نجد وأعلاه الفصاحة أهله بالنسبة لأهل تهامة وقوله: والاسم بالضم عطف على قوله المصدر بالفتح ثم أشار إلى تاً ويل المصدر بأنه تجوّز فيه كما يقال فخر قومه وهو ظاهر. قوله: (والحجارة الخ) جعل المصنف رحمه الله فعالة بالكسر جمعا لفعل بفتحتين شاذاً وقال ابن مالك في التسهيل: إنه اسم جمع لغلبة وزنه في المفردات وهو الظاهر. قوله: (والمراد بها الآصنام الخ) أي أنه تعالى قرنهم بها في الدنيا بتقديره كذلك وفي الآخرة لتفضيحهم ففيه عذاب روحاني وجسماني والمكانة أصلها المكان وهو محل الكون ثم تجوّز بها للقرب والقبول كما يقال له مرتبة ولمكانتهم باللام وفي نسخة بالباء والضمير للكفار أو للأصنام وهو أظهر لأنهم شفعاء بزعمهم والشفيع له مكانة عند المشفوع عنده، وحصب جهنم حطبها الذي يحصب فيها أي يطرج ويرمي كالحصباء والتعبير به هنا في موقعه وما قيل من أنّ الحصب الحطب وهو يبقى في النار زمانا ممتدا بخلاف الوقود وهم لأنه توهم أنّ الوقود ما تورى به النار ويشعل كالكبريت والحراقة وليس كذلك بل هو ما يوقد ويحرق مطلقا فلا حاجة لما تكلفه في جوابه، وتضرّرهم بما يرجى نفعه أشدّ لألمهم، وتحسرهم بالحاء المهملة إيقاعهم في الحسرة وهي أشد الغمّ والحزن والندم على ما فات تلافيه ووقع في بعض النسخ كما في الكشاف تخسرهم بالخاء المعجمة من الخسران وهو ظاهر وقيل: إنّ المصنف رحمه الله أشار بقوله: عذبوا بما هو منشأ الخ إلى تعذيبهم الجسماني وبقوله: أو بنقيض الخ إلى الروحاني فقد جمع لهم بين نوير العذاب. قوله: (وقيل الذهب والفضة الخ) لأنّ الذهب والفضة يسمى حجراً كما في القاموس وهو في العرف مختص بما لم يصنع وش! بك وإعدادها بكسر الهمزة مصدر بمعنى جعلها معدة ومتخذة لهم، وما أورده المصنف على هذا التفسير من أنه غير مخصوص بهؤلاء لوجوده في مانعي الزكاة من غيرهم قد اجيب عنه بأنّ هذا التعذيب غير ذلك لأنه بإيقادها وجعلها بقدرته مما يشتعل كالحطب وتعذيب مانعي الزكاة بها بأحمائها وكيهم لأنهم لما تداووا بجميعها كان آخر دوائهم الكيّ كما قال تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} [سورة التوبة، الآية: 35] الآية وشتان ما بينهما، ولعل هذا أحسن مما قيل من أنّ جمع المال مع مغ الزكاة هو معنى الكنز وهو في الكفار أكثر وأشد لتخليدهم ولا شبهة في أنّ اغترار المسلمين بالذهب والفضة ليس كاغترارهم والتخصيص إمّ من اللام في قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أو من الكافرين لأنّ ترتيب الحكم على الوصف يشعر بعلية مأخذه كما مرّ مرارا. قوله: (وقيل حجارة الكبريت الخ) مرضه وأخره لضعفه عنده لأنه تخصيص بغير دليل وغير مناسب للمقام كما ستسمعه وتغ فيه الزمخشريّ وقيل عليه أنّ القرينة العقلية قائمة عليه لأنه لا يتقد من الحجارة غيره مع أنه الثابت في التفاسير المأثورة دون غيره فإنه أخرج مسنداً في السنن وصحح روايته عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم الطبرانيّ والحاكم والبيهقيّ وابن جرير وابن المنذر وغيرهم ومثل هذا التفسير الوارد عن الصحابيّ فيما يتعلق بأمر الآخرة له حكم الرفع بإجماع المحدّثين وقد رجحه كثير من المفسرين وعللوه بأنه أشد حرّا وأكثر التهابا وأسرع إيقاداً مع نتن ريحه وكثرة دخانه وكثافته وشدة التصاقه بالأبدان فلتخصيصه وجه بل وجوه رواية ودراية. قوله: (إذ الغرض تهويل شأنها الخ) بيان لأنّ هذا التفسير مناف لما سيق له الكلام، والتهويل أشدّ التخويف وأعظمه والتفاقم بالفاء والقاف العظم ويخص في الاستعمال بالمكروه وكونه منافياً له غير مسلم لما عرفته مما في الكبريت من الألم الذي ليس في غيره وكما تكون حدّة النار في ذاتها تكون في مادتها الموقود بها ولأنه يلتصمق بأبدانهم فيكون أشد عذابا لهم مع أنه يعدّهم لأن يكونوا حطب جهنم كما قال تعالى: {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ} [سورة إبراهيم، الآية: 50] وقوله: فإن صح هذا الخ قد عرفت أنّ المحدّثين صححوه فلا ينبغي الشك فيه وما أوّله به من قوله أنّ الأحجار الخ لا يخفى بعده فإنه يجعل الحجارة صئحبهة بالكبريت وليس في العبارة ما يدلّ عليه وأبعد منه ما قيل إنّ المراد أنها تتقد بنفسها لاحراق الناس والأصنام انقياداً لأمر الله تعالى والكبريت بكسر الكاف قال ابن دريد هو الحجارة الموقد بها ولا أحسبه عربيا صحيحا وقال غيره أنه معرّب والكبريت الأحمر الياقوت أو الذهب. قوله: (ولما كانت الآية مدنية الخ) هذا ملخص ما في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 الكشاف وهو توجيه لتعريف النار هنا وتنكيرها في تلك الآية ووقوع جملة {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} صلة وهي كما ذكره النحاة وأهل المعاني لا بدّ أن تتضمن قصة معهودة ومعلومة للمخاطب لأنّ تعريف الموصول بما في صلتة من العهد كما صرّحوا به فإنّ المنكر نزل أوّلاً فسمعوه بصفته فلما نزلت هذه بعده جاء معهوداً فعرّف وجعلت صفته صلة وقد اعترض عليه كما قاله الشريف تبعا لغيره بوجو. منها أنّ سماع هذه الآية وآية التحريم من النبيّ عليه الصلاة والسلام وهو لا يفيدهم العلم لأنهم لا يعتقدون حقيته وردّ بأنّ إدراكهم بالسمع كاف من غير حاجة للجزم به، ومنها أنّ الصفة كالصلة لا بد من كونها معلومة الانتساب للموصوف لقولهم الصفات قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها صفات فيعود السؤال في ناراً وقودها الخ وردّ بأنّ الصفة والصلة يجب كونها معلومين للمخاطب لا لكل سامع وما في التحريم خطاب للمؤمنين علموه بسماعهم منه عليه الصلاة والسلام، فلما سمعه الكفار أدركوا منه نارا موصوفة بتلك الجملة فجعلت صلة فيما خوطبوا به، ولما ورد أنّ النار وصفتها في الآيتين متحدة فلم اختلف لفظها أجاب بأن آية التحريم مكية عرف الكفار منها ناراً موصوفة بما ذكر فلما نزلت آية البقرة بالمدينة عرّفت إشارة إلى معرفتها أوّلأ، ورد بأن سورة التحريم مدنية بلا استثناء اتفاقا وقد صرّحوا به ثمة وأيضا قد مرّ ما يدلّ على عكسه من أنّ هذه مكية وتلك مدنية لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فيهما وأيضاً انتساب الجملة إلى المنكر إذا كان كما مرّ معلوما للمخاطبين المؤمنين بسماعهم منه عليه الصلاة والسلام كان معهوداً فحقه أن يعرف، وأجيب بجواز كون تلك الآية في التحريم وحدها مكية وما هنا يذل على عدم الاتفاق على خلافه، وما مرّ عن علقمة لم يرتضه كما مرّ، وأجيب عن الآخر بقصد التفنن وإرادة التهويل بالتنكير والإشارة إلى الحضور في الأذهان بالتعريف، ولا يخفى بعده وعدم مطابقته لكلامه فلعله لا يشترط العلم في صفات النكرات حتى يلزم كونها معهودة ولذا قالوا وصف النكرة للتخصيص والمعرفة للتمييز فليس المنكر الموصوف معهودا باعتبار انتساب صفته إليه بخلاف المعرّف (أقول) إمّا كون سورة التحريم وجميع آياتها مدنية فجمع عليه وقد صرّحوا به في هذه الآية بخصوصها ومثله توقيفي فلا حاجة لما ذكر من الجواب، ولذا نسب بعضهم الزمخشريّ هنا إلى السهو وأمّا منشأ ما ذكر هنا من الأسئلة والأجوبة فمبنيّ على أمرين كون الصلة يجب كونها معلومة معهودة وكون الصفة كذلك وهو مما صرّحوا به، إلا أن ابن مالك لما قال في التسهيل الصلة معرّفة للموصول فلا بد من تقدّم الشعور بها على الشعور بمعناه قال أبو حيان في شرحه المشهور عند النحويين تقييد الجملة الموصول بها بكونها معهودة وذلك غير لازم لأنّ الموصول قد يراد به معهود فتكون صلتة معهودة كقوله واذ تقول للذي أنعم الله عليه وقوله: إلا أيها القلب الذي قاده الهوى أفتى لا أقرّ الله عينك من قلب وقد يراد به الجنس فتوافقه صفته كقوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} [سورة البقرة، الآية: 171] وقد يقصد تعظيم الموصول فتبهم صلتة كقوله: رأيت الذي كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر انتهى، وفي شرحه لناظر الجيش مثله وقال: قياس الصفات كلها أن تكون معلومة لأنّ الصفات لم يؤت بها ليعلم المخاطب بشيء يجهله بخلاف الأخبار، ومن هنا عرفت أن الفرق بين المعرفة والنكرة ظاهر- وأمّا الفرق بين الصفة والصلة فلم يصف من الكدر ولذا أمر قدس سرّه بعدما مرّ بالتأمّل ثم إنّ الظاهر الفرق بين كون الشيء معلوما وكونه معهودأ وأن العهد أخص من العلم لأنه علم سبق له معرفة بين المتكلم والمخاطب كما قال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} [سورة النحل، الآية: 91] ولذا فسره الراغب في مفرداته بمراعاة الشيء حالاً بعد حال فاللازم في الصفة علم ما للمخاطب أو ما ينزل منزلته وإلا لم تكن مخصصة ولا موضحة وفي الصلة كونها معهودة أو منزلة منزلتها، وأحا كانت أحوال الآخرة لا تعلم في الدنيا بغير السماع وسماع أهل اللسان من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 المؤمنين لما أخبر به النبيّ عليه الصلاة والسلام عن ربه محدث عندهم في أوّل وهلة علما بذلك صح باعتباره وقوعها صفة ولكونها غير معلومة لهم بتلك الصفة قبل ذكرها نكرت فإذا ذكرت مرّة أخرى كانت معهودة عند المؤمنين وغيرهم فلا بد من سبق ذكر سواء كان باية مكية أو مدنية تكرّر نزولها أولاً، ولذا قيل كونها مكية كناية عن سبق ذكرها لكته تعسف لا وجه له وأما كونه لا يشترط العلم في صفات النكرات فخالف لما صرّح به الثقات ولا يخالفه كما توهم ما في الكشاف في سورة الأنعام في تفسير قوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 50 ا] حيث قال فإن قلت هلا قيل قل هلمّ شهداء يشهدون أنّ الله حرّم هذا وأيّ فرق بيته وبين المنزل. قلت المراد أن يحضروا شهداءهم الذين علم أنهم يشهدون لهم وينصرون قولهم وكان المشهود لهم يقلدونهم ويثقون بهم ويعتضدون بشهادتهم ليهدم ما يقومون به فيحق الحق ويبطل الباطل فأضيفت الشهداء لذلك وجيء بالذين للدلالة على أنهم شهداء معروفون موسومون بالشهادة لهم وبنص! رة مذهبهم انتهى. وسيأتي ما يتممه ثمة. قوله: (هيئت لهم) الإعداد والعتاد إحضار الشيء قبل الحاجة إنيه وهو عدة وعتيد ومنه الاسنعداد، وقوله: والجملة استئناف الخ هذا مما أهمله الزمخشريّ، وفي شرح التفتازانيّ لا يحسن الاستئناف والحال، وعندي أنها صلة بعد صلة كما في الخبر والصفة فإن أيبت بناء على أنه لم يسطر في كتاب فليكن عطفا بترك العاطف لكن عطف وبشر على لفظ المبنيّ للمفعول عليه يقوي جانب الاستئناف (أقول) في الدرّ المصون الظاهر أنّ هذه الجملة لا محل لها لكونها مستأنفة جوابا لمن قال: لمن أعدت وقال أبو البقاء: محلها النصب على الحال من النار والعامل فيها اتقوا قيل: وفيه نظر لأنها معدة للكافرين اتقوا أم لم يتقوا حاضية 83 فكيف يكون حالاً والأصل في الحال التي ليست مؤكدة أن تكون منتقلة فالأولى أن يكون استئنافاً، ولا يجوز أن يكون حالاً من ضممير وقودها لأنه جامد إن كان اسما للحطب، وأن كان مصدرا خيفة الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وهو أجنبيّ منه وقال السجستاني: أعدت للكافرين من صلة التي كقوله: {وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 131] قال ابن الأنباري: وهذا غلط لأنّ التي وصلت بقوله: {وَقُودُهَا النَّاسُ} فلا يجوز أن يوصل بصلة ثانية بخلاف التي قلت ويمكن أن لا يكون غلطا لأنا لا نسلم أنّ وقودها الناس والحالة هذه صلة بل إمّا معترضة لأنّ فيها تأكيدا وأمّا حالي وهذان الوجهان لا يمنعهما معنى ولا صناعة (أقول) ما قالوه من أنّ تعدد الصلة غير جائز غريب منهم فإنّ الإمام المرزوقي قال في شرح قول الهذليّ: بازيّ التي تهوي إلى كل مغرب إذا اصفرّ ليط الشمس حان انقلابها يجوز أن تتمّ الصلة عند قوله مغرب ويكون إذا اصفرّ كلاماً آخر يصلح أن يكون صلة بانفراده كان المراد بازيّ التي تفعل ذا وهو هويها إلى المغارب وتفعل ذا أيضاً وهو انقلابها بالعشيات لكنه لو عطف عليه بالواو كان أحسن وأبين ويكون هذا كقولك زيد الذي يشرب يأكل ينام يصلي وحرف العطف يحذف من أثناء الصلات إذا توالت والصفات كثيراً انتهى. يعني أنّ تعدد الصلات والصفات كثير بعاطف وبدونه لا أنه حذف حقيقيّ فأنت تراه كيف أثبت كثرته بدون اختلاف فيه وناهيك به فقول الفاضل أنه لم يسطر في كتاب سهو كان ذلك في الكتاب مسطورا، وقوله إن عطف وبشر يقوّي الاستئناف إن كان استئنافا نحويا فله وجه والا فلا لأنّ السؤال عما يتعلق بالنار فلا وجه لعطف وبشر عليه إلا بتكلف وفي كون الخبر أجنبيا تردد لبعض الفضلاء سيأتي. قوله: (وفي الآيتين دليل الخ) وقع في نسخة ما يدل بدل دليل وما قيل عليه من أنه ليس في الآية أمر يدلّ عليها من وجوه بل أمور تدلّ عليها إلا أن يقال: لم يتعلق من وجوه بالدلالة بل هو بيان لما ليس بشيء لأنّ محصلهما التحدي على وجه الجزم وهو أمر دال عليها بالطرق المذكورة وجزء الدليل يصح أن يطلق عليه أنه دليل والأمر فيه سهل، وظاهر كلامهم أنّ الدلالة المذكورة من الثانية فقط ولكل وجهة وسيظهر وجه ما اختاره المصنف، والتحدّي من قوله: {فَأْتُواْ بِسورة} والتحريض والحث من قوله: {وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم} وقوله: بالتقريع الخ متعلق بقوله التحريض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 والتقريع اللوم الشديد وقد مرّ بيان مأخذه والوعيد من قوله ة {فَاتَّقُواْ} الخ وكون السورة أقصر سورة مع تنكيرها لأنه أقل ما يصدق عليه، وعجزهم مع تهالكهم أدل دليل على ذلك والمهج جمع مهجة والمراد بها النفس هنا والجلاء بالكسر والمد ترك الوطن والرحلة عنه. قوله: (والثاني تضمنهما الخ) هذا من قوله: {وَلَن تَفْعَلُواْ} النفي ما في المستقبل حالاً وقد تحقق انتفاؤه وهذا وإن كان من الآية الثانية لكن لما كان المرإد من {وَلَن تَفْعَلُواْ} الإتيان بتلك السورة وهو إنما يتضح بقرينة الأولى نسبه إليهما وقد أعترض! عليه بان عجز طائفة مخصوصة لا يدل على عجز كل من عداهم في المستقبل فصدق الأخبار إنما يعلم بعد انقراض الأعصار كلها؟ جوابه يعلم مما ذكر. من اشتهارهم بالفصاحة وكونهم فرسان ميدان البلاغة الذين لا يمكن أن يدانيهم أحد في ذلك فإذا عجز مثلهم علم عجز غيرهم قطعاً وأمّا كونه خطاب مشافهة مختصأ بالموجودين ف! ذا انقرضوا علم صدقه فليس بشيء ولما ورد عليه أنه لا يلزم من عدم العلم بشيء عدمه دفعه بقوله فإنهم لو عارضوه إلى آخره. قوله:) سيما والطاعنون فيه الخ) الطعن هو القدح في الشيء بإسناد ما هو معيب إليه بزعمه، والذت بمعنى الدفع ويرد عليه أنه حذف لا من سيما وأتى بالواو بعدها وقد نص النحويون على عدم جوازه وأنه خطأ، وفي شرح التسهيل للدمامينيّ بعد ما ذكر أن سيّ بمعنى مثل وما زائدة أو موصولة وما بعدها أولى بالحكم وليس بمستئنى خلافا للنحاس والزجاج والفارسيّ وغيرهم من أهل العربية ووجهه أنه يخرج عما قبله من حيث أولويتة بالحكم المتقدم ويقال لا سيما بتخفيف الياء وما يوجد في كلام المصنفين من قولهم لا سيما والأمر كذا تركيب غير عربي، وقال أبو حيان: عا يوجد من كلاع! المولدين من قولهم سيما بحذف لا لا يوجد إلا في كلام من لا يحتج بكلامه وسيّ منصوب على أنه اسم لا انتهى. (أقول) هذا محصل ما ذكره في باب الاستثناء وما ذكر من الشخطئة سبقه إليه كثير من النحاة لكنه غير مسلم، أمّا حذف لا فقد حكاه الرضي وقول الدمامينيّ، إني لم أقف عليه لا يسمع مع نقل الثقة وأمّا وقوع الجملة المقترنة بواو الحال بعدء فقد قال ابن الصائغ ومن خطه نقلت أنهم منعوه وقد وجدت في كلام السخاويّ في شرح المفصل ما يقتفي جوازه. قال: إذا وقعت الجملة بعد لا سيما كقولك فلان مستحق لكذا لا سيما وقد فعل كذا فما كافة لسيّ عن الإضافة كربما يودّ والجملة في موضع الحال انتهى. وهو في غاية الظهور، وأيّ مانع من حذف لا مع القرينة الدالة عليها وقد ذكروا وقوع الحال بعدها وجوّزوا فيئ ما أن تكون كافة كما صرّح به المعترض ومع هذا كيف يكون مثله خطأ ومن هنا علمت أنّ قوله قدس سرّه في شرح قول صاحب المواقف لا سيما والهمم قاصرة قوله والهمم! اصرة جملة مؤوّلة بالظرف نظرا إلى قرب الحال من ظرف الزمان فصح وقوعه! صلة لما، وهذا من قبيل الميل إلى المعنى والإعراض عما يقتضيه اللفظ بظاهره أي لا مثل انتفائه في زمان قصورا لهمم انتهى تكلف بارتكاب ما لا يليق بالعربية ولبعض الناس هنا كلام تركه خير من ذكره. قوله: (والثالث أنه عليه الصلاة والسلام ايخ) يعني أنه عليه الصلاة والسلام قد علم من حاً له أنه أعقل الناس وأصدقهم لهجة فإذا بالغ في دعواه للمعارضة من غير مبالاة علم تيقنه لحقية ما عنده وهذا استدلال مبنيّ على ظاهر الحال لا برهان عقليّ حتى يقال عليه إنّ عدم شك المدعي في دعواه لا يصير دليلاً على صحة مدعاه لجواز أن يكون جزمه غير مطابق للواقع كما توهم، ونحوه ما قيل إنه إنما يدلّ على صحة نبوّته لو ثبتت عصمته عن الخطأ وهو فرع ثبوت نبوّته فإثباته به مصادرة والمصنف رحمه الله تبع الإمام فيه وصاحب الكشاف لم يتعرّض له لذلك ؤشدبر، وقوله فتدحض بدال وبحاء مهملة وضاد معجمة مرفوع أو منصوب وهو إمّا مضارع دحض يدحض كسأل يسأل بصيخة المبنيّ للفاعل أو مضارع أدحض مزيده مبنيا للفاعل أو المفعول، والحجة الداحضة الزائلة يقال أدحضت فلانا في حجته فدحض وأدحضت حجته فدحضت وهو استعارة من دحض الرجل وهو زللها، ثم شاع حتى صار حقيقة فيما ذكر وقوله دل على أنّ النار مخلوقة معدة الآن كون النار والجنة موجودتين الآن مذكور في كتب الكلام مقرّر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 والمخالف فيه المعتزلة والكلام فيه مشهور في الكلام، وليس! المراد بالدليل البرهان القطعيّ كما عرفته بل ما يتبادر من النظم بعد تحقق أنه كلام الله فإن الإعداد بمعنى التهيثة والادّخار إنما يستعمل حقيقة فيما وجد وان ورد لما سيوجد كقوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً} [سورة الأحزاب، الآية: 35] إلا أنه خلاف الظاهر فجعل الماضي بمعنى المستقبل الذي يخلق يوم الجزاء لتحققه (سانحة) قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} كتسميتهم أصحاب النار فيه إيماء إلى أنّ من يدخلها من المؤمنين لا يخلد فيها ولا يعذب بأشد العذاب لأن الطارئ على صاحب الدار ليس مثنه في لزوم سكناها وتلبسه بما فيها لتطفله عليها كماقيل: فكم أحديحوي مفاتيح جنته ويقرع بالتطفيل باب جهنم ففيه تبشير خفيّ وارتباط معنوقي بما بعده. قوله: (عطف على الجملة السابقة الخ) هذا من عطف القصة على القصة، وهذا كما قيل: فيا لها قصة في شرحهاطول وتحقيقه كما قال قدّس سرّه إنّ العطف قد يكون بين المفردات وما في حكمها من الجمل التي لها محل من الإعراب وقد يكون بين غيرها كما يكون بين قصتين بأن يعطف مجموع جمل متعدّدة مسوقة لمقصود على مجموع جمل أخرى مسوقة لغرض آخر فيعتبر حينئذ التناسب بين القصتين دون آحاد جملها، ونظيره في المفردات الواو المتوسطة في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [سورة الحديد، الآية: 3] ليست كالمتقدمة والمتأخرة إذ هي لعطف مجموع الصفتين الأخيرتين المتقابلتين على مجموع الصفتين الأوليين المتقابلتين، ولو اعتبر عطف الظاهر وحده لم يكن هناك تناسب ثم إنّ السكاكيّ لم يتعرّض في كتابه لعطف القصة على القصة أصلاً فالجامدون على كلامه تحيروا فمنهم من ذهب إلى تقدير معطوف عليه، ومنهم من أوّل الخبر بالطلب وما ذكر لا غبار عليه ولا اشتباه، وإنما الاشتباه في مثال الزمخشريّ وهو زيد يعاقب بالقيد والإرهاق، وبشر عمرا بالعفو والإطلاق لأنه من عطف جملة على جملة لا قصة على قصة فذهب الفاضل في شرح التلخيص إلى أنّ مراده أنّ القصد فيه إلى عطف مضمون جملة على مضمون أخرى بقطع النظر عن الإخبارية والإنشائية، وقال إنه خسن دتيق لكن من يشترط اتفاق الجملتين خبرا وانشاء لا يسلم صحته ولم يرتض به الشريف المرتضي وشنع عليه وقال: إنما أشار بما ذكر إلى قصتين متقابلتين فكأنه قال زيد يعاقب بالقيد والإرهاق فما أسوأ حاله وما أخسره فقد ابتلي ببلية كبرى وأحاطت به سيئاته إلى غير ذلك مما يناسبه وبشر عمرا بالعفو والإطلاق فما أحسن حاله وما أنجاه وما أربحه إلى أشياء أخر مناسبة له (أقول) تبع فيما ذكر صاحب الكشف والظاهر من كلام الزمخشرقي خلافه فمراده أن ينظر إلى مضمون الكلام ويقطع النظر عن خواص لفظه في المعطوف والمعطوف عليه ميلا مع المعنى كما قرّره النحاة في نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وهذا شيء ثالث غير التأويل لأنه في التاويل يجعل الخبر إنشاء وعكسه بضرب من التجوّز، وهذا باق على حاله وإذا جاز مثله في المفردات فهنا بالطريق الأولى وتمثيله في الكشاف ظاهر فيه، وأمّا التقدير الذي ارتكبه فيه فبعيد جدّاً ولذا قال بعض الفضلاء المتأخرين إنما ذكر المثال شاهداً على دعوى فيها غرابة فينبغي أن يراعي فيها مطابقته لمقصوده حتى لا يبقى للخصم مجال وهم فلا ينبغي حذف بعض الجمل مع أنّ ملاك الأمر كثرتها كما اعترف به فإن قلت لو جوّزنا هذا لزم صحة العطف في كل خبر وإنشاء ولا قائل به لأنّ كل كلام يجوز قطع النظر عن خصوصه قلت لو التزم هذا لا محذور فيه مع أنه قد يقال لا بد له من اقتضاء المقام وكون المتكلم بليغا يلمح خلاف مقتضى الظاهر ووقع في بعض شروح الكشاف تسمية هذا بالعطف المعنوي. قوله: (والمقصود عطف حال من آمن الخ) هذا مبين لأنّ المراد بالجملة في كلامه معناها اللغويّ وهو المجموع لا ما اصطلح عليه النحاة، والمراد بالفعل أيضا في قوله لا عطف الفعل الفعل مع فاعله فإنه يطلق كثيرا على الجملة الفعلية خصوصا إذا كان الفاعل ضميراً مستترا وأما كونه حينئذ مجازا والتأكيد بنفسه يأباه فإنما يراعي مثله في كلام البلغاء على أنه غير مسلم كما سيأتي بيانه في تفسير قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [سورة النساء، الآية: 164] والتثبيط المنع والتعويق، والاقتراف الاكتساب ويردي بمعنى يهلك والردي الهلاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 والتنشيط التحريك والتحريض وهو ناظر للترغيب كما أنّ التثبيط ناظر للترهيب، وقوله: فيعطف بالنصب لعطفه على يجب والمعطوف على هذا مجموع قوله وبشر إلى قوله فيها خالدون أو مضمونه، والمعطوف عليه من المجموع أو المضمون أيضا الظاهر أنه قوله: {وَإِن كُنتُمْ} في ريب الخ لا قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} الخ كما قاله التفتازانيّ ولا قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} كما قيل حتى يرد عليه أنه جواب سؤال نشأ من قوله: {فَاتَّقُواْ} الخ والمعطوف لا يثاوكه فيه فيدفع بأنه مع قطع النظر عن السؤال والجواب ونظرا لحال المتقابلين وإنما اختير هذا للقرب ولا يخفى ما فيه وقوله من أمر أو نهي الظاهر أن يقول من إنشاء كما لا يخفى. قوله: (أو على فائقوا الخ) عطف على قوله على الجملة بإعادة الجارّ لما في حذفه من خفاء العطف، وقد ضعف هذا بوجهين الأوّل إنّ {فَاتَّقُواْ} جواب الشرط وهذا لا يصلح له فكيف يعطف عليه لأنه أمر بالبشارة مطلقاً لا على تقدير إن لم تفعلوا، والثاني أنه يلزمه عطف أمر مخاطب على أمر آخر وهو إنما يحسن إذا صرّح بالنداء وقد قيل إنه ممتنع وردّ بقوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ} [سورة يوسف، الآية: 29] فهو جائز حيث لا لبس كما سيأتي. قوله: (لآنهما إذا لم يأتوا بما يعارضه الخ) توجيه لهذا الوجه بما يدفع ما أورد عليه مما مرّ آنفاً وفيه إشارة إلى ما قدّمه من أن الجزاء وهو فاتقوا أقيم مقام لازمه وهو ظهر أنه معجوز التصديق به واجب فآمنوا به واتقوا العذاب المعدّ لمن كذب فالمناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه أن كلا منهما يقتضيه الكلام فهو من عطف أحد المقتضيين لشيء على الآخر، وقريب منه ما قيل من أنّ تبشير المصدقين كإنذار المنكرين مترتب على عدم معارضة الكفرة إذ حينئذ يثبت كون القرآن معجزاً ويتحقق صدق النبيّ صلى الله عليه وسلم ويكون تصديقه سبباً للبشارة ونيل الثواب كما أنّ إنكاره كان سبباً للإنذار والعقاب، وأيضا مآل المعنى: {فَاتَّقُواْ النَّارَ} واتقوا ما يغيظكم من جنس حال أعدائكم فأقيم وبشر مقامه تنبيهاً على أنه مقصود في نفسه أيضا لا لمجرّد غيظهم فقط وهذا القدر من الربط المعنويّ كاف في عطفه على الجزاء وان لم يكف في جعله جزاء ابتداء إلا أنه قيل إنّ فيه انفكاك النظم والاستدعاء وان سلم لا يدفع السؤال لأنّ " الكلام في صحة التركيب وصلاحية ما عطف لكونه جوابا كالمعطوف عليه ومجرّد ما ذكر لا يتمّ به المراد وذكر بشر وارادة واتقوا ما يغيظكم الخ لا يصح حقيقة ولا مجازاً ولا كناية وسيأتي ما فيه وما قيل من أنّ المقصود هنا العطف اللفظي الذي يحصل به التشاكل لا المعنويّ المشرك في الحكم وهو نظير ما قالوه في قولهم أنت أعلم ومالك مما لا ينبغي أن يحل بساحة التنزيل وفي كلام السفاقسيّ ما هو أغرب وأعجب، وحاصل ما ذكر من التوجيه بعد ظهور اتفاقهما في الإنشائية وعدم المانع اللفظي أنّ ما ذكر من المانع المعنوي مدفوع فإن اتقوا النار وعيد وانذار لمن أعماه الله عن ساطع نور الإعجاز وبشر الخ وعد لمن آمن به وبينهما أتمّ مناسبة بحسب المعنى إلا أنه ينبو عن الجوابية إذ لا يرتبط به لحولك إن لم تفعلوا فبشر الخ ولا يخفى انفكاكه لكن تبشير من سواهم باختصاصه بالجنة متضمن حرمان هؤلاء منها فيصير التقدير إن لم تفعلوا فاتقوا النار، ولينعم على غيرهم ويحرموا ، اتحاد الفاعل ليس بلازم وأن حسن فقد يغتفر في التابع كما في رب شاة وسخلتها وهذا معنى.، مز في التوجيه، وزادوا عليه أنه إذا نظر لمآل المعنى اتحد الفاعل وصاو تقديره اتقوا عثرة ما لعيظكم، وقوله: إنه لا يدل عليه بطريق من طرق الدلالة ممنوع فإنه يدلّ عليه التزاما فيجوز أن لكون كناية أو مجازأ وفي المعنى أنه قد كلم أنهم غير المؤمنين فكأنه قيل فإن لم يفعلوا فبشر نحرهم بالجنات ومعناه فبشر هؤلاء المعذبين بأنهم لا حظ لهم في الجنة، وهذا جواب عن الإيراد الأوّل وهو بعينه ما ذكره المصنف رحمه الله هنا أوّلاً، وأمّا الثاني فقيل إنّ في كلام المصنف جوابه أيضا بأنه إنما يلزم إذا تغاير مخاطبا الأمرين صورة ومعنى وهو هنا ليس كذلك، نهما متحدان معنى فإنّ المراد بالذين آمنوا الذين عجزوا عن المعارضة فصدّقوه وآمنوا كما اضار إليه بقوله ولم يخاطبهم الخ فلما اتحدا معنى صح العطف من غير تصريح بالنداء ولا لخفى ما فيه من التكلف والتبرّع بما لا يملك لمن لا يقبل فإنّ ما ذكره ليس في كلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 المصنف ما يدلّ عليه بل هو صريح في خلافه ثم إنّ- وله: تغاير مخاطبا الأمرين صورة ومعنى غير صحيح فالظاهر أن يقول إذا تغايرا معنى واتحدا صورة لأنه محل الإلباس المقتضي للتصريح لالنداء والحق أن المصنف نم يتعرّض له لأنه غير لازم إذا تغايرا معنى وصورة كما في قوله يعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ} [سورة يوسف، الآية: 29] وما نحن فيه كذلك لأنّ الأوّلط جمع والثاني مفرد وسيأتي تصريحهم بجوازه واختار صاحب الإيضاح عطفه على أنذر مقدراً بعد جملة أعدت وقيل إنه معطوف على قل مقدرأ قبل يأيها الناس، وأورد عليه أن قوله مما نزلنا على عبدنا لا يصلح مقولاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بتكلف وقد تكلف له بأنه أجرى على طريقة كلام العظماء أو التقدير قل قال الله الخ، وقيل يقدر قل قبل: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} ، ثم إنه لل إنّ الأنسب في توجيه العطف على فاتقوا أن يقال إنّ جزاء الشرط المذكور في الحقيقة فامنوا على المختار فأقيم اتقوا مقامه لنكتة فالمعنى إن لهأ تأتوا بسورة فآمنوا وبشر يا محمد الذين آمنوا منهم بالجنة أي فليوجد منهم الإيمان ومنك البشرى، فالذين آمنوا وضع موضع الضمير أي وبشرهم بالجنة إن آمنوا وفيه حث لهم على الإيمان وبجوز أن يكون على نحو قول القائل يا زيد إن تعرف صفة الكتابة فاكتب لي هذا الكتاب وأعط أجر كتابته على أن يكون المراد وأعط يا عبدي الخ وهو بمراحل مما قالوه، وما ذكره آخرا مما يقتضي منه العجب ولولا أن يظن في السواد رجال ضربت عنه صفحا. قوله: (وإنما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام الخ) الخطاب في أصل وضعه يكون لمعين فعلى هذا هو الرسول وهو الأصل المتبادر ولذا ندموه، وقد يترك الخطاب لمعين ويجعل لكل من يقف على الحال لنكتة كالتهويل والتعظيم وغيره مما يليق بمقامه فإن كان الضمير موضوعا لجزئيّ بوضمع كليّ كما ارتضاه المحققون فهو مجاز والأفقي كونه حقيقة أو مجازاً كلام ليس هذا محله وعلى العموم فهو كل من يقوم مقامه من العلماء أو كل من يقدر عليه من أمته، ويوافقه قراءة بشر مجهولاً ولما خاطب الكفار بالإنذار بقوله: {وَاتَّقُواْ} ولم يخاطب المؤمنين بالبشارة وجه بأنه لتفخيم شأنهم فإنّ من حدث له ما يسرّه قد ينادي لإعلامه وقد يرسل إليه الخبر والثاني فيه تعظيم له كما لا يخفى ومن قال إنه لتغيير الأسلوب لم يأت بشيء، وأمّا كونهم أحقاء بالبشارة فالظاهر أنه على التعميم وبحتمل تخصيصه لأنّ من بشره مثل البشير النذير حقيق بذلك لأنه لا يبثر مر، لا يستحق لا سيما والآمر له رت الأرباب ويحتمل أنه أنذرهم لعدم قبولهم ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بخلاف غيرهم من المصدقين المذعنين للحق ثم إنّ النكات لا تتزاحم كما قيل فاقسم لكل محل ما يليق به فإنّ للزند حليا ليس للعنق فقد يكون الخطاب تعظيماً كتخصيص الرئيس بعض جلساته بالخطاب وقد يكون تحقيراً ولذا عد خطاب الملوك من ترك الأدب فلا وجه لما قيل من أنّ الله إذا خاطبهم بالبشارة كان التعظيم فيه أقو! والإيذان بأنهم أحقاء بأن يبثروا أظهر، والمصنف رحمه الله غير عبارة الكشاف فوقع فيما وقع. قوله: (وإ-لذاناً بأنهم أحقاء الخ) الإيذان الإعلام والأحقاء بالمدّ جمع حقيق بمعنى قويّ الاستحقاق وجدير به ويهنؤوا مضارع مجهول من هنأه بكذا والمراد به هنا البشارة أيضاً وهي في العرف قول دالّ على أن ما سرّه قد سرّه كالتهنئة بالأعياد والأولاد كما في قول المتنبي: إنما التهنئات لد فاء وقوله: فيكون استئنافاً عينه لأنه لا يصح غيره أو لا يظهر كالحالية وهو استئناف نحويّ وقيل بيانيّ بتقدير سؤالين أي لمن أعذت وما أعدّ لغيرهم وهو تكلف لا حاجة إليه وأمّ كون الواو استئنافية في هذا أو فيما قبله فلا وجه له وقيل: توجيه العطف أن يجعل وبشر الذين الخ بمعنى أعدت الجنة للمؤمنين، والأولى أنه خبر بمعنى الأمر لتتوافق القراءتان ولا حاجة داعية لما ادّعاه. فإ اط قلت الإيذان بكونهم أحقاء بما ذكر إنما حصل بتوصيف المبشرين بالإيمان والعمل الصالح والجطاب بالبشارة لا ينافي ذلك التوصيف قلت: أمر الرسول غتي! ببشارة من اتصف بما ذكر يدل على تحقق تلك الصفة فيهم وكونهم أحقاء بذلك حينئذ أظهر. قوله: (والبشارة الخبر الساز الخ) هذا هو الصحيح وقيل: إنها في اللغة مطلق الخبر لكنها غلبت في الخبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وقال الراغب: البشرة ظاهر الجلود والأدمة باطنه وفي كلام ابن قتيبة عكسه وتبعه بعض اللغويين وبشرته أخبرته بسارّ بسط وجهه، وذلك أنّ النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر فينبسط الوجه وغضونه ولذا سمى الناس السرور بسطاً وقالوا في أمثالهم البسط صدف، وورد في الحديث فاطمة سني يبسطني ما يبسطها فليست بعامية كما يتوهم. قوله:) ولذلك قال الفقهاء الخ) قيل: عليه أنه غير عبارة الكشاف وهي البشارة الإخبار بما يظهر سرور المخبر به ولم يصب فيه لأن كون المخبر به غافلا عما أخبر به معتبر في مفهومها وهو يفهم من بارته دون عبارة المصنف فإنّ الخبر النافع يوصف بأنه سارّ سواء أحدث في المخاطب السرور او لم يحدث ثم إنه يعتبر في مفهومها قيد آخر أهمله الزمخشريّ وتبعه المصنف وهو كون الخبر صادقا فالبشارة هي الخبر الصدق السارّ الذي ليس عند المخبر علم به وفي شرح تلخيص الجامع أمّا الصدق فلأنّ البشارة اسم لخبر يفيد تغيير بثرة الوجه للفرح وهو لا يحصل إلا لالصادق وإن حصل فلا يتمّ بدونه، وأمّا اشتراط جهل المخبر به فلأنّ تغير بشرة الوجه للفرح لا يحصل بما علمه قبله لمشاهدة ونحوها وفي فتح القدير نحو مما ذكره المعترض وفيه أنه أ، رد على اشتراط الصدق في البشارة أنّ تغير البشرة كما يحصل بالأخبار السارة صدقا كذلك وحصل بها كذبا وقد أجيب عنه بما ليس بمفيد والوجه فيه نقل اللغة والعرف انتهى (أقول الا مرق بين كلام المصنف والزمخشريّ وكل منهما يدلّ على عدم علمه بما أخبر به التزاماً لأنّ اا! اقل لا يطلب الإخبار بما علمه وتحققه وليس المحل محل فائدة الخبر وأما الصدق فإنما لم / حعزضوا له هنا لأنه مشترك بين البشارة والإخبار والكلام في تقرير ما يفرق بينهما، وأمّا الصمدق هـ مد قال الجنازيّ في أصوله أنه من الباء فإنها في أصل وضعها للإلصاق ولا يلتصق الخبر، المخبر به ما لم يكن صادقا فلو ذكر بدونها شمل الصادق والكاذب فإن كل خبر فيه احتمال الصدق والكذرب، وما ذكره المصنف رحمه بعينه في الهداية وأحكام الجصاص على أنهم لما عللوا عتق الأوّل بتغير البشرة بكلامه علم منه أنه لم يسبق له عدم به على أنّ استيفاء جميع ااتيود ليس بلازم لغير الفقهاء فلا يضرّ إهمال بعض منها حوالة على محله وأهله. قوله:) فرادى (فيه إشارة إلى أنهم لو أخبروه جميعاً معاً عتقوا كلهم، وفرادى جمع فرد على خلاف ا) نياس، وقيل: كأنه جمع ة ردان وفردى مثل سكارى في جمع سكران وسكرى والأنثى فردة،! ردى كما في المصباح. وقوله: ولو قال من أخبرني الخ هذا ما عليه أكثر الفقهاء. وخالفهم الإمام مالك رحمه الله تعالى فقال: لو قال من أخبرني عتق الأوّل فإنّ المراد بالإخبار البشارة كما يشهد به العرف، والجمهور استدلوا بأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أمّ عبد " فابتدر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ليخبراه بذلك فسبق أبو بكر رضي الله عنه وكاًن سباقا إلى كل خير فأخبره بذلك ثم أخبره عمر رضي الله عنه فكان رضي الله عنه يقول بشرني أبو بكر وأخبرتي عمر فدلّ على الفرق بينهما لغة وعرفا. قوله: (وأمّا قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة آل عمران، الآية: 21] الخ) أي هو من استعمال ما وضع للخبر السارّ في الخبر المورث للألم والحزن إن لم نقل بأنه موضوع لمطلق الخبر كما مرّ، وهو على الوجه الأوّل في كلام المصنف رحمه الله استعير فيه أحد الضدين وهو التبشير للآخر وهو الوعيد والإنذار والعذاب الأليم قرينة لها، وعلى الثاني وفيه تسكب العبرات هو نوع من خلاف مقتضى الظاهر يقال له التنويع وهو ادّعاء أن للمسمى نوعين متعارفا وغير متعارف على طريق التخييل ويجري في مواطن شتى منها التشبيه كقوله: نحن قوم ملحن في زيّ ناس فوق طيرلهاشخوص الجمال ومنها أت ينزل ما يقع في موقع شيء بدلاً عنه منزلته بلا تشبيه ولا استعارة كما في الاسنثناء المنقطع وما يضاهيه سواء كان بطريق الحمل كما في قوله: تحية بينهم ضرب وجيع أو بدونه كما في قوله: فأعتبوا بالصيلم وحيث أطلق التنويع فالمراد به هذا وقد جعلوا مثاله أساساً وقاعدة له، وليس هذا من المجاز لذكر طرفيه مراداً بهما حقيقتهما ولا تشبيهاً لأنّ التشبيه يعكس معناه ويفسده ومنه يعلم أنه لا يصح فيه الاستعارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 أيضاً لابتنائها على التشبيه وقد صرّح به الشيخ في دلائل الإعجاز فقال: اعلم أنه لا يجوز أن يكون سبيل قوله: لعاب الأفاعي القاتلات لعابه سبيل قولهم عتابه السيف وذلك لأنّ المعنى في بيت أبي تمام أنك تشبه شئا بشيء لجامع بينهما في وصف وليس المعنى في عتابه السيف على أنك تشبه عتابه بالسيف ولك أن تزعم أنه يجعل السيف بدلاً من العتاب ألا ترى أنه يضح أن تقول مداد قلمه قاتل كسم الأفاعي ولا يصح أن تقول عتابه كالسيف اللهمّ إلا أن يخرج إلى باب آخر ليس غرضهم بهذا الكلام فتزيد أنه قد عاتب عتابا خشنا مؤلما ثم إنك إذا قلت السيف عتابه خرجت به إلى معنى حادث وهو أن تزعم أنّ عتابه قد بلغ في إيلامه وشدة تأثيره مبلغا صار له السيف كأنه ليس بسيف انتهى. وقد بسطناه في محل آخر وليس الشيخ أبا عذرته فإنه مصرّج به في باب الاستثناء من كتاب سيبويه وغيره وقد نبه عليه السكاكي أيضا في قسم الاستدلال وفصله العلامة الزمخشرقي لي تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعرأء، الآية: 88] كما سيأتي إن شاء الله تعالى ثمة. وإنما حققناه هنا لأنّ كثيراً من المصنفين لما لم يعرفوه اضطرب فيه كلامهم فتارة تراهم يجعلونه تشبيها وتارة استعارة حتى أنّ بعض م رباب الحواشي اعترض هنا على المصنف رحمه الله في عطفه بأو وقال إنّ الراغب جعلهما شيئا واحدا والمصنف غير كلامه فأخطأ فيه فكان كما قيل: إذا محاسني اللاتي أدلّ بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر وممن لم يقف على مراده من قال الفرق بين الوجهين في كلام المصنف إنّ الثاني لا تهكم فيه وخبط بعضهم في الفرق بينهما خبط عشواء فلا فائدة في ذكر كلامه. قوله: (تحية بينهم ضرب وجيع) هو من قصيدة طويلة لعمرو بن معد يكرب ذكرت بتمامها في المعلقات وأوّلها: أمن ريحانة الداعي السميع تؤرّتني وأصحابي هجوع وسوق كتيبة دلفت لأخرى كان زهاءها رأس صليع وخيل قددلفت لهابخيل تحية بينهم ضرب وجيع ومنها: إذالم تستطع شيئافدعه وجاوزه إلى ما تستطيم وصله بالزماع فكل أمر سمالك أو سموت له ولوع الخ. والخيل معروفة ولا واحد لها من لفظها والجمع خيول وتطلق على البراذين والعراب، ويتجوّز بها عن الفرسان كثيراً وفي الحديث: " يا خيل الله اركبي " وسميت خيلا لاختيالها، والمراد هنا المعنى المجازي ودلفت بمعنى دنوت وقت مقابلتهم للحرب من دلف إذا أنصب فهو بمعنى شنت الغارة والتحية ما يحيي له أحد المتلاقيين الأخر كالسلام ونحوه، وجعل الضرب هنا تحية لما عرفته، وأضافه للبين توسعا أي ما يقع بينهم من التحية ويحتمل أن يكون البين بمعنى الفراق بجعل الضرب بمنزلة سلام الوداع بينهم وهو حسن. قوله: (من الصفات الغالبة الخ) الصالحة في الأصل مؤنث الصالح اسم فاعل من صلح الشيء صلوحا وصلاحا خلاف فسد ثم غلب على ما ذكره المصنف رحمه الله فأجروه مجرى الأسماء الجامدة في عدم جريه على الموصوف وغيره من أحكام أسماء الأجناس الجامدة كما في البيت المذكور والحطيثة بالحاء والطاء المهملتين مصغر وفي آخره همزة، واسمه جرول بن أوس بن حرملة بن مخزوم بن مالك الغطفاني والحطيئة من حطأته إذا لطمته لقب به لقصره وحقارة منظره، وقيل لأنّ رجله كانت محطوة أي لا أخص له وقيل غير ذلك وكان أدرك خلافة عمر رضي الله عنه ولم يسلم وبنو لأم طائفة من قبيلة طمئ والبيت المذكور من شعر له وهو: كيف الهجاءوماتنفك صالحة مض آل لاًم بظهرالغيب! أتيني جادت لهم مضر العليا بمجدهم وأحرزو! مجدهم حينا إلى حين أحمت رماج بني سعد لقومهم مص إعي ا! حمر وا! ط ن والمجن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 بكل أجرد كالسرحان مطرد ولثطبة كعقاب الدجن ترديني مستحقبات زواياها جحافلها حتى رأوهن من دون الأطايين والمراد بالصالحة العطية الحسنة وتأتيني خبر تنفك وبظهر الغيب متعلق به أي ملتبسة بظهر الغيب والظهر مقحم مبالغة أو هو استعارة بمعنى خلف الغيب وفيه مبالغة أيضا، وسبب هذا الشعر أن زيد الخيل الطائي أسره فأطلقه منه أوس بن حارثة بن لام الطائي فبعد ما من عليه دعاه بعضهم إلى هجاء أوس ورغبه فيه فأبى وتاله وهذا هو الأصح المذكور في شرح ديوانه وفي كامل ابن الأثير أنّ النعمان دعا بحلة من حلل الملوك وقال للوفود وفيهم أوس احضروا في غد فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم وإن كنت المراد فسأطلب، فلما أتوا النعمان لم ير أوسا فطلبه وقال: احضرآمناً مما خفت فحضر وخلعها عليه فحسده بعض قومه فقال للحطيئة اهجه ولك ثلثمائة من الإبل فقال. قوله:) وهي من الآعمال ما سوّكه الشرع الخ (التسويغ تفعيل من ساغ الشيء إذا سهل دخوله في الحلق قال تعالى: {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [سورة إبراهيم، الآية: 7 ا] ثم تجوّز به عن الإباحة وعدى بالتضعيف فيقال سوّغته أي أبحته لما في الإباحة من التسهيل وشاع حتى صار حقيقة فيه، ولذا قيل لو اكتفى المصنف بقوله ما حسنه الخ كفى إذ لا تحسين بدون التسويغ فلا يدخل فيه المباح، ولذا قال شراح الكشاف هي ما يصلح لترتب الثواب لكنه ذكره للتوضيح لأنه كالجنس وما بعده كالفصل وعدل عن قول الزمخشريّ الصالحات كل ما اسنقام من الأعمال بدليل اا! قل والكتاب والسنة لابتنائه على الاعتزال في الحسن والقبح العقليين كما لا يخفى ولذا خصه نجالشرع وقوله: وتأنيثها الخ الخصلة والخلة بفتح الخاء فيهما بمعنى الفعلة الواحدة إلا أنها غلبا فيما يحمد والعطف بأو وان كانا مترادفين لجواز التأوبل بكل منهما وارداته إذ التاء فيه ليست للنقل إلى الاسمية لأنه قد يوصف به والمراد أنه نقل من تركيب جرى فيه على خصلة أو خلة. قوله: (واللام فيها للجنس) زاد في الكشاف أنها إذا دخلت على المفرد كان صالحاً لأن يراد به الجنس إلى أن يحاط به وان يراد بعضه لا إلى الواحد منه وإذا دخلت على المجموع صلح أن يراد به جميع الجنس وأن يراد به بعضه لا إلى الواحد منه لأن، زانه في تناول الجمعية في الجنس وزان المفرد في تناول الجنسية والجمعية في جمل الجنس لا في وحدانه والمصنف رحمه الله لم يتعرّض لهذا التفصيل ولم يذكر أحد وجه تركه له، وهو يحتمل أنه لقصد الاختصار فقط ومخالفتة له، كما وقع في بعض الحواشي وسيقرع سمعك عن لريب فاللام هنا للجنس لأنه أصل معناها الوضعي إذا لم يكن عهد والاستغراق إنما يفهم من المقام بمعونة القرائن، ثم إنه إذا فهم منه وأريد فهل بين استغراق المفرد والجمع فرق أم لا فإن فيل اسنغراق الجمع يتناول كل جماعة جماعة قلنا إنّ استغراق المفرد أشمل وان قيل بتناوله واحاده تساويا في الإثبات والفرق ب! هما في النفي ظاهر على ما قصل في شرحي التلخيص والمفتاح ولصاحب الكشاف فيه كلام يحتاج لشدة التأمّل وسيأتي إن شاء الله تحقيقه في آخر سورة البقرة، فإن قلت إذا كان الجمع المعرّف باللام يصلح لأن يراد به الجنس كله وأن يراد رهضه إلا إلى الواحد فما المراد بالصالحات حينئذ إذ لا يجوز أن يراد به جنس الجمع مطلقاً رإلا لكفي الأقل من الاثنين أو الثلاثة ولا أن يراد الجنس كله إذ لا يتأتى أن يأتي به كل واحد،) ن قصد التوزيع عاد المحذور وهو أنه يكفي من كل واحد أعمال ثلاثة قبل أقل منها على القسام الآحاد على الآحاد. قلت ليس المراد الأقل ولا الكل على ما ذكر بل ما بينهما أعني حميع ما يجب على كل مكلف بالنظر إلى حاله فيختلف باختلاف أحوال المكلفين من الغنى والفقر والإقامة والسفر والصحة والمرض فمعنى قوله: عملوا الصمالحات أنّ كل واحد عمل ما يجب عليه على حسب حاله وفيه شائبة توزيع كما قرّره الشريف في شرحه، وحاصله أنه الاستغراق بأن يعمل كل ما يجب عليه منها إن وجب قليلاً كان أو كثيراً فدخل فيه من أسلم، مات قبل أن يجب عليه شيء أو وجب شيء واحد، ومثله ليس توزبعاً بالمعنى المشهور وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 الفسام الآحاد على الآحاد كركب القوم خيولهم فإنه يطلق أيضاً على مف بلة أشياء بأشياء أخذ كل منها ما يخصه سواء الواحد الواحد كما في المثال المذكور أو الجمع الواحد كدخل الرجال مساجد محلاتهم أو العكس كلبس القوم ثيابهم، ومنه قوله تعالى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 6] وسماه قدّس سرّه شائبة التوزيع فمن اعترض على صوله إن فصد التوزيع عاد المحذور بأنه توزيع بالمعنى الثاني بغير محذور فقد غفل عن مراده أو تغافل فإذا عرنت هذا فما في الكشاف هنا مخالف لما تقرّر في الأصول وما بني عليه من الفروع من أنّ أل الجنسية إذا دخلت على الجمع تسلبه معنى الجمعية بدليل مسألة لا أتزوّج النساء ولا أشتري العبيد لاستلزامها عدم الفرق بين المفرد والجمع المحلى باللام وقد فرق بينهما، فإن قيل لهم لا فائدة حينئذ في الجمعية التزموه أو قالوا جمع أوّلاً ثم أدخل عليه أل مع أنها تسلب المفرد الإفراد أيضا فالظاهر أنّ المصنف رحمه ألله إنما ترك ما في الكشاف لمخالفته بحسب الظاهر لما تقرّر في الأصول والاستعمال. قوله: (وعطف العمل على الإيمان مرقباً) بصيغة اسم الفاعل، والحكم هو البشارة على ظاهر كلام المصنف وهي وإن تقدمت لكن تعليق الحكم على المشتق وما في معنا. يشعر بأن مبدأه علة وسبب له فهي متقدّمة بالذت كما مرّ مرارا، أو كون الجنة المبشر بها لهم، وقوله: إشعار بالنصب على أنه علة للعطف أي عطفه للإعلام بما ذكر وفي تفسير السمرقنديّ هذه الآية حجة على من جعل جميع الطاعات إيمانا حيث أثبت الإيمان بدون الأعمال الصالحة لعطفها عليه. فإن قيل: إنكم تقولون إن المؤمنين يجوز دخولهم الجنة بدون الأعمال الصالحة والله تعالى جعل الجنة معدة بشرط الإيمان والأعمال الصالحة فيكون ما قلتم خلاف النص وهو سؤال المعتزلة، قيل البشارة المطلقة بالجنة شرطها اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان ونحن لا نجعل لأصحاب الكبائر البشارة المطلقة بل نثبت بشارتهم مقيدة بمشيئة الله تعالى وجاز أن يكون العمل ائصالح عمل القلب الإخلاص في الإيمان فلا تبقى حجة على خروج الأعمال وهذا معنى قول المصنف السبب في استحقاق هذه البشارة الخ ولم يرد أنّ الإيمان المجرّد لا ينجي ولا أنّ الأعمال توجب الثواب بل إنّ الجمع بينهما مقتض لتفضل الله بمقتضى كرمه وتركه لخلافه كما عليه أهل السنة، وقوله عبارة عن التحقيق هو مصدر حققه إذا صدّقه كما في القاموس فعطف التصديق عليه تفسيري، وأقرار المتمكن شرط كما مرّ فلا مناناة بينه وبين ما مرّ في تفسير قوله يؤمنون بالغيب كما توهم. قوله: (ولذلك قلما ذكرا منقردين الخ (أي لكونهما كالأسق والبناء لا لكونه لا غناء الخ لأنّ الظاهر حينئذ أن يقول ذكر بالإفرإد وهو ظاهر لأنّ العمل لا يعتد به بلا إيمان والأس لا يناسب انفراده والغناء بفتح الغين المعجمة والمد النفع والفائدة وهذا مصراع وقع موزونا اتفاقا، وقد قيل: على هذا أنّ الإيمان موجب للنجاة من العذاب المخلد البتة فإن أراد أنه لا ينجي مطلقا فممنوع مع أنّ جنس العمل الصالح كذلك وإن أراد مقيداً بقيد فكذلك وجوابه ظاهر لمن تدبر. قوله: (وفيه دليل على أنه خارجة الخ) قيل: إن أراد خروجه عن مسمى الإيمان المنجي في الشرع فممنوع وان أراد خروجه عن الإيمان اللغويّ فقليل الجدوى وليس النزاع فيه مع أنّ الظاهر حمله على المعنى الشرقي ما لم يصرف عسه صارف، وهذا ذهول عما مرّ، ثم إنه أفي صارف أقوى من العطف المقتضي للمغايرة إذ لا، جه لعطف الشيء على نفسه ولا الجزء على كله ومثله- كاف فلا يرد عليه شيء مما في بعض الحواشي، وفي قوله الأصل إشارة إلى أنه قد يقع العطف على خلاف الأصل لنكتة كما في عطف جبريل على الملائكة وهو أشهر من أن يذكر، وأصل أنّ لهم بأن لهم لتعدي البشارة لاً لباء فحذفت لاطراد حذف الجارّ مع أنّ وأن بغير عوض! لطولهما بالصلة ومع غيرهما فيه اختلاف بين البصريين والكوفيين مشهور، وفي محله بعد الحذف قولان فقيل: نصب بنزع الخافض كما هو المعروف بأمثاله وقيل: جرّ لأنّ الجار بعد الحذف قد يبقى أثره نحو الله لأفعلن بالجرّ مع مدّ الهمزة وقصرها كما بينه النحاة لكته هنا مقصور. قوله: (وهو مصدر جنه إذا ستره الخ) الجن بفتح الجيم وتشديد النون، ومداره بمعنى لا ينفك عنه، وتوصيف الشجر بأنه مظل لإظهاره معنى الستر فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 والالتفاف اتصال بعضها ببعض كأنها تلف. وقوله: للمبالغة تعليل للتسمية بالمرّة دون المصدر والصفة ومنه الجن لمقابل الإنس لاستتارهم عن العيون وكذا الجنون لستره العقل والمجن للترس وغيره. قوله: (كأق عينئ الخ) هو من قصيدة طويلة لزهير بن أبي سلمى يمدح بها ممدوحه هرم بن سنان المشهور وأولها: إنّ الخليط أجد البين فافترقا وعلق القلب من أسماء ما علقا وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا ومنها: كأنّ عينيّ في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا ومنها: إن تلق يوما على علاته هرما تلق السماحة منه والندى خلقا وليس مانع ذي قربى ولا رحم يوماً ولا معدما من خابط ورقا الخ. وهو شاهد لإطلاقه على الشجر بدون الأرض وقد يطلق عليهما وقال الراغب: الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعليه حمل تول زهير وفي الكشاف الجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه قال زهير: الخ وعينيّ فيه تثنية عين بمعنى الجارحة والغرب الدلو الكبير، والمقتلة بصيغة المفعول من تفعيل القتل بمعنى الناقة التي كثر استعمالها حتى سهل انقيادها والنواضح جمع ناضح وهو البعير الذي يستقى عليه ويستعمل في إخراح الماء من الآبار والسحق بضمتين جمع سحوق وهي النخلة الطويلة المرتفعة جداً وخصها لاحتياجها لكثرة الماء فهي أوقع وأبلغ هنا فقول بعض الأدباء إنه حشو الأجل القافية لا فائدة فيه لا وجه له، وقال شرّاح الكشاف أنه بالغ في تذراف الدموع فاختار الغرب وهي الدلو العظيمة وثناها تنبيها على دوام الانسكاب بتعاقبهما في المجيء والذهاب إذ لا تزاق تصب واحدة وترسل أخرى وذكر المقتلة لأنها تخرج الدلو ملأى ووصفها بأنها من النواضح المتمرّنة على هذا العمل وأورد الجنة الدالة على الكثرة والالتفاف والنخل المفتقرة لكثرة السقي لا سيما السحق منها، والمعنى كما في شرح الديوان أنه يقول لما يئست منهم لم أملك دموعي فكأنها من كثرتها تسيل من دلوي ناقة مذللة للعمل لا تريق شيئاً مما في الدلو بل تخرجها تامّة مملوءة، وقال قدس سرّه كان الظاهر أن يقول كأنّ عينيّ غربا مقتله لكنه أتى بكلمة في كأنه يدعي أن ما ينصب من الغربين منصب من عينيه ولم يزد على هذا فكأنه تجريد كما في قولهم في الله كاف، وبه صرّح الطيبيّ ولا يخفى أن التجريد لا يصرّح فيه بأداة التشبيه لأنه من التشبيه البليغ عندهم والتصريح بالتشبيه فيه لا نظير له، ومن الخيالات ما قيل هنا من أنّ المراد بالنخل الطوال خيالات قامات الأحبة فكأن عينيه تسقي تلك الخيالات فتأمل وتحمل. قوله: (ثم البستان لما فيه الخ) معطوف على قوله الشجر والبستان يطلق على الأرض التي فيها الأشجار وعلى الأشجار وحدها وورد في شعر الأعشى بمعنى النخل خاصة كما ذكره الجواليقيّ في كتاب العرب، وقد عرّبته العرب قديما واستعملته بهذين المعنيين وأصله بالفارسية بوي ستان وبوي الرائحة الطيبة وستان بمعنى المكان والناحية فخفف بحذف الياء والواو وخص بأرض الأشجار التي تعطر بروض النسيم وطيب الأزهار ثم عرّب ونقل بهذا المعنى ثم توسعوا فيه فاطلقوه على الأشجار نفسها وقول بعض المتأخرين أنه من اللغات المشتركة فإنه في العربية أرض ذات حائط فيها أشجار وفي الفارسية مركب من كلمتين ومعناه التركيبي ناحية الرائحة وقد وهم فيه صاحب القاموس حيث قال: إنه معرب بوسنان انتهى. وهم من ابن أخت خالته ظاهر لمن عنده أدنى شبهة من الإنصاف، وليس الحاصل عليه إلا محبة الخلاف، ومثل البستان في معنييه الجنة فتطلق على الأرض بأشجارها وعلى الأشجار وحدها كما ذكره المصنف رحمه الله وعدل عن قول الزمخشريّ الجنة البستان من النخل والشجر لما فيه من الإيهام والاقتصار على أحد معنييه لا لما قيل من أنه قصد الردّ عليه حيث استشهد بالبيت على تسمية البستان بالجنة، وأعجب منه متابعة الشرّاح له انتهى. وقال قدس سرّه: أطلق الشاعر الجنة على النخيل ولا ينافيه قول الزمخشريّ الجنة البستان الخ إذ لا يعلم منه أنها نفس الأشجار أو الأرض التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 فيها أو مجموعهما وفيه ونظر لأنه بين البستان بقوله من النخل والشجر يعني ما أريد به من أحد معنييه فإن قيل من اتصالية لا بيانية فارتكاب لما هو في عاية البعد من غير احتياح إليه، وقوله لما فيه الخ بيان للمناسبة في إطلاقه أو للعلاقة فإن كان اسماً للأرض فقط فمن إطلاق الحالّ على المحل وإن كان للمجموع فمن إطلاق الجزء على الكل وفيه محتمل لهما، والمتكاثفة بمعنى المتلاصقة الملتفة لكثرتها مستعار من الكثافة المقابلة المطاقة والرقة يقال ماء كثيف وشجر كثيف كما قال أمية: وتحت كثيف الماءفي باطن الثرى ملائكة تنحط فيه وتصعد قوله: (ثم دار الثواب لما فيها الخ) دار الثواب هي الدار الآخرة، وهي في مقابلة الدنيا التي هي دار التكليف، والنار التي هي دار العقاب وهو منقول إليها لأنه حقيقة شرعية وهو المتبادر منها حيث ذكرت وبين المناسبة بيته وبين المنقول عنه بوجهين، والجنان بالكسر جمع حمنة بمعنى أرض ذات أشجار وحدائق أو أشجار أو لما فيها من النعيم الذي لا عين نظرت ولا ادن سمعت ولا خطر على قلب بشر مما هو مغيب ومستور عنا الآن، فلذا سميت جنة لاستتار ما فيها وإن كانت موجودة الآن وافنان يكون جمع فنن بمعنى غصن وجمع فن بمعنى ضرب، نرع هذا هو المراد هنا، والغالب فيه جمعه على فنون والجنة من الأسماء الغالبة على الدار الاخرة إلا أنّ غلبتها لم تصل إلى حدّ العلمية لأنها تعرّف وتنكر وتجمع وتوصف بها أسماء الإشارة في نحو تلك الجنة، وإنما جمعت بهذا المعنى لأنها كما تطلق على المجموع تطلق على أماكن منها وعلى القدر المشترك بينهما ولولاه لم تصح الجمعية هنا والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله وجمعها الخ وأيده بالنقل عن سيد المفسرين ابن عباس رضي الله عحهما ففيها جنان على مراتب متفاوتة بحسب استحقاق أصحابها وتفاوت رتبهم في الشرف لالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو ظاهر والعمال جمع عامل والمراد به من عمل الصالحات خيرة خلقه وفيما نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنها سبع إشارة إلى وجه اختيار جنات مإنه جمع قله على الصحيح كما مرّ على جنان كما قيل: وما نقله عن ابن عباس رضي الله مهما أنكره السيوطيّ رحمه الله وقال إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث قيل: وفي قوله ا! نان الخ إشارة إلى أنّ تنكير جنات للتنويع، ويحتمل أن يكون للتعظيم أي جنات لا يكتنه، صفها. قوله: (واللام تدلّ على استحقاقهم الخ) يعني أنها لام استحقاق والله تعالى لا يجب مليه شيء فهو جار على عوائد إحسانه وفضله في الإثابة بوعده الذي لا يخلفه، وقوله: لا لذاته ليس لبيان معنى اللام الموضوعة لمطلق الاستحقاق بل لبيان أنه مراد منه أحد فرديه في الضمير المضاف إليه ذأت راجع لما وهو ردّ لما في الكشاف من إشارته لمذهب المعتزلة القائلين بأنّ الثواب مستحق لذات الإيمان والعمل على ما تقرّر في الأصول وقد مرّ قول المصنف رحمه الله في تفسير قوله لعلكم تتقون أنّ العبد لا يستحق بعبادته ثوابا وهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل. قوله: (ولا على الإطلاق بل بشرط أن يستمرّ الخ) فيه تسامح والمراد أنه يموت على الإيمان لأن تخلل الردّة لا يمنع دخول الجنة وهو مما اتفق عليه الماتريدية والأشاعرة فإنّ حصول المراتب الأخروية مشروط بالموت على الإيمان بلا خلاف وقيل: إنما الخلاف في التصديق والإقرار إذا وجد من العبد هل يصح أن يقول أنا مؤمن حقا ولا يقول أنا مؤمن إن شاء الله كما هو مذهب الحنفية الماتريدية لأنه إن كان للشك فهو كفر وان كان لإحالة الأمور إلى مشيئته تعالى أو للشك في العاقبة والما! لا في الحال أو للتبرّك والتبرّي من تزكية نفسه فالأولى تركه لإيهامه الشك وخلاف المراد أو ينبغي أن يقوله كما ذهب إليه الأشعرية لأنّ العبرة بالخاتمة وهذه المسألة تسمى مسألة الموافاة عندهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى. (أقول) روى الماتريدية استدلالاً لما قالوه حديثاً هو من قال أنا مؤمن إن شاء الله فليس له في الإسلام نصيب وهو حديث موضوع باتفاق الفحدثين كما فصله في كتاب اللألي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ من تمام إيمان العبد أن يستثني أورده الجوزقانيّ وصححه وأبطل به ما خالفه وقال الاستثناء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 في الإيمان سنة فمن قال أنا مؤمن فليقل إن شاء الله وهو ليس استثناء شك ولكن عواقب المؤمنين مغيبة عنهم ثم أورد حديث جابر رضي ألله عنه وهو أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله: " يا مقلب القلوب ثبت قلوينا على دينك " مع أحاديث أخر استدلّ بها على سنية الاستثناء وبطلان ما يخالفه وللعلامة ابن عقيل رحمه الله تأليف مستقل فيه ليس هذا محلاً لاستيفاء ما فيه. قوله: ( {فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الخ (هذه الآية تدلّ على أنّ الموت على الكفر محبط للعمل ولا خلاف فيه لأحد كما اتفق عليه شرّاح الكشاف هنا، وإنما الخلاف في إحباط الكبائر بدون التوبة وفي شرح الكشاف للتفتازاني قال الإمام القول بالإحباط باطل لأنّ من أتى بالإيمان والعمل الصالح استحق الثواب الدائم فإذا كفر بعده استحق العقاب الدائم ولا يجوز وجودهما جميعا ولا اندفاع أحدهما بالآخر إذ ليس زوال الباقي بطريان الطارىء أولى من اندفاع الطارىء بقيام الباقي والمخلص أن لا يجب عقلا ثواب المطيع ولا عقاب العاصي وأجيب بمنع عدم الأولوية فإنّ الطارئ إذا وجد امتنع عدمه مع الوجود ضرورة امتناع الوجود والعدم ووجوده يستلزم عدم الباقي أعني العدم بعد الوجود وهو ليس بمحال وبأنه منقوض بانتفاء الشيء يطريان ضده كالحركة بالسكون والبياض بالسواد، وأيضاً الإحباط مما نطق به الكتاب فكيف يكوني باطلاً واعترض عليه بأنّ مراد الإمام أنّ إبطال حكم أحدهما بحكم الآخر ليس أولى من الاخر لا ابطال الذات بالذات إلا إنه إذا بطل الأصل بطل الحكم المترتب عليه ثم إن مراده أن القول بالإحباط مطلقا كما في الكشاف باطل فلا ينافي في نطق الكتاب به فيما هو مخصوص أو مؤوّل وليس هذا كله كلاما محررا فمن أراد تهذيبه وتحريره فلينظر رسالة الإحباط التي حرّرناها ثم إنّ إحباط الأعمال بالكفر مطلقا مذهب أبي حنيفة استدلالاً بقوله تعالى {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} أسورة المائدة، الآية: 5] ومذهب الشافعي أنه لا يكون محبطا إلا بالموت على الكفر لقوله تعالى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} فيحمل المطلق على المقيد على أصله وفوله ولعله لم يقيد الخ أي استغنى بتلك الآيات الدالة على الإ. حباط بالشرك المقتضي لعدم استحقاق الجنة. قوله: (أي من تحت أشجارها الخ) العادة الإلهية جارية بانخفاض! مكان المياه الجارية كما قيل: فالسيل حرب للمكان العالي فإن أريد بالجنة الأشجار فذاك مع ما فيه قريب فبالجملة وإن أريد بها الأرض فلا بد من التأويل بتقدير مضاف أي من تحت أشجارها أو يعود الضمير إليها باعتبار الأشجار استخداما ونحوه وقيل: إن تحت بمعنى جانب صرّح به ابن عطية. وقال: هو كقولهم داري تحت دار فلان وضعفه بعضهم وقال ابن الصائغ رحمه الله: لما كانت تجري من تحت الأشجار المظللة نيل من تحتها أو أنها لما سقتها صدق أنها جرت من تحتها وقال صاحب التقريب: معنا. من تحت أشجارها أو منازلها ويحتمل أنّ منابعها من تحت الجنات وقد قال أبو البقاء: من تحت ارضها فلا وجه لمنع ابن الجوزي له، وقال أبو علي: من تحت ثمارها وهو بعيد وقال الغزنويّ من تحت أوامر أهلها كقوله وهذه الأنهار تجري من تحتي. قوله: (كما تراها جارية تحت الأشجار الخ) عدل عن قوله في الكشاف كما ترى الأشجار النابتة على شواطئ الأنهار إلى ما هو أظهر وإن وجه بأنه قصد تشبيه الهيئة بالهيئة فلا يضرّه تقديم بعض المفردات على بعض أو تأخيره والثاطئ مهموز الآخر كالساحل وزنا ومعنى وجمعه شواطئ ومسروق بزنة المفعول علم لمسروق بن الأجدع التابعيّ ولمسروق بن المرزبان المحدّث وما روي أثر صحيح أخرجه ابن المبارك وهناد في الزهد وابن جرير والبيهقي في البعث والأخدو كما في الصحاح شق مستطيل في الأوض. والأثر مؤيد لكون المعنى تجري من تحت أشجارها. قوله: (واللام في الآنهار للجنس الخ) اللام عبارة عن أل المعرّفة تعبيرا بالجرّ عن الكل لزيادة همزة الوصل عند الجمهور وسقوطها، وأراد بالجنس العهد الذهني المساوق للنكرة وفي الكشف أي غير منظور فيه إلى استغراق وعدمه كما هو مقتضاه مثل أهلك الناس الدينار والدرهم أي الحجران المعروفان من بين سائر الأحجار، وكما تستعمل للعموم في المقام الخطابي ولا قل مما هو مقتضاه في المقام الاستدلاليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 قد تستعمل من غير نظر إلى الخصوص والعموم كما في المثال وكما في هذه الآية وهو كثير أيضاً وهو ردّ على الطيبيّ رحمه الله حيث قال في تقرير معنى الجنس هنا وقول الزمخشريّ أنه للحاضر في الذهن أنت تعلم أنّ الشيء لا يكون حاضراً في الذهن إلا أن يكون عظيم الخطر معقودا به الهمم أي تلك الأنهار التي عرفت أنها النعمة العظمى واللذة الكبرى وأنّ الرياض وان كانت آنق شيء لا تبهج الأنفس حتى تكون فيها الأنهار فإن أحدا لم يشترط ما ذكره في العهد الذهني كما اتفق عليه أهل المعاني والعربية وكيف يتأتى ما ذكره في نحو ادخل السوق واشتر اللحم وإنما غرّه فيه قوله الحاضر في الذهن وهو إنما قصد به بيان الفرق بينه وبين ال! كرة، وإنما نبهناك عليه لأنّ من أرباب الحواشي من لم يتنبه له فاتبعه فيه وإنما ذكره الزمخشريّ نكنة لذكرها لا توجيهاً للتعريف، وهذا هو الذي عناه الفاضل الشريف بقوله العهد التقديريّ، ولما كان الجنس يطلق في كلامهم على ما يشمل الاستغراق والحقيقة أوضحه المصنف رحمه الله بقوأ 4 كما في قولك لفلان بستان فيه الماء الجاري وما قيل: هـ! من أنه يحتمل الاستغراق على أن المعنى تجري تحت الأشجار جميع أنهار الجنة فهو وصف لدار الثواب بأنّ أشجارها على شواطئ الأنهار وأنهارها تحت ظلال الأشجار وأبرد من مياه الجنان لمن رزقه الله ذكاء الجنان. قوله: (أو للعهد والمعهود الخ) الآية المذكورة من سورة القتال وهي مدنية على الأصح وقيل إنها مكية ولهذا قال الثيخ بهاء الدين بن عقيل رحمه الله هذا يتوقف على تقدم نزول آية القتال على هذه، وقد قالط عكرمة أن البقرة أوّل سورة نزلت بالمدينة، ولذا قال الفاضل التفتازانيّ إنما يصح هذا لو ثبت سبقها في الذكر ومع ذلك فلا يخفى بعد مثل هذا العهد وتبعه الفاضل الشريف قدس سرّه، وفي حواشي ابن الصائغ هذا إنما يتمشى على تقدير أن يكون فيها أنهار الآية سبقت في النزول هذه الآية وهو قول الضحاك وسعيد بن جبير في أنها مكية. وأمّا على قول مجاهد إنها مدنية فإنما يتمشى على تقدير أن يكون فيها أنهار الخ سبقت في النزول هذه الآية والآسن الذي يتغير كما سيأتي. وترك المصنف رحمه الله الوجه الثالث في الكشاف وهو أنّ الألف واللام فيه عوض عن الإضافة لما فيه مما سيأتي تحقيقه. قوله: (والنهو بالفتح والسكون الخ) قد كثر مثله في فعل الذي عينه حرف حلق واختلف النحاة فيه فقيل إنه لغة لا يختص به بل يكون في غيره كنفس ونفس وذهب البغداديون إلى أنه اتباع وهو مقيس فيه وأيد بأنه سمع من بعض بني عقيل نحو في نحو ولو كان لجة قلبت الواو ألفاً فلم تقلب لعروضها وفيه كلام في خصائص ابن جني وقال الزمخشري: أن الفتح فيه أفصح وهو في الأصل بمعنى الشق فأطلق على المشقوق وهو المكان، ولذا فسره المصنف بالمجرى، والجدول أصغر الأنهار كالقناة والبحر أعظمها وقوله كالنيل والفرات هما نهران عظيمان مشهوران وهو يحتمل أن يكون تمثيلا للنهر أو للبحر ان لم نقل أنه مخصوص بالملح كما هو المشهور في الاستعمال قال الراغب: اعتبر من البحر تارة ملوحته فقيل: ماء بحر أي ملح وأبحر الماء ملح قال: وقد عاد ماء الأرض بحرا وزادني إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للملح دون العذب، وبحر أن تغليب وقوله: والتركيب للسمعة أي أصل معنى نهر دائر على السعة يقال انتهر النهر إذا اتسع ويرد عليه النهر بمعنى الزجر فإنه لا يلاحظ فيه معنى السعة الفهم إلا أن يقال إنه زجر بليغ كما فسر به الراغب ففيه سعة معنوية. قوله: (والمراد بها ماؤها الخ) ضمير بها للأنهار المذكورة في النظم أو المفهومة من المقام والإضمار هنا تقدير المضاف كما في نحو اسأل القرية من مجاز النقص والمقدر إما مياه أو ماء كما هو ظاهر عبارة المصنف رحمه الله فتأنيث تجري رعاية للمضاف إليه القائم مقامه أو رعاية للفظ الجمع لأنه مؤنث إن كان مجازاً للمجاورة أو لذكر المحل وارادة الحال، أو الإسناد مجازيّ من غير تجوّز في الظرف ولا تقدير كما في إسناد الإخراج إلى الأرض لكونها محلاَ للمخرج، وقيل ولإسناد الجري للأنهار نكتة خاصة تعرفها الخاصة وهي أنّ أنهار الجنة ليست إلا المياه! جريها من غير أخدود ولا يخفى أنه إنما يتمشى على أحد التفسيرين ولو تعين هنا لكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 كلامه في مجراه. قوله: (صفة ثانية لجنات الخ) ذكر فيها ثلاثة أوجه وترك رابعا سيأتي ولذا لم يذكر الحصر الذي في الكشاف وإذا كانت صفة فهي في محل نصب وحينئذ لم يعطف للإشارة إلى استفلال كل من الجملتين في الوصفية لا أنهما صفة واحدة وإذا كانت خبر مبتدأ مقدر فتقديره هما أي الذين آمنوا الخ أو هي أي الجنات وفي شرح الفاضل التفتازانيّ ولا يقدر شأنها أي هذا اللفظ بل هي أو هو بمعنى القصة أو الشأن (وههنا بحث) وهو أنّ الجملة المحذوفة امبتدأ إمّا أن تجعل صفة أو استئنافا فاعتبار الضمير لغو فليكن بدون اعتبار الحذف كذلك وردّ بأنّ الربط المعنويّ حاصل إذ الجملة عبارة عن الشأن الذي هو مبتدأ فلا فرق بين الشان وبين هي ومثله في عدم الاحتياج إلى العائد ما ذكره النحاة في قولهم مقولي زيد منطلق وفيه نظر، وسياتي ما فيه في سورة يس، وما ورد من التقدير نقله في الكشف عن بعض الشرّاح ومرضه لأنه خلاف الظاهر*، وما قيل: من أنه على الخبرية إمّا أن يقال إنه لا يجب كون الخبر محمولاً على المبتدأ أو يجب لكن يكون ذلك تحقيقاً أو تاويلا من تسويد وجه القراطيس بما لا حاجة إليه، وقيل: إنه على هذا التقدير صفة مقطوعة ولم يتنبه له شرّاح الكشاف مع جلالة قدرهم فاعترضوا عليه بأنا نعود إلى الجملة المحذوفة المبتدأ فإن جعلت صفة أو استئنافا كان تقدير الضمير مستدركا وأن جعلت ابتداء كلام كاف فليكن كذلك بلا حذف، ومنهم من تمسك في دفعه بأن تقديرهم يقوي الاستئناف وتقدير هي يقوّي الوصفية ومما يتعجب منه ما في شرح التفتازانيّ فإنه قال لا تحتاج الجملة التي هي خبر عن لفظ الشأن إلى عائد كضمير الشأن وتقديره بهي على أنه ضمير القصة لا يصح لأنه يخص بجملة العمدة فيها مؤنث فالواجب تقدير ضمير الشأن بهو انتهى ولا يخفى ما فيه لأنّ قطع النعت الذي منعوته نكرة وهو جملة خلاف الظاهر حتى منعه بعض النحاة وإن كان الأصح خلافه وكون تقدير هي مشروطاً بما ذكره مما ذكره أهل المعاني إلا أنّ الأصح خلافه كما في شرح التسهيل وسيأتي تفصيله في محله وأمّا ما قيل من أنّ المقدر ضمير الشأن لا ضمير الذين آمنوا ولا الجنات لأنّ كلما ظرف زمان لنصبه على الظرفية فلا يصح أن يكون خبراً عن جثة وتقدير المبتدأ على تقدير كونه كلاما ابتدائيا غير وصف ولا استثناف استحسانيّ مراع لجزالة المعنى وليس بلازم فوهم لأن كلما وحده ليس خبرا بل متعلق بقالوا كما سيأتي والجملة خبر. وما ذكره لا يغني شيئاً وأجاز أبو ابقاء كون هذه الجملة حالاً من الذين أو من جنات لوصفها المقرّب لها من المعرفة وهي كما قال أبو حيان حال مقدّرة لأنهم وقت التبشير لم يكونوا مرزوقين على الدوام والاً صل في الحال المصاحبة. قوله: (أو جملة مستأنفة كأنه الخ) قدره تبعاً للزمخشريّ سؤالاً عن فواكه الجنة فقوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} [سورة البقرة، الآية: 25] الخ زيادة في الجواب ولو قدّر ألهم في الجنات لذات كما في هذه الدار أم أتمّ وأزيد كان أصح وأوضح والاستئناف أرجح الوجوه عندهم كما ذكره صاحب الكشف وغيره وهذا مبنيّ على أنّ معنى من قبل من قبل في الدنيا وهو قول مجاهد وعن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك ومقاتل أنه في الآخرة على معنى رزق الغداة كرزق العشيّ وذهب أبو عبيدة إلى أنّ معناه يخلف الثمرة المجنية مثلها والخلد بفتحتين البال والقلب والنفس وكل منها صحيح هنا، وأزيح بزاي معجمة وحاء مهملة مجهول أزاحه إذا أزاله وفي قوله وقع الخ استعارة تبعية أو مكنية كأنه جعل ما خطر للسامع من التردّد مما يقع في الدار الدنيا من الغبار ونحوه كما يقال لما لا شبهة فيه لا غبار عليه فقوله أزيح ترشيح ومثله في اللطف قول ابن سنا الملك: كنست فؤادي من حبه ولحيته كانت المكنسة قوله: (وكلما نصب على الظرف الخ) قال النحاة إنها منصوبة على الظرفية بالاتفاق وناصبها قالوا الذي هو جواب معنى وجاءتها الظرفية من جهة ما فإنها إما مصدرية أو اسم نكرة بمعنى وقت، وكونها شرطية ليس بالوضع وإنما طرأ عليها في الاستعمال لأنّ ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى فلذا احتاجت لجملتين مرتبة إحداهما على الأخرى ولا يجوز أن تكون ما شرطية كما فصله في المغني وشروحه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وأمّا إفادتها للتكرار فقد مرّ في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} ولما كان معنى الشرطية طارئا عليها لم يختلفوا في عاملها كما اختلفوا في عامل الأسماء الشرطية هل هو الجزاء أو الشرط، ورجح الرضي أنه الشرط ولم يرجحه هنا كما توهمه بعضهم وقال: فإن قيل يجب الفرق بين كلما وكلمات الشرط في الحكم بأنّ العامل في كلما الجزاء والعامل في غيرها الشرط قلنا قد فرق الرضي بينهما بأن كلما مضافة للجملة التي تليها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف بخلاف كلمات الثرط وفيه كلام ذكرناه في حواشي الرضي ليس هذا محله، ومما فصلناه لك عرفت أنّ ما قيل من أنّ كلما مركب من كل وما الشرطية فلذا صار أداة تكرار ليس بمرضيّ ورزقا مفعول ثاني لرزقوا لأنه يتعدّى لمفعولين فيقال رزقه الله مالاً بمعنى أعطاه وليس مفعولاً مطلقاً مؤكدا لعامله لأنه بمعنى المرزوق أعرف والتأسيس خير من التاكيد وتنكيره للتنويع أو للتعظيم أي نوعا لذيذاً غير ما تعرفونه، وقد جوّزوا فيه المصدرية وكونه مفعولاً مطلقاً والأوّل أرجح. قوله: (ومن الأولى والثانية للابتداء الخ الما منعوا تعلق حرفي جرّ متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد حقيقة وجوّزوا غيره مما تعلقا به وقد اختلفا لفظا ومعنى كمررت بزيد على الطريق أو اختلفا معنى لا لفظاً نحو ضربته بالعصا بسبب عصيانه، أو عكسه نحو ضربته لتأديبه بسبب سوء أخلاقه، وما في الآية بحسب الظاهر يتراء! مخالفته لذلك أشاروا إلى دفعه بأنه غير مخالف لما ذكر لأنه لا يخالفه إلا إذا تعلقا به من جهة واحدة ابتداء من غير تبعية وما نحن فيه ليس كذلك. وفي الكشاف هو كقولك: كلما أكلت من بستانك من الرمّان شيئا حمدتك فموقع من ثمرة موقع قولك من الرمّان كأنه قيل: كلما رزقوا من الجنات من أيّ ثمرة كانت من تفاحها أو رمّانها أو عنبها أو غير ذلك رزقا قالوا ذلك فمن الأولى والثانية كلناهما لابتداء الغاية لأنّ الرزق قد ابتدئ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدى من ثمرة، وتنزيله منزلة أن تقول رزقني فلان فيقال لك من أين فتقول: من بستانه فيقال من أيّ ثمرة رزقك من بستانه فتقول من الرمّان، وتحريره أنّ رزقوا جعل مطلقاً مبتدأ من ضمير الجنات ثم جعل مقيداً بالابتداء من ضمير الجنات مبتدأ من ثمرة، وقرّره شرّاحه بأنه لما توهم أنّ حرفي الجر في منها ومن ثمرة متعلقان برزقوا وهما بمعنى ولفظ واحد، ومما تقرّر عندهم أنه لا يجوز مثله الأعلى الإبدال والتبعية ولا مجال له هنا فدفعه بوجهين وبالغ في تقرير الأوّل وصرّج بأنهما للابتداء إلا أن الأولى متعلقة بالرزق المفهوم من رزقوا مطلقا، والثانية به مقيداً بكونه من الجنات فليس مما منع في شيء لأنه اعتبر فيه الفعل أوّلاً مطلقاً ثم قيد بقيد يقتضيه سؤال ثم قيد ذلك الفعل المقيد بقيد آخر يقتضيه سؤال آخر فاتضح اتضاحا تامّاً أنّ كل واحد من الفعل المطلق والمقيد بالقيد الأوّل يصح ابتداؤه من المقيد بالقيد الذي تعلق به والثمرة على هذا للنوع فإنه لا يصح الابتداء من فرد إلا بكون بعضه مرزوقا وهو ركيك جدا، وكلا الظرفين على هذا الوجه لغو بلا اشتباه والمصنف رحمه الله ذهب إلى الإطلاق والتقييد مع جعلهما حالين متداخلتين وحينئذ فمتعلقهما متعدد فلا يلزمه المحذور المذكور لما قالوه بل لشيء آخر وهو أن الشيء الواحد لا يكون له مبدآن، ولذا قال: وأصل الكلام ومعناه الخ. ولا يخفى أنه لا وجه له لأنّ المبدأ كما مرّ معناه ما يتصل به الأمر الذي اعتبر له امتداد محقق أو متوهم وللشيء اتصالات شتى كاتصاله بالمكان في نحو سرت من البصرة، والزمان في من أوّل يوم، وبالفاعل وبالكل المأخوذ منه بل للمكان المحدود المربع مثلاً ابتداء من كل حدّ من حدوده الأربعة فالابتداء في منها مكانيّ وفي من ثمرة كليّ كما في أعطني من المال وكل لي من الصبرة إذا لم ترد التبعيض ألا تراك لو قلت ما قرأت النحو من كتاب سيبوبه من المبرّد من أوّل سنة كذا صح بلا مرية فإذا لم بتحد المتعلق لا لمانع صناعيّ ولا معنويّ فارتكاب المصنف للتأويل من غير داع لا! خلو من الخلل ولذا قيل: إنه لم يقف على مراد الزمخشريّ وتوهم من تقديره السؤال أنه ظرف مستقرّ عنده، وسيأتي لنا كلام فيه وقد قيل: عليه أيضاً أن المشهور أن من الابتدائية والتبعيضية لغوان والتبيينية مستقرّة وهذا مخالف له، وفيه بحث لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 ما اذعاه وإن سبق إليه غير مسلم، والظاهر خلافه فيكفي لتصحيح الابتدائية فيهما اختلاف المبدأ ثم إن قول الشريف تبعا لغيره من الشرّاح أنه لا مجال للتبعية والإبدال في الآية الكريمة فيه أنّ المعرب جوّز فيه أن يكون بدل اشتمال، ولا حاجة إلى الضمير لظهور الارتباط مع أنه مخصوص بإبدال المفردات وقال في البحر من في قوله منها الابتداء ألغاية وفي من ثمرة كذلك لأنه بدل من قوله منها أعيد معه حرف الجرّ وكلتاهما متعلق برزقوا على جهة البدل وهذا البدل من بدل الاشتمال. قوله: (كل حين وزقوا مررّوقاً الخ) إشارة إلى أنّ ما مصدربة حينية ومرزوقا إشارة إلى أنّ الرزق بمعنى المرزوق مفعول به ومبتدئاً بكسر الدال على زنة اسم الفاعل ولو فتح صح فقيد الرزق بكونه مبتدئاً من الجنات وابتداءه منها بابتدائه من ثمراتها وهو ظاهر وقوله فصاحب الحال الخ إشارة إلى أنها حال متداخلة، وقد قيل عليه أنه لا وجه لجعل الثمرة مبدأ مبدئية الرزق لا مبدأ نفسه فالوجه أن تجعل الحال مترادفة وفائدتها أنّ كون الجنات مبدأ الرزق يحتمل أن يكون باعتبار غير الثمرة مما فيها فالثانية تعين المراد إلا أنه على ما ذكره يظهر كونه قيداً للمقيد بخلافه على الترادف وفي قوله واقعتان موقع الحال مسامحة ظاهرة لأنّ الحال متعلق الجارّ والمجرور أو هما لا الحرف، والمستكن بتشديد النون اسم فاعل يقال: اكتن واستكن إذا استتروا التخفيف من السكون بعيد واعلم أنّ الظاهر أنّ جعل المتعلق الواحد في حكم المتعدد لا يختص بصورة التقييد والإطلاق بل يجري في كل ما يشبهه بحسب التأويل كما في قولهم لم أر رجلاَ أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فإن في تعلقت بأحسن فيهما لأنّ معناه زاد حسن الكحل في عين زيد على حسنه في عين غيره فهو بحسب التأويل متعدّد وله نظائر أخر ليس هذا محلها، وإنما المراد التنبيه على أنه ليس مخصوصاً بما ذكر كما يوهمه كلام الكشاف وشروحه فتدبر فإن قلت لم سأل عن قوله من ثمرة وبين في الجواب تعلق الظرفين وأيّ حاجة إلى ذكر متعلقين حتى يحتاج إلى التأويل ولو قيل: كلما رزقوا من ثمرها أفاد ما ذكر من غير ارتكاب لمشقة التأويل وتكرار من واعجاز التنزيل يأبى زيادة ما يحوج للتأويل قلت: الذي لاح لي بعد التأمّل الصادق أن تعليق الرزق بمحله وتعقيبه بثمرة منكرة يقتضي عمومه لكل ما فيها كما قال تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [سورة محمد، الآية: 115 {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ولولا ذكرهما لم يفد هذا النظم مع ما فيه من الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال الذي هو أوقع في القلوب واليه أشار العلامة بما ذكره من السؤال والحاصل أن تعلق منها يفيد أنّ سكانها لا تحتاج لغيرها لأنّ فيها كل ما تشتهي الأنفس وتعلق من ثمرة يفيد أنّ المراد بيان المأكول على وجه يشمل جميع الثمرات دون بقية اللذات المعلومة من السابق واللاحق وفيه إشارة أيضا إلى أنّ عامّة مأكولهم الثمار والفواكه لأنهم لا يمسهم فيها جوع ولا نصب يحوجهم إلى قوت به قوام البدن وبدل ما يتحلل ومن هنا خطر بالبال أنّ المصنف رحمه الله لم يعدل عما في الكشاف غفلة عن مراده بل إمّا لأنه فهم منه أنه أراد توضيح المعنى وتفسيره لا توجيه التعلق النحوي وتقريره أو بيان أنه لا حاجة داعية له إذا جعلت من فيهما ابتدائية لأنه يجوز تخريجه على وجه آخر أسهل منه وأمّا تخصيصه السؤال بقوله من ثمرة فلأنه سؤال نشأ من تكرّر من فيه. قوله: (ويحتمل أن يكون من ثمرة الخ) هذا هو الوجه الثاني في الكشاف وهو أن تكون من الأولى ابتدائية كما فهم من عدم تعرّض المصنف رحمه الله لها، والثانية في قوله من ثمرة مبينة للمرزوق الذي هو مفعول! ان والظرف الأوّل لغو والثاني مستقرّ وقع- ا / * ن النكرة لتقدمه عليها والثمرة يجوز حملها على النوع وعلى الجناة الواحدة، ولم يلتفتو! إلى جعل من الثانية تبعيضية في موقع المفعول ورزقا مصدر مؤكد لبص هـ مع أنّ الأصل في من الابتداء والتبعيض ولا يعدل عهما إلا لداع قويّ كما مرّ في قوله تعالى: {أَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 22] وقوله كما في رأيت منك أسدا صريح في أنّ من التجريدية بيانية، وقد قيل عليه أنه حينئذ تفوت المبالغة المقصودة في التجريد لأنّ الإجمال والتفصيل يفيد أن المبالغة في التفسير لا الصفة التي قصد بالتجريد بلوغها الغاية في الكمائا، والصحيح أنها ابتدائية أي رأيت أسدا كائناً منتزعا منك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 ومن قال جعل هذا البيان على ذلك المنهاج مبنيّ على أنّ من البيانية عنده رأجعة إلى ابتداء الغاية فلا بد من اعتبار التجريد بأن ينتزع من المخاطب أسد ومن الثمرة رزق لم يأت بشيء يعتد به ألا ترى أنه جعل البيانية قسيما للابتدائية وأنه لا قرينة على انتزاع الرزق من الثمرة بل هي نفسها رزق وقد تغ فيه من قال: ليت شعري إذا حمل من على البيان لم يجعل من التجريد مع أنّ البيان يحمل المبين على المبين أظهر فإن رزقاً تفسره الثمرة فليس من التجريد في شيء، والقول: بأنه لا منافاة بين التجريد والبيان مفتقر إلى البيان (أقول) هذا محصل ما قاله الشرّاح وسيأتي في أوّل سورة آل عمران تفصيله، والذي حملهم على إلاعتراض هنا أنّ المبين لما اتحد مع المبين في الجملة لم يكن أبلغ من حمله عليه في نحو زيد أسد مع أنّ عبد القاهر وغيره من أهل المعاني صرّحوا بأنّ التجريد أبلغ من التشبيه البليغ، والجواب عنه أنّ من البيانية تدخل على الجنس المبين به لكونه أعتم وأعرف بالمعنى الذي وقع فيه البيان، وهنا لما عكس وجعل الشخص جنساً مبينا به ومنتزعا منه ما هو الأعم الأعرف كان أبلغ بمراتب من التشبيه البليغ ولو كان معكوساً، فلو قلت رأيت منك أسدا جعلت زيداً جنساً شاملاً لجميع أفراد الأسد وخواصه بل أعمّ وأشمل لانتزاعك الجنس منه، وهأ 10 لا يقرّ به الحمل في أنت أسد ولو قيل: رأيت زيدا من أسد ورد ما ذكره قدس سرّه وغيره وليس مما نحن فيه وكذا في نحو رأيت منك عالماً في التجريد غير التشبيهي وهذا مسرح تظر العلامة وهو دقيق أنيق فلا حاجة إلى جعله مبنيا على رجوع من البيانية إلى الابتدائية ولا إلى الجواب عما أورد على التفتازانيّ بأنّ مراده بالبيانية ما تكون للبيان وان كان فيها معنى الابتداء وبالابتدائية التي لصرف الابتداء فيصح جعله قسيماً له على أنه لو سلم لم يفدنا شيئا لأن مذهب القاضي رحمه الله كما صرّح به في منهاجه أنّ جميع معاني من ترجع للبيانية عكس مذهب الزمخشريّ. ثم إن من الابتدائية يكون المبتدأ فيها مغايراً للمبتدأ منه نحو سرت من البصرة ولدخولها غالباً على المكان ونحوه تدلّ على أنه مائل فيه وعلى المغايرة التي هي مبني التجريد مع أنّ بيانه قاصر على أحد قسميه غير شامل لنحو رأيت منك عالماً، وادّعاه عدم بلاغته ظاهر السقوط مخالف لكلام القوم والرضي جعل من فيه تعليلية ولكل وجهة. قوله: (تقذّم الخ) رذ لما قيل من أنها كيف تكون للبيان وليس قبلها ما تبب نه بأنه مبنيّ على جواز تقديم المبين على المبين وأنه يكفي تقدّمه ولو تقديراً كما ذهب إليه كثير من النحاة وان منعه وضعفه آخرون وأمّا جعلها على تقدير البيان ظرفا لغواً متعلقاً برزقوا فوهم لاتفاقهم على أنّ من البيانية لا تكون إلا ظرفاً مستقرّاً كما هو معروف عند النحاة وبه جزم السعد في مواضع من شرح الكشاف كما سيأتي. قوله: (وهذا إشارة الخ) أي لفظ هذا وهو دفع لما يتوهم من أنه كيف يكون هذا المرزوق عين ما في الدنيا أو ما تقدمه في الجنة وقد فني وأكل بأن الإشارة إلى النوع والمعنى أنّ نوع هذا وذاك متحد وكون هذا وضع للإشارة إلى المحسوس والأمور الكلية لا تحس ليس بكليّ مع أنه يكفي إحساس أفراده كما في المثال المذكور، ومن الناس من ذهب إلى وجود الكليّ في ضمن أفراده على ما فيه أو هو إشارة إلى الشخص وفيه تقدير أي مثل الذي رزقنا أو يجعل عينه مبالغة وقد رجح كونه إشارة إلى عين الثمرة بأنّ هذا إذا لم يذكر معه الوصف يكون إشارة إلى المحسوس دون الكليّ، وفي قوله العين المشاهدة إبهام وجريانه بفتحات مصدر جرى الماء جريا وجريانا ووقع في نسخة بدله جزئياته جمع جزئيّ والأولى أولى واستحكم بمعنى قوي وتمّ يقال أحكمته فاستحكم إذا أتقنتة. قوله: (جعل ثمر الجنة من جنس ثمر الدنيا الخ) هذا معنى ما في الكشاف وقد قيل عليه أنه جيد لو لم يقل إذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه فإنّ بطلانه ظاهر فإنّ لكل جديدة لذة والحديث المعاد مثل في الكراهة وليس بشيء، وقد وقع مثله في شرح المفتاح وذكروا أنّ كون النفس تحب ما ألفته وهو يقتضئي تكزره معار ضلما اشتهر كما في المثل أكره من معاد وقد جمع بينهما بأنّ الأوّل فيما يستطاب وتطلب زيادته، والثاني فيما ليس كذلك، وقد وقع التصريح بهذا في كلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 الفصحاء والشعراء قديما ألا ترى قوله: لكل جديد لذة غيرأنني وجدت جديد الموت غير لذيذ وقول المعرّي: ردّي حديثك ما أمللت مستمعا ومن يمل من الأنفاس ترديدا وقول ابن سهل: يستكره الخبر المعاد وقد أرى خبر الحبيب على الإعادة أطيبا يحلو على ترداده فكأنه سجع الحمام إذا تردّد أطربا ومثله كثير في كلامهم فلا وجه لما أورده الفاضل والقياس على الحديث المعاد قياس مع الفارق فإنه معاد بعينه وما نحن فيه ليس كذلك: والحق أنه مختلف بحسب الأحوال والمقامات ألا ترى أنّ أبا عمرو بن العلاء نظر إلى فتى عليه ثياب مشتهرة فقال له: يا بنيّ من المروءة أن تأكل ما تشتهي وتلبس ما يشتهيه الناس ونظمه الثعالبيّ في كتاب المروءة فقال رحمه الله تعالى: إن العيون رمتك إذ فاجأتها وعليك من شهر الثياب لباس أمّا الطعام فكل لنفسك ما اشتهت واجعل ثيابك ما اشتهته الناس وهذا الأحماض شابه دفع الاعتراض. قوله: (ويتبين لها مزية الخ) قد علمت ما فيه وأنه ظاهر الاندفاع وان قيل في دفعه أيضا أنه جيد في غير الطعام فإنّ التجربة والوجدان شاهدا عدل بأنّ ما لم يعهد منه وان حسن شكله لا يباشره عاقل لاحتمال ضرره وقيل: إنه في بادي النظر وقبل التجربة والمزية الفضيلة ولا يبنى منه فعل إلا أنه ذكر في حواشي الجوهرقي أنه يقال: أمزيتة عليه أي فضلتة وفي الأساس تمزيت عليه وتمزينه فضلته وكنه النعمة حقيقتها أو غايتها أو وجهها والمشهور الأوّل إلا أنّ ابن هلال قال ني كتاب الفروق: كنه الشيء على فول الخليل غايته ويقال: هو في كنهه أي في وجهه قال: وانّ كلام المرءفي غيركنهه لكالنبل تهوي ليس فيهانصالها وقال ابن دريد: كنه الشيء وقته يقال أتيته في غير كنهه أي في غير وقته، ويكون الكته للقدر أيضاً يقال فعل فوق كنه استحقاقه فليس الكنه من الحقيقة في شيء والناس يظنونهما سواء انتهى وهو لا فعل له أيضا وأثبته بعض اللغويين فقال: يقال منه اكتنه، وقوله كذلك أي غير مألوف. قوله: (أو في الجنة الخ) عطف على قوله في الدنيا أي من قبل هذا الرزق أو المرزوق في الجنة، يعني أنّ مأكولات الجنة متحدة الشكل متفاوتة اللذة والطعوم فإذا قدم إليهم شيء آخر منها ظنوه مكررا والطعام ب! منى المطعوم بمعنى المأكول مطلقاً فيتناول الثمار وغيرها ففيه إثبات للشيء بما هو أعمّ منه أو يخص بالثمار بقرينة المقام، ولا حاجة إلى أن يقال إنه للتمثيل فإنّ الصحفة لا يوك! مع فيها الثمار لأنه غير مسلم، والصحفة بفتح الصاد المهملة وسكون الحاء المهملة كالقصعة الآنية جمعه صحاف وقوله كما حكي عن الحسن الخ أثر أخرجه ابن جرير عن يحى بن كثير بهذا اللفظ. وقوله روي الخ أخرجه أيضا ابن جرير موقوفاً وفي المستدرك من حديث ثوبان مرفوعاً: " لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرها شيئاً إلا خلق الله مكانها مثلها " وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين وقوله فلعلهم الخ لا ياً بى هذا قوله من قبل لأنّ معناه قبل هذا الزمان أو الوقت، وعلى تفسير المصنف من قبل الرزق أو الص روق الذي أشار إليه بقوله من قبل هذا لأن قبل مبنية على الضم لحذف المضاف إليه الذ؟ ب هو هذا ونية معناه وان لم يتخلل بينهما زمان وليس معنى رزقنا أكلنا التقدم الرزق على ا! ل وعلى الأثر الأوّل هو متشابه الصورة مختلف الطعم وعلى الثاني متشابه الصورة والطعم فتأمل. قوله: (والآوّل أظهر الخ) أي كون المراد بالقبلية في الدنيا أولى من كونها مما تقدم في الآخرة لأنّ كلما تفيد العموم، وعلى الثاني لا يتصوّر قولهم لذلك في أوّل ما قدم إليهم ويفوت موقع الاستئناف المبنيّ على السؤال على وجه التشابه بينهما وأن قيل إنّ الأظهر تعميم القبلية لما يشمل قبلية الدنيا والآخرة وقال المصنف أظهر ولم يقل إنّ التفسير هو الأوّل كما قاله الزمخشريّ لأنّ هذا له وجه ظاهر أيضاً حتى قيل إنه يتجه على الأوّل أنه يلزم فيه انحصار ثمار الجنة في الأنواع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 الموجودة في الدنيا والأليق أن يوجد فيها ذلك مع غيره من الأنواع التي لا عين رأت ولا أذن سمعت كما ورد في الحديث. وقال السيوطي: أيضاً عندي أنّ الثاني أرجح لأنّ فيه توفية بمعنى حديث تشابه ثمار الجنة وموافقة لقوله بعده متشابها فإنه في رزق الجنة أظهر وإعادته إلى المرزوق في الدارين لا يخفى ما فيه من التكلف كما سيأتي. وقوله كل مرة رزقوا منصوب على الظرفية فإنّ مرّة معناه فعلة واحدة وليس باسم زمان لكنه شاع بمعنى وقت واحد فاعطي له ولما يضاف إليه حكم الظرفية كما قاله المرزوقيّ. قوله: (والداعي إلى ذلك الخ) الداعي هو المقتضي لخطور ما ذكر في الذهن من قولهم هذا الذي الخ كأنه دعاه للحضور فحضر في كل مرّة من مرّات تناولهم، وفرط استغرإبهم أي كدّة غريباً عجئباً عدا مفرطا وتبجحهم بجيم وحاء مهملة افتخارهم وابتهاجهم بإظهار المسرّة بما وجدو. بين الرزقين، والتشابه البليغ في الصورة إمّا لتشابه النوعين المستلزم لتشابه ما صدق عليه أو لتشابه الفردين على ما مرّ من تفسيري هذا فسقط ما قيل من أنه يقتضي أن يكون قولهم هذا الذي رزقنا من قبل من التشبيه البليغ وأصل معناه هذا مثل الذي رزقنا من قبل كما في الكشاف وهو مخالف لقوله وهذا إشارة لنوع ما رزقوا لأنه ليس مبنياً على المبالغة في التشبيه إذ معناه هذا نوع ما في الدنيا والتفاوت مع التشابه منشأ للاستغراب والتعجب كما لا يخفى فلا وجه لما قيل من أن جعل التشابه البليغ داعياً لما ذكر ظاهر وأمّا التفاوت العظيم ففي مدخليته في ذلك خفاء وإن وضحه بما يؤول إلى ما ذكرناه، وهذا إشارة إلى سبب قولهم هذا لتتمّ الفائدة فمن قال إنه لا حاجة إليه لم يصب، وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم يقولونه على سبيل التعجب وفي الاستغراب إيماء له ومن الغريب ما قيل من أنّ هذا إشارة إلى اعترافهم بإعادة أشجار الدنيا وثمارها كإعادة أنفسهم فيكون تعجباً من قدرته تعالى أو إلى أنّ أرض الجنة قيعان تنبت فيها أعمال الدنيا كما ورد في الأثر فثمرة النعيم مما غرسوه في الدنيا ولا يخفى بعده. توله: (اعتراض يقرّر ذلك الخ) كذا في الكشاف وفي شرح الفاضل له هذا على تجويز الاعتراض في آخر الكلام وأكثرون يسمونه تذييلاً والعلامة يجعل الاعتراض شاملاً للتذييل كما يعرفه من تتبع كلامه، فلا يرد الاعتراض! عليه بأنّ الأشبه أنه تذييل وهو أن يعقب الكلام بما يشمل معت اه توكيداً ولا محل له من الإعراب ولا مشاحة في الاصطلاح وايهام أنه اصطلاح القوم كما قاله ابن الصائغ غير مسلم وهذا إذا كان ما بعده جملة مستأنفة بناء على جواز اقترانه بواو يسمونها الواو الاستئنافية وقد جوّز في هذه الجملة أيضا الاستئناف والحالية بتقدير قد وكلام النحاة لا يأباه لأنّ تقدير قد مع واو حالية في الماضيي كثير، وإنما كان هذا مقرّراً ومؤكداً لما قبله لما صرّح به المصنف رحمه الله آنفا من أنه يدل على التشابه البليغ صورة ويلزم من تقريره تقريره فتذكر. قوله: (والضمير على الآول الخ) أي الضمير المفرد المجرور في قوله به على أوّل التفسيرين المذكورين آنفاً وهو أن يراد بقوله من قبل في الدنيا لما رزقوا في الدارين ولا إضمار فيه قبل الذكر لدلالة مجموع قوله: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ} على ما رزقوا في الدارين على هذا الوجه كما مرّ تقريره وهذا معنى قوله في الكشاف فإن قلت إلام يرجع الضمير في قوله وأتوا به. قلت إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً لأن قوله هذا الذي رزقنا من قبل انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين، والحاصل أنه جواب عن سؤال هو أنّ التشابه يقتضي التعدّد وتوحيد ضمير به ينافيه بأنه راجع إلى موحد اللفظ متعدد المعنى وهو الجنس المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً كأنه قيل أتوا بذلك الجنس متشابه الأفراد وأوردوا عليه أنّ المرزوق فيهما جميعاً غير مأتي به في الآخرة وأجيب بأنّ المعنى أتوا به في الدارين لا في الجنة وجمعا في سلك تغليباً أو أنّ المراد من الإفإن إتمامه ولا يخفى أنه تعسف والذي ارتضاه في الكشف أنّ المراد من المرزوق في الدنيا والآخرة الجنس الصالح التناول لكل منهما لا المقيد بهما، وقال أبو حيان ما ذكره الزمخشريّ غير ظاهر الآية لأنّ ظاهر الكلام يقتضي أن يكون الضمير عائداً على مرزوقهم في الآخرة فقط لأنه هو المحدّث والمشبه بالذي رزقوه من قبل ولأنّ هذه الجملة إنما جاءت محدثا بها عن الجنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وأحوالها وكونه مخبرا عن المرزوق في الدنيا والآخرة أنه متشابه ليس من حديث الجنة إلا بتكلف اص. قوله: (ونظيره قوله تعالى {إِن يَكُنْ غَنِيًّا} الخ) الذي تقرّر في كتب العربية أنّ الضمير الذي مع أو يفرد لأنها لأحد الشيئين إلا أنها إذا كانت للإباحة يجوز في الضمير بعدها الإفراد والتثنية لأنّ الإباحة لما جاز فيها الجمع بين الأمرين صارت أو فيها كالواو فتقول جالس الجسن أو ابن سيرين وباحثه ويجوز باحثها وعلى هذا قوله في سورة النساء: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ} [سورة النساء، الآية: 135] الخ وقد قال أرباب الحواشي تبعا لشرّاح الكشاف أنّ التنظير بهذه الآية لما نحن فيه باعتبار إرجاع الضمير باعتبار المعنى دون اللفظ فإنه عكس ما نحن فيه إذ ثني الضمير في بهما نظرا لما دل عليه الكلام من تعدد الجنسين مع أن مرجعه أحد الأمرين غنياً أو فقيرا وضمير يكن مفرد والمعنى يكن المشهود عليه غنياً أو فقيراً فترك إفراد الضمير لئلا يتوهم أنّ أولويته بالنسبة إلى ذات المشهور عليه فنبه غلى أنه باعتبار الوصفين ليعمّ المشهود عليه وغيره وفيما نحن فيه أفرد الضمير مع أنّ ظاهر المرجع اثنان وفي النطير ثني مع أنّ ظاهر المرجع واحد، ولك أن تقول إنه لا حاجة لما ذكر وأنه نظير له من غير ارتكاب لما ذكر فإنه كما أفرد ضميربه ثم عقب بما يدل على التعدد من قوله متشابهاً أفرد أيضا في النظير ضمير يكن باعتبار المشهود عليه وعدد ما بعده في المعطوف وضميره من غير حاجة للعدول عن الظاهر إلا أن يقال إنه من تلقى الركبان فإنه إنما يحتاج للتأويل بعد مجيء أو فتدبر. قوله: (أي بجنسي الننئ والفقير) فالضمير راجع لما دلّ عليه المذكور وهو جنسا الغنيّ والفقير لا إليه وإلا لواحد ويشهد له أنه قرئ {فَاللهُ أَوْلَى بِهِمْ} كذا قاله المصنف رحمه الله في سورة النساء وفيه كلام سيأتي فإن أردته فارجع إليه. قوله: (وعلى الثاني على الرزق الخ) أي ضمير به على نقدير كون معنى من قبل هذا في الجنة راجع إلى الرزق والمعنى أتوا بالمرزوق في الجنة متشابه الأفراد، ولما كان التشابه في الصفة وصفات ما في الجنة مغايرة لما في الدنيا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما أنها لا تشبهها وإنما يطلق عايها أسماؤها، أجاب بأنّ الصورة من جملة الصفات فكما يصح إطلاق ألاسم يصح إطلاق التشابه لأنه لا يشترط فيه أن يكون من جميع الوجوه وحينئذ يحتمل هذا أن يكون على الحقيقة والمجاز كما يطلق على صورة الفرس أنها فرس والسؤال وارد على الاحتمالين كما يشهد له قوله بين ثمرات الدنيا والآخرة، وقيل: إنه طاهر على الاحتمال الأوّل ولا وجه له غير النظر لظاهر ما ذكر وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البيهقي وغيره. قوله: (هذا وإن للآية محملاَ آخر الخ) أي الأمر هذا أو هذا طاهر أو خذ هذا فاسم الإشارة في محل رفع أو نصب ويحتمل أن يكون ها اسم فعل بمعنى خذ وذا مفعوله من غير تقدير لكنه مخالف للرسم أي أنّ الآية تحتمل تفسيراً آخر بأن يكون ما رزقوه قبل هو الطاعات والمعارف التي يستلذها أصحاب الفطرة والعقول السليمة وهذا جزاء لها مشابه لها فيما ذكر من اللذة كالجزاء الذي في ضده في قوله ذوقوا ما كنتم تعملون أي جزاءه فالذي رزقنا مجاز مرسل عن جزائه وثوابه بإطلاق اسم السبب على المسبب أو هو استعارة بتشبيه الثمار والفواكه بالطاعات والمعارف فيما ذكر وهو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله وتوله في ضده ذوقوا مؤيد له ولا يأباه كما قيل: قوله من قبل لأنه في الجنة لا في الدنيا حتى تثبت له القبلية لأن التجوّز في هذا الذي رزقنا وتعلق القبلية به شيء آخر مبالغة بجعل تقدّم سببه واستحقاقه بمنزلة تقدمه كما يقول الرجل لمن أحسن له إني استغنيت حين قصدتك وأمّا تقدير المضاف وان كان أظهر فلا يحمل عليه ما قاله المصنف إلا بتعسف فلا حاجة إلى ما تكلف من جعل الرزق مجاز عن الاستحقاق، أو يقال هو من تسمية موجب الشيء باسمه فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع وإنما جعل المصنف رحمه الله الشبه معنويا في الشرف لا في الصورة لأنّ المعارف والأعمال أعراض! لا صورة لها وشرف أمور الجنة كلها مما لا شبهة فيه فمن قال لا نسلم تشابه مستلذات الجنة للأعمال في الشرف لم يصب، والمراد بالطبقة في قوله علوّ الطبقة الرتبة والمنزلة مستعارة من طبقات البيت والقصر، وأصل الطبق الشيء على مقدار شيءآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 كالغطاء كما في المصباج. قوله: (مما يستقذر من النساء الخ) يستقذر بمعنى يكره ولما كان القذر قد يختص بالنجس ولذا قال الأزهريّ رحمه الله: القذر النجس الخارج من بدن الإنسان عطف عليه قوله ويذمّ عطفا تفسيريا ليتضح المراد منه، وقوله مما الخ متعلق بقوله مطهرة في النظم وقوله كالحيض الخ بيان لعمومه لكل ما يذمّ به والدر 11 والدنس بمعنى الوسخ، والطبع بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها والطبع بالفتح الدنس مصدر وشيء طبع كدنس وزنا ومعنى، والطبيعة الخلق ومزاج الإنسان المركب من الأخلاط ودنس الطبيعة بمعنى فساد الجبلة فسوء الخلق عطف تفسيريّ له أو هو أمر مغاير له، ووقع في نسخة بدل الطبيعة الطبع وهما بمعنى هنا لا بمعنى الدنس فالحيض مثال للقذر الحسيّ كالنفاس والمذي وغيره مما لا يكون لأهل الجنة، ودنس الطبيعة والطبع أن لا يجتنب ما تأبا. الطباع السليمة كالفجور والفحش وسوء الخلق كبذاءة اللسان ونحوه مما يكدر المعاشرة والازدواج، وقوله فإنّ التطهير الخ لف ونشر على وجه يندفع به ما يرد على ما قرّره من أنه يلزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ولذا قال الفاضل في شرح الكشاف معنى تطهيرهن عما ذكر أنها منزهة عن ذلك مبرأة منه بحيث لا يعرض لهن لا التطهير الشرقي بمعنى إزالة النجس الحسي ا. والحكمي كما في الغسل عن الحيض ليلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز نعم في إطلاق التطهير وتشبيه الدنس والطبع بالأقذار والأحداث وتبع فيه المدقق في الكشف حيث قال إن شيوع الاستعمال في عرف العامّة والخاصة في القسمين يدلّ على أنه للقدر المشترك حقيقة فلا نسلم أنه حقيقة في الطهارة عن النجاسات وما يشبهها من المستقذرات الحسية وفيه بحث لأنه في عرف الشرع حقيقة في إزالة النجاسة الحسية أو الحكمية كال! جنابة، وفي اللغة وعرف الاستعمال يتبادر الذهن منه إلى الطهارة من النجاسة وهي تدلّ على أنه مجاز في النزاهة عن قذر الأخلاق ودنس الطباع فالظاهر أنّ المراد بالتطهير التنزيه والخلوّ وأنه يشمل القسمين بعموم المجاز أو بالجمع بين الحقيقة والمجاز على رأي المصنف بلا تكلف ولذا قال الرأغب: التطهير يقال في الأجسام والأخلاق والأفعال جميعا فيكون عامّا لها قرينة مقام المدح لا مطلقا منصرفا إلى الكامل وكمال التطهير إنما يحصل بالقسمين كما قيل: فإن المعهود من إرادة الكامل إرادة أعلى أفراده لا الجميع. قوله: (وهما لغتان فصيحتان) يعني أنّ صفة جمع المؤنث السالم والضمير العائد إليه مع الفعل يجوز أن يكون مفردا مؤنثا ومجموعا مؤنثاً فتقول النساء فعلت وفعلن ونساء فاتنات وفاتنة نظر الظاهر الجمع ولتأويله بالجماعة وقوله يقال النساء فعلت وفعلن قال في المفصل عن أبي عثمان المازنيّ العرب تقول الأجذاع انكسرن لأدنى العدد والجذوع انكسرت وما ذاك بضربة لازب وفي شرحه لابن يعيش إنهم يؤنثون الجمع الكثير بالتاء والقليل بالنون، وفيه أقوال أقربها ما ذهب إليه الجرجانيّ وهو أنّ التأنيث لمعنى الجماعة والكثرة اذهب في معنى الجمعية في القلة والتاء حرف مختص بالئأث فجعلت علامة فيما كان أذهب في معنى الجمعية والنون فيما هو أقل حظاً في الجمعية لأنّ النون لا ترد للتأنيث خصوصا وإنما ترد على ذوات صفتها التأنيث (والذي عندي) في ذلك إنّ بناء القلة قد جرى عليه كثير من أحكام الواحد من ذللأ جواز تصغيره على لفظه كاجيمال ومنها جواز وصف المفرد به كبرمة أعشار ومنها عود الضميم عليه مفرداً كقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} [سورة النحل، الآية أ 66] فلما غلب على القلة أحكام المفرد عبروا عنها في التأنيث بالنون المختصة بالجفع لئا يتوهم فيها الأفراد وقال الرضمي: جمع ضمير جمع القلة وهو النون لأنك لو صرّحت بعدد القللأ أي من ثلاثة إلى عشرة كان مميزه جمعاً نحو ثلاثة أجذاع وجعل ض! مير جمع الكثرة ضمي! الواحدة المستكن في نحو انكسرت لأنك لو صرحت بعدد الكثرة لما فوق العشرة كان مميز " مفرداً نحو ثلاثة عشر جذعا وفيه كلام في حواشي الرضي. قوله: (وإذا العذارى بالدخالأ تقنعت الخ) هو من قصيدة لسلمان بن ربيعة الضبيّ الحماسيّ أوّلها: حلت تماضر غرة فاحتلت فلحا وأهلك باللوافاطالت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 ومنها: ومناخ نازلة كفيت+وفارس نهلت فتاتي من مطاه وعلت واذا العذارى بالدخان تقنعت واستعجلت نصب القدور فملت دارت بأرزاق العفاة مغالق تبدين من قمع العشار الجلت وهي قصيدة مشهورة ذكر بعضها في الحماسة. قال المرزوقي: أنه عدد خصال الخي! المجموعة فيه بعد أن نبه على أنه لا يقوم مقامه أحد، والعذارى جمع عذراء وهي البك! وأصلها عذاريّ بتشديد الياء فالياء الأولى مبدلة من المدة قبل الهمزة كما تبدل في سربال فيقالا سرابيل ثم حذفت إحدى الياءين وقلبت الكسرة فتحة تخفيفاً فانقلبت الياء ألفا يقول: إذا أبكاد الساء صبرن على دخان الناو حتى صار كالقناع لوجهها لتأثير البرد فيها ولم تصبر على إدرال! القدور بعد تهيئتها ونصبها فسوّت في الملة بفتح الميم وهي الرماد قدر ما تعلل نفسها به ملا اللحم لتمكن الحاجة والضرّ منها ولا جداب الزمان واشتداد السنة على أهلها أحسنت وجوالبما إذا في البيت بعده وخص العذارى بالذكر لفرط حيائهن وشدّة انقباضهن ولتصوّنهن عن كثير مط يبتذل فيه غيرهن وجعل نصب القدور مفعول استعجلت على المجاز والسعة ويجوز أن يكودلا المراد استعجلت غيرها بنصب القدور أو في نصبها فحذف وتقنعت من القناع وهو ما يستر؟ الرأس، ومل! ف فعل ماض من الملة بالفتح ومعناه ظاهر، وقد قرّره في الكش! ، بما لا مزيد عل! يما والشاهد في قوله تقنعت بإفراد ضمير العذارى واستشهد له دون الجمع لأنه المحتاج للإثب! اللا لجري ذلك على الظاهر كما أشار إليه والإفراد على تأويل الجماعة والمعنى جماعة أزواج مطهرة لأنّ أكثر خصوصا في جمع العاقلات القلة أو الكثرة فعلن ونحوه وجماعة لفظ مفرد وان كان معناه الجمع. قوله: (ومطهرة بتشديد الطاء الخ) معطوف على مطهرات في قوله وقرى مطهرات وفي الكشاف وقرأ زيد بن عليّ مطهرات وقرأ عبيد بن عمير مطهرة بمعنى متطهرة، وفي كلام بعض العرب ما أحوجني إلى بيت الله فأطهر به أطهرة أي فأتطهر به تطهرة فهو في هذه القراءة بتشديد الطاء المفتوحة وبعدها هاء مكسورة مشدّدة أيضا وأصله متطهرة فأدغمت الطاء فيه في الطاء بعد قلبها والفعل أطهر وأصله تطهر فلما أدغمت التاء في الطاء اجتلبت همزة الوصل والمصدر اطهرة بفتح الطاء وضم الهاء المشددتين وأصله تطهرة فأدغم واجتلبت له همزة الوصل وهو معروف في كتب الصرف. قوله: (والزوج يقال للذكر والأنثى الخ) ويكون أيضا لأحد المزدوجين ولهما معاً والمراد الأوّل والأفصح ما ذكر ويقال: زوجة في الناس في لغة قليلة، وقوله أبلغ من البلاغة لا من المبالغة وان صح وهو دفع لما يلوح في بادي النظر من أنّ تلك أبلغ منها لإشعارها بأنّ الطهارة ذاتية لا بفعل الغير لأنّ المطهر هو الله ولا يكون ذلك إلا بخلق الطهارة العظيمة وما يفعله العظيم عظيم كما قيل: على قدر أهل العزم تأتي العزائم قوله: (فإن قيل الخ) يعني أنه يكفي في صحة الإطلاق الاشتراك في بعض الصفات ولو في الصورة فإنها من الصفات أيضا وقد قيل: عليه أنه مبنيّ على أنّ فقد فوائد الشيء ولوازمه تستلزم رفع حقيقته ولا وجه له والقول بأنّ تسمية نعم الجنة بأسماء نعم الدنيا على سبيل المجاز والاستعارة لم يقل به أحد من أهل اللغة والعربية وقوله لا تشاركها في تمام حقيقتها غير مسلم أيضا مع أنه مخالف لما قدمه من قوله إنّ التشابه بينهما حاصل في الصورة التي هي مناط الاسم فإنه صريح في أنّ إطلاق اسم الثمار على أمثالها من الفواكه المطعومة حقيقة وهذا مخالف له وقد وقع ما يشبه هذا لبعضهم حيث قال: اعلم أنّ أمور الآخرة ليست كما يزعم الجهال فأنكر عليه غاية النكير حتى جرّهم ذلك إلى التكفير (قلت) كون أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا من جميع الوجوه مما لا شبهة فيه كما أشار إليه سيد البشر صلى الله عليه وسلم بقوله: " ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) ثم إنه إذا أشبه شيء شيئاً بحسب الصورة والمنافع إلا أن بينه وبيته تفاوتاً عظيما في اللذة والجرم والبقاء وغير ذلك فإذا رآه من لم يره قبله ولم يعرف له اسما فأطلق عليه اسم ما يشابهه قبل أن يعرف التفاوت حق معرفته هل يقال إنّ ذلك الإطلاق حقيقة نظرا للصورة وظاهر الحال أم لا نظراً للواقع، فالظاهر أنه حقيقة عند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 من لم يعرفه وعند من عرفه مجاز استعارة أو مشاكلة ألا ترى أنّ من رأ! بعض أنواع القم اصيا الرومية ممن لم يعرفها فسماها نبقا لأنها مثله صورة فتلك التسمية عنده وعند من سمعه من أهل جلدته حقيقة وعند غيره مجاز، ونظيره جبريل عليه السلام إذا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة رجل فأطلق عليه الإنسان من رآه ولم يدر أنه ملك فهو حقيقة، وإذا قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو مجاز عند. والقول بأنة لا يعرفه أهل العربية لا وجه له وليس هذا ما قاله بعض المتصوّفة فإنه سمّ في دسم وبهذا عرفت كلام المصنف رحمه الله وأنّ أوّل كلامه لا يعارض آخره ومن لم يذق لم يعرف. قوله: (والخلد والخلود في الأصل الثبات الخ) في شرح الكشاف هذا مذهب أهل السنة وهو عند المعتزلة الدوام وهو أمر لغويّ لا دخل للمذهب فيه فمراده أنّ المعتزلة قالوا إنّ ذلك حقيقته التي لا يعدل عنها بغير داع ليبنوا عليه ما ورد في الآيات والأحاديث من خلود فسقة المؤمنين وغيرهم يقول حقيقته المكث الطويل دام أو لم يدم فتفسيره في كل مكان بما يليق به. فإن قلت قوله في الكشاف والخلد الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [سورة الأنبياء، الآية: 34] الخ معارض لقوله في الأساس خلد بالمكان وأخلد أطال به الإقامة وما بالدار الأصمّ خوالد وهي الأثافي وخلد في السجن وخلد في النعيم بقي فيه أبدأ خلوداً وخلداً وخلده وأخلده ومن المجاز فلان مخلد للذي أبطأ عنه الشيب والذي لا يسقط له سن لإخلاده على حالته الأولى وثباته عليها، ولذا قيل: إنه مما يقضي منه العجب وفي بعض شروح الكشاف أنّ ما في الأساس دليل لأهل السنة قلت: لا خلاف في استعماله لمطلق الثبات دام أو لم يدم وللدوام وللبقاء الطويل المنقطع وإنما الخلاف في أيها الحقيقة الذي يحمل عليه عند الإطلاق ويفسر به لأنه الأصل الراجح الدّي العدول عنه بغير داع في قوّة الخطأ عند أهل اللسان فما كأ الكشاف يدلّ على أنه حقيقة في طول مدة الإقامة مطلقا وهو وإن صدق على الدوام وغيره المتبادر منه أكمل فرديه وهو الدوام، وقد نقل عنه أنه من الأسماء الغالبة فيه وهو معنى شرفي فيحمل عليه عند الإطلاق ولذا استدلّ بالآية فلا يعارضه ما في الأساس كما لا يخفى وهو في غير الإقامة مجاز وإن كان فيه معنى الثبات وقوله الأثافي بتخفيف الياء وتشديدها الأحجار التي توضمع عليها القدر وسميت خوالد لأنها تبقى في الديار بعد ارتحال أهلها، وقوله وللجزء الخ معطوف على مقول القول وهو خبر مقذم وقوله خلد بفتحتين بزنة حسن مبتدأ مؤخر وهو القلب الذي يبقى الإنسان حيا ما دام لأنه أشرف الأعضاء الرئيسة وقوله الذي يبقى الخ وان صدق على غيره لا يلزم إطلاقه عايه لأنّ القياس لا يجري في اللغة. قوله: (لنوا) قيل عليه لما كان استعماله في غيره مجازاً مشهوراً يكون التأبيد لدفعه ومثله كثير في كلام البلغاء فكيف يكون لغواً، ويدفع بأنّ المراد أنه زائد على إلتأسيس القائل به من غير زيادة فتدبر. قوله: (والأصل بنفيهما الخ) أي القاعدة المقرّرة تدل على هذا النفي لأن المجاز والاشتراك لا يرتكب إلا بدليل لاحتياجهما للقرينة فإذا وضعه لهما على العموم يحمل عليه واستعمال العامّ في بعض أفراده من حيث إنه فرد منه لم يقصد بخصوصه ليس بمجاز كما توهمه بعضهم ولا يختص أيضا بالمتواطئ فما قيل إنه من باب استعمال الكليّ المتواطئ في واحد من جزئياته كقولك لقيت اليوم إنسانا تريد به زيداً غير صحيح وقوله كإطلاق الجسم للإنسان وفي نسخة على الإنسان فإنه باعتبار أنه جسم حقيقة وباعتبار أنه إنسان مجاز محتاج للقرينة كما تقرّر في الأصول وقوله مثل قوله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} هو في أكثر النسخ وسقط من بعضها وهو مثال لما نحن فيه وردّ لما في الكشاف وغيره من الاستدلال به على إرادة الدوام لتعينه للنفي لأنه لم يرد على أنه بخصوصه معناه الحقيقيّ بل على أنه عامّ أريد به خاص بقرينة كما أشار إليه بقوله لكن المراد الخ. قوله: (عند الجمهور لما يشهد له من الآيات والسنن) الدالة على أبدية أهك الجنة فيها وهو ردّ على الجهمية الذاهبين إلى أنّ الجنة والنار يفنيان وأهلهما بعد تمتع أهل الجنة بقدر أعمالهم وعذاب أهل النار بقدر سيئاتهم وفي تفسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 السمرقنديّ الذي دعاهـ م إلى هذا أنه تعالى وصف نفسه بأنه الأوّل والآخر والأوّلية تقدّمه على جميع المخلوقات والآخرية تأخره ولا يكون إلا بفناء ما سواه ولو بقيت الجنة وأهلها كان فيه تشبيه بين الخالق والخلق وهو محال، ولأنه تعالى لا يخلو من أن يعلم عدد أنفاس أهل الجنة أم لا، والثاني تجهل والأوّل لا يتحقق إلا بانتهائها وهو بعد فنائهم ولنا أنّ هذا النص وغير. دال على الخلود والتأبيد وعضده العقل لأنها دار سلام وقدس لا خوف ولا حزن لأهلها والمرء لا يهنأ بعيش يخاف زواله كما قيل: والبؤس خير من نعيم زائل والكفر جريمة خالصة فجزاؤه عقوبة خالصة لا يشوبها نقص، ومعنى الأوّل والآخر ليس كما في الشاهد لأنه صفة كمال ومعناه لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء له في ذاته من غير اسنناد لغير. فهو واجب الوجود مستحيل العدم وبقاء الخلق ليس كذلك فلا يشبهه شيء من خلقه وعلمه تعالى لا يتناهى فيتعلق بما لا يتناهى إلى آخر ما فصله. قوله: (فإن قيل الأبدان مركبة الخ الما! قرّر أن الخلود بمعنى الدوأم هنا كما قرّرناه لك أو رد شبهة ترد عليه ودفعها ونبه على أنها ساقطة لأنها في غاية الضعف في آخر كلامه فلا يرد عليه ما قيل: من أنه لا حاجة هنا للسؤال والجواب لابتنائه على أصل فلسفيّ غير مناسب للمقام وما ذكره إشارة إلى ما قرّره الأطباء من أن تكون البدن من رطوبة معها حرارة تؤثر فيها بالتنضيج والتغذية ودفع الفضلات فإذا دام التأثير كثر التحلل فتضعف الحرارة بنقصان مادّتها كضعف نور السراح بقلة الدهن ولا تزال كذلك حتى تفنى الرطوبة الغريزية فتنقطع الحرارة أيضاً، والمراد بالكيفيات المتضادّة الأمزجة والكيفية معروفة والضدان أمران وجوديان متعاقبان على موضوع واحد بينهما خلاف أو غاية الخلاف والاستحالة التغير وألانقلاب من شيء إلى آخر بتبدّل صورته كاستحالة الخمر خلاَ، والتضادّ مؤدّ للانفكاك وهو تفرّف الأجزاء وانفكاك بعضها من بعض بانحلال ما يربطها ويكون سبباً لبقائها فاذا لزم هذا كل بدن لزم عدم وجوده واستحالة بقائه وخلوده كما هو مذهب الجهمية وقوله في الجواب بعيدها بناء على أنه تعالى إذا أحياها بعد الموت أعادها بعينها لا بامثالها على ما عرف في الكلام وقوله يعتورها أي يعرض لها ويتعاقب عليها بأن يعرض لها التغير وتبذل الأحوال. قوله: (بأن يجعل أجزاءها الخ) هذا هو اعتدال المزأح الذي ذكره الأطباء، وقالوا إنه ماخوذ من التعادل الذي هو التكافؤ لا من العدل في القسمة أي التساوي في القوى لا في المقدار قالوا لأنه قد يوجد الشيء مغلوباً في مقداره غالبا ني قوّته فيمكن وجود المزاج الحاصل من المتساوي المقدار المختلف الكيفية وقيل: الذي امتغ وجوده هو المتكافئ في المقدار والكيفية معاً لأنه لا يكون حينئذ غالبا قاسراً للمركب على التماسك والتقرّر فيستدعي كل التفرّق والتلاشي والميل إلى مركزه، وقوله: متقاومة بالقاف والميم مفاعلة من القيام، وفي المصباح يقاومه أي يقوم مقامه وفي نسخة بدله ستفاوتة بالفاء والتاء المثناة الفوقية من قولهم تفاوت الشيآن إذا اختلفا وتفاوتا في الفضل تباينا فيه نفاوتا بضم الواو كما في المصباح أيضا والنسختان متقاربتان معنى لأنّ المراد أنّ كيفيتها متباينة وقواها متساوية والقوّة كما مرّ مبدؤ التغير والتأثر من آخر في آخر. فائدة: التفاوت تفاعل بضم العين وهي الواو مصدر بمعنى المفاعلة وفي أدب الكاتب أنه يجوز فيه كسر الواو وفتحها على خلاف القياس ولا نظير له، وقوله متعانقة من العناق وقوله: متلازمة عطف تفسير له وكذا ما بعد. وقد قيل عليه إن محصل كلامه أنه يلتزم وجود مركب من العناصر على اعتدال حقيقي ولا يقنع بذلك بل يدعي كونه محسوساً مشاهداً وفيه أنه إذا أعاد تلك الأجزاء بحيث تكون المقادير الحاصلة من الكيفيات الأربع في تلك الأجزاء متساوية بحسب أحكام محالها ومتفاوتة في أنفسها بحسب الشدّة والضعف حتى يحصل منها كيفية عديمة الميل إلى الطرفين المتضاذين وتكون على حاق الوسط بينهما فلا محالة في صيرورة هذا المزاج الحاصل من تفاعل تلك الكيفيات المتكافئات في المقدار والكيفية معا مزاجاً معتدلاً حقيقياً، ومثل هذا المزاج وان وقع الاختلاف بين العقلاء في إمكان وجوده لا خلاف لأحد في امتناع وجوده في زمن يسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 لسرعة التحلل أو لسرعة تفرّق الأجزاء لأنه لا يكون جزء غالب قاسر للمركب على التماسك والتقرّر لتداعيه إلى التفرّق والميل إلى المركز كما في شرح المواقف وما ثبت بالبرهان امتناع بقاء موجوده كيف يمكن إعادته وخلوده فقوله كما يشاهد الخ إن كان مثالاً لعدم الانفكاك فمسلم لكنه لا يفيد وأن كان لوجود المعتدل الحقيقي فلا وهو جواب جدلي والحق عنده هو قوله هذا الخ. قوله: (واعلم الخ الم يذكر الملابس لأنها ليست من المعظم عنده لأنّ المراد به ما به بقاء الشخص! أو النوع أو أدخلها في المساكن تغليباً كما جعل البيت لباساً في عكسه، وفي المعظم إشارة إلى لذات أخر كالأصوات الحسنة لم يلتفت إليها، والملاك بكسر الميم وفتحها ما يقوم به الشيء وقوله كل نعمة الخ إشارة إلى أنّ قوله وهم فيها خالدون تكميل في غاية الحسن ونهاية الكمال لأنّ النعم وإن جلت والترفه وان عظم لا يسمّ ويكمل إذا تصوّر زواله وانقطاعه وقوله منغصة بالغين المعجمة والصاد المهملة أي مكدّرة وقوله غير صافية الخ تفسير له والشوب الخلط وقولهم ليسر، فيه شائبة مأخوذ منه ومعناه ليس فيه شيء مختلط به وان قل كما قيل: ليس فيه علقة ولا شبهة فهو فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية قال في المصباح: كذا استعملوه ولم أجده في اللغة وقال الجوهريّ: الشائبة واحدة الشوائب وهي الأدناس والأقذار وقوله: بشر المؤمنين بها أي بالجنات وهو ظاهر وأبهى أفعل تفضيل من البهاء وهو الحسن أي أحسن، والمراد بقوله مثل أنه ذكر ما يماثلها في الصورة بما عرفوه في الدنيا لأنه على صورته إن كان أجل وأعظم لذة، وليس المراد أنه تشبيه أو مجاز كما مرّ تقريره في قوله وأتوا به متشابها، وما قيل من أنّ البشارة على طريقة أهل الشرع والتمثيل على طريقة الحكماء فإنهم يقولون المراد بالجنات التي تجري تحتها الأنهار والأزواج ورزق الثمرإت لذات عقلية شبيهة بالحسيات ولو قال المصنف رحمه الله أو مثل كان أوضح تعسف لا حاجة إليه لما قرّرناه لك. قوله: (لما كانت الآيات السابقة الخ) قيل إن هذه الآية جواب عن قول قوم من الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما يستحيي ربك أن يخلق البعوض! والذباب ونحوهما مما يصغر في نفسه ولا يخفى ما فيه أو قالوا أما يستحيي ربك أن يذكر البعوض! والذباب وملوك الأرض يأنفون من ذلك فقال تعالى جوابا لهم: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} الخ وقال الزجاج:) نها متصلة بقوله فلا تجعلوا لله أندإداً أي لا يستحي أن يضرب مثلا لهذه الأنداد، وقال الفراء ليس في البقرة ما يكون المثل جوابا له فعلى هذا هو ابتداء كلام لا ارتباط له بما قبله وهذا وإن جاز لكن الأنسب بكل آية أن ترتبط بما قبلها وتناسبه بوجه ما، ولذا ذهب المصنف رحمه الله تعالى إلى بيان الارتباط بأنه لما وقع قبله تمثيل أتى بما ينبه على أنه واقع في محرزه وأنه ليس بمستنكر فهي مرتبطة بما ذكر من أوّل السورة إلى هنا أو ببعضه فتدبر. والمراد بالتمثيل في كلامهم هنا التشبيه مطلقا سواء كان في مفرد أو مركب على وجه ألاستعارة أولاً مثلاً أو لا ولا يخص بشيء حتى يرد عليه أنه كيف يرتبط بما لم يذكر في بعض الوجوه، والحاصل أنه ذكر لمناسبة هذه الآية وارتباطها بما قبلها وجهين الأوّل ما أشار إليه بقوله الآيات السابقة متضمنة الخ يعني أنه سبق في النظم تمثيلات وأمور تدل على مطلق التشبيه كما بيناه في أثناء ذكر فرق الناس كما يعلم من تقريره سابقا، والثاني ما في ذكر الكتاب وأنه من عند الله من غير ريب وأن ارتاب فيه بعض العقول القاصرة بسبب ما وقع فيه من التمثيل ببعض أمور ظاهرها حقير ريبة لا وجه لها لتوهم أنه لا يليق بالكتب السماوية أو بعظمة الربوبية فبين الأوّل بما يتضمن توضيحه وتقويته وهذا هو الوجه الأول في الكشاف وفي كلام المصنف إلى قوله وأيضاً الخ وستراه كنار على علم. قوله: (عقب ذلك ببيان الخ) جواب لما، وذلك إشارة إلى الآيات السابقة وذكر لتأويله بالمذكور وعقبه بمعنى أورده بعده في عقبه متصلا به وقوله ببيان متعلق بعقب مضاف لحسنه وفي نسخة جنسه بجيم ونون، وما هو الحق معطوف على قوله حسنه في محل حرّ وقوله والشرط بالجرّ عطف على حسنه أو على ما الموصولة أو بالرفع معطوف على قوله الحق، والضمائر الثلاثة المتصلة راجعة للتمثيل على كلا التقديرين وهو عائد الموصول فلا تفكيك فالقول بأنه ركيك ركيك ومن قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 المعنى أنه أورد عقيبها ما يدل على حسن التمثيل وعلى الشيء الذي هو أي التمثيل حق لأجل ذلك الشيء وذلك الشيء شرط في قبول التمثيل عند أهل اللسان على أن يكون قوله والشرط عطفاً على قوله وما هو الحق له وفيه ركاكة التفكيك والظاهر أنه راجع إلى ما وضمير له راجع إلى التمثيل وكذا ضمير فيه وقوله والشرط عطف على قوله الحق أي وبيان الشيء الذي ذلك الشيء حق للتمثيل أي ثابت ولازم له وشرط في قبوله عند العقلاء والبلغاء، وذلك أن يكون التمثيل على وفق الممثل له فقد أطال بغير طائل وأتى بما لا وجه له لما عرفتة وحسنه لأنه تعالى مع عظمته وبالغ حكمته لما لم يتركه وأكثر منه دلّ على حسنه أو لأنه لما قال: لا يستحيي دلّ ذلك على حسنه لأنّ القبيح من شأنه أنّ فاعله يستحي منه وهذا على نسخة وستأني الأخرى، وحقه أن يكون جارياً على نهج السداد كما يدل عليه قوله: {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة البقرة، الآية: 26] وشرطه أن يكون على وفق الممثل له فقط لأنّ المقصود به الكشف عن حقيقته ورفع حجاب الشبه عنه وابرازه عياناً وقوله المشاهد المحسوس قذم فيه المشاهد على المحسوس وان قيل إنّ الظاهر ائعكس لأنّ المشاهد يستعمل كثيراً بمعنى المتيقن فلذا أورد بعده المحسوس ليتعين المراد به. قوله: (وهو أن يكون على وفق الممثل له الخ) الظاهر أنّ الضمير راجع لما الموصولة وأنّ الشرط معطوف على الحق فيكون الحسن مسكوتاً عنه ولو رجع لكل ما ذكر لتاويله بالمذكور يكون شاملا للحسن وهو الأحسن وحسته بإبرازه في صورة المشاهد المحسوس والحق فيه أن يكون على نهج السداد، وكونه على وفق الممثل له على ما بينه المصنف هو شرطه، وهذا على النسخة المشهورة وهي أنّ حسنه بحاء وسين مهملتين بينهما نون من الحسن ضد القبح على ما في كثر النسخ وعليه أرباب الحواشي، وفي بعض النسخ جنسه بجيم وسين مهملة بينهما نون وهو الجنس اللغويّ العرفيّ لا المنطقيّ المقابل للنوع والجنس مستفاد من تنكير مثلا لأنّ النكرة موضوعة للجنس لا للفرد المنتشر على الأصح وبيان ما هو الحق له معناه بيان الذي التمثيل حق له من المعنى الممثل له وهو ههنا كفر الكافر وفسقه المدلول عليهما بقوله وأمّا الذين كفروا وقوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} [سورة البقرة، الآية: 26، وقال الرازي: فإن قلت مثل الله آلهتهم ببيت العنكبوت وبالذباب فأين تمثيلها بالبعوضة فما دونها. فلت لأنه كأنه قال إنّ الله لا يستحيي أن يضرب مثل ا-لهتكم بالبعوضة فما دونها فما ظنكم بالعنكبوت والذباب وفي تبيين الشرط وهو أن يكون على وؤق الممثل الخ من هذه الآية محل تأمّل انتهى) أقول الا يخفى ما فيه فإنه مع مخالفته للنسخ المعروفة المألوفة لا وجه لما ذكره في تفسير الحق والحق ما مرّ نعم ما أشار إليه من أن أحد ما ذكروه من النظم فيه خفاء حق إلا أنه يندفع بالنظر الصادق المحفوف بالعناية والممثل الأوّل في كلام المصنف رحمه الله اسم مفعول والثاني اسم فاعل والأوّل ما ضرب له المثل والثاني هو الضارب نفسه. قوله: (ليساعد فيه الوهم العقل ويصالحه الخ) إشارة إلى ما ذكره أهل المعقول من أنّ الوهم قوّة جسمانية للإنسان بها يدرك الجزئيات المنتزعة من المحسوسات فهي تابعة للحس فإذا حكمت على المحسوسات كأن حكمها صحيحاً وإذا حكمت على غير المحسوسات بأحكامها كان كاذباً والنفس منجذبة إلى الوهم والحس لسبقهما إليها فهي مسخرة لهما حتى إنّ أحكام الوهميات ربما لم تتميز عندها من الأوّليات لولا دافع من العقل أو الثرع والمراد بمساعدة الوهم للعقل أنّ العقل وهو قوّة للنفس بها تدرك المعاني والكليات سواء كانت محسوسة الجزئيات أولاً إذا ذكر معنى أدركه وضرب له الوهم مثلا بجزئي يحكيه وشبهه به فقد ادّعى أنه من أفراده الموجودة في الخارج، وبذلك يتخيل أنه محسوس مشاهد وأنه لابس لحلة من حلله أخذها من خزانة الوهم فتبين بذلك وثبت تحققه في نفس الأمر وهذا معنى مساعدة الوهم له، ومعنى مصالحته له أنّ ما يدرك كل واحد منهما مغاير لما يدركه الآخر لإدراك الوهم لما ينتزع من الجزئيات المحسوسة والعقل للمعاني والكليات فبادّعاء أنّ أحدهما عين الآخر تصالحا على الاشتراك فيه عند النفس التي قضيت بذلك، والمراد بحب المحاكاة أنها تحب محاكاة المعقول بالمحسوس أي تكثر منه فكأنها تحبه وتألفه وهذا مما لا غبار عليه، فسقط به ما قيل من أنّ عدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 مساعدة العقل إنما هو في بعض الأحكام العقلية مثل أنّ بعض الموجودات غير متحيز إذ الوهم لألفه بالمحسوسات حكم حكماً تخييليا بأنّ كل موجود متحيز، وأمّا في المعارف الممثل لها في القرآن كوهن اتخاذ أولياء من دون الله فليس بظاهر أنه مما ينازع فيه الوهم العقل وإن سلم التنازع فتمثيله باتخاذ العنكبوت بيته لا نسلم أنه ينفي اقى اع فيه فالأولى الاقتصار على أنّ المعنى الصرف له خفاء فإن مثل بالمحسوس صار ظاهرا وارتفعت عنه الشبهة. قوله: (كما مثل في الانجيل الخ) تمثيل لوقوعه في الكشب السماوية لا لدفع الإنكار كما قيل في قول الزمخشري والعجب منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال ولقد ضربت الأمثال في الإنجيل لما أورد عليه من أن المنكرين إذ ذاك يهود أو مشركون وهم لا يعتقدون حقيقة الإنجيل وان قيل: في دفعه ما قيل، وما ذكر إشارة إلى ما في الإنجيل من قوله لا تكونوا كمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرج الحكمة من أفواهكم وتبقون الغل في صدوركم، وقوله قلوبكم كالحصاة التي لا تنضجها النار ولا يلينها الماء ولا تنسفها الريح وقوله: لا تثيروا الزنابير فتلدغكم أي لا تخالطوا السفهاء فيشتموكم كذا أورده في التفسير الكبير، وقوله: غل الصدر أصل الغل الحقد على الناس، والمراد به هنا ما يخفيه المرء مما لا يجب الاطلاع عليه، والمراد أنهم يقولون ما لا يفعلون وهو تشبيه لطيف وجهه إخراج الدقيق وأبقاء النخالة فهو كحفظ ما لا ينبغي حفظه، والنخالة بالضم معروفة وشبه القلوب القاسية بالحصاة وصرّح بوجه الشبه فيه وهو ظاهر وليس تشبيهها بالصخرة أبلغ كما يتوهم لأ) ، الحصاة أقرب إلى هيئة القلب وأشدّ اكتنازاً منها مع ما فيها من الإيماء للتحقير، والزنابير جمع زنبور وهو 5! روف. قوله: (وجاء في كلام العرب الخ) مثل أوّلاً بما في الكتب الإلفية وقدمه لتقدمها ذاتا وشرفا ثم أتبعه بم! " اشتهر في كلام العرب وشهرته بين العقلاء والبلغاء من غير نكير في المحقرات وغيرها مما يدل على أنه مطلقاً مقبول. وقوله أسمع من قراد أسمع أفعل تفضيل من السماع والقراد بالضم والتخفيف ما يلصق بالإبل ونحوها من الهوامّ وقال الميداني: أنها تسمع أخفاف الإبل من مسافة بعيدة فتتحرّك لاستقبالها وهذا بناء على زعمهم فيما اشتهر بينهم فلا وجه لما قيل إنّ ذلك بالإلهام لا بالسماع كما لا يخفى وقوله أطيش من فراشة أي أخف وفي مثل آخر أضعف من فراشة والمراد ضعف البنية والإدراك ذكرهما الميدانيّ فمن قال إنّ المصنف رحمه الله غير قول الزمخشري: أضعف من فراشة فأحسن لأنها مثل في الطيش لا في الضعف لم يصب مع ما فيه من الضعف وقوله: أعز الخ أعز أفعل تفضيل من العزة بمعنى الندور وقلة الوجود لا من العز ضد الذل، والمخ الدماغ والدهن في داخل العظام ويتجوّز به عن المقصود من الشيء، والبعوض سيأتي تفسيره. قوله: (لا ما قالت الجهلة من الكفار الخ) قيل: ليس في الظاهر شيء يعطف عليه هذا الكلام فالصحيح أن يقال: إنّ ضرب المثل جائز عليه تعالى لا ممتنع كما قالت الجهلة من الكفار من أنّ الله تعالى أعلى من أن يضرب المثل بما ذكر، وقيل: إنه لا يخلو عن تكلف والظاهر أن يقول رذاً لما قالت الجهلة ليكون علة لقوله عقب ذللث، وقيل: إنه معطوف على قوله أن يكون على وفق الممثل له، يعني ما هو الحق في التمثيل والشرط له أن يكون على وفق الممثل له لا ما يفهم مما قالته الجهلة إنه ينبغي أن يكون مناسباً لحال الممثل بزنة اسم الفاعل ولا يخفى أنه لا حاجة إليه مع قوله دون الممثل فلو قيل: إنه معطوف على مقدّر يفهم مما قبله أي والحق هذا لا ما قالت الخ كان أظهر فيفيد ما ذكر من غير تكلف وقوله الله سبحانه وتعالى أعلى وأجل مبتدأ وخبر مقول قوله قالت الخ. قوله: (وأيضاً لما أرشدهم الخ) هذا هو الوجه الثاني وهذه الشرطية معطوفة على الشرطية السابقة وهي قوله لما كانت الآيات والإرشاد الدلالة على الخبر وقوله وحي منزل هو من قوله: {مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [سورة البقرة، الآية: 23] وقوله ذلك الكتاب الخ ووعيد من كفر بقوله فإن لم تفعلوا الخ ووعد من آمن بقوله وبشر الذين آمنوا الخ وظهور أمره الوقع في الخارج من نفي الريب والإشارة إليه. وقوله شرع الخ جواب لما والفرق بين الوجهين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 أنه في الأوّل لتقوية التمثيلات والاستعارات السابقة وبيانها والذلت عنها، وفي هذا هو لتقوية المتحدّي به وتأييد ما يزيل الريب عن المنزل لأنه لما ذكر الذباب والعنكبوت ضحكت اليهود وقالوا هذا لا يشبه كلام الله، وعلى الأوّل هو مربوط بما ذكر من أوّل السورة الى هنا أو بقوله إن الذين كفروا الخ. وهو متعلق على هذا بقوله وان كنتم في ريب الخ كأنه لما نفى توهم الريب فيه عةجه بذكر بعض ما أوقعهم في غيهم وغيابة ريبهم وقيل: إنه ذكر وجهين الأوّل منهما مبني على أنها مربوطة بقصة المنافقين وتمثيلهم تارة بمستوقد نار وتارة بأصحاب صيب جيء به لبيان حسن مطلق التمثيل الداخل فيه تمثيل المنافقين بما ذكر دخولاً أوليا، والثاني على أنها مرتبطة بآية التحدي بالقرآن ذكرت لذيّ الطعن فيه بعد ثبوت إعجازه وتال الطيبيّ على هذا نظم الآية بما قبلها نظم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ} [سورة البقرة، الآية: 6] الخ في كونها جملة مستطردة كما قاله الإمام. وقيل: إنه إشارة إلى مناسبة وضمع هذه الآية هنا ولم توضع في سورة العنكبوت أو الحج عقب المثلى المستنكر لأنه جواب عن شبهة أو ردت على إقامة الحجة على حقية القرآن بأنه معجز فكان ذكرها هنا أنسب، ووجهه أنه من الريب الذي هو في نهاية الاضمحلال وقد تقدمه ما هو من باب المثل، وفيه استطراد والاستطراد من أدق وجوه الارتباط وسيأتي بيانه (وههنا بحث مهم) وهو أنهم ذكروا أنّ المقصود من هذه الآية الرذ على من ارتاب بسبب ضرب الله العظيم الأمثال المحقرة بأنه لا ضير في ذلك فإنّ اللازم فيها إنما هو مناسبة الممثل به للممثل لا لمن أورده وحسنه ولطفه بكشف المعقولات وجلوتها على منصة المحسوسات مكسوّة بحلل للطائف ودقائق البلاغة حتى لاهدها الفطرة الوقادة والبصيرة النقادة، ولا غبار على هذا إنما الكلام في أنّ النظم كيف يدلّ على ما ذكره المصنف هنا فإنه مما خفي على كثير من الناس حتى أنكروه ولم نر فيه ما يشفي الغليل وتوضيحه أنهم لما قا اوا أما يستحي الرب الخ أجيبوا بنفي الاستحياء من ضرب كل مثل حقير وقليل ويفهم منه أنه لا قبح فيه، وأمّا حسنه وعلوّ مرتبته فيفهم من نفس المثل لأن كل أحد من أهل اللسان يعرف أنّ ما شبه مورده بمضر به سار في البلدان وسائر على كل لسان للطف لفظه ومعناه وهذا لشهرته غنيّ عن التصريح به ألا ترى إلى قوله في كثرة الاغتراب: لا أستقرّبأرض قدمررت بها كأنني بكرمعنى سارفي مثل قوله: (والحياء انقباض النفس الخ) إشارة إلى أنّ للنفس عوارض! نفسانية وهي كيفيات نعرض للنفس تبعاً لانفعالات تحدث لما يرتسم في بعض قواها من المنافع والمضارّ فيوجب لغيراً في البدن ويلزمها حركة الروج والدم الصافي النير إمّا إلى خارج دفعة كما في حال الغضب الشديد أو قليلا قليلا كما في حال الفرح واللذة المعتدلين أو إلى داخل دفعة كما في الفزع الشديد أو قليلاَ قليلاً كما في الغم الضعيف ولذا قال الحكماء: الغم جهاد فكري أو إلى داخل وخارج كما في الخجل فانقباض النفس انكفافها العارض من إدراك ما لا تريد وحينئذ يعرض! للقلب ما يهيج حرارته الغريزية والنفس تكون بمعنى الروح الحيوايئ أو الدم الصافي في القلب وحركته لما مرّ، فلذا يحمرّ منه الوجه ويتجوّز فيه فيطلق على أثره الخجل حتى تظرّف القائل: أبدى صنيعك تقصير الزمان ففي خد الربيع طلوع الورد من خجل وفي الكشاف والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويذم وتفصيل تحقيقه كما في ذريعة الشريعة للإمام الراغب أن الحياء انقباض النفس عن القبائح وهو من خصائص! الإنسان يرتاع به عما تنزع إليه الشهوة من القبائح وهو مركب من جبن وعفة ولذا لا يكون المستحيي فاسقاً ولا الفاسق مستحيياً والمستحيي شجاعا ولذا يجمع الشعراء في المدح بين الشجاعة والحياء كقوله: يجري الحياء الغفق في قسماتهم في حين يجري من أكفهم الدم ومتى قصد به الانقباض فهو مدح للصبيان دون المشايخ ومتى قصد به ترك القبيح فمدح لكل أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وبالاعتبار الأوّل قيل: الحياء بالأفاضل قبيح وبالاعتبار الثاني قيل: إنّ الله يستحيي من ذي الشيبة في الإسلام أن يعذبه، وأما الخجل فحيرة النفس لفرط الحياء ويحمد في النساء والصبيان ويذمّ باتفاق من الرجال والوقاحة مذمومة بكل لسان إذ هي انسلاخ من الإنسانية وحقيقتها لجاج النفس في تعاطي القبيج واشتقاقها من حافر وقاح أي عحلب ولذا قال الشاعر وأ جا د: يا ليت لي من جلدوجهك رقعة فأقدمنها حافراللأشهب انتهى والحاصل أنّ هنا أموراً ثلاثة حياء وخجلا ووقاحة، ومغايرة الوقاحة لهما ظاهرة لأنها عدم الانتهاء وكف النفس عن القبائح وأما الوقاحة في قوله: وطالما قالوا ولم يكذبوا سلاح ذي الحاجة وجه وقاج فمجاز عن الإلحاح في تحصيل المراء وليس مذموم مطلقا وإنما الكلام في الفرق بين الحياء والخجل فعلى ما ذكر. الراغب رحمه الله هما متغايران وان تلازما لأنّ الخجل حيرة واقعة بعد الحياء وأيضا الحياء يذمّ ويحمد من الرجال بخلاف الخجل والثلاثة ملكات وكيفيات نفسانية وإنما كان الحياء بمعنى انقباض! النفس محموداً من الصبيان لأنه يدل على العقل الغريزي وأمّا في الرجال فيذمّ لدلالته على قوّة الشهوة والهوى المنازع للعقل فتدبر. قوله: (والخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقاً) هذا مما زاده على الكشاف لأنّ الحياء لما كان وسطاً توقف معرفته على معرفة طرفيه فلذا ذكرهما والمراد بانحصارها نحيرها ودهشتها لفرط الحياء كما مرّ عن الراغب وقوله مطلقاً فسر في الحواشي بأنه سواء كان الفعل قبيحاً أولاً وسواء كان ذلك الانحصار لأجل مخافة الذم أولاً ومع ذلك جعل الحياء وسطاً ولا يخفى ما فيه فإنه حينئذ يكون أعتم من الحياء لأنه مقيد بما ذكر، ويخالف ما قاله الراغب: ولا يخفى أنه لا يكون إلا فيما يذمّ والمرأد ما يذمّ عادة سواء ذمّ شرمحا أم لا كانفلات الريح والظاهر أنّ الخجل أخص من الحياء فإنه لا يكون إلا بعد صدور أمرّ زائد لا يريده القائم به بخلاف الحياء فإنه قد يكون مما لم يقع فيترك لأجله وقوله في القاموس: وغيره من كتب اللغة خجل استحيا بناء على تسامحهم في أمثاله ثم إنه في الكشف قال إنه لم يرد بما ذكر تعريف الحياء فقد يكون لاحتشام من يستحيا منه بل هو الأكثر لكنه لما كان أمرا وجدانيا غنياً عن التعريف من حيث الماهية محتاجا إلى التبينة لدفع ما عسى يعرض! له من الالتباس نبه على أنه الأمر الذي يوجد في تلك الحالة، وهكذا الحكم في تعريف سائر الوجدانيات من العلم والإدراك وغيرهما فليحفظ هذأ الأصل فقد زل لإهماله كثير من حذاق العلماء، وتبعه الشارح المحقق وفيه أنّ قوله إنه وجدانيّ غنيّ عن التعريف لبداهته والتعريف يكون للنظريات مسلم في الأفراد الجزئية بالنسبة لمن قامت به، وأمّا الماهية الكلية فليست كذلك وهي المقصودة بالتعريف فما ادّعى من غفلة الحذاق عنه مما أصابته عين الكمال ولا حاجة إلى أن يقال إنه عرّف ليبني عليه كيفية جواز إطلاقه عليه تعالى وأمّا الاعتراض عليه بأنّ قوله قد يكون لاحتشام من يستحيا منه لا يعلم إلا بعد معرفة الحياء فهو دوريّ وأنّ ما ذكر خشية لإحياء لأنها خوف يشعر بتعظيم المخشي ومعرفته به فساقط لأنه بديهيّ عنده، ولأنّ الخشية لا تغاير الحياء من كل الوجوه كما يعلم من كلام الراغب. قوله: (واشتقاقه من الحيوة الخ (في الكشاف واشتقاقه من الحياة يقال حي الرجل كما يقال نسي وحشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء جعل الحيي لما يعتريه من الانكسار والتغير منتكس القوّة منتقص الحياة كما قالوا هلك فلان حياء من كذا ومات حياء، ورأيت الهلاك في وجهه من شدة الحياء وذاب حياء وجمد في مكانه خجلاَ وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بعينه والنسا بفتح النون والقصر عرق يخرج من الورك وششبطن الفخذين ثم يمرّ بالعرقوب، ومنه المرضى المعروف بعرق النسا ومعنى حشي اعتل حشاه بأن أصابه الربو وهو مرض معروف يعلو منه النفس والحشا ما انضمت عليه الضلوع وهو قريب من الجوف معنى والأفعال الثلاثة من حشي ونسي وحيي بزنة علم والحيوة في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 قول المصنف واشتقاقه من الحيوة ريص م في جميع النسخ بوإو بعد الياء كما ترسم الصلوة ونحوها كذلك فتقرأ ألفاً وقيل: إنها ولفظا وخطا بوزن تمرة، ولم يعل لئلا يلتبس بحية واحدة الحيات وهو خطأ منه غرّة فيه ما وقع في القاموس فإنّ هذه اللفظة لم تثبت إلا شذوذاً فلا وجه لجعلها أصلا وان لم نقل باختصاصها بالعلم وفي تصريف أبن عصفور المسمى بالممتنع كون العين ياء واللام واواً نحو حيوت لا يحفظ في كلامهم في اسم ولا فعل فأمّا الحيوان وحيوة فشاذان والأصل فيهما حييان وحية فأبدلوا من إحدى الياءين واواً وزعم المازنيّ أنّ هذا مما جاء عينه ياء ولامه واوا وهو فاسد إلى آخر ما فصله. قوله: (فإنه انكسار يعتري الخ) هذا مما لم يتعرّض! أحد من شرّاح الكتابين لإماطة لثام الخفاء عنه وها أنا أفيدك ما به شفاء الصدور فأقول تحقيقه أنّ أبنية الأفعال وصيغها لها معان كما عقدوا لها بابا في مفصلات العربية وأصلها أن تكون لوجود مأخذ الاشتقاق والمعنى المصدري في الفاعل وقد تجيء لغير ذلك كما في رأسه وجلده إذا أصاب رأسه وجلده وللإزالة كما في قشر. إذا أزال قشره وللأخذ منه نحو ثلثه إذا أخذ ثلثه وقد تكون لإصابة آفة بأصله سواء كان معنى أو عينا وان خصه في التسهيل بالثاني كنسي إذا اعتل نساء وهذا معنى مستقل ويجوز إرجاعه للإزالة أو للإصابة أو الأخذ منه لأنه ينقص بنقص قوّته، ويؤيد الأوّل تمثيله له في الكشاف بقوله هلك فلان حياء كما يؤيد الأخير قوله منتقض الحياة إذا عرفت هذا فقوله انكسار الخ يعني به أنّ الحياة يتبعها قوى نفسانية كالإحساس ونحوه فإذا استحيا إنسان كانت قواه المحركة له لانقباضها منكسرة عما يريده، ولهذا أشار العلامة الكرمانيّ في شرح البخاريّ فقال الحياء الخوف من الحياة خوف المذمّة وقال الواحديّ: قال أهل اللغة الاستحياء الحياة لأن استحياء الرجل من قوّة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الذئم والعيب والحياة من قوّة الحس وهو عكس ما قاله الزمخشري: ولقد أجاد المصنف رحمه الله في صنيعه حيث فسر الحياء أوّلاً ثم أتى في بيان اشتقاقه ما فسره به الزمخشريّ تتميماً للفائدة وايماء إلى تحادهما والانكسار إمّا مطاوع انكسر بالمعنى المشهور أو بمعنى الرجوع والانهزام فإنه شاع بهذا المعنى كما قال بعض المتأخرين: لقدكسرالشتاءقدوم ورد فإنّ الورد شوكته قوية وهذا من المتن الإلهية والفوائد التي لا يعثر بها نظرك في غير هذا الكتاب. قوله:) وإذا وصف به الباري الخ) في شرح التأويلات للسمرقندفي اختلف أهل الكلام في إضافة الحياء إلى الله تعالى فقال قوم بجوازه لوروده في الآية والحديث لأنه قد يحمد منه ما لا يحمد من الشاهد كالكبر والحياء محمود فهو أحق بالإطلاق وقيل لا يجوز لأنه انقبا ضالقلب وانزواؤه لما يسوءه أو لخوف العجز وهو محال في حقه تعالى فلا يجوز إلا بتأويل كما سيأتي، ولما كان في الآية منفيا عنه وهو لا يقتضي اتصافه به ظاهراً أتى بالحديث الصريح فيه فقال كما جاء في الحديث الخ والحديث الأوّل اخرجه البيهقي في الزهد عن انس رضي الله عنه وابن أبي الدنيا عن سلمان رضمي الله عنه والثاني أخرجه أبو داود والترمذيّ وحسنه والحاكم عن سلمان وصححه بدون قوله: " حتى يضع فيهما خيراً) والحاكم عن أنس بهذه الجملة والشيبة بفتح فسكون مصدر شاب يشيب شيبا وشيبة، وبطلق على اللحية الشائبة أيضاً وكلاهما محتمل في الحديث والمسلم بالجرّ بدل من ذي بمعنى صاحب أو صفته وأن يعذبه بأن المصدرية بدل اشتمال مما قبله أي يستحيي من تعذيبه، وقوله إنّ الله الخ حديث آخر، ولم يعطفه لقصده التعديد وحيي بثلاث يا آت فعيل من الحياء بمعنى مستحي وقوله يستحيي الخ جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وإذا رفع الخ يدذ على استحباب رفع اليدين في الدعاء كما يستحب مسح الوجه بهما أيضاً كما أثبته ابن حجر في فتاواه الحديثين ورفعهما نحو السماء لأنها قبلة الدعاء تعبدوا وان كان الله تعالى منزهاً عن المكان والجهة وقيل: توجه للقبلة كما في شرح العقائد العضدية وفيه كلام ثمة، وقوله صفرأ بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء ثم راء مهملة بمعنى خال لا شيء فيه مأخوذ من الصفير، وهو الصوت الخالي من الحروف يقال: صفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 يصفر كتعب إذا خلا فهو صفر وأصفر لالألف لغة فيه ولم يقل صفرين لأن اليدين كشيء واحد، ولأنه يستوي فيه الواحد المذكر وعيره لأنه مصدر في الأصل وفي الكشاف هو جار على سبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد، انه لا يرد يديه صفراً من عطائه لكرمه بترك من يترك رذ المحتاج إليه حياء منه وفي الانتصاف لمائل أن يقول ما الذي دعاه إلى تأويل الآية مع أنّ الحياء الذي يخشى نسبة ظاهره إليه تعالى مسلوب في الآية كقولنا الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض في معرض! التنزيه والتقديس وأمّا تأويل الحديث فمستقيم لأنّ الحياء فيه مثبت له تعالى، ويجاب بأن السلب في مثله إنما يطرأعلى ما يمكن نسبته إلى المسلوب عنه إذ مفهوم سلب الاستحياء عنه في شيء خاص ثبوته له في غيره فالحاجة داعية إلى تأويله وإنما يتوجه السؤال لو كان مسلوبا مطلقاً وقال العلامة فإن قيل يرد عليه النقض بقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [سورة البقرة، الآية: 255] و {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ} [سورة المؤمنون، الآية: 91] {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وأمثالها فإنها إن كانت إيجابات ورد السؤال عليها وان كانت سلوباً فلم لا لكون قوله لا يستحيي سلبياً فنقول نفي الحياء وصف مذمّة كما يقال للخائض فيما لا ينبغي لا حياء له ولا يكون مذمة إلا إذا كان عما من شأنه الحياء فهو كمال له وسلبه عنه نقص وفي العرف لا يسلب الحياء إلا عمن هو من شأنه فلذا احتاج للتأويل بخلاف ما في الآيات الأخر، وأيضاً هو مقيد يرجع نفيه إلى القيد فأفاد ثبوت أصل الفعل أو إمكانه لا أقل فاحتاج إلى التأويل كما إذا قيل لم يلذ ذكرا ولم يأخذه نوم في هذه الليلة، وليس بعرض قارّ الذات. قوله: (فالمراد به الترك اللازم للانقباض الخ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ الانقباض النفسانيّ والتغير مما لا يحوم حول حظائر قدسه فلا بدّ من تأويله والتجؤز فيه بما يصح نسبته إييه تعالى كما في غيره من أمثاله، فأوّل بما ذكر وقوله في الانتصاف أن كلام الزمخشريّ يدل على أنّ التأويل إنما يحتاج إليه في الحديث دون الآية وهم يعرفه من عنده إنصاف لأنّ قوله وكذلك معنى قوله إنّ الله لا يستحي الخ ينادي على خلافه ولكن لكل جواد كبوة والعجب من بعض الناس إذ قال إنه أوجه وقوله اللازم يقتضي أنه مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه كالرحمة والغضب وقوله سابقا ترك من يستحيي ولاحقاً لما فيه من التمثيل يقتضي أنه استعارة تبعية سواء كانت تمثيلية أولاً كما مرّ تحقيقه ويدفع إن لم يقل بجواز الأمرين عند. وأنّ هذا إشارة له بأنه ليس مجازاً عن مطلق الترك حتى يكون كذلك بل عن ترك ناشئ من الاستحياء فيشبه تركه تعالى لها لحقارتها بترك العظيم سفساف الأمور استنكافا عنها كترك المشي في السوق وأطلق اسم المشبه به على المشبه، وذكره اللازم لأنّ كل مجاز مرسلا كان أو استعارة ينتقل فيه من الملزوم إلى اللازم غايته أن يكون اللزوم في الاستعارة بطريق التشبيه مبالغة لادعائه أنه منه فلذا اختاروه هنا وما قيل من أنّ هذا تكلف لأن الحياء ليس معناه حقيقة الترك حتى يشبه به تركه تعالى تخييب العبد الخ خبط غنيّ عن البيان. قوله: (ونظيره قول من يصف الخ) هو من قصيدة للمتنبي مدح بها ابن العميد أوّلها: نسيت وما أنسى عتاباً على الصد ولا خفراً زادت به حمرة الخد ومنها: كفانا الربيع العيس من بركاته فجاءته لم تسمع حداء سوى الرعد إذا ما استحين الماء يعرض نفسه كرعن بسبت في إناء من الورد وما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري بناء على ما رواه ابن جني في شرحه من أنه استحيز بمهملتين من الاستحياء، وبسبت في هذه الرواية بسين مهملة مكسورة وباء موحدة ساكنة ومثناة فوقية وهو الجلد النقيّ المدبوغ ومنه النعال السبتية، واستعير هنا المشافر الإبل لنقائها ولينها قال يقول إذا مرّت هذه الإبل بالمياه والغدران التي غادرتها السيول لكثرتها صارت كأنها تعرض نفسها على الإبل فتشرب منها وكأنها مستحيية منها لكثرة ما تعرض نفسها عليها وإن كان لا عرض هناك ولا استحياء في الحقيقة ولكنه جرى مثاً وكر عن بمعنى شربن وأصله ااحيوان يدخل أكارعه حين يخوض المياه ليشرب منها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 بفمه ثم عمّ لكل شرب وجعل الموضع المتضمن للماء لكثرة الزهر فيه كأنه إناء من ورد والمعنى أنه يصف كثرة مياه الأمطار في طريقه 8 انه أينما ذهب رأى الماء يجري فكأنه يسعى لإبله ليعرض نفسه عليها فالإبل تستحيي من ردّه هـ! نه سائل لا يردّ مثله نهرا لكثرة عرضه نفسه عليها فتكرع فيه بمشافر كالسبت والأرض المنبتة ا! ازهار كاناء من الورد ممتلئ ماء وقال أبو الفضل العروضيّ في شرحه للمتنبي: ما أصنع، / جل ادّعى أنه قرأ على المتنبي، ثم يروي هذه الرواية ويفسر هدّا التفسير وقد صححب روايتنا من جماعة منهم الخوارزميّ والشعوانيّ وغير ما إذا ما استجبن بجيم وباء موحدة استفعال من الأجابة وكر عن بشيب بثين مكسورة ومثناة تحتية ساكنة وباء موحدة والاستجابة بالغرض أشبه االمعنى أنّ هذا يعرض نفسه وذاك يجيب والكرع بشيب أن تثرب الإبل الماء فتصوّت مشافرها اضيب شيب اسم صوت في شربها كما في قول ذي الرمة: تداعين باسم الشيب في متثلم وقال الواحدي: ليس ما قاله ابن جني ببعيد عن الصواب والكرع في الماء بالسبت أحسن ! " ق مشفر الإبل يشبه في صحتة ولينه بالجلود المدبوغة بالقرظ كما في قول طرفة: وخد كقرطاس الشآمي ومشفر كسبت اليماني قذه لم يجرّد يقول تكرع فيه بمشافرها التي هي كالسبت وهو صحيح وشيب في حكاية صوت الإبل ءصد الشرب صحيح لكن لا يقال كرعت الإبل في الماء بثيب إذا شربته فالسبت هنا أولى انتهى اللت (إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فإنّ ابن جني وناهيك به يروي ديوان المتنبي عنه وقد 515 مت الرواية هنا الدراية فالحق ما قاله كما أشار إليه الإمام الواحدي ولذا رجحه العلامة ونظر / " من غير نظر إلى الرواية الأخرى التي عليها لا يكون نظيراً بوجه والتنظير باستعماله الاستحياء --. ت لا يتصوّر معناه الحقيقي لإسناده إلى الإبل وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله يصف إبلا " - يرد عليه انّ اللازم هنا عكس ما في القرآن فإن الاستحياء ثمة من الفعل ولازمه الترك وهنا 10، الترك ولازمه الفعل أي شرب الماء كما قيل: مع أنه يصح أن يراد باستحين تركن الانصرافء، واستحين فيه كقراءة من قرأيستحي بحاء مكسورة وياء ساكنة كما روي عن ابن كثير وهي اء، تميم وبكر كما فصمل وجهه في اللغة والتصريف فنقلت فيه حركة الياء الأولى إلى الحاء 11 صاكة فالتقى يا آن ساكنان فحذفت أولاهما واسم الفاعل منه مستح والجمع مستحون ومستحين اوص في البيت أمور أخر لطائف أدبية تركناها خوف الملل. قوله: (وإنما عدل به عن الترك الخ (اي عدل عن الترك الدالّ على المراد بالصراحة والمطابقة إلى ما ذكر من الاستحياء اا. حتاج للتوجيه لأنه اسنعارة وتمثيل وهي تدل على إثبات الشي! ببينة وتقرير مع ما فيه من المبالغة والبلاغة على ما تقرّر في المعاني، وهذا صريح في أنه ليس بمجاز مرسل كما مرّ وقيل: إنّ في كلامه احتمالات منها أنّ قوله لما فيه من التمثيل إشارة إلى أنه استعارة إمّا تمثيلية مركبة صرّج فيها بما هو العمدة من الاستحياء وجعل بواقي الألفاظ منوية كما سبق أو استعارة تبعية، والتمثيل بمعنى مطلق التشبيه ومنها أن قوله فالمراد به الترك اللازم للانقباض الخ إيماء إلى جواز كونه مجازاً مرسلاً من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم وفيه نظر، ثم إنه قيل إن في هذه العبارة خللا وحقها عدل إليه عن الترك قال الليث: العدل أن تعدل الشيء عن وجهه تقول عدلت فلانا عن طريقه وعدلت الدابة إلى موضع كذا، وتعديته بالباء إذا قصد به معنى التسوية قال الجوهري عدلت فلاناً بفلان إذا سوّيت بينهما فالجمع بين الباء وعن جمع بين الضب والنون ولا يخفى أنّ هذا إنما يرد عليه إذا جعلا للتعدية ولا داعي له غير محبة الاعتراض! والتشبث بأذيال النقض فالباء إمّا ظرفية أي إنما عدل في النظم أو التعبير أو سببية أكب إنما عدل عن الأصل بسبب ما ذكر، وهو أظهر من أن يخفى على مثله. نعم ما قيل هنا من أن الباء للتعدية والضمير راجع إلى التعبير المدلول عليه بالقرينة أي جعل التعبير عادلاً ومجاوزاً عنا الترك بمعنى أنه لم يقع به بل بالاستحياء ولا يجوز أن يرجع إلى الاستحياء لفساد المعنى يرد عليه ما ذكر مع ما فيه من التكلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 المؤدّي إلى التعقيد بغير فائدة، وقوله من التمثيل عرفت معناه وما قيل في شرحه أنه بمعنى الاستعارة التمثيلية وبه يظهر أنّ المستعار في الاستعارة التمثيلية قد يكون لفظا مفردا دالاً على أمور متعددة كما مرّ مرارا فلا تغفل تبرّع بما لا يملك لمن لا يقبل فتذكر. قوله: (وتحتمل الآية خاصة أن يكون مجيئه على المقابلة) المراد بالمقابلة هنا معناها اللغوقي لا ما ذكر في البديع أي مجيئه في هذه الآية لا الحديث ونحوه للمشاكلة لما وقع في كلامهم من قولهم أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت وفي الكشاف جاءت في سبيل المقابلة واطباق الجواب على السؤال وهو فن من كلامهم بديع وطراز عجيب منه قول أبي تمام: من مبلغ أفناءيعرب كلها أني بنيت الجارقبل المنزل وشهد رجل عند شريح فقال: إنك لسبط الشهادة فقال الرجل: إنها لم تجعد عني فقال: لله بلادك وقبل شهادته فالذي سوّغ بناء الجار وتجعيد الشهادة مراعاة المشاكلة ولولا بناء الدار لم يصح بناء الجار ولولا سبوطة الشهادة لامتغ تجعيدها وهو كما قاله الشارح المحقق، يعني أنّ المشاكلة في غير الاستعارة وظاهر أنه ليس بحقيقة لكن وجه التجوّز فيه غير ظاهر، ولذا قال: فن بديع وطراز عجيب، وظاهر كلامهم أنّ مجرّد وقوع مدلول هذا اللفظ في مقابلة ذاك جهة التجوّز والجواز لإخفاء في أنه يمكن في بعض صور المشاكلة اعتبار الاستعارة كان يشبه انقب! اض الشهادة عن الحفظ وتأتيها عن القوّة الذاكرة بتجعيد الشعر لكن الكلام في مطلق المشاكلة سيما في مثل قوله: قلت اطبخوا إلى جبة وقميصا فالمراد بالصحبة التي جعلت علاقة هنا الصحبة التحقيقية أو التقديرية والمتصاحبان مدلولاً اللفظين في الخيال لا اللفظان نفسهما في الذكر كما قيل لأنّ الصحبة الذكرية بعد الاستعمال والعلاقة مصححة للاستعمال فلا بد من تقدمها مع أنّ المتأخر الصحبة التحقيقية لا التقديرية والصحبة كما تكون تحقيقا تكون تقديراً كما أنها تكون بيم! الشيء ومشاكله وبينه وبين ضده كما في قوله من طالت لحيته تكوسج عقله، ومنها أيضا ماله علاقة أخرى على كلام فيه دكرناه في رسالة مستقلة وما قيل من أنّ المشاكلة واسطة بين الحقيقة والمجاز وأنّ العلاقة فيها الشبه الصوري كما تطلق الفرس على صورتها مما لا يلتفت إليه لظهور فساده. قوله: (وضرب المثل اعتماله الخ) اعتماله بمعني عمله واختراعه من عند نفسه لا بمعنى التكلم به مطلقاً كما بقوله من يورد مثلاً في كلامه، والاعتمال باللام كما وقع في كثير من النسخ مبالغة في العمل، ن صيغة الافتعال ترد كثيراً لذلك، ولما كان المخترع للمثل أتى بأمر بديع شبه بمن يجتهد في الصناعة ويتأنق فيها وقيل: إنه ليس بسديد لأنّ الاعتمال هو العمل لنفسه كما صرّج به في ا، ساس وهو لا يلائم قوله من ضرب الخاتم فإنه أعمّ من كونه لنفسه وغيره فالمخصوص وخمسه هو اضطرابه كما روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب خاتما من ذهب ثم ألقاه ثم أخذه من ورق نقش فيه محمد رسول الله والسديد اعتماده بالدال المهملة كما في بعض النسخ كما في الكشاف وهو القصد إليه وصنعه من ضرب اللبن وضرب الخاتم ولا يبعد أن يكون ما في الكتاب من تحريف الناسخ وسيأتي هذا في يس (أقول) تبع في هذا الفاضل التفتازانيّ في شرحه هنا فبنى عليه تخطئة الناسخ وليس في الأساس ما توهمه، والذي فيه إنما هو تفسير الاعتمال، التعميل بالاجتهاد ولا يتعمل لنفسه ويستعمل غيره ويعمل رأيه ويتعمل في حاجات الناس أي يتعنى ليجنهد وأنشد سيبور رحمه الله: إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجديوماً على من يتكل الخ ولو سلم أنّ الافتعال هنا للعمل بنفسه لأن افتعل يأتي لذلك كاكتحل وادّهن واتخذ فالمصنف توسع فيه فاستعمل المقيد للمطلق ومثله كثير سهل وما فسر به اضطرب في الحديث لا ينافيه وفص 5 في النهاية بأمر يضربه والحديث المذكور وان روي عن عليّ رضي الله عنه منسوخ بآخره كما صرّحوا به وقد فسر الاعتماد هنا بالذكر وبالقصد إليه وبجعل مضربه معتمدا على مورده وذكر المدقق في الكشف أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 إشارة إلى إظهار المناسبة بين الموضوع الأصليّ وهو الاعتماد المؤلم وبين ما استعمل فيه مناسبة وأشار إلى أنّ فيه معنى الجعل ولهذا جوّز تعديته إلى مفعول واحد والى مفعولين وأمّا أخذه من ضربك أي مثلك على معنى أن يمثل لهم مثلاً كما ذكره في سورة يس، فلم يذكره لأنه مرجوج ههنا، وفيه إشارة إلى أنّ المضرب والمورد في أمثاله تعالى لا يفترقان وإنه تعالى ضربه أشد لا أنه شبه المضرب بالمورد وأنه متناول للتشبيه التمثيليّ والاستعارة التمثيلية فاشية كانت أولاً. قوله: (وأصله وقع شيء على آخر) أي معنى الضرب الحقيقي هو إيقاع شيء على شيء وهل يعتبر قصد الإيلام فيه أولاً فيه كلام لهم وقال الراغب الضرب إيقاع شيء على شيء وضمرب المثل من ضرب الدراهم وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره فهذا مجاز متفرّع على مجاز آخر ملحق بالحقيقة لاشتهاره أو هو حقيقة عرفية وقوله وأن بصلتها مخفوض الخ في الكشاف أن استحيا يكون متعدّيا بالحرف وبنفسه وعلى الأوّل اقتصر المصنف رحمه الله تبعا للراغب إمّا لأنه الأفصح أو لأنّ الآخر عنده من الحذف والإيصال وحينئذ فمحل المصدر إفا نصب أو جز على الخلاف المشهور وعلى الثاني نصب قطعا، وما قيل: من أنّ يستحيي إذا كان بمعنى يترك استغنى عن حرف الجرّ لأنّ الترك يتعدى بنفسه فإن كان بمعناه الحقيقيّ يجب تقدير الحرف غفلة عن أنّ المجاز المخالف لأصله في التعدية يجوز فيه النظر لأصله، ولمعناه المجازي كما قرّرناه في محله فتدبر. قوله: (وما إبهامية تزيد النكرة إبهاماً الخ) يعني أنها اسم بمعنى شيء يوصف به النكرة لمزيد الإبهام وسذ طريق التقييد وقد يفيد مع ذلك معنى آخر كالتحقير في نحو أعطاه شيئاً ما والتعظيم في نحو لا مرّ ما جدع قصير أنفه والتنويع في نحو اضربه ضربا ما وهذا مما يتفرع على الإبهام فهي على هذا اسم يوصف به كما يكون موصوفا وبه صرّج النحاة كابن هشام وغيره، وقال أبو البقاء: إنها نكرة موصوفة فقدر صفتها وجعل بعوضة بدلاً منها وغيره جعلها صفة لها واليه ذهب الفرّاء والزجاج وثعلب فما بدل من مثلا وجعلها الزمخشرفي في المفصل زائدة وهو مذهب لبعض النحاة فيها كما في الدرّ المصون فليس بين كلاميه منافاة ومعارضة كما توهم فإن قلت يستحي مآل معناه يترك كما مرّ فعلى العموم يصير المعنى إنّ الله لا يترك أيّ مثل كان فيقتضي أنّ جميع الأمثال مضروبة في كلامه وليس كذلك قلت ليس المنفيّ مطلق الترك بل الترك لأجل الاستحياء فالمعنى لا يترك مثلاَ ما استحياء وإن تركه لأمر آخر أراده، ومن هنا يظهر لك أنه استعارة ووجه عدم التفاتهم لكونه مجازاً مرسلا كما مرّ. قوله: (أو مزيده للتثيد الخ الما توهم أنّ الزائد حشو ولغو فلا يليق بالكلام البليغ فضلا عن المتحلي بحلية الإعجاز دفع بأنه إنما يكون كذلك لو لم يفد أصلاً وليس كذلك، فالمراد به ما لم يوضع لمعنى يراد به وإنما وضع ليقوّي الكلام ويفبده وثاقة فلا يكون لغواً ولذا سموه في القرآن صلة ولم يطلقوا عليه الزائد تأدّبا وان كانت زائدة باعتبار عدم تغير أصل المعنى بها، واستشكل ببعض الحروف المفيدة للتأكيد مثل إنّ واللام حيث لم تعد صلة فإن اشترط عدم العمل انتقض بلام الابتداء حيث لم تعمل وبزيادة بعض الحروف الجارّة حيث عملت وقد تكون حروف الصلة لتزيين اللفظ واقامة الوزن والسجع وزيادة الفصاحة، وقيل عليه أن من الزائدة بعد النفي تفيد الاستغراق كما ذكره الزمخشريّ في تفسير قوله تعالى: {مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} أسورة الأعراف، الآية: 80] فقد يغير بها أصل المعنى فيخالف ما ذكر. المصنف وغيره وليس بوارد لأنّ النكرة في النفي تفيد الاستغراق وتحتمله فقد كان الكلام دالاً عليه ومن أكدته ولم تغيره ولذا شرط في زيادتها على الأفصح تنكير مجرورها وسبق النفي عليها وهو مسبوق بهذا الاعتراض، وأشار العلامة في شرح الكشاف إليه وإلى دفعه بأن ما وضع للتأكيد يقصد جعله لفظا ومعنى جزءاً منه. فمعنى قولنا إنّ زيداً قائم قيام زيد ثابت محقق ولذا دفع به الإنكار وجعل نظير الجص بين الآجر والمسامير بألواح الباب التي تعذ جزءاً منه ولا ينتفع به فيما قصد منه بدونها والزائد لم يقصد به ذلك فهي كالضبة التي ليست جزءاً منه وإنما تفيد وثاقة فهو باعتبار المراد وضعا مهمل ومشابه لغير المهمل والتأكيد هنا إمّا لمثلاً فيكون بمعنى حقاً أو الجملة فيكون بمعنى البتة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 كما في شرح الكشاف، فان قلت هل هي كلمات نحوية أم لا قلت: صرّح بعض شرّاح الكشاف بأنها ليست بكلمات اصطلاحية حقيقة، وقيل: إنها كلمات لأنها ألفاظ موضوعة لمعنى في غيرها وهو القوّة والوثاقة التي أفادتها لما ذكر معها ولا يخفى أنّ الواضع لم يضعها لما ذكر وإلا لم يكن بينها وبين أن ولام التأكيد فرق فعذها منها تسامح فتدبر. قوله: (عطف بيان لمثلاَ الخ) على هذا المعنى إنّ الله جل وعلا لا يستحيي من ضرب أيّ مثل أراد حقيراً كان أو لا لكون النكرة في سياق النفي فلا يرد عليه أنّ عطف البيان للتوضيح ولا يتم لا يستحي أي يضرب مثلاً بدون بعوضة إذ لا استحياء من ضربه إلا أن يقال إن التنوين للتحقير ولم يتعرض للبدلي4 لأنّ البدل هو المقصود بالنسبة عندهم وليس بظاهر هنا وهذا رجحه أبو حيان على كونه عطف بيان لأنه لا يكون في النكرات عند الجمهور وكون البدل هو المقصود بالنسبة ليس على ظاهره ففي نصب بعوضة وجوه من الإعراب تسعة وهي أن تكون صفة لما أو بدلاً منها أو عطف بيان إن قيل بجوازه في النكرات أو بدلاً من مثلاً أو عطف بيان له إن قيل ما زائدة، أو مفعولاً ومثلاَ حال أو منصوبا على نزع الخافض والتقدير ما من بعوضة فما فوقها كما نقل عن الفراء والفاء بمعنى إلى كما في قوله: يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم ولا حبال محب واصل يصل أو مفعولاً ثانيا أو أوّل. قوله: (أو مفعول ليضرب مثلأ حال الخ) قال في شرح الفاضل التفتازاني لاخفاء في أنه لا معنى لقولنا يضرب بعوضة إلا بضم مثلا إليه فتسميته مثل هذا مفعولاً ومثلا حالاً بعيد جداً وتوهم كونه حالاً موطثة غلط ظاهر فإنّ مثلا هو المقصود وإنما يستقيم لو جعل بعوضة حالاً ومثلا صفة له مثل أنزلناه قرآناً عربيا (قلت الا غلط فيه فانّ الحال قد تكون هي المقصودة بحسب المعنى والصناعة كما ذكروه في نحو ما شأنك قائماً فإن المسؤول عنه القيام ولولاه لم يفد الخبر فقد وطأت له الخبرية ولكن الكلام في صحة تقدمها كما ستراه مفصلاً إن شاء الله تعالى ثم إنه إذا نصب مفعولاً واحداً يكون بمعنى يبين ويذكر فكيف يقال إنه لا معنى لقوله يضرب بعوضة إلا بذكر مثلا متأمل. قوله: (أو هما مفعولاه لتضمته معنى الجعل الخ أليس المراد بالتضمين هنا المعنى المصطلح بل اللغوي وهو كون الجعل في ضمنه لأنه جعل مخصوص ولذا عده النحاة من الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر كجعل وان ضعفوه ولذا أخر هنا، وعلى هدّا القول قيل لا بد من أن يكون أحد مفعوليه لفظ مثل وقيل: لا يشترط ذلك كقولهم ضربت الطين لبناً، ومثلاً المفعول الثاني وبعوضة الأوّل وجوّز المعرب عكسه وصح التنكير لحصول الفائدة إذ القصد بها إلى أصغر صغير فاندفع قول الطيبي أنه أبعد الوجوه لندرة مجيء مفعولي جعل نكرة إذ أصلهما المبتدأ والخبر ولذا قال المدقق في الكشف: إنه ليس بشيء لأنّ البعوضة فما فوقها فيه معنى التعميم والوصف أيضا أنه بمعنى صغير وأصغر أو صغير وكبير وقيل: عليه أنه يقتضي الصحة ولا يدفع الندرة وفيه ما لا يخفى لمن له نظر. قوله: (وعلى هذا تحتمل ما وجوهاً أخر الخ) قراءة الرفع كما قاله ابن جني: حكاها أبو حاتم عن أبي عبيدة عن رؤبة والظاهر أنّ مثله ليس بالرأي كما يومىء إليه قول صاحب الانتصاف لا يجوز أن يذهب القارىء في القراءة إلى ما يختاره بل يعتمد على ما يروبه الثقات فإنه يوهم أن الرفع لم يرو هنا عن الثقات، والمراد انّ جموع هذه الاحتمالات مخصوصة بالرفع بحسب الظاهر فلا ، رد عليه ما قيل: من أنه صريح في أنها لا تحتمل الموصولية على قراءة النصب وليس كذلك *ـمد ذكر ابن جرير أنه على قراءة النصب يجوز أن تكون ما موصولة حذف صدر صلتها، فإن ليل: إئه لا وجه له أجيب بأنّ له وجهين أحدهما أنّ ما لما كانت في محل نصب وبعوضة صلها أعربت باعرابها كما في قوله: فكفى بنا فضلاعلى من غيرنا فإنّ غيرنا أعربت بإعراب من والعرب نفعل ذلك في من وما خاصة تعرب صلتهما ، 1 عرابهما والثاني أنه على تقدير ما بين بعوضة إلى ما فوقها فحذف بين ونصب بعوضة لاقامته مقامه ثم حذف إلى اكتفا بالفاء على حد قولهم أحسن الناس ما قرنا فقدما أي ما بين قرن إلى! ا- م على أنّ في صحة ما ذكر نظر الآن إعراب الصلة! اعراب الموصول إما بتبعيته كالبدلية مثلا او بدونها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وعلى الأوّل لا يصح كونه صلة، والثاني لا نظير له ونصب بعوضة على الظرفية في عاية البعد فلا وجه له أو وجهه منزل منزلة العدم عندهم ولذا قال في الانتصاف: إنه غير مستقيم وهذا وجه ترك المصنف رحمه الله له، والضمير في قوله قرئت للأية أو لبعوضة فتذكير صمير أنه لتأويله بلفظ أو لرعاية الخبر وعلى كون ما موصولة أو موصوفة هي في محل نصب لحلى أنها بدل من قوله مثلاً وبعوضة عليهما خبر مبتدأ أي الذي هو بعوضة، والجملة صفة أو صلة حذف صدرها مع عد اطولها كما في قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ} [سورة ا، لعام، الآبة: 54 ا] في قراءة أحسن أفعل التفضيل المرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو مليل في غير أيّ الموصولة وقيل أنّ ما على هذه القراءة أيضا يحتمل النفي والتقدير حينئذ ما،! وضة فما فوقها متروكة فحذف الخبر لدلالة لا يستحيي عليه. قوله: (واستفهامية هي المبتدأ الخ) وهذا استفهام إنكاريّ مؤكد للردّ كما في المثال المذكور وقال في الانتصاف: إنه غير. ـ حستقيم لأنّ مثله يقع للتنبيه بالأدنى على الأعلى كما يقال: هو يعطي الأموال فما الدينار االديناران وهم أنكروا ضرب المثل بالذباب فلا يستقيم أن تكون البعوضة فما فوقها في الصغر 11 الكبر كذلك وقال في الانصاف: لو تأمل حق التأمل لم يرد هذا لأن المسلوب عنه تعالى أن وحتحى من ضرب أيّ مثل كان فما البعوض فما فوقه لأنه ليس بخارج عنها حتى ينكر ولا يلزم 11، لراعي ما ذكر من الانكار للتنبيه الذي ذكره بل أنكر على من سمع أمرا كلياً فتردد في بعض. ء ئياته وتمثيله بما يبالي بما وهب من المال فما دينار وديناران ليس كالمثال الذي ذكره اا.! ترض والحاصل أنه تعالى له أن يمثل بما يكون على وفق الممثل له في الحقارة وغيرها فما " ال الحقير والأحقر حتى لا يمثل به لما هو حقير، وقال طيب الله نراه ما في الأنصاف يشعر بأنّ ما بعوضة الخ من باب التذييل وأنه يؤكد معنى العموم في قوله أن يضرب مثلاً وبعوضة فما فوقها للاستيعاب والشمول كقوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [سورة مريم: الآية: 62] سواء اعتبرت الصغر والكبر أو لا والذي يفهم من كلام المصنف رحمه الله أنّ التفسير الأوّل لقوله فما فوقها من باب الترقي كقوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى} [سورة البقرة، الآية: 20 ا] والثاني من باب الأولوية كقوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 23] وإلى الأوّل أشار بقوله أبلغ وأعرف فيما وصف به والى الثاني بقوله كأنك قلت فضلاً عن الدرهم والدرهمين وقال الفاضل اليمني لسان جار الله بقول: عليّ نحت القوافي من معادنها فما ذكوه حق أبلج وما سواه باطل لجلج لأنّ الكمار أنكر واضرب المثل بالذباب والعنكبوت لخستهما في أنفسهما والبعوضة فما فوقها أقل وأحقر مما استنكروه فإذا جاز أن لا يستحيي من ضرب المثل بهما قبالأولى أن لا يستحي من ضربه بما هو أكبر منهما فنبه بجواز ضرب الأدنى عدى ضرب الأعلى وكون البعوضة فما فوقها أكبر في الحقارة من يمنعه (أقول) تحقيقه أنّ نفي الأدنى يدلّ على نفي الأعلى بطريق الدلالة لأنّ الترقي في النفي بنفي الأعلى ثم نفي الأدنى مثل فلان لا يستحي أن يعطي سائله الدرهم ولا الفلس وفي الإثبات باثبات الأدنى ثم إثبات إلا على مثل فلان يعطي سائله الدرهم بل الدينار ففيما نحن فيه نفي الاستحياء من ضرب المثل بالبعوضة فما فوقها مما هو أصغر من الذباب والعنكبوت فدل على عدم الاستحياء من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت بالطريق الأولى لأنهما أكبر من البعوضة ونفي الأعلى أدنى من نفي الأدنى ومنشأ الشبهة في النفي والإثبات عدم الفرق بين الترقي في النفي والإثبات فسقوط ما مرّ من القال والقيل غير محتاج إلى دليل. قوله: (والبعوض فعول من البعض الخ) يعني إنّ البعوض نعول صفة بمعنى المقطوع ولذا سمي في لغة هذيل خموس والخمش والخدس كله بمعنى الجرح اليسير لكنه مخصوص بالوجه وهذه المادة كلها تدل على ذلك كالبضع وهو كالقطع لفظاً ومعنى وكذا العضب للسيف القاطع، والبعض بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وضاد معجمة كما يكون اسماً جامداً مقابلاَ لكل يكون مصدراً كالقطع لفظاً ومعنى وقد تلطف المطوعي في قوله: ياليلة حط رحلي فيها بشرّ محل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 فأذهب الحز بردي وأذهب البعض كلي وأراد بالبرد النوم وبالبعض لسع البعوض ففيه مع التورية الإبهام وحسن التقابل. قوله: (أو ما إن جعلت اسماً الخ) يعني أنّ هذه الفاء عاطفه ترتيبية بحسب الرتبة على كلا معنيي فما فوقها من التنزل والترقي وظاهره أنّ صحة العطف على ما جار على جميع وجوه الاسمية سواء كان موصولاً أو موصوفا أو استفهاما وقد صرح به من قال: ما الأولى إن كانت صلة أو إبهامية وتلنا إنّ الإبهامية حرف فالثانية معطوفة على بعوضة وان كانت ما الأولى اسماً سواء كانت مرصولة أو موصوفة أو استفهامية فالثانية معطوفة عليها ومحلها محلها من الرفع والنصب السابق، وقيل إنه ليس على إطلاقه بل هو مخصوص بما إذا كانت اسما موصولاً أو موصوفا على رفع بعوضة أما إذا جعلت اسما مبهماً صفة لمثلا فلا يحتمل قوله فما فوقها العطف عليه ولصرصور الحال أطلق المقال وقيل: أيضاً إنه على تقدير الاستفهام لا يصح العطف أيضاً لأنّ بعوضة خبره فيصير ما فوق البعوضة بعوضة فالتعميم والإطلاق ليس بصحيح فتدبر.! قوله:) ومعناه ما زاد عليه في الجثة الخ) في الكشاف فما فوقها فيه معنيان أحدهما فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلاً وهو القلة والحقارة نحو قولك لمن يقول فلأن أسفل الناس وأنذلهم هو فوق ذلك تريد هو أبلغ وأعرق فيما وصف به من السفالة والنذالة والثاني فما راد عليها في الحجم الخ. والى هذين المعنيين أشار المصنف رحمه الله إلا أنه عكس ترتيبه، ن الثاني يتبادر من الفوقية والزمخشري قدمه لما سيأتي فالمراد على الأوّل بالفوقية الزيادة في حجم الممثل به فهو ترق من الصغير للكبير وعلى الثاني الزيادة والفوقية في المعنى الذي وقع التمثيل فيه وهو الصغر والحقارة فهو تنزل من الحقير للأحقر قيل: والأوّل أوفق بسبب نزول الآية والثاني أقضى لحق البلاغة وفيه نظر، والذي ارتضاه المدقق في الكشف إن ما قدمه الزمخشريّ وجعله المصنف ثانيا أولى واليه ميل المحققين، قال: وهو الحق لأنه المعنى الذي سيق له الكلام ولأنه المطابق للمبالغة، وأما الحمل على الثاني فلا يظهر وجهه إلا إذا خص لمورد النزول وأنه كان في نحو الذباب والعنكبوت أو بجعل البعوضة عمود التحقير وكلاهما غير ظاهر وهذان الوجهان على المشهورة وأما على قراءة الرفع فإن جعلت ما موصولة ففيه الوجهان وان جعلت استفهامية فقد أوضحه حق الايضاح وبين أنّ المعنى فما فوقها في الحجم لقوله ما دينار وديناران وحينئذ يتعين هذا المعنى لأنّ العظم مبتدأ من البعوضة إذ ذاك فافهم،) أقول (: وكون الثاني أبلغ وأوفق بسبب النزول مسلم وأمّا إنه على الثاني لا بدّ من التخصيص أو جعل البعوضة عمود التحقير فلا لأنه لو قصد التعميم وتسوية الصغير والكبير في صحة التمثيل وحسن موقعه كان حسنا ظاهراً كما لا يخفى كأنه قيل: في الردّ عليهم للعليم الخبير أن لمثل بكل صغير وكبير بحسب مقتضى الحال! من غير نكير، وكأنه لهذا لم يعرّح عليه غيره من الشراح وغير المصنف رحمه الله الترتيب فتدبر. قوله: (كأنه قصد به رذ ما استنكروه) أي عدّوه منكراً وان لم يكن كذلك كما يقال استقبحه واستجهله وقد عزى هذا البعض السلف كقتادة فالمراد بما فوقها ما هو أكبر جثة كالكلب والحمار وهو ردّ على الجهلة القائلين إنّ الله أجل من ان يضرب الأمثال بالمحقرات من الذباب والعنكبوت وليس قوله كأنه إشارة إلى ضعف هذا الوجه لما مر لأنه عبر بذلك أيضا في الوجه الآخر حيث قال: قبل هذا كأنه لما ردّ استعبادهم الخ لأت توجيه بما سمعته آنفاً فمن قال في حواشيه هنا قوله فما فوقها ترقياً من البعوضة إلى ما هو أكبر منها فإنّ الكفار لما استنكروا ضرب المثل بالذباب والعنكبوت وكان يتصوّر أن يتحقق ما هو أحقر منهما وأصغر ى ن المناسب في ردّ كلامهم أن يذكر ذلك الأحقر والأصغر ليترقى منه إلى ما ذكروه من الذباب والعنكبوت فيقال لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فضلا عما يقود ونه لم يطبق مفاصل الكلام، ولم يقرب من المرام نافهم. قوله: (ونظيره في الاحتمالين الخ) المراد بالاحتمالين ما فسر به ما فوقها، وقوله أو في المعنى عطف على قوله في الجثة وهو الوجه الثاني، والمراد بما فوقها فيه الأصغر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الأحقر وقوله كجناحها أي كجناح البعوضة إشارة إلى ما ورد في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام " لو كانت الدنيا ثعدل عند الله جناج بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " وهو حديث صحيح أخرجه الترمذي عن سهل بن سعد ولله در ابن المقري رحمه الله في قوله في تائيته المشهورة. فقد ضاع عمر ساعة منه شري بملءها والأرض أية! مة أبنفق هذا في هوى هذه التي أبى الله أن تسوى جناح بعوضة وقوله ما روي أنّ رجلاً بمنى الخ حديث صحيح رواه مالك والبخاري ومسلم والحديث بتمامه في الكشاف وهو عن الأسود قال دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله تعالى عنها وهي بمنى وهم يضحكون فقالت ما يضحككم قالوا فلان خرّ على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب فقالت لا تضحكوا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يثاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة وقوله ما أصاب المؤمن الخ رواه ابن الأثير في النهاية إلا أنّ فيها المسلم بدل المؤمن وقال الطيبي لم أقف له على رواية وقال الحافظ العراقي لم أقف عليه بهذا اللفظ والطنب بضمتين وسكون الثاني يكون مفرداً فيجمع على أطناب كعنق وأعناق ويكون جمعا أيضا كما في المصباح وهو الحبل الذي تشدّ به الخيمة الحوها، والفسطاط بضم الفاء وكسرها بيت الشعر وقوله يشاك بصيغة المجهول تصيبه شوكة! هي ما يدق ويصلب رأسه من النبات والشوكة تكون اسما لهذه ومصدوا بمعنى أصابتها يقال ضاكه يشوكه شوكا وشوكة وفي شرح الكشاف أنها هنا مصدر واسم معنى لا عين ولو أراد العين) تال بشوكة، والتنظير فيه بأنه يقال شيك الرجل فهو مشوك إذا دخل في جسمه شوكة لا وجه له نعم ما ذكر بعيد بحسب الظاهر لكثرة الحذف والإيصال والنخبة بفتح النون وسكون الخاء المعجمة آخره باء موحدة بمعنى العضة والقرصة ويقال: نخبت النملة تنخب إذا عضت. قوله:) أمّ حرف تفصيل يفصل الخ) الكلام في أمّ طويل الذيل وليس هذا محل تفصيله وحاصل ما عليه المحققون أنها حرف لا اسم كما يوهمه تفسيرهم لها بمهما ولم يذهب إلى اسميتها أحد ءـ حن يعتد به من أهل العربية فننقله والقول بأنه عبر بعضهم بالكلمة عنها ليشمله لا وجه له،، لذا صرّح المصنف رحمه الله بحرفيتها وليست حرف شرط أيضاً عند المحققين والا لزمها، قوع الفعل بعدها بل متضمنة لمعنى الشرطية ولذا لزمتها الفاء غالبا ومن قال: إنها حرف شرط اراد هذا فأضافتها له لأدنى ملابسة وتفيد مع هذا تأكيد ما دخلت عليه من الحكم ووقع في للام النحاة كما نقله أبو حيان في شرح التسهيل إنها حرف أخبار يفيد معنى الشرط وكأنهم ارادوا به أنها في أصل وضعها وضعت لتأكيد جملة خبرية تقع بعدها وتكون لتفصيل مجمل! قدمها صريحا أو دلالة أو لم يتقدّم لكنه حاضر في الذهن ولو تاقديرا، ولما كان هذا خلاف الظاهر في كثير من موارد استعمالها جعله الرضي وكثير من المحققين أغلبياً، وقالوا تفسير سيبويه لها بمهما يكن من شيء ليس المراد به أنها مرادفة لذلك الاسم والفعل لأنه لا نظير له، ل المراد أنها لما أفادت التأكيد وتحتم الوقوع في المستقبل كان مآل معناها ذلك ولما أشعرت صالشرطية قدر شرط يدل على تحتم الوقوع وهو وجود شيء ما في الدنيا إذ لا تخلو عنه فما علق عليه محقق ولذا قدر بعضهم الشرط الذي أشعرت به إن يكن مانع لأنه إذا وجد مع المانع لدونه هو أولى وأحرى. قوله: (أي هو ذاهب لا محالة الخ الا محالة بفتح الميم والبناء على المتح بمعنى لا بد وهو أبلغ منه لأنه بمعنى لا حيلة فيه أصلاً قال الإمام المرزوقي: يقولون في مرضع لا بدّ لا محالة ويقال: حال حولاً وحيلة أي احتال وما فيه حائلة أي حيلة انتهى. وفيما دكره ميبويه إشارة إلى أنها موضوعة للتأكيد كما يؤكد الكلام بقولهم البتة ولا بدّ لأنه يدل على: سوته ولزومه وذلك لتعليق وجوده على ما لا بدّ منه وهو وجود شيء ما في الدنيا وضمير أنه كل كلام المصنف رحمه الله راجع للذهاب والعزيمة كالعزم ما يجزم به ويدّعي إيجابه، ومنه ما ورد في الحديث: " عزمة من عزمات الله " قال ابن شميل: أي أمر واجب أوجبه الله ولما كان أصل الكلام مهما يكن من- شيء ومهما مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ ويكن فعل شرط والفاء لازمة له تليه غالبا فحين قامت أمّا مقام المبتدأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 والشرط لزمها الفاء ولصوق الاسم إقامة للازم مقام الملزوم وابقاء لأثره في الجملة ومن أراد تفصيله فلينظر حواشي المطوّل والرضي، وقوله كرهوا الخ أي وقوع الفاء بعد حرف في معنى الشرط من غير فاصل والمعروف تخلل جملة الشرط بينهما ولذ قال: فادخلوا الخ وعدى أدخل إلى مفعولين بنفسه وقد يتعدى إلى الثاني بعلى فيقال: مثلا أدخلوها على الخبر والمراد بتعويضه شغل خبره به وكون ما يلي أمّا مبتدأ ليس بلازم لكنه كثير فيه وفي الرضي أنه يقدم على الفاء من أجزاء الجزاء المفعول به نحو فأمّا اليتيم فلا تقهر والظرف والحال وعذد أموراً يفصل بها وفيه كلام ذكرنا. في حواشي الرضي وشرح التسهيل. قوله: (وفي تصدير الجملتين به الخ) ضمير به لا ما باعتبار أنه لفظ وحرف والإحماد هنا بمعنى الحمد والمدح العظيم المتضمن لأنه بموقع مرضيّ منه كما قال في الأساس من المجاز أحمدت صنيعه رضيته والأرض! رضيت سكناها وفي بعض شروح الكشاف الاحماد الحكم بلزوم كونهم محمودين كالأكفار للحكم بالكفر وقال السعد: أحمدت فلاناً وجدته محموداً وجاورته فأحمدت جواره والحمد والذمّ مفهوم من نفس الجملتين ولكن لما أفادت أما تأكيده وتحقيقه علم منها ذلك أيضاً من أوّل الأمر وهي تفصيل لما دل عليه قوله إنّ الله لا يستحي الخ من أنه وقع فيه اختلاف بين التحقيق والارتياب. قوله: (والضمير في أنه للمثل أو لأن يضرب الخ) أي ضمير أنه في قوا، تعالى: {يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ} للمثل أو لضربه المفهوم من أنه يضرب لأنه مؤوّل به وعود الضمير للمثل أقرب ولذا قدّمه المصنف رحمه الله وجوّز فيه أيضاً أن يعود لترك الاستحياء المفهوم مما مر وللقرآن. قوله: (والحق الثابت الخ) الحق خلاف الباطل وهو في الأصل مصدر حتى يحق من بابي ضرب وقتل إذا وجب وثبت وقال الراغب أصل الحق المطابقة والموافقة ويقال على أوجه فالأوّل: الموجد للشيء بحسب مقتضى الحكمة ومنه الله هو الحق، والثاني الموجد بالفتح على وفق الحكمة ومنه فعل الله حق، والثالث الاعتقاد المطابق للواقع، والرابع الفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب وليس بين هذا وبين ما قبله فرق غير التعميم فلو تركه كان أحسن والى ما ذكر أثار المصنف رحمه الله بقوله الثابت الخ، وقوله لا يسوغ إنكاره بمعنى لا يصح ويجوز من ساغ الشيء إذا سهل تناوله ودخوله في الحلق فاستعير للصحة والجواز وشاع حتى صار حقيقة فيه، والأعيان الذوات والجواهر، والثابتة بمعنى المقررة المحسوسة، والصائبة بمعنى المصيبة إلا أن فعله مزيد من أصاب الرأي فهو مصيب والأفعال مصيبة لا صائبة، ولذا فسره في بعض الحواشي بالموافقة للغرض يثير إلى أنه استعارة من قولهم أصاب السهم الهدف وصابه إذا وصل إليه وفيه نظر وفي الأساس من المجاز أصاب في رأيه ورأي مصيب وصائب وتعريف الحق للمبالغة كأنه تلك الحقيقة والجنس أو للحصر الاضافيّ لما قالوه، وأخكامه يقتضي الثبوت فلذا قالوا ثوب محقق أي محكم النسج كما في الأساس والعامّة تقول ثوب محقق بمعنى منقوش وفي الفصول القصار فيض فضله محقق وبرد مجده محقق. قوله: (كان من حقه الخ) القرين المقارن وعطف يقابل قسيمه على يطابق قرينه تفسيريّ لأنّ القرين والقسيم بمعنى والمطابقة المراد بها المقابلة بالمعنى اللغوي أو البديعي وهو الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة كقوله. قوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [سورة البقرة، الآية: 258] وهو هنا يعلمون ولا يعلمون لتقابل السلب والايجاب فيه أي لم يقل أما الذين كفروا فلا يعلمون حتى يقابل قسميه بل عدل عنه لما ذكر من المبالغة في المدح والذمّ المذكورين لأنّ هذا يدل على أنّ قولهم هذا لفرط جهلهم على طريق الكناية التي هي أبلغ من التصريح لإثبات المدعي ببينة بينة كما أشار إليه لأن الاستفهام إما لعدم العلم أو للإنكار وكل منهما يدل على الجهل دلالة واضحة ومن لقل للمسك أين الشذا كذبه رائحة الطيب ولذا قال المصنف: رحمه الله دليلا واضحا قيل ولم يقل فأما الذين آمنوا فيقولون الخ إشارة إلى أنّ المؤمنين اكتفوا بالخضوع والطاعة من غير حاجة إلى التكلم والكافرون لخبثهم وعنادهم لا يطيقون الاسرار لأنه كإخفاء الجمر في الحلفاء، أو يقال يقولون لا يدلّ صريحا على العلم وهو المقصود، والكافرون منهم الجاهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 والمعاند، وقوله يقولون الخ أشمل وأجمع وهذا هو الأولى وأتى بعبارة الرلث في الأوّل إشارة إلى أنهم يعترفون بحقية القرآن وبما أنعم الله به عليهم من النعم التي من أجلها نزول هذا الكتاب وهو المناسب لقوله نزلنا على عبدنا وأما الكفرة المنكرون للمناسبة لجلاله تعالى المتخذون غيره من الأرباب فالله هو المناسب لحالهم، وما قيل من أنّ ما نسب إلى الكفار أشدص، عدم العلم لدلالته على أنهم يستهزؤون وينسبون القول بأنه من الله إلى السفه غير متجه عالى أن ما ذكره يتوقف على كون قولهم عن مكابرة فالظاهر أنه لا يصح لا يعلمون وان صح فوجه آخر وانكار خلافه مكابرة ظاهرة فتدبر وقال: كالبرهان لأنه ليس برهانا حقيقياً. قوله: (يحتمل وجهين الخ) لي الدرّ المصون للنحاة في ماذا ستة أوجه الأوّل أن يكون ما اسم استفهام وذا اسم إشارة خبر له، والثاني أن يكون ذا اسما موصولاً وهو وان كان بحسب الأصل اسم إشارة لكته يكون اسماً موصولاً في هذا المحل فقط والعائد محذوف تقديره أراده فقول المصنف: والمجموع خبر فيه تسمح ظاهر فيه ملاحظة المعنى فلا يتوهم فيه الغفلة عما ذكروا وأخبر بالمعرفة عن النكرة هنا بناء على مذهب سيبويه رحمه الله في جوازه في أسماء الاستفهام وغيره يجعل النكرة خبرا عن الوصول، وما قيل: من أنه يتعين مذهب سيبوبه بالاتفاق في ماذا غير مسلم لأنّ الرضي نقل فيه الخلاف أيضاً، والثالث أن يغلب ما فيركبا ويجعلا اسماً واحدا للاستفهام ومحله النصب على أنه مفعول مقدم، والرابع أن يجعل مجموعهما اسما مركبا موصولاً كقوله: دعى ماذا علصت سأتقيه أي الذي علمت، والخاسى أن يجعلا اسماً واحداً نكرة موصوفة، وقد جوّز هذا في المثال المذكور والسادس أن يجعل ما اسم استفهام وذا زائدة وهو ضجف والمعتبر في هذه الآية الوجهان المذكوران في الكتاب. قوله: (والأحسن في جوابه الرفع على الآوّل الخ) وجه الرفع أنّ جملة السؤال حينئذ اسمية فيرفع الاسم الواقع في الجواب على أنه خبر مبتدأ محذوف فيطابقه في الاسمية لفظاً وعلى الثاني ماذا مفعول مقدم فجملة السؤال فيه فعلية فينصب بفعل مقدر ليتطابقا، وهذا هو الأصل الراجح ويجوز عكسه كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله والأحسن لأنه المطابق لمقتض الظاهر وقد يرد على خلافه لنكتة، ولذا قال بعض المحققين: إنّ نحو قوله تعالى: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ} [سورة الزخرف، الآية: 9] ترك فيه المطابقة إشارة إلى بلادة الكفار وعنادهم فإنه إذا تحقق خلق السموات لا ينبغي أن يشك في فاعله فالمناسب لحالهم التردد في نفس الخلق، وقيل تقديره فعلية في جواب من أكثر في الاستعمال وما خالفه لنكتة لقصد القصر والتخصيص أو التأكيد بالاسمية وتفصيله في حواشي المطوّل والمفتاح، وقد أطبقوا ثمة على أنّ ماذا صنعت إذا كان جملة اسمية يجاب بالاسمية، وما قاله قدس سره في شرح المفتاح: في الفصل والوصل من أنّ الفعل في ماذا صنعت مسند للمخاطب وليس فيه معنى الفاعلية بخلاف من قام وماذا عناه لا يخلو من الكدر لأنّ كون الاستفهام بالفعل أولى يختص بصورة الفاعلية فإنّ تقدير قولك من ضربت أضمربت زيداً أم عمراً والفرق بين ماذا صنعت وماذا عناه حتى يجاب بالاسمية في الأول وبالفعلية في الثاني تحكم بحت كما في الحواشي الحسنية، ولنا فيه كلام حاصله أن غفلة عن مراده قدس سره لأنّ المطابقة المعنوية كما قرّره في من التائب أن يجعل المحكوم عليه في السؤال والمحكوم به فيه كذلك في الجواب لأنّ المحكوم عليه معلوم للسائل والمطلوب له إنما هو الخبر وهو مصسث الفائدة فإذا كان ضمير من وماذا فاعلاَ في السؤال فهو مسند إليه معلوم له فيطابقه الجواب إذا حكم عليه سواء كان فاعلا أو مبتدأ إلا أنّ الفاعلية يرجحها كون الاستفهام بالفعل أولى دماذا كان مفعولاً فلا يطابقه الجواب إلا بجعله مفعولاً والجملة في السؤال والجواب فعلية قطعاً وإذا اشتغل الفعل بضميره وجعل ذا موصولاً خبراً لما أو مبتدأ خبره ما فلا يطابقه الجواب إلا بكونه فيه كذلك ولا يتأتى بغير الاسمية بأن تقول الذي صنعته كذأ أو كذا مصنوعي لأنك لو أتيت بها معلية كأن مفعولاً لا محكوما ولا به فتفوت المطابقة المعنوية، فالفرق بين ماذا صنعت وماذا عناه كالصبح في الظهور فإن فهمت فهو نور على نور والتحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 بهتان وزور وقال الشارح الفاضل: هنا في شرح قوله في الكشاف وقد جوّزوا عكس ذلك أنه يعني إذا اتفق السائل والمخبر على الفعل وكان السؤال عن المتعلق بخلاف مثل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [سورة النحل، الآية: 24] فإنه بالرفع لأنه في المعنى نفي الإنزال أي هذا الذي تزعم أنه منزل هو أساطير الأوّلين فلا يصح تقدير الفعل كما سيجيء لحقيقه وتفصيله. وقال بعض الفضلاء: بعدما أو! ده المدعي هنا أنّ الأحسن في الجواب الرفع وهذا ليس لجواب بل ردّ لما اعتقدوه، والجواب أن تعطيه ما يطلبه منك ثم إنه لا جواب لقوله ماذا أراد الله بهذا مثلا لأنه استفهام إنكارفي ونفي لكون مراد الله فيه ومن حقه نفي أن يكون منه تعالى! على هذا لا يصح أن يكون يضل به كثيراً جواب ماذا أراد الله وأيضا: ماذا أراد الله مذكور على سبيل النقل فلا يطلب له جواب، ولذا لم يلتفت إليه في الكشاف. (أقول) : قد سمعت ما لعرف به الحق الحقيق بالقبول هنا، وما ذكره الفاضل غير مسلم لأن اللازم النظر إلى حال السؤال بحسب الظاهر ثم تطبيق جوابه عليه سواء كان مقول قول أم لا على أنا نقول ما قاله غير موافق لما نحن فيه فإنه كيف يتفق على الفعل ومرادهم في الحقيقة إنكار صدور المثل المذكور عن الله وهو يستلزم إنكار كونه مرادا لله كما لا يخفى وما ذكره المعترض! لا محصل له فإنهم لم يدعوا أنّ قوله يضل به جواب حقيقة كما سيأتي تحقيقه، فلا يلتفت إلى القيل والقال: فماذا لعد الحق إلا الضلال. قوله: (والإرادة نزوع النفس وميلها الخ) عطف الميل على النزوع للتفسير فإنه يقال نزع بمعنى اشتاق ومال كما يقال: نزع عن الأمر إذا ك! عنه وأمسك بلا خلاف بين أهل اللغة فيه، وإنما الخلاف في المصدر فانه سمع فيه أيضا نزعا ونزاعاً ونزوعا! هل يختلف المصدر فيه أم لا وليس هذا محله وأصل معنى الميل الانعطاف ثم صار حقيقة عرفية في المحبة والقصد وهو المراد هنا، وقوله: بحيث الخ متعلق به وحمل الميل للنفس على الفعل جعلها متوجهة لإيقاعه والكلام في الإرادة من جهتين من جهة معناها اللغويّ ومن حهة المراد بها في لسان الثارع في وصف الله تعالى أو العبد بها وقول المصنف رحمه الله: لروع النفس الخ بيان لمعناها اللغوي. قال الراغب: الإرادة منقولة من راد يرود إذا سعى في طلب شيء وهي في الأصل قوّة مركبة من شهوة وخاطر وأمل وجعلت اسماً لنزوع النفس إلى الئيء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل ثم تستعمل مرة في المبدأ وهو نزوع النفس الى الشيء وتارة في المنتهى وهو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل اهـ فما قيل: هنا من أنّ كون إرادة المعنى من اللفظ من هذا القبيل فيه بحث والظاهر أنّ الإرادة في الآية من هذا القبيل انتهى ليس بشيء لأنّ الإرادة فيما ذكره لمجرّد القصد وهو استعمال آخر وسواء قلنا إنه مشترك فيه أو مجاز صار حقيقة عرفية لا يرد نقضاً على الآخر وكذا ما قيل: بعد نقل ما في شرح المواقف من أنه يصدق على الشهوة وهرب غير الإرادة فإنّ المصنف بصدد تحقيق أصل معناه لغة لا ما ذكره المتكلمون وما ادّعاه من مغايرة الشهوة للإرادة ليس كذلك فإن بينهما عموماً وخصوصاً كما صرّح به الصدر في رسالة إثبات الواجب وهو المفهوم من كلام الراغب، وقد قالوا إنّ الإرادة قد تتعلق بنفسها بخلاف الشهوة التي هي توقان النفس إلى الأمور المستلذة فانها لا تتعلق بنفسها وإنما تتعلق باللذات وإذا ذكرت متعلقة بنفسها كانت مجازاً عن الإرادة كما قيل: لمريض ما تشتهي فقال: أشتهي أن أشتهي يعني أريد أن أشتهي والإنسان قد يريد شرب الدواء البثع ولا يشتهيه وقد يشتهي الطعام اللذيذ ولا يريده إذا علم أنّ فيه هلاكه فقد وجد كل منهما بدون الآخر وقد يجتمعان في شيء واحد فبينهما عموم وخصوص بحسب الوجود، وقوله: وتقال للقوّة الخ قد مرّ تحقيق معنى القوّة فتذكره، وقيل الإرادة في حقنا عبارة عن ميل النفس الدّي يعقبه اعتقاد يقع في المراد وأما العزم فنوع من الإرادة لأنه إرادة جازمة بعد نوع تردد سابق والإرادة لا تقتضي سبقه وقال الإمام لا حاجة إلى تعريف الإرادة لأنها ضرورية فإنّ الإنسان يدرك بالبديهة التفرقة بين إرادته وعلمه وقدرته وألمه ولذته، ثم حدها بأنها صفة تقتضي رجحان أحد طرفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الجائز على الآخر في الوقوع لا الإيقاع. قال: وبالقيد الأخير احترز عن القدرة. قوله: (والأوّل مع الفعل) أي الأوّل من معنى الإرادة اللغوية المذكورة في كلامه وهو الميل الحامل على إيقاع الفعل وإيجاده يكون مع الفعل وبجامعه وان تقدم عليه بالذات لأنه الحامل والباعث وهذا لا يقتضي إيجاده بالاستطاعة وهي القدرة التامّة المستجمعة لجميع شرائط التأثير بمعنى العلة التامّة والإرادة جزء منها إلا أنها مع الفعل بمنزلة جزء العلة الأخير ولما كان الثاني بمعنى القوّة وهي الصفة القائمة بالحيوان التي هي مبدأ الميل إلى أحد طرفي المقدور وإيقاعه كان قبله لأنه إذا وجد يعطي حكم تلك القوة بخروجه من القوّة إلى الفعل، أو المراد بها ما لم يكن معه جميع جهات حصول الفعل، والحاصل كما في شرح المقاصد أنّ القوّة مع جميع جهات حصول الفعل بها لزوماً أو معها عادة مقارنة وبدون ذلك سابقة فلا غبار على ما ذكر، وقوله وكلا المعنيين الخ عدم تصوّر الميل النفساني والقوّة التي هي مبدؤه في حقه تعالى ظاهر وكلا مبتدأ وغير متصوّر خبره واتصاف نائب فاعل متصوّراً ومبدأ وغير خبر مقدم والجملة خبر كلا ولا حاجة إلى جعله على نهج قوله: غير مأسوف على زمن قوله: (فقيل إوادته لأفعاله الخ الما كان معنى الإرادة السابق لا يليق بذاته تعالى فسر إرادته بتفاسير للمتكلمين من أهل السنة وغيرهم فأوّلها ما ذهب إليها المعتزلة كالكلبيّ والنجار وكيرهما من أنّ معنى إرادته تعالى لأفعاله أنه يفعلها عالماً بها وبما فيها من المصلحة ولأفعال غيره أنه أمر بها وطلبها، وهذا هو مرضي صاحب الكشاف كما صرّح به في سورة السجدة وهو امر عدميّ بالنسبة إليه تعالى ووجوديّ بالنسبة لغيره فإما أن يكون موضوعا لمعنى شامل لهما، أو يقال: هو مشترك بينهما أو مجاز في الثاني فليس من الصفات السلبية على الإطلاق كما فيل 0 قوله: (فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته) لأنّ العبد يخلق أفعاله عندهم بإرادته وارادة الله لها بمعنى أنه أمرهم بها وهو لا يأمر بالفحشاء ولا يريد المعاصي عندهم لأنّ الإرادة مذلول الأمر أو لازمه وأدلتهم مفصلة في كتب الكلام، وقد ردّ مذهبهم بأنه مخالف لما اشتهر من أنّ ما شاء الله كان وما لم يشألم يكن وأنه لا يجري في ملكه إلا ما يشاء وأن الأمر قد ينفك عن الإرادة كأمر المختبر فإنّ السلطان لو توعد بعقاب السيد على ضرب عبده من غير مخالفة فاذعى مخالفته له وأراد تمهيد عذره بعصيانه له بحضرة السلطان فيأمر العبد ولا يريد منه الإتيان بالمأمور به بل ظهور عصيانه، وقال: خاتمة المحققين جلال الملّة وا أط ين الأمر أمران أمر تكوين يلزم منه وقوع المأمور به وهو يعم سائر الممكنات وأمر تشريع وعليه مدار الثواب والعقاب والطاعة هي الإتيان بما يوافق الأمر الثاني والرضا يترتب عليه. قوله: (وقيل علمه باشتمال الآمر على النظام الخ) هذا رأي الجاحظ وبعض المعتزلة إليه ذهب الحكماء فقالوا: إرادته تعالى هي علمه بجميع الموجودات من الأزل إلى الأبد وبأنه كيف ينبغي أن يكون نظام الوجود حتى يكون على الوجه اكمل وبكيفية صدوره عنه حتى يكون الموجود على وفق المعلوم على أحسن النظام من غير قصد وطلب شوقيّ ويسمون هذا العلم عناية والأمر شامل للفعل والترك والنظام اكمل بالنظر إلى العالم والوجه الأصلح بالنظر إلى العبد وقوله فانه الضمير للعلم أي العلم يدعو القادر على الأمر المذكور إلى تحصيله، وهذا بناء على أنّ الإرادة ليست سوى الداعي إلى الفعل في الشاهد والغائب جميعا أو في الغائب خاصة، قالوا وهو العلم أو الاعتقاد أو الظن باشتمال الفعل أو الترك على المصلحة ولما امتنع في حق الباري الظن والاعتقاد كان الداعي في حقه تعالى هو العلم بالمصلحة وبمثل نظام جميع الموجودات لى علمه السابق عليها مع الأوقات التي يليق وقوعها فيها. قالوا: وهذا هو المقتضي لإفاضة ذلك النظام على ذلك الترتيب والتفصيل إذ لا يجوز أن يكون صدوره عن الواجب وعن العقول المجردة بقصد د ارادة ولا يجب بطبعه ولا على سبيل الاتفاق والجزاف لأنّ العلل الغائية لا لمعل لغرض في الأمور السابقة فقد صرّحوا في إثبات هذه العناية بنفي ما نسميه الإرادة كما لزره في شرح المقاصد فتدبر. قوله: (والحق أنه ترجيح أحد مقدوريه الخ) هذا مذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 أهل السنة، ولذا قال المصنف رحمه الله والحق إشارة إلى بطلان ما سواه فهي صفة ذاتية قديمة وجودية زائدة على العلم! ومغايرة له وللقدرة وقوله بوجه الخ احتراز عن القدرة فإنها لا تخصص الفعل ببعض الوجوه بل هي موجدة للفعل مطلقا وليس هذا معنى الاختيار كما توهم وقد أورد على المصنف أنّ الإرادة عند الأشاعرة الصفة المخصصة لأحد طرفي المقدور وكونها نفس الترجيح لم يذهب إليه أحد وفي شرح المواقف الإرادة عند الأشاعرة صفة مخصصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع فالميل الذي يقولونه لا ننكره لكنه ليس إرادة بالاتفاق ولو كانت نفس الترجيح الذي هو من صفات الأفعال كانت صفة حادثة وليس مذهب أهل السنة، والجواب بأنه تعريف لها باعتبار التعلق، ولذا قيل إنها على الأوّل مع الفعل وعلى الثاني قبله أو أنه تعريف لإرادة العبد لا وجه له أما الأول فلأنه لا يكون مغايراً لما بعده، وأمّا الثاني فالسياق والسباق مناد على خلافه وكذا القول بأنّ المراد بيان معنى الإرادة مطلقا سواء كانت إرادة الله أو إرادة العبد، وأعجب منه قوله إنّ وقوع الإرادة بمعنى الصفة المخصصة لا يستلزم عدم وقوعها بمعنى التخصيص نفسه ويعد كل كلام فكلامه هنا لا يظهر وجهه فليحرّر. قوله: (وتخصيصه بوجه دون وجه) أي مقدور الفعل والترك والوجه المذكور حسنه أو قبحه ونفعه أو ضرّه وما يحويه من زمان ومكان وما له من ثواب أو عقاب وقوله وهي أعنم الخ مأخوذ من كلام الراغب والمراد بالميل الترجيح والتفضيل كونه عنده أفضل مما يقابله لأنّ الاختيار أصل وضعه افتعال! من الخير وقد استعمله المتكلمون بمعنى الإرادة أيضا إلا أنه قيل إنه لم يرد بهذا المعنى في اللغة، ولذا قال الفاضل ابن العزفي تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [سورة القصص، الآية: 68] وليس الاختيار هنا بمعنى الإرادة كما يقول المتكلمون إنه فاعل بالاختيار وفاعل مختار فإنه معنى حادث وبقابله الإيجاب عندهم فلا ينبغي أن يحمل عليه القرآن والاختيار في اللغة ترجيح الشيء وتخصيصه وتقديمه على غيره وهو أخص من الإرادة والمشيئة وفي المحكم خار الشيء واختاره انتقاه، وفي التنزيل واختار موسى قومه سبعين رجلاَ والمختار يكون ايى 3 فاعل ومفعول وهذا إمّا تفسير لإرادة الله كما مرّ أو لمطلق الإرادة الشاملة لإرادة العبد وعلى هذا لا يرد عليه اختيار أحد الطريقين المستويين وأحد الرغيفين المتساويين للمضطرّ لأنا لا نسلم ثم إنه اختيار على هذا ولا حاجة إلى أن يقال إنه خارج عن أصله لقطع النظر عنه فتدبر. قوله: (وفي هذا استحقار واسترذال) أي تحقير وتنقيص له والاسترذال عذة رذلاً أي حقيراً وفي نسخة استخفاف بدل استحقار وهما بمعنى الكشاف وفي قولهم ماذا أراد الله بهذا مثلاً استرذال واستحقار كما قالت عائشة رضي الله عنها في عبد القه بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما: " يا عجباً لابن عمرو) هذا، وقول المصنف رحمه الله: وفي هذا معناه في لفظ هذا الواقع في النظم الكريم لأنّ اسم الإشارة يستعمل للتحقير كقوله: أبعلي هذا بالرحى المتقاعس وكقوله تعالى أهذا الذفي بعث الله رسولاً كما يكون للتعظيم بحسب اقتضاء المقام ويجوز جعل الاستحقار من مجموع ماذا لأنّ الاستفهام قد يقصد به ذلك أيضاً كما يقال: من أنت وقد جؤز بعضهم في قول المصنف وفي هذا أن يكون هذا إشارة إلى التركيب وعبارة الكشاف محتملة لو لم يمثل بقول عائشة رضي الله عنها فحمله على هذا كما قيل: بعيد ولك أن تقول إن المصنف رحمه الله أسقط الحديث المذكور لهذا وللاختصار وهو منزع حسن لا يبعد عن مقاصده. قوله: (ومثلأ نصب على التمييز الخ) في الكشاف مثلاً نصب على التمييز كقولك لمن اجاب بجواب غث ماذا أردت بهذا جوابا ولمن حمل سلاحا رديئأ كيف تنتفع بهذا سلاحا وذكر أرباب الحواشي هنا تبعا للفاضل التفتازانيّ هنا في شرحه أنه كثر في الكلام التمييز عن الفئممير وقد يكون عن اسم الإشارة وتمامهما بنفسها من جهة أنه يمتنع إضافتهما وذلك إذا كانا مبهمين لا يعرف المقصود بهما مثل يا له رجلاً ويا لها قصة ويا لك من ليل ونعم رجلا وأشباه ذلك والعامل هو الضمير واسم الإشارة فقد جوّزوا أعمالهما كما في سائر الأسماء الجامدة المبهمة التامّة بالتنوين ونحوه أمّا إذا كان المرجع والمشار إليه معلوما كما في قولنا جاءني زيد لله دره رجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 ويا لك رجلا في الخطاب لمعين، " وقال الله عز قائلاَ " أو من قال: " ولقيت زيدا قاتله الله شاعرا " وانتفع بهذا سلاحا فالتمييز عن النسبة وهو نفس المنسوب إليه كما في قوله: " كفى زيد رجلاَ " و " ويلتم أيام الشباب " معيشة وأمثال ذلك، ومعلوم أن هذا في الآية إشارة إلى المثل وفيما أورد من المثالين إلى الجواب والسلاح فالتمييز فيهما عن النسبة وهي نسبة التعجب والإنكار إلى المشار إليه. (أقول) هذا برمته مأخوذ مما قرّره نجم الأئمة الرضي في باب التمييز وفيه بحث لأنهم قالوا التمييز يكون لمفرد أو لنسبة والعامل في الأوّل المميز ولو جامدا وفي الثاني أحد طرفي النسبة وهذا لا كلام فيه إنما الكلام في أنّ تمييز المفرد يكون بعد تمام الاسم المميز ومعنى تمامه أن يكون عاى حال لا يمكن إضافته معها وذلك إمّا بإضافته أو كونه فيه لنوين أو ما يشبهه من نون تثنية وجمع لأنه إذا تمّ شابه الفعل التامّ بفاعله فيشبه التمييز بعده المفعول فلذا نصبه وعمل فيه وعلى هذا اقتصر أكثر النحاة والرضي زاد عليهم أنّ الاسم قد لكون بنفسه تاما لا بشيء آخر، وذلك في شيئين الضمير واسم الإشارة إذا تعين المقصود بهما بذكر مرجع الضمير والمشار إليه كما فصله ولخصه اك! ارح المحقق هنا ولا يخفى أنّ اسم الإشارة لا ينفك باعتبار الوضع عن أنّ يشار به إلى معلوم الذات بقرينة لازمة لفظية نحو جاء هذا الرجل أو حالية لتعين المشار إليه حسا وإنما سمي مبهما لأنّ مسماه لا يفهم منه بلا قرينة فليس في الإبهام كعشرين الذي لا ينفك عن الإبهام وضعا وابهام هذا إنما هو للذهول عن القرينة ولذا ذكر الدمامينيّ في شرح التسهيل أنّ بعض النحاة قال: إنّ ما قاله الرضي غير مرضي وفيه كلام ليس هذا محله فليحرّر. قوله: (أو الحال كقوله الخ) قال أبو البقاء: مثلاً حال من اسم الله أو من هذا أي ممثلاً أو ممثلاً به أي المعنى على الأوّل ممثلاً وعلى الثاني ممثلا به وهذا هو الظاهر وقوله كقوله: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً} [سورة الأعراف، الآية: 73] ظاهر فيه ولذا قال الشارح المحقق الحال من اسم الإشارة بأن يكون هو ذا الحال وأما العامل فهو الفعل ولا حاجة إلى جعل العامل اسم الإشارة وذي الحال الضمير المجرور أي الذي في أشير إليه مثلا وعلى هذا فالتمثيل بقوله هذه الخ في مجزد أن الحال اسم جامد وإلا ففي الآية العامل في الحال اسم الإشارة مثل هذا بعلى شيخا وهو ردّ على من قال إنّ العامل فيه اسم الإشارة كما نقله أبو حيان رحمه الله في البحر وايقاء مثلاً تمييزاً أو حالاً من هذا يشعر بأنه إشارة إلى المثل لا إلى ضرب المثل على ما هو أحد م! شتملي الضمير في أنه ال! ق ولكم بيان لآية وإنما أتى بنظير للثاني لوقوعه جامداً على خلاف قياس الحال ولما كان التمييز جامداً في أكثر لم يمثل له فالقول بأنه يحتمل أن يقال: إنه جعل آية حالاً أو تمييزاً عن ضمير لكم فاكتفى به في تمثيلهما بعيد جدّاً فلذا لم يلتفتوا إليه. قوله: (جواب ماذا الخ) قذم في النظم الضلال على الهداية مع سبق الرحمة على الغضب وتقدمها بالرتبة والشرف لأنّ سؤالهم ناشئ من الضلال مع أن كون ما في القرآن سببا للضلال! أحوج للبيان لأنّ سببيته للهدى في غاية الظهور فالاهتمام ببيانه أولى ثم إن فيما ذكره المصنف رحمه الله أموراً (منها) أنه جعل ما ذكر جوابا والعلامة الزمخشريّ لم يلتفت إليه لأنه كما قيل: تعسف يصان عنه ساحة الإعجاز إذ الاستفهام ليسر باقيا على معناه حتى يكون له جواب وكونه محكياً ومقول القول يأبى الجواب غاية الإباء كما في قوله تعالى: {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} فإنّ المقصود به إبطال اعتقادهم فلذا تعين رفعه لا لأن وجوب المطابقة مخصوص بما إذا اتفق السائل والمجيب على الفعل وكان السؤال عنه كما مرّ تقريره، وأجيب بأنه على تقدير كون الاستفهام للإنكار ومعناه ليس في ضرب الأمثال بالمحقرات فائدة يعتد بها جعل جوابا ورذاً له بأنّ فيه فائدة وأي فائدة وهي إضلال كثير وهداية كثير وقريب منه ما قيل: من أنه لا يفهم من كلام المصنف أنّ الاسنفهام غير باق على حقيقته وأنه للاستحقار فقط لجواز إرادة الاستفهام الاستحقار معا أو يقال الجواب لدفع الاستحقار والمصنف رحمه الله تعالى ليس أبا عذرة هذا وقد سبقه إليه غيره كأبي عليّ الفارسيّ حيث قال: في كتاب القصريات: فإذا ليس مفعول أراد لأنه استوفى مفعوله وهو ماذا أو ضميره المقدر، وقوله يضل الخ على وجهين إمّا جواب عن سؤالهم على المعنى لا على اللفظ أو صفة مثلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 والجواب وما يضل الخ على المعنى انتهى. فجنح إلى تعين الجوابية أو ترجيحها كما أشار إليه المصنف رحمه الله بتقديمها. (ومنها) أنّ حق الجواب على وجهي ماذا كما مرّ أن يكون باسم مرفوع أو منصوب وجوابه ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: وضع الخ وهو غني عن البيان وقوله: أي إضلال كثير بالرفع في النسخ اقتصاراً على أرجح الوجهين وأظهرهما وفي بعض الحواشي أنه يجوز فيه الرفع والنصب على الوجهين وفيه نظر ظاهر) ومنها) : أنه قال: كما في أكثر النسخ المتداولة إضلال كثير وإهداء كثير وفي بعضها هدي كثير وهداية كثيرة وأورد على الأولى أنها خلاف الصواب لاتفاق أهل اللغة على أنه لا يقال أهدى من الهداية بل من الهدية فلا يصح منها الأفعال والازدواج غير مقيس وان قلنا إنه مشاكلة وهي من المجاز) قلت) قال ابن عطية في غير هذه السورة قرئ يهدي بضم الياء وكسر الدال وهي ضعيفة. وقال ابو حيان: حكى الفرّاء هدي لازما بمعنى اهتدى فإذا ثبت ما حكاه لم تكن ضعيفة لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية انتهى. والقراءة وان كانت شاذة تثبت بها اللغة فثبت ما في بعض النسخ وان كان غريبا نادراً وقد نقله وأقرّه في الملتقط فلا وجه لإنكاره إلا عدم الوقوف على مثله في خبايا الزوايا واعلم أن ما ذكر ليس جوابا في الحقيقة للاستفهام ولا للإنكار والا. ستحقار لأن جواب الأوّل إنه أراد به التذكير وابراز المعقول في صورة المحسوس ليقرّ في الأذهان وجواب الثاني نظرا لظاهر الحال أنه جهل ناشئ من عمي البصيرة فنزل ما يؤول إليه الأمر منزلته وأوقع في موقعه وغير أسلوبه كما غير معناه ولذا جعله أبو عليّ في معنى الجواب وهذا ما وعدناك به فاعرفه. قوله: (وضع الفعل موضع المصدر الخ) إفادة الفعل للحدوث وهو الوجود بعد العدم من دلالته على الحدث المقارن للزمان والمراد بالتجدد الاستمرار في المستقبل وهو ما يقال: له استمرار تجددي والمضارع يستعمل له كثيرا كما صرّحوا به، ومنه علم اختيار المضارع هنا على الماضمي، ولذا قيل: المراد بالتجدد كثرته كما يشعر به التفعل ولما كان السؤال دالأ على عدم الفائدة ناسب في الرذ عليهم الدلالة على كثرة الفائدة المترتبة عليه فقط ما قيل عليه من أنه إن أريد بالتجذد الحدوث كان تكراراً بلا فائدة وإن أريد الحصول ضيئا فشيئا فليس بلازم للفعل ولا داخلاً في مفهومه كما في حواشي المطوّل للشريف لأنه يفهم من خصوصية الحدث واقتضاء المقام وهو المراد ولذا عبر المصنف رحمه الله بالإشعار والمراد انه عبر بالمضارع ليدلّ على أنّ الإضلال والهداية المذكورين لا يزالان يتجددان ما تجدد الزمان لما مرّ وليس المراد أنه عدل إلى لفظ الفعل المضارع للإشعار بالتجدد والحدوث لكون الفعلين المذكورين في تأويل المصدر كما في نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه كما توهم تشبثا لظاهر قوله وضع موضع المصدر لأنّ المراد أنه عدل عما هو حق الجواب من الإتيان بالاسم الذي هو مصدر هنا سواء كان مرفوعا أو منصوبا وأتى بهذا الفعل بدله لما ذكر لا أنه جرّد الفعل فيه عن الدلالة على غير المعنى المصدري لأنه لو كان كذلك انسلخ عن الحدوث والتجدد كما لا يخفى، وقيل: إنه وضع الفعلان موضع الفعل الواقع في الاستفهام مبالغة في الدلالة على تحققهما فإنّ إرأدتهما دون وقوعهما بالفعل وتجافياً عن نظم الإضلال مع الهداية في سلك الإرادة لإيهامه تساويهما في التعلق وليس كذلك فإنّ المراد بالذات من ضرب المثل هو التذكير والاهتداء كما في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} وما يعقلها إلا العالمون وأمّ الإضلال فعارض وهذا مسلك آخر في العدول عن مقتضى الظاهر وهو مع تكلفه يأباه السياق لأنّ التمثيلى إذا لم يكن للإضلال لا يصل لوقوعه في موقع الجواب ولذا مدّ من موانعه فتدبر. قوله: (أو بيان للجملتين المصدّرتين بأما الخ) عطف على قوله جواب ماذا الخ وهذا ما اختاره في الكشاف من أنّ الجملتين المصدرتين بإمّا تشتملان على أمرين أحدهما إنّ كلا الفريقين موصوف بالكثر. ة وثانيهما أنّ العلم بكونه حقا من الهدى الذي يزداد به المؤمنون نورا إلى نورهم والجهل بموقعه من الضلالة التي يزاد بها الجهال خبطا في ظلمتهم وقوله يضل به الخ يزيد ما تضمنه الجملتان وضوحا، وفي الكشف أنّ هذا كما سيأتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 في القتال! نوع من الكلام يسمى في البيان بالتفسير وليس المراد به أنه يجري مجرى عطف البيان لخفاء في الأوّل يحتاج إلى إيضاج فإنه يكون استئنافا وجاريا مجرى الاعتراض! تتميما للبيان كما نحن فيه ويكون عطف بيان أيضا ومنه يعلم أن جعله جواب ماذا على معنى إضملالاً كثيراً وهدي كثيرا والعدول إلى الفعل لإرادة التجدد ليس بشيء وفيه تكلف يصان عنه النظم اهـ وهو ردّ على المصنف رحمه الله كما بيناه لك أوّلاً مع ما يعلم منه الجواب عنه أيضاً فتذكر. قوله: (وتسجيل بأن العلم بكونه حقاً الخ (التسجيل والإسجالط كتابة السجل وهو في العرف الكتابي الحكمي فأريد به لازمه وهو الحكم والجزم وقوله وبيان معطوف على قوله هدى ويجوز عطفه على قوله تسجيل والأوّل أولى وأقرب وأصل معنى البيان الكشف والمراد أنه إظهار لما هو مقصود منه كقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى} [سورة آل عمرأن، الآية: 138] وجعله هدى مبالغة لأنه أثره ومنه جاء، وقوله لحسن مورده يقتضي أنه من المثل وقد تبع فيه الزمخشرفي. وقال في الكشف: إشارة إلى أنه غير مرضي ليس المثل بمعناه المصطلح بل أعمّ وكون المورد بمعناه اللغويّ خلاف الظاهر والمراد بالضلال فقد الطريق المستقيم، وقوله فسق وفي نسخة فسوق أي خروج عن تلك الطريق وفيه إشارة إلى دخول ما بعده في البيان. قوله: (وكثرة كل واحد من القبيلين الخ) يعني أنّ الأمرين المتقابلين وإذا وصف أحدهما بالكثرة المتبادر ووصف مقابله بالقلة وتحقيقه أنه إذا كان كذلك فلا خفاء فيه فإذا وصفا معاً بالكثرة لا يخلو أن تكون كثرتهما بالنسبة لشيء آخر أو لكل في نفسه بقطع النظر عن غيره أو نسبة كل منهما للآخر فعلى الأوّل محذور فيه كما أنّ العشرة والعشرين كل منهما يتصف بالكثرة نظراً للخمسة وكذا على الثاني فإنّ المقف ارين الكثيرين كثيران في نفسهما وإن قل أحدهما بالنسبة للآخر وأمّا على الثالث فلا يصح لأن إذا كان كل منهما كثيراً بالنظر لمقابله يلزم اتصاف كل منهما بالقلة والكثرة من جهة واحدة وأنه إذا قيل هذا أكثر من ذا لزم كون ذا قليلاً فإذا قيل: إنه أيضا أكثر منه كان قليلا كثيراً معا وهو باطل إلا أن يكون مختلف الزمان فما ذكره المصنف تبعا للزمخشريّ إن كان دفعاً لهذا فالمراد أنّ كثرته نجالنظر له في نفسه لا بالنظر لمقابله فلا محذور فيه كما صرّح به في قوله بالنظر إلى أنفسهم لا بالقياس إلى مقابلهم، وان كان المراد أنّ المهتدين من كل طائفة وفي كل عصر اقل من غيرهم لقلة الأخيار وكثرة الأشرار في كل عصر وقطر كما يومئ إليه قوله فإن المهديين فليلون بالإضافة إلى أهل الضلال فمحصل الجواب بعد تسليم أنه كذلك أنّ قلتهم بالنسبة لأضدادهم لا تنافي كثرتهم في نفسهم بقطع النظر عما سواهم فإن أريد دفع المنافاة رأسا ولو بحسب الظاهر تحمل الكثرة على الكثرة المعنوبة بجعل كثرة الخصائص اللطيفة بمنزلة كثرة الذوات الشريفة كما قيل: ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى مد ألف بواحد ولكون هذا غير متبادر من الكثرة لا سيما وقد ذكر معها الكثرة الحقيقية فالظاهر أنهما على نمط واحد ولذا قال بعض الفضلاء: أنه في غاية البعد وإن كان ما علله به من أن النظر الى المعنى يوجب وصف أهل الضلال بالقلة لا وجه له عند من تدبر قول المصنف رحمه الله كثرة الضالين من حيث العدد. قوله: (كما قال سبحانه وتعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} الخ [سورة سبأ، الآية: 13] (قيل إنه لا يدلّ على ما قصده فإنّ الشكور المبالغ في الشكر إلا أنه تبع في هذا الزمخشريّ حيث قال: فإن قلت لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقليل ما هم، الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، وجدت الناس أخبر نقله الخ وقد قيل في جوابه أنّ الشكور هو المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه في كل أوقاته فيكون واصلا إلى المرتبة الرابعة من الهداية كما مرّ في الفاتحة وهم قليل بالإضافة لمن عداهم يعني أنّ المهديين أنواع وهؤلاء نوع منهم وقد وصفوا بالقلة بالنسبة لمن عداهم ومثله يكفي في التمثيل فلا وجه لإنكاره فتأمّل. قوله: (قليل إذا عدّوا الخ) هو من قصيدة طويلة للمتنبي يمدح بها عليّ بن يسار التميمي وأوّلها: أقل فعالي بله أكثره مجد وذا الجد فيه نلت أولم أنل جد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 سأطلب حقي بالقنا ومشايخ كأنهم من طول ما التئموا مرد ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا قليل إذا عدوا كثير إذا شدّوا إلى آخر القصيدة وشهرة شعره وديوانه تغني عن بيانه، وثقال جمع ثقيل كخفاف جمع خفيف، وحقيقة الثقلة معروفة، والمراد به هنا ثقل وطأتهم على الأعداء إذا لاقوهم كما أنّ المراد بخفتهم إسراعهم إلى الحرب إذا دعاهم لها من ينتصر ويستعين بهم ودعوا بضم الدال والعين مجهول دعاه إذا ناداه للحرب وشدوا بفتح الشين المعجمة من شد للحرب وفي الحرب إذا قاتل وحمل على أعدائه، وأصل شد شدد من باب ضرب إذا قوي وشددته شدا أوثقته ومنه شد الرحال كناية عن السفر وشد الحرب منه أيضا إلا أنه صه ار حقيقة عرفية فيه، وفي بعض ألفاظ هذا البيت تقديم وتأخيز في الديوان لا تغير المعنى كبير تغيير. قوله: (إن الكرام كثير في البلاد وإن الخ) هو من قصيدة طويلة لأبي تمام مدح بها عبد العزيز الطائي من أهل حمص وأولها كما في ديوانه: يا هذه أقصري ما هذه بشر ولا الخرائد من أترابها الأخر ومنها: قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم من فاته العين هدى شوقه الأثر إنّ الكرام كثير في البلاد وان قلوا كما غيرهم قل وان كثروا لايدهمنك من دهمائهم عدد فإنّ جلهم بل كلهم بقر إلى آخر القصيدة جعل البكاء على رسم الأحبة من الكرام ثم بنى عليه التخلص إلى المدح أو الاقتضاب منه إليه كما فصله في الكشف ومعنى البيت إنّ الكرام كثير في الدنيا باعتبار نفعهم وقيامهم مقام الكثير في الغناء والفائدة وإن كانوا قليلاً بحسب العدد كما أنّ غيرهم بعكس ذلك ففيه شاهد لإطلاق الكثير على القليل لكثرتهم المعنوية وهو المراد في هذا التوجيه، وقل كما في الرواية المعروفة بضم القاف وتشديد اللام اختلف فيه شراح الكشاف فقيل إنه جمع قليل ككثير، وقيل: إنه مفرد وارتضاه ابن الصائغ فهو في الأصل مصدر قل يقل قلة وقلا كذل يذل ذلة وذلاً وهذا هو الظاهر بحسب العربية ولعله على الجمعية جمع اقل كأغرّ وغر لا قليل على أنّ أصله قلل بضمتين كنذير ونذر فخفف وأدغم كما قيل: لأن قواعد الصرف تأباه فإنهم قالوا إنّ أول المثلين في كلمظ إذا تحرّك يجوز إدغامه بشروط منها أن لا يكون جمعا على وزن فعل بضمتين كسرر وذلل لئلا يلتبس بفعل بضم فسكون كحمر جمع أحمر ولما كان الجواب الأخير على التنزل وتسليم القلة ظاهراً كان الشعر مناسبا له حيث وصف فيه الكرام بالقلة في أنفسهم من حيث العدد وبالكثرة من حيث المرتبة وغيرهيم بالعكس، فلا وجه لما في الانتصاف من أن الاستشهاد بهذا البيت غير مستقيم لأنّ معناه إن الكرام وإن كانوا قليلا فالواحد منهم كالكثير في النفع واللئام بالعكس لقبض أيديهم عن الجود إن تبعه صاحب الأنصاف، وبقي هنا كلام في شرح الكشاف للطيبي رأينا تركه أهم من ذكره، وقد مر ما يرشدك إلى أن تقديم المؤمنين في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة، الآية: 26] الخ لشرفهم كما قيل: فقلناله هاتيك نعمي أتمها ولاتبتئس إن المهم المقدم وانّ تقديم الضالين بعده في قوله يضل به كثيراً الخ لمقتضى المقام فإنّ سؤالهم ناشئ من الضلال وكون ما في القرآن سببا للضلال أحوج إلى البيان وقيل: لما كان سوق الكلام لبيان ضلال الكفرة كان تقديم حال المؤمنين وكونهم على الحق أدخل في تحقيق ضلالهم وأعون عليه وماذا بعد الحق إلا الضلال، فهو جار على مقتضى الحال لكن لما كان السياق في بيان حال الكفرة بالغ! ي ذمهم وأطنب في مثالبهم وهذا لم أر من تعرض له ولا يخفى ما فيه فتدبر. قوله: (أي الخارجين عن الإيمان الخ) قال الراغب: فسق فلان خرج عن حجر الثرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج من قشره وهو أعم من الكفر والفسق يقع بالقليل والكثير من الذنوب لكن تعورف في الكبائر، ويقال للكافر فاسق لخروجه عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 مقتض الفطرة والعقل قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا} [سورة السجدة، الآية: 18] وقال ابن الأعرابي: لم يسمع الفاسق في وصف الإنسان في كلام العرب وإنما قالوا فسقت الرطبة عن قشرها. أنتهى. وفي الدرّ المصون زعم ابن الأنباري أنه لم يسمع في كلام الجاهلية ولا في شعرها فاسق، وهذا عجيب منه وقد قال رؤبة يذهبن في نجد وغوراً الخ (أقول) الظاهر أنه يعترض على ما ذكر بأنه كيف ينكر هذأ مع وروده في الأشعار القديمة كثيراً لا سيما وقد جاء في أفصح الكلام ولذا عده عجيباً، والعجب ممن لم يقف على المراد وحاد على طريق السداد فإن هذا مما اتفق عليه أئمة اللغة وقد عقد له ابن فارس في فقه اللغة بابا والعجب من صاحب المزهر أنه نقله عنه وتغ هنا المعرب وليس غفلة منه وإنما هو تغافل كما قيل: ليس الغبيّ بسيد في قو! لن سيدهم هو المتغابي قال ابن فارس رحمه الله في معرفة الألفاظ الإسلامية: كانت العرب في جاهليتها على إرث من آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكم وقوانينهم فلما جاء الله تعالى بالإسلام حالت أحوال ونسخت ديانات وأبطلت أمور ونقلت من اللغة ألفاظ عن مواضع إلى مواضع أخر وعد منها حتى قال: ولم يعرفوا الفسق إلا قولهم فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها فجاء الشرع بأنّ الفسق إلافحاس في الخروج عن طاعة الله تعالى انتهى. وهكذا قاله غيره من أهل اللغة من غير تردد فيه وحاصله أنه خروج الأجرام وبروز الأجسام من غير العقلاء من كون لآخر من حيز إلى حيز فنقله الشرع في الإسلام إلى خروج العقلاء من الناس عن الطاعة وشاع بعد ذلك حتى صار حقيقة عرفية لغوية ومنه بيت رؤبة فإنه ليس شاعرا جاهليا مع أنه في خروج الإبل وهي لا تعقل أيضا فلم يخرج عن الوضع، ومما أحدثوه منه الفويسقة للفأرة والفاسقية لعمامة كانت معروفة في العهد الأول وأما الفسقية للحوض فلم يرد في كلام العرب ولا أدري ما أصلها وبعض المتأخرين توهمها منسوبة للفسق فقال: هجوت فسقيتكم عامداً لأنها في اللهو أصلية أليس في فسق جمعتم بها فحق أن تدعي بفسقية قوله: (قال رؤبة الخ) هو رؤبة بن العجاح الراجز المشهور وهو شاعر إسلاميّ بليغ يستدل بكلامه ورؤبة براء مهملة مضمومة يليها همزة ساكنة ثم باء موحدة وهاء تأنيث ويجوز إبدال همزته واواً لسكونها بعد ضمة وقوله في أدب الكاتب إنه بالهمزة لا غير مما خطئ فيه، وقد يقال مراده أنّ هذه مادّته الأصلية فلا خطأ فيه وهو علم منقول وأصله من رأب الشيء إذا أصلحه والبيت من أرجوزة طويلة له وهو: يذهبن في نجد وضوراً غائراً فواسقا عن قصدها جوائرا وهو من صفة نوق وإبل سائرة في المفازة والنجد ما ارتفع من الأرض! وبه سميت بعض بلاد العرب والمراد الأوّل والغور بالفتح ما انخفض منها وغائرا صفة له من لفظه مؤكدة كليل أليل، وقوله يذهبن للنوق وفواسق بمعنى خوارج، والقصد هنا بمعنى الطريق المستقيم ويكون بمعنى الإرادة وجوائرا من جار عن الطريق إذا انحرف عنها وصرف فواسق وجوائر للضرورة أي أنّ الإبل تصعد وتهبط إذا عدلت عن جادّة السبيل. قوله: (والفاسق في الشرع الخ) يعني أنه نقل لكل خروج عن طاعة الله فيشمل الكفر والكبيرة والصغيرة لكنه اختص في العرف والاستعمال بمرتكب الكبيرة فلا يطلق على الآخرين إلا نادراً بقرينة ويدخل في أمر الله نهيه أيضاً بطريق اللزوم والدلالة إذ لا فرق بينهما وفي الأمر بالشيء نهي عن ضدّه أو على أن المراد بالأمر واحد الأمور، وهو ما جاء من قبل الله مطلقا والكلام في الكبيرة والاختلاف فيها مشهور وسيأتي، والمراد به ما كان شنيعاً من المحرّمات ويدخل فيه الإصرار على الصغيرة لأنها تصير كبيرة على ما اشتهر فلا حاجة إلى أن يزاد فيها هنا أو الإصرار على الصغيرة قيل: ولو ذكر كان أحسن، والتغابي بالمعجمة التغافل من غير غفلة كالتجاهل لمن يظهر والجهل وليس بجاهل من الغباوة وهي ضد الفطنة وف3 ارتكاب الكبيرة وما في حكمه إلى ثلاثة أقسام وفسر الأوّل بأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 يرتكب الكبيرة في بعض الأحيان مع علمه بحرمتها وقبحها شرعا لكنه لغلبة الهوى وتزيينه لها كمن لم يعلم قبحها فيشبه الغبيّ ولذا كان متغابيا. قوله: (والثانية الانهماث الخ) الانهماك في الأمر الجد فيه والولع والتقيد به، ولذا فسره بقوله أن يعتاد الخ وقوله غير مبال بها يعني به أنه لكثرة ارتكابها واعتيادها لا يخاف وبالها والطعن بها يقال: لا أباليه ولا أبالي به أي لا أهتم به ولا أكترث له قالوا: ولا يستعمل إلا مع النفي كغير هنا وهذا وان كان مستقبحاً لها إلا أنه لعدم المبالاة كأنه غير مستقبح بها فلذا لم يذكره وأما ارتكابها أحيانا مع عدم المبالاة فنادر لأنّ عدم المبالاة يقتضي الاعتياد غالبا فلا يرد عليه أن ثمة درجات أخر. قوله: (والثالثة الجحود وهو الخ) يقال جحده حقه ولحقه جحداً وجحودا إذا أنكره ولا يكوز إلا عن علم من الجاحد به كما صرح به أهل اللغة وانكار الأمور الدينية عندنا كما قاله ابن الهمام يكون كفرا إذا علم من الدين بالضرورة أو علم المنكر ثبوته ولح في العناد فإنه يكفر لظهور أمارة التكذيب وعند الشافعية قال النووي في الروضة ليس تكفير جاحد المجمع عليه على إطلاقه بل من جحد مجمعا عليه فيه نص وهو من الأمور الظاهرة التي يثترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة وتحريم الخمر ونحوهما فهو كافر، ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب ونحوه فليس بكافر، ومن جحد مجمعاً عليه ظاهرا، لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف انتهى. فلا خلاف بيننا وبينهم في هذه المساً لة فالمراد بجحدها جحد حرمتها فلا يستقبحها ولا يبالي بها ويكون ما جحده ما ذكرناه وعلى هذا يحمل كلام المصنف رحمه الله وتركه للعلم به ولتصريحه به سابقا في قوله يؤمنون بالغيب كما مرّ، فما أورد على المصنف رحمه الله من أنّ مرتكب الكبيرة المستصوب لها ليس كافرا مطلقا غير وارد ولا! ا-ة لما ور! رفه في دفعه! ط بر. قولى: (فإذا شارف هذا المقام الخ) مشارفة الشيء القرب منه وأصله من الشرف وهو المكان المرتفع فكأنه يطلع على محل عال لينظر ما يريده فيقرب منه والتخطي فعل الخطوة وهي نقل القدم والخطط جمع خطة بكسر الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة قبل! اء تأنيث المكان الذي ينزل فيه المسافر ولم ينزله أحد قبله يقال. اختط وخط عليه إذا حظره وحدده لنفسه ثم صار بمعنى المحلة مطلقا وجمعه خطط يكسر ثم فتح بزنة عنب، والمقام هنا معنوي كالمنزلة والمرتبة، والمراد به الاتصاف بما ذكر من تحليل الحرام واستحسان القبيح واستصوابه، والربقة بكسر الراء المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها تاف وهاء حبل فيه عروة تشد به البهائم والأسير ويجعلى في العتق ليقاد بها فإذا خلعت أي طرحت أو قطعت لم ينقد فلذا جعل خلع الربقة وقطعها عبارة عن عدم الطاعة والانقياد كما في قول المصنف رحمه الله خلع ربقة الإيمان من عنقه وهو كناية أو استعارة تمثيلية أو مكنية وتخييلية عما ذكر، فإن قلت ليس كل استصواب للكبيرة كفرا على أنه إنما يكفر الجاحد إذا جحد ما مر مما علم من الدين بالضرورة أو كان في حكمه لا إذا شارف الجحود فكلام المصنف رحمه الله غير صواب والصواب ترك المشارفة. قلت هذا مما يلوج في بادي النظر لإذا وقفت على مراد المصنف رحمه الله عرفت اندفاعه فإن أردت تحقيق ذلك فاصخ لما يتلى عليك واعلم أن المشار إليه بهذا المقام هو مقام الجحد لما علم من الدين بالضرورة وما يقوم مقامه مما يدل عليه التكذيب وخلع ربقة الإيمان والدخول في الكفر لاتصافه بما يصير به كافرا عند أهل السنة لأنّ قوله خلع الخ جواب إذا فهو مرتب على مجموع مشارفة مقام هذا الجحد وتخطي مجال هذا المقام وخططه والضمير المضاف إليه الخطط راجع للمقام لا للشخص كما يقع في بعض الأوهام وتخطي تلك المحال إن لم يكن يتجاوزها فهو بالدخول فيها بغير مرية ولا شك حينثذ في كفره، وقوله لاتصافه بالتصديق مناد بتصديقه لمن ألقى السمع وهو شهيد، وإنما ذكر المشارفة لتصوير الحال وبيان ترتب الثالث على الثاني وتأدية الانهماك إلى الاستحلال وتعب يمره بالربقة إيماء لما يعقبه من نقض العهد وحباله " وخلع ريقة الإسلام من العنق " مما ورد بلفظه في الحديث الشريف. قوله: (لاثصافه بالتصديق الخ) قيل: إنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 يدل على أنّ الإقراش ليس بركن من الإيمان بل شرط لإجراء أحكام الدنيا عليه كالصلاة عليه ودفنه في مقابرنا ونحوه ولا بد من أن يكون إقراره أيضاً على وجه الإعلان للمسلمين بخلاف ما إذا كان لإقمام الإيمان فإنه يكون بمجرّد أليهلم، والخلاف في القادر على التكلم لا العاجز كالأخرس ثم اختلف أهل التحقيق في المراد بالتصديق هنا هل هو المنطقي وهو الإذعان والقبول أو هو أمر آخر أخص منه ولذا قال بعض المحققين المعتبر في الإيمان التصديق الاختياري ومعناه نسبة الصدق إلى المتكلم اختياراً، وبهذا القيد يمتاز عن المنطقي فإنه يخلو عن الاختيار وذهب بعض المتأخرين إلى أنه بعينه المنطقيّ غايته أنه نوع منه بالمعنى اللغوي والتصديق والتسليم واحد كما يعلم من كلام كبار الصحابة وعلماء الأمة وتفصيله في الكلام وقد مر نبذ منه وقوله لقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ} الخ دليل على أنّ اسم المؤمن لا يسلب عمن لم يشارف الجحد فانّ الاقتتال كبيرة وقد أطلق على المقتتل أنه مؤمن ولو كان باغيا فقال: قاتلوا التي تبغي حتى تفيء الخ وحتى تقتضي الامتداد في البغي وهو انهماك فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيها على أنّ اسم المؤمن لم يسلب عن المنهمك فإنه بمجرّد القتال لا يتحقق الانهماك. قوله: (والمعتزلة لما قالوا الخ) اختلف المعتزلة بعد اعتبارهم العمل في الإيمان هل المراد بالعمل الطاعة مطلقا أو الفرض فذهب بعضهم إلى الأوّل وبعضهم إلى الثاني، وهل الإيمان العمل فقط أو مجموع الثلاثة، ونزوله منزلة المؤمن أنه يحكم له بحكم الإيمان من التناكح والتوارث والدفن والصلاة عليه وغير ذلك، وتنزيله منزلة الكافر في استحقاقه ا! لذم، التخليد في النار وعدم قبول شهادته، ومشاركتة للمؤمن فيما ذكر وفي أصل التصديق وللكافر مي عدم الطاعة وفيما ذكر وأول من أظهر المنزلة بين المنزلتين واصل بن عطاء حين اعتزل مجلس الحسن كما تقرّر في محله. قوله: (وتخصيص الإضلال الخ) التخصيص مأخوذ من الحصر وترتبه على الفسق من تعليقه بالمشتق كما مرّ من اقتضائه العلية المقدمة على المعلول رتبة ومرتبا بصيغة المفعول حال من الإضلال وقيل: إنه يجوز فيه أن يكون بصيغة اسم الفاعل حالاً من الفاعل المقدّر للتخصيص وهو الله تعالى وهو تكلف لا حاجة إليه وان جاز والضمير لي توله على أنه للفسق وما بعده يدل على أنّ الفسق هنا بمعنى الكفر لأنه يطلق عليه كما مر من شاع في الكبائر حتى اختص بها عرفا، والفاسقين منصوب على أنه مفعول يتجلى لأنه استثناء مفرّغ وأعد بمعنى هيأ فالفسق جعلهم مستعدين لخلق الله فيهم الضلال وأدى بهم بمعنى أوصلهم إلى الضلال به أي بما ذكر من المثل وبه سقط في بعض النسخ، وأذى متعد بنفسه، والمصنف رحمه الله عداه بالباء ففي كل من الفسق والميل سببية باعتبار كما أشار إليه بقوله لأنّ كفرهم الخ وإصرارهم بالباطل مضمن معنى تصريحهم به ولذا عداه بالباء والمعروف تعديه وهلى وقوله صرفت أنثه باعتبار الأمور المذكورة وترك قول الزمخشري إنّ إسناد يضل مجازي إلى السبب لابتنائه على الاعتزال مع ما يرد عليه من أنّ التصريح بالسبب في قوله به يأباه إلا أن ومال إنه تعالى تسبب بضربه المثل تسببا قريبا مع ما فيه مما يعلم من شرح الفاضل التفتازاني اقوله: وقرئ يضل على البناء للمفعول أي في هذا وفيما تقدم وكذا قرئ يهدي أيضا وكان مليه أن يذكره لئلا يرد عليه ما قيل: من أنه لم يوف هذه القراءة حقها وان قيل إنه سكت عنه احلمه بالقرينة فتأمل. قوله: (صفة للفاسقين) وجوز فيه القطع وأن يكون مبتدأ خبره جملة ا، لنك، ووجه تقريره للفسق أنّ الخروج عن العهدة خروج عن الإيمان وأصل معنى النقض لقون في الحبل ونقيضه الإبرام وفي الحائط ونحوه، ونقيضه البناء وظاهر كلام الراغب أنه في العقد والعهد حقيقة فلعله ملحق بالحقيقة لثيوعه فيه، وقد جوّز في قول الزمخشري من أين ساغ استعمال النقض في إبطال العهد أن يكون شاع بالشين المعجمة وعين مهملة وأن يكون بسين مهملة وغين معجمة، والطاقات جمع طاقة وهي ما ينعطف بعضه على بعض من بناء أو جيل وقوله: واستعماله الخ في الكشاف، فإن قلت من أين ساغ استعمال النقض في إبطال العهد قلت: من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ومنه قول ابن التيهان رضي الله عنه في بيعة العقبة يا رسول الله أنّ بيننا وبين القوم حبالاً ونحن قاطعوها فنخشى إن الله عز وجل أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك، وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا إليه بذكر شيء من روادفه فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه ونحوه قولك عالم يغترف منه الناس، وشجاع يفترس أقرانه قالط قدس سره يريد بيان الاستعارة بالكناية وما يكون قرينة عليها وتد اتفقوا على أنّ في مثل أظفار المنية يد الشمال استعارة بالكناية واستعارة تخييلية لكن اضطرب كلامهم في تحقيق الاستعارتين وفي أن قرينة الاستعارة بالكناية هل يلزم أن تكون تخييلية البتة وار، مثل لفظ الأظفار واليد هل هو مستعمل في معنى مجازي أم لا والأشبه بل الصواب ما أشار إليه المصنف وهو أنّ المستعار بالكناية في أظفار المنية هو لفظ السبع المذكور كناية بذكر شيء من لوازمه كالأظفار وهو مسكوت عنه صريحاً لكنه في حكم المذكور، وههنا قد سكت عن الحبل ونبه عليه بذكر النقض حتى كأنه قيل ينقضون حبل الله أي عهده والنقض استعارة تحقيقية تصريحية حيث شبه إبطال العهد بإبطال تأليف الجسم وأطلق اسم المشبه به على المشبه لكنها إنما جازت وحسنت بعد اعتبار تشبيه العهد بالحبل فبهذا الاعتبار صارت قرينة على استعارة الحبل للعهد وبهذا ظهر إن الاستعارة المكنية قد توجد بدون التخييلية وانّ قرينتها قد تكون استعارة تحقيقية وأمّا في مثل أظفار المنية فالمحققون على أنّ الأظفار ليس مستعملا في معنى مجازي محقق وهو ظاهر ولا يتوهم كما زعم صاحب المفتاح بل هو في معناه لكن إثباته للمنية استعارة تخييلية بمعنى جعل الشيء لشيء ليس هو له فقرينه الاستعارة بالكناية ههنا استعارة تخييلية ومذاهب القوم فيها مبسوطة في المعاني، وابن التيهان بكسر الياء على الصحيح وصوب المرزوقي الفتح ثم قال: والبيص، استشهاد لاستعارة الحبل للعهد صريحا ثم القطع لنقضه. (أقول) فيه بحث من وجوه الأوّل أنّ مقتضى كلام العلامة والشارح أنّ المكنية إنما تصح أو تحسن إذا علم تشبيه المذكور بالمكنى عنه قبل ذلك فعليه كيف يستعار يد الشمال والشمال لم تشبه قبل ذلك بإنسان ولم يعهد فيها ذلك ونظائره كثيرة وفي الكشف ما شاع تشبيهه قبل اقترانه بالتخييل بجعل كناية وان أريد بصورة التخييل معنى آخر فإن لم يعهد ذلك يجعل ما جعل في مثله تخييلا استعارة تبعية كما في {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} والثاني أنه قال: استفدنا من هذا أن قرينة الاستعارة بالكناية لا يجب أن تكون تخييلية بل قد تكون تحقيقية كاستعارة النقض لإبطال العهد ويرد عليه أنه لم يكون مستعملاً في معناه الوضعي وكون الحبل استعارة بالكناية يقتضي ذلك وكذا الافتراس والاغتراف واستعارة الحبل للعهد تأبى استعارة النقض للإبطال ومن قال استعارة النقض للإبطال إنما جاءت بعد استعارة الحبل للعهد فقد عكس الأمر وقد قيل: إنّ كلام صاحب الكشاف لحتمل أن يكون النقض بعد إثباته للعهد كناية عن بطلانه كما أنّ نشبت مخالب المنية كناية عن الموت وأن يكون مراده شاع استعمال النقض في مقام إفادة إبطال العهد أو في إظهار إبطال العهد ولا يخفى أن جعل القرينة مطلق التخييل أقرب إلى الضبط. الثالث: لو كان النقض مجازاً عن إبطال العهد لزم أن يكون ذكر العهد مستدركاً فالوجه أا! ايقال بمعنى الإبطال فقط. الرابع: أنّ قوله والبيت استشهاد الخ لا معنى له فإنّ كلام ابن التيهان كلام منثور كماءذكره ارباب السير فأيّ بيت هنا ولك أن نجيب عن الأوّل بأنّ مراده اشتراطه فيما كان التخييل فيه مستعملاَ في معنى غير حقيقي فإنه لا يكون من روادفه ولوازمه حتى يدل عليه فإذا عهد قبل ذلك تشبيهه به يصح الانتقال إليه بمجرّد ذكر لفظ كان معناه لازماً له والا فلا وعليه ينزل للامهم، وعن الثاني بأنهم استعملوا كثيرا النقض بمعنى إبطال العهد وإن لم يذكر معه العهد كما في الأساس فالظاهر إجراؤه على ما تقرّر قبل ذلك، وعن الثالث بأنّ العهد خارج عن معناه خروج البصر عن العمى في قولهم العمى عدم البصر إذ لا بصر مع العمى ولا عهد مع النقض وعن الرابع: بأنه وقع كذا في النسخ وهو سهو من طغيان القلم، ورأيت في بعض النسخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 البين لالنون بدل! اكء وكتب عليها بعضهم أي حديث البين أي الحديث الذي نحن بصدده المصدر بلفظ بين في قوله إن بيننا وبين القوم الخ ولا يخفى تكلفه من غير داع ولعل الاعتراف بالخطأ أحسن من هذا الصواب. قوله: (فإن أطلق مع لفظ الحبل الخ) بأن قيل ينقضون حبل الله يكون الحبل استعارة تصريحية والنقض ترشيح وإنما عبر بالمجاز للإشارة إلى أنّ الاستعارة المكنية حقيقة فلا يقال إنه لم يصادف محزه واستعمل أطلق مع الترشيح وذكر مع التخييل للتفنن ولا يخفى حسن الإطلاق مع الحبل والذكر مع العهد وقيل: لأنّ النقض لما كان في الأوّل ترشيحا كان مطلقاً على معنى ومستعملاً فيه ولما كان ههنا قرينة للاستعارة كان تابعاً له فكأنه لم يطلق على معنى بل إنما ذكر لينتقل إلى متبوعه والمراد بالروادف اللوازم ولا يخفى أنّ كلام المصنف راجع إلى ما قرّره في الاستعارة بالكناية محتمل لما يحتمله غيره وقيل إنه يشعر بأنّ الاستعارة لالكناية هي اللازم المذكور سمي استعارة لاستعارته للمشبه وبالكناية لأنه كناية عن النسبة وهو) نبات الحبلية للعهد، وهو قول رابع ذهب إليه في الكشف وحمل كلام الكشاف عليه فقوله إلى ما مو من روادفه ضمير هو راجع إلى النقض المستعار لما يرادفه من الإبطال المستلزم لأنّ العهد حبل بطريق الكناية وقيل: إنه عائد إلى ذكر النقض مع العهد لا إلى النقض كما توهم، وقيل: إن الظاهر أن يقال وهو العهد فتكلف في توجيهه والمعنى إن ذكر النقض كأن ر! زا إلى ما يتبع ذلك الذكر وهو الحكم على العهد بأنه حبل بطريق المبالغة في التشبيه فتأمّل. قوله: (والعهد الموثق) قال الراغب: وثقت به اعتمدت عليه وأوثقته شددته وما يشذ به وثاق والوثاق والميثاق عقد يؤكد بيمين والموثق الاسم منه قال تعالى: {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} [سورة يوسف، الآية: 66] أو هو مصدر أو اسم موضع الوثوق فالعهد للوصية واليمين لأنها تعهد وتحفظ وللمنزل كما ذكره الجوهري والتاريخ أي للزمان المؤرخ به كما يقال فعل على عهد فلان كذا، والتاريخ قيل: إنه معرب ماء روز أي حساب الشهور والأيام وقيل إنه عربي وهو الأظهر إذ في الأوّل بعد ظاهر وقوله وهذا العهد أي المذكور هنا إمّا العهد المأخوذ بالعقل لأنه تعالى لما خلقه فيهم كأنه أخذ عليهم العهد ووصاهم بالنظر في دلائل التوحيد وتصديق الرسل إذ العقل كاف في ذلك، وأمّا وجوب النظر فيه فهل يجب عقلا أو شرعاً فمختلف فيه على ما تقرّر في الأصول ثم وثقه بإرسال الرسل وإنزال الكتب واظهار المعجزات فوجب الإيمان بجميعه قال الراغب: العهد المأمور بحفظه ضربان عهد مأخوذ بالعقل وعهد مأخوذ بإرسال الرسل والمأخوذ بالرسل مبيّ على المأخوذ بالعقل ولا يصح إلا بعده ومعه وقد حملت الآية عليهما، وقال الإمام: المراد بهذا الميثاق الحجة القائمة على عباده الدالة لهم على صحة توحيده وصدق رسوله فعلى هذا يلزم الدمّ لأنهم نقضوا ما أبرمه الله تعالى من الأدلة التي كررها عليهم في الأنفس والآفاق وأوح في العقول من دلائلها وبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب مؤكداً لها والناقضون على هذا الوجه جميع الكفار، وقوله تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} إشارة إلى آية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ} الآية فإشهادهم على أنفسهم خلق العقل فيهم وإقامة الحجج وسيأتي بيانها، وقوله أو المأخوذ بالرسل الخ يعني المراد بالعهد ما عهد إليهم في الكتب السالفة هن أنه إذا بعث إليهم صدقوه فيكون المراد بالناقضين أهل الكتاب والمنافقون منهم وبؤيده أنّ المستهزئين بالأمثال كما روى ابن حبان أحبار اليهود، وما نقله من أنّ العهود المذكورة في القرآن ثلاثة عهد أخذ على جميع بني آدم بالعقل والحجة كما مرّ وعهد أخذ على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالتبليغ وأن لا يتفرّق مدعاهم في التوحيد وعهد أخذ على العلماء أن لا يكتموا ما علموه هذا ليس تفسيراً للأية لأن عهد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تصح إرادته إذ لا نقض (منهم) بل المراد الأوّل وهو أحد الوجهين السابقين ويصح إرادة الأخير بأن يكون المراد بالعلماء علماء أهل الكتاب كاليهود ربالناقضين الكفار والمنافقين منهم، واعلم أنه على التفسير الأوّل للعهد الظاهر أنه مجاز بأن تشبه الحجج والبراهين التي اقتضاها العقل بالعهود والمواثيق فيهيف يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 استعارة مكنية اللهم إلا أن يكون من قبيل فأذاقها الله لباس الجوع والخوف فتأمّله فإنهم سكتوا عنه. قوله: (الضمير للعهد الخ) الميثاق مفعال وهذا الوزن في الصفات كثير مصرح به في النحو كمنحار ومعطاء لكثير النحر والعطاء ويكون مصدراً أيضا عند الزمخشري وأبي البقاء كميلاد وميعاد بمعنى الولادة والوعد وأنكره بعض النحاة حتى إنّ ابن عقيل وابن عطية أوّلاً قول الزمخشريّ بأنه واقع موقع المصدر كعطاء بمعنى إعطاء، ويكون اسم آلة كمضراب ومرقاة مرآة ومحراث وهذا لم يذكره النحاة أيضا لكنه وقع ألفاظ منه مستعملة لذلك وهو قريب لأن مفعل بالكسر من أوزانها فكأنه إشباع له ولا مانع منه وقد حمله عليه هنا بعض أرباب الحواشي، وفي الكشاف الضمير في ميثاقه للعهد وهو ما وثقوا به عهداً لله من قبوله وإلزامه أنفسهم ويجوز أن يكون بمعنى توثقه كما أن الميلاد والميعاد بمعنى الوعد والولادة ويجوز أن يرجع الضمير إلى الله أي من بعد توثقته عليهم أو من بعد ما وثق به عهده من آياته وكتبه وانذار رسله، وفي الكشف فإن قيل: قد فسر العهد بالموث وهو والميثاق واحد ولهذا فسر موثقا من الله بما أوثق به من الله تعالى فإن رجع الضمير إلى العهد كان المعنى من بعد ميثاق الميثاق وهو غير ظاهر، أجيب بأنّ العهد لما فسر بما ركز في العقول أو ما أخذ الله عليهم من التصديق صار بمعنى المعاهد عليه فجاز أن يضاف إليه الميثاق وهو ما يقع به الوثاقة من التزامهم القبول على أنّ ميثاق الميثاق غير ممتنع فإنه تأكيد له وذلك أنّ ما ركز في عقولهم من الحجج على وجوده وقدرته وحكمته وجوده ميثاق وتأييده بالحجج السميعة وارسال الرسل ميثاق الميثاق ثم الأولى أن يرجع الضمير إلى الله تعالى (أقول (كونه أولى ظاهر إذ ليس فيه إضافة الشيء إلى نفسه المحتاج إلى التأويل المذكور وقد خفي على بعضهم ولم يلتفت إلى عود الضمير إلى المضاف إليه وهو خلاف الفصيح المعروف لأنه إنما هو في كير الإضافة اللفظية وأمّا فيها فمطرد كثير وما نحن فيه كذلك لأنه مصدر أو مؤوّل بمشتق كما أشار إليه فيكون كقولك أعجبني ضرب زيد وهو قائم ووجهه أنها في نية الانفصال فالمعترض لم يفهم كلامه. قوله: (وما وثق الله به عهده) أخر الزمخشري هذا الوجه قيل: لأن الثاني أبلغ في الذم وهو المراد من قوله ينقضون عهد الله على ما صرّح به نفسه فإن نقضهم العهد الذي أحكموه بالقبول والالتزام أشنع من نقغهحهم العهد الذي لم يحكموه ولكن أحكمه الله ثم الوجه الثالث لأن الأحكام وان كان مطلقاً لكن المقام يعين ما حاشية الشهاب / ج 2 / م اا هو اللائق له وقوله بمعنى المصدر ومن للابتداء مرّ الكلام فيه. قوله: (يحتمل كل قطيعة لا يرضاها الله سبحانه وتعالى الخ) حمله المصنف على العموم والزمخشري خصه فقال معناه قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين، وقيل قطعهم ما يين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض وقد رجح الوجه الأوّل من وجهي التخصيص بأنّ الظاهر أنه توصيف للفاسقين بأنهم يضيعون حق خلق الله بعد وصفهم بتضييع حق الله تعالى وتضييع حقه تعالى بنقض عهده وتضييع حق خلقه بقطعهم أرحامهم وقيل: إخه لا منافاة بين كلام المصنف رحمه الله تعالى والكشاف لأن قوله: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ} متصل بقوله: {إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} وهو إما مظهر وضع موضع المضمر وهم الطاعنون في التمثيلات التنزيلية وحينئذ لا يخلو إما أن يراد بهم المشركون فالمراد بقطع الأرحام عداوتهم لرسول الله يتت! هـ وامّا أن يراد بهم أهل الكتاب فالمراد قطعهم ما بين الأنبياء عليهم الصحلاة والسلام من الوصلة لإيمانهم ببعض وكفرهم ببعض وأما عام في جميع الفسقة فحينئذ يحمل على ما قاله القاضي رحمه الله ويدخل فيه أحد الفريقين على البدل دخولأ أولياً بشهادة سياق الكلام انتهى وفيه نظر، وقوله وترك الجماعات المفروضة كالجمعات لأنها سبب للألفة بين المؤمنين التي من الله بها في قوله: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 63] وقوله: فإنه يقطع الخ تعليل لقوله وسائر الخ فإنه يشمل الشر والرفض المتعلق بالفاعل في نفسه كتركه الصلاة ولا قطع فيه ظاهر، وهذا مع ظهوره تردّد في معناه بعضهم، وفي القطع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 والتوثيق ترشيح للمكنية. قوله: (والأمر هو القول الطالب للفعل) إسناد الطالب مجازي وحقيقته الدال على الطلب والأمر يكون بالمعنى المصدري فالقول على ظاهره وبمعنى الصيغة فالقول بمعنى المقول وتعميم الطالب يشمل المندوب وهو حقيقة فيه عند بعض الشافعية، واشتراط الاستعلاء الأعم من العلوّ مذهب الجمهور والكلام عليه مبسوط في كتب الأصول. قوله: (وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور) أي نقل الأمر الطلبي إلى الأمر الذي يصدر عن الشخص لأنه يصدر عن داعية تشبه الأمر فكأنه مأمور به أو لأنه من شأنه أن يؤمر به وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله فإنه الخ كما سمي الخطب والحال العظيمة شأنا وهو مصدر في أصل اللغة بمعنى القصد سمي به ذلك لأنه م!! ضأنه أن يقصد وليس الكلام على هذه الأقوال مما يهمنا فإن كتب الأصول كفت مؤنته،، إنما الكلام في واحد الأمور والأوامر فإنّ أهل الأصول قالوا إنّ الأمر بمعنى القول المخصوص يجمع على أوامر، وبمعنى الفعل والشأن على أمور ولا يعرف من وافقهم إلا الجوهري في قوله أمره بكذا أمرا وجمعه أوامر وأمّا الأزهري أمام أهل اللغة فقال: الأمر صد النهي واحد الأمور وفي محكم ابن سيده لا يجمع الأمر إلا على أمور ولم يذكر النحاة أد فعلا يجمع على فواعل، وفي شرح البرهان إن قول الجوهري غير معروف وإن الأوامر صح بوجوه الأول أنه جمع آمر بالمد بوزن فاعل وصح أنه اسم أو صفة لما لا يصقل وهو مجاز لأن الآمر الشخص لا القول ولم يقولوا إنّ هذه الصيغة مجاز فكيف يخرج عليه للامهم مع تصريحهم بأنها جمع أمر، الثاني: أنه مجاز جمع آمرة وهي الصيغة وفيه ما مر، وعن ابن سيده أن الآمرة مصدر كالعافية وعليه خرجت هذه الصيغة وفيه نظر الثالث أنه حمع الجمع جمع على أفعل كأكلب وهو على أفاعل كأكالب وردّ بأنّ أوامر ليس أفاعل بل! راعل بخلاف أكالب وأجيب بأنه يخوز أن ي! س ن فاعل أبدلت همزته واواً كأوادم وهو قياس مطرد، وفرب شرح المحصول أنه لا يتم في النواهي وكونها جمع ناهية مجازاً تكلف وكذا ثونه لمشاكلة الأوامر فإنه يستعمل مفرداً فتأمل. قوله: (وأن يوصل الخ) ترك احتمال الرفع سقدير هو اًن يوصل لتكلفه لفظاً ومعنى، ورجح البدل من الضمير المجرور لفظا لقربه، معنى لأنّ قطع ما أمر الله بوصله اً بلغ من قطع وصلى ما أمر الله به نفسه وهو ظاهر راحتمال النصب بالبدلية من محل المجرور والنصب بنزع الخافض أي من اًن يوصل لا داعي له سوى تكثير السواد وقيل: إنه مفعول لأجله أي لأن يوصل أو كراهة أن يوصل. مرله: (بالمنع عن الإيمان) بالنهي عنه وغيره والاستهزاء بالحق من الأمثال المنزلة وغيرها، - الوصل كرطب جمع وصلة وقوله التي الخ بيان لكون قطعها إفساداً في الأرض والحمل لحلى جميع هذه الأمور أولى. قوله: (الذين خسروا الخ) قال الفاضل في شرح الكشاف: انه إشارة إلى أنهم جعلوا بمنزلة المتاجرين على طريق الاستعارة المكنية حيث استبدلوا شيئاً سنميء أنتهى. وفال الطيبي ة بشير إلى أنّ تلك الاستعارة التي سبقت في قوله ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه متضمنة للاستبدال المستعار له البيع والشراء استعارة قوله اشتروا الضلالة بالهدى، ولذا ذيل بقوله أولئك هم الخاسرون فإنّ الخسران لا يستعمل إلا في التجارة حقيقة فتكون قرينة للاستعارة الققدّرة شبه استبدال النقض بالوفاء المستلزم للعقاب بالاشتراء المستلزم للخسران) أقول) هذا من خبايا دفائنه فإنه جعل فيه التخييلية نفسها مع قرينتها مكنية، وأثبت لها تخييلية أخرى فيكون في الجملة الأولى مجاز بمرتبتين بل بمراتب إذا كانت مكنية في العهد تخييلية في النقض كما مرثم جعل مجموع الجملة مكنية تمثيلية وأثبت تخييلا آخر فانظره فإنه من سحر البلاغة قلما يعثر عليه غير صاحب الكشاف فلقه در اً بيه ولعلك يرد عليك ما يشفي الغليل فيه والباء في كلام المصنف رحمه الله داخلة على المتروك كما سيأتي تحقيقه ثم إنّ الخسران يكون بإضاعة رأس المال كله أو بعضه وبالضرر عدم الفائدة فإهمال العقل الخ بمنزلة إضاعة رأس المال والاقتناص الصيد وهو معطوف على العقل أو النظر ولم يذكر القطع، والوصل مع ذكره في النظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 والكشاف لاندراجه في الإفساد كما يعلم من تفسيره، وعبر بالاستبدال في الإنكار والطعن وبالاشتراء في النقض والفساد للتفنن وقيل: لأنّ الاستبدال فيه مبالغة لتركهم ما في أيديهم، إلى غرة ليست في الاشتراء لأنه يعبر به عن الرغبة، وفيه نظر. قوله: (استخبار فيه إنكار وتعجيب الخ) ألاستخبار طلب الخبر بالجواب كما أنّ الاستفهام طلب الفهم منه، والفرق بينهما أنّ الاستخبار لا يقتضي عدم العلم بخلاف الاستفهام فلذا يستعمل الأوّل في حقه تعالى وان كان كل منهما قد يستعمل بمعنى الآخر فإن قلت الاستخبار لا يخلو من أن يكون معنى حقيقياً لصيغة الاستفهام أو مجازياً، والإنكار والمتعجب والتعجيب من معانيه المجازية فعلى الأؤل يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وعلى الثاني يلزم الجمع بين معنيين مجازيين وكلاهما مما يمتنع، ولذا قيل: الأولى أن يقولي استخبار بمعنى التوبيخ والتعجيب إذ ليس هو في الحقيقة استخبار (قلت) ذكر سيبويه أن أرأيت بمعنى أخبرني وقالوا قاطبة في باب التعليق أنه معنى مجازي فدلالته على التعجب ونحوه إمّا تجوّز على تجوّز لشهرة الاستفهام في معنى الاستخبار حتى كأنه حقيقة فيه وإن كان في أرأيت أشهر أو أنّ! لالته على ذلك بطريق الاستتباع واللزوم لا من حاق اللفظ فلا محذور فيه، والقائل غفل عن قوله والمعنى أخبروني ولا مانع من اذعاء الحقيقة فيه، وتعجيب وقع في نسخة موافقا لما في الكشاف وفي أخرى تعجب قيل: والأولى أولى لما في التيسير أن كيف تكون للتعجب نحو انظر كيف يفترون على الله أي تعجب يا محمد وللتعجيب أي الحمل على التعجب كما هنا ومنهم من فسر التعجب هنا بمعنى أنه يتعجب منه كل عاقل يطاء عليه والا فحقيقته محالة عليه تعالى ولا يخفى أن التعجب إذا أطلق عليه تعالى كما في حديث " عجب ربكم " يكون بمعنى الاستعظام كما صرح به في الكشاف في غير هذا المحل لأن العجب روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء وهو محال عليه تعالى فيراد به غايته والإنكار بمعنى أنه كان الواجب أن لا يكون وقد يكون بمعنى أنه لا يكون وكلام الكشاف مشعر بأنه بالمعنى الثاني: ولكن مراده أنه لا ينبغي أن يكون بل ينبغي أن لا يكون لقوّة الصارف عنه كما لا تكون المحالات لاستحالتها في أنفسها، ولهذا اً ضاف إلى الإنكار التعجيب كما فعل المصنف رحمه الله والعجب لا يكون إلا مما وقع فمع ذكره لم يبق في كلامه احتمال آخر لكنه شدد في إنكاره فلا عبرة بتوهم خلافه. قوله: (بإنكار الحال التي يقع عليها على الطريق البرهاني الخ) في الكشاف بعدما ذكر أنه للأنكار والتعجيب حال الشيء تابعة لذاته فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال فكان إنكار حال الكفر لأنها تتبع ذات الكفر ورديفها إنكار الذات الكفر وثباتها على طريق الكناية وذلك أقوى لإنكار الكفر وأبلغ، وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها وقد علم أنّ كل موجود لا ينفك من حال وصفة عند وجوده ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكاراً لوجوده على الطريق البرهان أص. وفي المفتاح {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} الخ المعنى التعجب ووجه تحقيق ذلك هر أنّ الكفار في حالى صدور الكفر عنهم لا بدّ أن يكونوا على إحدى الحالين إمّا عالمين بالته دمامّا جاهلين به فلا ثالثة فإذا قيل لهم: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} وقد علمت أنّ كيف للسؤال عن الكفر وللكفر مزيد اختصاص بالعلم بالصانع وبالجهل به انساق إلى ذلك فأفاد اً في حال العلم بالله تكفرون أم في حال الجهل به ثم إذا قيل {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 28] وصار المعنى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} والحال حال علم بهذه القصة وهي أن {كُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} الخ صير الكفر أبعد شيء عن العاقل فصار وجوده منه مظنة التعجب ووجه بعده هو أن هذه الحالة لابى أن لا يكون للعاقل علم بأنّ له صانعا قادراً عالما حيا سميعاً بصيراً موجوداً غنيا في حميع ذلك عن سواه قديماً غير جسم ولا عرض حكيما خالقا منعما مرسلا للرسل باعثأ مثيبأ معاقباً وعلمه بأن له هذا أنصانع يأبى أن يكفر، وصدور المعل عن القادر مع الصارف القري مظنة تعجب وتعجيب وانكار وتوبيخ فصح أن يكون قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} الخ تعجباً وتعجيباً وتوبيخأ وانكاراً اهـ. والحاص!! أنّ كيف للسؤال عن الحال على طريق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 الإنكار الذي هو نفي معنى ونفي الحال مطلقاً أو الحال التي لا تنفك عنه يلزم منه نفي صاحبها بطريق الدليل والبرهان، فلذا قيل: كيف تكفرون على طريق الكناية ولم يقل أتكفرون مع أنه أظهر وأخصر ولا خلاف بحسب المآل بين كلامي الشيخين إلا أنّ كلام الزمخشريّ يشعر بأن كيف ههنا لإنكار الحال على العموم إمّا لأنّ وضعها لعموم الأحوال كما نقل عنه أنها للتعريض فهو أنسب أو لأنّ توجه النفي والإنكار إلى مطلق الحال وحقيقته توجب العموم أو لأنه وجب الحمل على ذلك لمقتضى المقام بوجود الصارف اللازم، وما في المفتاح أنّ للكفر مزيد اختصاص بالعلم بالصانع والجهل به فالمعنى أفي حال العلم به أو الجهل والحال أنّ معكم ما يقتضي العلم على ما سمعت قيل: إنه أولى لأن كيف في هذا الموقع يكون سؤالاً عن حال الفاعل عند مباشرة الفعل لا عن حال الفعل نفسه مما هو بمنزلة التابع له ولرديف ألا ترى أنّ معنى كيف يجيء زيد أراكباًاًم ماشياً وأجيب بأنّ مراد الزمخشريّ أيضا هذا وهو المراد بحال الكفر ولا ينافي كونه تابعاً له اً لا ترى إلى ما ذكره في السؤال الأخير من استبعاد ما آل إليه المعنى وهو على أيّ حال تكفرون حال علمكم بهذه القصة ثم جوابه بأن هذا السؤال لإنكار الذات بإنكار الحال للاستفهام عن الحال لينا ني القطع بإثبات الحال. (أقول) : فلا مخالفة حينئذ إلا أنّ الحال المنفية جميع الأحوال التي يلزم من نفيها نفي ذيها أو حالاً العلم والجهل اللتان لا يخلون عنهما والأمر فيه سهل والاشتغال بترجيحه عبث إلا أنهم سلموا أنها لا تكون سؤالاً عن حال الفعل وليس كذلك فإنها كما تكون سؤالاً عن حال الفاعل وهو ظاهر تكون عن حال الفعل أيضا قال ابن الشجري إنها تكون سؤالاً عن هيئة الفعل التي يقع عليها كما تقول: كيف زيد جالسا أي جلوسه على أيّ حال نقله عنه في شرح التسهيل، فعليك بتنزيل كلام المصنف رحمه الله على مامرّ. تنبيه: جمع بين التعجب والتعجيب في المفتاح وقد عدهما المفسرون معنيين متقابلين حنى اعترض ابن كمال باشا على المصنف رحمه الله في ذكره التعجب وقال: كان عليه أن يقول وتعجيباً فتأمل. قوله: (وأوفق لما بعده من الحال الخ) يعني وكنتم الخ لما فيها مما يقتضي عدم الكفر ونفيه ثم بين أنّ الخطاب على طريق الالتفات من الغيبة للتوبيخ والتقريع لأنّ ذكر معايب الشخص في وجهه أنكى له وقوله مع علمهم الخ هو محصل الجملة الحالية كما سيأتي، وسوء المقال هو قولهم ماذا أراد الله ونحوه ولا يضرّ كونه كناية كما مرّ وقوله أخبروني إشارة إلى معنى الاستفهام وعلى أيّ حال إشارة إلى أنها في معنى جارّ ومجرور واقعة موقع الحال. قوله: (أجساماً لا حياة لها الخ) يعني أنه أطلق عليهم أمواتا قبل الاتصاف بالحياة والموت عدم الحياة عما هي قن شأنه وقال في الكشاف إنه يقال لعدم الحياة مطلقا كقوله تعالى: {بَلْدَةً مَّيْتًا} [سورة الفرقان، الآية: 49] ويجوز أن يكون استعارة لاجتماعهما في أن لا روح ولا إحساس، وقيل: عليه إنه لا خفاء في أنه من قبيل صم بكم فتسميته استعارة تسامح أو ذهاب إلى ما عليه البعض والحاصل أنا لا نسلم أنّ الموت عدم الحياة عما هي من شأنه بل عدم الحياة مطلقاً ولو سلم فالمعنى كنتم كالأموات والسؤال في مثل أمتنا اثنتين أظهر لظهور أنّ الإماتة إزالة الحياة وقد أطلقت بالنظر إلى الإماتة الأولى على إيجاد الجماد الذي لا حياة فيه، والجواب أنّ الإماتة لا تستلزم أن تكون تغييراً من الحياة إلى الموت كما يقال: وسع الدار وقصر الثوب بمعنى أوجده كذلك ثم إطلاق الموت على الحالة الجمادية إمّا حقيقة فلا إشكال وامّا استعارة فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} لا في هذه الآية بالنظر إلى الإماتة الثانية (أقول) إنه لم يقصد تشبيه الموجودين منهم بالاً موات بل المراد الإخبار عنهم بأنهم كانوا جمادا عناصر ونطفا ونحوها فشبه النطف بالأموات فكيف يكون تشبيها، وهذا غفلة نعم إنّ العناصر ونحوها أعرق في عدم الحياة فلا يحسن جعلها مشبهة، ولذا قال ويجوز إشارة إلى ضعفه كما هو دأبه وتقديم الموت على الحياة حينئذ ظاهر لتقدّمه عليها فيما من شانه أن يتصف بهما حيث كان مضغة كما سيأتي تحقيقه في سورة الأنعام ومن اعترض! عليه فقد غفل، وكذا من قال لا بد لصحة الحمل من تقدير كانت موادّ أبدانكم وأجزاؤها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 أمواتا وأمّا ما ذكر من لزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز فليس بوارد لأنه إما تغليب في تلك أو استعمال للإماتة في مطلق عدم الحياة ولا يتعين فيها الاستعارة المصطلحة فيكون معنى أمتنا اثنتين قدّرت لنا عدم الحياة مرّتين كما أشار إليه الشريف. في شرح المفتاح في تحقيق قوله ضيق فم الركية وسيأتي في محله والعناصر الأربعة معلومة وكذا الأغذية والأخلاط جمع خلط كرزق بمعنى مخلوط أو المخالط وهي الدم والصفراء والبلغم والسوداء الحاصلة من الغذاء ولذا أخرها في الذكر وقوله بخلق الأرواح الخ إشارة إلى حدوث الأرواح، وإن اختلف في أنه قبل البدن أو حال حدوثه واتصاله بما قبله باعتبار المرتبة الأخيرة ولو عطف بثم باعتبار غيرها جاز وآجال جمع أجل وتقضيها انقضاؤها. قوله: (أو للسؤال الخ) قال السدي أي ثم يحييكم في القبر ثم إليه ترجعون في الآخرة فإن ثم للتعقيب على سبيل التراخي فدل على أنه لم يرد حياة البعث فإن الحياة حينئذ يقارنها الرجوع إليه تعالى بالحساب والجزاء ويتصل به من غير تراخ والمصنف رحمه الله أشار إلى دفعه بقوله بعد الحشر فيجازيكم الخ فليس على هذا الرجهع للحساب بل للعقاب والثواب وهو بعده بمدة طويلة فإن قلت لا مهلة بين الإماتة واحياء القبر كما في الحديث: " إن الميت يسمع صوت نعال أهله في القبر " حين الإحياء قلت بينه وبين الإماتة زمان ليس بين الإماتة الأولى والإحياء وهي مدة تجهيزه والصلاة والدفن والتراخي أمر نسبيّ ثم إنه قيل: لم لا يجوز أن يراد مطلق الإحياء بعد الإماتة الشامل للإحياء في القبر والنشور فإنّ الفعل وإن لم يدلّ على العموم فلا يلزم أن يكون للمرّة غاية الأمر أنّ الإحياءين لشدة ارتباطهما واتصالهما في الانقطاع عن أمر الدنيا وكون القبر أوّل منزل من منازل الآخرة عبر عنهما بلفظ واحد وحينئذ لا يرد السؤال بأنه لم ترك ذكر أحد الإحياءين وأق الإحناآت ثلاث ولم قال: أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ولا يرد عليه أن ثم تأباه لعدم التراخي بين إماتة الدنيا واحياء القبر لما مرّ والجواب أنّ الفعل لا يعمّ كما بين في الأصول فلو عمّ لكان مجازا ولا قرينة عليه ولو سلم عمومه لشمل جميع الحياة بعد الدنيا فلا يصح قوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فتأمّل وأمّا الكلام على الإحياء ثنتين فسيأتي ثمة وقوله بعد الحشر راجع إلى التفسير الأوّل وقوله أو تنشرون إلى الثاني وقوله فما أعجب كفركم مرتبط بقوله أخبروني وقوله: مع علمكم بحالكم هذه إشارة إلى أنّ مجموع الجمل حال مؤوّل بالعلم فلا حاجة إلى تقدير قد ولا يضرّ اختلاف أزمنتها كما ستراه عند تصريح المصنف رحمه الله. قوله: (فإن قيل إن علموا أنهم الخ) فإن قلت عدمهم الأوّل حياتهم محقق عند كل أحد فكيف صدر بأن التي للشك وكيف يترتب على علمهم هذا عدم العلم بذلك حتى تنعقد هذه الشرطية قلت الشك عندهم باعتبار الإسناد إليه تعالى لا باعتبار نفسها أو أنه نزل علمهم لعدم الجري على مقتضاه منزلة غير المحقق ولعدم تحققهم الأوّل لم يتحققوا الثاني أو أن وصلية وفي الكلام تقديم وتأخير أي هم لم يعلموا الحياة الأخرى وان علموا الأول أو القضية اتفاقية نحو إن كان الإنسان ناطقا فالحمار أ، هق وأجاب بأن تمكنهم من العلم منزلة العلم لا سيما وقد نبههم على ذلك بذكر خلقهم الأوّل الذي هو أنموذج القدرة الدالة على الإعادة بالطريق الأولى، وقوله ليس بأهون عليبما لم يقل الإعادة أهون عليه على وفق النظم قيل: لئلا يحتاج إلى التأويل بأهون بالنسبة ومن غفل عنه أوّله هنا وقيل: إنه إشعار بأنه يكفي في المطلوب فتأمل. قوله: (أو الخطاب مع القبيلين) في نسخة القبيلتين والأولى أصح وهو معطوف على قوله مع الذين كفروا السابق في تفسير: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} والمراد بالقبيلين المؤمنون والكافرون وتبيين دلائل التوحيد بقوله اعبدوا ربكم الخ والنبوة بقوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [سورة البقرة، الآية: 23] الخ والوعيد على الكفر بقوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} الخ والنعم 11! امة بقوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} الخ والخاصة قيل في قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} الخ. وقيل في قوله: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً} باعتبار ما في ضمنها من حياتهم فرادى فرادى، ميل: هي الحياة الثانية الأبدية لأنها تخص الإنسان، ولك أن تقول المراد به الإيمان والعلم على تفسير الحياة به واستقباح الكفر في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} الخ. ليتحامى المؤمنون عن ااكفر وتنزجر الكافرون. قوله: (مع أن المعدود عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 نعمة الخ) إشارة إلى ما في الكشاف من،، جيه وقوع الماضوية حالاً بدون قد بأنّ الواو ولم تدخل على {كُنتُمْ أَمْوَاتاً} وحده بل على " وله: {كُنتُمْ أَمْوَاتاً} إلى {تُرْجَعُونَ} أنه قيل: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} وقصتكم هذه وحالكم أنكم ر تم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} بعد هذه الحياة ثم يحييكم!! د الموت ثم يحاسبكم ثم أجاب عن أنه كيف يكون المجموع حالاً وب4 الماضي والمستقبل! قلاهما لا يثسح أن يكون حالاً حاضراً فما الحال الذي وقع بأنه هو العلم بالقصة كأنه قيل: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} وأنتم عالمون بهذه القصة وبأوّلها وآخرها وحاصله على ما قرر. الشارح قدس سره أنه ليس مما وقع فيه الجملة الماضوية حالاً فيحتاج إلى قد بل الواو الحالية كالواو العاطفة افصة على أخرى وكون مجموع القصة حالأ مما تفرّد به والمعتبر في الحال المقارنة لزمان، نرع العامل لا الزمن الحاخسر الذي هو زمان التكلم للقطع بصحة قولنا جاء زيد في السنة الماضية وقد ركب وسيجيء زيد يركب وفي التنزيل: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر، الابه: 60] فإن قيل: ينبغي أن لا يشترط في الماضي قد وأن لا يشترط في المضارع التجرد عن حرف الاستقبال وأنه يصح جئت وقام الأمير بدون إضمار قد وسيجيء زيد سيركب لصحة المقارنة والحضور وقت الفعل على أنّ قد إنما تفيد التقريب إلى الحال الذي هو زمان التكلم لا زمان وقوع العامل بل ربما تفيد التبعيد كما في قولك جاء زيد قبل هذا بشهور بل دهور وقد ر كب الأمير قلت اشترط التحلي بقد ليشعر بالحضور حال وقوع العامل من جهة كونها في ا، صل للتقريب إلى الحاضر في الجملة فإنّ الماضي لاستقلاله بالمضي لا يفيد المقاربة وإن نان العامل أيضا ماضيا بل ربما يوهم أنه ماض بالنسبة إليه سابق عليه واشتراط التجرّد عن علم الأستقبال لمثل ذلك وليكون مما يصلح للحاضر فليتأمل. اه والحاصل أنّ معنى قولهم لتقرب الماضي عن الحال أي من حال وقوع العامل لا حال التكلم فتقارنه وهذا صرّح به المحققون من النحاة وكلامه هنا سالم من الطعن بخلاف ما وقع له في شرح التلخيص فإنه كلام مختل تبع فيه الرضي: وليس أوّل سار غرّه القمر وأما قول أبي حيان: أنّ ما ذكره الزمخشري تعسف وانّ الجملة الأولى فقط حالية وما بعدها مستأنف وأنّ الماضي يقع حالاً بدون تقدير قد فمخالف للمعقول والمنقول ولا عبرة بتأييده بوقف القراء على الجملة الأولى فإن الوقف لا يلزم أن يكون تاما والتمسك بمثله واه وحاصل الجواب أنها لإيصا ايا إلى النعمة العظمى نعمة والثاني أنّ المجموع نعمة لكل واحد منها وإنما ذكرت لبيان جملة حالهم ولتوقف البعض عليها. قوله: (أو مع المؤمنين خاصة الخ) عطف على قوله مع الكفار أو مع القبيلين وعلى هذا جعل الأمور المذكورة للامتنان وزاد تقرير لتقدم المنة عليهم في قوله وبشر الخ وحمل الموت على الجهل والحياة على العلم مجازاً كما اشتهر التجوّز به قال الزمخشرفي: لاتعجبن الجهول بزنة فذاك ميت وثوبه كفن ليكون مختصا بهم ولذا خص الرجوع بالرجوع للثواب والتنعم وعلى الوجه الذي قبله يصح حمله على ذلك مع الاسندلال وأما على الوجه الأوّل فيتعين الاستدلال والإنكار حينئذ بمعنى أنه لا يكون ذلك وهذا مأخوذ من قوله في التيسير ويجوز أن يكون الخطاب للمسلمين والمعنى كيف تكفرون نعم الله عليكم وقد كنتم آمواتاً بالكفر أو الجهل {فَأَحْيَاكُمْ} بالإيمان أو العلم وهما تفسيران والمصنف رحمه الله جمعهما في قوله العلم والإبمان وعمم لأنّ فيهم من لم يتدنس بالكفر أصلا، فإن قلت على ما في التيسير يكون الكفر كفران النعم وهو يتعذى بنفسه تقول: كفر النعمة ونقيض الإيمان يتعدّى بالباء تقول كفر بالله وما في الآية من الثاني فكيف يصح تفسيره بالأوّل. قلت أجيب عنه بالمنع فإنهما يتعديان نجالباء قال تعالى: {وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [سورة النحل، الآية: 72] وفي كلام الراغب إشارة إليه ولو سلم فباب التضمين والمجاز غير مسدود. قوله: (والحياة حقيقة في القوّة الحساسة الخ) هدّان قولان مذكوران في الكلام فالصحيح نسخة أو العاطفة ووقع في بعضها الواو بدلها واطلاقها على النمو والعلم ونحوه مجاز وعلاقته إما المشابهة أو ما ذكره المصنف رحمه الله، وكونها من طلائعها ظاهر لأنها لا تكون إلا بعده كما في الجنين والموت بإزائها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 أي مقابل لها تقابل العدم والملكة لا تقابل التضاد والحيّ من أسمائه تعالى، وحياته صحة اتصافه بالعلم والقدرة فتكون مطلقة عليه باعتباو غايتها أو صفة أخرى ذاتية تقتضي ذلك فتكون استعارة وقوله اللازمة لهذه القوّة فينا زاد فينا لأنها لا تلزم في غير الإنسان وهو حيّ واللزوم في البعض يكفي لصحة المجاز ورجع يكون لازما ومصدره الرجوع ومتعدياً ومصدره الرجع وعلى اللغة الثانية قرى يرجعون مجهولاً وعلى الأخرى قرئ معلوما. قوله: (بيان نعمة أخرى مرتبة على الأولى الخ) الأولى هي الإحياء الأول والثاني مع ما لخلل بينهما من الموت والثانية هي المعاش والبقاء في الدنيا والآخرة أما البقاء في الدنيا فلا لكون إلا الغذاء ونحوه وهو مترتب على الخلق ومتأخر عنه وهو ظاهر وأما البقاء الأخروي لبالنظر في المخلوقات من الأنفس والآفاق والتمكن منه مع تركه فمن اتصف بالأول يخلد في النعيم ومن اتصف بالثاني يسجن سرمداً في عذاب الجحيم والخلود مترتب على البعث والجزاء متاخر عنه من غير تردّد وعبارة المصنف رحمه الله ناطقة بهذا وصرّح بالبقاء المطلق وأدوج في الانتفاع الانتفاع الديني والاستدلال فمن غفل عنه اعترض بأن ترتب هذه النعمة على الأولى لا لصح لأنه يقتضي التأخر، وآخر الأولى لا يحصل إلا في الآخرة فكيف تتأخر عنه النعم الدنيوية وايضا هذه النعمة خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم فيلزم تقدمه على البقاء بلا مرية فيقدم على الإحياء الثاني لتأخيره عن البقاء الأول فلا يتصوّر ترتبها على الأولى، وأجاب بأنّ الترتب بالنظر الى القصد دون الوجود فإن الأولى لما كانت هي المقصودة بالذات والثانية لأجلها صح اعتبار الترتيب القصدي وهو لا ينافي التقدّم الوجودي، وقوله مرّة بعد أخرى إشارة إلى تكرر الإحياء في الآية السابقة وأغرب من هذا من قال المراد بالأرض ما يشمل أرض الجنة فصح الترتب. مإن قلت لا يستفاد من الآية الأولى إلا إحياؤهم وخلقهم دون كونهم قادرين قلت هو معلوم من دلالة الفحوى لأنهم لو لم يكن لهم قدرة لم يستحقوا الوعيد وينكر عليهم ترك السبيل الواضح. قوله: (ومعنى لكم لأجلكم وانتفاعكم الخ) يعني أنّ اللام للتعليل والانتفاع كما يقال دعا له وفي ضده دعا عليه والاستنفاع طلب النفع وقوله بوسط أو بغير وسط دفع لما يخطر يالبال من أن كثيراً منها ضار كالسباع والحشرات وبعضها لا فائدة له أصلاَ كالهوام بأنها كلها نافعة إما بالذات كالمأكول والمركوب ونحوه وما يتراءى منه خلافه فهو نافع لنا باعتبار تسببه لمنافع غيره ألا ترى السباع الضارية تهلك كثيراً من الحيوانات التي لو بقيت أهلكت الحرث والنسل والثمار والحيات تقتل بسمها الأعداء ويتخذ منها الترياق إلى غير ذلك مما إذا تاتل العاقل عرف ذلك. قوله: (لا على وجه الغرض الخ) إذا ترتب على فعل أثر فذلك الأثر من حيث إنه نتيجة لذلك الفعل وثمرته يسمى فائدة ومن حيث إنه علي، طرف الفعل ونهايته يسمى غاية له ففائدة الفعل وغايته متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار ثم ذلك الأثر المسمى بهذين الاسمين إن كان سببا لإقدام الفاعل على ذلك الفعل يسمى بالقياس إلى الفاعل غرضاً ومقصوداً، ويسمى بالقياس إلى فعله علة غائية فالغرض والعلة الغائية متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار وان لم يكن سببا للإقدام كان فائدة وغاية فقط والغاية أعمّ من العلة الغائية إذا تمهد هذا فنقول أفعال الله تعالى يترتب عليها حكم ومصالح ومنافع راجعة إلى مخلوقاته وليس شيء منها غرضا له وعلة غائية لفعله واستدلوا على ذلك بوجهين أحدهما أنّ من كان فاعلاَ لغرض فلا بد أن يكون وجود ذلك الغرض أولى بالقياس إليه من عدمه وان لم يصح أن يكون غرضاً فيكون الفاعل حينئذ بفعله مستفيدا لتلك الأولوية ومستكملاً بغيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لا يقال إنما يلزم الاستفادة والاستكمال إذا كانت المنفعة راجعة إلى الفاعل وأما إذا رجعت إلى غيره كالإحسان إلى المخلوقات فلا لأنا نقول إن كان إحسانه وعدم إحسانه إليهم متساويين بالنسبة إليه تعالى لم يصح الإحسان أن يكون غرضاً وان كان الإحسان أرجح وأولى به لزم الاستكمال، والثاني من الوجهين أنّ غرض الفاعل لما كان سبباً لإقدامه على فعله كان ذلك الفاعل ناقصا في فاعليته مستفيدا لها من غيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 ولا مجال إليه كما لا يخفى بل كمال الله تعالى في ذاته وصفاته يقتضي الكمالية في فاعليته وأفعاله وكمالية أفعاله تقتضي أن يترتب عليها مصالح راجعة إلى عباده فتلك مصالح غايات وثمرات لا علل غائية لها واتضح بما حققناه أن ليس شيء من أفعاله عبثاً أي خاليا عن الحكم والمصلحة وأن لا سبيل إلى الاستكمال والنقصان إلا سقوط عظمته وكبريائه وهذا مذهب صحيح لا تشوبه شبهة ولا تحوم حوله ريبة وما ورد في الآيات والأحاديث من تعليل أفعاله فهو محمول على هذا، ومن قال بتعليلها بناء على شهادة ظواهرها فقد غفل عما تشهد به الأنظار الصحيحة والأفكار الدقيقة أو أراد إظهار ما يناسب أفهام العامّة ليكلم الناس على قدر عقولهم وهذا زبدة ما ارتغ! ماه الشريف المرتضى في تعليقة له على هذه المسألة، وكلام المصنف رحمه الله زبدة هذه الزبدة. قوله:) وهو يقتضي إباحة الآشياء النافعة الخ) كذا في الكشاف يعني أنّ الأصل في كل شيء الحل وهي مسألة أصولية واعترض عليه في الانتصاف بأنه مذهب فرقة من المعتزلة بنوه على التحسين والتقبيح،، لآ، ل صاحب الإنصاف أنه قال به جماعة من أهل السنة من الشافعية والحنفية واختاره الرازي ير المحصول وجعله من القواعد الكلية فليس مختصا بالمعتزلة كما زعم ولذا تبعه المصنف ر حمه الله وإنما قال: النافعة لأنّ الضارة لا اختلاف في حرمتها وكون الأصل الإباحة لا يضرّه المنع من بعضها لملكية الغبى ونحوهما لأنه عارض ولو سلم فإنما أبيح الكل للكل لا كل فرد) ممل فرد فقوله فإنه جواب تسليمي. قوله: (1 لا إذا أريد به جهة السفل الخ) يعني من قال معنى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ} [سورة البقرة، الآية: 29] خلق لكم الأرض وما فيها إنما، صح إذا كني بالأرض عن الجهات السفلية دون حقيقة الأرض الغبراء لأنها وما فيها واقعة في ا) جهات السفلية وأمّا إذا أجريت على الحقيقة فلا فإنّ الشيء لا يحصل في نفسه ولا يكون ظرفا اطا مع أنه قيل: إنه من امتناع ظرفية الأجزاء للكل وليس من ظرفية الشيء لنفسه للتغاير الاعتباري بينهما وقوله كما يراد بالسماء جهة العلو غير قول الزمخشرقي: والمراد بالسماء حهات العلو لما يرد عليه من أنه لا باعث عليه مع أنّ تفسيره ثم استوى لا يلائمه وإن أجيب كمه مع أنّ التقابل يقتضي التفسير المذكور كما لا يخفى وأما حمل هذا على تقدير معطوف أي خلق ما في الأرض " والآرض على حدّ راكب الناقة طليحان " فتكلف دعا إليه في المثال تثنية الخبر وهنا لا داعي له وقوله وجميعاً حال من الموصول الثاني أي من ما بمعنى كل ولا دلالة ا! اعلى الاجتماع الزماني وهذا هو الفارق بين تولنا جاؤوا جميعا وجاؤوا معا، وإنما بين إكلرابه احترازاً عن كونه حالاً من ضمير لكم أو من الأرض! فإنه لا مبالغة فيه. قوله: (قصد أليها بإرادته من قولهم استوى إليه الخ) قال الراغب: الاستواء له معنيان. الأوّل أن يسند إلى " اعلين نحو استوى زيد وعمرو في كذا والثاني أن يقال: لاعتدال الشيء في ذاته ومتى عدى، هلى أقتضى الاستيلاء وإذا عدى بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير والإرادة، " نسوية الشيء جعله سواء انتهى. وهو مراد المصنف رحمه الله حيث فسره أولاً بقصد إليها رهإرادته، وقوله يلوي بمعنى يعطف، ثم بين مأخذه وأن أصله من استوى افتعل وذكر فيه معنى الطلب إما لأن افتعل يكون بمعنى استفعل كما ذكره في التسهيل، أو أن من جعل الشيء سواء ثانه طلب ذلك من نفسه كما في استخرجت الوتد فلا يرد أنّ السين من بنية الكلمة وهو افتعال لا استفعال فإنّ مثله لا يخفى على مثل المصنف رحمه الله كما توهم وكيف يتأتى ذلك وقد قال: إنه من السواء فأشار إلى أنّ السين فيه أصلية لا زائدة ولما لم يمكن حمله على معناه الحقيقيّ لأنه من خواص الأجسام أوّله أوّلاً بقصد بإرادته، وقوله: ولا يمكن حمله أي حمل لفظ الاستواء هنا على طلب السواء أي اقتضاء تسوية وضع أجزائه لأنه من خواص الأجسام، ومن فسره بحمله على الله فقدسها فتأمل ثم قال إنه قيل: إنه بمعنى استولى وإنما ضعفه لأنه يتعدى بعلى كما مرّ وكون إلى بمعنى على كما قيل: خلاف الظاهر وبشر المذكور في البيت هو بشر بن مروان أخو عبد الملك ووزيره وكان ولاه العراق فقيل: فيه ذلك، ومهراق بمعنى مراق أي مسفوح والهاء زائدة وكونه أوفق بأصل معناه أي طلب السواء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وقيل: استوى إليه كالسهم لأنّ القصد إلى الشيء يناسب الاستواء ويترتب على القصد له فعله به التسوية لا استيلاؤه وهو ظاهر وأمر التعدية معلوم مما مرّ، وجعل الزمخشرفي الاستواء حقيقة في ألاعتدال والاستقامة ثم نقل مجازا إلى القصد المستوى من غير ميل إلى شيء آخر ثم شبه بذلك القصد الذي في الأجسام إرإدته تعالى خلق السماء من غير إرادة إلى خلق شيء آخر، واستعير لها لفظ الاستواء فهي استعارة مصرحة تبعية مترتبة على مجاز أو مجاز في المرتبة الثانية كذا قرّره القطب في شرحه وظاهر كلام المصنف يخالفه فإنه جعل الاعتدال ليس هو معناه الحقيقيّ. قوله: (والمراد بالسماء الخ) فسره بالأجرام بناء على أنّ الأرض بمعناها الظاهري فإن كانت بمعنى جهة السفل يكون مقابلها بمعنى جهة العلو وقيل: عليه إنّ الجهات كيف تحدد من علو وسفل ولم يكن سماء ولا أرض، وأجيب بأنه يكفي في التحدد جسم واحد محيط بالكل كريّ وكان موجوداً وهو العرس على أنه كما يجعل اليوم فرضياً يمكن أن تجعل الجهات كذلك أي بأن يكون إثبات الجهات العلوية والسفلية والأيام الستة والأربعة قبل خلق السماء مبنيا على التقدير والتمثيل ومن قال: إنه لا حاجة إليه إذ المراد ما يسمى الآن بالسفل والعلو لم يعرف أنه عين التمثيل مع أنه أحوجته إليه الأيام وأمّا ما قيل: إنه لا حاجة إلر، جعلها بمعنى جهات العلو بعد تفسير الاستواء بالإرادة فسترى عدم توجهه. قوله: (وثم لعله لتفاوت ما بين الخلقين الخ) اعلم أنّ خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها باعتبار التقدم والتأخر وردت آيات فيه وأحاديث متعارضة ولم تزل الناس من عهد الصحابة إلى الآن تستصعب ذلك وتوفق بينها ولهم في التوفيق طرق شتى سنبينها لك بما لا مزيد عليه ونبين الحق منها مستمدين منه التوفيق فاصغ بإذن القبول لما أقول اعلم أنه تعالى قال في هذه السورة: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 29] وقال في سورة السجدة: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [سورة فصلت، الآية: 9] إلى قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} [سورة مصلت، الآيات: 10- 11- 12] وقال في النازعات: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [سورة النازعات، الآيات: 27- 28- 29- 30- 31- 32- 33] فاقتضت الآيات الأول تقدم الأرض! والأخيرة تأخرها وقد روى الحاكم والبيهقي لإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال رأيت أشياء تختلف عليّ في القرآن قال: هات ما اختلف عليك من ذاك قال أسمع الله تعالى يقول: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ} [سورة فصلت، الآية: 9] حتى بلغ طائعين فبدأ بخلق الأرض! في هذه الآية قبل خلق السماء ثم قال في الآية الأخرى: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض! فقال ابن عباس رضي الله عنهما أمّا خلق الأرض في يومين فإنّ الأرض! خلقت قبل السماء وكانت السماء دخاناً {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} في يومين بعد خلق الأرض وأما قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} يقول جعل فيها جبلا وجعل فيها نهراً وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحور انت! ى. يعني أن قوله أخرج منها ماءها بدل أو عطف بيان لدحاها بمعنى بسطها مبين للمراد منه فيكون تأخرها في هذه الآية ليس لمعنى تأخر ذاتها بل بمعنى تأخر خلق ما فيها وتكميله وترتيبه بل خلق التمتع والانتفاع به فإنّ البعدية كما تكون باعتبار نفس الشيء تكون باعتبار جزئه الأخير وقيده المذكور كما لو قلت بعثت إليك رسولاً ثم كنت بعثت فلانا لينظر ما يبلغه فبعث الثاني وإن تقدم لكن ما بعث لأجله متأخر عنه فجعل نفسه متأخرا وقد أشاروا إلى مثله فالفضل للمتقدم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فإن قلت كيف هذا مع ما رواه ابن جرير وغيره وصححوه عن ابن عباس أيضا رضي الله عنهما " أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتة عن خلق السموات والأرضر فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال وما فيهق من المنافع يوم الثلالاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 والعمران والخراب فهذه أربعة فقال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} أسورة فصلت، الآية: 9 و 10] " وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملاتكة " فإنه يخالف الأوّل لاقتضائه خلق ما في الأرض من الأشجار والأنهار ونحوها قبل خلق السماء. قلت: الظاهر حمله على أنه خلق فيهاه، دة ذلك وأصوله وحدده إذ لا يتصوّر العمران والخراب قبل خلق السماء فعطفه عليها قرينة لذلك فلا تعارض بين الحديثين كما أنه ليس بين الآيات اختلاف ولذا قيل: لا بدّ على تقدير حمل ثم على التراخي في الوقت هنا من التأويل أما في الخلق بحمله على التقدير أو في المخلوق بإرادة مادته إذ لا شبهة في أنّ جميع ما في الأرض! لم يخلق قبل السماء كما نشاهده فلا تبقى مخالفة بين الآيتين ومثله لا يكون بالرأس فإمّا أن يؤخذ من الحديث أو يسكت عنه، والمصنف رحمه الله ذهب إلى تقدم خلق السماء على الأرضى وهذه الآية تنافيه فقال: إنّ ثم للتفاوت في الرتبة المنزلة منزلة التراخي الزماني كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البلد، الآية: 17] فإن اسم كان ضمير يرجع إلى فاعل فلا اقتحم وهو الإنسان الكافر وقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} تفسير للعقبة والترتيب الظاهري يوجب تقديم الإيمان عليهما لكن ثم هنا للتراخي في الرتبة مجازا وتشبث بأنه يخالف الآية الأخرى المصرّح فيها بالبعدية وبينه بأنها تدل على تأخر دحو الأرض أي بسطها وتمهيدها المتقدم على خلق ما فيها وأشار إلى تأويله بما ذكره ولا يخفى تكلفه وبعده وأنت في غنية عنه بما مرّ وقيل: الجواب بأنّ تقدم خلق جرم الأرض على خلق السماء لا ينافي تأخر وجودها عنه ليس على ما ينبغي لأنّ ثم تدل على تأخر خلق السماء عن خلق ما في الأرض! من عجائب الصنائع حتى أسباب اللذات والآلام وأنواع الحيوانات حتى الهوام على ما ذكر لا عن مجرّد خلق جرم الأرض، وسيذكر في حم السجدة ما يدل على تأخر إيجاد السماء عن خلق الأرض! ودحوها جميعا حتى قيل: إنه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام ثم خلق السماء وما فيها في يومين وكثر ذلك في الروايات ولا يفيد حمل ثم على تراخي الرتبة إلا أن يعول على رواية إيجاد السماء مقدما على إيجاد الأرض فضلاً عن دحوها على ما روي عن مقاتل والأولى أن يحام حول تأويل قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ولا يخفى ما فيه فإن ما استبعد. هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو الحق كما مرّ وليس المراد بدحوها إلا تكميل مخلوقاتها كما عرفت، ومنهم من أوّل البعدية الرتبية وأنه كما يكون في ثم يكون في لفظ بعد كما تذكر جملا ثم تقول وبعد ذلك كيت وكيت ولا حاجة إليه أيضاً. قوله: ) عدلهن وخلقهق الخ) العوج يصح فيه هنا الفتح والكسر كما سيأتي في الكهف والفطور الشقوق وهذا من قبيل ضيق فم الركية وهو ظاهر من كلامه بلا مرية إذ خلقها كذلك يقتضي أنها لم تكن بخلافه، وجوّز في ضمير الجماعة أن يرجع إلى السماء بناء على أنها جمع سماءة أو سماوة لتأويلها بالجمع وهو الأجرام أو يرجع إليها ويجمع باعتبار الخبر أو يعود إلى المتأخر كلها احتمالات يأتي بيان الأرجح منها. قوله: (وإلا فمبهم يفسره ما بعده) قال في الكشاف: إن هذا هو الوجه العربي لأن الجمعية لم تثبت والتأويل خلاف الظاهر ويتعين على هذا أن يكون سبع سموات تمييزاً كما يعلم من مثاله وبه صرّح في غير هذا المحل فلا يرد عليه ما قيل إق الضمير يعود على متأخر لفظا ورتبة قياث في مواضع منها ضمير الشأن ويسمى ضمير المجهول والقصة ومنها الضمير المرفوع بنعم وبئس وما جرى مجراهما والضمير المجرور برلث العائد على مميزه والمرفوع بأوّل المتنازعين على مذهب البصريين والضمير المجعول خبره مفسراً له والضمير الذي أبدل منه مفسره، وفي هذا الأخير خلاف: منهم من أجازه ومنهم من منعه وعليه أبو حيان هنا ولهذا اعترض! على قول الزمخشري: إذ فهم من كلامه أنه بدل وكذا اعترض عليه إذ جوّز في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} أسورة الأحقاف، الآية: 24] في الأحقاف كون الضمير عائدا إلى العارض وهو تمييز أو حال وخالفه في شرح التسهيل وفيه نظر، وقال الثليبيّ: الضمير في سواهن إذا رجع إلى السماء على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 المعنى كان سبع سموات حالاً إن فسر سواهن كائنة سبع سموات وأذا كان مبهماً كان سبع سموات نصبا على التمييز نص عليه في السجدة، وفي نصب سبع خمسة أوجه البدل من الضمير المبهم أو العائد إلى السماء أو مفعول به والتقدير سوى منهن وهذا يناسب زياث تها على السغ أو أن سوى فيه معنى صير فينصب مفعولين وقيل: إنه لم يثبت أو حال مقدرة، وقوله أو تفسير أي تمييز، والإرصاد جمع رصد وهو معروف وكونه مشكوكا عند أهل الشرع وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه على تقدير صحته بقوله وان صح الخ أي العدد مختلف إلا أنه إن ضم إلى ما قاله أهل الشرع الكرسي والعرس لم يبق بينهم خلاف قال السيد في خطبة المواقف سبع سموات هي الأفلاك السبعة السيارة والنجمان الآخران يسميان عرشاً وكرسيا انتهى. وهو توفيق حسن وكون العدد لا يدل! على نفي الزائد مسألة أصولية في مفهوم العدد هل هو معتبر أولاً وفيه خلاف مشهور بينهم. قوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فإن قلت عليم من علم وهو متعدّ بنفسه فكيف تعدى بالباء فان كان لضعفه بتقدم معموله فالتقوية باللام فقط قلت قالوا: إنّ أمثلة المبالغة خالفت أفعالها لأتها أشبهت أفعل التفضيل لما فيها من الدلالة على الزيادة فأعطيت حكمه في التعدية حاسية الشهاب / ج 2 / م 12 وهو أنه إن كان فعله متعدّيا فإن أفهم علماً أو جهلاً تعدى بالباء نحو هو أعلم به وأجهل به وعليم به وجهول به والا تعدى باللام نحو أضرب لزيد وفعال لما يريد والا تعدى بما يتعدى به فعله نحو هو اصبر على النار وهو صبور على كذا وفيه نظر لأنه يقال رحيم به ولو تتبعت الكلام لوجدت ما يخالفه. قوله: (فيه تعليل كأنه قال الخ) الضمير في فيه ليس راجعا إلى قوله وهو بكل شيء عليم بل إلى الكلام المعلوم من السياق والمقصود بيان ارتباط هذه الجملة بما قبلها سواء كانت حالية أو معترضة تذييلية فإن نظرنا لآخر الكلام كان علة لما قبله فإنه لما أوجد هذه الأشياء العظيمة الدالة على قدرة عظيمة كاملة على أتقن الوجوه وأحسنها وأتمها كان إيجادها دليلاَ على علم شامل للجزئيات والكليات قبل وقوعها فإن الصانع إذا بنى بناء عظيماً ونحوه لا بد من تصوّره قبل إيجاده، وبهذا استدل في علم الكلام على شمول علمه لجميع المعلومات وقالوا الأفعال المتقنة تدلى على علم فاعلها، ومن تفكر في بدائع الآيات السماوية والأرضية وفي نفسه وجد دقائق حكم تدل على كمال حكمة صانعها وعلمه الكامل كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فصلت، الآية: 53] والنتيجة تصلح بعد تقررها تعليلا للدليل والكل من مقدماته كما تقول تغير العالم لحدوثه العالم متغير لحدوثه، ولا خفاء في مثله فلا يرد عليه ما قيل إنّ علة خلق ما خلق على هذا النمط ليس لكونه عالماً بل لكونه عالماً قادراً وأنه لا يصح عطف التعليل على الدعوى وإن بين كونه تعليلا واستدلا تنافيا وعلمه بالكنه مأخوذ من صيغة المبالغة والنمط الطريقة وكونه عالماً مرّ وجهه وحكيماً مأخوذ من إتقانه ورحمته من الأنفع فإن قلت كلام المصنف رحمه الله يقتضي أنّ نظام العالم هو الأصلح الأكمل الذي لا يمكن شيء فوقه كما قال الغزالي: ليس في الإمكان أباع مما كان وفي الفتوحات له تفصيل قلت: أنكر العلماء هذا وقالوا إنّ الله قادر على أن يوجد عالماً آخر أكمل من هذا وأحسن وأعظم كما هو مذهبنا ومعتزلة بغداد ذهبوا إلى وجوب الأصلح في الدين والدنيا بالنسبة إلى كل شخص، ومعتزلة البصرة إلى وجوب الأصلح في الدين فقط والفلاسفة إلى الأصلح بالنسبة إلى الكل من حيث هو كل لنظام العالم ونحن لا نرى بشيء منها (قلت) : مراده أنها أصلح وأكمل بحسب ما نشاهده ونعلمه ويصل إليه فهمنا لا بمعنى أنه ليس في مقدور الباري ما هو أباع منها كما هو رأي الفلاسفة لأنّ العقيدة أنّ كلا من مقدوراته ومعلوماته لا تتناهى كما صرّح به حجة الإسلام في عقيدته، وأمّا ما نقل عنه فقد قيل: إنه دسيسة أو غفلة واعتزض عليه وعلى المصنف بعض أرباب الحواشي وقد سمعت توجيه كلام المصنف وبه صرّح ابن الهمام في المسايرة، وأمّ كلام الغزالي فله وجه وجيه لأنّ الله علم بإيجاد العالم على هذا النظام الخاص الذي اقتضت الحكمة أكمليته فبعد تقديره في علمه الأزليّ يكون خلافه ممتنعا لئلا يلزم الجهل فهو مستحيل بالعرض لا بالذات ومثله يصح إطلاق عدم الإمكان عليه بلا تكلف فلا تغترّ بتشنيع بعضهم عليه، وللعلماء في هذه المسألة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 تآليف مستقلة والكلام فيها كثير اكتفينا منه هنا بهذا القدر. قوله: (وإزاحة لما يختلج في صدورهم الخ) أشار بقوله يختلج إلى ضعفه لأن الاختلاح حركة ضعيفة وقوله واتصلت بما يثاكلها يعني عناصرها الأصلية لها، وقوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [سورة يس، الآية: 79] فإنّ فيها ذكر عموم العلم لإثبات المعاد، وقوله مبنية في نسخة مبتنية أي مترتبة عليها وهذا وجه آخر للارتباط وقوله قابلة للجمع أي على أصل من قال إق الإعدام تفريق الأجزاء لا إفناؤها وتعاقب الاجتماع والافتراق والموت والحياة مبنيّ على شمول الموت للعدم الأوّل فلا يرد عليه أنه لا تعاقب بينها بل تعقيب الاجتماع بالافتراق وتعقيب الحياة بالموت بدون العكس كما قيل، وكون القبول ذاتيا هو المتبادر وأمّا احتمال اشتراطه بشيء آخر فلا دليل عليه، وقوله: فإنه عالم يصح فيه الكسر والفتح بتقدير فهي أنه وسد الحاجة بالفتح بما يحتاجون إليه، وفي قوله: جلت بمعنى عظمت ودقت بمعنى أنها دقيقة طباق بديعي وتسكين وهو بعد حرف العطف لغة لأنه معها يشبه كلمة واحدة مضمومة العين فيجوز تسكينها للتخفيف كما يقال: عضد وعضد وهو مطرد فيهما. قوله: (تعداد لنعمة ثالثة الخ) الأولى نعمة الإيجاد و! باس الحياة والثانية خلق ما في الأرض من النعم واللذات والطاعات والعبادات، والثالثة خلق أبينا وتكريمه بما جعله هو وذريته أفضل من الملائكة وجميع المخلوقات، وقوله: واذ ظرف الخ المراد بالنسبة الأولى نسبة الجملة المضاف إليها وبالثانية نسبة العامل الذي تعلقت به ولذلك لزم إضافتها للجمل كما أنّ حيث في ظروف المكان كذلك فلذا لزم إضافتها للجمل الأعلى سبيل الشذوذ ولافتقارها للجملة المضاف إليها أشبهت الموصول المفتقر لجملة الصلة فتشابها وان كان في إذ علة أخرى وهي الشبه الوضعي لوضعها على حرفين وقوله واستعملتا للتعليل والمجازاة أي أصك وضعهما للظرفية ولكن قد تستعملان لذلك واتفقوا على أنه لف ونشر مرتب وأنّ التعليل را- جع لإذ والمجازاة لاذا لأنه العروف إذ لم ترد إذ للتعليل واذ للشرط أما العكس فمقرر لأن إذ وردت له كثيراً كقوله تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} اسورة الزخرف، الآية: 39] أي لأجل ظلمكم إذ ليس زمان الظلم زمان الاشتراك وهل هو معنى حقيقي لها أو مستفاد من المقام قولان مفصلان في العربية، وكذا ورود إذا شرطية كثير لكن لا يجزم بها في السعه، ولك أن تجعله راجعا لهما معاً لأن إذا وحيث بل سائر الظروف تستعمل للتعليل عند الزمخشريّ لاستواء مؤدّي التعليل والظرف في قولك ضربته لإساءته وضربته إذا أساء لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه فأجرى مجرى التعليل كما أشار إليه الزمخشريّ في سورة محمد وارتضاه شراح المفتاح وكذا إذ نستعمل شرطية مع زيادة ما معها وهي جازمة ونقل في همع الهوامع أنها تكون شرطية بدون ما أيضا فقال ولا يجازي ولا يجزم بحيث واذ مجردتين من ما وأجازه الفراء قياسا على إن وأخواتها وردّ بأنه لم يسمع فيهما إلا مقرونتين بما انتهى. فكأنه نسيه هنا فقال: هنا هو لف ونشر فإن إذ هي التي تستعمل للتعليل وإذا هي التي تستعمل للمجازاة ولا يعرف وجود إذ للمجازاة ولا إذا للتعليل وقد سألني الخطيب عند كتابته على هذا المحل فأجبته بذلك انتهى ووقع في عبارة المفتاح إذ شرطية وخرجها عليها الشارحان المحققان فاحفظه فإنه من النوادر. قوله: (وبنيتا تشبيهاً بالموصولات الخ) هذا أحد مذهبين للنحاة في مثله قال السيرافيئ في شرح الكتاب إذ مبنية على السكون والذي أوجب بناءها أنها تقع على الأزمنة الماضية كلها وهي محتاجة إلى الإيضاح فصارت بمنزلة الذي المحتاجة إلى الصلة انتهى، وهذا بناء على أنّ علة البناء لا تنحصر في شبه الحرف بل تكون لمشابهة غيره من المبنيات واليه ذهب الزمخشريّ وابن الحاجب كما فصله في الأشباه النحوية ومن غفل عنه رده. قوله: (ومحلهما النصب أبدا بالظرفية الخ (هذا مدّهب لبعض النحاة وفي المغني أنّ لها أربعة استعمالات أحدها أن تكون ظرفا وهو الغالب، والثاني أن تكون مفعولاً به نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 86، والغالب في أوائل الآيات من التنزيل ذلك بتقدير اذكر، وبعض المعربين يقول فيه إنه ظرف لا ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 محذوفاً وهو وهم فاحش لاقتضائه أنّ الأمر بالذكر في ذلك الوقت وليس كذلك بل المعنى اذكر الوقت نفسه، رالثالث أن تكون بدلاً من المفعول نحو واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت والرابع أن يكون مضافا إليها اسم زمان نحو يومئذ وبعد إذ هديتنا وزعم الجمهور أنها لا تقع إلا ظرفا إو مضافا إليها، وأما إذا فالجه طور على أنها لا تخرج عن الظرفية وجوّز بعض النحاة جرّهأ بحتى ووقوعها مبتدأ وخبراً ومفعولىلآ وبدلاً من مجرور انتهى. (وههنا بحثان) الأوّل أنّ قول المصنف رحمه الله ومحلهما النصب أبدا لا يوافق مذهبا من المذاهب لأنها تكون في محل جرّ في نحو يرمئذ كثيراً بالاتفاق وكذا تعليلية فإنّ الظروف الغير المتصرفة يدخل عليها بعض حروف الجرّ والممتنع فيها النصب على المفعولية، والرفع في هذه على الفاعلية ممنوع بالاتفاق ولا وجه للتردّد في وجهه لأنّ المفعول شبيه بالظرف لكونه فضلة ولذا تنصب توسعا بالاتفاق أيضا، الثاني أنّ ما عده في المغني وهما فاحشا سلموه له وليس بوارد لأنّ الظرفية يكفي في صحتها ظرفية المفعول نحو رميت الصيد في الحرم كما سياتي في الأنعام وقوله لما ذكرناه هو أنه وضعت لزمان النسبة. قوله: (وأما قوله تعالى {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} الخ) جواب ما يرد عليه من أنه هنا بدل من المفعول ولا يصح أن يكون ظرفا لأن الذكر ليس في ذلك الوقت فأجاب بتقدير الحادث وهو ظرف له قائم مقامه في الدلالة على معناه لا أنه يحل محله حتى يلزم كونه مفعولاً به، ثم إنّ تقدير الحادث إما مضافا أي حادث أخي عاد وهو هود عليه الصلاة والسلام أو معطوفا أي وحادثه، ومنهم من دّره صفة لأخي عاد ولا يخفى ركاكته والظاهر تقدير أمر، ثم إق في كلامه نظرا لم ينهوا عليه لأنه إذا قدر حادث أو نحوه فهو العامل فيه لا أذكر فإن جعل عاملا باعتبار وقوع المفعول فيه كما مرّ لم يفد التقدير فائدة جديدة فتأمل، واستدل على تقديرا اذكر بأنه ورد مصرحا به في آيات كثيرة وأما تقدير بدأ خلقكم فقيل إنه غير محرر لأنّ ابتداء خلقناكم لم يكن وقت ذلك القول بل قبله وليس بوارد لأنه يعتبر وقتا ممتداً لا حين القول، ومعمر بفتح الميمين أبن المثنى وهو أبو عبيدة اللغوي النحوي كما صرّح به القرطبي رحمه الله لا المحدث وقوله هذا مردود في غاية الضعف عند النحاة وعلى تقدير بدأ وتعلقه بقالوا يكون معطوفا على صلة الذي وعلى تقدير أذكر يكون من عطف القصة على القصة أو عطف على بشر وما بينهما اعتراض! أو على أمر مقدر نحو تذكر هذه النعم واذكر الخ. قوله: (والملافكة جمع ملاك على الأصل كالشمائل جمع شمأل) وهي ريح الشمال ولا خلاف في أنّ أصل ملك ملأك وقد جاء على الأصل في قوله: وليست لانسيّ ولكن لملأك تنزل من جوّالسماءيصوب وانما الخلاف في وزنه فقال ابن كيسان: وزنه فعأل والهمزة زائدة وهو من م ل ك، وماذته تدل على القوّة وبه يشعر تمثيل الزمخشريّ بشمأل وان احتمل أن يريد الشبه الصوري من غير نظر إلى زيادة وأصالة كما هو مراد المصنف رحمه الله بدليل ما سيصرج به من القلب وقوة الملك ظاهرة والمشهور أنّ ملأك مقلوب مألك وبه قال الكسائي: والليث الأزهري من الألوكة بمعنى الرسالة وأما الأك بمعنى أرسل فلم يشتهر فإن ثبت فهو أولى لسلامته من القلب ويكون مصدراً ميميا استعمل بمعنى المفعول أو جعل موضع الرسالة مبالغة وقد كثر في الاستعمال ألكني بمعنى أرسلني، وقال ابن الأنباري رحمه الله أصله ألئكني فحوّلت كسرة الهمزة إلى اللام وحذفت لالتقاء الساكنين وقد نقله الأزهري رحمه الله أيضا وإذا ثبت الأك ففيه غنيمة عن ثبوت لأك فيؤخذ منه لا من الألوكة لأنّ كثرة استعماله تأبى حمله على القلب وعلم منه أنّ هذا القول ليس بضعيف كما توهم شارحو كلام ابن الحاجب وهو الذي ارتضاه المصنف رحمه الله ولذا جعله مقلوبا ولا ينافي هذا قوله على الأصل لأن أصله حينئذ مألك ولو جمع لقيل: ماكك كمآرب لكنه بعد القلب صار أصلاً ثانيا له، وتسميتهم رسلاً لإرسالهم إلى الأنبياء عليهم الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 والسلام بالذات والى الأمم الواسطة وتأنيث الجمع لأنه بمعنى الجماعة. قوله: (واختلف الناص في حقيقتهم الخ) مذصب الملبين أنهم أجسام لطيفة نورانية قابلة للتشكل لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يرونهم في صور مختلفة وأما قول النصارى فيرده هذه الآية لأنها قبل خلق البشر والحكماء قالوا: إنها مجرّدات عن النفوس البشرية وهي العقول العشرة والنفوس الفلكية التي تحرك الأفلاك وقوله منقسمة راجع إلى القول الأوّل بقرينة أنّ الحكماء لا يقولون بهذا ولا عبرة بقول النصارى فإنه باطل والملائكة المقربون هم الكروبيون، وقوله والمقول لهم أي في هذه الآية جميع الملائكة لعموم اللفظ وعدم المخصص وقيل: القرينة على تخصيص ملائكة الأرض كونهم مجعولين خليفة فيها وقوله فبعث عليهم ضمن معنى سلط فلذا تعدى بعلى وفي نسخة إليهم. قوله: (وجاعل من جعل الذي له مفعولان الخ) بين معناه ومصحح عمله من كونه مستقبلاً معتمدا على ما هو معروف في النحو وإذا كان بمعنى خالق فله مفعول واحد وفي الأرض ظرف متعلق به، قيل معناه حينئذ بعداً اللتيا والتي إني جاعل خليفة ص ق الخلائف أو خليفة بعيته كائنا في الأرض فإنّ خبر صار في الحقيقة هو الكون المقدر العامل في الظرف ولا ريب في أنّ ذلك ليس مما يقتضيه المقام وأنما الذي يقتضيه هو الإخبار بجعل ادم خليفة فيها كما يعربءضه جواب الملائكة فإذا قوله تعالى: خليفة مفعول ثان والظرف متعلق بجاعل قدم على المفعول الصريح للتشويق إلى ما أخر أو بمحذوف وقع حالاً مما بعده لكونه نكرة وأما المفعول الأوّل فمحذوف تعويلاَ على القرينة الدالة عليه كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً} [سورة النساء، الآية: 5] ولا ريب في تحقق القرينة هنا أما إن حمل على الحذف عند وقوع المحكي فهو واضح لوقوعه في أثناء ذكر الله له كاً نه قيل إني خالق بشرا من طين وجاعله خليفة في الأرض، وأما إن حمل على أنه لم يحذف هناك بل في الحكاية فالقرينة جواب الملائكة، وهذه قعقعة لا طائل تحتها كما هو دأبه فإنه على الوجه المرضي عند المحققين لا شك أنه إذا قيل للمستولي على محل إني مول عليه آخر أفاد تبديله بغيره فإن كان ذلك غير معلوما بالشخص على ما جوّز هو أن يكون المراد بالخليفة معيناًفلا معنى لجعل المستخلف كائنا في الأرض بدلهم إلا استخلافه فيها وإن لم لكن معيناً فقد أشاروا إلى جوابه بأنهم يعلمون أنّ العصمة من خواصهم فيطابقه الجواب من غير حذف وتتهدير ولم يجر لآدم ذكر إلى الآن فهل هذا إلا تعسف. قوله: (والخليفة من يخلف غيره الخ) إنما جعل الهاء فيه للمبالغة لإطلاقه على الواحد المذكر فلو جعلت الهاء للتأنيث لجاز لإطلاقه على الجماعة كما يقال: فرقة باغية، وضمير استخلفهم راجع إلى آدم ومن ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا إلى كل حتى يقال: إنه جمع باعتبار المعنى، وقوله: لأنه كان خليفة الله الخ أي أوّل خليفة فلذا خص هنا، وقوله: لا لحاجة يعني ليس استخلافه تعالى كاستخلاف غير. فإنّ شأن الغير أنه إنما يستخلف لغيبة أو عجز بل لقصور المستخلف عليه كالسلطان يأمر خاصته بتبليغ أوامره للعامة ويأمرهم تارة بالدّات وأخرى بالواسطة وهذه حكمة أنه لو جعل ملكا خليفة لكان رجلا وقوله بحيث يكاد زيتها الخ شبه قلوبهم بالمصباح وذواتهم بالمشكاة وما أوح فيهم من القوّة القدسية بزيت من شجرة مباركة {لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} تضيء من غير نار لشدة لمعانه ثم أوضح ذلك بالغضروف وهو مضموم الأوّل والثالث والثاني معجم وهو عضو مفرد ليس صلابة العظم لكته أصلب من باقي الأعضاء اللينة قال الأطباء: المنفعة في خلقه أن يحسن اتصمال العظام بالأعضاء اللينة بأن يتوسط بينهما فلا يكون الصلب واللين قد تركبا بلا وأسطة فيتأذى اللين بالصلب خصوصاً عند الضربة والسقطة والمصنف ذكر أنه لإمداده وهو أمر ظاهر، وقوله أو هو وذرّيته الخ في جعل مضر وهاشم مما استغنى به فيه نظر. قال القرافي قد ينقل العلم الموضوع لمعين إلى ما لا يتناهى من ذرّيتة كربيعة ومضر وقيس انتهى فليس من الاستغناء بل هو منقول للجملة إلا أن يقال: في الأول كان كذلك ثم غلب في الاستعمال حتى صار حقيؤة وحينئذ لا يكون فيه نقل إلا بحسب التقدير ولذا قيل: بينهما فرق لأنّ مضر وهاشماً، سما قبيلة بخلاف الخليفة، ورد بأنهما من الإعلام الغالبة والتمثيل بالنظر إلى أصل الاستعمال قبل الغلبة فلا إشكال وكان المجيب لم يفهم الاعتراض فإنّ محصله أنّ علم أبي القبيلة يطلق عليهم، وهذا ليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 يعلم بل وصف ونظيره ما سيأتي من إطلاق فرعون على قومه، واعترض عليه بأنه ليس أبا لهم فلا يطلق كإطلاق القبائل فكان ينبغي أن يقول: إنه ليس بشرط لوجود العلاقة فتأمل وفي الكشف أنه استشهاد لأنّ ما نحن فيه ليس من ذلك القبيل لأنّ آدم جاز أن يعبر به عن الكل لا وضعه الدال عليه والمعنى كما أن الاستغناء هنالك لأن أبا القبيلة أصلهم الجامع كذلك هم ورثوا الخلافة منه فخلافته الأصل الجامع اهـ. وقوله أو على تأويل من يخلفكم أي بلفظ عام شامل للقليل والكثير، ويعلم من قوله السابق أعلى رتبة أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أفضل الأنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام وقد تردد بعضهم في تفضيله على إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويكفي لتخصيصه على سائر التوجيهات أوّليته فيها، وعلى القول بشمول الخليفة لذرّيته يظهر قول الملائكة من يفسد بلا تأويل وعلى غيره لأنه منشؤهم وأصلهم وقوله أو خلقا يخلفكم خلق بالخاء المعجمة والقاف وجوّز فيه أيضاً الفاء وقوله بأن بشر بوجوده الخ قيل: عليه ليس هذا مقام البشارة لأنه ليس بسارّ عليهم نظرا إليهم على ما يفصح عنه قوله ونحن نسبح بحمدك وتأويله بالإخبار يأباه سببية تعظيم المجعول فتأمل وقوله: واظهار فضله الراجح. قيل: هو أص كأ من قول الزمخشري صيانة لهم عن اعتراض! الشبهة في وقت استخلافهم لأنّ ذلك ليس من شأنهم سؤالهم إنما هو للتعجب كما سيأتي. وفيه نظر لأنه سيذكره بعينه وعلى هذه الوجوه إن كانت الملائكة ملائكة الأرض فقولهم أتجعل الخ ظاهر، وإن كانت الجميع فالقائل إفا هم أيضا لأن سكان الأرض! مثلهم فيما ذكر أو بعضهم وأسند إلى الجميع كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلاً والقائل بعضهم لأنّ ما وقع بينهم كأنه صدر من جميعهم. قوله: (تعجب من أن يستخلف الخ (إنص حمله على التعجب لأنّ الإنكار لا يليق بهم فصرف لما يليق وقد استدل به الحشوية على عدم عصمة الملائكة عليهم الصلاة والسلام فأشاروا إلى ردّه بهذا، وقيل: كان الظاهر المطابق لما قبله أتجعل فيها خليفة من يفسد وإنما عدلوا عنه صرفا للتعجب إلى جعل المفسد في الأرض مع قطع النظر عن كونه خليفة فكأنهم قالوا إنّ أصل جعلهم في الأرض مستبعد فأنى الخلافة ولدقة هذا المعنى وذهابه على الزمخشريّ والمصنف وغيره صرفوا التعجب إلى استخلافهم. (قلت) : ما ذكره المصنف وغيره هو معنى النظم ومقتضى ترتبه على ما قبله من غير ريبة وهو المراد على كل حال وما ذكره القائل نكتة للعدول في التعبير عن مقتضى الظاهر لا تنافيه، وقد أشار المصنف إلى تنبهه لهذه النكتة بقوله فيما سيأتي لا تقتضي الحكمة إيجاد. فضلاً عن استخلافه، وقيل: أيضاً إنّ هذا ينافي كونه تعليما للمشاورة لأنّ مقتضاه أن يكون ألاستفسار والاستخباو مطلوبا منهم، ويكونوا مأذونين في السؤال والجواب فيناسب مقابلتهم بالاستفسار لا التعجب وليس بوارد لأنّ قوله وليس باعتراض يبين أنّ الممنوع فيه الاعتراض والاستفسار والتعجب لا ينافيه فتأمل ثم إنه ليس مشاورة لأنه تعالى غنيّ عن العالمين لكن تلك المعاملة ترشد للمشاورة لشبهها بها وكذا ترشد ل! خبار بما من شأنه أن يسرّ، فسقط الاعتراض على البشارة السابق أيضا وقوله: أو يستخلف مكان أهل الطاعة الخ الطاعة تستفاد من قوله: ونحن نسبح بحمدك الخ كما أنّ المعصحية من سفك الدم والاستكشاف طلب الكشف، وبهر بمعنى غلب وألغاه جعله لغواً. قوله: (وليس باعتراض على الله الخ) عطف على تعجب وعلى وجه الغيبة أي طريقها في الذم وإن لم تكن غيبة حقيقية وهو حرم ومكرمون أي معصومون وقوله: وإنما عرفوا ذلك إشارة إلى ما روي عن السدى رحمه الله تعالى إن الله تعالى لما قال لهم ذلك قالوا وما يكون من ذلك الخليفة قال يكون له ذرّية يفسدون في الأرض ويقتل بعضهم بعضا. وهذا أسلم الوجوه ولذلك قدمه فإنّ اطلاعهم على ذلك من اللوح يرد عليه أن في اللوح أيضا شرف بني آدم وحكمة خلقهم فلو أخذوه منه فلم يبق شبهة د إن كان مدفوعاً بأن الله منعهم عن النظر إلى جميع ما فيه فإنهم لا يفعلون إلا ما يؤمرون وكذا الاستنباط لا يمنع عرق الشبهة فإنه يقال: كيف أرتكز في عقولهم فإن قيل: بأن أخبرهم الله به أو رأوه في اللوح رجع إلى الأوّل وان قيل: بأن خلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 فيهم سبحانه علماً ضرورياً فإن كان بأن لا يعصم فرداً ما سواهم فهو خلاف الواقع أو نوعا مطلقاً وإن عصم بعض أفراده كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المراد صح لكن لا يلائم قوله لا علم لنا إلا ما علمتنا، مع أن غاية ما يلزم من علمهم باختصاص العصمة بهم علمهم بصدور الذنب المطلق لا خصوصية الفساد وسفك الدماء، والمطلوب هذا دون ذاك إلا أن يقال وجه الاستنباط ما سيأتي من أنهم علموا عصمتهم ورأوا تأليف الإنسان يقتضي القوة الشهوية والغضبية المستلزمة للفساد والسفك أو أنهم علموا ذلك من تسميته خليفة لأن الخلافة تقتضي الإصلاح وقهر المستخلف عليه وهو يستلزم أن يصدر منه فسادا مّا في ذاته بمقتضى الشهوة أو في غيره من السفك، ووجه القياس أنهم علموا حال مثلهم في التناكح والتناسل فقاسوهم عليهم وقوله والسفك الخ هو من فقه اللغة وما ذكره عن ابن فارس، وقال المهدوي: لا يستعمل السفك إلا في الدم، وقيل: إنّ السفك والسفح يستعملان نن نشر الكلام والقدرة عليه وبين قراءة المجهول وأشار في ضمنها إلى أنّ من يجوز فيها أن نكون موصولة وموصوفة وترك ما في الكشاف من أنه قرئ بضم الفاء وكسرها. قوله: (حال مقرّرة لجهة الإشكال الخ) أي جملة حالية مقرّرة ومؤكدة لسؤالهم لدفع ما عرض لهم من الثسبهة ولما تراءى من ظاهر هذا الكلام أنه اعتراض! دفعه بأنّ المقصود منه الاستفسار وكما أنّ هذه الجملة مقرّرة للسؤال دافعة أيضا الاحتمال الاعتراض فإنهم إذا نزهوه أكمل تنزيه علموا أنه لا يصدر عنه ما لا تقتضيه الحكمة فلا يرد أن في كلام المصنف رحمه الله تصريحا بأن قولهم هذا ناشئ من اعتراض الشبهة وقد عرفت أنه لا يليق بثأنهم فالصواب أن يقال: إنه حال مقرّرة لجهة الاستخبار عن حكمة الاستخلاف خاليا عن اعتراض الشبهة في موافقته الحكمة، فإن! لت إن ابن مالك قال في شرح الألفية إن كانت الجملة الاسمية حالاً مؤكدة لزم الضمير وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه وذلك الكتاب لا ريب فيه وقال ابن هشام: وتمتنع الوأو في المؤكدة، ووجهه أنّ واو الحال عاطفة بحسب الأصل والمؤكدة لا يعطف على المؤكد لما لينهما من شدة الاتصال وقد صرح به أهل المعاني أيضاً. قلت هو ليس بمسلم فإنهم صرحوا لخلافه أيضا كما في شرح التسهيل أنّ جملة وأنتم معرضون في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} [سورة البقرة، الآية: 83] حال مؤكدة وقد ينزل المؤكد منزلة المغاير لكونه أوفى بتأدية المراد فيقرن بعاطف ونحوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى وعطف التفاخر على العجب بضم فسكون تفسيريّ وقوله وكأنهم علموا الخ. يعني بعلم ضروري خلق فيهم أو إخبار كما مر وشهوية بسكون الهاء نسبة إلى الشهوة، وقوله إلى الغ! ساد وسفك الدماء لف ونشر مرتب أن خص الفساد وقوله: ونظروا إليها أي إلى كل من الشهوية والغضبية فإن مقتضاهما ما ذكر وليس في هذا طعن في الملائكة بإسناد سوء الظن إليهم فإنه استخبار وقوله لا تقتضي الحكمة إيجاده إنما عبر بالإيجاد لأنه أبلغ من الاستخلاف مع دلالة الاستخلاف عليه التزاما فلا يقال: إنّ هذا يقتضي تفسير جاعل بخالق وفيه ما مر ثم أشار إلى أن كلاً من القوّتين لها إفراط وتفريط مذموم وحاق وسطهما مهذب ممدوح ومطواعة صيغة مبالغة والتاء للمبالغة لا للتأنيث ومتمرّنة معتادة فالعفة وسط القوة الشهوية والشجاعة وسط الغضبية وافراطها تهوّر وتفريطها جبن ومجاهدة الهوى بترك الشهوات ثمرة العفة، والإنصاف في المعاملات كذلك، وقيل: إنه ثمرة الشجاعة، والتركيب من أجزاء مختلفة يفيد قوّة تقصر عنها الآحاد المفردة الغير المركبة كأراك الجزئيات بالقوى الظاهرة والباطنة التي خلت عنها الملائكة كما سيأتي. ولما ورد أنه كان ينبغي بيان ذلك أشار إلى أنه بينه إجمالاً بقوله إني أعلم الخ لما فيه من إحاطة علم آدم عليه الصلاة والسلام كما سيأتي. ونرك قول الزمخشري كفى العباد أن يعلموا أنّ أفعال الله تعالى كلها حسنة وحكمة وان خفى عليهم وجه الحسن والحكمة لأنه أورد عليه أنه إن أراد أن من شأنهم أن يعلموا ذلك ولو بعد حين لما فيهم من القوة العقلية فليس بكاف في ترك التعجب وأن أراد أنهم كانوا يعلمون ذلك فليس بمعلوم ولا في العبارة ما يدل عليه، وفيه نظر لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 تنزيه الله وتقديسه عن كل نقص يدل على أنه لا يصدر عنه إلا الأفعال الحسنة الجاربة على وفق الحكمة ثم إنه أتى بهذه الجملة مؤكدة لأنها في جواب السؤال الذي يستحسن تأكيده، وقيل: لتنزيلهم منزلة المنكر لما اعترض لهم من الشبهة التي لا ينبغي أن تعرض وش! تفسر عنها وأعلم فعل مضارع وما مفعوله وهو الظاهر، وما إمّا موصولة أو موصوفة والعائد محذوف أي تعلمونه وقال أبو البقا: وغيره أنه اسم تفضيل استعمل بمعنى عالم فما في محل جر بالإضافة أو نصب بأعلم ولم ينون لعدم انصرافه وضعف بأنّ فيه جعل أفعل بمعنى فاعل وهو خلاف الظاهر وأن فيه عمل اسم التفضيل بمعنى الفاعل والجمهور لا يثبتونه. وقيل: إنه على بابه والمفضل عليه محذوف أي أعلم منكم وما منصوبة بفعل محذوف دل عليه أفعل أي أعلم ما لا تعلمون لأن أفعل لا ينصب المفعول به. قوله:) والتسبيح تبعيد الله سبحانه وتعالى عن السوء الخ (وفي نسخة تنزيه الله عن السوء وتبعيده عنه أي الحكم بنزاهته وبعده وألتلفظ بما يدل عليه وكذلك التقديس. وقد روي هذا التفسير عن النبي عليه الصلاة والسلام وزاد القرطبي فيه على وجه التعظيم، وقوله وكذلك التقديس يفهم منه ترادفهما. قال الراغب: السبح المرّ السريع في الىء أو الهواء يقال سبح سبحا وسباحة واستعير لمرّ النجوم في الفلك ولجري الفرس، والتسبيح تنزيهه تعالى وأصله المرّ السريع في عبادته، وفي الكشف أنّ الزمخشريّ جعلهما مترادفين أصلاَ ونقلا والأشبه تغايرهما وان رجعا إلى نفي النقصان بالنظر في التسبيح إلى أنّ العارف أتى المستطاع في التنزبه ولم يتركه فإنه على حسب المعرفة وفي التقديس إلى أنّ الذات الكاملة التي لا يمكن أن تتصوّر بما يدانيها لها الطهارة عن كل سوء أطلق عليه لفظ دال عليه أو لم يطلق لوحظ في الأوّل العارف وفي الثاني المعروف، وفي قولهم هذا لطيفة إذ جعلوا سفك الدماء نهاية الإفساد وقابلوه بالتقديس الذي هو نهاية التنزيه وترقوا من العرفان إلى المعروف، وحاصله أن التسبيح تنزيهنا له عما لا يليق به والتقدي! تنزهه في ذاته على ما يراه لائقا بنفسه فهو أبلغ ويشهد له أنه حيث جمع بينهما أخر نحو سبوح قدوس. قوله: (وبحمدك في موضع الحال) نقل عن الزمخشري أن الباء لاستدامة الصحبة والمعية لا إحداثها وهو حسن، وفي الكشاف أي لسبح حامدين لك وملتبسين بحمدك لأنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف لم نتمكن من عبادتك، وهذا كما في الحديث: " سبحانك وبحمدك " لأن المعنى وبحمدك نسبح، وإضافة الحمد إما إلى الفاعل والمراد لازمه مجازاً من التوفيق والهداية أو إلى المفعول والمعنى متلبسين بحمدنا لك كذا أفاده الكرماني في شرح البخاري. وأراد المصنف والعلامة الأوّل وبه تعلم معنى كلامهم ويندفع ما يتوهم من أن الحمد لم يقل أحد أن معناه التوفيق والإلهام وقوله لداركوا الخ وهذا كما قالط داود عليه الصلاة والسلام: يا رب كيف أقدر أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكر نعمتك إلا بنعمتك يعني أقدارك وتوفيقك واليه أشار محمود الوراق بقوله: إذاكان شكري نعمة الله نعمة عليئ له في مثلهايجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وان طالت الأيام واتسع العمر فإن مس! بالنعماء عم سرورها وان مس بالضراء أعقبها الأجر وقال الغزالي رحمه الله: أنّ داود عليه الصلاة والسلام لما قال ذلك أوحى الله إليه إذا ،، مت هذا فقد شكرتني وروي إذا عرفت أنّ النعم مني رضيت بذلك منك شكرا. قوله: (ئطهر ومرسنا من الذنوب لأجلك (لما كان التقدي! والتسبيح مترادفين بحسب الظاهر مع أنهما. "، ءيان بغير حرف وقد قيل: إنهما يتعذيان باللام أيضاً فسره بما يفيد تعديته بنفسه كما هو 511! روف ويندفع به التكرار أي نطهر به أنفسنا فالتسبيح لله والتقديس لهم، وظاهر قوله واللام.، و، - ة أنه لم يرتض تعديه بها وإنما ضعفه لأنه خلاف الظاهر وقيل التسبيح التبعيد يعدى بتفسه) ، االام وكذلك التقديس فاللام في لك في المعنى متعلق بالفعلين، وكذا الحال أعني بحمدك وفائدة الجمع بين التسبيح والتقديس وان كان ظاهر كلامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 ترادفهما أن التسبيح بالطاعات والعبادات والتقدي! بالمعارف والاعتقادات وقيل: عليه إن ما هنا أولى فإنّ توسيط الحال بين العاملين والحمل على التنازع في لك وتخصيص التسبيح بالعبادات والتقديس بالمعارف بلا دليل بعيد وقيل: الأولى أن يفسر بأنا نقدسك لأجلك واستحقاقك لأجلنا من طمع ثواب أو خوف عقاب. قوله: (إما بخلق علم ضروويّ بها فيه الخ) هذه المسألة أصولية دائرة على الاختلاف في واضع اللغات هل هو الله أو البشر، وفي كيفيته وهو مفصل في أصول الفقه مع أدلته وما عليه وما له ومذهب الأشعري أنّ الواضع لها كلها هو الله ابتداء مع جواز حدوث بعض أوضاع من البشر كما يضع الرجل علم ابنه واستدل بهذه الآية وقالت المعتزلة: الواضع من البشر آدم أو غيره وشممى مدّهب الاصطلاح والثالث مذهب ألتوزيع بأن وضع الله بعضها والباقي البثر وأشار المصنف إلى الأوّل وطريق المعرفة بوضع الله لها أنه خلق في آدم علما ضرورياً بأسماعه إياها وخلق علم ضروريّ بأنّ هذا معنى هذا ورده أبو منصور: بأنّ الضروريّ إما بديهيّ أو مدرك بالحواس ولو كان كذلك لشاركتهم الملائكة فيه فلا بدّ أن يكون بإلهام أو بإرسال ملك لم يكلفه الأنباء، والروع بضم الراء والعين المهملة القلب والذهن والعقل والفرق بينهما إن الأوّل يكون بدون مباشرة الأسباب والثاني تكون معه فهو أعلى من الأوّل أو مغاير لأن الإلهام لا يكون ضرورياً ولأنه بغير إلقاء لفظ فتأمّل. قوله: (ولا يفتقر إلى سابقة اصطلاح الخ) لأنّ الاصطلاح يكون بالتكلم ويرجع الكلام إليه فإمّ أن يدور أو يتسلسل ولو سلم توقفه عليه فيجوز أن يعرف القدر المحتاج إليه في الاصطلاح بالترديد والقرائن كما يشاهد في الأطفال. قوله: (والتعليم فعل يترتب عليه العلم فالباً) دفع لما أورد عليه من أن خلق ذلك العلم والإلهام ليس تعليما إذ المعهود فيه أن يكون بإلقاء الألفاظ فيفتقر إلى سابقة اصطلاح فدفعه بأنه فعل يترتب عليه العلم مطلقا فلا يرد عليه أنّ هذا متمسك المنكرين لكون الأسماء معلمة من الله. قوله: (ولذلك يقال علمتة فلم يتعلم) هذا أيضا مما اختلف فيه عإنّ المطاوع هل ينفك عن مطاوعه م! قاً أو في بعض الموادّ أو لا ينفك أصلاً فعلم هل يستدعي التعلم أو لا فقيل: يستلزمه لقوله تعالى: {مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [سورة الأعراف، الآية: 178] ونحوه وقيل لا يستلزمه لقوله تعالى: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 60] لأن التخويف حصل ولم يحصل للكفار خوف نأفع فعلى الأوّل تكون الفاء في نحو أخرجته فخرج للتعقيب في الرتبة لا في الزمان ولا يصح أخرجته فما خرج إلا مجازاً، وعلى الثاني تكون الفاء للتعقيب ويكون أخرجته فما خرج حقيقة واختار السبكي التفصيل، فقال: يقال علمته فما تعلم ولا يقال كسرته فما انكسر والفرق إن حصول العلم في القلب يتوقف على أمور من المعلم والمتعلم فكان علمته موضوعا للمخبر الذي من المعلم فقط لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم ولا بد بخلاف الكسر فإنّ أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار وتفصيله في شروح ابن الحاجب. قوله: (وآدم الخ) اختلف في آدم هل هو عربي من الأدمة أو مبئ أديم الأرض لأنه خلق من تراب فوزنه أفعل وأصله " دم بهمزتين فأبدلت الهمزة الثانية ألفا لسكونها بعد فتحة، أو أعجمي ووزنه فاعل بفتح العين وهو وزن يكثر في الأسماء الأعجمية كآزر وشالخ بالشين والخاء المعجمتين علمين وقد يستعمل في أسماء الآلات كقالب وخاتم ويشهد له جمعه على أوادم بالواو لا 6ادم بالهمزة وان اعتذر عنه الجوهريّ بأنّ الهمزة إذا لم يكن لها أصل جعلت واواً فإنه غير مسلم منه وإذا كان أعجميا لا يجري فيه الاشتقاق حتى قالط أبو عبيدة أن من أجرى الاشتقاق فيها كمن جمع بين الضب والنون ولا كلام فيه إذ اشتقاقه من تلك اللغة لا نعلمه ومن غيرها لا يصح والتوافق بين اللغات بعيد جذاً نعم قد يذكرون فيه ذلك إشارة إلى انه بعد التعريف ألحقوه بكلامهم واعتبروا فيه اشتقاقا تقديريا ليعرف وزنه والزائد فيه من غيره، فحيث أطلقوا عليه ذلك تسمحاً فمرادهم ما ذكر، واشتقاقه من الأدمة بضم فسكون وهي السمرة ولا ينافي ذلك كونه من أجمل البشر ومنهم من فسرها بالبياض أو الأدمة بفتحتين وهي الأسوة و القدوة وأديم الأرض ما ظهر منها، ولا يلزم من كون أصله ذلك أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 يكون لونه ترابيا ألا ترى النبات على لطافة ألوانه مخلوقا من الأرض وأخيافا بمعنى مختلفين والأدم والأدمة الموافقة والألفة مأخوذ من إدام الطعام، ووجه كونه تعسفا ما مر. وادرش! من الدرس لكثرة دراستة للعلوم وكذا يعقوب من العقب لمجيئه عقب إسحق وإبليس من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله وعلى هذا فهو عربيّ واختاره ابن جرير وقال إنه منع صرفه لأنه لا نظير له في الأسماء وأورد عليه أنّ هذا لم يعذ من موانع الصرف مع أنّ له نظائر كاغريض واصليت، وفيه لظر. قوله: (لما روي عنه عليه الصلاة والسلام الخ) قال السيوطي: أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن جرير وغيره ولله درّ القائل: الناس كالأرض ومنها همو من خشن الص! ق ومن لين فجلمد ترمي به أرجل واثمديجعل في الأعين قوله: (والاسم باعتبار الاشتقاق الخ) هذا بالنظر إلى المذهبين اشتقاقه من الوسم بمعنى العلامة أو من السموّ وهو العلوّ لرفعه مسماه من حضيض الجهل إلى ذروة التعقل والمراد بالعرف العرف العامّ والمخبر عنه الاسم والخبر الفعل، والرابطة الحرف وفي الاصطلاح يطلق على ما ذكر. وعلى ما يقابل الصفة وعلى ما يقابل الكية واللقب والمعنى المصطلح لا تصح إرادته هنا لأنه محدث بعد نزول القرآن فالمراد إمّا الأوّل وهو العلامة الدالة مطلقا المبينة بقوله من الألفاظ الخ والمراد بالصفات والأفعال معناها اللغوي فهو أعمّ من الثاني. قال الإمام: وقيل: المراد بالأسماء صفات الأشياء ونعوتها وخواصها لأنها علامات دالة على ماهياتها فجاز أن يعبر عنها بالأسماء، وفيه نظر لأنه لم يعهد إطلاق الاسم على مثله حتى يفسر به النظم والظاهر أن المراد الثاني قال الإمام المراد أسماء كل ما خلق من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها اليوم أولاده من العربية والفارسية والزنجية وغيرها وكان ولد آدم يتكلمون بهذه اللغات فلما مات آدم وتفرّقت أولاده في نواحي العالم تكلم كل واحد منهم بلغة معينة فلما طالت المدة نسوا سائر اللغات. قوله: (والمعنى أنه سبحانه وتعالى خلقه من أجزاء مختلفة الخ) يعني أنه لا يلزم من معرفة الدوالّ من حيث هي دوالّ معرفة مدلولاتها وأشار به إلى جواب سؤال وهو أنه بتعليم الله ولو علمهم لأجابوا السؤال وأيضاً معرفة جميع الأشياء لا تمكن ولم تقع فأجاب بأن تعليمه لما خلق فيه من القوى الجسمانية الظاهرة والباطنة التي أعطته استعداداً ليس فيهم لإدراك الجزئيات والكليات والمخيلات والموهومات التي يقتدو على معرفتها ومعرفة خواصها وضبط أصولها وقوانينها لا جزئياتها الغير ا) ! تناهية. قوله: (الضمير فيه للمسميات المدلول عليها الخ) قال الشارح المحقق: إنما احتاج إلى اعتبار هذا الحذف ليتحقق مرجع ضمير عرضهم وينتظم أنبؤني بأسماء هؤلاء ولم يجعل المحذوف مضافا إلى مسميات الأسماء لينتظم تعليق الأنباء بالأسماء فيما ذكر بعد التعليم وظاهر كلامه أنّ اللام عوض عن المضاف إليه كما هو مذهب الكوفيين وقد نفى ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [سورة النازعات، الآية: 39] ولم يقل به في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [سورة مريم، الآية: 4] فوجب أن يحمل على ما ذكرنا في {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة البقرة، الآية: 25] وان كان ظاهر عبارته على خلافه أو يقال ليس كل ما يذكره من المحتملات مختارا عنده وفيما ذكر إشارة إلى الردّ على من زعم أنّ الاسم عين المسمى وأنّ عود ضمير عرضهم إلى الأسماء باعتبار أنها المسميات مجازا على طريق الاستخدام. (أقول) : هذا الكلام وان وقع من عامّة الشراح هنا لكته ليس بمحرّر لأنّ المعرف بالألف واللام العهدية في معنى المضاف إضافة عهدية إذ لا فرق بين قولك رأيت الأمير وأمير البلد وليس الخلاف متصوّرا فيه إنما الخلاف في محل يكون المضاف إليه ضميراً في مقام محتاج إلى الرابط كما صرح به ابن هثام في شرح بانت سعاد حيث قال بعد ما فصل المسألة نيابة أل عن الضمير في نحو حسن الوجه من حيث هو ضمير لا من حيث هو مضاف إليه وربما توهم من كلامهم الثاني وقد استجرّ ذلك الزمخشري حتى جوّز نيابتها عن المضاف إليه المظهر في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 ولا أعلم أحدا قال بهذا قبله، وقال الرضي: لا تعوّض اللام عند البصريين في كل موضع شرط فيه الضمير كالصلة وجملة الصفة والخبر والوصف المشتق منه ويجوز في غيره كقوله: لحا في لحاف الضيف والبرد برده أي وبردى برده فلا ينبغي أن يعدّ ما نحن فيه منه ولا كل محل من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، وهذا مما غفلوا عنه فاعرفه لترى ما في كلام الشارح مع جلالته من الخلل ولو قال المصنف رحمه الله بدل قوله إذ التقدير أو التقدير لكان الأوّل وجها مستقلا معناه عود الضمير على ما يفهم من الكلام إذ الأسماء لا بد لها من مسميات، والظاهر أن معنى عرضها إخبارهم بما سيوجده من العقلاء وغيرهم إجمالاً، وسؤالهم عما لا بد لهم منه من العلوم والصنائع التي بها نظام معاشهم ومعادهم إجمالاً والا فالتفصيل لا يمكن علمه لغير الله فكأنه قال: سأوجد كذا وكذا فأخبروني بمالهم وما عليهم وما أسماء تلك الأنواع من قولهم عرضت أمري على فلان فقال لي: كذا فلا يرد أن المسميات أعيان ومعان وعرض الأعيان ظاهر فكيف عرضت المعاني كالسرور والحزن والعلم والجهل ولا حاجة إلى ما قيل: إنّ المعاتي في عالم الملكوت متشكلة بحيث ترى وهذا مثل عالم المثال الذي أثبتوه وقال: إنه قامت الأدلة على إثباته وأنه صنف فيه رسالة ونقل عن عبد الغفار القوصي إنّ المعاني تتجسم ولا يمتنع ذلك على الله، وتذكير الضمير المخصوص بالعقلاء لا جمعه كما قيل: لتغليبهم. قوله: (وقرئ عرضهن الخ) قال قدّس سره: إنما لم يجعل الضمير للمسميات المحذوف من قوله وعلم آم الأسماء لأنّ اعتبار ذلك الحذف إنما كان لأجل ضمير عرضهم وأمّا على تقدير عرضها أو عرضهن فيصح عود الضمير إلى الأسماء فلا يعتبر حذف المسميات ثمة مضافا إليه بل هنا مضافا لئلا يكون نزعا للخف قبل الوصول إلى الماء فليتأمل اهـ. وأورد عليه أنّ ما ذكره صحيح في ضمير عرضها دون عرضهن لأنه ضمير جمع المؤنث والأسماء ليس كذلك فلا بد من رجوعه إلى المسميات فيعتبر بالضرورة حذفها ثمة مضافا إليه فإنه نزع للخف بعد الوصول إلى الماء اص. (أقول) هذا بناء منه على أنّ ضميرهن مختص بالنسوة العقلاء وقد صرح الدماميني في شرح التسهيل بخلافه ومثله له بقوله تعالى: {خَلَقَهُنَّ} بعد قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [سورة فصلت، الآية: 37] ولو كان كما زعم هذا القائل لزمه تغليب المؤنث على المذكر. قوله: (تبكيت لهم وتنبيه على عجزهم) إشارة إلى أنّ الأمر هنا تعجيزي والتبكيت غلبة الخصم بالحجة ولا يصح أن يكون للتكليف في هذا المحل حتى ينبني على مسألة تكليف ما لا يطاف المختلف فيها كما مر إذ إعلام من لم يعلم غير ممكن، وقيل: إنه غفلة عن قوله إن كنتم صادقين والا لما توهم لزوم التكليف بالمحال على تقدير كون الأمر للتكليف فإنّ المعلق بالشرط لا يوجد قبل وجوده وفيه نظر وقوله والأنباء الخ قال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولتضميته معنى الخبر يقال: أنبأته بكذا كقولك أعلمته بكذا اص. فقول المصنف رحمه الله يجري مجرى كل واحد منهما أي يستعمل استعماله في التعدية بالباء تارة وبنفسه أخرى وألا أصل معناه مطلق الأخبار كما هنا فإنه تعانى غنيّ عن الأعلام أي إيجاد العلم. قوله: (في زعمكم أنكم أحقاء الخ (هو لبيان ترتب الجزاء على الشرط أي إن كنتم صادقين في أنكم أحق بالاستخلاف أو في أنّ استخلافهم لا يليق فأثبتوه ببيان ما فيكم من شرائطها السابقة وقوله فتبينوا كذا في النسخ وسقط من بعضها وتبين يكون متعديا كبين بمعنى أظهر ولازما بمعنى اتضح كما في القاموس وهو هنا متعد أي فأوضحوا ذلك وأثبتوا مدعاكم المذكور قال قدس سره: فإن قلت هذا ينافي ما سبق من أنهم عرفوا ذلك ب! خبار من الله أو من جهة اللوج أو نحو ذلك فإنه صريح في كونهم صادقين. قلت المراد بذلك مجرّد كون بني آدم من يصدر عنهم الفساد والقتل فإن قلت فما وجه ارتباط الأمر بالأنباء بهذا الشرط وما معنى إن كنتم صادقين فيما زعمتم فأنبؤني باسماء هؤلاء قلت معناه إن كنتم صادقين فيما زعمتم من خلوهم عن المنافع والأسباب الصالحة للاستخلاف فقد ادّعيتم العلم بكثير من خفيات الأمور فأنبؤني بهذه الأسماء فإنها ليست في ذلك الخفاء، ولقوّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 هذين السؤالين ذهب كثير من المفسرين إلى أنّ المعنى إن كنتم صادقين أني لا أخلق خلقاً إلا أنتم أعلم منه وأفضل إلا أنه لا دلالة في الكلام عليه. (أقول) : نقل الحافظ السيوطي أنه ورد أنهم قالوا لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن البصري وتتادة والربيع بن أنس فالتقدير إن كنتم صادقين في قول ذلك ومثى عليه الواحدي رحمه الله فما رذه هو التفسير المأثور وهو أحق بالاتباع وأمّا قوله لا دلالة في الكلام عليه فممنوع فإنّ قوله ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك يدل على أفضليتهم وتنزيه الله،. تقديسه أو تقديسهم أنفسهم يدل على كمال العلم أيضاً، ثم إنّ جوابه الأوّل لا يدفع السؤال فالظاهر في دفعه أن علمهم بذلك لا يقتضي علمهم بأنه مخالف للحكمة فتامّل. وأيضاً المناسب أنبؤني بدقائق الأمور التي تفضلكم عليهم لا بظوإهرها كما ذكر. وقال ابن جرير: الأولى أن يقدر إن كنتم صادقين في أني إن جعلت خليفة غيركم أفسد وسفك الدماء وان جعلتكم فيها أطعتم واتبعتم أمري فإنكم إذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم فأنتم بما هو غير موجود من الأمور التي ستكون أحرى بأن تكونوا غير عالمين فلا تسألوني ما ليس لكم به علم فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي، ثم إنه اعترض! على إسناد هذا الزعم إليهم بأنه يفضي إلى تجويزهم صدور ما يخالف الحكمة عنه تعالى وهم أجل من ذلك، ولذا حمل السؤال في أتجعل على الاستخبار لا الإنكار وفيه نظر. توله: (وهو وإن لم يصرحوا به لكته لارّم مقالتهم) قيل: مثل هذا التركيب واقع في عباراتهم وظاهره غير مستقيم وغاية ما يمكن فيه أن يقال الواو زائدة كما في: وكنت وما ينهنهي الوعيد وان من حروف الزوائد والمعنى وهو غير مصرح به فيصح الاستدراك) أقول) هذا التركيب خرّجوه كما قال الشارح المحقق في سورة النساء في قول الزمخشري لأنّ عرض الدنيا وإن كان عاجلاً قريبا في الصورة إلا أنه فإن كل مبتدأ عقب بان الوصلية يؤتى في خبره بألا أو لكن الاستدراكية مثل هذا الكتاب وإن صغر حجمه لكن كثر علمه لما في المبتدأ باعتبار تقييده بأن 10 لوصلية من المعنى الذي يصلح الخبر استدواكاً له واشتماله على مفروض وجعل بعض الفضلاء الخبر مقدرا، والقائل غفل عن هذا لأنّ إن الوصلية لا تأني بدون الواو فما ذكره خطأ واستدلا ا 4 بالشعر ليس في محله وقوله لكنه لازم مقالتهم الأوّل لازم لقوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} الخ والثاني لقوله أتجعل الخ وبجعله لازما لما قالوه لا أنهم صرّحوا به واعتقدوه سقط ما مر من الاعتراض بأنه لا يليق إسناده إليهم وعلم أنّ المصنف 0- حمه الله ليس بغافل عنه والغافل من اعترض عليه، وما ذكره من أنّ التصديق وكذا التكذيب يكون لما يتضمنه الكلام وان كان إنشاء ظاهر. قوله: (اعتواف بالعجز والقمور الخ) إشارة إلى أنّ الكلام ملقي لعالم بفائدة الخبر ولازمها فلا بد من أن يقصد به بعض لوازمه وهو هنا اعترافهم بعجزهم وقصورهم عن إدراك حكمته إلا بتوفيق منه وهو ظاهر، وقوله وأشعار الخ وجهه أن نفيهم شامل لأحوال آدم وخلافته ومن لا يعلم شيئا لا يعترض عليه بل يسأل عنه ولا ينافي هذا ما مر من أنه تعجب لأنّ التعجب إنما يكون عند خفاء السبب، وأمّا احتمال أن يكون اعتراضاً وهذا توبة ورجوع عنه فبعيد، وظهور ما خفي عنهم علم من تعجيزهم إجمالاً وتلويحاً بأن ثمة من يعلم ذلك، وشكر النعمة يفهم من قوله علمتنا فإنه اعتراف بنعمة تعليمه تعالى لهم واعتقل بالعين المهملة والمثناة الفوقية واللام بمعنى حبس في الأصل والمراد به هنا أشكل وتصح فراءته مجهولاً ومعلوما. قوله: (وسبحان مصدر كغفران الخ) قدم معنى التسبيح وسبحان قيل: إنه اسم مصدر لا فعل له وأمّا سبح المشدد فمأخوذ من سبحان الله كهلل أي قال سبحان الله ولا إله إلا الله وقيل: إنه مصدر سمع له فعل وهو سبح مخففا بمعنى نزه وقدّس، قال الراغب: والسبوح والقدّوس من أسمائه تعالى وليس في كلامهم فعول بالضم سواهما، وقد يفتحان ككلوب وسمور والسبحة التسبيح ويقال: للخرزات التي يسبح بها سبحة ا!. وهو مصدر لا ينصرف أي لازم النصب على المصدرية وكان المصنف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 أقحم يكاد إشارة إلى ما نقل عن الكسائي أنه يكون منادى فيقال: يا سبحان الله، وأمّا قوله أجرى علماً للتسبيح أي علم جنس للمعنى كما قالوا شعوب للمنية وفجار للفجرة فتابع فيه الزمخشري في المفصل حيث قال: سموا التسبيح بسبحان وقال ابن الحاجب في شرحه: قيل: هذا ليس بمستقيم لأنّ سبحان ليس اسما للتسبيح لأنه مصدرش ح ومعنى سبح: قال سبحان الله فمدلوله لفظ ومدلول سبحان تنزبه وهو معنى لا لفظ فتبين أنه ليس علماً للتسبيح وأجيب بأنه لو لم يرد التسبيح بمعنى التنزيه لكان كذلك وأمّا إذا ورد فلا إشكال والذي يدل على أنه علم قوله: سبحان من علقمة الفاخر ولولا أنه علم لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية ولا يستعمل سبحان علما إلا شاذاً وأكثر استعماله مضافاً وإذا كان مضافاً فليس بعلم لأنّ الأعلام لا تضاف لتعريفها وقيل إنّ سبحان في البيت على حذف المضاف إليه يعني سبحان الله وهو مراد للعلم به، وقيل: إنه مضاف لعلقمة ومن زائدة والمراد التهكم به وهو في قوله: سبحانه ثم سبحانا نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والحمد مصروف عند سيبويه رحمه الله للضرورة اهـ. والحاصل أنّ القول بعلميته لا داير له إلا استعماله ممنوعا من الصرف وهو مع شذوذ يجوز تخريجه على وجوه أخر، وقد سمع خلافه وادّعى سيبويه رحمه الله تعالى أنه ضرووة مقابل بالمثل وقال ابن يعيش رحمه الله سبحان علم واقع على معنى التسبيح وهو مصدر معناه البراءة والتنزيه وليس منه فعل وإنما هو واقع موقع التسبيح الذي هو المصدر في الحقيقة جعل علماً على هذا المعنى فهو معرفة لا ينصرف فإن أضفته يصير معرفة بالإضافة وقوله بإضمار فعله هذا بناء على أنه له فعل إمّا مخفف أو مشدد على الخلاف فيه فإن لم يكن له فعل يقدر ما هو معناه، وإذا أضيف فليس بعلم خلافاً للزمخشري ولا حاجة إلى القول بأنه نكر وأضيف إذ لم يعهد تنكير أعلام الأجناس لأنها في المعنى نكرة وعلميتها للضرورة، وقد جاء بالألف واللام في قوله: سبحانك اللهم ذا السبحان وفيه شذوذ آخر لخروجه من النصب على المصدرية. قوله: (سبحان من علقمة الفاخر) هو من قصيدة للأعشى وسببها أنه لما فاخر علقمة بن علاثة ابن عمه عامر بن الطفيل العامريين وكان علقمة كريماً رئيسا وعامر عاهراً سفيهاً ساقا إبلا لينحرها المقرّ له فهاب حكام العرب أن يحكموا بينهما بشيء فأتيا هرم بن قطنة بن سنان فقال: أنتما كركبتي البعير تقعالت معا وتنهضان معاً قالا فأين اليمين قال كلا كما يمين فأمّا ما سنة لا يجسر أحد أن يحكم بينهما ثم إنّ الأعشى وصل إلى علقمة مستجيراً فقال: أجيرك من الأسود والأحمر، قال ومن الموت قال: لا فأتى عامراً فقال له: مثل ذلك، فقال: ومن الموت قال: نعم قال: وكيف قال: إن مت في جواري وديتك فبلغ ذلك علقمة فقال لو علمت أنّ ذلك مراده لهان عليّ فركب الأعشى ناقته ووقف في نادي القوم وأنشدهم قوله يهجو علقمة وينفر عليه عامراً أي يفضله: شاقتك من قبلة أطلالها بالشط فالجزع إلى حاجر حتى إذا بلغ إلى قوله في القصيدة: ياعجباللدهر إذ سويا كماضاحك منه ومن ساخر إنّ الذي فيه تماريتما بين للسامع والناظر ما جعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتيّ إذا ما جرى يقذف بالبوصيّ والماهر أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر علقم لاتسفه ولاتجعلن عرضك للوارد والصادر الخ. والفاخر بالخاء الفوقية ذو الفخر وقيل: أراد سبحان الله على معنى التعجب ولا شاهد فيه لما مر ويحتمل أنه بناه لأنه لما أراد به ا! تعجب أجراه مجرى اسم الفعل في البناء. قوله: (وتصدير الكلام الخ) يعني أنهم لما نزهوه عما لا يليق بالحكمة دل على أن الاستخلاف لا ينبغي السؤال عنه وأنهم غير عالمين بما فيه من الحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 الخفية وهو يشبه التوبة لأنّ السؤال لما لم يلق أشبه الذنب، ووجه ذكره مع التوب الإشعار بالعذر في ارتكاب الذنب بأنه لا منزه إلا هو أو تنزيهه عن ردّها لكرمه وتغير العليم بالذي لا يخفى عليه خافية أخذه من صيغة المبالغة وتفسير الحكيم بالمحكم سيأتي ما فيه في بديع السموات والأرض، وأنت ضمير فصل والخلاف في أنه له محل من الإعراب أم لا مشهور، وإذا كان تأكيداً فهو معرب محلا بإعراب متبوعه وقوله أعلمهم فسره باعتبار المآل والا فهو مراد به الإخبار المترتب عليه العلم ولذا عدى بالباء ولو كان بمعنى العلم لتعدى بنفسه. قوله: (وقرئ بقلب الهمزة ياء وحذفها بكسر الهاء فيهما) ضمير حذفها جوّز فيه أن يعود إلى الهمزة لأن قلبها يتضمن حذفها لكن المعهود في مثله التعبير بالقلب والى الياء المنقلبة عنها لأنه بعد القلب يصير كالأمر المعتل الآخر فيحذف آخره كارم وقوله فيهما أي في قلب الهمزة وحذفها ونقلاً عن حمزة. قوله: (إني أعلم غيب السموات والأرض الخ) فيه إيجاز بديع لأنه كان الظاهر {أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وشهادتهما {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} وما ستبدون وتكتمون فاقتصر على غيب السموات والأزض لأنه يعلم منه شهادتهما بالطريق الأولى وكذلك اقتصر من الماضي على المكتوم لأنه يعلم منه البادي بالأولى وعلى المبدي من المستقبل لأنه قبل الوقوع خفيّ فلا فرق لينه وبين غيره من خفياته، ثم إنه قيل: لا بد من بيان النكتة في تغيير الأسلوب حيث لم يقل ما تكتمون ولعلها إفادة استمرار الكتمان فإن المعنى {أَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} قبل أن تبدوه وأعلم ما تستمرون على كتمانه وهذا مبنيّ على إن كان للاسنمرار وهو مجاز لا قرينة عليه وفيما مر غنية عنه. قوله: (استحضار لقوله اعلم الخ) إنما كان أبسط لتعرضه للتفاصيل وإن كان ما لا تعلمون أوجز وأشمل اللهمّ إذا خص بما خفي من مصالح الاستخلاف فحينئذ يكون أشمل، وقال الطيبي رحمه الله: إنما قال أبسط ولم يقل بيان له لأن معلوماته تعالى لا نهاية لها وغيب السموات والأرض وما يبدونه وما يكتمونه قطرة منه لكنه فيه نوع بسط لما أجمل فيه، فإن قلت ما يبدونه وما يكتمونه ليس مندرجاً فيما لا يعلمون، قلت المراد اندراح الأوّل في الثاني لا العكس كما أشار إليه بقوله فإنه تعالى لما علم الخ. أو يقال: إنّ قوله أعلم ما لا تعلمون كناية عن شمول علمه ويدل عليه قوله قال: ألم أقل لكم فإنه يقتضي سبقه بعينه أو بمساويه أو مقاربه، ووجه التعريض ظاهر ومترصدين بمعنى منتظرين. قوله: (استبطانهم أنهم أحقاء الخ) ليس المراد بالاستبطان الإخفاء عن الله الذي يعلمون أنه لا تخفى عليه خافية بل عدم التصريح له والرمز إليه في ونحن نسبح بحمدك وقوله وأسر منهم إبليس من المعصية الخ قال ابن عطية وجاء تكتمون على الجماعة والكاتم واحد منهم على عادة العرب في الاتساع كما إذا جنى! ض قوم جناية يقال لهم أنتم فعلتم كذا والفاعل بعضهم وقوله والهمزة الخ الإنكار في معنى النفي والجحد بمعنى النفي ونفي النفي إثبات. قوله: (تدل على شرف الإنسان ومزية العلم الخ) ، نه قدم عليهم في الاستخلاف وبين أنّ وجه تقديمه له علمه وقوله وأنّ التعليم الخ وجه إسناده إليه ظاهر وأمّا عدم إطلاقه عليه. أمّا على القول بالتوقيف فظاهر لأنه لم يرد إطلاقه عليه وأمّا على القول بعدمه خصوصاً في الصفات فإنّ شرطه أن لا يوهم نقصاً وفيه ذلك لأنه تعورف فيما! حترف به ولا عبرة بأنه أطلق على الله معلم الملكوت ولا بأنّ بعض الحكماء والمفسرين لأنه "! ورف فيما يحترف به ولا عبرة بأنه أطلق على الله معلم الملكوت ولا بأن بعض الحكماء االمفسرين أطلق المعلم الأوّل على الله. قوله: (وأنّ اللغات توفيفية الخ) هذا أحد المذاهب السابقة وارتضاه المصنف رحمه الله تعالى وخالفه في المنهإج، وقوله بخصوص هو بناء على أنّ المراد بالاسم المعنى العرفي والعموم بناء على المعنى الاشتقاقي وقبل عليه أنه على العموم لا يدل على تعليم جميع أنواعه وبه تمسك المخالفون ولا يخفى أنه إذا أريد جميع أنواعه أثبت المراد لدخول الألفاظ فيه وكلها صريح فيه و وله وتعليمها الخ جواب عن قول المخالف إنّ التعليم بمعنى الإلهام فلا يلزم التوقيف أو أنها كانت لغات سكان الأرض قبله فعلموها له. قوله: (وأنّ مفهوم الحكمة الخ) معنى قوله زائد إن كان بمعنى مشتمل على معناه زيادة فيكون ذكره بعده للترقي في الإثبات ولا يكون تكراراً وهو المتبادر لكن كان ينبغي أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 يفسر الحكيم بالعالم بالأشياء الموجد لها على الأحكام كما قال الراغب: الحكمة منه تعالى معرفة الأشياء وايجادها على غاية الإحكام لا بما فسره به سابقا فإنه يقتضي المغايرة وإن كان يستلزم العلم، وإن أراد أنه صفة أخرى زائدة على العلم مترتبة عليه فهو ظاهر، وقيل: قدمه ليتصل بقوله وعلم الخ. قوله: (وأن علوم الملانكة الخ) يعني جميعهم والا لم يخالف كلام الحكماء أمّا إن كان الخطاب مع الجميع كما مر فظاهر وأمّا إذا كان مع البعض فلأنّ الفرق تحكم في عالم الملكوت وإنما دل على ذلك لأنه أعلمهم بما لم يكن عندهم علمه فزادوا علما، وأراد بالحكماء الإسلاميين بدليل استدلالهم بالآية وهي {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} أي مرتبة في العلم لا يتجاوزها. قوله: (أفضل من هؤلاء الملائكة الم يقل أفضل من الملائكة لأنّ الآية إنما تدل على أفضليته على المذكوربن فإن كان الجميع مذكورا فهو أفضل منهم وإن كان البعض فالآية تدل على تفضيله عليهم، وأمّ قوله لأنه أعلم منهم والأعلم أفضل فقيل: عليه إن أراد أنه أعلم منهم على الإطلاق فالآية لا تدل إلا على أعلميته بما أعلم به وان أراد أعلم في الجملة فلا يتم التقرير وكذا كون الأعلم أفضل إن أراد أفضل مطلقاً فغير مسلم وان أراد من جهة العلم فلا يتم التقرير أيضاً وأيضاً لو كان المعلم أفضل من المعلم لزم أفضلية جبريل على نبينا عليهما الصلاة والسلام والقول بأنه ليس بمعلم والمعلم هو الله لا وجه له وكذا آية: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي} إنما تدل على تفضيل العالم على الجاهل لا على من سواه، وقد قيل: في الجواب أن التفضيل شرعا معلوم أنه إمّا بالعلم أو بالعمل وقد فضل علم آدم عليه السلام على علمهم فعلم أنه أفضل منهم مطلقاً، والذين لا يعلمون عام شامل للعابدين وغيرهم فدل على ذلك فتدبر. قوله: (وأنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها الأنه تعالى علم آدم عليه الصلاة والسلام قبل خلقه وما فيه من المصالح والحكم وغير ذلك قبل وجوده. قوله: (تعالى واذ قلنا للملانكة اسجدوا لآدم) غير الأسلوب فقال: أوّلاً {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} وهنا واذ قلنا بضمير العظمة لأنه في الأوّل ذكر خلق آدم واستخلافه فناسب ذكر الربوبية مضافة إلى أحب خلفائه، وهنا المقام " مقام امر يناسب العظمة وأيضا السجود للتعظيم فلما أمر بفعله لغيره أشار إلى كبريائه الغنيمة عن التعظيم ونحوه في التعبير ما مر من قوله للملائكة أنبؤني ليكون عجزهم عنده أعظم عليهم وقال لآدم عليه الصلاة والسلام أنبئهم تلطفا به وإظهار الفضلة عليهم. قوله: (أمرها بالسجود) يعني أن الأمر في هذه الآية منجز والفاء التعقيبية في قوله فسجدوا ظاهرة في عدم تراخي سجودهم عن الأمر وهذا يقتضي أن يكون بعد التعليم والأنباء وقوله اعترافا علة للسجود، وأداء لحقه إذ علمهم ما لم يعلموا وحق الأستاذ على من علمه حق تعظيم حتى قيل: لو جاز السجود لمخلوق لاستحقه المعلم ممن علمه ومن قال الأمر للفور استدل بذمّ إبليس على ترك الفور ولا دليل عليه سوى الأمر، وأجيب بأنّ دليل الفور ليس مطلق الأمر بل الفاء قيل: وعلى هذا لا لصح قوله اعترافا بفضله وأداء لحقه اعتذارا عما قالوه لكن التحقيق أن الفاء الجزائية لا تدل على التعقيب من غير تراخ كما في التلويح فتأمّل. قوله: (وقيل أمرهم به قبل أن يسوّي خلقه الخ) فيكون أمرا غير تنجيزيّ وحكمة الامتحان لهم ليعلم المطيع من غيره وليظهر فضله حين سألوا عنه وهذا أيضا في التفسير الكبير والمصنف رحمه الله تعالى أشار إلى عدم ارتضائه ولم لشر إلى جواب استدلاله بالآية وهو أن الفاء الجوابية لا تقتضي التعقيب كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [سورة الجمعة، الآية: 9] فإنه لا يجب السعي عقبه ومنهم من أوّل هذه الآية بأنها لا تعارض! الأخرى إذ ليس فيها ما يقتضي وقوعها بعد الإنباء لعطفها بالواو ومنهم من رآها لذكرها بعد الأنباء ظاهرة في التأخر فقال: إنّ الأمر بالسجود وقع مرتين مرة عقب خلقه ومرة بعد أنبائه وضعفه بعضهم وادّعى آخرون أنه مشهور وأتا ما قيل: إنّ المراد بنفخ الروح في هذه الآية التعليم لما اشتهر أن العلم حياة والجهل موت فبعيد. قوله: (والعاطف عطف الظرف على الظرف الخ) والمراد العامل المقدر وهو أذكر كما مر أو بدأ خلقكم أي الذكر الحادث وقت قوله للملائكة إني جاعل والآخر عند أمرهم بالسجود، فإن لم يقدر في الأوّل يقدر في هذا أطاعوه فسجدوا ولا يعطف بدون تقدير لأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 الظرف الأول منصوب حينئذ بقالوا فلا يصح عطفه عليه لأنّ قولهم ذاك ليس وقت أمرهم بالسجود بل مقدّم عليه ولا يرد هذا على الأوّل كما توهم فتأمل. ولما قدّروه خبرا قال: إنه على هذا من عطف القصة قيل لئلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء وردّ بأنه فاسد لأنّ كليتهما خبرية بل لأنّ مضمون هذه القصة نعمة رابعة مستقلة فناسب أن يعطف على مضمون القصة السابقة التي هي أيضا نعمة مستقلة فتأمل وباسرها يعني جميعها وأصله ما ربط به الأسير فإذا سلم به فقد سلم جميعا. قوله: (والسجود في الأصل تذلل مع تطامن) أي انخفاض! ولو بالانحناء وغيره كما في الشعر المذكور وهو لزيد الخيل لما أغار على بني عامر فقتل منهم وأسر وقال: بني عامر هل تعرفون إذا بدا أبا مكنف قد شد عقد الدوائر بجمع تضل البلق في حجراته ترى اكم فيه سجداللحوافر وجمع كمثل الليل مرتجز الوغى كثير حواشيه سريع البوادر أبت عادة للورد أن تكره القنا وحاجة رمحي في غير بن عامر ومعناه أن خيله لكثرتها لا ترى البلق منها فيها وأنها تحفر ا! م والروابي التي تحتها لشدة عدوها فجعلها لانخفاضها كأنها سجدت لحوافر خيله وهو شاهد لكونه بمعنى مطلق الانخفاض! لا مع التذلل لأنها لا تعقل فتذل إلا أن يكون ادّعاء أو التذلل أعم من الذل، وخيل مذللة أي سهلة وهو بعيد، وقيل: المراد أنك تجد خيلنا تستعلي على الأماكن المرتفعة ولا تستعصي عليها فكأنها مطيعة لها: وا! م بالسكون للتخفيف جمع أكمة وهي المرتفع من الأرض وليس تسكينها ضرورة وسجد! جمع ساجد، والحوافر جمع حافر وهو في الفرس ونحوه معروف. قوله: (وقلن له اسجد لليلي فأسجدا) هو لأعرابي من بني أسد وقيل: هو من شعر لحميد بن ثور وأوّله: فقدن لها وهما أبيا خطامه وقلن الخ روي بالواو وبالفاء واسجد بوزن أكرم بقطع الهمزة بمعنى طأطأ رأسه ليركب، وقال ابن فارس في فقه اللغة: إن العرب لا تعرف السجود إلا بمعنى الطأطأة والانحناء تقول أسجد الرجل إذا فعل ذلك وأمّا في الشرع فوضمع الجبهة على الأرض قصدا للعبادة فلا يكون حقيقة إلا لله لأنه المعبود حتى قال الإمام رحمه الله تعالى: أنه لغيره تعالى كفر فلذلك أولوه هنا إن أريد به معناه الشرعي بأن السجود لله وآدم عليه السلام جعله قبلة وجهة له كالكعبة واعترض عليه بأنه لو كان لله ما امتنع إبليس عنه إذ لا فرق بين كون آدم عليه الصلاة والسلام لبله وغيره وبانه لا يدل على تفضيله عليهم وقوله أرأيتك هذا الذي كزمت عليّ يدل عليه ألا ترى أن الكعبة ليست بأكرم ممن سجد إليها كالنبيّ صلى الله عليه وسلم فتعين كونها سجدة تحية، ولك أن تقول لخصيصط جعله جهة لها دونهم يقتضي ذلك وسيأتي في كلامه ما يدفعه أيضا فتأمّل. قوله: (أو سببا لوجوبه) كما جعل لوقت سببا لوجوب الصلاة والبيت سببا لوجوب الحج ثم بين وجه كونه قبلة وسببا على وجه يقتضي تعظيمه بقوله فكأنه تعالى الخ. أي أنه خلقه في أحسن تقويم وجعل فيه مثالاً من كل موجود فمن العالم الروحاني وهم الملائكة العقل والعبادة ومن الجسمانيّ التركيب من العناصر فكان ذريعة أي وسيلة إلى تكميل علمهم بانبائهم ومشاهدتهم لحكمته في مخلوقاته وتمييز بعضهم عن بعض بمعرفة المطيع من غيره فاللام على كونه بمعنى القبلة بمعنى إلى كما في قول حسان رضي الله تعالى عنه أليس أوّل إلى آخره وهو حضرة عليّ رضي الله تعالى عنه وقبله: ماكنت أحسب هذا الأمرمنصرفاً عن هاشم ثم منها عن أبي حسن والسنن جمع سنة وعلى الثاني للسببية كما في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وأنموذج قال في القاموس: أنه لحن والصواب نموذج بفتح النون وهو مثال الشيء معرب نمونه او نموذة أو نموذان وأصل معناه صورة تتخذ على مثال صورة الشيء ليعرف منه حاله ولم تعرّبه العرب قديما وتبع فيه الصاغاني وتبعه هنا بعض أرباب الحواشي وليس كذلك قال في المصباح المنير الأنموذج بضم الهمزة مثال الشيء معرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وان أنكره الصاغاني، ومنهم من جوّز أن يكون المسجود له آدم عليه الصلاة والسلام حقيقة وأن السجود للمخلوق إنما منع في شرعنا ويجوز أن لا يكون كفراً في شريعة من قبلنا وحمل عليه قول الزمخشري: يجوز أن يختلف باختلاف الأحوال والأوقات وقيل: إنه مخالف لإجماع المفسرين ولذا تركه المصنف وفيه نظر. قوله: (وأمّا المعنى اللغوي وهو التواضع الخ) معطوف على قوله: إما المعنى الشرعي فالمراد به مطلق الانخفاض ولو بالانحناء وكانت التحية بالانحناء فلما جاء الإسلام أبطله بالسلام فصار حراماً نص عليه الثعالبي والفقهاء قال القرطبي رحمه الله اختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم عليه الصلاة والسلام بعد اتفاقهم على أنه ليس سجود عبادة فقال الجمهور: كان بوضع الجباه على الأرض! كسجود الصلاة لأنه المتبادر منه لأنه كان تكرمة لآدم عليه الصلاة والسلام وطاعة لله وكان آدم عليه الصلاة والسلام لهم كالقبلة لنا، وقال قوم لم يكن بوضع الجباه بل كان مجرّد تذلل وانقياد ثم اختلف القائلون بالأوّل فقيل: كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه الصلاة والسلام لم يجز لغيره وقيل: كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه الصلاة والسلام لقوله وخروا له سجدا وكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوق وأكثر على أنه كان مباحا إلى عصر نبينا صلى الله عليه وسلم وقد نقله القائل أوّلاً بأنه مخالف لإجماع المفسرين وهو عجيب منه. قوله: (أو التذلل والانقياد الخ (لا الانحناء وضمير معاشهم وكمالهم راجع إلى آدم عليه الصلاة والسلام وبنيه المفهوم من الكلام لا إلى الملائكة كما يتوهم إذ لا يصح إضافة المعاس إليهم والمراد منه حينئذ أمر الملائكة بالسعي في أمورهم فإنّ بعض الملائكة حفظة وبعضهم موكل بالرزق ونحو ذلك. تنبيه: من لم يعرف اللغة يستغرب أسجد بزنة أكرم كقوله: فقلن له اسجد لليلي فاسجدا كما ذكره المصنف رحمه الله وهو كثير في كلامهم كما في أدب الكاتب ولكنهم اختلفوا فيه هل بينهما فرق أم لا وفي شرحه لابن السيد وغيره سجد معروف وأسجد بمعنى أنحني وقد فسر به قوله تعالى: {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} لأنهم لم يؤمروا بالدخوأسا على جباههم وإنما أمروا بالانحناء ويحتمل أنه حال مقدرة وقال أبو عمرو: السجود عند العرب الانحناء قيل: ومنه قوله تعالى: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} فإنه سجود تحية بمعنى الانحناء وقال ابن حيوة القصري يقال سجد إذا وضع جبهته على الأرض وس! ف وأسجد إذا طاطأ رأسه وانحنى واسجد أدام النظر قال كثير: أغرّك منا أنّ ذلك عندنا واسجاد عينيك الصيود بن رابح انتهى فالسجود في أصل اللغة يكون بمعنى الركوع. قوله: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} استئناف جواب لمن قال: ما فعل وقال أبو البقاء: إنه في موضع نصب على الحال أي آبيا مستكبرا والإباء الامتناع باختيار أي مع تمكنه من الفعل فهو أبلغ منه وان أفاد فائدته ولذا صح بعده الاستثناء المفرّغ واستكبار بمعنى التكبر وقدم الإباء عليه وإن كان متأخرا عنه في الرتبة لأله من الأحوال الظاهرة بخلاف الاستكبار فإنه نفسانيّ وأصل معنى التشبع تكلف الشبع ثم تجوز به عن التحلي بغير ما فيه، وقوله من أن يتخذه وصلة الخ راجع إلى جعله قبلة، وقوله أو بعظمه بناء على أنه تحية وقوله أو يخدمه الخ رأجع إلى الوجه الأخير وهو ظاهر. قوله: (في علم الله او صار الخ) إنما أوّلت الآية بما ذكر لأنه لم يحكم بكفره قبل ذلك ولم يجر منه ما يقتضيه فإقا أن يكون التعبير بكان باعتبار ما سبق من علم الله بكفره وتقديره ذلك وقيل: كان بمعنى صار وهو مما أثبته بعض النحاة وردّة ابن فورك وقال تردّه الأصول ولأنه كان الظاهر حينئذ فكان بالفاء والأظهر أنها على بابها والمعنى وكان من القوم الكافرين الذين كانوا في الأرض قبل خلق آدم فيكون كقوله: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} أو كان في علم الله وقوله باستقباحه بيان لكفره متعلق به على الوجهين وقيل إنه متعلق بصار أي تحوّل وانقلب حاله إلى الكفر بسبب استقباحه وانكاره كفره قكيف استقباحه وأنه ردّ على الراغب في قوله إنه ليس بمعنى صاروا لمضي باعتبار زمان الأخبار أو لأنّ الكفر لما أحبط ما قبله صار كأنه كافر قبل ذلك وهو تكلف لا دليل عليه، وقوله والتوسل به في نسخة أو وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 إشارة إلى كونه قبلة وفيه نظر، ثم إنّ جواب الراغب مبنيّ على اعتبار زمان التكلم والإخبار وكذا من قال: معترضا على المصنف رحمه الله: كان إنما تدلّ على كون المذكور بعده واقعا في وقت من الأوقات الماضية أيّ وقت كان وذلك متحقق في كفره لأنه كفر وقت إبائه وهو ماض بالنظر إلى قوله كما أشار إليه في الكشاف وشرحه في سورة ص، وقوله لا بترك الواجب فإنه لا يوجب الكفر في ملتنا ولم يعلم إيجابه قبل ذلك وفيه نظر. قوله: (والآية تدل على أنّ آدم الخ) قيل: عليه هذا إذا كان السجود له أمّا إذا جعل قبلة فلا دلالة عليه وكذا إذا كان تحية كالسلام وأجيب بأن جعل الكعبة قبلة يدل على كونها أفضل البقاع فجعل آدم قبلة دون غيره يدلّ على كونه أفضل، وقيل: إنه مأخوذ من التعليم لآنه المعروف فيه فالأنسب جمعه مع فوائد الآية، وقوله ولو من وجه لأنه لا يلزم التفضيل من كل الوجوه إذ قد يفضلون بالقرب ونحوه، وعليه يحمل ما يقع من تفضيلهم والخلاف فيه مشهور وقال فخر الإسلام أنه لا طائل تحته والأحسن الكف عنه وما ذكره المصنف رحمه الله فيه إشارة إلى هذا وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى، وقوله وأنّ إبليس كان من الملائكة لأنه استثناه منهم ودخوله في الأمر يدل على ذلك وقد نقل عن ابن عباس وغيره وكونه منقطعا ونحوه خلاف المتبادر فمعنى قوله ولم يصح يعني على الاتصال المتبادر وأما قوله: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ} الآية فتنافي هذا بحسب الظاهر فأوّلها المصنف رحمه الله بأنه منهم فعلاً لا نوعاً كما قال الشاعر: نحن قوم بالجن في زيّ ناص لكنه استبعد بأنه رتب على كونه من الجن فعلهم بقوله ففسق وبأنه مخالف لما سيذكره في تفسير الآية من أنها دالة على أن الملائكة لا تعصى البتة فهو جني في أصله، وقال علم الهدى: يحتمل أن يكون المعنى أنه صار من الجن بعدما كان ملكا بأن مسخ كما مسخ بعض بني آدم قردة وهو قول ثالث غريب وما رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن الملائكة نوعان نوع مجرّدون مطهرون ونوع ليسوا كذلك يناسب قوله فيما سيأتي ولعل ضربا من الملائكة الخ وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. قوله: (ولمن زعم أنه لم يكن من الملانكة الخ الما تعارضت النصوص فاقتضى بعضها كون إبليس من الجن وبعضها كونه من الملائكة احتاجوا إلى التأويل في أحد الطرفين فاختار المصنف أنه من الملائكة والزمخشرفي أنه من الجن فأشار إلى ضعفه بالتعبير بالزعم وهم يقولون إنه جني سبته الملائكة فأقام معهم فغلبوا عليه لكثرتهم وشرفهم فالاستثناء متصل أيضاً قيل: لأنّ العبرة بالدخول في الحكم لا في حقيقة اللفظ فمن قال إنّ الاستثناء متصل إن كان من الملائكة ومنقطع إن لم يكن منهم لم يصب، وهذا ردّ على السعد وغيره وليس بوارد قال القرافي في العقد المنظوم النحاة وأهل الأصول يقولون المنقطع المستثنى من غير جنسه والمتصل المستثنى من جنسه وهو غلط فيهما فإنّ قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ} [سورة البقرة، الآية: 188] من جنس ما قبله وكذا قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] وهو منقطع فبطل الحدّان وكذا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} والحق أن المتصل ما حكم فيه على جنس ما حكمت عليه أوّلاً بنقيض ما حكمت به ولا بذ من هذين القيدين فمتى انخرم أحدهما فهو منقطع بأن كان غير الجنس سواء حكم عليه بنقيضه أولاً، نحو رأيت القوم إلا فرساً فالمنقطع نوعان والمتصل نوع واحد ويكون المنقطع كنقيض المتصل فان نقيض المركب بعدم أجزائه، فقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [سورة الدخان، الآية: 56] منقطع بسبب الحكم بغير النقيض لأنّ نقيضه ذا قوة فيها وليس " كذلك وكذلك إلا أن تكون تجارة لأنها لا تؤكل بالباطل بل بحق وكذلك إلا خطأ لأنه ليس له القتل مطلقاً والا لكان مباحا فتنوع المنقطع إلى ثلاثة أنواع الحكم على الجنس بغير النقيض والحكم على غيره به أو بغيره والمتصلى نوع واحد فهذا هو الضابط فما نحن فيه منقطع إن لم يكن منهم فتأمّل. قوله: (أو الجن كانوا أيضا مأمورين الخ (قيل: الفرق بينه وبين الوجه الأوّل أن التغليب في الأوّل على إبليس فقط وفي هذا على الجن المطلق الداخل فيه إبليس، وكان يحتمل أن يكون الثاني من قبيل دلالة النص لولا قوله والضمير في فسجدوا راجع إلى القبيلين وعلى المادير يكون الاستثناء متصلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 لا منقطعا. (أقول (: الظاهر أنّ المصنف رحمه الله أراد الوجه الذي ذكره الإمام بقوله أو يقال: إنه أمر بلفظ غير مذكور في القرآن لقوله تعالى: {إِذْ أَمَرْتُكَ} [سورة الأعراف، الآية: 2 ا] يعني أنه يقتضي أن يكون مأموراً صريحا لا ضمناً فيكون مقدراً وهو وقلنا للجن اسجدوا وقوله فإنه إذا علم الخ بيان للقرينة الدالة عليه فالفرق بينه وبين الأوّل عموم الأمر للجن، والدلالة على ذلك بلفظ مقدر فليس من التغليب في شيء وأمر الضمير ظاهر حينئذ. قوله: (وأنّ من الملائكة من ليس بمعصوم الغ (عطف على انّ إبليس وهو مبنيّ على ما ارتضاه من أنه ملك قال علم الهدى زوال العصمة عن أفراد الملائكة بتحقق المعصية منهم جائز إذا تعلق به عاقبة حميدة لا وخيمة بخلاف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عندنا، وسيأتي الكلام عليه في قصة هاروت وماروت، وفي التيسير وأمّا وصف الملائكة بأنهم لا يعصون ولا يستكبرون فدليل لتصوّر العصيان منهم ولولا تصوّره لما صرّح به لكان طاعتهم طبع وعصيانهم تكلف وطاعة البشر تكلف ومتابعة الهوى منهم طبع ولا يستنكر من الملائكة صدور العصيان مع قصة هاروت وماروت. قوله: (ولعل ضرباً من الملانكة الخ (قال ابن إسحق: الجن اسم للملائكة أيضا لاجتنانهم أي استتارهم عن أعين الناس وهذا معنى قول المصنف يشملهما أي بحسب الاشتقاق وأصل اللغة وقال تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [سورة الصافات، الآية: 158] فسر بالملائكة، وورد مثله في كلام العرب قال الأعشى في سليمان عليه الصلاة والسلام: وسخرمن جن الملائك تسعة قياماً لديه يعملون بلا أجر وقيل الجن صنف من الملائكة لا تراهم الملائكة مثلنا وقوله كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما لأنه قال: إنّ من الملائكة ضربا يتوالدون يقال لهم الجن أي يطلق عليهم الجن من إطلاق العامّ على الخاص فيكون كقوله يشملهما بلا فرق فلا يرد عليه ما قيل: إن ما ذكره سابقاً عنه أنّ الجن ضرب من الملائكة وأنّ إبليس من ذلك الضرب، وما ذكره ههنا إنه من صنف الجن المقابل لصنف الملائكة منهم ينافيه فأين هذا من ذاك، وقوله فلذلك صح عليه التغير يعني بعد تسليم كونه من الملائكة فلا يرد عليه ما قيل: في التفريع نظر فإنّ صحة تغير حاله لا تقتضي عدم مغايرته الملائكة بالذات بل هو على تقديره أظهر، وقوله كما أشار إليه هذا بناء أيضاً على تفسيره السابق بأنه كان منهم فعلا، فلا يرد عليه أنّ هذه الآية لا تدلّ على أنه من جنسهم. قوله: (لا يقال كيف يصح ذلك) أي عدم المخالفة بينهما بالذات وما ذكره عن عائشة رضي الله تعالى عنها حديث صحيح رواه مسلم. وقوله لأنه كالتمثيل جواب للسؤال المذكور ولم يقل: إنه تمثيل حتى يرد عليه أنه إخراج للنصوص عن ظاهرها كما يذهب إليه الباطنية وكثير من المعتزلة كما توهم لأنّ المفهوم من قوله فإنّ المراد بالنور الخ أنه أمر حقيقيّ وأنه إشارة إلى اتحاد ماذتهما بالجنس واختلافها بالعوارض فهو مشابه للتمثيل في تصوير مدعاه واظهاره ونكص بمعنى رجع وجذعة بمعنى حديثة فتية يقول من يريد الرجوع لأمر مضى إن شئت أعدتها جذعة، وأورد عليه أنه يدلّ على أنّ الجن من نار مخلوطة بالدخان كما صرّح به المصنف وغيره إلا أن يقال: المراد بصفائها صفاؤها بحسب ظاهر الجنس وهو لا ينافي اختلاطها به في الواقع.) أقول) : معنى المرج لغة الخلط فمارج بمعنى مختلط وبه فسره الراغب فاختلاطه إمّا باعتبار اختلاط بعضه ببعض حال اشتعاله أو باعتبار اختلاطه بالأجزاء النارية التي فيها الحراوة والإحراق الذي هو سبب التأذي والاتقاد، وهو المراد فالخالص منه يكون نورا محضا والمختلط به يكون مارجا فلا يرد عليه شيء وتفسيره النور بالجوهر المضيء احتراز عن الضوء فلذلك يطلق على الله دونه وان كان أبلغ من وجه آخر كما مرّ والمراد بالنصوص الآيات الأحاديث فإنّ فيها ما يخالفه كما في التأويلات مثل ما روي أن تحت العرش نهراً إذا اغتسل فيه جبريل عليه الصلاة والسلام وانتقض يخلق من كل قطرة منه ملك وفيه أيضا إن الله خلق ملائكة من نار وملائكة من الثلج إلى غير ذلك مما يدل بحسب الظاهر على خلقها من غير النور. قوله: (ومن فوائد الآية استقباج الاستكبار الخ) عدها من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الفوائد لأنّ فيها إشارة إليها ولا تدلّ عليها ألا ترى أنّ الآية لا تدل على مطلق الاستكبار، ومطلق الأمر وكذا الدلالة على الوجوب إنما تعلم من قوله أفعصيت أمري ونحوه مما هو خارج عنها فلا يرد ما قيل: إنّ كفر إبليس ليس لمخالفة الأمر بل لاستقباح أمره وهو كفر فتأمّله، وكذا دلالتها على أنّ الكافر حقيقة من علم الله موته على الكفر وهو مأخوذ من قوله من الكافرين إذ المراد به أنه في علمه الأزاي كذلك وهذه مسألة الموافاة ومعناها أنّ العبرة بالإيمان الذي يوافي العبد عليه أي يأتي متصفاً به في آخر حياته وأوّل منازل آخرته، ومن فروع هذه المسألة أنه يصح أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله وحيث أطلقت مسألة الموافاة فالمراد بها ذلك وهي مما اختلف فيها الشافعية والحنفية والأشعرية والماتريدية وللسبكي فيها تأليف مستقل وينبني عليها مسألة الإحباط في الأعمال بالردّة وقوله إذ العبرة بالخواتم وفي نسخة بالخواتيم بالياء والقياس الأوّل لأنه جمع خاتمة وروي في الحديث الصحيح: " الأعمال بالخواتيم " وهذا مما جوّزه بعض النحاة في جمع فاعل بالإشباع. تنبيه: مسألة الموافاة من أمّهات المسائلى وفصلها النسفيّ في شرح التمهيد فقال ما حاصله إنّ الشافعيّ رحمه الله تعالى يقول إق الشقي شقيّ في بطن أمه وكذا السعيد فلا تبديل في ذلك ويظهر ذلك عند الموت ولقاء الله وهو معنى الموافاة والماتريدية رحمهم الله يقولون: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} فيصير السعيد شقياً والشقيّ سعيداً إلا أنهم يقولون من مات مسلماً مخلد في الجنة ومن مات ك افراً مخلد في العذاب باتفاق الفريقين فلا ثمرة للخلاف أصلاً إلا أن يقال: إن من كان مسلماً وورث أباه المسلم إذا مات كافراً يردّ ما أخذه على بقية الورثة المسلمين وكذا الكافر وتبطل جميع أعماله والمنقول في المذهب خلافه فحينئذ لا ثمرة له إلا أنه يصح منه أن يقولط أنا مؤمن إن شاء الله بقصد التعليق في المستقبل حتى لا يكون شكا في الإيمان حالاً ولا حاجة لتأويله والماتريدية يمنعون ذلك مطلقاً. قوله: (السكنى من السكون الخ) يعني أنّ اسكن أمر من السكنى بمعنى اتخاذ المسكن لا من السكون بمعنى ترك الحركة ولذا ذكر متعلقه بدون في إلا أنّ مرجع السكنى إلى السكون وتأكيد ضمير اسكن المستتر بأنت لئلا يلزم العطف على الضمير المتصل بلا فصل وهو ممتنع في فصيح الكلام وصحة أمر الغائب بصيغة أفعل للتغليب مثل أنا وزيد فعلنا وايثاره على اسكنا للإشعار بالأصالة والتبعية هكذا قاله قدس سرّه: يعني أنّ السكون والسكنى من أصل واحد وأنّ المقصود هنا هو الثاني والجنة مفعول به لأنّ معناه أتخذ الجنة مسكنا وأمّا إذا كان من السكون فهو مفعول فيه فيجب إظهار في لأنه ليس بمكان مبهم وأنّ التأكيد ليصح العطف إذ شرطه الفصل سواء كان بتأكيد أو غيره وزوجك اسم ظاهر، وهو من قبيل الغيبة وأسكن أمر للمخاطب المذكر فلا يصح جعله مأمورا به ولذا قدّر فيه بعضهم وليسكن زوجك وجعله من عطف الجمل لأنه لا يصح هنا حلول المعطوف محل المعطوف عليه والمجوّز له قال: هو ليس بلازم كما يصح تقوم هند وزيد بلا خلاف وجعلوه تغليبا بل تغليبين لأنه غلب فيه المخاطب على الغائب والمذكر على المؤنث إلا أنّ هذا التغليب خفاء مع أنه يلزم فيه تغليب المؤنث على المذكر في نحو تقوم هند وزيد إذ معنى السكون والأمر موجود فيهما حقيقة، والتغليب من المجاز فإمّا أن يلتزم أنه قد يكون مجازا غير لغويّ بأن يكون التجوّز في الإسناد أو يقال: إنه لغويّ لأنّ صيغة هذا الأمر للمخاطب وقد استعملت في الأعمّ منه فتأمّل ثم إنّ المذكور في المعاني أنّ التأكيد لتقرير النسبة ونحوه ولم يذكروا من فوائده تصحيح العطف ولا ضير فيه لأنه أمر لفظيّ تكفل به النحو وقد جوّز في هذا الأمر أن يكون من السكون أيضا لكنه مرجوح لمنافاته لقوله حيث شئتما واحتياجه إلى التجوّز ونكتة التغليب ما ذكروه من الدلالة على التبعية، وأمّا كون نصبه على أنه مفعول معه ففيه نظر ظاهر مع أنه ليس بلازم سلوك أحد الطريقين المتساويين ثم إنّ الأمر والنهي في هذه الآية منسوخان بقوله اهبطوا. قوله: (والجنة دار الثواب الخ) أي التي لا يقع الثواب الحقيقي إلا فيها وكون التعريف للعهد لأنها معلومة لهم ولغيرهم لأنها المتبادرة عند الإطلاق ولسبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 ذكرها في هذه السورة، وهذا هو المعروف عند المفسرين وأمّا القول الآخر فمرجوح ولا عبرة بقوله في التأويلات الأحوط والأسلم هو الكف عن تعيينها والقطع به، قال القرطبيّ رحمه الله: حكي عن بعض المشايخ أنّ أهل السنة مجمعون على أنّ جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه الصلاة والسلام فلا معنى لقول المخالف كيف يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد لعكسه بأن يقال: كيف يطلب شجرة الخلد في دار الفناء وكأنه فهم من قوله اسكن أنها عارية مستردّة فطلب سبب البقاء وهي والنار موجودتان وبعضهم نفى وجودهما كما بين في الأصول فأوّلها هنا بالمعنى االمغوفي وهو البستان وأوّل الإهباط وهو النزول من العلو على يمكبيل القهر بخلاف الإنزال فإنه أعتم كما قاله الراغب: بمجرّد الانتقال من أرض! إلى أخرى كما في أهبطوا مصراً وفلسطين بكسر الفاء وفتحها كورة بالشأم وقرية بالعراق وعلى الثاني ما في التيسير قلوا هذه الجنة كانت بستانا بين فارس وكرمان من أرضى فارس وعلى الأول كلام المصنف رحمه الله ولذا قال: أو بين الخ فلا يرد عليه ما قيل: إنّ الأولى طرح أو من البين لما في التيسيو وقيل: إنه كان بعدن، وقوله امتحانا لآدم عليه السلام إذ كان سبباً لهذه القصة. تنبيه: قول المصنف دار ثواب يقتضي أن في الجنة تكليفا والمشهور خلافه كما فصله ابن فورك فقال: فيها أقوال فذهب قوم إلى أنه لا تكليف فيها أصلاً وما أوهم خلافه فمؤوّل وما ذكر عن آدم إنما هو نعيم تفضلاً من الله وذهب آخرون إلى أنها لا تكليف فيها بعد الحشر، وقبله فيها ذلك وبه يجمع بين الآيات وأنها دار دعة ونعيم والدنيا دار تعب ونصب وعلى هذا كان ستر عورة آدم واجبا عليه فاعرفه. قوله: (واسعاً رافها) صفة مصدر محذوف أي أكلاً رغدا والرغد الهنيء الذي لا عناء فيه، وقال الليث: يأكل ما شاء متى شاء حيث شاء فيكون حيث شئتما كالتفسير له والرافه والرفيه بمعنى المخصب اللين، وقيل: إنه حال بتأويل راغدين مرفهين. قوله: (أي مكان من الجنة شئتما الخ (قيل: حيث للمكان المبهم ففسر بالعموم لقرينة المقام وعدم المرجح ولم يجعله تعلقا باسكن مع أنه أظهر من جهة المعنى لوقوع الفاصل وفيه نظر لأنّ التكريم في أكل من كل ما يريد منها لا في عدم تعيين السكنى، ولأنّ قوله فكلا من حيث شئتما في محل آخر يدلّ عليه وكذا ما بعده من قوله ولا تقربا هذه الشجرة ومنه تعلم حال ما قيل: إنّ الأول تعليقه بهما معنى وجعله من التنازع، وتوسيع الأمر بعدم حصره في ماكول مخصوص حتى يمل، والإزاحة الإزالة وكما وسع الأمر ضميق النهي والفائتة للمحصر لمعنى السابقة له يقال: فاتني كذا أي سبقني وسبق الحصر كناية لطيفة عن عدمه. قوله: (فيه مبالغات تعليق النهي بالقرب الخ) أي مبالغة من وجوه، منها أنّ المنهيّ عنه الأكل منها فنهى عن قرب الشجرة المأكول منها ومنها أنّ العصيان مع كونه مرتباً على أكل رتبه على القرب،، منها أنّ الظاهر أن يقال فتأثماً فعبر بالظلم الذي يطلق على الكبائر ولم يكتف بأن يقول ظالمين بل قال: من الظالمين على ما تقرّر وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ قولك زيد من العالمين أبلغ من قولك زيد عالم لجعله عريقا في العلم أى عن جد وكذا تكونا لأنها تدلّ على الدوام ومن غفل عن هذا قال: كأنه أطلق الجمع وأراد التثنية لأن المبالغة هنا بطريقين، أحدهما تعليق النهي بالقرب كما بينه وثانيهما جعله سبباً لكونهما من الظالمين أو يقال: الأولى لما تضمنت اعتبارات جعلت أكثر من واحدة وضمير تحريمه وعنه للقرب اهـ وقيل: لا تقرب بفتح الراء نهى عن التلبس بالفعل وبضمها بمعنى لا تدن منه وضمير يأخذ للميل ومجامع القلب أي أطراف ما يحيط به، وقوله كما روي الخ هو حديث أخرجه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً وقال الميدانيّ معناه يخفي عنك معائبه ويصم أذنيك عن سماع مساويه كما قال الشاعر: وكذبت طرفي فيك والطرف صادق وأسمعت أذني فيك ما ليس يسمع قوله:) وجعله الخ) أي القرب وفسر الظلم بظلم نفسه بالمعصية إما بناء على تجويز مثله أو أنه قبل البنوّة أو ليس في دار التكليف أو بمعنى نقص الحظ إن لم يكن كذلك لأن الظلم يكون بمعنى نقص الشيء من حقه كما أشار إليه الراغب رحمه الله، وأورد عليه أنه مخالف لقطعه فيما سبق بكون النهي المذكور للتحريم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 بناء على الظاهر المتبادر. قوله: (تفيد السببية سواء جعلته الخ (يعني أنه إمّا مجزوم بحذف النون معطوف على تقربا فيكون منهيا عنه أو على مذهب الكسائي فإنه يجوّز لا تكفر تدخل النار وكان جملى أصل معناها أو منصوب بحذفها على أنه جواب للنهي كقوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ} [سورة طه، الآية: 81] والنصب بإضمار أن عند البصريين وبالفاء نفسها عند الجرمي وبالخلاف عند الكوفيين وكان حينئذ بمعنى صار. قوله: (والشجرة الخ) وقيل: هي الحنظلة وقيل: النخلة إلى غير ذلك والأولى عدم القطع والتعيين كما أن الله لم يعينها باسمها في الآية ولا يترتب على تعيين الشجرة ثمرة والشجر ما له ساق، وقيل: كل ما تفرّع له أغصان وعيدان وقيل: أعمّ من ذلك لقوله تعالى: {شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} [سورة الصافات، الآية: 146] وقوله: من أكل منها أحدث أي تغوّط ولا حدث في الجنة. قوله: (وقرئ بكسر الشين الخ) قال السمين رحمه الله: قرئ الشجرة بكسر الشين والجيم هإبدالها ياء مع فتح الشين وكسرها لقربها منها مخرجاً وبقية القراآت ظاهرة. قوله: (أصدر زلتهما عن الشجرة الخ) في الكشاف وتحقيقه فأصدر الشيطان زلتهما عنها، وعن هذه مثلها في قوله تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [سورة الكهف، الآية: 82، وقوله: ينهون عن أكل وعن شرب قال العلامة: يعني لما كان عن ههنا للسببية فاصل الكلام أن يقال: فازذ بهما فاستعمال عن لأنه معنى الإصدار كقوله وما فعلته عن أمري أي ما فعلته بسبب أمري وتحقيقه ما أصدرته عن اجتهادي ورأي وإنما فعلته بأمر الله. اهـ فضمن الفعل معنى الإصدار وعلق به عن التعليلية مع بقاء معنى المجاوزة فيها في الجملة لأنّ المعلول إذا برز بعلته فقد تجاوزها ومثله قول بعض العرب يصدر عن رأيه أي أنّ رايه سبب لما يصدر منه من الأفعال لا غير فاعرفه فإنّ بعض الناس لم يعرف معناه وسياتي في محله وقوله وحملهما على الزلة قيل: يعني يجوز أن يكون من قولك زل الرجل إذا أتى زلة وأزله غيره حمله على ذلك فيكون الضمير للشجرة والمعنى فحملهما الشيطان على الزلة بسببها وتحقيقه فأصدر الشيطان زلتهما عنها، وبهذا التاويل عدى بعن، وقيل: إنه إشارة إلى أنّ في الإصدار عن الشجرة تجوّزا بتنزيل السبب منزلة الفاعل بجعل الشجرة التي هي سبب الزلة فاعلاَ مصدرأ لها كالسكين للقطع ومنه يعلم أن ما يقال: إن طريق التضمين أن يجعل الفعل المضمن في المعنى حالاً ليس بلازم، وقوله ونظيرة عن هذه في قوله في الكلأم مقدر أي عن في قوله أو موجودة في قوله الخ أي ما أصدرت فله عن اجتهادي ورأي وإنما فعلته بأمر الله. قوله: (أو أزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما) من قولهم زل عني كذا إذا ذصب وأصل معناه كما قال الراغب: استرسال الرجل من غير قصد يتهال: زلت رجله تزلّ والمزلة المكان الزلق وقيل: للذنب من غير قصد زلة وإليه أشار المصنف بقوله إن زل يقتضي عثرة، وقوله ويعفده الخ لم يقل يدذ عليه لاحتمال عوده إلى الشجرة بتقدير مضاف أي عن محلها أو تجوّز، ولا ينافي هذه القراءة قوله فاخرجهما لما سيأتي في تفسيره، ولا يعارضه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه فوسوس لهما الشيطان عنها أي عن الشجرة لأنها شاذة مع أنه يصح عود الضمير إلى الجنة بتضمين الإذهاب ونحوه، وقوله ومقاسمته إياهما إني لكما لمن الناصحين أي مقاسمته على ذلك أو بقوله ذلك وسيأتي تفسيرها وقد قالوا أوّل مخلوق كذب وحسد إبليس. قوله: (واختلف في أنه تمثل لهما فقاولهما الخ) أي تمثل في صورة غيره فكالمهما بما ذكر من الكلمات أو ألقاه بطريق الوسوسة من غير تصوّر وتكلم كما هو الآن وقيل: الأمر في قوله أخرج يحتمل أن يكون للإهانة كما في قوله كونوا حجارة وهو بعيد. قوله: (قام عند الباب فناداهما) اعترض عليه بأنه لا يصح مع قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} إذ الوسوسة الصوت الخفيّ وله أن يقول: إنه أصل معناها كما سيأتي وقد تستعمل للكلام على وجه الإفساد مطلقا. قوله: (بعض اتباعه) قوّاه الإمام بأنهما كانا يعرفانه ويعرفان عداوته وحينئذ فيستحيلى أن يقبلا قوله وقيل: عليه كانه لم يتأمل قوله تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} إلى قوله {إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} فإنه صريح في مباشرة الشيطان نفسه وفيه نظر وقوله والعلم عند الله إشارة إلى ما قال أبو منصور رحمه الله تعالى ليس لنا البحث عن كيفية ذلك ولا نقطع القول بلا دليل. قوله: (أي من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الكرامة والنعيم) اختار هذا التفسير لصحته على كل من الاحتمالين المذكورين في مرجع ضمير عنها وأما تفسيره بالجخة فمخصوص بعوده إلى الشجرة وهو ظاهر، وقيل: أخرجهما من لباسهما الذي كانا فيه من نور أو حلة أو ظفر لأنهم لما أكلا منها تهافت عنهما. قوله: (خطاب لآدم عليه الصلاة والسلام وحواء الخ) في الكشاف والصحيح أنه لآدم وحواء، والمراد هما وذرّيتهما الخ واستدل بالآية المذكورة لتعين الخطاب فيها لهما والقصة واحدة وبعضكم لبعض عدوّ حكم فيما بين الذرية وليس المراد التعادي بينهما وبين إبليس بل فيما بين بني آدم لقوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} [سورة طه، الآية: 23 ا] الخ حيث قسمهم إلى المؤمنين والكافرين وبين ما لكل فريق من الجزاء وقوله وجمع الضمير الخ ظاهر. أنه لتنزيلهما منزلة البشر كلهم بهذا الاعتبار لا لشمول الخطاب لهم ولذلك ترك قول الزمخشريّ والمراد الخ لأنه وأن ارتبط به ما بعده كما قرره شرإحه وقد نقلناه لكنه لا مساغ له إلا على القول بأنّ خطاب المشافهة يشمل المعدوم، فتأمل. قوله: (أو لهما وإبليس) معطوف على قوله لاً دم ولما اقتضى هذا اهباطه معهما وقد طرد منها قبل ذلك وجهه بأنه منع من دخولها على وجه التكرمة لا من دخولها للوسوسة أو مسارقة أو إنّ المأمور به ليس هو هبوطهم من الجنة بل من السماء التي هي أعم فيشمل ذلك إبميس لعارض! ، وقد رجح هذا بعضهم لأنه تفسير السلف كمجاهد وابن عباس رضي الله عنهما ولا يلزمه تكلف كجعل الخطاب شاملا للمعدوم والحال مقدرة وفي التيسير أنّ أمر اهبطوا ينتظمهم ولا يلزم أن يكون دفعة واحدة حتى يرد عليه ما قيل إن إبليس خرج قبل ذلك وهو مخالف للظاهر وقيل لهما والحية وهذا يقتضي كون الحية عاقلة واستبعد الإمام حكاية الدخول في فم الحية بأنه لم يتمثل حية ابتداء ولم عوقبت الحية مع أنها ليست ى قلة، وهذا الأمر تكويني فلا يستلزم أنها عاقلة، فتأمل. قوله: (حال استغنى فيها عبالواو عن الضمير الخ) قيل: الاكتفا بالضمير في الجملة الاسمية ضعيف لا يليق بالنظم المعجز، ولذلك جعل بعض المعربين هذه الجملة استئنافية ووجه بأنّ الجملة هنا مؤوّلة بالمفرد لأن بعضكم لبعض عدوّ بمعنى متعادين كما أشار إليه المصنف رحمه الله ومثلها يستغني فيه بالضمير عن الواو أو أنّ هذه الحال دائمة والحال الدائمة لا تكون بالواو، فلا حاجة إلى التأويل (أقول) التحقيق ما ذكره أبو السعادات في كتاب البديع من أن الجملة الحالية لا تخلو من أن تكون من سببي ذي الص ل أو أجنبية فإن كانت من سببيه لزمها العائد والواو تقول: جاء زيد وأبوه منطلق وخرج عمرو ويده على رأسه إلا ما شذ من نحو كلمته فوه إلى فيّ، وان كانت أجنبية لزمتها الواو نائبة عن العائد وقد يجمع بينهما نحو قدم عمرو وبشر قام إليه وقد جاءت بلا واو ولا ضميرقال: ثم انتصبظ جبال ا) ! غد معرضة عن اليسط روعن أيماننا جدد فجبال الصغد معرضة حال اهـ. وبقي قسم ثالث وهي أن تكون صفة ذي الحال نحو وليتم وأنتم معرضون وكلام النحاة يدلّ على أنه يجوز فيها الوجهان بالمراد وما نحن فيه إن كان الخطاب لهما وللذرية فهو من هذا القسم لصدور التعادي منهم حتى من آدم عليه الصلاة والسلام لعداوته لبعض أولاده كما يعلم من قصة قابيل وهابيل وكذا على الوجه الآخر فعليك بتطبيق كلامهم على هذا حيث جوّزوه تارة ومنعو. أخرى، وأما التأويل بالمفرد فليس بشيء لأن كل حال مؤوّلة به وواقعة موقعه ألا ترى أنّ فوه إلى فيّ بمعنى مثافها مع أنهم ضعفوه وكذا الفرق بين الدائمة وغيرها فاحفظه، وهذه الحال مقدرة ويصح أن تكون مقارنة على الوجه الثاني فإن قلت: كيف يقيد الأمر بالتعادي وهو منهيّ عنه فإنك لو قلت لأحد قم ضاحكاً وأنت تنهاه عن الضحك لم يصح، قلت الأمر كذلك إذا كان تكليفا أما إذا كان تكوينا كما في قوله كونوا قردة خاسئين فلا، ولذا نقل عن ابن عباس رضمي الله عنيما أنّ الجن كلهم مامورون بالهبوط وقد قيل إنهم غير مكلفين، وأما قول أبي حيان رحمه الله أنّ الفعل إذا كان مأمورا به من يسند إليه في حال من أحواله لم تكن تلك الحال مأمورا بها لأنّ النسبة الحالية نسبة تقييدية لا إسناد به فلو كانت مأمورا بها لم تكن تقييدية فليس بشيء لأن المنظور إليه في الكلام القيد فإذا قيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 صل قائماً أو مستتراً فهو مأمور به بلا شك وما خالف ذلك يحتاج إلى التأويل وقوله بتضليله قيل: إن كان الشيطان داخلا فيه فهو ظاهر، وأما على تقدير التخصيص بآدم وحواء فباعتبار أن يراد بهما ذريتهما إما بالتجوّز كإطلاق تميم على أولاده كلهم أو يكتفي بذكرهما عنهم وفيه نظر لأن معناه يظلم بعضكم بعضاً بسبب تضليل الشيطان وهذا إن لم يكن على خروجه أظهر فليس الاحتمال الآخر أولى به منه. قوله: (موضع استقرار الخ) يعني أنه إما اسم مكان أو مصدر ميمي ولم يعرّج على كونه اسم زمان وإن احتمله اللفظ لأنه يتكرر مع قوله ومتاع إلى حين وكذا احتمال كونه اسم مفعول بمعنى ما استقرّ ملكهم عليه وجاز تصرفهم فيه كما ذكره الماوردي لاً نه خلاف الظاهر مع احتياجه إلى الحذف والإيصال. قوله: (تمتع الخ) المتاع البلغة ماخوذ من متع النهار إذا ارتفع والمتاع الانتفاع الممتد وقته ولا يختص بالحقير وقد يستعمل فيه والى حين متعلق بمتاع أو به وبمستقر على التنازع إن كان مصدراً وقيل: إنه في محل رفع صفة لمتاع والحين مقدار من الزمان طويلاً أو قصيرا. قوله: (يريد به وقت الموت أو القيامة) استشكل الثاني بأن المتاع التمتع بالعيش وليس بعد الموت تمتع وأجيب بأن المراد به حصول الثواب والعقاب وتمتع الكافر تهكم على التغليب أو يجعل ابتداء القيامة من الموت لأنّ من مات فقد قاصت قيامته أو جعلت مقدمات الشيء من جملته ولا يخفى أنّ التفسيرين حينئذ واحد أو جعل السكنى في القبر تمتعا في الأرض قيل: وهو أقرب ولا يخفى أنه إذا فسر لكم بأنه لكل أحد احتاج إلى التأويل أما إذا فسر بأنه لجنسكم ولمجموعكم فلا إشكال فتأمل. قوله: (استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها) قال الراغب يقال لقي فلان خيراً وشراً ويقال لقيته بكذا إذا استقبلته به قال تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 11] وتلقاه كذا قال تعالى: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [سورة الأنبياء، الآية: 103] وقيل التلقي لغة الأخذ فالعمل خارج عنه فكيف أدرج فيه فقال الطيبي مشيراً إلى دفعه أنه مستعار من التلقي بمعنى استقبال بعض الناس من يعز عليهم إذا قدم بعد غيبته وهو يكون بأنواع الإكرام واكرام الكلمات الواردة من الحضرة الإلهية العمل بها فعلى رفع الكلمات يكون استعارة أيضاً بجعلها كأنها مكرمة له لكونها سبب العفو عنه، وقوله وبلغته إشارة إلى مآل المعنى بعد التجوّز والقول الأوّل هو الأصح المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، والثاني أخرجه البيهقي وقوله وبحمدك قال الكرمانيّ أي وسبحتك بحمدك أي بتوفيقك وهدايتك لا بحولي وقوّتي ففيه شكر لله على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله، والواو في وبحمدك أما للحال وأما لعطف الجملة سواء قلنا إضافة الحمد إلى الفاعل والمراد لازمه مجازا وهو ما يوجب الحمد من التوفيق والهداية أو إلى المفعول ويكون معناه سبحت ملتبساً بحمدي لك وقيل: الواو زائدة، وفي الأساس تلقيتة استقبلته وتلقيتة منه من لقيته الشيء فلقاه منه قيل: وإنما لم يجعل من هذا مع ظهوره حيث استعمل بمن ليرتب عليه الأخذ والقبول والعمل وسائر ما يدخل في استقبال الرب! أعزته وأحبابه فعلى هذا يكون من ربه حالاً من كلمات يعني أنّ التوبة إنما تترتب على التلقي ترتباً ظاهرا إلا إذا كان بمعنى الاستقبال المقتضي للإكرام بالقبول والعمل ولذا قال وسائر ما الخ فإنّ من جملته قبول المستقبل، ومن غفل عن مراده قال: فيه بحث لأنّ الترتيب المذكور إنما يتاتى بعد صحة استعمال اللفظ في المعني الذي هو فيه وهو غيرظاهر فكيف يصح جعل الترتيب جهة لصحة الاستعمال فالصواب أن يقال: لأنّ تلقي الكلمات لا يترتب على الإهباط بلا تراخ بخلاف الاستقبال فإنّ ابتداءه وهو الانتظار للكلمات حصل عقيبه بلا تراخ وكذا ما قيل /: الأظهر أنه لم يلتفت إليه لأنه لا يحتمله قرأءة رفع كلمات وبعض هذه القرا آت مفسر لبعض وعلى هذه القراءة لم يؤنث للفصل ومعناها كالقراءة الأخرى لأنّ بعض الأفعال يكون إسنادها إلى الفاعل كإسنادها إلى المفعول من غير فرق نحو نالني خير ونلت خيراً، ومنه تقول لقيت زيدا ولقيني زيد قال قدّس سرّه: ثم إنّ التعبير بالتلقي فيه نكتة غير أبلغية المجاز وهي الإيماء إلى أنّ آدم كان في ذلك الوقت في مقام البعد لأن التلقي استقبال من جاء من بعيد وتصدير هذه الجملة بالفاء ظاهر، وعلمها إما من التعليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 المجهول أو من العلم المعلوم. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال يا رب الخ) هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وغيره وصححه وبيدك بمعنى قدرتك وبلى وقع بدلها نعم في بعض التفاسير وقوله: أراجعني قال قدس سره اسم فاعل أضيف إلى المفعول وأنت فاعله لاعتماده على الاستفهام أو مبتدأ وأما نسخة زين المشايخ وقيل: عليها السماع أراجعيّ بتشديد الياء فحملها على سهو القلم أقرب من أن يجعل راجمي جمعا مضافا إلى ياء المتكلم واقعاً خبر أنت أي أنت راجعوني إلى الجنة كما في قوله: ألا فارحموني يا إله محمد وعلى النسختين فوقوع الجملة الاسمية جزاء الشرط محل بحث انتهى. (أقول) هذا مما لم يصححه شراح الكشاف وجملة ما قالوه ما ذكره الشارح المحقق فإن صحت الرواية به فلها عندي وجه بديع أشار إليه الرضيّ وتفصيله على ما قال الجعبرفي في شرح الرائية أنّ بني يربوع يزيدون على ياء الضميرياء أخرى صلة لها حملاً على هاء الضمير المكسورة بجامع الإضمار والخفاء كما زادوها على تاء المخاطبة نحو قوله رميتيه فأصبت وما أخطأت الرمية ونقل عن سيبويه رحمه الله قريباً منه فقوله فحملها الخ مردود وقوله محل بحث مردود أيضا لأنه كيف يتردد في صحة وقوع الجملة الاستفهامية جزاء وهو في القرآن أكثر من أن يحصى كقوله: {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [سورة العلق، الآية: 13] قال الرضي: هل لا تقع في الجزاء بدون الفاء أبدا بخلاف الهمزة وأسماء الاستفهام فإنه يجوز معها الوجهان والهمزة في الجزاء عند التحقيق متقدّمة على الشرط فقولك إن جئتني أتكرمني مآله أن جئتني تكرمني ومن لم يحققه قال إنه مخالف لما في شرح التلخيص من تجويز وقوع الجزاء طلبياً نحو إن جاءني زيد فأكرمه إلا أن يفرق بين الأمر والاستفهام وقوله في الحديث من روحك معناه من روح خلقتها والإضافة للتعظيم كما ذكره الراغب، ثم ذكر إن الكلام والكلمة من الكلم وهو الجرح والتأثير وفي قوله المدرك بإحدى الحاستين تسمح أي المدرك أثره والكلام والجراحة لف ونشر مرتب. قوله: (رجع عليه بالرحمة وقبول التوية الخ) التوية إذا أسندت إلى المجد فمعناها الرجوع عنه مع الندم والعزم على عدم العود إليه كما أشار إليه المصنف رحمه الله وفي حقوق العباد المالية ونحوها لا بذ من الرد والاستحلال ولم يذكره المصنف رحمه الله لدخوله في كلامه لأن الغاصب ما دام الغصب في يده أو ذمته لا يقال إنه رجع وإذا أسندت إلى الله فمعناها قبول التوبة والعفو عن الذنب ونحوه أو التوفيق لها ولما كانت الفاء للتعقيب وقد روي أنهما بكيا مائتي سنة ونحوه مما يدل على خلافه أشار إلى جوابه بقوله وإنما رتبه الخ فأما أن يريد أن ما قبله وهو تلقي الكلمات بالقبول والعمل بها هو عين التوبة أو مستلزم لها وقبول التوبة مترتب عليه فهي لمجزد السببية أو أن التوبة لما دام عليها يصح التعقيب باعتبار آخرها إذ لا فاصل بينهما ولا حاجة إلى ما قيل: إنه كان منتظراً لقبولها فترتب ذلك على آخر انتظاره وليس في الكلام حذف حتى تكون الفاء فصيحة كما توهم وقوله وهو الاعتراف ذكر ضمير التوبة مراعاة للخبر. قوله: (واكتفى بذكر آدم) عليه الصلاة والسلام يعني لم يقل عليهما لأن النساء متبع يغني عنهن ذكر المتبوع وترك التصريح أحسن وفسر التوبة في الثواب بالرجوع إلى المغفرة لأنه أوفق بمعناه اللغوي مع استلزامه للمعاني الأخر والكثرة من صيغة المبالغة وذكر الرحمة إحسان على إحسان. قوله: (كرّر للتثيد الخ) ولذا لم يعطف وحسنه أنه رتب على الأوّل غير ما رتب على الثاني وهو نوع من البديع يسمى الترديد وقد يعاد المبنيّ عليه تأكيدا وتذكبراً له لطول الفصل، كما سيأتي في آل عمران في فلا تحسبنهم فمن قال التكرار في الكلام التام خصوصا بعد الفصل بالأجنبيّ المحض للتأكيد بيد جداً ولذلك عطف الزمخشريّ عليه ما ذكر من النكتة بالواو لم يصب وقدم على هذا التوبة والتلقي لفرط الاهتمام بصلاح حاله وفراغ باله والإخبار بقبول توبته والتجاوز عن هفوته وإزالة ما عسى تتشبث به الملائكة عليهم الصلاة والسلام وقد فضل عليهم وأمروا بالسجود له فإن كان كذلك في المحكيّ فلا كلام فيه والا فالحكاية تراعي فيها تلك النكت أيضا فلا يرد عليه شيء كما توهم. قوله: (أو لاختلاف المقصود الخ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 فالفصل عن السابق ليس لأنه تأكيد بل لتباين الغرضين من الجملتين وهو من جهات الفصل ثم بين التغاير بينهما بأنهم ذكر إهباطهم أوّلاً للتعادي وعدم الخلود فالأمر فيه تكوينيّ، وثانيا ليهتدي من يهتدي ويضل من يضل فالأمر فيه تكليفيّ إذ لم يكن لهم تكليف قبله بغير المنع من الشجرة، وعبر في الأوّل بدلّ لأنه منطوقه فالتعادي والابتلاء من قوله بعضكم الخ وعدم الخلود من قوله إلى حين، وفي الثاني بأشعر لأنه من فحوى الكلام إذ لم يصرح فيه بتكليف وإنما أخذ من تعقيبه بالفاء واهتدى الهدى إما على الحذف والإيصال أي إلى الهدى أو على تضمينه فعل الهدى أو سلك الهدى ونحوه. قوله: (والتنبيه على أن مخافة الإهباط الخ) الأمر إن هما ما ذكر مع الأوّل من التعادي وزوال الخلود وما ذكر مع الثاني من التكليف معنى فكان ينبغي أن لا يخالفا لخوف الإهباط لأحد هذين الأمرين فكيف بجميعهما فلو لم يعد الأمر لعطف فإما يأتينكم على الأوّل فيكون المعاقب به هو الإهباط المترتب عليه جميع هذه الأمور والحازم بالحاء المهملة والزاي المعجمة الضابط لأموره المستوثق فيها، وقوله ولكنه نسي الخ اقتباس لبيان عذره بأنه نسي ما أمر به ولو لم ينسه لخاف من الطرد المترتب عليه ما ذكر وقوله وان كلى واحد توضيح لما مر وبيان له في نفسه. قوله: (وقيل الأول من الجنة الخ) وهو ضعيف لأنه يأباه قوله في الأوّل: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} [سورة البقرة، الآية: 36] الخ ولأنّ الظاهر اتحاد مرجع الضمائر ثمّ وما قاله الإمام من أنه لما من إلله عليهما بالقبول ربما توهم الإعادة إلى الجنة فبين أنه أمر محتوم وقضاء مبرم فهو حسن ولا ذكر للسماء هنا وأما ما قيل: إن التوبة إنما صدرت وهو في الأرض فلا خفاء في ضعف ترتبها على الهبوط إلى السما الدنيا بالفاء فقيل: إنه ليس بذاك إذ لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام تاب بعد الهبوط بل الظاهر من قوله فتلقى حيث عطف بالفاء الدالة على عدم تراخيه عنه أنه عليه الصلاة والسلام تاب قبل الهبوط لأنه تدريجي، فلو تأخرت عنه التوبة لتأخر عن الأمر المذكور زمانا، وجميعاً حال من فاعل اهبطوا أي مجتمعين سواء كان في زمان واحد أم لا وهذا هو الفرق بين جاؤوا جميعاً وجاؤوا معا فإن الثاني يقتضي اتحاد الزمان بخلاف الأوّل وقد وهم في هذا بعضهم نعم قد يفهم من سياق الكلام في بعض المقامات ولذا قال المصنف رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} في سورة الحجر أنه أكد بكل للإحاطة وبأجمعين للدلالة على أنهم سجدوا مجتمعين دفعة فلا يقال: إنه مناف لكلامه فتأمل. وقيل: إنه تأكيد لمصدر محذوف أي هبوطا جميعا وإنما أتى بالضمير المنفصل في قوله أنتم أجمعون لأنه لا يصح تكيد الضمير المتصل بألفاظ التأكيد قبل تأكيده بالمنفصلى وهو وان اختص بالنفس والعين وجوباً فإنه يحسن في غيره بالقياس عليه فلا يقال إنه اشتبه عليه التأكيد بأجمعين بالتأكيد بالنفس وقوله كما ترى كناية عن ظهور ضعفه بحيث يغني إدراكه عن بيانه. قوله: (الشرط الثاني الخ) الشرط الثاني هو من الشرطية ومنهم من أعربها موصولة والفاء تدخل في حيزها لتضمنها معنى الشرط وجعله مع جوابه جواب الأوّل ومنهم من قدر جواب الأوّل محذوفا ومهم من قال الجواب لهما والأصح ما ذكره المصنف رحمه الله وإذا زيدت ما التأكيدية على أن الشرطية كد الفعل بعدها بنون التأكيد لأنّ التأكيد أوّلأ وطأ لذكره ثانيا ولذا قال المصنف رحمه الله ولذلك الخ. مع أن الشرطية لا يؤكد فيها في الأكثر وإنما يكثر في الطلب والقسم ثم إنه هل هو على سبيل الوجوب حتى إنه لا يخالف إلا في ضرورة أو شذوذ كقوله: أما ترى رأسي حاكى لونه أو هو الحسن الشائع قولان للنحاة اختار المصنف رحمه الله الثاني لأنّ الأصل عدمه فإذا رجع إليه لا ينبغي أن يقال إنه ضرورة. قوله: (وإنما جيء بحرف الشك الخ الما كان الظاهر إذا قال الزمخشريّ: أنه للإيذان بأنّ الإيمان بالله والتوحيد لا يشترط فيه بعثة الرسل دمانزال الكتب وأنه إن لم يبعث رسولاً ولم ينزل كتابا كان الإيمان به وتوحيده واجبا لما ركب فيهم من العقول ونصب لهم من الأدلة ومكنهم من النظر والاستدلال يعني أنه لو لم يكن طريق العقل كافياً لكان إتيان الكتاب والرسول واجبا فلم يكن يصح الإتيان بكلمة الشك فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 أتى بها آذن أنه ليس بواجب فتعين الوجوب بطريق العقل وهذا على أصول المعتزلة وأما عندنا فلا وجوب على الله فوجه كلمة إن ظاهر إذ لا قطع بالوقوع بل إن شاء هدى وان شاء ترك لكن لما علم من لضله ورحمته أكد كلمة أن بما إيماء إلى رجحان الوقوع وهذا معنى كلام المصنف رحمه الله مهو ردّ عليه لابتنائه على التحسين والتقبيح العقليين وقيل: إنّ الهدى الخاص بإنزال الكتب والإرسال ليس بواجب عند المعتزلة أيضاً فلا ردّ فيه فتأمّل وقيل: إنّ إنّ إذا قرنت بما! لا نقتضي الشك واعترض عليه بأنّ المفهوم منه أن ما يحتمل في نفسه لكونه غير واجب عقلاً من مواقع إن وهو ينافي ما مر في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} [سورة البقرة، الآية: 240] وفيه لظر، ومتى متعلق بيأتينكم لأنّ الخير كله منه. قوله: (وكرر لفظ الهدى الخ) النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عين فكان الظاهر الإضمار لكته ليس بكليّ وهي هنا غير لأنّ الأوّل الهداية الحاصلة بالرسل والكتب، والثاني أعم لأنه شامل لما يحصل بالاستدلال والعقل وليس هذا مبنيا على مذهب المعتزلة كما توهم، وقيل إنه جعل الهدى أوّلاً بمنزلة الإمام المتبع المقتدى به ثم ذكر. مضافا إلى نفسه وفيه من التعظيم ما لا يكون لو أتى به معرّفاً باللام وإن كان ذلك سبيل ما يكون نكرة ثم بعاد فكيف لو اكتفى عنه بالضمير وهذا وجه وجيه للعدول من غير احتياج إلى مخالفة القاعدة وهو من قول الطيبي أنه وضع المظهر موضمع المضمر للعلية لأنّ الهدى بالنظر إلى ذاته واجب الاتباع وبالنظر إلى أنه أضيف إلى الله إضافة تشريف أحرى وأحق أن يتبع وهذا موافق لقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرواْ} في مقابلة {مَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} فالمقابل له حكم المقابل، وقوله ما أتاه الخ بيان للعموم السابق. قوله: (فلا خوف عليهم فضلاَ الخ (خوف مبتدأ وعليهم خبره او عاملة عمل ليس والأوّل أولى، وقرىء بالرفع وترك التنوين لنية الإضافة وبالفتح والخوف الفزع مما يكون في المستقبل فيكون قبل وقوعه منفيه يدل على نفي الوقوع بالطريق الأولى وليس المراد نفي الخوف بالكلية بل نفيه عنهم في الآخرة كما سيأتي وقوله ولا هم ممن يفوت عنهم محبوب تفسير للحزن وهو ضد السرور مأخوذ من الحزن وهو ما غلظ من الأرض! فكأنه ما غلظ من الهمّ ولا يكون إلا في الأمر ال! ماضي عند بعضهم فيؤوّل حينئذ {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} [سورة يوسف، الآية: 13] ونحوه بعلمه بذلك الواقع وقيل: إنه والخوف كلاهما في المستقبل لكن الخوف استشعار لفقد مطلوب والحزن استشعار غمّ لفوت محبوب كما في إني ليحزنني الآية وقيل: لا خوف عليهم من الضلالة في الدنيا ولا حزن من الشقاوة في العقبى وقدم انتفاء الخوف لأنّ انتفاء الخوف فيما هو آت أكثر من انتفاء الحزن على ما فات ولدّ! صدر بالنكرة التي هي أدخل في النفي وقدّم الضمير إشارة إلى اختصاصهم بانتفاء الحزن وأنّ غيرهم يحزن والظاهر عموم نفي الخوف والحزن عنهم لكن يخص بما بعد الدنيا لأنه قد يلحق المؤمن الخوف والحزن في الدنيا فلا يمكن الحمل على ذلك وعلى جعله كناية كما قال المصنف رحمه الله لا يبقى وجه لهذا فتأمل. قوله: (نفى عنهم العقاب الخ) لأنّ نفي الخوف كناية عن نفي العقاب ونفي الحزن كناية عن إثبات الثواب وهي أبلغ من الصريح وآكد لأنها إثبات الشيء ببينة كما تقرّر في محله. قوله: (وقرئ هديّ الخ) أي بإبدال الألف ياء وادغامها وهي لغة هذيل في كل مقصور أضيف للياء لأنه يكسر ما قبلها في الصحيح فأتوا بالياء التي هي أختها محافظة على ذلك ولا يفعلون ذلك في ألف التثنية وهذه قراءة جحدر وابن إسحق وهي شاذة. قوله: (عطف على من تبع الخ) قيل: وأفرد الأوّل إشارة إلى قلة أهل الهدى بخلاف أهل الكفر ثم اعتذر عن جمع ضميرهم بأنه إشارة إلى كثرتهم في الغناء ولا يخفى أنه تكلف بارد لا داعي له لأنّ من مفرد اللفظ مجموع المعنى وليس المقام يقتضي ملاحظة هذه النكت وقوله قسيم له فيه نظر لأن من لم يتبع شامل لمن لم تبلغه الدعوة ولم يكن من المكلفين، فالعدول عن الظاهر لعله لإخراج أمثالهم، ومن الناس من أغرب فقال: هو أبلغ من قوله ومن لم يتبع هداي وان كان التقسيم اللفظيّ يقتضيه لأن نفي الشيء على وجوه كعدم القابلية لخلقه وعقله وتعمد تركه فأبرز في صورة ثبوتية مزيلة لباقي الاحتمالات التي ينتظمها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 النفي اهـ. فانظر ما بين أوّل كلامه وآخره من التنافر وأصحاب النار سكان النار ويراد بهم الكفار في الأكثر كما يخص الصاحب بالوزير، وهو إمّا جمع صاحب على خلاف القياس أو جمع صحب الذي هو جمع صاحب أو مخففة وإذا أطلق الكفر تبادر منه الكفر بالله فإن أريد هنا فظاهر وبآياتنا متعلق بكذبوا وان لم يرد تنازع الفعلان الجارّ والمجرور فالكفر بالآيات إنكارها بالقلب والتكذيب إنكارها باللسان فلا تكرار. قوله: (والآية في الأصل العلامة الظاهرة) قال الراغب: هي العلامة الظاهرة وحقيقتها كل شيء ظاهر هو ملازم لشيء آخر لا يظهر ظهوره فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته إذ كان حى كمهما سواء وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات لمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق وكذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنه لا بدّ له من صانع اص. وفي أصلها ووزنها ستة أقوال فمذهب سيبويه والخليل اق أصلها أيية بفتحات قلبت ياؤها الأولى ألفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها على خلاف القياس لأنه إذا اجتمع حرفا علة أعل الآخر لأنه محل التغيير نحو جوى وهوى ومثله في الشذوذ غاية وراية ومذهب الكسائيّ إن وزنها آثية على وزن فاعله فكان القياس أن تدغم كداية إلا أنه ترك ذلك تخفيفا فحذفوا عينها كما خففوا كينونة ومذهب الفراء أنها فعلة بسكون العين من تأيا القوم إذا اجتمعوا، وقالوا في الجمع آياء فظهرت الياء والهمزة الأخيرة بدل من ياء ووزنه أفعال والألف الثانية بدل من همزة هي فاء الكلمة ولو كانت عينها واواً لقالوا في الجمع آواء، ثم إنهمءقلبوا الياء الساكنة ألفا على غير قياس لأن حرف العلة لا يقلب حتى يتحرّك وينفتح ما قبله وذهب بعض الكوفيين إلى أنّ وزنها أيية كنبقة فأعل وهو في الشذوذ كمذهب سيبويه والخليل وقيل: وزنها فعلة بضم العين وقيل: اصلها إياة فقدمت اللام وأخرت العين وهو ضعيف فهذه ستة مذاهب لا يخلو واحد منها من شذوذ. قال ابن الأنباري في الزاهي: وفي آية القرآن قولان فقيل: إنها بمعنى العلامة لأنها علامة لانقطاع الكلام الذي بعدها والذي قبلها قال الأحوص: ومن رسم آيات عفون ومنزل قديم يعفيه الأعاصر محول وقيل: لأنها جماعة من القرآن وطائفة من الحروف، قال أبو عمرو: يقال: خرج القوم لآيتهم أي بجماعتهم وهو باعتبار الأكثر الأغلب، فلا يرد عليه أنها تكون كلمة واحدة كمدهامتان كما قيل: وفيها قول ثالث وهو أن تكون سميت آية لأنها عجب يتعجب من إعجازه كما يقال فلان آية من الآيات اهـ وقول المصنف رحمه الله: من حيث إنها تدل إشارة إلى القول الأوّل وقوله لكل طائفة إشارة إلى الثاني فكان عليه أن يميز بين القولين ولذلك اعترض عليه بأنه لم يصب في خلطهما. وقوله واشتقاقها من أيّ بتشديد الياء عينه ولامه ياء، وقوله: لأنها تبين أيا من أيّ بالتشديد أيضاً قيل معناه شيء يسئل عنه بأفي أي جوابه أي تميز أمرا مجهولاً من آخر التيس هذا هو المراد، وقيل: إنّ العبارة آيا من آي بالمد أي شخصا من شخص وشيئا من شيء لأنّ الآي بالمد بمعنى الشخص وفيه نظر، وقوله أو من أوى إليه لأنها بمنزلة المنزل الذي ياوي إليه القارئ فعينها واو وقوله وأصلها آية على القول الأوّل وأوية على القول الثاني وكونها على خلاف القياس لما مرّ والآيات إمّا آيات القرآن أو مطلق الدوال وهو ظاهر لكن التكذيب يأباه إلا بأن ينزل المعقول منزله الملفوظ ولذا أخره المصنف رحمه الله عنه، والرمكة أنثى البراذين. نوله:) وقد تمسكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) الحشوية بسكون الشين وفتحها قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وغيره وهم من الفرق الضالة، قال السبكيّ في شرح أصول ابن الحاجب: الحشوية طائفة ضلوا عن سواء السبيل وعميت أبصارهم يجرون آيات الله على ظاهرها ويعتقدون أنه المراد سموا بذلك لأنهم كانوا في حلقة الحسن البصري فوجدهم يتكلمون كلاما فقال: ردّوا هؤلاء إلى حشا الحلقة فنسبوا إلى حشافهم حشوية بفتح الشين، وقيل سموا بذلك لأنّ منهم المجسمة أو هم والجسم حشو فعلى هذا القياس فيه الحشوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 بسكون الشين نسبة إلى الحشو، وقيل: المراد بالحشوية طائفة لا يرون البحث في آيات الصفات التي يتعذر إجراؤها على ظاهرها بل يؤمنون بما أراده الله مع جزمهم بأنّ الظاهر غير مراد ويفوّضون التأويل إلى الله وعلى هذا فإطلاق الحشوية عليهم غير مستحسن لأنه مذهب السلف. اهـ وقيل: طائفة يجوّزون أن يخاطب الله تعالى بالمهمل ويطلقونه على الدين قالوا الدين يتلقى من الكتاب والسنة وهو المناسب هنا اهـ والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يجوز عليهم الكفر وتعمد الكذب في التبليغ بلا خلاف وأمّا غيرهما فالكب ئر يمتنع صدورها عمدأ بعد النبوّة عند الجمهور إلا الحشوية وهو مراد المصنف وأمّا صدورها سهوا أو خطأ في التأويل بعد النبوّة فجوّزه قوم والمختار خلافه، وأمّا قبل النبوّة فذهب الجمهور إلى أنه لا يمتنع صدور الكبائر عنهم ومنعه بعضهم وأمّا صدور الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلا الجبائي وأمّا سهواً فجائز اتفاقا إلا ما فيه خسة كسرقة لقمة، وقال الجاحظ يجوز أن يصدر عنهم غير الصغائر خسيسة بشرط أن ينبهوا عليها فينتهوا عنها وتبعه كثير وبه أخذ الأشاعرة وذهب كثير من المفسرين إلى أنهم معصومون من الكل قبلها وبعدها سهوا وعمداً والقلب إليه أميل والعصمة ملكة يخلقها الله فيهم تمنع عما لا يليق بالطبع. قوله: (1 لأوّل أن آدم عليه الصلاة والسلام كان نبياً الخ) أي قبل، إهباطه لأنه خاطبه، والخطاب منه خاص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمنهيّ عنه قرب الشجرة وكونه عاوصيا لأنّ الظاهر من النهي التحريم وجعله ظالماً بقوله فتكونا من الظالمين والظلم التعدي وهو مخصوص بالكبائر، وقوله: والظالم ملعون جراءة عظيمة كان الأولى تركها والظلم في الآية المذكورة المراد به الكفر فلا دليل فيها، وقوله أسند إليه العصيان والغيّ وهو الغواية والضلال وهو كبيرة وتلقين التوبة يقتضي أنها كبيرة بحسب الظاهر وكذا الخسران وعقوبته بالإبعاد ونص-. قوله: (الآوّل أنه لم يكن نبياً الخ الأنه ليس له أمّة ولم يؤمر بتبليغ ولئن سلم فالنهي تنزيهيّ والخسران والظلم بمعناه اللغوي وما سيأتي هو أنه تعظيم للزلة وزجر لأولاده وأمره بالتوبة لتلافي التقصير وتهذيبه أتم تهذيب وأمّا ما جرى عليه فليس للإهانة لل لتحقيق الخلافة الموعود بها ولئن سلم أنها كبيرة والنهي تحريمي فإنه صدر منه وهو ناس فلا يعذ ذنبا أو يعد صغيرة في حقه لأنّ النسيان وان حط عن الأمم لم يحط عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لجلالتهم ولذا يعاتب الرئيس فيما لا يعاتب به غيره وقال الجنيد: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، وقيل: " إنّ النسيان لم يرفع عن الأمم السالفة مطلقاً وإنما هو من خصائص! هذه الأمّة كما ورد في الأحاديث الصحيحة ". قوله: (أشدّ الناس بلاء الخ (هذا الحديث أخرجه الترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه وصححوه لكن ليس فيه ثم الأولياء وأخرجه الحاكم بلفظ الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون وقال القشيري: ليس كل أحد أهلا للبلاء إنّ البلاء لأرباب الولاء فأمّا الأجانب فيتجاوز عنهم ويخلي سبيلهم لا لكرامة محلهم ولكن لحقارة لدرهم. قوله: (أو أذى الخ) عطف على قوله عوتب جواب آخر عن أنه إذا كان ناسياً وقلت إنه عوتب عليه لما مرّ فلم جرى عليه ما جرى فذكر أنّ جريانه لأنه تعالى قدّر تسببه عنه فضره في الدنيا ولو تعمده لضرّه في الدارين كأكل السمّ عامدا أو جاهلا ووجه السؤال أنّ ما ذكر من المقاسمة على أمر الشجرة لا يتصوّر معه النسيان وجوابه ظاهر لكنه قيل: عليه أنه إنما يتوجه لو ثان بينهما عهد طويل وفي الحديث ما يخالفه إلا أن يقال: إنّ الحديث لم يصح عنده. قوله: (والرابع أنه عليه الصلاة والسلام أقدم عليه الخ) يعني أنه أخطأ في اجتهاده إذ ظن أنّ النهي تنزيهيّ أو أنّ الإشارة إلى فرد معين فكل من غيره فإنّ الإشارة قد تكون للنوع كما في " الحديث " المذكور وهو حديث صحيح في الأربعة وقوله وإنما جرى إشارة إلى جواب ما قيل: كيف يكون تنزيها وقد وصف بالظلم وجرى عليه ما جرى فقال: إنه تفظيع أي تعظيم وتخويف من جنس الخطيئة وان لم يكن هذا خطيئة، فإن قلت هذأ لا يوافق أنّ المجتهد يثاب على الخطأ، وفيه إيجاب أن يجتنب أولاده الاجتهاد قلت لا دلالة له على ذلك لأنه ليس اجتهادا في محله كما لو اجتهد صحابيّ بحضرة النبيّ صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وسلم فأخطأ فتأمل ووجود الجنة مضرح به في الآية وعلوّها مأخوذ من الهبوط والمعتزلة خالفوا في وجودها، وقبول التوبة تفضل منه وقد وغد به من لا يخلف الميعاد لا وجوبا كما زعمه المعتزلة وقوله وأنّ غيره لا يخلد الخ بناء على حمل الخلود على التأبيد بالقرائن وافادة مثل هو قائلها الحصر، ولك أن تقول إنه ليس بناء على هذا بل إنه لما ذكر الفريقين وخص الخلود بأحدهما دل على أنه ليس صفة لغيرهم وهو الظاهر من قوله مفهوم فافهم. قوله: (لما ذكر دلائل التوحيد والنبوّة الخ) هذا إشارة إلى ارتباط الآية بما قبلها ويزيدها ربطاً ذكر بني إسرائيل بعد المكذبين ودلائل التوحيد من قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [سورة البقرة، الآية: 21] الخ ودلائل النبوّة {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} الخ والمعاد من. توله: {فَاتَّقُواْ النَّارَ} الخ وقوله وعقبها تعداد النعم إن قرئ بالتخفيف فتعداد فاعله وان شدّد فتعداد منصوب بنزع الخافض أو بتضمينه التصيير ونحوه فمن قال: الصواب بتعداد النعم استسمن ذا ورم وكلامه بين في الارتباط وخاطب الخ جواب لم واقتفاء الحجج أي اتباع الدلائل لأنهم أعلم بها من غيرهم فكان ينبغي أن يكونوا أوّل من آمن به عليه الصلاة والسلام. قوله:) أي أولاد يعقوب الخ) يعني أنّ الابن وان كان مختصاً بالولد الذكر لكنه إذا أضيف وقيل: بنو فلان يعم الذكور والإناث وهو معنى عرفيّ فيكون في معنى الأولاد مطلقا، واسرائيل اسم يعقوب عليه الصلاة والسلام، وبني جمع ابن شيبه بجمع التكسير لتغير مفرده ولذا ألحق في فعله تاء التأنيث نحو قالت بنو فلان وقد أعرب بالحروف وهل لامه ياء لأنه مشتق من البناء لأنّ الابن فرع الأب ومبنيّ عليه أو واو لقولهم البنوّة كالأبوّة والأخوّة قولان الصحيح الأوّل ولذأ اقتصر المصنف عليه وأمّا البنوّة فلا دلالة فيها لأنهم قالوا الفتوّة ولا خلاف أنها من ذوات الياء إلا أنّ الأخفش رجح الثاني لأنّ حذف الواو أكثر، واختلف في وزنه فقيل: بنى بفتح العين وقيل: بني بسكونها وهو أحد الأسماء العشرة التي سكنت فاؤها وعوّض من لامها همزة الوصل وقوله مبنيّ اً بيه تجوّز أي متولد وكل ما يحصل من فعل أحد يتسبب فهو ولده فيقال أبو الحرب للمحراب وللقصيدة ونحوها بنت الفكر وهو من النسبة إلى الآلة مجازا والانتساب في الحقيقة إلى المفكر فلذلك عطف على ما هو مثال للمنسوب إلى الصانع وجعلى إسرائيل لقباً لإشعاره بالمدح لأنه بمعنى صفوة الله أو عبد الذ وايل في لغتهم بمعنى الله. قوله: (أي بالتفكر فيها الخ) الذكر بكسر الذال وضمها بمعنى واحد ويكونان باللسان والجنان، وقال الكسائي: هو بالكسر للسان وبالضم للقلب وضدّ الأوّل الصمت وضد الثاني النسيان وعلى العموم فإمّا أن يكون مثتركا بينهما أو موضوعاً لمعنى عامّ شامل لهما والظاهر الأوّل فأشار المصنف إلى أنّ المم اد التصؤر التفكر في النعمة وأنّ اله غصود من الأمر بذلك الشكر والقيام بحقوقها كما تقول: أتذكر إحساني لك فإنّ المراد هلا وفيت حقه فلذلك عطف عليه القيام بشكرها عطفاً تفسيريا فلا يرد عليه ما قيل: الذكر هنا قلبيّ، والمطلوب به هو القيام بشكرها إيماء إلى أنها من النعم الجسام التي لا مانع للعاقل عن القيام بشكرها إلا الغفلة عنها والذهاب هذه الدقيقة على المصنف رحمه الله عطف القيام بشكرها على التفكر فيها كأنه أدرجه في معنى الذكر، وفيه من التكلف ما لا يخفى وهو بعينه مراد المصنف رحمه الله. قوله: (والتقييد بهم) وفي نسخة وتقييد النعم بهم يعني بالوصف بقوله التي الخ والظاهر أنّ المراد بالنعمة وهي المنعم بها مطلق النعم الإلهية العامّة لكل مخلوق كبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام وخلق ااتحوي والرزق ولكن قيدت في النظم بهم ولم تطلق أو تعمم بأن يقال: أنعمت بها على عبادي أو تخص! بغيرهم بأن يقال: على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ليكون أدعى لشكرهم لأنها لو لم تخص بهم لربما حملهم الحسد والغيرة على كفرانها وما قيل: إنه حمل النعمة ههنا على النعمة التي أنعم بها على آبائهم حمل لكلامه من غير دليل على ما لم يرده. قوله: (وقيل أراد بها ما أندم الخ) هذا هو الذي ارتضاه الزمخشريّ والمصنف رحمه الله تعالى ضعفه لأنّ السياق ينافيه فإن قوله: {وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ} [سورة البقرة، الآية: 41، لا يتصوّر في حق آبائهم مع أنه قيل: عليه أنّ فيه جمعاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 بين الحقيقة والمجاز حيث جعل قوله عليكم مراداً به ما أنعم عليهم وعلى آبائهم فينبغي أن يحمل على حذف أو اعتبار معنى جامع بأن يجعل الخطاب لجميع بني إسرائيل الحاضرين والغائبين وقوله ما أنعم الله به إشارة إلى حذف العائد على الموصول، وأورد عليه أن الأنعام على الآباء إنعام في حق الأنباء بواسطة ولا يخرج بذلك عن كونه إنعاما حقيقة في حقهم حتى يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز فيحتاج في دفعه إلى ارتكاب حذف أو معنى جامع أو تغليب كما توهم، والحاصل أنّ المعنى أني أنعمت عليكم بأن شزفتكم بالشرفين التالد والطريف الذي أعظمه إدراك زمن أشرف الأنبياء لمجي! وجعلتكم من جملة أمّة الدعوة له فتخصيصه بالذكر لدلالة السياق عليه فلا يرد عليه أنه لا دلالة للعام على الخاص فتأمل. وعائد الموصول محذوف أي أنعمت بها فإن قيل: شرطوا في حذفه إذا كان مجروراً أن يجرّ الموصول بمثل ذلك الحرف ويتحد متعلقهما وهو مفقود هنا قيل: إنه إنما حذف هنا بعد أن صار منصوبا بحذف الجارّ اتساعا فبقي أنعمتها كما قيل: في كالذي خاضوا وفيه نظر: وقراءة ادّكروا بالدال المهملة المشددة مذكورة في الصرف، ودرجا بمعنى وصلا وحذفها حينئذ لالتقاء الساكنين وقوله: وهو مذهب من لا يحرّك الياء ا! مكسور أي لغته واحترز بالمكسور ما قبلها عن نحو محياي. قوله: (بالإيمان والطاعة) متعلق بأوفوا أو بعهدي أو بهما على التنازع وكذا قوله بحسن الإثابة. قوله: (أوف بعهدكم) مجزوم في جواب الأمر إمّا به نفسه أو بشرط مقدر وقوله والعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد الخ يقال ة أوفى ووفى مخففاً ومشدداً بمعنى وقيل: يقال اوفيت ووفيت بالعهد وأوفيت الكيل لا غير واللغات الثلاث وردت في القرآن كما بينه المعرب وجاء أوفى بمعنى ارتفع نحو: ربما أوفيت في علم ومعناه هنا أتممت وكملت ويكون ضد الغدر والترك والعهد حفظ الشيء ومراعاته وسمي له الموثق للزوم مراعاته وقال الطيبي رحمه الله: إنّ الزمخشريّ قال فيما سبق إن العهد الموثق وعهد إليه في كذا إذا أوصاه ووثقه عليه واستعهد منه إذا اشترط عليه واستوثق منه فاللائق بهذا المقام الثاني فيكون المراد بالعهد ما استعهد من آدم في قوله فإمّا يأتينكم الخ لتنتظم الآيات وفي كلامه إشعار به اص. واضافته إلى كل منهما لأنّ مدلوله نسبة بين شيئين فيصح إضافته لكل منهما كما يضاف المصدر تارة إلى فاعله وتارة إلى مفعوله، قيل: ولا خفاء في أنّ الفاعل هو الموفي فإن أضيف إلى الموفي مثل أوفيت بعهدي ومن أوفى بعهده فهو مضاف إلى الفاعل وأن أضيف إلى غيره مثل أوفيت بعهدك ف! لى المفعول ففي أوفوا بعهدي أوف بعهدكم تكون الإضافة إلى المفعول فلذا قال: بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة ولا يستقيم غير هذا إذ لا معنى لقولك أوف أنت ما عاهد عليه غيرك، فما بترهم أنّ المذكور في الكتاب مبنيّ على رعاية الأولى والأنسب ليس بشيء اص. وهذا ردّ على الزمخشريّ ومن تبعه كالمصنف رحمه الله ومن جعله أنسب وهو صاحب الكشف وردّ بأنه إن! سر الإيفاء بإتمام العهد تكون الإضافة إلى المفعول في الموضعين وهو مختار بعض المفسرين، وان فسر بمراعاته تكون الإضمافة الأولى للفاعل والثانية للمفعول كما ذكره العلامة إ المصنف رحمه الله فالمعترض! قصر في النظر حيث قصر معنى الإيفاء على الإتمام ومبنى الكلام على معناه الآخر ومن الناس من ظن أنّ كلام المصنف رحمه الله مخالف لكلام الكشاف؟ لم يصب وقيل: إنهم رجحوا هذا التوجيه على جعله مضافا فيهما على نهج واحد لأن الأصل، الأكثر الإضافة إلى الفاعل فلا يعدل عنه إلا لصارف وهنا لا صارف في الأوّل لأنه تعالى عهد إليهم بقوله يأتينكم الخ وفي الثاني صارف إذ لا عهد منهم وما اعترض به مدفوع بأنّ العهد المعلق على فعل المعاهد يكون الوفاء به من المفعول بالإتيان بالمعلق عليه ومن الفاعل بالإتيان لالمعلق وإذا ثبت جعل أداء المعلق عليه وفاء بالعهد فليكن أوفوا المشاكلة أوف. اهـ ولا يخفى ما في الكلام من الاختلال سؤالاً وجواباً أمّا السؤال فلأنّ قوله لا معنى لقولك أوف أنت ما طاهد عليه غيرك ليس مثالاً نحن فيه وإنما مثاله ما عاهدك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 عليه غيرك ولا شبهة ير صحته،، أتا قوله ولا خفاء في أنّ الفاعل هو الموفي فكلمة حق أريد بها باطل لأنه إذا سلم أنّ العهد سبة بينهما فكل منهما موف وموفي قال في الكشف: فسر العهد بالمعاهد عليه وأضافه إلى من له لا من هو به وذلك لأنّ المعاهدة وان كانت بين اثنين إلا أنّ المعاهد عليه مختلف من العبد الالتزام ومن الله الإكرام، أمّا إذا كان شيئاً واحدا اختلف تعلقه كالعطاء بالنسبة إلى المولى والمولى أو اتحد كاثنين تواثقا على سفر ونحوه فلا يفترق المعنى بين الإضافتين إذ لا أولوية من الجانبين وفيما نحن فيه إضافته إلى من قام به أولى إن صح المعنى عليهما والا فالمعوّل عليه جانبه ولهذا أضيف في الآية إلى من هو له لأنه لما طلب الوفاء ووعد الإيفاء كان المناسب إيثارها مفسرة بما عاهدتموني وهو الإيمان بي والطاعة لي أو الإيمان بنبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم والكتاب المعجز وهو مقتضى النظم وما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على التقديرين، وقيل رفع الآصار والأغلال على الثاني اهـ. وأمّا ما ذكره المجيب من تفسير الوفاء فليس في كلامهم إشارة إليه على أنّ العهد معنى والتوفية معنى آخر يتعلق به والكلام في الثاني وقد يختلف فاعل المعنيين وإن كان بينهما مناسبة نحو أعجبني ضربك زيداً فتامّل. قوله: (وللوفاء بهما عرض عريض الخ) ضمير بهما لعهد الله وعهدنا وكون كلمتي الشهادة وحقن الدماء أوّل المراتب باعتبار الظاهر المشاهد الذي يترتب عليه أحكام الشرع فلا ينافي أنّ الأوّل الحقيقيّ لها النظر في دلائل التوحيد وموهبة العلم بالوحدة والنبوّة مع أنّ هذه ثمرة لها منزلة منزلتها. قوله:) وآخرها منا ألاستنراق الخ الا يخفى ما في الاستغراق مع البحر من الإيهام والتورية وقوله بحيث يغفل عن نفسه أي،! غفل كل مستغرق أو كل واحد منا والا كان الظاهر نغفل عن أنفسنا. قوله: (وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) رواه ابن جرير بسند صحيح وكذا ما بعده لكن في سنده ضعف والآصار جمع اصر وهو مشقة التكليف وكون هذه وسايط ظاهر لأنّ اتباع محمد صلى الله عليه وسلم شامل لغير كلمتي الشهادة. قوله: (وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول الخ (قيل: هذا ما أشار إليه الزمخشريّ ثانياً بقوله ومعنى وأوفوا بعهدي وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان والطاعة لي، وقوله والتزام الطاعة أقحم لفظ التزام لأنّ الطاعة بالفعل قد يعوق عن فعلها عائق ويعد وافيا وهو ظاهر، وقد خفي هذا مع ظهوره على بعضهم وقوله وقرئ أوف بالتشديد وهي قراءة الزهريّ. قوله: (وخصوصاً في نقض العهدا لدلالة السياق عليه ولذا خصه الزمخشري وإن كان الأولى الإطلاق. قوله: (وهو كد في إفادة التخصيص الخ) هذا من مسائل الكتاب وهو مما اختلفوا فيه واضطربت أقوالهم وها أنا ذاكر لك زبدة ما قالوه على وجه سترفع فيه يد البيان نقاب الإشكال فأقول، قال سيبويه: في باب عقده لهذه المسألة فقال في أوّله الأمر والنهي يختار فيهما النصب في الاسم الذي يبني عليه كما اختير في باب الاستفهام ثبم قال: وذلك قولك زيدا اضربه وزيدا أمر ربه ومثل ذلك أما زيدا فاقتله فإنك إذا قلت زيد فاضربه لم يستقم أن تحمله على الابتداء ألا ترى أنك لو قلت زيد فمنطلق لم يستقم فإن شئت نصبت على شيء هذا تفسيره وان شئت على تقدير عليك زيدا ومن ذلك قوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم وقال أبو الحسن: تقول زيدا فاضرب فالعامل اضرب بعده والفاء معلقة بما قبلها واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي وأما قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} فمحمول على إضمار مما أذكر لكم حكمه لا على حد وقائلة خولان الخ. وقد قرئ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة هذا محصل كلامه وقال السيرافيّ في شرحه إذ! قدصت الاسم وأخرت الفعل كنت في إدخال الفاء بالخيار إن شئت أدخلتها وهي بمنزلتها في جواب أمّا وان شئت أخرجتها وذلك قولك زيدا أضرب وزيدا فأضرب فإذا قلت زيدا أضرب فتقدير. اضرب زيدا وإذا أدخلت الفاء فلأنّ حكم الأمر أن يكون الفعل فيه مقدما فلما قدمت الاسم أضمرت فعلاً وجعلت الفاء جوابا له، وأعملت ما بعد الفاء في الاسم عوضاً من الفعل المحذوف وتقديره تأهب فاضرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 زيدا وما أشبهه فلما حذفته قدمت زيداً ليكون عوضاً من المحذوف وأعملت فيه ما بعد الفاء كما أعملت ما بعد الفاء في جواب أما فيما قبلها فإذا قلت زيدا فاضربه فهو على تقديرين أحدهما اضرب زيدا فأضربه، والثاني عليك زيدا فاضربه، وأمّا قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [سورة المائدة، الآية: 38] فهذا عند سيبويه مبنيّ على ما قبله كأنه قال: ومما يقمق عليكم: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ثم قال: {فَاقْطَعُواْ} فجعل الفاء جوابا للجملة وهذا محصل مذهب سيبويه ومحل الكلام مخصوص بما إذا اقترن الفعل بالفاء وكان طلبيا والمنصوب ينتصب بالفعل الذي بعدها إذا لم يشتغل بضمير لكن بطريق النيابة عن فعل مدلول عليه في قوّة المذكور فالفاء عاطفة بحسب الأصل وهي الآن زائدة وان اشتغل بالضمير فلا تكلف فيه حينئذ وفي الكشاف واياي فارهبون فلا تنقضوا عهدي وهو من قولك زيدا رهبته وهو اوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد اص. وقال قدس سرّه في شرحه إن مثل زيدا ضربت يفيد اختصاصا فإذا نقل إلى الإضمار على شريطة التفسير مثل زيدا ضربته ودلت القرينة على أن المحذوف يقدر مؤخرا كان أوكد في إفادة الاختصاص لأنّ الاختصاص عبارة عن إثبات ونفي فإذا تكرّر الإثبات صار أوكد على أنّ الإئبات اللاحق يمكن أن يعتبر على وجه الاختصاص، وقد يقال: تقدم المعمول صورة دال عليه بقرينة كونه تفسيرا للسابق وإن لم يكن هناك شيء من أدوات الحصر وحينئذ يتكرّر الاختصاص فيصير أوكد وكذا الكلام فيما إذا كان الفعل أمراً أو نهيا مثل زيدا أضرب وزيدا لا تضرب وقد يؤكد الاختصاص بدخول الفاء في مثل زيدا فأضرب وعليه بل الله فاعبد أي إن كنت عابدا فالله فاعبد وذكر المصنف في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] واختص ربك بالتكبير ودخلت الفاء لمعنى الشرط كانه قيل: وما كان فلا تدع تكبيره أي مهما يكن من شيء فلا تترك وصفه بالكبرياء وقريب منه ما يقال: إنّ مثله على حذف أمّا وقد يجعل الفعل مشغولاً بالضمير نحو زيدأ فأضربه وعليه قوله واياي فارهبون وينبغي أن يكون أوكد من الأوكد إذ تقديره عند المصنف ومهما يكن من شيء فإياي فارهبوني فتكرير التعلق تأكيد للاختصاص وتعليقه بالشرط العام الذي هو وقوع شيء مّا تاكيد على تأكيد (وههنا مباحث) : الأوّل أنّ إياي ارهبون ليس على شريطة التفسير لامتناع توسط الفاء بين الفعل والمفعول وما لا يعمل لا يفسر عاملاً، ودفعه إن أصله فإياي ارهبون زحلقت الفاء لشغل حيز الشرط الثاني أنه لا حاجة إلى جعلها جزائية مع ظهور العطف الذي اختاره في المفتاح ولا يقدج فيه اجتماعها مع واو العطف ونحوها لأنها لعطف المحذوف على ما قبله وهذه الفاء لعطف المذكور على المحذوف ووجه التغاير أنه بمعنى ارهبوني رهبة بعد رهبة أو الأوّل بطريق الاختصاص والثاني بدونه أو أنّ رتبة المفسر بعد المفسر، وهذه كلها تعسفات فلذا ترك العطف ومنهم من وفق بين مسلكي الشيخين بأنها عاطفة بحسب الأصل وبعد الحذف زحلقت وجعلت جزائية وكلام المفتاح صريح في خلافه فانظره وتأخير الفعل مفوّض إلى القرينة وأفا على تقدير أمّا فلا بد منه ونقل عن المصنف أنه قال: في إياي فارهبون وجوه من التأكيد تقديم الضمير المنفصل وتأخير المتصل والفاء الموجبة معطوفا عليه ومعطوفا تقديره إياي ارهبوا فارهبون أحدهما مضمر والثاني مظهر وما في ذلك من تكرير الرهبة وما فيه من معنى الشرط بدلالة الفاء كأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئا فارهبون اص. محصله (وأنا أقول) قد سمعت كلام المتقدمين في هذه المسألة ومحصله أنّ الفاء فيه زائدة وأنه إذا ذكر فيه الضمير فهو من باب الإضمار على شريطة التفسير، وأنها عاطفة على فعل طلبيّ مقدر والفعل الطلبي يتضمن معنى الشرط كما في نحو أسلم تدخل الجنة إذ مه خاه إن تسلم تدخل الجنة ولذا جوّزوا جرم جوابه وأمّا اتحاد الشرط وجوابه والمعطوف والمعطوف عليه فعلى حد قوله فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وهو مما يفيد تحقق الفعل وتقرّره على أبلغ وجه وآكده، وقد يستلزم ذلك الحصر لأنه أبلغ في التحقق، ويؤيده هنا تقدّم المعمول معنى وإن لم يكن مقدما لفظا كما في الله يبسط الرزق فما ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 الموفق هو الحق الذي ساعده التوفيق والعجب من المعترض عفيه أنه نقل عن الزمخشري في آخر كلامه كما سمعت ما هو صريح فيه فإنه صرح أوّلاً بالعطف ثم جعله في آخر كلامه منه شرطا فهو يقول له: إياك أعني فاسمعي يا جاره ولذلك شبهه سيبويه رحمه الله بوقوع الفاء في خبر الموصول ومنه يعلم أنه لا فرق بين تقدير أمّا وتقدير أن لأنه ليس تقديرا حقيقيا وليس للشيخين في هذا رأي سوى بيان وجه ما ذكره النحاة وتوضيح لطائفه، ومن لم يفهم هذا أورد هنا كلاما لا طائل تحته ومنهم من جعل كلام المصنف رحمه الله مخالفاً لكلام الزمخشريّ ثم إنه يفيد التخصيص على أبلغ وجه وآكده لما عرفت وكونه أبلغ من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ظاهر. قوله: زوالرهبة خوف مع تحررّ) في الكشف تيل: الرهبة خوف مع تحرّز الإتقاء مع حزم فالأوّل للعامّة والثاني للأئمة والأشبه بمواقع الاستعمال أنّ الاتقاء التحفظ عن المخوف وأن يجعل نفسه في وقاية منه، والرهبة نفس الخوف فافترقا والمناسب أن يخافوا المحذور ثم يحفظوا أنفسهم عن الوقوع فيه فلذلك قدّم الأمر بالرهبة وعقب الأوّل عن ذكر النعمة والوفاء بعهد المنعم لأنّ عظم الجرم بحسب عظم النعمة المكفورة وعظم من وجه بالمخالفة والثاني عن الإيمان المفصل بالمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأنّ التقوى نتيجة الإيمان المعتد به إذا كان التصديق عن طمأنينة سواء كانت عيانية أو برهانية أو بيانية. قوله: (والآية متضمنة للوعد والوعيد الخ) الوعد في قوله تعالى: {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} والوعيد في إياي فارهبون، ووجوب الشكر في قوله اذكروا نعمتي لأنه بمعنى اشكروا والوفاء بالعهد ظاهر، وكونه لا يخاف إلا الله من حصر الرهبة وإنما قال في الأوّل متضمنة لأنه ليس بصريح بخلاف ما بعده وهو ظاهر. قوله: (إفراد للإيمان بالأمر به الخ (لما أمر أولاً بالوفاء بالعهد والمراد به الإيمان والطاعات كما مر إفرده بعد ذلك بالأمر وفي تكراره حث عليه واشارة الى أنه العمدة المقصود منها. قوله: (وتقييد المنزل بأفه الخ) إشارة إلى أنه حال مقيدة، وما انزلت عبارة عن الكتب السماوية المعهودة وقوله من حيث بيان وتعليل لتصديقه بأنه مطابق لنعمته الواقع فيها ولما لم ينسخ كالقصص والمواعظ وبعض المحرّمات كالكذب والزنا والربا وهذا لا خفاء فيه إنما الخفاء فيما نسخته شريعتنا فبينه بأنه مطابق لها باعتبار أنه كان بمقتضى الزمان ومصالح تلك الأمم وقد انتهى ذلك والشيء ينتهي بانتهاء زمانه فكان البيان الأوّل كان مؤقتا والمؤقت يدل على حدوث خلافه فليس بداء كما يتوهمون، وقوله وفيما يخالفها الخ عطف على قوله في القصص كأنه قيل: مطابق لها فيما يوافقها من القصص الخ وفيما يخالفها من جزئيات الخ ولما كانت المطابقة مع المخالفة مشكلة بحسب الظاهر بين وجهها بقوله من حيث الخ. قوله: (لو كان موسى عليه الصلاة والسلام الخ) خصه لأنه أعظم أولي العزم شريعة وكتابا، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في مسنديهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وسببه أنّ عمر رضي الله عنه استأذنه صلى الله عليه وسلم في أشياء كتبها من التوراة ليقراها فيزداد بها علما وهو يدل على النهي عن قراءتها، وحسب إذا جرى بحرف فتحت سينه والا فهي ساكنة ما لم يضطر شاعر وقيل: عليه ليس معنى الحديث ووجهه ما ذكره والا لم يكن جهة فضيلة له فإنه عام شامل لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن كل نبيّ متقدم لو بقي حيا إلى زمان المتأخر لما وسعه إلا اتباعه لنسخ شريعته بل معناه عموم الرسالة الذي هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلا يسع أحدا بعده إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أنّ عموم الرسالة يقتضي عدم العمل بغير شريعته صلى الله عليه وسلم ووجهه أنّ شريعته أكمل الشرائع المقتضي ذلك لكونها مسك الختام وهو المراد فتأمّل وتنبيه خبر تقييد. قوله: (بل يوجبه ولذلك عرّضى الخ الما فيها من الإعلام به والتصديق له ولما علم من الكلام أنه بطريق التعريض والتلويح لا التصريح اندفع ما قيل: بأنه لو أوجبه لكان حق النظم فلا تكونوا بالفاء التفريعية لا الواو ولذلك ذكر التعريض هنا مع أنه سيأتي في الجواب فافهم. والتعريض أن يذكر شيء والمراد منه شيء آخر كقول المحتاج جئتك لأنظر إلى وجهك الكريم والغرض الاستعطاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 قوله: (بأنّ الواجب أن يكونوا الخ) هو جواب سؤال سيأتي بسطه تقديره كيف جعلوا أوّل من كفر وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب، وكذا ما فائدة التقييد بالآوّلية والكفر منهيّ عنه بكل حال فأجاب بأنه تعريض كنائيّ عبارة عن أنّ الواجب أن يكونوا أوّل من آمن به وأنه بيان لزيادة قبحه وشناعته وتسببه الكفر من بعدهم من أولادهم فنهوا عن أن يستسنوا سنة سيئة فإن قلت: كيف يجب أن يكونوا أوّل من آمن به وقد سبقهم جمع من أهل مكة بين ظهرانيهم حتى قيل: إنه من تكليف ما لا يطاق قلت الأوّلية أمّا بالنسبة لقوم مخصوصين أو مطلقة، وعلى الأوّل لا إشكال فيه لأنّ المعنى أوّل من اليهود أو من غير أهل الكتاب أو من قومكم لأنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم أو أوّل من آمن بما معه من التوراة أو مثل أوّل المؤمنين السابقين أو أنه مشاكلة لقولهم إنا نكون أوّل من يتبعه والمراد آمنوا به هان كان عامّا فهو بمعنى السبق وعدم التخلف كما في قوله تعالى: {إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [سو) ة الزخرف، الآية: 81] أي فأنا أسبق غيري فهو عبارة عن المبادرة والسبق. قوله:) ولأنهم كانوا أهل النظر الخ) عطف على لذلك وهو علة لوجوب الإيمان به والعلم بشأنه لما في كتبهم والاستفتاح طلب الفتح والنصرة عليهم وكانوا يقولون للمشركين سيظهر نبيّ نعته كذا وكذا نقاتلكم معه ونقتلكم {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [سورة البقرة، الآية: 89] والمبشرين بكسر الشين وفتحها، فإن قلت هذا الكلام يقتضي رجوع الضمير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله: فيما سيأتي فإنّ من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدّقه يقتضي رجوعه إلى القرآن والظاهر ما في الكشاف ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه والمستفتحين على الذين كفروا به وكانوا يعدون اتباعه أوّل الناس كلهم فلما بعث كان أمرهم على العكس. قلت العلم بشأن الرسول ومعجزاته المؤذي إلى الإيمان به يقتضي الإيمان بالقرآن لأنه أعظم معجزاته فهذا بيان لحاصل المعنى وفيه إشارة إلى أنّ الإيمان بما أنزل لا يكون بدون الإيمان بما أنزل عليه ولا صعوبة فيه كما توهم مع أنّ عود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم صحيح فيكون في أوّل كلامه إشارة إلى وجه وفي آخره إلى آخر لأنه قيل: إنّ الضمير للقرآن وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم لثبوت ذكره بذكر الإنزال وهو قول أبي العالية، وقيل: لما معكم وهو التوراة فإنّ فيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم وعليه الزجاج. قوله: (وأوّل كافر به وقع خبرا عن ضمير الجمع الخ) إنما أوّله لأنّ أفعل التفضيل إذا أضيف إلى نكرة تجب المطابقة بين تلك النكرة وما جرى عليه أفعل التفضيل تقول هو أفضل رجل وهما أفضل اجلين وهم أفضل رجال لأنه والموصوف واحد بالعدد لأنّ المعنى على تفضيل ذلك الواحد إن فضلوا واحداً واحدا وتفضيل ذينك الفردين إن كان التفضيل على اثنين اثنين وحاصل المعنى في زيد أفضل رجل زيد رجل أفضل من كل واحد واحد من الرجال، وتحقيقه أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى المفضل عليه فإن أريد التفضيل باعتبار الذوات لم يكن بد من أن يكون المضاف إليه متعدد معنى ظاهر الدخول في المفضل عليه كما تقول: زيد أفضل القوم ولو قلت: أفضل قوم لم يستقم إذ لم يعلم دخوله فيه فلهذا وجب أن يكون معرفة، وان أريد التفضيل باعتبار العدد المطابق له أضيف إلى النكرة المقصودة بالعددان واحداً فواح! ، وعلى هذا لو أضيف إلى مجرّد العدد لم يعلم الجنس ولم تمكن الإضحافة إليهما معاً ولو أضيف إلى المعرفة لالتبس بالمعنى الأوّل فأضيف إلى النكرة الدالة على العدد وكان فيه توفير لحق الجنسية لدلالتها عليهما إلا أنّ أحدهما مقصود أصلاً والآخر تبعا وكذا الحكم في أيّ استفهاما وشرطا في الإضحافة إلى معرفة أو نكرة فافهمه فإنه مما اشتبه على كثير فلا بدّ من التأويل أمّا في الأوّل أو في الثاني بأن يقدر موصوف مفرد لفظاً مجموع معنى كفريق أو يؤوّل الأوّل بلا يكن كل واحد منكم بتعميم النفي كما يؤوّل في الإثبات نحو كساني حلة وقيل: لاً نهم لاتفاقهم على الكفر عدوا كشخص واحد أو أن الأصل لا يكن واحد منكم أوّل كافر وقدم تأويل الثاني على الأوّل لأنّ في تأويل الأوّل ارتكاب التأويل قبل الحاجة إليه ولأنه ظاهر في نفي العموم والمقصود عموم النفي فيحتاج إلى تأويل آخر كما قال الشارح المحقق إنه لتعميم النفي وادخال كل بعد اعتبار النفي يعني أصله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 لا يكن واحد منكم ثم أتى بكل، وأورد عليه أنه لا حاجة للجمعية التي هي بتقدير كل فالأولى أنه لعموم السلب بالقرينة كما في قوله: {لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} اسورة لقمان، الآية: 8 ا] فإن قلت كيف صح لا يكن كل واحد أوّلاً وأوّلية واحد منهم تنافي أوّلية الآخر 0 قلت قد عرفت أنّ الأوّلية ليست حقيقية بل بالإضافة أو مؤوّلة كما مرّ وهذا على مذهب الجمهور القائلين بوجوب المطابقة في الوصف. ومن قال بعدم الوجوب لا يؤوّل. قوله:) قلت المراد به التعريض لا الدلالة على ما نطق به الظاهر الخ) فعلى التعريض أوّل الكافرين غيرهم كما أنّ الجاهل في المثال غيره، وكلامه هنا يقتضي أنّ معنى التعريض أنّ أوّل الكافرين المشركون فلا يتبعونهم والتعريض الأوّل هو أنه ينبغي أن يكونوا أوّل جماعة آمنوا لما عندهم من أسباب الأولية والأوّلية فلا تكرار في التعريضين فتأمّل أو أنّ المفضل عليه كفرة أهل الكتارب بقرينة أنّ الخطاب معهم أو يقدر في الكلام مثل وهو ظاهر، وذهب بعضهم إلى تقدير لا تكونوا أوّل كافر وآخره وقيل: أوّل زائد وهو بعيد. قوله: (أو ممن كفر بما معه) فالضمير لما معكم وعلى الأوّل لما أنزلت وما ذكر من أنهم إذا كفروا بما يصدقه فقد كفروا به قيل: عليه إنما يتمّ لو كان كفرهم به أنه كذب كله وأمّا إذا كفروا بأنه كلامه تعالى واعتقدوا أنّ فيه الصادق والكاذب فلا، ولهذا كان هذا الوجه مرجوحا، وقد يتوهم أنه جواب ثالث عن الإشكال المعنوي وليس بذلك لأنهم ليسوا أوّل كافر بالتوراة بهذا المعنى بل المشركون قبلهم وإنما وقع لهم ذلك بعد الكفر بالقرآن اص. ويرد عليه أن كفرهم به لا يتوقف على اعتقاد أنه كذب كله بل إذا اعتقدوا أنّ فيه كذبا لزم الكفر بكله ضرورة أنّ بعضه يصدّق بعضاً وأنه إذا كذب بعضه تطرق لاحتمال إلى الباقي فكيف يصدق ما معهم فالوجه في مرجوحية هذا أنه واقع في مقابلة آمنوا بما أنزلت فيقتضي اتحاد متعلق الكفر والإيمان وأمّا قوله لأنهم ليسوا أوّل كافر بالتوراة الخ فساقط لأنه ليس معناه أوّل كافر بالتوراة مطلقا بل أوّل كافر بها وهي معه وعنده ليس غيرهم كدّلك وهو ظاهر والمراد بالمعية معرفتهم بها وقراءتهم لها وعلمهم بها كما يقال: صاحب كتاب وأهل كتاب، ولذا قيل: معنى كونه معهم اعتقادهم له وإذعانهم لقبوله لا مجرد الاقتران الزماني فيختص بأهل الكتاب ولا يتناول المشركين. من الأعراب فلا يرد ما قاله الفاضل. ورذ أيضاً بأنه لا فرق بين لزوم الكفر والتزامه ومن لزمه الكفر لا يسمى كافراً فمشركو مكة ليسوا كافرين بالتوراة وإن لزمهم الكفر بها من الكفر بالثرآن من حيث لا يدرون بخلاف بني إسرائيل لأنهم بإنكار القرآن التزموا إنكار ما في التوراة. قوله:) أوّل أفعل لأقعل له الخ) قال المرزوقي في شرح الفصيح كان ذلك عاما أوّل لا ينوّن لأنه لا يتصرف في المعرفة والنكرة جميعا لكونه أفعل صفة ولذا كان مؤنثه أولى، وأمّا إجازتهم الأوّلة فلأنهم يستعملونها مع الآخرة كثيراً والحكم على الأوّل بأنه أفعل قول البصريين وفاؤه وعينه واو، وهو نادر مثل ددن والهمزة من الأولى تبدل لزوما والاجتماع وارين الأولى مضمونة وأصله وولى " وقال الدريدي: أوّل فوعل وليس بأفعل فقلبت الواو الأولى همزة وأدغمت وفوعل في عين الكلمة اص. وكون وزنه فوعل إن أراد إذا كان اسماً لأن باب أفعل نادر فله وجه حيحئذ يتخالف وزن الكلمة وإن أراد مطلقا يبطله منع صرفه وقولهم أوّل من كذا وقوله لا فعل له هو قول ومادّته على هذا وول والمراد لأفعل له محقق فإنه يجب تقدير. ومنهم من قال: إنه وأل والأصل أوأل وقيل من آل والأصل فيه ااول فقلبت الهمزة فيه واوا واً دغمت في الواو الأخرى وهو ظاهر، ووأل بمعنى تبادر وآل بمعنى رجع وقوله غير قياسي لأنّ قياسه تخفيفه بالفاء حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذفها. قوله: (ولا تستبدلوا بالإيمان بها الخ) في الكشاف والاشتراء استعارة للاستبدال كقوله تعالى: {اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: 175] وقوله: كما اشترى المسلم إذ تنصرا وقوله: فإني شريت الحلم بعدك بالجهل يعني ولا تستبدلوا بآياتي ثمناً والا فالثمن هو المشترى به وفي شرحه للمحقق يعني استعارة تحقيقية مبنية على تشبيه استبدال الرياسة التي كانت لهم بآيات الله بالاشتراء وجرت في الفعل بالتبعية كما في الآية إلا أنه وقع التعبير عن المشتري بالثمن خلاف ما في الاشتراء الحقيقي فلذا جعل قرينة للاستعارة وجعله في الكشف تجريدا من وجه ترشيحا من آخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وهو غريب في اجتماعهما ولما فيه من الخفاء ذهب أكثر شراحه إلى أنّ المراد أن هذه استعارة لفظية كإطلاق المرسن على الأنف لما أنه استبدال مخصوص استعمل في المطلق لا معنوية مبنية على التشبيه إذ حيئ! ذ تقع الرياسة في مقابلة المشتري والآيات في مقابلة الثمن عكس النظم والتمثيل بالآية في مجرّد إطلاق الاشتراء على الاستبدال، ومنه قيل: يجوز أن يكون من باب القلب في التشبيه كما في قوله إنما البيع مثل الربا وردّ بأنه على تقدير التشبيه لا يكون ههنا إلا تشيه استبدال الرياسة بالآيات بالاشتراء وتشبيه الرياسة لكونها مطلوبة عنده مرغوبة بالمشتري وتشبيه الآيات لكونها مبذولة في مثل الرياسة بالثمن ولم يقع قلب في شيء من التشبيهات الثلاث لأنّ معناه أن يجعل المشبه به مشبهاً بالعكس، فإن قلت فعلى ما ذكرتم فلم عبر عن الرياسة بلفظ الثمن. قلت للإشارة إلى أنها تقتضي أن تكون وسيلة مبذولة مصروفة في نيل المآرب لا مرغوبة مطلوبة ببذل ما هو أعز الأشياء أعني الأيات المضافة إلى من هو منبع كل خير وكمال، وفيه تقريع وتجهيل قويّ حيث جعلوا الأشرف وسيلة إلى الأخس واغراب لطيف حيث جعل المشتري ثمنا بإطلاق لفظ الثمن عليه ثم جعل الثمن مشتري بإيقاعه بدلاً لما جعل ثمنا بدخول الباء عليه ولا يخفى ما في هذا كله من التكلف وجعله مجازا مرسلاً مرشحا كما ذهب إليه أكثر الشراح أقرب الوجوه الثلاثة فإن قيل: الاشتراء بمعنى الاستبدال بالإيمان بها إنما يصح إذا كانوا مؤمنين بها ثم تركوا ذلك لحظوظهم الدنيوية كما في اشتروا الضلالة بالهدى. قيل: مبناه على أنّ الإيمان بالتوراة إيمان بالآيات كما أنّ الكفر بالآيات كفر بالتوراة فيتحقق الاستبدال والاسترذال مأخوذ من التعبير عنها بالثمن كما مرّ ثم إنّ المصنف رحمه الله اختار التعميم لمناسبته لما بعده وذكر تفسرين آخرين على التخصيص. قوله: (بالإيمان وأئباع الحق الخ) ما هو كالمبادي النعم المذكورة لاقتضائها الإيمان واتباع الحق وليست مبادي حقيقية له فلذا أقحم الكاف، والرهبة بمعنى الخوف مقدمة التقوى وعموم الخطاب لجميع أهل الكتاب لأنهم كلهم مأمورون بالإيمان به واطلاق أهل العلم عليهم سابقا بالنسبة إلى من ليس له كتاب فلا ينافي هذا ما مرّ من جعلهم اعلم ونحوه، وقوله أمرهم با أخقوى التي هي منتهاه جعلها منتهى لترتيبها على الخوف كما مرّ ولأنّ لها عر ضعريض هي منتهى باعتبار بعضه وقيل: عليه ليست التقوى مطلقاً منتهى السلوك بل منتهى المرتبة الثالثة منها وفيه نظر. قوله: (عطف على ما قبله واللبس الخ الم يعينه لأنه يجوز عطفه على النهي الأوّل والآخر، ولبس من باب ضرب ولبست عليه الأمر وبى صته بالتشديد فالتبس وفيه لبس ولبس بالضم إذا لم يكن واضحا والباء إمّا صلة أي معدية لأنّ الصلة كما تستعمل بمعنى الزائد تستعمل بمعنى المعدي أو للاستعانة أي لا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها غير واضح بسبب باطلكم، ورجح الأوّل بأنه أكثر ولا داعي للعدول عنه، وإنما قال: وقد يلزمه لأنه ينفك عنه كثيراً وهو توطثة لاستعماله في الاشتباه وإشارة إلى أنه مجاز، ووصف الباطل باختراعهم بيان للواقع والإلباس كما يكون بإدخال ما ليس منه يكون بتأويله وكتمه وقوله والمعنى الخ إشارة إلى أنّ الباء فيه صلة وقوله بسبب إشارة إلى أنها للاستعانة وأخره لأنه مرجوح. قوله: (كأنهم أمروا بالإيمان وترك الضلال) الأمر بالإيمان في قوله وآمنوا وترك الضلال في قوله ولا تشتروا الخ أو المراد به الكفر وأدرجه تحت الأمر لدلالتة عليه وان كان منهياً عنه، والإضلال للغير إمّا بالتلبيس أو الإخفاء وهو ظاهر. قوله: (أو نصب بإضمار أن على أنّ الواو للجمع الخ) عطف على قوله جزم والواو بمعنى مع وتسمى واو الجمع وواو الصرف لأنها مصروف بها الفعل عن العطف لا يقال النهي لما توجه إلى الجمع جوّز أفراد أحدهما بدون الآخر لأنا نقول النهي عن الجمع لا يدل على جواز الإفراد ولا على عدمه وتد يكون ذلك بقرينة وهي هنا عقلية لقبح كل منهما فإن قلت إذا كان كذلك فما فائدة الجمع. قلت: لما كان كل منهما منهياً عنه ثم نهوا عن الجمع دل على أنهم يجمعون بينهم فنعى عليهم الجمع بين فعلين قبيحين، فإن قلت ليس الحق بالباطل ملزوم لكتمان الحق فكيف نهى عن الجمع بينهما. قلت الملازمة بين اللبس والكتمان المطلقين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 واللبس هنا شيء مخصوص وكتمان الحق شيء آخر لا ملازمة بينهما. قوله: (ويعضده أنه في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه الخ) لأنّ الحال مقارنة والمقارنة والمعية بمعنى ولأنها ليست داخلة تحت النهي فيهما وان كان بينهما فرق وقوله وأنتم تكتمون إشارة إلى أنّ الحال المصدرة بالمضارع لا تقترن بالواو " ذا وردت كذلك يقدر المبتدأ ليصح ذلك وفي الكشف إنّ كلام الزمخشريّ يدل على أن المضارع المثبت يجوز أن يقع حالاً مع الواو، وكرّر هذا المعنى في هذا الكتاب وذكره الجوهريّ وغيره وليس للمانع دليل يعتمد عليه، وقد ورد في التنزيل: {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ} [سورة الصف، الآية: 5] وان اعتذرت عن ذلك بأنّ حرف التحضيق أخرجه عن شبه المضارع فلا وجه لاعتراض المعترض اهـ. ومآل المعنى حينئذ كاتمين وجؤز على هذه القراءة عطفها على جملة النهي بناء على جوارّ تعاطف الخبر والإنشاء، وقوله: وفيه إشعار أي في التقييد بالحالية وهو جار في المعية أيضا لأنه نحو فولك لا تسيء إليّ وأنا صديقك القديم ولأنّ الإخفاء إذا كان لمصلحة لا يقبح، وقوله: عالمين الخ إشارة إلى انّ الجملة حالية وأن مقوله مقدر مأخوذ مما قبله وقوله: إذ الجاهل قد يعذر يعني تقييد النهي المقصود منه زيادة تقبيح حالهم. قوله: (يعني صلاة السلمين الخ) يريد أن اللام في الصلاة والزكاة والراكعين للعهد والإشارة إلى المعين، ويجوز أن يجعل للجنس والدلالة على أنّ صلاة غير المسلمين ليست بصلاة من تخصيصهم بها والفروع أعمال الجوارج والأصول الإيمان وقد يعدّ بعض الفروع كالصلاة وبقية الخمسة أصولاً لأنها أعظم شعائره فهي فرع من وجه أصل من آخر فلا ينافي هذا حديث بني الإسلام، وقوله وفيه دليل على أنّ الكفار مخاطبون بها أي بالفروع وهو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وبعض الحنفية وغيرهم يقول ليسوا مخاطبين بها ولا خلاف في عدم جواز الأداء حال الكفر ولا في عدم وجوب القضاء بعد الإسلام وإنما الخلاف في أنهم يعاقبون في الآخرة بترك العبادات زيادة على عقوبة الكفر كما يعاقبون بترك الاعتقاد. قوله:) والزكاة من زكاة الزرع إذا نما الخ) الزكاة في اللغة النماء والطهارة ونقلت شرعا لإخراج معروف فإن نقلت من الأوّل فلأنها تزيد بركته أو لأنها تكون في المال النامي، وان نقلت من الثاني فلما ذكره المصنف رحمه الله، ويثمر مخفف ومشدد وهو لازم وكثيراً ما يستعملونه متعدياً كما هنا قال في شرح المفثاح لتضمينه معنى الإفادة فيه كلام في شفاء الغليل، فانظره. قوله: (أي في جماعتهبم الخ) هذا هو الظاهر حتى استدلّ به بعضهم على وجوب الجماعة والمصنف رحمه الله استدل به على تأكدها وأفضليتها وتظاهر النفوس يعني تقوّيهم على العبادة إذا اجتمعوا وإظهار شوكة الإسلام وكثرته، ويجوز حمل المعية على الموافقة وان لم يكونوا معهم والفذ بالفاء والذال المعجمة المشددة المنفرد وهو: " حديث مرفوع أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ". قوله:) وعبر عن الصلاة بالركوع احترازاً عن صلاة اليهود) فإنها لا ركوع فيها فهو من التعبير عن الكل بالجزء كما تسمى سجودا أو المراد به مطلق الخضوع والانقياد كما في البيت المذكور. قوله: (لا تذل (وروي لا تهين بفتح النون وهو للأضبط بن قريع وهو شاعر أمويّ وقبله: لكل ضيق من الأمورسعه والمساوالصبح لابقاءمعه لاتهين الفقيرعلك أن تركع يوما والدهر قد رفعه وصل حبال البعيد ان وصل الى حبل وأقص القريب إن قطعه واقبل من المدهرما أتاك به من قرّعينابعيشه نفعه قديجمع المال غيرآكله ويأكل المال غيرمن جمعه وعلك لغة في لعلك والركوع يعني الانحطاط عن الرتبة ويلزمه الذلة والخضوع. قوله:) تقرير مع توبيخ وتعجيب الخ) قال المحقق: التقرير عندهم الحمل على الإقرار والإلجاء إليه والتحقيق والتثبيت وكلاهما مناسب هنا وأ أنت قلت للناس تقرير بالمعنى الأوّل بأن يقرّ بأنه لم يقل ذلك وفي قوله: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} [سورة المطففين، الآية: 36] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 بالمعنى الثاني، وأمر الناس بالبر ليس موبخا عليه في نفسه بل لمقارنته بالنسيان المذكور والبر الخير الواسع ومنه البرّ ضد البحر وتناوله كل خير بمعنى إطلاقه عليه لا إرادته منه، وقوله كالمنسيات إشارة إلى أن تنسون استعارة تبعية مبنية على تشبيه تركهم أنفسهم عن الخير بالنسيان في الغفلة والإهمال لأنّ نسيان الرجل نفسه محال، وبررت بالفتح بمعنى أتيت بخير وبالكسر ضد العقوق. قوله: (تبكيت الخ) يعني ليس الحال ههنا أيضاً للتقييد بل للتبكيت وزيادة التقبيح. قوله: (قبح صنيعكم فيصدّكم الخ) يعني أن مفعوله مقدر أو منزل منزلة اللازم واليه أشار بقوله أفلا عقل لكم واستدل بهذه الآية على القبح العقلي ورذ بأنه رتب التوبيخ على ما صدر منهم بعد تلاوة الكتاب فهو دليل على خلافه وفرق بين التوجيه الأول والثاني بحسب المعنى بأن في الأوّل نفي إدراك قبيح الصنيع وفي الثاني نفي إدراك أنه لا ينبغي فعل القبيح مع نفي قوّة هذا الإدراك وقوله والعقل في الأصل الحبس من شد العقال كما أشار إليه القائل: قد عقلنا والعقل أيّ وثاق وصبرنا والصبر مرّ المذاق قوله: (والآية ناعية الخ) أصل النعي رفع الصوت بذكر الموت ونعى عليه شهواته شهره بها قال الأزهريّ: فلان ينعي نفسه بالفواحش إذا شهرها بتعاطيها ونعى فلان على فلان أمرا إذا أظهره ونفسه مرفوع تأكيد للضمير المستتر وسوء صنيعه مفعول ناعية وخبث معطوف عليه، وأنّ فعله فعل الجاهل بناء على تقدير مفعول يعقلون وما بعده على تنزيله منزلة اللازم وفي الصحاج شديد الشكيمة أبيّ النفس لا ينقاد وأصلها الحديدة في فم الفرس، وقوله لتقوم أي لتقوم نفسه بها فيقيم غيره، وقوله لا منع الفاسق عن الوعظ هذا مما تقرّر في الفروع لأن النهي عن المنكر لازم ولو لمرتكبه فإن ترك النهي ذنب وارتكابه ذنب آخر، وإخلاله بأحدهما لا يلزم منه الإخلال بالآخر، وأمّا آية: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} فمخصوصة بسبب النزول وهو أن المسلمين قالوا لو علما أحبّ الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله ذلك، وفيه نظر لأنّ التأويل الجاري في هذه الاية يجري فيها لأنه ليس النهي عن القول بل عن عدم الفعل المقارن له فتأمّل. قوله: (متصل بما قبله الخ (يشير إلى أنّ الخطاب لبني إسرائيل أيضا لا لجميع المسلمين كما قيل: لتفكيك النظم وقوله: والمعنى استعينوا الخ فمعنى الصبر الانتظار أو الصوم لأنه صبر عن المفطرات والاستعانة به لما فيه من كسر الشهوة والتصفية، وأمّا الاستعانة بالصلاة فلما فيي مما يقرّب إلى الله قربا يقتضي الفوز بما يطلب، والأطيبيق الأكل والجماع، وحتى تجابوا متعلق باستعينوا وقوله من الطهارة الخ إشارة إلى ما قال الراغب رحمه الله تعالى من أنّ الصلاة جامعة للعبادات كلها وزائدة عليها لأنها ببذل المال في الساتر ونحوه كالزكاة وللزوم مكان كالاعتكاف وبالتوجه للكعبة كالحج ولذكر الله ورسوله كالشهادتين ولمدافعة الشيطان كالجهاد وللإمساك عن الأطيبين كالصوم وتزيد بالخشوع ووجوب القراءة وغيره وجوّز في الصبر أن يراد به الصبر على الصلاة وسيأتي في كلام المصنف إشارة إليه. قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام الخ (أخرجه أحمد وأبو داود وحزبه بحاء مهملة وزاي معجمة وباء موحدة بمعنى أهمه ونزل به وضبطه الطيبيّ وغيره حزنه كضربه بالنون من الحزن بمعنى أحزنه أي حصل له حزناً، وفي الدرّ المصون قيل الفتحة معذية للفعل نحو شترت عينه وشترها الله وهذا على قول من يرى أن الحركة تعدي الفعل، وقوله فزع إلى الصلاة أي قام لها ملتجئاً إليها قال المبرّد في الكامل الفزع في كلام العرب على وجهين أحدهما الزعر والآخر الاستنجاد والاستصراخ وهو المراد هنا ويكون فزع بمعنى أغاث. قوله: (وإنها أي الاستعانة الخ الما ذكر الصبر والصلاة كان المتبادر أن يقال: إنهما فجعل الضمير إمّا للصلاة أو الاستعانة فإن فسر الصبر بالصبر على الصلاة فرجوع لضمير إلى الصلاة أشبه لأنه مذكورة لفظا وأقرب والمقصود نفسها وإلا فالى الاستعانة ليكون أشمل وما يقال: من أنّ الاستعانة في نفسها ليست بكبيرة لا طائل تحته فان الاستعانة بالصلاة أخص من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 فعل الصلاة لأنها أداؤها على وجه الاستعانة بها على الحوائج أو على سائر الطاعات لاستجرارها ذلك وقوله أو جملة ما أمروا الخ فالضمير راجع إلى المذكورات المأمور بها والمنهيّ عنها ومشقتها عليهم ظاهرة، ولما كان الكبر عظم الأجسام بين أنّ المراد لازمه وهو مشقة حمله وأشار إلى أنه مستعمل بهذا المعنى. قوله: (أي المخبتين الخ) الخبت المطمئن من الأرض ويراد به التواضع والخشوع، والخضوع والخشوع متقاربان بمعنى الضراعة والتذلل وأكثر ما يستعمل في الجوارح والضراعة أكثر ما تستعمل في القلب ولذلك روي إذا ضرع القلب خشعت الجوارح كذا قال الراغب والمصنف رحمه الله، فرق بين الخ! شوع وال! صوع والخشعة بفتحات الرمل المتطأمن أي المنخفض في الأرض. توله: (أي يتوقعون لقاء الله الخ) اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته معاً، ويقال للإدراك بالحس، وملاقاة الله تعالى أمّا رؤيته عند المجوّزين لها واليه أشار المصنف رحمه الله ردّاً على الزمخشري بقوله لقاء الله أو عبارة عن القيامة و. عن المصير إليه أو نيل ثوابه وعقابه وهو معنى قول المصنف رحمه المه ونيل ما عنده وليس تعب يراً تفسيرياً فإن كان بمعنى الرؤية أو نيل ما عنده فالظن بمعناه المعروف إن حمل الرجوع إليه على نيل الثواب أيضا فيكون تأكيدا، ولا يصح حمله على النشور والمصير إلى الجزاء فإنه متيقن فإن فسرت الملاقاة بالحشر والرجوع بمطلق الجزاء أحتاج إلى حمل الظن على اليقين، وأيده بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه تعلمون وبين وجهه بأنّ الظن الاحتمال الراجح والمتيقن كذلك لما فيه من الرجحان فأطلق الظن على المتيقن المستقبل بجامع الرجحان وأن كلا منهما متوقع أي منتظر قبل الوقوع، ومعنى التضمين كونه في ضمنه لا الاصطلاحيّ، وقال قدس سزه: لا نزاع في امتناع لقاء الله على الحقيقة لكن القائلين بجواز الرؤية يجعلونها مجازاً عنها حيث لا مانع، وأمّا من لم يجوّزها فيفسرها بما يناسب المقام كلقاء الثواب خاصة أو الجزاء مطلقا أو العلم المحقق الشبيه بالمشاهدة والمعاينة، فإن حمل الظن على التوقع والطمع فمعنى ملاقاته لقاء الثواب ونيل ما عند الله من الكرامة لظهور أن لا قطع بذلك وان حمل على اليقين أو قرئ يعلمون بدل يظنون فمعناها ملاقاة الجزاء فإنه مقطوع به عند المؤمن لأنّ التردّد في يوم الجزاء كفر لا يصلح أن يذكر في معرضى المدح كما هنا لكن لا يخفى أنّ الرجوع إلى الله المفسر بالنشور أو المصير إلى الجزاء مما لا يكفي فيه الظن بل يجب القطع فعطف قوله: {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [سورة البقرة، الآية: 46] على أنهم ملاقوا ربهم يوجب تفسير الظن بالتيقن البتة اللهمّ إلا أن يقدر له عامل أي ويعلمون مع أنه خلاف الظاهر، وقيل: فيه بحث لأنّ العلاقة في هذا المجاز إن كانت المشابهة كان استعارة ولا وجه له ههنا لأنها إمّا تصريحية أو مكنية فلو كانت تصريحية لاستعمل التيقن مكان الظن وقد عكس هنا ولو كانت مكنية لزمها التخييلية وهي منتفية وهذا عجيب منه فإن الظن مستعمل في التيقن لما مرّ وقد ذكر المشبه فهي تصريحية بلا شبهة وكأنّ النكتة في استعارة الظن المبالغة في إيهام أنّ من ظن ذلك كلا يشق عليه فكيف من تيقنه وقوله لتضمين باللام في نسخة إشارة لوجه التجوّز كما مرّ ووقع في بعض الحواشي بالكاف وقال في معناه كما أنّ إطلاق الظن على التوقع بطريق التضمين لا الحقيقة وفيه نظر. قوله: (قال أوس ابن حجر الخ) قال السيوطي: حجر بفتحتين كما ضبطوه وان اشتهر فيه خلافه، وهذا شاهد لكون الظن بمعنى العلم لقوله مستيقن وهو من قصيدة أوّلها: تنكر بعدي من أمية صائف فبرك بأعلى ثوالب والمخالف قال شارح ديوانه تنكر تغير بنون وكاف وراء مهملة، وبرك بكسر الموحدة وراء مهملة وثولب والمخالف كلها أماكن ومنها بعد أبيات يصف صياداً رمى حمار وحش بسهم: فأمهله حتى إذا أنّ كأنه معاطى يد من جمة الماء غارف فسيرسهماراشه بمناكب لؤام ظهار فهوأعجم شائف فأرسله مستيقن الظن أنه مخالط ما تحت الشراسيف جائف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 أنّ زائدة أي حتى بلغ الحمار هذا الوقت والمعاطى المناول أي حتى اطمأن وصار في الماء بمنزلة المعاطى الذي يتناول منه والمناكب أربع ريشات تكون على طرف المنكب واللؤام عدد ملتئم من الريش فيكون بطن قذة إلى ظهر أخرى والظهار ما جعل من ظهر عسيب الريشة والشائف اليابس ورواه الجوهرفي: فقلب سهماراشه بمناكب ظهارلؤام فهوأعجف شارف قال يقال لهم سهم شارف إذا وصف بالعتق والقدم والظهار ما جعل من ظهر عسب الريشة وقد قيل: إنّ المراد البازي والرواية ما مرّ والشراسيف أطراف الأضلاع تشرف على البطن، وجائف بالجيم أي طاعن إلى الجوف وقيل: في الاستشهاد به نظر لاحتمال أن يريد تيقن ما هو مظنون لغيره. قوله: (والآلم تثقل عليهم الخ (يعني من تمزن على شيء خ! عليه وكذا من عرف فيه فائدة عظيمة كما ترى بعض العمال إذا زيدت أجرته ولذا جعلها النبيّ عليه الصلاة والسلام لاستلذاذه بها: " قرّة عينه " وهو حديث صحيح سيأتي في آل عمران، وقوله: كرّره الخ أي كرر ما ذكر من النداء وما معه للتأكيد وهو ظاهر وتذكير التفضيل أي التصريح به بعدما تقدّم أيضا ضمناً في إنزال الكتب المستلزم لبعثه لرسل منهم عليهم الصلاة والسلام وبين النكتة فيه بناء على أنّ المنعم عليه واحد فيهما لاحتياجه إلى البيان أمّا إن فسرت النعمة السابقة بما أنعم به على الأولاد وهذه بما على الآباء كما اختاره فهو ظاهر فلا يقال: الأولى أن يذكره لأنه مختاره. قوله: (أي عالمي رّمانهم الخ) يعني ليس المراد هنا بالعالمين ما سوى الله ليلزم تفضيلهم على الملائكة وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم وأتته بل أهل زمانهم لأنّ العالم اسم لكل موجود فيحمل على الموجودين بالفعل ولا يتناول من قبلهم ولا من بعدهم ولو سلم عمومه على المعهود في استعماله فلا يلزم التفضيل من جميع الوجوه كما مرّ ومنه علم وجه ضعف الاستدلال به على تفضيل البشر والمقسط العادل. قوله:) وهو ضعيف (يريد أن الاستدلال بالآية ضعيف لعدم ظهوره فلا ينافي أنه مذهب أهل السنة وأنه صحيح في نفسه كما سيأتي. قوله:) ما فيه من الحساب والعذاب) يعني أنه ليس بظرف إذ ليس المقصود الاتقاء فيه بل مفعول به واتقاؤه بمعنى اتقاء ما فيه إتا مجازاً بجعل الظرف عبارة عن المظروف أو كناية عنه للزومه له والاتقاء يقع على معه محذور، سواء كان فاعل الضرر أو وقته أو سببه فيقال: اتق زيداً واتق ضربه واتق يوما يجيء فيه فليس تفسيره بما فيه لأنه ليس حقيقة بل لأنّ الاتقاء من هذا الزمان لا يمكن لأنه آت لا محالة فالمقدور له اتقاء ما فيه بالعمل الصالح، والمراد بالحساب قيل: حساب المناقشة لا حساب العرض لأنه واقع لا محالة وفيه نظر. قوله: (لا تقضي عنها شيئاً الخ (جزى يكون معتلا ومهموزاً ومعناه على الأوّل قضى وهو متعذ بنفسه لمفعوله الأوّل وبعن للثاني فنفساً منصوب بنزع الخافض أي عن نفس وشيئا مفعول به أو مفعول مطلق قائم مقام المصدر أي جزاء ما وعلى الثاني يكون معناه تغني، وهو لازم فشيئا مفعول مطلق لا غير ويرد متعدّيا بمعنى كفى، وقيل: إنه غير مناسب هنا وفيه نظر. قوله: (وإيراده منكر الخ) أي تنكير شيء ونفس الدال على العموم في الشافع والمشفوع له وفيه ليفيد اليأس الكتي إلا من رحمه الله وهذا اليأس إن كان يأس بني إسرائيل المخاطبين فلا كلام فيه وان كان عافا فإما أن يفسر بظاهر النظم اعتماداً على ما بعده فيؤوّل بتأويله أو للتخويف فإن المغني في الحقيقة هو الله فلا يرد عليه أنه تبع فيه الكاف وهو مذهب المعتزلة المنكرين للشفاعة في العصاة كما سيأتي فإنهم استدلوا بهذه الآية. قوله: (ومن لم يجوّز حذف العائد المجرور الخ (يعني به الكسائيّ رحمه الله والمجوّز سيبويه والأخفش وليس عدم التجويز مطلقاً بل فيما لم يتعين فيه حرف الجرّ ويصير بعد الحذف ملتبسا وإلا فقد اتفقوا على جوازه في قوله تعالى: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [سورة الفرقان، الآية: 60] أي تأمرنا به أي بإكرامه فلا حاجة في الحذف حينئذ إلى الإجراء مجرى المفعول به كذا في الرضي وقد جوّز فيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير يوم لا تجزي فحذف المضاف وهو بدل من يوما الأوّل وهذا على مذهب الكوفيين، وقوله: أم مال أصابوا هو من شعر قال ابن الشجري: إنه للحرث بن كلدة يعاتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 بني عمه على أنهم لم يجيبوا كتابا أرسله لهم وقال غيره إنه لبعض الإعراب وأوّله: ألا أبلغ معاتبتي وقولي بني عمي فقدحسن العتاب وسل هل كان لي ذنب إليهم همومنه فاعتبهم غضاب كتبت إليهموكتبا مرارا فلم يرجع إليّ لهم جواب فما أدري أغيرهم تناء وطول العهدأم مال أصابوا فمن يك لا يدوم له وفاء وفيه حين يغترب انقلاب فعهدي دائم لهمو وودّي على حال إذ! شهدوا وغابوا وانما قال أم مال أصابوا لأنّ الغني في أكثر الناس يغير الإخوان على الإخوان كما قال أبو الهول في صديق له أيسر فلم يجده كما يحب: لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة فأصبحت فيها بعد عسرأخا يسر لقدكشف الإثراء منك خلإئقا من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر وهذا معنى قوله تعالى في الحديث " إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ". قوله: (أي من النفس الثانية الخ) يشير إلى أنّ المختار أن يرجع الضمير إلى النفس العاصية ليلاً ثم قوله ولا هم ينصرون فإن الضمير فيها للنفوس العاصية وكذا لا يؤخذ منها عدل على الأظهر وليوافق ما ذكر في موضع آخر ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولأنه حيث أريد هذا المعنى أضيفت الشفاعة مثل فما تنفعهم شفاعة الشافعين، وما يقال: في ترجيح الوجه الثاني إن المقصود نفي أن يدفع أحد عن أحد فنفى جميع ما يتصوّر في ذلك من الطرق أعني الإعطاء لنفس الحق وهو الجزاء، أو بدله وهو الفدية أو ترك الإعطاء مع اللطف وهو الشفاعة أو القهر وهو النصرة غايته أنه لم يراع في الذكر الترتيب وغير في طريق النصرة الأسلوب حيث لم يقل: ولا هي أي النفس الجازية تنصرها أي المجزية مردود وكذا ما قيل: من أنه إشارة إلى أنّ هذا الطريق يستحيل بحيث لا يصح أن يسند إلى أحد وأنه لا خلاص لهم بهذا الطريق البتة لما في تقديم المسند إليه من تقوي الحكم مردود بأنّ المقصود بسوق الآية نفي اندفاع العذاب وعدم الخلاص لأنه المناسب لوجوب الاتقاء وإنما نفي الدافع بالعرض مع أنّ عود لا يؤخذ منها إلى الثانية في غاية الظهور، وحمل ولا هم ينصرون على ما ذكر تكلف نعم لو قيل: إنّ القبول أو عدمه إنما يكون حقيقة من الشفيع لا المشفوع له لكان شيئا اص. وهذا يرد على قول المصنف رحمه الله وكأنه أريد بالآية نفي الخ لكنه دفع بأنّ الآية نزلت لإقناط اليهود من أنّ آباءهم يخلصونهم فالمقصود من سياقها نفي الدفع لا الاندفاع وكون ضمير لا يقبل منها شفاعة رجوعه للأولى غير ظاهر ليس كذلك بل أظهر، وأمّا ما ذكره من تغيير الأسلوب وما معه فجار على قواعد المعانيئ لا تكلف فيه مع أنه لا يرد على المصنف بوجه لأنه أشار لمرجوحيته بتأخيره وتصديره بكأنه، فمن جعله اعتراضاً عليه ألزمه ما لم يلتزمه وإنما هو وارد على الكشف (وبقي وجه ثالث) اختاره الكواشي وهو رجوع الضمير الأوّل إلى النفس الأولى والثاني إلى الثانية على اللف والنشر ولا تفكيك فيه لاتضاحه، وقال الطيبي رحمه الله: أنه من الترقي ولذا اختير تفسير تجزي بتقضي لابتغني كأنه قيل: إنّ النفس الأولى لا تقدر على اسنخلاص صاحبتها من قضاء الواجبات في تدارك التبعات لأنها مشتغلة عنها بشأنها ثم إن قدرت على نفي ما كان بشفاعة لا يقبل منها وان زادت عليه بأن ضمت معها الفداء فلا يؤخذ منها وان حاولت الخلاص بالقهر والغلبة فأنى لها ذلك اهـ. ولا يرد عليه أنه يأباه تأخير الشفاعة في نظيره وأنّ مساق الآية يأباه مع ما فيه لظهور سقوطه، وكون الشفيع مأخوذا من الشفع ظاهر. قوله: (يمنعون من عذاب الثه تعالى والضمير الخ) أصل معنى النصر المعونة وهي تكون بدفع الضرر كما هنا ولما أرجع الضمير إلى النفس الثانية وهي واحدة مؤنثة أشار إلى أنه ليس عائداً إلى النفس المنكرة من حيث كونها لعمومها بالنفي في معنى الكثرة كما قيل: بل إلى ما تدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 هي عليه من النفوس الكثيرة حتى إنّ هذا يكون من قبيل ما تقدم ذكره معنى بدلالة لفظ آخر ثم استشعر أنه لما عاد الضمير إلى النفوس كان المناسب هن لا هم فأجاب بأنه لتأويل النفوس بالعباد أو الأناسيّ كما تقول ثلاثة أنفس بالتاء مع تأنيث النفس لتأويل الأنفس بالأشخاص أو الرجال. قوله: (وقد تمسكت المعتغية بهذه الآية على نفي الشفاعة الخ) خصه بأصحاب الكبائر لأنه محل النزاع ولا خلاف في قبول الشفاعة للمطيعين في زيادة الثواب ولا في عدم قبولها للكفار، ووجه الاستدلال ما فيها من العموم كما مرّ وكون الخطاب للكفار والآية نازلة فيهم لا يدفع العموم المستفاد من اللفظ وقد دفع بأنّ مواقف القيامة كثيرة وزمانها واسع ولا دلالة في الكلام على عموم المواقف والأوقات، ولو سلم فقد خص شيء بالواجب من فعل أو ترك، وشفاعة بالشفاعة للكفار وأهل الكبائر حيث قبلت للمؤمنين في زيادة الثواب مع شمول اللفظ إياها نظراً إلى نفسه والعام الذي خص منه البعض ظتي فيخص بغير أهل الكبائر ونحوه وبي بعض الحواشي أنّ القاضي أجاب عنه بأنّ النصرة منع مع قوة فلا يلزم من نفي النصرة نفي من ينفعهم على طريق آخر وأورد عليه أنّ الاستدلال بقوله: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} لا بقوله: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} ونحن لا نجد في تفسير القاضي سوى أنّ الآية مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الثفاعة لأهل العبائر. قوله: (تفصيل لما أجمله الخ) الظاهر من التفصيل ذكر جملة أقسامه وهنا أريد ذكر أعظم أنواعه وعطفها على الكل اعتناء بشأنه حتى كأنه مغاير له ولذا قيل: الأولى أنه معطوف على {أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} وأنه مبدأ التفضيل، وقوله: وأصل آل الخ كون أصله أهل قول البصريين واستدلّ له بتصغيره على أهيل ورذ بأنه تصغير أهل وا! إبدال الهاء ألفا أو همزة ثم ألفاً لم يعهد في الكثير، والجواب بأن الأهل مؤنث لا ينتهض لأنّ المبدل كذلك بل الجواب أنه لم يسمع أويل وسمع أهيل ولو لم يكن أصله كذلك لوجد مصغره فإنه مما يصغر في الجملة، ولا يرد أن اختصاصه بأولى الأخطار يمنعه فإنه قد يرد للتعظيم ويكون للتقليل وهو لا ينافي الشرف مع أنه قد يكون وضيعا بالنسبة لغيره والتعظيم إنما هو للمضاف إليه، وقال الكسائي رحمه الله: أصله أول قال: وسمعنا أعرابيا فصيحا يقول: أويل في تصغيره ولا داعي لقول ثعلب فله أصلان لمعنيين وعن غلام ثعلب الأهل القرابة كان لها تابع أولاً والآل القرابة بتابع والاشتقاق مع الثاني لأن الرجل يؤول إلى أهله فهو أخص من الأهل ولذا لم يستعمل إلا في الإشراف وقلة استعمال مصغره للا؟ خفاء بأهيل عنه ولأن تصغير التعظيم فرع التحقير وقد امتنع والأصل أن يكون لكل مجاز حقيقة وأن لم يجب، وقيل: إنه جرى فيه تخصيصان من حيث إنه لا يضاف إلى البلاد والحرف ونحو ذلك فلا يقال آل مصر وآل الإسلام وآل البيت وآل التجارة كما يقال: أهلها ولا يضاف من العقلاء إلا لمن له خطر ما قبيح دينيا أو دنيويا وزاد بعضهم اشتراط التذكير فلا يقال آل فاطمة فإن أرادوا أنه أكثري فمسلم والا فقد ورد في كلام العرب على خلافه فأضافوه إلى الضمير والظاهر غير العاقل كقوله: وانصر على آل الصلب! ب وعابديه اليوم آلك و ال الفرزدق: نجوت ولم يمنن عليك طلاقة سوى زيد التقريب من آل أعوجا وأعوج فرس مشهور وأضافه عمرو بن أبي ربيعة إلى مؤنث فقال: أمن آل نعم أنت غاد مبكر وقال الأخفش: سمع آل المدينة وأهل المدينة، وهذا كله مما ذكره الثقات فإن قلت كيف يخص بالإضافة وهي لا تلزمه كما يقال: هم خير آل قلت: المراد أنه إذا أضيف لا يضاف إلا إليهم أو المراد بالإضافة اللغوية وهي الانتساب وفي الدرّ المصون هو من الأسماء اللازمة ل! ضحافة معنى لا لفظا، وفيه نظر. قوله: (وفرعون الخ) العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ ابن سام بن نوح قيل: ويشبه أن يكون مثل فرعون وقيصر وكسرى في هذا المعنى بعدما كان علم شخص صار علم جنس، ولذا منع من الصرف ولكن جمعه باعتبار الإفراد مثل الفراعنة والقياصرة وإلا كأسرة يدل على أنه علم شخص يسمى به كل من يملك ذلك وضعا ابتدائياً وفيه أنه يقتضي أن علم الجنس لا يجمع وليس كذلك لأنه يقال في أسامة أسامات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 كما صرحوا به ولم يقل إنه نكر فصار بمعنى مسمى بهذا الاسم لأنّ مغ صرفه وتعريفه يناقيه فتأمل. قوله) ولعتوّهم اشتق منه تقر عن الرجل إذا عتا وتجبر) وفي الكشاف ومن ملح بعضهم: قد جاءه الموسى الكلوم فزاد في الخ يعمي نفسه وهكذا دأبه في الكشاف إذا ذكر شيئاً من كلام نفسه وقد روينا في ديوانه في وصف ختان قوله: في عصرنالبنيك فضل باهر ما نال أيسره بنو أيامه طهرتهم فرعاً كماطهرتهم أصلاً فحازوا طهرهم بتمامه وأخو الكتابة لا يجوّد خطه حتى ينال القط من أقلامه والكرم ليس ينال حسن نموّه إلا على التنقيح من كزامه والورد ليس يفوح طيب ريحه إلا إذا انفصمت عرا أكمامه وكتابك المختوم ليس! بواضح معناه إلا بعد ففئ! ختامه وأخو اللطام عن الذراع مشمر فالكمّ يشغله أوان لطامه وابن الوغى مالم يسل حسامه عن غمده لم ينتفع مجسامه قد جاءه موسى الكلوم فزاد في أقصى تفر عنه وفرط عرامه كلموه وهويريدأن يقتص منه شيءبرئ من قصاص كلامه والموسى ما يحلق به من أوسى رأسه حلقه فعلى ويؤنث والكلوم فعول من الكلوم وهو الجرح، ولو قال الكليم لكان إيهامه أقوى، وفي الأساس تفر عن النبات قوى والعرام بالمهملة المضمومة الشدة وهذا كناية عن الختان وبه النموّ والقوّة وقدسها فيه بعضهم فقال: إنه كناية عن حلق العانة وخص من الفراعنة اثنين لشهرتهما ووقوعهما في التنزيل، وقوله: وكان بينهما أي بين الفرعونين أو موسى ويوسف وكون اسمه الوليد هو المشهور ولا وجه لتعيين أحدهما، وقوله: وقرئ أنجيتكم قيل: الذي في الكشاف قرئ أنجيناكم ونجيتكم فالظاهر أنّ ما في الكتاب تحريف منه وفيه نظر لأنه ذكره غيره أيضاً. قوله: (يبغونكم الخ) أصل السوم الذهاب للطلب ثم إنه استعمل للذهاب وحده مرّة وللطلب أخرى وهو المراد وجعله كبغى متعديا لمفعولين وقد يتعديان لواحد، والخسف بمعنى الإهانة والذل. قوله: (أفظعه فإنه الخ) أفظعه بمعنى أقبحه وأشده، ولما كان في إضافة سوء إلى العذاب إيهام أ! ، منه ما ليس بسوء فسره بما ذكر والتفضيل مأخوذ من إطلاق المصدر عليه وجعل ما عداه بالنسبة إليه كأنه ليس بسوء. قوله:) حال من الضمير في نجيناكم الخ (كون الحال من شيئين خلاف الأصل وليس هذا من التنازع حتى يقال: إنه لا يجري في الحال إذ لا يلزم هنا تعدد العامل في الحال لأن آل فرعون وان كان معمول من بحسب الظاهر لكنه معمول نجيناكم بواسطة من في الحقيقة. قوله: (بيان ليسومونكم الخ) قد جوّز في هذه الجملة الحالية والبدلية والاستئناف، وما ذكره المصنف رحمه الله هو الوجه الأخير كأنه قيل: ما الذي ساموهم إياه فقال: {يُذَبِّحُونَ} الخ، وأما قوله في المغني أنّ عطف البيان لا يكون جملة فلا ينافيه لأنه ليس عطف بيان اصطلاحي مع أنّ أهل المعاني لا يسلمونه، وأمّا ما وقع في سورة إبراهيم بالعطف فلأنّ البيان قد يعذ لكونه أوفى بالمراد كأنه جنس آخر فيعطف لهذه النكتة أو يفسر سوم العذاب فيها بالتكاليف الشاقة عليهم غير الذبح والقتل فيتغايران ويلزم العطف، فإن قلت على الأوّل لم اعتبرت المغايرة هناك ولم تعتبر هنا قيل: السز فيه أنه وقع قبله وذكرهم بأيام الله ويقتضي التعداد والتفصيل وما هنا ليس كذلك، وما ذكره عن فرعون ورؤياه رواه ابن جرير وكان رأى ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على مصر وأحرقتها فعبروه بمولود يفعل ذلك فأمر بما فعل وكان أمر الله قدراً مقدورا، ومعنى: {يَسْتَحْيُونَ} يبقون في الحياة أي يذبحون الأبناء دون الإناث. قوله: (محنة إن أشير الخ) يعني البلاء مطلق الاختبار فيكون بالمحبوب والمكروه فذلكم أن أشير به إلى صنيع قوم فرعون من السوم وما معه فبلاء بمعنى محنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وان أشير به إلى الإنجاء فنعمة وإن أشير به إلى مجموع ما ذكر فالبلاء شامل لمعنييه، وكذا قوله في تفسير من ربكم إشارة إلى هذه الوجوه الثلاثة ووجه التنبيه المذكور ظاهر والمختبرين بفتح الباء. قوله: (فلقناه الخ) في باء بكم أوجه أوّلها الاستعانة والتشبيه بالآلة فتكون استعارة تبعية في معنى باء الاستعانة واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله حتى حصلت فيه مسالك بسلوككم فيه وهو تكلف والثاني السببية الباعثة بمنزلة اللام وإليه أشار بقوله أو بسبب إنجائكم، والثالث المصاحبة فيكون ظرفاً مستقرّاً واليه أشار بقوله أو علتبسا بكم كما في البيت المذكور وهو لأبي الطيب المتنبي من قصيدة وقبله: ! أنّ خيولناكانت قديما تسقي في قحوفهم الحليبا فرّت غيرف ط فرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا يصف خيله بأنها ألفت الحروب فلا تنفر من القتلى وأنها كرام كانت تسقي الحليب لأنّ العرب كانت تسقيه الجياد منها خاصة والتريب عظام الصدور واحدتها تريبة وقوله فرّقنا على بناه التكثير فيه نظر يعلم مما مرّ في نزلنا. قوله:) أراد به فرعون وقومه (يعني أنه كنى بآل فرعون عن فرعون وآله كما يقال: بني هاشم وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء، الآية: 70] بمعنى هذا الجنس الشامل لآدم، وقوله: واقتصر الخ هذا وجه آخر لأنهم إذا عذبوا بالإغراق كان مبدأ العناد ورأس الضلال أولى بذلك فالظاهر عطفه بأو وقوله: وقيل الخ يعني أن آل هنا بمعنى شخص وهو ثابت في اللغة ولكنه ركيك إذ لا حاجة إليه. قوله:) ذلك أو غرقهم الخ) الإشارة بذلك إلى جميع ما مرّ، والطرق اليابسة بيان للواقع إذ لا دلالة للنظم عليه ثم إنه بين الوجه الأخير بما روي والبحر المذكور هو القلزم وقيل النيل، وكوى بكسر الكاف وضمها جمع كوّة. قوله:) واعلأ أنّ هذه الواقعة الخ) يشير إلى أنّ قوم موسى عليه الصلاة والسلام مع ما ظهر لهم من الآيات المحسوسة صدر منهم ما صدر وقوله فهم في معزل في الفطنة الظاهر عن الفطنة وحسن الاتباع مبتدأ خبره مع أن الخ، وهو إثبات لفضل هذه الأمة عليهم إلا أنّ معجزاته عليه الصلاة والسلام ليست كلها نظرية بل منها محسوسات كثيرة كنبع الماء وتكثير الطعام وشق القمر إلى غير ذلك فلعل المصنف رحمه الله لا يسلم تواترها، وإنما كان إخباره بهذا معجزاً لأنه من الغيب إذ هو لم يقرأ الكتب فيطلع عليها، وفي قوله: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} وتجوّز أي وآباؤكم ينظرون فجعل نظر آبائهم لتيقنه كالمحسوس. قوله: الما عادوا إلى مصر الخ (تبع في هذا الكشاف، وعود موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل لم يذكره أحد قال بهاء الدين بن عقيل في تفسيره: لم يصرّج أحد من المفسرين والمؤرّخين بأنهم،. خلوا مصر بعد خروجهم منها وإنما كانوا بالشأم ولم يأت موسى عليه الصلاة والسلام للميعاد إلا بطور سينا وهو من أرض الشام لا مصر وقال ابن جرير: إنّ الله أورثهم أرضهم ولم يردّهم اليها وإنما جعل مسكنهم الشأم. قوله: (وعد الله موسى عليه الصلاة والسلام أن يعطيه التوراة الخ (ضرب بمعنى عين والفرق بين الميقات والوقت الميقات ما قدر ليعمل فيه عمل والوقت أعمّ كذا أنّ في مجمع البيان أمره بأن يصوم ذا القعدة وعشر ذي الحجة ويجيء على الطور فذهب واستخلف هارون عليه الصلاة والسلام على بني إسرائيل ومكث في الطور أربعين ليلة وأنزلت عليه التوراة في ألواح من زبرجد وكانت المواعدة ثلاثين ليلة ثم تمت بعشر كما في سورة الأعرأف وهو بحسب الآخرة أربعين وقوله: لأنها غرر المشهور علة لتخصيص الليلة بالذكر. قوله: (لآنه تعالى وعده الوحي ووعده موسى عليه الصلاة والسلام المجيء الخ الما كانت المواعدة مفاعلة من الجانبين بينها بأنّ الله تعالى وعده الوحي وموسى عليه الصلاة والسلام المجيء للميقات وكثيراً ما يسلك الزمخشرقي هذه الطريقة أعني جعل المفاعلة بالنسبة إلى كل من المتشاركين شيئاً آخر وعلى تقديره فأربعين ظرف وحينئذ هل المناجاة كانت فيها كلها أو في أوّلها أو في العشر الأخير منها أو بعد انقضائها على ما في الأعراف، واستشكل بأن أربعين إما مفعول فيه، اً وبه لا سبيل إلى الأوّل لأن المواعدة لم تقع فيها ولا الثاني لأنه بدون تقدير لا معنى لمواعدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 نفس الزمان. وعلى تقدير مضاف فإمّا أن يقدر الأمران ولا نظير لتقدير مضافين في العربية لشيء واحد مثل أخذت زيداً أي ثوبه وفرسه أو واحد منهما ولا يصح لأن المواعدة لم تتعلق به فقط لأن الوحي موعود من الله لا من موسى عليه الصلاة والسلام والمجيء بالعكس، وإنما يصح في قراءة وعدنا أي وحي أربعين الخ وأجيب بوجهين: أحدهما أنه على حذف مضاف يكون مت الجانبين وينحل إلى الأمرين أي ملاقاة أربعين والملاقاة من الله للوحي ومن موسى عليه الصلاة والسلام للاستماع، وثانيهما: أنه. على اعتبار التفكيك في وعدنا إلى فعلين متعلق كل منهما بشيء أي وعدنا وحي أربعين ووعدنا موسى مجيئها نحو بايع الزيدان عمراً أي باع زيد من عمرو متاعه وباع صاحبه منه متاعه وان لم يكن هناك مفاعلة واعترض بأنّ الملاقاة لا تصمح من الجانبين ولو سلم فيعود الكلام إلى تعلقهما بأربعين ويبطل ما ذكره من كون الموعود هو الوحي والمجيء واستماعه وما أورده نظيراً للتفكيك لا يصح فإنه إنما ينفك إلى بايع زيد عمراً وبايع رجل آخر عمرا، كما تقول ضرب الزيدان عمراً، والكلام في أن يتعلق فاعل بفاعله ومفعوله على أن يكون الصادر من كل منهما شيئاً آخر مثل بايع زيد عمراً بأي يبيع زيد شيئا وعمرو شيئا وليس كذلك بل معناه أن يصدر عنهما دفعة مقاولة ومشاركة في البيع والشراء بأن يبيع واحد ويشتري آخر، وأجيب بأن المراد الملاقاة بين موسى وملائكة الوحي عليهم الصلاة والسلام أو بيته وبين ما يشاهده من الآثار واستماع الكلام ونحوه وتعليقها بأربعين بأن تقع في جزء منها أو ما هو بمنزلة الجزء كما بعده من غير تراخ وما ذكر من كون الموعود الوحي والمجيء والاستماع حاصل المعنى لا بيان الإعراب والمناقشة واهية نعم التفكيك وتنظيره ليس بشيء وقد يجاب بأن أربعين مفعولاً فيه تحقيقا أو توسعا والمفعول به متروك، أي جرى بينه وبين موسى عليه الصلاة والسلام مواعدة متعلقة بالأربعين بأن تقع في جزء منها تحقيقا أو تقديراً وهو لا ينافي أن يكون الموعود من كل جانب شيئا آخر، وذلك أن المواعدة لا تقتضي إلا أمرا واحداً مشتركاً بين الفاعل والمفعول الأول مثل واعدت زيداً القتال أو أمرين لكل واحد منهما تعلق بالطرفين مثل واعدته الإكرام وواعدني القبول ولا يصح الاقتصار على واعدته الإكرام لأنّ المواعدة تقتضي التعدد من الوعد، وللمفاعلة استعمال آخر شائع وهو أن يكون من أحد الطرفين فعل ومن الآخر مقابله مثل بايعت زيداً على أن منك البيع ومنه الشراء فيصح واعدنا موسى عليه الصلاة والسلام الوحي وواعد موسى عليه الصلاة والسلامء المجيء وهو تفكيك بلا تقدير ولا إشكال فيه وفيه نظر لأنّ المواعدة لم تقع في الأربعين تحقيقا ولا تقديراً بل قبلها ولأنّ الإشكال في أنه كيف يصح واعدته الإكرام وواعدني القبول من غير أن يكون في الأول منه وعد، وفي الثاني منك قبول وهو مقتضى المفاعلة، فالظاهر وعدته ووعدني ففاعل بمعنى فعل والكلام في أنه على أصله واختلافه من الطرفين يضره مثل جاذبته الثوب والعنان فإن أربد أن المعنى عليه من غير تقدير مفعول فهو المعنى الأوّل ولعل أربعين مفعول به باعتبار ما يليق من الأحوال الصالحة لتعليق الوعد به فيكون من الطرفين وعد إلا أنه من الله الوحي وتنزيل التوراة ومن موسى عليه الصلاة والسلام المجيء والاستماع وكذا الكلام في أمثاله واما أن يذكر المفعول الثاني مثل جاذبته الثوب ونازعته الحديث ويراد تعليق الفعل في كل من الطرفين بشيء آخر أو يطلق فاعل ويراد من طرف أصل الفعل ومن طرف مقابله فأنا بريء من عهدته هذا زبدة ما ذكره الشارح المحقق ولا عطر بعد عطر عروس إلا أنّ إنكاره المفاعلة بأن تكون من طرف فعل ومن آخر قبوله الذي ارتضاه كثير ومثلوه بعالجت المريض وغيره بتنزيل القبول منزلة الفعل حتى كأنه وتع من الطرفين لا يسمع منه مع وروده في كلام العرب وتصريح الأئمة به وتخريجه على أحسن وجوه القبول وفي شواهد امرئ القيس: فلما تنازعنا الحديث واسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال مع أنّ ما ارتضاه ليس ببعيد منه فتأمل، وفي الدر المصون قال الكسائيّ واعدنا موسى عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 الصلاة والسلام إنما هو من باب الموافاة وليس من الوعد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم كدّا وموضع كذا، وقال الزجاج: واعدنا بالألف جيد لأنّ الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة فمن الله وعد ومن موسى عليه الصلاة والسلام قبول واتباع فجرى مجرى المواعدة وكذا قال مكيّ رحمه الله. قوله: (من بعد موسى عليه الصلاة والسلام أو مضيه (وفي نسخة أي مضيه يعني أنّ الضمير راجع لموسى عليه الصلاة والسلام من غير تقدير مضاف اكتفاء بقرينة الاستعمال فإن الشخص إذا مات يقال: بعد فلان من غير تقدير أو يقدر والمعنى واحد، وقيل: عليه إنّ اتخاذ العجل إلها من بعد موسى عليه الصلاة والسلام يقتضي أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام متخذاً إلها قبل ذلك كما لا يخفى على العارف بسياق الكلام فلذا اقتصر في الكشاف على التوجيه الثاني انتهى. ولا يخفى أن بعد ومن بعد إذا تعلق يفعل ونحوه فقد يراد البعدية في اعتلبس به ولا يقدر فيه مضاف لأنه مفهوم من فحوى الكلام كما إذا قلت: جاء زيد بعد عمرو والمقصود تعاقبهما في المجيء، وكقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً} ، وقد لا يراد ذلك ولا يصح نحو سافرت إلى المدينة بعد مكة وقد لا يقصد وان صح لكون المقام لا يقتضيه لصرف القرينة عنه فهو اتخذوا المحاريب بعد النبيّ عليه الصلاة والسلام فالمراد بعد وقوع ما أضيف إليه فانظر إلى ما يليق بكل مقام، ولا تلتفت إلى خرافات الأوهام وقيل: معناه إنّ الضمير إما أن يرجع إلى موسى عليه الصلاة والسلام وحينئذ يقدر مضاف أو إلى مضيّ موسى عليه الصلاة والسلام المفهوم من فحو! الكلام والها مفعول اتخذ المحذوف لقيام القرينة إذ لا يذم على مجردة وقوله بإشراككم تفسير للظلم إذ قد يراد به الشرك والعفو المحو وأصل معناه اندراس آثار الديار بالبلى. قوله: (لكي تشركوا الخ) عدل من قول الزمخشري إرادة أن تشكروا لأنه مبنيّ على الاعتزال وجواز تخلف إرادة الله إذ الشكر لم يقع منهم فإن وقع التفسير بنحوه من أهل السنة فالمراد بالإرادة مطلق الطلب ولا نزاع في أنّ الله تعالى قد يطلب من العباد ما لا يقع. قوله: (يعني التوراة الجامع الخ) إذا كان الكتاب والفرقان واحداً وهو التوراة فالعطف لأن تغاير الصفات كتغاير الذات يصح فيه العطف كما مر في قوله: إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم وإن فسر بما يغايره كالمعجزات فهو ظاهر وان فسر بالنصر الفارق بين المتقابلين وهو هنا بانفراق البحر فلا كلام أيضاً. قوله: (باتخاذكم العجل الخ) فإن قلت اتخذ مما أبدل فيه الهمزة تاء كما في ائتمن وهي لغة رديئة كما سيأتي، قلت قال ابن النحاس: إن اتخذ مما أبدل فيه الواو تاء لأنّ فيه لغة يقال: وخذ بالواو فجاء على هذه اللغة، وقال الفارسيّ رحمه الله: إنّ التاء الأولى أصلية لأن العرب قالوا اتخذ بكسر الخاء بمعنى أخذ قال تعالى: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} اسورة الكهف، الآية: 77] وتخذ يتعدى لواحد وقد يتعدى الاثنين. قوله: (فاعزموا على التوية الرجوع الخ) توية بني إسرائيل إما أن تكون الرجوع والقتل مغاير لها فالعطف بالفاء ظاهر واما أن تكون الرجوع والقتل متمم لها وحينئذ لا إشكال أيضا إلا أنه قيل: إنه مجاز لإطلاق التوبة على جزئها، كما أنها في الأوّل مجاز وإما أن تكون جعلت لهم عين القتل فيؤوّل تويوا ئاعزموا ليصح التفريع ومنهم من جعله تفسيراً، وهو قد يعطف بالفاء. قوله: (بريئاً من التفاوت) يشير إلى أنّ الباركأ أخص من الخالق كما في هو الله الخالق البارى المصوّر وفي الكشاف البارى هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} [سورة الملك، الآية: 13 ومتميزا بعضه من بعض بالإشكال المختلفة والصور المتباينة فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف حكمته على الإشكال المختلفة أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر التي هي مثل في الغباوة والبلادة في أمثال العرب أبلد من ثور حتى عرضوا أنفسهم لسخط إلله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم وينثر ما نظم من صورهم وأشكالهم حين لم يشكروا النعمة، وقال الطيبي: معنى التفاوت عدم التناسب فكان بعضه يفوت بعضاً ولا يلائمه ومعنى التمييز التفريق فاليد متميزة عن الرجل لكن ملائمة لها من حيث الصغر والكبر والغلظ والدقة كقوله: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [سورة طه، الآية: 50] انتهى. فالتمييز بين الأعضاء بعضها من بعض فمن قال إنّ قوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 مميزاً بعضها في أكثر النسخ ولا؟ خفى ما فيه والأولى ما في بعض النسخ بعضكم لم يات بشيء وإنما قال لقومه مع قوله يا قوم لدفع احتمال أن يكون ناداهم بذلك استعطافاً لهم وان كانوا أجانب وظلمهم أنفسهم بتنقيص مالهم عند الله وضررهم وأصل التركيب للخلوص ويلزمه التمييز المذكور، وقوله: أو فتوبوا الخ إشارة إلى الوجه الآخر، وقوله: بالبخع بالموحدة التحتية والخاء المعجمة والعين المهملة، وهو قتل الإنسان نفسه وفي الأساس بخع الشاة بلغ بذبحها القفا ومن المجاز بخعه الوجد إذا للغ منه المجهود وعلى هذا فالقتل حقيقة والمراد أن يقتل كل أحد نفسه وقتل الإنسان نفسه وان كان ليس جائزاً في شرعنا لنهينا عنه فإذا كان يأمره الآخرين لا مانع منه وعلى الأخير بعضهم لقتل بعضاً وعلى ما بعده مجاز وهو ظاهر لكن قال بعضهم: إنه تفسير لبعض أرباب الخواطر ولا يجوز أن يفسر به هنا لأنّ المراد هنا القتل الحقيقي بالاتفاق والعبدة كالكتبة جمع عابد. قوله: (روي أنّ الرجل الخ) المراد ببعضه ولده وولد ولده لأنه كالجزء منه وقريبه بالباء الموحدة طاهر وفي نسخة قرينه بالنون أي صديقه وقوله: فلم يقدر المضيّ أي عليه والضبابة شبه السحابة ولا يتباصرون من البصر بمعنى الرؤية ونزلت التوبة أي أوحى إليه بقبولها. قوله: (للتسبيب الخ) في الكشاف الفاء الأولى للتسبيب لا غير قال الطيبي: يعني الفاء للتسبيب لا للعطف التعقيبي كقولهم الذي يطير الذباب فيغضب عمرو وقال: العلامة منهم من تخيل من قوله لا غير أنها ليست للعطف وليس كذلك بل هي لهما معاً والمعطوف عليه أنكم ظلمتم الخ وكان المصنف تركه لهذا، وقيل: إن المانع من العطف لزوم عطف الإنشاء على الخبر وكون الثانية للتعقيب مر وجهه. قوله: (فتاب عليكم متعلق بمحذوف الخ) يعني أنّ الفاء هنا فصيحة وهي إما جواب شرط مقدر أو عاطفة على مقدر وسميت فصيحة لإفصاحها عن المحذوف أو لكون قائلها فصيحاً وعلى تقدير كونه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام لا التفات فيه وقدر قد في جواب الشرط كما هو القاعدة فيه إذا اقترن بالفاء وإن جعلت دعائية لا حاجة إلى تقديرها. قوله: (وعطف على محذوف الخ) إنما كان التفاتا للتعبير عنهم بالقوم في كلام موسى صلى الله عليه وسلم وهو من قبيل الغيبة وإنما ذكر لفظ البارئ في التقدير الثاني دون الأوّل للإشارة إلى أنّ الضمير راجع إليه بخصوصه لدخله في التوبيخ وكان الظاهر إليّ ولا كذلك في الشرط لأنه عائد إليه إذ هو من كلام موسى عليه الصلاة والسلام ولما لم يكن المعطوف عليه مذكوراً جعل الالتفات في المعطوف لظهوره فلا يرد عليه أنّ الالتفات ليس فيه بل في المعطوف كما يقتضيه قواعد المعاني مع أنه قال بعيده إن الالتفات في المقدر لا وجه له وهذا مع وضوحه خفيّ على من قال إنّ المراد الالتفات من التكلم إلى الغيبة في فتاب حيث لم يقل فتبنا وفد قيل: على الأوّل إن حذف الجواب وفعل الشرط، وحده مع لا وارد في كلام العرب وأما حذف الأداة والشرط وابقاء الجواب فلا ويردّه أنّ أبا عليّ الفارسيّ رحمه الله ذكر. في الحجة في تفسير قوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ} [سورة المائدة، الآية: 106] والزمخشريّ ثقة فلا عبرة بمن أنكره، وقوله: وذكاص البارئ الخ هو محصل ما مر عن الكشاف وقوله مثل في الغباوة لأنّ من أمثال العرب أبلد من ثور وفك التركيب يعني البنية الإنسانية بالقتل عوقبوا بذلك لجهلهم بما فيها من حكمة بارئها فامروا بذبح أنفسهم كما تذبح البقر. قوله: (الذي يكثر توفيق التوبة الخ) أصل معنى التوّاب الرجاع فهو في العبد الرجوع عن الذنب وفي الله الرجوع بلطفه إلى العبد وتوقيقه لذلك والإحسان بقبوله والكثرة مأخوذة من المبالغة ويبالغ في الإنعام الخ هو معنى الرحيم وقوله: توفيق التوبة الإضافة لامية أو هو من قبيل مكر الليل. قوله: (لأجل قولك أو لم نقر لك الما كان الإيمان يتعدى بنفسه أو بالباء كما مر لا باللام وجهه بأنّ اللام ليست للتعدية بل تعليلية أو صلة له بتضمينه معنى الإقرار لأنه يتعدى للمقر به بالباء وللمقر له باللام فلا يرد عليه ما قيل الأولى أن يقول لن نذعن لك إذ المتعدي باللام هو الإذعان وأما الإقرار فتعديته بالباء فلا بد من تأويله بالإذعان. قوله: (وهي في الآصل مصدر قولك جهرت الخ) ظاهره أنه حقيقة في رفع الصوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 تجوز به عن المعاينة بجامع الظهور فيهما، وقال الراغب رحمه الله: أنه يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع إما للبصر فنحو رأيته جهارا وأرنا الله جهرة واما للسمع فكقوله سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به وإذا كان حالاً من الفاعل فمعناه معاينين وإذا كان من المفعول فمعناه ظاهر. قوله: (وقرئ جهرة بالفتح) أي بفتح الهاء قال ابن جني: في المحتسب قرأ سهل بن شعيب السهمي جهرة وزهرة في كل موضحع محركاً ومذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتح لا يحرك إلا على أنه لغة فيه كالنهر والنهر والشعر والشعر، ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفا حلقياً قياسا مطرداً كالبحر والبحر وما أرى الحق إلا معهم وكذا سمعته من عقيل وسمعت الشجريّ يقول: إتا محموم بفتح الحاء وقالوا اللحم يريدون اللحم وقالوا: سار نحوه بفتح الحاء ولو كانت الفتحة أصلية ما صحت اللام أصلا انتهى. وظاهر كلام المصنف رحمه الله على الأول فإنه يقتضي أنه لغة فيه لا قياس وقوله: فتكون حالاً أي من الفاعل. قوله: (والقائلون هم السبعون الخ) وفيه قولان ذكرهما الإمام. الأوّل أنّ هذا كان بعد أن كلف عبدة العجل بالقتل بعد رجوع موسى عليه الصلاة والسلام من الطور وتحريق عجلهم وقد اختار منهم سبعين خرجوا معه إلى الطور، والثاني أنه كان بعد القتل وتوبة بني إسرائيل وقد أمره الله أن يأتي بسبعين رجلا معه فلما ذهبوا معه قالوا له ذلك وما في شرح المقاصد من أنّ القائلين ليسوا مؤمنين لم يقل به أحد من أئمة المفسرين لكن قوله لن نؤمن صريح فيه خصوصا على التفسير الثاني فتأمل واختلفوا في سبب اختيارهم ووقته فقيل: كان حين خرج إلى الميقات ليشاهدوا ما هو عليه ويخبروا به وهذا هو الميقات الأوّل، وقيل: إنه اختارهم بعد الأوّل ليعتذروا من ذلك وكلام المصنف رحمه الله مجمل فيه. قوله: (لفرط العناد والتعنت الخ) التعنت سؤال ما لا يليق وجعل الرؤية مستحيلة لا لأنها في ذاتها كذلك بل لأنهم طلبوها من جهة على ما اعتادوا بإحاطة البصر وهو مستحيل وهو رد للمعتزلة في استدلالهم بهذه الآية على استحالة الرؤية مطلقا ويدل على ذلك عقابهم وقولهم الإتيان بلن لتقوية النفي وتأكيد ولو جعل معنى وأنتم تنظرون بمعنى تنظرون إلى الجهات لتروة لربي هذا تربية تامة. قوله: (فإنهم ظنوا أن الله الخ) هذا رد على المعتزلة إذ استدلوا بها على استحالة الرؤية للتكفير بطلبها لأنّ التكفير ليس لهذا بل لما في طلبها من الإشعار بالتجسيم وتعليقهم الإيمان بما لا يكون وكون الرؤية واقعة في الدنيا لبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما في المعراج مذهب كثير من السلف، والخلاف في الوقوع والإمكان مبسوط في الكلام وقد مر تفسير الصاعقة وأنها قصفة شديدة وتطلق على النار التي معها وأما إطلاقها على جنود الملائكة عليهم السلام فجازوا الحسيس صوت من يمر بقربك ولا تراه وقوله: ما أصابكم تقدير للمفعول، وما أصابهم هو الصاعقة فعلى المعنى الأوّل هي مرئية وعلى غيره المرئي أثرها من مقدمات الهلاك وبسبب الصاعقة متعلق بموتكم والبعث كما يطلق على الإحياء يطلق على إيقاظ النائم وارسال الشخص فلذلك قيدها. قوله: (نعمة البعث الخ) يعني المراد بالنعمة الإحياء أو نعمة الإيمان التي كفروها بقولهم لن نؤمن الخ وما معطوف على نعمة أو البعث وقوله: لما الخ إشارة إلى أنه على الثاني تعليل لأخذ الصاعقة ويصح تعلقه بالأوّل بالتأويل. قوله: (في التيه الخ (لأنهم لما أمروا بقتال الجبارين وامتنعوا وتالوا اذهب أنت وربك فقاتلا ابتلاهم الله بالتيه أربعين سنة كما سيأتي ولكن لطف الله بهم بإظلال الغمام والمن والسلوى والترنجبين بالتاء الفوقية المثناة والراء المهملة والجيم والباء الموحدة والياء والنون لفظ يونانيّ استعمله الأطباء وفسرو. بطل يقع على بعض النبات وفي الدر المصون أنه يقال: طرنجبين بالطاء، والسماني بضم السين وتخفيف الميم والنون والقصر واحده سماناة أو يستوي فيه الواحد والجمع طائر معروف وقيل: السلوى ضرب من العسل وقال ابن عطية: أنه غلط وخطئ فيه لأنه ورد في شهر العرب ونص عليه أئمة اللغة، وقوله: إلى الطلوع أي طلوع الشمس. قوله: (على إرادة القول الخ) أي قلنا لهم كلوا الخ ووجه الاختصار أنه لما قصر معنى الظلم على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 مفعول مخصوص اقتضى ثبوته على وجه آخر فقدر ليكون معطوفا عليه وأريحاء كزليخاء قرية قريب بيت المقدس، وقوله: بعد التيه أورد عليه أنه تبع فيه الزمخشريّ وقوله تعالى في سورة المائدة: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 21] إلى قوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [سورة المائدة، الآية: 26] الخ صريح في أن الأمر بدخول القرية كما قبل التيه والقصة واحدة بالاتفاق، وما قيل: إنهم أمروا بالدخول مرة أخرى قبل التيه دل على ذلك ما في المائدة من ترتيب التيه على عدم امتثالهم لهذا الأمر فمع عدم نقله أورد عليه أنه يفهم منه أنهم امتثلوا الأمر المذكور في سورة البقرة، وقوله: فبدل الذين ظلموا الخ يأباه. قوله: (أي باب القرية الخ) اختلف المفسرون في أنهم هل دخلوا القدس في حياة موسى عليه الصلاة والسلام أم لا فإن قيل: بدخولهم فلا يحمل الباب على لاب القبة المعلل بما ذكر، وان اختير أنهم لم يدخلوا فان حمل تبديل الأمر على عدم امتثاله لا منع من حمل القرية على بيت المقدس أيضا لأنّ المعنى أنهم أمروا بالدخول فلم يدخلوا ولا حاجة إلى حمل الأمر على الأمر على لسان يوشع كما قيل: وأما قوله في المائدة: {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ} أسورة المائدة، الآية: 23] فالمراد باب قريتهم كما صرحوا به وأيضا قد ذهب المصنف رحمه الله إلى أن الأمر بالدخول كان بعد التيه، ومعنى سجداً ساجدين شكراً على إخراجهم من التيه يخون الأمر بالدخول سجداً بعد موت موسى عليه الصلاة والسلام فلا يصح صرف الباب عن باب بيت المقدس إلى باب القبة بالتعليل المذكور وقيل: إن كونهم لم يدخلوا بيت المقدس الخ لا ينفي إلا كون الباب باب بيت المقدس لا باب أريحاء لتيقن كونه باب القبة وقيل: يدفع هذا بأنه اكتفى بذكر بيت المقدص عن ذكر أريحاء لكونها قرية قريبة منه فتأمل. وقوله: متطامنين إشارة إلى أنه بمعناه اللغوي وما بعده إشارة إلى أنه بمعناه الشرعي والقبة قبة كانت لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام يتعبدان فيها وجعلت قبلة وفي وصفها أمرر غريبة في القصص لا يعلمها إلا الله فلذلك تركناها، وقيل: إنه يتعين كون الباب باب القبة إن كان الأمر منزلاً على موسى عليه الصلاة والسلام وهو للفور ولا يكون الأمر في التيه بالدخول بعد الخروج منه. قوله: (أي مسألتنا حطة الخ) أي أنه خبر مبتدأ محذوف يدل عليه الحال، وأمرك أي شأنك يا ربنا أن تحط عنا ذنوبنا، وقوله: أي قولوا هذه الكلمة إشارة إلى قول أهل اللغة إنّ مفعول القول يكون جملة أو مفرد أريد به لفظه كما في يقال له إبراهيم ولا عبرة بقول أبي حيان رحمه الله أنه يشترط فيه أن يكون مفردا يؤدي معنى جملة نحو قلت شعرا، فمن قال: الأوجه أن يقدر له ناصب ليكون مقول القول جملة لم يصب، وفعلة ممنوع من الصرف للعلمية الجنسية والتأنيث، ويصح صرفه لمشاكلة موزونه ومنه يعلم أنّ المشاكلة ليست مجازاً، وقوله وقيل: معناه الخ أي شأننا هذا وضعفه لأنّ ترتب المغفرة عليه غير ظاهر وان قيل: معناه أن نحط فيها رحالنا ممتثلين لأمرك مع أنّ تنزيل هذا القول حينثذ يحتاج إلى تكلف، وقرئت في السبعة بالتاء والياء مع البناء للمجهول فيهما وقوله وابن عامر بالتاء هكذا في النسخ الصحيحة وفي نسخة بهاء وهي تحريف من النساخ والباقون بالنون وبتاء المعلوم. قوله: (وخطايا أصله الخ) فيه أقوال: الأوّل قول الخليل: إنّ أصلها خطائي بياء بعد ألف ثم همزة لأنها جمع خطيئة كصحيفة وصحائف فلو تركت على حالها لوجب قلب الياء للهمزة كما تقرر في التصريف فقدمت لئلا يجتمع همزتان فقلب فصار خطائي فاستثقلوا كسرة بعدها ياء فقلبوها فتحة والياء ألفا فصارت خطاآ بهمزة بين ألفين فقلبت الهمزة ياء لئلا يجتمع أمثال لأنها من جنس الألف فوزنه فعالى وفيه أربعة أعمال والثاني أن أصله خطائي بهمزتين منقلبة أصلية فأخروا الأولى لتصير المكسورة طرفاً فتنقلب ياء فتصير فعالى ثم فتحوا الأولى فانقلبت الياء بعدها ألفا وأبدلت ياء لوقوعها بين ألفين كما مر ففيه خمس تغييرات والأوّل أقوى، والثالث قول الفراء أنه جمع لخطبة كهدية وهدايا وعليه يتنزل كلام المصنف رحمه الله وخضائع بالضاد المعجمة جمع خضيعة وهو صوت بطن الدابة أتى به لمجرد بيان الوزن. قوله: (جعل الامتثال الخ (أي قولهم حطة لامتثال الأمر وكونه توبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 يؤخذ من قولوا وقوله وسبب زيادة الثواب أي كان الظاهر عطفه على جواب الأمر، واخراجه عن الجواب لوجود السين المانعة منه ولذا لم يجزم وأوثر هذا الطريق ليدلّ على أنه يفعل ذلك البتة وأنه يستحقه وأن لم يمتثل فكيف إذا امتثل. قوله: (بدنوا بما أمروا به الخ الما كان هذا محتاجا إلى التأويل إذ الذم إنما يتوجه عليهم إذا بدلوا القول الذي قيل لهم لا إذا بدلوا قولاً غيره أشار المصنف رحمه الله إلى أنّ فيه تقديراً ومعناه بدل الذين ظلموا بالذي قيل: لهم قولاً غيره فبدل يتعدى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بالباء وتدخل على المتروك، وقالط أبو البقاء: يجوز أن يكون بدل محمولأ على المعنى تقديره فقال: الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل: لهم وغير نعت لقولا، وقيل: تقديره فبدل الذين ظلموا قولاً بغير الذي قيل لهم فحذف الحرف وانتصب بنزعه، ومعنى التبديل التغيير كأنه قيل: فغيروا قولاً بغيره لأنهم قالوا بدل حطة حنطة أو غيره استهزاء والإبدال والتبديل والاستبدال جعل الشيء مكان آخر، وقد يقال: التبديل التغيير وإن لم يأت ببدله وقد فرق بين بدل وأبدل بان بدل بمعنى غير من غير إزالة المعين وأبدل يقتضي إزالة العين إلا أنه قيل: إنه قرئ عسى ربنا أن يبدلنا بالتشديد والتخفيف وهو يقتضي اتحادهما، وقوله: طلب ما يشتهون كالحنطة. قوله: (كرره الخ) يعني كرر ظلمهم ورتب الحكم على ما هو كالمشتق إشعار بعليته وقوله أو على أنفسهم عدى الظلم بعلى لتضمنه معنى التعدي، وهو عطف على مقدر أي لظلمهم مطلقاً أو على أنفسهم، وقوله: عذابا مقدرا يعني أن من السماء متعلق بلفظ مقدراً صفة رجزاً لا متعلق بأنزل وجوزه المعرب وهو صاعقة ونحوها، وقوله: بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية، والرجز كالرجس المستقذر المكروه وورد في الحديث: " الطاعون رجز) وبه ة سر هنا لأن أول وقوع الطاعون فيهم كما قيل. قوله: (لما عطشوا في التيه الخ الما هنا بمعنى حين لا جواب لها واختلف في الحجر على ثلاثة أتوال فقيل: لم يكن معينا وقيل: كان معيناً وقيل: كان غير معين ابتداء ثم تعين بعد الدخول إلى أرض لا حجر فيها وقوله: طوريا منسوب إلى الطور لأنه أخذ منه، والمكعب كالمربع لفظاً ومعنى ومنه الكعبة والمراد بكل وجه جوانبه الأربع دون الأسفل والأعلى والا لزم زيادة العيون، وقصة الحجر وفراره بثوبه معروفة مذكورة في حديث الأصول إلا قوله فأشار إليه جبريل عليه السلام بحمله لأنّ فيه شأنا ومعجزة له، والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال المهملة والراء انتفاخ الخصية وكبرها ورجل آدر بالمد وقوله: كيف بنا يعني كيف حالنا النازلة بنا وأفضينا أي وصلنا، والمخلاة بكسر الميم الكيس الواسعة تعلق في رأس الفرس ليأكل ما فيها من حب أو حشيش أو تبن وأصلها ما يوضع فيه الخلي وهو الحشيش اليابس وقوله كلمه أي الحجر وفي نسخة كلمها التأويل بالصخرة والرخام بخاء معجمة حجر معروف، وقوله: ذراعا في ذراع أي مضروباً فيه فيكون مربعاً كما يعلم من المساحة والعصا عشرة أذرع الخ. غير قول الكشاف في الحجر كان ذراعاً في ذراع وقيل: كان من أس الجنة الخ فقيل: إنه سهو لأنه صفة العصا لا الحجر وقيل: إنّ العبارة أس من الأساس وما بعده لا يلائمه فما ذكره المصنف رحمه الله هو الصحيح وكونه من آس بالمد رواية، وقيل من العوسج. قوله: (متعلق بمحذوف الخ) هذه هي الفاء الفصيحة التي في قوله: قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسانا وهل هي جواب شرط مقدر أو عطف على محذوف أو هما جائزان طرق لهم وعلى الأخير أكثرون قال المحقق: ووجه فصاحتها أنباؤها عن ذلك المحذوف بحيث لو ذكر لم يكن بذلك الحسن مع حسن موقع ذوقي لا يمكن التعبير عنه لكن في حذف قد بعض نقصان، وأتا ما يقال: في وجه فصاحتها من الدلالة على أنّ المأمور قد امتئل من غير توقف وظهر أثره وعلى أنّ المقصود بالأمر هو ذلك الأثر لا الضرب نفسه والإيماء إلى أنّ السبب هو أمره لا فعل موسى عليه الصلاة والسلام فإنما هو في مثل هذه الصورة خاصة اهـ. فالوجه العام أن يقال: إنه لتعينه وافصاح الكلام عنه كأنه مذكور وتسميتها فصيحة لإفصاحها عن ائمقدر ودلالتها عليه أو لفصاحة المتكلم أو الكلام الذي هي فيه فالإسناد مجازي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وردّ أبو حيان تقدير الشرط بأنّ حذف أداته وفعله لم يسمع وأنه لا بد من إظهار قد في الجواب الماضي وإذا كان ماضيا فليس هو الجواب بل دليله نحو إن جئتني فقد أحسنت إليك أي لم تشكر وهذه كلها تعسفات مع أنّ معناه غير صحيح، ورد بأنّ المراد تفسير المعنى لا الإعراب، وفي المغني أنّ هذا التقدير يقتضي تقدم الانفجار على الضرب إلا أن يقال: المراد فقد حكمنا بترتب الانفجار على ضربك فتأمّل وقوله: فضرب فانفجرت الفاء الأولى سببية والثانية فصيحة وقيل: إنه حذف من المعطوف عليه الفعل ومن ااصعطوف الفاء والمذكور هي الفاء الأولى وهو تكلف لا داعي له، وفي عشرة ثلاث لغات كسر الشين وفتحها وسكونها. قوله: (كك أناص كل سبط) السبط في بني إسرائيل كالقبيلة وما مر من شذوذ إثبات همزة أناس إنما هو مع الألف واللام كالأناس إلا بالياء وأمّا بدونها فشائع فصيح والمشرب أمّا اسم مكان أي محك الشرب أو مصدر ميمي بمعنى الشرب، وظاهر كلام المصنف رحمه الله الأول وكلوا مقول قول مقدر أي قلنا لهم كلوا وحذف القول شائع سائغ وفي قوله التي يشربون منها إشارة إلى أنّ الجملة صفة عيناً والعائد مقدر. قوله: (يريد به الخ) جعلى الرزق بمعنى المرزوق وفصله إلى الطعام نظرا إلى كلوا والى الماء نظراً إلى اشربوا ولا قرينة على الأول إلا أن يلاحظ ما سبق من إنزال المن والسلوى ولعدم التعرض له في هذه القصة فسر بعضهم الرزق بالماء وجعله مما يؤكل بالنظر إلى ما ينبت منه ومثروبا بحسب نفسه ولم يرتضوه لأنه لم يكن أكلهم في التيه من زرع ذلك الماء وثماره، ولأنه جمع بين الحقيقة والمجاز ولا يندفع بكون من للابتداء لأنّ ابتداء اكل ليس من الماء بل مما ينبت منه بل الجواب أنّ من لا يتعلق بالفعلين جميعا وإنما هو على الحذف أي كلوا من رزق الله واشربوا من رزق الله فلا جمع وعائد ما رزقهم محذوف أي منه أو به كذا قال المحقق وقيل: عليه أنه مما يقضي منه العجب لأنه إنما يكون جمعاً بين الحقيقة والمجاز لو قيل: كلوا واشربوا من الماء وأريد به الماء وما ينبت منه أما إذا قيل: رزق الله وأريد به فردان أحدهما الماء والآخر ما ينبت منه فأين هذا من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهذا وهم منه فإنّ من فسر رزق الله بالماء وجعل الإضافة للعهد لا يكون عنده شاملاً لهما بل مخصوص بأحد فردين ولو كان عبارة عنهما لزم الجمع أيضا إذ لا يصح تعلقه بكلوا إلا بملاحظة شموله للشرب فيعود المحذور وليس هذا من التنازع على تقدير متعلق الآخر كما توهم لأنّ المقدر ليس هو عين المذكور فتأمّل. قوله: (لا ثعتدوا حال إفسادكم الخ) قال الراغب: العثى والعيث يتقاربان نحو جبذ وجذب إلا أن العيث أكثر ما يقال: في الفساد الذي يدرك حسا والعثى فيما يدرك حكماً ونقل عن بعض المحققين إنّ العثو إنما هو الاعتداء وقد يكون منه ما ليس بفساد فالحال غير مؤكدة، والزمخشريّ لما فسر العثو بأشد الفساد حمل النهي على النهي عن التمادي في الفساد ولما كانوا على التمادي في الفساد نهوا عما كانوا عليه كقوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [سورة آل عمران، الآية: 130] فالحال مؤكدة، وفيل: المعنى أطلب منكم أن لا تتمادوا في حال إفسادكم فليست الحال مؤكدة كما توهم وقيل: عليه إنّ التمادي في الفساد لا يكون إلا في حال الفساد فليست إلا مؤكدة إلا أن يقال مراده جعل مفسدين بمعنى متمادين في الفساد لا تعثوا بمعنى تتمادوا وأما قوله: وإنما قيده الخ فقال الطيبي رحمه الله: إنّ المقام ناب عنه لأنّ الآية واردة في قوم مخصوصين، وفيه نظر. قوله: (لما أمكن أن يكون من الأحجار الخ) أراد بما يحلق الشعر النورة وفي كتاب الأحجار أنه حجر خفيف يحلق الشعر وينتفه وبما ينفر من الخل وفي نسخة عن وهو الحجر الباعض الذي يعدل عنه لمعنى فيه بالخاصية وبما يجذب الحديد المغناطيس، وقوله: لم يمتنع أن يخلق الله حجرا الخ مبنيّ على كون الحجر معينا وإلا ينبغي أن يقول أن يخلق الله في طبيعة أيّ حجر كان وجذبه لما تحت الأرض لا ينافيه انفصاله عنها كما توهم وأورد عليه أن اختلاف حاله بحسب الأوقات وتوقفه على الضرب ونحوه يقتضي خلاف هذا وان فتح هذا الباب لتوجيه الخوارق سد لباب المعجزات. قوله: (وبوحدته أنه لا يختلف) أي يريد بوحدته ذلك لأنه متعدد فإما أن يراد أنه لا يختلف أو يراد به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 الوحدة النوعية وقيل إنهم كانوا يطبخونهما معاً فيصيران طعاما واحداً وقيل: إنه كان قبل نزول السلوى وأجموا بالميم بمعنى كرهوا وفلاحة بتشديد اللام بمعنى حراثين من فلح الأرض شقها، والعكر بكسر العين وسكون الكاف والراء المهملة الأصل وقيل: العادة ونزعوا بمعنى اشتاقوا يقال: نزع إلى أهله إذا اشتاقهم، وقوله: سله الخ بيان للمعنى لأنه طلب مخصوص، وفسر يخرج بيظهر ولما كان الإظهار يكون من الخفاء والعدم عطف يوجد عليه تفسيراً له وقوله: ربك أضافوه إليه لمزيد اختصاصه به لالقرب والمناجاة، ولفظ الرلت هنا أصاب محزه وقوله: واقامة القابل وهو الأرض لأنها قابلة ل! ثبات بالبذر فلا يقال: الأولى إقامة المحل مقام الفاعل مع عدم صحته لأنّ المنبت هو الله لا البذر أيضاً. قوله: (تفسير وبيان وقع موقع الحال الخ) جعل من الأولى تبعيضية والمفعول مقدر أي شيئا وأما إذا جعل بدلاً فلا بد من اتحاد معنى من فيهما كما ذكره أبو حيان والكلام فيه ظاهر، ووجه ترتيب النظم أنه ذكر أو لا ما يؤكل من غير علاج نار وذكر بعده ما يعالج لها مع ما ينبغي له ويقبله فانتظم على أتم انتظام في الوجود وقراءة قشاء بالضم أقيس لأنه المعهود في مثله كرمان وتفاج وفوّموا بمعنى اخبزوا. قوله: (أتستبدلون الذي هو أدنى الخ) أدنى إن كان معتلا من الدنو أو مقلوب من الدون فعلى الثاني ظاهر، وعلى الأوّل مجاز استعير فيه الدنو بمعنى القرب المكاني للخسة كما استعير البعد للشرف فقيل: بعيد المحل وبعيد الهمة أو هو مهموز من الدناءة وأبدلت فيه الهمزة ألفا كما قرئ به في الشواذ فإن قلت مقتضى كونهم لا يصبرون على طعام واحد أنهم طلبوا ضم ذلك إليه لا استبداله به قلت تيل ة إنهم طلبوا ذلك وخطأهم فيما يستبدلون إشارة إلى أنه تعالى إذا أعطاهم ما سألوا مفع عنهم المن والسلوى فلا يجتمعان، وقيل: عدم الاكتفاء بهما يحتمل وجهين أن لا يريدوأ أكلهما في كل يوم بل يأكلونهما في بعض الأيام وغيرهما في آخر وحينئذ يتحقق الاستبدال في الأيام الأخر، وأن يريدوا أكلهما مع غيرهما وحينئذ الاستبدال متحقق لأنه كان أولاً المن والسلوى وثانياهما مع غيرهما والكل يغاير الجزء وهو تكلف. قوله: (انحدروا إليه الخ) يشير إلى أنّ الهبوط لا يختص بالنزول من المكان العالي إلى الأسفل بل قد يستعمل في الخروج من أرضى إلى أرض مطلقا، وقوله: قرئ بالضم أي بضم الهمزة والباء من باب نصر ثم بين أصل معنى المصر إن كان عربيا بمعنى الحد ومنه اشترى الدار بمصورها أي حدودها ثم سميت به البلد العظيمة لاشتمالها على ذلك فإن كان نكرة فالمراد هبطوا من التيه إلى العمران لأنّ ما طلبوه فيه وان أريد به بلدة معينة فأما مصر فرعون التي خرجوا منها، وفي التيسير الأظهر أنهم لم يؤمروا بهبوط مصر فرعون فإنه تعالى قال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 21] يعني لا ترجعوا إلى مصر فلم يرجعوا إليها وان ملكوها بل المراد مصر من أمصار الأرض المقدسة وقد أشرنا إلى ما يؤيده سابقا. قوله: (وإنما صرفه الخ) يعني أن فيه العلمية والتأنيث فإما أن يصرف لسكون وسطه كما تقرر في النحو أو لتأويله بالمكان ونحوه مما هو معروف في أعلام الأماكن، وقوله: يؤيده أنه الخ أي مكتوب بغير الألف فلا يرد أنّ الشكل حدث بعد العصر الأوّل، فإن قلت في شرح المفصل أنهم متفقون على وجوب منع الصرف في ماء وجور فلو كانت العجمة لا أثر لها في الساكن الوسط لكان حكم ماء وجورحكم هند في منع الصرف وجوازه فلما تخالفا دل على اعتبار العجمة في الساكن الوسط. قلت قال الشارح: المحقق إنه لم يعتدّ بالعجمة لوجود التعريب والتصرف فيه وفيه نظر ومصرائيم ابن نوح وهو أول من اختطها فسميت باسمه. قوله: (أحيطت بهم الخ) في الكشاف علت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم اص. والإحاطة الأخذ بجوانب الشيء واشتماله عليه وفعله حاط وأحاط ويكون لازماً وهو المعروف فيه قال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} ويكون متعديا أيضاً وقد غفل عنه كثير فوقعوا فيما وقعوا وفي نهج البلاغة أحاط بكم الإحصاء، وفسره الشارح بجعله محيطاً، وفي لسان العرب حطت قومي وأحطت الحائط وحوّط حائطا عمله وحوّط كرمه تحويطاً أي بني حوله حائطاً فهو كرم محوط اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وفي شعر بعض الفصحاء: والبحر قد حاطه بحران دجلته بحر وكفك بحريقذف الدررا وحاطه بمعنى حفظه متعد وتعدى المجاز مما يستأنس به وقال المحشي: هكذا وقعت العبارة في النسخ وفي شرح المفتاح كان الظاهر أحاطت بدل أحيطت لأنّ الذلة محيطة بهم لا محاطة، وغاية ما يمكن أن يقال: إنه قصد أمرين زائدين على الكشاف. الأوّل القلب فمعنى احيطت بهم أحيطوا بها لكن قلب لمطابقة المفسر والتنبيه على الاستعارة. الثاني المبالغة في إثباتهما بحيث يكونان محيطين بهم من وجه ويكونون محيطين من آخر وأحيطت من الحذف والإيصال والباء في بهم للسببية لا للتعدية، واحاطة مصدر المجهول بمعنى المحاطة فإن نحو القبة إذا ضربت على شيء تكون مقتصرة عليه لا تتجاوزه فهي محيطة ومحاطة فاستعير الضرب المعدى بعلى للتسبب بجامع كمال الاختصاص وعدم التجاوز والقرينة الإسناد إلى الذلة والمسكنة واستعيرت القبة ونحوها للذلة والمسكنة بجامع الجهتين المذكورتين ودل على الاستعارة ذكر لازم المستعار منه وهو الضرب المعدى بعلى لكن المقصود هذه الاستعارة والأولى تابعة لها كما اختاره في الكشف كما في ينقضون عهد الله فالمعنى جعلت الذلة محاطة بهم كإحاطة القبة بمن فيها فإنها محاطة بهم ومحيطة صورة فكذا الذلة فاقتصر المصنف رحمه الله على ذكر المحاطية لأنها خفية محتاجة للبيان والأخرى منفهمة من القبة (أقول) الإحاطة متعدية كما مر وتكون من أحطت الحائط ولا مخالفة بينه وبين ما في الكشاف ولا حاجة إلى ما ذكره هذا القائل من التعسفات التي لا طائل تحتها، والظاهر أنه حقيقة أو بتضمين الجعل فيتعدى إلى الذلة بنفسه وألى المحاط بهم بالباء فيفيد التركيب أنها محيطة لا محاطة. كما سيأتي في آل عمران ثم إنّ الظاهر أنّ هنا مسلكين أحدهما أنه شبه تثبيت الذلة عليهم بضرب القبة الثابتة على المضروب عليه، ووجه الشبه الإحاطة والشمول وهذا ما في المفتاح حيث قال: المستعار منه ضرب الخيمة وما شاكلها وأنه أمر حسي والمستعار له التئبيت وأنه أمر عقليّ والثاني أنه شبه عموم الذلة لهم بإحاطة القبة ووجه الشبه الإحاطة الداخلة في مفهوميهما أو اللزوم وهذا ما ارتضاه غيره والتصرف يصح أن يكون في الضرب وحده فتكون تبعية تصريحية ويصح أن يكون في الذلة فتكون مكنية وتخييلية أو مكنية والضرب بمعنى الإحاطة على حد ينقضون عهد الله، ويصح أن تكون تمثيلية أيضاً وقال الشارح المحقق: إن في الذلة استعارة بالكناية حيث شبهت بالقبة أو بالطين يعني أنه إما من ضرب الخيمة أقامها أو من ضرب الطين بالحائط فضربت استعارة تبعية تحقيقية لمعنى الإحاطة والشمول لهم أو اللزوم واللصوق بهم لا تخييلية وهذا كما مر في نقض العهد وعلى الوجهين فالكلام كناية عن كونهم إذ لا متصاغرين فما يقال: المراد إنّ الاستعارة إمّا في الذلة تشبيهاً بالقبة فهي مكنية واثبات الضرب تخييل وإمّا في الفعل أعني ضربت تشبيهاً لإلصاق الذلة ولزومها بضرب الطين على الحائط فتكون تصريحية تبعية مما لا يرتضيه علماء البيان، وقيل: عليه أنه منه عجيب فإنه رذه هنا وارتضاه في آل عمران وشرح التلخيص وأنه هو الموافق لكلام الجمهور من أهل المعاني وما ذكره من كون قرينة المكنية استعارة تحقيقية لم يصرحوا به كما مر) أقول) : إنه بعدما قال هنا هذا قال في آل عمران أنه على تشبيه المسكنة بالقبة استعارة بالكناية ثم إثبات الضرب لها عليها تخييلا أو تشبيه إحاطتها بهم واشتمالها عليهم بضرب القبة استعارة تبعية وأمّا اعتبار كونه كناية كما في: في قبة ضربت على ابن الحشرج فوهم فاسد اهـ فوقع بين كلاميه تناقض من وجهين وهو في المحلين ردّ على العلامة في حواشيه (وقد جال في خلدي) أنه ليس بغافل عما اعترضوا به وأنه ليس برذ لذلك لأنه لا يصلح في النظم بل إن عبارة الكشاف لا تحتمله لأنه قال هنا جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم كما يكون في القبة من ضربت عليه أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه اهـ. فصرح بأنّ التصرف في ضرب يستلزم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 أن يكون مجازاً تبعياً ويصح أن يجعل ما بعده مكنية على حد ينقضون عهد الله وليس من التخييل المعروف فإنه لا يرتضي أهل المعاني فيه التجوّز وإنما هذا ضرب آخر، والقطب أرجعه إلى المعروف ويلزم من الإحاطة أو اللصوق الاتصاف فيكون كناية. وقال العلامة في آل عمران: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا كما يضرب البيت على أهله فهم ساكنون في المسكنة فاستعمل الضرب في معناه الحقيقي إذ جعل المسكنة مسكنهم فثصح حمل عبارته على التخييل والكناية المعروفين وحينئذ يدل المعنى المجازي على ذلتهم صراحة فلا حاجة إلى جعله كناية فاعرف هذا فإنه خفيّ على الناظرين فيه، وقوله: إحاطة القبة مصدر لبيان النوع ووقع في نسخة مثل إحاطة القبة فاعترض! عليه بأنّ الصواب إسقاط لفظ مثل وفيه نظر فتأمّل، وقوله: مجازاة علة لقوله ضربت. قوله: (رجعوا به الخ الم يذكره صاحب الكشاف ورجحه القرطبي وغيره قالوا: باؤوا انقلبوا ورجعوا به أي لزمهم ذلك ومنه أبوء بنعمتك عليّ أي أقرّ بها وألزمها نفسي، وأصله في اللغة الرجوع يقال باء بكذا أي رجع به، وقال أبو عبيدة والزجاج: باؤوا بغضب احتملوه، وقيل: استحقوه وقيل: أقروا به، وقيل: لازموه وهو الأوجه، يقال: بوأته منزلاً فتبوّأه أي ألزمته فلزمه وقوله: أو صاروا أحقاء عدل عن قولهم استحقوه لما فيه من المبالغة ولأنه يظهر تعديته بالباء، وقوله: وأصل البواء بالمد بالفتح والضم ويصح فيه بوء كضرب كما في النسخ، ومن الراغب أخذه قال أصل البواء مساواة الأجزاء خلاف النبوء الذي هو منافاة الأجزاء يقال: مكان بواء إذ لم يكن نابيا ثم استعمل في كل مساواة فيقال! : هو بواء فلان أي كفؤه ومنه بوء نعل كليب و " فليتبوّأ مقعده من النار " وليس المضروب عليهم الذلة الخ، اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ولا الدّين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم بل المطلق لأنّ قتل النبيين عليهم الصلاة والسلام وقع من بعضهم لكنه أسند إلى الجميع كما مر، وقوله: ذلك إشارة الخ يعني أنه وان كان مفرداً أشير به لجميع ما مر بتاويله بالسابق والمذكور ونحوه. قوله: (بأنهم كانوا يكفرون الخ) قال بسبب كفرهم إشارة إلى أن الباء سببية داخلة على المصدر المؤوّل ولم يعبر به مع أنه أخصر تنبيهاً على أنهم جمعوا بين الثبات على أصل الكفر والدوام عليه وما تجدد منه والآيات أمّ المعجزات مطلقاً أو آيات الكتب المتلوة كما ذكره المصنف رحمه الله وقصة آية الرجم وانكار اليهود لها معروفة وستأني. وقوله: وقتلهم الأنبياء الخ ذكر في مطاعن القرآن السؤال بالتناقض بين هذه الآية وشبهها. وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [سورة غافر، الآية: 51] وأجيب بأنّ المقتولين من الأنبياء والموعود بنصرهم الرسل عليهم الصلاة والسلام ولو سلم أنهم رسل كما وقع في آية أخرى ائنصرة بغلبة الحجة اً والأخدّ بثارهم كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الله تعالى قدر أن يقتل بكل نبيّ سبعين ألفا وبكل خليفة خمسا وثلاثين ألفا فتأمّل. (، دول) : ذهب في التأويلات إلى أنّ المقتول أنبياء لا رسل وردّ بقوله: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ} [سورة البقرة، الآية: 87] إلى قوله: {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} وأجيب عنه باجوبة أحسنها عندي أنّ المراد به الرسل المأمورون بالقتال لأنّ أمرهم بالقتال وعدم عصمتهم لا تليق بالعزيز الحكيم فلا يعارض هذا قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة، الأية: 21] وشعيا بشين مفتوحة وعين مهملة ساكنة وياء تحتية وألف مقصورة، وهو نبيّ قتل قبل عيسى صلى الله عليه وسلم بشر به وبنبينا صلى الله عليه وسلم فنشره قومه بالمنشار، وفي بعض النسخ شعيبا وهو من تحريف النساخ فإنّ شعيباً عليه الصلاة والسلام لم يقتل بل لحق بمكة بعد هلاك قومه ومات بها، فإن قيل: إنه جمع النبيّ على نبيين وهو فعيل بمعنى مفعول وقد صرحوا بأنه لا يجمع جمع مذكر سالم وأنه همز في القراءة المتواترة، وقد روي أن رجلاً قال للنبيّ يت! رو: " يا نبيء الله بالهمزة فقال لست بنيء الله " يعني مهموزاً ولكن نبيّ الله بغير همزة فأنكر عليه ذلك وقد منع بعضهم من إطلاقه عليه صلى الله عليه وسلم تمسكا بهذا (قلت) أمّا الأوّل فليس بمتفق عليه إذ قيل إنه بمعنى فاعل ولو سلم فقد خرج عن معناه الأصلي ولم يلاحظ فيه هدّا إذ يطلقه عليه من لا يعرف ذلك فصح جمعه باعتبار المعنى الغالب عليه، وأمّا القراءة في السبعة مهموزاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 مع النهي المذكور فأجيب عنه بأنّ أبا زيد حكى نبأت من الأرض إذا خرجت منها فمنع لوهم أنّ معناه يا طريد الله فنهاه عن ذلك لإيهامه ولا يلزم من صحة استعمال الله له في حق نبيه صلى الله عليه وسلم الذي برأه من كل نقص جوازه من البشر فتأمّل. قوله: (بنير الحق عندهم الخ) إشارة إلى جواب ما قيل: إنّ قتلهم لا يمكن أن يكون بحق فما الفائدة فيه فقيل: إنه ليس للاحتراز بل لازم نحو دعوت الله سميعاً وذكر تشنيعاً عليهم والذي ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه الزمخشريّ، وهو لا يخلو من شبهة لأنّ القفال قال: إنهم كانوا يقولون إنهم كاذبون وانّ معجزاتهم تمويهات ويقتلونهم بهذا السبب وبأنهم يريدون إبطال ما هم عليه من الحق وارتضاه بعضهم، ولذلك زاد في الكشاف فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجهاً يستحقون به القتل عندهم، والحق وقع معرّفا هنا ومنكرا في آية أخرى فالتعريف إمّا للجنس أي بغير حق أصلاَ أو للعهد أي بغير الحق الدّي عندهم وفي معتقدهم، وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما، وفي الكشف التنكير في آل عمرآن للتعميم والتعريض بأنهم حول نبينا صلى الله عليه وسلم بالقتل ولهذا لم يقل وكانوا يقتلون، فالمناسب أن يقال بغير حق من الحقوق لئلا يوهم أنه لو كان حقاً عندهم لما استحقوا زيادة الذمّ، وقيل: إنه للمتقين. قوله: (أي جرّهم العصيان والتمادي الخ) يعني أنّ ذلك إشارة إلى السبب المذكور والباء سببية لبيان سبب السبب أيضاً حالاً لاستحقاقهم ذلك وإنما أكد الأوّل لأنه فظنة الاستبعاد بخلاف مطلق العصيان، والاعتداء أصل معناه تجاوز الحد في المعاصي كالتمادي لكن عرف في ظلم الغير كما ذكره القرطبي رحمه الله ومراد المصغف وحمه الله تعالى معناه الأصلي، وفي قول الزمخشريّ بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنهم انهمكوا فيهما وغلبوا بالمعنى العرفي فلا يقال إنّ الانهماك والغلو في العصيان عين الاعتداء ولذلك غير المصنف رحمه الله تعالى عباوته كما توهم وكونها صغاراً بالنسبة لما قبلها وهو ظاهر أو هي في نفسها صغيرة لإطلاق مطلق المعصية عليها إذ المعتاد في الجرم العظيم أن يعين فتأمل والإشارة بذلك لتقصيه أو لأنه مما ايبعده العقل خصوصا من أهل الكتاب. قوله: (وقيل كرر الإشارة الخ) هذه الإشارة على تفسيره راجعة إلى الكفر بالآيات وما بعده فلا تكرار وعلى هذا راجعة إلى ضرب الذلة وما معه فهي مكرّرة، والمقصود بيان سبب آخر وإنما لم يرتضه لأنه خلاف الظاهر ولأنّ مقتضى الظاهر حينئذ العطف لاتحاد الموضوع وتناسب المحمولين. قوله: (وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل الخ) الفرق بين هذا وبين الوجه الأول ليس إلا اختلاف معنى الباء فيهما فهي على الأوّل سببية وعلى هذا للمعية، ولذا قيل: ينبغي أن يقدم هذا على قوله وقيل: كرر الخ. ويكتفي بقوله وقيل: الباء للمعية والمعنى أنّ ذلك الكفر والقتل كائن مع العصيان والإعتداء، وقد كان كافيا في السببية فكيف وقد انضم إليه غيره وضعفه لما فيه من عدم الإرتباط أيضا. قوله: (وإنما جوّزت الإمارة الخ) الأصل في اسم الإشارة والضمير إذا كانا مفردين أن يرجعا لما هو مطابق لهما لكنهما قد يعبر بهما عن متعدد بتأويل المذكور ونحوه مما هو مفرد لفظاً مجموع معنى وهو في اسم الإشارة كثير وقد يجري ذلك في الضمير حملاَ عليه، ولذا قال: ونظيره واسم الإشارة هنا لمتعدد في سائر الوجوه فهذا توجيه لها كلها لا للأخير فقط والشعر المذكور لرؤبة قال المصنف رحمه الله تعالى: إنه في صفة بقرة وحشية، وقال ابن دريد: إنما هو في صفة أتان وهو من قصيدة له مشهورة أوّلها: وقاتم الأعماق خاوي المخترق مشتبه الأعلام لماع الخفق وقبله: قود ثمان مثل أمراس الأبق فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق روي أنّ أبا عبيدة رحمه الله قال لرؤبة إن أردت الخطوط فقل كأنها أو السواد والبلق فقيل كأنهما فقال: أردت كأنّ ذلك ويلك وأصل البلق سواد وبياض وأراد به البياض فقط أو هو معطوف على خطوط والتوليع استطالة البلق والتلوين وسيأتي في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} وقوله: والذي حسن ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 لا يخفى حسن موقع ذلك هنا يعني أن تثنية أسماء الإشارة والموصولات والضمائر وجمعها وتأنيثها ليس على قانون أسماء الأجناس والا لقيل في ذا ذو إن مثلاً بل هي بوضمع صيغ أخر فجوزوا فيها ما لم يجوزوا في غيرها ولهذا جاء التعبير بالذي عن الجمع من غير تأويل عند بعض النحاة وبعضهم يؤوّله بنحو ما هنا. قوله: (يريد به المتدينين الخ) المؤمن إذا أطلق يتبادر منه من أخلص الإيمان: والمصنف رحمه الله جعله أعم من أن يكون بمواطأة القلب أولاً ليصح قوله من أمن منهم وسن ظن أنه إنما يصح على تخصيصه بالمنافقين كما فعل الزمخشريّ فقدسها: وقوله وقيل: الخ نقل هذا عن سفيان قال المراد المنافقون ولذلك قرنهم باليهود والنصارى ثم بين حكم من أخلص الإيمان منهم واختاره الزمخشريّ وسيأتي وجه تضعيفه. قوله: (تهوّدوا) أي دخلوا في دين اليهود وهو إن كان عربيا في الأصل من هاد لأنّ الاشتقاق المذكور من الاسم بعد النقل كتنصر وهاد بمعنى تاب أو بمعنى سكن ومنه الهوادة وان كان معرّبا فهو معرّب يهوذا بذال معجمة وألف مقصورة فعرّب وغير، والنصارى إن كان جمع نصران بمعنى نصرانيّ فهو على القياس كندمان ونشوان وندامى ونشاوى والياء حينئذ للمبالغة كما يقال للأحمر أحمريّ إشارة إلى أنه عريق في وصفه، وقيل: إنها للفرق بين الواحد والجمع كزنج وزنجيّ وروم وروميّ ونصران بمعنى نصرانيّ وارد في كلام العرب وان أنكره بعضهم كقوله: تراه إذا دار العشيّ محققا ونصحي لديه وهو نصران شاس! وكذا ورد نصرانة في مؤنثه أيضا كقوله: كما سجدت نصرانة لم تحنف وقيل النصارى جمع نصريّ كمهريّ ومهارى، وألفه للتأنيث ولذا لم ينوّن ونصران بمعنى ناصر سمي له لأنهم نصروا الصي! يح أو لنصر بعضهم لبعض فلا يرد عليه أنّ فاعلاَ لا يجمع على فعالى كما توهم، وقيل: إن عيسى عليه الصلاة والسلام ولد في بيت لحم بالمقدس ثم سارت به أمّه إلى مصر ولما بلغ اثنتي عشرة سنة عادت به إلى الثام وأقامت بقرية يقال لها ناصرة وقيل: نصرايا وقيل: نصرا، وقيل: نصرانة، وقيل: نصران، فسمي من معه باسمها إن كان نصران أو نح! مرانة أو أخذلهم اسم من اسمها إن لم يكن كذلك وقال السيرافي النصارى: جمع نصريّ كمهريّ ومهارى حذفت إحدى ياءيه وقلبت الكسرة فتحة للتخفيف فقلبت الياء ألفاً هذا عند الخليا! وعند سيبوبه رحمه الله أنه جمع نصران لأنه جاء في المؤنث نصرانة قال: فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف واذا كان المؤنث نصرانة فالمذكر نصران أص. ثم إنّ قوله ضربت عليهم الذلة الخ استطراد بعد ذكر النعم التي يجب شكرها وهو مما ينبههم للشكر لو خامة عاقبة الكفران، وفي كتب الفروع اختلف في تفسير الصأبئة فعندهما هم عبدة الأوثان وأنهم يعبدون النجوم وعند أبي حنيفة رحمه الله ليسوا بعبدة أوثان وإنما يعظمون النجوم كما تعظم الكعبة، وعليه بني الاختلاف في النكاح، ثم اختلف في لفظه فقيل: غير عربيّ، وقيل: عربيّ من صبأ بالهمز إذا خرج أو من صبا معتلاً بمعنى مال لخروجهم عن الدين الحق وميلهم إلى الباطل فقراءة الصابين بالياء إمّا على الأصل أو الإبدال للتخفيف وكونهم بين النصارى والمجوس وقع في غيره بين اليهود والمجوس، وفي آخر بين اليهود والنصارى، والمراد أنّ ما يدينون به مشابه لهؤلاء الفريقين أو أنّ ديئهم وقع بين زماني الدينين وهو الظاهر واختلف في قبلتهم فقيل: الكعبة وقيل: مهب الجنوب، وقيل: إنهم موحدون يعتقدون تاثير النجوم ويقرّون ببعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل هم من المانوية. قوله: (من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ الخ) وجه التخصيص قوله وعمل صالحا فإنّ من لم يكن على دين صحيح لا يكون له عمل صالح وإنما لم يلتفت الزمخشريّ إلى هذا الوجه لأنه رأى أنّ الصابئين ليسوا من أهل الكتاب فلم يصح أن يقال: من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ، والمصنف رحمه الله تعالى لما نقل كونهم على دين أمكن له هذا التفسير وظاهره أنّ المراد من كان نهم من هؤلاء الفرق على دين صحيح لم ينسخ، وقيل: المراد بالدين في قوله الدين الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 ينتسب إليه مخلصا كان أولاً فيتناول المنافق والمخلص من المسلمين وغيرهم، والمراد نسخ ذلك الدين كله أو بعضه كما في شريعتنا أو معنى قبل أن ينسخ أنه قبل النسخ وفيه نظر، وجعل الإيمان بالله كناية عن الإيمان بالمبدأ وما يتعلق به واليوم الآخر كناية عن المعاد. قوله: (عاملاَ بمقتضى شرعه) هو معنى قوله وعمل صالحا أي عاملاً به قبل النسخ، واختاره المصنف رحمه الله تعالى لأنه الموافق لسبب النزول، وهو أنّ سلمان رضي الله تعالى عنه ذكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم حسن حال الرهبان الذين صحبهم فقال صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم في النار فأنزل الله هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: " من مات على دين عيسى عليه الصلاة والسلام قبل أن يسمع بي فهو على خير ومن سمع بي ولم يؤمن بي فقد هلك " وذكره الراغب رحمه الله وقوله وقيل: هو مختار صاحب الكشاف وضعفه بعدم المطابقة لسبب النزول ولأنّ التخصيص خلاف الظاهر وفيه نظر، وعلى هذا فالمراد من أخلص إيمانه في زمانه اللائق به فله أجر الخ. وقوله: فلهم عائد على من باعتبار معناه بعدما عاد عليه باعتبار لفظه ولا خلاف في هذا إنما الخلاف في عكسه والصحيح جوأزه كما مرّ وقوله الذي وعد الله الخ فيه إشارة إلى أنهم إنما يستحقون ذلك بمحض كرمه تعالى ولكن تسميته أجر العدم تخلفه. قوله: (حين يخاف الكفار الخ) هذا يؤخذ من تخصيصه بنفي الخوف عنهم وتقديم الضمير وخصه بالآخرة لأنه حينئذ يتبين فيه ذلك، وأمّا في الدنيا فلا يخلو اً حد عنه، ولما كان الخوف أشد من الحزن خصه بالكفار فلا يقال: لم خص الخوف بالكفار والحزن بالمقصرين ولا وجه للتذصيص بهؤلاء فتأمّل. وقوله: عند ربهم إشارة إلى أنه لا يضيع لأنه عند حفيظ أمين. قوله: (ومن مبتدأ الخ) جوّزوا من أن تكون شرطية وخبرها فيه خلاف هل هو الشرط أو الجزاء أو هما وأن تكون موصولة مبتدأ وفلهم الخ خبره أو بدل من اسم إنّ وقوله فلهم أجرهم الخ خبران، ويجوز دخول الفاء في خبر الموصول والموصوف بفعل أو ظرف لتضمته معنى الشرط لكن إذا دخلت عليه أنّ اختلف في جواز دخولها فجوّزه بعضهم ومنعه آخرون لأنّ أن لا تدخل على أسماء الشرط لأنّ لها صدر الكلام ونحو: إن من يدخل الكنيسة يوماً يلق فيها جآذرا وظباء ضرورة أو مؤوّل ورد بأنه ورد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} [سورة البروج، الآية: 0 ا] الآية وأنه لا يلزم من امتناعه في اأصثمرط الحقيقي امتناعه في المشبه به وأجيب بأنّ الفاء زائدة ورذ بأن من لا يقول بزيادة الفاء في مثله وبأنّ الخبر مقدر وهذا معطوف عليه لا يسلمه وقال أبو حيان رحمه الله: الذي نختاره أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم إنّ فيصح إذ ذاك المعنى وكأنه قيل: إنّ الذين آمنوا من غير الأصناف الثلاثة ومن آمن من الأصناف الثلاثة فلهم أجرهم وقال الشارح المحقق: ما ذكر من كون من مبتدأ خبره فلهم يشعر بأنه جعلها موصولة إذ الشرطية خبرها الشرط مع الجزاء لا الجزاء وحده اص. وفيه نظر وقوله من كان منهم إشارة إلى تقدير العائد وليس دخول الفاء في خبر أن لتضمن من معنى الشرط بل لتضمن الموصول الأوّل حتى يقال: إنّ النحاة لم يقولوا إنّ من مصحح دخول الفاء في الخبر تضمن المبدل منه معنى الشرط وان قال به جار الله مع أنهم صرحوا به في الموصوف نحو: {إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [سورة الجمعة، الآية: 8] ولا فرق بينه وبين البدل بل هو أولى منه لأنه المقصود بالنسبة وهو بدل بعض لأنهم بعض هؤلاء الذوات ولا يلزم اتحادهم في الصفات. قوله: ( {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} الخ الم يقل مواثيقكم لأنه كان عهداً واحداً واختلف في هذا الميثاق هل كان قبل رخ الطور بالانقياد لموسى عليه الصلاة والسلام وتبول ما يأتي به ثم لما نقضوه رفع فوقهم الطور لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ} أو كان معه، والطور كل جبل أو جبل منبت وهو سرياني معرب وقوله: كبرت عليهم أي شقت وظلله بمعنى جعله فوقهم مرتفعا منفصلاً عن الأرض كالظلة قيل: فكانه حصل لهم بعد هذا القسر والإلحاء قبول واذعان اختياري أو كان يكفي في الأمم السابقة مثل هذا الإيمان ا!. ويرد. ما في التيسير عن القفال أنه ليس جبرا على الإسلام لأنّ الجبر ما سلب الاختيار ولا يصح معه الإسلام بل كان إكراها وهو جائز ولا يسلب الاختيار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 كالمحاربة مع الكفار وأمّا قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة، الآية: 256] وقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [سورة يونس، الآية: 99] فقد كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ به، وقوله: على إرادة القول أي قلنا خذ أو قائلين خذوا وقوله: بجدّ وعزيمة أي على تحمل مشاقه وهو حال. قوله:) ادرسوه الخ) يشير إلى أنه يحتمل الذكر اللساني والقلبي والأعم منهما وما يكون كاللازم لهما والمقصود منهما أعني العمل وفي نسخة وتفكروا وفي أخرى أو تفكروا. قوله: (لكي تتقوا الخ) قد مر تفصيله والمراد هنا أنّ لعلكم تتقون إن كان تعليلا لقوله خذوا أو اذكروا كان على حقيقته لأنه راجع إليهم ويجوز منهم الترجي وان كان تعليلاً لقلنا المقدر يكون تعليلاَ لفعل الله وهو وان جوّز بالحكم كما مرّ لكن تأويله بالإرادة بناء على مذهب المعتزلة في جواز تخلفها عن المراد كما مرّ، ويجوز أن يتعلق به على تأويله بالطلب فالتخصيص ليس بذاك وبجوز أن يتعلق إذا أوّل بالإرادة بخذوا أيضا على أن يكون قيداً للطلب لا للمطلوب فتأمّل. قوله:) ثم توليتم الخ) يفهم منه أنهم امتثلوا الأمر ثم تركوه وأصل الإعراض الإدبار المحسوس ثم استعمل في المعنوي كعدم القبول والخبر عن أحوالهم انتهى، عند قوله بعد ذلك كما قاله الإمام رحمه الله والفضل الزيادة في الخير والأفضال الإحسان فتفضل الله هنا إن كان على من سبق منهم فهو بقبول التوبة وان كان على من خلفهم من المخاطبين بنعمة الإسلام والقرآن وارسال محمد صلى الله عليه وسلم، واليه أشار بقوله أو بمحمد صلى الله عليه وسلم وقوله: يدعوكم الخ راجع إلى الفضل والرحمة وقيل: إنه لف ونشر ولا دليل عليه والخسران ذهاب رأس المال أو نقصه واليه أشار بتفسيره بالمغبونين والمراد هلاكهم بالانهماك في المعاصي، وهو ناظر إلى تفسير الفضل بالتوفيق للتوبة، وقوله: أو بالخبط الخ ناظرا إلى قوله أو بمحمد صلى الله عليه وسلم الخ. قوله: (ولو في الأصل الخ) اختلف في لولا هل هي مركبة من لو الامتناعية ولا النافية فتكون نفى نفي يقتضي الإثبات أو كلمة بسيطة وضعت لامتناع شيء لوجود آخر وأنّ الاسم الصريح أو المؤوّل الواقع بعدها مبتدأ يجب حذف خبره مطلقاً أو إذا كان كوناً عاما أو فاعل فعل مقدر كوجد وثبت والكلام عليه مبسوط في النحو، وما ذكر. المصنف رحمه الله هو مذهب البصريين والخبر عندهم واجب الحذف على المختار ولكنتم جوابها ويكثر دخول اللام عليه إذا كان موجبا وقيل: إنه لازم إلا في الضرورة وقوله: لدلالة الكلام بيان لمصحح حذفه، ولسد الخ بيان لموجبه. قوله: (اللام موطئة للقسم الخ) قيل: إنه سهو والصواب واللام لتقدير القسم أي والله لقد علمتم، إذ اللام الموطئة ما تدخل على شرط نازعه القسم في جزائه ليجعله جواباً للقسم نحو والله لئن أكرمتني لقد أكرمتك ولك أن تقول إنّ هذا اصطلاج للنحاة والمصنف رحمه الله تجوّز بها عن اللام الواقعة في جواب قسم مقدر لأنه لولاها لم يعلم أنّ في الكلام قسما مقدراً فقد مهدت له الجواب ولذا تسمى ممهدة ومؤذنة وسيأتي في كلام الزمخشريّ نحوه وقيل: إنها لام ابتدائية وعلمتم هنا بمعنى عرفتم يتعدى لواحد أي عرفتم أصحاب السبت وما أحللن بهم من النكال فلو شئنا لفعلنا بكم مثله. قوله: (والسبت مصدر سبتت اليهود الخ) تعظيمهم له بترك العادة والاشتغال بالعبادة بالانقطاع إلى الله فالمعنى على ما قال القرطبي في يوم السبت، ويحتمل أن يريد في حكم السبت فالمعنى في تعظيم يوم السبت قيل: والأوّل قول الحسن والثاني هو الأحسن لأنّ الاعتداء والتجاوز ما ذكر لم يقع في يوم السبت بل وقع في حكمه إلا أن يقال: إنهم فعلوا ذلك زمانا فلم ينزذ عليهم عقوبة فاستبشروا وقالوا قد أحل لنا العمل في السبت فاصطادوا فيه كما روي فيصح جعل يوم السبت ظرفا للاعتداء وقوله: وأصله القطع لقطع الأعمال فيه، وقيل: إنه من السبوت وهو الراحة والدعة قيل: وفي قوله مصدر سبتت اليهود نظر فإنّ هذا اللفظ واشتقاقه موجود قبل فعل اليهود اللهم إلا أن يريد هذا السبت الخاص المذكور في الآية ولا وجه له فإنه كان في زمن موسى عليه السلام وتسمية العرب لها بهذه الأسماء حدث بعد عيسى عليه السلام وأسماؤهم قبل ذلك غير هذا وهي التي في قوله: أؤمل أن أعيش وأنّ يومي بأوّل وبأهون أو جبار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 أو التالي دبار فإن أفيه فمؤتس! أو عروبة أوشيار قوله: (أمروا أن يجرّدوه للعبادة الخ) قيل: إن موسى عليه الصلاة والسلام أراد أن يجعل يوماً خالصا للطاعة وهو يوم الجمعة فخالفوه وقالوا نجعله يوم السبت لأنّ الله تعالى لم يخلق فيه شيئا فلما اختاروه لترك سائر الأعمال نهوا فيه عن الاصطياد والعمل وأيلة قرية واسم بيت المقدس إيليا، والخرطوم كزنبور ما ضم عليه الحنكان. قوله: (وشرعوا فيها الجداول) وفي نسخة إليها قال المحقق قيل: معنى شرعوا لظهورها من شرع من الدين كذا بين ولا يخفى بعده، وقيل: جعل الجدول كالشارع المنتهى إليه وليس من اللغة والأحسن أشرعوا من شرع الباب إلى الطريق وأشرعته وشرع المنزل إذا كان بابه على الطريق النافذ اهـ. (أقول) في مفردات الراغب أشرعت الرمح قبله وقيل: شرعته فهو مشروع اهـ. فالصواب أنه منه ومعنى شرعوا الجداول جمع جدول وهو القناة جعلوها متصلة بها ومواجهة لها من غير تغيير ولا تكلف وقيل: من قولهم شرع بابا إلى الطريق أي فتحه كما نقل عن الخليل رحمه الله (قلت) : وفي هذه الآية دليل على تحريم الحيل في الأمور التي لم تشرع كالربا وبها احتج مالك رحمه الله تعالى على ذلك إذ لا تجوز عنده، قال الكواشي: وجوّزها أكثرهم ما لم يكن فيها إبطال حق أو إحقاق باطل وأجابوا عن تمسكهم بأنها ليست حيلة وإنما هي عين المنهيّ عنه لأنهم إنما نهوا عن أخذها وفيه نظر وفي الكشاف فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم قيل: ذكره لتصحيح الظرفية في السبت للاعتداء، وتركه المصنف رحمه الله لأنه مستغني عنه إذ المعنى في حكم السبت فتأمل. قوله: (جا معين بين صورة القردة والخسوء الخ) إشارة إلى أنهما خبران إذ لو كان الخبر الأوّل والثاني صفة لقردة القيل خاسئة، وأما جعله كما في ساجدين على تشبيههم بالعقلاء أو باعتبار أنهم كانوا عقلاء فلا حاجة إليه ولأنّ القردة خاسئة ذليلة فلا حاجة لتوصيفها به فيكون المراد أذلاء عند الله، إذ قد يتوهم أنّ المسخ يكفي في عقوبتهم وقردة جمع قرد كفيلة وديكة وبفتح القاف وكسر الراء مثله، والخسوء الصغار أي الذلة والطرد، وبكون متعديا ولازما ومنه قولهم للكلب أخسأ وقيل: الخسوء كما في نسخة مصدر خسأ الكلب بعد، وأما ذكر الطرد فلاستيفاء معنى الخسوء لا لبيان المراد والا لكان الخاسئ بمعنى الطارد، وفي القاموس الخاسئ من الكلاب والخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من الناس. قوله: (قال مجاهد الخ (فيكون المقصود منه تشبيههم بالقردة والخنازبر كقوله: إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا كما يقال: أنت لا تقبل التعلم فكن حماراً أي اذهب وكن شبيه حمار والأمر مجاز عن التخلية والترك والخذلان كما في قوله عليه الصلاة والسلام: " اصنع ما شئت " وقد قرّره العلامة في تفسير قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا} [سورة العنكبوت، الآية: 66] ولكن قال ابن جرير وغيره إن قول مجاهد رحمه الله تعالى خلاف الصحيح المشهور عن المفسرين من أنه مسخ حقيقيّ وكانوا إذا سبوا اليهود قالوا لهم يا إخوة الخنازير وليس تحويل الصورة بأعظم من إنشائها. قوله: (كونوا ليس بأمر إذ لا قدرة عليه الخ) هذا بناء على أنه مسخ حقيقي ولم يبينه لشهرته وظهوره من النظم والأمر عليه ليس تكليفياً بل تكوينيا كما في قوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} [سورة يى، الآية: 82] وهو مجاز أيضا أي لما أردنا ذلك صار من غير امتناع ولا لبث وفيه إظهار عظمته ونفاذ أمره ومشيثته وقوله: بغير همز يحتمل إبدالها ياء وحذفها. قوله: (فجعلناها أي المسخة) المفهومة من السياق وجوّز رجوعه لكينونتهم وصيرورتهم قردة والنكال واحد الإنكال وهي القيود ونكل به فعل به ما يعتبر به غيره فيمتنع عن مثله قاله الراغب. قوله: (لما بين يديها وما خلفها لما قبلها الخ) يعني أنّ المراد بما بين يديها من يأتي بعدها كما يقال: فلان بين يديك أي يأتيك وبما خلفها من يتقدمها فكأنه قال نكالاً للآتين والماضين فظرفا المكان استعيرا للزمان وما أقيمت مقام من إما تحقيرا لهم في مقام العظمة والكبرياء أو لاعتبار الوصف فإن ما يعبر بها عن العقلاء إذا أريد الوصف، ومعنى قوله في زبر الأوّلين أي ذكر في كتبهم أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 تكون تلك المسخة فاعتبروا بها وصحت الفاء لأنّ جعلها نكالاً للفريقين جميعا إنما يتحقق بعد القول والمسخ. قوله: (أو لمعاصريهم الخ) وهذا ظاهر، والتوجيه للظرفية وما جار فيه أيضاً لأنّ اللفظ ينبئ عن القرب وكون الجهة مداننة لجهة من أضيف إليه اليد وقد رجحوا هذا التفسير، وقالوا: إنه هو المنقول عن السلف كابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (أو لما بحضرتها) هذا هو الصحيح من النسخ ووقع في بعضها بحضورها ويحضرها وكأنه من النساخ، وهذا أيضا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما والظرفية مكانية حينئذ والظاهر أن المراد من القرى أهلها وأنّ ما بمعنى من أيضا وقيل: إنها على هذا الوجه عام للعقلاء وغيرهم وأبلغ من الأوّل لما انضم إليه من الآثار وغيرها ولا فرق بين هذا والذي بعده إلا بالأتربية والأبعدية. قوله: (أو لآجل ما تقدّم عليها من ذنوبهم الخ) فتكون اللام للتعليل وهي في الوجوه السابقة صلة لنكالاً قيل: النكال على هذا بمعنى العقوبة لا العبرة أي جعلنا المسخة عقوبة لأجل ذنوبهم المتقدمة على المسخة والمتأخرة عنها يعني السيئات الباقية آثارها والا فلا ذنب منهم بعد المسخ والحاصل أنّ المراد ما يكون بعد المسخة بحسث الثبات والبقاء لا الصدور والحدوث ولا يخفى أن قوله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة، الآية: 66] لا يلائم هذا المعنى فلذا لم يرتضه اهـ. وقيل: عليه أن ضمير عليها في قول المصنف ما تقدّم عليها للمعصية المعهودة وما تأخر عنها لها إذ لا معنى لرجوع الضميرين للعقوبة فإنهم ما بقوا مكلفين إلا على قول مجاهد رحمه الله ويوافقه ما في التيسير قيل ما بين يديها ما تقدم من سائر الذنوب قبل أخذ السمك وما خلفها ما بعدها، وقيل: هو عبارة عن كثرة الذنوب المحيطة بهم أوّلاً وآخرا. وقال أبو العالية رحمه الله: فجعلناها عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم فمراد المصنف وغيره بما تأخر منها ما تأخر من العقوبة على ذنوب غيرهم ويعضده ترك التخصيص بتأخير البيان بقوله من ذنوبهم واللام في للمتقين للتعليل أيضا فما اعترض به غير واحد وما وجه به وجه بارد، وأورد على المصنف رحمه الله أنّ مبني هذا التفسير على أن النكال بمعنى العقوبة كما أشار إليه في الكشاف فكأنّ المصنف رحمه الله غافل عنه أو نقول يلغي القيد المذكور في قوله تنكل فيه لكن يأباه تفسيره بتمنعه اص. ولا يخفى ما فيه من التكلف وتفكيك الضمائر فالحق ما ارتضاه الفاضل تبعا لصاحب الكشف. قوله: (أول هذه القصة الخ (هذا ملخص ما في الكشاف لكنه هذبه لما فيه من الاختلاف الباعث إلى القيل والقال، وحاصله أنّ القصة لم تقتص على ترتيبها المتبادر إذ كان الظاهر أن يقال قال موسى عليه الصلاة والسلام إذ قتل قتيل تتوزع في قاتله إن الله يأمر بذبح بقرة هي كذا وكذا وأن يضرب ببعضها ذلك القتيل فيحيا ويخبر بقاتله فيكون كيت وكيت وأجاب المصنف رحمه الله بأنه فك بعضها وقدم لاستقلاله بنوع من مساويهم التي قصد نعيها عليهم وقد وقع في النظم من فك التركيب والترتيب ما يضاهيه في بعض القصص وهو من المقلوب المقبول لتضمنه نكتاً وفوائد، وقيل: إنه يجوز أن يكون ترتيب نزولها على موسى عليه الصلاة والسلام على حسب تلاوتها بأن يأمرهم الله بذبح البقرة ثم يقع القتل فيؤمروا بضرب بعضها لكن المشهور خلافه (أقول) : الحق أنّ قصة البقرة لما كانت متضمنة لأمور عجيبة وآيات باهرة ولذا سميت السورة بها أراد تعالى ذكرها مرّتين على وجه يتضمن كل من الذكرين فوائد ومقاصد يخرجها عن التكرار، وزاد ذلك بأن حذف من كل ذكر وطوى فيه ما يدل عليه الآخر على طريقة الاحتباك حتى يتأسس الكلام ويرتبط النظام، ويأخذ بعضه بحجز بعض فطوى من الأولى بعضها إذ تقديره قال موسى عليه الصلاة والسلام وقد قتل قتيل وقع فيه التنازع إنّ الله يأمرهم أن تذبحوا بقرة تضربوه ببعضها فيحيا ويخبر بقاتله قالوا أتتخذنا هزوا الخ إذ مجرّد الأمر بذبح بقرة وتقريب قربان لا استهزاء فيه فذكر الاسنهزاء ناشر لما طوى وأضمر في قوله فقلنا اضربوه ببعضها حين ثنيت القصة فقلنا اذبحوا بقرة موصوفة بما عرفتم فاضربوه ببعضها يحي الخ. وهذا معنى قول الكشاف كل ما قص من قصص بني إسرائيل إنما قص تعديداً لما وجد منهم من الجنايات وتقريعاً لهم عليها ولما جدد فيهم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الآيات العظام وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وان كانتا متصلتين متحدتين فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتغ ذلك، والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما يتبعه من الآية العظيمة وإنما قدّمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب الغرض! في تثنية التقريع وقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله: اضربوه ببعضها حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة وتحقيق مراده على هذا المنوال مما لا مرية فيه وان لم يهتد إليه كثير من الفحول حتى قيل: لولا الفك والتقديم لم يحصل الفرض فإن قتل النفس بغير نفس والاختصام فيها من قبيل ما سبق من الاعتداء في السبت فإنّ في كل منهما ارتكاب المنهيّ بخلاف الاستهزاء بأمر الله وروادفه، وما فعله المصنف رحمه الله أدق مما ذكره الزمخشريّ وبالقبول أحق، ويمكن أن يناقش فيما ذكره بمنع توقف تثنية التقريع على فك الترتيب فإنه يحصل بتكرير التذكير وموقع ما في القصة من الجنايات فتأمل. قوله: (وهو الاستهزاء بالأمر الخ الما سيأتي من قوله استخفافا به فلا يرد عليه أنّ المنقول عنهم في قوله أتتخذنا هزواً حمل الأمر على الاستهزاء لا الاستهزاء بالأمر وفرق بينهما. قوله: (وقصته الخ) في الكشاف كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتله بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب مدينة ثم جاؤوا يطالبون بديته الخ. وقيل عليه الصواب بنو عمه كما في التفاسير وكما قال بعد ذلك قتلني فلان وفلان لابني عمه ومنهم من غير العبرة إلى فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه أي الشيخ ويدفعه ما في آخر القصة ولم يورّث قاتلي بعد ذلك لأنهم لم يقتلوا المورّث أي الشيخ فقيل: ضمير يرثوه للابن ويكون قتل الابن بعد موت الثيخ، ورد بأنه لا معنى لذكر الشيخ حينئذ إذ صارت القصة أنه كان رجل موسر فقتله بنو عمه ليرثه واعتذر له بأنّ الشيخ كان مشهوراً بينهم بالغنى وهو يقتضي غنى ابنه الموجب للطمع وقيل: المعنى قتل ابن الشيخ بنو أخي الشيخ ليرثوا الشيخ إذا مات ويدفعه قضية لم يورث قاتل بعد ذلك وأنهم جاؤوا يطالبون بديته والمصنف رحمه الله قصد إصلاحه فغيره لما ذكر وقوله: بدمه ظاهر في أنه بعد موت الشيخ وفاء فقتل فصيحة أي فمات فقتل ابنه والمراد بالميراث ميراث الشيخ لعدم تصرّف ابنه يخيه وذكر الشيخ لبيان سيب قتل ابن عمهم فتأمل والبقرة الأنثى والذكر الثور من بقر الأرض شقها بالحراثة وقيل: عامّ للذكر والأنثى، واستدل بالآية على أنّ الذبح فيها أحسن من النحر بخلاف الإبل. قوله: (أتتخذنا هزؤا الخ) الاتخاذ كالتصيير والجعل يتعدّى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وقرئ بالتاء خطابا لموسى عليه الصلاة والسلام وبالياء فالضمير لله أي أنخبرك أنّ رجلا قتل فتأمرنا بذبح بقرة إن لم يكن ذكر الإحياء بضربها أو أيمكن ذلك فأنت تستهزئ بنا ولما كان لإفراده وكونه اسم معنى لا يقع مفعولاً ثانيا لضمير الجمع بدون تأويل أشار إلى تأويله بقوله مكان هزؤ الخ فهو إمّا بتقدير مضاف أي مكان أو أهل أو بجعل الهزؤ بمعنى المهزوء به تسمية للمفعول به بالمصدر أو بجعل الذات نفس المعنى مبالغة نحو رجل عدل، ويرجع مكان هزؤ إلى المبالغة فيه بطريق الكناية وقوله: استبعاداً لما قاله واستخفافا به تعليل لقالوا أتتخذنا والاستبعاد والاستخفاف مأخوذان من الاستفهام أي أتسخر بنا فإنّ جوابك لا يطابق سؤالنا ولا يليق، ولا يخفى أنه يشعر بالاستخفاف فلا يتوهم أنه يأباه انقيادهم له فإنه بعد العلم بأنه جذ وعزيمة وقرئ بالضم على الأصل والتسكين للتخفيف وإبدال الهمزة المضموم ما قبلها واواً على القياس كما قرئ كفوا وكلها من السبعة. قوله: (لأنّ الهزؤ في مثل ذلك الخ) أي مقام التبليغ والإرشاد والجواب عما رفع إليه من القضية بخلاف مقام الاحتقار والتهكم مثل: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} والهزؤ ليس هو المزح والفرق بينهما ظاهر فلا ينافي وقوعه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتوله: جهل وسفه عطف تفسير لأنّ الجهل كما قال الراغب: له معان عدم العلم واعتقاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسداً وهو المراد هنا. قوله:) نفى عن نفسه ما رمى به على طريقة البرهان الخ) يعني طريقة الكناية حيث نفى عن نفسه أن يكون داخلا في زمرة الجاهلين وواحداً منهم لأن أن أكون من الجاهلين أبلغ من أن أكون جاهلاً لأنّ معناه كائن من زمرة معروفة بذلك الوصف وأن أكون جاهلا أبلغ من أن أجهل فبين أنّ الهزؤ في هذا المقام جهل وأنا لا أجهل فكيف أهزؤ ولذا صدره بالاستعاذة لاستفظاعه وعده فظيعا شنيعا يستعاذ منه بالله كما هو المعروف من إيراده في أثناء الكلام، وقوله: أح الخ أي سله لأجلنا يبين لنا، فيبين مجزوم في جواب الأمر أي يظهر لنا ما هي. قوله: (أي ما حالها وصفتها وكان حقه الخ) قال المحقق ما تكون سؤالاً عن مدلول الاسم أو حقيقة المسمى أو وصفه مثل ما زيد وجوابه الفاضل أو الكريم أو نحو ذلك كما صرّح به الزمخشريّ والسكاكيّ، والأوّلان معلومان فتعين الثالث لأنهم سمعوا لها صفة من إحياء الميت ليست من جنسها فتعجبوا وسألوا عن حالها وصفتها فإن كانت معينة كما هو رأي البعض فظاهر لأنه استفسار لبيان المجمل والا فلمكان التعجب وتوهم أنّ مثلها لا يكون إلا معينا، وقد تقرّر في بعض الأذهان أنّ كلمة ما إنما تكون سؤالاً عن الاسم والحقيقة وأنّ السؤال عن الصفة إنما يكون بكيف أو أني فزعموا أنّ ما ههنا أقيمت مقام كيف أو أني إيماء إلى أنها كأنها نوع أو فرد مخصوص لها أوصاف خارجة عما عليه جنس البقر اص. ملخصاً. وقول المصنف رحمه الله ما حالها إشارة إلى أنه قد يسئل بها عن الوصف، ولذا قال: غالباً لكن بين نكتة العدول عن الغالب فقوله: كان حقه أن يقولوا أيّ بقرة لأنّ أيا يسئل بها عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما، وكيف للسؤال عن الحال لكنهم لما رأوا ما أمروا بذبحه لإحياء الميت بضربه ببعضه لم يوجد بها أي بتلك الحال شيء من جنسه سألوا عن الحال بما يسئل به عن الحقيقة في الغالب لعدم مثله وزاد قوله إنه يقول إشارة إلى أنه من الله لا من عند نفسه، ولا فارض! ولا بكر صفة بقرة واعترض لا بين الصفة والموصوف نحو مررت برجل لا طويل ولا قصير، وأخبر مبتدأ محذوف أي هي وكرّرت لوجوب تكريرها مع الخبر والنعت والحال، ولا يجوز عدم التكرار إلا في ضرورة خلافا للمبزد وابن كيسان كقوله: قهرت العد إلا مستعينا بعصبة ولكن بأنواع الخدائع والمكر والفارض المسنة الهرمة من فرض بمعنى قطع إفا لأنها فرضت سنها أو لقطعها الأرض بالعمل أو لأنها من فريضة البقر في الزكاة يخهو إسلاميئ، والبكر ما لم تحمل أو ما ولدت بطناً واحدأ أو ما لم يطرقها فحل وأصل الماذة يدل على الأوّلنة كما ذكره المصنف رحمه الله وهو ظاهر والفتية الحديثة السن كالفتاة في النساء وفرضت بفتح الراء وضمها. قوله:) نصف الخ (النصف بفتحتين المرأة المتوسطة الست فهو من قبيل المشفر والعوان قال الجوهرقي: النصف في سنها من كل شيء وإنما ذكره لدفع توهم أنها جنين أو جفرة وقوله نواعم الخ هو من شعر للطرماج وهو: ظعائن كنت أعهدهن قدما وهق لدى الإقامة غير خون حسان مواضع النقب الأعالي غراث الوشح صامتة البرين طوال مثل أعناق الهوادي نواعم بين أبكار وعون والهوادي الظباء وبقر الوحش، والنواعم اللينة الملمس وذلك وإن كان مفرداً أشير به لمتعدّد مؤوّل بما ذكر كما مرّ ولذا صح إضافة بين إليه لأنه لا يضاف إلا لمتعدّد. قوله: (وعود هذه الكنايات الخ) قيل: لا خلاف في أنّ ظاهر اللفظ في أوّل الأمر بقرة مطلقة ولا في أنّ الامتثال في الآخر إنما وقع بمعينة وإنما هو في أنّ المأمور به في أوّل الأمر معينة وأخر البيان عن وقت الخطاب أو مبهمة لحقها التغيير إلى المعينة بسبب كثرة سؤالهم ذهب بعضهم إلى الأوّل تمسكاً بأنّ الضمائر في أنها بقرة كذا وكذا للمعينة فكذا في السؤال. قيل: ورجحه المصنف خلافاً للزمخشريّ، ولذا قدمه وذكر متمسك قائله وعبر فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 بالدلالة وفي الآخر بالزعم ولم يذكر له متمسكاً، وأجيب عما ذكره بأنهم لما تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا ظنوها معينة خارجة عما عليه صفة الجنس فسألوا عن حالها وصفتها فوقعت الضمائر لمعينة بزعمهم فعينها الله تشديداً عليهم وان لم تكن من أوّل الأمر معينة، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر. قوله: (ومن أنكر ذلك رّعم أنّ المراد بها بقرة من شق البقر الخ) شق بالكسر أي من جانبها ونوعها من غير تعيين، وفي الأساس خذ من شق الباب أي عرضه ولا تختر أي أنّ المأمور به غير معينة بحيث يحصل الامتثال بذبح أيّ بقرة كانت تمسكاً بظاهر اللفظ لقوله عليه الصلاة والسلام: " لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم " وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله عنهما لكن لفظ المروي: " لو ذبحوا أيّ بقرة أرادوا لأجزأتهم ولكن شدّدوا على أنفسهم فشدّد الثه عليهم " أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً، وبه يشعر قوله فافعلوا ما تؤمرون قبل بيان اللون، وقوله: ثم انقلبت الخ. جواب عن تمسك القائلين بالتعيين بأنه دل عليه السياق، ووقع الاتفاق على أنه لم يرد أمر متجدّد غير الأوّل يكون به امتثالهم وإنما الامتثال بالأمر الأوّل فلزم أن لا يكون منسوخا وأن يكون أمراً بذبح المعينة لظهور أنّ الامتثال لم يقع إلا بالمعينة، وتقريره إنا لا نجعل نسخ الأمر الأوّل وانتقال الحكم إلى المخصوصة مبنياً على ارتفاع حكمه بالكلية حتى يحتاج إيجاب المخصوصة إلى أمر متجدد بل على أنه كان متناولاً لها ولغيرها بمعنى حصول الامتثال بأقي فرد كان فارتفع حكمه في حق ما عداها وبقي الامتثال بذبحها خاصة فكان ذبحها امتثالاً للأمر الأول ولم يكن هذا منافيا لنسخ الأمر الأوّل في الجملة ولا موجبا لكون المراد به أوّلاً ذبح المعينة ويلزمه النسخ حيث ارتفع الإجزاء بأيّ فرد كان والتخصيص في عبارته بمعنى التقييد لا القصر ولا الاصطلاحيّ لأنه مطلق لا عامّ، وقوله والحق جوازهما أي جواز تأخير البيان عن الخطاب فإنّ الممتنع تأخيره عن وقت الحاجة على الصحيح وليس هذا منه فإنه لا دليل على أنّ الأمر هنا للفور حتى يتوهم ذلك وكذلك النسخ قبل الفعل جائز بل واقع كما في حديث: " فرض الصلاة خمسين في المعراج ". وقد نص عليه السهيليّ في الروض! ، وإنما الممتنع النسخ قبل التمكن من الاعتقاد بالاتفاق، وقبل التمكن من الفعل عند المعتزلة وفيه نظر وأيده بتقريعهم بالتمادي وزجرهم عن المراجعة قبل بيان اللون وكونها مسلمة غير مذللة وقوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} وقيل: إنه دليل على أنه اختار القول الثاني ولم يجعل الحديث دليلا لأنه خبر واحد لا يعارض الكتاب وان كان صريحا فيه. قوله: (فافعلوا ما تؤمرون أي ما تؤمرونه بمعنى ما توّمرون به الخ) تأكيد للأمر وتنبيه على ترك التعنت وقوله: ما تؤمرونه إشارة إلى أنّ ما موصولة والعائد محذوف قال المحقق قد يتوهم أنه مثل لا تجزي نفس عن نفس شيئا في حذف الجارّ والمجرور دفعة، أو تدريجاً أو أنه من قبيل التدريج حيث حذف الباء أوّلاً ثم الضمير، والظاهر من العبارة أنه من قبيل حذف المنصوب من أوّل الأمر لأنّ حذف الجارّ قد شاع في هذا الفعل وكثر استعمال أمرته كذا حتى لحق بالأفعال المتعدية إلى مفعولين وصار ما تؤمرون في تقدير ما تؤمرونه، ولذا جعل ما تؤمرون به هو المعنى دون التقدير وأمّا جعل ما مصمدرية والمصدر بمعنى المفعول أي المأمور بمعنى المامور به فقليل جداً وإنما كثر في صيغة المصدر اهـ. وهذا الأخير هو معنى قول المصنف رحمه الله أو أمركم الخ ولما فيه أخره وهو يخالف قول الطيبيّ رحمه الله أنّ الأمر لا يستعمل إلا بالباء وقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مط ل وذا نشب قيل: قائله عباس بن مرداس وقيل: خفاف بن ندبة، وقال الآمديّ رحمه الله: أرى من الشعراء شاعرا يقال له الأعثى غير الأعشى المشهور وهو من بني فهم حلفاء بني سليم وهو القائل: يا دارأسماء بين السفح فالرحب أقوت وعفى عليها ذاهب الحقب إني حويت على الأقوام مكرمة قدماً وحذرني ما تتقون أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وقال لي قول ذي علم وتجربة بسالفات أمور الدهر والحقب أمرتك الرشد فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب أي أمرتك بالخير بدليل ما أمرت به وذا مال أي ذا إبل وماشية لأنه يخص بها في كلام العرب والنشب المال الأصيل وهو اسم يجمع الصامت والناطق والنشب بشين معجمة وموحدة بعد النون، وروي بسين مهملة. قوله: (الفقوع نصوع الصفرة (أي خلوصها وأصل معناه شدة البياض يقال: أبيض ناصع وأريد به هنا مطلق الخلوص، والحلكة شدة السواد وليس المراد بالتأكيد هنا ا! كيد الاصطلاحيّ بل النعت المؤكد كلمس الدابر، وقوله: في إسناده إلى اللون الخ يعني أنه صفة سببية ولونها فاعل لا مبتدأ كما يتبادر إلى الوهم، كذا قيل: ولا مانع منه وقد جوّز أبو البقاء رحمه الله وتكون الجملة صفة نعم لا يصح جعله فاعل صفراء لتأنيثها واكتسابه التأنيث من المضاف إليه خلاف الظاهر وتسرّ صفة صفراء وجوّز كونه صفة لونها وهو بعيد لفظا ومعنى، وإنما أوثر ذلك على صفراء فاقعة لما فيه من المبالغة لأنه من قبيل جد جدّه وحن حنوته حيث أثبت للون صفرة وهو ظاهر. قوله ة (وعن الحسن رحمه الله سوداء شديدة السواد الخ الا يخفى أنه خلاف الظاهر والصفرة وإن استعملتها العرب بهذا المعنى نادرا كما أطلقوا الأسود على الأخضر لكنه في الإبل خاصة كقوله: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [سورة المرسلات، الآية: 33] لأنّ سواد الإبل تشوبه صفرة وتأكيده بالفقوع ينافيه لأنهم قالوا أسود حالك وأحمر قان وأبيض ناصع وأخضر ناضر وأصفر فاقع ففرقوا بينها بالأوصاف، وهذا هو المشهور في اللغة إلا أنه قال في كتاب اللمع يقال: أصفر فاقع وأحمر فاقع وبقال في الألوان كلها فاقع وناصع إذا خلصت اهـ. فعليه لا يرد ما ذكر وكون الأصفر بمعنى الأسود قاله أبو عبيد رحمه الله في غريبه وابن قتيبة واستشهد له بما ذكر. وقال البصريّ في كتاب التنبيهات: فيه غلطان، أحدهما: أنّ الإبل لا توصف بالسواد وإنما يقال حمر النعم وصفر النعم والسود منها مذمومة، والثاني أنّ الزبيب أسود وأصفر والذي ذكره الأعشى الثاني وقال أبو يوسف رحمه الله: الأصفران الورس والزبيب ولكته سمع قول الأصمعيّ الألوان عند العرب لونان أبيض وه، سواه أسود فلم يفهم لأنّ عنده الألوان كلها ترجع لما ذكر اهـ. وقال أبو رياس: هو غلط وأين هما عن قول ذي الرمة: وجيد ولبات نواصع وضح إذا لم يكن من نصح حارثة صفرا قوله: (قال الأعشى الخ) هو من قصيدة يمدح بها قيس بن معد يكرب وضمير منه يعود له هو مذكور في قوله فبله: إنّ فيساً قيس الفعال أبا الأف حث أمست أصداؤه لشعوب وتلك مبتدأ وخيلي خبره ومنه حال أي حاصله من الممدوح، والركاب التي تركب واحدتها راحلة ولا واحد لها من لفظها والتشبيه بالزبيب علم في الوصف بالسواد وكون البعض من الزبيب أصفر وأحمر لا يدفع ذلك وحمل الصفر في البيت على الظاهر وجعل كالزبيب خبراً عن الأولاد يعني أنها صفر أولادها سود احتمال بعيد لا يحسن إلا بالعاطف أي وأولادها كذا قيل: ردّا على ما في الكشف وفيه نظر لأنه إذا جعل الجملة صفة لصفر سببية لا يتأتى فيه الواو، ولا مانع منه نعم ردّه الأوّل مسموع وكذا ما قاله من أنه على هذا القول استعيرت الصفرة للسواد وكذا فاقع لشديد السواد وهو ترشيح ويجعل سواده من جهة البريق واللمعان ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقوله: لأنها من مقدماته إذ أكثر في النبات والثمار أنها تسودّ بعد اصفرارها فيكون إطلاق الأصفر على الأسود باعتبار ما كان عليه فمن قال في تفسير قوله من مقدماته أنه صار بالآخرة إليه فيكون مجازاً باعتبار ما يؤول إليه فقد سها فتأمّل. وقوله تعلوه صفرة قيل: فهو من ذكر المحل وارادة الحال، والسرور الفرح بحصول النفع ونحوه كدفع الضرر وتوقعهما واستعماله بمعنى الإعجاب للزومه له غالبا مجاز، وأخذ. من السرّ لأنه انشراح في الصدر أو لذة في القلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 فمبدؤه كالسرّ ومن قرأ السرور بالفتح مصدر سرّ والسرّ بالضم فقد تعسف وأتى بما لا فائدة فيه، وما هي ما استفهام عن الحال كما مرّ خبر أو مبتدأ أو الجملة في محل نصب يبين لأنه معلق عنها وجاز فيه ذلك لشبهه بأفعال القلوب والمعنى يبين لنا جواب هذا السؤال وكونه تكريراً بحسب الظاهر وهو معنى أنه كرّر عبارته لأنه سؤال عن الموصوف بالأوصاف السابقة طلبا لزيادة البيان وقوله اعتذار عنه أي عن تكرير السؤال، قيل: وقيد السؤال بالأوّل تنبيهاً على أنّ السؤال الثاني يخالف الأوّل لأنه عن اللون والأوّل مطلق وجعله مكرّرا كما في الكشاف لأنّ اللون من جملة الصفة وداخل فيها ومنه يعلم وجه تقييده بالأوّل لأنه مثله في الإطلاق فلا يرد ما قيل: إنه لا وجه له، واستكشاف زائد على التوصيف وجعله مضافا إليه على معنى أمر زائد خلاف الظاهر. قوله: (إنّ البقر الخ) قال الواحديّ رحمه الله: البقر جمع بقرة أي اسم جنس جمعيّ يفرق بينه وبين واحده بالتاء ومثله يجوز تذكيره وتأنيثه نحو نخل منقعر والنخل باسقات وقالى القرطبيّ رحمه الله: التشابه مشهور في البقر وفي الحديث: " فتن كوجوه البقر) أي يشبه بعضها بعضا، والباقر اسم جمع كالحامل والسامر ويجمع أئضاً على باقور وبواقر كأنه جمع باقرة وأباقر جمع على خلاف اللفظ. قوله: (ويتشابه بالياء والتاء الخ) في الدرّ المصون تتشابه بتاءين على الأصل وتشبه بتشديد الشين والباء من غير ألف، والأصل تتشابه وتشابهت ومتشابهة ومتشابه ومتشبه على اسم الفاعل من تشابه وتشبه وقرئ تشبه ماضميا وفي مصحف أبيّ رضي إلله عنه تشابهت بتشديد الشين قال أبو حاتم هو غلط لأنّ التاء لا تدغم إلا في المضارع وهو معذور في ذلك، وقرئ تشابه كذلك إلا أنه بطرح تاء التأنيث ووجهها على أشكالها أن يكون الأصل أنّ البقرة تشابهت فالتاء الأولى من البقرة والثانية من الفعل فلما اجتمع مثلان أدغم نحو الشجرة تمايلت مع أنّ جعل التشابه في بقرة ركيك إلا أنه يشكل أيضا في تشابه من غير تأنيث لأنه كان يجب ثبوت علامة التأنيث إلا أن يقال إنه على حد قوله: ولا أرض أبقل أبقالها وابن كيسان يجوّزه في السعة. قوله: (إلى المراد ذبحها أو إلى القاتل) بيان لمتعلقه المحذوف وقوله وفي الحديث: " لو لم يستثنوا لم بينت لهم آخر الأبد " قال العراقي: لم أقف عليه، وقال السيوطي: أخرجه بهذا اللفظ ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا معضلاً، وأخرجه بنحوه سعيد بن منصور عن عكرمة مرفوعا مرسلاَ وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا موصولاً، قال المحقق: " لو لم يستثنوا لما بينت " أي البقرة يدل كون المعنى إنا لمهتدون إلى البقرة وكلمة: {إِن شَاء اللَّهُ} تسمى استثناء لصرفها الكلام عن الجغ م وعن الثبوت في الحال من حيث التعليق على ما لا يعلمه إلا الله وآخر الأبد كناية عن المبالغة في التأبيد والمعنى إلا الأبد الذي هو آخر الأوقات اص. وليس إطلاق الاستثناء على إن حأشية الشهاب / ج 2 / م 19 شاء الله والشرط اصطلاح الفقهاء لأنه يسقط لزوم ما يعتقده الحالف فصار بمنزلة الاستثناء الذي يسقط ما يوجبه اللفمل قبله كما قيل: لأنه ورد في " الحديث " وفي القرآن في قوله تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [سورة القلم، الآية: 17] قال في الكشاف: ولا يقولون {إِن شَاء اللَّهُ} فإن قلت لم سمى استثناء وإنما هو شرط، قلت لاً نه يؤدي مؤدي الاستثناء من حيث إنّ معنى قولك لأخرجت إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد فتأمّل. قوله: (واحتج به أصحابنا الخ) وجهه أنّ الاهتداء علق بمشيئة الله فلا يقع بدونها وانّ الله قصه مقرراً له ووقع في الحديث ما يؤيده وليس ذلك إلا لحدوثه فيستوي في ذلك جميع الحوادث إذ لا قائل بالفرق فلا يرد أنه من كلام اليهود فكيف يكون حجة وأن كون الهداية بالإرادة لا يقتضي أنّ جميع ما عداها كذلك، وفيه نظر لأنه إن أراد أنه لا قائل بالفصل من أهل السنة فلا يجدي. وإن أراد مطلقاً فممنوع لأنّ المعتزلة لا يقولون بوقوع القبيح بإرادته والهداية أمر حسن فتأمّل، ثم إنه مبنيّ على ترادف المشيئة والإرادة وفيه خلاف أيضاً. قوله: (وإق الأمر قد ينفك الخ) ردّ على من قال من المعتزلة إنّ الأمر هو الإرادة ووجهه أنه أمرهم بذبحها ثم ارتضى تعليق الاهتداء لذبحها على إرادته فلو كانت عيته لم يرتض تعليقه بعد وقوعه، وفيه نظر لأنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 إنما يتم أن لو أريد بالاهتداء الاهتداء إلى المراد بالأمر وقد فسر بغيره أيضاً مع أنّ اللازم من الغرض! المذكور أن يكون المأمور به وهو ذبح البقرة مراداً ولا يلزمه الاهتداء إذ يجوز أن يكون لتلك الإرادة حكمة أخرى وقوله: للشرط أراد به التعليق وهو يطلق عليه وعلى أداته وعلى الجملة الأولى. قوله: (والمعتزلة والكرامية الخ) عطف على فاعل احتج وتقدم ضبط الكرامية فراجعه، ووجهه أنّ دخول كلمة أنّ عليها يقتضي الحدوث لأنه علق حصول الاهتداء على حصول مشيئته وهو حادث فكذلك مشيثته محدثة والا يلزم التخلف، وحاصل الجواب أنّ اللازم حدوث التعلق ولا يلزمه حدوث نفس الصفة وتفصيله في الكلام. قوله: (أي لم تذلل للكراب الخ) الكراب بالكى إثارة الأرض للحرث وتذلل بمعنى تستعمل له ولا ذلول صفة بقرة ولا بمعنى غير قيل: فكأنها اسم على ما صرح به السخاوي لكن لكونها في صورة الحرف ظهر إعرابها فيما بعدها، ويحتمل أن تكون حرفاً كما تجعل إلا بمعنى غير في مثل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [سورة الأنبياء، الآية: 22] مع أنه لا قائل باسميتها وأما الثانية فحرف زيد لتأكيد النفي وهو لا ينافي الزيادة مع أنه يفيد التصريح بعموم النفي إذ بدونها يحتمل نفي الاجتماع ولذا تسمى المذكرة، وصرح بأنّ الفعلين صفتا ذلول إشارة إلى أنّ تثير منفيّ لكونه صفة للمنفيّ فيصح في العطف عليه لا المزيدة لتأكيد النفي وفيه دفع لما ذهب إليه البعض كالكواشي من كون تثير حالاً اهـ. وفيه أنّ قوله إنّ إلا بمعنى غير لم يقلى أحد باسميتها ليس كما ذكر فقد صرحوا بخلافه وكون لا زائدة قيل: إنه ليس بشيء لأنه يلزم منه صحة الوصف بغير تكرير لا مع أنه مخصوص بالشعر والتصريح بعموم النفي لا يقتضيه، ثم إنّ الحالية جوزاها غير الكواشي من بقرة لأنه نكرة موصوفة أو من الضمير في ذلول والاعتراض على الزيادة غير وارد لأنها زبادة لازمة كما صرح به الرضيّ مع أن ابن كيسان وغيره أجاز ما منعه كما مر، ثم إنّ وصف ذلول بناء على ما ارتضاه بعض النحاة من أن الصفة يجوز وصفها كما صرح به السمين فلا يرد ما قيل: إن ذلولاً من صيغ الصفة فيمتنع أن تقع موصوفا، والإثارة قلب الأرض! للزراعة من أثرته إذا هيجته والحرث الأرض! المهيأة للزرع قاله الواحدي. قوله: (وقرئ لا ذلول بالفتح الخ) في الكشاف وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي التابعي لا ذلول بمعنى لا ذلول هناك أي حيث هي وهو نفي لذلها ولأنها توصف به فيقال: هي ذلول، ونحوه قولك مررت بقوم لا بخيل ولا جبان أي فيهم أو حيث هم يعني أنه قرئ بفتح اللام على أن لا لنفي الجنس والخبر محذوف والجملة صفة ذلول كناية عن نفي الذل عنها كما يقال: الذليل من حيث هو كناية عن إثبات الذل له، ولاذل بالكسر ضد الصعوبة وهو اللين والانقياد وبالضم ضد العز وقيل: إن تثير خبرها والجملة معترضة بين الصفة والموصوف وما اختاره المصنف أبلغ، وأما ما قيل: من أنه بعيد من حيث المعنى والأولى أن يقال: إنه بنى نظر الصورة لا لأنّ الرضي نقل أنه يبني مع لا الزائدة فهذه أولى ونحو مررت برجل لا بخيل ليس من قبيل الآية فليس بشيء، وقوله: وتسقي من أسقى أي قرئ تسقي بضم حرف المضارعة من أسقى بمعنى سقي وبعض أهل اللغة فرق بينهما بأن سقى لنفسه وأسقى لغيره كماشيته وأرضه. قوله: (سلمها الله سبحانه وتعالى من العيوب الخ (أي أنه من السلامة من العيوب أو من الكد في العمل أو أنّ لونها خالص لا يخالط صفرته لون آخر فيكون قوله لا شية فيها توكيداً له وأهلها عطف على فاعل سل! عا، وأخلص مبني للمجهول أي جعله الله خالصاً ولو قرئ على المعلوم صح وعطف خلص بأو هو الظاهر ووقع في بعض النسخ بالواو وكأنه تحريف من الناسخ. قوله: الا لون فيها الخ (شية مصدر وشيت الثوب أشيه وشيا فحذف فاؤه كعدة وزنة ومنه الواشي للنمام قيل ولا يقال له واس حتى يغير كلامه ويزينه ويقال ثور أشيه وفرس أبلق وكبش أخرج وتيس أبرق وغراب أبقع كل ذلك بمعنى البلقة وشية اسم لا وفيها خبرها وقال أبو حيان: ثور أشيه للذي فيه بلقة ليس مأخوذاً من الوشي لاختلاف المادتين. قوله: (لآن جئت بالحق أي بحقيقة وصف البقرة الخ) الآن عند المحققين من أهل اللغة والنحو لازم البناء على الفتح ولا يجوز تجريده من الألف واللام واستعماله على خلافه لحن قال الحلبيّ: وهي تقتضي الحال وتخلص المضارع له وقال بعضهم: هو الغالب وقد جاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 حيث لا يمكن أن يكون للط ل نحو: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [سورة البقرة، الآية: 187] إذ الأمر نص في الاستقبال وادعى بضهم إعرابه لقوله: كأنهما يلأيئ لم يتغيرا يريد من الآن فجره وهر يحتمل البناء على الكسر وهو معرفة لتضمنه معنى أل التعريفية كسحر ولذا بني وأمّا المذكورة فهي زائدة وفيه قول آخر والكلام مبسوط فيه في العربية، وقوله: أي بحقيقة وصف البقرة أي أنّ الحق هنا بمعنى الحقيقة وهي إما حقيقة الوصف والبيان التام الذي تحققنا به البقرة لا المقابل للباطل حتى يتضمن أنّ ما جاء به تجل كان باطلاً أو حقيقة البقرة نفسها لبيان مشخصاتها، وقال أبو حيان رحمه الله: جئت بمعنى نطقت بالحق الذي لا إشكال فيه وقيل الحق بمعنى الأمر المقضي أو اللازم وقراءة مد الآن بالاستفهام التقريري إشارة إلى استبطائه وانتظارهم له، وهذه مع إثبات واو قالوا وحذفها كما في البحر. قوله: (فيه اختصار الخ) قيل: إنها فاء فصيحة عاطفة على محذوف مثل فضرب فانفجرت، ورد بأنّ الاختصار لظهور المراد لا لإنباء الفاء عنه ولذا قيل: فيه اختصار، ولم يقل يتعلق بمحذوف إشارة إلى أنه ليس من قبيل الفاء الفصيحة لأنّ شرطها أن يكون المحذوف سببا للمذكور والتحصيل ليس سببأ للذبح بل الأمر به وليس بشيء لأنه متوقف عليه ومثله يعد من الأسباب ولا ينافيه كون الأمر سبباً آخر وهو ظاهر. قوله: (لتطويلهم وكثرة مراجعاتهم الخ (إشارة إلى نكتة التعبير بكاد هنا، والع! سجلة بكسر العين وسكون الجيم الفتية من البقر والغيضة بالغين والضاد المعجمتين مرعى واسع فيه أشجار، وقوله: اليتيم وأمه هو الصحيح ووقع في بحضها تحريفات تكلف بعضهم لتوجيهها ما لا حاجة إليه وملء جلدها وقع في نسخة مسكها بفتح فسكون وهو بمعناه، ويكبر! فتح الباء في السن، وشبت صارت شابة. قوله: (وكاد من أفعال المقاربة الخ) كاد موضوعة! قاربة ائخبر على سبيل حصول القرب لا على رجاث وهو حنر محض بقرب خبرها وخبرها لا يكون إلا مضارعا إلا على الحال لتأكيد القرب واختلف فيها فقيل: هي في الإثبات نفي وفي النفي إثبات وأنه إذا قيل: كاد زيد يخرج فمعناه ما خرج وهو فاسد لأن معناها مقاربة الخروج وهو مثبت وأما عدمه فأمر عقليّ خارج عن مدلوله، ولو صح ما قاله لكان قارب ونحوه كذلك ولم يقل به أحد وقيل: هي في الإثبات إثبات وفي النفي الماضي إثبات وفي المستقبل على قياس الأفعال تمسكا بهذه الآية، ورد بأن المعنى وما قاربوا الفعل قبل أن يفعلوا وفعلهم بعد ذلك مستفاد من قوله فذبحوها فالصحيح أنها في الإثبات والنفي كغيرها من الأفعال، وللشيخ عبد القاهر هنا كلام لطيف سيأتي تفصيله في سورة النور. فوله: (ولا ينافي قوله وما كادوا يفعلون الخ) قيل: فيه إشكال لأنّ الظاهر أنّ قوله وما كادوا يفعلون حال من فاعل فذبحوها فتجب مقارنة مضمونة لمضمون العامل فلا يصح القول باختلاف وقتيهما، والجواب أنهم صرحوا بأنه قد يقيد بالماضي فإن كان مثبتاً قرن بقد لتقرّبه منه وإن كان منفيا لم يقرن بها لأن الأصل استمرار النفي فيفيد المقارنة، وهذا لا يدفع السؤال لأنّ عدم مقاربة الفعل لا يتصوّر مقارنته للفعل هنا فلا محصل لما ذكره سوى التطويل بلا طائل فالذي ينبغي أن يعول عليه أنّ قولهم لم يكد يفعل كذا كناية عن تعسره وثقله عليهم وتبرّمهم به كما يدل عليه كثرة سؤالهم ومراجعتهم وهو مستمر باق قال ابن مالك رحمه الله في شرح التسهيل: قد يقول القائل لم يكد زيد يفعل ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة وهو خلاف الظاهر الذي وضمع له اللفظ وفي التسهيل، وتأتي كاد إعلاما بوقوع الفعل عسيراً ولبعضهم هنا كلام محتل طويل الذيل. قوله: (خطاب الجمع لوقوع القتل فيهم الخ) وإذ قتلتم نفسا معطوف على إذ قال موسى ونفساً بمعنى شخصاً حقيقة، وقيل: إنه مجازاً وبتقدير ذا نفس واسم المقتول عاميل بن شراحيل وقوله: لوجود القتل فيهم إشارة إلى أنه مجاز حيث أسند إلى الكل ما صدر من البعض كما صرح به الزمخشرقي في سورة مريم في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [سورة مريم، الآية: 66] قال لما كانت هذه المقالة موجودة فيمن هو من جنسهم صح إسنادها إلى جميعهم كما يقولون بنو فلان قتلوا فلاناً وإنما القاتل رجل منهم لكن قال بعضهم: لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر عن البعض إلى الكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 إلا إذا صدر عنه بمظاهرتهم أو رضا منهم وليس كما قال: فإن ما ذكرناه من الآيتين ليس كذلك وقد ناقض هذا القائل نفسه في مواضع كثيرة نعم لا بد لإسناده إلى الكل من نكتة وهي إمّا كون الصادر عنه أكثرهم أو كونه برضاهم أو غير ذلك فتأمّل. قوله: (اختصمتم في شأنها إذ المتخاصمان الخ) أصل ادارأتم تدارأتم تفاعل من الدرء وهو الدفع فاجتمعت التاء مع الدال مع تقارب مخرجهما وأريد الإدغام فقلبت التاء دالاً وسكنت للإدغام فاجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بها فبقي ادارأتم وهذا مطرد في كل فعل على تفاعل أو تفعل فاؤه دال نحو ادّاين وادّين أو طاء أو ظاء أو صاد أو ضاد نحو: أطاير وأظاهر وأصاهر وأضارّ، يعت ي أنه مجاز عن الاختلاف والاختصام أو كناية عنه لكون معناه الحقيقي وهو التدافع من الدرء وهو الدفع من روادف الاختصام ولوازمه أو هو في معنا. الحقيقي أعني تدافعتم، وفيه وجوه الأوّل أنّ البعض منكم يطرح قتلها أي النفس على البعض فكل من الفريقين طارج ومطروح عليه فكل منهما من حيث إنه مطروح عليه يدفع الآخر من حيث إنه طارح، الثاني أنّ طرج القتل في نفسه دفع له وكل من الطارحين دافع فتطارحهما تدافع من غير احتياج إلى أن يعتبر بعد التطارح دفع المطروح عليه الطارح وفيه نظر لأنّ هذا لا يكون تدافعأ لأنّ معناه دفع كل منهما الآخر لا دفع كل منهما القتل مثلا وإنما يصح مثل هذا في المتعدي مثل طارحنا الكلام وتطارحناه الثالث أنّ كلا من الفريقين يدفع الآخر عن البراءة إلى التهمة فكل منهما دافع ومدفوع وهو معنى التدافع، وكذا قال الشارح المحقق وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما إلا أنه قيل: إنه ترك الأخير ولم يعرّج عليه لبعده، وقد قيل: فيما نظر به أنه ليس بشيء لأنّ المعتبر في تفاعل مجرّد الاشتراك والاجتماع في أصل الفعل وبه يفارق فعل فإنّ فيه خصوصية الإسناد إلى أحدهما والإيقاع على الآخر والعجب من هذا القائل أنه اعترف به فيما مر في قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [سورة البقرة، الآية: 51] (أقول) هو رذ على العلامة حيث قال: أو نقول: طرح القتل هذا على ذاك وطرح ذاك على هذا والطرح في نفسه دفع فيكون الدفع بينهما ومحصل نظره أنّ التفاعل لازم وما ذكره مأخذ القتل فيه لا يصح إلا إذا كان متعديا فالردّ لم يصادق محله فإئا أن يلتزم أنه متعد أو يقال: إنّ في الكلام تقديراً أي طرج بعضكم على بعض القتل فادّارأتم لأنّ الدرء بعد الطرج له أو جعل كناية عنه فلا يلزم ما ذكره فتأمّل. وقوله: إذ المتخاصمان أي إذ الفريقان المتخاصمان فلا يقال: الصواب بعضهما أو ترك التثنية كما في الكشاف، وفيها متعلق به على تفسيره بالتخاصم وإذا كان حقيقة ففي سببية وقيل: الدفع من دفع عليه أي طرح أو من دفع عنه وعلى الأوّل إمّا أن يوجد الدفع من أحدهما بأن يطرح عليه غيره فيدفعه المطروح عليه فالثاني دافع والأوّل طارح لا دافع إذ الدفع إنما يكون بعد الطرح وهو على طريقة دناهم كما دانوا فتأمّل. قوله: (مظهره لا محالة) أخذه من التعبير بالاسمية وبناء اسم الفاعل على المبتدأ المفيد لتقوي الحكم وفسره بالإظهار لوقوعه في مقابلة الكتم وقوله: واعمل مخرج الخ أي مع أنه ماض الآن وهو لا يعمل قيل: لأنه كما جاء حكاية الحال الماضية جاء حكاية الحال المستقبلة وان كان الأوّل أشهر وفيه نظر لأنه لا داعي هنا إلى اعتبار الحكاية والاستقبال والحال لا يراعي فيه حال التكلم بل حال الحكم الذي قبله وهو التدارؤ وهو بالنسبة إليه مستقبل فانظر وجهه، وقوله: والضمير للنفس يعني وهي مؤنثة فذكر للتأويل المذكور، والجملة معترضة للتقريع وقيل: حالية أي والحال أنكم تعلمون ذلك. قوله: (أكط بعض كان) هذا هو الظاهر إذ لا فائدة في تعيينه ولم يرد به نقل صحيح، والأصغر أن القلب واللسان، والعجب بالفتح والضم ثم السكون أصل الذنب وهو أوّل ما يخلق وآخر ما يبلي كما ورد في الحديث. قوله: (يدل على ما حذف الخ) قال المحقق: يعني أنّ حذف ضربوه المعطوف على قلنا شائع مقرّر في الفاء الفصيحة في فحيي وههنا قد حذف الفاء الفصيحة مع المعطوف عليه والمعطوف وإنما كانت فصيحة بدلالة قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى} [سورة البقرة، الآية: 73] مع الإشارة إلى أنّ حياة القتيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 كانت بمحض خلق الله من غير تأثير للضرب وقيل: عليه إنه غفلة عن أنّ ذلك إنما يكون على تقدير أن يكون مذكورا وما قبله محذوفا، وأمّا إذا حذفا معا كالذي نحن فيه فالفاء سببية محضة وهذا يتراءى في بادئ النظر لأنها إنما سميت فصيحة لإفصاحها عن المحذوف وهو ينافي حذفها وعند التأمّل ليس بشيء لأنه إمّا أن يريد أنها لو ذكرت كانت فصيحة أو أنها في قوة المذكورة هنا فيصح تسميتها فصيحة لأنّ كذلك إشارة إلى مدخولها أي مثل هذه الحياة الحاصلة بالضرب والإشارة إلى المذكور بل المحسوس فلولا تنزيلها منزلته لم يصح ذلك فتأمّل. ومثل هذه الاعتبارات لا حجر فيها. قوله: (والخطاب مع من حضر حياة القتيل الخ) قيل: يعني يكون الكلام خطاباً معهم وضحمير يريكم ولعلكم لهم لا حرف الخطاب في كذلك فإنه خطاب لمن يتلقى الكلام فالأنسب ذكره بعد تعقلون. (أقول) : هذا بناء على أنّ الخطاب المتصل بالإشارة يقع لمن يجري معه معنى الكلام وإنما أفرد مع كونهم جماعة اكتفاء بخطاب واحد منهم كما نقله في شرح التسهيل عن ابن الباذس أو بتأويل فريق ونحوه وعلى هذا يجري فيه الالتفات، وقيل: إنه خطاب لمن يلقي إليه الكلام فلا يجري فيه الالتفات وقد وقع من العلامة إجراؤه فيه تارة ومنعه أخرى بناء على المسلكين ومن غفل عن هذا قال: كان حقه أن يؤخر هذا عن قوله لعلكم تعقلون لئلا يتوهم أنّ المراد الخطاب في كذلك فإنه لا يصح خطابا لمن حضر حياة القتيل لأنهم معدومون وقت الخطاب بل هو خطاب لمن يتلقى الكلام ثم إنه على هذا التقدير لا بد من تقدير القول قبل كذلك أي وقلنا لهم أو قلنا بدون واو استئنافا بخلاف الوجه الثاني فإنه ينتظم بدونه بل يخرج معه عن الانتظام، فتأمّل والخطاب على الثاني مع كل من يقف عليه. قوله: (لكي يكمل عقلكم الخ) أوّله لأنّ كونهم يعقلون أمر محقق لا في صورة المرجوّ لكن جعلوا لعدم الجري على موجب العقل كأنهم لا يعقلون ولو قدر له مفعول ولم ينزل منزلة اللازم لم يحتج إلى هذا التأويل فالمراد إمّا العقل الكامل أو أثره الذي هو العلم ولك أن تجعل قوله أو تعلمون الخ إشارة إلى تقدير المفعول لكن تأخير قوله أو تعملون يأباه، والتقزب بالذبح، وأداء الواجب بامتثال الأمر واليتيم هو صاحب البقرة والتوكل من أبيه كما مرّ وكذا الشفقة، والطالب القوم الطالبون لمعرفة القاتل وقصة عمر رضي الله عنه مذكورة في سنن أبي داود والنجيبة الجيدة من الإبل ويقال لراكبها نجاب، وكون المؤثر هو الله لأنّ مس عضو ميت بآخر مثله كيف يكون سبباً لحياة بين موتين، وقوله: ومن أراد في نسخة وأنّ من أراد وهذا مما يشير إليه باطن النص مع ملاحظة المعنى لا أنه تفسير مستقل كما أشار إليه فيما مضى والعدوّ النفس وشبه القوّة الشهوية بالبقرة لكثرة أكلها وعدم إدراكها لما فيه نفع وشرّة الصبا بكسر الشين وتشديد الراء خيانته وحمله على ما لا يليق، ويجوز فتح الشين والراء المخففة بمعنى الحرص والأوّل أولى وهذا مع ما بعده مأخوذ من قوله لا فارض ولا بكر، وكونها معجبة رائقة من قوله تسرّ الناظرين، وقوله: لا سمة بها أي علامة معنى لاشية لأنّ اللون المخالف يكون علامة لما فيه وليس معنى آخر كما توهم، وقوله فتحيا الخ من حياة القتيل وتكلمه وحمل التدارئ على ما بين العقل والوهم لأنه ينازعه دائما وهو ظاهر. قوله: (لقساوة الخ) أي القسوة معناها الحقيقيّ الييس والكثافة والصلابة ثم تجوّز بها عن عدم قبول الحق والاعتبار فالاستعارة في قست تبعية تصريحية وان شئت قلت تمثيلية كما مرّ قيل شبهت حال القلوب في عدم الاعتبار والاتعاظ بالقسوة ولاعتبار هذه الاستعارة حسن التفريع بقوله فهي الخ، بخلاف ما إذا جعل القلوب استعارة بالكناية والقسوة قرينة فإنه لا يحسن بل لا يستقيم قولك ينقضون عهد الله فهو كالحبل وأوثق وذلك لأنّ استعارة الحبل أصل والنقمق تبع على ما هو الواجب في الاستعارة بالكناية وفيما نحن فيه الأمر بالعكس كما في تقري الرياح الرياض وبالجملة فالاستعارة وقعت في الحال والتعقيب صريح التشبيه في الذات فلا وجه لما يقال: إنّ ظاهر الكلام كون التشبيه فرع الاستعارة والأمر بالعكس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 فالتشبيه مترتب على عرفان حالها وأنه حامل على التشبيه المؤذي إلى الاستعارة (أقول) : فيه بحث فإنه إنما يتوجه ما ذكره إذا شبهت القلوب بالحجارة كما في الممثل به فإن العهد شاع استعارة الحبل له كما مرّ أما لو أريد تشبيهها بالأجرام الصلبة الاملة للمعادن وغيرها فتتوجه صحة التفريع بلا تكلف إذ المعنى أنها صارت كالصلب فهي كأصلب ما يكون منه ولا يرد عليه شيء وبه يندفع أيضا الشبهة الواردة في التشبيه. قوله: (وثم لاستبعاد القسوة الخ) قال العلامة: ثم موضوعة للتراخي في الزمان ولا تراخي ههنا إذ قسوة قلوبهم في الحال لا بعد زمان فهي محمولة على الاستبعاد مجازا إذ يبعد من العاقل القسوة بعد تلك الآيات كقولك لصاحبك: قد وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها، ومن الناظرين في الكتاب من حمل هذا على التباعد في الرتبة وليس بذاك فإنّ معناه أنّ مدخول ثم أعلى كما في قوله: ثم استوى والمراد ههنا أنّ مدخولها بعيد عن الوقه ع، وقوله: من بعد ذلك مؤكد للاستبعاد أشد تأكيد ثم إنّ منهم من جعل الاستبعاد مأخوذاً من الكلام لا مدلول ثم والأمر فيه سهل وما ذكر من الفرق بين التفاوت في الرتبة والاستبعاد ليس بشيء لأنه بعد رتبيّ أيضا إلا أنه لم يعتبر في الثاني العلو وهذا لا طائل تحته وهو يشبه النزاع اللفظي ولذا لم يلتفت إليه الشارح المحقق ثم إنه قيل: إنها للتراخي في الزمان لأنهم قست قلوبهم بعد مدة حتى قالوا: إنّ الميت كذب عليهم أو أنه عبارة عن قسوة عقبهم، وقوله: فإنها مما توجب الخ إشارة إلى وجه الاستبعاد كما مرّ. قوله: (والمعنى أنها في القساوة الخ) عبر بمثل إشارة إلى أن الكاف هنا اسم معطوف عليه أشد بمعنى أزيد أو التقدير مثلى ما هو أشد فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأيده بقراءته مجرورا بالفتحة لعدم صرفه ولذا وقع في نسخة بالجر وفي أخرى بالفتح وقسوة قال أبو حيان تمييز محوّل عن المبتدأ أي فقسوتها وأشد معطوف على قوله كالحجارة عطف مفرد على مفرد كما تقول زيد على سفر أو مقيم ولا حاجة إلى تقدير الزمخشريّ أو هي أشدّ. قوله: (وإنما لم يقل أقسى الخ) يعني أن فعل القسوة مما يصاغ منه أفعل وهو أخصر وقد ورد كقوله: كل خمصانة أرق من الخص ص بقلب أقسى من الجلمود وهو وان كان من العيوب لكنها باطنة لا ظاهرة فلا يمتنع صوغه منه كما توهم فلا حاجة إلى التوصل إليه بأشد فأجاب بأنّ أشدّ أبلغ من أقسى لدلالته على الزيادة بالمادة والهيئة فيدل على اشتداد القسوتين في المفضل والمفضل عليه، أو أنّ المراد بأشدّ ليس التوصل بل التفضيل في الشدّة وقدم الأوّل لأنه الأنسب المتبادر ويمكن أن يقال: إنه لظهوره الحق بالعيوب الظاهرة وهو حسن، وأمّا الاعتراض بأن أشد محمول على القلوب لا على القسوة فليس بشيء لأن أصله قسوتهم أشدّ فحوّل. قوله: (وأو للتخيير الخ لما كانت أو تستعمل للشك وهو عليه تعالى محال دفعه بأنه للتخيير وهو يكون في التشبيه كما يكون بعد الأمر كما مرّ أو للترديد يعني أنّ الشك ليس راجعاً إلى الله بل إلى من يعرف حالهم فإنه يمكته أن يشبههم بالحجارة أو أشدّ منها فالشك بالنسبة إلى المخاطبين لا بالنسبة إلى المتكلم. قال العلامة: وهذا يؤدّي إلى تجويز أن تكون معاني الحروف بالقياس إلى السامع حتى تستعمل إذا تحقق المخاطب وهذا إخراج للألفاظ عن أوضاعها فإنها إنما وضعت ليعبر بها المتكلم عما في ضميره ولو جعلت بمعنى بل لكان أحسن وقيل: إنها للتنويع أي بعضهم كالحجارة وبعضهم أشدّ، وقيل: معنى الترديد تخويز الأمرين مع قطع النظر عن الغير. قوله: (تعليل للتفضيل الخ) عدل عن جعله بيانا للتفضيل كما في الكشاف لأنه يقتضي الفصل ومراد. أنها جملة حالية مشعرة بالتعليل ومثله كثير، وأمّا قول الثارح المحقق يريد أنه بيان وتقدير من جهة المعنى وأمّا بحسب اللفظ فعطف على جملة هي {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ} فلا يظهر وجهه وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ} الخ وارد على نه! التعميم دون الترقي كـ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إذ لو أريد الترقي لقيل: وإنّ منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يتفجر منه الأنهار وفائدته استيعاب جميع الانفعالات التي على خلاف طبيعته وهو أبلغ من الترقي، وكأنّ المصنف رحمه الله غافل عن هذا حيث جمع بينهما في البيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وقذم الثاني، فقال: فإن منها ما يتشقق فينغ منه الماء ويتفجر منه الأنهار وهذه نكتة جليلة في الترقي والتعميم ينبغي التنبه لها. قوله: (والخشية مجارّ عن الانقياد الخ) إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم وحينئذ فالظاهر تعلق {مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} بالأفعال السابقة ولم يحملها على الحقيقة باعتبار خلق العقل والحياة في الحجارة أمّا عند القائل بأن اعتدال المزاج والبنية شرط الحياة فظاهر وأما من لا يقول به فلأنّ الهبوط والخشية على تقدير خلق العقل والحياة لا يصلح بياناً لكون الحجارة في نفسها أقل قسوة ثم مبني كلامه على عدم التغاير أو التفارق بين الأمر والإرادة، وقيل: قلوبهم إنما تمتنع عن الانقياد لأمر التكليف بطريق القصد والاختيار ولا تمتنع عما يراد بها على طريق القسر والإلجاء كما في الحجارة وعلى هذا لا يتمّ ما ذكره فالأولى حمل الكلام على الحقيقة اهـ. ما قاله الشارح المحقق ومنه تعلم أنّ متابعة المصنف رحمه الله له فيما بناه على مذهب الاعتزال لا ينبغي وفيه بحث. قوله: (وعبد على ذلك الخ) أي على ما مرّ من قسوة القلب ونحوها وقوله: وقرأ ابن كثير الخ قال الجعبري: قرأ ابن كثير بالياء المثناة التحتية والباقون بالفوقية ووجه الغيبة مناسبة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} وهم يعلمون ووجه الخطاب مناسبة {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} وتكتمون {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة البقرة، الآية: 73] {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم} لا أفتطعمون لأنه للمؤمنين اهـ. وكذا في التيسير وغيره، ولذا قيل: إنّ المصنف رحمه الله أخطأ في النقل إلا أن الطيبيّ قال: قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وأبو بكر بالتاء الفوقانية والباقون بالياء فكانت المخالفة في خلف فقول المصنف رحمه الله ضما إلى ما بعده لأنّ المخاطب غيرهم فهو في حكم الغيبة، وقيل: ضما إلى ما بعده يعني قوله أن يؤمنوا وما بعده من الضمائر العائدة لليهود والباقون بالتاء ضمما إلى ما قبله لا إلى قوله أفتطمعون لأنه خطاب للمؤمنين وما بعده إخبار عن اليهود فمن قال ضما إلى ما بعده يعني أفتطمعون فقد أخطأ وعكس الترتيب. قوله: (الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وقيل: هو للرسول والجمع للتعظيم وفيه نظر وقوله: أن يصدقوكم وفي نسخ أي فسره بالتصديق فاللام زائدة ومثله يندر مع الفعل، ولذا! سره الزمخشريّ بيحدثوا لكم الإيمان، والوجه الثاني جعلها للتعليل بتقدير مضاف أي دعوتكم لأنّ الإيمان لله لا لهم، وقوله: يعني اليهود قيل هو في قوم مخصوصين منهم علم الله عدم إيمانهم فأيسه منه فلو عين كان أولى وقيل: المراد جنس اليهود ونافي الإيمان عن الجنس يكفي فيه تحققه في بعضه وإنما فسر به ليصلح جعل السالفين فريقاً منهم وإن كان إحداث الإيمان لا يتصوّر إلا من المعاصرين وردّ بأنه أخطأ لأنه ظن أنه على تقدير بيان يؤمنوا بقوم مخصوصين لا يصح جعل السالفين فريقا منهم وكأنه لم ينظر إلى تفسير قوله منهم بطائفة من أسلافهم. قوله: (طائفة من أسلافهم) قال العلامة في شرح الكشاف: اعلم أنّ المراد بقوله أن يؤمنوا لكم اليهود الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم لأنهم الذين فيهم الطمع، وأمّا فريق منهم فاختلف فيه فبعضهم قال المراد من كان في عهد موسى عليه الصلاة والسلام لأنه تعالى وصفهم بأنهم يسمعون كلام الله لأنهم أهل الميقات فكلام الله حينئذكلامه في الطور وقد حرّفوا فيه ما لا يتعلق بأمر محمد عتملا ما نقل عن السبعين، وبعضهم قال الفريق من كان في زمن النبيّ لمجرو وكلام الله هو التوراة وسماعه كما يقال: لأخذنا إنه يسمع كلام الله إذا قرئ عليه القرآن وتحريفها تحريف صفة النبيّء! يم وآية الرجم هذا محصل كلام الإمام فليت شعري لما فسر المصنف رحمه الله كلام الله بالتوراة وتحريفها بما مر لم ذهب إلى أنّ الفريق من أسلافهم والظاهر أن ضمير منهم يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير يؤمنوا، فإن قلت فعلى هذا المعاندون بعضهم وعناد البعض لا ينافي إقرار الباقين قلت: إنما لم يناف لو لم يكن الباقون مقلدين لهم اهـ. وردّ بأنه ظن أنّ تفسير الفريق بمن سلف منهم لضرورة وقوع التحريف منهم وليس كذلك كما ترى، وقوله يعني التوراة إشارة إلى أنّ السماع ليس بالذات كما مرّ في أحد القولين، وقوله كنعت محمد صلى الله عليه وسلم فإنه روي أنّ من صفاته فيها أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 أبيض ربعة فغيروه بأسمر طويل، وغيروا آية الرجم بالتسخيم وتسويد الوجه كما في البخاريّ وأصل التحريف من الانحراف والميل ومنه قلم محرّف لميل أحد شقيه أي يميلونه من حال إلى حال أخرى بتبديله أو تأويله، وقوله: أو تأويله عطف على المعنى كأنه قال يغيرون كلامه أو تأويله، وقيل: يسمعون بمعنى يقبلون والا فلا فائدة له وفيه نظر. قوله: (وقيل هؤلاء من السبعين الخ) هذا ما رواه الكلبيّ رحمه الله من أنهم سألوا موشى عليه الصلاة والسلام أن يسمعهم كلامه تعالى فقال لهم اغتسلوا والبسوا الثياب النظيفة ففعلوا فأسمعهم الله كلامه لكن الصحيح أنهم لم يسمعوا بغير واسطة وأنه مخصوص بموسى صلوات الله وسلامه عليه، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وعلى هذا التحريف زيادة ما ليس فيه وإنما قال من السبعين لأنهم كلهم لم يفعلوا ذلك قيل وما ذكروه شاهد على فساده حيث علقوا الأمر بالاستطاعة والنهي بالمشيئة وهما لا يتقابلان وكأنهم أرادوا بالأمر غير الموجب على معنى افعلوا إن شئتم وان شئتم فلا تفعلوا ولا يذهب عليك أنّ ما ذكره مناقشة في ترجمة كلامهم لا يجدي نفعا، وقوله: ولم يبق لهم فيه ريبة أخذه من التعبير بالعقل وقوله: أنهم مفترون مبطلون إشارة إلى تقدير المفعول وأنّ ذلك لم يكن منهم عن نسيان أو جهل بل عناد صرف لا يطمع في ضدّ!. قوله: (ومعنى الآية الخ) مقدميهم بفتح الدال جمع مقدم أشار به إلى أنّ المراد بالسلف المقدّم بالذات لا بالزمان، ولذا قابله بالسفلة والجهال وقوله: فما ظنك هو الصحيح وفي نسخة فما طمعك وقيل إنّ هذا مبنيّ على التأويل الأوّل، وقوله: وأنهم كفروا الخ على الثاني. قوله: (يعني منافقيهم) في الكشاف وإذا لقوا يعني اليهود الذين آمنوا قالوا آمنا قال منافقوهم آمنا بأنكم على الحق وأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم هو الرسول المبشر به وإذا خلا بعضهم الذين لم ينافقوا إلى بعض إلى الذين نافقوا الخ قال المحقق: جعل ضمير لقوا لجنس اليهود كما في أن يؤمنوا وخص ضمير قالوا بالمنافقه ق منهم أو اعتبر حذف المضاف لقيام القرينة ولم يجعل الشرطية عطفاً على يسمعون لأنّ هذه الملاقاة والمداولة والتحزب إلى المنافق، وغير المنافق لم تكن تخص الفريق السامعين المحرفين فلم يصح جعل الضمير لهم، ولا يخفى أنّ ضمير قالوا للبعض الذين لم ينافقوا فلذا كان حمل البعض الذي هو فاعل خلاً على غير المنافقين أحسن وأوفق بمراعاة النظم حيث وقع فاعل الشرط والجزاء شيئاً واحداً ثم جوّز أن يكون ضحمير قالوا للبعض الذين نافقوا وهم رؤساء اليهود يقولون ذلك لأتباعهم وبقاياهم الذين لم ينافقوا قصداً لإظهار التصلب في اليهودية نفاقا مع اليهود، والاستفهام في أتحدثونهم على الأوّل للعتاب والإنكار على ما كان يصدر عن المنافقين من التحدّث بمعنى ما كان ينبغي أن يقع ذلك، وعلى الثاني لإنكار أن يصدر عن الأعقاب تحديث فيما يستقبل من الزمان بمعنى لا ينبغي أن يقع وضمير أتحدثونهم الأوّل للأعقاب والثاني للمؤمنين اهـ. والمصنف رحمه الله لم يرتض ما فيه وجعل ضمير لقوا للمنافقين من أهل الكتاب آمنوا بلسانهم خوفا من القتل والسبي وهم يضمرون الكفر وقد قالوا لخلص المؤمنين من الأصحاب وكان حق المصنف رحمه الله أن يذكر قوله يعني الخ. قبل قوله الذين لئلا يتوهم أنه تفسير له بأن يكون إيمانهم بمجرّد اللسان وهو فاسد لكن القرينة قائمة على دفعه وما في الكشاف صرف عن الظاهر كما مرّ ولذا لم يرتضه المصنف قيل: وهو أدق، وبالقبول أحق وأمّا القرينة على تخصيصهم بالمنافقين فلما حكي عنهم كما مرّ مثله عن المنافقين في وصفهم فتأمّل وقوله بأنكم على الحق الخ بيان للمتعلق الذي قدروه فإن كان مقدّرا في المحكي فلم ينطقوا به لعدم مساعدة قلوبهم ألسنتهم وقوله أي الذين لم ينافقوا الخ وكذا المراد بالبعض لينتظم الشرط والجزاء، وقوله: أو الذين نافقوا عطف على الذين لم ينافقوا وحمل الأوّل على التقريع والثاني على الإنكار ظاهر ومعنى فتح بين وعلم وعرّف وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ومنه الفتح على القاري وقيل فيه وجوه أخر وقوله: فينافقون الفريقين أي المسلمين واليهود فإن منعهم بعدما أبدوا كتم لإبدائهم وإظهار أنهم لم يبدوا وهو محض نفاق معهم أيضا. قوله: (ليحتجوا عليكم الخ) إشارة إلى أن المفاعلة غير مرادة، وقوله: بما أنزل ربكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 معنى به وفي كتابه معنى عند ربكم وقد أوضحه بقوله جعلوا لأنّ معنى عند الله في حكمه كما يقال: عند أبي حنيفة، ومبنى الوجوه غير الأخير على أنه في الدنيا وقيل: عليه إنه لا وجه حينئذ للجمع بين به وعند ربكم إلا أن يجعل الثاني بدلاً أو ظرفا مستقراً بمعنى ليحاجوكم بما قلتم حال كونه في كتابكم فكان ينبغي التعرّض له ومن فسره بيوم القيامة فرّ من هذا. قوله: (وفيه نظرا لأنهم يعلمون أنهم يوم القيامة محجوجون حدثوا أو لم يحدثوا، وقيل: في جوابه إنّ العالم بذلك علماؤهم لا جميعهم ولأنّ محجوجيتهم يوم القيامة من الله لا تنافي احترازهم عن كونهم محجوجين من الخصم ولا يخفى ما فيه والإخفاء بمعنى إخفاء ما فتح الله، ولا يدفعها أي المحاجة. وقال بعض المتأخرين: إنه يتوجه عليه أنه إن أراد أنّ الإخفاء لا يدفعها في نفس الأمر فمسلم ولكن لا نفع به لجواز أن يعتقد ذلك اليهودي دفعها بالإخفاء وان أراد أنه لا يدفعها عنده فممنوع لجواز أن يدفع محاجتهم يوم القيامة وظهور الأسرار والخفيات يوم القيامة لا يقتضي محاجتهم فتدبر، وقوله: أفلا تعقلون إن كان من كلام اللائمين فمفعوله ما ذكر أولاً مفعول له وهو أبلغ، وان كان خطابا للمؤمنين فعدم الطمع في إيمانهم باعتبار بعضهم أو للجنس كما مرّ فتأمّل، أولاً يعلمون قرئ بالياء والتاء. قوله: (من جملتها أسرارهم الكفر الخ) يعني أنه عام وما مرّ داخل فيه دخولاً أوّلياً فلا حاجة إلى تخصيصه كما وقع في بعض التفاسير وقوله: تجهلة الخ هذا التفسير له باعتبار المراد منه والا فالأمّي هو الذي لم يتعلم الكتابة قيل: وان كتب نادراً وتفسيره الأوّل ناظر إلى الكتاب بمعناه اللغوي وهو الكتابة، والثاني إلى أنه بالمعنى العرفي وأنه المعهود بينهم وهو التوراة والأمي إمّا منسوب إلى الأمّ لأنه كما خرج من بطنها أو إلى أمة العرب أو إلى أمّ القرى لأنهم لا يكتبون غالباً، وقوله: م! بطنها أو إلى أمة العرب أو إلى أمّ القرى لأنهم لا يكتبون غالبا، وقوله: فيطالعوا لأنّ من لم يكتب لا يقرأ في المتعارف فلا يرد عليه أنّ من لا يكتب يجوز أن يقرأ فيحتاج إلى التكلف في توجيهه. قوله:) استثناء منقطع والأماني الخ) كونه منقطعا على هذه الاحتمالات ظاهر لصحة وضع لكن موضع إلا، يقال منى الماني أي قدر والتمني تقدير الشيء في النفس ويكون عن تخمين وظن وروية ولما كان أكثره لا يصح أطلق على الكذب ولأنه يقدر أيضا في النفس، وكذا القراءة لأن القارئ يتصوّر ما يتلوه وللأماني تفاسير منها الأكاذيب. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد هنا ومنها الشهوات وهو المراد بقوله أو مواعيد الخ. ومنها القراءة قال حسان رضي الله تعالى عنه، يرثي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ويذكر قصته في الدار: تمنى كتاب الله أوّل ليله تمنى داود الزبور على رسل ورسل بكسر فسكون بمعنى تؤدة رهينة، وليلة قيل مضاف إلى ضمير الغائب لا بتاء التأنيث للوحدة على ما في بعض النسخ يعرف ذلك بالتأمل ويؤيده أنّ ابن الأنباري وغيره أنشد تمامه: وآخره لاقى حمام المقادر ولم يرو آخرها والمقادر كان أصله المقادير وفي الأساس المقادير الأمور تجري بقدر الله ومقدوره وتقديره وأقداره وتقاديره، والمواعيد الفارغة الكاذبة استعارة حسنة. قوله: (وقيل إلا ما يقرؤون الخ (إشارة إلى ما مرّ، وقوله: وهو لا يناسب بناء على المشهور من أنّ الأميئ هو الذي لا يقرأ ولا يكتب واعترض! عليه بأنه فسر الأمي بالذي لا يعرف الكتابة والزمخشريّ بالذي لا يجسن الكتابة وهذا لا يقتضي أنه لا يقرأ لجواز أن يتلقى من الأفواه ما يقرؤه كما نشاهده في كثير ولا يصح الجواب بأنه يراد به ما يقابل القارئ مطلقا عليه استعمال الفقهاء لأنه هنا بالمعنى اللغوي ولو سلم أنه لغوفي فلا يطابق تفسيره وما قيل إق الأمي ربما يقدر على كتابة كما روي في البخاريّ ومسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية " أخذ الكتاب وليس يحسن الكتاب فكتب هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله " الخ وهذا القدر لا يضر في التسمية بالأمي ولذا فسره الزمخشرقي بما مز غير مسلم فإنهم أوّلوا الحديث المذكور بأن كتب بمعنى أمر بالكتابة وأنّ كون النبيئ ع! يي! لم يكتب متفق عليه وان ذهب بعضهم إلى هذا ولابن حجر فيه كلام طويل ليس هذا محله، ثم إنّ التمني على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 هذا بمعنى القراءة المطلقة وهو المراد في البيت، وأما إفادة كونها عارية عن المعنى فمن مجموع الكلام لأنك إذا قلت فلان لا يعلم من الكتاب إلا قراءته دل على أنه لا يفهم معناه، فما قيل: إنه من قرينة المقام غير مسلم وأمّا تضمن البيت لهذا المعنى فمحل كلام لأنّ القارئ الإمام عثمان رضي الله عنه فكيف تعرى قراءته عن معرفة المعنى اللهم إلا أن يراد بيان أن يجيء لمجرّد القراءة وهذا من قلة التدبر ولعل المصنف رحمه الله إنما قال: لا يناسب دون لا يصح لما مز ولا شبهة في عدم مناسبته. قوله: (ما هم إلا قوم الخ (أي أنه استثناء مفرغ والمستثنى محذوف أقيمت صفته مقامه، وقوله وقد يطلق الظن الخ كأن جواب أن فيهم جازمين فقال: إنه يطلق على ما يقابل العلم اليقيني عن دليل قاطع سواء قطع بغير دليل أو بدليل غير صحيح أو لم يقطع. قوله: (أي تحسر وهلك ومن قال الخ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الويل العذاب وقيل: شديدة وقيل: هو للتقبيح وقيل: كلمة تحسر وتفجع وقيل: الهلاك أو الفضيحة أو حدوث الشر، وعلى كل حال فهو مصدر للدعاء عليهم ولا فعل له وأما وال فمصشوع كما قال أبو حيان: وأما أنه واد في جهنم أو جبل فيها " فرويا عن النبي " من طرق صححهما السيوطي فلا ينبغي أن يقال ومن قال الخ. والمصنف أوّله على تقدير وروده عنده بأنّ معنى الويل واد في جهنم أنه واد يستحق أن يقال لمن فيه ويل له: ومنعى قوله يتبوّأ أي يتبوّأ الويل من جعل له في جهنم ذلك المكان فجعل الويل متبوّأ على حد قوله تبوؤوا الدار والإيمان مجازا وضمير فيها لجهنم فإنها مؤنثة ومن لم يفهمه قال كذأ في أكثر النسخ والصواب فهي كما في بعضها، ووجه التجوّز أنه سماه بصفة من فيه فالعلاقة الحالية والمحلية ولما كان ميتدأ وهو نكرة غير موصوفة بين المسوّغ له وهو أن المقصود به الدعاء وقد حول عن المصدر المنصوب ومثله يجوز فيه ذلك لاً نه معنى غير مخبر عنه كما بين في النحو وأما إذا كان علم واد ولو مجازاً فظاهر. قوله: (ولمله أراد به الخ) إنما حمله عليه لأنه لو كان التوراة ولو محرّفة لم يحتاجوا إلى قولهم هذا من عند الله إذ التحريف بعد وقرعه غير معين فهم لا يحتاجون إلى أن يقال لهم ذلك، وقوله تأكيد الخ مثل قاله بفيه ونظر بعينه لنفي المجاز، ويقول الزمخشرقي فيه في بعض المواضع لتصوير الحال، وهو ناظر إلى قوله من عند الله لأنّ التوراة أنزلت مكتوبة من السماء والاشتراء بمعنى الاستبدال ودخول الباء على غير الثمن مر الكلام فيه. قوله: (عرضاً من أعراض الدنيا الخ (عرض بالعين المهملة ما لإثبات له قال تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة النساء، الآية: 94، ومنه استعار المتكلمون العرض لما يقابل الجوهر قاله الراغب، وقوله: إلى ما استوجبوه الخ. قيل: كان الظاهر اعتبار قلته بالنسبة إلى ما فات عنهم من حظوظ الآخرة كما مز قلت بل الظاهر ما ذكره لأنه الأنسب بتفريع فويل الخ ولأنه أسلم من التكرار فتأمل. وما فيما كتبت وما يكسبون تحتمل الموصولية والمصدرية والثانية أرجح لفظاً ومعنى لعدم تقدير العائد ولأنّ مكسوب العبد حقيقة فعله الذي يعاقب ويثاب عليه قاله الشارح المحقق، وقيل عليه سببية الفعلين فهمت من توله فويل للذين يكتبون الكتاب لأن ترتيب الحكم على الشيء يدل على سببيته له فلو حمل على هذا لزم التكرار، والتحقيق أنّ العبد كما يعاقب على نفس فعله يعاقب على أثر فعله لافضائه إلى حرام آخر وهو هنا يفضي إلى إضلال الغير وأكل الحرام فلما بين أوّلاً استحقاقهم العقاب بنفس الفعل بين استحقاقهم له بأثره ورتبه عليه بالفاء (قلت (الأمر في مثله سهل استعظمه لأنه إنما يكون تكرارأ لو كان الأوّل صريحا مع أنه لما اعتبر المكتوب والمكسوب احتاج إلى أن يريد منه الأثر وهو تطويل للمسافة وكأنه لو أريد ذلك من المصدر لأنه قد يراد به الحاصل به صح مع أنه لا يتوجه ما قاله إلا إذا ذكر الكتب أما إذا ذكر معه الكسب للتعميم فلا. قوله: (المس انصال الشيء بالشرة الخ) قال الراغب: المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وان لم يوجد قال الشاعر: وألمسه فلا أجده واللمس يقال: فيما يكون معه إدراك مجاسة السمع وكنى به عن النكاج والجنون، المس يقال: فيما ينال الإنسان من الأذى اهـ. ومنه أخذ المصنف رحمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 الله كما هو عادته، والمراد يتأثر الحاسة بلوغ أثره إلى القوّة الحاسة بسماع صوت أو إدراك ملاسة أوخشونة ونحو ذلك وكأنه لذلك أطلق على الأذى لتأثيره فيمن يصيبه، وأما ما قيل: إنه يلزم من كلام المصنف رحمه الله أن يكون المس أبلغ من الإصابة وقد صرحوا بأنه أدنى درجات الإصابة حتى قالوا في قوله تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} [سورة آل عمران، الآية: 120] إنّ لمس ينبىء عن أدنى مراتب الإصابة ويدل على أنّ أدنى إصابة خير تسوءهم وأما الشر والسيئة فإنما تسرّهم الإصابة منه والوصول التام بحيث يعتد به لا يقال: لو دلّ المس على ما ذكر لما جمع بينه وبين الوصف بالعظيم في قوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة الأنفال، الآية: 68] لأنا نقول لا منع في ذلك الجمع للدلالة المذكورة بل هو مقوّ لما قصد من المبالغة في تعظيم العذاب وتفظيع شأنه كأنه يقول: إنّ فظاعته بلغت إلى درجة لم يبق فرق بين مسه واصابته فيفعل أدنى درجاته فعل أوّلها إلا أنّ في قوله: {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [سورة الأنبياء، الآية: 83] دلالة على أنّ في المس شدّة تأثير وأنه أبلغ من الإصابة والمس اللمس، كما في الجوهريّ وأما لمسه فلم يجده فمجاز على معنى استعمل آلة اللمس فلا دلالة فيه على ما ذكره اص. فليس بشيء لأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى كلام الراغب إمام أهل اللغة الذي أخذها من مجاريها كما سمعت وما نقله من الفرق بين المس والإصابة والذي ذكروه بين اللمس والمس وشتان بينهما وأما الفرق بين المس والإصابة فهو أنّ المس اتصال أحد شيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة كما قال الراغب: أصلها من إصابة السهم ثم اختصت بالنائبة كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [سررة الشررى، الآية: 30] وأصاب جاء في الخير والشر قال تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [سورة التربة، الآية: 50] وقال بعضهم الإصابة في الخير اعتباراً بالصوب أي المطر وفي الشر اعتباراً بإصابة السهم وكلاهما يرجعان إلى أصل اص. ومنه يعلم أنّ الإصابة أبلغ من المس لأنه وان اعتبر فيه التأثير لكن تأثير هذا لما كان كالمطر أو السهم كان أقوى وأشذ، وأما ذكر أيوب عليه الصلاة والسلام المس في مقام الإصابة فلشدة صبره حتى استهان بما أصابه، ثم إن الإصابة إذا كانت فعل المصيبة فذكرها مع السيئة أقوى وأنسب وان كانت بمعنى النزول به مطلقا فتستعمل لكل منهما فلكل مقام مقال فافهم وقوله: ألمسه فلا أجده مصراع من مجز والوافر والظاهر أنّ المصنف لم يقصد الشعر والا لقال وألمسه أو ألمسه أو أشار إليه ووكله إلى التتبع. قوله: (محصورة قليلة) يعني أن التوصيف به مؤوّل بالقلة والا لم يفد ذكره، فإن قلت هذا يخالف قوله في الكهف في تفسير سنين عدداً إن وصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل. قلت: لا مخالفة بينهما وتحقيقه ما في محكم ابن سيده إنّ عددا فيها جعله الزجاج مصدر أو قال: المعنى تعد عددا قال: ويتجوز أن تكون نعتا لسنين والمعنى ذوات عدد والفائدة في قولك عددا في الأشياء المعدودة أنك تريد توكيد كثرة الشيء لأنه إذا قل: فهم مقداره ومقدار عدده فلم يحتج إلى أن يعد وإذا كثر احتاج إلى العد فالعدد في قولك صمت أياماً عددأ تريد به الكثرة ويجوز أن يؤكد عددا معنى الجماعة في أنها خرجت عن معنى الواحد هذا قول الزجاج. والأيام المعدودات أيام التشريق وهي ثلاثة أيام وإنما قلنا بمعدودة لأنها نقيض قولك لا تحصى كثرة ومنه: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} اص. ومنه نعلم أنه عدد كنائيّ قد يكنى به عن القلة كما هنا وقد يكنى به عن الكثرة وقد يحتملهما، فما قيل: إن عدداً ذكر هنا لمناسبة رؤوس الآي غفلة عما حققناه، ومعدودة صفة الجمع وهو مؤنث ولا كلام فيه إنما الكلام في معدودات وسيأتي. قوله: (روي أنّ بعضهم قالوا الخ) قالوا هذا حين دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة وسمعه المسلمون فنزلت هذه الآية وعدد عبادة العجل لأنّ آباءهم عبدوه فجعل الله ذلك مدة لعقاب اليهود ولو على غير ذلك من الذنوب وهذا بزعمهم الفاسد في إنكارهم الخلود. قوله: (خبرا ووعدا الخ) همزة اتخذتم للاستفهام التوبيخي مقطوعة وهمزة الوصل سقطت للدرج كقوله أصطفي البنات ومعنى العهد قد مز والمراد هنا على ما قال في التأويلات الخبر أي هل عندكم خبر عن الله تعالى أنكم لا تعذبون أبدا لكن أياما معدودة فإن كان لكم هذا فهو لا يخلف عهده، وفسر قتادة رحمه الله هنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 العهد بالوعد مستشهداً بقوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ} [سورة التوبة، الآية: 75، إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُواْ} الله ما وعدوه، والمصنف رحمه الله جمع بينهما تنبيها على أنّ من فسره بالخبر أراد الخبر الموعود كما صرح به في آخر كلامه، ووقع في نسخة أو يدل الواو إشارة إلى أنهما معنيان وتفسيران للسلف وان تقاربا فلا وجه لما قيل إنّ الصحيح الأوّل ولا لما قيل إنه لا وجه لتخصيص العهد بالوعد مع عمومه، والقراءة بالإظهار على الأصل وبإبدالها تاء وإدغامها فيها وهو ظاهر. قوله:) جواب شرط مقدر الخ) والفاء فصيحة وقدر بعضهم الشرط بأن كنتم اتخذتم بناء على أنه ماض! وحرف الشرط لا يغير معنى كان وفيه خلاف معروف. قال المحقق: أي إن كنتم اتخذتم إذ ليس المعنى على الاستقبال فإن قلت فلا يصح جعل فلن يحلف الله جزاء لامتناع السببية والترتب لكون لن لمحض الاستقبال قلت ذلك ليس بلازم في الفاء الفصيحة كقوله: فقد جئنا خراسانا ولو سلم فقد ترتب على اتخاذ العهد الحكم بأنه لا يخلف الرلهد فيما يستقبل من الزمان فقط كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 153 قيل: عليه الأظهر أنه دليل الجزاء وضع موضعه أي إن كنتم اتخذتم عند الله عهداً فقد نجوتم لأنه لن يخلف عهده وامّا ما ذكره من أنه لا يلزم في الفاء الفصيحة إنما يتم لو لم يجعل جزاء شرط، إذ لا فرق بينه وبين غير. من الأجزية، وما ذكر من ترتب الحكم فيه إنّ اتخاذ العهد في الماضي والحكم حين النزول فكيف يتم الترتب وأيضاً لا وجه للتعليل بكون لن لمحض الاستقبال فإن السببية بين الشرط والجزاء بحسب الوجود مفقودة سواء كان عدم الخلف في المستقبل أو الماضي بل إذا كان ذلك بحسب الماضي يكون الجزاء أبعد ارتباطاً من الشرط كما لا يخفى ثم إنه لا وف لتفريع السؤال على تقدير كان، ثم إنّ المعتبر بين الشرط والجزاء اللزوم لا السببية والترتب فكان حقه أن يقرّر السؤال هكذا هذا لا يصلح جزاء لعدم شرط صحته وهو أن يكون مرتبا على الشرط أو لازماً له ومخالفة الفاء الفصيحة في ذلك لم نجد. ولعل وجه ما ذكره في الاستقبال ما سيصرّح به في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 114] من أنّ الباعث والعلة لا يترتب عليه أمر مستقبل منفصل عنه يعني عرفا والشرط كذلك سبب للجزاء وعلة له فتأمل. وهذا أحد مذهبين في الفاء التي في جواب الاستفهام فتذكر. قوله: (وفيه دليل الخ) قيل عليه العهد ظاهر في الوعد بل حقيقة عرفية فيه وهو المراد هنا فلا دليل على نفي الخلف في الوعيد وهو مذهب أكثر الأشاعرة وأما أنه مصادرة وأنه ينبغي تبديل محال بغير واقع فلا يرد ما ذكره. قوله: (أما معادلة لهمزة الاستفهام الخ) إشارة إلى ما في أم من الوجهين كونها متصلة للمعادلة بين شيثين بمعنى أيّ هذين واقع وأخرجه مخرح المتردّد فيه وان كان قد علم وقوع أحدهما وهو قوله على الله ما لا تعلمون ولذا وقع في نسخة آخرهما، والتقرير أي الحمل على الإقرار به أو تثبيته لتعيته ولها شروط مفصلة في النحو ويجوز أن تكون منقطعة غير عاطفة بمعنى بل والهمزة التقدير بل أتقولون والاستفهام للإنكار لوقوعه منهم واليه أشار المصنف رحمه الله، وقيل: إنما تقدر ببل وحدها بدون الهمزة فتعطف ما بعدها على ما قبلها واستدل بقولهم أنّ لنا إبلا أم شاء بنصبهما ونحوه ولو قدرت الهمزة لرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ولا يصح فيها الاتصاف في المثا لعدم تقدّم الاستفهام فتأمل، والتقريع التوبيخ والتقرير هنا بمعنى التثبيت. قوله: (بلى إثبات الخ) بلى حرف جواب كجير ونعم إلا أنها تقع جواباً لنفي متقدم سواء دخله استفهام أم لا فيكون إيجابا له نحو ما قام فتقول بلى أي قد قام وقوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [سورة الأعراف، الآية: 172] ولذا قال ابن عباس رضيب الله تعالى عنهما: لو قالوا نعم كفروا، وأمّا قوله: أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بخا تداني نعم وترى الهلال كما أراه ويعلوها النهار كما علاني فقيل: ضرورة وقيل: نظراً إلى المعنى لأنّ الاستفهام إذا دخل على النفي قرر. فما قاله ابن عباس رضي الله عنهما نظرا إلى الظاهر وبلى هنا ردّ لقولهم: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ} أي بلى تمسكهم أبدا بدليل قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 قاله الزمخشرفي. وقوله أبداً في مقابلة قوله أياما معدودة وهو تقدير حسن ولا 0 فرق بينه وبين كلام المصنف رحمه الله خلافا لمن توهمه وهي بسيطة، وقيل: أصلها بل فزيدت عليها الألف، وقوله على وجه أعم يعني أنه لكل مكتسب لما ذكر من اليهود وغيرهم ليكون كالبرهان على الثبوت فيحقهم وأيضا هم أثبتوا تعذيب أيام وهو أثبت الخلود الأعمّ منها فلا يتوهم أنّ المعنى بل تمسكم أياما معدودة فانه فاسد لفظا ومعنى. قوله: (سيئة قبيحة الخ (هو فيعلة كسيدة أعل إعلاله وهي فيما يقصد بخلاف الخطيئة لكونها من الخطأ، والكسب جلب النفع فهو هنا استعارة تهكمية، وقيل: إنه عبر بالكسب لأخذهم الرشا المتقدم أو أنه حقيقة على زعمهم أنه نافع لهم ولكل وجهة وقد في قوله قد يقال: للتكثير اً وللتحقيق فلا يقال الصواب إسقاطها. قوله: (أي استولت عليه وشملت الخ (مرّ وجه الاستعارة، ومعنى استولت غلبت عليه وعمت ظاهره وباطنه وقلبه، وهذا لا يتصوّر في غير الكافر والسلف كمجاهد وغيره فسروا الخطيئة بالشرك، وهذا رذ على الزمخشرقي إذ فسرها بالكبيرة بناء على مذهب المعتزلة في أن صاحبها مخلد، وزاد قوله وإقرار لسانه رعاية للمذهب المختار في الإيمان المنجي كما مر. قوله: (وتحقيق ذلك الخ) ومنه يعلم وجه ذكر كسب السيئة وتقديمها ومن لم يتنبه له قال كان يكفي من أحاطت خطيئته عنه وقوله: مستحسنا بصيغة الفاعل، ومنه يعلم وجه آخر على طريق الإدماج لإطلاق الكسب عليها كما مر، وقوله: وتأخذ بمجامع الخ كان الظاهر أخذت أو فتأخذ بالفاء، وقراءة الجمع وقلب الهمزة ياء وادغامها ظاهر لكنهم استحسنوا قراءة الجمع لأن الإحاطة لا تكون بشيء واحد. قيل: ولذلك فسرها المصنف رحمه الله تعالى بقوله: استولت وشملت مع أنّ الخطيئة وإن كانت مفردة نكنها لإضافتها متعدّدة كقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 18] مع أنّ الشيء الواحد قد يحيط كالحلقة فتأمّل. قوله: (ملارّموها الخ (الصحبة وان شملت القليل والكثير لكنها في العرف تختص بالكثرة والملازمة، ولذا قالوا لو حلف من لاقى زبدا أنه لم يصحبه لم يحنث، والخلود لما كان معناه لغة مطلق اللبث الطويل بل سواء الخلود المعروف وغيره، فإن كانت الخطيئة بمعنى الكبيرة فالخلود بالمعنى الأوّل، وإن كانت الشرك فالثاني فلا دلالة لها ولا لما قبلها من قوله فويل الخ على ما ذكر لاحتمالها لهذا، وقيل: لأن تحريف كلام الله وأخذ ما ذكر كفر لا كبيرة، وقيل: المراد بما قبلها {بَلَى مَن كَسَبَ} الخ فإنّ المعنى بلى تمسكم أبدا وهو خطأ لأنهما آية واحدة، وقيل: إنه لا معنى له ولعله محرّف عن تليها أي تقع بعدها، وهذا عذر أقبح من الذنب ومجرد الويل لا يدل على الخلود، وهذا لا ينافي ما سبق في تفسير قوله: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} من الدلالة على أنّ عذاب النار دائم لأنه بواسطة ما يشهد له من الآيات والآثار في معنى الخلود وهذا بناء على مجرد مدلول لغة أو جواب جدليّ فافهم. قوله: (جرت عادته سبحانه الخ) قال الطيبي رحمه الله: نجي دخول الفاء في الأوّل دون هذا قال السخاوندي: تقول من دخل داري فأكرمه عدم دخول الفاء يقتضي إكرام من دخل لكن على خطر أن لا يكرم، والذي دخل مع الفاء يكرم حقيقة الخ وهو كلام مختل لا محصل له وقيل الذكر الفاء فيما سبق وتركها هنا لأن ثمة موضع التأكيد لأن الوعيد مظنة الخلف دون الوعد، وقيل: إنه إشارة إلى سبق الرحمة فإنّ النحاة قالوا من دخل داري فأكرمه يقتضي إكرام كل داخل لكن على خطر أن لا يكرم وبدونها يقتضي إكرامه البتة فتأمل. وقيل إنه إشارة إلى ما تسبب العذاب عنه بخلاف دخول الجنة فإنّ الأعمال لا تفي بسببه، وقوله يدلّ الخ لأنّ الأصل في العطف المغايرة ولا داعي إلى التأويل، والإقرار مسكوت عنه وهو يقتضي دخوله فيه. قوله: " خبار في معنى النهي الخ لا يضار برفع الراء المشددة والمقصود النهي كما فيما نحن فيه، وبين وجه أبلغيته بأنّ المنهيّ أو المأمور كأنه سارع إلى ذلك فوقع منه حتى أخبر عنه بالحال أو الماضي أي ينبغي أن يكون كذلك فلا يرد عليه أنه لا يناسب المقام لأنّ حال المخبر عنه على خلاف ذلك فالصواب أن يقال: لما فيه من الاعتناء بثأن المنهيّ عنه وتأكد طلبه حتى كأنه امتثل وأخبر عنه، ووجه التجوّز فيه سيأتي ويؤيده قراءة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 لا تعبدوا بالجزم وعطف الأمر لأنّ الإنشاء يعطف على مثله، وغير عبارة الزمخشريّ لما فيها وإنما أول بالنهي لأنه لو كان خبراً لزم تخلف إخباره لأنهم وقع منهم عبادة غير الله، وتقدير القول أي قائلين أو قلنا وأما تقدير أن فضعيف لأنها لا تحذف قياساً إلا في مواضع ليس هذا منها وبعد حذفها جوّزوا في الفعل الرفع النصب وبهما روي بيت طرفة في معلقته وهو: ألا أيهذا الزإجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي وعلى هذه القراءة فهو مصدر مؤوّل بدل من الميثاق أو مفعول به بحذف حرف الجرّ أي بأن لا، أو على أن لا، وقيل: إنه جواب قسم دل عليه الكلام أو جواب الميثاق نفسه لإنّ له حكم القسم وعلى قراءة التاء ففي الآية التفاتان في لفظ الجلالة وتعبدون، وغيبت بتشديد الياء جمع غائب ويصح تخفيفها بفتحتين لأنه جمعه أيضاً وجوّز فيه أن يكون حالاً وجعل أن تفسيرية وتقدير تحسنون بناء على أنه خبر وأحسنوا بناء على أنه إنشاء والجملة معطوفة على تعبدون، ويصح تعلقه بإحسانا أيضاً لأنه يتعدى بالباء والى يقال: أحسنت به واليه، وقيل عليه أنه حينئذ مصدر مؤكد وحذف عامله ممنوع وفيه نظر. ومنهم من قدر استوصوا واحسانا مفعول له والوالدان تثنية والدلالة يطلق على الأب والأمّ أو تغليب وقال الحلبيّ: أنه لا يقال في الأمّ والد فيستعين التغليب، واليتامى وزنه فعالى ككسارى وألفه للتأنيث وهو جمع يتيم كنديم وندامى ولا ينقاس واليتم أصل معناه الانفراد ومنه الدرّة اليتيمة، وقيل: الإبطاء لإبطاء البر عنه وهو في الآدميين من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات وفي الطيور من جهتهما، ووجهه ظاهر وقيل: إنه يقال في الآدميين لمن فقدت أمّه أيضا. قوله: (ومسكين مفعيل الخ) إشارة إلى أنّ الميم زائدة وهو أصح القولين لأنه من السكون كأن الفقر أسكنه أي جعله ساكنا والفرق بينه وبين الفقير معروف وسيأتي. قوله: (أي قولاً حسناً الخ) أي فيه قرا آت حسناً بضم فسكون مصدر وصف به مبالغة وحسنا بفتحتين صفة، وقيل: هو مصدر أيضا كحزن وحزن وحسن بضمتين وضم السين لاتباع الحاء وحسني واختلف في وجهه فقيل: هو مصدر كرجعي قال أبو حيان: هو غير مقيس ولم يسمع فيه فقيل: هو صفة كحبلى وقيل: مؤنث إفعل، واستعمل منكرا بدون من على خلاف القياس مثل كبرى وصغرى قال: وان دعيت إلى حسني مكرمة وقوله: تخلق وارشاد أي ما فيه دلالة عليس حسن الخلق والمعاملة أو إرشاد إلى السداد. قوله: (على طريقة الالتفات أو لعل الخطاب الخ لأنّ ذكر بني إسرائيل إنما وقع بطريق الغيبة والخطابات إنما هي في حيز القول وفائدة الالتفات التعنيف والتوبيخ كأنه استحضرهم ووبخهم وتم للاستبعاد كما مر، وقال السمين: هذا إنما يجيء على قراءة لا يعبدون بالغيبة، وأما على قراءة الخطاب فلا التفات، ويجوز أن يكون أراد بالالتفات الخروج من خطاب بني إسرائيل القدماء إلى خطاب الحاضرين في زمنه عليه الصلاة والسلام، وقد قيل ذلك فيكون التفاتا على القراءتين (أقول) كون الالتفات بين خطابين لاختلافهما لم يقل به أهل المعاني لكنه وقع مثله في كلام بعض الأدباء، وهذا غير الالتفات المصطلح عليه فجعل الأوّل في حكم الغيبة لأنه محكيّ وهذا ابتداء كلام أقرب منه مع أنه خلاف الظاهر، وأمّا على التغليب فلا التفات فيه وفيه نظر. قوله: (1 لا قليلاَ منكم) المشهور فيه النصب لأنه موجب، وروي عن أبي عمرو وغيره الرفع فقيل: إلا صفة بمعنى غير وهي يوصف بها المعارف والنكرات بخلاف غير وقيل: لا يوصف بها إلا النكرة أو المعرف بلام الجنس لأنه في قوّة النكرة، وقال المبرد: شرطه صلاحية البدل في موضعه، وقيل إنه عطف بيان وفيه نظر وقيل: إنه مبتدأ خبره محذوف أي لم يقولوا وقيل: إنه توكيد للضمير المرفوع أو بدل منه وجاز لأنه في معنى النفي، ورد بأنه ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بمنفيّ وفيه نظر ومنكم صفة قليلاً والمراد بهم الأشخاص، وقال ابن عطية: يحتمل القلة في الإيمان أي لم يبق إلا إيمان قليل وهو بعيد جداً، والمراد على التغليب أنه ليس ببدع منكم لأنه ديدن آبائكم. قوله: (قوم عادثكم الأعراض الخ) يؤخذ كونه عادتهم من الاسمية الدالة على الثبوت، وهل هذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 الجملة معترضة أو حالية مبنية أو مؤكدة والمؤكدة هل يجوز اقترانها بالواو أو لا وكلها أقوال، وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله وأنتم قوم عادتكم الإعراض يشير إلى أنه من الاعتراض والتذييل كما سيجيء في قوله: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} وقيل: لا يجوز أن تكون الواو للحال لأنّ التولي والإعراض واحد يعني والحال المؤكدة لا تفصل بالواو وهذا يرد على إطلاقهم في الاسمية كما مر وروي صاحب التحبير عن أبي علي رحمه الله الحال مؤكدة في قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} لأنّ في وليتم دلالة على أنهم مدبرون، وقال الراغب: وأنتم معرضون حال مؤكدة إذا جعلا شيئا واحداً، وقيل: إنّ التولي والإعراض مثل مأخوذ من سلوك الطريق، وإذا اعتبرنا حال سالك الطريق المنهج في ترك سلوكه فله حالتان إحداهما أن يرجع عوده على بدئه، وذلك هو التولي والثانية أن يترك المنهج ويأخذ في عرض الطريق، والمتولي أقرب أمراً من المعرض لأنّ من ندم على رجوعه سهل عليه العود إلى سلوك المنهج والمعرض حيث ترك المنهج والأخذ في عرض الطريق يحتاج إلى طلب منهجه فيعسر عليه العود إليه وهذا غاية الذمّ لأنهم جمعوا بين العود عن السلوك والإعراض، وقيل: إنّ التولي قد يكون لحاجة تدعوا إلى الانصراف مع ثبوت العقد، والإعراض هو الانصراف عن الشيء بالقلب اهـ. وهو تحقيق بديع وفي كلام المصنف رحمه الله لمحة منه، وكذا في قوله ورفضتموه عطفاً عل!! أعرضتم عن الميثاق على أنه تفسير له إشارة إلى اعتبار الانصراف بالقلب في مفهوم الإعراض! فتدبر، والعرض في كلامه خلاف الطول وقوله ومن أسلم منهم أي من اليهود مطلقاً سواء قام على اليهودية قبل النسخ أولاً فتأمل. قوله: (على نحو ما سبق) أي من توجبه الخطاب والتأويلات في لا تعبدون لأنّ أخذ الميثاق بإنزال التوراة وقبولهم أحكامها المشترك بين السلف والخلف، وقوله: بعضاً منصوب بنزع الخافض أي لبعض والإجلاء الإخراج من الديار والمساكن. قوله: (وإنما جعل قتل الرجل غيره الخ) قال المحقق: جعل غير الرجل نفسه أمّا في لا تخرجون أنفسكم فصريحاً وأمّ في لا تسفكون فدلالة والقول بأنّ قتل الغير بمنزلة قتل النفس لترتب القصاص يمكن اعتبار مثله في الإخراج لما يلحقه من العار والصغار اص. وقيل: لأنه يؤذي إلى أن يفعل به مثل ذلك وهو بعيد، فالتجوّز في محلين وبوجهين إمّا أنّ المتصل به دينا ونحوه أطلقت عليه النفس بعلاقة الملابسة والاتصال أو جعل قتل الغير قتلا لنفسه لتسبيبه له بالقصاص، وقيل: إنه مراد المصنف رحمه الله تعالى ولم يتعرّضر له لظهوره وانفهام وجهه مما ذكر وقيل: إنّ المصنف رحمه الله تعالى خص صورة القتل بالتوجيه ظناً منه أنّ الإخراج لا يحتاج إليه رذا على الكشاف نظراً إلى أنّ قتل الإنسان نفسه لا يكون في العادة فلا حاجة إلى أخذ الميثاق عليه بخلاف الإخراج عن دياره فإنه معروف فلا داعي لصرفه عن ظاهره فظهر أنّ جعل غير الرجل نفسه إنما هو في تسفكون لا في تخرجون ومن زعم أن ذلك في الثاني صريح دون الأوّل فقد عكس الأمر الظاهر اهـ. وهذا تخيل فاسد لأن الإخراج بمعنى الإجلاء والنفي لا يتصوّر بين الإنسان ونفسه بل الإخراج إذ يقال خرج زيد ولا يقال أخرح نفسه وبعد تقرّره وأن التجوز في النفس وهي مصرّح بها في الثاني دون الأوّل لا تبقى شبهة فيما ذكره الشارح المحقق نعم وجه التصريح في الثاني بالنفس دون الأوّل لازم ونكتتة أنه لو ترك لكان تخرجونكم وهو ممنوع في العربية، وقيل على الشارح أيضاً إنّ قتل الغير يفضي إلى قتل نفسه فيصح عذة قتلاً لنفسه، واخراج الغير لا يفضي إلى إخراج النفس فكيف يصمح عذه إخراجا لها وليس بوارد لأنّ إخراج جنسهم عار عليهم يفضي إلى ل! ضوق ذلك العار بمن أخرح أيضا فيجعل اللازم مفضياً إلى لازم آخر، وهو ظاهر. قوله: (وقيل معناه الخ) وهو على هذا مجاز أيضاً على منوال البطون القرآنية، وأما قوله في الحقيقة فليس المراد به مقابل المجاز بل معناه العرفي وهو إلا خلق وليس المراد بالحقيقة مصطلح الصوفية كما قيل: ويردي بمعنى يهلك، وقوله: يصرفكم عن الحياة الأبدية يعني عن لذاتها لأنهم مخلدون في النار أيضاً أو أنّ حياتهم كلا حياة، وقوله: فانه الجلاء الحقيقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 يعني أنّ غيره ليس جلاء بالنسبة إليه وفي الفصول للقصار ليس النفي جلاء الأوطان بل البعد عن رياض! الجنان. قوله: (ثم أقررتم بالميثاق واعترفتم بلزومه) أي خلفا بعد سلف يعني أخذ منكم الميثاق والتزمتموه فالإقرار ضد الجحد ويتعدّى بالباء ويحتمل أنه بمعنى إبقاء الأمر على حاله أي أقررتم بهذا الميثاق ملتزما والمصنف رحمه الله تعالى غافل عن هذا، ولذا عداه بالباء كذا قبل: وليس بشيء لأنّ إبقاء الشيء على حاله من غير اعتراف به لا يلائمه ترله وأنتم تشهدون، وأتا بمعنى الإثبات سواء كان باللسان أو بالقلب وضده الإنكار فيتعدى بالباء أيضاً كما ذكره الراغب ووجه كونه تأكيدأ أنّ المعنى أقررتم إقرارا ملزما كما تلزم البينة، وهذا مما يقوّيه ويؤكده ويدفع احتمال أن يكون الإقرار ذكر أمر آخر لكنه يقتضيه فهو احتراس دافع أط! حتمال وهو لا ينافي التأكيد كما توهم وإذا كان الإقرار إقرار السلف واسناده لهؤلاء مجازيّ بأن أسند إليهم ما وقع من آبائهم فليس فيه تغليب كما توهم أنه من قبيل {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} فإنه وجه آخر، وانشهادة من الخلف فهو على هذا من عطف جملة على أخرى وعلى الأوّل حال على سبيل التتميم. قوله: (استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق (مرّ تقرير الاستبعاد وما بينه وبين الترإخي الرتبي، وقوله: وأنتم مبتدأ الخ في الكشاف ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين تنزيلاً لتغير الصفة منزلة تغير الذات كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به وقوله: تقتلون بيان الخ، ولما كان الإخبار باسم الإشارة لا يقتضي المغايرة وحمل الظاهر على الضمائر لا يقتضي ذلك كما إذا قلت ها أناذا قائما وأنا زيد أو ضارب فلا عدول فيه عن مقتضى الظاهر اعترض عليه أبو حيان بأن المشار إليه بقوله: أنتم هؤلاء المخاطبون أوّلأ فليسوا قوما آخرين ألا ترى أنّ التقدير الذي قدره الزمششريّ من تقدير تنزيل تغير الصفة منزلة تغير الذات لا يتأتى في نحوها أنا ذا قائماً ولا في أنتم هؤلاء بل المخاطب هو المشار إليه من غير تغير، وقال الحلبي: لم يتضح لي صحة الإيراد عليه وما أبعده عنه لأنه لم يفهم مراده، فالحق أنه اعتراض قوفي وكلامه لا يخلو عن خفاء، وقد أشار إليه شراحه وحاولوا توجيهه فقيل: كان من حق الظاهر ثم أنتم بعد ذلك التوكيد في الميثاق نقضتم العهد فتقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم أي صفتكم الآن غير الصفة التي كنتم عليها فأدخل هؤلاء وأوقع خبرا لأنتم، وجعل قوله تقتلون أنفسكم جملة مبينة مستقلة ليفيد أنّ الذي تغير هو الذات بعينها نعيا عليهم بشدة وكأنه أخذ الميثاق ثم تساهلهم فيه وقله المبالاة به، وقوله: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به يعني ما أنت بالذي كنت من قبل وكأنك ذهب بك وجيء بغيرك وفي الحديث: " دخل بوجه غادر وخرج بوجه كافر " اص. والمصنف رحمه الله تعالى لم يمثل بما مثلى به في الكشاف لكن لا فرق بينهما كما توهم لأن قوله أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا مع أنّ الظاهر أن يقول أنت فعلت كذا كأنه قدر في نفسه أنه صار شخصآ آخر، ثم إنّ قوله وأنتم تشهدون على الوجه الثاني خطاب لمن أدرك زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليهود وأنتم هؤلاء كذلك فادّعاء المغايرة في المحمول بحسب الذات لا يخلو عن كدر وان كان خطابا للكل وأنتم كذلك فالمغايرة حقيقية والحمل محتاج إلى التأويل، وقوله باعتبار ما أسند إليهم يعني أنتم المعبر به عن المأخوذ عليهم الميثاق وباعتبار ما سيحكي يعني هؤلاء، وقيل: أراد بالأوّل إسناد الإقرار والشهادة لأنهما يوجبان القرب وبالثاني قتل أنفسهم الخ لأنّ المعاصي توجب البعد. قوله: (إمّا حال والعامل فيها معنى الإشارة) وشممى عاملاً معنويا لكونه في معنى الفعل وهذا كقولهم ها أنا ذا قائما قال أبو حيان رحمه الله تعالى: والمقصود من حيث المعنى الإخبار بالحال، وأما على البيان فكأنه لما قيل: ها أنتم هؤلاء قيل: ما شأننا فقيل: تقتلون الخ والجملة لا محل لها من الإعراب وأمّا أنه تأكيد فهو على أن يجعل بدلاً مما قبله، أو عطف بيان والمراد با اضأكيد معناه اللغوي وهو مطلق التقوية بالتكرير وأمّا جعله موصولاً فهو مذهب البصريين في جميع أسماء الإشارة فإنها تكون عندهم أسماء موصولة، كما قال الجمهور في ماذا صنعت أنه بمعنى ما الذي صنعت والصحيح خلافه ولأنه يصير أيضاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 من قبيل: أنا الذي سمتني أمي حيدره وهو ضعيف، وفي الآية وجوه آخر مبسوطة في الدر المصون وروى محيي السنة عن السدي أنّ الله تعالى أخذ العهد على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه. قوله: (حال من فاعل تخرجون الخ) الإثم الذنب والعدوان التعدي بالظلم، ووجه القراءة بالحذف أنه اجتمع تا آن فحذفت إحداهما للتخفيف وهي إمّا الأولى وامّا الثانية على اختلاف أو قلبت ظاء وأدغمت وهو ظاهر ومعنى المظاهرة المعاونة مأخوذ من الظهر للاستناد إليه. قوله: (روي الخ) قال الطيبي رحمه الله: العرب النازلون بيثرب فريقان يهود وهم بنو قريظة مصغرأ والنضير كأمير ومشركون وهم قبيلتان الأوس والخزرج وكانت بين الأوس والخزرج محاربات فاستحلف الأوس قريظة والخزرج النضير ليكون معهم في حروبهم ولم يكن بين فريقي اليهود محالفة ولا قتال وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم فكانوا إذا أسر من اليهود احد جمع كل من الفريقين ما يفيد به من المشركين فإذا كانوا مع الحلفاء قتل اليهود بعضهم بعضا وأخرجوهم من ديارهم وخرّبوها فإذا وضعت الحرب أوزارها أعطوا فداء من أسر منهم فإذا قيل: لهم في ذلك قالوا إنّ القتل والإخرإج لأجل حلفائنا وهو مخالف لما عهد في التوراة، ولذلك نفاديهم لأنا أمرنا به كما مر فأحلوا بعضا وحرّموا بعضاً، ومعنى إتيانهم حال كونهم أسارى إمّا حقيقة وامّا إتيان خبرهم ونحوه وقوله: وقيل الخ هذا خلاف الظاهر وهو من التأويل. قوله: (أسرى وهو جمع أسير الخ) قرئ أسر! وأسارى بفتح الهمزة وضمها، أمّا أسارى فلأنهم حملوا أسيرآ على كسلان فجمعوه جمعهم كسالى كما حملوا كسلان عليه فقالوا كسلى كذا قال سيبوبه: ووجه الشبه أنّ الأسر والكسل كل منهما أمر غير اختياري، وقيل: إنه مجموع كذا ابتداه من غير حمل كما قالوا في قديم قدامى والأصل فيه الفتح والضم ليزداد قوّة وقيل: أسارى جمع أسرى جمع أسير فهو جمع الجمع والفتح لغة عالية ولا فرق بين أسرى وأسارى، وقيل: من كان في الوثاق فهم أسارى وغيره أسرى وهو مأخوذ من الأسار وهو الرباط الذي يشد به، وفاداه وفداه بمعنى وقيل: فداه بالمال وفاداه أعطى فيه أسيرا مثله واللغة تخالفه وقيل: فداه بالصلح وفاداه بدونه والفدا بالكسر يمد ويقصر والأكثر مع اللام قصره نحو فدى لك، وبالفتح مقصور لا غير وهو يتعذى لمفعولين الأوّل بنفسه والثاني بالباء0 قوله: (متعلق الخ (إشارة إلى ردّ ما قيل: إنه متعلق بجميع ما تقدم لأنه محتاج إلى تكلف والمراد أنه حال منه، وخص الإخراج ببيان حرمته قيل: لما فيه من الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره إلا بالموت والظاهر أنه لظهور منافاته لمفاداتهم فيناسب تفريع قوله أفتؤمنون الخ. وقوله: وما بينهما اعتراض قيل عليه الجملة المعترضة لا محل لها من اعراب وقد جعل قوله تظاهرون عليهم حالاً وبينهما منافاة ولا وجه له لأنّ المراد بالمعترضة جملة {وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى} [سورة البقرة، الآية: 85] وأما جملة تظاهرون على الحالية فهي قيد للخروج ص ذ كور بذكره وهو ظاهر. قوله: (والضمير الخ (فيه وجوه من الإعراب أحدها أنه ضمير شان والجملة بعده خبره ولا يحتاج إلى رابط وقيل: خبره محرّم وإخراجهم نائب فاعله وهو مذهب الكوفيين وإنما ارتكبوه لأنّ الخبر المتحمل ضميراً مرفوعاً لا يجوز تقديمه على المبتدأ فلا يقال قائم زيد، وهو عند البصريين جائز وما ذكروه ممتنع لأنّ ضمير الشأن لا يفسر بمفرد والثاني أنه ضمر مبهم يفسره بدله وهو إخراجهم وهذا بناء على جواز إبدال الظاهر من الضمير والثالث أنه راجع إلى الإخراج المفهوم من تخرجون واخراجهم بدل منه أو عطف بيان له وضعف بأنه بعد عوده إلى الإخراح لا وجه لإبداله مته. قوله: (أفتؤمنون الخ) الاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكام الله والعهد كان بثلاثة أشياء: ترك القتل، وترك ألإخراج، ومفاداة الأسارى، فقتلوا وأخرجوا على خلاف العهد وفدوا بمقتضاه وقيل: المواثيق أربعة فزيد ترك المظاهرة، وما في الكشاف من أنه قيل لهم: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم فقالوا أمرنا بالفداء وحرم علينا القتال ولكنا نستحي من حلفائنا يدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 على أنهم لا ينكرون حرمة القتال فإطلاق الكفر عليه على فعل ما حرم إمّا لأنه كان في شرعهم كفراً أو أنه للتغليظ كما أطلق على ترك الصلاة ونحوه ذلك في شرعنا. قوله: (الأخرى قي الحيوة الدنيا الخ) قال الراغب: خزى الرجل لحقه انكسار من نفسه أو غيره، فالذي من نفسه الحياء المفرط ومصدره الخزاية والذي من غيره كالذل والهوان مصدره الخزي أي ليس جزاء فاعله منكم لا ممن خالفتموهم في الدنيا إلا الفضيحة وفي الآخرة إلا العقاب والجزاء يطلق في الخير والشر وقيل: عليه أنّ القتل ليس خزيا على تفسيره إلا أن يكون خزيا لذراريهم وذويهم أو أنّ ما ذكره أصل معناه ثم عم واجلاء النضير إلى أريحاء وأذرعات، وقوله عمى غيرهم قيل عليه إنه صريح في أنهم غير منحصرين في قريظة والنضير وما ذكره سابقا وكذا ما نقل عن الطيبي يخالفه فالصواب ما في المغازي أنهم كانوا فريقين بني ينقاع بفتح القاف وتثليث النون وهما حلفاء الخزرج والاخر النضير وقريظة وهم حلفاء الأوس فتأمّل. وقوله: وأصل الخزي أي أصل هذه المادّة بقطع النظر عن خصوص المصدر وقيل: عليه أنّ الخزي لا يستعمل في الاستحياء، وإنما المستعمل فيه الخزاية كما مر عن الراغب وذكر مثله المرزوقيّ وغيره والدنيا مأخوذ من دنا يدنو وياؤه منقلبة عن واو فرقا بين الأسماء والصفات وإنما كان عصيانهم أشد لأنه كفر بكتاب الله بعدما علموا خلافه، ووجه القراءة بالخطاب والغيبة ظاهر والقراءة المنسوبة إلى عاصم شاذة والردّ إن كان بمعنى التصيير فظاهر وان كان بمعنى الرجوع فلأنهم معذبون في الدنيا وفي القبور، وقوله بالآخرة أي بحظوظها ومن قال بحياتها أراد الحياة المقيدة بها إشارة إلى المجاز في اشتروا، والباء داخلة على المتروك. قوله: (بنقض الجزية الخ) أقول عدم تخفيف عذاب الكفار وقع في سور ثلاث البقرة وآل عمران والنحل وقد صرح فيها بأنّ العذاب الذي لا يخفف عنهم عذابهم بعد دخول جهنم المخلد لاقتضاء الحكمة والعدل الرحماتي عدم الاستواء فيه وأن يجعل على مقدار كفرهم فلا يكون عذاب من لم يؤذه ولم يبارزه بالعداوة بل أعتقد رسالته وأحبه وإنما كفر بالجحد اللساني لحمية الجاهلية كأبي طالب كعذاب غيره على مراتبهم في الكفر والإيذاء، فجعل عذاب الأوّل خفيفاً بالنسبة لمن عداه أو تخفيفه في البرزخ قبل سجن سجين لا ينافي عدم تخفيفه بعد دخول دار الخلود كما قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} [سورة البقرة، الآية: 121] فلا ينافي القضاء بتخفيفه أوّلاً الذي سيذكره المصنف رحمه الله في الزلة كما يتراءى في أوّل نظرة ومنهم من فسر التخفيف بتخفيف العذاب الدنيوي والأخروي الشامل للخزي والنصر بدفع الجزية ولم يتعرض لدفع العذاب لأنه يفهم من نفي تخفيفه بالأولى وقوله أي التوراة لم يقل جملة واحدة كما في الكشاف لأنه لا دلالة للنظم عليه وما فيه بيان للواقع. قوله: (وقفينا الخ) قالوا كان بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أربعة آلاف نبيّ، وقيل سبعون ألفاً كانوا على شريعة موسى صلى الله عليه وسلم ومعنى تترى متتايعين واحداً بعد واحد وأصله وترى واتبعه الأول في كلام المصنف من الافتعال والثاني من الأفعال، قيل: يقال قفاه يقفوه قفوا أي اتبعه وقفاه غيره تقفية أي اتبعه من القفا ولما كان عدم بيان إرداف موسى عليه الصلاة والسلام بجمع من ارسل معا مراداً لم يقل وقفيناه بالرسل فإنّ المراد منه تقفية كل منهم لموسى عليه الصلاة والسلام بالذات، وليس كذلك بل قثل: قفينا من بعده بالرسل على تضمين قفينا معنى جئنا من بعده بالرسل مقتفين أثره ومتبعين شريعته فمن قال أصل الكلام قفينا موسى صلى الله عليه وسلم بالرسل فترك المفعول به وأقيم من بعده مقامه لم يصب وكذا تفسير المصنف رحمه الله التقفية بالإرسال تبعاً للزمخشري غير صواب، وهذا تخيل لا وجه له لأن التقفية إما محسوسة، كأن يمشي على أثره أو معقولة كاتباع شريعته وكل من ذلك لا دلالة له على المعية كما يقال: للأمم اتبعوا نبيهم وتفسيره بأرسلنا بعده مما وقع لغير المصنف بيانا لأنّ المراد أنّ إرسالهم بعده لا في حياته فالإقدام على تخطئة هؤلاء الفحول من غير داع وارتكاب التضمبت من فضول الكلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 وقوله: أتبعه به في نسخة أتبعه إياه كما في الكشاف وهو الظاهر، وفي الأولى إشارة إلى أنه لا يتعدى لمغعولين وقوله: ذنبه من الذنب بفتحتين كذنبت الرطبة. قوله: (المعجزات الخ) تفسير البينات بالإنجيل بدون الآيات خلاف الظاهر ولذا أخره وقوله: بالعبرية في الكشاف بالسريانية، وغيره المصنف رحمه الله وأجاد وفي القاموس عيسى عليه الصلاة والسلام اسم عبرانيّ أو سريانيّ وجمعه عيسون بفتح السين وقد تضم وعيسين بفتحها وقد تكسر والنسبة إليه عيسى وعيسويّ، وقوله: وعيسى بالعبرية يثوع بكسر الهمزة والمعجمة فعرّب ومعنا. السيد وقيل: المبارك وأفرد عيسى عليه الصلاة والسلام لتميزه عنهم لكونه من أولي العزم وصاحب كتاب، وقيل: لأنه ليس متبعا لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، وأضافه إليها رداً على اليهود إذ زعموا أنّ له أبا. قوله: (ومريم بمعنى الخادم الخ) لأنّ أمها نذرتها لخدمة بيت المقدس، والزير بالكسر من الرجال من يكثر محادثة النساء ومجالستهن فمن يكثر من النساء من مخالطة الرجال كذلك فسمي به من يخدم من النساء لأنّ شأنه ذلك فلا مغايرة بين كونها بمعنى الخادم وكونها زير النساء ولا حاجة إلى ما قيل: إنها سميت بذلك تمليحاً كما يسمي الأسود كافوراً فإنه غفلة عن معنى كلامه وسيأتي ما يحققه، وقال الأزهريّ: المريم المرأة التي لا تحب مجالسة الرجال وكأنه قيل لها ذلك تشبيهاً لها بمريم البتول والشعر المذكور لرؤبة من أرجوزة مدح بي السفاح وبعده: ضليل أهواء الصبا تندمه هل يعرف الربع المخيل أرسمه عفت عوافيه وطال قدمه وضليل كشرّيت مبالغة ضال صفة زير والتندم الندم فاعل ضليل على الإسناد المجازي كنهاره صائم. قوله: (ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل) هو إمّا غير عربي عرّبته العرب بعدما كان بمعنى الخادم أو العابدة ونقل لمعنى يناسبه كما مر أو مشترك بين اللسانين ومعناه بالعبرية غير معناه بالعربية فهو حينئذ مفعل لا فعيل لأنّ فعيل بالفتح لم يثبت في الأبنية أو نادر ان قلنا به كما اختاره الصاغاني في الذيل وقال: إنه مما فات سيبويه، ومنه صهيد للصلب واسم موضمع وهو بالصاد المهملة والضاد المعجمة ومدين على القول بأصالة ميمه، وضهيا بالقصر وهي المرأة التي لا تحيض أو لا ثدي لها، وقال ابن جني: صهيد وعثير مصنوعان فلا دلالة فيهما وإذا كان مفعل فهو أيضا على خلاف القياس إذ القياس إعلاله بنقل حركة الياء إلى الراء وقلبها ألفا نحو مباع ولكته شذ كما شذ مدين ومزيد وإذا كان من رأم يريم المخصوص بالنفي فالقياس كسر يائه أيضا، والأيد القوّة ومنه أخذ أيد على فعل وآيد على أفعل. قوله: (بالروح المقدّسة كقولك حاتم الجود) يعني أنّ الأصل ذلك لكن أضيف الروح إلى القدس تنبيها على زيادة الاختصاص به لأنّ من شأن الصفة النسبة إلى الموصوف فإذا أضيف إليها يكون الموصوف منسوبا إلى الصفة فيزيد معنى الاختصاص كحاتم الجود بإضافة الموصوف إلى مبدأ صفته مبالغة في ثبوته له أو اختصاصه به واشتهاره والإضافة معنوية بعد تنكير العلم وبدونها عند الرض وليس المعنى أنّ الجود بمعنى الجواد مبالغة والموصوف مضافا إلى صفته كما توهم والقدس التقدي! ومعناه التطهير وروح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} [سورة النحل، الآية: 02 ا] لنزوله بالقرآن والوحي الذي تطهر به النفوس من دنس الهيولى، والروح إذا أطلق على جبريل عليه الصلاة والسلام لا يؤنث وبمعناه المعروف يذكر ويؤنث وحظيرة القدس الجنة وقيل الشريعة، وقوله: روح عيسى عليه الصلاة والسلام الخ أتا طهارته من مس الشيطان فسيأتي تحقيقه في آل عمران وأمّ كرامته على الله وتعظيمه باضافته إليه فظاهر، والمراد بالأصلاب أصلاب الرجال والطوامث النساء التي تحيض ومريم لم تحض تط كما رواه الثقات واطلاق الروح على الإنجيل لأنه أطلق على الوحي الذي به الحياة الأبدية واطلاقه على الاسم الأعظم لأنه كالروج في إحياء الموتى والاسم الأعظم فيه كلام لعل النوبة تفضي إليه، والقدس بضم الدال وتسكن وبهما قرئ. قوله: (هوي بالكسر هوي إذا أحب الخ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 فهو من المحبة كعلم يعلم ومصدره هوى بالقصر ومن السقوط من باب ضرب ومصدره الهويّ بالضم وأصله فعول فأعل هذا هو المشهور، وقال المرزوقي في شرح أشعار هذيل: معنى هوى أنقض انقضاض النجم والطائر وكان الأصمعي يقول هوت العقاب إذا انقضت لغير الصيد وأهوت إذا انقضت للصيد وحكى بعضهم أنه يقال: هوى يهوي هوياً بفتح الهاء إذا كان القصد من أعلى إلى أسفل قال: هويّ الدلو أسلمها الرشاة وهوى يهوي هوياً بضم الهاء إذا كانت من أسفل إلى أعلى قال أبو بكر: واذا رميت به الفجاج رأيته يهوي مخارمها هويّ الأجدل اص والهوى المحبوب ويكون في الحق وغيره وإذا أضيف إلى النفس فالمراد به الثاني في الأكثر. قوله: (ووسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به الخ) قال ابن هشام رحمه الله: في المعنى الهمزة لكونها أصل أدوات الاستفهام لها تمام الصدر فإذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو الفاء أو ثم قدمت على العاطف تبيهاً على أصالتها في التصدير وأخواتها تتأخر عنه كما هو القياس نحو فهل يهلك هذا مذهب سيبويه والجمهور وخالفهم جماعة منهم الزمخشريّ فزعموا أنّ الهمزة في محلها الأصلي وأنّ العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، وردّ بأنه تقدير ما لا حاجة إليه وأنه لا يتأتى في كل موضع وان كان الزمخشريّ خالفه في مواضع كثيرة ومن عرف معنى كلام الزمخشري عرف أنه قول من لم يصل إلى العنقود قال الشارح المحقق اختلف كلامهم في الواو والفاء وثم الواقعة بعد همزة الاستفهام فقيل: عطف على مذكور قبلها لا مقدّر بعدها بدليل أنه لا يقع في أوّل الكلام، وقيل: بالعكس لأنّ للاستفهام صدر الكلام والمصنف يحملها في بعض المواضع على هذا وفي البعض على ذاك بحسب مقتض المقام ومساق الكلام، ولا يلزم بطلان صدارة الهمزة إذ لم يتقدمها شيء من الكلام الذي دخلت هي عليه وتعلق معناها بمضمونه غاية الأمر أنها توسطت بين كلامين متعاطفين لإفادة إنكار جمع الثاني مع الأوّل أو لوقوعه بعده متراخياً أو غير متراخ وهذا مراد من قال إنها مقحمة مزيدة لتقرير معنى الإنكار أو التقرير أي مقحمة على المعطوف مزيدة بعد اعتبار عطفه ولم يرد أنها صلة اكل هـ ومعنى كلام المصنف رحمه الله أنّ قوله تعالى: {كُلَّمَا جَاءكُمْ} تسبب عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [سورة هود، الآبة: 10 ا] ولهذا دخلت الفاء عليه والتقدير نحن أنعمنا عليكم ببعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وانزال الكتب لتشكروا تلك النعم بالتلقي فعكستم بأن كذبتم فريقاً الخ كقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [سورة الوأقعة، الآية: 82] ثم أدخل بين السبب والمسبب همزة التوبيخ والتعجيب لتعكيسهم فيما يجب عليهم وأن لم تعطف على ما قبلها بل على مقدر فهي مستأنفة والتقدير أفعلتم ما فعلتم فكلما الخ وما فعلتم إمّا عبارة عما ذكر بعد الفاء فيكون العطف للتفسير وأمّا غيره مثل أكفرتم بالنعمة واتبعتم الهوى فتكون دحقيقة التعقيب. قوله: (والفاء للسببية أو للتفصيل الخ) لأنّ ما ذكر نشأ من استكبارهم عن اتباعهم وان أريد باستكبر أظهر التكبر بفعل ما لا يليق فهو تفصيل له، والأول أولى، ولذا قدّم وتقتلون بمعنى قتل آباؤكم فأسند إليهم للرضا به وللحوق مذمّته بهم وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية واستحضاراً لصورتها لفظا عنها واستعظامها، وأمّا كونه لرعاية الفواصل ولذا قدم مفعوله فوجهه أنه من قبيل المشاكلة للأفعال المضارعة فيما قبله فلا يقال إنّ التعبير عن الماضي بالمضارع لرعاية الفواصل مما لا يوجد في كتب العربية لكنه لا يبعد عن الاعتبار. قوله: (أو للدلالة على أنكم بعد الخ (أي بعدما مضى والمراد الآن قيل: وقوله تقتلون تغليب لدخول محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الفريق وليس مخصوصاً وقوله: لولا أني أعصمه يدل على أنه أراد بالقتل أعم من القتل بالفعل والعزم عليه، وهو تكلف لا حاجة إليه لأنه عليه الصلاة والسلام قتل بالسم حقيقة. ويصح استقبال تقتلون بالنظر إلى ما قبله من التكذيب وفيه أنّ قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسم لنيل مرتبة الشهادة (11 لم يكف وقت نزول الآية فلا يفيد الحمل عليه دفع التكلف، وقصة السحر وسم اليهود له شاة وأكله منها مذكورة في الصحيحين وستأتي الأولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 في المعوّذتين. قوله: (منشاة بأغطية خلقية) فهو جمع أغلف وسكونه على الأصل كأحمر وحمر وهو ذو الغلفة الذي لم يختن ويقال قلفة وقلفة أيضاً والمعنى أنّ قلوبنا لا يصل إليها ما تقول فتفهمه لأنها منعت منه لما خلقت عليه، وهذا كقوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [سورة فصلت، الآية: 55] أو أصله غلف بضم اللام جمع غلاف ككتاب وكتب فسكن للتخفيف، وقرئ على الأصل في الشواذ والمراد أنها أوعية العلم المملوءة به وحينئذ فلا تعي ما تقول لأنه ليس من المعلوم أو أنه منها ولكنها لا حاجة لها فيه إذ عندها ما يكفيها فالتفاسير ثلاثة، وقوله: بل لعنهم الله الخ ردّ له، وبينه المصنف رحمه الله على التفاسير الثلاثة واللعن الطرد عن رحمة الله ومعنى خذلان الله لهم بكفرهم أنه تعالى جعلهم كفاراً غير مستعدّين لقبول الحق وأنه بفعله تعالى واحداثه فيهم، وقد غير عبارة الزمخشريّ المبنية على مذهبه وبقية كلامه ظاهر. قوله: (فإيماناً قليلاَ الخ) وما مزيدة لتأكيد معنى القلة لا نافية لأنّ ما في حيزها لا يتقذمها ولأنه وان كان بمعنى لا يؤمنون قليلا فضلا عن الكثير لكن ربما يوهم لا سيما مع التقديم أنهم لا يؤمنون قليلا بل كثيراً وأمّا المصدرية فلا مجال لها وإنما لم يجعل قليلاً من صفة الأحيان كما في قليلاَ ما يشكرون لأنهم لم يؤمنوا قط نعم إذا كانت القلة بمعنى العدم فهو محتمل كذا قيل: وقد جوّز في قليلاً أن يكون حالاً أي يؤمنون حال كونهم جميعا قليلاً أي المؤمن منهم قليل، وقد نقل عن ابن عباس وقتادة وجوّز كون ما نافية أيضاً بناء على جواز تقدم ما في حيزها عليها وهو مذهب الكوفيين وأمّا منع المصدرية على أنّ المصدر فاعل قليلاً أي قليلاً إيمانهم فلأنه لا ناصب لقليلا بخلافه في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 17] ولو قدر كانوا لصح لكنه خلاف الظاهر وأمّا كونه منعه للزمان فجوّزه السمين وقال إنه صفة لزمان محذوف أي فزمانا قليلاً ما يؤمنون وهو كقوله: ولمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} [سورة آل عمران، الآية: 72] وأما قوله أنه محتمل على تقدير أنّ القلة بمعنى العدم فركيك لأنه يصير المعنى يؤمنون زمانا معدوماً ولا محل له. قوله: (وقيل: أراد بالقلة العدم) ضعفه لأنه خلاف الظاهر وقال أبو حيان أن القلة بمعنى النفي وان صحت لكن في- غير هذا التركيب لأنّ قليلا انتصب بالفعل المثبت فصار نظير وقت قليلا أي قياما قليلاَ ولا يذهب ذاهب إلى أنك إذا أتيت بفعل مثبت وجعلت قليلا صفة لمصدره يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأساً وعدم وقوعه بالكلية وإنما الذي نقل النحويون أنه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم أقل وجل يقول ذلك وقلما يقوم زيد فحملها على ذلك ليس بصحيح، وردّ بأنه قال به الواقديّ قبل الزمخشرفي فانه قال: أي لا قليلاً ولا كثيراً كما تقول قلما يفعل كذا أي ما يفعله أصلا (قلت) ما ذكره أبو حيان قويّ من حيث الدليل فإنه لا معنى لتأكيد الفعل بمصدر منفيّ ولا نظير له. قوله: (مصدق لما معهم من كتابهم الخ الم يجعل ما معهم مصذقا للكتاب وان كان يتبادر أنه أقوى لإلزامهم لأنّ القرآن معجز دال بإعجازه على أنه من عند الله فإذا طابق ما قبله دل على أنه صدق وعلى الحالية فذو الحال نكرة لكنها تخصصت بالوصف ولا يضرّ احتمال أنّ الظرف لغو متعلق بجاء ولو جعل حالاً من الضمير المستقز في الظرف لكان أقرب، وأمّا ما قيل: إن تقييد المجيء بالحال أنسب فلا وجه له وجعل جواب لما محذوفا وهو مختار الزجاج وتقديره كفروا أو كذبوا به واستهانوا بمجيئه وذهب الفرّاء أنّ لما الثانية مع جوابها جواب للأولى وضعف بأنّ الفاء لا تقع في جوا! لما ولو جوّز وقوعها زائدة فلما لا تجاب بمثلها لا يقال لما جاء زيد لما قعد أكرمتك وذهب المبرّد إلى أنّ كفروا جواب لما الأولى، والثانية مكررة لطول الكلام وقيل إن الفاء مانعة منه وفيه نظر وقيل أنه جواب لهما وأمّا جعل فلعنة الله جوابها وما بينهما اعتراض فبعيد. قوله: (يستفتحون على الذين كفروا أي يستنصرون الخ) أصل الفتح إزالة الإغلاق المحسوسة كفتح الباب ويستعمل في غيره بفتح المشكلات وفتح القضية لفصلها، ولذا قيل: فتاج بمعنى حاكم والفتح الظفر المزيل للموانع واقفالها عما ظفر به والاستفتاح طلب الفتح والنصر وأصله في المدن ونحوها ثم عمّ فيستفتحون بمعنى يستنصرون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 على المشركين بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أي يطلبون من الله أن ينصرهم به. قال تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} [سورة الأنفال، الآية: 9 ا] روى السديّ رحمه الله أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضمع ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقالوا: اللهمّ إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدوّنا فينصرون فالسين للطلب أو هو بمعنى يفتحون أي يعرفون من الفتح في العلوم والسين زائدة للمبالغة كأنهم فتحوا بعد طلبه من أنفسهم والشيء بعد الطلب أبلغ وهو من باب التجريد جرّدوا من أنفسهم أشخاصا وسألوهم الفتح كقولهم استعجل كأنه طلب العجلة من نفسه، وقيل يستفتحون بمعنى يستخبرون عنه هل ولد مولود صفته كذا وكذا نقله الراغب وغيره وما قيل: إنه لا يتعدى بعلى لا يسمع بمجرّد التشهي وما عرفوا كناية عن الكتاب المتقدّم وكفروا به أي جحدوه مع علمهم به وهذا أبلغ في ذنهم كقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 14] وكفرهم بما جاء من عند الله كفر بمن جاء به أيضاً، فلذا لعنوا وطردوا وجملة وكانوا من قبل يستفتحون حال بتقدير قد. قوله: (فتكون اللام للعهد ويجورّ الخ) أي المراد بالكافر اليهود والتعريف للعهد لتقدّم ذكرهم أو المطلق فالتعريف جنسيّ ويدخل فيه اليهود أوّل داخل لأنهم المقصودون بالسياق وهو كناية إيمائية لأنّ اللعنة إذا شملت الكافرين كلهم لزم كون اليهود ملعونين لأنّ كفرهم أشدّ من كفر غيرهم كذا قال الطيبيّ رحمه الله: وأطال فيه، وفيه تأمّل لأنّ المكنى عنه من إفراد المعنى الحقيقيّ والجواب أنّ المراد هم بخصوصهم وليس للعامّ دلالة على بعض أفراده بخصوصه فادّعى أنهم متى ذكر الكفرخطروا بالبال كما يقال لمن يذمّ لم أر قبيحاً إلا تذكرتك ونحوه قوله: إذا الله لم يستي إلا الكرام فسقي وجوه بني حنبل وهو دقيق والتعبير بالمظهر للدلالة على أنّ وجه لعنهم كفرهم وقيل: لأنّ من أهل الكتاب من أسلم وفيه نظر. قوله: (ما نكرة بمعنى شيء الخ (وفاعل بئس المستتر عائد إليها واشترى من الأضداد فهو هنا بمعنى باع لأنّ أنفسهم مبذولة في الباطل كالمبيع وهو الظاهر، ولذا اقتصر عليه الزمخشريّ وقدّمه المصنف رحمه الله، وهو استعارة كما مرّ أو هو بمعناه المشهور بناء على ظنهم أو دعواهم وقيل: إنه الصواب لأنه كيف يدعي أنهم ظنوا ذلك مع قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} ، فإذا علموا مخالفة الحق كيف يظنون نجاتهم بما فعلوا ولا يصح أن يراد بالعقاب الدنيوي كترك الرياسة لأنه لا يشتري به الأنفس ولعدم صحته تركه في الكشاف وصرّح به أبو حيان أو ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم فكأنهم اشتروها والاشتراء استعارة كما مرّ،،! قيل: إنه مجاز عن التخليص وللنحاة في بثسما ونعما كلام طويل فذهب الفرّاء إلى أنّ ما وبئس شيء واحد كحبذا فلا محل لما وذهب الأخفش إلى أنها في محل نصب على التمييز وهي نكرة، وجملة اشتروا صفتها وفاعل بئس ضمير يعود لما كما مرّ والمخصوص أن يكفر والتأوبل بالمصدر والتقدير بئس هو شيئاً اشتروا به كفرهم ويجوز على هذا حذف المخصوص بالذمّ وجعل اشتروا صفته وان يكفروا بدل من المحذوف أو خبر مبتدأ محذوف أي هو أن يكفروا وذهب الكسائيّ أنّ ما تمييز وبعدها ما أخرى موصولة مقدرة اشتروا صلتها وهي المخصوص بالذمّ، والتقدير بئس شيئاً الذي اشتروا الخ وأن يكفروا خبر مبتدأ مقدر وذهب سيبويه رحمه الله إلى أنّ ما في محل رفع وهي فاعل بئس وهي معرفة تامّة والمخصوص محذوف أي شيء اشتروا، وذهب بعضهم إلى أن ما موصولة بمعنى الذي فاعله وان يكفروا هو المخصوص وقيل: ما مصدرية والتقدير بئس إشتراؤهم وهو المخصوص بالذم وفاعلها مضمر والتمييز محذوف وقيل: هو فاعل ورذ ومنه علم جملة وجوه الإعراب فيها. قوله: (هو المخصوص بالذمّ) قيل: هذا إنما يصح لو قال كفروا بلفظ الماضي لظهور أنّ ما باعوا أنفسهم واستبدلوها به ليس كفرهم في المستقبل وقيل: إنه مما يقضي منه العجب لأنه إنما يتوجه لو لم يتعين أن يكون المخصموص بالذمّ المناط فيه هو العاقبة فما باعوا به أنفسهم أو شروها باعتقادهم هو كفرهم الذي يكون لهم في الخاتمة. قوله: (طلباً لما ليس لهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الخ) فيه بيان وجه التعبير عن الحسد لالبغي الذي هو في الأصل بمعنى الطلب، ويجوز أن يكون البغي بمعنى الظلم كدّا قاله المحقق لكنه قدم ما أخره الزمخشريّ ولكل وجه، وأورد عليه أنّ بغي بمعنى حسد مصدره البغي وبمعنى طلب مصدره البغاء بالضم، وبمعنى فجر مصدره البغاء بالكسر، فالمصنف والزمخشريّ لم يصيبا في الجمع بين البغاء والبغي هنا والمصنف رحمه الله زاد فقدّم الطلب على الحسد بحيث لم يبق احتمال لجعله تفسيراً له. (أقول) كون البغي بمعنى الطلب مطلقاً أو تجاوز الحد في جميع معانيه مما أشار إليه أهل اللغة كالراغب وغيره لكن أنواعه تختلف ففي طلب زوال النعم هو الحسد وفي طلب التجاوز على الغير ظلم وفي طلب الزنا فجه- ر، وأشير باختلاف المصدر إلى اختلاف أنواعه ومثله كثير يعرفه من تتغ اللغة والذي غرّه في ذلك ظاهر كلام التيسير من غير إمعان للنظر فيه. قوله: (علة يكفروا دون اشثروا للفصل) رذ لما في الكشاف من جعله علة لاشتروا بأنه يلزم عليه الفصل بينه وبين المعلل بأجنبيّ وهو المخصوص بالذمّ لأنه مبتدأ وهو أجنبيّ من متعلقات الخبر كما صرّح به النحاة، وردّه صاحب الكشف بأن المعنى على ذمّ الكفر الذي أوثر على الإيمان بغيا لا على ذمّ الكفر المعلل بالبغي وأما الفصل فليس بأمر أجنبيّ، ورذ بأنّ المخصوص بالذمّ وإن لم يكن أجنبيا بالنسبة إلى فعل الذمّ وفاعله لكن لإخفاء في أنه أجنبيّ بالنسبة إلى الفعل الذي وصف به تمييز الفاعل، والقول بأنّ المعنى على ذم ما باعوا به أنفسهم حسداً وهو الكفر لا على ذم ما باعوا به أنفسهم وهو الكفر حسداً تحكم اهـ. وأما الجواب بأنّ المميز والمميز والصفة والموصوف كالشيء الواحد فلا فصل بأجنبيّ، وأنّ إيثار الكفر بغيا وعنادا أدخل في الذم من إيثار الكفر الناشئ من البغي إذ لا يتعين حينئذ كون الإيثار عنادا لاحتمال أن يكون لوجه يخف به استحقاق الذم فالفرق واضح، وحديث التحكم مضمحل لاحتماله أنّ كفرهم ليس حسدا بل لأمر آخر كاعتقاد أنّ دينهم لم ينسخ فمخالف للمعقول والمنقول لكن إنما يلزم الفصل بأجنبيّ إذا كان المخصوص مبتدأ بئسما خبره أما لو كان خبره مبتدأ محذوف والجملة معترضة على أحد الوجهين فيه فلا وأما القول بأنه علة لاشتروا مقدراً فكلام آ-ض لا يصلح للجواب كما توهم، ومنهم من أعرب بغيا حالاً ومفعولاً مطلقاً لفعل مقدّر، وأن ينزل جوّز فيه أن يكون مفعولاً من أجله للبغي وأن يكون على إسقاط الخافض المتعلق ببغيا أي على أن، وأشار المصمنف رحمه الله تعالى إلى تعلقه به بقوله حسدوه، ومن في من فضله للابتداء صفة لموعموف محذوف أي شيئا كائناً من فضله وهو الوحي. قوله: ( {وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ} الخ) في الكشاف فصاروا أحقاء بغضب مترادف لأنهم كفروا بنبيّ الحق صلى الله عليه وسلم وبغوا عليه وقيل: كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، قيل: بعد قولهم عزير ابن الله وقيل: دلّ على الاستحقاق العطف بالفاء على اشتروا إلى ساقته، وفيه دلالة على تضاعف الجريمة على قوله بغيا فصح استحقاق ترادف الغضب ولهذا اختار الوجه الأوّل في جهة استحقاق ترادف الغضب وقوله بغضب حال أي رجعوا ملتبسين بغضب وعلى غضب له، وهذا بناء على تغاير الغضبين كما بينوه وقيل: هما واحد، وقيل: عليه أنه غفلة عن اعتبار الاستحقاق في مفهوم ياء لأنّ معناه صاروا أحقاء كما مر فدلالة الفاء على سببية الاشتراء للاستحقاق لا على الاستحقاق والفرق واضح وأيضا أنه يقتضي دخول باؤوا في صلة ما أوصفتة وفيه مع التمحل في المعنى عدم العائد إلى ما فالظاهر أنّ الفاء فصيحة والمعنى فإذا كفروا حسدا على ما ذكر باؤوا أي صاروا أحقاء بغضب أو رجعوا ملتبسين بغضب كما سبق في تفسير {وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ} [سورة آل عمران، الآية: 112] فلا ينبغي أن يجزم بالحالية، وهذا كله على طرف التمام أمّا الأول فلأنّ باء معناه رجع لا أستحق والاستحقاق إنما فهم فيما مر من السياق وهنا من الفاء فالغفلة من المعترض، وأما الثاني فلأنّ المعقب بالفاء لا يحتاج إلى رابط فيهما بل يكفي في أحدهما كما ذكروه في الذي يطير الذباب فيغضب زيد ولا تمحل في المعنى لأنهم ذموا على ما استحقوا به الغضب المترادف، وقوله: للكفر والحسد بيان للغضبين المأخوذين مما قبله لترتبه على جميع ما مر ومن غفل عن هذا قال إنه ملائم لما اختاره من كون بغياً علة يكفروا دون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 اشتروا، والعجب من الزمخشري أ " نه بعد جعله علة اشتروا قال: هنا لأنهم كفروا بنبيّ الحق صلى الله عليه وسلم وبغوا عليه وهو برهان قاطع على قوّة ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى وضعف ما وجه به والعجب من ابن أمّه فإنّ هذأ لا علاقة له بما مر فإنه تفريع على ما قبله فيما يفيد غضبين من غير ملاحظة للغلبة السابقة مع أنّ المشتري عين الكفر فإنّ المخصوص دال فيه والاختلاف السابق ليس إلا لأمر لفظيّ كما مر. قوله: (مهين يراد به الخ) مهين اسم فاعل أصله مهون فاعل، وقوله: يراد به إشارة إلى أنه إسناد مجازفي للسبب ولام لهم وتقديم الخبر على النكرة الموصوفة المقتضي للاختصاص يقتضي أنّ إهانة العذاب للكفار لا للعصاة لأنه لتطهيرهم ولذا لم يوصف به عذابهم في القرآن، وأما قوله: {مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 192]- فالمراد به الفضيحة بالدخول وهو غير هذا. قوله: (يعتم الكثب المنزلة بأسرها الخ) فيه دلالة على أنّ ما بمعنى الذي تفيد العموم لأنه تعالى أمرهم أن يؤمنوا بما أنزل الله فلما آمنوا بالبعض دون البعض ذمّهم على ذلك فلولا العموم لما حسن هذا الذمّ وفيه نظر. قوله: (حال من الضمير) إما بتقدير وهم يكفرون أو بناء على جواز دخول الواو على المضارع وهو مذهب الزمخشريّ كما مر ولم يجعله معطوفاً على ما قبله والتعبير بالمضارع لحكاية الحال ولا استئنافا كما قيل: لأنّ الحال أدخل في ردّ مقالتهم أي قالوا ذلك مع مقارنته لما يشهد ببطلانه. قوله: (ووراء في الأصل مصدر الخ) في الموازنة للأمديّ رحمه الله وراء ليست من الأضداد إنما هو من المواراة والاستتار فما أسنتر عنك فهو وراء خلفا كان أو قد أما إذا لم تره ولم تشاهده فأما إذا رأيته فلا يكون وراءك وإنما قال لبيد: أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحني عليها الأصابع بمعنى أليس أمامي لأنه قاله قبل أن يشاهده وكذلك قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سورة الكهف، الآية: 79] الآية قالوا إنه كان أمامهم وصح ذلك لأنهم لم يعاينوه ولم يشاهدوه اهـ. وهذا لا ينافي قول المصنف رحمه الله تعالى ولذلك عدّ من الأضداد لأنّ معناه أنه لما أطلق وقدام وهما ضدان عذ ضدا تسمحاً على عادة أهل اللغة وإن كان موضوعا لمعنى شامل لهما لأنه مصدر بمعنى الستر فيهما لكنه قد يستعمل بمعنى الساتر وقد يستعمل بمعنى المستور، ولذا قال في القاموس: هو من الأضداد أوّلاً، وقيل: إنه مضاف إلى الفاعل مطلقاً لأنّ الرجل يواري ما خلفه عل ما هو قدّامه وما قدّامه على من هو خلفه. قوله: (وهو الحق الضمير لما وراءه الخ) في الدرّ المصون وهو الحق مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب على الحال والعامل فيها قوله يكفرون وصاحبها فاعل يكفرون، وأجاز أبو البقاء أن يكون العامل الاستقرار في قوله بما وراءه أي بالذي استقرّ وراءه وهو الحق اص. وتابعه بعض المتأخرين فقال الحق المعروف بالحقية الحقيق بأن يخص باسم الحق على الإطلاق حال من فاعل يكفرون، واعترض بأنّ صاحبها ما الموصولة لا فاعل يكفرون فهذا غفلة منهما، ومن الناس من أجاب عنه بأنّ الجملة الحالية المقترنة بالواو لا يلزم أن يعود منها ضمير إلى ذي الحال نحو جاء زيد والشمس طالعة أي مقارنا لطلوعها وهذا هنا صحيح أيضا إذ التقدير يكفرون بغيره مقارنين لحقيته ومعترفين بها والمعترض بعدم الضمير غافل أيضاً لأنّ مصدّقاً من هذه وهي من جملتها ومعهم فيها ضمير لهم أيضاً ولكن لتأخره وتقدّم ضمير منها يتبادر عدم ارتباط الحال بهم ولا يخفى أنه على تقدير صحته تكلف في النظم من غير داع فلا بدّ للعدول عن الظاهر من مقتض، ولك أن تقول أنه إذا كان حالاً من الواو يكون المعنى وهم مقارنون لحقيته أي عالمون بها كقوله: {مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [سورة البقرة، الآية: 09 ا] وهو أبلغ في الذمّ من كفرهم بما هو حق في نفسه مع أنّ قوله بعد ذلك في تقرير المعنى يكفرون بالقرآن والحال أنه حق ممدّق لما آمنوا به ينافيه وقوله: والمراد به القرآن قيل: الظاهر أن يقول القرآن والإنجيل كما قال الواحدي: ولعل تخصيصه لاقتضاء المقام إذ هو الذي علم لنا تصديقه له، وقال الشارح المحقق: وهوا لحق حال مما وراءه وتعريف الخبر لزيادة التوبيخ والتجهيل بمعنى أنه خاصة هو الحق الذي يقارن تصديق كتابهم ولولا الحال أعني مصدقا لم يستقم الحصر لأنه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 مقابلة كتابهم وهو حق أيضا، وقيل: الأحسن أن يقال لا حصر، بل اللام للإشعار بأنه مسلم الاتصاف بالحقية معروف بها كقوله: ووالدك العبد كما مرّ بل لا يصح الحصر هنا لتخصيصه بالقرآن لأنّ الإنجيل حق مصدق للتوراة، دانما ذكر الحصر في شروح الكشاف لأنه لم يخصه بالقرآن. قوله: (حال مؤكدة الخ) لأنّ كتب الله تعالى يصدق بعضها بعضا فالتصديق لازم لا ينتقل، وموافقته للتوراة نزوله على حسب ما فيها فإنكاره إنكار لما فيها فلا يرد عليه أنّ الكفر بالقرآن إنما يستلزم الكفر بما يصدقه أن لو كفروا به وقالوا: إنه كذب كله وأمّا إذا كفروا بأنه كلام الله وأعتقدوا بأنّ فيه الصادق والكاذب فلا. قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله الخ) الفاء جواب شرط مقدر أي إن كنتم آمنتم فلم الخ وما استفهامية حذف ألفها وحذف من الأوّل الشرط ومن الثاني الجواب على طريق الاحتباك وقيل: إنه جواب الش ط المذكور بناء على جواز تقديمه، وأما كون إن نافية فخلاف الظاهر وتقتلون مستقبل بمعنى الماضي قال القرطبيّ رحمه الله لما ارتفع الإشكال بقوله: من قبل جاز أن يؤتى بالمستقبل بمعنى الماضي وكذا عكسه كقول الحطيئة: شهدالحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر فشهد بمعنى يشهد، وهذا أصوب مما قيل: فإن قيل المدعون هم اليهود المعاصرون والقاتلون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل هم الماضون على أنّ تقييد المضارع بقوله من قبل لا يستقيم قلنا هو حكاية للحال المضاية كأنه قيل: فلم كنتم تقتلون، ومعنى نؤمن بما أنزل علينا جنس اليهود من المعاصرين والماضين فإيمانهم إيمانهم وفعلهم فعلهم، والاعتراض عليهم اعتراض عليهم، وقد يجاب بأنّ المعنى فلم ترضون بقتلهم الآن وفي تعلق من قبل يتقتلون بعض نبوة عنه لما فيه من أنّ حكاية الحال مع قوله من قبل لا تتسق وأما النبوة التي ذكرت فغير مسلمة لتعلقه بالقتل لا بالرضا، ومن الناس من جوّز حمل كلام المصنف رحمه الله على هذا وفيه نظر، وحينئذ ففي الكلام تغليبان تغليب المعاصر على آبائهم في الخطاب وتغليب آبائهم عليهم في إسناد القتل فتأمله، وفي قوله عازمون عليه ما مرّ من الجمع بين الحقيقة والمجاكأ فتذكره. قوله: (الآيات التسع) في التيسير هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد البيضاء وفلق البحر وتفجير الماء من الحجر، وقاله المصنف رحمه الله في الإسراء أيضا وقيل: الأظهر أن يراد بالبينات الدلائل ايدالة على الوحدانية. قوله: (ثم اتخذتم العجل) قيل لفظ ثم أبلغ من الواو في التقريع لأنها تدل على أنهم فعلوا ذلك بعد مهملة من النظر في الآيات وذلك أعظم ذنباً وقوله: إلها يعني أن نصب العجل باتخذتم والمفعول الثاني محذوف وقد يتعدى أتخذ لواحد نحو: {اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [سورة الفرتان، الآية: 27] . قوله: (بعد مجيء موسى علبه الصلاة والسلام الخ) قد مرّ ما فيه ثم إنه أورد عليه أنه كان الظاهر أن يكون المراد مجيئه بالبينات إلا أنه مشكل من حيث إنّ تفجر الماء منه وهو لم يكن قبل اتخاذهم العجل وكأنّ هذا منشأ لحمله على المجيء من الطور، والقول بأنّ قوله إلى الطور متعلق بالمصدرين على سبيل التنازع لا بالثاني وحده لا يخفى ما فيه من الكلف بل عدم الصحة، ولا فرق بين المجيء إلى الطور والذهاب إليه وإنما الفرق بين المجيء منه والذهاب إليه، وأمّا الإشكال المذكور فامره صعب (أقول) إذا حمل مجيئه على مجيئه بالبينات لا يلزم أن يكون المراد جميعها بل بجنس ما وقع منها مع أنه لو تعين فكيف ارتضى إدخاله فيها على ما نقل عن التيسير. قوله: (حال بمعنى أتخذتم العجل ظالمين الخ) قيل: المراد بالاعتراض التذييل لأنّ المعترضة هي التي اعترضت بين كلام أو بين كلامين متصلين معنى والتذييل ما يؤكد به تمام الكلام، ومنهم من جوّز الاعتراض في آخر الكلام فلا يرد عليه والفرق بين أن يكون حالاً وبين أن يكون اعتراضاً أنّ الحال لبيان هيئة المعمول والاعتراض لتأكد الجملة بتمامها، ومن ثمة قال في الحال: وأنتم واضعون العبادة غير موضعها، وفي الاعترا ضوأنتم قوم عادتكم الظلم أي استمررتم عليه، وعبادة العجل نوع مته، وأيضاً الجملة الحالية مقيدة للمطلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فتكون لتخصيص العام، والمعترضة ما اعترضت فيه، واليه الإشارة بقوله: وأنتم قوم عادتكم الظلم وفي الكشف التحقيق أنّ الاعتراض أولى وان كان ميل أكثر المفسرين إلى الأوّل لأنه يكون تكراراً محضاً فإنّ عبادة العجل لا تكون إلا ظلما بخلاف الثاني فإنه يكون بياناً لرذيلة لهم تقتضي ذلك ثم قال نعم يمكن أن يحمل على بيان شمول الظلم أوّل حالهم وآخرها فلا يلزم التكرار (قلت) دلالته على هذا الشمول غير بينة، اللهم إلا أن يؤخذ من معنى الاستمرار الذي تدل عليه الجملة الاسمية ومع ذلك لا يعارض فائدة الاعتراض، فالوجه أن يقال: إن حمل الاتخاذ على الحقيقة نحو اتخذت خاتماً فظاهر أنّ الحال أولى لأنّ الاتخاذ لا يتعين كونه ظلما إلا إذا قيد بعبادته، وان حمل على أنه بمعنى العبادة كما يشعر به ظاهر لفظ المصنف رحمه الله فقوله وأنتم ظالمون جار مجرى القرينة الدالة على التجوّز وفيه تعريض بأنهم صرفوا العبادة عن موضعها الأصليّ إلى غير موضعها وايهام مبالغة من حيث إنّ إطلاق الظلم يشعر بأنّ عبادة العجل كل الظلم وأنّ من ارتكبها لم يترك شيثاً من الظلم حيث لم يقل ظالمون فيه فهذا ينصر قول الأكثر، وقد ظهر أنّ التذييل عند المصنف رحمه الله من أقسام الاعتراض! اهـ وقول المصنف اتخذتم العجل ظالمين بعبادته من غير ذكر إلها يحتمل أنه إشارة إلى أنه على الحالية يكون محمولاً على معناه الحقيقيّ لما مرّ، وقوله: أي إلهاً فيما مضى بيان لوجه آخر أو لمحصل المعنى فمن قال: لو جعل اتخذتم من قبيل اتخذ خاتماً بمعنى صنعه وعمله لكانت فائدة الحال ظاهرة فإنّ الاتخاذ بهذا المعنى لا يكون ظلماً إلا حال كونه مقرونا بالعبادة، وان جعل بمعنى عبدتم العجل على ما اختاره المصنف رحمه الله وهو المناسب للمقام ففائدته زيادة التوبيخ، ومن بين وجه كونه حالاً على جعل اتخذتم متعدياً إلى واحد فقدسها وغفل عن قول المصنف أي إلها فإنه صريح في القطع بأن اتخذتم هنا متعدّ إلى مفعولين ولم يأت بشيء، ثم إنه على الحالية أيضا لو فسر بأنكم من عادتكم الظلم ووضع الشيء في غير موضعه لكان أبلغ ولا أدري لم عدلوا عنه، وأما تخيل أنه يلزم كون الحال مبينة للهيئة فلا، فتأمل. قوله: (ومساق الآية الخ) أي كما أنّ مساق ما قبلها كذلك فإنه مما يخالف دعوى الإيمان، وقوله والتنبيه الخ لأنهم كما كفروا بمحمد ومعجزاته كفرت أسلافهم بمعجزات موسى عليه الصلاة والسلام فليس هذا ببدع منهم وكذا رفع الطور إشارة إلى أنهم لا يؤمنون اختيارا كآبائهم وكأنه لم يرتض ما في الكشاف من وكرّر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأول يعني وأشربوا في قلوبهم الخ. قوله: ( {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ} الخ) إشارة إلى مطابقة الجواب فإنّ الظ، هر فيه سمعنا فقط أو لا نسمع قال في الكشاف فإن قلت كيف طابق قوله جوابهم قلت طابقه من حيث إنه قال لهم اسمعوا ليكن سماعهم سماع تقبل وطاعة فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة يعني المأمور به ليس مطلق السماع بل سماع مراد به القبول كقوله سمع الله لمن حمده وقال: دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول فأجابوا بنفي ذلك القيد، وهذا بناء على أنهم أجابوا بهذا اللفظ كما يتبادر من النظم وقال أبو منصور أن قولهم عصينا ليس على أثر قولهم سمعنا بل بعد زمان كما في قوله: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُم} فلا حاجة إلى دفعه بما ذكر. قوله: (تداخلهم حبه الخ الما كان المعنى أنّ حبه والميل إليه تمكن منهم عبر عنه بالإشراب وهو من شرب الثوب الصبغ وأشربه به فيقال: هو مشرب بحمرة لأنّ الصبغ يؤثر في ظاهره وباطنه حتى كأنه شربه أو من أشربت البعير شددته بحبل في عنقه قال: فأشربتها الأقران حتى وقعنها بقرح وقد ألقين كل جنين كأنه شد في قلوبهم لشغفهم به أو من الشراب أي أشرب حبه في قلوبهم لأنّ من عادتهم أنهم إذا عبروا عن مخامرة حب أو بغض استعاروا له اسم الشراب إذ هو أبلغ نجاع في البدن، ولذلك قالت الأطباء: الماء مطية الأغذية والأدوية ومركبها الذي تسافر به إلى أقطار البدن، قال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور وفي المثل أشربتني ما لم أشرب أي ادّعيت عليّ ما لم أفعل، وقيل: سمعنا جواب اسمعوا وعصينا جواب خذوا وفيه تثويش، وقوله حبه إشارة إلى تقدير مضاف وأما إنّ المراد انتقاس صورته في قلوبهم فيأباه اشربوا، وقيل: أيضاً أنه لا حاجة إلى التقدير، إذ جعل العجل نفسه مشرباً أبلغ، وقيل: الإشراب حقيقة لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام برد العجل بمبرد وجعل باردته في ماء وأمرهم بشربه فمن كان يحب العجل ظهرت برادته على شفتيه وهذا وان نقل عن السدي رحمه الله بعيد. قوله: (بيان لمكان الإشراب الخ) دفع لما يتوهم على تقدير المضاف أنه لا حاجة إلى ذكر القلوب إذ الحب لا يكون إلا فيها بأنه لما أسند إلى الجميع أشير إلى بيان محله وذكر المحل المتعين يفيد مبالغة في الإثبات لا أنّ القلوب هي المشربة كما أنّ البطون ليست هي الآكلة. قوله: (مجسمة وحلولية) وفي نسخة أو حلولية وقيل: إنه سهو لأنّ القول بالتجسيم لا يكفي بدون القول بالحلول، وفيه نظر لأنهم إذا كانوا مجسمة يجوّزون أن يكون جسم من الأجسام إلها وكذا إذا كانوا حلولية يجوّزون حلوله فيه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً وفي بعض التفاسيريبعد من جم غفير من العقلاء أن يعتقدوا عجلا صنعوه على هيئة البهائم إلها مع أنهم رأوا ما رأوا وشاهدوا ما شاهدوا من موسى عليه الصلاة والسلام فلعل السامريّ ألقى إليهم أنّ موسى عليه الصلاة والسلام له طلسمات يفعل بها ما يفعل فروّج عليهم ذلك وأطمعهم في أن يصيروا مثله وهذا ليس بشيء مع ما نرى من عبدة الأصنام، وقوله بئس ما الخ قد مرّ ما يبينه. قوله: " يمانكم) في الكشاف وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم يعني إسناده إليه تهكم، وكذلك إضافة الإيمان إليهم أما الثاني فظاهر كما في قوله أنّ رسولكم الذي أرسل إليكم تحقيرا واسترذالاً ودلالة على أنّ مثل هذا لا يليق أن يسمى إيمانا إلا بالإضافة إليكم وليس المراد أنه استعارة تهكمية فليتأمل كذا قيل: يعني ليس المقصود تسمية كفرهم بما في التوراة إيماناً على طريقة التهكم المعروفة بل سبق على مدعاهم وأسند إليه الأمر والإيمان إنما يأمر ويدعو إلى عبادة من هو غاية في العلم والحكمة، فالإخبار بأنّ إيمانهم يأمر بعبادة ما هو في غاية البلادة غاية التهكم والاستهزاء سواء جعل يأمر به بمعنى يدعو إليه أولاً وسواء قصد السبب الباعث مجازاً كما يتوهم أولاً كما هو الحق. قوله: (تقرير للقاخ الخ) يعني ليس الشك من المتكلم إس لعدم مطابقته للواقع إن اعتبر حال القائل أو لاستحالتة عليه تعالى إن اعتبر حال الآمر، وأنّ المعنى قل لهم عني فليس يوهم كما توهم إذ هو للتشكيك إن قيل: بأنه قد يراعي في الألفاظ حال المخاطب بها كما مرّ أو أنه من إرخاء العنان والغرض لقيام الحجة وترتيب القياس كقوله: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [سورة المائدة، الآية: 116] والتقدير إن كنتم مؤمنين بها فبض ما أمركم به إيمانكم أي فقد أمركم إيمانكم بالباطل لكن الإيمان لا يأمر بالباطل فإذا لستم مؤمنين أي لكن اللازم باطل فالملزوم مثله، وقوله: فبئسما إشارة إلى أنّ الجواب مقدر بدلالة ما قبله لا أنّ المقدم جواب وإن قيل: بجواز تقدمه لأنه إن كان جامداً لا بد له من الفاء وادّعاء حذفها تعسف. قوله: (إن كانت لكم الدار الآخرة الخ) الدار الآخرة هنا الجنة قال الراغب: الخالص كالصافي إلا أنّ الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه والصافي لا يعتبر فيه ذلك، وقد يقال: لما لا شوب فيه ثم إنّ الخلوص ولام الاختصاص يقتضي انفرادهم بها، وقد فسره الراغب بالإفراد أيضاً فقوله: خاصة بمعنى خالصة لكم ومن دون الناس مؤكد له لما قال أبو حيان: أنه متعلق بخالصة ودون تستعمل للاختصاص وقطع الشركة يقال: هذا لي دونك أو من دونك أي لا حق لك فيه وقد تأتي في غير هذا للانتقاص في المنزلة أو المكان أو المقدار فمن اعترض على المصنف رحمه الله بأنّ كلامه يقتضي أنّ الاختصاص مستفاد من خالصة وهو إنما استفيد من دون لم يصب وقوله خاصة أي ذات اختصاص فالصيغة للنسبة والا فالظاهر مخصوصة والذي نجي اللغة الخاصة خلاف العامة. قوله: (على الحال من الدار) والخبر لكم بناء على مجيء الحال من اسم كان وهو الأصح، ومن لم يجوّز الحال من اسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 كان بناء على أنه ليس بفاعل جعلها حالاً من الضمير المستكن في لكم والكلام فيه مبسوط في شروح الكشاف، ولما كانوا من الناس فسره بسائرهم أي باقيهم ممن عداهم فأطلق الجنس وأريد بعضهم أو اللام للعهد والمراد المسلمون أو من عداهم. قوله: (لأنّ من أيقن الخ) قيل: عليه أنّ كل واحد منهم غير موقن بدخول الجنة فإنّ المتيقن لهم أنه لا يدخلها غير اليهود ولا يلزم منه ذلك كما أ: لا نتيقن أنّ المسلمين دون الكفار يدخلون الجنة ولا يتيقن كل مسلم أنه يدخلها قبل العذاب، فالظاهر أن يقال: المراد بقوله: إن كنتم صادقين الصدق في دعوى أنهم أبناء الله وأحباؤه فإضا من اعتقد ذلك يأمن العذاب وهذا أيضا غير متجه إذ لم يجر لما ذكره ذكر ولم تقم عليه قرينة هنا فينبغي أن تفسر خالصة بأنها خالصة من الكدر والعقاب، وأشتاق يتعدّى بنفسه ولذا قال: اشتاقها وقد يتعدى بإلى، وقيل: يتضمن النزاع وقوله: وأحب التخلص قال الراغب: المحبة داعية إلى الشوق والشوق داع إلى محبة لقاء المحبوب ومحبة لقائه داعية لسلوك السبيل إليه ولا طريق له سوى الموت فيتمنى لذلك. قوله: (كما قال علئ رضي الله عنه لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علئ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه كما نقله السيوطيّ وفي الكشاف أنّ علياً رضي الله عنه طاف بين الصفين في غلالة فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزيّ المحاربين فقال: يا بنيّ لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت لكنه قال: في ربغ الأبرار خفق عليّ رض! ي الله عنه نعاساً ليلة حرب الجمل فقال له مسلم بن عقيل ابن أبي طالب: أتخفق نعاساً في مثل هذا الوقت يا أمير المؤمنين فقال: اسكت يا ابن أخي فإنّ عمك لا يبالي أوقع على الموت أم،. قع الموت عليه وانّ لعمك يوما لا يعدوه " وقد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وهذه قصة أخرى فلا يقال إنه حينئذ لا يناسب المقام لأنّ عدم مبالاته رضي الله عنه ليس لاشتياقه إلى الجنة بل لعلمه رضي الله عنه أنه لا يموت في ذلك الوقت وسقوطه على الموت مباشرته لأسبابه المفضية إليه مع علم بها وسقوط الموت عليه مفاجأته له. قوله: (وقال عمار رضي الله عنه بصفين الخ) صفين بصاد مهملة مكسورة وفاء مكسورة مشددة موضع قرب الرقة على شاطى الفرات وكانت وقعة صفين سنة سبع وثلاثين في غرّة صفر بين عليّ كرّم الله وجهه ومعاوية رضي الله عنه وفيها استشهد عمار بن ياسر الصحابي رضي الله عنه وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمار رضي الله عنه: " تقتلك الفئة الباغية " فقال ذلك في وقت الحرب لأنه علم أنه يستشهد وتلاقي روحه في حظيرة القدس النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فاشتاق لذلك ونادى به فرحا. وقال حذيفة بن اليمان الغساتي وهو محتضر يشاهد الموت: جاء حبيب أي الموت، وقيل: أراد لقاء الله، على فاقة أي احتياجي إليه ثم قال: لا أفلح من قد ندم يريد أني تمنيته فلما جاء ما ندمت فعمم وقال لا أفلح الخ. وهذا يحتمل الدعاء أيضاً قال أبو الحسن: تقول العرب لا أفلح من ندم يريدون من ندم فلا أفلح وهذا أخرجه ابن سعد في طبقاته وصححه، وقوله سيما متعلق بقوله اشتاقها وحذف لام! سيما ولو لم يسمع من العرب وتقدّم ما فيه، وقوله: لا يشاركه فيها غيره يعني من المسلمين فلا يرد أنّ اليهود لا يدعون أنّ غيرهم لا يدخل الجنة كيف وهم معترفون بأنّ آدم ونوحا وغيرهما ممن لم تنسخ شريعتهم يدخلون الجنة. قوله: (ولن يتمنوه أبدا الخ) أبداً هنا للاستغراق ولا حاجة إلى القول بأنّ لن للتأبيد وان قيل به، والمراد الاستغراق لمدّة أعمارهم في الدنيا خلافاً لمن قال إنه مخصوص بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ذلك تمنيهم له في النار إذ {نَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [سورة الزخرف، الآية: 77] ويقولون: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [سورة الحاقة، الآية: 27] . قوله: (ولما كانت اليد العاملة الخ) اختصاص اليد بالإنسان المراد به أنها على وجه مخصوص من القدرة على العمل بها من غير ابتذالها بالوطء عليها فلا يرد عليه أنّ للبهائم يدا وللقرد يداً كيد الإنسان في ا! ل وأليه أشار بقوله عامة صنائعه، فلا يرد على ما فسر به: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء، الآية: 70] من اكل باليد أنه يوجد في القرد، ثم إنّ اليد الجارحة المخصوصة وتستعمل في النعمة لتسبيها عنها وفي القدرة لذلك وان أطلقت على قدرة الله مع تنزهه عن الجارحة كقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص، الآية: 75] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وتطلق على الذات أيضا كقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة، الآية: 195] أي أنفسكم وفي كونه من إطلاق الجزء على الكل كلام سيأتي، وقد يكنى بالعمل باليد عن جميع الأعمال واليد في معناها الحقيقي وهو المراد هنا. قال الواحديّ: بما قدمت أيديهم أي بما قدموه وعملوه فأضاف ذلك إلى اليد لأنّ أكثر جنايات الإنسان تكون بيد. فيضاف إلى اليد كل جناية وان لم يكن لليد فيها مدخل، وظاهر كلام المصنف رحمه الله يخالفه ولذلك اعترض عليه وما موصولة عائدها مقدر أو مصدرية وأيديهم فاعل مقدر رفعه. قوله: (إخبار بالغيب الخ) قيل: وفيها أيضا دليل على اعترافهم بنبوته صلى الله عليه وسلم لأنهم لو لم يتيقنوا ذلك ما امتنعوا من التمني. قوله: (فإن التمني ليس من عمل القلب الخ) دفع لما يرد من أنه كيف يكون معجزة مع أنه لا يمكن أن يعلم أنه لم يتمن أحد إذ هو أمر قلبيّ لا يطلع عليه بأنه ليس أمراً قلبيا بل هو أن يقول: ليت ونحوه مما يؤدّي مودّاه ولو سلم أنه أمر قلبيّ فهذا مذكور على طريق الحاجة واظهار المعجزة فلا يدفع إلا بالإظهار والتلفظ كما إذا قال رجل لامرأته أنت طالق إن شئت أو أحببت فإنه يعلق بالإخبار لا بالإضمار وهذا معنى قوله ولو كان بالقلب، وهذا على التسليم فلا يرد عليه أنّ التمني محبة حصول الشيء كما صرّح به المحققون، ولا أنه يعارض قوله في تفسير: {إِلاَّ أَمَانِيَّ} [سورة البقرة، الآية: 78] الأمنية ما يقدر في النفس كما مر. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم) أخرجه البيهقي رحمه الله تعالى في الدلائل عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه " وأخرجه الترمذي والبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ولفظه:! لو أنّ اليهود تمنوا الموت لماتوا " وهذا يدلّ على عمومه لجميع اليهود في جميع الأعصار وهو المشهور الموافق لظاهر النظم، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على وجه الأرض يهوديّ إلا مات وهذا يدل على تخصيصه بعصره صلى الله عليه وسلم ومن فيه ولذلك اختلف فيه المفسرون، وقوله لغص بريقه كناية عن الموت لأنّ الغصة والشرق وقوف الطعام والشراب في الحلق بحيث لا يجري وعند الموت لا يجري للإنسان ريق فجعل عبارة عنه فإن قيل: لا وجه لأصل السؤال لأنه تعالى أخبر بأنهم لن يتمنوه ولا شك في خبره قلنا القصد إلى إثبات أنه إخبار عن الغيب ليثبت كونه معجزا حتى يثبت أنه كلامه تعالى فلو أثبت صدقه بكونه كلامه تعالى لكان مصادرة، فإن قيل: عدم نقل تمنيهم الموت إلى الآن لا يدل على عدم تمنيهم أبدا قيل: الخطاب مع المعاصرين وقد انقرضوا ولم يتمنوا وفيه نظر ووجه التهديد إقامة الظالمين مقام ضميرهم، ودعوى ما ليس لهم هو قولهم: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} [سورة البقرة، الآية: 11 ا] . قوله: (من وجد بعقله الخ) لأنّ الوجدان يكون بالإحسان وبتعدى لواحد وبالعقل والعلم فيتعدّى لواحد كعرف ولاثنين كعلم، فقوله الجاري صفة مقيدة وتنكير الحياة لأنه أريد بها فرد أي فرد نوعي وهو حياة الدنيا وقيل: التنكير للتحقير أي الحياة الدنيا وهو المطابق لقراءة أبيّ رضي الله عنه بالتعريف لأنه للمعهود المعروف منها، وقال أبو حيان أنه على تقدير مضاف أو صفة أي طول حياة أو حياة طويلة ولو لم يقدر لصح المعنى بأن يكونوا أحرص على أيّ مقدار منها ولو قليلاً فكيف بغيره، وقوله: ومفعولاه هم وأحرص أي لفظ هم وهو الضمير المتصل ولفظ أحرص وفي نسخة هم أحرص بدون واو على الحكاية بنصب أحرص ورفعه وهم. قوله: (محمول على المعنى الخ) يعني لما كان لا فعل حالات منها الإضافة ومنها جر المفضل عليه ممن عطف الحالة الثانية على الأولى لتوهم أنه وارد عليها، وقيل: على قوله أحرص من الناس الأولى أحرص من باقي الناس فإنه بعض من المضاف إليه بخلاف مجرور من فإنه غيره ألا ترى إلى صحة قولنا زيد أفضل من الجن ولا يقال أفضل الجن اص. وأجيب بأنّ مدخول من التفضيلية يجوز أن يكون كلاكما قال صاحب الإقليد تقول زيد أفضل من القوم ثم تحذف من وتضيفه والمعنى على إثبات من وفيه نظر. قوله: (وإفرادهم بالذكر الخ) يعني أنهم داخلون في الناس فتخصيصهم بالذكر إمّا لشدّة حرصهم أو لتوبيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 اليهود بأنّ حرصهم هذا يدل على خلاف مدّعاهم. قوله: (ويجوز أن يراد وأحرص من الذين الخ) يعني حذف أفعل المعطوف على الأوّل ودل عليه بذكر متعلقه، والوجه الثالث أن يكون الجارّ والمجرور خبراً مقدما لمبتدأ محذوف وجملة يودّ صفته الموصوف إذا كان بعض اسم مجرور بمن أوفى مقدم عليه حذف نحو منا ظعن ومنا أقام أي فريق ظعن وفريق أقام وعلى الأوّل المراد بالذين أشركوا المشركون المعروفون غير اليهود وقيل: هم المجوس، وعلى الثالث اليهود لأنهم مشركون لقولهم عزير ابن الله وإنما فسره به ليرتبط الكلام بعضه ببعض والجملة على هذا في محل رفع صفة المبتدأوعلى ما قبله مستأنفة لا محل لها من الإعراب وأما القول بأنّ من الذين مبتدأ لتأويله ببعض الذين فقد علم حاله مما مر. قوله: (حكاية لودا تهم ولو بمعنى ليت) أي حكاية لها بيود لأنه وان لم يكن قولاً ولا في معناه لكنه فعل قلبيّ يصدر عنه الأقوال فعومل معاملتها وكان الظاهر أن يعمر وهذا بناء على أنّ لو التي للتمني ليست مصدرية، وأمّا على القول بأنها مصدرية فلا يحتاج إلى اعتبار الحكاية وكونها للتمني مذهب ذهب إليه الزمخشريّ، وقيل: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني وقال ابن مالك رحمه الله هي المصدرية، وقال: قول الزمخشريّ قد تجيء في معنى التمني نحو لو تأتيني فتحدّثني بالنصب إن أراد أنّ الأصل وددت لو تأتيني الخ. فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الأشعار بمعنى التمني فصحيح وان أراد أنها حرف وضع للتمني كليت فممنوع، وقوله: لقوله يودّ أي هو لمشاكلة ذلك ومنه تعلم أنّ التجوّز في المشاكلة قد يكون في الهيئة فقط وقد مر نظيره. قوله: (كقولك حلف بالله ليفعلق) كان الأصل لأفعلن لكن لما كان حلف ماضياً جاء ما بعده على نهجه قال! في البديع: اعلم أنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كأن تقول استحلفته ليقومن والثاني أن تأني بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له: استحلفته لتقومن كأنك قلت له لتقومق، والثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن ومنه قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} بالنون والتاء والياء ولو كان تقاسموا أمرا لم يجز فيه الياء لأنه ليس بغائب اص. قوله: (الضمير لأحدهم الخ) يعني ضمير هو راجع لأحدهم وبمزحزحه خبره في محل نصب إن كانت ما حجازية وفي محل رفع إن كانت تميمية والباء زائدة في الخبر وأن يعمر فاعل اسم الفاعل أو راجع للتعمير المفهوم من يعمر وأن يعمر بدل منه وفيه ضعف للفصل بين. البدل والمبدل وللإبدال من غير حاجة إليه، وهذا معنى قوله أو لما الخ أو يكون ضمير التعمير وهو عائد على أن يعمر البدل وفي مثله يعود الضمير على المتأخير لفظا ورتبة، وهو معنى قوله أو مبهم الخ والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أنّ ذاك مفسره شيء متقدم مفهوم من الفعل وهذا مفسر بالبدل وفيه خلاف تقدم وقد جوّز فيه أن يكون ضمير فصل قدم مع الخبر وأن يكون ضمير الثأن وأن يعمر مبتدأ و {بِمُزَحْزِحِهِ} خبره وفي زيادة الباء في مثله كلام أو فاعل بناء على جواز تفسير ضمير الشأن بمفرد وهو مذهب الكوفيين قال السيرافي في شرح الكتاب: كان الفراء يجيز أبذاهب الزيدان وأهل البصرة لا يجيزونه ودخول الباء على كل خبر منفيّ مطرد ومن أصحابنا من لا يجيز ألبتة ما هو بذاهب زيد إذا جعل ضمير الأمر لأنه إنما يفسر بجملة ولا يكون في ابتدائها الباء فاحتج عليه بقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ} [صورة البقرة، الآية: 96] وأن يعمر بدل منه أو هو ضمير التعمير الذي تقدّم عليه الفعل اهـ. قوله: (وأصل سنة سنوة الخ الام سنة محذوفة فقيل: أصلها هاء وقيل: واو لأنه سمع في جمعه سنهات وسنوات وسنيهة وسنية وسانيت وسانهت وقوله: والزحزحة التبعيد فهو متعد، وقال السمين: استعملته العرب لازما ومتعديا. قوله: (فيجازيهم) يعني أنّ معنى إبصاره تعالى مجازاتهم بالتعذيب ما تقول لمن يعصي قد رأيت ما صنعت لتهديده وتخويفه. قوله: (نزل في عبد الله بن صوريا الخ) قال العراقي: لم أقف على سند وأورده الثعلبيّ والبغوي والواحديّ في أسباب النزول بلا سند، وعبد الله بن صوريا كيوريا من أحبار اليهود قيل إنه أسلم ثم كفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وبختنصر بضم الباء وتسكين الخاء والمثناة الفوقية المفتوحة للتركيب المزجي وأصله بوخت بمعنى ابن ونصر كبقم مشدد اسم صنم وجد عنده فنسب إليه وهو الذي خرب بيت المقدس وقتل بني إسرائيل وئبله بمائة وثمان وثلاثين سنة بختنصر آخر مؤرخ به في الكتب القديمة وهو من ملوك الكلدانيين ذكره في شرح المحيط،، - قوله: فبم تقتلونه أي فبأيّ سبب يحل لكم قتله. قوله: (وقيل دخل عمر رضي الله عنه مدارس اليهود الخ) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن الشعبيّ وله طرق أخرى فهو أقوى من الأول، والمدأرس بيت أليهود الذي يدرسون فيه كتبهم جمع مدراس كما وقع في بعض نسخ الكشاف وفي النهاية المدراس صاحب كتب اليهود ومفعل ومفعال من أبنية المبالغة والمدراس أيضا البيت الذي يدرسون فيه ومفعال غريب في المكان اهـ. وقد قدمنا أنه يكون مصدراً أيضاً فله ثلاث استعمالات أشهرها الوصفية والخصب بالكسر معروف والسلام مصدر بمعنى السلامة والنجاة، وقوله: كما تقولون أي من الملائكة المقرّبين وإنما قال عمر رضي الله عنه: لئن لما في كلامهم من إثبات الجهة فإنهم مجسمة كما مر وهو تسليمي إذ لا شك منه رضي الله عنه. قوله: (ولأفتم كفر من الحمير) قال الميداني: قولهم هو أكفر من حمار هو رجل من عاد يقال له حمارين مويلع وقال الشرقي: هو حمار بن مالك بن نصر الأزديّ كان مسلماً وكان له واد طوله مسيرة يوم في عرض أربعة فراسخ ولم يكن ببلاد العرب أخصب منه فيه من كل الثمار فخرج بنوه يتصيدون فيه فأصابتهم صاعقة فهلكوا فكفر وقال لا أعبد من فعل هذا ببنيّ ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله فأهلكه الله وأخرب واديه فضرب به المثل في الكفر قال: ألم تر أن حارثة بن بدر يصلي وهوأكفرمن حمار والحمار مثل في البلادة وتعرّف النعم يحتاج إلى فطنة وقيل: لأنه صاحبه يعلفه ثم يرمحه، وفي المثل أيضا أخرب من جوف حمار لأنه إذا صيد لم يلق في جوفه ما ينتفع به وقيل: المراد كل جاهل لأنّ الكفر من الجهل والبلادة ولا شيء أبلد من الحمار قيل: وهذا أنسب لعدم الطباق بين الجمع في الكتاب والإفرأد في المثل، وقيل: قول عمر وضي الله عنه محمول على هذا العادي واضرابه من العتاة وجمعه نظراً إلى الأصل وقولهم جوف العير من تبديل لفظ بآخر للخفة فقد يبدلون في الأعلام لأغراض كقول أمية بن خلف لعنه الله لأبي بكر رضي الله عنه يا أبا فصيل والأمثال يحتمل فيها ضروب من التخفيف وفيه أنه مخالف لكلام القوم فإنهم صرحوا بأنّ الأمثال لا تغير كما مر، وقوله: سبقه بالوحي أل فيه للعهد أي بوحي مطابق لما قاله ولعمر رضي الله عنه آراء نزل الوحي موافقاً لها وقد ذكرها المؤرخون والمحدثون منها ما هنا. قوله: (وفي جبريل ثمان لنات الخ) هذا علم ملك ممنوع من الصرف العلمية والعجمة والتركيب المزجي على قول، وقد تصرفت فيه العرب على عادتهم في الأسماء الأعجمية على ثلاث عشرة لغة أشهرها وأفصحها جبريل كقنديل وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم وهي لغة الحجاز الثانية كذلك إلا أنها بفتح الجيم وهي قراءة ابن كثير والحسن وتضعيف الفراء لها بأنه ليس في كلامهم فعليل ليس بشيء لأنّ الأعجمي، إذا عرّب قد يلحقونه بأوزانهم وقد لا يلحقونه مع أنه سمع سمويل لطائر الثالثة جبرائيل كسلسبيل وبها قرأ حمزة والكسائيّ وهي لغة قيس وتميم، الرابعة كذلك إلا أنها بدون ياء بعد الهمزة وتروى عن عاصم، الخامسة كذلك إلا أنّ اللام مشددة وتروى عن عاصم أيضاً وقيل إنه اسم الله في لغتهم السادسة جبرائل بألف وهمزة بعدها مكسورة بدون ياء وبها قرأ عكرمة، السابعة مثلها مع زيادة ياء بعد الهمزة، الثامنة جبراييل بياءين بعد الألف وبها قرأ الأعمش التاسعة جبرال العاشرة جبريل بالياء والقصر وهي قراءة طلحة بن مصرف، الحادية عشرة جبرين بفتح الجيم والنون، الثانية عشرة كذلك إلا أنها بكسر الجيم، الثالثة عشرة جبراين وفي الكشاف جبراييل بوزن جبراعيل، قال الشارح العلامة: من عادة المصنف رحمه الله تعالى بل أهل العربية قاطبة أنهم إذا أراوا أن يبينوا وزن كلمة يبدلون همزتها بالعين كما في المفصل في لغات كأين كائن بوزن كاعن الخ فاعرفه ومعنى جبرائيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 قيل: عبد الفه وجبر عبدوايل اسمه تعالى كما أنّ إسرائيل صفوة الله. قوله: (الباررّ الآوّل الخ) في الكشاف الضمير في نزله للقرآن ونحو هذا الإضمار أعني إضمار ما لم يسبق ذكره فيه فحامة لثأن صاحبه حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته وهو التنزيل في قوله نزله وفسر في الكشاف نزله بحفظه وفهمه فقال: معنى التنزيل المسند إلى جبريل هو التحفيظ والتفهيم كأنه جعله نازلاً بالقلب حالاً فيه والا فالمنزل حقيقة هو الله فهو مجاز لأنه انتقال من اللازم إلى الملزوم وكلام المصنف ليس بصريح فيه فيجوز أن يكون نزل بمعناه الحقيقي لكن كان مقتضى الظاهر عليك فزاد القلب لأنه القابل الأوّل، ومحل الفهم والحفظ بناء على أنّ الإدراك به والمدرك فيه على ما ورد في لسان ااصثمريعة وأهلها لا يقولون بإثبات الحواس الباطنة فلا يرد عليه أنهم قالوا حافظ الصور الجزئية الخيال وحافظ المعاني الجزئية قوّة في مؤخر الدماغ تسمى الحافظة وحافظ المعاني الكلية العقل المفاض على النفس بأمر الله تعالى، وكان الظاهر أن يقول على قلبي لأنّ القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه حكى ما قال الله له وجعل القائل كأنه الله لأنه سفير محض والحكاية إمّا بمعنى أنه روعي حال الأمر بالقول فحكي لفظه كما تقول قل لقومك لا يهينوك قال الفرزدق: ألم تر اني يوم جو سويقة دعوت فنادتني هنيدة ماليا وقيل ثمة قول آخر مضمر، والتقدير قال: يا محمد قال الله لي من كان وقيل: الضمير في نزله للقرآن فإن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل القرآن على قلبك والحفظ والفهم معاً إنما أفادهما حرف الاستعلاء لدلالته على أنّ المنزل ياخذ بمجامع قلبه وهو مرتب بقوله بئسما اشتروا به أنفسهم وما وقع بينهما غير أجنبيّ لأنه كله مقرّ! لكفرهم وانكارهم المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم وان ذلك لشدة شكيمتهم وفرط عنادهم ولا يخفى ما فيه وان تابعه في بعض الطيبيّ وقوله بأمره الخ أصل معنى الإذن في الشيء الإعلام بإجازته والرخصة فيه وإذا أسند إلى الله قد يراد أمره وارادته لقوله تعالى إلا ليطاع بإذن الله وليس بضارّهم شيئاً إلا بإذن الله وكذا تيسيره، وقيل: إنّ إذن الله يكون بمعنى علمه أيضا وكلها معان مجازية والعلاقة فيها ظاهرة، وأما ما قيل: إنّ قوله بأمره إن أريد بالتنزيل معناه لظاهر، وقوله: بتيسيره إن أريد به التحفيظ والتفهيم فلا وجه له، وقوله من فاعل نزله والضمير المستتر فيه لجبريل عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنه لله والمفعول ضمير جبريل والحال منه، أي مأذونا له أو معه إذن الله. قوله: (والظاهر أن جواب الشرط فإن نزله الخ) يعني أنّ من حق الشرط أن يكون سبباً للجزاء وهنا عداوة جبريل عليه الصلاة والسلام ليست سبباً لتنزيل القرآن فوجه بأنه ليس بجواب في الحقيقة بل هو سبب الجواب أقيم مقامه ومعناه من كان عدوّاً لجبريل عليه الصلاة والسلام فلا وجه لعداوته لأنه نزل بالقرآن على قلبك مصدقاً لما بين يديه الخ فلو أنصفوا أحبوه فتنزيل القرآن سبب لعدم توجه عداوته أو معناه من كان عدوّاً لجبريل عليه الصلاة والسلام فلعداوته وجه لأنه نزل عليك بالقرآن وهم كارهون له فنزوله سبب لتوجه عداوتهم كما يقال إن عاداك فلان فقد آذيته أي فهو محق في عداوته لتأذيه وتحقيقه أن تقدير الكلام إن عادوه فالعاقل المنصف يقول لا وجه لمعاداته أو لها وجه فالسببية في الحقيقة لذلك القول المقدر فيكون سببا للإخبار بمضمون الجزاء كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] وقيل التقدير من كان عدوّا لجبريل عليه الصلاة والسلام فليمت غيظاً فإنه نزل على قلبك أي من عاداه هلك بعداوته لأنها دائماً متزايدة لنزوله على قلبك، وقول المصنف رحمه الله تعالى في هذا الوجه محذوف إشارة إلى أنه لا حذف في الأوّل بل تجوز بعلاقة السببية أو أنّ المحذوف فيه في قوّة المذكور لوجود ما يقوم مقامه لقوله قبله فحذف الخ فالمذكور كأنه جواب وفي هذا غير نائب عنه بل علة له واعلم أنّ كون على قلبك حكاية كلام الله إنما هو على التوجيهين الأوّلين دون هذا فتنبه ومنه يعلم نكتة للحكاية دقيقة، وأما كون من استفهاماً للاستبعاد والتهديد وما بعده تعليل له فخلاف الظاهر. قوله: (أراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 بعداوة الله مخالفته الخ الما كان معنى العداوة المعروف المقصود به الإضرار لا يتصوّر هنا جعله مجازاً عن المخالفة عناداً، وهذا ظاهر في لله ورسله، وأما في الملائكة فبمخالفة ما جاؤوأ به وفيه نظر وقريب منه تفسير المحبة بإرادة الطاعة أو المراد معناه الحقيقي بالنسبة للرسل والملائكة وذكر الله للتفخيم والتهويل لعداوتهم لأنّ من عاداهم فقد عادى الله وسيأتي تحقيقه في محله وعداوة الله عقابه أشد العقاب كما في الكشاف. قوله: (وأفرد المكان بالذكر الخ) أي ليدل على فضلهما حتى كأنهما ليسا من جنس الملائكة لاختصاصهما بمزايا وفضائل ولأنّ التغاير في الوصف بمنزلة التغاير في الذات كقوله: فإن تفق الأنام وأنت منهم فإنّ المسك بعض دم الغزال وقوله: والتنبيه الخ لأنّ الإفراد بالذكر يقتضي ذلك كما إذا قلت من أهان القوم وزيدا وعمرا أهنته اقتضى ترتب الجزاء على إهانة أفرادهم لا على المجموع فقط، وقوله: إذ الموجب الخ أي في نفس الأمر وهذه وجوه ونكت مستقلة، ولذلك قال ولأنّ الحاجة الخ بالواو ل! نه أعاد اللام للبعد فلا يقال الظاهر أن يقال أو للتنبيه ولا ينافيه ما سبق من تول اليهود إنّ ميكائيل محبوب لأنّ الخصب والرخاء منه وجبريل عليه الصلاة والسلام عدوّ لأن الخسف والعذاب منه فتأمّل ولا إنّ الواو بمعنى أو لأن ما ذكر لا يدل على أشرفيتهما، وقوله ووضع الظاهر الخ مبني هذا في الكلام التعليق بالمشتق وأنّ الجزاء مرتبط بمعاداة كل واحد مما ذكر في الشرط لا بالمجموع وقوله كميكاعل قد مر إبدال الهمزة عيناً في الوزن وقرئ ميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل وميكال بدون همزة وياء. قوله: (أي المتمرّدين من الكفرة والفسق الخ الما كان الفسق يطلق على المعاصي والكفر أشدها وكان في النظم مخالفة للظاهر حينئذ دفعها بأنّ المراد المتمرّدون في الكفر لما روي عن الحسن رحمه الله إنّ الفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي كفراً أو غيره وقع على أعظمه لأنه في الأصل الخروج عن المعتاد فيه، وقد استعمل هنا في الكفر فيفيد ما ذكر واليه أشار بقوله: كأنه متجاوز الخ وما ذكر في سبب النزول يدل على أنّ المراد بهم اليهود لا ابن صوريا وحده كما قيل: لأنّ صيغة الجمع تأباه فالتعريف للعهد أو المراد الجنس وهم داخلون فيه دخولاً أوّلياً فينتظم السياق والسباق، وحديث ابن صوريا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (الهمزة للإثكار الخ) قيل: جعله عطفا على محذوف إذ لا مجال للعطف على الكلام السابق وتوسيط الهمزة لغرض يتعلق بالمعطوف خاصة، ولم يحمل قراءة إسكان الواو على أنها أسكنت إسكان الهاء في وهو لأنه لم يثبت مثل ذلك في الواو والعاطفة بل حملت على أنها أو العاطفة للفعل بعدها أعني نبذه المقيد بالظرف وهو كلما على صلة الموصول الذي هو اللام في الفاسقون ميلاً إلى جانب المعنى وإن كان فيه مسخ اللام الموصولة كأنه قيل: إلا الذين فسقوا وإن لم يصح ابتداء وقوع صريح الفعل بعد اللام لا سيما مع تقدم معمول. (أقول) : قوله لا مجال للعطف برد عليه أنه إذا قرئ بالسكون فهي عاطفة على ما قبلها فما الفرق بينهما، وقوله: إنه ميل مع المعنى يقتضي أنّ العربية لا تساعد عليه وليس كذلك فإنّ أل تدخل على الفعل ابتداء في الضرورة كقوله: عص ت الحمار ليجاع وبالتبعية في السعة كثيراً كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} [سورة الحديد، الآية: 18] لاغتفارهم في الثواني ط لا! ختفر في الأوائل وسيأتي تحقيقه فهذا غفلة عن هذا وقيل: أو هنا بمعنى بل الإضرابية وانتصاب عهداً إمّا على أنه مصدر غير جار على فعله والأصل معاهدة ويؤيده قراءة عهدوا أو على أنه رفعول به بتضمين عاهدوا معنى اعطوا. قوله: (نقضه الخ) النبذ نقض العهد وأصله طرح ما لا جتدّ به كالنعل البالية، وقوله: فيما ينسى أي ما من شأنه ذلك لعدم الاعتداد به والا فهذا القيد لم يذكره أهل اللغة وقيد عدم الاعتداد صرح به الراغب رحمه الله وقد فسر ظهريا بمنسياً فلعله منشأ الوهم، وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أسورة البقرة، الآية: 00 ا] جشسمل عطف المفرد بجعل لا يؤمنون حالاً من أكثر أو من الضمير المضاف إليه بمعنى ينبذون العهد عملا واعتقاداً. قوله: (رد لما يتوهم من أنّ الخ) يعني أنّ الفريق يطلق على الكثير والقليل والثاني هو المتبادر منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فلذا أضرب عنه فهو إما انتقاليّ أو إبطاليّ وعلى الثاني المراد بالأكثر ما يشمل غير النابذين، وقوله: كالقرآن يشمل الإنجيل وفي نسخة وهو القرآن خص بالذكر لمناسبة الواقع في هذا المقام والنسخة الأولى أولى وجعل نبذ بعض التوراة نبذاً لها وهو ظاهر، وإذا فسر كتاب الله بالقرآن ورد أنّ النبذ يقتضي تقدم الأخذ وهم لم يأخذوه أصلاً فأشار إلى دفعه في الكشاف بقوله: كتاب الله القرآن نبذوه بعدما لزمهم تلقيه بالقبول يعني أنّ النبذ وراء الظهر! تضي سابقة الأخذ في الجملة وهذا في حق التوراة ظاهر وإنما الخفاء في الترك، وفي حق الفرآن بالعكس أي تركه ظاهر وإنما الخفاء في أخذه فجعل أخذ. هو لزوم التلقي بالقبول وترك التوراة هو الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم قيل: والمصنف رحمه الله أشار إلى دفعه بقوله: مثل لإعراضهم الخ يعنيان النبذ ليس حقيقة بل هو اسنعارة تمثيلية أربد به الإعراض فلا حاجة إلى أن يقال جعله لزوم التلقي الخ بل لا وجه ل وليس بشيء لأنه حينئذ تجوز بالنبذ عن عدم القبول اللازم له وهو ظاهر وأمّا التمثيل فلم ينص المصنف رحمه الله على أنه بالنبذ بل في قوله وراء ظهورهم وقد قال الزمخشريّ في تفسيره أيضاً وراء ظهورهم: مثل لتركهم واعراضهم عنه مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه اص. فهذا غافل عن معنى كلامهم فتأمّل، نعم لو جعل الجميع تمثيلا لكان له وجه، وقال الطيبيّ رحمه الله: شبه تركهم كتاب الله واعراضهم عنه بحالة شيء يرمي به وراء الظهر والجامع عدم الالتفات وقلة المبالاة ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك وهو النبذ وراء الظهر فاذا حمل كتاب الله على التوراة كان كناية عن قلة مبالاتهم فقط لأنّ النبذ الحقيقي لم يكن منهم ولهذا قال بين أيديهم يقرؤونه الخ والحمل على القرآن لا ينافي حقيقة النبذ فهو كطويل النجاد. قوله: (أنه تعالى دل بالآيتين الخ) جل اليهود بمعنى معظمهم فإن أريد باليهود من كان منهم سواء ثبت على ذلك أو لا فهم أربع فرق كما قال المصنف رحمه الله وان أريد من لم يرجع عنها فهم ثلاث فرق كما قال الراغب فلا مخالفة بيته وبين المصنف رحمه الله كما توهم، وبقي منهم من لم ينبذها ولم يؤمن كالمعترفين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم خصوها بالعرب أو بغير بني إسرائيل وفرقة آمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم وماتوا قبل نزول التورإة إذ لا يصدق عليهم ما ذكر وق! على ذلك. قوله: (عطف على نبذ الخ) هذا مما قاله بعض المعربين كأبي البقاء وليس بظاهر لأنه يقتضي كونها جواب أحا واتباعهم هدّا ليس مترتبا على مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان قبله فالأولى أن تكون معطوفة على جملة لما وقيل: إن مراده ولكن لما كانت الجملة هي الجواب والشرط قيد لها عبر به تسمحا، وقيل: إنها معطوفة على مجمويم ما قبلها عطف القصة وقيل: على اشربوا وما موصولة وعائدها محذوف أي تتلوه وقيل: نافية، وقال ابن العربيّ إنه غلط فاحش وتتلو بمعنى تلت الحكاية الحال الماضية وهو إمّا على من تلاه بمعنى قرأه أو تبعه واليهما أشاو المصنف وهو ظاهر وجوّز في الشياطين وجوهاً، وقوله قيل: الخ يؤيد الأوّل. قوله: (أي عهده الخ) في الكشاف أي على عهد ملكه وفي زمانه، يعني أنّ على بمعنى في وفي الكلام مضاف مقدر وفي الفرائد إنّ تتلوف ق معنى الإملاء فعدى بعلى، وقيل: ضمن معنى الإقراء والتسخير جعل الشيء مسخراً أي منقاداً ويراد به الاستعمال بغير أجر. قوله: (وعبر عن السحر بالكفر الخ) يعني أنّ كفر بمعنى سحر مجازا للزومه له وأمّ كونه كفراً فلظاهر الآية والأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام: " من أتى كاهناً أو عرّافاً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر " قال الجصاص رحمه الله اتفق السلف على وجوب قتل الساحر ونص بعضهم على كفره واختلف الفقهاء في حكمه فعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يقتل ولا يستتاب والمرأة تحبس حتى تتركه فجعل حكمه حكم المرتد ولم يجعله الشافعيّ رضي الله عنه كافراً قال في الروضة يحرم فعل السحر بالإجماع وأمّا تعلمه وتعليمه ففيه ثلاثة أوجه، الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما حرامان، والثاني مكروهان، والثالث مباحان، ومن أراد تفصيل الكلام فيه فليراجع أحكام القرآن فكلام المصنف محل تأمّل وقد حمل على من أعتقد تأثيره فإنه كفر بلا خلاف وسقط ما قيل إنا لم نر خلافاً في كون العمل به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 كفراً وعده من الكبائر لا ينافيه لأن الشرك منها وإن كان أعظمها، وبما ذكرناه يعلم أنه غير مسلم وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منه تعلم من " تبرئة سليمان عليه الصلاة والسلام منه " مع عدم الفارق ولكن إذا شذدت أعملت وإذا خففت ألغيت على ما تقرر في النحو. قوله: (إغواء وإضلالاً (هذا مأخوذ من إسناده إليهم وذمهم وأما تعليمه ليعرف فيجتنب فلا يقتضي الكفر كما قال أبو نواس: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه، ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه، وقوله: والجملة حال الخ هذا أحد أقوال فيها وقيل إنها حال من الشياطين ورده أبو البقاء رحمه الله بأن لكن لا تعمل في الحال وفي الدر المصون أنه ليس بشيء لأنّ لكن فيها رائحة الفعل فتأمل. وضمير يعلمون عائد إليهم وأما إذا رجع إلى الذين اتبعوا فهي حال من فاعل الذين اتبعوا أو استئنافية والمراد بالتقرّب إلى الشيطان العزائم والرقي التي يقولون إنها تسخرها لهم وقوله: لا يستتمث أي يتم كما مر يعني لا يوجد إلا من النفوس الخاسرة الخبيثة فلا لبس بين السحر والمعجزة والكرامة كما استدل به من قال إنه لا حقيقة له والصحيح خلافه وأمّا الحيل فكثيرة معلومة ومن أرادها فعليه بكتاب عيون الحقائق ولا تسمى سحراً حقيقة بل تجوزا لمشابهتها له لأنّ أصل معنى السحر في اللغة ما لطف وخفي سببه ولذا سمي الغذاء سحراً بالفتح لخفائه ولطف مجاريه ومنه سحور رمضان قال لبيد: ونسحر بالطعام وبالشراب وأمّا قوله: إنه غير مذموم فرذ بأنّ النووفي وغيره نصوا على تحريمه وما يقال: إنه غير مذموم مطلقا بل إذا فعل لأمر لا وجه له. قوله: (عطف على السحر الخ) إن كانا شيئاً واحداً فتغايره باعتبار من تلقى منه وان كان الثاني أتوى فإفراده بالذكر لقوته، وقوله: منه متعلق بأقوى أي أقوى من ذلك النوع الآخر وقيل: إنه صفة نوع لا متعلق بأقوى لفساد المعنى وليس بشيء، وإنما أنزل الملكان لكثرة السحر في ذلك الزمان حتى ظن الجهلة أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معجزاتهم من هذا القبيل فأنزلا لإبطال ذلك. قوله:) وما روي الخ (رواه سنيد بن داود عن الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع قال سافرت مع ابن عمر رضي الله عنهما فلما كان آخر الليل قال: يا نافع انظر هل طلعت الحمراء قلت لا مرتين أو ثلاثا ئم قلت طلعت قال لأمر حبابها ولا أهلاً، قلت سبحان الله نجم سامع مطيع، قال ما قلت إلا ما سمعت من رسول الله-كي! ، أو قال: قال رسول الله ئلمج! ز: " إنّ الملائكة قالت يا رب كيف صبرت على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعانيتهم قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك قال: فاختاروا ملكين منكم فلم يألوا جهدأ أن يختاروا فاختاروا هاروت وماروت فنزلا فألقى الله عليهما الثبق، قلث: وما الشبق؟ قال: الشهوة، فجاءت امرأة يقال لها الزهرة فوقعت في قلوبهما فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه، ثم قال أحدهما للآخر: هل وقع ني نفسك ما وقع في قلبي؟ قال: نعم، فطلباها لأنفسهما، فقالت: لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان فأبيا ثم سألاها أيضا، فأبث ففعلا فلما استطيرت طمسها الله كوكبا وقطع أجنحتها ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما وقال: إن شئتما عذبتكما قي الدنبا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه، فقال أحدهما لصاحبه أنّ عذاب الدنيا ينقطع ويزول فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فأوحى الله إليهما أن ائتيا بإبل فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض يعذبان إلى يوم القيامة " قال المحدثون وجميع رجاله غير موثوق بهم لكن قال خاتمة الحفاظ الشهاب ابن حجر أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وانّ له طرقاً كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليها يقطع بصحتها لكثرتها وقوّة مخارجها وقال بعضهم: بلغت طرقه نيفا وعشرين لكن أهل الكلام اتفقوا على عصمة الملائكة عليهم الصلاة والسلام وطعنوا في هذه القصة وعدوها من المحالات لمسخ الإنسان كوكباً كما بينوه في كتبهم والمصنف رحمه الله حاول التوفيق بأنها تمثيلات كقصة يسأل وسلامان وحرير مقطان وغيره ذلك مما وضعه المتقذمون إشارة إلى أنّ القوى لو ركبت في تلك لعصت وأسماء الله ومفاجأته تلحق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 السفلي بالعلوي ونحوه، وقيل: أراد بهما النفس والبدن تعرضاً لامراً ة وهي الروح فحملاها على المعاصي ئم تنبهت بمصاحبتها لما هو خير فصعدت السماء، وزهرة بضم الزاي وفتح الهاء كتؤدة، قال: وأيقظيني لطلوع الزهر كذا في أدب الكاتب وتسكينها إما لحن أو ضرورة وهو نجم معروف وعلى القول بأنهما رجلان لا إشكال ولم يجىء مصدر لفعل يفعل على فعل بالكسر إلا سحر وفعل وكسر اللام قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وأبي الأسود والحسن والجمهور على خلافها. قوله: (وقيل ما أنزل نفي الخ) وهاروت وماروت بدل من الشياطين على قراءة التشديد والنصب وأمّا على قراءة الرفع فهو منصوب على الذم وهو بدل بعض، ومن فسرهما بقبيلتين من الجن يكون عنده لل كل، وقيل: إنه بدل من الناس أي يعلمان الناس خصوصا هاروت وماروت وأمّا ما يعلمان على جعلها نافية ففي التفسير الكبير أن قوله: حتى يقولا كقولك ما أمرت فلانآ بكذا حتى قلت له إن فعلت كذا ضربتك أي ما أمرته به بل حذرته عنه وهذا مع ما ترى يدفعه قوله فيتعلمون منهما، وقيل: إنّ هاروت وماروت مع تعلمهما السحر وحذاقتهما فيه كانا على الصلاح وإنما غرضهما من التعليم يوقيه فلا يعلمان أحدا حتى ينصحاه ويحذراه وهذا هو مراد من قال إنهما ملكان، والباء في ببابل بمعنى في وهو علم أرض ممنوع من الصرف هاروت وماروت بدل من الملكين أو عطف بيان وقيل: بدل من الناس بدل بعض أوكل لإطلاقه على ما فوق الواحد، وعلى قراءة الرفع فهما خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الثياطين وعدم صرفهما للعلمية والعجمة ولو كان من الهرت والمرت ومعناهما في اللغة الكسر لانصرفا ودعوى أنهما معدولان عن هارت ومارت والعدل لا يختص بأوزان لا وجه لها وقوله: أبدلهما الخ وعلى هذا القول فهما ليسا بملكين وتركه لظهوره وإنما لم يبدلهما من الملكين كما قيل: لأنّ ما بعده يأباه ومن لم يتنبه لمراده اعترض عليه بما لا وجه له. قوله: (فمعناه على الآوّل الخ) المراد بالأوّل أنهما ملكان والثاني أنهما رجلان ويتغ ذلك وجوه الإعراب كونه كفراً علم مما مر فيه. قوله: (وفيه دليل على أن ثعلم السحر الخ اللفرق بين العلم المجرّد والعمل ولو مع اعتقاد التأثير، وفيه إشارة إلى أنّ الاجتناب واجب احتياطاً وكما لا يحرم تعلم الفلسفة للمنصوب للذب عن الدين بردّ الشبه وان كان أغلب أحواله التحريم كذلك تعلم السحر إن فرض فشوّه في صقع وأريد تبيين فساده لهم ليرجعوا إلى الحق وهو لا ينافي إطلاق القول بالتحريم فاعرفه وقوله: الضمير لما دل! عليه من أحد، من الناس وليس أحد ههنا في معنى الجماعة ليصح عود ضمير الجمع إليه كما سيجيء لقوله فلا تكفر بالإفراد وأمّا عود ضمير الجمع إلى النكرة الواقعة في سياق النفي فليس بقوي. قوله: (وقرئ بضازي الخ) ما ذكره المصنف رحمه الله بعينه كلام ابن جني في المحتسب ونصه بعدما قال إنّ من أقبح الشاذ حذف النون هنا وأمثل ما يقال فيه: أن يكون أراد ما هم بضارّي أحد ثم فصل بين المضاف إليه والمضاف بحرف الجر، وفيه شيء آخر هو أنّ هناك أيضاً من في من أحد غير أنه أجرى الجار مجرى جزء من المجرور فكأنه قال: وما هم بضارّي به أحد وفيه ما ذكرنا اهـ. وقال التفتازاني رحمه الله نعم قال ابن جني هذا من أبعد الشواذ، وذلك أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف الذي هو به ثم جعل المضاف إليه هو الجار والمجرور جميعا ولا يصح أن تكون من مقحمة لتأكيد معنى الإضافة، كاللام في لا أباً له لأنّ هذه إضافة لفظية ليست بمعنى من ا!. وأيضا من هذه لاستغراق النفي وليست هي المقدّرة في الإضافة فالأولى تخريجها على أنّ نون الجمع تسقط في غير الإضافة كما في قوله: الحافظ وعورة العشيرة كما ذكره ابن مالك في التسهيل وأمّا اعتراض! الطيبي رحمه الله بأنه إنما يجوز في المعرف بأل فابن مالك غير قائل به لأنه ورد بدونه كقوله: ولسنا إذا تأتون سلماً بمد! ي لكم غيرأنا إن نسالم نسالم أي بمدعيكم قاله أبو حيان: وهذا أقرب مما تكلفوه إذ جعل الجارّ جزءاً والإضافة إلى الجار والمجرور مما لم يعهد مثله وأقرب من هذا كله أن يقال: إنّ فيه مضافا مقدرا لفظا ولذا ترك تنوينه لذكره بعده كقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 يا تيم تيم عديّ: في أحد الوجوه وفي الدر المصون كلام هنا تركه أولى وكذا ما قاله الشارح المحقق أيضا فتدبر. قوله: (أي استبدل الخ) إشارة إلى أن اشترى استعارة كما مر وقوله: والأظهر الخ سواء أكانت علم متعدّية لمفعول أو مفعولين قيل: قد خفي الاحتمال الآخر الظاهر، ولا يبعد أن يقال: إنه إشارة إلى جواز حذف مفعولي العلم بقرينة ما سبق أي علموا أنه يضرهم ولا ينفعهم وحينئذ لمن اشتراه جواب قسم محذوف ولم يدر أنه إشارة إلى قول الفراء في هذه الآية الذي ذكره أبو البقاء إنّ هذه اللام موطئة للقسم ومن شرطية في محل رفع بالابتداء وماله في الآخرة من خلاق جواب القسم قال الحلبي فاشترى على القول الأوّل صلة وعلى هذا خبر اسم الشرط وجواب الشرط محذوف لأنه إذا اجتمع شرط وقسم ولم يتقدمهما ذو خبر أجيب سابقهما غالباً، وقد يجاب الشرط مطلقاً ولم يرتضه الزجاج وأمّا الاعتراض عليه بأنه مخالف لكلام الجمهور وإنما الموطئة لقد علموا فنا شيء من قلة التدبر. قوله: (نصيب) قال الزجاج: الخلاف النصيب وكثر استعماله في الخير ويكون للشر على قلة والخلاف يكون بمعنى القدر والمرتبة كما في قوله: فمالك بيت لدى الشامخات ومالك في غالب من خلاق وليس هنا مانع من إرادته وقوله: يحتمل المعنيين أي كونه بمعناه الظاهر وكونه بمعنى باعوا. قوله: (يتفكرون فيه الخ) جواب عن إثبات العلم في قوله ولقد علموا ونفيه بقوله. لو كانوا يعلمون لما بينهما من التنافي بأنه أريد بالمثبت علمهم ما لمستبد له والمنفيّ تفكرهم فيه أو علمهم بقبحه يقيناً أو علمهم بعاقبته ولما كان ما مستبد له من عدم النصيب في الآخرة يستلزم علمهم بما نفي أوّله بأنّ المثبت علم بالقوّة أو إجماليّ أو من غير جزم ولا يخفى ما فيه من التكلف فما ذهب إليه الزمخشريّ أقرب. قوله: (وقيل الخ) هذا ما ارتضاه الزمخشريّ وهو أوجه فالمراد بلو كانوا يعلمون يعملون بعلمهم تنزيلاَ لعلمهم منزلة العدم على نهج {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [سورة الأنفال، الآية: 7 ا] قال المحقق: فإن قيل: إنما يتوجه السؤال لو كان متعلق العلم في موضع الإثبات والنفي واحداً وليس كذلك فإنّ المثبت هو العلم بأنّ من استبدل كتب السحر وآثرها على كتاب الله تعالى فإنه لا نصيب له في الآخرة والمنفيّ هو العلم بسوء ما فعلوه من استبدال كتب السحر وإيثارها على أنفسهم قلنا مآل الأمرين واحد، وتقرير الجواب أنّ المنفيّ ليس هو العلم بما ذكر بل العمل بموجب العلم كأنه قيل: لو كانوا يعملون بموجب علمهم ويجرون على مقتضاه، وجواب لو محذوف أي لارتدعوا عن تعلم السحر وايثار كتبه أو لكان خيرا لهم. قوله: (جواب لو وأصله لأثيبوا مثوبة الخ الما أورد هنا أنّ الاسمية لا تصلح جواب لو أما لفظاً فلا طباق النحاة على أنه لا يكون إلا فعلية ماضوية، وأمّا معنى فلأن خيرية المثوبة لا تتقيد بإيمانهم واتقائهم ولا تنتفي بانتفائهما فالأولى أنّ ااجواب محذوف أي لأثيبوا، وأورد على قوله لتدل على ثبات المثوبة أنّ الاسمية إنما تدل على ثبوت مدلولها وهو كون المثوبة خير إلا على ثبات المثوبة وما ذكر إنما يتم لو قيل المثوبة لهم وأجيب بأنها ماضوية تقديرا إذ الأصل لأثابهم الله مثوبة فعدل إلى المثوبة لهم للدلالة على ثبات المثوبة لهم وهو استقرارها على تقدير الإيمان والتقوي ثم إلى المثوبة من عند الله خير لهم تحسرأ لهم على حرمانهم الخير وترغيباً لمن سواهم في الإيمان والتقوى أو أنّ ثبوت الخيرية للمثوبة يقتضي ثبوتها كذا قال المحقق. وقيل: عليه أنه لم يرد في كلام العرب جواب لو جملة اسمية فالحق أنها لام ابتدائية والجملة مستأنفة وجواب لو محذوف أو هي للتمني لا جواب لها وما ذكره تكلف تأباه العربية، وقوله: والجزم بخيريتها وجه بأنه لما عدل عن الفعلية المعلفة بالشرط تعليقاً ينافي الجزم حصل الجزم بها وفيه بحث لأنه كيف يجزم به وقد جعل جوابا للشرط الامتناعي الدال على عدمه فكيف الجزم فإن قيل: إنه ليس بجواب حقيقة بل قائم مقامه فهذا تطويل للمسافة بلا طائل فالحق ما تقدم، وقوله: وحذف المفضل الخ هذه نكتة لطيفة لكن قال أبو حيان: الحق أنّ خير هنا صفة لا اسم تفضيل وهو أقرب، ثم إنّ التمني على الله محال فجعله المعتزلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 بمعنى الإرادة المتخلفة عن المراد وغيرهم أوّله بأنه شبه بحال يتمنى العارف بها اتقاءهم ولا يخفى موقع التنكير هنا لأنه يفيد أن شيئاً ما من المثوبة خير مما هم عليه. قوله:) وقرئ لمثوية الخ) اختلف في وزن مثوبة فقيل: مفعولة وأصلها مثوبة فنقلت ضمة الواو إلى ما قبلها وحذفت لالتقاء الساكنين وهي من المصادر التي جاءت على مفعولة كمصدوقة نقله الواحدفي، وقيل: مفعلة بضم العين نقلت الضمة إيى ما قبلها فهي مصدر ميمي ويقال: مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو وكان من حقها أن تعل فيقال مثابة كمقامة إلا أنهم صححوها كما قالوا ير الأعلام مكوزة، وقرأ بها أبو السمال وقتادة كمشورة ومعنى مثوبة ثواب وجزاء من الله وقيل: رجعة إلى الله والمصنف رحمه الله أشار إلى أنّ المعنى الأوّل راجع إلى الثاني لرجوع المحسن إلى الله أي إلى جزائه واحسانه وقوله: إنّ ثواب الله الخ إشارة إلى تقدير مفعوله وأنه لم ينزل منزلة القاصر، وقوله: لترك التدبر بناء على تأويله يعلمون قبله بيتفكرون وقوله: أو العمل إشارة إلى ما حكاه بقيل. قوله: (الوعي حفظ النير لمصلحتة الخ (سواء كان الغير عاقلاً اولاً وقوله: وكان المسلمون الخ هذا أخرجه أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله تلقننا من التلقين وقوله: فافترصوه أي عدوه فرصة " س يدين نسبته إلى رعي الغنم اي أنت راع لا نبيّ وهم حينئذ يبقون الياء أو يختلسونها للتلبيس، أو سبه معطوف على نسبته لأن هذه الكلمة في لغتهم كلمة سب ونهى المؤمنين عنها يعلم منه أنه لا يجوز أن يطلق عليه! ما يوهم نقصا ولو على وجه بعيد وفي لغة أخرى وانظرنا قرئ بالوصل والقطع من الثلاثيّ والمزيد فإن كان من نظر البصر تعدى بإلى على الحذف والإيصال وإن كان من نظره بمعنى انتظره فهو متعد بنفسه والأنظار التأني والإمهال وراعونا بضمير الجميع للتعظيم بناء على ما أثبته الفارسيّ فيه وان قال الرضي: أنه لا يكون إلا في المتكلم نحو فعلنا وراعنا بالتنوين من الرعونة وهي الهوح بوزن الضرب أي الحق الناشئ عنه أفعال وأقوال تدل على السفه والصيغة للنسبة أي ذا رعونه كلابن وتامر وقوله: لما شابه الخ متعلق بقوله: نهوا أي نهوا عن ذلك لمشابهته فول اليهود الذي هو سب في لغتهم أو لقصدهم الرعونة أو التحقير بأنه راع وقيل: إنه متعلق بقوله: ذا رعن أي إنما نسب ذلك القول إلى الحماقة لما شابه الخ ولا وجه له. قوله: حاضة الشمال! / - 2 / ء23 (وأحسنوا الاستماع الخ) إنما أوّلوه لأنه لا فائدة في طلب السمع من السميع فالمراد إمّا أحسنوه حتى لا يحتاج إلى قولكم له ذلك ونحوه أو المراد اقبلوا قولي هذا وغيره والسمع يكون بمعنى القبول كما في سمع الله لمز، حمده أو اسمعوا ما أمرتم به هنا وهو قوله انظرنا والجد بكسر الجيم الاجتهاد والمراد بالكافرين اليهود الذين سبوه بهذه الكلمة ولم يحمل على العموم ودخولهم فيه أولى لأنّ الكلام مع المؤمنين فلا يصلح قوله وللكافرين الخ أن يكون تذييلاَ فالتعريف للعهد وفيه تحريض للمؤمنين على ترك ما ذكر وزاد قوله موذة المؤمنين وان لم يكن في النظم لأنّ من ودّ لهم الخير فقد أحبهم. قوله: (والود محبة الشيء مع تمنيه الخ) قال الراغب: الودّ محبة الشيء وتمني كونه وشمتعمل في كل واحد من المعنيين على أنّ التمني يتضمن معنى الود لأنّ التمني هو منتهى حصول ما توده اص. فأشار إلى أنه يكون مجموعهما ويستعمل لكل منهما على الانفراد ثم إنه هنا إمّا أن يراد به المحبة فقط كما أشار إليه بقوله بعد! وما يحبون ويصح أن يراد به المجموع ونفيه مستلزم نفيهما معاً إذ لا محبة بدون الود كما قاله " الراغب ويلزم أيضا من محبة الشيء جواز تمنيه فمن قال معترضا على المصنف رحمه الله أنه لو كان كذلك لكان المناسب أن يقول ما يحب لأنّ نفي الود لا يستلزم نفي المحبة مع أنّ ما ذكره ليس في كتب اللغة فقد غفل وقوله: ومن للتبيين كما في قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [سورة البينة، الآية: ا] ولا زائدة لتأكيد النفي وفيه إشارة إلى تضعيف ما قيل: إنها للتبعيض. قوله: (ومن الأولى مزيدة الخ) وهي وان لم يلها نفي فالنفي\ الأول منسحب عليها فيكفي مسوّغا ولا حاجة إلى ما قيل إنّ التقدير يود أن لا ينزل خير وخير نائب الفاعل وقوله: يحسدونكم به أي بسببه وبالعلم وبالنصرة معطوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 على بالوحي وقوله:! يحسدونكم بيان للواقع أيضا لا تفسير للنظم لأنّ عدم مودتهم ناشئ عن الحسد وقوله: للاستغراق أي لتأكيد الاستغراق فإنّ النكرة في سياق النفي عامّة. قوله: (يستنبئه ويعلمه الخ) ! ايستنبته ناظر إلى تفسير الخير بالوحي ويعلمه الحكمة ناظر إلى قوله بالعلم وينصره ناظرا إلى قوله بالنصرة وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالخير والرحمة واحد فهو من وضع الظاهر موضع المضمر وكذا أقيم الله مقام ضمير ربكئم لأنّ تخصيص من يشاء بالرحمة يناسب الألوهية كما أنّ إنزال الخير يناسب الربوبية وعدم الوجوب مستفاد من قوله من يشاء وهذا رد على الحكماء في قولهم إنّ النبوّة بتصفية الباطن، وعلى المعتزلة في قولهم بوجوب الأصلح على الله لأنّ الواجب إمّا عبارة عما يستحق تاركه الذمّ كما قال بعض المعتزلة أو عما تركه يخل بالحكمة كما قاله بعض آخر أو ما قدر الله تعالى على نفسه أن يفعله ولا يتركه وان كان تركه جائزاً كما اختاره بعض الصوفية والمتكلمين كما يشير به ظواهر الآيات والأحاديث مثل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [سورة الغاشية، الآية: 26] والأوّل باطل لأنه تعالى مالك على الإطلاق والمتصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتوجه إليه الذم أصلاً على فعل من الأفعال بل هو المحمود في كل أفعاله وكذا الثاني لأنا نعلم إجمالاً أنّ جميع أفعاله تتضمن الحكم والمصالح ولا يحيط علمنا بحكمته والمصلحة فيه على أنّ التزام رعاية الحكمة والمصلحة لا يجب عليه تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 23] وكذا الثالث لأنه إن قيل: بامتناع صدور خلافه عنه تعالى فهو ينافي ما صرح به في تعريفه من جواز الترك وان لم يقل به فات معنى الوجوب إذ حينئذ يكون محصله أنه تعالى لا يتركه على طريق جري العادة وليس ذلك من الوجوب في شيء بل يكون إطلاق الوجوب عليه مجرّد اصطلاح. قوله: (نزلت الخ) وانتظامها مع ما قبلها لأنّ النسخ بخير منها من الفضل العظيم، ولأنّ ما نسخ بخير من الخير. توله: (والنسخ في اللغة إزالة الصورة الخ (قال الراغب: النسخ إزالة شيء بشيء يعقبه كنسخ الشمس الظل والظل الشمس والشيب الشباب فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات وتارة يفهم منه الأمران ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يعقبه قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} الخ قيل: معناه ما نزيل العمل بها أو نحرّفها عن قلوب العباد وقيل: معناه ما نوجدها وننزلها من نسخت الكتاب، وننسأها أي نؤخرها ولم ننزلها ونسخ الكتاب نقل صورته المجرّدة إلى كتاب آخر وذلك لا يقتضي إزالة الصورة بل يقتضي إثبات مثله في مادة أخرى كإيجاد نقش الخاتم في شموع كثيرة اهـ. فأشار إلى معنى الإزالة والإثبات معا أوّلاً، ومثله بنسخ الظل للشمس فإنّ صورة الضوء زالت عنه إلى غيره والراغب جعله مثالاً للإزالة فقط وهو أظهر وليس من الإضافة إلى المفعول كما توهم، والظاهر أنّ الصورة فيهما واحدة، فما قيل: إنّ الصورة المثبتة أعم من الصورة الأولى وغيرها خلاف الظاهر وقوله: والنقل أي نقل الكتاب باستنساخه أو نقل الشيء من مكان إلى آخر وهو أخص من الزوال فإنه إعدام صفة وهي التحيز وإحداث أخرى، أمّا عطف على إثباتها أو على نسخ الظل فعلى الأول عطفه عليه لأنه داخل فيه كما ذكره الراغب وأنما خصه لما يتوهم فيه من الإزالة كما أشار إليه وعلى الثاني ففيه إثبات محقق للصورة الأولى في الثانية ولانتقالها كأنها زالت عنه، والأول أولى وعلى كل فضمير منهما للإزالة والإثبات لأنّ هذا ليس معنى مستقلاً له كما عرفت ولخفائه قيل: المتبادر منه أنّ ضمير منهما للإزالة والنقل وليس كذلك كما يدل عليه ما بعده، والتناسخ من النقل لأنه عندهم انتقال الروح من بدن إلى آخر وليس المراد به مناسخة المواريث كما قيل: وفصله بقوله ومنه لأنه ليس فيه إزالة صورة واثباتها والنقل وقع في بعض النسخ دون بعض وهي أولى لأنه لا يناسبه ما بعده إذ نسخ الريح مثالأ للإزالة ونسخ الكتاب مثال للإثبات فتأمّل. وعلى كل حال فإنّ كلامه لا يخلو من الكدر. قوله: (ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد الخ) إشارة إلى ما ارتضاه بعض الأصوليين مع أنه بيان انتهائه بما ذكره لا رفعه، وقال شمس الأئمة: إنّ النسخ بالنسبة إليه تعالى بيان لمدة الحكم الأوّل لا رفع وتبديل وبالنسبة إلينا تبديل، وأشار إلى أقسامه الثلاثة من منسوخ الحكم والتلاوة ومنسوخ أحدهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وتفصيله في الأصول، وقوله: وانساؤها إذهابها عن القلوب بأن لا تبقى في حفظهم وقد وقع هذا فإنّ بعض الصحابة أراد قراءة بعض ما حفظه فلم يجده في صدره فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " نسخ البارحة من الصدور ". قوله: (وما شرطية الخ) هذا هو القول الأصح من أنّ العامل فيها الشرط باعتبار أنها مفعول به لا مطلق كما جوّزه بعضهم وهي عاملة فيه الجزم باعتبار تضمن معنى الشرط فتكون عاملة ومعمولة من جهتين ومثله جائز، وناب جوابها عن الخبر ومن بيانية وقراءة ننسخ بالفتح ظاهرة وبالضم من الانساخ والهمزة إقا للتعدية أي ما ننسخك من آية أو ننسخ جبريل عليه الصلاة والسلام، والمعنى نأمره بالإعلام بنسخها لآنه لا يقدر أن ينسخ شيئا أو أن الهمزة لمعنى الوجدان على صفة نحو أحمدته أي وجدته محمودا ومعنى نجدها منسوخة أنا ننسخها على ما سبق به علمنا بذلك فهي في المآل موافقة للقراءة الأخرى وهذا رذ على من قال أنسخ لم يوجد في اللغة كأبي عليّ وأبي حاتم ولم يأت أنسخ بمعنى نسخ ولا يصح فيه التعدية ووجهوه بوجهين بناء على جواز التعدية وعدمها، وخرج ابن عطية التعدية على أنها من نسخ الكتاب والمعنى ما يكتب وينزل من اللوح المحفوظ أو ما نؤخر فيه ونتركه فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنما تأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله ورده أبو حيان رحمه الله والعجب من المفسرين والشراح أنهم لم يوردوا ما يصحح هذه اللغة ولعلنا نظفر به. قوله: (ننسأها الخ) قراءة أبي عمرو وابن كثير بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح السين وبالهمزة الساكنة للجزم بالعطف على فعل الشرط وقرأ غيرهما بالألف في هذه ولم يحذفها للجازم لأنّ أصلها الهمزة من نسأ بمعنى أخر والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ فلا ننزلها وقيل: نؤخرها عن النسخ إلى وقت معلوم، وقرئت بالتشديد من النسيان معلومة ومجهولة مع ذكر المفعول لو تركه وقوله في النفع والثواب شامل للأخف والأثقل والمساوي، وزاد النفع على الكشاف ليشمل التبديل إلى الإباحة والقول بأنّ فيه ثواب الاعتقاد خلاف الظاهر، وقوله: أو مثلها في الثواب لم يذكر معه النفع لأنه لو كان لخلا النسخ من الفائدة، وأمّا كونه مقتضى الزمان وان تساويا فيهما فهو نفع أيضا ولم يعكس، لأنّ المقصود هو النفع فيلزم كون المنسوخ أنفع وقوله أي ننس أحداً إياها الظاهر ننسها أحدا 4 وقوله: بقلب الهمزة أي من ننسأها. قوله:) والآية دلت على جوارّ النسخ الخ الذكره صريحا فيها ولولا أنه جائز لم يكن لذكره وجه وأدوات الشرط من أن وما تضمن معناها في أصل وضعها تدل على احتمال ما دخلت عليه وجوازه فلا يرد اًن الشرطية لا تتوقف على صدق الطرفين كما في قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [سورة الزخرف، الآية: 81] وجواز التأخير تأخير إنزال القرآن ناسخا أو منسوخا المدلوك عليه بقراءة أو ننسأها على أحد الوجوه والقراآت وقوله: وذلك إشارة إلى الجواز أي وجه ذلك أن الوحي للمصالح وهي تختلف باختلاف الأزمنة كما نرى من احتياج الصيف إلى غير لباس الشتاء وغير ذلك. قوله: (واحتج به) وفي نسخة بها على معنى النظم أو الآية لأنه نص على أنّ لها مثلأ أو خيرا فلا تكون أثقل ولا من غير الكتاب لأنه لا يماثله شيء ولا دليل فيه لأنّ المراد بالخيرية والمثلية في الثواب أو النفع لا في الأخفية ولا في النظم وهو ظاهر وقوله: والنسخ قد يعرف بغيره أي بقول المضارع هذه منسوخة مثلاَ وهو جواب عما يقال: إذا لم تنزل آية أخرى كيف يعلم نسخ الأولى وتفصيل هذا في أصول الفقه. قوله: (والمعتزلة على حدوث القرآن الخ) فإنّ تغير. بالنسخ وتفاوته في الخيرية وتأخير الناسخ عن المنسوخ كل ذلك ما يستلزم الحدوث فأجاب بأنه في تعلقاته وهي حادثة لا فيه نفسه وقوله: من لوازمه كان الظاهر من ملزومات الحدوث لأنه استدلال بالتغير على الحدوث والاستدلال يكون من الملزوم على اللازم لا العكس إذ يلزم من وجود الملزوم وجود لازمه بدون العكس فقيل: المراد أنّ التغيير والتفاوت من لوازم القرآن وهما مستلزمان للحدوث ففيه طيّ، أو يقال: المراد من اللازم ما لا يتحقق بدون ذلك كما يقال فلان لزم بيته أي لم يخرج منه وقد مر هذا في البسملة كما ذكره الشريف قدس سره وحاصله أنه لا تغير في المعنى القائم بذاته إنما هو في تعلقه بأفعال المكلفين وقيل: لا نسلم أنّ التفاوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 مستلزم للحدوث لم لا يجوز أن يكون أمور قديمة متفاوتة فإنّ صض ته تعالى قديمة مع أنها متفاوتة في الأحكام لا يقال المعتزلة لم يقولوا بالصفات القديمة لأنا نقول عدم قولهم بذلك لا يضرنا مع أنهم يقولون بالمعنى بالصفات القديمة وأن نفوها بحسب الظاهر كما حقق في الكلام (بقي أنه لا حاجة إلى هذا) فإنهم يدّعون حدوث الألفاظ ونحن لا نخالفهم فيه ولا يثبتون الكلام النفسي فهذا إنما يحتاج إليه الحنابلة فتأمل. قوله: (الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم والمراد الخ) في الكشاف فهو يملك أموركم ويدبرها ويجريها حسبما يصلحكم وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ وهو لا يتضح حق الاتضاح إلا بعد بيان أنّ الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في الحقيقة له ولأمته بدليل قوله: {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [سورة البقرة، الآية: 07 ا] فلذلك قدمه عليه كذا قيل، وفيه أنّ الخطاب عند صاحب الكشاف ليس للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده بل لكل واقف عليه على حد قوله: " بشر المشاثين " كما بينه شراحه ففي كلامه هذا إشارة إليه ولا حاجة إلى تقديم ما ذكر وسيأتي ما يرجحه والاستفهام حينئذ للتقرير وقوله ابن هثام في المغني: الأول أن يحمل على الإنكار التوبيخي أو الإبطالي أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ مبنيّ على أنّ الخطاب لمنكري النسخ لا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولا للعموم فهو لم يصادف محزه، وقوله: يفعل ما يشاء أي من النسخ وغيره وإنما قال كالدليل لأن المالك للشيء يقدر على التصرّف فيه والدليل مبين للمدلول والمبين لا يعطف على المبين وكون هذا إنشاء وما ننسخ خبر مانع آخر أيضاً لعدم العطف، وأما كون أنّ الله على كل شيء قد يرد ليلاً أيضا فلا يضرّ في المقصود. قوله: (وإنما هو الذي يملك أموركم الخ) الحصر يستفاد من قوله دون الله لأنه بمعنى سوى الله، وقوله يملك الخ إشارة إلى أنّ الوليّ هنا بمعنى المالك والحاكم وما بعده تفسير للنصر وهو الناصر المعين إذ بالنصرة صلاج الأمور وانتظامها وأصل معنى الولاية الاتصال من غير تخلل شيء آخر أجنيّ بينهما ثم يستعار للقرب في المكان أو في النسب أو في الدين أو الصمداقة والنصرة كما حققه الراغب، وقوله: والفرق الخ يعني الوليّ بمعنى الوالي والمالك والنصير المعين، والمالك قد لا يقدر على النصرة أو قد يقدر ولا يفعل والمعين قد يكون مالكاً وقد لا يكون بل أجنبياً عنهم فالعموم والخصوص الوجهي ظاهر وبعض الناس توهم من قوله أجنبيا أنه فسر الوليّ بالقريب فاعترض عليه بأنه لا يليق هنا إذ لا يقال ليس فيهم قريب غير الله. توله: (أم معادلة للهمزة الخ) قد جوّزوا فيها الاتصال والانقطاع لكنهم رجحوا الثاني حتى قيل: ينبغي القطع بالقطع، فعلى الاتصال والمعادلة التي تكون بمعنى أيّ الأمرين المعنى ألم تعلموا أنه المالك المطلق الفاعل لما يريد أم تعلمون وتسألون رسوله عما لا ينبغي السؤال عنه كما سألوا موسى صلى الله عليه وسلم فقوله: أم تريدون الخ مؤوّل بأم تعلمون لأنه لا يقترح المقترحات الشاقة إلا بعد العلم بأنّ له ربا قادرا على إجابة سؤاله ولا يخفى ما في هذا من التكلف، وقد أورد عليه أنها كيف تكون معادلة للهمزة مع أنّ الذي دخل على تفسيره في فاعل تعلم غير داخل في فاعل أم تريدون ومثله لا يجري في المتعادلين ولو سلم صحته فلا يخفى بعده وكذا جعلهما متحدين لأنّ خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما لا يخصه خطاب لأمته في الحقيقة، ووجه في الكشف الاتصال بأنّ ألم تعلم محمول على الثقة وأم تريدون الخ الدال على الاقتراح المنافي للثقة معادل له، كأنه قال: أتثقون بعد العلم بما يوجب الوثوق أم لا تثقون وتقترحون كما اقترحت أسلاف اليهود وهو حمل على الثقة على سبيل المبالغة كما في قوله تعالى: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [سورة المائدة، الآية: 91] وهذا كما تلخص للمسترشد طريقي الخير والشر وما فيهما من المصالح والمفاسد ثم تقول له أهذا تختار أم ذاك اهـ وهو كلام لطيف ومن هنا تبين أنّ عموم الخطاب لغير النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي أشار إليه الزمخشريّ أولى فإن قلت على المعادلة لا يخلو إما أن تكون معادلة للهمزتين أو للثانية فقط والأوّل خلاف الظاهر والثاني أقرب لكن قول المصنف قادر على الأشياء يأباه، قلت المراد الثاني ونما كان الثاني دليلا للأوّل كما مرّ كان معناه ملاحظا فيه فتامّل قيل: وفي عبارة المصنف، رحمه الله إشارة إلى أنّ ما مصدرية في موقع المفعول المطلق كما في تفسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 الكواشي وقال النحرير: الأنسب أنها موصولة في موضعالمفعول به لتسألوا أي كالأشياء التي سئلها موسى عليه الصلاة والسلام وذلك لأنّ الإنكار عليهم إنما هو لفساد المقترحات وكونها في العاقبة وبالاً عليهم وفيه نظر لأنّ المشبه أن تسألوا وهو مصدر فالظاهر أنّ المشبه به كذلك وقبح السؤال إنما هو لقبح المسؤول عنه مع أنه لا يحتاج إلى تقدير رابط فهو أولى، وفي قوله تريدون مبالغة كأنهم نهوا عن إرادة السؤال فضلاً عنه ولم يقل كما سأل أمة موسى عليه الصلاة والسلام أو اليهود للإشارة إلى أنّ من سأل ذلك يستحق أن يصان اللسان عن ذكره. قوله: (أو منقطعة والمراد الخ) مر أنها بمعنى بل والهمزة أو بل فقط وإنما فسرها بما ذكر ليرتبط بما قبله وينتظم معه لأنه لما بين لهم بقوله ما ننسخ إلى قوله قد ير أنه مالك أمورهم العالم بما هو أصلح لهم وكيت وكيت وحملهم على الإقرار بقوله: ألم تعلم الجاري مجرى التعليل لقدرته وصاهم بالثقة به فيما هو أصلح لهم حتى لا يقترحوا عليه على أبلغ وجه وقد عرفت أنّ الزمخشريّ لاحظ معنى الثقة في الأوّل أيضاً فتذكر، وقوله: نزلت في أهل الكتاب فالخطاب حينئذ في ألم تعلم وتريدون لهم لأنهم هم المنكرون للنسخ فالاستفهام حينئذ للتوبيخ ويظهر ارتباطه بما قبله وهو أقرب مما بعده لخفاء ارتباطه بما قبله ولأنّ قوله كما سئل موسى لا يناسبه إذ لا علم لهم باقتراج قومه عليه وفيه نظر ولذا أخره، وهذا مرويّ عن مجاهد وما قبله عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: لن نؤمن لرقيك أي لن تصدّق بارتقائك في السماء. قوله: (ومن ثرك الثقة بالآيات الخ) فسره بترك الثقة إلى الاقتراح ليرتبط بما قبله لأنه تذييل له على سبيل التهديد والتذييل ما يؤتى به في آخر الكلام بما يشتمل على المعنى السابق توكيداً له، وقوله: الطريق المستقيم تفسير لسواء السبيل وفسره بوسطه أيضاً ولا يضل عن ذلك إلا الأعمى، وقوله: ومعنى الآية الخ إشارة إلى أنه خبر المقصود به النهي والبعد عن المقصد مأخوذ من ضلال الطريق. قوله: (وذ كثير من أهل الكتاب يصني أحبارهم الخ) إنما خصه بالأحبار لقوله من بعد ما تبين لأنّ العارفين لذلك إنما هم الأحبار فلا يقال: إنه لا دلالة على هذا التخصيص والودادة من عامّتهم لئلا يبطل دينهم فالمراد جميعهم وعبر بالكثير لإخراج من آمن منهم، وفي الكشاف روي أنّ فخاص بن عازورا وزبد بن قيس ونفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم فلو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديتا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلالم\ (فقال عمار رضي الله عنه: كيف نقض العهد فيكم قالوا: شديد قال: فإني قد عاهدت الله أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت فقالت اليهود أمّا هذا فقد صبأ، وقال حذيفة رضي الله عنه: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد! كتبرو نبيا وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً ثم أتيا رسول الله -! رو فأخبراه فقال: أصبتما خيراً فنزلت الآية، ولعل المصنف إنما تركه لأنه كما قال الحافظ ابن حجر: لم يوجد في شيء من كتب الحديث. وقوله: فإنّ لو الخ أي تكون بمعناها في المصدرية لكنها لا تنصب وهذا قول للنحاة. قوله: (كفارا مرقدين وهو حال الخ) وجوّز فيه أن يكون حالأ من فاعل ودّ وارتضى بعضهم أنه مفعول يردّ بمعنى يصير لأنها تنصب مفعولين إذ منهم من لم يكفر حتى يردّ إليه فيحتاج إلى التغليب كما في لتعودن في ملتنا. قوله:) يجوز أن يتعلق بوذ الخ) جوّز فيه وجهين تعلقه بودّ على معنى تمنيهم ذلك من قبل أنفسهم وما تهواه لا من التدين، وأن يتعلق بحسداً أي حسداً منبعثاً من أنفسهم وتصوّر معنى الظرفية في عند ومن ثمة قال من قبل فهو ظرف لغو فيهما وهو منقول عن مكيّ، وردّه ابن الشجري في أماليه بأنه لم يعرف تعدي حسد وودّ بمن فهو مستقرّ أي حسدا وودّاً كائنا من عند أنفسهم وقيل: إنه مرادهم هنا والتعلق معنوفي وهو معمول معموله فكأنه معموله وكثيرا ما يريدون ذلك، وقيل: إنه على الأوّل لغو ومن ابتدائية وعلى الثاني مستقرّ وكلام المصنف رحمه الله ظاهر فيه، وقوله: بالغاً مستفاد من كونه من عند أنفسهم إذ هو ذاتيّ لهم راسخ كالطبيعي، وما قيل: إنه مستفاد من كونه داعيا لأهل الكتاب إلى محبة كفرهم أو من التنكير بعيد غير ظاهر وبتفسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 العفو بترك العقوبة والصفح بترك التثريب بالمثلثة أي اللوم والتعيير وأصل معناه الإعراض! بجانبه تبين حسن الترتيب قال الراغب: في مفرداته الصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو إذ قد يعفو الإنسان ولا يصفح فمن قال ليس هذا معناه لغة وأنما حمله عليه بمقتضى المقام لم يصب. قوله: (وفيه نظر) يعني أنّ {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ} [سورة البقرة، الآية: 109] مقيدان بقوله حتى يأتي الله بأمره قال الإمام كيف يكون منسوخا وهو مغياً بغاية كقوله: {أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [سورة القرة، الآية: 187] فإذا لم يكن ورود الليل ناسخا لم يكن إتيان الأمر ناسخا وأجاب بأنّ الغاية التي يتعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعاً لم يخرج ذلك الوارد من أن يكون ناسخا فيحل محل اعفوا واصفحوا حتى أنسخه لكم، قال الطيبي: ويؤيده حكم التوراة والإنجيل أنه ذكر فيهما انتهاء مدة حكمهما بإرسال النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سررة الأعراف، الآية: 157] مع أنّ ظهوره يكتيرو نسخ لهما والحاصل أنّ هذا القدر من التقييا- لا ينافي النسخ وإنما ينافيه التقييد بمعنى تعيين وقت الحكم الأول كما في آية الصوم وأجيب أيضاً بأنّ ابن عباس رضي الله عنهما لعله يحمل الإتيان بالأمر على إماتتهم أو على إقامة الساعة كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [سورة النحل، الآية: ا] واعترض على الطيبي بأنه غفل عما تقرّر في الأصول حيث أنكر بعضهم النسخ وقال الشريعة المتقدّمة مؤقتة إلى وقت ورود الشريعة المتأخرة إذ ثبت في القرآن أنّ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بشرا بشرع محمد صلى الله عليه وسلم وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره، وإذا كان الأوّل مؤقتاً لا يسمى الثاني نسخاً فأجابوا عنه بأنا لا نسلم أنّ بثارة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بشرع النبيّ صلى الله عليه وسلم وايجابهما الرجوع إليه يقتضيان توقيت أحكام التوراة والإنجيل لاحتمال أن يكون الرجوع إليه لأنه مفسر أو مقرّر فمن أين يلزم التوقيت بل هي مطلقة كما يفهم من التأبيد الواقع فيها فيجوز أن يكون نسخا ولم يقولوا إن هذا القدر من التقييد ينافي النسخ اهـ. وهذا غير وارد لأنّ الجواب الأوّل بمنع التقييد وهذا تسليمي لا ينافيه أي ولو سلم أنه مقيد فالقيد الذي لا يعلم زمانه تعيينه نسخ لأنّ معنى النسخ كما مرّ بيان انتهاء الحكم وآية السيف قاتلوا الذين لا يؤمنون، وتفسيره القدرة بالقدرة على الانتقام مع عمومها ليرتبط بما قبله ارتباطاً تامّا واللجأ مقصور مهموز بمعنى الالتجاء ويكون بمعنى الملجأ، والمخالفة بالخاء المعجمة والقاف مفاعلة من الخلق الحسن وهو مستفاد من العفو والصفح والالتجاء بالعبادة لأنها تدفع عنهم ما يكرهون كما مرّ، وقراءة تقدموا من قدم من السفر وأقدمه غيره أي جعله قادما فهي قريب من الأولى لا من الإقدام ضد الإحجام وفسر عند الله بوجود ثوابه عند. وقيل: الظاهر أنّ المراد أنه ثابت في علمه لا يضيع لأن عند الله بمعنى في علمه كثير في القرآن بجعل ما في علمه بمنزلة الموجود المحسوس لتحققه ولذا أردفه بقوله: إنّ الله بما تعملون بصير فعبر عن علمه بالإبصار مع أن من أعمالهم ما لا يبصر، وهذا هو الداعي لتفسير البصير بالعالم في الكشاف وان قال النحرير إنه إشارة إلى نفي الصفات وأنه ليس معنى السمع والبصر في حقه إلا تعلق الذات بمعلومات خاصة وعلى قراءة التاء فضمير تعملون للكفرة فهو وعيد وتهديد لهم، وأمّا على القراءة الأخرى فهو وعيد للمؤمنين. قوله: (عطف على ودّ الخ) وما بينهما اعتراض بالفاء لأنّ الجملة تقترن بالواو والفاء كما في التلويح، وقوله: والضمير لأهل الكتاب لم يجعله للكثير مع أنه المتبادر كما قيل ليوافق ما بعده من قالت اليهود وقالت النصارى: ولأنّ الحكم ليس مخصوصا ببعضهم فيجعل الجميع كأنهم قالوه ويدل عليه الآية الأخرى، وقالوا: كونوا هوداً أو نصارى وقوله: لف الخ هذا نوع من اللف والنشر لطيف المسلك يسمى اللف والنشر الإجمالي قال المحقق ولقائل أن يقول لما كان اللف بطريق الجمع كان المناسب أن يكون النشر كذلك لأن ردّ السامع بقول كل فريق إلى صاحبه فيما إذا كان الأمران مقولين وكلمة أو لا تفيد إلا مقولته أحد الأمرين والجواب أنّ مقول المجموع لم يكن دخول الفريقين بل دخول أ- إهما لكن بعضهم هذا بالتعيين وبعضهم ذاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 بالتعيين اص. ورد بأن مقول المجموع دخول الفريقين لا دخول ذلك الفريق لا غير فالجواب أن وجه إيثار أو على الواو لدفع توهم أنّ شرط الدخول كون الشخص جامعا لوصفي اليهودية والنصرانية وهذا لا محصل له فالصواب ما في مغني اللبيب أنّ أو هنا للتفصيل والتقسيم وهو كما يكون بأو يكون بالواو أيضا فهي تدل على اجتماعهما في المقسم ولا تنافي اللف والنشر، وقوله: بين قولي الفريقين وفي بعض كتب المعاني بين الفريقين والمآ! واحد والثقة بفهم السامع لأن اليهود لا تقول لا يدخل الجنة إلا النصارى ولا عكسه. قوله: (وهود جمع هائد الخ) العوذ بالذال المعجمة الحديثات النتاج من الظباء والإبل والخيل واحده عائذ وقيل: إنه مصدر يستوي فيه الواحد وغير. وقيل: إنه مخفف يهود بمحذف الياء وهو ضعيف وإذا كان جمعا فاسم كان مفرد عائد على من باعتبار لفظها والخبر بالجمع باكأجار معناها وهو كثير، ولما كان تلك راجعاً إلى قوله لن يدخل الخ وهي أمنية واحدة أجاب عنه بأن المشار إليه متعدد وهو ما ذكره أو في الكلام مضاف مقدر في الأوّل أو في الثاني أي كل أمانيهم باطلة كهذه وقيل: لا حاجة إلى هذا لأنّ هذه محتوية على أمان أن لا يدخل الجنة إلا اليهود وأن لا يدخل الجنة إلا النصارى وحرمان المسلمين منها وأيضاً فقائله متعدد وهو باعتبار كل قائل أمنية وباعتبار الجميع أمان كثيرة وهذا توجيه آخر لا يرد على المصنف رحمه الله كما توهم، ومن فوائد الانتصاف أن أمنيتهم لتأكدها وتكرّرها منهم عبر عنها بالجمع لأنه قد يعبر به لقصد ذلك كما قالوا معي جياع لأنّ الجمع يفيد زيادة الآحاد فيستعمل لمطلق الزيادة وهذا من بديع المجاز ومن نفائس البيان، وأمنية أصلها أمنوية كأعجوبة فأعلت وهو ظاهر، وجملة تلك أمانيهم معترضة والمراد بالأمنية الكذب كما مرّ فلا يقال: إن البرهان يكون على الدعوى لا على التمني الإنشائي حتى يتكلف بأنه أطلق التمني على دعوى ما لا يكون لشبهه به والبرهان الحجة القاطعة وما لا حجة فيه كالعدم كما قيل: من ادّعى شيئابلاشاهد لا بد أن تبطل دعواه وليس في الآية دليل على منع التقليد فإنّ دليل المقلد دليل اا! قلد. قوله: (بلى إثبات لما نفوه الخ الما كانت بلى إيجابا لما نفي والاستثناء من النفي إيجاب أشار إلى أنه يشتمل على إيجاب وهو دخولهم الجنة ونفي وهو أنه لا يدخل الجنة غيرهم فبلى إثبات لما نفو. فكأنهم قالوا لا يدخل الجنة غيرنا فقيل: بلى يدخلها غيركم فهو ردّ لما قالوه والوجه الجارحة المخصوصة لأنّ التوجه والاستقبال به ويطلق على مبدأ كل شيء نحو وجه النهار لأوّله ويقال للذات وللقصد والمقصد أيضا كما قاله الراغب والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه هنا أيضاً يصح أن يكون بمعنى الذات من إطلاق الجزء الأشرف على الجميع والقصد والإسلام الانقياد لما قضى الله وقدر وهو الإخلاص فلذا فسره المصنف به هنا لتعديه باللام. قوله: (وهو محسن في عمله الخ أليس هذا بناء على الاعتزال كما توهم أبو حيان رحمه الله فإنه ليس فيه أنّ من لا يعمل لا يدخلها وقوله: الذي وعد له إشارة إلى أنه تفضل من الله والجواب تمّ عند بلى والوقف عليه وان قدر يدخك تكون هذه الجملة من الجواب لبيانها له وان كان بلى أيضاً على هذا جواباً مستقلاً فلا يرد ما قاله النحرير ثم إنّ بلي لما كانت ردّاً للنفي على الأوّل أتى بقوله من أسلم الخ ردّاً للإثبات فتفطن له وقدر نفي الحزن والخوف في الآخرة لأنّ المؤمن في الدنيا بين الرجاء والخوف حتى يكشف له الغطاء. قوله: (أي على أمر يصح الخ) في الكشاف وهذه مبالغة عظيمة لأنّ المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء فاذا نفى إطلاق اسم الشيء عليه فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده وهذا كقولهم أقل من لا شيء، قال النحرير: إطلاق الشيء على المحال مبنيّ على تفسيره بما يصح أن يعلم ويخبر عنه وهو المنقول عن سيبويه رحمه الله وقد سبق وأمّا قولهم: إنّ المعدوم الممكن شيء بخلاف المستحيل فبحث آخر وهذا ردّ على صاحب الانتصاف إذ قال: إن ما ذكره الزمخشري لا يوافق قول أهل السنة والمعتزلة، والوفد بالفاء والدال المهملة القوم الوافدون أي القادمون ونجران كعطشان موضع فيه قوم من العرب نصارى سمي نجران بن زبد بن سبأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وهذه القصة ذكرها ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (الواو للحال الخ) أي قالوا ذلك وهم من أهل العلم والكتاب ولما كان الحال عن الفريقين وكل فريق فاعل لفعل آخر ولا يعمل فعلان في حال جعل الفعل المسند إلى الفريقين واحداً ليصح عمله في الحال والمقصود من الحال توبيخهم. قوله: (كذلك مثل ذلك الخ) قيل: يعني أنّ كذلك مفعول قال: ومثل قولهم مفعول مطلق والمقصود تشبيه المقول بالقول في المؤدّي والمحصول وتشبيه القول بالقول في الصدور عن مجرّد التشهي والهوى والعصبية فظهر الفرق بين التشبيهين ودفع توهم اللغوية في أحدهما، وفي الكشف وجه آخر وهو أن مثل صفة مصدر مقدر وكذلك حال أي قالوا قولاً مثل قولهم جاريا على ذلك المنهاج الصادر عن مجرّد الهوى، وهذا مطرد في غير القول تقول كذلك فعل مثل فعله وهو في الفارسية أيضا، وتحقيقه أنّ كذلك اطرد في تأكيد الأمر وتحقيقه حتى كأنه سلب عنه معنى التشبيه فقوله: مثل قولهم يدل على تماثل القولين في المؤذي وكذلك يدل على توافقهما في الصفات والغايات وما يترتب عليها من الذمّ وهو دقيق وسيأتي تحقيقه في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] والمعطلة بكسر الطاء المشدّدة طائفة نفوا الصانع وجعل قولهم مشبهاً به أقوى لأنه أقبح إذ الباطل من العالم أقبح منه من الجاهل، وفي إعرابه وجوه مفصلة في الدر المصون، وقوله: فإن قيل: الخ ظاهر أو يقال: إنه يريد أنّ دينه الآن حق وليس كذلك فوبخوا عليه. قوله: (بين الفريقين الخ) فان قلت لم خصهما بالذكر دون الذين لا يعلمون مع ذكرهم قبله قلت المراد توبيخ اليهود والنصحارى حيث نظموا أنفسهم في سلك من لا علم له فالواجب تقدير هؤلاء خاصة، وأيضا أنه لا يعتد بالقول من غير مستند، وقوله: بما يقسم الخ قيل: إنه للإشارة إلى أنّ حكم يستدعي التعدي بفي والباء كما يقال حكم الحاكم في هذه الدعوى بكذا فالأوّل محكوم فيه والثاني محكوم به، وهو محذوف تقديره ما ذكر، وفيه أيضاً إشارة إلى أنّ الحكم بين فريقين يقتضي أن يحكم لأحدهما بحق ولا حق لأحدهما فجعله بمعنى أنه يعين لكل عقابا أو يكذب كلاً منهما فهو مجاز عما ذكر. قوله: (عامّ لكل من خرّب الخ) وجه ارتباطه بما قبله أنّ النصارى عطلوا بيت المقدس أو مشركو العرب عطلوا المسجد الحرام لكنه عامّ في كل من عطل المعابد والمدارس كما في زماننا إذ خصوص السبب لا يمنع العموم فإن قيل: أليس المشرك أظلم ممن مغ مساجد الله، أجيب بأنّ المانع من ذكر الله الساعي في خراب المساجد لا يكون إلا كافراً متبالغا في الكفر لا أظلم منه في الناس أو المراد من المانعين الكفرة لأنّ الكلام فيهم لكن يحمل على عموم الكافر المانع ولا يخص بالمانعين الذين فيهم نزلت الآية كما صرح بعموم المساجد مع نزول الآية في مسجد خاص، وقوله: مرشح للصلاة أي معذلها والحديبية اسم بئر وسمي بها مكانها وهي مخففة كدويهية على الأفصح ويجوز تشديدها. قوله: (ثاني مفعولي منع الخ) منع يتعدّى لمفعولين بنفسه تقول منعته كذا وقد يتعدى للثاني بمن أو عن فمن ثمة اختلف في إعراب أن يذكر فقيل: هو مفعوله الثاني واختاره المصنف رحمه الله والثاني أنه بدل اشتمال من مساجد، والثالث أنه على إسقاط الجار أي من أو عن والرابع أنه مفعول لأجله وهو متعد لاثنين ثانيهما مقدّر أي عمارتها أو العبادة فيها ونحوه أو لواحد وهو ظاهر، وقيل المقدّر الأوّل أي منع الناس مساجد الله وقدروه بكراهة أن الخ قال النحرير: وليس التقدير من جهة أن يكون فعلاً لفاعل الفعل المعلل مقارنا فيصح حذف اللام لأنه جائز مع أنّ وإن بدون ذلك بل من جهة أنّ المفعول له إمّا غاية يقصد بالفعل حصولها أو باعث يكون علة للإقدام على الفعل والذكر في المستقبل ليس واحداً منهما وإنما الباعث كراهة الذكر وقد يقال: إنّ ذكر الإرادة أو الكراهة في أمثال هذه المواضع بيان للمعنى لا تحقيق أنها على حذف المضاف (أقول) : قال في الكشف التحقيق أنه لا حاجة إلى الإضمار فإنّ الغرض هو الذي يسوق إلى الفعل ذهناً ويترتب عليه وجوداً فيكون حاصلا بعده سواء كان تحصيل ما ليس بحاصل أو إزالة ما هو حاصل كقولك ضربته لتأديبه وضربته لجهله فلو قيل: في الأوّل إرادة أن يتأدب، وفي الثاني كراهة أن يبقى في الجهل كان إظهاراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 للمعنى وكذلك إذا قلت منعته دخول الحانة لأن يرشد دل على أنّ المنع لإرادته ولو قلت منعته دخولها لا أن يفسق دل على أنّ المنع لكراهته، ومثله قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [سورة النساء، الآية: 176] أي يبين لأجل ضلالكم الحاصل وازدياده فيما بعد بالاستمرار فلا ي! د أنّ أن الناصبة للاستقبال فكيف يصح من دون إضمار، نعم قد يحوح إلى الإضمار لكنه غير لازم والمعنى لا أظلم ممن منع مساجد الله من العمارة لأنّ داخلها سيذكر اسم الله على معنى لا باعث له على المنع غير ترقب أتصاف الداخل بالذكر وفيه مبالغة وذمّ عظيم حيث جعل ترقبه مانعاً لأنّ أن للاستقبال ولم يذكر ثاني مفعولي منع لشيوعه في الدخول والعمارة ونحوهما وهذا أصل ممهد لك فاحفظه اهـ. والشارح المحقق أشار إلى ما فيه إيماء لأنه جار على مقتضى العقل والقياس لكن كلام في قبول أهل العربية له وجريه على سنن كلامهم فإن مثل هذه التدقيقات وإن كانت بديعة كما هو دأبه إلا أنه لا بدّ من مساعدة الاستعمال له والبلاغة العربية زهرة لا تحتمل الفرك فتأمل وقوله: بالهدم ناظر إلى تخريب بيت المقدس وما بعده لما بعده وجعل التعطيل تخريبا استعارة حسنة، ومن الإشارات قول القشيري ومن أظلم ممن خرب بالشهوات أوطان العبادات وهي نفوس العابدين، أو خرّب بالاشتغال بالغير أوطان المشاهدات. قوله: (ما كان ينبنى لهم أن يدخلوها الخ) دفع لما يتوهم من أنّ الله أخبر بأنهم لا يدخلونها إلا خائفين وقد دخلوها آمنين وقد بقي في أيديهم أكثر من مائة سنة لا يدخله مسلم إلا خائفاً حتى استخلصه السلطان صلاح الدين بأنّ معنى ما كان لهم الخ ما كان ينبغي لهم دخوله إلا بخوف وخشية من الله أو أنه كان الواجب والحق هذا لكنهم تركوه لكفرهم، أو ما كان ذلك لهم في حكم الله وقضائه والمقصود وعد المؤمنين باستخلاصه منهم أو أنه خبر أريد به النهي عن تمكينهم من الدخول فيها إما وجوبا إن كان النهي تحريما أو لا إن لم يكن على اختلاف في المسألة نقلوه، وقيل: إنّ في كلام المصنف رحمه الله ردّاً على الزمخشريّ حيث جعل الوجه الثاني معنى للأوّل فقال: أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين والمعنى ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوّهم وحاصل الثالث أنّ معنى ما كان لهم ما كان في حكم الله وقضائه يعني أنّ حكم الله أنهم يصيرون بحيث لا يدخلون إلا خائفين ولو بعد حين، وقد وقع في النسخ التي رأيناها في علم الله بدل في حكم الله وهو سهو من الناسخ لاقتضائه وقوع خلاف علمه تعالى وقيل: على الأخير لا يخفى أنّ العبارة إنما تفيد نهيهم عن الدخول كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا} [سورة الأحزاب، الآية: 53] لا نهي المؤمنين عن التمكين والتخلية وهو حاصل الوجه الأوّلط وهو كله غير وارد، أمّا الأول فلأنّ ما ينبغي يستعمل بمعنى ما يليق وبمعنى ما يجوز وبمعنى ما يكون والذي في كلام الكشاف غير الذي في كلام المصنف رحمه الله فالذي غرّه اشتراك اللفظ وأما قوله: إنّ ما وقع فيه علم الله سهو فليس كما قال فانّ معنى حكم الله بذلك قضاؤه بوقوعه وهو لا يتخلف أيضاً ولذا قال الإمام يكفي تحققه في وقت ما ولا دلالة فيه على التكرّر ولا الدوام وهذا بعينه جار في علم الله أيضا وقال السيوطي: إنه تفسير مأثور عن قتادة فكيف بصح ما قاله وكذا ما أورده النحرير فإنه مقتضى للفظ بحسب وضعه لا بحسب ما كني به عنه قال الطيبي: نهى المؤمنون عن تمكينهم من الدخول وهو أبلغ من صريح النهي لأنّ الكناية أبلغ فإنك إذا قلت لصاحبك لا ينبغي لعبدك أن يفعل كذا على إرادة النهي للسيد كان أبلغ من النهي له، وقال الجصاص: إنّ قوله إلا خائفين يدل على أنّ المسلمين يلزمهم منعهم منها والا لما خافوا. قوله: (واختلف الأئمة فيه الخ) قال الشافعي: لا يدخل المشرك المسجد الحرام والحرم وقال مالك رحمه الله: لا يدخله ولا غيره إلا لحاجة، وقال الحنفية: يجوز له دخول سائر المساجد لدخولهم على النبيّ! كتيرو في مسجده وما ذكر محمول على النهي التنزيهي أو الدخول للحرم بقصد ال! في. قوله: (قتل وسبي أو ذلة الخ) عطفه بأو لأنهما لا يجتمعان إذ القتل والسبي للحربي والذلة بالجزية للذمي وهذا مع ظهوره خفي على من قال الظاهر وذلة وقوله بكفرهم وظلمهم مأخوذ من ترتبه على قوله ومن أظلم الدال على الكفر كما مرّ وجعل المشرق والمغرب كناية عن جميع الأرض ومثله كثير، وقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 فإن منعتم الخ بيان لارتباط الآية بما قبلها وأورد عليه أنه يقتضي أنها من تتمة الكلام فيمن منع المساجد وهو قول ضعيف والذي وردت به الأحاديث أنها نزلت مستقلة بسبب آخر اختلفت فيه الروايات على خمسة أوجه ذكرت في أسباب النزول، وفيه نظر لأنها وان كان لنزولها سبب آخر لا يمنع ذكر مناسبتها لما قبلها وفرق بين المناسبة وسبب النزول. قوله: (فقد جعلت لكم الأرض مسجدا) هكذا في الحديث الصحيح: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) . قال القاضي عياض رحمه الله هذا من خصائص هذه الأمّة لأنّ من قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته ونحن خصحصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته، وقال القرطبي رحمه الله. هذا مما خص الله به نبيهء! فه وكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل إنما أبيحت لهم الصلاة في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس وقال الزركشيّ رحمه الله في كتاب المساجد الظاهر من نظمهما في قرن ما قال بعض شراح البخاري إن المخصوص به المجموع وهو باختصاص أحد جزأيه وهو كون الأرض طهورا وأما كونها مسجداً فلم يأت في أثر أنه منع منه غيره وقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يسيح في الأرض! ويصلي حيث أدركته الصلاة فكأنه عليه الصلاة والسلام قال جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت لغيري مسجداً إلا طهوراً، ولك أن تقول إنّ غيره عليه الصلاة والسلام لم يبح له الصلاة في غير البيع والكنائس من غير ضرورة فلا يرد صلاة عيسى عليه الصلاة والسلام في أسفاره، وقوله: إن تصلوا في المسجد الحرام أو الأقصى ذكر الأقصى على سبيل الفرض وقد وقع بعده صلى الله عليه وسلم فهو من الإخبار بالمغيبات وقيل الأولى الاقتصار على المسجد الحرام ولا وجه لذكر الأقصى. قوله: (ففي أيّ مكان الخ) يعني أنّ أينما ظرف لازم الظرفية وليس مفعول تولوا فيكون بمعنى أفي جهة تولوا حتى يكون منافياً لوجوب التوجه للقبلة فيحمل على صلاة المسافر على الراحلة أو على من اشتبهت عليه القبلة وأنّ تولوا منزل منزلة اللازم فلا يحتاج إلى حذف مفعوليه وتقدير فأينما تولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام، والتولية الصرف من جهة إلى أخرى وثم مبنيّ على الفتح اسم إشارة للمكان كهناك، ووجه الله إمّا بمعنى جهته التي ارتضاها للتوجه إليها وأمر بها وهي القبلة أو بمعنى ذاته كما مرّ أي فهو حاضر مطلع على عبادتكم وإنما أوّل بذلك لتنزهه عن المكان والجهة وقوله: فإحاطته بالأشياء أي بقدرته أو برحمته فإسناد السعة إليه مجاز بمعنى الإحاطة المذكورة وقوله في الأماكن كلها الربطة بما قبله. قوله: (وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة) وأينما ظرف كما في الوجه الذي قبله والمعنى في أيّ مكان فعلتم أيّ تولية لأنّ حذف المفعول به يفيد العموم لا أنّ المعنى إلى أيّ جهة تولوا وأينما مفعول به على ما شاع في الاستعمال كما توهم فإنه لم يقل به أحد من أهل العربية كما صرّح به النحرير وكذا في القول الآخر في أنها في حق من اشتبهت عليه القبلة فيصلي إلى أيّ جهة أدّى إليها اجتهاده والمسألة مع لزوم الإعادة وعدمها مفصلة في الفروع، والمراد بالتدارك الإعادة وكونها توطئة لنسخ القبلة ظاهر لاً نه إذا كان محيطا بكل جهة فله أن يرتضي ما شاء منها وتبديل التوجيه إليه يدلّ على أنه ليس في جهة إذ لو كان لوجب التوجه لها، وقيل: هذا أصح الأقوال لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت لما قال اليهود: " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وفيه نظر. قوله: (نزلت لما قال اليهود لخ) في بعض الحواشي فالضمير راجع إلى الثلاثة لسبق ذكرهم ولا تقل لم يسبق ذكر المشركين كما قال الذين لا يعلمون، وقرأ الجمهور بالواو وقرأ ابن عامر بتركها على الاستئناف واستحسنوا عطفها على الجملة التي قبلها لبعد الوجوه المذكورة هنا، وإنما قال على مفهوم قوله: ومن أظلم لأنها استفهامية إنشائية اسمية وهذه خبرية فأشار إلى أنها مؤوّلة بفعلية خبرية أي ظلم الذين منعوا ظلما عظيما وقالوا أيضاً اتخذ الله ولداً فإنّ الاستفهام ليس مقصوداً حقيقته ومنه علم وجه عطف تلك الجملة على ما قبلها أيضاً ولذا حسن ترك الواو ولو جعله من عطف القصة لم يحتج إلى تأويل كما مرّ والاستئناف بياني كأنه قيل: بعدما عدّد من تبائحهم هل انقطع خيط إسهابهم في الافتراء على الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 أم امتد فقيل: بل امتدّ فإنهم قالوا ما هو أشنع من ذلك. قوله: (تنزيه له عن ذلك فإنه يقتضي التشبيه الخ) إذ الولد حيوان يتولد من نطفة حيوان آخر والنطفة جسم يتولد من جسم فيلزم تشبيهه بالأجسام أو لأنّ الولد يشارك الأب في الماهية ويشابهه ولذا قالوا، ومن يشابه أباه فما ظلم، وهذا أقرب ويعينه قول المصنف بعده وأمّا الحاجة فلأنه يقتضي التجسيم والتركيب المحتاج إلى المادّة وقيل: لأنّ الابن إنما يطلب للحاجة إليه في أن يعاونه ويخلفه، وسرعة الفناء لأنه لازم للتركيب وكل محقق قريب سريع وقوله ألا ترى الخ هذا يشعر بأنّ لها إدراكا ونفوساً فلكية كما هو مذهب الحكماء والأولى ترك هذا كله وتنزيه التنزيل عن أمثاله، والمصنف رحمه الله يرتكب مثله أحيانا وهو من إصابة الكمال وكون سبحان للتنزيه ظاهر كما مرّ. قوله: (رذ لما قالوه الخ) إشارة إلى أنّ بل ل! ضراب الإبطالي، قال الجصاص في أحكام القرآن: في هذه الآية دلالة على أنّ ملك الإنسان لا يبقى على ولده لأنه نفي الولد بإثبات الملك بقوله بل له ما في السموات الخ وهو نظير قوله: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [سورة مريم، الآية: 93] فاقتضى ذلك عتق ولده عليه إذا ملكه وقد " حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في الوالد إذا ملكه ولده " وسيصرّح به المصنف رحمه الله وقوله: واستدلال الخ يحتمله لكن قوله والمعنى الخ يقتضي أنّ وجهه أنه خالق لكل موجود فلا حاجة له إلى الولد إذ هو يوجد ما يشاء منزها عن الاحتياج إلى التوالد واللام في له للملك وقيل إنها كالتي في قولك لزيد ضرب تفيد نسبة الأثر إلى المؤثر وقوله: منقادون إشارة إلى معنى القنوت قال الراغب رحمه الله: القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع وفسر بكل واحد منهما في قوله تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} قيل: خاضعون وقيل طائعون، واختار المصنف الثاني لأنه أنسب بالمقام، وقوله: لم يجانس مكوّنة لأنه قاهر وهذا مقهور وقوله: فلا يكون له ولد بيان لارتباطه بما قبله. قوله: (وإنما جاء بما الذي الخ) في الكشاف فإن قلت كيف جاء بما التي لغير أولي العلم مع قوله قانتون قلت هو كقوله: سب! خان ما سخر! كن لنا، وكأنه جاء بما دونا من تحقيراً لهم وتصغيراً لثأنهم قال النحريريعني كيف غلب غير العقلاء فأتى بلفظ ما مع تغليب العقلاء فيه حيث جمع بالواو والنون فأجاب بأنه وقع في الخبر تغليب العقلاء على الأصل وفي المبتدأ عكسه لنكتة التحقير وهذا كما يقال: إن {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إشارة إلى مقام الألوهية والعقلاء فيه بمنزلة الجمادات و {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} إلى مقام العبودية والجمادات فيه بمنزلة العقلاء، وأمّا كون ما يعم العقلاء وغيرهم فإنما هو في موضع الإبهام فإذا وقع التمييز فرق بما ومن قدّر المضاف إليه في كل ما فيها لا كل واحد للإخبار عنه بالجمع وقوله: كل من جعلوه إلها وكذا كل من جعلوه ولدا لدلالة اتخذ الله ولداً عليه ووجه الإلزام أنّ من زعمتموه ولداً خاضمع له مقرّ بعبوديته، والوجوه الثلاثة في قوله سبحانه الذي نزهه عما يشابهه ونحوه المقتضى لعدم الولد وكون ما في الوجود ملكاً له لا ولدا وكونهم كلهم أو من اتخذ ولداً خاضعا مقرّاً بعبوديته، وقوله: واحتج الخ مرّ بيانه. قوله: (مبدعهما ونظيره السميع في قوله الخ) فعيل يكون بمعنى فاعل كعليم وبمعنى مفعول كقتيل وهو يكون من المزيد بمعنى اسم الفاعل كبديع بمعنى مباع ذكره بعض أهل اللغة واستشهدوا عليه بالبيت المذكور لأن سميعا فيه بمعنى مسمع إذ الداعي مسمع لا سامع، وفي لسان العرب، ط ن الأصمعي ينكر فعيلاً بمعنى مفعل ويبطله قول ابن الأعرابي سليم بمعنى مسلم، وقال ابن بري: قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد ومنقع ونقيع ومحب وحبيب ومطرد وطريد ومقض وقضيّ ومهدي وهديّ وموص ووصيّ ومبرم وبريم ومحكم وحكيم ومبدع وبديع ومفرد وفريد ومسمع وسميع ومونق وأنيق ومؤلم وأليم في أخوات له اص. فقد علصت أنّ فيه قولين لأئمة اللغة ارتضى كلا طائفة وعلى الثاني ابن دريد في الجمهرة، والزمخشريّ لما رأى سميعاً صفة مشبهة أو من صيغ المبالغة الملحقة باسم الفاعل وعليه ابن مالك في التسهيل قال: وربما بني فعيل من أفعل وكذا فعيل بالفتح بمعنى مفعل أيصاً فيه الخلاف وأخذها من المزيد المتعدّي على خلاف القياس لم يرتضه وقال: إن السميع على معنا. الظاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 والإسناد مجازيّ لأنّ داعي الشوق لما دعاه صار عمرو سميعا لدعوته فقد نسب لكونه سميعا فأسند إليه السماع كما أسند الردّ إلى العافي في قوله: إذا رذعا في القدر من يستعيرها على أنه إن ثبت شاذ لا يقاس عليه والمصنف رحمه الله لما صح عنده النقل فيه لم يلتفت إلى ما تكلفه مع أنه على ما ذهب إليه يكون من إضافة الصفة إلى فاعلها، وقد تقرّر في النحو أنها إذا أضيفت إليه يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا بما صح اتصاف الموصوف بها نحو حسن الوجه حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الإخوإن لاتصافه بأنه متقوّ بهم فعلى هذا لا يصح بديع السموات لامتناع اتصافه بذلك إلا إذا أريد أنه مبدع لها وهذا يقتضي أن يكون على ظاهره وأمّا ما قيل: إنّ من يقول إنّ البديع بمعنى المباع لا يدّعي أنه كذلك بل إنه من قبيل المبالغة من باب جد جده وقد اعترف به صاحب الكشاف في قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال: يقال ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع ووصف العذاب به كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع وهذا على طريقة قولهم جد جد. والألم في الحقيقة للمؤلم كما أنّ الجد للجاد، فغير صحيح لأنّ قول المصنف في الوجه الآخر من أباع ينادي بأنّ الأوّل من المزيد وأمّا ما ذكره في أليم فليس مما نحن فيه في شيء فإنه من الثلاثي لكن فيه إسناد مجازيّ فهو سهو آخر. قوله: (أمن ريحانة الداص السميع) تمامه يؤرّفني وأصحابي هجوع وهو مطلع قصيدة لعمرو بن معد يكرب يتشوّق أختاً له اسمها ريحانة أسرها بنو دريد بن الصمة ومنها: إذالم تستطع شيئافدعه وجاوزه إلى ما تستطيع والمراد بالداعي الشوق ويؤزقني بمعنى يوقظني من الأرق وهو السهر وهجوع بمعنى نيام وجملة وأصحابي هجوع حال، وقوله: أو بديع الخ ظاهر وهو مختار الزمخشري وهو حجة رابعة على نفي الولد لأنه أصله ومنشؤه الحاصل بالانفعال المنزه عنه ذو الجلال. قوله: (والإبداع اختراع الشيء الخ) فرق في شرح الإشارات بين الصنع والإبداع والإيجاد والتكوين والإحداث بأنّ الصنع الإيجاد بعد العدم فهو والإيجاد عامان والإبداع إيجاد من غير مادّة ولا زمان فهو أعلى مرتبة من التكوين والإحداث لأنّ التكوبن إيجاد عن مادّة والإحداث أن يكون مع الشيء وجود زمانيّ وكل واحد منهما يقابل الإبداع من وجه والإبداع أقدم منهما لأنّ المادّة لا يمكن أن تحصل بالتكوين والزمان لا يمكن أن يحصل بالأحداث لامتناع كونهما مسبوقين بمادّة أخرى وزمان آخر انتهى وكلام المصنف رحمه الله يقتضي فرقا آخر وهو أنّ الإبداع الإيجاد الدفعي من غير ماذة لأنه معنى الاختراع والصنع الإيجاد عن مادّة وهي العنصر الذي فيه صورته كالسرير والخشب والتكوين إيجاد من مادّة خلعت عنها صورتها الأولى التي هي صورة أخرى في زمان كالإحداث لكن أورد عليه أنه كيف يكون إيجاد السموات لاعن مادّة وقد كانت دخانا كما صرّح به في الآيات وكيف يكون دفعيا وقد خلقت في ستة أيام فكأنه حمل ذلك على التمثيل لمناسبة ما بعده فتأمّل. قوله: (أي أراد شيئاً وأصل القضاء الخ) القضاء فصل الحكم في الشيء قولاً وهو ظاهر أو فعلاً وهو إيجاده ولما كان ذلك يستلزم الإرادة أطلق عليها فعلم أنه يستعمل بمعنى الإيجاد ويقابله القدر بمعنى التقدير وقد يعكس ذلك قال ابن السيد: قدّره الله وقدره قضاؤه ومنهم من يفرق بين قدر الله وقضائه فيجعل القا. ر تقديره الأمور قبل أن تقع والقضاء إنفاذ ذلك القدر وخروجه من العدم إلى حد الفعل وهذا هو الصحيح لأنه قد جاء في الحديث أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ بكهف مائل للسقوط فأسرع المشي حتى جاوزه فقيل له أتفرّ من قضاء الله فقال أفرّ من قضائه تعالى إلى قدره ففرق صلى الله عليه وسلم بين القضاء والقدر وبين أنّ الإنسان يجيب أن يتوقى انتهى. قوله: (ومن كان التامّة الخ) وهي تدل على معنى الناقصة لأنّ الوجود المطلق أعمّ من وجوده في نفسه أو في غيره مع أنها الأصل فلا يقال: إنّ الله كما يفيض الوجود في نفسه للأشياء يفيض الوجود لغيره وهو إنما يكون بأن يقول للشيء كن كذا، ووجه التمثيل فيه أنه شبهت الحالة التي تتصوّر من تعلق إرادته تعالى بشيء من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 المكوّنات الدال علبها قوله: قضى كما مرّ وسرعة إيجاد. إياه من غير امتناع ولا توقف بحالة أمر الآمر النافذ تصرفه في المأمور المطيع الذي لا يتوقف في الامتثال فأطلق على هذه الحالة ما كان يستعمل في ذلك من غير أن يكون هنا قول وأمر فهو استعارة تمثيلية، وذهب لعضهم إلى أنها استعارة تحقيقية تصريحية ورده النحرير وسيأتي ما فيه، وقوم إلى أنه حقيقة وأنّ السنة الإلهية جرت بأنه تعالى يكوّن الأشياء بكلمة كن ويكون المأمور هو الحاضر في العلم والمأمور به الدخول في الوجود وكأنّ مراده أنّ اللفظ موجود حقيقة والا فهذا الأمر تسخيريّ وهو مجاز أيضاً ووجه تقريره للإبداع أنّ هذه السرعة تقتضي عدم التوقف على المادّة، وكون الولد يقتضي ما ذكر مما جرت به العادة وقوله: بفتح النون يعني به النصب والفتح يستعمل في البناء وإذا أضيف إلى الحرف دون الكلمة يراد ذلك أيضا للفرق بين فتح الكلمة وفتح الحرف وقراءة النصب قراءة ابن عامر رحمه الله وقد أشكلت على النحاة حتى تجرأ بعضهم عليه وقال إنها خطأ وهو سوء أدب والرفع على الاستئناف أي فهو يكون وهو مذهب سيبويه رحمه الله، وذهب الزجاج إلى عطفه على يقول وأمّ النصب فقيل: إنه روعي فيه ظاهر اللفظ لصورة الأمر فنصب في جوابه ولو نظر إلى المعنى لم يصح لأنّ الأمر ليس حقيقيا فلا ينصب جوابه، ولأنّ من شرطه أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو ائتني فأكرمك إذ تقديره إن تأتني أكرمتك وهنا لا يصح هذا إذ يصير التقدير إن يكن يكن فيتحد فعلاً الشرط والجزاء معنى وفاعلاً ولا بد من تغايرهما لئلا يلزم كون الشيء سبباً لنفسه لكن المعاملة اللفظية على التوهم واقعة في كلامهم، وقال ابن مالك رحمه الله: إن أن الناصية قد تضمر بعد إنما لإفادتها النفي وقد قالت العرب إنما هي ضربة من الأسد فتحطم ظهره بنصب تحطم ولك أن تقول إنها منصوبة في جواب الأمر والاتحاد فيه المذكور مردود لأنّ المراد أن يكن في علم الله وإرادته يكن في الخارج كقوله ع! يي! : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " أي من كانت هجرته عملاً ونية فهجرته ثوابا وقبولاً، وكون الأمر غير الحقيقي لا ينصب في جوابه ممنوع فإن كان بلفظ كما ذهب إليه كثير من المفسرين فظاهر ولكنه مجاز عن سرعة التكوين كما مرّ في {كُونُواْ قِرَدَةً} وان لم يعتبر ذلك فهو مجاز عن إرادة سرعة التكوين فيكون استعارة تبعية يترتب عليها وجوده سريعا فالتقدير أن يرد سرعة وجود شيء يوجد في الحال فالتغاير ظاهر ومنه تعلم أنّ عدم الذهاب إلى التمثيل له وجه خلافا لمن ردّه ثم بين السبب في غلط الكفرة في نسبة الولد بأنه في لسانهم الأب مشترك بين المبدكأ الموجد ومعناه المعروف وهذا ملخص من كلام الإمام رحمه الله. قوله: (أي جهلة المشركين الخ) فنفي العلم عنهم على حقيقته وعلى الثاني لتجاهلهم أو لعدم عملهم بمقتضاه والتفسير الأول منقول عن قتادة والسديّ والثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما ولذا لم يقل المصنف رحمه الله جهلة المشركين وأهل الكتاب ومتجاهليهم لغلبة الجهل في أهل الشرك والتجاهل في أهل الكتاب فافهم وقوله هلا إشارة إلى أنّ لولا هنا للتحضيض وقد تكون حرف استفتاح نحو ولولا فضل الله، والكلام معهم إمّا بالذات أو بإنزال الوحي وهو استكبار منهم بعدهم أنفسهم كالملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما بعده إنكار وجحود وهو ظاهر، وقوله: والثاني جحود أنّ الخ في نسخة لأنّ، وقوله: كذلك الخ تقدم الكلام في توجيه الجمع بين كلمتي التشبيه، وأرنا لله نظير لولا يكلمنا الله وهل يستطيع نظير طلب الآية والحجة وقراءة التشديد شاذة وهي قراءة أبي حيوة وابن أبي إسحق قال الداني رحمه الله: وذلك غير جائز لأنه فعل ماض والتاءين المزيدتين إنما يجيآن في المضارع فيدغم أمّا الماضي فلا، وقال الراغب: إنه حمله على المضارع فزادهما وبهذا القدر لا يندفع الإشكال ولذا قال السفاقسي قراءة تشابهت لإدغام التاء فيها وليس في الماضي تاآن تبقى إحداهما وتدغم الأخرى ووجهت على أنّ الأصل أشابهت وأصله تشابهت فأدغم التاء في الشين وأجتلبت همزة الوصل فحين أدرج القارئ القراءة ظن السامع أنّ تاء البقرة هي تاء الفعل، فتوهم أنه قرأ تشابهت ولا يظن بابن أبي إسحق أنّ التاء من الفعل على الإدغام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 لأنه رأس في علم النحو أخذه عن أصحاب الدؤلي انتهى. (قلت) : مآله إلى تخطئة الراوي دون القارئ. قوله: (أي يطلبون اليقين أو يوقنون الحقائق الخ) في الكشاف لقوم ينصفون فيوقنون أنها آيات يجب الاعتراف بها والإذعان لها والاكتفاء بها عن غيرها، قال النحرير: أنه يعني لقوم يوقنون إيقانا صادراً عن الإنصاف ليكون إذعاناً وقبولاً فيكون إيمانا لأنّ مجرّد الإيقان بدون إذعان وقبول بل مع إباه واستكبار ليس بإيمان بل كأنه ليس بإيقان، والظاهر أنه ليس مرادهم من هذا التأويل بل أنّ الموقن لا يحتاج إلى التبيين ولذا أوّله المصنف رحمه الله بأنّ المراد الطالبون لليقين أو الواقفون على الحقائق في غيرها وقيل: إنه فسره بالإيقان المستفاد من الإنصاف لأنّ القوم كانوا معاندين وكانوا موقنين لاعن إنصماف فعلى هذا الإيقان حقيقيّ وعلى الأوّل من وجهي المصنف مجاز، والإشارة المذكورة تؤخذ من الكناية والتعريض، وقوله: ملتبساً إشارة إلى أنّ الظرف مستقرّ ويجوز تعلقه بأرسلنا وبشيراً ونذيراً حال من الكاف وجوّز كونه من الحق، ونذير بمعنى منذر بلا كلام وهذا مما يؤبد كون بديع بمعنى مباع لكنه هنا قد يقال سوّغه المشاكلة فتأمّل. قوله: (ما لهأ لم يؤمنوا الخ) هذا كله تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّا القراءة بالنهي ففيها عطف الإنشاء على الخبر فأمّ لأنه خبر معنى إذ المراد لست مكلفاً بجبرهم الآن إذ هو قبل الأمر بالقتال ونحوه أو عطف على مقدر أي فبشر وأنذر وأمّا قوله نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبع فيه قول الكشاف روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " ليت شعري ما فعل أبواي " فنهى عن السؤال، قال الطيبي: أي ما فعل بهما وفي الحديث: " يا أبا عمير ما فعل النغير " أي إلى أيّ شيء انتهى عاقبة أمره فلو قيل ما فعلت بالنغير لم يكف في الاهتمام بذلك، وقال العراقيّ رحمه الله: لم أقف عليه في حديث، قيل: ونعما فعل فإنه لم يرد في ذلك إلا أثر ضعيف الإسناد فلا يعوّل عليه والذي نقطع به أنّ الآية في كفار أهل الكتاب كالآيات السابقة عليها والتالية لها وقد ورد في الأثر وان كان ضعيفاً " أن الله أحياهما حتى آمنا به "، ولتعارض الأحاديث في ذلك وضعفها، قال السخاوي رحمه الله الذي ندين الله به الكف عنهما، وعن الخوض في أحوالهما وقد التزم بعض الجهلة في هذا الزمان من الوعاظ البحث عنهما وللسيوطي فيه تأليف مستقل فمن أراده فليراجعه. قوله: (أو تعظيم لعقوية الكفار الخ) يشير إلى أنّ النهي عن السؤال قد يكون لتهويل الأمر المسؤول عنه حتى كان السائل لا يقدر على استماع حاله والمسؤول لا يمكنه ذكره كما يكون لتعغليمه أيضاً كما قال: وعن الملوك فلا تسل والمتأجج بمعنى المشتعل ويخبر مبنيّ للمجهول. قوله: (ولعلهم قالوا مثل ذلك الخ) يعني أنّ قوله لن ترضى حكاية لمعنى كلامهم ليطابق قوله قل إنّ هدي الله الخ فإنه جواب لهم لأنهم ما قالوا ذلك إلا لزعمهم أنّ دينهم حق وغيره باطل فأجيبوا بالقص! ر القلبي أي دين الله هو الحق ودينكم هو الباطل وهدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى وما يدعون إلى اتباعه ليس بهدي بل هو على أبلغ وجه لإضافة الهدي إليه تعالى وتأكيده بأن واعادة الهدي في الخبر على حدّ شعري شعري وجعله نفس الهدي المصدري وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخبر، وفسر الأهواء بالزائغة أي المنحرفة عن الحق والمراد الباطلة. قوله: (والمقة ما شرعه الله الض) في الكشف الملة والطريقة سواء وهي في الأصل اسم من أمللت الكتاب بمعنى أمليته، كما قاله الراغب: ومنه طريق مملوك مسلوك معلوم كما نقله الأزهري ثم نقل إلى أصول الشرائع باعتبار أنها يمليها النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يختلف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها وقد تطلق على الباطل كالكفر ملة واحدة ولا تضاف إلى الله فلا يقال ملة الله ولا إلى آحاد الأمّة، والدين يرادفها صدقاً لكنه باعتبار قبول المأمورين لأنه في الأصل الطاعة والانقياد ولاتحاد ما صدقهما قال تعالى: {دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنعام، الآية: 161] وقد يطلق الدين على الفروع تجوّزا ويضاف إلى الله والى الآحاد والى طوائف مخصوصة نظراً للأصل، على أنّ تغاير الاعتبار كاف في صحة الإضافة ويقع على الباطل أيضا، وأمّا الشريعة فهي المورد في الأصل وهي اسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 للأحكام الجزئية المتعلقة بالمعاس والمعاد سواء كانت منصوصة من الشارع أو لا لكنها راجعة إليه، والنسخ والتبديل يقع فيها وتطلق على الأصول الكلية تجوّزا. قوله: (أي الوحي أو الدين الخ) الوحي بمعنى الموحى به وهو إشارة إلى أن العلم بمعنى المعلوم فإنه شاع فيه حتى صار حقيقة عرفية والمعلوم يتصف بالمجيء دون العلم نفسه إلا أن يكون مجازاً كما أشار إليه النحرير، وأمّا القول بأنّ مجيء المعلوم يستلزم مجيء العلم فضعفه ظاهر وكذا القول بأنّ الوحي بالمعنى المصدري وهو وأن كان إعلاماً لا علما فهما متحدان بالذات كالتعليم والتعلم وكله من التكلفات الباردة. قوده: (مالك من الله من ولئ ولا نصير) هذه الا، م هي الموطئة للقسم وهي تقع قبل أدوات الشرط وتكثر مع أن وقد تأتي مع غيرها نحو لما آتيتكم من كتاب ولسبقها يجاب القسم معها دون الشرط ولو أجبت الشرط هنا لوجبت الفاء فهذه الجملة جواب القسم فقوله وهو جواب لئن يخالفه، اللهمّ إلا أن يقال مراده أنه جواب القسم المدلول عليه به فأقامه مقامه لكنه تسمح في التعبير وقيل: إنه إشارة إلى أنه جواب الشرط وذلك إنما يجوز إذا قدر القسم بعد الشرط وقدر مالك جملة فعلية ماضوية أي ما استقرّ والا تعين كونه جواب القسم لوجوب الفاء، وهو تعسف إذ لم يقل أحد من النحاة بتقديره مؤخراً مع اللام الموطئة وتقديرها فعلية لا دليل عليه. قوله: (يريد به مؤمني أهل الكتاب الخ) خصه بهم لأنهم الذين أوتوه ويتلونه، لؤمنون به وفسر حق التلاوة وهو منصوب على المصدرية لإضافته له بصون لفظه عن التحريف وتدبر معانيه والعمل به وجعله حالاً مقدرة لأنهم لم يكونوا وقت الإيتاء كذلك بل بعده وهذه الحال مخصصة لأنه ليس كل من أوتيه يتلوه فالمراد بالذين المقيد بالحال مؤمنو أهل الكتاب بحسب المنطوق وأولئك يؤمنون به خبر بلا تكلف، وأمّا إذا جعل يتلونه خبراً وأولئك يؤمنون به جملة مستأنفة فلا بدّ من تخصيص الموصول بالمؤمنين استعمالاً للعامّ في الخاص وهذا معنى قوله على أنّ المراد الخ أي على أنه مراد منه بقرينة عقلية ليصح الإخبار عن العامّ بما هو لبعض أفراده، وأمّا قوله: يريد أولاً فمعناه يريد من هذا اللفظ بخسب الدلالة، وقيل: معناه أعمّ من الإرادة بالتقييد اللفظي ومن الإرادة بالاستعمال فلا يرد عليه أنّ قوله على أنّ المراد بالموصول مستغنى عنه ولا حاجة إلى تكلف أنّ المراد بمؤمني أهل الكتاب الذين آمنوا بكتابيهم وهما التوراة والإنجيل، وقوله المراد مؤمنو أهل الكتاب ثانياً المراد به من آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم فإنه تعسف وعذر أشدّ من الذنب فإنه ليس إلا تكرار لفظ لا حاجة إليه يوهم أنه يجوز أن يراد غيره وقوله: دون المحرفين يشير إلى أنّ هذا يفيد القصر كما في الله يستهزئ بهم كما ذهب إليه الزمخشريّ وفسر الكفر بكتابهم بتحريفه لأنه كفر به كما مرّ، وقوله: حيث اشتروا الكفر بالإيمان أي استبدلوه إشارة إلى أنّ فيه استعارة مكنية وأنه إيماء إلى ما مرّ منهم وقوله: لما صدر قصتهم الخ بيان لفائدة ذكر ما فيها مع أنه تقدم. قوله: (كلفه بأوامر ونواه) قال الراغب: بلي الثوب بلا خلق وبلونه اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له وسمي التكليف بلاء لأنه شاق ولأنه اختيار من الله لعباده، وابتلى يتضمن أمرين أحدهما تعرّف حاله والوقوف على سا يجهل من أمره، والثاني ظهور جودته ورداءته وربما قصد به الأمران وربما يقصد به أحدهما فإذا قيل: ابتلاه الله فالمراد أظهر جودته ورداءته لا التعرّف لأنه لا يخفى عليه خافية وفي الكشاف اختبره بأوإمر ونواه واختبار الله عبده مجاز عن تمكيته من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك قال العلامة اختبار الله عبده لا يكون بطريق الحقيقة لأنّ الاختبار حقيقة إنما يصح فيمن خفي عليه العواقب بل هو مجاز على طريق التمثيل شبه حال الله والعبد في تمكينه من الأمرين الطاعة والمعصية وإرادة الطاعة منه بحال المختبر مع المختبر ثم عبر عنها بالاختبار، وما في قوله ما يكون استفهامية وفي الامتحان معنى العلم أي بتمحنه ليعلم أيّ شيء يفعل انتهى. وحاصله أنّ مراده التكليف أيضا لكنه بطريق الاستعارة التمثيلية وكلام الراغب يشعر بأنه مجاز باعتبار إطلاقه على ما هو الغاية منه، وأشار إلى أن يعلم ويبتلى بمعنى لترتبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 على الاختبار فلهذا يعلق كما سيأتي في سورة تبارك، والمصنف رحمه الله تعالى خالفهم وذهب إلى أنّ حقيقته التكليف ولكن تكليف العباد لما استلزم الاختبار ظنوا أنهما مترادفان، وهذا لا وجه له لأنّ أهل اللغة صرّحوا قاطبة بأنّ معناه الاختبار، والاستعمال يشهد له شهادة بينة ولم يقل أحد بترادفهما إذ الاختبار أعمّ منه أو مباين له، وأمّا قوله فيما سيأتي عامله معاملة المختبر فسيأتي الكلام فيه وقوله أحد التقذمين يعني، إمّ في اللفظ حقيقة أو حكما نحو اعدلوا هو أو في الرتبة كالفاعل المؤخر وهو ظاهر، وقول الزمخشريّ وما يشتهيه العبد اعتزال خفيّ ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله: (والكلمات قد تطلق على المعاتي فلذلك فسرت الخ) أصل معنى الكلمة اللفظ المفرد وتستعمل في الجمل المفيدة أيضا وتطلق على معاني ذلك لما بين اللفظ والمعنى من العلاقة وقد فسر به قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} [سورة الكهف، الآية: 09 ا] كما سيأتي. قوله: (فسرت بالخصاب الثلاثين الخ) هذه الثلاثين جعلها في الكشاف عشراً منها في سورة براءة وعشراً في سورة الأحزاب، وعشراً في سورتي المؤمنون و {سَأَلَ سَائِلٌ} وآية براءة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ} [سورة التوبة، الآية: 112] وآية الصؤمنون: { {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [سورة المزمنون، الآيات: ا- 9] وآية الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزأب، الآية: 35] وآية سأل سائل: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [سورة المعارج، الآيات: 22- 34] والمذكور في السور الثلاث ست وثلاثون وهي التوبة والعبادة والحمد والسياحة والركوع والسجود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ حدود الله، والصلاة والخشوع وترك اللغو والزكاة وحفظ الفرج وحفظ الأمانة وحفظ العهد والمحافظة على الصلاة والإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والصدقة والصوم وحفظ الفرح وكثرة ذكر الله ومداومة الصلاة واعطاء السائل والمحروم والتصديق بيوم الدين والإشفاق من العذاب وحفظ الفرج وحفظ العهد وحفظ الأمانة والقيام بالشهادة والمحافظة على الصلوات وأنت إذا أسقطت المكرّر حصل منه ثلاثون كما في الكشاف والمصنف رحمه الله ما نذر إلى المكرّر وكأنه لاحظ فيه مغايرات اعتبارية بقيود خارجية فأسقط السورة الثالثة وخالف ما صنعه الزمخشري ولا يخفى أنه إن كان هذا ماً ثورا في أحدهما فلا وجه للآخر وان لم يكن كذلك فالأولى ترك هذه التكلفات. قوله: (وبالعشر التي هي الخ) هي خمس في الرأس تفريق شعر الرأس في الجانبين، وتص ا! شارب، والسواك والمضمضة والاستنشاق وخمس في غيرها، الختان، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والاستنجاء وفي التيسير أنها كانت فرضاً عليه، وقوله: وبمناسك الحج أي فسرت الكلمات بمناسك الحج وقوله: وبالكوكب متعلق بفسرت مقدر أيضا، وهجرته عليه الصلاة والسلام كانت من العراق إلى الشأم وقوله: على أنه تعالى عامله هو على الوجه الأخير لأنه لم يكلف به ووجه التجوّز فيه ما مرّ وما بعدها الإمامة وتطهير البيت وما معهما ولا وجه لما قيل: إق الأولى تأخير قوله: على أنه تعالى عامله عن هذه لأن هذه تكاليف، وأذا رفع إبراهيم فالمراد بالابتلاء الاختبار مجازا لأنه وان صح من جانبه لا يصح من الجانب الآخر فعبر به عن الدعاء والطلب لأنّ الاختبار لا يخلو عن الطلب غالباً، وفسر الإتمام بتكميل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الحقوق وأستشهد له بقوله الذي وفى لأنّ التوفية أداء الحقوق وإذا رفع إبراهيم وكان الابتلاء بمعنى الطلب فضمير أتمهن لله بمعنى أجابه ويصح رجوعه زبراهيم عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه أتئم ما دعا به وأدّاه على أتمّ الوجوه والأوّل أولى. قوله: (استئناف إن أضمرت ناصب إذ الخ) إضمار ناصبها هو تقدير أذكر ونحوه ككان كذا وكذا على أنها مفعول به أو المراد اذكر الحادث إذ قال وحي! عذ فالقول بأنها معمول اذكر تجوّز، وعلى هذا فجملة قال مستأنفة استثنافاً بيانيا وأمّا: إذا تعلق بقال فجملته حينئذ معطوفة على مجموع ما قبلها عطف القصة على القصة وجوّز أن يكون معطوفا على نعمتي وجعله بيانا على تقدير تعلقه بمقدر وهو أحسن مما في الكشاف إذ جعله بيانا على تقدير تعلقه بقال وان تكلف له بأنه يجوز في قولك أعطاه حين اكرمه أن يكون إعطاؤه بيانا لإكرامه فكذا قوله: إني جاعلك حين ابتلاه وفي صحته نظر وجاعل قد يتعدى لواحد وقد يتعدى لاثنين الأوّل الكاف والثاني إماما. قوله: (والإمام اسم لمن يؤتم به الخ) قيل: إنه اسم شبيه بالصفة كالقارورة وفي الكشاف أنه على زنة الآلة كالإزار لما يؤتزر به، قال النحرير هو اسم للآلة فإن فعالاً من صيغ الآلة كالإزار والرداء وقيل: عليه في جعله آلة نظر لأنّ الإمام ما يؤتمّ به والإزار ما يؤتزر به فهما مفعولان ومفعول الفعل ليس با-لة لأن الآلة هي الواسطة بين الفاعل والمفعول في وصول أثره إليه ولو كان المفعول آلة لكان الفاعل آلة وليس فليس وفي المقتبس اسم الآلة ما يعمل به وما اشتق من فعل لما يستعان به في ذلك الفعل وصيغته المطردة مفعل ومفعال وما ألحق به الهاء سماعي كما في الزمان والمكان وما جاء مضموم الميبم والعين نحو مسعط لم يذهبوا به مذهب الفعل ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية، ومنهم من يجعل فعالاً بالكسر كالعماد والنقاب وأمثالها منه اص. وقوله: وامامته عامّة الخ كانّ الداعي له أنه حمل تعريف الناس على الاستغراق لكن كون جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعده مأمورين باتباعه فيه نظر لنسخ ما بعده من الثرائع لما قبلها كشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام فلو حمل على الجنس لم يرد هذا فكان مراده أنهم مأمورون باتباعه في العقائد وما يضاهيها كما قيل: لنبينا صلى الله عليه وسلم اتبع ملة إبراهيم. قوله: (عطف على الكاف الخ) قيل: فيه إنّ الجارّ والمجرور لا يصلح مضافاً إليه فكيف يعطف عليه وإنّ العطف على الضمير كيف يصح بدون إعادة الجارّ وأنه كيف يكون المعطوف مقول قائل آخر ودفع الأوّلين بأنّ الإضافة اللفظية في تقدير إلانفصال ومن ذريتي في معنى بعض ذريتي وكأنه قال واجعل بعض ذريتي وهو صحيح والثالث بأنه عطف تلقيني كما يقال: سأكرمك فتقول وزيداً أي وتكرم زيداً وتريد تلقينه ذلك، ولم يجعله بتقدير أمر أي واجعل بعض ذرّيتي احترازاً عن صورة الأمر ودلالتة على أنه كأنه واقع البتة وهذا أكثره وقع في كلام أبي حيان رحمه الله إذ قال: إنه لا يصح بمقتض العربية والذي يقتضيه المعنى أن يكون من ذزيتي متعلقاً بمحذوف أي اجعل من ذريتي إماما لأنه فهم من إني جاعلك الاختصاص به، وقيل: إن التلقيني يقتضي أن يقال: ومن ذرّيتك إذ لو ضم مع قوله إني جاعلك لم يقل ومن ذريتي وفي الكشف أصله واجعل بعض ذريتي لكته عدل عنه لا وجه من المبالغة جعله من تتمة كلام المتكلم كأنه متحقق مثل المعطوف عليه، وجعل نفسه كالنائب عن المتكلم فيه مع ما في العدول عن لفظ الأمر من المبالغة في الثبوت ومن مراعاة الأدب في التفادي عن صورة الأمر وفيه من الاختصار الواقع موقعه ما يروق كل ناظر وفي الحواشي عن المصنف رحمه الله إنه كعطف التلقين وعنه في قوله ومن كفر فأمتعه أنه عطف تلقين، وقال راعيت الأدب في الأوّل تفاديا عن جعله تعالى شأنه ملقناً، وحاصله أنه في الحديقة معمول لمقدر والتقدير اجعلني إماماً واجعل من ذرّيتي أئمة فحذف ذلك وأوهم أنه معطوف على ما قبله لما ذكر من النكت فلا يرد عليه حينئذ شيء من الشبه السابقة، وقد ذكر هذه المسألة الأسنوي وغيره في أصوله فقالوا هل يتركب الكلام من كلمات متكلمين أجازه بعضهم ومنعه الجمهور وإلا لزم أنّ من قال امرأتي فقال آخر طالق يقع به الطلاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 ولا قائل به وأوّلوا كلام من قال بصحته بأنّ كلا منهما يضمر في كلامه ما ذكره الآخر بقرينة المقام فهما كلامان ولكن يعدا كلاما واحداً على التسمح ثم إنهم ذكروا أن النلقين ورد بالواو وغيرها من الحروف وأنه وقع في الاستثناء كما في الحديث: " إن الله حرّم شجر الحرم " قالوا: إلا الأذخر يا رسول الله ذكره الكرماني في شرح البخاري وقال إنه استثناء تلقيني فإن قلت تقدّم أنّ كونه إماما عامّ لجميع الناس فيقتضي أنّ جميع ذريته كذلك إذا عطف عليه وليس كذلك قلت يكفي في العطف الاشتراك في أصل المعنى وقيل: يكفي حصوله في حق نبينا صلى الله عليه وسلم فتأمّل. قال الجصاص: ويحتمل أن يريد بقوله ومن ذربتي مساءلته تعريفه هل يكون من ذريته أم لا فقال تعالى في جوابه لا ينال الخ فحوى ذلك معنيين أنه سيجعل ذلك إمّا على وجه تعريفه ما سأله أن يعرفه إياه وأمّا على وجه إجابته إلى ما سأل لذرّيته اهـ. قوله: (والذرية نسل الرجل الخ) أصلها الأولاد الصغار ثم عمت الكبار والصغار الواحد وغيره وقيل: إنها تشمل الآباء لقوله تعالى: {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [سورة يس، الآية: 41] يعني نوحا وأبناءه والصحيح خلافه وفيها ثلاث لغات ضم الذال وكسرها وفتحها وبها قرى، وفي اشتقاقها أقوال فقيل: من ذروت وقيل: من ذريت وقيل من ذرأ وقيل: من الدّرّ فإن كانت من ذروت فأصلها ذروة فعولة بواوين زائدة ولام الكلمة قلبت الثانية ياء تخفيفا فقلبت الأولى ياء بالإعلال المعروف وكسر ما قبلها، وقيل: فعيلة وأصلها ذروة فأعلت بما مرّ وان ك نت من ذريت فوزنها إمّا فعولة وأصلها ذروية فأعلت أو فعيلة فأصلها ذريية فأدغمت وان كانت مهموزة فوزنها فعليثة قلبت الهمة ياء وأدغمت، وان كانت من الذرّ بالتشديد فأصلها فعلية والياء للنسبة وضئم أوّله كما قالوا دهريّ أو لغير النسب كقمرية أو فعيلة وأصلها ذرّيرة قلبت الراء الثالثة ياء هربا من ثقل التكرير كما قالوا في تظننت تظنيت وفي تقضضت تقضيت أو فعولة وأصلها ذرّورة فقلبت الراء الثالثة وأعلت كما مرّ وقس عليه حال الفتح والكسر. فوله: " جابة إلى ملتمسة الخ) هذا يقتضي تقديرا جعل في الكلام والا فليس فيه ما يدل على الطلب وقوله: وأنهم لا ينالون الإمامة والإمامة شاملة للنبوّة والخلافة والقضاء والإمامة المعروفة وهي كلها مرادة على ما قال الجصاص وأدخل فيها الإفتاء والشهادة ورواية الحديث والتدرش! لأنهم غير مؤتمنين على الأحكام قال ومن نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس إتباعه ولإطاعته وهو يدل على أنّ الفاسق لا يكون حاكماً وأنّ أحكامه لا تنفذ إذا ولي وأنه لا يقدم للصلاة لكن لو قدم واقتدى به صح ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي والخليفة في أنّ شرط كل واحد منهما العدالة وأنّ الفاسق لا يكون خليفة ولا حاكما ومذهبه فيه معروف وما نقل عنه من خلافه كذب عليه وقد أطال في تفصيله، وقيل: اتفق الجمهور من الفقهاء والمتكلمين على أن الفاسق لا يصلح للإمامة ابتداء وان اختلف في أنه لا يصلح لها بقاء بحيث لا ينعزل بطريان الفسق، وقال النحرير: وجه دلالة الآية على أن الظالم لا يصلح للإمامة والخلافة ابتداء ظاهر وأمّا أنه لا يصلح لذلك بحيث ينعزل بالظلم فلا، قال: وفيه إشكال من وجهين أمّا أولاً فلأنّ وجه دلالتها إمّا أن تستفاد من منطوق النص أو دلالته أو القياس لا سبيل إلى الأوّل لما عرفت أنّ المراد بالإمامة النبوّة فلا يتناول بمنطوقه الخلافة ولا إلى الثاني لأنّ أقل مرتبتها المساواة وهي مفقودة هنا إذ لا يلزم من عصمة النبيّ غ! يه إلا على عصمة الأدنى منه، ولا إلى الثالث إذ لا جامع بينهما وأمّ ثانيا فلأن وجه دلالة الآية على أنّ الظالم لا يصلح ل! مامة والخلافة ابتداء وان كان ظاهراً في ذلك ينبغي أن يكون ظاهراً أيضاً في الانعزال بطريان الفسق إذ لا وجه له في الظاهر للمنافاة بين وصفي الإمامة والظلم فالجمع بينهما محال ابتداء وبقاء ويجاب عن الثاني بأنّ المنافاة في الابتداء لا تقتضي المنافاة في البقاء لأنّ الدفع أسهل من الرفع ويشهد له أنّ رجلا لو قال لامرأة مجهولة النسب يولد مثلها لمثله هذه بنتي لم يجز له نكاحها، ولو قال لزوجته الموصوفة بذلك لم يرتفع النكاج لكن إن أعحرّ عليه يفرّق القاضي بينهما. (أقول (: ما ذكره النحرير مسطور عن السلف كما مر والظاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 أنه من المنطوق لأنه قال إما ما ولم يقل نبياً ونحوه ليشمل كل من يقتدي به فكلام النحرير لا غبار عليه برمته. قوله: (وفيه دليل على عصمة الأنبياء عليهم والصلاة والسلام من الكبائر) وجه الدلالة أنّ المعنى لا يصل عهدي إلى الظالمين فهو حال الوصول إليه لم يكن ظالماً وكونه كذلك مانع منه فلا فرق بينه وبين ما قبله والظلم إذا أطلق ينصرف إلى الكبائر فلا يقال إنه إنما يدل عليه إذا كان الفسق نوعا من الظلم ولم يكن المعنى أنه لا ينال عهدي الظالمين ما داموا ظالمين إذ لو كان كذلك فالظالم إذا تاب لم يبق طالماً كيف وقد نال الإمامة أبو بكر وعمر وعثمان مع سبق الكفر فتامّل، وقوله: وأنّ الفاسق الخ أي ابتداء على ما مرّ، وقوله: والمعنى واحد ظاهر لكن مقتضى تفسيره بالأخذ في بعض كتب اللغة أن يسند إلى العقلاء فيكون غيره مغلوبا. قوله: (غلب عليها الخ) جعله علما بالغلبة فتلزمه اللام أو الإضافة ولو جعل التعريف للعهد لصح. قوله: (مرجعا يثوب الخ) يعني أنّ الزائرين يثوبون إليه بأعيانهم أي أنفسهم أو بأمثالهم وأشباههم ومن يقوم مقام أنفسهم لظهور أنّ الزائر ربما لا يثوب بل قلما يثوب لكن صح إسناده إلى الكل لاتحادهم في القصد، والناس للجنس ولا دلالة له على أنّ كل فرد يزور فضلاً عن الثوب وما يقال: إنّ المراد بالأعيان الأشراف حملا للناس على الكاملين، أو أنّ المراد بالثوب القصد على ما هو مقتضى الديانة متعسف، ولك أن تقول إنه مثل قولهم فلان مرجع الناس يعني أنه يحق أن يرجع ويلجأ إليه ولا سكلف فيه وان كان من الثواب فلا إشكال وقرأ الأعمش وطلحة مثابات بالجميع بتنزيل تعدد الزجوع منزلة تعدد محله أو أنّ كل جزء منه مثابة وهدّا أوضح، وقيل: إنه باعتبار تعدد الإضافات ث هو يقتضي أن يصح التعبير عن غلام جماعة بالمملوكين لا يعرف وفيه نظر، وقد مر عن الانتصاف أنّ صيغة الجمع تدل على زيادة المعنى والوصف دون الإفراد كقولم معى جياع وتاؤه لتأنيث البقعة أو المبالغة وهو اسم مكان وجوّز فيه المصدرية وسمع مثاب بمعنى مثابة. قوله: (وموضع أمن الخ) قال النحريز: فإن قيل: هذا القدر كاف فيما قصد من كون آمنا لمعنى موضع أمن فلم ضم إليه ويتخطف الخ قلنا هو بيان لوجه كونه آمناً كأنه قال لأنّ أهله يسكنون فيه فلا يتخطفون ولأنّ الجاني ياوي إليه فلا يتعرّض له (قلت) الأظهر أن ما حوله مما هو أقرب الأماكن مخوف فأمنه موهبة وحماية الهية لا لعدم البغاة وعلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وجهه ظاهر ووصفه بآمن اسم فاعل مجاز لأن الآمن هو الساكن والملتجئ وكذا ما في الآية إذا جعل بمعناه أو جعل كانه نفس الأمن أمّا إذا حمل على حذف المضاف أي موضع أمن فلا مجاز وقوله: يجبّ ما قبله أي يزيله ويمحو. غير حقوق العباد والحقوق المالية كالكفارة. قوله: (على إرادة القول الخ) أي وقلنا: اتخذوا وهو معطوف على جعلنا أو هو معطوف على اذكر المقدر عاملاً في إذ، وقوله: أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره ثوبوا بالثاء المثلثة أي ارجعوا وهو مأخوذ من قوله مثابة واعترض عليه بأنه لا حاجة إلى تقدير المعطوف عليه لأنّ الواو تكون اعتراضية كما في قوله: إنّ الثمانين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان ووجهه بأنه قدره ليناسب ما قبله ويلتئم معه لأنّ الجملة المعترضة تقوي ما اعترضت فيه وتؤكده وبه يظهر ذلك وأيضا اتخاذ المقام مصلى إنما يكون بعد الرجوع، وفيه تأمل. وعلى قراءة الأمر فالخطاب لهذه الأمة لا لغيرهم بدليل سبب النزول الآتي وليس مبنياً على الاعتراض حتى يرد الاعتراض على تخصيصه، قيل: ولا يخفى إق عطف قوله وعهدنا على جعلنا البيت يستدعي جعل واتخذوا معترضة ويدفع كونها معطوفة على ناصب إذ، وكون الأمر استحبابياً مجمع عليه. قوله: (ومقام إبواهيم الخ) المقام بالفتح موضمع القيام وهو الحجر الذي قام عليه في الحقيقة وكان إذا وطئه يلين ويصير كالطين معجزة له ويطلق على المحل الذي فيه الحجر توسعاً وهو موضعه الذي هو فيه الآن وكان قيامه عليه وقت دعائه ووقت رفعه بناء البيت فقوله: أو الموضع بيان لوجه تسميتة مقاما أو رفع بصيغة الماضي معطوف على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 قام وصححه في بعض النسخ رفع بصيغة المصدر وعطف على الحج قيل، كأنه لاحظ أنه لم يكن لإبراهيم عليه الصلاة والسلام موضع معين وليس هذا وجهه بل وجهه أنه لو عطف ماضياً على قام اقتض أنه قام عليه في موضعه الآن لرفع البناء مع أنه بعيد عن حائط الكعبة كما يرى بالمشاهدة فيحتاج إلى أن يجعل قوله أو الموضع لبيان المعنى الثاني الذي يطلق عليه المقام وتعلق حين يأثر فتأمل. وقوله: روي الخ رواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقوله: لما روى جابر رضي الله عنه أخرجه مسلم وهي إحدى موافقاته الوحي المشهورة، وقوله: في وجوبهما أي ركعتي الطواف وقوله: واتخاذها مصلى الخ فهو مأخوذ من الصلاة بمعنى الدعاء، وقوله: مقامه الموسوم به أي المعروف به فالمقام مجاز عن المحل المنسوب إليه وكذا المصلى بمعنى القبلة مجاز عن المحل الذي يتوجه إليه في الصلاة بعلاقة القرب والمجاورة. قوله: (أمرناهما الخ) العهد يكون بمعنى الوصية ويتجوّز به عن الأمر فلا يقال: إنه لا ينبغي حينئذ أن يعدى بإلى ولا حاجة إلى التضمين وجعله بمعنى الوحي، وقوله بأن طهرا إشارة إلى أنّ الجارّ محذوف على القياس المعروف أو هي مفسرة لتقدّم ما تضمن معنى القول دون حروفه وهو العهد إذ هو شرطها وأمّا دخولها على الأمر ففيه خلاف مشهور ومنهم من قدر بأن قلنا لتكون داخلة على الخبر تقديرا والطهارة أعم من الحسية والمعنوية. قوله: (يريد البلد أو المكان الخ (يعني أن الإشارة إن كانت إلى ما هو بلد حال الإشارة فالمسؤول الأمن وذكر البلد توطئة له وان كانت إلى المكان فيكون المسؤول بلديته وأمنه وأوّل أمنا بوجهين أن يكون بمعنى النسبة أي صاحب أمن لمن فيه أو أنه إسناد مجازيّ والأصل آمنا أهله فأسند ما للحال للمحل لأنّ الأمن والخوف من صفات العقلاء. قوله: (عطف على من آمن الخ) قال النحرير: هو عطف تلقين كأنه قال قل وارزق من كفر أيضا فإنه محله وما ذكر من أنّ المعنى وأرزق بلفظ المتكلم تقرير للمعنى لا تقرير للفظ والذي يقتضيه النظر الصائب أن يكون هذا عطفاً على محذوف أي أرزق من آمن ومن كفر بلفظ الخبر واجعلني إماما وبعض ذريتي بلفظ الأمر فيحصل التناسب، ويكون المعطوف والمعطوف عليه مقول واحد اص. وهذا يخالف ما أسلفه في قوله: إني جاعلك لكن الأوّل تقرير لكلام المصنف رحمه الله وهذا بيان لمختاره فهو لا يقول بالعطف التلقيني وقد مر تحقيقه على أحسن الوجوه، وقوله: قاس إبراهيم عليه الصلاة والسلام الرزق الخ تبع فيه صاحب الكشاف والأحسن أن يقال إنه تعالى لما قال لا ينال عهدي الظالمين احترز إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الدعاء لمن ليس مرضيا عنده فأرشده الله تعالى إلى كرمه الشامل. قوله: (أو مبتدأ متضن معنى الشرط الخ) هذا يحتمل أن يريد أنه موصول تضمن معنى الشرط فدخلت الفاء في خبره وهو جملة أمتعه أو اسم شرط لأنها أيضاً تتضمن معنى حروف الشرط كان، وجملة فأمتعه جواب الشرط وأمّا تقدير أنا فيه فلا حاجة إليه لأن ابن الحاجب نص على أنّ المضارع في الجزاء يصح اقترانه بالفاء إلا أن يكون استحسانا فقول النحرير قدره لتصح الفاء غير سديد، ولما كانت الفاء تفيد السببية والكفر لا يصلح لسببية التمتع أشار إلى توجيهه بأنه هنا ليس سببا للتمتع بل لقلته أو للتمتع الذي هو منتج للعذاب والى هذا أشار في الكشاف بقوله: يجوز أن يكون مبتدأ متضمناً معنى الشرط وقوله: فأمتعه جوابه أي ومن كفر فأنا أمتعه فأضطره فلا يرد ما قيل هو في التنزيل ثم اضطرّه والاعتذار بأنه ذكره بالفاء إيماء إلى أنه من مواقع الفاء ولكن أتى بئم للتراخي الرتبي غير وارد وضمن مقصورا معنى مخصوصا فعداه بالباء. قوله: (أي ألزه إليه لز المضطر) كذا في الكشاف وقال الطيبي: إنه استعارة شبه حال الكافر الذي أدر الله عليه النعمة التي استدناه بها قليلاً قليلا إلى ما يهلكه بحال من لا يملك الامتناع مما اضطرّ إليه فاستعمل في المشبه ما استعمل في المشبه به، وقيل: إنه قال في الأساس لز هذا بهذا قرن به وألصق، ومن المجاز لزه إلى كذا اضطره إليه وبهذا يظهر أنّ ما في الكتاب تكلف لا حاجة إليه وفيه نظر لأن الكافر لش مضطراً إلى العذاب إذ يمكنه الإسلام فهو مجاز عن كون العذاب واقعا به وقوعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 محققاً حتى كأنه مربوط به، وما في الأساس شيء آخر، وقليلاً صفة مصدر مقدر أي تمتعا قليلا أو المراد زمانا قليلا فهو ظرف. قوله: (وقرئ بلفظ الأمر (من الامتاع واضمطرّه أمر بفتح الراء كما هو في نحو شذه وهذه القراءة منقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكونه على هذه القراءة من دعاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم مروي عن السلف كما أخرجه ابن أبي حاتم وقال ابن جني حسن إعادة قال لطول الكلام وللانتقال من دعاء قوم إلى دعاء آخرين ويحتمل أن يكون ضمير قال لله أي فأمتعه يا قادر يا رازق خطابا لنفسه على طريق التجريد ولم يلتفت إليه المصنف رحمه الله لبعده. قوله: (بإدغام الضاد وهو ضعيف (هذا مما تغ فيه الزمخشري وليس بصواب فإنّ هذه الحروف أدغمت في غيرها فأدغم أبو عمرو الراء في اللام في نغفر لكم والضاد في الشين في لبعض شأنهم والشين في السين في العرس سبيلاً، وأدغم الكسائي الفاء في الباء في نخسف بهم، والذي قاله سيبويه إنه هو الأكثر وأصل اضطرّ اضشر فأبدلت التاء طاء كما بين في الصرف وضم مبني للمجهول وشفر بمعنى منبت الأهداب وقوله المخصوص بالذم محذوف والجملة للتذييل معترضة في الآخر لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر. قوله: (حكاية حال ماضية الخ) لأنّ الرفع مضى وانقضى، قال أبو حيان رحمه الله: وفيه نظر لأن إذ تخلص الفعل للمضيّ ولا وجه لجعله مانعاً من الحكاية فتأمّل والقاعدة جرت مجرى الجوامد ولذا لم تجر على موصوف بمعنى الثابتة مجاز من القعود ضدّ القيام كما قاله الراغب: ومنه قعدك الله في الدعاء لأنه بمعنى أدامك الله وثبتك وهو دعاء استعملته العرب في القسم وهو مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق لا مفعول به وان ذهب إليه بعض النحاة وقول الزمخشري: سألت الله أن يقعدك يشعر به لكنه صرح بخلافه في المفصل وهو بفتح القاف، وروي كسرها عن المازني وأنكره الأزهري ويقال قعيدك الله وهما مثل عمرك الله بنصب الله والجلالة بعدهما واجبة النصب إمّا على المفعولية أو البدلية وذلك لأنهما مصدران كالحس والحسيس ومعناهما المراقبة، فالتقدير أقسم بمراقبتك الله فالله مفعول أو هما وصفان كالخل والخليل ومعناهما الرقيب والحفيظ وهما منصوبان بنزع الخافض أي أقسم بقعدك والله بدل منه لكي قال الدماميني أنه لم يرد في الشرع إطلاقهما على الله وفي التهذيب قال أبو عبيد يقال قعدك الله بمعنى الله معك وأنشد: قعيد كما الله الذي أنتما له قوله: (ورفعها البناء الخ) دفع لما يتوهم من أنّ الأساس لا يمكن رفعه فأوّل بأنّ رفعه مجاز عن رفع ما عليه من البناء فجعل رفع ما عليها رفعاً لها لا نهاية تعلم وتدرك وأنت ضمير الأساس باعتبار القاعدة لكن في عبارته تسامح فإنها لا تنتقل إلى الارتفاع وإنما المرتفع ما عليها فالأولى تركه، والسافات بالسين المهملة والفاء جمع سافية وهي الصف من اللبن والطين وكل ساف قاعدة لما فوف فالمراد برفعها على هذا بناؤها نفسها ووجه الجمع على هذا ظاهر وعلى الأوّل لأنها مربعة ولكل حائط أساس وقيل: الرفع بمعنى الرفعة والشرف وقواعده بمعناه الحقيقي السابق فهو استعارة تمثيلية ولبعده مرّضه. قوله:) وفي إبهام القواعد (يعني كان الظاهر تواعد البيت لكن التبيين بعد الإبهام أبلغ فلذا عدل على الأخصر ومن هنا ابتدائية متعلقة بيرفع أو تبعيضية أو ابتدائية حال من القواعد ولكن في ذكر الكل بيان للجزء في ضمنه وهو مراد المصنف رحمه الله لا أنها من البيانية ولا أنها صفة القواعد، وقوله: وأسمعيل عليه الصلاة والسلام كان يناوله الخ قيل: وفي تأخيره إشارة إلى ذلك، وقوله والجملة حال، وقيل: إنها خبر إسماعيل بتقدير القول فإبراهيم عليه الصلاة والسلام بان وإسماعيل عليه الصلاة والسلام داع وروي ذلك عن عليّ رضي ألله عنه وقوله: بدعائنا ولنياتنا أي بقرينة المقام وقيل: الأولى فتسمع دعاءنا وتعلم نياتنا. قوله:) مخلصين لك الخ) أسلم يكون بمعنى أخلص وانقاد ولما كانا مخلصين منقادين أوّلها بأن المراد الزيادة في ذلك أو الثبات واستدلّ بهذا على الموافاة، وفيه نظر والإذعان في اللغة بمعنى الانقياد وأمّا استعماله بمعنى الفهم فمن كلام المولدين وإذا أريد به ذلك فهل هو حقيقة أو مجاز فيه كلام مرّ تحقيقه في إهدنا الصراط في الفاتحة وهاجر زوجة إبراهيم عليه الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 والسلام والخلاف في الجمع مشهور. قوله: (واجعل بعض ذزيتنا الخ) قيل: إنه إشارة إلى أن من للتبعيض وأنها في موضع المفعول الأوّل الذي هو مبتدأ في الأصل وجعل الحرف مفعولاً تعسف كما مرّ مع أنّ مجيء إنّ من ذزيتي أمّة يدفعه الآيات يفسر بعضها بعضا، والحمقى جمع أحمق وحمقاء أيضاً كما صرحوا به. قوله:) ويجوز أن تكون من للتبيين الخ) قال النحرير: لما كان الأنسب في مثل هذا الدعاء أن لا يقتصر على البعض من الذرية جوّز كون من للتبيين ولم يقطع به لأنّ من البيانية مع المجرور تكون أبداً من تتمة المبين بمنزلة صفة أو حال ولم يعهد كونها خبراً عنه مثل الرجس من الأوثان بمعنى هي الأوثان ولا محيص عنه سوى أن يقال المعنى أمة مسلمة هي ذرّيتنا على التعدي إلى مفعول واحد أو على أن يكون أمة مسلمة مفعولي جعل ولذا لم يجعله المصنف رحمه الله مفعولاً ثانيا وارتكب تقديمه على المبين والفصل بين حرف العطف ومعطوفه بالظرف مع ما في ذلك من الخلاف لأهل العربية فالجارّ والمجرور كان صفة للنكرة فلما قدم انتصب على الحال. قوله: (من رأى بمعنى أبصر أو عرف) فيتعدى بالهمزة إلى مفعولين بعد تعديه لواحد، وفي الإيضاج لابن الحاجب رحمه الله إنه لم يثبت رأيت الشيء بمعنى عرفته وإنما هي بمعنى علم أو أبصر وتبعه أبو حيان رحمه الله لكن الزمخشريّ ذكره في المفصل والراغب في مفرداته وهما- ش الثقات فلا عبرة بإنكارهما، والنسك بضمتين وتسكن العبادة والذبح للتقرّب ولذا تسمى الذبيحة نسيكة والمذابح مناسك قيل: وقيد الغاية في كلام المصنف رحمه الله ليس في اللغة وليس كذلك فإنه ذكره الرأغب رحمه الله. قوله: (وفيه إجحاف) بتقديم الجيم أي زبادة تغيير وتبع فيها الزمخشرفي وليس كما ينبغي لأنها من القرا آت المتواترة وقد شبه فيه المنفصل بالمتصل فعومل معاملة فخذ في جواز إسكانه للتخفيف ولما كان النقل هو المستعمل والأصل مرفوضاً شبه بالأصلي وقد استعملته العرب كذلك قال: أرنا إداوة عبد الله نملؤوها من ماء زمزم أنّ القوم قد ظمؤوا والاختلاس تخفيف الحركة حتى تخفى. قوله: (استتابة لذرّيتهما الما كانت التوبة تقتضي الذنب وهم معصومون على الأصح قبلها وبعدها أوّله بما ذكر فهو بتقدير مضاف أو من إطلاق اسم الأب على الذرّية كما يقال تميم للقبيلة وبقية الوجوه ظاهرة، وقوله: لمن تاب متعلق بالرحيم ولو قال فترحم من تاب كان أولى. قوله: (ولم يبعث من زيتهما الخ) أي من ذرّيتهما معا بأن يكون ابن إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام لا من ذرّية ك!! منهما فإنّ في أولاد إسحق أنبياء ورسلاً " وقال دعوة أبي إبرأهيم " في الحديث اقتصارا على الأعظم والا فهو دعوة إسماعيل عليهما الصلاة والسلانم أيضاً ويصح أن يراد من ذرية كل منهما المدعو بها في ذلك المقام أما دعوة إسماعيل عليه الصلاة والسلام فظاهرة وأما دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلأنّ إسحق لم يكن معه فلعله قصد به عامّة من كان من عقبه بواسطة إسماعيل وهو تكلف، تيل: ويحتمل أن يكون مرا! كل منهما ذرّيته فيكون سائر الأنبياء دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم إجابة دعوتهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا دعوة أبي إبراهيم " من غير ذكر إسماعيل يدل على أنّ المجاب من الدعوتين كان دعوة إبراهيم عليه ا! صلاة والسلام وفيه نظر وقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا دعوة أبي إبراهيم " جعله نفس الدعوة مبالغة أو في الكلام مضاف مقدر أي أثر دعوته وهذا الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل وشارح السنة عن العرباض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ساخبركم بأوّل أمري أنا دعوة أبي إبراهيا وبشارة عيسى ورزيا أمّي التي رأت حين وضعتني " فدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في هذه الآية وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام في قوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} أسورة الصف، الآية: 6] ورؤيا أمّه، كما رواه الدارمي هي التي " رأت حين وضعته وقد خرج لها نور أضاءت له قصور الشام وأمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف من بني زهرة، وفي الاستدلال برؤياها ما يرشح إسلامها، وقوله: يقرأ عليهم إشارة إلى أنّ المراد بالآيات آيات القرآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وما بعده إشارة إلى أنّ المراد الحجج الإلهية لثلا يتكرّر به ولو أريد ما يشملهما صح فيكون ما بعده ذكرا للخاص بعد العامّ. قوله: (والحكمة الخ اللمفسرين في تفسيرها أقوال متقاربة يجمعها الكتاب والسنة فقيل: هي السنة، وقيل: القرآن وقيل: الفقه في الدين وقيل: العلم والعمل، وقيل: كل صواب من القول أورث صحيحاً من العمل والتزكية التطهير وذيلت بالعزيز وهو الذي لا يقهر والحكيم بمعنى المحكم بناء على أنّ فعيلا يجيء بمعنى مفعل كما مرّ لإعزازه تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام وارسالهم بالحكمة وضمير له لما يريد، وقوله: استبعاد إشارة إلى أنّ الاستفهام ليس حقيقياً بل هو للإنكار والاستبعاد وهو أي الاستبعاد عد الشيء بعيداً وهو عين الإنكار هنا فلا يرد ما قيل: الاستبعاد معنى مجازي كالإنكار ولا يصح الاستعمال في معنيين مجازيين إلا أن يقال معناه الإنكار المبنيّ على الاستبعاد لا على الامتناع لا أنهما قصدا معاً. قوله: " لا من استمهنها وأذلها الخ) استمهنها أي عدها مهنة ذليلة فعطف وأذلها تفسيري إشارة إلى أنه متعد وهو القول الأصح وأمّا اللازم فسفه بالضم بمعنى صار ذا سفه وهو حقيقة، وقيل ضمن معنى جهل أي جهل نفسه لخفة عقله ولم يعرفها بالتفكر لأنّ من جهل نفسه لا يعلم شيئاً، وقيل: أهلك واستشهدوا له بوقوعه في الحديث متعدياً من غير احتمال آخر وقوله: فيه إن تسفه الحق أي تجهله وتغمض بالغبن والضاد المعجمتين وكسر الميم وفتحها بمعنى تحتقر ومن جعله لازما قال إنه منصوب على التمييز وهو يجيء معرفة بالألف واللام والإضافة لكنه نادر نحو غبن رأيه بالنصب، وغبن مجهول من الغبن ورأيه منصوب على التمييز المحوّل عن نائب الفاعل وكذا ألم رأسه كعلم. قوله: (وقول جرير الخ) كذا في النسخ وهو سهو فإنّ الشعر للنابغة الذبياني بالاتفاق وكذا رأيناه في ديوانه وهو في مدح النعمان بن المنذر وقد مرض وأبو قابوس لقبه والشعر: فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والبلد الحرام ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهرليس له سنام ويروى والشهر الحرام وأراد بالربيع طيب العيش وبالبلد والشهر الحرام الأمن، والأجب المقطوع السظ م وهو لا يستقرّ عليه فالمراد إمّا ذهاب عزهم لأنّ السنام يكنى به عنه أو كثرة اضطرابهم بعده وذناب الشيء بالكسر عقبه أي نبقي بعده آيسين من الأمن والخير والظهر منصوب على التمييز لكن جعله في المفصل من المشبه بالمفعول به لأن أجب صفة مشبهة فلا ينهض شاهدا عليه، وقيل: إنه أيضاً حقه التنكير كالتمييز وقوله: على المختار إشارة إلى قول آخر أنه في محل نصب ونفسه تأكيد له واختلف فيمن هل هي موصولة أو موصوفة وجهان. قوله: (حجة وبيان لذلك الخ) قيل: كأنه يشير إلى أنّ الجملة حالية لكن الظاهر أنها جواب قسم محذوف فتكون الواو اعتراضية لا عاطفة والمقصود ما ذكر وجعلها حالية لا ينافيه جعلها جواب قسم لأنّ الحال هو القسم وجوابه واللام لا تعين القسمية لكن لام الابتداء تقتضي استئناف ما بعدها، واذ قال ظرف لاصطفينا كأنه أريد أنه مذ ميز وعقل لم يزل! مصطفى إلى أن فارق الدنيا، وقيل: إنه منصوب بقال أي قال أسلمت إذ قال له ربه أسلم وأوّل الخطاب بالإسلام بالأخطارلم التمكين من النظر إذ لو أجرى على ظاهر. كان وحياً مسبوقا باستنبائه واسلام النبيّ يكترو سابق عليه لعصمتهم عن الكفر قبل النبوّة وإنما جرى ذلك في أوائل تمييزه وعلى القول الآخر يجعله في معنى أطع والأمر على ظاهره. قوله: (مشهودا له بالاسنقامة والصلاح يوم القيامة) الاستقامة الاستمرار على الصلاج فهو إمّا مأخوذ من الصلاح أو من الجملة الاسمية المؤكدة. قوله: (ظرف لاصطفيناه) تقدم بيانه والظروف تفيد التعليل كما مرّ وفسر الإسلام بالإذعان لأنّ معناه الحقيقي لا يصح هنا، وأمّا قوله روي أنها نزلت أي آية ومن يرغب فإنه دعاهما إلى الإسلام وقال لهما قد علمنا أنّ الله تعالى قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد من آمن به فقد اهتدى ورشد ومن لم يؤمن به فهو ملعون فنزلت الآية تصديقا له، فقال السيوطيّ رحمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 الله: إنه لم يجد هذا في شيء من كتب الحديث. قوله: (التوصية الخ) قال الراغب رحمه الله: التوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات فأصل معناه الوصل فهو ضدّ فصاه تفصية إذا فصله، ومنه التفصي عن الأمر ومنهم من جعله من باب ضرب وضمير بها إما للملة أو لقوله: أسلمت باعتبار أنه كلمة أو جملة وهذا باعتبار الحكاية إن كان معنى قال أسلمت نظر أو عرف أو باعتبار المحكيّ فلا حاجة إلى ما تكلفه بعض أرباب الحواشي ثم ذكر الخلاف بين البصريين والكوفيين في أنه هل يشترط فيه خصوص القول أو يصح في كل ما يؤدّي معناه وقوله: بالكسر أي كسر همزة إن ليكون محكياً بأخبرانا، ورجلان تثنية رجل سكنت جيمه لضرورة الشعر وضبة اسم قبيلة معروفة والأسماء المذكورة منها ما هو معروف كبنيامين بوزن إسرافيل وروبين بضم الراء وكسر الباء وياء ونون وقال البيساني الصحيح فيه روبيل باللام، ومنها ما هو غير معروف لأنها ليست بعربية فلم يقدم على ضبطها من غير نقل والمراد بدين الإسلام الذي به الإخلاص لله والانقياد له وبه يعلم أنّ الإسلام يطلق على غير ديننا لكن العرف خصصه به، والصفوة مثلثة الصاد. قوله: (ظاهره النهي عن الموت الخ الما كان المطلوب من الشخص والمنهي عنه ما هو مقدور له وهنا ليس كذلك قال والمقصود الخ وهو تحقيق وتصريح بما هو مدلول اللفظ من حيث كون النهي راجعاً إلى القيد الذي هو الحال حيث أوقعه خبر كان الذي هو المقصود بالإفادة وفي الكشاف فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام الخ، قال النحرير: ولا خفاء في أنّ معنى لا تجيء إلا راكبا لا يكن مجيئك إلا على حال الركوب واحد لا يتفاوت إلا بتصريح وتوضيح، كما يقال في لا تأكل معناه لا يكن منك أكل ثم ليس المقصود النهي عن الموت في غير حال الإسلام لأنه ليس بمقدور مع أنه كائن البتة والقبد وهو الكون على حال الإسلام مقدور فعاد الكلام إلى النهي عن الاتصاف بالقيد والثبات عليه عند حدوث المقيد الضروري وهو الموت لما بين المعنيين من الاتصال والارتباط والجمهور على أنه كناية وان احتمل المجاز وتقرير الكناية بأنّ طلب امتناع النفس عن فعل الموت في غير حال يراد منه يلزمه طلب الامتناع عن كونها على غير تلك الحال عند الفعل ليس على ما ينبغي لأنّ امر الكناية بالعكس وكذا تقريرها بأن ههنا كناية بنفي الذات عن نفي الحال كما أنّ قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [سورة البقرة، الآية: 28] كناية بنفي الحال عن نفي الذات وذلك لأنّ نفي الفعل المقيد بالحال! س نفياً للذات بل ربما يدعي كونه نفياً للحال اص. (وفيه بحث) أمّا الأوّل لإنه مبنيّ على أنّ الكناية هل هي الانتقال من الملزوم إلا اللازم أو عكسه وفيه الخلاف المعروف وأما الثاني فلأنه لم يرد بالذات إلا المقيد لا معناها المتبادر والقرينة عليه ظاهرة فإن تيل: إذا كان النفي في الكلام المقيد راجعاً إلى القيد كان مدلول الكلام هو النهي عن كونهم على غير حال الإسلام عند الموت ولا حاجة إلى ما ذكر، قيل: إذا كان الفعل مقدوراً مثل لا تجيء إلا راكباً والمنهيّ هو الفعل في غير حال الركوب حتى يمتثل ترك الفعل رأسا وبالإتيان راكبا والفعل هنا ليس بمنهيّ عنه البتة لعدم المكنة وإنما المنهيّ هو الكون على خلاف تلك الحالة فلا امتثال إلا بالكون عليها لكته جعل الفعل شبيهاً بالمنهيّ الذي حقه أن لا يقع فإن وقع كان كالعدم كما أنه في مت وأنت شهيد بمنزلة المأمور الذي من حقه أن يقع. (وفيه بحث) : لأنّ كون المقيد غير مقدور كما هنا أو القيد غير مقدور كما في لا تصم وأنت مريض أو كونهما مقدورين كما في لا تجيء إلا راكباً لا يضرّ فيتوجه النفي إلى القيد أو عدمه بل يؤكده فما الداير إلى هذه التكلفات، ومن هنا علمت تفصيلا آخر في توجه النفي إلى القيد فليكن على ذكر منك واتضح لك معنى كلام المصنف رحمه الله وفوله: وروي الخ، قال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه وفاعل فنزلت أم كنتم شهداء الخ. قوله: (أم منقطعة الخ (اختلف في أم هذه هل هي متصلة أم منقطعة وهل الخطاب لليهود أم للمؤمنين وإذا كانت منقطعة وهي بمعنى بل الإضرابية فهل الإضراب هنا للانتقال أم للإبطال وهل ما بعدها خبر أم مقدر بالاستفهام على القولين للنحاة فيها أو استفهامية مستقلة فعلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الانقطاع وتقدير الهمزة، فالمعنى بل أكنتم شهداء فإذا كان الخطاب لليهود بدلالة سبب النزول ولذا قدمه المصنف رحمه الله فهو للإنكار عليهم في دعواهم وصاحب الكشاف ردّ هذا الوجه بأنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام ولما ادعوا عليه اليهودية فالآية منافية لقولهم فكيف يقال لهم أم كنتم شهداء يعني ردّاً عليهم وانكاراً لمقاتلتهم بل ينبغي أن يقال أكنتم حاضرين حين رضي باليهودية وبما يحقق دعواكم كما تقول لمن يرمي زيداً لفسق أكنت حاضرا حين زنى وشرب ونحو ولا تقول حين صلى وزكى وأجابوا عنه بوجهين أحدهما أنّ الاستفهام حينئذ للتقرير أي أكانت أوائلكم حاضرين حين وصى بنيه بملة الإسلام والتوحيد وأنتم عالمون بذلك فما لكم تدعون عليهم اليهودية، وثانيهما أنه يتم الإنكار عند قوله: ما تعبدون من بعدي ويكون قوله قالوا: الخ بيان فساد ادعائهم لا داخلاَ في حيز الإنكار كان سائلاً سأل فما قالوا له فأجابه بما ذكر ولا تعلق له بما قبله لاختلال النظم وانحلال الربط والمصنف رحمه الله اختار هذا الجواب فلم يبال بما أورد عليه ولهذا اقتصر على قوله: وقال ولم يذكر ما قالوه فالاستفهام إنكاريّ بمعنى ما كنتم حاضرين ذلك فكيف تدعونه، وقيل: وجه الردّ عليه أنّ المعنى ما كنتم حاضرين حين موته ولا تعرفون ما وصى به حيث وصى بخلاف ما تدعون فلم تدعون له من غير علم ما يخالف ما ظهر منه، وهذا في غاية الوضوح وان خفي على صاحب الكشاف وشراحه ولا يخفى أنه لا ينزع عرق الشبهة، ولو قيل: إنّ قوله إذ قال لبنيه لا تعلق له بالأوّل ولذا أعاد إذ بدون عطف لكان أظهر ولكن كلام المصنف رحمه الله يخالفه، قيل: ولو ذهب إلى أنّ أم إضرابية داخلة على الخبر بدون الاستفهام لإبطال ما ادّعوه بذكر خلافه لم يحتج إلى توجيه والإضراب عليهما انتقالي وجوّز على الانقطاع المذكور أن يكون الخطاب للمؤمنين للتحريض على اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم بإثبات بعض معجزاته وهو الإخبار عن حال الأنيجاء السابقين عليهم الصلاة والسلام من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب والإنكار بمعنى أنه لم يكن أي ما كنتم حاضرين ذلك ولا شاهدتموه ولا سمعتموه فإنما حصل بطس يق الوحي فلا يصح قصد الخبر به حينئذ وعلى الأوّل يصح كون الإضراب لإبطال ما ادّعوه المأخوذ من سبب النزول لا لما قبله. قوله: (أو متصلة بمحذوف تقديره كنتم غائبين الخ) هذا على كون الخطاب لليهود والمقصود الردّ عليهم فيما ادّعوه من تهوّد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقدره بما ذكر والمراد اق حالكم لا يخلو من الغيبة أو الحضور فعلى الأوّل كيف تجزمون بما لم تروه وتدركوه وعلى الثاني فليس الأمر كما قلتم بل الثابت خلافه، والزمخشرّ قال تقديره أتدعون على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اليهودية أم تعلمون كونهم على الإسلام لاعترافكم بحضور آبائكم وصية يعقوب عليه الصلاة والسلام وإعلامهم بذلك قرنا بعد قرن، قال النحرير: وليس الاستفهام على حقيقته حتى يعتزض بأنّ كلا الأمرين معلوم التحقق بل على سبيل الفرض والتقدير والتفويض إلى إخبارهم واقرارهم قصداً إلى تبكيتهم وإلزامهم لقطعهم بالثاني أعني حضور أسلافهم وفيه نفي لدعواهم يهودية أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام فإن قيل لا معنى للإسلام فإن قيل لا معنى ل! سلام الذي عليه يعقوب عليه الصلاة والسلام وبنوه سوى الإذعان والقبول للأحكام والإخلاص له تعالى لا التصديق بنبينا صك! يرو وهو لا ينافي اليهودية التي ادّعوها حتى يلزم من) ثباته نفيها، قيل: لا توحيد لهم لقولهم عزير ابن الله ولا إسلام لعنادهم واستكبارهم وترفعهم عن قبول كثير من الأحكام لا سيما نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (وفيه بحث) فإنّ الإسلام بهذا المعنى قطعا وهم يدعون أنّ اليهودية من هذا الإسلام وأنهم عليها وليس في هذا المقام ما ينفيه فتأمّل. توله: (وقيل الخطأب للمؤمنين الخ) هذا على الانقطاع وقد تقدّم تقريره، وقيل: هذا مختار الزمخشريّ ولم يرتضه المصنف رحمه الله فإنّ الخطاب هنا مع اليهود بقرينة سبب النزول لا يستقيم أن يخاطب به المؤمنرن وقد علمت ما في سبب النزول من الضعف، وقد اعترض أبو حيان رحمه الله على ا! لوجه الأوّل بأنه لا يعلم أحداً من النحاة أجاز حذف الجملة المعطوف عليها في أم المتصلة لمانما سمع حذف أم مع المعطوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 لأنّ الثواني تحتمل ما لا تحتمل الأوائل كقوله: فوالله ما أدري أرشد طلابها أي أم غيّ لكن سبق الزمخشريّ إليه الواحديّ وقدره أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام من إيصائه بنيه باليهودية أم كنتم شهداء وذكر ابن هثام في المغني ولم يتعقبه، وقال ابن عطية رحمه الله: أنّ أم بمعنى الهمزة للاستفهام التوبيخي وهي لغة يمانية ولا تكون إلا في صدر الكلام وحكى الطبريّ رحمه الله أنها تكون في وسطه وشهداء جمع شهيد أو شاهد بمعنى حاضر وحضر يحضر كقعد يقعد وفي لغة حضر بكسر الضاد في الماضي وضمها في المضارع وهي شاذة، وقيل: إنها على التداخل وإنما جعل إذ الثانية بدلاً من الأولى بدل اشتمال لأنها لو تعلقت بقالوا لم ينتظم الكلام. قوله: (أراد به تقريرهم الخ) أي تثبيتهم على ذلك فليس استفهاماً حقيقيا وما عامّ يصح إطلاقه على ذي العلم وغيره عند الإبهام سواء كان استفهاميا أو لا وإذا علم أنّ الشيء من ذوي العقل والعلم فرق فحص من بذوي العلم وما بغيره وبهذا الاعتبار يقال: إنّ ما لغير العقلاء واستدلّ على إطلاق ما على ذوي العقول بإطباق أهل العربية على قولهم من لما يعقل من غير تجوّز في ذلك حتى لو قيل: من لمن يعقل، كان لغوا بمنزلة أن يقال لذي عقل عاقل، فإن قيل: ههنا يجب أن يفرق بمن وما لأنّ ما يعقل معلوم أنه من ذوي العلم قلنا لكن بعد اعتبار الصلة أعني يعقل وأمّا الموصول فيجب أن يعتبر مبهما مرادا به شيء ما ليصح في موقع التفسير بالنسبة إلى من لا يعلم مدلول من وليقع وصفه بيعقل مفيدا غير لغو وقد تقرّر أنّ ما يقع سؤالاً عن مفهوم الاسم وماهية الشيء، وعن الوصف والوصف في نفسه لا يعقل فإذا كان هو المراد أطلقت ما على العقلاء وما في الآية يجوز أن يحمل على هذا والمعنى ما معبودكم. قوله: (المتقق على وجوده) أخذ الاتفاق من جعله إلها لهم ولآبائهم وعدّ إسماعيل أبا ليعقوب مع أنه من نسل أخيه إسحق بطريق التغليب وهو ظاهر وأما الجد وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام فداخل في الآباء لأنه أب حقيقة فلذا لم يذكره المصنف في المغلب عليه، والمشهور في علاقة التغليب أنها الجزئية والكلية فقوله: أو لأنه كالأب وجه آخر المراد به أنّ العمّ يطلق عليه أب بدون تغليب لمشابهته للأب في كونهما من أصل واحد وقيامه مقامه في أكثر الأمور وكثر ذلك فيه فصح جمع أب وأب وأب بمعنى أب وجد وعمّ على آباء كما يقال عيون للعين الباصرة والجارية والذهب مثلاَ فلا يرد عليه أنّ المقابلة غير صحيحة لأنّ المشابهة طريق للتغليب كالمصاحبة ويعتذر بأنه اعتبر التغليب أوّلاً بعلاقة المصاحبة وثانيا بعلاقة المشابهة، وعنم الرجل صنو أبيه حديث صحيح أخرجه الشيخان والصنو بالكسر واحد صنوأن وهما نخلتان من عرق واحد. قوله: (هذا بقية آبائي) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وغيره بلفظ: احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي قال النحرير أي الذي بقي من جملة آبائي يقال بقية القوم لواحد بقي منهم ولا يقال بقية الأب للأخ والحاصل أنّ بقية الشيء من جنسه. قوله: (وقرئ إله أبيك الخ) في شرح التسهيل قالوا أبون وهو يحتمل وجهين أن يكون أصله أبوين ضموا الباء لمناسبة الواو ثم حذفت كسرة الواو للتخفيف وهي لالتقاء الساكنين وأن يكونوا استعملوه ناقصاً كما كان حالة إفراده وهو أسهل، والشعر المذكور لزياد بن واصل السلمي وهو: غزتنا نساء بني عامر فسمن الرجال هوأنامبينا بضرب كولع ذكور الذباب تسمع للهام فيه رنينا ورمى على كل عرّافة تردّالشمال وتعطي اليمينا فلما تبين أصواتنا بكين وفديننابالأبينا ويروي فلما تبين أشباحنا والنون في الأفعال للنسوة اللاني أسرن وفديننا بتشديد الدال أي قلن جعل الله آباءنا فداءكم وألف الأبينا للإطلاق والرواية فلما بالفاء لا بالواو أو أبيك على هذه القراءة مفرد وابراهيم بدل منه أو عطف بيان! اسمعيل معطوف على أبيك ولم يرتض كونه عمّ لالإضافة فأبدلا منه. قوله: (بدل من إله الخ) والنكرة تبدل من المعرفة بشرط أن توصف واليه اشار المصنف رحمه الله بقوله: كقولك الخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 والبصريون لا يشترطون ذلك فيها وأشار إلى فائدة الإبدال بأنها دفع توهم التعذد الناشئ من ذكر الإله مرّتين وبين وجه تكراره بأنه أعيد لأنه لا بعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجاز، وقوله: أو نصب على الاختصماص، قال أبو حيان: النحويون ن! ص على أنّ المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهماً وجعله منصوباً على الحال الموطئة ونحن له مسلمون حال من الفاعل أو المفعول أو منهما لوجود صميريهما أو اعتراضية في آخر الكلام بلا كلام. قوله: (والأمة في الأصل المقصود الخ الأنها من أمّ بمعنى قصد قال الراغب: الأمّة كل جماعة يجمعهم أمر مّا إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان لأنهم يؤم بعضهم بعضا أي يقصده. قوله: (لكل أجر عمله الخ) وقع في نسخة لكل أجير وهي أظهر أي لكل أجير جزاء عمله وأمّا على هذه فالظاهر لكل عمل أجره ولا داير للعدول عنه وقيل: فيه إشارة إلى أنّ المراد بمالها أجر مالها وإن ههنا قصر المسند على المسند إليه أي لها أجر كبتها لا أجر كسب غيرها ولكم أجر كسبكم لا أجر ك! سب غيركم وسيأتي ما فيه، وقوله: والمعنى الخ بيان لانتظام الكلام معنى مع ما قبله وهو مأخوذ من ذكر الكسب دون النسب بطريق التعريض وأمّا لفظاً فلأنه صفة أو حال أو استئناف. قوله: (والمعنى الخ) في الكشاف والمعنى أنّ أحداً لا ينفعه كسب غيره متقدّما كان أو متأخراً فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما اكتسبتم، قيل: هذا يشعر بأنّ لها ما كسبت الخ من قصر المسند على المسند إليه أي لها سسبها لا كسب غيرها ولكم كسبكم لا كسب غيركم وهذا كما قيل: في لكم دينكم ولي دين أي لا ديني ولا دينكم اهـ. وتحقيقه أنّ تقديم المسند على المسند إليه مذهب السكاير والخطيب أنه يفيد قصر المسند إليه على المسند فمعنى عليك التكلان لا على غيرك وصرح به الزمخشريّ في مواضمع والسكاكيّ في أحوال المسند وقال في القصر إنه من قصر الموصوف على الصفة وعند الطيبي ومن تابعه أنه من قصر المسند على المسند إليه وهو عنده من قصر الموصوف على الصفة ذكره في التبيان وذكر صاحب الفلك الدائر أنه لا يفيد قصراً أصلا وذهب بعض المتأخرين أنه يرد لكل منهما وقال: إنّ قول عليّ رضي الله عنه: لئا علم وللأعداء مال ظاهر فيه لكن العكس صحيح وهل هو مستفاد من التقديم أو من معونة المقام والتقديم قرينة عليه، قال الظاهر الثاني فيصرف إلى ما يقتضيه المقام وفيه نظر والمشهور كلام السكافي لكته قيل عليه إنّ المسند في لا فيها غول هو الظرف والمسند إليه ليس مقصوراً عليه بل على جزئه وهو الضمير الراجع إلى خمور الجنة، وأجيب بأنّ المراد أنّ عدم الغول مقصور على الاتصاف بفي خمور الجنة والحصول فيها لا يتجاوزه إلى الاتصاف بفي خمور الدنيا وكذا لكم دينكم كما في شروح المفتاح فالموصوف الدين والغول أو عدمه ولا يشترط فيه أن يكون ذاتا وضعية الحصول فيها مثلاً فهذه مغالطة نشأت من عدم فهم مراده وأيضا أنه إذا قصمر المبتدأ على المجرور كان من قصر الصفة وهو الدين على الموصوف وهم المخاطبون وقد ذهب إلى توجه هذا كثيرون وقالوا: إنّ الأمثلة لا تساعده منهم العلامة في شرح المفتاح وهو محل تامّل مبسوط في شرح التلخيص وحواشيه فما قاله النحرير هنا إن حمل على ظاهره يفيد أنّ التقديم يكون لكل من القصرين لكن كلامه في المطوّل وغيره ينافيه ولك أن تقول إنه بيان لمحصل المعنى ومآل الجملتين، وتحقيقه أنها إذا كانت لقصر المسند إليه على المسند يكون المعنى ليس ما كسبت إلا لها وليس ما كسبتم إلا لكم ومآله أنه ليس لكل إلا ما كسب، ألا تراك لو قلت ليس العلم إلا لزيد وليس المال إلا لعمرو ردّ المعتقد التثريك أو العكس لزم منه أنه ليس لزيد إلا العلم وليس لعمرو إلا المال لأنّ كل جملة مستلزمة لعكس الأخرى كما مرّ في البيت المنسوب لعليّ كرم الله وجهه ولهذا قال: يشعر ولم يقل يدل أو يصرح ويكون صدر هذه الآية كقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم، الآية: 39] وآخرها كقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة فاطر، الآية: 18] وعكس هنا لمناسبة افتخارهم بآبائهم فإن قلت قد وقع في الآيات والأحاديث الانتفاع والتضرو بفعل الغير كقوله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [صورة المائدة، الآية: 32] " ومن سن سنة سيئة فعليه ورّرها ووزر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 من يعمل بها " (1 " قلت) قيل إنه منسوخ بقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم، الآية: 39] ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: إنه من طريق لعدل وأمّا من طريق الفضل فقد يثاب كما يؤاخذ بالسبب وقال المصنف رحمه الله: في غير هذا الموضعكما لا يؤاخذ بذنب الغير لا يثاب بفعله وما في الأخبار إنّ الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي كالنائب عنه وكلامه هنا يشير إليه وسيأتي تحقيقه في محله. قوله: (لا يأتيني الناس بأعمالهم الخ) ، قال العراقيّ رحمه الله: لم أقف عليه، وقال السيوطيّ: خرجه ابن أبي حاتم من مرسل الحكم بن مينا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر قريش إنّ أولى الناس بالنبئ صلى الله عليه وسلم المتقون فكونوا أمماً بسبيل من ذلك فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الآعمال وتلقوني بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي " وهذا بمعناه قال النحرير رواه الجمهور ياتيني بالتخفيف فهو خبر في معنى النهي كما تقول النهي كما تقول تذهب إلى فلان تقول له كذا وتأتوني منصوب على أنّ الواو للصرف والنون للوقاية وقد حذفت نون الإعراب أي لا يكن من الناس الإتيان بالأعمال ومنكم بالأنساب وأمّا على رواية التشديد فهو صريح نهي، وقوله: الضمير الغائب هو بمعنى ضمير الغائب ومرّ ما في الآية من اللف والنشر وقوله: نكون الخ وقيل: إنه منصوب على الإغراء أي الزموا مفة إبراهيم وقيل: منصوب بنزع الخافض أي يقتدي بملة إبراهيم. قوله: (ولا تسألون عما كانوا يعملون الخ) إن أجرى السؤال على ظاهره فالجملة حالية مقرّرة لمضمون ما قبلها وان أريد به سببه أعني الجزاء فهو تذييل لتتميم ما قبله والجملة مستأنفة أو معترضة والمراد تخييب المخاطبين وقطع أطماعهم من الانتفاع بحسنات من مضى منهم وإنما أطلق العمل لإثبات الحكم بالطريق البرهاني في ضمن قضية كلية، وقيل: إنّ ما ذكره لا يليق بشأن التنزيل يكف لا وهم منزهون عن كسب السيئات فمن أين يتصوّر تحميلها على غيرهم حتى يتصدى لبيان انتفاعه وقد علم مما مر سقوطه فإنّ المقصود سوقها بطريق كليّ برهانيّ فكيف يتوهم ما ذكره. قوله: (مائلاَ عن الباطل إلى الحق الخ) أصل معنى الحنف الميل في الرجل وأطلق على الدين الحق المائل عن الباطل وهو حال إن كان من ملة فتذكيره لتأوبلها بالدين أو لكون فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث وهذا إذا كان المقدّر نتبع ظاهر وأما إذا كان المقدر نكون ففي مجيء الحال من خبرها وخبر المبتدأ تردّد وأمّ إذا جعل حالاً من المضاف إليه فيجوز بناء على ما ارتضوه من أنه دجوز في ثلاث صور إذا كان المضاف مشتقاً عاملاً أو جزءاً أو بمنزلة الجزء في صحة حذفه كما هنا فإنه يصح اتبعوا إبراهيم بمعنى اتبعوا ملته فيتحد عامل الحال وذوها حقيقة أو حكماً ولذا مثله بقوله ما في صدورهم لأنّ الصدور بعض وهذا مشبه به، وقوله: وما كان من المشركين اعتراض أو معطوف على الحال للتعريض المذكور وحينئذ فهي حال من المضاف إليه إلا أن يقدّر وما كان دين المشركين وهو تكلف. قوله:) الخطاب للمؤمنين الخ) ردّ على الزمخشريّ، إذ جوّز أن يكون للكافرين فإنّ قوله فإن آمنوا الخ يقتضي خلافه فيحتاج إلى تأوبله بأنه داخل في مقول قل أي وقل لهم قولوا ويكون قوله وما أنزل إلينا وارداً على عبارة الآمر دون المأمور كأنهم أمروا بأن يقولوا هذا المعنى على وجه يليق بهم وهو أن يقولوا وما أنزل إليكم أيها المؤمنون أو إشارة إلى أنهم من أمّة الدعوة وقد أنزل الكتاب إليهم أيضاً لكان المناسب أن يقدر فيما مر كونوا ملة إبراهيم وكله تكلف، وقوله: لأنه أوّل بالإضافة إلينا أي لم يصل إلى المؤمنين عمله وخبره إلا بعد وصول القرآن، أو لأنّ الإيمان بالقرآن سبب للإيمان به والسبب مرتبته التقدم ثم أوّل نزول صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام عليهم باتباعهم كما في نزول القرآن على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، والأسباط جمع سبط كأحمال وحمل وهو في بني إسرائيل كالقبائل فينا وهو من السبوطة وهي الاسترسال وقيل: إنه مقلوب من البسط، قال الحلبي: وقيل للحسنين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صشار ذرّيتهما ثم قيل: لكل ابن بنت سبط وكذا قيل: له حفيد أيضاً والحفدة والحفد جمع الحافد والحفيد ولد الولد وبه فسر أوّلاً وثانياً بالأولاد وذريتهم، وذراري يجوز فيه تشديد الياء وتخفيفها كأثافي وأثافيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وأواقي وأواقيّ وكذا كل جمع في آخره ياء مشدّدة ذكر الكرماني في شرح البخاري، وقوله: وهي وان الخ قد أسلفنا لك تصحيح هذا التركيب فلا تلتفت إلى ما قيل: إنه تركيب مختل لخلو هي المبتدأ عن الخبر ولما عن الجواب فلو حذف وإن وقوله فهي لكان هو الصواب ولما هنا ظرف بمعنى حين فتذكر. قوله: (أفردهما بحكم أبلغ الخ) المراد أنه أفرد موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام مع دخولهما في الأسباط بالحكم الأبلغ وهو الإيتاء وهو أبلغ من الإنزال لأنك تقول أنزلت الدلو في البئر ولا تقول آتيتها إياه لدلالة الإيتاء على الإعطاء الذي فيه شبه التمليك والتفويض ووجه مغايرته لما سبق من وجوه عديدة ككونهما كتابين عظيمين لم ينزل مثلهما وككثرة ما اشتملا عليه من الأحكام وغيرها وكوقوع التبشير بنبينا صلى الله عليه وسلم فيهما، فإن قلت كيف يكون الحكم المنفردان به هو الإيتاء وقد قيل: بعده وما أوتي النبيون، قلت المنفردان به هو إسناد الإيتاء إليهما على التعيين وقوله: جملة المذكورين في نسخة جملة بالتنوين والمذكورون بالرفع والمعنى واحد وقوله: منزلاً عليهم من ربهم يحتمل أنه بيان لتعلقه بأوتي لأنه بمعنى أنزل أو أنه حال متعلقه ما ذكر، وقيل: إنه خبر ما وقوله: فنؤمن بالنصب في جواب النفي. قوله: (وأحد لوقوعه في سياق النفي عامّ الخ) الذي في الكشاف أنّ أحدا في معنى الجماعة لأنه اسم يصلح لمن يخاطب يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ويثترط أن يكون استعماله مع كلمة كل أو في كلام غير موجب نص على ذلك أبو عليّ وغيره من أئمة العربية وهذا غير الأحد الذي هو بمعنى أوّل في مثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فإنّ همزته من واو من الوحدة فلا يمكن أن يشمل الكثير لمنافاته لوضعه وهمزة هذا أصلية وليس من الوحدة لإطلاقه على غير الواحد حقيقة واعتبار وحدة نوعية وغيرها ينافي كونهم صرحوا بأنه معنى حقيقيّ له وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي على ما سبق لبعض الأوهام، ألا ترى أنه لا يستقيم لا نفرّق بين رسول من الرسل إلا بتقدير عطف أي رسول ورسول ولستن كأحد من النساء ليس في معنى كامرأة كذا قال النحرير معترضاً على المصنف ومن تابعه وعليه جملة أرباب الحواشي وبه اتضح وجه القول بأنّ الهمزة في هذا أصلية وفي الآخر بدل من الواو فإنه خفي على كثيرين وكان المصنف رحمه الله لذلك جعله بمعنى واحد فلا ة مكن تعدده إلا باعتبار عه ومه في النفي، قال القرافيّ في الدر المنظوم: قال النحاة إذا قلت خذ أحد هذين فألفه منقلبة عن واو ويستعمل في الإثبات، وإذا قلت ما جاءني أحد فالفه ليست منقلبة عن واو ولا يجوز استعماله في الإثبات يعني إلا مع كل ويشكل بأن اللفظ صورتهما واحدة ولفظ الوحدة تتناولهما والواو فيها أصلية فيلزم قطعاً انقلاب الألف عنها وأن يكوّنا مشتقين من الوحدة وأمّا جعل أحدهما مشتقا منها دون الآخرة فترجيح من غير مرجح وقد أشكل هذا على كثير من الفضلاء حتى أطلعني الله على جوابه وهو أنّ أحدا الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة واحدا الذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد وإذا كان مسمى أحد اللفظين غير مسمى الآخر في اللغة وضابط الاشتقاق أن تجد بين اللفظين مناسبة في اللفظ والمعنى ولا يكفي أحدهما تغايراً في الاشتقاق وبهذا يعلم ما هو أحد الذي لا يستعمل إلا في النفي وما هو أحد الذي يصلح للنفي والثبوت بأن تنظر إن وجدت المقصود به إنسان فهو الذي لا يستعمل إلا في النفي وألفه ليست منقلبة عن واو وإن وجدت المقصود به نصف الاثنين من العدد فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو اص. إلا أنّ المصنف جعلهما واحداً وجعل التعدّد من عموم النكرة المنفية، وقول النحرير لا يستقيم لا نفرّق بين رسول بدون عطف غير مسلم عنده أيضا، قال قي الانتصاف النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم لفظاً عموما شمولياً حتى ينزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناوله الآحاد مطابقة لا كما ظنه بعض الأصوليين من أنّ مدلولها بطريق المطابقة في النفي كمدلولها في الإثبات وذلك الدلالة على الماهية وإنما لزم فيها العموم من حيث إن سلب الماهية يستوجب سلب الإفراد لما بين الأعم والأخص من التلازم في جانب النفي إذ سلب الأعم أخص من سلب الأخص فيستلزمه فلو كان لفظها لا إشعار له بالتعدد والعموم وضعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 لما جاز دخول بين عليها وقد ساق هذا على أنه معنى كلام الكشاف وتبعه العلامة في شرحه والمصنف وقد حققنا المقام، بما فيه شفاء الغليل فليكن في خزانة فكرك عدة تدفع بها الأوهام. قوله: (من باب التعجيز والتبكيت الخ) ظاهر الآية أنهم إن آمنوا بدين مثل دين آمنتم به فقد اهتدوا لكن الدين الذي آمنتم به وهو دين الإسلام والتوحيد ليس له مثل فكيف يؤمنون بمثله، فأجاب بأنه من باب التبكيت أي إلزام الخصم فقد فرض أنهم إن حصلوا ديناً مثل دين الإسلام في الصحة فقد اهتدوا لكن من المحال تحصيل مثله فاستحال الاهتداء بغير دين الإسلام فبنى الكلام على الإضافة ليكون أبعث لهم على الاتباع حيث لم يطلب منهم الإيمان بما آمنوا به بل الإيمان بما هو حق وعلى ما ينبغي أيامّاً كان فاذا هجم بهم الفكر على أن ذلك الحق منحصر فيما آمنوا به لم يكن لهم محيص عن الإيمان وعلى هذا يكون آمنوا متعدياً بالباء أو يجري آمنوا مجرى اللازم والباء للاسنعانة والآلة أي إن دخلوا في الإيمان باستعانة شيء دخلتم في الإيمان باستعانته وهو كلمة الشهادة فقد اهتدوا أو مثل زائد كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [سورة الأحقاف، الآية: 10] أي عليه، وقراءة ابن عباس وأبيّ رضي الله عنهم تدل عليه وقوله كقوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [سورة البقرة، الآية: 23] إشارة إلى أنّ ذكر المثل فيها أيضاً للتعجيز وسلوك الطريق المنصف ومنه يعلم سقوط ما ذكر فيها سابقاً فتذكر. قوله: (وقيل الباء للالة الخ) أي ليست صلة بل هي للاستعانة وآمنوا بمعنى أوجدوا الإيمان الشرعي ودخلوا فيه من غير احتياج إلى تقدير صلة أي فإن دخلوا في الإيمان بواسطة شهادة مثل شهادتكم قولاً واعتقاداً وذلك طريق للإيمان ولا مانع من تعذده كما قيل: الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق وعلى الوجهين ما موصولة عبارة عن الدين أو الشهادة. قوله: (أو مزيدة الخ) أي الباء زائدة وما مصدرية وضمير به دلّه واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: إيمانكم وجوّز أن يكون لقوله آمنا بالله الخ بتأويل المذكور أو للقرآن أو لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو مثل مقحمة كما في الآية المذكورة وقراءة بما آمنتم به بدون مثل قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وقراءة بالذي آمنتم به قراءة أبيّ رضي الله عنه. قوله: (أي إن أعرضوا الإيمان الخ) فسر التولي بالإعراض! وقد مرّ الفرق بينهما لكن الفرق لا يحتاج إليه وكان بعض مشايخنا رحمه الله يقول الألفاظ المتقاربة المعاني إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت وهو منزع لطيف والشقاق والمناواة المخالفة والمعاداة، واختلف في اشتقاق الشقاق فقيل: من الشق بالكسر أي الجانب لأنّ كلاً منهما في جانب غير الذي فيه الآخر واليه أشار المصنف رحمه الله وقيل: إنه من المشقة وقيل: ماخوذ من قولهم شق العصا إذا أظهر العداوة. قوله: (تسلية الخ) وجه التسلية فيه ظاهر، وقوله: وتسكين أي تسكين لروعهم ومثبت لهم، وقوله: إمّا من تمام الوعد الخ وإذا كان من تمامه يفيد أنّ ذلك كائن لا محالة لعلمه بما هم عليه وسماعه لما يقولون المقتض له وأخذ تحقق وقوعه من هذا التأكيد مخالفاً للزمخشريّ من أخذه من السين في {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} حيث قال معنى السين إنّ ذلك كائن لا محالة ولو بعد حين لأنّ السين حرف تنفيس لا دلالة له على التأكيد وقول الشراح في توجيهه أنّ دلالتها على التأكيد من جهة كونها في مقابلة لن الدالة على تأكيد النفي قال سيبويه لن أفعل نفي سأفعل فيه تأمّل. والضميران مفعولان تقول كفاه مؤنته وأو في قوله أو وعيد للتنويع لا للترديد فلا يمتنع حمل الكلام على الوعيد والوعد معاً. قوله: (أي صبننا الله صبنتة الخ) الصبغة كالجلسة مصدر صبغ الثوب ونحوه وهو معروف ولما كان في الصبغ تزيين للمصبوغ ودخول فيه وظهور أثره عليه جاز أن يستعار للفطرة والطبيعة التي خلقهم الله عليها لأنهم يتزينون بها كما يتزين الثوب بصبغه أو للهداية التي هداهم الله بها لذلك أو للإيمان الذي أظهره الله عليهم كما يظهر أثر الصبغ على المصبوغ ويؤيده أنّ العرب سمت الديانات والاتصاف بها صبغة كما قال الشاعر: وكل أناس لهم صبغة وصبغة همدان خيرالصبغ قالوا: وعلى هذه الأقوال هو من الاستعارة التصريحية التحقيقية والقرينة الإضافة إلى الله والجامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 التأثر والظهور والتزين قالوا وهذا أنسب من المشاكلة لأنّ الكلام عام في اليهود والنصارى وتخصيصه بالنصارى لا وجه له، وأجيب بأنّ اختصاص الغمس في المعمودية بالنصارى لا ينافي صحة اعتبار المشاكلة لأنّ ذلك الفعل كائن فيما بينهم في الجملة وهذا يصححه ولكنه لا يقتضي حسته ويدفع التكلف عنه وهو مراد المعترض. قوله: (أو للمشاكلة فإنّ النصارى الخ) هذا راجع إلى الوجه الأخير وهو معنى التطهير لا للوجوه كلها كما قيل فعبر عن التطهير عن درن الشرك بالصبغ مشاكلة فإنّ النصارى كانوا يصبغون أولادهم بماء أصفر يعتقدون أنه تطهير للمولود كالختان (11 لغيرهم فأطلق الصمبغ على التطهير بالإيمان للمشاكلة فإنّ المشاكلة كما تجري بين القولين تجري بين قول وفعل أيضا كما تقول إذا رأيت شخصاً يغرس أشجاراً أغرس غرس فلان تعني كن كريماً تصطنع الناس تريد حثه على الكرم والخير وان لم يجر ذكر الغرس لأنه مشغول به وعليه اقتصر الزمخشريّ، وقال المعنى تطهيراً لله لأنّ الإيمان يطهر النفوس والأصل فيه أنّ النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانياً حقا فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم قولوا آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا وطهرنا به تطهير الأمثل تطهيرنا أو يقول المسلمون صبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريق المشاكلة الخ وقوله: فأمر المسلمون بناء على أن الخطاب للكافرين في قوله: قولوا آمنا، وقوله: أو يقول المسلمون بناء على الوجه الأوّل وهو أنّ الخطاب للمؤمنين والمصنف رحمه الله لم يذكر هذا الترديد لأنه لم يجوّز كونه للكافرين كما مرّ، والمعمودية بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الميم الثانية وكسر الدال المهملة وبالياء المثناة التحتية المخففة مر معناه وقال الصولي في شرح ديوان أبي نواس: أنه معرّب مغموذيا بالذال المعجمة ومعناه الطهارة ويراد بها ماء يقدس بما يتلى عليه من الإنجيل ثم تغسل بها الحاملات ا!. قوله: (ونصبها الخ) أي هو مصدر مؤكد لنفسه محذوف عامله وجوبا وليس ناصبه آمناً كما قيل، وقيل: إنه على الإغراء بتقدير الزموا أو عليكم وقيل: بدل من ملة إبراهيم على النصب وإليه ذهب الزجاج والكسائيّ وغيرهما وردّه الزمخشريّ وسيأتي جوابه، وقوله: لا صبغة أحسن من صبغته إشارة إلى أنّ الاستفهام إنكارقي في معنى النفي. قوله: (تعريض بهم الخ) التعريض مستفاد من تقديم نحن المفيد للحصر، وقوله: وهو عطف الخ يعني هذه الجملة معطوفة على جملة آمنا وهو بحسب الظاهر يقتضي كون صيغة الله داخلاً فيها أيضاً لا إغراء ولا بدلاً من ملة إبراهيم لما فيه من تفكيك النظم لتخلل الأجنبيّ على الإغراء بينهما وتوسط ما هو بدل مما قبلها بين أجزائهما، ولذا ردّه الزمخشريّ والمصنف رحمه الله أجاب عنه بقوله: ولمن قال الخ أي من قال به من أئمة العربية يحمل قولهم على أنهم قدّروا في هذه الجملة وقولوا نحن له عابدون بقرينة السياق فإنّ ما قبله مقول المؤمنين وتقدير القول سائغ شائع فلا يرد عليه أنه تكلف من غير دليل وهذه الجملة معطوفة على الزموا في صورة الإغراء والتقدير الزموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 صبغة الله، وقولوا: نحن الخ أو على اتبعوا ملة إبراهيم وقولوا آمنا بدل من عامل ملة إبراهيم المقدر أي الزموا أو اتبعوا وصبغة الله بدل من ملة والبدلى من الجملة ليس بأجنبيّ من بدل بعض أجزائها وقال الطيبي رحمه الله مراد القاضي أنّ العطف مانع من جعل صيغة الله نصبا على الإغراء فيقدر الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون، والحق أنّ كلا من قوله ونحن له مسلمون ونحن له عابدون ونحن له مخلصون اعتراض وتذييل للكلام الذي عقب به مقول على ألسنة العباد بتعليم الله تعالى لا عطف، وتحريره أن قوله: ونحن له مسلمون مناسب لآمنا أي نؤمن بالله وبما أنزل على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ونستسلم له وننقاد لأوامره ونواهيه، وقوله: ونحن له عابدون ملائم لقوله صبغة الله لأنها دين الله فالمصدر كالفذلكة لما سبق، وقوله: ونحن له مخلصون موافق لقوله: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [صورة القصص، الآية: 55] وهو ترتيب أنيق قال النحرير: فإن قيل نحن لا نجعله عطفا على آمنا بل على فعل الإغراء بتقدير القول أي الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون ولو سلم ففيما ذكرتم أيضاً فصل بين المعطوف والمعطوف عليه وكذا بين المؤكد والتأكيد بالأجنبيّ لأنّ قوله فإن آمنوا وقوله: فسيكفيكم الله لا يدخل شيء منهما في حيز قولوا: قلنا لا وجه لارتكاب الإضمار بلا دليل مع ظهور الوجه الصحيح وما ذكر من الفصل وان لم يتعلق بقولوا لفظاً فقد تعلق به معنى فلا فك للنظم وهو الحق الذي لا محيد عنه قيل: وفي عدم فك النظم بالفصل بين المفعول وبدله يبدل الفعل العامل تأمّل. قوله: (في شأنه واصطفائه نبياً من العرب الخ) قيده لدلالة قوله: ما أنزل إلينا سابقاً، وقوله: ومن أظلم ممن كتم الخ لاحقاً وقوله: على كل مذهب يعني من مذهب أهل الحق في أنّ النبوّة بفضل من الله يختص به من يشاء، ومذهب الحكماء من أنها تدرك بالمجاهدة وتصفية الباطن والقاهر من كدر العقائد والأخلاق والذي يشعر بالأوّل قوله ربنا وربكم والذي يشير إلى الثاني الأعمالى وينتحونه بالمهملة بمعنى يقصدونه، وقوله: روي الخ قال السيوطي لم أقف عليه في كتب الحديث. قوله: (أم منقطعة الخ) يعني إن قركأ أم يقولون بياء الغيبة لا تكون أم إلا منقطعة للإضراب عن الخطاب في أتحاجوننا أي بل أتقولون الخ وهو للإنكار بمعنى ما؟ ط ن ينبغي ذلك وان قرئ بالخطاب فيجوز الإضراب والمعنى ما ذكر، ويجوز الاتصال والمراد أيهما يكون بمعنى أنه لا ينبغي ذلك وإلا فالعلم حاصل بثبوت الأمرين، وما ذكروه من الانقطاع على الغيبة ومنع الاتصال حكي عن بعض النحاة جوازه لأنك إذا قلت أتقوم يا زيد أم يقوم عمرو صح الاتصال وقال أبو البقاء: وهو جيد وقيل: إنه إذا لم تكن الغيبة من باب الالتفات كما يقتضيه التوفيق بين القراءتين فإن كان فالقراءتان سواء في الاتصال والانقطاع والحاجة إليه لما سمعته، وقوله: وقد نفى الخ يعني أنّ الله نفى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ادعيتموه وما ذكر بعده من إسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط أتباعه وعلى ديته فكيف يكونون هوداً أو نصارى. قوله: (يعني شهادة الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ) يريد أنّ الظرفين كلاهما صفة شهادة أي كائنة من الله كائنة عند من كتم بمعنى متحققة له معلوه ت أنها شهادة الله والمعنى لا أظلم من أهل الكتاب لأنهم كتموا الشهادة على التحقيق أولاً أظلم من المسلمين لو كتموها على سبيل الفرض! فالفعل الماضي في الأوّل على أصله وفي الثاني للتعريض بمن تحقق منه الكتمان كما في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} الأولى حمله على الأعم منهما لكن الأوّل قالوا إنه اتفق عليه أهل التفسير وهو المرويّ عن مجاهد وقتادة لكن اختلفوا في المكتوم وهل هو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أو حنيفية إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأمّا الثاني فلا يعرف، قال أبو حيان رحمه الله: ولا يناسب المقام وإنما حمله المصنف رحمه الله على التعريض لأنه ليس في الكلام تعرض له وقوله من للابتداء ظاهر وجوّز في من الله أن يتعلق بكتم أي كتمها من عباد الله وفيه نظر، وقوله: وقرئ بالياء قيل: إنه لم يوجد في شيء من كتب التفسير والقرا آت وليس كذلك فإنه قرأ بها السلمي وأبو رجاء وابن محيصن كما في اللوامح وهي شاذة خارجة عن الأربعة عشر. قوله: (تكرير الخ) قد مضى هذا النظم بعينه وبيان ما فيه لكنه أشار إلى حكمة تكريره أو أنّ شخص كل بمعنى ليكون تأسيساً والظاهر الأول ولذا قدمه إذ لا قرينة على الثاني. قوله: (الذي خفت أحلامهم الخ) السفه في الأصل مطلق الخفة ويطلق على خفة العقل وهو المراد هنا والأحلام جمع حلم وهو العقل، واستمهنوها بمعنى استذلوها والمراد بهم المنكرون لتغيير القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أمّا حرصاً على الطعن أو إنكاراً للنسخ، وخبره به قبل وقوعه كما يدل عليه قوله سيقول ليوطن نفسه ويعدّ الجواب له كما في المثل قبل الرمي يراس السهم ونحوه ولأنّ المكروه إذا وقع بعد العلم به لا يكون هائلا كما إذا وقع فجأة وبغتة فإنه أصعب وقيل إنها نزلت بعد تحويل القبلة وقوله: والقبلة الخ، قال الراغب: القبلة في الأصل اسم للحالة التي كان عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة، وفي المتعارف اسم للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة والمراد بالمتعارف والعرف عرف اللغة لا عرف الناس حتى يتوهم أنه ليس بلغويّ مع وروده في كلام العرب كقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 أليس أوّل من صلى لقبلتكم كما مرّ والمتوجه بفتح الجيم قيل: وأطلق ذلك عليها إشارة إلى أنّ المكان ليس بمقصود بالذات بل الحالة الحاصلة من التوجه إليه وقوله: لا يختص! به مكان الخ إشارة إلى أنّ المشرق والمغرب عبارة عن جميع الأمكنة، والارتسام بمعنى الامتثال. قوله: (وهو ما ترتضيه الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجه الخ) عدل عن قول الكشاف توجيه لأنه مبنيّ على الاعتزال، وبدل قوله من التوجيه إلى التوجه لاحتياجه إلى التوجيه على ما بين في شروحه فالمراد بالصراط المستقيم ما أراده الله وهو التوجه إلى بيت المقدس ثم التوجه إلى الكعبة شرفها الله تعالى. قوله: (وكذلك إشارة إلى مفهوم الآية المتقدّمه الخ) فالمشبه به كونهم مهديين إلى الصراط المستقيم أو جعل قبلتهم أفضل القبل والمشبه جعلهم خيارا قيل: وفي فهم أفضلية قبلتنا من الآية المتقدمة تأمّل إذ مثلية الحكم الناسخ جائزة، ولا يخفى أنه مفهوم من التشبيه لأنّ معناه جعلناكم خياراً مفضلين كقبلتكم وهو يقتضي ذلك بالفحوى فتأمّل. ثم إنه خالف الزمخشريّ في قوله وكذلك ومثل ذلك الجعل العجيب {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قيل: لما فيه من التكلف وارتكاب إقحام بلا فائدة وفوات الارتباط بما قبله بخلاف ما اختاره وهو من قلة التدبر كما سترى، قال النحرير: يرد أنّ ذلك إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده لا إلى جعل آخر يقصد تشبيه هذا الجعل به كما يتوهم من أنّ المعنى ومثل جعل الكعبة قبلة {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وإذا تحققته فالكاف مفحم إقحاما كاللازم لا يكادون يتركونه في لغة العرب وغيرهم هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام وتبع فيه العلامة حيث قال: يريد أنّ الكاف منصوب المحل على المصدر وهو إشارة إلى جعل القبلة أي كما جعلنا قبلتكم أفضل قبلة جعلناكم أمّة وسطا، وكنا نقول وقت سماع هذا الكتاب ذلك إشارة إلى التحويل، فقال الأستاذ رحمه الله: لا بل هو إشارة إلى الجعل الذي اشتمل عليه قوله: جعلناكم أمّة أي جعلناكم أمّة وسطا مثل هذا الجعل العجيب ويرد عليه أنه تشبيه الشيء بنفسه لكنا نقول بالفاوسية همجنين كرديم وهمجنين ميكنيم واين اشارتست باين فعل وكأنه لا يتسنه وسيرد عليك أمثال هذا وفي الكشف يريد أنه لم يشر به إلى سابق بل إلى الجعل المدلول عليه بجعلناكم وجيء بما يدل على البعد تفخيما وأصله جعلناكم أمّة وسطا مثل هذا الجعل أي جعلاَ عجيباً كما تشاهدونه والكاف مقحم للمبالغة وهذا إقحام مطرد في كلام العرب والعجم لا تكاد تسمع غيره وهو في القرآن كثير وهذا هو الوجه، وقال الطيبي في قوله: كذلك قال الذين من قبلهم أي جرت عادة الناس على ما شوهد من هؤلاء وقد كنت مع تحقق أنّ هذا هو الحق ومقتضى البلاغة برهة ألتمس ما يميط عنه لثام الشبهة إلا أني مع كثرة ما أرفرف عليه لم أجد ما يفصح عنه ويبرد غلة الصدر فيه حتى انكشف لي الغطاء عقلا ونقلا وتقريره أنّ الشريف قدس سرّه، قال في شرح المفتاح: ليس المقصود من التشبيهات هي المعاني الوضعية فقط إذ تشبيهات البلغاء قلما تخلو من مجازات وكنايات فنقول: إنا رأيناهم يستعملون كذا وكذا للاستمرار تارة نحو عدل عمر في قضية فلان كذا وهكذا أي عدل مستمرّ قال الحماسيّ: هكذايذهب الزمان ويفنى الى صلم فيه ويدرس الأثر ونص عليه التبريزي في شرح الحماسة وله شواهد كثيرة وقال في شرح قول أبي تمام: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر إنه للتهويل والتعظيم وهو في صدر القصيدة لم يسبق له ما يشبه به والإشارة كالضمير ترجع إلى المتأخر فتفيد التعظيم للتفسير بعد الإبهام فتجعل كناية عن ذلك وأن أمر عظيم مقرّر فالمراد في هذا ونحوه إنا جعلناكم جعلاً عجيباً بديعا هكذا وليست الكاف فيه زائدة كما يوهمه كلامهم لكنه قطع النظر فيه عن التشبيه واستعمل في لازم معناه فإن أريد بالإقحام هذا فمسلم ثم رأيت الوفلر عاصم بن أيوب قال في شرح قول زهير: كذلك خيمهم ولكل قوم إذا مستهم الضراء خيم قال: قال الجرجاني: تفسير لفظة كذلك أنها تشبيه إمّا لخبر مقدّم وامّا لخبر متأخر وهي نقيض كلا لأنّ كلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 تنفي وكذلك تثبت ومثله قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الحجر، الآية: 2 ا] فمعنى البيت أنّ هرماً وآباءه ثبت لهم حسن الخلق في دفع الملمات إذا نزلت بقومهم وإن كانت الأخلاق تتغير عند نزول الشدائد وحلول العظائم اهـ. فعليك بالعض على هذا بالنواجذ فإنه من بدائع هذا الكتاب وروائعه، والحمد لله الموفق للصواب، وقد ذكر مثله عن ابن الأنباري رحمه الله ومما يدل عليه دلالة ظاهرة قوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} [سورة البقرة، الآية: 18 ا] فلو كان كذلك للتشبيه لم يصرّح بعده بمثل، ولا حاجة لما ذكر في توجيهه. قوله: (أي خبارا الخ) الخيار جمع خير وهم خلاف الأشرار وقد يكون الخيار اسما من الاختي ار وأمّا الخيار لنوع من القثاء فمولد وظاهره كالكشاف أنّ الوسط يكون بمعنى الخير مطلقاً كما قالوا خير الأمور الوسط والتحقيق ما قاله السهيليّ في الروض أنّ الوسط وصف مدح في مقامين في النسب لأنّ أوسط القبيلة أعرقها وصميمها فهو أجدر أن لا تضاف إليه الدعوة وفي الشهادة كما هنا وهو غاية العدالة كأنه ميزان لا يميل مع أحد وظن قوم أنّ الأوسط الأفضل على الإطلاق، وفسروا الصلاة الوسطى بالفضلى وليس كذلك بل هو لا مدح ولا ذمّ كما يقتضيه لفظ التوسط غير أنهم قالوا أثقل من مغن وسط على الذمّ لأنه كما قال الجاحظ يختم على القلب ويأخذ بالأنفاس لأنه ليس بجيد فيطرب ولا برديء فيضحك وقالوا أخو الدون الوسط وقوله أوعد ولا قد عرفت وجه إطلاقه عليه أنه لا يميل إلى طرف، ومزكين بفتح الكاف المشذدة جمع مزكى كمصطفين، وقوله: بالعلم لأنه الخصال المحمودة وهما أساسها وهو في الأصل المكان الذي تستوي المساحة من جوانبه وهي قياس الأرض، ثم استعير للخصال المحمودة لأنها على ما ذكر في الأخلاق لكل مضها طرفان مذمومان بالإفراط والتفريط وما بينهما هو المحمود كما ذكره ثم أطلق الحال على المحل واستوى فيه الواحد وغيره لأنه بحسب الأصل جامد لا تعتبر مطابقته، وقد يراعي فيه ذلك والتهوّر الوقوع في الشيء بقلة مبالاة من إنها بمعنى وقع. قوله: (واستدلّ به على أنّ الإجماع الخ (لأنّ الله تعالى شهد بعدالتهم وقبول شهادتهم ولا يمكن أن يكون ذلك بالنسبة إلى كل فرد فبقي ذلك في اجتماعهم لقوله ع! يرو: " لا تجتمع أقتي على الضلالة " والكلام عليه في الأصول، وانثلصت بمعنى اختلت من الثلم. قوله: (علة للجعل (أدرج فيه العلم لأنّ الشهادة لا تكون إلا عن علم إمّا بالمشاهدة أو بالسماع والاستفاضة وعمومها للمعاصرين وغيرهم لعموم الناس. قوله: (روي الخ) هذا الحديث رواه البخاريّ والترمذيّ، وقوله وهذه الشهادة الخ جواب عما يقال إنّ التعدّي بعلى للمضرّة وشهادتهم على الناس ظاهرة وأمّا شهادة الرسول يكتون فهي لهم لأنها تزكية نافعة فأجاب بأنه ضمن معنى الرقيب المهيمن لأنّ المزكي مراقب لأحوالهم مقيد بمعرفتها، ويصح أن يكون لمشاكلة ما قبله. قوله: (وقدّمت الصلة الخ) يعني عليكم لأنّ المراد بالشهادة الثانية التزكية وهو صلى الله عليه وسلم إنما يزكي أمّته فقدم ليفيد الحصر وهو من قصر الفاعل على المفعول. قوله: (أي الجهة التي الخ) اختلفوا في الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها بمكة فقال ابن عباس وضي الله عنهما وجماعة كان يصلي إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون اً نه صلى الله عليه وسلم: كان يصلي إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلي إلى الكعبة فلما تحوّل إلى المدينة استقبل بيت المقدس وضعف هذا لما فيه من النسخ مرّتين والأصح الأول وقوله: أي الجهة التي كنت عليها ليس تفسيراً للقبلة بل للإشارة إلى أنّ جعل متعدّ لمفعولين الأوّل القبلة والثاني التي الخ بمعنى الجهة التي وليس الموصول صفة القبلة وهذا مختار الزمخشريّ، وعكس أبو حيان رحمه الله فقال التي مفعول أوّل والقبلة مفعول ثان وقال إنّ المعنى عليه، وقيل: التي صفة القبلة والمفعول الثاني محذوف أي ما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة، وقيل: لنعلم هو الثاني بتقدير مضاف أي ما جعلنا صرف القبلة إلا للعلم المذكور وعلى التفسير الأوّل التي عبارة عن جهة الكعبة وعليه النسخ وقع مرّتين وعلى الثاني الصخرة، وضمير بينه الأوّل للنبيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 صلى الله عليه وسلم والثاني لبيت المقدس، وقوله والمعنى الخ بيان للثاني ويقابله قوله الآتي وعلى الأوّل معناه. قوله: (1 لا لنمتحن به الناس الخ) أي لنعاملهم معاملة الممتحن المختبر لتظهر حقيقة الحال ونعلم وتعلم يصح فيه النون والتاء وهو على التمثيل أي فعلنا ذلك فعل من يختبر ومنه يؤخذ جواب آخر عن السؤأل الآتي وعلى هذا اقتصر الزمخشريّ في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة آل عمران، الآية: 1140 في سورة آل عمران فتصير الأجوبة عن مثل هذا التركيب أربعة وهذا مبنيّ على الثاني أيضاً، والمراد بمن يرتد أهل مكة وقبلة آبائه إبراهيم واسمعيل عليهما الصلاة والسلام وهي الكعبة، وقوله أو لنعلم الآن أي حين حوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة والمراد بمن لا يتبعه أهل المدينة ومن يحذو حذوهم والمراد بالعارضى موأفقة قبلتهم والنكوص الإحجام عن الشيء. قوله:) فإن قيل الخ) يعني أنّ قوله لنعلم يشعر بحدوث العلم في المستقبل وعلمه تعالى أزليئ أجاب بوجوه ثلاثة تقدم رابعها أنه على التجوّز في الإسناد بأن أسند إليه تعالى ما هو مسند إلى خواصه المقزبين وليس على حذف مضاف، أو العلم قديم ومتعلقه حادث في الحال فعبر عنه بذلك باعتبار المتعلق لأنه الذي يتعلق به الجزاء إذ العلم قبله لا يتعلق به جزاء وإنما يكون بعد وجوده وطاعته أو عصيانه فالله تعالى وان كان عالماً به دائماً إلا أن العلم الذي يتعلق به مجازاته إنما يحصل بعد وجوده، وحاصله تخصيص العلم أو هو من إطلاق السبب وهو العلم على المسبب وهو التميز في الوجود الخاوجي عند المخلوقين ويؤيده تعديه بمن كالتمييز، وبه فسره ابن عباس رضي الله عنهما وقوله: ويشهد الخ لأن معناها ليعلم الناس ذلك ويتميز عندهم، وقيل: إنما يصلح شاهداً لما قبله وفيه نظر لأنه لم يعين فيها العالم إذ ظاهره العموم، وأفا ما قيل: إن نعلم للمتكلم مع الغير فالمراد ليشترك العلم بيني وبين الرسول فغير مناسب لتشريك الله مع غنره في ضمير واحد كما سيأتي. ووجه خامس أنه أريد بالعلم الجزاء أي لنجازي الطائع والعاصي وكثيراً ما يقع التهديد في القرآن بالعلم. قوله:) والعلم إما بمعنى المعرفة الخ) فيتعدّى لمفعول واحد وهو من الموصولة وممن متعلق به كما مز أو بمقدر أو بيان لمن، ويجوز أن يكون على أصله متعديا لاثنين قامت الجملة المعلق عنها مقامهما، وممن ينقلب حال من فاعل يتبع أي متميزاً عنه وبهذا اندفع قول أبي البقاء رحمه الله أنه لا يجوز أن تكون من استفهامية لأنه لا يبقى لقوله ممن ينقلب متعلقاً لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده ولا معنى لتعلقه بيتبع، والكلام دال على هذا التقدير فلا يرد أنه لا قرينة عليه فإن قيل كيف يكون بمعنى المعرفة كذلك إذ المراد به الإدراك الذي لا يتعذى إلى مفعولين، وفيه نظر لأنه وقع في نهج البلاغة إطلاق العارف على الله تعالى وذكره ابن أبي الحديد في شرعته وأما السبق بالعدم فلا نسلم أنه من لفظ المعرفة بل ناشئ من معناها لأنها كذلك في اللغة وهو لا يضرّ لأنّ العلم أريد به هنا تعلقه ولذا عبر عنه بالمضارع وتعلقه مسبوق بالعدم فتأقل. وقوله: متميزاً يصح دعوه إلى الوجهين كما مرّ. قوله: (إن هي المخففة الخ) الخلاف في مثله معروف وهذه اللام تسمى الفارتة أو الفاصلة لفصلها بين النافية والمخففة وعلى قراءة الرفع كان زائدة، وقيل: إنها خبر مبتدأ محذوف أي فهي كبيرة والجملة خبر كان، وقوله: الثابتين الثبوت مأخوذ من مقابلة قوله ممن ينقلب على عقبيه والا فهي فعلية لا تفيد الثبوت. قوله: (أي ثباثكم على الإيمان) هذا أيضا مأخوذ من مقابلته لمن ينقلب وإلا فإضاعة أصل الإيمان وعدمها لا مانع من اعتبارها هنا. أو المراد به تصديق مخصوص بقرينة المقام. قوله:) أو صلاتكم (يعني الإيمان بمعنى الصلاة بقرينة المقام وهو مجاز من إطلاق اللازم على ملزومه وتد وقع تفسيره به في البخاري، وقوله:! كيف بمن ماتأ أي كيف يصنع به وهذا حديث صحيح أخرجه الشيخان والترمذفي والحاكم وأحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه. قوله: (فلا يضيع الخ) يعني إن المراد بالرحمة رحمة يترتب عليها ما ذكر ليتم الارتباط، وقوله: وهو أبلغ هو بناء على تفسير الرأفة بأشد الرحمة وحينئذ المناسب رحيم رؤوف وفيه نظر من وجهين الأوّل أنّ فواصل القرآن لا يلاحظ فيها الحرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 الأخير كالسجع كما هنا في رحيم وتعملون فذلك حال على كل حاصل. الثاني أنّ الرأفة حيث وردت في القرآن قذمت ولو في غير الفواصل كما في قوله تعالى: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [سررة الحديد، الآية: 27] في وسط الآية والذي غزه كلام الجوهريّ، وهو عندي لن! بصواب ف! ق الرأفة معناها الشفقة واللطف والرحمة الإنعام ورتبتها التقديم كما قيل: الإيناس قبل الإبساس، وعليه استعمال العرب قال قيس الرقيات: ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولا كبرياء فانظره كيف أوضح معناها بالتقابل ومثله كثير في كلام العرب وقد فصلناه في سورة النور وقوله: ربما إشارة إلى أن قد هنا للتقليل وتحتمل التكثير كما في ربما وهما منصرفان إلى التقلب، والروع بالضم القلب، والتولي إما من الولاية أو من ولي جهته. قوله: (تحبها وتتشوّق إليها) جعل الرضا بمعنى المحبة والتشوّق لأنه لم يكن ساخطاً لتلك وإنما كان ألهم تغييرها فكان يتشوّق إلى مراد الله ويؤثره على مراده، وهذه مرتبة فوق التوكل وقوله: لمقاصد دينية إشارة إلى أنّ ميله لم يكن لهوى نفسه وإجابته لم تكن إلا لموافقة حكمة. قوله: (اصرف وجهك الخ) أي اصرفه عن غيره وأقبل به عليه لأن الإقبال بالوجه على شيء يقتضي صرفه عن غيره وإنما ذكره لاً نه تحوّل عن الجهة الأولى قال الراغب ولي إذا عدى بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع يقال: وليت سمعي كذا أقبلت به عليه قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} الخ وإذا عدى بعن لفظاً أو تقديراً اقتضى معنى الإعراض اهـ. فهو هنا متعدّ إلى مفعولين كما سمعت وعرفت معناه، فمن قال لا يخفى أنه ليس من التولية بشيء من المعنيين بل هو من قبيل ما ولاهم لم يصب، والزمخشريّ قال شطر المسجد نصب على الظرف أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته، وقيل: إنه يشير إلى أنه قد ترك أحد مفعولي ولي وشطر ظرف بمعنى اجعل وجهك في جهة المسجد ولو كان مفعولاً به كما في لنولينك قبلة لما ذكر شطر بل اقتصر على المسجد وفيه نظر لأنّ وجه ذكر. أنه هو المتيقن كما صيأتي. والقطر بضم فسكون بمعنى الجانب وقوله: أن يتعرضوه أصله يتعرضوا له على الحذف والإيصال أو منع أن تدخله الكفرة. قوله: (نحوه الخ) هذا هو الصحيح في معنى الشطر، قال المبرد في الكامل: للشطر وجهان في كلام العرب أحدهما النصف والآخر القصد يقال: خذ شطر زيد أي قصده ونحوه وذكر الآية. قوله: (والبعيد يكفيه مراعاة الخ الا خلاف في أن حاضر الكعبة إنما يتوجه إلى عينها وإنما الخلاف في البعيد هل يلزمه التوجه إلى عينها أو يكفي التوجه إلى جهتها وهو المختار للفتوى وأدلة كلى من الفريقين مبسوطة في الفروع، والمصنف ر حمه الله اختار الثاني واستدل عليه بذكر المسجد دون الكعبة وكذا الشطر، وقوله: " روي الخ " اخرجه الشيخان، وقوله: ثم وجه الخ أخرجه أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن سعيد بن المسيب مرسلاً وليس فيه قبل الزوال لكن يؤخذ من الحديث الآتي وسلمة بكسر اللام قال الجوهريّ: وليس في العرب سلمة بالكسر غيره. قوله: (وقد صلى عليه الصلاة والسلام بأصحابه في مسجد بني سلمة الخ) قال السيوطي: هذا تحريف للحديث فإنّ قصة بني سلمة لم لكن فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم إماماً ولا هو الذي تحوّل في الصلاة أخرج النسائي عن أبي سعيد بن المعلى فال: كنا نعدو إلى المسجد فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت: لقد حدث أمر لجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} الآية فقلت لصاحبي تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله ىلجح! ر فنكون أوّل من صلى فتوارينا فصليناهما ثم نزل رسولط الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس الظهر يومئذ، وأخرج أبو داود في الناسخ عن أنس رضي الله عنه: " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية مرّ رجل ببني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس، إلا أنّ القبلة قد حولت إلى الكعبة فمالوا كما هم ركوعا إلى الكعبة " وأخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: " إن النبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الثأم فاستداروا إلى الكعبة " اهـ فقد علمت أن ما ذكره المصنف رحمه الله ليس موافقا للروايات الصحيحة فإنّ النبيّ ع! ي! لم يتحوّل في صلاته وأنّ التحوّل كان في صلاة الفجر. قوله:) وتبادل الرجال والنساء صفوفهم الخ) قيل: أراد أن الرجال تاموا في مكان النساء والنساء في مكان الرجال قيل: والطاهر أن مراده أنّ بعض الرجال قاموا مكان بعض النساء وبعض النساء قاموا مكان بعض الرجال مثلا إذا قام الإمام وصف خلفه صفين صفاً رجالاً وصفا نساء فإذا دار إلى جانب اليمين تحوّل ما في يمين الإمام من الرجال إلى خلف لاتباع الإمام وتسوية الصفوف فإذا كانوا قريبين من النساء يبعدوهن من أمكنتهن حتى يقوموا مكانهن، وكذا تحرّك من في يسار الإمام إلى قدام والنساء اللاتي خلف هؤلاء الرجال ليقف من وقفن مكان الرجال حتى تستوين مع النساء اللاني في جانب يمين الإمام كما يشهد به التخيل الصحيح، وقوله: واستقبل الميزاب أي كانت جهتهم مقابلة لميزاب الكعبة وهو معروف وقوله: خص الرسول ع! ت يعني في توله فولّ وجهك ثم عئم في هذه الآية لما ذكر. قوله: (جملة الخ (أي إجمالاً لمقابلته بقوله تفصيلاً، وقوله: لعلمهم الخ قيل: عليه هذه القبلة كانت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام كما مرّ فلا تخص شريعتنا فالأولى لعلمهم بأن محمداً عش! لا يأمر بباطل إذ هو النبيّ المبشر به في كتبهم، ولك أن تقول إنها نسخت فلم تكن قبلة فحين عاد التوجه إليها عن بيت المقدس صارت كأنها قبلة أخرى ولا يخفى ما فيه من التكلف، فالأحسن أن المراد أنه يغير قبلة من كان قبله إلى أخرى فلا يضره ما ذكر وقوله: للفريقين أي أهل الكتاب والمسلمين، وقوله: والمعنى ما تركوا الخ لأنّ عدم الاتباع بمعنى الترك وما قبله يدلّ على أنه كان عناداً، وقوله: وقبلتهم وان تعدّدت أي قبلة أهل الكتاب اليهود والنصارى لكنها لجمع البطلان لها كالشيء الواحد كما مرّ في قوله لن تصبر على طعام واحد، وقوله: لتصلب الخ في الأساس تصلب فلأن في الأمر إذا اشتد فيه، ثم إنّ كون قبلة النصارى مطلع الشمس صرحوا به لكن وقع في بعض كتب القصص أنّ قبلة عيسى عليه الصلاة والسلام كانت بيت المقدس وبعد رفعه ظهر بولس ودسق في دينهم دسائس منها أنه قال: إني لقيت عيسى عليه الصلاة والسلام فقال لي: إن الشمس كوكب أحبه يبلغ سلامي في كل يوم فمر قومي ليتوجهوا إليها في صلاتهم ففعلوا ذلك) بقي (الكلام في أن المطالع مختلفة فأيّ مطلع يعتبر عندهم لم أر من صرح به، وفي بدائع الفوائد لابن القيم قبلة أهل الكتاب ليست بوحي وتوقيف من الله بل بمشورة واجتهاد منهم أمّا النصارى فلا ريب أن الله تعالى لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال الشرق وهم مقرون بأن قبلة المسيح عليه الصلاة والسلام قبلة بني إسرائيل وهي الصخرة وإنما وضع لهم أشياخهم هذه القبلة وهم يتعذرون عنهم بأن المسيح عليه الصلاة والسلام فوّض إليهم التحليل والتحريم وشرع الأحكام وأن ما حللوه وحرّموه فقد حلله هو وحرّمه في السماء فهم مع اليهود متفقون على أنّ الله لم يشرع استقبال بيت المقدس على رسوله أبدأ والمسلمون شاهدون عليهم بذلك، وأما تبلة اليهود فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة البتة وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة، وأما السامرة فإنهم يصلون إلى طورهم بالثأم يعظمونه ويحجون إليه وهو في بلدة نابلس وهي قبيلة باطلة مبتدعة اهـ. قوله:) أي ولئن اتبعتهم مثلا (قال النحرير: معنى قوله مثلاً أنّ هذه الشرطية مبنية على الفرض! والتقدير وإلا فلا معنى لاستعمال أن الموضوعة للمعاني المحتملة بعد تحقيق الانتفاء بقوله: وما أنت بتابع قبلتهم يعني أن كونه من الظالمين لا يخص متابعته بل كل من يتبع كذلك وإنما أسند إليه ليعلم غيره بالطريق الأولى أو أنه ليس المقصود التخصيص بل متابعة الهوى مطلقآ كذلك. قوله:) وكد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه الخ (وفي نسخة عشرة أوجه وكذا ذكرها الشارح النحرير وهي القسم واللام الموطئة له وان الفرضية وان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 التحقيقية واللام في حيزها وتعريف الظالمين والجملة الاسمية وإذا الجزائية وإيثار من الظالمين على ظالم أو الظالم لإفادته أنه مقرر محقق وأنه معدود في زمرتهم عريق فيه وايقاع الاتباع على ما سماه هواء أي لا يعضده برهان، ولا نزل في شأنه بيان، وقيل: وعده واحداً منهم مجهولاً بعد تعينه بالحق وفيه نظر لا! هذا التركيب يقتضي المبالغة لا المجهولية ولولا مخالفته الاستعمال لكان حسنا وعلى هذه النسخة كأنه أسقط منها مبالغة إن والتعريف والأهواء وهو ظاهر ونقل في الكشف عبارة المصنف من عشرة أوجه، وقال: هي القسم واللام الموطئة والتعليق بأن لدلالته على أن أي شيء مفروض من الاتباع وقع كفي في كونه من الظلم والإجمال والتفصيل في قوله ما جاءك من العلم وجعل الجائي نفس العلم وحرف التحقيق واللام في حيزها وتعريف الظالمين الداذ على المعرقين فيه، وكون الجملة اسمية بخبريتها الدالّ على الاستمرار التام والثبات وما في إذا من المبالغة لكونها للجواب والجزاء ودلالتها على زيادة الربط ونيف على العشرة ما في قوله من الظالمين للدلالة على أنه إذ ذاك من الموسومين منهم وتسمية ما ذهبوا إليه أهواء لما فيه من المنع عن الاتباع المؤكد للوعيد. قوله: (الضمير لرسول الله ع! ير الخ (، كذا في الكشاف واعترض عليه أبو حيان رحمه الله بأن الخطاب في الآيات السابقة إلى هنا للرسول كحت فكيف يقال إنه لم يجر له ذكر، وقال النحرير: إنه ليس بشيء ولم يذكر وجهه وفي الكشف فإن قيل: هو التفات لإضمار دون سبق الذكر تفخيما أجيب بأن الأمرين جائزان ولكن المقام لما ذكره ادعى إذ لا يحسن الالتفات إلا إذا كان مقصودأ لذاته مبنياً ما سيق له الكلام عليه ومع ذلك يكون له حسن موقع خصوصا اهـ. وهو معنى بديع يقيد به إطلاقهم تعريف الالتفات بأن يكون التعبير الأؤل مقصوداً فيه مسوقا له الكلام، وهذا نظير قولهم شرط الاستعارة أن يذكر المشبه بطريق القصد ليدخل فيه: قد زز أزراره على القمر فاحفظه فإنه من خصاثص هذا المقام والمراد بالعلم ما سبق في قوله: {مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} [سورة الرعد، الآية: 37، وهو الوحي وهذه كلها مذكورة قبله وقوله: يشهد للأول أي لرجوع الضمير للنبيّ ع! ي! لأنه يتحد جنس المعروف فيهما ويؤيده ما رواه أيضا والمراد أنهم يعرفون نبوّته لا شخصه صلى الله عليه وسلم كما في الكشاف! ان كان مراده هذا، فإن قلت: ما ذكره " عن ابن سلام رضي الله عنه يقتضي أنّ معرفة الابن دون " (11 لما فيها من الاحتمال والمشبه به أقوى في وجه الشبه، قلت: هذا ليس بشرط بل يكفي كونه أشهر كما هنا فإن معرفة الأبناء أشهر من غيرها أو أنّ معرفة ذات الابن وشخصه أقوى في نفسها والاحتمال في كونه حاصلا منه في الواقع لا ينافي ذلك واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: لا يلتبسون الخ وهو الداعي لذكر التشخيص في الكشاف. قوله: (تخصيص لمن عاند الخ) في الكشاف أنه استثناء لمن آمن منهم أو لجهالهم وليس المراد بالاستثناء المصطلح بل الإخراج مطلقاً قال النحرير: أي إخراح عن حكم الكتمان لمن أظهر ما علم من الحق وآمن به أو لمن لم يعلمه فلا يتصوّر منه الكتمان لاقتضائه سابقة العلم فاختص الكتمان بفريق منهم دون الفريقين الآخرين وأوفى قوله أو لجهالهم لمنع الخلو والاعتراض بأنّ الجهال لا يدخلون في الذين يعرفونه فكيف يصح إخراجهم مدفوع با! اختصاص حكم المعرفة بالبعض لا ينافي عموم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} وتناوله بحسب اللفظ للعارفين منهم والجاهلين، وقريب منه ما قيل: إنّ معنى يعرفونه يوجد فيهم العرفان إسناداً لفعل المحعض إلى الكل لاختلاطهم وارتباطهم وكأن المصنف رحمه الله لم يرتض هذا فلذا تركه إلى ما هو الظاهر المتبادر من النظم. قوله:) كلام مستأنف الخ) على قراءة الرفع هو مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده واللام إما للعهد إشارة إلى الحق الذي جاء به النبيئ لمجييه أو الحق الذي كتمه هؤلاء أو للجنس وهو يفيد الحصر حينئذ كما أشار إليه بقوله: لا ما لم يثبت كما في قوله الحمد دته والكرم في العرب والنسب إلى الآباء لوقوع المحكوم عليه لفس الجنس من غير قرينة البعضية أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق والجار والمجرور خبر بعد خبر أوّل وسكت عن بيان التعريف فيه فكأنه محتمل للوجهين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 السابقين لكن قيل: إنه على هذا التقدير اللام للجنس، كما في ذلك الكتاب ومعناه إنّ ما جاءك من العلم أو ما لكتمونه هو الحق لا ما يدعون ويزعمون وجعل جنسأ على الاذعاء ولا معنى حينئذ للعهد لأن المبتدأ متحد منطوقه ومفهومه فيحتاج إلى تكلف وقراءة النصب منسوبة إلى يمليئ كزم الله وجهه ل! ن كان مفعول يعلمون فهو من إقامة الظاهر مقام المضمر للتعظيم دمان كان بدلاً فوجهه أن " وله من ربك حال منه جصل بهما مغايرته للأوّل، وان اتحد لفظهما وجوّز فيه النصب بفعل مقدر كالزم. قوله: (الثاكين في أنه من ربك الخ) فسر المرية بالشك، وقال الراغب: إنها أخص وفسرها بالتردّد في أمر وبين متعلقه بقرينة المقام، وقوله: وليس المراد الخع لأن النهي عن شيء يقتضي وقوعه أو ترقبه من المنهيّ عنه وهو لا يتصوّر هنا لأن الكون والوجود ليس مقدورا له حتى ينهي عنه حقيقة كما سيأتي تحقيقه في قوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [سورة الأعراف، الآية: 2] وهو معنى قوله لأنه ليس بقصد واختيار فإذا جعل كناية وعبر به عما يصح النهي عنه فالنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يصدر منه ذلك فإمّا أن يكون الخطاب لغير معين كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بشر المشائين " الخ. وفيه من المبالغة أن المعنى لا ينبغي لكل من عرفه أن يشك فيه كائنآ من كان أو الأمر له والمقصود أمته كما في قوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] والمقصود النهي عما يوقع في الريب والأمر باكتساب المعارف المزيحة للشك وهو راجع إلى الوجهين لما عرفت وهذا معنى ما نقل عن الزمخشرقي أنه نهى عن الأشياء المثيرة للشك لأنه ليس بالاختيار، وقال في الكشف: الأشبه أنه إظهار لكونه ليس مظنة للشك حتى كان الشك لا يعتري في مثله إلا لمن أغمض عيناً عن الحق وقوله على الوجه الأبلغ لأنّ النهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن نفس الصفة فلذلك جاء التنزيل عليه إذ النهي عن الكون على صفة يدلّ على عموم الأكوان المستقبلة، والمعنى لا تمتر في كل فرد فرد من أكوانك فلا تمتر في وقت يوجد فيه الامتراء بخلاف قولك لا تمتر فإنه لا يفيد ذلك. قوله: (ولكل أمة قبلة الخ) أي المراد بكل إمّا كل أمة إذ لكل منها قبلة تخصها أو المراد لكل قوم من المسلمين كأهل المشرق والمغرب جهة وجانب يتوجهون إليه. قوله:) أحد المفعولين محذوف الخ (تقدم أن ولي بمعنى جعله مستقبلا يتعدى لمفعولين فضمير هو إما أن يرجع للرب أو لكل وضميرها مفعوله الأوّل وهو عائد إلى الجهة وعلى الأوّل تقديره وجهه لأنه يقال وليته الجهة ولا يقال وليت الجهة إياه، وعلى الثاني إياه. قوله:) وقرئ ولكل وجهة الخ (وضمير هو على هذه القراءة لله قطعا كما أنه على قراءة مولاها لكل من غير احتمال آخر وهذه قراءة ابن عامر وقد صعب توجيهها حتى تجرأ بعضهم على ردّها وهو خطأ عظيم، ووجهها المصنف رحمه الله تبعا للزمخشريّ على أنّ اللام زائدة في المفعول المقدم للتأكيد والتقوية فإنّ العامل إذا تأخر ضعف فتزاد اللام في مفعوله كما تزاد في معمول الصفة ورذه أبو حيان تبعا لابن مالك بأن لام التقوية لا تزاد في أحد مفعولي المتعذي لاثنين قالوا: لأنها إنا أن تزاد فيهما ولا نظير له أو في أحدهما فيلزم الترجيح من غير مرجح، ورذه السفاقسي وقال إن طلاق النحاة يقتضي جوازه والترجيح من غير مرجح مدفوع هنا بأنه ترجح بتقديمه، وقوله: أي تد وليها أي صار في الجهة التي تليها. قوله: ( {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} الخ (هو منصوب بنزع الخافض أي إلى الخيرات قيل: ومدلول استبق ليس إلا طلب التسابق قيما بينهم ودلالته على سبق غيرهم من جهة أنهم لما أمروا بسبق بعضهم بعضا فسبق غيرهم أولى وهذا بناء منه على أنّ ضمير استبقوا للمسلمين ولو كان لكل لم يحتج إلى تأويل، وعلى الأوّل فالنكتة في التعبير به إشارة إلى أن ميدان الخيرات هم السابقون فيه لا غير وقوله: أو الفاضلات يريد به الأفضل وهو التوجه إلى عين الكعبة وسمتها أقوى ما يمكن ومعنى الإتيان بهم جميعاً أنّ صلاتهم مع اختلاف جهاتها في حكم جهة واحدة كأنها كلها مسامتة لعين الكعبة. قوله: (أينما تكونوا الخ) أين ظرف مكان واليه أشار بقوله: في أفي موضع وتكون للاستفهام وللشرط كما هنا وما زائدة ويأت جوابها والمراد بالموافق والمخالف ما وافق مقرهم وما خالفه والقصد التعميم للأمكنة والمحال وفيما بعده الشمول لجميع أجزائهم مجتمعة ومتفرّقة، والمحشر بفتح الشين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وكسرها والإتيان بهم لجزائهم بأعمالهم، والإتيان يكون في الآخرة أو المراد ما يشمل الجبال والوهاد والعمران والخراب والإتيان بمعنى قبض الأرواج، والوجه الآخر مبنيّ على الأخير في تفسير الاستئناف كما مرّ وقوله: فيقدر الخ على الوجهين الأوّلين. قوله: (ومن حيث خرجت الخ (حيث ظرف مكان لازمة الإضافة للجمل وإضافتها للمفرد نادرة، والظاهر أنه يريد من أفي مكان خرجت منه فول فمن حيث متعلق بول والفاء زائدة كما في {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] وقيل: إنه يشعر بأنه من حيث متعلق بخرجت فيلزم عدم إضافته إلا أن يتكلف تقدير حيث يكون خرجت ولا يخفى بعده، وقيل: إنه متعلق بولّ وما بعد الفاء يعمل فيما قبلها كما بين في محله إلا أنه لا وجه لا 0 جتماع الواو والفاء، فالوجه أن يكون المدير أفعل ما أمرت به من حيث خرجت فول فيكون قوله فول معطوفا على المقدر ويجوز أن يجعل من حيث خرجت بمعنى أينما كنت وتوجهت فيكون فول جزاء له يعني أنها شرطية العامل فيها الشرط على نحو ما ذكره المصنف رحمه الله ولا يخفى أنّ حيث بدون ما لا تكون شرطية وكذا إذ إلا في قول ضعيف للفراء وقالوا: إنه لم يسمع في كلام العرب وقوله: وانّ هذا الأمر، أي الشأن والحال الدال عليه قوله وقيل: إق المراد به التولية وأوّله ليصح تذكير ضميره وكذا فسره في الكشاف بهذا المأمور به ولو قصد بالأمر ظاهره صح أيضا. قوله: (كرّر هذا الحكم الخ (يعني أنه ذكر {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} في ثلاث مواضع فإمّا أن يكون كزره اعتناء بشأنه لأنه من مظان الطعن وكثرة المخالفين فيه لعدم الفرق بين النسخ والبداء أو لأنه ذكر في كل محل على وجه قصد به غير ما قصد في الآخر معنى وان تراءى من اللفظ تكرره ففي الأوّل ذكر بعد قوله فلنولينك قبلة ترضاها لتعظيم النبيّ صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته وثانياً بعد قوله ولكل وجهة لجري العادة الإلهية الخ وهنا بعد قوله وأنه للحق الخ لدفع حجج المخالفين وقد بين بوجوه أخر متقاربة ولكل وجهة هو موليها. قوله: (وأنّ محمدآ صلى الله عليه وسلم يجحد ديننا ويتبعنا الخ (قيل: هذا إنما يجدي لو لم يكن حكم من أحكام ديننا موافقاً لهم وليس كذلك كما في الرجم وليس بشيء لأنّ إنكارهم هذا لا ينافي إنكار غيره أو خص هذا لظهوره في كل يوم وكونه في أركان الدين والعبادة مع أنهم منكرون للرجم. قوله: (استثناء من الناس الخ (يعني أنه بدل مما قبله وإن جاز فيه النصب على الاستثناء لأنه المختار في الاستثناء من كلام غير موجب واليه أشار بقوله: إلا للمعاندين وقوله لأحد من الناس إشارة إلى أن تعريف الناص للجنس الاستغراق والزمخشري جعلها للعهد حيث تال: لأحد من اليهود، وقوله: أو بدا له أي تغير رأيه ولما كانت الحجة الدليل المثبت للمقصود ولا حجة لهم أجاب بأنّ الحجة ما يقصد به الاستدلال سواء كان صحيحا في نفسه أو في زعم قائله فإن كان حقيقة لغة فهو ظاهر والاستثناء متصل وأن لم يكن حقيقة فهو تغليب فلا يرد أن المذكور في صدر الكلام إن تناول هذه لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وإلا لم يصح الاستثناء لا! الحكم حينئذ ينفي الحجة الحقيقية ولا محيص سوى أن يراد بالحجة المتمسك حقا كان أو باطلأ مع أن قوله لم يصح الاستثناء غير مسلم لأن غايته أن لا يكون متصلاً وقد قيل: بانقطاعه في الآية. قوله: (وقيل: الحجة بمعنى إلاحتجاج الخ) الاحتجاج المنازعة والمعارضة مطلقا والحجة تستعمل بمعناه كما في قوله تعالى: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [سورة الشورى، الآية: 15] اي لا احتجاج ومجادلة قاله الراغب فما قيل: إنه لا فائدة في جعل الحجة بمعنى الاحتجاج لأن مآله إلى الوجه الأوّل ولا يندفع به السؤال إلا إذا فسر بالتمسك لا وجه له. قوله: (وقيل: الاستثناء للميالغة في نفي الحجة الخ (وهو استثناء منقطع أيضا لكنه من تأكيد الشيء بضده وائباته بنفيه، قال الزجاج: تقول ما لك عليّ حجة إلا الظلم أي ما لك عليّ، حجة البتة ولكنك تظلمني ومعناه إن تكن لهم حجة فهي الظلم والظلم لا يمكن أن يكون حجة فحجتهم غير ممكنة فهو إثبات بطريق البرهان وقوله: ولا عيب الخ هو من قصيدة للنابغة الذبياني أوّلها: كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب والفلول مصدر كالقعود بمعنى الانثلام والكسر وقيل: إنه جمع فل بالفتح بمعناه أيضاً، والقراع الضراب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 والكتائب جمع كتيبة بالمثناة وهي الجيش المجتمع ويسمى هذا النوع في البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم. قوله:) وقرئ ألا الخ (بالفتح والتخفيف وهي حرف يستفتح به الكلام لينبه السامع إلى الإصغاء والذين مبتدأ والفاء زائدة في خبره على الأصح، وقوله: فإن مطاعنهم الخ أخذه وما بعده من التعقيب والتفريع. قوله: (علة محذوف الخ (وهو أمرت وقدره مقدماً والزمخشريّ قدره مؤخراً قصداً للاختصاص ولأن الحذف يدذ على الاهتمام بالمذكور المقتضي لتقديمه لكنه لم يبين عطفه على ماذا، وقوله: وارادتي بيان لمعنى لعل لاستحالة حقيقة الترجي عليه وقد أسلفنا ما فيه، وقوله: أو لئلا يكون معطوف على علة أي أو عطف على لئلا يكون وأخره إشارة لمرجوحيته لبعد المناسبة ولا! إرادة الاهتداء إنما تصلح علة للأمر بالتولية لا لفعل المأمور على ما هو الظاهر في لئلا يكون وإيراد الأثر المذكور لترجيح المقدر وأبو حيان رحمه الله تعالى قال إن العطف على لئلا هو الراجح قال: ولا يضر الفصل بما ذكر لأنه من متعلقات العلة الأولى، قوله ير! الحديث أخرجه البخاريّ في الأدب والترمذيإ وكذا ما بعده. قوله:) متصل بما قبله الخ (اختلف في هذه الكاف فقيل: للتعليل وقيل: للتشبيه وهو الظاهر ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله ووجهه ظاهر وأوّله بالإتمام المذكور ليتم الانتظام، وقوله: أو بما بعده والتقدير اذكروني ذكرا مثل ذكري لكم بالإرسال فحذف منه، قال أبو البقاء: والفاء غير مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها وفيه كلام في النحو، وقوله: بإرسال إشارة إلى أن ما مصدرية وذكر الإرسال وارادة الإتمام من إقامة السبب مقام المسبب والمناسبة بين القبلة التي هي قبلة آبائهم وارسال رسول منهم تمام على تمام. قوله.) يحملكم على ما تصيرون الخ (المراد بالتزكية التطهير من النقائص ولما كانت التزكية علة غائية لتعليم الكتاب وإلحكمة وهي مقدمة في القصد والتصوّر مؤخرة في الوجود والعمل قدمت هنا وأخرت هناك رعاية لكل منهما وأما تقديم الايات وبيانها فإنّ المقصود بها ما يحصل الإيمان وهي تخلية مقدمة عليهما، وقيل: المراد بالتزكية هنا التطهير من الكفر وكذلك فسروه وهناك المراد بها الشهادة بأنهم أخيار أزكياء، وذكر متأخراً عن تعلم الشرائع والعمل بها وهو أحسن، وقوله: بالفكر والنظر قيد للمنفي منفيئ مثله، والمراد به ما يستفاد من النبيّ ع! ي! غير القرآن فهو جن! آخر فلذا أعيد فعله، وقوله: بالطاعة إشارة إلى أنه ليس المراد به الذكر اللساني وقوله: ما أنعمت إشارة إلى أنّ شكر يتعدى لواحد بحرف جر ولآخر بنفسه وما أحسن قول الثاعر: ولوكان يستغني عن الثكرمنعم لر! مة شأن أوعلومكان لما أمر الله العباد بشكره فقال اشكروني أيها الثقلان وقوله: بجحد النعم إشارة إلى أنه من الكفران لمقابلته بالشكر. قوله: ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخ الما أمرهم بالذكر والشكر وكان ذلك ربما يقصر فيه بين لهم ما يعينهم وخصهما بالذكر لا! الصبر يشمل كل ترك والصلاة مشتملة على كل عبادة، وقوله: ومناجاة رلث العالمين عطف على المعراج تفسيري لأنه المقصود من العروج، وقوله: إن الله مع الصابرين تذييل لما قبله وخص الصبر كما قدمه حثا عليه وإذا كان معهم فهوبحينهم عليه وعلى غيره، وقوله: هم أموات إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وكذا أحياء إلا أنّ جملته لا محل لها من الإعراب لأنها جملة مستأنفة وبل إضرابية، وقيل: تقديره بل قولوا هم أحياء فيكون في محل نصسب أيضا. قوله: (ما حالهم وهو تنبيه الخ (حياة الشهداء ثابتة في الآيات والأحاديث وقد اختلفوا فيها فذهب كثير من السلف إلى أنها حياة حقيقية بالروح والجسد ولكنا لا ندركها ولا نعلم حقيقتها لأنها من أحوال البرزخ التي لا يطلع عليها، وفي الحديث الصحيح " أنّ أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العريش وأنهم يعرض! عليهم رزقهم غدوة وغشية لما وذهب غيرهم وعليه الزمخشرقي والمصنف رحمه الله تعالى إلى أنها ليست بالجسد بل روحانية وجميع الأموات وان كانوا كذلك لكن تخصيصهم لمزيد كرامتهم وقرب درجتهم فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 حياة غيرهم ليست معتداً بها والروح بفتح الراء الراحة والسرور. قوله: (والآية نزلت في شهداء بدر الخ) كذا أخرجه ابن منده، وقوله: " أربعة عشر وقيل: سبعة عشر أو ستة عشر! وأسماؤهم مسطورة في السير. قوله: (وفيها دلالة الخ) وجه الدلالة أنه أثبت لهم الحياة وهي ليست بالجسد فتعين كونها بالروح وحياة الروح بدون الجسد مستلزمة قيامها بنفسها وهو المذهب الحق خلافاً لمن ذهب إلى أنها أعراض والخلاف فيها معروف. قوله: (ولنصيبنكم الخ الما كان أصل الابتلاء الاختبار وهو على الله غير جائز جعله استعارة تمثيلية شبه إصابتهم بالبلاء الذي يظهر به صبرهم ورضاهم بما قدر الله بفعل المختبر الذي يكلف من اختبره أمراً شاقا ليعلم إطاعته. قوله: (أي بقليل الخ (القلة تؤخذ من لفظ شيء وتنكيره لأنه استعمل في ذلك ولهذا عيب على المتنبي قوله في الفلك: فعوقه شيء من الدوران ثم بين أنّ قلته نسبية بالنسبة لما حفظهم عنه مما لم يقع بهم، وقوله: وإنما أخبرهم به الخ هذا على مقتضى النظم ظاهر إذ عبر عنه بالمستقبل وأئا بالنظر إلى ما فسره به فمشكل لأنّ خوفه تعالى لم تزل قلوب المؤمنين مشحونة به وكذا ما بعده فإنها كلها سابقة على نزول الآية، وأما إنّ الزكاة والصدقة لا يناسب التعبير عنها بالنقص لأنها عبر عنها بالزكاة وهي النمو والزيادة فقد دفع بأنها نقص في الحس والظاهر وان كانت زيادة باعتبار ما يؤول، وأجيب بأنّ الخوف يتجدد بتجدد الإنذار فصح الابتلاء به وإن كان منه ما هو حاصل عند نزول الآية وكذلك الكلام في المرض! وموت الولد وهذه نزلت قبل إيجاب الزكاة وصوم رمضان ومعنى الابتلاء بخوف الله الابتلاء بما يخشى عقاب الله عليه وعطفه على شيء أولى لتوافقهما في التنكير ولذا قدمه والحديث المذكور أخرجه الترمذفي واطلاق الثمرة على الولد مجاز مشهور لأن الثمرة كل ما يستفاد وبحصل كما يقال ثمرة العلم العمل، وإضافتها إلى القلب كناية عن شدّة تعلقه به ومحبته له، ومعنى أسترجع قال إنا لله وإنا إليه راجعون وقوله: وبشر الخ معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر أي أنذر الجازعين وبشر الصابرين، وقوله:) كل شيء يؤذي الخ حتى الشوكة يشاكها والبعوضة تلسعة " وهو حديث ورد من طرق عديدة. قوله:) وليس الصبر بالاسترجاع الخ (ما خلق لأجله هو معرفة الله وتكميل نفسه حتى يستعذ للبقاء السرمدي ومفعول بشر مقدر أي برحمة عظيمة وإحسان جزيل بدليل ما بعده. قوله.) في الأصل الدعاء (إشارة إلى ما قال الراغب: إن أكثر أهل اللغة إنّ معنى الصلاة هو الدعاء والتمجيد يقال: صليت عليه أي دعوت وزكيت وصلاة الله للمسلمين هي في التحقيق تزكيته، والمراد بالتزكية محو السيئات وتطهيرها وجمعها للتكثير كما أن التثنية يراد بها ذلك كلبيك وسعديك وان كان جمع قلة فإن جمع القلة يستعار للكثرة ونكتة التعبير به أنها مع كثرتها قليلة في جنب عظمته. قوله: (والمراد بالرحمة اللطف والإحسان الخ (قد مز معنى اللطف والإحسان الإنعام، وقوله من " استرجع الخ " قال الطيبيئ رحمه الله- ما وجدته في كتب الحديث وتعقب بأنه أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقيّ في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما! قوله: (للحق والصواب حيث الخ الما كرّر أولئك لشدة الاعتناء بهم وتمييزهم وأتى بضمير الفصل المفيد للحصر والاهتداء ليس مخصوصاً بأولئك أشار إلى أن المخصوص بهم ليى مطلق الاهتداء بل اهتداء مخصوص وهو الاهتداء للتسليم وقت صدمة المصيبة فافهم. قوله:) علما جبلين الغ (لما ذكر الصبر عقبه بالحج لما فيه من الأمور المحتاجة إليه، وكونهما بالغلبة لأنّ أصل معناهما نوع من الحجارة مطلقا فتلزمهما اللام، والشعائر جمع شعيرة أو شعارة بمعنى علامة يطلق على ما يعلص به موطنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 كما هنا وعلى نفس أعماله واضافتهما إلى الله لأنه جعلهما علامة مع ما فيه من التعظيم وتغليب الحج والعمرة بمعنى اشتهارهما في نوع مخصوص منهما، كالدابة لا أنهما علمان. قوله: (كان إساف على الصفا الخ) إساف بكسر الهمزة وخفة السين المهملة وألف بعدها فاء ونائلة بنون وألف يليهما همزة مكسورة ولام الأوّل اسم رجل سمي به صنم على الصفا والثاني اسم امرأة سمي به صنم على المروة قيل: " ولذا أنث وكانا زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ووضعا ثمة ليكونا عبرة فلما تقادم العهد عبدوهما وكانوا يتمسحون بهما إذا سعوا ولما كان السعي واجبا أو ركناً عند الأكثر وكان قوله لا جناج يقتضي عدم الوجوب كما ذهب إليه بعض الصحابة والمجتهدين أجابوا عنه بما ذكر، وفي جامع الترمذيّ عن سفيان قال سمعت الزهري يحذث عن عروة: قال: " قلت لعائشة رضي الله عنها ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا وما أبالي أن لا أطوف بينهما فقالت بئس ما قلت يا ابن أختي طاف رسول الله-لمجي! عليه وطاف المسلمون وإنما كان من أهل المناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ} الآية ولو كان كما تقول لكانت فلا جناج عليه أن لا يطوف بهما، قال الزهري رحمه الله: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأعجبه ذلك وقال: إنّ هذا هو العلم ولقد سمعت رجلا من أهل العلم يقول: " إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! وقال آخرون من الأنصار: " إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالسعي بين الصفا والمروة " فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها نزلت في هؤلاء هذا حديث حسن صحيح انتهىإ. قال الكرمانيّ: فان تلت الآية لا تدل على الوجوب فلم جزمت به عائشة رضي الله عنها قلت: أما أنها استفادت الوجوب من فعله صلى الله عليه وسلم مع انضمام 9 خذوا عني مناسككم " إليه أو فهصت بالقرائن إنّ فعله للوجوب كما قيل به، والسعي ركن عند مالك والشافعيّ وأحمد رحمهم الله وقال أبو حنيفة رحمه الله واجب فلو تركه صح حجه ويجبر بالدم وقال النووي رحمه الله هذا من دقيق علمها لأن الآية دلت على رفع الجناح عن الطائف فقط فأخبرته عائشة رضي الله عنها بأنه لا دلالة فيها لا على الوجوب ولا على عدمه وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد الإنسان منع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل عن ذلك فقال له مجيب لا جناج عليك إن صليتها في هذا الوقت فيكون جوابا صحيحاً ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر اهـ. وما نقله عن أحمد ينافي في نقل المصنف رحمه الله، وضمير أنه للطواف بهما واستدلال ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية لأنّ لا جناج بحسب الظاهر يقتضيه ولم يذكر الاستدلال بقوله: ومن تطوّع خيراً فهو خير له لأنّ تفسير تلك الآية لا يلائمه كما في شروحه ولم يجعل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه أن لا يطوف ناصراً له لأنها شاذة لا عمل بها مع ما يعارضها ولاحتمال أن لا زائدة فيها كما يقتضيه السياق. قوله: (وهو ضعيف الخ) يعني رفع الجناج وإن تبادر إلى الفهم منه عرفا التخيير وان كان مفهومه بحسب العقل مجرّد عدم الحرمة أو الكراهة فيعم الواجب والمندوب لكنه لا ينافي الوجوب وقوله من شعائر الله قرينة على إرادته منه، وأمّا التطوّع ففي اللغة التبرع وقد يقال: لفعل الطاعة متنفلاً فهو بهذا الاعتبار يستدل به لكن تعديته بنفسه تشعر بأنّ المراد به الإتيان بالفعل طوعا وهو لا ينافي الوجوب أيضاً وقوله غتيرو: " اسعوا " أمر بالسعي مع التعليل والتأكيد بأنّ الله كتب عليكم يفيد غاية الوجوب بحيث يفوت الجواز بفواته وهو معنى الركنية وهو حديث صحيح أخرجه أحمد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه والجواب عما ذكره أنه لا يقتضي إلا الوجوب المؤكد ولا دلالة على الركنية، قال الجصاص: وفي حديث الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي أنه قال أتيت النبيّ! وو بالمزدلفة فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيّ ما تركت جبلا إلا وقفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 عليه فهل لي من حج فقال: " من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف وقد أدرك عرفة قبل ذلك ليلاَ أو نهارا فقد تتم حجه وقضى ثفتهإ فهذا ينفي كون السعي فرضأ من وجهين إخباره بتمام حجه وليس السعي بينهما ولو كان من فروضه لبينه للسائل لعلمه لمجب بجهله بالحكم. قوله: (أي قعل طاعة فرضاً الخ) يعني أنّ التطوّع فعل الطاعة مطلقا فلا يدل على سنيته أو المراد أتى بما زاد على الفرض بأن حج أو اعتمر مرة أخرى وعلى القول بسنتيه فهو ظاهر وخيراً صفة مصدر محذوف أي تطوّعا خيراً أو منصوب بنزع الخافض أي تطوّع بخير ويؤيده أنه قرئ به ولذا رجحه بعضهم أو مفعول لتعذيه بتضمينه معنى أتى أو فعل وقراءة تطوّع بالمضارع والإدغام ظاهرة وقوله: مثيب الخ، قال الراغب: إذا وصف الله بالشكر فإنما يعني به إنعامه على عباده وجزاؤه لهم، وقوله: لا يخفى عليه تفسير لعليم. قوله: ( {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} الخ) يعني أنزلنا في التوراة من العلامات الدالة على أمر محمد كت ثم شرحنا فيها العلامات الدالة على صحته ثم هديناهم فيها إلى طريق متابعته بوصفه بأنه الذي يصلي إلى القبلتين كما مر وهم يكتمون ذلك ويلبسون على الناس فيه وفسر الهدي والبينات والكتاب بما ذكر لأنه الذي يكتمونه ومن بعد إمّا متعلق بيكتمون أو أنزلنا، وقوله: كأحبار اليهود هو كقوله في الكشاف من أحبار اليهود بدليل تقييده الكتاب بالتوراة، وقيل: إنه عدل عنه ليشمل النصارى وليس بشيء، وقوله: لخصناه معناه شرحناه وبيناه لا اختصرناه فإنّ المذكور في اللغة الأوّل وهو المناسب للمقام. قوله:) أولئك يلعنهم الله الخ (لم يأتي بالفاء في هذه الجملة التي هي خبر الموصول قيل: لئلا يتوهم أن لعنهم إنما هو بهذا السبب أذله أسباب جمة، ومعنى لعن الله لهم تبعيدهم عن رحمته ولعن اللاعنين دعاؤهم! لميهم وقوله الذين يتأتى إشارة إلى التعميم فيه، وقال الزجاج: اللاعنون هم المؤمنون من الجن والإن! والملائكة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل شيء في الأرض والمراد أنهم مستحقون لذلك، وقيل إنه للإشارة إلى أنه ليس على عمومه والمراد من قوله يلعنهم لعنهم في الحياة الدنيا، وقوله: {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 61 ا] فيما بعد الممات لأن أمر الدنيا على التجدد والحدوث وأمر الآخرة على الدوام والثبات فلا تكرار وان لم يغاير بينهما فالأوّل بيان لحدوث اللعنة والثاني لبيان استقرارها وثباتها. قوله: (وبينوا ما بيته الله الخ (يعني أنّ المراد بالتبيين تبيين ما في كتابهم من وصف النبيئ كي! وغيره مما كتموه فإن بذلك توبتهم تتم وعلى ما بعده المراد به إظهار توبتهم ليمحو عنهم سمة الكفر أي علامتها فيقتدي بهم أشياعهم من الكفرة وإنما ضعفه لأنّ مجرّد التوبة والرجوع عما كانوا عليه يكفي في خلع ربقة الكفر ونزع طوق اللعنة ولا يشترط إظهار ذلك لغيرهم من أضرابهم وقوله بالقبول الخ قد مرّ أنّ معنى توبة الله قبوله توبة العباد، وقوله: المبالغ في قبول التوبة معنى التوّاب، وما بعده معنى الرحيم. قوله: (أي ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات) قال الإمام: إنّ الذين كفروا عامّ فلا وجه لتخصيصه، وقال غيره: يجب حمله على من تقدم ذكره لأنّ الكاتمين إمّا أن يتوبوا فهو قوله: إلا الذين تابوا أو يموتوا من غير توبة فهو قوله: إن الذين كفروا فإن الكاتمين ملعونون في الحياة والممات، وأجاب / الإمام بأن هذا إنما يصح إذا لم يدخل الذين يموتون تحت قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ولما دخلوا استغنى عن ذكرهم فيجب حمل الكلام على أمر مستأنف، وقال الطيبي رحمه الله: أنه أحسن لأنّ الآية حينئذ من باب التذييل فيدخل هؤلاء فيها دخولاً أوّلياً فالتعريف في قوله الذين كفروا على هذا للجنس وعلى الأوّل للعهد وقوله: استقرّ الخ مرّ بيانه. قوله: (وقرئ والملافكة الخ (أي بالرفع هذه القراءة خرّجت على وجوه، منها عطفه على لعنة بتقدير لعنة الله ولعنة الملائكة فحذف المضاف من الثاني وأقيم المضاف إليه مقامه ومنها رفعه بفعل مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله، ومنها جعله مبتدأ محذوف الخبر أي والناس والملائكة يلعنونهم، ومنها أنّ لعنة مصدر مضاف إلى فاعله وهذا معطوف على محله، وقيل: عليه أنه ليس بجائز لأنّ شرط العطف على الموضع أن يكون ثمة طالب ومحرز للموضع لا يتغير وأيضا لعنة وان سلم مصدريته فهو إنما يعمل إذا انحل لأن والفعل وهنا المقصود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 الثبوت فلا يصح انحلاله لهما وسلمه له غيره، وقالوا: إنه مذهب سيبويه رحمه الله لأنه يوجب في نحو ضرب زيد وعمرو بالرفع تقدير ويضرب عمرو لكن قال الحلبيّ إن له طالبا وهو المصدر لأنه إذا نوّن يرفع الفاعل فيقال. ضرب زيد وفيه خلاف فالبصريون يجيزونه والفرّاء يمنعه، لكن قيل: إنه هو الصحيح لعدم السماع وإنما قاسه البصرئون وقد اتبعت العرب فاعل المصدر على محله رفعاً كقوله: مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل وهو صفة للهلوك على الموضع وإذا ثبت في النعت جاز في العطف إذ لا فارق بينهما وأثا قوله: إنه لا يؤوّل فممنوع وفيه نظر وقوله: وإضمارها قبل الذكر أي بدون الذكر لكنه تسمح ووجه تفخيمها وتهويلها إنه لشدة الخوف منها لا تغيب عن الأذهان. قوله: (لا يمهلون الخ (يعني أنه إمّا من الأنظار بمعنى الإمهال أو من نظره بمعنى انتظره أي انتظره ليعتذر أو انتظر عذره أو من نظره بمعنى رآه وهو يتعدّى بنفسه أيضا كما في الأساس فيصاغ منه المجهول وأمّا قوله لا ينظر إليهم فبيان للمعنى لا إشارة إلى حذف حرف الجرّ. قوله: (خطاب عامّ (ويدخل فيه الكاتمون فينتظم الكلام فلا حاجة إلى جعل الخطاب لهم ووحدته فسرها بعدم الشريك فهو فرد في ألوهيته لا يصح أن يعبد غيره أو يسمي إلها وان لم يعبد، قال النحرير: ولا يخفى أنّ في قولنا سيدكم سيد واحد من تقرير السيادة وتسليمها ما ليس في سيدكم واحد فلذا أعيدا له ولم يقل واحد ولا إله إلا هو نفي لكل إله سواه وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته لأنّ الاستثناء من النفي إثبات سيما إذا كان بدلاً فإنه يكون هو المقصود بالنسبة ولهذا كان البدل الذي هو المختار في كل كلام تام غير موجب بمنزلة الواجب في هذه الكلمة حتى لا يكاد تستعمل لا إله إلا الله بالنصب أو لا إله إلا إياه فإن قيل: كيف يصح أنّ البدل هو المقصود بالنسبة والنسبة إلى المبدل منه سلبية قيل: إنما وقعت النسبة إلى البدل بعد النقض بإلا فالبدل هو المقصود بالنفي المعتبر في المبدل منه لكن بعد نقضه ونقض النفي إثبات وهذا كله بناء على أنه بدل من اسم لا على المحل وقد جعله أبو حيان رحمه الله استثناء من الضمير المستتر في الخبر والكلام فيه يحتاج إلى تفصيل سيأتي في محله. قوله: (كالحجة عليها (أي الوحدانية لم يقل حجة لأنه لم يقصد به ذلك لما سيأتي من أن الدليل ما بعدها إذ لا شيء سوا. بهذه الصفة لأنّ ما سواه إمّا نعمة أو منعم عليه فيفيد الحصر فيه ولا يتوقف ذلك على تقدير هو فإن قيل: الكفر والمعاصي وسائر القبائح ليس بنعمة ولا منعم عليه قيل: هي كلها من حيث القابلية والفاعلية وما يرجع إلى الوجود والتنبيه نعم ومرجع الشر والقبح إلى العدم ولهذا بيان في علم آخر، وقوله: خبران آخران أي كص أنّ إله وجملة لا إله إلا هو خبران أيضاً أو المبتدأ محذوف اًي هو أو بدلان، وفاعل نزلت: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} الخ على التأويل فيه وما ذكره أخرجه البيهقي في الشعب. قوله:) إنما جمع السموات الخ) هذا ما عليه الحكماء وأما المحذثون فالأرض عندهم طبقات بين كل منها والأخرى مسافة عظيمة، وفيها مخلوقات على ما وردت به الأحاديث فالنكتة كما قال أبو حيان رحمه الله أنّ جمعها ثقيل وهو مخالف للقياس كأرضون ولذا لما أراد الله تعالى ذلك قال: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 12] ولم يجمعها ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد وجمع لم يقع مفرده كالألباب وفي المثل السائر نحوه، وقوله: متفاصلة بالصاد المهملة أي بعضها منفصل عن بعض، ولو قرئ بالمعجمة أي متفاوتة لصح ولكن الرواية والدراية مع الأوّل. قوله: (واختلاف الليل والنهار تعاقبهما الخ (الخلفة بكسر فسكون أن يخلف كل واحد الآخر ويسذ مسده وقيل: أمرهم خلفة أي يأتي بعضهم خلف بعض. قوله: (أي بنفعهم أو بالذي الخ (إشارة إلى أنّ ما إمّا مصدرية وضمير ينفع حينئذ إمّا للجري أو للبحر لا للفلك لأنه هنا جمع بدليل وصفه بالتي، وقوله: والقصد به الخ يمكن أن يقال ترك ذكر البحر لدلالة الأرض! عليه والمقصود هنا بيان جري السفن لما فيه من المنافع وكون البحر منشأ للسحاب أحد الأقوال كما مرّ، وقوله: لأنه بمعنى السفينة هذا تركه أولى من ذكره لأنه جمع هنا، وهو من الألفاظ التي استعملت مفرداً وجمعا وقدر بينهما تغاير اعتبارقي دماليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 أشار بقولي وضمة الخ، قال الراغب رحمه الله: الفلك يستعمل للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فإن الفلك إذا كان واحداً كان كبناء قفل وإذا كان جمعاً كان كبناء حمر والقراءة بضم اللام قيل: إنها لم توجد في شيء من الكتب المعتمدة، وقوله: على الأصل يعني أنه ليس مغيراً عن السكون لاتباع الفاء كما قالوا في عسر عسر بضمتين فهي لغة واردة على الأصل مبينة لأنه أصل الجمع وحينئذ يتحقق تغاير بين الجمع والمفرد. قوله: (من الأولى للابتداء الخ الما كان من قواعدهم أنه لا يتعلق حرفا جرّ بمتعلق واحد جعل الأولى ابتدائية لأن ابتداء نزوله من جهة السماء، والثانية لبيان ما الموصولة فتغاير معناهما بل ومتعلقاهما لأن من البيانية لا تكون إلا مستقرّا وجوّز) ي الثانية أن تكون تبعيضية وأن تكون بيانية بدلاً من الأولى وقوله: بالنبات وفي نسخة بالنباتات واحياء الأرض بالنبات مجاز معروف. قوله:) عطف على أنزل الخ) قد خفي أمر العطف هنا معنى ولفظا أفا معنى فلأنّ الماء المنزل من السماء والدواب المبثوثة لا جامع بينهما حتى يعطفا وتقابل السماء والأرض غير كاف والعطف على ما بعد الفاء يقتضي تسببه عن الإنزال وهو غير ظاهر، وأمّا لفظا فلأنه على الأوّل في حيز الصلة ولا عائد فيه وتقدير به لا يجوز لأنّ المجرور إنما يحذف إذا جرّ الموصول بمثله وهو مفقود هنا مع ما في الأوّل من الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه حتى اختار أبو حيان رحمه الله أنه على حذف الموصول أي وما بث لقيام القرينة عليه ولأنه يصير آية مستقلة، قال وحذف الموصول! جائز في كلام العرب حتى قاسه الكوفيون وأجيب بأن أحى من تتمة الأوّل، أو المعنى وما أنزل لإحيائها فيظهر الجامع وعدم الفصل لاحتياج الدواب إلى الماء والنبات ولا خفاء في التسبب لأن الماء سبب حياة المواشي والدواب من أوجه وسبب بثها لأنّ الحركة فرع الحياة وهي بذلك، وجعل عطفه على أنزل أظهر لسبقه ولدلالته على الاستقلال وضمير فيها للأرض! وإن كان سيأتي في {حم عسق} أن في السماء دواب أيضا لأنها غير مشاهدة لهم حتى تكون آية وإذا عطف على أحى فلا حاجة إلى تقدير الضمير لأنّ الفاء السببية تكفي في الربط وما ذكره من شرط حذف المجرور أكثرفي لا كليّ، والحيا بالقصر والمد المطر والخصب ومهابها جمع مهب وهو جهة هبوبها، وأحوالها من اللين والشدة والبرد والحرارة ولا يتقشع من التفعل أو الانفعال بمعنى يزول وقوله: مع انّ الطبع الخ يعني يقتضي صعوده إن كان لطيفا وهبوطه إن كان كثيفآ ومسخر اسم مفعول ضميره أو تقلبه نائب فاعله والضمير للسحاب وسمي سحاباً لانسحابه في الجوّ أو لسحب بعضه بعضا أو لجرّ الرياج له. قوله:) يتفكرون فيها الخ (يعني المراد بالعقل هنا بقرينة المقام التفكر في هذه الآيات وتدبرها وعيون العقول استعارة مكنية وقوله: ويل الخ قال العراقي لم أقف عليه لكن رواه ابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها بغير هذا اللفظ وهو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ثم قال: " ويل من قرأها ولم يتفكر فيها "، وقال الأوزاعي: التفكر فيها أن يقرأها ويعقلها وقوله: مج بها من مج الريق من فيه، والباء لما فيه من معنى الرمي ووجه الدلالة على التفكر أن من تفكر فيها فكأنه حفظها ولم يلقها من فيه. قوله:) والكلام المجمل الخ (محتملة بفتح الميم وأنحاء بالمذ تجمع نحو بمعنى جهة أي وجهات مختلفة والمنطقة دائرة عظيمة متساوية البعد عن القطب فلا تمرّ به والقطب رأس القطر من الجانبين والأوج أبعد بعد من المركز والحضيض يقابله ولا بذ منهما فوجودها على هذا النمط البديع يدل على أنّ لها موجداً قادراً حكيما لا يدانيه شيء ولا يعارضه غيره وما ذكره كله مبنيّ على مذعي أهل الهيئة، وأهل الشرع والظاهر ما بين منكر له وساكت عنه. قوله: (إذ لو كان معه إله يقدر الخ (هذا برهان التمانع المذكور في الكلام وسيأتي تقريره في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله والتطارد بمعنى التمانع، وأصله طرد أحدهما الآخر. قوله: (من الأصنام الخ (فسر الأنداد هنا بالأمثال دون الأضداد إذ لم يقصد التهكم هنا وقيل: أنه لا مانع منه لكن ما بعده لا يناسبه فتأمل وهي إمّا الأصنام أو الرؤساء الذين اتبعوهم وفسر المحبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 بالتعظيم والطاعة لتلازمهما كما قيل: تعصي الإله وأنت تظهرحبه هذالعمري في القياس بديع قوله: (أي يسوّون الخ) هذا مفهوم بقرينة قوله أشد حبا والا فالتشبيه لا يقتضي المساواة بل زيادة المشبه به وحب الله مصدر مبنيّ للفاعل مضاف إلى المفعول أو مبنيّ للمفعول، وقوله: من الحب بالفتح كحب الحنطة ونحوها وواحده حبة، وحبة القلب وسطه مستعار له، فقوله: أستعير لحبة أي استعير الحب لها ثم اشتق منه المحبة لأنها أثرت في صميم القلب ورسخت فيه كما يقال: رأسه إذا أصاب رأسه وهذا كله مأخوذ من كلام الراغب. قوله: (ومحبة العبد دلّه الخ (قال بعض المتكلمين ة المحبة نوع من الإرادة فتتعلق بالجائزات فلا يمكن تعلقها بذاته تعالى وصفاته، وقالت الصوفية: العبد يحب الله لذاته وأمّا حب خدمته وثوابه فمرتبة نازلة، وقال الإمام رحمه الله: من حمل محبة الله على محبة طاعته أو محبة ثوابه فقد عرف أن اللذة محبوبة لذاتها ولم يعرف أن الكمال محبوب لذاته، وأما نحن فنحب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء بمجرّد اتصافهم بصحفات الكمال فالله تعالى المتصف بكل كمال لا يزانيه كمال أولى بالمحبة مما سواه، ومن أراد تفصيله فلينظر في الإحياء، والمصنف رحمه الله لم يعدل عن هذا إلا لأن ذلك من خواص الخواص والكلام هنا على العموم وأما محبة الله للعبد فهي بمعنى إرادة الخير له إذ هو منزه عن الميل المذكور. قوله: الأنه لا تنقطع محبتهم الله الخ) إشارة إلى أنّ أشد بمعنى أدوم وأرسخ لا أكثر قال النحرير: آثر أشد حباً على أحب لأنه شاع في الأشد محبوبية يعني فعدل عنه احترازاً عن اللبس وهذه نكتة لطيفة في العدول عن أفعل القياسي، وأيضاً أحب أكثر من حب فلو صيغ منه لتوهم أنه من المزيد وفي الحديث: " من أحبك لشيء ملك عند انقطاعه " وقوله: ولذلك كانوا الخ كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [سورة العنكبوت، الآية: 65] الآية ومن اللطائف هنا أنّ باهلة كانت لهم أصنام من حي! أي تمر مخلوط بأقط وسمن فجاعوا في قحط أصابهم فأكلوها فقيل إنه لم ينتفع مشرك بآلهته كانتفاعهم بها فإنهم ذاقوا حلاوة الكفر. قوله: (ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا الخ (يعني إن رأى هنا بمعنى علم والذين ظلموا من وضع الظاهر موضح المضمر للدلالة على أنّ اتخاذ الأنداد ظلم عظيم، وقوله: إذا عاينوه إشارة إلى أنّ إذ بمعنى إذا والمضارع بمعنى الماضي ورأى بصرية ولا يخفى أنه إذا كانت إذ بمعنى إذا فالرؤية في المستقبل، فتأويله بالماضمي ثم جعل الماضي عبارة عن المستقبل لتحقق الوقوع تكلف لا داعي له إلا المناسبة اللفظية بين إذا والماضي فتأمّل. قوله:) ساذ مسذ مفعولي ير! الخ) مما يدل على أنها من الجواب أنه قرئ بكسران وقوله: لا ينفع الخ مأخوذ من قوله جميعا وبه يرتبط النظم. قوله:) على أنه خطاب للنبتي صلى الله عليه وسلم الخ (في الكشاف وقرئ ولو ترى بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب أي! ن تصح منه الرؤية والمصنف رحمه الله تعالى ترك الثاني مع أنه من الفصاحة بمكان وهو متعدّ إلى مفعول واحد وهو الذين ظلموا، قال النحرير: وبنبغي أن يكون إذ يرون بدلاً منه، وكذا إذ تبرأ إذا لم يعهد الإبدال من البدل وأنّ القوّة في موقع بدل الاشتمال من العذاب وفي جعله بمنزلة المبصر المشاهد مبالغة، وقيل: هو في معرض التعليل للجواب المحذوف أي لرأيت أمراً عظيما لأنّ القؤة لله الخ وفيه فصل بالجواب ومتعلقه بين البدل الذي هو إذ تبرأ والمبدل منه، وأورد عليه أنه يقتضي جواز تعذد البدل بلا شبهة وإنما التردد في جواز البدل من البدل مع أنه لم يرد تعذد البدل في شيء من كتب النحو ولا ضرورة في هذه القراءة إلى جعل إذ بدلاً من المفعول إذ يصح إبقاؤه على الظرفية مع أنّ إن على هذه القراءة لا يتعين فتحها إذ قرئت بالكسر أيضاً وهو يؤيد ما زيفه من التعليل فتأمّل. واضمار القول تقديره لقلت إنّ القوة الخ على أنه جواب. قوله: (والواو للحال الخ) رجح الحالية على العطف لتأذيه إلى إبدال رأوا العذاب من إذ يرون العذاب وليس فيه كبير فائدة ولأنّ الحيق بالاستعظام والاستفظاع هو تبرؤوهم في حال رؤية العذاب لا هو نفسه، وقيل عليه إنّ البدل! الوقت المضاف إلى الأمرين والمبدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 منه الوقت المضاف إلى واحد ولبس بينه وبين إبدال الوقت المضاف إلى التبري مقيداً برؤية العذاب كبير فرق وقوله: والأوّل أظهر لاستقلاله في الاستفظاع، والحالية إمّا من فاعل تبرأ أو رأوا فتكون متداخلة وباء بهم للسببية بتقدير مضاف أي بكفرهم أو الحالية أي ملتبسة وقيل: إنها للتعدية واستبعدت الحالية بأنّ تقطعها ليس في حال تلبسهم بها وفيه نظر. قوله: (وأصل السبب الخ) قال الراغب في مفرداته: السبب الحبل الذي يصعد به النخل ومثل هذه القيود بناء على الأكثر فيها فلا يرد ما قيل: إن هذا القيد غير مذكور في كتب اللغة، والوصل بضم الواو وفتح الصاد المهملة جمع وصلة بسكونها. قوله: (لو أنّ لنا كرّة الخ) المراد من الكرّة الرجوع إلى الدنيا أي ليت لنا كرّة إلى الدنيا، قال النحرير: هذا بيان للمعنى وأمّا بحسب اللفظ فأنّ لنا كرّة في موضع رفع أي لو ثبت أنّ الخ ونتبرأ مع أن المضمرة عطف عليه وإنما تمنوا ذلك لأنّ التبري منهم في الآخرة لا يضرهم لأنهم في شغل شاغل، وأمّا على قراءة مجاهد ففيه إشكال لأنّ الاتباع إذا تبرؤوا في الآخرة لم يكن لهذا التمني معنى بل ينبغي أن يكون هذا من المتبوعين على ما قيل إنّ حقه أن يقرأ وقال الذين اتبعوا على البناء للمفعول، واعترضى بأنّ هذا يكون تمنيا لذل الدنيا بعد ذل الآخرة وفيه نظر ووجه النظر أنّ ذل الآخرة مشترك بينهما وأنهم بعد ما اتضح الحال لو رجعوا إلى الدنيا لم يتبعوهم حتى يتبرأ الرؤساء منهم فلا يليق مثله في النظم وهو ظاهر. قوله: (مثل ذلك الآراء الخ) الأراء مصدر أراء أراءة وأراء كما سمع إقاما واقامة والمعروف في مثله التاء لأنها عوض عن العين المحذوفة لكن حكى هذا سيبويه قيل: واختار. مع أنه خلاف المشهور ليوافق تذكير ذلك وإن كان تأنيث المصدر غير معتبر أو لأنّ الإراءة عرفت في معنى الرياء وهو غير صحيح هنا وجعل المشار إليه مصدر الفعل المذكور بعده لا ما قبله كما مرّ تحقيقه في قوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . قوله:) يريهم الله أعمالهم الخ) الرؤية هنا يحتمل أن تكون بصرية فتتعدى لاثنين أوّلهما الضمير والثاني أعمالهم وعلى هذا حسرات حال من أعمالهم، وأن تكون قلبية فتتعذى لثلاثة مفاعيل ثالثها حسرات وعليهم إمّا متعلق بحسرات بتقدير مضاف أي على تفريطهم لأنّ حسر يتعدى بعلى أو صفة لحسرات والحسرة الندم أو شذته. قوله:) أصله وما يخرجون الخ) يعني أنّ التركيب مثل وما أنت علينا بعزيز والمعروف فيه قصد اختصاص المسند إليه بالنفي وثبوت الفعل لغيره لكنه لم يقصد هنا الحصر وان كان صحيحاً لأنّ أرباب الكبائر يخرجون من النار وإنما القصد إلى التقوى وقد تبع فيه المصنف رحمه الله الزمخشرفي حيث قال: هم بمنزلته في قوله: هم يفرشون اللبد كل طمرّة في دلالته على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص واعترض عليه في عروس الأفراج وقالط هي دقيقة اعتزالية لأنه لو جعله للاختصاص لزمه تخصيص عدم الخروج بالكفار فيلزم خروج أصحاب الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والزمخشري أكثر الناس أخذ بالاختصاص في مثله فإذا عارضه الاعتزال فزع منه اهـ، فكان على المصنف رحمه الله أن لا يتبع هواه فيه وان كنا نقول من جانبه أنه اعتمد على ما يدل على خلافه من النصوص وسيأتي مثله في سورة المائدة في قوله وما هم بخارجين منها. قوله: (نزلت في قوم حرّموا الخ (قيل إنه ليس كذلك إنما نزلت في المذكورين آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 87] وأمّا هذه فنزلت في الكفار الذين حرموا البحائر والسوائب والوصائل كما ذكره ابن جرير وغيره بدليل قوله: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [سورة البقرة، الآية: 170] كما ذكر في قصة البحائر وخطاب المؤمنين بعده بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} كما خوطبوا في تلك الآية لأنهم مؤمنون فعلوا ذلك زهداً وهو وارد غير مندفع. قوله:) وحلالآ مفعول كلوا الخ) في هذه الآية وجوه من الإعراب الأوّل أن حلالاً مفعول كلوا ومن لابتداء الغاية متعلقة بكلوا قيل: لا للتبعيض لأنّ من التبعيضية في موقع المفعول أي كلوا بعض ما في الأرض فإن قيل: لم لا يجوز أن تكون حالاً قدم عليه لتنكيره، قيل: لأن كون من التبعيضية ظرفا مستقرّاً أو كون اللغو حالاً مما لا يقول به النحاة (أقول) أما كون الثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 مما لا يقول به النحاة فظاهر وأمّا الأول فليس كما قال فإنهم صزحوا بأنّ من التبعيضية تكون مستقرّاً ولغواً وسكت عن كونها بيانية كأنه ظن أنها لا تتقدم على المبين والصحيح خلافه. قوله: (أو صفة مصدر محذوف أو حال الخ (ومن يجوز فيها الابتداء أو التبعيض، وقوله: إذ لا يؤكل كل ما في الأرض ظاهره أنه على سائر الوجوه السابقة فليتأمّل. قوله: (يستطيبه الشرع أو الشهوة) قيل: المراد على الأوّل ما لا شبهة فيه وهو ظاهر، وأتا على الثاني فيرده أنّ ما ليس كذلك إمّا حلال بلا شبهة فلا منع منه أو لا فخارج بقيد الحلال ولا يتأتى الجواب بأنه صفة مؤكدة لا! قوله: إذ الحلال الخ يأباه وهو غير وارد إذ المراد بالحلال ما نص الشارع على حله وبهذا ما لم يرد فيه نصى ولكنه مما يستلذ ويشتهيه الطبع المستقيم ولم يكن في الشرع ما يدل على حرمته كإسكار وضرر. قوله: الا تقتدوا به الخ) يعني أن اتباع الخطوات استعارة للاتباع كما يقال: هو على أثره على قدمه. قوله: (وقرأ الخ (يعني أنه قرئ بضم الخاء والطاء وبضم الخاء وسكون الطاء وبفتح الخاء والطاء وبفتح الخاء وسكون الطاء وبضمهما والهمزة ووجهها أنّ فعلة الساكن العين السالمها إذا كان اسما جاز في جمعه بالألف والتاء ثلاثة أوجه السكون وهو الأصل والاتباع وفتح العين تخفيفا، وأفا قراءة الهمزة ففيها وجهان قيل: إنها أصلية من الخطا بمعنى الخطيئة وقيل: إن الواو وقلبت همزة لأنّ الواو المضمومة تقلب لها نحو أجوه وهذه لما جاورت الضمة جعلت كأنها عليها، والفرق بين الخطوة بالفتح والضم أنّ الأوّل مصدر للمرّة كالضربة والثاني اسم للمتخطي أي ما بين القدمين كالغرفة للمغروف. قوله: (ظاهر العداوة) يعني أنه من أبان بمعنى بان وظهر وتسميته وليا باعتبار ما يظهره ويحتمل أنه من باب تحيتهم السيف. قوله:) بيان لعداوته الخ (يعني أنّ هذه الجملة مستأنفة لبيان ما قبله ولذا ترك عطفه، ووجوب التحرّز لأنّ ما يأمر به ويزينه قبيح فلا يرد ما قيل: إنّ التحرّز إنما هو من كونه عدوّاً مبينا، وقوله: واستعير الخ لدفع ما يتراءى من معارضته لقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إذ الأمر يقتضي العلوّ التسلط ووجه الدفع أنّ الأمر استعير لتزيينه القبائح ووسواسه، ودفع أيضاً بأنّ الأمر للاستعلاء لا للعلوّ وبأنّ المأمورين من اتبع خطواته وهم الغاوون والمذكور في الآية الأخرى غيرهم وعلى الأوّل فهو استعارة تبعية ويتبعها الرمز إلى أنهم بمنزلة المأمورين لما بين الأمرين من الملازمة، وقال الإمام: أمر الشيطان عبارة عن الخواطر التي نجدها في أنفسنا وفاعلها هو الله تعالى كما هو أصلنا لكن بواسطة إلقاء الشيطان إن كانت داعية إلى الشر بواسطة الملك إن دعت إلى الخير وبعض الصوفية والفلاسفة يفسر الملك الداعي للخير بالقوّة العقلية والشيطان بالقوّة الشهوانية والغضبية، ثم إنهما إن كنا شيئا واحداً فالعطف لتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الحقيقتين والا فالأمر ظاهر. قوله: (وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأساً (أي ابتداء من غير نظر ومأخذ يقتضيه الدليل وهذا توطئة لما بعده من قوله وأمّا اتباع المجتهد الخ وحاصله دفع سؤال وهو أنّ المجتهد يعمل بمقتضى ظنه الحاصل عنده من النصوص فضلا عن المقلد ف! صيف يمنع من القول بغير علم، والجواب أنّ الشارع جعل ظنه مناطا للأحكام وعلة لها كما جعل ألفاظ العقود علامة عليها فمتى تحقق ظنه بالوجدان علم قطعا ثبوت ما نيط به إجماعاً بل ضرورة من الدين فقد أفضى به ظنه إلى العلم بالأحكام أنفسها ووجب عليه العمل بمقتضى ظنه لذلك، فالطريق ظتي والمقصد علم محقق أو علمه بوجوب أنّ اتباع الحكم المظنون يوصله إلى العلم بثبوته من الله تعالى في حقه مع مقلديه بأن يقول هذا حكم يجب عليّ اتباعه وما ليس حكما ثابتا من الله تعالى لا يجب عليّ اتباعه والمقدمتان قطعيتان فكذا النتيجة أعني كوته ثابتاً من الله تعالى في حقه وإن أردت تحقيق هذا فانظر حواشي العضد والمدرك بالفتح بزنة اسم المكان ما يؤخذ منه الحكم وهو من ألفاظ الأصوليين المولدة. قوله:) الضمير للناس وعدل عن الخطاب الخ (هذا غفلة عما قاله هناك فإنه فسر الناس بالمتزهدين وهو لا يصح هنا بل هم اليهود أو المشركون والضمير للناس على طريقة الالتفات، ولو كانوا غير الأوّلين لم يكن هناك التفات، وألفى بمعنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وجد كما صرح به في الآية الأخرى وألفه منقلبة عن ياء. قوله: (الواو للحال أو العطف الو وأن الوصلية في مثل هذا تقترن بالواو وقال أبو حيان رحمه الله إنها لازمة لا يجوز إسقاطها واختلف فيها فقيل: عاطفة على حال مقدرة وقيل: حالية وقيل: القولان بمعنى لأنّ المعطوت عليه حال فهي عاطفة وحالية وهذا هو الصحيح وبعينه قول العرب: قد قيل: ما قيل أصدقا وان كذبا ونحوه والضابط فيها أن تقدر بالأبعد ليفيد الأقرب دلالة وفي الكشف إن الشرط نقل لمجرّد التسوية وهذا الشرط لا يقتضي جوابا على الصحيح لأنه خرج عن معنى الشرطية وإنما يقدرونه توضيحا للمعنى وتصويراً له وأمّا دلالتها على المنع من التقليد فلزمهم على اتباع آبائهم ولو كانوا لا يهتدون فإمّا من تيقن أنه مهتد محقق فلا يدخل فيه وهو ظاهر. قوله: (على حذف مضاف الخ) اختلف في هذا التشبيه هل هو مفرّق على أنه تشبيه أشياء بأشياء أو تشبيه مركب بمركب وانّ تقدير المضاف هل هو مبني على التفريق أم لا فقيل: لا بد من تقدير المضاف وان كان مركبا على ما ينبئ عنه لفظ المثل لأنّ المناسبة تقتضي إضافة المثل أي الحال والقصة في الطرفين إلى المتناسبين الواقع أحدهما موقع الآخر وان لم يكن القصد الأصلي تشبيهه به كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [سورة البقرة، الآية: 17] و {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [سررة الجمعة، الآية: 5] ولا يحسن كمثل الأسفار وبهذا يندفع ما يقال لم لا يجوز أن يكون التشبيه مركباً غير مفرّق فلا يحتاج إلى تقدير وأورد عليه أنهم قد صرحوا في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء} [سورة يونمى، الآية: 24] أنه لا تقدير فيه على التركيب وتابعهم هذا القائل في قوله تعالى. {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 9 ا] وفيه بحث ليس هذا محله، وإذا قلنا بالتقدير سواء كان لازما في الوجهين أو في أحدهما فإما أن يقدر في الأوّل مثل داعي الذين كفروا أو في الثاني أي كمثل بهائم الذي ينعق وعلى التفريق فالداعي بمنزلة الراعي والكفرة بمنزلة الغنم المنعوق بها ودعاؤه الكفرة بمنزلة صياج الناعق وعلى التركيب شبه حال هذا الداعي مع من دعاه في أنهم يسمعون قوله ولا يفهمونه بمنزلة الراعي الصائح بغنمه وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهذا وإليه أشار بقولة والمعنى الخ، ومغزاه بالعين والزاي المعجمتين أصله محل الغزو والقتال وتجوّز به عن المقصود منه يقال: هو لا يعرف مغزى كذا أي ما يقصد منه وهذان وجهان من ثمانية أوجه في الآية وهما الأرجح وجوّز فيه الزمخشري أن يراد بما لا يسمع البهائم كما هو الظاهر من كلمة ما، والنعيق التتابع في تصويت البهائم وأن يراد الأصم الأصلح وتركه المصنف رحمه الله لأنه خلاف الظاهر من وجوه والداعي هنا الداعي إلى الإيمان. قوله: (وقيل هو تمثيلهم الخ (في الكشاف، وقيل: معناه ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل البهائم التي لا تسمع إلا ظاهر الصوت ولا تفهم ما تحته فكذلك هؤلاء يتبعونهم على ظاهر حالهم ولا يفقهون أهم على حق أم باطل فشبه حالهم في اتباع آبائهم بحال البهائم كما أنها لا تتبع إلا ظاهر النداء كذلك هؤلاء لا يتبعون إلا ظاهر حال الآباء وهذا أشذ مناسبة لما قبله وفيه احتمال التركيب والتفريق والأوّل أولى ولا تقدير على هذا التقدير. قوله: (أو تمثيلهم في دعائهم الآصنام الخ (يعني أنّ هذا الوجه فيه احتمالان أحدهما أن يكون تشبيها مفرقاً والآخر أن يكون تمثيلا والاحتمال الأوّل مردود لفقدان التقابل بين المشبه والمشبه به وعدم صحة قوله الادعاء ونداء لأنهم لا يسمعون شيئاً، والثاني مقبول لعدم ورود ذلك وأورد عليه أنه على التمثيل لا يندفع ذلك لأنّ المراد أنّ داعي الأصنام لا يرجع من دعائها إلى شيء وأنها أدون حالاً من البهائم لأنها تسمع دعاء ونداء وهي لا تسمع شيئا قط قال تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} فإذا لم يوجد في الممثل ما للممثل به يناسبه تفوت هذه الدقيقة لأنّ الواجب في التمثيل أن يقدر للممثل له ما للممثل به من الحال المتوهمة المنتزعة من أمور ولو اختل منها شيء اختل التمثيل اللهم إلا أن يجعل التشبيه مركباً عقلياً أي مثل دعائهم الأصنام فيما لا جدوى فيه كمثل الناعق بما لا يسمع الادعاء ونداء وردّ بأن ما يذكر في الطرفين لا بد أن يكون له دخل في انتزاع الهيئة والفرق بين المركب الوهمي والمركب العقلي في ذلك بتخصيص المدخلية وهم وهذه جملة معطوفة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 الجملة الشرطية تقرّر ما ذمهم به من التقليد وعدم رفعهم رأسا إلى اتباع الممد من عند الله بالتأييد وعطفه على خبر كان آباؤهم بجعل الذين كفروا مظهراً قائما مقام الضمير عدول عن الظاهر، وقوله: رفع على الذم أي خبره مبتدأ محذوف تقديره هم فإن قلت المرفوع على الذم أو المدح وكذا المنصوب نعت مقطوع وهذا نكرة لا يصح أن يكون نعتاً للذين حتى يقطع، قلت: سيأتي أنّ النعت إذا قطع لا يشترط فيه ما يشترط إذا أجرى كما صرحوا به. قوله:) أي مما يعقل الخ (وقع في النسخ هنا اختلاف فعلى هذه المراد التعميم أي لا يعقلون شيئا مما يعقل ويعقل مجهول وفي نسخة بالفعل وفي نسخة بالعقل والمراد به العقل المكتسب لا ما هو بحسب الفطرة والاستعداد. قوله: (لما وسع الأمر الخ) هذا لا ينافي قوله في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} إنها نزلت الخ لأن خصوص السبب لا ينافي عموم اللفظ كما بين في الأصول وقوله: سوى ما حرم مأخوذ من قوله حلالاً، فإن قلت: قوله أن ينحروا طيبات الخ أي يقصدوا يقتضي أنه لم يسبق مع أنه قال أوّلاً حلالاً طيبا قلت على تفسير الطيب الأوّل هناك لا يرد وعلى الثاني فالمخصوص بهذا المقام التحري مه! القيام بالحقوق لا هو فقط. قوله:) فإنّ عبادته لا تتم إلا بالشكر الخ (في نسخة فالمعلق بفعل العبادة هو الأمر بالشكر لإتمامه وهو عدم عند عدمه يعني أنه علق العبادة بالشكر بل علق حصرها فيه وتوحيده بها به وهو يقتضي أن لا ينفك أحدهما عن الآخر فأجاب بأنّ المراد تمامها وهو إنما يكون بالشكر ولو قبل: أن الشكر لا يوجد بدون العبادة لأنه نوع منها بل هي عين الشكر إذ هو أعم من اللسان والجنان والأركان لصح لكن المصنف رحمه الله بناه على المتبادر وهو أن المراد بالعبادة ما يكون طاعة معروفة وبالشكر الحمد اللساني فتأمّل وقوله: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ أخرجه الطبراني في السنن والديلميئ والبيهقيّ: " ويعبد ويشكر " مجهولان. قوله: (أكلها والانتفاع بها الخ الما سيأتي من أن الحرمة تتعلق بأفعال المكلفين فإذا علقت بالعين فالمراد تحريم التصرف والانتفاع مطلقا إلا ما خصه الشرع كالانتفاع بالجلد المدبوغ وألحق بالميتة ما أبين أي فصل من حيّ وهو بعض أعضائه وأمّا السمك والجراد فميتتاهما غير حرام إمّا لأن الميتة في العرف ما يذكي إذ لم يذكيا أو أنه خص بحديث: أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال. قوله: " نما خص اللحم الخ) قال ابن عطية خص اللحم ليدل على تحريم عينه ذكي أو لم يذك وفيه نظر. قوله:) اي رفع به الصوت الخ) هذا أصله ثم جعل عبارة عما ذبح لغير الله، وكون الإهلال أصله رؤية الهلال كما ذكره المصنف رحمه الله هو ما ذهب إليه كثير من أهل اللغة وارتضى في الكشف أن هذه المادة وضعت للأولية فيقولون الهلل لأول المطر والهلال لأوّل ما يبدو القمر، ثم قيل: أهل الصبيّ إذا رفع صوته حين الولادة لأنه أوّل ظهوره وسماع صوته ثم استعمل في رفع الصوت مطلقاً وقوله: بالاستئثار أي طلب أن يؤثر نفسه على ذلك المضطرّ الآخر بأن ينفرد بتناوله فيهلك الآخر. قوله: (سدّ الرمق الخ (أصل معنى عدا تجاوز ومنه العدوان لتجاوز الحد كما أنّ بغي بمعنى طلب ومنه البغي لطلب الفساد والخروج على الإمام وقد فسرا هنا بهذين المعنيين فاختار المصنف رحمه الله تفسير البغي بالبغي على الغير بأخذ نصيبه والعادي بالمتجاوز ما يسدّ الرمق والجوع، وعلى القول الآخر هو من البغي والعدوان لكن خلاف القول الصحيح عند الأئمة الأربعة إلا في قول للشافعيّ وأحمد قالا بمثله في قصر الصلاة. قوله:) المراد قصر الحرمة الخ) يعني أنه ردّ على المشركين في تحريمهم ما أحل الله من السائبة وأخواتها وتحليلهم ما حرّمه الله من هذه المذكورات كأنهم قالوا تلك حرمت علينا لكن هذه أحلت فقيل: لهم ما حرم عليكم إلا هذه فهو قصر قلب هذا معنى الوجه الأوّل وهو مبنيّ على أنه للكفار فإن عاد على المؤمنين في تحريمهم لذيذ الأطعمة ورفيع الملاب! فهو قصر إفراد، وقوله: فمن اضطرّ الخ لتفصيل الحكم وبيانه بأنه محرّم في حال الاختيار وقوله: أو قصر حرمته على حال الاختيار أي أنه يعلم من التفريع المذكور أنّ الحكم الأوّل مقيد بحالة الاختيار والحصر بالنسبة إليه حقيقيّ لكنه مخالف للظاهر إذ الحصر في وصف غير مذكور في الكلام بعيد، ولذا قال الطيبي رحمه الله: إنه ضعيف، وقوله عوضاً فسر الثمن به لدخول الباء على ما يقابله وقد مضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 الكلام فيه. قوله.) إمّا قي الحال الخ (المأكول هنا هو الرشا التي أخذوها في مقابلة ما بذلوه وأكلها مجاز عن أخذها والنار مجاز عنها من إطلاق المسبب على السبب عكس ما في البيت فالمراد بالتلبس ملابسة السببية لا أنه إسناد مجازفي. قوله: (كلت دماً الخ) هو لأعرابي تزوّج امرأة فلم توافقه فقيل له: إنّ حمى دمشق تهلك النساء سريعا فحملها إليها وقال: دمشق خذيها واعلمي أن ليلة تمزبعودي نعشها ليلة القدر أما لك عمر إنما أنت حية إذا هي لم تقتل تعش آخرالدهر ثلاثين حولاً لا أرى منك راحة لهنك في الدنيا لباقية العمر أكلت دما إن لم أرعك بضرّة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر قال التبريزي: أجود الوجوه في معناه أنه يدعو على نفسه بأن يقتل له قتيل فيأخذ ديته، ويجوز أن يكون المراد بأصابني جدب وحاجة لأنهم كانوا يأكلون الدم في القحط أو يعني بالدم دم الحية وهو سمّ فلا شاهد فيه وأرعك بمعنى أخوّفك والمراد أسوءك وبعيدة مهوى القرط وهو الحلقة في الأذن كناية عن طول العنق، وقيل الأحسن طول القامة وقوله أو في المآل معطوف على في الحال وأكل النار عبارة عن إحراب باطنهم والا فهي لا تؤكل حقيقة. قوله: (ومعنى في بطونهم الخ الا يخفى أن البطن ليست ظرفاً للأكل بل للمأكول لأنّ الأكل المضغ أو التغذي لكن يذكر معه للذلالة على أنه ملؤوه وإذا قيل في بعض بطنه فالظاهر ما دون الملء ففي كلام المصنف رحمه الله تأمّل. وقيل: إنه بيان لحاصل المعنى وأمّا التحقيق فهو أنه جعل البطن بتمامه محل الأكل بمنزلة ما لو قيل: جعل الأكل في البطن فهو ظرف متعلق بيأكل لا حال مقدرة على ما في تفسير الكواشي) أقول) قال أبو البقاء: الأجود أن تكون حالاً مقدّرة لأنها وقت الأكل ليست في بطونهم وإنما يؤول إلى ذلك والتقدير ثابتة في بطونهم لكن فيه تقدم الحال على الاستثناء وهو ضعيف. قوله:) كلوا في بعض بطنكمو تعفوا) تمامه: فإن زمانكم زمن خميص أي تعفوا عن السؤال. قوله: (عبارة عن غضبه الخ الما كان الله يسألهم حمل الكلام على الكلام بما يسرهم فيكون مخصوصا بقرينة المقام ولم يرتضه المصنف رحمه الله وجعله عبارة عن غضبه على طريق الكناية، وكذا قوله وتعريض بحرمانهم لأنّ التعريض نوع من أنواع الكناية وهو مبنيئ على أن سؤال القيامة لهم من الله وقيل: إنه ليس كذلك بل بواسطة الملائكة عليهم الصلاة والسلام وحمل التزكية على الثناء لأنها لازم معناه، وقوله: أليم بمعنى مؤلم مرّ ما فيه ومعنى اشتراء الهدى بالضلال استبداله، وقوله: بكتمان متعلق بهما. قوله: (تعجب من حالهم الخ) اختلف في ما أفعل في التعجب فذهب الجمهور إلى أنّ ما نكرة تامّة ومعناها التعجب فمعنى ما أحسن زيداً شيء صير زيداً حسناً وذهب الفرّاء إلى أنّ ما استفهامية ضمنت معنى التعجب نحو كيف تكفرون بالله وذهب الأخفش إلى أنها موصولة وفي قول له إنها نكرة موصوفة وعلى هذه الأقوال هي في محل رفع على الابتداء والجملة خبرها أو خبرها محذوف إن كانت صفة أو صلة، وبقية الكلام فيه مبسوط في النحو ثم إنّ التعجب هنا راجع إلى العباد وأنّ حالهم حقيق بأن يتعجب منها لأنّ التعجب منشأه الجهل بالسبب وهو في نفسه انفعال فلا يجوز عليه تعالى من وجهين، ثم إنّ الصبر هنا مجاز عن الجراءة على أسباب العقوبة وهو من بليغ الكلام، قال الراغب: قال أبو عبيد إنّ ذلك لغة بمعنى الجراءة واحتج بقول أعرابيّ قال لخصمه ما أصبرك على الله وهذا تصوّر مجاز بصورة حقيقة لأنّ ذاك معناه ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك والى ذلك يعود قول من قال ما أبقاهم على النار وقول من قال ما أعلمهم بعمل أهل النار، ويصح أن يكون استعارة تمثيلية وقوله: كتخصيص! قولهم الخ يعني قصد التعجب لأنه من المخصصات كالاستفهام أو لأنه موصوف تقديراً وان كانت موصولة أو موصوفة فهو ظاهر وبقية الأقوال واضحة وكلها بناء على التعجب، وجوّز فيه وجه آخر وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 أن تكون ما استفهامية قصد بها التوبيخ وأصبر فعل ماض بمعنى صيره صابراً لكنه لم يوجد في اللغة أصبر بهذا المعنى، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله: (أي ذلك العذاب بسبب الخ (يعني ذلك إشارة إلى العذاب والكتاب للجنس والمختلفون هم اليهود القائلون بأنّ البعض من هذا الجنس حق كالتوراة والبعض باطل كالقرآن وجوّز أن يكون إشارة إلى كفر اليهود والكتاب للمعهود أعني القرآن والمختلفون هم المشركون حيث افترقوا في شأنه فرقا وهو ظاهر وأمّا على الأوّل فالاختلاف عائد إلى جنس الكتاب حيث جعلوه قسمين ووصف القوم به تجوّز ثم لما كان إنزال الكتاب ليس نسبباً للعذاب قدر قوله فرفضوه الخ للقرينة القائمة عليه لتتضح السببية وقيل: السببية راجعة إلى الحال الذي هو القيد أي وان الذين الخ فليتدبر. قوله: (وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب الخ) تقدم الإشارة إلى أنّ الجملة حالية وأنّ اختلافهم بمعنى اختلاف الكتب عندهم وأن الإسناد مجازيّ وأمّا إذا أريد التوراة فالذين واقع على اليهود وهم لم يختلفوا فيها فالمراد باختلفوا تخلفوا عن سلوك طريق الحق فيها وتأخروا عنه أو جعلوا ما بدلوه خلفا عما فيها، قال الراغب: يقال تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه وإذا جاء خلف آخر وإذا قام مقامه ومصدره الخلافة اهـ. ومن لم يقف عليه قال حمل الاختلاف على الخلف أو التخلف مما لم نجده في كتب اللغة والتقوّل تفعل من القول بمعنى الكذب والشقاق بمعنى المخالفة كما مرّ، وقوله: بعيد عن الحق بيان لتقدير متعلقه. قوله: (البر كل فعل مرضني) وفي الكشاف الخطاب ولأهل الكتاب لأنّ اليهود تصلي قبل المغرب إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق، وفي الكشف إنّ هذا بحسب أفق مكة وهو يقتضي أنّ التوجه لهما للقدس وأما كونه مشرقا ومغربا بحسب الأفق لا مطلقا فانظره وذكر القبلة هنا استطراد حسن الموقع لأنه لما ذكر اختلافهم في الأصول تممه باختلافهم في الفروع ولولا هذا لم يرتبط بما قبله، وقوله ليس البر ما أنتم عليه عبارة الكشاف فيما أنتم إشارة إلى أنه لم يقصد الحصر والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه حصر إضافيّ لا مانع منه. قوله:) وقيل عام لهم وللمسلمين الخ (فيكون عودا على بدء فإنّ الكلام في أمر القبلة وطعنهم في النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك كان أساس الكلام إلى هذا القطع فجعل خاتمة كلية أجمل فيها ما فصل وإنما قال ليس البر العظيم لأنّ ما يكثر الخوض فيه يكون لا محالة عظيم الشأن ولأنه في نفسه بر وكذلك الجدال فيه بالحق فبقي كونه براً بالنسبة إلى هذه الأنواع التي هي أصول وذلك من توابعها كذا في الكشف، وقال النحرير: على الأول حمل البرّ على إطلاقه والخبر أعني أن تولوا على تقدير في لأنهم لم يزعموا أنّ جنس البر ذلك بل فيه فنفى وعلى الثاني حمل البرّ على الكامل الذي كأنه البر كله والخبر على تقدير مضاف أي أمر البرّ أن توتوا والبحث عن ذلك والنزاع فيه وحينئذ لا يصح نفي البرّ بالكلية فتعين الحمل على الكامل اهـ. ومنه يعلم إقحام المصنف رحمه الله لفظ أمر وتوصيفه البر بالعظيم لكن في قوله مقصوراً بأمر القبلة قصور بحسب الظاهر إذ كانت حقه أن يقول على أمر القبلة وكأنه لاحظ أنه مقصور على البرّ بأمر الفبلة. قوله: (ولكن البرّ الذي ينبغي أن يهتنم به الخ) إشارة إلى الوجوه الثلاث الجارية في مثله من التقدير في الأوّل أو الثاني أو جعله عين البر مبالغة على حد: فإنما هي إقبال وادبار وإليه أشار بقوله ولكن البار لكنه إشارة إلى أنّ التجوّز في الظرف لا في الإسناد وقوله: أوفق أي لقوله ليس البرّ وأحسن إذ سابقية القرينة أولى من لاحقيتها، ولأنه تقدير في وقت الحاجة لا قبلها ولأنّ المقصود بيان البرّ لا ذية ومراده أنه أحسن من التقدير الثاني لأنّ الأخير أبلغ وقوله: والمراد بالكتاب الخ هذا دليل على ما يراد به في قوله اختلفوا في الكتاب ليتلاءم أجزاء الكلام وأمّا احتمال أن يراد به التوراة لأنّ الإيمان به يوجب الإيمان بغيره فبعيد. قوله:) أي على حبّ المال الخ) أي في الاحتياج إليه أو في صحته لأنه بالمرض يزهد فيه، ويؤيده الحديث المذكور وهو حديث رواه الشيخان وتمامه: " وتأمل الغني ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان " كذا لكن لفظه: أن تصذّق بدل أن تؤتيه وعلى في الوجه الأخير للتعليل والمراد مخلصاً وقوله المحاويج يعني الفقراء جمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 محتاج على خلاف القياس، وقوله: اثنتان أي حسنتان وقوله: " صدقتك على المسكين ") 2! أخرجه الترمذي والنسائيّ وابن جرير من حديث سلمان بن عامر 0 قوله: (الذي أسكشه الخلة الخ) الخلة بفتح الخاء الحاجة أي جعلته ساكناً لا يقدر على الحركة لضعفه أو ساكنا ملتجئا إلى غيره وأشار به إلى أن الميم زائدة وأمّا تمسكن فلجعلها بمنزلة الأصلية والفرق بينه وبين الفقير معروف ولكن المراد هنا الفقير مطلقا ومفعيل من صيغ المبالغة ووجه المبالغة فيه ظاهر وابن السبيل المسافر، والقاطع يعني به قاطع الطريق وقوله يرعف به أي يأتي منها بغتة على غير انتظار وأصل معنى رعف سبق وبادر، ومنه الرعاف. قوله: (الذين ألجأهم الحاجة الخ) وقيل؟ السائل المستطعم فقيراً كان أو غنياً وعلى ما ذكره المصنف المراد به المحتاج الذي يعرف حاجته بسؤاله والمساكين السابق ذكرهم الذين لا يسألون وتعرف حاجتهم بحالهم وان كان ظاهرهم الغنى وهو معنى قوله: " وإن جاء على فرسه " وهذا الحديث أخرجه أحمد وقال عيسى صلى الله عليه وسلم: إن للسائل حقا وان أتاك على فرس مطوّق بالذهب، وقوله: وفي تخليصها إمّا إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى ما يفهم من السياق والرقبة مجاز عن الشخص، وقوله: أو ابتياع الرقاب أي اشترائها وتملكها وحمل الصلاة على المفروضة لنظمها مع الفرائض. قوله: (يحتمل الخ) يعني لا يكون القصد إلى أداء الزكاة ليكون قوله: وآتى الزكاة تكرارا بل إلى بيان مصارفها التي هي أهم وأكثر ثوابا على أن يكون السائلين إشارة إلى الفقراء ويشترط في ذوي القربى واليتامى الفقر والا فقد ترك ذكر البعض وذكر ما ليس من المصارف ولمن أوجب حقا سوى الزكاة أن يتمسك بهذه الآية وبقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وبالأحاديث الواردة في ذلك وبالإجماع على وجوب دفع حاجة المضطرّين وأن يجيب عن نسخ الزكاة وجوب كل صدقة با! المراد الواجبات المقدرة وحديث: " نسخت " الخ أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ من حديث علي كرّم الله وجهه مرفوعا: " نسخ الأضحى كل ذبح ورمضان كل صوم وغسل الجنابة كل غسل والزكاة كل صدقة ". وقال هذا حديث غريب أخرجه الدارقطني البيهقي فإن قلت هذا لا يناسب ما تقدم من تقييد ذوي القربى واليتامى بالمحاويج لأنّ ذوي القربى إذا كانوا كذلك يلزم النفقة عليهم، قلت: هو على هذا التفسير لا يقيده به إذ لا يلزم من كونهم كذلك أن لا يكون لهم غيره ممن يجب عليه نفقتهم. قوله:) والموفون الخ (لم يقل وأوفى كما قبله إشارة إلى أنه أمر مقصود بالذات والتقييد بقوله إذا عاهدوا للتأكيد والمبالغة أو للتتميم. قوله:) نصبه على المدح الخ (قال ابن الشجري: في أماليه ومن المدح في التنزيل قوله: والصابرين في البأساء بعد قوله: والموفون بعهدهم أراد عين الصابرين ومثله والمقيمين الصلاة بعد قوله والمؤتون الزكاة ا!. ذهب إلى أن المقيمين منصوب على المدح وهو أصح ما قيل فيه، وفي الدرّ المصون في رفع الموفون عطفه على فاعل آمن أو على من آمن أو جعله خبر مبتدأ محذوف أي وهم الموفون ونصب الصابرين على المدح وهو في المعنى عطف على من آمن قال الفارسيّ: وهو أبلغ ووقع نصبه على المدح في الكتاب أيضا فما قيل. معناه تقدير ما يدل على المدح مثل وأخص الصابرين أو أمدح الصابرين وحينئذ يكون من عطف الجملة على جملة {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} وحذف هذا المقدّر واجب والمشهور بالرفع أو النصب على المدح هي الصفات المقطوعة ولم نجد ذلك مبينا في المعطوف وإنما أخذناه من هذا الموضع اهـ. من قلة الاطلاع وضيق العطن وهذه المسألة مسطورة في متن المفصل في باب الاختصاص قال وقد جاء نكرة في قول الهذلي: وبأوى إلى نسوة عطل وشعثامراضحيع مثل السعالى وهذا الذي يقال: فيه نصب على المدح والذم والترحم اص. وذكر القطع في البد! أيضا قال في المقتبس: وأفاد القطع في العطف الاختصاص لأن الإعراض عن العطف السلس المنقاد أوهم أن الثاني ليس من جنس الأوّل وهذا معنى الاختصاص اهـ. وقوله: لفضل الصبر على سائر الأعمال أي بقيتها غير ما مر من الإيمان وأخواته فلا يرد عليه ما قيل. إن الإيمان أفضل منه، والبأس كثر استعماله في بأس العدوّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 قوله: (أولئك الذين صدقوا الخ (جع! الصدق في هذه الأمور بقرينة ما سبق وكما يدل عليه أولئك كما مر وعمم التقوى ليصح الحصر حقيقة وتهذيب النفس عن الرذائل بفعل الطاعات وترك المنهيات ووجه الإشارة فيما ذكر صريحا ظاهر، وضمنا لما لم يذكر من أنواعها لا! هذه أمهاتها تدل على باقيها، وقوله: ولذلك وصف الخ فهو لف ونشر مرتب وقوله: {مِّنْ عَمَلِ} الخ أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن أبي ميسرة. قوله: (كان في الجاهلية بين حيين الخ (قا اط العراقي لم أقف عليه وقال السيوطي: أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مرسلاً والطول بفتح فسكون الفضل والمراد هنا شرف العشيرة، وقوله: أن يتباوؤوا قال في الفائق هو أن يتقاصوا في قتالهم على التساوي فيقتل الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد يقال باء فلان بفلان إذا كان كفؤاً له يقتل به بوأ وبواء ثم يقال: هم بواء أي أكفاء في القصاص والمعنى ذو بواء وكثر حتى قيل: هم في هذا الأمر بواء أي سواء وفي النهاية عن أبي عبيدة يتباووا كيتعاووا، والصواب يتباوؤوا بوزن يتقابلوا مهموزا من البواء بمعنى المساواة وقال غيره يتباووا صحيح أيضا بأن حذفوا الهمزة للتخفيف ورسم الخط يحتملهما هنا. قوله:) ولا تدل الخ) ردّ لمن استدل بهذه الآية على ذلك ثم إثبات لمدعاه بطريق آخر قال النحرير لأنها بيان وتفسير لقوله: كتب عليكم القصاص في القتلى فدل على اعتبار الموافقة ذكورة وحرية في القصاص لا أنها مفهومها يدل على أنّ غير الأنثى لا يقتل بالأنثى وفيه نظر أمّا أولاً فلأن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للتقييد فائدة وهنا الفائدة أنّ الآية إنما نزلت لذلك واليه أشار المصنف بقوله: وقد بينا ما كان الفرض يعني سبب النزول وأمّا ثانيا فلأنه لو اعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظراً إلى مفهوم بالأنثى واليه أشار المصنف بقوله: كما لا تدل على عكسه ودفع بأنه يعلم بطريق الأولى، وأمّا ثالثا فلأنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس كيفما كانت لا يقال تلك حكاية عما في التوراة لا بيان الحكم في شريعتنا لأنا نقول شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ وما ذكر ههنا يصلح مفسراً فلا يجعل ناسخا، ودليل آخر على عدم النسخ أنّ تلك أعني النفس بالنفس حكاية عما في التوراة وهذه أعني الحرّ بالحرّ خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها وما ذكرنا من كونه مفسراً إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهما ولا إبهام بل هو عام والتنصيص على بعض أفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعي تأخر العام حيث يجعله ناسخا لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر اللهمّ إلا أن يقال إنّ في قوله الحرّ بالحرّ الخ دلالة على وجوب اعتبار المساواة في الحرّية والذكورة دون الرق والأنوثة ومنه يعلم ما في قوله أنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن. قوله: (وإنما منع مالك والشافعئ الخ) هذا ردّ لما في الكشاف أنه جعل مذهبهما أنه لا يقتل الحرّ بالعبد والذكر بالأنثى فإنه وهم محض إذ لا خلاف لهما في قتل الذكر بالأنثى فلذا قال وإنما، وقوله: ولم يقده أي لم يقتله قوداً ثم أثبته " بالحديث " واجماع الصحابة ثم قاممه على الأطراف إذ لا قصاص فيها بين الحز والعبد بالاتفاق. قوله: (واحتجت الحنفية به على أنّ مقتضى العمد الخ) اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وغيرهم ليس للوليّ إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضا القاتل لظاهر هذه الآية لأنه هو المفروض! ، وقال الأوزافي والليث والشافعيّ في أحد قوليه وهو مختار المصنف رحمه الله وإن قيل: إن المفتي به في مذهبهم خلافه أنّ الولي بالخيار بين أخذ القصاص أو الدية وان لم يرض القاتل قال الجصاص: ظاهر الآيات إيجاب القصاص دون المال وغير جائز إيجاب المال على وجه التخيير إلا بمثل ما يجوز به نسخة لأنّ الزيادة في بعض القرآن توجب نسخه والتخيير بعد التعيين زيادة كعكسه وهما من قبيل النسخ كما صرّح به الجصحاص وأهل الأصول فقوله ولذلك قيل الخ مخالف للراجح في الأصول وهو قول عند الشافعية ارتضا. المصنف رحمه الله فلا اعتراض عليه كما قيل وقوله وكذا كل فعل جاء في القرآن أي فعل لله ورد فيه فإنه مبنيّ للمجهول وللفاعل لتقذم ذكره حقيقة أو حكماً ويحتمل أنه أراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 كتب حيث ورد وهو الظاهر. قوله: (شيء من العفو الخ) من إمّا شرطية أو موصولة، وقوله: من العفو إشارة إلى أنّ شيء القائم مقام الفاعل المراد به المصدر وهو مصدر نوقي فيقوم مقامه أو المراد شيء قليل أو قصاص وهو عفو مخصوص وعفا غير متعد والمراد بالأخ المقتول أو وليّ الدم سماه أخا استعطافاً بتذكير أخوة البشرية والدين ونحوهما وعفا يتعدى إلى الجاني والى الجناية بعن يقال عفوت عن زيد وعن ذنبه فإذا ذكرا تعدى إلى الجاني باللام والى الجناية بعن فتقول عفوت لزيد عن ذنبه كما في هذه الآية وإنما قام شيئاً مقام الفاعل لما ذكره من أنّ بعض العفو كالتامّ في إسقاطه سواء عفا بعض الورثة أو عفا الوارث عن بعض القصماص فإنه لا يتجزأ. قوله: (وقيل عفى بمعنى ترك وشيء مفعول به) فهو متعذ أقيم مفعوله مقام فاعله، وقد ورد متعديا في كلام العرب بمعنى ترك ذكره السرقسطي وغيره من أئمة اللغة لكن ضعفه الزمخشريّ وتبعه المصنف رحمه الله بأنه ليس يثبت وإنما المتعدي أعفاه فإن ورد فخلاف اللغة المعروفة فلا ينبغي تخريج القرآن عليها وجعل مثله جراءة على كلامه تعالى، ورد بأنه إذا ورد بمعنى ترك ومحى ونقله أهل اللغة وان لم يشتهر فإسناده إلى المفعول الذي هو الأصل في المبني للمجهول يرجحه على إسناده للمصدر الذي هو مجازع على خلاف الأصل ولا حاجة إلى القول بأنه تضمين لأنه لا ينقاس وقوله: عن جنايته تقدير لمتعلقه الآخر، وتوله: من جهة أخيه إشارة إلى أن من ابتدائية. قوله: (أي فليكن اتباع الخ (يعني أنه مرفوع على الفاعلية ومنهم من قدره فعليه اتباع أو فالواجب اتباع وقوله وفيه دليل الخ تقدم الكلام فيه وجوابه مبسوط في أحكام الجصاص. قوله: (ذلك أي الحكم الخ (كون الواجب على اليهود القصاص وحده كذا في الكشاف هنا أيضاً لكنه ذكر في الأعراف أنهم منعوا من الدية فقط وكان لهم القصاص أو العفو مجاناً وسيأتي تفصيله في محله. قوله: (لا أعافي أحدا قتل بعد أخذه الدية (أخرجه أبو داود وفي رواية لا أعفي وظاهره أنه لا يقبل من ولي القتيل الثاني عفوه عن القصاص مطلقا وفيه تأمّل. قوله: (كلام في غاية الفصاحة الخ الأنهم كانوا يقولون القتل أنفى للقتلى ويعدونه أبلغ كلام في معناه وهذا التركيب أبلغ منه وأفصح بوءجوه كثيرة كما في شروح المفتاح وقد أشير إلى طرف منها هنا كقوله حيث جعل الشيء محل ضده إذ جعل القصاص وهو فناء وموت مكانا لضده الذي هو الحياة، وقد رد هذا صاحب الانتصاف وقال هذا إما وهم أو تسامح لأنّ شرط تضاذ الحياة والموت اجتماعهما في محل وأحد ولا تضاد بين حياة غير المقتص وموت المقتص وليس كما زعم فإنّ فيها حمل الشيء على ضده ولم يكتف بهذا القدر بل صرح بالظرفية بأن جعل القصاص مدخول في وفائدته أنّ المظروف إذا حواه الظرف صانه عن التفرق فالقصاص يحمي الحياة من الآفات، ومعناه أنّ الحياة الحاصلة بالارتداع أو الحياة العظيمة إنما تحصل بشرعية القصاص لا غير فالظرفية مجازية تفيد بحسب الوضع اجتماعهما وهما ضدان فيقصد بها هذا المعنى البديع في نفسه الغريب في مأخذه فلا يرد عليه شيء. قوله: (وعرف القصاص الخ (يعني أنّ التعريف للجنس والتنوين للتنويع والتعظيم لأنه يردع القاتل عن القتل فيكون سبباً لحياة نفسين أو يمنع أن يقتل غير القاتل كما كان في الجاهلية فتحيا به نفوس، فعلى الأوّل فيه إضمار أي شرع القصاص أو علم القصاص وعلى الثاني فيه تخصيص الحياة بحياة غير المقتص منه والنوعية أنسب بالأوّل والتعظيم بالثاني ولذا خصه في الكشاف والمصنف رحمه الله لم يعينه لصلاحيته لكل منهما. قوله: (يحتمل أن يكونا خبرين الخ) وقوله: صلة له أي متعلقا بمتعلقه أو به نفسه لنيابته عن المتعلق أو حالاً وقراءة القصص جوّز فيها أيضا أن يكون القصص مصدراً بمعنى القصاص وخص! الخطاب بأولي الألباب لما ذكره، وقيل: لأنّ الحكم مخصوص بالبالغين دون الصبيان، وقوله: في المحافظة إشارة إلى أنه من التقوى بالمعنى الشرعي وقوله: أو عن القصاص فيكون بالمعنى اللغوي. قوله: (كتب الخ (ترك العطف في هذا ونظائره لأنه قصد استقلالها وأن كلاً منها مقصود بالذات وان أمن فيها العطف وملاحظة مناسبة بينها، وقوله حضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أسبابه إشارة إلى تقدير مضاف لأن الموت لا يحضر وقيل: إق المراد به الحضور العلمي وفسر الخير بالمال الكثير ويطلق على المال قليلاً أو كثيرا. قوله: (مرفوع بكتب الخ) وترك تأنيثه وان كان غير حقيقي لا بد له من مرجح وقيل: الأحسن أنّ نائب الفاعل الجار والمجرور وهو عليكم والوصية خبر مبتدأ كأنه قيل: ما المكتوب فقيل: هو الوصية، وكتب بمعنى قدر وقضى أو جعل وليس تقديره ولا جعله في وقت حضور الموت بل قبله لكن الغرض الذي في ضمنه يكون في ذلك الوقت فلذا قال مدلول كتب ولم يجعله نفس الفعل كما قاله غيره وقريب منه ما قيل: إنّ معنى كتب أوجب والظرف قيد الوجوب لا الإيجاب من حيث الحدوث والوقوع على ما هو مدلول الفعل وما ذكره من أنّ معمول المصدر لا يتقدّم عليه هو المشهور لكن ذصب بعض المحققين إلى جواز تقدم الظرف فحينئذ يتعلق به وهو أنسب معنى. قوله: (وقيل: مبتدأ الخ) ردّه بأنّ حذف الفاء من جواب الشرط لا يجوز ما ذكره من الشعر لا ينهض حجة أمّ أوّلاً فلأنّ الرواية ليست هكذا بل هي: من يفعل الخير فالرحمن يشكره كما قاله المبرد وقال: إنه لم يسمع في الشعر أيضاً وهذا معنى قوله: إن صح ولو سلم فهو ضرورة كما ذكره سيبويه رحمه الله فلا يصح تخريج الآية عليه والبيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وقيل لكعب بن مالك وقد اختلفت رواية صدره كما ذكرناه وروي أيضا: من يحفظ الصالحات الله يحفظه وعجزه: والشرّ بالشر عند الله سيان وروي مثلان. قوله: (وكان هذا الحكم في بدء الإسلام الخ) هذا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره أبو داود وناسخه وابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما وقوله: " إنّ الله أعطى " الخ أخرجه الترمذيّ وحسنه والنسائي وابن ماجه، وظاهره أنّ الآية والحديث نسخا آية الوصية لكن قال الطيبيّ رحمه الله الحق أنّ آية المواريث هي الناسخة والحديث مبين لكونها ناسخة لأنّ الحديث لا ينسخ الكتاب. قوله:) وفيه نظر لأنّ آية المواريث لا تعارضه الخ) وجه عدم المعارضة أنه قال في آية المواريث {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [سورة النساء، الآية: 12] فقرر فيها الوصية ونص على تقدمها مطلقاً فكيف تكون معارضة لها حتى تنسخها وأجاب عما قاله المصنف بوجهين: الأوّل أنّ المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول له حكم المتواتر عند الحنفية كما عرف، والثاني: أنّ الحديث ليس ناسخا بنفسه بل مبين أنّ آية المواريث نسخت وجوب الوصية للوالدين وأنّ المراد بالوصية فيها ليس المطلق وذلك لأنّ ناسخية آية المواريث كان فيها خفاء واحتياج إلى بيان فبينها الحديث ولا يلزم من عدم صحة ناسخية خبر الواحد صحة بيانه للنسخ المراد بالآية كما لا يلزم من عدم صحة إثباته للفرضية عدم صحة بيان إجمال الآية التي ثبتت بها الفرضية وهو بحث مشهور على أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} متروك الظاهر بالإجماع فلم لا يجوز أن ينسخ مثله بخبر الواحد فتأمّل. قوله: (ولعله احترز عنه من فسر الخ) عبر بلعل إشارة إلى ضعفه لأنّ الوصية المتبادر منها ما يتعلق بغير أنصباء الورثة وقوله: فلا يفضل الغنيّ مبنيّ على القول بأنه قبل فرض المواريث وقوله: ولا يتجاوز الثلث مبنيّ على القول بأنها لا تعارض آية المواريث. قوله:) مصدر مؤكد الخ) قال أبو حيان: هذا تأباه القواعد النحوية لأنّ على المتقين متعلق بحقا أو صفة له فلا يكون مؤكداً والمصدر المؤكد لا يعمل وهذا وارد اللهمّ إلا أن يجعل معمولأ لمقدر غير صفة ومنهم من جعله صفة مصدر مقدر أي إيماء حقا، وقيل: إنه حال. قوله: (فمن بدله الخ (لما عمم من للأوصياء والشهود فسر السماع بالتحقق والوصول ليشمل الأوصياء وقوله حاف من الحيف وهو الظلم وفي نسخة خان من الخيانة، وكونه وعيداً لأنه يستعمل للتهديد بأن يعاقبه على ما علمه منه. قوله: (أي توقع وعلم الخ) أصل الخوف توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة كما أنّ الرجاء توقع محبوب كذلك ولما كان هنا لا معنى للخوف من الميل والإثم سيما بعد الوقوع ذهبوا إلى أنه مستعمل فيما يلزمه من التوقع والظن الغالب أو العلم فإن التوقع وان لم يستلزم الجزم لا ينافيه فجاز الجمع بينهما نعم استعمال التوقع فيما لا جزم فيه أكثر وأظهر كما في أخاف أن ترسل أي أتوقعه، وفسر الجنف بالميل خطأ والإثم بتعمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الجنف أي الجور ليظهر التقابل وأصل الجنف الميل في الحكم مطلقا كما قاله الراغب، وقوله: فأصلح أي فعل الصلاح، وقوله: في هذا التبديل أي تبديل جور الموصى لهم بالعدل ولو فسر فلا إثم عليه بأعم منه لم يكن النفي واقعا موقعه لأنه يقتضي أنه مظنة لذلك فتأمل. قوله: (وعد للمصلح الخ) يعني أنه بعد نفي الإثم لا يبقى للوعد بالمغفرة فائدة وإنما أتى به لمناسبة ذكر الإثم ولكون ما فعله يتوهم فيه الإثم ولو حمل على أنه وعد له بمغفرة ماله من الآثام لما أحسن فيه لكان أظهر وقوله: من جنس ما يؤثم من الأفعال بمعنى ما يوقع في الإثم يقال آثمة إذا أوقعه في إثم، وأما أثمه بالتشديد فمعناه نسبة إلى الإثم. قوله: (يعني الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ (ووجه التوكيد يعلم من كونه فرضاً على جميعهم فهو مما يهتم به وقوله: وتطييب على النفس أي تسهيل عليها، وفي نسخة للنفبس وقيل: إنه إشارة إلى أنّ المشقة إذا عمت طابت وقوله: تنازع إليه النفس أي تميل وتشتاق. قوله: (كما قال عليه الصلاة والسلام الخ) حديث صحيح في البخاري ومسلم عن عبد الله رضي الله عنه: " قال لنا رسول الله كي! يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " والباءة النكاج، ولو جاء نوع من الخصباء وهو أن ترض! عروق الأنثيين وتترك الخصيتان كما هنا أي يقطع شهوة الجماع كما يقطعها الخصاء وهو بكسر الخاء والمد وجوّز بعضهم فتحا مع القصر والإخلال معطوف على المعاصي وفيما ذكره المصنف رحمه الله إشارة إلى أن النكاج للقادر سنة، وقيل: إنه عبادة وقوله: فعليه بالصوم، قال! المأزرقي: إنه إغراء للغائب وهو شاذ كقوله عليه رجلا ليس وفي شرح التقريب أنه ليس منه للخطاب بقوله: من استطاع منكم، وفيه بحث يعلم من شروح الكتاب. قوله: (معدودات الخ) أي إفا أن تراد حقيقته أي معينات بالعدد أو يجعل عبارة عن القلة كما مرّ تحقيقه لأنّ القليل يسهل عده فيعد والكثير يؤخذ جزافا ويهال من قولهم هلت الدقيق في الجراب أي صببته من غير كيل. قوله: (ونصبها ليس بالصيام (أي نصب أياما ليس بالمصدر لما يلزم من الفصل بين المصدر ومعموله لكن الرضي جوّزه لأنه يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره. قوله: (أو ما وجب صومه الخ) اختلف السلف هل وجب صوم قبل رمضان فالمشهور وهو أحد قولي الشافعيّ أنه لم يجب صوم قبله وفي آخر وهو قول أبي حنيفة رحمه الله أوّل ما فرض! صوم عاشوراء فلما فرض رمضان نسخ، وقيل: نسخ صومه بصوم أيام البيض ثم نسخت برمضان كذا في شرح البخاريّ لكنه قيل: إنه كنا قبل نزول هذه الآية وإنه نسخ بها، وقوله: أو ثلاثة الخ هي أيام البيض قال النحرير: فإن قيل: كيف يكون الناسخ متصلا قلنا الاتصال في التلاوة لا يدلّ على الاتصال في النزول وبناء السؤال على أن النسخ قبل العمل لا يجوز والأصح جوازه إلا أن يقال بناؤه على نسخ ما عمل به مدة مديدة كيف يكون متصلاً ويجاب بأنه نسخ بوحي غير متلو ثم قرر ذلك بهذا. قوله:) أو بكما كتب الخ) هذا وما بعده منقول عن الفراء وذكره أبو البقاء، قال أبو حيان رحمه الله: وهو خطأ أمّا النصب على الظرف فانه محل للفعل والكتابة ليست واقعة في أيام لكن متعلقها هو الواقع في أيام وأما النصب على المفعولية اتساعا ف! نه مبنيّ على كونه ظرفا للكتب وهو خطأ وليس بشيء لأنه يكفي للظرفية ظرفية المتعلق كما في {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة العنكبوت، الآية: 52] . قوله: (وقيل: الخ) كونه في الحر شاقاً ظاهر وأمّا في البرد مع قصر النهار وعدم غلبة الحرارة فيه فلعل مشقته لأمر آخر كعسرة تدارك مؤنته ونحوه وقوله: لموتان الموتان بوزن البطلان الموت الكثير الوقوع والموتان بفتح الواو الجماد ضد الحيوان وفي الحديث موتان الأرض! لله ورسوله يعني مواتها وفي الأساس وقع في الناس موتان وموتان بالفتح والضم مع سكون الواو ومن المجاز اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان، قال الراغب: قيل: كان قد وجب على من قبلنا صوم رمضان فغيروا فزادوا ونقصوا وهذا قول عهدته على قائله. قوله: (مرضاً يضره الصوم الخ (هذا هو الصحيح، وفي قرل للشافعية أنه يجوز وان لم يتضرر به، وقوله: أو راكب إشارة إلى أنّ كلمة على استعارة تبعية شبه تلبسه بالسفر باستعلاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 الراكب واستيلائه على المركوب يتصرّف فيه كيف يشاء، وقوله: وفيه إيماء إلى أنّ من سافر أثناء اليوم وفي نسخة يوم وفيه خفاء ولذا جعله إيماء وقيل: وجهه أنه لما عدل عن الظاهر وهو أو مسافراً أو في سفر إلى على المقتضية للتمكن التامّ وكان لتمام إنما هو بسفر اليوم كله كان فيه إشارة إليه وقوله: أخر يومىء إلى ذلك أيضا فتأمل. والإفطار في السفر رخصة وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أنه لو صام في السفر لم يصح ولزمه القضاء في الإقامة تمسكا بظاهر الآية. قوله: (نصف صاع من بر الخ (في الصحيحين عن سلمة رضي الله عنه لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} " كان من أراد أن يفطر افتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها " لأنه في أوّل الأمر شق عليهم فرخص لهم ثم نسخ بقوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} لكن يعارضه ما في صحيح البخاري أيضا أنّ ابن عباس رضي الله عنهما تلاها وقال:! ليست منسوخة وهي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " وجمع بأنها كانت في حق الجميع ثم خصت بالعاجز وأورد عليه أنّ هذا ليس من الجمع في شيء فإن منطوق اللفظ لا يساعده لتباين مفهوم من يطيق ومن لا يطيق واعتذر له بأنّ الآية كانت مفيدة للرخصة للمطيقين منطوقا ولغيرهم مفهوما ثم نسخت بالنسبة إلى المنطوق دون المفهوم وفيه بحث وفي شرح تحرير ابن الهمام ومشى ابن الهمام رحمه الله على تقديم ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنه مما لا يقال بالرأي إذ هو مخالف لظاهر القرآن لأنه مثبت فجعله بتقدير حرف النفي لا يقدم عليه إلا بسماع ولأنّ قوله وأن تصوموا خير لكم ليس نصا في نسخه، وأورد عليه أن في هذه الآية خمس قراآت وللكل معنيان أحدهما يقدرون عليه لا مع جهد وعسر وبه فسره النسفي رحمه الله وثانيهما في المجهول يكلفونه على جهد منهم ومشقة وفي المعلوم يتكلفونه على هذا الوجه أيضاً فالآية على المعنى الأوّل منسوخة قطعاً من غير احتياج إلى تقدير لا مع أنه لم ينقل تقديرها عن ابن عباس رضي الله عنهما لكن في قراءة حفصة وعلى الذين لا يطيقونه فيحمل على هذا المعنى على القول بالنسخ وعلى الناتئ ثابتة الحكم عند الجمهور خلافا لمالك وعليه يحمل القول بنفي النسخ على أنه لو كان محل توارد قولي النسخ، ونفيه في القراءة المشهور تقدير لا وعدمه لكان قول النسخ مقدماً. قوله: (وقرئ يطوقونه الخ) كل هذه اللغات تخريجها ظاهر وإنما الكلام في يطيقونه هل هو تفعل أو تفيعل قال النحرير هو تفيعل إذ لو كان تفعلا لكان بالواو دون الياء كما أن تديرا لو كان تفعلا كما وقع في المفصل لكان تدوراً لأنه واوي ولهذا لما أورده زين المشايخ عليه إذ! ن له وقالط أغواني عبد القاهر: وكذا ديار فيعال ولو كان فعالاً لقيل دوار وذكر المرزوقي أنه تفعل وجاء بالياء نظراً إلى الديار وأنا أظن أنّ ما نقل عن الزمخشريّ لا أصل له فإنّ هذه قاعدة مقررة أن قلب الواو ياء إذا كثر في كلامهم عاملوها معاملة الأصلية وقد كرر هذه القاعدة ابن جني رحمه الله في كثير من كتبه من غير تردد قال في إعراب الحماسة في قول الشاعر: أن لا يخاف حد وجنا قذف النوى قبل الفساد إقامة وتديرا التدير تفعل من الدار وقياسها تدوّر لأنّ عينها واو بدلالة قولهم دور غير أنهم لما كثر استعمالهم فيها ديار وديرة أنسوا الياء ووجدوا لفظها أوطأ حساً وألين مساً فاجترؤوا عليها فقالوا: تديرنا داراً وقال حاتم: تديره منها الصهرباد وحاضر انتهى. وقال أيضاً في قول الراجز: إن ديموا جاد وان جادوا وبل هكذا روا. أبو زيد ورواه أيضاً دوّموا فإمّا أن يكون لما غلبت الياء في الديمة والديم جاؤوا بها على صورة الياء البتة انتهى، فرواية دوموا تقتضي أنه فعلوا لا فيعلوا وذكر له نظائر كإرياح ورياح وهذا مما لا شبهة فيه. قوله: (وعلى هذه القراآت الخ) أي في هذه القرا آت غير المشهورة وهي منقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيها وجهان أحد الوجهين أنّ المعنى أنهم يكلفونه لأنّ الصوم في نفسه تكليف والمطيق مكلف به إذ لا يكلف فوق الطاقة وهو بمعنى المشورة والثاني أن ينظر فيه إلى بلوغ الجهد والطاقة ويلاحظ معنى الكلفة بالفعل ويكون المراد به الشيوخ والعجائز ولا يكون منسوخا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 ثم ذكر المصنف أنّ المعنى الأخير جار في المشهورة من أطاق الفعل بلغ نهاية طوقه فيه، وجاز أن تكون الهمزة للسلب كأنه سلب طاقته بأنه كلف نفسه المجهود فسلب طاقته عند تمام بذله ويكون مبالغة في بذل المجهود لأنه مثارف زواله إذ ذاك ولا حاجة إلى تقدير لا كما ذهب إليه بعضهم فقوله فيكون ثابتا أي غير منسوخ، وقوله يصومونه جهدهم وطاقتهم أي يجهد ومشقة تضعفهم وتتعبهم. قوله: (فمن تطوّع خيرا) قال النحرير قوله فمن تطوّع خيراً مصدر خرت الرجل فأنت خائر وفي قوله فهو خير له اسم تفضيل بمعنى أزيد خيراً وضمير فهو للتطوّع أو لخير المصدرية، وحمل التطوّع على الزيادة على الفدية لأنّ التطوّع كما مّر يستعمل غير الواجب، وقوله: أيها المطيقون على القراءة والمطوقون على الأخرى وجهدتم بمعنى وقد جهدتم طاقتكم وكذا قوله من الفدية ناظر إلى الوجوه السابقة في صدر الآية وقوله: إن كنتم من أهل العلم فينزل منزلة اللازم ولا يقدر له متعلق كالذي قبله. قوله: (مبتدأ خبره ما بعده الم يبينه وهو يحتمل وجهين أحدهما أنه الذي أنزل الخ، والثاني أنه قوله فمن شهد الخ والفاء زائدة في الخبر والربط بالاسم الظاهر والأوّل أولى لسلامته من التكلف أو خبر مبتدأ تقديره ذلك أو المكتوب وعلى الأوّل فاسم الإشارة لتقضي المشار إليه أو لتعظيمه بجعل بعد الرتبة بمنزلة البعد المحسوس. قوله: (أو بدل الخ (هو ما ذكره المصنف بدل كل من كل ومنهم من لم يقدر وجعله بدل اشتمال لكن المعهود فيه إبدال المصدر من الظرف نحو: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [سورة البقرة، الآية: 217] وهذا عكسه فما ذكره المصنف أولى. قوله: (وقرئ بالنصب على إضمار صوموا الخ) الوجه الأوّل ظاهر وأما الثاني فأورد عليه أنه يلزم الفصل بين أجزاء الصلة بأجنبيّ منها وهو الخبر والإخبار عن الموصول قبل تمام صلته وكلاهما ممنوعان ولذا وقع في بعض النسخ وفيه ضعف والبدل يبعده بعد المبدل منه والفصل بينهما وجوّز فيه أن يكون مفعول تعلمون بتقدير مضاف أي شرف شهر رمضان ونحوه. قوله: (ورمضان مصدر رمض إذا احترق الخ (قال أبو حيان: يحتاج في تحقيق أنه مصدر إلى صحة نقل فإن فعلانا ليس مصدر فعل اللازم فإن جاء شيء منه كان شاذاً، فقوله: وجعل علما يعني مجموع شهر رمضان علماً لا رمضان وحده قال النحرير: والا لم يحسن إضافة شهر إليه كما لا يحسن إنسان زيد ولهذا لم يسمع شهر رجب وشهر شعبان وبالجملة فقد أطبقوا على أنّ العلم في ثلاثة أشهر مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان وشهر ربيع الأوّل وشهر ربيع الثاني وفي البواقي لا يضاف شهر إليه ثم في الإضافة لا تغيير في أسباب مغ الصرف وامتناع اللام ووجوبها على المضاف إليه فيمتنع مثل شهر رمضان وابن داية من الصرف ودخول اللام وينصحرف مثل شهر ربيع الأول وابن عباس وتجب اللام في مثل امرئ القيس، وتجوز في مثل ابن عباس وعلى هذا فنحو من صام رمضان من حذف جزء العلم لعدم الإلباس كذا قالوا برمتهم) وفيه بحث (من وجوه الأوّل أنّ قوله لا يحسن إضافة العامّ إلى الخاص ينافيه أنهم جوّزوه من غير قبح كما ذكره هذا القائل في علم المعاني ونحوه كمدينة بغداد وشجر الأراك، وأجيب بأنه إذا اشتهر المضاف وعلم أنه من أفراد المضاف إليه ولم يكن في ذكره فائدة فهو قبيح كإنسان زيد والأحسن فهو يختلف باختلاف المقام ولا يقبح مطلقا ولذا تراه إذا قبحه مثل بإنسان زيد وإذا جوّزه بشجر الأراك والمرجع فيه إلى الذوق الثاني أنّ قوله لم يسمع شهر رجب مما شاع بين المتأخرين وكنت أتردد فيه حتى راجعت الكتب القديمة والكتاب وشروحه فوجدته لا أصل له لأنّ كلام سيبويه وغيره من النحاة يخالفه، قال في شرح التسهيل مقتضى كلام المصنف رحمه الله جواز إضافة شهر إلى جميع أسماء الشهور وهو قول أكثر النحويين وقيل: يختص بما أوّله راء غير رجب فادعاؤه إطباقهم عليه غير صحيح وإن اشتهر ذلك الثالث، أنّ النحاة تبعا لسيبويه فرقوا بين ذكر الشهر وعدمه فحيث ذكر لم يفد العموم نحو: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} حيث حذف إفادة نحو من صام رمضان، قال السهيلي: وعلى هذا استعمال رجب ووجهه مذكور في المفصلات وعليه يكون لإضافة العاتم إلى الخاص فائدة فلا يقبح ولا يكون مثل إنسان زيد، وقال أبو حيان: ما ذكره الزمخشرقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 من أنّ علم الشهر مجموع اللفظين غير معروف والعلم رمضان علم جنس، الرابع: أنّ قوله ثم في الإضافة الخ تبع فيه صاحب الكشف وهو أخذه من إيضاج ابن الحاجب قال فيه: المضات إليه في هذه الإعلام كلها مقدر علميته فيعاملوه معاملته في مغ الصرف إن كان فيه علة أخرى ومنع اللام إلا أن يكون سمي به وفيه اللام كأنهم لما أجروه بعد العلمية مجرى المضاف والمضاف إليه في الإعراب وهو معرفة قدروا الثاني علما ليكون على قياس المعارف في الأصل الذي أجر مجراه إذ لا تضاف معرفة إلى نكرة فلذلك مغ صرف قترة في ابن قترة وامتنعت اللام في بنت طبق وان لم يقع على انفراده علما انتهى لكن النحاة صرحوا بخلافه فإنّ ابن داية سمع منعه وصرفه كقوله: فلما رأيت النسر عز ابن داية وعشش في وكريه جاس له صدري قالوا ولكل وجهة، أما عدم الصرف فلصيرورة الكلمتين بالتركيب كلمة بالتسمية فكان كطلحة مفرداً وهو غير منصرف، وأما الصرف فلأنّ المضاف إليه في أصله اسم جنس والمضاف كذلك وكل منهما بانفراده ليس بعلم وإنما العلم مجموعهما فلا يؤثر التعريف فيه ولا يكون لمنع الصرف مدخل فيه ومنه يعلم أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله فيه نظر من وجوه، فتدبر. واعلم انّ ما ذكره المتأخرون لا أصل له لأنّ سيبويه وشراحه كلهم أثبتوا أسماء الشهور وجوّزوا إضافة شهر إليها بأسرها وفرق سيبويه بين ذكرها وعدمه وما ذكروه من إضافتها إلى ما أوله راء غير رجب لا صحة له ومنشأ غلطهم ما في شرح أدب الكاتب من أنه اصطلاح الكتاب قال: لأنهم لما وضعوا التاريخ في زمن عمر رضي الله عنه وجعلوا أوّل السنة المحرّم فكانوا لا يكتبون في تواريخهم شهرا إلا مع رمضان والربيعين انتهى فهو أمر اصطلاحيّ لا وضعي لغويّ ووجهه في رمضان موافقه القرآن وفي ربيع لئلا يلتبس بفصل الربيع فاحفظه فإنك لا تجده في غير كتابنا هذا، وقوله: لارتماضهم أي التهابهم، وقوله: لارتماض الذنوب كذا وقع في حديث مرفوع. قوله: (من صام رمضان) " تمامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقذم من ذنبه وما تأخر " وأورد في الكشاف حديث من أدرك رمضان فلم يغفر له قال النحرير لا يوجد له تمام فيما اشتهر من الكتب ويحتمل أن تكون من استفهامية والمعنى ما أدركه أحد فلم يغفر له بمعنى أنّ كل من أدركه غفر له فيكون كلاما تاما انتهى، وليس كما قال والحديث بتمامه معروف أخرجه البزار من حديث عبد القه بن الحرث الزبيدي مرفوعا: " أتاتي جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ثم أبعده قل آمين، وقد ذكر الحديث بتمامه الحافظ ابن حجر أماليه فقال روي عن أبي هريرة رضي الئه عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي المنبر فقال: آمين ثلاث مرّات، فقالوا يا رسول الله ما كنت تصنع بهذا فقال أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال رغم أنف رجل دخل عليه رمضان فلم ينفر له فقلت آمين ثم قال رغم أنف رجل أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فقلت آمين ثم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلتم يصل علئ فقلت آمين " وروي من غير طريق عن الدارقطني والبزار والبيهقيّ، ومن فيه موصولة فقول المحقق إنها استفهامية وأنه لم يوجد له تمام عجيب منه. قوله: (حينما نقلوا) أي في الوقت الذي نقلوه عن أسمائها القديمة أي غيروا الأسماء القديمة وهي مؤتمر وناجر الخ ووجه تسمية هذه مذكور في كتب الآداب مشهور. قوله: (أي ابتدئ فيه إنزاله الخ الما فهم من النظم أنّ القرآن نزل في رمضان وليس كذلك بينه بأنّ المراد أن ابتداء نزوله وقع فيه أو أنه نزل جملة فيه إلى سماء الدنيا ثم نجم أو المراد أنزل! في شأنه، " والحديث المذكور أخرجه أحمد والطبراني ". قوله: (والفاء لوصف الخ) قال السمين: الفاء زائدة على رأي الأخفش وليست هذه الفاء التي تزاد في الخبر لتشبيه المبتدأ بالشرط وإن كان بعضهم زعم أنها مثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [سورة الجمعة، الآية: 18 وليس كذلك لأن قوله الموت الذي تفرّون منه يتوهم فيه عموم بخلاف شهر رمضان وفيه نظر، وقوله: إشعاو بأن الإنزال أي ابتداء الإنزال أو الإنزال جملة إلى السماء الدنيا والا فمطلق الإنزال مشترك بينه وبين غيره. قوله: (حالان من القرآن الخ) أي هدى وبينات وأما ما بعده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 فهو متعلق به، ثم إنه أشار إلى تغيرهما بأنه هدى للمنكرين وغيرهم بإعجازه وأنها واضحة الهداية إلى الحق من غير ذلك وفارقة بين لاحق والباطل فالهدى ليس مكررا هنا لتغاير متعلقه والزمخشريّ دفعه بأنه تدرج في وصفه بالهداية فجعله أوّلاً هدى ثم واضحات هدى. قوله: (قمن حضر في الشهر الخ) يعني ليس الشهر مفعولاً به كما في قولك شهدت يوم الجمعة بمعنى أدركته إذ ليس معناه كنت مقيما غير مسافر فيه وإنما لم يكن مفعولاً به لأنّ المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر أي مدركان له مع أنّ المسافر لا يجب عليه الصوم على الوجه الذي يجب على المقيم أي من غير رخصة في الإفطار، وإذا جعل الشهر ظرفاً والشاهد بمعنى الحاضر له لم يتناول المسافر فلم يحتج إلى تخصيصه كما احتيج إلى تخصيص المريض المقيم في الشهر ولا خفاء في أنّ تقليل التخصيص! أولى ولا حاجة إلى تقدير المفعول أي شهد البلد وأما ضمير فليصمه فظرف على الاتساع كما في قوله: ويوم شهدناه وفيه نظر فإن ما بعده مخصص له فلا حاجة إلى سلوك غير المتبادر وتقليل الاختصاص أمر سهل، وقوله للتعظيم أي المفهوم من التكرار وان لم يكن معنى اللفظ مما يشعر بالتعظيم. قوله:) وقيل فمن شهد منكم هلال الشهر الخ) الشهر زمن معروف في الأشهر وقال الزجاج: أنه اسم للهلال نفسه، قال ذو الرمة: يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل ثم أطلق على الزمان لطلوعه فيه فعلى هذا الشهر مفعول وشهده بمعنى المشاهدة ونحوها والمصنف رحمه الله حمل المشاهدة على هذا المعنى فاحتاج إلى تقدير الهلال لأنّ الشهر نفسه لا يشاهد ولو كان بمعنى الإدراك لم يحتج إلى تقدير أيضا كما يقال شهدت عهد الخليفة أي أدركته وأما ضمير يصمه فعلى التوسع على كل حال لأنّ صام غير متعد ومثل بشهدت الجمعة للتقدير لقيام القرينة وهو ظاهر، وقوله: فيكون الخ أي مخصصاً للمجموع أو للمسافر والا فهو مخصص للمريض على كل حال وأما ذكره مسابقا فلما لم يصرح فيه برمضان لم يكن مخصصاً فتأمل. وبين وجه تكريره أو أن ما مرّ من قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} الخ إذ كان منسوخا على أحد الوجهين كما مرر بما توهم نسخه لذكره فأعاده لتقريره. قوله:) يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر الخ) يشير إلى أن قوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} قرينة على أنّ المراد بقوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الترخيص في الإفطار لا إيجابه على ما زعم بعض الناس والمعنى فعليه عذة من أيام أخر لو اختار الرخصة وما ذكر من أنه يريد أن لا يعسر مدلول يريد الله بكم اليسر لا مدلول ولا يريد بكم العسر لأن عدم إرادة العسر لا يستلزم إرادة عدم العسر إلا إذا ثبت لزوم تعلق الإرادة بأحد النقيضين كذا قيل: ورذ بأنه مسلم بالنظر إليها في نفسها وأما بملاحظة قوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} فيستلزمه، وقيل: إنّ قوله ولا يعسر مرفوع معطوف على ما يريد لا منصوب معطوف على ييسر ونبه به على أنّ عدم إرادته العسر مستلزم لعدم العسر إذ لا يكون شيء بدون إرادته ومنه ظهر ضعف ما قاله النحرير وفيه نظر واباحة الفطر للسفر والمرض يسر دون عسر لجواز الفطر وعدم إيجابه. قوله: (علل لفعل محذوف الخ الما لم يكن في النظم ظاهراً ما يعطف عليه هذا التعليل اختلف فيه على وجوه سيأتي بيانها وعندي أنه ميل مع المعنى والتوهم لأنّ ما قبله علة للترخيص فكأنه قيل: رخص لكم في ذلك لإرادته بكم اليسر دون العسر ولتكملوا الخ والمصنف ذهب إلى أنها علل لمقدر معطوف على ما قبله بقرينة ما قبله شرع لكم ما ذكر لتكملوا أما ذكر الأمر بالصوم وبمراعاة العدة فظاهر، وأما الترخيص فقيل بقوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} وقيل: بقوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وقيل: عليه أنه ذكر في تفصيل العلل أمر الشاهد بالصوم دون تعليم كيفية القضاء، وفي تطبيق العلل ورذ كل منها إلى معلل بالعكس ولم يقع بإزاء صوم الشهر علة وبإزاء لتكبروا معلل، وأجيب بأن أمر الشاهد بصوم الشهر توطثة وتمهيد وفي الأمر بمراعاة العذة تعليم لكيفية القضاء لا! معناه فليراع عذة ما أفطر ليصومها من شهر فيخرج عن العهدة ولما في هذا اللف من الخفاء قال الزمخشرقي: إنه لطيف المسلك. قوله: (أو لأفعال كل الخ (عطف على قوله لفعل وعلى الأوّل يقدر فعل مجمل شامل لها وعلى هذا يقدر على التفصيل كأمركم بصومه ورخص لكم فيه لسفر ومرض الخ وأخره لما فيه من كثرة التقدير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وكذا حذف المعطوف عليه خلاف الظاهر أيضا. قوله: (ويجوز أن يعطف على اليسر) قال العلامة في سورة الصف: وكا! هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيداً لما فيها من معنى الإرادة في قولك جئتك لإكرامك وشبهه بلا أبالك في أنها زيدت لتأكيد معنى الإضمافة قيل: ولعل الأشبه أن يجعل من قبيل وأمرنا لنسلم أي يريدون الإطفاء لا لشيء غيره وفيه مبالغة وتنبيه على أنهم لم يقصدوا بالإطفاء غرضاً كما يقصده العقلاء في أفعالهم انتهى وهذه ملاحظة دقيقة في تعليل الشيء بنفسه كأنه لا علة له سواه وبلاغته ظاهرة لكنه يأباه عطف المفعول له على المفعول به إلا أن يريد أنها زائدة في المفعول به ولكن وجه زيادتها إيهام ما ذكر ولا يخفى بعده فتأمل. قوله: (والمعئئي بالتكبير الخ (أي عدى به باعتبار ما قصد منه وهو الثناء لأنه يقال: أثنى عليه خيرا أو لتضمينه ذلك كما في الكشاف وهذا يدذ على ضعف ما ذكر بعده ولذا قدمه عليه مع أنه خلاف الظاهر إذ لا قرينة لتخصيصه، وقوله: والخبر أي الموصولية لأنّ صلتها جملة خبرية والعائد مقدر واليه أشار بقوله إليه. قوله: (فقل لهم إني قريب (قدر القول بقرينة سبب النزول ليرتبط الجزاء بالشرط والقرب حقيقة في القرب المكاني المنزه عنه الله تعالى فهو استعارة لعلمه بحالهم واجابة سؤالهم، وقوله: روي الخ أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه ونناجيه يجوز فيه النصب في جواب الاستفهام والأولى الرفع أي إن كان قريبا فنحن نناجيه ومقتضى الحكاية أن يقول فإنه قريب لكن عدل للدلالة على شدّة القرب حتى كأنهم يسمعون كلامه بالذات، وقوله: أمر بالثبات الخ فسر به ليأخذ الكلام بعضه بعضا وليكون ذكره بعد ليستجيبوا على ما فسر به غير مستغنى عنه وقوله: راجين تقدم توجيهه وما له وعليه. قوله: (واعلم الخ) وجه الحث أن ما شرع لأجله يكون مهما يعتني به، وقوله: تأكيداً له وحثا ليس هذا التأكيد في الكلام صريحا منطوقا أو مفهوما وإنما هو بطريق الإيماء والتلويح ومثله يحسن فيه العطف إشارة إلى أنه مقصود بالذكر لا مذكور بالتبعية فلا يرد عليه أن التأكيد يقتضي ترك العطف حتى يحتاج إلى عطفه على مقدر وهو إذا لم يسألوني فإني غنيئ عنهم وإذا سالك الخ. قوله:) روي أن المسلمين الخ (أخرجه أحمد من حديث كعب بن مالك وأبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه مخصصآ بما بعد النوم وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: 9 إذا صلوا العشاء " كما قال المصنف رحمه الله وهذا أحد موافقات عمر رضي الله عنه، وقوله: وليلة الصيام الخ لأن الليل سابق على النهار على الأصح إلا في ليلة عرفة فإنها بعده كما صرحوا به. قوله: (والرفث كناية عن الجماع الخ (الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه وهو هنا كناية عن الجماع ولم يجعل مجاز العدم المانع من الحقيقة وعدى بإلى لتضمن معنى الإفضاء يقال رفث وأرفث بمعنى صار ذا رفث ووجه دلالته على معنى القبح من جهة أنه الإفصاج بما يجب أن يكنى عنه فذكر لتقبيح ما فعلوه ولذا سماه خيانة في قوله: {كُنتُمْ تَخْتانُونَ} بعده فلم يقل أفضيتم أو باشرتم أو نحوه كما في أمثاله فإن قيل: لم لا يجعل من أوّل الأمر كناية عن الإفضاء كما في الأساس قيل: لأن المقصود هو الجماع والإفضاء أيضاً كناية عنه. قوله: (استئناف يبين سبب الإحلال (جعله في الكشاف كالبيان للسبب، قيل: والتمثيل ببيت النابغة الجعدي وان كان لتشبيهه باللباس لكن يفيد أن وجه الشبه هو الاشتمال لا ما قيل: إنّ كلاً منهما يستر الآخر عن الفجور والضجيع المضاجع وثنى عطفها أمال شقها وتثنت مالت وفيه أيضاً أنّ اللباس استعارة وليس على حذف أداة التشبيه كما هو رأي الأكثرين وذلك لأنّ الظاهر أن عليه متعلق به كما في أسد عليّ انتهى وقيل إنه اعتراض! على قول المصنف رحمه الله أو لأنّ الخ بأنه خلاف قصد العرب وهو غير وارد لأنّ قصد العرب لهذا لا يمنع من تشبيه الله تعالى بوجه آخر أنسب بالحل ولذا أخره عنه كما جعل التقوى لباسا وقد استفاض هذا التشبيه وتصرفوا فيه على أبحاث شتى وتظرف بعض المتأخرين فقال: لبسنا ثياب العناق مزررة بالقبل وأما قوله: وليس على حذف أداة التشبيه فالمرضى خلافه وقد مر جوابه. قوله: (علم الله الخ (جملة معترضة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 مبينة أن الله عالم بهم متضمنة لو عدهم بمتابعة أوامره ووعيدهم على مخالفته، والخيانة ضد الأمانة ولما كانت خيانة النفس غير متصورة جعلها مجازاً عن الظلم وتنقيص الثوأب، وقال الراغب: الاختيان مراودة الخيانة ولم يقل تخونوا أنفسكم لأنه لم يكن منهم الخيانة بل الاختيان فإنّ الاختيان تحزك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة وذلك هو المشار إليه بقوله: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [سورة يوسف، الآية: 53] وفسر عفا عنكم بمحا أثره أي أحله بعدما حرم لأنه أنسب والتحريم الأوّل كان بالحديبية وهذه الآية نسخته والإلزاق والإلصاق بمعنى وهو المماسة. قوله: (فالآن باشروهن لما نسخ الخ (أشار به إلى أنه متفزع على أحل لكم الخ، وأنّ الأمر للإباحة لأنه بعد التحريم وهو توطئة لما بعده، وقوله: من الولد إشارة إلى أن المقصود من الجماع التناسل لإقضاء الوطر والنهي عن العزل بالنسبة إلى الحرائر وعلى الوجه الأخير 472 سورة البقرة / الآية: 87 1 بالقرآن والمباشرة إلزاق البشرة بالبشرة كنى به عن الجماع {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} واطلبوا ما قدره لكم وأثبته في اللوج المحفوظ من الولد والمعنى انّ المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة من خلق الشهوة وشرع النكاح لإقضاء الوطر وقيل النهي عن العزل وقيل عن غير المأتي والتقدير وابتغوا المحل الذي كتب الله لكم {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} شبه أوّل ما يبدو من الفجر المعترض! في الأفق باعتباره عن المحل وهو ظاهر. قوله:) شبه أوّل ما يبدو من الفجر) في الكشاف فإن قلت: أهذا من باب الاستعارة أم من باب التشبيه، قلت قوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة كما أن قولك رأيت أسداً مجاز فإذا زدت من فلان رجع تشبيها، وأورد عليه بعض فضلاء العصر تبعا لابن القاري وغيره اعتراضأ فقال لو كان الفجر بيانا للمراد من الخيط الأبيض لكان مستعملا في غير ما وضع له وهو ينحصر في المجاز والكناية وليس كناية ولا مجازا مرسلاً لأنه المراد به التشبيه فتعين أن يكون استعارة إلا أن يكون بياناً لمقدر أي حتى يتبين لكم شبه الخيط الأبيض لكم نظم الآية لا يحتاج إلى تقدير وارتكاب حذف لا سيما والمجاز أبلغ وأطال فيه واذعى أنه تحقيق دقيق وهذا غفلة منهم عن كونه بيانا غير حقيقيّ على سبيل التجريد كما مرّ نعم البيان اللفظ إذا كان بغير معناه الحقيقيّ ولم يقصد به التجريد لزم أن يكون استعارة ولذا قال العلامة في سورة النحل في تفسير قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [سورة النحل، الآية: 2] الروج استعارة للوحي الذي هو سبب الهداية الأبدية ومن أمره بيان له وفي بعض شروحه شبه الروح بالوحي لإحيائه ميت الجهل ثم أقيم المشبه به مقامه فصار استعارة تحقيقية مصرحة والقرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة إبدال أن أنذروا من الروج، وقيل: من أمره يخرج الاستعارة إلى التشبيه كما في هذه الآية (قلت) بينهما بون بعيد لأنّ نفس الفجر عين المشبه الذي شبه بالخيطين وليس مطلق الأمر ههنا شبيها بالروج حتى يكون بيانا له لأنه أمر عام بمعنى الشأن والحال ولهذا يصح أن يفسر الروج الحيواني. به كقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [سورة الإسراء، الآية: 85] أي من شأنه ومما استأثر بعلمه وأن يفسر به الروح المراد منه الوحي أي من شأنه ومما أنزله على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، نعم هو مجاز أيضاً لأنّ الأمر العام إذا أطلق علي فرد من أفراده كان مجازآ انتهى والى هذا أشار في الكشف بقوله: ليس وزان من أمره وزان من الفجر فمن ظن أن البيان مطلقا ينافي الاستعارة كما توهمه عبارة المطوّل فقد وهم وأما قول المرزوقي في شرح الفصيح الخيط واحد الخيوط استعمل فيما هو كالسطر الممتد مجازاً تشبيهأ بامتداد الخيط في قوله تعالى الخيط الأبيض فمن تسمح أهل اللغة في استعمال المجاز في أمثاله، وقوله: المعترض! احتراز عن المستطيل وهو الفجر الكاذب فإنه ليس منتهى الليل، والغبش بالتحريك بقية الليل ويقال ظلمة آخر الليل والجمع أغباش. قوله: (واكتفى ببيان الخيط الأبيض الخ (يريد أن بيانه وهو الغبش كأنه ذكر معه فيخرج إلى التشبيه كالخيط الأبيض وهذا مختار السكاكي ومنهم من جعل الخيط الأسود استعارة لأنه لم يبين لا يقال ففي كلا ستعارة دلالة على حذف المشبه لأنا نقول لا بل فيها دلالة على أن المراد هو المشبه وفرق بين هذا وبين الدلالة على أنّ في الكلام محذوفا ومقدراً هو اسم المشبه سواء كان جزءاً من الكلام يتوقف صحة التركيب عليه أولاً، وقوله: وبذلك خرجا الخ لأنه من باب التجريد وهو من التشبيه البليغ كما مرّ. قوله: (ويجوز أن تكون من للتبعيض الخ) في الكشاف من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأنّ بيان أحدهما بيان للثاني، ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوّله وفي الكشف لما مرّ من أنّ الخيط الأسود ما يمتد معه من الغبش فقد حصل بيان الثاني تبعا لأنّ الغبش لا ينفك عنه، ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله لأنّ ما يبدو أولاً الخيط الأبيض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 والمعنى لا يختلف وكفاك دليلا قوله: أول ما يبدو من الفجر المعترض في تفسير الخيط الأبيض، وقول بعضهم الصحيح الأوّل مردود لفظاً ومعنى وجوز أن يرجع إلى الغبش على أنّ الفجر عبارة عن النور والظلمة بعضه أي جزؤه لا جزء منه وهو خلاف الظاهر لقوله: وأوّله وحينئذ يكون وزانه وزان من في قولك جاءتي العالم من القوم، والاعتراض! بأنه إذ ذاك من تتمة الأبيض فوجب أن لا يفصل بينهما بالخيط الأسود غير قادج لأنه في المعنى بيان له أيضاً لأنّ محله النصب على الحالية تبينا كان أو تبعيضا فحقه التأخير عما هو في صلة التبيين، ولو قيل إن الفجر عبارة عن مجموع الخيطين لقول الطائي: وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه فيكون بيانا لهما على وزان قولك حتى يتميز العالم من الجاهل ويكون وقت التبيين عبارة عن الفجر الصادق على أنّ الخيط إشارة إليه لكان وجهاً، ثم إنهم سكتوا في وجه التبعيض عن الحقيقة والمجاز والظاهر من كلام الكشاف أنه حقيقة وفيه تأمّل، وقوله: فإن ما يبدو بعض الفجر إذ هو مجموع البياض والسواد وعلى الأوّل هو البياض فقط أو مجموعهما وجعله بيانا لأنّ بيان الجزء بيان الكل أو إنّ فيه تقديراً أي من بعض الفجر والظاهر الأوّل لأنه لو سلم الثاني كان بياناً لهما من غير تقدير كما في الكشف ولم يكن فرق بين البيان والتبعيض. قوله: (وما روي أنها نزلت الخ) هذا صحيح مذكور في البخاري فلا ينبغي أن يقولي إن صح ولما كان تأخير البيان على القول به لا يجوز عن وقت الحاجة على الصحيح أوّله بأن نزوله كان قبل رمضان وهو غير دافع لأنهم محتاجون إليه في صوم التنفل فالأولى الاقتصار على ما بعده، قال سعد. الكرمانيّ: كان استعمال الخيطين فيهما شائعا غير محتاج إلى البيان فاشتبه على بعضهم فحملوه على العقالين، وقال النووي: فعله من لم يكن مخالطا لرسول الله! ي! من الأعراب ومن لا فقه عنده أو لم يكن في لغته استعماله فيهما ورجح هذا بعضهم وقال إنه كان معروفا في لغة قريش ومن جاورهم قال أبو داود: فلما أضاءت لنا سدفة ولاج من الصبح خيط أنارا وقال آخر: قد كان يبدو وبدت تباشره وسدف الخيط البهيم ساتره وعدي بن حاتم لم يكن ذلك من لغته. قوله:) وفي تجويز المباشرة إلى الصبح الخ (لأنه لما أباح المباشرة إلى تبين الفجر تبين أنّ الغسل فيما بعده وأما دلالته على جواز النية بالنهار فلا ولدا لم يذكره كما في الكشاف لأنه ثابت بدليل آخر. قوله: (بيان آخر وقته الخ (ونفى صوم الوصال وفي نسخة فينتفي صرم الوصال وهي أولى وهو أن يصوم يومين فأكثر من غير أن يفطر الليل قيل إنّ النبيّ لمجيئ استنبط هدّا منها كما أخرجه أحمد ووجهه أنه جعل الليل غاية للصوم وغاية الشيء منقطعه ومنتهاه وما بعد الغاية مخالف ما قبله وإنما يكون كذلك إذا لم يبق بعده صوم، وأما احتمال كون الغاية للوجوب فمع أنه خلاف الظاهر لا ينفي احتماله مع بيان المراد بالحديث الصحيح. قوله: (والاعتكاف الخ) أصل معنى العكوف في اللغة الملازمة على سبيل التعظيم ثم نقل في الشرع إلى الاحتباس في المسجد على سبيل القربة وأما دلالته على ما ذكر فلأنه معنى الاعتكاف شرعا كما قدمه، وأما كونه لا يخص مسجداً فظاهر فلا يرد أنه ربما يذعي دلالته على أنّ الاعتكاف يكون في غير المسجد دمالا لما كان للتقييد فائدة وقوله: وأنّ الوطء يحرم فيه راجع للاعتكاف بقرينة قوله: ويفسده، وأما المجامعة في المسجد مطلقا فلا تدل الآية على حرمتها، وقال ابن الهمام رحمه الله: التحريم يحتمل أن يكون للاعتكاف وأن يكون للمسجد فتكون ظنية الدلالة وبمثلها تثبت كراهة التحريم لا التحريم فهي مكروهة كراهة تحريم على الأصح كما في شرح الكنز. قوله: (أي الأحكام التي ذكرت الخ) أي الأحكام المذكورة من باشروا وابتغوا وكلوا واشربوا للإباحة وأتموا الصيام للإيجاب ولا تباشروهت لتحريم حدود الله، والنهي عن الإتيان والقربان في الحرام ظاهر وأما في الواجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 والمندوب والمباج فمشكل، وعن التعذي بالعكس لأن النهي عن التعذي في الجواب والمندوب والمباح ظاهر لأنه بمعنى ينبغي أن يكون هذا عملكم، وفي الحرام مشكل لأنّ التعدي عن الحرام واجب وما ذكر في الكشاف من كون منع القربان مبالغة في منع التعدي وكون التعدي عبارة عن ترك الطاعة والعمل بالشرائع وتجاوز حيز الحق إلى حيز الباطل يدفع الإشكالين بتأويل في اللفظ وهو أنّ تلك الأحكام ذوات حدود فلا تقربوها كيلا يؤذي إلى تجاوزها والوقوع في حيز الباطل وهو معنى قوله نهى أن يقرب الحد الحاجز الخ، وقوله: فضلا عن أن يتخلى جواب عما قيل: كيف قيل: فلا تقربوها مع قوله: {فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 229] ومنع تعذي الحد ومنع قربانه متدافعان لأنّ منع التعدي يشعر بجواز القربان فإن منع القربان يفيد مغ التعذي بطريق الأولى فهو أبلغ منه، وقوله لكل " ملك حمى " حديث صحيح وهو من جوامع الكلم وشبه المحارم بالحمى الذي يحميه السلطان عن الرعاة وغيرهم فلا يدخله أحد ثم نهى عما يقرب منه من المشتبهات فإنه يوقع في المحرمات كمن قرب من المرعى المحمى فإنه يخشى عليه من دخوله، ويوشك بمعنى يقرب وهو شاهد للمنع من القرب وان كان المذكور فيه المحارم فقط. قوله: (ويجوز أن يريذ بحدود الله الخ) فيستقيم منع اأمربان من غير تأويل إلا أنه لم يسبق إلا نهي واحد وهو قوله لا تباشروهق فقيل: التعدد باعتبار أن الأوامر السابقة نهى عن أضدادها، وقيل: إنه في أمر الإباحة مشكل فالأوجه أن يراد هذا وأمثاله. قوله: (مثل ذلك التبيين (يحتمل أنّ الإشارة إلى التبيين السابق أو إلى ما بعده كما مرّ، وقوله: مخالفة الأوامر والنواهي على التفسير الأوّل ظاهر وعلى الثاني تتميم. قوله: (أي لا يكل بعضكم الخ) يعني أنّ هذا ليس من مقابلة الجمع بالجمع كما في اركبوا دوابكم بل المراد نهي كل عن أكل مال الآخرة فقوله بالباطل متعلق بتأكلوا وبينكم أيضا كذلك أو ظرف مستقر حال من الأموال والأدلاء الإلقاء أي إلقاء الأموال إلى الحكام، وفي الأساس أدليت دلوي في البئر أرسلتها ودلوتها نزعتها ومن المجارّ دلوت حاجتي طلبتها ودلوت به إلى فلان تشفعت به إليه وأدلى بحجته أظهرها وأدلى بمال فلان إلى الحكام رفعه وعلى نصبه بإضمار أن معناه لا يكن منكم أكل الأموال والإدلاء ومثله وإن كان للنهي عن الجمع لا ينافي كون كل من الأمرين منهيا، وبها الباء للتعدية متعلق بتدلوا أي ترسلوا بها إلى الحكام أو للسببية وضمير بها للأموال وبالإثم متعلق بتأكلوا والباء للسببية أو للمصاحبة والجار والمجرور حال من فاعل تأكلوا أي ملتبسين بالإثم وكذلك جملة وأنتم تعلمون حالية ومفعوله محذوف كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله:) روي أن الخ (هذا الحديث أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مرسلاً وامرؤ القيس هذا صحابيئ رضي الله عنه وليس هو الشاعر المشهور لأنه جاهليّ وعبدان بوزن عطشان علم. قوله: (وهو دليل على أن حكم القاضي الخ) هذه المسألة مما اختلف فيه هل حكم الحاكم بحسب ظاهر الشرع إذا لم يكن كذلك في نفس الأمر ينفذ ظاهراً وباطنا أو ظاهراً فقط حتى لا يحل له ما حكم له به وليس الخلاف فيمن ادّعى حقا في يدي رجل وأقام بينة تقتضي أنه له فإنه غير جائز له أخذه وحكم الحاكم لا يبيح له ما كان قبل ذلك محظورا عليه وإنما الخلاف في حكم الحاكم بعقد أو فسخ عقد بشهادة شهود إذا علم المحكوم له أنهم شهود زور فقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حكم الحاكم ببينة بعقد أو فسخ عقد مما يصح أن يبتدأ فهو نافذ ظاهرا وباطنا ويكون كعقد عقداه بينهما وإن كان الشهود شهود زور كما روي: أنّ رجلا خطب امرأة هو دونها فأبت فاذعى عند عليّ كرّم الله وجهه أنه تزوجها وأقام شاهدين فقالت المرأة إني لم أتزوّجه وطلبت عقد النكاح فقال عليّ رضي الله عنه: قد زوّجك الشاهدان وقال أبو يوسف ومحمد والشافعيّ: لا ينفذ وحكم الحاكم في الظاهر كهو في الباطن والمسألة معروفة في الفروع والأصول ولها تفصيل في أدب القاضي والآية تدلّ على القول الثاني بحسب الظاهر. قوله:) ويؤيده الخ (الحديث المذكور أخرجه الشيخان وألحن أفعل تفضيل من اللحن وهو صرف الكلام عن سننه الجاري إما بلحن أو بجعله تعريضا وقيل: للفطن لحن وكذا القوي على التكلم ومنه ما في الحديث ودلالته لما ذكر ظاهرة ولكنه ليس محل الخلات كما مرّ ومطابقة سبب النزول للآية باعتبار أكل المال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 بغير حق مطلقا. قوله:) سأله معاذ بن جبل رضي الله عنه الخ (قال العراقي: لم أقف له على إسناد وتعقب بأنه أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وله طرق أخرى وغنم بغين معجمة ونون بوزن قفل وكما بدا يصح فيه الهمزة والألف أي كما كان أوّلاً. قوله: (أي إنهم سألوا عن الحكمة الخ (ذهب أهل المعاني إلى أن هذا من الأسلوب الحكيم ويسمى القول بالموجب وهو تلقي السائل بغير ما يطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله وأنهم سألوا عن السبب في اختلاف القمر وزيادة النور ونقصانه فقالوا: ما باله يبدو دقيقا ثم يتزايد قليلاً قليلآ حتى يمتلئ ثم يعود إلى حاله الأوّل فأجيبوا ببيان الغرض من هذا الاختلاف من بيان مواقيت العبادات والمعاملات تنبيهآ على أن الأولى بحالهم أن يسألوا عن الغرض لا عن السبب لأنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق الرياضات ولا يتعلق لهم غرض بها فإن كان المصنف رحمه الله أراد هذا فالظاهر أن يقول: سألوا عن السبب والعلة، وإن أراد أنّ السؤال إنما هو عن غايته وفائدته فالمذكور في سبب النزول لا يساعده كما قيل: وليس بشيء لأن عبارة السؤال لا تنافيه ولذا قال النحرير: أنا لا أزيد على التعجب سوى أن أقول أي دلالة لقولهم ما بال الهلال الخ على أنه سؤال عن السبب والفاعل دو) ، الغاية والحكمة فحمله المصنف على ذلك لأنه اللائق إذ مثلهم لا يستبعد منه السؤال عن ذلك فيكون محصله لم جعله الله كذلك بخلقه على حالة تقتضيه ولم يدم على حالة واحدة كالشمس فأجيبوا بأنه للمواقيت ونحوها فإن كان السؤال عن السبب وعدل عنه إلى ما ذكر لما مرّ وسيذكره المصنف رحمه الله أيضا فوجه العدول أنه أمر لا يتعلق بمنصب النبوّة إذ العلوم قسمان قسم يعلم من الشرع كالعلوم الدينية وقسم يعلم من غيره إذ لا تعلق له بمعرفة الله وأمور الدين كمثل هذا أو لأنهم ليسوا ممن يقف على مثل هذه الدقائق الموقوفة على الإرصاد والأدلة الفلسفية وليس هذا مما نقص! من قدرهم كما توهمه بعض الناس مع أنّ كثيرأ من أدلتهم مطعون فيها عندهم أيضا والحكم المسكوت عنها لا تحصى وقوله: ومعالم يعني أن الميقات ما يوقت به الشيء كما أنّ المقدار ما يقدر به، وقوله: وخصوصا الحج إشارة إلى أنه من ذكر الخاص بعد العام لمزيد اختصاص الميقات به حيث روعي فيه أداء وقضاء وقيل: إنه توبيخ لأصحاب النسيء وتوطئة لما بعده. قوله: (والمواقيت الخ) هذا الفرق مأخوذ من الراغب وعليه يعوّل في أمثاله وقوله: إن المذة احترز عما إذا قيدت كمدة كذا، وقوله: المفروض لأمر أي المقدر لأنّ أصل معنى الفرض! التقدير. قوله:) كانت الأنصار الخ) الفسطاط بضم الفاء وكسرها بيت الشعر والنقب خرق الحائط وهو راجع إلى الدار والفرجة راجعة إلى الفسطاط. قوله: (ووجه اتصاله الخ) أي وجه جمعه مع ما قبله بالعطف وعدم فصله وذكر له أربعة أوجه، وقوله: أنهم سألوا عن الأمرين أمر فرضيّ فلا يضره منافاة بعض الوجوه الآخر وأصل معنى الاستطراد في الصائد إذا قصد صيداً بعينه فعرض! له صيد آخر فمضى في أثره وطرده لا عن قصد والفرق بيته وبين الاعتراض أنّ الاعتراض! مؤكد لما سيق له الكلام منزلة منزلة الجزء منه حتى صح توسطه بين أجزائه ولا يعد فصلا وهذا يتصل به باعتبار مناسبة مّا فلا يتصل كالاعتراض لكن يشبه به من حيث إنهما غير مقصودين فلهذا يساق مساقة إلحاقا للاتصال الضعيف بالقوي توسعا ويكون بواو وبدونها هكذا فرق بينهما صاحب الكشف ويفرق بوجه آخر وهو أنّ الاستطراد قد يتعلق بما معه بحسب الإعراب والسكاكي لم يفرق بينهما وقوله: أو أنهم لما سألوا الخ يعني لما سألوا ما لا يهمهم لكونه ليس من العلوم الدينية أجيبوا وذكر لهم هذا إشارة إلى أنه اللائق بأن يسأل عنه ويعنونه بمعنى يقصدونه والمراد أنه ليس من شأنه أن يقصد لهم وقوله: أو أنّ المراد به الخ محصله أنه ذكر ضمربا للممثل لهم بأنهم في سؤالهم عما لا يهم وترك المهم كمن يترك باب الدار وياً ني من غير الطريق، وقوله: برّ إشارة إلى ما مر في مثله، وقوله إذ ليس الخ مبنيّ على الوجوه الأول، وقوله: فباشروا على الأخير. قوله: (في تنيير أحكامه) يعني إتيان البيوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 من غير بابها والاعترا ضعلى أفعاله وهو السؤال عن الأهلة والسؤال السابق وإن لم يكن للاعتراض! لكنه لما كان لا يسئل عما يفعل ولا يفعل إلا لحكمة كان السؤال في غير محله والسؤال في غير محله منزل منزلة الاعتراض وإنما حمله على ذلك لأنه مقتض الأمر بالتقوى وتفسير الفلاح بالهدى أي الهداية إلى الحكم الإلهية في أفعاله والبرّ في ترك ما فعلوه بقرينة المقام، وقوله: جاهدوا الخ فسره به لأن من لم يقصد ذلك لم يكن مجاهداً وهو مأخوذ من قوله في سبيل الله لأنّ لك هو الطريق الموصل إليه. قوله: (قيل: كان ذلك الخ الما لم يكن لقوله قاتلوا الذين يقاتلونكم فائدة في الظاهر إذ المقاتلة تكون من الجانبين فسر الذين يقاتلونكم بالذين يناجزون القتال ويبارزون فيه أي لا تقاتلوا المحاجزين الممانعين أو بالذين يناصبون الحرب ويكون لهم قوة ذلك لا الشيوخ والصبيان وإضرابهم أو بالذين يعادونكم ويقصدون قتالكم أي جميع الكفرة لتظهر الفائدة وعلى الأوّل يكون منسوخا في حكم مفهومه أي لا تقاتلوا المحاجزين لقوله: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} [سررة التوبة، الآية: 36] مناجزين كانوا أو محاجزين. قوله: (ويؤبد الآول الخ (جعله مؤيداً للأوّل وبعضهم جعله في كلام الكشاف وجها رابعا وهو أن المراد بالذين يقاتلونكم من يتصدى من المشركين للقتال في الحرم وفي الشهر الحرام، وقوله: فنزلت متفرع عليه والضمير لهذه الآية والمناصبة العداوة ومنه الناصبي، والرهابنة وفي نسخة الرهبان وكلاهما جمع راهب، وعمرة القضاء معروفة في الحديث، وقوله بابتداء القتال راجع إلى الوجوه السابقة في تفسير يقاتلونكم وقوله: لا يريد بهم الخير لأن محبة الله إرادة الخير إذ الميل النفساني محال في حقه تعالى كما مر. قوله:) وأصل الثقف الخ (هذا أصله ولكنه يستعمل في مطلق الإدراك أو الغلبة كما هنا، ومعنى البيت إن تدركوني أيها الأعداء وقدرتم على قتلي فاقتلوني فإن من أدركته منكم أقتله فكنى بقوله: فليس إلى خلود أي صائراً إلى خلود أي بقاء عن قتله والبيت من قصيدة لعمرو الملقب بذي الكلب، وقوله: وأخرجوهم أي اقتلوا بعضهم وأخرجوا بعضا آخر والا فالإخراج لا يجامع القتل. قوله: (أي المحنة التي يفتتن الخ) وقيل: لبعض الحكماء ما أشد من الموت فقال الذي يتمنى فيها الموت ومنه أخذ المتنبي قوله: وحسب المنايا أن يكن أمانيا وجعل الإخراج من الوطن من الفتن التي يتمنى عندها الموت كما قال الشاعر: لقتل بحذالسيف أهون موقعا على النفس من قتل بحدفراق وقوله: شركهم في الحرم الخ أي أشذ قبحاً فلا تبالوا بقتلهم بعد أن لم يبالوا بالشرك في الحرم وصدهم إياكم عنه وقتلهم إياهم لا قبح فيه لكنه بحسب ما يتوهم لكونه في الحرم. قوله: (لا تفاتحوهم بالقتال الخ) هتك الحرمة إزالتها، وقوله: لا تفاتحوهم معنى تمام النظم لا معنى تقاتلوهم إذ لا يستقيم لا تفاتحوهم بالقتال، وقوله: حتى يقتلوا بعضكم الخ يعني أنه جعل الفعل الواقع على البعض وكذا الصادر عن البعض بمنزلة ما يكون من الجميع وبينه في جانب المفعول لعلم الآخر بالمقايسة عليه كقولهم قتلنا بنو فلان والفاتل بعضهم كما مر، وهذا التأويل على القراء بالمفاعلة لا حاجة إليه ولذا ذكره المصنف رحمه الله مع القراءة الثانية وقوله: قتلتنا بنو أسد مؤنث في النسخ وهو صحيح كما صرحوا به وان كان لا يجوز قامت الزيدون وهو مخصوص بجمع ابن لأنه لما تغير مفرده أشبه جمع التكسير وهو يجوز في التأنيث والتذكير، وقوله: عن القتال والكفر أي عنهما معا لأنه الذي يترتب عليه الممغفرة وتفسير الفتنة هنا بالشرك مأثور عن قتادة والسدي، وقوله: ليس للشيطان فيه نصيب قال الطيبي هذا الاختصاص من لام لله ولهذأ فسرت الفتنة بالشرك للمقابلة والذي يقتضيه حسن النظم وايقاع النكرة في سياق النفي أن تعم لكل ما يسمى فتنة فيطابق ويكون الدين كله لله لأنّ الفتنة حملت أوّلاً على الشرك فلو كانت عينها لأضمرت أو عرفت، وقيل: إنما فسرت الفتنة بالشرك ليصح العموم بالنفي وينتظم عطف ويكون الدين لله وفسر الانتهاء عن الشرك بقرينة المقام وضيم إليه القتال في الأوّل دون الثاني وكأنه مراد في الثاني اهـ، وقد علمت أنه تفسير السلف وأما إن اله حل محل إضمار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 أو تعريف فلا لأن الفتنة على المرضيّ لم تفسر بالشرك كما مر وأمّا تعليق الانتهاء بهما أولاً فلأن تفريعه على القتال قبله يقتضي تعلقه بالقتال وذكر المغفرة بعده يقتضي الكفر فلذا عمم في الأوّل وأمّا هنا فلأنه متفرع على اختصاص الدين بالله وهو يقتضي الانتهاء عن الشرك ولا حاجة إلى ذكر القتال لاستلزامه له وتقدم ذكر الانتهاء عنه فتأمّل. قوله: (فلا تعتدوا على المتتهين الخ) قال النحرير: الظرف في موقع الخبر أي لا عدوان ثابت على قوم إلا على الظالمين ولما كان في ترتب الجزاء على الشرط نوع خفاء إذ الظاهر فلا عدوان عليهم ذكر له ثلاثة معان الأوّل أنه كناية عن النهي عن العدوان على المنتهين أي العدوان مختص بالظالمين حأضبة الشهاب / ج 2 / م ا 3 والمنتهون ليسوا بظالمين فلا تعتدوا عليهم، الثاني أنه مشاكلة بتسمية جزاء العدوان عدوانا أي لا تظلموا إلا الظالمين دون المنتهين يعني لا تفعلوا ما هو في صورة الظلم مجازاة له بمثله إلا مع الظالمين ففي الوجهين القصد إلى النهي مجازا أو كناية لكن النهي في الأوّل عن قتال المنتهين لكونه ظلما حقيقة وفي الثاني عن مجازاة غير الظالمين بما هو في صورة الظلم بالنسبة إلى الظالمين، الثالث أنّ المذكور سبب للجزاء أي إن انتهوا فلا تتعرّضوا لهم لئلا تكونوا ظالمين فيسلط الله عليكم من يعدو عليكم لأنّ العدوان لا يكون إلا على الظالمين أو المراد أنه كناية على معنى إن انتهوا يسلط الله عليكم من يعدو عليكم على تقدير تعرّضكم لهم بصيرورتكم ظالمين بذلك، وقيل: في المشاكلة إنه سمي جزاء الظلم ظلما وان كان عدلاً من المجازي لكونه ظلما في حق الظالم من عند نفسه لأنه ظلم نفسه بالنسبة لإلحاق الجزاء به. قوله: (قاتلهم المشركون عام الحديبية (فيه نظر لأن عام الحديبية لم يكن فيه قتال بل صد كما في الصحيحين وجمع بين الروايتين بأنه لم يكن فيه قتال شديد بل ترام بسهام وحجارة كما روي عن ابن عباس في سورة الفتح وفيه نظر، وقوله وقيل: لهم هذا الشهر بذاك أي إنّ الله أحل لكم جزاء على ما كان منهم. قوله: (يجري فيها القصاص (إشارة إلى أنّ في الكلام مقدراً أي ذوات قصاص، وقوله: هو فذلكة أي إجمال لما فصل متفرع عليه تفرع النتيجة وهو عدول عن قول الزمخشرفي أنه تأكيد لأنّ التأكيد لا يعطف بالفاء إلا أن تجعلها اعتراضية فإنّ الاعتراض! يفيد التأكيد ويكون بالفاء كما مر، وقوله: فيحرسهم يشير إلى أن المعية استعارة وتمثيل والعنوة القهر ويقابلها الصلح. قوله: (ولا تمسكوا كل الإمساك الخ (فسره به ليقابل الإسراف ولما كان قوله ولا تلقوا بأيديكم الخ يحتمل تعلقه بقوله قاتلوا أو بقوله أنفقوا أو بهما والثاني أقرب ولذا قدمه والمعنى حينئذ النهي عن ترك الإنفاق أو عن الإسراف فهو تذييل قيل: وإنما احتملت الآية الضدين لأنّ اليد تستعمل في الإعطاء والمنع قبضاً وبسطا قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [سورة الإسراء، الآية: 29] فالآية تحتمل النهي عن حاشيتي السخاء، وقوله أو بالكف إشارة إلى تعلقه بهما معا وقوله: ويؤيده ما روي الخ رواه الترمذفي وأبو داود عن أسلم بن عمران مع اختلاف في ألفاظه وقوله: أو بالإمساك الخ يعني التهلكة هنا البخل لأنه يسمى هلاكا وأصل معنى الهلاك لغة تناهي الفساد كقوله: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [سورة البقرة، الآية: 205] أي يفسدهما ومنه الاستهلاك. قوله:) والإلقاء طرح الشيء وعد! بإلى لتضمن معنى الانتهاء) أو الإفضاء وهذا أولى لأنه لا تكون الباء فيه مزيدة إذ زيادتها في المفعول شاذة والأيدي مجاز عن الأنفس، وكون التهلكة بالضم مصدرا كالتضرة بالضاد المعجمة بمعنى الضرر والتسرّة بمعنى السرور منقول عن سيبويه وهو الصحيح لكنه من النوادر ومثله في ألأسماء تنضبة لشجرة وتتفلة للثعلب وجوّز الزمخشري أن يكون أصلها كسر اللام فضمت قبل ويؤيده أنه قرئ به، وردّه أبو حيان بأنّ مصدر فعلي لا يكون تفعلة، وبأنه دعوى بلا دليل وكونها بمعنى الهلاك هو المشهور وقيل: التهلكة ما أمكن التحرّز عنه والهلاك ما لا يمكن وقيل: هي نفس الشيء المهلك. قوله: (وقيل: معئاه لا تجعلوها آخذة بأيديكم) هذا الوجه قدمه الزمخشرقي وهو على زيادة الباء قال الباء في بأيديكم مزيدة مثلها في أعطى بيده للمنقاد والمعنى ولا تقبضوا التهلكة أيديكم أي لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم يعني لا توقعوا أنفسكم فيما تتحققون الهلاك به من قولهم أعطى بيده من انقاد كما يقال: في ضدّه نزع يده عن الطاعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وقوله: ولا تقبضوا بالتشديد بيان لطريق المجاز أي لا تجعلوا التهلكة مسلطة عليكم فتأخذكم كما يأخذ المالك القاهر يد مملوكه فسبيل هذا المجاز سبيل الاستعارة المكنية، ولما فيه من الخفاء ضعفه المصنف ولكونه المعنى المشهور المتبادر منه إذ معناه لا تستسلموا وتنقادوا للهلاك قذمه الزمخشرفي لجزالته وعلى الوجه الأخير هو متعد حذف مفعوله ومعناه لا تقتل نفسك بيدك كقولهم لا تفعل كذا برأيك. قوله: (أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك الخ) ذهب أبو حنيفة إلى انّ العمرة ليست بواجبة والشافعي قال إنها واجبة كالحج، واستدل بعضهم بهذه الآية لأنّ معنى أتموا ائتوا بهما تامين والأمر للوجوب ويؤيده القراءة الأخرى وما ورد في الحديث والأحاديث الدالة على عدم الوجوب يعارضها أحاديث أخر لا يعلم المتأخر منها حتى يكون ناسخا لكن ظاهر النظم أمر بالإتمام وهو لا يدل على الوجوب لأنّ التطوّع بعد الشروع فيه واجب عند الحنفية لكن وجوب الإتمام فرع وجوب الأصل عند الشافعية فهو عندهم يدل على الوجوب على كل تقدير وإنما أوّله المصنف رحمه الله إرخاء للعنان معهم وجعل الزمخشري الأمر بإتمامهما أمرا بأدائهما وهو بعيد، وكذا ما قيل: الأمر بالإتمام مطلقاً أمر بالقضاء لأنه موقوف على الشروع. قوله: (وما روى جابر رضي الله عنه الخ) ردّ على من استدل به للحنفية وأورد عليه أنّ قول الصحابيّ لا يعارض! الحديث المرفوع وهو غير وارد لأنّ قوله سنة نبيك إن لم يكن رفعا فهو في حكمه وأمّا ما قيل: إنّ حديث جابر رضي الله عنه إنما يكون صارفا لو ثبت أنه كان سابقاً على القرآن ليدل على عدم قصد الوجوب أمّا لو كان متأخراً والآية دالة على الوجوب كما هو الأصل رفع حكم الآية بخبر الواحد وهو لا يجوز فغير وارد لأنّ الآية تحتمل الوجوب وعدمه بيان أحد المحتملين بخبر الواحد جائز وليس بنسخ عند الحنفية كما مز. قوله: (ولا يقال إئه فسر وجدانهما الخ) رذ لقول الزمخشري وأفا حديث عمر رضي الله عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله أهللت بهما وإذا أهل بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبر بالتطوّع من الصلاة، يعني قوله أهللت بهما استئناف لبيان الموجب والمعنى وجدتهما مكتوبين لأني أهللت بهما جميعاً للشروع لا للأمر، ولا يخفى أنه لا ينهض دليلاً عليهم وهم لا يقولون بأنّ الشروع ملزم فكيف يلزمهم بما لم يسلموه، وأمّا قول المصنف رحمه الله أنه رتب الإهلال الخ فإنما يتم لو كان فأهللت بالفاء واذعاء تقديرها خلاف الظاهر مع أنه قيل: إنّ قول عمر رضي الله عنه أصبت سنة نبيك يحتمل أنه رذ لقوله مكتوبين بأنها سنة. قوله: (وقيل إتمامهما أن تحرم الخ) دويرة تصغير دار للتلطف لا للتحقير وهذا إنما يصح إذا أمكن المسير من الدار في أشهر الحج لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} وأمّا إذا لم يمكن ذلك فلا كما بين في الفروع ولذا ضعف هذا القول وقوله: وأن تجرده أي السفر، وقال الإمام: الاحتياط القول بوجوب العمرة. قوله: (يقال حصره العدوّ وأحصره الخ) الأكثر في استعمال الإحصار في منع يكون من مثل الخوف والمرض والحصر فيما يكون من جهة العدوّ وان كانا في الأصل لمطلق المنع، فاعتبر أبو حنيفة رحمه الله في حق الحكم مطلق المنع على ما هو الوضع والشافعي رحمه الله المنع من جهة العدوّ لقيام الدليل، وهو أن رئيس المفسرين وهو أعرف بمواقع التنزيل قد فسر الحصر بحصر العدوّ وقول الصحابي وان لم يكن حجة عنده والتقييد خلاف الظاهر لكن لم يقم دليل على خلافه وروده في حصر العدوّ لا يصلح دليلاً إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن وقوعه في مقابله قوله فإذا أمنتم يقويه، وتفسيره بأمنتم الإحصار خلاف الظاهر إذ المتبادر من الأمن من العدوّ. قوله: (من كسر أو عرج) الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائيّ وابن ماجه والحاكم من حديث الحجاج بن عمرو وكسر مبنيّ للمجهول أي كسر منه عضو منعه من الحركة وعرج بفتح الراء أصابه عرج عارض! وأمّا الخلقي فبكسر الراء وقابل اسم فاعل بمعنى آت مطلقاً لكنه خص في الاستعمال بالعام الذي بعد عامك وهو دليل لأبي حنيفة في التحلل بالمرض، وقوله: ضعيف غير مسلم لأنه روي من طرق مختلفة في السنن فلذا احتاج إلى تأويله بالاشتراط ومعنى الاشتراط كما فسره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن ينوي الحج على أنه إن منعه مانع أحل عند عروضه له وهو بناء على القول بأنه يجوز لكلى محرم أن يشترط الخروج من الإحرام بعد زمن يعترضه وهو قول أحمد وأحد قولي الثافعيّ وغيرهما مخالف فيه والحديث حجة عليهم وهو حديث صحيح رواه البخارفي ومسلم والنسائيئ والترمذفي وأبو داود وضباعة بنت الزبير بضم الضاد وتخفيف الباء. قوله: (فعليكم الخ) يعني ما الموصولة في محل نصب على أنها مفعول اسم فعل مقدر وهو عليكم بمعنى خذوا أو الزموا إن قلنا بجواز عمله محذوفا فإن قلنا بعدمه لضعفه فهو خبر مبتدأ محذوف أي الواجب أو مبتدأ خبره محذوف تقديره عليكم أي واجب عليكم أو مفعول فعل مقدر تقديره اهدوا، وقوله: تيسر عليه وفي نسخة يسر عليه إشارة إلى أنّ السين ليست للطلب وأنه بمعنى تيسر، وقوله: وهي من الحل فيه خلاف أيضا فإنها عند أبي حنيفة من الحرم والمحدثون صححوا الأوّل ولكنه لا يضر أبا حنيفة لأنها متصلة به وهي اسم بئر فما جاورها من الحرم يعد من فنائها، وبه يجمع بين القولين قال الواحديّ الحديبية طرف الحرم على تسعة أميال من مكة وقوله: يوم أما ربا لإضافة وفتح الهمزة من الأمارة بمعنى العلامة وفي الفائق عن ابن مسعود رضي الله عنه لدغ رجلى وهو محرم بالعمرة فقال بعثوا بالهدي واجعلوا بينكم وبينه يوم أما رأي يوماً تعرفونه فإذا ذبح حل فأوثرت هذه العبارة لورودها في الأئر. قوله: (لا تحلوا حتى تعلموا الخ (ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لبيان صكم المحصر فقط وبه صرح الزمخشرقي وقيل: إنه عام راجع إلى قوله أتموا الحج، وقوله: وحمل الأوّلون إشارة إلى أنّ ظاهر النظم مع أبي حنيفة رحمه الله فالمراد بمحله المحل الذي عينه الثارع وهو محل الإحصار مطلقا والجدي كالهدي بجيم ودال مهملة ما يحشى ليوضع تحت دفة السرج أو الرحل، وقوله: واقتصاره الخ لا يقول به أبو حنيفة لمعارضته الروايات الصحيحة واقتضاء القياس على الصوم والصلاة له، والمطي والمطية ما يمتطي أي يركب من الإبل. قوله: (والمحل الخ) في الكشف والتحقيق أنّ محل الدين وقت حلوله وانقضاء أجله والوجوب يلزمه من خارج وأمّا محل الهدي فهو مكان يحل فيه نحره أي يسوغ أو يجب وقد نقله الأزهرقي عن الزجاج وغيره بهذا المعنى، ومن حيث حبس عند الشافعيّ. قوله: (مرضا يحوجه إلى الحلق) قيده بهذا ليلا ثم ما ترتب عليه وهو قوله ولا تحلقوا رؤوسكم والمعطوف وهو أو به أذى من رأسه وإلا فالحكم عامّ في كل مرض! يحوج إلى شيء من محظورات الإحرام وقمل كدمل معروف. قوله: (فقد روي الخ) في البخارفي عن عبد الله بن مغفل قال قعدت إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته عن قوله ففدية من صيام فقال: حملت إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي فقال: " ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا أما تجد شاة قلت: لا قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك فنزلت فئ خاصة وهي لكم عامة " وعجرة بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء المهملة، وهو أتك جمع هامّة بتشديد الميم وهي صغار الدوالث غير ذوات السمّ منهئم بمعنى دث وفي الحديث: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهافة " والفرق بفتح الفاء والراء وتسكن والقاف مكيال يسع ثلاثة آصع، وانسك بمعنى اذبح وآصع جمع صاع وهو مكيال معروف، وقوله: أمنتم الإحصار يحتمل أنه بناء على مذهب أبي حنيفة وما بعده على مذهبه والمراد بالسعة عدم مضايقة العدوّ وأنه جعل أولاً مفعول الأمن محذوفا وهو الإحصار على طبق مذهب الشافعيّ أنّ المعتبر الإحصار والأمن منه لا من المرض والعدوّ وثانيا جعل أمنتم منزلاً منزلة اللازم أي كنتم في أمن وسعة موافقا لمذهب أبي حنيفة. قوله: (فمن استمتع وانتفع الخ) التمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويأتي بمناسكها ثم يحرم بالحج من جوف مكة ويأتي بأعماله ويقابله القرآن وهو أن يحرم بهما معاً ويأتي بمناسك الحج فيدخل فيها مناسك العمرة والإفراد هو أن يحرم بالحج وبعد الفراغ منه بالعمرة. قوله: (وقيل الخ) فالمعنى على الأوّل من انتفع بالشروع في العمرة ممتد أو منتهيا إلى الانتفاع بالحج وعلى الثاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 من انتفع بالفراغ منها ممتدا إلى الشروع في الحج فالباء إما صلة أو سببية. قوله: (فعليه دم استيسره الخ) الدم مجاز عما يذبح، وجبران بضم الجيم والموحدة مصدر كالجبر وهو ما يتلافى به التفريط ويجبر ما فاته من تأخير الإحرام للحج من الميقات ولذا لم يجب على المكي ومن في حكمه، وقوله: يذبحه إذا أحرم أي يجوز له ذلك وأمّا عند أبي حنيفة رحمه الله فدم نسك أي تقرب كالأضحية فيأكل منه ولا يذبح إلا يوم النحر. قوله: (في أيام الاشتنال الخ الما كان قوله في الحج يحتمل اًن يراد به في عمدته وهو عرفة لأنّ الحج عرفة كما في الحديث أو في أفعال الحج أو في أشهر الحج والأوّل غير ممكن إذ لا يمكن صوم ثلاثة أيام في عرفة فبقي الاحتمالان الأخيران فذهب إلى الأوّل الشافعيّ والى الثاني أبو حنيفة لكن قوله بين الإحرامين أي إحرامي الحج والعمرة ظاهرة يشعر بأنه يجب عند أبي حنيفة أن يكون قبل إحرام الحج وليس كذلك بل يجوز بعده بالاتفاق وأشهره جمع شهر مضاف لضمير الحج وقوله: والأحب لا يصلحه ووقع في نسخة بعد الإحرامين وهو من تحريف النساخ وتقدير بعد أحد الإحرامين لا قرينة عليه، ولك أن تقول إنه اقتصر على محل الخلاف وقوله: لا يجوز الخ الأولى ترك يوم النحر فإنه لا خلاف في عدم جوازه وقراءة سبعة بالنصب عطف على محل مفعول المصدر ومن لم يجوّزه قدر وصوموا وعليه أبو حيان رحمه الله. قوله: (فذلكة الحساب الخ) تقدم أن فذلكة من قول الحساب إذا جمعوا ما فرقوه فذلك يكون كذا، ثم بين فائدته بأنه ربما يتوهم أنه مخير بين ثلاثة في الحج أو سبعة بعده أو لئلا يتوهم من السبعة مجرّد الكثرة فإنها تستعمل بهذين المعنيين وأيضاً فإنّ الإجمال بعد التفصيل آكد، فإن قلت ما الحكمة في كونها كذلك حتى يحتاج إلى تفريقها المستدعي لما ذكر قلت لما كانت بدلاً من الهدي والبدل يكون في محل المبدل منه غالباً جعل الثلاثة بدلاً عنه في زمن الحج وزيد عليها السبعة علاوة لتعادله من غير نقص! في الثواب لأن الفدية مبنية على التيسير، وهذا معنى قوله كاملة فلا يكون تأكيداً كما سياً تي ولم تجعل السبعة فيه لمشقة الصوم في الحج ولأنّ فيها أياما منهيا عن صومها. قوله: (أن لا يتوهم متوهم أن الواو بمعنى أو الخ) في المغني ذكر الزمخشري أنّ الواو تأتي للإباحة نحو جالس الحسن وابن سيرين كما في قوله تعالى {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} الآية وتبعه صاحب الإيضاح البياني ولا نعرف هذه المقالة لنحويّ وردّ بأنّ السيرافي نص عليه في شرح الكتاب وتبعه في حواشيه على التسهيل فقال: الصواب أنّ الواو كأو في الإباحة لأن الإباحة إنما استفيدت من الأمر والواو جمعت بين الشيئين في الإباحة) قلت الك أن تحمل عليه كلامه كما ينادي عليه آخره بأنه إنما خطأ الزمخشرفي في جعلها للإباحة في الخبر لأنها إن استفيدت إنما تستفاد من الأمر ولا أمر هنا وكونها تجري في الأمر الصريح لا يقتضي جريانه فيما هو خبر أريد به الأمر كما هنا لأن المعنى فصوموا تأمّل. قوله: (صفة مؤكدة تفيد الخ) أمّا كونها مؤكدة فظاهر وكونها مبنية على الوجه المذكور لا يناسب المقام والوجه الأخير مرّ تقريره، وهو الأولى عندي. قوله: (ذلك إشارة إلى الحكم المذكور الخ) يعني الفدية إذا تمتع لا تجب على أهل الحرم إن تمتعوا وقال أبو حنيفة: إنه إشارة إلى التمتع وأنه لا تمتع على أهله فإن تمتع فعليه دم جناية لا يأكل منه، قال الجصاص: وظاهر الآية يقتضي ما قال الحنفية لأنه لو كان المراد الهدي لقال ذلك على من لم يكن الخ وكون اللام واقعة موقع على خلاف الظاهر. قوله: (وهو من كان من الحرم الخ) أي من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام من كان من الحرم على مسافة القصر فإن من كان على أقل فإنه مقيم الحرم إن كان فيه أو في حكمه إن كان في غيره والمراد به غير المكي عند مالك وقيل: من كان من أهل الحل أو من كان مسكنه في الحل، وقوله: وخصوصا في الحج إشارة إلى دخوله فيه دخولاً أوّلياً يتم به الانتظام، وقوله كي يصدكم الخ يعني ليس المراد بمجرّد العلم بل علم يمنع عن المعصية ويقتضي التقوى. قوله: (أي وقته الخ) إنما قدر الوقت ليصح الحمل لأنّ الحج فعل من الأفعال والأشهر زمان يغايره فيقدر ما ذكر أو ذو أشهر أو حج أو يجعل عين الزمان مبالغة، وقوله: وبناء الخلاف الخ وثمرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 الخلاف أنه لا يجوز الإحرام يوم النحر، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز بلا كراهة، وقوله: أو ما لا يحسن الخ هو مذهب مالك رحمه الله وفي الكشاف، فإن قلت ما فائدة توقيت الحج بهذه الأشهر قلت فائدته أنّ شيئا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها والإحرام بالحج لا ينعقد أيضاً عند الشافعي في غيرها وعند أبي حنيفة ينعقد إلا أنه مكروه، واستشكل بالرمي والحلق وطواف الركن مما يصح بعد فجر النحر وأجيب بأنه بيان على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفيه بحث، وقوله: فإنّ مالكاً كره العمرة في بقية ذي الحجة في الانتصاف أنه يقول لا تنعقد العمرة في أيام منى خاصة لمن حج ما لم يتم الرمي ويحل بالإفاضة فتنعقد وجميع السنة غير ما ذكر ميقات للعمرة ولا تظهر ثمرته إلا في إسقاط الدم عن مؤخر طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة لا غير. قوله: (وإنما سمي شهرين وبعض شهر الخ) كذا في الكشاف وفيه بحث فإنه لا يخلو إمّ أن يطلق الجمع على الاثنين فما فوقهما أو يخص بالثلاثة فما فوقها وعلى كل حال فهذا ليس منها لأنه إطلاق على اثنين وبعض ثالث لا على ائنين ولا على ثلاثة فان كان أحد الشهور استعمل في بعضه والباقي في تمامه لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا مخلص عنه إلا بأن يقال المراد به اثنان والزائد في حكم العدم أو ثلاثة وأسماء الظروف تطلق على بعضها حقيقة لأنها على معنى في ولذا مثل له الزمخشريّ برأيتك في سنة كذا وإنما رآه في ساعة منها وهذا هو الحق لأنّ الأوّل يقتضي أنّ وقت الحج شهران فقط ولا قائل به فتأمّل. قوله: (اوجبه على نفسه الخ) الذي ذهب إليه الشافعيّ هو أنه لا إحرام في غيرها ووجه دلالته على وجوب الإتمام فرضيته بالشروع، وقوله: فلا جماع أو فلا فحش وهو على الأوّل كناية، وعلى الثاني حقيقة كما مر، وأمّا حمل الفسوق وهو مصدر كالدخول لا جمع فسق كما يتوهم من تفسيره على السباب فكما في قوله: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ} [سورة الحجرات، الآية: 11] والمراد بكسر الميم والمد المخاصمة ونحوها، وقوله: في أيامه بتء على المشهور وعلى ما ذكر في قوله وذلك أنّ قريشا الخ المراد في نفس الحج. قوله: (على قصد النهي للمبالغة الخ) وجه المبالغة ما ذكره من أنها لا تليق أن توجد لأنها في نفسها قبيحة فمع الحج أقبح والمراد بالتطريب ما يخرجه عن اتصال الحروف ويجعله كالأغاني والا فتحسين الصوت بالقرآن حسن وقراءة الرفع تنبيه بانها على قصد النهي على وجه المبالغة كما قال والجدال منفيّ على ما فسره به، ووجه الحث على الخير أنّ المراد بعلم الله وهو عالم بكل قبوله والجزاء عليه. قوله: (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأوّلين بالرفع على معنى الخ (قال أبو حيان: تأويله على هذه القراءة أنهما حملا الأوّلين على معنى النهي بسبب الرفع والثاني على الإخبار بسبب البناء وفيه أنّ الرفع والبناء لا يقتضيان شيئاً من ذلك ولا فرق بينهما إلا أنّ قراءة الفتح نص في العموم والرفع راجحة فيه، وقيل: إنه منقول عن أبي عمرو الذي قرأها لأنه قال الرفع بمعنى لا يكون رفث ولا فسوق أي شيء يخرج من الحج ثم ابتدأ النفي فقال: ولا جدال فأبو عمرو لم يجعل النفيين الأولين نهيا والذي يدفع ما قاله أنّ الرفث والفسوق فيه واقع فلا بد من حمله على النهي لئلا يلزم تخلف إخباره تعالى بخلاف الجدال في الحج نفسه لا في أيامه فتأمّل. قوله: (وتزودوا لمعادكم الخ) يعني أنّ الزاد المراد به العمل الصالح على طريق الاستعارة وعلى القول الآخر حقيقة والمراد بالتقوى معناها اللغوي وهو اتقاء الإلحاح في السؤال والثقل على الناس وكلا بمعنى ثقلا والإبرام أصله الأحكام من إبرام الحبل وهو فتله قال الراغب المبرم الذي يلح ويشدد في الأمر تشبيهاً بمبرم الحبل اهـ. قوله: (حثهم على التقوى الخ) يعني أنّ قوله واتقون الخ بعد قوله خير الزناد التقوى المفيد للحث عليها وطلبها بمعنى أخلصوا إلى التقوى فإن مقتضى العقل الخالص عن الشوائب ذلك وكونه خالصا عن ذلك مأخوذ من إطلاق اللب عليه فلا تكرار. قوله: ( {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً} الخ) نزلت وقد أنف قوم من التجارة في أيام الحج كما كان وخافوا الإثم فتبين لهم أنه مباح لهم إذا لم يشغلهم ذلك عن العبادة وقوله قيل: الخ هو المذكور في البخاري، وغكاظ بضم العين المهملة والكاف الخفيفة والظاء المعجمة ومجنة بفتح الميم والجيم وتشديد النون، وذو المجاز كضد الحقيقة أسواق كانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 للعرب بقرب مكة وسمي موسم الحج موسماً لأنه معلم يجتمع الناس إليه، وقوله: تأثموا منه أي خافوا الإثم وقوله: في أن تبتغوا بيان للإعراب والظرف متعلق بجناح أو بالظرف الواقع خبر ليس أعني عليكم. قوله: (دفعتم منها بكثرة الخ) يعني أنه من فاض الماء إذا سال منصباً وأفضته أسلته والمراد به هنا دفعتم أنفسكم منها بكثرة تشبيهاً بفيض الماء والمفعول مما التزم حذفه للعلم به. توله: (وعرفات جمع سمي به كأذرعات الخ) أذرعات اسم بلدة بالشأم وهي مثل عرفات في العلمية وأنها لا واحط لها إذ لى ورح أذرعة ولا عرفة،! ال ا! فرّاء: قول الناس نزلنا بعرفة ليس بعربي محض، قيل: ولو سلم فعرفة وعرفات مدلولهما واحد ثم لا كلام في استعماله منوّنا وان حكى سيبويه عدم التنوين فيه! انما الكلام في الصرف وعدمه فعند البعض غير منصرف للعلمية والتأنيث والتنوين للمقابلة لا للتمكين يعني جيء به في مقابلة النون في جمع المذكر السالم ويكسر في موضع الجرّ للأمن بهذا التنوين من تنوين التمكين والكسرة إنما تذهب في غير المنصرف تبعاً للتنوين إذا ذهب من غير عوض أمّا إذا عوض عنه شيء كاللام والإضافة فلا تذهب وهنا عوض! عنه تنوين المقابلة وهذا قول للنحاة في عدم منع الصرف وكون الكسرة تابعة للتنوين واختار الزمخشري أنه منصرف لعدم الاعتداد بالتأنيث لأن التاء للجمع ووجودها يمنع من تقدير أخرى كما في سعاد فعلى هذا لو جعل مثل بنت ومسلمات علما لامرأة وجب صرفه، ومخالقة ابن الحاجب فيه ليست بشيء وفيه أن عرفة كيف يتردد الفزاء في صحته وهو مسموع في كلام العرب وفي الحديث " الحج عرفة " والظاهر أنهم لم يقفوا على مراده فانّ عرفة اسم لليوم التاسع من ذي الحجة كما صرّح به الراغب والبغوي والكرماني وبهذا المعنى ورد في الحديث فالذي أنكره الفرّاء استعماله في المكان كعرفات وهذا مما لا شبهة فيه وقد نبه عليه شراح البخاري، وقوله لذلك يجمع مع اللام خطاً لأنّ تنوين المقابلة لم يقل أحد بجمعه معها وإنما الذي يجمع معها تنوين الترنم والغالي كقوله: يا صاح ما هاج العيون الذرّفن قوله: (وإنما سمي الموقف عرفة الخ (هذا بناء على أنّ عرفة كعرفات ومرّ ما فيه وهذه مناسبة اعتبرها الواضع كما يقال: الكلمة من الكلم فلا ينافي كونها مرتجلة كما توهم، وقوله: وعرفات للمبالغة يعني أنها جمعت لجعل كل جزء منها عرفة مبالغة، وهي يعني عرفة ويعلم منه أنّ عرفات كذلك، ويصح أن يعود إلى عرفات لأنّ عرفات لا تكون منقولة إلا إن ثبت أنّ عرفة جمع كخدمة جمع خادم ليكون هذا جمع جمعه وفي الكشاف وهي من الأسماء المرتجلة لأنّ العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس إلا أن تكون جمع عارف، قال الرازي: إنما قيد بالأجناس لأنّ عرفة تعرف من الأعلام فإن عرفة! علم لهذا المكان المخصوص كما أنّ عرفات علم له وقوله: إلا أن يكون جمع عارف يحتمل أن يكون استثناء من قوله: لأنّ المعرفة لا تعرف في أسماء الأجناس فإنه لو جعل جمع عارف ككاتب وكتبة لعرف من أسماء الأجناس فإن قلت فحينئذ لا استثناء من قوله من الأسماء المرتجلة فيكون الحكم بارتجال عرفات مطلقا غيره مستثنى منه وهو غير مستقيم قلنا الاستثناء من الدليل استثناء من المدول فإنه إذا كان عرفات جمع عرفة يلزم أن يكون منقولاً وقيل: عليه لفظ عرفة كما أنه علم للمكان فهو اسم لليوم التاسع كما مرّ فعلى هذا يعرف في أسماء الأجناس وليس بشيء لأنه علم جنس لا نكرة لامتناع دخول الألف واللام عليه كسائر أسماء الأجناس. قوله: (وفيه دليل وجوب الوقوف بها الخ) وفي نسخة على وجوب الوقوف بها. (وفيه بحث) لأنّ الأمر فيه مقيد بالحيثية فيكون الوجوب منصرفا إلى قيده كما سيجيء أنّ معناه أفيضوا من عرفة لا من مزدلفة ولهذا قال النحرير دلالة الآية لأنه ذكر الإفاضة بكلمة إذا الدالة على القطع وهو في حكم الشرع للوجوب كأنه قال الإفاضة واجبة عليكم فإذا أتيتم بها فاذكروا الله ثم إنها تقتضي سابقة الكون والاستفرار بعرفات ليكون مبدؤها منها وهو معنى الوقوف بها والحضور فيها وقد تبين بوجوه الأوّل أنه يدل على أنّ الذكر عند الإفاضة واجب وهو يتوقف على الإفاضة وهي على الوقوف وما لا يتم الواجب إلا به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 فهو واجب وردّ بأنّ وجوب الذكر مقيد كما تقول إذا حصل لك مال فزك وهو لا يدل على وجوب القيد بل الوجوب عند حصول القيد، وتحقيقه أنّ الإفاضة قيد للوجوب لا للواجب كأنه قيل: ائتوا بذكر كائن عند الإفاضة الثاني أنّ في ثم أفيضوا دلالة على تقدير أمر يعطف هو عليه كأنه قيل: أفيضوا من عرفات ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس الثالث أن الفاء في فإذا أفضتم لتعلقها بقوله: فمن فرض تدل على ترتب الإفاضة على الحج من غير مهلة وتراخ وهو معنى وجوبها المقتضي لوجوبه وفيه بحث. قوله: (وفيه نظر الخ) يعني أنّ الذكر بمزدلفة غير واجب حتى تكون الإفاضة مقدمة للواجب ويكون الوقوف بعرفات مقدمة للإفاضة وأيضا الأمر بالذكر غير مطلق بل مقيد بقوله: فإذا أفضتم الخ فلم يكن الوقوف بعرفة مقدمة للواجب المطلق ليتصف بالوجوب لأنّ الواجب المقيد بقيد لا يجب تحصيله فلا يكون الموقوف عليه واجباً، وقوله: بصلاة العشاءين لأنّ الصلاة تسمى ذكرا وهي تصلى ثمة. قوله: (جبل يقف عليه الإمام الخ) قزح بوزن عمر اسم جبل بمزدلفة ممنوع من الصرف والمأزم بالهمز وكسر الزاي مضيق بين جبلين ومحسر بكسر السين المهملة المشددة واد معروف، والغلس ظلمة آخر الليل والحديث صحيح رواه مسلم ووجه التأييد أنه ذلك الموضع بعينه لا مطلق مزدلفة كما في الثاني وقوله: فإنه أفضل إشارة إلى أنّ الأمر ليس للوجوب وأمّا قوله: إلا وادي محسر فلأنّ آخره أوّل منى كما ذكره الطحاوي فليس كله موقفا فلا يرد نظر النحرير عليه. قوله: (كما علمكم الخ) الوجهان مطردان إن جعلت ما كافة أو مصدرية والفرق بين الوجهين أنّ الأول للتقييد أي على النحو الذي هداك إليه ولا تعدل عما هديت إليه كما تقول افعل كما علمتك والثاني للتشبيه كما تقول! خدمه كما أكرمك يعني لا تتقاصر خدمتك عن إكرامه، قيل: مبني الفرق على أنّ الهداية الدلالة الموصلة أو المطلقة وقيل: الكاف للتعليل وأيضا الهداية في أحدهما مطلقة وفي الآخرة مقيدة، وقيل: محل كما هداكم النصب على المصدرية بحذف الموصوف وعلى الكافة لا عامل له كما أنه لا معمول له لأنه لم يبق حرفا بل يقيد من جهة المعنى فقط وهذا الذي ذكره من كون حرف الجرّ إذا كف عن العمل لا متعلق له ظاهر. قوله: (أي من عرقة لا من المزدلفة الخ) المراد بالناس الجمهور والتعريف للجنس وإفاضتهم من عرفة وجمع اسم مزدلفة لاجتماع آدم وحوّاء بها أو لغير ذلك. قوله: (وثم لتفاوت ما بين الإفاضتين الخ) قال النحرير: لما توجه أنّ الإفاضتين من عرفات فما وجه العطف بثم الدالة على التراخي عن الأمر بالذكر المقارن لها بل المتأخر عنها فأجاب بأنّ موقعها موقع ثم في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم لما مرّ من دلالة إذا أفضتم الخ على وجوب الإفاضة من عرفات وأنّ معنى ثم أفيضوا لتكن إفاضتكم منه لا من المزدلفة فكأنه قيل: أفيضوا من عرفات ثم لا تفيضوا من المزدلفة لأنّ الأولى صواب والثانية خطأ وبينهما بون بعيد وهذا مما يقرّر تفاوت المرتبة وتباعدها وهو وان كان إنما يعتبر بين المتعاطفين وهو عدم الإحسان إلى غير الكريم وعدم الإفاضة من المزدلفة لكن قد جرت عادته أن يعتبر التفاوت بين المعطوف عليه وما دخله حرف النفي من المعطوف لا نفسه، وأمّا الاعتراض بأنّ التفاوت يفهم من كون أحدهما مأمورا به والآخر منهياً عنه سواء كان العطف بثم أو بالفاء أو بالواو فليس بشيء نعم يرد أنّ هذا إنما يطابق المثال لو أريد أفيضوا إلى منى من غير تعيين عرفات أو أريد في المثال أحسن إلى الناس الكرام وأمّا إذا أجرى الناس على الإطلاق وقد تقرّر أن فإذا أفضتم يدل على وجوب الإفاضة من عرفات فلا مطابقة إلا أنه لا يضر بالمقصود في موقع ثم والحاصل أنّ أفيضوا عطف على فاذكروا قصداً إلى التفاوت بينه وبين ما يتعلق باذكروا وهو إذا أفضتم الخ وهذا من دقيق هذا الكتاب ويؤخذ منه أن التفاوت يكون بتفضيل أحد المتعاطفين سواء كان الأوّل أو الثاني كما أشار إليه في الكشف وأنّ التفاوت يكون بينهما بالذات وبين متعلقيهما فافهم. تنبيه: ذكر ابن إسحق في سيرته أن قريشاً كانت تسمي الحمس لتشدّدهم في الدين وكانوا لتعظيمهم الحرم تعظيما زائداً ابتدعوا أنهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 لا يخرجون منه ليلة عرفة ويقولون نحن قطان بيت الله وأهله فلا يقفون بعرفة مع أنها من مشاعر إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكانوا كذلك حتى ردّ الله عليهم بقوله: ثم أفيضوا الخ وكان عليه الصلاة والسلام قبل ذلك يقف بعرفات ويخالفهم لأنّ الله وفقه وأوقفه على المشاعر اهـ. فالأوّل هو التفسير المأثور ولذا قذمه المصنف إلا أنّ فيه خفاء من جهة النظم فإنه معطوف على جواب إذا وعليه يصير تقديره فإذا أفضتم من عرفات فأفيضوا من عرفات ولا يخلو من نظر فهو محتاج إلى التأويل. قوله: (وقيل من مزدلفة منى الخ) إشارة إلى وجه تكون فيه ثم على أصلها ويكون الناص قريشاً وتعريفه للعهد، وقوله: بعد الإفاضة من عرفة بيان لمحصل المعنى والا فالظاهر بعد الذكر والقراءة المذكورة بكسر السين مع حذف الياء واثباتها والمراد بالناس آدم عليه الصلاة والسلام لقوله في حقه فنسي يعني أمر الشجرة وثم على هذه القراءة لتفاوت الرتبة، وقوله: في تغيير المناسك بناء على التفسير الأوّل والتعميم للإشارة إلى الثاني، وينعم عليه تفسير لرحيم وقوله وفرغتم لأن معنى قضيت الحج أدّيته وأتممته والمناسك جمع منسك وهو النسك أي العبادة، وقوله: فأكثروا الخ الكثرة مستفادة من قوله: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ} والأيام عبارة عن الوقائع والحروب كما يقال يوم الفجار ويوم بدر وحيث أطلق يراد به ذلك كما بين في الأمثال وكون ذلك كان عادتهم رواه ابن جرير وغيره والمعنى ذكراً أشد ذكرا على الإسناد المجازي وصفآ للشيء بوصف صاحبه كما يقال: جد جده فجعل الذكر ذاكراً حيث أثبت له ذكراً وكذا إذا جعل منصوبا معطوفا على محل الجار والمجرور كما ذكره ابن جني حتى يكون من هذا القبيل أيضا قال أبو حيان: ووجهه أنّ ذكراً منصوب على التمييز وأفعل إذا ذكر بعده ما ليس من جنسه مما يغايره انتصب كذلك نحو زيد أفضل علماً فإن كان من جنسه ولم يغايره جرّ بالإضافة نحو أفضل عالم فكان المتبادر هنا أشد ذكر بالجرّ فلما انتصب دلّ على أنه غيره وأنه جعل للذكر ذكراً كشعر شاعر وقوله: كذكر أشذ منه منوّن لا مضاف. قوله: (إمّا مجرور معطوف على الذكر الخ) اعترض! على قوله أو على ما أضيف إليه ذكر بأنه عطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ وقد منعه كثير وأجيب عنه بوجوه، الأوّل أنه رآه توم جائزاً فلعل المصنف رحمه الله تابعهم وبأنه جوّز العطف على المرفوع المتصل إذا فصل بينهما فاصل فالمجرور مثله وقد فصل بينهما ههنا، وبا! المنع إتما هو إذا كان الجارّ حرف جز لشدة اتصاله ولهذا جاز الفصل بين المضاف والمضاف إليه ولم يجز بين حرف الجرّ ومجروره، وبأنّ المجرور هنا في حكم المنفصل لكونه فاعل المصدر، وبأنّ المراد العطف من حيث المعنى وأمّا بحسب اللفظ فهو على حذف مضاف معطوف على الذكر أي أو ذكر قوم أشد ذكراً، قال النحرير: والكل ضعيف ثم إنّ قوله على المجاز كان الظاهر تأخيره إلى هنا والمجاز هنا النسبة الإضافية. قوله: ) وإمّا منصوب بالعطف على آباءكم الخ) يعني أنّ الأفعال المتعدية إض! افات بين الفاعل والمفعول فالذكر مثلاً من حيث الإضافة إلى الفاعل ذاكرية والى المفعول مذكورية وتحقيقه أنّ المصدر عبارة عن أن والفعل فإمّا أن يقدر أن ذكر أو أن ذكر والمعنى على الأوّل أشدّ ذاكرية، وعلى الثاني أشد مذكورية واعترض عليه ابن الحاجب وصاحب الانتصاف بأن أفعل للمفعول شاذ لا يرجع إليه إلا بثبت فالأظهر أنه من عطف جملتين أي اذكروا ذكراً مثل ذكر آبائكم واذكروا الله حال كونكم أشد ذكراً من ذكر آبائكم وهو غفلة فإن أفعل هو لفظ أشد وما هو إلا للفاعل ولا يلزم من جعل تمييزه مصدراً من المبني للمفعول محذور كما إذا جعل من الألوان والعيوب كأشد بياضا ومن المجهول، كأشدّ مضروبية ونحوه وما ذكره بعيد. قوله: (أو بمضمر دل عليه الخ) وذكر أبو حيان وجها حسنا ارتضاه وهو أن يكون أشد صفة ذكراً قدم عليه فانتصب على الحالط وذكرا معطوف على كذكركم. قوله: (تفصيل للذاكرين الخ) في الكشاف معناه أكثروا ذكر الله ودعاءه فإنّ الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا أعراض الدنيا ومكثر يطلب خير الدارين فكونوا من المكثرين. (وههنا فائدة) وهي أنّ من بين تستعمل للتقسيم استعمالاً فصيحا كما في عبارة الزمخشريّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 قال المدقق في الكشف أصله فإن الناس مقل ومكثر على التقسيم فزيدت بين تصويراً للإحاطة وعدم التجاوز ليصير من باب الكناية التي هي أبلغ ثم زيدت من الاتصالية مبالغة كقول الشاعر: والناس من بين مرحوب ومحجوب كأنهم ناشئون من البين يبتدئ تقسيمهم منه البتة فجعل ابتداؤهم منه بمنزلة ابتداء التقسيم وجاز أن تجعل من بيانية نظراً إلى إقحام بين والأوّل أبلغ اهـ فإن قلت الأقسام لا تنحصر فيما ذكر فإنّ من الناس من لا يطلب إلا الآخرة قلت ليس المقصود حصر أقسام الناس مطلقا بل لما ذكر قوله: {أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} قسم أهل الطلب إلى مقل ومكثروهم لا يخلون عنهما ولو سلم فإنّ من لا يطلب إلا الآخرة سيذكره بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 207] فإنّ من باع نفسه لله صار كلا على مولاه، وقيل حصر المقل في طالب الدنيا لأنّ طالب الآخرة فقط بحيث لا يحتاج إلى طلب حسنة من الدنيا لا يوجد في الدنيا، وقيل: لأنّ ذلك ليس بمشروع لأنّ المرء مبتلي بآفات الدنيا فلا بد له منها، ورد بأنّ عدم المشروعية في طالب الدنيا فقط أشد، وأيضاً التقسيم بمنهم ومنهم لا يفيد الحصر وفيه نظر، وقيل: قسم الله الناس هنا إلى أربع فرق الكافرون الذين لا هتم لهم إلا الدنيا وهم الذين ليس لهم في الاخرة من خلاق والمقتصدون الذين يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، والمنافقون الذين حلت ألسنتهم ومرّت عقائدهم وضمائرهم وهم الذين قيل فيهم {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [سورة البقرة، الآية: 204] الخ والسابقون البائعون أنفسهم الرابحون رضا الله وهم المرادون بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ} الخ والمراد بالإكثار الإكثار من ذكر الله وطلب ما عنده. قوله: (اجعل إيتاءنا الخ (إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم، والخلاق النصيب الذي خلق وقدر له وقوله: أو من طلب خلاق قيل: المراد حينئذ ما له في شأن الآخرة من طلب خلاق ليدفع به أنه لا طلب في الآخرة لأحد وإنما فيها الحظ أو الحرمان وقيل: إنّ كون الآخرة لا طلب فيها ممنوع فإنّ المؤمنين يطلبون زيادة الدرجات وكذا الكافرون يطلبون الخلاص لكن ما طلبوه ليس نصيبا مقدراً لهم وكون ما نقل تمثيلاظاهر إذ لا ينبغي الحصر وامرأة السوء بالإضافة ويصح فيه فتح السين وضمها. قوله: (1 شارة إلى الفريق) قذمه لأنه هو الجزل ولأن الفريق الأوّل قد بين حالهم بقوله ومالهم في الآخرة من خلاق فالمناسب تخصيص هذا بالثاني وعلى هذا ينبغي حمل قوله: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة البقرة، الآية: 202] على أنه لا يناقشهم ليسرع وصولهم إلى الفوز بالسعادة الأبدية. قوله: (أي من جنسه وهو جزاؤه) فمن بيانية والجنسية باعتبار كونه حسنة أو ابتدائية أو تبعيضية أو تعليلية، والمراد بما كسبوه الدعاء لأنه عمل لهم والأعمال توصف بالكسب، وكني بسرعة الحساب عن القدرة التامّة لأنه يحاسب الأوّلين والآخرين في مقدار لمحة طرف وقوله: أو يوشك الخ يعني أنه أطلق ما يقع في يوم الجزاء عليه كما قيل في رحمة بمعنى في الجنة وقوله: فبادروا الخ إشارة إلى أنّ المقصود التحريض على إكثار الدعاء وطلب الآخرة وانتهاز الفرصة وهو وعيد للفريق الأوّل ووعد للثاني والله أعلم. قوله: (كبروه أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين الخ) أدبار جمع دبر بمعنى عقب، والقرابين جمع قربان وهو الذبيحة المتقرّب بها وقوله: في أيام التشريق قيل: ينبغي أن لا يخص بها ليشمل يوم النحر وليس بشيء قال الجصاص لا خلاف بين أهل العلم أنّ المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق وهو مروفي عن عمر وعليئ وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم إلا في رواية عن ابن أبي ليلى: أنها يوم النحر ويومان بعده وقيل: إنه وهم اص. فإن قلت الأيام واحدها يوم وهو مذكر والمعدودات واحدها معدودة وهو مؤنث فكيف يقع صفة له فالظاهر معدودة وصفا للجمع بالمؤنث المفرد وهو جائز، قلت: قيل: ليس هو جمع معدودة بل جمع معدود وجمع جمع مؤنث فيما لا يعقل كما قيل: حمامات وسجلات، وقيل: إنه قدر اليوم مؤنثا باعتبار ساعاته ولك أن تقول إنّ المعنى أنها في كل سنة معدودة وفي السنين معدودات فهي جمع معدودة حقيقة فتأفل. قوله: (استعجل النفر) تعجل واستعجل يكون متعديا ومطاوعا ولازما ورجح الزمخشرفي الثاني لمقابل تأخر اللازم كما رجحه في قوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل لمقابلة المتأني اللازم والمصنف رحمه الله رجح المتعدي لأنّ المراد بيان أمور الحج لا التعجل مطلقا ولذا قدر في تأخر في النفر ومن الناس من لم يظهر له وجهه وهو ظاهر، والنفر مصدر كالضرب الرجوع من منى إلى البيت، ويوم القرّ بالفتح بمعنى القرار أوّل أيام التشريق لاستقرارهم فيه بمنى ويسمى يوم الرؤس لأنها تؤكل فيه والذي بعده ثانيها، وقوله: فمن نفر الخ إشارة إلى أنّ النفر في يومين ليس شاملا للنفر في اليوم الأوّل فإنه لا يجوز إذ لا يقال فعلت كذا في يومين بلا مدخلية لليوم الثاني، فمن قال التقدير في أحد يومين أخل بالبيان وقوله: بعد رمي الجمار عندنا إشارة إلى وقت جواز النفر لكنه عليه أن يقيده بقوله إلى غروب الشمس لأنه لا يجوز بعده، وقوله: عنده أي عند أبي حنيفة رحمه الله والمقام مقام الإظهار فعنده أنه لا يصح النفر بعد طلوع فجر الثالث قبل الرمي ولذا قال قبل طلوع الفجر وسقط قبل في بعض النسخ وهو من الكاتب وكان المصنف رحمه الله تساهل في البيان لأنه معلوم في الفروع مفروغ عنه. قوله: (ومعنى نفي الإثم الخ) تبع فيه الكشاف لأنّ التخيير يجوز بين الفاضل والمفضول لأن التأخير فضل ورده في الانتصاف بأن التخيير يوجب التساوي فلا يصح ما قاله، وأجيب بأنه إنما يمتنع إذا لم يسبق بمنع لأحد الطرفين فإن سبق به جاز التخيير إشارة إلى مطلق الجواز فيهما ولذلك عطف عليه الردّ على أهل الجاهلية فعلى هذا هما جواب واحد وقيل: الأوّل جواب بمنع امتناع التخيير بين الفاضل والمفضول، والثاني جواب بتسليمه وعليه كان الظاهر أن يقول أو الردّ. قوله: (أي الذي ذكر الخ) يريد أن اللام في {لِمَنِ اتَّقَى} للبيان كما في هيت لك وهو في التحقيق خبر مبتدأ محذوف أو الاختصاص وتخصيص المتقي لأنه الحاج على الحقيقة وما سواه كأنه ليس بحاج أو لأنه هو الذي يلتفت لهذا وينتفع به أو للتعليل وأمّا تفسير المنفي بمن اتقى الشرك فلا حاجة إليه، ومعنى مجامع الأمور المحالّ الجامعة لها وهو كناية عن جميع الأمور ولو عبر به لكان أظهر، ويروقك بمعنى يحسن في عينيك ومعنى التعجب ما ذكر ولذلك قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب ومن قال: إنّ في هذا التعريف دورا أتى بأمر يتعجب منه. قوله: (متعلق بالقول الخ) ومعنى قوله في الدنيا تكلمه في الأمور المتعلقة بالدنيا سواء كانت عائدة إليه أولاً أو في معنى الدنيا أي ما يقصده منها ليأخذه وينتفع به، وعبارة الكشاف صريحة فيه فإنه قال أي يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا لأنّ ادّعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا وهذا في معنى القول بجعل في للتعليل كما في عذبت امرأة في هرة، ومن لم يتنبه لمراده قال إن مآل الوجهين واحد والتغاير بينهما باعتبار المضاف المقدر واعجابه به لفصاحته واكتفى المصنف ببيانه في الوجه الثاني وقوله في الآخرة مأخوذ من التخصيص، وقوله: والحبسة كاللكنة لفظا ومعنى وقوله لأنه لا يؤذن له فهو على حد: ولا ترى الضب بها ينحجر وفيه تأمّل، وقوله: يحلف الخ لأن أشهد الله وما بمعناه يستعمل في اليمين. قوله:) شديد العداوة الخ) إشارة إلى أن ألدّ صفة كأحمر لا أفعل تفضيل لجمعه على لد وتأنيثه بلداء ونقل أبو حيان عن الخليل رحمه الله أنه أفعل تفضيل فلا بد من تقدير أي وخصامه أشد الخصام أو ألد ذوي الخصام أو يجعل هو راجع إلى الخصام المفهوم من الكلام وإن كان الخصام جمع خصم ككلب وكلاب فهو ظاهر إلا أنه يريد عليه أنّ ما بنى منه أفعل الصفة لا يبنى منه أفعل تفضيل إلا أن يكون على خلاف القياس، وفي الكشاف والخصام المخاصمة وإضافة الألدّ بمعنى في كقولهم ثبت الغدر أو جعل الخصام ألذ على المبالغة وقيل: الخصام جمع خصم والذي دعاه إلى هذا أنّ الألد ليس هو الشديد مطلقا بل الشديد من الناس في الخصومة فلذا جعل الإضافة بمعنى في أو جعل الخصام ألذ مجازاً، قال النحرير: لا من جهة أن ألذ أفعل تفضيل بل من جهة أن اللدد شدة الخصومة وكل شديد بالنسبة إلى ما دونه أشد وفيه نظر. قوله: (قيل نزلت في الآخنس بن شريق الخ أأخنس بخاء معجمة ونون وسين مهملة وشريق فعيل من شرق، وقيل: عليه أنه مردود لأنّ الأخنس أسلم عام الفتح وحسن إسلامه كما رواه ابن الجوزي وغيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 واحتمال الإسلام بعد النزول يدفعه فحسبه جهنم ويدفعه أنه كما قال الجلال أنه رواه ابن جرير عن السذي ومثله لا يقال من قبل الرأي حتى يرد مع أنّ المصنف رحمه الله أشار بقوله قيل: إلى ما ذكره وخصوص السبب لا يقتضي تخصيص الحكم والوعيد به وهو ظاهر وحسن إسلامه لا يعلمه إلا الله فلعله كان من المنافقين والراوي لهذا لا يسلم ما قاله ابن الجوزي، ومعنى بيتهم أوقع بهم ليلا من البيات. قوله: (حملته الأنفة الخ) أراد أنه استعارة تبعية استعير الأخذ للحمل بعد أن شبه حالة إغراء حمية الجاهلية وحملها إيا. على الإثم بحالة شخص له على غريمه حق فيأخذه به ويلزمه إياه والمراد بالإثم حقيقته وإليه أشار بقوله الذي يؤمر باتقائه، وترك تفسير الزمخشريّ له بترك الاتعاظ لأنه خلاف الظاهر والأنفة بفتحات المتكبر والباء في بالإثم للتعدية أو للسببية، وقوله: كفته إشارة إلى أنّ حسب اسم فعل ماض بمعنى كفى وهو قول لهم وفيه نظر وقيل: هو اسم بمعنى كافي وجهنم خبره أو فاعل سد مسد الخبر، وجهنم علم لدار العقاب ممنوع من الصرف إمّا للعلمية والتأنيث، وأصل معناه البئر البعيدة القعر وقيل: إنه غير عربي وأصله جهنام فمنع صرفه للعلمية والعجمة، والداعي إلى القول بالعجمة إن وزن فعنل لم يوجد وبعض النحاة أثبتوه وذكروا له نظائر والمخصوص بالذم المحذوف هو جهنم وجعلها مهادا على التهكم والفراس أعثم مما يوطأ للنوم واختلف فيه هل هو مفرد أو جمع مهد وصهيب بالتصغير صحابيئ معروف ولم يكن رومياً وإنما أسره الروم صغيراً فقيل: له الرومي وعلى هذه الرواية فيشرى على ظاهره وفسر رأفة الله ورحمته هنا لمناسبة المقام بالإرشاد لما فيه نفع لآخرتهم. قوله: (السلم بالكسر والفتح الخ (وفيه لغة أيضا بفتحتين وأصل معناه الانقياد، وكافة في الأصل اسم فاعل من الكف وهو المنع ثم نقلته العرب واستعملته بمعنى جميعا وقاطبة لاستغراق جملة الشيء لأنّ الجملة تمنع الأجزاء من الانتشار، وهي إمّا حال من ضمير ادخلوا الفاعل وهو الظاهر أو من السلم لأنها مؤنث كالحرب كذا قال المصنف تبعا للزمخشرقي وأورد عليه أنّ التاء في كافة كتاء قاطبة أنسلخ عنها معنى التأنيث فلا حاجة لما ذكر وإن كان يختص بمن يعقل ولا يكون إلا حالاً من العقلاء فهذا مخالف لكلام العرب كافة وكذا قولهم في {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سورة سبإ، الآية: 28] إنه نعت لمصدر محذوف أي إرسالة كافة، وقول: في خطبة المفصل بكافة الأبواب قيل: إنه خطأ من وجوه وقد رذ هذا شارح اللباب بأنه سمع في قول عمر رضي الله عنه في كتاب له محفوظ مضبوط جعلت لآل بني كاكلة على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا على أنه لو سلم فلا يعد مثله خطأ لأنه لا يلزم استعمال المفردات فيما استعملته العرب بعينه ولو التزم هذا لأخطأ الناس في أكثر كلامهم وقد بسطناه في شرح درّة الغواص. قوله: (السلم تأخذ منها الخ) الشعر للعباس بن مرداس رضي الله عنه ومن فيه ابتدائية متعلقة بتأخذ لا بيانية ولا تبعيضية أي تأخذ منها أبداً ما تحبه وترضا. فلا تسأم من طول زمانها والحرب بالعكس يكفيك اليسير منها والجرع جمع جرعة وهو ما يشرب والأنفاص جمع نفس ! والمراد الشرب مرة بعد أخرى سمي به المشروب مراراً للتنفس بينه وفي أثنائه كما قال ابن حطان: فكل من لم يذقها شاربا عجلا منها بأنفاس ورد بعد أنفاس قوله: (والمعنى استسلموا لله الخ الما فسر الدخول في السلم بالطاعة والانقياد والخطاب يحتمل أن يكون للمنافقين فالمراد به انقادوا ظاهراً وباطنا، أو لأهل الكتاب الذين آمنوا كان نهيا لهم عما ذكر أو لأهل الكتاب مطلقا أو للمسلمين وتأويله ما ذكر، وقوله: بالتفرق والتفريق المراد بالتفرق أن يسيروا فرقا يطيع بعضهم ويخالف آخرون والتفريق التفريق بين بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والكتب وبعض أو تفريق المسلمين بإيقاع الفتن بينهم، وتوله ظاهر العداوة إشارة أنّ أبان لازم بمعنى ظهر كما مرّ وقوله: عن الدخول في السلم لأنّ أصل الزلل السقوط والمراد به هنا البعد والتنحي مجازأ، وقوله: الآيات يحتمل آيات الكتاب ويحتمل الحجج وما بعده عطف تفسير لا وجه آخر وفسر حكيم بلا ينتقم إلا بحق فليس تركه الانتقام لعجز فهو تقرير لعزيز مرتبط به أشذ ارتباط. قوله: (هل ينظرون الخ) نظر هنا بمعنى انتظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 والاستفهام إنكاريّ وهو نفي في المعنى فلذا وقع بعده الاستثناء المفرغ ولما كان الإتيان لا يسند حقيقة إليه أوّل بأنّ المراد يأتي حكمه وأمره أو المراد يأتيهم الله ببأسه أي يوصله إليهم لأن أتى قد يتعدى للثاني بالباء فالمأتي محذوف لدلالة ما قبله عليه من التلويح للانتقام، وقوله: بقوله تعالى: {أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} بفتح الهمزة على الحكاية ولم يقل فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم لأنّ الدال عليه وصفه بذلك ولا دخل لقوله اعلموا فيه فلا يرد عليه أنّ الصواب أن يقال فاعلموا الخ وهو ظاهر، وجعل ظللاً وظلالاً لا جمع ظلة وإن جاز أن يكون ظلالاً لا جمع ظل ما في الكشاف لتتوافق القراءتان معنى، وقوله: السحاب الأبيض هو أحد القولين فيه وبعضهم فسره بمطلق السحاب ولعله أنسب هنا، وقوله: أو الآتون على الحقيقة إشارة إلى وجه آخر وهو أنّ نسبة الإتيان إلى الله وذكره لأنّ الآتي ملائكته وجنده وذكر الله توطئة لذكرهم كما في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة، الآية: 9] كما مر. واختير التعبير بالماضي في قضاء الأمر دون إتيان البأس للاهتمام به، وقوله: قرأ الخ إشارة إلى أن رجع يكون متعديا ومصدره الرجع قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ} [سورة التوبة، الآية: 83] وعليه قراءة المجهول ولازما ومصدره الرجوع وعليه قراءة المعلوم والتذكير والتأنيث لأنه مؤنث مجازي ولم يجعل المجهول من أرجع لأنها لغة ضعيفة قوله: (أمر للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) قدم كونه أمرا للرسول لكون الأصل في الأمر والخطاب أن يكون لمعين وقد يكون لغير معين كما في قوله ولو ترى قيل: والنكتة فيه إذا صدر منه تعالى أنّ المخلوقات في عظمته سواء وجوّز في الآية أن تكون المعجزة لأنها علامة النبوّة وأصل معنى الآية في اللغة العلامة ومن جملتها الكتب الإلهية والعرف خصها به عند الإطلاق فلذلك حملها عليها ثانياً وأصل سل إسأل فخفف وعلى كل حال فالمراد تقريع بني إسرائيل وكم خبرية أو استفهامية، فإن قيل: على تقدير الخبرية ما معنى السؤال وعلى تقدير الاستفهام كيف يكون السؤال للتقريع والاستفهام للتقرير ومعنى التقريع الإنكار والاستبعاد ومعنى التقرير التحقيق والتثبيت قيل: على تقدير الخبرية، فالسؤال عن حالهم وفعلهم في مباشرة أسباب التقريع أو عن الآيات الكثيرة ما فعلوا بها على تقدير الاستفهام فمعنى التقرير الحمل على الإقرار فإنّ التقرير له معنيان هذا والتثبيت والأوّل لا ينافي التقريع وكم آتيناهم في موضع المفعول به وقيل: في موضع المصدر أي سلهم هذا السؤال وقيل: بيان للمقصود أي سلهم جواب هذا السؤال وقيل: في موضع الحال أي سلهم قلآ كما آتيناهم وأمّا كلمة كم فمفعول ثان لآتيناهم وليس من الاشتغال كما قال أبو البقاء رحمه الله، ومن آية تمييز على زيادة من وقالوا إذا فصل بين كم ومميزها حسن أن يؤتى بمن الزائدة وإلا فلا وهذا معنى قول المصنف رحمه الله للفصل ويحتمل أنه يريد أنه زيد للفصل بين المفعول والتمييز إذا وقع بعد الفعل المتعذي سواء كانت كم استفهامية أو خبرية وأنكر الرضي زيادة من في مميز الاستفهامية وقال: إنه لم يوجد في كتب العربية ولا في الاستعمال وحمل بعضهم كلام الرضي على ما إذا لم يكن بينهما فاصل وكلام الزمخشريّ وغيره على ما إذا وقع بينهما فاصل وكلام النحاة مخالف له، قال السمين: في إعرابه يجوز دخول من على مميز كم استفهامية كانت أو خبرية مطلقا أي سواء وليها مميزها أو فصل بينهما بجملة أو ظرف أو جار ومجرور على ما قرّره النحاة اهـ. وكذا في البحر فما جمع به غير صحيح وكان الظاهر كم آتاهم لكنه روعي حال المتكلم وهو جائز كما مرّ. قوله: (أي آيات الله فإنها الخ) التبديل التغيير وذلك يكون في الذات نحو بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف نحو بدلت الحلقة خاتما، والوجه الأوّل ناظر إلى تفسير الآية قبله بالمعجزة والثاني: إلى تفسيرها بالكتب وهذا ناظر إلى معنى التبديل، فالأوّل تبديل ما هو حقه، والثاني تبديل أنفسها بالتحريف والتأويل والنعمة حينئذ من وضع المظهر موضع المضمر ليدل على أنها نعمة إلهية جليلة. قوله:) من بعد ما وصلت إليه الخ الما ذكر أنّ نعمة الله هي الآيات وقد وصفت بالإيتاء فذكر المجيء بعده مع أنّ التبديل لا يتصوّر بدون المجيء وكونه نعمة يقتضي الوصول إليه مستدرك جعل المجيء مجازاً عن معرفتها أو التمكن منها لأنّ ما لم يعلم كالغائب والمراد بالمعرفة معرفة أنها آية ونعمة لا معرفة ذاتها حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 يرد أنّ تبديل الشيء لا يكون إلا بعد معرفته فالاستدراك بحاله. قوله: (فيعاقبه الخ) إشارة إلى أنّ قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أقيم مقام الجواب فإنه لا يترتب على الشرط ولا يتسبب عنه بحسب الظاهر وقيل: إنه من جهة انّ التبديل سبب للإخبار بأنه شديد العقاب كقوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] . قوله: (حسنت في أعينهم وأشربت محبتها الخ) في الكشاف المزين هو الشيطان زين لهم الدنيا وحسنها في أعينهم بوساوسه وحببها إليهم فلا يريدون غيرها، ويجوز أن يكون الله قد زينها لهم بأن خذلهم حتى استحسنوها وأحبوها أو جعل إمهال المزين تزيينا فجعل المزين هو الشيطان ليكون المسند والإسناد حقيقة أو المزين هو الله تعالى بمعنى أنّ خذلانه إياهم صار سببا لاستحسانهم الحياة الدنيا وتزيينها في أعينهم فيكون الإسناد مجازا كما في أقدمني بلدك حق أو بأن يكون التزيين عبارة عن إمهال المزين الحقيقي الذي هو الشيطان فيكون المسند مجاراً هنا معنى كلامه فالمزين الحقيقي عنده الشيطان والله مزين مجازاً والمصنف رحمه الله عكس ذلك ورده بعض المحققين المتأخرين فقال: التزيين هو التحسين المدرك بالحس دون المدرك بالعقل ولهذا جاء في بعض أوصاف الدنيا وأوصاف الآخرة والمزين في الحقيقة هو الشيطان فإنه حسن الدنيا في أعينهم وحببها إليهم، وقراءة زبن معلوما على الإسناد دلّه والقاضي أخطأ في المدعي وما أصاب في الدليل، أمّا الأوّل فلأن التزيين صفة تقوم بالشيطان والفاعل الحقيقي لصفة ما تقوم به تلك الصفة وليت شعري ما يقول هذا القائل في الكفر والضلالة وأمّا الثاني فلأنّ مبناه عدم لفرق بين الفاعل النحوي الذي كلا منافيه والفاعل الكلامي الذي بمعزل عن هذا المقام وهذا كله من عدم التأمل لأن الله تعالى نسب التزيين إلى نفسه في مواضع كقوله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [سورة النحل، الآية: 4] وفي مواضع إلى الشيطان كقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 48] وفي مواضحع ذكره غير مسمى فاعله كما هنا فالتزيين إن كان بمعنى إيجادها وابداعها ذات زينة كما في قوله تعالى: {زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [سورة الصافات، الآية: 6] فلا شك أنّ فاعله هو الله عند النحويين والمتكلمين وان كان بمعنى التحسين بالقول ونحوه من الوسوسة كقوله تعالى: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} [سورة الحجر، الآية: 39] فلا شك أنّ فاعله عندهما الشيطان وظاهر كلام الراغب أنه حقيقة في هذين المعنيين فحيث فسره الزمخشرقي بالمعنى الثاني تعين أن يكون مجازاً إذا أسند إليه تعالى وحقيقة إذا أسند إلى الشيطان، وحيث فسره المصحنف رحمه الله بإيجادها حسنة وجعلها محبوبة في قلوبهم لزم العكس وليس هذا مبنياً على الاعتزال كما زعمه صاحب الانتصاف ولا من عدم الفرق بين الفاعل الحقيقي عند أهل العربية وعند المتكلمين فإنّ الفرق بينهما مشهور وتفصيله في حواشي العضد للأبهري لكن يبقى النظر في عدول المصنف رحمه الله عن المعنى الذي فسره به الزمخشرفي فإن كان بناء على ما توهمه صاحب الانتصاف، وهو المتبادر من كلامه فغير وارد وان كان لمعنى آخر فلينظر وسيأتي لهذا مزيد تفصيل في سورة الأنعام، وقوله: وأعرضوا عن غيرها هو معنى قول الزمخشرفي لا يريدون غيرها حيث زين لهم بحيث اقتصرت همتهم ووفر حظهم منها فهم يسخرون ممن ليس كذلك أما من جهة عدم الحظ منها أو من جهة اهتمامهم بغيرهما كالمؤمنين ويسخرون إمّا حالية بتقدير وهم يسخرون أو معطوفة على زين وعدل إلى المضارع لقصد الاستمرار، وقوله: يسترذلونهم أي يعدونهم أراذل وعطف الاستهزاء عليه والواو وفي نسخة باً وإشارة إلى أنهما معنيان والثاني وان كان حقيقياً لكنه قذم الأوّل لعمومه، والفوقية إقا مكانية وأشار إليها بقوله: {لَفِي عِلِّيِّينَ} أسورة المطففين، الآية: 18] الخ أو معنوية بمعنى كرامتهم أو التسليط عليهم بالسخرية جزاء لما فعلوه في الدنيا ووضع المظهر موضع المضمر لمدحهم بصفة التقوى مع الإيمان أو ليفيد أنها علة الاستعلاء والاستدراج بالنظر إلى غير المؤمنين والابتلاء بالنسبة إلى المؤمنين وقوله: بغير تقدير أي تضييق وهو بمعنى التقتير وهو المتبادر منه، وقيل: المراد أنه لا يحاسبهم عليه لأنهم يكسبونه حلا وينفقونه طيباً كما قيل: من حاسب نفسه في الدنيا أمن الحساب يوم القيامة. قوله: (متفقين على الحق الخ) قدم هذا الوجه لرجحانه لكن فيه أنّ الاختلاف كان في زمن آديم عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 الصلاة والسلام كما في قصة قابيل وهابيل وأنّ بعث الرسل وإنزال الكتب قبل إدرش! لأن شيثاً عليه الصلاة والسلام كان نبياً وله صحف وكذا يرد على قوله: أو نوج عليه الصلاة والسلام، فإن قلت قوله: {فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ} يقتضي أنهم لم يبعثوا قبل ذلك وليس كذلك، قلت: ليس المرتب مطلق البعثة ولا مطلق الاختلاف بل البعثة للحكم في الاختلاف ولعل المراد بالاختلاف اختلاف الملل والأديان والمخالفون قبل ذلك لم يدعوا دينا فتأمل، وضعف الوجه الثاني بوجوه منها أنه لم يعلم الاتفاق على الكفر حتى لا يكون مؤمن أصلا في عصر من الأعصار، وقوله: فاختلفوا الخ إشارة إلى أن الفاء فصيحة وما بعده قرينة عليه. قوله: (الذي علمته من عدد الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ) المتفق عليه خمسة وعشرون وهم آدم وادرش! ونوح وهود وصالح وإبراهيم واسمعيل وإسحق ويعقوب ويوسف ولوط وموسى وهرون وشعيب وزكريا ويحيى وعيسى وداود وسليمان والياس واليسع وذو الكفل وأيوب ويونس ومحمد عليهم الصلاة والسلام والمختلف فيه يوسف في غافر فقيل: إنه غير يوسف بن يعقوب عليه الصلاة والسلام وعزير ولقمان وتبع ومريم وببعضها تكمل العدة. قوله: (يريد به الجنس ولا يريد الخ (إنما حمله على الجنس ليعم وأما قوله: ولا يريد الخ فمعناه أنه مع المجموع كتب ولا يلزم أن يكون مع كل واحد منهم كتاب وأمّا حمله على أنّ مع كل واحد منهم كتاباً على أنّ تعريف الكتاب للعهد وتعويضها عن الإضافة والمعنى مع كل واحد من الذين لهم كتاب وعموم النبيين لا ينافي خصوص الضمير العائد إليهم بقرينة المقام كما في الكشاف فتكلف ولذا تركه المصنف رحمه الله، ثم الأظهر عود ضمير ليحكم إلى الكتاب نهايته أن الإسناد إليه مجاز إذ لا بد في عوده إلى الله من تكلف تأويله بمعنى يظهر حكمه، وقد استظهره أبو حيان وقال: إنه يؤيده قراءة لنحكم وكذا دعوه إلى النبيين الظاهر فيه ليحكموا إلا أن يقدر كل واحد منهم وقد حمل على التغليب وهو قريب، وقوله: في الحق الذي أختلفوا فيه لأن سبب اختلافهم ادعاء كل منهم أنه محق وعوده إلى ما التبس بقرينة الاختلاف. قوله:) وما اختلف فيه الخ) فيه دلالة على أنّ الاختلاف المحكوم فيه الاختلاف في الكتب وما تضمنتها من الشرائع لا مطلق الاختلاف وإلا فقوله ليحكم الخ يدل على أنّ الاختلاف سابق على البعثة وسبب لها وما بعده يدلّ على خلافه واليه أشار بقوله مزيحا لاستحكامه أي مزيلا واليه أشار في الكشف فما فعلوه تعكيس منهم. قوله: (من بعد ما جاءتهم البينات الخ (قال النحرير كان ينبغي أن يتعزض! لمتعلق من بعد ما جاءتهم البينات بغياً فإن الجمهور على امتناع تعدد الاستثناء المفرغ مثل ما ضربت إلا زيداً يوم الجمعة تأديبا وإذا تعلق بمضمر أي اختلفوا من بعد ما جاءتهم الخ لم يفهم الحصر مع أنه مقصود ولا يتعلق بما قبل إلا وهو اختلف لأن ما قيل إلا لا يعمل فيما بعدها وفي الدر المصون تجويز ما منعه حيث قال: هو إما متعلق بمحذوف تقديره اختلفوا أو ما اختلف قبله ولا يمنع منه إلا كما قاله أبو البقاء وللنحاة فيه كلام محصمله أنّ إلا لا يميشثنى بها شيئان دون عطف أو بدلية، وهذا هو الصحيح لكن منهم من خالف فيه وما استدل به المخالف مؤوّل وقد منع أبو الحسن ما أخذ أحد إلا زيد درهما وكذلك ما ضرب القوم أحداً إلا بعضهم بعضاً وكذا قال أبو علي وابن السراج وقد أجازه أبو البقاء هنا على أن الكل محصور، والمعنى وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه إلا من بعد ما جاءتهم البينات إلا بغياً، وقيل: إن ما ذكره من عدم إفادة الحصر ممنوع أيضا إذ هو مقصود فيقدر المتعلق مؤخراً عنه ليفيد ذلك على أنه قد يقال: إنه غير مقصود وتفسير البغي بالحسد ظاهر كما مر وكذا بالظلم، وقوله من اختلف فاعل اختلف إشارة إلى أنّ الضمير ليس راجعاً إلى الذين آمنوا والأذن إذا أضيف إلى الله فالمراد به إمّا الأمر أو الإرادة كما مر وتفسير المستقيم بما ذكر لأنه من شأنه والهداية دالة عليه هنا وأم حسبتم بالخطاب التفات وكون أم منقطعة أحد الوجوه وجوّز اتصالها بتقدير معادل وكونها منقطعة بمعنى بل دون تقدير استفهام وكون الاستفهام للإنكار بمعنى لم حسبتم وفي الكشاف إنها للتقرير والإنكار ولا مانع من الجمع بينهما وكون ما النافية مركبة أحد قولين فيها وهي نظيرة قد في أنّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 الفعل المذكور بعدها متوقع أي منتظر الوقوع والمنتظر في لما أيضاً هو الفعل لا نفيه، وقوله: مثل في الشدة لما مر من أنّ لفظ المثل مستعار للحال والقصة العجيبة الشأن، وقوله: مستهم جواب سؤال تقديره ما حالهم وجوّز أبو البقاء كونها حالية بتقدير قد. قوله: (لتناهي الشدة الخ) حبال الصبر إمّا مكنية أو من قبيل لجين الماء واعلم أنّ حتى إذا وقع بعدها فعل فإفا أن يكون حالاً أو مستقبلا أو ماضيا فإن كان حالاً رفع نحو مرض حتى لا يرجونه أي في الحال وان كان مستقبلا نصب نحو سرت حتى أدخل البلد وأنت لم تدخلها وان كان ماضيا فتحكيه ثم حكايتك إقا أن تكون بحسب كونه حالاً بأن يقدر أنه حال فترفعه على حكاية هذه الحال وامّا أن تكون بحسب كونه مستقبلا فتنصبه على حكاية الحال المستقبلة فيقال في الرفع والنصب أنه على حكاية الحالة بمعنيين مختلفين فاعرفه فإنه وقع التعبيرية في القراءتين فلا يلتبس عليك معناه. قوله:) استئناف على إرادة القول الخ (قدره بقوله فقيل لهم والفاء فيه استئنافية كما قرّره النحاة ونص عليه في المغني وان زعم هو أنها في مثله عاطفة فما قيل: إنّ الفاء لا تكون استئنافية فالصواب قيل بدونها غير ظاهر وأتا ما وقع في الكشاف فإنه لم يقل إنه استئناف فلذا ذكره بالفاء، وفي الدر المصون الظاهر أن جملة متى نصر الله من قول المؤمنين والا إن نصر الله من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على اللف والنشر، وهذا من قول من زعم أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا وقيل: هو كله من قول الرسول والمؤمنين معا وهو على سبيل الدعاء واستعجال النصر والقول الأوّل مقولهم والثاني مقول الله، وقال النحرير: فإن قلت هلا جعلوا ألا إنّ نصر الله قريب مقول الرسول لمجي! ومتى نصر الله مقول من معه. قلت: إما لفظا فلأنه لا يحسن تعاطف القائلين دون القولين وأمّا معنى فلأنه لا يحسن ذكر قول الرسولءشي! في الغاية التي قصد بها بيان تناهي الأمر في الشذة.) وفيه بحث الأن ترك العطف لدفع توهم أنه مقول الجميع وأما كونه لا يحسن غاية فليس بوارد لأنه غاية باعتبار أنه وقع جوابا لما قالوه وقت الشذة ولذا لم يلتفت في الكشف إلى هذا وقال إنه وجد حين وهو كما قال وطلبة كتركة بمعنى المطلوب ووجه الإشارة ظاهر. قوله: (حفت الجنة بالم! ظ ره الخ (رواه في الصحيحين وروى حجبت والمراد بالمكاره الاجتهاد في العبادات والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والإحسان إلى المسيء والصبر عن المعاصي وأما الشهوات التي حفت بها النار فالشهوات المحرمة كالخمر والزنا والغيبة والملاهي وأما المباحة فهي مما يكره الإكثار منه مخافة أن تجرّ إلى المحرّمات أو تقسي القلب أو تشغل عن الطاعات وهذا الحديث عدوه من جوامع الكلم ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكروهات والنار إلا بالشهوات وهما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بالمشتهيات والمكاره جمع مكروهة بمعنى ما يؤدي إلى ما يكره كمحبوبة أو جمع مكروه. قوله:) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أخرجه ابن المنذر عن مقاتل والهم بكسر الهاء وتشديد الميم الشيخ الفاني وعلى هذا فهم سألوا عن المنفق والمصرف فيكون في السؤال المذكور في الآية طيّ تعويلا على الجواب والظاهر على هذا أن لا يكون من الأسلوب الحكيم وبه يشعر كلام الراغب حيث قال في مطابقة الجواب السؤال وجهان أحدهما أنهم سألوا عنهما وقالوا: ما ننفق وعلى من ننفق لكن حذف في حكاية السؤال أحدهما إيجازاً ودل عليه الجواب كأنه قيل: المنفق هو الخير والمنفق عليهم هؤلاء فلف أحدهما في الآخر وهذا طريق معروف في البلاغة، والثاني أنّ السؤال ضربان سؤال جدل وحقه أن يطابقه وسؤال تعلم وحق المعلم فيه أن يكون كطبيب رفيق يتحرى ما فيه الشفاء طلبه أو لم يطلبه فلما كان حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين كمن به صفراء فاستأذن طبيبا في أكل العسل فقال كله مع الخل، وقول السكاكيئ إنهم سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف ونزل سؤال السائل منزلة سؤال غيره لتوخي التنبيه بألطف وجه على تعديه عن موضعسؤال هو أليق بحاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وأهم بناء على أنه ليس فيها ذكر المنفق أصلاً ولا وجه لأنّ قوله ما أنفقتم من خير ذكر له لكنه لما كان لا حد له أجمل أي كل حلال أنفقتموه قليلاً أو كثيرا خير وأما الزمخشرقي فإنه جعل السياق لبيان المصرف والمنفق مدمج فيه وهو الخير، وتقديره ما يعتديه من إنفاق الخير مكانه ومصرفه الأقربون قال الطيبي ولا يخرج عنده عن الأسلوب الحكيم والفرق بينه وبين: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} أسورة البقرة، الآية: 189] أنّ معرفة تزايد الأهلة وتناقصها لما لم تكن من الأمور المعتبرة في الدين لم يلتفت إليها رأسا كما لو سأل السوداوي الطبيب أن يأكل جبناً فقال: عليك بمائه بخلاف المنفق فهذا الضرب على تسمين والمراد بالحكيم في الأسلوب الحكيم الطبيب، ويصح أن يراد صاحب الحكمة، وجعل الأسلوب حكيما مجاز وضده الأسلوب الأحمق وفي كلام المصنف رحمه الله شيء لأنّ أوله يقتضي أن ما ينفق لم يذكر أصلا ككلام السكاكي وآخره يقتضي أنه ذكر لكن بطريق الإجمال والإدماج وإذا طبق المفصل أصاب المحز وحمله بعضهم على أنهما جوابان لكن الظاهر أو. قوله:) في معنى الشرط الخ) هي شرطية لجزم الفعل بها ولكن أصل الشرط أن يؤذي بأن وغيرها من الحروف وأسماء الشرط متضمنة معناها فلذا قال في معناها وأشار إليه بقوله: إن تفعلوا الخ وقوله: يعلم كنهه مأخوذ من صيغة المبالغة في الجملة الاسمية المؤكدة وقوله: وليس في الآية الخ ردّ على من قال إنها منسوخة بآية الزكاة بأنّ هذه الآية واردة في صدقة التطوّع أو عامة وعلى كل حال فلا تنافي آية الزكاة. قوله: (شاق عليكم مكروه طبعاً الخ) قيل: الكره والكره بمعنى واحد وهو الكراهة لا الإكراه كالضعف والضعف وقيل: المفتوح المشقة التي تنال الإنسان من خارج والمضموم ما يناله من ذاته، وقيل: المفتوح بمعنى الإكراه والمضموم بمعنى الكراهة وعلى كل حال فإن كان مصدرا يؤوّل أو يحمل على المبالغة أو هو صفة كخبز بمعنى مخبوز وكونه مكروها طبعا لا يلزم منه كراهة حكم الله تعالى ومحبة خلافه وهو ينافي كمال التصديق لأنّ معناه كراهة نفس ذلك الفعل ومشقته كوجع الضرب في الحد مع كمال الرضا بالحكم والإذعان ولذا يثاب عليه وإذا كان بمعنى الإكراه وحمل على المكره عليه فهو على التشبيه البليغ كما أشار إليه بقوله: كأنهم الخ وقوله: على المجاز بناء على أنّ التشبيه البليغ مجاز كما ذهب إليه كثير من أهل المعاني وقوله: كقوله الخ تنظير لجميع ما مرّ لأنه قرث بالفتح والضم ويجري فيها ما يجري هنا وجوّز أن يكون تنظيرا للثاني لظهور المشقة فيه الحمل والوضع ثم إنه قيل: إنّ الظاهر أنّ قوله وهو كره لكم جملة حالية مؤكدة إذ القتال لا ينفك عن الكره، ويرد عليه أنها لا يجوز اقترانها بالواو فينبغي أن تجعل منتقلة لأنه قد يكون مكروها عند كثرة العدوّ وقد لا يكون وهذا الذي ذكره صرّح ابن مالك لكن قال ابن هشام إن فيه نظرا، ووجهه كما مرّ أن واو الحال بحسب الأصل عاطفة والمؤكد بها يعطف على ألمؤكد لكنهم نصوا على خلافه في قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [سورة البقرة، الآية: 30] فقالوا: إنها حال مقررة للسؤال فيحمل على أنّ الأصل ذلك وقد يترك لتنزيله منزلة المغاير. قوله:) وإنما ذكر عسى الخ (يعني أنه نزل منزلة غير الواقع لأنه في معرض! الزوال فلا حاجة إلى أن يقال: إن عسى من الله تحقيق وكون أفعاله تعالى تتضمن مصالح وحكمأ مرّ تحقيقه. قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام بعث الخ (قلت هذه القصة مذكورة في السير لكن فيما ذكره المصنف رحمه الله بعض مخالفة لنقلهم فإنه قال في جمادى الآخرة والذي في سيرة ابن سيد الناس أنه في رجب وأنه لم يرسلهم لقتال وإنما بعثهم ليعلم أمر قريش وأنهم لقوا هؤلاء في آخر يوم من رجب وقالوا لئن تركناهم لقد دخلوا الحرم وان قاتلنا حينئذ قاتلنا في الأشهر الحرم ثم عزموا على الفتك بهم ففعلوا ما فعلوا قال ابن إسحق فلما قدموا على رسول الله ع! ي! قال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً فلما نزلت الآية قبض ذلك ويقال وقفه حتى رجع من بدر فقسمه مع غنائمها والحضرمي بحاء مهملة منسوب إلى حضرموت وقوله: استاقوا بمعنى ساقوا، وشهراً بدل من الشهر الحرام، ويبذعر بمعنى يتفرق، وقال السهيلي: إنه منحوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 من بذر ودعر وقوله: وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معناه ردّها على أصحابه بل تركها موقوفة ولم يقبلها والعير بكسر العين المهملة وسكون الياء القافلة من الإبل، والسائلون أصحاب السرية وكونهم المشركين ضعيف لا يناسب الرواية ولا الدراية، والسرية طائفة دون الجيش والأسارى من إطلاق الجمع على ما فوق الواحد ورواية ابن عباس رضي الله عنهما لا تخالف ما قبلها كما قيل: لأنه ردها أوّل مجيئها ثم فبلها وخمسها بعد ذلك وهو المروفي، وقوله: ما نبرح أي ما نبرج مكاننا أو ما نبرح في ندم وأمر البدلية ظاهر، وقوله: بتكرير العامل يعني وهو بدل أيضا كرر عامله أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور. قوله: (أي ذنب كبير الخ الا شبهة في أن الأشهر الحرم حرم القتال فيها من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى أوائل الإسلام وكانت العرب في الجاهلية تدين به وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم حرّ! ت للحج لأنهم يأتونه من الأماكن البعيدة فجعل شهرا للمجيء وشهرا للذهاب وشهراً لأداء المناسك ورجب لأنهم يعتمرون فيه فياً تي للعمرة من حول الحرم فجعل له شهراً فهي أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد، وإنما الخلاف هل نسخ حرمتها بعد ذلك أولاً فقيل: لم تنسخ وأنه لا يقاتل فيها إلا من قاتله عدوه فيقاتله للدفع وهكذا كان يفعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وذهب قوم من الصحابة والفقهاء إلى أن حرمتها نسخت بآية القتال المذكورة وأما كونها جزاء لقوله فإذا انسلخ الأشهر فالمراد بها أشهر معينة فلا يدلّ على عدم حرمته في غيرها من الحرم وأما كون الآية إنما تدل على عموم الأمكنة لا عموم الأزمنة فيفيد النسخ في الحرم دون الشهر الحرام فقيل: إن الإيجاب المطلق يرفع التحريم المقيد كالعامّ للخاص ولو سلم فالإجماع على أن حرمتي المكان والزمان لا يفترقان فيجعل عموم الأمكنة قرينة عموم الأزمنة وترتفع حرمة الأشهر وهذا بناء على نسخ الخاص بالعامّ والمقيد بالمطلق عند الحنفية والشافعيّ لا يقول به كما بين في الأصول، وأمّا ما ذكره من الإجماع فمحل نظر وقوله: والأولى الخ لأنها نكرة في سياق الإثبات فلا تعمّ وأجيب عنه بأنه عام بعموم الوصف أو قرينة المقام ولذا صح إبداله من المعرفة أو وقوعه مبتدأ خبره كبير على وجهي إعرابه ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا لأنّ قتال المسلمين لا يحل مطلقاً وأيضاً لا يخفى أنّ سبب النزول يقتضي حرمتة وأنه إنما اغتفر للخطا فيه وأما أنّ قتال المسلمين لا يحل مطلقا ففيه إنه يحل قتال أهل البغي. قوله: (الإسلام أو ما يوصل العبد الخ) كون الإسلام والطاعات طريقاً توصل إلى الله مجازأ ظاهر وتقدير المضاف أي صد المسجد لثلا يلزم ما بعده من المحذور وأبو داود بهمزة أو واو بوزن سعاد هاهمال الدالين شاعر من إياد مشهور اسمه جارية، واستشهد ببيته على حذف المضاف وابقاء المضاف إليه على جره لأنّ الغالب أنه إذا حذف يقوم المضاف إليه مقامه والشاهد في قوله ونار على رواية الجرّ فيه فإنّ تقديره وكل نار وناراً منصوب بتحسبين مقدرا ولولا ذلك دزم العطف على معمولي عاملين مختلفين ولو لم يقدر المضاف لكانت الآية من هذا القبيل وعلى رواية نار الأولى منصوبا لا شاهد فيه وتوقد أصله تتوقد يخاطب امرأة لأمته على عدم كونه مثل قوم ذكرتهم له، يقول لها لا تظني أن كل رجل رأيته رجلاً ولا كل نار توقد ناراً أوقدت للقرى ولا تمدحي حتى تجربيه. قوله: (ولا يحسن عطفه على سبيل الله) أي صد عن سبيل الله وعن المسجد وهو مردود لأنه يؤذي إلى الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبيّ إذ تقديره أن صدوا لأن المصدر مقدر بأن والفعل وأن موصول حرفيّ وما بعده صلته فإذا عطف على سبيل الله كان من تتمة الصلة وكفر معطوف على المصدر نفسه فهو أجنبيّ عن الصلة إذ لا تعلق له بها، وقوله: إذ لا يقدم العطف على الموصول فيه تسمح أي العطف على صلة الموصول وما في حيزه لأنّ الموصول والصلة كشيء واحد خصوصا بعد التأويل وأما الامتناع من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار فلضعفه لفظا ومعنى، أما معنى فلأنه لا معنى للكفر بالمسجد الحرام إلا بتكلف وأما لفظا فلما في العطف على الضمير المجرور المتصل بدون إعادة الجار من الضعف، وفيه اختلاف فقيل: لا يجوز إلا في الضرورة واختار ابن مالك تبعا للكوفيين جوازه في السعة وقيل: إن أكد نحو مررت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 بك نفسك وزيد جاز والا فلا وهذا رد على الزمخشرفي إذ خرجه على العطف على سبيل الله وصححه بأنّ الكفر متحد مع الصد لأنه تفسير له فالفصل به كلا فصل وأنه على التقديم والتأخير إذ لا يخفى ضعفه وقوله: وأفعل الخ توجيه لكونه خبرا عن الأربعة وهو مفرد وهو مقرّر في العربية. قوله: (ما ترتكبونه الخ) هو الأمور الأربعة وهو تفسير للفتنة والمراد بالشرك الكفر والصد عن الإسلام كفر وكذا المنع للمسلمين عن دخول الحرم للعبادة فإنه داخل في الكفر أو مستلزم له فلا يرد عليه أنّ التخصيص بهذين لا وجه له ولا يحتاج إلى التوجيه بأنه ذكرهما على سبيل التمثيل. قوله:) إخبار عن دوام عداوة الكفار الخ (دفع لما يتوهم من أن ردهم المغيي به إذا لم يكن واقعأ فكيف جعل غاية فأشار إلى أنه عبارة عن الدوام كقوله: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سورة الأعراف، الآية: 40] والتعليل لا يقتضي التحقيق وقوله: وحتى للتعليل جواب آخر بأنّ فعلهم لذلك إن استطاعوا، والتعبير بأن لاستبعاد استطاعتهم لا للشك وان تستعمل لذلك كما مثل له يعني استعمل أن مع الجزم بعدم الوقوع إشارة إلى أنّ ذلك لا يكون إلا على سبيل الفرض كما يفرض! المحال وهو معنى لاستبعاد وتبق مجزوم مضارع الإبقاء وهو عدم الإهلاك. قوله: (قيد الردة الخ (قال النحرير: احتجاج الشافعيّ بناء على أنها! أحبطت الأعمال مطلقا لما كان للتقييد بقوله: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [سورة البقرة، الآية: 217] . فائدة: لا بناء على أنه جعل شرطاً في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط لأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى بل غايته السببية والملزومية وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم لجواز تعدد الأسباب، ولو كان شرطا بهذا المعنى لم يتصموّر اختلاف في القول بمفهوم الشرط واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [سورة المائدة، الآية: هـ، وأجيب بأنه يحمل على المقيد عملاً بالدليلين، ورد بأنّ ذلك يكون إذا كان القيد في الحكم واتحدت الحادثة وأما في السبب فلا لجواز أن يكون المطلق سببا كالمقيد وتمام هذا في الأصول قيل: ثمرة الخلاف تظهر فيمن صلى ثم ارتد ثم أسلم فيلزمه قضاء تلك الصلاة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا للشافعيئ رحمه الله وفيه نظر انتهى. قوله: (لبطلان ما تخيلوه (فإن قلت الظاهر أن يقول لبطلان عملهم وفواته بالإسلام قلت: لما كان سقوط الأعمال والعبادات بمعنى عدم الاعتداد بها والثواب عليها لاح أنّ قوله في الآخرة كاف إشارة إلى أنهم كانوا يتوهمون أنّ أعمالهم تلك تنفعهم في الدنيا فزال ما توهموه فتأمّل، وقوله: نزلت الخ رواه أصحاب السير والطبرانيّ. وقوله: إشعاراً الخ وجهه ظاهر لأنّ المقطوع به لا يرتجي وجعل الرجاء أيضاً عبارة عن الجد في الطلب في العبادة كما قيل: من رجا طلب ومن خاف هرب، والظاهر أن يفسر بأنهم يرجون الثواب على تلك الغزاة الواقعة في الشهر الحرام لما عفا الله عن غائلتها كما روى ابن سيد الناس: أنه لما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن يكون غزوة ونعطي فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} الآية. قوله: (والعبرة بالخواتيم (أي المعتبر المعتد به ذلك، والخواتيم بالياء جمع خاتمة ووقع في الحديث، كذلك وكان قياسه الخواتم لكنه سمع فيه على خلاف القياس كما قالوا في الصيارف وبعض النحاة جعله مقيسا في جمع فاعل وتفصيله في كتاب الضرائر لابن عصفور، وقوله: لما فعلوا خطأ قيده به لما مرّ في سبب النزول. قوله:) روي أئه الخ) المذهبة بفتح الميم بوزن اسم المكان ما يذهب به العقل كثيراً والتاء فيه للمبالغة وهذه الصيغة تستعمل للدلالة على الكثرة كما يقال: مأسدة للمحل الكثير الأسود ثم استعيرت لما هو سبب للكثرة كما يقال الولد مجبنة ومبخلة أي يستدعي ذلك وهو المراد هنا وقوله: فقرأ الخ أي في سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وقوله: فشربها الخ لأنهم فهموا من قوله فيهما إثم أنهما يؤدّيان إلى الإثم لا أنهما في أنفسهما أثم فشربها بعضهم اعتمادا على أنه يضبط نفسه عما يؤدّي إليه وتركها آخرون اجتنابا عما يؤدّي إليه واللحى العظم النازل من الرأس إلى الفم، قيل: والحكمة في نزول هذه الآيات بالتدريج في تحريمها أنهم ألفوها فلو حرّمت عليهم ابتداء لربما شق عليهم ذلك. قوله:) والخمر في الآصل مصدر خمره إذا ستره) يعني أنّ أصل معنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 الخمر الستر فكل مائع يستر العقل خمر حرام قليله وكثيره طبخ أو لم يطبخ، وهذا مذهب الشافعيّ وكذا السكر بفتحتين من السكر وأصل معناه سد للماء كالجسر وهو يحجب الماء أيضا فهو في معنى الخمر وما نقله عن أبي حنيفة صحيح إلا أنه لا يخصه بما ذكر بل العنب مثله فلا ينبغي التخصيص وحل شربه مخصوص بأن لا يصل إلى حد السكر ولا يشرب بقصد اللهو والطرب، وكيفيته والكلام فيه مفروغ عنه في الفروع وقال بعض أهل اللغة لا يسمى خمراً الإماء العنب النيء إذا غلى بنفسه. قوله:) والميسر الخ) أيضا أي كما أنّ الخمر بحسب الأصل مصدر وفعله أيسر من اليسار لأنه يأخذ ما يأخذه بيسر أي سهولة أو الهمزة فيه للسلب لأنه يسلب اليسار وتفسيره هنا بالقمار مروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء ومجاهد وغيرهم وهو بيان المراد من الآية حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالكعاب والجوز والنرد والشطرنج والقرعة في غير القسمة كما ذكره الجصاص وجميع أنواع المخاطرة والرهان وأما حقيقته فسهام تجعل في خريطة معلمة بعلامات لبعضها نصيب ولبعضها أكثر وليس لبعضها شيء وكل ذلك من لحم جزور ينحرونها وله تفصيل في شروح الكشاف. قوله: (إثم كبير من حيث إنه يؤدي الخ) الانتكاب عن المأمور بعني به اجتنابه ومخالفته وأصل معنى التنكب التنحي يقال: تنكب لا يقطرك الزحام وهو ينون وكاف بعدها باء موحدة يعني أن الإثم ليس في ذاتهما بل فيما يؤديان إليه ولذا شربوها بعد نزول هذه الآية كما مرّ وهذا بناء على ما ارتضاه من أن هذه الآية لا تدل على تحريمها، وقرئ كثير بالمثلثة في السبعة وبين منافعها من كسب المال في الميسر ولصاحب الكرم ومصادقة الفتيان لأنها تورث محبة وعشرة. قوله: (ولهذا قيل الخ) يعني بعضهم ذهب إلى أنّ هذه الآية دلت على الحرمة وقوله: لما مرّ يعني من شربهم بعد نزولها وسؤالهم عن شأن شاق وأنّ المحرّم آية أخرى وما ذكر مبنيّ على التحسين والتقبيح العقليين ونحن لا نقول به وفيه نظر. قوله: (قيل سائله الخ) إنما ضعفه لأن الوارد في الحديث أنه معاذ بن جبل وثعلبة ابن غنم وقال ابن عباس رضي الله عنهما نفر من الصحابة، وقوله: عن المنفق والمصرف بناء على ما مرّ في سبب النزول وقد مرّ ما فيه وكون هذا سؤالاً عن كيفية الإنفاق قصد به دفع التكرار مع ما مرّ من سؤاله لكن هذه العبارة للسؤال عن المنفق كالسابقة ولا دلالة لها على الكيفية. قوله: (العفو نقيض الجهد لخ) يعني أنّ العفو بمعنى السهل الذي لا مشقة فيه ونقيضه الجهد بالفتح وهو المشقة ولذا يقال: للأرض! الممهدة السهلة الوطء عفو والشعر الذي أنشد نسب لأبي الأسود الدؤلي يخاطب زوجته والصحيح أنه لأسماء بن خارجة الفزاري أحد حكماء العرب، وقد أخرجه البيهقيّ في شعب الإيمان بسند متصل عن أسماء أنه لما أراد أن يهدي ابنته إلى زوجها قال لها: يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً ولا تدني منه فيملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلث لأمك: خذي العفومني تستديمي موذتي ولاتنطقي في سورتي حين أغضب فإني رأيت الحب في الصدر والقلى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب ومراده بالعفو ما تقدم وسورة الغضب شدته وحدته والقلى البغض والصد ومعنى البيتين ظاهر. قوله:) وروي أن رجلاَ أتى النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أبو داود والبزار وابن حبان والحاكم من حديثه. وقوله: في بعض المغانم يوافقه ما في رواية البزار في بعض المغازي وفي غيره في بعض المعادن والبيضة مقدار كالبيضة على التشبيه، وقوله: فحذفها بالحاء المهملة والذال المعجمة ومعناه رماها ومن توهم أن معناه الإسقاط لا الرمي لم يصب لأنه مذكور في كتب اللغة كالنهاية وقيل: إنه بخاء معجمة وهو الرمي بالأصابع أو بالسبابة والإبهام وقو! : يتكفف أي يسأل الناس بمد كفه، وقيل: يطلب الكفاف ولفظ ظهر مقحم للتأكيد وقد مرّ تحقيقه في ظهر الغيب والمراد بيجلس يقعد عن الكسب وهذا النهي كما يقتضيه الكلام لمن لا يصبر بعد بذل ماله أما لو صبر فمحمود وفي الحديث: " خير الصدق جهل المقل " وهذا يختلف باختلاف الناس. قوله: (أي مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد الخ) يعني أنّ كذلك صفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 مصدر محذوف أي تبيينا كذلك التبيين والمشار إليه تبيين حال الإنفاق لقربه أو جميع ما قبله وترك ما ذكره الزمخشرقي من أنه تبيين أمر الخمر لأنه خلاف الظاهر للفصل وان اعتذر عنه بأن ذلك يشار به إلى البعيد وغير ذلك مما في شروحه، وتوله: وإنما وحد العلامة الخ يعني حرف الخطاب فإنّ الكاف المتصلة بأسماء الإشارة قد يخاطب بها المخاطب بالكلام نحو فذلكن الذي لمتنني فيه والوجه ما ذكره المصنف رحمه الله وله وجه آخر، وهو أن يخاطب به كل من يتلقى الكلام كما في قوله: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 52] وحينئذ يلزم الإفراد من غير تأويل كما في المطوّل وشروح التسهيل. قوله: (في الدلائل والأحكام) جعل متعلق التفكر مقدرا فيكون قوله في الدنيا والآخرة متعلقا بيبين وقد جوّز فيه الزمخشرفي أن يتعلق بتتفكرون أيضاً وهو الظاهر إذ هو يتعذى بفي ولاتصاله والمراد بالتبييت في الدنيا والآخرة تبيين أمر الدنيا والآخرة وحينئذ قدم التفكر للاهتمام به، وقوله: يضركم أكثر مما ينفعكم ناظر إلى قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما. قوله: الما نزلت إنّ الذين يثلون الخ) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال الزجاج كانوا يظلمون اليتامى فيتزوّجون منهم العشرة ويأكلون أموالهم فشدد عليهم في أمر اليتامى تشديداً خافوا معه التزويج باليتامى ومخالطتهم فأعلمهم الله تعالى أنّ الإصلاج لهم هو خير الأشياء وأنّ مخالطتهم في التزويج مع تحري الاصطلاح جائزة وقوله: فشق ذلك عليهم أي على اليتامى لعدم من يقوم بأمورهم، وقيل: على تاركي المخالطة لشفقتهم على اليتامى وخوف أن يلحق أولادهم مثلهم. قوله: (حث على المخالطة الخ) بين وجه الحث وقريب منه ما قيل: إنه إثبات للمخالطة بطريق برهانيّ لأنّ الأخ لا يجتنب أخاه وتفسيره بالمصاهرة يربطه بالآية المذكورة بعده أشد ارتباط وقوله: فيجازيه حيث ذكر علم الله في مثله فالمراد به المجازاة والا فهو معلوم، وقوله: لإفساد واصلاح لف ونشر. قوله: (اي ولو شاء الله أعناتكم الخ) أي لو شاء الله أن يوقعكم في العنت وهي مشقة يخشى معها الهلاك والعنت أن يشرع ترك المخالطة، فإن قلت مفعول المشيئة في الشرط إنما يحذف إذا لم يكن تعلقه به غريباً وتعلقه بالإعنات غريب، قلت أجيب بأنه كان في الأمم السابقة التكليفات الشاقة فلم يكن ذلك غريباً إذ ذاك وفيه تأفل. وفسر العزيز والحكيم بما ذكر لمناسبة المقام وما يشع له الطاقة أخص من الطاقة لأنّ معناه ما يطاق طاقة من غير تضييق ومشقة. قوله: (أي ولا تتزوّجوهن الخ) وقراءة الضم قال الطيبي: لا أعلم أحداً قرأ بها ونقل أبو حيان رحمه الله أنها قراءة الأعمش وهو ثقة، وقوله: والمشركات الخ والمراد بالمشركات إن كان الحربيات خاصة كما هو المتبادر فالآية ثابتة أي غير منسوخة لأنّ الحرمة باقية وإن كان أعئم لأن أهل الكتاب مشركون لما ذكره المصنف رحمه الله فقيل: الآية منسوخة بقوله تعالى في المائدة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [سورة المائدة، الآية: 5] حيث حصر الحل في الكتابيات، ولا يجوز أن تكون آية المائدة منسوخة لأنّ المائدة لم ينسخ منها شيء ومبني الكلام على أن قصر العام على البعض بدليل متراخ نسخ عند الحنفية وأمّا عند الشافعية فهو تخصيص لا نسخ كما قاله المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام الخ) ردّ هذا بأنه إنما ورد في آية النور: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} [سورة النور، الآية: 3] الآية أخرجه أبو داود والترمذيّ والنساتي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والذي ذكره المصنف رحمه الله أورده الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس رضي الله عنهما ومرثد براء مهمله وثاء مثلثة مكسورة والغنوي بالغين المعجمة نسبة لقبيلة، وعناق بفتح العين اسم امرأة، وقوله: استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أشاوره. قوله: (ولامرأة مؤمنة) إشارة إلى أنّ الآية هنا ليست على ظاهرها لما ذكره وقيل: إنه على ظاهره وأنّ الأمّة في مقابل الحرّة وأنه نزل في أمة لابن رواحة رواه الواحديّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه فتفضل الأمة المؤمنة على المشركة مطلقا ولو حرّة فيعلم منه تفضيل الحرّة عليها بالطريق الأولى ثم إنّ التفضيل يقتضي أنّ في المشركة خيراً فإمّا أن يراد بالخير الدنيوي وهو مشترك بينهما بمعنى الانتفاع أو يكون على حد قوله: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرّاً فان أصحاب النار لا خير فيهم كما سياتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 تأويله وأنه على الفرض! والتأويل، والشمائل الأخلاق واحدها شمال. قوله: (والواو للحال الخ) هذه الجملة في موضع نصب وقالوا: إنها في مثله شرطية بمعنى إن لا امتناعية إذ المعنى ليس عليه وقد قدمنا أن هذه الواو عاطفة على جملة حالية مقدرة وأنه لا خلاف بين من قال إنها عاطفة ومن قال حالية والمراد به وأمثاله التعميم واستقصاء الأحوال لأنّ ما بعدها إنما يأتي وهو مناف لما قبلها لوجه ما والإعجاب مناف لخيرية غيرها وترجيحه عليها، وكون لو تأتي بمعنى إن مقرر في النحو والمعاني، وقوله: وهو على عمومه أي شامل لأهل الكتاب والتاء مضمومة هنا قطعا وقوله: عن مواصلتهم أي الاتصال مطلقاً ومعاملتهم معاملة أوليائهم وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالعبد ماي يشمل الحرّ كما مرّ في الأمة. قوله:) إشارة إلى المذكورين الخ) إنما أدرج المذكورين إشارة إلى أنّ ذكرهم جعلهم بمنزلة المحسوس الذي يشار إليه وإلا فأولئك جمع لا يختص بمذكر ومؤنث أو هو إشارة إلى أن يدعون غلب فيه المذكر على المؤنث، وقوله: أي الكفر فهو مجاز بعلاقة السببية كما في الجنة والمغفرة، وتقدير أولياؤه لازم لقوله: بإذنه إذ لا معنى لقولنا الله يدعو بإذن الله ولمقابلته لأولئك الذين هم أولياء الشيطان ووجه التفخيم جعل دعوتهم دعوة الله لكنه قيل: إنه لا حاجة حينئذ إلى تأويل إذنه بالتيسير وليس كذلك لأنّ إذن الله لهم في دعوتهم معناه ذلك هنا، قال الزمخشرقي في حواشيه: هو مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق ولو جعل بمعنى بأمره ورضاه لكان مجازاً أيضاً وهو ظاهر وكذا كونه بمعنى القضاء والإرادة وقيل: إن إبقاء يدعو على ظاهره أولى ويؤيده عطف يبين عليه والظاهر أن المبين هو الله فتأمّل. قوله: (لكي يتذكروا الخ (يعني أنه استعارة كما مرّ أو ا! الترجي بالنسبة إلى غيره من المخاطبين وقوله: من ميل الخير يعني من الميل للخير. قوله: (روي أنّ أهل الجاهلية الخ) روى مسلم والترمذقي والنسائي عن أنس رضي الله عنه أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت أي لم يساكنوها فساًل أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فنزلت فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: " افعلوا كل شيء إلا النكاح " وروي أنّ الذي سأل عنه ثابت بن الدحداج رضي الله عنه وروي من طرق أخر، والدحداح بفتح الدالين المهملتين وحاءين مهملتين صحابيئ معروف، وما قيل: إن قوله فاعتزلوا يؤيد فعلهم ولا يصلح ردا له إلا أن يتكلف له وما في الكشاف لا يحتاج إلى تكلف لأنه لم يذكره على أنه سبب النزول غفلة عن أنه ثابت بالأحاديث الصحيحة، وقوله: فاعتزلوا المغيا بالطهر كالصريح في ترك النكاح فقط فهو ظاهر في الردّ. قوله: (مصدر كالمجيء والمبيت (يعني أنه معفل بكسر العين مصدر ميمي وهو مخير في مثله بين الفتح والكسر وقد سمع حاضت حيضا ومحيضا ومحاضا، والمراد هنا المعنى المصدري وقيل: إنّ الفتح والكسر جائز في المصدر واسم الزمان والمكان وقيل: القياس الفتح لا غير. قوله: (ولعله سبحانه إنما ذكر يسألونك بغير واو ثلاناً الخ) في الكشاف فإن قلت ما بال يسألونك جاء بغير واو ثلاث مرّات ثئم مع الواو ثلاثا، قلت: كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرّقة فلم يؤت بحرف العطف لأنّ كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ أو سألوا عن الحوادث الآخر في وقت واحد فجيء بحرف الجمع لذلك كأنه قيل: يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن الإنفاق والسؤال عن كذا وكذا، وهو مما أشكل قديماً حتى قال في الانتصاف: إنه وهم بلا شك لأنه يقتضي كما ترى أن يقترن السؤال الثاني والثالث بالواو خاصة دون الأوّل إذ الواو إنما تربط ما بعدها بما قبلها فاقترانها بالأول لا يربطه بالثاني وإنما يربطه بما قبله وعلى هذا تكون الأسئلة التي وقعت في وقت واحد أربعة لا ثلاثة خاصة وقد قال: إنّ الأسئلة التي وقعت في وقت واحد هي الثلاثة الأخيرة وذكر نكتة أخرى وستأتي وقال بعض علماء العصر ههنا مؤاخذة مشهورة على المصنف وهي أنّ وقوع الثلاثة الأخيرة في وقت لا يقتضي إيراد الواو ثلاثا إذ يحصل بإيراد الواو من الأخيرتين، فالصواب أن يقال: والأ؟ بعة كانت في وقت واحد وهي الثلاثة الأخيرة وثالث الأول وقيل: في دفعه قوله في وقت واحد بالإضافة لا بالصفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 كأنه أراد وقت واحد من الأول وهو وقت ثالثها، وأنت خبير بأنّ تركيب عديله توصيفي فجعله إضافياً خلاف الظاهر كما لا يخفى، والظاهر في توجيه كلامه هو أنه أراد والثلاثة الأخيرة في وقت واحد هو وقت ثالث الأول أعني وقت السؤال عن الخمر والميسر كما هو الواقع على ما ذكره المفسرون، فقوله في وقت واحد وإن كان عامّا بحسب المفهوم لكنه أراد به ذلك الفرد الخاص تعويلا على الواقع واعتمادا على ظهور المراد كما هو دأبه في أمثاله وإن كان صاحب الكشاف لم يعتمد عليه ونصب قرينة واضحة دالة على أنّ المراد بالوقت الواحد ما ذكرناه حيث قال كأنه قيل: يجمعون الخ كما لا يخفى، ومن البين أنه لا دلالة في كلامه على أنّ ذلك الوقت الواحد أي وقت الثلاثة الأخيرة مباين لكل واحد من أوقات الأول حتى لا يمكن حمله عليه، وقوله: ثم بها ثلاثاً للتراخي في الذكر دون الوقت على أنه يمكن أن يقال: إنّ في قوله فلذلك ذكرها أي ذكر الثلاثة الأخيرة بحرف الجمع إشارة إلى ما ذكره لأنّ ذكر أوّلها بحرف يفيد الجمع بينه وبين ما هو عطف عليه يقتضي وحدة وقتهما والا لكانا سؤالين مبتدأين كما لا يخفى (أقول) هذا الذي نحاه هذا القائل مأخوذ من قول العلامة في شرح الكشاف يعني: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} [سورة البقرة، الآية: 215] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة، الآية: 217] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [سورة البقرة، الآية: 219] {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [سورة البقرة، الآية: 220] ويسألونك عن المحيض فالثلاثة الأخيرة التي فيها الواو جمعت مع الأخير مما ليس فيه الواو وهو قوله: يسألونك عن الخمر والميسر فقد فرقت بين الثلاثة وجمعت بين الأربعة فلذلك قال يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر الخ ولم يرتضه الشارح النحرير، وأشار إلى أنّ السؤال عليه باق لم يندفع. ثم اعلم أنه لا غبار على كلام الكشاف لأنه سأل عن العطف ثلاث مرّات والعطف إذا ثلث بين الجمل اقتضى أربع جمل ضرورة وقد عدها أربعا فكيف يقال: إنه وهم وأما كلام المصنف رحمه الله فإنه صرح باتحاد الوقت في ثلاثة فورد السؤال عليه فلعله لم ير أنّ العاطف الأوّل عاطف على ثالث الثلاثة بل عطف مجموع الأسئلة المتحدة الوقت على الأسئلة المختلفة فيه عطف القصة على القصة، أو يقال: إنه لاحظ أن السؤال عن الإنفاق قد تقدم فلم بعده معها والأوّل أولى وما ذكره هؤلاء تكلف لا طائل تحته ولذا لم يلتفت إلى هذا السؤال المدقق في الكشف مع تشنيع صاحب الانتصاف فتأمل. ثم إنّ وجه العطف والترك ما في الانتصاف، وهو أن أوّل المعطوفات عين الأوّل في المجردة لكنه أولاً أجيب بالمصرف الأهم وان كان المسؤول عنه المنفق ثم أعيد ليذكر المسؤول عنه صريحا وهو العفو الفاضل عن حاجته فتعين عطفه ليرتبط بالأوّل، والسؤال عن اليتامى لما كان له مناسبة مع النفقة باعتبار أنهم إذا خالطوهم أنفقوا عليهم عطفه على ما قبله، ولما كانوا اعتزلوا عن مخالطة اليتامى ناسب ذكر اعتزال الحيض لأنه هو اللائق بالاعتزال فلذا عطفه لارتباطه بما قبله، وإذا نظرت إلى الأسئلة الأول وجدت بينها كمال المناسبة إذ المسؤول عنه النفقة والقتال والخمر فذكرت مرسلة متعاطفة وهذا من بدائع البيان، فإن قيل: الوجه الذي ذكره المصنف تبعا للكشاف ما وجهه إذ يكفي فيه اجتماع الجمل في الوقوع مع وجود الجامع سواء كانت في وقت واحد أولاً مع أنّ الواو العاطفة لا تفيد المعية وكون اتحاد الوقت يقتضي العطف وعدمه يقتضي تركه لم يقل به أحد من أهل المعاني، قيل: المراد أنه لما كان كل منها سؤالاً مبتدأ من غير تعلق بالآخر ولا مقارنة معه لم يقصد إلى جمعها بل أخبر عن كل على حدة بل يجوز أن يكون الإخبار عن هذا قبل وقوع الآخر بخلاف السؤالات الأخر حيث وقعت في وقت واحد عرفا كشهر كذا ويوم كذا مثلا فقصد إلى جمعها وهذا عندي لا يسمن ولا يغني من جوع فلا بد من تحقيقه على وجه آخر ولعله يتيسر لها وقوله: نفرة أي لأجل النفرة، وقوله: إشعاراً بأنه العلة أي علة المنع منه أنه مؤذ ملوّث ينفر عنه الطبع. قوله: (تكيد للحكم وبيان لغايته الخ (لأنّ غايته الاغتسال مطلقا في مذهب المصنف رحمه الله فلما أفاد بيان غاية لم تعلم مما قبله صح عطفه لأنه ليس لمجرد التأكيد، وما قيل: من أن التأكيد لا يعطف وإن الغاية معلومة مما قبله وهم وفسروا التطهير بالغسل لأنه معنى شريئ مناسب لصيغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 التطهر التي تفيد المبالغة ولأنه لو كان بمعنى انقطاع الحيض لتكرر مع ما قبله فما قيل: إنه لا قرينة عليه لاحتمال أنه غسل الفرج فقط كما ذهب إليه الأوزاعي رحمه الله ليس بشيء فدلالته عليه صريحاً واضحة فإن قلت إذا كان التطهر يدل على ذلك صريحا فلم جعل دلالة فإذا تطهرن التزاماً، قلت: لأنه لما اقتضى تأخر جواز الإتيان عن الغسل وهو مدلوله لزمه أن يمتنع قبله فيكون الغسل حي! سذ غاية وإنما قال جواز الإتيان مع أنه مأمور به لأنّ الأمر بعد المنع للإباحة كما تقرّر في الأصول. قوله: (وقال أبو حتيفة الخ الأنه رأى قراءة التخفيف تدل على توقف الحل على انقطاع الحيض والتشديد على الغسل وكلاهما متواتر يجب العمل به ولا يمكن ذلك في حالة واحدة فعمل بهما باعتبار حالتين فحمل قراءة التخفيف على ما إذا انقطع كثر مدة الحيض وقراءة التشديد على الانقطاع في أقل منها فلا تحل المباشرة إلا بالاغتسال أو ما هو في حكمه من مضي وقت صلاة والشافمي رحمه الله تعالى جمع بينهما بأن جعل إحداهما غاية كاملة والأخرى ناقصة وأدلة الفريقين في كتب الفقه، والمأتي بالفتح محل الإتيان وهو القبل، وقوله: والإتيان في غير المأتي يعني الدبر إشارة إلى أنّ الآية تدل على حرمة اللواطة بجامع الأذى. قوله: (مواضع حرث لكم الخ) يعني أنه بتقدير مضاف أو أطلق الحالّ على المحل وحمل المشبه به على المشبه كما في زيد أسد ثم أشار إلى أنّ هذا التشبيه متفرع على تشبيه النطف الملقاة في أرحامهن بالبذور إذ لولا اعتبار ذلك لم يكن بهذا الحسن فقيل: إنه على الاستعارة بالكلية لأنّ في جعل النساء محارث دلالة على أنّ النطف بذور على ما أشار إليه بقوله: تشبيها لم يلقى الخ كما تقول إنّ هذا الموضع المفترس الشجعان، وقيل: إنه ليس بجار على قانون البلاغة إلا أن يقال نساؤكم حرث لنطفكم ليكون المشبه مصرحاً والمشبه به مكنياً ولو قيل: بأن الحرث يدل على البذر دلالة قوية تجعله في حكم الملفوظ كما جنح إليه من جعله استعارة مكنية لكان هذا قسماً من المكنية لا يذكر فيه الطرفان وهو غريب، وقال بعض المتأخرين: إن هذا التشبيه مترتب على تشبيه آخر متروك وهو تشبيه النطف بالبذر ترتب اللازم على الملزوم ولا يبعد أن يسمى تمثيلا على سبيل الكناية والقوم قد غفلوا عند هذا النوع من التمثيل والبذور بالذال المعجمة ما يزرع. قوله: (وهو كالبيان لقوله فأتوهن الخ) يعني أنه علم من جملة تفسير ما وقع مبهما في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله وهو موضع الحرث أعني القبل وزالت الشبهة التي ربما توهصت من أنّ الغرض! قضاء الشهوة وهو يحصل بكلا الفرجين وظهر أنّ الغرض! هو النسل الذي هو بمنزلة ريع الزرع، وقوله: من أيّ جهة شئتم تفسير لأني وهي شرطية يدل على جوابها ما قبله وهي ظرف مكان أخرجت عن الظرفية لتعميم الأحوال وما ذكره عن اليهود أخرج في الصحيحين. تنبيه: أنى تأتي شرطا واستفهاما بمنزلة متى ظرف زمان وبمعنى كيف ومن أين والوجوه كلها جائزة عنه هم هنا وهي لتعميم الأحوال والسؤال عن أمر له جهات وهي في محل نصب على الظرفية، وقال أبو حيان: هذا لا يصح كونها شرطية معنى لأنها حينئذ ظرف مكان فتقتضي. إباحة الإتيان في غير القبل ولأنها لا يعمل فيها ما قبلها لصدارتها ولا استفهامية لأنها لا يعمل فيها ما قبلها ولأنها تلحق ما بعدها نحوأنى لك هذا وهذه مفتقرة لما قبلها فهي مشكلة على كل حال، والظاهر أنها شرطية جوابها مقدراً أي أنى شئتم فأتوه نزل فيها تعميم الأحوال منزلة الظروف المكانية بتقدير في فتأمل. (أقول) : ما ذكره المفسرون من الوجوه الثلاثة صحيح وما أورده عليها أبو حيان رحمه الله وظنه وارداً غير مندفع ليس بوارد وان سلمه غيره أما الشرطية فإن جوابها لما تقدم عليها قدر لها جواب يدذ عليه ويؤكده وما أوهمه من جوازه في غير القبل يأباه قوله حرث فلا إشكال وأما الاستفهام فإنه لما خرج عن حقيقته جاز عمل ما قبله فيه نحو كأن ماذا كما صرح به النحاة وأهل المعاني. قوله: (وقدّموا لآنفسكم الخ) فسر المؤمنين بالكاملين لأنّ المطلق ينصرف إليه ولأنه يعلم من تخصيصهم بالبشارة، فان قلت انصراف المطلق إلى الكامل قيل: إنه قول للحنفية في الأصول وأما الشافعية فقالوا: ينصرف إلى الأقل وهل هو حقيقة أو مجاز فيه كلام في حواشي المختصر. (قلت) ما ذكره الشافعية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 في مقام الاستدلال أخذ بالأحوط فلا ينافي إرادة غيره بقرينة المقام كالمدح هنا، قال النحرير: وهذه الأوامر كلها في حيز قل لظهور أنّ وقدموا واتقوا عطف على الأمر قبلهما وأمّا وبشر المؤمنين فليس كذلك بل هو عطف على قوله: قل هو أذى، وفيه تحريض على امتثال ما سبقه من الأوامر والنواهي وقوله: ولا تجعلوا عطف على تلك الأوامر أو على مقدر أي امتثلوأ ولا تجعلوا ولا يرد عليه أن بشر لا يصلح جوابا للسؤال فكيف يعطف على قل، لأنه أشار إلى دفعه بجعله تحريضاً لهم كما لا يخفى، وكونها نزلت في الصديق رضي الله عنه أخرجه ابن جرير وما بعد 5 قال السيوطي: لم أقف عليه وأمر مسطح سيأتي بسطه في قصة الإفك والختن بفتحتين الصهر وأقارب الزوجة. قوله: (والعرضة فعلة بمعنى المفعول) كغرفة بمعنى مغروف فإمّا أن يكون بمعنى معرضة دون ذلك وقدامه فتكون بمعنى الحاجز والمانع من عرض! العود على الإناء والمعنى لا تفعلوا ذلك أي جعلها مانعا فالأيمان بمعنى المحلوف عليه لأنها تسمى يمينا كما فيإ الحديث " وأما بمعنى معرضا لأمر من التعريض للبيع فالمعنى لا تبتذلوا ذلك بكثرة الحلف به واليمين على حقيقته، وجعل اللام صلة عرضة وجوز الزمخشريّ تعلقه بالفعل والمصنف رحمه الله تركه فقيل: لا وجه لتركه ولعل وجهه أن جعل يتعدى لمفعولين بنفسه وقد يتعذى لواحد بنفسه وللثاني باللام نحو جعلت المال لزيد وأما تعديه للثالث به فلم يعهد، وقيل: إق وجه الاقتصار أنه يظهر من المذكور بطريق الأولى وفيه ما فيه، وقوله: عطف بيان لها أي للإيمان وقيل: إنه بدل والمعنى لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم التي هي البر والتقوى الخ وأن والفعل معرفة لأنها مؤوّلة بمصدر معرف كما صرحوا به فالقول بأنه يلزم إبدال النكرة من المعرفة وهم وقوله: ويجوز أن تكون للتعليل أي بتقدير اللام تعليلاً لعرضة واختلف في تقديره فقيل: إرادة أن تبروا، وقيل: كراهة أن تبروا وقيل: لترك أن تبروا وقيل: لئلا تبرّوا ولأيمانكم متعلق بالفعل حينئذ لئلا يتعلق حرفا جرّ بمعنى بمتعلق واحد. قوله: (وأن تبرّوا علة للنهي الخ) أي طلب كص الفعل لا للفعل أعني الجعل والمعنى أنهاكم عن ذلك إرادة مني أن تبروا وتقدير الإرادة بيان للمعنى لا احتياجا إليه في حذف اللام لكونه قياسا مطرداً مع أن وإن وبالجملة فالنهي معلل وعلى الأوّل المعلل منهيّ، ويحتمل أن يكون التعليل لا للنهي الذي هو طلب الترك ولا للمنهيّ الذي هو الفعل أعني الجعل بل للمطلوب الذي هو ترك الفعل والكف عنه أي اتركوا الفعل لكي تبروا وهكذا كل قيد بعد النهي يحتمل الأمور الثلاثة وكذا بعد الأمر فتأمل. واعترض عليه بأن الأولى أن يقول طلب بركم لأنّ الإرادة تستلزم المراد عند أهل السنة والنهي عام للبر والفاجر والمصنف رحمه الله تعالى غير كلام الزمخشريّ وهو مبنيّ على مذهبه، ولك أن تقول الإرادة هنا بمعنى الطلب لأنه معناها اللغوي أو إرادته منهم ذلك بشرط أن يمتثلوه ولا يصح أن يقال: المراد بالإرادة إرادة المخاطبين وقد فسرت عائشة رضي الله تعالى عنها العرضة بأنها كل ما أكثر من ذكره وعليه قوله: فلا تجعلني عرضة للوائم قوله: (اللغو الساقط الذي لا يعتد به الخ) كون هذا معنى اللغو في اللغة مقرر وإنما الخلاف في المراد بها في اليمين فعند الشافعيّ لغو اليمين ما سيق له اللسان وما في حكمه ولا مؤاخذة فيه بعقوبة ولا كفارة، ووله: كقول العرب الخ مثال لما قبله ومنه يعلم أنّ المراد بكونه جاهلا أنه لا يقصد معناه وقوله: لقوله دليل لقوله: ما لا عقد معه الخ. وليس متعلقاً بالتأكيد. قوله. ( {يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ) قال الكرماني: أي عزمت عليه إذ كسب القلب عزيمته ونيتة وفيه دليل لما عليه الجمهور من أنّ أفعال القلوب إذا استقرّت يؤاخذ بها " وقوله صلى الله عليه وسلم إنّ الله تجاوز لآفتي عما حدّثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا " محمول على ما إذا لم يستقر فإنه لا يمكن الانفكاك عنه وفيه نظر. قوله: (وقال أبو حتيفة رحمه الله الخ) في الهداية الأيمان على ثلاثة أضرب يمين الغموس ويمين منعقدة ويمين لغو فالغموس هو الحلف على أمر ماض متعمد الكذب فيه فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها ولا كفارة فيها إلا التوبة، وقال الشافعيّ: فيها الكفارة والمنعقدة ما يحلف على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله وإذا حنث فيها لزمته الكفارة لقوله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [سورة اد مائدة، الآية: 89] ويمين اللغو أن يحلف على أمر ماض! وهو يظن أنه كما قال: والأمر بخلافه فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها انتهى. يعني ولا كفارة فيها أيضا وهذا مما محله كتب الفقه، وقوله: تربصا للتوبة أي تركه وأمهله لأجل أن يتوب الله عليه والعاصي المصر استدراجاً له. قوله: (أي يحلفون على أن لا يجامعوهن الخ) الإيلاء من الألية وهي القسم لكنه خص بقسم مخصوص والقسم إنما يتعدى بالباء أو بعلى كأقسم بالله على كذا فنقل الطيبي أنّ هذا الفعل، يتعدى بمن وعلى، وقال النحرير: إنه الوجه الجاري في جميع الموارد ونقل أبو البقا عن بعضهم من أهل اللغة تعديته بمن وقيل: إنها بمعنى على وقيل: بمعنى في وقيل: زائدة ومن منع ذلك ضمنه معنى متباعدين أو ممتنعين أو جعله ظرفا مستقرّاً أي استقرّ لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر وقوله: فاعل الظرف هو مذهب الأخفش حيث جوّز عمله وان لم يعتمد وغيره يمنعه وقوله: أضيف إلى الظرف على الاتساع أي بأن جعل مفعولاً به ونقل عن بعضهم أنّ الإضافة على معنى في فلا تسمح على القول بها وهو مذهب كوفي. قوله: (ويؤيده فإن فاؤوا الخ) فإنها للتعقيب والآية مع الشافعيّ رحمه الله تعالى بصريحها، وقوله: سميع يقتضي التلفظ بالطلاق وإنه لا يقع بنفس مضيّ المدة إذ عزم الطلاق لا يسمع عادة وان كان أهل السنة يجوّزون سماع غير الأصوات وهم لما رأوها كذلك أوّلوها بأن الفاء للتفصيل لا للتعقيب لأنه يقع عقيب الإجمال ذكراً وتقديراً وأيضاً هو لا يخلو من دندنة تسمع ووسوسة يعلمها فجعل كأنه يسمعها ولا يخفى أنه كله مخالف للظاهر وأيده في الكشف أيضاً بأنه مروفي عن كثير من الصحابة لأنهم فهموه من الآية وتفصيله في الفروع، وقوله أو ما تعرض في نسخة توخي أي قصد وقوله: سميع لطلاقهم إشارة إلى أنه مؤيد لمذهبه كما قدمنا. قوله: (الإيلاء في أربعة أشهر فما دونها (الأصح فما فوقها أي فيما يجاوزها من الزيادة على الأربعة للاتفاق من الحنفية على أن أقل المدة أربعة أشهر مع شرط الزيادة عند الشافعيّ رحمه الله، وقوله: بأحد الأمرين أي الفيء أو التطليق. قوله: (يريد بها المدخول بهن الخ الأنه لا عذة على غير المدخول بها وعدة غير ذوات الأقراء بحمل أو صغر أو كبر يوضع الحمل أو الأشهر، وترك قيد الحرية ولا بد منه إذ عدة الأمة قرآن لأنه سينبه عليه وهل هو عام مخصوص أو مطلق مقيد ذهب في الكشاف إلى الثاني فقيل: إنه نفي لما عليه الجمهور من أنّ الجمع المعرف باللام عام مستغرق لجميع الأفراد وذهاب إلى أنه لا عموم فيه ولا خصوص بل هو موضوع لجنس الجموع والجنسية معنى قائم في الكل والبعض والتعيين دائر مع الدليل، والعجب أنه كثيراً ما يقول في المطلق أطلق لتناول جميع الأفراد وفي مثل العالمين إنه جمع لتناول كل ما سمي به وفي قوله: {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 08 أ] إنه نكر ظلما وجمع العالمين على معنى أنه لا يريد شيئا من الظلم وحد من خلقه والأقرب أن يقال: هو عام خص منه المذكورات يعني أنّ في كلامه تناقضا، وفيه بحث. قوله:) خبر بمعنى الأمر الخ (قال: النحرير ظاهره أنّ المضارع الواقع خبراً في معنى الأمر فيقع الإنشاء خبر المبتدأ بتقدير القول أو بدونه كما ارتضاه هو وأورد عليه أن الواقع موقع الأمر الجملة بتمامها من غير محذور أنّ الزمخشريّ أشار إليه بقوله: أصل الكلام ولتتربص المطلقات ثم ذكر أنّ وجه هذا المجاز تشبيه ما هو مطلوب الوقوع بما هو متحقق الوقوع في الماضي كما في رحمه الله أو المستقبل أو الحال كما في هذا المثال وبهذا ظهر أنّ قوله وكأن الخ تسامح والصواب فكأنهن يمتثلن البتة فهو يخبر عنهن بوجود ذلك منهن في الحال أو الاستقبال وفيه نظر إذ لا تسامح بالنظر لنفس الأمر مع أنه إن كان بالنسبة إلى الإخبار فإنه أمر فرضي تقديرقي وقوله: وبناؤه الخ. إما لتكرار الإسناد واما لأنك لما ذكرت المبتدأ أشعرت السامع بأن هناك حكما عليه فإذا ذكرته كان أوقع عنده من أن تذكر الحكم ابتداء وقد بين ذلك في شروح المفتاح أتمّ بيان، وقوله: وكأنّ المخاطب الظاهر أنه على زنة الفاعل وأما إن كان على زنة المفعول فتذكيره لأن المخاطب به في الحقيقة الحكام فإن كان النساء فبتأويل الشخص أو الفريق ونحوه فلا يرد ما قيل: الظاهر المخاطبة ألا ترى إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 قول الزمخشرقي فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجودا والداعي إلى اعتبار هذا أنه لو كان خبراً لزم تخلف إخباره تعالى فيمن خالف ذلك فحمل على ما ذكر لأنه وجه بليغ معروف مثله في كلام العرب ومنهم من قال إنه خبر بمعنى أنه هو المشروع الذي تفعله النساء إذا امتثلن فهو مقيد معنى فلا يلزم تخلف خبره تعالى وهكذا كل ما ورد منه ولا حاجة إلى تأويله وليس التخصيص أقرب من التأويل المذكور نعم له وجه لكن الأوّل أولى. قوله: (تهيج وبعث الخ (بيان لنكتة ذكر الأنفس هنا وعدم ذكرها في الإيلاء لأن في الإيلاء لم يحصل لهن المفارقة وحرمة القربان ليتحقق لهم طموح يحتاج إلى تأكيد بذكر النفس كما هو المعهود في ذكرها والطموج الميل إلى الشيء ومنازعة النفس. قوله: (نصب على الظرف أو المفعول به الخ) تربص بمعنى انتظر يتعدى لمفعول واحد فإن كان هذا ظرفآ فمفعوله مقدر تقديره مضيها أيضا فلذا لم يبينه لأنه يدل عليه ما ذكر أو يتربص الأزواج أو التزويج أو هو المفعول بتقدير مضاف أي مضيّ ثلاثة قروء. قوله: (وقروء جمع قرء الخ (بفتح القاف وضمها وأهل اللغة على أن القرء مشترك بين الطهر والحيض ووروده لكل منهما في الاستعمال والحديث مفروغ عنه وكلام الزمخشريّ مشعر بأنهم اختلفوا في معناه ووضعه، وتعقبه في الكشف بأن الخلاف إنما هو في الأكثر والراجح وما المراد به في هذه الآية واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: وهو يطلق للحيض أي يستعمل له وإلا فالظاهر على الحيض وأثبته بهذا الحديث وهو صحيح أخرجه أبو داود والنسائي " عن عائشة رضي الله عنها وهو صريح في إرادة الحيض " لأن ترك الصلاة فيه ثم أثبت استعماله في الطهر أيضا لكن لا فيه مطلقا بل إذا عقب حيضا بقول الأعشى من قصيدة يمدح بها هوذة أوّلها: أجئتك تيا أم تركت ندائكا وكانت قتولا للرجال كذلكا حتى أتى إلى قوله في مدحه: ولم يسع في العلياء سعيك ماجد ولاذوأنا في الحيّ مثل أنائكا وفي كل عام أنت جاشم رحلة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورّثة مالاً وفي المجد رؤحة لما ضاع فيها من قروء نسائكا يعني أنّ الغزو شغله عن وطء نسائه في الأطهار إذ لا وطء في الحيض فهو متعين كما في قوله: قوم إذا حاربوا شذوا مآزرهم دون النساء ولو باتت باطهار وأمّا تأويل الزمخشري له بأنه مجاز عن العدّة لتصير كناية عن طول المدة أو يراد به الوقت فإنه يرد بمعنا. كقوله: قرء الثريا أن يكون لها قطر وقيل: أصل معناه الوقت فلذا يستعمل للحيض والطهر فلا يخفى بعده ولدّا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض الخ) هذا استدلال بالمعقول في جواب استدلال الحنفية به حيث قالوا لأنّ الحيض هو الدال على براءة الرحم المقصودة من العدّة بأنه بمعنى الانتقال من الطهر إلى الحيض لأنه الدال على براءة الرحم لا الحيض لكنه قيل: إنه مكابرة وقوله: لا الحيض يصح رفعه عطفا على هو ونصبه عطفاً على اسم إن وهذا لا ينافي قوله فيما مضى طهر بين حيضتين لما فيه من الانتقال أيضاً وهو أحد قولي الشافعيّ رحمه الله، قال في المنهاج: وهل يحسب طهر من لم تحض قرأ قولان بناء على أن القراء انتقال من طهر إلى حيض. قوله تعالى: ( {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: ا] (فاللام هنا للتوقيت كما في قوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سص رة الإسراء، الآية: 78] والمعنى فطلقوهن وقت عدتهن فيعلم منه أن المراد من العدة الطهر لا الحيض إذ الطلاق إنما يشرع فيه والطلاق في الحيض منهيّ عنه وهم أجابوا عنه بأنّ المراد فطلقوهن مستقبلات لعدتهن كما يقال: ألقيته لثلاث من الشهر أي مستقبلات منه، وقيل: إنه لا يدفع التمسك بل يقويه لأنه إنما يقال: ذلك حيث يتصل الفعل بأوّل الثلاث وإذا اتصل التطليق بأوّل العدّة كان بقية الطهر الذي وقع فيه التطليق محسوبا من العذة وفيه المطلوب، وأما الاستقبال لا على وجه الاتصال بل مع تخلل الفصل فليس مدلول اللفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 ولا مشهور الاستعمال، وردّ بأنه كلام مختل لأنّ وجود البقية مما لا دلالة عليه ولو سلم فانقضاؤه للضرورة وفيه تأمل. قوله: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها وأشار إلى أنّ الحديث معارض له فتساقطا فيرجع إلى غيره من الأدلة وقوله: فتلك العدّة الخ. الإشارة إلى الطهر وجنس العدة لا لمقدارها إذ لم يذكر إلا طهران، وأشار بقوله: روا. الشيخان إلى أنه معين فيه الطهر وروايته أقوى مما قبله وفي معارضة هذا له بحث لأنّ الكلام في العدة التي تعقب الطلاق لا في العدّة التي يقع فيها الطلاق وحديث الشيخين في الثاني ولا نزاع في أنّ سنة الطلاق أن يكون في طهر لا جماع فيه فدلالة الحديث على مدعاه ممنوعة وفي الحديث كلام في شروح البخاري فلينظر. قوله: (وكان القياس الخ الأنها ثلاثة وهي أقراء لا قروء، وقيل: في وجه اختياره أنه جمع قرء بالفتح وجمعه على أفعال شاذ وفيه نظر، وكان مراده أن القروء في جميع المطلقات كثيرة والثلاثة التي لكل فرد تضاف إليها على معنى من التبعيضية عند من أثبتها وقد مرّ لنا مثله في معدودات ومعلومات والزمخشريّ اختار أنه من وضع القلة موضع الكثرة لأنّ أقراء أقل من قروء في الاستعمال فنزل منزلة المعدوم وجمع القلة إذا عدم استعمل جمع الكثرة لهما كعكسه كما تقرر في النحو وكان المصنف رحمه الله لم يسلم قلة استعماله لأنّ إثباتها مشكل وقال الجريريّ في الدرة المعنى لتتربص كل واحدة من المطلقات ثلاثة أقراء فلما أسند إلى جماعتهن أتى بلفظ قروء على الكثرة المرادة والمعنى الملموج انتهى. وهو مراد المصنف رحمه الله واليه أشار الطيبي وأما جواب المصنف بأنها أقرا بالنسبة لكل امرأة وبالنظر إلى الجميع قروء كثيرة فقيل: إنه بعيد لملاحظة الإفراد فيه لا الجميع إذ ملاحظة الجميع يأباها ثلاثة فتأمل. قوله: (من الولد والحيض الخ) في الكشاف أو الحيض لأنهما لا يجتمعان وكلام المصنف باعتبار الاجتماع في عدة الحمل، فإن قلت تقدم أنّ المراد بالمطلقات ذوات الأقراء فكيف يكون الولد في أرحامهن قلت: إذا كتمن الولد وأنكرن الحمل أو أسقطنه كن من ذوات الأقراء وقيل: الضمير على هذا راجع إلى مطلق المطلقات المذكورة في ضمن المعتدة، وقيل: الظاهر الأول إذ ليى الحيض في الرحم وإنما ينصب من أعضاء أخر فتأمل. قوله: (وفيه دليل الخ (لا! ما لا يعلم إلا من جهتهن يقبل فيه قولهن ووجه الدلالة ما قال الجصاص أنه جعله كالأمانة عندها والمؤتمن مصدق فلما وعظها بترك الكتمان دل على أن القول قولها ودل على أنها إذا قالت أنا حائض لا يحل للزوج وطؤها وإنه إن علق الطلاق به فقالت: حضت طلقت وكذا لو علق به شيئا آخر كعتق وليس ااصراد تقييد النفي حتى يحل من غير المؤمنات بل القصد تعظيم ذلك بحيث يعذ عدم الإقدام عليه من الإيمان فإن قلت: بل المراد التقييد إذ الكفار غير مخاطبين بالفروع وأيضا المطلقة الكافرة قد لا تجب عليها العدة كما ذكره الفقهاء قلت: عدم الخطاب لا يضرنا هنا لما بين في الأصول وكون العدة للكفار في بعض الصور يكفي لمنع التقييد. قوله: (أي أزواج المطلقات الخ) هذا بيان للمراد سواء كان جمعا أو لا، وقوله: فالضمير الخ. المراد بالآية التي تتلوها قوله الطلاق مرّتان وعود الضمير إلى خاص في ضمن العام أو مقيد في ضمن المطلق واقع في القرآن وغيره وهو كإعادة الظاهر ليخص وقيل: الضمير عائد إلى المطلق بتقدير مضاف أي بعولة رجعياتهن والبعولة إما جمع والتأنيث على خلاف القياس أو مصدر بمعنى التبعل وهو النكاح. قوله: (وأفعل ههنا بمعنى الفاعل) لأنّ الردّ والرجعة للزوج ولا حق للمرأة فيه أو هو باق على أصله والمراد بعولتهن أحق بالرجعة منهن بالآباء وان جعلت الباء للملابسة فالمعنى أنهم أحق حال تلبسهم بالرجعة منهن وذلك أن تلبسهم إرادتها وتلبسهن آباؤها وقد يقال: إن آباء المرأة سمي رجعة للتلبس أو المشاكلة أو من باب الصيف أحر من الشتاء قال النحرير: وليس بذاك وقيل: المراد البعولة أحق بالرجعة منهم بالمفارقة كهذا بسراً أطيب منه رطبا، وقوله في زمان التربص الجار والمجرور متعلق بأحؤا إن علق بالردّ فالإشارة للنكاح كما قاله أبو البقاء. قوله: (وليس المراد الخ (لأنه لو راجعها للضرار صحت الرجعة بالاتفاق، ووجه التحريض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 من نفي الأحقية إذا لم يريدوا الإصلاح وهو ظاهر، وقوله: في الوجوب الخ يعني أنّ المثلية في مجرد الوجوب لا في جنس الحقوق كما يتبادر من المثلية وقد صحف بعضهم الجنس بالحبس بالحاء المهملة والباء الموحدة وقال: أي لهن حقوق وقت الحبس والمنع وكأنه سقط من نسخته لا وفسر الدرجة بالفضل والزيادة أو الشرف لأن الدرجة المرتبة والمنزلة المعتبر فيها الصعود وأشار بعده إلى بعض الحقوق، وقوّام وحرّاس جمع قائم وحارس والزواج يصح فيه كسر الزاي وفتحها، والعزيز القوي القادر وفسره وما بعده بما ذكره للانتظام. قوله: (أي التطليق الرجعي اثتمان الخ (جعل الطلاق بمعنى التطليق لأنه مصدر طلقت المرأة بالتخفيف واسم مصدر التطليق كالسلام بمعنى التسليم وهو المراد لمقابلته بالتسريح وحمله على الرجعي بجعل التعريف للعهد المدلول عليه بقوله: وبعولتهن أحق برذهن وحينئذ فالتثنية على ظاهرها وتعقيب فإمساك الخ واقعي لا ذكري وأيده بالحديث وهو مما أخرجه أبو داود وابن أبي حاتم والدارقطني. قوله:) وقيل معناه الخ (في الكشاف أي التطليق ااشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير كقوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 24] أي كرّة بعد كرّة لا كرّتين اثنتين ونحو ذلك من التثاني التي يراد بها التكرير قولهم لبيك وسعديك، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى والجمع بين الطلقتين والثلاث بدعة واستدل عليه بقول النبيّ جمي! لابن عمر رضي الله تعالى عنهما: " إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالاً فتطلقها لكل قرء تطليقة ". قال النحرير: الظاهر أن هذا مدلول المثنى الذي قصد به التكرير لأن معنى قولنا واحد بعد واحد عدم الاجتماع في الوجود، ما قيل: لم يرد أنه إن حمل على التكرير أفاد ذلك بل أراد أنّ المعنى مرّة بعد أخرى وأنه لا شافي الترتيب والاجتماع إذ لا يراد في لبيك مثلا أنّ الإجابات لا تجتمعن، ولكن لما كان لإرسال بدعياً تعين أن يحمل على التفريق ليس على ما ينبغي وليت شعري إذا لم يكن في الآية لالة على التفريق كيف يكون تعليما لكيفية التطليق وأمّا الحديث فانما يدل على أن جمع طلقتين أو الطلقات في طهر واحد ليس بسنة وأما أنه بدعة فلا لثبوت الواسطة، وقد علم من حديث أنّ ما مرّ في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 11 من أنّ المعنى ستقبلات لعدتهن التي هي الحيض لا بقيد كون الطلاق قبل العدة ليكون في الطهر وذلك أنه! ر باستقبال الطهر فلو كان معنى الاستقبال ما ذكرتم لزم كون الطلاق في الحيض (أقول) هذا إن كان يظن وارداً بحسب النظرة الأولى لكنه ليس كذلك لأنّ أخذهم التفريق ليس من مجرّد تثنية بل التثنية دالة على التكرير والتفريق أخذ من المثنى المخصوص، وهو مرّتان لأنه يدل طى ذلك لغة واستعمالاً قال الإمام الجصاص في الأحكام قوله: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [سورة بقرة، الآية: 229] ، يقتضي التفريق لا محالة لأنه لو طلق اثنتين معاً لا يقال طلقها مرّتين وحيمئذ طلق عليه انتهى، وهو مراد المدقق في الكشف يعني ليس مجرد التكرير يفيد ذلك بل ضصوص هذه الماذة ولو لم يكن من الصيغة لكان لبيك يفيده وليس كذلك فلا تدافع في * مه، وليس فيه أنّ الآية لا تدلّ على التفريق حتى يتعجب منه كيف يكون تعليماً وإنما تعجب منه كيف خفي عليه مراده ثم إنه خبر بمعنى الأمر الندبي لأنه للتعليم كما في قوله: سلاة الليل مثنى مثنى فمخالفته لا شك في أنها تكون بدعة، وتعين أنّ المراد بالسنة في حديث الطريقة المسلوكة لا ما يقابل المباح وغيره حتى يقال: إنه لا يستلزم أن يكون بدعة - ليل أنه أنكره عليه، وأمّ قوله وقد علم الخ فقد فرق بينهما بأنّ المفهوم ثمّ الطلاق في حال! ستقبال وهنا الطلاق عقب الاستقبال فيجوز أن يستقبل الطهر فإذ جاء يطلق فيه لكل قرء أي ستقبلا لكل حيض تطليقة ويكون الغرض من ذكر استقبال الحيض أن يجتنب عن تطويل العدة ليتأمّل والتعريف على الوجه الأوّل للاستغراق والترتيب ذكرى لكنه خلاف المتبادر ولذا قال صصنف رحمه الله: وهو يؤيد المعنى الأوّل، وقوله: بالطلقة الثالثة بناء على المختار من ذهبه، وقوله: وعلى المعنى الأخير الخ في نسخة عقيب بالياء وفي أخرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 عقب به فعل مشدد المعنى واحد وهو إشارة إلى معنى الفاء في قوله فإمساك إذ الإمساك معروف أو التسريح حسان إنما يتصور قبل الطلقات لا بعدها يعني أنها للترتيب على التعليم أي إذا علمتم كيفية شطليق فالواجب أحد الأمرين وهو تخيير مطلق وعلى الأوّل تخيير بين الطلاقين. قوله: (من! داق) بفتح الصاد وكسرها وفي نسخة من الصدقات جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال صدقة بضم الصاد وسكون الدال وهو المهر. قوله:) روي أن جميلة بنت عبد الذ بن أبن ابن سلول الخ) قال شراح الكشاف: الصواب أخت عبد الله وقال الطيبي رحمه الله: أنه روي من طرق شتى وليس فيها إني رفعت جانب الخباء الخ (قلت) قال خاتمة الحافظ السيوطي رحمه الله: كلاهما صواب فإنّ أباها عبد القه بن أبيّ رأس المنافقين وأخوها صحابيّ جليل واسمه عبد القه أيضا ثم اختلف قديماً هل هي بنت عبد الله المنافق أو أخته بنت أبيّ والذي رجحه الحافظ الأوّل، قال الدمياطي: هي أخت عبد الله شقيقته أمها خولة بنت المنذر وروى الدارقطني أنّ اسمها زينب، قال ابن حجر: فلعل لها اسمين أو أحدهما لقب وإلا فجميلة أصح ووقع في طريق آخر أنّ اسم امرأة ثابت حبيبة بنت سهل، قال ابن حجر: والذي يظهر أنهما قصتان له مع امرأتين لصحة الحديثين وما نفاه الطيبيّ ليس كما قال فإنه كثيراً ما يعتمد على الكتب الستة ومسندي أحمد والدارمي وليس فيها وقد روى ابن جرير ما ذكره المصنف رحمه الله إلا أنه ليس في شيء من الروايات أن هذه القصة سبب نزول الآية. وسلول غير منصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم أمه وقوله: لا أنا ولا ثابت أصله لا أجمع أنا وثابت ومعنى أكره الكفر في الإسلام أخاف أن يفضي إلى ما هو كفر في الدين، وقد يقال: المراد كفران العشير وليس بذاك يعني أكره أن أقع من شدّة بغضه في الكفر في أثناء الإسلام بأن لا أبالي بما أوجب الله عليّ من حقه أو بأن أعيب خلق الله، وجمع الرأسين كناية عن المضاجعة، وقوله: ما أعتبه بضم التاء ووقع في الكشاف من أعتب عليه والعتب اللوم والمعاتبة وأعتبه أزال عتابه كأشكاه ويحتمل أني لا أصير زوجة لأنّ العتبة يكنى بها عن المرأة كما وقع في الحديث ووقع في نسخ أعيبه من العيب وله وجه وقيل: هو من العتبة وهي الكراهة. قوله: (والخطاب مع الحكام الخ (جعل الخطاب الأوّل للحكام وان كان خلاف الظاهر ليتسق النظم وأوّله بأنّ إسناد الأخذ والإيتاء لهم مجاز لأنهم آمرون عند الترافع وإنما قيده بوقت الترافع ليوافق الواقع وإلا فمجرد الأمر يكفي لصحة الإسناد. قوله: (قيل إنه خطاب الخ) هذا الوجه جوّزه في الكشاف وقال إنّ مثله غير عزيز في القرآن ولم يرتضه المصنف رحمه الله لما فيه من تشويش النظم على القراءة لمشهورة وهو بناء الفاعل في يخافا مع الغيبة إذ الظاهر حينئذ (إلا أن تخافوا وأزواجكم أن لا قيموا حدود الله) ولو التفت كان ينبغي له أن يقول إلا أن يخافوا وأزواجهم وفيه أنه لا يختص لتشويش بالمشهورة إذ الظاهر على بناء المفعول إلا أن تخافوا وأزواجكم أو يخافوا وأزواجهم! ما قيل: وتشويش النظم ليس من جهة التثنية والجمع لأن التثنية باعتبار أنهما جنسان والجمع كثرة الإفراد بل لافتراق الخطاب في الموضعين على خلاف المتبادر واسناد الخوف أولاً إلى لزوجين وثانيا إلى الحكام وعلى قراءة المجهول الخوف مسند إلى الحكام في الأوّل تقديراً في الثاني تصريحا فيخف التشويش، وقيل: إنه لا يبعد أن يكون الخطاب مقصوداً به مخاطب اون مخاطب كأنه قيل: يأيها الناس أو يكون للأزواج والحكام ويصرف إلى كل منهم ما يليق 4 من الأحكام. قوله: (1 لا أن يخافا أي الزوجان) وكذا أحدهما كما في الحديث المذكور - تفسير عدم الإقامة بالترك إشارة إلى أنه لو كان للعجز لا ينبغي الأخذ. قوله: (وإبدال أن لخ) يل: إنه على نزع الخافض وقول أبي البقاء أنه متعد لمفعولين مردود وقوله: فلا جناج عليهما ائم مقام الجواب أي فمروهما فإنه لا جناج عليهما وتعقيب النهي بالوعيد ظاهر لأنّ وصفه الظلم من المنتقم وعيد والتعدي يشعر به فلا يقال الظاهر وتعقيب النهي بمذمّة مخالفه مبالغة يه. قوله: (واعلم ال!) الكراهة والشقاق مأخوذان من عدم إقامة حقوق الزوجية، وقوله: ولا جميع ما ساق الزوج إليها يفهم من من التبعيضية في قوله: مما والاستثناء لا يفيد إلا حل ما يى عنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 لكن الجمهور جوّزوه لأنّ عدم الجناح لا ينحصر في واحد بنص ما آتيتموهن كما شعر به ظاهر الاستثناء حيث كان بمعنى إلا أن يخافا فحينئذ يحل أن يأخذوا شيئا مما آتوه ولداً م يقثصر على الاستثناء وضم إليه فإن خفتم الخ لكن عموم ما افتدت يشعر بجواز الزيادة أيضاً لذا قيل: إنه جائز في الحكم، وقيل: عليه أن النظم يفيد عدم الجناح لا مجرد عدم البطلان الفساد فتأمّل. ووجه استكراهه والمنع منه ظاهر الآية والحديث لكن النهي لا يقتضي بطلان في العقود كالنهي عن البيع وقت نداء الجمعة كما فصله الفقهاء. قوله: (واختلف في أنه الخ (هذا هو الظاهر والأظهر أنه طلاق وأنه متفرع على قوله الطلاق مرّتان أو أنّ ما ذكره بيان لحكم الطلقتين وان منها ما هو بفداء وما هو بدونه، أو قوله: فإن طلقها بيان لحكم الثالثة لا لبيان مرتبتها وشرعيتها، وروي أنّ قوله: أو تسريح بإحسان إشارة إلى الثالثة فيزيد قطعا ولو سلم الأوّل لزم اختصاص ما بينه من حكم الخلع بما بعد المرّتين وليس كذلك ومجانا بفتح الميم والجيم وألف ونون ما ليس له عوض، وأورد على قوله: إنه متعلق بقوله الطلاق مرّتان أنه يقتضي اختصاص عدم الحل بعد الثلاث بما إذا كانت الثالثة بعد تكرار الطلاق مع التفريق أو بعد طلقتين رجعيتين على تفسيري الطلاق مزتان فالأظهر أن يفسر قوله: الطلاق مرّتان بالطلاق المستعقب للتحليل سواء كان النكاج أو الرجوع. قوله: (أقول) اختصاصه بذلك مقرر وهو لا يقتضي نفي ما سواه وقد تمسك بظاهره بعض السلف لأنّ الطلاق الثلاث الدفعي كان على عهده صلى الله عليه وسلم واحدة رجعية كما في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث إلى أوائل خلافة عمر رضي الله عنه فلما رأى كثرته أمضاه ثلاثاً ثم انعقد الإجماع عليه حتى خطؤوا من يحكم بخلافه، وقوله: حتى تزوّج مجهول أو مضارع وأصله تتزوّج وقوله: يستند في بعض النسخ يسند ووجه التعلق بظاهره أنّ النكاج اشتهر في العقد وبه ورد النص. قوله: (لما روي أنّ امرأة رفاعة الخ (هو رفاعة بن شمول القرظي صحابيئ مشهور والحديث صحيح عن عائشة رضي الله عنها ورواه في الموطأ مرسلا قال: طلق امرأته تميمة بنت وهب وساق الحديث وفي مسند ابن مقاتل أنها عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك وأنها كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك ابن عمها، قال أبو موسى: الظاهر أنّ القصة واحدة، وقال السخاوي: السياق يقتضي أنهما قصتان والزبير هنا بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة وليس بالضم والتصغير كابن الزبير المشهور، وقوله: وانّ ما معه ما في النسخ كتبت مفصولة وهي موصولة ولو وصلت كانت أداة وهي صحيحة أيضا وهدب الثوب طرفه تريد أنه منين لا ينتشر ذكره، وعسيلة بالتصغير عسل قليل لأنه يكفي منه ما قل من العسل كذهيبة استعيرت للمنيّ وللذته وفي الأساس من المستعار عسلتان للفرجين لأنهما مظنة الالتذاذ، وفي الكشاف أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت وقالت: إنه كان قد مسني فقال لها كذبت في قولك الأوّل فلا أصدقك في الآخر ثم أتت أبا بكر رضي الله عنه بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالت أرجع إلى زوجي الأوّل فقال لها: عهدت رسول الله غ! ي! قال لك ما قال فلا ترجعي فلما قبض أتت عمر رضي الله عنه وقالت له مثل ذلك فقال لها: إن أتيتني بعد هذا لأرجمنك قال النحرير قوله: لأرجمنك مبالغة في التهديد لإشعاره بأن ما تبغيه زنا. قوله: (فالآية مطلقة قيدتها السنة) وهو جائز كتخصيصه بالخبر المشهور الملحق بالمتواتر وهذا منه ولو قيل: إنه تفسير للنكاج المراد منه الجماع كما في الوجه الآخر لكان أقوى. قوله: (والحكمة الخ (الحكم هو التشديد الذي يشق عليهم ثم إذا اختار ذلك يكون له العود لما يحبه ويرغب فيه فالعود إما مرفوع معطوف على الردع أو مجرور معطوف على التسرع ووجه الردع الأنفة من نكاحها بعد جماع آخر. قوله: (وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أحمد والترمذقي والنسائي وابن ماجه ومن طرق أخر عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو حديث صحيح. عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو لا يدلّ على عدم صحة النكاح لما مرّ أنّ المنع عن العقد لا يدل على فساده وتسميته محللاً يقتضي الصحة لأنه سبب الحل وسماه في الحديث التيس المستعار وفيه لطف وحسن اتفاق لا يخفى، فإن قلت: إذا كان العقد صحيحا والتحليل لازم شرعا فلم لعته رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 صلى الله عليه وسلم، قلت: صحته مما اتفق عليه الفقهاء والصحابة رضي الله عنهم والتابعون إلا أنه مبنيّ على الطلاق وهو أبغض الحلال وفاعله مذموم وهو كبيرة عند الشافعي للعنه، والحديث محمول على ما إذا شرط في صلب النكاح أو يطلق ونحوه من الشروط المفسدة وبدون ذلك مكروه ولا عبرة بما أضمر في النفس ولا بما تقدم النكاح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه زنا وأمر برجمهما وبه أخذ الثوري والظاهرية واللعنة كما قيل مخصوصة بمن اتخذه مكسبا أو بمن قال: تزوّجتها لأحللها فلا يدل على عدم الصحة. قوله: (وتفسير الظق بالعلم الخ) وقيل: إنّ هذا التفسير غير صحيح لفظا ومعنى أما معنى فلأنه لا يعلم ما في المستقبل يقيناً في الأكثر ولفظا لأن أن المصدرية علم في الاستقبال فلا تقع بعدما يفيد العلم كما صرح به النحاة كذا في الكشاف وشروحه، ورد بأنه يعلم المستقبل ويتيقن في بعض الأمور وهو يكفي للصحة فيها وبأنّ سيبويه رحمه الله أجاز ما علمت إلا أن يقوم زيد وقد جمع بعض المغاربة بين كلام سيبويه وكلام غيره بأن يراد بالعلم الظن القوي كقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [سورة الممتحنة، الآية: 10] وقوله: وأعلم علم حق غيرظن وتقوى الله من خيرالعتاد فقوله: علم حق يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق وكذا قوله: غير ظن يفهم منه أنه قد يكون العلم بمعنى الظن ومما يدلّ على أن علم التي بمعنى ظن تدخل على أن الناصبة قول جرير: يرضى عن الناس إن الناس قد علموا أن لا يرى مثلنا في خلقه أحد فليس غلطا لا لفظا ولا معنى بل هو صحيح رواية ودراية وقيل: إنه غريب منه إذ كيف يقال في الآية أن الظن بمعنى اليقين ثم يجعلى اليقين بمعنى الظن المسوغ لعمله أن الناصبة وقوله: إنّ الإنسان قد يجزم بأشياء في الغد مسلم لكن ليس هذا منها وإن ساد مسد المفعولين أو الأوّل والثاني محذوف أو هو مفعول على قول انتهى وهو لم يقف على مراده لأنّ ما نقله من الجمع غير مسلم عنده فلذا جعل الظن بمعنى اليقين أو أنه ظن قوي يشبه اليقين وقوله: إنّ الإنسان قد يجزم الخ بيان لإبطال تلك المقدمة بقطع النظر عما نحن فيه مع أنها غير صحيحة في نفسها لأنها تقتضي أن لا يصاغ من العلم فعل مستقبل حقيقة أصلا، وليت شعري لم يمنعون بهذا الدليل مثل أنه يعلم أن تقوم الساعة وأيّ مناف لها فإن قالوا إنه أمر سماعيّ لتوهم المنافاة فهذا سيبويه رحمه الله شيخ العربية أثبته والمخالف له فيه أبو عليّ الفارسيّ. قوله: (ويعملون بمقتضى العلم) إنما قيده به لأنه المقصود بالبيان قيل: وليخرج الصبيان والمجانين. قوله: (والأجل يطلق الخ) قال الزمخشرفي والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها يقال لعمر الإنسان أجل وللموت الذي ينتهي به أجل وكذلك الغاية والأمد يقول النحويون من لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية وقال: كل حيّ مستكمل مدة العص ص ومود إذا انتهى أجله ويتسع في البلوغ أيضا فيقال: بلغ البلد إذا شارفه وداناه ويقال: قد وصلت وما وصل وانما شارف فالغاية أوقعت على جميع المسافة إذ ليس للنهاية بداية يصح دخول من قبلها ثم لو كان كذلك لم يضر إذ لو كانت النهاية متجزئة ذات ابتداء وانتهاء كانت الغأية مطلقة على الجميع أيضاً في هذا التركيب وهو المدعي على أن الغاية اسم للنهاية يتوسع فيها بالإطلاق على الجميع، قال الأزهريّ: الغاية أقصى الشيء وأمّا قول من قال إن الشيء له غايتان ابتداء وانتهاء فلا يدل قول النحويين فقد رد بأن الابتداء إنما يصلح غاية إذ كان الابتداء من المقابل لا أنه غاية من حيث كونه مبتدأ. (وفيه بحث) فإنّ مقابلة من بالي تنافي ما ذكره فمن يقول إن الغاية الطرف مطلقا وللشيء طرفان بل أطراف يجعل قولهم ابتداء الغاية من إضافة الخاص للعامّ فلا دليل فيه كما ذكره فتأمل. وقوله: وللموت أي وقت مشارفة الموت إذ الموت ليس آخر المدة والميت المذكور للطرماح ومود بالمهملة بمعنى هالك ووقع في بعض الكتب بدل أجله أمده وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أظهر. قوله: (والبلوغ هو الوصول الخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 (لا خفاء في أنه ليس المعنى على بلوغهن الأجل ووصولهن إلى العدة ولا على بلوغهن آخره بحيث ينقطع الأجل بل على وصولهن إلى قرب آخره فوجب تفسير الأجل بآخر المدة وائبلوغ بمشارفته والقرب منه فهو من مجاز المشارفة أو استعارة تشبيها للمتقارب الوقوع بالواقع وفي كلام الزمخشريّ ما يشعر بأن إطلاق الأجل على آخر المدة أو جميعها بطريق الاتساع وأما الغاية والأمد فآخر المسافة لا المدة كما توهمه عبارته. قوله: (فراجعوهن الخ) يعني أن الإمساك مجاز عن المراجعة لأنها سببه والتسريح بمعنى الإطلاق مجاز عن الترك وقوله: وهو إعادة للحكم وهو إيجاب الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان في بعض الصور، وهو في صورة بلوغهن أجلهن للاهتمام كما يفيده قوله كان المطلق الخ، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله: إرادة الإضرار إشارة إلى أنه مفعول له وليس تقدير الإرادة بلازم أو حال أي مضارّين. قوله: (واللام متعلقة الخ (قيل: إنه متعين على إعراب ضرارأ علة إذ المفعول له لا يتعدد إلا بالعطف أو على البدل وهو غير ممكن هنا لاختلاف الإعراب وجائز على إعرابه حالاً على أنه علة للعلة ويجوز تعلقه بالفعل وإن قدرت لام العاقبة جاز على الأوّل أيضا ويكون الفعل تعدى إلى علة ديالى عاقبة وهما مختلفان وقال فقد ظلم نفسه وكان الظاهر ظلمهن للمبالغة بجعل ظلمهن مما هو عائد عليه بالآخرة. قوله: (بالإعراض! عنها الخ) يعني أنه نهى جعل كناية عن الأمر بضده وهو الجد في العمل بالآيات والامتثال لما قبله من الأوامر فيرتبط به، وعلى الوجه الآخر يكون المراد به ظاهره، ومناسبته لما قبله ظاهرة وقوله: ثلاث الخ حديث حسن رواه أبو داود والترمذي لكن فيه الرجعة بدل العتاق، وقوله: التي من جملتها إشارة إلى أنه عام والمعطوف عليه خاص خلافاً للزمخشرقي إذ خصه بهذا ليتغايرا وقوله: بالشكر الخ، متعلق باذكروا أو بيان للمراد منه وفسر الحكمة بالسنة لاشتمالها عليها وليغاير ما عطف عليه وجملة يعظكم به معترضة للترغيب والتعليل. قوله: (تثيد وتهديد) يعني أنه تأكيد للأوامر والأحكام السابقة بتهديد من يخالفها لأنه عالم بأحواله مطلع عليها فليحذر من جزائه وعقابه أو أنه عليم بكل شيء فلا يأمر إلا بما تقتضيه الحكمة والمصلحة فلا تخالفوه، وليس هذا من التأكيد المقتضي للفصل لأنه ليس إعادة لمفهوم المؤكد ولا متحداً معه فأحفظه فإنك تراهم كثيراً ما يجعلون المعطوف تأكيداً. قوله: (وعن الشافعي الخ) لأنّ البلوغ الأوّل بمعنى المشارفة كما مرّ وهذا بمعنى الانتهاء والانقضاء والسياق يدل على أنه غير الأوّل لئلا يتكرّر. قوله: (لمخاطب به الأولياء الخ) فأزواجهن على هذا باعتبار ما كان ومعنى ينكحنهم يرجعن إليهم أي فلا يعضلهن الأولياء عن الرجوع إليكم وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أو التقدير فلهن الرجوع إلى أزواجهن فلا يعضلوهن فحذف الجواب وأقيم هذا مقامه. قوله: (روي الخ) أخرجه البخاريّ وأبو داود والنسائي وليس فيه تسميتها ووقع تسميتها حملا وزوجها لبيد بن عاصم في رواية القاضي إسماعيل في أحكام القرآن وبه جزم، وروى ابن جرير أن اسمها جميل بالتصغير وبه جزم ابن مأكولا وتابعه في القاموس وقيل: اسمها ليلى حكاه السهيلي والمنذري وقيل: غير ذلك فقوله جميل بالتصغير بناء على رواية وفي نسخة جملا بضم الجيم وتسكين الميم وهي رواية أخرى، وقصتها أنه قال: كانت لي أخت تخطب إليّ وأمنعها من الناس فأتاني ابن عمّ لي فأنكحتها إليه فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إليّ أتاني يخطبها مع الخطاب فقلت له خطبت إليّ فمنعتها الناس وآثرتك بها فزوّجتكها ثم طلقتها طلاقا له الرجعة ثم تركتها حتى انقضت عذتها فلما خطبت إليئ أتيتني تخطبها مع الخطاب والله لا أنكحتكها أبداً قال ففي نزلت هذه الآية فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه. قوله: (فيكون دليلأ الخ) استدلّ الحنفية بهذه الآية لجواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير وليّ ولا إذن لإضافة العقد إليي من غير شرط إذن الوليّ ولنهيه عن العضل إذا تراضيا، وأشار المصنف رحمه الله إلى رذه بأنه لولا أنه للوليّ لما نهاه الله عن العضل والمنع كما لا ينهي الأجنبيّ الذي لا ولاية له قال الجصاص: هذا غلط لأنّ النهي للمنع عما لا حق له فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 فكيف يستدلّ به على إثبات الحق وأيضا الوليّ يمكنه المنع عن الخروج والمراسلة بالرضا فينصرف النهي إلى هذا وأمّا قوله: لا معنى له فممنوع إذ معناه ما في عضل الزوج زوجته ظلما كما في الوجه الثاني. قوله: (وقيل الآزواج الخ (فالأزواج باعتبار ما يؤول، ومعنى ينكحن يصرن ذوات نكاحهم من قبيل فلان ناكح في بني فلان. قوله: (وقيل الناس كلهم الخ) هذا الوجه أوجه عند الزمخشريّ لتناوله عضل الأزواج والأولياء جميعا مع السلامة من انتشار ضميري الخطاب فإنّ خطاب إذا طلقتم لا يصلح للأولياء قطعا ولمطابقته لسبب النزول وقوله والمعنى، الخ يعني به أنّ لا تعضلوهن بمعنى لا يوجد فيما بينكم العضل فإنّ لا تعضلوا يقتضي مباشرة الكل فجعلهم كالمباشرين له ليصح نهيهم عنه، لأنّ من لوازم وجوده بينهم رضاهم به فجعل النهي عن اللازم كناية أو مجازا عن النهي عن الملزوم وقد تقدم الكلام فيه. قوله: (والعضل الخ) أي أصل معناه الحبس والتضييق ومنه عضلت الدجاجة بتشديد الضاد إذا لم تخرج بيضها وكذا الأمّ إذا عسرت ولادتها وعضل يعضل مثلثة الضاد وتستعار للإشكال، والخطاب بضم وتشديد جمبم خاطب، ومعنى ما يعرفه الشرع أي ما هو معروف فيه فالإسناد مجازيّ وفي نسخة يعرّفه بالتشديد أي يبينه من الكفاءة ونحوها، والمروءة بالهمزة مصحدر من المرء كالإنسانية والرجولية وقوله: من الضمير المرفوع أي فاعل تراضوا، وجوّز فيه أيضا تعلقه بتراضوا وبينكحن ولما قيد النهي بكونه على الوجه الحسن أفاد أنّ لهم المنع بدونه. قوله: (والخطاب للجميع على تأويل القبيل الخ) يعني أنّ ذلك بالإفراد والتذكير والمخاطب هنا جمع فإقا أن يكون بتأويل الجمع والقبيل والفريق ونحوه أو لكل واحد واحد أو أنها تدل على خطاب قطع فيه النظر عن المخاطب وحدة وتذكيرا وغيرهما والمقصود الدلالة على حضور المشار إليه عند من خوطب للفرق بين الحاضر والمنقضي الغائب وهذا معنى قول الثعلبي في تفسيره هنا الأصل في ذلك أن تكون الكاف بحسب المخاطب ثم كثر حتى توهموا أنّ الكاف من نفس الكلمة فقالوا ذلك بكاف موحدة مفتوحة في الاثنين والجمع والمؤنث اهـ. وقد خبطوا في معناه فقيل: معناه إنه أفرد الخطاب لمجرّد تحصيل اسم الإشارة للبعيد لا لتعيين المخاطب ولا دلالة في الكلام على ما قاله وقيل: إنه لم يذكره أحد قبله وكلهم اتفقوا على ردّه ولا وجه لما قالوه إلا عدم التدبر كما عرفت. قوله: (أو للرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله الخ (وقيل: إنه جعل خطابا للرّسول صلى الله عليه وسلم فإنه الأصل في تلقي الكلام أو لكل أحد ممن يتلقى الخطاب فيكون لمن يسمع ويتلقى الكلام سواء كان هو المخاطب بالحكم أو لا ومثله ثم عفونا عنكم من بعد ذلك، ولعلك تطلع مما ذكرنا على فساد ما قيل: إن مبني الأوّل على أنّ خطاب رئيس القوم بمنزلة خطاب كلهم كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] ولذا قال من كان منكم وان الثاني أرجح من جهة اًنّ الخطاب السابق واللاحق لكل أحد فالأنسب أن يكون المتوسط كذلك. وفيه بحث، وقوله: لأنه المتعظ به والمنتفع يعني من يؤمن وفسر أزكى بأنفع من الزكاء وهو النماء من التزكية بمعنى التطهير ليغاير أطهر وكونه أطهر من دنس الاثام لأنه بتقدير لكم أيضاً أي أطهر لكم وهذه اللام للتعدية فتفيد معنى التطهير فلا يرد عليه أنه يقتضي أن يكون أطهر من التطهير أي أكثر تطهيراً لكم من دنس الآثام ولا حاجة إلى ما قيل: إنه يدفعه أنه من وصف الشيء بوصف صاحبه دون الفعل أو الترك المشار إليه بذلكم، ثم إن كان أزكى بمعنى تزكيتهم بها أي تطهيرهم فعطف وأطهر للتفسير وان كان من زكا بمعنى نما فمعنى أزكى أفضل وأكثر خيراً وحينثذ فالأنسب أن يراد بالأظهر الأطيب لقلة الفائدة في تبعيده من الآثام مع ما فيه من التكلف اهـ. وقد علمت مما مرّ دفع التكلف الذي أشار إليه مع أنه لازم له في أزكى مع التكرار الذي هو خلاف الظاهر! أمّل. قوله: (أمر عير عنه بالخبر الخ) وجه المبالغة فيه وفي أمثاله ما مرّ من أنه يجعله كأنه لوجوب امتثاله مما وقع فصح الأخبار عنه وقول النحرير وجه المبالغة بناؤه على المبتدأ الصواب فيه وجه زيادة المبالغة وكونه للندب هو الظاهر ولا تنافيه هذه المبالغة بل هو سبب لها لأنّ المندوب يجوز تركه فينبغي تأكيده لثلا يترك. قيل: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وكونه للمطلقات يرجحه بيان إيجاب الرزق والكسوة فإنه لا يجب كسوة الوالدات ورزقهن إذا كن غير مطلقات للإرضاع بل للزوجية فإن كان للأعمّ فلا إشكال لأنه باعتبار بعضهن أي المطلقات وليس في الآية ما يدل على أنه للإرضاع وقد فسره في الأحكام بما للزوجية، فإن قلت تقييده بالحولين ينافي الوجوب إذ لا قائل به قلت القائل بالوجوب يصرفه للإرضاع المطلق أو يجعل قوله حولين معمولاً لمقدر. قوله: (لأنه مما يتسامح فيه (فيطلق على الأقل القريب من التمام وهذا لا ينافي أن اسم العدد خاص في مدلوله لا يحتمل الزيادة والنقصان لأنّ معناه لا تطلق العشرة مثلا على تسعة أو أحد عشر وهذا التسامح بجعل شيء من أبعاض الآحاد منزلاً منزلة الواحد فتطلق العشرة الأيام على تسعة أيام ونصف يوم كما يقال للقريب من الحول حول لأنه تسمح شائع إذ يقال لقيته في سنة كذا واللقاء في يوم منها وفيه نظر. قوله: (بيان للمتوجه الخ) أي اللام للبيان كما في هيت لك وسقيا لك والجار والمجرور في مثله خبر مبتدأ محذوف أي ذلك لمن الخ وكون الرضاع واجباً على الأب لا ينافي أمرهن لأنه للندب أو لأنه يجب عليهن أيضاً في الصور السابقة وكونه يجوز أن ينقص عنه مأخوذ بتفويضه للإرادة وكونه لا يعتدّ به بعدهما يعني لا يعطي حكم الرضاع على ما بين في الفروع ثم إنه قرئ أن يتم الرضاعة بالرفع بحمل أن المصدرية على ما المصدرية في الإهمال كما حملت عليها في الأعمال في قوله جمي! : " كما تكونوا يولي عليكم " ويحتمل أنه يتموا بضمير الجمع باعتبار معنى من وسقطت في اللفظ لالتقاء الساكنين فتبعها الرسم. قوله: (وتغيير العبارة) يعني لم يقل على الوالد مع أنه أظهر وأخصر للدلالة على علة الوجوب وهو أنه ولد له ويعمل بإشارة النص أنّ النسب للآباء في الحقيقة، واشارة النص تسمى في البديع الإدماج إلى نحو هذه الإشارة قصد الشاعر بقوله: وانما أمّهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء ومؤن كصرد جمع مؤنة وضمير رزقهن للوالدات وخرجت الناشزة، ويعلم ذلك بإشارة النص من قوله: المولود لأنه لا يتصوّر بدون تسليم الأنفس وكذا كونها غير صغيرة كما في شرح الهداية وفيه نظر وكونه تعليلاً بناء على ما فسره به وقوله: ودليل ردّ على من قال إنه محال لا! نفيه يقتضي إمكانه والا لم يفد. قوله: (لا تضارّ والدة الخ) المضارّة مفاعلة من الضرر، والمفاعلة إفا مقصودة والمفعول محذوف أي زوجها أو غير مقصودة والمعنى لا يضر واحد منهما الآخر بسبب الولد إذ تضارّ في أصله متعد بنفسه فعلى احتمال المجهول ظاهر وعلى المعلوم يقدّر له في موقع المفعول به، وضارّ بمعنى أضرّ وفاعل يكون بمعنى أفعل نحو باعدته بمعنى أبعده، وجوّز أيضا أن يكون بمعنى تضر بفتح التاء وضم الضاد وفاعل بمعنى فعل نحو واعدته بمعنى وعدته والباء زائدة وقوله: تفصيل له الخ أي تفصيل لعدم التكليف بما لا يطاق وتقريب له وفيه إشارة إلى وجه ترك العطف، ووجهه أن المضازة المنفية إمّا أن تكون مما في الوسع فنفيها يدل على نفيه بالطريق الأولى أو مما ليس فيه فهو ظاهر. قوله: (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الخ) وعلى البدلية والرفع هو خبر وجوّز أن يكون خبراً بمعنى الأمر فيتحد معنى بقراءة الجزم وقوله بمعنى تضر بفتح حرف المضارعة من الثلاثي وضمها من الأفعال على ما مرّ، وهو مقرّر في الدرّ المصون فما قيل: إنما تجعل الباء صلة لو كان بمعنى تضر ثلاثيا مجرّدا لما في القاموس ضره وضربه وأضرّه فلم يجعل أضرّ متعذياً بالباء من قصور النظر وصاحب القاموس لا يعوّل عليه. قوله: (وقرئ لا تضار بالسكون الخ) وهو إمّا مجزوم ولم يكسر كما قرئ به إجراء للوصل مجرى الوقف وفي قراءة التخفيف كذلك إلا أنه بحتمل أنه من ضاره يضيره بمعنى ضرّه أو من ضارّ المشذد فخفف وقوله: فلا ينبغي الخ ناظر إلى المعنيين والتفسيرين السابقين. قوله: (والمراد بالوارث الخ) يعني أنّ الوارث بمعنى المضاف أي وارثه، والضمير إمّا للوالد أو للولد والوارث إمّا وارث المولود له على العموم أو الصحبيئ نفسه أو وارث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 الصبيّ على العموم أو بقيد أن يكون ذا رحم محرم من الصبيّ بحيث لا يجوز بينهما النكاح على تقدير أن يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى أو بقيد أن يكون أحد أصوله من الآباء والأمّهات والأجداد والجدات أو بقيد أن يكون من عصبته على اختلاف المذاهب بين السلف، قيل: وأفا جعل الوارث بمعنى الباقي وإن كان صحيحأ لغة فقلق في هذا المقام إذ ليس لقولنا فالنفقة على الأب أو على من بقي من الأب والأم معنى معتد به، وكوف خلاف الظاهر لا لثك وأمّ القلاقة فلا فإنّ المعنى على الأب أو الأمّ عند عدمه، وأورد على ما قبله أنّ الصبيّ إذا كان له مال فالمؤنة منه مطلقا فلا يتجه تقييده بموت الأب وفيه نظر وتمان مجهول أي تعطي مؤنتها. قوله: (واجعله الوارث الخ) حديث حسن رواه الترمذي وأوّله: " اللهتم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني وانصرني على من ظلمني وخذ منه بثأري " وروي: " اللهمّ متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقؤتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا " ومعنى اجعله الوارث أي أبقني صحيحاً سليما إلى أن أموت وافراد ضمير اجعله إمّا بتأويل ذلك المذكور أو أنه ضمير المصدر أي التمتع بها كما في شروح المفصل وجعل ذلك إشارة إلى الرزق والكسوة، وقيل: إلى جميع ما سبق فيشمل عدم المضارّة. قوله: (فإن أوادا فصالاً الخ) تفصيل للرّضاع فقوله: لمن أراد أن يتمّ الرضاعة بيان للإتمام وهذا للنقص عنه صراحة بعد الإشارة إليه دلالة، ولم يرتض ما في الكشاف من أن المعنى فلا جناج عليهما في ذلك زادا على الحولين أو نقصا وهذه توسعة بعد التحديد، وقيل: هو في غاية الحولين لا يتجاوز لما فيه كما يعلم من الشروح والمشورة كالمثوبة والمشورة كالمصلحة لغتان مرّ الكلام فيهما وهي من شرت العسل إذا اجتنيته لذوق حلاوة النصيحة كما قاله الراغب وغيره. قوله:) أي تسترضعوا المراضع أولادكم الخ (في الكشاف استرضع من قول من أرضع يقال: أرضعت المرأة الصبيئ واسترضعتها الصبيّ فتعديه إلى مفعولين كما تقول أنحج الحاجة واستنحجته الحاجة والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم فحذف أحد المفعلوين للاستغناء عنه قيل: هو أصل تصريفي وهو أن أفعل إذا كان متعديا إلى مفعول فإن زيد فيه السين للطلب أو النسبة يصير متعديا إلى مفعولين يقال: أرضعت المرأة ولدها واسترضعتها الولد وقيل: عليه أخذ استفعل وسائر المزيد من المجرّد حتى قيل: إنّ أخذه من الأفعال من خصائص الكشاف هنا لكن المعنى هنا على طلب أن ترضع المرأة ولدها لا على طلب أن يرضع الولد الثدي أو أف فإنه متعذ كأرضع فلذا جعله منقولاً من أرضع وحذف أحد مفعولي باب أعطيت جائز لكنه هنا بمنزلة الواجب إذ قلما يوجد في الاستعمال استرضعوها الولد وما ذكر من الاستغناء إنما هو على عدم القصد إلى خصوص المرضعة ويرد عليه أنّ الإمام الكرماني نقل في باب الاستنجاء أنّ الاستفعال قد جاء لطلب المزيد كالاستنجاء لطلب الإنجاء والاستعتاب لطلب الأعتاب لا العتب، وصرّح به غيره أيضا واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أنحج واستنحج ومن العجيب أنّ بعضهم جعله من رضع بمعنى أرضع وتعسف في تخريجه. قوله: (وإطلاقه الخ) هذا مذهب الشافعي وأئا الحنفية فيقولون إنّ الأمّ أحق برضاع ولدها وأنه ليس للأب أن يسترضع غيرها إذا رضيت أن ترضعه لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} فهي قد خصصت هذا الإطلاق. قوله: (ما أردتم إيتاءه الأن تسليم ما أوتي وما أعطي لا يتصوّر إذ هو تحصيل حاصل بلا طائل فلذلك أوّله على هذه القراءة وظاهره أنه على القراءة الثانية لا يحتاج إلى تأويل وبه صرّحوا لأنه بتقدير ما فعلتم بذله وإحسانه أو نقده وفيه نظر وأمّا الثالث فلا غبار عليه. قوله: (وليس اشتراط التسليم الخ) جواب سؤال وهو أنّ ظاهر النظم أنّ التسليم شرط لرفع الإثم، وليس كذلك فأجاب بأنه الأولى وأكثر ثوابا ووجهه أنه شبه ما هو من شرائط الأولوية بما هو من شرائط الصحة للاعتناء به فاستعير له عبارته وقيل: إنه لا حاجة إلى هذا لأنّ نفي الإثم تسليم الأجرة مطلقا غير مقيد بتقديمها عليه وفيه تأئل. ووجه المبالغة والحث ظاهر. قوله:) وأزواج الذين يتوفون لخ الما كان المتوفى الأزواج والمتربص الزوجات لزم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 كون الخبر ليس عن المبتدأ فاحتاج إلى التأوبل فأوّلوه بوجوه منها تقدير المضاف في المبتدأ أي أزواج الذين يتوفون والأزواج المقدر بمعنى النساء لأنّ الزوج يطلق على الرجل والمرأة والزوجة فيه لغة غير فصيحة، أو يقدر في الخبر ما يربطه به ويصحع حمله عليه أي يتربصن بعدهم اً ولهم وحذف العائد المجرور من الخبر جائز كما في المثال الذي ذكره، قال النحرير: ولي في مثل هذا المقام كلام وهو أنّ الربط حاصل بمجرّد عود الضمير إلى الأزواج لأنّ المعنى يتربص الأزواج اللاتي تركوهن وأنا أتعجب من ذكره بحثا من عند نفسه وهو مذهب الأخفش والكسائي وقد ذكر في متون النحو كالتسهيل، وقال المصنف في شرحه: بعد ما ذكر هذه الآية الأصل يتربص أزواجهم ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدم ذكرمن فامتغ ذكر الضمير لأنّ النون لا تضاف لكونها ضميرا وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير الرابط والحاصل أنّ الضمير إذا عاد على اسم مضاف إلى العائد هل يحصل به الربط أولاً فمنعه الجمهور وأجازه الأخفش والكسائيّ، وله نظائر وأورد على الأوّل أنه يلغو قوله: ويذرون أزواجا إلا أن يجعل تفسيراً له وايضاحاً بعد الإبهام ومنهم من قدر يتربصن خبر مبتدأ أي أزواجهم يتربصن والجملة خبر المبتدأ الأوّل وفيه وجوه أخر. قوله: (وقرئ يتوفون بفتح الياء الخ) وهي قراءة عليّ رضي الله عنه ورويت عن عاصم ومعناها يتوفون آجالهم أي يستوفون مدة أعمارهم فعلى هذا يقال للميت متوف بمعنى مستوف لحياته قال الزمخشرفي والذي يحكي أنّ أبا الأسود الدؤليّ كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفى بكسر الفاء فقال الله تعالى: وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي كرّم الله وجهه على أنّ أمره بأن يضع كتابا في النحو تناقضه هذه القراءة، وأجيب عنه كما ذكره السكاكي بأنّ سبب التخطئة أنّ السائل كان ممن لم يعرف وجه صحته فلم يصلح للخطاب به. قوله: (وتأنيث العشر باعتبار الليالي الخ) قيل: لأنّ الشهور الهلالية غررها الليالي فتكون الأيام تبعا لها، وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان مع أنّ الصوم إنما يكون في الأيام، وقال سيبويه: هذا باب المؤنث الذي يستعمل في التأنيث والتذكير والتأنيث أصله وقوله: إن لبثتم إلا يوماً بعد قوله إلا عشرا ظاهر في أنّ المراد بالعشر الأيام لكن الكلام في أنه هل يصح هذا في الأيام التي لم يعتبر معها الليالي حتى تخرج عن باب التغليب أو أنه من تغليب المؤنث هنا لخفته وكون المؤنث أجدر به بالاعتبار نظراً إلى أنه كثير فيه تردّد، وقوله: صمت عشراً لا يدل عليه لأنه مثل صمت شهر رمضان والظاهر جوازه لأنه غلب استعماله بالتغليب ثم كثر واستعمل بدونه وفي كلام المصنف رحمه الله والفرّاء إشارة إليه وفي قوله غرر الشهور والأيام تسامح أي لأنها مقدمة على الأيام والشهور ولو أسقط الأيام لكان أولى، وقوله: لا يستعملون الظاهر لم يستعملوا لأن قط لاستغراق الماضي ومثله ورد لكه قليل في كلامهم وقد ردّ هذا أبو حيان وقال: بل استعماله كثير في كلام العرب وقال: إنه لا حاجة إلى ما تكلفوه، لأنّ عكس! التأنيث إنما هو إذا ذكر المعدود أمّا عند حذفه فيجوز الأمران وهو أقرب مما قالوه. قوله: (ولعل المقتضي الخ) أورد عليه أنه مناف للحديث الصحيح: " إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الثه ملكاً بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقئ او سعيد ثم ينفخ فيه الروح " لأنّ ظاهر. أنّ نفخ الروح بعد هذه المدة مطلقا إلا أن يقال: إنّ قوله ثم ينفخ بمعنى يكمل النفخ فيه وان كانت نفخت في بعض. (أقول) : هذا الحديث مما اضطربت فيه الرواية والرواة ففي البخاري: " إنّ احدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله الملك " وفي مسلم: " إذا مرّ بالنطفة ثمتان وأربعون ليلة بعث الثه إليها ملكاً فصؤرها " الخ. ففي الحديث الأوّل إشعار بأنّ إرسال الملك بعد مائة وعشرين ليلة وفي الثاني تصريح بأنه يبعث بعد أربعين ليلة وأجاب ابن الصلاج بأنّ الملك يرسل غير مرّة إلى الرحم مرّة عقب الأربعين الأولى فيكتب أجله ورزقه وعمله وحاله في الشقاوة والسعادة وغير ذلك ومرّة أخرى عقب الأربعين الثانية فينفخ فيه الروج، ويشكل بما ورد في بعض الروايات عند ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 إرسال الملك عقب الأربعين الأولى فصوّرها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الخ. ومن المعلوم أن هذا التصوير لا يكون في الأربعين الثانية فإنه يكون فيها علقة وإنما يكون هذا التصوير قريبا من نفخ الروح، وأجيب أيضا بحمل قوله فصوّرها على معنى أمر بتصويرها أو ذكر تصويرها وكتب ذلك والدليل عليه انّ جعلها ذكراً أو أنثى يكون مع التصوير المذكور، وأورد عليه أنّ البخاري أورده بثنم فقال: " إنّ خلق احدكم يجمع في بطن أت أربعين يوما وأربعين ليلة ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب ررّقه وأجله وعمله وشقئ أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح " فيقتضي تأخر كتب الملك عن الأربعين الثالثة وذاك يقتضي أنه عقب الأربعين الأولى وقد جعل قوله ثم يبعث إليه الملك معطوفا على قوله يجمع في بطن أمّه وما بينهما اعتراض، وروي بالواو وعليه فالأمر سهل لأنّ الواو لا تقتضي ترتيبا وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله إذا تفاوت فيه الناس لا تعارض لأنّ كلاً منها بالنسبة إلى بعض فتأمّله ومعنى استظهاراً طلباً للظهور ودفع الشبهة. قوله: (وعموم اللفظ يقتضي الخ) قيل: عليه لم نجد فرقا بين الكتابية والمسلمة في كتب الحنفية كما يشعر به كلامه وفي المحيط يجب على الكتابية إذا كانت تحت مسلم ما يجب على المسلمة الحرّة كالحرّة والأمة كالأمة وما ذكره يرد لو عنى ما ذكره إمّا لو عنى الأعمّ من كونها تحت مسلم أو ذمي فلا وما روي عن عليّ كرّم الله وجهه لا ينافي الإجماع وفيه عمل بمقتضى الآيتين وقوله: انقضت عدتهن احتراز عن احتمال المشارفة السابق، وقوله: وسائر الخ زاده على الكشاف، وقوله: ومفهومه الخ إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه لا جناح على أحد بفعل آخر فجعله كناية عن أنه يجب عليهم المنع. قوله: (التعريض والتلويح الخ) الكناية أن يذكر معنى مقصود بلفظ لم يوضع له لكن استعمل في الموضوع لا على وجه القصد بل لينتقل منه إلى الشيء المقصود فطوبل النجاد مستعمل في معناه لكن لا يكون هو المقصود بالإثبات بل لينتقل منه إلى طول القامة فخرج بقيد الاستعمال في معناه المجاز وبقيد عدم القصد الصريح من الحقيقة والتعريض أن تذكر شيئا مقصودا في الجملة بلفظه الحقيقي أو المجازي أو الكنائي لتدل بذلك الشيء على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم بلفظه ليدل على التقاضي، وطلب العطاء فالتسليم مقصود وطلب العطاء عرض وقد أميل إليه الكلام من عرض أي جانب ويكون المعنى المذكور أوّلاً مقصوداً امتاز عن الكنايات التي ليست كذلك فلم يلزم صدقه على جميع أقسام الكناية فمثل جئتك وسلم عليك كناية وتعريض ومثل زيد طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل قولك في عرض من يؤذيك وليس المخاطب آذيتني فستعرف تعريض بتهديد المؤذي لا كناية ثم إذا كان الاصطلاح على أنّ التلويح اسم للتعريض كان جعل السكاكيّ التلويح اسما لكناية البعيدة لكثرة الوسايط مثل كثير الرماد للمضياف اصطلاحاً جديداً هذا ما قاله الشارح النحرير وفي الكشف بعد ما ذكر نحوه وقد يتفق عارض يجعل المجاز في حكم حقيقة مستقلة كما في المنقولات والكناية في حكم المصرّج به كما في الاستواء على العرس وبسط اليد ويجعل الا اصفات في التعريض نحو المعرض! به في نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [سورة البقرة، الآية: 41] فلا ينتهض نقضا على الأصل وتعريف المصنف تبعاً للزمخشريّ مع ترك ما فيه من المسامحة بناء على أنّ التعريض ليس كناية ولا حقيقة ولا مجازاً وأنّ الكلام قد يدل بغير الطرق الثلاثة، وقوله: بما لم يوضعالخ يقتضي أنّ في المجاز وضعاً فمامّا أن يريد بالوضع ما يعم الشخصيّ والنوقي أو يريد بيوضع يستعمل أو قصد المشاكلة ولم ينف الكناية لأنها داخلة في كلامه في الحقيقة. وقوله: والكناية الخ تبع فيه السكاكي حيث فرق بين المجاز والكناية بأنّ الانتقال في الكناية من التابع إلى المتبوع وفي المجاز بالعكس وفي هذا ما يضيق عنه المقام وبسطه في شرح المفتاح ونافقة بمعنى مرغوب فيها من النفاق وهو الرواج ضد الكساد، وقوله: ولا تعريضاً للتعميم بمعنى لم يذكروه والا فالتصريح بالتعريض لا يضر فلا حاجة إلى نفي ما في النفس منه، وقوله: وفيه نوع توبيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 أي حيث ذكر ذكرهن بعد النهي عنه إشارة إلى عدم صبرهم عنهن وقوله: جئتك لأسلم عليك هو تعريض بطلب العطاء كما قال الشاعر: أروح بتسليم عليك وأغتدي وحسبك بالتسليم مني تقاضيا قوله: (استدراك عن محذوف الخ) قيل: لا مانع من جعله استدراكاً على قوله لا جناح فإنه بمعنى عرضوا ولكن الخ وقيل: إنه استدراك على قوله ستذكروهن ولا حاجة إلى التقدير وفيه نظر. قوله: (عبر بالسرّ عن الوطء الخ) يعني تعارف التعبير عن الوطء بالسرّ لأنه يسر ثم أريد به العقد الذي هو سببه والأوّل كناية فيكون الثاني من المجاز لشهرة الأوّل ولم يجعل من أوّل الأمر عبارة عن العقد لأنه لا مناسبة بينهما في الظاهر وهو مفعول وجوّز نصبه بنزع الخافض أي في السرّ والمراد به ما يقبح لأنه يسر غالباً. قوله: (وهو أن تعرضوا الخ) فالمعروف ما عرف تجويزه وهو ما يكون بطريق التعريض والمراد بهذا التعريض التعريض بالوعد لها بما يريد والتعريض السابق التعريض بنفس الخطبة والطلب فلا تكرار وأمّا منع الانقطاع والاستثناء من سراً فلان سرّا مفعول به بلا رابط فالمستثنى منه يكون كذلك فيكون المعنى تواعدوهن إلا التعريض وليس بمستقيم لأنّ التعريض طريق المواعدة لا الموعود نفسه، ورذ بأنّ الاستثناء المنقطع ليس من شرط صحته تسلط العامل عليه بل هو على قسمين قسم يصح فيه ذلك نحو ما جاء أحد الأحمار ويجوز فيه النصب والبدلية مما قبله وقسم لا يصح فيه ذلك نحو ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ، وهذا يجب نصبه وكلاهما بتقدير لكن وما نحن فيه من الثاني فلا يلزم أن يكون موجوداً فيه كلام في سورة هود وقوله: والأظهر جوازه أي جواز التعريض بالخطبة في عدة البائن قياسا على عذة المتوفى عنها عند الشافعي. قوله: (ذكر العزم مبالنة الخ) أي لا تقصدوا قصدا جازما لا تردّد معه نهي عن العزم ليكون أبلغ في منع الفعل وقدر المضاف لأنّ العزم إنما يكون على الفعل لا على نفس العقدة، وقيل: معناه لا تقطعوا عقدها بمعنى لا تبرموه ولا تلزموه ولا تقدموا عليه فيكون النهي عن نفس الفعل لا عن قصده وبهذا يمتاز عن الوجه الأوّل وإلا ففي العزم بمعنى القصد مغ القطع أيضاً كما يقال: هذا أمر معزوم عليه ومقطوع به ولو كان القطع ضدّ الوصل كان المعنى لا تقطعوا عقدة نكاج الزوح المتوفى بعقد نكاح آخر ولا يقدر حينئذ مضاف، وقوله: لا بدعة في إلطلاق أي لا يعد بدعيا ولو كان في الحيض، وقوله: تجامعوهن إشارة إلى أنّ المس كناية عن الجماع وما مصدرية وفتية أي في مدة عدم المس، وقوله: ما كتب من العدة أي فرض فكتاب الله هنا بمعنى مفروضه قيل: لأنّ الشيء يراد ثم يقال: ثم يكتب فالإرادة مبدأ والكتابة منتهى فإذ! عبر عن المبدأ وهو المراد بالمنتهى وهو المكتوب أريد توكيده كأنه تمّ وفرغ عنه. قوله: (1 لا أن تفرضوا الخ) أو إذا كانت بمعنى إلا أو إلى والمصنف رحمه الله قال. حتى يريد إلى وهو الواقع في كلام النحاة انتصب المضارع بعدها بأن مقدرة أو بها نفسها على المذهبين، قيل: وفيه إشكال قويّ هنا لم يتنبه له أحد وهو أنّ أو هذه عاطفة كما قرّره النحاة على فعل قبلها هي غاية له فقولك لألزمنك أو تقضيني حقي معناه لزوم إلى الإعطاء فعلى قياسه يكون فرض الفريضة نهاية عدم المساس لا عدم الجناح وليس المعنى عليه. (قلت (: هو عطف على الفعل أيضاً والفعل مرتبط بما قبله فهو معنى مقيد به فكأنه قيل: لم تمسوهن بغير جناح وتبعة إلا إذا فرضت الفريضة فيكون الجناج لأنّ المقيد في المعنى ينتهي برفع قيده فتامّله فإنه دقيق غفل عنه المعترض، وقوله: أو وتفرضوا بمعنى أنه معطوف على تمسوا وفي نسخة أو أن تفرضوا والمعنى عليهما إن أو عاطفة على المنفي المجزوم وهي لأحد الأمرين لكنها في حيز النفي تفيد العموم كما في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 24] وقيل: العطف يوهم تقدير حرف النفي وأن الشرط أحد النفيين لا نفي أحدهما حتى ينتفي كل منهما وعموم النفي فيه خفاء ولا يخفى أنه غير وارد ولا حاجة إلى أنّ أو بمعنى الواو وما ذكره المصنف رحمه الله بيان للمعنى لا تأويل وتبعة كفرحة ما يؤخذ مته، وقوله: والتاء لنقل اللفظ أي نقله من الوصفية إلى الاسمية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 فصار بمعنى المهر فلا تجوز فيه كمن قتل قتيلاً كما قيل: والأولى غير المدخول بها والمسمى لها والأخيرتين ما بعدها. قوله: (عطف على مقدّر الخ) والمقصود المتعة إذ لا معنى لقوله إن طلقتم النساء فطلقوهن ولذا قدره الزمخشريّ فلا مهر عليكم ومتعوهن وفيه عطف الإنشاء على الخبر وهو جائز لأنه مؤوّل بلا مهر وتجب المتعة، وفي الكشف إنه جائز لأنّ الجزاء جامع جعلهما كالفردين أي الحكم هذا أو ذاك وهو يقتضي أنّ عطف الإنشاء على الخبر غير ممنوع في الجزاء وهو وجه وجيه وفائدة جديدة وإيحاس الطلاق إساءته من الوحشة. قوله: (أي على كل الخ) المقتر كمحسن هو الضيق الحال الفقير فة وله: الضيق الخ عطف بيان له، ودرع المرأة ما تلبسه فوق القميص والملحفة بكسر الميم إزار تلتف فيه والخماو بكسر الخاء ما تغطي به رأسها وقوله: على حسب الحال أي حال الزوج، وقيل: يعتبر حالها واليه يشير قول القدوري: من كسوة مثلها وهو قول الكرخي رحمه الله ففي الأدنى من الكرباس وفي الوسط من القر وفي الأعلى من الحرير الإبريسم، وفي الذخيرة يعتبر الوسط لا غاية الرداءة ولا غاية الجودة وهو مخالف للقولين والآية ظاهرة في الأوّل، واطلاق الحال في كلام المصنف رحمه الله شامل للأقوال قال الإتقاني رحمه الله: المفوّضمة هي التي فوّضت نفسها بلا مهر وقال ابن الهمام رحمه الله: المسموع فيها كسر الواو ويجوز فتحها لأن الوليّ فوّضها للزوج وقوله: قوله عليه الصلاة والسلام قال العراقي رحمه الله لم أجده في كتب الحديث والقلنسوة ما يوضع على رأس الرجل معروفة، وقوله: وألحق بها الشافعيّ الخ مذهب الشافعيّ رحمه الله أنّ المتعة لكل زوجة مطلقة إذا كان الفراق من قبل الزوح إلا التي سمى لها وطلقت قبل الدخول ووجه القياس الاشتراك في جبر إيحاس الطلاق وأيضاً هي داخلة في عموم قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فلا حاجة إلى القياس لكن لما كان الشافعيّ رحمه الله يحمل المطلق على المقيد استدل المصنف رحمه الله بالقياس. قوله: (الذين يحسنون إلى أنفسهم الخ) يشير إلى قول الإمام مالك رحمه الله إنّ المتعة مستحبة استدلالاً بقوله على المحسنين فإنه قرينة صارفة للأمر إلى الندب وهي واجبة عندنا وعند الشافعيّ والجواب منع قصر المحسن على المتطوّع بل أعمّ منه ومن القائم بالواجبات فلا ينافي الوجوب فلا يكون صارفاً للأمر عن الوجوب مع ما انضمّ إليه من لفظ حقا وعلى وقوله وان لا متعة الخ هو أحد قولي الشافعيّ رحمه الله. قوله: (والصيغة الخ) أي في حد ذاتها لا هنا لأنه لو كان لجمع الذكور لقيل: أن يعفوا والنون علامة الرفع دليل عليه لأنّ الأفعال الخمسة ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها على ما علم في النحو، وقوله: ولذلك الخ أي ولكونه مبنياً لم تؤثر فيه إن مع أنها ناصبة لا مخففة بدليل عطف المنصوب عليه فلا يقال إنّ تعليل نصب المعطوف بكونه مبنياً لا يظهر، وكملاً كحسناً صفة مشبهة بمعنى كاملا. قوله: (وهو مشعر الخ) وجه الإشعار أنّ الاستثناء صيره بمعنى عليه النصف أو الكل فلا يجب النصف وحده وقيل: الإشعار إنما يكون لو كان الاستثناء متصلا فلا يكون الواجب النصف في هذا الوقت بل الكل لكنه منقطع قطعأ لأنّ كون الواجب النصف لا يبقى في وقت عفوهن فعطف قوله أو يعفو عليه يقتضي كونه منقطعا فلا يكون الطلاق مخيراً وتردد النحرير في اتصاله وانقطاعه ليس في محله وليس بشيء بل لا وجه له لأنّ التردد في محله إذ وجوب الكل لا ينافي وجوب النصف لأنه في ضمنه إلا أن يلاحظ النصف بقيده مثل وحده أو فقط وافادة التخيير لا تعلق له بالاتصال والانفصال فتأمّل، وللشافعيّ في مذهبه قولان في بعض المسائل فما قاله ببغداد يسمى قديمأ وما قاله بمصر يسمى جديداً وهو الراجح عندهم في الأكثر واطلاق العفو على تكميل المهر خلاف الظاهر، فلذلك أوّل بالحمل على ما إذا عجل تسليم المهر فإنه حينئذ يعفو عن استرداد النصف أو أنه من عفوت الشيء إذا وفرته وتركته حتى يكثر أو أنه على المشاكلة كما ذكره المصنف رحمه الله وقد ورد بهذا المعنى قوله تعالى: {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} قال شيخ والدي ما ذكره المصنف من أنّ الواو وضمير وأن مهملة وان سمع على قلة أو شذوذ لا يصح أن يكون مراداً هنا لتوقفه على أنه قرئ برفع يعفو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 ولم يقرأ به أحد فلم يصح ما قاله لأنه لا يصح اهمال إن ونصب ما عطف عليه ولو سلم فهو مشكل على مذهب الشافعيّ لأنّ ضمير يعفون إن عاد على الأزواج وإن أباه السياق فالذي بيده العقدة الوليّ وإن عاد على الأولياء فهو الزوج فيلزم أنّ الأولياء لهم العفو والشافعيئ لا يقول به فالظاهر منع ما قاله المصنف. (أقول (: إذا تأمّلت كلام المصنف علمت أنّ ما ذكر غير وارد عليه لأنه فسر الضمير بالمطلقات واقتصر عليه إشارة إلى أنه مرضيئ عنده ثم قال: إنّ الصيغة أي اللفظ من حيث هو يحتمل وجها آخر وعليه فالضمير إمّا للأزواج وعفوهم إعطاء المهر كملا بوزن حسن أي كاملا وان كان للأولياء فالعفو عندهم واليه أشار بقوله وقيل: فكيف يعترض عليه به وأمّا إنكاره القراءة فلا وجه له فإنها منقولة عن الحسن كما في كتب الشواذ والإعراب فلفه درّ المصنف فيما سذده، وبيض وجه البيان بما سوّده. واعلم أن كون الشيء قبل الشيء لا يقتضي وقوعه كما في بعض التفاسير وله نكتة تظهر بالتأمّل. قوله: (يؤيد الوجه الأوّل الخ) أي أنّ المراد الزوج والا لقال يعفون فإنّ النساء أصل فيه والوليّ نائب عنهن وإنما جعله مؤيدا لا قاطعا لاحتمال! أن يريد الأولياء فقط لصدوره منهم ظاهرا أوهم والنساء على التغليب، وقصة جبير ظاهرة في المشاكلة وأنّ العفو في الآية للزوج وهي مروية في البيهقي، وقوله: أن يتفضل الخ مأخوذ من قوله بينكم سواء تعلق بتنسوا أو جعل حالاً وجعل الفضل بمعنى التفضل وجملة النهي محمولة على الاسمية لأنّ المقصود الأمر بالعفو. قوله:) ولعل الأمر الخ) وبه ينتظم السياق أو أنه دلهم على المحافظة على حقوق الله والعباد وقدم حقوق العباد لأنها أهئم. قوله: (أي الوسطى بينها الخ) قد مرّ أنّ الوسطى ما توسط بين شيئين أو أشياء ويكون بمعنى الأفضل وقد فسر هنا بالوجهين وقوله: منها خصوصاً إشارة إلى أنه من قبيل الملائكة وجبريل بجعل الفرد المخصوص بالذكر لكماله كأنه من نوع آخر تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذات، وفي تعيينها خمسة أقوال على ما ذكره المصنف وقد اختلفوا في الأرجح منها وأكثر أنها العصر، ويوم الأحزاب يوم تجمع فيه أحزاب العرب لتخريب المدينة وقتل المسلمين وهي وقعة معروفة في السير ستأتي، واجتماع الملائكة أي الموكلين من الكتبة لأنهم يتعاتبون على الإنسان في الليل والنهار وقت العصر لأنه في حكم الماء ثم تصعد ملائكة النهار بأعماله فإن وجد مشغولاً بالصلاة كان ذلك سبباً للطفه تعالى به كما ورد ذلك في الحديث وقوله: أحمزها بالحاء المهملة والزاي المعجمة أي أصعبها، قال السخاوي وغيره: أنه لا أصل له وأنه موضوع لكن ابن الأثير ذكره في النهاية عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنّ النبيّ-لجز سأل أيّ الأعمال أفضل فقاله ولم يسنده، فإن قلت: روي في الفردوس مرفوعاً: " أفضل العبادة اخفها " فكيف يجمع بينهما قلت على تقدير ثبوتهما المراد بالخفة أن لا يكثر حتى يمل مع أنه قيل: إن حديث الفردوس العيادة بالياء التحتية لما روي " أفضل العيادة أجرا سرعة القيام من عند المريض) ، وقوله ولأنها مشهودة أي تحضرها الملائكة كما سيأتي وتوسطها عدداً لأنها بين الثنائية والرباعية وقوله في الحد المشترك هو من طلوع الفجر إلى الشمس لأنه يعد من النهار إن قيل: إن مبدأه الفجر كما هو في الشرع ومن الليل كما عند أهل النجوم وغيرهم ولذا قال طرفي الليل فلا تعارض! بينهما، وتفسيرها بالعشاء قال السيوطي لم يذكره أحد من الصحابة رضوان الله عليهم وقوله: وقرئ بالنصب بتقدير امدح أو أعني وتقدم ما فيه من الإشكال وجوابه، وفسر القنوت بالذكر أو بقنوت الصبح عند الشافعيّ رحمه الله وفسره البخاريّ في صحيحه بساكتين لأنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة. قوله: (فصلوا راجلين الخ (الراجل الماشي على رجليه ورجل بفتح فضم أو بفتح فكسر بمعناه ولم يذكر للثاني نظيراً لأنه على خلاف القياس، والمسايفة بالسين المهملة والياء المثناة التحتية والفاء المضاربة والمقاتلة بالسيف، وقوله: ما لم يمكن الوقوف الخ لأنّ المشي يبطلها عند القائلين بها بعد النبيّ غ! ييه من الحنفية خلافا للشافعيّ، واستدل أبو حنيفة رحمه الله بأنه صلى الله عليه وسلم تركها في الأحزاب ولو جاز الأداء مع القتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 لما تركها، وفيه نظر لأنّ صلاة الخوف إنما شرعت في الصحيح بعد الخندق فلذا لم يصلها إذ ذاك، وقوله في الكافي: إنّ صلاة الخوف بذات الرقاع وهي قبل الخندق وهو قول ابن إسحق وجماعة من أهل السير والصحيح أنها إنما شرعت بعد الخندق وأن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق وتفصيله في كتب الفروع والحديث. قوله: (ما لم تكونوا تعلمون (زاد تكونوا ليفيد النظم ووقع في موضع آخر بدونها كقوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [سورة العلق، الآية: 5] فقيل: الفائدة في ذكر المفعول فيه وان كان الإنسان لا يعلم إلا ما لم يعلم التصريح بذكر حالة الجهل التي انتقلوا عنها فإنه أوضح في الامتنان ونقل عن النحرير رحمه الله في إقرائه التلخيص في قوله: وعلم من البيان ما لم يعلم أنّ الأولى أن يقول ما لم يكن يعلم والا فلا فائدة فيه ورد بأنه وقع كذلك في النظم وأن فيه فوائد كالتعميم والامتنان بأنه إذا لم يخلق فيه قدرة العلم لم يتمكن منه وغير ذلك فتأمّل. قوله: (قراها بالنصب أبو عمرو الخ) في القراءتين وجوه كما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: أو ألزم فالذين نائب فاعل فعل مقدر ووصية مفعوله الثاني، وعلى قراءة الرفع خبر بتقدير ليصح الحمل وعلى قراءة متاع كذلك ومتاعا الثاني منصوب بالأوّل، كقوله: فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً وتفسيره بالتمتيع دفع لاحتمال كونه اسم عين أو جنس كما ورد به، وقوله: نصب بيوصون فالعمل للفعل إن كان الحذف غير لازم والا فعلى الخلاف. قوله: (بدل منه الخ (أي بدل من متاع بدل اشتمال وقيل: بدل كل على حذف المضاف أي بدل غير إخراج، وجعله مصدرا مؤكداً لأنّ الوصية بأن يمتعن حولاً يدل على أنهن لا يخرجن فكان غير إخراج توكيداً له كأنه قيل: لا يخرجن غير إخراج قيل: ومثاله يشعر بأنه من التأكيد لغيره إذ مضمون هذا القول يحتمل أن يكون خلاف ما يقوله المخاطب وغير فعين ما يقول دفعا للثاني وهو في الحقيقة صفة مصدر أي أقول قولاً غير ما يقول والعامل فيه أقول وأمّا كون العامل النفي أو مصدراً مأخوذا منه فلم يعهد وفيه تأمّل 0 قوله: (والمعنى أنه يجب الخ) بيان للمقصود على الوجوه السابقة وقوله: قبل أن يحتضروا إشارة إلى أن يتوفون من مجاز المشارفة إذ لا تتصور الوصية بعد الوفاة وفسر التمتيع بالإنفاق أمّا على الحالية فظاهر وأئا على غيره نلأن عدم الإخراج بلا نفقة تضييق لا تمتيع. قوله:) وكان ذلك أؤل الإسلام الخ) أي الإنفاق والسكنى المذكورأن ثم نسخت أمدة أو الزيادة على الخلاف في أنّ نسخ البعض نسخ للكل أولاً وقوله: وهو وان كان الخ جواب سؤال وهو ظاهر وأمّا نسخ النفقة بالإرث فمبنيّ على أنّ مفهوم لهن الثمن مثلاً أنّ لهن ذلك لا غير وهذا يؤيد قول أبي حنيفة رحمه الله بعدم السكنى وأما على قول الشافمي رحمه الله ففيه بحث فتأمّل. قوله: (وهذا يدل الخ) اختلف فيه أئمة التفسير على ما في الكشف فقيل: إنه كان قبل النسخ متعيناً وعليه يفسر فإن خرجن بالخروج من العدة بانقضاء الحول ومن قال إنه غير متعين فسر فإن خرجن قبل الحول من غير إخراج الورثة فلا جناح في قطع النفقة أو في ترك منعهن من الخروج فقول المصنف رحمه الله وهذا يدل فيه نظر. قوله: (أثبت المتعة للمطلقات الخ) فتعريف المطلقات للجنس، ومما ذكره يعلم ما مر من إثباته بالقياس دون النص كما أشرنا إليه فيما سبق. قوله: (تعجيب وتقرير الخ) هذه اللفظة قد تذكر لم تقدم علمه فتكون للتعجيب والتقرير والتذكير لمن علم كالأحبار وأهل التاريخ وقد تذكر لمن لا يكون كذلك فتكون لتعريفه وتعجيبه. قال الراغب: رأيت يتعدى بنفسه دون الجار لكن لما استعير ألم تر لمعنى ألم تنظر عدى تعديته بإلى وفائدة استعارته أنّ النظر قد يتعدى عن الرؤية فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤية استعيرت له وقلما استعمل ذلك في غير التقرير فلا يقال رأيت إلى كذا وذكر الزمخشريّ في: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا} [سورة آل عمران، الآية: 23 لح ما يدل على أنّ الرؤية إمّا بمعنى الإبصار مجازاً عن النظر فلهذا وصلت بإلى، وأمّا بمعنى الإدراك القلبي تضمينا على معنى ألم ينته علمك إليهم، وفي الكشف فائدة التجوّز الحث على الاعتبار لأنّ النظر اختياري أمّا الإدراك بعده فلا ولم يذكر الشراح تعدبه بنفسه كقول امرئ القيس: ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بهاطيبا وان لم تطيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 قوله: (صار مثلاَ في التعجب) أي شبه حال من لم يره بحال من رآه في أنه لا ينبغي أن تخفى عليه هذه القصة وأنه ينبغي أن يتعجب منها ثم أجرى الكلام معه كما يجري مع من رآهم وسمع بقصتهم قصدأ إلى التعجب واشتهر في ذلك، وداوردان قرية كما ذكروه لكنهم لم يضبطوه وتفسير الألوف بالعشرة خلاف الظاهر من جمع الكثرة، وكونه بمعنى متألفين قال الزمخشريّ: إنه من بدع التفاسير لأنه خلاف الظاهر إذ ورود الموت دفعة على جمع عظيم أبلغ في الاعتبار، وأمّا وقوع الموت على قوم بينهم ألفة فهو كوقوعه على غيرهم وقيل معناه الفهم الحياة وحببهم لها كقوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [سورة البقرة، الآية: 96] وهو كالذي قبله. قوله: (والمعنى الخ) يعني أنه عبر عن أماتهم الله بما ذكر للدلالة على أنّ موتهم كان شبيهاً بامتثال أمر واحد من أمر مطاع لا يتوقف في امتثاله فيكون دفعة على خلاف العادة. قوله: (قيل مر حزقيل الخ) قال ابن حجر: حزقيل بكسر الحاء المهملة، وتبدل هاء فيقال: هزقيل وكذا وقع في بعض النسخ هنا وسكون الزاي المعجمة وكسر القاف ثم ياء ساكنة ولام ابن بوري بضم الباء الموحدة والقصر، وقوله: وفائدة القصة الخ يعني أنه تمهيد وقاتلوا في سبيل الله وهو عطف في المعنى لأنه بمعنى انظروا وتفكروا وسورة البقرة سنام القرآن جامعة لكليات الأحكام كالصيام والحج والصلاة والجهاد على نمط عجيب يكرّ عليها كلما وجد مجالاً دلالة على أن المؤمن لا ينبغي أن يشغله حال عن حال، وكون الشكر بمعنى الاعتبار بعيد ومخلص اسم فاعل، والمتخلف الممتنع من القتال والسابق المبادر إليه. قوله ة) من وراء الجزاء الخ (تمثيل يريد أنه تعالى لا بد من مجازاته للمتخلف والسابق كما أن من يسوق الشيء من وراثه لا بدّ أن يوصله إلى ما يريده وهو مستفاد من قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} كما تقول لمن تهدده وتوعده أنا أعلم بحالك. قوله:) من استفهامية الخ) جوز في النظم وجوه منها ما ذكره المصنف والإقراض استعارة لتقديم العمل وقوله: إقراضا إشارة إلى أنه مصدر، وقوله: مقرضا أي أنه اسم للعين فهو مفعول والقرض نفسه لا يضاعف فقدر فيه مضاعفا أي جزاؤه أو جعله نفسه كأنه مضاعف لأنه سبب المضاعفة، وفي النصب وجهان العطف على ما تقدم أي يكون إقراض فمضاعفة أو في جواب الاستفهام وقد منعه أبو البقاء وعلى الأوّل المراد بالكثرة أنه لا يحد وأما أن الحسنة بعشر أمثالها فسيأتي الكلام فيه في آخر هذه السورة. قوله: (يقتر على بعض) أي يضيق وفسره على وفق النظم والزمخشرفي عكسه قال النحرير: لا وجه لعكس الترتيب سوى التنبيه على أنه المقصود في هدّا المقام وإنما ذكر القبض للمقابلة وبيان كمال القدرة وقوله: فلا تبخلوا شامل للتفسير الثاني للقرض لأنّ بذل القوّة في الجهاد وعدمها بمنزلة البذل والإمساك وعلى هذه ففيه ترشيح للاستعارة. قوله:) الملأ الخ) هو اسم جمع لا واحد له ويجمع على أملاء وأفاد المشاورة يقال: تمالأ عليه إذا تعاون وتناصر ومثله يكون عن مشاورة واجتماع رأي، وقوله: هو يوشع رده ابن عطية بأنّ يوشع فتى موسى عليه الصلاة والسلام وبينه وبين داود عليه الصلاة والسلام قرون كثيرة. قوله: (أقم لنا أمير الخ) قال الراغب: البعث إرسال المبعوث عن المكان الدّي هو فيه لكن يختلف باختلاف متعلقه يقال: بعث البعير من مبركه أثاره وبعثته في السير هيجته وبعث الله الميت أحياه وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال. قوله:) ونصدر فيه عن رأيه (هذه العبارة وقعت في الحديث وقي كلام العرب قديماً، ومعناه نفعل ما نفعل برأيه من الورد والصدر وهو الذهاب للاستقاء والرجوع عنه وهم يقولون لمن يدري وجوه الرأي والأمر له إصدار وإيراد كما يقال: فتق ورتق والصدر لما كان لازما للورد وبعده اكتفى به وفيه استعارة مكنية وتخييلية شبه الرأي بما يسكن العطش وأثبت له الصدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 قال الشاعر: ما أمس الزمان حاجا إلي من يتولى الإيراد والإصدارا قوله: (أي ابعثه لنا مقدرين القتال الخ) يعني أنه حال من ضمير لنا مقدرة، وقد خبط بعف! الناس هنا فقال: إنّ صيغة تقاتل بمعنى نقدر مجازاً وليس حالاً مقدرة أو هي حال مقدرة ومقدرين على صيغة المفعول وتعسيف بما لا طائل تحته. قوله: (هل عسيتم) اختلف في عسى فقيل: من النواسخ واسمها وخبرها أن لا تقاتلوا، وقيل: إنها تضمنت معنى قارب وأن وما بعدها مفعول وليست من النواسخ أي هل قاربتم عدم القتال وهذا معنى قول بعضهم إنها خبر لا إنشاء خلافاً لمن لم يفرق بينهما واستدل بدخول الاستفهام عليها ووقوعها خبراً في قوله: لا تكثرن إني عسيت صائما ومن لم يسلم خروجها عن الإنشاء قدر فيه القول والأوّل أحسن لكنه استدل على الثاني بأنها لا تقع صلة الموصول، وفيه نظر لأنّ هشاما جوّزه والمصنف لما رأى أنها لإنشاء التوقع ولا تخرج عنه جعل الاستفهام داخلا باعتبار المتوقع وهو الخبر وجعل الاستفهام للتقرير بمعنى التثبيت وان كان الشائع في معنى التقرير الحمل على الإقرأر، وكون المستفهم عنه يلي الهمزة ليس أمراً كليا ولا يخفى ما فيه. قوله:) أيّ غرض لنا في ترك القتال الخ الما كان الشائع في مثله ما لنا نفعل أو لا نفعل على أنّ الجملة حال وأن المصدرية هنا لا توافقه جعله على حذف الجار أي ما الغرض! في أن لا نقاتل أو ما الداعي إلى أن لا نقاتل أي ترك القتال والجار والمجرور متعلق بمتعلق لنا أو به نفسه، وقال الأخفش: أن زائدة ولا ينافيه عملها والجملة حالية وقيل: إنه على حذف الواو أي وأن لا نقاتل أي فما لنا ولأن لا نقاتل كقولك إياك وأن تتكلم وقد يقال: إياك أن تتكلم، وقوله: وقد عرض الخ إشارة إلى أنّ جملة وقد أخرجنا جملة حالية، والعمالقة والعماليق من ولد عمليق كقنديل وعملاق كقرطاس بن لاوى بن أرم بن سام وفلسطين بكسر الفاء وقد تفتح كورة بالشأم، وقوله: في ترك الجهاد لربطه بما قبله، وقوله: بعدد أهل بدر أخرجه البخاريّ عن البراء رضي الله عنه. قوله: (طالوت علم الخ) فيه قولان أظهرهما أنه اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف وقيل: إنه عربي من الطول ولكنه ليس من أبنية العرب فمنع صرفه للعلمية وشبه العجمة على القول به وأمّا ادعاء العدل عن طويل والقول بأنه عبرانيّ وافق العربي فتكلف. قوله: (من أين يكون له ذلك وششأهل) أي يستحق ويصير أهلا وقد مر تحقيقه وأنى فسرها الزمخشريّ بكيف ومن أين واستشهد على الأوّل بقوله: إني ومن أين أبكي الطرب وعلى الثاني بقوله: فكيف ومن أني بذي الرمث تطرق فإني بمعنى من أين وحذف حرف الجر قبلها وهو من كما حذفت في من الظروف اللازمة الظرفية وغيرها للتوسع فيها بخلاف من ونحوها من الصلات فإنه لا يطرد حذفها إلا إذا كثرت في المتصرفة وسيأتي الكلام عليه في محله وإنما ذكرناه ليعلم وجه إتيان المصنف رحمه الله بمن قبلها والاستفهام حقيقي أو للتعجب لا لتكذيب نبيهم والإنكار عليه ولاوى من أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام، والسبطان القبيلتان وخلق بمعنى ناس وبقية وليس خلق كحذر بمعنى حقيق كما توهم. قوله: الما استبعدوا الخ) الاستبعاد من قولهم إني يكون الخ ولا يخفى مناسبة واسع لبسطة الجسم وعليم لكثرة العلم. قوله: (الصندوق الخ) بضم الصاد على الأفصح وزيادة التاء في الآخر نحو رهبوت وجبروت وقلة باب سلس أي ما اتحدت فاؤه ولامه ترجحه مع أن مادة ثبت لا توجد في العربية، وإبدال التاء هاء إذا لم تكن للتأنيث شاذ، وشمشاذ بالذال والدال شجر السرو وشمشار بالراء وشمشير شجر الصمغ وكله فارسية. قوله: (الضمير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 للإثيان الخ) وعلى تفسير السكينة بالسكون وزوال الرعب فهو مصدر، وما قيل: إنه صورة الخ أخرجه ابن جرير عن مجاهد، وقال الراغب: لا أراه قولاً صحيحاً وتئن من الأنين وهو معروف ويزف بالزاي المعجمة معناه يسرع، وقوله: صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن التصوير كان حلالاً في الملل السابقة مطلقا وأمّا التفسير الأخير فتكلف على عادة الصوفية مع أنه لا يناسب ما عطف عليه وان أوّله بعضهم بتأويل بارد ولو تركه لكان أولى والرضاض بضم الراء المهملة وضادين معجمتين ما يتفتت ويتقطع من الشيء والمراد ألواح موسى عليه الصلاة والسلام النازلة عليه، وآل يطلق على الاتباع والأولاد ويكون بمعنى النفس والشخص فيقحم للتعظيم كأنه في نفسه جماعة كما في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [سورة النحلى، الآية: 120، فلا يرد أنه لا دلالة له على التعظيم كما قيل: وقوله أبناء عمهما بيته في الكشاف وفي نسخة أبناؤهما والأولى أصح وعلى كون إن في الخ ابتداء خ! طاب الخطاب للنبيّ ب! ومن معه من المؤمنين. قوله:) انفصل بهم الخ (فصل لا كلام في استعماله متعدياً ولازماً فجوّز أن يكون اللازم مأخوذا من المتعدي بحذف المفعول وأن يكون أصلا برأسه فيكون فصله فصلا بمعنى ميزه وفصل فصولاً بمعنى انفصمل لغتين مثل صده صذاً وصد صدوداً، والقيظ شدة الحر فقوله: قيظا أي وقت قيظ أو جعل اسما للزمان، والمفازة الأرض الخالية من الفوز تفاؤلاً. قوله: (معاملكم الخ) يعني أنه استعارة شبه إنزال البلية بهم ليظهر للناس كذبهم وعدم صبرهم بمن يختبر شخصاً ويجر به بتكليف بعض الأمور ليعلم حاله وقد مر تحقيقه. قوله: (من اشياعي الخ) أشياع كاتباع لفظاً ومعنى جمع شيعة ومن تفيد الاتصال وتسمى من الاتصالية كقوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [سورة التوبة، الآية: 67] وقوله: فإني لست منك ول! ست مني ويجوز أن تكون للتبعيض كذا قال الطيبي: فجعل من الاتصالية غير التبعيضية وكأنها بيانية وفي الدر المصون أنها تبعيضية وهو الظاهر وقوله: من أشياعي إشارة إلى أنه على تقدير مضاف، وقوله: متحد معي إشارة إلى الاتصال به حتى كأنه نفسه. قوله: (أي من لم يذقه من طعم الخ) أصل الاستعمال أن يقال في الماء مشروب وفي المأكولات مطعوم وقد استعمل الطعم هنا في المشروب ومما عيب على خالد بن عبد الله القنسري أنه قال على المنبر يوما وقد خرج عليه المغيرة بن سعيد بالكوفة أطعموني ماء فعابت عليه العرب ذلك وهجوه به وحملوه على شدة جزعه فقال الشاعر فيه: بئ المنابرمن خوف ومن وهل واستطعتم الماء لما جدفي الهرب وألحن الناس كل الناس قاطبة وكان يولع بالتشديق في الخطب وقال ابن أبي الصلت في كتاب المختار: إنما عيبته عليه لأنها صدرت عن جزع وإلا فقد وقع في هذه الآية والذي تقتضيه البلاغة ما أشار إليه المصنف وغيره من أنّ طعم له استعمالات فاستعماله بمعنى ذا طعمه كما هنا فصيح وأنا بمعنى شربه واتخذه طعاما فقبيح إلا أن يقتضيه المقام كما في حديث ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم فإنه تنبيه على أنها تغذ بخلاف سائر المياه كما ذكره الراغب، وطعم الشيء بمعنى ذاقه ذكره الأزهري عن الليث، وذكر الجوهري أنّ الطعم ما يؤديه الذوق قيل: ولعله الأظهر وتفسيره بالذوق توسع والمصدر لم يجىء إلأ للذوق فمن قال طعم شائع في معنى أكل لم يصب المحز. قوله: (وإن شئت الخ) هذا من شعر ينسب للعرجي والذي في الأغاني أنه من قصحيدة للحرث بن خالد بن عاصم بن هشام المخزومي وهو ممن قتل مشركا ببدر قتله علي رضي الله عنه يخاطب بها ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود وأوّلها: لقد أرسلت في السر ليلى تلومني وتزعمني ذاملة طرقا جلدا تعدين ذنبا واحدا ما جنيته عليّ وما أحصى ذنوبكم عدّا فإن شئت حرمت النساء سواكم هان شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا والنقاخ بضم النون وقاف وخاء معجمة الماء العذب البارد والمراد بالبرد فيه النوم وعطفه على الماء يعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 كونه بمعنى لم يذق كما يقال: لم يذق لذة النوم ونحوه، وسواكم بضمير الجمع للتعظيم للمحبوبة كما قاله الطيبي رحمه الله ومنه يعلم رذ ما قاله الرضي من أنه إنما يكون في ضمير المتكلم، وقوله: وإنما علم الخ أي علم أن من شرب عصاه ومن لم يشرب يطيعه، وما قيل: إنه يحتمل أنه بالفراسة والإلهام بعيد. قوله: (استثناء من قوله: فمن شرب الخ (فالجملة الثانية في حكم المتأخرة إذ التقدير فمن شرب منه فليس مني إلا من اغترف غرفة بيده ومن لم يطعمه فهو مني كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى} [سورة البقرة، الآية: 62] إلى قوله: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [سررة البقرة، الآية: 62] والتقدير إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى فلا خوف عليهم والصابئون كذلك فقدم الصابئون للعناية تنبيها على أنّ الصابئين يتاب عليهم أيضا وإن كان كفرهم أغلظ كما هنا إذ المطلوب أن لا يذاق من الماء رأسا والاغتراف بالغرفة رخصة فقذم من لم يطعمه لأنه عزيمة اعتناء به وتكميلا للتقسيم، ولملاحظة هذه النكتة وكونه في نية التأخير اغتفر فصله بين المستثني والمستثنى منه مع أنه كما في الكشف جار مجرى الاعتراض! في إفادة ما سيق له الكلام، وقوله: والمعنى الرخصة الخ إشارة إلى وجه جعله مستثنى منه لا مما قبله لأنه لو استثنى منه أفاد المفع، أو معناه من اغترف غرفة فليس مني ولذا قال: فشربوا ولم يقل فطعموه ومن ذهب إليه كأبي البقاء تعسف له تعسفات لا حاجة إليها، والغرفة بالفتح المرة وبالضم ملء الكف وبهما قرئ. قوله: (أي فكرعوا فيه الخ) هذا التفسير مروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وفسر به ليؤذن بأنهم بالغوا في مخالفة المأمور حيث لم يغترفوا إذ الكرع الشرب بالفم من غير إناء وأصله في الحيوان أن يدخل الماء حتى يصل إلى أكارعه ثم توسعوا فيه وليس تفسير الزمخشريّ به إلا لهذا ولأنه الحقيقة اللغوية ولا داعي للصرف عنها لا أنه مبنيّ على قول أبي حنيفة فيمن حلف لا يشرب من هذا النهر فإنه لا يحنث إلا إذا كرع خلافا لهما ثم الظاهر أن الاستثناء متصل وقيل: إنه منقطع على التقدير أمّا إذا كان ممن لم يطعمه فلاته ذائق ومن لم يطعمه غير ذائق إن كان ممن شرب فمت شرب كارع والمغترف غيره لكن معناه أنه ليس مني فلا يكون الاغتراف رخصة وعلى الثاني المغترف مني فهو رخصة وهو الصحيح وفيه نظر، وأمّا على ما في الكشف فمنقطع إن فسر الشرب بالكرع والا فمتصل وقوله: الأصل أي حقيقته لغة، والمراد بالوسط آلة الشرب كالإناء واليد. قوله:) وتعميم الآوّل الخ) يعني أنّ الشرب هنا فسر بالكرع لأنه الحقيقة ولا داعي للعدول عنها وإنما لم يفسر به سابقاً ليكون الاستثناء في قوله إلا من اغترف متصلاً لأنه الأصل في الاستثناء، وقوله: أو أفرطوا في الشرب إلا قليلا منهم إشارة إلى توجيه الاستثناء على وجه يكون المغترف داخلاً في القليل على تقدير جعل الثاني كالأوّل مصروفاً عن الحقيقة ومحمولاً على شرب الماء المطلق بالكرع أو بالاغتراف والتوجيه بحمل الشرب على الإفراط ولا مزية له على التوجيه الأوّل لأنه أيضاً خالف الأوّل في حمله على الإفراط مع أنّ الأوّل محمول على أصل الشرب ليتصل الاستثناء. قوله: (وترئ بالرفع حملاَ على المعنى الخ) في الكشاف وقرأ أبيّ والأعمش إلا قليل بالرفع وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض! عن اللفظ جانبا وهو باب جليل من علم العربية فلما كان معنى فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم ونحو. قول الفرزدق: وعض زمان يا ابن مرو إن لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف قال النحرير رحمه الله يعني أنّ الواجب النصب لكونه استثناء من كلام موجب ذكر المستثنى منه كما في قول الفرزدق: إليك أمير المؤمنين رمت بنا شعوب النوى والهوجل المتعسف وعض زمان البيت حيث رفع مسحت مع كونه استثناء مفرغا في موقع المفعول به ميلاً إلى أنه من جهة المعنى في موقع الفاعل لأنّ معنى لم يدع لم يترك كمعنى لم يبق إذ ليس ههنا فعل من الزمان وإنما الإسناد إليه مجاز والحقيقة أنه لم يبق فيه من المال إلا مسحت أي مستأصل من الإسحات وهي لغة نجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 والسحت لغة الحجاز والمجلف الذي بقيت منه بقية، وقد يقال: المجلف هو الذي ذهب ماله، والمعنى تطعنا إليك طرق الجبال من بعد ومهامه متعسفة لا علم بها وإصابة سنة وقحط ذهبت بالأموال والأحوال وقد روي البيت في سورة طه إلا مسحتا أو مجلف بنصب الأوّل ورفع الثاني وهو الرواية في كثير من الكتب كالصحاج وغيره ولا ميل فيه مع المعنى بلى التقدير إلا مسحتا أو شيئاً هو مجلف فحذف الموصوف وصدر جملة الصفة، ثم قال: وقوله ميلهم مع المعنى أي مالوا معه حيث مال ومقتضى الظاهر إلى المعنى لكن الشائع هذا. (أقول) : الرواية في البيت كما في كتاب الحلل لابن السبط وعظ بالظاء المشالة ومسحتا روي بالرفع والنصب أيضا وكلاهما من الميل مع المعنى أمّا رفعهما ففيهما معا وعلى نصب الأوّل فرفع الثاني على توهم رفع الأوّل وأمّا ما ذكره من التقدير فتكلف وكذا عطفه على الضمير المستتر فيه مسحتا والميل مع المعنى ليس بمعنى إلى المعنى بل بتضمينه دائرا مع المعنى وهو يفيد انفكاكه عنه وقد اعترض أبو حيان رحمه الله تعالى على هذا التوجيه بأنهم غفلوا عن جواز الاتباع بعد الموجب وقد تقرّر في النحو أنه يجوز في الموجب وجهان النصب وهو الأصح والاتباع كقوله: وكل أخ مفارقه أخوه لعمرأبيك إلا الفرقدان واختلفوا في إعرابه إذا اتبع فقيل: نعت لما قبله وقيل: عطف بيان والإداوة بكسر الهمزة والدال المهملة ما يحمل فيه الماء وهو معروف وفي نسخة وروايته، وقوله: وهكذا الدنيا لقاصد، قال الراغب: فيه إيماء ومثال للدنيا وا! من تناول قدر ما يبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشا، وقوله: روي الخ أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (أي قال الخلص منهم الذين تيقنوا الخ) إشارة إلى أن يظنون ليس على ظاهره بل بمعنى يعلمون والذين آمنوا من وضع الظاهر موضع ضمير القليل وضمير قالوا لهم باعتبار البعض والذين يظنون هم البعض الآخر الذين هم أشد يقينا وأخلص اعتقادا وبصيرة فإن المؤمنين وان تساووا في أصل اليقين والاعتقاد يتفاوتون فيه ولا يلزم منه خلل في إيمانهم وجاز أن يكون ضمير قالوا للكثيرة الذين انخزلوا أي انقطعوا عنه وشربوا منه، والذين يظنون من وضع الظاهر موضع الضمير إشارة إلى الذين آمنوا واليقين عند أهل اللغة كما قال الراغب: هو المعرفة الحاصلة عن إمارة قوية تدل عليه فلا يرد على المصنف أنّ شهادتهم مظنونة كما قيل: والتخذيل من الخذلان وعدم الإعانة وتفسير الأذن بما ذكر لما مر، وقوله: وكم تحتمل الخبر الخ الظاهر الأوّل مع أنّ من لا تدخل بعدكم الاستفهامية كما مر عن الرضي وغيره وهي زائدة في التمييز وأتا جعلها بيانية فيقتضي حذف المميز بلا داع له مع تكلفه معنى، والفئة إن كانت من فأوت لأنها قطعة من الناس فوزنه فعة وان كان من فاء لأنه يرجع إليهم فوزنها فلة والمحذوف العين. قوله: (وفيه ترتيب الخ) فيه معنى بديع واستعارة لطيفة ونكتة بليغة لأنه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم لثلج صدورهم واغنائهم عن الماء الذي منعوا منه ومصاب الماء مزالقه فرشحه بقوله: وثبت أقدامنا، فإن قلت على ما ذكره المصنف كان مقتضى المقام الفاء قلت: الواو هنا أبلغ لأنه عوّل في الترتيب على الذهن الذي هو أعدل شاهد كما ذكره السكاكي والفاء في فهزموهم فصيحة أي استجاب الله دعاءهم فهزموهم والباء على الوجه الأوّل سببية على الثاني للمصاحبة وفسر الأذن بالنصر لأنه إذا أراد انهزام أعدائهم فقد نصرهم فلا يقال الأذن مع الله بمعنى الإرادة كما مر فالظاهر تفسيره به، وايشى بكسر الهمزة وياء ساكنة وألف مقصورة ويكون بياء لفظ عبراني وهو اسم والد داود عليه الصلاة والسلام كما قاله ابن جرير، ورعى الغنم وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إشارة إلى أنهم رعاة للناس وتمهيداً لكونهم متبوعين والمخلاة بكسر الميم معروفة وأصلها ما يوضع فيه ا! خلى وهو الحشيش الذي تأكله البهائم ثم توسع فيه لما يوضع فيه العلف مطلقا، وقوله: ثم زوّجه طالوت بنته في الكشاف زوّج طالوت داود عليه الصلاة والسلام بتت جالوت والسرد عمل الدروع كما سيأتي. قوله:) ولولا أنه سبحانه وتعالى يدفع الخ) أشار إلى أنّ فساد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 الأوض كناية عن فساد أهلها أو هو على ظاهره كما مر وتعريف الناس للجنس والبعض مبهم أو البعض المدفوع الكفار والدافع المسلمون واللام للعهد قيل: إنه إشارة إلى قياس استثنائيّ مؤلف من وضع نقيض المقدم منتج لنقيض التالي، خلا أنه قد وضع موضعه ما يستتبعه ويستوجبه أعني كونه تعالى ذا فضل على العالمين إيذانا بأنه تعالى متفضل في ذلك الدفع من غير أن يجب عليه ذلك وأنّ فضلة تعالى غير منحصر فيه بل هو فرد من أفراد فضله العظيم، كأنه قيل: ولكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض! وتنتظم به مصالح العالم وينصلح أحوال الأمم إليهم واعترض بأنه مخالف لقول المنطقيين أن المتصلة ينتج استثناء عين مقدمها عين تاليها لاستلزام وجود الملزوم وجود اللازم واستثناء نقيض تاليها نقيض المقدم لاستلزم عدم اللازم عدم الملزوم ولا ينعكس ولا استثناء نقيض المقدم نقيض التالي لجواز أن يكون اللازم أعم فلا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم ولا من عدم اللازم عدم الملزوم، وفيه تأمّل وقوله إشارة الخ آثره لقربه وقيل: إنه إشارة إلى ما مر من أوّل السورة إلى هنا وعلى الوجه الأوّل تعريف الرسل للعهد وعلى الثاني للاستغراق وإنما قال الجماعة لتأنيث تلك. قوله: (بأن خصصناه بمنقبة الخ (إشارة إلى أنه بمحض فضل الله لا كما يقول الحكماء، وقوله: تفصيل له أي للمذكور من الرسل المفضلين ومن كلم تعريفه إمّا للعهد والمراد موسى عليه الصلاة والسلام لشهرته بذلك أو كل من كلمه الله بلا واسطة وهم آدم عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وموسىء! حب ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والخيرة بكسر ففتح بمعنى الاختيار سميت بذلك لما في الآية وبينهما بون بعيد أي فرق بعيد لما فيه من القرب اك م وذلك وموسى عليه الصلاة والسلام على الطور وكليم بمعنى مكالم وفعيل بمعنى مفاعل كثير في العربية كنديم بمعنى منادم ورضيع بمعنى مراضع وجليس بمعنى مجالس وغيره. قوله: (ف! نه خص! بالدعوة العامة) كما صرح به في حديث البخارفي ولا يرد أنّ نوحاً عليه الصلاة والسلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من معه لأنّ عمومه لم يكن في المبعث وإنما كان بعده لانحصار الموجودين فيهم واستدل بعضهم على عموم بعثته بأنه دعا على جميع أهل الأرض! فأغرقوا وقيل: عموم البعثة استغراقها للأزمنة بحيث لا تنسخ وقيل: إنّ المخصوص عموم الثقلين، وقوله: والإبهام الخ يعني المراد ببعضهم هنا النبيّ صلى الله عليه وسلم والإضافة للعهد ولم يصرح به تعظيما له كما أنّ التنكير يفيد ذلك فاللفظ الموضوع له بالطريق الأولى لا دعاء أنه لا حاجة إلى التصريح لتعيينه والعلم بفتحتين الراية أو الجبل، وهو مثل في الشهرة، وقوله: خصصه بالخلة التي الخ كونها أعلى المراتب قيل: إنه بالنسبة لغير المحبة والا فهي أعلى منها كما في الشفاء ولذا قيل: لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله، وإذا فسر بادرشى عليه الصلاة والسلام فالرفعة حقيقية والآيات المتعاقبة بتعاقب الدهر كالقرآن المتلوّ والإخبار بالمغيبات وقيل: هي كرامات الأولياء لأنها معجزات له صلى الله عليه وسلم. قوله: (خصه بالتعيين الخ (في تحقيره وتعظيمه لف ونشر والمراد بالبينات المعجزات المثبتة لنبوّته غتبرو وذكرها في مقام التفضيل يقتضي أنها سبب له وليس في كلامه ما يدل على تفضيله على جميع من عداه فقوله: لم يستجمعها غيره لا ضير فيه لأنه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل وذلك كإبراء الأكمه والأبرص فلا يرد عليه شيء ثم اعلم أنّ تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على كل واحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا خلاف فيه وكذا على مجموعهم، وفي الانتصاف نقل عن بعض أهل العصر تفضيله على كل واحد واحد وأمّا التفضيل على الكل بصفة الجمعية فيتوقف فيه حتى يقوم الدليل وأنكره وقال الظاهر إدب افتراء عليه (أقول) المنقول عنه هو ابن عبد السلام رحمه الله ورده الطوفي في تفسيره، وقال قوله: فبهداهم اقتده يدل على تفضيله على الجميع أيضاً لأنه أمر بالاقتداء بهم صلوات الله وسلامه عليهم ولا شك في امتثاله صلى الله عليه وسلم أمر الله فإذا فعل جميع أفعالهم مع ماله عليهم من الزيادة كان أفضل من جميعهم وهو كلام حسن. قوله: (ولو شاء الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 أي هدى الناس جميعاً الخ) أورد الخ عليه أن المذكور في المعاني أنّ مفعولط المشيئة المقدر ما يفيده الجزاء كما في ولو شاء لهداكم أي لو شاء هدايتكم فالظاهر لو شاء عدم الاقتتال وأجيب بأنه لم يرتضه لأنّ العدم لا يحتاج إلى مشيئة وارادة بل يكفي فيه عدم تعلق الإرادة بالوجود وقد مر الكلام فيه. قوله: (كرره للتثيد الخ) في الانتصاف التأكيد بذكر بعض خص منه وهو أنّ العرب متى بنت أوّل كلامها على مقصد ثم اعترضها مقصد آخر وأرادت الرجوع إلى الأوّل طردت ذكره إمّا بتلك العبارة أو بقريب منها وهو عندهم مهيع من الفصاحة مسلوك وطريق مفيد وكان جدي الوزير أحمد بن فارس يعدّ في كتاب الله تعالى مواضع منه فصلها ودلالة الآية على التفضيل ظاهرة وأما اشتراط الدليل القاطع فدلالة الآية عليه، وكونه كذلك ليس بمسلم كما نقله بعض أرباب الحواشي وأما كون الحوادث جميعها بيد الله فيدل عليه عموم ما يريد، وقوله: ما أوجبت الخ يعني أن الأمر للوجوب فالمراد به الزكاة والدال على كونه للوجوب الوعيد الواقع على تركه. قوله: (من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون على تدارك الخ) يريد أن قوله تعالى لا بغ الخ عبارة عن عدم القدرة بوجه من الوجوه لأنّ من ذمته حق إما أن يأخذ بالبيع ما يؤديه به أو يعيته أصدقاؤه أو يلتجئ إلى من يشفع له في حطه، وقوله: وإنما رفعت الخ يعني أن المقام يقتضي التعميم والمناسب له الفتح لكنه لما كان جوابا لهل فيه بيع والبيع فيه مرفوع ناسب رفعه في الجواب وأمّا قراءة الفتح فعلى الأصل في ذكر ما هو نص في العموم ومقتضى الظاهر وفيه نظر لأنه جملة وقعت بعد نكرة فهي صفة غير مقطوعة وكذا أعربوه ولا يقدر بين الصفة والموصوف إذا لم تقطع سؤال فلا أدري ما الباعث له عليه. قوله: (يريدوا لتاركون للزكاة) يعني عبر عن تارك الزكاة بالكافر تغليظا حيث شبه فعله الذي هو ترك الزكاة بالكفر أو جعل مشارفة على الكفر أو عبر بالملزوم عن اللازم فإن ترك الزكاة لازم للكفر فذكر الكفر وأريد ترك الزكاة فهو إما استعارة تبعية أو مجاز مشارفة أو مجاز مرسل أو كناية كما وضع من كفر موضعمن لم يحج. قوله: (مبتدأ وخبر الخ) يعني الجلالة مبتدأ والجملة بعده خبر وأما خبر لا فمحذوف اختلف في تقديره كما ذكره المصنف رحمه الله قال الإمام رحمه الله تقديره في الوجود لا يدل على نفي إمكان الألوهية لغير الله وتقديره يصح أن يوجد لا يدل على وجوده تعالى، وأجيب بأن التوحيد نفي الشركة في الوجود فلا بأس في عدم الدلالة على نفي إمكان ألوهية الغير لأنه ليس بمقصود ههنا وأيضا التوحيد إنما يعتبر بعد الوجود فتأمّل. وذهب الزمخشرفي إلى أنه لا تقدير فيه وأن هو مبتدأ واله خبر كما في قوله إنما الله إله واحد فقدم وأخر لضرورة لا وإلا وله في ذلك رسالة وما قاله مقتضى المعنى ولو لم يبن إله مع لا لكان له وجه. قوله: إ الحي الذي يصح! أن يعلم ويقدر (يعني ليس معنى الحياة في حقه تعالى ما يقوله الطبيعي من قوة الحس ولا قوة التغذية ولا القوة التابعة للاعتدال النوعي التي تفيض عنها سائر القوى الحيوانية ولا ما يقوله الحكماء وأبو الحسين البصري من أنّ معنى حياته كونه يصح أن يعلم ويقدر بل هي صفة حقيقية قائمة بالذات كالأعراض! والكيفيات تقتضي صحة العلم والقدرة والإرادة إذ لا تصح بدونها، وقوله: وكل ما يصح الخ يعني أن ما يصح أن يكون لله فهو واجب لهذه المقدمة المسلمة وهو أنه تعالى لا يتصف بصفة تكون بالقوّة لا بالفعل ولا بما هو ممكن لأنّ ما هو كذلك يقبل الزوال فهو حادث والحوادث لا تقوم بذاته تعالى وفيه إشارة إلى دفع سؤال الإمام السابق وسؤال أن صحة العلم والقدرة لا تقتضي اتصافه بما ذكر من الصفات الكممالية بالفعل وفسر في الكشاف الحيّ بالباقي الذي لا سبيل للفناء عليه، فقال النحرير: إنه المعش اللغوي وما ذكره هنا اصطلاح المتكلمين فاتجه عليه أنه كيف يفسر القرآن باصطلاحهم و! له لا يسلم أنه اصطلاح ويدعي أنه لغوي ولا مانع منه. قوله: (الدائم القيام الخ) قيوم صيغة! الغة للقيام وأصله قيووم على فيعول وهي من صيغ المبالغة فاجتمعت الواو والياء والسابق ساكن فقلبت الواو ياء وأدغمت ولا يجوز أن يكون فعولاً وإلا لكان توّوما لأنه واوي، ويجوز فيه قيام وقيم وفسره المصنف بما ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 تبعاً للزمخشريّ، وقيل: هو القائم بذاته ووجه المبالغة عليهما زيادة الكم والكيف، قال الراغب: يقال قام كذا أي دام وقام بكذا أي حفظه والقيوم القائم الحافظ لكل شيء والمعطي له ما به قوامه وذلك هو المدى المذكور في قوله تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طه، الآية: 50] ووله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد، الآية: 33] والظاهر منه أنّ القيام بمعنى الدوام ثم يصير بسبب التعدية بمعتى الإدامة وهو الحفظ فأورد عليه أنّ المبالغة ليست من أسباب التعدية فإذا عرى القيوم عن أداة التعدية لم يكن إلا بالمعنى اللازء فلا يصح تفسيره بالحافظ ثم إن المبالغة في الحفظ كيف تفيد إعطاء ما به القوام ولعله من حيث إن الاستقلال بالحفظ إنما يتحقق بذلك لأنّ الحفظ فرع التقؤم فلو كان ا! وّم بغيره لم يكن مستقلا بالحفظ وعلى هذا لا يرد ما يورد على تفسير الطهور بالطاهر بنفسه لمطهر لغيره من أن الطهارة لازم والمبالغة في اللازم لا توجب التعدي وذلك لأنّ البالغة في اللازم ربما تتضمن معنى آخر متعديا بل المعنى اللازم قد يتضمن بنفسه ذلك كالقيام المتضمن لتحريك الأعضاء، نعم يرد على من فسره بالقائم بذاته المقوّم لغيره ولا يتأتى هنا ما أجاب به في الكشف عن الطهور من أنه لما لم تكن الطهارة في نفسها قابلة للزيادة رجع المبالغة فيها إلى انضمام معنى التطهير إليها لأنّ اللازم صار متعديا وذلك لأنه قابل للزيادة كما مرّ على أنه قيل: إنّ انضمام معنى التطهير لما كان مستفادا من المبالغة بمعونة عدم قبول الزيادة كانت المبالغة سبباً للتعدي، ورد بأنّ المعنى اللازم باق بحاله والمبالغة أوجبت انضمام معنى التعدي إليه لا تعدية ذلك اللازم وبينهما فرق ثم إنّ القوام المذكور في إعطاء ما به القوام فسروه بمعنى الوجود إذ جعله بمعنى آخر غير مناسب، فقد ظهر له معنى ثالث وأورد على تفسيره بالقائم بذاته أنه يكون معنى قيوم السموات والأرض الوارد في الأدعية المأثورة واجب السموات والأرض وهو ركيك، فالظاهر غيره من المعاني ولما زادوا في تفسيره القائم بذاته المقوم لغيره فسروا القيام بالذات بوجوب الوجود المستلزم لاجتماع جميع الكمالات والتنزع عن سائر وجوه النقص والتقويم للغير يتضمن جميع الصفات الفعلية فمن ثمة قيل: إنه الاسم الأعظم. قوله: (قال ابن الرقاع) هو عديّ بن رقاع بوزن كتاب العاملي من قصيدة وقبله: وكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جاذر جاسم وسنان اقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم فقوله: ليس بنائم يدلّ على أنّ السنة ما يتقدم النوم، وأقصد بمعنى رمى سهما قتل من أصابه ورنق بمعنى خا اط من رنق الطائر صف جناحيه ليريد الوقوع، وجاسم قرية من قرى الشأم، وقال الفضل: السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب، وقوله: رأسا فيه لطف. قوله: (وتقديم السنة عليه وقياس المبالنة عكسه الخ) يعني أنه راعى في الترتيب الوجودي فلتقدمها على النوم في الخارج قدمت عليه في اللفظ والقياس يقتضي التأخير لأنّ المعروف في الإثبات تقديم الأقل وفي النفي عكسه وقيل: إنه على طريق التتميم وهو أبلغ لما فيه من التأكيد إذ نفي السنة يقتضي نوم النوم ضمنا فإذا نفى ثانيا كان أبلغ ورد بأنه إنما هو على سبيل أسلوب الإحاطة والإحصاء وهو يتعين فيه مراعاة الترتيب الوجودي والابتداء من الأخف فالأخف كما في قوله تعالى: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [سورة الكهف، الآية: 49] وهذا كله مما لا حاجة إليه لما قال الإمام السبكي الأخذ هنا بمعنى القهر والغلبة كما ذكره الراغب وغيره من أئمة اللغة كقوله تعالى: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} ! سورة القمر، الآية: 42] فالمعنى لا تغلبه السنة ولا النوم الذي هو أكثر غلبة فالترتيب على مقتضى الظاهر ولو كان المعنى لا تعرض له سنة ولا نوم كان كما ذكروه وهو دقيق أنيق. قوله: (والجملة نفي للتشبيه) يعني أنها لتنزيه الله تعالى أن يكون له مثل من الإحياء لأنها لا تخلو من هذا فكيف تشابهه وكونه تأكيدا للقيوم ظاهر لأنه الحافظ القوي ومن يعتريه النوم والفضلة لا يكون كامل الحفظ وكذا للحيّ لأنّ النوم آفة تنافي دوام الحياة وبقاءه وصفاته تعالى قديمة لا زوال لها فلا يرد عليه أنّ الظاهر الاقتصار جلى أنه تأكيد للقيوم كما في الكشاف، وقوله: ولذلك ترك العاطف الخ أي لكونه تأكيدا وكذا ما بعده أيضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 فافهم، واعلم أنه لما حصر الألوهية أشار بالحياة إلى أنّ الأصنام لا تصلح لذلك وبالقيوم إلى أن الملائكة لا تصلح له وبهذه الجملة إلى أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره من البشر كذلك ثم ذكر بعده إثبات ما ذكر. قوله: (تقرير لقيوميته الخ) وجه التقرير أنّ المالك يقوم على ما يملكه ويحفظه والقائم الحافظ إنما يحفظ ما هو ملكه بحسب الظاهر ووجه الاحتجاج على تفرّده أنّ ما سواه مملوك له فكيف يكون شريكا له. قوله: (والمراد بما فيهما إلى قوله فهو أبلغ من قوله) قيل: ليس ما ذكره آية وسياقه يشعر به فالظاهر أن يقول أبلغ من قولنا، ووجه الأبلغية أنه يلزم أنّ السموات والأرض له بطريق برهانيّ لكن إرادة الجزئية والظرفية بقوله فيهما جمع بين الحقيقة والمجاز وفيه دليل على أنّ ما سواه تعالى ملك له وإلا كان البيان قاصرا. قوله: (بيان لكبرياء شأنه الخ) الكبرياء مأخوذ مما قبله من سمات الجلال وعدم المساواة والمداناة أي المقاربة مأخوذ من إنكار وجود الشفعاء بلا إذن، والاستكانة بمعنى التضرع والمظ صبة إظهار الخلاف والعداوة. قوله: (ما قبلهم ومما بعدهم الخ) فسر ما بين أيديهم بما كان قبلهم وهو الماضي وما خلفهم بما سيأتي بعدهم وهو المستقبل لأنه يقال: لما تقدم بين اليدين لأنّ ما بينهما لا بذ أن يكون متقدماً وما سيكون يقال إنه خلفه أي بعده ومغيب عنه ومستور أو على العكس وبينه بأنك تستقبل ما سيأتيك وتستدبر ما مضى وهو ظاهر وإطلاق ما بين أيديهم على أمور الدنيا لأنها حاضرة والحاضر يعبر عنه بذلك وأمور الآخرة مستورة كما يستتر عنك ما خلفك وأما العكس فلأن أمور الآخرة مستقبلة وتلك ماضية، وبقية الوجوه ظاهرة وكذا ما يأخذونه وما يتركونه وإذا رجع الضمير لما فهو تغليب أو للعقلاء في ضمنه فلا تغليب والعلم بما قبلهم وما بعدهم كناية عن علمه بجميع الأشياء هم وما قبلهم وما بعده واعتبره فيما بعده. قوله: (من معلوماته الخ) إشارة إلى أنّ هذا مغاير لما قبله ومجموعهما دال على تفزده العلم لأن الأولى تفيد أنه يعلم كل شيء والثانية أنه لا يعلمه كيره ومن كان هكذا فهو الإله لا غيره إذ الإله لا بد من اتصافه بصفات الكمال التي من أصولها العلم. قوله: (تصوير لعظمته وتمثيل الخ) إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية والتخييل نوع من التمثيل إلا أنه تمثيل خاص بكون المشبه به فيه أمراً مفروضا وما يقال: إنّ التمثيل تشبيه قصة بقصة والتخيل تصوير حقيقة الشيء ليس بشيء ثم إن كان الممثل بجميع أجزائه مفروضا كما نحن فيه وكقولهم لو قيل: للشحم أين تذهب لقال أسوى العوج فهو التمثيل التخييلي وإلا فهو الاستعارة التخييلية التابعة للاستعارة بالكناية واسم التخييل يقع عليهما وسيأتي الكلام على هذا تفصيلا والحاصل أنه استعارة تمثيلية كما في جعل الأرض في قبضته لا كناية إيمائية كما قاله الطيبي رحمه الله، وقوله وقيل: الخ فالكرسي بمعنى العلم مجازاً فهو تسمية له بمكانه لأنّ الكرسي مكان العالم الذي فيه العلم فيكون مكانا للعلم بتبعيته لأنّ العرض يتبع المحل في التحيز حتى ذهبوا إلى أنه معنى قيام العرض! بالمحل. قوله: (وقيل: جسم الخ) هذا هو الذي يدلّ عليه ظاهر الآثار وقوله: ولذلك الخ أي لكونه بمنزلة كرسي يوضع مقابل عرس الملك وعن الحسن رحمه الله أنه نفس العرس وتلك البروج معروفة في الهيئة، والكرسي قيل: إنه اسم وضع هكذا وليس بمنسوب، وقيل: إنه منسوب إلى الكرس وهو التلبد ومنه الكراسة للمتكرس من الأوراق والمتكرس الراكب والأولى حمله على ظاهره، وأمّا إيهامه الجسمية فليس بشيء ويؤده بثقله من الأود وهو العوج لأن الثقيل يميل له ما تحته وخص الحفظ بهما دون العرس لأن الحفظ لهما هو المشاهد المحسوس. قوله: (وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الخ (التنزه عن التحيز يؤخذ من القيوم أيضا لأنه لو تحيز احتاج إلى الحيز فلم يكن قائما بنفسه وعدم التغير من قوله لا تأخذه الخ وكذا قوله: لا يناسب الأشباج وما يعتري الأزواج الحدوث وهو مأخوذ من القيوم أيضا، وقوله: الذي لا يشفع تفسير لما قبله وسعة الملك الخ من وسع كرسيه السموات والأرض وفي قوله: عما يدركه ولا يحيط به مكنية وتخييلية وآية الكرسي ورد أنها سيدة آي القرآن وما ذكره المصنف رحمه الله في فضائلها كله مروي في كتب الحديث إلا قوله: من قرأها بعث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 الله ملكا الخ فإن أرباب التخريج قالوا: لا أصل له وقوله: من مضجعه في نسخة مضجعه بدون من وكذا في الكشاف وقوله: " لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت " قال النحرير: إنه بمعنى لم يبق من شرائط دخوله الجنة إلا الموت فكان الموت يمنع ويقول: لا بذ من حضوري أولاً ثم تدخل الجنة ويحتمل أنه من قبيل ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم. تنبيه: قوله " إنّ أعظم آية الخ " هذا الحديث ذكره النوويّ في شرح مسلم وقال القاضحي عياض: إنه حجة لمن قال إنّ بعض القرآن قد يفضل على غيره وفيه خلاف فمنعه بعضهم كالأشعري والباقلانيّ وغيرهما لاقتضائه نقض المفضول وكلام الله لا نقض فيه فأعظم بمعنى عظيم وأفضل بمعنى فاضل، وأجازه إسحق بن راهوبه وكثير من العلماء والمتكلمين وهو يرجع إلى عظم أجر قارئه والمختار جوازه فيقال: هذه السورة أو الآية أعظم وأفضل أي أكثر ثوابا وإنما كانت هذه الآية أعظم لجمعها أصول أسماء الصفات من الألوهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات. قوله: (إذ الإكراه في الحقيقة الخ) يعني أنه خبر باعتبار الحقيقة ونفس الأمر وأما ما يظهر بخلافه فليس إكراها حقيقيا وان كان بمعنى النهي فهو ميسوخ أو مخصوص بأهل الكتاب الذين قبلوا الجزية وكانوا عنده عليه الصلاة والسلام كما يدل عليه سبب النزول المذكور فلا يرد عليه ما قيل: إنّ قوله جاهد الكفار عامّ لأهل الكتاب وليس كل كتابي ذميا لا في زماننا ولا في زمانه وأمّا ما روي هنا فالظاهر أنه قبل نزول آية السيف اللهمّ إلا أن يقال: المراد أهل العهد والذمّة فإنه يكتب غالباً والأنصارى من بني سالم بن عوف واسمه حصين وهو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (بالطاغوت) هو في الأصل مبالغة من الطغيان فقلب ووزنه فلعوت قال الجوهري: ويكون واحداً وجمعا وفي قوله الأصنام إشارة إليه، وقوله: وتصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنه داخل في الإيمان. قوله: (طلب الإمساك من نفسه) ولو جعلت زائدة للمبالغة في التمسك وأنه بمعنى تمسك لكان أولى والمصنف رحمه الله جعل العروة استعارة تصريحية فيكون استمسك ترشيحا لها وقيل: إنه استعارة أخرى تبعية والزمخشريّ جعله تمثيلاً على تشبيه التدين بالدين الحق والثبات على الهدى والإيمان بالتمسك بالعروة الوثقى من الخبل المحكم المحمامون ا! اعه شم ذكر الصسثسبه به وأراد المشبه ويجوز كون العروة استعارة للعهد أو الكتاب كما مرّ في قوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ} [سورة آل عمران، الآية: 103] وقوله إذا كسرته إشارة إلى أنّ في الانفصام تجوزا والا فالكسر مغاير للقطع وكونه تهديدأ على النفاق لعدم مطابقة القول الاعتقاد فيه وقيل: إنه إشارة إلى أنه لا بد في الإيمان من الاعتقاد والإقرار. قوله: (محبهم أو متولي أمورهم الخ) الولي يكون بمعنى الصديق والمتولي للأمور فهو إما بالمعنى الأوّل لكن حقيقته لا تصح في حقه تعالى فيراد من المحبة وارادة الخير أو بالمعنى الثاني وهو ظاهر، وقوله: من أرد إيمانه الخ لأنّ من آمن حقيقة فهو مخرج من الكفر فلا يتصوّر إخراجه، وكذا الذين كفروا محمول على العزم والتصميم فلا بد أن يحمل إيمانهم الذي خرجوا منه على الإيمان الفطري وكفرهم الذي هم عليه على الارتداد، والظلمات على هذا الكفر والنور والإيمان ثم ذكر وجها آخر وهو أن يكون آمنوا وكفروا على ظاهره بأن يراد بالظلمات الشبه وبالنور اليقين والبينات وهما استعارتان على الوجهين هذا ما ذكره الزمخشريّ، فالمصنف رحمه الله تعالى خلط بين الوجهين وبعد تفسيره بإرادته لا ينبغي أن تفسر الظلمات بالوساوس والبهات. قوله: (والجملة خبر بعد خبر) أي جملة يخرجهم خبر ثان والأوّل وليّ الذين آمنوا أو حال من الضمير في وليّ الصفة المشبهة الراجع إلى الله أو من الموصول المضاف إليه لأن المضاف هنا مشتق عامل وهو إحدى الصور الثلاث التي يجوز فيها الحال من المضاف إليه فتقديره مخرجين الخ أو منهما لأنّ تعدد ذي الحال يجوز إذا اتحد العامل وهنا كذلك لأنه وليّ وفي الجملة عائد إليهما وهو الضمير المستتر وهم وليس فيه استعمال المشترك في معنييه كما توهم وقوله وقيل: نزلت الخ قيل: الذي أخرجه ابن المنذر والطبرانيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى عليه الصلاة والسلام فلما بعث محمد ىشيرو كفروا به، وقوله: من النور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 الذي منحوه الخ تقدم بيانه وعلى حمله على الارتداد لا يحتاج إلى تأويل وقوله: وإسناد الإخراج الخ ردّ على المعتزلة. قوله: (ولعل عدم الخ) وجه التعظيم الإشعار بأنّ أمرهم غير محتاج إلى البيان وأنّ شأنهم أعلى من مقابلة هؤلاء، وقيل: إن قوله وليئ الذين آمنوا دل على الوعد. قوله: (تعجيب من محاجة نمروذ الخ (هذه الآية بيان لتشديد المؤمنين إذ كان وليهم وخذلان غيرهم ولذا لم يعطف والاستفهام مجاز في التعجيب كما يكون في التعجب، ونمروذ بضم النون والذال المعجمة ووجه حماقته جوابه بما يكذبه العقل وهو ضد الأسلوب الحكيم وسماه الطيبي كغيره الأسلوب الأحمق وضمير ربه يصح عوده إلى إبراهيم والى الذي. قوله: (لأنّ آتاه الخ) أي أنه على حذف اللام وهو مطرد معها وليس مفعولاً لأجله لعدم إيجاد الفاعل والتعليل فيه على وجهين إمّا أن إيتاء الملك حمله على ذلك لأنه أورثه الكبر والبطر فنشأت المحاجة عنهما واليه أشار بقوله: أي أبطره الخ أو أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجة موضع الشكر إذا كان من حقه أن يشكر في مقابلة ذلك وهو باب بليغ ونظيره الآية والمثال المذكوران واليه أشار بقوله أو حاج لأجله الخ. قوله: (أو وقت أن آتاه الله الخ) أي أنه واقع موقع الظرف كما في ما المصدرية أو بتقدير مضاف وأورد عليه أنّ المحاجة لم تقع وقت إيتاء الملك بمعنى وقت وجوده بأن يعتبر الوقت ممتداً وبأن ما ذكره غير متفق عليه فإنه ذهب إلى جوازه ابن جني والصفار في شرح الكتاب، وقال في قول سيبويه رحمه الله: إن معنى والله لا أفعل إلا أن تفعل معناه حتى أن تفعل أو يحمل على أنه تفسير معنى لا صناعة لأنه بتقدير إلا وقت أن تفعل. قوله:) وهو حجة الخ) ردّ على الزمخشريّ حيث أوّله بأن المعنى آتاه مالاً وأتباعا تغلب بها على الملك بناء على قاعدة الأصلح وخلق الأعمال ومنهم من جعل ضمير آتاه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه تعالى قال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وقال: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} وهو من بدع التفاسير مع أنّ السؤال يتوجه على إيتاء الأسباب ولو سلم فما من قبيح إلا ويمكن أن يعتبر فيه غرض صحيح كالامتحان وبعض المعتزلة قد جوّزه لذلك فهم فيه فرقتان. قوله:) ظرف لحاج الخ) وجملة قال: أنا الخ بيان لقوله حاج وليس استئنافا جواب سؤال لأنّ جعله بمنزلة المرئي يأباه فلا يرد ما قيل: إنه يشكل موقع قال: {أَنَا أُحْيِي} الخ، إلا أن يجعل استئنافاً جواب سؤال وقوله: أو بدل الخ لم يجعل ظرفا له لئلا يعمل فعل واحد في ظرفي زمان لكنه يصح بأن يقيد بالثاني بعد تقيده بالأوّل وتخصيصه البدلية لأنّ الظرف مغاير للمصدر إن لم يقدر الوقت وقد منع هذا بأنه يصح البدلية فيه على أنه بدل اشتمال لأنّ الوقت مشتمل على الإيتاء فتأمّل وقوله: يخلق الحياة والموت مرّ ما فيه وقوله: رب بحذف الياء أي اكتفاء بالكسرة. قوله: (بالعفو عن القتل الخ الما كان العفو عن القتل ليس بإحياء له، وكونه كذلك غنيّ عن البيان أعرض! إبراهيم عن إبطاله وأتى بدليل آخر هو أظهر من الشمس فلا يرد على من جعلهما دليلين أنّ الانتقال من دليل قبل إتمامه ودفع معارضة الخصم إلى دليل آخر غير لائق بالجدل حتى يحتاج إلى أن يقال إنه ليس بدليل بل مثال والانتقال من مثال إلى آخر لزيادة الإيضاح فلا ضير فيه كما أشار إليه المصنف، والتمويه التلبيس والمشاغبة بالغين المخاصمة والحامل له إذا كان غرور الملك فهو لا يذعي الإلهية وعلى الثاني فهو يدعيها بطريق الحلول وهذا قبل حبسه، وعلى القول الآخر بعد. وبهت قرئ مجهولاً ومعلوما والبهت أن لا يقدر على التكلم تحيرا وفسر الظالمين بما ذكر لأنّ غيرهم قد يهديه 5 قوله: (أو أرأيت مثل الذي الخ) قال في الكشاف: معناه أو أرأيت مثل الذي مرّ فحذف لدلالة ألم تر عليه لأنّ كلتيهما كلمة تعجيب ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ كأنه قيل: أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مرّ وفي الانتصاف ومثل هذا النظم يحذف منه فعل الرؤية كثيراً كقوله: قال لها كلابها أسرعي كاليوم فطلوباولاطالبا وقيل: لما كان في دخول إلى على الكاف إشكال لأنها إن كانت حرفية فظاهر وإن كانت اسمية فلأنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 مشبهة بالحرف في عدم التصزف لا يدخل عليها من الحروف إلا ما ثبت في كلامهم وهو عن وذلك على قلة أيضا عدل إلى التأويل فجعله من عطف الجملة على الجملة تارة وقدر أرأيت لأنّ ألم تر مستعمل بإلى في الكتاب العزيز إذا تعدى إلى مفعول واحد بمعنى النظر وأخرى من العطف الملفوت فيه لفت المعنى نحو فأصدق وأكن واقحام الكاف لد مبالغة نحو: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [سورة البقرة، الآية: 23] هو الوجه لا لأنّ منكر الربوبية قليل ومنكر الإحياء أكثر والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى اص. وهو رذ لما ذكره المصنف رحمه الله وسيأتي تقريره، وقيل: تقريره إن كلاً من لفظي ألم تر وأرأيت مستعمل لقصد التعجيب، إلا أنّ الأول تعلق بالمتعجب منه فيقال: ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثاني تمثيل المتعجب منه فيقال: أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل ولا يصح ألم تر إلى مثله إذ يكون المعنى انظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع فلذا لم يستقم عطف كالذي مز على الذي حاج واحتيج إلى التأويل في المعطوف بجعله متعلقأ بمحذوف أي أرأيت كالذي مرّ ليكون من عطف الجملة أو في المعطوف عليه نظراً إلى أنه في معنى أرأيت كالذي حاج فيصح العطف عليه، فظهر أنّ عدم الاستقامة ليس لمجرّد امتناع دخول كلمة إلى على الكاف كما مرّ حتى لو قلت ألم تر إلى الذي حاج أو مثل الذي مرّ فعدم الاستقامة بحاله عند من له معرفة بأساليب الكلام وأنّ هذا ليس من زيادة الكاف في شيء بل لا بذ في التعجيب بكلمة أرأيت من إثبات كاف أو ما في معناه فيقولون أرأيت كزيد أو مثل زيد وهو شائع في سائر اللغات اهـ. (أقول (هذا غريب منه فإن ألم تر يستعمل للتعجيب مع التشبيه نحو قول العرب لم أر كاليوم رجلأ كما ذكره سيبويه رحمه الله وقد يقدر كما مرّ وبدونه كما هنا وكقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} وكذا أرأيت يستعمل معه كما ذكروه وبدونه، كقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ونظائره كثيرة وكيف يفرق بينهما بأنه تعلق في الأوّل بالمتعجب منه وفي الثاني بمثله والمثلية إنما جاءت من ذكر الكاف ولو ذكرت في الأول لكان مثله بلا فرق فهذا مصادرة على المطلوب وليس فيه زيادة على ما ذكره المدقق في الكشف وهو الحق لأنّ رأي البصرية تتعذى بنفسها وبإلى كما هنا فعطفه على المجرور إما ممتنع أو قبيح فلم يبق إلا عطفه على الجار والمجرور باعتبار المعنى لأن المقصود منهما التعجيب فهو في معنى أرأيت كالذي الخ أو على الجملة فيقدّر له متعلق وقدر أرأيت لأنّ استعماله مع الكاف أكثر وهذا التقدير وتع من الفراء وغيره من المتقذمين ووجهه ما ذكرنا وكونها غير زائدة أولى ودلالته على الكثرة بطريق الكناية لأن النادر لا مثل له فص صل ماله مثل عبارة عن الكثرة ولا عبرة بما قاله في الكشف. قوله:) وقيل: إنه من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ (وعلى هذا فيكون رجوعاً إلى إبطال جوابه بأن ما ذكرت ليس بإحياء لكنه ضعيف للفصل وكثرة التقدير، وقوله: وهو عزير ابتداء كلام ورجوع إلى تفسير الآية وليس من تتمة كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأن عزيراً من بني إسرائيل وخراب بيت انمقدس في زمانهم. قوله:) ويؤيده نظمه مع نمروذ (حيث سيق الكلام للتعجيب من حالهما وبأن كلمة الاستبعاد في هذا المقام تشعر بالإنكار ظاهرأ، وإنما يكون لمجرد التعجيب إذا علم أنّ المتكلم جازم بالوقوع كما في أنى يكون لي غلام وأنى يكون له ولد ومجرد الاحتمال لا ينافي الظهور وما يقال: إنه قد انتظم مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضا في سلك فقيل: إنه ليس بمستقيم وإنما ذلك لمجرّد مقارنة في الذكر إذ لم يذكر على الوجه الذي ذكر عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو معنى الانتظام في السلك نعم لو قيل: الانتظام في سلك يدل على كونه مؤمناً ليكون الإتيان توضيحاً وتمثيلا وتفصيلاً لما سبق من الإخراج من الظلمات إلى النور وبالعكس لكان شيئا وقيل: عليه إنه لو كان كذلك لكان الظاهر العطف بالواو لا بأو والقرى كالضرب مصدر قرى بمعنى جمع لاجتماع الناس فيها، والعروش جمع عرس وهو السقف أي ساقطة على سقوفها بأن سقط السقف أوّلأ ثم تهدمت الجدران عليه. قوله:) اعترافاً بالقصور الخ) التفسير الأوّل والثاني ناظران إلى تفسير الذي مز وأنى اسم استفهام الظاهر فيه ترجيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 أنه بمعنى كيف فهو حال من هذه قدم لصدارته لأنّ كونه بمعنى متى وان أثبته أبو البقاء خلاف الظاهر وعليه قهو ظرف والعامل على كل حال يحيي وإحياء القرية وإماتتها إما بمعنى عمرانها وخرابها أو أنه على حذ واسأل القرية. قوله: (فألبثه الخ (يعني أنّ مائة عام ظرف لأماته على المعنى لأنّ معناه ألبثه ميتا وليس ظرفا له على ظاهره لأنّ الإماتة إخراج الروج وهي تقع في أدنى زمان أو هو ظرف لفعل مقدّر أي فلبث مائة بدليل قوله كم لبثت قيل 0 ولا حاجة إلى هذا إذ معناه جعله ميتا وفيه نظر. قوله:) وساغ أن يكلمه الخ (هذا بناء على أن الله لا يجوز أن يكلم الكافر شفاها إما مطلقاً أو في دار التكليف وقد ردّه في الانتصاف بأنه لا أصل لأنّ الله تعالى يكلم إبليس وهو رأس الكفر ومعدنه، وقال للكفار: اخسؤوا فيها والممتنع إنما هو تكليمهم على نهج الكرامة والملاطفة وقيل: إنّ امتناعه مبنيّ على فاعدة الاعتزال ولا وجه له، وقوله: أو شارف الإيمان أي قاربه لأنه مقتضى النظم، وقوله: فلما تبين له الخ إذ الإيمان بعد ذلك ولذلك اعترض على الزمخشرفي في جزمه بالأوّل وهو غير وارد على المصنف رحمه الله وليس في الآية ما يدل على المشافهة فلذلك قال: أو ملك أو نبيئ فيكون الإسناد إلى الله مجازاً. قوله: (كقول الظانّ الخ ( يعني أنه لم يتيقن مقدار لبثه فشكك فيه فأو للشك وعلى الآخر للإضراب والغرض تقليل المدة فتأمل قوله: (لم يتغير بمرور الزمان الخ) جملة لم يتسته حالية والجملة المصدرة بلم تقع حالاً وتقترن بالواو وتجرد منها وكلاهما جائز خلافا لمن تردد فيه ويتسنه لازم أي يتغير وما قيل: إنه بمعنى لم يمرّ عليه السنون فهو بيان الأصل المعنى لا للمراد ليس بشيء لأنه غير صحيح هنا فهو من السنة وفي لامها اختلاف فقيل: هاء فهو مجزوم بسكون الهاء وقيل: واو وأصلها سنو فحذفت وعوّضت التاء عنها فهو مجزوم بحذف الآخر والهاء هاء سكت تثبت في الوقف وفي الوصل لإجرائه مجراه، وقيل: أصله لم يتسنن ومنه الحمأ المسنون يعني الطين المتغير ومتى اجتمع ثلاث حروف متجانسة يقلب أحدها حرف علة كما قالوا في تظننت تظنيت وفي تقضضت تقضيت، قال العجاح في أرجوزة له: تقضي البازي إذ البازي انكدر أي تقضض البازي وهو هويه وسقوطه ليأخذ شيئأ وانكدر بمعنى أسرع وقوله: كتقضي البازي إشارة إلى قول العجاج، وقوله: وإنما أفرد الضمير يعني ضمير يتسته المستتر راجع إلى الطعام والشراب ولم يثن لأنهما جنس واحد أي الغذاء فإن قلت: كيف يتفرع، وقوله: فانظر على لبث المائة بالفاء وهو يقتضي التغير قلت ليس المفرع عليه لبث المائة بل لبث المائة من غير تغير في جسمه حتى ظنه زمناً قليلا ففزع عليه ما هو أظهر منه وهو عدم تغير الطعام والشراب وبقاء الحيوان حيا من غير غذاء، وقيل: تقديره إن حصل لك عدم طمأنينة في أمر البعث فانظر إلى طعامك وشرابك السريع التغير حتى تعرف أن من لم يغيره يقدر البعث وفيه نظر، وقوله: والأوّل أدل على الحال وهي طول الزمان المقتضي لذلك وأوفق بما بعده من كونه آية ومن النظر إلى الظعام. قوله: (وفعلنا ذلك الخ (فيه وجوه منها أنه متعلق بمقدر كما ذكره المصنف رحمه الله ومنهم من قدره متأخرا وقيل: إنه متعلق بما قبله والواو زائدة وعلى تقديره فهو معطوف على لبثت وقيل: على مقدّر والتقدير فعلنا ذلك لتعلم قدرتنا أو لتهتدي ولنجعلك آية الخ وقيل: إنه عطف على قال: ففيه التفات، وقولهم: هو ابن الله لجهلهم لما شاهدوا منه. قوله: (كيف نحييها الخ) هذا على قراءته بالمعجمة من النشوز وهو الارتفاع قليلاً قليلاً وقرأ أبي ننشيها وهو يؤيد تفسير ننشز بمعنى نحيي على طريق المجاز وقوله: والجملة حال كذا أعربوه وأورد عليه أنّ الجملة استفهامية وهي لا تقع حالاً وإنما الحال كيف وحدها ولذلك تبدل منه الحال فيقال: كيف ضربت زيداً أقائما أم قاعدا والظاهر أنّ الجملة بدل من العظام ولك أن تقول إن الاستفهام ليس على حقيقته فما المانع من وقوعها حالاً فتأمل. قوله:) فاعل تبين الخ) يعني أنه من التنازع الذي أعمل فيه الثاني على مذهب البصريين وعند الكوفيين يعمل الأوّل لكن ترك الضمير في أعلم ينفي كون الكلام على مذهبهم إذ المختار حينئذ إضمار المفعول وان جعل فاعل تبين ضمير ما أشكل لم يكن من التنازع وأما قراءة تبين مبنياً للمفعول فمن تبينت الشيء علمته وقراءة العاقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 من تبين الأمر ظهر ووضح، وقراءة أعلم على الأمر خطاب لنفسه على طريق التجريد ولا يلزم أن يقول اعلمي كما مرّ تحقيقه وقوله: والآمر على لفظ اسم الفاعل والمخاطب بكسر الطاء هو الله أو النبيّ صلى الله عليه وسلم أو الملك ولا تجريد حينئذ، وقوله: أو هو أي الآمر ونفسه بالنصب مفعوله ويصح رفعه على أنه تاكيد له فهو تجريد، وقوله: فحذف الأوّل أي لم يلفظ به بل أتى بضميره بدله فلا ينافي جعله مضمراً قبل وأورد عليه أنّ شرط التنازع كما نص عليه النحاة اشتراك العاملين بعطف ونحوه بحيث يرتبطان فلا يجوز ضربني أهنت زيداً وليس بشيء لأنه لم يشترطه إلا ابن عصفور، وقد صرح أبو عليّ وغيره بخلافه مع أنه لم يخص بالعطف إذ هو جار في قوله: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} ولما رابطة للجملتين فيكفي مثله في الربط وان لم يصرحوا به وأيضا بين جعله مضمرا ومحذوفاً تناف إلا أن يكون الثاني على مذهب الكسائيّ رحمه الله ومن لا يجوّز الإضمار قبل الذكر وقد علم جوابه مما ذكرنا، وجعل الضمير لما أشكل قيل: الأظهر أن يقدر ضميرا راجعا لكيفية الإحياء، ومعنى تبكيت نفسه لومها على ما صدر من طلب ما طلب. قوله: (إنما سأل ذلك الخ) إشارة إلى أن رأي بصرية فإن قلت البصرية تتعدى بالهمزة لاثنين إلا أنها لا تعلق قلت: كذا قال بعض النحاة إلا أنّ ابن هشام رحمه الله رذه وقال إنه سمع تعليقها كما في هذه الآية فأرني فعل دعاء والياء مفعوله الأول وكيف الخ في محل مفعوله الثاني المعلق عنه وفي شرح التوضيح يجوز كونها علمية ولك أن تقول: إنه ليس من التعليق في شيء وجملة كيف الخ في تأويل مصدر هو المفعول كما قاله ابن مالك رحمه الله في قوله تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 45] وفي الكشاف فإن قلت كيف قال له أو لم تؤمن وهو أثبت الناس إيمانا قلت ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجلية للسامعين وبلى إيجاب لما بعد النفي معناه بلى آمنت ولكن ليطمئن قلبي أي ليزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة لعلم الاستدلال لأنّ علم الضرورة لا يقبل التشكيك، وأما علم الاستدلال فيقبله اهـ. والمصنف رحمه الله لم يرتض ما ذكره لما فيه من تجويز الشك على الخليل ىك! هـ ومقامه أعلى من ذلك فقال: إنما أراد المعاينة ليزداد يقينا أو ليخبر به إذا سئل ولذلك قال جمي! هـ كما في البخاري: " نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه الصلاة والسلام " أي نحن لا نشك فإبراهيم ئشي! أولى وأحرى بعدم الشك، وفي الانتصاف هنا كلام مخمر غير فطير محصله أنّ سؤاله عليه الصلاة والسلام ليس عن شك لكنه سؤال عن كيفية الإحياء وليس عملها مما يشترط في الإيمان ولذا قطع عرق احتماله في الحديث السابق، وأمّا قوله: أو لم تؤمن فلأنّ السؤال بكيف قد يستعمل في الشك فأراد تعالى بالسؤال أن يجيب بما يرفع الاحتمال وأمّا قوله ليطمئن قلبي فالمراد يزول عنه الفكر لأنّ العيان وراء البرهان فتأمل وقوله: إنّ إحياء الله الخ قيل: عليه هذا إنما يصح لو كان مراد إبراهيم بقوله: ربي الذي يحيي ويميت أنه يرد الروج إلى البدن والظاهر أنه لم يرد بالحياة حياة بعد الموت والا لقال يميت ويحيي وليس بشيء لأن الكلام في النشر والحشر في مثل هذا المقام لأنه هو الذي تنكره الكفرة لا الحياة الأولى بدليل قوله: {انظُرْ إِلَى العِظَامِ} الخ، وأمّا تقديم الحياة فلأنها وجودية أشرف من العدم، وقوله: أعرق الناس الخ بالقاف أي أقوى وأثبت من العرق وهو الأصل في الشجر ونحوه، وقوله: فخذ أي إذا أردت معرفة ذلك فخذ الخ. قوله: (قيل: طاوساً الخ) أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما وذكر بدل الغراب الغرنيق ووجه الإيماء ما قزره المصنف رحمه الله وخسة نفس الغراب لتناوله الجيف وبعد أمله لأنه يطلب ذلك من مسافة بعيدة، وأمّا ترفع الحمام فلأنه يأنف في مطعمه ومشربه عما يتناوله غيره منها وأمّا الهوى فلأنه يوصف بالطرب ونحوه كما هو معروف في لسان العرب والعجم وكون الطير أقرب إلى الإنسان باعتبار طلبه المعاس والمسكن ولذلك وقع في الحديث: " لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يررّق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " ولم يقل الوحش أو الحيوان أو غيره وكونه أجمع لأن فيه ما فيها جميعها على اختلاف أنواعه مع زيادة الطيران والطير قيل إنه في الأصل مصدر طار يطير سمي به وقيل: هو صفة وأصله طير كميت وقيل: هو جمع طائر كتاجر وتجر، والأولى أن يقال: إنه اسم جمع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 قوله: (فصرهن الخ) قرأ حمزة ويعقوب بكسر الصاد كما ذكره، والباقون بضمها مع التخفيف من صاره يصوره ويصيره بمعنى قطعه أو أماله لأنه مشترك بينهما ويحتملهما هنا كما ذكره أبو عليّ، وقال الفراء: الضم مشترك بين المعنيين والكسر بمعنى القطع ففط وقيل: الكسر بمعنى القطع والضم الإمالة، وعن الفراء أن صاره مقلوب صراه عن كذا قطعه والصحيح أنه عربي وقيل: نبطيّ معرّب فإن كان بمعنى أملهن فإليك متعلق به وان كان بمعنى قطع تعلق بخذ، وقرأ ابن عباس فصرّهن بتشديد الراء مع ضم الصاد وكسرها من صرّه إذا جمعه إلا أن مجيء المضاعف المتعدي على فعل بكسر العين قليل والراء إمّا مضمومة للاتباع أو مفتوحة للتخفيف أو مكسورة لالتقاء الساكنين، وقوله: واضممهن توضيح للتعدية إذ الإمالة تتعدى بإلى بلا ضمّ ولو جعل إشارة إلى تعلقه بخذ بتضمينه الضم لم يبعد لكن ليس في الكلا! قرينة عليه والأولى أنه إشارة إلى توجيه تعلقه في القرا آت الأخر وهذا تبل التجزئة كما يقتضبه التركيب وحكمته ما ذكره. قوله:) ولكت الخ) أوّله: وما صيد الأعناق فيهم جبلة وقيل: هو للفرزدق وأوّله: فما يقتل الإحياء من حب خندف وهو أصح رواية ودراية والصيد بمهملة وفتحتين الميل والاعوجاج والجبلة الخلقة يعني أنّ إمالة الأعناق والانقياد ليس باختيار منهم بل عن كره وقوله: على الليت الخ هو لبعض بني سليم والفرع الشعر التاتم، والوحف بحاء مهملة وفاء الأسود والليت بكسر اللام والياء التحتية والتاء المثناة الفوقية صفحة العنق، وقنوان بضم القاف وكسرها جمع قنو وهو عنقود النخل والدوالح بالدال المهملة واللام وآخره حاء مهملة المثقلات الحمل وقوله: فصرّهن من التصرية بفتح الصاد وكسر الراء المشدّدة وأصل التصرية تصررة فأبدل أحد حرفي التضعيف كما مرّ. تنبيه: قوله: فصرهن إليك، قال ابن هشام: تبعاً لغيره لا يصح تعليق! ! ى بصرهن وانما هو متعلق بخذان فسر بقطعهن أو أملهن إن لم نقدر مضافا أي إلى نفسك لأنه لا يتعدى فعل غير علمي عامل في ضمير متصل إلى المنفصل. (قلت) : إنما يمنع إذا كان متعديا بنفسه أمّا المتعدي بحرف فهو جائز كما صرّح به علماء العربية وقوله: أي جزئهن بالتشديد والهمز وبإذن الله متعلق بالفعل المأمور به لا بالطلب نفسه ولعله ورد مثله في الأثر والا فلا دلالة في النظم عليه فتأمل وثم للتراخي حقيقة أو مجازاً. قوله: (ساعيات الخ) يعني أنه حال وأوّل السعي بالطيران وجوّز حمله على حقيقته وقيل: إنه منصوب على المصدرية وقوله: فيقتلها المراد في شلها جعلها كالميت في عدم الحركة فلا يقال: إن أراد بالقتل إفناءها فلا معنى للمزج بعده وان أراد كسر سورتها كان ما بعده مكرّرا مع أنه يصح أن يكون تفسيرا له إذ القتل يستعمل بمعنى المزج كقوله: قتلت قتلت فهاتها لم تقتل قوله: (أي مثل نفقتها الخ) أي لا بد من اعتبار الحذف وتقديره في جانب المشبه أو المشبه به لتحصل ملاءمة المشبه والمشبه به وإن كان التشبيه مركبا لا ينظر فيه إلى المفردات وبذر الحبة بالذال المعجمة معروف، واعلم أنه لما حث على الإنفاق والجهاد وذكر المبدأ والمعاد كرّ ثانياً على الحث على الإنفاق وإن أردت تفصيل مناسبة ما بعده إلى آخر السورة فانظر في الكشف. قوله: (والمعنى انه يخرج منها الخ) أراد أنه من تشبيه المعقول بالمحسوس كما نراه في بعض الأراضي وان سلم أنه ليس بموجود كفى الفرض والتقدير لأنه مستند إلى الخيال والخيالات تجري مجرى المحسوس كفوله: وكان محمو الشقب ش إذا تصوّب أو تصعد أعلام ياقوت نشرن على رماج من زبرجد على أنّ المراد تحريضه على الإنفاق ببيان كثرة الريح وفي البخاري: " الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاورّ الله عنها " فالعشر أقل المراتب للتضعيف فلذا اقتصر عليها مرّة والزيادة لا حد لها وفي الحديث " أن الله يعطي بالحسنة ألفي ألف حسنة " والمغلة بوزن اسم الفاعل الكثيرة الغلة وهي الريع وقوله: تلك المضاعفة يعني أنه على ترك المفعول به لكن مع إرادة خصوصية المفعول المطلق ويصح تقدير مفعول به أي أضعافا كثيرة، وقوله: تتشعب في نسخة يتشعب وقوله: ومن أجله لا ينافي كونه بفضله. قوله: (نزلت في عثمان رضي الله عنه الخ) قيل: إنه لا أصل له في كتب الحديث وغزوة العسرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 معروفة وستأتي. وقوله: والمن أن يعتد الخ من عده فاعتد أي صار معدودا وهو يتعدى بالباء ويقال: اعتد به أي جعله معدودا معتبراً، والمن يكون بمعنى العطية ويكون بمعنى تعداد النعم وهو قبيح من المخلوق وقوله: والأذى التطاول على المنعم عليه أي التفاخر والتعداد لذلك. قوله: (وثم للتفاوت الخ) وفيه وجه آخر في الانتصاف وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف به وارخائه الطول في استصحابه فلا يخرج بذلك عن الإشعار ببعد الزمن ومعناه في الأصل تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه ومعناه المستعار له دوام وجود الفعل وتراخي زمن بقائه، ومثله قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [سررة فصلت، الآية: 30، أي داموا على الاستقامة دواما متراخيا وتلك الاستقامة هي المعتبرة كذا ههنا أي يدومون على تناسي الإحسان وترك الامتنان ومثله يقع في السين نحو: {إ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سورة الصافات، الآبة: 99] إذ ليس لتأخر الهداية معنى فيحمل على دوام الهداية وامتداد أمدها وتنفيسه. قوله: العله لم يدخل الفاء الخ) يريد بتضمن معنى الشرط اعتبار السببية وهي حاصلة سواء دخلت الفاء أو لم تدخل فإذا طرحت أوهم ذلك أن ثبوت الأجر لهم مقرر بقطع النظر عن هذا السبب وإنما قال: إيهامأ لأنّ الأجر المذكور أجر الإنفاق وهو لا يتصوّر بدونه لكنه عوّل على شهادة العقل التي هي أقوى مع ما في جعل المبتدأ موصولاً من الإشارة إلى ابتناء الخبر كقوله: إن التي ضرب ت بيتا مهاجرة بكوفة الجند عالت وذها غول أو أنه بمحض فضله لا بسبب. توله: (وتجاوز الخ) يعني أنّ المغفرة إمّا من المسؤول عن إلحاح السائل أو من الله في مقابلة الردّ الجميل أو من السائل بأن لا يشق عليه ردّه ويعذره، وسوّغ الابتداء بالنكرة وصفها ولم يذكره في المعطوف لأنه موصوف مثله في التقدير كما أشار إليه بقوله: عن السائل الخ أو أن المعطوف تابع لا يفتقر إلى مسوّغ، وقوئه: بمن وأيذاء الإيذاء مصدر أذاه وهو ثابت كما ذكره الراغب وترك بعض أهل اللغة له لأنه مصدر قياسيّ وأهل اللغة لا يذكرون مثله لشهرته، وقوله: بالعقوبة متعلق بمعاجلة. قوله: (لا تحبطوا أجرها الخ) إنما فسر به لأنّ الصدقة قد ثبتت فإبطالها بإحباط الأجر ولما كان العطف بالواو يقتضي النهي عنهما لا عن كل واحد وهو المراد نص عليه لأنّ النفي أحق بالعموم وأدل عليه. قوله: (كإبطال المنافق الذي الخ) إنما ذكر المنافق وليس في النظم لأنّ الإنفاق المذكور مع ما بعد. يقتضيه وفيه نظر، وفي قوله: إنفاقا رئاء مبالغة لأنّ الإنفاق مراءى به لا رئاء وفي نسخة إنفاق رئاء بالإضافة وهي ظاهرة، ويفهم من كلامه أنه لو قصد الرياء ورضا الله أو الثوا! لا يكون العمل باطلا وقد صرح به في الإحياء لكن ذهب ابن عبد السلام إلى أنه باطل ولو قيل: العبرة للغالب لم يبعد وهذا التشبيه مفرق فنفاق المنافق كالحجر الذي لا ينفعه الأمطار، ووجه الشبه عدم الانتفاع لا القسوة كما توهم ونفقته كالتراب لرجاء النفع منهما بالأجر والإنبات ورياؤه كالوابل المذهب له سريعا الضارّ من حيث يظن النفع ولو جعل مركباً لصح وقيل: إنه هو الوجه الأوّل ليس بشيء. قوله: (لا ي! مفعون الخ) عدم الانتفاع لخروجه عن حد! هـ من غير فائدة كما قال: إذ الجود لم يرزق خلاصا من الأذى فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا وهذه الجملة مبينة لوجه الشبه والضمير راجع للذي باعتبار المعنى بعدما روعي لفظه إذ هو صفة لمفرد لفظا مجموع معنى أو هو يستعمل للجمع بلا تأويل كما مر وقوله: وانّ الذي حانت بفلج دماؤهم هم ال! وم كل القوم يا أنم خالد هو من شعر للأشهب النهشلي وهو شاعر إسلاميّ من طبقة الفرزدق، وقيل: الحرث بن مخفض وحانت بمعنى هلكت وذهبت وفلج بالسكون موضع بقرب البصرة والمراد بدمائهم نفوسهم وفي الكشاف وجه آخر وهو أنّ الذي ومن يتعاقبان فعومل هنا معاملته لتوهمه وقد ذكره شارح اللباب، والمصنف رحمه الله تركه لبعده وخفائه وكذا كون لا يقدرون راجع للذين آمنوا بالالتفات وهو مما لا يلتفت إليه ولما وضع القوم الكافرين موضع من ذكر استفيد منه أنه من صفة الكفار فينبغي اجتنابه. قوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 (وتثبيتاً بعض أنفسهم الخ (الثبات ضد الزوال والإثبات والتثبت يكون بالفعل والقول وهو متعد وجوّز لزومه فمفعوله إما الثواب على النفقة أو الإعمال بإخلاص النية أو من أنفسهم هو المفعول لأنه بمعنى بعض أنفسهم وهو الذي ارتضا. المصنف رحمه الله وقيل: من بمعنى اللام وجوّز نصبهما على الحالية أو المفعول لأجله ومن تبعيضية كما بينه أو الجار والمجرور صفة تثبيتاً ومن ابتدائية وتثبيتاً لا مفعول له مقدر أو مفعوله الإسلام والجزاء ونحوه وهو الوجه الثاني ووجه إفادته الحكمة المذكورة أنّ الإنفاق لا للرياء والعوض! أفاد ذلك فتأمّل ذلك. قوله: (أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة الخ) في التشبيه وجهان: أحدهما أنه مركب وتقدير المضاف لأنه لا بد من إضافة المثل من رعاية المناسبة كما مر والتشبيه لحال النفقة بحال الجنة بالربوة في كونها زاكية متكثرة المنافع عند الله كيفما كانت الحال والثاني أن تشبه حالهم بحال الجنة على الربوة في أنّ نفقتهم كثرت أو قلت زاكية زائدة في حسن حالهم كما أنّ الجنة يضعف أكلها قوي المطر وضعيفه وهذا أيضا تشبيه مركب إلا أنه لوحظ الشبه فيما بين المفردات وحاصله أنّ حالهم في اتباع القلة والكثرة تضعيف الأجر كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل تضعيف ثمارها، ويحتمل وجهاً ثالثا وهو أن يكون من تشبيه بالمفرد بأن تشبه حالهم بجنة مرتفعة في الحسن والبهجة والنفقة الكثيرة والقليلة بالطل والوابل، والأجر والثواب بالثمرات والربوة مثلثة الراء وفيها لغة رابعة رباوة، وأكل بضمتين وتسكن للتخفيف وبه قرئ. قوله: (مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل الخ) بسبب قيد للمثلين، وا أضعف فيه خلاف هل هو المثل أو المثلان كما سيأتي والزوج يطلق على مجموع المزدوجين وعلى كل واحد منهما، وقوله وقيل: الخ بناء على القول الثاني والأحسن أنّ التثنية للتكثير لأنّ المضاعفة كثيرة كما مر. قوله: (أي فيصيبها الخ) يشير إلى أن الفاء جواب الشرط ولا بد من حذف بعدها لتكمل الجملة فذهب المبرد إلى أنّ المحذوف خبر والتقدير فطل يصيبها وجاز الابتداء بالنكرة لأنها في جواب الشرط وهو من جملة المسوغات كقولهم: إن ذهب غير فعير في الرهط وقيل: إنه خبر مبتدأ مقدر أي فالذي يصيبها طل، وقيل: إنه فاعل بفعل مضمر تقديره فيصيبها طل وهذا أبينها ولذا قدمه المصنف رحمه الله لكنه قيل: إنه يحتاج إلى تقدير مبتدأ وحذف جملة وإبقاء معمول بعضها أي فهو أي لجنة يصيبها طل لأنّ الفاء لا تدخل على المضارع، وقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} [سورة المائدة، الآية: 95] بتقدير فهو ينتقم الله منه كما سيأتي وردّ بأنا لا نسلم أنّ المضارع بعد الفاء الجوابية يحتاج إلى إضمار مبتدأ وقد جوّزوا التقادير الثلاثة في قول امرئ القيس: إلا يكن إبل فمعزى قوله: (والمعنى أن نفقات الخ (من أحواله أي أحوال المنفق أو الإنفاق في القلة والكثرة وقوله: ويجوز الخ فهو تشبيه مفرق كما مر والزلفى التقرّب. قوله: (تحذير عن الرئاء الخ) أي الله بصير بما تعملون فليحذر المرائي وليجد المخلص! ولا حاجة مع رؤية الله إلى رؤية غيره فيصير هنا في موقعة في البلاغة. قوله: (جعل الجنة منهما الخ) المراد بالجنة هنا الأشجار كما مر وغلب النخيل والأعناب فأراد من كل الأشجار المثمرة فيصح أن له فيها من كل الثمرات فلا يسئل عن أنه إذا كانت الجنة منهما كيف يكون فيها كل الثمرات كما أشار إليه المصنف ومنه يعلم أن التغليب يكون في المفرد والمركب أو المراد بالثمرات المنافع وما قيل: إنه من ذكر العام بعد الخاص للتتميم فليس بشيء. قوله:) فإن الفاقة الخ) الفاقة الفقر والعالة جمع عائل وهو من نوادر الجمع كسادة ولما كان أصاب لا يعطف لا لاختلافهما زمانا ولا لأن أن يمتنع دخولها على الماضي بل لأنها إذا دخلت على المضارع فهي للاستقبال وإن دخلت الماضي جردت عنه جعلوها حالية ومقدرة وصاحب الحال أحدكم أو يعطف على وضمع الماضي موضع المضارع، قاله الفراء وقال يجوز ذلك في يودّ لأنه يتلقى تارة بأن ومرة بلو فجاز أن يقدر أحدهما مكان الآخر أو يحمل العطف على المعنى لأنّ المعنى أيودّ أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر قيل: هذا الوجه فيه تأويل المضارع بالماضي عكس ما قبله واستضعفه أبو البقاء بأنه يؤذي إلى تغيير اللفظ مع صحة المعنى والزمخشرقي فحا إليه وتابعه المصنف رحمه الله تعالى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 قال أبو حيان: وظاهره أن أصابه معطوف على متعلق يوذ، وهو أن يكون لأنه بمعنى لو كانت وليس بشيء لأن إصابة الكبر لا يتمناها أحد وهو غير وارد لأن الاستفهام للإنكار فهو ينكر الجمع بينهما كما قيل: وفيه تأمّل، وعبر بالضعفاء جمع ضعيف كشركاء وشريك وترك التعبير بالصغار مع مقابلة الكبر لأنه أنسب كم لا يخفى. قوله: (فأصابها إعصار الخ (الإعصار ريح شديدة تسمى زوبعة، وقيل: هي ريح السموم والجملة الأولى معطوفة على صفة الجنة، وقوله: أو تكون أي عطف على تكون لأنه بمعنى لو كانت كما مرّ وقوله: وأشبههم به أي بمن له هذه الجنة المذكورة من عرف الحق واتصمل به ثم رجع إلى خلافه وعلى ما ذكره أوّلاً فهو تمثيل لمن يبطل صدقته بالمن والأذى والرئاء وفصل عنه لاتصاله بما ذكر بعده أيضاً قيل: والأحسن أن يكون تمثيلاً لمن يبطل عمله بالذنوب لأنّ من ذكر لا عمل له، والجواب أنّ له عملا يجازي عليه بحسب ظاهر حاله وظنه، وهو يكفي للتمثيل المذكور. قوله:) من حلاله الخ) ترك في الكشاف ذكر الحلال وهو ما يحل إنفاقه مأكولاً أولاً لأنه يعلم س الأمر بالإنفاق وما فعله المصنف رحمه الله أولى وتركه فيما أخرجنا لعلمه مما قبله ولك أن تجعل ما عبارة عنه وإعادة من لأن كلاً منهما نوع مستقل وقوله: أي من المال أرجع الضمير إلى المال الذي في ضمن القسمين لأنّ الرداء فيه وكذا الحرمة أكثر لتفاوت أصنافه ومجالبه والقرا آت المذكورة معناها واحد في المآل لأن يتمم وأتم بمعنى قصد، وتيمموا بضم التاء وكسر الياء بمعنى تيمموا طلبكم ونحوه فيرجع إلى ما ذكر، وجملة تنفقون حال مقدرة لأنّ الإنفاق بعد القصد ومنه على التعلق به تقدمه للحصر أو لأجل الفاصلة وهو الأوجه لأنه على الأوّل يقتضي النهي عين الخبيث الصرف فقط مع أنّ المخلوط كذلك. قوله: (إلا أن تغمضوا فيه الخ) الغمض إطباق الجفن لما يعرض من النوم يقال: غمض عينه وأغمضها، قال الراغب: ويستعار للتغافل والتساهل قال تعالى: {إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} ، وقيل: إنه كناية عن ذلك وفيه نظر وأصله إلا بأن تغمضوا وأجاز أبو البقاء فيه الحالية قال الحلبيّ وسيبويه لا يجيز أن يقع أن وما في حيزها حالاً، وقال الفراء: أن شرطية لأنّ معناه إن أغمضتم أخذتم وهو مردود كما بين في النحو وفيه قرا آت كما ذكره المصنف وغيره، وقال النحرير: يستعمل الإغماض مذكور المفعول وفي الأساب أغمضت عنه وغمضت واغتمضت إذا أغضبت وتغافلت: ومن لايغمض عينه عن صديقه وعن بعض مافيه يصت وهوعاتب وأمّا أغمضته بمعنى أدخلته في الغمض وجذبته إليه أو بمعنى وجدت مغمضاً على ما فسر به قراءة قتادة فلا يوجد في كتب اللغة، وما أنكره نقله أبو البقاء عن ابن جني وهو إمام اللغة فعدم وجوده في الصحاح لا يضرنا، وقوله: وقرئ تغمضوا أي على المجهول والتخفيف وهي قراءة قتادة وشراره جمع شر بمعنى رديء وقوله: بقبوله واثابته: يعني أنّ حميد بمعنى حامد وحمد الله مجاز عما ذكر وهو ظاهر. قوله: (والوعد في الأصل الخ (أي في أصل وضعه لغة، وأنا في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإيعاد في الشر حتى يحملون خلافه على المجاز والتهكم وما ذكره لغات في الفقر وأصله كسر فقار الظهر. قوله: (وينريكم على البخل الخ) الإغراء الحث والتسليط قيل: هو استعارة تبعية فيه، والفحش بمعنى البخل شائع في كلام العرب لقبحه عندهم قال طرفة: أرى المال يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد وفسر الحكمة التي هي من الأحكام بما ذكره لأنه هو المعنى اللغوي الوارد وغيره اصطلاح، وقوله: مفعول أوّل لأنّ آتى بمعنى أعطى تقول أعطيت زيدا مالاً ولا يعكس. قوله: (لآنه المقصود الخ) أي المقصود بيان فضيلة من نال الحكمة بقطع النظر عن الفاعل، ولك أن تقول إنه حذف لتعينه، وقوله: ومن يؤته الله قيل: إن كان تفسير معنى فصحيح وان كان إعرابا فلا إذ من الشرطية مفعول مقدم فلا ضمير محذوف هنا وهو ليس بشيء لأنه يصح أن يكون من مبتدأ أو العائد محذوف بدليل أته قرئ ومن يؤته لكنه ليس بمتعين، وقوله: أي أنّ خير إشارة إلى أنّ التنوين للتعظيم، وقول: إذ حيز مجهول حاز بالمعجمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 بمعنى جمع، وفي نسخة خير بالخاء المعجمة من خار الله له الأمر أي جعله خيرا له والأولى أولى، ويذكر إمّا من التذكير بمعنى الوعظ أو التذكر بمعنى التفكر، وأصل معناه أن يذكر ما ليس حاضرا فتجوّز به عن التفكر كما أشار إليه المصنف رحمه الله واللب الخالص من كل شيء والعقل الخالص عما ذكر، وقوله: قليلة أخذه من إبهام النكرة وشيوعها، قال النحرير: ومثل هذا البيان يكون لتأكيد التعميم ومنع الخصوص وجعله شاملا للطاعة والمعصية وغيرهما ليدخل تحته ما بعده مما فسر به قوله: وما للظالمين من أنصار فافهم. قوله: (فيجازيكم عليه الخ) يعني أنّ إئبات العلم كناية عن هذا المعنى والا فهو معلوم فإن قيل: نفي الأنصار لا يوجب نفي الناصر قيل: هو على طريق المقابلة أي لا نصر لظالم قط. قوله: (فنعم شيئاً ابداؤها الخ) قال! ابن جني ما هنا نكرة تامة منصوبة على أنها تمييز، والتقدير نعم شيئا إبداؤها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ألا ترى إلى قوله: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} والتذكير يدل على ما ذكرنا والفاء جواب للشرط ونعم ماض من أفعال المدح وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ بفتح النون وكسر العين على الأصل كعلم وقرأ ابن كثير وورس وحفص بكسر النون والعين للاتباع وهي لغة هذيل، قيل: ويحتمل أنه سكن ثم كسر لالتقاء الساكنين وقرأ أبو عمرو وقالون وأبو بكر بكسر النون وإخفاء حركة العين، وروي عنهم الإسكان أيضاً واختاره أبو عبيد وحكاه لغة والجمهور على اختيار الاختلاس على الإسكان حتى جعله بعضهم من وهم الرواة وممن أنكره المبرد والزجاج والفارسي لأنّ فيه جمعاً بين ساكنين على غير حده وقال الفارسيّ: إنه اختلاس الحركة فظنه الراوي سكونا، وهي مبتدأ وهي ضمير الصدقات على حذف مضاف لوجوب ارتباط الجزاء بالشرط ويجوز أن لا يقدر مضاف والجملة خبر عن هي والرابط العموم وضحمير تخفوها يعود على الصدقات فقيل: يعود عليها لفظاً ومعنى وقيل: يعود عليها لفظا لا معنى لأنّ المراد بالصدقات المبدأة الواجبة وبالمخفاة المتطوع بها فيكون من باب عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر. قوله: (أي تعطوها مع الإخفاء الخ) قيل: إيتاء الفقراء لا بد منه في الإبداء أيضاً فوجه أنّ الإبداء معلوم صرفه إليهم فحثهم في الإخفاء على ذلك وصرح به اهتماماً، وتخصيصى الفقراء لم يذكروا وجهه ولذا فسره في الكشاف بالمصارف، والظاهر أنّ المبدأة لما كانت الزكاة لم يذكر معها الفقراء لأنّ مصرفها غير مخصوص بهم والمخفاة لما كانت التطوع بين أنّ مصارفها الفقرإء فقط وما ذكره لا يظهر وجهه وفي صدقة التطوّع جعل التفاوت سبعين لفضله بكثير وفي الفريضة أقل لأنّ إخفاءها ليس مطلوبا في أصله فانظر حسنه وقوله والله يكفر الخ هو إما تقدير معنى لبيان مرجع الضمير أو إعراب بأن جعلها اسمية بقرينة ما بعدها ليتناسبا. قوله: (على أنه جملة فعلية مبتدأة الخ) المبتدأ بمعنى المستأنفة، وقيل: المراد إنها غير مرتبطة بالشرط فهي إمّا مستأنفة أو معطوفة على مجموع الشرط والجزاء، وقوله: على ما بعد الفاء الخ في الكشاف وجه آخر وهو أنه مرفوع معطوف على محل ما بعد الفاء قيل: يعني أنّ مجموع الجزاء وهو الفاء مع ما بعدها مجزوم وما بعدها وحده مرفوع إذ لا أثر للعامل فيه فقراءة الرفع والجزم محمولة على الاعتبارين واعترض بأنّ الجملة المرفوعة المحل إنما تكون خبراً أو تابعة لمرفوع أو مبتدأ أو فاعلاَ على خلاف في الأخيرين ولا شيء من ذلك يمكن اعتباره هنا، وكان المصنف رحمه الله تركه لهذا وقال السمين إنه عطف على محل ما بعد الفاء إذ لو وقع مضارع بعدها لكان مرفوعاً كقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} فإذا تأملته علمت أنّ ما اعترض به لا يرد. قوله: (ترغيب في الأسرار) إنما حمله عليه لقربه ولأنّ الخبرة بالإبداء لا يمدح بها فلا يقال لو صرفه إلى جميع ما مر لكان أولى ووجه الترغيب أنه يعلم السر وأخفى فيكفي علمه لأنّ إنفاقه لله لا لغيره، والوجوب مأخوذ من عليك، وقوله: كالمن إشارة إلى ارتباطه بما قبله وقوله: وأنها تختص في نسخة إنما. قوله: (فهو لأنفسكم لا ي! مفع به غيركم الخ) يعني الانتفاع الأخروي وإلا فالفقير ينتفع به لا محالة، والاختصاص يستفاد من اللام والمقام وضمير عليه للإنفاق أو المنفق وكذا المقر. قوله: (حال وكأنه الخ) والمعنى وما تنفقون معتدا بها إلا لابتغاء الخ أو المخاطب به الصحابة وابتغاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 منصوب مفعول لأجله وعطفه على ما قبله أي الجزاء وكونه بمعنى النهي لا يمنع العطف صورة. قوله: (ثوابه أضعافاً مضاعفة) يعني الثواب في الآخرة أو ما يعطيه الله في الدنيا فإن قلت: إذا كان تأكيدا ينبغي أن لا يعطف، قلت ليس هو تأكيدا صرفا بل سياق الآية للاستدلال على ترك ما ذكر فكأنه قيل: كيف يمن أو يقصر فيما يرجع إليه نفسه أو كيف يفعل ذلك بماله عوض وزيادة، وهو بهذا الاعتبار أمر مستقل ورضاع ككفار جمع راضحع بمعنى رضيع، وقوله: فنزلت أي ليس عليك الخ فلا تعلق لها حينئذ بالمن والأذى والمعنى أنه ليس هداهم إليك حتى تمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام فتصدقوا عليهم لله ولا تنظروا لكفرهم فإنه عائد، عليهم وما أنفقتم نفعه لكم، وقوله: إن ينتفعوهم من النفع وفي نسخة ينفقوهم من تنفيق السلعة، وقوله: أمّا الواجب فلا يجوز الخ أمّا في الزكاة فمقرر وفي صدقة الفطر والنذر والكفارت اختلف فيه فجوّزه أبو حنيفة رحمه الله وجعل هذه الآية مخصوصة بكل صدقة ليس أخذها إلى الإمام واستدل بقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [سورة الإنسان، الآية: 8] والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً، وقوله: لا تنقصون الخ على التفسير الأوّل المرضي وعلى الثاني الظاهر لا تنقصون الخلف وأحصرهم الجهاد بمعنى منعهم عن الك! سب والتصرف وقوله: الجاهل بحالهم قيده لأنّ حسبان الجاهل بالمعنى المعروف لا وجه له، والسيمي مقصورة العلامة الظاهرة. قوله: (وقيل: هو نفي للامرين كقوله الخ) في مثله طريقان مشهوران فتارة ينفي القيد دون المقيد وتارة ينفيان معا كقوله ولا شفيع يطاع، قال النحرير: وهذا إنما يحسن إذا كان لازماً للمقيد أو كاللازم لأنه يلزم من نفيه نفيه بطريق برهاني كما في البيت لأنه لو كان منار اهتدى به وهنا ليس كذلك فلذا استضعفوا هذا الوجه وقيل: عليه إنّ ما ذكره مسلم إن لم يكن في الكلام ما يقتضيه وهو كذلك هنا لأنّ التعفف حتى يظنوا أغنياء يقتضي عدم السؤال رأسا والشعر المذكور صدر بيت آخره: إذا ساقه العود الديافيّ جرجرا وهو من قصيدة لامرئ القيس في ديوانه أوّلها: سما لك شوق بعدماكان أقصرا وحلت سليمى بطن قرّفقرقرا والديافي بدال مهملة مكسورة نسبة إلى دياف موضع والجرجرة صوت يردده البعير في حنجرته واللاحب بحاء مهملة الطريق الواضح والمنار ما يعلم به الطريق وما قيل: إنه عجز بيت صدره: سدا بيديه ثم أج بسيره لا صحة له ونصبه إمّا على الحال أي ملحفين أو مصدر نوعي أو بفعل مقدر من لفظه. قوله: (أي يعمون الأوقات الخ) أي المراد بالليل والنهار جميع الأوقات كما أن المراد بما بعده جميع الأحوال وكونها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه وكونه تصدّق بما ذكر رواه ابن عساكر في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها وكونها نزلت في ربط الخيل فهو سبب النزول وان لم يخص لكنه لا وجه لذكر السرّ والعلانية إلا بتكلف، وقوله: أي ومنهم الخ بيان لمحل التقدير والمقدر والا فالظاهر منهم بدون واو وفيها تقادير أخر. قوله: (أي الآخذون الخ) فعبر با! ل لكثرة وقوعه فيه وكثيرا ما يعبر به عن الأخذ بغير حق وهو زيادة في الأجل بسببه لأنه نفع أيضاً ولما في الربا من معنى الزيادة زيد فيه تفخيم ألفه ولذا كتبت واواً، وقال الفرّاء رحمه الله: إنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة وهم نبط لغتهم ربوا بواو ساكنة فكتبت كذلك والتفخيم إمالة الألف نحو الواو. قوله: (إذا بعثوا من قبورهم الخ) هذا تفسير مأثور مشهور وبين أيضا بأنّ المرابي يقوم من قبره كمجنون مصروع بصفة يعرفه أهل المحشر بها عقوبة له، قاله قتادة: واختاره الزجاج رحمه الله وقيل: الناس إذا بعثوا خرجوا مسرعين، قال تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [سورة المعارج، الآية: 43] والمرابي يسقط ولا ينهض كالزمن لثقله وكبر بطنه كما صرّج به في حديث الإسراء واختاره ابن قتيبة وقال ابن عطية: المراد تشبيه المرابي في حرصه وتحرّكه في اكتسابه في الدنيا بهذا كما يقال: لمن يسرع بحركات مختلفة قد جن قال: وتصبح عن غبّ السرى وكأنما ألمّ بها من طائف الجن أولق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وهو بعيد. قوله: (وهو وارد على ما يزعمون أليس هذا إنكارا للجن كما يزعم بعضهم بل الصرع ليس من الجن بل مرض كما ذكره الأطباء إلا أنهم قالوا: إنه قد يكون منهم أيضا ورووا فيه أحاديث كثيرة ذكرها في كتاب لقط المرجان في أحكام الجان، وقال الجياني: كون الصرع من الشيطان باطل لأنه يقدر عليه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} [صورة إبراهيم، الآية: 22] الآية، وكذا قال القفال: من الشافعية وفيه نظر. قوله: (والخبط الخ) يعني أنّ أصله ضرب متوال على أنحاء مختلفة ثم تجوّز به عن كل ضرب غير محمود كما قال خبط عشواء وقال زهير: رأيت المناياخبط عشواءمن تصب تمته ومن يحيى يعمرفيهرم والعشواء الناقة التي لا تبصر ليلاً ضرب به المثل لمن يفعل أفعالاً غير مستقيمة. قوله: (على غير اتساق) أي انتظام في القدر وفيه إشارة إلى أنّ الجنون مأخوذ من الجن. قوله: (أي الجنون) يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا جن وأصله اللمس باليد فسمي به لأنّ الشيطان يمسه أو هو على تخيل واستعارة. قوله: (وهذا أيضاً من رّعماتهم) أي كما أنّ التخبط كذلك وقد تبع فيه الزمخشريّ، وقال ابن المنير: زعماتهم كذباتهم التي لا حقيقة لها كالغول والعنقاء، وهذا أيضاً من تخبط الشيطان بالمعتزلة الذين تبعوا الفلاسفة المنكرين لمعظم أحوال الجن وهم ملجمون بما في الأحاديث الصحيحة. قوله: (وهو متعلق بلا يقومون) بناء على أنّ ما قبل ألا يعمل فيما بعدها إذا كان ظرفاً كما في الدرّ المصون فلا يرد عليه أنه لا يصح من جهة العربية ومعاقبتهم بالإرباء من جنس العمل. قوله: (ذلك القعاب) أي القعاب بأرباء ما في بطونهم وعكس التشبيه بناء على ما فهموه أنّ البيع إنما حل لأجل الكسب والفائدة وهو في الربا متحقق وفي غيره موهوم ولذا جوّز أن يكون التشبيه غير مقلوب ولكن الله أبطل قياسهم بالنص على حرمته من غير نظر إلى قياسهم الفاسد وفي الكشاف أنه جيء به على طريق المبالغة إذ جعلوه أصلا في الحل مقيسا عليه، وقال ابن المنير: أنه خرح على طريقة قياس العكس فإنه متى كان المطلوب التسوية بين شيثين فقد يسوّي بينهما طرداً فيقول: الربا مثل البيع والربا حلال فهو حلال وقد يعكس فيقول: البيع مثل الربا فلو كان الربا حراما كان البغ حراما ضرورة المماثلة أو يقول لما كان البيع حلالاً اتفاقا وجب أن يكون الربا مثله اص. قوله: (إنكار لتسويتهم الخ ( يعني أنه إشارة إلى ما عليه جمهور المفسرين من أنه جملة مستانفة من الله عز وجل ردّا على القائلين بأنّ البيع مثل الربا وأنه قياس فاسد الوضمع لأنه معارض! للنص وفيه احتمال آخر، وهو أن يكون من تتمة كلام الكفار إنكارا للشريعة وردّا لها أي مثل هذا من الفرق بين المتماثلات لا يكون عند الله فالجملة حالية فيها قد مقدرة. قوله: (وعظ من الله الخ) تفسير لفظ ومعنى إشارة إلى أنه مصدر ميمي وتذكيره لكونه بمعنى الوعظ. قوله: (وتبع النهي الخ) إشارة إلى أنه من نهاه فانتهى. فإنه مطاوع أو بمعنى اتعظ وانزجر. قوله. (إن جعلت من موصولة الخ الأنه خبر فهو معتمد وأمّا إذا كان جوابا فهو مبتدأ على رأي من يشترط الاعتماد، وكون المرفوع اسم حدث ومن لا يشترطهما يجوز كونه فاعل الظرف. قوله: (وأمره إلى الله) اختلف في مرجع هذا الضمير فقيل: هو ما سلف أي أمره في العفو عنه لله لا لكم فلا تطالبوه به وهو مختار الزمخشريّ، وقيل: الربا أي أمره في التحليل والتحريم له لا لكم حتى تحتجوا لحله بالقياس مع النص! وقيل: هو لصاحب الربا أي أمره في تثبيته على الانتهاء عنه إليه وهو مختار السخاوي، وقيل: هو كذلك إلا أنه لتأنيه وبسط أجله في أنه يعوّضمه خيراً مما ترك واختار. الزجاج والمصنف رحمه الله. قوله: (يجاز به الخ) قيده بالشرط لأنه إن كان لأمر آخر كخوف من البشر لا جزاء له لكنه لا يؤاخذ به وقيل: يصح أن يقرأ إن كان بالفتح على المصدرية والتعليل وهو تكلف لا داعي له. قوله: (وقيل: الخ) هو القول الثاني فتدبر. قوله: (إلى تحليل الربا الخ) فيكفر بتحليله وهو ردّ على الزمخشريّ في تفسيره بمن عاد إلى الربا واستدل به على تخليد مرتكب الكبيرة، وأمّا الجواب بأن تغليظ فخلاف الظاهر، وقيل: ألا يخفى أنّ في قوله فله ما سلف نبوا عن جعل هذا جزاء الاعتقاد والاستحلال وأنّ المراد من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 جاءه موعظة وانتهى عن أكل الربا فإنه إذا جعل النار جزاء الاستحلال بقي جزاء مرتكب الفعل غير مذكور في الكلام مع أنه المقصود الأهمّ لأنه إذا كان جزاء الفعل الخلود فجزاء الاعتقاد الذي هو كفر فوقه بخلاف العكس وردّ بأنّ ما يكفر مستحله لا يكون إلا من كبائر المحرّمات وجزاؤها معلوم، ولذا لم ينبه عليه لظهوره. قوله: (يضاعف ثوابها) إشارة إلى أن يربي بمعنى يزيد والزيادة لا تتصوّر فيها نفسها بل في ثوابها والمهر بضم الميم ولد الفرس الذكر. قوله: (ما نقصت الحديث) إن قرئ بالتخفيف فمن مال صفة زكاة وان شددت فالظاهر أنّ من زائدة. قوله: (لا يرتضي ولا يحب الخ) أي لا يحبه أصلاً بل يسخط عليه كما أنّ من تاب بخلافه، وكل كفار يفيد عموم الإفراد وشمولها إذ لا فرق بين واحد وواحد، وقوله: منهمك في ارتكابه مأخوذ من صيغة فعيل المفيدة للمبالغة. قوله: (إن كنتم مؤمنين بقلويكم) فسره بهذا لأنه خاطبهم أوّلاً بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فلا حاجة حينئذ لهذا فأوّله بأنّ المراد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ظاهراً إن كان إيمانكم عن صميم القلب فافعلوا ما ذكر، وقد يؤوّل مثله بالثبات والزيادة كما مرّ والمحل بكسر الحاء المهملة مصدر بمعنى حلول الدين. قوله: (فاعلموا بها) أي الحرب لأنها تؤنث وتذكر واعلموا بمعنى أيقنوا كما قرئ به في الشواذ ولذا تعدى بالباء وابن عياس بمثناة تحتية وشين معجمة من القرّاء مشهور، وآذنوا بالمد بمعنى أعلموا، وقوله: من الأذن بكسر فسكون أو بفتحتين والمربي صاحب الربا والمعروف فيه مراب، وقوله: لا يدي لنا أي لا طاقة لنا بهذا يقال: ما لي بهذا الأمر يد ولا يدان أي لا طاقة لي به لأنّ المدافعة إنما تكون باليد فكأنّ يده معدومة لعجزه عن دفعه، وتركيبه كقولهم لا أبا له بإقحام اللام لتأكيد الإضافة، قال ابن الحاجب: حذفت تشبيهاً له بالمضاف والارتباء فعل الربا وتثبيته، وقوله: ويفهم منه الخ فيه نظر لآنه إن جعل قوله: لا تظلمون حالاً لم يفد ما ذكر فتأمّل. قوله: (وإن وقع غريم الخ) أي فكان تامّة بمعنى يوجد أو ناقصة على القراءة الأخرى وهو ظاهر. تنبيه: قوله: إلى تحليل الربا ردّ على الزمخشريّ لأنّ المراد من عاد إلى ما مرّ من أكل الربا وتحليله وجعله مساوياً للبيع فيه ومن كان كذلك فهو كافر وتوهم الزمخشريّ أنّ المراد العود إلى أكل الربا فقط فاستدلّ به على تخليد الفساق وليس كذلك لأنه لا وجه لتخصيصه به فتأمّل. قوله: (فنظرة الخ) نظرة كنبقة وتسكن بمعنى انتظار وناظر مصدر أيضا أو بمعنى منتظر أو على النسب وميسرة بالضم كمشرقة، وقوله: بحذف التاء عند الإضافة أي بإقامة الإضافة مقامها وهذا ردّ على من اعترض على هذه القراءة بأنّ مفعلاً بالضم معدوم أو شاذ فأشار إلى أنه مفعلة لا مفعل وأجيب أيضاً بأنه معدوم في الآحاد وهذا جمع ميسرة، وقيل: أصله ميسروة فخفف بحذف الواو. قوله: (وأخلفوك الخ) أوّله: إنّ الخليط أجدوا البين فانجردوا الخليط العشير، وانجردوا بمعنى طال سيرهم وأصل عد الأمر فحذفت التاء للأضافة كما في إقام الصلاة، وقوله: فيؤخره مرفوع معطوف على يحل والنفي منسحب على المجموع أي لا يكن حلول يعقبه تأخير والاستثناء مفرغ في موضع صفة رجل أو حال والمعنى كلما كان هذا كان ذاك ونصبه بتقدير أن ورفعه على أنه خبر مبتدأ أليس بذاك، وتفسير التصدق بالأنظار مع بعده ردّ بأنه علم مما قبله فلا فائدة فيه هنا، وقوله: ما فيه من ذكر الخ. المقصود به التحريض إذ هو مما لا يجهل، وقوله: جزاء ما عملت يشير إلى أنه على تقدير مضاف وكون هذه الآية آخر آية مذكور في كتب الحديث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 مصحح. قوله: (وفائدة ذكر الدين الخ) أي أن لا يتوهم أنّ التداين بمعنى المجازاة فأكد به لدفع هذا الاحتمال كقولك نظرت بعيني، ولم تنوعه لأنه لما ذكر المسمى علم منه أنه له قسيما آخر وأمّا مرجع الضمير وان جاز أن يكون للدين الذي في ضممنه لكن المتبادر عوده إلى التداين وهو بيع الدين بالدين ولا يصح وجوّز في ويكون مرجع أن تكون تامّة ومرجع فاعله، وفسر المسمى بالمعلوم زمانه والآية تشمل كل ما يؤجل شرعا أو هي مخصوصة بالسلم كما هو الظاهر وهو المنقول في البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما واليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (من يكتب بالسوية الخ) إشارة إلى أنّ بالعدل متعلق بكاتب فهو ظرف لغو والمقصود وصف الكاتب بالعدالة وأمر المتداينين بكتابة عدل على طريق الكناية ولو جعل مستقرا صفة لكاتب لصح أيضا. قوله: (فقيه) قال الطيبي: يعني أنّ الكلام مسوق لمعنى ومدمج فيه آخر بإشارة النص وهو اشتراط الفقاهة فيه لأنه لا يقدر على التسوية في الأمور الخطرة إلا من كان فقيها. قوله: (مثل ما علمه الله من كتبه الوثائق الخ) هو على حاشية الشهاب / ج 2 / م 39 هذا قيد في الكتابة وفي التوجيه الثاني تحريض عليها بتذكير نعمة الله وما مصدرية أو كافة والجار والمجرور أمّا في موضع المفعول المطلق أو المفعول به وعلى تعلقه بالأمر وبعدمه فالفاء لا تمنع كما في قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} لأنها زائدة في المعنى كما يشير إليه قوله: تأكيدا والاملال بمعنى الإلقاء على الكاتب ما يكتبه وفعله أمللت ثم أبدل أحد المضاعفين ياء وتبعه المصدر فيه وأبدلت همزة لتطرّفها بعد ألف زائدة، وقوله: فيكون النهي الخ يعني لا يكون على هذا تأكيدا، وقوله: ومن عليه الحق راجع إلى التفسير الأوّل وما بعده إلى الثاني، وقوله: غير مستطيع يشير إلى أنّ لا يستطيع جملة معطوفة على مفرد هو خبر كان لتأويلها بالمفرد، وله الذي يلي أمره إشارة إلى أنّ الولي بمعناه اللغوي لا الشرعي ليشمل من ذكر والإقرار عن الغير في مثل هذه الصور مقبول وفرق بينه وبين الإقرار على الغير فاعرفه. قوله: (واستشهدوا شهيدين الخ الم يقل رجلين إشارة إلى استجماع شروط الشهادة وما ذكر عن أبي حنيفة رحمه الله إن أراد أنه أخذه من الآية فبالقياس والا فالكلام في تداين المؤمنين. قوله: (فإن لم يكونا رجلين الخ) يعني إن لم يشهدا حال كونهما رجلين فليشهد رجل وامرأتان ولولا هذا التاويل لما اعتبر شهادتهن مع وجود الرجال وشهادتهن معتبرة معهم حتى لو شهد رجال ونسوة بشيء يضاف الحكم إلى الكل حتى يضمن الكل في الرجوع، فلا يفهم من النظم أنّ صحة شهادة النساء موقوفة على عدم الرجال كما قيل. قوله: (فليشهد) إن كان مبنيا للمفعول فهو ظاهر وإن كان مبنيا للفاعل فهو في الحقيقة أمر للمتداينين كما مرّ في قوله فليكتب فلا يقال إنه لا يناسب تقدير هذا الأمر إذا لمأمورهم المخاطبون كما قيل: وأمر الشهادة مفروغ عنه في الفقه وقوله: لعلمكم بعدالتهم أي بعدالة المذكورين من الرجال والنساء، ولذا أخره ففيه تغليب. قوله: (علة اعتبار العدد الخ) أي اشتراط المرأتين مع الرجل حيث لم يكتف بواحدة. قوله: (لأجل أنّ إحداهما إن ضلت الخ) إشارة إلى أن فضل بتقدير لام التعليل وأنّ الضلال هنا بمعنى النسيان ويقابله التذكر لا الهداية، وقوله: والعلة في الحقيقة قال الزمخشريّ: فإن قلت كيف يكون ضلالها مرادأ لله تعالى قلت: لما كان الضلال سببا للإذكار والإذكار مسبباً عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه لإذكار إرادة للإذكار فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ونظيره قولهم أعددت الخشب أن يميل الحائط فأدعمه وأعددت السلاح أن يجيء العدوّ فادفعه اهـ. فقيل في شرحه: لقائل أن يقول قدر فليشهد رجل وامرأتان وجعل أن تضل مفعولاً له بتقدير الإرادة فيكون فاعل الفعل المعلل به هو المرأتان فكيف أورد السؤال بأنّ الضلال ليس مرادا لله تعالى، ولعله إنما قدر الإرادة لأنّ الضلال وان كان فعلا لفاعل الفعل المعلل لكنه ليس مقارنا له في الوجود ويمكن أن يجاب بأنّ المراد بقوله فليشهد ليس أمر الرجل وامرأتين بتحمل الشهادة لأنّ الكلام في العاملين بل أمرهم في استشهادهم فيكون التقدير فإن لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 تشهدوا رجلين فاستشهدوا رجلاً وامرأتين وحقيقته أمر الله أن تستشهدوا والضلال ليس من فعل المستشهد ولا من فعل الله فلهذا قدّر الإرادة وجعل فاعل الفعل المعلل هو الله لا المخاطبين أو يقال: حقيقة فليشهد أمر الله أن يشهد، فجعل فاعل الفعل هو الله لا امرأتان لأنه في بيان غرض الشارع من الأمر باستشهاد المرأتين لا بيان غرضهم، وذلك لأنّ النسيان غالب على طبع النساء لكثرة الرطوبة في أمزجتهن واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من نسيان المرأة الواحدة فلهذا أقام الشرع المرأتين مقام الرجل الواحد حتى أنّ إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى، وتقرير الجواب أنّ المراد من الضلال الإذكار لأنّ الضلال سبب للإذكار فأطلق السبب والمراد المسبب فكأنه قيل: إرادة الإذكار عند الضلال كما أنّ المراد من المثال إرادة الإدعام عند ميلان الحائط، قال الزجاج: زعم سيبويه والخليل والمحققون أنّ المعنى استشهدوا امرأتين لأنّ تذكر إحداهما الأخرى ثم سألوا لم جاء أن تضل وكيف يستشهد امرأتان للضلال وأجابوا بأن الإذكار سببه الضلال فجاز أن يذكر ويراد الإذكار كما قلت: أعددت هذا أن يميل الحائط فأدعمه وإنما أعددته للدعم لا للميل وإنما ذكرت الميل لأنه سبب الدعم، ولعل هؤلاء لما رأوا شرط نصب المفعول له منتفيا جعلوه مجروراً باللام لكن علة الاستشهاد ليس نفس الإذكار بل إرادته فيرجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل: عليه متعلق الأمر والنهي قد يكون قيدا للفعل، وقد يكون قيدا للطلب نحو أسلم تدخل الجنة وأسلم لأني أريد الخير والعلة هنا لبيان شرعية الحكم واشتراط العدد فيجب أن يكون فعلاً للآمر وقيدا للطلب وباعثاً عليه وليس هو إلا إرادة الله تعالى للقطع بأنّ الضلال والتذكير بعده ليس هو الباعث على الأمر بل إرادة ذلك ثم إنّ النسيان وعدم الاهتداء للشهادة ينبغي أن يكون من الشيطان فلا يكون مراده تعالى سيما وقد أمر بالاستشهاد، وأجيب بأنّ الإرادة لم تتعلق بالضلال نفسه أعني عدم الاهتداء للشهادة بل بالضلال المصرّح بترتب الإذكار عليه وتسببه عليه، ومن قواعدهم أنّ القيد هو مصب الغرض فصار كأنه علق الإرادة بالإذكار المسبب عن الضلال والمرتب عليه كما إذ! قلت إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ومن الغلط في هذا المقام ما قيل: إنّ المراد من الضلالط الخ لظهور أنه لا يبقى حينئذ لقوله فتذكر معنى وأنه لا يوافق قول المصنف، واعلم أن هذا مأخوذ من كلام سيبويه رحمه الله وجمع من المحققين حيث قالوا: إنّ المعنى استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى، وإنما ذكر أن تضل لأنّ الضلال هو السبب الذي به وجب الإذكار، إلا أن المصنف قدر الإرادة لأنه الباعث على الأمر لا الإذكار نفسه وكذا الكلام في المثالين وهذا بخلاف ما إذا كان الميل أو مجيء العدوّ حاصلا بالفعل فإنه يصح أعددت الخشبة لميل الجدار دون أن يميل الجدار، قيل: والنكتة في إيثار أن تضل على أن تذكر ان ضلت هي شدة الاهتمام بشأن الإذكار بحيث صار ما هو مكروه في نفسه مطلوبا لأجله من حيث كونه مقضيا إليه. (أقول (: ما ذكر العلامة هو كلام المتقدمين بعينه ولا غلط فيه وإنما الغلط من سوء الظن به إذ مراد. أنّ ذكر الضلال لم يرد به التعليلى بل أريد به بيان سبب التعليل، فقوله: أطلق السبب أي ذكر في معرض! التعليل والإرادة، والمراد أي الذي تعلقت به الإرادة للتعليل هو المسبب بدليل تفريع قوله فكأنه الخ عليه وقريب من هذا العطف أيضا ما سيأتي من أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك، ويكون هذا بمنزلة تكرير اللام وعطف الجارّ والمجرور على الجارّ والمجرور قد يكون للاشتراك في معنى اللام كما تقول جئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من إنعامك، فهي لاجتماع الأمرين ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي لهما وسيأتي تفصيله في سورة الفتح. قوله: (قرأ حمزة أن تضل على الشرط الخ) فالفعل مجزوم والفتح لالتقاء الساكنين والفاء في الجزاء، قيل: لتقدير المبتدأ وهو ضمير القصة والشهادة ولا يخلو عن تكلف بخلاف قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} [سورة المائدة، الآية: 95] أي فهو ومما كان ينبغي أن يتعرّض له وجه تكرير لفظ إحدإهما ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 خفاء في أنه ليس من وضع المظهر موضع المضمر إذ ليست مذكرة هي الناسية إلا أن تجعل إحداهما الثانية في موقع المفعول ولا يجوز لتقدّم المفعول على الفاعل في موضع الإلباس نعم يصح أن يقال: فتذكرها الأخرى فلا بد للعدول من نكتة. (أقول) : قالوا إنّ النكتة الإبهام لأنّ كل واحد من المرأتين يجوز عليها ما يجوز على صاحبتها من الإضلال والإذكار والمعنى إن ضلت هذه أذكرتها هذه فدخل الكلام معنى العموم وأنه من وضع الظاهر موضع المضمر وتقدير فتذكرها، وهذا يدل على أن إحداهما الثانية مفعول مقدّم وإنما يمتنع التقديم إذا وقع الباس يغير المعنى فإن لم يكن الباس نحو كسر العصا موسى لم يمتنع، قال أبو البقاء رحمه الله: وهذا من هذا القبيل لأنّ الإذكار والنسيان لا يتعين في واحدة منهما ومقتضاه أنه يجوز ذلك في نحو ضمارب موسى عيسى إذ لا يتغير المعنى فهو إجمال لا لب! وفي الكشاف من بدع التفاسير فتذكر فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر، وقد قيل: إنّ المضارع في جواب الشرط يقترن بالفاء من غير تقدير مبتدأ. قوله: (وسموا شهداء الخ) تقدم وجه آخر ولما كان السأم الملل وإنما يكون بعد المباشرة حمله أوّلاً على حقيقته وثانيا أوّله بالكسل فجعل كناية عنه وإنما كني عنه لأنه وقع في القرآن صفة للمنافقين كقوله تعالى: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [سورة النساء، الآية: 142] ولذا وقع في الحديث: " لا يقول المؤمن من كسلت وأنما يقول ثقلت " وتقديم الصغير هنا لم مرّ في آية الكرسي والمشبع بالباء الموحدة بزنة اسم المفعول مجاز بمعنى المطول، وقوله: صغيرا كان الحق ناظر إلى جعل ضمير تكتبوه للحق وما بعده إلى كونه للكتاب، وقوله: إلى وقت حلوله الخ وفي الكشاف إلى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته وقوله: إشارة إلى أن تكتبوه أي أو إلى المذكور مطلقاً. قوله: (وهما مبنيان الخ الما كان أقسط أفعل من القسط بمعنى العدل وفعله أقسط وأمّا قسط فبمعنى جار وكذا أقوم ليس من القيام الثلاثي أجاب بأنه من الأفعال وسيبويه رحمه الله يجيز بناء أفعل منه أو أنه على غير قياس شذوذ أو جواب آخر أنه ماخوذ من قاسط وقويم لا بمعنى اسم الفاعل لأنّ قاسطا بمعنى جائر بل بمعنى النسب كلابن وتامر فيكون اشتقاقا من الجامد كاحنك، وقال أبو حيان رحمه الله: قسط يكون بمعنى جار وعدل وأقسط بالألف بمعنى عدل لا غير حكاه ابن القطاع فلا حاجة لما ذكر وقيل: هو من قسط بوزن كرم صار ذا قسط أي عدل وقويم بمعنى بمستقيم، وقوله: وإنما صحت الواو يعني قيل: أقوم ولم يقل أقام لأنها تقلب في فعل التعجب نحو ما أقومه لجموده إذ هو لا يتصرف وأفعل التفضيل مناسب له معنى فحمل عليه وقيل: إنّ قوله لجموده ضميره لأفعل التفضيل أي لعدم تصرفهم في أفعل من الذي هو أصله وفيه نظر، وقوله: وأدنى الخ قيل: وهذا حكمة خلق اللوح المحفوظ والكرام الكاتبين مع أنه الغنيّ عن كل شيء تعليماً للعباد وارشاداً للحكام وحرف الجرّ مقدر هنا فقيل: اللام وقيل: إلى وقيل: من وقيل: في ولكل وجهة. قوله: (استثناء عن الأمر بالكتابة الخ) في هذا الاستثناء قولان أحدهما أنه من الاستشهاد وهو متصل فأمر بالاستشهاد في كل حال إلا ني حال حضور التجارة والثاني أنه منه ومن الكتابة وهو منقطع أي لكن التجارة الحاضرة يجوز فيها عدم الاستشهاد والكتابة كذا في الدر المصون والمصنف رحمه الله جعله من الأمر بالكتابة في قوله: أوّل الآية فاكتبوه لذكر الإشهاد بعده فهو متصل، وقوله: وليكتب إلى هنا جمل معترضة فلا فصل ولا بعد وفسر التجارة الحاضرة بالواقعة بينهم أعمّ من أن تكون بدين أو عين والإدارة بكونها يدا بيد ليكون تأسيسا وهو محصل ما في الكشاف ولا غبار عليه وقوله: إلا أن تتبايعوا بيد بيان لمحصل المعنى، وقوله: فلا بأس تفسير عدم الجناح ووقع في نسخة إلا تتبايعوا بدون أن والصحيح روأية ودراية الأولى وهذه من تحريف الكتبة فلا حاجة إلى تكلف توجيهها. قوله: (والاسم مضمر تقديره الخ) قدره غيره المداينة والمعاملة وعليه فالتجارة مصدر لئلا يلزم الإخبار عن المعنى بالعين وجعله المصنف رحمه الله كالزمخشريّ والقراء ضمير التجارة والخبر يفسره والضمير يعود على متأخر لفظا ومعنى ومثله جار في فصيح الكلام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 كما مرّ، وهذا منقول عن الفراء. قوله: (بني اسد الخ) بنو أسد قبيلة معروفة والبلاء بالفتح والمد القتال يقال: أبلى فلان بلاء حسنا إذا قاتل مقاتلة محمودة واليوم الأشنع من الشناعة وهي القباحة الذي كثر شره، ويقال: لليوم الشديد ذو الكواكب كما يقال في التهديد لأرينك الكواكب ظهرا يقول: هل تعلمون مقاتلتنا يوم اشتد الحرب حتى أظلم. النهار ورؤيت الكواكب فيه ظهر الانسداد عين الشمس بغبار الحرب وقيل: المراد بالكواكب السيوف كقول بشار: كأنّ منار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه وليس بشيء وأذا كانت تامة فجملة تديرونها صفة، وقوله: هذا التبايع أي الذي يكون يدا بيد والأصكام بكسر الهمزة صد النسخ يقال: آية محكمة أي لم تنسخ. قوله: (يحتمل البناءين الخ) تثنية بناء وهو البنية واللفظ أي بناء المعلوم والمجهول وفسره على الوجهين فقوله: وهو نهـ يهما الخ على البناء للفاعل وهو تأكيد لما مرّ بالأعمّ، وقوله: أو النهي الخ على البناء للمفعول، والحمل عليهما معا كما قيل: ليس بشيء وعلى المجهول المنهي المتبايعان أو المخاطبون، وقوله: أن يعجلا بالتخفيف من قولهم أعجله عن مهمه إذا ألجأه إلى تركه والجعل بالضم الأجرة، وقوله: الضرر الخ قدر له مفعولاً ليكون مرجع ضمير فإنه، وقوله: لا حق بكم إشارة إلى أنّ الظرف صفة فسوف. قوله: (كرّر لفظة الله الخ) قال الراغب: إن قيل: كيف قال واتقوا الله الخ فكرّرها ثلاثا وقد استكرهوا مثل قوله: فما للنوى جذ النوى قطع النوى حتى قيل: سلط الله عليه شاة ترعى نواه وقوله: بجهل كجهل اليف والسيف منتضي وحلم كحلم اليف والسيف مغمد فاعلم أنّ التكرير المستحسن هو كل تكرير يقع على طريق التعظيم أو التحقير في جمل متواليات كل جملة منها مستقلة بنفسها، والمستقبح هو أن يكون التكرير في جملة واحدة أو في جمل في معنى ولم يكن فيه التعظيم والتحقير وهو الظاهر في البيتين لا الآية فإنّ قوله واتقوا الله حث على تقو! الله ويعلمكم الله تذكير نعمته، والله بكل شيء عليم تعظيم له عز وجل ومتضمن للوعد والوعيد فلما قصد تعظيم كل واحد من هذه الأحكام أعيد لفظ الله وأما البيت الثاني فهو جملة واحدة لأنّ قوله: كجهل السيف نعت لقوله بجهل وكذا والسبف مغمد حال من قوله كحلم السيف والبيت الأوّل كرر جذ النوى وقطع النوى وهما بمعنى واحد والمصنف رحمه الله لخص ما ذكره منه إلا أنّ ما ذكره الراغب في البيت الثاني وهو للبحتري غير مسلم لأنّ التكرير فيه استحسنه الثيخ في دلائل الإعجاز في فصل عقده له وليس بنا حاجة إلى بسطه وفي كلامه إشارة إلى توجيه العطف فيها مع الاختلاف خبراً وانشاء حيث قال وعد فجعلها الإنشاء الوعد، وجعل الثالثة لإنشاء المدح والتعظيم، وتفسير على سفر بمسافرين إشارة إلى أنّ على استعارة تبعية شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه. قوله: (فالذي يستوثق به الخ) وحديث الدرع في الكتب الستة لكن في البخاري أنه عليه الصلاة والسلام: " رهته على ثلانين صاعاً " والإعواز الاحتياج وخلاف مالك وغيره في اللزوم وعدمه لا في الصحة، وثمرة الخلاف تظهر في تقديمه على غيره من الغرماء وغير ذلك قيل: وظاهر النص معه وغير مالك بالنصب على الاستثناء. قوله: (وهو خطأ الخ) تبع فيه الكشاف وأهل التصريف حيث قالوا: إنّ الياء الأصلية قبل تاء الافتعال تقلب تاء وتدغم نحو أيتسر وأما الهمزة والياء المنقلبة عنها فلا يجوز فيها ذلك، وقول الناس أتزر خطأ وهم كلهم مخطئون فيه فإنه مسموع في كلام العرب كثيرا وقد نقل ابن مالك جوازه لكنه قال إنه مقصور على السماع قال ومنه قراءة ابن محيصن أتمن ونقل الصاغاني أنّ القول بجوازه مذهب الكوفيين، وقالت عائشة رضي الله عنها: " كان صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر كما في البخاوي " قال الكرماني رحمه الله: فإن قلت لا يجوز الإدغام فيه عند الصرفيين وقد قال في المفصل وقول من قال أتزر خطا، قلت قول عائثة وهي من الفصحاء حجة على جوازه فالمخطىء مخطئ ص. قوله: (وفيه مبالغات الخ) يحتمل أن يريد في هذه الجملة لأنها تأكيد لسبق اتقوا الله واعادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 الجلالة الكريمة والتأكيد وذكر ربه لما فيها من أنه لم يؤدّ دينه لم يخف الله ولم يمتثل أمره، ويحتمل في هذا الكلام لما ذكر ولتسمية الدين أمانة واجبة الأداء، وقوله: أو المديونون الخ والشهادة شهادتهم على أنفسهم بمعنى إقرارهم بما عليهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر والظاهر أنه خطاب للشهود المؤمنين.. قوله: (أي يأثم قلبه الخ) يعني قلبه فاعل آثم أو آثم خبر مقدّم والجملة خبر إنّ ثم أشار إلى نكتة إسناد الإثم إليه مع أنه لو قال: آثم لتم المعنى مع الاختصار فوجه بوجو.، أحدها: أنّ الذي يقترفه أي يكتسبه هو القلب واسناد الفعل إلى الجارحة التي بها يفعل أبلغ كما يسند الإبصار إلى العين والمعرفة إلى القلب والنظير الذي ذكره إنما هو في إسناد ما للجملة إلى العضو، والثاني: أنه وإن كان منسوبا إلى الجملة لكن عير عنها أجزائها إشارة إلى عظم الفعل في نفسه لأنّ فعل القلب أعظم من سائر الجوارح فجعل الكتمان من آثام القلب تنبيها على أنه من أعظم الذنوب وترك توجيهاً آخر في الكشاف وهو أنه يظن أنّ الكتمان من فعل اللسان لا دخل للقلب فيه وليس كذلك فأسند له لينبه على ذلك لضعفه. قوله: (وقرئ قلبه بالنصب الخ) نصب القلب على التشبيه بالمفعول به وآثم صفة مشبهة وقيل: على التمييز وقيل: بدل من اسم إنّ، وقوله: تهديد مرّ وجهه، وقوله: خلقاً وملكاً فالأوّل إشارة إلى أنّ اللام للاختصاص واختصاصها به من جهة كونها مخلوقة أو لا شريك له في الخلق والثاني إشارة إلى كونها للملك فلا يقال من أين يؤخذ هذا من النظم، وقوله: والعزم عليه الخ أي لأنّ مجرّد ما يخطر بالبال لا يعد ذنبا بدون العزم والتصميم حتى يحتاج إلى المغفرة كما سيأتي. وكونه حجة على منكري الحساب بحسب الظاهر فلا يضرّ تأويلهم له بما يخالف الظاهر، وكذا نفي الوجوب لتعلقه بالمشيئة وأما احتمال أنّ تلك المشيئة واجبة كمن يشاء صلاة الفرض فإنه لا يقتضي عدم الوجوب فخلاف الظاهر. قوله: (ومن جزم بنير فاء الخ) إنما جعلوه بدلاً لاً نهم يقولوا بتعدد الجزاء كالخبر قيل: ولا مانع منه نحو إن تاتني أطعمك أكسك وقوله: بدل البعض من الكل أو الاشتمال قيل: إن أريد بقوله يحاسبكم معناه الحقيقي فيغفر بدل اشتمال كقولك أحب زيدا علمه وان أريد به المجازاة فهو بدل بعض كضربت زيداً رأسه، وقال الطيبي رحمه الله: الضمير المجرور في به يعود إلى ما في أنفسكم وهو مشتمل على الخاطر السوء وعلى خفيّ الوسواس وحديث النفس والمغفرة والعذاب يختص بما هو عزيمة فهو بهذا الاعتبار بدل بعض من كل وأما قول أبي حيان رحمه الله وقوع الاشتمال في الأفعال صحيح لأنه جن! تحته أنواع يشتمل عليها وأما بدل البعض فلا إذ الفعل لا يتجزأ فليس بشيء لأنه إذا كان جنساً فله جزئيات يجري فيها ذلك. قوله: (متى تأتناتلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلا وناراتأججا ( جعل الإلمام بدلاً من الإتيان إمّ بدل بعض لأنه إتيان لا توقف فيه فهو بعضه أو اشتمال لأنه نزول خفيف، وألف تأججاً ألف تثنية للنار والحطب يقال تأججت النار أي التهبت وتأجج الحطب إذا وقع فيه النار، أو ألف إطلاق وفاعل تأجج ضمير النار لتأويله بالقبس وقيل: أصله تتأجج فحذفت إحدى التاءين ولحقته نون التوكيد الخفيفة ثم صارت ألفاً في الوقف وهو بعيد وهو عبارة عن الجود وكثرة الضيفان. قوله: (وإدغام الراء في اللام لحن الخ) هذا مما تابع فيه الكشاف وهو من دائه العضال إذ هو يعتقد أنّ القراءة بالرأي وهو غلط فاحش وكيف يكون لحناً وهي قراءة أبي عمرو إمام القرّاء والعربية والمانع من الإدغام تكرير الراء وقوّتها والأقوى لا يدغم في الأضعف وهو مذهب سيبويه والبصريين وأجاز ذلك الفراء والكسائي والرواسي ويعقوب الحضرمي وغيرهم ولا حاجة إلى التطويل فيه وليس هذا مما يليق بجلالة المصنف رحمه الله تعالى وقد يعتذر له بما ذكره صاحب الإقناع من أنه روي عن أبي عمرو رحمه الله أن رجع عن هذه القراءة فيكون الطعن في الرواية لا في القراءة فتدبر. وقال الزجاج رحمه الله: لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والدين والربا ختمها بقوله: آمن الرسول الخ، لتعظيمه وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لجميع ذلك المذكور قبله وغيره ليكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 تأكيداً له وفذلكة. قوله: (شهادة وتنصيص من الله الخ) يعني أنّ الإيمان بما ذكر كما يجب على الأمة يجب عليه أيضاً به وبكتابه وبما قبله من غير فرق في أصل الإيمان وان تفاوت تفاوتا عظيماً فيما ينبني عليه وكيفيته ولا يلزم منه إتباعه لغيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام فتأمل. قوله: (لا يخلو من أن عطف المؤمنون الخ) جوّز في المؤمنون أن يكون معطوفا على الرسول مرفوعا بالفاعلية فيوقف عليه ويدل عليه قراءة عليّ رضي الله عنه وآمن المؤمنون وكل آمن جملة من مبتدأ وخبر وسوغ الابتداء بالنكرة كونه في تقدير الإضافة أو المؤمنون مبتدأ وكل مبتدأ ثان وآمن خبره والجملة خبر المؤمنون والرابط مقدر ولا يجوز كون كل تكيداً لأنهم صرحوا بأنه لا يكون تأكيداً للمعرفة إلا إذا أضيف لفظها إلى ضميرها، وقوله: الذي ينوب إشارة إلى أنّ تنوينه للعوض ولذا منعوا دخول الألف واللام عليه وعلى بعض وقالوا قولهم الكل والبعض خطا. قوله: (ويكون إفراد الرسول الخ) أي على الوجه الثاني إشارة إلى أنّ إيمانه لكونه تفصيليا عيانيا كانه نوع وجنس آخر وأيضاً المتبادر من المؤمنين الأمة فلا يدخل تحتهم. قوله: (يعني القرآن أو الجنس الخ) يعني أنّ الإضافة إما للعهد أو للجنس لأنها تأتي لمعاني اللام كما حققوه، وقوله: والفرق الخ يعني ما قيل: إنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع لأن المفرد يتناول جميع الآحاد ابتداء فلا يخرج عنه شيء منه قليلاً أو كثيرا بخلاف الجمع فإنه يستغرق الجموع أوّلاً وبالذات ثم يسري إلى الآحاد والفرق بينهما في النفي ظاهر وفي الإثبات كونه أظهر وأقوى خصوصا وقد شمل الحقيقة والماهية فاستغرق الإفراد الذهنية وضعا على ما في الكشف ونقل في الانتصاف عن بعض أهل الأصول أن تناوله للإفراد مجاز وتبعه الطيبي رحمه الله، وقوله: ولذلك قيل: الخ هو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن صاحب الانتصاف تردّد في ثبوته عنه ولذا لم يصرح به المصنف رحمه الله وهذا المبحث من معضلات المعاني فراجعه فيها. قوله: (أي يقولون لا نفرّق الخ) والمقدر إمّا حال أو خبر بعد خبر وعلى قراءة لا يفرّقون جوّز فيها ذلك من غير تقدير القول ويجوز أن يقدر يقول بالإفراد على لفظ كل والضمير الراجع إلى كل يجوز إفراده نظرا إلى لفظها وجمعه نظرا لمعناها، كما قرّره أهل العربية وكلاهما وارد في القرآن كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (وأحد قي معنى الجمع الخ) قال النحرير: ذكر أهل اللغة أن أحدا اسم لمن يصلح أن يخاطب يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث فإذا أضيف بين إليه أو أعيد إليه ضمير الجمع أو نحو ذلك، فالمراد به جمع من الجنس الذي يدل الكلام عليه وكثير من الناس يسهو فيزعم أنّ معنى ذلك أنه نكرة وقعت في سياق النفي فعممت وكانت بهذا الاعتبار في معنى الجمع كسائر النكرات اهـ. وهو ردّ على المصنف رحمه الله، وقد مرّ تفصيله وقوله: التفرقة بالتصديق والتكذيب بأن يصدق ببعضهم ويكذب بآخر كما يفعله الكفرة وفيه إشارة إلى أنّ التفرقة بالتفضيل ونحوه واقعة كما مرّ وهو إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [سورة النساء، الآية: 150] . قوله: (أجبنا) هذا هو المعنى العرفي للسمع والإطاعة أخص منه لاً نها القبول عن طوع كما يقال سمعا وطاعة والغفران مصدر إمّا منصوب على المصدرية أو على أنه مفعول به والمصير مصدر ميمي المراد به البعث. قوله: (1 لا ما تسعه قدرتها الخ) على الأوّل المراد بالوسع القدرة أي لا يكلفها إلا ما تقدر عليه، وعلى الثاني ما يسهل عليها من المقدور فهو أخص كما إذا كان في قدرته أن يصلي ستاً فأوجب خمساً فالواجب دون مدى طاقته أي غايتها ونهايتها، وقوله: وهو يدل الخ يعني على التفسيرين أما على الأول فظاهر، وأمّ على الثاني فبطريق الأولى، وقيل: إنه على الثاني مخصوص بهذه الأمة فلا دلالة على ذلك فهو راجع إلى التفسير الأول وفيه ردّ على من استدل بها على امتناعه وتفصيله في الأصول وضمير لها للنفس العامة. قوله: (من خير الخ) أخذ. من اللام وعلى الدالتين على النفع والضر في الأصل وقوله: لا ينتفع الخ الحصر مستفاد من تقديم الخبر كما مرّ وما ورد من الانتفاع بعمل الغير كأن يحج عنه أو يهدي له ثواب صدقته والتضرر يوزر غيره فمؤوّل بأنّ الذي له ثواب كسب المال المنفق فيه واثم العمل الذي تسبب عنه عمل غيره ونحو ذلك. قوله: (وتخصيص الكسب بالخبر الخ) الاعتمال الاجتهاد في العمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 ويرد فيما يعمله المرء لنفسه والاستعمال فيما يعمله بواسطة غيره، والحاصل أنّ الصيغة لما دلت على زيادة معنى وهو الاعتمال والانجذاب إليه وردت في الشر إشارة إلى ما جبلت عليه النفوس واستعمل مقابلها في الخير لعدم ذلك فيه، وقال ابن الحاجب: إنه يدل على زيادة لطف من الله في شأن عباده إذ أثابتهم على الخير كيفما وقع ولم يجزهم على الشر إلا بعد الاعتمال والتصرّف وهو قريب مما ذكروه هنا. قوله: (أي لا تؤاخذنا بما أذى بنا الخ الما كان الخطأ والنسيان غير مؤاخذ عليهما فلا يظهر وجه الدعاء بعدم المؤاخذة أوّلوه بوجوه، أحدها: أنّ المراد لا تؤاخذنا بتفريط واغفال يفضي إلى خطأ أو نسيان وذلك التفريط فعمل لهم قد يؤاخذ به وان لم يكن ذنبا في نفسه لما يترتب عليه. قوله: (أو بأنفسهما الخ) أورد عليه أنه إنما يتم على القول بأنّ التكليف بغير المقدر وجائز عقلاً غير واقع فضلاً من الله والا فلا يكون ترك المؤاخذة على الخطأ والنسيان فضلا يستدام ونعمة يعتد بها والمحققون من أهل السنة والمعتزلة على خلافه واك زامه، وأنّ الجواب الأوّل مبنيّ على المشهور وهذا على خلافه أسهل من الجواب بأنّ غير المقدر وهو نفس الخطأ والنسيان وليس الكلام في المؤاخذة عليه بل على الفعل المترتب عليه كقتل مسلم ظنه غير معصوم ونحوه مما يكون ترك المؤاخذة عليه فضلاً من الله تعالى والعزيمة القصد المصمم، وقوله: فيجوز الخ فهو على أسلوب قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [سورة الفاتحة، الآية: 5، أو أنه من باب التحدث بالنعمة اعتناء بها كما قال تعالى. {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [سورة الفحى، الآية: 0 ا] قال الطيبي: وهذا تكلف، وقد روي في مسلم أنّ هذه الآية ناسخة لقوله: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ} أسورة البقرة، الآية: ا] الآية فكما أنّ الخطرات والوساوس محلها النفس كذلك معدن النسيان والخطأ النفس فلم يكن النسيان والخطا متجاوزا عنها عقلا بل نقلاً، وفي الانتصاف رفع المؤاخذ بهما عرف بالسمع لقوله ىلمج! هـ: " رفع عن أمتي الخطأ " الخ فلعل رفعهما كان إجابة بهذه الدعوة وقد روي أنه قيل له: عند كل دعوة قد فعلت وأنما المعتزلة يذهبون إلى استحالة المؤاخذة بذلك عقلاً بناء على التحسين والتقبيح أص. قوله: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) وما أكرهوا عليه وفي رواية وما استكرهوا عليه كذا وقع في كثير من الكتب وقد أخرجه الطبرانيّ في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال السبكيّ: قال محمد بن نصر ليس له إسناد يحتج به، وكذا قال غيره وقال النووي رحمه الله: إنه حديث حسن وفي سنن ابن ماجه بدل رفع وضع وهما متقاربان وسئل أحمد بن حنبل عنه فقال لا يصح: ولا يثبت إسناده وقال من زعم أنّ الخطأ والنسيان مرفوعان: فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنّ الله أوجب في قتل النفس خطأ الكفارة وفيه نظر. قوله: (عبأ) كحملا لفظا ومعنى بعين مهملة وباء موحدة وهمزة بين وجه اشتقاقه وأصل معناه بما ذكره وقوله: للمبالغة فعل يجيء للتكثير والمبالغة نحو قطعت الثياب وللتعدية وقتل الأنفس في التوبة أو في القصاص لأنه كان لا يجوز غيره في شريعتهم وقطع موضع النجاسة من الثياب ونحوها، وقيل: من البدن وقوله: وخمسين صلاة قال السيوطي رحمه الله تعالى: هذا لا أصل له وإنما الثابت في الأحاديث أنّ عليهم صلاتين، وقوله: من البلاء والعقوبة الخ ناظر إلى أوّل تفسيري قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وقوله: أو من التكاليف إلى ثانيهما وقوله: فيكون صفة الخ أي على التوجيه الثاني وأمّا على الأوّل فصفة مصدر محذوف كما أشار إليه وفي كون توبتهم بقتل أنفسهم كلام في التفاسير. قوله: (وهو يدل على جواز التكليف الخ) أي والا لم يكن لهذا الدعاء فائدة وأجيب بأنّ المراد به ليس هو التكليف الشرعي بل إنزال العقوبات التي نزلت بمن قبلنا لتقصيرهم، وأجيب أيضا بأنّ المراد التكليف الشاق الذي يشبه بما لا يستطاع أصلا وضعف بأنه يكون تكريرا لما سبق من قوله: لا تحمل علينا إصرا والفائدة الجديدة أولى وفي شرح المقاصد تمسك بهذه الآية على جواز التكليف بما لا يطاق ودلالته على الجواز ظاهرة وأما على الوقوع فلأنّ الاستعاذة إنما تكون عما وقع في الجملة لا عما أمكن ولم يقع أصلاً، والجوإب أنّ المراد به العوارض التي لا طاقة بها لا التكاليف اص. قوله: (وامح ذنوبنا) فيه إشارة إلى الفرق بين العفو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 والمغفرة وتأخير الرحمة ووجهه ظاهر من تفسيره وفسر المولى بالسيد وترك تفسيره بمن يتولى أمورهم كما في الكشاف وقوله: فإنّ الخ إشارة إلى وجه الترتب بالفاء وفسر الكافرين بأعدائهم في الدين المحاربين لهم لمناسبته للنصرة وجوّز أن يعم جميع الكفرة. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا الخ) قيل الظاهر أنّ المراد بدعائه بهذه الدعوات قراءته لهذه الآيات ويحتمل أن يكون قد دعا بها فنزلت هذه الآية حكاية لها، وقيل: الأوّل هو الوارد في الأحاديث الصحيحة " والثاني ورد بمعناه " حديث مرسل أخرجه ابن جرير، والنكتة في صيغة الجمع أنّ للاجتماعات تأثيرات وبركات ولإرادة العبد خبراً بأخيه أثراً في استنزال الخيرات، وقوله: " كفتاه) أي عن قيام تلك الليلة وقيل: " كفتاه " المكروه، وقوله: من كنوز الجنة تمثيل لما فيها من كثرة الخير والبركة والثواب، وكذا الكتابة باليد تمثيل وتصوير لإثباتهما وتحققهما وتقديرهما بألفي سنة عبارة عن قدمهما لا للتحديد. قوله: (وهو يرد الخ) قال النووي رحمه الله تعالى في كناية الأذكار: نقل عن بعض المتقدمين أنه كان يكره أن يقال سورة البقرة وسورة الدخان والعنكبوت وشبه ذلك وإنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة وهكذا وهو خطأ فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة " آيتان من آخر سورة البقرة " الحديث وأشباهه كثيرة لا تحصى اهـ. قلت قد مر أنّ المنع من ذلك صح عنهم والاستعمال أيضا صحيح بلا شبهة ولا خطأ فيه وإنما المنع كان في صدر الإسلام لما استهزأ سفهاء المشركين بسورة العنكبوت ونحوها فمنع منه دفعاً لطعن الملحدين ثم لما استقر الدين وقطع الله دابر القوم الظالمين شاع ذلك وساغ والشيء يرتفع بارتفاع سببه، وقوله: " فسطاط القرآن " الفسطاط بضم الفاء وكسرها هو الخيمة أو المدينة الجامعة أو الأوّل أصله وهذا منقول منه سميت بذلك لاشتمالها على معظم أصول الدين وفروعه وللإرشاد إلى كثير من أمور المعاس والمعاد، وسميت السحرة بطلة جمع باطل لانهماكهم في الباطل أو لبطالتهم عن أمر الدين ومعنى عدم استطاعتهم أنهم مع حذقهم لا يوفقون لتعلمها أو لتأمل معانيها أو العمل بما فيها، وقيل: لن يستطيعها إذا قرئت فإنها تهزمهم وتبطل سحرهم وشرهم وقيل: إنها من المعجزات التي لا تقدر السحرة على معارضحتها كغيرها من المعجزات المحسوسة، وقيل: المراد بالسحرة البلغاء كما في قوله: " إنّ من البيان لسحرا " وهو بعيد اللهم وفقنا للوصول إلى هذا الفسطاط واجعلنا ممن استظل بظل عنايتك ورحمتك ويسر لنا خيري الدنيا والآخرة واجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أسماعنا ونزعة أرواحنا ويسر لنا إتمام ما قصدناه بإحسانك يا أرحم الراحمين وصل وسلم على نبيك المنزل عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته آمين. تتا الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث أوّله سورة آل عمران الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 بسم الله الرحمن الرحيم سورة آل عمران قوله: (إنما فتح الميم في المشهور الخ) قد سبق الكلام في معنى ألم وهل هي معربة أو مبنية، أو موقوفة وأن الصحيح أنها معربة وإنما سماها بعضهم مبنية لعدم الإعراب بالفعل لفقد المقتضى له، وأنّ سكون أعجازها سكون وقف لا بناء، ولذا اغتفر فيها التقاء الساكنين، وحينئذ كان حقها هنا سكون الميم، وفتح الهمزة لكن جمهور القرّاء على فتح الميم وطرج الهمزة، واختلف في توجيهه فذهب سيبويه، وكثير من النحاة إلى أنه حرّك لالتقاء الساكنين بالفتح لخفته وللمحافظة، على تفخيم لفظ الله، وعليه مشى في، ألمفصل لأنه مختصر الكتاب، وذهب الفرّاء واختاره في الكشاف إلى أنه نقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها، وحذفت وأورد عليه أن همزة الوصل سقطت في الدرج، ونقل الحركة إنما يكون على تقدير ثبوتها لآنّ إبقاء حركتها) بقاء لها، وأجيب عنه بأنه على نية الوقف فتكون ثابتة لأنه ابتداء كلام، ولإجرائه مجرى الدرج الصل به وحرّك، وأمّا قول ابن الحاجب إنه ضعيف غير مسلم، ولما كان التقاء الساكنين شائعا لي الوقف لم يقل إنّ التحريك له، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: توهم التحريم فإنه غير محذور، وقوله: وقرئ بكسرها الخ هي قراءة أبو حيوة، قال الزمخشري: وما هي بمقبولة لكن الفارسي قال: إن القياس لا يدفعها، وعن عاصم تسكين ميم، والابتداء بالهمزة مع الوقف وعدمه، واختير الفتح لئلا يجتمع كسرتان وياء بمنزلة كسرتين وأورد عليه اتفاقهم على كسرة الرحيم الله في الوصل، وفي شرح الطيبة كسر ميم الرحيم الله الجمهور على أنه حركة إعراب فلا يرد ما ذكر. وبحتمل أنها سكنت بنية الوقف، ثم حركت لالتقاء الساكنين، وروي عن أمّ سلمة رضي الله عنها قراءة سكون الميم وقطع الهمزة، وروي عن الكسائي فتح ميمه وصلا، وهو موجه بما مرّ، ويحتمل نصبه بأعني مقدراً. قوله: (روي الخ) المرويّ أنه عليه الصلاة والسلام قال: اسم الله الآعظم في ثلاث سور سورة البقرة وآل عمران وطه قال أبو أمامة: فالتمستها فوجدت في البقرة الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم الخ، والمصنف رحمه ألله رواه بالمعنى. قوله: (القرآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 نجوماً) أي على التدريج بناء على الفرق بين الإنزال والتنزيل، واليه أشار في تفسير أنزل هنا بقوله: (جملة) ، وقد مرّ أنّ بعضهم فسر التدريج بالتكثير الذي دل عليه فعل، وردّ بأنه إنما يدلّ عليه لو لم يكن للتعدية كما هنا، فإن نزل! لازم فلا يصح فيه ذلك، ومرّ جوابه. وأمّا ردّ أبي حيان رحمه الله بأنه ورد في وصف القرآن نزل وأنزل فغير وارد، وقال الحلبيّ إنه يرى في كلام الزمخشريّ تناقضاً حيث قال: إنّ نزل يقتضي التنجيم، وأنزل يقتضي الإنزال الدفعيّ، وتجويزه أن يراد بالفرقان القرآن مع أنه قيل فيه أنزل قال ولا ينبغي أن يقال ذلك لأنه لم يقل إن أنزل للإنزال الدفعيّ. وفي المغني يشكل على الزمخشرفي قوله تعالى: {لولا نزل عليه القرآن} [سورة الفرقان، الآية: 32] جملة واحدة فقرن نزل بكونه جملة، وقوله: وقد نزل عليكم في الكتاب. وقال العراقي: إنّ القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ومن سماء الدنيا منجماً في ثلاث وعشرين سنة فيجوز أن يقال فيه نزل وأنزل، وأمّا بقية الكتب فلا يقال فيها إلا أنزل، وهذا أوجه وأظهر، وهذا فطير لم يخمر، وتخميره أن التدريج ليس هو التكثير بل الفعل شيئا فشيئا، كما في تسلل والألفاظ لا بدّ فيها من ذلك فصيغة نزل تدل عليه والإنزال مطلق، لكنه إذا قامت القرينة يراد بالتدريج التنجيم، وبالإنزال الذي قد قوبل به خلافه أو المطلق بحسب ما يقتضيه المقام إذا عرفت هذا فكل ما ذكر من عدم البصيرة، وضيق العطن فافهم، وقد مرّ ما فيه مفصلاً. قوله: (بالعدل أو بالصدق الخ) قيل ليس في اللغة الحق بمعنى العدل، والحجج المحققة، ووصفه بالصدق باعتبار بعض أجزائه وهو الأخبار ويمكن أن يجعل باعتبار جميع أجزائه لاستلزام كل إنشاء خبرا وليس بشيء لأنه نص عليه أمام اللغة الراغب وعليه تعويل المصنف رحمه الله فيما مرجعه إلى اللغو، ومع قوله في أخباره كيف يتوهم السؤال بالإنشا آت، وما بين يديه ما تقدمه من الكتب كما مرّ تحقيقه، وهو في موضع الحال، وتقديره ملتبسا بالحق أو محقا. قوله: (واشتقاقهما من الورى والنجل الخ) الظاهر أنهما أعجميان لا عربيان وعلى القول بعربيتهما فأمر الاشتقاق والوزن ظاهر وعلى الأوّل فلا معنى له على الحقيقة لأنه إمّا أن يشتق من ألفاظ أخر أعجمية ولا مجال لإثباته، أو من ألفاظ عربية فهو استنتاج للضبّ من الحوت، ولذا عده المصنف رحمه الله تعسفا، فلم يبق إلا بعد التعريب اجروه مجرى أبنيتهم في الزيادة، والأصالة وفرضوا له أصلا ليتعرّف ذلك، وقد نقل هذا عن بعض المتقدمين، ومثله ما مرّ في طالوت، فمن قال: إنه فقول عن البصريين والكوفيين لم يات بشيء، وعلى هذا الأخير فالتوراة قيل إنها من ورى الزناد يرى إذا قدح فظهر منه النار لأنها ضياء ونور تجلو ظلمة الضلال، وقيل: إنها من ورّى أي عرّض لأنّ فيها رموزا كثيرة، وقوله: ووزنهما بتفعلة بفتح العين عند بعض الكوفيين، وبكسرها عند الفرّاء لكن فتحت وقلبت ياؤها ألفا للتخفيف كما قالوا: في توصية وتوصاة وهي لغة لبعض العرب، وعند الخليل وسيبويه فوعلة، والأصل وورية فأبدلت الواو تاء، وقوله: والنجل بفتح فسكون هو الماء الذي ينز في الأرض، ومنه: النجيل لما ينبت فيه، ويطلق على الوالد والولد، وهو أعرف فهو ضد كما قاله للزجاجيّ: وهو من نجل بمعنى ظهر سمي به إمّا لاستخراجه من اللوح المحفوظ، وظهوره منه أو من التوراة، وقيل إنه من التناجل، وهو التنازع لكثرة النزاع فيه، وقيل: من النجل بمعنى الوسع لتوسيعه ما ضيق في التوراة، وقوله: لأنهما أعجميان قد عرفت وجهه وتوجيهه، وما قيل: إنّ الدليل على عربيتهما دخول اللام لأنّ دخولها في الأعلام الأعجمية محل نظر لا وجه له لأنهم ألزموا بعض الأعلام العجمية الألف واللام علامة للتعريب كما في الإسكندرية فإن أبا زكريا التبريزيّ قال: إنه لا يستعمل بدونها مع أنه لا خلاف في أعجميته حتى لحن من استعمله بدونها وافعيل بالكسر كثير، وأمّا بافتح فليس من أبنية العرب. قوله:) على العموم إن قلنا إنا متعبدون) بفتح الباء من تعبد الله الخلق بمعنى استعبدهم أي مأمورون بشرائع من قبلنا، وجوّز العلامة في شرح الكشاف كسرها من التعبد بمعنى التنسك، وإنما عبروا بالتعبد لأنه إذا أطلق أريد منه العمليات إذ لا خلاف في الاعتقاديات بين الشرائع، ومن لم يتنبه لهذا قال: يعني الناس مستغرق على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 تقدير، ومعهود على آخر، وفيه أنه للاستغراق على كل تقدير إذ لا خلاف في أن الكتابين أخبرا عن نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فهما هدى للناس جميعاً، وبأن أصول الكتابين لم تنسخ بكتابنا فنحن متعبدون بهما. قوله: (يريد به جنس الكتب الخ) الضمير في قوله ليعمّ لذلك المذكور أو للذكر، وسائر بمعنى الباقي أو بمعنى الجميع عند من جوّزه، وأعاد أنزل لئلا يتوهم أن المعنى وللفرقان، وعلى هذا فهو من ذكر العامّ بعد الخاص للتتميم، ولكونه بوصف آخر لا تكرار فيه. قوله: (أو الزبور أو القرآن الخ) اختار الإمام الوجه الأخير لأنّ التكرار خلاف الظاهر ولأن الزبور مواعظ فليس فيه ما يفرق بين الحق، والباطل من الأحكام، وأجيب بأنه لا تكرار لتنزيل تغاير الوصف منزلة تغاير الذات أو أنه تنزيل تدريجي، وانزال دفعيّ، وكان الظاهر تقديمه لكنه أخر لأن الانتفاع لنا بالأوّل أظهر، وأنّ المواعظ لما فيها من الزجر والترغيب فارقة أيضا، ولخفاء الفرق فيها خصت بالتوصيف به، وأورد عليه أن ذكر الوصف دون الموصوف يقتضي شهرته به حتى تغني عن ذكر موصوفه، والخفاء إنما يقتضي إثبات الوصف دون التعبير به، وقوله بما هو نعت له ليس المراد به النعت المصطلح بل الصفة مطلقاً لأن الكتب السماوية كلها فارقة بين الحق والباطل، فأعادته بذلك العنوان، وتخصيصه إشارة إلى أنه الكامل فيه لكونه بمعناه، ولفظه المعجز، ولو أجرى عليه لم يكن بهذه المنزلة. وفي بعض النسخ وعن محمد بن جعفر بن الزبير قال الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره قال ابن جرير رحمه الله: وهذا القول أولى لأن صدر السورة نزل في محاجة النصارى للنبيّ صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (من كتبه المنزلة وغيرها) إشارة إلى أن الإضافة ليست للعهد وقوله بسبب كفرهم إشارة إلى أن التعليق بالموصول الذي هو في حكم المشتق يشعر بالعلية، وهو معنى تضمنه الرط، وترك فيه الفاء لظهوره فهو أبلغ إذا اقتضاه المقام، والعذاب الذي في مقابلة الكفر أو الشديد مخصوص بهم فلذا قدّم لهم فلا ينافيه تعذيب عصاة الموحدين. قوله:) غالب لا يمنع الخ) فسره به لأنه من شأن العزيز، وبه يتمّ الارتباط بما قبله، وقوله: لا يقدر على مثله منتقم أخذ المبالغة من التعبير بذي فإنه لا يقال صاحب سيف إلا لمن يكثر القتل لا لمن معه السيف مطلقاً مع ما فيه من التنوين المفيد للتعظيم، والإبهام ومنه يعلم أنّ ذا الإحسان أبلغ من محسن، ولذا عدل فيه عن المنهج المسلوك، وهو أخصر. قوله: (والنقمة عقوية المجرم (، وقيل: هي العقوبة البليغة وقيل: السطوة والانتصار والفعل منه نقم كعلم وضرب، وقيل: نقم عليه أنكر وانتقم عاقب، وتقرير التوحيد من لا إله إلا هو، والعمدة في إثبات النبوّة الوحي والكتب السماوية والزجر بالانتقام، والإعراض هو الكفر. قوله: (أي شيء كائن الخ) يصح قراءته بالتخفيف والتشديد، وقوله: كليا كان أو جزئيا ردّ على منكري العلم بالجزئيات كما بين في الكلام وقوله: إيمانا أو كفرا وقع في نسخة وكفرأ، وهو بمعناه وقوله: فعبر عنه بالسماء والأرض الخ يعني لأنهما العالم كله في النظر الظاهر، وجعله من إطلاق الجزء وارأدة الكل قيل: إنه ليس بسديد إذ لا يصح في كل جزء وكل بناء على اشتراط التركيب الحقيقي وزوال ذلك الكل بزوال ذلك الجزء كما في التلويح، وهو مما اختلف فيه فهو عنده كناية لا مجاز. وقوله: ما اقترف أي اكتسبه العباد من المعاصي فإنه فيها وجعله كالدليل لأنّ العلم يستلزم الحياة، ولم يقل دليلاَ لأن السياق إنما هو للوعيد والتحذير من عقاب من هو مطلع عليهم، وعبادته معطوف على نفسه عطف تفسير، واختلاف الصور مأخوذ من عموم كيف يشاء، والتصوير من جملة تدبيرهم، والقيام بامرهم واتقان الفعل يدل على العلم كما مرّ. توله:) اي صوّركم لنفسه وعبادته) أي ليس المراد بالتصوّر قيام الصورة بالذهن، وهذا المعنى يؤخذ من صيغة التفعل كما في الكشاف يقال: أثلث مالاً إذا جعلته أثلة أي أصلاً وتأثلته إذا أثلته لنفسك، ومنه تبناه اتخذه ابنا له، وباب تفعل يجيء للاتخاذ نحو توسدت التراب أي اتخذته وسادة لي فما قيل كأنه من تصوّرت الشيء بمعنى توهمت صورته فتصوّر لي توهم محض. قوله: (إشارة إلى كمال قدرته الخ) لأنّ الغلبة تقتضي القدرة التامّة، وصيغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 حكيم تقتضي تناهي الحكمة، وقوله وقيل: ايخ أي نبه بالتصوير لجميع الناس على أن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد كغيره لحدوثه، وأن الرب من لا يخفى عليه خافية ومن لا يكون كذلك لا يكون رباً لأنه لا يعلم بما في نفسه إذ صوّر، وهذا من قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ} [سورة آل عمران، الآية: 5] الخ ولخفائه ضعفه بقوله: وقيل الخ ولذا قيل إنه إدماج وليس مأخوذا من حاق النظم فافهم. قوله: (أحكمت عبارتها بأن حفظت الخ) في الكشاف بدل الإجمال الاحتمال وهو ما ذهب إليه الشافعية من أنّ المحكم المتضح المعنى، والمتشابه بخلافه ومعنى اتضاح المعنى أن يظهر عند العقل أنّ معناه هذا لا غير، وأمّا عند الحنفية فالمحكم الواضح الدلالة الظاهر الذي لا يحتمل النسخ والمتشابه الخفيّ الذي لا يدرك معناه عقلاً ولا نقلاً وهو ما استأثر الله بعلمه والغرض من إنزاله ابتلاء الراسخين وكج عنان التصرّف وقد يطلق المحكم بمعنى المتقن النظم والمتشابه على ما يشبه بعضه بعضا في البلاغة وهما بهذا المعنى يطلقان على جميع القرآن قال المدقق في الكشف واعلم أنه لا ينكر أنّ في القرآن من الحقائق ما لا سبيل للبشر إلى الوقوف عليه تصديقاً لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: " هو البحر لا تنقضي عجائبه في وصفه) ، إنما النزاع في المتشابه المذكور في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وفي أن ما سيق لتلك المعاني المستأثر بها في علم الغيب له ظاهر كلفنا علمه، وباطن كلفنا تصديقه إيمانا بالغيب فلا نزاع بين الفريقين، ومن المتشابه الصفات السمعية من الاستواء واليد والقدم، والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والتعجب وأمثالها فعند السلف، ومنهم الأشعري أنها صفات أخر غير الثمانية ثابته وراء العقل ما كلفنا إلا اعتقاد ثبوتها مع اعتقاد عدم التشبيه والتجسيم لئلا يتعارض! العقل، والنقل وعند الخلف ليست صفات زائدة على الثمانية بل راجعة إليها والأليق أن يتوقف لأنه المنقول عن السلف الصالح، ولنا بهم أسوة حسنة مع ظهور وجهه، ثم إنّ التأويل له معنيان مشهور وهو ترجمة الشيء وتفسيره الموضح له وآخر وهو بيان حقيقته وابرازها لما بالعلم، أو بالفعل وكلاهما وارد في القرآن ومحتمل هنا أيضاً وعليه ينبني الوقف، وعدمه أيضاً. قال الراغب: التأويل من الأول وهو الرجوع إلى الأصل ومنه الموئل للموضمع الذي يرجع إليه وذلك هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاَ ففي العلم نحو وما يعلم تأويله إلا الله وفي الفعل كقوله: وللنوى قيل يوم البين تأويل وقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [سررة الأعراف، الآية: 53] أن بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، وقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء، الآية: 59] قيل: أحسن ترجمة ومعنى وقيل أحسن ثوابا في الآخرة انتهى، ويكون المحكم في مقابلة المنسوخ أيضآ لكنه غير مشهور وفي الترجيح بينهما كلام في شرح الكشاف، والأصول من أراد تفصيله فليرجع إليه. قوله: (والقياس أمّهات الخ الما لم يتطابق المحمولان أوّله بأنّ المراد منهن كل واحدة فيصح حمل المفرد عليه، وحينئذ فالكتاب إنا أن يراد به الجنس الشامل لكل آية أو يقدر فيه أي بعض الكتاب، أو إنه جعلهن في حكم شيء واحد لاتحاد نوعها فلذا أفرد الخبر. قرله:) محتملات الخ) مخالفة الظاهر من ذكر العامّ بعد الخاص لأنهم عرّفوه بما لا يتضح معناه وتحته أنواع منها المجمل فأو لمنع الخلوّ فلا يرد عليه شيء، وعلى هذا فكل آية منه تحتمل وجوها يشبه بعضها بعضا فتوصف بالتشابه باعتبار معناها وما فيها من الوجوه فسقط ما تيل إن واحد متشابهات متشابهة وواحد أخر أخرى والواحد منهما لا يصح وصفه بالآخر، فلا يقال أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحد شبه بعضاً، وليس المعنى عليه بل لا يصح في المفردات وإنما المعنى أنّ كل آية تشبه الأخرى فكيف يصح وصف جمع بجمع لا يصح وصف مفرده بمفرده، ولا حاجة إلى ما تكلف في الجواب عنه لأنه ليس من شرط صحة وصف المثنى والمجموع صحة بسط مفردات الأوصاف على أفراد الموصوفات كما أنه لا يلزم من الإسناد إليه صحة إسناده إلى كل واحد كما في وجد فيها رجلين يقتتلان إذ الرجل لا يقتتل رلذا قيل في قوله حافين من حول العرس ليس لحافين مفرد إذ الواحد لا يكون حافا أي محيطأ، وسيأتي بيانه على أنه إذا علم أن المتشابه مجاز أو كناية عما لا يتضح معناه، أو ما لا يعلم معناه على الرائين علم أن السؤال مغالطة غير واردة رأسا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 قوله: (ليظهر قيها فضل العلماء الخ) جواب سؤال عن حكمته، ولم لم يكن كله محكماً لأنه أنزل للهداية والإرشاد فأجاب بأنه متضمن للإرشاد أيضا إلى فضل العلماء واكتساب العلوم والكد المحصل للثواب، والاستنباط الاستخراج، والقرائح الطبائع ثم أشار إلى معنى آخر للمحكم والمتشابه وقد مرّ بيانه. قوله: (وأخر جمع أخرى لخ) أخر جمع أخرى مؤنث آخر أفعل تفضيل وقياس بابه إذا قطع عن الإضافة أن لا يستعمل إلا باللام فاستعماله بدونها عدول عما هي فيه، واعترض عليه أبو عليّ رحمه الله بأنه لو كان كذلك وجب أن يكون معرفة كسحر فأجابوا بأنه لا يعد في استعماله نكرة بعد حذف اللام المانعة منه كذا في الإيضاح، والى هذا الأشكال أشار المصنف رحمه الله بقوله، ولا يلزم منه معرفته وفي نسخة تعريفه يعني أنه لا يلزم في المعدول عن شيء أن يكون بمعناه من كل وجه، وإنما يلزم أن يكون قد أخرح عما يستحقه وما هو القياس فيه إلى صيغة أخرى نعم قد يقصد إرادة تعريفه بعد النقل إمّا بألف ولام تضمن معناهما فيبنى وامّا بعلمية كما في سحر فيمنع من الصرف، ولما لم يقصد في آخر إرادة الألف واللام أعرب ولا يصح إرادة العلمية لأنها تضادّ الوصفية المقصودة منه. قوله:) أو عن آخر من) هذا مذهب ابن جني وقال ابن مالك وغيره: إنه التحقيق ولكن ما مر مذهب الجمهور، ووجهه أنّ أصل باب التفضيل أن يستعمل بمن، ويستغنى به عن جمعه فلما خالفه جعل معدولاً عنه ولا يجوز أن يكون بتقدير الإضافة لأنّ المضاف إليه لا يحذف إلا مع بناء المضاف كما في الغايات أو مع ما يسدّ مسده، وفيه نظر. قوله: (عدول عن الحق) الزيغ الميل، قيل: لا يقال إلا لما كان من حق إلى باطل، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين، وزاغ وزال ومال متقاربة لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل انتهى، هاليه أشار المصنف وزبغ مبتدأ وفاعل. قوله:) فيتعلقون بظاهره الخ) هذا مأخوذ من الحصر المفهوم من التقابل إذ معناه أنهم يتبعون المتشابه وحده بأن ينظروا إلى ما يطابقه من المحكم، ويردّوه إليه وهو إمّا بأخذ ظاهره الغير المراد له تعالى أو أخذ أحد بطونه الباطلة، وحينئذ يضربون القرآن بعضه ببعض، ويظهرون التناقض بين معانيه إلحادآ منهم وكفراً ويحملون لفظه على أحد محتملاته التي توافق أغراضهم الفاسدة في ذلك، وهذا معنى قوله: ابتغاء الفتنة وابتغاء تأوبله فالإضافة في تأويله للعهد أي بتأويل مخصوص لا يوافق المحكم بل يوافق ما يشتهونه، وتوله: كالمبتدعة إشارة إلى أنه أعئم من المسلمين هنا إذ المراد من يخالف الحق، ويأتي بما يختلفه من الباطل لما ذكر في سبب النزول فتدبر. قوله: (ويحتمل أن يكون الداعي الخ (قيل: كأنه جعل الداعي أوّلاً الطلبتين على التوزيع بأن جعل ابتغاء الفتنة طلبة بعض، وابتغاء التأويل حسبما يشتهي طلبة بعض فعقبه باحتمالين آخرين، ويشير إليه تفسير اتباع ما لابه، ومناسبة المعاند أنه لقوّة عناده يتشبث بهما معا، والجاهل أنه لتحيره تارة يتبع هواه لعدم علم يصرفه إلى ما سواه وتفسير تأويله بما يجب أن يحمل عليه لأنه هو المطابق للواقع يعلم من التعبير بالعلم وإضافته إلى الله، والمراد بما يجب أن يحمل عليه أي على نوعه وما يضاهيه، والتعبير بالراسخين يقتضي تقابله بالزائغين. قوله: (ومن وقف على إلا الله) فيه ثلاثة مذاهب منهم من وقف على إلا الله ومنهم من وقف على الراسخون، ومنهم من جوّز الأمرين د! اليه ذهب كثير من أئمة التحقيق ولهم في ترجيح ذلك كلام طويل فرجح ما ذهب إليه بوجوه أما اوّلاً فلأنه لو أريد بيان خط الراسخين مقابلاً لبيان خط الزايغين لكان المناسب أن يقال وأمّا الراسخون فيقولون. واما ثانياً فلأنه لا فائدة حينئذ في قيد الرسوخ بل هذا حكم العالمين كلهم. وأما ثالثا فلأنه لا ينحصر حينئذ الكلام في المحكم والمتشابه على ما هو مقتضى ظاهر العبارة حيث لم يقل ومنه متشابهات لأن ما لا يكون متضح المعنى، ويهتدي العلماء إلى تأويله ورذه إلى المحكم مثل إلى ربها ناظرة لا يكون محكما ولا متشابها بالمعنى المذكور، وهو كثير جداً، وأمّا رابعا فلأنّ المحكم حينئذ لا يغون أثم الكتاب بمعنى رجوع المتشابه إليه إذ لا رجوع إليه لما استاثر الله به كعدد الزبانية، وقد رجح الثاني بأنّ أمّا للتفصيل فلا بد في مقابلة الحكم على الزائغين من حكم على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الراسخين لتحقق التفصيل غاية الأمر أنه حذفت أمّا والفاء وبأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فالجمع في قوله: أنزل عليك الكتاب والتقسيم في قرله: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} والتفريق في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} فلا بد في مقابلة ذلك من حكم يتعلق بالمحكم، وهو أن الراسخين يتبعونه، ويرجعون المتشابه إليه على ما هو مضمون قوله والراسخون في العلم الخ والجواب أنّ كون أمّا للتفصيل أكثريّ لا كليّ ولو سلم فليس ذكر المقابل في اللفظ بلازم، ثم لو سلم كون الآية من قبيل الجمع والتفريق والتقسيم فذكر المقابل على سبيل الاستئناف أو الحال أعني يقولون الخ كاف في ذلك، والحق أنه إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فالحق الوقف على إلا الله وإن أريد ما لا يتضح بحيث يتناول المجمل، والمؤوّل فالحق العطف، ويجوز الوقف أيضا لأنه لا يعلم جميعه أو لا يعلمه بالكنه إلا الله وأما إذا فسر بما دلّ القاطع أي النص النقلي أو الدليل الجازم العقلي على أن ظاهره غير مراد ولم يقم دليل على ما هو المراد ففيه مذهبان فمنهم من يجوّز الخوض! فيه وتأويله بما يرجع إلى الجادّة في مثله فيجوز عنده الوقف وعدمه ، منهم من يمنع الخوض فيه على ما عرفت في الصفات السمعط فيمتنع تأويله ويجب الوقف عنده ففي قول المصنف رحمه الله أو بما دلّ القاطع تأمّل. قوله: (اسمئناف موضح الخ) والنحاة يقدرون له مبتدأ دائماً أي هم يقولون وقد قيل: إنه لا حاجة إليه ولم يعرف وجه التزامهم لذلك فلينظر، وقوله: موضح لحال الراسخين إشارة إلى وجه ترك العطف فيه، وهذا القول، وإن لم يخص الراسخين لكن فيه تعريض بأن مقتضى الإيمان به أن لا يسلك فيه طريقاً لا يليق من تأويله على ما مرّ فكأنّ غيرهم ليس بمؤمن، وليس فيه أنه يقتضي أنّ الراسخين يعلمون جميع المتشابه مع أنّ منه ما استاثر الله بعلمه أي انفرد واستبذ به مع أن الواصلين لا يفسرون المتشابه بما يشمله بل بما يقابله فتأمل، وقوله: إن جعلته مبتدأ أي الراسخون، وقوله: كل من المتشابه هذا ظاهر إن رجع ضمير به إلى المتشابه وإن رجع إلى الكتاب فله وجه أيضاً لأنّ مآله كل من أجزاء الكتاب، وهي لا تخلو عنهما. قوله: (مدح للراسخين الخ) فهو معطوف على جملة يقولون لا من جملة المقول فهو حي! سذ من وضعالمظهر موضمع المضمر أي الأهم ودلالته على ما ذكر لحصر التذكر والتدبر فيهم وتجرّد عقولهم عما يغشاها من الحس المكدر لها من التعبير باللب إذ هو الخالص، وخلوصه عما ذكر كما مرّ تفسيره به. قوله: (واتصال الآية الخ (جعل العلم تصويراً وتربية للروح على ضرب من التمثيل لأنّ به كمالها وشقاوتها وسعادته فتبقى به في النعيم وتفارقه بعدمه كما أنّ الجسد يبقى بالروح ويفنى بمفارقتها، ولا يخفى أنّ كون كل منهما تصويرا وتكميلاً في الجملة يناسب ذكره معه، ولما بين التصوير الحقيقيّ الجسماني والذي ليس هو كذلك من الروحاني من التفاوت والتباين ترك العطف وقوله: (أو أنه جواب الخ) أي هذه الآية رد عليهم في فهمهم، من روج الله وكلمته ما فهموه، وما قبلها أيضا ردّ عليهم في إنه ابن الله لأنه لا أب له بأن من يقدر على هذا يقدر على التصوير من غير نطفة ولأنّ المصوّر لا يكون أب المصوّر كما مرّ، وقيل: المناسبة إنّ في المتشابه خفاء كما انّ تصوير ما في الأرحام كذلك. قوله: (من مقال الراسخين الخ) وقيل: إنه تعليم للعباد أي قولوا إذا مرّ بكم متشابه {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} عن الإيمان بأنه حق أو عن تأويله بما ترتضيه بعد إذ هديتنا بإنزاله علينا وما ذكره المصنف رحمه الله أقرب، وما ذكره هذا القائل مآله إلى الوجه الثاني عند التأملى، والحديث المذكور أخرجه الترمذفي والشيخان وأصبعي الرحمن تأويل لأنّ هدايته وضلاله موقوف على إرادته فأيهما أراد وقع سريعا شبه تصرّفه ذلك بأمر خفيف يهون تقليبه بالأصابع وفي التعبير بالرحمن إشارة إلى أنّ لطفه به أكثر. قوله:) وقيل لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا) قائله الزمخشري بناء على مذهب المعتزلة، ولذا ردّه المصنف وعبارته لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا، أو لا تمنعنا ألطفاك بعد إذ لطفت بنا، وقرئ لا تزغ قلوبنا بالتاء والياء ورفع القلوب قال العلامة ظاهر النظم لا تضلنا لأنّ زيغ القلوب في مقابلة الهداية ومقبال الهداية الإضلال فيلزم أن يكون الإضلال من الله كما أنّ الهداية منه لكنه ليس موافقاً لمذهبه يعني في أفعال العباد فلا جرم أوّله بأحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 أمرين إما السبب أو منع اللطف، وقراءة الرفع من قبيل لا أرينك ههنا وهو من الكناية ولكونها بحسب الظاهر تؤيد مذهب المعتزلة تركها المصنف رحمه الله. قوله: (إلى الحق والإيمان الخ) هذا بناء على أن الهداية الدلالة الموصلة، وفسرها الزمخشريّ باللطف أيضاً إشارة إلى أنه يصح أن يراد بها مطلق الدلالة وبعد منصوب على الظرفية والعامل فيه تزغ، واذ مضاف إليه لأنها متصرّفة أو مصدرية، وأمّا القول بأنها بمعنى أن المصدرية المفتوحة الهمزة والمعنى بعد هدايتنا فلم نر من تعرّض له من النحاة أصلا لكن المصنف رحمه الله ثقة والمذكور في النحو أنها تكون حرف تعليل فيؤوّل ما بعدها بالمصدر نحو، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أي لظلمكم فإن كان أخذه من هذا فهو كما ترى، ثم إني رأيته في إعراب القرآن للحوفي، ولم أره لغيره وقوله: (تزلفنا إليك) أي تقرّبنا أخذه من لدن في لدنك ولدن أخص من عند لأنها تستعمل للحاضر بخلاف عند وأشار بقوله: عندك إلى أنها ظرف مثلها وعلى هذا التفسير الرحمة بمعنى الإحسان والأنعام، وعلى تفسيرها بالتوفيق فهي إنعام مخصوص وإنما ذكر الثبات ليفيد بعد ما فسر به إذ هديتنا، وقوله: لكل سؤال العموم مأخوذ من حذف المعمول، كما في فلان يعطي ويمنع، والهبة ما يكون بلا عوض! في الأصل فلذا يفيد ما ذكره، والقول بالوجوب ليس مذهب أهل السنة والكلام عليه مبسوط في الكلام، وقوله: (لحساب الخ) إشارة إلى تقدير مضاف وأن اللام للتعليل، والطلبتين عدم الزيغ وهبة الرحمة. قوله: (فإنّ الإلهية تنافيه الخ (يعني أنّ العدول عن المضمر المخاطب على ما هو الظاهر إلى الاسم المظهر بغير لفظ الرب المتقدم للدلالة على أنّ الحكم مترتب على ما يدل عليه اسم الله كما في التعليق بالوصف، وهذا بملإحظة معناه قبل العلمية، وهو المقصود من تلوين الخطاب، والتلوين أعمّ من الالتفات واستدل به الوعيدية وهم المعتزلة القائلون بوجوب الثواب والعقاب، وأجيب عنه بأجوبة منها أنه مشروط بشروط معلومة من ضوص أخر كعدم العفو أو عدم التوبة للوفاق بيننا وبينهم عليه على إن الميعاد مصدر بمعنى الوعد ولا يلزم من عدم خلف الوعد عدم خلف الوعيد لأنّ الأوّل مقتضى الكرم كما قال: واني وان أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي أو هو إنشاء فلا يلزم الكذب في تخلفه، وعلى الأوّل فالتعريف جنسيّ، وعلى ما بعده الألف واللام فيه للعهد. قوله: (أي من رحمته أو طاعته الخ) يعني أنّ من للبدل على تقدير مضاف كقوله: فليت لنا من ماء زمزم شربة أي بدلها ومعنى أغنى عنه أجزاء وكفاه فشيئاً نصب على المصدر، وقد يجعل مفعولاً به لما في أغنى من معنى الدفع لأنه في الأصل دفع الحاجة لكن لا يخفى أنّ المعنى ليس لا تدفع عنهم شيئاً بدل الرحمة، أو الطاعة نعم يصح أن يكون مفعولاً به لأنّ معنى أغنى عنه كفاه وشيئا ثاني مفعولي كفى كقوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [سورة الأحزاب، الآية: 25] وقال أبو حيان رحمه الله: كون معنى من البدلية ينكره أكثر النحاة فهي لابتداء الغاية كما قاله المبزد. أو التبعيض على أنها صفة لشيئاً قدمت عليها فصارت حالاً، والتقدير من عذاب الله حينئذ، وذكر أبو عبيدة أنها بمعنى عند وهو ضعيف واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أو من عدّابه فتأمّل، وقوله: حطبها إشارة إلى أنه على قراءة الفتح ليس بمصدر فلا يحتاج إلى تقدير وهذا هو الصحيح وقيل إنه مصدر أيضاً. قوله: (متصل بما قبله الخ) في إعرابه وجهان النصب على أنه صفة مصدر لتغني أي إغناء كعدم إغناء وفيه الفصل بين العامل، ومعموله بجملة وأولئك إلا أن تقدر اعتراضية أو أنه صفة لوقود وعلى كونه مصدرأ فهو ظاهر وأما على كونه اسما جامداً مفيه نظر كما قاله أبو حيان رحمه الله وفيه وجوه، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي دأب هؤلا كدأب هؤلاء، وهو إن كان استئنافا بيانيا بتقدير ما سبب هذا على ما قاله النحرير: فلا يليق أن يقول المصنف رحمه الله والعذاب والا فلا يرد عليه هذا كما قيل والجواب أن المراد لالعذاب استحقاقه بعيد، والدأب في الأصل بمعنى إتعاب النفس في العمل، ولدا استعمل في الثأن والخطر لأنه لا يحصل بدونه غالبا وقوله: إن ابتدأت بالذين هو الوجه الذي في العمل، ولدا استعمل في الشأن والخطر لأنه لا يحصل بدونه غالبا وقوله: إن ابتدأت بالذين هو الوجه الذي أشار إليه قوله: وقيل استئناف. قوله: (قل لمشركي مكة ستنلبون يعني يوم بدر) وعلى هذا إذا كان الخطاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 في قد كان لكم آية لهم فهو إئا مقول لهم بعد ذلك أو عبر عن المستقبل لالماضحي لتحقق وقوعه، وقينقاع بفتح القاف وتثليث النون طائفة من يهود المدينة، والإغمار لالغين المعجمه جمع غمر بالضم، والسكون وقوله: نحن الناس أي الكاملون العارفون لالحروب وفي " الكشاف " أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم لما غلب يوم بدر قالوا هذا والله النبيّ الأميّ الذي بشرنا به موسى عليه الصلاة والسلام، وهموا باتباعه فقال بعضم لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة أخرى فلما كان يوم أحد شكوا فالمعنى لا تشكوا فإني إن غلبت اليوم فستغلبون وتحشرون إلى حهنم وعلى الأوّل ستغلبون كما غلبت قريش، وقريظة بالتصغير والنضير بالفتح والتكبير طانفتان من اليهود وهو حينثذ من دلائل النبوّة للإخبار بالغيب. قوله: (وقرأ حمزة الخ) قال الخحرير: حاصل الفرق أنّ المعنى على تقدير تاء الخطاب أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يخبرهم من عند لفسه بمضمون الكلام حتى لو كذبوا كان التكذيب راجعا إليه، وعلى تقدير ياء الغيبة أمره بأن يزذي إليهم ما أخبره الله تعالى به من الحكم بأنهم سيغلبون بحيث لو كذبوا كان التكذيب راجعا إلى الله تعالى قالوا: فعلى الخطاب الإخبار بمعنى كلام الله تعالى، وعلى الغيبة بلفظه وإلا ظهر أنّ الأمر بالعكس، وكانهم جعلوا ضمير بلفظه لما أخبره به، والحق أنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم كالمنصوب في أخبره، والمرفوع في يحكي أي أمره بأن يحكي لهم بلفظه هذا الوعيد على الوجه الذي يناسب ولا خفاء في أنه! لا يناسب أن يقول لهم سيغلبون بلفظ الغيبة فأحسن التدبر ففي المعنى تضييؤ، وفي اللفظ تعقيد حيث قال: وهو أن معنى سيغلبون الكائن، أي ما هو كائن من نفس المتوعد به أي الأمر الذي وقع به الوعيد إلى أن قال: وإذا كان الإخبار به! االمعنى فلا بد من الإتيان باللفظ الداذ عليه بخلاف الأمر بحكاية الإخبار فإنّ اللفظ من عنده على ما يقتضيه سوق الكلام هذا وما ذكره بعبارة الكتاب أوفق، وما ذكرناه بحسب المعنى أليق وذكر في قوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم} [سورة الأنفال، الآبة: 38] أن المعنى لأجلهم، وفي حقهم فذكر في كل من الآيتين أحد الوجهين فلا تكون الغيبة بلفظ الله والحكاية بلفظه ففي مثل هذا التركيب ثلاثة وجوه فأعرفه، وما ذكره رذ على العلامة لكنه ليس بوارد إذ لا خلاف بينهما إلا في مرجع الضمير، وقد اعترف بأنه أليق بعبارة الكتاب وليس على الشارح إلا موافقة كلامه لمشروحه فتأمّل، والمهاد كالفراش لفظأ ومعنى والجملة أفا مقول القول أو تذييل متعلق به والمحخصحوص بالذمّ مقدّر وهو جهنم وما مهدوه وحكمه معلوم في النحو- قوله: (الخطاب لقريش الخ) وقيل: إنه عاتم وارتضاه في الكشف، وقال: إنه الذي يقتضيه المقام كي لا يقتطع الكلام، ويقع التذييل والله يؤيد بنصره موقع المسلث في الختام. قوله: (يرى المشركون المؤمنين) في ضمير الفاعل في يرونهم احتمالان، الأوّل أن يعود إلى المشركين واستدلّ له في الكشاف بقراءة نافع ترونهم بالخطاب لأنّ الخطاب الأؤل عنده لمشركي مكة فيكون فاعل ترونهم للمشركين قطعا، وحينئذ فالضمير المفعول للمسلمين لا غير، والضمير المضاف إليه مثليهم أمّا للمشركين فالمعنى يرى المشركون المسلمين مثلى المشركين وكانوا قريبا من ألف فرأوا المسلمين قريبا من ألفين أو للمسلمين أي يرى المشركون المسلمين مثلى المسلمين وكانوا ثلثمائة وبضعة عشر فرأوهم ستمائة ونيفاً وعشرين، قيل: والمعنى على هذا واضح، وأمّا على ما قبله فيكون فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة هاليه أشار الزمخشرقي بقوله: مثل فئتكم الكافرة، وحينئذ يكون في الآية ثلاث التفاتات في قوله: {وأخرى كانرة ترونهم مثليهم} وقيل عليه أن ضمير الفاعل للفئة الكافرة وضمير المفعول للفئة المقابلة المسحمهآ لكنهم عبروا عنهما بالمشركين والمسلمين تنبيهاً على جهة العدول عن الإفراد أعني تراها إلى الجمع وضمير مثليهم يحتمل أن يكون للفئة الكافرة، وأن يكون للفئة المؤمنة والدليل على أنّ الخطاب لمشركي قريش قراءة نافع ترونهم بتاء الخطاب فإنّ المشركين هم الذين كثر المؤمنون في أعينهم لا اليهود، ولا يليق بنظم القرآن أن يجعل خطاب ترونهم لغير من له خطاب قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 كان لكم، وفي مثل فئتكم الكافرة إشارة إلى أن الصفة للفئة الكافرة المذكورة بطريق الغيبة لا للمخاطبين بترونهم لئلا يلزم الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وخطاب ترونهم للمخاطبين بقوله لكم لا للفئة الكافرة لئلا يلزم الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وفئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة في موضع الخبر أي هما فثة تقاتل، وأخرى كافرة أو البدل من فثتين أو المفعول أو الحال فليست عبارة عن المخاطبين في لكم بحيث يكون مقتضى الظاهر الخطاب ليلزم الالتفات فلا يلتفت إلى قول من زعم أنّ فيه ثلاث التفاتات وهذا مما ردّ به ما مرّ، وقد تبع فيه المدقق في الكشف وما ذكر من الالتفات سبقه إليه صاحب الانتصاف وتابعه الطيبي وسنبين لك حقيقته وقوله: فلما لاقوهم بالقاف من الملاقاة وروي بالفاء المشددة أي خالطوهم من الالتفاف في القتال، وهو مخالطة الجيشين كما قيل ما تصافوا حتى تلافوا وقوله وذلك كان بعدما قللهم إشارة إلى دفع ما قيل: إنه يناقض قوله في الأنفال ويقللكم في أعينهم بأنهم قللوا أوّلاً في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين. قوله: (أو يرى المؤمنون المشركين الخ (هذا احتمال آخر ولا يرد عليه السؤال السابق في تعارض الآيتين لأنهم كانوا ثلاثة أمثالهم فاراءتهم مثليهم تقليل لهم في الواقع لما قرّر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [سورة الأنفال، الآية: 6] بعدما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} ولهذا أيضا وصف ضعفهم بالقلة لأنه قليل بالإضافة إلى عشرة الأضعاف، فإن قلت: إنه قال في الكشاف بعدما ذكر هذا وقراءة نافع لا تساعد عليه فكيف يقول المصنف رحمه الله تعالى، ويؤيده قراءة نافع قلت أجيب عن هذا بأن الزمخشريّ لما تعين عنده أنّ خطاب قد كان لكم للمشركين كانت قراءة الخطاب في ترونهم على تقدير أنهم المسلمون تفكيكا للنظم فلذا قال إنها غير مساعدة، وأمّا المصنف رحمه الله تعالى فلما جوّز كون الخطاب الأوّل للمؤمنين لم يجعلها غير مساعدة وهذا لا يقتضي أنها مؤيدة خصوصا وقد أخر ذلك الاحتمال ولم يبين أنه مراد على هدّا التوجيه أتول الظاهر أنه يريد أن الخطاب الواقع في آية الوعد المتقدمة للمؤمنين يقتضي أنه هنا إنجاز للوعد فيكون معنى قوله لكم آية علامة على ما وعدتم به فاثبتوا، فالخطاب الأوّل للمؤمنين على أنه ابتداء خطاب في معرض الامتنان عليهم بما سبق الوعد به وهذا معنى لطيف ولا يضرّ كونه خلاف الظاهر لأنه يقتضي مرجوحيته وقد أشار إليه بتأخيره، وفي الانتصاف إنما قال الزمخشرقي ذلك لأن الخطاب على قراءة نافع يكون للمسلمين أي ترونهم يا مسلمين وبكون ضمير المثلين أيضاً للمسلمين، وقد جاء على لفظ الغيبة فيلزم الخروج في جملة واحدة من الحضور إلى الغيبة والالتفات، وان كان شائعا فصيحا إلا أنه إنما يأتي في الأغلب في جملتين وقد جاء ههنا الكلام جملة واحدة لأنّ مثليهم مفعول ثان للرؤية ولو قال القائل. ظننتك يقوم على لفظ الغيبة بعد الخطاب لم يكن بذاك فهذا هو الوجه الذي باعد الزمخشريّ من قراءة نافع ومن هذا التأويل إلا أنه يلزم مثله على أحد وجهيه المتقدمين آنفاً لأنه قال: معناه على قراءة نافع ترون يا مشركون المسلمين مثلى عددهم أو مثلى فئتكم الكافرة فعلى هذا الوجه الثاني يلزم الخروج من الخطاب إلى الغيبة في الجملة بعينها كما التزمه هو على ذلك الوجه (وههنا بحث) وهو أنه إذا عبر عن جماعة بطريق من الطرق الثلاثة، ثم عبر عن بعضه بطريق آخر يخالفه هل يعدّ هذا من الالتفات أم لا الظاهر أنه لا يعدّ منه لكن وقع في كلام بعضهم ما يقتضي أنه منه فلعل من ذهب إلى الالتفات هنا بناء على هذا فلا تعارض بين مسلك الانتصاف والطيبي، والعلامة وبين ما ذهب إليه في الكشف وشرح النحرير. قوله: (وقرئ بهما) أي بالياء والتاء على البناء للمفعول، قيل: لم يجعله بمعنى الظن كما هو الشائع في الإراءة لأنه يأباه رأي العين لكن الأولى حمله عليه وجعل الظن بمعنى اليقين ولا حاجة إليه لأنه مصدر تشبيهيّ وقد اعترف به هذا القائل. قوله: (والنصب على الاختصاص) اعترض عليه أبو حيان- رحمه الله- بأنّ المنصوب على الاختصاص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 لا يكون نكرة فالوجه أنه منصوب بتقدير فعل كأمدح وأذمّ، وأجيب بأنه لم يرد به معناه المصطلح عليه في النحو في نحو نحن معاشر الأنبياء لا نورث إنما يعني النصب بإضمار فعل لائق وأهل البيان يسمون هذأ اختصاصا وكذا فسره الطيبيّ وغيره، وعلى الحالية المقصود مؤمنة وكافرة وفئة وأخرى توطئة للحال. قوله: (رؤية ظاهرة) في الدر المصون أي بصرية ومصدرها الرأي والرؤية وعلمية اعتقادية ومصدرها الرأي فقط وحلمية ومصدرها الرؤيا، وظاهر هذا التفسير أنها بصرية فتتعدى لواحد، ومثليهم حال فان كانت علمية فهو مفعول ثان، وقيل: إنّ الثاني لا يصح لقوله رأي العين فإنه مصدر مؤكد ولأنّ رؤية القلب علم ومحال أن يعلم الشيء شيئين وأجيب بأنه مصدر تشبيهيّ أي رأيا مثل رأي العين، وبأنّ المراد بالرؤية هنا الاعتقاد فلا يلزم ما ذكره، وقيل: إنّ المعنى على المفعولية فالوجه أنه متعدّ إلى مفعولين لكونه بمعنى العلم المستند إلى المعاينة لا بمنزلة أن يقال يبصرونهم، وفيه نظر وقيل: إنّ رأي العين منصوب على الظرفية أي في رأي العين، ومعاينة وقع في نسخة بدله معينة والأولى هي الموافقة لما في الكشاف وعديم العدة بضم العين هي آلات الحرب، وشاكي السلاح صفة الكثير بمعنى حامل السلاح وكون الوقعة آية أي معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم لما فيها من إراءة القليل كثيرا أو غلبة القليل الكثير، أو لمطابقتها للغيب الذي أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من نصرهم، والعبرة ما يعتبر به ويتعظ وجعل الأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة استعارة أو بمعناه المعروف. قوله: (اي المشتهيات الخ) مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر القتال، وكان كثيرا ما يقع للحظوظ النفسانية أتبعه التنفير عنها حثا لهم على الإخلاص في كل ما يأتون ويذرون وجعلها نفس الشهوات إشارة إلى ما ركز في الطباع من محبتها، والحرص عليها حتى كأنهم يشتهون اشتهاءها كما قيل لمريض ما تشتهي فقال: أشتهي أن أشتهي، ولما كان في الإيماء معنى التنبيه عداه بعلى تسمحاً، وقيل: الأنسب أنه جعلها شهوة تنبيها على خستها لأنّ الشهوات خسيسة عند الحكماء والعقلاء فالقصد التنفير عنها، والترغيب فيما عند إدته كما في الكشاف. قوله: (والمزين هو الله تعالى الخ) قال السيوطي: هذا أخرجه ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي الانتصاف التزيين للشهوات يطلق ويراد به خلق حبها في القلوب وه وبهذا المعنى مضاف إليه تعالى حقيقة لأنه لا خالق إلا هو ويطلق، ويراد به الحض على تعاطي الشهوات والأمر به وهو بهذا الاعتبار لا يضاف إلى الله إذ هو لا يخص الأعلى المشروع شهوة أو غيرها، وأمّا الشهوات المحظورة فتزيينها بالمعنى الثاني مضاف إلى الشيطان تنزيلاً لوسوسته، وخسينه منزلة الأمر بها والحض على تعاطيها وكلام الحسن رحمه الله محمول على التزيين بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأوّل فإنه يتحاشى أن ينسب خلق الله إلى غيره لكن الزمخشريّ كثيرا ما يورد أمثال هذه العبارة المبهمة وينزلها على قواعدهم الفاسدة فتفطن لها ونزه من قالها من السلف الصالح عما يزعمه انتهى، وكذا الجباتي بناء على قواعدهم جعل التزيين بمعنى الخلق وجعله في المباح لله، وفي الحرام للشيطان بناء على أنه ليس مخلوقا لله لخلق العباد أفعالهم، ولكن الحق ما عرفت، وقد صرّح به الإمام الراغب كما مر والمصنف ليس بغافل عنه لكنه نقل كلامهم على ما فهموه فمن قال: المزين في الحقيقة هو الشيطان لأنّ التزيين صفة تقوم به ومن قال: المزين هو الله لأنه الخالق للأفعال والدواعي، فقد أخطا في المدعي وما أصاب في الدليل فالمخطئ ابن أمّه وكلا التفسيرين منقولان عن السلف وقد مرّ تحقيقه ومن قال: إنه من قبيل أتدمني بلدك حق لي على فلان فقد تعسف وتصلف، وقوله: ولعله زينه أي زين ما ذكر ابتلاء للعباد أي معاملة لهم معاملة المبتلى، والمختبر ليتميز الزاهد فيها عن غيره أو للحكمة الأخرى. قوله: (والقنطار الخ (وقيل: هو ألف دينار والمسك بفتح فسكون الجلد ومن عادة العرب أن يصفوا الشيء بما يشتق منه للمبالغة نحو ظل ظليل، وهو كثير في وزن فاعل ويرد في المفعول كما هنا والبدرة ألف دينار أو درهم والسومة بالضم العلامة والمشهور فيه السمة وفي القاموس السومة السوم في البيع والمطهمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 التامّة الخلق، والأنعام يطلق على الأصناف الثلاثة والنعم مختصة بالإبل. قوله: (إشارة إلى ما ذكر) يعني أن إفراده وتذكيره لتأويل المشار إليه بما ذكر ويصح أن يكون لتذكير الخبر وإفراده و {حُسْنُ الْمَآبِ} بمعنى المآب الحسن والباء في قوله: بالشهوات داخلة على المتروك والمخدجة بمعنى الخداج الناقصة. قوله: (يريد به تقرير أنّ ثواب الله الخ) أي المأخوذ من قوله: {حُسْنُ الْمَآبِ} وذلكم إشارة إلى ما قبله من النساء وما معه وللذين الخ خبر مقدم وجنات مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة لما ذكر وعلى تعلقه بخير لم يجعل عند وبهم خبراً مقدما لأنه يقال عند الله الثواب ونحوه، ولا يقال عند الله الجنة ووجه التأييد ظاهر لمطابقته له معنى ولأنه لا موقع لقوله للذين حينئذ سوى تعلقه بخير سواء جعل تعلقاً لفظيا أو معنويا بأن يكون صفة لخير، وما يستقذر من النساء الحيض ونحوه، ويرتفع معطوف على يتعلق ويجوز رفعه قيل وهو أرجح. قوله: (فيثيب الخ) فالعباد عامّ وعلى ما بعده خاص، ومتاع الدنيا وان ذكر للذم والتنفير لكن يعلم من خير أنّ المفضل عليه خير أيضاً فهو نعمة، والرضوان رضا عظيم ولذا خص بالله في القرآن. قوله: (صفة للمتقين) أي للذين اتقوا، وفيه الفصل بين الصفة والموصوف فهو بعيد لفظا وكونه صفة للعباد بعيد معنى وكونه واردا على المدح أسلمها واً حسنها، وقوله: في استحقاق المغفرة يعني إن وقع منه ذنب أو كونه مستعدأ لها إن لم يقع، ثم إنّ التوسل اتخاذ الوسيلة ويترتب عليها الطلب وأقصى مراد السالك المغفرة ثم هي بعد ذلك مراتب وأقصاها الرضوان فلا يرد عليه أنه قال: أوّلاً ورضوان من الله أكبر وهنا المغفرة أعظم المطالب ولا حاجة إلى أن يقال إنها شاملة للرض! وان. توله: (وتوسيط الواو الخ) وهذا مما تقرر في علم البيان فلا عبرة بقول أبي حيان رحمه الله: لا نعلم العطف في الصقة بالواو يدؤ على الكمال، والروع بالضم القلب والمراد بالمجتهدين المجدين في العبادة. وقوله: (وقيل الخ (وجه آخر للتقييد وهو أنه كان كذلك في الواقع. قوله:) بين وحدانيته الخ) يعنى أنه استعارة تصريحية تبعية فالمشبه دلالته على الوحدانية بما نصب من الأدلة العقلية ونزذ من الأدلة السمعية، وكذا الإقرار والإيمان والاحتجاج من الثقلين والمقصود تشبيه إظهار مخصوص بإظهار آخر والجامع بينهما مطلق الإظهار والبيان والكشف فلا يرد عليه أنه يلزم الجمع بين المعاني المجازية لأنه يمتنع كما يمتنع الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يرد أيضا أنّ قوله: بين يقتضي أنّ المشبه البيان، وقوله: في البيان الخ يقتضي أنه وجه الشبه وخص الاحتجاج بأولي العلم لأنه وإن لم يمنع مانع من صدوره من الملائكة لكن لا داعي لذكره. قوله:) مقيما للعدل) أشار به إلى معنى القسط وأنّ الباء للتعدية، والقسم مصدر قسم المال، وقوله: وانتصابه على الحال الخ جوّز فيه وجوه إعرابية الحال والنصب على المدح والاختصاص من فاعل شهد أو ضمير هو، والوصف لاسم لا المبنيّ وهو إله وجوّز إفراد المعطوف عليه بالحال كالمعطوف في نافلة إذا قامت قرينه تعينه معنوية أو لفظية وأمّا إذا التبس فلا يجوز وإنما أخرت الحال للدلالة على علوّ مرتبتهما وقرب منزلتهما، والمنصوب على المدح وان كان إنما عرف في المعرفة وأمّا في النكرتين أو في النكرة بعد المعرفة، كما هنا فقد أثبته الزمخشريّ والفصل بين الصفة بالخبر والبدل ظاهر، ثم أشار إلى أنه على الحالية من الفاعل لا يندرج في المشهود به وفي غيره يندرج، وعلى قراءة التعريف فهو بدل من هو وهو حينئذ من بدل البدل فتأمّل وأشار في جعلها حالاً من هو إلى أنها حال مؤكدة وترك ذكره على كونها حالاً من الفاعل كما ذكره الزمخشرفي إشارة إلى ما فيه لأنه اعترض عليه بأنّ الحال المؤكدة إنما تجيء عقب الجملة الاسمية على ما في المفصل حتى ذهب بعض الشراح إلى أنّ هذا ليس بتعريف، بل بيان أنها خاصة تجيء بعد الاسمية بخلاف المنتقلة، أو هو تعريف للحال المؤكدة التي يجب حذف عاملها، وقد شاع القول بالحال المؤكدة في الجملة الفعلية حتى قيل مبناه على أن يجعل كل حال ليست مما ثبت تارة وتزول أخرى مؤكدة، ولا كلام في وقوع مثل هذا في الكلام فالحال المؤكدة مقولة بالاشتراك على معنيين، وتسمى هذه حالاً ثابتة فتنقسم الحال إلى المنتقلة والثابتة والمؤكدة. قوله: (كرره للتأكيد الخ) أمّا التأكيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 فظاهر، وأمّا مزيد الاعتناء بمعرفة أدلته فلأن تثبيت المدعي إنما يكون بالدليل والاعتناء به يقتضي الاعتناء بأدلته، وقوله: والحكم به أي بوجدانيته بعد ما ذكر الحجج إجمالاً بقوله: شهد الله الخ وقوله الموصوف بهما أراد به الوصف اللغوي إذ الضمير لا يوصف فهو إمّا بدل أو خبر مبتدأ محذوف، وأمّا كونه صفة فاعل شهد فبعيد، وقوله: وقدم الخ يعني أنّ العزيز يدلّ على القدوة لكونه بمعنى الغالب والقدرة إذا علمت علم أنّ له مصنوعات إذا تأملها العاقل علم ما اشتملت عليه من الحكم. قوله: (وقد روي في فضلها) أي فضل تلاوة هذه الآية، والمراد بصاحبها من كان يقرؤها وفي المدارك: " من قرأها عند منامه وقال بعدها أشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة بقول الله تعالى يوم القيامة إنّ لعبدي عندي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة " والحديث ضعيف لكنه في الفضائل وكونه دليلاً على شرف الأصول لدلالته على شرف التوحيد الذي هو معلومه، وشرف أهله لأن قيمة المرء ما يحسنه. قوله: (جملة مستأنفة الخ) أي مبتدأة لا استئنافاً بيانياً، ولذا قال: مؤكدة لأن المستاً نفة لا تكون مؤكدة عندهم، وهذا لأكيد معنوقي لا اصطلاحيئ، وأشار بقوله سوى الإسلام إلى الحصر المستفاد من تعريف الطرفين، وقوله: والتدزع اًي التحصن من تدزع إذا لبس الدرع وقوله: (يدل الكل الخ) إن فسر الإسلام بالإيمان وأريد بالإيمان الإقرار بوحدانية الله تعالى، والتصديق بها الذي هو الجزء الأعظم فبدلية الكل ظاهرة، دمان فسر بالتصديق بما جاء به النبيّ ئسر مما علم من الدين لالضرورة فكذلك لأنه عين الشهادة بما ذكر باعتبار ما يلزمها فهي عينه مآلأ وأما إذا فسر لالشريعة فهي شاملة للإيمان والإقرار بالوحدانية ولا يضر كونه جزءا إن سلم لأن المانع منه العكس، فاندفع ما قيل إنّ الإيمان هو التصديق بما جاء به النبيئ-لمج! فلا يمون بدل كل لثموله لما قبله ولغيره وأنه إذا أريد الشريعة فما قبله جزؤه فلا يكون بدل اشتمال، قال الفارسي: قرأ الكسائيئ بالفتح فيهما من باب بدل الشيء من الشيء لأن الدين الذي هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل، وهو هو في المعنى أو من بدل الاشتمال لأن الإسلام يتضمن التوحيد والعدل انتهى، وهو بعينه كلام المصنف رحمه الله ومنه يعلم معنى كلامه، وأن البدل لا إشكال فيه مع ملاحظة قائما بالقسط فلا تغفل. قوله: (أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى) أي أنه لاحظ فيه الاعتبارين في حال فكسر أنه لملاحظة معنى قال وفتح أن لملاحظة معنى علم ولك أن تحمله على التضمين أي قال: عالمأ إنه الخ فتأقل. قوله: (من اليهود الخ) يعني في معنى الذين أوتوا الكتاب وجوه منها أنهم اليهود والنصارى، والمختلف فيه دين الإسلام وشأنه فاعترف به قوم منهم على الوجه الحق وآخرون مع ادعاء تخصيصه بالعرب، وإنكار عموم البعثة، ولما كان هذا موافقا للأوّل في الاعتراف في الجملة قدمه على النفي فلا يقال الظاهر تقديم قوله: ونفاه عليه، أو أمر التوحيد وتخصيصه بقوم موسى عليه الصلاة والسلام لأن الكتاب المعزف كالعلم للتوراة واختلافهم أنّ موسى جملى لما استحضر استودع التوراة سبعين حبراً من بني إسرائيل وجعلهم أمناء عليها واستخلف يوشع، فلما مضى قرن بعد قرن اختلف أبناء السبعين بعدما جاءهم علم التوراة بغيأ بينهم وتحاسدأ على حظوظ الدنيا والرياسة، واختلاف النصارى في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام بعدما جاءهم أنه عبد القه ورسوله إلى فرق مفصلة في الملل والنحل. قوله: (أي بعدما علموا الخ) لم يقل علموا مع أنه أخصر إشارة إلى أنه علم بسبب الوحي ولما كان العلم يقتضي عدم الاختلاف لأن الحقيقة واحدة وبخهم بأنه بغي وحسد لا يليق صدوره من عاقل أو يؤوّل مجيء العلم بالتمكين منه لسطوع براهينه وتفسير البغي بالحسد مز تحقيقه. قوله: (الا شبهة وخفاء في الأمر) يعني أنه للبغي لا لهذا وهو عطف على قوله حسداً على حذ ما جاءني إلا زيد لا عمرو وهو تركيب حكم الشيخ عبد القاهر والسكاكي بعدم صحته لكنه وقع مثله في الكشاف كثيراً وقالوا: إن عدم صحته غير مسلمة وسيأتي تحقيقه، يريد أن بغيا مفعول له لما دل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 عليه ما والا من ثبوت الاختلاف بعد مجيء العلم كما تقول ما ضربت إلا ابني تأديبا وأما ما أشار إليه من حصر الباعث في البغي فمن المقام أو من الكلام إن جوزنا تعدد الاستثناء المفرغ أي ما اختلفوا في وقت لغرض إلا بعد العلم لغرض البغي كما تقول ما ضرب إلا زيد عمراً أي ما ضرب أحد أحدأ إلا زيد عمرأ وسرعة الحساب تقتضي إحاطة العلم والقدرة فلذا أفاد الوعيد وباعتباره ينتظم الشرط والجزاء. قوله: (بعدما أقمت الحجج الخ) يعني ليس أمره بما ذكر لترك المحاجة والإلزام بل لأن الحجة قامت عليهم، وهم للعناد واللجاج لا ينتهون وستسمع تتمته، وقوله: أخلصت نفسي وجملتني قيل يعني إن الوجه مجاز عن نفس الشيء وذاته كما في {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [سورة الرحمن، الآية: 27، أو عن جملة الشخص تعبيرا عن الكل بأشرف الأجزاء، وقيل عليه لو كان القصد الترديد بين المعنيين لقال أو جملتني فالوجه أن قوله نفسي إشارة إلى المراد وقوله: وجملتي إشارة إلى وجهه بأنه من التعبير عن الكل بأشرف الأجزاء لتنزيله منزلة الكل وإليه أشار بقوله وإنما عبر الخ وما ذكره في كلام المصنف واضح وأما في كلام الكشاف فلا يتعين، وإذا جعل مجازا عن النفس ففي علاقة المجاز خفاء فإن كانت الثانية اتحدا وإلا فلا تظهر. قوله: (عطف على التاء في أسلمت الخ) أورد عليه وعلى ما بعده إنه يقتضي اشتراكهم معه في إسلام وجهه، وليس المعنى أسلمت وجهي، وهم أسلموا وجوههم إذ لا يصح أكلت رغيفا وزيد وقد أكل كل منهما رغيفاً، وردّ بأنه لا مانع منه، قال الزمخشري: أخلصت نفسي وجملتي دئه وحده لم أجعل فيها لغيره شركاً بأن أعبده، وادعوه إلها معه، يعني إن ديني دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي وما جئت بئيء بديع حتى تجادلوني فيه ونحو: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} [سورة آل عمران، الآية: 64] الآية فهو دفع للمحاجة فيه، وقوله: يعني الخ بيان لكيفية الربط بين الشرط والجزاء اًي قوله: أسلمت دفع للمحاجة بأنه لا معنى لها لكونها مجادلة فيما اتضح حقيقته وقوله، وهو الدين القويم في بعض نسخ الكشاف القديم يعني دين إبراهيم، وقوله: أسلمت وجهي كما قال الخليل: أسلمت لرب العالمين: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} . قوله: (وقل للذين أوتوا الكتاب الخ) هو عطف على الجملة الشرطية والمعنى فإن حاجك أهل الكتاب فرذ محاجتهم بذلك، فإذا أفحمتهم عمم الدعوة وقل للأسود والأحمر أأسلمتم إذ جاءكم ما وجب قبوله من الدين القويم دين أبيكم إبراهيم فإن أسلموا فقد اهتدوا ودليل العموم ضمّ الأفيين لأهل الكتاب، وأما تأويل اهتدوا بقوله: فقد نفعوا الخ فقيل لتقييد الجزاء وفيه نظر ووجه الوعيد مرّ بيانه فافهم ووجه التعبير أنه كما إذا قرّرت مسألة ووضحتها، ثم قلت للسائل هل فهمت. قوله: (هم أهل الكتاب الخ) ولما لم يقع منهم قتل لهم أوّله بالرضا به والهمّ والقصد الآن، فإن أوّل قتل النبيين بالأول وقتل الآمرين بالقسط بالثاني، وجعل شاملا للنبيّ فظاهر وإلا يلزم الجمع بين معنيين مجازيين في لفظ واحد وهو ممتنع وقد مرّ ما فيه فتذكره. قوله: (وقد منع سيبويه الخ) أشار بقوله كليت إلى دليله وأشار إلى الفرق بينهما بأن إنّ المكسورة، وكذا المفتوحة لا تغير معنى الكلام لأنه باق على خبريته بخلافهما ومن جعل الخبر ما بعده جعل قوله: فبشرهم جملة معترضة بالفاء كما في قولك زيد فافهم رجل صالح، وقد صزح به النحاة في قوله: واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا ومن لم يفهم هذا قال: إنّ الفاء جزائية وجوابها مقدم من تأخير والتقدير زيد رجل صالح، وإذا قلنا لك ذلك فافهم وإنما أعاد قوله: ويقتلون للفرق بينهما فإن أحدهما بالقوّة والآخر بالفعل، وقال: هنا بغير حق لأن الجملة هنا أخرجت مخرج الشرط المناسب للعموم وثمت في ناس بأعيانهم، وكان الحق الذي يقتل به معيناً عندهم. قوله: (يدفع عنهم العذاب الخ) أشار بالإفراد إلى أنّ المعنى ما لهم ناصر وإنما عبر بالجمع ليعلم غيره بالطريق الأولى ولأن شأن من ينصر التجمع والتحزب، وقوله: التوراة الخ قيل إنه لف ونشر غير مرتب، فإذا أريد التوراة فمن للبيان وإن أريد الجنس فللتبعيض، واللام على الأوّل للعهد، وعلى الثاني للجنس، وهو محتمل فيها ويجوز أن تكون للابتداء، وترك تفسيره باللوج الذي في الكشاف لأنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 خلاف الظاهر، والتنكير كما يحتمل التعظيم والتحقير يحتمل التكثير، ورجح التعظيم بأنه أدخل في التوبيخ لأنهم مع ما معهم من الحظ الوافر يفعلون خلافه، وفيه نظر لا! المعنى يحتمل إن ما معهم شيء قليل بالنسبة إلى غيره وهم يتركون الخير الكثير، ولما كان المتبادر من كتاب الله القرآن أيد الوجه الأخر بما رواه ابن إسحق وغيره من سبب النزول، والمدراس صاحب الدراسة ومعلمها، ويطلق على الموضحع الذي يقرأ اليهود فيه التوراة وهو المراد هنا، وقصة الرجم والتسخيم ستأتي. قوله: (وقرئ ليحكم على البناء للمفعول الخ) في الكشاف والوجه أن يراد ما وقع من الاختلاف والتعادي بين من أسلم من أحبارهم، وبين من لم يسلم يعني لا بينهم وبين الرسول في إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدليل، قوله: ليحكم بينهم فالداعي ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم بل بعضهم لبعض فمن قال: إنه ردّ على الزمخشري رحمه الله لم يصب وكذا من قال: فيه بحث فإنه يجوز أن يكون ضمير بينهم لليهود والرسول صلى الله عليه وسلم كما في القراءة المشهورة بلا فرق وقيل إن قوله: والوجه ليس مخصوصا بهذه القراءة بل هو الراجح مطلقا، والمصنف رحمه الله فهم منه خلاف مراده وفيه نظر. قوله: (وفيه دليل الخ) لأنهم لما اذعوا أنّ دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام اليهودية وأراد إثباته بما في التوراة، وهو دليل سمعي دل على ذلك، وفيه بحث لأنه ليس بمتعين لذلك لاحتمال أن يكون الحكم مما هو في الفروع كالرجم وهو المتبادر من الحكم وأمّا احتمال أنه أراد إثبات معجزة له صلى الله عليه وسلم باطلاعه على ما في التوراة مع أنه أفي لا إثبات دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبعيد مع إنّ المستدل عليه حال إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه يهودي أم مسلم، وليس من الأصول إلا أن يراد به غير العملي فتأمل. قوله: (استبعاد الخ) يعني أنّ التراخي رتبي لا حقيقيّ، وقوله: وهم قوم عادتهم الإعراض كذا فسره الزمخشرقي فقيل إنه إشارة إلى أنّ الجملة معترضة على رأيه أو تذييل على رأي الأكثر وأياما كان فهي مؤكدة لما سبق لا حال كما ذكره المصنف رحمه الله شعم إنما تكون حالاً إذا لم تفسر بأنهم قوم عادتهم الإعراض انتهى، والمصنف رحمه الله جنح إلى أنّ التفسير بما ذكر لا يمنع الحالية وكذا الوصفية بأن يعطف على منهم بناء على قلة الفائدة بعد وصفهم بالتولي لأنه إنما فسر بذلك لتحصل الفائدة إذ الأوّل يقتضي الحدوث الذي يكون في معرض! الزوال فأردفه بما يدل على أنه ثابت لهم كالطبيعي فيهم، والحال لا يلزم أن تكون منتقلة فلا يرد عليه ما توهموه واردا. وقوله: (بسبب تسهيلهم الخ (لا جهلهم بحقيقته، والطمع الفارغ استعارة لما لا يجدي كما مرّ وقوله: (ألا تحلة القسيم) أي إلا قليلأ وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [سورة مريم، الآية: 71] . قوله: (فكيف إذا جمعناهم الخ) أي كيف يكون حالهم في ذلك الوقت فالفعل محذوف، وهو كثير في كلامهم لأنّ كيف سؤال عن الحال وهذا الاستفهام للاستعظام والتهويل، وأن حالهم كذا وما حدثوه به أنفسهم كذا. قوله: (جزإء ما كسبت الخ) يعني أنّ في الكلام مضافاً مقدّراً وحبوط العبادة سقوطها بالمعاصي، والمسألة مفصلة في شرح المقاصد، وقوله: (وأن المؤمن لا يخلد الخ) رذ على المعتزلة، وهم يؤولون التوفية بتخفيف العذاب ولا وجه له 0 قوله: (الضمير لكل نفس الخ) يعني أن النفس مفردة مؤنثة وقد أرجع إليها ضمير الجمع المذكر لأنها في معنى كل إنسان وكل يجوز مراعاة معناه فيجمع ضميره فلا يقال الصواب كل الناس كما في الكشاف: ولا حاجة إلى الاعتذار بأن المراد توجيه التذكير وتوجيه الجمع يعلم منه. قوله: (الميم عوض عن يا الخ) وشذد لأنه عوض عن حرفين وأمّا جمعها مع يا في قوله: أقول يا اللهم يا اللهما فشاذ. والقول بأن أصله يا الله آمنا قول الكوفيين ولا يخفى ما فيه، ويقتضي أن لا يليه أمر دعائيّ آخر إلا بتكلف. قوله: (يتصرف فيما يمكن التصرف فيه) في الكشف إنه تعزيف للملك لأنّ الملك من له الملك كما أنّ المالك من له المال، ولو قيل مللث المللث لم يصح إلا على ضرب من التجوّز، وكون اللهم لا يوصف مذهب سيبويه رحمه الله لأنه لاتصال الميم به أشبه أسماء الأصوات وهي لا توصف وخالف غيره ونقض دليله بسيبويه وعمرويه فإنه مع كونه فيه اسم صوت يوصف، وأجيب بأن اسم الصوت مركب معه، وصار كبعض حروف الكلمة بخلاف ما نحن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 فيه. قوله: (فالملك الأوّل الخ) لأنّ الله تعالى مالك جميع الملك والملك المعطى والمنتزع بعض منه والتعريف للجنس في الجميع، وقيل: في الأوّل للجتس وفي الأخيرين للعهد، وقيل: في الأوّلط للاستغراق وفي الأخيرين للعهد الذهني، والمراد بالأدبار ضد النصر كما أن الخذلان ضد التوفيق. قوله: (ذكر الخير وحده لآنه المقضئ بالذات الخ) هذا ما ذهب إليه المحققون من الحكماء قال: في شرح الهياكل إن الشرّ مقضيّ بالعرض وصادر بالتبع لما أن بعض ما يتضمن الخيرات الكثيرة قد يستلزم الشرّ القليل، فكان ترك الخيرات الكثيرة لأجل ذلك الشرّ القليل شرا كثيرا فصدر عنك ذلك الخير فلزمه حصول ذلك الشرّ، وهو من حيث صدوره عنك خير إذ عدم صدوره شرّ لتضمنه فوات ذلك الخير، فأنت المنزه عن الفحشاء مع أنه لا يجري في ملكك إلا ما تشاء انتهى، وهذا بناء على الأصلح، ونحن نقول يفعل ما يشاء من خير وشرّ ولا يسئل عما يفعل فعلى مذهبهم تخصيص الخير لأنه المقصود له بالذات، وقدمه لظهور الآية فيه أو مراعاة للأدب إذ لم يضف إليه أو لا! سبب نزول الآية ما أتى الله النبيّ صلى الله عليه وسلم من البشارة بالفتوج وترادف الخيرات، وقوله: (خط الخندق) اًي حفره والخندق معرب كنده (وقطع لكل عشرة أي عين لهم حفرها) والمعاول جمع معول بكسر الميم الفأس، وضمير صدعتها ومنها للصخرة والمستكن للضربة، وضمير لابتيها للمدينة، وهما حزتان يكتنفانها، والحرّة كل أرض ذات حجارة سود كأنها محترقة من الحرّ واللوب الحوم حول الماء للعطش عند الازدحام، وقوله: لكانّ جواب قسم، والحيرة بكسر الحاء المهملة وياء ساكنة وراء مهملة مدينة بقرب الكوفة، وتشبيه القصور بأنياب الكلاب في صغرها وبياضها وانضمام بعضها إلى بعض مع الإشارة إلى تحقيرها وإن استعظموها وما ذكره لي الخندق هو ما وقع في غزوة الأحزاب والحديث بطوله مخرج في الدلائل للبيهقي وكونه سبب النزول أخرجه ابن جرير رحمه الله، والفرق بفتحتين الخوف وفي الحديث أسرار ولطائف تنظر بعيون الأفكار. قوله: (والولوج الدخول الخ) يعني هو حقيقته كما في قوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سررة الأعراف، الآية: 40] وأمّا هنا فهو إما استعارة للتعاقب أو زيادة زمان النهار في الليل وعكسه بحسب المطالع والمغارب في أكثر البلدان. قوله: (نهوا عن موالاتهم الخ (هذا على قراءة الجزم ظاهر وكذا على الأخرى لأنه نفي في معنى النهي واتخذ بمعنى صير متعدّ إلى اثنين والوليّ بمعنى الموالي من الولي، وهو القرب يعني لا يراعوا أموراً كانت بينهم في الجاهلية بل يراعوا ما هم عليه الآن مما يقتضيه الإسلام من بغض وحب، وقوله: أو عن الاستعانة بهم في الغزو كأنه قول للشافعيّ رضي الله عنه ومذهبنا وعليه الجمهور إنه يجوز ويرضخ لهم وإنما يستعان بهم على قتال المشركين لا البغاة كذا صرحوا به وما روي عن عائثة رضي الله عنها أنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر فتبعه رجل مشرك كانت ذا جراءة ونجدة قفرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأوه فقال له النبتي صلى الله عليه وسلم: " ارجع فلن استعين بمشرك " فمنسوخ بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم واستعان بصفوان بن أمية في هوازن لكن بشرط الحاجة والوثوق كذا في كتاب الناسخ والمنسوخ. قوله: (إشارة إلى أنهم الأحقاء) يعني ليس النهي مقيداً بكونه من دون المؤمنين حتى يفهم منه جواز اتخاذهم أولياء مع ولاية المؤنين بل الإشارة إلى أن الحقيق بالمولاة هم المؤمنون،، مندوحة بمعنى سعة وقد استدل بهذه الآية ونحوها على أنه لا يجوز جعلهم عمالاً ولا اشخدامهم في أمر الديوان، وغير. لثبوته بالنص المؤكد. قوله: (من ولايته في شيء يصح الخ (أشار إلى أنه بتقدير مضاف وصفة لشيء وفيه إشارة إلى أن ولايتهم كما لا تجتمع مع ولاية المؤمنين لا تجتمع مع ولاية الله لأنهم أعداء الله ومن والى عدوّ الله لا يواليه، وأنثد في معخاه البيت المذكور وبعده: وليس أخي من ودّني رأى عينه ولكن أخي من ودّاني في المغايب والنوك بضم النون والكاف الحماقة وعازب بالمعجمة بمعنى بعيد غائب. قوله: (إلا أن تخافوا من جهتهم الخ) لما كان اتقى متعديا بنفسه، وههنا تعدى بمن أشار إلى أن المفعول تقاة على أنه وصف بمعنى ما يتقى منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 ومن لابتداء الغاية وأصل الكلام تقاة كانت من جهتهم فلما تذم انتصب على الحال فإن كانت تقاة مصدرا فهو مفعول مطلق ويكون تعدى بمن لأنه بمعنى خاف وحذر، وهو يتعدى بمن قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا} {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا} فتعديه بمن للثاني مما لا شبهة فيه، فعلى هذا يكون ترك أحد مفعوليه للعلم له أي ضررا ونحوه، فقول النحرير: هذا يشعر بأنّ حذر وخاف يجيء متعديا بمن خلاف اتقى لإنه ليس إلا متعديا بنفسه مردود. قوله: (منع عن موالإسم الخ) كونه ظاهرا وباطنا مأخوذ من عموم الاستثناء، وقول موسى عليه الصلاة والسلام معناه المداراة للضرورة لأنه أمر بأن يظهر ما ليس هو عليه وقيل معناه كن وسطا في معاشرتهم ومخالفتهم، وامش جانبا في موافقتهم فيما يأتون ويذرون، وقيل كر بجسدك مع الناس وقلبك في حظيرة القدس، وعقاب الله إذا أسنده إليه وكذا كل شيء أضيف إليه دل على عظمه ولا يؤيه بمعنى لا يبالي. قوله: (يعلم ضمائركم الخ) في قوله إن تخفوها أو تبدوها إشارة إلى وجه ذكر المبدي مع أن علمه المخفي يستلزم علمه وهو أنه استوى في علمه المخفي والمبدي وأنهما عنده على حد سواء وهي نكته لطيفة، ولو قيل المراد التعميم لصح لكن قوله بعد.: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} الخ يفيده فلا تكون النكتة سرية، وقوله: (فيعلم سرّكم وعلنكم) إشارة إلى أنه بمنزلة الدليل لما قبله إلا أنه يحتاج إلى نكتة للعطف حينئذ فتأمّله، وقوله: فيقدر الخ بيان لربط النظم، وقوله: بيان لقوله سبحانه وتعالى ويحذركم الخ أي بيان لوجه التحذير لا لمعناه. قوله: (بعلا ذاتئ الخ (في الكشف ذات في الأصل مؤنث وقطع عنها مقتضاها من الوصف والإضافة وأجريت مجرى الأسماء المستقلة فقالوا ذات متميزة وذات قديمة أو محدثة، ونسبوا إليها من غير حذف التاء فقالوا: ذاتيئ وحكى الأزهري عن ابن الأعرابيّ ذات الشيء حقيقته وهو منقول عن مؤنث ذو بمعنى صاحب لأنّ المعنى القائم بنفسه بالنسبة إلى ما تقوم به وافراده يستحق الصاحبية والمالكية، ولمكان النقل لم يعتبروا أن التاء للتأنيث عوضا عن اللام المحذوفة وأجروها مجرى تاء هات ولهذا، أبقوها في النسبة ولم يتحاشوا عن إطلاقها على الباري تعالى وان لم يجروا نحو علامة عليه تعالى واطراده في لسان حملة الشريعة دليل على أن الإذن في الإطلاق صادر، وقد يطلقونها على ما يرادف الماهية. قوله: (يوم منصوب بتودّ الخ) في ناصبه وجوه منها أنه قدير، ولا يرد عليه تقييد قدرته بذلك اليوم لأنه إذا قدر في مثله علم قدرته، في غيره بالطريق الأولى، ومنها أنه منصوب بالمصير أو يحذركم أو باذكر مقدرا فيكون مفعولاً به، ومنها ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للزمخشرقي أنه منصوب بتودّ وضمير بينه لليوم، ومعناه واضح لكنه مبنيّ على أمر اختلف فيه النحاة، وهو إذا كان الفاعل ضميرا عائدا على ما اتصل به معمول الفعل المتقدم نحو غلام هند ضربت هي أي هند وقوله: أجل المرء يستحث ولا يد ري إذا ما ينعي حصول الأماني ففاعل يستحث ضمير المرء المضاف إليه أجل المنصوب، وما نحن فيه مثله فجوّزه الجمهور ومنعه بعضهم لأنّ عود الضمير يقتضي لزومه ونصبه ويجعله فضلة يصح الاستغناء عنه وفيه نظر، وتجد يجوز أن تكون الناصية لمفعولين ثانيهما محضراً وأن تكون بمعنى تصيب فمحضرا حال، وجوّز في ما الموصولية، وهو الراجح والشرطية والمصدرية، واحضاره إمّا بإحضار صحفه أو جزائه. قوله: (بينها وبين ذلك اليوم) قيل الظاهر عوده على ما علمت لقربه، ولأنّ اليوم أحضر فيه الخير والشرّ والمتمني بعد الشرّ لا ما فيه مطلقا، ورذ بأنه أبلغ لأنه يودّ البعد بينه وبين اليوم مع ما فيه من الخير لئلا يرى ما فيه من السوء، والمعنى كل ما علصت من خير محضر أو ما علمت من سوء محضرا فيكون من العطف على المفعولين وحذف الثاني اختصارا بقرينة ذكره في الأوّل وهو جائز كم صرح به في الدرّ المصون، وقيل: إنه كقولك علمت زيدا فاضلاً وعمراً فليس من باب الاقتصار على المفعول الأوّل وليس بشيء لأنه مثل زيد قائم وعمرو وهو مما حذف فيه الخبر كما صرحوا به فيلزم الاقتصار ضرورة وأما الفرق بين المبتدأ والمفعول في هذا الباب فوهم، وجوّز أن يكون توذ مفعولاً ثانياً وأن تكون متعدية لواحد فلا حذف، وعلى تقدير اذكر ففي ما علمت وجهان إما مبتدأ خبره جملة توذ أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 معطوفة على ما الأولى وتوذ إمّا مستأنف أو حال من ضمير عملت لقربه لا من نفس ولا يرد عليه أنه تخصيص للعمل، والمقام لا يناسبه لأنه ليس القصد التخصيص بل بيان سوء حالهم وحسرتهم ولا بأس فيه. قوله: (ولا تكون ما شرطية لارتفاع توذ الخ! عليه اعتراض مشهور، وهو إنه إذا كان الشرط ماضياً والجزاء مضارعا جاز فيه الجزم والرفع من غير تفرقة بين أن الشرطية وأسماء الشرط وما قيل ولا يمتنع إطباق القراء على أحد الجائزين وان كان مرجوحا، وما يقال المراد الارتفاع على وجه اللزوم ليس بشيء لأنّ اللزوم إنما هو من جهة أنه ورد كذلك ولا مجال لتغيير النظم كما لا مجال لتغيير ما ورد فيه من الشعر وأجيب بأنه شاذ بحيث لم يوجد إلا في قوله: وان أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم وهو غير مسلم لأنه ورد كثيرا في كلام العرب حتى اذعى بعض المغاربة أنه أحسن ص الجزم وأنشد له أبو حيان رحمه الله تعالى شواهد كثيرة منها قوله: أن يسألوا الخيريعطوه وإن خبروا في الجهد أدرك منهم طيب الخبر والشاهد في الشرط الثاني فإنّ جوابه أدرك وهو مضارع مرفوع لا في الأوّل حتى يقال إنه سهو لأنه مضارع مجزوم بحذف النون فيهما كما توهم، وفي المغني أن الزمخشري امتنع من تخريجه على رفع الجواب مع مضي الشرط وقد صرح في المفصل بجواز الوجهين في نحو إن قام زيد أقوم لكنه لما رأى الرفع مرجوحا لم يستسهل تخريج القراءة المتفق عليها عليه يوضح لك هذا أنه جوّز ذلك في قراءة شاذة مع كون فعل الشرط مضارعا لتأوّله بالماضي، أعني قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} [سررة النساء، الآية: 78] برفع يدرك لأنه في معنى أينما كنتم وقد ظنه كثير تناقضاً منه والصواب ما بينا لك وفيه نظر يعلم مما سلف. فوله: (وقرئ وذت حأشية الشهأب / ج 3 / م 3 الخ) وعليها ارتفع مانع الارتفاع لكن الحمل على الموصولية أولى لكونها أوفق بقراءة العامّة، وأجرى على سنن الاستقامة لأنه كلام لحكاية الحال الكائنة في ذلك اليوم فيجب أن يحمل على ما يفيده الوقوع ولا كذلك الشرطية على أنها تفيد الاستقبال، ولا عمل سوء في استقبال ذلك اليوم وهذا لا ينفي الصحة لأنها وان لم تدل على الوقوع لا تنافيه وحديث الاستقبال يدفعه تقدير، وما كانت عملت كما في نظائر له كذا قال النحرير: وقال إنّ في صحته كلاما لأن الجملة على تقدير الموصولية حال أو عطف على تجد والشرطية لا تقع حالاً ولا مضافا إليها الظرف فلم يبق إلا عطفها على (اذكر) وهو بتقدير صحته مخل بالمعنى وهو كون هذه الحالة والودادة في ذلك اليوم، ولا محيص سوى جعلها حالاً بتقدير مبتدأ أي وهي ما عملت من سوء تود، وفي قوله الحمل على الابتداء والخبر إشعار بأنها لو جعلت شرطية لم تكن في موقع المبتدأ بل المفعول كما في قولك ما تصنع أصنع لأنّ عملت لم تشتغل بضميره بل بقي مسلطا عليه كما يعلم من معرفة أحوال أسماء الشرط والاستفهام وصدارتها قلت: ولا يخلو هذا الكلام من تكلف واهمال وما ذكروه من دعاوى أكثرها بلا برهان فإنهم أعربوا أن الوصلية مع جملتها على الحالية، ولم ينص النحاة على منع الإضافة إليها نعم لا مجال للشرطية هنا بحسب الصناعة والمعنى لأنه لا مفعول لتجد حينئذ إذ لا يصح عمله في اسم الشرط ولا فيما بعده لصدارته والمعنى على تعلقه بما بعده ولا وجه له غير العمل فيه ففيه تفكيك للنظم المرتبط، وحل لما عقد من غير داع وحديث الاستقبال لا يرد رأسا إذا لم يتعلق به حتى يحتاج إلى التأويل فتأمل. قوله: (كرر للتوكيد والتذكير) هذا بحسب الظاهر، وقال النحرير: الأحسن أنه ذكر أوّلاً للمنع عن موالاة الكافرين، وثانيا: للحث على عمل الخير والمنع عن عملى السوء، وقوله: إشارة الخ يعني أنّ رأفته أمّا بنفس تحذيره لمنعه لهم به وهو نوع من اللطف فيكون تتميما لما قبله أو بغيره فيكون مريدا لهم الخير مع وعيده فكيف مع وعده ورضاه كما في قوله تعالى إن الله لذو مغفرة وذو عقاب فهو تكميل كما في الكشاف وشروحه. قوله: (المحبة ميل النفس الخ) ذهب عامة المتكلمين إلى أنّ المحبة نوع من الإرادة وهي لا تتعلق حقيقة إلا بالمعاني والمنافع فيستحيل تعلقها بذاته تعالى وصفاته قإذا قيل إن العبد يحب الله فمعناه يحب طاعته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وخدمته أو ثوابه واحسانه وأمّا محبة الله العباد فعبارة عن إرادة إيصال الخيرات والمنافع في الدين والدنيا إليهم، وهما مجاز من باب إطلاق الملزوم على اللازم أو استعارة تبعية شبه إرادة العباد اختصاصه تعالى بالعبادة، ورغبتهم فيها بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلا لا يلتفت إلا إليه وقد اغتز بهذا صاحب الكشاف حتى طعن على من اذعى محبة ذات الله بما لا يليق صدوره عن عاقل، وأمّا العارفون فقالوا: إنّ العبد يحب الله لذاته وأمّا محبة ثوابه فدرجة نازلة قال الغزالي رحمه الله تعالى: المحبة عبارة عن ميل النفس إلى الشيء المستلذ فإذا قوي ذلك سمي عشقا، والبغض نفرة الطبع عن المؤلم فإن زاد سمي مقتا ولا يظن أن الحب مقصور على المحسوس وهو سبحانه لا يدرك بالحواس ولا يتمثل في الخيال فلا يحب لأنه عليه الصلاة والسلام سمى الصلاة قرّة عين وجعلها أبلغ المحبوبات وليس للحواس فيها حظ بل جس البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر، القلب أشد إدراكا من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار فيكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي يجل عن أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما فيه إدراك لذة فلا ينكر حب الله إلا من قيده القصور في مربط البهائم، نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الورّاق رحمه الله: تعصي الإله وأنت تظهرحبه هذالعمري في القياسم! بديع لوكان حبك صادقالأطعته إن المحب لمن يحب مطيع وهذا معنى قول المصنف بحيث يحملها الخ فإنه يشير إلى أن ما ذكره المتكلمون نظرا إلى الظاهر، والتفاسير المذكورة في كلامهم كالإرادة تفسير باللازم، وقوله من الله أي حدوثه منه وبالله أي بقاؤه به وإلى الله أي مآله ومرجعه إليه، والحب لله أي لأجله أو المختص به وفي الله أي مرضاته وهما متقاربان وهو إشارة إلى مرتبة الحب الصرف الذي لم يمتزج مشربه في زجاجة كأنها كوكب درّي، وهي التي بها العقول سكارى وما هي بسكارى: على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منهانصيب ولاسهم والقطرة تغني عن الغدير. قوله:) جواب للأمر الخ) والكلام في إن جازمه الأمر أو الشرط المقدر معروف في النحو فالمراد بالمحبة الرضا لأنه يلزمها فهو استعارة لغوية أو مشابه لها لأن من رضي بشيء كأنه استلذه، والمشاكلة ظاهرة والتجاوز عما فرط معنى المغفرة فقوله: عبر عن ذلك أي الرضا لا جميع ما تقدم فتسمح اتكالاً على ظهور المراد أو لأن الرضا مستلزم له فكأنه غير مغاير له ومعنى يبوّئه ينزله وقوله: لمن تحبب إليه هو مقتضى السياق، وقوله: على عهده أي في حياته، وعلى احتمال المضارعية في تولوا أصله تتولوا على الخطاب، وحيسئذ يحتمل أن يكون داخلاً تحت القول قوله: (يرض عنهم ولا يثني عليهم الخ (لما كان رضا الله دعاء وثناء متضمنا لأنواع اللطف والجميل أجمل به ما مضى في قوله ويكشف الحجب الخ فلا يقال الأحسن أن يقال فلا يكشف الحجب عن قلوبهم بالتجاوز عما فرط منهم ولا يقربهم من جنات عزه وجوار قدسه. قوله: (وإنما لم يقل الخ) دلالته على العموم لأن الكافرين يشمل من تولي ويفهم منه أن التولي كفر لاندراجه فيه وان نفي المحبة عنهم لذلك لتعليقه بالوصف المشعر بالعلية ونفي المحبة عنهم يقتضي الحصر في ضدهم، وقيل عليه إن جعل إن الله لا يحب الكافرين جزاء لا يصح تصد العموم لأن تولي طائفة خاصة لا يصير سبباً لعدم محبة جميع الكافرين، بل سبب عدم محبة كل أحد توليه وإن جعل دالاً عليه وقائما مقامه فتقدير الكلام إن تولوا فإن الله لا يحبهم لأنه لا يحب الكافرين فليس من وضع الظاهر موضع المضمر حتى يحتاج إلى نكتة وهذه مغالطة، لأن المراد بالكافرين من تولى فتسببه ووضعه موضع الضمير ظاهر، والعموم إنما هو بحسب التعبير المذكور بقطع النظر عن المراد لأنه إذا لم يحبهم لكفرهم دل على أنه لا يحب كل من هو كذلك. قوله: (بالرسالة والخصائص الخ (ذكر آل عمران بعد آل إبراهيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 مع دخولهم فيهم لبيان أنهم مقصودون هنا بالذات إذ السورة نزلت لبيان فضلهم لا لكونهم أشرف لدخول نبينا صلى الله عليه وسلم في آل إبراهيم، وفي كلامه إشارة إلى أن المقصود بمن ذكر جميع الرسل لا خصوص من خص بالذكر، ووجه الاستدلال المذكور أن العالمين شامل لجميع المخلوقات فإذا اختار هؤلاء عليهم اقتضى تفضيلهم، والتأويل خلاف الظاهر، وقوله: وكان بين العمرانين يعني عمران أبا موسى وعمران أبا مريم وعمران المذكور في النظم يحتملها، ورجح في الانتصاف القول الثاني بأن السورة تسمى آل عمران ولم تثرح قصة عيسى عليه الصلاة والسلام ومريم في سورة أبسط من شرحها في هذه السورة، وأمّا موسى وهارون فلم يذكر من قصتهما في هذه السورة طرف فدل ذلك على أن عمران المذكور ههنا هو أبو مريم انتهى. قوله: (حال أو بدل الخ) اختلف في إعراب نصبه فقيل على البدلية من آدم، وما عطف عليه وهذا إنما يتأتى على قول من يطلق الذرية على الآباء والأبناء لأنه من الذرء بمعنى الخلق والأب ذرئ منه الولد والولد ذرئ من الأب، وبه صرح الراغب وغيره فلا يرد عليه قول أبي البقاء إنه لا يصح أن يبدل من آدم لأنه ليس بذرية، وقيل بدل من نوج وما بعده، وقيل بدل من الآلين لأنّ المتبادر من الذرية النسل، ولذا اقتصر المصنف رحمه الله على هذين القولين لما فسر الذرية به، وقس عليه الحالية، وقوله: ذرية واحدة الوحدة مستفادة من التاء ومن ابتدائية على الأوّل اتصالية على الثاني أو هي اتصالية فيهما، وعلى الثاني يكون كقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [سورة التوبة، الآية: 67] . قوله: (والذزية الولد الخ) فيه أقوال فقيل منسوب إلى الذز بالفتح والضم لتغيير النسب بمعنى الخلق أو البث لأنه تعالى خلقها وبثها، أو بمعنى صغار النمل لإخراجهم ست صلب آدم عليه الصلاة والسلام على هيئتها واختاره الزجاج وقيل أصلها ذرّورة فعولة منه فأبدلت الراء ياء ثم قلبت الواو ياء أيضاً وأدغمت كأحد الوجوه في سرية ولو جعلت من الذر ولكان أنسب وقيل إنه من ذراً الخلق مهموزاً والتزم تخفيفه كما في البرية، قال: في الكشف الأول أصح ومعنى التفريق والبث أظهر وفعوله بتشديد العين. وقوله: (بأقوال الناس الخ الف ونشر، والتعميم من حذف المتعلق، والتخصيص بقرينة السياق. قوله:) فينتصب به إذ) أي بسميع عليم على التنازع أو بسميع، ولا يضر الفصل بينهما بالأجنبي لتوسعهم في الظروف، وحنة بفتح الحاء المهملة ونون مشذدة وتاء تأنيث اسم عبراني، ثم ذكر أن مريم اثنتان كعمران وتوله: فظن أن المراد زوجته أي المراد بامرأة عمرإن في الآية أمّ مريم هذه وزوجته وفي نسخة أنه المراد وزوجته. قوله: (وتردّه كفالة زكريا) أي يردّ هذا القول قوله تعالى، وكفلها زكريا فإن زكريا في عصر عمران بن ماثان لا عمران بن يصهر وتزوّج زكريا إيشاع بنت عمران بن ماثان أخت مريم فيكون عيسى أبن مريم ويحيى بن زكريا ابني خالة لأب كما ورد في الحديث الصحيح، دمانما كانتا لاًب لأنهما بنتا عمران لكن مريم من حنة وايشاع من غيرها لما ذكر أنّ حنة كانت عاقرا حتى صارت عجوزا، ثم حملت بمريم وايشاع كانت أكبر سنا من مريم لكن ما سيأتي من أن زكريا قال: أنا أحق بها عندي خالتها يدل على أنها خالتها فمنهم من وفق بينهما بان حنة وإيشاع بنتا فاقوذا فمريم بنت أخت إيشاع وبنت الأخت يطلق عليها أخت إطلاقاً متعارفا فيكونان ابني خالة مجازا، ومنهم من قال: كان عمران تزوّج أم حنة فولدت له إيشاع وكانت حنة ربيبته فتزوّجها، وكان ذلك جائزا في شريعتهم فولدت مريم فتكون إيشاع أخت مريم من الأب وخالتها أيضاً لكن أورد عليه أنّ الأوّل مجرذ احتمال لا رواية فيه والثاني لا يصح مع قوله إن إيشاع بنت عمران. قوله: (روي أنها كانت عاقرا) أي حنة وخدم بفتحتين جمع خادم كتبع، وهو جمع نادر، ونذر تحرير الأولاد في شرعهم مخصوص بالذكور وبعد هذه القصة جاز بالبنات أيضا فما في بطني بمعنى إن كان ذكرا على تقدير العرف، وتعيينه فيه أو أنها طلبته، ودعت أن يكون ذكرا فيكون المعنى رب إني نذرت لك ما في بطني فاجعله ذكرا على حدّ أعتق عبدك عني، وقيل: إنّ هذه الرواية تنافي ظاهر النص يعني قوله رب إني نذرت لك ما في بطني فلذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 مرّضه بقوله: روي وهو مدفوع بان المراد كنت نذرت أو نذرت ما سيكون في بطني. قوله: (محرّرا معتقاً الخ) التحرير من الحرّية وهي ضربان أن لا يجري عليه حكم السبي، وأن لا تتملكه الأخلاق الرديئة والرذإئل الدنيوية والى هذين المعنيين أشار المصنف، وهما! سيران مرولان عن السلف، وقد أشار إلى هذا الراغب رحمه الله، فما قيل إن الأوّل من التحرير بمعنى الإعتاق، والثاني من تحرير الكتاب لتقويمه لأنّ جعله مخلصاً للعبادة تقويم له تكلف لا حاجة إليه، والحالية إمّا من ما أو من الضمير في الطرف وهي حال مقدرة على الثاني قيل ويحتمل المصدرية. قوله: (الضمير لما في بطنها وتأنيثه الخ) في الكشاف لأنّ ما في بطنها كان أنثى في علم الله قال: الشارح المحقق يعني لما علم المتكلم أنّ مدلول ما مؤنث جاز له تأنيث الضمير العائد إليه وان كان اللفظ مذكراً هذا في قوله فلما وضعتها، وأمّا في قوله: حكاية رب إني وضعتها أنثى فقد يوجبه بأنّ تأنيث الضمير ههنا ليس باعتبار العلم بل باعتبار أن كل ضمير وقع بين مذكر ومؤنث هما عبارتان عن مدلول واحد جاز فيه التذكير والتأنيث نحو الكلام يسمى جملة وأنثى حال بمنزلة الخبر فأنث الضمير العائد إلى ما نظر إلى الحال من غير أن يعتبر فيه معنى الأنوثة ليلزم اللغو، وفيه نظر لأنها حال مؤكدة كم قال المعربون: وأيضاً فإنه إذا كان المقصود التحسر لا يتوجه ما ذكر أصلا فكأنه قيل وضعت ما في البطن أنثى كما أنّ فإن كانتا اثنتين لا لغو فيه لأنّ ضمير كانتا لمن يرث وإنما ثنى نظرا إلى الخبر ومن لم يفرق بين الموضعين زعم أن تأنيث الضمير بناء على العلم بكونه أنثى فلا يتوجه حينئذ أنه باعتبار الحال. وقوله: (أو على ثأويل مؤنث الخ) يعني يؤوّل بمؤنث لفظي يصلح للمذكر والمؤنث كالحبلة بفتحتين وهي النتاح فلا يشكل تأنيثه ولا يلغو ذكر أنثى. قوله: (وإنما قالته تحسر الخ (جواب سؤال تقديره إنّ الإخبار إمّا للفائدة أو لازمها وعلم الله محيط بهما فأيّ فائدة في هذا الإخبار فقيل إنما يلزم ما ذكر إذا كان الإخبار للمخاطب وهذا إخبار للمتكلم يعرض حاله ويحسره عليه تعالى فإن قلت كما أنه يلغو الخبر لاستغناء المخاطب عن الإفادة يلغو الكلام مع قصد التحسر لعلم المخاطب بكونه متحسراً قلت أجيب بأنّ الكلام لإنشاء التحسر وبالتلفظ به يصير المتكلم متحسراً وليس لإفادة التحسر، وفرق بين إحداث الشيء وإفادته، ويحتمل أنه لتحقير محررة استجلاباً للقبول لأنه من تواضع لله رفعه. وقد قال الإمام المرزوقي: إنه قد يرد الخبر صورة لأغراض سوى إخبار كما في قوله: قومي هم قتلوا أميم أخي فإن هذا الكلام تحزن، وتفجع وليس بإخبار فقوله: ليس! بإخبار هو الدافع للسؤال فلا حاجة إلمى شيء آخر لأنه ما لم يلتزم هذا يرد أن دلالته على التحسر لا بد أن تكون كناية أو مجازا، والكلام الخبريّ سواء كان حقيقة، أولاً لا بد فيه من أحد الأمرين الفائدة أو لازمها وهما مفقودان هنا فيعود السؤال فتأمّل، وقوله: وهو استئناف أي مقطوع عما قبله فليس معطوفاً فلا ينافي كونه اعتراضا كما سيأتي، وقوله: تعظيماً لموضوعها أي المولود الذي وضعته، يعني ليس المراد الردّ عليها في إخبمار الله بما هو أعلم به كما يتراءى من السياق، وما موصولة والعائد محذوف تقديره ما وضعته، وأمّا كون ما وضعت عبارة عن أم مريم أي هو أعلم بحالها من التحزن والتحسر فلا وجه له وجزالة النظم تأباه، وقوله: على أنه من كلامها فليس للتجهيل بل لنفي العلم لأنّ العبد ينظر إلى ظاهر الحال، ولا يقف على ما في خلافه من الإسرار. قوله: (بيان لقوله والله أعلم الخ) وذلك أنّ توله تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} الخ وارد لتفخيم المولود وتفضيله على الذكر بمعنى أنه قد تعورف بين الناس فضل الذكر على الأنثى، وألله هو الذي اختص بعلمه لفضل هذه الأنثى على الذكر فكان قوله: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} بياناً لما اشتمل عليه الأوّل من التعظيم، وليس بيانا لمنطوقه حتى يلحق بعطف البيان الممتنع فيه العطف، واللام فيهما للعهد أمّا التي في الأنثى فلسبق ذكرها صريحا في قولها إني وضعتها أنثى والتي في الذكر فلقولها إني نذت الخ إذ هو الذي طلبته، والنحرير لا يكون إلا للذكر. قوله: (ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والآنثى سيان) وفي ليس ضمير الشان، ولذا رفع سيان وفي نسخة سيين وهو ظاهر وكون اللام على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 هذا للجنس لأنه لم يقصد خصوص ذكر وأنثى بل المراد أنّ هذا الجنس خير من هذا كقولهم الرجل خير من المرأة ويؤيد كونه من كلامها عطف قولها: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} قال في الانتصاف أورد على هذا الوجه أن قياس كونه من قولها أن يقال وليس الأنثى كالذكر فإن مقصودها تنقيص الأنثى بالنسبة إلى الذكر، والعادة في مثله أن ينفي عن الناقص شبهه بالكامل لا العكس، وقد وجدت الأمر في ذلك! ختلفاً ولم يتبين لي تعين ما قالوه ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} [سورة الأحزاب، الآية: 32] فنفي عن الكامل شبه الناقص لأنّ الكمال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بالنسبة إلى عموم النساء، وعلى ذلك جاءت عبارة امرأة عمران ومنه أيضاً أفمن يخلق كمن لا يخلق انتهى. (قلت) : إذا دخل نفي بلا أو غيرها أو ما في معناه على تشبيه مصرح بأركانه أو ببعضها أحتمل معنيين تفضيلى المشبه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه بكذا لأن وجه الشبه فيه أولى وأقوى كقولك ليس زيد كحاتم في الجود، ويحتمل عكسه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه به لبعد المسافة بينهما كقول العرب ماء ولا كصدى مرعى ولا كالسعدان فتى ولا كمالك وقوله: طرف الخيال ولا كليلة مدلج ووقع في شروح المقامات وغيرها أن العرب لم تستعمل النفي بلا على هذا الوجه إلا للمعنى الثاني وإن استعماله لتفضيل المشبه من كلام المولدين حتى اعترضوا على قول الحريري: في قوله في مقاماته غدوت ولا اغتداء الغراب، وما يشبهه كقوله في خطبة التلويح نال حظا من الاشتهار ولا اشتهار الشمس نصف النهار أي، ولا مثل ذلك فحذف مثل المنصوبة بلا وأقيم المضاف إليه مقامها وأراد أن اغتداءه كان قبل اغتداء الغراب الذي هو أكثر الطير بكورا، وهذا وأمثاله في هذا الكتاب معناه أن المشبه أقوى من المشبه به ولم يأت هذا عن العرب كما مر مثاله، وليس مذهبهم في ذكر لا بين المشبهين وإنما هو من كلام العامة، ووقع مثله في مقامات البديع، وما نقله المحشي مبنيّ على هذا فأشار إلى أنه ليس بلازم كما ورد في الآيات المذكورة، ومما أورده الثعالبي من خلافه في كتابه المنتخب فلأن حسن، ولا القمر وجواد ولا المطر على أنه لو سلم ما ذكروه فالمعاني لا حجر فيها على أنّ ما ورد في النفي بلا المعترضة بين الطرفين، لا في كلى نفي وهذا من نفائس المعاني التي ينبغي حفظها، ولم أر من صرح به حتى وقع في بعض حواشي التلويح فيه خبط لعدم الضبط وقيل قول المصنف ليس الذكر والأنثى سيان إشارة إلى أن التشبيه ليس لإلحاق الناقص بالكامل والا ينبغي أن يقال: وليس الأنثى كالذكر بل للتشابه، والمراد نفي المساواة واللام للجنس على هذا التوجيه لأنها تريد ليس جني الأنثى كالذكر في خدمة بيت المقدس، وعلى الوجه الأوّل هذه الجملة معترضة من متكلم آخر نحو قلت: ضربت زيدا ونعم ما فعلت وبكراً وخالدا بخلافه على هذا أو هما كلام متكلم واحد بالنظر إلى الحكاية لا المحكي فتأمّل. قوله: (وإنما ذكرت ذلك لربها تقرباً لخ (يفهم التقرب من كون مريم بمعنى عابدة، وفهم التغاير ظاهر لتغاير المفعولين، وقد مرّ لمريم معنى آخر وقد سبق أنها معرّبة مارية بمعنى جارية وهو أصح عندي. قوله: (أجيرها بحفظك الخ (أصل العوذ كما قاله الراغب رحمه الله: الالتجاء إلى الغير والتعلق به يقال عاذ فلان بفلان إذا استجار به، ومنه أخذت العوذة وهي التميمة والرقية والرجيم المرجوم استعمل في لازم معناه وهو المطرود وما ذكره من الحديث رواه الشيخان فقوله في الكشاف: الله أعلم بصحته فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة الحجر، الآية: 40] واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي: لماتؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد وأما حقيقة المس النخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا، ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطاً مما يبلونا به من نخسه انتهى، يريد أنه من التخيلات الادّعائية وليست كذلك في الواقع، وقد استعمله ابن الرومي على نهج حسن التعليل فالاستهلال صارخا أي الابتداء به واقع عنده، والمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 تخييل ليس بشيء أما تردده في الحديث فظاهر البطلان لما ذكرنا وأما تأويله بما ذكر فقد اتفق أهل الأثر على خلافه وان تابعه المصنف، وما ذكره من امتلاء الدنيا صراخا وهم فاسد لكن أشار إلى أنّ الحديث ليى على عمومه وأنّ أوّل بدليل الآية التي تلاها ولا ينافيه الحصر لأنه قد يكون باعتبار الأغلب أو يقدر له ما يخصصه فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم منه أبضا حتى لا يلزم تفضيل عيسى صلى الله عليه وسلم في هذا ال! عنى، ويؤيده خروج المتكلم من عموم كلامه كما روى الجلال في البهجة السنية عن عكرمة قال لما ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نوراً فقال إبليس: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقالت له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته فلما دنا منه ركضه جبريل عليه الصلاة والسلام، فوقع بعدن فما قيل لا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا وجه له. وقال السهيلي رحمه الله: شق صدره في حال طفوليته وشق الملكين قلبه، واخراج علقة سوداء، وتولهما إنه مغمز الشيطان الحديث لا يدل على فضل عيسى عليه الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه خلق مكملا في القوى البشرية ثم نزع منه ذلك وملئ حكمة وإيماناً بعد غسله بالثلج والبرد وللإمام السبكي فيه كلام نفيس تعرض له ابنه في طبقاته، وقوه: حين يولد أي حين تمت ولادته وقوله يولد للاستمرار مع قطع النظر عن المضيّ والاستقبال وقيل: إنه بمعنى ولد ليصح استثناء مريم وابنها فعبر عن الماضي بالمضارع لحكاية الحال فتأمل، ومعنى قوله: تخييل أنه استعارة تمثيلية شبه حال الشيطان في قصد الإغواء بحال من يمس الشيء باليد ويعينه لما يريد به كما سيأتي في نحو قوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [سورة الزمر، الآية: - 67] . قوله: (فرضي بها الخ (فسر القبول للنذر بالرضا إشارة إلى تشبيه النذر بالهدية، ورضوان الله بالقبول، وقوله: أي بوجه حسن إشارة لتوجيه دخول الباء فإنه يرد عليه أنه مصدر ويجب نصبه بان يقال تقبلها قبولاً ولذا جعل بعضهم الباء زائدة فبين أن فعولاً يكون للآلة التي يفعل بها الفعل كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد فليس مصدرا هنا حتى يدعي زيادة الباء، والنذائر جمع نذيرة بمعنى منذورة، والتاء كتاء النطيحة، وهو ضمير عائد لوجه، وقوله: أو تسلمها مصدر معطوف على إقامتها وتفسير آخر للوجه، والسدانة مصدر بمعنى الخدمة، وقوله: روي الخ بيان للتسلم المذكور، وقوله: وصاحب قربانهم هو من تسلم له ليصفها وتنزل النار فتأكلها كما كان ذلك لهم ولذلك ورد في وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم قربانهم دماؤهم أي الذبح لا أكل النار، وقوله: عندي خالتها مر ما فيه، وطفا بمعنى علا على الماء، وضده رسب. قوله: (ويجوز أن يكون مصدرا الخ) أي هو مصدر على تقدير مضاف أي رضي بها ملتبسة بأمر ذي قبول ووجه ذي رضا وهو ما يقيمها مقام الذكور لما اختصت به من الإكرام، وهو جواب آخر، ثم جوز أن يكون تفعل بمعنى استفعل كتعجل بمعنى استعجل أي واستقبلها وتلقاها وهذا جواب آخر، قال ابن المنير في تفسيره: فيكون القبول عبارة عن أوله واستقباله وتقبلها بمعنى استقبلها بأوّل وهلة من ولادتها وأظهر الكرامة فيها حينئذ، وفي المثل خل الأمر بقوابله أي بأوائله انتهى، وقوله: ويجوز أن يكون مصدراً جواب ثالث. قوله: (مجارّ عن تربيتها الخ (أي هو استعارة أو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم فإنّ الزارع لا يزال يتعهد زرعه بسقيه وحمايته عن الآفات وقلع ما يخنقه من النباتات، وقوله: على أنّ الفاعل هو الله أي الضمير العائد على اسم الله وهو الرب، وليس مراده على لفظ الجلالة المفهوم من الكلام حتى يقال إنه لا حاجة إليه مع أنه خلاف الظاهر وزكريا فيه لغات المد والقصر وزكرى بترك الألف ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة وقيل لألف التأنيث. قوله: (المحراب أي الغرفة (لم يعطف على ما قبله لأنه بيان لقبولها، وذكر للمحراب معاني المشهور منها الأخير، ولذا اقتصر عليه أخيراً في قوله: كأنها الخ، قال: في الدر المصون هذه معان للمحراب من حيث هو وأمّا في الآية فلا خلاف في أنه المحراب المتعارف وأصله مفعال صيغة مبالغة كمطعان فسمي به المكان لكثرته فيه، وقيل: إنه يكون اسم مكان واليه يميل كلام المصنف رحمه الله وكونه من المحاربة لمحاربة الشيطان فيه أو لتنافس الناس عليه ولبعض المغاربة في المدج: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب في المحراب قوله: (جواب كلما وناصبه الخ (وجد بمعنى أصاب ولقي متعد لواحد وهو رزقا وكل منصوب على الظرفية لإضافته إلى ما الظرفية المصدرية وصلتها دخل والعامل فيها الجواب بالاتفاق لأنّ ما في حيز المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا يجري فيها الخلاف المذكور في أسماء الشروط ومن الناس من وهم فقال: إن ناصبه فعل الشرط، وادعى أنه الأنسب معنى فزاد في الطنبور نغمة. قوله: (من أين لك هذا الررّق الخ) تقدّم الكلام في أين وكونه كرامة ظاهر لأنّ مريم لا نبوة لها على المشهور، وأما كون هذه العبارة تقتضي الاشتباه وهو ينافي كونه معجزة فبناه على الظاهر، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون لإظهار ما فيها من العجب بتكلمها ونحوه وسيذكر هذه العبارة بعينها في الحديث الذي بعده، ولا اشتباه فيه. قوله: (قيل تكلمت صغيرة الخ) الذين تكلموا في المهد أحد عشر نظمهم الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في قوله: تكلم في المهد النبيّ محمد ~ ويحيى وعيسى والهخليل ومريم ومبري جريج ثم شاهد يوسف ~ وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم وطفل عليه مرّ بالأمة التي ~ يقال لها تزني ولا تتكلم وماشطة في عهد فرعون طفلها ~ وفي زمن الهادي المبارك ص يختم قوله: (بغير تقدير) هو إمّا بمعنى بيان المقدار أو التقييد فإنه يرد بمعناه، وقوله: أو بغير استحقاق هو مجاز لأنه لو كان بالاستحقاق لكان كل رزق في مقابلة عمل فيستلزم الحساب، حعنى التعداد وقوله: (روي الخ) أخرجه أبو يعلى في مسنده وبضعة بفتح وكسر بمعنى قطعة وقرله:) قرجع الخ) أي أرسلها إليها أو أخذها ورجع به مغطاة، وهلمي بمعنى أقبلي وفي الكلام تقدير أي فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام الخ. قوله: (في ذلك المكان الخ) قدمه لأنه المعنى الحقيقي المعروف فيها، وقيل إنها وثمّ بالفتح والتشديد مع كونهما للإشارة إلى المكان " ردا للزمان مجازاً كحيث، وذهت الزجاج إلى أنها مستعارة للجهة والحالة كما تستعار حيث ا! ابتنزيلها منزلتها، وكون الفواكه في غير أوانها لأن فاكهة الصيف في الشتاء وعكسه كما مر،، ير تعدية انتبه بعلى تسمح، ووجه التنبه أنّ الولد كالثمرة والعقر كذهاب إبانه قيل وكذا تكلمها! غير أوانه وقوله: {يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله: مجيبة فسر السميع بالمجيب لأنّ السمع ورد بمعنى القبول كثيرا. قوله: (أي من جنسهم الخ) يعني أنه أطلق الجمع المعرّف على الجنس الشامل للواحد كقولهم يركب الخيل لمن له فرس وكذا هنا المنادي واحد، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام. قوله: (ويحيى اسم أعجمي) هذا هو الصحيح وأمّا كونه منقولاً من الفعل فقول ضعيف، واحتمال أنه منقول من فعل فيه فاعل مستتر حتى يكون جملة محكية تكلف مستغنى عنه، وقوله: على إرادة القول الخ هما مذهبان في النحو للبصريين والكوفيين مشهوران. قوله: (بعيسى عليه الصلاة والسلام الخ (سمى عيسى كلمة لأنه وجد بأمركن من دون تناسل كما يسمى نحوه عالم الأمر والمراد بالكتاب الإنجيل فسمي كلمة كما تسمى القصيدة الطويلة كلمة، والحويدرة تصغير الحادرة بالمهملات وهو لقب شاعر جاهلي اسمه تطبة بن محصن بن خرول، وأصل معنى الحادرة الضخم المنكبين وهي قصيدة عينية معروفة عند الرواة مشهورة بالبلاغة. قوله: (يسود قومه ويفوقهم الخ) أصل معنى السيد من يسود قومه ويكون له أتباع ثم أطلق على كل فائق في دين أو دنيا، وورد في الحديث إطلاقه على الله. قوله: (مبالغاً (الحصور من الحصر وأصله المنع، ويطلق على كل من لا يدخل في الميسر فلذا استعمل فيما ذكره وقوله: ناشئاً منهم فمن للابتداء وان كان بمعنى من جملتهم ومعدوداً فيهم، فللتبعيض، ومعناه على الأوّل ذو نسب وعلى الثاني معصوم فلا يلغو ذكره بعد نبياً ومنهم من فسر الحصور بالذي لا يميل إلى النساء واستدل به على فضل العزوبة على التزوّج. قوله: (استبعاداً من حيث العادة الخ) ومع قوله: من حيث العادة لم يبق وجه لما قيل لا وجه للاستبعاد مع أنّ قدرة الله واضحة وكذا لا حاجة للتعجب، وقوله: بلغني الكبر أدركني إشارة إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 إنهما بمعنى في الاستعمال وهما في المجاز من باب واحد، وعاقر كحائض وطامث على النسب فلذا لم يؤنث وأشار إليه بقوله: ذات عقر أي قطع. قوله: (أي يفعل ما يشاء من العجائب الخ) أي إنّ كذلك معمول يفعل مقدم عليه والتقدير كهذا الفعل العجيب يفعل الخ كما مز تحقيقه في وكذلك جعلناكم، وقوله: (كما أنت الخ) هو راجع إلى كونه استفهاما عن كيفية حدوثه أهو بردّهما شابين أم بغير ذلك، وكذلك الله على الابتداء والخبر بمعنى الدوام! الاستمرار كما مز، وقوله: وتزيح بالرفع عطف على أعرف وبالنصب عطف على استقبله. ترله: (أن لا تقدر الخ) إنما فسره به لأنه الظاهر من كونه آية، وأمّا امتناعه مع الغدرة وان قبل له فبعيد هنا، وقيل إنه حبس عقوبة له على السؤال، وقوله: وأحسن الجواب ما اشتق من السؤال أي أخذ منه وانتزع بأن يكون يناسبه لفظا ومعنى لأنه لما سأل آية لأجل الشكر أجيب لانه أن لا يقدر إلا على الشكر كما قيل لأبي تمام لم تقول ما لا يفهم، فقال: لم لا تفهم ما لقال. قوله: (والاستثناء منقطع الخ) الأوّل هو الظاهر لأنّ الرمز ليس من جنس الكلام أئا لو أؤل الكلام بكل ما يفهم فإنه يكون متصلاً لكنه خلاف الظاهر، ويلزم أن لا يكون استثناء منقطع أصلاً إذ ما من استثناء إلا، ويمكن تأويله بمثله، ورمزا بفتحتين جمع رامز هو من نادر الجمع، وقد حصر في ألفاظ مخصوصة. قوله: (متى ما تلقني الخ) في أمالي ابن الشجري كان عمارة بن زياد العبسي يحسد عنترة على شجاعته، ويظهر تحقيره ويقول لقومه ليتني لقيته خالياً لاريحكم منه وأعلمكم أنه عبد فبلغ عنترة ذلك فقال: أحولي تنفض استك مذرويها لتقتلني فها أناذا عمارا متى ما تلقني فردين ترجف روانف أليتيك وتستطارا وسيفي صارم قبضت عليه أصابع لاترى فيها انتشارا في أبيات أخر، قال: والمد وان جانبا الأليتين، ومن كلامهم ما ينفض مذ رويه إذا جاء يتهدد، وفردس ويروى خلوين حال من المفاعل والمفعول، ويروى برزين أو بارزين، وترجف بمعنى تضطرب، والرانفة طرف الألية التي تلي الأرض من القائم، وأراد بالروانف التثنية لأنه ليس له إلا رانفتان ولذا ثني ضمير تستطار أو تستطارا بمعنى تستخفا وهو مجزوم معطوف على جواب الشرط، وأصله تستطاران وضمير النثنية للروانف لأنه بمعنى الرانفتين كما مرّ، ويحتمل أن يكون منصوباً بعد الشرط، والتاء للخطاب أو لتأنيث الروانف والألف للإطلاق، وقيل: إنها بدل من نون التأكيد الخفيفة. قوله: (وهومؤكد لما قبله الخ (لأنّ المنع عن كلامهم للاشتغال بالذكر والشكر، فإن قلت الإنشاء لا يعطف على الخبر وكذا المبين لا يعطف على المؤكد، قلت قيل: إنه معطوف حينئذ على مقدر أي أشكر وأذكر أو الأمر مؤوّل بالخبر أي أن لا تكلم وتذكر الخ وفيه نظر وقوله: (وتقييد الخ) فيه نظر لأنّ العشيّ والإبكار قيد له ولأنّ الكثرة أخص من التكرار. قوله: (والإبكار (بكسر الهمزة مصدر، وعلى الفتح جمع بكسر كسحر لفظا ومعنى وهو نادر الاستعمال. قوله: (كلموها شفاها الخ) الإرهاص التأسيس من الرهص وهو الساق الأسفل من الجدار والإرهاصات أن يتقدم على دعوى النبوّة ما يشبه المعجزة كإظلال الغمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلم الحجر معه وفي كونه معجزة زكريا صلى الله عليه وسلم بعد، إذ لم يقع الكلام معه، ولم تقترن بالتحذي، ودعوى الإجماع على عدم استنباء امرأة ليس بصحيح لأنه ذهب إليه كثير من السلف، ومال السبكي رحمه الله وابن السيد إلى ترجيحه واستدلاله بالآية لا يصح أيضاً لأنّ المذكور فيها الإرسال وهو أخص من الاستنباء فإن فسر القول بالإلهام فإسناده إلى الملائكة عليهم الصلاة والسلام خلاف الظاهر وان كان لا منع من أنه يكون بواسطتهم أيضا، ولما تكرّر الاصطفاء في الآية تغاير الاصطفا آين ليظهر له فائدة، وما يستقذر هو الحيض، وقذفها أنهم رموها بيوسف النجار وكان عابداً في بني إسرائيل وفي نسخة قرفته بالقاف والراء المهملة والفاء يقال: فرقت الرجل بكذا، إذا اتهمته. قوله: (أمرت بالصلاة الخ (لما كان الظاهر أن يقال صلى أو فصلى أركان الصلاة وهي القيام المعبر عنه بالقنوت والركوع والسجود، ويؤخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 السجود بين وجهه بأنها أمرت بكل ركن على حدة مبالغة في المحافظة، وقدم السجود لأنه كان كذلك في صلاتهم، وأمّا كونه للتنبيه على أنّ الواو لا تفيد الترتيب فلا يخفى ضعفه لأن الكلام مع من يعلم لا مع من يتعلمه من هذا النظم، وكذا كونه قدم لشرفه، نه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لأنه إنما يتم على القول بأن القيام ليس أفضل منه كما نقل عن الشافعيّ، وكذا الوجه الأخير غير تام إذ لو قيل واسجدي مع الساجدين أو مع المصلين لم يتأت ما ذكره، وفي الكشاف أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات الصلاة وأركانها ثم قيل لها واركعي مع الراكعين بمعنى، ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة أو انظمي نفسك في جملة المصلين، وكوني معهم في عدادهم، ولا تكوني في عداد غيرهم، ويحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم وشمجد في صلاته ولا يركع وفيه من يركع فأمرت بأن تركع مع الراكعين، يعني بعد الأمر بالصلاة أمرت بقيد في الصلاة، وهو الجماعة أو بالمواظبة على ذلك بحيث تعد من جملة المصلين وتنسب إليهم أو بحقيقة الركوع والكون مع الذين يركعون لا مع الذين يصلون بلا ركوع، وقوله عليها أي على الصلاة أو الأركان. قوله: (وقيل المراد بالقنوت الخ (قال الراغب رحمه الله: القنوت لزوم الطاعة فلا بقال إنّ الآية لا تدلّ على الإدامة لأنها مفهومة من قوله: آناء الليل والتعبير عن الصلاة بالسجود من التعبير بالجزء عن الكل، والإخبات التواضع. قوله:) أي ما ذكرنا الخ) من القصص بيان لما هو إفا بفتحتين أو جمع قصة وقوله: من الغيوب تفسير لقوله من أنباء الغيب وقوله:) التي لم تعرنها الخ) الحصر مأخوذ من المقام، والأقداح جمع قدح بكسر فسكون وهو سهم يوضع للميسر والقرعة سميت أقلاما من القلم، وهو القطع وهو بيان لإفراد اسم الإشارة بأنه باعتبار حاضية الثهأب / ج 3 / م 4 تأويله بما ذكر. قوله: (والمراد تقرير كونه وحيا الخ) يعني أنه يخبر بما لا سبيل إلى معرفته بالعقل مع اعترافكم بأنه لم يسمعه، وتنكرون إنه وحي فلم يبق مع هذا ما يحتاج إلى النفي سوى المشاهدة التي هي أظهر الأمور انتفاء. قوله: (متعلق بمحذوف الخ الما لم يصلح تعلق يلقون باسم الاستفهام لفظا ومعنى لزم أن يقدر ما يرتبط به النظام، وذكر له الزمخشري ثلاثة أوجه أحدها: جملة هي حال مما قبلها أي ينظرون لأنّ النظر يؤدّي إلى الإدراك فيتعلق باسم الاسنفهام كالأفعال القلبية كما صزح به ابن الحاجب وابن مالك في التسهيل فمن ظن أنه مخصوص بها حتى ارتكب تأويل النظر بنظر البصيرة وقال: إنّ المصنف تركه لهذا لم يصب. الثاني: ليعلموا أنّ الإلقاء سبب العلم لكنه سبب بعيد والقريب هو النظر إلى ما ارتفع من الأقلام وقدره السكاكي ينظرون ليعلموا نظراً إلى المعنى واللفظ. والثالث: يقولون قالوا: وهو ضعيف لأنه ليس فيه فائدة يعتد بها وإنما هو إصلاج لفظي، وقيل: إنه مفيد إذ المراد بالقول المقدر القول للبيان أي ليبينوا ويعينوا الكافل ووقع في عبارة القاضي رحمه الله أو يقولون فهو مثل ما قدره الزمخشريّ والجملة حالية وفي بعض النسخ أو يقولوا بالنصب عطفا على يعلموا، ووجه التعليل فيه خفاء إلا أن يؤوّل بما مرّ فلا يرد عليه ما قيل إنه سهو من الناسخ إلا أن يقالط إنه أراد بيقولوا ليحكموا إلا ليستفهموا فتأمل. قوله: (وما بينهما اعتراض الخ) دفع به الاعتراض! بالفصل كما دفع بما بعده أن الوقتين مختلفان فكيف يصح البدل وبدل الغلط لا يقع في فصيح الكلام، وعلى تقدير الإبدال من إذ قالت الملائكة جاز اتحاد الوقتين فهو ظاهر أنه بدل كل وتيل: بدل اشتمال وأما وقت الاختصام فظاهر أنه قبل وقت البشارة بمدّة فاحتيج في جواز الإبدال إلى أن يعتبر زمان ممتذ يقع الاختصام في بعضه والبشارة في بعض آخر ليصح بالنظر إلى ذلك أنهما في زمان واحد كما يقال: وقع القتال والصلح في سنة واحدة، مع أنّ القتال في أوّلها والصلح في آخرها، وتحقيقه أنّ كلا من الزمان والمكان قد يؤخذ حقيقيا، وهو القدر الذي ينطبق على الشيء ولا يفضل عنه، وقد يؤخذ غير حقيقيّ وهو خلافه والأصوليون يسمونه معياراً وغير معيار فيكون بدل كل من كلى لا بدل اشتمال أو جزء من كل باعتبار أنّ أحدهما لجميع الوقت والآخر لمعياره لأنه وإن كان في صحته نظر تحكم لا داعي إليه. قوله: (المسيح لقبه وهو من الآلقاب المشرّفة) ركسر الراء أي المفيدة للمدح ويصح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 فتحها والاشتقاق لا يجري في الأعجمية فادعاؤه تسمح لكن قيل دخول اللام في المسيح ربما يشعر بأنه عربي كالخليل، إلا أن يقال لما عرّبت أجريت. ـ جرى الأوصاف لأنه في لغتهم بمعنى المبارك، وقد مرّ أنها لا تنافي العجمة في التوراة والإنجيل والإسكندر فإنه لم يسمع إلا معرّفا مع أنه لا شبهة في عجمته وعيسى أصله ايشوع ومعناه السيد. قوله: (وابن مريم لط كان صفة تميز الخ) دفع لما يقال إن قوله المسيح الخ خبر كلن اسمه والاسم إنما هو عيسى والمس! يح لقب وابن صفة فكيف جعلت الثلاثة خبراً عنه فأشار لقوله: وابن مريم الخ إلى أنّ اسمه بمعناه المصطلح وهو العلم مطلقاً وهو ليس بمعنى مقابل اللقب كما أشار إليه بجعل المسيح لقبا بل ما يعمه، وغيره وأنّ إضافته تفيد العموم لأنّ إضافة اسم الجنس قد يقصد بها الاستغراق وأن إطلاقه على ابن مريم على طريق التغليب لأنه مثله في التمييز، أو الاسم بمعناه اللغوي وهو السمة والعلامة المميزة لا العلم وتميزه بهذه الثلاثة أشد من تميزه بكل واحد منها، ولبعضهم هنا خبط لا طائل تحته فإن قيل ابن مريم لا يصح حمله على اسمه أصلاً لأن الابن هو المسمى لا الاسم قلنا نعم إذا أريد المفهوم لا اللفظ، وكذلك المسيح وعيسى فإن قيل كيف قدم اللقب على الاسم ولم يضف الاسم إلى اللقب مع تعين الإضافة فيه كسعيد كرز كما في المفصل، قيل: الجواب ما قاله ابن الحاجب في شرحه من أن المراد باللقب: وان أطلق ما لم يكن غير صفة وليس بشيء لاً نه ليس صفة في العربية فالظاهر أن يقيد بما لم يقارن أل وضعه لمنعها من الإضافة وبعضهم قدر عيسى خبر مبتدأ محذوف وابن صفة فلا يرد شيء من الأوهام، ثم ذكر أنّ فائدة قوله ابن مريم مع عدم الحاجة إليه ظاهرا الإشارة إلى أنه خلق من غير أب إذ لو كان له أب نسب إليه وقد يقال إنه ردّ على النصارى. توله: (حال مقدّرة الخ) جعلها مقدرة لأنّ وجاهته كانت بعد البشارة والوجاهة ليست بمعنى الهيئة والبزة بل بمعنى الرفعة كالجاه. قوله: (أي يكلمهم حال كونه طفلاَ وكهلاَ الخ) إنما جعل في المهد حالاً مع صحة كونه ظرفا لغو العطف، وكهلاً عليه ولما كان الكلام في حال الكهولة ليس مما خص به أشار إلى أنه ذكر للتسوية بينهما من غير تفاوت كما مرّ في نحو {يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} وهذا وجه ونكتة تجري في مواضع شتى فالمجموع لأكل على الاستقلال، وقيل: إن كلا منهما حال وإنه تبثير لها ببلوغ سن الكهولة وتحديد لعمره. والقول الثاني: مبنيّ على أنه لم يبلغ الكهولة وأحواله المختلفة تبدلات السق الطارئة عليه وغيره من الأحوال المستلزمة للحدوث المنافي للألوهية. قوله: (حال ثالث الخ) قيل عليه أنّ الوجه أن يقال حال رابع من كلمة أو ثالث من ضميرها فإنها أربعة وجيهاً ومن المقرّبين ويكلم، ومن الصالحين مع ما في جعل المعطوف على الحال حالاً من التسامح إلا أن يقال: إنه جعل جملة اسمه المسيح حالية ولم يعد المعطوفين حالاً فتأمّل. قوله: (تعجب الخ) يعني الاستفهام إمّا مجازيّ أو حقيقي وقوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} تقوية ولا ينافيه كما توهم وقوله: يخلق ما يشاء ولو بغير مادّة وسبب كعيسى صلى الله عليه وسلم بلا أب وكون القائل جبريل عليه الصلاة والسلام القرينة عليه ذكر الملائكة عليهم الصلاة والسلام قبله، وكون القائل هو الله وقد حكاه جبريل عليه الصلاة والسلام فيه التفات إن حكى بلفظه ويكون الله حكى ما حكى عنه والداعي إليه أنه تعالى لم يكلم غير الأنبياء بل غير خاصتهم عليهم الصلاة والسلام. قوله: (إشارة إلى أنه تعالى الخ) يعني أنّ قوله تعالى: {كُن فَيَكُونُ} تمثيل لسرعة تكوينه من غير توقف على شيء آخر كما سنحققه في سورة يس، ولما كان الخلق التدريجي والناشئ عن الأسباب أمرا ظاهراً لم يذكره في النظم والحصر في النظم باعتبار أنّ الأمر بمعنى الشأن البديع العجيب والمصنف ذكره بيانا لأنهما منه وعنده سواء فلا يرد أنه ليس في النظم ما يدل عليه، ولا يتوهم أنه مغاير لما ذكره في سورة يس فأفهم. قوله: (كلام مبتدأ الخ) يعني أنه كلام مستأنف ليس داخلاً في حيز قول الملائكة عليهم الصلاة والسلام والواو تكون للاستئناف وتقع في ابتداء الكلام كما صرّح به النحاة فلا حاجة إلى تأويله بأنه معطوف على جملة مستأنفة سابقة، وهي واذ قالت الخ أو مقدرة ولا إشكال في العطف، كما ذكره النحرير: وكذا لا يدعي أن الواو زائدة كما قاله أبو حيان، وقوله: لما وهمها أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وقع في وهمها وفي نسخة همها. قرله: (أو عطف على يبشرك الخ) ولا يرد عليه طول الفصل لأنه اعتراض لا يضر مثله قيل: إنما يحسن هذا بعض الحسن على قراءة الياء وأمّا على قراءة النون فلا يحسن إلا بتقدير القول أي إنّ الله يبشرك بعيسى صلى الله عليه وسلم ويقول: نعلمه أو وجيها ومقولاً فيه تعلمه. قوله: (والكتاب الكتبة) بالفتح أي بالمعنى المصدريّ، وقدمه على تفسيره بجنس الكتب السماوية لأنه فيه خفاء لتقديم الحكمة، وان كان المراد ما اشتملت عليه من الشرائع وفي نسخة وقرأ عاصم ونافع ويعلمه بالياء. قوله: (منصوب بمضمر الخ الما كانت المنصوبات قبله واقعة في كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام وتبشيرها وهذا محكيّ عن عيسى صلى الله عليه وسلم، وأيضا هي في حكم الغيبة وهذا في حكم التكلم لتعلق قوله: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم} ولما بين يدفي به احتاج العطف إلى التوجيه بأنه إقا منصوب بمضمر على إرادة القول والتقدير، ويقوله: أرسلت رسولاً الخ وهو معطوف على نعلمه بناء على أنه مستأنف، وأمّا على تقدير عطفه على يبشرك، أو يخلق يكون التقدير إنّ الله يبشرك، أو إنّ الله يخلق ما يشاء، ويقول عيسى: كذا عطفا على الخبر ولا رابطة بينهما إلا بتكلف عظيم، وقال أبو حيان: إنّ هذا الوجه ضعيف لإضمار القول ومعموله والاستغناء بالحال المؤكدة فالأولى أن يقدر ويجعله رسولاً. قوله: (أو بالعطف على الآحوال المتقدّمة الخ (هذا توجيه آخر لما مرّ قيل ولا يخفى أنه خروج عن قانون التضمين وأنه إن جعل ونعلمه عطفا على وجيها فهذا هو الوجه لقلة الحذف وعلى الثلاثة الأخر فالأوّل لئلا يلزم الفصل الممتنع، ولا يخفى أنّ قوله وناطقا يحتمل تقديره معطوفا على رسولاً وهو أحد طرق التضمين في الأسماء كما قدروا {الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 187] بالرفث والإفضاء، ويحتمل أن يكون صفة رسولاً والحال فيه غير ظاهرة، ووجها التخصيص متقاربان. قوله: (نصب بدل الخ (بناء على أن محل أنّ وأن بعد حذف الجار نصب لا غير، وعلى تقدير هي الجملة صفة آية أو مستأنفة في جواب ما هي، وقوله: أقدر بيان لمعنى أخلق ومعنى أقدر أصوّره وأبرزه على مقدار معين قيل: وفي هذه المعجزة مناسبة لخلقه من غير أب. قوله: (الضمير للكاف الم يجعله للهيئة لأنّ الهيئة لا ينفخ فيها وإنما ينفخ في الجسم المماثل والكاف على هذا اسم وهي صفة لمقدر أي شيئا مثل هذا الطير، ومرجع الضمير في الحقيقة الموصوف بها، وقد ضعف كونها تكون اسما وعود الضمير عل! ! اغير معهود، والمراد بإذن الله كما مرّ إرادته وتقديره، والممسوح العين هو الذي لم يشق بصره ولم يخلق له حدقة، وقوله: لوهم الإلوهية وفي نسخة اللاهوتية يعني التي توهمتها النصارى، ولذا ذكرها أيضاً في خلق الطير، وهذا بناء على تعلقه بأحيى، وتيل: إنه متعلق بجميع ما قبله قبل وكون إبراء اكمه من جنس أفعال البشر فيه نظر وليس بشيء، وقوله: التي لا تشكون فيها إشارة إلى وجه تخصيص الأنباء بأحوالهم لتيقنهم بها، فلا يبقى لهم شبهة وفسر المؤمنين بما ذكره على أنه من مجاز المشارفة لأنهم المحتاجون للآية أو بمعنى المصدق أي الذي لا يعاند ويكذب، وقوله: على الوجهين أي اللذين سبق ذكرهما في تفسير ورسولاً. قوله: (مقدّر بإضماره) أي الجار والمجرور مقدر بإضمار وجئتكم لأحل فهو من عطف الجملة على الجملة، وقوله: أو مردود أي معطوف على بآية من قوله: {جِئْتُكُم بِآيَةٍ} لأنه في معنى لا ظهر لكم آية {وَلِأُحِلَّ لَكُم} الخ فلا يرد أنه لا يصح عطف المفعول له على المفعول به وعطفه على مصدقا لتأويله بما يجعلهما من باب واحد وان كان الأوّل حالاً والثاني مفعول له، وقيل: لا بد فيها كلها من تقدير جئتكم إذ لا يعطف نوع من المعمولات على نوع آخر وما ذكروه بناء على الظاهر المتبادر. قوله: (أي في شريعة موسى الخ) قيل أو ما حرّمه علماؤهم تشهياً أو خطأ في الاجتهاد، والثرب شحم رقيق يغشي الكرس والأمعاء، وقوله: والسمك المراد به بعض أنواعه فإنهم لم يحرموه مطلقاً، ولما كان عيسى صلى الله عليه وسلم مأمورا بالعمل بالتوراة وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام أشار إلى أنّ نسخ بعضها لا ينافي ذلك إذ لم تبطل شريعته كما أنّ نسخ بعض القرآن لا يبطله، وقوله: فإنّ النسخ الخ أي هو بيان لانتهاء زمان الحكم الأوّل لا رفع وابطال له كما مرّ وتقرر في الأصول. قوله: (أي جئتكم بآية أخرى الخ) أي فالمراد بالآية على هذا العلامة، لا المعجزة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 ليرد أن مثل هذا القول قد يصدر عن بعض العوامّ، بل المراد أنه بعدما ثبتت نبوّته بالمعجزة كان ذلك القول الصادر عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام علامة لنبوته تطمئن به النفوس، وقيل حصول المعرفة والتوحيد. والاهتداء للطريق المستقيم في الاعتقادات والعبادات عمن نشأ في قوم بدلوا وحزفوا من خوارق العادة. قوله: ( {قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ} على أن الخ) قيل مذا ظاهر على القراءة بفتح إنّ فكان ينبغي ذكرها كما في الكشاف وان كانت شاذة وليس بوارد لأنه على الكسر قبلها قول محذوف بدلأ من آية أي قولي إنّ الله، وبه صرّج المصنف رحمه الله فقال: وهي قولي فالاعتراض غفلة عما أراده وعلى الفتح فهي بدل من آية. قوله: (والظاهر أنه ثكرير لقوله الخ) أي أنه معطوف على جئتكم الأول وكرر ليعلق به معنى زائد وهو قوله: إن الله ربي الخ أو للاستيعاب كقوله: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 4] ويؤيده قوله جئتكم باية بعد أخرى فيقدر ما يناسب الايات السابقة من كونه مولودا بغير أب وتكلم في المهد، واليه الإشارة بقوله: (مما ذكرت لكم) والحكم هو قوله: (فاتقوا الخ) وقوله: لما جئتكم بكسر اللام وتخفيف الميم ويجوز الفتح والتشديد، والتوحيد من الحصر المستفاد من تعريف الطرفين، والجمع بين الأمرين لأن الصراط المستقيم الاعتقاد الحق والعمل الصالح كما مرّ. قوله: (قل آمنت بالله الخ) هو من حديث أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما عن سفيان الثقفي أنّ رجلا قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال: " مقل آمنت بالله ثم استقم " والتنظير به لأنه قدم الإيمان، كما قدم قوله: {إِنَّ اللهَ رَبِّي} هنا ثم عقبه بما يشمل الاعتقاد والعمل. قوله:) تحقق كفرهم عنده الخ) يعني أنّ الإحساس استعير استعاوة تبعية للعلم بلا شبهة إذ الكفر لا يحس، وأما تأويله بأحس آثار الكفر فليس بذاك. قوله: (ملتجئاً إلى الله الخ) لما كان النصر لا يتعدى بإلى جعله حالاً من الياء، والمعنى من ينصرني حال كوني ذاهبا إلى الله أو ملتجئاً إلى الله فالمقصود طلب النصرة لرسوله صلى الله عليه وسلم في دينه فلذا فسر نحن أنصار الله بأنصار ديته وقوله: أو ضامّا إليه أي ضامّا نفي إليه أو هي متعلقة به بتضمين الإضافة، وكونها بمعنى مع أو في أو اللام مذكور في بعض كتب النحو لكن قيل عليه إنّ المصرح به فيها لام الاختصاص نحو الأمر إليك لا التعليل وفي تفسير الفراء أن إلى إنما تكون بمعنى مع إذا ضم شيء إلى آخر نحو الذود إلى الذود ابل أي إذا ضممته إليه صار ابلا ألا تراك تقول قدم ومعه مال، ولا تقول: وإليه وكذا نظائره وهو كلام من ذاق طعم البلاغة، ولذا ضعفه المصنف. وفي الكشاف في سورة الصف إن إضافة أنصاري للملابسة أي من حربي ومشاركي في توجهي لنصرة الله تعالى ليطابق جوابهم نحن أنصار الله، ولا يصح أن يكون معناه من ينصرني مع الله لعدم المطابقة، وتابعه المصنف رحمه الله هناك وقد صرح هنا بخلافه وعدم المطابقة غير مسلم إذ نصرة الله ليست على ظاهرها فلا بد من تأويل أو إضمار لما تظهر به المطابقة، وهو ظاهر لمن تدبر. قوله: (حواريّ الرجل الخ) قال الكرماني: في قوله صلى الله عليه وسلم: " الزبير حواريي " الحواريي الناصر وهو لفظ مفرد منصرف. وقال الزجاج: حواريّ منصرف لأنه منسوب إلى حوار وليس كبخاتيّ وكراسي لأن واحدها بختيّ وكرسيّ، وقد وقع مصروفا في غير موضع ومثله الحواليّ، وهو الكثير الحيلة فمن قال: معنى قول المصنف خالصته، أي جماعته الخالصة الاختصاص به نسب إلى الحور وهو البياض فأطلق الحوريّ على الخالص، وجمع على حواريّ ككرسي وكراسيّ، وجعله التفتازانيّ مفرداً وألفه من تغييرات الشب، وكأنه دعاء إليه إطلاقه على الواحد، ويصح أن يكون منقولاً من الجمع إلى الجنس بتنزيل الواحد الكامل في الخلوص منزلة جماعة فقد خبط خبط عشواء إلا أن ما ذكره النحريمر فيه نظر لأنّ الألف إذا زيدت في النسبة وغيرت بها تخفف الياء في الأفصح في أمثاله والحواريّ بخلافه، والحور البياض! مطلقا ومنه الحور العين، وأئا إذا وصفت به العين فمعنى آخر.، والحضريات نساء لمحضر يعني المدن والقرى ويغلب فيهن البياض لعدم البروز للشمس والريح، وقوله: يلبسون البيض أي الثياب البيض وكون الحوارقي القصار صرح به أهل اللغة، وهو بلغة النبط هواري، وقيل: معناه المجاهد وقيل إنه من حار بمعنى رجع لرجوعهم إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الله. قوله: (آمنا بالته وأشهد الخ (في عطف أشهد على آمنا مع أن بينهما اختلافا ما يقتضي جوازه فيما له محل من الإعراب ولا يلزم ذلك هنا لأنه قيل آمنا لإنشاء الإيمان أيضاً، وقيل: الكتابة كناية عن تثبيتهم على الإيمان في الخاتمة، والظاهر أن المراد اجعل ذلك وقدّره لنا في صحائف الأزل أو أدخلنا في عداد أتباعهم، وهذا على تفسيري الشاهدين وعلى الأخير فتعريفه للعهد وطلبهم أن يكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المعروفين بالشهادة على الناس فلا يرد تضعيفه بأنه لا قرينة على ذلك التخصيص على أنه كما نقلوه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وغيلة بكسر الغين المعجمة أن يتبع المرء مستترا حتى يقتله فجاة وهو لا يدري. قوله: (ومكر الله حين رفع الخ) أي المراد بمكر الله ما ذكر، وذكر أن المكر لا يطلق على الله إلا بطريق المشاكلة لأنه منزه عن معناه غير محتاج إلى حيلة، وهو المراد بالمقابلة والازدواح فلا يقالط: مكر الله ابتداء وكذا قاله العضد في شرح أصول ابن الحاجب وأورد السيف الأبهري عليه قوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ} [سورة الأعراف، الآية: 99] فإنه أطلق عليه ابتداء من غير مشاكلة ونقل عن الإمام أنّ المكر إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى فيه وأنه يجوز صدوره عنه تعالى حقيقة وقد ذهب إليه طائفة وقالوا: إنه عبارة عن التدبير المحكم فليس بممتنع عليه. (قلت) : يؤيده قوله والله خير الماكرين فإنه يبعد المشاكلة وأمّا جوابه عن الآية المذكورة بأنها من المشاكلة التقديرية كما في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 138] فلا يخفى ما فيه. قوله: (أتواهم مكراً الخ (قيل عليه إنه لا يستفاد من النظم والمفيد له أشذ الماكرين أو أقواهم، فينبغي أن يفسر بأنّ مكره أحسن وأوقع في محله لبعده عن الظلم، ولا يخفى أن الخيرية في معنى تقتضي زيادته، وهو المكر هنا فالخيرية فيه ما ذكر وتفسير المصنف أنسب بالمراد وهو التهديد. قوله: (ظرف لمكر الخ (قدمه لأنه أولى إذ لا يظهر وجه تقييد قوة مكر. تعالى بهذا الوقت، ولو قدر إذ كر كما في أمثاله لم يبعد. قوله: (أي مستوفي أجلك ومؤخرك الخ الما كان ظاهره مخالفاً للمشهور المصرح به في الآية الأخرى أوّله بوجوه الأوّل أنه كناية عن عصمته عن الإعداء وما هم فيه من الفتك به لأنه يلزم من استيفاء أجله وموته حتف لنفسه ذلك أو قابضك من الأرض من توفي المال بمعنى استوفاه وقبضه وقوله: مالي يحتمل ما أن تكون موصولة ولي صلته، ويحتمل أن تكون كلمة واحدة أو المراد بالوفاة هنا النوم لأنهما أخوان، ويطلق كل منهما على الآخر لأنه رفع كذلك رفقاً به، وأمّا أنه أريد بالموت والوفاة موت القوى الشهوانية العائقة عن إيصاله بالملكوت فبعيد لأنّ اسم الفاعل لا يناسبه، وقوله: إلى محل الخ إشارة إلى أنّ إليّ على تقدير مضاف أي إلى سمائي، وتطهيره من الكفرة إمّا تبعيده عنهم بالرفع أو أنحاؤه عن قصدهم بجعلهم أو بجعل معلمهم كأنه نجاسة وبما قرّرناه سقط ما قيل: إنه تبع فيه الزمخشري في أن المقتول لم يصت بأجله كما هو مذهب المعتزلة. قوله: (يعلونهم بالحجة أو السيف الخ) يريد أنّ الفوقية رتبية لا مكانية، وقوله: ومتبعوه من أقز بنبوّته من المسلمين والنصارى فمان أريد بالنصارى من آمن به قبل مجيء نبينا صلى الله عليه وسلم ونسخ شريعته فهو ظاهر، وان أريد المطلق فلا ضير في غلبتهم على غيرهم من الكفرة مع غلبة المسلمين عليهم، وقوله: وإلى الآن الخ ظاهر في الثاني. قوله: (الضمير لعيسى الخ) ويحتمل أنه لمن تبع وكفر فقط، فهو التفات من الغيبة إلى الخطاب للدلالة على شدة إرادة إيصال الثواب والعقاب لدلالة الخطاب على الاعتناء. قوله: (تفسير للحكم وتفصيل له) قال الخرير: اعترض بأن الحكم مرتب على الرجوع إلى الله بالمعاد، وهو في القيامة فكيف يصح تفسيره بالعذاب في الدنيا، وأجيب أوّلاً بأنّ المقصود التأبيد، وعدم الانقطاع من غير نظر إلى خصوصهما كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [سورة هود، الآية: 107] وثانيا أن المراد بهما المعنى اللغوي أي أوّلاً وآخرا وهو بعيد جدا وثالثا أن المرجع أعم من الدنيوي والأخروي وكونه بعد جعل الفوقية الثابتة إلى يوم القيامة لا يوجب كونه بعد ابتداء يوم القيامة، وعلى هذا فتوفية الأجور أيضاً تتناول نعيم الدارين، وقوله: فيما كنتم فيه نبوة عنه، أو المعنى أحكم بينكم في الآخرة فيما كنتم تختلفون فيه في الدنيا، ورابعاً بأن عذاب الدنيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 هو الفوقية عليهم والمعنى أضم إلى عذاب الفوقية السابقة عذاب الآخرة وفيه بعد، إذ معنى أعذب في الدنيا والآخرة ليس إلا أني أفعل عذاب الدارين إلا أن يقال إيجاد الكل لا يلزم أن يكون بإيجاد كل جزء فيجوز أن يفعل في الآخرة تعذيب الدارين بأن يفعل عذاب الآخرة، وقد فعل في الدنيا عذاب الدنيا فيكون تمام العذابين في الآخرة، وقيل: لا يبعد أن يتعلق قوله في الدنيا والاخرة بشديد تشديد الأمر الشدة وهذا وان ارتضاه بعض الفضلاء واستظهره لا يخفى ما فيه، وقوله: تقرير لذلك أي للحكم المفصل بأنه جار على الحكمة والعدل، ثم إن تفصيل المجمل باعتبار وصفي الإيمان والكفر، واعطاء، كل ما يليق به بضمير الغائب العائد إلى الموصوف إشارة إلى علية الوصفين هل هو التفات من الخطاب إلى الغيبة فيه تردّد بناء على أن الثاني هل يكفي في عدة التفاتا تلوين الخطاب لما هو في ضمن أمر شامل له، أو لا بد أن يكون مقصوداً بالذات الظاهر الثاني. قوله: (إلى ما سبق (يشير إلى وجه إفراده وتذكيره، وقوله: على أن العامل معنى الإشارة لا الجار والمجرور لأنّ مثله لا يجوز تقدمه على عامله المعنوي، وقوله: وأن ينتصب يعني ذلك. قوله: (المشتمل على الحكم أو المحكم الخ) إن كان الحكيم بمعنى المحكم المتقن نظمه بناء على أنّ فعيلاً يكون بمعنى مفعل كما مرّ والذكر بمعنى القرآن فظاهر وإن كان بمعنى صاحب الحكم فاستعماله لما صدر عنه مما اشتمل على حكمته إمّا استعارة نبعية في لفظ حكيم، أو إسناد مجازي بأن أسند إليه ما هو لمسببه وصاحبه، وأمّا استعارة مكنية وتخييلية بأن شبه القرآن بناطق بالحكمة، وأثبت له الوصف بحكيم تخييلا، وقد صرح به في الكشاف هنا، وأفاد الطيبي رحمه الله أن ما ذهب إليه السكاكي من رذ الإسناد المجازي إلى المكنية سبقه إليه غيره، فلا اعتراض عليه كما ظن وشبهة ذكر الطرفين حينئذ، واردة فتأمّل دفعها، وتفسير الذكر الحليم باللوج المحفوظ لاشتماله عليه. قوله: (أي شأنه الغريب الخ) يعني أنّ المثل هنا ليس هو المستعمل في التشبيه والكاف زائدة كما قيل بل بمعنى الحال والصفة العجيبة، كما مرّ تحقيقه في البقرة يعني صفة عيسى عليه الصلاة والسلام كصفة آدم صلى الله عليه وسلم في خلقه من غير أبوين. قوله: (جملة مفسرة للتمثيل الخ) في الكشاف فإن قلت كيف شبه به وقد وجد هو بغير أب، ووجد آدم بغير أب وأمّ قلت هو مثيله في أحد الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به لأنّ المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجودأ خارجاً عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران ولأنّ الوجود من غير أب وأمّ أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم، وأحسم لمادّة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه انتهى، جعل عيسى عليه الصلاة والسلام مشبهاً لأنه المقصود في المقام والا فمثله ورد للتشابه يعني أنّ تجملة خلقه مفسرة للشبه فإمّا أن تكون مبينة لوجه الشبه، والمشترك بينهما الخروج عن العادة وعدم استكمال الطرفين أو هو لبيان أنّ المشبه به أغرب فيكون أثم وأكمل كما هو شأن التشبيه والمصنف رحمه الله جعله بيانا لوجه الشبه ضمنا، وعدوله عن الاقتصار على المشترك بينهما لما ذكر لأنه أغرب وأقطع المادّة الشبهة ومن لم يدر معزاه ظنه خلط بين الوجوه وأنه كان عليه أن يقول لما فيه الشبه، والشبه جمع شبهة قطع مادة الشبهة أبلغ من قطع الشبهة مع ما في أقحامه من مناسبه المقام لأنّ الأبوين ماذة النسل. قوله: (والمعنى خلق قالبه من التراب) فسر الخلق بذلك، وقول: كن بإنشائه بشرا تصسحيحا لكلمة، ثم وحمل يكون على حكاية الحال لأن المقام يقتضي كن فكان، ويصح أنه مستقبل بالنظر لما قبله، وهو قوله كن، وقد تقدم تحقيقه وأنه تمثيل ومن حمله على ظاهره جعل التأخير، والتراخي في الإخبار، وما قيل إنّ المصنف رحمه الله جعله في البقرة كناية عن الخلق دفعة بلا ماذة وسبب وما هنا يخالفه ليس بشيء لأنّ معناه كما قرره سرعة الإيجاد، وعدم الماذة إنما تستفاد ثمة من المقام والتعبير بالإبداع. قوله: (خبر محذوف اي هو الحق) ضمير هو راجع إلى البيان والقصص المذكور سابقاً، ومن ربك حال من الضمير في الحق وقدّمه لأنه أولى من جعله مبتدأ ومن ربك خبره، إذ المقصود الدلالة على كون عيسى بهق مخلوقاً كآدم صلى الله عليه وسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 هو الحق لا ما يزعمه النصارى، وتطبيق كونهما مبتدأ وخبرا على هذا المعنى لا يصح إلا بتكلف أن الحق من الله كل حق أو جنسه، ومن جملته هذا الشأن أو المراد لالحق ما ذكر فتعريفه للعهد لكن قوله: {مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ} أوفق به كما أنّ فلا تكن من الممترين وفق بالأوّل، وحمل العلم على البينات الموجبة للعلم إمّا حقيقة لأنها نوع من العلم أيضا أو مجاز، والقرينة عليه ذكر المحاجة المقتضية للأدلة وحمل تعالوا بمعنى هلموا وأقبلوا على الإقبال بالرأي والعزم لا بالجسد لظهور أنه المراد. توله: (خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم الخ (التهييج الإثارة يقال هيجه وهاجه، وهو كقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وفائدته أنه إذا سمع صلى الله عليه وسلم مثل هذا الخطاب حرّك أريحيته فكان يقينه نوراً على نور وغيره إذا سمعه ينزجر لأنه ع! ير مع جلالته إذا خوطب به فما ظنك بغيره، ومعنى كونه خطأ لالكل سامع أي لكل من يقف عليه، ويصلح للخطاب فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما وس هم. قوله: (أي يدع كل منا ومنكم الخ (أعزه جمع عزيز، وألصقهم بقلبه بمعنى أحبهم، أقربهم إليه ويحمل عليها أولئك أيضا بأن يدعوا بغير إيصاء والأصل في البهلة اللعنة والدعاء لها، ثم شاع في مطلق الدعاء كما يقال فلان يبتهل إلى الله في قضاء حاجته وكشف كربته هذا ما قاله الزمخشري، وقال الراغب رحمه الله: بهل الشيء والبعير إهماله وتخليلته، ثم استعمل لي الاسترسال في الدعاء سواء كان لعناً أو لا وإنما فسر به هنا لأنه الواقع فيه فبينهما اختلاف بل والذي عليه أهل اللغة ما ذكره الراغب رحمه الله تعالى قال ابن دريد: لم أركالموت سوى مابهلا يحسبه مدعيه وهومستدك وقوله: (وإنما قدّمهم الخ (يعني أنهم أعز من نفسه ولذا يجعلها فداء لهم فلذأ قدم ركرهم اهتماما به وقوله: أي نتباهل إشارة إلى أن الافتعال هنا بمعنى التفاعل، وتفاعل وافتعل اخوان في مواضع كثيرة كاجتوروا وتجاوروا واشتوروا وتشاوروا وفوله: (والبهلة الخ (هو معنى ما مر عن الراغب وصرار مكسورا مهملاً خيط يشد على خلف الناقة لئلا يرضعها فصيلها وحديث المباهلة مخرّج في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: عطف فيه بيان أي أنه عطف على نبتهل عطف المفصل على المجمل. قوله: (فلما ثخالوا) أي حون بعضهم ببعض، والعاقب من يخلف السيد والأمير، وقوله: بالفصل في أمر صاحبكم يعني القول الفاصل بين الحق والباطل في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام إذ لم يجعله لها ولا كاذباً بل عبد الفه ونبيه عتييرو، وقوله: فإن أبيتم إلا إلف دينكم استثناء مفرّغ لما في أبى من معنى النفي، والموادعة المصالحة والتاركة ومحتضنا بمعنى آخذ إله تحت حضنه، والأسقف يضم الهمز والقاف وتشديد الفاء حبر النصارى، وعالمهم معرّب على الصحيح، وقوله: فأذعنوا بمعنى أطاعوا وانقادوا وأمّا الإذعان بمعنى الإدراك فليس من كلام العرب. قوله: (وهو دليل على نبوّته صلى الله عليه وسلم الخ) أي الحديث المذكور دليل لاعترافهم وامتناعهم عن مباهلته وعلمهم بنبوته، وما فضل آل الله والرسول فالنهار لا يحتاج إلى دليل. قوله: (بجملتها خبر أنّ الخ) الجملة إمّا المصطلح عليه أو بمعنى المجموع، وهو في قوله: أو هو مراد به لفظه والتقابل بين الفصل وكونه مبتدأ بناء على أنه لا محل له من الإعراب وقوله: (يفيد الخ) أي يفيد القصر الإضافي كم يفيده تعريف الطرفين، وذهب النحرير إلى أنه للقصر، والتأكيد لو لم يكن في الكلام ما يفيده، وان كان كما هنا فهو لمجرد التأكيد وما ذكره المصنف رحمه الله أوجه ثم أفاد أنّ أصل اللام الدخول على المبتدأ، ولذا سميت لام الابتداء لكنها زحلقت لئلا يجتمع حرفا تأكيد وزيادة من للتأكيد كما هو شأن الصلات، وقد فهم أهل اللسان أنها لتأكيد الاستغراق المفهوم من النكرة المنفية لاختصاصها به في أكثر، وقد توقف بعضهم في وجه إفادة الكلمات المزيدة للتأكيد بأي طريق هي فإنها ليست وضعية وأجاب بأنها ذوقية يعرفها أهل اللسان وهو حوالة على مجهول وتوله: (دخلت فيه الخ) أي التزم ذلك مع أنه لا مانع من دخولها على الخبر لقربه منه لفظاً ومعنى قيل، وعلم من كلامه أن ما من رجل أقوى من لا رجل وفيه ما مر. قوله: (لا أحد سواء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 الخ) القدرة التامة هي معنى العزة إذ هي بمعنى الغلبة المقتضية لها والتامة والبالغة بمعناها أي البالغة إلى النهاية من صيغة المبالغة، وفي الآلهية وقع بدله في نسخة الألوهية، وأقحم سواه للتأكيد إشارة إلى مدلول الفصل، فلا يقال إنه لا فائدة في ذكره، ولما كان المراد منه هذا ومما قبله حصر الألوهية فيه رذاً على النصارى قصر إفراد لأنه تذييل لما قبله علم أن ما قيل إنّ الفصل والتعريف ليس للحصر إذ الغالب على جميع الأغيار لا يكون إلا واحداً فيلغو القصر فيه إلا أن يجعل قصر قلب، والمقام يأباه خبط وخلط، واليه أشار بقوله ليشاركه الخ فافهم. قوله: (وعيد لهم الخ (في الكاف وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [سورة النحل، الآية: 88] فاللام في المفسدين للعهد يعني فإن تولوا فإنّ الله يعذبهم العذاب الذي تعورف واشتهر في المفسدين، وهو العذاب المضاعف والمصنف رحمه الله لم يره ظاهرا من النظم فجعل الوعيد باعتبار وصفهم بالفساد ووضعه موضع المضمر إذ علمه بذلك أن يجازي عليه كما مرّ، وفي تركيبه تسامح لأنّ قوله المؤذي لا يصح صناعة أن يكون صفة لإفساد النكرة ولا للدين والاعتقاد معنى إلا بتقدير المؤدّي فساده فحذف المضاف، وقام الضمير مقامه فارتفع واستتر ويقرّ به رجوعه له بعد تعلق الإفساد به وأمّا جعل إفساد للدين من قبيل لا أبا لك ونحوه فتكلف، وقوله: (بل والى الخ) حذف فيه المعطوف عليه بالواو، والتقدير بل إلى فساد النفس والى فساد العالم، وحذف لدخوله في العالم ولم يستغن به لأنه لا يلزم من فساده فساد جميع أجزائه، ومثله كثير في كلامهم. قوله: (يعثم أهل الكتابين) جزم به! لأنه الظاهر من غير حاجة إلى التخصيص، وقوله: لا يختلف الخ بيان لمعنى الاستواء وقوله: ويفسرها ما بعدها يعني أنه بدل من كلمة مبين للمبدل منه وموضح له لاشتماله على التصريح به لا إنّ أن تفسيرية لأنّ تعالوا متضمن معنى القول دون حروفه، إذ هي ناصبة والتفسيرية لا تعمل، وفسر قوله لا نشرك بنفي الاسنحقاق ليكون تأسيسا أكثر فائدة. قوله: (يريد به وفد نجران (هم نصارى قدم وفدهم ستون راكباً فنظرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده وأنزلت فيه هذه الآيات فلما حجهم أمرهم أن يجيبوا، أو يباهلوا فطلبوا المباهلة، ثم تئاوروا فقال بعضهم: أنه نبيّ وما باهل نبيّ قوماً إلا نزل بهم العذاب فاطيعوه في الجزية فأعطوها وهم أوّل من أداها سنة تسع أو عشر وأشرأفهم أربعة عشر أعلمهم أبو حارثة، وقد اعترف بدين الإسلام وقال أعلم أنه نبيّ ولكن ملوك الروم شرّفونا وأمدونا بأموالهم فنحن على دينهم والقصة مفصلة في السير وأعلم أنّ المباهلة مشروعة ولها شروط تعزض لها بعض الفقهاء. قوله: (ولا نقول عرير ابن الله الخ) يعني لا نجعل بعض البشر ربا ومعبودا فضميرنا للناس لا للممكن وإن أمكن حتى يشمل الأصنام لأنّ أهل الكتاب لم يعبدوها، وفي التعبير بالبعض نكتة للإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكون ربا، وفيه وجه آخر وهو أنّ المراد باتخاذهم أرباباً إطاعتهم فيما يحللون ويحرّمون كقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أسورة التوبة، الآية: 31] وإليه أشار بقوله: روي الخ، فإن قلت: هم جعلوهم شركاء لا آلهة دون الله قلت هو للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلاً، وقوله: هو ذاك ضمير هو للأخذ بقولهم وذاك للإشارة لكونهم معبودين أو معناه إن اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا ذاك أي إطاعتهم في التحليل والتحريم، وهذا الحديث أخرجه الترمذيّ وحسته، وقوله: لأن كلاَ منهم الخ كذا وقع في الكشاف فقالوا: بعضنا خبر أن وبشر مثلنا بدل منه أو خبر بعد خبر وفيه الإخبار بالمعرفة عن النكرة لتأويلها بالمعرفة إذ معناه المسيح بعضنا وعزير بعضنا أو بعضنا خبر مبتدأ محذوف والجملة خبر إنّ. قوله: (أي لزمتكم الحجة الخ) يعني فإن تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبو إعنادا فقولوا لهم أنصفوا واعترفوا وأقروا بأنا على الدين الحق، وهو تعجيز لهم أو هو تعريض لأنهم إذا شهدوا بالإسلام لهم فكأنهم قالوا إنا لسنا كذلك، والأطوار المنافية للإلهية كونه مولوداً متوفى الخ وما يحل عقدتهم أي ما عقدوه ورسخ في عقولهم القاصرة، بقوله: إنّ مثل عيسى الخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وقوله: بنوع من الإعجاز أي إظهارة عجزهم عن المباهلة لعلمهم بإجابة دعائه عليه الصلاة والسلام، أو المراد بالإعجاز الإعلام بالمغيب وهو أنهم لا يفعلون ذلك، ولذلك دعاهم صلى الله عليه وسلم، وقوله: لم يجد يعني لم يفد من الجدوى بمعنى المعطية. قوله: (تنازعت اليهود والنصارى الخ) هكذا أخرجه ابن جرير رحمه الله وليس فيه أنهم نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كما في الكشاف فلذا عدل عنه المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى التوفيق بأنهم نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أجابهم بما لم يرضوه. قوله: (والمعنى الخ) ضمير عليهما لليهودية والنصرانية والمراد على واحدة منهما، وما ذكر 3 من التاريخ رواية وقعت في الثعلبي والتيسير، وما مرّ في قصة مريم من أن بين العمرانين ألف سنة وثمانمائة سنة المقتضى أن يكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام قبل عيسى صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف ويوافقه قول الزمخشريّ بين إبراهيم وموسى صلى الله عليه وسلم ألف سنة، وبينه وبين عيسى صلى الله عليه وسلم ألفان رواية أخرى، فلا يقال إنه غفل عما قدمه أو أنه سهو من الناسخ وانّ العبارة وعيسى بعده بألفين أو إفه ظن ضمير بينه في الكشاف لإبراهيم بمتيرو، والظاهر أنهم ادّعوا حقيقة أنه منهيم فلذا حمقوا وجهلوا فلا داعي إلى ما قيل أنّ مدعاهم أنّ دين إبراهيم يوافق دين موسى لا إن إبراهيم تبع موسى وعمل بما في التوراة فكيف يقال إنهم ادعوا المحال، وأغرب منه دفعه بأنه لو كان الأمر كذلك لما أوتي موسى عليه الصلاة والسلام التوراة بل أمر بتبليغ صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قوله: (ما حرف تنبيه الخ) الظاهر أن بقول على حالهم بدل عن حالهم وحرف التنبيه يدخل على الضمير الواقع مبتدأ إذا كان خبره اسم إشارة قياسا مطردا نحو ها أناذا، وكرّر هنا للتأكيد وقوله حاججتم جملة الخ يعني مستأنفة مبينة وقيل إنها حالية بدليل أنه يقع الحال موقعها كثيراً نحو ها أناذا قائما وهذه الحال لازمة، وقوله: أنتم هؤلاء الحمقى فسره به لتظهر فائدة الحمل وأخذ ذلك من اسم الإشارة فإنه يستعمل للتحقير والتنقيص نحو: أبعلي هذا بالوحي المتقاعس قوله: (وبيان حماقتكم الخ) في الكشاف حاججتم جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم فيما لكم به علم مما نطق به التوراة والإنجيل فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ولا ذكر له في كتابكم من دين إبرإهيم عليه الصلاة والسلام، وكتب عليه الشارح المحقق نظم الكلام ليس على ما ينبغي انتهى، وفيه تأمّل فإنه إمّ أن يريد بالنظم القرآني أو عبارة الكشاف وعلى كل حال فلم يلح لي وجه كونه كذلك اللهم إلا أن يريد إنه إذا كان بياناً فلا ينبغي عطفه وأن البيان المتعارف فيه أن يكون لا يفهم من اللفظ لا للنكات في التعبير، وبمكن أن يقال لا مانع منه ولكونه على النهج الغير المعتاد عطفه لخفاء البيان فيه. وقيل عليه ويحتمل أن يريد النظم القرآني على تفسيره كما عليه المصنف أيضاً إن فيه نظراً لأن ما لهم به علم إن كان خلاف ما جادلوا عليه كما هو الظاهر المفهوم من قوله عنادا يرد عليه أنّ قوله تعالى: فم تحاجون لا ينتظم مع السابق لأنّ إنكار غير المنصوص المعلوم دون إنكار المنصوص المعلوم ولا يلائم قوله أو تدعون وروده لأنّ دعوى ورود ما لم يرد في الكتاب مع المجادلة على الخلاف ليس بمقبول وإن كان ما جادلوا عليه فالجدال في المعلوم المنصوص ليس بسبب الحماقة، ولا يلائمه قوله: عنادا ويمكن اختيار الثاني بأنّ الجدال! مع النبيّ الثابتة نبوّته بالآيات الباهرات ولو على المنصوص في كتاب آخر حماقة لأنّ ذلك المنصوص يحتمل النسخ والتأويل على ما لا يخفى وقد يختار الأوّل فالحماقة والجمع بين الجدالين والتجاوز من واحد إلى اثنين ولا يخفى ما فيه وعدم ملاءمتة لقوله أو تدعون انتهى. (أقول) : لا وجه لهذا لأنّ الإتيان بالواو إشارة إمّا إلى أنه في معنى الحال أو لما مرّ، وكان المراد بما لهم به علم أمر عيسى وموسى أو نبينا صلى الله عليه وسلم، ولما لا علم لهم به أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنّ الأوّل نبيهم وكتابه بين أيديهم بخلاف الثاني بقرينة السياق والسباق ومجادلتهم مذمومة هنا فهي في الباطل الغير المطابق للواقع فلا يتعلق علم بما جادلوا فيه فالعلم هنا إمّا بحسب المدير أو بالنسبة للطرف الآخر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 عنادا واليه أشار المصنف رحمه الله وهو معنى قول الإمام فيما لكم به علم لم يقصد بالعلم حقيقته وإنما أراد هب أنكم تستجيزون محاجته فيما تدعون فكيف تحاجون فميا لا علم لكم به البتة، وهذا من دقائق هذا الكتاب فافهمه وأمّا ما أجاب به فليس بشيء. قوله: (وقيل هؤلاء بمعنى الذين الخ (هذا مذهب الكوفيين إن كل اسم إشارة يكون موصولاً والمعنى عليه ظاهر، ومذهب غيرهم أنه مخصوص بذا في نحو ماذا صنعت وكون أصل هأنتم أأنتم مذهب الأخفش، وقيل عليه إنّ إبدال همزة الاستفهام هاء لم يسمع إلا في بيت نادر، ثم الفصل بالمدّان كان لتوالي الهمزتين فلا وجه له هنا وهو إنما يرد لو كان الفصل بعد الإبدال. قوله: (علم ما حاججتم فيه) في نسخة ما حاجهم فيه الأوّل هو المطابق لما في الكشاف قيل في وجه زيادة علم أنه هنا بمعنى حقيقته، وكنهه إذ ليس المقصود هنا التهديد حتى يذكر علم المحاجة بمعنى المجازاة والعقاب عليه كما هو الوارد في أمثاله، وقوله: وأنتم جاهلون به إشارة إلى المفعول المقدر وفيه رمز إلى أنّ محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم محاجة لله، وهذا مبنيّ على أنّ المحاجة وقعت معه وقد مر الكلام فيه، وقوله، تصريح الخ إشارة إلى وجه الفصل، وحينئذ قد مرّ تحقيقه. قوله: (منقادا لله الما كان الإسلام يختص في العرف بالدين المحمدي وهو لا يصح هنا لأنه يرد عليه إنه كان قبل ذلك ت مان كثير فكيف يكون مسلما فيكون كادّعائهم تهوده وتنصره المردود بقوله تعالى: {وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} [سورة آل عمران، الآية: 65] فيرد عليه ما ورد عليهم ويشترك الإلزام بينهما فسروه هنا بالمعنى اللغوي وهو المستسلم المنقاد لطاعة الحق أو بالموحد لأن الإسلام يرد بمعنى التوحيد، وينصره قوله: وما كان من المشركين وهو بهذا المعنى يوصف به من كان قبلنا وقد ورد في القرآن بهذا المعنى كثيراً ولهذا قال الجصاص إنّ المسلم المؤمن ولو من غير هذه الأمة، وفي رسالة للسيوطي إن الإسلام مخصوص بهذه الأمة وفيه نظر فإن قيل قولكم إنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام على دين الإسلام إن أردتم به الموافقة في الأصول فليس مختصا بدين الإسلام، وإن أردتم في الفروع لزم أن لا يكون محمد صلى الله عليه وسلم صاحب شريعة بل مقرر الشرع من قبله قيل يختار الأول والاختصاص ثابت لأن اليهود والنصارى مخالفون للأصول في زماننا لقولهم بالتثليث واشراك عزير إلى غير ذلك، أو الثاني ولا يلزم ما ذكر لجواز أنه تعالى نسخ تلك الفروع بشرع موسى صلى الله عليه وسلم ثم نسخ نبينا صلى الله عليه وسلم شرع موسى بشريعته التي هي موافقة لشريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيكون صاحب شريعة مع موافقته لإبراهيم كذا قال النيسابوري رحمه الله وهو يقتضي أنّ المراد بكون إبراهيم مسلما إنه على ملة الإسلام والمصنف رحمه الله لم يرتض هذين الوجهين لبعدهما فذهب إلى ما ذكر لأن سالم من القدح. قوله:) تعريض بأنهم الخ) هذان وجهان الأوّل أنّ المراد بالمشركين معناه المطلق ففيه تعريض لهم على طريق الكناية، الثاني أنّ المراد بالمشركين أهل الكتاب وأصله منكم فوضع الظاهر موضع المضمر للتصريح بأنهم مشركون لما ذكر فالظاهر أن يقول أو رذ أو هو وجه واحد وهو الأوّل وترك الثاني لأنه تكرار مع قوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا} وفيه نظر. قوله:) أي أخصهم الخ (أولى أفعل تفضيل وأصل معناه أقرب من وليه يليه وليا، ومنه ما في الحديث لأولى رجل ذكر ويكون بمعنى أحق كما تقول العالم أولى بالتقديم والمراد هنا الأوّل فقوله: وأقر بهم عطف تفسير. قوله: (من أمّته الخ) عدل عن تفسيره بمطلق من اتبعه فيكون ما بعده من ذكر الخاص بعد العام لأنه أشرف لكونه خلاف الظاهر، وقوله: لموافقتهم له علة لكونهم أولى وقوله على الأصالة إشارة إلى أنّ اتحاد الشريعتين لا يقتضي أن يكون الشرع هو الأوّل لأن هذا شرع جديد وان وافق شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما يوافق قول المجتهد قول آخر حتى لا يلزم أنه مقلد له، وشرع مبني للمجهول، وقال: في أكثر إذ يجب علينا الإيمان بالقرآن الذي لم يجب عليهم وكذا في شرعهم ما لا يجب علينا. قوله: (وقرئ والنبتي بالنصب الخ) في عبارته تسمح أي وهذا النبيّ كما في الكشاف، وعلى قراءة الرفع هو معطوف على الموصول قبله الذي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 هو خبر إنّ وعلى قراءة النصب معطوف على الضمير المفعول والتقدير للذين اتبعوا إبراهيم واتبعوا هذا النبيّ، ويكون قوله: والذين آمنوا عطفا على قوله للذين اتبعو. وليس بلغو لشموله لمؤمني أمّة موسى وعيسى وغيرهما، وعلى الجر هو عطف على إبراهيم أي إن أولى الناس بإبراهيم وهذا النبيّ للذين اتبعوه وفيه أنه كان ينبغي أن يثني ضمير اتبعوه ويقال: اتبعوهما إلا أن يقال هو من باب والله ورسوله أحق أن يرضوه وأيضآ فيه الفصل بين العامل والععمول بأجنبي، وقوله: والذين آمنوا إن كان عطفا على الذين اتبعوه يكون فيه ذلك أيضا وان كان عطفاً على النبيّ فلا فائدة فيه إلا أن يقال إنه من عطف الصفات بعضها على بعض فتأمل، وقوله: ينصرهم الخ لأنه شأن الوليّ فأريد به لازمه وتوله: لإيمانهم إشارة إلى انّ عنوان المشتق يقتضي عليه مبدأ الاشتقاق كما مرّ. قوله: (ولو بمعنى أن) أي المفتوحة الهمزة المصدرية وقد مرّ الكلام فيه وكونها للتمني وهو مذهب للنحاة، وقوله: وما يتخطاهم الخ الإضلال الإيقاع في الضلال، وهم ضالون فيؤدّي ذلك إلى جعل الضال ضالاً فلذلك أوّل الإضلال بما يعود من وباله أي فهو مجاز مرسل أو استعارة أو المراد بأنفسهم أمثالهم المجانسون لهم كما في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} قيل: وهو من الإخبار لالغيب الذي هو أحد وجوه الإعجاز فهو استعارة أو تشبيه بتقدير أمثال أنفسهم إذ لم يتهوّد مسلم قط، وقوله: وزره الخ لف على غير الترتيب راجع إلى هذين الوجهين. قوله:) أو بالقرآن الخ) يعني المراد بآيات الله إمّا التوراة والإنجيل ويشهدون من الشهادة مجازاً عن الاعتراف بحقيتها، وأمّا القرآن ومعنى تشهدون تشاهدون نعت الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور في التوراة والإنجيل، وأمّا آيات الله جميعا ومعنى تشهدون تعلمون حقيتها بلا شبها بمنزلة علم المشاهدة،، ضمير نعته لمحمد ع! ير أو للقرآن. قوله: (بالتحريف وإبراز الباطل في صورته) أي صورة الحق قال الراغب: أصل اللبس ستر الشيء، ويقال في المعاني كلبست عليه أمره قال تعالى: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} ويقال في الأمر لبسة أي التباس ولابست الأمر زاولته ولابست " لإنأ خالطته فتلبسون بالفتح من لبست الثوب والباء بمعنى مع، وبالكسر من لبست الشيء االئيء سترته به وقيل: خلطته والياء صلته وكذا في قراءة التشديد، واستشهدوا لاستعمال االمبس، وما في معناه للاتصاف بالشيء والتلبس به بما وقع في الحديث الصحيح الذي رواه ااحخاري. وغيره عن عائثة رضي الله عنها أنّ امرأة قالت: يا رسول الله إنّ زوجي أعطاني ما لم بعطني فقال: المتليس بما لم يعط كلابس ثوبي زور والمتشبع الذي يرى أنه شبعان وليس به والمراد المتصلف، ولابس ثوبي زور هو الذي استعار ثوباً يتجمل به أو يتنسك متقبل شهادته فهو يشهد به زورا ويظهر أنه له وليس له فيتلبس بجهتي زور ويصير كأنه لابس ثوبين من الزور، وفي الفائق المتشبع على معنيين أحدهما المتكلف إسرافا في اكل وزيادة في الشبع ليمتلئئ والثاني المتشبه بالشبعان وليس به وبهذا المعنى استعير للمتحلي بفضيلة ليست له وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يزوّر على الناس ويتزيا بزفي أهل الزهد رياء واضافة الثوبين إلى الزور على معنى اختصاصهما به من جهة كونهما ملبوسين لأجله أو أراد أنّ المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبين من الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالاخر، وقيل: كانت النسوة تتظاهرن في اللباس يظهرن السمن، وقوله: تكتسون هو الصححيح، ووقع في نسخة تلبسون، وقوله: عالمين إشارة إلى أنّ الجملة خالية، وقوله: أوّل النهار إشارة إلى أن الوجه استعير للأوّل وهو استعارة معروفة كما ذكره الثعالبي. قوله: العلهم يشكون الخ) إنما قال يشكون لأنه أقل المراتب المتيقنة والا فالرجوع يكون عن اعتقاد البطلان، وكعب بن الأشرف ومالك بن الصيف بفتح الصاد المهملة من اليهود، وقوله: (اثنا عشر الخ) رواه ابن جرير عن السدي وتقاولوا تفاعل من القول والمراد المشاورة. قوله:) ولا تقرّوا عن تصديق فلب الخ) إنما أوّل تؤمنوا بتقرّوا أو تظهروا أو تفشوا على طريق التضمين ليتعدى باللام وليست هنا للتقوية، وقيل: إنها زائدة وقيل: إنه يتعذى باللام أيضا أي لا تصدقوا عن قلب إلا لهؤلاء، وعلى هذا فليس قل إنّ الهدى الخ اعتراضاً أي قل لهم إن الهدى هدى الله أو قل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 لنفسك أو للمؤمنين فهو يهدي لأصل الإيمان وللثبات عليه من يشاء فلا يضرّ كيدهم. قوله: (أي دبرتم ذلك وقلتم لأن يؤتى الخ) تحقيق ذلك وتفصيله ما أفاده المدقق في الكشف أنّ فيها أوجهآ. أحدها: أنّ التقدير ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وهم المسلمون أوتوا كتابا سماويا كالتوراة، ونبياً مرسلاً كموسى صلى الله عليه وسلم وبأن يحاجوكم ويغلبوكم بالحجة يوم القيامة! لأ لأتباعكم، نهوهم عن الإظهار للمسلمين فيزدادون تصلبا ولمشركي العرب فيبعثهم على الإسلام، وأتي بأو على وزان ولا تطع منهم آثماً الخ وهو أبلغ والحمل على معنى حتى صحيح مرجوح، وفائدة الاعتراض أنّ كيدهم غير ضحارّ لمن لطف الله به بالدخول في الإسلام أو زيادة التصلب فيه، ويفيد أيضا أن الهدى هداه فهو الذي يتولى ظهوره فلا يطفا نوره فالمراد بالإيمان إظهره كما ذكره الزمخشرفي أو الإقرار اللساني كما ذكره الواحدفي، والمراد التصلب من التابعين لإلا وقع ما فرّوا منه. وثانيها: ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر الذي أتيتم به وجه النهار إلا لمن كان تابعا لدينكم أؤلاً وهم الذين أسلموا منهم أي لأجل رجوعهم لأنه كان عندهم أهتم وأوقع، وهم فيه أرغب وأطمع، ثم قيل: إنّ الهدى هدى الله من يهده الله فلا مضل له، وقوله: أن يؤتى أحد على هذا معللة لمحذوف أي لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وما يتصل به من الغلبة بالحجة يوم القيامة دبرتم ما دبرتم، والمعنى أنّ داعيكم إليه ليس إلا الحسد، وإنما أتي بأو تنبيهاً على استقلال كل منهما في غيظهم وحملهم على الحسد حتى دبروا ما دبروا، ولو أتي بالواو لم تقع هذا الموقع للعلم بلزوم الثاني للأوّل لأنه إذا كان ما أوتوا حقاً غلبوا يوم القيامة مخالفهم فلا لاندة فيه، وأما أو فتشعر بأنّ كلا مستقل في بعثهم على الحسد والتدبير، وحملها على معنى حتى وإن كان ظاهراً لا يروع السامع ويؤيد هذا قراءة آن يؤتى بالاستفهام للدلالة على انقطاعه، الاستقلال بالإنكار، وفيه تقييد الإيمان بالصادر أوّل النهار بقرينة أنّ الكلام فيه وتخصيص من سع بمسلميهم بقرينة المعنى ولأنّ غيرهم متبع دينهم الآن، وعن المصنف إنه من جملة المقول ثانه قيل قل لهم هذين القولين، ومعناه أكد عليهم أنّ الهدى ما فعل الله من إيتاء اليهاب غيركم، أنكر عليهم أن يمتغصوا من أن يؤتى أحد مثله كأنه قيل قل إنّ الهدى هدى الله، وقل لأن لؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ما قلتم وكذبتم ما كذبتم، وثالثها أن يقرّر ولا تؤمنوا على ما قرّر علبه الثاني وبجعل أن يؤتى خبر ان وهدى الله بدل من اسمها وأو بمعنى حتى على أنها غاية سبية وحينئذ لا يخص عند ربكم بيوم القيامة بل بالمحاجة المحقة كما مرّ في البقرة، ولو حملت على العطف لم يلتئم الكلام، ورابعها: أنّ قوله ولا تؤمنوا إلا لمن الخ على إطلاقه أي ، أثفروا آخره واستمروا على اليهودية ولا تقرّوا لأحد إلا لمن هو على دينكم وهو من جملة 4ـ فرل الطائفة فقيل قل إنّ الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى حتى تحاجوا وقرينة الإضمار أنّ مر له ولا تؤمنوا تقرير على اليهودية وأنه لا دين يساويها فماذا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم علم أنّ ااجراب أنّ ما أنكروه غير منكر وأنه كائن، وحمل أو على معناها الأصلي حسن لأنه تأييد الإبتاء وتعريض بأنّ من أوتي مثل ما أوتوا هم الغالبون لا هم، وأمّا على قراءة إن بالكسر فهو من مقول الطائفة وقدره بقولوا لهم توضيحاً وبيانا لأنه ليس استئنافا تعليلا بل خطابا لمن أسلم منهم رجاء العود، والمعنى لا إيتاء فلا محاجة وذكر عقيب الثالث لتساويهما في أنّ أو بمعنى حتى، وقوله: إنّ الهدى هدى الله اعتراض ذكر قبل تمام كلامهم للاهتمام ببيان فساد ما ذهبوا إليه، وأرجح الوجوه الثاني انتهى محصله. (وههنا بحث) ذكره صاحب الانتصاف على قطع آن يؤتى أحد عن لا تؤمنوا وهو أنه يلزمه وقوع أحد في الإثبات لأنّ الاستفهام هنا إنكار وهو في مثله إثبات إذ حاصله أنه وبخهم على ما وقع منهم، وهو إخفاء الإيمان بأن النبوّة لا تخص بني إسرائيل، وأجاب عنه بأنه روعي فيه صيغة الاستفهام وان لم يرد حقيقته فحسن دخول أحد في سياقه، وترك التعرّض له الناظرون فيه لأنهم لم يروه واردا لأن التوبيخ لا ينبغي، ولا يليق فهو نفي معنى بلا ارتياب واحتياج إلى جوابه الساقط، وقوله: من كلام الطائفة أي المذكور في الآية واحتمال أن يكون خطاباً من الله للمسلمين أي لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون حتى يحاجوكم لأنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 لا ينسخ دينكم دين بعيد. قوله: (عطف الخ) قد مرّ ما يشرحه وقوله: (رذوا إبطال الخ الأنه تعالى كريم متفضل مختار فيما يريد فيعطي مثل ما أوتيتم وأفضل منه غيركم. قوله: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار الخ) من أمنته بمعنى ائتمنته، والأوقية بالضم سبعة مثاقيل كالوقية، وقال الجوهري: إنها أربعون درهماً، ثم استعملت في العرف في عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وفنحاص بكسر الفاء وسكون النون والحاء المهملة بعدها ألف ثم صاد مهملة، وكون الغالب في اليهود الخيانة لأنّ نهم من لا يخون كعبد الله بن سلام رضي الله عته، وقوله مدة دوامك إشارة إلى أنّ ما مصدرية ظرفية والتقاضي طلب القضاء ولا عبرة بقول بعض الفقهاء أنه لم يرد في اللغة إلا بمعنى الأخذ والترافع هو صد الأمر وانهاؤه إلى الحكام فالقيام مجاز عما ذكر. قوله: (إشارة إلى ترك الآداء الخ) بقوله: لا يؤدّه هذا هو الصحيح من النسخ وسقط لا رنرذه من بعضها اكتفاء بالإضافة العهدية، وقيل: إنه من سهو الناسخ، وتوله: عتاب وذم لما ثان السبيل بمعنى الطريق والمعنى ليس لأحد منهم علينا طريق فلا يصل إلينا حتى نسمع كلامه إذمه، وعتابه فهو كناية كقوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} أفاد ما ذكر. قوله: (تقاضوهم الخ (يعني رجال قريش طلبوا من اليهود حقهم، وقوله: تحت قدمي أي ساقط لا يؤاخذ به فهو لمثيل لأنّ ما سقط يوطأ ويداس. قوله: (استئناف الخ (المراد بكونها سذت مسدها أنها دلت طليها فلا يمتنع التصريح بها، ووجه التقرير أنها تفيد ذم من لم يف بالحقوق مطلقا فيدخلون! يه دخولاً أوليا، وقوله: باب عن الراجح في نسخة نائب عن الراجع، وسقوط في بعض النسخ من سهو الكاتب، ومن إما موصولة أو شرطية ولا بدّ من ضمير يعود إليها من الجملة ال! انية فإما أن يقام الظاهر مقام الضمير في الربط إن كان المتقين من أوفى، وما أن يجعل لحمومه وشموله له رابطا، وقال ابن هشام: الظاهر أنه لا عموم وأنّ المتقين مساو لمن تقدم دكره والجواب لفظا أو معنى محذوف تقديره يحبه الله ويدل عليه قوله: فإنّ الله يحب المتقين لال الحلبي: وهو تكلف لا حاجة إليه وقوله: الظاهر أنه لا عموم ليس بمسلم فإنّ ضمير بعهده إذا كان لله فالالتفات عن الضمير إلى الظاهر لإفادة لعموم كما هو المعهود في أمثاله واضافة لحهده إما للفاعل أو للمفعول، وقوله: يعم الوفاء وغيره توجيه لأنه لم يقل فإنّ الله يحب أأءس فين بالعهد والمتقين. قوله: (بما عاهدوا الله عليه (إشارة إلى أنه مضاف للمفعول وقوله:) بما يسرهم الخ (توجيه لنفي الكلام بأنّ المنفيّ الكلام السارّ فلا ينافي كلامه بغيره، أو المراد أاحطلق لسؤالهم في القيامة بواسطة الملائكة تحقيراً لهم، أو المراد بنفي الكلام نفي فائدته وثمرته فينزل منزلة المعدوم. قوله: (والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم) هذا جواب آخر عن نفي الكلام لكن ظاهره أيضا أنّ قوله ولا ينظر إليهم كناية فإن أراد أنه كناية لاقترانه بكناية أخرى، وان أراد أنه أريد به السخط كما أنّ المراد بما بعده ذلك، ولو مجازاً صح وإنما كان كناية لأنه يمكن أن يراد من عدم التكليم معناه الحقيقي فلا وجه للحكم بالمجازية فيه فإن لوحظ فيه قرينة مانعة عن إرادته صحت المجازية لكنها خلاف الظاهر، وفي الكشاف أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية لأنّ من اعتذ بالإنسان التفت إليه وأعاره عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وان لم يكن، ثئم نظر ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجرّداً لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر، قال النحرير: يريد أن ترك النظر عند قرينة مانعة عن إرادة معناه الحقيقي يكون مجازاً عن الاستهانة والسخط كما أن النظر يكون مجازاً عن الإكرام والإحسان لكون النظر من لوازم الإحسان وتركه من لوازم الإهانة، ثم فرق بين استعمال النظر نفيا واثباتا في حق من يجوز عليه النظر أي تقليب الحدقة كالإنسان وبين من لا يجوز عليه كالباري وان كان بصيراً بمعنى أنّ له صفة البصر بأنه إذا استعمل فيمن يجوز عليه النظر وأريد الإحسان والإكرام فهو كناية حيث جاز إرادة المعنى الحقيقي بل ربما أريد لكن لا ليكون مناط الإثبات والنفي والصدق والكذب والأمر والنهي، ونحوه بل لينتقل عنه إلى معنى آخر وإذا استعمل فيمن لا يجوز عليه النظر فهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 مجاز لا غير لأن إرادة المعنى الحقيقي أو جواز إرادته شرط للكناية، وههنا العلم بامتناع النظر قرينة مانعة عن إرادته، وفي كلامه إشارة إلى أنه عند الكناية قد يتحقق المعنى الحقيقي ويراد لا قصداً إليه وقد لا يتحقق أصلا، وان جاز وما ذكره هنا يشكل بما ذكره في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الرحمن على العرش استوى ونحو ذلك أنها كلها كنايات مع امتناع المعنى الحقيقيّ قطعاً فإن أجيب بأنّ إرادة المعنى الحقيقي لا تستلزم تحققه وهو ظاهر ولا يلزم منه الكذب لأنّ إرادته لا تكون على وجه القصد إليه إثباتاً ونفيا وصدقاً وكذبا بل لينتقل منه إلى المقصود، قلنا: وكذلك النظر في حق من يجوز عليه النظر يراد، ولا يتحقق فيكون كناية. وأمّا ما يقال: من أنه إذا أريد المعنى الحقيقي لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز بمعنى إرادة المعنى الحقيقي والمجازيّ، وهو ممتنع فمدفوع بأنّ ذلك إنما هو حيث يكون كل منهما مناط الحكم ومرجع الصدق والكذب 0 وأمّا إذا أريد الأوّل لينتقل إلى الثاني فلا وصرّح في المفتاح بأنه في الكناية يراد معناها ومعنى معناها جميعاً، وفي الحقيقة معناها فقط وفي المجاز معنى معناها يعني الحقيقة الصريحة إلا فقد صرّح هو بأنّ الكناية حقيقة حيث قال: الحقيقة والكناية يشتركان في كونهما حقيقتين، ويفترقان في الصريح وعدمه، وبهذا يظهر أنّ الكناية ليست واسطة بين الحقيقة والمجاز بل نسما من الحقيقة وحيث يجعل واسطة يراد بالحقيقة الصريح منها، وأمّا عند الأصوليين فكل من الحقيقة والمجاز إن استتر المراد به فكناية والا فصريح وليست الكناية واسطة ولا داخلة في المجاز بناء على الاستعمال في غير الموضوع له على ما توهم. (أقول) ما ذكره من التناقض سبقه إليه غيره من الشراح، وأشار المحقق في الكشف إلى أنه لا تناقض فيه حيث قال: بعد سوق كلامه إنه تصريح بأنّ الكناية يعتبر فيها صلوح إرادة الحقيقة وان لم ترد وأن الكنايات قد تشتهر حتى لا تبقى تلك الجهة ملحوظة وحينئذ يلحقن بالمجاز، ولا تجعل مجازاً إلا بعد الشهرة لأنّ جهة الانتقال إلى المعنى المجازي أوّلاً غير واضحة بخلاف المعنى المكنى عنه، وقد سبق أن هذا الكلام منه يرفع ما توهم من المخالفة بين قوليه في جعل بسط اليد كناية عن الجود تارة، ومجازاً أخرى فتذكر يعني أنه إن تطع النظر عن المانع الخارجي كان كناية ثم ألحق بالمجاز فيطلق عليه أنه كناية باعتبار أصله قبل الإلحاق ومجاز بعده فلا تناقض بينهما كما توهموه، والعجب من الشارح في متابعة المعترض مع علمه بدفعه فتأمّل فقول المصنف إنه كناية عن غضبه عليهم لقوله الخ إن حمل على أنه فيهما كناية لا يخالف ما في الكشاف. قوله: (قيل إنها نزلت الخ) فالمراد بعهد الله ما عهده إليهم في التوراة من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره، والثمن الرشوة وهذا أخرجه البخاري في صحيحه وغيره من حديث عبد الله بن أبي أوفى أنّ رجلاً أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت هذه الآية وقوله: (في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهوديّ في بئر أو أرض وتوجه الحلف على اليهوديّ) أخرجه الستة عن ابن مسعود رضي الله عنه وتعدد سبب النزول لا مانع منه كما مرّ. قوله: (يعني المحرّفين الخ) تفسير فريقاً لا. الضمير وحنى بالتصغير وأخطب بالخاء المعجمة أفعل من الخطب، وقوله: يقتلونها الفتل بالفاء والتاء الفوقية بمعنى الليّ، والصرف أي يفتلون الألسنة في القراءة بالتحريف في الحركات ونحوها تغييرا يتغير به المعنى ليحسب المسلمون أن المحرّف هو التوراة فيلتبس عليهم الأمر أو المراد يميلون ألسنتهم بشبه الكتاب أي مشابهه ولا فرق بين الوجهين في المعنى إذ ليس في الوجه الأوّل إلا إظهار المحرف وهو شبه الكتاب لكن المضاف المقدّر في الوجه الأوّل هو القراءة والباء للظرفية أو الاستعانة أو للملابسة والجار والمجرور حال من الألسنة أي ملتبسة بالكتاب، وضمير تحسبوه لما دل على الليّ من المحرّف، وفي الثاني شبه وضمير تحسبوه للشبه المقدر والباء صلة، وقيل للآلة وقوله: (وقرئ بلون الخ (هي قراءة مجاهد رحمه الله بفتح الياء وضم اللام، وبعدها واو مفردة ساكنة بقلب الواو المضمومة همزة كما في وجوه وأجوه، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فحذفت لالتقاء الساكنين وقيل عليه لو نقلت ضمة الواو لما قبلها فحذفت لالتقاء الساكنين كفى في التوجيه فأقي حاجة إلى قلب الواو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 همزة ورذ بأنه فعل ذلك ليكون على القاعدة التصريفية بخلاف نقل حركة الواو، وثم حذفها على ما عرف في التصريف، وفيه نظر لأنّ الواو المضمومة إنما تبدل همزة إذا كانت ضمتها أصلية فهو مخالف للقياس أيضاً نعم أنه قرئ يلؤن بالهمز في الشواذ، وهو يؤيده وعلى كل ففيه اجتماع إعلالين ومثله كثير، وأما جعله من الولي بمعنى يقرّبون ألسنتهم بميلها إلى المحرّف فقريب من المحرّف، وقوله: أو يعطفونها بشبه الكتاب من عطف الناقة بأن جذب زمامها ليميل رأسها والمراد الإبهام في الكلام أي كانوا يوهمون المسلمين أن ذلك من نفس الكتاب، والفرق بينهما أنهم على الأوّل يتركون النص ويقرؤون ما بذل، وعلى الثاني لا يتركونه بل يصحفونه بما يوهم خلاف المراد، وعلى هذا يكون كناية عن الخلط. قوله: (تثيد لقوله وما هو من الكتاب ا! خ (لأنّ إسناد كونه من عند الله إلى زعمهم يشعر أيضاً بأنه ما هو من الكتاب فمجموعه مؤكد له فلا وجه لما قيل إن التأكيد هو قوله: {وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ} وسوقه يقتضي أنّ مجموعه مؤكد فكأنه جعلهما خبرين وجعل وصف المجموع بوصف جزئه وقوله:) وتشنيع الخ) إشارة إلى أنه ليس المقصود به التأكيد فقط إذ لو كان كذلك لم يتوجه العطف لأنه لما كان الأوّل تعريضا، ، هذا تصريحا حصل بينهما مغايرة اقتضت العطف. قوله:) أي ليس هو نازلاً من عنده) يعني المقصود بالنفي نزوله من عند الله وهو أخص من كونه من فعله، وخلقه ونفي الخاص لا قتضي نفي العام فلا يدل على مذهب المعتزلة القائلين بأن أفعال العباد مخلوقة لهم لا لله وفعل العبد هنا هو التحريف ونحوه وقوله:) ويقولون الخ) تسجيل عليهم بأنّ ما اقترفوه عن عمد لا خطأ. قوله: (تكذيب الخ (أي لا ينبغي لبشر أن يأمر بغير عبادة الله فكيف بالنبيّء! الذي أوتي الحكم والنبوّة فما فعلتموه من عند أنفسكم، والحكم بمعنى الحكمة وفسرها الزمخشرقي لالسنة لأنها تالي الكتاب والسيد علم شخص من نصارى نجران. قوله: (معاذ الله أن يعبد) وقع ير الكشاف: " أن نعبد غير الله أو أن نأمر بعبادة غير الله " وهو أحسن طباقا لما سبقه لأن الكلام في نفي عبادة غير الله لا في نفي غير العبادة، وأجيب بأنّ المراد بغير عبادة الله عبادة غير كلبادة الله، أو غير عبادة الله عام، ونفيه جعل كناية عن نفي الخاص على طريق المبالغة وبهما وردت الرواية والأمر فيه سهل. قوله:) ولكن يقول الخ (لكن لإثبات ما نفي سابقا وهو القول المنصوب بأن فيقول هنا منصوب أيضاً عطفا عليه، ويصح رفعه عطفا على المعنى لأنه في معحى لا يقول، وقيل: يصح عدم تقدير القول على معنى لا تكونوا قائلين لذلك ولكن كونوا ربانيين أي مبلغين ما أتى من الرب وضمير يقول هنا لبشر والرباني منسوب إلى الرب كالهيئ والألف والنون تزاد في النسبة للمبالغة كثيرا كلحياني بكسر اللام عظيم اللحية ورقباني بمعنى عليظ الرقبة، وفسره بالكامل في العمل والعمل وقيل إنه سرياني، وقيل: إنّ ربان صفة لأ! طشان بمعنى مرب نسب إليه. قوله: (كونوا ربانيين الخ) أي كونوا منسوبين إلى الرب بالطاعة والعبادة بسبب علمكم أو تعليمكم ودراستكم لئلا تدخلوا تحت قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} فالباء متعلقة بكونوا والمطلوب أن لا ينفك العلم عن العمل إذ لا يعتدّ بأحدهما بدون الآخر. قوله:) عطفاً على ثم يقول الخ) أي على يقول في، ثم يقول ففيه تسمح وجعله بعضهم عطفاً على يؤتيه ولا مزيدة وعلى عطفه على يقول والزيادة المعنى ما كان لبشر أن يؤتيه الله ذلك ويرسله للدعوة إلى اختصاصه بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم أن تتخذوا الملائكة النبيين أربابا كقولك ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي أو غير مزيدة لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهي عن عبادة الملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام فلما قيل له أنتخذك رباً قيل لهم ما كان لبشر أن ينبئه الله ثم يأمر الناس بمبادنه وينهاكم عن عبادة الأنبياء والملانكة وقوله: بل ينهي إشارة إلى أن المقصود من عدم الأمر النهي وان كان أعمّ منه لكونه أمس بالمقصود وأوفق للواقع. قوله: (وهو أدنى من العبادة) ضمير هو للاتخاذ أو للأمر بالاتخاذ، وأدنى بمعنى أقرب أفعل تفضيل من الدنو فإن من يريد أن يستعبد شخصاً يقول له: ينبغي أن تعبد أمثالي وأكفائي، وقيل: أدنى بمعنى أنزل وأقل من العبادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 لأنّ الاتخاذ رباً لا يستلزم العبادة بالفعل، وفي بعض النسخ وهو نهي عن العبادة أي النهي عن الاتخاذ ربا او عدم الأمر نهي عن العبادة فتأمل. قوله:) ورفعه الباقون الخ) في الكشاف الرفع على ابتداء الكلام أظهر وتنصرها قراءة عبد الذ " ولن يأمركم " ووجهت الأظهرية بأنها خالية عن تكلف جعل عدم الأمر بمعنى النهي وبأن العطف يستدعي تقديمه على لكن وكذا الحالية أيضاً، والمراد بالبشر بشر النكرة السابق، فالإنكار عامّ وإنما عرّفه لسبق ذكره. قوله: (دليل على أنّ الخطاب للمسلمين) يعني هذه الفاصلة ترجح القول بأنها نزلت في المسلمين القائلين أفلا نسجد لك لا في أبي رافع والسيد بناء على الظاهر، وان جاز أن يقال للنصارى أنأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون أي منقادون مستعدّون لقبول الدين الحق إرخاء للعنان واستدراجا، ولبعض أرباب الحواشي هنا كلام لا علانل تحته رأينا تركه خيرأ من تكثير السواد برذه. قوله:) قيل إنه على ظاهره الخ الما كان الله لحهد إلى جميع خلقه بالإيمان سواء الأنبياء وغيرهم احتاج التخصيص إلى التوجيه فوجه بوجوه. حها ما ذكره المصنف وهو أنّ غيرهم معلوم بالطريق الأول أو أنه من الاكتفاء وهو قريب من هدا، أو أنه مصدر مضاف إلى الفاعل أي الميثاق الذي وثقه النبيون على أممهم، أو هو على حذف مضاف أي أمم النبيين أو أولاد النبيين، والمراد بهم بنو إسرائيل لكثرة أولاد الأنبياء فيهم! ، نّ السياق في شأنهم، وأمّا إنّ المراد بأولاد الأنبياء أولاد آدم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ءكأ تسلمه ليعم فخلاف الظاهر، فلذا لم يذكروه مع أنّ قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ميثاق الذين أوتوا الكتاب تدل على تعينه كما أشار إليه في الكشاف، وأمّا أنه سمى بني إسرائيل نبيين لهكماً بهم فلا قرينة عليه، ولذا أخره المصنف رحمه الله لبعده، أو المراد واذ أخذ الله ميثاقا مثل ميثاق النبيين أي ميثاقا غليظا ثم جعل ميثاقهم نفس ميثاقهم بحذف أداة التشبيه مبالغة، ومن الغريب ما قيل: إق الإضافة للتعليل لأدنى ملابسة كأنه قيل واذ أخذ الله الميثاق على الناس لأجل النبيين، ثم بينه بقوله: لما آتيتكم الخ، ولم نر من ذكر أنّ الإضافة تفيد التعليل في غير ثلامه. قوله: (واللام في لما موطئة الخ) اللام الموطئة وتسمى اللام المقرونة هي من قولهم وطؤ الموضع يوطأ وطأ صار وطيئاً أي سهل المشي فيه، ووطأته أنا توطئة فهذه اللام كأنها وطأت طريق القسم أي سهلت تفهم الجواب على السامع، وعرّفها النحاة بأنها اللام التي تدخل على الشرط سواء إن وغيرها لكنها غلبت في إن بعد تقدم القسم لفظا أو تقديراً لتوذن أن الجواب له لا للشرط، كقوله: لئن أكرمتني لأكرمنك، ولو قلت: أكرمك أو فإني أكرمك أو ما أشبهه مما يجاب به الشرط لم يجز صرح به ابن الحاجب وليس هذا متفقا عليه فإنّ الفراء خالف فيه فجوّز أن يجاب الشرط مع تقدم القسم عليه لكن الأوّل هو الصحيح، وكونها يجب دخولها على الشرط هو المشهور وخالف فيه بعض النحاة، وقال الزمخشري: إنه لا يجب دخولها على كلمة المجازاة صرح به في سورة هود في قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ! يمن قرأ بالتخفيف ونقله الأزهري عن الأخفش وانّ ثعلباً غلطه فيه فهذا يدل على أن ما أشترطوا فيها غير متفق عليه. قوله: (ساد مسد جواب القسم والثرط الخ (فيه تسمح لأنه جواب القسم لكنه لما دل على جواب الشرط جعله سادّاً مسده لدلالته عليه وايجاد معناهما وإلا فجواب القسم لا محل له وجواب الشرط له محل فيتنافيان، ولا حاجة إلى أن يقال أنّ الجملة الواحدة قد يحكم عليها بالمحلية وعدمها باعتبارين وعلى جعلها موصولة فقد دخلت اللام الموطئة على غير الشرط ولا إشكال فيه كما مرّ فإنّ من النحاة من جوّزه كما أن منهم من أطلق على لام الجواب موطئة تسمحاً والأمر فيه سهل لكن على القول بأنها تدخل على غير الشرط هل يشترط مشابهته له كما الموصولة أو لا كما الزائدة في إنّ كلا لما ليوفينهم ظاهر كلام المغني وبعض الثراج هنا يشعر بالأوّل، وقوله: وتحتمل الخبرية المراد ما يقابل الجزائية أو الموصولية الاسمية أو الحرفية، وورد في كلامهم بهذا المعنى فلا يقال إنه لم يسمع ما الخبرية، وعلى الموصولية فهي مبتدأ والخبر إمّا مقدر أو جملة لتؤمنن، وأورد عليه أنّ الضمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 في به إن عاد إلى المبتدأ على ما هو الظاهر كان الميثاق هو إيمانهم بما آتاهم والمقصود من الآية أخذ الميثاق بالإيمان بالرسول عش! هـ ونصرته وان عاد إلى الرسول لمجب خلت الجملة التي هي خبر عن العائد إلا أن يقدر، ويدفع بما قاله الإمام السهيلي: في الروض الأنف إن ما مبتدأ بمعنى الذي والخبر لتؤمنن به ولتنصرنه وان كان الضميران عائدين على رسول ولكن لما كان الرسول مصدقا لما معكم ارتبط الكلام بعضه ببعض واستغنى بالضمير العائد على الرسول عن ضمير يعود على المبتدأ، وله نظائر في التنزيل وهذا بناء على مذهب الأخفش كما مرّ تحقيقه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [سورة البقرة، الآية: 234] ) وجاءكم الخ) معطوف على الصلة والرابط ما معكم أو مقدّر أيضاً. قوله: (أي لأجل إيتاتي إياكم بعض الكتاب الخ) إشارة إلى أن من تبعيضية وهي على الموصولية والشرطية بيانية، وظاهره أنّ اللام متعلقة بقوله: لتؤمنن مع أنّ لام القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فقيل إنّ الزمخشريّ يرى جوازه، وقيل: هو بيان للمعنى: وأما بحسب اللفظ متعلق بأقسم المحذوف، وقوله: مصدق له إشارة إلى أنّ ما معكم بمعنى الكتاب أو بعضه وأنه هو القائم مقام العائد في الموصولية. قوله: (وقرئ لما بمعنى حين الخ) هذه قراءة سعيد فلا وجه لما قيل إن صحت ولما إمّا ظرفية وجوابها مقدر من جنس جواب القسم كما ذهب إليه الزمخشرقي أي لما آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق، وجب عليكم الإيمان به ونصرته وقدره ابن عطية رحمه الله من جن! ما قبلها أي لما كنتم بهذه الحال رؤساء الناس وأماثلهم أخذ عليكم الميثاق وكذا وقع في تفسير الزجاج ومآل معناها للتعليل أيضاً أو أصله لمن ما فأدغمت النون في الميم بعد قلبها ميماً فحص ثلاث ميمات فخفف بحذف إحداها، والمحذوف أما الأولى أو الثانية لأنّ بها الثقل ولذا رجحه أبو حيان، ومن مزيدة في الإيجاب على رأي الأخفش عند ابن جني وتعليلية وهو الأصح لاتضاح المعنى عليه وموافقته لقراءة التخفيف، واللام إمّا زائدة أو موطئة إن لم يشترط دخولها على أداة الشرط، وقوله: استثقالاً مفعول لأجله لأنه الباعث على ذلك أو التقدير لإزالة الاستثقال. قوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ} الآية) هو بيان لأخذ الميثاق دماذ متعلقة به أو بمقدر أي اذكر، وقيل العامل فيه اصطفى فيكون معطوفا على إذ المتقدمة، والإصر بالكسر العهد وأصله من الإصار وهو ما يعقد به ويشد، وبالضم لغة فيه كناقة عبر أسفار بالضم والكسر بمعنى أنه لا يزال يسافر عليها وهو يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، أو هو بالضم جمع إصار، وهو ما يشد به استعير للعهد وقوله: فليشهد بعضكم أي المقر بعضهم والشاهد بعض آخر لئلا يتحد المشهود عليه والشاهد. قوله:) وأنا أيضاً على إقراركم الخ) هذا بيان لمحصل المعنى لأنه لا بد في الشهادة من مشهود عليه وهو الإقرار هنا فلا وجه لما قيل إنّ الصواب، وأنا معكم من الشاهدين وأق هذا تفسير لما في سورة اقترب {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 56] وتفسر الفاسقين بالمتمردين لأنّ أصل معنى الفسق الخروج وهو قريب من التمرد. قوله: (عطف على الجملة المتقدّمة الخ) المراد بالجملة مجموع الشرط والجزاء، وقي! قوله: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قال ابن هشام: الأوّل هو مذهب سيبويه رحمه الله وهو الأصح وحذف الجملة لا داعي إليه والهمزة مقدمة من تأخير للدلالة على أصالتها في الصدارة. قوله: (وتقديم المفعول لأنه المقصود الخ) أي لا للحصر كما توهم لأنّ المنكر اتخاذ غير الله ربا ولو معه، ودعوى إنه إشارة إلى أن دين الله لا يجامع دين غيره في الطلب تكلف فالمقام يقتضي إنكار اتخاذ المعبود من دون الله ليكون الدين كله لله بدليل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فوجب لذلك التقديم، وما قيل عليه إنّ الإنكار لا يتوجه إلى الذوات وإنما يتوجه إلى الأفعال وهو الابتغاء هنا وإنما قدم للفاصلة ليس بشيء وقوله: على تقدير، وقل لهم أي قل لهم أتتولون أو أتفسقون وتكفرون فتبغون غير دين الله ومن جعله التفاتا لم يقدره، وقوله: لأنه المقصود الخ لا ينافي التقدير لا! الإنكار منسحب عليه فتأمل. قوله:) طائعين بالنظر الخ (إشارة إلى أنه حال وقيل. إنه منصوب على المصدرية من غير لفظه لأن أسلم بمعنى انقاد وأطاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وفيه نظر لأنه ظاهر في طوعا لموافقة معناه ما قبله لا في كرها، والقول بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل غير نافع، وقد يدفع بأنّ الكره فيه انقياد أيضاً يقال طاع يطوع وأطاع يطيع بمعنى، وقيل؟ طاعه يطوعه انقاد له وأطاعه بمعنى مضى لأمره، وطاوعه بمعنى وافقه، وقرأ الأعمش كرها بالضم وجملة وله من في السموات جملة حالية أيضا أي كيف تبغون غير دينه والحالة هذه، وعلى هذا التفسير المراد بمن في السموات والأرض الناس فلا يرد عليه أنه لا وجه لحصر سبب الإسلام طوعا في النظر، واتباع الحجة لأنه يكون بسبب هدايته ومشاهداته عندهم كما في الملائكة أو المراد أولو العلم مطلقاً وليس المراد بالنظر الاستدلال بل العلم مطلقا فيشمل ما يحصل بالمشاهدة فتأمل. قوله: (كنتق الجبل) أي رفعه فوقهم من نتق الشيء جذبه ونزعه حتى يسترخي كنتق عري الحمل، ومنه استعير امرأة ناتق أي ولدها كثير، وزند ناتق أي وار. قوله: (أو مختاربن الخ) هذا تفسير آخر فالمراد بالطوع الاختيار وبالكره التسخير فهم مسخرون لحكم القضاء، وما أراد الله بهم فالكفرة مسخرون لإرادة كفرهم إذ لا يقع ما لا يريده، وهذا لا ينافي الجزء الاختياري حتى لا يكون لهم اختيار في الجملة فلا يرد أنّ الكفرة لو لم يكونوا مختارين لم يتوجه تعذيبهم على الكفر، والمؤمنون والملائكة لا يفعلون أيضا إلا ما قضى عليهم فلا فرق وأنه ذهب إلى مذهب الجبرية، والحاصل أنّ الانقياد هنا إمّا لأمره وهو إمّا بالطوع مطلقا أو النظر والحجة بناء على الأغلب أو لإرادته وكونه على وفقها والمؤمن ينقاد لإرادة الله إيمانه باختياره لأنّ الله أمره به فاتبعه راشداً مهدياً تابعاً للأرجح والكافر منقاد لإرادته كفره لما خلقه عليه من حيث جبلته الذي هو كالقاسر له على مخالفة الأمر واتباع المرجوح فتأمل. قوله: (وإليه ترجعون) جوز فيه أن يكون جملة مستأنفة للأخبار بما تضمنته من التهديد أو معطوفة على وله أسلم فهي حالية أيضاً وقرأ عاصم بياء الغيبة والضمير لمن أو لمن عاد عليه ضمير يبغون، فإن قرئ بالخطاب فهو التفات وقراءة الباقين بالخطاب، وهو عائد لمن عاد إليه ضمير يبغون فعلى الغيبة فيه التفات أيضاً. قوله: (أمر للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) يعني ضمير آمنا للرسول والأمة والقرآن نازل عليهم لا على الرسول فقط أو على الرسول كما هو الظاهر، وهو نازل عليه وحده ولكن نسب إلى الجمع ما هو منسوب لواحد منه مجازاً كما في بنو فلان قتلوا قتيلا لكون بين أظهرهم، ونفعه وأصل إليهم أو النون نون العظمة لا ضمير الجماعة. قوله: (والنزول كما يعدى بإلى الخ) فلا فرق بينهما إلا بالاعتبار وفرق الراغب رحمه الله بأنّ ما كان واصلاً من الملأ الأعلى بلا واسطة كان لفظ على المختص بالعلو أولى به وما لم يكن كذلك كان لفظ إلى المختص بالإيصال أولى به، وهذا كلام في الأولوية فلا يرد عليه قول الزمخشري إنه تعسف وقيل أنزل عليه يحمل على ما أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره، وأنزل إليه يحمل على ما خص به نفسه لأنه إليه انتهى الإنزال وعليه قوله تعالى: {أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [سورة العنكبوت، الآية: 51] {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [صورة النحل، الآية: 44] وفيه نظر فالتحقيق عدم الفرق كما ذهب إليه العلامة وقوله: (وإنما قدم الخ) أي لما كان معرّفا له ومصدقاً لما فيه ومعرفة المعرف تتقدم على معرفة المعرف قدم عليه أو لتعظيمه والاعتناء به، وقوله: (بالتصديق الخ) إشارة إلى جواز التفريق بغيره كالتفضيل، وقوله: منقادون الخ تفسير للإسلام المعدى باللام والأوّل مبني على إن نحن عبارة عما يعمّ المسلم والكافر، والثاني بناء على تخصيصه بالمسلمين. قوله:) الواقعين في الخسران الخ) إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم فترك مفعوله وقوله: بإبطال الفطرة أي الجبلة إشارة إلى أنّ الخسران وزوال الربح باعتبار ما جبل عليه فكأنه ضيع رأس ماله لأنّ كل مولود يولد على الفطرة فهو قريب من المكنية. قوله: (واستدل به الخ) قيل عليه إن الإسلام هو التوحيد والانقياد كما سبق، وهذا مشتمل على الإيمان بالله وكتبه ورسله مقيداً بالاستسلام فينبغي أن يحمل عليه ودينا تمييز للإسلام ومبين له كما حمل عليه في قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران، الآية: 19] فلا حاجة إلى ما ذكره من الجواب فتأمل. توله: (استبعاد لأن يهديهم) أي يدلهم دلالة موصلة لا مطلق الدلالة ولذا فسره في الكشاف بيلطف بهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 والحائد بالحاء والدال المهملتين بمعنى المائل المعرض عنه والمقصرد من الإنكار التقريع والتوبيخ فلا يدل على عدم التوبة. قوله:) وشهدوا عطف على ما في للمانهم من معنى الفعل الأن إيمانهم بمعنى آمنوا، والظاهر أنه عطف على المعنى كما في قوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} لا على التوهم كما ذكره المصنف رحمه الله ثبعا للزمخشريّ كما في قوله فأصدق وأكن بالجزم على توهم سقوط الفاء لأنها لو سقطت انجزم في جواب شرط، مفهوم مما قبله أي إن أخرتني كما سيأتي في سورة المنافقين لا لأن التوهم لا يليق به تعالى لأنه صار كالعلم على هذا النوع من العطف بل لأنه هو الموافق للواقع والتأويل، ويجوز أن يؤوّل الثاني بالاسم بأن يجعل شهدوا بمعنى الشهادة بتقدير أن كما قاله الراغب: وأما عطفه على كفروا وان كان هو الظاهر فلم يلتفتوا إليه لفساد المعنى إذ يكون صفة قوما ويكون هو المنصرف إليه الإنكار وهو غير صحيح فإن قلت العطف بالواو لا يقتضي الترتيب فليكن المنكر الشهادة المقارنة بالكفر أو المتقدمة عليه قلت هذا هو معنى العطف على الإيمان والحالية وهي هنا أولى وأظهر فيقدر فيه قد، وقيل لأن الظاهر تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه وشهادتهم هذه لم تكن بعد إيمانهم بل معه أو قبله، وهو غير مسلم لأنه لا يلزم تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه، ولو قصد ذلك لآخر وقيل لأنهم ليسوا جامعين بين الكفر والشهادة وردّ بالمنع بل هم جامعون وان لم يكن ذلك معا ألا ترى أنه صح جعله حالاً وأما جعله معطوفاً عليه وإنه في المنافقين فخلاف المنقول والمعقول. قوله: (وهو على الوجهين دليل الخ (أي على العطف المذكور والحالية ووجه الدلالة ما يقتضيه الظاهر من تغاير المعطوف والمعطوف عليه، وعلى الثاني خلو ذكره عن الفائدة وفيه نظر ظاهر ولذا قيل يجوز أن يراد بالإيمان الإيمان بالله تعالى بقرينة ما بعده مع أنّ الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان المصطلح عند أهل الشرع، وليس هذا مما يقبل النزاع. قوله: (الذين ظلموا أنفسهم الخ (يعني المراد بالظلم الكفر، ويحتمل أن يراد مطلق الظلم فيدخل فيه الكفر دخولاً أوّليا واسم الإشارة المشار به للذوات مع الصفات المشعر بكونها علة للعن ينتفي بانتفائها وما ذكر من الأوصاف يقتضي بعدهم عن الرحمة والفرق بينهم وبين غيرهم حتى خص اللعن بهم، والناس حينئذ أمّا المؤمنون لأنهم هم الذين يلعنون الكفرة أو المطلق لأن كل أحد يلعن من لم يتبع الحق وإن لم يكن غير متبع بناء على زعمه وضمير فيها لما ذكر، ولا يأباه قوله: ولا يخفف عنهم العذاب كما توهم، ومعنى لا ينظرون لا يمهلون أو لا ينظر إليهم ويعتذ بهم. قوله:) وأصلحوا ما أفسدوا الخ) يعني أنه متعد مفعوله ما ذكر أو لازم بمعنى دخلوا في الصلاح، قيل وهو أبلغ قال النحرير: يعني أن مجرّد الندم على ما مضى من الرذة والعزم على تركه في الاستقبال غير كاف فلا تدارك لما أخلوا به من الحقوق، وقيل عليه إن مجزد التوبة يوجب تخفيف العذاب ونظر الحق إليهم فالظاهر أنه ليس تقييدا بل بيانا لأن يصلح ما فسد، وليس بوارد لأن مجرد الندم والعزم على ترك الكفر في المستقبل لا يخرجه منه فهو بيان للتوبة المعتد بها فالمآل واحد عند التحقيق. قوله: (قيل إنها نزلت في الحرث الخ) فأرسل إلى قومه أن يسألوا وفي نسخة إن اسألوا وجلاس كغراب بالضم واللام والسين المهملة صحابي، وفي شروح الكشاف إنه نقل تشديد لأمه أيضا وهو مخرج من النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما وريب المنون حوادث الدهر والموت وقوله: (بإظهاره (أي بإظهار الإيمان أو بإظهار إتباعه. قوله: الأنهم لا يتوبون الخ (لما كان هذا ينافي قبول توبته المقرر في الشرع وقوله: قبيلة إلا الذين تابوا أوله بأنه من قبيل: ولا ترى الضب بها ينجحر أي لا توبة لهم حتى تقبل لأنهم لم يوفقوا لها أو هو من قبيل الكناية دون المجاز حيث أريد باللازم معناه لينتقل منه إلى الملزوم، أو المراد لهم توبة غير مقبولة في الإشراف على الهلاك ومثلها عرف عدم قبوله وما مرّ خلافه، أو لكونها ليست مطابقة لما في قلوبهم بل نفاقا لما مرّ عنهم من قولهم ننافقه، وقوله: أشرفوا وفي نسخة أشفوا والأشفاء الإشراف، وحقيقته من أشفى صار ذا شفى لأن من كان على حالة ثم أشرف على ما ينافيها فقد بلغ شفى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 الحالة الأولى أي حدها وطرفها وتعديته بعلى لما فيه من معنى الاطلاع، وقوله: فكنى الخ بيان للأوّل. قوله: (ولذلك لم تدخل الفاء فيه) في الكشاف فإن قلت: لم قيل في إحدى الآيتين لن تقبل بغير فاء، وفي الأخرى فلن يقبل قلت قد أوذن بالفاء أنّ الكلام بني على الشرط والجزاء، وأنّ سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر وبترك الفاء أنّ الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبيب كما تقول الذي جاءني له درهم لم تجعل المجيء سبباً في استحقاق الدرهم بخلاف قولك فله درهم انتهى، وحاصله ما ذكره المصنف رحمه الله وهو أنّ الصلة في الأوّل الكفر، وازدياده وهو لا يترتب عليه عدم قبول التوبة بل على الموت عليه إذ لو وقعت لقبلت أو على عدم مصادفة زمانها أو عدم إخلاصه فلذلك أوّل كما مرّ بخلاف الموت على الكفر فإنه يترتب عليه ذلك، ولذلك لو قال من جاءني له درهم كان إقراراً بخلاف ما لو قرنه بالفاء وهي مسألة معروفة، فمان قيل: أليس ترتب الحكم على الوصف دليلا على السببية قيل ليى هذا بلازم فإنّ التعبير بالموصول قد يكون لإغراض! كالإيماء إلى تحقق الخبر كما فصل في المعاني، وقوله الثابتون على الضلال أخذ الثبوت من التعبير بالاسمية ومنهم من فسره بالكاملين في الضلال، وبهما يتضح الحصر لأن الضلال يوجد في غيرهم أيضا وملء بالفتح مصدر ملأه ملأ وبالكسر مقدار يملأ به، وقراءة رفع ذهب إنا على البدلية منه أو عطف بيان وعبر عنه بالردّ الزمخشرفي، وهو معروف في التبعية عنده قيل ولا بد من تقدير وصف ليحسن البدل ولا دلالة عليه ولم يعهد بيان المعرفة بالنكرة، وجعله خبر مبتدأ محذوف إنما يحسن إذا جعلت الجملة صفة أو حالاً ولا يخلو عن ضعف يعني، وصف المعرفة بالجملة على حد قوله: ولقد أمرّ على اللئيم يسبني واذا جعلت حالاً بدون الواو ففيه أيضا ما مرّ. قوله: (محمول على المعنى كأنه قيل الخ ( لما كانت الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطا آخر يعطف عليه معنى والاستعمال فيه على أن يكون المذكور منبهاً به على المحذوف لكونه يعلمه بالطريق الأولى كما في أحسن إلى زيد ولو أساء، وهنا بحسب الظاهر ليست كذلك لأن هذه الحالة أجدر بقبول التفدية من سائر الحالات إذ ليس الفدية وراءها حالة أخرى أولى منها بالقبول وحاصله أنّ الواو الوصلية تقتضي كون نقيضى الشرط أولى بالجزاء، أجيب عنه بوجوه الأوّل أنّ عدم قبول ملء الأرض كناية عن عدم قبول فدية ما لأنه غاية الفدية فجعل عبارة عن جميعها فلا يرد عليه ما قيل إنه لا دلالة للكلام عليه، وضمير به لحقيقة ملء الأرض فيصير المعنى لا يقبل منه فد. ية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا، والثاني أنّ المراد ولو افتدى بمثله معه كما صرّح به في تلك الآية فالمعنى لا يقبل ملء الأرض! فدية ولو زيد عليه مثله، قيل: والمراد أنّ الباء بمعنى مع ومثل يقدر بعده أي مع مثله ولا يخفى بعده، وبهذا التقرير علمت أنه لا وجه لما قاله أبو حيان ومن تبعه من أنه لا حاجة إلى تقدير مثل وأنّ الزمخشريّ تخيل أن ما نفى أن يقبل لا يمكن أن! ط ي ب فاحتاج إلى إضمار مثل حتى يتغايرا وليس كذلك، والثالث أن لا يحمل ملء الأرض أوّلاً على الافتداء بل على التصدق ولا يكون الشرط المذكور من قبيل ما يقصد به تأك! د الحكم السابق بل يكون شرطا محذوف الجواب ويكون المعنى لا يقبل منه ملء الأرض ذصبا تصدق به ولو افتدى به أيضا لم يقبل منه وضمير به للمال من غير اعتبار وصف التصدق، وقيل: إنّ المراد من افتدى به بذله أي لو أقرّ به ولو بذله وإذا لم ينفع البذل علم عدم نفع كيره بالأولى وتبل إنّ الواو زائدة كما قرئ به في الشواذ، ولو قيل: إنّ لو ليست وصلية بل للشرط وجوابه فوله: أولئك الخ أو هو ساد مسد الجواب لكان قريباً قيل وقوله: والمثل يحذف ويراد ا! خ يراد من الإرادة أي أنه لكون مثل الشيء وهو في حكم شيء واحد صح حذفه واقامته مقامه وحمله عليه، وأما جعله مقحما على أنّ يزاد من الزيادة فبعيد وكون من المزيدة النفي ل! لاستغراق سواء دخلت على مفرد نحو ما جاءني من أحد أو جمع كما هنا مقرر في العربية فلا وجه للاعتراض على المصنف بأنه مخصوص بالمفرد كما قيل. قوله: (أي لن تبلنوا حق! قة البرّ الخ) البرّ بكسر الباء الإحسان وكمال الخبر وبالفتح صفة منه، وتبلغوا تفسير لتنالوا وحقيقة البر إشارة إلى أنّ التعريف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 للجنس فيكون التركيب كناية عن كون فاعله باراً، ولذا فسره الزمخشرفي بلن تكونوا أبرارا فنيله البر يدل على البلوغ إليه والبلوغ إليه يدل على كونه باراً كقول الخنساء: وما بلغت كف امرئ متناولاً من المجد إلا والذي نال أطول أي أنه ماجد فاق كل ماجد أو تعريفه للعهد والمراد بر الله لهم كالرحمة ونحوها، وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:) أي من المال الخ) قدّمه لأنه الظاهر من الإنفاق وعلى الثاني يتجوّز فيه، وقوله:) روي الخ) رواه الشيخان والنسائيّ وبيرحا روى بكسر الباء وفتحها وفتح الراء وضمها والمد والقصر، وهو اسم بستان وحديمته بالمدينة المنوّرة وكانوا يسمون الحدائق آباراً، وفي الفائق إنها فيعلى من البراج وهو الأرض الظاهرة، وقيل أضيفت إلى حا وهو قبيلة من مذحج أو اسم رجل، واعلم أنّ لبعض علماء اليمن في هذه اللفظة رسالة مستقلة حاصلها أنهما اسمان جعلا اسما واحداً مبنيا مفتوج الراء فيه همزة بعد حاء وهو اسم مكان، وروي بكسر الباء وفتحها، وقال المنذري: إنه اسم موضع بقرب المسجد، وقيل حا اسم ينسب إليه البير وروي مثلث الراء معربا، والأقرب أنه كحضرموت فيضات ويعرب بالوجوه الثلاثة أو يبنى ويجوز صرفه وعدمه ومده وهمزه، وحا اسم حيّ أو رجل، وقيل اسم صوت تزجر به الإبل إلى آخر ما فصله وقوله: بخ بخ كلمة استحسان ومدح وكررت للتأكيد وهما مسكنان ومكسوران منونان مع التخفيف والتشديد، ويقال: عند الرضا والإعجاب والفخر وقوله: ذلك مال رائح من الرواج مقابل الغدو ويشهد له قولهم، والمال غاد ورائح وهو حث على الإنفاق وفعل الخير إذ لكل ممسك تلف وقيل معناه تروح إليه وتغدو لقربه من البلد، وروي رابح بال! اء الموحدة أي إنفاقه ربح له لبقاء ثوابه وتضاعفه عند الله وقوله: رائح أو رابح إشارة! إلى الوجهين وأو للشك من الراوي ومن جوّز فيه أن يكون بالجيم من الرواج فقد خالف الرواية وقوله: (وجاء زيد الخ) رواه ابن المنذر وابن جرير مرسلاً، وقوله: وذلك أي الحديث وأقرب الأقارب الولد لأن أسامة بن زيد ودلالة الحديث على المستحب ظاهرة فيعلم منه الواجب بالضرورة، وقوله: ويحتمل التبيين والتقدير حينئذ شيئاً مما تحبون، وذلك الشيء بعض ما تحبون فلا يخالف تلك القراءة معنى فلا يرد ما قيل إنّ من البيانية ظرف مستقز صفة نكرة أو حال عن معرفة، ولا يظهر هنا إلا بحذف مفعول تنفقوا على أحد الوجهين وهو تكلف ظاهر. قوله:) من أيّ شيء (التعميم مستفاد من النكرة بعد الشرط ولذا بين اسم الشرط ولم يطلق لئلا يصرف إلى ما يحبونه وقوله: {فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} فيه إشارة إلى الحث على إخفاء الصدقة. قوله: (أي المطعومات والمراد كلها) جعله بمعنى الجمع لأنّ كل المضافة للمفرد المعرفة لعموم الأجزاء وهو أيضا مصدر منعوت به معنى فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، كما في قوله: حلا وإنما ذكره ثمة لأنه وقع موصوفا به صريحا لكونه خبرا ومنه يعلم حال هذا، والاستواء المذكور هو الأصل المطرد فلا ينافيه قول الرضى: إنه يقال رجل عدل ورجلان عدلان رعاية لجانب المعنى، وقيل: إنه إذا جعل الطعام بمعنى المطعومات أفاد الاستغراق كما هو شأن الجمع المعرّف باللام فكل للتأكيد وإنما قال أكلها لفهمه من الطعام بمعنى المطعوم ولئلا يتوهم أن المراد إنفاقه بقرينة ما قبله، ومناسته لما قبله لأنّ الأكل إنفاق مما يحب لكنه على نفسه. قوله: (كان به عرق النسا الخ) هذا حديث أخرجه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (بسند صحيح، والئسا يوزن العصا عرق في باطن الفخذ إلى القدم مقصور واويّ أو يائي وأنكر قوم من أهل اللغة إضافة العرق إليه وجوّزه آخرون لأنه من إضافة العام إلى الخاص مع اختلاف لفظيهما، وقيل النسا الفخذ وأنشدوا: لما رأيت ملوك كندة أصبحت كالرجل خان الرجل عرق نسائها وروي في الحديث أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام كان به عرق النسا وجمعه أنساء ثم أنه صار في العرف عبارة عن وجع يمتد من الورك من خلف وينزل إلى الركبة، وربما بلغ إلى الكعب وهو المراد هنا فهو اسم مرض! معروف، وذلك إشارة إلى ما ذكر من لحوم الإبل وألبانها، وقوله: وقيل فعل ذلك للتداوي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 بإشارة الأطباء أي رأيهم والمراد بالتحريم الامتناع. قوله: (واحتج به الخ) هذه مسألة معروفة في الأصول وقوله: (وللمانع الخ الا يخفى أنه مخالف لظاهر لفظ النظم. قوله: (مشتملة على تحريم الخ) إشارة إلى أنه متعلق بحرم وفائدته بيان أنه مقدم عليها وأنّ التوراة مشتملة على محرّمات أخر حدثت عليهم حرجا وتضييقا فلا يرد ما قيل إنه لا تظهر فائدة في التقييد فإنّ تحريم إسرائيل لا يتصوّر بعد نزول التوراة وإنه قيد للحل فحيسئذ يلزم قصر الصفة قبل تمامها إلا أن يقال هو متعلق بمحذوف. قوله: (نعى عليهم الخ) أصل النعي رفع الصوت بذكر الموت ونعى عليه هفواته شهره بها. قال الأزهريّ: فلان ينعي على نفسه بالفواحش أي يشهرها بتعاطيها ونعى فلان على فلان أمراً إذا أظهره. وقال ابن الأعرابي: الناعي المشنع يقال نعى عليه أمره إذا قبحه وهو المراد هنا وفيه نكتة بليغة، وهو الإشارة إلى أنهم أهلكوا أنفسهم بما فعلوا، وقوله: وفي منع النسخ معطوف على قوله في دعوى البراءة، ووجه ظاهر إذ تحريم ما كان حلالاً لا يكون إلا بالنسخ والطعن معطوف على النسخ وقوله بهتوا مجهول أي سكنوا ولم يجسروا أو يجترؤوا من الجراءة أو الجسارة، ووجه الدليل علمه صلى الله عليه وسلم بما في التوراة وهو لم يقرأها ومثله لا يكون إلا بوحي. قوله: (ابتدعه) أي اخترع الكذب والافترأء المذكور، فمن عبارة عنهم، وبحتمل التعميم فيدخلون فيه دخولاً أولياً وقوله: صدق الله بعد تكذيبهم تأكيد له ويفهم منه الحصر الإضافي لأنه لما قال صدق الله بعد تكذيبهم صار المعنى صدق الله لا أنتم. قوله:) أي ملة الإسلام الخ) أي هي في الأصل موافقة لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومشابهة لها فعبر عن الإسلام بملة إبراهيم لذلك فلا يلزم كون نبينا صلى الله عليه وسلم عاملا بشريعته كأنبياء بني إسرائيل وقوله:) واجب في التوحيد الصرف) الذي لا يشوبه ما ينافيه كما فعل اليهود والاستقامة في الدين مأخوذة من قوله: حنيفاً لأنّ الحنف كما قال الراغب: الميل عن الضلال إلى الاستقامة والجنف بالجيم الميل عن الاستقامة، والتجنب عن الإفراط أي المبالغة في الإيجاد والتفريط أي الإهمال تفسير للاستقامة وهو ظاهر ومن لم يفهمه قال دلالته: على التجنب المذكور غير ظاهرة إلا أن يقال الشرك إفراط أو الأمر باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتخصيصه بالذكر دون سائر الأديان يدلّ على ما ذكر، وهو خبط وخلط بما لا يفيد. قوله: (وضع للعبادة) فمعنى وضعه للناس لعبادتهم وليس المراد أن يعبد البيت نفسه بل أن يجعل موضعا لعبادة الله فلذا فسره بقوله: وجعل متعبداً لهم وقوله:) ويدل عليه أنه قرئ الخ) لأنّ الظاهر أن الضمير راجع إلى الله إن لم نعتبر الذكر السابق في قوله صدق الله لكون الآية مستأنفة، والا فهو المتبادر أيضاً فلا يرد عليه أنه يحتمل رجوعه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فلا دلالة للقراءة عليه فتأمّل، ومناسبة الآية لما قبلها ظاهرة. قوله: (كالنبيط والنميط) الميم والباء تعقب إحداهما الأخرى كثيراً في كلام العرب والنبيط والنميط مصغراً علم موضع بالدهناء، وهما بمعنى أو متغايران كما أشار إليه بقوله: وقيل الخ، وبكة من إليك بمعتى الازدحام لازدحام الحجيج قيها أو بمعنى الدق لدق أعناق الجبابرة أي إهلاكهم إذا أرادوها بسوء واذلالهم فيها، ولذا تراهم في الطواف كآحاد الناس ولو أمكنهم الله من تخليته لفعلوا. قوله: (روي أئه محثنبرو سئل الخ) أخرجه الشيخان عن أبي ذرّ رضي الله عنه وهو حديث صحيح إلا أن فيه إشكالاً أجاب عنه الطحاوفي في الآثار قال فيه فإن قلت لا شك أنّ باني المسجد الحرام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وباني الأقصى داود وابنه سليمان بعده وبينهما مدة طويلة تزيد على الأربعين بأمثالها، قلت الوضع غير البناء والسؤال عن مدة ما بين وضعيهما لا عن مدة ما بين بناءيهما فيحتمل أن يكون واضعالأقصى بعض الأنبياء قبل داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام ثم بنياه بعد ذلك ولا بد من تأويله بهذا انتهى، وجرهم بضم الجيم وسكون الراء والهاء المضمومة حيّ من اليمن كانوا أصهار إسماعيل، والعمالقة قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وهم قوم تفرّقوا في البلاد، والضراح بوزن غراب بضاد معجمة وراء وحاء مهملتين قال الطيبي رحمه الله: من رواه بصاد مهملة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 فقد صحفه وهو من المضارحة وهي المقابلة أو البعد، وكونه في السماء الرابعة أورد عليه الطيبي أن الصحيح المروي في البخاري أنه في السابقة. قوله:) وقيل هو أوّل بيت بناه آدم فانطمس الخ) رواه الأزرقي في " تاريخ مكة " وقيل: إنه نزل مع آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة ثم رفع بعد موته إلى السماء وبنى شيث مكانه بيتاً من طين أو نزل قبله أو بناه آدم عليه الصلاة والسلام كما ذكره المصنف رحمه الله من طين على نحو ما رأى في السماء، وقوله: وهو لا يلائم ظاهر الآية لأنه لا يكون أوّل بيت لسبق الضراح عليه أن اعتبر تغايرهما والا لكونهما تعبداً في مكان واحد فلأنه لم يكن موضوعاً للناس فقط لطواف الملائكة به، وإنما قال: ظاهر الآية لأنه لا يخالفها عند التأمّل بالنظر الدقيق، ومن جعل الأوّلية أولية شرف لا يرد عليه شيء إلا أنه خلاف المتبادر، وقوله: كثير الخير أي البركة والزيادة وهي في خيراته ومنافعه لا في بنائه وهو حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع صلة، وقوله: لأنه قبلتهم فهو هاد للجهة التي أرادها الله أو هاد لهم بما فيه من الآيات التي ستأتي وقوله: لأنه قبلتهم إن أراد به وضع لأن يكون قبلة فالعالمين على عمومه، وان أراد يستقبلونه فالمراد بالعالمين المسلمون وما بعده عام للجميع. قوله: ( {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} الخ (انحراف الطير باق إلى الآن ولا يعلوه إلا ما به علة للاستشفاء كما صرحوا به وفيه كلام للمحدّثين لأن الجاحظ قال إنها تعلو للاستشفاء، واعترض! عليه ابن عطية بأنه بائن خلافه وعلته العقاب لأخذ الحية، وقيل: إنّ الطيور المهدر دمها تعلوه والحمام مع كثرته لا يعلوه وبه يجمع بين الكلامين فتدبر وفي شرح الكشاف إنّ منها أن أي ركن من أركان البيت وقع الغيث في مقابلته كان الخصب فيما يليه من البلاد، وقوله: قهره أي قهره الله، وقيل قهره البيت على الإسناد المجازي وجعله الجملة حالاً بدون الواو مرّ تفصيله وقدر خبر مقام إبراهيم منها، وقدره غيره أحدها. قوله:) وقيل عطف بيان الخ (قيل عليه إنّ آيات نكرة ومقام إبراهيم معرفة ولا يجوز التخالف بينهما بإجماع البصريين والكوفيين حتى قال ابن هشام رحمه الله في المغني وغيره إنه أراد بعطف البيان البدل تسامحا كما أنّ سيبويه قد يسمى التوكيد وعطف البيان صفة، وهذا التأويل يتأتى في عبارة الزمخشريّ دون كلام المصنف رحمه الله، وقوله على أنّ المراد الخ جواب عن أن المبين جمع والمبين مفرد فقوله: المراد بالآيات يعني التي دل عليها المقام فهو وان كان مفردا لكنه جمع في المعنى لاشتماله على آيات كثيرة والا لأنه أفعال من اللين، والصخار جمع صخرة وقوله: (ويؤيده) أي يؤيد هذا القول مطابقتهما في هذه القراءة فعبر عن الآيات بالآية وقوله: (وسبب هذا الأثر الخ) كذا وقع في الأثر مرويا عن سعيد بن جبير رضي الله عنه. توله: أجملة ابتدائية) المراد بالابتدائية المركبة من المبتدأ والخبر على أنها ليست بشرطية، وتوله: لأنه في معنى الخ إشارة إلى الوجهين السابقين في إعراب مقام إبراهيم وتوله:) اقتصر الخ (من تتمة الوجه الثاني وهو جعله بيانا كما في الكشاف إما لأن الاثنين جمع أو أنه ذكر من الجمع المبين بعض إفراده وترك الآخر لنكتة، ومثله واقع في الأحاديث النبوية والأشعار العربية وفي الكشاف ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله لأنّ الاثنين نوع من الجمع كالثلاثة والأربعة ويجوز أن تذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات كأنه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله وكثير سواهما ونحوه في طيّ الذكر قول جرير: كانت حنيفة أثلاثافثلثهم من العبيدوثلث من مواليها ومنه قوله لمج! رو: " حبب إلتي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرّة عيني ني الصلاة " انتهى، وفصل البيت بقوله: ونحوه لأنه مثله في طيّ لذكر وان لم يكن لغرض الاشتهار وقصد الكثرة كما في الآية بل القصد السكوت عما ليس بذم وهو الثلث الصميم ولأنه هو الأصل المعلوم فلا حاجة لذكره، وأمّا الحديث فقوله " وقرّة عيني " كلام مبتدأ قصد به الإعراض عن ذكر الدنيا وما يحبب منها وليست عطفا على الطيب والنساء لأنها ليست من الدنيا وهذا بناء على ذكر " ثلاث " فيه، وقد تال الطيبي: وغيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 أنه لي! في كتب الحديث، فلا شاهد فيه على هذه الرواية لكن إثباتها كما وقع للزمخشريّ وقع للراغب أيضاً، وحسن الظن بهم يقتضي أنهم ظفروا به في رواية، وليس هذا محلاً للرّواية بالمعنى ولا للسهو ولا مانع من جعل الصلاة الواقعة في الدنيا منها لأنه ليس المراد بها ما يكون صرف أمور دنيوية بل ما يقع فيها وإن كان له تعلق بالآخرة وتغيير التعبير إشارة إلى مغايرته لما قبله وفي قوله ثلاث تغليب للمؤنث على المذكر والا لقال ثلاثة، وقوله: " حبب " مجهول أي حببه الله، وقوله: " دنياكم " إشارة إلى أنه لا علاقة له بالدنيا وأن تحبيبها من الله، ولذا أبيح له الزيادة على الأربع لفوائد جمة كمعاملتهن باللطف تشريعاً وكأطلاعهن على أموره الخفية حتى يتعلمها منهن النساء، وليس محبتهن لمجرد الوطء والتلذذ معاذ الله حتى أن بعض القصاص قال: ما سلم أحد من هوى حتى محمد صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث لجهله فأنكره عليه بعض العارفين وكفره، ووقع في هئم لذلك فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له لا تهتم فقد قتلناه فخرج عليه بعض قطاع الطريق وقتله عقيب ذلك، وقدم الطيب لأنه حظ الروح المقدم على البدن، وفي قوله: ومن دخله تغليب للعقلاء لأنه يأمن فيه الوحوش والطيور بل النبات، وإنما يلزم الحذف في الحديث لو لم يكن من بدل البعض من الكل وعلى ما ذكروه فيه حذف بعض البدل أو البيان وفسر الأمن بالأمن من عذاب الآخرة، وأشار بما نقل عن أبي حنيفة إلى جواز إرادة العموم بأن يفسر بالأمن في الدنيا والآخرة وقوله: (بقاء الأثر والآمن) بالجرّ بدل من ضمير غيرهما. قوله: (من مات في أحد الحرمين الخ) أخرجه أبو داود والطيالسيّ والبيهقيّ والطبراني، بأسانيد مختلفة وقوله: ولكن ألجئ إلى الخروج أي بمنع إطعامه ومبايعته والمسألة وخلاف الثافعي فيها في الفروع قال الجصاص لما كانت الآيات المذكورة في الحرم ثم قال: ومن دخله كان آمناً وجب أن يكون مراده جميع الحرم. قوله: (قصده للزيارة (يعني أنّ الحج في اللغة مطلق القصد والمراد به هنا قصد مخصوص غلب فيه حتى صار حقيقة فيه شرعاً وحج بالكسر كعلم لغة فيه. قوله:) بدل من الناس مخصص له) يعني من بدل من الناس العامّ بدل بعض من كل مخصص له لأنه المقصود بالنسبة، واحتمال أن يراد بالناس من استطاع وهذا مبين له فهو بدل كل من كل خلاف الظاهر. قوله: (الاستطاعة الخ (أصل معنى الاستطاعة استدعاء طواعية الفعل وتأتيه، والمراد بالاستدعاء الإرادة وهي تقتضي القدرة فأطلقت على القدرة مطلقا أو بسهولة فهي أخص منها، وهو المراد هنا والقدرة إمّا بالبدن أو بالمال أو بهما وفسر النبئ صلى الله عليه وسلم الاستطاعة وقد سئل عنها كما رواه ابن ماجه وغيره بسند حسن بالزاد والراحلة وهو بحسب الظاهر مع الشافعي رضي الله عنه حيث قصر الاستطاعة على المالية دون البدنية وهو مخالف لمالك رحمه الله مخالفة ظاهرة، وأما أبو حنيفة رحمه الله فيؤوّل ما وقع في الحديث بأنه بيان لبعض شروط الاستطاعة بدليل أنه لو فقد أمن الطريق أو لم تجد المرأة محرماً لم يجب، وقوله: وكل مأتي أي ما يتأتى به الوصول من الطريق وما يلزم اسم مكان تجوّز به، وقيل: إنه آلة. قوله: (وضع كفر الخ) يعني أن المراد بمن كفر من لم يحج، وتاركه ليس بكافر إلا إذا استحله فأشار إلى أنه للتغليظ على تاركه كما وقع في الحديث فليس المقصود ظاهره، وقوله: ولذلك أي للتغليظ. قوله: (من مات ولم يحج الحديث) قال ابن الجوزي: هو موضوع وردّه في اللآلي بأنه أخرجه الترمذيّ وضعفه من حديث عليّ رضي الله عنه ولفظه من ملك زادا وراحلة تبغله إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وأخرجه الدارمي في مسنده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: " من لم يمنعه من الحج حاجة ظاهرة أو سلطان جائر أو مرض حابس فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً " وتعدد طرقه إن لم يحسنه خفف ضعفه، وموافقة معناه للآية تقوّيه أيضاً. قوله: (وقد كد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الخ) أي شأنه وما يتعلق بإبرازه في صورة الخبر قد تقدم وجه أبلغيته والاسمية تفيد الثبات والدوام وكونه حقاً واجبا يفهم من اللام ومن على والتعميم من الناس والتخصيص من قوله: من استطاع الداخل فيهم، وقوله: من حيث إنه فعل الكفرة إشارة إلى أنه مجاز للمشابهة في تركه، والعدول عن المضمر للمظهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 تأكيد للأمر سيما بلفظ العالمين المشعر بأنه غيئ عن العالمين فضلا عمن كفر، وان دخلوا فيهم دخولاً أوّليا وذكر الاستغناء في هذا المقام كناية عن السخط بل عن كماله، وقوله: كإيضاح في الكشاف إنه إيضاح والمصنف زاد الكاف لأنه لم يتحد معناهما حتى يوضحح أحدهما الآخر لكنه تخصيص والتخصيص شبه الإيضاح فمن قال لو حذف الكاف لكان أولى لم يتنبه لقصده، وقوله: بالبرهان لأنّ من استغنى عن جميع العالمين فهو غنيّ عمن لم يحج، وعظم السخط من التعميم كما مرّ، وقوله: لأنه تكليف شاق علة للتأكيد لأنه لما كان كذلك اقتضى الاهتمام به أو لأنه ربما ترك لمشقته فأكد تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن يترك والتجرد عن الشهوات كاللباس والطيب والجماع. قوله:) روي الخ) إشارة إلى وجه يبقى فيه من كفر على ظاهره والملل الست ما ذكر في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} وهو يقتضي أنه يطلق على الشرك ملة وقد تردّد فيه النحرير، وقال في الكشف: إنه من النحل لا الملل فإن قيل بعدمه فهو تغليب، وهذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير عن الضحاك وفيه أنّ تلك الملل كانت موجودة في جزيرة العرب فلينظر. (تنبيه مهم) : اعلم أنّ في إعراب الآية وجوها نقلها الزركشيّ في تذكرته عن شيخه ابن هشام لأنّ الظرفين أعني لله وعلى الناس إمّا خبران أو الأول خبر والثاني حال أو العكس، أو الأوّل خبر والثاني متعلق به أو العكس، وفي تقديم الحال في مثله خلاف نقله ثم إنّ السبكي في كتاب الانتصار قال: إنّ هنا فرض عين على المستطيع الذي لم يحج وفرض كفاية وهو ما يجب على كل مستطيع من إحياء شعائر الحج في كل سنة حج أو لم يحج وعلى الأوّل من بدل من الناس وهو مذهب سيبويه، وعلى الثاني هو فاعل المصدر أي حج البيت من والتقدير لئه على الناس مطلقا حج المستطيع منهم فمن حبئ أدّى الفرضين بالثوابين، وفيه بحث من وجهين: الأول: أن رفع المصدر المضاف للمفعول فاعلاً ضرورة. الثاني: أنّ إحياء البيت يحصل بالعمرة، ورذ بأنه ليس بضرورة والمراد بالحج معناه اللغوي وفيه نظر. توله: (أي بآياته السمعية والعقلية الخ) حمل الآيات على مطلق الدلائل اأررالة على نبوّة محمد مجشح! وصدق مذعاه الذي من جملته الحج وأمره، وبه تظهر المناسبة تما لله وكون كفرهم أقبح! قراءتهم الكتب المصدقة بخلاف المشركين وكفرهم بالتورأة والإشجيل أورخولهما في آيات الله الشاملة لجميع السمعيات والعقليات، وقياى: إنه مبني على أن يراد لآيات الله الكتابان وليس في الكلام ما يدل عليه. قوله: (والحالى أنه شهيد الخ) إشارة إلى أنّ ال! خلة حالية وأنّ الشهيد بمعنى اأ! البم ااصمطلع وأما جعله بمعنى الشاهد فتكلف من غير*! فه 0 ة وأ،:) كرر الخطاب والاستفهام الخأ الخطاب الم! ش ر في اأسنداء وء! المحتبعه رالاستف! اا في قوأط لم، وكان الظاهر لم تكفرون بآيات الله وتصذون عن سبيل الله مبالغة في التفريع والتوبيخ لهم على قبائحهم وتفصيلها، ولو قيل: كما ذكر لربما توهم أنّ التوبيخ على مجموع الأمرين والتحريش التحريك بما يوقع بينهم الفتن وضمير عنه للإسلام. قوله: (حال من الواو الخ) أي جملة تبغونها حال من فاعل تصدون، وجوّز فيها الاستئناف، وقوله: طالبين لها اعوجاجا إشارة إلى أنّ عوجاً مفعول وضميرها من ايحذف والإيصال لأنّ بغي يتعدّى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر باللام كما صرّح به أهل اللغة، وقيل: لا حاجة إليه بل هنا مفعول وعوجا حال، ورذ بأنه لا يستقيم المعنى عليه وليس كذلك وقيل: عوجا حال من فاعل تبغون، وضمير تبغونها للسبيل لأنها تذكر وتؤنث والمراد بها ملة الإسلام ومعنى ادّعاء العوج فيها أنها مائلة عن الحق لأنّ ديننا لم ينسخ، أو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم المذكور في كتابهم ليس هو هذا، فلا يصح هذ وقوله: (أو بأن تحرشوا) الخ مبنيّ على التفسير الثاني الذي قدمه وقوله: وأنتم شهداء جمع شهيد بمعنى عالم مشاهد أو شاهد والجملة حالية أي كيف تفعلون هذا وأنتم علماء أو وأنتم عدول وصفتكم هذه تقتضي خلاف ما أنتم عليه والفرق بين العوج والعوج سيأتي. قوله: (ولما كان المنكر الخ) يعني أنّ الشهادة تكون لما يظهر ويعلم، فلما كان كفرهم ظاهرا ناسب ذكر الشهادة معه لأنها علم ما شاهد أو ما هو بمنزلته، وصدّهم عن سبيل الله وما معه لما كان بالمكر والحيلة الخفية التي تروج على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الغافل ناسب ذكر الغفلة معه فكان مقتضى حالهم إن الله العالم بالخفيات والسرائر غافل عما يعملون وهذا لا ينافي قوله: فيما سبق لا ينفعكم التحريف والاستسرار أي الإخفاء لأنّ المراد منه إخفاء الحق لعلمهم بخلافه لا الكفر فلا يرد عليه كما لا يرد أن علم الله لا يقتضي الجهر كما قيل. قوله: (نزلت في نفر من الأوس والخزرج الخ) الأوممى! والخزرج جدا الأنصار وكانا أخوين كما سيأتي، وشاس بمعجمة في أوّله ومهملة في آخره علم ويوم بعاث حرب كان بينهم وبعاث بضم الباء الموحدة وفتح العين المهملة وألف وثاء مثلثة يصرف، ولا يصرف اسم حصن أو بستان كما سيأتي وقعت الحرب عنده ورواه أبو عبيد بغاث بافين المعجمة، وقال ابن الأثير: أعجمها الخليل أيضا لكن جزم أبو موسى في ذيل الغريب وتجعه صاحب النهاية بأنه تصحيف وإنما البغاث ضعاف الطير كما في المثل، إنّ البغاث بأرضحنا يستنسر وخبر. كما في كامل ابن الأثير أنّ قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على ا! وازرة والتناصر واستحكم أمرهم فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت واحتشدت وارسلت لحلفمائها من أشجع وجهينة وأرسلت الأوس لحلفائها من مزينة والتقوا ببعاث هي من اموال بني قريظة وعلى الأوس حضير والد أسيد الصحابيّ رضي الله عنه وعلى الخزرج عمرو ابن النعمان! االتقوا اقتتلوا قتالاً شديدا وصبروا جميعا، ثم إنّ الأوس وجدت مس السلاح فولوا منهزميز فلما رأى حضير ذلك نزل وطعن قدمه وصاح واعقراه والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا ص! ضر الأوس أن تسلموني فافعلوا فعطفوا عليه، وأصاب عمرو بن النعمان البياضي رنيس الخزرج سهم فقتله وانهزمت الخزرج فوضمعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا عنهم، وكان يوم بعاث آخر الحروب المشهورة بين الأوس والخزرج في الجاهلية، ثم جاء الإسلام واتفقت الكلمة واجتمس اعلى نصر الإسلام وأهله، وقيل: في ذلك أشدا! وهي التي أشار إليها بقوله:) وينشدهم الخ) وقوله: (السلاح السلاح) بالنصب على الإغراء أي خذوا السلاح. قوله:) أتدعون الجاصلية) كذا في الكشاف وهو بالتخفيف لا بالتشديد من الدعوى كما توهم أي لدعون دعوى الجاهلية وهي قولهم يا لكذا يا لثارات كذا وليس هذا اللفظ تحريفا كما قيل إنّ الواتع في الحط يث: " أتديمون الجاهلية " فحرّفه الزمخشريّ وتبعه المصنف فهو إمّا رواية أخرى أو نقل بالمعنى ومثله سهل، وقوله: خاطبهم الله بنفسه فلا حاجة إلى أن يقال المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بوفدير قل لهم. قوله: (إنكار ونعجيب لكفرهم الخ) تقدّم الكلام في مثله من الجمع بين الانكار والتعجيب ومعنى الإنكار هنا أنه كيف يقع أو المراد بكفرهم فعل أفعال الكفرة كدعوى الجاهلية والأوّل أولى وهو تأييس لليهود مما راموه، وحال منوّنة وجملة اجتمع صفة والعائد مقرّر. قوله:) ومن يتمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره (أي إئا أن يقدر مضاف ويعتصم بمعنى يتمسك استعارة تبعية كما سيأتي أو لا يقدر، ويجعل الاعتصام بالله استعارة للالتجاء إليه قيل وعلى الأوّل ومن يعتصم الخ معطوف على وأنتم تتلى أي كيف تكفرون والحال أن القرآن يتلى عليكم وأنتم عالمون بأن المتمسك بدين الله على هدى لا يضل متبعه، وعلى الثاني تذييل لقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا} الآية لأن مضمونه إنكم إن تطيعوهم لخوف شرورهم ومكايدهم فلا تخافوهم والتجؤوا إلى الله في دفع ذلك لأن من التجأ إليه كفاه فعلى الأوّل ومن يعتصم لإنكار الكفر مع هذا الصارف القويّ وعلى الثاني للحث على الالتجاء، ويحتمل على الأوّل التذييل وعلى الثاني الحال أيضا وفيه أنّ هذا التعيين لا داعي إليه ولا قرينة عليه. قوله: (فقد اهتدى لا محالة) أي فقد تحقق له حصول الهدي وهذا مستفاد من جعل الجزاء فعلاً ماضيا مع قد فإنه لا ينقلب إلى المستقبل مثل أن تكرمني فقد كرمتك. قوله: (حق تقواه وما يجب منها) يعني أن التقاة بمعنى التقوى وحق من حق بمعنى وجب وثبت ومنها بيان لما، واستفراغ الوسع بمعنى بدل الطاقة والمقدر واستعارة من استفرغت الماء والبئر نزحتهما فإذا كان حق التقاة هذا المعنى فهو بمعنى الاستطاعة فلا تكون تلك الآية ناسخة لها، وقال الزجاج رحمه الله هذه الآية منسوخة بقوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [سورة البقرة، الآية: 233] قال الكواشي: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من يقوي لهذا فنزل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} والمصنف رحمه الله رأى أن الثانية مبينة للأولى إذ لا مخالفة بينهما فلا تكون ناسخة، ومن قال به جنح إلى أن المراد من حق تقاته ما يحق له ويليق وتقوي الله حق تقواه أي كما هو حقه غير ممكنة فتكون الآية الأخرى ناسخة لها فإن صح الحديث السابق وتعين أن المراد ما ذكر فلا كلام وان فسرت بما يجب مما أوجبه الله علينا وهو لا يكلفنا بما لا يطاق لا تكون منسوخة، وقوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه هكذا هو مروقي في التفاسير وكتب الحديث وصححه أبو نعيم في الحلية ووقع في نسخة بل ابن مسعود ابن عباس رضي الله عنهما وهو مخالف للمنقول، والمراد بالالتفات إلى الطاعة الاغترار بها ووجه التأكيد ظاهر. قوله: (وأصل تقاة وقبة الخ (أي هو مصدر على فعلة كتؤدة بمعنى التثبت من اتأد في مشيه وأمره والتخمة امتلاء المعدة قيل ولا حاجة إلى جعل قلب الواو تاء لضمها لأنها قلبت في اتقى يتقي ولا ضمة ولتوهم أصالتها لكثرة استعمالها ثبتت هنا. قوله: (ولا تكونن على حال الخ) يعني أن المقصود بالمنهي عنه عدم الإسلام وهو الكفر عند الموت والإسلام حال الموت يقتضي وجوده قبله فالمعنى استمرّوا ودوموا عليه، والموت ليس بمقدور لهم حتى ينهوا عنه وقد مرّ تحقيقه في البقرة، وما ذكر. من القاعدة في النفي والنهي أمر مقرّر كما مر. قوله: (بديته ال! ! م الخ) جوّز في الكشاف أن لكون استعارة تمثيلية على تشبيه الحالة بالحالة من غير اعتبار مجاز في المفردات أو الحبل استعارة للعهد الدّي يتمسك به الاعتصام اسنعارة للوثوق بالعهد أو ترشيحاً لاستعارة الحبل، والمعنى اجتمعوا على استعانتكم بالله أو على التمسك بعهده، وجوّز فيه المكنية أيضاً والمصنف رحمه الله ذهب إلى الثاني، وجعل المستعار له الدين أو القرآن لما وقع في الحديث من تسميته حبل الله المتين وخالف الزمخشريّ في جعل الترشيح مقابلا للاستعارة بناء على انه لا تنافي بينهما إذ يكفي في الترشيح أن يكون اللفظ مناسباً له وان كان المراد به معنى لا يرشحه ولكل وجهة، والتردّي تفعل من تردّى إذا وقع في هوّة كالبئر وقوله: (مجتمعين) إشارة إلى أنه حال من الفاعل كما هو الظاهر المتبادر فيكون قوله: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} تأكيد وقوله: (عن الحق) أي دين الإسلام السابق أو لا يقع بينكم شقاق وحروب، كما هو مراد المذكرين لكم لايام الجاهلية الماكرين بكم. قوله: (التي من جملتها الخ) ويحتمل أن المراد بها ما بينه بقوله: {إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء} أي {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ} التي هي تبديل عداوتكم بالمحبة والأخوّة ونجاتكم عن نار جهنم بالعدوان وقطع الرحم فلا تضيعوها. قوله: (متحابين الخ) يشير إلى أن الأخ إذا جمع على إخوان كان بمعنى المحب الصديق وقد يكون جمعاً لأخي النسب وكان قوله: إشارة إليه قال في الإتقان الأخ في النسب جمعه إخوة وفي الصداقة إخوان قاله ابن فارس: وخالفه غيره وأورد في الصداقة إنما المؤمنون أخوة وفي النسب أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بيوت إخوانكم انتهى، فهو الأكثر وقوله: مشفين أي مشرفين وقد تقدم تحقيقه وحمل النار على نار جهنم وحملها على نار الحرب بعيد، وقوله: على تلك الحالة أي الكفر وفي نسخة في تلك الحالة. قوله: (والضمير للحفرة أو للنار الخ) اقتصر الزمخشريّ على الأخير فقال الضمير للشفا وهو مذكر وإنما أنث للإضافة إلى الحفرة وهو منها كما قال: كما شرقت صدر القناة من الدم يعني أن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه كما في شعر الأعشى المذكور وهو يكتسبه منه لا مطلقاً بل كما قال العلامة: إذا كان بعضاً منه كصدر الفتاة أو فعلا له أو صفة وما نحن فيه من الأوّل والمصحنف رحمه الله ترك تقييده وزاد تأويله بالمؤنث لكونه بمعنى الشفة وجوّز وجهين آخرين، والداير للزمخشرفي على ما صنعه أن الضمير يعود على المضاف لا المضاف إليه إذ هو غير مقصود لذاته حتى يرجع عليه الضمير وغيره لا يسلمه، وفي الانتصاف المعنى على عوده إلى الحفرة لأنها التي يمتن بالإنقاذ منها حقيقة، وأما الامتنان بالإنقاذ، من الشفا فلما يستلزمه غالباً من الهوي إلى الحفرة فيكون الإنقاذ منه إنقاذا منها لكن الأوّل أبلغ وأوقع مع إنّ اكتساب التأنيث من المضاف إليه عذه أبو عليّ رحمه الله في التعليق من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 الضرورة وأن خالفه في الإيضاح، والذي أوقع الزمخشري فيه إنه هو الذي كانوا عليه ولم يكونوا في الحفرة حتى يمتن عليهم بالإنقاذ منها وقد مرّ أنهم كانوا صائرين إليها لولا الإنقاذ الربانيّ فبولغ في الامتنان بذلك كما قيل من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وبهذا اندفع قول أبي حيان رحمه الله؟ لا يحسن عوده إلا إلى الشفا لأنه المحذث عنه والشفا الطرف ويضاف إلى الأعلى كشفا جرف هار والأسفل كما هنا واعلم أنّ الأصل أن يعود الضمير على المضاف إذا صلح لكل منهما ولو بتأويل، ويجوز عوده على المضاف إليه مطلقا عند صاحب الانتصاف، وقال الواحديّ: إنه يعود عليه بشرط كونه بعضه أو كبعضه كقول جرير: أرى مرّ السنين أخذن منيّ وقول العجاج: طول الليالي أسرعت في نقضي فان مرّ السنين وطول الليالي من جنسها وكذا ما نحن فيه. قوله: (مثل ذلك التبيين) يعني أن الجارّ والمجرور نعت لمصدر محذوف أو حال مضمرة أي يبين لكم تبييناً مثل تبيينه لكم الآيات الواضحة، وقد مرّ تفصيله في البقرة وإنما أوّل الهداية بالنبات أو الزيادة لأنّ الخطاب للمؤمنين، ومرّ الكلام فيه في الفاتحة، وقيل الثبات من المضارع المفيد للاستمرار والزيادة من صيغة الافتعال وقوله: (1 رادة الخ) إشارة إلى أنه للتعليل وليس للترجي لاستحالته عليه تعالى، ومز تحقيقه في أوّل البقرة والكلام فيه. قوله: (من للتبعيض الخ) يعني أنّ فرض الكفاية يقع لي الخارج من البعض فلذا أتى بمن التبعيضية لا أنه يجب على البعض من غير تعيين فإنّ المختار أنه يجب على الكل كما سيصرح به ويسقط بفعل البعض فلو ترك أثم الجميع ولا معنى للرجوب عليهم سوى هذا، إذ لو وجب على البعض لكان الآثم بعضاً مبهمأ وهو غير معقول لخلاف الإثم لواحد مبهم كما في الواجب المخير، وأمّا أنّ له شرائط فلا تنافي الوجوب لأنّ عليهم تحصيلها، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنّ من للبيان على هذا القول، والاحتساب النظر في أمور الناس العامّة كالحسبة وهي معروفة. قوله: (خاطب الجمع وطلب فعل جضهم الخ) خاطب الكل لأنه واجب عليهم كما مرّ، وطلب فعل بعضهم لقوله منكم فلا يتوهم مما مضى انه واجب على البعض غير معين كما ظنه بعض شراح الكشاف وتبعه هنا بعض أرباب الحواشي " ن قلت إنّ هذا الخطاب لا يفيد الوجوب على الكل لأنّ معناه أنه يجب على بعضكم الأمر ! النهيئ، وهدّا صريح في أنه يجب على البعض قلت قد مرّ ما يدفعه لأنّ الوجوب على بعض محير معين لا يعقل فتعين الوجوب على الكل والتبعيض إنما هو يالنسبة للقيام به، فتأمّل وقوله: ر أساً أي جميعاً مجاز. قوله:) أو للتبيين الخ (قال العلامة: في شرح الكشاف اختلف ا، صوليون في أنّ الواجب على الكفاية هل هو واجب على جميع المكلفين ويسقط عنهم بفعل سضهم أو على بعض غير معين، ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات فمن ذهب إلى أنها على بعض غير معين قال: من هنا للتبعيض ومن ذهب إلى أنها على الجميع قال من للتبيين وهي تجريدية أخرج من الكل كما يقال لفلان من أولاده جند وللأمير من غلمانه عسكر يراد بذلك جميع الأولاد والغلمان، ومما يدل على أنّ من للتبيين أنّ الله تعالى أثبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لبهل الأمّة في قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [سورة آل عمران، الآية: 10 ا] الخ ومنه تعلم وجه جعلها بيانية واختيار ذكر منكم على تركه الأخصر، وأمّا التبعيض السابق فبالنسبة إلى فعله فإنه من البعض لا إلى الوجوب، ومن لم يفهم معزاه قال إنه خطأ إذ غير عبارة الكشاف وانّ أوّل كلامه لا يناسب آخره فتأمّل. قوله: (وعطف الأمر بالمعروف الخ) يعني أنه من عطف الخاص على العامّ للنكتة المعروفة فيه، وفي النهي أيضا دعوة إلى الخير، وهو الكف عن المنكر، وقيل عليه ليس الآية منه لأنه ذكر بعد العام جميع ما تناوله إذ الخير المدعو إليه إمّا فعل مأمور أو ترك نهي لا يعدو واحدأ من هذين حتى يكون تخصيصهما بتمييزهما عن بقية المتناولات فالأولى أن يقال إنه ذكر الدعاء إلى الخير عاما ثم مفصلاَ لمزيد العناية به إلا أن يثبت ما يخص الأمر بالمعروف والضهي عن المنكر ببعض أنواع الخير، ولا أرا. ثابتاً وعلى ما فسر به المصنف رحمه الله مما يشمل أمور الدنيا وإن لم يتعلق بها أمر ونهي لا يرد عليه ما ذكر، وفيه نظر لأنه يكون حينئذ أعمّ من فرض الكفاية. قوله: (المخصوصون بكمال الفلاح) إشارة إلى الحصر المستفاد من الفصل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وتعريف الطرفين أو أنه باعتبار الكمال إذ قد يوجد الفلاح في غيرهم، وقوله: (روي الخ) أخرجه أحمد وأبو يعلى والخير والفلاح متقاربان، فإن قلت الحديث لا يدلّ على أنه الآمر بالمعروت والناهي عن المنكر بل مع التقوي ووصل الرحم قلت أجيب بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستدعي ذلك أو هو داخل في الدعاء إلى الخير وفيه نظر. قوله: (والنهي عن المنكر الخ) قيل: عليه أن المكروه منكر شرعا والنهي عنه مندوب فلا وجه لما قاله، وقيل: لو فسر المنكر بما يعاقب عليه كما أنّ المعروف ما يثاب عليه لتم الكلام ولا يخفى أنهما ليسا على طرفي نقيض. قوله: (والآظهر أنّ العاصي يجب أن ينهي المخ) وإن كان ظاهر قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف، الآية: 2] يدل على خلافه لأنه صؤوّل بأنّ المراد نهيه عن عدم الفعل لا عن القول لأنّ الواجب عليه نهى كل فاعل وترك نهي بعض وهو نفسه لا يسقط عنه وجوب نهي الباقي ولأنه نهى عن الكذب لا عن النهي مع عدم الفعل المتبادر منه. قوله:) والأظهر أنّ النهي فيه مخصوص الخ) التخصيص المذكور مأخوذ من التشبيه وقيل إنه شامل للأصول والفروع لما نرى من اختلاف أهل السنة فيهما كالماتريديّ والأشعري، وإنما النهي عن الاختلاف فيما ورد فيه نص من الشارع أو أجمع عليه. قوله: (اختلاف أمتي رحمة) قال السيوطيّ رحمه الله: عزاه الزركشيّ في الأحاديث المشتهرة إلى كتاب الحجة لنصر المقدسي لدون سند، ورواه الطبراني والبيهقي في المدخل بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما لال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه فإن لم بكن ني كتاب الله فسنة مني ماضية فإن لم يكن سنة مني فما قاله أصحابي إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة) وأخرجه ابن سعد لي طبقاته بلفظ كان اختلاف أصحاب محمد! ي! رحمة للناس ولفظ البيهقيّ لعباد الله، وروي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ما سرّني لو أنّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة ومنه تعلم أنّ المراد الاختلاف في الدين مطلقا لكن المراد اختلاف الصحابة، والمجتهدين المعتدّ بهم وعلماء الدين الذين ليسوا بمبتدعين هذا هو الحق الذي لا محيد عنه، فما قيل: إنه لا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع وإنما وقع في كلام بعضهم فظن حديثا وفسر باختلاف الهمم والحرف! الا فهو مخالف لنصوص الآيات والأحاديث كقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [سورة هود، الآية: 118] ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وغيره من الأحاديث الكثيرة والذي يقطع به أنّ الاتفاق خير من الخلاف لا وجه له، ولو كان المراد اختلاف الصنائع ونحوها لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم امتي وجه. قوله: (من اجتهد الخ) الأجران أجر الاجتهاد وأجر إصابة الحق وي الثاني أجر الاجتهاد فقط، وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما، وهذا يقتضي أن المصيب واحد وهو الصحيح وليس كل مجتهد مصيبا كما ذهب إليه بعض أهل الأصول وقوله: وعيد ظاهر، والتهديد لأن التشبه بالمغضوب يستدعي الغضب وأولئك إشارة للذين تفرّقوا لا للمتشبهين بهم ولا للجميع كما قيل. قوله: (نصب بما في لهم من معنى الفعل الخ) أي الاستقرار أو اذكر مقدراً، وفيه وجوه أخر ذكرها السمين وغيره فقيل العامل فيه عذاب وضعف بأن المصدر الموصوف لا يعمل وقيل عظيم، وأورد عليه أنه يلزم تقييد عظمته بهذا اليوم، وردّ بأنه إذا عظم فيه وفيه كل عظيم ففي غيره أولى وبأنه ليس المراد التقييد، والكآبة بالمد الحزن وقوله: يوسم من الوسم وهو العلامة. قوله: (على إرادة القول الخ (جواب عما يقال إن جواب أمّا لا يترك فيه الفاء إلا في ضرورة الشعر فكيف حذفت هنا فأجابوا عنه بأن الممنوع حذفها وحدها، وأمّا مع القول بطريق التبعية فشائع سائغ حتى قيل إنه البحر حدث عنه ولا حرج لأنه لما كثر حذف القول استتبعها ولا يرد عليه أنه لا يلزمه استتباعها كما في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} لأن المراد أنه يقال لهم ذلك لأن هذه الفاء ليست الجوابية بل مما في حيزها إذ التقدير فيقال لهم أفلم تكن آياني تتلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 عليكم وإنما أورده صاحب أسرار التنزيل لأنه أديب لا يعرف النحو كما قاله أبو حيان: وأطال فيه والاستفهام للتوبيخ وهو حكاية لما يقال لهم فلا التفات فيه كما قيل وقوله: (أقرّوا به) أي بالإيمان بالله في عالم الذرّ أو المراد بالإيمان الإيمان بالقوّة والفطرة، وحمل الأمر على الإهانة لتقرّره وتحققه. قوله: (بسبب كفركم الخ (التأويلان بناء على أنّ الأعمال سبب له أو أنه يقع في مقابلتها من غير نظر إلى التسبب فعلى الأوّل الباء سببية وعلى الثاني للمقابلة نحو بعته بكذا وليست بمعنى اللام كما توهم. قوله (يعني الجنة الخ) جعل الرحمة بمعنى الجنة من التعبير لالحال عن المحل والظرفية حقيقية، أو بمعنى الثواب فالظرفية مجازية كما هي في نعيم وعيش رغد إشارة إيى كثرته وشموله له شمول الظرف، وأمّا الرحمة التي هي صفة ذاتية فلا يصح فيها الظرفية، ويدل على هذا التفسير مقابلتها بالعذاب ومقارنتها للخلود، وهذا مجاز نكتته ما ذكره وكان حقه التقديم لشرفه ولكن أخر لما ذكر ومطلعه يأيها الذين آمنوا ومقطعه آخره ومحل انقطاعه فالكلام فيه لف ونشر غير مرتب لهذه النكتة الجليلة، وإنما قال أخرجه مخرج الاستئناف لأنه للتأكيد معنى وإن كان استثنافا ظاهراً. قوله: (إذ يستحيل الظلم منه الخ) الاستحالة مأخوذة من نفي إرادته دونه، أو المراد أنه ثابت بالدليل المذكور وهو إشارة إلى دفع ما يتوهم من أن نفي الشيء يقتضي إمكانه في الجملة بأنه نفي وان كان مستحيلاكما في نحو لم يلد ولم يولد وقوله لا يحق أي لا يجب عليه شيء حتى يكون تركه كله أو بعضه ظلمآ ولا يحول بينه وبين ما يريد شيء حتى يظلمه بالأخذ منه لأنه المالك المطلق، وقيل: المراد لا لريد ما هو ظلم من العباد لأنّ المقام مقام 0 أنه لا يضيع أجر المحسنين ولا يمهل الكافرين وأنه المجازيّ ولا يخفى أنّ سوق الكلام يخالفه كما صرح به النحرير وقوله: (فيجازي الخ (بيان لارتباط الكلام بعضه ببعض. قوله: (دل على خيريتهم فيما مضى الخ) يعني أنها كان الناقصة ولا دلالة لها على غير الوجود في الماضي سواء انقطع أو دام فقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} لا يشعر لانهم الآن ليسوا كذلك، وهذا بحسب الوضع وقد يستعمل للأزلية في صفاته تعالى وقد يستعمل للزوم الشيء وعدم انفكاكه نحو وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ولا فرق فيها بين ما مضى بزمان كثير أو قليل ولو آنا وقيل إنها تدل على الانقطاع كغيرها من الأفعال الماضية وهو قول لبعض النحاة، والمراد بما بين الأمم أنه في علمه معروف بينهم. قوله: (اسئناف الخ) بيان لترك العطف كأنه قيل لم كنا خير أمّة فقال: تأمرون الخ وقيل إنه صفة ثانية لأمّة ووجه تضمن الإيمان ما عداه أنه التصديق به في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه فيلزمه الإيمان بجميع ما جاء منه وثبت أنه حكمه والدليل عليه، قوله تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ} اسورة آل عمران، الآية: 110] مع إيمانهم بالله كما في الكشاف، ولما ذكره المصنف. قوله: (وإنما أخره الخ) كان حقه أن يقدم لشرفه فلما أخر على خلاف المتبادر حرك الذهن إلى أن ينظر لوجهه فهو حينئذ تلويح إلى مكان التعليل لأنه من الإخبار عن حصول الجملتين وتفويض الترتيب إلى الذهن ولو قدّم لم يتنبه لهذه النكتة كذا فسره الطيبي فتأمّله. قوله: (واستدل بهذه الآية على أن الإجماع الخ) أي إجماع هذه الأمّة لأنها لا تجتمع على الضلالة كما نطق به الحديث، ودلت عليه هذه الآية بالالتزام لأنهم إذا أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لم يمكن اجتماعهم على منكر، والا لم ينهوا عنه لاتفاقهم عليه، وإنما كان للاستغراق إذ لا يصح إرادة معروف ومنكر معين ولا ترجيح لبعضه على بعض فليس الحديث دليلاً آخر كما توهم، ولو قيل قدّم الأمر بالمعروف وأخا. اهتماما وليرتبط الإيمان بما بعده صح، وهو وجه آخر وقوله: فلو اجتمعوا في نسخة أجمعوا وهما بمعنى. قوله: (إيماناً كما ينبغي الأنهم مؤمنون بزعمهم والخيرية فيما هم عليه خيرية دنيوية كالرياسة أو فرضية وقوله: (وهذه الجملة الخ) يعني منهم المؤمنون وما عطف عليه، ولن يضروكم وما عطف عليه للاستطراد وهو أن يذكر في أثناء الكلام ما يناسبه وليس السياق له، والفرق بينه وبين الاعتراض مرّ الكلام فيه ولذا لم يعطفا على الجملة الشرطية قبلهما أعني ولو آمن لأنها معطوفة على كنتم خير أمّة مرتبطة بها على معنى، ولو آمن أهل الكتاب كما آمنوا وأمروا بالمعروف كما أمروا لكان خيرا لكم، وإنما لم يعطف الاستطراد الثاني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 على الأوّل لتباعدهما وكون كل منهما نوعا من الكلام، والأذى إنما لستعمل في الضرر اليسير كما يشهد به الاستعمال، وتولية الإدبار جمع دبر كناية عن الانهزام معروفة. قوله: (ثم لا يكون أحد ينصرهم الخ) العموم مأخوذ من ترك الفاعل، وقوله: ما يكون بقول هو الأذى بتفسيره السابق، والدبرة بسكون الباء الانهزام، وعاقبتهم مأخوذ من ثم والعجز مأخوذ من النصرة لأنّ المحتاج إليها عاجز وعلى هذه القراءة الجملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء، وثم فيه للترتيب والتراخي الإخباري ولو حملت على الحقيقي لأنّ النصرة ممتدة فهي باعتبار ما بعد الأوّل متراخية صح وكذا في القراءة الأخرى. قوله: (على أنّ ثم للتراخي في الرتبة الا في الزمان لمقارنته لا في الوجه الأوّل كما مرّ والزمخشرقي، وإن نص على أنها كذلك في الوجه الأوّل لكن تفاوت الرتبة ثمة بين الإخبارين وهنا بين الخبرين وهو المتبادر عند الإطلاق فلا فرق بين كلاميهما كما توهم وتقييده بقتالهم لترتبه عليه ترتب الجزاء على الشرط وكونها من المغيبات مشاهد. قوله:) هدر النفس والمال الخ) فسره به لأنه لا ذل فوقه وقدمه لأنّ قوله: {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} يقتضيه بحسب الظاهر، وضرب الذلة على تشبيهها بالقبة استعارة بالكناية واثبات الضرب تخييل أو تشبيه إحاطتها واشتمالها عليهم به استعارة تبعية وجعل النحرير: هنا كونه كناية كما في: في قبة ضربت على ابن الحشرج وهم فاسد ومرّ تحقيقه في البقرة وستأتي أشارة المصنف إليه في ضرب المسكنة. قوله:) استثناء من أعئم عامّ الأحوال (قالوا: إنّ هذه الإضافة من قبيل حب رمان زيد حيث لا رمان فإن المقصود إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد وكون القصد إلى إضافة أعمّ العامّ الذي لا أعم منه في الجنس الذي منه الاستثناء من الفاعلية أو المفعولية أو الحالية أو نحوها لا إضافة العام، ومثاله ابن قيس الرقيات فإن الملتبس بالرقيات ابن قيس لا قيس وفي مثل هذا لا بد من ذكر المضاف والمضاف إليه ثم الإضافة، وتحقيقه أن مطلق الحب مضاف إلى الرمان والحب المقيد بالإضافة إلى الرمان مضاف إلى زيد ولا يصح جعل عام الأحوال! من قبيل جرد قطيفة لإفراده، ثم لما كان الاستثناء مفرّغا وهو لا يكون من غير الموجب إلا عند استقامة المعنى بالعموم أشار إلى توجيهه بما ذكر وهو يرجع إلى التأويل بالنفي أي لا يسلمون من الذلة إلا في هذه الحالة، وقوله: بذمّة إشارة إلى أن الحبل مجاز عن الذمّة المتمسك بها والتفسير الأوّل راجع إلى تفسير الذلة الأوّل والثاني إلى الثاني، وأشار بقوله: في عامّة الأحوال إلى الأعم المقدر المستثنى منه حالة الاعتصام. قوله: (رجعوا به الخ) إشارة إلى أن أصل معنى باء رجع وأن الرجوع به كناية عن استحقاقه واستيجابه من قولهم باء فلان بفلان إذا كان حقيقاً أن يقتل به أي صاروا أحقاء بغضبه وهو إرادة الانتقام منهم، وأمّا تفسيره في الحديث بالإقرار فمجاز. قوله: (ذلك إشارة إلى ما ذكر) إشارة إلى توجيه إفراده، وكون قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليس حقا في اعتقادهم مرّ تحقيقه وجعل ذلك الثاني إشارة للكفر والقتل لقربه فلا يتكرّر، وقوله: وقيل إشارة إلى مرجوحية هذا بسبب تكرير ذلك وقوله: (معلل ومسبب) تفنن في العبرة وقوله: (في المساوي) متعلق بسواء، وأورد عليه أن الظاهر ترك كما في الكشاف لإيهامه أن يكون لكل منهم مساو لكن بعضهم أكثر من بعض فيها، والفائمة من قام اللازم بمعنى استقام والآناء الساعات مفردها قيل إني بوزن عصا وقيل إني كمعي، وقيل: إني بفتح فسكون أو كسر فسكون وقيل أنو فالهمزة منقلبة عن واو أو ياء وهو منصوب على الظرفية متعلق بيتلون أو بقائمة. قوله: (عبر عنه الخ (ضمير عنه للتهجد أي عبر عن صلاة الليل بالتلاوة والسجود، لأنه أبين أركانها المميزة لها عن العادة إذ صلاتها جهرية وأبلغ في المدح مما لو عبر بالتهجد لاحتمال معناه اللغوي لأنه تصوير لها بأحسن هيئة. قوله: (لما روي الخ) أخرجه ابن حبان والنساتي ولعل المحدثين فهموا منه ذلك لقرينة أو رواية فيه، والا فقد قيل إنه لحتمل أنّ أهل الكتاب يصلونها ولكن لا يؤخرونها لذلك الوقت وقوله: " غيركم منصوب خبر ليس ومن أهل الآديان حال من أحد مقدّم عليه وجملة يذكر الله صفتة ومنحرفون الخ " مأخوذ من قائمة وغير متعبدين مأخوذ من جملة يتلون، وملحدون في صفاته من يؤمنون بالله واليوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 الآخر، والمداهنة المداراة مجازاً من الدهن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهكذا وقوله: الموصوفون بتلك الصفات مرّ تحقيقه في أولئك هم المفلحون، وقوله: رضاه وثناءه إشارة إلى أنّ المقصود المدح، ودلّ على الرضا واستحقاق الثواب الاتصاف بتلك الصفات السابقة. قوله: (فلن يضيع ولا يتقص الخ) يعني أنّ الكفران والشكر عبارة عما ذكر إذ لا نعمة لأحد عليه حتى تكفر أو تشكر وهو مجاز لا مشاكلة كما قيل، وقوله: البتة مأخوذ من لن فإنها لتأكيد النفي كما مرّ لكن الشكر ونقيضه يتعدى باللام على المشهور وهنا عدى لمفعولين نائب الفاعل والهاء لتضمينه معنى الحرمان ولو قصرت المسافة وجعل أوّلاً بمعنى الحرمان كان أولى، والقراءة بالغيبة بالنظر إلى أمّة وبالخطاب بالنظر إلى كنتم أو التفات. قوله: (بثارة لهم الخ) يعني في ذكر العلم بعد الصفات المذكورة إشارة إلى أنه علم حالهم ومجاهدتهم فيوفيهم أحسن ما عملوه، وفي وضع المتقين موضع الضمير إيذان بالعلة وأنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى فقوله: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الخ) مؤكد له ولذا فصل. قوله: (من العذاب الخ) الغناء لالفتح مصدر أغني أي أجزاه كما في الصحاح فشيئاً مصحدر لأنه لازم ومن للبدل أو الابتداء أو هو مضمر معنى الدفع والمنع وشيئاً مفعول به، والصاحب ليس هنا بمعناه اللغوي بل العرفي وهو الملازم. قوله: (ما ينفق الكفرة الخ (خص السمعة والمفاخرة بالكفرة لأنهما شأنهم وهم مجاهرون الكفر فلا يراؤون، وأمّا المنافقون فلا ينفقون على الكفرة وإنما ينفقون على المسلمين وذلك إما رياء أو خوف فلا معنى لما قيل لا وجه للتخصيص المذكور. قوله: (برد شديد الخ (أصل الصر كالصرصر الريح الباردة فيكون معنى النظم ريح قيها ريح باردة، وهو كما ترى يحتاج إلى التوجيه فقال في الكشاف فيه أوجه. أحدها: أنّ الصزفي صفته الريح بمعنى الباردة فوصف بها القرّة بمعنى فيها قزة صرّ كما تقول برد بارد على المبالغة. والثاني: أن يكون الصرّ مصدراً في الأصل بمعنى البرد فجيء به على أصله. والثالث: أن يكون من قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب، الآية: 21] يعني أن الصرّ صفة بمعنى بادر موصوفه محذوف أي برد بارد فهو من الإسناد المجازي كظل ظليل وفيه يعد لأن المعروف في مثله ذكر الموصوف، وأمّا حذفه وتقديره فلم يعهد أو هو مصدر حقيقة بمعنى البرد، واستعماله بمعنى البارد مجاز وهنا جاء على الأصل وهو أظهر الأجوبة أو هو صفة واردة على التجريد كقوله: وفي الرحمن كاف أي هو كاف وجعله بعضهم أحسن الوجوه، والمصنف رحمه الله تركه واقتصره على الأوّلين هـ قوله: (والمراد تشبيه الخ) يعني خص الحرث بحرث من ذكر، والا فكان يكفي في التشبيه كمثل حرث لأنه يقتضي أنّ إهلاكه عن غضب من الله وهو أشذ ولأنّ المراد عدم الفائدة في الدنيا والآخرة وإنما هو في هلاك ما للكافر، وأما غيره فمثاب على ما هلك له لصبره عليه فلا يضيع ذلك بالكلية كما صرّح به في الكشاف، وبحرث كفار إشارة إلى أن المراد بالظلم الكفر، واستأصلته بمعنى قلعته بأصله وأفنته وجعله من التشبيه المركب ولا يلزم فيه أن يكون ما يلي الأداة هو المشبه به كقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ} [سورة يونس، الآية: 24] وقد مرّ في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} أسورة البقرة، الآية: 9 ا] وأن تقدير ذوي إنما هو لضرورة مرجع الضمير وأنه إذا صرّح بتشبيه المثل بالمثل لزم أن يراعي فيما يضاف إليه المثل من الجانبين المماثلة ولذا قدر في هذه الآية المهلك أو الإهلاك على أنه من المركب الحسيئ أو العقليّ، والوجه قلة الجدوى والضياع، ويجوز أن يكون من التشبيه المفرد فيشبه إهلاك الله بإهلاك الريح والمنفق بالحرث وجعل الله أعمالهم هباء بما في الريح الباردة من جعله حطاما ومهلك على صيغة المفعول. قوله: (وقرئ ولكق الخ) وتقديم أنفسهم على القراءتين للفاصلة لا للحصر والا لا يتطابق الكلام لأنّ مقتضاه ما ظلمهم الله ولكن هم يظلمون أنفسهم لا أنهم يظلمون أنفسهم لا غيرهم، وعلى قراءة التشديد أنفسهم اسمها وجملة يظلمون خبرها والعائد محذوف تقديره يظلمونها وليس مفعولاً مقدماً واسمها ضمير الشأن لما ذكر وقوله: (ولكن الخ) من قصيد للمتنبي يمدح بها سيف الدولة أوّلها: لعينيك مايلقي الفؤادومالقي وللحبّ مالم يبق مني ومابقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 ومنها: وماكنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصرجفونك يعشق ومن شرطية لجزمها الفعل، ولا تدخل عليها النواسخ لصدارتها ولأنها تبقى بلا خبر. قوله: (وليجة وهو الذي الخ) الوليجة من الولوج فهي ما كان داخل الشيء كالبطانة التي تلي الجسد فاستعيرت لمن اختص بك بدلالة قولهم ليست فلانا إذا اختصصته، والشعار بالكسر اللباس الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره والدثار هو اللباس الذي يكون فوقه، وسمي شعاراً لأنه علامة لصاحبه وقوله: (عليه الصلاة والسلام الخ) رواه الشيخان قاله صلى الله عليه وسلم حين فتح حنينا في حديث طويل أي أنهم الخاصة والبطانة وغيرهم العامة والدثار. قوله: (من دون المسلمين الخ (يعني الضمير للمسلمين ومن دونكم إمّ بمعنى غيركم لأنّ دون بمعنى غير كقوله تعالى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} [سورة المائدة، الآية: 16 ا] أي غير الله أو بمعنى إلا دون والدني أي ممن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الشرف والديانة. قوله: الا يقصرون الخ (يعني إلا لو التقصير والخيال الفساد مطلقا، وأصله الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا كالمرض والجنون، يقال: ألى في الأمر بقصر الهمزة بوزن غزا قالوا: وأصله أن يتعدّى بحرف الجر فهو لازم فلدا قدره بتقدير اللام وفى فيكونان منصوبين على نزع الخافض، واليه ذهب ابن عطية أو متعد إلى مفعولين كما قالوا: لا آلوك نصحا وجهداً بمعنى لا أمنعكه ولا أنقصكه على التضمين لأنّ من قصر في حقك فقد منعك قال السمين رحمه الله والتضمين قياسيّ على الصحيح، وان كان فيه خلاف واه أو هو متعد إلى واحد وهو الضمير وخبالاً منصوب بنزع الخافض أي لا يألونكم في الخبال أو تمييز أو مصدر في موضع الحال ففيه ثلاث وجوه. قوله: (تمنوا عشكم وهو شدّة الضرر) . قال الراغب في مفرداته: الودّ محبة الشيء وتمني كونه، ويستعمل في كل وأحد من المعنيين، والعنت من المعانتة كالمعاندة لكن المعانتة أبلغ لأنها معاندة فيها خوف هلاك، وعنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه الهلاك ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه قد أعنته، فمن قال الود أعثم من التمني لأنه في المحال أو المستبعد، ولذا اختير هنا عليه لأنه لا يناسب مقام التحذير لأنه إذا تصوّر بعدما يودّه من الوقوع هان عليه أن يعده غير معلوم فتفسيره به بعد عن التأمل لم يصب، وقوله: لا يتمالكون أنفسهم أي يملكون منعها مما جبلوا فإبداؤها للمسلمين على هذا، وهو أحسن من تفسير قتادة بإبداء بعضهم لبعض لأنه لا يناسب ما بعده وقوله: (ليس عن رؤية واختيار) بل فلتة ومثله يكون قليلا. قوله: (والجمل الآربع الخ) في الكشاف فإن قلت كيف موقع هذه الجمل، قلت: يجوز أن يكون لا يألونكم صفة للبطانة، وكذلك قد بدت البغضاء كأنه قيل بطانة غير آليكم خبالاً بادية بغضاؤهم، وأمّا قد بينا فكلام مبتدأ، وأحسن منه وأبلغ أن تكون مستاً نفات كلها على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة قيل يعني لا يألونكم، وقد بدت البغضاء، وقد بينا الآيات لظهور أن وما تخفى صدورهم حال وأن ودوا ما عنتم بيان وتأكيد لقوله: الا يألونكم خبالا (فحكمه حكمه ولذا لم يذكره عند تفصيل المواقع، وقيل: لأنه لما وقع بين الصفتين تعين أنه صفة وإنما كان أحسن ما في الاستئناف من الفوائد وفي الصفات من الدلالة على خلاف المقصود أو إيهامه لا أقل وهو تقييد النهي، وليس المعنى عليه، وأمّا على كلام المصنف فهي لا يألونكم ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء قد بينا لكم الآيات لا وما تخفى صدورهم لما مرّ فلا حاجة له إلى ما سبق من التوجيه والحدس الظاهر عند التأمّل، وقوله: للتعليل أي لبيان وجه النهي كانه قيل لم نهيتم عنه، وليس المراد أنها كلها علة مستقلة ترك عطفها للاستقلال وقيل الأحسن أن يجعل كل مستأنفا عما قبله على الترتيب كأنه قيل لم لا نتخذهم بطانة فأجيب لأنهم لا يقصرون في إفساد أمركم فقيل: ولم يفعلون ذلك فقيل لأنهم يبغضونكم ولما ترتب كل على الآخر صح جعلها كلها علة للنهي عن اتخاذهم بطانة، وأورد عليه أنه لا يحسن في قد بينا إذ لا يصح تعليلاَ لبدوّ البغضاء ويصلح تعليلاً للنهي، وان كان الأحسن أن يكون ابتداء كلام فتأمل. قوله:) أي أنتم أولاء الخاطئون الخ) الخاطى بمعنى المخطئ هنا وإن قيل بينهما فرق وليس هذا محله وفي إعرابه مذاهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 للنحاة أظهرها أن أنتم مبتدأ واسم الإشارة خبره والجملة بعده حال والعامل فيها ما في الإشارة أو التنبيه من معنى الفعل كما حقق في العربية لأنّ العرب قالوا ها أنت ذا قائما فصرّحوا بالحالية، وان كان المعنى على الإخبار بالحال لأنه المقصود بالاستبعاد ومدلول الضمير اسم الإشارة متحد، وقيل أنتم مبتدأ والجملة خبره نقله المعرب عن ابن كيسان وغيره، وأولاء منصوب على النداء أو الاختصاص وضعفوه بأنه خلاف الظاهر والاختصاص لا يكون باسم الإشارة، وقيل: هو مبتدأ وخبر وا) جملة مستأنفة للبيان وقال الرضي: ليس المراد من ها أنا وها أنت ذا تعريف نفسك أو المخاطب إذ لا فائدة فيه بل استغراب وقوع الفعل المذكور بعده منك أو من مخاطبك وأنه كان غير متوقع فالجملة لازمة لبيان الحال المستغربة ولا محل لها إذ هي مستأنفة. وقال البصريون: هي حالية في محل نصب، وهي لازمة إذ هي المقصود الذي تتم به الفائدة وردّه بما بيناه في حواشيه قيل: فقد فات المصنف أرجح التوجيهات وهو كون يحبونهم جملة مستأنفة. ولو قال أو خبر ثان لم يفته فلعله سبق قلم وما سوى الحال ابتداع منه منشؤه عدم الاطلاع ومتابعة العقل مع أنه لا يخفى حال الحال، ولا يخفى أنه مجازفة منه فإنّ المتقدّمين جوزوا في هذه الجملة الخبرية كما مرّ نقله. ووجوه التركيب لا حجر فيها، وما ردّه الرضيّ هو الظاهر من كلام المعرب وما قاله بحث يظهر جوابه بالتأمل فلا تغترّ بالتجويز العقلي، وعلى أنّ المعنى تحبون هؤلاء يكون المشار إليه الكفار ويتغاير مدلوله ومدلول الضمير وقوله: (أوصلته) بناء على أن أسماء الإشارات تكون موصولة كما مرّ، وإذا عمل فيه معنى الإشارة فعاملهما بحسب التحقيق واحد لأنه في معنى أشير إليكم في هذه الحالة، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى فلا يرد أن اسم الإشارة خبر وعامله المبتدأ أو الابتداء وعامل الحال معنى الفعل فيه والإشارة للتحقير فاستعملت هنا للتوبيخ كأنه ازدرى بهم لظهور خطئهم، فافهمه. قوله: (بجنس الكتاب الخ) كله تأكيد للجنس لا للكتاب وكونه من قبيل الرجل أي الكامل كما قيل تعسف وكونهم لا يؤمنون بكتابكم مأخوذ من فحوى الكلام ومما بعده، وأشار بقوله: وأنكم تؤمنون إلى أنّ الجملة مؤوّلة بالاسمية ولذا قرنت بالواو، والمعروف فيه تقدير أنتم ولم يجعل معطوفا على ولا يحبونكم أو تحبونهم كما ارتضاه أبو حيان لأنه في معرض التخطئة، ولا كذلك الإيمان بالكتاب فإنه محض الصواب وان أعتذر له بأنّ المعنى يجمعون بين محبة الكفار والإيمان وهما لا يجتمعان لبعده والحالية مقرّرة للخطأ فتأمل. قوله: (وفيه توبيخ (أي في قوله: ها أنتم الخ لا في هذه الجملة فقط، كما توهم وقوله: لم يجدوا إلى التشفي سبيلاً المراد بالتشفي شفاء الصدر بنيل المراد، وعض الأنامل عادة النادم العاجز، فلذا فسره بما ذكر. قوله: (دعاء عليهم بدوام الغيظ الخ) هذا من الكناية لأنّ الموت على الغيظ يلزمه استمراره عرفا، ويلزم من ذلك قوّة الإسلام وتزايده عصراً بعد عصر قال النحرير رحمه الله: يشير إلى أنه من كناية الكناية غير مدعي موتهم بالغيظ بل ملزومه الذي هو دعاء ازدياد غيظهم إلى حد الهلاك وبه عن ملزومه الذي هو قوّة الإسلام وأهله وذلك لأنّ مجرّد الموت بالغيظ أو ازدياده ليس مما يحسن أن يطلب ويدعي. (قلت) المجاز على المجاز مذكور، وأمّا الكناية على الكناية فنادرة وقد صرح بها السبكي في قواعده الأصولية ونقل فيها خلافا إلا أنه ما الفرق بين الكناية بوسايط والكناية على الكناية فإنه محتاج إلى التأمل الصادق ومن العجب ما قيل كونه دعاء عليهم مما اتفقت عليه كلمتهم وفيه خفاء إذ في الدعاء لا يخاطب المدعوّ عليه بل الله تعالى ويسأل منه ابتلاؤه، وهو غفلة عن قولهم قاتلك الله وقولهم دم بعز وبت قرير عين وغيره مما لا يحصى. قوله: (بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب الخ (إن كان المخاطب بقل كل من يقف على الكلام فلا كلام في كون التعجب على حقيقته وظاهره وان كان النبيّ يكتي! فهو خارج مخرح العادة مجازا والمراد منه تعظيم الله والنظر فيما تكل العقول عنه من دقائق علمه على ما حققه الزمخشرفي وغيره في قوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [سورة مريم، الآية: 38] كما سيأتي، ومن لم يتنبه لهذا قال النهي عن التعجب المذكور يفيد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم اطلاعه على ما في الصدور فالوجه الأوّل وهو من قلة التدبر. قوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 (والمس مستعار للإصابة) أي فإنّ المس اللمس الخفيف فتجوّز به عما ذكر يعني أنهما بمعنى، وأنّ المغايرة بينهما للتفنن فلا يسأل لم عبر في أحدهما بالمس وفي الآخر بالإصابة، وقد سوّى بينهما في غير هذا الموضع كقوله: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [سورة التوبة، الآية: 50] وقوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [سورة المعارج، الآية: 20] والأحسن ما قيل إنه للدلالة على إفرإطهم في السرور، والحزن لأنّ المس أقل من الإصابة كما هو الظاهر فإذا ساءهم أقل خير نالهم فغيره أولى منه وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثي له الشامت والحاسد فهم لا يرجى موالاتهم أصلا فكيف تتخذونهم بطانة فهذا أنسب بالمقام. قوله: (بفضل الله عز وجل وحفظه الخ (على الأوّل نفي الضرّ على ظاهره وعلى الثاني نفي عدم المبالاة به، وفي الكشاف هذا تعليم من الله، وارشاد إلى أن يستعان على كيد العدوّ بالصبر والتقوى، وقد قال الحكماء إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك، ومنه أخذ الشافعي رضي الله عنه توله: إذا ما شئت إرغام الأعادي بلا سيف يسل ولا سنان فزد في مكرماتك فهي أعدى على الأعداء من ثوب الزمان وقد قيل عليه إنّ ما ذكر الحكماء معناه إنك كلما ازددت فضلاً في نفسك ازداد الحسود احتراقا بناء الحسد فكان هذا مقابلة له بالإيذاء والإضرار الأشد، وما في الآية أنك ببركة الصبر والتقوى لكونهما من محاسن الطاعات ومكارم الأخلاق تكون في كنف الله وحمايته من أن يضرك كيد عدوّ وتكلف الجواب بأن فضلا مطلق ينصرف إلى الكامل وهو التقوى وكذا الكبت محمول على ما هو من جهة الله لأنه أكمل من غيره والظاهر أنه تنظير له لاشتراكهما في المفع عن الاشتغال بالعدوّ بالاشتغال بالطاعة أو تكميل النفس كما أن في الأوّل كفاية الله وفي الثاني كفاية بهلاك العدوّ. قوله: (وضمة الراء الخ) أي لاتباع ضمة الضاد كما تقرّر في المجزوم والأمر المضاعف المضموم العين والجزم مقدر، ويجوز الفتح للخفة والكسر لأجل تحريك الساكن فلا حاجة إلى ما قيل إنه مرفوع بتقدير الفاء. قوله: (واذكر الخ) إشارة إلى ما مز في أمثاله وقوله: من حجرة عائشة رضي الله عنها إشارة إلى أنه على تقدير مضاف إذ المعنى من عند أهلك، وقراءة اللام شاهدة لأنه بمعنى تهيئ وتسوى المعدى بها إذ ليس محل التقوية والزيادة غير فصيحة في مثله، والمقعد والمقام محل القعود والقيام، ثم توسع فأطلقا بطريق المجاز على المكان مطلقاً وان لم يكن فيه قيام وقعود وقد يطلق على من به كقولهم المجلس السامي والمقام الكريم. قوله:) سميع لأقوالكم عليم بنياثكم) إن كان سميع وعليم كرحيم من صيغ المبالغة الملحقة باس الفاعل كما ذكره سيبويه فهذا بيان لتقدير معموله واللام للتقوية كما صرح به قوله: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} أسورة إبراهيم، الآية: 39] دمان كانا صفة مشبهة فلا عمل لهما في المفعول، فهذا بيان لمحصل المعنى والحديث المذكور رواه ابن جرير والبيهقيّ من طريق ابن إسحق، وقوله: شرّ محبس أي أخبث مكان يقيمون به إذ لا ماء فيه ولا طعام والإشارة إلى الخروج رأيه والقول به والأصل فيه التعدي بعلى والبقر الجماعة المقاتلة لأنها معدة للعمل وقوله: (أوّلتها خيراً (لم يذكره لأن المراد كثرة الشهداء، وجعله خيوا لما فيه من الأجر العظيم، وذباب السيف طرنه والثلم بالمثلثة الكسر وقوله: (فأوّلته هزيمة) في النهاية فأوّلته أن يصاب رجل من أهلي فقتل حمزة وادخال يده في الدرع تحصين أصحابه بها دونه لأنه معصوم، ولهذا لم يقل لبستها. قوله:) فلما رأوا ذلك) أي ما صنعه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولأمته بالهمزة وتبدل ألفاً بمعنى الدرع وقيل السلاح، والشعب بالكسر الطريق في الجبل وتشعبت الشيء بمعنى فرقته وجمعته ضد وعدوة الوادي بضتم فسكون جانبه وقوله عبد القه بن جبير هو ابن نعمان الأنصاري وهو الصحيح، ووقع في البخاري وفي الكشاف بجير وهو علم آخر وأمر بالتشديد أي جعله أميراً والنضح بالنبل الرمي مستعار من نضح الماء وقوله: (متعلق بسميع عليم) يعني على التنازع لا بهما معافان كانا صفتين فظاهر أيضا لأنها تعمل في الظرف والا فأظهر وليس المراد تقييد كونه سميعا عليما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 بذلك الوقت، وجناح العسكر جانبه وله جناحان وقلب وساقة ومقدمة، ولذا سمي خميسا، وقوله: في زهاء ألف بالمذ والضم أي مقداره، وهو مروفي عن السدفي، وقوله: لا ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أي عزم أن يرجع، والشوط بشين معجمة وواو ساكنة وطاء حائط عند جبل أحد ومكانه القريب منه وأصل معناه المرّة من الجري فمن قال السوط: بالمهملات الخلط أي لما بلغوا مقام الخلط أي المحاربة ومخالطة العدوّ فقد خلط وقوله: انخزل ابن أبيّ أي انقطع ورجع لنفاقه وقوله:) أنثدكم الله) تسم أي أسألكم بالله والله منصوب والحيان المراد بهما الطائفتان السابقتان. قوله: (والظاهر أنه ما كانت عزيمة (أي أنّ الهمّ المذكور وتأنيث ضميره لمراعاة الخبر أي لم يكن ذلك عن عزم وتصميم على مفارقة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومخالفته لأنه لا يصدر مثله من مؤمن بل مجرّد حديث نفس ووسوسة كما في قوله: أقول لها إذا جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي لأنّ من نصره الله وعصمه لا يثبت على مثل هذا العزم بل هو مخذول منافق، ولذلك قال: منكم إشارة إلى أنهما من المسلمين، وقوله: ولا يتوكلوا على غيره الحصر من تقديم المعمول، وبدر اسم رجل من الجاهلية سمي باسمه بئر حفرها ثم سمي ذلك المكان جميعه به، وأذلة جمع قلة ولكونه مضاعفاً لم يجمع على ذلل ولا على ذلائل لأنه جمع كثرة وتفسيره الذلة بعدم العدة لأنه ليس بمعنى الذل المعروف، وبتقواكم باؤه سببية متعلق بأنعم، ومن نصره بيان لما، وقوله: أو لعلكم ينعم الله عليكم فهو كناية أو مجاز عن نيل نعمة أخرى توجب الشكر وقوله: وقيل بدل ثان والأوّل إذا همت، وعلى هذا فالقول المذكور بأحد، ولما كان النصر بالملائكة ببدر أشار إلى أنّ قوله هذا كان مشروطاً فيه الصبر والتقوى عن المخالفة فلذا لم يقع لتخلف شرطه. قوله: (وإنما جيء بلن الخ (لأنها لتأكيد النفي كما مرّ وهذا مذهب لبعض النحاة، وقوله: (بألف الخ) إشارة إلى التوفيق بين ما وقع في الآيات. وقوله: (للتكثير أو للتدريج) إشارة إلى الفرق بينهما كما مرّ. وقوله: (الزيادة) أي على الثلاثة آلاف بأن جعلها خمسة. قوله: (وهو في الأصل الخ) أي من فارت القدر إذا غلت، ثم استعمل للسرعة من غير ريث أي بطء من قولهم ريثما، والفوّارة القدر، وفوّارة الماء على التشبيه وتوصف به النار والغضب مجازاً وقوله: بلا تراخ مأخوذ من الشرط ومسوّمين على الفتح بمعنى معلمين من السمة، وهي العلامة نقل أنهم كانوا بعمائم صفر وقيل على خيل بلق، وقيل: على خيل محزوزة الأذناب وعلى قراءة الكسر فالمعنى أنهم مسوّمين أنفسهم ومعلميها بعلامات، أو هما من الأسامة والمراد الإرسال لهم أو لخيلهم وقوله: إلا بشارة هذا يقتضي أنهم عرفوهم بإعلام النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: " تسوّموا " الحديث وهو حديث مرسل رواه ابن إسحق وغيره، وفيه أنه أوّل يوم وضعت فيه الصفوف، وأتا اطمئنان القلب فلا يقتضيه لأنه بكثرة الجند مطلقا وهو المراد من الأسباب، والحث على عدم المبالاة بالمتأخرين لتأييدهم بالملائكة بدلهم، وأقضية جمع قضاء بمعنى مقضيّ به وحمل الحكمة على فعله النصر على مقتضاها لأنه المناسب للمقام. قوله:) متعلق بنصركم الخ) فيكون في شأن بدر لما قتل فيه من المشركين فقطع طرف منهم وفز منهم قوم فكبتوا وهذا على تقدير أن يجعل إذ تقول ظرفاً لنصركم لا بدلاً من إذ غدوت لئلا يفصل بأجنبيّ ولأنه كان يوم واحد، وأما تعلقها بالنصر فهل العامل فيه النفي المنقوض بإلا أو النصر الواقع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 مبتدأ ظاهر كلام المصنف رحمه الله الثاني، وكلام الكشاف الأوّل والألف واللام للعهد أي النصر الواقع في يوم بدو وسكت عنه الزمخشريّ، ولو حمل على الجنس لصح أي وما نصر الله إلا لإعزاز دينه وخذل أعدائه، وصناديد جمع صنديد وهو الرئيس، قال الطيبي: جعلهم أشرافا لأنه كان في الواقع كذا، وتنكير طرفاً يدل عليه وفي الأساس وهو من أطراف العرب أي أشرافها، وقيل: تخصيص الطرف لأنّ أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وازالته. (قلت) كون الأطراف بمعنى الإشراف لتقدمهم في السير، ونحوه الأطراف منازل الأشراف، والناس تستعمله الآن لعكسه والكبت الغيظ والغنم المؤثر وقيل: إنّ كبته يكون بمعنى كبد. أي أصاب كبده كرآه بمعنى أصاب رئته وإنه مراد المتنبي بقوله: لا كبت حاسداً وأرى عدوّاً كأنهما وداعك والرحيل أي لا وجع كبده ورئته، وشبه الحاسد بالوداع لما فيه من زوال نعمة الوصال التي يتمناها الحاسد والعدوّ بالرحيل لأنه قاتل مبغوض، وهو معنى حسن، وإنما حمل أو على التنويع دون الترديد لأنهما وقعا. قوله: (عطف على قوله أو يكبتهم الخ (في الكشاف عطف على ما قبله منقوله ليقطع أو ليكبت ويحتمل عطفه على ينقلبوا وله وجه قال النحرير: وجه سببية النصر على تقدير تعلق اللام بقوله: وما النصر إلا من عند الله ظاهر، وأما على تعلقها بقوله: ولقد نصركم الله فلأن النصر الواقع من أظهر الآيات فيصلح سبباً للتوبة على تقدير الإسلام أو لتعذيبهم على تقدير البقاء على الكفر لجحودهم بالآيات وان أريد تعذيب الدنيا بالإسر فظاهر فإن قيل هو يصلح سبباً لتوبتهم، والكلام في التوبة عليهم قلنا يصلح سببا للإسلام الذي هو سبب التوبة عليهم فهو سبب لها بالواسطة. قوله: (ويحتمل أن يكون معطوفاً الخ) قال قدس سره: لما كان في وجه سببية النصر للتوبة والتعذيب خفاء وفي الفصل مع الاعتراض بعد ذهب بعضهم إلى أنه ليى معطوفا على يقطع بل بإضمار أن من عطف الفعل المضارع المنصوب على الأمر أو شيء وهو من عطف الخاص على العام، وفي كونه بأو نظر وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى إلا أن وهو معروف في النحو، وقيل في الفرق بين العطف على الأمر وشيء أنّ الأوّل سلب توابع التوبة من القبول والردّ، توابع التعذيب من الخلاص والمنع من النجاة. والثاني سلب نفس التوبة والتعذيب يعني أنك لا تريد بالتوبة ما هو سبب التوبة عليهم أعني الإسلام إذ لم يذكر توبتهم وقيل هذا إذا كان الأمر بمعنى الشأن، ولك أن تجعله بمعنى التكليف والإيجاب أي ليس ما تأمرهم به من عندك، ولا يخفى ما في حمله على التكليف من التكلف. قوله: (روي أنّ عتبة بن أبي وقاص الخ) أخرجه عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير عن قتادة وهو في الصحيح من حديث سهل بن سعد وليس فيه ذكر عتبة، وقوله: وكسر رباعيته بتخفيف الياء هي من مقدم الأسنان، وفيه تصريح بأنها لم تقلع من أصلها بل كسر طرفها وهو المصرّح به في السير، وإنما أوّل الظلم باستحقاق التعذيب لأنه المتفرّع على التعذيب، ولولاه لكان الظاهر العكس. وقال النحرير رحمه الله: أنّ قوله:) شجه الخ) يشبه أن يكون وجها آخر في معنى (ليس لك من الأمر) الخ وهو أنه نوع معاتبة على إنكاره فلاح القوم، وكذا القيل الآخر فإنه نهى له عسير أن يدعو عليهم، وقيل: هما لمجرّد بيان سبب النزول، وقوله: (قله الأمر كله الا لك فهو بيان لما قبله. قوله: (صريح في نفي وجوب التعذيب الخ) هذا ردّ على الزمخشرفي إذ قيده بما ذكر بقرينة ما قبله واستدل به على مذهبه من وجوب تعذيب العاصي واثابة المطيع، ولا يخفى أن التقييد خلاف الظاهر، وان تعليقه بمشيثته ناطق بالإطلاق، مع أنّ الآية في الكفار فكيف يستدل بها على إغراضه الفاسدة لكن العصبية تعمي وتصمّ، وقوله: فلا تبادر إلى الدعاء الخ مبنيّ على القيل الأخير. قوله: الأ تزيدوا زيادت مكرّرة) إشارة إلى أن التضعيف بمعنى التكرير مطلقا وعنب الخيل رحمه الله تعالى التضعيف أن يجعل الشيء مثلين أو أكثر وضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه وأضعافه أمثاله، وفي الكشف الضعف اسم ما يضعف الشيء كالثني، اسم ما يثنيه من ضعفت الشيء بالتخفيف فهو مضعوف على ما نقله الراغب بمعنى ضعفته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 وهو اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فأكثر، والنظر فيه إلى ما فوق بخلاف الزوج فإنّ النظر فيه إلى ما دون فإذا قيل ضعف العشرة لزم أن تجعلها عشرين بلا خلاف لأنه أوّل مراتب تضعيفها ولو قال له عندي ضعف درهم لزمه درهمان ضرورة الشرط المذكور كما إذا قيل هو أخو زيد اقتضى أن يكون زيد أخاه، وإذا لزم المزاوجة دخل في الإقرار، وعلى هذا له ضعفا درهم منزل على ثلاثة دراهم وليس ذلك بناء، على ما يتوهم أنّ ضعف الشيء موضوعه مثلاه، وضعفيه موضوعه ثلاثة أمثاله بل ذلك لأن موضوعه المثل بالشرط المذكور، وهذا مغزي الفقهاء في الأقارير والوصايا، ومن البين في ذلك أنهم ألزموا في ضعفي الشيء ثلاثة أمثاله ولو كان موضوع الضعف المثلين لكان الضعفان أربعة أمثاله ومنه يظهر أنه لا حاجة إلى اعتذار الأزهري رحمه الله عنهم بأنه على المتعارف العامي لأنه المعتبر في الأقارير ونحوها لا على الموضوع اللغوي، وكذلك ظهر أنه لو قال له على الضعفان درهم ودرهم أو الضعفان من الدراهم لم يلزم إلا درهمان كما لو قال هما الأخوان وكذلك لو قال: أعطه الضعفين كان أمراً بإعطاء زوجين وهذا معنى قول الراغب هو كالزوجين لأنّ كلا منهما يزاوج الآخر ويضاعفه، وظهر أنّ تفسير أبي عبيدة في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي ثلاثة أعذبة كما ذكره الأزهري وأيده بأنها تؤتي الأجر مرتين فكيف يزاد في عذابها، وأن قوله: أولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا صحيح لتنزيله على عشرة الأمثال كما ذكره أيضا لأنه ليس مقصورا على مثل واحد كما مرّ، وحاصله أنّ تضعيف الشيء ضمّ عدد آخر إليه، وقد يزاد وقد ينظر إلى أوّل مرأتبه لأنه المتيقن ئم إنه قد يكون الشيء المضاعف مأخوذا معه فيكون ضعفاه ثلاثة وقد لا يكون فيكون اثنين وكل هذا موضوع له في اللغة لا عرف كما توهموه فاحفظه فإنه مما اضطرب فيه كلامهم. قوله: (ولعل التخصيص الخ) دفع لما يتوهم من أنه لم ينه عن الربا مطلقا بل إذا كان مضاعفا فأجاب بأنه وقع منهم كذلك فلذا خص ومثله لا مفهوم له، والطفيف بالطاء المهملة وفاءين القليل، وقيل: إن حرمته علمت من دليل آخر كاية وأحل الله البيع، وحزم الزبوا وقوله: راجين الفلاح إشارة إلى أنّ الرجاء منهم لا من الله وأنّ الجملة في موقع الحال، وقوله: بالتحرز متعلق باتقوا واشارة إلى أنّ التقوى بمعناها اللغوي وأنّ الكافرين وضع موضع المرابين للتغليظ والتهديد وأنّ إطلاقه عليهم لمشابهتهم لهم في تعاطي ما تعاطوه، وجعلها مخلوقة معدة لهم إشارة لما ذكره، وترهيبا وترغيبا لف ونشر مرتب وعزة التوصل تستفاد من الترجي، ولما كانت المبادرة إلى ما يفعله المبادر أوّل المغفرة بما ذكر.. قوله: (وذكر العرض للميالغة الأنه أقصر الامتدادين، وزاد في المبالغة بحذف أداة التشبيه وتقدير المضاف فليس المقصود تحديد عرضها حتى يمتنع كونها في السماء بل هو كناية عن غاية السعة بما هو في تصوّر السامعين كذلك قال النحرير: وهو مناف لقول المصنف إنها خارجة عن هذا العالم، وما نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه ابن جرير. قوله: (وفيه دليل على أنّ الجنة مخلوقة) أي كما يدل عليه الفعل الماضي وكونها خارجة عنه لأنها أعظم منه فلا يمكن أن يكون محيطاً بها، وفيه نظر لأنه مبالغة ولم يقصد ظاهره كما مرّ والسرّاء الحالة التي تسرّ، وهي الرخاء والضراء التي تضرّ ضدّها فالمراد بهما ظاهرهما أو التعميم كما عهد في أمثاله، ويخلون بتشديد اللام من الإخلال. قوله: (الممسكين الخ (بين معناه وحقيقته، ولما كان الإمساك فعلا اختيارياً اقتضى أنه عن قدرة لا عن عجز لاً نه هو الممدوح، والحديث أخرجه أحمد وعبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي ملء قلبه بما ذكره جزاء من جنس العمل. قوله: (التاركين الخ) المؤاخذة مفاعلة من أخذ والمراد المعاقبة المسببة عنه، والحديث في الفردوس، وقوله: لا من عصم الله اسنثناء منقطع إن كانت القلة على ظاهرها ومتصل إن كانت بمعنى العدم، وكون بعض الخصائص في الأمم السالفة لا يقتضي تفضيلهم على هذه الأمة من كل الوجوه حتى يتكلف لتأويله بما لا طائل تحته وقوله: فعلة بالغة في القبح كالزنا جعل التاء أو التنوين للمبالغة، وخص الزنا بالتمثيل لأنّ سبب النزول كان ذلك كما ذكر. الواحدي رحمه الله. قوله: (بأن أذنبوا أيّ ذنب كان) فهو من ذكر العام بعد الخاص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وعلى ما بعده هما متغايران وأو للتنويع على الوجوه، وأشار بقوله: تذكروا إلى أنه ليس المراد مجرّد ذكر اسمه كما أنه ليس المراد من الاستغفار مجرّد طلب المغفرة بل الندم والتوبة. قوله: (والمراد به وصفه سبحانه وتعالى بسعة الرحمة (سعتها تؤخذ من أنه لا يغفر جميع الذنوب إلا هو إذ يلزمه شمول المغفرة والرحمة وهو عين سعتها، فإن قلت: هذا ترديد بين الخاص والعام، وقد تقدم أنّ أولاً تعطف مثله فما وجهه، قلت: وجه بأنه ترديد بين فرقتين من يستغفر للفاحشة ومن يستغفر لأقي ذنب صدر عنه، وكم بينهما وكأنّ من خصصه احترز عن هذا، وكون الاستفهام نفياً يصحح الاستثناء المفرغ ظاهر، وأما احتمال أنّ الجملة حالية بتقدير قائلين فتعسف بارد. قوله: (ولم يقيموا على ذنويهم غير مستغفرين الخ) غير مستغفرين حال من الضمير في يقيموا والمجموع تفسير لقوله: ولم يصرّوا لأن الإصرار الإقامة على القبيح من غير استغفار ورجوع بالتوبة، وأمّا توهم أن عدم الاستغفار قيد في عدم الإصرار والمعنى لم يكونوا مصرين غير مستغفرين فلا طائل تحته كذا قال النحرير رحمه الله وقوله:) ما أصرّ من استغفر (الحديث أخرجه الترمذفي وأبو داود عن الصذيق رضي الله عنه. قوله: (وهم يعلمون حال الخ) قيل الحال بعد الفعل المنفيئ، وكذا جميع القيود قد تكون راجعة إلى النفي قيداً له دون المنفيّ مثل ما جئتك لاشتغالي بأمورك أو مشتغلا بها بمعنى تركت المجيء لذلك، وقد تكون إلى ما دخله النفي مثل ما جئتك راكبا وما ضربت تأديبا، وهم يعلمون ليس قيداً للنفي لعدم الفائدة لأنّ ترك الإصرار موجب للأجر والجزاء سواء كان مع العلم بالقبح أو مع الجهل بل مع الجهل أولى وإذا قيد الفعل المنفيّ فله معنيان. أحدهما: وهو الأكثر أن يكون النفي راجعا إلى القيد فقط ويثبت أصل الفعل، مثل ما جئت راكبا بمعنى جئت غير راكب وقد ذكر في قوله تعالى: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [سورة الفرقان، الآية: 73] أنه نفي للصمم والعمي وأثبات للخرور وأنّ النفي إذا ورد على ذات مقيدة بالحال يكون إثباتا للذات ونفياً للحال، وهذا أيضا ليس بمراد إذ ليس المعنى على إثبات الإصرار ونفي العلم. وثانيهما: أن يقصد نفي الفعل والقيد معاً بمعنى انتفاء كل من الأمرين مثل ما جئتك راكبا بمعنى لا مجيء ولا ركوب وهذا أيضاً ليس بمناسب إذ ليس المعنى على نفي العلم والإصرار أو بمعنى انتفاء الفعل من غير اعتبار لنفي القيد واثباته، وهذا هو المناسب في الآية أي لم يصرّوا عالمين بمعنى أنّ عدم الإصرار متحقق البتة، وعلى هذا ينبغي أن يحمل وحرف النفي منصت عليهما معا والحاصل أنّ النفي في الكلام قد يكودط لنفي القيد والمقيد بمعنى انتفاء كل من الفعل والقيد أو القيد فقط، وردّ بأنّ المعنى أنهم عالمون بقبحه وجزائه حتى لو ترك الإصرار لكل أو تنفر طبع لم يكن له جزاء لأنّ الجزاء على الكف لا على العدم والا لكان لكل أحد أجزية لا تتناهى لعدم قبائح لا تتناهى مما لا يخطر بباله وقد صرحوا به في الأصول فقوله: (وهم يعلمون) تقييد للمنفيّ والنفي راجع إلى الفيد يعني لم يكن لهم الإصرار مع العلم بالقبح لأنّ المصرّ مع عدم العلم بالقبح لا يحرم الجزاء وغير المصرّ للكسالة أو لعدم ميل الطبع لم يبلغه، وفيه بحث. قوله: (خبر للذين إن ابتدأت به) يعني أنّ في هذه الجملة إعرابين وفي كل منهما ما يعين ترك العاطف وقوله: (ولا يلزم الخ) ردّ على الزمخشريّ في زعمه أنها دالة على خلود العاصين ولا دلالة فيها كما ذكره المصنف رحمه الله، وهو الحق واستدل عليه بما مرّ في النار وقوله: (على الآوّل) أعني جعله خبرا وكلاما آخر، وأمّا إذا جعل بيانا لما قبله فلا يدل عليه لأنه بالغ في الأول في وصف مقرّهم بما ليس في هذه وقوله: (فصل آيتهم (بالتخفيف أي أتى بفاصلتها وآخرها وقوله: (مستوجبون لمحبة الله) أي مستحقون لها بالتفضل والتكرّم منه فليس مخالفاً لمذهبنا والتخطي إلى التخصيص من كثرة التصدق، وكظم الغيظ، وتدارك التقصير بالتوبة والاستغفار وقدر المحذوف ذلك أي ما ذكر لأنه أشمل من تلك، والجزاء للمحسنين يكون زيلدة واضعافا بخلاف الأجر فإنه على قدر العمل. قوله: (وقايع الخ) السنن جمع سنة بمعنى طريقة وعادة، ومنه سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد بها هنا الوقايع السالفة لأنها جارية على عادة الله. وقال: في المفصل السنة بمعنى الأمّة من الناس وأنثد " البيت المذكور، وقد قالوا: إنه لا دليل فيه لاحتماله المعنى المشهور وهو ظاهر، وقيل: السنن هنا بمعنى الأديان ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 يخفى نبوّ المقام عنه وان روّجه بعضهم. قوله: (إشارة إلى قوله قد خلت الخ) يعني ذكر الوقايع السالفة للأمم المكذبة بيان لكم وكونه زيادة بصيرة وموعظة لأنّ المؤمنين متعظون متبصرون، وكونه للقرآن بعيد عن السياق ولذا أخره. قوله: (تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد الخ (وتهنوا من الوهن، وهو الضعف وفيه إشارة إلى تعلقه بما سبق من قصة أحد معنى وإن كان ظاهر لفظه العطف على سيروا في الأرض فحديث الربا وما معه استطراد، والا فطريقة النظم فيها صعبة، وقيل: إنه إشارة إلى نوع آخر من عداوة الدين ومحاربة المسلمين، وقيل في ربطها: إنّ المشركين كانوا يرابون ويتقوّون بذلك على مصالح الحرب فربما هتم المسلمون بذلك فنهوا عنه، فلما قال له: ليس لك من الأمر شيء قيل له إله عما ذكر ولا يهمك ما قدر، والظاهر في وجه الربط أنهم نهوا عن التقيد بنموّ المال المانع عن الاشتغال به لأنه أنفع لهم في الدنيا بالغنائم ثم والنصر وفي الآخر فتأمل. قوله: إ وحالكم أنكم أعلى متهم شأنا (يعني أن هذه الجملة حالية واشترإكهم في العلؤ بناء على الظاهر وزعمهم أو العلو بمعنى الغلبة والحرب سجال لكن العاقبة للمتقين، اتوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ليس على ظاهره لأنّ إيمانهم مقرّر ثابت ولكنه تهييج لهم وتحريض، لذا قيل أنه تتميم كالتعليل لأنّ الخطاب مع الرسول عش! هـ وأصحابه رضي الله عنهم تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد فلا يجري على ظاهره وكون الشرط للتعليل فائدة حسنة أشار إليها الرمخشريّ في قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} إلى قوله: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} اصورة الممتحنة، الآية: ا] وابن عياش بعين مهملة وياء مثناة تحتية، وشين معجمة من القراء، إدوله: قبل أن يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في اشتغال من خلفه بالغنائم الذي كان سبباً لما مز، االتداول التعاقب على أمر بأن يكون لهذا مرة وللآخر أخرى، ومنه أخذت الدولة. قوله: (أن! مسسكم قرح) قيل المضارع لحكاية الحال لأنّ المساس مضى، وأمّا استعمال إن فبتقدير كان افا إن كان مسكم قرح وأن لا تقلب كان لقوّته في المضيّ، أو على ما قيل إنها قد تعلق في أ) ! اضي من غير قلب. قوله: (فيوما الخ) بنصب يوما والذي ذكره النحاة رفعه وذكر ا) رمخشريّ في شرح أبيات الكتاب أنه من شعر للنمر بن تولب وهو ة إن الناس قدأحدثواشيمة وفي كل حادثة مؤتمر يهينون من حقرواشيه وان كان فيهم تقيا وبر ويعجبهم من رأوا عنده سواما وان كان فيه الغمر فيالأبي الناس ولويعلمون للخيرخيروللشرشر فيوم عليناويوم لنا ويوم نساء ويوم ئسز قيل الأحسن أن يقدر فيوماً يكون الأمر علينا أي بالإضرار، ويوما لنا أي بالنفع ليكون ط لم فاً ملائماً لقوله ويوما نساء من سيء فلان أصيب بحزن من ساءه أحزنه ويوما نسر من سره جعله مسرورا وأنشده ابن مالك: فثوب لبست وثوب أجر ويوم نساء ويوم نسر على أنّ ثوب ويوم رفع بالابتداء بتقدير الوصف أي ثوب لي ويوم لنا والعائد من الخبر محذوف قال: والبيت لامرى القيس اهـ وفيه خلط في الرواية فإن المصراع الأوّل لامرى القيس من قصيدة معروفة وكان ابن مالك أشار إليه، والنحرير لم يتأمّل كلامه. قوله: (والمداولة كالمعاورة) النهاية يقال تعاور القوم فلانا إذا تعاونوا عليه بالضرب واحدا بعد واحد ثم عم للتعاقب مطلقاً كالتداول. قوله: (والأيام تحتمل الوصف والخبر) والبدل والبيان. وقوله: (ونداولها (يحتمل الخبر والحال لف ونثر مرتب، واليوم بمعنى الوقت لا اليوم العرفي وتعريفها للعهد، أي أوقات النصر تكون تارة لكم وتارة لغيركم واسم الإشارة مثار به إلى ما بعده كما في الضمائر المبهمة التي يفسرها ما بعدها نحو ربه رجلاً ومثله يفيد التفخيم والتعظيم كما في هذا فراق بيني وبينك، قال العلامة: في حواشيه قد تصوّر فراق بينهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 عند حلول ميعاده وأشار إليه، وهذا يوضح ما مز من قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] فتنبه له. قوله: (عطف على علة محذوفة الما كان الظاهر ليعلم بدون واو على أنه تعليل لما قبله احتاج للتأويل كما مرّ بأن يقدر معطوف عليه حذف لقصد الإبهام، وتكثير الفائدة أي تلك الأيام نجعلها دولاً لحكم وفوائد جمة وليعلم الخ فحذف العلة لا المعلل وقوله: إيذانا أي من أوّل الأمر والا فلو ذكر كذلك لدل على ما ذكر لكن في الحذف إيهام أنه مما يطول لتعدده ويقصر عنه البيان ولا يحيط به علم البشر واليه أشار بقوله: ما لا يعلم ولا شك أنّ فيه ما ليس في الذكر، وقيل: إنه معطوف على ما قبله باعتبار المعنى لأنّ معناه لجري عادتنا بذلك وليعلم. قوله: (أو الفعل المعلل به محذوف الخ) بخلاف الأوّل فإنه مذكور والمحذوف العلة فالعلم كناية عما ذكر لأنّ علمه بهم يستلزم وجودهم كذلك لا إنه مجاز عن التمثيل بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب، وجعله الزمخشريّ تمثيلاً بتشبيه الحالة بالحالة، ومعناه فعلنا فعل من يريد أن يتميز الثابت عنده من غيره، وإنما لم يحمل الكلام على حقيقته لدلالته على أنّ العلم يحصل بعد الفعل وعلمه تعالى أزلي لا يتصف بالحدوث، ولو سلم فالعلم بالمؤمن والكافر حاصل قبل ذلك الفعل وقوله: (على حرف) أي غير ثابت كما سيأتي. قوله. (والقصد في أمثاله ونقائضه) أي إثبات العلم ونفيه كقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ} الآتي يعني أنّ الغرض والحكمة في التعليل بحصول علمه المكنى به عن التمييز ليعلم الذين آمنوا وقوّة الثابتين على الإيمان بطريق البرهان فإنّ علمه دليل على ثبوتهم، ولا يخفى أنه إمّا أن يكون المراد من إثبات العلم إثباته في الخارج فيلزم أن يكون إثباته في الخارج أزليا وإلا لم يصح استدلاله من علمه تعالى على ثبوته إذ صحة الاستدلال إنما هي بالاستلزام أو يكون المراد إثباته في علم الله، ولا يخفى إنّ إثباته في علم الله وعلمه تعالى واحد فلا وجه للحكم بالقصد إلى الأوّل دون الثاني وأجيب باختيار الأوّل ولا يلزم أزلية المعلوم في الخارج لأنّ المراد من العلم تعلقه الحادث بالوجود الخارجي وبهذا سقط ما قيل: إنّ المثبت هنا هو التمييز لا المعلوم الذي هو المؤمنون، ولا حاجة إلى أنّ المراد ليعلم الثابتون على الإيمان، والمقصود وليتحقق الثبات على الإيمان بطريق البرهان والمراد بالتميز التميز في الخارج الذي هو كناية عن التحقق لا التميز عند الله الذي هو لازم علمه وذلك في قوله: (فعلنا ذلك) إشارة إلى التداول المذكور في قوله: وتلك الأيام الخ وقوله: (وقيل الخ) هو مختار الزمخشريّ وغيره أي المراد بالعلم تعلقه التنجيزي المترتب عليه الجزاء قال الزجاح: المعنى ليقع ما علمناه غيبا مشاهدة للناس ويقع منكم وإنما تقع المجازاة على ما علم الله من الخلق وقوعه لا على ما لم يقع وفي الانتصاف التعبير عن نفي المعلوم بنفي العلم خاص بعلمه تعالى، وكلام الزمخشريّ يقتضي عدم اختصاصه وهو الظاهر فتأمّل. قوله: (ويكرم ناساً منكم بالشهاد 3 اسخ) فشهداء جمع شيد بمعنى فتيل المعركة وعلى ما بعده بمعنى شاهد وكنى بالاتخاذ عن الإكرام لأنّ من اتخذ شيئأ لنفسه فقد اختاره وارتضاه كقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [سورة طه، الآية: 41] لأن الشهيد مقرّب في حظيرة القدس، وعلى الثاني فهو كقوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سررة البقرة، الآية: 143] المعلل به وكذلك {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] أي خياراً حتى تكونوا اصحاب عزم وصبر كما هنا بما يبتلى به صبرهم من الشدائد. قوله: (الذين يضمرون الخ) أخذه من مقابلة المؤمنين بمعنى الثابتين على الإيمان وظاهرهم يوافق باطنهم، والقرينة عليه سبب النزول من قصة ابن أبيئ المنافق وكذا تفسيره بالكافرين ووجه التنبيه ظاهر لأنّ المحب انمر من أحبه وإذا لم يرد ذلك كان لا محالة استدراجاً. قوله: (ليطهرهم ويصفيهم) المحص في اللغة تخليص الشيء عما فيه عيب يقال محصت الذهب إذا أزلت خبثه قال الراغب ظ لتمحيص هنا كالتزكية والتطهير وفي الأدعية المأثورة اللهمّ محص عنا ذنوبنا وقوله الدولة قال الراغب: بالفتح والضم بمعنى واحد، وقيل: هي بالضم في المال وبالفتح في الحرب والجاه، وقيل: بالضم اسم الشيء المتداول وبالفتح مصدر، ولما كان المؤمنون قد تمحص ما فيهم وتطهر، والكافرون خبث كلهم انمحقوا والمحق تنقيص الشيء قليلاً قليلاً ومنه المحاق. قوله: (بل أحسبتم) يعني أن أم منقطعة مقدرة ببل وهمزة الاستفهام الإنكاري، وقيل إنها متصلة وعديلها مقدر، وهو تكلف ولذا تركه المصنف رحمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 الله وقوله: (ولما تجاهدوا) إشارة إلى ما مرّ أنّ نفي العلم عبارة عن نفي المعلوم وتجري فيه الوجوه الأخر قبله وفي رمز إلى ترك الرياء وأنّ المقصود من الفعل علم الله لا الناس، ووجه الدلالة على أنه فرض كفاية من من التبعيضة وفي بعض النسخ ولما يجاهد بعضكم. قوله: (والفرق بين لما ولم الخ) أي النافيتين الجازمتين قال الزجاح: إذا قيل قد فعل فلان فجوابه لما يفعل، وإذا قيل فعل فلان فجوابه لم يفعل، وإذا قيل: لقد فعل فجوابه ما فعل كأنه قال والله لقد فعل فقال المجيب: والله ما فعل، وإذا قيل هو يفعل يريد ما يستقبل فجوابه لا يفعل، وأذا قيل سيفعل فجوابه لن يفعل فلا عبرة لإنكار أبي حيان التوقع في لما ومن فتح الميم جعله مؤكداً بنون خفيفة محذوفة في الدرج كقوله: إذا قال قدني قال بالله حلفة لتغني عني ذا أنائك أجمعا على رواية فتح اللام وحذفها جائز قيل مطلقا، وقيل بشرط ملاقاة ساكن بعدها، وقيل: إنّ فتح الميم اتباع للام في تحريك أحد الساكنين ليبقى تفخيم اسم الله ولم يرتكب هذا فيما بعده لبعده. قوله: (نصب بإضمار أن) نصب أمّا مصدر أو ماض مجهول والناصب له أن المصدرية على الصحيح، وقيل: الواو وتسمى واو الصرف وجوّز فيه الوجه السابق في ولما! يعلم وعلى قراءة الرفع قيل هو مستأنف، وقيل: حال بتقدير مبتدأ أي وهو يعلم الصابرين واليه أشار بتأويلها بالاسمية. قوله: (أي الحرب فإنها من أسباب الموت الخ (فالتمني للحرب لا للموت فإنه لا يطلب الدعاء به كما صرحوا به أو إنه جائز لا مطلقاً بل بتمني الشهادة، ولا يرد عليه أنّ في تمنيها تمني غلبة الكفرة لأنّ قصد متمني الشهادة الوصول إلى نيل كرامة الشهداء لا غير، ولا يذهب إلى ذلك وهمه كما أن من يشرب دواء النصراني يقصد الشفاء لا نفعه ولا ترويج صناعته، لأنّ غلبة الكفرة لا يكون بموت واحد، وقد وقع هذا التمني من عبد الذ بن رواحة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه، وأشار فيما سيأتي إلى جواب آخر وهو أن المقصود توبيخهم على ذلك، والمسنون فيه أن يقول اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وأمتني ما علمت الممات خيراً لي كما صرح به الفقهاء. قوله: (أي فقد رأيتموه معاينين له الخ) قال الزجاج: رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول رأيت كذا وليس في عيني علة أي رأيته رؤية حقيقية أي فهي حال مؤكدة مقترنة بالواو كما مرّ تحقيقه، والتعبير بالرؤية دون الفعل كناية عن انهزامهم وقد شاهدوا من قبل بين أيديهم ففيه توبيخ لهم على ذلك أو على تمني الشهادة وهم لم يثبتوا حتى يستشهدوا. قوله: (فسيخلو كما خلوا بالموت أو القتل) الذي توهموه، ولو تركه كما في الكشاف لكان أولى لكن هذا مناسب لقوله أو قتل. قوله: (إنكار لارتدادهم الخ (والارتداد مأخوذ من قوله: {انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} لأن معناه رجعتم إلى ما كنتم عليه من الكفر وليس ارتداداً حقيقة وإنما هو تغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلامه لهم ولذا فسر الانقلاب بالأدبار أو الإنكار هنا بمعنى أنه لم يكن ذلك ولا ينبغي لا إنكار لما وقع أو هو إخبار عما وقع لأهل الردة بعد موته وتعريض بما وقع من الهزيمة لشبهه به، والمنكر ترتيب الارتداد على خلوه بموت أو قتل والفاء استئنافية أو لمجزد التعقيب لا للسببية فإنه لا ينسب على خلوه وخلو الرسل ما ذكر بل عكسه وسيأتي ما يعلم منه جوابه. قوله:) وقيل الفاء للسببية الخ) هذا رد على الزمخشرقي حيث قال: الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة التي قبلها على معنى التسبب والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت، أو قتل مع علمهم إن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سبباً للتمسك بدين محمد صلى الله عليه وسلم لا الانقلاب عنه، قال النحرير؟ لا خفاء في أن الفاء تفيد تعليق الجملة الشرطية أعني مضمون الجزاء مع اعتبار التقييد بالشرط بالجملة قبلها، وهي وما محمد الخ تعليقا على وجه تسببها عن الجملة السابقة وترتبها عليها، وتوسيط الهمزة لإنكار ذلك أي لا ينبغي أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بل سبباً لتمسكهم بدينه، كما هو حكم سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ففي انقلابهم على أعقابهم تعكيس لموجب القضية المحققة التي هي كونه رسولاً يخلو كما خلت الرسل اهـ، فقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 حمل كلامه على إنكار التعقيب لأن كلامه صريح فيه ومنهم من حمله على تعقيب الإنكار، والأوّل أنسب بكلام العلامة، ثم اعلم أنّ صاحب المفتاح رحمه الله صرح بأن هذه الآية من قبيل قصر الإفراد إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل استعظام هلاكه منزلة استبعادهم إياه وانكارهم حتى كأنهم اعتقدوا فيه وصفين الرسالة والتبرّي عن الهلاك فقصر على الرسالة نفيا للتبري عن الهلاك قال النحرير: وفيه بعد من جهة عدم اعتبار الوصف أعني قد خلت من قبله الرسل حتى كأنه لم يجعل وصفاً بل ابتداء كلام لبيان أنه ليس متبرئاً عن الهلاك كسائر الرسل في أنه يخلو كما خلوا ويجب التمسك بدينه بعده كما يجب التمسك بدينهم بعدهم فرد عليهم بأنه ليس إلا رسولاً كسائر الرسل سيخلو كما خلوا، ويجب التمسك بدينه كما وجب بدينهم، وهو صريح كلام المصنف رحمه الله، ومن زعم أنه يلزم من حمله على قصر القلب أن يكون المخاطبون منكرين للرسالة فقد أخطأ خطأ بينا وذهل عن الوصف يعني جملة قد خلت فإنها صفة لرسول، وقيل حال من الضمير فيه والأصح الأوّل وهو تصحيح للمسلكين وأنّ من جعله قصر إفراد لم ينظر إلى الوصف ومن جعله قصر قلب نظر إليه وهو الظاهر وردّ لما قال العلامة من أن صاحب المفتاح لم ينظر إلى قوله قد خلت الخ فكأنهم ذهبوا إلى أنه صلى الله عليه وسلم رسول، ولا يموت فقيل ما هو إلا رسول يموت كسائر الرسل، وحيحئذ لا يترتب عليه الانقلاب فتبطل فائدة الفاء، ولا يطابقه التعريض بهم في قوله فما وهنوا الخ كما سيجيء، ومن حمل التركيب على قصر القلب فقد أخطأ لأنه أثبت الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم والقوم لم ينكروها والا لزم ارتدادهم لكن المصنف صرح بأنه لم يرتد أحد منهم اهـ. ووجه الرد عليه أنّ التقييد في محله وأن من قال: يقصر القلب لأخطأ في كلامه كما توهم، ثم إنّ في كلامه بحثا من وجهين الأوّل إن ردّه على العلامة تخطئة القائل بالقلب، إنما يتوجه لو علم كلامه حتى يقال إنه لاحظ معنى الصفة أو لم يلاحظها الثاني أنه ادّعى لزوم أنّ جملة قد خلت مستأنفة، وهو بعيد لمخالفته للقواعد في الجمل بعد النكرات، والداعي له أنها لو كانت صفة لكان القصر منصباً عليها، وهو مخالف لتقريرهم وليس بلازم لجواز أن يكون صفة مؤكدة لمعنى القصر متأخرة عنه في التقدير كقولك ما زيد إلا عالم يعلم الدقائق والحقائق فإنه لا ينافي القصر إلى معنى أنه عالم لا جاهل، وهذا تحقيق لطيف في التوابع الواردة في باب القصر وممن ذهب إلى القصر القلبي الطيبي وتبعه في الكشف لكنه لاحظ الصفة فإنه قال: التركيب من القصر القلبي لأنه جعل المخاطبين بسبب ما صدر عنهم من النكوص على أعقابهم عند الإرجاف بقتله صلى الله عليه وسلم كأنهم اعتقدوا أنه ليس حكمه حكم سائر الرسل المتقدمة عليهم الصلاة والسلام في وجوب اتباع دينهم بعد موتهم بل على خلافه فأنكر الله عليهم ذلك وبين أن حكمه حكمهم الخ، فإن قلت كيف جوّزوا قتله صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أسورة المائدة، الآية: 67] قلت أجابوا عنه بأنه لا يعلم ذلك كل أحد والعالم به قد يذهب عنه لهول المقام مع أجوبة أخر. قوله: (روي أنه لما رمي الخ) عبد القه بن قميئة بقاف وميم وياء وهمزة وهاء بوزن سفينة علم من القماءة، وهي الصغر والحقارة وهذا مخالف لما سبق في قوله ليس لك من الأمر شيء من أنه عتبة بن أبي وقاص لكن ابن الجرزي والطيبي صححوا هذه الرواية، قوله: حتى قتله أي قتل مصعباً رضي الله تعالى عنه، والصارخ قيل إنه الشيطان وانكفا الناس استعارة بمعنى رجعوا والى عباد الله اسم فعل أي ارجعوا وعباد الله مفعوله، وانحاز بمعنى اجتمع وقوله: وشدّ بسيفه أي حمل وأصل معنى الشد العقد، قالوا شد في عدوه بمعنى أسرع قال: ويجوز أن يكون أصله شد حزامه للعدو. قوله: (بل يضر نفسه (أخذه من توجه النفي إلى المفعول فإنه يفيد أنه يضر غير الله وليس إلا نفسه، وقوله: بالثبات عليه إشارة إلى أنه مجاز وضعفيه الشاكرين موضع الثابتين على الإسلام لأنه ناشئ عن تيقن حقيته، وذلك شكر له وأنس هو ابن النضر لسابق. قوله: " لا بمشيئته تعالى أو بإذنه فملك الموت الخ) ههنا شيآن ما كان له أن يموت وبإذن الله، والأول: إنما يستعمل في الفعل الذي يقدم عليه اختياراً فجعله الزمخشريّ تمثيلاً بأن أخرح مخرح فعل اختياري لا يقدّم عليه إلا بإذن، والمراد عدم القدرة عليه والثاني: إذن الله وهو مستعار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 للمشيثة والتيسير كما أن الأذن بيسير الدخول على المحتجب، وبعض شراح الكشاف لم يفرق بينهما، وقوله: أو بإذنه لملك الموت فيكون الأذن على حقيقته، ومفعوله مقدر للعلم به وقوله: (بالإحجام عن القتال والإقدام الف ونشر مرتب ووجه التشجيع والوعد ظاهر. قوله: (مصدر مؤكد الخ) أي مؤكد لعامله المستفاد من الجملة السابقة والمعنى كتب ذلك الأجل المأذون فيه المعين بإرادته كتاباً مؤجلاً ولا يضرّه التوصيف لأنه معلوم مما سبق أيضاً فليس كل وصف يخرج عن التأكيد، فلا يرد عليه أنه ينافي كون مؤجلا صفة له فتأمّل وفسر المؤجل بما له أجل مضروب، أو بما لا يتقدم ويتأخر والفرق بينهما ظاهر والتعريض بذكر الدنيا وأن منهم من أرادها، والانتهاز من انتهاز الفرصة أي اغتنامها والمسارعة إليها، والمراد بالثاكرين المريدين للأخرة وفي إبهام جزائهم واسناده إلى الله ما لا يخفى من المبالغة. قوله: (أصله أيّ الخ) اختلف في هذه الكلمة هل هي بسيطة وضعت كذلك ابتداء والنون أصلية، واليه ذهب أبو حئان وغيره وعليه فالأمر ظاهر موافق للرسم. وقيل: إنها كلمة مركبة من أي المنونة والكاف واختلف في أي هذه فقيل هي أفي التي في قولهم أيّ الرجال وقال ابن جني رحمه الله: إنها من قولهم أوى يأوي، أويا فأعلت بالإعلال المشهور وحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير المفهوم من كم كما حدث، في كذا بعد التركيب معنى آخر فكم وكأين بمعنى واحد، وعلى هذا فإثبات تنوينها في الوقت والخط على خلاف القياس لأنه نسخ أصلها وفيها لغات. إحداها: بالتشديد على الأصل. والثانية: كائن بوزن كاعن كاسم الفاعل واختلف في توجيهها فعن المبرد رحمه الله إنها اسم فاعل من كان وهو بعيد إذ لا وجه لبنائها ولا لإفادتها التكثير، وقيل: أصلها المشددة فقدمت الياء المشددة على الهمزة، ثم حذفت الياء الأولى للتخفيف فقلبت الثانية ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها أو الثانية لثقلها بالحركة، وقلبت الياء الساكنة ألفا كما في آية ونظيره في حذف إحدى الياءين، وقلب الأخرى ألفاً دون انقلب المكاني طاني في النسبة إلى طيء اسم قبيلة فإنّ أصله طيئيّ بياءين مشدودتين بينهما همزة فحذفت إحدى الياءين كما مرّ وقلبت الأخرى ألفاً فقيل طائي، وقيل إنّ إحدى الياءين حذفت قبل القلب، ثم قدّمت وقلبت. والثالثة: كئين بياء بعد الهمزة وبها قرأ ابن محيصن رحمه الله. الرابعة: كيئن بياء ساكنة بعدها همزة مكسورة. الخامسة: كئن بكاف مفتوحة وهمزة مكسورة ونون قال: كئن من صديق خلته صادق الإخا أبان اختياري أنه لي مداهن وتفصيله في الدرّ المصون، والكاف لا متعلق لها لخروجها عن معناها ومن قال به فقد تعسف وموضعها رفع بالابتداء والخبر قتل، وضميرها يجمع ويفرد نظر اللفظ والمعنى، فمعه ربيون جملة حالية من ضمير قتل أو من نبيّ لتخصيصه بالصفة، أو معه حال وربيون فاعله أو جملة قتل صفة نبيّ ومعه ربيون خبر أو معه ربيون فاعله، أو الخبر محذوف تقديره مض ونحوه، وان كان ربيون تائب فاعل قتل فالجملة خبر أو صفة نبيّ والخبر محذوف ففي خبرها أربعة أوجه وإذا أسند القتل إلى النبيّ ورد عليه أنه ينافي قوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} أسورة غافر، الآية: 51] فإمّا أن يكون المقتول من الأنبياء والمومحود بنصرهم الرسل أو هو عام كما صرح به في بعض الروايات، وا! مراد بنصرهم نصرهم في الحروب فلا ينافي قتلهم في غيرها واليه ذهب الحسن وابن جبير وجماعة فقالوا: لا نعلم نبياً قتل في حرب وإليه حال الزمخشرقي أو المراد نصرهم لإعلاء كلمتهم ونحوه لا على الأعداء مطلقاً، وقوله: ككاءن جريا على معتادهم في إبدال الهمزة في الموازن بالعين لتخفيفها لفظا، وخطاً كما بينوه في الصرف وتولهم زغقلي بتقديم الراء في لعمري لغة فيه نادرة كضم العين، وهو قسم والتنظير به لتصرّفهم في المركب كالمفرد وقوله: (فصار كبئن) بكاف وياء مفتوحتين وهمزة مكسورة ونون، والتنظير بطائي مرّ وجهه. قوله: (بيان له) يعني أنه تمييز لكأين كتمييزكم والأكثر فيه الجرّ بمن وزعم بعضهم أنها لازمة ويرذه أنه ورد منصوبا في قوله: اطرد اليأس بالرجاء فكائن أملا جمّ يسره بعد عسر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وأما جرّه بالإضافة فممتنع للتنوين أو صورته، ولا تجر بحرف خلافاً لابن قتيبة وابن عصفور ومعناها التكثير في الأكثر، وترد للاستفهام نادراً. قوله: (ربانيون نالخ) يعني أنه منسوب إلى الرب كرباني والمراد به عالم زاهد، والضم والكسر على هذا مخالف للقياس والفتح موافق له وبها قرئ، وقيل الضمّ والكسر منسوب إلى الربة بالضم والكسر لغتان فيه بمعنى الجماعة وياء النسبة للمبالغة كاحمري ومن قال: معناه الكثير العلم من ربا يربو فقد أخطأ لاختلاف الماذتين، وقوله: (منسوب إلى الربة) أي بالكسر بناء على أنّ الضم ليس لغة فيها، ومنهم من قال إنه لغة كما مرّ وقوله: (ويؤيد الأوّل الخ) لأنّ التضعيف للتكثير وهو ينافي إسناده إلى نبيّ واعتبار المعنى فيه أو رجوعه إلى كأين خلاف الظاهر، وأيد أيضاً بما مرّ من أنه لم يقتل نبيّ في حرب قط. قوله: (فما فتروا الخ) جدهم بكسر الجيم بمعنى اجتهادهم ولو قرئ بالحاء المهملة على أنه كناية عن عدم الضعف لم يبعد، وقوله:) من قتل النبئ (بناء على الوجه الثاني لأنه أبلغ وأظهر في الضعف، وقيل: إنه على الوجهين لأنّ قتل الربيين معه يفيد قتله أيضا نحو ضرب زيد مع عمرو وقوله: أو بعضهم إشارة إلى أنّ إسناد القتل إليهم بمعنى قتل بعضهم أو أكثرهم كما يقال: قتل بنو فلان إذا وقع القتل فيهم، وفسر الوهن بمعنى الفتور ليكون ضعفوا تأسيساً والا فأصل معناه الضعف، وفسر الضعف بالضعف عن العدوّ وهو عدم المقاومة أو في الدين بأن يتغير اعتقادهم لعدم النصر كما مرّ من قولهم لو كان نبيا لما غلب، وهذا ناظر لم مرّ. قوله: (وما خضعوا للعدوّ وأصله الخ) استكان بمعنى تضرّع أو خضع، واختلف فيه هل هو من السكون فوزنه افتعل لأنّ الخاضع يسكن لمن خضع له فألفه ل! شباع وهو كثير ولا يختص! بالضرورة، كما قيل أو من الكون فوزنه استفعل وألفه منقلبة عن واو والسين مزيدة للتأكيد كأنه طلب من نفسه أن يكون لمن قهره وقيل: لأنه كالعدم فهو يطلب من نفسه الوجود فقوله أن يكون بالفوقية والتحتية، ووجه التعريض ظاهر، وقيل: إنه من قول العرب بأنّ فلان مكينة سوء أي بحالة سيئة أو من كأنه يكينه إذا أذله قاله الأزهريّ: وأبو عليّ فألفه منقلبة عن ياء وقوله: (فينصرهما الخ) لأنّ محبة الله للعبد إنما هي بفعل ما يريده، وهذا هو المناسب هنا. قوله:) وما كان قولهم مع ثباتهم وقوّتهم الخ) الثبات والقوّة يستفادان من عدم الفترة والضعف والربانيون من قوله: ربيون على التفسير الأوّل والإسراف تجاوز في فعل ما يجب الذنب عامّ فيه، وفي التقصير وقيل إنه يقابل الإسراف وكلاهما مذموم وقوله: ليكون عن خضوع بجعلهم أنفسهم مذنبة مسرفة، وطهارة يعني من الذنوب بالمغفرة وهو أقرب الإجابة وقوله: ليكون تعليل لتأخير طلب التثبيت من ثم. قوله: (وإنما جعل قولهم خبرا الخ (الجمهور على نصب قولهم خبراً وأن وما معها اسم وعن عاصم عكسه، ورجحت الأولى بأنه إذا اجتمع معرفتان فالإعراب أن يجعل الأعرف محكوما عليه والمصدر المؤوّل أعرف لأنه بمنزلة المضمر إذ لا يوصف ولا ينكر، والثاني ليس بمسلم لأنه قد ينكر كما في وما كان هذا القرآن أن يفتري أي افتراء، وقد صرح به شرح التسهيل ووجهه المصنف بدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث، وجهة النسبة هي الفاعلية والمفعولية والحدث مستفاد من الفعل فهو يدل على زيادة معنى، وهو كونه صادراً عنهم في الماضي فيكون أكثر تعينا وهو يقتضي زيادة التعريف بخلاف إضافة المصدر الصريح فإنها لا تدل على ذلك صريحا، ومعنى ما كان ما صح ما استقام، وفي الانتصاف أن فائدة دخول كان المبالغة في نفي الفعل الداخل عليه باعتبار الكون. قوله: (فآتاهم الله بسبب الاستنفار الخ) اللجأ بوزن الحذر بمعنى الالتجاء، وهو مأخوذ من الدعاء والتضرّع والنصر والغنيمة الخ ما فيه من أمور الدنيا تفسير لثوابها، وما تعلق بالآخرة من ثواب الآخرة، والاعتداد به من وصفه بالحسن حتى كأنّ ما عداه ليس بحسن عنده، والسببية تستفاد من الفاء. قوله: (نزلت في قول المنافقين الخ) فالمراد بالكافرين المنافقون، وقولهم: ما قيل إرجاف منهم والألم يقع قتله، وعلى القول الآخر الطاعة الخضوع والانقياد لما مرّ، ويستجر بمعنى يقتضي جرّهم، وقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 بالنصب أي نصب الجلالة، وقيل: هو عامّ الخ فالمخاطب هم المؤمنون جميعا، والمخاطب على الأوّل الصحابة والكافرون للعهد والمعهود إمّا المنافقون وامّا اليهود والنصارى والمشركون، وتوله (عن ولاية غيره) هو أبو سفيان وما عداه من الكفرة. قوله: (يريد ما قذف الخ) فالرعب رعب المؤمنين بأحد قيل وينافيه السين إلا أن يحمل على التأكيد، ولقابل يعني للعام القابل، وليستأصلوهم يعني ليقتلوهم جميعاً ويقلعوهم من أصلهم وعلى هذا فالرعب رعب المشركين وقوله: (بالضم (أي ضم عين الرعب وهي الأصل والسكون للتخفيف وقيل هما لغتان، وقيل: الأصل السكون والضم للاتباع. قوله:) بسبب إشراكهم به الخ) فالباء سببية وما مصدرية وآلهة تفسير لما، وحجة تفسير لسلطانا لأنه بها يتقوّى على الخصم فالنون زائدة والسليط الزيت أو دهن السمسم، وقيل: النون أصلية، وقوله: ولا ترى الضب بها ينحهجر أي يدخلى حجرا وهو شاهد لما فيه انتفاء المقيد لانتفاء قيده اللازم، وهذا كقولهم السالبة لا تقتضي وجود الموضوع غحاصله أنه سلب لا يقتضي وجود الموضوع، وهو في وصف مغارة وأوّله: لا يفزع الأرنب أهوالها أي لا ضب بها حتى ينحجر ولا حجة حتى ينزلها فالمراد نفيهما جميعاً. قوله: (أي مثواهم فوضع الظاهر الخ) فالتغليظ من جعلهم ظالمين والتعليل من التعبير بالمشتق فإنه يقتضي أن مأخذه علة الحكم كما مرّ. قوله: (أي وعده إياهم بالنصر الخ) يعني أن المصدر مضاف لفاعله، وصدق يتعدى لمفعولين وقد يتعدى لواحد وهذا إشارة إلى ما مر في قوله:) إن تصبروا ولتقوا الخ) ومعنى يرشقونهم يرمونهم بالسهام، والرماة جمع رام فالمراد بالوعد النصر المشروط بما ذكر وقوله: تقتلونهم أصل معنى حسه أصاب حاسته بآفة فأبطلها مثل كبده ولذا عبر به عن القتل، وقيل للقتل حسيس ومنه جراد محسوس إذا طبخ كله عن الراغب رحمه الله ومن لم يقف عليه استبعده وأصل معنى الفشل الضعف وضعف القلب بالجبن والحرص من ضعف العقل واليقين وكذا ضعف الرأي من ضعف العقل فلذلك فسرها بها وقوله: فثبت مكانه أي في مكانه ولزمه، والمعنيّ كالمرضيّ بمعنى المقصود ومن الظفر والغنيمة بيان لما، وفاعل أراكم الله. قوله: (وجواب إدّا محذوف وهو امتحنكم الخ (في حتى هذه قولان قيل حرف جر بمعنى إلى ومتعلقها تحسونهم أو صدقكم أو محذوف تقديره دام لكم ذلك، وقيل حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية من إذا وما بعدها وجوابها قيل تنازعتم والواو زائدة، وقيل صرفكم، وثم زائدة وهو ضعيف جدا والصحيح أنه محذوف وقدره ابن عطية، انهزمتم والزمخشريّ منعكم نصره وأبو البقاء بأن لكم أمركم بدليل ما بعده وقدره المصنف رحمه الله امتحنكم، وقدره أبو حيان انقسمتم قسمين ولكل وجهة والمركز مكانهم الذي أمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بلزومه. قوله: (كفكم عنهم الخ) أي بترك القتال، وتحول الحال من الغلبة إلى ضدها، والمراد بالابتلاء الامتحان وهو استعارة تمثيلية أي يعاملكم معاملة من يمتحن ليبين أمركم والا فالامتحان على الله محال وقوله: (ولما علم من ندمهم) أي فإنه سبب للعفو بمقتضى الفضل والكرم فالمراد بالتفضل محض التفضل ليقابل ما بعده، وأديل بمعنى جعل الدولة إمّا لهم وإمّا عليهم. قوله:) أو بمقدر كاذكر الخ) هذا على قراءة الياء التحتية المذكورة في الكشاف ظاهر وأمّا على قراءة الخطاب فقيل إنه مشكل إذ يصير المعنى اذكر يا محمد إذ تصعدون يعني لما فيه من خطأ بين بدون عطف فالصواب اذكروا وأجيب بأنّ المراد باذكر جنس هذا الفعل فيقدر اذكروا لا أذكر ويحتمل أن يكون من قبيل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] ولا يخفى أنه خلاف الظاهر قد سنح لنا أنّ أذكر متضمن لمعنى القول والمعنى قل لهم حين تصعدون الخ، ومثله لا منع فيه كما تقول قل لزيد أتقول كذا فإنّ الخطاب المحكي مقصود لفظه فلا ينافي القاعدة المذكورة وهم غفلوا عنه فتأمّل، وأشار إلى أنّ الصعود هنا بمعنى الذهاب في الأرض مطلقأ وأصله الذهاب إلى جهة العلو، ويقابله الانحدار، وظاهر كلامهم الفرق بين الصعود والتصعد فإنه الذهاب في العلوّ، وهو الذهاب مطلقا وفيه نظر وقبل إنه إشارة إلى غلوهم فيما تخيروه كقولهم: أبعدت في كذا، وارتقيت فيه مرتقي فكأنه قال: إذا بعدتم في استشعار الخوف، والاستمرار على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 الهزيمة، وقوله: الإصعاد إشارة إلى أنّ القراءة المشهورة بضم حرف المضارعة، وقرئ بفتحة والهمزة فيه للدخول نحو أصبح إذا دخل في الصباح. قوله: (لا يقف أحد لأحد الخ) يعني أنه من لوى بمعنى عطف فالمراد به وتف وانتظر لأنّ من شأن المنتظر أن يلوى عنقه، وفسر أيضاً بلا ترجعون وهو قريب منه، وقرئ تلون وتقدم توجيهها، ومعنى من بكر من يرجع وأخرى مقابل أولى والمراد الساقة من العسكر أو جماعة أخرى مطلقاً، وقوله: (عطف على صرفكم) قيل عليه أنّ فيه طول الفصل بين المتعاطفين فالظاهر عطفه على تصعدون، وهو دمان كان مضارعاً لفظاً فهو ماض معنى لإضافة إذ إليه وفاعل إثابكم ضمير الله وقيل الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وجازاكم تفسير لأثابكم ومتعلقه محذوف تقديره ما ذكر. قوله: (غماً متصلاَ بغم (يعني أنّ الباء للمصاحبة والظرف مستقرّ والغئم، والأوّل القتل والجرح والثاني الإرجاف بقتل النبيّ عت! هـ، والأولى أن يقول وغلبة المشركين لأنّ الظفر كان للمؤمنين والارجاف هو الإخبار بما يورث الاضطراب من الأخبار الكاذبة، ويقال: ل! اذيب أراجيف حقيقته الاضطراب فقط وقوله: (أو فجازاكم الخ) فالباء فيه سببية متعلقة بأثابكم والغنم الأوّل للصحابة رضي الله عنهم بالقتل ونحوه، والثاني للرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره. قوله: (لتتمرّنوا الخ) التمرّن مزاولة الأمر واعتياده ولما كان الغثم المضاعف سبباً للحزن لا لعدمه أوّله بما ذكر لأنّ من اعتاد شيئا صار طبيعة له لا يؤلمه ويحزنه، وعلى الزيادة ظاهر ولا يخفى أنّ تأكيدها وتكريرها يبعد الزيادة. قوله: (وقيل الضمير في فأثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم) هذا خلاف الظاهر ولذا أخره، ومرضه والمراد بأبا بكم آساكم بالهمز والمد أي جعلكم أسوة له متساوين في الحزن واللغة الفصيحة فيه آسى وأمّا واسي فقيل مولدة وقيل: رديئة وعليه فالتعليل ظاهر، وعلى الأوّل الإثاية بحاز عن المجازاة أو تهكم على حد: تحية بينهم ضرب وجيع والتثريب التعيير والاستقصاء في اللوم وقوله:) عليم الخ) تفسير لخبير وفي نسخة عالم. توله: (أنزل الله عليكم الأمن حتى أخذكم النعاس الخ) هذا بيان لمحصل المعنى، وقوله وعن أبي طلحة الخ حديث صحيح رواه البخاري، واختلف في الأمنة فقيل مصدر كالمنعة بدليل قراءة السكون، وقيل: جمع آمن كبررة وقوله كأنها المرّة إنما أفحم كأنها لأنها لم يقصد بها مرة من الأمن وإنما المقصود إلا من مطلقاً لكن لوقوعها في زمان يسير شبهت بالمرّة، والبدل هنا يدل اشتمال وعلى الحالية لا يضر كونها من النكرة لتقدمها وعلى أنه مفعول له فالأمن بمعنى كونهم آمنين ليتحد فاعلهما فلا يرد ما اعترض به عليه لكن يلزمه تقديم معمول المصدر عليه، وهذه عادة الله مع المؤمنين جعل النعاس في الحرب علامة للظفر، وقد وقع كذلك لعليّ رضي الله تعالى عنه في صفين وهو من الواردات الرحمانية والسكينة. قوله: (أوقعتهم أنفسهم في الهموم الخ) يعني أن أهمه إمّا بمعنى جعله ذا هم وحزن أو جعله مهما له ومقصودا وهذا من الأوّل لأنّ ما يعتني به يحصل الهمّ لعدمه وكلاهما منقول عن الأزهري، فإن كان من الأوّل فالمعنى أنّ أنفسهم أوقعتهم في الحزن وان كان من الثاني فالمعنى ما يهمهم إلا أنفسهم لا النبيّ -حرو وغيره، والحصر مستقاد من المقام. توله: (صفة أخرى الخ) الحالية من ضمير أهمتهم لا من المبتدأ، وقوله: غير بالنصب على المصدرية المؤكدة لأنه بحسب ما يضاف إليه فلذا قدر غير الظن، وقوله: الذي يحق أن يظن به تفسير للحق وضمير يظن للظن فالإسناد مجازي كجذ جذه فلا يتوهم أنه يقتضي أنّ الظن بمعنى المظنون فيكون مفعولاً به لا مفعولاً مطلقاً. قوله: (الظن المختص الخ) إضافته إمّا من إضافة الموصوف إلى مصدر صفته ومعناها الاختصاص بالجاهلية كرجل صدق وحاتم الجود فهي على معنى اللام أي المختص بالصدق والجود فالياء مصدرية، والتاء للتأنيث اللازم له أو من إضافة المصدر لفاعله أي ظن أهل الجاهلية أي الشرك والجهل بالله وهي اختصاصية حقيقية أيضاً، وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله. قوله: (يقولون أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بدل من يظنون الخ) فالقائل من كان حاضراً من المنافقين للنبيّ صلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 الله عليه وسلم، وعلى الثاني القائل بعض المنافقين لبعض، وعن العلامة أن قوله يقولون هل لنا الخ تفسير ليظنون وترجمة له، والاستفهام لا يكون ترجمة للخبر كما لا يصح أن تقول أخبرني زيد قال لي: لا تذهب وكذلك كل ما لا طباق فيه كنحو نهاني قال لي اضرب وأمرني قال لي: لا تضرب ومن هذا المثال يظهران ما يتوهم من أن البدل يقولون، وهو خبر ليس بشيء وتحقيقه أن المطابقة بين الحكاية والمحكي واجبة وحاصل السؤال أن متعلق الظن النسبة التصديقية فكيف يقع الاستفهام ترجمة له، والجواب أن الاستفهام طلب علم فيما يشك أو يظن فجاز أن يكون متعلق الظن وتحقيقه أن الظن أو العلم متعلق بما يقال في جواب ذلك الاستفهام، وهذا كما قال لك صديقك هل تسعفني في كذا فتقول ظننت بنا سوءاً إشارة إلى أنه كان يجب عليه القطع بالإسعاف ولا يجعله مورد الاستفهام الناشئ عن الظن الفاسد وفي الآية وجه آخر وهو أن الاستفهام إنكارفي لا حقيقيّ فهو خبر وأوثر الأوّل لأنّ هذا يدفعه أنهم أخفوا قولهم لو كان لنا من الأمر شيء وهذا السؤال على القول الأوّل، وأمّا على الثاني وهو أن معنى هل لنا لم نملك من التدبير فلا ورود له، وإنما ظن السوء تصويبهم رأي عبد الفه ومن تبعه، وقوله: إنا منعنا إشارة إلى أنّ الاستفهام غير حقيقيّ وما بعده إشارة إلى أنه على ظاهر.. قوله:) أي الغلبة الحقيقية الخ (فالأمر بمعنى البال والشأن والمراد ما ذكر، وقوله: وأوليائه إشارة إلى أنّ كون الغلبة لله كناية عن غلبة أوليائه وحزبه لكونهم من الله بمكان فعلهم فعله، أو الأمر بمعنى القضاء أي القضاء مخصوص به لا يشاركه فيه غيره فيفعل ما يريد. قوله:) حال من ضمير يقولون الخ (وأتم جعله حالاً من فاعل قل والرابط لك فلا يخفى حاله وفسر يقولون بالقول النفسي، أو بقول بعضهم لبعض لأنه لو كان جهاراً لم يكونوا منافقين، وأمّا الاستئناف ففي جواب سؤال كأنه قيل ما الذي أخفوه تيل، وهو أجود لكثرة فوائده وقلة الاعتراض بين الحال وذيها ولأنّ بدل الحال حال ولا مقارنة بينهما لترتبه على ما قبله لا لأنه لا يجتمع قولان من متكلم واحد لأنّ زمان الحال المقارن ليس مبنياً على التضييق مع أنّ القول إذا كان نفسيا لا يتأتى هذا التوجيه، وقوله: كما وعد الخ إشارة إلى تفسير الأمر السابق بالنصر والظفر، وقوله: أو لو كان لنا اختيار مبني على تفسير هل لنا بأنا منعنا من التدبير وهو رأي ابن أبيّ بعدم الخروج من المدينة فقوله: لم نبرح أي لم نبرح بالمدينة. قوله: (لما غلبنا ولما قتل من قتل الخ) القائلون ليسوا ممن قتل لاستحالته فلذا أوّله بغلبنا وقتل منا على أنّ القتل بمعنى المغلوبية أو الإسناد مجازي بإسناد ما للبعض للكل. قوله: (أي لخرج الذين قدّر الله عليهم الخ (المضاجع إن كان بمعنى المراقد فهو استعارة للمضارع، وان كان بمعنى محل امتداد البدن مطلقا للحيّ والميت فهو حقيقة، وقوله: لا معقب لحكمه أي لا يأتي بعده ما يغيره فإن قلت كيف يكونون جميعا في بيوت المدينة مع بروز المقتولين إلى أحد قلت المراد بكونهم في بيوتهم! ولم يخرجوا للقتال بجملتهم، وهو لا ينافي خروج بعضهم لأمر آخر، وأما أنّ المراد بمن كتب عليهم القتل الكفار الذين قتلوهم بأن يخرجوا من عسكرهم ويدخلوا عليهم المدينة فيقتلوهم في بيوتهم بحيث لا يفيدهم التحصن، كما قيل: فبعيد لأنّ الظاهر من عليهم أنهم مقتولون لا قاتلون. قوله: (وليمتحن الله ما في صدوركم الخ (تقدم أنّ الامتحان مجاز عن الإظهار وأنّ مثل هذا التركيب متعلق بمعلل معطوف على ما قبله من مجموع الشرطية أو جوابها والظاهر أنه معطوف على أنزل عليكم، ولا فصل بينهما لأنّ ما بعده إلى هنا من متعلقات المعطوف عليه أو على علة أخرى محذوفة، وأمّا عطفه على لكيلا فبعيد وتوسط تلك الأمور محتاج إلى نكتة، وقوله: من الإخلاص والنفاق يدل على أنه عنده معطوف على أنزل وأنه عاتم للطائفتين والزمخشريّ جعله للمؤمنين فقط لأنهم المعتد بهم ولأنّ إظهار حالهم مظهر لغيرهم، فما قيل: إنه يدل على أنّ الخطاب في هذه الآية للمؤمنين والمنافقين معاً فإنّ إظهار الإخلاص يناسب المؤمنين واظهار النفاق يناسب المنافقين وسوق الآية على أنه للمنافقين لأنهم القائلون لو كان لنا الخ، وصاحب الكشاف جعله للمؤمنين والاعترأض عليه أقوى ليس له وجه مع كون السياق على أنّ الخطاب للمنافقين لا وجه له مع قوله وليمحص، وقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 اعترف به القائل كما سيأتي وهو الذي حمل الزمخشريّ على تخصيصمه بالمؤمنين فلله دره. قوله: (وليكشفه ويميزه الخ) قد مرّ معنى التمحيص، واسناده في النظم سابقاً للمؤمنين يقتضي ترجيح الوجه الثاني الذي اقتصر عليه الزمخشرفي، وعلى التعميم يفسر بالتمييز والمراد بما في قلوبهم الاعتقاد ولذا قال ما في قلوبكم ولم يقل قلوبكم ولا يرد عليه أنّ الخطاب للمنافقين وهو لا يناسب التخليص من الوسواس كما مر، وذات الصدور ما في القلوب التي فيها جعلها لتمكنها منها كأنها مالكة لها وقيده بقوله: قبل إظهارها لدلالة صيغة المبالغة عليه إذ بعد إبدائها لا تكون كذلك وجعله وعداً ووعيداً بناء على العموم الذي ارتضاه والعالم بالخفيات لا يحتاج إلى الامتحان والتجربة فهذا دليل على أنه تمثيل كما مرّ قوله:) يعني أن الذين انهزموا يوم أحد الخ (في الكشاف اسنزلهم طلب منهم الزال ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم أي إن المنهزمين بأحد كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا يعني أن التولي غير الاستزلال، وقيل استزلال الشيطان إياهم هو التولي وإنما دعاهم إليه بذنوب تقدّمت لهم لأنّ الذنب يجرّ الذنب كما أنّ الطاعة تجرّ الطاعة. وقال الحسن استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة، وقيل: بعض ما كسبوا ترك المركز الذي أمرهم به صلى الله عليه وسلم فجرّهم ذلك إلى الهزيمة وقيل: ذكرهم خطايا لهم تركوا لقاء الله معها فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية وقوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} كقوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة المائدة، الآية: 5 ا] يعني أنّ في الآية وجهين مبني الثاني على أنّ الزلل الذي أوقعهم فيه ودعاهم إليه هو التولي، وبعض ما كسبوا أمّا الذنوب السابقة ومعنى السببية انجرارها إليه كما في الطاعات تجرّ البعض إلى البعض، وأما قبول ما زين لهم الشيطان من الهزيمة وأمّا مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم بالثبات في المركز وأمّا الذنوب السابقة لا بطريق الانجرار بل لكراهة الجهاد معها فاستزلال الشيطان إيقاعهم في التولي بتذكيره إياهم تلك الذنوب حالة القتال فالوجه الثاني أربعة أوجه لا خفاء فيها، وإنما الخفاء في الأوّل المبنيّ على أنّ الزلل ليس هو التولي والانهزام بل الذنوب المفضية إليه من جهة منعها التأييد وتقوية القلب، والمعنى إنّ الذين تولوا إنما سبب توليهم استزلال الشيطان إياهم ببعض الذنوب أي إيقاعهم في الزلل، ودعاؤهم إليه بأن اقترفوا ذنوبا لم يستحقوا معها التأييد الإلهيّ، وقوّة القلب فلذا تولوا والجار والمجرور أي ببعض الخ في موقع البيان والتقرير للزلل وايقاعهم فيه بأن أطاعوه، واقترفوا الذنوب كما يقال استزله الشيطان بقتل المسلم فقوله: استزلال الشيطان توليهم وذلك لكونه زللا عن موقف الحق والمركز المأمور به وإذا أريد به الذنوب فبالمعنى الأخير، والمصنف رحمه الله أشار إلى زبدته على أخصر وجه وصرح بترك المركز وغيره وأومأ إلى تزيين الشيطان بالحرص على الغنيمة والحياة لم يتركهما كما توهم، وقوله: ببعض ما كسبوا ليس بعض زائدة ولا حاجة إليه بل إشارة إلى أن في كسبهم ما هو طاعة لا يوجب الاستزلال أو يقال: هذه العقوبة ليست بكل ما كسبوا فإنه يستحق به عقوبة أزيد منها لكنه تعالى من بالعفو عن كثير {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [سورة فاطر، الآية: 45] ولذلك ذيله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . قوله: (يعني المنافقين الخ) فسر الكفرة بهم لأنهم هم القائلون كابن أبيئ وهم كفرة في نفس الأمر وقولهم لأجلهم الخ جعل اللام تعليلية لأنهم غائبون لقوله إذا ضربوا فلا حاجة لتأويله وأمّا شمول الإخوان للغائبين والحاضرين والقول لبضهم وهم الحاضرون والضرب لبعض آخر كما قيل فتكلف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول، وعمم الأخوة للحقيقية والمجازية كالصداقة وموافقة الاعتقاد وتقدّم أنه يجمع فيهما على إخوان لكنه غلب في الثاني. قوله: (إذا سافروا الخ (أصل الضرب إيقاع شيء على شيء واستعمل في السير لما فيه من ضرب الأرض بالرجل، ثم صار حقيقة فيه، وإنما قابل الغزو به لأنه قد يكون بدونه كما في أحد. قوله: (وكان حقه إذا لقوله قالوا الخ) يعني أن متعلقه ماض! فحقه إذ لأنها للمضيّ وجعله لحكاية الحال الماضية تبع فيه الزمخشري، وقد اعترض! بوجهين الأوّل أن حكاية الحال إنما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 تكون حيث يؤتى بصيغة الحال وهذه صيغة استقبال، الثاني إن قولهم لو كانوا عندنا إنما هو بعد موتهم فكيف يتقيد بالضرب في الأرضى، وأجيب بأنّ إذا للاستمرار كما صرح به الزجاج من أنها تكون لمجرّد الوقت وقصد الاستمرار، وبأنّ قالوا لإخوانهم في موضع الجزاء معنى فيكون المعنى إذا ضربوا الخ قالوا لو كانوا عندنا الخ فيقيد القول به باعتبار آخره لأنّ المعتبر في مثله المقارنة العرفية كقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة، الآية: 198، وهذا لا يصحح ما ذكره الزمخشريّ والمصنف ولا يدفع الاعتراض لأنها إذا كانت للاستمرار شمل الماضحي فلا تكون لحكاية الحال، وكذا إذا كان قالوا جواب إذا يصير مستقبلا فلا تتأتى فيه حكاية الحال المذكورة، وأجيب أيضا بأنّ النظر الصائب يقتضي أن تجعل إذا ظرفا لما يحصل للإخوان حتى يقال لأجلهم وفي حقهم ذلك كأنه قيل قالوا: الآجل الأحر ال العارضة للأخوان إذا ضربوا بمعنى حين كانوا يضربون وهذا لا يصحح بحسب العربية فكأنه نحا نحوا مما قاله أبو حيان رحمه الله: من أنه يمكن إقرار إذا على الاستقبال بأن يقدر العامل فيها مضافا مستقبلا على أنّ ضمير لو كانوا عائد على إخوانهم لفظا لا معنى على حد عندي درهم ونصفه والتقدير قالوا؟ لمخافة هلاك إخوانهم إذا ضربوا أو كانوا غزاً لو كان إخواننا الآخرون الذين تقدم موتهم وقتلهم عندنا ما ماتوا، وما قتلوا فتكون هذه المقالة تثبيطاً لإخوانهم الباقين عن الضرب، والغزو لئلا يصيبهم ما أصاب الأوّلين، ونقل في المغني أنها تكون للحال بعد القسم فلو حمل عليه هذا لصفا عن الكدر لكنهم تركوه لأنه غير مسلم عندهم. قوله: (جمع غاز كعاف وعفا الخ) يعني جمع فيه فاعل على فعل بالتشديد كشاهد وشهد وهو من نوادر الجمع قي المعتل ولهذا استشهد عليه بعفا في قول امرئ القيس: ومغبرّة الآفاق خاشعة الصوى لها قلب عفا الحياض أجون يصف مفازة بأنها لم تسلك قبله، والصوى جمع صوة وهي الحجارة تنصب علما للمفازة والقلب جمع قليب وهي البئر القديمة، وعفا بمهملة وفاء آخره بمعنى دارسات وأجون جمع أجنة بمعنى متغيرة والمصنف رحمه الله أشار إلى محل الشاهد منه، وقرئ بالتخفيف بحذف إحدى الزايين أو التاء فاصله غزة ويجمع أيضا على غزاة وغزاه ككرام وغزيّ كغنيّ وغازين، وقوله: يدل على أن إخوانهم لم يكونوا مخاطبين لأنه تصريح بأنهم ليسوا عندهم فاللام للتعليل كما مرّ. قوله: (متعلق بقالوا الخ) هذا ما داخل في التشبيه أو خارج عنه فعلى الأوّل يتعلق بقالوا وليس هذا علة لقولهم فيجعل مجازاً بأن يشبه الأمر المترتب على الفعل بالعلة الباعثة عليه وششعار له حرفه وهو المسمى بلام العاقبة وعلى الثاني متعلق بلا تكونوا أي نهاكم عنه ليجعل اعتقادكم الظاهر لهم حسرة فذلك إشارة إلى الاعتقاد الذي تضمنه القول أو للنفي المدلول عليه بالنهي قيل وجعل الحسرة في قلوبهم عبارة عن تمكنها ولزومها لهم، وقولهم: مما يغمهم أي يورثهم الغم والحزن. قوله: (أي هو المؤثر في الحياة والممات الخ) صرف المحيي عن معناه الظاهر وهو موجد الحياة لأن الكلام ليس فيه ولا يحصل به الردّ وإنما الكلام في إحداث ما يؤثرهما، وجعله تهديدأ لهم لأنّ علم الله ورؤيته يستعمل في القرآن للمجازاة على المعلوم والمرئيّ والمؤمنون لم يماثلوهم فيما ذكر لكن ندمهم على الخروج من المدينة يقتضيه، وقرئ متم بالضم من مات يموت مثل كنتم من كان يكون، وبالكسر من مات يمات مثل خفتم من خاف يخاف كما هو مقرّر في التصمريف، ولام لئن موطئة للقسم ولام لمغفرة في جواب القسم، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ووفائه بمعناه وهو معنى قوله ساذ مسده، وقدم القتل على الموت أوّلاً لأنه أكثر ثوابا وأعظم عند الله فترتب المغفرة والرحمة عليه أقوى، وقدم الموت في الثانية لأنه أكثروهما مستويان في الحشر، وقوله: وان وقع ذلك أي الموت لا التقديم. قوله: (لإلى معبودكم الخ) في الكشاف اسم الله لما كان اسما للذ ات الجامع لصفات الكمال على وجه الكمال كان ذكره في معرض! الوعد منبئا عن تمام الرضا والكرم والرحمة، وفي معرض الوعيد عن غاية السخط والانتقام وتقديمه يدل على الحصر أي إليه تحشرون لا إلى غيره فلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 رجاء ولا ثواب إلا منه وادخال لام القسم على المعمول المقدم مشعر بتأكيد الحصر والاختصاص، وبأنّ ألوهيته هي التي تقتضي ذلك، وقوله: الذي توجهتم إليه يقتضي أن في هذه الجملة مقدّرا بقرينة ما قبله أي ولئن متم أو قتلتم في سبيل الله ولو حمل على العموم لكان أولى، وقوله: لا محالة مأخوذ من التأكيد بالقسم ولما كان المقصود من ذكر الحشر ذكر ما فيه من الجزاء قال فيوفي الخ. قوله: (والدلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلا برحمة) وفي نسخة والتنبيه وقد تبع فيه الكشاف، ولما كان مخالفاً لما تقرر من أن الحصر إنما يستفاد من التقديم لا من التأكيد الزائدة ونحوه ذهب شراحه إلى أنّ الحصر إنما استفيد من تقديم الجار والمجرور وزيادة ما إنما تفيد تأكيد ذلك قالوا ففي كلامه حذف أي ما مزيدة والظرف مقدم للتأكيد، والدلالة على اللف والنشر التقديري، ولا يخفى ما فيه من العناية التي هي بسلامة الأمير وقد وقع من الزمخشري هذا في مواضع من كشافه ولا قرينة على ما ذكروه، ولو قيل: إن الحصر إنما استفيد من التقديم لدلالته على الاهتمام به والتأكيد أيضا يدل على ذلك فلا مانع من دلالته على الحصر أيضاً لأنّ تأكيد سببيته يفيد أنه لا سبب غيرها ولعل هذا مراده لكن الشراح لم يعوّلوا عليه لأنه لم يذكره أحد من أهل المعاني وكم في كتابه من أمثاله، وقد صرح به في بعض كتبه وربط الله على جأشه أي تقوية قلبه من قولهم فلأن رابط الجأس بالهمزة أي شديد القلب كأنه يربط نفسه عن الفرار لشجاعته، وإنما جعل اللين مسبباً عن ربط الجأس لأنّ من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة والفظاظة سوء الخلق وترك حسن العشرة وغلظ القلب القساوة وعدم التأثر والمراد برحمة الله ما يرحمه به مما ذكر أو الرحمة التي خلقها في فطرته. قوله:) وشاورهم الخ (كان عليه الصلاة والسلام مأموراً بالمشاورة مع الأصحاب، واختلف هل أمر بها في أمور الدنيا والدين أو في أمور الدنيا فمن أبى الاجتهاد له ع! ي! م ذهب إلى الثاني، ومن جوّزه وهو الأصح ذهب إلى الأوّل وهذا فيما لم يكن فيه وحي بالاتفاق فقوله في أمر الحرب بناء على الثاني أو لأنه المناسب للمقام، والاستظهار التقوّي، وقوله: (وتطييباً لنفوسهم) هذا منقول عن السلف لكن قال الجصاص في الأحكام غير جائز أن يكون الأمر بالمشاورة إلى جهة تطييب نفوسهم ورفع أقدارهم ولتقتدي الأمة به في مثله لأنه لو كان معلوما عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط الصواب عما سئلوا عنه ثم لم يكن معمولاً به لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم، ولا رفع أقدارهم بل فيه إيحاشهم لأن آراءهم غير مقبولة ولا معوّل عليها فهذا تأويل ساقط لا معنى له فانّ المشاورة حينئذ لم تفد شيئا واذ قد بطل هذا فلا بد أن يكون لمشاورته إياهم فائدة وأن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم معهم ضرب من الاجتهاد فما وافق رأيه عمل به وما خالفه ترك من غير لوم وفيه إرشاد للاجتهاد وجوازه بحضرته صلى الله عليه وسلم واشعار بمنزلة الصحابة وأنهم كلهم أهل اجتهاد وأنّ باطنهم مرضيّ عند الله وفيه تأمل، وقوله: بعد الشورى مأخوذ من الفاء. قوله: (في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك الخ) أي ليس التوكل إهمال التدبير بالكلية بل مراعاة الأسباب مع تفويض الأمر إليه تعالى كذا في شروح الكشاف، وفي كلام الصوفية ما يخالفه وهو راجع إلى التوفيق، وقراءة عزمت على التكلم تفيد صحة إسناد العزم إلى الله تعالى وقد صرّح به أهل اللغة وأنه بمعنى القطع والإيجاب ومنه قالوا عزمات الله كما حكاه الأزهري ووقع في أوّل مسلم وشرحه، وكلام المصنف ظاهر فيه وفي أنّ المشاورة فيما لا نص فيه وقوله: فينصرهم وبهديهم لأنّ من أحب أعان محبوبه وأنجح مطلوبه. قوله: (من بعد خذلانه الخ) بعد ظرف زمان وشستعمل للمكان كقبل نقيضه على الاستعارة كما في الكشاف فقوله: بعد خذلانه وارد على الزمان بحذف مضاف، وقوله: إذا جاوزتموه وارد على المكان كما تقول جئت بعد فلان ومن بعده بمعنى واحد لكن من تدل على ابتداء المجيء، وفي المغرب في قول محمد وإنه كان بالذي لا بعد له يعني ليس له نهاية في الجودة أخذه من قولهم هذا مما ليس بعده غاية في الجودة والرداءة فاختصره وأدخل عليه لا النافية للجنس كذا في شروح الكشاف، ويعلم من التوكل عليه كفايتة لمهماتهم وأهمها النصرة ومن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 تقديم المتعلق أنه لا ناصر سواه. قوله: (وما صح لنبئ أن يخون الخ) يعني المراد الإخبار بأنه يمتنع عليه امتناعا ظاهراً قويا لما في الانتصاف من أنّ هذه الصيغة ترد للامتناع العقلي كثيراً نحو ما كان دئه أن يتخذ من ولد ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، وأمّا إذا كان مبالغة في النهي فهو خبر أجرى مجرى الطلب مبالغة وفي الانتصاف أن هذه الصيغة وردت نهياً في مواضع من التنزيل نحو: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [سورة الأنفال، الآية: 67، {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة، الآية: 13 ا] وهي واردة فيهما لا تختص بأحدهما كما قيل ومنافاة النبوّة للخيانة ظاهرة، وأصل الغل والإغلال! الأخذ في خفية، ولذا استعمل في السرقة، ثم خص في اللغة بالسرقة من المغنم. قوله: (والمراد منه إمّ براءة الرسولى صلى الله عليه وسلم! ااتهم ب الخ) وحديث القطيفة أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما وحسته وظن معطوف على اتهم وفي الكشاف فيه زيادة وهي كما لم يقسم يوم بدر فقال لهم النبئ صلى الله عليه وسلم ألم أعهد إلبكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري فقالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفاً فقال صلى الله عليه وسلم: بل ظننتم أنا ننل ولا نقسم لكم فنزلت وكذا هو في تفسير الواحدي وغيره عن مقاتل وتركه المصنف لما فيه من مخالفة ما سيأتي في الأنفال من قسم غنائم بدر 0 قوله: (وأمّا المبالغة في النص للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) والطلائع الجواسيس على العدوّ واحدهم طليعة وقد يطلق على الجماعة أيضاً، والمراد من التغليظ المبالغة في المنع حيث جعله سرقة وهو للتهييج والإلهاب على الترك كما في لئن أشركت، وفي شرح الكشاف أن لفظة التغليظ قبيحة لأنّ عادة الله مع حبيبه صلى الله عليه وسلم التلطيف لا التغليظ، وكذا أنكر على النحرير في قوله عد أدنى زلة منه غلولاً إطلاق الزلة عليه صلى الله عليه وسلم وإنه مخالف للأدب وقوله: (ولم يقسم للطلائع) أي لم يعين لهم قسما، وقوله: ثانية يعني كما بالغ في النهي بصيغة الخبر المستعمل في الممتنعات كما مرّ بالغ في تسمية الحرمان غلولاً، وقيل النهي عن الحرمان الذي هو أدنى صفة من الغلول نهى عن الغلول بطريق المبالغة والتسمية الأخرى مبالغة في ذلك فتأمّل. قوله: (والمعنى وما صح له أن يوجد كالاً الخ (في هذه القرأءة توجيهات منها أنه من أغله بمعنى وجده غالأ كقولهم أحمده وأبخله وأجبنه بمعنى وجده كذلك ومنها أنه من أغله بمعنى نسبه للغلول كأكذبه إذأ نسبه للكذب، والمعنى النهي عن نسبة ذلك إليه. قوله: (يأت بالذي غله الخ) والحديث الذي أشار إليه ما رواه الشيخان: " والذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لا يغلى أحدكم شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه " وفي معناه أحاديث أخر فالإتيان على ظاهره وعلى ما بعده الإتيان به مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيرا بما غل عما لزمه من الإثم مجازا، وكذا قوله ما كسبت فإنه عبارة عن جزائه، ويحتمل تقدير المضاف، وقوله: كالبرهان لأنه يلزم من توفية كل كاسب جزاءه أن يبوء بإثمه. قوله:) فلا يخقص! ثواب مطيعهم) تفسير لعدم الظلم وليس فيه أن ذلك بطريق الوجوب على الله تعالى فهو بمقتضى الحكمة والعدل، فلا يرد عليه أنه ليس مدّهب أهل السنة كما قيل وقد تقدّم الكلا! على قوله أفمن الخ وقوله: وبئى المصير إمّا تذييل واعتراض أو معطوف على الصلة بتقدير ويقال في حقهم وبئس المصير، ولم يذكر في مقابله الجنة لأنّ رضوان الله أكبر وهو مستلزم لكل نعيم عندهم فافهم وفرق بين المصير والمرجع بأنّ الأوّل يقتضي مخالفة ما صار إليه من جهنم إلى ما كان عليه في الدنيا لأنّ الصيرورة تقتضي الانتقال من حال إلى حال أخرى كصار الطين خزفاً، والمصير اسم مكان ويحتمل المصدرية. قوله: (شبهوا بالدرجات الخ) أي هو تشبيه بليغ بحذف الأداة والضمير لمن اتبع رضوان الله ومن باء بسخط من الله جميعاً شبههم بالدرج في تفاوتهم علواً وسفلاً وعلى تقدير ذو ولا تشبيه، والمراد أنهم ذوو درجات أي منازل! أو أحوال متفاوتة وفيه نظر. قوله: (عالم بأعمالهم الخ) تبع فيه الزمخشري، والحق خلافه قال: في شرح المواقف اتفق المسلمون على أنه سميع بصير لكن اختلفوا في معنافما فقالت الفلاسفة والكعبي وأبو الحسن البصري: إنهما عبارة عن علمه تعالى بالمبصرات والمسموعات وقال الجمهور: منا ومن المعتزلة والكرامية إنهما صفتان زائدتان على العلم فإنا إذا علمنا شيئا علماً جلياً ثم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 أبصرناه نجد فرقاً بين الحالتين بالبديهة وأنّ في الحالة الثانية حالة زائدة في الإبصار. قوله: (أنعم على من آمن الخ) يعني أن المنة على مؤمني قومه، وهم العرب المستفاد من قولهم من أنفسهم لزيادة انتفاعهم بها في الدنيا بالغنائم والعز السرمدي ككون الإمامة فيهم وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون لفهم لسانه، وفي الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، والقراءة الأخرى بمن الجارة لمن المشذد النون واعرابها ما ذكره المصنف رحمه الله وترك احتمال كون إذ مبتدأ المذكور في الكشاف لما فيه من مخالفة جمهور النحاة مع تكلفه. قوله: (من نسبهم أو من جنسهم الخ) يعني كونه منهم إمّا نسبا فيخص قريشا أو جنسأ فيعم العرب، وكونه صلى الله عليه وسلم من أشرف القبائل غنيّ عن البيان، والبطن ما دون القبيلة كالفخذ وتفصيله في اللغة والمراد من دنس الطباع ما كان فيهم من الجاهلية، وفسر الحكمة بالسنة والمراد بها الشريعة مطلقاً المعروفة بغير وحي متلو لمقابلة الكتاب. قوله: (وإن هي المخففة واللام هي الفارقة) أي المزيدة للتأكيد والفرق بين أن المخففة والنافية، وأن هذه إن دخلت على جملة اسمية جاز إعمالها في الاسم الظاهر خلافا للكوفيين والسماع يبطل مذهبهم، وأمّا عملها في ضمير شأن أو غيره مقدراً فذكره مكي والزمخشرفي، وتبعه المصنف رحمه الله وردّه أبو حيان بأنه لم يقل به، أحد من النحاة وانها إذا دخلت على الفعلية كما هنا وجب إهمالها والأكثر كون مدخولها ماضياً ناسخا ككان ودونه أن يكون مضارعا ناسخاً نحو وان يكاد الذين كفروا وهو قياسيّ، ودونه أن يكون ماضيا غير ناسخ نحو: شلت يمينك إن قتلت لمسلما أو مضارعا غير ناسخ نحو: أن يزينك لنفسك وأمّا قول الحلبيّ إنّ كلام الزمخشرفي، وهو معنى كلام المصنف بعينه تفسير معنى لا إعراب فخلاف الظاهر، وأن وضحه بعضهم بأنهما لم يريدا بقولهما وأنّ الشأن تقدير ضمير الشأن بل جعل الجملة حالاً بتأويل الشأن، والقصة لئلا يختلف زمان الحال والعامل فإنّ زمان الكون في ضلال قبل زمان التعليم لكن كون القصة ذلك مستمرّ، وادّعى إنه تأويل شائع في الحال الذي يتقدم زمان تحققه زمان تحقق العامل، وفيه تأمل. قوله: (الهمزة للتقريع والتقرير الخ) جملة قد أصبتم أي نلتم ووجدتم صفة مصيبة وقلتم جواب لما فإنه ظرف بمعنى حين لا حرف وجود لوجود على الصحيح يستعمل للشرط يليه ماض لفظا أو معنى، والجملة بعده مجرورة بالإضافة وناصبه الجزاء وأنى هذا جملة اسمية مقدمة الخبر وهي مقول القول ومجموع الجملة معطوف على قوله: {لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ} إلى هنا، وللتعلق بقصة واحدة لم يتخلل بينهما أجنبيّ، والهمزة متخللة بين المتعاطفين للتقرير بمعنى التثبيت أو الحمل على الإقرار، والتقريع على مضمون المعطوف كذا قال النحرير وفيه دفع لما قيل إنّ العطف على ما مضى فيه بعد، ويبعد أن يقع مثله في القرآن لكن فيه نظر لأنه عطف القصة على القصة كما ذكر لكن هذا من جملة تلك القصة فلا يعد قصة أخرى. قوله: (أو على محذوف الخ (ففي مثله ثلاثة طرق العطف على ما تقدم وجعل الإنكار للجمع متعقبا أو غير متعقب والهمزة مقدمة من تأخير، والعطف على مقدر وصاحب المغني لم يحقق مسلك الزمخشريّ فيه فخلط الطريقين، والعطف على مقدر بعد الهمزة، وقوله: ولما ظرفه أي ظرف قلتم كما مرّ بيانه وجعل المثلين ضعفاً وقد مز تحقيقه وقوله والحال بيان للمعنى المراد لا إعراب للجملة حالاً لأنه يحتاج إلى تكلف، وجعل الضعف قتل سبعين وأسر سبعين بجعل الأسر كالقتل أو لأنهم كانوا تادرين على القتل، وهو كان مرضيّ الله فعدم القتل كان لتركه مع القدرة لا ينافي الإصابة، وقوله: من أين هذا مقول القول، وفسر أن بمعنى من أين أصابنا هذا لا بمعنى كيف كما مز تحقيقه لأنّ قوله من عند أنفسكم يدلّ عليه ولو كانت بمعنى كيف لم يطابق الجواب، ومعنى كونه من عند أنفسهم إنهم السبب له لا الفاعل والخالق. قوله:) وعن علئ الخ الأنهم اختاروا الفداء لصناديد العرب ولو قتلوهم لم يقدروا على غزو أحد كما سيأتي تفصيله، وهذا رواه الترمذفي والنسائيّ وحسنه وقوله: (أن يصيب بكم ويصيب منكم (قال النحرير: أصاب منه هزمه ونال منه ما أراد وأصاب به جعله واحداً من العدوّ وما أراد، ويوم أحد بمعنى الحرب لأنّ أيام العرب وردت بهذا المعنى كثيراً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 قوله: (فهو كائن بقضائه الخ) قيل: إنه إشارة إلى أنّ الظرف خبر مبتدأ ودخول الفاء لتضمن معنى الشرط ووجه السببية ليس بظاهر، إذ ليست الإصابة سبب التخلية بل العكس فهو من قبيل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] أي ذلك سبب للإخبار بكونه من الله لأن قيد الأوامر قد يكون للمطلوب، وقد يكون للطالب وكذا الإخبار، وتقدير هو كائن بيان للمعنى والا فالتقدير ب! ذن الله يكون ويحصل وجعل الإذن مجازاً عن التخلية اللازمة للإذن لأنّ حقيقته إنما يكون عند الأمر والرضا، وليعلم عطف على بإذن الله والمراد التميز لحصول العلم قبل الإصابة، وفيه بحث لأنه ما المانع من جعل القضاء والتخلية سببا لإصابتهم ولولا ذلك لم يغلبوهم، ثم إن جعله بمعنى التخلية تبع فيه الزمخشريّ، وقد أورد عليه أنه غفلة فإنه مذهب المعتزلة لأن غلبة الكفار ليست بإرادة الله عندهم لقبحها وأمّا عند أهل السنة فالإذن بمعنى الإرادة وكأنه غفلة عن قوله بقضائه، وفي كلام النحرير دفع آخر له. قوله: (وليتميز المؤمنون والمنافقون الخ) قد قرّر سابقا أنّ إثبات علمه كناية عن إثبات معلومة على وجه برهاني والمعلوم هنا وهو الإيمان والكفر ثابت قبل إصابة ما أصابهم فأوّله بظهورهما، ولو أوّله بالثبات لصح، وليعلم مرّ أنه عطف على باذن لسبب على سبب آخر، ويصح عطفه على علة محذوفة للإبهام كما مرّ فسقط ما قيل إن أراد التميز عند الله ورد أن الطائفتين ممتازتان في علمه دائماً وان أراد عند الناس ورد أنه لا وجه لتفسير علم الله به ولا حاجة إلى أنّ المراد لتميزهم فيتميزوا عند الخلق فاكتفى بلازمه وقوله: (أو كلام مبتد " أي معطوف على مجموع ما قبله أو هو اعتراض!. قوله: (تقسيم للأمر عليهم الخ) الظاهر أن المراد بالأمر ظاهره وجوّز فيه أن يكون بمعنى البيان، وقوله عن الأنفس والأموال أي أنفسهم وأموالهم بيان لمتعلقه، ويحتمل الدفع بأن لا يظهروا الكفر فيكون ذلك هذا فالمعنى حينئذ ادفعوا المسلمين، وهو بعيد وقوله: فإنّ كثرة السواد أي الناس يعلم من مقابلته للقتال والتخلف وقوله: يروع بالتشديد والتخفيف، ويكسر منه على حد قوله: تجرح في عراقيبها نصلي قوله: (لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً) يعني نفي علم القتال كناية عن أن ما هم فيه ليس قتالاً بناء على نفي العلم بنفي المعلوم لأنّ القتال يستدعي التكافؤ من الجانبين مع رجاء مدافعة أو مغالبة فهذا إلقاء للتهلكة لا قتال، أو المراد أنا لا نحسن القتال ولا نقدر عليه لأن علم الله بفعله الاختياري من لوازم القدرة عليه فعبر بنفيه عن نفيها، والدغل أصل معناه الاختفاء، ثم استعمل للفساد وهو المراد. قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ} لانخزالهم الخ الانخزال بمعنى الانقطاع، ويومئدّ أصله يوم إذ قالوا لو نعلم قتالاً أي وقت قولهم هذا كانوا أقرب منهم للكفر قبل ذلك لظهور أماراته، قيل الظروف كلها متعلقة باً قرب لما فيها من الاتساع لكن تعلق الكفر باعتبار الزيادة وتعلق الإيمان من حيث المفضولية كأنه قيل قربهم من الكفر يزيد على قربهم من الإيمان وصلة القرب تكون من والى تقول قرب منه وإليه ولا تقول له فقيل اللام بمعنى إلى. (أقول (يعني أنه لا يتعلق حر فاجر أو ظرفان بمعنى متعلق واحد إلا في ثلاث صور أن يتعلق أحدهما به مطلقا، ثم يتعلق به الآخر بعد تقييده بالأوّل كما مر تحقيقه في كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا وأن يكون الثاني تابعا للأوّل ببدلية ونحوها أو يكون المتعلق أفعل تفضيل لتضمنه الفاضل والمفضول الذي يجعله بمنزلة تعدد المتعلق كما في المقيد والمطلق فاحفظه وقول أبي البقاء: وغيره جاز أن يعمل أقرب فيهما لأنهما يشبهان الظرف في هذا بسرا أطيب منه رطبا إشارة إلى أنه كثر في الظرف التغاير الاعتباري فحمل هذا عليه، فلا يرد عليه أن ظاهره أنّ المسوغ لتعلقهما بعامل واحد شبههما بالظروف وليس كذلك وفي الدر المصون إنّ القرب الذي هو ضد البعد يتعدى بثلاثة حروف اللام والى ومن فإذا قلت زيد أقرب من العلم من عمرو فمن الأولى للتعدية الأصلية والثانية الجارة للمفضول فلا حاجة إلى أن اللام بمعنى إلى اص. فما ذكره النحرير مردود، وقيل: إن أقرب هنا من القرب بفتح الراء وهو طلب الماء، ومنه القارب لسفينته وليلة القرب أي الورود، والمعنى هم أطلب للكفر وهو يتعدى باللام. قوله:) وقيل هم لأهل الكفر الخ) يعني أنه على تقدير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 مضاف وهو أهل واللام متعلقة بالتمييز المقدّر أعني نصرة كما تقول أنا لزيد أشد ضربا لعمرو ولا يبعد ذلك عند عدم اعتبار حذف المضاف أيضاً، وقوله: تخذيلا من الخذلان وهو عدم النصرة. قوله: (يظهرون خلاف ما يضمرون الخ) هذه الجملة إمّا مستأنفة أو حال من ضمير أقرب وقوله: (بأفواههم) قيل: إنه تأكيد على حذ ولا طائر يطير بجناحيه وقيل: إنه بيان لأنه كلام لفظيّ لا نفسيّ، وأثا تفسير المصنف رحمه الله له كقول الزمخشريّ: إنه تصوير لنفاقهم وانّ إيمانهم موجود في أفواههم فقط فينبغي كونه تأكيداً لهذه الفائدة فكان على المصنف رحمه الله أن يقول أو تصوير ولا يتبعه وفسر بعضهم التصوير بالتحقير لأنه بمجرّد اللسان كأنه وقع في نسخته تصغير، وكأنه غلط من الناسخ. قوله: (من النفاق وما بخلو به إلى قوله بعلم واجب) أي يقينيّ قطعي بدليل مقابله. قوله: (بدلاً من واو يكتمون الخ) فهو كقوله: {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أسورة الأنبياء، الآية: 3] وعلى الجرّ في الوجهين فهو من باب التجريد كقوله: ياخيرمن ركب المطي ولا شرب الكؤس بكف من بخلا واستشهد لإبدال المظهر من ضمير الغيبة بما ذكره وهو من شعر للفرزدق ومنه: فلما تصافينا الإداوة أجهشت إليئ غضون العنبري الجراضم فجاء بجلمودله مثل رأسه ليشرب ماء القوم بين الصرائم على حالة لوا! في القوم حاتماً على جوده لضن بالماءحاتم بجرّ حاتم بدلاً من ضمير جوده لأن القوافي مكسورة، والتصافي اقتسام الماء بالحصص عند ضيق الماء ويكون بحجر صغير يسمى مقلة بوزن وفعة يشرب قدر ما يغمره فحاول العنبريّ أي رجل من بني العنبر كان رفيقاً له الزيادة لشرهه وشدة عطشه ولسعة بطنه، وهو معنى الجراضم بضم الجيم والراء المهملة وألف وضاد معجمة فميم، والصرائم جمع صريمة وهي منقطع الرمل ويقل فيه الماء، والإجهاش التفزع إلى الغير تهيؤ للبكاء، وغضون الجلد مكاسره، وأسند لها الإجهاش لأنّ مخايله تظهر فيها وأعرب قعدوا حالاً لأنه أقعد من العطف. قوله: (أي إن كنتم صادقين) أي ما اذعيتموه سبب النجاة ليس بمستقيم ولو فرض استقمامت فليى بمفيد أمّا الأوّل فلأن أسباب النجاة كثيرة غايته إنّ القعود والنجاة وجدا معاً وهو لا! ل ل! لى السببية، وأمّا الثاني فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد طرقه وأ! ابه فإن صح ما ذكرتم أرفعوا سائر أسبابه وأنتم معترفون بعدم ذلك هذا إذا كان متعلق الصدق هو! اتضمنه قولهم من أن سبب نجاتهم القعود عن القتال، أمّا لو كان ما صرح به مش أنهم لو أطاعونا ما قتلوا فظاهر إنه غير معلوم لجواز قتلهم في مضاجعهم، وفي الكشاف وروي أر4 مات يوم تالوا هذه المقالة سبعون منافقا بعدد من قتل بأحد. قوله: (والخطاب لرصول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد الخ) كون الآية في شهداء أحد هو المروي في أسباب النزول حتى تيل إن كونها في شهداء بدر غلط لم يرو عن السلف، ولذا مرضمه المصنف رحمه الله و! لى قراءة الخطاب المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم أوكل من يقف على الخطاب مطلقاً، وقيل: (من المنافقين الذين قالوا لو قعدوا ما ماتوا) وإنما عبر عن اعتقادهم بالظن لعدم الاعتدادب. تو! 4: (والمفعول الأوّل محذوف الخ) قدره الزمخشريّ ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتا أي لا! حسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا، واعترض بأن فيه تقديم المضمر على مفسره وهو مخصوص دأ! اكن ليس هذا منها وردّ بأنهم وان لم يذكروه لكن عود الضمير على الفاعل المتأخر لفظاً جائز! ر! ، رتبة ومعنى وتعدى أفعال القلوب إلى ضمير الفاعل جائز، وقد صرّح في شرح الك! اف! جواز ظنه زيد منطلقا فهذا غريب منه، وأمّا حذف أحد مفعولي باب علم وظن فلا يمتنع ا! صار إلا اقتصارا وما هنا من الأوّل فيجوز مع أنه جوّز الاقتصار بعضهم ويكفي للتخريج مثه فإن قيل كيف جاز نهي المقتولين قيل: لأنهم أحياء ونفوسهم بالله مدركة، وقيل: إنهم تيقنوا كونهم أحياء فكيف ينهوا عن الظن بكونهم أمواتا إلا أن يجعل نفيا لأنه ورد تأكيد النفي وإن! ل، أو هو نهي عن حسبانهم أنفسهم أمواتا في وقت مّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 ويناسبه تقدير بلى هم أحياء للاست! رار. قول: (بل أحسبهم أحياء) هذا تخريج الزجاج، وأورد عليه الفارسيّ إنّ الأمر يقين فلا يؤمر فيه بحس! بان ولا يضمر إلا الحسبان لا اعتقدهم أو اجعلهم إذ لا دلالة للمذكور عليه، وردّ بأنه يكفي مثله قرينة على أفي حال وهذا تحامل وتعصب وأمّ الأمر بالحسبان والظن فلا مانع منه بلى التكليف بالظن واقع نحو قوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أسورة الحشر، الآية: 2] أمراً بالقياس وتحصيل الظن وأمّا أنّ المراد اليقين وتقدير احسبوا للمشاكلة فتعسف لأن الحذف في المشاكلة لم يعهد. قوله:) ذوو زلفى منه) يعني أنّ عند هنا ليس للقرب المكاني لاستحالته، ولا بمعنى في علمه وحكمه كما يستعمل له عند في نحو عند أبي حنيفة كذا لعدم مناسبة المقام وعدم مناسبته ظاهرة، وان قيل إنه مناسب بلا شبهة لأنه يدل على التحقق لأنّ المقام مقام مدح، وهذا التفسير أنسب به، وفي الكلام دلالة على التحقق من وجوه أخر بل هي بمعنى القرب شرفاً ورتبة، واختلف في رسع! ذوو ونحوه فرسمه بعضهم بدودط ألف لأنّ الألف إنما تزاد بعد واو ضمير الجمع الاسمية نحو قالوا وهذه ليست ضميراً، ومنهم من رسمها في واو مثله تشبيها لها بواو الضمير في الفعل، والحياة الأبدية من كونهم أحياء، والقرب من عند الله والتمتع من قوله يرزقون. قوله: (يسرّون بالبشارة الخ (البشارة الخبر السارّ والاستبشار طلبها، والمعنى هنا على السرور بما علموا من حالهم فاستعمل في لازم معناه، وهو استئناف أو معطوف على فرحين لتأويله بيفرحون والمراد بالخلفية التأخر في زمان شهادتهم، أو في رتبة فضيلتهم وأن لا خوف بدل من الذين بدل اشتمال وجوّز فيه النصب بنزع الخافض أي لأن لا أو بأن لا، والخوف وقوع المكروه والحزن ضد الفرج وخصه بفوات المحبو! لأن أكثر استعماله فيه وبه تتم مقابلة الخوف، وخوف مضاف ولا وجه لما قيل إنّ خوف بلا تنوين لتقدير الإضافة كما في بين ذراعي وجبهة الأسد. قوله: (والآية تدل على أنّ الإنسان غير الهيكل المحسوس الخ) الهيكل بمعنى البدن، وهو يطلق عليه كثيراً يعني ليس الإنسان مجزد البدن بدون النفس المجرّدة بل هو في الحقيقة النفسى المجرّدة، واطلاقه على البدن لشدة التعلق بها وهي جوهر مدول لذاته أي من غير احتياج إلى هذا البدن لوصفه بعد مفارقته بالتنعم ونحوه، وأمّا جواز أن يتوقف إدراكه على بدن آخر كما في حديث الطير الخضر فلا دليل عليه مع عمومه لأهل العذاب وكونه مدرك لذاته بإضافة مدرك لجمع اللذة بعيد. قوله: (في أجواف طير خضر الخ) قيل هو على ظاهره وإنّ أرواح الشهداء أعني نفوسهم التي بها الإدراك، والتمييز تحل أبدان الطيور المتنعمة في الجنة فتلتذ بذلك أو تتمثل طيورأ خضراً، أو تتعلق بها فيمن جعلها مجرّدة، وقيل المراد أنها تتعلق بالأفلاك والكواكب فتلتذ بذلك أو تكتسب زيادة كمال، وهذا يلائم القناديل المعلقة تحت العرس، ومن أوّل الحديث قصد سد باب التناسخ، ومن هذا الحديث أخذ المثل المشهور النفس خضراء بمعنى أنها تميل لكل شيء وتشتهيه، ومن أنكر تجرّدها وجعلها عرضاً أو الأنفاس أوّل الحياة المذكورة بحياة أخرى أو بالحياة المعنوية وهي بقاء الذكر الحسن وحكم الإيمان وثوابه، والإحماد من أحمدته وجدته محموداً، وذلك أنهم مدحوا بأنهم يستبشرون بحصول النعمة والفضل وعدم الحزن واللحوق لمن خلفهم، والبيان لقوله ألا خوف لأنه بنعمة الله وفضله أو الاستبشار الأوّل بدفع المضار ولذا قدم، والثاني لوجود المسارّ، وقوله: عطف على فضل هو قول للنحاة أو على نعمة على الآخر. قوله: (على أنه استئناف الخ (والاعتراض على القول بأنه يكون تذييلأ وفي آخر الكلام، ولا يشترط أن يكون في وسطه، ولا حاجة إلى تكلف توجيه له أصلا. قوله:) دال على أت ذلك أجر لهم على إيمانهم) هو مأخوذ من التعليق بالمشتق كما مرّ مراراً واحباط العمل أن لا يعتذ به ولا يثمر، وهو من المسائل المبينة في الأصول ووجه دلالة النظم عليه ظاهر. قوله: (خبره للذين الخ) يعني أجر مبتدأ مؤخر والجار والمجرور خبره والجملة خبر المبتدأ الأوّل، أو الجار والمجرور خبر وأجر فاعله ومن بيانية وفيه تجريد ومبالغة كما تقول لي منك عالم وإنما حمل عليه لأنهم كلهم محسنون متقون، والروحاء براء مفتوحة وواو ساكنة وحاء ومد موضع بين مكة والمدينة وقوله: فندب أي دعا وقوله: يومنا أي وقعتنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وأيام العرب وقائعهم، وحمراء بالمد مضاف إلى الأسد اسم موضمع على ثمانية أميال من المدينة وليست بدرا الصغرى لأنّ هذه في وقعة أحد وبدر الصغرى بعد بسنة، وقوله: وكان بأصحابه القرح يعني جراحات من حرب أحد، ومعنى تحاملوا على أنفسهم تكلفوا حمل المشقة عليها وكان المشركون هموا بالرجوع إلى المدينة فلما نهض المسلمون خلفهم خافوا وذهبوا. قوله: (يعني أي بالناس الركب الخ) فالناس الثاني غير الأوّل وأل فيهما للعهد لكن الناس الأول إن كان الركب فظاهر لأنهم جمع وإن كان نعيما فأطلق عليه ذلك كما يطلق الجمع واسم الجمع المحلى بالألف واللام الجنسية على الواحد منه مجازاً كما صرحوا به أو باعتبار أنّ المذيعين لكلامه كالقائلين لهم. قوله: (روي الخ) رواه ابن جرير أو غيره وضمير إنه لأبي سفيان رضي الله عنه ومرّ الظهران محل معروف بقرب مكة، والميرة بكسر الميم شراء الطعام أو الطعام نفسه، وثبطوا بمعنى عاقوهم عن الخروج وغرضه أن يقال خرج أبو سفيان ولم يخرجوا أو أن لا يقع القتال لخوفه، وقوله: اتوكم في دياركم يعني أحداً، والشريد الفارّ. قوله: (الضمير المستكن للمقول الخ) قيل في رجوعه إلى الفاعل ضعف لأنّ الجمع أطلق على واحداً مجازاً فلا يجوز إفراد ضميره إذ لا يقال مفارقه شاب باعتبار أنّ المراد مفرقه، وردّ بأنه يكون كرجوع الضمير للفظ والمعنى ولا مانع منه ويحتمل أنّ الضمير لله أي فزادهم إيمانا بسبب ذلك. تنبيه: قوله: إنّ المراد بالناس نعيم هذا ما ذهب إليه المفسرون والسهيلي. وقال ابن عبد البرّ وابن حجر في أماليه هذا لم أره مسندأ وان نقله الثعلبي عن مجاهد وعكرمة، وقال الواقدي: وابن إسحق إنهم ناس من عبد قيس ورووه بسند فيه انقطاع واتهام وانحصر تسميته نعيما في مقاتل، وهو متروك ووقعت لي التسمية بسند قوي فيهم متهم وساقه. قوله: (وهو دليل على ان الإيمان يزيد ويتقص الخ (واركلام فيه معروف في الأصول والحديث والمصنف رحمه الله بني كلامه أوّلاً على أنّ الأعمال داخلة في الإيمان فزيادته ظاهرة، وثانيا على أنّ نفس التصديق والاعتقاد يقبل ذلك، وأما من لم يجعل الأعمال منه ولم يجعل التصديق قابلا للزيادة والنقصان فيؤوّل ما ورد فيه بأنه باعتبار المتعلق وما يؤمن به وقوله: وينقص حتى يدخل صاحبه النار معناه يضعف حتى يوقع صاحبه في أمور توجب دخول النار، والا فالإيمان لا يوجب النار بل الجنة ولو بمقدار خردلة. قوله: (محسبنا وكافينا الخ) يعني أنه بمعنى اسم الفاعل ولذا وصف به النكرة، وهو مضاف لأن إضافة اسم الفاعل لفظية لا تفيده تعريفاً ويعلم منه أنّ المصدر المؤوّل باسم الفاعل له حكمه في الإضافة، وفي عطف جملة نعم الوكيل الإنشائية على حسبنا الله الخبرية كلام فمن جوّزه مطلقا أو فيما له محل من الإعراب لتأويله بالمفرد فالأمر عنده ظاهر، وتفصيله في حواشي المطول، وقوله: الموكول إليه إشارة إلى أن فعيل بمعنى مفعول، وقوله: فرجعوا من بدر المراد بدر الصغرى وهي بعد أحد بسنة. قوله: (قد تفضل عليهم بالتثبيت الخ) التثبيت، وما بعده معلوم مما مرّ وقوله: تحسير بالحاء المهملة بمعنى إيقاعهم في حسرة وندم على ما فاتهم ويحتمل الإعجام أن نسبة إلى الخسران والضلال، وحرم مبني للفاعل ونفسه مفعوله أو مبني للمفعول ونفسه تأكيد للضمير المستتر وما فازوا به مفعوله الثاني. قوله: (يريد به المثبط نعيماً الخ) يعني ذلكم إشارة إلى المثبط والمعوّق بقوله: إنّ الناس قد جمعوا لكم بالذات وهو نعيم أو بالواسطة كأبي سفيان والشيطان بمعنى إبليس خبره على التشبيه البليغ أو الشيطان صفة على التشبيه أيضا، ويحتمل أن يكون مجازا حيث جعله هو فإن كان الإشارة إلى القول فلا بد من تقدير مضاف، أي قول الشيطان ويكون الشيطان بمعنى إبليس لأنه علم له بالغلبة وأمّا على تقدير المضاف وان احتمل أن يكون الشيطان مستعاراً له لكن فيه تكلف معنى مع التقدير والتجوز فلذا تركه المصنف رحمه الله كغيره والتجوّز في الإضافة إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 إبليس لأنه بوسوسته وسبه فجعل كأنه قوله. قوله: (أولياءه القاعدين عن الخروج الخ) يعني أولياءه يحتمل أن يكون ثاني مفعولي يخوّف والأوّل محذوف أي يخوّفكم من أوليائه أي أبي سفيان وذويه لقوله فلا تخافوهم فإن الظاهر عود ضميرهم إلى الأولياء فيكون هم المخوّف بهم ليلائم النهي عن المخوّف منهم، ويحتمل أن يكون المذكور هو المفعول الأوّل على أنّ المراد بهم القاعدون عن الخروج معه صلى الله عليه وسلم، والثاني متروك أو محذوف للعلم به أي يوقعهم في الخوف أو يخوفهم من أبي سفيان وأصحابه فلا يصح عود ضمير تخافوهم على أوليائه، بل هو راجع إلى الناس في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 173] كضمير اخشوهم فهو رذ له، وبقي الخطاب في ذلك إلى قوله إن كنتم مؤمنين للقاعدين أو للخارجين معه صلى الله عليه وسلم أو للجميع قال النحرير: الظاهر الأوّل لأن الخارجين لم يخافوهم بل خافوا الله وقالوا: حسبنا الله، ويجوز أن يكون للجميع والقصد التعريض بالقاعدين وإذا كان الخطاب للقاعدين فأولياؤه على أحد الوجهين من وضع الظاهر موضع المضمر نعياً عليهم بأنهم أولياء الشيطان. قوله: (الضمير للناس الخ) الناس الثاني هو الذي في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} وقوله: على الأوّل أي على التفسير الأوّل لقوله أولياء. إذ المراد به القاعدون عن الخروج معه من المنافقين، والمخوّف ليس هم بل أبو سفيان، والمشركون وهم المراد من الناس الثاني كما مرّ، وعلى تفسير الأولياء الثاني هم عين الناس الثاني فيعود إليهم الضمير، ولذا رجحه الزمخشريّ لقربه وتبادره والمصنف عكسه. قوله: (من مخالفة أمري الخ) فالمخاطب بقوله فلا تخافوهم كما مرّ المؤمنون وقوله: إن كنتم مؤمنين مع تحقق إيمانهم إلهاب وتهييج لهم، فإن كان المخاطب الجميع ففيه تغليب وأمّ جعل الخطاب للمنافقين على الالتفات وان كان لا تكلف فيه فخلاف الظاهر، ولذا ترك الالتفات إليه. قوله: (يقعون فيه سريعاً) يعني أنّ المسارعة ضمنت معنى الوقوع فعديت بفي والا فتعديتها بإلى. قوله: (والمعنى لا يحزنك خوف أن يضروك الخ) يعني المنهي عنه الحزن لخوف ضررهم بدليل ما بعده لا الوقوع في الكفر، لأنه أمر قبيح يحزنه فليست الصلة علة لعدم الحزن كما هو المعهود في مثله، وفي المائدة أنّ المعنى يسارعون في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين وهو راجع إلى هذا التفسير لأن كيدهم وموالاتهم هو عين الضرر فلا يرد عليه ما قيل إنه أيضاً قبيح يفتقر إلى تأويل. قوله: (أي لن يضروا أولياء الله الخ) قدر المضاف للقرينة العقلية عليه، وكونهم إنما يضرون أنفسهم مأخوذ من أنّ الله لم يجعل لهم حظاً في الآخرة لمسارعتهم للكفر وقوله: (شيئاً " يحتمل) المفعول أي بواسطة حرف الجرّ أي بشيء واليه أشار بقوله: يضرون بها ولا حاجة إلى تأويله بما يتعدى بنفسه إلى مفعولين، والمعنى على المصدرية ضرر أمّا. قوله: (وهو يدل على تمادي الخ الأنه إن لم يستمرّ كفرهم لم يقطع نصيبهم من الآخرة قيل، وما ذكره من وجه ذكر الإرادة تبع فيه الزمخشريّ وهو مبني على مذهبه في أنّ إرادة الله تعالى لا تتعلق بالشر فالصواب، تركه وإنّ وجه ذكرها لأنه لا يخرج عن إرادته شيء من خير أو شر وليس بشيء لأنه لم يقل إنه لم يرد كفرهم ولم يرمز إليه فليس فيه مخالفة لأهل السنة لا منه ولا من العلامة وهذه نكتة سرية لا داعي لتركها وقوله: (مع الحرمان عن الثواب) مستفاد مما قبله. قوله: (تكرير للتكيد الخ الما كان هذا وما قبله واحداً بحسب المآل والظاهر بين وجهه بأنه تأكيد له أو المسارعون للكفر المنافقون أو من ارتد، وهذا عامّ لكل كافر فأردفعه به تتميما وتنبيها على أنه لا يختص بهم وجوز الزمخشرفي العكس بأن يكون الأوّل عاما للكفار، وهذا خاص بالمنافقين أفردوا بالذكر لأنهم أشد منهم في الضرر والكيد وقوله: (أو ارثد من العرب) في نسخة الإعراب. وقيل إنّ المراد بالأوّل المنافقون أو من ارتد وهؤلاء اليهود. قوله: (والذين مفعول وإنما نملي لهم بدل الخ) إذا كان الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم فالمقصود التعريض بهم إذ حسبوا ما ذكروا الذين أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار في هذا الباب على الصحيح وإنما الخ لتأويله بالمصدر لا يصح حمله على الذوات فلا يقع ثانيا في باب علم إلا بتقدير في الأوّل أي حال الذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وشأنهم أو في الثاني أي أصحاب إنما الخ، أو هو بدل مقصود بالذات وأنّ المفتوحة مع اسمها وخبرها تسد مسد المفعولين لحصول المقصود من تعلق أفعال القلوب بالنسبة الإسنادية لا باعتبار الحذف اختصاراً أي لا تحسبن خيرية الإملاء ثابتة لهم وان كان رأيا لأنه ليس مرادهم هنا، ثم مثل بالآية الأخرى لوقوعه فيها بدون بدلية، وقوله: أو المفعول الثاني معطوف على قوله بدل وهو إشارة إلى وجهي التقديرين السابقين وإنما قيدهم بقوله: لأنفسهم لأنه خير للمؤمنين لنيل الشهادة، وفضيلة الجهاد وغيره وما مصدرية فكان حقها الفصل لكنها كتبت في المصحف العثماني موصولة وهو المراد بالإمام في اصطلاح القراءة والمفسرين فاتبع واتباعه لازم ووجهه مشاكلة ما بعده والحمل على الأكثر فيها، والإملاء بمعنى الطول ليس خيراً لهم لازدياد آثامهم، وتفسيره بالتخلية هو الذي في الكشاف وتفسيره به مبني على مذهبهم لأنّ شأنهم الكفر وقد خلى بينه وبينهم لا إنه إرادة وخلقه فيهم وشأنهم مفعول معه وطول بكسر الطاء وفتح الواو الحبل الذي يطول للدابة لترعى فعلى هذا هو استعارة. قوله: (استئناف بما هو العلة للحكم قبلها) بين نهيهم عن حسبان خيريته بأنه لازدياد إثمهم والقائلون بأن الخير والشرّ بإرادته تعالى يجوّزون التعليلى بمثل هذا إمّا لأنه غرض وامّا لأنه مراد مع الفعل فيشبه العلة عند من لم يجوّز تعليل أفعاله بالأغراض، وأمّا المعتزلة وإن قالوا بتعليلها لكن القبيح ليس مراداً له عندهم، ومطلوبا وغرضاً فلذا جعلوا ازدياد الإثم هنا باعثا نحو قعدت عن الحرب جبناً لا غرضا يطلب حصوله ولما لم يكن الازدياد متقدما على الإملاء هنا والباعث متقدم جعلوه استعارة بناء على أن سبقه في علم الله شبهه بتقدم الباعث في الخارج قيل ولم يذهب إلى أنها لام العاقبة مع قلة تكلفه لأنّ هذه الجملة تعليل لما قبلها فلو كان الإملاء لغرض صحيح يترتب عليه هذا الأمر الفاسد القبيح لم يصح ذلك ولم يصلح هذا تعلياذ لنهيهم عن حسبان إملائهم خيراً لهم فليتأمّل، فقول المصنف رحمه الله وعند المعتزلة لام العاقبة مخالف لمذهبهم كما سمعته فلذا تكلف بعضهم له أنّ المراد بقوله: لام العاقبة أنها ليست للإرادة. توله: (على معنى ولا يحسبن الخ (على هذه القراءة الإملاء لإرادة التوبة لأنّ الإملاء للازدياد منفيّ، وعلى القراءة الأخرى هو مثبت والآخر منفي ضمناً، ولا تعارض بين القراءتين لأنه عند أهل السنة يجوز إرادة كل منهما ولا يلزم تخلف المراد عن الإرادة لأنه مشروط بشروط كما اشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: (1 ن انتبهوا الخ) وإنما على اعتراض ولا وجه لجعلها حالية. قوله: (على هذا يجوز أن يكون حالاً الخ) يعني أن- ما في هذه القراءة مصدرية، وليزدادوا خبران، ولما لم يكن الإملاء الذي للتوبة والدخول في الإيمان ملائماً لمقارنة العذاب المهين بل الثواب جعل الواو حالية داخلة في حيز النهي عن الحسبان بمنزلة أن يقول ليزدادوا وليكون لهم عذاب، وهذا المعنى لا يحصل بالعطف نعم للاعتراض وجه، ولذا قال المصنف رحمه الله يجوز، وأن المصدرية سابكة للجملة وما المصدرية سابكة لصلتها فلا يتوهم أنه كيف يتوالي حرفا مصدر، وأمّا تصحيح العطف ويكون لهم عذاب معطوفا على ليزدادوا فغنيّ عن الردّ وعلى القراءة الأخرى يجوز العطف وألاعتراض أيضاً وقراءة الفتح في الثانية شاذة. قوله: (الخطاب لعامّة المخلصين الخ) أي خطاب أنتم وهذا هو الذي يقتضيه الذوق والا كان الظاهر على ما هم عليه أو ليلأركم، فما قيل: إنه يحتمل أن يكون للمؤمنين وعداً لهم بتصفيه حوزتهم عن الكفار وتمحيص أمرهم أو للمنافقين تهديدا لهم لم يتركوه إلا لعدم مناسبته للنظم ولا داعي لتلوين الخطاب، ثم ذكر القراآت وهي ما مازه أي ميزه مشدداً وأمتا أمازه مزيداً فلا يوجد في اللغة كذا قال النحرير: وأثبته في القاموس وهو حجة عليه. قوله: (وما كان الله ليؤتي أحدكم الخ) فسره بهذا المناسبة سبب النزول وإن احتمل أنه لا يطلع جميعكم بل يختص به من أراد ونصب ما يدل على الغيب من العلامات التي تدرك بالفراسة الصائبة والإلهام الرباني لبعض أهل الكشف من الأنفس القدسية، وإنما أوّل آمنوا بما ذكر لأنّ الخطاب عام للمنافقين وهم مؤمنون ظاهرا ومجتبين كمصطفين لفظاً ومعنى، وقوله: ولا يقولون إلا ما أوحي إليهم أي في أمر الشرائع، وهذا لا ينافي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 اجتهاده صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور به فهو مستند إلى الوحي أيضا وقوله.) روي الخ) رواه ابن جرير عن السدفي، وأمّا المذكور بعده فقال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه والمراد بالأمة في قوله: " أمتي " أمّة الدعوة ولا يجوز أن يراد الإجابة وهو عام لمن في عصره وغيره ويحتمل أنّ المراد من في عصره فقط، وقوله حق الإيمان لما مرّ، وفسر التقوى بالمعنى اللغوي وخصه بما ذكر لأنه أنسب بالمهفام ولا ب! دهـ بمعنى لا يقدر ويحذ. قوله: إ قدر مضافاً الخ (مرّ وجهه وقوله: (محذوفاً لدلالة يبخلون الخ) تكرر في هذا الكتاب والكشاف جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب، وظاهر كلامه في سورة النور أنه إذا اتحد الفاعل والمفعولان كما في قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا} [سورة آل عمران، الآية: 69 ا] ففهم منه بعضهم أنه يشترط في حذفه ذلك وأجيب بأنّ المراد منه الجواز إذا قويت الدلالة وظهرت القرينة، وهنا كذلك على أنّ الذين يبخلون الفاعل لما اشتمل على البخل كان في حكم اتحاد الفاعل والمفدول، وهو تكلف لم يذهب إليه أحد من النحاة، وأمّا جعل هو ضمير رفع استعير في مكان المنصوب وهو راجع للبخل أو الإيتاء على أنه مفعول أوّل فتعسف لا يليق بالنظم وان جوّزه بعضهم تبعا لأبي البقاء حتى قال في الدر المصون: إنه غلط وهو ضمير فصل بين مفعولي حسب وهو مراد أبي البقاء بقوله: إنه تأكيد فلا وجه لردّه بأنّ الضمير لا يؤكد المظهر. قوله: (والمعنى سيلزمون الخ) بالبناء للفاعل والمفعول، قيل: إنه إشارة إلى أنّ ما في الآية والحديث تمثيل ولا طوق حقيقة وفي قوله: زكاة ما له إشارة في أنّ الوعيد على ترك الإنفاق الواجب والحديث المذكور أخرجه البخاريّ والترمذيّ والنسائيّ والشجاع هنا الحية العظيمة وفي شروح الكشاف، إنّ من أمثالهم تقلدها طوق الحمامة والضمير للخصلة والصفة وشبهه بطوق الحمامة في اللزوم قيل ولا يستعمل إلا في الشر فإن أرادوا في هذا المثل فصحيح والا فلا لقول المتنبي: أقامت في الرقاب له أياد هي الأطواق والناس الحمام وبه صرّح في الأساس. قوله: (وله ما فيهما مما يتوارث الخ) يعني أن الميراث مصدر كالميعاد والمراد به ما يتوارث فهو حقيقة، أو أن المراد أنه يرثه يعني أنه ينتقل إليه ويخرج عن أيديهم ظاهراً والا فهو له حقيقة، وعلى هذا فهو مجاز قال الزجاج رحمه الله: أي إنّ الله تعالى يفني أهلهما فيفنيان بما فيهما فليس لأحد فيهما ملك فخوطبوا بما يعلمون لأنهم يجعلون ما يرجع إلى الإنسان ميراثأ ملكاً له وقوله: فيجازيكم قيل الأظهر فيجازيهم لأنه في صدد قراءة الغيبة بدليل ما بعده، ومر بيان كون العلم عبارة عن الجزاء في القرآن وكونه أبلغ لأنّ تهديد العظيم بالمواجهة أشد. قوله: (قالتة اليهود لما سمعوا الخ) وفي نسخة قاله اليهود والحديث المذكور (2! مخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه ابن إسحق وابن جرير ومثله سواء كان عن اعتقاد أو استهزاء بالقرآن، وهو الظاهر لا يصدر إلا عن تمرّد عظيم، وفسر سماع الله بعدم خفائه عليه واعداد العقاب عليه وتبع فيه الزمخشرفي وهو مناسب لمذهبه في إنكار الصفات ولكنه ليس مراده ذلك كما بينه شراحه بل مراده أنه تعالى سميع لجميع المسموعات فتخصيص هذا كناية عن أنه أعد له عقاباً يناسبه فليس سماع قبول ورضا كما في سمع الله لمن حمده بل سماع ظهور وتهديد لأنه سمع ما قالوه من غير تبليغ فهو أشد للغضب عليهم وأيضا أنهم أنكروه ولا مجال لإنكاره لأنه سمعه ولهذا أكده لأنّ إنكارهم للقول بمنزلة إنكار السمع. قوله: (سنكتبه في صحائف الكتبة الخ) يعني أنّ الكتابة حقيقية والإسناد مجازيّ أو استعارة والإسناد على حقيقته، وقوله: لا نهمله مأخوذ من الكتابة لأنّ من لم يهمل شيئاً يكتبه وكذا من السين المفيدة للتأكيد، وقوله: ليس أوّل جريمة ارتكبوها مأخوذ من عطف ما سبق من جرائم أسلافهم. قوله: (ون! قم منهم الخ) الباء في بأن نقول كباء كتبت بالقلم أي ننتقم منهم بواسطة هذا القول الذي لا يقال إلا وقد وجد العذاب، قال الزجاح رحمه الله: ذق كلمة تقال لمن أي! من العفو أي ذق ما أنت فيه فلست بمتخلص مته، وقوله: العذاب المحرق إشارة إلى أنه من الإضافة البيانية أي العذاب الذي هو المحرق لأن المعذب الله لا الحريق أو الإضافة للسبب لتنزيله منزلة الفاعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 قوله: (وفيه مبالغات في الوعيد) أي في نقول ذوقوا عذإب الحريق بذكر العذاب والحريق والذوق المنبئ عن اليأس كما مرّ، والقول للتشفي المنبئ عن كمال الغيظ والغضب، وقيل في قوله: {لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ} إلى هنا لأنّ السماع كناية عن العقاب ال! ظيم وجعل ما قالوه عديلا لقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحفظه بالكتابة واسناده لذاته وتأكيده بالسين. قوله: (والذوق إدراك الطعوم الخ) قال الراغب: الذوق وجود الطعم بالفم وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر فإنه يقال له أكل يقال فلان ذاق كذا وأنا أكلته أي خبرته أكثر مما خبره اهـ ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات واستعمل في العذاب الشديد لأنّ الذوق يكون لأجل اكل فهو المبالغة فيه أن معناه إن ما أنتم فيه من العذاب والهوان يعقبه ما هو أشد وأدهى، ثم ذكر المصنف رحمه الله مناسبة ذكره هنا بأنه نشا من حب المال الذي أعظم مصارفه وأدومها المأكل مع تناسب التوسع في الذوق والأيدي. قوله: (إشارة إلى العذاب الخ (أي ذلك العقاب والعذاب المحقق حتى كأنه محسوس بسبب أعمالكم التي قدّمتموها وبسبب عدله المقتضي له، والإتيان بصيغة المبالغة سيأتي تحقيقه في موضع آخر وتقديم الأيدي عملها لأنّ من يعمل شيئا يقدّمه، فجعله في الكشاف عبارة عن جميع الأعمال التي أكثرها أو كثير منها يزاول باليد على طريق التغليب فيما قدمت بلا تجوّز في اليد، والمصنف رحمه الله جعل التجوز فيها من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مد ارجل العمل عليه، وبعض الناس لم يعرفه ففسر بما رأينا تركه خيراً من ذكره قيل، ولقوله: ظلام للعبيد توجيه آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله يدرك بحدة بصر البلاغة، وهو الإشارة إلى أنهم استحقوا العذاب بحيث لو لم يعذبهم كان كالمانع لحقهم وأورد عليه أنه مخالف للمذهب الحق من أنه المالك الحقيقي، وتصرّف المالك في ملكه كيف يشاء فله أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي، ولا ظلم في أفعاله كيفما كانت إذ هو الفعال لما يرد، وقد فسروا العدل بأنه لا يقبح له فعل فجعلوه صفة سلبية، والجواب أن ما ذكروه من أنّ إثابة العاصي وعقاب المطيع لا تنافي ما ذكر يعني عقلاً وأمّا كونها تنافي الحكمة والعدل سمعاً فلا خلاف فيه قال في المسايرة وقد نص تعالى على قبحه حيث فال: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [سورة الجاثية، الآية: 21] فجعله تعالى سيئا وكلامهم في التجويز وعدمه أمّا الوقوع فمقطوع بعدمه اتفاقاً غير أنه عند الأشاعرة للوعد بخلافه وعند غيرهم لذلك وقبح خلافه عقلا فتأمّل. قوله: (بأنّ لا تؤمن لرسول الخ) الباء في قوله أن يقرّب بقربان أي يذبح ذبيحة إمّا زائدة أو لتضمنه معنى يأتي والا فهو متعد بنفسه، وقوله: أي تحيله بيان لأنّ كل النار مجاز عن إحالته إلى طبعها إمّا استعارة على التشبيه أو مجاز مرسل لأنّ المأكول يستحيل أخلاطاً تناسب أخلاط اكل وكذا المحرق بالنار ينقلب دخاناً ونارا إمّا جميعه أو بعضه، وقوله شرع بشين معجمة وراء وعين مهملتين بوزن حسن معناه سواء، ص قال في شرح الفصيح قال ابن وستوربه كأنه جمع شارع كخادم وخدم أي كلكم يشرع فيه شروعا واحداً، ويستوي فيه المذكر والمفرد وغيره وأجاز كراع والقزار تسكين رائه وأنكره يعقوب في الإصلاح وقال: إنما شرع بمعنى حسب. قوله: (تكذيب وإلزام الخ) التكذيب من قوله بالبينات أي المعجزات فإن الرسل السابقة عليهم الصلاة والسلام لم تقتصر معجزتهم على ما ذكرتم كما ادّعيتم ومنه يعلم الإلزام أيضاً أو الإلزام بأنه لو كان التصديق بتلك المعجزة دون غيرها لما جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ببينات أخر ونقل عن السدّي رحمه الله أن هذا الشرط جاء في التوراة هكذا من جاء يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا عليهما الصلاة والسلام، وكانت هذه العادة جاربة إلى مبعث المسيح ع! هـ وقوله: في معجزات أخر أي معها والظرفية إشارة لكثرتها. قوله: (ثسلية للرسول يكني! الخ) إشارة إلى أنّ قوله فقد كذب الخ جواب للشرط مؤوّل بلازمه أي فلا تحزن وتسل، وتيل: إنه لا حاجة إلى تأويله إذ المعنى أن يكذبوك فتكذيبك تكذيب للرسل قبلك لأنهم أخبروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 ببعثتك ففيه توضيح لصدقه وتوبيخ لمن كذبه وقوله: (مغايرة للبينات بالذات) بأن يراد بالبينات المعجزات غير الكتب لأنّ إعادة العامل تقتضي المغايرة ولولاها لجاز أن يكون من عطف الخاص على العام. قوله: (وعد ووعيد للمصدّق الخ الف ونشر، ووجهه أنّ بعد الموت يجزى كل بما عمل والبيت شاهد للنصب مع عدم التنوين لأنه المحتاج للإثبات والشعر لأبي الأسود الدؤلي وهو: رأيت امرأ كنت لم أبله أتاني فقال اتخذني خليلا فخاللته ثم أكرمته ولم أستفدمن لدنه فتيلا فوافيته حين جرّبته كذوب اللسان شؤمابخيلا فذكرته ثم عاتبته عتاباً رفيقاوقولاً جميلا فألفيته غيرمستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا بعاتب من صادقه فطلب حلة له هبة أو شراء فلم يعطها له وتعلل بعلل، وذاكر بالجرّ عطفاً على مستعتب ويجوز نصبه عطفا على غير وترك تنوينه وكان الأصل فيه أن ينون ويكسر لالتقاء الساكنين لكنه حذف لالتقاء الساكنين في بعضه من غير تحريك والله منصوب به لاعتماده أي ذكرته ما كان بيننا من العهود وعاتبته، أو في عتاب فما وجدته طالب رضاي، يقال: استعتبته فاعتبي أي استرضيته فأرضاني. قوله: (تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا) حالان من المفعول والتمام يشعر بأن من الجزاء ما يكون قبله فيدل على عذاب القبر وبه صرح الزمخشريّ مع مخالفة المعتزلة فيه فلم ير رأيهم في هذه المسألة كما نبه عليه الشراح، وفسر القيامة بالقيام من القبور فهي مصدر فيه الوحدة لقيامهم دفعة واحدة، وقيل: في نكتته أيضاً إنه قد يقع الجزاء ببعضها في الدنيا وقوله: (القبر روضة الخ) أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري وقال إنه غريب لا يعرف إلا عنه ورده العراقي رحمه الله بأنّ الطبراني أخرجه في الأوسط عن أبي هريرة رضي أدلّه عنه أيضا. قوله: (والزحزة الخ الما كان الزح الجذب استعمل في لازمه وهو البعد وكرّر لأنّ بتكراره يحصل البعد ويتحقق، وقوله: بالنجاة إشارة إلى متعلقه ويحتمل أنه حذف للعموم أي بكل ما يريد، وذكر دخول الجنة بعده لأنه لا يلزم من البعد عن النار دخول الجنة وهو ظاهر والحديث المذكور أخرجه مسلم وضمير يأتي راجع لمن، وفي الأساس أتى إليه إحساناً إذا فعله أي يحسن إلى الناس بما يحب أن يحسن به إليه. قوله: إ شبهها بالمتاع إلى آخره (المتاع ما يتمتع وينتفع به مما يباع ويشترى والمستام بمعنى المشتري، والتدليس قريب من التلبيس مأخوذ من الغرور لأنه ما يفرّ به، وبلاغ بمعنى تبليغ وإيصال إلى الآخرة. قوله ة (أي والله لتختبرنّ الخ) يعني اللام جواب القسم والابتلاء الاختبار والامتحان، وهو تمثيل كما مرّ، وقوله: لا يرهقهم أي لا يسوءهم. قوله: (من معزومات الأمور (قال النحرير: إن العزم مصدر بمعنى المعزوم أي المعزوم عليه يقال عزمت على الأمر وأعزمت ولم يسمع عزمت الأمر والفاعل هو العبد بمعنى أنه يجب عليه أن يعزم على ذلك أو الله تعالى ومعنى عزم الله أي أراد وقصد وقطع وفرض أن يكون ذلك ويحصل، وذكر الإمام المرزوقي أن حقيقة العزم توطين النفس وعقد القلب على ما يرى فعله ولذلك لم يجز إطلاقه على الله تعالى، وفيه أن قوله: لم يسمع عزمت الأمر فيكون معزوم من الحذف والإيصال لا وجه له لأنّ الراغب قال: في مفرداته يقال عزمت الأمر وعزمت عليه واعتزمت قال تعالى: {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [سورة البقرة، الآية: 235] وما نقله عن المرزوقي من أنّ العزم لا يطلق على الله لإيهامه ما لا يليق بجنابه غير صحيح أيضاً لأنه ورد إطلاق عليه تعالى بمعنى الإرادة والإيجاب، وقرئ به فإذا عزمت كما مر ونقله أئمة اللغة كالأزهري وغيره وورد إطلاقه في الحديث كما مرّ، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أي أمر الخ وقوله: نحو إمضائه أي تنفيذه وفي نسخة لإمضائه. قوله: (أي اذكر وقت أخذه الخ) يعني إذ مفعول أو ظرف بتقدير الحادث كما مرّ، وقوله: حكاية الخ الميثاق والعهد والقسم يعامل معاملة اليمين ويجاب بما يجاب به فقوله لتبيننه جواب ميثاق لتضمنه معنى القسم، وقرئ بالياء والتاء لما قزر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 علماء العربية من أنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه. أحدها: أن يكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء، كأن تقول استحلفته ليقومن. الثاني: أن يأتي بلفظ الحاضر يريد اللفظ الذي قيل له فيقول استحلفته لتقومن كأنك قلت له لتقومن. الثالث: أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن ومنه قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} بالنون والتاء والياء ولو كان تقاسموا أمراً لم يجىء فيه الياء لأنه ليس بغائب، وقوله: ولا تكتمونه يحتمل العطف والحال. قوله: (والنبذ وراء الظهر (أي الطرح تمثيل واستعارة لعدم الالتفات وعكسه جعله نصب العين ومقابلها، وقوله: وأخذوا بدله أوّله به لئلا يكون الثمن مشترى وقد تقدم تحقيقه، وقوله: واغراضها بالمعجمة جمع غرض بمعنى متاع لا مقابل الجوهر وقوله: (من كتم علماً) الحديث من أهله وعن أهله وقعا في النسخ قال العراقي إنه لم يرد بهذا اللفظ وإنما المروفي في السنن " من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار " وما روي عن عليّ رضي الله عنه رفعه صاحب الفردوس وغيره، ومعنى ألجمه جعله في فمه كاللجام وجعل فمه محل العذاب جزاء له بجنس عمله ومن نار ترشيح. قوله: (والمفعول الأوّل الذين يفرحون الخ) الفاء للإشعار بأنّ أفعالهم السابقة سبب لعدم الحسبان، والذين على هذه القراءة مفعول أوّل وفلا تحسبنهم تأكيداً وبدل وبمفازة المفعول الثاني أي فائزين بالنجاة من العذاب، وبمفازة إمّا مصدر ميمي بمعنى الفوز والتاء ليست للوحدة لبناء المصدر عليه فمن العذاب متعلق به، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله، أو اسم مكان أي محل فوز ونجاة ويجوز أن يستعار من المفازة للقفر فمن العذاب صفة له لأنّ اسم المكان لا يعمل، ولا بد من تقديره خاصا أي منجية من العذاب، وقوله: من الوفاء بيان لما وخص ما فعلوا بما ذكر للقرينة السابقة وبجوز تعميمه وفسر أتوا بفعلوا لأنه يكون بهذا المعنى، كقوله: {كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} ويدل عليه قراءة أبيئ وضي الله عنه يفرحون بما فعلوا. قوله:) ومفعولاً لا يحسبن محذوفان الخ) قيل هذا إذا جعل التأكيد هو مجموع لا تحسبنهم أعني الفعل والفاعل والمفعول وأمّا إذا جعل التأكيد هو الفعل والفاعل على ما هو الأنسب إذ ليس المذكور سابقاً إلا الفعل والفاعل فالضمير المنصوب المتصل بالتأكيد هو المفعول الأوّل ولا حذف ألا ترى أنه لم يحمل القراءتين السابقتين على حذف المفعول الثاني من أحد الفعلين أعني التأكيد، والمؤكد انتهى ورد بأنّ فيه اتصال ضمير المفعول بغير عامله أو فاعله المتصل بعامله كضربته ولم يقل به أحد من النجاة وان كان فيه تحاس عن الحذف في هذا الباب، أقول ليت شعري من النحاة الذين ذكرهم والمسألة في شروح الكتاب مفصلة، وفي الكتاب إشارة إليها في قوله: وجيران لنا كانوا كرام وفصلها ابن خروف، والشلويين ولولا خوف الإطالة كنا أوردنا لك كلامهم قي اتصال الضمير بغير عامله وما ذكره بعينه في غيره من الكتب وقد أفردت هذه المسألة برسالة مستقلة. (قلت أليس هو بغافل عنه لكن وقع في كلام الزمخشري، والنحاة أن الفعل المزيد للتأكيد وكذا المؤكد يتصل به الضمير وان لم يكن عاملاً فيه كما صرّح به في تفسير وإن كانت لكبيرة في قراءة الرفع ووقع مثله في التسهيل فقال شارحه الدماميني القاعدة المقررة أن الضمير لا يتصل بغير عامله والاعتلال بإصلاح اللفظ نشأ منه إفساد هذه القاعدة، ثم وقوع الضمير المنفصل إلى جانب الفعل لا يضرّ إذا كان لفرض! نحو إنما قام أنت فلو فعل به هنا كذا لكان مستقيماً وفيه نظر يعلم مما تقدم، وقوله: أو المفعول الأوّل محذوف أي والثاني مذكور وهو بمفازة كما مرّ. قوله: (روي أنه الخ) هذا أخرجه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عتهما ووجه فرحهم تكذيبهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لو كان نبياً لعلم كذبهم فلما نزل الوحي تبين خلات ما ظنوه وانقلب فرحهم غما وكذا قوله: (وقيل نزلت الخ) رواه الشيخان أيضاً وقوله: (واستحمدوا) أي طلبوا أن يحمدوا. قوله: (فهو يملك أمرهم الخ) لأنّ ملك السموات والأرض عبارة عن ملكهما وما فيهما وضعف كونه رذاً لقولهم إن الله تعالى فقير لبعده، ولو قيل وفيه ردّ لهان الأمر، وقوله: إنّ في خلق السموات والأرض! تأكيد لما قبله ولهذا لم يعطف عليه وإنما خص هذه الثلاثة هنا بعد ما زاده في البقرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 لأنّ الآيات على كثرتها منحصرة في السماوية والأرضية، والمركبة منهما فأشار إلى الأوّلين بخلق السموات والأرض والى الحالثة باختلاف الليل والنهار لأنهما من دوران الشمس على الأرض ولما فرغ من آيات الربوبية بين العبودية، ولما كان العبد مركبا من النفس والبدن أشار إلى عبودية البدن بقوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} الخ والى عبودية القلب والروح بقوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وخصص التفكر بالخلق للنهي عن التفكر في الخالق لعدم الوصول إلى كنه ذاته وصفاته، ثمّ ذكر الدعاء بعده تعليما لأنّ الدعاء إنما يجدي بعد تقديم وسيلة وهي إقامة وظائف العبودية من الذكر والتفكر فانظر إلى هذا الترتيب ما أعجبه وهذا وجه آخرغير الذي ذكره المصنف رحمه الله ولعله أقرب منه فإن ذكره مبني على مذهب الحكماء في إثبات الصورة والهيولى والأوضاعه الفلكية المبينة في الهيئة. قوله: (لدلائل واضحة الخ) ووجه الدلالة على وجود الصانع تغيرها المستلزم لحدوثها واستنادها إلى مؤثر قديم وإذا دلت على ذلك لزم منه الوحدة، ووجه الدلالة على ما بعده اتقان هذه المصنوعات المقتضى له ولكماللأ القدرة أيضاً ويكفي هذا القدر لمن كان على بصيرة من ربه، وقوله: العقول المجلوّة أخذه من التعبير باللب لأنّ معناه الخالص عن الشوائب وشوائب الحس والوهم وإغلاطه، وقوله: بتبدل صورها علمت ما فيه وقوله: (ويل لمن قرأها الخ) أخرجه أبن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قوله: (يذكرونه دائماً على الحالات الخ) أخذ الدوام من ذكر هذه الأحوال لأنه يفهم منها الدوام عرفا كما لا يخفى، وقي أخذه من المضارع الدال على الاستمرار، وأشار بقوله على الحالات إلى أنّ الدوام ليس حقيقيا، ولذا قال الزمخشريّ في أغلب أحوالهم وقوله: قائمين يحتمل أنه إشارة إلى أنّ قياما جمع قائم وقعوداً جمع قاعد فإنهما ورد أجمعين كما صرحوا به ويجتمل أنها مصدران مؤوّلان بما ذكر وقوله: (ومضطجعين) تفسير لمعنى الجارّ والمجرور أو لمتعلقه الخاص وقوله:) من أحب الخ) حديث مخرّج صحيح. قوله: (وقيل معناه يصلون على الهيئات الثلاث الخ) وقوله: (فهو حجة) إن رجع الضمير إلى الحديث فظاهر وان رجع إلى القول به في الآية فكونه لا ينهض حجة غني عن البيان وبسط المسألة في الفروع وعند أبي حنيفة رحمه الله يستلقي على ظهره ولك أن تقول إنه لما حصر أمر الذاكر في الثلاثة دل على أنّ غيرها ليس من هيئته والصلاة مشتملة على الذكر فلا ينبغي أن تكون على غيره فتأمل، ومقاديم جمع مقدم على خلاف القياس كما صرح به أهل اللغة، والحديث المذكور أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة وليس فيه ذكر الإيماء. قوله: (استدلالاً واعتبارا الخ (أي يكون تفكرهم فيها للاستدلال على الصانع وإنما كان التفكر أفضل العبادات لأنّ أجله معرفة الله ولأنه لا يدخله رياء وتصنع وقوله: الا عبادة كالتفكر الخ) أخرجه ابن حبان والبيهقي وضعفاه، وقوله: لأنه المخصوص بالقلب يعني أنه يقتضي الخلوص وهذا بيان لفضله في نفسه، وفضله باعتبار المتعلق ما مر وقوله:) بينما رجل الخ) أخرجه ابن حبان، ووجه دلالته على شرف أصول الدين أنّ غايته معرفته تعالى، وموضوعه نحو ذلك وشرف العلم بشرفه، وجملة ربنا مقول قول مقدر هو حال كما ذكره أو بتقدير يقولون على أنّ الذين مبتدأ وهذا خبره. قوله: (وهذا إشارة الخ) إشارة إلى تفسير اسم الإشارة وبيان لوجه إفراده وتذكيره فإذا كان إشارة إلى المتفكر فيه شمل اختلاف الليل والنهار وإذا كان إلى المخلوق من السموات والأرض استتبع ذلك أيضاً لأنه بطلوع الشمس وغروبها والعدول عن الضمير إلى اسم الإشارة للدلالة على أنها مخلوقات عجيبة يجب أن يعتني بكمال تمييزها استعظاماً لها كما ذكره في الكشاف، وفسر الباطل بالعبث وهو ما لا فائدة فيه مطلقا، أو ما لا فائدة فيه يعتد بها أو ما لا يقصد به فائدة كما بين في أوّل شرح ابن الحاجب العضدي. قوله: (سبحانك) مصدر منصوب بفعل محذوف والجملة المعترضة يؤتى بها لتقوية الكلام وتأكيده كما صرّح به النحاة والمفسرون فلا وجه لما قيل فيه بحث لأنه مؤكد لنفي البعث عن خلقه. قوله: (وفائدة الفاء الخ الما دل قوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} على وجوب الطاعة واجتناب المعصية رتب عليه الدعاء بالاستعاذة من النار بالفاء كأنه قيل فنحن نطيعك فقنا عذاب النار التي هي جزاء من عصاك، والمقصود منه فوفقنا للعمل بما فهمنا من الدلالة وقيل: إنه مترتب على قوله سبحانك أي نزهناك فقنا، وقيل: إنه جواب شرط مقدر. قوله: (فقد أخزيته غاية الإخزاء الخ) في الكشاف فقد أبلغت في إخزائه وهو نظير قوله: فقد فاز ونحوه في كلامهم من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك ومن سبق فلاناً فقد سبق، يعني أنه أذا جعل الجزاء أمرا ظاهر اللزوم للشرط سواء كان اللزوم بالعموم والخصوص كما في المثل أو بالاسنلزام مع التغاير كما في الآيتين يكون الكلام خالياً عن الفائدة إن حمل على ظاهره فيحمل على أعظم أفراده وأخصها لترتيب الفائدة كفاز فوزاً عظيماً، وأخزى غاية الإخزاء، ونحوه: فلا يرد أن الآية ليست كالمثلى المذكور لأن فيه جعل العامّ جوابا وفي الآية هما متغايران لأنّ الشرط عذاب جسمانيّ، والجواب عذاب روحاني كما صرّح به فأوّل كلامه لا يلائم آخره، وبهذا عرفت وجه قوله غاية الإخزاء وجعل المثل نظيراً له، والصمان اسم جبل والخزي الافتضاح، وتهويله بجعله غاية ذلك وفيه إشارة إلى أنه لا يقتضي تخليد كل من دخلها كما توهم، وهذا من كلام رجل يسمى حنيف الحناتم ضربت العرب به المثل فقالوا آبل من حنيف الحناتم وهو رجل من تيم اللات كان أعرف الناس بأحوال الإبل في الجاهلية قال القالي: وهو القائل من قاظ الشرف وتربع الحزن وشتى الصمان فقد أصاب المرعى اص. قوله: (وقيه إشعار بأنّ العذاب الروحاني أفظع) هو مأخوذ من التفسير الكبير قال فيه: احتج حكماء الإسلام بهذه الآية على أنّ العذاب الروحاني أقوى قالوا: الآن الآية تدل على تهديد من عذب بالنار بالخزي، وهو عبارة عن التخجيل والإهانة، وهو عذاب روحاني فلولا أنّ العذاب الروحاني أقوى لما حسن تهديد من عذب بالنار بعذاب الخزي والخجالة، اهـ يعني أنه رتب فيه العذاب الروحاني وهو الإخزاء على الجسماني الذي هو إدخال النار، وجعل الثاني شرطاً والأوّل جزاء، والمراد من الجملة الشرطية الجزاء والشرط قيد له فيشعر بأنه أقوى وأفظع والا عكس. وأيضاً المفهوم من قوله: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وطلب الوقاية منه، وقوله: ربنا الخ دليل عليه فكأنه طلب الوقاية من المذكور لترتب الخزي عليه فيدلّ على أنه غاية ما يخاف منه فما قيل إن أراد العذاب بالأعمال الروحية فالأمر ظاهر وان أراد المعنى المشهور فوجه الإشعار أنّ السوق قرينة على أنّ المراد بإدخال النار التعذيب الروحاني وفيه ما فيه مما لا وجه له بعد التأمّل فيما ذكرناه. قوله: (أواد بهم المدخلين الخ) يعني بمقتضى السياق ومالهم أي لمن دخلها من أنصار وهو ردّ على الزمخشرفي في قوله فلا ناصر لهم بشفاعة ولا غيرها إيماء إلى مذهبه وفي الكشف الظاهر من الآية من دخل النار فلا ناصر له من دخولها إمّا أنه لا ناصر له من الخروج بعد الدخول، وذلك لأنه عامّ في نفي الإفراد مهمل بحسب الأوقات والظاهر التقييد بما يطلب النصر أولاً لأجله كمن أخذ يعاقب فقلت ماله من ناصر لم يفهم منه أنّ العقاب لا ينتهي بتغييبه وإنه بعد العقاب لا يشفع له بل يفهم منه أنه لا مانع يمنعه عما حل به، ثم إن سلم التساوي لم يدل على النفي، وما قاله القاضي من أن نفي الناصر لا يمنع الخ ظاهر، والقول بأنّ العرف لا يساعده غير متجه. قوله: (أوقع الفعل على المسمع الخ (اختلف النحاة في سمع المعلقة بعين فذهب الأخفش وكثير من النحاة إلى تعديه إلى مفعولين وذهب الجمهور إلى أنه لا يتعدى إلا إلى واحد واختاره ابن الحاجب قال: وقد يتوهم أنه متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال أمّا المعنى فلتوقفه على مسموع وأمّا الاستعمال فلقولهم سمعت زيداً يقول ذلك وسمعته قائلا وقوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سررة الشعراء، الآية: 72] ولا وجه له لأنه يكفي في تعلقه المسموع دون المسموع منه وإنما المسموع منه كالمشموم منه فكما أنّ الشم لا يتعدّى إلا إلى واحد كذلك السماع فهو مما حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به ويذكر بعد. حال تبينه ويقدر في يسمعونكم إذ تدعون يسمعون أصواتكم، وهو أبلغ من تقدير دعاءكم هذا ملخص كلامه في الأمالي، والزمخشري جعل المسموع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 صفة بعد النكرة، وحالاً بعد المعرفة فقيل لا يخفى أنه لا يصح إيقاع فعل السماع على الذات إلا بإضمار أي سمعت كلامه وأن الأوفق بالمعنى فيما جعله حالاً أو وصفاً، أن يجعل بدلاً بتأويل الفعل بالمصدر على ما يراه بعض النحاة لكنه قليل في الاستعمال فلذا آثر الوصفية أو الحالية وإنما جعل البدلية أوفق لاًن توقف صحة المعنى عليه في بدل الاشتمال كسلب زيد ثوبه معروف في اللسان مطرد بخلاف الحال، وما قيل إنه لا يجوز بعده إلا المضارع غير صحيح لوقوع الظرف واسم الفاعل كما سمعته، وقول النحرير: لا يصح الخ مبني على مذهب الجمهور والا فعلى مذهب الأخفش لا يحتاج إلى تقدير وقول المصنف رحمه الله لدلالة وصفه بيان لما في الآية وإلا فهو يكون حالاً وظرفا، ووجه المبالغة جعل الذات كأنها مسموعة فلذا لا يستعمل إلا فيما كان بدون واسطة. قوله: (وفي تنكير المنادى وإطلاقه الخ) يعني أنه قال أولاً منادياً فلم يذكر ما دعا له، ثم قال: ينادي للإيمان تعظيماً لشأن المنادي والمنادى له ولو قال: أولاً مناديا للإيمان لم يكن بهذه المثابة ولما كان النداء مخصوصاً بما نودي له ومنتهيا إليه تعدى، بالاعتبارين بهذين الحرفين وقوله: بأن آمنوا إشارة إلى أن أن مصدرية والفعل متعد إليه بالباء أي ينادي بأن آمنوا وقيل إنها تفسيرية، وقوله: فآمنا عطف على سمعنا والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبول، وتسبب الإيمان عن السماع من غير مهلة والمعنى فآمنا بربنا قال النحرير: أن المصدرية وان دخلت على الماضي والمضارع والأمر لكن لا ينبغي، أن يجعل الكل بمعنى المصدر بل بمعنى حصحول الإيمان في الماضي أو المستقبل أو المطلوب وهو جواب عما قيل إنه إذا أوّل بالمصدر فات معنى الطلب وأخويه وهو المقصود، وهو حجة من ذهب إلى أنها تفسيرية وعلى التفسير فآمنوا تفسير لقوله: ينادي لأنّ نداءه عين قوله: آمنوا والتقدير ينادي للإيمان أي يقول آمنوا وليس تفسيراً للإيمان كما توهم وعلى ما اختاره المصنف من تقدير الجارّ هو متعلق بينادي لأنه المنادى به وليس بدلاً من الإيمان كما توهمه بعضهم، ولما أبى كثير من النحاة أن التفسيرية لما فيها من التكلف كما فصله في المغني تركه المصنف رحمه الله. ووقع في نسخة حكاها بعض الحواشي أي آمنوا أو بأن آمنوا فيكون موافقا للزمخشري في ذكر الوجهين. قوله: (ذنوبنا كبائرنا الخ (خولف بين معنييهما لأنه أفيد ولأنه تتميم للاستيعاب وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أنه المناسب للغة لأنّ الذنب مأخوذ من الذنب بمعنى الذيل فاستعمل فيما يستوخم عاقبته لما يعقبه من الإثم العظيم، وكذلك سمي تبعة اعتباراً بما يتبعه من العقاب كما صرّح به الراغب، وأمّا السيثة فمن السوء وهو المستقبح ولذا تقابل بالحسنة فتكون أخف قال الطيبي: ولأنّ الغفران مختص! بفعل الله والتكفير قد يستعمل في العبد كما يقال كفر عن يمينه وهو يقتضي أنّ الثاني أخص من الأوّل وفي كلام المصنف ما يوضحه. قوله: (مخصوصين بصحبتهم معدودين الخ (الاختصاص من المعية لأنه لا مجال لكونها معية زمانية إذ منهم من مات قبل، ومن يموت بعد فهو كناية عن الانخراط في سلكهم والعدّ في زمرتهم ويلزمه أن لا يكونوا مع غيرهم، والأبرار جمع بر وأما كونه جمع باز فضعف بأنّ فاعلا لا يجمع على أفعال حتى قيل إنّ أصحاب ليس جمع صاحب بل صحب أو صحب بالكسر مخفف من صاحب بحذف الألف وبعض أهل العربية أثبته وجعله نادرا ووجه الدلالة على محبة لقاء الله طلبه التوفي، واسناده إلى الله وقيل إن نكتة قوله: مع الأبرار دون أبرار التذلل وأنّ المراد لسنا بإبرار فأسلكنا معهم واجعلنا من أتباعهم، قال: في الكشف وفيه هضم للنفس وحسن أدب مع إدماج مبالغة لأنه من باب هو من العلماء، بدل عالم ولا يخلو من لطف وقوله: " من أحب لقاء الله " الحديث أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. قوله: (أي ما وعدتنا على تصديق رسلك الخ) قدر التصديق للرّسل عليهم الصلاة والسلام لأنّ المراد بالمنادى الرّسول على الأرجح والإيمان التصديق لتعديته بالباء، فكأنه قيل إنا سمعنا رسولاً يدعو إلى التصديق فصدقناه فإذا كان ذلك فاتنا ما وعدتنا من الأجر على ذلك التصديق، وقوله: لا خوفا إشارة إلى أنّ ما وعده الله، واجب الوقوع لاستحالة الخلف في وعده تعالى فكيف طلبوا ما هو واقع لا محالة، وأجاب بأنّ وعد الله لهم ليس بحسب ذواتهم بل يحسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 أعمالهم فالمقصود من الدعاء التوفيق للأعمال التي يصيرون بها أهلا لحصول الموعود أو الدعاء تعبدي لقوله ادعوني أو المقصود الاستكانة والتذلل لله بدليل قولهم: إنك لا تخلف الميعاد، وبهذا يلتئم التذييل أتم التئام وبهذا سقط ما قيل: إنه كيف يخافون أن لا يكونوا من الموعودين مع طلب ما وعدهم الله فإن لم يكونوا، موعودين لم يصح قولهم ما وعدتنا فالأولى الاقتصار على الأمرين الأخيرين. قوله: (ويجورّ أن يعلق على بمحذوف الخ الم يقل يتعلق بمحذوف للتصريح بعلى أي به منزلاً على رسلك أو محمولاً على رسلك، أي حالة كونه مكلفاً به رسلك ومبلغا منهم لأنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام محمولون قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 94 ا] ومتعلق الظرف يكون خاصا إذا قامت عليه قرينة فلا عبرة بإنكار أبي حيان له، أو التقدير على ألسنة رسلك فهو متعلق بوعد وهو الثواب وقيل النصرة على الأعداء. قوله: (ولا تخزنا يوم القيامة) قال الإمام إشارة إلى قوله وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فإنه ربما ظن الإنسان أنه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح، ثم يظهر له في القيامة أنّ اعتقاده كان ضلالاً وعمله كان ذنبا فهنالك تحصل له الخجلة العظيمة، والحسرة الكاملة والأسف الشديد وذلك هو العذاب الروحاني فأوّل مطالبهم دفع العذاب الجسماني وآخره دفع العذاب الروحاني والمصنف رحمه الله تعالى أوّله بأنه طلب العصمة عما يقتضيه أي يقتضي الإخزاء، والميعاد مصدر بمعنى الوعد وتفسيره بالإثابة والإجابة هو الظاهر لما مرّ، وأمّا تفسيره بالبعث فصحيح لأنه ميعاد الناس للجزاء فقد يرجع إلى الأؤل والتكرير وجهه ما ذكروه والاستقلال يؤخذ من الإعادة وعدم العطف، وما ذكر. من قوله من حزبه بالحاء المهملة والزاي المعجمة والباء الموحدة أي أهمه وبجوز أن يكون بالنون أيضاً لأنه يقال حزنه وأحزبه كما ضبط بهما في حديث آخر، وأمّا هذا فقال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه. قوله: " لى طلبتهم وهو أخص من أجاب الخ (طلبة بوزن تركة اسم بمعنى المطلوب إشارة إلى مفعوله المقدر واستجاب أخص من أجاب كما نقل عن الفراء أنّ الإجابة تطلق على الجواب ولو بالردّ والاستجابة الجواب بحصول المراد لأنّ زيادة السين تدل عليه، إذ هو طلب الجواب والمطلوب ما يوافق مراده لا ما يخالفه وهو يتعدى باللام وهو الشائع وقد يتعذى بنفسه كما في قول الغنوي: وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب وهذا في التعدية إلى الداعي وأئا إلى الدعاء فسائغ بدون اللام مثل استجاب الله دعاءه كما سيأتي ولهذا قيل إن هذا البيت على حذف مضاف أي لم يستجب دعاءه كما سيأتي في سورة القصص، وأني لا أضيع متعلق باستجاب لأنّ فيه معنى القول وهو مذهب الكوفيين وقول المصنف على إرادة القول يحتملهما، وقوله: بيان عامل على أي بمعنى شخص عامل أو على التغليب. قوله: (لأنّ الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر الخ) فمن ابتدائية، وعلى أنّ المعنى أنهما من أصل واحد من ابتدائية بتقدير مضاف أي من أصل ب! أو هي اتصالية أيضا بحسب اتحاد الأصل وكلام المصنف رحمه الله يناسب الأوّل أو المراد الإيصال في الاختلاط والتعاون أو الاتحاد في الدين حتى كأن كل واحد من الآخر لما بينهما من أخوة الإسلام، وما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها رواه الترمذي، والاتصال بين الاثنين لأن الهجرة من الأعمال فهي لا. تضيع للذكر والأنثى وقوله فنزلت أي هذه الآية كلها أو قوله: (فالذين الخ) وقوله: (وهي جملة معترضة) أي قوله بعضكم من بعض اعترضت بين ما قبلها وتفصيله بقوله: فالذين الخ. قوله: (ت! فصيل لأعمال العمال الخ) أي فيه تفصيل كما يدل عليه الفاء بعد الإجمال وتخصيص بعد تعميم يشير إلى تعظيم العامل وعمله والإجار على سبيل القسم بتكفير السيئات وادخال الجنات وعظيم الثواب من الله الجامع لصفات الكمال، وأصل المهاجرة من الههجر، وهو الترك فإن كان المتروك الشرك كان قوله: {وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} تأسيساً أو الأوطان والعشائر فقوله: {وَأُخْرِجُواْ} الخ عطف تفسيريّ، وقوله: بسبب إيمانهم بالله ومن جملة قا! ل افنحرير: التعارف على أنه يقال بعث في سبيل الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 أي لأجله وسببه، واليه يشير المصنف رحمه " الله. قوله: (لأنّ الواو+ لا كوجب ترتيباً) يعني على هذه القراءة كيف تكون المقاتلة بعد القتل- فإن كان القتل والمقاتلة من شيء واحد قالوا ولا توجب الترتيب وقدم القتل لفضله بالشهادة وان كان قتل بعض وقاتل بعض آخر فما انهزموا ولم يضعفوا بقتل إخوانهم إمّا على أنّ التقدير والذين قتلوا، والذين قاتلوا أو على التوزيع أي منهم الذين قتلو! ، ومنهم الذين قاتلوا، والى التوجيهين أشار المصنف رحمه الله، وفسر التكفير بالمحولان أصل معناه الستر المقتضي للبقاء، فأشار إلى أنه غير مراد هنا. قوله: (أي أثيبهم بذلك إثابة) ذكر في نصبه أوجه أحدها أنه مصدر مؤكد لأنّ معنى الجملة قبله لا ثيبنهم بذلك فوضمع ثوابا موضع الإثابة وإن كان في الأصل اسما لما يثاب به كالعطاء لما يعطي، وقيل: إنه حال من جنات لوصفها أو من الضمير المفعول أي مثابين، وقيل: إنه بدل من جنات، وقيل منصوب على القطع ومن عند الله صفة له، والثواب لا يكون إلا من الله فالوصف المؤكد لا ينافي كون المصدر مؤكدا، فلا يرد عليه أنه إذا وصف كيف يكون مصدراً مؤكداً كما قيل وفي قوله: " من عند الله " التفات وقيل إن المعنى ثوابا فوق الجنات. واعلم أن قوله: " لأكفرنّ " الخ جواب قسم محذوف تقديره والله وانقسم رجوابه خبر الممبتدأ وهو ألذين، وزعم ثعلب أنّ الجملة ايق! سمية لا تقعخبرآ ووجهه أنّ الخب! أحه محل وجواب القسم لا محل له وهو إنشائي فإما أن يقال إنه له محل من جهة الخبرية ولا محل له من جهة الجوابية أو الذي لا محل له الجواب والخبر مجموع القسم وجوابه ولا يضرّ كون الجملة إنشائية لتأويلها بالخبر، أو يقدر قول كما هو معروف في أمثاله. قوله: (والله عنده حسن الثواب على الطاعات قادر عليه) في الكشاف وعنده مثل أي يختص به وبقدرته وفضله لا يثيبه غيره، ولا يقدر عليه كما يقول الرجل عندي ما تريد يريد اختصاصه به وبملكه وان لم يكن بحضرته يعني ليس معناه أنّ الثواب بحضرته وبالقرب منه على ما هو حقيقة لفظ عنده بل مثل لكونه بقدرته، وفضله بحيث لا يقدر عليه غيره بحال الشيء يكون بحضرة أحد لا يد عليه لغيره والاختصاص مستفاد من هذا التمثيل حتى لو لم يجعل حسن الثواب مبتدأ مؤخراً عنه كان الاختصاص بحاله. قوله: (الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم والمراد منه أمّتة) لأنّ سيد القوم يخاطب بشيء ويراد أتباعه فيقوم خطابه مقام خطابهم ولو ترك الوجه الثاني لكان أولى لأنه لا يكون منه تزلزل حتى يؤمر بالثبات فليس بقوقي في دفع المحذور أو الخطاب عامّ شامل للنبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره بطريق التغليب تطييباً لقلوب المخاطبين فلا يلزم نسبة الغرور والاغترار له صلى الله عليه وسلم، فلا يرد ما قيل ينبغي أن يراد كل أحد سوى النبي تخت لئلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ خطاب غيره بمعنى النهي عن الغرور وخطابه صلى الله عليه وسلم بمعنى الثبات على الانتهاء، فما وقع في الكشاف من أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أخد مختل اهـ بل لا وجه له إذ الخلل إنما جاء منه وعاد إليه ومن هنا تعلم نكتة سرية في إسناده إلى التقلب تفادياً عن أن ينسب إليه. قوله: (والنهي في المعنى للمخاطب الخ) السبب عين التقلب والمسبب الاغترار به، والنهي ورد على الأوّل والمراد النهي عن الثاني أي الاغترار مجازأ أو كناية فما قيل السبب تقلبهم والمسبب الغرور به فنهى التقلب لينتهي غروره ليس على ما ينبغي كذا قيل يعني إنه من قبيل لا أرينك ههنا إذ هو نهي له عن الحضور لا عن الرؤية التي هي فعل الغير الذي لا يتصوّر منه فكيف ينهي عنها فأريد لازمه ونهى عنه، وأورد عليه أنّ الغارية والمغرورية متضايفان، وقد صرّحوا بأن القطع والانقطاع ونحوه مثلا متضايفان، وحقق في العلوم العقلية إن المتضايفين لا يصح أن يكون أحدهما سبباً للآخر بل هما معاً في درجة واحدة، فالأولى أن يقال علق النهي بكون التقلب غاراً ليفيد نهي المخاطب عن الاغترار لأنّ نفي أحد المتضايفين يستلزم نفي الآخر، وما ذكره مبني على إن الأثر والتأثير أمر واحد لا أمران متغايران أحدهما مترتب على الآخر وهو وان ذهب إليه كثير لكن النظر الصائب يقتضي خلافه، فلا تكن من المقلدين والجهد العناء. قوله: (خبر مبتدأ محذوف الخ) معنى في جنب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 ما أعد الله أي بالقياس والإضافة إليه وتسمى في قياسية وأصله أنه إذأ قيس شيء بشيء وضع بجنبه ومثله قوله في الحديثأ ا (في جنب الآخرة وفي نسخة " وفي جنب " بالعطف على مقدر أي في نفسه وفي الخ أو بالنسبة لما فاتهم من الآخرة أو لانقضائه وعدم بقائه، وهذا الحديث في صحيح مسلم وقوله: (ما مهدوا) إشارة إلى تقدير المخصوص بالذم والمهاد كالفراس لفظا ومعنى، وقوله: (ما الدنيا في الآخرة) أي ما تقدير الدنيا واعتبارها وهو العامل في الجار والمجرور أو هو حال عاملها معنى النفي. قوله: (النزد والنزل الخ) يعني بضمتين أو ضم فسكون أصل معناه الفضل، والريع في الطعام ويستعار للحاصل عن الشيء كما سيأتي في قوله تعالى: {خَيْرٌ نُّزُلًا} [سورة الصافات، الآية: 62] والنزل ما يعد للنازل، ثم استعمل بمعنى الزاد مطلقاً ويكون جمعا بمعنى النازلين وقد جوّز هنا، وقوله: أبو الشعر لقب شاعر لكثرة شعره الضبيّ أي المنسوب لبني ضبة قبيلة معروفة، والمراد بالجبار الملك المسلط، وبالجيش بمعنى مع الجيش أو للتعدية وضافنا بمعنى نزل بنا وجعل مجيئه لحربهم كمجيء المسافر للضيافة لعدم مبالاتهم بذلك، وهي استعارة لطيفة رشحها بجعل القنا أي الرماح والمرهفات أي السيوف المرفقة، نزله وزاده وهو تهكم على حد: تحية بينهم ضرب وجيع وعلى الحالية فجعل الجنة نفسها نزلاً تجوّز أو بتقدير مضاف أي ذات نزل، وعلى المصدرية فهو بمعنى النزول أي نزلوها نزلاً وفي نسخة أنزلوها ووجه الاستدراك في الآية أنه ردّ على الكفار فيما يتوهمون من أنهم ينعمون والمؤمنون في عناء فقال ليس الأمر كما توهمتم فانهم لا عناء لهم إذا نظر إلى ما أعد لهم عند الله أو أنه لما ذكر تنعمهم أوهم أنّ الله لا ينعم المؤمنين فاستدرك عليه بأنّ ما هم فيه عين النعيم لأنه سبب لما بعده من النعم الجسام فتأمّل، ولا يخفى ما في جعلهم ضيوف الله من اللطف بهم، وقوله والعامل فيها الظرف يعني إذا كان جنات فاعله لاعتماده فإذا كان مبتدأ فهو حال من الضمير المستتر في الخبر والعامل الظرف أيضاً، وقوله للأبرار من وضع الظاهر وضحع الضمير لما مرّ، وعبد الفه بن سلام بتخفيف اللام وأصحمة بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وحاء مهملة وميم وهاء ملك الحبشة ومعناه بلسانهم عطية الصنم والنجاشي بفتح النون ونقل ابن السيد كسرها وفتح الجيم مخففة وتشديدها غلط وآخره ياء ساكنة، وهو الأكثر رواية لأنه ليسى لملنسبة، ونقل ابن الأثير في النهاية تشديدها ومنهم من جعله غلطا وهو لقب كل من ملك الحبشة، واسم هذا مكحول بن صصه، وتوفي في رجب سنة تسع من الهجرة، وقوله: نعاه جبريل أي أخبره بموته وهذا رواه الواحدي وغيره، وفي الصلاة عليه دليل للشافعيّ رحمه الله في الصلاة على الغائب، وفي الكشاف أنه مثل له لمجبي! سريره فرآ. وحاول به الردّ على الشافعي ولا يخفى ضعفه، والعلج في الأصل القويّ الغليظ من الكفار، واللام لا تدخل على اسم إن إذا لم يفصل بينهما لئلا يتوالى حرفا تأكيد فإن فصل جاز كما جاز دخولها على الخبر. قوله: (حال من فاعل يؤمن) وجمع حملا على المعنى بعدما حمل على اللفظ أوّلاً، وقيل: إنه حال من ضمير إليهم وهو أقرب لفظاً فقط وجيء بالحال تعريضاً بالمنافقين الذين يؤمنون خوفا من القتل. فوله: (ما خص بهم من الأجر الخ) إشارة إلى أن الإضافة للعهد وقوله: (لعلمه الخ) عني أنّ الإخبار بكونه سريع الحساب كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق وأنه يوفيها كل عامل على ما ينبغي وقدر ما ينبغي، ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر لكونه من لوازمها ولكونه من لوازمها أشبه التأكيد فلذا لم يعطف عليه وسرعة الحساب للمؤمنين وهو لا ينافي تطويل حساب غيرهم تعذيباً لهم. قوله: (وغالبوا أعداء الله) يعني أن المصابرة مفاعلة فهي المجاهدة للعدوّ أو لاعدى الأعداء يعني النفس لأنه الجهاد اكبر، وذكر. بعد الصبر العام لأنه أشد فيكون أفضل فهو كعطف جبريل على الملائكة والصلاة الوسطى على الصلوات. قوله: (أبدانكم وخيولكم الخ) المرابطة نوع من الصبر فهو كالعطف السابق، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرباط أفضل من الجهاد لآنه حقن دماء المسلمين والجهاد سفك دماء المشركين ولذا ورد أنه لا يسئل في قبره وانتظار الصلاة عد من الرباط والثغور وأطراف ممالك الإسلام التي يخاف فيها من العدوّ وقوله: (من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 رابط الخ) رواه مسلم وغيره والرباط مصدر ربطت الدابة ومصدر رابط المرابطة، والمرابطة ضربان مرابطة الثغور ومرابطة النفوس، والعدل بالفتح المثل من غير جنس، وبالكسر منه فهو بالفتح هنا، وقال: الراغب العدل والعدل متقاربان لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، والعدل فيما يدرك بالحس كالموزونات، وقوله: إلا لحاجة متعلق بالفعلين، وقوله: ولا ينفتل عن صلاته أي لا ينصرف عنها والمراد أنه معادل لصوم رمضان وتيامه. قوله: (قانقوه بالتبري عما سواه الخ) المضض الألم، والمعبر عنها صفة المقامات فالصبر على الطاعات المرتبة الأولى التي هي الشريعة ورفض العادات التي هي الطريقة الثانية والمرابطة على جنات الحق التي هي الحقيقة الثالثة، وأوّل تفسيره ناظر إلى هذه. قوله: (من قرأ سورة آل عمران الخ) تجب الشمس بمعنى تغرب وأصل معنى الوجوب السقوط، وقوله: التي يذكر فيها آل عمران مر الكلام عليه والحديث الثاني أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما والأوّل موضوع وهو من الحديث الطويل المذكور فيه فضائل جميع السور، وهو مما اتفقوا على أنه موضوع مختلق وقد خطؤوا من أورده من المفسرين وشنعوا عليه، وقوله: بكل آية منها أماناً اعتبر في الأمان تعدداً بحسب أجزاء الزمان والمسافة، تمت سورة آل عمران اللهمّ وفقنا لإتمام باقيه، وألهمنا لفهم معانيه. سورة النساء مدنية بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مائة الخ) في كتاب العدد للداني رحمه الله أنّ هذا عدد المدني والمكي والبصري وفي الكوفي ست وفي الشامي سبع. قوله: (عطف على خلقكم الخ) بني آدم له استعمالات الأوّل يطلق على جنس البشر فيشمل آدم وحوّاء وسائر الذكور والإناث والناس مثله في العموم، والثاني يطلق على نسله ذكورا وإناثا تغليبا فيشمل ما عدا آدم وحوّاء، والثلث أن يراد ما تفرع عنه فيشمل ما سواه بناء على أن حواء خلقت من ضلع من أضلاعه، كما ورد في الحديث الصحيح وهو القول المرضي، وقيل إنها خلقت من فضل طينته، والرابع أن يراد ذكور بني آدم وهو معناه الحقيقي، وله معنى خامس شاع في غير لغة العرب وهو أن يستعمل بمعنى إنسان فيقال آدم فعل كذا وهو منصرف كما قلت: على رياض الحسن من خده طائرقلبي لم يزل حائما حبات خيلان بجناتها كم أخرجت من جنة آدما فالظاهر على عموم الناس أنّ المراد ببني آدم في تفسيره المعنى الثالث، فالزمخشري جعل توله: (وخلق الخ) على هذا معطوفا على محذوف هو صفة نفس أي أنشأها من تراب وخلق الخ، وهو بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها فإن عطف على ما تبله فالمراد به من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من أمّة الدعوة والمعنى خلقكم من نفس آدم لأنهم من جملة الجنس المفرّع منه، وخلق منها أمكم حوّاء وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر، والداعي له إلى ذلك على الأوّل إن خلق الزوج، وبث الرجال والنساء داخل في خلقكم من نفس واحدة فيكون تكرارا، ولأنه يوهم أن الرجال والنساء غير المخلوقين من نفس واحدة وأنهم منفردون بالخلق منها ومن زوجها، والناس أعني بني آدم إنما خلقوا من النفس الواحدة من غير مدخل للزوج فلذا عطف على محذوف صفة للنفس يدلّ عليه المعنى المقصود وهو أنه فرّعكم من أصل واحد فلا بد من وضمع الأصل وإنشائه أولاً، ثم ابتناء الفروع عليه، وهي كون الأصل مثل الفرع في المخلوقية، ولذا عبر بالزوح للإشعار بالوحدة الجنسية والأصل أوّل الإفراد، والمبدئية ليست بطريق المادّية والمقصود تفصيل الناس أي جميع بني آدم الماضين منهم والحاضرين والآتين على التغليب في أمر الاتقاء، إذ لا يتصوّر أمر الماضين بذلك بل الآتين أيضاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 على الحقيقة كما حقق في الأصول في خطاب المشانهة، وما قيل: إنه لا يبعد! أن يكون الأمر بالتقوى عامّا لجميع الأمم بالنسبة إلى الكلام القديم القائم بذاته تعالى وان كان كونه عربياً عارضا بالنسبة إلى هذه الأمة لا وجه له لأن المنظور إليه أحكامه بعد النزول والا لكان النداء وجميع ما فيه من خطاب المشافهة مجازات ولا قائل به، وقيل المراد بالمخاطب من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم المأمورون بالاتقاء حقيقة أو العرب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنّ دأبهم التناشد بالأرحام وان دئع بأنه تغليب أو الخطاب الأول عام والثاني خاص، وإذا كان المراد بالرجال والنساء ما سوى هؤلاء المخاطبين تغايرت المتعاطفات، وسيأتي في سورة الزمر أنه يجوز عطفه على واحدة، والمصنف رحمه الله خالفه فذهب في الناس إلى العموم، وجعل ما بعده معطوفا عليه من غير تقدير، وذكر ما سلكه مؤخراً إشارة إلى مرجوحيتة، ولم يلتفت إلى ما جنح إليه على ما قرّرناه لك، وهو زبدة ما في شروحه بناء على أن العموم هو المتبادر منه وأنّ التقدير خلاف الظاهر وما رآه محذورا لا توجه له عند. لأنّ اللازم في العطف تغاير المعطوقات لا ما صدقت عليه، كما قال في التقريب فلا تكرار في هذا إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس خلق زوجها منه ولا خلق الرجال والنساء من الأصلين جميعاً، واليه يشير قوله بيان لكيفية تولدهم منهما أو أنّ العطف بيان خلقهم، وتفصيله بأنه خلق حوّاء منه ثم بث منهما الذكور والإناث، ولما كان في البيان زيادة خلق حوّاء وتنويعهم وذكر توالدهم كان أوفى من معنى الأوّل وأزيد، فجاز عطفه وان كان بياناً لمغايرته له من وجه، كما قالوه في قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ} [سورة البقرة، الآية: 49] مع أنه بيان على ما حقق في المعاني، فلكل وجهة هو موليها. واعلم أن المراد بالتقوى شكر الله على ما ألبسهم من حلل الوجود، وكذا ذكره بعنوان الربوبية وما بعده بالألوهية لا أن المراد بالتقوى الخوف فاعرفه فإنه من النفائس. قوله:) من ضلع من أضلاعه) هذا هو الصحيح كما مز، وهو من حديث رواه الشيخان، وهو: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهق خلقن من ضلع وإن أعوج شيء من الضلع اعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج " وجعله تقريرا وتأكيداً لوحدة الأصل لأنّ خلق حوّاء منه يقتضي ذلك، وقوله: ونشر بيان لمعنى بث، وقوله: بنين وبنات إشارة إلى أنه ليس المراد بالرجال والنساء البالغين والبالغات، بل الذكور والإناث مطلقا تجوزا، وقيل إنه في معرض! المكلفين بالتقوى، فلذا ذكر الكبار منهم، ولو قيل: إنه وجه العدول عن الحقيقة كان وجها حسنا. قوله: (واكتفى بوصف الرجال بالكثرة الخ) الاكتفاء يشعر بأن النساء موصوفة بها أيضا لكن حذف اكتفاء ونكتة الاكتفاء بكثرتهم عن كثرتهن أنه على مقتضى الحكمة لأنهم خير منهن جنسا وزيادة الخير خير، لكن لما كان لكل زوح زوجة فأكثر استدعى ذلك ال! ص ة فيهن خارجا فلا يرد عليه ما قيل بل الحكمة تقتضي أن يكون النساء أكثر، كما سيجيء في قوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} [سورة الورى، الآية: 49] أن تقديم الإناث لكونهت لتكثير النسل، وفي الحديث من أشراط الساعة أن تقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون الخمسون امرأة فيهم قياً واحد. وهذا يشهد لما ذكره المصنف رحمه الله، وأيضا للرجل أن يزيد على واحدة، وهو زهرة لا تحتمل الفرك وتذكيره إما رعاية لصيغة فعيل أو لتأويل موصوفه بالجمع، أو لأنه صفة مصدر محذوف أي بثا كثيرا، وأما جعله صفة حين، كما قيل فتكلف سمج. قوله: (وترتيب الأمر بالتقوى الخ) يعني أنّ الاستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له، أو باعثة عليه داعية إليه، وهو هنا كذلك لا! ما ذكر يدلّ على القدرة العظيمة والنعمة الجسيمة، والأوّل يوجب التقوى حذرا عن العقاب العظيم، والثاني يدعو إليها وفاء بالشكر الواجب، هذا إذا أريد بالاتقاء ما يعم المتعلق بحقوق الله والعباد، ويجوز أن يراد ما يتعلق بحفظ ما بينهم من الحقوق، وحينئذ يكون خلقهم من أصل واحد علة موجبة لاتقاء الله في الإخلال بما يجب حفظه من الحقوق التي بينهم، وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة من رعاية حال الأيتام، وصلة الأرحام، والعدل في النكاح، والإرث ونحو ذلك، بالخصوص بخلاف الأوّل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 فإنه إنما يطابقها من حيث العموم فإنّ اتقاء الله باجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح يتناول رعاية حقوق الناس ويؤيده ما رواه مسلم عن جرير وضي الله عنه قال كنا صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم مجتابي النمار أو العباءة متقلدي السيوف من مضر فتمعر وجهه لما رأينا بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن فقام ثم خطب فقال: " يا أيها الناس اتقوا ربكم " إلى قوله: " إنّ الله كان عليكم وقيبا " أي عالما بأحوالكم فاحذروه ولا يخفى موقع الخاتمة مما قبلها. وقوله:) أو لآن المراد الخ (فالتقوى خاصة وعلى ما قبله عامة ة والأوّل أولى لعدم التكرار، ولذا قدّمه. وقوله على حذف مبتدا لأنه صلة لعطفه على الصلة فلا يكون إلا جملة، بخلاف نحو زبد ركب وذاهب. قوله: (أي يسأل بعضكم بعضاً الخ) اتقوا الله من وضع الظاهر موضع الضمير إشارة إلى جميع صفات الكمال ترقيا بعد وصف الربوبية فكأنه قيل اتقوه لربوبيته، وخلقه إياكم خلقاً بديعاً، ولكونه مستجمعا لصفات الكمال كلها، وتساءلون إما بمعنى يسأل بعضكم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها، أو بمعنى تسألون كما قرئ به، وتفاعل يرد بمعنى فعل إذا تعدّد فاعله كما أشار إليه الزمخشريّ، وعلى حذف إحدى التاءين فالمحذوف الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ويجوز أن يكون الأولى. قوله: (بالنصب عطف على محل الجار والمجروو الخ) المحل للجار والمجرور، وقيل التحقيق أنه للمجرو فقط، وقوله: (فصلوها الخ) إما بيان لمعنى اتقائها أو إشارة إلى تقدير مضاف أي قطع الأرحام. قوله: (وهو ضعيف لأنه كبعض الكلمة) يعني الضمير المجرور لشدة اتصاله كجزء الكلمة، فكما لا يجوز العطف على جزء الكلمة لا يجوز العطف عليه وهذا مذهب البصريين وقد تبع في هذا الزمخشرئ وهو تبع المبرّد، فإنه شنع على حمزة رحمه الله في هذه القراءة حتى قال: لا تحل القراءة بها، وقد تبعهم ابن عطية وزاد أنّ المعنى لا ينتظم فيها لأنّ التساؤل بالأرحام لا دخل له في الحض على تقوى الله فلا فائدة في عطفها وهو مما يغض من الفصاحة، وردّ بأنّ العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار صحيح عند الكوفيين فصيح مشهور في كلام العرب، وهذه القراءة من السبعة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، متواترة فمثل هذا جسارة لا تليق بأحد، وحمزة رحمه الله أجل قدراً مما توهموه، وقد ذهب ابن جني في الخصائص إلى تخريجها على حذف الجارّ، وأن الأصل وبالأرحام بعطف الجاز والمجرور على الجار والمجرور لأنّ هذا المكان لما اشتهر فيه ذكر الجارّ قامت شهرته مقام ذكره، وأنشدوا له شواهد كثيرة ونعم ما قال وارتضاه في الكشف، إلا أنه قال: يؤخذ من القراءة صحة العطف أو الإضمار، والثاني أقرب عند أكثر البصرية لثبوته في نحو إلله لأفعلن وقول رؤبة خير، وفي نحو ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذل ومطرد في نحو: الإعلالة أو بدا هة سابح نهدالجزاره وقال بعضهم: إنّ الواو للقسم على نحو اتق الله فوالله إنه مطلع عليك، وترك الفاء لأنّ الاستئناف أقوى الوصلين وهو حسن، وقد نسب إلى الوهم في قوله الإعلالة البيت فإنه مما حذف فيه المجرور لا الجار، اللهم إلا أن يقال إنه مثال للإضمار مطلقا، وبيان لأنه قد يكون في الجار وقد يكون في المجرور ولا يخفى بعده، وأما انتظام المعنى فلأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم، فالتساؤل بالأرحام مما تقتضيه، وان أريد الأعم فلدخوله فيها، فيصير المعنى إما اتقوا الله في حقوق العباد، فإنكم تعظمون الله وتعظمونها أو تساءلون بها فلم لا تتقونها، أو اتقوا الله وراعوا حقوقه وحقوق عباده، فإنكم تساءلون الخ، فاذكروه توهم ساقط فافهم. وأما قراءة الرفع فتوجيهها ما ذكر لكن في العطف خفاء، فلعلها معترضة، وتقدير مما يتقي لقرينة اتقوا ومما يتساءل به لقرينة تساءلون، وقدره ابن عطية أهل لأن توصف وقدره ابن جني مما يجب أن تصلوه وتحتاطوا فيه، وهي قراءة ابن يزيد. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام) رواه الشيخان والأحاديث في معناها كثيرة كقوله: " إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال منه فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أنّ أصل من وصلك وأقطع من قطعك فقالت بلى " قال الراغب معناه أنه تعالى جعل بين نفسه وعباده سببا، كما كتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 على نفسه الرحمة لعباده، وأوجب عليهم في مقابلتها الشكر لما أفاضه عليهم من نعم الخلق والقوى والقدر وغير ذلك، كذلك جعل بين ذوي اللحمة سب أأوجب به على الأعلى رعاية الأدنى، وعلى الأدنى توقير الأعلى، فصار بين الرحم والرحمة مناسبة معنوية ولفظية، ولذا عظم شكر الوالدين وقرنه بشكره، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [سورة لقمان، الآية: 14] تنبيها على أنهما السبب الأخير في الوجود. قال الطيبيئ: والتحقيق فيه أنّ العرش منصة لتجلي صفة الرحمانية قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه، الآية: 5] ولما كان للرحم تعلق باسم الرحمة جعلها عند العرس الذي هو منصة الرحمة. قوله: (حافظاً مطلعاً (لأنه من رقبه بمعنى حفظه كما قاله الراغب، أو اطلع ومنه المرقب للمكان العالي الذي يشرف عليه ليطلع على ما دونه. قوله: (أي إذا بلغوا الخ) قيده به لما سيأتي في قوله: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [سورة النساء، الآية: 6] وقوله: الذي مات أبوه هذا أصل معناه لغة لانفراده، وجمع على يتامى وان لم يكن فعيل يجمع على فعالى بل على فعال وفعلاء وفعل وفعلى، نحو كرام وكرماء ونذر ومرضي، فهو إمّا جمع يتمي جمع يتيم إلحاقا له بباب الآفات والأوجاع فإنّ فعيلا فيها يجمع على فعلى ووجه الشبه ما فيه من الذل والانكسار المؤلم، وقيل لما فهي من سوء الأدب المشبه بالآفات كما جمع أسير على أسرى ثم على أسارى بفتح الهمزة أو هو مقلوب يتائم فإن فعيلا الاسمي يجمع على فعائل كأقيل وأقائل، وقل ذلك في الصفات لكن ييم جرى مجرى الأسماء كصاحب وفارس، ولذا قلما يجري على موصوف ثم قلب، فقيل يتامى بالكسر ثم خفف بقلب الكسرة فتحة فقلبت الياء ألفا وقد جاء على الأصل في قوله: " طلال حسن في البراق اليتائم قوله: (والاشتقاق يقتضي وقوعه الخ (لانفراده عن أبيه، وعرف اللغة خصه بمن لم يبلغ، وفي الكشاف من استغنى عن الكافل، ومراده البلوغ أيضا لكته خرج مخرج الغالب، والا يلزم أن يسمى من كبر مجنونا " يتيما، وقد تردد فيه بعضهم لكن جزم النحرير بعدمه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد البلوغ " فليس لتعليم اللغة بل الشريعة فلا يدل على عدم الإطلاق لغة أما عدم الإطلاق شرعا وعرفا فمما لا نزاع فيه، والآية بظاهرها تقتضي إما إطلاق اليتامى على الكبار أو إثبات الأحكام للصغار، فاحتاجت إلى التوجيه، فذهب صاحب الكشاف إلى التجوّز في الإيتاء باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة لأنها لا تؤتي إلا إذا كانت كذلك، أو أن اليتامى بمعناه اللغوي الأصلي فهو حقيقة، وارد على أصل اللغة، فما قيل اللفظ إذا نقل في العرف يكون في أصله مجازاً وهو هنا كذلك، فلا مقابلة بينه وبين الاتساع إلا أنّ العلاقة في الاتساع الكون، وفي هذا الإطلاق والتقييد غفلة عما تقرّر في المعاني، أو مجاز باعتبار ما كان أوثر لقرب العهد بالصغر والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حتى كان اسم اليتيم باق بعد غير زائل، وهذا المعنى يسمى في الأصول بإشارة النص، وهو إن يساق الكلام بمعنى وبضمن معنى آخر وهذا في الكون نظير المشارفة في الأول، ومنه علم انقسامهما إلى قسمين، وفي قوله: قبل أن يزول عنهم هذا الاسم أي قبل أن يتحفق زواله، والا فقبل زواله لا يؤتى. قوله: (أو لغير البلغ والحكم مقيد فكأنه الخ) رد هذا بأنه قال في التلويح أنّ المراد من قوله تعالى: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وقت البلوغ فهو مجاز باعتبار ما كان فإن العبرة بحال النسبة لا مجال التكلم، فالورود للبلغ على كل حال، ومثله قول الآخر تقديرا لقيد لا يغني عن التجوّز إذ الحكم على ما عبر عنه بالصفة يوجب اتصافه بالوصف حين تعلق الحكم به وحين تعلق الإيتاء له لا يكون يتيما فلا بد من تأويله بما مرّ. (قلت) هذه المسألة وان كانت مذكورة في التلويح لكنها ليست مسلمة وقد تردّد فيها الشريف في حواشيه، والتحقيق أنّ في مثله نسبتين، نسبة بين الشرط والجزاء وهي التعليقية وهي واقعة الآن ولا تتوقف على وجودهما في الخارج، ونسبة إسنادية في كل من الطرفين وهي غير واقعة في الحال بل مستقبلة، والمقصود الأولى وفي زمان تلك النسبة كانوا يتامى حقيقة ألا تراهم قالوا في نحو عصرت هذا الخل في السنة الماضية أنه حقيقة مع أنه في حال العصر عصير لا خل لأنّ المقصود النسبة التي هي تبعية فيما بين اسم الإشارة وتابعه لا النسبة الإيقاعية بينه وبين العصير، كما حققه بعض الفضلاء، وقد مر تحقيقه في أوائل البقرة فتأمله فإنه من معارك الإفهام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 ومزالق الإقدام، وقد ترك المصنف رحمه الله تأويل الإيتاء بالحفظ، وقال في الإنصاف إنه أقوى لقوله بعد آيات: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} الخ فإنه يدل على أنّ الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم، والثانية في الحض على الإيتاء الحقيقي عند حصول البلوغ والرشد، ويقويه أيضا قوله عقب الأولى: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} الخ فهذا كله تأديب للوصي ما دام المال في يده، وأما على التأويل الآخر فمؤدي الآيتين واحد، لكن الأولى مجملة والثانية مبينة لشرط. قوله: (ما روي أنّ رجلاَ من غطفان الخ) تتمته كما في الكشاف فدفع ماله إليه فقال صلى الله عليه وسلم: " ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره " يعني ج! هـ فلما قبض الفتى ماله أنفقته في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام: " ثبت الآجر وبقي الوزر " قالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الآجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال: " ثبت أجر النلام وبقي الوزر على والده " وهذا رواه الثعلبي عن مقاتل والكلبي ووزر. بأنّ كسبه من غير حله أو منع حقوق الله: أو المراد بالوزر حسابه والأجر إنما يكون إذا لم يكن مغصوباً علم صاحبه، ووجه التأييد أنها نزلت في البلغ كما ترى ومو الوجه الأول. قوله: (ولا تستبدلوا الحرام من أموالها بالحلال من أموالكم الخ) يعني المراد بالخبيث الحرام وبالطيب الحلال، لكن المراد على الأوّل لا تأكلوا ذلك الحرام الذي هو مال اليتيم مكان الحلال من أموالكم، فليس المراد في هذا الوجه أخذ مال اليتيم واعطاء ماله، بل أكل مال اليتيم، وترك ماله على حاله فالطيب حينئذ هو أكل ماله الذي تركه بحاله وفي الوجه الثاني هو حفظ مال اليتيم فاختلف الطيب والخبيث في الوجهين، فالتفعل بمعنى الاستفعال كالتعجل والاستعجال، قال الزمخشريّ: وهو غير عزيز والاختزال بإعجام الخاء والزاي الاقتطاع. قوله: (وقيل لا تأخذوا الرفبع من أموالهم وتعطوا الخسيس مكانها) وهذا تبديل، وليس بتبدل وفي الكشاف وقيل: هو أن يعطي رديئا ويأخذ جيداً وعن السدي أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة، وليس هذا بتبدل وإنما هو تبديل إلا أن يكارم صديقا له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي، اص. وهذا المقام مما كثر فيه الكلام فهل الإبدال والتبدل والتبديل والاستبدال بينها فوق في المعنى، والاستعمال أم لا فقيل التبديل تغيير الشيء مع بقاء عينه، والإبدال رفع الشيء ووضمع غيره مكانه، فإذا استعملت بالباء دخلت على المتروك، وقيل: الباء تدخل على المأخوذ في التبديل، وحكي في الاستبدال خلاف، وقال المحلي إنها في الإبدال تدخل على المأخوذ في الاستعمال العرفي، وقال الدميري: في التبديل الباء تدخل على المتروك، لكن حكى الواحدي أنها تدخل على المأخوذ ويشهد له قوله الطفيل لما أسلم: وبدل طالعي نحسي بسعدي قال النحرير: وللتبديل استعمال آخر يتعذى إلى المفعولين بنفسه كقوله: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان، الآية: 70] والى المذهوب به المبدل منه بالباء كقوله: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 6 ا] وآخر يتعدى إلى مفعول واحد، نحو بدلت الشيء أي غيرته ومنه: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} [سورة البقرة، الآية: 81] وقال المدقق في الكشف أنّ حاصل الفرق أنه إذا قيل تبدل الكفر بالإيمان، أريد اتخذ الكفر بدله، فالمأخوذ هو ما عدى إليه الفعل بلا واسطة، وإذا قيل بدله به أريد غيره به، فالحاصل ما أفضى إليه الفعل بالباء، كما قال في تفسير قوله تعالى: {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 15 ا] لا أحد يبدّل شيئا من ذلك بما هو أصدق، ونقل الأزهري عن ثعلب بدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وجعلته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً، وأبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه، وحقيقته أنّ التبديل تغيير صورة إلى أخرى، والإبدال تنحيته فاتفقا على دخول الباء على الحاصل، عكس التبدل والاستبدال وعن المبرّد أنه استحسنه لما نقله إليه الزاهد وزاد عليه أنه يستعمل بمعنى الإبدال أيضا، ومنه يظهر أنّ من زعم أنّ التبديل أعم من التبدل لأن الثاني تغيير خاص، فقد وهم، فإن قلت فقد أعضل عليك قوله تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 6 ا] قلت الكلام فيما إذا كانت الباء صلة ثانية للفعل أما إذا تعدى بنفسه إلى العوضين كما في قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان، الآية: 70] أو إلى العوض وصاحبه كما في قوله: {أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا} [سورة الكهف، الآية: 81] فليس مما تحل فيه لا قضاء الفعل إلى الماخوذ بلا واسطة، وخروج الباء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 عن التكميل، فإن ذكوت لبيان المعوّض عنه فباء المقابلة تصلح للمأخوذ والمتروك، واعتبر بقولك بعت هذا بدرهم، وجواب مخاطبك اشتريت به، فالدرهم مأخوذك ومتروك مخاطبك، وظهر من هذا أنّ بدل له ثلاث استعمالات، بدلت الخاتم بالحلقة وهو المبحث، وبدلت الخاتم حلقة إذا جعلت الحلقة بدله، وبدلت زيداً خاتماً بثوب إن أعطيته الخاتم بدلاً عن الثوب، فاعتبره واستبصره، ثم إنّ كلامه اعتراض على قول السدي، وما قبله لأن المتروك عنده الخبيث وهو المهزول، أو الرديء وتركه على المكارمة مع الصديق بأن يكون للصبي دين على صديق الولي فيأخذ الوليّ منه رديئا مكان جيد مكافأة له على سابق صنع له أو إثابة تصحيحا لهما، والأشبه أنّ الكلام على إطلاقه، وإذا أعطى رديئاً وأخذ جيدا من مال الصبيّ يصدق أنه تبدل الجيد بالرديء للصبي وبدل لنفسه، وظاهر الآية أنه أريد البدل للصبي، لأنّ الأولياء هم المتصرفون في أموالهم فنهوا عن بغ بوكس من أنفسهم ومن غيرهم وما ضاها ولا يضر أنه تبدل لنفسه أيضا باعتبار آخر، لأن المتبادر إلى الفهم النهي عن تصرف لأجل الصبي ضارّ سواء عامل الولي نفسه أو غيره، واشتبه على المصنف للغفول عن اختلاف الاعتبار، فأوّله بما لا إشعار للفظ به، فإن ذهب إلى التأويل لا محالة، فالأولى أن يقال المهزول هو الطيب والسمين هو الخبيث ضربه مثلاً للحرام والحلال اهـ، وهذا زبدة الكلام في هذا المقام فاختر لنفسك ما يحلو، والرفغ بمعنى النفيس، وأصل معناه العالي المرتفع وإنما ضعفه كما مرّ وأشار إليه لدخول الباء على المأخوذ وهو شأن التبديل لا التبدّل وقد عرفت ما فيه. قوله: (ولا تثلواها مضمومة إلى أموالكم الخ (يعني أنّ إلى التقدير متعلقه مضمومة وهو يتعذى بإلى، أو لتضمين اكل معنى الضم، وقيل: إلى بمعنى مع وفي الكشف لو حمل الانتهاء في إلى على أصله على أن النهي عن أكلها مع بقاء مالهم كأنّ أموالهم جعلت غاية لحصلت المبالغة، والتخلص عن الاعتذار وهذا ما ارتضاه الفراء في تفسيره، وقال: لا تكون إلى بمعنى مع إلا إذا ضم شيء إلى آخر كقوله: لذود إلى الذو ابل، وقد مرّ وفسر ا! ل بالإنفاق إشارة إلى أن المراد به الانتفاع والتصرف فعبر عنه بأغلب أحواله، وقوله: {ولا تسووا بينهما} إشارة إلى أن المراد بالمعية مجرد التسوية بينهما في الانتفاع أعم من أن يكون على الانفراد، أو مع ماله فهو جواب عن السؤال الواقع في الكشاف المجاب عنه ثمة بأن المعية تدل على غاية قبح فعلهم حيث أكلوا أموالهم مع الغني عنها تقبيحاً لما كانوا عليه فلا يلزم القائل بمفهوم المخالفة جواز أكل أموالهم وحدها، والسؤال لا يرد إذا فسر تبدل الخبيث بالطيب باستبدال أموال اليتامى بماله وأكلها مكانه فإنه يكون نهبا عن أكلها وحدها وهذا عن ضمها، وليس الأوّل مطلقاً حتى يرد سؤال بأنه أي فائدة في هذا بعد ورود النهي المطلق. قوله: (الضمير لدل الخ) وقيل للتبدل وقيل لهما، وقوله: ذنبا عظيماً فسر الكبير بالعظيم، وهذا لا ينافي ما قيل إن العظيم فوق الكبير إما لأن الكبير بمعناه عنده أو أن تنكيره للتعظيم والحوب الذنب العظيم، وقيل: هو مطلق الذنب، ويكون بمعنى الوحشة والصعب. قوله: (أي {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} الخ) تفسيره بما ذكر لبيان الربط بين الشرط والجزاء، وقدم هذا الوجه لأنه أرجح مما بعده لمناسبة ما قبله وما بعده، وارتباط الشرط بالجزاء أتم إرتباط، والقرينة على أن المراد من لا تقسطوا في اليتامى المتزوّج بهن، الجواب فإنه صريح فيه والربط يقتضيه، وتفسير النساء بغير اليتامى لدلالة المعنى واشارة لفظ النساء وقوله: (طاب لكم طاب) يكون بمعنى مالت له النفس واستطابته، وبمعنى حل وبالثاني فسره الزمخشريّ وظاهر تصريح المصنف به في الثالث أنه فيما قبله بالمعنى الأوّل، وفسره الزمخشري فيها بالحل، واعترض عليه الإمام بأنه في قوّة أبيح المباح، وأيضا يلزم الإجمال حيث لا يعلم المباج من الآية، وآثر الحمل على المستطاب، ويلزم التخصيص وجعله أولى من الإجمال، وأجاب في الكشف بأن المبين تحريمه في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [سورة النساء، الآية: 23] الخ إن كان مقدم النزول فلا إجمال لأن المعنى فانكحوا ما بين لكم حله ولكنه مقيد بالعدّة المخصوصة فليس في قوّة أبيح المباح لإفادة الزيادة ولا إجمال ولا تخصيص، وتعريف الموصول للعهد وألا فالإجمال المؤخر بيانه أولى من التخصيص بغير المقارن لأنّ تأخير بيان المجمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 جائز دون بيان التخصيص عتد أكثر الحنفية، والأمر لو كان للإباحة لا يلغو معه طاب إذا كان بمعنى حل لأنه يصير المعنى أبيح لكم ما أبيح هنا لأنّ مناط الفائدة القيد وهو العدد المذكور، وقيل: إنه للوجوب أي وجوب الاقتصار على هذا العدد، وقوله: أن يتحرّج من الذنوب أي يبعد ويخرج منها يقال تحرّج إذا فعل ما يخرج به من الإثم والحرج وقوله: {فخافوا} الخ لم يقل لقبحها كما في الكشاف لإيهامه الاعتزال والقول بالحسن والقبح العقليين وان احتمل الشرعي، والوجه الثالث أبعدها، ولذا أخره ولكن قرينة الحال توضح ربطه كما أشار إليه، وفظيره ما إذا داوم على الصلاة من لا يزكي يقول له إن خفت الإثم من ترك الصلاة فخف ترك الزكاة، ويتامى جمع يتيمة، وأصله يتائم، ولا كلام فيه وتركه المصنف رحمه الله هنا اكتفاء بما مرّ. قوله: (وإنما عبر عنهن بما ذهاباً إلى الصفة الخ) ما تختص أو تغلب في غير العقلاء، وهو فيما إذا أريد الذات أما إذا أريد الوصف فلا كما تقول ما زيد في الاستفهام، أي أفاضل أم كريم وكرم ما شئت من الرجال، يعني الكريم أو اللثيم ونحو.، كما ذهب إليه العلامة والسكاكي وغيرهما وان أنكره بعضهم والمراد بالوصف هنا ما أريد ثمّ من البكر والثيب، أو ما لا حرج ولا تضييق في تزوجها، وقد خفي معنى الذهاب إلى معنى الصفة هنا على من قال: المراد الوصف المأخوذ من المذكور بعدما إذ معنى ما طاب الطيب، وهو صادق على العاقل وغيره، والسؤال لا يسقط به وقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ذهاباً للوصف ولكون المملوك لبيعه وشرائه، والمبيع كثره ما لا يعقل كان التعبير بما فيه أظهر، وقوله: وقرئ {تُقْسِطُواْ} الخ قسط يقسط قسوطا جار ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [سورة الجن، الآية: 5 ا] وأقسط يقسط ضدّه بمعنى عدل ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة المائدة، الآية: 42] فإن قرئ من الثلاثيّ فلا مزيدة وهو ظاهر. قوله: (معدولة عن أعداد مكرّرة الخ) هذه الصيغ ممنوعة من الصرف على الصحيح وجوز الفراء صرفها وفي سبب منعها أقوال. أحدها: مذهب سيبويه والخليل أنه العدل والوصف، وأورد عليه أنّ أسماء العدد الوصفية فيها عارضة وهي لا تمنع الصرف، وأجيب بأنها وان عرضت في أصلها فهي نقلت عنها بعد ملاحظة الوصف العارض! فكان أصليا في هذه دون أصلها وفيه نظر. الثاني: قول الفراء إنها منعت للعدل والتعريف بنية الألف واللام ولذا لم تجز إضافتها ولا دخول أل عليها. الثالث: أنها معدولة عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة فعدلت عن ألفاظ العدد وعن المؤنث إلى المذكر ففيها عدلان: وهما سببان، والرإبع أنه مكرّر العدل لأنه عدل عن لفظ اثنين، ومعنا. لأنها لا تستعمل في موضح يستعمل فيه إذ لا تلي العوامل وإنما تقع بعد جمع معنى إما خبراً أو حالاً أو وصفاً، وشذ أن تلي العوامل، وأن تضاف وقوله وقيل لتكرير العدل هو مذهب الزمخشريّ، وردّه أبو حيان بأنه لم يقل به أحد من النحاة، وليس من المذاهب الأربعة في شيء، وأجيب بأنه المذهب الرابع، وهو منقول عن ابن السراج، فلا وجه لقول أبي حيان لم يقل به أحد، ولو قال لا نظير له صح، وأشار المصنف رحمه الله لضعفه من غير بيان لوجهه وتكراره بخروجه عن وزنه وافراده بوزن آخر مكرّر معناه، وعبر عن العدل في المعنى بعدلها عن تكرارها، وقريب منه ما ذكره النحرير. قوله: (منصوبة على الحال من فاعل طاب) وهو ضمير ما، ويعلم منه جواز الحالية منها، وقد مرّ أنه لا يباشر العوامل ولا يضاف، ولم يسمع من العرب إدخال الألف واللام عليه، كما صرح به أبو حيان رحمه الله وخطأ الزمخشري في قوله: تنكح المثنى والثلاث والرباع، ولذا قال النحرير إنه لا بد للزمخشريّ من إثباته والاستشهاد عليه، والقول بأنه غفلة غفلة، ولهذا ذهب بعض النحاة إلى أنه معرفة، فلا يكون عنده حالاً، وقوله: بين هذه الأعداد أي بعضها لا مجموعها، والمراد المعدودات وذروا الجمع أي اتركوا الجمع بين النعحماءالحرائر، والمقنع ما يقنع، ويكتفي به وهو بفتح الميم مصدر، وبمعنى الرضا أريد به المرضي، ويستوي فيه الواحد وغيره، فيقال شاهد مقنع وشهود مقنع، وقدم تقدير اختاروا على انكحوا مع أنه المتبادر مما قبله لدلالته على جواز العزوبة فتأمّل، وقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إشارة إلى أنّ الخطاب للأحرار لأنّ العبد لا يحل له أكثر من اثنتين. قوله: (ومعناها الإذن لكل ناكح الخ) قال الزمخشريّ فإن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 قلت الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع قلت الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى فإن قلت فلم جاء العطف بالواو دون، أو قلت كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك ولو ذهبت تقول اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث، وبعضه على تربيع وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة التي دلت عليه الواو وتحريره أنّ الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أراد وانكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد وان شاؤوا متفقين فيها محظوراً عليهم ما وراء ذلك ا!. وحاصله أن أبيح لكل واحد أن يأخذ ما أراد من هذه العدة، ولا يتجاوزها لمانما تفيد هذا المعنى صيغة العدل والعطف بالواو لأنه حال فلو أفرد وقيل اقتسموا هذا المال درهما وثلاثة وأربعة لم يصح جعله حالاً من المال الذي هو ألف درهم بخلاف، ما إذا كرّر فإن المقصود فيه الوصف، والتفصيل في حكم الانقسام أي مفصلاً ومنقسما إلى درهم درهم، وأو لأحد الأمرين أو الأمور والإباحة إنما تكون من دليل خارجي والحال بيان لكيفية الفعل، والقيد في الكلام نفي لما يقابله فمعنى أو أن يكون الاقتسام على أحد هذه الأنواع غير مجموع بين اثنين منها، ومعنى الواو أن يكون على هذه الأنواع غير متجاوز إياها إلى ما فوقها، وهذا معنى قوله محظورا عليهم ما وراء ذلك دفع لما ذهب إليه البعض من جواز التع تمسكا بأنّ الواو للجمع فيجوز الثنتان والثلاث والأربع وهي تسع، وذلك لأنّ من نكح الخمس أو ما فوقها لم يحافظ على القيد أعني كيفية النكاح، وهي كونه على مذا التقدير والتفصيل بل جاوزه إلى خماس وسداد، والسنة بينت أنّ هذا هو المراد كقوله صلى الله عليه وسلم: " اختر أربعاً وفارق سائرهن " وغيره من الأحاديث الصمحيحة ولا مخالفة بينه وبين كلام المصنف في المآل كما توهم، وإنما وقعت في بعض العبارة كقوله: لم يكن له معنى، وقول المصنف كان المعنى تجويز الجمع فلو قيل معنى لم يكن له معنى يعني يصح قصده لأنه يفيد جواز الجمع، وجواز التسعة وهو غير صحيح كان المال واحداً، والبدرة بفتح الموحدة وسكون الدال والراء المهملتين عشرة آلاف درهم، وقوله: لذهب تجويز الاختلاف فكان يجب الاجتماع على هذه الإعداد وما قيل إنه لا يلتفت إليه الذهن لأنه لم يذهب إليه أحد لا عبرة به لأنّ الكلام في الظاهر الذي هو نكتة العدول، وفي بعض الحواشي هنا خبط وخلط تركناه لأنه تطويل بغير طائل، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله:) ولو ذكرت بأو) رد لما قيل إنّ الواو بمعنى أو قال ابن هشام: نقلاَ عن الأصفهاني القول بأنها بمعنى، أو خطأ لأنّ الإعداد على قسمين قسم يقصد ضم بعضه إلى بعض كقوله: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [سورة البقرة، الآية: 96 ا] وقسم لا يقصد به ذلك بل هو للتقسيم كما هنا وفيه نظر. قوله: (سوّى بين الواحدة الخ (إشارة إلى أن أو للتسوية والعدد في السراري يؤخذ من السياق ومقابلة الواحدة ومؤن جمع مؤنة، والقسم بفتح فسكون معروف وقوله: أي التقليل الخ هو مستفاد من واحدة والعدد المذكور، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الجميع، وقوله: أقرب إشارة إلى أن أدنى من الدنوّ بمعنى القرب، ومن صلة القرب لا تفضيلية. قوله: (يقال عال الميزان إذا مال الخ) يعني أصل معناه الميل المحسوس، ثم نقل إلى الميل المعنوي، وهو الجور وقوله وعول الفريضة أي نصيب الورثة، وهو العول المعروف في علم الفرائض مأخوذ من الجور لتقليل أنصبة الورثة، ولذا يقال فريضة عائلة وفريضة عادلة والسهام انصباء الورثة المقدّرة لهم. قوله: (وفسر بأن لا تكثر عيالكم الخ) تفسيره بأن لا تجوروا منقول عن عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور وهذا التفسير منقول عن الإمام الثافعي رضي الله عنه، وقد خطأه فيه كثير من المتقدمين لأنه إنما يقال من كثرة العيال أعال يعيل إعالة ولم يقولوا عال يعول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 ولأن الأحسن المطابق لقوله قبله: لا تعدلوا أن يكون بمعنى لا تجوروا، وردّ. في الكشاف بأنه من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لأن من كثرت عيأله لزمه أن يعولهم وفي ذلك ما تصعب عليه المحافظة على حدود الشرع وكسب الحلال، ومثله أعلى كعباً وأطول باعا في كلام العرب أن يخفى عليه مثل هذا فسلك في تفسيره طريق الكناية فاستعمل الإنفاق وأراد لازم معناه، وهو كثرة العيال، وذكر في الكشف أنه لا حاجة إلى هذا فإنّ الكساتي رحمه الله نقل عن فصحاء العرب عال يعول إذا كثر عياله وممن نقله الأصمعي والأزهري، وهذا التفسير منقول عن زبد بن أسلم وهو من أجلة التابعين وقراءة طاوس مؤيدة له! لا وجه لتشنيع من شنع عليه جاهلا باللغات والآثار، وقد نقل الدوري إمام القراء أنها لغة حمير وأنشد: وأنّ الموت يأخذكل حي بلا شك وان أمشي وعالا أي وان كثرت ماشيته وعياله، وأمّا ما قيل إن عال بمعنى كثرت عياله يائيّ وبمعنى جار واوي فليست التخطئة في استعمال عال بمعنى كثرة العيال بل في عدم الفرق بين الماذتين فرد أيضاً بحكاية ابن الأعرابي وغير. عال يعول بهذا المعنى، وعال يعيل بمعنى افتقر فعال له معان مال وجار وافتقر وكثرت عياله ومان وأنفق وأعجز يقال عالني الأمر أي أعجزني ومضارعه يعيل فهو من ذوات الواو والياء على اختلاف المعاني فان قلت عال بمعنى مان لا دلالة له على كثرة المؤنة حتى يكنى به عن كثرة العيال قلت قال الراغب: أصل معنى العول الثقل يقال عاله أي تحمل ثقل مؤنته، والثقل إنما يكون في كثيره لا في قليله فالمراد بلا تعولوا وبقوله ما نهم كثرة ذلك بقرينة المقام والسياق لأنه ليس المراد نفي المؤنة والعيال من أصله لأنه لو تزوّج واحدة كان عائلاَ، وعليه مؤنة فالكلام كالصريح فيه واستعمال أصل الفعل في الزيادة فيه غير عزيز فلا غبار عليه كما توهم. قوله: (ولعل المراد بالعيال الأرّواج الخ) أي على تفسيره تعولوا بتكثر عيالكم وعيال جمع عيل بتشديد الياء فإن كان ذلك إشارة إلى التقليل واختيار الواحدة فعدم كثرة الأزواج فيه ظاهر، وان كان للتسري فعدم كثرة الأزواح صادق على عدمهن بأن لا يكون لكم أزواج، ولا كثرة وان كان العيال بمعنى الأولاد فعلى الأول ظاهر فلذا أخره المصنف رحمه الله وجعله مشبهاً به وعلى الثاني فلأنه مظنة قلة الأولاد إذ العادة على أن لا يتقيد المرء بمضاجعتهن ولا يأبى العزل عنهن، وهذا معنى قوله لجواز العزل الخ أي عادة فلا يرد عليه أنّ مذهب الشافعي جواز العزل عن الحرائر والإماء مع أنّ في بعض شروح الكشاف ما يدل على أنّ فيه خلافا عنده فلعل المصنف رحمه الله تعالى مال إلى المنع كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (مهورهق الخ) يعني الصدقة كالصداق بمعنى المهر والقراءة بفتح الصاد وسكون الدال أصلها ضم الدال، فخفضت بالتسكين وضمهما باتباع الثاني لضم الأول كما يقال ظلمة وظلمة وهو المراد بالتثقيل وقوله: على التوحيد أي قرئ صدقتهن بضمتين مع الإفراد. قوله: (عطية الخ) أي النحلة حقيقتها في اللغة العطية بغير عوض! ، فإن قلت كيف يكون بلا عوض، وهو في مقابلة البضع والتمتع به، قلت قالوا لما كان لها في الجماع مثل ما للزوج في اللذة أو أزيد وتزيد عليه بوجوب النفقة والكسوة كان المهر مجانا لمقابلة التمتع بتمتع أكثر منه، وقيل: إنّ الصداق كان في شرع من قبلنا للأولياء بدليل قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ} [سورة القصص، الآية: 27] الخ ثم نسخ فصار ذلك عطية اقتطعت لهت فسمي نحلة، ومن فسره بالفريضة نظر إلى أنّ هذه العطية فريضة، ونصبه على المصدر لملاقاته الفعل معنى كقعدت جلوساً، وقوله: أو منحولة أي معطاة منكم ومن فسره بالديانة أخذه من النحلة بمعنى الملة، ومولياتهم بفتح الميم وتشديد الياء أي من كن في ولايتهم. ثنبيه: قال العلائي: في قواعده في الصداق عوضية عن البضع من وجه وهبة من وجه لحرمتها لكن المغلب أيهما فقيل المغلب الأوّل، وقيل الثاني ومأخذه الآية لأنّ النحلة العطية بلا عوض وحجة الثاني أنه يردّ بالعيب ولها حبس نفسها حتى تقبضه وأنه يثبت فيه الشفعة ويضمن لو تلف ورجح المصنف رحمه الله الأوّل لاقتضاء الوضع له فقدّمه، وفي قوله نظر إلى مفهوم الآية بحث لأنه قد يقال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 إنه منطوق على الوجه الأخير لأنّ معنى كونه ديانة مشروع اللهمّ إلا أن يريد ما يقتضيه قوله فإن طين لكم المؤيد بالأمر. قوله: (الضمير للصداق الخ الما كان الظاهر منها لرجوعه إلى الصدقات أوّله بأنّ الصدقات بمعنى الصداق لصدقه على القليل، والكثير أو أنه عائد على الصداق الدّي في ضمن الجمع لأنّ المعنى آتوا كل واحدة منهن صداقاً أو أنّ الضمير راجع لما قبله باعتبار أنه وضحع موضع اسم الإشارة أي ذلك فلذا أفرد وذكر وهو في اسم الإشارة كثير لأنّ الإشارة إلى أمور متعددة دفعة واحدة كثيرة فلذا نزل الضمير منزلته فلا يقال إنه تطويل للمسافة فليجعل الضمير مؤوّلاً بما ذكر ابتداء، ولذا قال: رؤبة ذلك وهو من أهل اللسان فلا وجه لما قيل إنّ قول رؤبة لا يدل على ما ذكر لجواز أن يريد أنّ الضمير مؤوّل كما يؤوّل اسم الإشارة مع أنه لا يعلم من كلامهم وجهه والنكتة فيه فلا بدّ من بيانه والبيت: فيها خطوط من سواد دويلق كأنه في الجلد توليع البهق وهو من أرجوزة له والتوليع تلميع البلق على اسنطالة وذكر قول رؤبة في جواب السائل له هلا قلت كأنها أو كأنهما، وإنما ذكره ليتعين التوجيه إذ لولاه احتمل أن يكون ذلك لرعاية الخبر، وقوله: ولذلك وحد يعني أنّ التمييز كما قاله النحاة: حقه مطابقة المميز وهو هنا جمع وتوضيحه إنّ التمييز إن اتحد معناه بالمميز وجبت المطابقة نحو كرم الزيدون رجالاً كالصفة والخبر والحال دمالا فإن كان مفرداً غير متعدد وجب إفراده نحو كرم بنو فلان أبا إذ المراد أن أصلهم واحد متصف بالكرم فإن تعدد، وألبس وجب خلفه بظاهر نحو كرم الزيدون آباء إذا أريد أن لكل منهم أبا كريما إذ لو أفرد توهم أنهم من أب واحد والغرض خلافه وإن لم يلبس جاز الأمران، ومصححه عدم الإلباس كما هنا فإنه لا يتوهم أن لهن نفساً واحدة ومرجحه أنه الأصل مع خفته ومطابقته لضمير منه، وهو اسم جنس والغرض هنا بيانه والواحد يدل عليه كقولك عشرون درهما، وما قيل إنه مخالف لقول ابن الحاجب إنّ التمييز إن لم يكن اسم جنس ويراد نفس المنتصب عنه يطابقه لا محالة فيجب تقييد كلامه بأنه إذا لم يقصد به بيان الجنس، وهو وهم منه فإنّ النفس ليس المراد بها الذات حتى يكون عين ما قبله، والذي أوقعته في الغلط لفظ نفس المشتركة وقيل إنّ فائدة التمييز الإشارة إلى أنه لا اعتداد بهبة الأولياء. قوله: (والمعنى فإن وهبن لكم الخ) يعني لما كان لا بد من طيب النفس جعل مبتدأ وركنا من الكلام للدلالة على ذلك ولو قيل عن طيب لوقع فضله وقوله: وعداه بعن يعني أصله أن يتعدى بالباء كقوله: وما كان نفسا بالفراق تطيب لأنه ضممن معنى التجافي، والتباعد فوصل بصلته فإن قلت الصواب أن يقتصر على التجافي متعد بنفسه ولا يتعدى بعن إلا إذا كان بمعنى المغفرة نحو تجاوز الله عن سيئاته قلت إمّا أن يكون مقصوده أنه ضمن معنى التجافي فقط، والتجاوز بيان لمعناه أو كون التجاوز لا يتعدّى بعن مطلقا غير مسلم عنده، ولذا استعمله كثير من الفضلاء متعديا بها مطلقا، وقد صرح به الإمام التبريزي في شرح ديوان أبي تمام، وقوله: بعثا لهن على تقليل الموهوب هو يفهم من شيء، ومن كونه من الصداق لا كله حتى نقل عن الليث رحمه الله أنه لا يجوز تبرعها إلا باليسير ولا فرق بين المقبوض وما في الذمة إلا أن الأوّل هبة والثاني إبراء، ولذلك تعامل الناس على التعويض فيه ليرتفع الخلاف. قوله: (فخذوه وأنفقوه) يعني أنّ الأكل عبارة عن التملك كما مرّ، وفي نصب هنيئا مريئا وجوه أحدها أنه صفة مصدر محذوف أي أكلا هنيئا، الثاني أنه منصوب على الحال من فاعل كلوه أي مهنا سهلاً، الثالث أنه حال منصوب بفعل مقدر محذوف وجوبا كقولك أقائماً، وقد قعد الناس وقال الزمخشريّ: قد يوقف على فكلوه، ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام مصدرين أي هنأ مرأ ورد بأنه تحريف لكلام النحاة فإنّ المصادر الدعائية كسفياً ورعيا لا ترفع الظاهر، وهذا قد رفعه في قول كثير: هنيئا مريئا غيرداء مخامر فإن غير فاعله ورد بأن سيبويه، قال: هنيئا مريئا صفتان نصبهما نصب المصادر المدعوّ بها بالفعل غير المستعمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 إظهاره المختزل لدلالة الكلام عليه، وفيه تأمّل ومريئا لا يستعمل إلا تابعا لهنيئا وهو صفة له أو منصوب بعينه، وقيل إنه يجيء غير تابع، وقد أسقط المصنف رحمه الله قول الزمخشرفي: على الدعاء لما مرّ، ولأنّ الدعاء لا يكون من الله حتى أوّلوه فما قيل إنه قصر في تقرير كلام الكشاف سهو، وقوله: يتأثمون قال النحرير في الصحاح: نأثم تحرّج عن الإثم كف، وحقيقة تأثم وتحرج تجنب الإثم والحرج، ولا يخفى عليك حال ما قيل يتأثمون يخرجون من الإثم من تأثم، خرج من الإثم كتحرّج خرج من لاحرج، ولا وجه له فإنّ مراده ما ذكره بعينه، وأنّ المراد السلب فلا وجه للرد، وعلى القول الثاني في تفسير هنيئا مريئاً لا يكون اتباعا. قوله: (نهى للأولياء الخ (هذا بيان لمحصحل المعنى وضمير أموالهم للذين والدليل على أن الخطاب لهم قوله: {وَارْزُقُوهُمْ} الخ وحينئذ فاضافة الأموال للأولياء للملابسة لكونها في أيديهم وتصرّفهم ورجحه با! الكلام السابق يدلّ عليه وهو قوله: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} وكذا ما بعده، وأوّل قوله التي جعل الله لكم قياما بأنها من جن! ذلك، والا فلا قيام لهم بمال اليتيم وعدل عما ارتضاه الزمخشرّي من أنّ إضافتها لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم، كما قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 29] يعني أن المراد بالمال جنسه مما به تعيش الناس فنسبته إلى كل أحد كنسبته إلى الآخر، لعموم النسبة وإنما المخصوص بواحد دون واحد شخص المال فجاز أن ينسب حقيقة إلى الأولياء كما ينسب إلى الملاك، والدليل على ذلك وصفه بما لا يختص بمال دون مال، كما أنّ المراد بالنفس في الآية جنسها مما يقال له نفس، فإنّ الشخص لا يقتل نفسه بل غيره، وقال الإمام إجراء للوحدة النوعية مجرى الوحدة الشخصية، فالمال وان كان مالهم لكنهم كأنهم أنتم بحسب الماهية، والنوع فالزمخشريّ، اعتبر النوعية في المضاف وهو المال والإمام اعتبرها في المضاف إليه وهو معنى بديع إلا أنّ المصنف رحمه الله جنح إلى أنّ السياق يأباه ففيه ردّ له معنى، وقوله: خوّله بالخاء المعجمة أي أعطاه وقوله: (ينظر إلى أيديهم) أي ينظر ويحتاج إلى ما في أيديهم مما أعطاه لهم لينفقوا عليه فالإضافة حقيقية وسماهم سفهاء لأنه شأن الأولاد والنساء فليس المراد ظاهره بل أريد بهم أهله، وقوله: وتنتعشون أي تحيون وتقومون، وقوله: يؤوّل إشارة إلى دفع ما ارتضاه الزمخشري، وقراءة قيماً كان قياسها قوما بالواو كعوض لكنه اتبع فعله وقياماً في الإعلال، وقوله: قواماً وهو ما يقام به أي ليس بمصدر بل هو اسم تشبيه بالآلة كما مر. قوله: (واجعلوها مكاناً لررّقهم الخ) يعني لم يقل منها لئلا يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم بل أمرهم أن يجعلوا الأموال، ظروفا للرزق حتى يكون الإنفاق من الربح لا من نفس المال الذي هو ظرف، وهو تشبيه للربح الحاصل من المال بالشيء المظروف فيه المتمكن وفيه إشارة إلى أنه هو المقصود من ذلك المال. قوله: (عدة جميلة تطيب بها نفوسهم الخ) العدة كالزنة لوعد، والمعروف ما عرف بالحسن عقلا أو شرعا والمنكر خلافه، وهو ما أنكر كذا في الكشاف، وليس هذا إشارة إلى المذهبين في الحسن والقبح هل هو شرعيّ، أو عقليّ كما قيل لأنه لا خلاف بيننا وبينهم في الصفة الملائمة للغرض! ، والمنافرة له التي يعبر عنها بالمصلحة والمفسدة وأن منها ماً مأخذ. العقل وقد يرد به الشرع وإنما الخلاف فيما يتعلق به المدح والذم عاجلاً والعقاب والثواب آجلا هل هو مأخذه الشرع فقط أو العقل على ما حقق في الأصول، فلا يرد عليه أنّ الأولى الاقتصار على الأوّل فإن كان قول معروف إمّا واجب أو مندوب أو مباج وكل منها حسن شرعا كما صرح به في الأصول. قوله: (اختبروهم قبل البلوغ الخ) هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، والنص ظاهر في قولهما لما تدل عليه الغاية، وقال مالك إنه بعد البلوغ وقوله: (صلاح الدين الخ) المعتبر فيه عند الشافعي صلاح الدين، والتصرف في الدنيا وعند أبي حنيفة المعتبر الثاني فقط وقوله: (بأن يكل) الخ بيان لأنّ الاختيار بمجرد تفويض ذلك لا بتسليم المال وهذا بناء على أنّ الصبي لا يصح كونه مأذوناً له في التجارة ومذهبنا على خلافه. قوله: (حتى إذا بلغوا حدّ البلوغ) يعني أنّ النكاج كناية عن ذلك، وهو أن يحتلم أو يبلغ بالسن فمذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 الشافعي ما ذكره وعند أبي حنيفة فيه خلاف فقيل ثماني عشرة في الغلام وسبع عشرة للجارية ولم يفرّق المصنف بينهما، وقيل خمس عشرة فيهما وعليه الفتوى وقوله: (خمسة عشر سنة) بتأويل السنة بالعام والا فالقياس خمس عشرة، ومعنى قوله يصلح للنكاح أي لثمرته لأنّ المقصود منه التوالد ولا يكون بدونه وقوله: (إذا استكمل الولد) الخ رواه البيهقي، وقال: إسناده ضعيف. قوله: (فإن أبصرتم منهم رشدا الخ) أصل معنى الإيناس النظر من بعد مع وضع اليد على العين إلى قادم ونحوه مما يؤنس به، ثم عم في كلامهم قال الشاعر: آنست نبأة وأفزعها القناص عصرا وقد دنا الإمساء أي أحست أو أبصرت كما فسره به أهل اللغة ثم استعير للتبين أي علم الشيء بينا إذ الرشد مما يعلم ولا يبصر وهي استعارة محسوس لمعقول أن أريد بالإيناس تلك الحالة المحسوسة وان أريد الإبصار فمعقول لمعقول مستلزم لتشبيه الرشد بالشيء المحسوس كذا في شرح الكشاف، ويمكن تنزيل كلام المصنف رحمة الله عليه بأن يكون اقتصر على بيان حقيقته، ويحتمل أن يكون شبه الرشد المحقق المتبين بالمحسوس المشاهد على طريق الكناية، ثم أثبت له الإبصار تخييلا، وقوله: وقرئ أحستم أي بحاء مفتوحة وسين ساكنة وأصله أحسستم بسينين نقلت حركة الأولى إلى الحاء، وحذفت لالتقاء الساكنين إحداهما على غير القياس، وقيل إنها لغة سليم وانها مطردة في عين كل فعل مضاعف اتصل بها تاء الضمير أو نونه والإحساس أيضا على هذه القراءة استعارة. قوله: (من غير تأخير عن حدّ البلوغ الخ) التعقيب مأخوذ من الفاء ولم يفسر الرشد، وهو معرفة التصرّف وحفظ المال عندنا وعند الشافعي صلاج الدين والمال، وقيل الرشد بالضم في الأموو، لدكيوية والأخروية وبالفتح في الأخروية لا غير، والراشد والرشيد يقال فيهما. تنبيه: في قواعد ابن عبد السلام رحمه الله: الأحكام مبنية على ظاهر الأمر حتى يظهر ما يبطله ولو شذد في ذلك بطلت المعاملات، وهذا يشكل على شرط الشافعي في الرشد حسن التصرّف في المال والصلاح في الدين حتى لا يرتكب كبيرة، ولا يصرّ على صغيرة بإجماع المسلمين حتى جوزوا معاملة المجهول، وقبول عتاقه وهداياه وهو يأباه والآية لا تدل على ما ذكر والعجب من قول الإمام في النهاية إذا بلغ الغلام ولم يظهر ما يخالف رشده أبطل حجره اص. (وفيه بحث اللفرق بين الولي والناس المعاملين فتأمل. قوله:) ونظم الآية الخ (في حتى الداخلة على إذا قولان أشهرهما أنها حرف غاية دخلت على جملة شرطية وهي حرف ابتداء تدخل على الجمل وهو الذي ارتضاه المصنف تبعا للزمخشريّ، والثاني وهو مذهب الزجاج وبعض النحاة أنها حرف جر وإذا متمحضة للظرفية وليس فيها معنى الشرط، وقدر بعضهم في النكاح حده أو وقته وقيل لا حاجة إليه لأنّ المعنى صلحوا للنكاح وكون إذا شرطية غير جازمة هو المشهور، وقيل: إنها ليست بشرط وإن إطلاقه عليها ليس حقيقة، وقوله: وهو دليل الخ يقتضي تقدم إيناس الرشد مع تأخره في النظم بناء على أنّ الشرط المعترض على شرط آخر يعتبر مقدما في الحكم فلو قال إن شتمتني فإن دخلت الدار فأنت طالق لا بد لوقوع الطلاق من تقدم دخول الدار على الشتم وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي} أسورة هود، الآية: 34] الآية، وقول أبي حنيفة رحمه الله مبني على عدم الحجر بالسفه عنده وقدر الزيادة بسبع لما ذكره، وقوله: يميز بعدها أي يبلغ سن التمييز، وفي نسخة يتميز أي ينفرد في مضجعه ونحوه. قوله: (مسرفين ومبادرين الخ) المبادرة المسارعة وهي لأصل الفعل هنا وتصح المفاعلة فيه بأن يبادر وأخذ مال اليتيم، واليتيم يبادر منه وأشار إلى أنه منصوب على الحالط، وقيل: إنه مفعول لأجله والجملة معطوفة على ابتلوا الأعلى جواب الشرط لفساد المعنى لأنّ الأوّل بعد البلوغ وهذا قبله، ويكبروا بفتح الباء من باب علم في السن وأمّا بالضم فهو في القدر والشرف، فإذا تعدّى الثاني بعلى كان للمشقة نحو كبر عليه كذا، ومعنى مبادرة الكبر إتلافه قبله لئلا ينزعه منه إذا كبر، وتخصيص اكل الذي هو أساس الانتفاع وتكثر الحاجة إليه يدل على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 النهي عن غيره بالطريق الأولى لذلك. قوله: (بقدر حاجته وأجرة سعيه الخ) أمّا ا! ل فلأنه رأس الانتفاع فلا يؤمر به ولا يباح ما لم يكن له حق، وأمّا الاسنعفاف فلأنه مبالغة في العفة ولا يتحقق بمجرّد الامتناع عما لا حق له فيه أصلاَ وأهل اللغة وان قالوا عف واستعف وتعفف بمعنى لكن في استعف مبالغة من جهة دلالة السين على الطلب كأنه يطلب ذلك من نفسه، ويبالغ فيه وزيادة العفة عنه فلا ينافي أنه لطلب مأخذ الاشتقاق وليس من التجريد في شيء بالمعنى الذي عرفوه به واعتراض الانتصاف بأن تلك متعدية، وهذه قاصرة خال عن التحصيل لأنّ كلا من بابي فعل واستفعل يكون لازما ومتعدياً وكل من عف واستعف لازم البتة كذا قيل وهو مخالف لكلام النحاة فإن استفعل إذا كان للطلب أو للنسبة كاستخرجت المال، واستحسنت زيدا واستقبحته يكون للتعدية، وقد اعترف به نفسه في البقرة في استرضعوا فالأولى دفعه بما قاله السكاكي: من أنه يحذف مفعوله كثيراً، وقد يلتزم فالمعنى استعف نفسه وحينئذ يلزمه أن يكون تجريداً ليتغاير الطالب والمطلوب منه فلا يصادف ردّه محزه مع أنه اعتبار بليغ لطيف، ثم إنّ قوله وأجرة كأنه مذهب الشافمي لا مذهبنا كما صرح به الجصاص في الأحكام، وقال: ليس له أجرة لأنهم أباحوه له في حال الفقر والإجارة لا تختص به والوصي لا يجوز له أن يستأجر نفسه لليتيم ومن أباج له ذلك لم يجعله أجرة، واختلفت الرواية عنه في جواز القرض! من ماله ويشهد لجوازه قول عمر رضي الله عنه إني أنزلت نفسي من مال الله مني منزلة مال اليتيم إن استغنيت 212 صورة انساء / الآية: 7 استعففت، وان افتقرت أكل بالمعروف وقضيت، وقد قيل إن الأكل منه بالمعروف منسوخ ومذهب الشافعي أن ما زاد على أقل أجره ونفقته حرام. قوله: (وعته الخ) رواه أبو داود والنساتي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما والتأثل اتخاذه أثلة أي أصلا والمراد جامع منه، وآخذ للقنية، يقال: مال موئل ومجد موثل أي مجموع وأثلة وأصل، ومعنى وقاية ماله به أن يترك ماله ويأكل مال اليتيم. قوله: (وإيراد هذا التقسيم الضى) يعني أنه خص الأكل منه بالمعروف فدل على أنه ليس له عدة من النفقة والأخذ وهو يدل على أنّ هذا النهي وما قبله للأولياء لا لغيرهم لأنهم المنهيون عنه. قوله: (ووجوب الضمان) يعني إذا أنكر القبض وقوله: أنّ القيم أي الوصي القائم على مال اليتيم لا يصدق بقوله بدون بينة، وإنما قال ظاهره لأنه يعلم مما قبله أنه للاحتياط وعندنا لئلا يلزمه اليمين لكن المتبادر هذا، ولا يقوم حجة على أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (محاسباً الخ الا يخفى موقعه هنا لأنّ الوصي يحاسب على ما في يده، ثم أشار إلى أنّ المحاسبة نهي عن مخالفة حدود الله لأنه يحاسب كلا بما عمل فليحذره، وفسره الزمخشريّ بالكافي في الشهادة عليكم، وتركه المصنف لأنه موافق لمذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى في عدم لزوم البينة. قوله: (يريد بهم الخ) أي يريد بالرجال والنساء والأقربون المتوارثين بالقرابة أي الذين يرث بعضهم بعضا فهو يشمل الوارث والموروث، ولو كان تفسيراً للأقربين كما قيل لقال الموروثين وقوله: بدل مما ترك باعادة العامل إذا كان الجار والمجرور بدلاً من الجار والمجرور فلا إعادة فيه لكنه سبق لمثله وجه، وكان وجهه أنه لو أبدل المجموع لا بدلت من من من واتحاد اللفظ في البدل غير معهود فكان هو الحامل لهم على القول بأنّ المجرور مبدل والجارّ معاد حتى استدلوا بمثله على أن البدل في نية تكرار العامل فافهم. قوله: (نصب على أنه مصدر مؤكد الخ) أي بتأويله بعطاء ونحوه من المعاني المصدرية والا فهو اسم جامد، ونقل عن بعضهم إنه مصدر وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتملهما، والحالية إما من الضمير المستتر في قل وكثر أو في الجار والمجرور والواقع صفة أو من نصيب لكون وصفه بالظرف سوّغ مجيء الحال منه، ولذا لما لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى وصفه في التفسير قدمه على ذيه لأنّ الحال من النكرة يلزم تقديمها، أو من الضمير المستتر في لهم قيل، وهو مراد المصنف رحمه الله تعالى، ولذا قدمه على نصيبا ولم يذكر. إشارة إلى أنها حال موطئة والحال في الحقيقة وصفها، وهو وجه وجيه إذ لا يلزمه مجيء الحال من المبتدأ أو عمل الظرف من غير اعتماد، وقوله على الاختصاص أراد به القطع من التبعية بفعل مقدّر وهو مما اصطلح عليه الزمخشريّ كما بينه شراحه فيما مرّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 فلا يرد عليه أنه نكرة وقد نصوا على اشتراط تعريف المنصوب على الاختصاص وقوله: (مقطوعاً) تفسير لمفروضا وفيه نظر لا يخفى واشارة إلى أنه بمعنى الواجب القطعي، ولذا لم يسقط حقه بالإسقاط كما هو كذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقيل: إنه يحتمل أن يكون بمعنى مقدرا ففي كونه دليلاَ خفاء، وفيه نظر. قوله: (روي أن أوس بن الصامت الخ) هذا خطا في الرواية تبع فيه الزمخشريّ فإنّ أوس بن الصامت بن أصرم بن قهر بن ثعلبة الأنصاري الصحابي رضي الله تعالى عنه شهد بدر أو المشاهد كلها وبقي إلى زمن خلافة عثمان رضي الله عنه وليس في الصحاية من اسمه أوس بن الصامت غيره، وأوس اسم جماعة منهم مذكورون في الاستيعاب وغيره، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: إن هذا الحديث روا. مقاتل في تفسيره فقال إن أوس بن مالك توفي يوم أحد وترك امرأته أم كحة، وبنتين إلى آخر القصة، وقال: في موضع آخر من الإصابة اختلف في اسم الميت فقيل أوس بن ثابت، وقيل أوس بن مالك وقيل ثابت بن قيس، وأما المرأة فلم يختلف في أنها أم كحة بضم الكاف وتشديد الحاء المهملة وهاء تأنيث إلا ما حكى أبو موسى المديني عن المستغفري، أنه قال فيها أم كحلة بسكون المهملة، وبعدها لام والا ما روي عن ابن جريج إنها بنت كحة فيحتمل أن تكون كنيتها وافقت اسم أبيها، وفي رواية ابن جريج أنها أم كلثوم اص. وقيل الذي في الكتب المعتبرة والروايات الصحيحة أوس بن ثابت أخو حسان استشهد باحد وأما أوس بن صامت فاستشهد في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهو خطأ أيضاً لأنه لو كان أخا حسان من أبيه ثابت لم يكن ابن العم وارثا مع وجود الأخ وأيضاً ليس من الأوس المذكور من إخوته ولا أعمامه من يسمى عرفطة ولا خالداً وان كان أوس بن ثابت أخو حسان قتل يوم أحد كما في الاستيعاب وإنما سبب غلطه لفظ ثابت المشترك، وروي بالزاي المعجمة بمعنى جمع وقبض، ومسجد الفضيخ بالضاد والخاء المعجمتين قال شراح الكشاف: لعله المسجد الذي كان يسكنه أصحاب الصفة لأنهم كانوا يرضخون فيه النوى والرضخ والفضخ من واد واحد ولا يوجد الفضيخ في اللغة إلا بمعنى لنبيذ المتخذ من البسر المفضوخ أي المشدوخ المرضوض وقيل إنه اسم لموضع بالمدينة كان يفضخ فيه البسر اص. (قلت) عجبت من هؤلاء بأجمعهم وعدم اهتدائهم إلى المراد منه وفي تاريخ المدينة للشريف السمهودي مسجد الفضيخ مسجد صغير شرقيّ مسجد قباء على شفير الوادي على نشز من الأرض مردوم وهو مربع ذرعه بين المشرق والمغرب أحد عشر ذراعا ومن القبلة للشام نحوها روى ابن شيبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال حاصر النبي ع! يير بني النضير فضرب قبته قريباً من مسجد الفضيخ ست ليال فلما حرمت الخمر خرج الخبر إلى أبي أيوب ونفر من الأنصار رضي الله عنهم وهم يشربون فيه فضيخا فحلوا وعاء السقاء وهراقوه، وفيه فبذلك سمي مسجد الفضيخ، وكان ذلك قبل اتخاذه مسجداً أو قبل العلم بنجاسة الخمر ولأحمد وأبي يعلى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم اثى بفضيخ فثربه فيه فسمي مسجد الفضيخ وقيل إنه يعرف اليوم بمسجد الشمس ولم أره اهـ فانظر خبطهم فيما مرّ وأنا أعجب من السيوطي رحمه الله تعالى مع سعة حفظه كيف تابعهم فيه، وأخرح ابن حبان في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما هدّا الحديث بطوله، وسماه أوس بن ئابت أيضا، وقال ترك ابنتين وابنا صغيرا وسمي ابني عمه خالداً وعرفطة، وقال فيه فأعطى المرأة الثمن وفسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين يعني من الأولاد إذ لا ميراث لابني العم معهم، وليس فيه ذكر مسجد الفضيخ وسويده مصغر بسين مهملة علم وعرفطة بضم العين المهملة والراء المهملة والفاء والطاء المهملة علم وهو في الأصل اسم شجر وقوله:) أو قتادة الخ) شك من الراوي في اسمهما وعرفجة بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة مهملة وفاء وجيم علم أيضا، وهو اسم شجر أيضاً ويذب من الذب بالذال المعجمة الموحدة المشددة المنع والحماية والحوزة المقرّ وما يجب أن يحفظ ويحمي، وقوله: ولم يبن أي لم يبين الله نصيب كل على التقديرين وإنما بين في المواريث الآتية وقوله: (وهو دليل الخ) وهو هنا بيان لإجمال بالتفصيل والحنفية أيضا قائلون بجواز تأخيره كما مرّ. قوله. (ممن لا يرث (بقرينة ذكر الورثة قبله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وقوله ثم اختلف في نسخة أي على القول بالوجوب والصحيح إنه لا يجب وقوله:) أو ما دل عليه القسمة) أي المقسوم أو المال، والبلغ جمع بالغ وفي نسخة الباقي ومن الورثة بيان له وقوله: (ولا يمنوا عليهم) المراد أنّ القول المعروف ليس معه من والا فعدم المن ليس قولأ، والقول بالنسخ قول ابن المسيب وغيره من السلف وعدمه قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال يرضخ لهم وفيها تفسير آخر غريب عن سعيد بن جبير أنّ المراد بأولي القربى هنا الوارثون وأنهم يعطون أنصباءهم من الميراث إذا حضر بعض الورثة، وكان وارث آخر صغيراً أو غائبا فإنه يحبس نصيبه فلا يمسك نصيب الكبير الحاضر حتى يكبر الآخر أو يحضر. قوله: (أمر للأوصياء الخ) فيتصل بقوله: وابتلوا اليتامى وما بينهما اعتراض! واستطراد كذا قيل لكن كون قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ} الخ بيانا لإجماله يقتضي أنه ذكر قصداً لا استطراداً فالأولى إنّ هذا وصية للأوصياء بحفظ الأيتام بعد ما ذكر الوارثين الشاملين للصغار والكبار على طريق التتميم كذا قيل في بيان ارتباط النظم، ولا يخفى ما فيه من التكلف فالأظهر إنه مرتبط بما قبله لأنّ قوله: (للرجال الخ) في معنى الأمر للورثة أي أعطوهم حقهم دفعاً لأمر الجاهلية، وليحفظ الأوصياء ما أعطوه ويخافوا عليهم كما يخافون على أولادهم ومفعول بخش أمّا الله بدليل قوله فليتقوا الله أو على أولادهم بدليل قوله: {خَافُواْ عَلَيْهِمْ} كما أشار إليه في الوجه الآتي ولو ذكره هنا لكان أولى ليعلم منه تقديره فيما بعده. قوله: (أو للحاضرين المريض الخ) هذا هو الوجه الثاني فليس الأمر للأوصياء إذ لو كان كذلك لقال وليخشوا فتعريف الموصول للعهد لما عرف منهم أنهم كانوا يحضرون عند المريض، ويحثونه على الوصية ويذكرون أنّ أولاده لا يغنون عنه شيئا في الآخرة، وإنما النافع له ما يصرف في الخيرات فيكون أوّل الكلام للأوصياء، وما بعده للورثة وهذا للأجانب بأن لا يتركوه يضرهم فضلا عن أمره بما يضر وأن يخافوا على أولاده كما يخافون على أولادهم فهو متصل بما قبله وقوله: (بأن يخشوا) الخ بيان لمعموله كما مرّ. قوله: (أو للورثة الخ) هذا هو الوجه الثالث وعليه فاتصاله بما قبله ظاهر لأنه حث على الإيتاء لهم وأمرهم بأن يخافوا من حرمانهم ما يخافون من حرمان ضعاف ذريتهم وقوله: (أو للموصين) هذا هو الوجه الرابع وهو أبعدها ولم يذكره الزمخشري، ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى فالمراد من الذين المرضي، وأصحاب الوصية أمرهم بعدم الإسراف في الوصية خوفاً على ذرّيتهم الضعاف، والقرينة عليه أنهم هم المشارفون لذلك، ويكون التخويف من أكل مال اليتامى بعده تخويفاً عن أخذ ما زاد من الوصية فيرتبط به ويكون متصلا بما قبله تتميمأ لأمر الأوصياء، والورثة بأمر المرضي الموصين. قوله: (ولو بما في حيزه جعل صلة الخ (يعني أن الصلة يجب أن تكون قصة معلومة للمخاطب ثابتة للموصول كالصفة فأشار إلى أن مضمون الشرطية قصة معلومة، وأشار إلى أنه لا بدّ من حمل تركوا على المشارفة ليصح وقوع خافوا خبراً له ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت، وترك الورثة، وقال النحرير: الظاهر أن لو بمعنى إن وهذا جار على الوجوه كلها فقوله في المغني إنه أؤله بشارفوا لأن الخطاب للأوصياء وإنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعد. أموات لا وجه له وإنما وجهه صحة كون الجواب خافوا كما قال النحرير. قوله: (وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود الخ) أي جعل مرتباً على الوصف المذكور في حيز الصلة المشعر بالعلية كما مز إشارة إلى أن المقصود من الأمر إذ لا يضيعوا اليتامى حتى تضيع أولادهم، وأنه السبب في ذلك والترحم جاء من ضعف الذراري الماقتضي له وتهديد لهم بأنهم إن فعلوه أضاع الله أولادهم، فضمير عليه للحال أو الوصف والمراد بالأمر الأمر باللام في قوله وليخش، والحاصل أنّ المقصود منه مراعاة الضعفاء واليتامى والخوف عليهم وهو علة الأمر بالخشية. قوله: (أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية الخ) يعني أن الخشية بمعنى الخوف مبدأ لتقوى الله مقدمة عليها طبعاً فلذا قدّمت وضعاً ليوافق الوضعالطبع، ولما لم ينفع الأول بدون الثاني لم يقتصر عليه مع استلزامه له عادة، ثم فسر القول بالمعروف بوجوه تناسب الوجوه السابقة في الأمر بالخشية ناظرة إليها والأخير مبني على الأخير كما ترى. قوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 (ظالمين أو على وجه الظلم) في نصب ظلماً وجوه الحالية وإليه أشار بقوله ظالمين والمفعولة لأجله المصدرية وقوله: على وجه الخ قيل إنه إشارة إلى أنه تمييز، وقيل إلى المصدرية وأن أصله كل ظلم ومعنى أكل الظلم أن يكون على وجهه. قوله: (ملء بطوئهم) في الكشاف يقال أكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه قال: كلوأفي بعض بطنكموتعفوا فإن زمانكم زمن خميص قال النحرير: المظروف المفعول أي المأكول لا الفاعل كما إذا حلف ليضربنه في المسجد وسيأتي تفصيله في سورة الأنعام وحقيقة الظرفية المتبادر منها الإحاطة بحيث لا يفضل الظرف على المظروف فيكون الأكل في البطن ملء البطن وفي بعض البطن دونه، وإذا قيل للجماعة كلوا في بعض البطن كان غاية في القلة فإن قلت هذا ينافي قول الأصوليين إنّ الظرف إذا جز بفي لا يكون بتمامه ظرفاً بخلاف المقدرة فيه فنحو سرت يوم الخمس لتمامه وفي يوم الخميس لغيره. (قلت) قيل هذا مذهب الكوفيين، والبصريون لا يفرقون بينهما كما بين في النحو والظاهر أن ما ذكره أهل الأصول فيما يصح جرّه بفي ونصبه على الظرفية، وهذا ليس كذلك لأنه لا يقال أكل بطنه بمعنى في بطنه فليس مما ذكره أهل الأصول في شيء، وهو مثل جعلت المتاع في البيت فهو صادق عليه وعدمه لكن الأصل فيه الأوّل كما ذكروه فاعرفه، وكذا ما يمنع دخول في عليه فهو من قبيل قاله بفيه مما يفيد التأكيد المناسب للملء، والجار والمجرور متعلق بياً كلون أو حال من ناراً لتقدمه عليه. قوله:) ما يجرّ إلى النار ويؤوّل إليها الخ) جعل النار مجازاً مرسلا من ذكر السجب وإرادة المسبب، وجوّز فيه الاستعارة على تشبيه ما أكل من هذا بالنار لمحق ما معه وهو بعيد وأبو بردة بضم الباء وسكون الراء ودال مهملة، وفي نسخة برزة كواحدة البروز وهو المصحح فالأولى كأنها تصحيف والحديث المذكور روأه ابن حبان وابن أبي شيبة، وهو مؤيد لما فسر به لاحتراق أجوافهم في قبورهم ويحتمل أنه إشارة إلى أنه يجوز حمله على ظاهره فتأفل. قوله:) سيدخلون نارا وأي نار الخ) هذا بيان للمعنى المراد منه وحقيقته ما أشار إليه بعده، وأصل الصلى القرب من النار فاستعمل في لازم معناه، وظاهر كلامه أنه متعد بنفسه وقيل: إنه يتعدى بالباء فيقال صلى بالنار، وذكر الراغب أنه يتعدّى بنفسه تارة وبالباء أخرى وسعيراً بمعنى مسعراً وموقداً، وتوله: وأي ناراً لتعظيم مستفاد من التنكير. قوله:) يأمركم ويعهد إليكم الخ) الوصية كما قال الراغب: أن يقدم إلى الغير ما يعمل فيه مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات، وهي في الحقيقة أمر له بعمل ما عهده إليه فلذا فسرها المصنف رحمه الله تعالى بما ذكر وقوله: (في شأن) قدر المضاف ليصح معنى الظرفية، وقيل في بمعنى اللام وقوله: وهو إجمال الخ بيان لموقع الجملة فإنها مفسرة للوصية التي في ضمن الفع! فلا محل لها من الإعراب ولا حاجة إلى تقدير قول أي قائلا ونحوه وجوّز فيها أن تكون مفعولاً ليوصي لأن فيه معنى القول فيحكي به الجمل على أحد المذهبين المعروفين. قوله: (أي يعدّ كل ذكر بأنثيين الخ) إنما قيده بقوله: حيث اجتمع الصنفان أي من الذكور والإناث يعني واتحدت جهة إرثهما لأنه قد ينقص الذكر عن الأنثى في بعض الصور، وهذا أغلبي أيضا لتساوي الذكور والإناث من أولاد الأم كما سيأتي فمان كان المراد بيان حكم اجتماع الابن والبنت على الإطلاق، وهو الظاهر لم يحتج إلى تقييد أصلاً فتأمّل. قوله: (وتخصيص الذكر بالتنصيص! على حظه الخ) يعني أنّ الآية نزلت لبيان المواريث رداً لما كانوا عليه من توريث الذكور دون الإناث ومقتضاه الاهتمام بالإناث وأن يقال للاثنين مثل حظ الذكر لكنه عكس هنا فأشار إلى أنّ حكمته إنّ الذكر أفضل ففعل ذلك لفضله، ولأنّ ذكر المحاسن أليق بالحكيم من غير ولذا قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [سورة الإسراء، الآية: 7] فلذا قدم ذكر الإحسان وكرّره دون الإساءة فلذا جعل الأوّل صريحا ونصاً والثاني ضمنا وعدل عن مقتضى الظاهر، وفضله معلوم من الخارج أو من تضعيف حظه، أو أنه مقتضى الظاهر، والمقصود هنا أن الذكور أولى فيكفي للأولوية تضعيف نصيبهم وهو كالقول بالموجب وقيل المقصود بالبيان تنقيص حظ الذكور عما كانوا عليه وذلك يقتضي التنصيص عليهم، وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 قريب مما قبله، وتقدير ما قدره تصحيح معنى لا إعراب. قوله: (أي إن كان الأولاد نساء خلصا الخ) يعني أنّ الضمير راجع للأولاد مطلقا فيفيد الخبر حينئذ من غير تأويل، أو للمولودات أو البنات التي في ضمن مطلق الأولاد وليس الخبر عينه حتى لا يفيد الحمل كما توهم لأنّ المراد نساء خلصا إلى آخره وإذا كان فوق اثنتين صفة فهو محل الفائدة، فإن قلت على الوجه الأوّل يلزم تغليب الإناث على الذكور قلت يجوز ذلك مراعاة للخبر ومشاكلة له وهو معنى ما قيل إذا عاد الضمير على جمع التكسير المراد به محض الذكور في قوله عليه الصلاة والسلام رب الشياطين ومن أضللن كعوده على الإناث فلأن يعود على جمعه الشاملى للإناث بطريق الأولى، فلا يرد عليه إنه هناك للمشاكلة المفقودة هنا، وجوز الزمخشرقي أن تكون كان تامّة والضمير مبهم مفسر بالمنصوب على أنه تمييز ولم يرتضه النحاة لأنّ كان ليس من الأفعال التي يكون فاعلها مضمرا يفسره ما بعده لاختصاصه ببابي نعم والتنازع، ولذا تركه المصنف رحمه الله ولا يرد على كون فوق اثنتين خبرا ثانيا إنه يلزم أن لا يفيد الخبر لما مرّ، وقوله: زائدات إشارة إلى أنّ الفوقية هنا ليست حقيقية بل بمعنى زيادة العدد وأضمر فاعل ترك لدلالة الكلام عليه ومثله سائغ شائع، وأظهر منه ضمير كانت. قوله: (واختلف في الثنتين الخ الما دل الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل والترمذيّ وأبو داود وابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل ابوهما يوم أحد وإن عمهما أخذ مالهما ولم ياع لهما مالاً ولا يثكحان إلا ولهما مال فقال صلى الله عليه وسلم " يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: " أعط لابم! ي سعد الثلثين وأعط أمّهما الثمن وما بقي فهو لك " فدل ذلك على أن حكم البنتين وأنّ لهما الثلثين مفهوم من النص بطريق الدلالة أو الإشارة لأنه حكم به بعد نزولها، ووجه إنهما لما استحقتا معه النصف علم أنهما إذ انفردتا عنه استحقتا أكثر من ذلك لأنّ الواحدة إذا انفردت أخذت النصف بعدما كانت معه تاخذ الثلث ولا بد أن يكون نصيبهما مما يأخذه الذكر في الجملة، وهو الثلثان لأنه يأخذه مع البنت، وليس هذا بطريق القياس بل بطريق الدلالة أو الإشارة، فيكون قوله: فإن كن نساء الخ بيانا لحظ الواحدة وما فوق الثنتين بعدما بين حظهما، ولذا فرعه عليه إذ لو لم يكن فيما قبله ما يدل على سهم الإناث لم تقع الغاية موقعها وهذا مما لا غبار عليه، وقيل لما تبين أن للذكر مع الأنثى ثلثين وللذكر مثل حظ الأنثيين فلا بد أن يكون للبنتين الثلثان في صورة والا لم يكن للذكر مثل حظ الأنثيين لأنّ الثلثين ليس بحظ لهما أصلاً لكن تلك الصورة ليست صورة الاجتماع إذ ما من صورة يجتمع فيها الثلثان مع الذكر، ويكون لهما ثلثان فتعين أن تكون صورة الانفراد. (ثم ههنا سؤال) وهو أنّ الاستدلال دوري لأنّ معرفة أنّ للذكر الثلثين في الصورة المذكورة موقوفة على معرفة حظ الأنثيين لأنه ما علم من الآية إلا أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين، فلو كان معرفة حظ الأنثيين مستخرجة من حظ الذكر لزم الدور، والجواب أنّ المستخرج هو الحظ المعين للأنثيين وهو الثلثان، والذي يتوقف عليه معرفة حظ الذكر هو معرفة حظ الأنثيين مطلقاً فلا دور وأنت في غنى عن هذا بما بيناه لك من غير تكلف، وأما ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فنظر إلى ظاهر النظم ولعله لم يبلغه الحديث لأنه لما لم يكن لهما حكم الجماعة كان لهما حكم الواحدة إذ لا قائل بغيرهما وفيه أنه لو استفيد من قوله فوق اثنتين إنّ حالهما ليس حال الجماعة بناء على مفهوم الصفة فكذلك يستفاد من واحدة أنّ حالهما ليس حال الواحدة لمفهوم لعدد، وان فرق بينهما بأنّ النساء ظاهر فيما فوقهما فلما أكذبه صار محكماً في التخصيص بخلاف إن كانت واحدة، وأورد أنه إنما يتم على كونه صفة مؤكدة لا خبراً بعد خبر، وأجيب بأنه على هذا مؤكد أيضاً وبأنه لما تعارض النصان عنده جعل لهما نصيبا من النصيبين وجمهور الصحابة رضي الله عنهم على خلافه لما مرّ وكلام المصنف رحمه الله ينزل عليه. قوله: (ويؤيد ذلك الخ) جعله مؤيداً، ولم يجعله دليلاَ مستقلا لعدم الحاجة إليه ولأنه قبل إنّ القياس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 لا يجري في الفرائض والمقادير كما شرحناه في اللمعة والحاصل أن هذا قياس على البنت مع أخيها أو على الأختين والأوّل لأنها لما استحقت الثلث مع الأخ فمع البنت بطريق الأولى، والثاني أنه ذكر حكم الواحدة والثلاث فما فوقها من البنات، ولم يذكر حكم البنتين وذكر في ميراث الأخوات حكم الأخت الواحدة والأختين ولم يذكر حكم الأخوات الكثيرة فيعلم حكم البنتين من ميراث الأخوات وحكم الأخوات من ميراث البنات لأنه لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بهما لأنهما أقرب منهما، ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزيد على الثلثين فبالأولى أن لا يزداد نصيب الأخوات على ذلك. قوله: (ولأبوي الميت) يعني أنّ الضمير راجع إلى ما فهم من الكلام كضمير ترك السابق، ولكل واحد بدل بعض من كل ولذا أتى معه بالضمير ما وقع لصاحب الانتصاف من أنه بدل كل، والمناقشة فيه غلط منه كما ذكره أبو حيان وغيره لأنه مبني على أن كل عمومها شمولي، وقوله: منهما يأباه، ولم يقل لكل واحد من أبويه السدس لفوات الإجمال والتفصيل الذي هو أوقع في الذهن ولم يقل لأبويه السدسان للتنصيص على تساويهما إذ فيه يحتمل التفاضل، وان كان خلاف الظاهر فإنه يكفي نكتة للعدول، وقوله: غير أن الأب الخ إشارة إلى أحوالا الأب الثلاثة كما هو مقرّر، ودفع لما يتوهم أنه يأخذ مع البنت أكثر من السدس لأنه ليس بجهة واحدة وتعدد الجهات منزل منزلة تعدّد الذوات، وقوله: فحسب أي فقط وهو مأخوذ من التخصيص الذكرى كما تدل عليه الفحوى، وإنما فسر به ليخرج ما إذا كانا مع أحد الزوجين كما سيبينه، وفي الكشاف معناه فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فح! سب فلأمّه الثلث مما ترك، كما قال: لكل واحد منهما السدس مما ترك لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما بقي بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك إلا عند ابن عباس، والمعنى أن الأبوين إذا خلصا تقاسما الميرإث للذكر مثل حظ الأنثيين انتهى، وهو بعينه كلام المصنف رحمه الله لا زيادة فيه إلا إيضاح أنّ المراد بالثلث ثلث ما ترك وهو الكل لا ثلث الباقي ولا الأعمّ لقوله قبله السدس مما ترك، دمانما نقلته لك لترى العجب ممن قال قوله: وورثه أبوا. فحسب إشارة إلى دفع ما ذكره صاحب الكشاف لما أشكل عليه من أنه لا فائدة لقوله وورثه أبوا. لأنه في بيان حكم الأبوين في الإرث مع الولد ومع عدمه، فكما أنه لا حاجة في قوله: ولأبويه لكل واحد منهما السدس إلى التقييد، بقوله: إن ورث أبواه لا حاجة إليه في قوله فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث إلى آخر ما أطال به من غير طائل، فانظر ما جرّه قلة التأمّل إليه وكتابة محشوّ بمثل هذا لكنا أضربنا عن أكثرها فإن لم يقيد بقوله فحسب حمل الثلث على الأعم من ثلث الكل أو ثلث ما بقي لكونه خلاف المتبادر ويلزمه لغوية قوله وورثه أبواه لكنهم بينوا له فائدة كما سيأتي، ومنه يعلم إنه إذا لم يكن قوله وورثه أبواه للتخصيص يكون في الكلام الباس، ولذا رجحوه وان رجح شراح السراجية خلافه، وفيه نكتة أخرى وهي الإشارة إلى أنّ إرثه بالعصوبة، وهي تقتضي عدم التعيين والتحديد. قوله: (وعلى هذا ينبني الخ) يعني إنه ليس داخلا في النظم ولكنه مستنبط منه وضمير فرضه لأحد الزوجن، وقوله: يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر في مسألة الزوج معها ظاهر، وأما الزوجة فلا. أما الأول: فلأنها لو جعل لها مع الزوج ثلث جميع المال والمسألة من ستة لاجتماع نصف وثلث فللزوج ثلاثة وللأم اثنان على ذلك التقدير فيبقى للأب واحد وفيه تفضيل الأنثى وإذا جعل لها ثلث ما يبقى كان لها واحد وله اثنان. وأمّ الثاني: فلأنه لو جعل لها مع الزوجة ثلث الأصل والمسألة مع أثني عشر لاجتماع ربع وثلث فللزوجة ثلاثة وللأم أربعة ثلث الكل بقي خمسة للأب فلا يلزمه تفضيلها عليه ولذا ذهب الإمام للفرق بينهما فهذا التعليل لا يفي بالمراد بل لا يستقيم وإن وجهه شراح السراجية لكن على مسلكهم في أنّ المراد بالثلث الأعئم يكون ذكر قوله وورثه أبواه إشارة إلى أنّ الثلث ثلث ما ورثاه سواء الكل أو الباقي، ولو حمل على ثلث الكل في هذه الصورة لخلا المذكور عن الفائدة، اللهم إلا أن يقال إنّ المراد إنه يفضي إليه في إحدى الصورتين وابن عباس رضي الله عتهما لا يفرق بينهما فيلزمه التفضيل في الجملة بخلاف ما ذهب إليه أبو بكر الأصمّ، وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 غير مذكور في الكتاب. قوله: (بإطلاقه يدل على أن الأخوة) أمّا دلالته على الردّ إلى الثلث فظاهرة وأما قوله: وان كانوا لا يرثون فمان أراد أنه من مدلول الآية فوجهه أنه معطوف على ما قبله، وهو مقيد بوراثة الأبوين فقط وقد زيد عليه الأخوة فقط من غير رفع القيد فيبقى على حاله، وفيه نظر وان أراد أنه معلوم من خارج فلا كلام فيه، وأما ما قيل إنه من كون الولد فيما سبق وارثاً هنا فليس بشيء وهذا بناء على أنّ المحجوب يحجب كما بين في الفرائض، وأبن عباس رضي الله عنهما يخالف فيه فيعطيهم السدس الذي حجبوها عنه. قوله: (والجمهور على أن المراد بالأخوة الخ) يعني المراد بهم ما فوق الواحد مطلقا ذكوراً واناثا ومختلطين من أيّ جهة كانوا من الأبوين أو أحدهما وابن عباس رضي الله عنهما اشترط ما فوق الاثنين وأن لا يكونوا خلص إناث لأنّ حقيقة الجمع ثلاثة، وهو جمع أخ فلا يشمل الأخت إلا بطريق التغليب والخلص لا ذكور معهم فيغلبون كما حاج عثمان رضي الله عنه في ذلك لكن أكثر الصحابة على خلافه، ولم ينكروه حين قضى به قبل عثمان فلذا جعله إجماعا، وصيغة الجمع قيل إنها حقيقة فيما فوق الاثنين مطلقاً، وقيل في المواريث والوصايا ألحقت بالحقيقة كما صرّح به في الأصول وهو مراد الزمخشري هنا فلا يرد عليه ما قيل إنه مخالف لما قاله النحاة: وصرّح به في كتبه. قوله: (وقرأ حمزة والكسائي فلامه بكسر الهمزة اتباعاً للكسرة) . أي كسرة اللام وقيل إنه اتباع لكسرة الميم، وهو ضعيف لما فيه من اتباع حركة أصلية لحركة عارضة وهي الإعرابية، ولذا قال المصنف رحمه الله التي قبلها تنبيهاً على اختيار خلافه وليس لغة فيه كما قيل. قوله: (متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها الخ) المراد بالمواريث كلها ما سبق برمته فإنه سيعيده فيما يأتي وقوله: (أي مذه الخ) بيان لمحصل المعنى والتعلق المعنوي لا الإعرابي فإنه متعلق على هذا بقوله يوصيكم، وقيل إنه متعلق بقوله: (فلأمه السدس الخ) فالعامل فيه الجار والمجرور الواقع خبرا لاعتماده ويقدر لما قبله مثله كالتنازع، وقيل متعلق بمحذوف أي استقز ذلك بعد وصية الخ والاً وّل أولى. قوله: (وإنما قال بأو التي للأباحة دون الواو الخ) المراد بالإباحة التسوية وعدم اختلاف الحكم متعلقة بالأمرين جميعا، أو بأحدهما سواء كان ذلك في الأمر أو غيره ومنهم من اشترط فيها تقدم الأمر، وعبارة المفصل تشعر بعدم الاتفاق عليه واشترط في الهادي تقدم أمر أو تشبيه فيقال عليه إن قوله: {يُوصِيكُمُ} خبر مراد به الأمر كما فسره المصنف وغيره أي أعطوا الخ بعد الوصية أو الدين إن كان أحدهما أو كلاهما ولا يلزم جواز التقديم على أحدهما فقط كما في جالس الحسن أو ابن سيرين لأنّ معنى الإباحة هنا التسوية في الوجوب وفي جالس الحسن التسوية في الجواز وأو تكون للإباحة أو التسوية فيما هو مقتضى الأمر، وبالجملة فالمقام مقام أو دون الواو إذ لا تفيد سوى وجوب تقديم الأمرين إذا وجدا جميعاً دون ما إذا وجد أحدهما إذ ربما يكون وجوب التقديم أثرا للاجتماع فلا يتحقق عند الانفراد فكلمة أو للتسوية بينهما في الوجوب قبل القسمة وان كان الدين مقدماً عند عدم وفاء التركة بهما. قوله: (وقدم الوصية على الدين الخ الما كان تقدم الدين أمراً مقرّرا كان الظاهر تقديمه لكن أولاً تقتضي ترتيبا فقدمت الوصية لأنها تشبه الميراث من وجوه كتعلقها بالموت وكونها تؤخذ بلا عوض فلذلك كانت تشق عليهم فربما فرّطوا فيها فقدمت اهتماماً بشأنها لذلك فقوله: شاقة بيان لوجه الشبه، وقوله: مندوب إليها الجميع بخلاف الدين مع ندرته أو ندرة تأخيره إلى الموت قيل على من ذكره من الحنفية إن هذا مذهب الشافعي، فإنّ الوصية عنده أفضل مطلقا كما في الروضة، وأما غيره فيقول لا يندب إليها إذا كانت الورثة فقراء لا تغنيهم التركة ويمكن دفعه بأنّ المراد أنّ الشارع سنها للجميع لقوله صلى الله عليه وسلم: " حق على كل مسلم عنده شيء أن لا يبيت إلأ ووصيتة مكتوية عنده " فتخلفها العارض لا يضر كونها مندوبة للجميع بحسب الأصل، والتوصيف بقوله يوصي بها إما للتعميم لأنّ الوصية لا تكون إلا موصى بها، أو المراد تعتبر الوصية بها بأن تكون من الثلث فلا يقال إنه لا فائدة فيه، وقوله: بفتح الصاد أي مخففا وقرئ أيضا بالتشديد، ولم يذكرها المصنف رحمه الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 بقي هنا إن صاحب الانتصاف قال: إنّ الآية لم يخالف فيها الترتيب الشرعي دمان السؤال غير وارد رأسا لأنّ أوّل ما يبدأ به إخراج الدين ثم الوصية، ثم اقتسام ذوي الميراث فانظر كيف جاء إخراج الميراث آخرا تلو إخراج الوصية، والوصية تلو الدين فوافق قولنا قسمة المواريث بعد الوصية، والدين صورة الواقع شرعا ولو سقط ذكر بعد وكان الكلام أخرجوا الميراث والوصية والدين لأمكن ورود السؤال المذكور يعني أنه ذكر الميراث أوّلاً، ثم ذكر أنه بعد الوصية ناصا على بعديته لها فيقتضي تعقيبه لها، ثم ذكر بعدية الدين مؤخرة عن بعدية الوصية لما بينهما من المفاضلة فحاصل المعنى من بعد وصية، أو وصية بعد دين فلا حاجة إلى شيء مما تقدّم وهو دقيق جداً، ولا يرد عليه ما قيل إنّ الآية واردة في حكم الميراث أصالة لأنها بيان لقوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ} [سورة النساء، الآية: 7] الخ فكان ذكر الوصية والدين كالاستطراد وذكر من بعد إمارة عليه، فكأنهما حكم واحد في كونهما مقدّمين على الميراث، والظاهر تقدم الدين على الصوية فيرد السؤال ا!. قوله: (أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم الخ) أيّ هنا إما استفهامية مبتدأ وأقرب خبره والفعل معلق عنها فهي سادّة مسد المفعولين وعليه المصنف رحمه الله، أو موصولة بمعنى الذي وأقرب خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلته وهو مفعول أوّل مبني على الضم لإضافته، وحذف صدر صلته، والثاني محذوف وهذا ذكره أبو حيان، والآباء والأبناء عبارة عن الورثة الأصول والفروع فيشمل البنات والأمّهات والأجداد والجدّات، كما أشار إليه المصنف رحمه الله وهو على هذا الوجه الأوّل تأكيد لأمر القسمة وردّ لما كان في الجاهلية، وعلى الثانية المراد المحتضرين وهو حث لهم على تنفيذ وصاياهم، فهو تأكيد لما قبله ونفعاً تمييز، وقوله: روي الخ أخرجه الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ع! ي! قال: " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك فيقول يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " وتفسيره أقرب نفعاً بأنفع لكم دون أقرب نفعاً فضلا عن النفع تفسير بلازم معناه المراد، وقوله: ولا تعمدوا إلى آخره إشارة إلى ما كان منهم في الجاهلية. قوله: (فهو اعتراض مؤكد لآمر القسمة الخ) إشارة إلى ما ذكره الزمخشرقي من أن هذا التوجيه غير ملائم للمعنى، ولا مجاوب له لأن الجملة اعتراضية فينبغي أن تؤكد ما اعترضت بينه وتناسبه، وليس بوارد لأنه ذكر قبلها وبعدها الوصية وأمر الإرث فيصح مراعاة كل منهما وهو ظاهر. قوله: (مصدو مؤكد الخ) أراد بالمؤكد المؤكد لنفسه نحو هذا ابني حقا وهو الواقع بعد جملة لا محتمل لها غيره وهنا كذلك لأن ما قبلها مفروض عليهم معين من الله وإذا كان مصدر يوصي بمعنى يفرض من غير لفظه فهو مؤكد أيضا لكن غير التأكيد المصزج به لأنّ الأوّل مؤكد لمضمون الجملة، وهذا مؤكد لعامله وفعله لكن أورد عليه أن المصدر إذا أضيف لفاعله أو مفعوله أو تعلقا به يجب حذف فعله كما صرح به الرضى إلا أن يفرق بين صريح فعله وما تضمنه فتأمل، وفسر العليم والحكيم بما يناسب المقام ويتم به النظام، وقيل فريضة حال لأنه ليس بمصدر. قوله:) أي ولد وارث الخ) يعني أنّ المراد بالولد ما يشمل الذكر والأنثى والصلبي وغيره سواء كان من هذا الزوج أو غيره، ولذا قال لهت: ولم يقل لكم. قوله: (فرض للرجل لحق الزواج الخ) الزواج كالقتال مصدر واستثنى أولاد الأم والمعتقة لاستواء الذكر والأنثى منهم، ثم بين أنّ الزوجات المتعددة يشتركن في ذلك ولا تعطي كل واحدة ربعا أو ثمناً، وفسر الرجل بالميت لا الوارث لتوصيفه بأنه موروث منه، وقوله: من ورث معلوما ومجهولاً أي هو مأخوذ من الثلاثي لا المزيد لاحتماله يقال ورث منه مالاً وورثه مالاً وكأنّ المصنف رحمه الله جعل الأولى هي اللغة، والثانية من الحذف والإيصال. قوله:) وهو من لم يخلف ولدا ولا والدا أو مفعول له والمراد بها ترابة الخ) يعني أنه على كون الرجل هو الميت فيورث من ورث الثلاثيّ، وكلالة لها أربعة معان نفس القرابة بغير الأصلية والفرعية، والوارث الذي ليس بولد ولا والد والميت الذي ليس أحدهما، والمال الموروث مز غير أحدهما، وترك هذا المصنف رحمه الله لعدم شهرته وعلى الوجوه يختلف إعرابه فإن كان الوارث فهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 مجهول أورث وهي في الأصل مصدر بمعنى الكلال والإعياء نقل إلى تلك القرابة لضعفها، ثم وصف بها من ذكر مبالغة أو بتقدير مضاف. قوله: (قال الأعشى الخ) هو من قصيدة مدح بها النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أراد الوفادة عليه فصدّه كفار قريش بأنّ له تكاليف لا يقدر عليها كتحريم الخمر وقصيدته معروفة وأوّلها: ألم تغتمض عيناك لليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا والبيت في وصف الناقة السابقة في قوله: وأتعابي العيس المراقيل تعتلي وبعده: متى ماتناخى عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندا فضمير لها للناقة لا للفرس كما قيل ولا أرثي بمعنى أشفق، وأرق لها من كلالة أي إعياء والحفا بالحاء المهملة رقة أسفل الخف من كثرة السير، وقوله: فاستعيرت يعني بحسب الأصل وبعد النقل صارت حقيقة، وقوله: ليست بالبعضية فيه قصور، وكان عليه أن يقول ولا الأصلية لكته تركه لشهرته، وقوله: من قرابتي بناء على أنه مصدر أطلق على الأقرباء لما ذكره ولا عبرة بتخطثة الحريري في الدرة من قال: هو من قرابتي وأنّ الصواب من ذي قرابتي لقوله: وذو قرابته في الحيّ مسرور لأنه مجاز شائع وقد استعملوه كذلك، وذهب ابن مالك إلى أنه اسم جمع لقريب كصحابة فلا شاهد فيه حينئذ. قوله: (واكتفى بحكمه عن حكم المرأة الأن تقييد المعطوف عليه تقييد للمعطوف، وإن كان ليس بلازم وإنما فعل كذلك لأنّ توحيد الضمير بعد أو لا بد منه حتى أنّ ما ورد على خلاف ذلك مؤوّل عند الجمهور كقوله تعالى: {إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا} [سورة النساء، الآية: 135] وأتى به مذكراً لأنك بالخيار بين أن تراعي المعطوف أوالمعطوف علبه فراعى المتقدم منهما ويجوز أن يكون الضمير لواحد منهما والتدّكير للتغليب. قوله: (سوّى بين الذكر والأنثى الخ) لأنّ الأولاد الأم في القسمة والاستحقاق سواء للواحد السدس، ولما زاد الثلث على السوية لأنّ وراثتهم بواسطة الأم ومحض الأنوثة فنظر فيه إلى الأصل وأصل الإدلاء إرسال الدلو في البثر لإخراج الماء فتجوّز به عن الاتصال النسبي. قوله:) ومفهوم الآية أنهم لا يرثون الخ) ذلك إشارة إلى السدس، أو الثلث وفي كونه مفهوما من الآية نظر قال بعض الفضلاء الظاهر أنه بناء على أنّ الوالد يعني الذي دل عليه الكلالة يتناول الوالدة سواء كانت له أو لأبيه، كما أنّ الولد يتناول الابن وابن الابن وان سفل والبنت وبنت الابن وان سفلت، وفيه أن تناول الولد لأنه اسم جنس غير صفة، وأمّا الوالد الذي هو صفة مؤنثة والدة ففي تناوله لها كلام فكون ما ذكر مفهوما ممنوع اهـ ولك أن تقول أنه غلب عليه حتى ألحق بأسماء الأجناس ولذا لا يوصف به فيقال الرجل الوالد وهذا بيان لحكمة تسوية الشارع فلا يرد أن من أدلى بواسطة ذكر كبني العلات ينبغي التسوية بينهم ونحوه كما قيل به، وفي قوله أكثر من ذلك نكتة في وجه التعبير باسم الإشارة وهي أنه لا يقال أكثر من الوأحد حتى لو قيل أوّل بأن المعنى زائد عليه فلذا عبر به أي أكثر من المذكور ولم يؤت بعنوان الوحدة فتنبه لما فيه من الدقائق. قوله (وهو حال من قاعل يوصي الخ) قيل عليه إن فيه فصلا بين الحال وصاحبها بأجنبي وهو قوله: (أو دين) فلا بدّ من تقدير كما في الوجه الذب بعده، وهو يلزم ذلك أو يوصي به حالة كونه غير مضار، وأجيب بأنه ليس بأجنبي محىت ر لشبهه بالوصية أو هو تابع بغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره، وعلى قراءة المجهول يقدر فعل مهطوم يدل عليه المذكور على حذ قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة النور، الآية: 36] رجال في قراءة المجهول ولا يصح أن يكون حالاً من الفاعل المحذوف في المجهول لأنه ترك بحيث لا يلتفت إليه فلا يصح مجيء الحال منه ويصح في غير أن يكون صفة مصدر أي إيصاء غير مضار قيل والمفهوم من الآية أنّ الإيصاء لقصد الإضرار لا يستحق التنفيذ إلا أنّ إثباته مشكل فلو علم بإتراره لا ينفذ، وهذا مما لم نره في الفروع فانظره. قوله: (مصدر مؤكد الخ (ذكروا في نصبه وجوها، إمّا أنه مصدر يوصي مؤكد له أو منصوب بمضارّ على أنه مفعول به إمّا بتقدير مضاف أي أهل وصية أو على المبالغة لأنّ المضارّة ليست للوصية بل لأهلها، ويشهد له قراءة الإضافة بإضافة اسم الفاعل لمفعوله لأنها بمعنى في ولم يثبتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 الجمهور، ووقع هنا وجه ذكره في الدر المصون وهو أنه منصوب على الخروج قال وهذه عبارة تشبه عبارة الكوفيين، ولم يبين المراد منها وقد وقعت هذه العبارة في قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} في تفسير البغوي، وسأل عنها الناس ولم أر من فسرها إلا أنه وقع في همع الهوامع في المفعول به أنّ الكوفيين يجعلونه منصوبا بأعلى الخروج ولم يبينه فكان مرادهم أنه خارج عن طرفي الإسناد فهو كقولهم فضلة فانظره في محله وقوله: (والله عليم الخ) تهديد ووعيد على ذلك وأنّ عدم العقوبة ليس للعفو بل تأخيره لحكمه ستكون، وقول المصنف رحمه الله أو وصية منه أي وصية من الله في حق الأولاد بأن لا يدعهم عالة بالإسراف في الوصية ونحوه. قوله:) شرائعه الخ) يعني أنّ الحدود هنا استعارة شبهت الأحكام بالحدود المحيطة بشيء في أنه لا يتجاوزها أحد، ومراعاة اللفظ والمعنى فيما كان لفظه مفردا ومعناه مجموع كمن معروف وجعل الخلود حالاً مقدرة لأنه بعد الدخول لكن الفرق بين المثال وما نحن فيه ملاقاة أوّل الحال للعامل وعدمها، ثم إنّ الصفة ونحوها إن اتصف بها متبوعها وكان فاعلها فالأصل استتار الضمير ويجوز إبرازه والا فللنحويين فيه مذهبان وجوب الإبراز مطلقا، والثاني إن وقع لبس وجب إبرازه وإلا جاز إبرازه واستتاره والمشهور الأوّل، وعليه المصنف رحمه الله والزمخشري وإذا أبرز الضمير فهل هو فاعل أو الفاعل مستتر وهذا تأكيد له احتمالان ذكرهما في شرح التسهيل. قوله: (أي يفعلنها الخ) أي أن حقيقة الإتيان الذهاب فعبر به عن الفعل، وصار حقيقة عرفية فيه كما استعمل فيه المجيء ونحوه وأصل معنى الفاحشة ما اشتد قبحه فاستعمل كثيراً في اك نا لأنه من أقبح القبائح، وشناعتها بمعنى قباحتها، ووقع في نسخة بشاعتها وهو قريب منه. وقوله: (ممن قذفهن) أي رماهن وهو مما لزم من الكلام. قوله: (يستوفي أرواحهن الموت الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم، من أنّ المتوفى الموت فيكون معناه يميتهن الموت بأنّ التوفي ليس بمعناه المشهور وهو الموت بطريق المجاز أو الكناية بل هو على أصله لغة، وهو الاستيفاء للأرواج على الاستعارة بالكناية بتشبيه الموت بشخص يستوفيها، أو هو على حذف مضاف أي ملائكة الموت أو على جعل التجوّز في الإسناد بإسناد ما للفاعل الحقيقي إلى أثر فعله كما تقول جاد عطاؤه بالغني فلا وجه لما قيل لا يصح جعل الإسناد هنا مجازيا لأنّ الموت ليس من الملابسات التي يسند إليه الإماتة مجازا، والحبس المذكور إن كان عقوبة للزنا فهو منسوخ بالجلد أو الرّجم وان كان للمجلودات بعد الجلد يكون حفظا عن صدور مثله مرّة أخرى، والحد معلوم من شيء آخر، وقوله: لتعيين الحد الخ على الوجه الأوّل، وقوله: أو النكاج على الثاني، واللذان إذا كان للزاني والزانية فهو تغليب وعلى التشديد يلتقي ساكنان على حده كدابة وشابة والتمكين زيادة المد على ألف وتشديد النون لغة، وليس مخصوصاً بالألف كما قيل، بل يكون مع الياء كما قرئ به وهو عوض! عن ياء الذي المحذوفة إذ قياسه اللذيان واعلم أنّ قوله: اللذان يأتيانها مبتدأ ما بعده خبره، والفاء زائدة فيه لتضمن معنى الشرط وهل يجوز نصبه على الاشتغال فقيل بمنعه لأنه حينئذ يقدر له عامل قبله وأسماء الشرط والاستفهام، وما تضمن معناها لا يعمل فيها ما قبلها لصدارتها وقيل: يجوز ويقدر متأخراً مطلقا أو في الشرط والاستفهام الحقيقي دون ما تضمن معناه لأنه لا يعامل معاملته من كل وجه، والإغماض مجاز عن الستر والترك وأصله غض البصير، وقوله: هذه الآية إشارة إلى واللذان يأتيانها منكم الخ والسحاقات، من السحق وهو مباشرة المرأة للمرأة، وهذا التفسير للإصفهاني والقرينة عليه تمحيض التذكير والتأنيث. قوله: (أي أنّ قبول التوبة الخ) يعني أنّ التوبة مصدر تاب الله عليه لا تاب هو نفسه ومعناه القبول، وعلى وإنّ استعملت للوجوب حتى استدلّ به الواجبية عليه فالمراد أنه لازم متحقق الثبوت البتة بحكم سبق العادة وسبق الوعد حتى كأنه من الواجبات، كما يقال واجب الوجود وهو ردّ على الزمخشريّ. قوله: (ملتبسين بها سفهاً الخ) إشارة إلى أنه حال وأنّ المراد بالجهل السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل لا عدم العلم فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة والجهل بهذا المعنى حقيقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 واردة في كلام العرب كقوله: فنجهل فوق جهل الجاهلينا وحتى ينزع بمعنى يكف ويترك وهو وارد في الأثر عن أبي العالية أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة. قوله: (من زمان قريب أي قبل الخ) أي يتوبون في زمن الحياة الذي هو قريب منه قبل حالة اليأس، وحملها على التبعيض لا الابتداء كما قيل به لأنها إذا كانت لابتداء الغاية لا تدخل على الزمان على القول المشهور، والذي لابتدائه مذ ومنذ، وسلطان الموت حضوره وقوّته وغلبته فهو بالمعنى المصدري أو المراد بقربه أن لا ينهمك فيه ويصر عليه فإنه إذا كان كذلك يبعد عن القبول، وإن لم يمتنع قبول توبته وقوله: الذي هو ما قبل الخ ناظر إلى الأوّل وما بعده إلى الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة عبده ما لم ينرغر " أصل معنى الغرغرة ترديد الماء في الفم إلى الحلق وغرغرة المريض تردّد الروح في حلقه على التشبيه، وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذفي وابن ماجه وابن حبان والحاكم. قوله: (وعد بالوفاء الخ) دفع لتوهم الاستدراك فيه لأنه جعله أوّلاً لازماً أي الأوّل وعد بتنجيز قبول التوبة، وهذا بيان لأن الوفاء به محقق قيل ويحتمل أنه من المذهب الكلامي كأنه قال: التوبة كالواجب على الله، وما هو كالواجب عليه كائن لا محالة فهو كائن فأولئك يتوب الله عليهم كالنتيجة له. قوله:) سؤ! بين من سؤف الخ (لما كان يختلج في الوهم أنه لا معنى لنفي قبول التوبة بالنسبة إلى من لم يتب ومات على الكفر صرف النظم عن ظاهره كما قيل إنّ المراد بالتوبة المغفرة كما يقال تاب الله على فلان بمعنى عفا عنه، وأشار إلى أنّ المراد من الذين يعملون السيئات ما يشمل الفسقة والكفرة فسوّى بين المسوّف منهما وبين من مات على الكفر في عدم الاعتداد بأمر المسوّف لأنه والعدم سواء، ويحتمل أنه حذف من الثاني لدلالة الأوّل أو اشتراك المتعاطفين في القيد، والمراد بالذين يعملون السيئات العصاة أي لا توبة لمسوف التوبة ومسوّف الإيمان إلى حضور الموت، واعلم أنّ هذا كله بناء على أنّ توبة اليأس كإيمان اليأس في عدم القبول، وقد قيل: إنّ توبة اليأس مقبولة دون إيمانه لأنّ الرجاء باق، ويصح منه الندم والعزم على الترك وقال الإمام: إنها لا تقبل، واستدلّ عليه بآيات ونقل في البزازية عن فتاوى الحنفية أنّ الصحيح أنها تقبل بخلاف إيمان اليأس وإذا قبلت الشفاعة في القيامة، وهي حالة يأس فهذا أولى لكن هذه الآية صريحة في خلافه. وقوله:) وبالذين يعملون السيئات المنافقون الخ (جعل عمل السيئات من غيرهم في جنب عملهم بمنزلة العدم فكأنهم عملوها دون غيرهم ولا يخفى لطف التعبير بالجمع في أعمالهم وبالمفرد في المؤمنين على هذا، وأمّا أن التوبة هنا من الله لا من العبد فينافي التسوية فليس بشيء فتأمله! اووجه تضعيف القول الأخير أن المراد بالمنافقين إن كان المصرّين على النفاق فلا توبة لهم يحتاج إلى نفيها والا فهم وغيرهم سواء. قوله: (لا يعجزه عذابهم ش شاء) مأخوذ من كون العذاب حاضراً مهيأ لهم عنده، والعتاد العدة وهي ما يعد ربهيأ، أو التاء مبدلة من الدال وهو ظاهر. قوله: (كان الرجل إذا مات الخ) أخرجه ابن جرير وعضلها بمعنى منعها من التزوّج وأصله من العضل المعروف، والمراد من الإرث أخذ صداقها وعلى الثاني أخذ الزوجة نفسها بطريق الإرث، وحاصل الوجهين أن النساء يجوز أن يكون مفعولاً ثانيا والمفعول الأوّل محذوف فيحمل على أن ترثوا أنفسهن كما تأخذون الميراث، وأن يكون مفعولاً أوّل فيحمل على أن ترثوا أموالهن، وقرئ لا تحل لكم أن ترثوا بالتاء لأنّ أن ترثوا بمعنى الوراثة كما قرئ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا لأنه بمعنى المقالة وهذا عكس تذكير المصدو المؤنث لتأويله بأن 233 والفعل فكل منهما جار في الكلام الفصيح والكره بالفتح والضم، قيل هما بمعنى كالضعف والضعف وقيل الأوّل الإكراه وهو المراد بالمشقة في كلام المصنف رحمه الله كما أشار إليه الراغب، والثاني بمعنى الكراهية وإليهما أشار بقوله: كارهات أو مكرهات. قوله:) عطف على أن ترثوا الخ) فيه وجهان أحدهما أنه مجزوم بلا الناهية، وعطف جملة النهي على جملة خبرية إمّا بناء على جوازه وقد قيل إنه مذهب سيبويه أو أنّ الأولى في معنى النهي إذ معناها لا ترثوا النساء كرها فإنه غير حلال لكم وجعله أبو البقاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 على النهي مستأنفا، والثاني أنه منصوب معطوف على ترثوا وأيدت بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه ولا أن تعضلوهن، وردّ هذا الوجه بأنك إذا عطفت فعلاً منفيا بلا على مثبت وكانا منصوبين فالناصب يقدّر بعد حرف العطف لا بعد لا فإذا قلت أريد أن أتوب ولا أدخل النار فالتقدير أريد أن أتوب وأن لا أدخل النار فالفعل يطلب الأوّل على سبيل الثبوت والثاني على سبيل النفي، والمعنى أريد التوبة وانتفاء دخول النار وكذا لو كان الفعل المسلط عليهما منفيا كما هنا، ولو قدرته لا يحل لكم أن لا تعضلوهن لم يصح إلا أن تجعل لا زائدة لا نافية وهو خلاف الظاهر. وأمّا تقدير اًن بعد لا فغير صحيح فإنه من عطف المصدر على المصدر لا الفعل على الفعل، فقد التبس عليهم العطفان وفرق بين أريد أن تقوم وأن لا تخرج ولا أن تقوم، ولا أن تخرج ففي الأوّل أثبت إرادة وجود قيامه وانتفاء خروجه، وفي الثاني نفي إرادة وجود قيامه ووجود خروجه فلا تريد لا القيام ولا الخروج، وهذا فيه غموض! لا يفهمه إلا من تمرّن في العربية. ورد بأنّ المثال الذي ذكره أعني أريد أن أتوب الخ تقدير أن فيه قبل لا لازم فإنه لو قدر بعدها فسد المعنى والتركيب، وامّا هنا فتقدير أن بعد لا صحيح فإنّ التقدير لا يحل لكم ميراث النساء ولا عضلهن، وهو عطف على أن ترثوا ولا مزيدة لتأكيد النفي، وقد صرح به الذاهبون إليه كالزمخشريّ وابن عطية والمصنف رحمهم الله، وفي الكلام محذوف تقديره ولا تعضلوهن من النكاح إن كان الخطاب للأولياء والعصبات، أو لا تعضلوهن من الطلاق إن كان الخطاب للأزواج، والأوّل هو المراد هنا فإن قلت على هذا كيف يلتئم قوله: لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن مع أنّ العصبة ما آتاها شيئاً وإنما منعها التزوّج لتفتدي بما ورثت من زوجها أو تعطيه صداقا أخذته من غيره، قلت: المراد حينئذ بما آتيتموهن ما آتاه جنسكم، وقوله: عضلت الدجاجة ببيضا أي تعسر خروجه، وكذا عضلت المرأة بالولد. قوله: (وقيل الخطاب مع الأزواج) ولا لتاكيد النفي كما في الوجه الأوّل لا للنهي كما في الوجه الثاني والمراد بالخطاب ما في ترثوا وتعضلوا. وقوله: (كانوا يحبسون النساء) بيان لقوله: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ} الخ. وقوله: (أو يختلعن) الخ بيان لقوله: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} وعلى الوجه الذي بعده الخطاب الأوّل للأولياء ولا تعضلوهن للأزواج، ولا يرد عليه أنه لا يخاطب في كلام واحد اثنان من غير نداء، فلا يقال قم واقعد خطابا لزيد وعمرو، بل يقال: قم يا زيد واقعد يا عمرو كما في شرح التلخيص لأنّ الجملة الثانية مستأنفة وليست من هذأ الكلام، ولهذا قال: تم الكلام مع أن القاعدة ليست مسلمة كما سيأتي، وأمّا على تقدير العطف فلا يلزم عليه عطف الإنشاء على الخبر كما مرّ. قوله: (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة الخ (قرئ في السبعة بالفتح، والكسر وعلى الثاني فهو من بين اللازم أو مفعوله محذوف، أي مبينة حال صاحبها وقرئ مبينة بكسر الباء وسكون الياء، وهي كالتي قبلها واختلفوا في الاستثناء فقيل منقطع وقيل متصل إما مستثنى من ظرف زمان عاثم أي لا تعضلوهت في وقت من الأوقات إلا وقت إتيانهن أو من حال عامّة أي في حال من الأحوال إلا في هذه الحال أو من علة عافة أي لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لإتيانهن الخ كما بيته المصنف رحمه الله، فإن قلت كيف يتصوّر تقدير لعلة من العلل بعد ذكر علة مخصوصة وهي لتذهبوا قلت: يجوز أن يكون المراد العموم وذكر فرد منه لنكتة لا ينافيه أي للذهاب أو غيره أو العلة المعينة المذكورة غائية، والعامة المقدرة باعثة على الفعل متقدّمة عليه في الوجود، ولذا فسر المصنف رحمه الله تعالى المستثنى بما هو منها كالنشوز، والمراد بالإجمال فعل الجميل كما في قول المتنبي: أنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان واجمال قوله: (فلا تفارقوهق الخ) إشارة إلى بيان الجواب الدّي أقيم علته مقامه، وقوله: فاصبروا الآتي إجمال له، وعشى لكونها الإنشاء الترجي لا تصلح للجوابية فلذا أوّلوه بما ذكر، وقوله: وهو خير لكم إشارة إلى أنّ جملة ويجعل الله فيه خيراً كثيراً حالية لتأويلها بالاسمية، والمعروف فيه تقدير المبتدأ لأن المضارعية الحالية لا تقترن بالواو كما قرّره النحاة، لكن في شروح الكشاف أنّ الزمخشرقي جوّزه في مواضع من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 الكشاف كتابة فقيل: لو لم يذكر الواو هنا لا التبس بالصفة لشيئا وهذا مخالف لمذهبه في جواز إدخال الواو بين الصفة وموصوفها، فلذلك جوّز هنا إدخال الواو في المضارع إذا وقع حالاً وان خالف النحاة، وقال فخر المشايخ: إنه قد يجامع الواو كقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 44] فإن قيل: لم لا يجوز تقدير وأنتم تنسون أنفسكم فتكون الجملة اسمية قيل: لا يستقيم، هذا فيما نحن بصدده إلا على التعسف بأن يقال: أصله والله يجعل فيه خيراً، ثم حذف المبتدأ وأظهر فاعل يجعل ورد بأنه بتقدير المبتدأ غايته وقوع المظهر موقع المضمر، إذا قدروا لله يجعل، وأمّا الاعتذار بأنه أتى بالواو لئلا يلتبس بالصفة فليس بشيء لأنه إذا كان مذهب المصنف امتناع الواو في الحال وجوازها في الصفة توكيداً للصوقها كان دخول الواو بالالتباس أولى بعدم الالتباس فتحصل في المسألة ثلاثة مذاهب، منع الدخول على المضارع إلا بتقدير مبتدأ وجوازه مطلقا والتفصيل بأنه إن تضمن نكتة كدفع إيهام حسن والا فلا ولا يخفى أن تقدير المبتدأ هنا خلاف الظاهر، وما ذكره لا يرفع التعسف، وقوله: أصلح دينا أي من جهة الدين ويصح أن يكون دينا مقابل الآخرة. قوله: (جمع الضمير لأنه الخ) يعني أنه من وضع المفرد مكان الجمع وهو كثير حيث يراد الجنس، وعدم التعيين وأما كونه يقال هو زوج وهما زوجان فشيء آخر غير هذا، ومن ظنه يدل على أنه موضوع للجمع فقد وهم، وجعل القنطار كناية عن الكثرة وهو ظاهر. قوله: (استفهام إنكار وتوبيخ الخ) أشار بقوله: باهتين إلى أنه مصدر منصوب على الحالية بتأويل الوصف، وقوله: ويحتمل الخ أي مفعول لأجله، وهو كما يكون بالعلة الباعثة كقعدت عن الحرب جبناً يكون بالعلة الغائية أيضاً، وقوله: يبهت بفتح الياء أي يحيره ويدهشه. وقوله: {وَآتَيْتُمْ} أي آتى أحدكم وضمير إحداهن للمضاف إليه مكان. وقوله: (وصل إليها بالملامسة) بناء على أن تقرير المهر يكون بذلك لا بمجرّد الخلوة. وقوله: (وهو حق الصحة الخ) فالعهد مجاز عنه ووصفه بالغلظ لعظمه وفي الكشاف قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة. (قلت) بل قالوا: صحبة يوم نسب قريب وذمّة يعرفها اللبيب وقوله: (أو ما أوثق الله فعليه إسناد الأخذ إليهن مجازيّ وقوله عليه الصلاة والسلام: " اخذتموهن " الخ) أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه بلفظ: " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن " والمراد بأمانة الله أي بسبب أن جعلهم الله أمانة عندكم وكلمة الله أمره أو العقد. قوله: (وإنما ذكر ما دون من الخ) يعني أن ما إذا كانت واقعة على من يعقل فضد من جوزه مطلقا لا كلام وكذا من جوزه إذا أريد معنى صفة مقصودة منه، وليس المراد ما تضمنه الصلة كما مرّ وقيل: ما مصدرية والمراد مثل نكاح آبائكم أو نكاج آبائكم والمراد منكوحاتهم بتأويله بالمفعول. قوله: (بيان ما نكح الغ (المراد بالوجهين الموصولية والمصدرية وظاهره أن من بيانية قبل أو تبعيضية والبيان معنوي، ونكتة البيان مع عدم الاحتياج إليه إذا المنكوحات لا يكن إلا نساء قيل التعميم. توله: (اس! مناء من المعنى اللارّم الخ) يعني أنّ النهي للمستقبل وما قد سلف ماض فكيف يستثنى منه فيل: إنّ الاستثناء متصل بالتأويل الذي ذكره على إرادة المبالغة فقيل: هو متصل أو منقطع، والمختار أنه متصل لأنه لو لم يدخل فيه لا تحصل المبالغة المذكورة وسيأتي ما قيل من أنه منقطع، والمعنى لكن ما سلف منه قبل لا تعاقبون وتلامون عليه لأنّ الإسلام يهدم ما قبله فيثبت به أحكام النسب وغيره وأما التقرير عليه فلم يقل به أحد من الأئفة، وقد ردّ القول بأنهم أقرّوا عليه أوّلاً، ثم أمروا بمفارقتهن، والزمخشريّ ذكر هذا التوجيه في إلا ما قد سلف الآتي وتركه هنا، وقال شراحه إنما اختاره هناك وتركه هنا لأنه ذيل هنا بقوله: إنه كان فاحشة فيقتضي أنه غير معفوّ بخلافه ثمة فإنه ذيل بقوله: إنه كان غفوراً رحيما، فاقتضى هذا التأويل وهو متجه والمصنف خالفه وأشار إلى وجه المخالفة بأن التذييل لتعليل النهي بقطع النظر عن الاستثناء فلم يره متجها وفيه نظر. قوله: (أو من اللفظ للمبالغة الخ) يعني أنه من باب تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه كما في بيت النابغة وهو من تعليق الشيء بالمحال كقوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سورة الأعرأف، الآية: 40] والمعلق على المحال محال فيقتضي ما ذكر من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 التأكيد والتعميم لأنه لا شيء من المحال بواقع. قوله: (ولا عيب الخ) هو من قصيدة للنابغة الذبياني أوّلها: كليني لهمّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب والحلائل جمع حليلة وهي الزوجة لحلها له أو حلولها عنده والفلول جمع فل وهو كسر في حد السيف، وقيل: إنه مصدر بمعناه وتكسر حد السيف من شدة القتال ممدوج فالمعنى إن يكن فيهم عيب فهو هذا، وهذا لا يتصوّر أنه عيب فلا يتصوّر أن يكون بهم عيب. قوله: (علة للنهي الخ) تقدّم وجه ذكر المصنف لهذا وعلى انقطاع الاستثناء يحتمل أنه خبر وهذا النكاح كان يسمى في الجاهلية نكاح المقت ويسمى الولد منه مقتياً، والمقت البغض والكراهة، وقوله: سبيل من يراه إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل، وذم طريقه مبالغة في ذم سالكها وكناية عنه والضمير المستتر في ساء يعود على النكاج المذكور، وجوّز أن يكون ساء من باب بئس وضميره عائد على التمييز والمخصوص بالذم محذوف فقوله: سبيل من يراه إشارة إلى المخصوص المقدّر. قوله: (ليس المراد تحريم ذاتهن الخ الما كانت الحرمة واخواتها إنما تتعلق بأفعال المكلفين أشار المصنف رحمه الله إلى أنه على حذف مضاف بدلالة الفعل، ثم تعيين المحذوف موكول إلى القرينة كالنكاح والشرب والأكل ونحوه وقيل: إنه مضمن معنى المنع وانّ تعلقه بالأعيان أبلغ. وقوله: (لآنه معظم الخ) إن كان المراد بالنكاج الوطء بعقد فظاهر، وان كان المراد العقد فالمراد ثمرته من الجماع والاستمتاع، ولما كان ما بعده وما قبله بصدده لو لم يكن المراد هذا كان تخلل أجنبي بينهما من غير نكتة. قوله: (وامهاثكم الخ (يعني المراد بها الأصول والفروع ليشمل الجدات وبنات الأولاد، وكذلك الباقيات أي العمات والخالات يشملها من الجهات الثلاث، وفسر العمة والخالة بما ذكره ليشمل أخت الأب والجدّ وأخت الأم والجدّة. قوله: (وأمرها على قياس النسب الخ) أمرها بفتح الهمزة وسكون الميم أي أمرها كائن على قياس النسب، وقيل: إنه بفتحتين وراء مشددة بمعنى أجراها يعني أن المرضعة أم وزوجها أب. وقوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع الخ الفظ أخيه بالياء والتاء صحيح قال الفقهاء: حكم الرضاع حكم النسب مطلقا إلا في صور هاتين الصورتين وأخريين أم النافلة وجدة الولد فإنّ كلا منهما يحرم من النسب لأنّ أم النافلة أي ولد الولد زوج الابن وجدة الولد أم الزوج ولا يحرمان من الرضاع كمن أرضعت ولد ولدك وأم أجنبية أرضعت ولدك، وقال المحققون: إنهما غير داخلين في الأصل ليصح الاستثناء قيل: وهو أولى مما قيل إنه مستغنى عنه لأنه لا نسب في هذه الصور بل مصاهرة وفرق بينهما وكأنّ من أخرجها أدخل المصاهرة في النسب لتعلقها به في الجملة، وقد صرح شارح المنهاج بأنّ بعض الشافعية استثناها وبعضهم لم يستثنها. قوله: (لحمة كلحمة النسب) أي اتصال كاتصاله وهي مستعارة من لحمة الثوب المعروفة ووجهه أن في النسب جزئية وكذا هنا لكون اللبن جزأه أو كجزئه وقد صار جزءاً منه فأشبه النسب بخلاف المصاهرة فإنها أمر عارض بالزواج، ورت وربي بمعنى والربيب فعيل بمعنى مفعول أي مربي ولما ألحق بالأسماء الجامدة لحوق التأنيث له، والا ففعيل بمعنى مفعول يستوي فيه الذكر والمؤنث. قوله: (ومن نسائكم متعلق بربائبكم الا بقوله: أثهات نسائكم وربائبكم كما سيأتي، وقوله: واللاتي بصلتها يعني بصلتها دخلتم بهن ولو قال: مقيدة للحكم فقط لكان أظهر إذ تقييد اللفظ، وإن كان المراد منه أنه عام فخص به فالحكم الشرعي مقيد به أيضا إذ لا كبير فائدة فيه. وقوله:) قضية للنظم) أي لأجل قضاء النظم به، ومنهم من فسر اللاتي بصلتها بقوله اللاتي في حجوركم وجعل من نسائكم اللاتي دخلتم بهن داخلاً في صلتها، وأورد عليه أنه يجوز أن يكون حالاً من ربائبكم فلا يتم كلامه، وهو تكلف والأوّل أولى وجعل الصلة والموصول صفة تسمح لأن الصفة إنما هو الموصول وهو سهل 0 قوله: (ولا يجوز تعليقها بالأمّهات أيضاً الخ) أي تعليق من نسائكم بهما، لأنه يلزم في من استعمالها في معنيين مختلفين البيان وابتداء الغاية وما يقال جميع معاني من راجعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 للابتداء على ضرب من التأويل لا أنه معنى كليّ صادق عليها بالحقيقة وأيضا إنها إذا كانت بيانا كانت حالاً من نسائكم فيختلف عاملا الحالين، ولا قائل به فإن أريد الاتصال تناول اتصال الأمهات بالنساء لكونها، والدات لهن والربائب بالنساء لكونهن مولودات منهن فحينئذ يصح تعلقه بالأمهات والربائب جميعا حالاً منهما وتظهر فائدة اتصال الأمهات بالنساء بعد إضافتها إليها من جهة زيادة قيد الدخول لكن الاتفاق على حرمة أمهات النساء مدخولات بهن أو غير مدخولات يأباه فمن ثمة علق بالربائب فقط. قوله: (فإني لست منك ولست مني) هو للنابغة، وصدره: إذا حاولت في أسد فجورا قال الأعلم إنه قاله لعيينة بن حصن الفزاري، وكان قد دعاه تومه إلى نقض حلف بني أسد فأبى عليه، وأراد بالفجور نقض الحلف، وقيل تمامه: إذا ما طار من مالي الثمين والثمين بمعنى الثمن وهو خطاب لزوجته بأنها إذأ أخذت من إرثه الثمن انقطع الاتصال بيننا فمنك بكسر الكاف ولست بالكسر على هذه الرواية. قوله: (على معنى أن أمهات النساء الخ) أي متصلة بالنساء المدخول بهن بالأصلية والفرعية، وقيل عليه إنّ تركيبه مع الربائب في غاية الفصاحة وحسن النظم وأما مع أمهات فلا فإنّ تقديره وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ولا وجه له وفيه نظر. وقوله: (لكن الرسول صلى الله عليه وسلم) الخ الحديث أخرجه الترمذفي بمعناه والمروفي عن علي رضي الله عنه أخرجه ابن أبي حاتم ووجه الفرق كما في الانتصاف أنّ المتزوّج بالبنت لا يخلو عن محاورة، ومراجعة مع أمها بعد العقد وقبل الدخول فحرمت بالعقد لينقطع شوقه من الأم لمعاملتها معاملة المحرم، ولا كذلك عكسه إذ لا تحصل مظنة الخلطة بالربيبة إلا بعد الدخول، وعن الإمام أن البنت إذا أبدلت بالأم وأوثرت عليها لم تلحقها مشقة وغيرة كما تلحق البنت إذا أوثرت بأمها لشفقة الأم وحنوها كما قال المتنبي: إنما أنت والد والأب القا طع أحنى من واصل الأولاد واختلاف العاملين ظاهر لأنّ أحدهما المضاف والآخر من. قوله: (وفائدة قوله في حجوركم الخ) يعني أن القيد ليس معتبرا لأنه إنما يعتبر إذا لم يكن لذكره فائدة أخرى، وهي هنا ما ذكر من مشابهتهن للولد بما ذكر وتناول الأمهات للبعيدة فيه نظر، وقوله: دخلتم معن الستر يريد أنّ الباء للتعدية وفيها معنى المصاحبة كما صرح به الكشاف، وهو الفارق بين التعدية بالباء والهمزة، وقوله: لمس المنكوحة بل الأجنبية أيضا أو بمعنى مع فهو وجه آخر. قوله:) تصريح بعد إشعار الخ) يعني أنّ تقييد الحكم بقيد يفيد انتفاءه عند انتفائه فالتصريح بانتفائه بعده تعيين له دون غيره فلا يقاس عليه أمر آخر كاللمس والنظر إلى الفرج وهو ردّ على أبي حنيفة رحمه الله، ومن قال في تفسيره: أي لقياس الربائب على أمهات النساء في كون الربائب محرمة مثلهن على الإطلاق فقد أخطأ لعدم الوقوف على مراده، قال المحقق: الدخول بهن كناية عن الجماع صريح في أنّ مدلول الآية كون الحرمة مشروطة بالجماع ولهذا قال اللمس ونحوه يقوم مقام الدخول، وما ذكر من الآثار إنما يدل على ثبوت الحرمة بتقدير اللمس لا على تناول الآية إياه وحمل الدخول على حقيقته فلم يبق إلا القياس ولا سبيل إليه مع صريح قوله: (فإن لم تكونوا الخ) . (أقول) يعني ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله مما لا مجال له لأنّ صريح الآية غير مراد قطعا بل ما اشتهر من معناها الكنائي فما قاله: إن أثبت بالقياس فهو مخالف لصريح نص الشرط، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وان أثبتوه بالحديث وهو غير مشهور لم يوافق أصولهم، ويدفع بأنه من صريح النص لأنّ باء الإلصاق صريحة فيه لأنه يقال: دخل بها إذا أمسكها وأدخلها البيت كما أشار إليه النسفي، فإن قلت هب أنّ الكناية لا يشترط فيها القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة لكن لا يلزم إرادته كما حقق في المعاني فلا دلالة للآية عليه، قلت: هو وإن لم يلزم إرادته لكن لا مانع منه عند قيام قرينة على إرادته والآثار المذكورة كفى بها قرينة على ذلك فلذا أدرجوه في مدلول النظم فالمعترض غافل أو متغافل فإن قلت هب إنك أدخلت اللمس في صريحه فكيف يدخل نحوه فيه قلت هو داخل بدلالة النص، ثم إنّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 ما ذكر من كون الشرط مانعا مما ذكر ممنوع فإنه مبني على اعتبار مفهوم الشرط ونحن لا نقول به مع أنه غير عام، ولو سلم عمومه فقط خص ما فيه بعض المحرمات النسبية فيجوز تخصيصه بعد ذلك بالحديث فتأمل، وفيه كلام في بعض شروح الهداية فإن أردته فانظره، وقوله: ما لبس بزنا هو مذهب الشافعي وعندنا تحرم المصاهرة به. قوله: (احتراز عن المتبنين الخ (المتبني بصحيغة المفعول المتخذ ابنا، وذكر بعضهم فيه خلافا للشافعي رحمه الله والمنقول عنهم أنّ ذكر الأصلاب لإحلال حليلة المتبني لا لإحلال حليلة الابن من الرضاع ولا حليلة ابن الابن كمذهبنا بلا خلاف. قوله: (والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح (فيشمل التسرّي وقوله: حرّمتهما الخ ذكره في الموطأ وقوله: مخصوصة الخ أي في غير الأختين. قوله: (ما اجتمع الحلال والحرام الأغلب الحرام) قالوا: هذه القاعدة مقرّرة، ولم يخرج عنها إلا بعض أمور نادرة لكن الكلام في كونه حديثاً فقال العراقيّ: لا أصل له وقال السبكي رحمه الله: في الأشباه إنه حديمث ضعيف، رواه جابر رضي الله عنه وكذا قال الزركثيّ وقد عورض الحديث المذكور بما رواه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما لا يحرّم الحرام الحلال، وجمع بينهما بأنّ المحكوم في الأوّل إعطاء الحلال حكم الحرام تغليبا واحتياطاً لا صيرورته في نفسه حراما وغلب الحرام بمعنى أنّ تركه أرجح كما في الحديث: " دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ". قوله: (استثناء من لارّم المعنى الخ (قد تقدّم الكلام في هذا التركيب، وما فيه من الوجوه وهل هو متصل أو منقطع وأنّ بينهما فرقاً يؤخذ من التذييل واليه يشير قول المصنف رحمه الله لقوله: إنّ الله كان غفوراً رحيماً، وأمّا قصد التأكيد والمبالغة هنا فلا يناسب قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} ولذا تركوه ولم يتعرضوا له هنا لأنّ الغفران والرحمة لا يناسب تأكيد التحريم فلو اقتصر على الوجه الثاني لكان أولى. قوله: (ذوات الآزواج الخ (وأصل معناه لغة المنع وحصنت المرأة عفت وأما أحصن، فجاء في اسم فاعله محصنة ومحصنة بالكسر والفتح وقال ابن الأعرابيّ: كل أفعل اسم فاعله بالكسر إلا ثلاثة أحرف أحصن وألفج إذا ذهب ماله وأسهب كثر كلامه وقد قرأ السبعة غير الكسائي المحصنات في جميع القرآن بفتح الصاد وقرأها الكسائي بالكسر إلا في هذه الآية فإنه فتحها وحكى أبو عبيدة إجماع القراءة على فتحها في هذه المواضع، وقال: من فتح ذهب إلى أنّ المراد ذوات الأزواج أي أحصنهن أزواجهن ومن كسر ذهب إلى أنهن أسلمن فأحصن أنفسهن، والإحصان في المرأة ورد في اللغة فاستعمل في القرآن بأربعة معان: الإسلام والحزية والتزوّج والعفة وزاد الرافعيّ العقل لمنعه من الفواحش كذا بخط العلائيّ وتفصيله في غير هذا المحل، والإحصان من الحصن ومنه درع وفرس حصان لكونه حصيناً لراكبه. قال الشاعر: إنّ الحصون الخيل لا مدر القرى ويقال حصان للعفيفة، ويقال: امرأة محصن بالكسر إذا تصوّر حصنها من نفسها وبالفتح إذا تصوّر من غيرها والمحصنات بعد قوله: حرمت بالفتح لا غير وفي سائر المواضع بالفتح والكسر لأن اللواتي حرم التزوّج بهن المتزوّجات دون العفيفات وفي سائر المواضسع يحتمل الوجهين كذا قال الطيبي: وقال أبو البقاء: القراء السبعة على فتح الصاد هنا فقول المصنف رحمه الله هنا (وقرأ الكسائي الخ أليس على ما ينبغي لأنه متفق على الفتح هنا، وفي نسخة في غير هذا الحرف فلا إشكال وبعض الناس أوردها وفسرها بما أفسدها، والمحصنات معطوف على فاعل حرمت. قوله: (أحصنهن التزويج) إشارة إلى توجيه الفتح وأنه اسم مفعول لا اسم فاعل على خلاف القياس كما مرّ. قوله:) {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الخ اللعلماء هنا ثلاثة أقوال ترجع إلى معنيين في المحصنات. أحدها: أن المراد به المزوجات أي هن حرام إلا على أزواجهن والمراد بالملك مطلق ملك اليمين فكل من انتقل إليه ملك أمة يبيع أو هبة أو سباء أو غير ذلك، وكانت مزوجة كان ذلك الانتقال مقتضيا لطلاقها وحلها كمن انتقلت إليه وهو قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. والثاني: تخصيص الملك بالسباء خاصة فإنه المقتضي لفسخ النكاح وحلها للسابي دون غيره، وهو قول عمر وعثمان وجمهور الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة كما سيأتي. والثالث: إنّ المحصنات أعم من العفائف والحرائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وذوات الأزواج والملك أعم من ملك اليمين وملك الاستمتاع بالنكاح فرجع معنى الآية إلى تحريم الزنا وحرمة كل أجنبية إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، وهذا مروي عن بعض الصحابة واختاره مالك رحمه الله في الموطأ. قوله: (يريد الخ) هذا هو القول الثاني في الآية كما مرّ، وهو الماثور وقوله لقول أبي سعيد الخ إشارة إلى ما روي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبئ صلى الله عليه وسلم بعث يوم حتين سرية فأصابوا حياً من العرب يوم أوطاس فهزموهم وقتلوهم واصابوا لهم نساء لهن أزواج فكان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأثموا من غشيانهن من أجل أزواجهن فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهي غزوة من غزواته صلى الله عليه وسلم واليوم بمعنى الوقعة والقتال ووقعة حنين في المعجم وفيها قال صلى الله عليه وسلم: " اليوم حمى لوطيس حين استعرت الحرب ". قوله: (من اللاتي سبين ولهن أزواج الخ) يعني أنّ الآية مخصحوصة بذوات الأزوأج المسبيات، بدليل سبب النزول لأنّ ملك اليمين لا يزيل النكاج بالاتفاق كما لو باع جارية مزوجة أو انتقل ملكها عمن زوجها بأرث أو هبة لكن هل مجرد السبي محل لذلك، أو سببها وحدها فعند الشافعي رحمه الله مجرد السبي موجب للفرقة ومحل للنكاح وعند أبي حنيفة رحمه الله سبيها وحدها حتى لو سبيت معه لم تحل للسابي. قوله: (فنزلت الآية (يعني من قوله: ( {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} الخ الا قوله:) {وَالْمُحْصَنَاتُ} الخ) إذ لا يتم بدون ما قبله ويحتمل ذلك بأن يقدر له عامل، وهو خلاف الظاهر ولم يذكره أحد من المعربين لا يقال: هذا قصر للعام على سببه وهو مخالف لما تقرر في الأصول من أنه لا يعتبر خصوص السبب، لأنا نقول ليس هذا من قصر العام على سببه لمانما خص لمعارضمة دليل آخر، وهو الحديث المشهور عن عائشة رضي الله عنها أنها لما اشترت بريرة، وكانت مزوجة أعتقتها، وخيرها النبيّ صلى الله عليه وسلم من زوجها مغيث فلو كان بيع الأمّة طلاقا ما خيرها فاقتصر حينئذ بالعامّ على سببه الوارد عليه لما كان غير البيع من أنواع الانتقالات كالبيع في أنه ملك اختياري مترتب على ملك متقدم بخلاف السباء فإنه إنشاء ملك جديد قهري فلا يلحق به غيره كذا حققوه، وبيت الفرزدق هذا من قصيدة له والحليل الزوج واسناد الإنكاج إلى الرماح مجاز وحلال صفة ذات تجري على إعرابه وذكر لأنه مصدر أو خبر مبتدأ محذوف أي هي حلال، ولمن يبنى بها أي يدخل عليها متعلق بحلال، ولم تطلق صفة بعد صفة أو خبر بعد خبر وهو ظاهر. قوله: (وإطلاق الآية والحديث حجة عليه) إطلاق الآية والحديث غنر مسلم قال في الأحكام المروي إنه: لما كان يوم أوطاس لحقت الرجال بالجبال وأخذت النساء فقال المسلمون: كيف نصنع ولهن أزواج فأنزل الله {وَالْمُحْصَنَاتُ} الآية وكذا في حنين كما ذكره أهل المغازي، فثبت أنه لم يكن معهن أزواجهن فإن احتجوا بعموم اللفظ قيل لهم قد اتفقنا على أنه ليس ب! ، م وأنه لا تجب الفرقة بتجدد الملك فإذا لم يكن كذلك علمنا أنّ الفرقة لمعنى آخر، وهو اختلاف الدارين فلزم تخصيصها بالمسبيات وحدهن وليس السبي سبب الفرقة بدليل إنها لو خرجت إلينا مسلمة أو ذمية ولم يلحق بها زوجها وقعت الفرقة بلا خلاف وقد حكم الله به في المهاجرات في قوله {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فلا يرد ما ذكره المصنف عند التحقيق، وأوطاس بفتح الهمزة أفعال بطاء وسين مهملتين واد بديار هوازن كانت فيه تلك الوقعة. قوله: (كتاب الله الخ) إمّا منصوب على أنه مصدر كتب مقدراً بمعنى فرض وهو مصدر مؤكد ولا ينافيه الإضافة كما توهم وذهب الكسائي إلى أنه منصوب على الإغراء، واستدل به على جواز تقديم المفعول في باب الإغراء، ورد بأنه منصوب على المصدرية وعليكم متعلق بالفعل المقدر وجملة كتب مؤكدة لما قبلها. قوله: (عطف على الفعل المضمر (تبع فيه الزمخشري حيث جعله في قراءة المعلوم معطوفاً على كتب المعلوم وفي قراءة المجهول معطوفا على حرمت المجهول، وقيل عليه إنّ ما اختاره من التفرقة غير مختار لأنّ جملة كتب لتأكيد ما قبلها وهذه غير مؤكدة، فلا ينبغي عطفها على المؤكدة بل على الجملة المؤسسة خصوصا مع تباينهما بالتحليل والتحريم وفيه نظر لأنّ تحليل ما سوى ذلك مؤكد لتحريمه معنى وما ذكره أمر استحساني رعاية لمناسبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 ظاهرة. قوله: (ما سوى المحرمات الثمان الخ الا يخفى زيادتها على ثمان ولذا وقع في نسخة المحرمات المذكورة بدون ثمان ولا خفاء فيها، وأما هذه فتوجه بأنه جعلها أصنافاً يدخل بعضها في بعض وهي الأصول حقيقة أو حكماً كالرضاع والفروع حقيقة أو حكماً كارضاع والربائب وفروع الأصول حقيقة أو حكما كالأخوات نسباً ورضاعا، وفروع الجذ والجدة كالعمات والخالات وفروع فروع الأصول كبنات الأخ والأخت وأصول النساء والأختان وذوات الأزواج ونحو ذلك من الاعتبارات التي تلف نشرها باعتبار مدار الحرمة ونحوه، وكذا عدها النووي رحمه أدلّه تعالى في منهاجه الفرير فإن أردت تحقيقه فراجع شروحه، وأشار إلى جواب سؤال وهو أنّ المحرمات لا تنحصر في هذه بأن ما عداها مخصوص من الحل بدليل إمّا الحديث أو الكتاب كما زاد على الأربع، وقوله: والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وكذا الجمع بين كل امرأتين أيتهما فرضت ذكرا لم تحل له الأخرى كما بين في الفروع. قوله: (مفعول له والمعنى أحل لكم الخ) قيل تقدير الإرادة بيان للمعنى والا فلا حاجة لحذف اللام إلى تقدير الإرادة وهو مفعول له لما دل عليه الكلام من قوله: حرّمت وأحل ويرد عليه أنّ شرط المفعول اتحاد فاعل المعلل والعلة وفاعل التحليل والتحريم الله وفاعل الابتغاء المخاطبون، فلذا جعله على حذف المضاف فالحاجة داعية إليه لا كما قال وقيل: إنه من خبايا دسائسه الاعتزالية فلا ينبغي للمصنف رحمه الله تعالى متابعته، وليس كما قال: وأما كونه يلزم تخلف إرادته تعالى لأنّ منهم من لا يبتغي ذلك، وهو مذهبهم فمد فرع بأنّ الإرادة هنا بمعنى الطلب مطلقاً وكثيراً ما تستعمل له، واعتذر عن الأوّل بأنّ ألاتحاد المذكور مشروط في غير أنّ وأن ومن التعسف ما قيل إنه يحتمل أنه مفعول به وضمير له لا حل ولا وجه له، وقوله: تبتغوا النساء إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: بأموالكم لا يناسب ما سيأتي. قوله: (ويجوز أن لا يقدر مفعلو تبتغوا إلى آخره) هذا ما ارتضاه الزمخشري والمصنف رحمه الله تعالى خالفه فيه وجعل الأجود تقديره عامّا لأنهم وجهوا أرجحيته بأنه أبلغ لأنه بين ما يحل مما يحرم ليكون الطلب بالأموال أي صرفها وإخراجها في وجوه الطلب حال كونكم محصنين غير مسافحين ومصلحين غير مفسدين، والقصد إلى الفعل من غير تقدير مفعول يتناول إعطاء المهور الحرائر وأثمان السراري والإنفاق عليهن وغيرها، وقيل: لأن هذا المقدر يفهم من قوله: غير مسافحين فيكون تكرارا مستغنى عنه ولا يخفى ما فيه من التكلف، وما فعله المصنف رحمه الله تعالى أحسن وقوله: إرادة أن تصرفوا إشارة إلى أن الابتغاء بالمال عبارة عن صرفه واخراجه. قوله: (أو بدل الخ) جعله بدلاً ما الموصولة، وهي بمعنى أحل من النساء وما بمعنى المبدل بدل اشتمال لأنّ الحل والحرمة متعلقان بالأفعال والرابط له عموم المفعول فإن كانت ما عبارة عن الفعل، كالتزوّج والنكاح ونحوه فهو بدل كل من كل، والزمخشريّ لم يرتض البدلية لأنها على تقدير المفعول المرجوح عنده. قوله: (واحتج به الحنفية الخ (وجه الاحتجاج تخصيص المال، وهو ظاهر فيما ذكروه ولا حجة فيه لأنّ التخصيص لأنه الأغلب المتعارف فيه قيل ويؤيده ما في البخاري ومسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم سألى رجلاَ خطب الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: " ماذا معك من القرآن " قال: معي سورة كذا وكذا وعددهق قال: " تقرؤهق عن ظهر قلبك " قال: نعم، قال: " اذهب فقد ملكتها لك بما معك من القرآن " وأجيب بأن كون القرآن معه لا يوجب كونه بدلاً، والتعليم ليس له ذكر في الخبر فيجوز أن يكون مراده زوجتك تعظيماً للقرآن ولأجل ما معك منه، وفسر الإحصان بالعفة لأنه المناسب واختار الزجاج هنا أنّ المراد بمحصنين ناكحين وعاقدين التزوبج، وقال الفرّاء: إنه بمعنى متعففين عن الزنا يقول: أن تبتغوا الحلال إما بالتزوج أو التسرّي، وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أعم معنى، وأصل السفح الصب فكنى به عن الزنا لأنّ الغرض! منه صب المنيّ لا النسل وغيره من فائدة التزوج. قوله: (فمن تمتعتم به الخ) يشير إلى أنّ ما بمعنى من للعقلاء لأنه أريد بها الوصف كما مرّ، وأنّ استمتع بمعنى تمتع والسين ليست للطلب بل للتأكيد وضمير به راجع لما باعتبار لفظه، ومن على هذا بيانية لما وهي متعلقة بمقدر هو حال من ضمير به وما إما موصولة أو شرطية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وعلى الوجه الأخير ما لما لا يعقل بمعنى أي شيء ومن للابتداء متعلقة باستمتع وهو بمعنى تمتع أيضا وسكت عنه لعلمه مما قبله، وما فيها الوجهان والعائد من الخبر أو الجواب على اشتراطه على كونها بمعنى من ضميرهن الراجع إليه باعتبار معناه، فإن كانت بمعنى أيّ شيء فهو مقدر أي لأجله أو عليه وقوله: أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة فهي مصدر كالقطيعة بمعنى القطع. قوله: (فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه الخ (الفريضة هنا الشيء المقدر كما في فريضة الميراث ففي التيسير هذا مذهب الشافعي رحمه الله، ومذهبنا أنه لا يشترط تراضيهما في غير الزيادة، ويصح الإبراء والهبة برضاها وحدها فهذا مخصوص وكذا في أحكام الجصاص مع زيادة تفصيل. قوله:) وقيل نزلت الآية في المتعة الخ) أي آية فما استمتعتم هذه 0 (اعلا (أنّ نكاح المتعة جوّزه النبيّ عت! هـ في صدر الإسلام، ثم نسخ بلا خلاف الآن فيه لا حد من الفقهاء ولا قائل به سوى الشيعة، وأما المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها فإنه رجع عنه وقيل: إنه إنما أجازه للمضطر لا مطلقا، روي أن سعيد بن جبير قال له: أتدري ما صنعت بفتواك فقد سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر كقوله: قدقلت للشيخ لماطال مجلسه ياصاج هل لك في فتيا ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال: إنا لله وأنا إليه راجعون، والله بهذا أفتيت ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم وقياسه على الميتة لا وجه له أيضاً، وقيل: إنّ النسخ وقع فيها مرات وأنها لم تبح إلا في السفر لا في الحضر. قوله: (غنى واعتلاء الخ) الطول بالضم ضدّ القصر والفتح أصله الفضل، والزيادة ومنه الطائل فأطلق على الغنى لأنه زيادة المال والقدرة أيضاً والاعتلاء ليس بالغين المعجمة افتعالاً من غلو السعر بل بالمهملة من علا إليه وطال إليه إذا ناله ووصل إليه وذكر الطيبي رحمه الله أنه يتعدّى بالى، وعلى فالطول الغنى والقدرة على المهر أو القدرة على الوطء بأن يكون تحته حرة، فالظاهر أنه أراد بالاعتلاء القدرة لأنّ القادر لتمكنه من المقدور عليه، كأنه فوقه معتل عليه فإذا كان أن ينكح مفعول طولاً فمعناه ينال النكاح ويقدر عليه إما بالغنى أو بالتمكن من الوطء، وقوله: يبلغ به نكاح المحصنات بيان للفعل المقدر الذي هو صفة وهو إشارة إلى أنه لا بد من تقدير إلى أو على أي طولاً وزيادة إلى أن ينكح أو طولاً على أن ينكح من طال عليه أي غلبه، كما نقل عن حواشي الكشاف، وقوله: يعتلي أي يرتفع إلى نكاح المحصنات إشارة إلى وجه جعله منصوبا بطولاً أو جعل الطول بمعنى الاعتلاء أي الغلبة فتأمل، وفسر المحصنات بالحرائر لأنه يؤخذ من مقابله وهي المصونات عن ذل الرق. قوله: (فظاهر الآية حجة للشافعي رحمه الله الخ) لاًن حمل طول نكاح المؤمنات على ملك فراس الحرّة، وحمل النكاج على الوطء خلاف الظاهر لما في سورة النور من أن النكاج بمعنى الوطء لم يستعمل في القرآن، ولذا جعله تأويلاً من أبي حنيفة وحمل قيد المؤمنات على الأفضل، وهو أيضا غير قائل بالمفهوم كما حمل عليه قوله: {الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} لأنّ نكاج المحصنات لا يتوقف على الإيمان بالاتفاق، وفيه نظر لما سيأتي في كلام المصنف رحمه الله، وقيل عليه إن ثصت قرينة وهي قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} وليس في الفتيات مثله ورد بأنه حيث ذكر في محل لا للتقييد جاز في الآخر ذلك. وقوله. (ومن أصحابنا الخ) هو قول آخر للشافعية فعلى الأوّل لا يجوز نكاح الأمة الكافرة مطلقاً ولا يجوز نكاج الأمة للقادر على حرّة مطلقاً وعلى هذا يجوز نكاح الأمة المؤمنة للقادر على غير مؤمنة للعلة المذكورة فقوله: (من حمله أيضاً على التقييد (أي حمل وصف المحصنات بالمؤمنات أيضاً على التقييد، وقوله: وما فيه أي ما في رق الولد من المهانة أي الذلة، ونقصان حق الزوج باستخدام سيدها لها وقوله: (أنتم وأرقاؤكم الخ (يريدان من هنا للاتصال. قوله: (واعتبار إذنهم مطلقاً الخ) وجه الاحتجاج كما في الكشاف أنه اعتبر إذن الموالي لأعقدهم ووجه ما ذكره المصنف أنّ عدم الاعتبار لا يوجب اعتبار بالعدم فلعل العاقد يكون هو المولى أو الوكيل فلا يلزم جواز عقدها، وأعاد الأمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 بانكحوا مع فهمه مما قبله لأنّ المفهوم منه الإباحة وهذا للوجوب فلا إطناب. قوله: (أي أذوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن الخ الما كان المهر للسيد قدر المضاف، أو القيد بقرينة ما قبله فإذا أذن لها في أخذه جاز، وفي قوله: بالمعروف وجوه تعلقه بآتوهن أي آتوهن مهورهن بالمعروف أو حال أي ملتبسات بالمعروف غير ممطولات أو متعلق بانكحوهن أي انكحوهن بالمعروف أي بالوجه المعروف باذن أهلهن ومهر مثلهن، وأما أن فيه حذفاً أي بإذن أهلهن كقوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزاب، الآية: 35] ومثله كثير فلا يرد عليه ما قيل إنّ العطف لا يوجب مشاركة المعطوف المعطوف عليه في القيد المتأخر، وإنما هو ظاهر في القيد إذا تقدّم وكذا تقدير الموالي لا بد له من شاهد ولا بد حينئذ من نكتة لاختيار آتوهن على آتوهم مع تقدم الأهل، وقال النحرير: فيه تأكيد إيجاب المهر واشعار بأنه حقهن من هذه الجهة وأنما تأخذه الموالي بجهة وإنما تأخذه الموالي بجهة ملك اليمين وقول مالك رحمه الله يوجب كون الأمة مالكة مع أنه لا ملك للعبد فلا بد أن تكون مالكة له يداً كالعبد المأذون له في التجارة، لأنّ جعلها منكوحة إذن لها فيجب التسليم إليهن فإن حملت الأجور على النفقات استغنى عن اعتبار التقدير وكذا إن فسر بالمعروف بما عرف شرعا من إذن الموالي، ومحصنات غير مسافحات إما حالان من مفعول آتوهن فهو بمعنى متزوّجات أو من مفعول فانكحوهن فهو بمعنى عفائف، وما بعده تفسير له والمسافحة المجاهرة بالزنا والمتخذة الخدن بمعنى الصديق المستسرة به كذا فسروه به فلا يرد عليه أنه لا وجه له. قوله: (عفائف) فسره به لأنّ العفة أحد معاني الإحصان وأما حمله على المسلمات وان جاز خصوصاً على مذهب الجمهور الذين لا يجيزون نكاج الأمة الكتابية لكن هذا الشرط تقدّم، في قوله فتياتكم المؤمنات فلذا رجح الجمهور أن المراد بالمحصنات العفيفات فقوله: غير مسافحات أكيد له ولا ينافيه كونه تقسيماً للزواني فإنهن كن قسمين أحدهما الفجور بمن آتاهن، والثاني من لها خدن يزني بها سرأ حتى يقال الحمل على التقسيم أقوى. قوله: (فإذا أحصن) قرأها نافع وغيره بضم الهمزة وكسر الصاد مجهولاً وآخرون بالفتح معلومأ، ومعنى الأوّل فإذا أحصن بالتزويج فالمحصحن لها الزوج، ومعنى الثاني فإذا أحصن فروجهن أو أزواجهن، وقد مرّ تحقيقه وقاء فإن جواب إذا وفعليهن جواب إن فالثرط الثاني وجوابه مترتب على وجود الأوّل ولو سقطت الفاء انعكس الحكم ولزم تقدم الثاني على الأوّل لأنه حال فيجب التلبس به أوّلاً وهو معروف في النحو. قوله: (بالتزويج) قد مرّ انّ للإحصان معاني يحمل على بعضها بحسب ما يقتضيه النظم، وهو لا يمكن حمله هنا على الحرّية ولا على العفة لمنافاة معناها له، ولهذا ذهب الجمهور إلى أنّ المراد به هنا التزويج، وهو المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فعليه لاتحد الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج، وذهب كثير إلى أنّ المراد به الإسلام، وهو مروي عن عمر رضي الله عنه من طرق وابن مسعود وابن عمر واليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، وقيل: إنّ مأخذ القولين اختلاف القراءتين فمن فتح الهمزة أراد أي أحصن أنفسهن بالإسلام، ومن ضمها أراد التزوبج فإنّ أزواجهن أحصنوهن، والحق إن كلا من القراءتين محتمل لكل من المعنين واحتج المرجح للأوّل بأنه سبحانه شرط الإسلام بقوله: من فتياتكم المؤمنات فحمل ما هنا على غيره أتم فائدة وان جاز أنه تأكيد لطول الكلام وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الآمة إذا زنت ولم تحصن فقال: " إن زنت فاجلدوها " الحديث والمراد بالإحصان فيه التزويج وفي الآبة الإسلام إلا أن الزهري قال الإحصان في الآية التزوّج إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة إذا لم تتزوّج بهذا الحديث فالمزوّجة محدودة بالقرآن وغيرها بالسنة لكن تفسير الإحصان هنا بالإسلام، قال بعض المحققين إنه ظاهر على قول أبي حنيفة من جهة أنه لا يشترط في التزويج بالأمة أن تكون مسلمة، وإنّ الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع وهو يشكل على قول من يقول بمفهوم الشرط من الشافعية فإنه يقتضي أن الأمة الكافرة إذا زنت لا تجلد، وليس مذهبه كذلك فإنه يقيم الحد على الكفار. قوله: (من الحدّ الخ) يعني أن المراد من العذاب الحد كما في تلك الآية قيل، وهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 دفع لتوهم أنّ الحدّ لهن يزيد بالإحصان فسقط الاستدلال به على أنهن قبل الإحصان لا حد عليهن كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وطاوس، وعلم من بيان حالهن حال العبيد بدلالة النص فلا وجه لما قيل إنه خلاف المعهود، لأنّ المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعع! وكان وجهه إن دواعي الزنا فيهن أقوى وليس هذا تغليباً، وذكرا بطريق التبعية حتى يتجه ما قاله ووجه التخصيص لو كان ما ذكر لا يدل على حكم العبيد أنّ الكلام في تزوّج الإماء فهو بمقتضى الحال. قوله: (لمن خاف الوقوع في الزنا الخ) أي لغلبة شهوته، وقلة تقواه والتفسير الآخر قريب منه وعليهما فهو شرط آخر لجواز تزوّج الإماء كما هو مذهب الشافعي وهو عند أبي حنيفة ليس بشرط وإنما هو إرشاد للأصلح. قوله: (وصبركم الخ) إشارة إلى ا! إن مصدرية وقيد العفة مأخوذ من الصبر الذي هو خير فإنه لا يكون إلا مع العفة والحديث المذكور في مسند الديلمي والفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو كقوله: ومن لم يكن في بيته قهرمانة فذلك بيت لا أباً لك ضائع وقوله: إذالم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره قوله: (لمن لم يصبر الخ) إنما عبر بالمغفرة فيه تنفيراً عنه حتى كأنه ذنب. قوله: (ما تعبدكم به من الحلال والحرام الخ) إشارة إلى مفعول يبين المقدر، وفيه ربعل للآيات السابقة باللاحقة إنّ ما قبله في النساء والمناكحات وما بعده في الأموال والتجارات، وهذه قد توسطتهما كالتخلص من أمر إلى آخر يناسبه وذكر السنن من حسن التخلص. قوله: (وليبين مفعول يريد الخ) هذا التركيب وقع في كلام العرب قديماً كقوله، أريد لأنسي ذكرها، وخرجه النحاة على مذاهب فقيل مفعول يريد محذوف أي تحليل ما حلل وتحريم ما حرّم ونحوه واللام لام التعليل أو العاقبة أي ذلك لأجل التبيين ونسب هذا لسيبويه فمتعلق الإرادة غير التبيين وإنما فعلوه لثلا يتعذى الفعل إلى مفعوله المتأخر عنه باللام، وهو ممتنع أو ضعيف وقيل: إنه إذا قصد التأكيد جاز من غير ضعف، وسمي صاحب اللباب اللام فيه لام التكملة وجعلها مقابلة للام التعدية، وأما جعل الفعل مؤوّلاً بالمصدر من غير سابك على أنه مبتدأ والجار والمجرور خبره أي إرادة الله كائنة للتبيين فتكلف، وان ذهب إله بعض البصريين فكان مذهبهم عدم اشتراط السابك، ومذهب الكوفيين أنّ اللام هي الناصبة من غير تقدير إن ولذا قيل على ما ذهب إليه المصنف تبعاً للزمخشريّ من أنه مفعول واللام زائدة إنه مخالف لمذهب البصريين والكوفيين معاً مع أن أن لا تضمر بعد اللام إلا وهي لام تعليل أو جحود وقد جوّز في الآية أن يكون يبين ويهدي تنازعا في سنن وهو حسن وكون اللام لتأكيد الاستقبال لأنها لا تكون إلا لما يستقبل بنفسه، أو بإضمار أن وكي بعدها والإرادة لا تكون أيضاً إلا لمستقبل أي إنه يلزم استقبال تعلقها ومتعلقها فلا يرد أنّ إرادة الله قديمة. قوله: (كما في قول قيس بن سعد رضي الله عنهما الخ) وسبب هذا الشعر كما في كامل المبرد، وغيره إنّ عظيم الروم بعث إلى معاوية رضي الله عنه بهدية مع رسولين أحدهما جسيم طويل جداً، والآخر أيد قوي ففطن معاوية رضي الله عنه لمراده فقال لعمرو بن العاص رضي الله عنه أما الطويل فإني أجد مثله فمن للأيد فقال: أرى له أحد شخصين محمد ابن الحنفية أو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقال: أجل برّدت قلبي، ثم أرسل إلى قيس رضي الله عنه وعرفه الحال فحضر فلما تمثل عند معاوية لما أراد نزع سراويله، ورمى بها إلى العلج الطويل فلبسها فنالت ثندوته وأطرق مغلوبا فلام الحاضرون قيساً على نزعها بين يدي معاوية وتبذله عنده وقيل له هلا ذهبت وبعثت بها فقال: أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراوبل عاد أودعته ثمود واني من القوم الثمانين سيد وما الناس إلا سيد ومسود وبد جميع الخلق أصلي ومنصبي وجسمي به أعلو الرجال مديد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 وحضر محمد ابن الحنفية، وعلم ما يراد منه فخير العلج بين أن يقعد ويقوم العلج ويعطيه يده فيقيمه أو يقعد العلج، ويقوم محمد ويعطيه يده فيقعده فاختار العلج الحالتين فغلبه محمد وأقام العلج وأقعده، وكذا أخرجه ابن عساكر في تاريخه فاللام وكي زائدة في البيت لتأكيد معنى الاستقبال أو يوجه بما مرّ وما ذكره من تقدير المفعول مرّ شرحه. قوله: (مناهج من تقدّمكم الخ) يشير إلى أنّ السنن كالسنة بمعنى الطريقة وكون هذا طريقة من قبلهم أي من نوعها وجنسها في بيان المصالح، وان لم تكن منفعة وقيل: إنّ هذا الحكم كان كذلك في الأمم السالفة وفيه نظر. قوله: (ويغفر لكم ذنوبكم الخ الما كانت التوبة ترك الذنب مع الندم والعزم على عدم العود، فإسنادها إلى الله تعالى لا بد من تأويله أشار المصنف رحمه الله إلى أنه بمعنى المغفرة مجازاً لتسببها عن التوبة أو بمعنى، الإرشاد إلى ما يمنع عن المعاصي على الاستعارة لأن التوبة تمنع عنها كما أنّ إرشاده تعالى كذلك أو عن حثه تعالى عليها لأنه سبب لها عكس الأوّل، أو الإرشاد إلى مكفرها على التشبيه أيضا، وقال الطيبي رحمه الله: أنّ قوله تعالى: (دبتوب من وضع المسبب موضع السبب) وذلك لعطفه ويتوب على قوله: {وَيَهْدِيَكُمْ} الخ على سبيل البيان كأنه قيل: {لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ} ويرشدكم إلى الطاعات فوضعموضعه ويتوب عليكم. قوله:) كرر للتثيد والمبالنة (لم يجعله الزمخشرفي تكريراً لأنه فسر يتوب أوّلاً بقبول التوبة والإرشاد إلى الطاعات ليناسب المعطوف عليه، وهو يبين وفسره هنا بأن يفعلوا ما يستوجبون به قبول التوبة لتقابل إرادته إرادة أن قيلوا ميلا عظيما فيجب تعاطف الجملتين المشتملتين على تقابل المريد والمراد أعني والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات الخ فلا يكون تكريراً للإرادة الأولى كما ذهب إليه بعضهم مع زيادة تقوي الحكم، ثم إنه إنما يتمشى على كون ليبين لكم مفعولاً كما مرّ والا فلا تكرار لأنّ تعلق الإرادة بالتوبة في الأوّل على جهة الغلبة، وفي الثاني على جهة المفعولية فلا تكرار لاختلاف المتعلقين. قوله: (يعني الفجرة الخ) أي الفسقة لأنهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاس عنها فكأنهم بانهماكهم فيها أمرتهم الشهوات باتباعها فامتثلوا أمرها واتبعوها فهو استعارة تمثيلية، وأمّا المترخص فلم يتبع الشهوات وإنما اتبع الشرع، وتحليل الأخوات لأب لأنهم لم يجمعهم رحم، وبنات الأخ والأخت تياساً على بنات العمة والخالة بجامع أن أمّهما لا تحل فكانوا يريدون أن يضلوا المسلمين بما ذكر، ويقولون لم جوّزتم تلك ولم تجوّزوا هذه، وبين عظمه لأنّ المراد به الاستحلال. قوله: (كإحلال نكاح الأمة (أخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد إنّ مما وسع الله به على هذه الأمة جواز نكاح الأمة والنصرانية واليهودية ولم يرخص لغيرهم، والشرعة بالكسر الشريعة والسمح الجواد وهي سمحة والسهل اللين وهو المراد، والحنيفية المائلة إلى الصواب كما مرّ. قوله: (لا يصبر عن الشهوات الخ (فالضعف معنوي عبارة عما ذكر، وقوله: ثمان آيات الخ في شرح الكشاف في ثمان لغات، ثماني بالياء وثمان بحذفها وكسر النون وثمان بإجراء الإعراب على النون، وقوله: مما طلعت إلى آخره أي من الدنيا وما فيها وهذه الثلاثة أي الآيات من قوله: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} إلى هنا لما فيها من التيسير والتخفيف عن هذه الأمة، والتجاوز عن سيئاتها وهو ظاهر، والقمار بكسر القاف مصدر قامره مقامرة إذا غلبه في رهان شرط فيه المال فأخذه منه وهو حرام معروف. فائد جليلة: وقع هنا في الكشاف ذكر حديث ما أيس الشيطان لعنه الله من بني آدم إلا أن أتاهم من قبل النساء، وقال النحرير رحمه الله: فيه إشكال من جهة دلالته على أنه لا ييأس إلا في حال الإتيان من قبل النساء، والمقصود العكس وهو أنه لا ييأس البتة في تلك الحال، والجواب بأن التقدير ما فعل الشيطان شيئاً عند يأسه من إغواء بني آم إلا أن أتاهم من قبل النساء ليس دفعاً للإشكال بل بيانا لما يعرفه كل أحد من أنه المقصود، وان أراد أن أيس في معنى ما فعل عند اليأس، وأتاهم من قبيل تنزيل الفعل منزلة المصدر فلا بدّ من بيان جهة التجوّز، وقد يجاب بأنّ ما بعد إلا في موقع الوصف لحين محذوف أي ما أيس حينا إلا موصوفا بأنه يأتيهم فيه من قبل النساء فيكون قصراً لزمان اليأس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 على وصف الإتيان ونفيا أن يكون له زمان ينفك عنه من غير تعرض لنفي اليأس في غيره ودل بحسب المقام على أنّ الإتيان لإزالة اليأس فصار الحاصل أنه كلما أيس أتاهم من قبلهن، والأقرب ما ذكر بعض الأفاضل أنه في موضع الحال وأنّ النفي والاستثناء لما دل على لزوم الثاني للأوّل كالشرط استعمل فيه وأريد أنه كلما أيس من جميع جهات إتيانهم أتاهم من قبل النساء (أقول) : سهم أصاب وراميه بذي سلم من بالعراق لقد أبعدت مرماك لا حاجة إلى ما ذكروه كله مما لا نظير له فإنه تمثيل لشدة إغواء النساء وانقياد الناس لهن بزمام الهوى فالشيطان إذا أيس من إضلال أحد بذاته وفضول نزغاته فلم يقده بحبائل الحيل إلى مهاوي الزلل سلط النساء عليه ليضللنه فإنهن حبائل الشيطان كما في الأثر فيفعلن فهو في حال إضلال النساء له آيس من إضلاله بغير واسطتهن، وكم من مر لا يقبل يلقي بواسطة آخر فيقبله منه من لم يكن قابلاً له قبل فإنّ معهن من الحسن شافعا لا يرد، ومن الكيد ملحا لا تمل، ولذا قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} مع ما في قوله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [سورة النساء، الآية: 76] فيكون الاستثناء في الحديث على ظاهره مستثنى من أعم الأحوال والأوقات زمان بأسه من الإغواء بلا واسطة منهت فافهمه فإنه بريء من التكلفات بعيد من الشبهات. قوله: (استثناء منقطع الخ) أراد أن التجارة لما لم تكن من الباطل لم يجز الاتصال فجعل منقطعآ لتخلفه عن اتحاد الحكم بل عن جملة الكلام السابق فتعتبر المخالفة في الحكم، والمغايرة المعنوية بين الكلامين ليصح الاستدراك وحينئذ إن حمل على استدراك النهي عن المحرم بالإرشاد إلى المحلل يقدر لكن اقصدوا أمر إرشاد لأن لا تأكلوا في معنى لا تقصدوا أكلها وان حمل على استدراك المؤاخذة المدلول عليها بالنهي، برفعها لأنّ التجارة مباحة لا مأمور بها قدر ولكن كون تجارة عن تراض منكم غير منهيّ عنه، والأرجح هو الأوّل لظهور المقابلة، والمقصود على الوجهين بيان حاصل المعنى لا أنه مرفوع على الأوّل منصوب على الثاني كما في بعض الحواشي فإنه فاسد لأنه منقطع منصوب أبدا ولو جعل متصلا على نحو ما سلف لكان وجهاً ولا تخصيص في الآية للتفصي عن الباطل بها، وتفسير الباطل بأنه ما لا عوض فيه، ثم ارتكاب التخصيص أو النسخ تحريف لكتاب الله يستعاذ منه كذا أفاده المدقق في الكشف، وفي الدر المصون إنه لا بد من حذف مضاف تقديره إلا في حال أو وقت أن تكون الأموال أموال تجارة، والحاصل أنّ الاستثناء المنقطع بتقدير لكن وهو مخالف لجنس ما قبله وحكمه والأوّل ظاهر وليس المراد (لا تاكلوا الآموال بالباطل) إلا التجارة فلكم أكلها بالباطل كما إذا قلت لا تأخذ أموال الناس بغير حق إلا الحربيين فلك أخذها بغير حق بل هو من حكم مفهوم من الكلام، وهو عدم القصد إليه المفهوم من عدم ا! لأو النهي فيكون هذا مقصودا، أو غير منهي عنه فهو بيان معنى لا إعراب كما توهم فافهمه فإنه من مشكلاته. قوله: (وبجوز أن يراد بها الانتقال مطلقاً الخ) أي انتقال المال من الغير بطريق شرعي سواء كان تجارة أو إرثاً أو هبة أو غيرها من استعمال الخاص وارادة العام لتظهر صحة الحصر ولكونه بعيداً قال: ويجوز كذا الوجه الذي بعده، وهو أبعد منه لجعل الأكل بمعنى الصرف، وعلى قراءة النصب كان ناقصة واسمها ضمير الأموالط أو التجارة على أن الخبر مفيد بالقيد وهو على حد قوله: إذا ى ن يوماً ذا كواكب اشنعا أي إذا كان اليوم يوما الخ والضمير راجع إلى ما يفهم من الخبر، وسيأتي تحقيقه. قوله: (بالبخع كما تفعله جهلة الهند الخ) البخع بالباء الموحدة والخاء المعجمة والعين المهملة قتل النفس غما ومراده به مطلق القتل، والموقوف في قتل الهند أنفسها طرحها في النار كما قال الشاعر: والهند تقتل بالنيران أنفسها وعندنا أنّ ذاك القتل يحييها وهذا هو الصحيح، وما قيل: كما هو في بعض النسخ الجوع والبجع بباء موحدة وجيم والنخع بنون وخاء معجمة لا يلتفت إليه، وما روي عن عمرو رضي الله عنه رواه الحاكم وأبو داود وصححه وارتكاب ما يؤدي الخ أعم من التهلكة وتفسيره بارتكاب الذلة بعيد وان كان حسنا كما قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 إذا ما أهان امرؤ نفسه فلا أكرم الله من يكرمه قوله: (وقيل المراد بالأنفس الخ) ما قبله على أنّ الأنفس حقيقة والقتل إما حقيقيّ أو مجازي وهذا بالتجوّز في النفس بأن يراد بها غيرهم من أهل الملة لأنهم كشيء واحد فأطلق النفس عليه بطريق التشبيه كما في الحديث: " المؤمنون كالنفس الواحدة إذا لم يعضد تداعي سائره بالحمى والسهر " فكأنه قيل لا يقتل بعضكم بعضا، وهذا وجه حسن اختاره كثير من المفسرين. قوله: (ريثما) بالراء المهملة والياء التحتية المثناة والمثلثة بمعنى مقداره وساعته والريث في الأصل مصدر راث بمعنى أبطأ إلا أنهم جعلوه ظرفا كمقدم الحاج قال أبو عليّ رحمه الله: في الشيرازيات، وهذا المصدر خاصة لما أضيف إلى الفعل في كلامهم كقوله: لا يمسك الغيث إلا ريث يرسله صار مثل الحين والساعة، ونحوهما من أسماء الزمان وما زائدة بدليل سقوطها في كلامهم كثيراً ويجوز أن تكون مصدرية، والنفس في هذه الآية، والمال في التجارة واستبقاء أي طلباً لحياتهم وبقائهم. وقوله: (تستكمل الخ) إشارة إلى أنّ البقاء في الدنيا إنما طلب لتكميل النفس، والاستعداد للبقاء السرمدي. قوله: (أي أمر ما أمر الخ) يعني أنه تذييل لجميع ما قبله، وقوله معناه وقع في نسختي بدون عطف ولعله أو معناه فيكون تذييلا لقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} لأنه تعالى عظمت رحمته وشفقته عليكم إذ لم يكلفكم قتل الأنفس في التوبة كما كلفه بني إسرائيل. قوله: (أو ما سبق الخ) أشار بما إلى وجه إفراده وتذكيره، وافراط التجاوز تفسير العدوان، واتيان ما لا يستحق تفسير الظلم فلذا عطفه بالواو وأو من سهو الكتاب، وقد تقدم معنى الصلاة. وقوله: (من حيث الخ) إشارة إلى المجاز في الإسناد وشاة مصلية بمعنى مشوية. قوله: (وقرئ كبير الخ) يعني جن! الذنب الكبير فيطابق القراءة المشهورة ويحتمل أن يراد الشرك، وقوله: صغائركم أخذه من المقابلة وقد مر أنّ السيئة إذا أطلقت يراد بها ذلك، وقوله: ونمحها إشارة إلى أنه ليس المراد بالغفر الستر بل المحو فإن قلت في حديث مسلم:! الصلوات الخمس مكفرة لما بينها ما اجتنبت الكبائر " قلت: أجيب عنه بأجوبة أصحها أن الآية والحديث بمعنى واحد لأنّ قوله: ما اجتنبت الخ دال على بيان الآية لأنه إذا لم يصل ارتكب كبيرة وأيّ كايرة، ووجه المعارضة أنّ الصلاة إذا كفرت لم يبق ما يمفره غيرها. قوله: (واختلف في الكبائر الخ) أي في حدها وعدها وهل هي محصورة أو غير محصورة، وهل هو معنى حقيقيّ أو إضافي يختلف بالإضافة إمّا على طاعة أو معصية أو عقاب فاعلها، لا يقال: يجوز أن يكونا متساويين فلا تنحصر المعصية في الصغيرة والكبيرة، لأنا نقول تكون صغيرة أو كبيرة بالقياس إلى طاعة أخرى ضرورة امتناع تساوي جميع الطاعات، والفرار من الزحف بمعنى الهرب من جيش الكفار من غير مقتض، وفيه تفصيل في محله وعد حديث النفس أصغر الصغائر إذا صمم عليه قبل فعله، وأئا إذا لم يصمم فوسوسة لا إثم فيه فلا إشكال فيه كما توهم، وقد مرت الإشارة إليه. وقوله: (فمن عق له الخ) الظاهر أنّ المراد به ما عدا الكفر فلا يرد ما قيل إنه يقتضي أنّ مجتنب الكفر يكفر عنه جميع ذنوبه ويغفر له من غير توبة. قوله: (ولعل هذا مما يتفاوت الخ) هذا مما لا شبهة فيه ولذا قيل حسنات الأبرار سيئات المقرّبين وقال الشاعر: لايحقر الرجل الرفيع دقيقة في السهوفيها للوضيع معاذر فكبائر الرجل الصغير صغائر وصغائر الرجل الكبيركبائر ومثله كثير وقوله: ألا ترى الخ تنظير لا تمثيل فلا يقال إنه إذا لم يكن خطيئة كيف يطابق ما قبله والحديث المذكور رواه الطبرانيّ وصححه. قوله: (الجنة الخ) هو على الضم إمّا مصدر ومفعول يدخلكم محذوف أي يدخلكم الجنة إدخالاً أو مكان منصوب على الظرف عند سيبويه، وعلى أنه مفعول به عند الأخفش وهكذا كل مكان مختص بعد دخل فيه الخلاف وعلى الفتح فقيل منصوب بمقدر أي ندخلكم فتدخلون مدخلاً، ونصبه كما مرّ أو أنه كقوله. {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} . قوله: (من الأمور الدنيوية الخ) قيد بالدنيوية لأنّ الأخروية تمنيها حسن، ومعربة بضم الميم صفة ذريعة ويجوز فتح ميمها، وقوله: من غير طلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 أي مباشرة خارجية لأسبابه وأما الطلب المذكور في تعريف كل تمن فمجرد أمر ذهنيئ، فلا غبار عليه وما قدر بكسب إذا اشتغل بتمنيه كان بطالة وتضييعاً للخطر النصيب الذي قدر له كسبه، وما قدر بغير كسب لا محالة من وقوعه فتمنيه ضائع ومحال لأنه لا بد من حصوله في وقت معين فقبله يكون ضائعاً وبعده يكون محالاً لأنه تحصيل الحاصل فهما بالنظر لوقتين والا فهما متنافبالت، وجعل المصنف رحمه الله المقتضي للمنع كونه ذريعة للتحاسد، وصاحب الكشاف جعا! النهي عن التمني كناية عن التحاسد، وسيأتي في قول المصنف رحمه الله أن المنهيئ هو الحسد إشارة إليه ولكل وجهة والفرق بين التمني والدعاء ظاهر لا يشتبه أحدهما بالآخر كما توهم 0 قوله:) بيان لذلك الخ (أي للنهي عن التمني لأنه قدر لكل نصيب، وقوأسه: ومن أجله إشاكأة إلى أن من سببية، وقوله: وجع!! بالماضي المجهول توجيه لأنّ أنصباء الميراث ليس تفاوتها يكسبهم وقيل: إنه بصيغة المصدر عطف على النصيب. قوله: (بيان لذلك الخ) أي للنهي عن التمني لأنه قدر لكل نصيب، وقوله: ومن أجله إشارة إلى أنّ من سببية، وقوله: وجعل بالماضي المجهول توجيه لأنّ أنصباء الميراث ليس تفاوتها يكسبهم وقيل: إنه بصيغة المصدر عطف على النصيب. قوله: (وهو يدل على أنّ المنهئ الخ) وجه الدلالة الأمر بالسؤال من فضله لا بطلب ما عند الغير ليزول عنه، ويأتي له وهو المنهيّ عنه وأما الغبطة فلا نهي عنها، وقوله: بما يقر به أي يقرب ذلك المتمني إليكم. قوله: (روي أنّ أم سلمة الخ (أخرجهأ ا (الترمذي والحاكم وصححا 5 وهذا متمني غير جائز لأنه ما قدر الله خلافه بحسب الاستعداد أو هو تمن لأن ينكشف علمهن الآن ولذا قال: واسألوا الله من فضله أي اسألوه ما يليق بكم من بعض فضله وما يقر بكم من فضله ويسوقه إليكم، وحاصله افعلوا ما تصلون به لرضوانه فالباء في قوله بما سببية فلا يرد أنه محمود فانه عليم حكيم. قوله:) أي ولكل تركة الخ الا بد من تقدير مضاف إليه ملفوظ أو مقدر فقيل تقديره لكل إنسان وقيل: لكل مال، وقيل: لكل قوم ففيه على هذا وجوه الأوّل أنه على التقدير الأوّل معناه لكل إنسان موروث، وهو الميت الذي قدره المصنف رحمه الله جعلنا موالي أي ورّاثا مما ترك ففي ترك ضمير كل، وهنا تم الكلام ويتعلق مما ترك بموالي لما فيه من معنى الوراثة أو بفعل مقدر وموالي مفعول أوّل لجعل بمعنى صير، ولكل هو المفعول الثاني قدم على عامله ويرتفع الوالدان على أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ومن الورّاث، فقال هم الوالدان والأقربون وهو معنى قول المصنف رحمه الله إنه استئناف، والثاني أن التقدير لكل إنسان موروث جعلنا ورّاثاً مما تركه ذلك الإنسان الموروث ثم بين الإنسان بقوله الوالدان، كأنه قيل: ومن هذا الإنسان الموروث فقيل الوالدان والأقربون واعرابه كما قبله وإنما الفرق بينهما أن الوالدان والأقربون في الأوّل وارثون، وفي الثاني موروثون وعليهما فالكلام جملتان ولا ضمير محذوف في جعلنا وموالي مفعول أوّل ولكل ثان وهذا لم يذكره المصنف رحمه الله، والثالث أنّ التقدير ولكل إنسان وارث مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي موروثين فالمولى الموروث، ويرتفع الوالدان بترك وما بمعنى من والجار والمجرور صفة ما أضيف إليه كل والكلام جملة واحدة وهو بعيد، ولهذا لم يذكره المصنف رحمه الله، والرابع أنّ التقدير ولكل قوم فالمعنى: ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما تركه والداهم وأقربوهم فلكل خبر نصيب المقدر مؤخراً وجعلناهم صفة قوم، والعائد الضمير المحذوف الذي هو مفعول جعل وموالي إما ثان أو حال ومما ترك صفة المبتدأ المحذوف الباقي صفته كصفة المضاف إليه وحذف العائد منها، ونظيره لكل خلق الله إنسانا من رزق الله أي لكل، واحد خلقه ألله إنسانا نصيب من رزق الله وهو الوجه الأخير في كلام المصنف رحمه الله، والخاس! تقدير لكل مال أي لكل مال أو تركه مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي ورّاثا يلونه ويحوزونه، ولكل متعلق بجعل ومما ترك صفة كل وإليه أشار المصنف بقوله: بيان الخ الوالدان فاعل ترك فهو كلام واحد، قيل: وفيه الفصل بين الصفة والموصوف بجملة عاملة في الموصوف نحو بكل رجل مررت تميمي وفي جوازه نظر، ورد بأنه جائز كما في قم إ " تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة الأنعام، الآية: 4 ا] ففاطر صمفة الله وقد فصل بينهما باتخذ العامل في غير فهذا أولى وإليه يشير قوله مع الفصل الخ، وما قيل: إنّ العامل لم يتخلل بل المعمول قد تقدم فجاء التخلّل من ذلك فلم يضعف إذ حق المع! س ل التاً خر عن عامله، وحينئذ يكون الموصوف مقروناً بصفته فتكلف مستغنى عنه بما مرّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 والسادس أن يكون لكل مال مفعولآ ثانيا لجعل، وموالي مفعول أوّل والإعراب كما مرّ، وهذا زبدة ما في الآية، وقد ارتضى المصنف رحمه الله بعضها وترك بعضا منها وبما ذكرناه اتضح كلامه. قوله: (على أنّ من صلة موالي الخ) قيل المولى يشبه أن يكون في الأصل اسم مكان لا صفة لتكون من صلة له، وأجيب بأنّ ذلك لتضمته معنى الة عل كما أشار إليه بقوله لأنهم في معنى الورّاث والمصنف غير قوله: لأنهم بقوله لأنه لدقيقة وأيضا من المورّثين من لا موالي له بل له مولى واحد، وأجيب بأنه بحسب التوزيع الجنسي يعني لكل الآحاد شيئا من جنس الموالي قل أو كثر بمعنى أن من لا وارث له يجوز المال مولاه انتهى. وقوله:) قي المولى) أنه ليس صفة مخالف لكلام الراغب فإنه قال: إنه بمعنى الفاعل والمفعول أي الموالي والموالي لكن وزن مفعل في الصفة أنكره قوم، وقال ابن الحاجب في شرح المفصل إنه نادر فإمّا أن يجعل من النادر أو مما عبر عن الصفة فيه باسم المكان مجازاً لتمكنها، وقرارها في موصوفها ويمكن أن يجعل في المفعول كناية كما يقال المجلس السامي فتأمّل. قوله: (وفيه خروج الأولاد الخ) فإن الأولاد لا يدخلون في الأقارب عرفا، ولذا قيل: إنه بمعناه اللغوي فيدخلون لكنه يتناول حينئذ الوالدين أيضا أو ذكر الوالدين لشرفهم والاهتمام بشأنهم، وترك ما عداهم اعتمادا على تفصيل آية المواريث وظهور أمرهم، وقوله: ولكل قوم الخ مر أنه خبر مقدم والمبتدأ مقدر مؤخر قامت صفته مقامه، وهي مما ترك وأورد عليه أنّ فيه جعل الجارّ والمجرور مبتدأ بتقدير الموصوف، وأنّ لكل قوم من الموالي جميع ما ترك الوالدان والأقربون لا نصيباً وإنما النصيب لكل فرد، وأجيب بأنه ثابت مع قلته كقوله: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [سورة الصافات، الآية: 164] ومنا دون ذلك وأن ما يستحقه القوم بعض التركة لتقدّم التجهيز والدين والوصية وأما حمل من على البيان للمحذوف فبعيد جداً. (أقول) فيه خلل من وجهين، الأوّل إنّ ما ذكره لا شاهد له فيه لأنهم ذكروا في متون النحو أنّ الصفة إذا كانت جملة أو ظرفا تقام مقام موصوفها بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن أو في والا لم تقم مقامه إلا في شعر كذا في التسهيل وغيره وما ذكره داخل فيه والآية ليست كذلك الثاني أنه ليس المراد بقيامها مقامه أن تكون مبتدأ حقيقة بل المبتدأ محذوف، وهذا بيانه فلا وجه لاستبعاده نعم ما ذكروه وان كان مشهوراً ليس بمسلم فإن ابن مالك رحمه الله صرح بخلافه في التوضيح في حديث الإسراء فجعل الموصوف محذوفاً في السعة بدون ذلك الشرط فالحق أنه أغلبيّ لا كليّ فاعرفه. قوله: (موالي الموالاة كان الحليف يوزث السدس الخ) كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس. وقوله: (فنسخ الخ) قال النحرير: فيه نظر لأنه لا دلالة فيها على نفي إرث الحليف لا سيما والقائلون به إنما يورّثونه عند عدم العصبات وأولي الأرحام، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله في مولى الموالاة وشروطه مبسوط في محله والإيمان هنا جمع يمين بمعنى اليد اليمنى لوضعهم الأيدي في العهود، أو بمعنى القسم وكون العقد هنا عقد النكاح خلاف الظاهر إذ لم يعهد فيه إضافته إلى اليمين والخطاب حينئذ للأولياء. قوله: (وهو مبتدأ الخ) فيه وجوه. الآوّل: أنه مبتدأ وجملة فآتوهم خبره والفاء زائدة. والثاني: أنه منصوب على الاشتغال قيل: وينبغي أن يكون مختاراً لئلا يقع الطلب خبرا لكنهم لم يختاروه لأنّ مثله قلما يقع في غير الاختصاص وهو غير مناسب هنا، ورد بأنّ زيدا ضربته إن قدر مؤخرا أفاد الاختصاص وان قدّره مقدما فلا يفيد. ولاخفاء أنّ الظاهر تقديره مقدما فلا يلزم الاختصاص الذي ذكره. والثالث: أنه مرفوع عطفا على الولدان فإن أريد بالوالدين أنهم موروثون عاد الضمير من فآتوهم على موالي وان أريد أنهم وارثون جاز عود. على موالي وعلى الوالدين وما عطف عليهم، قالوا: ويضعفه شهرة الوقف على الأقربون دون إيمانكم، وأمّا جعله منصوبا عطفا على موالي فتكلف، وترك تفسير المعاقدة بالتبني الذي ذكره في الكشاف لأنه لا يوافق المذهب. قوله: (جملة مسببة الخ) مسببة بصيغة المفعول والتأكيد الحاصل من السبب، والمسبب المتلازمين لا ينافي العطف بالفاء ومفعول عقدت محذوف على جميع القراآت، وإنما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 جعل الحذف تدريجيا ليكون من حذف العائد المنصوب فإنه كثير مطرد. وقوله: (تهديد الخ) قيل إنه أبلغ وعد ووعيد. قوله: (قيام الولاة على الرعية الخ) أي كقيامهم عليهم بالأمر والنهي، ونحوه وليس مرإد. أنه استعارة، والوهبي ما فضلهم الله به والكسبيّ الإنفاق الآتي وقوله: بسبب الخ إشارة إلى أنّ الباء سببية وما مصدرية وقوله: (بالنبوّة) على الأشهر أو المراد الرسالة والإمامة تشمل الصغرى والكبرى، والولاة تولي أمرهن في النكاح، أو المراد به ولاية القضاء ونحو. واقامة الشعائر كالآذان والإقامة الخطبة والجمعة وتكبيرات التشريق عند أبي حنيفة رحمه الله، والمراد بالشهادة في مجامع القضايا مهماتها التي من شأنها أن تفصل في المحافل كالحدود ونحوها مما لا تقبل فيه شهادة النساء، ومنهم من فسره بجميع الأمور ولا وجه له، والتعصيب أي كونه عصبة بنفسه والاستبداد بالفراق الاستقلال بالطلاق وهو ظاهر. قوله: (في نكاحهن كالمهر الخ) خصه لأنه هو الذي به التميز وسعد بن الربيع صحابيّ معروف رضي الله عنه أحد نقباء الأنصار، وقصته هذه أخرجها أبو داود وغيره في حديث مرسل قبل وأمره باقتصاص زوجته كان باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، وأراد به التعزير وأمر به المرأة ليكون أردع له والا فلا خلاف في أنه لا قصاص فيما لا ينضبط، واعلم أن القصاص في اللطمة وقع في الأحاديث حتى عقد المحدّثون له بابا إلا أنه مشكل لاًنّ المذاصب الأربعة على خلافه حتى قيل: إنه مجمع عليه وان شذت فيه رواية عن بعض أصحاب أحمد وقول السعد أنه باجتهاد النبيّ صلى الله عليه وسلم أو تعزير فيه أنّ اجتهاده إذا لم يتغير حكمه لا يسوغ مخالفته لا سيما وقد عمل به من بعده كعمر كما نقله ابن الجوزي في مناقبه فادّعاء عدم الخلاف فيه مشكل جدا، ونشزت المرأة ونشصت بمعنى لم تطع زوجها، وكون اسم أبيها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قول وقيل: إنها بنت محمد بن مسلمة كما في التيسير، وهو دليل على أنّ للرجل تعزير زوجته وتأديبها ومعنى قانتات خاشعات مطيعات لله ومن إطاعة الله إطاعة الزوجة. قوله: (لمواجب الغيب الخ) مواجب جمع موجب، اسم مفعول أي ما يوجبه غيبة الزوج أي تحافظ عليه. قوله: (وعته عليه الصلاة والسلام الخ) أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه لكنه بلفظ مالك ونفسها ورواه الحاكم مالها والمراد ماله كما تفسره الرواية الأخرى لكنه إضافة إليها لكونه في يذيها وهي المتصرفة فيه، وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن تحفظه كما تحفظ مالها، ولا حاجة إلى ما قيل إنّ أكثر الروايات ماله فلعل رواية الحاكم تحريف فإنّ الراوي واحد فيهما، والمراد بأسرارهم ما يقع بينهم في الخلوة، ومنه المنافسة والمنافرة واللطمة المذكورة، ولذا قيل: إنّ هذا أنسب بسبب النزول وفيه نظر. قوله: (بحفظ الله إياهن الخ) معنى قوله بالأمر على حفظ الغيب أي بسبب الأمر والمحافظة على حفظه وهي مصدرية على هذا وموصولة في الذي بعد. ويصح أن تكون موصوفة. قوله: (وفرئ بما حفظ الله بالنصب الخ الا بد من تقدير مضاف على هذه كدين الله وحقه لأنّ ذاته تعالى لا يحفظها أحد، وما موصولة أو موصوفة ومنع المصنف رحمه الله تعالى كغيره المصدرية الخلوّ حفظ حينئذ عن الفاعل لأنه كان يجب أن يقال بما حفظن الله، وأجيب عنه بأنه يجوز أن يكون فاعله ضميراً مفردا عائداً على جمع الإناث لأنهن في معنى الجنس كأنه قيل من حفظ الله وجعله ابن جني كقوله: فإن الحوادث أودى بها أي أودين ولا يخفى ما فيه من تكلف الإفراد وشذوذ ترك التأنيث فإنه كان ينبغي أن يقال بما حفظت، وأودت فمنعه بناء على أنه لا يليق بالنظم الكريم لا أنه غير صحيح أصلا فحفظ إذا أسند للأمر إسناده مجازي لسببه وعلى حفظ الله إياهن عن الخيانة وتوفيقهن لحفظ الغيب الحفظ حقيقة وعلى الوعد والوعيد على المحافظة والخيانة الحفظ مجاز عن سببه، وجمع السلامة هنا للكثرة أما المعرّف فظاهر وأما المنكر فلأنه حمل عليه فلا بد من مطابقته له في الكثرة، فإذا قلت الرجال قائمون لزم كون قائمين للكثرة لأنّ كل واحد منهم قائم وهذه فائدة حسنة أفادها في الدرّ المصون، وقوله ة من النشز يسكون الشين وفتحها وهو المكان المرتفع ويكون بمعنى الارتفاع أطلق على الترفع أي الإباء عن الطاعة وظاهره ترتبه على خوف النشوز، وإن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 لم يقع وإلا لقيل نثزن، ولذا فسر في التيسير تخافون بمعنى تعلمون لأنّ الخوف يرد بهذا المعنى، وقيل المراد تخافون دوام نشوزهن، أو أقص مراتبه كالفرار منه في المراقد وقيل: إنّ في الكلام مقدراً وأصله واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن وقول الفرّاء إنه بمعنى الظن مردود. فوله: (في المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف الخ) اللحف بضمتين جمع لحاف، وهو دثار النوم قيل إنّ ما عدا التفسير الثاني لا تساعده العبارة فإنها تدلى على الهجران مع كونهما في المضاجع فلو كانت العبارة عن المضاجع لصح تفسيره فلا بد من حمله على الثاني، أو على الأمر بأن يوليها ظهره في المضجع، وكذا حمله على المبايت ودفعه بأنه حال عن الفاعل ولا يخفى أنّ في فيل إنها للسببية فالمعنى اهجروهن بسبب المضاجع أي تخلفهن عن المضاجعة كذا قال أبو البقاء: وقيل إنها للظرفية، واهجروا بمعنى اتركوا والمضاجع بمعنى مضاجعهن أي اتركوهن منفردات في مضاجعهن وعليه فلا يرد ما ذكر رأساً؟ ولا حاجة لجوابه، وكأنّ المراد بالمبايت أخص من المضاجع والمراقد وهو هجر حجرهن ومحل مبيتهن من البيت والا فلا فرق بينه ويين ما قدمه، والمبرّح الشديد والشائن الذي فيه شين وعيب كنقص، وجراحة وكسر عضو وما! يقرب منه فالشائن بمعجمة ونون كذا في النسخ، وكونه بزاي هوز بمعنى شديد غليظ أظنه تحريفاً. قوله: (والأمور الثلاثة مرتبة الخ) الترتيب مأخوذ من السياق. والقرينة العقلية لأنها تنصح، ثم تهجر ثم تضرب إذ لو عكس استغنى عما قبله والا قالوا: ولا تدل على ترتيب، وكذا الفاء في فعظوهن لا دلالة لها على غير ترتيب المجموع دون غيره كما قيل، وفي الكشف الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجوبة عختلفة في الشدة، والضعف مرتبة على أمر مدرّج فإنما النص هو الدال على هذا الترتيب. قوله: (والمعنى فأرّيلوا عنهن / الئعرض الخ) بغى هنا بمعنى ظلم فهو لازم، وسبيلاً منصوب على نزع الخافض وأصله بسبيل أي لا تظلموهن بطريق من الطرق بالتوبيخ اللساني والأذى الفعلي، وغيره أو بمعنى طلبءفهو متعد وسبيلاً مفعوله أي لا تطلبوا سبيلاً وطريقاً إلى التعدي عليهن، والجار والمجرور متعلق بتبغوا أو صفة سبيلاً قدم عليه فصار حالاً والمعنى على كل حال لا تتعرّضوا لهن بما يؤلمهن. وقوله: " التائب من الذنب) الحديث أخرجه ابن ماجه والطبراني والديلمي عن أنس، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. قوله: (فاحذروه فإنه أقدر عليكم الخ) أي المراد بوصفه تعالى بالعظمة والعلوّ ما يلزمه من تمام القدرة، وارتباطه بما قبله أنّ المراد منه أنّ قدرته عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم منهن فينبغي الخوف منه وأن لا يبغي أحد أو أنه مع القدرة التامّة يعفو وأنتم أحق بذلك، أو أنه قادر على الانتقام منكم غير راض بظلم أحد. قوله: (خلافاً بين المرأة وزوجها الخ) الشقاق المخالفة والمنافرة لأنّ كلا منهما يكون في شق وجانب غير شق الآخر أو هو من شق العصاب بمعنى العداوة، وضمير بينهما للزوجين لأنهما وإن لم يجر ذكرهما صريحاً فقد جرى، ضمنا لدلالة النشوز الذي هو عصيان المرأة زوجها والرجال والنساء عليهما. قوله:) وإضافة الشقاق إلى الظرف الخ الما كانت بين من الظروف المكانية التي يقل تصرّفها، والإضافة إليها تقتضي خلافه وجه بأنه للملابسة بين الظرت ومظروفه نزل منزلة الفاعل أو المفعول وشبه بأحدهما فعومل معاملته في الإضافة إليه، وأصله شقاقاً بينهما أي أن يخالف أحدهما الآخر فأقيم البين مقام واحد منهما فالنسبة الإسنادية أو الإضافية مجازية ولم يلتفتوا إلى كون الوصل غير ظرف بمعنى المعاشرة ولا إلى كون الإضافة بمعنى في لضعفهما، والخوف هنا كالذي في تخافون نشوزهن وقد مرّ. قوله: (فابعثوا أيها الحكام الخ) الحكمان لا يخلوان من أن يكونا وكيلين مطلقا أو وكيلين في الصلح، أو شاهدين فإن كانا وكيلين في الجمع والتفريق فلهما ذلك وإلا فهو مخالف للكتاب والسنة، وما نقل عن علي رضي الله تعالى عنه في ذلك مؤوّل وكذا قول مالك رحمه الله تعالى، وقال: ابن العربي: المالكي في الأحكام إنهما قاضيان لا وكيلان فإنّ الحكم اسم في الشرع له، وقال الحسن: شاهدان قال علماؤنا إن كانت الإساءة من الزوج فرّقا بينهما، دمان كانت منهما فرّقا على بعض ما أصدقها، وقوله: وسطا بمعنى عدل والقول بالتحكيم، هو الصحيح عندنا كما بين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 في الفروع، وذات البين العداوة وقوله: يتخالعا لما كانا هما المباشرين قال: يتخالعا والا فالظاهر تخالعا، وفي نسخة يتخالفا بالفاء وهو من تحريف النساخ وان تكلف تصحيحها ووجد الصلاح بالمجهول وفي نسخة وجدا مثنى معلوم. قوله: (الضمير الآوّل للحكمين الخ) محصل الاحتمالات في ضميري التثنية أربعة عودهما للحكمين أو للزوجين، أو الأوّل للحكمين، والثاني للزوجين وعكسه ذكر منها ثلاثة وترك الرابع، وجوّزه الإمام وهو أن يكون ضمير يريدا للزوجين وضمير بينهما للحكمين أي أن يرد الزوجان إصلاحاً يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح، ويتحراه بمعنى يقصده ومبتغاه مطلوبه، وقوله: بالظواهر والبواطن ليس نشرا ولفاً وفرّع عليه ما فرّع للالتئام، وقيل: إنه لف ونشر مرتب فأورد عليه أنّ الأولى أنّ العليم هو العليم بالظاهر والباطن والخبير هو العالم ببواطن الأمور كما فسروه به، ولذا أكد لخفائه وفيه نظر. قوله: (صنماً أو غيره الخ) يعني أنّ شيئا هنا مفعول به أو مصدر، ووجه تعقيب هذه الآية لما قبلها بين فإنه لما أرشد إلى معاملة الزوجين ثمة ببيان جميع المعاملات قدم الأمر بالعبادة ونفي الشرك لأنه لا يعتد بهذه الأمور إلا بعد ذلك. قوله: (وأحسنوا بهما إحساناً الخ) ظاهره أنّ الجار والمجرور متعلق بالفعل المقدر فلا يكون مقدّما من تأخير ويجوز تعلقه، بالمصدر فتقديمه للاهتمام وهذا بيان للمعنى، وأحسن يتعذى بإلى واللام والباء قال تعالى: {أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [سورة يوصف، الآية: 00 ا] وقيل: إنه مضمن معنى لطف، وفسر القربى بالقرابة وأصلها مصدر بمعنى القرب، وهو في المكان والزمان ويكون في النسب ويقال للحظوة قربة قال تعالى: {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} أسورة التوبة، الآية: 99] وأعاد الباء هنا ولم يعدها في البقرة لأنّ هدّا توصية لهذه الأمّة فاعتنى به وأكد وذلك في بني إسرائيل والقربى الثانية مكانية أو نسبية، أو بمنزلتها من أخوة الإسلام، وقرئ بالنصب أي نصب الجار وصفته على قطعه بمعنى أخص! ، وليس هو الاختصاص النحوي ومرّ القطع في العطف في سورة البقرة ومن قال: أي قرئ ذا القربى فقد وهم لأنه خلاف المنقول والجنب بضمتين صفة كناقة سرح، وقوله: لا قرابة له أي حقيقية أو حكمية كأخوّة الدين كما مرّ والحديث المذكور أخرجه البزار وابن سفيان في سنديهما، وأبو نعيم في الحلية ولم يذكر الجار القريب نسباً الغير المسلم قيل إشارة إلى أنّ حق القرابة إنما يعتبر مع الإسلام. قوله: (الرفيق في أمر حسن الخ) قدمه وأخر تفسيره بالمرأة لأنه خلاف الظاهر، ومختال من الخيلاء وهو التكبر والتيه. قوله: (بدل من قوله من كان الخ) أي بدل كل من كل، وفي التيسير هو صفة لمن لأنه بمعنى الجمع، وقيل عليه إن جعلت موصوفة فهي نكرة لا يصح أن توصف بالموصول، وإن جعلت موصولة فصحة وصف الموصولات لم نعثر عليه وهذا عجيب منه فإنه مذهب الزجاج وتبعه كثير من النحاة قال الرضي ة لا يقع من الموصولات وصفا إلا ما فيه أل كالذي، وأما وقوع الموصول موصوفاً فلم أعرف له مثالاً قطعياً، بلى قال الزجاج: إن الموفون صفة لمن آمن اهـ، وكذا ذكره في البحر ورجحه وقد مرّ مثله. قوله: (تقديره الذين يبخلون الخ (خبره المقدر قوله أحقاء بكل ملامة وأخره ليكون بعد تمام الصلة، وأحقاء جمع حقيق كأصدقاء جمع صديق ومنهم من قدره مبغضون وغيره مما يؤخذ من السياق، ووقع في نسخة مقدما والنسخة الأولى هي الصحيحة وإنما حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب، وفرق الطيبي رحمه الله تعالى بين كون خبر أو مبتدأ بأنه على الأوّل متصل بما قبله مفيد لأنّ هذا من أحسن أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني هو منقطع جيء به لبيان بعض أحواله، والوجه الأوّل، وفي البخل أربع لغات فتح الباء والخاء، وبهما قرأ حمزة والكساتي وضمهما وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمرو بفتح الباء وسكون الخاء وبها قرأ قتادة وبضم الباء وسكون الخاء وبها قرأ الجمهور. قوله: (وضع الظاهر فيه موضع المضمر الخ) تبع الزمخشري هنا في تفسير الكفار بمن كفر النعمة وجعله ذماً لهم بكتمان نعمتهم وما آتاهم من فضل الغني، وفي الحديث: " إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمتة عليه) وبنى عامل للرشيد- قصرا بحذاء قصره فنمّ به عنده فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنّ الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك، فأعجبه كلامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 لأنه أنسب بما قبله وما بعده من البخل إذ البخل- وكتمان النعمة توأمان، وأشار بما بعده إلى جواز حمله على ظاهره، وهو وان كان ظاهرا بحسب اللفظ لكنه بعيد عن السمياق وقوله: (تنصحا) بمعنى تكلفا للنصح، واظهارا للغش في صورته، وأما على ما بعده فقيل في وجه المناسبة إنهم بخلوا بما عندهم من نعمة العلم وأمروا أتباعهم بذلك أو هم بمنزلة الآمرين بذلك لعلمهم باتباعهم لهم وذكر ضمير التعظيم في اعتدنا أيضاً للتهويل لأنّ عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم والمراد بنعمة الله الجنس، فلا يقال الظاهر نعم الله، وجعل البخل والإخفاء إهانة للنعمة لأنه في الأكثر لجحودها أو عدم الاعتداد بها أو لأنه يشبه الإهانة لأنه فعل ما لا يليق بها: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [سورة الضحى، الآية: اا] وكونها نزلت في اليهود أخرجه أبن إسحق وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذا ما بعد. أخرجه ابن أبي حاتم لكن سنده ضعيف. قوله: (لأنّ البخل والسرف الخ) المراد بالسرف التبذير لأنه في غير محله وقوله: (خبره محذوف الخ) أي قرينهم الشيطان، وليتحروا أي يقصدوا بالحاء المهملة. قوله: (تنبيه على أنّ الشيطان الخ) أي تنبيه على الخبر المقدر كما تقدّم وعدل عن الظاهر لتعينه، والمراد التنفير عن اتباعه، قيل: والمراد بأعوانه الداخلة قبيلته وبالخارجة الناس التابعون له، أو الداخلة في الإنسان قواه النفسانية وهواه، والخارجة صحبة الأشرار وقيل الأولى النفس والقوى الحيوانية، والخارجية شياطين الإنس والجن وساء بمعنى بض من أفعال الذم الملحقة بالجامدة ولذا قرنت بالفاء، ويحتمل أن تكون على بابها بتقدير قد كقوله: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [سورة النمل، الآقي: 90 لح. قوله: (أي وما الذي عليهم أو أيّ تبعة تحيق بهم الخ) أشار إلى وجهي ماذا من كون ما استفهامية وذا بمعنى الذي موصولة وكون المجموع كلمة اسنفهام بمعنى أي شيء والتبعة الوبال والضرر وقوله: (بسبب الإيمان الخ) إشارة إلى أنّ جملة ماذا بمعنى جواب الشرط مسبب عنه لكونه بمنزلته في الدلالة عليه، ولو قيل إنها هنا بمعنى إن وقيل: إنها مصدرية وقيل إنها جملة مستأنفة جوابها مقدر أي حصلت لهم السعادة ونحوه. قوله: (وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المتقعة الخ) أي بالمنفعة وموقعها يعني أنّ السؤال بحسب الظاهر عن الضرر المترتب على ذلك ومعلوم أنه لا ضرر فيه فالمقصود توبيخهم على اجتناب ما ينفع كما يجتنب عما يضر كما يقال للعاق ما ضرك لو كنت باراً وهو أسلوب بديع كقوله: ما كان ضرّك لومننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق ولولا هذا لم يستقم لأنه معلوم أنّ كل منفعة فيه فلا معنى للاستفهام بأنه أفي ضرر فيه والضرر مستفاد من على ويؤدّي بهم ضمن معنى يصل بهم والا فهو متعد بنفسه، ووجه التنبيه المذكور ظاهر. قوله: (وإنما قدم الإيمان الخ (المراد بالاية الأخرى والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله الخ، والتحضيض بضادين معجمتين بمعنى الحث، يعني أنّ عدم الإيمان ثمة ذكر لتعليل ما قبله من وقوع مصارفهم في دنياهم في غير محلها كما أشار إليه فيما سبق بقوله: ليتحرّوا الخ ولو قيل لأنّ المراد به الإسراف الذي هو عديل البخل فقدم لئلا يفصل بينهما على تقدير العطف لكان له وجه، وهنا ذكر للتحريض فينبغي أن يبدأ فيه بالأهم فالأهم، وثمّ بالفتح اسم إشارة وترسم بالهاء السكتية أيضا، وكون ذكر علمه للوعيد مر تحقيقه. قوله: (لا ينقص من الأجر ولا يزيد الخ) الظلم كما قال الراغب: في مفرداته عند أهل اللغة، وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة أو بعدول عن وقته أو مكانه اهـ، فمن قال إنه ليس معنى حقيقيا للظلم حتى يلزم عدم تحقق الظلم بوقوع أحدهما دون الآخر فالأولى أن يقال إنّ الظلم الضر بما لا يستحقه فما ذكر تفصيل له بإيراد أنواعه لم يصب، ثم إنه جعل نفي أدنى ما يكون من الظلم كناية عن إعطاء الأجر والثواب بتمامه من غير نقصحان، وعن عدم زيادة في عقاب السيئة أدنى شيء فلولا أنّ ترك هذا الإعطاء والمنع ظلم لما صحت الكناية ويدل على القصد إلى هذا قوله: ( {وَإِن تَكُ حَسَنَةً} الخ) قال المحقق: هو لا يفعل الظلم لمنافاته الحكمة لا القدرة لأنّ الظاهر من قولنا فلان لا يفعل كذا في الأفعال التي هي اختيارية في نفسها، أنه تركه باختياره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 والقادر على الترك قادر على الفعل والتمدح بترك الفعل الاختياري لا يغون إلا حيث يمكن فعله بخلاف غير الاختياري مثل لا تاخذه سنة ولا نوم، فإنّ التمدح بتنزهه عنه وعدم اتصافه به مبناه على أنّ مدلول الكلام الترك لا عدم الاتصاف، وقد يقال: إن الظلم أي وضمع الشيء في غير موضعه ممكن في نفسه وقدرته تشمل جميع الممكنات ويتوجه مغ إمكان ظلمه كنومه، وأما استحالته في الحكمة فلأنها إتيان بالفعل على ما ينبغي، وعلى أن يتعلق به غرض صحيح والقبيح لا يكون كذلك بالنسبة إلى الغني المطلق، وعندنا أيضا أنه لا ينقص عن الأجر ولا يزيد في العقاب بناء على وعده المحتوم فإنّ الخلف فيه ممتنع لكونه نقصا منافيا للألوهية وكمال الغني وبهذا الاعتبار يصح إن يسمى ظلماً، وان كان لا يتصوّر حقيقة الظلم منه تعالى لكونه المالك على الإطلاق، فاحفظه ف! نه مهم ونزل عليه ما يقع من المصشف من أنه لا بد من ثواب المطيع وعقاب غيره وأنه ليس مبنيا على الاعتزال والأصلح وارتباطه لما فيه من تحقق الجزاء بما قبله من الحث على الإيمان والإنفاق ظاهر. قوله: (وفي ذكره إيماء الخ) يعني لم يقل مقدار ذرّة ونحوه ل! شارة بما يفهم منه الثقل الذي يعبر به عن الكثرة والعظم كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} إلى أنه وان كان حقيرا فهو باعتبار جزائه عظيم ولذا رتبه على أخذه من الثقل. قوله: (وأنت الضمير لتأنيث الخبر الخ) في تأنيثه وجوه فقيل لتأويل المثقال بالزنة، وقيل: لأنّ المضاف قد يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان جزأه نحو: كما شرقت صدر القناة من الدم أو من صفته نحو لا تنفع نفسا إيمانها في قراءة ومقدار الشيء صفة له، أو هو لتأنيث الخبر أو الضمير عائد على المضاف إليه فإن قلت تأنيث الخبر إنما يكون لمطابقة تأنيث المبتدأ فلو كان تأنيث المبتدأ له لزم الدور قلت إنما ذاك إذا كان مقصوداً وصفيته والحسنة غلبت عليها الاسمية، فألحقت بالجوامد التي لا تراعي فيها المطابقة نحو الكلام هو الجملة. قوله: (وحذف النون من غير قياس الخ) وجه الشبه غنتها وسكونها وكونها من حروف الزوائد ولكثرة دوره جاز فيه على خلاف القياس بشروطه وفيه مخالفة له أخرى، وهو عدم عود الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين بعد حذفها. قوله: (يضاعف ثوابها الخ) مضاعفة نفس الحسنة بأن تجعل الصلاة الواحدة صلاتين مما لا يعقل، وما في الحديث من أنّ تمرة الصدقة يربيها الرحمن حتى تصير مثل الجبل محمول على هذا للقطع بأنها أكلت واحتمال إعادة المعدوم بعيد، وكذا كتابة ثوابها مضاعفاً، ومضاعفة الثواب بحسب المقدار كما اختاره الإمام وقيل بحسب المدة لأنّ الثواب منفعة دائمة وهو من أوصافه الذاتية فيتحقق في كل ثواب البتة، ويحسن عطف التفضل عليه بقوله: ويؤت من لدنه أجراً عظيما، وهو المضاعفة بحسب المقدار ولذا فسر الثواب بالمنفعة الخالصة الدائمة للتنبيه على هذا وفيه بحث. قوله: (وكلاهما بمعنى) هذا هو المختار عند أهل اللغة والفارسي. وقال أبو عبيدة ضاعف يقتضي مراراً كثيرة وضعف يقتضي مرّتين، وردّ بأنه عكس اللغة لأنّ المضاعفة تقتضي زيادة المثل فإذا شدد دلت البنية على التكثير فيقتضي ذلك تكرير المضاعفة وقد مرّ فيه تفضيل. قوله: (ويعط صاحبها من عنده الخ) إشارة إلى أنّ لدن بمعنى عند هنا وإن فرق بينهما بأنّ لدن أقوى في الدلالة على القرب، ولذا لا يقال لدفي مال إلا وهو حاضر بخلاف عند، وتقول: هذا القول عندي صواب ولا تقول لديّ ولدني كما قاله الزجاج رحمه الله تعالى وفيه نظر لأنه شاع استعمال لدن في غير المكان كقوله: {مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [صورة الكهف، الآية: 65] ومحصل تفسيره إنّ الأجر مجاز عن التفضل لأنه قال يضاعفها والمضاعفة هي الأجر، فوجب حمل هذا على معنى زائد على الأجر، وهو التفضل ولذا قرن معه من لدنه، وهذا القول يقتضي تقدير الثواب وأنه بالاستحقاق لا بالتفضل، وتسميته بالأجر تسمية له باسم مجاوره، وقيل عليه إنه تعسف إنما يصار إليه إذا قدر مضاف أي يضاعف ثوابها وأما إذا جعلت الحسنة نفسها مضاعفة كما صرّح به في الأحاديث، وترك الأجر على ظاهره ليعلم أنّ الأجر تفضل منه وأنه من لدنه لا باستحقاق العمل كما هو مذهب أهل الحق فأيّ حاجة لنا إلى ارتكاب هذه التعسفات، والعجب من القاضي وصاحب التقريب والانتصاف كيف لم ينبهوا عليه ولم ينتبهوا له، وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 ليس بوارد لأنه جار على المذهبين كما في الكشف أما على مذهب المعتزلة فظاهر كما قرّره وأما على مذهب أهل الحق فالمراد بالأجر التفضل كما ذكره والمراد بمقابلة العمل الثواب الموعود به فلو عده تعالى به وهو الذي لا يخلف الميعاد صار كأنه حق له وذلك أيضاً بمقتض الكرم كما قيل، وعديم الكردين وقد صرّح به المصنف رحمه الله تعالى بقوله على ما وعد والمعترض! غفل عنه لا بطريق الوجوب كما ذهب إليه المعتزلة نعم حمل الأجر على ما ذكر لا يخلو من بعد والداعي إليه عدم التكرار ولذا ذهب كل إلى وجه فيه، وقال الإمام إن ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعود بها في الجنة وأما هذا الأجر العظيم فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية والاستغراق في المحبة والمعرفة، وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية وهذا الأجر إشارة إلى السعادات الروحانية. قوله: (فكيف حال هؤلاء الخ (الفاء فصيحة أي إذا كان كل قليل، وكثيريجازي عليه فكيف حال هؤلاء وكيف في محل نصب على الظرفية على القول الأصح لا الحالية فهو خبر مبتدأ محذوف هو حالهم، وهو العامل في الظرف ولذا قدر والا كان يكفي كيف هؤلاء لأنه سؤال عن الحال وعامله استقرّ أو مستقرّ وذلك هو العامل في إذا، وهو المراد بالظرف في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: إنه في محل نصب بفعل محذوف وهو العامل فيها أي كيف تصنعون أو يكون حالهم، وهذا ما قرّره صاحب الدرّ المصون، وهو أولى من جعله متعلقا بمضمون الجملة من التهويل والتفخيم المستفاد من الاستفخام وأما كونه متعلقا بكيف فمما لا ينبغي. قوله: (تشهد على صدق هؤلاء الشهداء الخ) المراد بالشهداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكان المناسب إبدال قواعدهم بشرائعهم لكنه قعد على طريق القافية، وعلى القول بأنه إشارة إلى الكفرة يكون شهادته تقوية لشهادة أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، وقد مرّ تفصيل معنى الشهادة فيه، وإنما أقحم صدق لأنّ شهد إذا تعذى لأحد الخصمين تعدى بعلى في الضرر وباللام للنفع وان تعدّى للأمر المشهود عليه تعدى بعلى مطلقا فلذا قدره ليكون من الثاني إذ لو كان من الأوّل لقيل لهؤلاء، ومن لم يتفطن للفرق قال: على متعلق بشهيداً مضمناً معنى التسجيل لئلا يلزم الشهادة عليهم لا لهم، وكأنه الداعي إلى جعله إشارة إلى الكفرة. قوله: (بيان لحالهم حينئذ (تسوّي تجعل مستوية والباء إما بمعنى الملابسة، أو على أو مع أو للتعدية وتسوية الأرض بهم إما كناية عن دفنهم والباء للملابسة أي تسوّي الأرض ملتبسة فبهم، وقيل للسببية أو بمعنى على وعلى الوجهين الأخيرين هي صلة، قال في الأساس: ساويت هذا بهذا وسوّيته به، ولا قلب إذ لا فرق بين سوّيتهم بالأرض! والتراب وسوّيتهما بهم، وقيل: معناه لو تعدل بهم الأرض! أي يؤخذ ما عليها منهم فدية، وقرئ بالتخفيف مع ضم التاء، وفتحها وعلى الأوّل {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ} واحد نوعا، وعلى الثاني نوعان ويشملهما الذين لكن في الصلة إشارة إلى تنويعهم فلا يلزم عليه حذف الذين، وقد صرّج المصنف بأنه غير جائز في قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [سورة الزمر، الآية: 33] حيث قال: إذا كان الجائي هو الرسول صلى الله عليه وسلم والمصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز كما قيل للفرق بين المفرد والجمع مع أنّ في المسألة خلافا للفراء، وما نسب لحمزة والكسائي هو قراءة نافع، وابن عامر وحمزة والكسائي قرآ بالفتح والتخفيف كما في الدر المصون فليحزر النقل فيه، ثم إنه قال: وتسوية الأرض بهم أو عليهم دفنهم أو إن تنشق وتبلعهم أو أنهم يبقون ترابا على أصلهم من غير خلق. قوله: (ولا يقدرون على كتمانه) قيل هو على الوجه الأول عطف على قوله تسوّى بهم الأرض فقوله أي يوذون تفسير للآية على وجه العطف لأنه جعل لا يكتمون في حيزيوذ. (وههنا شيء) وهو أنّ قوله: ولا يقدرون على كتمانه إن كان تفسيراً للآية على وجه العطف فما الحاجة إلى تقدير القدرة مع أنه فسر بأنهم لا يكتمون وان كان تفسيرا للآية على وجه الحال فالعطف عليه بقوله، وقيل للحال غير مستقيم، وقوله: ولا يكذبونه عطف على لا يكتمون الله حديثا على سبيل البيان والتفسير لأنّ المراد بالكتمان جحدهم بأنه ربهم حتى أدى إلى أن ختم أفواههم وتكلمت جوارحهم بتكذيبهم فافتضحوا، لذلك وتمنوا أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 تسوى بهم الأرض ولم يكذبوا. (أتول) بل هو عطف على يودّ، وقوله: لأنه الخ مما لا يفهم من الكشاف أصلا وان جوّزوا عطفه على تسوّى أيضاً، وقوله: ولا يقدرون بيان للمعنى بأنهم لا يقدرون على الكتمان أي عدم كتمانهم ناشئ من عدم قدرتهم لا أنهم يقدرون ولا يكتمون، وليس مراده إنه محتاج إلى تأويله فقوله ههنا شيء ليس بشيء، وقد جوّز في الدرّ المصون فيه ستة أوجه لا! الواو إفا للحال أو للعطف وهو إما عطف على مفعول يود أي يوذون تسوية الأرض! بهم وانتفاء كتمانهم ولو مصدرية في موضع مفعول يودّ لا شرطية ويكون حينئذ، لا يكتمون عطفا على مفعول يوذ المحذوف، ويجوز أن يكون عطفا على جملة يوذ فأخبر عنهم بالودادة وأنهم لا يقدرون على الكتم ولو مصدرية أو شرطية جوابها محذوف، ومفعول يوذ محذوف أيضأ، ولا يكتمون عطف على الجملة الشرطية وان كانت حالية فهي إما حال من ضمير بهم، والعامل تسوّي، ويجوز في لو الوجهان، أو من الذين كفروا والعامل يودّ. قوله: (لا تقوموا إليها وأنتم سكارى الخ) يعني أنّ المراد بقربها القيام لها، والثلبس بها والمعنى لا تصلوا لكن نهى عن القرب مبالغة، وشمول السكر للنوم وسكر الخمر مخالف لجمهور المفسرين وسبب النزول وأنه خلاف الظاهر لما فيه من الجمع بين الحقيقة، والمجاز أو عموم المجاز واطلاق السكر على غير الخمر يستعمل مقيداً في الأغلب كسكرة الموت، وقيده بعلم ما يقوله وهو كناية عن علم ما يصحدر عنه من قول وفعل بيانا لحد السكر، وخصه لأنه سبب النزول ولأنّ القراءة مع أنها أعظم الأركان ومناجاة الرحمن الخلط فيها ربما أدّى إلى الكفر بخلاف الأفعال، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صحابيّ معروف والمأدبة بفتح الدال وضمها الطعام الذي يدعى إليه وأدب القوم بأدبهم دعاهم إليه، وثملوا بالثاء المثلثة بمعنى سكروا وقوله: فقرأ عبد الخ أي بحذف لا في سورة الكافرين. قوله: (وقيل أراد بالصلاة مواضعها الخ) فهو مجاز من ذكر الحال، وإرادة المحل بقرينة قوله: (إلا عابري) فانه يدل عليه بحسب الظاهر وجعل المنهي عنه السكر وافراط الشرب لا قربان الصلاة لأنّ القيد مصب النفي، والنهي ولأنه مكلف بالصلاة مأمور بها والنهي ينافيه لكنه لا مانع عن النهي عنها للسكران مع الأمر المطلق إلا أنّ مرجعه إلى هذا والحاصل أنه مكلف بها في كل حال، وزوال عقله بفعله لا يمنع تكليفه، ولذا وقع طلاقه ونحوه ولو لم يكن مأموراً بها لم تلزمه الإعادة إذا استغرق السكر وقتها وقد نص عليه الجصاص في الأحكام وفصله فمن قال: لا دليل على ما ذكره غفل عن المسألة. قوله: (والسكر من السكر الخ) السكر بفتح السين وسكون الكاف حبس الماء وبكسر السين نفس الموضع المسدود وقيل: السكر بضم السين وسكون الكاف السد والحاجز كالجسر قال: فما زلنا على السكر نداوي السكر بالسكر والحاصل أنّ مادته تدل على الانسداد ومنه سكرت أعينهم أي انسدت. قوله:) سكارى بالفتح الخ) قراءة الجمهور سكارى بضم وألف، وهو جمع تكسير عند سيبويه واسم جمع عند غيره لأنه ليس من أبنية الجمع والأرجح الأوّل وقرأ الأعمش سكرى بضم السين على أنه صفة كحبلى وقع صفة لجماعة أي وأنتم جماعة سكرى كما حكي، كسلى وكسلى وقرأ النخعي سكرى بالفتح وهو إما صفة مفردة صفة جماعة كما مرّ أو جمع تكسير كجرحى وإنما جمع سكران عليه لما فيه من الآفة اللاحقة للعقل، وقد تقدم الكلام عليه في أسارى في البقرة وقراءة سكارى بفتح السين جمع سكران كندمان وندامى. قوله: (عطف على قوله وأنتم سكارى الخ) جعله عطفا على الجملة الحالية مع الواو لئلا يلزم دخول، واو الحال على الحال المفردة، وأعاد لا لأنّ كلا منهما مانع منها وفيه تأمل قال النحرير هذا حكم الإعراب وأما المعنى ففرق بين قولنا جاء القوم سكار! ، وجاؤوا وهم سكارى إذ معنى الأوّل جاؤوا كذلك والثاني جاؤوا وهم كذلك باستئناف الإثبات ذكره عبد القاهر يعني بالاستثناف أنه مقرّر في نفسه مع قطع النظر عن ذي الحال وهو مع مقارنته له يشعر بتقرّره في نفسه، ويجوز تقدمه واستمراره ولذا قال السبكي رحمه الله تعالى في الأشباه لو قال لله عليّ أن اعتكف صائما لا بد له من صوم يكون لأجل ذلك النذر من غير سبب آخر فلا يجزئه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 الاعتكاف بصوم رمضان، ولو قال وأنا صائم أجزأه فافهمه فإنه فرق دقيق وانظر وجه التفرقة بين الحالين هنا والنكتة فيه ووجهه، أنّ الحال إذا كانت جملة دلت على المقارنة وأما اتصافه بمضمونها فقد يكون قد لا يكون نحو جاء زيد وقد طلعت الشمس، والحال المفردة صفة معنى فإذا قال دلّه عليّ أن أعتكف وأنا صائم نذر مقارنته للصوم، ولم ينذر صوما فيصح في رمضان، ولو قال صائما نذر صومه فلا يصح فيه وهذه المسألة نقلها الأسنوي في التمهيد ولم يبين وجهها، والنحرير ذكرها من غير نقل كأنها من بنات فكره ولم نر لأئمتنا فيها كلاما فأعرفه فإنه مما يعض عليه بالنواجذ. قوله: (والجنب الذي أصابه الجنابة الخ) بيان اسنواء المفرد المذكر وغيره فيه لتوجيه عطفه على الجمع وهي اللغة الفصيحة فيه، وفيه لغة أخر! تجمعه، وتثنيه واجراؤه مجرى المصدر معاملته معاملته في شموله للواحد وغيره لأنّ من المصادر ما جاء على وزنه كالنكر والنذر لا أنه مصدر في الأصل بمعنى الجنابة وأصله من التجنب بمعنى البعد. قوله: (متعلق بقوله ولا تجنباً الخ (أي هو استثناء منه لا منه ومما قبله، وكونه استثناء من أعم الأحوال أي أحوال المخاطبين المجنبين ولهم أحوال جمة ما عدا حال السفر فنهوا عن قربان الصلاة إلا في حال السفر يعني: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} أي وأنتم جنب على تقدير من التقادير وفي حال من الأحوال إلا في حال السفر قال الزمخشريّ: إلا عابري سبيل استثناء من عامّة أحوال المخاطبين، وانتصابه على الحال فإن قلت كيف جمع بين هذه الحال، والحال التي قبلها قلت كأنه قيل لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها وهي حال السفر، وعبور السبيل عبارة عنه يعني لا عن المرور في المسجد كما في القول الآخر، ثم قال ويجوز أن لا يكون حالاً و! ن صفة لقوله: " جنباً " أي ولا تقربوا الصلاة جنباً غير عابري سبيل أي جنبا مقيمين غير معذورين اهـ، وقيل في تقرير كلامه إنّ السؤال للاستفسار عن كيفية جعلهما من فعل واحد أهما على سبيل الاستقلال أو الاجتماع وعلى تقدير الاجتماع أكل منهما معتبر في الأخرى أم ذلك من جانب واحد وعلى الأخير ما ذاك وكيف هو، وحاصل الجواب أنهما على الاجتماع واعتبار الثانية في الأولى أي لا تصلوا في حال الجنابة كائنين على حال من الأحوال إلا مسافرين، والمراد نفي ما يقابل السفر، ولا صحة للاستقلالط مثل لا تصلوا جنباً ولا تصلوا إلا عابري سبيل، وقوله: ولكن صفة ربما يشعر بأنه استثناء مفرع في موقع الصفة أي ولا جنباً موصوفاً بصفة إلا مسافراً لكن قوله جنبا غير عابري سبيل أي جنباً مقيمين يدل على أنه جعل إلا بمعنى غير صفة لجنباً لكونه جمعا منكراً، كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [سورة الأنبياء، الآية: 22] لكن مثل هذا إنما يصح عند تعذر الاستثناء، ولا تعدّر هنا لعموم النكرة بالنفي كما تقول ما لقيت رجالاً إلا مسافرين، والأوجه أن يجعل مفرّغا ويكون قوله جنباً غير عابري سبيل بياناً للمعنى لا تقديراً للإعراب وقد يرجح الأوّل أي أنها بمعنى غير بأنه لا يفيد الحصر فلا يرد المريض إشكالاً بخلاف الثاني فإنه يفيد حصر جوازه صلاة الجنب في وصف كونه مسافراً، وكذا جعله حالاً وجوابه منع عدم إفادة الأوّل الحصر فإنّ معناه لا تصلوا جنباً غير مسافرين، والمريض الجنب غير مسافر فيكون قوله: وان كنتم مرضى تخصيصا للحكم وتعميماً للعذر سواء أكان حالان أو صفة أو بمعنى غير، وقوله: غير معذورين صفة لمقيمين إما على سبيل التخصيص واما على سبيل البيان والقصد أنّ عابري سبيل كناية عن مطلقا المعذ وربن. (أقول) معنى كلام العلامة أنه يجوز فيه وجهان أن يكون استثناء مفرغا من حال متداخلة عامّة أو من صفة للنكرة مقدرة لأنه يجوز التفريغ في الصفات، ويحتمل الوجه الثاني أنه صفة والا بمعنى غير والوجه الأوّل لا يحتمل غير التفريغ لأنه لو كان مستثنى من جنبا لأنه بمعنى جنبين لقال مستثنى من ذوي الجنابة لا من عامّة الأحوال وفي كلام الشاوج المحقق إجمال مخل، وما ذكره من الشرط في التوصيف بإلا ذكره ابن الحاجب وقد خالفه فيه النحاة كما في المغني. (وههنا أمور ينبغي التنبه لها) وهو أنّ الحصر يقتضي أنه لا يرخص فيه لغير المسافر وليس كذلك وأنه على تقدير تأويله فما الداعي إلى العدول عن الظاهر بأن يقال إلا عابري سبيل أو مرضى فاقدي الماء يعني حساً أو حكماً، وأنه لم لم يقدم حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 تغتسلوا على الاستثناء هو الظاهر، أما الأوّل فإنّ المراد بغير عابري السبيل غير معذورين بعذر شرعي إما بطريق الكناية أو بإيماء النص ودلالته، والداعي إلى عدم التصريح أنه أبلغ وأوكد منه لما فيه من الإجمال والتفصيل ومعرفة تفاضل العقول والإفهام، وأنّ المراد أوّلاً بيان غير المعذورين والاستثناء إيماء إليه وفيما بعده بيان حال المعذورين والمقصود هو صحة الصلاة جنبا ولا مدخل لقوله: حتى تغتسلوا فيه ولذا أخر، وإنما ذكر تنبيها على أنّ الجنابة إنما ترتفع بالاغتسال، ولولا ذلك كان ذكره لغواً وبما ذكر علم كلام المصنف رحمه الله فنزله على ما مر. قوله: (وفيه دليل على أنّ التيمم لا يرفعا الحدث) هذا مما وقع فيه الخلاف عندنا وعندهم أيضاً، ووجه الدلالة كما قال الجصاص: أنه سماه جنبا مع كونه متيمما ومن لا يراه يقول لم يوصف الجنب بأنه متيمم، وإن كان يعلم ذلك من الآية المتصلة به فيجوز أن يكون وصفه بالجنابة قبل التيمم فإن محصل معنى الآية لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا، إلا عابري سبيل فاقربوها بلا اغتسال بالتيمم لأنّ المعنى فاقربوها جنبا بلا اغتسال بالتيمم فالرفع، وعدمه مسكوت عنه، ثم استفيد كونه رافعاً من خارج وقيل هو من قوله حتى تغتسلوا. قوله: (ومن فسر الصلاة الخ) على أنه مجاز أو بتقدير مضاف، وربما يرشحه أنه قيل لا تقربوا مع أن لا تصلوا أخصر لأنّ حقيقة القرب والبعد في المكان وليس من استعمال لفظ الصلاة في حقيقته ومجازه، والموجب للعدول عن الظاهر توهم لزوم جواز الصلاة جنباً حال كونه عابر سبيل لأنه مسحنى من المنع المغيا بالاغتسال، وليس بلازم لوجوب الحكم بأنّ المراد جوازها حال كونه عابر سبيل أي مسافراً بالتيمم لأنّ مؤدي، التركيب لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا إلا حال عبور السبيل فلكم أن تقربوها بغير اغتسال، نعم مقتضى ظاهر الاستثناء إطلاق القربان حال العبور لكن ثبت اشتراط التيمم فيه بدليل آخر وليس ببدع، وعلى هذا فالآية دليلهما على منع التيمم للجنب المقيم في المصر ظاهرا، وجوابه أنه خص حالة عدم القدرة على الماء في المصر من منعها كما أنها مطلقة في المريض، والإجماع على تخصيص حالة القدرة حتى لا يتيمم المريض القادر على استعمال الماء وهذا للعلم بأنّ شرعيته للحاجة إلى الطهارة عند العجز عن الماء فإذا تحدد في المصر جاز وإذا لم يتحقق في المريض لا يجوز، وقوله وقال أبو حنيفة الخ نحو منه في الكشاف لكن المذكور في فقه الحنفية منع الدخول في المسجد مطلقا وكذا نقله الجصاص في الأحكام إلا أنه نقل عن الليث أنه لا يمرّ فيه إلا أن يكون بابه إلى المسجد، وهو قريب منه وذكر أنه صح أنه رخصة لعلي رضي الله عنه وكرم وجهه خاصة. قوله: (غاية النهي الخ) وجه التنبيه المذكور أنه إذا وجب تطهير البدن فتطهير القلب أولى، أو أنه إذا لم يقرب مواضع الصلاة من به حدث فلأن لا يقرب القلب الذي هو عرش الرحمن خاطر غير طاهر ظاهر. قوله: (مرضاً يخاف معه الخ (ليس مراده أن المرض مخصص بصفة مقدرة بل بيان للحكم المأخوذ من الآية، وتحقيقه فلا يرد عليه أنه لا حاجة إلى هذا التقييد لأنه مأخوذ من قوله فلم تجدوا كما سيأتي في تفسيره، وجعله راجعاً إلى غير المرضى لا وجه له، واعادة على سفر على أحد التفسيرين تتميم للأقسام ولأنّ الاستثناء كني به عن العذر كما مرّ ولأنّ هذا الحكم مطلق شامل للحدثين والأوّل للجنب فقط والمرض المانع تمكنه من الوصول له ككونه مقعداً. قوله: (فأحدث الخ) يعني أنّ الغائط المكان المطمئن أي المنخفض وهو الغيط أيضا وبه قرأ ابن مسعود رضي الله عنه، ولذا استعملوه بمعنى البستان ثم إنه كني به عن الحدث المعروف لأنه مما يستحيا من ذكره لا إنّ في الكلام مقدراً بهما توهم، وفي ذكر أحد فيه دون غيره إشارة إلى أنّ الإنسان ينفرد عند قضاء الحاجة كما هو دأبه وأدبه. قوله: (استدل الشافعئ رضي الله عنه على أنّ اللمس الخ) لأنّ الحمل على الحقيقة هو الراجح لا سيما في قراءة من قرأ لمستم إذ لم يشتهر في الوقاع كالملامسة، وفي الكشف ورجح بعضهم الحمل على الوقاع في القراءة الأخرى ترجيحا للمجاز المشهوو وعملاً بالقراءتين إذ لا منافاة، وآخرون إنها على الحقيقية أيضاً دالة على حدث اللام! والملموس وقد نقله صاحب الإتقان وحسنه. قوله: (فلم تتمكنوا من استعماله الخ) المراد بالممنوع غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 الممكن لمانع ما، وقوله: في غالب الأمر لأنه تد يفقد الماء في الحضر أيضا وما يحدث بالذات هو الغائط وما بالعرض الملامسة، ولم يذكر العذر في الحدث الأصغر لأنه مندرج في اكبر ومعلوم منه بالطريق الأولى ففي النظم إيجاز لطيف. قوله: (فتعمدوا شيثاً الخ) إشارة إلى أنّ صعيداً مفعول به وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي بصعيد، وفسر الطيب بالطاهر ومنهم من فسره بالمنبت، وكون الصعيد بمعنى التراب عليه أكثر أهل اللغة، وقوله: {فَتَيَمَّمُواْ} جزاء للشرط والضمير راجع إلى جميع ما اشتمل عليه ولا حاجة إلى تقدير جزاء لقوله تعالى: {جَاء أَحَدٌ مَّنكُم} وكون التبعيض ظاهراً في مسحت منه أي ببعضه هو المتبادر وهو يقتضي التراب، والحنفية يحملونه على الابتداء أو الخروج مخرج الأغلب، وقيل: الضمير للحدث المفهوم من السياق، ومن للتعليل أو لابتداء الغاية، وقوله: من وجه الأرض تفسير على المذهبين. قوله: (واليد الخ) اليد مشتركة بين معان من أطراف الأصابع إلى الرسغ، والى المرفق، والى الإبط وهل هو حقيقة في واحد منها مجاز في غيره أو حقيقة فيها جميعا رجح بعضهم الثاني ولذا ذهب إلى كل منها بعض السلف هنا لكن مذهبنا ومذهب الشافعيّ والجمهور أنه إلى المرفقين، والرواية التي أشار إليها حديث أبي داود وهو وان قيل ضعيف لكنه مؤيد بالقياس على الوضوء الذي هو أصله وإنه أحوط، وقوله: فلذلك يسر الأمر إلى آخره قيل لو فسر العفو بالميسر من العفو بمعنى السهل لكان أنسب كما في التيسير ولا يخفى أنّ العفو الضقرون بالمغفرة يقتضي خلافه فهو كالتعليل لقوله: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} الخ والعفو والغفران يستدعيان سبق جرم وليس في تلك الأعذار ما يشم منه رائحته فلا يصح إجراؤه على ظاهره فوجب العدول إلى تجعله كناية عن الترخيص، والتيسير لأنه من توابعه ويؤيده مجيء قوله: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 6] في المائدة بعده وأدمج فيه أنّ الأصل فيها الطهارة الكاملة وأنّ غيرها من الرخص من العفو والغفران. قوله: (من رؤية البصر الخ (يعني الرؤية إما بصرية وتعديتها بإلى حملا لها على نظر أو علمية وضمن معنى الانتهاء أي ألم ينته علمك إليهم، وقوله: حظا يسيراً أخذ القلة من التنوين وأما حمله على التكثير والكتاب على القرآن فخلاف الظاهر. قوله: (يختارونها) يعني أنه استعارة أو مجاز مرسل في لازم معناه إما للاختيار أو الاستبدال وعلى كل فمتعلقه محذوف، وقوله بعد تمكنهم إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنهم ليس لهم هدي فيستبدلوه بأن التمكن جعل بمنزلة حصوله أو أنه حاصل لهم بالفعل لعلمهم به وتحققه عندهم، وان لم يظهروه والتمكن والحصول لف ونشر مرتب للاختيار والاستبدال، وعلى القيل المراد بالضلالة تحريف التوراة أي اشتروها بمال الرشا، وقوله: فاحذروهم الخ يعني أنّ الجملة للتأكيد وبيان التحذير والا فأعلميته معلومة. قوله: (والباء تزاد الخ) الباء تزاد بعد كفى كثيراً في الفاعل وقد تزاد في المفعول أيضا، ووجه زيادتها هنا تأكيدا لنسبة بما يفيد الاتصال وهو الباء الالصاقية وهو المراد بالاتصال الإضافي لأنّ حروف الجر يسميها بعض النحاة حروف الإضافة لإضافة معنى متعلقها لما بعدها وايصاله إليه وليس هذا معنى آخر كما توهم. قوله: (بيان للذين أوتوا نصيياً الخ (ولا يرد اعتراض با! الاعتراض بجملتين مختلف فيه كما قيل لأنّ الخلاف إذا لم يكن عطف وفيه هي كجملة واحدة بلا خلاف فما قيل ظاهره أنّ كلا منها جملة مصدرة بالواو الاعتراضية لا أن تكون الأولى اعتراضية والأخريان عطفا عليها ليس كما ينبغي، وقوله: ويحفظكم إشارة إلى أنه إذا كان متعلقا بالنصر وصلة له فتعديته بمن لتضمنه معنى الحفظ أو الائتقام كما أن تعديته بعلى لمعنى الغلبة، وأما جعله خبراً الخ فقد مر أنّ المبتدأ إذا وصف بجملة أو ظرف، وكان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه يطرد حذفه والفرّاء يجعل المبتدأ المحذوف اسماً موصولاً يحرفون صلته أي من يحرفون فلا وجه لقول النحرير: لم يقدر المحذوف موصوفا بالظرف لأنّ الشائع في مثل هذا المقام تقديم الخبر نحو من المؤمنين رجال صدقوا الخ والبصريون لا يجيزون حذف الموصول وابقاء صلته وفيه خلاف لكن يؤيده ما في مصحف حفصة رضي الله عنها من يحرفون، ومن جعله مؤيد الحذف المبتدأ فقد وهم، وقال: هنا عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 مواضعة وفي المائدة من بعد مواضعه والمراد واحد وفرق بينهما بعض شراح الكشاف. قوله: (جمع كلمة الخ) أراد الجمع اللغوي وهو ما يدل على ما فوق الاثنين مطلقاً. وأما النحاة فيسمونه اسم جنس جمعي ويفرقون بينه وبين اسم الجمع، ويجعلون علامته غلبة التذكير فيه كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [سورة فاطر، الآية: 0 ا] فلا يرد عليه أنه قول ضعيف مخالف لكلام النحاة، وأمّا أنه اختار أنه جمع وأنّ تذكيره بتقدير بعض فمما لا حاجة إليه، وتخفيف كلمة بنقل كسرة اللام إلى الكاف. قوله: (أي مدعوّا عليك بلا سمعت الخ) يعني أنه يحتمل الذم والمدح ولذا ذكروه نفاقا منهم فالمدح هو الوجه الأخير والذم من وجوه، الأول أنّ مسمع متروك المفعول الثاني من غير أن يجعل كناية عن مقيد والمعنى اسمع مدعوّاً عليك بلا سمعت مجابا فيك هذه الدعوة بحيث يصح أنك غير مسمع يعني المقصود به الدعاء لئلا يتناقض اسمع وغير مسمع، وقيل: هو حال وحاليته باعتبار أنّ دعاءهم لما قدروا إجابته صار كأنه واقع مقرّر وأيضا الدعاء إنشاء لا يقع حالاً فلذا أوّلوه بما ذكر فافهمه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أي مدعوا الخ الثاني أنه متروك المفعول مجعول ذلك المطلق كناية عن المقيد. بمفعول مخصوص هو جواباً يوافقك كقوله: شجو حساده وغيظ عداه أن يرى مبصر ويسمع واعي كناية لمطلق الرؤية والسسصاع عق رؤية الآثار وسماع الإخبار الدالة على اختصاصه باستحقاق إطلاقه والى ترك المفعول من غير أن يقدّر أشار الزمخشريّ بقوله: غير مجاب إلى ما تدعو إليه وقوله: فكأنك لم تسمع شيئاً، والى كونه كناية عن المقيد أشار بقوله: غير مس! مع جوابا يوافقك، أو على أنه محذوف المفعول للعموم كقد كان* منك ما يؤلم أن كل أحد والمعنى غير مسمع شيئاً لأنّ ما! عدا الجواب االموافق بالنسبة إليه بمنزلة العدم، فإذا لم يسمعه فكأنه لم يسنع شيئاً وهذا مراد المصنف رحمه الله بقوله أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه الثالث أنه محذوف المفعول المخصوص بقرينة الحال اًي غيبر مسمع كلا ما ترضاه وبخعله الزمخشريّ بمعنى نابيا سحعك ص المسموع لكونه غير مرضى عندك، وأورد عليه أن أسمع غير مسمع كلاما رضاه معنى تام لا يحتاج إلى جعل عدم السقاع كناية عن نبوّ السمع، ولا يشعر بالقصد إليه فالأولى أنّ غير مسمع في هذا الوجه أيضا متروك المفعول لكن لما كان الأمر بالسماع حال كون المخاطب غير مسمع كالتناقض جعل كونه غير مسمع عبارة عن كونه نابي السمع عن المسموع، ولزمه كون المسموع كلاما لا يرضاه فصح أن يؤمر بأن يسمع حالة كونه غير مسمع، والمصنف رحمه الله لما حذفه كان إشارة إلى تقدير المفعول بلا اشتباه، ثم لما كان نبوّ سمع المخاطب عن المسموع لكراهته في قوّة كون المسموع مما ينبو عنه سمعه لا فرق بينهما إلا بحسب الإضافة، والاعتبار جوّز في هذا الوجه المبنيّ على النبوّ كون غير مسمع مفعول اسمع بتقدير موصوف أي كلاما ولزم اعتبارا حذف المفعول الأوّل أعني المخاطب دون الترك، لأنّ نبوّ سمعه وعدم رضاه إنما هو بكون الكلام غير مسمع إياه لا كونه غير مسمع على الإطلاق، وحاصل الوجه الثاني عند الؤمخشرفي، كالمصنف اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه بمنزلة من لم يسمع شيئا، والثالث اسمع نابي السمع عن المسموع لكونه غير مرضيّ، إذا سمع كلاما ينبو عنه السمع ولذلك كان الفرق بينهما ظاهرا، وأمّا السؤال بأنه لم لا يجوز في الوجه الثاي أيضا أن يكون غير مسمع مفعول اسمع فمبنيّ على توهم أنه لا فرق بينهما إلا بكون المفعول المقدّر جوابا يوافقك أو كلاما لا ترضاه، وليس كذلك ولا يخفى عليك أنه إذا قيل اسمع جواباً غير مسمع بمعنى كونه غير موافق للمخاطب لم يستقم إلا بأن يجعل عدم سماعه عبارة عن نبوّ السمع عنه، وكان هذا هو الوجه الثالث لا الثاني وقوله: {غَيْرَ مُسْمَعٍ} إياك إشارة إلى تقدير المفعول الأوّل على هذا الوجه، وقوله: فيكون مفعولاً به أي غير مسمع، وعلى ما قبله هو حال وقولهم: أسمعه بمعنى سبه كذا قال الراغب: وكان أصله أسمعه ما يكره فحذف مفعوله نسياً منسياً وتعورف في ذلك. قوله: (وراعنا انظرنا (أو اسمع كلامنا، وهو مشابه لكلمة سب عندهم إما لأنها من الرعونة أو لأشياعهم يعنون راعينا تحقيرا له بأنه بمنزلة خدمهم وعان غنمهم، وقوله: نفاقاً لأنه مما يحتمل الذم والمدح لا ينافي قولهم سمعنا وعصينا لأنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 مجاهرة لإنفاق لاحتمال أنهم قالوه فيما بينهم أو لم يقولوه لكن أشبهت حالهم من يقوله، وأيضاً المجاهرة بالعصيان لا تنافي نفاقهم بإيهام الدعاء له وعدم إظهار سبه. قوله:) فتلا بها وصرفا للكلام الخ) الفتل والليّ يكون بمعنى الانحراف والالتفات والانعطاف عن جهة، إلى أخرى كما في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} [سورة آل عمران، الآية: 153] ويكون بمعنى ضم إحدى نحو طاقات الحبل على الأخرى فأشار المصنف رحمه الله إلى أنه يجوز أن يكون من الأوّل ومعناه، صرف الكلام عن جانب المدح إلى جانب السب أو المراد أنهم يضمون أحدهما إلى الآخر، والحامل عليه كله النفاق وهو مفعول لأجله أو حال وظاهر كلامه الأوّل، وفسر الطعن بالاستهزاء وأصله الوخز والوقيعة من طعن بالرمح. قوله: (ولو ثبت قولهم هذا الخ) بأن قالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} مكان سمعنا وعصينا واسمع فقعل مكان اسمع غير مسمع وانظرنا مكان راعنا، واسم كان ضمير المصدر المؤوّل وقوله: {خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ} أي مما طعنوا وفتلوا ولا يخفى موقع أقوم في مقابلة الفتل، وجعله فاعل ثبت المقدر لدلالة أنّ عليه إذ هي حرف توكيد وثبت حل في محله وهو مذهب المبرد، وقيل: إنه مبتدأ لا خبر له قليل التشكي للمهم يصيبه أو إلا قليلاً منهم آمنوا، أو سيؤمنون (تكأكا اللإين أولؤأ آمتب ة اينوأ بما ترتآ شلإقا يتا محكم ين تتلي آن تظعش وضهأ تزدئا غل+ آتارتآ) من تبل أن نمحو تخطيط صورها، ونجعلها على هيئة أدبارها يعني الأقفاء، أو ننكسها إلى، ورائها في الدنيا أو في الآخرة، وأصل الطمس إزالة الأعلام الماثلة، وقد يطلق بمعنى الطلس في إزالة الصورة، ولمطلق القلب، والتغيير، ولذلك قيل معناه ممن قبل أن نغير وجوها، فنسلب وجاهتها واقبالها وقيل خبره مقدر. قوله: (1 لا إيماناً قليلأ الخ) قليلاً جوّز فيه أن يكون منصوبا على ألاستثناء من لعنهم الله أي لعنهم الله إلا قليلاً منهم آمنوا فلم يلعنوا أو من فاعل لا يؤمنون، والقليل عبد الفه ابن سلام رضي الله عنه وأضرابه، وكان الوجه فيه الرفع على البدل لأنه من كلام غير موجب. أو هو صفة مصدر محذوف أي إلا إيمانا قليلاً لأنهم وحدوا وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشريعته فالإيمان بمعنى التصديق لا الإيمان الشرعي، أو أنّ المراد بالقليل كما ورد في قول الشاعر، قليل التشكي بمعنى لا تشكي، له والمراد أنهم لا يؤمنون إلا إيمانا معدوما أمّا على حد لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي إن كان المعدوم إيمانا فهم يحدثون شيئا من الإيمان فهو من التعليق بالمحال، أو أن ما أحدثوه منه لما لم يشتمل على ما لا بد منه كان معدوما انعدام الكل بجزئه واستعمال القلة في العدم لعدم الاعتداد به ودخوله بقلته طريق الفناء وبهذا التقرير سقط، ما قيل أنّ القلة وإن استعملت في العدم في قولهم قلما يقول ذلك أحد، وأقل رجل يفعل ذلك غير أنّ التركيب الاستثنائي يأباه إذا قلت لم أقم إلا قليلاً إذ معناه انتفاء القيام إلا القليل، أما أنك تنفي، ثم توجب ثم تريد بالإيجاب بعد النفي نفيا فلا لأنه يلزم أن تكون إلا وما بعدها لغوا لأنّ النفي فهم مما قبله فأي فائدة فيه. قوله: (قليل التشكي للمهم يصيبه (كثير الهوى شتى النوى والمسالك هو من الحماسة وقائله تأبط شرا وقيل أبو كبير الهذلي أي هو كثير الهم مختلف الوجوه والطرق لا يقف أمله على فن واحد بل يتجاوزه إلى فنون مختلفة صبور على النوائب لا يكاد يتشكى منها فاستعمل لفظ قليل وأراد به نفي الكل وقوله: (إلا قليلاَ منهم آمنوا (إشارة إلى أنه مستثنى من لا يؤمنون ومرّ ما فيه. قوله: (من قبل أن نمحو تخطيط صورها الخ (المراد بتخطيط الصور ما صوره الباري بقلم قدرته في الوجه من الحاجب والأنف ونحوه وطمسها أن تسوّي وتجعل كإدبارها أي ما خلفها، وهو القفا فإنه لا تصوير فيه فحينئذ يكون الطمس والردّ على الأعقاب واحداً فلا يناسب عطفه بالفاء إلا أن يؤوّل نطمس بنريد الطمس أو يجعل من عطف المفصل على المجمل، وقوله: أو ننكسها الخ أي نجعل العيون وما معها في القفا فنقلب صورهم وهذا إما مسخ في الدنيا أو أنه يكون في الآخرة لتشهيرهم. قوله:) وأصل الطمس إزالة الاعلام الماثلة الخ) الماثلة بالثاء المثلثة بمعنى المنتصبة في الطرق علامة لها والماثلة تحريف من الناسخ، وهذا المعنى مشهور في اللسان واللغة كقوله: طامس الإعلام مجهول، من قال: لم نجده في اللغة لا يحتاج إلى الجواب والطلس محو النقوس والصور ولذا أريد به مطلق التغيير سواء كان عن هيئة له أو صفة، والطمس بمعنى التغيير راجعة على إدبارها كناية عن إخراجهم من ديارهم إلى أذرعات أرض الثام وبنو النضير من يهود المدينة وإذا فسر الطمس بالطبع على حواسها والختم عليها فهو استعارة كما مرّ. قوله: (أو نخزيهم بالس! خ الخ) أصل معنى اللعن الطرد والإبعاد وهو عقوبة وخزى فلذا فسره به وأما إرادة المسخ فلأنه إخراج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 عن خلقتهمم وجنسهم فكأنه طرد لكنه بعيد، وقد يطلق اللعن ويراد به الدعاء به وهو معنى قوله على لسانك الخ وأصحاب السبت اليهود. قوله: (أو للذين على طريق الالتفات الأنه بعد تمام النداء مقتضى الظاهر الخطاب، وأمّا قبله فالظاهر الغيبة وبجوز الخطاب لكنه غير فصيح كقوله: يا من يعز علينا أن نفارقهم وقوله: (وعطفه الخ الأنه هو أو قريب منه فلا يليق عطفه بأو، ومن حمل الوعيد الخ أي في قوله نطمس الخ قال: إنه سيقع لهم أو وقوعه مشروط بعدم إيمان أحد منهم وغير قول الزمخشريّ مشروط بالإيمان إلى قوله مشروطا بعدم إيمانهم لاحتياجها إلى التأويل بأن الوعيد مشروط ومعلق بالإيمان وجوداً وعدما فإن وجد الإيمان لم يقع وألا وقع وقد وجد فلم يقع، وقيل: إنه على حذف مضاف أي بعدم الإيمان للقرينة العقلية. قوله: (بإيقاع شيء الخ (يعني المراد بالأمر معناه المعروف أو هو واحد الأمور والمراد الوعيد أو ما قضى، وقدر مفعولاً بمعنى نافذآ واقعا في الحال أو كائنا في المستقبل لا محالة فيقع ما أوعدتم به فاحذروه. قوله: (لأنه بت الحكم على خلود الخ) قيل الأولى الاقتصار على الوجه الأوّل لأنّ الثاني مبني على أن فعل الله مبني على استعداد المحل وهو مذهب الفلاسفة، والشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكاً وبمعنى الكفر مطلقا، وهو المراد هنا وقد صرّح به في قوله تعالى في سورة: لم يكن بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [سورة البينة، الآية: 6] فلا يبقى شبهة في عمومه. قوله: (وأوّل المعتزلة الخ) ردّ على الزمخشري فيما تعسفه هنا، وتقريره كما قال النحرير: إنه لا خفاء في أنّ ظاهر الآية التفرقة بين الشرك وما دونه، بأنّ الله لا يغفر الأوّل البتة ويغفر الثاني لمن يشاء ونحن نقول بذلك عند عدم التوبة فحملنا الآية عليه بقرينة الآيات والأحاديث الدالة على قبول التوبة فيهما جميعا ومغفرتهما عندهما بلا خلاف من أحد لا يقال حقيقة المغفرة الستر وترك إظهار الأثر والمؤاخذة على ما هو باق كالمعصية المتصف بها الشخص تاب أو لم يتب، وهذا لا يتصوّر في الشرك إلا على تقدير عدم التوبة عنه بالإيمان إذ هو مع الإيمان يزول عنه بالكلية ولا يبقى حتى يغفر، وإنما المغفرة بالنسبة إليه ترك التعيير بما سلف منه، وهما معنيان مفترقان لا يقع اللفظ عليهما فلا حاجة في الآية إلى التقييد بعدم التوبة إذ لا مغفرة للشرك الباقي البتة بخلاف ما دونه لمن يشاء، لأنا نقول الزائل بالإيمان هو الكيفية الحاصلة في النفس والاعتقاد الباطل، وأما كونه قد أشرك فمساو لكونه قد زنى. وأما المعتزلة فلا يقولون بالتفرقة بين الشرك، وما دونه من الكبائر في أنهما يغفران بالتوبة ولا يغفران بدونها فحملوا الآية على معنى إن الله لا يغفر الإشراك لمن شاء، أن لا يغفر له وهو غير التائب ويغفر ما دونه لمن يشاء أن يغفر له وهو التائب فقيد المنفي بما قيد به المثبت على قاعدة التنازع لكن من يشاء في الأوّل المصرّون بالاتفاق، وفي الثاني التائبون قضاء لحق التقابل، وليس هذا من استعمال اللفظ الواحد في معنيين متضادّين لأنّ المذكور إنما تعلق بالثاني، وقدر في الأوّل مثله والمعنى واحد لكن مفعول المشيئة يقدر في الأوّل عدم الغفران وفي الثاني الغفران بقرينة سبق الذكر، فإن قيل لا يخفى أنه لا بد في من يشاء من عائد على الموصول، وهو في المثبت تقديره من يشاء الله أن يغفر له والمنفي لا يتوجه إليه، قلنا مراده التوجه إلى لفظ من يشاء ثم الحمل على ما يناسب من المعنى، وعبارته توهم أنّ العائد إلى الموصول ضمير الفاعل كما قيل وليس كذلك ولقائل أن يقول بعد تسليم ما مز لا جهة لتخصيص كل من القيدين بما ذكر لأنّ الشرك أيضا يغفر للتائب، وما دونه لا يغفر للمصرّ من غير فرق بينهما وسوق الآية ينادي على التفرقة ويأخذ بكظم المعتزلة حتى ذهب البعض منهم إلى أنّ ويغفر عطف على النفي والنفي منسحب عليهما فالآية للتسوية بينهما لا للتفرقة وهو من تحريف كلامه تعالى. قوله: (إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة الغ (يعني أنه ترك المفعول الأوّل للمحافظة على عمومه فإن حذفه يفيد ذلك فذكر أنه لا وجه للمحافظة عليه في أحدهما دون الآخر وأما كونه من التنازع كما قرّره النحرير فغير متوجه مع اختلاف متعلق المشيئة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 فيهما وما ذكره لتوجيهه تعسف لا يصلح ما أفسده الدهر. قوله: (ونقض لمذهبهم الخ (رذه صاحب الكشف فقال: وما قاله بعض الجماعة من أنّ التقييد بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة ووجوب الصفح بعدها لم يصدر عن ثبت لأنّ الوجوب بالحكمة يؤكد المشيئة عندهم، وأيضا فإنه أشار بتمثيله بأنّ الأمير يبذل القنطار لمن يشاء، ولا يبذل الدينار لمن لا يشاء بأنّ المشيئة بمعنى الاستحقاق وهي تقتضي الوجوب، وتؤكده كما قاله المدقق فلا يرد ما ذكره رأسا ووجه إلزام الخوارج يفهم من التقابل فافهم. قوله:) ارتكب ما يستحقر دونه الآثام) هذا من جعله عظيما بعظمته وأنه أكبر الكبائر يقتضي التخليد به دون غيره. قوله: (والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذلك الاختلاق) الافتراء من الفرى وهو القطع، ولأنّ قطع الشيء مفسدة له غالبا غلب في الإفساد واستعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم كما قاله الراغب: فهو ارتكاب ما لا يصح أن يكون قولاً أو فعلا فيقع على اختلاق الكذب وارتكاب الإثم كما هنا وهو مشترك فيهما، وقيل الأظهر أنه حقيقة في اختلاق الكذب أي تعمده مجاز في افتعال ما لا يصح مرسل أو استعارة، ولا يلزمه الجمع بين الحقيقة والمجاز هنا لأنّ الشرك أعم من القولي والفعلي لأنّ المراد معنى عام وهو ارتكاب ما لا يصح كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (يعني أهل الكتاب الخ) أحباء جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب، وقوله: إلا كهيئتهم فيه تجوّز أي إلا بصفتهم من أنه لا يكتب عليهم ذنب لأنّ أعمال! ليلنا تكفر ما في النهار وعكسه، وتزكية النفس مذمومة عند الله وعند الناس إلا لغرض صحيح كالتحدث بالنعمة ونحوه، وقوله دون تزكية غيره أي تزكية غيره لا يعتد بها إذا خالفت تزكيته فلا ينافي قبول التزكية من الناس كما مرّ والتزكية في الأصل التطهير والتبرئة من القبيح فعلاً كقرله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [سورة الشمس، الآية: 9] وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [سورة التوبة، الآية: 103] وأما قولاً فظاهر. قوله: (بالذم أو العقاب الخ) أو لا يظلمون إذا زكوا بزيادة أو نقص في وصفهم، والفتيل مثل يضرب للحقارة كالنقير للنقرة التي في ظهر النواة والقطمير وهو قشرة النواة الرقيقة، وقيل الفتيل ما خرج بين إصبعيك وكفيك من الوسخ وجعل المصنف رحمه الله تعالى الإضراب ببل إيطاليا لإبطال تزكية أنفسهم واثبات تزكية الله، وقيل بل للإضراب عن ذمّهم بتزكيتهم أنفسهم إلى ذمهم بالبخل والحسد اللذين هما شر خصلتين وفوق رذيلة ما في التزكية من العجب والكذب، وهذا إنما يتم أن لو ارتبط قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} الخ بقوله: {بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء} وهو بعيد لفظا ومعنى إذ هو مرتبط بقوله ألم تر الخ ولا داعي لما ذكره وقوله: (في رّعمهم الخ) المراد في تزكيتهم أنفسهم وهي بما ذكر كما مرّ. قوله: (لا يخفى الخ) إشارة إلى أنه من أبان اللازم لا المتعدي وظهور الذنب بين غيره من الذنوب عبارة عن كونه عظيما منكراً. قوله: (نزلت في يهود الخ) يهود ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وهو من الإعلام التي يتعاقب عليها تعريفان تعريف باللام وغلبة العلمية كاليهود ويهود والمجوس ومجوس وقد جوّز تنوينه لأنه أريد التنكيو والوصفية وحيى بالتصغير تصغير حيّ علم يهودي معروف، وكذا كعب وقوله: يحالفون بالمهملة أي يعاقدون. قوله: (والجبت في الأصل اسم صنم الخ) قال الراغب: الجبت والجبس الرذيل الذي لا خبر فيه وقيل التاء بدل من السين كما في قوله: عمرو بن يربوع شرار النات أي الناس وهو قول قطرب لأنّ مادة ج ب ت مهملة وغيره يجعلها مادّة مستقلة وأطلق على كل معبود غير الله، وكذا الطاغوت وقد مرّ وقوله: لأجلهم يشير إلى أنّ اللام ليس صلة القول، ولو كان صلة! قال أنتم أهدى الخ وفسر السبيل بالدين لأنه يعبر به عنه وهو الطريق المستقيم وفي نفي النصر بيان لخفيتهم، في استنصارهم بمشركي قريش. قوله: (أم منقطعة ومعنى الهمزة الخ) أم المنقطعة مقدرة ببل والهمزة أي بل أكان الخ والهمزة المقدرة التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى معناها الإنكار أي لا يكون لهم ذلك. قوله: (أي لو كان لهم نصيب من الملك الخ) قيل أي لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيباً منه لما آتوا أحدا أقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 قليل مته، ومن حق من أوتي العملك الإيثار وهم ليسوا كذلك فالفاء في فإذا للسيية، والجزائية لشرط محذوف هو إن حصل لهم نصيب لا لو كان لهم نصيب كما قدّره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري لأنّ الفاء لا تقع في جواب لو سيما مع إذا والمضارع، وما قيل أنّ لو ههنا بمعنى إن وعدم وقوع الفاء في جواب لمو المستعار لمعنى أن ممنوع فتكلف، وتعسف إذ لا داعي لتقدير لو ثم تأويلها بأن مع أنّ وقوع الفاء في جوابها حينئذ غير معلوم، ومجرّد المنع في الأمور العقلية لا يسمع. قوله: (ويجوز أن يكون المعنى الخ) أي الفاء إمّا جواب شرط أو عاطفة، ومعنى الهمزة إنكار المجموع من المعطوف، والمعطوف عليه بمعنى لا ينبغي أن يكون هذا الذي وقع، وهو أنهم قد أوتوا نصيباً منه ويعقبه منهم البخل بأقل القليل، وفائدة إذا زيادة الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب للإعطاء سبباً لهم فقوله: وأنهم لا يؤتون عطف على أنهم أوتوا فعلى الأوّل الإنكار مخصوص بالجملة الأولى أي كون لهم نصيباً من الملك وعلى هذا إلى مجموع الأمرين، والهمزة للإنكار بمعنى لم كان، وعلى الأوّل معناه لم يكن هذا مسلكه في الكشاف، والمصنف رحمه الله تعالى خالف فجعل الإنكار فيهما بمعنى لم يكن، ومعنى قوله: على الكناية أنه يلزم من عدم إعطائهم القليل لا أن يكون لهم ملك فالإنكار بحسب الظاهر، وان كان بمعنى لم يكن فمآله إلى أنه لم يكن ولا يكون فنفي إعطاء القليل، وأريد نفي لازمه، وهو الملك. قوله:) وإذا إذا وقع الخ الأنه شرط في أعمالها الصدارة فإن نظر إلى كونها في صدر جملتها نصبت، وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت وتراءة النصب شاذة منقولة عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. قوله: (بل أيحسدون الخ) يعني أم هنا منقطعة مقد بعدها الهمزة الإنكارية كما مرّ، وفسر الناس بالنبي مح! فه وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لحسدهم لهم على الدين أو حسد، والعرب إذ بعث منهم النبيّ ع! ي! ، ونزل القرآن بلسانهم أو حسدوا جميع الناس حيث نازعوا في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي إرشاد لجميع الخلق فهو مجاز على هذا، وقوله: كمالهم ورشدهم بالنصب بدل من الناس يدل اشتمال أو منصوب بنزع الخافض، وبخسهم بالتشديد في الخاء المعجمة يليها سين مهملة، وقوله: كان بينهما تلازما لما كان في نفس الأمر لا تلازم بينهما أتى بكان لذلك إذ رلث بخيل لا يحسد وحسود لا يبخل، وقوله: النبوّة والكتاب راجع إلى تفسير الناس بالنبيّ-! بم وأصحابه وجعل النبيّ منهم راجع إلى تفسيره بالعرب، وأبناء عمه لأنهم من إسحق، وهو من إسماعيل وإذا كان كذلك فلا فائدة في الحسد سوى الاعتراض على الحكمة الربانية، وترك تفسير الحسد باستكثار نسائه مع ما كان لسليمان وداود عليهما الصلاة والسلام من أكثر بكثير من ذلك لبعده، وعدم ما يدل عليه مع جعل الناس فيه بمعنى النبيّ صلى الله عليه وسلم، والحسد بمعنى الطعن والذم. قوله:) وقيل معناه الخ) ضمير به لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فهو تسلية له عليه الصلاة والسلام، ويوهن بالتشديد بمعنى يضعف وكذا يعجلوا وقوله: كالبيان بيان لوجه ترك العطف. قوله: (بأن يعاد ذلك الجلد بعيته الخ (إشارة إلى دفع ما يقال إنّ الجلد الثاني لم يعص فكيف يعذب بأنه هو العاصي باعتبار أصله فإنه لم يبدل إلا صفته لا مادّته الأصلية فلا يكون التعذيب إلا للجلود العاصية فإنّ الاختلاف في الصورة فقط أو في النضج وعدمه أو أنه يعاد بعد العدم بناء على جواز إعادة المعدوم بعينه أو أنّ العذاب إنما هو على النفس الحساسة، واعادة ذلك لتجديد عذابها وتقويته وقوله: (والعذاب في الحقيقة الخ) فالمعذب هو العاصي لا غيره مع أنه لا يسأل عما يفعل واليه أشار بما بعده. قوله: (فيناناً لأجوب فيه الخ) فينان بمعنى متصل منبسط فيعال من الفنن بفاء، ومثناة تحتية ونونين بينهما ألف كأنه كثير الأفنان، وقيل فلان من الفين وليس بواضح ولا وجه لانصرافه حينئذ، ولأجوب بضم الجيم، وفتح الواو جمع جوبة بمعنى فرجة ولا تنسخه بمعنى لا تزيله، والظليل صفة اشتقت من الظل لتكيده كما هو عادتهم في يوم أيوم، وغيره. وقيل: إنه اتباع. قوله: (خطاب يعم المكلفين الخ) غير عبارة الكشاف وقيل: نزلت لأنّ عموم الحكم لا ينافي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 خصوص السبب، وهو مراد الزمخشري أيضا كما ذكره شراحه. قوله: (فلوى علئ كرم الله وجهه الخ) في الكلام حذف، وايجاز يعني فنزل فسأله عليّ رضي الله تعالى عنه اًن يفتح الباب فأبى وروى بعض الشيعة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حمل عليا رضي الله تعالى عنه على عاتقه حتى صعد سطح الكعبة وأخذ المفتاح، وقال: قد خيل لي أني لو أردت لبلغت السماء قيل: وهو مخرّج في بعض كتب الحديث وسدانة الكعبة بكسر السين المهملة خدمتها وتولي أمرها كفتح بابها، واغلاقه يقال سدن يسدن سدانة فهو سادن والجمع سدنة. (أقول) هكذا ذكره الثعلبي والبغوي، والواحدي رحمهم الله تعالى لكن قال الأشموني: المعروف عند أهل السير أن عثمان بن طلحة أسلم قبل ذلك في هدنة الحديبية مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما ذكره ابن إسحق وغيره وجزم به ابن عبد البر في الاستيعاب، والنووي في تهذيبه والذهبي وغيرهم، وما ذكر من أنّ السدانة في أولاد عثمان يخالف قول ابن كثير في تفسيره أنّ عثمان دفع المفتاح إلى أخيه شيبة فهو في يد ولده إلى اليوم وهو الصحيح. قوله: (وإذا حكمتم الخ) في التسهيل الفصل بين العاطف والمعطوف إذا لم يكن فعلا بالظرف والجار والمجرور جائز، وليس ضرورة خلافاً لأبي عليّ كما هنا وكما في قوله: {وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [سورة البقرة، الآية: 201] وإذا كان فعلاً لم يجز والحجة ما ذكر من الآيات، وقيل الممتنع إذا كان العاطف على حرف ويجوز في غيره، والكلام عليه مفصل في محله. قوله: (أي وأن تحكموا بالإنصاف والسوية الخ) السوية إشارة إلى حقيقة العدل، وفي هذا العطف كلام، وهو أنه هل يجوز الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف كما هنا فإنّ أن تحكموا معطوف على أن تؤدّوا وقد فصل بينهما بإذا ثم إن الظرف أن تعلق بما بعد أن فما في حيز الموصول الحرفي لا يتقدم عليه، وان تعلق بما قبله لا يستقيم المعنى لأن تأدية الأمانة ليس وقت الحكومة، ولذا ذهب أبو حيان رحمه الله تعالى إلى أنه متعلق بمقدر يفسره المذكور أي وأن تحكموا إذا حكمتم بالعدل بين الناس أن تحكموا لتسلم مما ذكر ومن أجاز التقدم والفصل لا يأباه وكلام المصنف محتمل له وقوله: (ولأنّ الخ) قول مقابل لعموم الخطاب السابق وسماه أمانة لأنه لم يرد الله نزعه منه، ولأنه أخذه بصورة حق فليس بغصب لأنه بأمره صلى الله عليه وسلم، وقوله: أو يرضى بحكمكم إشارة إلى جواز التحكيم. قوله: (أي نعم شيئاً يعظكم به الخ) في التسهيل فاعل نعم ظاهر معرف بالألف واللاء أو مضاف إلى المعرف بها، وقد يقوم مقامه ما معرفة تامّة وفاقاً لسيبويه، والكسائي لا هـ وصولة خلافاً لابن السراج والفارسي، ولا نكرة مميزة خلافاً للزمخشري والفارسي في أحد قوليه يعني ما عندهما في محل نصب على التمييز، وأعترض عليه بأنّ ما مساوية للمضمر في الإبهام فلا تميزه لأنّ التمييز لبيان جنس المميز، وأجيب بمنع كونها مساوية لأنّ المراد بها شيء عظيم والضمير لا يدل على ذلك وقال النحرير وجه وقوع ما الموصولة فاعل نعم أنها في معنى المعرف باللام، والمخصوص بالمدح محذوف سواء كانت منصوبة على التمييز للضمير المستتر المبهم الذي هو فاعل نعم وبعظكم صفة لها أو مرفوعة على أنها فاعل ويعظكم صلة لها، وأما ما قيل أنّ ما تتميز بمعنى شيثاً أو فاعل بمعنى الشيء ويعظكم صفة محذوف هو المخصوص بالمدح فيعيد بل غير مستقيم فيمن يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف لبقاء الجملة الواقعة خبر إنّ خالية عن العائد على أنّ جعل ما بمعنى الشيء المعرف من غير صلة ليس بشيء وفيه تأمل ومن الغريب ما قيل إنّ ما كافة. قوله: (يريد به أمراء المسلمين الخ) اختلف السلف في أولي الأمر المأمور بإطاعتهم فقيل هم أمراء السرايا، وهو جمع سرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدوّ سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر، وخيارهم من الشيء السريّ أي النفيس ووجه التخصيص أنّ في عدم إطاعتهم ولا سلطان، ولا حاضرة مفسدة عظيمة وقيل: أولو الفقه والعلم ووجه التخصيص أنهم هم الذين يرجعون إلى الكتاب والسنة، وحمله كثير على ما يعم الجميع لتناول الاسم لهم لأنّ للأمراء أمر تدبير الجيش والقتال، وللعلماء حفظ الشريعة، وما يجوز وما لا يجوز فأمر الناس بطاعتهم ما عدلوا بقرينة ما قبله، وكانوا عدو لأمر مبين موثوقا بديانتهم وأمانتهم، وقيل: الأظهر أنّ المراد بهم الحكام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 كالقضاة والأمراء لأنه أمر أولاً بالعدل ثم خاطب من له تنفيذ الأمر بذلك، ورجح بعضهم أنّ المراد العلماء لما قدمناه، وقوله: ما داموا على الحق إشارة إلى أنه لا تجب طاعتهم فيما خالف الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " ولا في المباج أيضا لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله، ولا أن يحلل ما حرمه الله، وبعض الجهلة يظن أنّ طاعة أولي الأمر لازمة مطلقا، ولو في المباح، والناس على ما حقق الجصاص على خلافه، وفي التعبير بأولي الأمر دون الحكام إشعار وقوله: (لقوله سبحانه وتعالى لخ) فإن العلماء بل المجتهدين هم المستنبطون المستخرجون للأحكام. قوله: (أنتم وأولو الأمر منكم الخ) يعني الخطاب عام للمؤمنين مطلقا، وخصص الشيء بأمر الدين بدليل ما بعده ووجه التأييد أن للناس، والعامّة منازعة الأمراء في بعض الأمور، وليس لهم منازعة العلماء إذ المراد بهم المجتهدون والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم، والمراد بالمرؤس على وزن المفعول العامة التابعة للرائس والرئيس فإذا كان الخطاب في تنازعتم لأولي الأمر على إلالتفات صح إرادة العلماء لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضا مجادلة ومحاجة فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل. قوله:) بالسؤال عنه في زمانه الخ (ظاهره أنه لا يجوز الاجتهاد بحضوره صلى الله عليه وسلم، وهو مختلف فيه كما قدمناه ووجه الاستدلال والجواب ظاهر. أمّا الآوّل: فللحصر في الكتاب والسنة. وأما الثاني: فلأن المقيس مردود إلى الكتاب والسئة لاستناده إليه، واستنباطه منه لكن قوله: إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه المراد منه أنّ المختلف فيه غير المعلوم من النص مردود إليه ورده إليه إنما يكون بهذا الطريق فلا يرد عليه أنه لا وجه للحصر والمختلف بصيغة المفعول كالمشترك، والآية دالة على جميع الأدلة الشرعية فالمراد بإطاعة الله العمل بالكتاب وإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم العمل بالسنة، والرذ إليهما القياس، وعلم من قوله فإن تنازعتم أنه عند عدم النزاع يعمل بما اتفق عليه، وهو الإجماع فلو ذكره لكان أولى. قوله: (ذلك أي الردا لو حمل على جميع ما سبق على التفريع لحسن، وقوله: عاقبة أصل معنى التأويل الرجوع إلى المآل والعاقبة ثم استعمل في بيان المعنى المراد من اللفظ الغير الظاهر مته، وكلاهما حقيقة وارد في القرآن، وأن غلب في الثاني في العرف، ولذا يقابل التفسير، والى هذين المعنيين أشار المصنف رحمه الله، وقوله أحسن تأويلاً من تأويلكم بمنزلة قولك زيد أحسن وجهأ من وجه عمرو لا أحسن من عمرو وإن كان مرجع أحسن وجها إلى أحسن وجهه. قوله: (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) هذا الحديث أخرجه ابن أبي حاتم من طرق، وكذا رواه غيره، وقوله مكانكما أي اجلسا اسم فعل أو متعلق بمحذوف أي الزما، وضرب عنقه لأنه أظهر نفاقه وزندقته، وقوله: حتى برد أي مات، وهو كناية عنه للزوم انطفاء الحرارة الغريزية له وقوله: فسمي الفاروق، والذي سماه به النبيّ صلى الله عليه وسلم كما صرّح به في الكشاف. قوله: (والطاغوت الخ) يعني الطاغوت إما أن يجعل علما لقيا له كالفاروق فهو حقيقة، وكذا إن كان اسماً للكثير الطغيان مطلقاً فإن كان بمعنى الشيطان فهو استعارة أو حقيقة، والتجوّز في إسناد التحاكم إليه بالنسبة الإيقاعية بين الفعل ومفعوله بالواسطة، وقيل: إنه مجاز مرسل بالتسمية باسم السبب الحامل عليه، واستدل على هذا الوجه بما بعده لأنهم إنما أمروا أن يكفروا بالشيطان لا بكعب، وقوله: ويؤثر لأجله أن يختار لأجل الباطل ما يختاره. قوله: (ويريد الشيطان الخ (عطف على الجملة الحالية وضع فيه المظهر موضع المضمر على معنى يريدون أن يتحاكموا إلى الشيطان، وهو بصدد إرادة إضلالهم وعلى الأوّلين يكون ضمير به للطاغوت باعتبار الوصف لا الذات أي أمروا أن يكفروا بمن هو كثير الطغيان أو شبيه بالشيطان، وقرئ بها وبهن لأنّ الطاغوت يكون للواحد، والجمع فإذا أريد الثاني أنث باعتبار معنى الجماعة، ولذا ورد تذكيره وتأنيثه، وقد مرّ تفصيله. قوله:) وقرئ تعالوا بضا اللام الخ) في الكشاف، وقرأ الحسن تعالوا بضم اللام على أنه حذف اللام من تعاليت تخفيفاً كما قالوا ما باليت به بالة، وأصلها بالية كعافية وكما قال الكساني في آية أنّ أصلها آيية فاعلة فحذفت اللام فلما حذفت وقعت واو الجمع بعد اللام من تعال فضمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 فصار تعالوا نحو تقدموا ومنه قول أهل مكة تعالى بكسر اللام للمرأة في شعر الحمداني: تعالي أقاسمك الهموم تعالي والوجه فتح اللام انتهى. يعني أنّ فيه لغة بحذف لامه اعتباطا بالمهملة أي لغير علة لأنّ المحذوف لها كالموجود فتصير اللام كاللام فتضم كآخر الكلمة قبل واو الجمع وهذه لغة مسموعة فيه أثبتها ابن جني، وان كانت ضعيفة فلا عبرة بمن لحن الشاعر فيها كابن هشام، واذا قرى بها فقد انقطع النزاع، وأصل معناه طلب الإقبال إلى مكان عال ثم عم، والشعر المذكور لأبي فراس الحرث بن أبي سعيد ابن عم سيف الدولة، وهو من الفصحاء الذين يجعل قولهم بمنزلة روايتهم، ويستأنس به وقد كان أسرته الروم فسمع هدير حمامة تنوح فقال: أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا هل بات حالك حالي معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى ولا خطرت منك الهموم ببالي أتحمل محزون الفؤاد قوادم إلى غصن نائي المسافة عالي أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي تعالي تري روحا لد! يّ ضعيفة تردّد في جسم يعذب بالي أيضحك مأسور وتبكي طليقة وبسكت محزون ويندب سالي لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي قوله: (هو مصدر أو اسم للمصدر) كونه اسم مصدر عزاه مكي إلى الخليلى رحمه الله لكنه غير ظاهر وإن لم يكن على المصنف فيه عهدة كما توهم، لأنّ فعولاً مصدر قياسي في اللازم كدخل دخولاً بالاتفاق وهذا لازم لأنّ صدّ يكون متعديا، ومصدره الصدود، وفي المتعدّي كلزمه لزوما، ودفنه دفونا فلا وجه لكونه اسم مصدر إلا أن يدعي أنه متعد حذف مفعوله أي يصدون المتحاكمين، ولا حاجة إليه وكونه مصدراً هو الصحيح لما ذكرنا ولذا قدمه المصنف رحمه الله، وقوله: يصدون في موضع الحال أي إن كانت رأي بصرية والا فهي مفعول ثان وقوله: (يكون حالهم) إشارة إلى أنّ في الكلام مقدراً هو العامل في كيف وإذا ويحلفون حال من فاعل جاؤوك، وقوله: ما أردنا إشارة إلى أنّ إن نافية، وقوله: والتوفيق أي لم نرد بالمرافعة لغيرك عدم الرضا بحكمك بل أن تصلح بين هذين الخصمين، وعلى القول بأنه لحكاية أصحاب القتيل إذ المجرّد الظرفية دون الاستقبال. قوله: (أي عن عقابهم لمصلحة في استيقائهم) أي عدم قتلهم واهلاكهم، ورجح النحرير الوجه الثاني، ويلزمه الإعراض عن طلبهم دم القتيل لأنه هدر وليس وجها آخر كما قيل. قوله: (أي في معنى أنفسهم) في نسخة شأن أنفسهم وهما بمعنى، وفي إعرابه ومعناه وجوه أحدها أنه متعلق بقل، ومعناه أمّا قل لهم خاليا لا يكون معهم أحد لأنه أدعى إلى قبول النصيحة، ولذا قيل النصح بين الملا تقريع، وأئا قل لهم في شأن أنفسهم، ومعناها قولاً بليغاً يبلغ ما يزجرهم عن النفاق، والظرفية على الأوّل حقيقية، وعلى الثاني من ظرفية اللفظ للمعنى ويؤثر فيهم عطف تفسيري ليبلغ منهم يعني يتمكن منهم من جهة الإبلاغ، والثاني تعلقه ببليغاً وسيأتي. قوله: (أمره بالتجافي الخ (التجافي بمعنى التجاوز من تجافي بمعنى تباعد، وهو بناء على أحد معنى الإعراض! والنصح من الوعظ، وتعليق الظرف ببليغا ذهب إليه الزمخشري، ولم يرتضه المصنف رحمه الله لأنه مذهب الكوفيين، والمشهور مذهب البصريين أنّ معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف لأنّ المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقدم عامله عندهم، وقيل: إنه يصح إذا كان ظرفاً دون غيره، وقوّاه بعضهم وقيل إنه متعلق بمقدر يفسره المذكور، وفيه بعد. قوله: (والقول البليغ في الآصل الخ (أي في أصل وضعه لغة لا اصطلاحا كما تقرّر في المعاني، وهذا معناه إذا أخذ من البلاغة على ما ارتضاه من تعلق إذا بقل وأما إذا تعلق ببليغا فهو من البلوغ أي يبلغ أنفسهم، ويؤثر فيها، ولم يتعرّضى له المصنف رحمه الله تعالى لمرجوحيته عنده. قال الراغب البلاغة تقال في وجهين. أحدهما: أن يكون بذاته بليغاً وذلك يجمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 ثلاثة أوصاف أن يكون صوابا في وضع لغته وطبقا للمعنى المقصود به وصدقا في نفسه فمتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة. والثاني: أن يكون بليغا باعتبار القائل، والمقول له، وهو أن يقصد القائل به أمراً ما فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له، وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً يصح حمله على المعنيين، وقول من قال: قل لهم إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، ومن قال: خوّفهم بمكاره تنزل بهم إشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ اص. قوله: (بسبب إذنه الخ) يعني أنّ الإذن بالطاعة بمعنى الأمر والرضا بها مجازاً، وفسر بالتيسير، والتوفيق أيضاً، وقوله: وكأنه احتج أي ذكر دليلاً على كفر من لم يرض بحكمه وتصويب قتله واهدار دمه ولا حجة في الآية لما يقوله المعتزلة من أنه لا يريد إلا الخير وأنّ الشر ليس بإرادته لأنّ المعنى إلا ليطيعه من أذن له في الطاعة وأرادها منه وأمّا من لم يأذن له فيريد عدم إطاعته فلذا لا يطيعه، ويكون كافراً. قوله: (وإنما عدل عن الخطاب الخ) أي لم يقل، واستغفرت تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عدل عن خطابه إلى ما هو من عظيم صفاته على طريقة حكم الأمير بكذا مكان حكمت، وتعظيم الاستغفار من جهة إسناده إلى لفظ ينبئ عن علوّ مرتبته من جهة التعلق بالرسالة، وفسر التوّاب بقابل التوب لما مرّ. قوله: (ولا مزيدة لتثيد القسم الخ الا تذكر قبل القسم كثيراً فقيل إنها ردّ لمقدر أي لا يكون الأمر كما زعمتم، وقيل مزيدة لتأكيد النفي في الجواب ولتأكيد القسم إن لم يكن نفي وارتضى الزمخشرقي وتبعه المصنف رحمه الله أنها لتأكيد القسم مطلقا لتكون على نمط واحد لأنها زيدت في النفي والإثبات، وقال في الانتصاف أنها لم تزد في القرآن إلا مع صريح فعل القسم، ومع القسم بغير الله نحو: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [سورة البدد، الآية: ا] قصداً إلى تأكيد القسم وتعظيم المقسم به كأنه قيل إعظامي له كلا إعظام لاستحقاقه فوق ذلك وهذا لا يحسن في القسم بالله ولم يسمع زيادتها مع القسم بالثه إلا إذا كان الجواب منفياً فدل ذلك على أنها معه زائدة موطئة للمقسم عليه الواقع في الجواب، ومنه يعلم الفرق بين المقامين والجواب عن قول المصنف والزمخشريّ أنه لا فارق بينهما فافهم فإنه معنى بديع. قوله: (فيما اختلف بينهم واختلط الخ) التشاجر المنازعة والمخاصمة، وأصل ماذته للاختلاط لأنهم لما بينهم تختلف أقوالهم، ويختلط بعضهم ببعضهم، وتتعارض أقوالهم، وفسر الحرج بالضيق لأنّ أصل معناه كما قال الراغب: اجتماع أشياء، ويلزمه الضيق فاستعمل فيه ثم قيل حرج إذا قلق وضاق صدره ثم استعمل أيضاً في الشك لأنّ النفس تقلق منه، ولا تطمئن له واليه أشار المصنف رحمه الله وسيأتي في سورة الأعراف. قوله: (وينقادوا لك انقياد الخ) تفسير التسليم بالانقياد والإذعان إشارة إلى أنه ليس أمرا وراء التصديق المعتبر في الإيمان، وهو ترك الآباء والجحود على ما هو الحق، وعلى هذا فالحق تفسير الحرج بضيق الصدر لشائبة الكراهة، والإباء بدليل أنّ بعض الكفرة كانوا يستيقنون الآيات بلا شك، لكن يجحدون ظلما وعتوّا فلا يكونون مؤمنين، وأما تفسيره بالشك فيلائم القول بأنّ الإيمان هو المعرفة، والاعتقاد هكذا قال النحرير فتأمله. قوله: (تعرّضوا بها للقتل الخ) يعني أنّ المراد بالقتل إمّا مباشرة ما يؤدّي إليه أو حقيقته، وفي أن هذه قولان فقيل مفسرة، وقيل مصدرية، ولا يضرّه زوال الأمر بالسبك لأنه أمر تقديري، وكون الكتابة في معنى الأمر لا يضرّه تعديه بعلى حتى يقال الصواب تأويله بأوحينا لأنه لم يخرج عن معناه ولو خرج فتعديته باعتبار معناه الأصلي جائزة كما في نطقت الحال بكذا في تعديته بالباء مع أن دلّ يعذي بعلى كما تقرّر في محله، والقراءة بكسرهما على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وضمهما لاتباع الثالث، والتفرقة لأنّ الواو وأخت الضمة، وقوله إجراء لهما أي للنون والواو مجرى همزة الوصل الساقطة في اتباع الثالث، وليس هذا مغايراً للاتباع السابق بل تنوير له، فليس علة أخرى كما توهم. قوله:) 1 لا ناس قليل الخ) يعني أنه على قراءة الرفع لأنه غير موجب بدل من ضمير فعلوه المرفوع ودلالته على القصور لعدم بذل النفس والامتثال، والوهن بمعنى الضعف. قوله: (والضمير للمكتوب الخ) إشارة إلى أنه راجع للمكتوب الشامل للقتل، والخروج لدلالة الفعل عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 أو هو عائد على القتل والخروج، وللعطف بأو لزم توحيد الضمير لأنه عائد لأحد الأمرين ولذا اعترض! على الإمام الرازي في جعله الضمير عائداً إليهما معاً بالتأويل لنبوّ الصناعة عنه. قوله: (أو على إلا فعلا قلبلاَ) قيل عليه الوجه الأوّل لتوافق القراءتين معنى، ولأنّ لفظ منهم صفة قليلاً فإن كان بمعنى ناساً قليلاً أفاد التوصيف وإن كان بمعنى فعلا قليلاَ، كان زائدا لا حاجة إليه كقولك ما ضربوا زيداً إلا ضرباً قليلاً منهم. قوله: (نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة وضي الله عنه الخ) حاطب فاعل من الحطب بمهملتين صحابى بدري وبلتعة بفتح الباء الموحدة وسكون اللام والتاء المثناة الفوقية والعين المهملة، وهذا الحديث أخرجه الستة بلفظ خاصم الزبير رضي الله عنه رجلا من الأنصار ولم يسموه. وقال الطيبي: تسمية حاطب بن أبي بلتعة خطأ، وهو صحابي بدريّ شهد له بالإيمان في سورة الممتحنة فهو أجل قدراً من أن يصدر عنه ما يغير خاطر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنّ الرجل المذكور من الأنصار، وحاطب بن راشد لخمي حليف قريش، ويقال إنه من مذحج وقيل من أهل اليمن وأكثر أنه حليف لبني أسد بن عبد العزى كما في الاستيعاب فليس أنصاريا، وقيل عليه إنّ تسمية حاطب بن أبي بلتعة أخرجها ابن أبي حاتم من مرسل سعيد بن المسيب بسند قوي، وتعقب بأنه من المهاجرين لا من الأنصار وقول القرطبي رحمه الله: إنه من الأنصار نسباً لا ديناً إن كان منافقا، ويحتمل أنه غير منافق وإنما صدر منه ذلك لبوادر الغضب خطا وليس بمعصوم ينافي ما نقل عن الاسنيعاب. وقال ابن حجر حكى الواحدي بلا سند أنه ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وحكى ابن بشكوال عن ابن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس، ولم يأت بشاهد، والشراح بشين معجمة مكسورة وراء مهملة، وجيم بعد ألف جمع شرح، وهو مسيل الماء، والحرّة أرض ذات حجارة سود والجدر بفتح فسكون الدال المهملة الجدار الصغير، والمراد ما يحفظ المزرعة ويسميه أهل مكة الموز والمرز كأنه معرب لأنه بالفارسية بمعنى الحذ كمعز ولدّا لم يذكر في اللغة فاحفظه. وقوله: (لأن كان (بفتح الهمزة أي ذلك الحكم والقضاء لأجل أنه ابن عمتك لأنّ أمه صفية بنت عبد المطلب وأن مصدربة لا مخففة من الثقيلة، وكان حكمه عليه الصلاة والسلام أوّلاً بطريق اللطف به واعطائه فوق حقه فلما صدر منه ذلك أتم حق الزبير رضي الله عنه، وللقصة تتمة في الكشاف يعلم منها وجه مناسبة ذكرانا كتبنا الخ وتركها المصنف فكأنها لم تثبت عنده. قوله: (جواب لسؤال مقدّر الخ) اعلم أنّ النحاة قالوا إنها حرف جواب وجزاء، وهل هذان المعنيان لا زمان لها أو تكون جوابا فقط قولان الأوّل قول سيبويه رحمه الله، والثاني قول الفارسي فإذا قال قائل: أزورك غداً فقلت إذن أكرمك فهي جواب وجزاء، وإذا قلت إذن أظنك صادقا كانت جوابا فقط فقد التزموا فيها أن تكون جوابا، واستشكله ابن هشام بأنه إن أريد به جواب الشرط كما هو الظاهر من الجزاء، وقولهم: لا بد قبلها من شرط ملفوظ أو مقدر بطل استعمالها في نحو إذن أظنك صادقا بعد قول القائل أنا أحبك وهذا لا مجازاة فيه. (قلت) وكذا يبطله اقترانها بالواو وأخواتها وتوسطها في الكلام، وان أريد به ما يراد بقولهم نعم حرف جواب فهم لم يعدوها منها ومقتضا. صحة الاقتصار عليها كنعم وأخواتها، وبالتفسير الأوّل يفصح كلام الفارسي، وبالثاني قول شارح الحماسة في قوله: إذن لقام بنصري معشر خشن قال سيبويه إذن حرف جواب وجزاء فيكون هذا القائل قدر أن سائلاً سأله فقال ماذا كانوا يصنعون فقال إذن لقام بنصري الخ. فهو جواب لهذا السائل، وجزاء للتهييج على فعله، ثم قال ويجوز أن يكون أجاب بجوابين مثل لو كنت حراً لاستقبحت ما يفعل العبيد لاستحسنت ما يفعل الأحرار، وابن جني رحمه الله يجعله بدلاً من الجواب، ويجوز أن تكون اللام جوابا لقسم مقدّر، وهو يقتضي أنّ الجواب بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي، وهو مخالف لكلامهم، وقد قيل عليه أنه تطويل بلا طائل، وليس المراد بالجواب أحد هذين المعنيين بل مرادهم أنّ إذن لا تكون في كلام مبتدأ بل في كلام مبني على شيء تقدمه ملفوظ أو مقدر سواء كان شرطا أو كلام سائل أو نحوه كما أنه ليس المراد بالجزاء المصطلح بل ما يكون مجازاة لفعل فاعل سواء السائل وغيره، وبه اندفعت الشبه بأسرها، وهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 كلام حسن فعلى هذا هي جواب الشرط السابق مقرونا باللام، واذن مقحمة للدلالة على أنه مترتب على جوابه، وما فيه من التثبيت، وتقدير السؤال تحقيقا لذلك المعنى، وأيضا حاله كما حققه في الكشف، والا فلو كان جوابا بالسؤال مقدّر لم يكن لاقترانه بالواو وجه، واظهار لو ليس لأنها مقدرة بل لتحقيق أنها جواب للشرط لكن بعد اعتبار جوابه الأوّل، وهذا شرح لكلام العلامة، والمصنف بما لا غبار عليه فما قيل إنه يقدر سؤال إذن لآتيناهم الخ جواب له متضمن لما يكون هذا جزاء عليه، وهو الثبات على الإيمان، وليس المعنى أنها أبدا جزاء شرط لكن احتيج إليه فقدر لأجل اللام مع أن السؤال بعد التثبيت مستغنى عنه فالأوجه تقدير قسم كما قاله المرزوقي سابقا، يحتمل أن يكون هذا عطفاً على لكان خيراً لكن التعليق بالتثبيت أنسب فلذا جعله جواب شرط محذوف على أن الواو للاستئناف أو لعطف هذه الجملة على الشرطية، وإلا فلما تعذد الجواب بدون عاطف كما مرّ فمعه أولى وجواب السؤال بالمعزى عن العاطف أحرى والقول بأنه مع كونه جواب سؤال مقدّر معنى عطف على لكان خيرا لهم لفظاً بعيد جداً كلام مشوش مخالف لما حققه النحاة، وما استبعده هو التحقيق الذي لا عدول عنه بعد تنقيح كلام النحاة في هذه المسألة، وللشراح هنا خلط وخبط كثير. قوله: (يصلون بسلوكه الخ) وفي نسخة يصل من غلط الكاتب يعني يتقرّبون به إلى الله، ويفتح عليهم به معرفة غوامض كثيرة من العلوم الإلهية. والحديث المذكور أورده أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله عنه، وحمل الصراط على المراتب بعد الإيمان فلا حاجة لتأويله بالزيادة أو الثبات كما في الكشاف. قوله: (مزيد ترغيب في الطاعة الخ) مرافقة مفعول الوعد، ومن بيانية تبين الموصول أو العائد عليه قيل وعلى جعله حالاً من اللذين يؤوّل بمقارنين للذين ليجري على قاعدة الحال من المضاف إليه، والحث على عدم التأخر لجعلهم ممدوحين بكونهم معهم، وهم راجع للأربعة أقسام والصديق مبالغة الصادق، ومراقي النظر تخييلية ومكنية، وكذا أوح العرفان، وأوج في كتب الحكمة أنها كلمة هندية معرب أود ومعناها العلو، وفسر الشهداء بمعناه المعروف وعلى ما بعده جعله من الشهادة أي المشاهدة، وحاصل الثاني أنّ العارف بالله إمّا أن تكون معرفته عن مشاهدة بالحقيقة مع قرب واتصال أو مع بعدما وانفصال أو للصور المنطبعة في مرآة العقل التي معه أو البعيدة عنه، وهذا مما لا شبهة فيه لمن ألقى السمع وهو شهيد اللهم أشرق علينا ذرّة من أنوار معرفتك تخلصنا من ظلمات الهيولى. قوله: (في معنى التعجب ورفيقاً نصب على التمييز أو الحال الخ) في الكشاف فيه معنى التعجب كأنه قيل وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ حسن بسكون السين يقول المتعجب حسن الوجه وحسن الوجه وجهك بالفتح والضم مع التسكين يعني أنّ فعل المضموم العين كحسن، وقصر يراد به إنشاء المدح أو الذم، والتعجب فيعامل معاملة ذلك الباب كما هنا لكن قال أبو حيان رحمه الله إنّ ما ذكره الزمخشري تخليط بين مذهبين نإنه اختلف فيه هل هو لا مبالغة فيه في المدح، والذم فيجعل من باب نعم ويجري مجراها أو فيه تعجب فيجري عليه أحكام التعجب وهو لفق كلامه منهما، والمصنف رحمه الله تركه فلا يرد عليه شيء. وسيأتي لهذا تفصيل في أوّل سورة الكهف، والنظم محتمل لأن يكون أولئك إشارة إلى من يطع، والمعنى حسن رفيق أولئك المطيعين فالرفيق النبيون، ومن بعدهم والتمييز غير المميز، ومحتمل لأن يكون إشارة للنبيين وبقية الفرق الأربع ورفيقاً تمييز هو عين المميز، ويجوز فيه الحالية، ولم يجمع لأنّ فعيلاً يستوي فيه الواحد وغيره أو اكتفاء بالواحد عن الجمع لفهم المعنى وحسنه وقوعه في الفاصلة أو لأنه بتأويل حسن كل واحد منهم أو لأنه قصد بيان الجنس بقطع النظر عن الأنواع كما في الكشاف. قوله: (روي أنّ ثوبان الخ) روا. البيهقي في شعب الإيمان وغيره، وفي الاستيعاب هو أبو عبد الله ثوبان بن مجدّد من أهل السراة، والسراة موضع بين مكة، واليمن أصابه سبي فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام، وقوله: (فذاك) أي فذاك الذي أخاف حين لا أراك وروي فحين منصوباً. قوله: (إشارة إلى ما للمطيعين الخ (يعني أنه إشارة إلى جميع ما قبله أو إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 ما يليه، وقوله: واستحقاق أهله أي بحسب الوعد كما مرّ تحقيقه فليس مبنيا على مذهب المعتزلة. قوله: (والحذر الخ) أي مصدر أن بمعنى، وهو الاحتراز عما يخاف، وأخذ حذره من الكناية، والتخييل بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية، وليس الأخذ مجازاً ليلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز في مثل فليأخذوا حذرهم وأسلحتهم إذ التجوّز في الإيقاع، والجمع فيه كما صرّج به في الكشف، وتبعه المحقق النحرير فإن كان الحذر كل ما يصونك معنى كالحزم أو آلة كالسلاج كما نقله الراغب فهو حقيقة. قوله: (فاخرجوا إلى الجهاد الخ) أصل معنى النفر الفزع كالنقرة ثم استعمل فيما ذكر وثبات منصوب على الحال لأنه بمعنى متفرّقين جماعة جماعة والثبة الجماعة جمع جمع المؤنث وأعرب إعرابه على اللغة الفصيحة، وفي لغة نصبه على الفتح ولامها محذوفة معوّض عنها التاء، وهل هي واو من ثبا يثبو أي اجتمع أو من ثبيت عليه بمعنى أثنيت عليه بذكر محاسنه وجمعها قولان وثبة الحوض وسطه واوية، وجمع جمع المذكر السالم أيضا، وان لم يكن مفرده سالما ولا مذكراً لأنه اطرد فيما حذف آخره ذلك جبرا له كما يجمع جمع مذكر سالم كثبين وقلين وعدين، وان لم يكن عاقلاً، وفي ثائه حينئذ لغتان الضم والكسر، وكوكبة واحدة جماعة واحدة كما في القاموس مجاز من قولهم كوكب الشيء لمعظمه، وقوله: (والآية وإن نزلت الخ) قيل عليه مع قوله حذركم، وتفسير النفر بالخروج للجهاد كيف تكون مطلقة فالظاهر أن يقال فيها إشارة لذلك. قوله: (الخطاب لعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) العسكر معلوم من مجموع ما قبله والتبطئة إمّا لأنفسهم بالتخلف أو لغيرهم كما فعل أبيّ، وقوله: أو ثبطوا أي عوّقوا وفي نسخة يبطؤون غيرهم كما يبطئ وجعله منقولأ من بطأ المنقول من بطؤتطويل للمسافة فإنه يصبح أن يكون تثقيلاً لبطؤ أو بطأ ابتداء فإنه مسموع أيضا، وبعد التثقيل قيل إنه لازم، وقيل: إنه متعد بالتثقيل مفعوله محذوف لعدم الفائدة في ذكره واللام الأولى لام التأكيد التي تدخل على خبر إن أو اسمها إذا تأخر والثانية جواب قسم، وقيل زائدة وجملة القسم، وجوابه صلة الموصول وهما كشيء واحد فلا يرد أنه لا رابطة في جملة القسم كما لا يرد أنها إنشائية فلا تقع صلة، ولا صفة لأن المقصود الجواب، وهو خبرفي فيه عائد، وجوّزوا في من أن تكون موصوفة فصح استدلال بعض النحاة بهذه الآية على أنه يجوز وصل الموصول كما يصح الوصف بجملة القسم، وجوابه إذا عريت جملة القسم من عائد نحو جاء الذي أحلف بالثه لقد قام أبوه وان منعه بعضهم، وأمّا تقديره مشتملاً على عائد كحلف فلا حاجة إليه كما قيل، وقرئ ليبطئن بالتخفيف. توله: (كده تنبيهاً على فرط تحسره الخ (ولم يؤكد القول الأوّل وأتى به ماضيا إئا أنه لتحققه غير محتاج إلى التأكيد عنده أو لأن العدول عن المضارع للماضي تأكيد، ومراعاة المعنى بعد اللفظ وعكسه جائز كما سيأتي، وقوله: للتنبيه متعلق بقوله اعتراض وفسر الشيهيد بالشاهد إذ هم لا يعتقدون شهادة قتلاهم، ولو اعتقدوها لم يعذوا الخلاص منها نعمة والدال على التحسر تمني ما فات فإنه تحسر، وتأكيد قوله يدذ على فرطه، وقد خفي هذا على من قال أنه لا يظهر وجهه فكأنه لأنّ تحقق هذا القول منهم لا محالة لا يكون إلا للاضطراب، ولما خفي كون قولهم يا ليتني الخ سبب مشابهتهم بمن لم يكن له موذة حتى قيل إنها متصلة بالجملة الأولى بينه بقوله: وإنما يريد أن يكون معهم لمجرّد المال الذي هو مراده بالفوز. قوله:) أو داخل في المقول الخ (فيكون كل ما بعده مقولاً له، وقوله: تضريبا أي تحريكا لهم وتعريضا قال الراغب: التضريب التحريض كأنه حث على الضرب في الأرض، وفي نسخة تضريبا وتحسيراً واغراء. قوله: (وقيل إنه متصل بالجملة الأولى الخ) أي قال قد وفي الدر المصون أنه قول الزجاج، وتبعه الماتريدي ورذه الراغب، والأصفهاني وتابعهم المصنف رحمه الله بأنه إذا كان متصلاً بالجملة الأولى فكيف يفصل به بين أبعاضى الجملة الثانية، ومثله مستقبح قال وهو تفسير معنى لا إعراب فإنهم ذكروا أيضا أنه من متعلقات هذه الجملة معترض فيها، ولم يزد عليه. (قلت) الظاهر أنهم أرادوا أنها معترضة بين أجزاء هذه الجملة، ومعناها صريحا متعلق بالأولى وضمنا بهذه فإن لم يكن نفي للمودّة في الماضي فيحمل على زمان قولهم قد أنعم الله الخ. والمعنى أنه يقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 يا ليتني كنت معهم لأفوز بعدما كان يسره ما يسوءكم أو قد يسوءه ما يسركم، وشأن العدوّ أن يسره ما يسوء ويسوأه ما يسر والأوّل يفهم من تقدم إظهار عدم المودّة حال الحزن والثاني من الحسد والتحسر حال السرور فافهم. قوله: (وكأن الخ) هذا قول وقيل: إنها لا تعمل إذا خففت وأمّا عملها في غير ضمير الشأن فشاذ، وقراءة التأنيث ظاهرة، والتذكير للفصل ولأنها بمعنى الوذ ويا إذا دخلت على حرف أو فعل قيل إنها للتنبيه، وقيل للنداء والمنادى محذوف، وهو معروف في النحو. قوله:) وقرئ بالرفع على ثقدير فأنا أفوز (أي على الاستئناف كما في إعراب السمين وغيره والقطع عن العطف والجوابية أو على العطف على خبر ليت فيكون داخلاً في المتمني فما قيل إذا جعل أفوز خبر المبتدأ محذوف فالجملة الاسمية عطف على جملة التمني ولا إشعار بدخول الفوز تحت التمني بل المعنى على الأخبار بأنهم كانوا يفوزون على تقدير الكون معهم، ولا أرى لهذا المعنى احتياجا إلى تقدير المبتدأ بل يحصل بمجرّد عطف أفوز على جملة التمني، وليس مبنيا على تناسب المتعاطفين فإن التمني بالفعلية أشبه ولأنهم يفعلون ذلك إذا قصد الاستئناف غير متجه لما عرفت، وأمّا لزوم عطف الخبر على الإنشاء فجوابه مشهور، ثم إق قوله كان لم يكن الخ لتشبيه حالهم بحال عدم المودّة يشعر بثبوتها فيما بينهم فإمّا أن يكون بناء على الظاهر أو تهكماً بهم. قوله: (أي الذين يبيعونها الخ) شرى يكون بمعنى باع، واشترى من الأضداد فإن كان بمعنى يشترون فهم المنافقون الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة أمروا بترك النفاق، والمجاهدة مع المؤمنين، والفاء للتعقيب أي ينبغي بعدما صدر منهم من التثبيط، والنفاق تركه والجهاد، وان كان بمعنى يبيعون فالذين المؤمنون الذين تركوا الدنيا واختاروا الآخرة أمروا بالثبات على القتال، وعدم الالتفات إلى التثبيط والفاء جواب شرط مقدر أي إن صدهم المنافقون فليقاتلوا. قوله: (وعدله الأجر العظيم غلب أو غلب) الأوّل مجهول، والثاني معلوم على ترتيب النظم ولو عكس صح ووجه التكذيب أنه عد عدم حضوره نعمة مع أنّ النعمة في خلافه. قوله: (وإنما قال فيقتل أو يغلب الخ) يعني لم يقل فيغلب أو يغلب لأنّ المغلوبية تصمدق بما إذأ فرّ وكرّ تنبيهاً على أنه ينبغي أن يكون همه أحد الأمرين إمّا إكرام نفسه بالقتل والشهادة أو إعزاز الدين واعلاء كلمة الله بالنصر، وقيل معناه أنه لم يلتفت إلى الثالث، وهو من لا يغلب، ولا يغلب بل يتفرقان متكافئين إشارة إلى أنه ينبغي الثبات إلى أحد الأمرين مع عدم المشاركة في الأجر على هذا التقدير وقوله، وأن لا يكون قصده الخ وجه التنبيه أنه سوى بين القتل والغلبة، وهو في أمر مشترك بينهما، وهو كونهما في سبيل الله وسبيل الله الطريق المستقيم، والدين القويم كما في البخارفي أنه سئل عن المقاتل في سبيل الله فقال: " من قاتل لتكون كلمة الثه هي العليا فهو في سبيل الله " وليس هذا وجهاً آخر كما توهم، ومن قال: إنه يفهم من سبب النزول، وأنهم كانوا يقصدون ذلك لم يصب. قوله: (حال والعامل فيها الخ) المقصود من الاستفهام الأمر والحث على الجهاد، ولا تقاتلون جملة حالية أي مالكم غير مقاتلين، وهذه الحال هي المقصودة بالإفادة ولذا قيل إنها لازمة، والعامل فيها الاستقرار المقدر أو الظرف لتضمنه معنى الفعل ونيابته. قوله:) عطف على اسم الله الخ) قيل إنه ضعيف، ولذا تركه الزمخشريّ لأن خلاص المستضعفين سبيل الله لا سبيلهم، وفيه نظر وإذا عطف على سبيل ففي الكلام مضاف مقدر أي خلاص، وإذا نصب فبتقدير أعني أو أخص، وقوله: أعظمها أي من أعظمها ولكن ترك من للحث، والمبالغة المستفادة من تخصيصه بالذكر والمستضعفون الذين طلب المشركون ضعفهم، وذلهم أو الضعفاء منهم والسين للمبالغة، وسيأتي من هم. قوله: (بيان للمستضعفين وهم الخ) المراد بالصد منعهم عن الخروج والهجرة، وقوله: وأن دعوتهم الخ أي أنهم كانوا يدعون معهم، ولذلك دخل في الإجابة لأنهم مبرؤون من الآثام مقبولون عند الله، وقوله: حتى يشاركوا بصيغة المجهول أي وردت السنة باشتراكهم في الدعاء لاستنزال الرحمة على الاستسقاء واستدفاع البلاء كالوباء والقحط لأنه أمر باخراج الصبيان فيه قيل والآية تدلط على صحة إسلام الصبيّ إذ لولاه لما وجب تخليصهم، ودفع بأنّ التخليص لا يختص بالمسلمين بل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 يشمل من يتبعهم، والولدان على الأوّل جمع وليد ووليدة بمعنى ولد، وقيل: إنه جمع ولد كورل وورلان وأمّا على كونه بمعنى العبيد، والإماء فجمع وليد ووليدة بمعنى عبد وجارية على التغليب لأنه ورد بهذا المعنى في اللغة وان كانت الوليدة غلبت على الجارية. فقوله: وهو جمع وليد كان الظاهر أن يقول ووليدة كما في الكشاف فكأنه اعتبر التغليب في المفرد فتأمّل. قوله: (فاستجاب الله دعاءهم الخ) إشارة إلى دفع ما يقال إنّ الدعاء إن كان بمجموع الأمرين لم يستجب وان كان بأحدهما لا على التعيين فالظاهر العطف بأو بأنه على التوزيع فلذا عطف بالواو أو هو لمجموعهما، والمقصود منه الخلاص وقد حصل وعتاب بالتشديد ابن أسيد بفتح الهمزة، وكسر السين وكان حين ولاه على مكة ابن ئماني عشرة سنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أسيداً في الجنة، وهو مات كافراً فانتبه وقال: " أوّلتة بابنه عتاب " فشهد له بالجنة وكأنّ الحكمة في ذلك مع وجود كبار الصحابة إظهار عزة الدين وغلبته حتى لا يخشى من أحد فيليها من المؤمنين الكبير والصغير، وفي الانتصاف في الآية نكتة حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في القرآن نسب إليها ما لأهلها مجازاً كقوله: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ} [سورة النحل، الآية: 112] الآية وفي هذه عدل إلى الإسناد الحقيقي لأهلها لأنّ المراد مكة فوقرت عن نسبة الظلم إليها تشريفا لها به شرّفها الله. قوله:) فيما يصلون به إلى الله (وفي ظرفية أو بمعنى اللام، وسبيل الطاغوت الكفر والمراد بأولياء الشيطان الكفرة المجاهرون، والمراد بالذين كفروا قبله هم المنافقون، وكذا الفريقين فيقوله مقصد الفريقين المؤمنون، والمنافقون كما قيل ولا يؤبه بالمجهول بمعنى لا يبالي به كيعبأ، وأضعف شيء هو الشيطان، والتفضيل في الضعف مأخوذ من كان المفيدة للاستمرار لأنّ استمرار الضعف لزيادته، ولو كان قليلاً لانقطع، وقيل: إنه من صيغة ضعيفاً، وفيه نظر لأنها لا تفيد المبالغة، والذين قيل لهم كفوا عن القتال مع الكفار هم المؤمنون الذين كانوا بمكة لأنهم أمروا به ما داموا بمكة، وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه فنزلت، ولذا فسر أبو منصور، والزمخشريّ الخشية بأنها ما ركز في طبع الإنسان من كراهة ما فيه خوف هلاكه لا أنها كراهة لأمر الله وحكمه اعتقاداً. قوله: (وإذا للمفاجأة الخ) وهي ظرف مكان كما تقرر في النحو وقيل ظرف زمان، وجوز فيها أن تكون خبراً لمبتدأ هنا فيخشون صفة أيضاً. قوله: (من إضافة المصدر إلى المفعول الخ) قال النحرير ليس المصدر من المبنيّ للمفعول بحيث تكون الإضافة إلى ما هو قائم مقام الفاعل كقوله تعالى: {وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} [سورة الروم، الآية: 3] أي مغلوبيتهم وذلك لأنه حينئذ لا يكون لإضافة الأهل إليهم كبير معنى بمنزلة قولك مثل أهل مخوفية الله بل المعنى مثل أهل الخائفية من الله وهم الخائفون فليتنبه للفرق بين المصدر المبنيّ للمفعول، والمضاف إلى المفعول وقوله وقع موقع المصدر أي خشية كخشية الله أو هو حال من فاعل يخشون ويقدر مضاف أي حال كونهم مثل أهل خشية الله أي مشبهين بأهل خشيته، وقيل إنها حال من ضمير مصدر محذوف أي يخشونها الناس كخشية الله وقوله منه أي من الله وإنما ذكر لأنه لو لم يذكر احتمل كونه بسبب معنى آخر فلا يقال لا حاجة له. توله: (وإن جعلته مصدرأ فلا الخ) أي التمييز في المعنى، والمجرور بمن التفضيلية يكون مانعا من الموصوف بأفعل التفضيل فالمعنى على تقدير الحالية أنهم أشد خشية من غيرهم بمعنى أنّ خشيتهم أشد من خشية غيرهيم، وهو مستقيم، وعلى تقدير المصدرية المعنى أن خشيتهم أشد خشية من خشية غيره بمعنى أن خشية خشيتهم أشذ ولا يستقيم إلا على طريقة جد جده على ما ذهب إليه أبو علي وابن جني ويكون كقولك زيد أجد جداً بخلاف ما إذا قلت أو أشذ خثية بالجر، فإنّ معناه تفضيل خشيتهم على سائر الخشيات إذا فصلت واحدة واحدة، وذكر ابن الحاجب رحمه الله أنه يجوز أن يكون من عطف الجمل أي يخشون الناس كخشية الله أو يخشون الناس أشد خشية على أنّ الأوّل مصدر، والثاني حال وقيل عليه إن حذف المضاف أهون من حذف الجملة، وأو في بمقتضى المقابلة، وحسن المطابقة واعترض أيضا بأنّ التمييز بعد اسم التفضيل قد يكون نفس ما انتصب عنه لا متعلقا به كقوله: {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 [سورة يوسف، الآية: 64] فهو والجر أي خير حافظ سواء، والله هو الحافظ في الوجهين، والخشية ههنا تكون نفس الموصوف، ولا يلزم أن يكون للخشية خشية بمنزلة أن يقال أشد خشية بالجر لكن جواز هذا فيما إذا كان التمييز نفس الموصوف بحسب المفهوم، واللفظ محل نظر (قلت) هذا سؤال قوفي واتحاد اللفظ مع حذف الأوّل ليس فيه كبير محذور، وقد عضده النقل عن سيبويه قال في الانتصاف: ذكر سيبويه رحمه الله جواز قولك زيد أشجع رجلاً وأشجع رجل مع أنّ رجلاً واقع على المبتدأ ولو جعل خشية المذكور منصوبا على المصدرية مفسراً للمصدر المقدر لا تمييزاً لم يكن منه مانع لكنهم لم يذكروه مع وضوحه، وقريب منه أن يكون خشية منصوبا على المصدر، وأشذ صفته قدمت عليه فانتصبت على الحالية، وفيما نقله عن الكتاب بحث يعلم من مراجعة عبارته، وعلى عطفه على اسم الله فهو مجرور بالفتحة لمغ صرفه فقوله: كخشية أشد خشية منه بالإضافة، وقوله: منه الضمير لله، ولا أشد خشية عند المؤمنين من الله فلذا جعله على الفرض! ، ومن جعل الضمير للفريق تعسف، وتكلف ما لا حاجة إليه بناء على ظنه أنه لغو، والمعنى كخشية من كانت خشيتهم منه أشد من خشية الله فافهم، وقد مرّ في البقرة في قوله: {فَاذْكُرُواْ اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [سورة البقرة، الآية: 250] كلام يتعلق به فراجعه، وقوله: (اللهم الخ) توجيه للعطف الممنوع وأشار به لضعفه، ولذا نادى الله مستغيثا به، واللهم يتجوّز به عما ذكر. قوله: (ولا أخرتنا إلى أجل قريب) كالبيان لما قبله ولذا لم يعطف، وتوصيفه بالقريب للاستعطاف أي أنه قليل لا يمنع من مثله، وهو سؤال عن الحكمة لا اعتراض! ، ولذا لم يوبخوا عليه، والفتيل مثل للتحقير، وقد مز تفسيره وفسر الظلم بمعناه اللغوي، وهو النقص، وقوله: متاع الدننا قليل جواب لهم ببيان الحكمة بأنه كتب عليهم ليعوضوا عن هذا البقاء القليل ببقاء أكثر من الكثير مع أنّ الأجل مقدّر لا يمنع منه عدم الخروج إلى القتال، وفيه رد على المعتزلة. قوله: (قرئ بالرفع على حذف الفاء الخ الما كان الجواب إذا كان مضارعاً فحقه الجزم وجوبا إن كان الشرط مضارعاً وجوازاً إن كان ماضيا لأنه لما لم يظهر أثره في الشرط مع الفاء مطلقاً، وفصل سيبويه رحمه الله بين أن يكون ما قبله يطلبه كقوله: يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك أن يصرع أخوك تصرع فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير أي إنك تصرع أن يصرع أخوك، وبين أن لا يكون كذلك فالأولى حذف الفاء، وجوز العكس في الصورتين، وفي شروح الكشاف نقل الإطلاق عنه في التقديم وهذا ما ذكر في مفصلات العربية، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء ومن يقوله: لا يسلم أنه ضرورة كما قاله الرضي والا فعلى التقديم والتأخير، وعلى تقدير الفاء لا حاجة إلى تقدير مبتدأ حتى تكون اسمية كما في البيت الآتي، وترك توجيه الكشاف بأنه على توهم الشرط ماضيا فيكون كعطف التوهم لما فيه من التعسف إذ شرط التوهم أن يكون ما يتوهم هو الأصل أو مما كثر في الاستعمال حتى صار كالأصل كما في الانتصاف، وما قيل: إنّ كون الشرط ماضياً، والجزاء مضارعا إنما يحسن في كلمة إن لقلبها الماضي إلى معنى الاستقبال فلا يحسن أينما كنتم يدرككم الموت إلا على حكاية الماضي، وقصد الاستحضار فيه نظر ظاهر. قوله:) من يفعل الحسناث الخ) هو من شعر لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وقيل لكعب بن مالك الغنوي وهو: من يفعل الحسنات الله يشكرها والشربالشرعند الله مثلان ويروي سيان: فإنما هذه الدنيا وزهرتها كالزاد لا بد يوما أنه فان وفي شرح أبيات الكتاب للنحاس أنّ الأصمعيّ قال إنّ البيت غيره النحاة، والرواية من يفعل الخير فالرحمن يشكره، وكفى بسيبويه سنداً للرواية الأولى. قوله: (أو على أنه كلام مبتدأ الخ) قيل عليه أنه ليس بمستقيم معنى، وصناعة أمّا الأوّل فلأنه لا يناسب اتصاله بما قبله لأن قوله: {وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} المراد به في الآخرة فلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 يناسبه التعميم، وأمّا الثاني فلأنه يلزم عليه عمل ما قبل اسم الشرط فيه، وهو غير صحيح لصدارته، والجاب أنه لا مانع من تعميم، ولا تظلمون فتيلاً للدنيا، والآخرة أو يكون المعنى لا ينقصون شيئا من مدة الأجل المعلوم لا من الأجور به ينتظم الكلام كما قاله النحرير، ومرإده باتصاله بما قبله اتصاله به معنى لا عملا على أن يكون أينما تكونوا شرطا جوابه محذوف تقديره لا تظلموا، وما قبله دليل الجواب فهو مرتبط به معنى لا عملا وهو ظاهر وقوله: {يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} جملة مستانفة والجمهور على قراءة مشيدة بفتح الياء اسم مفعول بمعنى مرفوعة أو مجصصة، وقرى بكسرها على التجوّز كعيشة راضية، والبروج الحصون من التبريج وهو الإظهار، وبروج النجوم منازلها مأخوذ منه، وتفسيره بها هنا تكلف لا داعي له، وهو منقول عن الإمام مالك فهو كقول زهير: ولو نال أبواب السماء بسلم قوله: (كما تقع الحسنة والسيئة الخ) يعني أنها تطلق على هذين المعنيين في القرآن، والكلام إمّا أن يكون مشتركا بينهما اشتراك المعنى أو اشتراك الرجل بين إفراده، ولما كان بين قوله كل من عند الله، وبين قوله من الله ومن نفسك بعده معارضة بحسب الظاهر حملها بعضهم في كل منهما على أحد المعنيين لئلا يقع التعارض بينهما والعلامة، والمصنف حملاهما على النعمة، والبلية فيهما بمقتضى سبب النزول، ومناسبة المقام لذكر الموت والسلامة قبله، ولأنّ لفظ الإصابة الأكثر استعماله فيه، وهما من هذا القبيل، ودفعا التعارض بما سيأتي، وقوله: وأرسلناك للناس من رسولاً يناسبه حمل الثاني بما يتعلق بالتكليف من الطاعة، وال! ية، ولذا غير أسلوبه إذ عبر فيه بالماضي، وسيأتي ما يدفعه، وقال الراغب: الفرق بين من عند الله، ومن الله أنّ من عند الله أعم منه إذ هو يقال فيما يرضاه مما أمر به، ونهى عنه، ويسخطه، ومن الله لا يقال إلا فيما يرضاه ويأمر به ولذا قال الراغب إن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن الشيطان ثم بين تشاؤم اليهود على عادتهم كما تال تعالى: {يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} [سورة الأعراف، الآية: 131] . قوله: (أي يبسط ويقبض الخ) رد عليهم بأنه القابض الباسط فلا فاعل سواه ولا واسطة سوى أنفسكم دون النبيّ صلى الله عليه وسلم كما زعموا فتمام الرد عند قوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [سورة النساء، الآية: 79] فاندفع ما قيل إنهم لم يجعلوه فاعلاً بل تشاءموا به فلا يكون هدّا رداً عليهم. قوله: (يوعظون به وهو القرآن الخ) يفقون بمعنى يفهمون فالمراد بالحديث حديث مخصوص أو المطلق جعلوا بمنزلة البهائم الذين لا يفهمون أو المراد كل ما حدث، وقرب عهده كالحادث كما فسره به الراغب فالمراد أنهم لا يعقلون صروف الدهر وتغيره حتى يعلموا أنّ له فاعلاً حقيقيا بيده جميع الأمور. قوله: (يا إنسان الخ) يعني أنّ الخطاب عام لكل من يقف عليه لا للنبيئ صلى الله عليه وسلم كقوله: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ويدخل فيه المذكورون دخولاً أوليا وفسر من الله بالتفضل المذكور لما ذكره وقد مر ما قاله الراغب فيه، والحديث المذكرر أخرجه الشيخان. قوله: (لأنها السبب الخ) فظهر اختلات جهتي نفي السيئة واثباتها من حيث الإيجاد والسبب والى الأوّل ينظر قوله: كل من عند الله أن يبسط ويقبض، والى الثاني قوله: لأنها السبب، وقوله الحسنة إحسان وامتنان، وهي أحسن، وفي نسخة امتحان أي امتحان بها لينظر هل يشكر أم يكفر ويبطر، ولا ينافي أن يكون في النقمة أيضا امتحان بأن يصبر أولاً لكن المنظور إليه المجازاة كما صرح به في الحديث، والمراد بالسبب ما يوجد الشيء عنده بإرادته، وخلقه فهو سبب عادي، والحسنة لما كانت تارة بسبب ما يصدر عنه من الجميل، وتارة بمحض التفضل لم تسند إلى سببها، والمراد بالمعاصي ما يشمل الهفوات. توله: (ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب الخ (الوصب المرض، والنصب المشقة والتعب أو الداء، والحديث المذكور أدخل فيه حديثاً آخر لما أخرجه الشيخان عن عائشة مرفوعا " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها " وأخرج البخارقي عن أبي سعيد الخدرفي رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه " وأخرج الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو ما دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ويشاكها مجهول لكنه غير متعد لمفعولين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ولذا قيل إنّ الضمير للشوكة بمعنى المصدر فهو مفعول مطلق. قوله: (لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة) أي لا حجة في أن الخير والشر من الأفعال بخلقه وإرادته، ولا في أن المعاصي ليست كذلك على ما علم من الخلاف بيننا وبين المعتزلة لأنّ إحدى الآيتين بظاهرها لنا، والأخرى لهم فلا بد من التأويل، وهو مشترك الإلزام ولأن المراد بالحسنة، والسيئة النعمة، والبلية لا الطاعة، والمعصية والخلاف في الثاني، وأما الإمام فاختار تفسيرهما بالمعنى الأعم كما فصله الطيبي، ومنهم من قال إنه استفهام تقديره أفمن نفسك هو مبتدأ. قوله:) حال قصد بها التثيد الخ) إذا تعلق برسولأ يكون تقديمه للاختصاص الناظر إلى قيد العموم أي مرسلا لكل الناس لا لبعضهم كما زعموا فهو رد عليهم في اختصاص رسالته بالعرب، ولذا رجح هذا الوجه في الكشاف لا بناء على أنّ الحال المؤكدة يجب حذف عاملها كما قيل لأنّ هذه مؤكدة لعاملها، والفرق بينهما مر في سورة آل عمران، وأمّا نصبه على أنه مفعول مطلق فإمّا لأنّ الرسول يكون مصدرا كما في قوله: لقد كذب الواشون ما فهمت عندهم بشيء ولا أرسلتهم برسول أي برسالة أو لأنّ الصفة قد تستعمل بمعنى المصدر مفعولاً مطلقا كما استعمل الشارع خارجاً بمعنى خروجا. قوله: (ولا خارجاً الخ) الشعر للفرزدق قاله، وقد حلف عند الكعبة لا يقول شعراً فيه هجاء ونحوه فترك الشعر وأقبل على قراءة القرآن ومنه: ألم ترني عاهدت ربي وأنني لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا أشتم الدهرمسلما ولا خارجا من فيّ زوركلام أضمر الفعل قبل خارجا كأنه قال: ولا يخرج خارجا موضع خروج وعطف الفعل المقدر وهو لا يخرج على قوله لا أشم الذي هو جواب القسم، والرتاج باب الكعبة، وعلى هذا خرجه سيبويه رحمه الله، وان احتمل تقدير ولا أكون ونحوه وقوله والتعميم أي لا التأكيد كما في الأوّل فإنّ التعميم مستفاد من الناس إذ التعريف فيه الاستغراق كما صرح به في قوله: إلا كافة للناس، وهو متعلق بالفعل لا الحال فلا دخل للحال في العموم بخلافه على الثاني فلا يرد عليه أنّ التعميم مقصود على كل حال، وقوله: بنصب المعجزات إشارة إلى أنّ في الشهادة استعارة هنا ومنهم من عممه أي شهيداً على كل ما مرّ مما صدر منهم، وأمّا جعل الشهادة من قوله، وأرسلناك للناس رسولاً ففيه تأمّل. قوله: (لأنه عليه الصلاة والسلام في الحقيقة مبلغ الخ) يعني أنّ طاعة المبلغ لطاعة الإمام، وليست له بالذات حثى يتوجه ما توهموه ويدل عليه التعبير بالرسول ووضعه موضع الضمير للإشعار بعليته، وقارف أي تعاطي يقال قارف كذا إذا تعاطى ما يعاب به ولم يقل ومن تولى فقد عصاه للمبالغة كما سيأتي، وما ذكره من الحديث قال العراقي رحمه الله لم أقف عليه. قوله: (تحفظ عليهم أعمالهم الخ) كونه عليه البلاغ لا محاسبتهم بمعنى فأعرض عنهم كما يدل عليه ما بعده فهذا سبب للجزاء قائما مقامه كما في الكشاف، وليس وجهاً آخر لأن الحفظ إنما يكون عما يضر فهو بمعنى لا يدفع ضررهم، وهو جزاء من غير تأويل لأنه خلاف الظاهر، والظاهر أنّ المراد بالرسول هنا نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل الخطاب لا العموم، والخطاب لغيره معين فلا التفات فيه، وقال حفيظاً بصيغة المبالغة لأنه حافظ بالتبليغ، وقيل هو مفعول ثان لتضمين أرسلنا معنى جعلنا، ولا حاجة إليه. قوله:) وأصله النصب على المصدر) يعني أنه مبتدأ أو خبر وكان أصله النصب كما يقول المحب سمعا وطاعة لكته يجوز في مثله الرفع كما صرح به سيبويه ونقله في الكشاف للدلالة على أنه ثابت لهم قبل الجواب. قوله: (أي زورت خلاف الخ) بتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة، وهو الظاهر من التزوير وهو ترويج المراد وابرازه في صورة الحق وجوّز فيه تقديم المهملة على المعجمة كما في الفائق في هذه اللفظ لما وقعت في كلام عمر رضي الله عنه وهو بمعناه أيضاً، وجوّز في فاعل تقول أي يكون ضمير المؤنث الغائب للطائفة وأن يكون ضمير المذكر المخاطب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والعدول إلى المضارع للاسنمرار وعائد الموصول محذوف عليهما. قوله: (والتبييت الخ) التبييت قصد العدوّ وليلاً وفي غفلته، وتدبير الفعل بالليل والعزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 عليه ومنه تبييت نية الصيام، والإدغام هنا على خلاف الأصل، والقياس قال الداني: لم تدغم تاء متحركة غير هذه حتى قيل إنها ساكنة من بياء وتبياه إذا تعمده قال: باتت تبي حوضها عكوفا مثل الصفوف لاقت الصفوفا وقوله: بعده يبيتون يأباه ولهذا لم يلتفتوا له مع أنه غريب، وهذا يردّ ما قيل إنه لم يسمع إلا في تولهم حياك وبياك أي اعتمدك بالتحية مع أنه قيل أصله بوأك بالهمز أي أنزلك، وأمّا جعله من بيت الشعر فبعيد لكن لا لقول النحرير إنه اصطلاح محدث لأنّ الراغب أثبته لغة. قوله: (يثبتة في صحائفهم الخ) والقصد لتهديدهم على الأوّل وتحذيرهم من النفاق لأنّ الله يظهره على الثاني. قوله: (قلل المبالاة الخ) يعني أنه كناية عن قلة المبالاة بهم لأنه يعرض! عما لا يبالي به، وهذا بناء على أنه مأمور بالقتال، والثاني يكون قبل الأمر به فتكون منسوخة، وقوله: سيما محذوف لا جوّزه الرضي، وقال أبو حيان: إنه لا يوجد في كلام فصيح يحتج به، ولا مانع منه للقرينة الدالة على حذفها إذ المعروف في استعمالها ذلك، وقوله: يكفيك مضرتهم وقع في نسخة معرتهم بالعين والصحيح الأولى. قوله: (يتأملون في معانيه الخ (يعني أصله التأمّل في إدبار الأمور وعوقبها ثم استعمل في كل تأمّل سواء كان نظراً في حقيقة الشيء وأجزائه أو سوابقه، وأسبابه أو لواحقه وأعقابه، وان دل الاشتقاق على أنه النظر في العواقب والأدبار خاصة وعن الزمخشرفي أنّ في الآية فوائد كوجوب النظر في الأدلة وترك التقليد والدلالة على صحة القياس إلى آخر ما ذكره، وقيل في ارتباط هذه الآية أنه لما جعل الله شهيداً كأنه قال شهادة الله لا شبهة فيها ولكن من أين يعلم إن ما ذكرته شهادة الله محكية عنه. فقال أفلا يتدبرون الخ وحمل من عند الله على أنه كلامه الموحى لا على أنه مخلوقه كما فعله الزمخشرفي في حواشيه. قوله: (من تناقض المعنى وتفاوت النظم الخ) في الكشاف لكان الكثير منه مختلفاً متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته، ومعانيه فكان بعضه بالغأ حد الإعجاز، وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، وبعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخباراً مخالفأ للمخبر عته، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالاً على معنى فاسد غير ملتئم فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوي البلغاء، وتناصر صحة معان، وصدق أخبار علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره عالم بما لا يعلمه أحد سواه. قال بعض المدققين حد الإعجاز مرتبته لا نهايته كما في عبارة المفتاح إذ لو كان بمعنى نهايته لم يصح قوله يمكن معارضته، وأورد عليه أنّ قوله فكان بعضه بالغاً حذ الإعجاز يفيد ئبوت قدرة غيره تعالى على الكلام المعجز، وأجيب بأنه جعل اللازم على كونه من عند غير الله قصور البعض عن حذ الإعجاز على سبيل التنزل وارخاء العنان، وهو من الطريق المنصف كما في الكشف، ويحتمل أنه من التعليق بالمحال للإلزام، وبهذا يندفع أن الكثرة في النظم صفة الاختلاف والاختلاف صفة الكل، وقد جعل الكثرة صفة المختلف، والاختلاف صفة الكثير، وذلك لأنه جعل اللازم كون الكثير مختلفا على سبيل التنزل، لمارخاء العنان، وحمل نسبة الكثرة إلى الكل في ظاهر النظم على معنى اختلاف كثير، ونفي كلام المصنف ما يخالفه في ذلك كما قيل، وسيأتي تحقيقه، وبهذا اندفع قول النحرير ظاهر النظم أنّ الكثرة صفة الاختلاف، وقد جعلها صفة للمختلف من غير ضرورة فإن كون البعض مخالفاً للبعض صفة الكل، ولا معنى لتخصيصه بالكثير منه، وانّ قوله فكان بالغا الخ على تقدير كون القرآن من عند غير الله مشكل يفضي إلى جواز ظهور المعجزة على يد الكاذب بل ربما يقدح في إعجاز القرآن حيث جاز للغير، ولو بحسب الاتفاق الإتيان بما هو في مرتبته من البلاغة، وهو طرفها الأعلى، وما يقرب منه على ما هو حذ الإعجاز، ولا محيص سوى أن يحمل على الفرض! ، والتقدير أي لو كان فيه مرتبة الإعجاز ففي البعض خاصة على أن يكون ذلك القدر مأخوذاً من كلام الله كما في الاقتباس ونحوه، ولا يخفى بعده، وقوله: بعض أخباره المستقبلة خص المستقبلة لأنّ المعجز الأخبار عن المغيبات فلا يرد ما قيل الأولى ترك التقييد. (وأنا أقول الما كان محصل كلام العلامة أنّ المراد بالاختلاف الاختلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 في الإعجاز وعدمه، وهو اختلاف في أمرين لم يكن الاختلاف كثيراً بل المختلف فلذا أوّل به، والمصنف رحمه الله أشار إلى أنّ الاختلاف بالتناقض، وتفاوت النظم والفصاحة، وعدمها، وسهولة المعارضة وصعوبتها، والمطابقة للخارج وعدمها، والموافقة للعقل، وعدمها فعذد أنواعا منه إشارة إلى أنّ الكثرة في الاختلاف نفسه لا في المختلف لأنه لا داعي إليه كما مرّ لكن عدم الاختلاف فيما ذكره لا يدل على كونه من عند الله لجواز صدور كلام غير معجز ليى فيه شيء من هذا الاختلاف عن البشر كالأحاديث النبوية فلا يتضح الاستدلال الواقع في النظم، ولهذا حصره الزمخشرفي فيما مرّ ليكون دليلاً واضحا وقد شعر بهذا، وحاول دفعه بأنه وان جاز مثله لكن الاستقراء دل على خلافه، وفيه نظر والاستقراء غير تام. قوله: (للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام الخ) جواب عن توهم أنّ النسخ فيه اختلاف مثل قوله: قبيل هذا كفوا أيديكم مع كتب علينا القتال، وكل من عند الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك فلا يرد أنه إن أراد ما سبق من القرآن فغير ظاهر لأنه لم يسبق قريباً أحكام متناقضة وان أراد بما سبق ما كان قبل نزول هذه الآية مطلقا فلا وجه لإلرادها هنا. قوله: (مما بوجب الآمن أو الخوف الخ) وجه التأويل ظاهر لأن الأمن والخوف نفسهما ما لم يجيا بل ما يقتضيهما، وقوله: لعدم حزمهم بحاء مهملة وزاي معجمة أي لا لفساد ونفاق وغيره، والتخويف في إذاعته مفسدة ظاهرة وكذا الظفر لأنّ العدوّ يستعد له فيقوّي شوكته. قوله: (والباء مزيدة) في الكشاف يقال أذاع السرّ وأذاع به، ويجوز أن يكون المعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ يعني أنه إذا جعل لازما يكون بمعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ لأنه يقتضي تأثيره في المذاع، وكونه ثبت، وقرّ فيه سواء كانت الباء للتعدية أوبمعنى في على حد قوله: تجرج في عراقيبها نصلي وأمّا أن يكون مضمنا معنى التحدث فإن قيل أنه يكون لازماً، ومتعدياً فأظهر. قوله: (ولو رذوا ذلك الخبر الخ) مرجع الضمير الخبر المفهوم من الكلام ولو أرجعه إلى الأمر لكان أظهر، وضمير رأيه للرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر في تفسير الاية ثلاثة أوجه مبني الأوّل على أنّ مجيء الأمر وصول خبر السرايا إليهم، ورذه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر إلقاؤه إليهم وإخبارهم به من غير إذاعة، والعلم معرفة تدبيرة، والمصلحة فيه، ومبني الثاني على أن مجيء الأمر اطلاعهم على ما بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر من الأمن أو الخوف من قبل الأعداء، وردّه إليهم ترك التعرّض له أو جعله بمنزلة غير المسموع، والعلم معرفة كيفية التدبير، ومبني الثالث على أنّ مجيء الأمر سماع خبر السرايا من أفواه المنافقين، وردّه إليهم تركه موقوفاً إلى السماع منهم، والذين يستنبطونه هم المذيعون، والعلم معرفتهم بما ينبغي في ذلك الأمر من الإذاعة، وعدمها واستنباطهم إياه من الرسول صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر تلقيهم ذلك من قبلهم فمن على هذا ابتدائية والظرف لغو متعلق بيستنبطون، وعلى الأوّلين تبعيضية أو بيانية تجريدية، والظرف حال، وإطلاق أولي الأمر على كبار الصحابة لكونهم المرجع فيه أو المظهر له، والاستنباط أصله استخراح الشيء من مأخذه كالماء من البئر والجوهر من المعدن، والمستخرج نيط بالتحريك فتجوّز به عن كل أخذ وتلق. قوله: (بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) خصه لأنه هو المانع عن الضلال ولأجل صحة الاستثناء لأنه اختلف في قوله إلا قليلا فقيل مستثنى من قوله: أذاعوه أو لعلمه واستدلّ به على أنّ الاستثناء لا يتعين صرفه لما تبله لأنه لو كان مستثنى من جملة اتبعتم فسد المعنى لأنه يصير عدم اتباع القليل للشيطان ليس بفضل الله، وهو لا يستقيم، ومن صرفه إليه كما هو المتبادر خص الفضل لأنّ عدم الاتباع إذا لم يكن بهذا الفضل المخصوص لا ينافي أن يكون بفضل آخر، ثم اختلفوا فمنهم من فسره بما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والمعنى لولا بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وانزال القرآن العظيم لاتبعتم الشيطان فكفرتم إلا القليل منكم فإنهم ما اتبعوا الشيطان، وما كفروا ولا أنكروا بعثه، ولا قرآنه كمن اهتدى إلى الحق في زمن الفترة كقس بن ساعدة وأضرابه، وقيل المراد به النصرة، والمعونة أي لولا تتابع النصرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 والظفر لاتبعتم الشيطان، وتوليتم إلا القليل منكم من المؤمنين من أهل البصيرة الذين يعلمون أنه ليس مداراً لحقية على النصر في كل حين قال الإمام رحمه الله تعالى، وهذا أحسن الوجوه لارتباطه بما بعده وحذف المصنف رحمه الله تعالى قول العلامة التوفيق من قوله إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام وانزال الكتاب، والتوفيق لأنه أشكل على بعض شراحه وإن أجيب بأنّ المراد به توفيق خاص نشأ مما قبله، وأما الإطلاق ودفع الشبهة بأنّ عدم الفضل والرحمة على الجميع لا يلزم منه العدم عن البعض فتكلف، وفي الآية وجوه أخر نحو عشرة فصلها في الدرّ المصون، وفي قوله: (تفضل) إشارة إلى ثبوته بفضل آخر غير المنفي، وبه تمام الدفع، ونفيل بالتصغير، وزيد هذا ممن تعبد في الجاهلية بالدين الحق، وكذا ورقة لكن اختلف في إسلامه كما في أوّل شرح البخاري، ومنكم ضميره عام فتأقل. قوله: (أو إلا اتباعاً قليلاَ الخ) فهو على هذا استثناء مفرّغ من المصدر، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، والمعنى مستقيم عليه أي اتبعتموه كل اتباع إلا اتباعا قليلاً بأن يبقى على إجراء الكفر وآثاره والا البقاء القليل النادر بالنسبة إلى البعض حتى ربما أن يكون ذلك بدون التوفيق، وقصد الإطاعة بل بمجرّد الطبع، والعادة كذا قرّره النحرير. قوله: (أن تثبطوا وتزكوك وحدك (يثير إلى أنّ الفاء في جواب شرط مقدّر، وقوله: إلا فعل نفسك لأنّ التكليف يكون بالأفعال لا بالذوات، وقوله: لا يضرّك الخ. إشارة إلى أنه مجاز أو كناية عن عدم ضرر ذلك فلا يرد أنه مأمور بتكليف الناس فكيف هذا، وقيل: إنه كان مأموراً بأن يقاتل وحده أولاً، ولهذا قال الصديق رضي الله تعالى عنه في أهل الردّة أقاتلهم وحدي، ولو خالفتني يميني لقاتلتها بشمالي وليس كذلك، وبدر الصغرى كانت غزاة بعد أحد خرجوا لمواعدة أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، ولم يكن فيها قتال والقصة مروية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولم يلو على أحد لم ينظره كما في الأساس، وقرإءة الجزم قيل فيها إنه مجزوم في جواب الأمر، وهو بعيد، والظاهر أنّ لا للنهي جازمة أي لا تكلف أحد الخروج إلا نفسك، وعلى قراءة النون المعنى ما ذكره. قوله: (فخرج عليه السلام وما معه إلا سبعون الخ) قال البقاعي الذي في السير أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة، وما ذكر. المصنف غلط تبع فيه الزمخشري، ولم ينبه عليه أحد من أصحاب الحواشي اللهم إلا أن يقال إنه أراد الركبان منهم، وهو محتاج إلى النقل أيضاً. قوله: (لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك) يعني أنّ نفسك مفعول ثاني بتقدير مضاف لا في موقع المفعول الأوّل أي لا نكلف أحداً إلا نفسك، ولا مانع منه أيضاً أي لا نكلف أحدا هذا التكليف إلا نفسك، والمراد من التكليف مقاتلته وحده، ولذا وقع في نسخة أو لا يضرّك مخالفتهم لأنا لا نكلف الخ. والتحريض الحث من الحرض، وهو ما لا تعبد به، والتفعيل فيه للسلب، والإزالة كقذيته وتفسير الذين كفروا بقريش لأنه المروفي، والمراد العموم، وعسى من الله تحقيق، وقد فعل، والبأس النكاية كالبؤص، والتنكيل التعذيب، وأصله التعذيب بالنكل، وهو القيد فعمّ، والمقصود التهديد أو التشجيع. قوله: (راص بها حق مسلم الخ) فسر كون الشفاعة حسنة بما ذكره وأدرج فيها الدعاء لأنه شفاعة معنى عند الله، وخص كونها بالغيب لأنه ادعى للإخلاص، وظهر مقحم للتأكيد والحديث المذكور رواه مسلم وغيره. قوله: (وهو ثواب الشفاعة الخ) التسبب بالجرّ معطوف على الشفاعة وقوله: (مساو لها في القدر) إشارة إلى وجه اختيار النصيب في الحسنة، والكفل في السيئة، ونكنة ذلك أنّ النصيب يشمل الزيادة لأنّ جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المركب الصعب فاستعير للمثل المساوي فلذا اختير إشارة إلى لطفه بعباده إذ لم يضاعف السيئات كالحسنات، وقيل إنه، وان كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره كقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [سورة الحديد، الآية: 28، فلذا خص به السيئة تطرية، وهربا من التكرار، ومن بيانية أو ابتدائية. وقال الراغب المعنى من يعن غيره في فعلة حسنة يكن له منها نصيب ومن يعنه في سيئة ينله منها شدة. قوله: (مقتدرا) اختلف في تفسيره فقيل مقتدراً، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والبيت المذكور لأحيحة الأنصاري، وقيل للزبير بن عبد المطلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 والضغن الحقد يقول رب ذي حقد عليّ كففت السوء عنه مع القدرة عليه، وإذا كان بمعنى شهيداً وحافظا من القوت الحاضر الذي به حفظ البدن فأصله مقوت فأعل كمقيم، وهذا على التفسير الثاني وقيل عليهما. قوله: (الجمهور على أنه في السلام) ، ويدل على وجوب الجواب لصيغة الأمر، وقال الجمهور لما سيأتي أنه في الهبة، ووجوب الجواب للمسلم هو الصحيح لكن على الكفاية، وقوله: فإن قاله أي ورحمة الله زاد أي المجيب، وبركاته، ولا زيادة على ذلك كما ورد في الحديث، وقوله: إمّا الخ إشارة إلى أنه واجب مخير إذ بالزيادة المسنونة يقع ذلك الواجب. قوله: (لما روي أنّ رجلاَ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أحمد والطبراني عن سلمان الفارسي، وهذا تعليل الجمهور على أنه في السلام لقوله فأين ما قال الله الخ لا للوجوب إذ لا دلالة في الحديث عليه، وتوله: فرددت عليك مثله إنما كان مثله مع أنه لم يقل إلا وعليك لأنّ عطفه على كلامه يقتضي اشتراكهما فيما ذكر فكأنه قال: وعليك ذلك. قوله: (وهذا الوجوب على الكفاية الخ) نقل السيوطي أنّ الأصح من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجوب الردّ حال الخطبة، وقيل: إنه مستحب، وقيل مباج، وأما القارئ ففي روضة النووي أنّ الأولى ترك السلام عليه فإن سلم عليه كفاه الردّ بالإف ر! والأظهر أنه يرذ باللفظ وقوله، ونحوها كالأكل والصلاة، وحال الآذان، والإقامة، والجماع. قوله:) ومنه قيل أو للترديد الخ) ضمير منه للحديث أو لجميع ما مرّ، ومن تعليلية أو ابتدائية لأنه نشأ منه كما يقولون، ومن ههنا يقال كذا يعني قيل إنّ الأمر بالأحسمن فيما إذأ أتى المسلم ببعض التحية، والأمر بالرد فيما إذا أتى بتمامها إذ لا أحسن منها حتى يؤتى به، ولما كان عينه جعل كأنه رذ إليه ما أخذ منه، وقوله: وذلك إشارة إلى أنه أي السلام عليك، ورحمة الله وبركاته تمام التحية لأنّ السلام دعاء بالسلامة عن أقسام المضار وحصول المنافع من الرحمة أي الأنعام وثباتها أي المنافع، وقيل: إنه راجع لها، وللسلامة والثبات من قوله وبركاته لأنّ البركة كما حققه الراغب رحمه الله تعالى ثبوت الخير الإلهي في الشيء لأن مأخذ اشتقاقه يدل على اللزوم كالبرك لصدر البعير، ومنه بركة الماء لغير الجاري منه. قوله: (والتحية في الآصل مصدر الخ! يعني أصل معنى حياك الله جعلك حياً ثم استعمل لما ذكره من الدعاء بالحياة كقولهم عمرك الله وقوله: فغلب بالتخفيف، والتشديد، وقيل: معناه البقاء، والملك، ومنه التحيات لله. قوله:) وقيل المراد بالتحية العطية (أي الهبة، ولذا قال على المتهب لأنّ التحية تطلق على الهدية، وهي هبة، والثواب عوضر الهبة، والشافعي رحمه الله تعالى له في أكثر المسائل قولان فما تاله ببغداد قوله القديم وما قاله بمصر. قوله: الجديد يعني أن قوله القديم، وهو ضعيف عندهم أنه لا بد في الهبة من العوض أو الرذ على مالكها، قوله: الجديد كمذهبنا، وأعلم أنهم قالوا لو قال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال: عليك السلام فقط أجزأه لكنه خلاف الأولى، وظاهر الآية، وكلام المصنف رحمه الله تعالى خلافه، وفي الكشاف من قال لآخر أقرئ فلاناً السلام وجب عليه أن يفعل، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يسلم على لاعب الشطرنج، والنرد والمغني، والقاعد لحاجته ومطير الحمام، والعاري من غير عذر في حمام أو غيره، وذكر الطحاوي أن المستحب رذ السلام على الطهارة، ويتيمم لرذه ويسلم الرجل على امرأته لا الأجنبية، ويسلم الماشي على القاعد، والراكب على الماشي، وراكب الفرس على راكب الحمار، والصغير على الكبير، والأقل على أكثر، وعنه صلى الله عليه وسلم: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم) أفي وعليكم ما قلتم، ولا يبدأ ذميّ بسلام فإن بدأ فقل وعليك ورخص! بعضهم في بدئهم بالسلام إذا دعت إليه داعية، ولا يسلم عليهم في كتاب، ولا غيره فإن فعل قال: السلام على من اتبع الهدى، وجوابه بقوله، وعليك روي بالواو و " ركها كما فصله الطيبي، وقوله: وقيل المراد بالتحية العطية هو قول لأبي حنيفة رحمه الله تعالى قيل لأنّ السلام قد وقع فلا يردّ بعينه فلذا حمل على الهدية وأجيب بأنه مجاز كقول المتنبي: قفي تغرم الأولى من اللحظ مقلتي بثانية والمتلف الشيء غارمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وقوله: (على التحية) إشارة إلى دخول ما قبله فيه دخولاً أوّليا. قوله: (مبتدأ وخبر) إشارة إلى أنّ اللام قسمية لأنّ لام التأكيد لا تدخل خبر المبتدأ، والخبر وان كان مو القسم، وجوابه لكنه في الحقيقة الجواب فلا يرد وقوع الإنشاء خبراً، ولا أنّ جواب القسم من الجمل التي لا محل لها من الإعراب فكيف يكون خبرا مع أنه لا امتناع من اعتبار المحل، وعدمه باعتبار جهين. قوله: (ليحشرنكم الخ الما كان الجمع لا يتعدى بإلى أشار إلى توجيهه بأنه بمعنى الحشر، وهو يتعدى بها قال تعالى: {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} ومن لم يتنبه له اعترض عليه بأنّ معنى الجمع في ليجمعنكم أظهر منه في ليحشرنكم فيكون تفسيره به تفسيرا بالأخفى مع أنّ الحشر للجمع في القيامة أخص، وأعرف في لسان الشرع فلا يتوجه كونه أخفى أيضا، وقوله: أو مفضين إليه جواب آخر أي عدى بإلى لتضمين معنى الإفضاء المتعدي بها أو إلى بمعنى في كما أثبته أهل العربية. قوله: (فهو حال الخ) يعني الجملة إما حال من اليوم، وضمير فيه راجع إليه أو صفة مصدر محذوف أي جمعا لا ريب فيه، والضمير للجمع. قوله: (إنكار أن يكون أحد الخ) يعني الاستفهام إنكارفي، والتفضيل باعتبار الكمية في أخباره الصادقة لا الكيفية فإنها لا يتصوّر فيها تفاوت إذ صدقه مطابقته، وهي لا تزيد فلا يقال في حديث معين أنه أصدق من آخر إلا بتأويل، وتجوّز ونفي الأصدقية وانكارها يفيد نفي المساواة أيضا كما في قولهم: ليس في البلد أعلم من زيد، وهي قاعدة مرّ تحقيقها، ولا حاجة إلى تأويل أصدق بأظهر صدقاً كما توهم، وامتناع الكذب، وكونه في حقه محالاً ثابت شرعا، وعقلاً لأنه إما لحاجة أو لغيرها، وهو الغنيّ المطلق، والغير إما عدم العلم، وهو العليم الذي لا يعزب عن علمه مقدار ذرّة، واما قصداً، وهو سفه لا يليق بجناب عزته ثقدس، وتعالى فإن قيل هذا إنما يتم في الكلام النفسي فلم لا يجوز في اللفظي بأن يخلق الأصوات، والحروف الدالة على معنى غير مطابق لا من حيث إنه كلام للغير، ويتعلق بقدرته، وارادته على ما هو المذهب من أنه خالق لكلام العباد صدقها، وكذبها فإنه لا يوجب كونه متكلماً وكاذبا بل من حيث إنه يكون كلاما له ومنسوباً إليه لا إلى الغير كاللفظي من القرآن أجيب بأنه أيضاً نقص لكونه تجهيلاً وإن لم يكن جهلا، ولو سلم ففي الامتناع الشرعي كفاية ولا يخفى أنّ الجواب هو الثاني، وأما الأوّل فليس بشيء. قوله: (فما لكم تفرّقتم في أمر المنافقين الخ) يعني أنّ المقصود إنكار عدم اتفاقهم على كفرهم ثم ذكر سبب النزول، وفيه خمسة أقوال أصحها ما روي عن زيد فالأوّل هو ما رواه الشيخان عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، والاجتواء بالجيم من قولهم اجتويت البلد إذا كرهت الإتامة فيها وان كنت في نعمة وأصل معناه كراهيتها لو خامتها المقتضية للجوى وهو المرض دأء الجوف إذا تطاول، والبدو بمعنى البادية خلاف الحضر والحاضرة، وكونها نزلت في المتحلفين عن غزوة أحد فيه نظر. قوله: (أو في قوم هاجروا ثم رجعوا الخ) في الكشاف، وقيل:؟ ، نوا قوما هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا على دينك، وما- خرجنا إلا لاحتواء المدينة، والاشتياق إلى بلدنا فهم من مشركي مكة، والذي في الحديث الأوّل من غيرهم فلا وجه لما قيل إنه القول الأوّل فلا معنى لإعادته، وقوله: معتلين أي مظهرين لعلة ذلك ووجهه، والحديث الآخر أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قوله:) وفئتين حال عاملها الخ) في الدرّ المصون فيه وجهان أحدهما أنه حال من ضمير لكم المجرور، والعامل فيه الاستقرار أو الظرف لنيابته عنه، وهذا القول الأوّل الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وهدّه الحال لازمة لا يتم الكلام بدونها، وهذا مذهب البصريين في هذا التركيب وما شابهه، والثاني وهو مذهب الكوفيين أنه خبر كان مقدرة أي ما لكم في شأنهم إذ كنتم فئتين ورذ بالتزام تنكيره في كلامهم نحو ما لهم عن التذكرة معرضين، وكون العامل الجملة بتمامها لكونها فعلا تأويلاً أي افترقتم لا يخفى أنه مخالف للبصريين والكوفيين، وعمل الجملة مما لا نظير له، ولا داير إليه، وأمّا ما قيل على الأوّل أنّ كون ذي الحال بعضا من عامله غريب لا يكاد يصح عند الأكثرين فلا يكون معمولاً له، ولا يجوز اختلاف العامل في الحال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وصاحبها فمن فلسفة النحو. قوله: (حال من فئتين (أي كان صفة له لتأويله بما ذكره فلما قدّم انتصب حالاً أو هو حال من الضمير، والعامل فيه يعلم مما تقدّم، وفيه وجوه أخر في الإعراب. قوله: (ردّهم إلى حكم الكفرة الخ) ما موصولة أو مصدرية، والباء سببية، واختلف في معنى الركس لغة فقيل الرذ كما قال أمية بن أبي الصلت: فاركسوا في جحيم النار أنهم كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا أي ردّوا فالمعنى حينئذ رذهم إلى الكفر بعد الإسلام بكسبهم، وهو الوجه الأوّل، وقيل الركس قريب من النكس، وحاصله أنه رميهم منكسين فهو أبلغ من التنكيس لأنّ من يرمي منكسا في هوّة قلما يخلص منها، فالمعنى أنهم بكسبهم الكفر قلب الله حالهم، ورماهم في حفر النيران، وهذا هو الثاني، وقيل: الرك! الرجيع، وفي الحديث: " أنه صلى الله عليه وسلم أتى بروثة فقال أنها ركس " وقيل الأركاس الأضلال، ومنه: وأركستني عن طريق الهدى وصيرتني مثلا للعدا قوله: (أن تجعلوه من المهتدين (لأنّ الهداية المتعدية إيصاله، وجعله مهديا، وما قيل: إنّ المصنف رحمه الله تعالى جعل أن تهدوا بمعنى جعلهم من المهتدين أي وصفهم بالاهتداء، ولم نجده في اللغة بهذا المعنى فلا وجه له. قوله: (ولو نصب على جواب التمني الخ) كذا في الكشاف، وقيل عليه المنقول أن التمني إذا كان بالحرف كليت ينصب جوابه، وأمّا إذا كان بالفعل كوذ فلم يسمع من العرب، ولم يذكره النحاة وردّ بأنهم لم يريدوا التمني المفهوم من وذ بل المفهوم من لو بناء على أنها للتمني، وفيه نظر، ولا يرد أنه إخبار عن التمني فكيف ينصب في جوابه لأنه لا يمكن أن يكون حكاية لتمنيهم مع جوابه، والأصل لو تكفرون كما كفرنا فنكون نحن وهم سواء، وتكفرون حكاية بالمعنى، وتكونون غلب فيه الخطاب على الغيبة. قوله: (فلا توالوهم الخ) أي لا تتخذوهم أولياء كما في سائر المسلمين، وقوله: حتى يؤمنوا إشارة إلى أنّ الهجرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم مستلزمة للإيمان، ولا يعتدّ بها بدونه، وكانت الهجرة فرضا في صدر الإسلام كما في التيسير، وسبيل الله الطريق الموصلة إليه وهي امتثال أوامره وترك نواهيه، وقوله الظاهر بالهجرة، وفي نسخة المظاهر أي المقوّي، وقوله: أو عن إظهار الإيمان إن أراد إظهار الإيمان بالهجرة فالتفسيران واحد، دمان أراد الإطلاق فهو مخالف لما عليه المفسرون لكن قد يقال إنه علم من قوله حتى يهاجروا قبله فلا حاجة لتكريره، وقوله: رأسا أي بالكلية دائماً، وهذا إمّا من المضارع الدال على الاستمرار أو من التكرار المفيد للتأكيد، وحيث وجدتموهم يعني في الحل والحرم، والأمر بالأخذ لتقدّمه على القتل عادة، والمراد قتلهم ولو بدون أخذ. قوله:) استثناء من قوله فخذوهم الخ) قال الطيبي: أي من الضمير في فخذوهم لا من الضمير في ولا تتخذوا وان كان أقرب لأنّ اتخاذ الوليّ منهم حرام مطلقا، وقوله: والقوم هم خزاعة أي الذين كان بينهم، وبين النبيّ عقي! شنآن كما عرف في السير، والمراد بالاتصاف الانضمام والالتجاء إليهم لا اتصالهم به نسبا على الصحيح، وزيد مناة علم، ومناة اسم صنم أضيف إليه كعبد مناة، وقوله واح بمعنى صالح وصفة قوم بينكم وبينهم ميثاق قيل: وفي قوله عطف على الصلة لطف إيهام فإنّ الصلة يصلون فهي صلة لفظا ومعنى، والظاهر أن المصنف رحمه الله لم يقصده وإنما هو اتفاقي. قوله: (والأول أظهر لقوله الخ الا شبهة في أنّ عطفه على الصلة أرجح رواية، ودراية لأنه لو عطف على الصفة لكان لمنع القتال سببان الاتصال بالمعاهدين، والاتصال بالكافين، ولو عطف على الصلة كان السببان الاتصال بالمعاهدين، والكف عن القتال لكن قوله: فإن اعتزلوكم يقرّران أحد السببين هو الكف عن القتال لأنّ الجزاء مسبب عن الشرط فيكون مقتضياً للعطف على الصلة فإنه لو عطف على الصفة كان أحد السببين الاتصال بالكافين لا الكف عن القتال فإن قلت لو عطف على الصفة تحققت المناسبة أيضاً لأنّ سبب منع التعرض حينئذ الاتصال بالمعاهدين، والاتصال بالكافين، والاتصال سبب للدخول في حكمهم وقوله: (فإن اعتزلوكم) يبين حكم الكافين لسبق حكم المتصلين بهم. (قلت) في شرح الكشاف أنه جائز لكن الأوّل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 أظهر وأجرى على أسلوب كلام العرب لأنهم إذا استثنوا بينوا حكم المستثنى تقريراً، وتوكيداً فيقولون ضرب القوم إلا زيدا فإنه لم يضرب فلو عطف على الصفة كان مثل ضرب القوم إلا جار زيد فإن زيدا لم يضرب حتى يعلم منه أنّ جاره لم يضرب مع ما فيه من فك الضمائر، وقال الإمام جعل الكف عن القتال سببا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن يكف عن القتال سبباً لأنه سبب بعيد على أن المتصلين بالمعاهدين ليسوا معاهين لكن لهم حكمهم بخلاف المتصلين بالكافين فإنهم إن كفوا فهم هم والا فلا أثر له. قوله: (وقرئ بنير العاطف على أنه صفة بعد صفة الخ) يرد عليه أنه إذا كان قوله فإن اعتزلوكم يأبى عن عطفه على الصفة، ويجعله مرجوحا، فبطريق الأولى كونه صفة فلم قدّمه هنا، وقد أخره في الكشاف، ويدفع بأن له مرجحا هنا، وهو وقوع الجملة بعد النكرة بدون عاطف فإنه في مثله المعهود إنه صفة فقد عضده معنى آخر فتأمّله وعلى الاستئناف يكون جواباً لسؤال أي كيف وصلوا إلى المعاهدين كذا قيل، والصواب أن يقدر كيف كان الميثاق بينكم، وبينهم كما يؤخذ من الدرّ المصون، وقيل إنّ الأولى تخريج هذه القراءة على حذف العاطف لأنه على الوصفية يقتضي أنه لا بد من اجتماع الوصفين في عدم التعرض لهم، وليس بشيء كما يؤخذ مما مرّ في تقدير السؤال. قوله: (أو بيان ليصلون الخ) قيل عليه البيان لا يكون في الأفعال، وفي الكشاف أو بدلاً وأورد عليه أنه ليس إياه، ولا بعضه، ولا مشتملا عليه وجوابه أنّ الانتهاء إلى المعاهدين، والاتصال بهم حاصله الكف عن القتال فصح جعل مجيئهم إلى المسلمين هكذا بيانا أو بدلاً، وكونه لا يجري في الأفعال لا يقول به أهل المعاني، وهكذا يعلم حال كون حصرت بيانا لجاؤوكم. قوله: (حال بإضمار قد الخ) ويؤيده قراءة الحسن حصرة، وقيل: إنها جملة دعائية ورد بأنه لا معنى للدعاء على الكفار بأن لا يقاتلوأ قومهم بل بأن يقع بينهم اختلاف وقتل، وإذا كان صفة للحال لا حاجة إلى تقدير قد، وما قيل إنّ المقصود بالحالية هو الوصف لأنها حال موطئة فلا بد من قد سيما عند حذف الموصوف فما ذكر التزام لزيادة الإضمار من غير ضرورة غير مسلم. قوله: (وحصرات) فيه نظر فإنه يجوز أن يكون صفة لقوم سببية لاستواء نصبه وجره، وقد يجاب عنه بأنّ الوصف الرافع لظاهر يوحد أو يجمع جمع تكسير، وجمعه جمع تصحيح قليل فهذا يؤيد الحالية، وفيه نظر وبنو مدلج قوم معروفون من العرب بالقيافة، والحصر بفتحتين ضيق الصدر من الجبن. قوله: (أي عن الخ (أي هو على تقدير الجارّ أو مفعول له مقدر له مضاف، وقوله: بأنه قوّى قلوبهم يعني أنّ التسليط عليهم معناه ما ذكر، والمقصود الامتنان على المؤمنين بأنّ تركهم القتال بسبب أن الله لم يسلطهم، وقذف في قلوبهم الرعب. قوله: (فلقاتلوكم) اللام جوابية لعطفه على الجواب ولا حاجة لتقدير لو وسماها مكيّ، وأبو البقاء لام المجازاة والازدواح، وهي تسمية غريبة وفي الإعادة إشارة إلى أنها جواب آخر مستقل، والسلم بفتحتين الانقياد، وقركما بسكون اللام مع فتح السين، وكسرها، وكأنّ إلقاء السلم استعارة لأنّ من سلم شيئاً ألقاه، وطرحه عند المسلم له وعدم جعل السبيل مبالغة في عدم التعرّض لهم لأنّ من لا يمرّ بشيء كيف يتعرّض له. قوله: (هم أسد الخ) هاتان قبيلتان، وقيل الآية في حق المنافقين، ومرّ تفسير أركسوا وتحقيقه، وقوله: وينبذوا إليكم العهد فسر السلم هنا بالعهد، وهو قريب من الأوّل لما سيأتي، وثقف بمعنى وجد والتمكن من الشيء في قوّة وجدانه، وقوله: مجرّد الكف يعني بدون المعاهدة التي يكون له بها ذمة، وجوز في السلطان أن يكون بمعنى الحجة ومصدراً بمعنى التسلط. قوله: (وما صح له وليس من شأنه) ما كان وما ينبغي يستعملان بمعنى لا يليق، ولا يصح والمراد بنفي الصحة نفي الإمكان دون الصحة الشرعية، والمقصود منه المبالغة، والا فالقتك لا يخرج عن الإمكان، وقيد القتل بغير حق لأنه هو المنفيئ. قوله: (فإنه على عرضته ونصبه على الحال الخ) معنى كونه على عرضته بضم فسكون وضاد معجمة أي لا يزالون يقعون فيه اضطراراً لأنهم يحاربون، ولا يخلو المقاتل من خطا فلذا ترك القصاص فيه دفعا للحرج وفي نصبه وجوه، وذكر المصنف منها ما ذكر، وتقديره الحال بقوله: في شيء من الأحوال لأنّ الحال في معنى الظرف، وقريب منها كما صرّحوا به فلا يقال إنه يقتضي أنه ظرف لا حال ألا ترى أنّ معنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 جئت، والشمس طالعة ووقت طلوع الشمس واحد، وكونه نفيا في معنى النهي ظاهر لأن الشارع إذا قال لا ينبغي كذا فقد نهى عنه. قوله: (والاستثناء منقطع الخ) قال النحرير توهم بعضهم أنه استثناء منقطع لأن المتصل يدل على جواز القتل خطأ وأنّ للمؤمنين ذلك فاختار الزمخشرفي أنه على أصل الاستثناء المتصل، وهو مفرّغ مفعول أو حال أو صفة مصدر مقدر، ولا يلزم جواز القتل خطأ شرعا لأن معناه أن من شأن المؤمن أن لا يقتل إلا خطأ. (أقول) إن الداعي إلى جعله منقطعا إن ما كان بمعنى لا يصح شرعا، وهذا غير صحيح شرعاً أيضاً، وحينئذ فلا يصح جعله توهما لأنه دائر مع المراد من ما صح نعم كون الاستثناء المفرغ يكون متصلا ومنفصلا لم يذكروه، والظاهره كونه متصلا دائماً فتأمله، وقوله: لا يضامه القصد أي لا يقارنه وقوله، والاستثناء منقطع أبتداء كلام، وليس متعلقا بقيل كما قيل إنه لو جعل متصلا فسد المعنى لأنه لا يطلب من المؤمن ترك القتل في كل حال إلا في حال الخطأ فيلزم أن يكون القتل حال الخطأ مطلوبا، وليس كذلك وما عرّف به الخطأ هو الخطأ الشرعي مما هو حقيقيّ أو في حكمه، وقصة عياش رواها ابن جرير ولها تفصيل في الكشاف، وقوله: ولم يشعر به أي بإسلامه، وقوله: حارث بن زيد وقع في العنكبوت الحرث بن هشام. قوله: (فعليه أو فواجبه الخ) الفاء إمّا جوابية أو زائدة على وجهين، وتحرير إمّا فاعل أي يجب عليه أو مبتدأ خبره محذوف أي فالواجب تحرير الرقبة، والتحرير الاعتاق وأصل معناه جعله حراً أي كريما لأنه يقال لكل مكرم حز ومنه حر الوجه للخد واحرار الطير، وكذا تحرير الكتاب من هذا أيضا، والرقبة من التعبير بالجزء عن الكل، والنسمة بفتحتين للإنسان، وقيل ة إنها تكون بمعنى الرقيق، وهو المراد هنا قال الراغب أنها في المتعارف اسم للمماليك كما يعبر بالرأس، والظهر عن المركوب فيقال فلان يربط كذا رأسا وكذا ظهرا. توله: (ضحاك بن سفيان الخ) أشيم بشين معجمة وياء تحتية مثناة، والضبابي بضاد معجمة وباء موحدة، وهذا الحديث رواه أصحاب السنن، وهو كما ذكر ووقع في بعض النسخ تحريف من الناسخ والضحاك قال هذا لعمر رضي الله عنه حين قال إنما الدية للعصبة. قوله: (سمي العفو عنها صدقة حثا عليه الخ (لا بدع فيه فإنه لما لزمه وصار في ذمّته صار العفو كهبة الدين لمن هو عليه خصوصا وكل معروت سماه الشارع صدقة كما في حديث الصحيحين الذي ذكره المصنف رحمه الله. قوله:) وهو متعلق بعليه) أي المقدر في قوله فعليه تحرير رقبة أي فعليه تحرير رقبة وتسليم دية إلى أهله في جميع الأحيان إلا حين أن يتصدق أهله بالدية فحينئذ تسقط الدية، ولا يلزم تسليمها وليس فيه دلالة على سقوط النحرير حتى يلزم تقدير عليه آخر قبل قوله ودية مسلمة كذا قال النحرير. قوله: (فهو في محل النصب على الحال الخ) تبع فيه الزمخشري، وقد أورد عليه أنه مخالف لكلام النحاة لأنّ أن والفعل لا يقع حالاً كما صرح به سيبويه رحمه الله لأنّ أن للاستقبال، وهي تنافي الحال، ولو مقدرة، ولا يصح نصب أن والفعل على الظرفية لأنه مخصوص بما المصدرية، والمصدر الصريح فالصواب أنه في محل نصب على الاستثناء المنقطع، وفي وقوع هذا المصدر ظرفا خلاف للنحاة، وقد جوّزه بعضهم كما ذكره ابن مالك، وقوله:) ولم يعلم إيمانه) قيل إنه مذهب الشافعي رحمه الله لا مذهبنا فانظره، وقوله: ولأنهم محاربون معناه أنّ بينهما اختلاف الدار لأنّ المؤمن منا ولو تركه لكان أولى. قوله:) ولعله فيما إذا كان المقتول الخ) يعني لا يلزم دية بقتل شخص من قوم ومعاهدين إذ يجوز أن يكون غير معاهد، ولا مؤمّن إلا إذا كان معاهد فيلزم الدية للعهد أو سملما، وله وارث مسلم فالظاهر أن يقول أو كان مسلماً، وله وارث مسلم إذ المسلم لا يرث من الكافر ففي عبارته تقصير، وقوله: فعليه الخ إشارة إلى ما مرّ من وجوه الإعراب. قوله: (توبة نصب على المفعول له أي شرع الخ) إنما قدر شرع مجهولاً أو معلوما ليتحد فاعل المعلل، والمعلل ولولاه لجعل العامل الصيام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 والحالية من الضمير المجرور. قوله: (لما فيه من التهديد العظيم) أي لما في النظم أو الوعيد، وأهل السنة في هذه الآية على أنّ المقصود التغليظ في الزجر فلا حاجة إلى تأوبلها أو تؤول بالحمل على المستحل أو الخلود المكث الطويل، وخلاف المعتزلة في ذلك معروف، ومقيس كمنبر علم. قوله: (سافرتم الخ) ضرب في الأرض بمعنى سافر، وخصه المصنف رحمه الله بالسفر للغزو لدلالة السياق، والسباق عليه، وقوله: فاطلبوا الخ إشارة إلى أنّ صيغة التفعيل هنا بمعنى الاستفعال كما صرّج به الزمخشريّ، وأهل العربية، وقوله: وثباته إشارة إلى القراءة الآتية وأنهما بمعنى أي لا تعجلوا وتحرّوا وتأملوا، وتحية الإسلام السلام، وكان للجاهلية تحية أخرى كانعم صباحا والقاؤها التلفظ بها، والقاء السلم أي الانقياد إظهاره استعارة كما مرّ، وقوله: متعوّذاً أي ملتجئا إلى إظهار ذلك خوف القتل، وقراءة الكسر قراءة الجمهور والأخرى مروية عن عليّ رضي الله عنه، وقوله: سريع النفاد مأخوذ من تسميته عرضا. قوله: (أي أؤل ما دخلتم الخ) حصن الدماء عدم سفكها، والمواطأة الموافقة، وقوله: فإنّ بقاء ألف كافر لأنه قد لا يأثم به بخلاف القتل، وجعل الأمر مكرّرا لكنه متغاير باعتبار ترتبه على ما ذكر من حالهم المقتضية له فهو آكد، وقيل: إنه غير مكرّر لتقدير الأوّل تبينوا أمر من تقتلونه، والثاني تبينوا نعمة الله عليكم. قوله: (فلا تتهافتوا الخ) التفاوت الوقوع والتساقط، وفي الدرّة أنه لا يستعمل إلا في الشرّ، وفدك بفتح الدالط قرية بخيبر، وألجأ غنمه إلى عاقول أي ساقها، والعاقول الغار وأسامة بن زيد وغنيمة تصغير غنم للتقليل وقوله، وقال ودّ لو فرّ أي ليس إتيانه بكلمة التوحيد إلا لينجو بها حتى يفرّ بأهله وماله منا. قوله: (وفيه دليل على صحة للمان المكره الخ) وجه الدلالة أنه مع ظنهم أن إسلامه لخوف القتل، وهو إكراه أنكر عليهم قتله فلولا صحة إسلامه لم ينكر ووجه الدلالة على خطا المجتهد أمره بالتثبت المشعر بأن العجلة خطأ ووجه العفو عنه مأخوذ من السياق، وعدم الوعيد على ترك التثبت، ومن المؤمنين حال كما ذكره، ومن فيه إمّا بيانية أو تبعيضية. قوله: (بالرفع صفة للقاعدين الخ) قرئ غير بوجوه ثلاثة فالرفع على أنه صفة القاعدون، وهو وان كان معرفة، وغير لا تتعرف في مثل هذا الموضع لكنه غير مقصود به قاعدون بعينهم بل الجنس فأشبه النكرة فصح وصفه بها قيل والأحسن أن يعرب بدلاً منه لأنّ أل موصولة، والمعروف إجراؤه في المعرف بالألف، واللام، وبينهما فرق وجوّز الزجاج في الرفع الاستثناء فتأمّل، وقيل غير معرفة هنا لأن المعرفة لا توصف بالنكرة وان أريد بها الجنس، وإنما توصف بجملة فعلية مضارعية، والنصب على الحالية، وهو نكرة لا معرفة كما قيل، وأما أنّ النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة فأكثري لا كليّ أو غير للاستثناء ظهر إعراب ما بعدها عليها وابن أتم مكتوم صحابي أعمى مشهور رضي ألله تعالى عنه، وقوله: فغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. أي عرض له ونزل عليه، وكان في بعض أحيانه لا يتمثل له الملك وإنما يصيبه برحاؤه حتى كان مغشى عليه وكان يثقل بدنه فيه، وترضها بمعنى تكسرها، وسرّى مجهول مشدد الراء بمعنى انكشف عنه ذلك الحال وقوله: (وعن زيد (رواه البخاري وأصحاب السنن، ومثل الضرر أو هو داخل فيه عدم الاستطاعة المالية ونفي الاستواء، وان كان معلوماً للحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه كقوله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر، الآية: 9] كما ذكره الزمخشري، ويعلم من نفي المساواة بين المجاهد بالمال، والنفس نفيها بين المجاهد بأحدهما ونفي المساواة يستلزم التفضيل لكن لم يكتف بما فهم ضمناً فصرّح به بعده اعتناء به، وليتمكن أشد تمكن ولذا لم يعطف جملتها لأنها مبنية موضحة له كما سيأتي في الكشاف أن يكون جواب سؤال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 أي ما بالهم لا يستوون، والأنفة بفتحتين الترفع وعدم الرضا به. قوله:) على التقييد السابق الخ (لأنه مبين له والمبين عين المبين فيقيد بما قيد به من الإيمان، وعدم الضرر لكنه ترك للعلم به مما مرّ قيل ولأنه أعيد معرفة، وإنه إشارة إلى ردّ ما سيأتي من تغاير القاعدين فيهما وفيه نظر، وتضمن الدرجة التفضيل لأنها المنزلة والمرتبة، وهي تكون في الترقي والفضل فوقعت موقع المصدر كضربته سوطاً أي بسوط. قوله: (المثوية الحسنى) المثوبة الثواب، وقدرها للتأنيث في الحسنى وقوله: (وإنما التفاوت الخ) قيل هذا يقتضي تفضيل المجاهدين على أولي الضرر باعتبار العمل، ولا محذور فيه مع أنّ قوله لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر يقتضي تساوي أولي الضرر والمجاهدين إلا أن يقال التساوي لا يلزم أن يكون من كل الوجوه فالتساوي في النية، والعزم على بذل المال، والنفس لو قدر يكفي فيه كما في الحديث أنه لما رجع من تبوك قالءكييه: " لقد تركنا بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً إلا شركونا في دّلك " ولذا قال النيسابوري أنهما متساويان فتأمّل. قوله: (نصب على المصدر الخ (فضل بمعنى أعطي الفضلى، وهو أعمّ من الأجر لأنّ الأجر يكون في مقابلة أمر فأريد به الأخص لأنه في مقابلة الجهاد فلذا جعلهما بمعنى أو هو أعم لكن نصب المفعول لتضمنه معنى الإعطاء، ويكون ذلك الإعطاء فضلا أي زيادة على أجر غيرهم لبقاء معناه الأصلي فلذا قال، وأعطاهم زيادة، وفيه وجه آخر ذكره بعيدة، وهو أنه صفة درجات النكرة قدمت عليها فانتصبت على الحال، وأورد عليه أنه كيف يكون صفة لدرجات، وهو لا يطابقه لأفراده وأجيب بأنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد، وغيره فيجوز نعت الجمع به. قوله: (كل واحد منها بدل الخ (تسمح فيه بجعل المعطوف على البدل بدلاً، والمراد أنّ كلا منها يصلح لأن يكون أجرا، ونصبه على المصدر لتأويله، ولذا مثل له بأسواطا وعلى هذا الوجه جعل ما بعده منصوبا بفعل مقدر أي غفر لهم مغفرة، ورحمهم رحمة لأنه وان صح عطفه على أجراً من جهة المعنى لكن فيه تخلل ذي الحال بين الأحوال المتعاطفة. تنبيه: إن قلت لم نصبه السبعة هنا إذا لم يرفعه إلا الحسن في تراءة شاذة وقرأ ابن عامر في الحديد وكل وعد الله بالرفع مع أنّ حذف العائد في نحو زيد ضرب مخصوص بالشعر عند ابن الشجري. قلت: أجابوا عنه بأنّ قبله فعلية هنا وهي قوله فضل الله الخ. بخلاف ما في الحديد فلذا رفعه ابن عامر ونصب هنا كما في أمالي ابن الشجري إلا أنّ قوله حدّف العائد مخصوص بالشعر غير صحيح مع منافاته لما قرّره. قوله: (كرر تفضيل المجاهدين الخ (في الكشاف فضل الله المجاهدين جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين، والمجاهدين كأنه قيل ما لهم لا يستوون فأجيب بذلك والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر لكون الجملة الأولى بيانا للجملة المتضمنة لهذا الوصف، ثم قال أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، وأمّا المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأنّ الغزو فرض! كفاية. (أقول) هذا من مشكل هذا الكتاب لتناقضه فإنه قال فيما سبق أن المفضلين درجة الذين ذكرهم الله هم المفضلون على القاعدين غير أولي الضرر وقال ثانياً إنّ معناه على القاعدين الإضراء، وهذا هو الذي نقله المصنف رحمه الله رابعاً بصيغة التمريض، وأيضا مفهوم الصفة أو الاستثناء في غير أولي الضرر يدلان على التساوي بين المجاهدين، والإضراء، كذا سبب النزول صريح في أنّ المقصود استثناء قوم لم يقدروا على الجهاد، وإثبات المساواة لهم فكيف يفضلوا عليهم درجة، وأيضاً لأوجه لو عد غير الإضراء بالجنة إذ لا عمل لهم ولا نية، والجواب عما عدا التناتض بأنّ المساواة في النية، وما عدا العمل أو أنهم لما فهموا من نفي الاستواء البون البعيد قيد بغير أولي الضرر يعني أنّ البون البعيد بينهم، وبين غير أولي الضرر، وأما هما فبينهما فرق يسير ودرجة واحدة، ولذا تممه بقوله وكلا الخ إشارة إلى تساويهما في غير تلك الدرجة، وبأنّ وعد غير الإضراء لكون تخلفهم بالإذن، وفيه نظم أحوال عيال المجاهدين، وحفظ المدينة، وأما التناقض فقد دفع بوجوه متكلفة لا يمكن تطبيقها على كلامه إلا بارتكاب أمور يمجها السمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وقد فصلها النحرير في شرحه وأشار إلى أنه لم يرض بشيء منها، وعندي أنّ أقرب ما يقال في التوفيق أنّ ضرر أولي الضرر قسمان قسم مانع لتكليف الجهاد بالذات كالعمى، والزمانة ونحوه من العاهات، ومنه أخذ الضرير لفاقد البصر، وهو كناية كما ذكره الراغب، وجمعه أضرّاء، وقسم عارض يعسر معه الغزو كمرض أهل، وما شاكله فالمراد بغير أولي الضرر القسم الثاني لأنه المتبادر من الضرر ويعلم منه القسم الأوّل بالطريق الأولى، وهو المراد بالمصرّج به في النظم فينطبق على سبب النزول، وإذا نفى قد يقصد نفيه بهذا المعنى فقط فيصح حينئذ أن يكون الإضراء، وما في حكمهم غير ذوي الضرر لأن ضررهم ليس بعرضيئ وبصح أن يقال المراد بالقاعدين من غير أولي الضرر الإضراء بقرينة تسويتهم في وعد المثوبة، وجعل التفاوت بينهم درجة واحدة، وأمراً يسيراً، وقد يقصد بنفيهم نفي ما يلزمه، ويعلم حكمه منه بالطريق الأولى بقرينة جعل التفاوت بينهم بدرجات كثيرة، وتخصيص! غيرهم بالرحمة، والغفران، وهذا أقرب من جعل أوّل كلامه مبنيا على وجه، وآخره على آخر، وهو أن يكون قوله تعالى: {فَضْلُ اللَّهِ} الخ. جملة استئنافية فإنه لما حكم بالتفاوت بين المجاهدين، والقاعدين غير الإضراء كان سائلاَ يقول فما حال المجاهدين بالنسبة إلى الإضراء، وغيرهم فذكر فضل، وفضل لتفصيل تفضيلهم، وأنه فضلهم على الإضراء درجة، وعلى غير الإضراء درجات لأنه ليس في كلامه ما يدل عليه، والمصنف رحمه الله لما رأى ما فيه تركه، واختار أنّ القاعدين مقيد في الجميع بقيد واحد وأنه كرّر فيه التفضيل للتأكيد، وذكره مرة مجملاً لإيهام الحسنى فيه ووحد الدرجة في الإجمال وجمعها في التفصيل مع زيادة الرحمة، والمغفرة والأجر العظيم، ومن الإجمال والتفصيل أنه نفى عنهم المساواة فاقتضى ذلك التفضيل، ثم صرّح به. قوله: (وقيل الأوّل ما خوّلهم الخ) يعني بعض المفسرين لم يجعل التفضيل مكرّرا وغاير بينهما بأن جعل الأوّل مالهم من الفضل الدنيوي والثاني الأخروي، ولذا وحد الأوّل وجمع الثاني لأنّ الأجر الدنيوي قليل في جنب الأخروي وخوّلهم بخاء معجمة وواو مثذدة، ولام بمعنى أعطاهم، وأصله إعطاء الخول والعبيد وقوله: (وقيل المراد بالدرجة الخ) يعني المراد بالتفضيل الأوّلط رضوان الله ونعيمه الروحاني، والثاني نعيم الجنة المحسوس. قوله:) وقيل القاعدون الخ) هذا ما ذكره الزمخشريّ، وقد مرّ ما فيه، وقوله: اكتفاء بغيرهم لأنه فرض كفاية كما مرّ وارادة جهاد النفس يأباه السياق، وسبب النزول، ولذا أخره، وقال المحدثون هذا لا أصل له، وقوله: يفرط منهم أي يصدر عنهم، وأصل معناه السبق فتجوز به لمطلق الصدور. قوله: (يحتمل الماضي الخ (وعلى الأوّل ترك التأنيث لأنّ فاعله غير مؤنث حقيقي، وعلى الثاني هو لحكاية الحال الماضية، وبهذا الاعتبار كان ظالمي أنفسهم بمعنى الحال، وإضافته لفظية فوقع حالاً وأصله تتوفاهم فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً، وفسر توفي المجهول بتمكن من الاستيفاء أي القبض، والأخذ وقوله في حال ظلمهم إشارة إلى أنه حال كما مرّ، وكانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام ثم نسخت بعد الفتح، وفي الحديث لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة، وقيل إنها تجب الآن من بلد لم يقم فيه شعائر الدين كما في الكشاف، وهو مذهب سيدنا مالك وسيأتي، وفي كتاب الناسخ والمنسوخ أنها كانت فرضا في صدر الإسلام فنسخت وبقي ندبها وبه يجمع بين الأحاديث كالحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: نزلت في ناس الغ رواه الطبري. قوله: (توبيخاً لهم (إشارة إلى جواب ما قيل السؤال لا يطابق الجواب لأن الظاهر كنا في كذا أو لم نكن في شيء فأشار إلى أن محصل السؤال توبيخهم على ترك الهجرة، والجواب اعتذار عنه بعجزهم. قوله: (تكذيباً لهم الخ (فإنهم كانوا قادرين على الهجرة فكذبوهم أو قصدوا توبيخهم، وهما متقاربان وقطر بمعنى جانب، والهجرة إلى الحبشة هي الهجرة الأولى للصحابة، وهي معروفة في السير والحبشة كالحبش بفتحتين جنس من السودان أطلقت على محلهم مجازاً كما هنا. قوله: (لتركهم الواجب) يعني الهجرة، ومساعدة الكفار بالإقامة معهم، وفي خبر أن هنا أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل: هو محذوف تقديره هلكوا ونحوه، والمراد بقالوا أي الأول لأن ما بعده جواب، ومراجعة لا يصح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 معنى كونه خبراً فمن قال لو جعل الخبر قالوا الثاني لم يحتج إلى تقدير عائد فقد وهم، وقوله: مستنتجة أي واقعة موقع النتيجة التي تعطف بالفاء. وتهاجروا منصوب في جواب الاستفهام. قوله: (مصيرهم الخ (يعني أنّ ساء من باب نعم كما مرّ والمخصوص بالمدح مقدر كما ذكره، وقد مرّ مثله والحديث المذكور أخرجه الثعلبي عن الحسن مرسلالم 2 (، واستوجبت معناه وجبت، وحقيقته طلبت له الوجوب، وروي معلوماً ومجهولاً ووجه دلالة الآية ظاهر، ولذا قيل حكم الندب باق فيها، وقوله: رفيق أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بناء على أنّ الخطاب للعرب، وأكثرهم ولد إسماعيل لمج! ، وأمّا جعل ضمير أبيه للنبيّ صلى الله عليه وسلم فليس بشيء وخصا بالذكر لأنّ كلا منهما له هجرة قال تعالى حكاية عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم إني مهاجر إلى رني وهو أوّل من هاجر، والهجرة من بلاد الكفار، وبلاد لا يقام بها شعائر الإسلام واجبة كما نقله ابن العربي المالكي رحمه الله قال وكذا البلاد الوبية. قوله: (استثناء منقطع الخ) في هذا الاستثناء قولان أحدهما أنه متصل، والمستثنى منه أولئك مأواهم جهنم إلا المستضعفين، والثاني أنه منقطع لأنّ الموصول، وضمائره والإشارة إليه بأولئك لمن توفتة الملائكة ظالما لنفسه من العصاة بالتخلف كما قاله المفسرون، وهم القادرون على الهجرة فلم يندرج فيهم المستضعفين فكان منقطعاً، ومن الرجال الخ حال من ألمستضعفين أو من الضمير المستتر فيه. قوله: (وذكر الولدان الخ) قد تدمنا معنى الولدان، وهذا دفع لسؤال يتوهم، وهو أن الولدان بمعنى الصغار غير المكلفين فما فائدة إخراجهم من الوعيد والتهديد فإن كانوا بمعنى العبيد والإماء فلا إشكال، والا فالقصد إلى المبالغة في وجوب الهجرة والأمر بها حتى كأنها مما كلف به الصبيان أو المراد بهم من قرب عهده بالصغر مجازاً كما مرّ في اليتامى. أو أن تكليفهم عبارة عن تكليف أوليائهم بإخراجهم من ديار الكفر أو المراد التسوية بين هؤلاء في عدم الإثم، والتكليف أو أنّ العجز ينبغي أن يكون كعجز الولدان. قوله: (صفة للمستضعفين الخ) المراد بالتوقيت التعيين بأن يكون للعهد لأنّ المراد به الجنس وهو في المعنى كالنكرة توصف بما توصف به، وفي الكشاف أنّ أل هذه حرف تعريف للجنس، وهو بناء على أنّ الداخلة على اسم الفاعل الذي لم يقصد به الحدوث ليست موصولة، وقيل الأولى أن تجعل بيانا للمستضعفين وكلمة الأطماع عسى ويترصد ليس من مدخول النفي، وتعليق قلبه لأنه من شأن المترجي. قوله: (متحوّلأ من الرغام الخ) أي هو اسم مكان يتحوّل إليه أو يسلكه. قوله: (وقرئ يدركه بالرفع) وخرجه ابن جني كما نقله السمين على إضمار هو أي ثم هو يدركه فالاسمية معطوفة على الفعلية الشرطية قال: وعلى ذلك حمل يون! رحمه الله قول الأعشى: إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نزل أي أو أنتم تنزلون. ) قلت) فالاسمية في محل جزم وان لم يصح وقوعها شرطا لأنهم يتسمحون في التابع وانما قدروا المبتدأ ليصح رفعه مع عطفه على الشرط المضارع، وجعل الفعل خبرا تسمح شائع لأن الخبر الجملة، وما قيل على تقدير المبتدأ يجب جعل من موصولة لأنّ الشرط لا يكون جملة اسمية إذ لو جعلت شرطية لم يحتج إلى تقدبر، والأولى أن يرفع على توهم الموصولية خبط، وغفلة عن كلامهم وخرجها الزمخشرفي على وجه آخر، وهو أنه نوى الوقف فنقل حركة الهاء إلى ما قبلها كقولهن: من عنزيّ سبني لم أضربه ثم أجرى الوقف مجرى الوصل فضم الهاء اتباعاً، وحركها، وتركه المصنف رحمه الله لأنه مما بابه الشعر. قوله: (وبالنصب على إضمار أن الخ) هي قراءة شاذة عن الحسن البصري رحمه الله، والنصب بعد الواو يكون في جواب الأمور الثمانية كما فصل في النحو، وما عداها قالوا إنه ضرورة والنصب في الآية جوّزه الكوفيون لأمور أخر، وهو أن الفعل الواقع بين الشرط، والجزاء يجوز فيه الرفع والنصب، والجزم إذا وقع بعد الواو والفاء كقوله: ومن لايقدم رجله مطمئنة فيثبتهافي مستوى القاع يزلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وقاسوا عليهما ثم فليس ما ذكر في البيت نظيرا للآية. قوله: (وألحق الخ) هو من شعر سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا وفي الكشف وجهه أنه مستقبل مطلوب فجرى مجرى الأمر، ونحوه وكذلك المقصود من الآية الحث على الخروج، وهو في الآية أقوى لأنّ الشرط شديد الشبه بغير الموجب، وقيل: إنه من عطف المصدر على المصدر المتوهم مثل أكرمني، وأكرمك أي ليكن منك إكرام ومني، وهذا الشعر للمغيرة الحنظلي وروي لأستريحا فلا شاهد فيه، ومعنى الآية أنّ من هاجر لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت في طريقه فأجره على الله، وكذا كل من سار لأمر فيه ثواب. قوله: (الوقوع والوجوب الخ) يعني أصل معناهما السقوط قال تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [سورة الحج، الآية: 36] ثم استعملا بمعنى وهو اللزوم، والثبوت، ومنهم من لم يفهم هذا وظنه مشكلاً قال الراغب الوقوع هنا تأكيد للوجوب فأعرفه والوجوب على الله بمقتضى وعده وتفضله مذهبنا لا الوجوب العقلي الذي ذهبت إليه المعتزلة. قوله: (والآية الكريمة نزلت الخ) أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه، واختلف في اسمه فقيل ضمرة بن جندب، وقيل جندب بن ضمرة وصحح هذا في ألاستيعاب، وفي الإصاية وفي اسمه عشرة أقوال منها ضمرة ابن القيس صحابيّ كان أعمى وله مال وسعة، وهذه نزلت فيه خاصة كما رواه ابن حجر في الإصابة، وقيل: نزلت في أكثم بن صيفي لما أسلم، ومات، وهو مهاجر قاله ابن الجوزي رحمه الله، وكان بلغه هذا النهي وهو بمكة لما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية إلى مسلمي مكة فقال لبنيه احملوني فإني لست من المستضعفين، واني لأهتدي الطريق واني لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة، وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق الخ، والتنعيم اسم موضع قريب من مكة، وقوله: هذه لك إشارة إلى اليمين وهذه إلى الشمال لا على قصد اعتقاد الجارحة لله بل على سبيل التصوير، وتمثيل مبايعة الله على الإيمان، والطاعة بمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، وقيل: إشارة إلى البيعة والصفقة، والمعنى أنّ بيعته كبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كبيعة الناس، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله عنهم قالوا: ليته مات بالمدينة فنزلت هذه الآية. قوله: (ونفي الحرج فيه الخ (هذا مما اختلفوا فيه هل القصر عزيمة فلا يجوز الإتمام أم رخصة فيجوز ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى الأوّل مستدلاً بأنّ الرباعية فرضت أوّلاً ركعتين ركعتين، ثم زيد عليها في الحضر، وأقرّت في السفر كما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، وذهب الشافعي رحمه الله إلى الثاني وأنه رخصة فيجوز الإتمام والإتيان بالعزيمة، وظاهر قوله فليس عليكم جناح معه، وأجابوا عن الحديث بأنه لو كان على ظاهره لما جاز لعائشة رضي الله عنها إتمامها مع أنه روي عنها مع أنه خبر واحد لا يعارض القرآن الصريح في أنها كانت زائدة عليه إذ القصر معناه التنقيص، والحديث مخصوص بغير المغرب، والصبح وحجية العامّ المخصوص مختلف فيها وقد خالفت عائشة رضي الله عنها روايتها، وإذا خالف الراوي روايته في أمر لا يعمل بروايته فيه، وقيل قولها فرضت الصلاة ركعتين الفرض هنا بمعنى البيان، وقد ورد بهذا المعنى {فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم، الآية: 2] وقال الطبري معناه فرضت لمن اختار ذلك من المسافرين فإن قيل هل يوجد فرض بهذه الصفة قلنا: نعم كالحاج فإنه مخير في النفر في اليوم الثاني، والثالث وأيا فعل فقد قام بالفرض، وكان صواباً، وقال النووي رحمه الله المعنى فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في الحضر ركعتان على سبيل التحتم، وأقرت صلاة السفر على جواز الإتمام، وثبت دلائل الإتمام فوجب المصير إليه جمعا بين الأدلة، وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه النسائي، والدارقطني وحسنه والبيهقي، وصححه والتمسك بظاهر الآية يقتضي أنّ الإتمام أفضل عنده، وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه النسائي، وابن ماجه. قوله:) ولقول عائشة رضي الله عنها الخ) أخرجه الشيخان، وقد مرّ ما فيه وا! النظم ولفظ القصر، وعمل الراوي يخالفه، والعبرة به عند الحنفية فقد تعارض رأيها وروايتها فلا يعمل بها، وقد قيل إنها أوّلت ما روت فلا تعارض بينهما قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ابن حجر رحمه الله، والذي يظهر لي في جمع الأدلة أنّ الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زبدت عقب الهجرة إلا الصبح كما رواه ابن خزيمة وابن حبان، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها وفيه وتركت الفجر لطول القراءة، والمغرب لأنها أوتر النهار، ثم بعدما استقرّ فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية، ويؤيده قول ابن الأثير رحمه الله أنّ القصر كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذ من قول غيره أنّ نزول آية الخوف كان فيها، وقيل القصر كان في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي، وقال السهيلي: أنه بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقيل: بعد الهجرة بأربعين يوماً فعلى هذا قول عائشة رضي الله عنها: " فأقرت صلاة السفر " أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرّت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أنّ القصر عزيمة انتهى، ويدل على أنه رخصة حديث صدقة تصدّق الله بها عليكم الآتي وأما أنّ حديث عائشة رضي الله عنها غير مرفوع لأنها لم تشهد فرض الصلاة فغير مسلم لجواز أنها سمعته من النبيئ مج! يوو، ويرد على ما جمع به ابن حجر رحمه الله أنها لو كانت قبل الهجرة ركعتيى لاشتهر ذلك، وعلى كل حال فهو أمر صعب. قوله: (فإن صحا الخ الا يخفى أنهما صحيحان مخرّجان في السنن فلا يليق التردّد فيه كما مرّ، والمراد بالآوّل حديث عمر رضي الله عنه فقوله تامّ أي مجزئ إجزاء التام الغير المقصود والثاني حديث عائثة رضي الله عنها يعني أنّ ذكرها الركعتين لا ينفي الزيادة بناء على أنّ العدد لا مفهوم له ولا يخفى بعده، ثم أشار إلى جواب أبي حنيفة رضي الله عما في النظم مما يدل على خلاف مذهبه. قوله: (أربعة برد عندقا الخ) برد بضمتين جمع بريد، وهو اثنا عشر ميلاً كل ميل اثنا عشر ألف قدم، والفرسخ ثلامة أميال وكانوا يبنون ربطاً في الطريق يسمونها السكك بين كل سكتين اثنا عشر ميلا، وثمة بغافى معلمة بخلاف الأذناب، ويسمون كل واحد منها بريداً وهي كلمة فارسية أصلها بريده دم أي محذوف الذنب، ثم سمي الراكب به، والمسافة، وزيادة من في الإثبات مذهب الأخفش، وغيره يأباه، ومن عنده تبعيضية لأنّ المقصور بعض الصلاة، وهي الرباعية. قوله: (شريطة باعتبار النالب الخ الما كان ظاهره أن القصر إنما يكون في حال خوف العدوّ أشار إلى أنه شرط جرى على الغالب فلا مفهوم له كما في الآية المذكورة أو أنّ ثبوته في الأمن ثابت بالسنة وقوله: (كراهة الخ) يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف وهو ضمير الفتنة، وذكر باعتبار الخبر أو لأنه مصدر. قوله: (لا يعتبر مفهومها الخ) قال المحقق الفناري في فصول البدائع فيه بحث لأنه ورد في الحديث أنّ عمر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقصر ونحن آمنون فقال له صلى الله عليه وسلم: " صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " فإن كان له مفهوم، ولذا أشكل على عمر رضي الله عنه فكيف يقال لا مفهوم له، وان لم يكن له مفهوم فكيف أشكل على عمر رضي الله عنه، وهو من أهل اللسان، وأجاب بما محصله أنّ له مفهوما، ولكن لما كان الغالب في السفر هو الخوف جعل النادر كالمعدوم كما يدل عليه جوابه صلى الله عليه وسلم، ولذا قال المصنف لم يعتبر مفهومها ولم يقل لا مفهوم لها فاعرفه فإنه من دقائق هذا الكتاب. قوله: (ثعلق بمفهومه الخ التقييده بكونه فيهم، وبين أظهرهم، وهي على خلاف القياس فيقتصر فيها على مورد النص، والجمهور على خلافه لما ذكر. المصنف رحمه الله، وممن خصها بحضرته أبو يوسف رحمه الله كما نقله الجصاص في كتاب الأحكام والنوويّ في شرح المهذب فقول النحرير أنه لم يوجد في كتب الفقه، والخلافيات قصور في التتبع، وحضرة الرسولءجير إمّا بمعنى حضوره في عهده أو هو مقحم للتعظيم، وتجاه العدوّ بالضم بمعنى في مقابلته. قوله: (أي المصلون حزما الخ) الحزم بالمهملة الاحتياط فعلى هذا الضمير للمصلين، والمراد بالأسلحة ما لا يشغل عن الصسلاة كالخنجر والسيف فإن كان الضمير للطائفة الأخرى فلا تقييد، وهو خلاف الظاهر، ولذا أخره. قوله: (أي غير المصلين الامتناع أن يكون الحارسون حال سجود المصلين هم المصلين أنفسهم وفيه نظر إذ لا دلالة على أنّ ذلك حال السجدة بل بعد الفراغ منها على ما قيل إنّ مراده بغير المصلين الفارغون من السجود والذاهبون إلى العدوّ، والحق أنّ الإظهار في طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك دليل على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 أنّ الطائفة الأولى قد فعلوا، والثانية يصلون معه لا منفردين كذا قال النحرير، وقيل عليه أن ظرفية إذا تدل على أن الحراسة وقت السجود إلا أن يقال وقت السجود ممتدّ وقوله: (فغلب المخاطب (أي النبيّ عتمرو على الغائب، وهو من معه، وأصله من ورائك وورائهم. قوله: (ظاهره يدل على أنّ الإمام يصلي الخ) في كيفية صلاة الخوف روايات، وطرق مفصلة في الفقه، والحديث أشار إليها المصنف رحمه الله وصلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل، وهو اسم مكان رواها الشيخان. قوله: (جعل الحذر) وهو التحرّز الخ يعني اق الحذر أمر معنوفي لا يتصف بالأخذ إلا إذا جعل استعارة بالكتاب إذ شبه بما يتحصن به من الآلات، وأثبت الأخذ له تخييلا، ولا يضر عطف الأسلحة عليه للجمع بين الحقيقة، والمجاز لأنّ التجوّز في التخييل في الإثبات، والنسبة لا في الطرف على الصحيح، ومثله لا بأس فيه بالجمع كما في قوله تعالى: {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} حيث جعل الإيمان لتمكنهم فيه بمنزلة المقرّ، والمسكن لكنه قدم فيه الحقيقي بخلاف ما نحن فيه وفيه بحث لأنه يلزم فيه التصريح بطرفي المكنية لأن الحذر منزل منزلة السلاح، ولذا قيل إنه وأمثاله من المشاكلة، وليس استعارة، ويدفع بأنه لم يشبه بالسلاح بل بما يتحصن به، وهو أعم فتأمّل، وقد تقدم أن للحذر معنى آخر، وهو ما يدفع به فلا تجوّز فيه فتذكره. قوله: (تمنوا أن ينالوا منكم غرّة الخ) الغرّة بالكسر الغفلة عن العدوّ، والشدّة والجملة بمعنى، وهو الوثوب للقتال دفعة واحدة، وقوله، وهذا مما يؤيد الخ لأنه لم يرخص فيه إلا بعذر وأمرهم بالحذر بعد إلقاء السلاح، ولذا لم يضمه إليه كما في الذي قبله لأنه محل الخوف. قوله: (وعد للمؤمنين بالنصر الخ الما كان الغالب من حال أن الواقعة بعد الأمر، والنهي أن تكون للتعليل وتغني غنى الفاء، وهو لا يظهر هنا أشار إلى توجيهه بأنه لدفع الوهم الناشئ من الأمر قبله لتقوي قلوبهم ويعلموا أن التحرز في نفسه عبادة كما أن النهي عن إلقاء النفس في التهلكة لذلك لا للمنع عن الإقدام على الحرب، ولدّا فسر العذاب بمغلوبية العدوّ، وقتلهم ليتم به الالتئام، وقوله: فيتوكلوا إشارة إلى أن ما ذكر لا ينافي التوكل كما في الحديث أعقلها وتوكل. قوله: (أديتم وفرغتم منها) هذا التفسير على مذهب أبي حنيفة رحمه الله من أنه لا يصلي حال المحاربة فالقضاء بمعنى الأداء قال الأزهريّ: القضاء على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء، وتمامه فكل ما أحكم عمله، وأتم وختم أو أدى أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد قضى فهو مشترك بين هذه المفهومات، وقوله: (او إذا أردتم (الخ تفسير له على مذهبه من الصلاة حال المحاربة، والمسايفة بالفاء مفاعلة من السيف أي المقاتلة به، والمقارعة المقاتلة بالرماح والمراماة بالسهام، ومثخنين بمعنى مجروحين مثقلين بالجراح من أثخنه المرض أثقله وأوهنه. قوله: (فعدّلوا واحفظوا الخ أليس المراد بإقامة الصلاة إعادتها كما هو أحد قولي الشافعيّ، وعلى القول الآخر فسرت الإقامة بالإعادة. قوله: (فرضاً محدودا لأوقات الخ (يعني كتابا بمعنى مكتوبا مفروضاً وموقوتا محدوداً ووجه الدلالة على أن المراد بالذكر الصلاة لا ظاهره كما هو تفسير أبي حنيفة رحمه الله أنه تعليل للأمر بالذكر فلو لم يكن بمعنى الصلاة لم يلتئم، وكونها واجبة يؤخذ من كتابتها فإنها بمعنى الفريضة، وهي والواجب بمعنى عند.. قوله: (إلزام لهم وتقريع الخ) وهو من بليغ النظام، وقد وقع مثله في كلامهم، وبدر الصغرى من غزواته ع! ي! معروفة في السير. قوله: (نزلت في طعمة بن أبيرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 الخ (طعمة بفتح الطاء المهملة، وكسرها رواية وسكون العين المهملة، وفي القاموس أنه بضم الطاء، وفي كتب الحديث أنه مثلث الطاء، والكسر أشهر وأبيرق تصغير أبرق والحديث رواه الحاكم والترمذقي عن قتادة وبنو ظفر بفتح الظاء المعجمة، والفاء حيئ من الأنصار، وقوله: وخبأها أي الدرع لأنها مؤنشة سماعية وقوله فسألوه، الفاء فصيحة أي فانطلقوا وأتوه فسألوه أن يجادل عن المسلم لأنّ الحال شاهدة له إذ السرقة في يد اليهودي، واليهود متهمون بالزور وعداوة الأنصار، وقوله: فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هم بأن يحكم بظاهر الحال اعتماداً على صدقهم لا أنه علم براءة اليهودي، وهم بخلافه فإن مقامه صلى الله عليه وسلم أجل وأعلى من ذلك، وفي إمضاء شهادة اليهود على طعمة، وهو مسلم ما يحتاج إلى التأويل. قوله: (بما عرّفك الله الخ) يعني أراك متعد هنا لاثنين أحدهما العائد المحذوف، والثاني الكاف أي بما أراكه الله، وهي من رأى بمعنى عرف المتعدي لواحد فعدى بالهمزة لاثنين، وقيل إنها من الرأي من قولهم رأي الشافعيّ كذا، وجعلها علمية يقتضي التعدي إلى ثلاثة مفاعيل، وحذف اثنين منها أي بما أراكه الله حقاً، وهو بعيد، وأمّا جعله من رأي البصرية مجازاً فلا حاجة إليه. قوله: (أي لأجلهم الخ (يعني أنّ اللام ليست صلة خصيما بل تعليلية ولا تكن عطف على أنزلنا بتقدير قلنا وجوّز! فه على الكتاب لكونه منزلاً وهو خلاف الظاهر. قوله: (للبراء) البراء إمّا مفرد بمعنى 1 بريء أو جمع بريء وباؤه مثلثة قال السهيلي في الروض الأنف براء بضم الباء جمع برئ ايه! م جمع على فعال أو جمع، وأصله برآه ككرماء فحذفت إحدى الهمزتين للتخفيف ووزنه فهاء، وانصرف لأنه أشبه فعالاً، وزعم بعضهم أنه من باب فرير وفرار، وليس بشيء وقال ابر النحاس البصريون لا يعرفون ضم الباء فيه، وأنما هي مكسورة ككرام، وأمّا براء بالفتح كسلام فمصدر اص. فما قيل البراء بالضم كالهراء لأنّ المراد به اليهودي لكن الأصح الفتح على أنّ المراد به الجمع تقول تبرّأت منه، وأنا براء لا يثنى، ولا يجمع لكونه في الأصل مصدرا مثل سماع، وذلك لتقابل الجانبين، ويجوز في العبارة برآء على صيغة الجمع ككرماء لا يخفى ما فيه من القصور. قوله: (مما هممت به الخ) أي في أمر طعمة وبراءته لظاهر الحال، والهتم بالشيء خصوصاً إذ يظن أنه الحق ليس بذنب حتى يستغفر منه لكن لعظم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعصمة الله له وتنزيهه عن توهم النقائص أمره بالاستغفار لزيادة الثواب، وارشاده إلى التثبت وأنّ ما ليس بذنب إذا خطر بباله بالنسبة لعظمه كالذنب فلا يرد على المصنف رحمه الله شيء كما توهم، وقال النيسابوريّ: قال الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لولا أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يخاصم لأجل ذلك الخائن لما ورد النهي عنه ولما أمر بالاستغفار، وأجيب بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي حصول المنهي عنه بل ثبت رواية أنّ قوم طعمة التمسوا منه صلى الله عليه وسلم أن يدرأ عن طعمة، ويلحق السرقة باليهودي فتوقف وانتظر الوحي ولعل القوم شهدوا بسرقة اليهودي، وبراءة طعمة، ولم يظهر للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما يقدح في شهادتهم بالقضاء على اليهودي فأطلعه الله على حقيقة الحال أو لعل المراد، واستغفر لأولئك الذين برّؤوا طعمة. قوله: (يخونونها فإن وبال خيأنتهم يعود عليها الخ) يعني أنّ خيانة الغير جعلت خيانة لأنفسهم لأنّ وبالها وضررها عائد عليهم فهو مجاز عن ذلك، وقوله: أو جعل المعصية خيانة ظاهرة أنّ معنى يختانون يعصون وبكسبون الإثم فأنفسهم مفعول له لأنه بمعنى يظلمون أنفسهم، وظلم النفس معروف في عمل المعاصي، وقيل الخيانة مجاز عن المضرة ولا بعد فيه. قوله: (مبألنة في الخيانة الخ) يعني المراد بالمبالغة الإصرار لأنه كتكرّر الفعل، وقوله: روي الخ رواه الطبراني في معحمه من حديث قتادة رضي الله عنه، وقوله: ليسرق أهله كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار والمراد متاعهم. قوله: (يستترون منهم حياء (فسر الاسنخفاء من الناس بالاسنتار لأجل الحياء، والخوف، وفسر الاسنخفاء من الله بالاسنحياء لأنّ الاستخفاء منه تعالى محال فلا فائدة في نفيه ولا معنى للذم في عدمه بخلاف الاسنخفاء من الناس كما قالوا في أنّ الله لا يستحيي أنه مجاز مع أنّ سلب الاستحياء ليس بمحال، ويصح أن يكون مشاكلة. قوله: (لا يخفى عليه سرهم الخ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 يعني المراد بالمعية هنا التهديد بأنه يعاقبهم فليحذروه، وقوله: يدبرون لما كان أكثر التدبير مما يبيت عبر به عنه، ومعنى يزوّرون يزينون، ويجوز تقديم الراء المهملة فيه كما مرّ، ومعنى لا يفوت عنه شيء كمال قدرته فالإحاطة هنا استعارة. قوله: (جملة مبينة الخ الما كان الأخبار عن الضمير باسم الإشارة نحو أنت هذا بحسب الظاهر لا فائدة فيه جعلت الإشارة إلى موصوف بصفة يبينه ما يقع بعده فأولاء بمعنى المجادلين وبه تتم الفائدة وقد مرّ الكلام فيه، وكونه صلة مذهب لبعض النحاة في كل اسم إشارة يجوز أن يكون موصولاً والجمهور على أنه مخصوص بماذا، وعليه فالحمل ظاهر. فوله: (محامياً الخ) أصل معنى الوكيل الموكل الذي الأمور موكولة له، ولما كان من هو كذلك يحفظ ما وكل إليه ويحميه استعمل في لازم معناه فلذا فسره بما ذكر وأم هذه، ونظائرها مما وتع بعده اسم استفهام منقطعة، وقيل عاطفة كما نقله في الدر المصون، وكأنه مراد من قال إنها لا متصلة ولا منقطعة. قوله: (ثبيحاً يسوء به غيره) أخذه من مقابلته لظلم النفس الغير المتعدي، وتفسيره بما دون الشرك لأنّ السوء يستعمل فيه وقد قوبل بالظلم المستعمل في القرآن بمعنى الشرك كقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سررة لقمان، الآية: 131] وجعله بمعنى الصغيرة لأن الإساءة تستعمل ثعناه، وبمعنى الذلة، وكون الاستغفار بمعنى التوبة ظاهر، وقوله: وفيه حث في نسخة.، وهو بمعناه وتفسيره الخطيئة، والإثم بما ذكر مأخوذ من المقابلة، والتغاير بينهما ولأنّ اآثم كما ذكره الزمخشريّ في سورة الحجرات الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، وهمزته بد من الواو من، وثم يثم أي كسر كأنه يكسرها بإحباطه، وقد يستعمل في مطلق الذنب كقوله: {كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [سورة الشورى، الآية: 37] كما في الكشف. قوله: (ووحد الضمير الخ) اختلف النحاة في هذا الضمير فقيل يعود على إثما، والمتعاطفان بأو يجوز عود الضمير فيما بعدهما على المعطوف عليه نحو: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} وعلى المعطوف نحو: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا} وقيل يعود إلى الكسب على حد اعدلوا هو، وبعضهم أوجب إفراده لأنه يعود على أحد الأمرين لا على التعيين كأنه قيل ثم يرم بأحد الأمرين، وقيل في الكلام حذف أي يرم بها وبه، والثالث هو المشهور، ولذا اختاره المصنف رحمه الله. قوله: (بسبب رمي البريء الخ (في الكشاف لأنه يكسب الإثم آثم وبرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين فقيل في معناه أنه إشارة إلى أنّ في التنزيل لفاً ونشراً غير مرتب لأنه أتى في التفسير بالترتيب، والأسلوب من باب تكرير الشرط، والجزاء نحو من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى فينبغي أن يحمل تنكير بهتانا واثما على التفخيم، والتهويل، وفي ثم دلالة على بعد مرتبة البهتان من ارتكاب الإثم نفسه، وقيل: إنّ في ترتب الجزاء على الإثم، ثم الرمي به أو بهما إشكالأ، وكذا في مغايرة احتمال الإثم، والبهتان أعني الاتصاف بهما لكسب الإثم، والرمي به ووجه التقصي عن الأوّل أنّ المراد بالإثم في جانب الجزأء ما يعم الخطيئة أيضا تغليبا أو نظراً إلى أنّ الرمي بالخطيئة إعظام لها وادراج في حكم الآثام أو إلى أنه يطلق على مطلق الذنب كما مرّ، وعن الثاني بأنّ تغاير المفهوم يجب له تغاير المعنى أو أن التفخيم الحاصل من التنكير يعطي التغاير أو أنه على أسلوب من أدرك الصمان ولا إشعار في كلام المصنف رحمه الله بهذا، وفيه بحث ومعنى كلام المصنف رحمه الله أنه لا تجاد سببهما الواقع في الجزاء سوّى بينهما في ترتب ذلك على أحدهما لا على التعيين، والعطف بأو المفيدة لذلك وان كان أحدهما وهو الكبيرة أو العمد أعظم من الآخر، وهو الصغيرة أو ما لا عمد فيه فتأمّل. قوله: (بإعلام ما هم) وفي نسخة هموا وقوله: (وجمعه للتعظيم (كذا وقع في نسخ، وهو سهو لأنه إنما يتوجه لو كان النظم عليكم، وليس كذلك، ولذا وقع في بعضها إسقاطه برمته، وأمّا الجواب بأن المراد جمعه في مثله مما وقع فيه مجموعا كقوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} [سورة النساء، الآية: 83] فتكلف لا دلالة في كلامه عليه. قوله: (أي من بني ظفر) هذا بالنظر إلى المعنى والمآل، وإلا فلا ذكر في الكلام لبني ظفر، ولا دلالة عليهم يخصوصهم حتى يرجع إليهم الضمير فهو راجع للذين يختانون على أن المراد بهم بنو ظفر لمشاركتهم طعمة في الإثم لنصرته، وأما كون نزول الآية فيهم دليلاً على ذكرهم فبعيد، وضمير يضلوك للطائفة. قوله: (وليس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 القصد الخ (قال! الراغب إن قيل قد كانوا هموا بذلك فكيف هذا، ولولا تقتضي امتناع الجواب أجيب بوجهين أحدهما أن القوم كانوا مسلمين لم يهموا بإضلاله، وإنما كان ذلك عندهم صواباً، والثاني أنه نزل الهتم لانتفاء أثره منزلة العدم فجعل كأنه منفي كقولك فلان شتمك، وأهانك لولا أني تداركت ذلك تنبيها على أنّ أثر فعله لم يظهر، وقيل: إن الجواب محذوف أي لأضلوك إذ هموا بذلك وقوله: (مع علمهم بالحال) أي أو بالخائن سواء كان بعضهم أوكلهم لأنهم لو لم يعلموا لم يتحقق الإضلال، وقوله: لأنه أي همهم يعني أنه لعدم أثره وعوده بالوبال عليهم كانوا أضلوا أنفسهم، وقوله: في موضع النصب على المصدر أي أن من زائدة وشيء كان منصوبا على المصدرية، وأمّا قوله شيئاً من الضرر فماً خوذ من شيء، وتنكيره لا أنّ من تبعيضية وقوله: (وعلمك ما لم تكن تعلم الخ) قيل هذه الآية أبلغ من قوله في سورة أخرى ما لم يعلم لأنّ معناها ما لم يكن فيك قابلية لعلمه، ولذا فسره بما ذكر، وقد مرّ تحقيقه. قوله: " ذ لا قضل أعظم من النبوّة (قيل: إنه مبنيّ على أن النبوّة أعظم من الرسالة أو على ترادفهما فتأئل. قوله: (من متناجيهم الخ) النجوى تكون مصدراً بمعنى التناجي، والحديث الذي يتناجى به، ويسر، وتطلق على القوم المتناجيق كما في قوله: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} إمّا مجازا كرجل عدل أو حقيقة على أنه جمع نجيّ كما نقله الكرماني، وعلى هذين المعنيين يترتب اتصال الاستثناء واحتياجه إلى التقدير، وعدمه ا 1 فعلى الأوّل في كلام المصنف هو متصل، وعلى الثاني كذلك بتقدير مضاف أو منقطع، وياللم حال إعرابه من ذلك ويكفي في الاتصال صحة الدخول وان لم يجزم به فلا يرد عليه ما توهم أنه مثل جاءني كثير من الرجال إلا زيداً، ولا يصح فيه الاتصال لعدم الجزم بدخوله في الكثير ولا الانقطاع لعدم الجزم بخروجه، ولا حاجة إلى التكلف في دفعه، وأتا جعله متعلقاً بما أضيف إليه النجوى بالاستثناء أو البدل فخلاف الظاهر، وقال النحرير أنه لا معنى له، وفيه تأمّل. قوله:) والمعروف الخ (قيل لو اقتصر على ما استحسنه الشرع لكان أولى إذ كل ما يستحسنه الشرع لا ينكره العقل. قوله: (بني الكلام على الأمر الخ الما كان، ومن يفعل تذييلا لقوله: (إلا من أمر بصدقة) الخ فينبغي أن يكون مطابقا للمذيل، ولا مطابقة بين آمر الفعل، وفاعله ظاهراً فلذلك أوّلوه بجعل القرينة الأولى كناية عن الفاعل ليحصل التطابق بالطريق الأولى أو تجعل الثانية كناية عن الأمر لشموله، وتناوله إياه وبيانه أنه لما وصف الأمر بالخيرية علم أنّ فاعله كذلك بالطريق الأولى فلذا قال فيه فسوف نؤتيه أجراً عظيما لأن فاعله أولى بمضاعفة أجره، وتعظيم ثوابه أو أنه عبر عن الأمر بالفعل إذ هو يكنى به عن جميع الأشياء كما إذا قيل حلفت على زيد، وأكرمته، وكذا وكذا فتقول نعم ما فعلت إلا أنه يحتاج إلى نكتة العدول عن يأمر، وهو أخصر لما ذكر فتأمّل، ويجوز جعل ذلك إشارة إلى الأمر بصدقة أو معروف أو إصلاح فيكون معنى من أمر، ومن يفعل الأمر واحداً والمصنف رحمه الله اختار الشق الأوّل لظهوره ولك أن تقول إنه لا حاجة إلى جعله تذييلا بل لما ذكر الآمر استطرد ذكر تمثيل أمره، وهذا لا تكلف فيه. قوله: (وقيد الفعل بأن يكون الخ) المرضاة الرضا، وظاهر كلامه أن الرياء محبط لثواب الأعمال، وبه صرح ابن عبد السلام، والنوويّ. وقال الغزاليئ: إذا غلب الإخلاص فهو مثاب، والا فلا، وفي دلالة الآية على ما ذكره المصنف رحمه الله نظر لأنه أثبت للمخلص أجرا عظيما، وهو لا ينافي أن يكون لغيره ما دونه، ولذلك دفعه المصنف رحمه الله بأنّ عظمته بالنسبة إلى أمور الدنيا أو لأجر آخر وقوله: (يخالفه الخ) تفسير للمشاقة بأنها بمعنى المخالفة، وقوله: من الشق يجوز فيه الفتح والكسر. قوله: (ظهر له الحق الخ) قيل الأنسب تفسيره بظهور الحق فيما حكم به النبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله: (غير ما هم عليه) إشارة إلى أنّ السبيل كناية أو مجاز عما ذكره. قوله: (نجعله والياً الخ) أي نصله، ونجعله متوليا أي مباشراً لما هو فيه من الضلال قيل ولو اقتصر عليه لكان أولى لأنّ تأويل أمثاله بالتخلية مبنيّ على الاعتزال وعدم خلق الضلال أو كان عليه عطفه بأو إشارة إلى مذهبهم، وجعل نصله مجازاً عن الإدخال لما مرّ، وقوله: {جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} إشارة إلى تقدير المخصوص بالذم، ولو قدر التولية لصح. قوله: (والآية تدل على حرمة مخالفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 الإجماع الخ) فتكون حجة لأنّ الشافعيّ رحمه الله استدل بها على حجيته قال المزنيّ رحمه الله: كنت عند الشافمي يوما فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا فلما رآه ذا مهابة استوى جالساً، وكان مستندا لأسطوانة فاستوى، وسوى ثيابه فقال له: ما الحجة ف! ب دين الله قال كتابه قال، وماذا قال سنة نبيه قال، وماذا قال اتفاق الأمّة قال: من أين هذا الأخير أهو في كتاب الله فتدبر ساعة ساكتاً فقال له الشيخ أجلتك ثلاثة أيام بلياليهن فإن جئت بآية والا فاعتزل الناس فمكث ثلاثة أيام لا يخرج وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر وقد تغير لونه فجاءه الشيخ وسلم عليه، وجلس، وقال: حاجتي فقال: نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الخ الآية لم يصله جهنم على خلاف المؤمنين إلا واتباعهم فرض قال صدقت، وقام وذهب. وروي عنه أنه قال: قرأت القرآن في كل يوم، وفي كل ليلة ثلاث مرات حتى ظفرت بها، وأورد الراغب عليه أنه لا حجة فيها على ما ذكره بأن كل موصوف علق به حكم فالأمر باتجاعه جمون في مأخذ ذلك الوصف فإذا قيل اقتد بالمصلي فالمراد في صلاته فكذا سبيل المؤمنين يعني به سبيلهم في الإيمان لا غير فلا دلالة في الآية على اتباعهم في غيره ورد بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الأوّل ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضاً فكذلك يتناول ما هو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه فسبيل المؤمنين، وان فسر بما هم عليه من الدين يعم الأصول، والفروع الكل، والبعض على أنّ الجزاء مرتب على كل من الأمرين المذكورين في الشرط لا على المجموع للقطع بأنّ مجرد مثاقة الرسول كافية في استحقاق الوعيد معنى على أنّ ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين لأنّ المكلف لا يخلو من اتباع سبيل البتة، وعلى أنه ليس المراد بالمؤمنين آحاد الأمّة، ولا المجتهدين إلى انقراض الدنيا بل المجتهدون في عصر إلى غير ذلك من القيود كما بين في الأصول، وبهذا علم مراد المصنف رحمه الله، وما أشار إليه فتدبر. تنبيه: قرّر الفخر هذا الدليل بأنه عطف اتباع سبيل غير المؤمنين على مثاقة الرسول، وهي حرام فتلزم حرمته لأنه لا يصح أن يقال من زنى، وأكل الحلوى فارجموه. وقال ابن الحاجب اتباع سبيل المؤمنين يحتمل مناصرتهم والاقتداء بهم في الإيمان والعمل، والعمل بظاهر الآيات إنما ثبت بالإجماع فيلزمه الدور بخلاف القياس وقريب منه قول الأصفهانيّ اتباع سبيلهم لما احتمل ما ذكر، وغيره صار عاما، ودلالته على فرد من أفراده غير قطعيّ لاحتمال تخصيصه بما يخرجه مع ما فيه من الدور كما مرّ، وأجاب عن الدور بأنه إنما يلزم لو لم يقم عليه دليل آخر، وعليه دليل آخر، وهو أنه مظنون يلزم العمل به لأنا إن لم نعمل به وحده إمّا نعمل به، وبمقابله أو لا بهما أو بمقابله، وعلى الأوّل يلزم الجمع بين النقيضين، وعلى الثاني ارتفاعهما، وعلى الثالث العمل بالمرجوج مع وجود الراجح، والكل باطل فيلزم العمل به قطعا، وبقي عليه إيرادات ذكرها ابن التلمسانيّ مع أجوبتها ونطاق الكلام يضيق عنه المقام فانظره إن أردت. قوله: (كرره للتثيد الخ) يعني ما ذكره سابقا في أوائل هذه السورة كرره إما تأكيداً أو لتكميل قصة طعمة بالوعد بعد الوعيد أو أنّ لها سبباً آخر في النزول، وهي قصة الشيخ المذكور التي رواها الثعلبيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قيل، وهذا هو الظاهر لأن التأكيد مع بعد عهده لا يقتضي تخصيص هذا الموضع فلا بد له من مخصص، وهربا حال واني لنادم بالكسر جملة حالية أو معطوفة على أني شيخ الخ، ويجوز فتحها عطفا على أني لم أشرك إلا أنه لا يحسن لإيهامه العطف على أني أعجز. قوله: (فإنّ الشرك أعظم الخ) وفي معناه نفي الصانع، وفيه إشارة إلى أن المراد استعظامه، وقوله: دعوى التبني بتقديم الباء الموحدة أي بقولهم نحن أبناء الله، وأحباؤه لا بجعلهم الملائكة بنات الله كما قيل لأنها في حق اليهود كما مرّ. قوله: (كان لكل حئ صنم الخ) تسميتهم الأصنام إناثاً لأنهم كانوا يجعلون عليها الحلي، وأسماؤها مؤنثة، وقد ردّ بأن منها ما اسمه مذكر كهب! ، وود وسواع، وذي الخلصة، وقيل إنه باعتبار الغالب، وفيه نظر ثم استشهد على تسمية ما اسمه مؤنث أنثى بقوله: في لغز مشهور في القراد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وما ذكر فإن يكبر فأنثى شديداً الأزم ليسى له ضروس وروي فإن يسمن بدل فإن يكبر المشهور في الرواية، ووجه تسميته أنثى أنه يقال له حلمة بالحاء المهملة، واللام وزن تمرة، وهي ما عظم من القراد كما في الجوهري والأزهري، وتفرد الزمخشريّ في المستقصى بتفسيره بالصغير منه، ويرده هذا البيت، والأزم بمعنى العض بالفم وضروس جمع ضرس، وفي قوله: يعبدونه إشارة إلى أنّ الدعاء هنا بمعنى العبادة لأنّ من عبد شيئا دعاه في حوائجه، ويصح أن يكون المراد ظاهره وتأنيث العزى ومناة ظاهر واللات لأنها فعلة من لوي كما سيأتي في سورة النجم فإن كانت تاؤه أصلية فهو مؤنث سمافي وقوله: (والجمادات تؤنث) فيه نظر لأنّ التذكير فيها كثير، ومراده أنها تشبه المؤنث، ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم يعني إناثا وقوله: (جمع أنثى كرباب وربى) كحبلى الشاة إذا ولدت أو مات ولدها، وفي التمثيل به نظر لأنهم قالوا إن جمعه رباب بالضم، وأنه أحد ما جاء من الجموع على فعال بالضم لكنه مثل به في الدر المصون أيضاً فلعل فيه لغة أخرى بالكسر، وقراءة أنثا بضمتين جمع أنيث، وقيل: إنه مفرد لأن من الصفات ما جاء على فعل بضمتين، وقوله: (وثنايا بالتثقيل) أي بضمتين، والتخفيف أي تسكين الثاني وأثنا بهما أي بالتخفيف والتثقيل، وقلب الواو المضمومة همزة كوجوه، وأجوه فإنه قياسيّ 0 قوله: (لأنه الذي أمرهم بعبادتها الخ) فيعبدون بمعنى يطيعون أو الكلام على المجاز، وأصل مادة م رد للملاسة، والتجرد فالمريد إمّا لتجرّده للشر أو لتشبيهه بالأملس الذي لا يعلق به شيء، ولا يعلق بخير أي لا يحصل له، ولاتباعه، ولعته الله بمعنى طرده وأبعده عن رحمته، وقيل: المراد باللعنة قعاى ما يستحقها به من الاستكبار عن السجود، ونحوه كقولهم أبيت المثعن أي ما فعلت ما تستحقه به. قوله: (جامعاً بين لعنة الله الخ) لأنّ الواو ال! -----: -الصفات تفيد مجرد الجمعية دون المغايرة، ويجوز أن يكون لعنه الله مستأنفا للدعاء، وقال: لأتخذنّ جمله مستطردة، ولعنه الله معترضة ودلالة هذا القول على فرط عداوته ليقيده بإضلالهم المهلك لهم. قوله:) وقد ير! ن سبحانه الخ) أي أقام البرهان على رسوخه في الضلال المعلوم من قوله: (بعيدا بقوأء: أن يدعون الخ) لأنّ هذه الجملة مبنية لوجه ما قبلها، ولذا لم يعطف عليه، واستدل على جهلهم بعبادة المنفعل الذي لا يقتضي العقل عبادته بأنه إنما هو عبادة للشيطان لأنه الأمر بها، وموالاة المنهمك في الضلال الملعون الذي هو شديد العداوة لكم فضلا عن عبادته أتبح من كل قبيح، وأصل معنى الفرض القطع، ولذا أطلق على القدر المعين لاقتطاعه عما سواه، والأماني مخفف ومشدد جمع أمنية، وهي ما يتمنى. قوله: (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) مفعول آمرنهم محذوف أي آمرنهم بالضلال، وقوله: فليبتكن الخ. تفصيل له، وتفسير والبتك القطع، والشق، والبتكة القطعة من الشيء، وهو إشارة إلى ما كانت الجاهلية تفعله من شق أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وهي البحيرة من البحر، وهو شق الأذن ثم تسيب فلا تركب، ولا يحمل عليها، وكذا السائبة هي التي تسيب فلا تستعمل، ولا ترد عن حوض وعلف، وتنفصل في محلة، وتحريم ما أحل الله بجعل استعمالها ممنوعاً منه، واعتقاد عدم حله، وشق الأذن فيها مذكور في مفردات الراغب، وغيره فلا يرد ما قيل إنه غير مذكور في القاموس، والصحاح فإنه من القصور. قوله: (وإشارة إلى ثحريم كل ما أحل الخ) يعني ليس المراد بمقول الشيطان خصوص ما ذكر بل هو عبارة عن كل ما يشاؤونه من أفعال الجاهلية وإشارة إلى تحريمهم ما أحله لأنه بشق أذنها يحرم استعمالها، وهو حلال، وتنقيص ما أوجده الله كاملاً بالفعل كفقء العين وشق الأذن أو بالقوة كتغيير الفطرة التي كانت بالقوة فيهم إلى خلافها. قوله: (ويندرج فيه الخ) الحامي بالمهملة فحل الإبل الذي يحميها إذا طال مكثه حتى بلغ نتاج نتاجه فيحمي ظهره ولا يركب، ولا يجز وبره، ولا يمنع من مرعى، والوشم بالمعجمة غرز الجلد بإبرة ثم حشوه بكحل أو نحوه، وهو معروف، والوشر بالراء المهملة أن تحد المرأة أسنانها، وترققها تشبيهاً بالشواب، واللواط مصدر كاللواطة ومي معروفة، والسحق مساحقة النساء، وعد عبادة النيرين منه لأنهما لم يخلقا لذلك. قوله: (وعموم اللفظ يمنع الخصاء الخ) قال النوويّ: لا يجوز خصاء حيوان لا يؤكل في صغره، ولا في كبره، ويجوز خصاء المأكول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 في صغره لأن فيه غرضا، وهو طيب لحمه، ولا يجوز في كبره، وخص من تغيير خلق الله الختان، والوشم لحاجة ونحوهما، والجمل الأربع من قوله: قال إلى هنا حكاية ما قاله بأيّ لغة كان مما لا يعلمه إلا الله أو أنه قدر قوله لذلك، ولا قول، وإنما هو ذ! ؤ لما وقع منه. قوله: (بإيثاره ما يدعوه إليه الخ) يعني أنّ المراد بولايته اتباعه، وقيد من دون الله ليس احترازياً كما توهم بل بيان لأنّ اتباعه ينافي متابعة أمر الله فافهم وقوله: ضيع 1 رأس ماله لأنه أعظم الخسران، وأهونه عدم الفائدة مع بقاء رأس المال، وأولياء الشيطان أهل الضلال أو جنده. قوله: (معدلاً ومهرباً الخ) يعني المحيص اسم مكان أو مصدر ميميّ من حاص يحيص إذا عدل وولى، ويقال محيص ومحاص، وأصل معناه كما قيل الروغان، ومنه وقعوا في حيص بيص وحاص باص أي في أمر يعسر التخلص منه، ويقال حاص يحوص أيضاً حى وصاً وحياصا، وعنها لا يتعلق بيجدون لأنه لا يتعدى بعن فهو ظرف مستقر كان صفة لمحيصا فلما قدم عليه انتصب على الحال، ولا يتعلق بمحيصا لأنه إن كان اسم مكان فهو لا يعمل لأنه ملحق بالجوامد، وان كان مصدراً فمعمول المصدر لا يتقدم عليه، ومن جوّز تقدمه إذا كان ظرفا أو جاراً ومجروراً جوّزه هنا. قوله: (فالأوّل مؤكد لنفسه الخ (التأكيد بالمصدران كان لمضمون جملة لا يحتمل غيره يسمى تأكيداً لنفسه نحو له عليّ ألف عرفاً إذ معنى الجملة التي قبله لا تحتمل غير الاعتراف، وكذا قوله سندخلهم جنات هو الوعد إذ ليس الوعد إلا الأخبار عن إيصال المنافع قبل وقوعه فيكون وعد الله تكيداً لنفسه فإن احتملت غيره فهو تأكيد لغيره لأنّ مضمون الجملة مغاير له، ولو احتمالاً كقولك زيد قائم حقاً فإن الجملة الخبرية تحتمل الصدق، والكذب، والحق والباطل، وكذا حقاً هنا بالنسبة لما قبله من الخبر بقطع النظر عن قائله، وعاملهما محذوف أي وعدهم الله وعداً وأحقه حقاً، وليس حقا تأكيداً للوعد حتى يقال إنه خبر حقيقة أو متضمن للخبر. قوله: (ويجوز أن ينصب الموصول الخ (يعني أنه مرفوع مبتدأ وخبر، ويجوز في محله النصب على الاشتغال جوازا مرجوحا لأنّ المعطوف عليه اسمية ولأنّ التقدير خلاف الأصل وقوله ووعد الله الخ أي يجوز أن ينتصب وعد الله بقوله: سندخلهم على أنه مصدر له من غير لفظه لأن معناه ما ذكر وحقا حال منه. توله:) جملة مؤكدة بليغة الخ) يعني أنه توكيد ثالث لقوله ة سندخلهم لأنّ الجملة تذييل للكلام السابق، والتذييل مؤكد للمذيل والمبالغة، والبلاغة من الاستفهام، وتخصيص اسم الذات الجامع، وبناء أفعل وايقاع القول تمييزاً، وكل ذلك إعلام منه بأنّ حديثه صدق محض، وانكار إن قول الصدق يتعلق بقائل آخر أحق منه فالواو اعتراضية، وجعلها عاطفة مع ما في عطف الإنشاء على الخبر لا حاجة إلى ما فيه من التكلفات فلا يقال كيف تكون مؤكدة، وهي معطوفة. قوله: (والمقصود من الآية الخ) المواعيد الشيطانية في قوله: يعدهم الخ ووعيده الكاذب الذي غرّهم حتى استحقوا الوعيد مقابل بوعد الله الصادق الذي أوصلهم إلى السعادة العظمى، ولذا بالغ فيه، وأكده حثا على تحصيله. قوله: (أي ليس ما وعد الله من الثواب الخ) في ليس ضمير مستتر اختلف في مرجعه فقيل يعود على الوعد بالمعنى المصمدي أو بمعنى الموعود فهو استخدام، وهذا مختار المصنف رحمه الله، وقيل: إنه الإيمان المفهوم من الذين آمنوا، وقيل يعود على ما تحاوروا فيه بقرينة سبب النزول، وأتانيئ مشذد وقرئ بالتخفيف، وقوله: أيها المسلمون إشارة إلى أن الخطاب على هذا للمسلمين لا للمشركين كما سيأتي، وفي قوله ليس الإيمان بالتمني إيجاز بديع لأنه يحتمل أنه إشارة إلى تفسير آخر، وهو أنّ الضمير راجع للإيمان المفهوم مما قبله كما ذكره غيره، ويحتمل أن يكون 5! اده أنه قيل في الأثر هذا، وهو تأييد لما قبله، وهذا أقرب، وفي الكشاف وعن الحسن ليس إلإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل أن قوما ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا، ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله، وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل له، وهذا أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على الحسن، وأخرجه البخاري في تاريخه عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب " فأمّا علم القلب فالعلم النافع، وعلم اللسان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 حجة الله على بني آدم، ووقر بمعنى أثر أو بمعنى ثبت من الوقار، وباء بأمانيكم كباء زيد بالباب ليست زائدة والزيادة محتملة وان نفاها النحرير. قوله: (روي أنّ المسلمين الخ) أخرجه ابلأ جرير عن مسروق مرسلا وقوله: يقضي على الكتب المتقدمة أي يثبت حقيبتها ويبين ما لا 1يعمل به فيها مما نسخ فكأنه قضى عليها. قوله: (ويدل عليه تقدّم ذكرهم) يعني قوله: أن يد! عون من دونه إلا إناثا، وما بعده، وما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أخرجه أحمد وابن حبان، والحاكم، واللأواء الشدّة كالقحط، وليس المراد بعمل السوء ما يصيبه من المصائب، وأن المراد بجزائه ثوابه عليه لأنّ ما بعده غير مناسب له بل المراد أنّ الصدّيق رضمي الله عنه فهم من الجزاء عذاب القيامة فبين له النبيّ! يئ أنه ليس المراد به ذلك بل الجزاء يكون بكل ما يضرّ المرء في الدنيا أيضاً من المصائب فهو أعم من الدنيوي، والأخروي، ولذا قال المصنف رحمه الله عاجلا أو آجلا، وذاك إشارة إلى الجزاء المفهوم من الكلام. قوله: (بعضها أو شيئاً منها الخ) يعني أنّ من تبعيضية لأنّ أحداً لا يمكنه عمل كل الصالحات، وقيل هي زائدة، وهو ضعيف، ومن الثانية بيانية، وهي مع متعلقها حال من ضمير يعمل، ويصح أن تكون حالاً من الصالحات أي صالحات كائنة، وصادرة عمن ذكر فمن ابتدائية، وقيل عليه أنه ليس بسديد من جهة المعنى، وقيل: الظاهر تقدير كائنا لا كائنة لأنه حال من متعلقها، وفيه نظر إذ المعنى الصالحات الصادرة من الذكر، والأنثى، ولا شك في صحته إلا أنه ركيك كما لا يخفى فلا وجه للتخطئة فيه. قوله: (حال شرط الخ) شرط بصيغة المجهول، وضمير بها للحال لأنها مؤنثة سماعية، واستدعاء بمعنى طلب، والثواب ما تضمنه فأولئك يدخلون الجنة، والضمير في لا اعتداد به للعمل، وضمير دونه للإيمان، وضمير فيه لاستدعاء الثواب أو للثواب نفسه. قوله:) بنقص شيء من الثواب الخ) النقير نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة بضرب بها المثل في الشيء القليل والحري بفتح الحاء والقصر كالحريّ الخليق والحقيق، ومنه بأخرى أن يكون ذاك، وأنه لحري بكذا والحري أيضا الساحة، وفي الكلم النوابغ حري غير مطور حري أن يكون ممطور، مطور بمعنى يزار ويقصد، وقوله: لأنّ المجازي أرحم الراحمين ردّ على الم! ضزلة بأنّ ذلك بفضله، ورحمته لا واجب عليه كما زعموا وأمّا تسمية عدمه ظلماً فلأنه كالواجب بسبب الوعد ففي تخلفه خلف في الوعد فأطلق الظلم، وأريد خلف الوعد، وعليه ينزل ما ورد من أمثاله، وهذا إشارة إلى وجه تخصيص عدم تنقيص الثواب بالذكر دون ذكر عدم زيادة العقاب لأنه يعلم بالطريق الأولى لأنّ الأذى في زيادة العقاب أشد منه في تنقيص الثواب فإذا لم يرض بالأول، وهو أرحم الراحمين فكيف يرضى بالثاني مع أنّ المقام مقام ترغيب في العمل الصالح فلا يناسبه إلا هذا واليه أشار بقوله عقيب الثواب. قوله: (أخلص! نفسه لثه الخ (إشارة إلى معنى أسلم وأن وجهه مجاز عن ذات نفسه، ويصح أن يكون الوجه بمعنى التوجه، وقوله: لا يعرف الخ جملة حالية أي في حال توحده وقوله: (وقيل بذل الخ) يعني الإسلام بمعنى الانقياد، والتذلل بالسجود، ووجه كون الاستفهام يدل على ما ذكره لأنه غير حقيقي، والمراد منه النفي، وصرف نفسه بكليتها الطاعة الله أعلى المراتب فلا يرد عليه أن مآله للتوحيد، وهو مشترك بين المؤمنين كما توهم وقوله: (الموافقة الخ) تقييد أو تبيين. توله: (اصطفاه وخصصه بكرامة الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية لتنزهه تعالى عن صاحب، وخليل، وأما الخليل وحده فاسنعارة تصريحية ثم صار علماً عليه-لجيرو، ولم يقل اتخذه الله لما ذكر. قوله: (والخلة من الخلال الخ) هذا بيان لتسمية الصديق خليلا بوجوه الأوّل أنه من خلال الشيء بالكسر وأثنائه فإنه أي الخلة وذكره باعتبار الخبر، وهو ودّ أي مودّة تتخلل النفس، وتخالطها مخالطة معنوية لا حسية كما قال: قد تخللت مسلك الروح مني ولذا سمي الخليل خليلا. 1! أو من الخلل لأنّ كلا يصلح خلل الآخر، وش!! خلله. أو من الخل بالفتح لأنهما على طريقة، ويترافقان في نسخة يتوافقان أو من الخلة با.، وهي الخصلة، والخلق فسمي خليل الله لتخلقه بأخلاق الله فقد علمت أنّ في وجه التسمية وجوهاً بعضها عام، وبعضها خاص، وبقي وجه آخر يؤخذ من قوله من عند خليلي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 الله الآتي، وهو المشاكلة. قوله:) والجملة استئناف الخ الم يرتض ما في الكشاف من أنها اعتراضية لأنّ الاعتراض يكون في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين، وهذا ليس كذلك، ولذا قال شرّاحه أنه بمعنى التذييل في كلامه، وجعلها حالية خلاف الظاهر، والعطف على ما قبلها لا يصح إلا بتكلف كما لا يخفى وقوله: (والإيذان) بأنه أي الأعلام، والبيان لأنّ اتباع ملته في غاية الحسن لأنّ الملل وضعإلهي فمن جاءت على يده إذا كان خليلا للواضع فما بالك بما شرعه على يده. قوله: (روي أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعث الخ الم يصحح الحفاظ هذه الرواية، وقالوا: والمرويّ ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم أنّ أوّل جبار في الأرض كان نمروذ وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتار معهم فلما مرّ بهم نمروذ جعل يسألهم من ربكم فيقولون أنت حتى أتى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فسأله فقال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [سورة البقرة، الآية: 258] على ما قص الله فرده بغير ميرة فرجع إلى أهله ومرّ بكثيب من رمل فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي حتى يطمئنوا فأتى به ووضعه ثم نام فقامت امرأته، وفتحته فإذا هو أجود طعام فصنعت له نه، وقرّبته له فقال عليه الصلاة والسلام من أين هذا فقالت: من الطعام الذي جئت به فعرف أنه من الله، وأخرج نحوه ابن أبي شيبة وليس فيه شيء من ذكر الخليل، وأزمة بفتح فسكون بمعنى شدة، والمراد بها هنا القحط، ويمتار بمعنى يطلب الميرة، وهي الطعام، ولينة بكسر فسكون، وفي نسخة بفتح اللام، وتشديد الياء قال النحرير هي اسم موضع بقرب الطائف، وقيل ماء بطريق مكة، ولا! وجه له، والظاهر من كون خليله بمصر أن يكون قريباً منها بالأرض المقدّسة فالظاهر أنها لينة بالتشديد بمعنى ذات رمل، ونحو. لا حجارة بدليل ما في الرواية الأخرى أنه مرّ بكثيب من رمل، والغرائر جمع غرارة بالكسر، وهي وعاء معروف، وحوّارى بضم الحاء وتشديد الواو وألف بعدها راء مفتوحة ثم ألف مقصورة دقيق شديد البياض جود نخله من قولهم حور الطعام بمعنى بيض، والبطحاء أرض يجري فيها السيل منبطحة، واختبزت بمعنى اتخذت الخبز، وغلبته عيناه مجاز بمعنى غشيه النوم بغتة وساؤة زوجته عليه الصلاة والسلام. قوله: (خلقاً وملكاً الخ) يعني أنّ اللام للاختصاص، والاختصاص مراد به ذلك هنا، وأشار بقوله: يختار الخ إلى أنه متصل بقوله، واقخذ الله إبراهيم خليلاً لأنه بمعنى اختاره، واصطفاه كما مرّ أي هو مالك لجميع خلقه فيختار من يريده منهم كإبراهيم عليه الصلاة والسلام وأشار بما بعده إلى ما اختاره الزمخشريّ من أنه متصل بقوله ومن يعمل من الصالحات، وأنه كالتعليل لوجوب العمل، وما بينهما من قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} اعتراض. قوله: " حاطة علم وقدرة الخ) يعني أنّ حقيقة الإحاطة في الأجسام فإذا وصف بها سبحانه وتعالى، فالمراد بها مجازا شمول علمه وقدرته، والمقصود من ذكره التخويف بأنه يجازيهم على أعمالهم لأنّ الحاكم العدل القادر إذا علم شيئا أعطاه حكمه، وقد مرّ أنه حيث استعمل في القران فهذا هو المراد منه كما نبهوا عليه. قوله: (في ميراثهق الخ) بيان للمعنى أو تقدير للمضاف، والداعي أنّ الفتوى، والاستفتاء ليس في ذواتهن بل في الأحوال فحمل على ما ذكر للقرينة الدالة عليه. قوله: (إذ سبب نزولها لخ) قالوا هذا شيء لم يوجد في شيء من كتب الحديث، وردل! ي في الصحيحين، وغيرهما عن عائثة رضي الله عنها قالت: كان الرجل يكون عنده اليحيفة، وهو وليها ووارثها قد شركته في ماله حتى العذق فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يزوّجها رجلاً فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها فنزلت هذ " الآية لكنه وقع في مستدرك الحاكم وغيره ما يقرب منه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الجاهلية لا يورّثون المولود حتى يكبر ولا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء} الخ وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ لا يرث الصغير، ولا المرأة شيئا فلما نزلت المواريث في سورة النساء شق ذلك على الناس، وقالوا: أيرث الصغير والمرأة كما يرث الرجل فسألوه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ} الآية وعيينة تصغير عين من المؤلفة قلوبهم، وحصين تصغير حصن علمان منقولان، وتصغير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 الثاني تحريف من النساخ، والمعروف فيه التكبير لا غير. قوله: (يبين لكم الخ) يعني أنّ الفتوى مجاز مرسل عما ذكروا المبهم الذي لا يعلم حاله. قوله: (عطف على اسم الله الخ) يعني أنه مرفوع معطوف على الجلالة أو ضميرها المستتر،، ومثله لا يعطف عليه لكونه كالمعدوم إلا بفاصل من تأكيد، ونحوه ليكون معطوفا عليه صورة، وقد وجد هنا، وأورد على الأوّل أنه إما من عطف مفرد على مفرد أو جملة فإن كان الأوّل لزم تثنية الضمير مع تقدم الخبر بأن يقال يفتيانكم، ومثله يحتاج إلى سماع من العرب كنحو زيد قائمان وعمرو وان كان من عطف الجمل فهو وجه آخر سيذكر. (كلت الما كان الأوّل توطئة، وهما في حكم شيء واحد لا مانع من أفراد الضمير فتأمل، وقوله: من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ} ونحوه إشارة إلى أنّ ما يتلى المقصود به آية المواريث. قوله: (والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين الخ) يعني أنّ الفعل الواحد إذا نسب إلى فاعلين مختلفين باعتبار واحد كالقيام به، والصدور منه، والتسبب، وغير ذلك فالأمر ظاهر نحو جاءني فلد وعمرو وأما باعتبارين مختلفين بأن يكون أحدهما فاعلاً حقيقياً للفع! ل كالله هنا، والآخر سببياً ككلامه المتلو الذي هو فاعل مجازي فيجوز، والجمع بين الحقيقة، والمجاز في المجاز العقلي سائغ شائع كما مرّ. قوله: (ونظيره أغناني زيد وعطاؤه) قيل المعنى أنه أسند إلى شيئين، والمقصود إسناده إلى الثاني وإنما ذكر الأوّل للتوطئة نحو أعجبني زيد وكرمه. وقيل إن المسند إليه بالحقيقة شيء واحد هو المعطوف عليه باعتبار المعطوف لا أنّ المسند إليه هو المعطوف، وأنما ذكر المعطوف عليه لمجرّد التوطئة، وفيه بحث لأنّ مآل ما رده وما ارتضاه واحد في التحقيق. وأما ما قيل: إنه تجريد فلا وجه له إلا أن يقال كان الظاهر أن يقال أعجبني زيد كرمه على أنه بدل اشتمال وبه يتم المقصود فلما عدل عنه إلى العطف بين الصفة والموصوف والقصد إلى تفسير الإسناد إلى الأوّل كان كالتجريد لكن إذا أسند شيء إلى الذات نفياً أو إثباتاً وهو يتعلق بأحوالها إيراد إسناده أما إلى جميعها أو إلى ماله شدة اختصاص بها فهنا لما أسند الإعجاب إلى ذاته كأنه ادعى أنّ جميع صفاته تعجبه، ومنها الكرم فيكون ذكره بعده كادعاء مغايرة الكرم لها بل لنفسه فيكون تجريدا، ويكون أبلغ من البدلية والأوّل لم يقصد به التوطئة بل ذكر لهذه النكتة. قوله: (أو استئناف معترض لتعظيم المتلوّ الخ) يجوز أن يكون لتعظيم المتلوّ نفسه أو لتأكيد أمر اليتامى لأنّ ما هذا شأنه يحافظ عليه لفظاً، ومعنى لكن في بعض النسخ المتلوّ عليهم فكأنه فهم من كون الله أفتاهم بذلك الاعتناء بشأنهم فهذا أنسب بالمقام، ووقع في بعض الحواشي لتعظيم المتلوّ بدون عليهم، وهو ظاهر ويحتمل إرجاع هذه النسخة إليها بجعل عليهم متعلقا بتعظيم أي لجعله عظيما عليهم، والمراد بالاستئناف ليس المعنى المصطلح عليه فلا ينافي الاعتراض، وعلى عطفه على الضمير المستتر لا يحتاج إلى تقدير عاند أي عنده كما توهم وإنما حمل الكتاب على هذا المعنى لأنه لو أريد معناه المتبادر لم يكن فيه فائدة إلا أن يتكلف له، ومنهم من جعل خبره محذوفا كيفتيكم ويبين لكم. قوله:) ويجوز أن يتتصب الخ) تقديره، ويبين بالواو إشارة إلى أنه معطوف على جملة يفتيكم أو معترضة ولذا ذكروا قسم فلا يرد أنّ الظاهر أقسم بدون واو. قوله: (ولا يجورّ عطفه على المجرور الخ) هذا وجه منقول عن محمد بن أبي موسى قال: أفتاهم الله فيما سألوا، وفيما لم يسألوا وارتضاه في البحر، ودفع الفساد المذكور بأنّ العطف على المجرور من غير إعادة الجارّ جائز عند الكوفيين كقوله: {وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} كما مرّ بأنّ المراد بما يتلى، والمتلوّ المتلوّ حكمه، وأمره فيهن أو الأعم كما مرّ قال النحرير: الاختلال من حيث اللفظ حيث عطف على الضمير المجرور، ومن حيث المعنى حيث صار المعنى يفتيكم في حق ما يتلى عليكم من الكتاب مع أنه غير داخل في الاستفتاء. فان قيل: لم لا يجوز أن يكون فيهن بمعنى الصلة أي في حقهن، ومعناهن، وفيما يتلى بمعنى الظرف قلنا كفى بهذا اختلالاً مع أنّ المناسب حينئذ فيما يتلى عليكم من الكتاب لا في الكتاب، وقيل: إنّ الواو بمعنى مع. قوله: (صلة يتلى إن عطف الخ) يجوز على هذا الوجه أن يكون بدلاً من فيهن أيضا كما في الكشاف إلا أنّ المصنف رحمه الله تركه لما فيه من الفصل بين البدل، والمبدل منه، وقوله: (وإلا) أي وان لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 يعطف فبدل لا غير كما في الكشاف، وقيل عليه أنه يجوز تعلقه على تقدير يبين أيضا، وعلى جعله قسما. (أقول) أما على جعل ما يتلى مبتدأ، وفي الكتاب خبر فلا يتعلق به لما يلزم من الفصل بالخبر بين أجزاء الصلة إلا أن يجعل بدلاً من في الكتاب كما في البحر، وأمّا على القسمية فلأنه لا معنى لتقييد القسم بالمتلوّ بذلك ظاهرا وأمّا على تقدير نصبه يبين فالظاهر جواز تعلقه به إلا أنه تركه في الكشاف، وتبعه المصنف رحمه الله فالعهدة على المتبوع لكنه لا يظهر لتركه وجه. قوله: (أو صلة أخرى ليفتيكم الخ الما ورد على هذا أنه لا يتعلق بشيء واحد حرفا جرّ بمعنى بدون اتباع جعل في الثانية سببية كما في قوله صلى الله عليه وسلم إنّ امرأة دخلت النار في هرّة كما تقول كلمتك اليوم في زيد أي بسببه، وكان الظاهر أن يمثل بجئتك في يوم الجمعة في أمر زيد لكنه أشار إلى أنه لا فرق بين الحرف الملفوظ، والمقدر ومنهم من غفل عنه فجعله منالاً لمجرّد كون في سببية، ويرد على المصنف رحمه الله أنه على الوجه الأوّل أيضا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى به وهو في الكتاب، وفي يتامى النساء إلا أن يؤول بما مرّ. قوله: (وهذه الإضاقة بمعنى من الخ) جعلها أبو حيان على معنى الأم. وقيل عليه أنّ النحاة ذكرول! ضابط الإضافة البيانية أن تكون إضافة جزء إلى كل بشرط صدق اسم الكل على الجزء، ولا شك في أن يتامى النساء كذلك، واحترز بالقيد الأخير عن مثل يدزيد. قال السفاقسي ليس كلهم متفقين على هذا فقد قال السيرافي وابن كيسان: أن كل بعض أضيف إلى كل هو بمعنى من وزاد غيرهما قيد صحة الإخبار عن الأوّل بالثاني فيد زيد بمعنى من عندهما. (قلت) من عندهما تبعيضية كما صرّج به في شرح التسهيل، وأشار إليه في سورة لقمان، وبعض الناس لم يعرفه فتعسف فيه كما مرّ في إضافة سورة الفاتحة، ومنشأ الخلاف أنّ من لامقدرة لا تكون إلا بيانية أو تبعيضية. قوله: (وقر! ييامي بياءين الخ) أي جمع أيم وسيأتي تفسيره في أيامى النساء، والعرب تبدل الهمزة ياء كثيراً. قوله:) في ان تنكحوهن أو عن أن تنكحوهن) أورد عليه أنّ أهل العربية ذكروا أنّ حرف الجرّ يجوز حذفه باطراد مع أن، وأن بشرط أمن الليس بأن يكون متعيناً نحو عجبت أن تقوم أي من أن تقوم بخلاف قلت أن تقوم لا يجوز فيه الحذف لاحتمال إلى أن تقوم أو عن أن تقوم، والآية من هذا القبيل وأجيب بأنّ المعنيين هنا صالحان لما ذكر في سبب النزول فصار كل من الحرفهبن مراداً على سبيل البدل ومثله لا يعد لبساً ثل إجمالاً كما ذكره بعض " المحققين، وجوز فيه تقدير في. قوله: (والواو تحتمل الحال والعطف) أي واو وترغبون، وإذا كانت حالية تقدر مبتدأ أي، وأنتم- ترغبون لأن الجملة المضارعية الحالية لا تقترن بالواو فإن قلنا بجوازه كما مز فلا تقدير، والعطف يصح أن يكون على النفي، والفعل الذي هو صلة اللاتي أو على المنفي وحده والمعنى صحيح فيهما. قوله: (وليس فيه دليل على جواز تزويج اليتيمة) أي ليس في نظم الآية ما يدلّ عليه كما هو مذهب أبي حنيفة، والمراد لغير الأب، والجد فإنّ الشافعي يقول به أيضاً، ووجه الدلالة أنه ذكر نكاح اليتيمة فاقتضى جوازه، وهو يقول إنما ذكر ما كانت تفعله الجاهلية على طريق الذمّ والنهي فلا دلالة فيه عليه مع أنه لا يلزم من الرغبة في نكاحها فعله في حال الصغر، وقوله: والعرب الخ. أي كانوا يورّثون كبار الرجال دون غيرهم كما مرّ، ويجوز فيه حينئذ الجز، وهو الظاهر، وجوّز النصب عطفاً على محل الجارّ والمجرور. قوله: (أي ويفتيكم أو ما يتلى عليكم) هذا مبني على الإعرابين السابقين، وقوله: هذا إذا جعلت في يتامى صلة لأحدهما أي أحد الفعلين يفتيكم، ويتلى فإن كان بدلاً وعطف على المتبوع فهو في محل نصب، ولا مانع من تقدير الجرّ أيضاً حينئذ، وقوله: على موضع فيهن بناء على أنّ المحل لمجموع الجارّ وا لمجر ور. وقد قيل التحقيق أنه للمجرور وحده، وقوله: نصبهما أي نصب المستضعفين، وأن تقوموا وإنما منع العطف على البدل لأنّ المراد بالمستضعفين الصغار مطلقأ الذين منعوهم عن الميراث، ولو ذكوراً فلو عطف على البدل لكان بدلاً، ولا يصح فيه غير بدل الغلط، وهو لا يقع في فصيح الكلام فتدبر وللنحرير هنا كلام لا يخلو من إشكال. قوله: (وهو خطاب للائمة الخ) أي تقوموا خطاب للحكام أو للقوّام بالتشديد جمع قائم أي الأولياء والأوصياء أو الخطاب من قوله: يفتيكم إلى هنا، والنصفة بفتحتين الأنصاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وجوز في أن تقوموا أن يكون مبتدأ خبره مقدر أي خبر ونحوه، وجعله على تقدير يأمركم منصوبا مع ا! أمر يتعذى بالباء، وفي محل أن، والفعل بعد حذف حرف الجرّ للنحاة مذهبان قيل إنه مجرور، وقيل: إنه منصحوب بناء على أنه شاع تعدية أمر بنفسه كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به قوله: (وعد لمن آثر الخير) بالمد أي اختاره واشارة إلى الاحتراز من الرياء. قوله: (توقعت) قال النحرير الخوف وقع في كلام العرب بمعنى التوقع، ولا مانع من حمله على الحقيقة، وان امرأة خافت اشتغال على حد قوله وان أحد من المشركين استجارك، وتقريره في النحو، وقدر بعضهم هنا كانت لاطراد حذفها بعد أن، ولم يجعله من الاشتغال، وهو مخالف للمشهور بين الجمهور، والمخايل بالخاء المعجمة جمع مخيلة، وهي العلامة، والإمارة وقوله: تجافياً مرّ تحقيقه، والنشوز يطلق على كل من صفة أحد الزوجين. قوله: (أن يتصالحا بأن تحط الخ) إنما صدر بقوله: لا جناح لنفي ما يتوهم من أن ما يؤخذ كالرشوة لا يحل، وفي الآية قراآت ذكر المصنف رحمه الله بعضها، وعلى أنها من الإصلاج جوّز في صلحا وجوه مفعول به على جعله بمعنى يوقعا الهلحا أو بواسطة حرف أي بصلح، والصلح بمعنى ما يصلح به، وبينهما ظرف ذكر تنبيهاً على أنه ينبغي أن لا يتطلع الناس على ما بينهما فليسترا، ويكون ذلك فيما بينهما أو كائناً بينهما على أنه حال، وعلى المصدرية فهو مصدر محذوف الزوائد أو من قبيل أنبتها الله نباتا، وجعل بينهما مفعولاً على أنه اسم بمعنى التباين، والتخالف أو على التوسع في الظرف لا على تقدير ما بينهما كما قيل. قوله: (وقرئ يصلحا (أي بالفتح، والتشديد، وهي قراءة لليثي والجحدري شاذة، وأصله يصطلحا فخفف بإبدال الطاء المبدلة من تاء الافتعال صادا، وأدغمت الأولى فيها لا أنه أبدلت التاء ابتداء صاداً وأدغم لأن تاء الافتعال يحب قلبها طاء بعد الأحرف الأربعة. قوله: (من الفرقة وسوء العشرة الخ) والمفضل عليه جعل له خيرية على سبيل الفرض! ، والتقدير أي إن يكن فيه خير فهذا أخير منه، وإلا فلا خيرية فيما ذكر. قال الرضي إذا قلت أنت أعلم من الجماد فكأنك قلت: إن أمكن أن يكون للجماد علم فأنت أعلم أو أنه اسم إما مصدر أو صفة، ولذا سمع جمعه على خيور إذ اسم التفضيل لا يجمع كذا، ونقل عن الزمخشري أنه ورد خيور في كلام فصيح فاقتديت به فهو قياس واستعمال أي ما ذكرت في جمعه موافق للقياس، والاستعمال من العرب، وهو بمعنى الخيرات، وقيل: أشار بالقياس إلى مقابله، وهو الشرور وقوله: (وهو اعتراضر الخ) أي جملة معترضة بين ما قبلها، وما بعدها من قوله وان تحسنوا الخ. قوله:) وأحضرت الأنفس الشح) حضر متعد لواحد وأحضر متعد لاثنين والأوّل هو الأنفس القائم مقام الفاعل، والثاني الشح لأنّ الأولى في باب أعطى إقامة الأوّل مقام الفاعل وان جاز إقامة الثاني أيضا فأصله حضرت الأنفس الشح، ثم أحضر الله الأنفس الشح، ويحتمل أن أصله حضر الشح الأنفس، والقائم هو الثاني، وقول المصنف رحمه الله تعالى جعلها حاضرة صريح في الأوّل، وقول الزمخشري، ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضراً لها صريح في الثاني، وجعله من باب القلب خلاف الظاهر والمعنى عليهما واحد أي أنها لكونها مطبوعة عليه كأنه حاضر عندها لا يفارقها. قوله: (ولذلك اغتفر عدم تجانسهما) أي أنّ كلاً من الجملتين اعتراضية، والواو واو الاعتراضى لأنه يجوزم تعذد الاعتراض على الأصح فلا يرد أنه لا مناسبة بين خيرية الصملح، والمطبوعية على الشح مع التخالف بالاسمية والفعلية. قوله: (والأوّل للترغيب الخ) المماكسة بتقديم الكاف على السين معناها المشاحة كما في القاموس، ووقع في نسخة المماسكة من الإمساك، وهو البخل، والصحيح الأوّل. قوله: (أقام كونه عالماً الخ الم يقل مجازاتهم لأنّ علم الله، وقدرته يستعملان في القرآن كناية عن المجازاة لأنّ الإحسان والاتقاء يقتضي الإثابة فلذا اقتصر عليها فلا يقال الأولى أن يقول مقام مجازاتهم. قوله: (وهو متعذر) أي محال عادة واليه أشار بقوله أي لا يقع ميل البتة لأنّ المحال العادي هو ما لا يقع، وقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن عن عائشة رضي الله تعالى عنها وصححوه، وقوله: هذا قسمي بفتح القاف وسكون السين، وهذه قسمتي في نسخة، والصحيح الأولى رواية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 في الحديث والمراد بما تملك هو المحبة وميل القلب الغير الاختياري، وحديث من كانت له امرأتان صحيح أخرجه أصحاب السنن، وجزاؤه من جنس عمله. قوله: (ما لا يدرك كله الخ) أقول هذا من قواعد فقهاء الشافعية كقولهم: الميسور لا يسقط بالمعسور أي هل يجب البعض المقدور عليه أم لا فيه خلاف عندهم كمن حفظ بعضى الفاتحة، وكما لو كان في بدنه نجاسة، وعنده ماء يكفي غسل بعضها وقال الإمام الرازي الضابط أن كل أصل له بدل فالقدرة على بعضه لا حكم لها فهو كالعاجز، وما لا بدل له يأتي ببعضه وتفصيله أنه إما وسائل أو مقاصد والأوّل مغتفر، والثاني إن كان له بدل كالقنوت، والوضوء عدل إلى بدله، ومحل الخلاف عندهم غيره، وفيه كلام في فقههم، ولم يحضرني الآن كلام فقهائنا. قوله: (ببدل أو سلوا الخ) البدل أن يجد كل منهما زوجا، والسلو أن ينسى كل ما كان بينهما، وهذا إشارة إلى أنه ليس المراد بالغنى الغنى المالي، وهكذا قوله غناه، والآية معناها من ترك شيئا لله عوّضه الله خيراً منه. قوله: (والكتاب للجن! ل الخ الم يحمله على التوراة لأنّ التعميم أكثر فائدة وان صح الأوّل أيضا لأنهم أشد الخصوم، ممؤكيد الأمر بالإخلاص لعله لأنّ معنى قوله: {وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ} أصلحوا واتقوا الله في السرّ، والعلانية، وقيل: إنه ما في قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} فإنه يتضمن الإخلاص ولا يخفى بعده، وقيل: زيادة أن لعموم الوصية أبلغ في الأمر بالإخلاص، وقد قيل الأمر المراد قوله: اتقوا واياكم عطف على مفعول وصينا، وفصل لما بينه، وبين العامل من الفاصل، ولم يقدم ليتصل لمراعاة الترتيب الوجودي. قوله: (بأن اتقوا الله ويجورّ أن تكون أن مفسرة (يعني أن مصدرية بتقدير الجار، ومحلها نصب أو جرّ على المذهبين أو تفسيرية مفسرة للوصية بأنها قوله اتقوا الله، وشرطها ما فيه معنى القول دون حروفه كوصينا هنا. قوله: (وقلنا لهم ولكم الخ (يعني أنه معطوف على وصينا بتقدير قلنا، ولم يذكر قول الزمخشري أنه معطوف على اتقوا لأنه لا وجه له، وان أوّلوه قال السعد هذا بحسب ظاهر المعنى، وبحسب تحقيق الإعراب الشرطية تتعلق بفعل محذوف على ما تعلق به إن اتقوا لأنّ الشرطية لا تقع بعد أن المصدرية أو المفسرة فلا يصح عطفها على الواقع بعدها سواء أكان إنشاء أم إخباراً، والفعل وصينا أو أمرنا أو غيره فظهر أن سبب العدول عن العطف على اتقوا كونه إنشاء والشرطية خبر، وكون الوصية، والأمر لا يتعلق به الشرطية اهـ وقوله: (لهم ولكم) إشارة إلى أن في الكلام تغليبا. قوله: (لا يتضرّر بكفركم ومعاصيكم الخ) ظاهر قوله: كما لا ينتفع بشكركم أن الكفر بمعنى كفران النعمة كما يشير إليه قوله حميداً فينبغي أن يكون مراده الكفر الذي هو ضد الإسلام ولكنه أيضا فيه كفران نعمة الخالق الموجد له. قوله: (راجع إلى لهوله يغن الله كلاً من سعته) فإنه إذا وكلت، وفوّضت إليه فهو المغني لأنّ من توكل على الله كفاه، ولما كان ما بينهما تقريرا له لم يعذ فاصلا وقيل: إنه لا حاجة إلى هذا فإنه إذا كان مالك الملك كفت وكالته عمن سواه ممن لا يقدر على شيء إلا بإقداره وقوله: (يفنكم) لأنّ إذهابه يكون بمعنى إفنائه، وبمعنى جعله ذاهبا من مكان لآخر، والمراد الأوّل، وهو الأشهر، وقوله: (دل عليه الجواب (أي يراد ذهابكم. قوله: (أو خلقاً آخرين مكان الآنس (يعني أن الكلام يحتمل أنّ المعنى جميع بني آدم فالآخرين الذين هم بدل عنهم جنس آخر غير الناس، ويحتمل أن يكون نوعا منهم كالعرب فيكون آخرين نوعا آخر من بني آدم، وأورد على الأوّل أن آخر وأخرى وتثنيتهما، وجمعهما كغير إلا أنه خاص بجنس ما تقدمه فإذا قلت اشتريت فرساً، وآخر لم يكن إلا من جنس ما تقدم أي وفرسا آخر فلو عنيت حماراً آخر لم يجز بخلاف غير فإنها أعم لما هو من جنسه، وغيره وقل من يعرف هذا الفرق قيل، ولم يستند فيما ذكره إلى نقل، ويرد عليه إشكال آخر، وهو أنّ آخرين صفة موصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة به نحو مررت بكتاب أو يدل عليه دليل، وهنا ليست بخاصة فلا بد أن يكون من جن! الأوّل لتحصل الدلالة على الموصوف المحذوف. (قلت) ما ذكره غريب فإنه نقله الحريري في درته عن النحاة، ولم يخص ذلك بحذف بل، ولو ذكر موصوفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 لا بد أن يكون من جن! ما قبله حتى نقل ابن هشام في تذكرته عن ابن جني أنه لا بدّ من اتحادهما في التذكير، والتأنيث لكن المبرد لا يشترطه إلا أنّ ابن هشام نازع في اشتراطه واستدل بقوله: وكنت أمشي على ثنتين معتدلأ فصرت أمشي على أخرى من الشجر وأنها قد تذكر من غير تقدم شيء آخر يقابلها، وتحقيقه ما في المسائل الصغرى للأخفش في باب عقده له قالط فيه أعلم أنّ آخر إنما يكون من جنس ما قبله تقول أتاني رجل، وأتاك آخر أو وأتاك رجل آخر أو أتاني رجل وأتاك إنسان آخر، ولو قلت: أتاني رجل وامرأة أخرى لم يكن كلاما، ولو قلت: أتاني صديق لك وعدو لك آخر لم يحسن، وربما جيء بآخر توكيدا، ولو لم تقل آخر استغنيت عنه فإن قلت: فهل لا يجوز جاءني صديق لك وعدو لك آخر بحمله على الإنسان قلت: هذا قبيح أن تحملهما جميعاً على المعنى إنما تحمل الأوّل على المعنى إذا كان الكلام قد مضى، ولو قلت: هذا الرجل، ورجل آخر لو لم تقل فيه آخر استغنيت من أجل العطف لأنه لا يظن أنّ الثاني هو الأوّل كما في غير العطف، ولو قلت: جاءني زيد وعمرو آخر لم يجز، وقد يجوز ما امتنع بتأويل كرأيت فرسا وحمارا آخر نظر الدابة قال امرؤ القيس: إذا قلت هذا صاحب ورضيته وقرّت به العينان بذلت آخرا اص وحاصله أنه لا يوصف به إلا ما كان من جنس ما قبله لتتبين مغايرته في محل يتوهم فيه اتحاده، ولو تأويلا، ومثله قوله عز وجل: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} وهذا ما عليه استعمال العرب ومن لم يقف على هذا خبط فيه خبط عشواء. قوله: (بليغ القدرة الخ) أخذه من صيغة فعيل فإنها للمبالغة، وقوله: هو خطاب لمن عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الأوّل كان عامّاً وقوله: (لما روي) أنه لما نزلت يعني قوله: د إن تتلوا لا قوله {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} فإنّ المنقول في الأثر الأوّل حتى نسب من ذهب إلى الثاني إلى السهو كما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير، وقوله: قوم هذا يعني فارس. قوله: (كالمجاهد يجاهد للفنيمة) هذا على التمثيل لا الحصر، وإنما مثلوا به لأنّ ثواب الدنيا، والآخرة معا قلما يجتمع في غير الجهاد والجزاء ليس هذا المذكور لأنه غير مسبب عما قبله فالجواب مقدر أقيمت علته مقامه أي فليطلبه، فإنّ عنده ثواب الدارين أو أنه مؤوّل بما يجعله مترتباً عليه، لأنّ مآله إلى أنه ملوم موبخ لتركه الأهم الأعلى الجامع لما أراده مع زيادة لكن من يشترط العائد في الجواب يقدره، ولذا قال الزمخشرفي المعنى فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده حتى يتعلق الجزاء بالشرط فلا بد من تقدير الجزاء أي فقد خسر فعند الله ثواب الدنيا، الاخرة وطالبهما رابح، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ طلب الغنيمة مع نية الجهاد في سبيل الله لا يضرّ وإنما الضار طلب الغنيمة فقط، ولا بعد فيه وقيل إنه لا أجر له، والتفسير الثاني يناسبه لأنه يقتضي عدم اجتماعهما، وقيل: يعتبر الغالب والأسبق. قوله: (عارقاً بالأغراض الخ) إنما فسره بهذا لأنه تذييل لقوله: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} وليس فيها مسموع، ولا مبصر فلذا جعل الصفتين عبارة عن اطلاعه على غرض المريد للدنيا أو الآخرة، والاطلاع عبارة عن الجزاء، وليس مراده إرجاع صفة السمع والبصر إلى العلم حتى يخالف المقرّر في الكلام، ولذا قيل إرادة الثواب إما بالدعاء أو السعي والأوّل مسموع، والثاني: مبصحر فلذا ذيلها بقوله: سميعاً بصيراً، ولا يخفى أنّ ما فعله المصنف رحمه الله تعالى أبلغ لأنّ الاطلاع على نفس الإرادة، والغرض! اطلاعا كالمحسوس أقوى من الاطلاع على آثاره إلا أن في إطلاق العارف على الله شيء لأنهم صرحوا بأنه تعالى يقال له عالم، ولا يقال له عارف لكنه في نهج البلاغة أطلقه عليه تعالى، وقد ورد في غيره أيضا، ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه. قوله: (مواظبين) إشارة إلى أنّ القيام المواظبة كما في قوله تعالى: {يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ} (أي يديمونها خصوصاً، وقد ذكر بصيغة المبالغة، وجعلهم شهداء دلّه تعظيما لمراعاة العدالة، وأنهم بالحفظ لها يصيرون من شهداء الله. قوله: @@@ (بأن تفرّوا عليها الخ) يعني الشهادة مجاز عن الإقرار لأنّ شهادة المرء على نفسه لم تعهد، ولذا فسرها ببيان الحق ليشمل الإقرار، ولك أن تقول أنّ المقصود به المبالغة لا حقيقتها، والظرف أعني على أنفسكم كما يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 أن يجعل مستقرّاً واقعا خبر كان المقدرة يجوز تعلقه بمحذوف هو الخبر أي وإن كنتم شهداء على أنفسكم أي ولو كانت الشهادة وبالأعلى أنفسكم، وكان في الأصل صلة الشهادة، ومتعلق المصدر قد يجعل خبراً عنه فيصير مستقرّاً مثل الحمد لله ولا يجوز في اسم الفاعل ونحوه، ولو على أصلها أو بمعنى إن، وهي وصلية وقيل جوابها مقدر أي لوجب عليكم أن تشهدوا عليها، ولما كانت الشهادة إما على النفس، واما على الأقربين عطف الأوّل بأو، والثاني بالواو لأنهما قسم واحد، وأما ما قيل إنّ المحذوف في أمثاله لا يكون الأعين الملفوظ ليدل عليه فيقدر في نحوكن محسنا، ولو لمن أساء إ أليك، ولو كنت محسنا لمن أساء إليك ولو قدر ولو كان الإحسان فليس بجيد فمما لا وجه له وقوله: (بيان الحق) إشارة إلى أنّ الشهادة مجاز عما ذكر فتشمل الإقرار كما مرّ، وليس فيه جمع بين الحقيقة، والمجاز. قوله: (أي المشهود عليه الخ) يعني أنّ الضمير راجع لما فهم من السياق أي لا تتركوا الشهادة جور الغنى المشهود عليه أو قرابته، ولا تتركوها ترحما لفقره أو المراد ما يعم المشهود له، وعليه وقوله: (فلا تمتنعوا الخ) إشارة إلى أن الجزاء محذوف، وقوله: فالته أولى بهما واقع موقعه أي إن يكن أحد هذين لم تمتنع الشهادة لأنّ الله أولى بالجنسين، وأنظر لهما من غيره وسيشير إليه بقوله وهو علة الجواب أقيم مقامه. قوله: (والضمير في بهما راجع الخ الما كان الحكم في الضمير العائد على المعطوف بأو الإفراد لأنه لأحد الشيئين أو الأشياء فلا تجوز فيه المطابقة تقول زيد أو عمرو أكرمته، ولو قلت: أكرمتهما لم يجز فلذا قيل كيف ثني الضمير في الآية فأج! بوا بأن ضمير بهما ليس عائداً على الغنيّ، والفقير المذكورين بل على جنسهما المدلول عليه بالم! كورين، والتقدير أن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيراً فليشهد عليه فالله أولى بجنسي الغنيّ والفمير، وهذا الضمير ليس عائداً من الجواب إذ الجواب محذوف، ويشهد له قراءة أبيّ رضي الله تعالى عنه أولى بهم كذا قرّره المعربون وظاهره أنّ أفراد الضمير في مثله لازم، ولو كان جائزا لم يحتج إلى التوجيه، وأما احتمال أنه بيان لوجه العدول عن الظاهر، وأن كان كل منهما جائزاً كما صرّج به الرضي فلا يتم إلا بأنه للقصد إلى أولويته بالتعميم وأن لا يتوهم أنه بالنسبة إلى واحد فقط، ووجه شهادة قراءة الجمع أنها تعين أنّ المراد الجنس لا كل واحد ولاهما، وفي الآية أقوال ذكرها المعربون. قوله: (لآن تعدلوا الخ الما كان المصدر مفعولأ له، وعلة لاتباع الهوى المنهي عنه فإما أن يكون بمعنى العدول عن الحق فيكون علة من غير تقدير، وان كان بمعنى العدل فيقدر مضاف، وهو كراهة العدل، ولو جعل علة للنهي نفسه قدر المضاف إذا كان من العدول ولم يقدر إذا كان من العدل على العكس أي أنهاكم كراهة العدول، أو للعدل قيل، وهو أولى. قوله: (وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق الخ) الظاهر أنّ المراد من الليّ أداء الشهادة على غير وجهها الذي تستحقه، والإعراض تركها ثم أشار إلى أنه يصح أن يكون في حق الشهود، والحكام، وليهم حيئدّ الحكم بالباطل. قوله: (وقرأ حمزة وابن عامر وإن تلوا) يعني بواو مفردة ما قبلها مضموم، وقوله: (وإن وليتم) بصيغة الماضي ليس لأنّ المضارع بمعناه بل لتحقيق لفظه، وأنه من اللفيف المفروق من الولاية بمعنى مباشرة الشهادة، وقيل: إنّ أصلها تلووا بواوين ايضاً نقلت ضمة الواو بعد قلبها همزة أو ابتداء إلى ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فهي بمعنى الأولى. قوله: (خطاب للمسلمين الخ) يعني أمر المؤمنين بالإيمان تحصل للحاصل فيؤوّل آمنوا باثبتوا ودوموا وإن أريد بالذين آمنوا المنافقون لأيمانهم ظاهرا فآمنوا بمعنى أخلصوا الإيمان، وأشار إليه بقوله: بقلوبكم وان أريد مؤمنو أهل الكتاب فالمراد آمنوا إيمانا عامّا، وقراءة نزل لأنه نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بخلاف غيره من الكتب، والكتاب الأوّل القرآن، والثاني الجنس الشامل لما سواه لا التوراة. قوله: (أي ومن يكفر بشيء من ذلك) قيل في توجيهه لأنّ الحكم المتعلق بالأمور المتعاطفة قد يرجع إلى كل واحد، وقد يرجع إلى المجموع، والتعويل على القرائن، وهنا قد دلت القرينة على الأوّل لأنّ الإيمان بالكل واجب، والكل ينتفي بانتفاء البعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 ليس من جعل الواو بمعنى أو في شيء فليتأمّل، ولا يحتاج إلى ما ذكر من أنّ الكفر ببعضه كفر بكله وان كان له وجه بل يكفي أنّ الكفر ببعضه ترك للإيمان بكله، وقرق بين الكفر بكل واحد، وعدم الإيمان بكل واحد، ولا يرد عليه أنه خلاف الظاهر لأنه كقولك ما جاءني زيد وعمرو وبكر يقصد أن الجائي أحدهم لأنه فرق بينهما كما أشار إليه بالأمر بالتأمّل لأنه لا تلازم فيما ذكره بخلاف ما نجن فيه فإن قلت: لم ذكر في الإيمان ثلاثة أمور الإيمان بالله والرسل والكتب، وفي الكفر خمسة الكفر بالله، والملائكة والكتب والرسل، واليوم الآخر، وقدم في الإيمان الرسول على الكتاب وعكس في الكفر. قلت: أجاب الإمام عنه بأنّ الإيمان بالله، والرسل والكتب متى حصل الإيمان بالملائكة، واليوم الآخر، وأما الغمر فربما يزعم الإنسان أنه! ؤمن بالله والرسل، والكتب وينكر الملائكة، واليوم الآخر ويؤوّل ما ورد فيه، وان في مرتبة النزول عن الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدما على الرسول، وفي مرتبة الخروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدما على الكتاب قيل، وهذا ليس بشيء لأن ما ذكره في الكفر مناقض لما ذكره في الإيمان ففي الكفر أثبت الإيمان- بالله، والرسل، والكتاب مع إنكار الملائكة، والقيامة وذلك يأبى قوله: إنه متى حصل الإيمان بها الخ. والسؤال في الترتيب باق لأنه لم اعتبر الصعود في أحد الجانبين فالحق في الجواب أن كل ما اعتبر في الكفر بحسب النفي اعتبر في الإيمان بحسب الإثبات والإيماق بالرسل، والكتب يستلزم الإيمان بالملائكة، والقيامة بخلاف الكفر، وليس النظر في الترتيب إلا إلى التفنن في الأساليب، وفيه بحث لأن مآل ما ذكره راجع إلى ما قاله الإمام عند التحقيق. قوله: (بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه) كما هو شأن الضالّ البعيد المسافة عن مقصده، ولم يقل بحيث لا يعود لأنّ من الكفرة من يسلم كثيراً، ومنهم من غفل عنه فقال: ما قال، وليس بعد الحق إلا الضلال. قوله: (يعني اليهود آمنوا بموسى الخ (قدم في الكشاف التفسير الثاني، ورجحه ثم قال، وقيل هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسىءشبر ثم كفروا بالإنجيل، وعيسى صلى الله عليه وسلم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل إنّ المصنف استدرك عليه بما ذكره فإنه لا يظهر فيما ذكر. تكرار الإيمان والكفر، ثم أورد عليه إن الذين ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ليسوا بمؤمنين بموسى صلى الله عليه وسلم ثم كافرين بعبادة العجل ثم مؤمنين بالعود، ثم كافرين بعيسى تخير مثلا بل هم إما مؤمنون بموسى صلى الله عليه وسلم، وغيره أو كفار لكفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والإنجيل فالصحيح هو التوجيه الثاني، وكان عليه أن يقدمه كما في الكشاف. أقلت) أما ترجيح الثاني فلا كلام فيه، وأما عدم صحة الأوّل فغير مسلم لأنه إن أريد بالذين قوم بأعيانهم تعين الثاني، وان أريد جنس ونوع باعتبار عد ما صدر من بعضهم كأنه صدر من كلهم صح الأوّل، والمقصود استبعاد إيمانهم لما استقرّ منهم ومن أسلافهم فافهم. قوله: (إذ يستبعد الخ) يعني المراد في النظم أنّ من هذا حاله لا يرجع عن الكفر، ويثبت على الإيمان فلذلك لا يغفر له لا أنّ الله لا يغفر له على كل حال، وقوله: ضربت معتل من باب علم بمعنى اعتادته ولهجت به، وهو يتعدى بالباء، وقد يتعدى بعلى باعتبار أنه تمرس عليه، وأصله في تعويد الكلاب على الصيد. قوله: (وخبر كان في أمثال ذلك محذوف الخ) المراد بأمثاله ما يسميه النحاة لام الجحود، وهي الداخلة لفظا على فعلى مسبوق بكان الناقصة منفية بلم أو لتأكيد النفي، وهي زائدة عند الكوفيين وعند البصريين أنها غير زائدة متعلقة بخبر محذوف تقديره مريداً أو قاصداً ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وهي اللام الواقعة بعد كون منفيّ ماض معنى لا لفظا، وبعدها أن مضمرة وجوباً، وهو ظاهر كلام المصنف، وزعم ابن خروف أنه لا يلزم كونه كونا كقوله ما يريد الله ليجعل وخالفه النحاة، وقيل: إنها تقع في الإيجاب، والذي ذهب إليه ابن مالك الأوّل قال في الألفية: وبعد نفي كان حتماً أضمرا أن أي. قوله: (يدل على أنّ الآية في المنافقين الخ) يريد بالآية قوله: {إن الذين آمنوا ثم كفروا} فيكون هذا تفسيراً آخر، وتكرر الإيمان ظاهراً، والكفر باطنا، وكون بشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 استعارة تهكمية هو المشهور، وفيه احتمالات أخر مر تحقيقها، وقوله: مكان أنذر أحسن من قول الزمخشريّ مكان أخبر لأنّ التهكمية تكون في استعارة الضد لضده، والأخبار ليس ضدا له لأنه أعم، ولك أن تقول إنه مجاز مرسل فهو وجه آخر في التهكم. قوله: (على الذم الخ) متعلق بهما بدليل ما بعده ولم يجعله منصوبا على اتباع المنافقين لوجود الفاصل فلا يرتكب بغير ضرورة، وجوزه المعرب فيحتمل أنه سكت عنه لظهوره، وقوله: لا يتعزز الخ. يعني ليس المراد أن العزة ثابتة لله بل أنها مختصة به يعطيها من يشاء لأنه المناسب لما قبله، ويعلم منه ثبوتها له بالطريق الأولى، ولا يؤبه بمعنى لا يعبأ، ويعتد بها وان ظن في الدنيا أنّ لهم عزة فهو دفع لما يتوهم، وقرأ عاصم نزل يعني معلوماً، والاستفهام للإنكار أو التعجب، وجوز كون عليكم نائب الفاعل، وأن تفسيرية، وهو خلاف الظاهر. قوله: (والمعنى أنه الخ (أي اسمها ضمير شأن مقدر لا أنكم كما قيل لأن أن المخففة لا تعمل في غير ضمير الشأن إلا لضرورة عند أبي حيان، وعند ابن عصمفور وابن مالك جائز وهو الصحيح، والجملة الشرطية خبر، وهي تقع خبراً في كلام العرب. قوله: (لتقييد النهي الخ) لأنّ الشرط قيد للجواب، وهذا قيد له، وقيد القيد قيد، والمعنى لا تقعدوا معهم وقت كفرهم واستهزائهم بالآيات، وضمير غيره راجع لحديثهم بالكفر والاستهزاء، وقيل للكفر والاستهزاء لأنهما في حكم شيء واحد. قوله:) هازئاً معانداً غير مرجوّ) أي غير مرجوّ إسلامه وعناده يعلم من كفره بالآيات المعجزة عند سماعها واستهزائه بها، ومن هذا حاله لا يرجى فلاحه فلا يقال إنه لا دلالة في الآية عليه، وقوله: (ويؤيده الناية) أي تؤيد كونه قيداً للنهي لأنّ مفهومها يقتضي أنهم لم ينهوا عن مجالستهم إذا خاضوا في غيره. قوله: (أو الكفر الخ) لأنّ الرضا بالكفر كفر وفي الكشف قال مشايخ ما وراء النهر الرضا بالكفر مع استقباحه ليس بكفر وإنما يكون كفراً مع استحسانه قالى تعالى حكاية عن موسى ولمجت: {واشدد عل قلوبهم فلا يؤمنوا} [سورة يونس، الآية: 88] قصد الزيادة عذابهم وعلى تقدير كونهم منافقين فهم كفرة مثلهم في الحقيقة فلا يحتاج إلى تأويل، ويؤيده قوله بعده أنّ الله جامع المنافقين الخ، وسيأتي تفصيله في سورة يونس، ولذا لم يعطف لأنه مبين لما قبله. قوله: (وإذن ملناة الخ) لأنّ شرط عملها النصب في الفعل أن تكون في صدر الكلام فلذا لم يجىء بعدها فعل، ومثل خبر عن ضمير الجمع مع إفراده لأنه في الأصل مصدر فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، ولما لم يتعين عند المصنف مصدريته قال كالمصدر أي في الوفوع على القليل، والكثير أو لأنه مضاف لجمع فيعم، وقد يطابق ما قبله كقوله تعالى: {ثم لا يكونوا أمثالكم} والجمهور على رفعه، وقرئ بالنصب فقيل إنه منصوب على الظرفية لأنّ معنى قولك زيد مثل عمرو أنه في حال مثله، وقيل إنه إذا أضيف إلى مبنيّ اكتسب البناء، ولا يختص بما المصدرية الزمانية كما توهم بل يكون فيها نحو مثل ما أنكم تنطقون، وفي غيرها كقول الفرزدق: إذ هم قريش واذ ما مثلهم بشر ولما شرط ابن مالك رحمه الله في التسهيل في، اكتساب المضاف البناء أن لا يقبل التثنية، والجمع كدون وغير وبين قال إنّ مثل لا يصح فيه ذلك، وأعرب حالاً من الضمير المستتر في حق في قوله إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون، ومن النحويين من خالفه في هذا الشرط. قوله: (ينتظرون الخ (التربص معناه الانتظار للشيء، وظاهره أنّ مفعوله مقدر والجار والمجرور متعلق به وكلام الراغب يقتضي أنه يتعدى بالباء لأنه من انتظر بالسلعة ذلإء السعر ورخصه، وجعله مبتدأ خبره الجملة الشرطية لا يخلو من تكلف، ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى ومظاهرين من المظاهرة، وهي المعاونة وأسهموا بمعنى اجعلوا لنا سهما وعطاء، والحرب سجال مثل بمعنى يغلب ويغلب صاحبها تارة له، وتارة عليه، وأصله في السقي من البئر يجعل لكل طالب للماء نوبة في إدلاء دلوه. قوله: (والاستحواذ الاستيلاء الخ) كان القياس فيه استحاذ استحاذة بالقلب لكنه صحت فيه الواو، وكثر ذلك فيه، وفي نظائر له حتى ألحق بالمقيس وعد فصيحا، وقال أبو زيد أنه قياسي فعلى كل حال لا يرد على فصاحة القرآن كما حقق في المعاني. قوله: (وإنما سمي ظفر الس! لمين فتحاً الخ) في الكشاف لأنّ ظفر المسلمين أمر عظيم تفتح لهم أبواب السماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 حتى ينزل على أوليائه، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دنيء، وقوله: تفتح لهم أبواب السماء تفسير لقوله من الله بأمر يخصه، والا فكل فتح من الله ومنه يعلم حال ما قيل من أنه تمثيل، وتخييل لعظيم قدره والا فالطفر ليس مما ينزل من السماء، ويحتاج إلى فتح أبوابها واشعار النصيب هنا بالخسة لأنه لم يجعله فتحاً، ونصرة تامة بل قسما منها كما كان كذلك، وقوله: سريع الزوال أي في نفسه لا باعتبار أنه دنيوي فإنه لا يخصه أو المراد ذلك فإنّ أمرهم في النصر إنما هو في هذه الدار، ونصر المؤمنين في الدنيا، والآخرة كما ذكر بعده، وقوله: حينئذ أي في الآخرة، وحين الحكم، ويكون التعبير بالمستقبل على حقيقته وعلى الثاني فهو لتحققه، ولو أبقى على إطلاقه ليشمل الدنيا، والآخرة لكان أولى، وتسمية الحجة سبيلا لأنها موصلة للغلبة. قوله: (واحتج به أصحابنا على فساد شراء الكافر المسلم الخ) يعني أنّ الشافعية استدلوا بالآية على أنه لا يصح العقد فيه لأنه لو صح لكان له عليه يد وسبيل بتملكه، ونحن نقول يصح ولكن يمنع من استخدامه، ويؤمر بإزالة يده، وبيعه قال الجصاص في الأحكام يحتج بظاهره في وقوع الفرقة بين الزوجين بردّة الزوج لأنّ عقد النكاح ي! ثبت للزوج سبيلا في إمساكها في بيته، وتأويتها، ومنعها من الخروج وعليها طاعته فيما يقتضيه عقد النكاج، والمؤمنين والكانرين شامل للإناث، وكذا الكافر إذا أسلمت امرأته واحتج به أصحاب الشافعيّ رحمه الله تعالى في إبطال شراء الذميّ للعبد المسلم لأنه بالملك يستحق ال! سبيل عل! يه، وليس كما قالوا لأنّ الشراء ليس هو الملك، والملك يتعقبه وهو السبيل فلا يستحق بصحة الشراء السبيل عليه لأنه ممنوع من استخدامه، والتصرف فيه! إلا بالبيع، والإخراج عن ملكه، فلم يحصل له سبيل عليه. قوله: (وهو ضعيف لأنه لا ينفي أن يكون الخ) أي لا ينفي أن يكون السبيل إذا عاد إلى الإيمان قبل مضيّ العدة، وفيه أنه حين الكفر لا سبيل له، ونفي السبيل بوقوع الفرقة، وبعد وقوع الفرقة لا بد لحدوث الوصلة من عوجب، وهو غير ظاهر فإن كان العود يكون الارتداد كالطلاق الرجعي والعود كالرجعة فلا ضعف فيه على أنه إذا كان السبيل في الاخرة أو بمعنى الحجة لا متمسك به لأصحابنا ولا للشافعية كما ذكره بعض المتأخرين، وقوله: (سبق الكلام) فعل معلوم من السبق بالباء الموحدة وجوز فيه أن يكون مجهولاً من السياق بالياء المثناة التحتية، والكسل الفتور والتثاقل، وبجوز في جمعه الضم، والفتح وقرئ كسلى بالإفراد. قوله: (والمراآة مفاعلة الخ) يعني أنّ المراآة مفاعلة من الرؤية إما بمعنى التفعل لأنّ فاعل بمعنى فعل وارد في كلامهم كنعمه وناعمه، وقد قرئ يرأون، وهو يدل عليه أو أنهم لفعلهم في مشاهد الناس يرون الناس، والناس يرونهم، وهم يقصدون إن ترى أعمالهم، والناس يستحسنوها فالمفاعلة في الرؤية متحدة وإنما الاختلاف في متعلق الإراءة فلا يرد أنّ اممرلمفاعلة لا بد في حقيقتها من اتحاد الفعل، ومتعلقه. قوله: (إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من ييرائيه الخ) بين وجهه بناء على أن الذكر بمعناه المتبادر منه، وأخر كونه بمعنى الصلاة إشارة إلى أنّ الأول الأولى، والزمخشريّ عكس لأنّ الكلام كان في الصلاة، وترك كون المراد بالقلة العدم كما في الكشاف لأنه يأباه الاسنثناء كما في الدر المصون واليه أشار النحرير فإنه مشكلى وردّ بأنّ معناه، ولا يذكرون الله إلا ذكراً ملحقاً بالعدم لأنه لا ينفعهم، ولا يخفى ما فيه فإنّ القلة بمعنى العدم مجاز، وجعل العدم بمعنى ما لا نفع فيه مجاز آخر، ومع ما فيه من التكلف ليس في الكلام ما يدل عليه وقوله: (وقيل الذكر فيها) أي المراد بالذكر الذكر الواقع في الصلاة. قوله:) حال من واو يراؤون كقوله ولا يذكرون) أي هي حال كما أنها جملة حالية أيضا وقيل عليه أنه ضعف لأنّ المضارع المنفي بلا كالمثبت في أنه لا يقترن بالواو أو في فصيح الكلام فهي عاطفة لا حالية، وفيه نظر وقوله: (أو واو يذكرون) بالجر عطف على واو يراؤون، ونصبه على الذم بفعل مقدر على أنه كالنعت للمنافقين إذا قطع. قوله: (والمعنى مرددين الخ) من الذبذبة، وأصلها كما قال الراغب صوت الحركة للشيء المعلق ثم استعير لكل اضطراب، وحركة أو تردّد بين شيئين، وعلى قراءة الكسر مفعوله محذوف كما ذكره أو فعلل بمعنى تفعلل لازم، وعلى الإهمال معناه ما ذكر أيضاً، وهو مأخوذ من الدية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 بالضم، وتشديد الباء بمعنى الطريق يقال هو على دبتي أي طريقتي وسمتي قال الشاعر: طهاهذربان قل تغميض عينه على دية مثل الخنيف المرعبل وفي الحديث " اتبعوا دية قريش " والمعنى أنهم يأخذون تارة طريقاً، وتارة أخرى لتحيرهم، وفي هذه الصيغة وأمثالها نحو كبكب كلام في التصريف ليس هذا محله، وذلك إشارة إلى الإيمان، والكفر المدلول عليه بذكر الكافرين، والمؤمنين كما أشار إليه المصنف، ولذا أضيف بين إليه، ويصح أن يكون إشارة إلى المؤمنين، والكافرين فيكون ما بعده تفسيراً له على حد قوله: إلالمعيّ الذي يظن بك الظن كان قد رأى وأن سمعا قوله: (لا منسوبين إلى المؤمنين الخ) يشير إلى أنه حال من المستتر في مدّبذبين، وأنّ هؤلاء الأوّل إشارة إلى المؤمنين، والثاني إلى الكافرين وأنّ إلى متعلقة بما يتعدى بها كمنسوبين أو واصلين أو صائرين لأنه أيضاً يتعدى بها يقال صار إلى كذا كما مرّ. قوله: (ونظيره الخ) أي أنّ المراد بالضلال عدم الهداية، وبالسبيل الوصول إلى الحق كما أنّ المراد في الآية من لم يهده الله فلا هداية له ودينهم بمعنى عادتهم، ودأبهم وأراد به بيان ارتباطه بما قبله قيل، ويجوز أن يريد بالذين آمنوا المنافقين وفسر السلطان بالحجة التي هي إحدى معنييه، وبمعناه المعروف، ولذا جاز تذكيره وتأنيثه. قوله:) وهو الطبقة التي في قعر جهنم الخ) ضمير هو راجع للدرك الأسفل لا للدرك وحده لأنه شامل لما فوقه، والدرك كالدرج إلا أنه يقال باعتبار الهبوط، والدرح باعتبار الصعود، ولذا قيل لو قال في تفسيره بعضها تحت بعض لكان أنسب. قوله: (ثلاث من كن فيه فهو منافق الخ (هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وثلاث مبتدأ ومن كن فيه صفته، ومن إذا الخ خبره بتقدير مضاف أي خصال من والأحسن أن تجعل ثلاث خبراً مقدما، وهذا مبتدأ مؤخراً أو مبتدأ محذوف الخبر وخصال من إذا مفسر له كذا قيل، وعندي أنّ المعنى ليس على ما ذكر، وليس إعرابه كذلك بل ثلاث مبتدأ ومن كن فيه بدل اشتمال منه، وقوله: فهو منافق خبر لأنّ الخبر يكون عن البدل لأنه المقصود بالنسبة تقول زبد عينه حسنة على الصحيح الفصيح كما حقق في العربية، والمعنى من كان فيه هذه الخصال الثلاثة فهو منافق، وقوله من إذا الخ خبر مبتدأ محذوف، والجملة مفسرة لما قبلها كأنه قيل من هو فقال هو الذي إذا الخ، وهذا الحديث روي من طرق، وعلى وجوه ففي الصحيحين: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أوتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد غدر وإذا خاصم فجر " وقال المحدثون فيه أنه مخصوص بزمانه ع! ي! لاطلاعه بنور الوحي على بواطن المتصفين بهذه الخصال فأعلم أصحابه بإماراتهم ليحترزوا عنهم، ولم يعينهم حذراً عن الفتنة، وارتدادهم ولحوقهم بالمحاربين، وقيل ليس بمخصوص، ولكنه مؤوّل بمن استحل ذلك، أو المراد أن من اتصف بهذه فهو شبيه بالمنافقين الخاص، وأطلق ذلك عليه تغليظا، وتهديداً له، وهذا في حق من اعتاد ذلك لا من ندر منه أو هو منافق في أمور الدين عرفاً، والمنافق في العرف يطلق على كل من أبطن خلاف ما يظهر مما يتضرر به وان لم يكن إيمانا وكفرا، وليس المراد الحصر بل هذا صدر منه صلى الله عليه وسلم باقتضاء المقام، ولذا ورد في بعض ثلاث وفي بعض أربع. قوله: (والتحريك أوجه الخ) يعني أنّ الفتح أكثر، وأفصح لأنه ورد جمعه على أفعال وأفعال في فعل المحرك كثير مقيس ووروده في الساكن نادو كفرخ، وأفراخ وزند وأزناد، وكونه استغنى بجمع أحدهما عن الآخر جائز لكنه خلاف الظاهر فلا يندفع به الترجيح وقوله: يخرجهم منه أي من الدرك فسره به لأنّ نصرة من دخلها يكون بذلك، وقوله: لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه أي لا رياء الناس، ودفع الضرر كما في النفاق، وفسر المعية بعدهم من جملتهم في الدنيا، والآخرة وقوله: فيساهمونهم فيه أي يقاسمونهم، ولولا تفسيره بهذا لم يكن له في ذكر أحوال من تاب عن النفاق معنى ظاهراً. قوله: (أيتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرا) التشفي إزالة ما في النفس من ألم الغيظ وغيظا تمييز، وقوله: بكفره متعلق بيعاقب لا بالمصر لأنه يتعدى بعلى. قوله: (لأن إصراره الخ) هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 تمثيل بأن الإصرار كمرض! مهلك فإن عالجه المريض، وامتثل أمر الطبيب فاحتمى عن النفاق والآثام ونقى نفسه بشرية الإيمان، والشكر في الدنيا بريء، والا هلك هلاكا لا محيص عنه بالخلود في النار ولبعض الناس هنا كلام يتعجب منه. قوله: (وإنما قدم الشكر لأنّ الناظر الخ) يعني كان الظاهر تأخير الشكر لأنه لا يعتد به إلا بعد الإيمان، والواو وان لم تفد الترتيب لكن تقديم ما ليس مقدماً لا يليق بالكلام الفصيح فضلا عن المعجز، ولدّا تراهم يذكرون لما يخالفه وجها، ونكتة، وهي هنا ما ذكره المصنف رحمه الله كغيره، وتوضحيحه أنّ العارف بالله أبا إسماعيل الأنصاري قال الشكر في الأصل اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم، وله ثلاث درجات لأنه إذا نظر إلى النعمة كالخلق والرزق ينبعث منه شوق إلى معرفة المنعم، وهذه الحركة تسمى باليقظة، والشكر القلبي، والشكر المبهم لأن منعمه لم يتضح له تعييبه، وإنما عرف منعماً ما فهو مبهم عليه فإذا تيقظ لهذا وفق لنعمة أرفع منها، وهي المعرفة بأنّ المنعم عليه هو الصمد الواسع الرحمة المثيب المعاقب فتتحرك جوارحه لتعظيمه، ويضيف إلى شكر الجنان شكر الأركان، ثم ينادي على ذلك الجميل باللسان فالمذكور في الآية هو الشكر المبهم، وهو مقدم على الإيمان. قوله: (مثبباً يقبل اليسير الخ) قال الإمام الشاكر في وصفه تعالى بمعنى كونه مثيبا على الشكر، وقوله: عليماً أي هو عالم بجميع الجزئيات، والكليات فلا يعزب عن علمه شيء فيوصل الثواب كاملا إلى الشاكر. قوله: الا يحب الله الجهر بالسوء) قال الطيبي لما فرغ من إيراد بيان رحمته وتقرير إظهار رأفته جاء بقوله: لا يحب الله الجهر بالسوء تتميما لذلك، وتعليما للعباد التخلق بأخلاق الله. (قلت) الظاهر أنه لما ذكر الشكر على وجه علم منه رضاه به، ومحبة إظهاره تممه بذكر ضده فكأنه قال إنه يحب الشكر واعلانه، ويكره السوء، وما ذكره لا محصل له، ولا تتم به المناسبة، وفيه احتباك بديع. قوله: (1 لآجهر من ظلا بالدعاء الخ) اختلف في هذا الاستثناء على وجوه منها ما ذكر هنا أنه متصل بتقدير مضاف مستثنى من الجهر، ومما لا حاجة إليه ما قيل إنه تعالى لا يحب الدعاء الخفيّ أيضاً على غير الظالم فتخصيص الجهر لا داعي له إلا سبب النزول المذكور لأنّ الدعاء الخفيّ على غير ظالم لا يصدر من عاقل إذ الدعاء إمّا للتشهي أو لرجاء القبول، وكلاهما غير متصوّر فيه وإنما ذكرنا هذا لتقيس عليه أخواته مما تركناه، وقوله: ضاف بمعنى نزل عليهم ضيفاً، ومصدره الضيافة، أمّا ما يفعله رب المنزل فهو الإضافة مصدر أضاف، ولذا قيل إنّ استعمال الضيافة بمعنى الإضافة غلط وقوله: (وروي الخ) هذا حديث أخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن مجاهد مرسلا. قوله: (وقرئ من ظلم على البناء للفاعل الخ) على هذه القراء الاستثناء منقطع، والمعنى لكن الظالم يحبه، وقدّره المصنف رحمه الله يفعل ما لا يحبه الله، وهو بيان لمحصل المعنى، ومراده أنّ الظالم يحبه فيفعله، وله تقديرات أخر، وهو منصوب، وترك ما ذكره الزمخشرفي من أنه منقطع مرفوع بالإبدال من فاعل يحب حيث قال: ويجوز أن يكون من ظلم مرفوعا كأنه قيل لا يحب الله الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول ما جاءني زيداً لا عمرو، بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله لأنّ منهم من ردّه، ومنهم من قال لا يظهر له معنى قيل إنه غير صحيح لأنّ المنقطع قسمان قسم يتوجه إليه العامل نحو ما فيها أحد إلا حمار، وفيه لغتان النصب، والبدل وقسم لا يتوجه إليه العامل، والآية من هذا القسم إذ لا يصح أن يكون غير الظالم بدلاً من الله لأنّ البدل في هذا الباب بدل بعض حقيقة أو مجازاً، ولا يصح واحد منهما هنا، وكذا ما ذكره من المثال والآية، ولا نعلم هذا لغة، ولم يذكره غير سيبور رحمه الله فإنه أنثد أبياتاً في الاستثناء المنقطع منها: عشية لاتغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرفيّ المصمم ثم قال، وهذا يقوّي ما أتاني زيداً لا عمرو وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها، ولا منها انتهى بحروفه قال أبو حيان: وليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح، وأمّا زيد فلا يتوهم فيه عموم، ولا يمكن تصحيحه الأعلى أنّ أصله ما أتاني زيد، ولا غيره فحذف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 المعطوف لدلالة الاستثناء عليه، وكذا الآية الأخرى، ورد بأنه لو كان التقدير ما ذكره في المثال لكان الاستثناء متصلاً، وأنّ المراد جعل المبدل منه بمنزلة غير المذكور حتى كان الاستثناء مفرع، والنفي عام إلا أنه صرح بنفي بعض أفراد العام لزيادة اهتمام بالنفي عنه أو بكونه مظنة توهم الإثبات فيقولون ما جاءني زيد إلا عمرو، والمعنى ما جاءني إلا عمرو، فكذا ههنا المعنى لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم وذكر لزيادة تحقيق نفي هذه القضية عنه فإن قيل ما بعد إلا حينئذ لا يكون فاعلا، وهو ظاهر فتعين البدل وهو غلط قلنا بل إنما يكون غلطا لو لم يكن هذا الخاص في موقع العام، ولم يكن المعنى ما جاءني أحد إلا عمرو فإن قيل فيكون لفظ الله مجازاً عن أحد، ولا سبيل إليه قلنا لا يحب الله مؤول بلا يحب أحد وواقع موقعه من غير تجوّز في لفظ الله، ولهذا لم يجز الإبدال فيما إذا تعذر التأويل مثل لا عاصم اليوم إلا المرحوم، ويتعين الانقطاع كذا قيل، وفيه أنّ المستثنى منه إذا كان عاماً فإمّا بتقدير لفظ كما ذكره أبو حيان، وامّا بالتجوّز في لفظ العلم، وكلاهما مرّ ما فيه، ولا طريق آخر للعموم فما ذكره المجيب لا بد من بيان طريقه اللهم إلا أن يقال إنّ الاستثناء من العلم يشترط فيه أن يكون صاحبه أحق بالحكم بحيث إذا نفى عنه يعلم نفيه عن غيره بالطريق الأولى من غير تقدير، ولا تجوز فيقال هنا مثلا إذا لم يحب الله الجهر به، وهو الغنيّ عن جميع الأشياء فغيره لا يحبه بطريق من الطرق فتأمّله أو يقال يقدّر في الكلام ما ذكر لكنه عذ منقطعاً بحسب المتبادر، والنظر إلى الظاهر، وأمّا أنه ليس بلغة فكفى بثقل سيبويه سنداً له، ولا مانع من جعله على قراءة المعلوم متعلقا بالسوء أي الأسوء من ظلم فيحب الجهر به، ويقبله، وفي الإعراب له تفصيل فانظره. قوله: (سميعاً لكلام المظلوم) الظاهر تعميم السمع، والعلم لكنه فسره بما ذكره لأنه تذييل لما قبله فيقتضي تخصيصه به، وقوله، وهو المقصود إنما كان مقصوداً لأنّ ما قبله في ذكر السوء، والجهر به فمقتضى السياق لا يحب ألله الجهر بالسوء إلا من ظلم فإن عفا المظلوم عنه، ولم ياع على ظالمه فإنّ الله عفو قدير لكنه ذكر قبله إبداء الخير، واخفاء. توطئة للعفو عن السوء لأنه يعلم من مدح حالي الخبر السر، والعلانية أنّ السوء ليس كذلك جهراً واخفاء فينبغي العفو عنه، وتركه قال النحرير بعد الأعلام بأنه لا يحب الجهر بالسوء إلا جهر المظلوم حث على العفو بقوله: أو تعفوا عن سوء بعدما جوّز الجهر بالسوء، وأذن فيه وجعله محبوبا حيث استثناء من لا يدبئ، وإنما حث عليه لأجل الحث على الأحب الأفضل، وذكر إبداء الخير، واخفاءه بقوله: إن تبدوا خيرا أو تخفوه تشبيباً أي توطثة، وتمهيدا للعفو من شبب بثين معجمة، وباءين موحدتين في قصيدته إذا قدم على الغرض من المدح الغزل، ووصف الحسن، والجمال وإنما عطفه باو مع دخوله في الخير بقسميه للاعتداد به، والتنبيه على منزلته، وكونه من الخير بمكان مرتفع، وكانّ المراد بكون الجهر محبوبا أنه غير مكروه فيتناول المباح، والا فترك المندوب لا يكون أحب، وأفضل، وليس المراد أنه حينئذ هو المقصود، وأنه من قبيل، وملائكته، وجبريل لأنّ مثله يعطف بالواو لا بأو، ولذا حمل المصنف رحمه الله الخير على الطاعة، والبرّ مما هو عبادة، وقربة فعلية لتغاير العفو فالمراد بالتوطئة أنه ذكر ما هو مناسب له، وقدّم عليه وإنما المقصود بالسياق العفو. قوله: (ولذلك رنب عليه الخ) أي لو لم يكن الغرض هو العفو فقط، وكان إبداء الخير، وإخفاؤه أيضا مقصوداً بالشرط لم يحسن الاقتصار في الجزاء على كون الله عفوا قديرا. قوله: (فأنتم أولى بذلك) لأنّ القادر إذا عفا فغير القادر أولى إذ قد بضطرّ إلى العفو والاقتداء بسنة الله أولى بكم فلا يقال إنه تعالى لا يتضرر بالعصيان، ونحن نتأذى بالظلم فكيف يكون عفو المتأذى أولى وقوله: (وبعدما رخص) إشارة إلى أنّ الانتقام رخصة غير محبوبة، إلا فلا يكون العفو أحب لأنّ ترك المندوب لا يكون أحب إذ استثناء الجهر أفاد به أنه غير مكروه لا أنه محبوب كما مرّ فتأمّل. قوله: (بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله) يعني أنّ التفريق في اعتقاد الحقية لأحدهما دون الآخر لا يصح مع أنّ حقية أحدهما تستلزم حقية الآخر فالذين يكفرون بالله، ورسله هم الذين خلص كفرهم الصرف بالجميع، والذين يفرقون بينه وبين رسله هم الذين آمنوا بالله، وكفروا برسله لا عكسه، وإن قيل إنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 يتصوّر في النصارى لإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، وكفرهم بالله لجعلهم له شريكاً ولذا فإنّ الكفر بالله شامل للشرك، والإنكار ولا يخفى بعده، والذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض هم الذين آمنوا ببعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكفروا ببعضهم كاليهود فهذه أقسام متقابلة كان الظاهر عطفها بأو، ولذا قيل إنها بمعنى أو أو الموصول مقدر بناء على جواز حذفه مع بقاء صلته. قوله: (طريقاً وسطا بين الإيمان والكفر الخ) الوسطية مستفادة من بين والإيمان، والكفر تفسير لذلك لأنه يشار به لمتعدد كما مرّ، ولذا أضيف إليه بين قيل، وهذا رأجع إلى يريدون الأوّل، وما بعده إذ الذين كفروا الأؤل من كفر بهما ليجمع جميع الأقسام، ولو فسر بالأعم، وجعل ما بعده مفسراً له صح، وقو! له: كالكافر بالكل قال النحرير لما سبق من أنّ طريق الإيمان هو المعجزة فالكفر بالبعض اإنكار لها، وتكذيب، وهو يستلزم الكفر بالجميع وقوله: فماذا بعد الحق إلا الضلال إشارة إلى أنه لا واسطة بينهما. قوله: (هم الكاملون في الكفر الخ) اعتبر الكمال ليكون الخبر مفيداً، وليصح الحصر، وقد يقال هو مستفاد من توسيط الفصل، وتعريف الجنس. قوله: (مصدر مؤكد لغيره) قد قدمنا الفرق بين المؤكد لغيره والمؤكد لنفسه، وعامله محذوف على هذا ومذكور على ما بعده، وقوله: يقينا محققاً دفع لما قيل عليه أنه كيف يكون الكفر الباطل حقاً بأن حقاً ليس هو مقابل الباطل بل المراد به ما لا شك فيه، وأنه مقطوع به، وأشار بقوله محققا إلى أنه بمعنى اسم المفعول، ولذا وقع صفة. قوله: (أضدادهم ومقابلوهم الخ) يعني أنّ المؤمنين المذكورين مقابل وصف الذين كفروا بالله ورسوله بأقسامهم، وهو بيان للمعنى واشارة إلى ما فيه من الطباق، وقيل: إنه بيان لأنه هو الخبر المقدّر، والظاهر أنّ الخبر قوله: أولئك الخ وقوله: وإنما دخل بين الخ. مرّ تفصيله في قوله لا نفرق بين أحد من رسله. قوله: (الموعودة) إشارة إلى أنّ الإضافة للعهد، وقوله: (وتصديره بسوف لتثيد الوعد الخ) أي الموعود والذي هو الإيتاء لا الأخبار بأنه متأخر إلى حين بناء على أنّ المضارع موضوع للاستقبال فدخول حرف الاستقبال عليه لا يكون إلا لتأكيد إثباته كما أن لا يفعل لما كان لنفي الاستقبال كأن لن يفعل لتأكيد ذلك، وهذا معنى قول سيبويه بل يفعل نفي سوت يفعل وان كان ظاهر عبارته أنه لنفي التأكيد، وقوله: لا محالة بيان للتأكيد، وتلوين الخطاب المراد به الالتفات من التكلم للغيبة، والتلوين جعله لوناً بعا- دون للتطرية، وهو كالتفنن أعئم من الالتفات، وقوله: بتضعيف حسناتهم إشارة إلى تعلقه بقوله سوف نؤتيهم أجورهم، وأنهم يزادون على ما وعد والسعة رحمته. قوله: (قالوا إن كنت صادقاً الخ (لما كان أتى بكتاب، وهو القرآن، ومنهم من يعلمه، ومنهم من يسمع به فلا بد أن يكون ما سألوه تعنتا مخالفاً له إمّا بكونه جملة، وهو منجم أو بكونه بخط سماويّ أو معاينة نزوله أو ذكرهم بأعيانهم فما فسره به مدلول عليه بقرينة الحال فلا يقال إنه من أين أخذ هذا التقييد، ولا قرينة عليه، وأفا كون تنزل دالاً على التدريج كما مرّ فكيف يكون ما سألوه جملة فليس مطلقا أو مطرداً كما مر، وقوله: إن كنت صادقا رواه الطبري بمعناه. قوله: (جواب شرط مقدّر الخ (يعني أنّ الفاء في جواب شرط مقدر والجواب مؤوّل كما أشار إليه، والتقدير إن استكبرت هذا، وعرفت ما كانوا عليه تبين لك رسوخ عرقهم في الكفر فلا يرد عليه أنّ سؤال ا! بر فيما مضى لا يترتب على استكباره صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها سببية والتقدير لا تبال ولا تستكبر فإنهم قد سألوا موسى-تجيح! أكبر! ت ذلك، وقرأ الحسن رحمه الله أكثر بالمثلثة. قوله:) وإن كان من آبائهم الخ (الهدى بالسكون السيرة، والطريقة واسناد ما للأصل إلى الفرع من قبيل إسناد ما للسبب للمسبب فسقط ما قيل أنّ الآخذ بمذهب الفاعل الحقيقيّ لم يعد من ملابساته في كتب المعاني لكن صاحب الكشاف اعتبره في هذا المقام أيضاً، وقد يجعل من إسناد فعل البعض إلى الكل بناء محلى كى (أالاتحاد نحو قومي هم قتلوا أمما أخر فيكون المراد بضمير سألوا جميع أهل الكتاب لصدور أنسؤال عن بعضهم، واقترحوه بمعنى ابتدعوه واخترعوه. قوله:) أي أرناه نره جهرة الما كانت ا! جهرة صفة الرؤية كما في كتب اللغة لا الإراءة اقتضى ذلك تقف ير ما ذكره، وأشار إلى أنه صفة مصدر رأى رؤية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 لا قولاً جهرة، وسؤالاً جهرة كما قيل، ويحكح أن يكون حالاً من مفعول أرنا الأؤل أي مجاهرين، ومعاينين ولا وجه لما قيل إنّ تقديره بعيد عن الفهم، والظاهر أنه مصدر الإراءة في الحقيقة إمّا من لفظه بتقدير إراءة عيان أو من غير لفظه أي رؤية عيان، ويحتمل الحائية من المفعول الثاني أي معايناً على صيغة المغعول، ولا لبس فيه لاستلزام كل منهما الآخرفلا يربتا اط إنه يتعين أنه حال من الثاني لقربه منه. قوله: (نار جاءت من قبل السماء فأهلكتهم) أشار بهم إلى أنّ أخذتهم مجاز عما ذكر، وقوله وذلك لا يقتضي الخ ردّ على الزمخشرفي لأنه ينكر الرؤية لأن إنكار طلب الكفار لها في الدنيا تعنتاً لا يقتضي امتناعها مطلقا وهو ظاهر. قوله: (والبينات الخ) أي لا يصح إرادة التوراة لأنها نزلت بعد ذلك كما سيأتي فالمراد المعجزات أو الحجج الواضحة، وقوله: (تسلطا) إشارة إلى أنه مصدر، وأنّ مبيناً من أبان بمعنى ظهر وقوله: (مل) بضم الميم، وبكسر الطاء المهملة، وتشديد اللام بمعنى مثرف قيل إن السلطان المبين كان قبل العفو لأنّ قبول القتل كان توبة لهم، ولا محذور فيه لأنّ الواو لا تقتضي الترتيب، ولو فسر التسلط بما بعد العفو من قهرهم حتى انقادوا له، ولم يتمكنوا من مخالفته لم يرد عليه شيء. قوله: (وقرأ ورش عن نافع لا تعدّوا الخ) يعني بفتح العين وتشديد الدال وروي عن قالون تارة سكون العين سكوناً محضاً، وتارة إخفاء لفتحة العين فأمّا الأولى فأصلها تعتدوا لقوله: {اعتدوا منكم في السبت} [سورة البقرة، الآية: 65] فإنه يدل على أنه من الاعتداء وهو افتعال من العدوان فأريد إدغام تائه في الدال فنقلت حركتها إلى العين وقلبت دالاً وأدغمت، وهذا واضح، وأمّا السكون فشيء لا يراه النحويون للجمع بين ساكنين على غير حدهما والإخفاء، والاختلاس أخف منه وقرأ الأعمش تعتدوا على الأصل. قوله:) على ذلك وهو قولهم سمعنا وأطعنا) في الكشاف، وقد أخذ منهم الميثاق على ذلك، وقولهم: سمعنا وأطعنا، ومعاهدتهم على أن يتموا عليه ثم نقضوه بعد قيل، وقولهم معطوف على الميثاق فيتحد كلامه، وكلام المصنف، ولذا صرح به ومآل كلام المصنف يخالفه لأنه جعل الميثاق الغليظ معاهدتهم معاهدة مؤكدة على السمع والطاعة، والمصنف رحمه الله جعله نفس قولهم سمعنا وأطعنا لأنه ميثاق ووجه كونه غليظاً قيل يؤخذ من تعبيره بالماضي، وفيه تأمّل. قوله: (فخالفوا ونقضوا الخ) يشير إلى أنّ في الكلام مقدراً وأنّ الجار والمجرور متعلق بمقدر، وهو ما ذكر وفي الكشاف وما مزيدة للتأكيد فإن قلت بما تعلقت الباء، وما معنى التأكيد قلت إمّا أن تتعلق بمحذوف كأنه قيل فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا، وإمّا أن تتعلق بقوله حرّمنا عليهم على أنّ قولهم فبظلم من الذين هادوا بدل من قوله فبما نقضهم ميثاقهم، وأمّا التوكيد فمعناه تحقيق أنّ العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد، وما عطف عليه، وظاهره أنّ زيادة ما للتأكيد، وأنّ معنى التأكيد الحصر، وهو مشكل لأنّ الحصر إنما يفيده التقديم على العامل الملفوظ أو المقدّر، وكذا قيل في تأويله كما مرّ في نظيره إنّ في كلامه تقديراً يعني، وأمّا التوكيد، والتقديم على العامل، ولا يخفى أنّ عبارته هنا منادية على خلافه، والحق عندي إبقاؤه على ظاهره، وأنّ مراده أنّ ما مزيدة لتأكيد السببية، وأنه سبب قويّ، وقوته تفيد الحصر لأنه لا يخلو إما أن لا يكون له سبب آخر أو يكون، وعلى الأوّل يتمّ المقصود، وعلى الثاني فلا يخلو إما أن يكون داخلاَ فيه فكذلك أو خارجاً عنه منضماً إليه فإمّا أن يكون له مدخل في السببية أولا فعلى الثاني لا حاجة للضم، وعلى الأوّل لا يكون قويا لاحتياجه إلى ما ضم إليه أو مستقلاً فيكون مثله في الاستقلال بالسببية وحينئذ لا يكون لجعل هذا سببا قويا وجه بحسب الظاهر، ولا بدع في إفادة التوكيد للحصر بمعونة المقام فافهم فإنه مما غفلوا عنه. قوله: (ويجوز أن تتعلق بحرمنا الخ) ترك قول الزمخشري أنه على هذا يكون قوله فبظلم بدلاً لما قيل عليه إنه جعله بدلاً، ولم يجعله معطوفاً على السبب الأوّل كما جنح إليه المصنف رحمه الله لظهور أنه متعلق بقوله حرمنا على معنى السببية، ولا يتأتى ذلك بعد جعل المتعلق، والسبب هو قوله فيما نقضهم إلا بأن يكون هو بدلاً كما في قولك بزيد بحسنه فتنت، ومبناه على أنّ الفاء في فبظلم تكرار للفاء في فيما نقضهم عطفا على أخذناش! م ميثاقا غليظاً أو جزاء لشرط مقدر أما لو جعلت للعطف على بما نقضهم كقولك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 بزيد وبحسنه فتنبت أو ثم بحسنه لم يحتج إلى جعله بدلاً ولا يخفى أنّ هذا الإبدال بعيد لفظا لطول اأغصل، ولكونه من إبدال الجار والمجرور مع حرف العطف أو الجزاء مع القطع بأنّ المعمول هو الجار والمجرور فقط، ومعنى لدلالته على أنّ تحريم بعض الطيبات مسبب عن مثل هذه الجرائم العظيمة، ومترتب عليها، وأيضا قيل عليه أنّ المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم عن التحريم فلا يكون سببا، ولا جزء سبب إلا بتأويل بعيد لأنّ قولهم على مريم بهتانا! ظيما، وقولهم إنا قتلنا المسيح متأخر زمانا عن تحريم الطيبات فالأولى أن يقدر لعناهم كما ورد مصرحا به، وأمّا الجواب بأنّ الفاء تقارن البدل إذا طال الفصل كما ذكره الزجاج، وغيره وأنّ دوام التحريم في كل زمان كابتدائه فتكلف لا داعي إليه. قوله: (فيكون التحريم بسبب التقض الخ) عدل عن قول الزمخشريّ فلا يكون التحريم إلا بسبب النقض لما قيل عليه أنّ إفادة هذا التركيب الحصر مشكل لأنّ التركيب حينئذ من قبيل مررت بزيد وبعمرو، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز في مثله قصد التخصيص، وفيه بحث لأنه إنما يتجه لو كان الحصر مأخوذاً من التقديم أما لو كان من التأكيد كما سمعت فلا لأنه مثل إنما بزيد مررت وبعمرو. قوله: (لا بما دل عليه قوله بل طبع الله الخ) حاصله كما في الكشاف أن الجار لا يتعلق بطبع، ولا بلا يؤمنون مقدراً هو نفسه أو ما يدل عليه بقرينة قوله: {بل طغ الله عليها بكفردم فلا يؤمنون} [سورة النساء، الآية: 1155 وقوله: {مثل لا يؤمنون} أي كما أنه لا يصح تعلقه بما دل عليه طبع لا يصح تعلقه بما دل عليه لا يؤمنون، وهذا رد لأبي البقاء، وغيره ممن جوّز هذا، ووجهه أنه ردّ لقولهم قلوبنا غلف واضراب عنه فيكون متصلاً به معنى، ومتعلقاً به، وما هو متعلق بالمجرور. ولا يصح عمله في الجار لفظآ، ومعنى وما لا يعمل لا يفسر عاملا لأنّ المفسر قائم مقام المفسير فلا يجوز مثل بزيد المار على أنّ المار عامل في بزيد أو مفسر لعامله، وهذأ معنى قوله من صلة وقوله: (صلة) مضاف إلى وقولهم إذ المراد به لفظه، وإنما قرنه بالواو لدفع اللبس لأنه لو قال من صلة قولهم لتوهم أنه صلة ما قالوه كما هو المتبادر لا هذا اللفظ فلا غبار فيه، ولا يرد عليه أنّ قوله، وقولهم مضاف إليه صلة فكان الأولى من صلة قولهم بدون واو، وأنه يقتضي أنّ الجار معمول فالأولى فلا يتعلق به جاره وضمير جاره للمجرور وهو قولهم قال النحرير هذا التقدير لا يصح لتوقفه على أن يكون بل طبع الله متعلقا بذلك المحذوف عطفا عليه بمعنى بل طبع الله عليها بنفس كفرهم فكيف إذا انضم إليه النقض، والقتل ليكون قرينة على ذلك المحذوف لكن ليس الأمر كذلك لأنه متعلق بقولهم قلوبنا غلف رذاً له، وانكاراً كما يفصح عنه قوله تعالى: {وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم} [صورة البقرة، الآية: 88] فلا يكون متعلقا بذلك المحذوف ولا دليل عليه بل استطراد ناظر إلى قولهم قلوبنا غلف عطفا على مقدر أي لم يخلق قلوبهم غلفا بل طبع الله عليها، ولأبي حيان هنا كلام مختل في بيان هذا الوجه تركناه خوف الإطالة بغير طائل. قوله: (أو بما جاء في كتابهم) لتحريفه، وانكاره، وعدم العمل به. قوله: (أوعية للعلوم أو في كنة الخ) أي هو إما جمع غلاف بمعنى الظرف، وأصله غلف بضمتين فخفف اي هو أوعية للعلم في غنية بما فيها عن غيره أو جمع أغلف كقولهم: سيف أغلف أي في غلاف فيكون كقوله: {وقالوا قلوبنا في كنة مما تدعونا إليه} [سورة فصدت، الآية: 5] لا تعيه، ولا تسمعه للحجاب المانع من وصوله إليها خلقة. قوله: (فجعلها محجوية عن العلم أو خذلها الخ) الوجه الأوّل ناظر إلى تفسير الغلف الأوّل أي قالوا قلوبنا مملوءة بالعلم فأبطله بأنها مطبوع عليها أي محجوبة عن العلم لم يصل إليها شيء منه كالبيت المقفل المختوم عليه، والثاني إلى الثاني لأنهم قالوأ إنها في كنة، وحجب خلقية فلا جرم لنا في عدم قبول الحق فأضرب عنه بأنه ليس أمراً خلقيا بل كسبي لأنهم بسبب كفرهم خذلهم الله، ومنعهم مما ذكر فلا يتدبرون، وقتلهم الأنبياء بغير حق مرّ تحقيقه. قوله: " لا قليلاَ منهم الخ) قيل في ردّ هذا الوجه قليلاً صفة مصدر أو زمان محذوف أي إلا إيماناً أو زمانا قليلاً، ولا يجوز نصبه على الاسنثناء من فاعل يؤمنون أي إلا قليلاَ منهم فإنهم يؤمنون لأنّ ضمير لا يؤمنون عائد على المطبوع على قلوبهم، ومن طبع على قلبه بالكفر لا يقع منه إيمان، والجواب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 أنّ المراد بما مز الإسناد إلى الكل ما هو للبعض باعتبار الأكثر فتأمّل أو المراد بالإيمان القليل التصديق ببعضه كنبوّة موسى صلى الله عليه وسلم، وهو لا يفيد لأنّ الكفر بالبعض كفر بالكل كما مرّ. قوله:) وهو معطوف على بكفرهم لأنه من أصباب الطبع) دفع لما يتوهم من أنه من عطف الشيء على نفسه، ولا فائدة فيه بوجوه منها أنه إن عطف على بكفرهم الذي قبله، وهو مطلق، وهذا كفر بعيسى فهو إشارة إلى أنّ الكفر المطلق سبب للطبع كالمخصوص فلذا عطف للإيذان بصلاحية كل منهما للسببية، وان عطف على فبما نقضهم فظاهر، وان عطف مجموع هذا، وما بعده على مجموع ما قبله لا يلزم المحذور أيضا لمغايرة المجموع للمجموع، وإن لم يغاير بعض أجزأئه بعضاً لأنّ النظر إلى المجموع كقوله: هو الأوّل والآخر والظاهر، والباطن أو يعتبر التغاير بين ما كفروا به في المواضع الثلاثة، ويصح أيقحاً عطف هذا المجموع على قوله: بكفرهم ذكره الإمام، وجميع المحققين. قوله: (أي بزصمهم الخ الما كان القائلون اليهود، وهم لا يقرّون برسالة عيسى صلى الله عليه وسلم أوّل بأنّ تسميته رسولاً بناء على قوله، وإن لم يعتقدوه أو هو استهزاء وتهكم، ومثل له بإطلاق الرسول، وكونه أرسل في الآية الأخرى أو أنهم لم يصفوه بذلك بل بغيره من صفات الذم فغير في الحكاية فيكون من الحكاية لا من المحكي أو هو كلام مستأنف معترض في البين لمدحه أي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (روي أنّ رهطاً من اليهود الخ) أخرجه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والقاء الشبه أن يجعله الله في صورته متمثلا كتمثل جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه وقوله: (فقام رجل منهم) أي من أصحابه، وقبل ذلك وقوله: (وقيل كان رجلاَ) أي كان الملقى عليه الشبه أو المقتول رجلاً ينافق عيسى صلى الله عليه وسلم، ووقع في بعض نسخ الكشاف كان رجل بالرفع وهي أظهر من الأولى لاحتياجها للتأوبل، وأمثال ذلك مبتدأ من الخوارق خبره. قوله: (طيطانوس) اسم عبراني بطاءين مفتوحتين مهملتين بينهما مثناة تحتية ساكنة ثم ألف، ونون مضمومة تليها وسين مهملة، وفي نسخة ططيانوس بطاءين، ومثناة تحتية. قوله: (وإنما ذمهم الله الخ) أي أنه إذا ألقى عليه الشبه كان عندهم، وفي مبلغ علمهم عيسى عليه الصلاة والسلام فما ذكروه ليس كذبا يذم به لأنه على مبلغ علمهم فذمهم ليس بذلك بل بما تضمنه مما ذكره قوله: (وشبه مسند إلى الجار والمجرور الخ) إن أسند الفعل للجار والمجرور فالمراد وقع لهم تشبيه بين عيسى صلى الله عليه وسلم، ومن صلب أو هو مسند لضمير المقتول الذي دل عليه إنا قتلنا أي شبه لهم من قتلوه بعيسى أو الضمير للأمر، وشبه من الشبهة أي التبس عليهم الأمر ومن فسره بهذا بناه على أنه لم يقع ولا صلب أصلاً وإنما وقع إرجاف وأكاذيب، وليس المسند إليه ضمير المسيح صلى الله عليه وسلم لأنه مشبه به لا مشبه، والإرجاف أصل معناه الاضطراب ثم شاع فيما شاع من الكذب، وثم بالفتح اسم إشارة، وترسم بالها. قوله: (في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام الخ) بيان للمعنى لأنّ الاختلاف ليس في ذاته بل في أمره، وقوله: فقتلناه حقا لا ينافي ما سيأتي من الشك لأنه بمعنى التردّد الواقع فيما بينهم لا أنّ كل أحد منهم شاك، وكذا قول من سمع منه أنه يرفع والظاهر أنّ هؤلاء ليسوا من اليهود. قوله: (صلب الناسوت وصعد اللاهوت) هؤلاء الحلولية منهم القائلون بأن الله حل فيه وحين صلب انفصل عنه، وبقي جسمة قال الواحدي في شرح ديوان المتنبي يقولون لله لاهوت، وللإنسان ناسوت، وهي لغة عبرانية تكلمت بها العرب قديماً انتهى. قوله: (والشك كما يطلق الخ) أصل الشك أن يستعمل في تساوي الطرفين، وقد يستعمل في لازم معناه، وهو التردّد مطلقاً وان ترجح أحد طرفيه، وهو المراد هنا ولذا أكده بنفي العلم الشامل لذلك أيضاً بقوله: ما لهم به من علم الخ. قوله:) استثناء منقطع الخ) لأنّ الظن المتبع ليس من العلم في شيء فإن فسر العلم بما ذكره كان متصلا لكنه خلاف المشهور، ولذا أخره وممن ذهب إلى اتصاله ابن عطية رحمه الله، وأمّا ما قيل إنّ اتباع الظن ليس من العلم قطعاً فلا يتصوّر اتصاله. فعلم مما مرّ دفعه لأن من قال به جعله بمعنى الظن المتبع وفي ضمير قتلوه وجوه فالظاهر أنه لعيسى عليه الصلاة والسلام، والمعنى ما قتلوه قتلاً يقينا فيقينا صفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 مصدر محذوف أو حال بتأويله بمستيقنين، ولا يرد عليه أنّ نفي القتل المتيقن يقتضي ثبوت القتل المشكوك لأنه لنفي القيد، والمقيد أو لنفي القيد، ولا مانع من أنه قتل في ظنهم فإنه يقتضي أنه ليس في نفس الأمر كذلك، وقيل هو راجع إلى العلم لمواليه ذهب الفراء، وابن قتيبة أي، وما قتلوا العلم يقيناً من قولهم قتلت العلم، والرأي، وقتلت كم اعلماً، وهو مجاز كما في الأساس، ويقال نحره علماً أيضاً ومنه نحرير للحاذق، وقال الأصمعي: نحرير كلمة مولدة وردّه الجواليقي وقال ورد في الشعر القديم كقوله: يوم لا ينفع الرواغ ولا يف ط م إلا المشبع النحرير وهي مشتقة من النحر كأنه نحر الأمور باتقانه كما يقال قتله خبراً قال: قتلتني الأيام حين قتلتها خبراً فأبصرقاتلامقتولا لأنّ من قتل فقد استعلى وغلب وتصرّف، وقيل: العلاقة التطهير بنفي الدماء، والرطوبات، وهو بعيد، وقال الرضي في بحث المركبات النحر يكون بمعنى الإظهار لأنّ النحر يتضمنه ومنه قتلته خبراً، وقولهم للعالم نحرير لأن القتل، والنحر يتضمن إظهار ما في باطن الحيوان، وقيل الضمير للظن أي، وما قطعوا الظن يقيناً وهذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، والسدي، وقيل: إنه متعلق بما بعده أي بل رفعه الله رفعاً يقينا ورد بأنّ ما بعد بل لا يتقدم عليها والبيت المذكور لم أر من عزاه وبقنا بفتحتين بمعنى يقيناً. قوله: (أي وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به الخ) إن هنا نافية بمعنى ما وفي الجار والمجرور وجهان أحدهما أنه صفة لمبتدأ محذوف، والقسم مع جوابه خبر، ولا يرد عليه أنّ القسم إنشاء لأن المقصود بالخبر جوابه وهو خبر مؤكد بالقسم، ولا ينافيه كون جواب القسم لا محل له لأنه لا محل له من حيث كونه جواباً فلا يمتنع كونه له محل باعتبار آخر لو سلم أنّ الخبر ليس هو المجموع، والتقدير، وما أحد من أهل الكتاب إلا والله ليؤمنن به فهو كقوله: {وما معنا إلا له مقام معلوم} [صورة الصافات، الآية: 164] ورجح هذا الوجه والثاني واليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء، والمصنف رحمه الله أنّ جملة القسم صفة موصوف محذوف تقديره وأن من أهل الكتاب أحدا لا ليؤمنن به، وقيل عليه إنّ الصواب هو الوجه الأوّل لأنه لا ينتظم من أحد والجار، والمجرور إسناد لأنه لا يفيد، وكونه لا فائدة فيه ليس بشيء إذ معناه كل رجل يؤمن به قبل موته من أهل الكتاب نعم معناه على الوجه الآخر كل رجل من أهل الكتاب يؤمن به قبل موته، والظاهر أنه هو المقصود، وأنه أتم فائدة، والاستثناء مفرغ من أعمّ الأوصاف. قوله: (ويعود إليه الضمير الثاني الخ) أي إلى أحد، وتزهق روحه بمعنى تخرج، وقال الراغب زهوق الروج خروجها أسفاً على شيء ويؤيد كون الضمير لأحد الذي يكون للجمع، وغيره كما مرّ أنه قرئ ليؤمنن بضم النون، وأصله يؤمنونن، وضمير الجمع لا يعود لعيسى عليه الصلاة والسلام ظاهرا ومعاجلة الإيمان مبادرته، وهو الصحيح، وفي نسخة معالجة الإيمان أي جبر نفسهم عليه، وتمرينها على الحق، والمراد بالاضطرار إيمان الناس، والإلجاء، وهو لا يفيد لأنه ملحق بالبرزح فينكشف لكل الحق، ويظهر له حتى يؤمن به كما هو حقه، وقصة الحجاج، واستشكاله هذه الآية بمن شاهد! ن! هم يقتل، ويحرق ونحوه، ولا يقز بذلك مفصلة في الكشاف، وقدّر أحد على قراءة الجمع، ولم يقدر جمعا صريحاً لشيوعه في الاستثناء ملفوظا مراداً به الجمع فحمل المقدر عليه فتأمّل، ومعنى الوعيد أنّ ذلك الأمر الذي يتحرّزون عنه كائن لا محالة، وقراءة الجمع لا تعين ذلك الاحتمال في القراءة الأخرى إن قلنا بجواز تخالف القراءتين معنى، والا ففيه نظر ورجوع الضمير إلى عدم قتله خلاف الظاهر وان قيل به. قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام ينزل الخ) هذا الحديث رواه أبو داود وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه دون قوله: فلا يبقى أحد من أهل الكتاب الخ. وروى هذه الزيادة ابن جرير، وصححه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوقا، وكونه يمكث أربعين سنة استشكله الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله بأنه ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يمكث في الأرض سبع سنين، وجمع بين الروايتين بأن رواية مسلم لبيان مذة مكثه بعد نزوله من السماء، والرواية الأخرى لبيان مجموع إقامته قبل الرفع وبعده فإنه رفع، وهو ابن ثلاث، وثلاثين سنة فإذا نزل مكث سبع سنين فيكون مدة لبثه في الدنيا أربعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 سنة، ولفظ مسلم يبعث الله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيطلبه فيهلك أي الدجال ثم يلبث الناس بعد. سبع سنين ليس بين اثنين عداوة قال البيهقي ويحتمل أيضاً قوله ثم يلبث الناس بعد. أي بعد موته فلا تكون هذه الرواية مخالفة للرواية الأولى، ورجح هذا الجمع على الأوّل بأنّ الرواية ليست نصاً في لبث عيسى صلى الله عليه وسلم وتلك نص فيها، وقوله بعده وثم صريح فيه والرواية الأولى مشهورة مروبة من طرق كثيرة، ولم يخالفها غير رواية مسلم فينبغي تأويلها، ثم اختلف في محل دفنه عليه الصلاة والسلام، فقيل: يدفن في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وان محله فيها معدله، ورد فيه أثر وقيل في بيت المقدس، وقوله: ويوم القيامة الخ يدل على جواز تقدم خبر كان مطلقا أو إذا كان ظرفا لأن المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقديم عامله، والضمير في يهون لعيسى عليه الصلاة والسلام، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف الظاهر، ولذا لم يذكره المصنف رحمه الله. قوله: (فبأيّ ظلم الخ) أخذ التعميم من التنوين، وليس مراده أنّ له صفة محذوفة كما قيل، وترك ذكر الحصر لما مرّ، وقوله وعلى الذين هادوا الخ المحرّم هو ما سيأتي في الأنعام مفصلاً فإن قيل التحريم كان في التوراة، ولم يكن حينئذ كفر بعيسى، ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وصد عن سبيل الله. قيل المراد استمرار التحريم، وجعل الزمخشري الصد وا! ل ونحوهما بياناً للظلم قال النحرير: رحمه الله هو لدفع ما يقال إنّ العطف على المعمول المتقدم ينافي الحصر مثل مررت بزيد وبعمرو، ومن جعل الظلم بمعناه كما في قوله تعالى: {ذلك جزيناهم ببنيهم} وجعل بصدهم متعلقاً بمحذوف فلا إشكال عليه. (قلت) ومنه يعلم تخصيص ما ذكره أهل المعاني من أنه مناف للحر بالاتفاق إذ المراد إذا لم يكن الحصر مستفاداً من غير التقديم، ولم يكن الثاني بياناً للأوّل كما إذا قلت بذنب ضربت زيداً، وبسوء أدبه أي لا بغير ذنب فافهمه فإنه من النفائس. قوله: (ناساً كثيرا (أي هو صفة مفعول صدّ مقدراً أو صفة مفعول مطلق فينتصب على المصدرية، وقيل إنه منصوب على الظرفية أي زماناً كثيراً، وإنما لم تعد الباء في أخذهم، ونحوه، وأعيدت في غيره لأنه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس معمولاً للمعطوف عليه، وحيث فصل بمعموله لم تعد، وجملة، وقد نهوا حالية ووجه الدلالة على أن النهي للتحريم أنه تعالى توعد على مخالفته، وهو ظاهر. قوله: (نصب على الماخ إن جعل يؤمنون الخبر) كما مرّ، وقد جؤز فيها أن تكون جملة حالية أيضاً، وليست مؤكدة لتقييدها بقيد ليس في الأوّل، ولعدم دلالتها على الرسوخ في العلم، وإليه أشار بقوله أن جعل الخ. وقد أشكل هذا على من قال: لا وجه لتقييد النصب بذلك الجعل فإنه منصوب على المدح مطلقا وخبط بعضهم في توجيهه، وما ذكره المصنف رحمه الله بعينه كلام الكسائي قال مكي من جعل نصب المقيمين على المدح جعل خبر الراسخين يؤمنون فإن جعل الخبر أولئك سنؤتيهم لم يجز نصب المقيمين على المدح لأنه لا يكون إلا بعد تمام الكلام لكن قال النيسابوري رحمه الله طعن الكسائي في القول بالنصب على المدح بأنه يكون بعد تمام الكلام، وهنا ليس كذلك لأنّ الخبر أولئك، والجواب أنّ الخبر يؤمنون ولو سلم فما الدليل على أنه لا يجوز الاعتراض بين المبتدأ وخبره، ولما رأى الزمخشرفي ما فيه لم يصرّح بما ذكره المصنف رحمه الله، وكان وجه ما ذكروه أنّ القطع في العطف في قوّة الاتباع لأنه الأصل فيه ومقتضى العطف على المبتدأ أن يكون الخبر المذكور بعده للمبتدأ، وما عطف عليه، وكذا الضمير العائد فيه، وبعد الأخبار عنه لا يصح قطعه لكن حكى ابن عطية رحمه الله عن قوم منع نصبه على القطع من أجل حرف العطف، والقطع لا يكون في العطف إنما ذلك في النعوت، ولما استدل النحاة رحمهم الله بقوله: لايبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر على جواز القطع فرق هذا القائل بأن البيت لا عطف فيه لأنه قطع فيه النازلين فنصب، والطيبون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 فرفع على قوله قومي، ولا وجه للفرق مع ما أنثده سيبويه للقطع مع حرف العطف من قوله: ويأوي إلى نسوة عطل وشعثامراضيع مثل السعالى فنصب شعثا، وهو معطوف، وقد تقدم لنا كلام في هذا في سورة البقرة، ولعل القطع ليس مثل الاعتراض من كل الوجوه لما فيه من ملاحظة التبعية فلا يرد ما ذكره النيسابوري رحمه الله، وبعد كل كلام فما ذكره المصنف رحمه الله قاله السلف فالعهدة فيه عليهم فليحرر. قوله: (أو عطف على ما أنزل إليك الخ) هذا وجه آخر في إعرابه، وهو أنه مجرور معطوف على ما أنزل، والمعنى يؤمنون بالمقيمين، والمراد بالمقيمين حينئذ الأنبياء، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم قيل، وليس المراد بإقامة الصلاة على هذا أداؤها بل إظهارها بين الناس، وتشريعها، وقيل المراد بالمقيمين الملائكة لقوله يسبحون الليل، والنهار لا يفترون وقيل المسلمون بتقدير مضاف أي وبدين المقيمين، وفيه أقوال أخر فقيل معطوف على ضمير منهم، وقيل ضمير إليك أو ضمير قبك، وهذا أبعدها، وفي الكشاف، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب فيما لهم من النصب على الاختصاص من الافتنان وغبى عليه أنّ السابقين الأوّلين الذين مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كانوا أنفذ همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم وخرقا يرفوه من يلحق بهم اص. وقيل عليه لا كلام في نقل النظم تواتر فلا يجوز اللحن فيه أصلاً وهل يمكن أن يقع في الخط لحن بأن يكتب المقيمون بصورة المقيمين بناء على عدم تواتر صورة الكتابة وما روي عن عثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا إنّ في المصحف لحناً، وستقيمه العرب بألسنها على تقدير صحة الرواية يحمل على اللحن فى الخط لكن الحق رد هذه الرواية وإليه أشار بقوله: (إن السابقين الأولين الخ) أقول: هذا إشارة إلى ما نقله الشاطبى رحمه الله فى الرائية وبينه شراحه وعلماء الرسم (العثماني بسند متصل إلى عثمان رضي الله تعالى عنه أنه لما فرغ من المصحف أتى به إليه فقال قد أحسنتم، وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل، والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا. قال السخاوي، وهو ضعيف، والإسناد فيه اضطراب، وانقطاع لأنّ عثمان رضي الله تعالى عنه جعل للناس إماما يقتدون به فكيف يرى فيه لحناً، ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، وقد كتب مصاحف سبعة وليس فيها اختلاف قط إلا فيما هو من وجوه القراآت، وإذا لم يقمه هو، ومن باشر الجمع كيف يقيمه غيرهم وتأوّل قوم اللحن في كلامه على تقدير صحته عنه بأن المراد الرمز والإيماء كما في قوله: منطق رائع وتلحن أحيانا وخير الكلام ماكان لحنا أي المراد به الرمز بحذف بعض الحروف خطاً كألف الصابرين مما يعرفه القراء إذا رأوه، وكذا زيادة بعض الحروف، والوجوه المذكورة في الرفع، وما عطف عليه ظاهرة، وعلى عطفه على ضمير يؤمنون تقديره المؤمنون يؤمنون هم والمقيمون الصلاة لا يؤمنون المقيمون حتى لا يصح الأخبار كما توهم إلا أنه لا يخفى أنّ غيره أولى منه وأقعد. تنبيه: قد نخلنا النقول، وتتبعنا كلامهم ما بين معسول ومغسول فآل ذلك إلى أنّ قول عثمان فيه مذهبان أحدهما أن المراد باللحن ما خالف الظاهر وهو موافق له حقيقة ليشمل الوجوه تقديرا، واحتمالاً، وهذا ما ذهب إليه الداني، وتابعه كثيرون والرواية فيه صحيحة، والثاني ما ذهب إليه ابن الأنباري من أنّ اللحن على ظاهره، وأنّ الرواية غير صحيحة. قوله: (قدم عليها الإيمان بالأنبياء والكتب الخ) الإيمان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معلوم من الإيمان بما أنزل إليهم والإيمان بالكتب مصرح به، وما يصذقه إقامة الصلاة وايتاء الزكاة، وقوله: لأنه المقصود أي لأنّ الإيمان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما معهم هو المقصود في هذا المقام لأنه لبيان حال أهل الكتاب، وإرشادهم، وهم كانوا يؤمنون ببعض ذلك، ويتركون بعضه فبين لهم ما يلزمهم، ويجب عليهم، وأما الإيمان بالله، واليوم الآخر فهم قائلون به ظاهراً كما مرّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 تحقيقه في أوّل البقرة، وقيل إنه تصريح بما علم ضمنا للتأكيد، وقيل تعميم بعد التخصيص لأنّ الإيمان بالله واليوم الآخر عبارة عن جميع ما يجب الإيمان به، وجمعهم بين الإيمان الصحيح، والعمل الصالح مأخوذ مما تقدّمه، وفي هذا كلام تقدم في سورة البقرة فانظره. قوله: (جواب لأهل الكتاب الخ) تد مرّ تفصيله فلا خفاء في كلامه كما توهم، ومن قال إنه تعليل لقوله: {الراسخون في العلم} [سورة النساء، الآية: 162] فقد أبعد المرمى ولم يدر أن هذا التفسير هو المأثور، وبدأ بنوج تهديداً لهم لأنه أوّل نبي عوقب قومه لا أنه أوّل شرع كما توهم وظاهره يدل على أنّ من قبل نوح لم يكن يوحي له كما أوحى لنبينا صلى الله عليه وسلم لا أنه غير موحى إليه أصلا كما قيل. قوله: (خصهم بالذكر الخ) إن أراد بالتخصيص! ذكرهم لم يرد عليه شيء والا ورد عليه إنّ الأسباط ليسوا كذلك لكن الأمر فيه سهل. قوله: (وقرأ حمزة بورا بالضم الخ) والجمهور على فتحها والضم على أنه جمع زبر بكسر فسكون صفة بمعنى مزبور أي مكتوب أو زبر بالفتح، والسكون كفلس وفلوس كما في الدرّ المصون، وعبارة المصنف تحتملهما، وقيل إنه مفرد كقعود، وقيل إنه جمع زبور على حذف الزوأئد. قوله: (نصب بمضمر) أي أرسلنا رسلا، وكذا رسلاً الآني، والقرينة عليه قوله أوحينا لاستلزامه الإرسال أو قصصنا إلا أنه منصوب بقصصنا بحذف مضاف أي قصصنا أخبار رسل، وفيه وجوه أخر، وقوله من قبل هذه السورة إشارة إلى المضاف المنوي، وهو ظاهر. قوله:) وهو منتهى مراتب الوحي الخ) أي الكلام بالذات أشرف أنواعه، وأعلاها وقد وقع للنبيّءشفه في الإسراء مع زيادة رفعة، وما من معجزة لنبيّ من الأنبياء إلا ولنبينا صلى الله عليه وسلم مثلها كما تصذى لبيانه بعض أهل الأثر مع زيادة له شرّفه الله تعالى، وتكليماً مصدر مؤكد قالوا إنه رافع للمجاز وفيه نظر لأته مؤكد للفعل فيرفع المجاز عنه، وأما رفعه المجاز عن الإسناد بأن يكون المكلم رسله من الملائكة كما يقال قال الخليفة: كذا إذا قاله وزيره، فلا مع أنه أكد الفعل والمراد به معنى مجازي كقول هند بنت النعمان في زوجها روح بن زنباع وزير عبد الملك بن مروان: بكى الخز من روح وأنكر جلده وعجت عجيجا من جذام المطارف أي بكى الخز من لبسه له لأنه ليس من أهله ولذلك صرخت المطارف من ليس جذام لها، وهي قبيلة داوح فأكدت عج بعجيجا مع أنه مجاز لأنّ الثياب لا تعج، والقراءة المشهورة رفع الجلالة الشب! يفة وقرئ بنصبها في الشواذ، وهي واضحة أيضاً. قوله: (نصب على المدح (أي بتقدير أمدلأ أو أعني وقدمه لرجحانه عنده، والحال الموطئة هي التي يكون المقصود بالحالية وصفها كما هنا وعليه فهي حال من رسلاً الذي قبله أو ضميره قيل، ولا وجه للفصل حينئذ بينثفا بقوله، وكلم الله موسى، وجوّز فيه الزمخشري البدلية وتركه المصنف وحمه الله تعالى لأنّ اتحاد البدل، والمبدل منه لفظا بعيد وان كان المعتمد بالبدلية الوصف. قوله: (وفيه تنبيه على أنّ يعثة الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ) يشير إلى رد ما في الكشاف وأن العقل لا يكفي في ذلك حتى يكون إرسال الرسل للتنبيه عن سنة الغفلة فإنّ العقل قاصر عنه فلا بد من الشرع، وإرسال الرسل ومحل بسطه كتب الكلام، وقوله: بأرسلنا أي المقدر كما مر أو بقوله مبشرين ومنذرين يعني على التنازع، وقوله: ولا يجوز تعلقه بحجة لأنه مصدر يعني، ومعموله لا يجوز تقدّمه عليه ومن جوّزه في الظرف جوّزه هنا. قوله: (وخص كل نبي بنوع من الوحي والإعجازا لأنّ كل نبي غلب في زمنه شيء جعلت معجزته من جنسه كما غلب في زمن موسى عليه الصلاة والسلام السحر فجاء بالعصا، ونحوها مما يضاهيه، وفي زمن عيسى صلى الله عليه وسلم الطب فأبرأ اكمه والأبرص، وفي زمن نبينا عليه الصلاة والسلام البلاغة فجاء القرآن، واعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأن هذا ينافي قوله: قبيل هذا إنه أعطى محمداً صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى كل واحد منهم فلا يختص أحد منهم بنوع بالنسبة إليه، ويجاب بأن اختصاص كل منهم بالنسبة إلى من قبله لا بالنسبة إلى من بعده فالاختصاص نسبي لا مطلق، وهو ظاهر أو أنّ المراد غير من ألقى إليه هذا. قوله: (استدراك عن مفهوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 ما قبله فكأنه الخ (يعني أنّ أهل الكتاب لما سألوه صلى الله عليه وسلم إنزال كتاب من السماء كما أرادوا بعثنا ليقروا بحقية ما جاء به ورد قولهم بقوله: {أنا أوحينا} الخ. استدراك على ذلك فقال إن لم تلزمهم الحجة، ويشهدوا لك فالله يشهد وكفى به شهيداً، وشهادة الله إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات، وإذا ثبتت شهادته ثبتت شهادة الملائكة عليهم الصلاة والسلام لأنّ شهادتهم تبع لشهادته، وقوله: يبينه وقع في نسخة يثبته بالمثلثة، وهما بمعنى وقوله: (روي الخ) هو مروقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قوله: (إنزله ملتبساً بعلمه الخاص به الخ) فالباء للملابسة، والإضافة تفيد اختصاصا خاصا به لا يليق بالبشر بل بخالق القوى والقدر. وذكر في تفسيره في الكشاف أربعة أوجه فقال معناه أنزله ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، وهو تأليفه على نظم، وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة لأة " بيان للشهادة وأنّ شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت القدرة، وقيل أنزله، وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه، وقيل: أنزله بما علم من مصالح العبادة مشتملا عليه، ويحتمل أنه أنزله، وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة، والملائكة يشهدون بذلك كما قال تعالى: في آخر سورة الجن فقيل عليه أنه جعل العلم بمعنى المعلوم، والمراد بالمعلوم التأليف والنظم المخصوص، وليس هذا من جعل العلم مجازاً عن النظم، والتأليف ولو جعل العلم بمعناه المصدري، ويكون تأليفه بياناً لتلبسه لا للعلم نفسه صح لكن فيه تجوز من جهة أنّ التأليف ليس نفس التلبس بل أثره، والباء على هذا تحتمل الآلية كما يقال فعله بعلمه إذا كان متقناً وعلى ما ينبغي فيكون وصفاً للقرآن بكمال الحسن، والبلاغة وأما في الوجه الثاني، والثالث فالعلم بمعناه والظرف حال من الفاعل أو المفعول، ومتعلق العلم مختلف، وهو كونك أهلاً أو مصالح العباد، وظاهر كلامه أنه على الثاني حال من الفاعل، وعلى الثالث من المفعول، ومبني قوله بما علم من المصالح على أنّ التلبس بالعلم تلبس بالمعلوم أو على أنّ العلم بمعنى المعلوم، وموتع الجملة على الوجهين تقرير للصلة، وبيانها أعني أنزل إليك، وأما على الرابع فحال من الفاعل، ومعنى العلم أنه رقيب عليه حافظ له، والملائكة رصد عليه تحفظه من الشياطين كقوله تعالى: {فإنه يسلك من بين يدبه ومن خلفه رصدا} ويشهدون على هذا من الشهود للحفظ اهـ محصله، وهو ردج على الطيبي إذ جعل العلم مجازاً عن التأليف المخصوص والعلاقة بين الفاعل، والفعل لأنّ الفاعل المتقن الحكييم لا يصدر عنه إلا الفعل المحكم البديع، والمصنف رحمه الله تعالى ترك الوجه الرابع، وهو أن تلبسه بعلمه حفظ له لأنه لا مساس له بهذا المقام. قوله: (فالجار والمجرور على الأوّلين حال الخ) ويحتمل أنه مفعولط مطلق على الوجوه أي إنزالاً ملتبسا بعلمه، وضمير بعلمه لله، وعلى الثالث للقرآن فلذا جعله فيه حالاً من المفعول، وجعل الجملة تفسيراً لما قبلها، وهي قوله أنزل إليك لأنها بيان لإنزاله على وجه مخصوص، والزمخشري جعله بيانا للشهادة، وكلام المصنف يحتمله أيضاً إلا أنه يخالفه في إطلاق التفسير فيها فتدبر. قوله: (أيضاً بنبؤتك الخ) كلام اصخ! ، وشروحه ظاهر في أنّ قوله بما أنزل متعلق بيشهد على أنّ الباء صلة والمشهود به هو 1 ما أنزله وهو الظاهر والمصنف رحمه الله تعالى حيث قال إنهم أنكروه، ولكن الله يبيته، ويقياره بما أنزل إليك من القرآن المعجز الدال على نبوّتك، وقال هنا والملائكة يشهدون أيضا بنجوّتك، ثم قال لعرفوا نبوّتك وشهدوا بها كما عرفت الملائكة، وشهدوا أشار إلى أنّ المشهود به هو النبوّة وأن تعلق بما أنزل تعلق الآلية أي يشهد بنبوّتك بسبب ما أنزل إليك لدلالته بإعجازه على صدقك ونبوّتك كذا قيل، وقيل: إنه بيان لمآل المعنى ومؤذاه فإن شهادته بصحة ما أنزله من القرآن لإظهار المعجزات المقصود منه إثبات نبوّته فتأمّل. قوله: (وفيه تنبيه على أنهم يودّون أن يعلموا صحة دعوى النبوّة الخ (أي يعلم من سياق النظم أنّ أهل الكتاب في تعنتهم، وسؤالهم كانوا يودّون أي يحبون ويريدون أن يظهر لهم جلية الأمر عياناً ليؤمنوا وهم مخطؤون لأن هذا ليس طريقا للبشر في معرفة الحق والنبوّة بل مخصوص بالملائكة لأنهم يشاهدون ذلك فلذلك أثبتها الله لهم بالإعجاز المحتاج إلى التفكر، والتدبر، وفى كون الجاحدين المعاندين من أهل الكتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 يوذون ذلك نظر لا يخفى، وقوله: (جمعوا بين اتضلال والإضلال) من الصد عن سبيل الله، وأعرق من العرق بعين وراء مهملتين، وقاف بمعنى أقوى وأ د خل. قوله: (وعليه يدل على أنّ الكفار الخ) أي على هذا الوجه النظم أو الآية تدلّ على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أما على ما قبله فلا دلالة لها لأنهم مخاطبون بالأصول، ومكلفون بترك الكفر، والظلم إذا كان بمعنى إنكار النبوّة أو صد الناس عن الدخول في الدين فهو كفر وهم مخاطبون بتركه بالاتفاق، وأمّا إذا كان أعم شاملاً لظلم أنفسهم بالمعاصي، وذكر أنه لا يغفر لهم ذلك دلت الآية على أنهم مؤاخذون به ومكلفون، ومخاطبون بوجوبه عليهم، ومنهم من أرجعه إلى الوجهين الأخيرين، وله وجه وإذا كان في تفسير الظلم وجوه كما ذكر. لم يتم الاستدلال، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه، وفي الكشاف هنا كلام تركه المصنف رحمه الله تعالى لأنه مبني على الاعتزال الصرف، وقوله: لجري حكمه الخ. أي لا بالوجوب كما يقوله المعتزلة والمحتوم بالحاء المهملة المقضي المقطوع به على مقتضى الحكمة، وقوله: حال مقدّرة أي منتظرة مستقبلة غير مقارنة لأنّ الخلود يكون بعد إيصالهم إلى جهنم، ولو قدر يقيمون خالدين لم يلتئم تقديره، والتعبير عنه بالهداية تهكم إن لم يرد بالهداية مطلق الدلالة وقوله: (ولما الخ) بيان لارتباط هذا بما قبله، ومناسبته له. قوله: (أي إيماناً خيرا لكم الخ) في نصب خيرا وجوه للنحاة فمذهب الخليل وسيبويه أنه منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره، وافعلوا أو وأتوا خيراً لكم، ومذهب الفراء أنه نعت مصدر محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وأورد عليه أنه يقتضي أنّ الإيمان ينقسم إلى خير وغيره، ودفع بأنه صفة مؤكدة، وأن مفهوم الصفة قد لا يعتبر، ومذهب الكساتي، وأبي عبيد أنه خبر كان مضمرة والتقدير يكن الإيمان خيراً ورد بأن كان لا تحذف، واسمها دون خبرها إلا في مواضع اقتضته وأنّ المقدر جواب شرط محذوف فيلزم حذف الشرط، وجوابه إذ التقدير أن تؤمنوا يكن الإيمان خيرا، وهذا مبني على أنّ الجزم بشرط مقدر فإن قلنا بأنه بنفس الأمر، واخواته كما هو مذهب لبعض النحاة لم يرد، وكذا حذف كان، واسمها تخصيصه بمواضع لا يسلمه هذا القائل وقيل إنه منصوب على الحال نقله مكي عن بعض الكوفيين وأبو البقاء، وهو بعيد فما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا غبار عليه فإنه حكاية ما قاله النحاة في هذا التركيب فالاعتراض عليه بأنه مخالف لكلام ابن الحاجب ونحوه ساقط. قوله: (وإن تكفروا فهو غنئ عنكم الخ الما كان ملكه السموات والأرض، وما فيهما أمراً مقرّراً قبل كفرهم أشار إلى أن الجواب مقدر، وهذا دليله أقيم مقامه، وهو ظاهر إلا أنّ قوله المراد بما فيهما ما يشملهما لأن الكل مشتمل على إجزائه، وهي مظروفة فيه أيضاً، ومجموع الأجزاء هو عين الكل قيل عليه إن ظرفيتهما لما فيهما حقيقية، وظرفية الكل لأجزائه مجازية فيلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز وفيه نظر سيأتي. قوله: (الخطاب للفريقين الخ) الرشدة بالكسر وجوّز فيه في القاموس الفتح يقال في الولد هو لرشدة إذا كان حاصلا من نكاح لا زنا وسفاح، وضده هو لزنية، والتزنية هو أن ينسبه إلى أنه لزينة، ثون تخصيصه بالنصارى أوفق بما بعده لأنهم افتروا عليه الصاحبة، والولد والتصريح بأمر عيسى صلى الله عليه وسلم يؤيده، وإن كان قوله: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} قد يدخل فيه اليهود لافترائهم بتزنية عيسى عل! الصلاة والسلام، وما قالوه في عزير لكن ما بعده لا يساعده، والغلوّ مجاوزة الحد، ومنه غلوة السهم، وغلوّ السعر. قوله: " لا الحق يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد) قيل الانقطاع في هذا الاستثناء أشبه لأنّ التزنية لا تكون مقولاً عليه بل له وفيه لأن معنى قال عليه افترى، وفيه نظر لأنّ الاستثناء مفرغ، وقد مرّ أنّ الانقطاع فيه غير معروف لكن المعنى يقتضي ما ذكره النحرير، وقيل الظاهر أنّ المراد بقوله، {ولا تقولوا على الله إلا الحق} إنه تنزبه عن كل ما لا يليق كالشريك، وقوله: إنما المسيح تنزيه عن الصاحبة، والولد فليتأمّل. قوله: (أوصلها إليها وحصلها) جملة ألقاها حال بتقدير قد، والإلقاء الطرح، وهوهنا مجاز عن الإيصال، وقوله: (ذو روح) إشارة إلى أنه على حذف مضاف أو استعمل الروح في معنى ذي الروح، واضافته إلى الله للتشريف أو لأنه بمحض قدرته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 من غير توسط المادة، وعلى القول الآخر هو استعارة تشبيهاً للمحى بالروح التي بها الحياة، وحاج بعض النصارى الواقدي بهذه الآية فقال إنها تدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام جزء من الله فعارضه بقوله تعالى: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} [سورة الجاثية، الآية: 13] فلو كان كذلك لاقتضى إنّ جميع الموجودات جزء منه فحجه، ومعنى كونه كلمة أنه حصل بكلمة كن من غير مادّة، وقال الغزالي رحمه الله تعالى لكل شيء سبب قريب، وبعيد فالأوّل المني والثاني قول كن، ولما دل الدليل على عدم القريب في حق عيسى صلى الله عليه وسلم إضافة إلى البعيد، وهو كلمة كن إشارة إلى انتفاء القريب، وأوضحه بقوله ألقاها بجعله كالمني الذي يلقى في الرحم فهو استعارة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (أي الآلهة ثلاثة الخ) يعني أن الظاهر أنهم يقولون بآلهة ثلاثة الله، وعيسى عليه الصلاة والسلام ومريم كما صرّح به في الآيات الأخر، وان نقل عنهم القول بالأقانيم فحكاية الله عنهم أوثق لكن قال الطيبي رحمه الله تعالى أن الحكيم الفاضل يحيى بن عيسى صاحب المنهاج في الطب كان نصرانياً فلما أسلم وحسن إسلامه صنف رسالة في الردّ على النصارى قال فيها زعموا أنه تعالى جوهر واحد ثلاثة أتانيم أقنوم الأب، وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس فهو واحد بالجوهر مختلف بالأقانيم، وقال بعضهم أنها أشخاص وذوات وقال بعضهم أنها خواص، وصفات فأقنوم الأب الذات، وأقنوم الابن الكلمة، وهي العلم وأنها لم تزل مولدة من الأب لا على سبيل التناسل بل كتوليد ضياء الشمس، وأقنوم روح القدس هو الحياة، وأنها لم تزل فائضة من الأب والابن، واختلفوا في الاتحاد فقالت اليعقوبية أنها بمعنى الممازجة كممازجة النار للفحم فالجمرة ليست ناراً خالصة، ولا فحمة، وهذا موافق لقولهم أنّ الله نزل من السماء ماء وتجسد من روح القدس، وصار إنساناً، ولذلك قالوا المسيح جوهر من جوهرين، وأقنوم من أقنومين وهذا هو القول باللاهوت، والناسوت، وظاهر قول نسطوراً أنّ الاتحاد على معنى الحلول، وأنّ الكلمة جعلته محلاَ، ولذا قالوا جوهران، وأقنومان إلى غير ذلك، وإذا تقرّر اختلافهم كذلك صح حينثذ أن يراد من قوله، ولا تقولوا ثلاثة، ولا تقولوا هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم، وأن يحمل بقية الآيات على ما قالوه قال، وقولهم ثلاثة أي مستوون في الألوهية كما يقال في العرف عند إلحاق اثنين بواحد في وصف هم ثلاثة أي أنهما شبيهان به، والأقنوم بضم الهمزة بمعنى الأصل، وهي لغة يونانية، وجمعها أقانيم، وقوله: الهين من دون الله أي الهين غير الله فيكونون معه ثلاثة. فلا يقال إنه لا دليل فيها على التثليث المدعي. قوله: (لا تعدد فيه بوجه ما) ذاتا وغيره كالقول بالأقانيم وقوله: (تسبيحاً) إشارة إلى أنه منصوب على المصدر كما مر تحقيقه وقوله: (من أن يكون) إشارة إلى أنّ في الكلام حرف جر مقدر، وهو من أوعن كأنه قيل نزهوه من أن يكون أوعن أن يكون له ولد، وفي محل أن، والفعل حينئذ وجهان النصب، والجر يعني أنّ الولد يشابه الأب، ويكون مثله، والله منزه عن النظير والمثيل، وأيضا الولد إنما يطلب يكون قائما بعده مقامه إذا عدم، ولذا كان التناسل، والله تعالى باق لا يطرق ساحته الفناء فلا يحتاج إلى ولد وقوله: {له ما في السموات} الخ دليل آخر على نفي الولد لأنه مالك لجميع الموجودات، ولو كان له ولد لكان مثله في المالكية فلا يكون مالكا لجميعها، وكذا كفايته في الحفظ لأنّ الوكيل بمعنى الحافظ لأنّ من وكل إليه شيء يحفظه كما مرّ فإذا استقل في ذلك لم يحتج إلى الولد فإنّ الولد يعين أباه في حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل هذا فلا يتصور له ولد عقلا، ويكون افتراؤه جهلاً وحمقا. قوله: (لن يأنف من نكفت الدمع الخ) الأنفة الترفع والتكبر والاستنكاف استفعال من النكف، وأصله كما قال الراغب: من نكفت الشيء نحيته وأصله تنحية الدمع عن الخد بالأصبع، وبحر لا ينكف لا ينزح انتهى، ومنه قوله فلم ينكف لعينيك مد مع وقيل النكف قول السوء يقال ما عليه في هذا الأمر نكف، ولا وكف واستفعل فيه للسلب قاله المبرد: وفي الأساس استنكف منه، ونكف امتغ، وانقبض أنفاً وحمية، وقال الزجاج: الاستنكاف تكبر في تركه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك. قوله: (من أن يكون الخ) إشارة إلى تقدير الجار لأنه يقال استنكف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 منه وعنه والعبودية لله شرف وأيّ شرف كما قال الشاعر: ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك ياعبادي وجعلك خيرخلقك لي نبيا قوله: (وروي أنّ وفد نجران الخ) هذا نقله الواحديّ رحمه الله تعالى في أسباب النزول عن الكلبيّ رحمه الله تعالى. قوله: (عطف على المسيح) هذا هو الظاهر، وفيه وجوه أخر، وهو أن يكون عطفاً على الضمير المستتر في يكون أو عبداً لأنه صفة، ولذا يقال هو عبد أبوه، ويكون وصفهم بكونهم عبداً لأنّ المراد، ولا كل واحد منهم أن يكون عبدا لفه لا هو له وصف مقدر بقرينة الملفوظ أي، ولا الملائكة أن يكونوا عبيداً لذ أو هو من عطف جملة على جملة، وعلى الوجوه السابقة من عطف مفرد على مفرد فهو فاعل فعل مقدر هو ومعموله كما صرح به، وقول المصنف رحمه الله تعالى أي ولا يستنكف الخ تقرير لمحصل المعنى، واشارة إلى تقدير متعلق الفعل معه نلا يرد عليه أنه يقتضي تقدير الفعل ومتعلقه فلا يكون معطوفا على المسيح بل من عطف الجمل كما مرّ وترك المصنف رحمه الله تعالى هذه الاحتمالات لأنّ المعنى على عطفه على المسيح بل إعادة لا تعين عطفه، ولذا قال صاحب التقريب أن غيره ليس بصحيح فتدبر. قوله: (واحتج به من زعم فضل الملافكة الخ) هذه المسألة مفصلة في الكلام، ووجه الاستدلال ظاهر لأنّ الذي تقتضيه قواعد المعاني وكلام العرب الترقي من الفاضل إلى الأفضل فيكون المعنى لا يستنكف المسيح، ولا من هو فوقه كما يقال لن يستنكف من هذا الأمر الوزير، ولا السلطان دون العكس لكته قيل إنه لا يفيد إلا الفوقية في المعنى الذي هو مظنة الاستنكاف، والترفع عن العبودية، وهو هنا بزعم النصارى الروحانية التي فيه من جهة أنه لا أب له، وكمال القدرة، والتأييد الذي به يحيي الموتى، ونحوه، وهذا في الملائكة أقوى لأنهم لا أب لهم، ولا أمّ ولهم بإذن الله من قوة قلع الجبال، ومزاولة مضاعف الأعمال، والتصرف في الأهوال، والأحوال ما يقل في جنبه الأحياء، والإبراء وهم مع ذلك لا يستنكفون عن العبودية فكيف بعيسى صلى الله عليه وسلم ولا دلالة لهذا على الأفضلية المختلف فيها كما يشهد به الذوق إذ هي كثرة الثواب كما قرروه، وقد وجهوا كل ما ورد فيه ما يقتضي الأفضلية بنحوه، وأجروه على هذا النمط. قوله: (وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملافكة الخ) يعني سوق الآية، وان كان للرد على النصارى لكنه أدمج فيه الرد على عبدة الملائكة المشاركين في رفع بعض المخلوقين عن مرتبة العبودية إلى درجة المعبودية، وادعاء انتسابهم إلى الله بما هو من شوائب الألوهية، وخص المقربون لأنهم كانوا يعبدونهم دون غيرهم وردّ هذا الجواب بأنّ هذا لا ينفي فوقية الثاني كما هو مقتضى علم المعاني، ولا ورود له لأنه يعلم من التقرير دفعه لأن المقصود بالذات أمر المسيح فلذا قدم، ولو سلم أنه لا ينفي الفوقية فهو لا يثبتها كما إذا قلت ما فعل هذا زيد ولا عمرو وهو يكفي لدفع حجة الخصم، وأما كون السياق، والسباق يخالفه فليس بشيء لأنّ المجيب قال إنه إدماج واستطراد. قوله: (وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد الخ) يعني أنّ مجموع الملائكة أفضل من عيسى، واخوانه من الأنبياء، والمرسلين، والكلام إنما هو في تفضيل الآحاد على الآحاد، وفي الانتصاف فيه نظر لأنّ مورده إذا بني على أنّ المسيح أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة فقد يقال يلزمه القول بأنه أفضل من الكل كما أنّ نبينا محمداًءلمجحر لما كان أفضل من كل واحد من آحاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان أفضل من كلهم كما مر، ولم يفرق بين التفضيل على التفصيلى، والتفضيل على الجملة أحد ممن صنف في هذا المعنى، وقد كان طار عن بعض المعاصرين فضله بين التفضيلين، ودعوى أنه لا يلزم منه على التفصيل تفضيل على الجملة، ولم يثبت عنه هذا القول، ولو قاله أحد فهو مردود بوجه لطيف، وهو أنّ التفضيل المراد جل أماراته رفع درجة الأفضل في الجنة، والأحاديث متظافرة بذلك وحينئذ لا يخلو إمّا أن ترتفع درجة واحد من المفضولين على من اتفق أنه أفضل من كل واحد منهم أولاً ترفع درجة أحد منهم عليه لا سبيل إلى الأول لأنه يلزم منه رفع المفضول على الأفضل فيتعين الثاني، وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 ارتفاع درجة الأفضل على درجات المجموع ضرورة فيلزم ثبوت أفضليته على المجموع من ثبوت أفضليته على كل واحد منهم قطعاً انتهى فقد علمت الفرق بين هذا، وبين ما مثل به، وكذا ما قيل في الجواب الآخر ونحوه من أنّ هذه الدلالة إنما تكون بعد سبق العلم بالأفضلية كما في حديث السلطان، والوزير دون مجرد النظر في التركيب كما في لا يفعله زبد ولا عمرو، وفي إثبات الأفضلية بهذا شبه دور، ولو سلم نفي أفضلية المجموع دون كل واحد من المقربين لا جنس الملك على جن! البشر المتنازع فيه، ورد بأنّ المدعي أنّ في مثل هذا الكلام مقتضى قواعد المعاني الترقي من الأدنى إلى الأعلى دون العكس أو التسوية، وقد عرفت أن الحكم في الجمع المعرف باللام على الآحاد سيما قبل الحكم بعدم الاستنكاف ومدعاه ليس إلا دلالة الكلام على أنّ الملك المقرب أفضل من عيسى صلى الله عليه وسلم، وهذا كاف في إبطال القول بأنّ خواص البشر أفضل من خواص الملك فالجواب الحق ما سبقت الإشارة إليه في صدر الكلام فاحفظه. قوله: (وهم الكروبيون الخ) في " كتاب الحبائك " قيل: ملائكة الحرمة هم الروحانيون بفتح الراء من الروح، وقيل الروحانيون بالضم والفتح مطلق الملائكة، والكروبيون ملائكة العذاب من الكرب قاله البيهقيّ وغيره وفي الفائق الكروبيون سادة الملائكة منهم جبرائيل، وميكائيل، واسرافيل، وهم المقربون من كرب إذا قرب وهو المراد هنا، وفي تذكرة التاج ابن مكتوم سئل أبو الخطاب بن دحية عن الكروبيين هل يعرف في اللغة أم لا فقال الكروبيون بفتح الكاف، وتخفيف الراء سادة الملائكة، وهم المقربون من كرب إذا قرب، وأنشد أبو عليّ البغدادي: كروبية منهم ركوع وسجد وقال الطيبي رحمه الله تعالى: فيه ثلاث مبالغات إحداها أنّ كرب أبلغ من قرب الثانية أنه على وزن فعول من صيغ المبالغة الثالثة زيادة الياء فيه للمبالغة كأحمريّ، وقوله: باعتبار التكثير دون التكبير الأوّل بالمثلثة، والثاني بالموحدة، ومعناهما ظاهر وقوله، والنزاع فيه المشهور أنّ خواص البشر أفضل من خواص الملك فتأمل. قوله: (والاستكبار الخ) قد مر الفرق بينهما المنقول عن الراغب، ولكون التكبر يكون بالاستحقاق وصف الله عز وجل به. قوله: (فيجازيهم الخ) إشارة إلى أنّ المقصود من الحشر المجازاة، ولذا قال في تفصيله أنه تفصيل للمجازاة العامة وهذا دفع لما يتوهم من عدم مطابقة المفصل للمجمل إذ المجمل لم يذكر فيه إلا المستنكفون فأشار إلى الجواب بوجهين الأول أنه تفصيل لما علم صريحاً وضمناً لأن المقصود سيحشرهم وجميع العباد فيكون لفاً ونشرا تقديريا، والثاني أنه تفصيل للجزاء، وأنه بتعديهم، وتحسرهم بما يشاهدونه من نعيم غيرهم. وفي الكشاف فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصل على فريق واحد قلت: هو مثل قولك جمع الإمام الخوارج فمن لم يخرج عليه كسا.، وحمله ومن خرج عليه نكل به، وصحة ذلك لوجهين أحدهما أن يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ولأنّ ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا فأمّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به، والثاني، وهو أنّ الإحسان إليهم مما يغمهم فكان داخلاً في جملة التنكيل بهم فكأنه قيل، ومن يستنكف عن عبادته، ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله، وقال النحرير الجواب هو الأوّل، والثاني غير مستقيم لأنّ دخول أما على الفريقين لا على قسمي الجزاء. قوله: (عني بالبرهان المعجزات الخ) لأنّ البرهان الحجة، وهي حجة قاطعة، والقرآن مبين طرق الهداية فهو نور على الاستعارة، ودلائل العقل الخ لف، ونشر مرتب. قوله:) ثواب قدّره الخ) إنما فسره بالثواب المقدر لعطف فضل عليه، والرحمة حقيقة والتجوّز في كلمة في لتشبيه عموم الثواب وشموله بعموم الظرف، ولو فسر بالجنة كما فسر. به بعضهم كان التجوّز في المجرور دون الجار، وأشار إلى أنّ تسمية الثواب رحمة لأنه بمقتضى الإحسان لا الوجوب عليه كما هو مذهبنا. قوله: (ويهديهم إليه الخ) هذا الضمير إمّا عائد على الله، ومعنى الهداية إليه الهداية إلى عبادته أو على جميع ما قبله باعتبار أنه موعود أو على الفضل، وصراطا مستقيما مفعول ثان بناء على تعدي هدى إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 مفعولين حقيقة أو بتضمين بعرفهم أو مفعول فعل مقدّر أو منصوب على الحال واليه متعلق بمقدر أي مقرّبين إلنه أو مقرّبا إياهم إليه على أنه حال من الفاعل أو المفعول، وقيل هو حال من صراطا، وليس لقولنا يهديهم إلى طريق الإسلام إلى عبادتا. كبير معنى فالأوجه أن يجعل صراطا بدلاً من إليه، وقيل عليه أنّ قولنا يهديهم طريق الإسلام موصلا إلى عبادته معناه واضح، ولا وجه لكونه بدلاً من الجار والمجرور فتأمل. قوله: (حذف لدلالة الجواب الخ) وجهه ظاهر، وهو من التنازع، وأعمل الثاني، وفيه نظر وما روا 5 مروقي في السنة وقوله: وهي آخر ما نزل في الأحكام أي هذه الآية آخر آية نزلت متعلقة بالأحكام كما أنّ آخر ما نزل سورة براءة كما ذكره المحذثون. قوله: (وليس له ولد صفة له أو حال الخ) منع الزمخشريّ الحالية مطلقاً ولم يبين وجهه، ووجهه أنه إمّا حال من امرؤ، وهو نكرة مجيء الحال منها خلاف الظاهر إذ المتبادر في الجمل الواقعة بعد النكرات أنها صفات، وأمّا جملة هلك فمفسره لا محل لها من الإعراب على ما اشتهر في النحو وان جوّز بعضهم فيها أن تكون صفة والزمخشريّ لم يلتفت إليه لما بين جعله صفة، ومفسراً من التنافي لأنّ المفسر غير مقصود من الكلام، والصفة، وقيود المسند إليه محط الفائدة مع أن المفسر إذا كان مضارعاً ورد جزمه، وهو يعين كونه غير صفة، وأما جعله حالاً من الضمير المستتر كما قاله المصنف: وسبقه إليه أبو البقاء فقيل عليه أنّ المفسر غير مقصود حتى ادعى بعضهم أنه لا ضمير فيه لأنه تفسير لمجرد الفعل بلا ضمير وان ردّ بقوله تعالى: {قل لو أنتم تملكون} [سورة الإسراء، الآية: 05 ا] وفي البحر أنه ممتنع لأنّ المسند إليه في الحقيقة الاسم الظاهر الذي هو فاعل الفعل المحذوف فالذي ينبغي أن يكون التقييد له وإذا دار الاتباع والتقييد بين مؤكد، ومؤكد فالوجه أنه للمؤكد بالفتح إذ هو معتمد الإسناد، وقال السفاقسي أنّ هذا مرجح لا موجب، وأما إذا كان ليس له ولد صفة فلا يضر الفصل بينها وبين موصوفها بالمفسر لأنها تأكيد له، والفاء في فلها واقعة في جواب الشرط، وقوله: وابن الأمّ لا يكون عصبة لأنّ ذكورهم، واناثهم في القسمة، والاستحقاق سواء لإدلائهم بالام كما تقرّر في الفرائض وعلم بدليل آخر. قوله: (والولد على ظاهره) أي مخصوص بالذكر لا ما يشملهما فانه مشترك بينهما اشتراكا معنويا، وقد وقع في سياق النفي لأنّ الذكر هو المتبادر منه، وقد عضده الدليل، وفيه نظر لما قيل إنه تخصيص من غير مخصص والتعليل بأنّ الابن يسقط الأخت دون البنت ليس بسديد لأنّ الحكم تعيين النصف، وهذا ثابت عند عدم الابن والبنت غير ثابت عند وجود أحدهما أما الابن فلأنه يسقط، وأما البنت فلأنها حينئذ تصير عصبة لا يتعين لها فرض نعم يكون نصيبها مع بنت واحدة النصف بحكم العصوبة لا الفرضية فلا حاجة إلى تفسير الولد بالابن لا منطوقا، ولا مفهوما، وأيضاً الكلام في الكلالة، وهو من لا يكون له ولد أصلاً ولا والد والولد مشترك معنويّ في سياق النفي فيعم فلا بد للتخصيص من مخصص، وكذا فيما بعده فتأمّل فالولد عند ابن عباس رضي الله عنهما عامّ لهما إذ لا ترث البنت مع الأخت عنده، وعند الجمهور ترث لكن ذلك بالعصوية بالغير، وقوله: (لا ترث النصف) أي بطريق الفرضية لا بد من هذا القيد، وهو مراد. إذ قد ترث البنت النصف كما إذا ترك بنتاً وأختاً كما نبه عليه بعض أهل الفرائض، وقوله: إن كان الأمر بالعكس أي إن ماتت وتركته. قوله: (ذكرا كان أو أنثى الخ) فإن قيل هما شرطان ذكر كل واحد منهما في حادثة فإن قام الدليل على أنّ المراد باحدهما الذكر لم يتبين أنّ المراد بالثاني الذكر قيل لش كذلك بل الكل شرط واحد لأنه ذكر أوّلاً إذا كان الأخ هو الميت فجعل للأخت النصف ثم قلب المسألة فجعل الأخت ميتاً والأخ هو الوارث فجعل له جميع المال فهذا يبين أنّ الشرط واحد وهو عدم الولد ثم المراد في أحد الموضعين الذكر دون الأنثى فكذلك في الاخر وفيه نظر. قوله: (والآية كما لم تدل على سقوط الأخوة بغير الولد الخ) عدم دلالتها على السقوط بغير الولد ظاهر للسكوت عنه، وكذا دلالتها على عدم السقوط به أي بغير الولد كالأب فإنّ الكلالة فسرت بمن لا ولد له ولا والد كما مرّ، وأمّا ما قيل إنه فيه بحث ظاهر لأنّ الإطلاق في جعله وارثا على تقدير عدم الولد دليلى ظاهر على عدم السقوط بالغير فمدفوع بأنه مسكوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 عنه والسنة دلت على خلافه فقوله: وقد دلت السنة الخ جملة حالية مبينة لدفع هذا التوهم. قوله: (وكذا مفهوم قوله الله يفتيكم في الكلالة إن فسرت بالميث) إشارة إلى ما مرّ من الاختلاف في تفسيرها إذ حينئذ تكون الكلالة من لم يخلف ولداً ولا والداً، وأورد عليه أنّ التعرض لعدم الولد مع اشتمال مفهوم الكلالة على الوالد أيضاً يشير إلى أنّ المانع عن الإرث الولد لا الوالد، والا فتخصيصه بالنفي ليس بظاهر، وجوابه يعلم من الفرائض فإنه وقع الاتفاق عليه لكنه لا بد من نكتة لتخصيص! الولد بالنفي وما قيل إنه ذكر أحد الجزأين لينتقل الذهن منه إلى الجزء الآخر غير ظاهر فانظره. قوله: (الضمير لمن يرث بالأخوّة الخ) جواب سؤال مشهور، وهو أنّ الخبر لا بد أن يفيد غير ما يفيده المبتدأ، ولهذا لا يصح سيد الجارية مالكها، وضمير التثنية دال على الاثنينية فلا فائدة في الأخبار باثنتين، وقد دفع بوجوه منها ما ذكره الأخفش من أنّ الأثنينية تدل على مجرّد التعدد من غير تقييد بكبر وصغر أو غير ذلك من الأوصاف فكأنه قيل إنهما يستحقان ما ذكر بمجرّد التعدد من غير اعتبار أمر آخر وهذا مفيد وردّ بأنّ ضمير التثنية يدل على ذلك أيضا فعاد السؤال. وروى مكيّ عنه أيضا، وهو الذي ارتضاه الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله بأنه حمل على معنى من يرث وأنّ أصله، وتقديره إن كان من يرث بالأخوّة اثنتين، وان كان من يرث ذكوراً واناثا، وإنما قيل كانتا وكانوا المطابقة الخبر كما قيل من كانت أمك فأنت ضمير من لتأنيث الخبر كما ثني وجمع هنا وردّ بأنه غير صحيح، وليس نظير من كانت أمك لأنه صرح فيه بمن، وله لفظ، ومعنى فمن أنت راعي المعنى لأنه أم ومدلول الخبر فيه مخالف لمدلول الاسم بخلاف ما نحن فيه فإنّ مدلوليهما واحد ولم يؤنث في من كانت أمك لمرعاة الخبر إنما أنث لمعنى من إذ أريد بها مؤنث كما تقول من قامت، ولا خبر فيه، ولا يخفى وروده، وان قيل إنه تحامل عليه كما هو عادته، وقيل إنّ الخبر له صفة مقدرة بها تتم الفائدة أي فإن كانتا اثنتين من الأخوات ومثل ذلك جائز، وقيل اثنتين حال مؤكدة، والخبر محذوف أي له بدلالة قوله وله أخت عليه. قوله: (فنلب المذكر) بقرينة قوله رجالاً ونساء، وقيل هو اكتفاء. قوله: ( {يبين الله لكم ضلالكم} الخ) هذه الوجوه الثلاثة ذكرها قدماء المفسرين، وهي إبقاؤه على ظاهره، وتبيين الضلال والشر إرشاد إلى الهدى، والخير أو حذف مضاف أي كراهة أن تضلوا أو حذف الجارّ، ولا النافية ورجح الأوّل بأنه من حسن الختام، والالتفات إلى أوّل السورة وهو {يا أيها الناس اثقوا ربكم} فإنه أمرهم بالتقوى، وبين لهم ما كانوا عليه في الجاهلية، ولما تم تفصيله قال لهم إني بينت لكم ضلالكم فاتقوني كما أمرتكم فإنّ الشر إذا عرف اجتنب، والخير إذا عرف ارتكب، وقوله: (فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات) إشارة إلى أنه عائد على ما مرّ من أمر الميراث، وما يتعلق بالأحياء، والأموات. قوله: (من قرأ سورة النساء الخ) هذا حديث موضوع مفترى على أني بن كعب رضي الله عنه كما ذكره المحدثون ووجه تصدقه على كل وارث لأنه تلي ما يبنن الانصباء فكان له أجر ذلك وقوله: (وأعطى من الأجر كمن اشترى محرّرا) أي كأجر من اشترى عبداً ليحرّره فسماه محرّراً باعتبار المآل، وقوله: وبرئ من الشرك ليس معطوفاً على مدخول كإنما بل على مفهوم ما قبله أو على مقدر أي أعطاه الله هذا الثواب، وجعله بريئأ من الشرك، وآمناً من سوء الخاتمة وقوله: (وكان في مشيئة الله الخ) أي في تقديره وارادته معفوّا عنه مغفوراً له اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة، والعفو والمغفرة، وأن توفقنا لفهم كلامك، وتشرح صدورنا بعوائد إحسانك وانعامك. سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم السورة مدنية إلا قوله: {كملت لكم دينكم} الخ فإنها نزلت في مكة، وفي عددها اختلاف فقيل مائة واثنان، وقيل ثلاث وعشرون. قوله: (الوفاء هو القيام بالعهد الخ) أي حفظ ما يقتضيه العهد، وهو يستعمل ثلاثياً، ومضاعفا، ومزيدا يقال وفى ووفي وأوفى بمعنى لكن في المزيد مبالغة ليست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 في المجرد وإليه أشار المصنف رحمه الله، وأصل معنى العقد الربط محكماً ثم تجوّز به عن العهود، وعقود المعاملات، وقوله: الموثق بالتشديد، والتخفيف. قوله: (قال الحطيئة الخ) هو شاعر معروف، والبيت من قصيدة له في مدح بني أنف الناقة قوم من العرب كانوا يعيرون بهذا اللقب فلما قال فيها: قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا صاروا يفتخرون به قال شراح الكشاف وفي البيت إشارة إلى كون العقد بمعنى العهد مستعاراً من عقد الحبل على الدلو حيث رشح بذكر الحبل والدلو، وما يتعلق بهما، والعناج بوزن كرام حبل يشدّ في أسفل الدلو ثم يمتد إلى العراقي بفتح العين، والراء والقاف ليكون عونا لها وللوذم فإذا انقطعت الأوذام أمسكها العناج، والعرقوتان خشبتان معترضتان على الدلو الجمع عراقي، والأوذام السيور التي بين أذناب الدلو وأطراف العراقي، والكرب بفتحتين الحبل الذي يثد في وسط العراقي، ثم يثنى ويثلث ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير، ويقال لمن يحكم أمراً وببالغ فيه يملأ الدلو إلى عقد الكرب وخص العقد بالجار لأنه هو المعروف بينهم في العقد لمن نزل بجوارهم وبه يتمذحون، والقصيدة كان سببها ذلك فلا وجه لما قيل لو قال لغيرهم لكان أبلغ، والمستعار في البيت عقد الحبل على الدلو، والمستعار له العهد والميثاق، وما بعده ترشيح، وإنما جعلوا المستعار ذلك، وان كان العقد فيه مطلقا لتبادره ولأنه لولا ذلك لم يترتب جواب إذا على الشرط، ومن غفل عنه قال لا وجه لتقييده بما ذكر. قوله: (وأصله الجمع بين الشيئين الخ) قال الراغب: العقد الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء. قوله: (ولعل المراد بالعقود الخ) أي المراد بها ما يلزم الوفاء به أو يستحب مما عقده الله أو العباد كالمعاملات، والنذور لأنه جمع محلى باللام فيعم، والأمر في قوله أوفوا لمطلق الطلب ندبا أو وجوبا ويدخل فيه اجتناب المحرمات، والمكروهات، واختاره لأنه أوفق بعموم اللفظ، وأوفى بعموم الفائدة وقيل الحمل على تحليل الحلال أي اعتقاد حله، والعمل على وفقه وتحريم الحرام كذلك أظهر نظرا إلى ما يشعر به سوق الكلام من الإجمال، والتفصيل لا يقال السورة مشتملة على أمّهات التكاليف في الأصول، والفروع لا تختص بالتحليل، والتحريم، وكفى بقوله: {وتعاونوا على البر والتقوى واعدلوا هو أقرب للتقوى} فلا يلزم حصر المجمل على التحليل، والتحريم، ولو سلم فليكن من التفريع على الأصل لا التفصيل للمجمل كما تقول امتثلوا أوامر الله أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان لأنا نقول ما وقع في معرض! التفصيل هو التحليل، والتحريم وظاهر أن ليس جميع السورة كذلك، وأنّ المذكور بالتفصيل أوقع منه بالتفريع. قوله: (تفصيل للعقود الخ الما مرّ من عمومه، وشموله لها وإنه المتبادر لا التفريع والبهيمة من ذوات الأرواح ما لا عقل له مطلقاً أو ذوات الأربع، وقال الراغب أنه خص في المتعارف بما عدا السباع، والطير وفي العقود خمسة أقوال للمفسرين فقيل العهود، وقيل: حلف الجاهلية، وقيل ما عقد. الله وبعضهم مع بعض، وقيل النكاح، والشركة واليمين والعهد، والحلف والبغ، وقيل الفرائض، وقيل جميع ما ذكر ورجحه بعضهم واليه ذهب المصنف رحمه الله. قوله: (وإضافتها إلى الأنعام للبيان الخ) قيل البهيمة اسم جنس والأنعام نوع منه فإضافتها إليه كإضافة حيوان إنسان، وهي مستقبحة، وأجيب بوجهين أنّ المراد من البهيمة، والأنعام شيء واحد، وإضافتها إليها على معنى من البيانية أي البهيمة التي هي الأنعام كقوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [سورة الحجر، الآية: 30، أي الرجس الذي هو الأوثان، ولا استدراك في ذكر عامّ وتخصيصه أو المراد بالبهيمة الظباء وبقر الوحش، ونحوهما، واضافتها إلى الأنعام لملابسة المشابهة بينهما، وجوّز النحرير في إضافة المشبه للمشبه به كونها بمعنى اللام على جعل ملابسة الشبه اختصاصاً بينهما أو بمعنى من البيانية على جعل المشبه نفس المشبه به، وفيه بحث لأنّ ذكر النوع أو الفرد بعد الجنس لا فائدة فيه، واضافته إليه لغو ومستهجنه كحيوان إنسان أو إنسان زيد، وقوله المراد من البهيمة والأنعام شيء واحد إن أراد قبل الإضافة فليس كذلك، وإن أراد بعدها فكذا إنسان زيد مع أنه بالآخرة يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 من إضافة الشيء لنفسه فالحق في الجواب أن يقال إضافة العام للخاص إذا صدرت من بليغ، وقصد بذكره فائدة فحسنة كمدينة بغداد فإنّ لفظ بغداد لما كان غير عربي لم يعهد معناه أضيف إليه مدينة لبيان مسماه وتوضيحه، وكشجر الأراك لما كان الأراك يطلق على قضبانه أضيف لبيان المراد، وهكذا وإلا فلغو زائد مستهجن ولذا ترى النحرير يستحسنها تارة فيمثلها بشجر الأراك ويستقبحها أخرى فيمثلها بإنسان زيد وهنا لما كان الأنعام قد يختص بالإبل إذ هو أصل معناه، ولذا لا يقال النعم إلا لها أضميف إليه بهيمة إشارة إلى ما قصد به من العموم، وللنحاة في مثل هذه الإضافة اختلاف فمن اشترط العموم، والخصوص من وجه في الإضافة البيانية قال إنها لامية، ومن لم يشترطه قال إنها بيانية كما ذكره في شرح الهادي فلا يرد ما قيل اشترط في الإضافة بمعنى من كون المضاف إليه جن! المضاف كالفضة للخاتم، وههنا الأمر بالعكس، ومن في البهيمة من الأنعام لا تكون إلا بيانية، وفي خاتم من فضة بيانية أو تبعيضية أو ابتدائية وإذا كان من إضافة المشبه للمشبه به فالأمر ظاهر، وبهذا اندفع قول الإمام رحمه الله أنه لو قال أحلت لكن الأنعام لكان الكلام تاماً بدليل وروده في آية أخرى فأيّ فائدة في زبادة لفظ البهيمة، وكذا قوله إن لفظ البهيمة مفرد، والأنعام جمع فما الفائدة في ذكره لأنه قصد به بيان الجنس فلذا أفرد، وجمع الأنعام ليشمل أنواعها، وللعلامة جواب عنه تركناه لما فيه، وقوله: كل حيّ لا يميز أي ليس من شانه التمييز فلا يرد الصبيّ كما توهم، والاجترار افتعال من الجرّة بالكسرة، وهي ما يخرجه البعير من كرشه، وبعض الحيوانات من جوفه يتعلل به إلى وقت العلف وقوله: (وعدم الآنياب) جمع ناب، وهو سن يختص بسباع الحيوان ولذا يكنى عنها بماله ظفر وناب، وأخر قوله ونحوهما عن قوله المراد كما في الكشاف لأنه المحتاج للبيان فتأمّل. قوله ة) 1 لا محرم ما يتلى لخ) اختلف في هذا الاستثناء فقيل منقطع لأنّ المتلوّ لفظ، والمستثنى منه ليس من جنسه، والمصنف رحمه الله تبعاً للعلامة على أنه متصل مستثنى من بهيمة الأنعام بتقدير مضاف محذوف من ما يتلى عليكم، وهو محرم ليكون عبارة عن البهائم المحرّمة بقوله: {حرمت عليكم الميتة} الخ ونحوه أو من فاعل يتلى أي يتلي آية تحريمه لتكون ما عبارة عن البهيمة المحرّمة لا اللفظ المتلو قال النحرير، ولا يبعد اعتبار التجوّز في الإسناد من غير تقدير، وأمّا جعله مفرّغا من الموجب في موقع الحال أي إلا كائنة على الحالات المتلوّة فبعيد جداً، والمستثنى منصوب، ويجوز رفعه كما تقرّر في النحو. قوله: (حال من الضمير في لكم الخ) في الكشاف نصب على الحال من الضمير في لكم أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد وعن الأخفش أن انتصابه عن قوله أوفوا بالعقود وقوله: {وأنتم حرم حال عن محلى الصيد} كأنه قيل أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم حرم لئلا نخرّج عليكم، والوجه هو الأؤل وإليه ذهب الجمهور، ولا يرد عليه ما قيل إنه يلزم تقييد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد، وهم حرم، وهي قد أحلت لهم مطلقا، ولا يظهر له فائدة إلا إذا عنى بها الظباء وحمر الوحش، وبقره لأنه مع عدم اطراد اعتبار المفهوم يعلم منه غيره بالطريق الأولى لأنها إذا أحلت في عدم الإحلال لغيرها، وهم محرمون لدفع الحرج عنهم فكيف في غير هذه الحال فيكون بيانا لأنعام الله عليهم بما رخص لهم من ذلك، وبياناً لأنهم في غنية عن الصيد، وانتهاك حرمة الحرم، والعجب أنّ عبارة الكشاف صريحة فيه، ولم يعرّح عليه أحد من شراحه، وقد تنبه له في الكشف لكنه لم ينقحه. قوله: (وقيل من واو أوفوا) هذا قول الأخفش إنه حال من فاعل أوفوا، ولا يخفى ضعفه لما فيه من الفصل بين الحال وصاحبها بجملة ليست اعتراضية إذ هي مبينة، وتخلل بعض أجزاء المبين بين أجزاء المبين، ولا وجه للتقييد به مع أنهم مأمورون بالوفاء مطلقا، والتوجيه السابق لا يجري فيه كما لا يخفى ان قيل إنه أقرب معنى، وان كان أبعد لفظاً لأنّ جعله حالاً من ضمير لكم إنما يصح إذا أريد ببهيمة الأنعام الظباء، وأما إذا أريد الأنعام المستثنى منها البعض على ما صرح به ففيه تقييد الإحلال بهذه الحال وليس كذلك لما علمت من أنه على طرف الثمام، ثم تكلف له ما عبارته منادية على خلافه فقال: ويمكن دفعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 بأن المراد بالأنعام أعم من الإنسي، والوحشيّ مجازاً أو تغليبا أو دلالة أو كيف شئت واحلالها على عمومها مختص بحال كونكم غير محلين للصيد في الإحرام إذ معه يحرم البعض، وهو الوحشيّ، وأما جعله حالاً من فاعل أحللنا المدلول عليه بقوله أحلت لكم، وششلزم جعل، وأنتم حرم أيضا حالاً من مقدر أي حال كونكم غير محلين الصيد في حال إحرامكم فليس ببعيد إلا من جهة انتصاب حالين متداخلين من غير ظهور ذي الحال في اللفظ، وترجيحه بأنّ التحليل، والتحريم شأن الثارع دون المكلفين ليس بشيء لأنّ معناه تقرير الحل، والحرمة عملاً، واعتقاداً، وهو سائغ في الكتاب، والسنة. (أقول الا يخفى ما في هذا الوجه الذي رجحه من الضعف من جهة العربية فمانّ الفاعل الذي ناب عنه مفعوله ترك نسيا منسياً، وقد نص النحاة على أنك لو قلت أنزل الغيث مجيباً لدعائهم على أنه حال من فاعل الفعل المجهول المتروك إذ تقديره أنزل الله الغيث حال إجابته لدعائهم لم يجز لا سيما على مذهب القائلين بأنّ المبنيّ للمفعول صيغة أصلية ليست محوّلة عن المعلوم، وأيضا لا وجه للتقييد كما أورده على الوجه الذي قبله مع أنّ محلى صيغة جمع كما هو في الرسم العثماني بالياء فكيف يكون حالاً من الله فكأنّ قائلة زعم أنه محل من غيرياء أو أنه رسم بالياء على خلاف القياس كما في البحر ولا يخفى حاله، ولأبي حيان هنا كلام طويل الذيل فيه تكلف وتعسف تركه خير منه. قوله: (وقيل استثناء وفيه تعسف أليس وجه التعسف فيه أن استعمال غير في الاستثناء غير ظاهر، ولا من تكرير ألاشثناء سواء ترادف أو تداخل بل لفساد المعنى فيه إلا أن يتكلف له ما لا يليق بالنظم القرآني لأنّ المحلين لا يستثنون من البهيمة إن رجع الاستثناء من الأول بل من لكم فيصير المعنى أحلت البهيمة إلا المحلين وهو غير صحيح، وكذا استثناؤه مما قبله فتدبر. قوله: (يعني مناسك الحج جمع شعيرة وهو اسم ما أشعر الخ) قيل أقحم اسم لئلا يتوهم أنه وصف لاشتقاقه، وكونه على وزن الصفات لأنه لم يجر على موصوف، والشعار الإمارة، والعلامة، والأعلام جمع علم بمعناه، وقوله: (التي حدها) إشارة إلى أن تسميتها شعائر كتسميتها حدودا لأنّ الحدود تسمى شعائر أيضاً لما لها من العلامات، وقوله: ولا الشهر الحرام المراد به جنسه، وفسره الزمخشريّ بأشهر الحج لأنه المناسب للمقام، وّجذية بجيم مفتوحة، ودال مهملة ساكنة جمعه تجذيات بالتحريك وتجلإئة بوزن رمية، وجمنة تجدّايا ما يحشى تحت السرح، والرحل وخص الهدي بالذكر، وان كان داخلا في الشعائر لأنّ فيه نفعاً للناس، ولأنه مالي قد يتساهل فيه، وتعظيما له لأنه من أعظمها. قوله: (أي ذوات القلاند) وهي الإبل التي كان يجعل لها شعارا، وهي بعض الهدي خصت بالذكر تشريفا لها أو لا تقدير فيه، والنهي عن التعرض لها مبالغة في النهي عن التعرض له كما في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن} فإنهن إذا نهين عن إظهار الزينة كالخلخال، والسوار علم النهي عن إبداء محلها بالطريق الأولى، ومن الغريب ما روي عن السدي في شرح أبي داود من أنّ المراد بالقلائد أصحاب الهدي قال: كان العرب يقلدون من لحاء شجر مكة فيقيم الرجل بمكة حتى إذا انقضت الأشهر الحرم، وأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه، وناقته من لحاء الشجر فيأمن حتى يأتي أهله انتهى، ولحاء ككساء بلام وحاء مهملة قشر الشجر كلحيته. قوله: (ولا 7مين البيت الحرام قاصدين الخ) أي، ولا تحلوا أقواما آمّين، وبجوز أن يكون على حذف مضاف أي نعال قوم آمّين أو أذى قوم آمّين، وقرىء شاذاً، ولا آمّي البيت بالإضافة والبيت مفعول به لا ظرف، وأي يثيبهم تفسير لفضلاً ويرضى تفسير ورضواناً، وهو بناء على ظنهم إن كان في حق المشركين كما سيأتي. قوله: (والجملة في موضع الحال من المستكن الخ (هذا رد على الزمخشرفي في جعله جملة يبتغون صفة لآمّين حيث قال في تفسيره أي لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيماً لهم، واستنكاراً لأن يتعرض لمثلهم، وتبعه أبو البقاء إذ اختار أنّ اسم الفاعل الموصوف لا يعمل لضعف شبهه بالفعل الذي عمل بالحمل عليه لا! الموصوفية تبعد الشبه لأنها من خواص الأسماء، وقد رد بوجهين الأول أنّ الوصف إنما منع من العمل إذا تقدم المعمول كقولك زيدا ضارب قومي فلو تأخر لم يمنع لمجيئه بعد الفراغ من مقتضاه كما صرح به صاحب اللب، وغيره. الثاني: أنّ الزمخشري لم يرد ما فهمه المعترض من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 أنّ جملة يبتغون صفة آمّين حتى يرد عليه ما ذكر إذ مراده أنّ آفين، ويبتغون صفتان لموصوف مقدر، وهو قوم دفعا لما يرد عليه من أنّ آمّين إذا كان مفعول لا تحلوا عمل غير معتمد إلا أنه يرد عليه أنه إذا جاز الاعتماد على الموصوف المقدر كان اشتراط الاعتماد لغواً فلا يمتنع العمل في شيء من الصور لأنه ما من اسم فاعل إلا ويصح أن يقدر له موصوف كما قيل. (أقول) هذا زبدة ما هنا من القيل والقال، وليس بمتجه من وجوه الأوّل إن ما ادعاه الفاضل المحقق غير متعين لجواز أن يريد بيان حاصل معنى النظم، وأن لا تحلوا مؤوّل بلا تتعرضوا لأن الحل والحرمة لا تتعلق بالذوات، ولذا قدر في نحو أحل لكم النساء نكاح النساء ويجوز أن يريد ما فهمه المعرب بناء على أن الوصف المتأخر لا يمنع كما مر، وإن كان مثله يمنع مطلقاً كما توهمه صاحب الدرّ المصون حتى ذهب إلى عدم منعه قياساً على المصدر إلا أنه لا وجه له فقد قال في كتاب المواطن لا خلاف في جواز عمله إذا تأخر ولذا جزم به بعضهم هنا فهذا خطأ من المعترض، وغفلة ممن قبله وحاول دفعه بدليل آخر وأما اعتراضه على الزمخشريّ فيما نسبه إليه من الاعتماد على المقدّر بحديث اللغوية الذي سمعته فليس بشيء لأنّ النحاة صرحوا به كما قال في الألفية: وقد يكون نعت محذوف عرف فيستحق العمل الذي وصف وهو، وان توهمه وارداً غير مندفع ليس بشيء لأنه ليس كل اسم فاعل يصح أن يقدر له موصوف إذ يمنع منه موانع معنوية كعدم القرائن، وصناعية كما في نحو قولك ما ذاهب أخو! لأنه لا يصح أن يقدر له موصوف كرجل وشخص لعدم الرابط، وقد صرّحوا في باب النعت بأنّ الموصوف لا يحذف في كل موضع، وأنّ له مواطن يطرد فيها كان يكون الموصوف بعض اسم مجرور بمن أوفى قبله ولذا مثلوا له هنا بقوله تعالى: {ومن الناس والدواب الأنعام مختلف ألوانه} [سورة فاطر، الآية: 28] أي صنف مختلف ألوانه الخ. وإذا كانت الصفة جملة أو ظرفا لا يصح في غير هذا إلا ندوراً أو شذوذاً، وأما قول السهيلي رحمه الله تعالى طريقة حذفه هنا أن يكون الموصوف مندرجا في معنى اسم قبله نحو كم ضارب زيداً لدخوله في معنى كم، وفي غيره لا يجوز فقد قال أبو حيان رحمه الله تعالى: إنه مردود فقوله: إنّ جملة - اه: 811ـ ءا. / -- / - لم،، يبتغون صفة لمقدر فرار من السحاب للوقوف تحت الميزاب فإن قلت: كيف قال: إنه لو لم يقدر الموصوف كان عاملاَ بلا اعتماد مع دخول النفي عليه، وهو لا يختص بما كما صرحوا به قلت هو بناء على ما فهمه من أنّ معنى الاعتماد على النفي أن يسلط عليه، وينفي معناه لا أن يلي لفظه نحو ما قائم أبوك، وهذا ليس كذلك لأنّ تقديره لا تحلوا أمّين البيت فالمنفي الإحلال نعم هذا لا اعتماد عليه فإنه يكفي وقوعه في حيز النفي خصوصاً، والنفي منصب على القيد، وقد صرّحوا بأنّ اعتماده على معنى النفي مطلقاً صريحا كان أو مؤوّلاً، ولم يتعرّضوا هنا للاعتماد لظهوره، وهذا مما يتعجب منه فلا تكن من الغافلين. قوله: (وفائدته استنكار تعرّض من هذا شأنه) أي مطلقاً أو من المسلمين، والمانع له أنه طالب فضل الله، ورضوانه، وقوله: وقيل الخ. فيكون على هذا مخصوصا بالكفرة فالفضل التجارة، والرضوان بزعمهم ولو أبقى الفضل على ظاهره لأنه بزعمهم ضح لكنه لما أمكن حمله على ما هو في نفس الأمر كان حمله عليه أولى، وأورد على هذا التوجيه السابق أنه إذا كان آمّين البيت الحرام المسلمين فالتعرّض لهم حرام مطلقاً سواء كانوا آمّين أو لا فلا وجه لتخصيصهم بالنهي عن الإحلال، وفي المصباح ما تعرّضت له بسوء، وعرضت له بمعنى، وقيل ما صرت له عرضة بالوقيعة فيه، ولا تعرض له بسوء أي لا تعترض له فتمنعه باعتراضك أن يبلغ مراده بمعنى التعرّض للشيء أعم من أخذه، وقتله، وطرده فالإحلال بمعنى جعله حلالاً أو اعتقاد حله كناية أو مجاز عن التعرّض! له لأنّ المؤمن لا يتعرّض لما لا يحل له فلذا فسروه به هنا، وقول الزمخشري السباق قوم هذه صفتهم إشارة إلى أنّ التعليق بالمشتق يفيد علية مبدأ الاشتقاق فالظاهر أنّ العلامة، ومن تبعه أشاروا لهذا لا كما فهمه الفاضل المحقق فافهم. قوله: (إذ روي الخ) حطيم بن ضبيعة أتى من اليمامة إلى المدينة، ولم يسلم بعد عرض الإسلام عليه فلما خرح مرّ بسرح المدينة أي الإبل المسرحة للرعي فاستاقها، وتبعوه فلم يدركوه فلما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام قضاء العمرة التي أحصر عنها سمع تلبية حجاح اليمامة فقال هذا الحطيم، وأصحابه فدونكموه، وكان قد قلد ما نهب من السرح، وجعله هديا فلما توجهوا لذلك نزلت هذه الآية وهذا الحديث أخرجه ابن جرير عن عكرمة وسمي الرجل الحطيم بن هند البكري فليحرّر. قوله: (وعلى هذا فالآية منسوخة الخ) إن كان هذا مخصوصاً بالمشركين والمنع عن قتالهم، ودخولهم المسجد الحرام فإنهما نسخا فماذا كان للمسلمين، والمشركين، وخصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ فالنسخ في حق المشركين خاصة، وهو في الحقيقة تخصيص لكن لما كان المخصص متراخياً لا مقارنا سمي ناسخاً كما هو مذهب الحنفية فينبغي أن يحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل لأنه شافعي لا يسمى مثله نسخاً فتدبر. قوله: (وقرئ تبتغون على خطاب المؤمنين) هذه قراءة حميد بن قيس الأعرج في الشواذ قيل، وهي قلقة لقوله من ربهم، ولو أريد خطاب المؤمنين لكان المناسب من ربكم، وربهم وقيل ترك التعبير بما ذكر للتخويف بأنه ربهم يحميهم، ولا يرضى بما فعلتموه، وفيه بلاغة لا تخفى، واشارة إلى ما مرّ من أنه الله رب العالمين لا المسلمين فقط فافهم. قوله: (إذن في الاصطياد بعد زوال الإحرام ولا يلزم من إرادة الإباحة الخ) قال الزجاح، ومثله لا تدخلن هذه الدار حتى تؤذي ثمنها فإذا أذيت ثمنها فأدخلها أي إذا أذيت أبيح لك دخولها، وهذه مسألة أصولية فقيل الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة واستدلّ بهذه الآية والمصنف رحمه الله تعالى لا يراه فلذا قال إنّ الأمر هنا للتوسعة، ورفع المنع، والصيد ليس مأموراً به فلا وجه للإيجاب فيه، ولا تكون الآية دليلاً على ما ذكر فإن كان ما يقتضي الإيجاب أو الاستحباب عمل به، ومن قال حقيقته الإيجاب قال إنه مبالغة في صحة المباح حتى كأنه واجب، وقيل إنّ الأمر في مثله لوجوب اعتقاد الحل، وفيه نظر، وتحقيقه في أصول الفقه. قوله: (وقدئ بكسر الفاء الخ) هذه قراءة شاذة منسوبة للحسن، وضعيفة من جهة العربية لأنّ النقل إلى المتحرّك مخالف للقياس وقيل إنه لم يقرأ بكسرة محضة بل أمال لإمالة الطاء، وأن كانت من اهـ عستعلية، وقرئ أحللتم بالهمزة لأنه يقال حل من إحرامه، وأحل بمعنى فقوله: وأحللتم معطوف على بكسر الفاء أي، وقرئ أحللتم. قوله: (لا يحملنكم أو لا يكسبنكم (يعني أن معنى جرم حمل كما نقل عن ثعلب، والكسائي يقال جرمه على كذا أي حمله عليه فعلى هذا يتعذى لواحد بنفسه، وهو الضمير هنا، إلى الآخر بعلى، وهو أن تعتدوا فتقديره على أن تعتدوا، ومحله بعد حذف الجار إما جر أو نصف على المذهبين أي لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء عليهم، وقال أبو عبيد والفراء: معناه كسب يقال جرم وأجرم بمعنى كسب، ومنه الجريمة وكسب يتعدى لواحد أيضاً، وقد يتعدّى لاثنين فكذا جرم يقال ك! سب ذنبا، وأكسبه ذنباً فعلى هذا أن تعتدوا مفعول ثان له، وأصل مادّته موضوعة لمعنى القطع لأنّ الكاسب ينقطع لكسبه، ومنه لا جرم وسيأتي تحقيقه. قوله: (شدّة بغضهم وعداوتهم الخ) الشنآن البغض أو شدته، وسمع في نونه الفتح والتسكين، وفيهما احتمالان أن يكونا مصدرين شذوذا لأن فعلانا بالفتح مصدر ما يدل على الحركة كجولان، ولا يكون لفعل متعذ كما قاله سيبويه: وهذا متعد لأنه يقال شنأته، ولا دلالة له على الحركة، وقيل: إنّ في الغضب غليان القلب، واضطرابه فلذا ورد مصدره كذلك، وفعلان بالسكون في المصادر تليل نحو لويته ليانا بمعنى مطلته أو صفة لأنّ فعلان بالسكون في الصفات كثير كسكران، وبالفتح ورد فيها قليلاَ كحمار قطوان وتي! عدوان فإن كان مصدراً فإضافته إما على الفاعل أو المفعول أي أن يبغضكم قوم أو تبغضوهم، وجوّز المصنف رحمه الله تعالى الوصفية في السكران دون الفتح لندوره فيه كما أشار إليه وإذا كان وصفا فهو بمعنى بغيض أي مبغض بالكسر اسم فاعل كقدير بمعنى قادر واضافته بيانية أي البغيض من بينهم، وليس مضافا إلى فاعله أو مفعوله كالمصدر. قوله: (لأن صدوركم الخ) هذا على قراءة الفتح بتقدير اللام على أنه علة للشنان، وعلى قراءة الكسر إن شرطية، وما قبله دليل الجواب أو الجواب أو الجواب على القول بجواز تقدمه، والصحيح الأوّل، وأورد على قراءة الكسر أنه إن كان الصد المذكور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ما وقع عام الحديبية فهو محقق متقدّم فكيف يقال إن صدّوكم، وهو يقتضي استقباله، وعدم تحققه وإن أريد ما بعد الفتح فلم يقع صد بعده فذهب قوم إلى أنّ الآية لم تنزل بعد الحديبية فإنه غير متفق عليه ولئن سلم فهو للتوبيخ على الصذ الواقع يوم الحديبية، والدلالة على أنه كان ينبغي أن لا يكون وقوعه إلا على سبيل الفرض، والتقدير لقو! هـ تعالى: {إن كنتأ قوماً مسرفين} وجوّز أن يكون بتقديران كانوا قد صدوكم وقوله، ومن قرأ يجرمنكم الخ. وقع في نسخة مقدماً والصحيح هذه، وما ذكره نظرأ إلى أنّ الأصل أن تكون الهمزة للتعدية، والا فيجوز أن يكون من جرمته ذنبا للمبالغة، ولم يجعل جرمت، وأجرمت من المتعدي إلى واحد، وأن تعتدوا على حذف الجار لأنه الواقع موقع المفعول الذي يكون بلا واسطة البتة. قوله: (على العفو والإغضاء الخ (الإغضاء عدم النظر إلى ما يكره، وفسر البرّ، والتقوى بهذا ليقابله بقوله، ولا تعاونوا الخ فإنه يدل على ذلك أو هو عام فالمراد بالبر متابعة الأمر مطلقا، وبالتقوى اجتناب الهوى، ولو عطف الثاني بأو لكان أظهر قال الطيبي، والثاني أظهر، وأولى لتصير الآية من جوامع الكلم، ويكون تذييلاً للكلام فيدخل في البر، والتقوى جميع مناسك الحج قال تعالى: {فإنها من تقوى القلوب} ، والعفو والإغضاء أيضا، وفي النهي عن الإثم والعدوان عدم التعرّض لقاصدي البيت الحرام دخولاً أوّلياً وعلى الوجه الأوّل يكون عطفا على، ولا يجرمنكم من حيث المعنى لأنه من باب لا أرينك ههنا كأنه قيل لا تعتدوا على قاصدي المسجد الحرام لأجل أن صدكم قريش عن البيت الحرام، وتعاونوا على العفو والإغضاء، ومن ثمّ قيل الوقف على أن تعتدوا لازم لأن الاعتداء منهيّ عنه، والتعاون على البرّ، والتقوى مأمور به، والتشفي طلب شفاء الصدر بالانتقام. قوله: (ما فارقه الروح من غير تذكية الخ) والمراد حتف أنفه من غير سبب خارج عنه، والدم المسفوح الذي أسالوه، وأخرجوه بآلة والأمعاء جمع معى، وهي المصارين والإهلال رفع الصوت، والمراد به هنا ذكر ما يدّبح له، وقوله: {من وقذته} إذا ضربته أصله أن تضربه حتى يسترخي، ومنه وقذه النعاس أي غلب عليه، وإنما قال في تاء النطيحة أنها للنقل لأنها المنطوح مطلقا مذكراً كان أو مؤنثا ولأن فعيلاً بمعنى مفعول لا تدخله التاء، وفسر ما أكل السبع بما أكل منه أي أكل بعضه لأن ما أكل كله لا يتعلق به حكم، ولا يصح أن يستثنى منه ما أدركه وذكى. قوله: (وهو يدل على أن جوارح الصيد الخ) جوارج الصيد أعم من كلابه، وطيوره كالبازي، وهي في حكم السباع والحياة المستقرّة هي التي لا تكون على شرف الزوال قيل، وعلامتها أن تضطرب بعد الذبح لا وقت الذبح فإنه لا يحسب، وقوله: (من ذلك) أي ما ذكر قبله من المنخنقة إلى هنا إذ لا يحتمل رجوعه إلى ما قبله، وعلى هذا لا تقيد المذكورات بقوله فماتت، والا لم يصح الاستثناء منها، وقوله: (في الشرع لقطع الحلقوم) أي موضوعة له، وفي نسخة بقطع الحلقوم بالباء متعلق بالذكاة، والمريء مجرى الطعام، وتفصيل التذكية في الفقه. قوله: (النصب واحد الأنصاب) معطوف على الميتة، واختلف فيها فقيل هي حجارة كانوا يذبحون عليها فعلى على أصلها، ولعل ذبحهم عليها كان علامة على كونها لغير إدلّه، وقيل هي الأصنام لأنها نصبت لتعبد. وعلى على أصلها أو بمعنى اللام، والنصب بضمتين جمع نصاب، وقيل هو مفرد وقرئ بضم النون وتسكين الصاد تخفيفأ، وقرى بفتحتين وفتح فسكون. قوله: (الاستقسام بالأزلام الخ) جمع زلم وهو القدح المضروب به لطلب ما قدر وقسم له، ولذلك سمي استقساماً، وقد بينه المصنف والغفل بضم الغين المعجمة، وسكون الفاء الذي لا سمت عليه لأنه أغفلت علامته، والمراد هنا أنه لم يكتب عليه قيل هذا من جملة الفأل، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحب الفأل فلم صار فسقا، وحراما وأجيب بأنه كان استشارة مع الأصنام واستعانة منهم فلهذا صار حراما وأما أنه دخول في علم الغيب فلا نسلم أنّ الدخول في علم الغيب حرام، ومعنى استئثار الله بعلم الغيب أنه لا يعلم إلا منه، ولهذا صار استعلام الخير، والشرّ من المنجمين، والكهنة ممنوعا حراما بخلاف الاستخارة من القرآن فإنه استعلام من الله تعالى، ومن ينظر في ترتيب المقدمات أو يرتاض فهو لا يطلب إلا علم الغيب منه فلو كان طلب علم الغيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 حراما لا نسد طريق الفكر والرياضة ولا قائل به، وقال الإمام رحمه الله تعالى لو لم يجز طلب علم الغيب لزم أن يكون علم التعبير كفراً لأنه طلب للغيب، وأن يكون أصحاب الكرامات المدعون للإلهامات كفاراً، ومعلوم أنّ كل ذلك باطل، وفيه أنّ ما ذكره من الاستخارة بالقرآن، وتبعه النحرير فقال إنهم أطبقوا عليه محل نظر فإنه لم ينقل فعله عن السلف، وقد قيل إن الإمام مالكا كرهه، ولم أر فيه نقلاً إلا أنه قال في فتاوى الصوفية نقلاً عن الزندوستي أنه لا بأس به، وأنه فعله معاذ، وعليّ رضي الله تعالى عنهما وروي عن عليّ كرم الله وجهه أنه قال: من أراد أن يتفاءل بكتاب الله فليقرأ قل هو الله أحد سبع مرّات وليقل ثلاث مرّات اللهم بكتابك تفاءلت، وعليك توكلت اللهم أرني في كتابك ما هو المكتوم من سرّك المكنون في غيبك ثم يتفاءل بأوّل الصحيفة اهـ، وفي النفس منه شيء. وفي كتاب الأحكام للجصاص أنّ الآية تدلّ على بطلان القرعة في عتق العبيد لأنها في معنى ذلك بعينه إذ كان فيه إثبات ما أخرجته القرعة من غير استحقاق لأن من أعتق أحد عبيده عند موته، ولم يخرجوا من الثلث، وقد علمنا أنهم متساوون في استحقاق الحرّية ففي استعمال القرعة إثبات حرّية غير مستحقة، وحرمانها من هو مساو له فيها كما يفعله صاحب الأزلام فإن قيل قد جاءت القرعة في قسمة الغنائم، وغيرها وفي إخراج النساء قيل له إنما القرعة فيها التطييب نفوسهم، والبراءة من التهمة في إيثار البعض، ولو اصطلحوا على ذلك جاز من غير قرعة وأما الحرّية الواقعة على واحد منهم فغير جائز نقلها عنه إلى غيره، وفي استعمال القرعة نقل للحرّية عمن وقعت عليه، واخراجه منها مع مساواة غيره فيها اهـ. (أقول) هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه، والشافعيّ خالفهم فيه وروي فيه أحاديث صحيحة، وله فيه تصنيف مستقل قرأناه رواية عن مثايخنا، ويؤيده وقوعها في القرآن من غير دليل ناسخ وأما القرعة في غير العتق فمتفق عليها. قوله: (وقيل هو استقسام الجزور الخ) هذا هو الميسر، وسيأتي بيانه، ورجح هذا بعض المفسرين، ولأنه يناسب ذكره مع محرمات الطعام فمعناه طلب قسم من الجزور أو ما قسمه الله له، وقوله: لأنه دخول في علم الغيب مرّ ما فيه، وقوله: أو إلى تناول ما حرّم أي إشارة إلى تناول المحرمات من المآكل المعلوم من سياق ما قبله فرجع إلى جميع ما قبله، وشمل الاستقسام. قوله: (أراد به الحاضر وما يتصل به من الآرّمنة الآتية) وأسقط قوله في الكشاف الماضية إذ لا معنى له هنا، وهو منصوب على الظرفية بيئس، وليست اللام فيه للعهد كما يقال: كنت بالأمس شابا، وأنت اليوم أشيب أو هي للعهد، المراد يوم نزول الآية الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى ورواه الشيخان عن عمر رضي الله تعالى عنه، واليأس عدم الرجاء، وأشار إلى تقدير مضاف فيه لأنّ اليأص ليس من نفس الدين بل من إبطاله أو غلبته بأن يغلبوكم عليه، وقوله: أن يظهروا عليكم راجع إلى الوجهين، وان كان على الثاني أظهر، وقوله: فلا تخشوهم متفرّع على اليأس، وإظهار الخشية فيه يفهم من نهيهم عن خثية غيره. قوله: (بالنصر والإطهار على الأديان كلها الخ (لأنهم بالنصر، والقوّة يجرون أحكام الدين من غير مانع، وبه تمامه أو المراد إتمام الدين في نفسه لبيان ما يلزم بيانه، ويستنبط منه غيره، وهذا رد على من قال إنّ الآية تبطل القياس، وإليه أشار بقوله، وقوانين الاجتهاد. قوله: (بالهداية والتوفيق الخ) أي بإتمام الهداية، والتوفيق بإتمام سببهما، والا فهما حاصلان قبل ذلك ومنار الجاهلية استعارة لأمورها من مناسكهم، وغيرها. قوله: (اخترته لكم الخ) يعني أنه نظر فيه إلى معنى الاختيار، ولذا عدى باللام، ومنهم من جعله صفة لدين قدم عليه فانتصب حالاً، والإسلام وديناً مفعولاً رضيت إن ضمن معنى صير أو دينا منصوب على الحالية من الإسلام أو تمييز من لكم فإن قيل ما وجه تقييد رضا الإسلام بقوله اليوم لأنه معطوف على أكملت، وهو مرضيّ قبل ذلك وبعد. قيل المراد برضاه حكمه باختياره حكما أبديا لا ينسخ، وهو كان في ذلك اليوم وقوله: {وهو الدين عند الله لا غير} جملة حالية مقيدة للدلالة على ما ذكر فافهم. قوله: (متصل بذكر المحرّمات الخ) الاضطرار الوقوع في الضرورة، وقوله: وحرمتها من جملة الدين الخ إشارة إلى أنّ الاعتراض بذكر أمر الدين يؤكد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 حرمتها لأنها من جملته، والمخمصة المجاعة أي الجوع سمي بها لأنه يخمص له البطون أي تضمر والجنف معناه الميل كما مرّ والمراد بميله للإثم تجاوز محل الضرورة، والرخصة بالزيادة أو قصد أمر غير دفعها، وظاهره أنّ معنى قوله غير باغ، ولا عاد ذلك، وقد فسر الباغي في سورة البقرة بالمستأثر على غيره فكأنه أشار هنا إلى تفسير آخر له وقوله: {لا يؤاخذ بكله} أوّله به ليصح جعله جوابا لمن الشرطية مترتبا عليه، واشارة إلى أنه أقيم فيه سبب الجزاء مقامه لا أنه مقدر في الكلام، وإن كان لا مانع منه. قوله: (لما تضمن السؤال معنى القول الخ) يعني أنّ السؤال ليس مما يعمل في الجمل، ويتعدى بحرف الجرّ يقال سأل عن كذا فقيل إنه بتقدير مضاف أي جواب ماذا، واختار المصنف رحمه الله أنه ضمن معنى القول فحكيت به الجملة كما يحكي بالقول، وهو معلق لأنه وان لم يكن من أفعال القلوب لكنه طريق العلم فعلق كما يعلق، وقال لهم دون لنا الذي وقع في سؤالهم فمقتضى الحكاية ذلك حكاية بالمعنى لمناسبة غيبة يسألونك كما تقول أقسم زيد ليضربن ولو قلت لأضربن جاز وقوله والمسؤول الخ أي ليس عن مطلق ما أحل بل عن المطاعم لأنّ الكلام فيها، وقوله: ساً لوا عما أحل لهم أي هل هو جميع ما عدا المذكور أم فيه تفصيل فأجيبوا بأن له تفصيلا. قوله: (ما لم تستخبثه الطباع السليمة الخ) فالمراد بالطيب ما لم يستخبث لقوله، وبحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، والمراد بمستخبثات العرب ما كانوا يأكلونه من الحشرات، وقوله: أو ما لا يدل الخ تفسير آخر للطيب، وهو بمعنى الحلال لأنّ الطيب يكون بمعنى الحلال، والحل إما بنص! أو قياس، ويدخل فيه الإجماع، ولا بد من استناده لنص، وإن لم نقف عليه، وقال السليمة لأنّ الطباع جمع طبع، وهو ما طبع عليه الإنسان كما ذكره الأزهري فلا عبرة بمن أنكر كونه جمعا، وقال إنه واحد مذكر، ومن أنثه ذهب إلى الطبيعة، وقال ابن السيد: يجوز أن يكون جمع طبع ككلب وكلاب اهـ، وكأنه لم يقف على ما قاله الأزهري. قوله: (عطف على الطيبات إن جعل ما موصولة الخ) يصح على هذا أيضاً كونها مبتدأ، وجملة فكلوا خبره لكنه خلاف الظاهر. قوله: (وصيد ما علمتم الخ) أي مصيده لأنه الذي أحل فعطفه على الطيبات من عطف الخاص على العام وعلى تقدير الشرطية لا يكون عطفاً على الطيبات بل مبتدأ خبره الشرط، والجزاء على المختار، والجملة عطف على جملة أحل لكم، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف، ونقل عن الزمخشري أنه قال بالتقدير فيه وقال تقدير. لا يبطل كون ما شرطية لأن المضاف إلى اسم الشرط في حكم المضاف إليه كما تقول غلام من يضرب أضمرب كما تقول من يضرب أضرب كذا قال النحرير، والظاهر أنه لا حاجة إلى جعل الصيد بمعنى المصيد لاًن الحل والحرمة يتعلقان بالفعل، وأنه لا حاجة إلى تقدير المضاف على جعلها شرطية كما أشار إليه المصنف رحمه الله بترك التقدير فيه لأنه على ذلك التقدير يصير الخبر خاليا عن ضمير المبتدأ إلا أن يتكلف بجعل ما أمسكن من وضع الظاهر موضع المضمر فليتأمل وقوله: (والجوارح كواسب الخ) من قولهم جرح فلان أهله خيرا إذا أكسبهم، وفلان جارحة أهله أي كاسبهم. قوله: (معلمين! ياة الصيد الخ) مؤدب الجوارج شامل للكلاب، وخص به الاشتقاق لأنه أكثر فيه، وقوله: ومضريها أصل معنى التضرية الإغراء، والحث وقد ضري بالصيد وأضراه عليه مرنه عليه ثم قيل لكل من اعتاد شيئا وقوله لأن كل سبع يسمى كلبا في شموله للطير نظر، ولا دلالة في تسميته الأسد كلباً عليه، وقوله من الكلب بسكون اللام أصالة أو مخففة كلب بفتحتين، وفيه على هذا استخدام في قوله فيه. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: " اللهتم سلط عليه كلبا من كلابك ") قال في الكشاف فأكله الأسد وسيأتي هذا في سورة النجم قاله صلى الله عليه وسلم في حق عتبة بن أبي لهب أو لهب بن أبي لهب وقد أذاه وسبه قال الطيبي رحمه الله: هذا حديث موضوع، وليس كما قال بل هو حديث صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي نوفل [بن أبي عقرب عن أبيه] قال كان لهب بن أبي لهب يسب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم اللهمّ سلط عليه كلبأ من كلابك أو كلبك فخرج في قافلة يريد الشام فنزلوا منزلاً فيه سباع فقال إني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعلوا متاعه حوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وقعدوا يحرسونه فجاء أسد فانتزعه وذهب به قال الحاكم، وهو صحيح الإسناد، وقوله: وانتصابه أي مكلبين، وقوله: وفائدتها المبالغة الخ. إشارة إلى أنها حال مؤكدة لعاملها، وهو علمتم. قوله: (حال ثانية (مؤكدة أيضاً أو استئنافية إن لم تكن ما شرطية والا فهي معترضة. توله:) من الحيل وطرق التأديب الخ) أي المراد بما علمهم الله ما ذكر وهو أعمّ من الوجه الثاني ولذا قدّمه لأنه أعمّ فائدة إذ التأديب شامل لما في إرساله وما معه، وقيل الأوّل يتعلق بكيفية التعليم، والحيل، وهي من الله أي بإلهام منه أو بالعقل الذي خلقه فيهم، والثاني بما في الاصطياد من الجزئيات التي يحل بها الصيد، وذلك بالشرع الذي علمه الله فعلى الأوّل الحال الثاني أعني تعلمونهن بمنزلة التفسير، والتفصيل للحال الأولى أي مكلبين وعلى الثاني قيد زائد، وقوله: بدعائه أي بنداء الصائد للكلب ونحوه. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام الخ) رواه أصحاب السنن، وأوّله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب المعلم فقال إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك فإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه قال أبو حنيفة، وأصحابه إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم لا يؤكل صيده، ويؤكل صيد البازي ونحوه، وان أكل وعليه إمام الحرمين من الشافعية، وقال مالك والليث يؤكل، وان أكل الكلب منه، وقال الشافعي رحمه الله: لا يؤكل إذا أكلا منه، والى المذاهب أشار المصنف رحمه الله، وقوله في الحديث: (إنما أمسك الخ) علة للنهي، وقوله: (والضمير لما علمتم الخ) هذا هو الأصح كما صرح به الحديث السابق، وقيل هو للأكل، وهو بعيد، وقوله: فيؤاخذكم الخ إشارة إلى أنّ سرعة الحساب مجاز عن المؤاخذة على جميع الأفعال حقيرها، وجليلها لأنّ من سرع عليه الحساب، وسهل يحاسب على كل شيء ومن صعب عليه قد يحاسب على ما يهمه، ويترك غيره. قوله: (يتناول الذبائح وغيرها ويعم الخ) في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المراد بها الذبائح لأنّ غيرها لم يختلف في حله، وقوله والنصارى قيل فيه شيء فإنّ النصارى مثلثة، وأخرج عبد الرزاق عن النخعي عن عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه أنه كان يكره ذبائح بني تغلب ونسائهم، وبقول هم من العرب، ورواه الشافعي عنه بإسناد صحيح، ولم يلحق بهم المجوس لأنهم ليسوا بأهل كتاب. قوله: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب الخ) قال ابن حجر رحمه الله لم أجده بهذا اللفظ، وقد رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال ما أدري ما أصنع في أمر المجوس فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أشهد لسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " قال مالك رحمه الله يعني في الجزية، وعلم من تخصيص مالك الجزية أنه لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم ورواه البيهقي عن الحسن بمعنى ما ذكره المصنف، وعبد الرزاق، وقال إجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده فلا وجه لما قاله ابن حجر واعادة أحل لكم الطيبات للتأكيد، والتوطئة لما بعده وذكر اليوم لما مرّ. قوله: ( {وطعامكم حل لهم} الخ) فلا عليكم أصله لا بأس عليكم فحذف اسم لا، وهو مسموع من العرب كما ذكره النحاة، وفي الانتصاف لما كان الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة أولوا الآية بصرف الخطاب إلى المؤمنين أي لا جناج عليكم أيها المسلمون أن تطعموا أهل الكتاب وفي أمالي الإمام السهيلي رحمه الله تعالى قيل ما الحكمة في هذه الجملة، وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا فعنه جوابان أحدهما أنّ المعنى انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم فإن أطعموكموه فكلوه، ولا تنظروا إلى ما كان محرّماً عليهم فإنّ لحوم الإبل، ونحوها كانت محرّمة عليهم ثم نسخ ذلك في شرعنا، والآية بيان لنا لا لهم أي اعلموا أنّ ما كان محرّما عليهم مما هو حلال لكم قد أحل لهم أيضا، ولذلك لو أي أطعمونا خنزيراً أو نحوه وقالوا هو حلال في شريعتنا، وقد أباح الله لكم طعامنا كذبناهم، وقلنا إنّ الطعام الذي يحل لكم هو الذي يحل لنا لا غيره فالمعنى طعامهم حل لكم إذا كان الطعام الذي أحللته لكم، وهذا التفسير معنى قول السدي وغيره الثاني للنحاس، والزجاج والنقاش، وكثير من المتأخرين أنّ المعنى جائز لكم أن تطعموهم من طعامكم لا أن يبين لهم ما يحل لهم في دينهم لأنّ دينهم باطل لأنه لم يقل، واطعامكم بل طعامكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 والطعام المأكول، وأمّا الفعل فهو الإطعام فإن زعموا أنّ الطعام يقوم مقام الإطعام توسعاً قلنا بقي اعتراض آخر، وهو الفصل بين المصدر وصلتة بخبر المبتدأ، وهو ممتنع بالإجماع لا يجيزون إطعام زيد حسن للمساكين، ولا ضربك شديد زيداً فكيف جاز وطعامكم حل لهم اهـ، وقوله وتبيعوه منهم يفيد أنه يجوز البيع لهم مطلقا، ولو كانوا من دار الحرب، وبه صرح الفقهاء لكن قالوا الأولى أن لا يباع لهم بخلاف السلاح، وما يعين على الحرب، وبعضهم يخطئ في الأوّل فاعرفه. قوله: ( {والمحصنات} الخ) جعله بعثا على جواز الأولى بناء على نكاح الأمة الكافرة، وأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب ففسره ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بمن أسلم منهن، وقالوا إنه يأباه النظم ولم يرضوه، وهو بظاهره يتناول الحربيات وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يجوز نكاج الحربيات، وخص الآية بالذميات، واحتج له بقوله: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يواذون ما حاذ الله ورسوله} [سورة المجادلة، الآية: 22] والنكاج مقتض للمودة لقوله تعالى: {خليئ لكم من أنفسكم أرّواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة} [سورة الروم، الآية: 21] قال الجصاص، وهذا عندنا إنما يدلّ على الكراهة، وأصحابنا يكرهون مناكحة أهل الحرب. قوله: (وتقييد الحل بإيتائها) أي الأجور، والمهور لا يجب تعجيلها فهذا القيد لا مفهوم له لأنه لتأكيد الوجوب لا للاحتراز أو المراد بالإيتاء التعهد والالتزام مجازاً، وهذا أقرب وإن كان المآل واحداً، وحمل المسافحة على إظهار الزنا لظهور مقابله في الإسرار لتبادره من الخدن وهو الصديى، وقيل الأوّل نهى عن الزنا، والثاني نهى عن مخالطتهن. قوله: (يريد بالإيمان شرائع الإسلام) على أنه مصدر أربد به المؤمن به كدرهم ضرب الأمير لأنّ الإيمان نفسه لا يكفر به، والكفر الإباء عنه، وجحوده والآية تذييل لقوله: {اليوم أحل لكم الطيبات} تعظيما لشأن ما أحله الله وما حرّمه، وتغليظا على من خالف ذلك فيقتضي أن يراد بالإيمان أمور الدين. قوله: (أي إذا أردتم القيام الخ الما كان النظم إذا حمل على ظاهره يقتضي تأخير الوضوء عن الصلاة أو كونها قبلها أو متصلا بها بعد القيام، وكله غير مراد أوّلوه بتأويلين أن يكون القيام إلى الصلاة بمعنى إرادته فعبر عن السبب بالمسبب أو قصدها فعبر عن أحد لازمي الشيء يلازمه الآخر لا أنه من إطلاق اسم الملزوم على لازمه، والمسبب على سببه بناء على أن إرادة الشيء لازم، وسبب على أنه لو سلم فيكفي في تغاير الوجهين اعتبار العلاقتين، واختار الأوّل لما في الثاني من التكلف كذا قيل، وهو رذ لكلام العلامة حيث قال المراد بالقيام إلى الصلاة قصدها وعلى الأوّل قصد القيام إلى الصلاة والمصنف رحمه الله تعالى جعل الأوّل من باب إطلاق المسبب على السبب، والثاني من إطلاق الملزوم على اللازم، وقصد الشيء كما أنه لازم للقيام إليه سبب له فلا فرق في ذلك بينهما، وهذا إشارة إلى سؤال على الزمخشري، وهو وارد على المصنف أيضا، وهو أنه لا فرق بين الوجهين معنى إذ القصد، والإرادة متقاربان، والعلاقة وإن اعتبر فيها التغاير كما ذكروا يجوز فيها الاتحاد فترجيح أحد الوجهين، وجعله غير الآخر ليس تحته كبير معنى والنحرير حاول الجواب عنه، ولا طائل تحته، وقيل في الفرق بينهما أن الأوّل هو القصد إلى الانتصاب إلى الصلاة والثاني القصد إلى الصلاة ولا نظر إلى الانتصاب وبعد كل كلام لم يتضح كل الاتضاح. قوله: (والتنبيه على أن من أراد العبادة الخ) وجهه يؤخذ من التعليق على الإرادة فإن جوابها مقارن أو متصل، وما ذكره في الوجه الثاني من أن التوجه الخ. قيل عليه أنه يكفي في التعبير عن القصد بالقيام أنّ القيام يستلزم القصد، ولا دخل لكون التوجه مستلزماً له في التعبير بالقيام عن القصد إلا أن يقال أراد تأكيد استلزام القيام للقصد بأنّ القيام لا ينفك عن التوجه المستلزم للقصد وفيه تأقل. قوله: (وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم الخ (نظرا إلى عموم الذين آمنوا من غير اختصاص بالمحدثين، وان لم يكن في الكلام دلالة على تكرار الفعل لأنها لا تقتضيه على الصحيح، وإنما ذلك من خارج لكن الإجماع صرفها عن ظاهرها فإما أن تكون مقيدة أي، وأنتم محدثون بقرينة دلالة الحال، ولأنه اشترط الحدث في البدل، وهو التيمم فلو لم يكن له مدخل في الوضوء مع المدخلية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 في التيمم لم يكن البدل بدلاً، وقوله فلم تجدوا ماء صريح في البدلية، وأما ما قيل إنه اشترط الحدث في البدل فيدل على هذا فغير ظاهر فإنه للضرورة، ولا ضرورة بدون الحدث وفقد الماء، وقيل إنه لا دلالة في الكلام على عموم الأحوال فيخص بالبعض أو أنه لا دلالة له على تخصيص الأفراد، ويجب على كل مؤمن الوضوء عند القيام، ولو مرّة وأوود عليه أنه لولا دلالة العبارة على عموم الأحوال لم يرد الإشكال، وفيه نظر وقيل الأمر للندب، ويعلم الوجوب للمحدث من السنة، وهو بعيد لإجماعهم على أنّ وجوب الوضوء مستفاد من هذ 0 الآية مع الاحتياج إلى التخصيص بغير المحدثين من غير دليل مع أنه لا ندب بالنسبة إلى المحدثين وأبعد منه أنه ندب بالنسبة إلى البعض ووجوب بالنسبة لآخرين وكون النبي غترو الخمس بوضوء وأحد أخرجه مسلم وغيره، وقوله عمدا فعلته أي بياناً للجواز، ويعلم منه أن تجديد الوضوء سنة، وقيل في الكلام شرط مقدر أي إذا قمتم إلى الصلاة الخ. إن كنتم محدثين وان كنتم جنبا، وهو قريب جدّاً. قوله: (وقيل كان ذلك أوّل الآمر ثم نسخ الخ) فيه أنّ أحمد وأبا داود وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، والبيهقي رووا عن عبد الذ بن الغسيل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث وحديث المائدة لا يعارضه لأنّ العراقي قال لم أجده مرفوعاً، وقد مرّ أنّ آخر ما نزل براءة. قوله: (ولا حاجة إلى الدلك الخ) الدلك عند الحنفية من الآداب، والواجب عند مالك رحمه الله تعالى لدّاته، وقيل لتحقق وصول الماء فلو تحقق لم يجب كما قاله ابن الحاج في شرح المنية. قوله: (الجمهور على دخول المرفقين الخ) وخالف في ذلك بعضهم كزفر، وأما أنها إذا كانت بمعنى مع أو متعلقة بمحذوف لم يبق معنى التحديد، ولم يبق لذكره مزيد فائدة لاشتمال اليد عليها فذكرها زائد ففيه نظر لأنه يدل على دخول المرافق صريحأ لأنّ اليد وان كانت إلى المنكب فليس ذلك مرادا هنا بل المراد بعضها لخروج ما فوق المرفق، وادخاله، ويعلم منه التحديد أيضاً، وما جنح إليه المصنف رحمه الله تعالى أنّ التنصيص على الشيء لا يقتضي عدم غيره فتأمل. قوله: (وقيل إلى تفيد الغاية مطلقا الخ) اختلف أهل النحو والأصول في هذه المسائل فمن قائل بالدخول مطلقا، ومن قائل بالخروج مطلقاً، ومفصل بين أنّ صدر الكلام إن لم يتناول الغاية فذكرها لمد الحكم إليها فلا يدخل مثل أتموا الصيام إلى الليل، وان تناولها كما هنا فذكرها لإسقاط ما وراءها فيبقى داخلا تحت الحكم، وهذأ أيضاً ليس على إطلاقه إذ يدخل في مثل قرأت القرآن الخ بخلاف قرأته إلى سورة كذأ، والغاية ما ينتهي به الشيء فتطلق على الجزء الأخير وما يلاتيه، والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء على الأفصح معروف. قوله: (الباء مزيدة وقيل للتبيعض الخ الما كان المسح متعدّيا بنفسه جعلها زائدة، ولظهوره قدمه أو هي دخلت في المفعول لتضمين معنى الإلصاق وهو شامل لمسح البعض والكل، ولا دلالة على أحدهما فحمل على التبعيض لتيقنه، وقيل إنّ الباء تفيد التبعيض سواء دخلت في الآلة نحو مسحت بالمنديل أو المحل نحو مسحت برأس اليتيم، ونقل عن أبي عليئ، وبه أخذ أبو حنيفة لكن ذهب إلى أنّ الأقل ليس بمراد لحصوله في ضمن غسل الوجه مع عدم تأدي الفرض به بالاتفاق فصار مجملاً بين بمسح النبي صلى الله عليه وسلم على الناصية فقدر بمقدارها، وهو الربع ومبناه على اشتراط الترتيب، والا فيجوز أن يكون عدم الاعتداد به لذلك. قوله: (نصبه نافع وابن عامر الخ) قرئ أرجلكم بالنصب والجرّ والرفع فالأوّل إما بالعطف على وجوهكم، وقيل على أيديكم بناء على أنّ العطف على الأوّل أو الثاني إذا تعدد المعطوف عليه لكته أورد عليه أنّ فيه الفصل بين المعطوف، والمعطوف عليه بجملة ليست اعتراضية، وقد التزمه أبو البقاء رحمه الله تعالى، وقال إنه لا بأس به، وأما احتمال العطف على محل الجار، والمجرور فبعيد لفظا ومعنى. قوله: (وجرّه الباقون على الجوار الخ) حمل قراءة الجرّ على الجرّ الجواري، وأشار إلى الرذ على من تال إنه شاذ بابه الشعر مع أنه إنما ورد كثيراً في النعت وقليلا في التأكيد لا في العطف، وحرف العطف مانع من الجوار بأنه كثير في كلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 العرب نظما ونثرا، ولا يختص بالنعت، والتأكيد إذ قد ورد في العطف كما أثبته النحاة حتى عقدوا له بابا على حدته لكثرته ولما فيه من المشاكلة، وقد كثر حتى تعدّوا عن اعتباره في الإعراب إلى التثنية والتأنيث، وغير ذلك لكن شرط حسنه عدم الإلباس مع تضمن نكتة، وهو هنا ليس كذلك لأن الغاية دلت على أنه ليس بممسوح إذ المسح لا يغني، والنكتة فيه الإشارة إلى تخفيفه حتى كأنه مسح، ومنهم من حمل النصب على حالة ظهور الرجل، والجرّ على حال استتارها بالخف حملا للقراءتين على الحالتين قيل وفيه نظر لأنّ الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة، ولا حكما لأن الخف اعتبر مانعاً سراية الحدث إلى القدم فهي ظاهرة، وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة، وحكماً، ولأنّ المسح على الخف لا يجب إلى الكعبين اتفاقا كذا قيل- (وفيه بحث الأنه يجوز أن يكون لبيان المحل الذي يجزي عليه المسح لأنه لا يجزي على ساقه ثم إنه نقل هذا عن الكشاف وقد قال النحرير أنه لا دلالة في كلامه عليه. قوله: (وفائدته التنبيه الخ) في نسخة يقصد، وفي أخرى يقتصد، وهما بمعنى أي يخفف، وهذا يستفاد من صورة العطف لا من جعله معطوفا على الممسوح ليفيد ما ذكره كما قيل فإن قيل العطف على الممسوح لا للمسح يكون جمعا بين الحقيقة، والمجاز حيث أريد بالمسح بالنسبة إلى المعطوف عليه حقيقته وبالنسبة إلى المعطوف الغسل الشبيه بالمسح في قلة استعمال الماء قيل إنه إشكال قوي لا محيص عنه سوى الحمل على تقدير إعادة العامل في المعطوف مراداً به المعنى المجازي فتكون الأرجل معطوفة على الرأس في الظاهر، وهو من عطف الجمل في التحقيق أي {وامسحوا بأرجلكم} ولا يخفى أنه لا دلالة في الكلام على التجوّز في المحذوف مع ما في إضمار الجار من الضعف، وقيل إنه من قبيل علفتها تبناً وماء بارداً، وهو من المشاكلة ومن أهل البدع من جوّز المسح على الرجل بدون الخف مستدلاً بظاهر الآية، وللشريف المرتضى كلام في تأييده تركناه لإجماع أهل السنة على خلافه، وتمثيله بعذاب يوم أليم بجر أليم، وهو صفة العذاب لا اليوم، وحور عين في قراءة الجرّ معطوف على ولدان لا على ما قبله مما طافوا به، وتغ في التمثيل بهاتين الآيتين أبا البقاء، وغيره وسيأتي فيهما كلام آخر. قوله: (وفي الفصل الخ (هذا مذهبه، وضمن الإيماء معنى التنبيه، والدلالة فلذا عداه بعلى، والقائل بعدمه لا يسلمه، ويقول بل هو لبيان الأولى، ويكفي مثله نكتة وقراءة الرفع على أنه مبتداً خبره محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: فاغتسدوا أخذه من التطهر الدال على المبالغة في الطهارة. قوله: اليتصل الكلام الخ (قيل، ولئلا يتوهم نسخه لأن هذه السورة من آخر ما نزل. قوله:) أي ما يريد الأمر بالطهارة الخ (يريد أن! فعوله محذوف، واللام للتعليل لا زائدة لأنّ أن المصدرية لا تضمر بعد اللام الزائدة، وقوله: تضييقا مفعول له مبين للمعنى، والحرج الضيق. قوله: (لينظفكم الخ) يعني الطهارة هنا لغوية بمعنى التنظف أو معنوية بمعنى تكفير الذنوب لا بمعنى إزالة النجاسة فإنّ الحدث ليس بنجاسة، وهذا رذ على الحنفية على ما قيل فإنهم يقولون إنّ الحدث نجاسة وليس كذلك لأنه عندهم نجاسة حكمية بمعنى كونه مانعاً من الصلاة لا بمعنى كونه بحيث يتنجس الطعام أو الثوب الرطب بملاقاته أو تفسد الصلاة بحمل محدث أو جنب غسل موضع خروج النجاسة منه، وأثا تنجس الماء عند أبي حنيفة فلانتقال المانعية، والآثام إليه، وقيل معناه تطهير القلب عن دن! التمرد عن طاعة الله تعالى. قوله: (أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء الخ) يقال أعوزني كذا بمعنى أعجزني والعوز بالفتح العدم، والمراد بالتطهير رفع الحدث، والمانع الحكمي، وأمّا ما نقل عن بعض الشافعية كإمام الحرمين من أنّ القول بأنّ التراب مطهر قول ركيك فمراده به منع الطهارة الحسية فلا يرد عليه أنه مخالف للحديث الصحيح: " جعلت لي الأرض! مسجداً وطهورا ". قوله: (لأنّ أن لا تقدر بعد المزبدة) هذا مخالف لكلام النحاة قال الرضي الظاهر أن تقدر أن بعد اللام الزائدة التي بعد فعل الأمر، والإرادة، وكذا في المغني، وغيره فلا سلف له في هذا القول، ووقوع هذه اللام بعد الإرادة، والأمر في القرآن، وكلام العرب شائع مقيس، وهو من مسائل الكتاب تال فيه سألته أي الخليل عن معنى أربد لأن يفعل فقال إنما تريد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 أن تقول إرادتي لهذا كما قال تعالى: {وأمرت لأن كون أوّل المسلمين} [سورة الزمر، الآية: 2 ا] اهـ، واختلف فيه النحاة فقال السيرافي رحمه الله فيه وجهان أحدهما ما اختاره البصريون أنّ مفعوله مقدر أي أريد ما أريد لأن تفعل فاللام تعليلية غير زائدة الثاني أنها زائدة لتأكيد المفعول اهـ، وقال أبو عليّ في التعليقة عن المبرد أنّ الفعل دال على المصدر فهو مقدر أي أردت، وارادتي لكذا فحذف إرادتي، واللام زائدة اهـ وهو تكلف بعيد ففيه ثلاثة مذاهب أقربها الأوّل، وأسهلها الثاني، وهو من بليغ الكلام القديم كقوله: أريد لأنسى ذكره كل ساعة ووجه البلاغة فيه أن الجارّ دال على تعميم المراد، والمأمور به وأن لا يتخلف مراده، وامتثال أمره، وهذا مما يعرفه الذوق السليم، ولك أن تقول إن مراده أنها لا تزاد في غير الأمر، والإرادة. قوله: اليتم بشرعه الخ) يعني أن المراد بالنعمة نعمة الطهارة بقرينة المقام ومطهرة ومكفرة الظاهر فيه الفتح كقولهم الولد مجبنة ومبخلة أي سبب للبخل والجبن ويصح أن يكون على وزن اسم الفاعل مشدداً، والعزائم جمع العزيمة، وهي ضد الرخصة أي المعنى جعل الله نعمة الرخصة تتميماً لنعمة العزيمة. قوله: (والآية مشتملة على سبعة أمور الخ) والأصل الماء، والبدل التراب، والمستوعب الغسل، وغيره الوضوء، والمحدود بقوله: إلى المرافق والى الكعبين، وغيره ما سواه، وهذا ظاهر وقوله: بالإسلام يحتمل التعميم وهذا أولى. قوله: (يعني الميثاق الذي أخذه الخ) هو بهذا اللفظ أخرجه البخاري ومسلم في النهاية المنشط بالفتح مفعل من النشاط وهو ضد الكسل والمكره ما يكره فلا ينشط لعمله، وهذه المبايعة كانت بالعقبة الثانية سنة ثلاث عشرة من النبوة، والأولى في سنة إحدى عشرة فقوله أو ميثاق ليلة العقبة أي الأولى، وقصتها معروفة، وبيعة الرضوان بالحديبية سميت بها لقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [سورة الفتح، الآية: 18] وقوله: في إنساء نعمه بمعنى نسيانها، وهو مصدر أنسى المزيد فكأنّ من نسي أنسى نفسه، وذات الصدور أصل معناه صاحبه الصدور فتجوّز به عما فيها كما في قوله: ذا إنائك وأشار إلى أنّ المراد بعلمه مجازاته على ما علمه، وفضلا لا يكون في مثل هذا الموقع فيؤول هنا أو يدرج في مسامحات المصنفين لأنّ لها استعمالاً خاصاً بعد النفي ويمكن تأويل كلامه بما يوافقه، وهو واضح. قوله: (عداه بعلى الخ) قد سبق ما نقلنا من أنّ جرم يكون بمعنى حمل فيتعدّى للمفعول الأوّل بنفسه وللثاني بعلى أو بمعنى كسب فيتعدى لواحد ولاثنين وفسره المصنف رحمه الله بهما هناك، وهنا لما صرح بعلى تعين الأوّل فإن كان معنى حقيقياً فلا كلام، والا نعتبر التضمين والمصنف أشار إلى أنّ المختار عنده أنه غير حقيقي فتقديمه هناك لموافقته لما صرح به في النظم فما قيل جرم يجيء متعدياً إلى مفعول مثل جرم ذنباً، وليس هذا منه لأنّ مفعوله لا يكون إلا مكسوبا كالذنب لا الشخص، والى مفعولين، وظاهر أنّ هذا ليس منه لوجود حرف الجر فيما هو في موقع المفعول الثاني فاعتبر تضمين معنى الحمل ليصح كون معنى الأوّل هو الشخص، والثاني مع حرف الاستعلاء لا يخفى ما فيه من القصور بل الخلل كما يعلم مما مر ولما فتحت مكة أمر الله المسلمين أن لا يكافئوا كفار مكة بما سلف منهم وأن يعدلوا في القول، والفعل والحكم، وهو مراد المصنف بما ذكره. قوله: (أي العدل الخ) يعني أنّ الضمير راجع إلى المصدر الذي تضمنه الفعل، وهو إمّا مطلق العدل فيندرج فيه العدل مع الكفار، وهو المقصود بالآية لما مر في سبب النزول وان كان للعدل مع الكفار فظاهر وعلى الوجهين يتمّ قوله وإذا كان هذا العدل الخ فلا يرد قول النحير أنّ مبناه على أنّ ضمبر هو أقرب لخصوص مصدر اعدلوا المراد به العدل مع المشركين، وترك الاعتداء عليهم، وأمّا إذا كان لمطلقه فلا. قوله: (صرح لهم بالأمر بالعدل الخ) في الكشاف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً، وتشديداً ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل، وهو قوله: {هو أترب للتقوى} أي العدل أقرب إلى التقوى، وأدخل في مناسبتها أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفاً فيها يعني أنّ أقربيته إلى للتقوى مناسبة الطاعة للطاعة فالتقوى نهاية الطاعة، وهو أنسب بها من غيره منها أو مناسبة إفضاء السبب إلى المسبب فهو بمنزلة الجزء الأخير من العلة فليس المراد أنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 أقرب من غير العدل حتى يكون من قبيل الخل أحلى من العسل كما قاله الراغب: فتدبر. قوله: (فيجارّيكم الخ) يعني كون خبير كناية عن المجازاة كما مر. وقوله: (وتكرير هذا الحكم الخ) يعني قوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط} إلى هاهنا مع تقدمه في سورة النساء بعينه لما ذكره أي لاختلاف المحكوم عليه بقرينة سبب النزول، والسياق والسباق كذا في حواشي القطب، وليس المراد بالحكم النهي عن الجور والأسر بالعدل وءافراد ا! كم لأنهما كحكم واحد كما قيل وثائرة فاعلة من ثارت ثائرة أي هاجت هائجة. قوله: (إنما حذف ثاني مفعولي وعد الخ الما كان الظاهر نصب مغفرة، وأجراً على أنه مفعول وعد كما وقع في سورة الفتح أشاروا إلى نكتة العدول عن الظاهر بأنّ مفعوله محذوف يفسره ما بعده أو متروك، ومعناه قدم لهم وعدا وهو ما بين بالجملة المذكورة بعده، وهي جواب سؤال مقدر أي أفي شيء وعده لهم أو القول مقدر أي وعدهم قائلا لهم مغفرة أو هو مفعول وعد باعتبار كونه بمعنى قال أو المراد حكايته لأنه يحكي بما هو في معنى القول عند الكوفيين، وفائدة الوعد بهذا القول إنه وعد من لا يخلف الميعاد بمضمونه فلا خلف فيه البتة فقد قال ذلك لهم، وفي حقهم فكان إخباراً بثبوته لهم، وهو أبلغ وقيل إنّ هذا القول يقال لهم عند الموت تيسير الهم وتهوينا لسكرات الموت عليهم. قوله:) هذا من عادته تعالى الخ (أن يتبع بدل من هذا وتطييب قلوبهم لجعل أصحاب النار هم الكفرة لا هؤلاء. قوله:) روي أنّ المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، وغيره من طرف أخر وعسفان كعثمان اسم مكان معروف على مرحلتين من مكة، وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة وقد التقى المسلمون، والكفار، وافترقوا من غير حرب، ورأى هنا بصرية، وقاموا في موضع الحال بتقدير قد أو بدل من النبيّ، وأصحابه بتأويله بالمصدر مثل سمعته قال كذا، وقوله: ألا كانوا بفتح الهمزة وتشديد اللام وهي كلمة تنديم كهلاً وما قيل معناه على أن لا كانوا ليس بسديد لأنّ لا لا تدخل على الماضحي من غير تكرير وهذا كان في غزوة ذات الرقاع وذي أنمار، ومعنى أكبوا عليهم هجموا عليهم، وهم في الصلاة بدون سلاح. قوله: (وقيل إشارة إلى ما روي الخ) هذا أخرجه أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن إسحق والبيهقيّ لكن الذي في روايتهم أنّ القتيلين كانوا معاهدين لا مسلمين، وا! الخروج إلى بني النضير لا إلى قريظة والضمري بفتح فسكون نسبة إلى بني ضمرة حيّ من العرب وجحاس بكسر الجيم علم يهوديّ. قوله: (وقيل نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (هذا الحديث أخرجه الشيخان من حديث جابر ولا ينافي كون هذا سبب النزول مع أنّ سبب النزول يجوز تعدده قوله قوم فإنّ الجمع قد يطلق على الواحد كما في قوله: {الذين قال لهم الناس} [سورة آل عمران، الآية: 173] ولا حاجة إلى تكلف تقدير بعض أو أنه همّ بأمرهم فكأنهم هموا. قوله (بالقتل والإهلاك الخ) الإهلاك أعم من المباشرة التي بالقتل، والبسط مطلق المد فبسط اليد للبطش، وبسط اللسان للشتم فإذا استعمل فيهما فهو كناية عنهما فلا يكون يبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم جمعاً بين معنيين مختلفين للفظ واحد، وقوله: إن تمد إشارة إلى المعنى الذي به قابل البسط، وقوله: فإنه الكافي إشارة إلى وجه انتظامه مع ما بعده. قوله: (شاهدا من كل سبط الخ) تقدم أنّ السبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب والنقيب، والعريف الذي يجعل رأسا لقوم من الجيش لاً نه ينقب عن أحوالهم، ويفتشها ويعرفها من النقب في الحائط ونحوه أو هو بمعنى الكفيل لوفائهم بما أمروا به وأريحاء بالمد كرليخاء وكربلاء بلدة بالشأم، والكنعانيون أولاد كنعان بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وهم أمة من الجبابرة ولغتهم تقرب من العربية وكالب بفتح اللام، ويوفنا بفتح الفاء وتشديد النون ويهوذا بذال معجمة بعدها ألف كلها أعلام غير عربية، وحمل المعية على النصرة بقرينة المقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وقيل الظاهر تفسيره بأنى أوفقكم للخير. قوله: (اي نصرثموهم وقويتموهم الخ (أصل معنى التعزير المنع والذب بالذال المعجمة بمعناه أيضا، وقيل أصله التقوية من العزر وهو والأرز من واد واحد وفي التقوية منع لمن قويته على غيره فهما متقاربان، ثم تجوز به عن النصرة لما فيها من ذلك وعن التأديب، وهو في الشرع ما كان دون الحد لأنه راح ومانع عن ارتكاب القبيح، ولذا سمي في الحديث نصرة في قوله صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ونصرة الظالم تأديبه كما بيته النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عنه قال الطيبي رحمه الله تعالى: فإن قلت الإيمان بالرسل مقدم على إقامة الصلاة وايتاء الزكاة فلم أخر ذكره في قوله: {لئن أقمتم الصلاة} الآية قلت هذه الجملة أعني قوله: {وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسنا} كناية إيمائية عن المجاهدة ونصرة دين الله ورسله والإنفاق في سبيله كأنه قيل لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وجاهدتم في سبيلي يدل عليه قوله تعالى: {ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} [سورة المائدة، الآية: 21] قال: أي لا ترتدوا على أدباركم في دينكم لمخالفتكم أمرر بكم، وعصيانكم نبيكم صلى الله عليه وسلم وإنما وقع الاهتمام بثأن هذه القرينة دون الأولين وأبرزت في معرض الكناية لأنّ القوم كانوا يتقاعدون عن القتال، ويقولون لموسىءلجز: {اذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [سورة المائدة، الآية: 24] وقيل إنما قدمت لأنها هي الظاهر من أحواله الدالة على إيمانه، وفسر القرض بالإنفاق في سبيل الخير فهو استعارة لأنه لما وعد بجزائه والثواب عليه شبه بالقرض الذي يقضي بمثله، وفي كلام العرب قديماً الصالحات قروض. قوله: (ساذ مسد جواب الشرط) كذا في الكشاف أيضا، وقيل عليه إذا اجتمع شرط وقسم أجيب السابق منهما إلا أن يتقدمه وخبر فهو جواب القسم فقط وجواب الشرط محذوف واللام الأولى موطئه، والثانية جوابية وليس بشيء لأنّ مراده أنّ جواب الشرط محذوف، وهذا دال عليه فهو ساد مسده معنى لا أنه جواب له ويجوز أن يكون! فرنّ جوابا لما تضمنه قوله: {ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل} [سورة المائدة، الآية: 12] من القسم وقيل إنّ جوابه لئن أقمتم فلا تكون اللام موطئة أو تكون ذات وجهين، وهو غريب وجملة القسم المشروط وجوابه مفسرة لذلك الميثاق المتقدم. قوله: (بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم (أي الشرط المؤكد بالقسم الذي علق به ما وقع في جوابه من الوعد العظيم، وهو قوله: {كفرق} الخ وعظمه ظاهر، وعدل عن قول الزمخشري بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم لأنه أورد عليه أنّ الوعد بتكفير السيئات وادخال الجنات جزاء للشرط والجزاء هو المعلق بالشرط لا الشرط بالجزاء فعبارة الكتاب على القلب، ولذا غيرها المصنف إشارة إلى أنها مقلوبة، وأجيب بأنه لم يرد بالتعليق المصطلح أي جعل أمر على خطر الوجود مرتبا ومقيدا حصوله بحصول شرط ومسببا عنه بل معناه اللغوي، وهو الارتباط به وقد جعل الشرط مرتبطا لوعد حيث أخبر بحصول الموعود بعد حصول مضمون الشرط، وقد وقع التعليق بهذا المعنى في كلام السيرافي وغيره، أو أنّ التعليق في الحقيقة من الجانبين لأنّ كلا منهما سبب للآخر من وجه فالشرط من جهة الوجود العيني، والجزاء من جهة الوجود العقلي أو بأن الوعد العظيم، وهو قوله إني معكم بالإعانة والنصرة والشرط متعلق به من حيث المعنى نحو أنا معتن بشأنك إن خدمتني رفعت محلك، وهو يرجع إلى جعل التعليق لغويا أيضا فلا حاجة إلى العدول عن الظاهر لهذا، وقيل ليس معنى كلامه ما فهموه من الشرط النحوي لظهور أن ليس المعنى من فكر بعد إقامة الصلاة وايتاء الزكاة والإيمان بالرسل بل بعدما شرطت هذا الشرط ووعدت هذا الوعد وأنعمت هذا الإنعام ولإخفاء في أنّ الضلال بعد هذا أقبح، وأظهر ولا حاجة إلى حمل الكفر على الارتداد خاصة بل يتناول البقاء على الكفر بعد هذا الإخبار والإعلام بمضمون الشرطية، ويدل على هذا أنه وصف الشرط بالمؤكد ومعلوم أنّ القسم ليس لتأكيد مضمون الشرط بل مضمون الجملة بل التحقيق أنه مؤكد للإخبار الذي تضمنه الجزاء كما صرح به السيرافي وهذا مع بعده، وتكلفه محصله أنّ المراد بالشرط الجملة الشرطية أو جزاؤها ومعنى المعلق بالوعد المعلق مع الوعد، وفيه نظر آخر، وأما ما قيل إنّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 المراد بتأكيد الشرط التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، وتعليق الوعد العظيم به وأنه خفي على النحرير فليس بشيء لأنّ كل ماض يقلبه الشرط مستقبلا ومثله لم يعدوه تأكيدا فتدبر. قوله: (ضلالاً لا شبهة فيه ولا عذر معه الخ) كونه لا شبهة فيه مأخوذ من سواء السبيل أي وسط الطريق وحاقه وهو ما يظهر غاية الظهور، وما كان كذلك لا عذر معه لا من قد والتعبير بالماضي كما قيل، وهذا جواب عما يقال إن الكفر قبل ذلك وبعده ضلال فما وجه التقييد، ومعذرة مصدر ميمي بمعنى عذر. قوله: (طردناهم) حقيقة اللعن في اللغة الطرد والإبعاد فاستعماله بالمعنيين الآخرين مجاز باستعماله في لازم معناه، وهو الحقارة بما ذكر لكنه لا قرينة في الكلام عليه. قوله: (لا تنفعل عن الآيات والنذر) النذر جمع نذير وتنفعل بمعنى تتأثر، وكون قسية مبالغة لكونه على وزن فعيل، وقوله: إنّ الدرهم القسي بمعنى الرديء من القسوة هو الظاهر، وقيل: إنه غير عربيّ بل معرّب وقوله: نصيبا وافيا يؤخذ من التنوين فإنه يفيد التكثير والتعظيم. قوله: (اس! شاف لبيان قسوة قلوبهم الخ) والحالية إما من مفعول لعناهم أو من المضاف إليه قلوبهم، وأما جعله حالاً من القلوب أو من ضميرها في قاسية كما قاله أبو البقاء فلا يصح لعدم العائد منه وجعل القلوب بمعنى أصحابها مما لا يلتفت إليه، والتعبير بالمضارع فيه للحكاية واستحضار الصورة، وقوله: وتركوا إشارة إلى أنّ النسيان بمعنى الترك وهو يستعمل بهذا المعنى كثيرا وقوله فزلت أي سقطت وضمير شؤمه للتحريف، وفي معنى ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قول الإمام الشافعيّ رضي الله عنه ورحمه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصى وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصتي وهذا رواه أحمد رحمه الله في مسنده. قوله: (خيانة الخ) يعني خائنة إما مصدر على وزن فاعلة كالكاذبة أو اسم فاعل موصوفه المقدر فرقة فلذا أنث أو المراد به خائن والتاء للمبالغة وان كانت في فاعل قليلة ولذا أخره، وكون الخيانة دأب أسلافهم يعلم من وصفهم بالتحريف وما معه ودأبهم لأنه لا يزال يشاهده منهم فلا يرد ما قيل إنه لا دلالة في النظم على إسلافهم وقيل إنه مستفاد من جعل ضمير منهم لهم ولإسلافهم وجعل الاطلاع أعم من الاطلاع بالمشاهدة والأخبار وهو تكلف لا حاً جة إليه وكذا ما قيل إن ما يشاهد منهم علم أنهم ورثوه من أسلافهم، وقوله نسخ بآية السيف بناء على في أن هذه السورة منسوخاً وأنها نزلت قبل براءة وهو قول مشهور، وقوله فصلا عن العفو عن غيره مر الكلام في لفظه ومعناه فتذكره. قوله: (أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم الخ) في هذا التركيب وجوه ذكرها المعربون فقيل من متعلقة بأخذنا وتقديره، وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم فيقدر مقدما ليعود الضمير إليه فهو راجع إلى الموصول أو هو عائد على بني إسرائيل الذين عادت إليهم الضمائر السابقة كقولك أخذت من زيد ميثاق عمرو أي مثل ميثاقه، وبهذا الوجه بدأ الزمخشريّ وعبارة المصنف رحمه الله ظاهرة في الأوّل وتحتمل الثاني، أو الضمير عائد على مبتدأ محذوف أخذنا صفته ومن الذين خبره أي من الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا منهم ميثاقهم، أو المبتدأ من مقدرة موصولة أو موصوفة أي من أخذنا ميثاقهم بناء على جواز حذف الموصول وإبقاء صلته وهو مذهب الكوفيين، وتقدير قوم هو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ وما قيل إنّ قرينة هذا التقدير قوله تعالى: {ميثاقهم} إذ! ولاه لقيل الميثاق ووجهه على عدم التقدير تأكيد نسبة الميثاق إليهم من عدم الوقوف على المراد. قوله:) وإنما قال قالوا إنا نصارى الخ) أي كان الظاهر أن يقال ومن النصارى بدون إطناب، ولم يرد هذا التعبير عنهم به في غير هذا الموضع، وفي الكشاف إنما سموا أنفسهم بذلك اذعاء لنصرة الله وهم الذين قالوا لعيسى {نحن أنصار الله} ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارأ للشيطان لكن الذي في اللغة والتواريخ أن عيسى صلى الله عليه وسلم، ولد في سنة أربع وثلثمائة لغلبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 الإسكندر في بيت لحم من القدس، ثم سارت به أمه إلى مصر ولما بلغ ثنتي عشرة سنة عادت به إلى الثأم فأقام ببلدة تسمى الناصرة أو نصورية، وبها سميت النصارى ونسبوا إليها وقيل إنهم جمع نصران كندامي وندمان أو جمع نصريّ كمهريّ ومهاري والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى، والنصرانية أيضا دينهم، ويقال لهم نصارى وأنصار، وتنصر دخل في دينهم وهذا وجه آخر في تسميتهم نصارى بدليل أنه يقال لهم أنصار أيضاً فلم يسمهم الله نصارى بل ذكر أنهم لقبوا بذلك أنفسهم وأفعالهم تقتضي نصرة الشيطان لا نصرة الله فعدل عن الظاهر ليصوّر تلك الحال في ذهن السامع ويقرّر عندهم أنهم ادّعوا نصرة دين الله نحو قوله تعالى {وراودته التي هو في بيتها} عدل عن اسمها لزيادة المراودة، وفي الانتصاف لما كان المقصود من هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم بنصرة الله، وبما يدل على أنهم لم يوفوا بما عاهدوا عليه من النصرة عدل عن قوله النصارى إلى هذا فحاصل ما صدر عنهم قول بلا فعل. (وعندي) أنه لو قيل في وجهه إنهم على دين النصرانية، وليسوا عليها لعدم علمهم بموجبها ومخالفتهم لما في الإنجيل من التثير بنبينا صلى الله عليه وسلم لكان أقرب من بيان وجه التسمية الذي ذكره. قوله: (فألزمنا الخ (أي أصل معنى الإغراء الإلصاق، ومنه الغراء المعروف فاستعمل في لازم معناه وهو الإلزام للعداوة بأن صاروا فرقا يكفر بعضهم بعضاً، والتسطورية هم الذين قالوا بأن أقنوم العلم اتحد بجسد المسيح صلى الله عليه وسلم بطريق الإشراق كاشراق الشمس من كوّة على بلور واليعقوبية قالوا: إنّ هذا الأقنوم اتحد بجسد المسيح صلى الله عليه وسلم وصار لحماً ودما، والملكانية قالوا انتقل أقنوم العلم إلى جسد المسيح صلى الله عليه وسلم وامتزج امتزاج الخمر بالماء وتفصيل هذا في الملل والنحل، وقوله: بالجزاء والعقاب إشارة إلى أنّ الأنباء مجاز عن وقوع ذلك وانكشافه لهم لا أنّ ثمة إخباراً حقيقة. قوله:) ووحد الكتاب لأنه للجنس) فيطلق على الوأحد والاثنين وما فوقهما وجملة يبين لكم حالية من رسولنا، وقوله: في التوراة متعلق بنعت محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وهذا معنى اسم الجنس، وهو اسم جامد يطلق على الواحد وما فوقه كالماء والتراب. قوله: (أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه الخ) هذا مرويّ عن الحسن لكن قال النحرير: إنه مخالف للظاهر لفظا ومعنى ووجهه أنّ الظاهر أنه كالكثير السابق، وفيه نظر لأنّ النكرة إذا أعيدت نكرة فهي متغايرة. قوله: (يعني القرآن الخ) فعلى هذا النور والكتاب واحد وتسميته نور الكشفة وإظهاره طرق الهدى واليقين، وقوله الواضح الإعجاز إشارة إلى أنّ المبين من أبان اللازم بمعنى ظهر وترك تفسيره بالمتعدي وابانته لما خفي لأنه يتكرّر حينئذ مع النور، وقد أشار إليه في الكشاف، وعلى تفسير النور بالنبيّ-ش! ر لظهوره بالمعجزات واظهاره للحق فالمبين حينئذ يحتمل وجهين الظاهر والمظهر ولا تكرار فيه وقوله: لأنّ المراد بهما واحد على التفسير الأوّل للنور وكونهما كالواحد لاتحاد ما بيناه على التفسير الثاني فهو لف ونشر مرتب. قوله:) طرق السلامة الخ) يعني أنّ السلام مصدر بمعنى السلامة أو اسمه تعالى وضع موضع المضمر ردا على اليهود والنصارى الواصفين له تعالى بالنقائص واستعارة الظلمة للكفر والنور للإسلام ظاهرة، وقوله: أنواع الكفر إشارة إلى وجه جمع الظلمات وتوحيد النور والمراد بالإذن الإرادة أو التوفيق كما مرّ وجهه. قوله: (طريق هو أقرب الطرق إلى الله الخ (كونه كذلك ظاهر وفيه نكتة وهو أنه إذا كان لمقصد طريقان أحدهما مستقيم والآخر غير مستقيم فلا بد أن يكون المستقيم أقرب واعتبر ذلك بالقوس والوتر وهذا يسمى بالشكل الحماري في الهندسة والمستقيم يتصل به، وغيره قد لا يتصل به فإنه قد يعوج تقعيراً وتحديباً وهو وجه دلالة الاستقامة على القرب. قوله: (هم الذين قالوا بالاتحاد منهم الخ) قال الزمخشرقي: معناه بت القول على أنّ حقيقة الله هو المسيح لا غير قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك وقيل ما صرحوا به، ولكن مذهبهم يؤدّي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم اهـ يعني لما حمل الشخصي على الشخصي مع ضمير الفصل والتأكيد اقتضى الاتحاد والفصل هنا لمجرّد التأكيد لحصول! القصر، بدونه ولأنّ القصر هنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 للمسند إليه على المسند أي لا غير المسيح كقولهم الكرم هو التقوى، وأنّ الله هو الدهر أي الجالب للحوادث لا غير الجالب بخلاف زيد هو المنطلق فإنّ معناه لا غير زيد وقال الراغب: إن قيل إنّ أحدا منهم لم يقل الله هو المسيح وإن قالوا المسيح هو الله، وذلك أنّ عندهم أنّ المسيح من لاهوت وناسوت فيصح أن يقال المسيح هو اللاهوت، وهو ناسوت كما صح أن يقال الإنسان هو حيوان مع تركبه من العناصر ولا يصح أن يقال اللاهوت هو المسيح كما لا يصح أن يقال الحيوان هو الإنسان قيل إنهم قالوا هو المسيح على وجه آخر غير ما ذكرت، وهو ما روي أنه لما رفع عيسى صلى الله عليه وسلم اجتمع علماء بني إسرائيل فقالوا: ما تقولون في عيسى صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم أو تعلمون أحداً يحعي الموتى إلا الله قالوا: لا قال: أتعلمون أنّ أحداً يعلم الغيب إلا الله، قالوا: لا قال: أتعلمون أنّ أحداً يبرئ الأبرص والأكمه إلا الله قالوا: لا قال: فما الله إلا من هذه صفته أي حقيقة الإلهية فيه، وهذا كقولك الكريم زيد أي حقيقة الكرم في زيد وعلى هذا قولهم إنّ الله هو المسيح ابن مريم والمصنف رحمه الله تعالى أشار إلى أنّ القائلين بالاتحاد يقولون بانحصار المعبود في المسيح كما هو ظاهر النظم فلا يرد عليه شيء وتقريره ما سبق. قوله:) وقيل لم يصرح به أحد الخ) يعني أنهم كما زعموا أنّ فيه لاهوتا مع التصريح بالوحدة لزمهم أنّ الله هو المسيح والا فمجرد اتصافه بصفات الله إنما يناسب الحكم بأن المسيح هو الله أو إله وقرّر بعضهم كلام المصنف هنا بما لا مساس له به، وقوله وتفضيحاً لمعتقدهم أي لهم في معتقدهم ونسبة التفضيح إلى الاعتقاد فيه مبالغة حسنة. قوله: (قل فمن يملك من الله الخ) هذه الفاء عاطفة على مقدر أو جواب شرط مقدر أي ليس الأمر كذلك، أو إن كان كذلك (فمن يملك) الخ وقوله: (فمن يمنع الخ) إشارة إلى أن يملك مجاز عن يمنع أو يضمن معناه، ومن الله متعلق به على حذف مضاف لكن ذكر في الأحقاف في قوله: {فلا تملكون من الله شيئاً} [سورة الأحقاف، الآية: 8] أنّ معناه لا تقدرون على كفه من معاجلتي وتطيقون دفع شيء من عقابه وحقيقته من يستطيع إمساك شيء من قدرة الله تعالى إن أراد تعالى أن يهلكه فإذا لم يستطع إمساكه، ودفعه عنهم فلا يمكن منعهم منه فلذا فسر بالمنع أخذا بالحاصل وحقيقة الملك الضبط والحفظ ولذا يقال في تول الشاعر: أصبحت لا أحمل السلاج ولا أملك رأس البعير أن يفرا إن معناه لا أستطيع فهو بمعنى المنع أو القدرة مجازاً. قوله: (احتج بذلك على فساد قولهم وتقريره الخ (أي تقرير الدليل أن المسيح مقدور أي حادث تعلقت به القدرة بلا شبهة لأنه تولد من أم ولذا ذكرع الأمّ للتنبيه على هذا، وهو على فرض حياتها فلا يرد عليه أنها هلكت، ومقهور بالفناء من هذه صفته كيف يكون الها. قوله: (إزاحة لما عرض لهم من الشبهة الخ) وهي أنه لا أب له وابراء ا! مه والأبرص وإحياء الموتى فالظاهر أن يقول، كما قال الزمخشري يخلق ما يشاء، أي يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكر كما خلق عيسى ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى صلى الله عليه وسلم معجزة له وكإحياء الموتى وإبراء اكمه والأبرص وغير ذلك، فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده. قوله:) أشياع ابنيه الخ) يعني أنهم لم يدعوا أنهم أبناء ألله، وإنما قالوا عزير والمسيح ابنا الله فالمراد أشياع الابن وأتباعه أطلق عليهم أبناء تجوّزا إما تغليباً أو تشبيها لهم بالإبناء في قرب المنزلة كما يقول أتباع الملك نحن الملوك، وكما أطلق على أشياع أبي خبيب رضي الله عنه الخبيبون في قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي على من رواه بالجمع قال ابن السكيت يريد أبا خبيب ومن كان على رأيه وهو لقب عبد الذ بن الزبير رضي الله عنهما تصغير خب أي خداع أو خبب نوع من المشي وروي مثنى فقيل عبد الفه وابنه، وقيل وأخوه مصعب وبالجملة فالتمثيل لأنه لما جاز جمع خبيب وأشياع أبيه فأولى أن يجوز جمع ابن الله للابن وأشياع الابن بزعم الفريقين فاندفع أنهم لا يقولون ببنوة أنفسهم، ولم تحمل على التوزيع بمعنى أنفسنا الأحباء وأبناؤنا الأبناء بجمع الابنين لمشاكلة الأحباء لأن خطاب بل أنتم بشر يأباه ويدلّ على ادعائهم البنوة بأقي معنى كان والتمثيل بالخبيبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 على المشهور، وقيل أصله الخبيبيون بالنسبة فخفف كما قيل الأعجمون في جمع أعجمي، فلا يكون شاهداً لما نحن فيه وعلى القول الثاني المراد بالأبناء المقربون فعطف الأحباء عليه كالتفسير. قوله: (فإن صح ما زعمتم الخ) يعني أنّ الفاء جواب شرط مقدر ويصح أن تكون عاطفة على مقدر كما مر، وقوله: بهذا المنصب أي المرتبة واستعمال القرب للمنصب بهذا المعنى وبمعنى الأصل لا بالمعنى المتعارف الآن فإنه مولد، وقوله: لا يفعل ما يوجب تعذيبه يعني الذنوب المصرج بها في النظم، وجعل في جملة عذاب الدنيا المسخ الوافع في أسلافهم واقتصر عليه الزمخشرقي، وقيل إنه الأولى إذ المسخ تعذيب البتة بخلاف البلايا والمحن فإنها كثرت في الصلحاء كما قال المعرّي: ولكنهم أهل الحفائظ والعلا فهم لملمات الزمان خصوم وجعل عذاب الآخرة مس النار أياما معدودة تطهيرا لذنوبهم كما ادعوه ليتم الإلزام فلا يقال إنه كان يكفي أن يقال إن كنتم أبناء الله وأحباءه فلم يعذبكم فإنهم معترفون بهذا العذاب بخلاف العذاب المخلد الذي أخبر به النيّ صلى الله عليه وسلم وشهد به الكتاب والحاصل أنه إذا قيل لو كنتم أبناءه وأحباءه لما عذبكم لكن اللازم منتف فربما منعوا انتفاء اللازم، وطالبوا بالحجة، وإذا قيل لم عذبكم في الدنيا بالمسخ وفي الآخرة بما تزعمون تم الإلزام على النهج المعتاد المشهور قال النحرير رحمه الله بقي هنا إشكال قويّ وهو أنه. إذا كان بمعنى نحن أبناء الله أشياع ابنيه فغاية الأمر أن يكونوا على طريقة الابن تحقيقاً للتبعية لكن من أين يلزم أن يكونوا من جنس الأب في انتفاء فعل القبائح، وانتفاء البشرية، والمخلوقية ليحسن الرد عليهم بأنهم بشر من جملة من خلق نعم ما ذكر من استلزام المحبة عدم العصيان، والعقاب ربما يتمشى لأنّ من شأن المحب أن لا يعصي الحبيب، ولا يستحق منه المعاقبة، وفيه مناقشة لأنه شأن المحبين والأحباء هم المحبوبون، وسيأتي الجواب عنها، وأجاب عن إشكال إثبات البشرية بأنه ليس إثباتا لمطلق البشرية ليجب أن يكون رد الدعوى بانتفائه بل هو إثبات أنهم بشر مثل سائر البشر، ومن جنس سائر المخلوقين منهم العاصي والمطيع، والمستحق للمغفرة، والعذاب لا كما ادعوا من أنهم الأشياع المخصوصون بمزيد قرب، واختصاص لا يوجد في سائر البشر، ولذا وصف بشر بقوله: ممن خلق حتى لا يبعد أن يكون يغفر لمن يشاء أيضاً في موقع الصفة على حذف العائد أي لمن يشاء منهم، وأما إشكال الجنسية فقيل في جوابه المراد أنكم لو كنتم أشياع ابني الله لكنتم على صفة ابنيه في ترك القبائح، وعدم استحقاق العذاب لأنّ من شأن الأشياع، والاتباع أن يكونوا على صفة المتبوعين الذين هم الأبناء، ومن شأن الأبناء أن يكونوا على صفة الأب فمن شأن الأشياع أن يكونوا على صفة الأب بالواسطة، وقيل هو على حذف مضاف أي لو كنتم أشياع ابن الله لكنتم من جنس أشياع الأب أعني أهل الله الذين لا يفعلون القبائح ولا يستوجبون العقاب، وقيل إنّ قولهم نحن أبناء الله يتضمن دعوتين إثبات الابن، وكونهم أشياعه وأحباء أبيه فرد عليهم الأمر أن جميعا بأنّ من ادعيتم بنوته لو كان ابناً لما جاز عليه القبيح، ولا صدر منه ولو على سبيل الزلة، ولم يؤاخذ، ولو بالمعاتبة، والأنبياء ليسوا كذلك، وما ادعيتم من كونكم الأشياع والأحباء لو صح لما عذبتم بل إذا بطلت البنوّة بطل كونكم أشياع الابن، وأحباء الأب بواسطة ذلك، وأنت خبير بأن قوله فلم تذنبون وتعذبون بالمسخ، وم! النار بيان لانتفاء اللازم مقدم على الشرطية فلا معنى لاختصاص جزاء البنوة بالمتبوعين الذين لا قطع بذنبهم، وعقابهم بل يقطت بخلافه، وكيف يصح هذا مع عموم خطاب الشرط، وارتكاب الجمع بين الحقيقة، والمجاز، وقيل المراد إبطال أن يكونوا أبناء حقيقة كما يفهم من ظاهر اللفظ أو مجازاً كما فسره فيكون أوكد في إفادة المطلوب، وهذا مع بعده إنما يصح لو كان مع التعرض لإبطال ما ادعوا من كونهم أشياعاً، وبعد كل كلام فالمقام محتاج إلى تحرير، وتهذيب، والذي يظهر أنّ هذا كله تكلف، وضيق عطن، وأنّ اللائق أن يقال إنّ مرادهم بكونهم أبناء الله أنه لما أرسل إليهم الابن على زعمهم، وأرسل لغيرهم رسلا من عباده دل ذلك على امتيازهم عن سائر الخلق، وأنّ لهم مع الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 مناسبة تامة، وزلفى تقتضي كرامة لا كرامة فوقها كما أنّ الملك إذا أرسل لدعوة قوم أحد جنده، ولآخرين ابنه علموا أنه مريد لتقريبهم، وأنهم آمنون من كل سوء يطرق غيرهم، ووجه الرد أنكم لا فرق بينكم، وبين غيركم عند الله فإنه لو كان كما زعمتم لما عدّبكم، وجعل المسخ فيكم، وكدّا على كونهم بمعنى المقربين المراد قرب خاص فيطابقه الرد، ويتعانق الجوابان فافهمه، وقول المصنف رحمه الله لنحو ذلك لأنّ ما سبق ليس هذا الكلام بعينه، وقيل على قوله فإن من كان بهذا المنصب الخ. وفي نسخة بهذه الصفة أن الأحباء هنا بمعنى المحبوبين فالأنسب أن يقال إنّ المحب لا يعذب المحبوب بهذه الأنواع المذكورة، وهذا مأخوذ من كلام النحرير، وقد يقال في دفعه إنّ من أحب الله محبة صادقة أحبه الله كما قيل ما جزاء من يحب إلا أن يحب. قوله: (ممن خلقه الله تعالى) إشارة إلى تقدير العائد، وقوله، وهم من آمن الخ لأنهم كفرة لا يغفر لهم بدون الإيمان كما علم من قوله: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به} إن قلنا بعمومه كما هو المعروف الىخهور ومن الغريب ما في شرح مسلم للنووي أنه يحتمل أنه مخصوص بهذه الأمة، وفيه نظر، وقوله: لا مزية لكم إشارة إلى أنه رد لما إدعوه. قوله: (كلها سواء في كونها خلقاً وملكاً له (فلا يتميز بعضهم بالبنوّة وغيرها وهذا بيان لأنه من تتمة الرد عليهم، وفسر الرجوع إليه بالمجازاة لما مر. قوله: (أي الدين وحذف لظهوره الخ) أي قدر مفعوله هذا لظهوره لأنه من المعلوم أن ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الشريعة أو مفعوله ما كتمتم بقرينة قوله قبل هذا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون أو هو منزل منزلة اللازم أي يفعل البيان، ويبذله، ويعلم من عدم ذكر متعلقه عمومه لكل ما يلزم بيانه. قوله: (متعلق بجاءكم الخ) أشار بذكر حين إلى أنه ظرف أي بعد فترة أو في حين فترة، والمراد بتعلقه يبين التعلق المعنوي لأنه حال فمتعلقه مقدر، والوجه هو الأوّل، وجوز أن يكون حالاً من ضمير لكم ومن الرسل صفة فترة، ومن ابتدائية أي فترة صادرة من إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن تقولوا مفعول لأجله بتقدير كراهة أن تقولوا، ونحوه وقيل إنه بتقدير اللام لعدم اتحاد الفاعل فيهما، والجواب أن المراد بجاءكم رسول علمتم ببعثة الرسل وفيه نظر، وقوله: تترى أي متتابعة متواترة. قوله:) متعلق بمحذوف أي لا تعتذروا بما جاءنا فقد جاءكم الخ (هذا المحذوف قال النحرير: إنه تفصح عنه الفاء وتفيد بيان سببه كالتي تذكر بعد الأوامر، والنواهي بياناً لسبب الطلب لكن كمال حسنها، وفصاحتها أن تكون مبنية على مقدر منبئة عنه بخلاف قولك اعبد ربك فالعبادة حق له، ومبني الفصيحة على الحذف اللازم بحيث لو ذكر لم يكن بذاك، وتختلف عبارة المقدر فتارة يكون أمرأ أو نهيأ كما في هذه، وتارة شرطا كما في قوله: {فهذا يوم البعث} وقوله: فقد جئنا خراسانا وتارة معطوفا عليه كما في قوله فانفجرت، وقد يصار إلى تقدير القول كما في الفرقان في قوله تعالى {فقد كذبوكم بما تقولون} قال فيها الزمخشري: هذه المفاجأة بالاحتجاج، والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات، وحذف القول، وجعل هذه الآية، والبيت من هذا القبيل يعني التقدير فقلنا إن صح ما ذكرتم فقد جئنا خراساناً، وكذا ما نحن فيه أي فقلنا لا تعتذروا فقد جاءكم قال في الكشف ثم إنه في المعنى جواب شرط مقدر سواء صرح بتقديره أولاً كما في لا تعتذروا الخ لا! الكلام إذا اشتمل على مرتبين ترتب أحدهما على الآخر ترتب العلية كان في معنى الشرط، والجزاء فلا تنافي بين التقادير المختلفة هذا، ولو سلم أنهما مختلفان فهما وجهان يجريان في الموضعين ذكر أحدهما هنا، والآخر هناك وكم من ذلك في هذا الكتاب، وهذا تحقيق بديع فاحفظه. قوله:) كان بينهما ستمائة الخ (وقيل أربعمائة، وبضع وستون سنة عن الضحاك، وقيل غير ذلك، والثلاثة من بني إسرائيل هم المذكورون في قوله تعالى: {فعززنا بئالث} كما سيأتي، وأما خالد بن سنان العبسي بالباء الموحدة فقد تردد فيه الراغب في محاضراته، وبعضهم لم يثبته وبعضهم قال إنه كان قبل عيسى ءش! هـ لأنه ورد في حديث: " لا نبي بيني وبين عيسىءشييهإ لكن في الكامل تاريخ ابن الأثير، وغيره أن خالد بن سنان العبسي كان ثيباً من معجزاته أن ناراً ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها، وكادوا يتمجسون فأخذ خالد عصاه، ودخلها حتى توسطها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وفرق! فطفئت وهو في وسطها، وقيل إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: اذاك نبتي ضيعه قومه " لا! (وأتت ابنته النبيّ ك! هه، وآمت به وله قصة مفصلة في كتب الآثار، والصحيح أنه من الأنبياء، وأنه قبل عيسى تيخحيه. قوله:) حين انطمست آثار الوحي الخ (أحوج ما يكون إليه أي في حين هو أحوج أوقات كينونتهم إلى الرسول على طريقة أخطب ما يكون الأمير قائما. قوله: (ولم يبعث في أقة الخ (إشارة إلى الكثرة التي يفيدها جمع الكثرة المنكر، وليس هذا هو كلام موسى صلى الله عليه وسلم، ولذا غير أسلوب الخطاب إلى الغيبة. قوله:) وجعلكم ملوكاً (غير الأسلوب فيه لأنهم لكثرة الملوك فيهم، ومنهم صاروا كلهم كأنهم ملوك لسلوكهم مسلك الملوك في السعة والترفه فلذا تجؤز في إسناد الملك إلى الجميع بخلاف النبؤة فإنها، وان كثرت لا يسلك أحد مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنها أمر إلهي يختص الله به من يشاء فلذا لم يتجوّز في إسنادها، وهذا هو الوجه اللائق ببلاغة الكتاب العزيز فقول المصنف منكم أو فيكم بيان لحاصل المعنى لا أنه مقدر فيه ذلك وعلى الوجه الثاني جعل إنقاذهم من القبطة، وتملكهم عليهم ملكأ فالتجؤز في لفظ الملوك، وعلى الأوّل في الإثبات للكل ما هو للبعض. قوله: (وقد تكاثر فيهم الملوك الخ (هذا أيضأ من كلام المصنف بيانأ للواقع لا من كلام موسى صلى الله عليه وسلم أو ما أدرج فيه لأنه لا يناسب ذكر عيسى لمجبم والمعنى أن موسى بم! ذكر لهم إنعام الله عليهم بجعلهم ملوكاً وأن تلك النعمة التي ذكرها استمزت فيهم زمانا طويلأ، وقوله:) حتى فعلوا الخ (إشارة إلى أنهم لكثرة اأسملوذ فيهم طغوا، وتجبروا حتى فعلوا مثل ذلك، وقيل معناه أنه تكاثر الملوك فيهم بعد قت!! يخحيى كما تكاثر الأنبياء بعد فرعون، وحين قتلوا يحى انقطعت كثرة الأنبياء بشؤم فعلهم، وفي أكثر النسخ حتى قتلوا، وعلئ هذا فيكون المعنى تكاثرت الأنبياء، والملوك فيهم قبل قتل يحيى فلما قتلوا يحيى انقطع عنهم كثرة ما ذكر انتهى. قوله:) من فلق البحر الخ (هذا دفع لما يتوهم من تفض جلهم على أمّة محمد بأنّ اصمراد بما آتاهم أمر مخصوص بهم كفلق البحر، وتظليل الغمام لهم في التيه أو كثرة الأنبياء، والملوك، وهذا لم يؤته أحد غيرهم، ولا يلزم من تفضيلهم بوجه تفضيلهم من جميع الوجوه فإنه قد يكون للمفضول ما ليس للفاضل أو الألف، واللام في العالمين للعهد فالمراد عالمو زمانهم فلا يلزم المحذور أيضاً، وايتاء ما لم يؤت أحد وان لم يلزم منه التفضيل لكن المتبادر من استعماله ذلك فلذا أوّلوه بما ذكر قوله: (كأرض بيت المقدس الخ (في معناه أربعة أقوال كما ذكره المصنف، وسميت مقدسة أي مطهرة لتطهيرها من الشرك فإنها مقر الأنبياء، ومهبط الوحي والأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة، وضم الدال المهملة، وتشديد النون، وما وقع في القاموس من أنها بتشديد الدال سهو منه، وهي كورة بالشأم. قوله: (قسمها لكم أو كتب في اللوح الخ (القسمة بمعنى التقدير فمعنى كتبها قدرها مجازاً أو المراد الكتابة في اللوج فهي حقيقة روي أن الله تعالى أمر الخليل عليه الصلاة والسلام أن يصعد جبل لبنان فما انتهى بصره إليه فهو له ولأولاده فكانت تلك الأرض مدى بصره، وقوله إن آمنتم الجمع بينه، وبين الآية الآتية بناء على أن التحريم فيها مؤبد، وهو أحد الوجهين كما سيأتي. قوله: (ولا ترجعوا مدبرين الخ (يعني أنّ على أدباركم حال من فاعل ترتذوا أي منقلبين ومدبرين، والأدبار جمع دبر، وهو ما خلفهم من الأماكن من مصر وغيرها، وقوله قيل الخ. إشارة إلى حمل الرجوع على الرجوع إلى مصر فالمراد بالارتداد الرجوع عن مقصدهم إلى غيره، وعلى القول الأخير المراد به صرف قلوبهم عما كانوا عليه من الاعتقاد صرفا غير محسوس وقوله ئواب الدارين إشارة إلى مفعوله المقدر، وجوّز في فتنقلبوا الجزم بالعطف، وهو أظهر والنصب في جواب النهي على أنه من قبيل لا تكفر تدخل النار وهو ممتنع خلافا للكسائي. قوله:) متغلبين لا تتأتى مقاومتهم الخ (معنى تتأتى تمكن بسهولة تفعل من التأتي. قوله:) والجبار الخ (يعني أنه فعال صيغة مبالغة من جبر الثلاثي على القياس لا من أجبره على خلافه كالحساس من الإحساس، ومعناه القهر مع التعالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 ولذا يقال للنخلة جبارة وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله، وهو الذي يجبر الناس على ما يريده أي يكرههم عليه، وقوله كالب، ويوشع بناء على ما ارتضاه من أنهما من قوم موسى ىيخيه لا من الجبابرة، وقوله: يخافون الله سبحانه وتعالى بناء على هذا أيضا، ويؤيده قراءة ابن مسعود يخافون الله، وقد يخافون العدوّ أيضاً، وتجوله: إذ لا طاقة لنا بهم تعليل لتعليق الدخول بخروجهم فإنه يقتضي أنهم لا يدخلونها ما داموا فيها فلا يرد عليه ما قيل إنه ليس علة للشرطية بل لعدم الدخول حتى يخرجوا منها فينبغي تعليقه عليه. قوله: (وقيل كانا رجلين من الجبابرة الخ (فعلى هذا الذين عبارة عز! الجبابرة، والواو ضمير بني إسرائيل وعائد الموصول محذوف أي يخافونهم، وعلى الأؤر كان الضمير، وهو الواو لبني إسرائيل أيضا إلا لأنه لا يحتاج إلى تقدير عائد لأنه هو العائد، ولذا قدروا المفعول فيه اسما ظاهرآ فالفارق بين الوجهين إنما هو قوله: (والراجع الخ لا وبحتمل على الأوّل إنّ الذين يخافون الله المؤمنون مطلقا فلا يكون الضمير لبني إسرائيل، وعلى هذا جؤز أيضا أن يكون التقدير من الذين يخافون الله أو يخافون العدوّ كما في الدر المصون. قوله: (ويشهد له أنه قر! الذين يخافون بالضم الخ (أيد الزمخشري هذا التأويل بقراءة يخافون مجهولأ وبقوله: أنعم الله عليهما كأنه قيل من المخوّفين، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مجاهد، وفي هذه القراءة احتمال آخر وهو أن يكون من الإخافة ومعناه من الذين يخوّفون من الله بالتذكرة والموعظة أو يخوّفهم، وعيد الله بالعقاب، ويحتمل وجهأ آخر، وهو أن يكون معنى يخافون أي يهابون، ويوقرون، ويرجع إليهم لفضلهم، وخيرهم ومع هذين الاحتمالين لا ترجيح في هذه القراءة لكونهما من الجبارين وأمّا قوله: {أنعم الله تعالى} الخ فكونه مرجحاً غير ظاهر لأنها صفة مشتركة بين يوشع وكالب، وغيرهما، ولذا تركه المصنف مشتركة بين يوشع وكالب، وغيرهما، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله:) بالإيمان والتثبيت الخ (المراد بالتثبيت التثبيت على الإيمان، وإنما زاده ليشمل كون الرجلين من بني إسرائيل، وقد جوّز في هذه الحالية أيضا بتقدير قد، وباغته بمعنى فاجأه والأصحار بالصاد، والحاء المهملتين البروز إلى الصحراء. قوله: (لتعسر الكر الخ (الكر التوجه إلى العدوّ في المقاتلة، ويقابله الفر كما قال امرؤ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معا وقوله: أجسام لا قلوب فيها أي ليس لهم قلوب قوية وشجاعة بتنزيل قلب من لا يكون كذلك منزلة العدم، وقوله: من صنعه وفي نسخة صنيعه بمعنى إحسانه وإنعامه، وقوله: مؤمنين به، ومصذقين بوعده يعني المراد بالإيمان التصديق بالله، وما يتبعه من التصديق بما وعده، وإلا فإيمانهم محقق، ويصح أن يكون المراد به التهييج، والإلهاب. قوله:) نفوا دخولهم على التاكيد والتأبيد (التأبيد مستفاد من أبدا والتأكيد منه، ومن لن فإنها تفيد تأكيد النفي لكونها في مقابلة سوف يفعل كما مرّ مراراً، وقوله: بدل البعض لأن الأبد يعم الزمان المستقبل كله ودوام الجبابرة فيها بعضه، وقول الزمخشرقي ما داموا بيان للأبد يحتمل بدل الكل، وعطف البيان لوقوعه بين النكرتين وهذا بناء على تفسير الأبد بالظاهر منه أو بالزمن المتطاول. قوله:) قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله (يعني ليس المراد أنه يذهب مع الله حقيقة كما ذكره الزمخشري، واستظهره بمقابلته بأنا هاهنا قاعدون فإن التقييد بهاهنا يقتضي أن المراد حقيقته فكذا ما يقابله، وقوله، وقيل الخ أي هو مبتدأ خبره محذوف، وهو خلاف الظاهر، ولذا مرضه، وقيل إنه يحتمل أن يكون من قبيل كل رجل، وضيعته. قوله:) قاله شكوى بثه وحزنه (أي مقال شكوى أو لأجل الشكوى فليس القصد إلى الأخبار، وكذا كل خبر يخاطب به علام الغيوب يقصد به معنى مناسب سوى إفادة الحكم أو لازمه فليس رذاً لما أمره الله به ولا اعتذاراً عن عدم الدخول. قوله: (والرجلان المذكوران الخ) جواب عن هذا القصر مع أنهما معه أيضاً، وقوله: لم يثق عليهما ضممنه معنى يعتمد فلذا عداه بعلى، وتلون القوم مجاز عن تقلب آرائهم، وكون المراد بالأخ ما يشملهما بعيد لفظاً، ومعنى لأنّ إفراده محتاج إلى التأويل بكل مؤاخ لي في الدين أو بجنس الأخ، وأجيب بأنه ليس القصد بل بيان قلة من يوافقه تشبيهاً لحاله بحال من لا يملك إلا نفسه، وأخاه. قوله: (ويحتمل نصبه عطفاً على نفسي الخ) ذكروا في إعرابه وجوها شتى منها ما ذكره المصنف رحمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 الله فنصبه إما عطف على اسم أن أو نفسي أو مرفوع بالعطف على فاعل أملك أو مبتدأ خبره محذوف أو مجرور بالعطف على الضمير المجرور المضاف إليه نفس، وكلها ظاهرة حتى العطف على الضمير المرفوع المتصل بلا تأكيد لوجود الفصل بالمفعول، ثم هذا لا يوجب الاتحاد في المفعول بل يقدر للمعطوف مفعول آخر أي وأخي إلا نفسه كما تقول ضربت زيداً وعمرا فلا يرد ما قيل إنه يلزم من ذلك أنّ موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لا يملكان إلا نفس موسى صلى الله عليه وسلم فقط، وليس المعنى على ذلك بل على أنّ موسى عليه الصلاة والسلام يملك أمر نفسه، وأمر أخيه، وليس من عطف الجمل بتقدير، ولا يملك أخي إلا نفسه كما توهم، وتحقيقه أنّ العطف على معمول الفعل لا يقتضي إلا المشاركة في مدلول ذلك ومفهومه الكلي لا الشخص! المعين بمتعلقاته المخصوصة فإنّ ذلك إلى القرائن، وكذا إذا عطف على اسم أنّ معناه أنّ أخي لا يملك إلا نفسه، وكذا العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وقد تقدم الكلام فيه، وهو ضعيف على قواعد البصريين، وأجازه الكوفيون كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (بأن تحكم لنا بما نستحقه الخ) هذا مبني على الاختلاف في أنّ موسى صلى الله عليه وسلم هل كان معهم في التيه ولكن ما كان ينالهم من المشقة لا يناله كما كانت النار على إبراهيم برداً وسلاما أو لم يكن معهم، وهو مجاب الدعوة كسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذه الجملة دعائية فعلى الأوّل المراد التفريق والتبعيد بينهما فهو بمعناه الحقيقي. قوله: (عامل الظرف إمّا محرّمة الخ) الظرف هنا أربعين سنة فعلى تعلقه بمحرّمة التحريم مؤقت فلا ينافي أنها كتبت لهم، وقوله: احتضر أي حضره الموت، وهو مجهول. قوله:) وإمّا يتيهون الخ) أفي عامله يتيهون وتاه يتيه ويتوه، وهو أتوه وأتيه مما تداخل فيه الواو، والياء من التيه ومعناه الحيرة، ولذا أطلق على المفازة تيه، وتيهاء لأنه متحير فيها فمعناه يسيرون متحيرين، وحيرتهم عدم اهتدائهم للطريق، وكون التحريم مطلقا أي يحتمل التأبيد وعدمه، وتوله، وقد قيل الخ بناء على أن المراد منه التأبيد، وقوله: فإذا هم للمفاجأة أي يسيرون، وبعد سيرهم يرون أنفسهم في المحل الذي ارتحلوا عنه كسير السواني لا ينقطع، وتظليل الغمام لهم مع عصيانهم، ومعاقبتهم بالحيرة من كرمه تعالى، واشارة إلى أنّ تهذيبهم إنما هو للتأديب كما يضرب الرجل ولده مع محبته له، ولا يقطع عنه معروفه، ولذا أنزل عليهم المن، والسلوى لئلا يهلكوا جوعا، وجعل حجر موسى صلى الله عليه وسلم معهم يتفجر منه الماء كما مرّ دفعاً لعطشهم، وجعل معهم عمود نور ولباسهم من شيء كالظفر لا يبلي وشعورهم لا تزيد إلى غير ذلك من الأنعام، وروحا بفتح الراء أي كان التيه وأموره راحة لهما، وعلى هذا فإظلال الغمام وما معه لأجلهما وقوله فيه أي في التيه وتأس مجزوم بلا الناهية بمعنى لا تحزن لموتهم أو لما أصابهم فيه من الأسى، وهو الحزن. قوله: (أوحى الله الخ) كان في شريعته تزوّج الأخ بالأخت التي لم تولد معه في بطن واحد جعل افتراق البطون بمنزلة افتراق النسب للضرورة، ولذا حرّم بعده إذ زال المقتضي، وكثر الناس، وإذا كان ذلك غير جائز فإنما أمره بتقريب قربان لعلمه أنه لا يقبل لا أنه لو قبل جاز والتوأمان الولدان في بطن واحد الذكر توأم، والأنثى توأمة، والمصنف رحمه الله استعمل توأم للتوأمة بتأويل الشخص، وتوأمة قابيل إقليماً وتوأمة هابيل كبودا قال والد شيخي، واعلم أنّ التوم بلا همز اسم لمجموع الولدين فأكثر في بطن واحد من جميع الحيوان وبهمز كرجل توأم، وامرأة توأمة مفرد تثنيته توأمان فالاعتراض! بأنه لا تثنية له، وهم لما علصت من الفرق بين التوم بلا همز، والتوأم بالهمز وأنّ التثنية إنما هي للمهموز لا غير، وظاهر القاموس بل صريحه أنه اسم لمجموعهما، وأنّ التثنية إنما هي لتوأم، وتوأمة لا لتوم، وعبارته التوأم من جميع الحيوان المولود مع غيره في بطن من الاثنين فصاعداً ذكرا أو أنثى أو ذكرا وأنثى جمعه توائيم، وتؤام كرخال، وقوله بأن نزلت نار الخ. هذا كان علامة القبول، وكان أكل القربان غير جائز في الشرع القديم، وقوله، وفعل ما فعل هو قصته الآتية. قوله: (وقيل الخ) زيف هذا بقوله فبعث الله غرابا الخ. إذ كان الدفن معلوما إذ ذاك فتأمل. قوله: (ولذلك قال كتبنا الخ) وتوجيهه على الأخر أي من أجل أنّ الحسد صار سببا لهذا الفساد، وهو غالب على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 بني إسرائيل، وعن بعض المفسرين، إنما ذكر بني إسرائل دون الناس لأنّ التوراة أوّل كتاب نزل فيه تعظيم القتل، ومع ذلك كانوا أشد طغيانا، وتماديا فيه حتى قتلوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمعنى بسبب هذه الفعلة كتبنا في التوراة تعظيم القتل وشددنا عليهم وهم بعد ذلك لا يبالون وسيذكر هذا المصنف رحمه الله تعالى بعد قوله، ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض! لمسرفون فلا حاجة إلى التبرّع به هاهنا. قوله: (اي ثلاوة ملتبسة بالحق الخ (ذكر في إعرابه ثلاثة أوجه أنه صفة مصدر اتل أو حال من المفعول، وهو نبأ ابني آدم وقدره الزمخشري نبأ ملتبسا بالحق ليتعين ذو الحال أو حال من فاعل اتل المستتر، وهو ضمير المخاطب، ثم الحق يطلق على معان أحدها المثبت الصحيح، وثانيها المطابق للواقع بمعنى الصادق، وثالثها المتضمن للغرص الصحيح لقوله تعالى في الأحقاف: {ما خلقنا السموات والآرض! وما بينهما إلا بالحق} [سورة الحجر، الآية: 85] أي خلقا ملتبسا بالغرض الصحيح، والحكمة وضده الباطل بمعنى العبث كما في قوله: {ما خلقت هذا باطلا،، ويكون صفة لما اشتمل على هذه المعاني، ومصدراً بمعنى الثبوت، والمطابقة وصحة الغرض، وهو هنا بالمعنى المصدري أو الوصفي، والباء فيه للملابسة كما أشار إليه بقوله ملتبسا، وعمل نبأ في الظرف لأنه مصدر في الأصل، والظرف يكفي فيه رائحة الفعل. قوله:) أو حال منه) فيتعلق بمحذوف سبقه إليه أبو البقاء ورده في الدرّ المصون بأنه يكون قيدا في عامله، وهو اتل المستقبل واذ لما مضى، ولذا لم يتعلق به مع ظهوره، وفيه تأمّل. قوله: (أو بدل على حذف مضاف) قال النحرير: ليصح كونه متلواً والا فمجرّد الظرف كاف في الإبدال لحصول الملابسة، وقيل عليه إنه غير صحيح لأنّ إذ لا يضاف إليها إلا الزمان نحو يومئذ ونبأ ليس بزمان، وهو بدل بعض من كل أو كل من كل، وما ذكرء المصنف من الكشاف إلا أنه ترك قوله يقال قرّب صدقة، وتقرّب بها لأنّ تقرّب مطاوع قرب قال الأصمعي تقربوا قرف القمع فيعتدي بالباء حتى يكون بمعنى قرب انتهى. قال السمين قال الشيخ كذا قرّره الزمخشري وفيه نظر لأنّ إذ لا يضاف إليها إلا الزمان قال الأصمعي: الخ. أي يكون قربا يطلب مطاوعا التقدير إذ قرباه فتقربا به وفيه بعد قال وليس تقرب فيه مطاوع قرب لتفرّقه ولاتحاد فاعل الفعلين والمطاوعة مختلف فيها الفاعل يكون من أحدهما فعل ومن الآخر انفعال نحو كرته فانكسر فليس قرب وتقرب من هذا الباب فهو غلط فاحش ولا نسلم ما ذكره من القاعدة انتهى. (أقول) فيما قاله أمور الأوّلأنّ قوله إذ لا يضاف إليها إلا اسم زمان غير مسلم ألا ترى قول العلامة نبأ ذلك الوقت فإنه بمعنى نبأ إذ، ولا شبهة في صحته معنى، واعراباً، ولا فرق بينهما فإن منعه سماعاً فدونه خرط القتاد، ودعوى لزوم اختلاف فاعلهما غير مسلمة فإن حجتهم أنّ أحدهما فاعل، والآخر قابل، وهو مبني على قاعدة أصولية، وهو أنّ القابل لا يكون فاعلاً، وقد ردّها بعض الفضلاء ألا ترى أنّ الإنسان قد يقتل نفسه فيتحد القابل، والفاعل، ويؤيده قوله تعالى فيقتلون، ويقتلون فان كان الأصمعي أراد هذا لم يرد عليه ما قاله الشيخ، وقد يقال مراده بيان معناه لغة فاعرفه. قوله: (والقربان اسم ما يتقرّب به الخ) الحلوان بالضم أجرة الدلال، والكاهن، ومهر المرأة وما يعطي من رشوة، ونحو ذلك من الحلاوة لأنه يؤخذ بسهولة، وأراد " فعل تفضيل من الرداءة ضد الجودة وصاحب ضرع أي ماشية، والضرع يطلق عليها مجازاً من إطلاق الجزء على الكل. قوله: (لأنه سخط حكم الله الخ (حكم الله هو عدم جواز نكاح التوأمة، وقوله: لفرط الحسد أي على قبول القربان، وقوله قال: {إنما يتقبل الله من المتقين} يدل على أنه المراد لا أنه حسده على إرادة أخذ أخته الحسناء. قوله: (أتيت) إتيانه من قبله عبارة عن إصابة ما أصابه، وازالة حظه أي نصيب المحسود، ونعمته لأنّ شأن الحاسد ذلك وقوله فإنّ ذلك أي اجتهاده فيما ذكرء قوله: (وأنّ الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متق (في الكشاف قال له: إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلي فلم تقتلني، ومالك لا تعاتب نفسك، ولا تحملها على تقوى الله التي هي إلسبب في القبول فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لم! ن، وفيه دليل على أنّ الله تعالى لا يقبل الطاعة إلا من . ة من متق الخ يريد أن هذا الجواب وارد على الأسلوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الحكيم لأنه تلقاه بغير ما يتطلب، وبما 5، اهمّ منه من القتل، والإشارة بقوله، ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول) اكا أنه ينبغي للحاسد أن يرى ذلك، ويعتقده فيقول فيما لم يتقبل منه أنّ سبب عدم قبوله من، صور فاعل ذلك الفعل فيه لكونه غير واقع على نهج التقوى الصادرة من المؤمنين كعدم نيته! ا، لك، وقصده وجه الله بل حظ نفسه فالمراد بكون متقيا أنه متق في تلك الطاعة فلا يرد عليه ءا قيل كل متق أو عاص إذا فعل طاعة، وأخلص النية فيها قبلت منه كما قال الإمام القرطبي ط: أصحابنا المخلطون يعملون الحسنات، والسيئات إذا ثقلت حسناتهم دخلوا الجنة، ولا، صح الجواب بأن المراد من التقوى التقوى من الشرك التي هي أوّل المراتب، وقابيل آل أمره إ) ما الشرك إذ روي أنه هرب إلى عدن بعد قتل أخيه فأتاه إبليس لعنه الله، وقال له إنما أكلت 11-، ر قربان هابيل لأنه خدمها وعبدها فبنى له بيت نار وهو أوّل من عبد النار. قوله: (قيل كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله) أي تجنب الحرج والإثم فالتفعل للسلب هنا، االاستسلام الانقياد، والمراد به هنا عدم الممانعة والمدافعة وقوله: (لآنّ الدفع الخ) يعني أنّ ااقتل للانتصار، والمدافعة لم يكن مباحا في ذلك الوقت، وفي تلك الشريعة كما روي عن. حاهد رحمه الله تعالى، وإنّ الله أمر بالصبر عليه ليكون هو المتولي للانتصاف وقوله: (أو تحريا لما هو الآفضل الخ) الأفضل أكثر ثوابا وهو كونه مقتولاً لا قاتلا بالدفع عن نفسه بناء لحلى جوازه إذ ذاك، وهذا الحديث أخرجه ابن سعد في طبقاته. واعلم أنه اختلف في هذا على ما بسطه الإمام الجصاص فالصحيح من المذهب أنه يلزم ددع الفساد عن نفسه، وغيره وان أدى إلى القتل، ولذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ معنى ما أنا بباسط الخ. إن بدأتني بقتل فأنا لم أبدأك فالمعنى لم يثبت لي بسط اليد ووجه المعبير بالاسمية ظاهر حيحئذ وأما على قول مجاهد رحمه الله تعالى إنه لم يبح لهم الدفع فالآية. صسوخة، وهل نسخت قبل شرعنا أم لا فيه كلام، والدليل عليه قوله: {فقاتلوا التي تبغي} اصورة الحجرات، الآية: 91] وغيره من الآيات والأحاديث وقيل إنه لا يلزم ذلك بل يجوز،، استدل بهذا الحديث، ونحوه وأوّلوه بترك القتال في الفتنة، واجتنابها وأوّل الحديث يدل عليه، وأما من مغ ذلك الآن مستدلاً بحديث: " إذا التقى المسلمان بسفيهما فالقاتل والمقتول في النار " فقد ردّ بأنّ المراد به أن يكون كل منهما عزم على قتل أخيه، وان لم يقاتله ويتقابلا بهذا القصد. قوله: (وإنما قال ما أنا بباسط يدي الخ) يعني أن هذه جواب القسم الموطأ له باللام لأنّ الجواب للسابق من القسم، والشرط كما مرّ لكنها لدلالتها على جواب الشرط كانت في المعنى جوابا له، ولو كانت جواب الشرط حقيقة لزمتها الفاء، وقد عدل فيها عن الفعلية إلى الاسمية وعبارة المصنف أحسن من قول الكشاف فإن قلت لم جاء الشرط بلفظ الفعل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، وهو قوله: لئن بسطت ما أنا بباسط قلت ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع، ولذلك أكده بالباء لما فيه من المسامحة أو جعله جواب الشرط بخلاف قول المصنف رحمه الله تعالى جواب لئن فإنه صادق بجواب القسم، ثم بين أنّ العدول إلى الاسمية للمبالغة في أنه ليس من شأنه ذلك، ولا ممن يتصف به، ولم يقل وما أنا بقاتل بل بباسط للتبرّي عن مقدمات القتل فضلا عنه، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى رأسا أي تبريا عنه من أصله، وفي الانتصاف إنما امتاز اسم الفاعل عن الفعل بهذه الخصوصية من حيث إنّ صيغة الفعل لا تعطي سوى حدوث معناه من الفاعل لا غير، وأما اتصاف الذات به فذاك أمر يعطيه أسم الفاعل، ومن ثمة يقولون قام زيد فهو قائم فيجعلون اتصافه بالقيام ناشئا عن صدوره مته، ولهذا المعنى قيل لأجعلنك من المسجونين لتكونن من المرجومين عدولاً عن الفعل الذي هو لأسجننك لأرجمنك إلى الاسم تغليظاً يعنون أنهم يجعلون هذه لوقوعها، وثبوتها كالسمة، والعلامة الثابتة، ولا يقتصرون على مجرّد اتصافه بها، ولا فرق بين النفي، والإثبات لأنه لتأكيد النفي لا لمنفي تحى يرد أن نفي الحدوث أبلغ من نفي الثبوت كما قيل. قوله: (تعليل ثان للامتناع عن المعارضة والمقاومة الخ (المقاومة مفاعلة من القيام كني بها عن المدافعة لأنّ المتدافعين يقوم كل واحد منهما مقابلة الآخر، ولما كان كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 منهما علة مستقلة لم يعطف أحدهما على الآخر إيذانا بالاستقلال، ودفعا لتوهم أن يكون جزء علة لا علة تائة، وقد أورد عليه بعض فضلاء العصر أنّ ذلك يقتضي بسط يده، والمذكور بقوله أني أريد تعليل لعدم البسط فكيف يشبه أمر المستبين فإنه يصدر من كل منهما هناك سب فتكون تبعة السبين على البادي وقد يقال أن قوله: {ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} النفي فيه للقيد يعني إن بسطتها فللدفع لا للقتل دمان احتمل ترتبه عليه وعلى هذا يكون له أثمان إثم قتله، واثم ما صدر من الدافع لتسببه له، وكونه إثماً على حرمة الدفع عندهم ظاهر، وعلى غيره فلأنه فعل ما يأثم فاعله لو لم يكن دافعاً، وهذا أمر تقديري لقوله إن بسطت، وكذا في الحديث لأنّ ما شرطية أو موصولة فيها معنى الشرط، والى هذا أشار صاحب الكشف بقوله ليس هذا من قبيل ما ورد في الحديث لأنه لم يصدر الفعل إلا من طرف واحد فمن أين وجوب تحمل الظالم إثم فعله، ومثل إثم صاحبه على فرض المقابلة بالإثم وليس بشيء لأنه لم يدّع وجوب التحمل ولا أنّ الحديث دال على هذا القسم بل إنما أراده هابيل وكأنه قال إني أريد أن يضاعف عذابك والإرادة لا تستدعي وجوب الوقوع انتهى ولما لم يفهمه بعضهم قال إنه ناشئ من عدم فهم المراد فتدبر. توله: (إرادة أن تحمل اثمي لو بسطت الخ) الداعي إلى هذا التأويل أنه يرجع القاتل بإثمه، وأما رجوعه بإثم المقتول إن أريد به إثم قتله فلا إثم له فيه، وان أريد إثمه مطلقا فقد علم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وقد مرّ أنّ في الآية تأويلين للسلف فعلى ما تدمه المصنف رحمه الله تعالى يكون الدفع بالقتل، وغيره إثما ومعنى الآية إني لا أدفع لخوف ربي، ولو دفعت لكان إثمي، واثمك عليك أما إثمك فظاهر، وأما إثمي فلأنك كنت السبب له، وأنت الذي علمتني الضرب، والقتل لأنه أوّل فاعل له، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة، وهذا على فرض وقوعه وتنزيله منزلة الواقع فيصح تنظيره بالحديث. قوله: (المستبان ما قالا فعلى البادئ) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه والمستبان مبتدأ وما في ما قالا شرطية، والشرط، وجوابه خبر المبتدأ، وبجوز أن تكون موصوفة بدلاً من المستبان بدل اشتمال أو مبتدأ، وعلى البادي خبره أو خبر مبتدأ محذوف أي فهو على البادي، وما في ما لم يعتد مصدرية فيها معنى المدة، وهي ظرف لمتعلق على، والمعنى المستبان الذي قالاه من السب استقرّ ضرره على الذي بدأ بالسب مدة عدم اعتداء المظلوم ما لم يجاوز المظلوم حد ما سبه البادئ فإذا جاوزه استقرّ ضرر ما قال كل عليه لأن البادي كان سببا في سب صاحبه، وسب المجيب فيه إثم إلا أنه محطوط عنه ما لم يزب في المكافأة كذا قال الزمخشري: وقال النحرير: فإن قيل أيّ حاجة إلى هذا التكلف، وقد دل الحديث على اختصاص الجميع بالبادي عند عدم الاعتداء فلا يكون للمجيب شيء منه قلنا قد حمل الجميع على إثم البادي، ومثل إثم الصاحب فلا يدل على أنّ إثم الصاحب لا يقع عليه. (بقي هاهنا بحث) ، وهو أن تقدير المثل محتمل في الآية كما ذكروا ما في الحديث فقد ذكر الجميع بلفظ واحد، وهو ما قالا أي إثم ما قالا فلا مجال لحمله على ما تال البادي، ومثل إثم ما قال الآخر إلا بالتزام الجمع بين الحقيقة، والمجاز فالأقرب أن يحمل على ظاهره، ويجعل إثم غير البادي ذا جهتين جهة نفس السب، وهو من هذه الجهة ساقط عنه بالدليل وجهة الحمل عليه، وهو على البادئ لكون هذه الجهة من قبله على طريقة من سن سنة سيئة الخ. فلا يكون من حمل وزر نفس على أخرى، وأما أنّ غير البادي ليس له المعارضة بالمثل بل الرفع إلى الحاكم ليجري على البادي ما هو الحكم من الحد أو التعزير فذلك بحث آخر انته، وهذا ردّ على صاحب الكشف إذ قال حط الإثم عن المظلوم لأنه مكافئ غير صحيح لأنه إذا سب شخص لم يستوف الجزاء إلا الحاكم. والجواب أنّ صريح الحديث يدل على ما ذكره جار الله، والجمع بين الحكم الفقهي، والحديث أنّ السب إما أن يكون بلفظ يترتب عليه الحد شرعا فذلك سبيله الرفع إلى الحاكم أو بغير ذلك، وحينئذ لا يخلو إما أن يكون بما يتضمن إسناداً أو تفاخراً بنسب، ونحوه مما يتضمن إزراء بصاحبه دون شتم كنحو الرمي بالكفر، والفسق فله أن يعارضه بالمثل، ويدل عليه حديث زينب، وعائشة رضي الله تعالى عنهما، وقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 صلى الله عليه وسلم: " دونك فانتصري " أو يتضمن شتما وذلك أيضاً يرفع إلى الحاكم ليعزر والحديث محمول على القسم الذي يجري فيه الانتصار وقوله: ما لم يعتد المظلوم يدلّ عليه لأنّ اشتغاله بما حقه الرفع إلى الحاكم اعتداء وهذا تفصيل حسن وقول النحرير: إنه بحث آخر لا وجه له لأنه أيّ بحث آخر في الحديث سوى أخذ الأحكام الشرعية منه. قوله: (وقيل معنى بإثمي بإثم قتلي الخ) وهذا ظاهر فإضافة الإثم إلى المتكلم لأنه نشأ من قبله أو هو على تقدير مضاف ولا حاجة إلى تقدير مثل ونحوه، واثم القاتل الذي لم يتقبل له قربانه عدم رضاه بحكم الله كما مرّ، ولا خفاء أنه لا يحسن المقابلة بين التكلم، والخطاب على هذا لأنّ كليهما اسم المخاطب، وقوله: وكلاهما في موضع الحال أي مجموعهما! ل واحد، وفيه تسمح. قوله: (بل قصده بهذا الكلام الخ الما كان إرادة الإثم من آخر غير جائزة كأن يريد زناه، ونحوه أوله بأنّ المراد أن لا يكون له نفسه إثم وهو لازم لإثم أخيه فأريد لازمه أو المراد بالإثم ما يلزمه، ويترتب عليه من العقوبة، ولا يخفى أنه لا يتضح حينئذ تفريع قوله فتكون الخ. قوله: (فسهلته الخ) قال الراغب معناه فسمحت له فزينته، وانقادت وسوّلت، وطوعت أبلع من أطاعت، وهو في مقابلة فأبت نفسه، وفسره المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشريّ بسهلته، وذكر أنّ معناه التوسعة فتجوز به عما ذكر، وقراءة المفاعلة فيها وجهان أن يكون فاعل بمعنى فعل كما ذكره سيبويه رحمه الله، وهو أوفق بالقراءة المتواترة أو أنّ المفاعلة مجازية بجعل القتل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لحق قابيل وجعلت النفس تأباه فكل من القتل، والنفس كأنه يريد من صاحبه أن يطيعه إلى أن غلب القتل النفس فطاوعته. قوله: (وله لزيادة الربط الخ) أي كان يكفي طوعت نفسه قتل أخيه، وحفظت مال زيد ولكنها زيدت للتاً كيد، والتبيين كما في {ألم نشرح لك صدرك} ، وقيل إنه للاحتراز عن أن يكون طوعه لغيره ليقتله له أو حفظ المال لنفسه، وفيه نظر، وحراء بكسر الحاء، والمد يصرف، ولا يصرف جبل معروف، وقوله: ديناً ودنيا أخذ العموم من حذف المفعول. قوله: (حال من الضمير في يواري الخ) ، وقدم عليه لأنّ له الصدر وجملة كيف يواري في محل نصب مفعول ثان ليرى البصرية المتعدية بالهمزة لاثنين، وهي معلقة عن الثاني وقيل إنها علمية أي ليعلمه، ولو كان بمعنى ليبصره لم يكن لقوله كيف يواري موقع حسن، وأما على تقدير ليعلمه فهو في موقع المفعول أي فإنه يجاب عن السؤال بكيف يواري، وفيه نظر، والسوأة ما يسوءك نظر، ولذا يطلق على العورة، ويبحث بمعنى يحفر وأصل معناه يفتش، وليريه إمّا متعلق ببعث أو يبحث، والغرابان هما طائران معروفان، وقيل إنهما ملكان بصورة غرابين، ودفن المسلم، والكافر المعصوم فرض! كفاية وقوله: (ويستقبح الخ (بيان لوجه كونها سوأة، وفسر السوأة بجسد الميت وهو المراد، والزمخشرقي فسرها بالعورة، وما فعله المصنف رحمه الله أولى، وسميت سوأة لأنها تسوء ناظرها. واعلم أنه قال في كتاب الأحكام إنّ في العورة أقوالاً فقيل هي الجسد كله وقيل ما بين السرة والركبة وقيل إنها مثقلة، وهما القبل والدبر، ومخففة، وهي ما بين السرة، والركبة فلعل العلامة فسرها بالعورة حتى تشمل الأقوال نعم ما فعله المصنف أظهر. قوله: (كلمة جزع وتحسر) أصل النداء لمن يطلب إقباله من العقلاء وهو مجاز هنا عن الجزع، والتحسر كأنه ينادي موته، ويطلب حضوره بعد تنزيله منزلة من ينادي، ولا يطلب الموت إلا من كان في حال أشد من الموت فكني به ذلك وقوله: (والمعنى الخ) بيان لأصله والهلكة بفتحتين الهلاك، والاستفهام في أعجزت للتعجب، وأن أكون بتقدير عن أن أكون، وتعجبه عن عجزه عن كونه مثله لأنه لم يهتد إلى ما اهتدى إليه. قوله: (وليس جواب الاستفهام الخ) هذا ردّ على الزمخشريّ حيث جعله منصوبا في جواب الاستفهام، وقد سبقه إليه كثير من المعرين، وقالوا إنه خطأ لأنّ شرطه أن ينعقد من الجملة الاسمية، والجواب جملة شرطية نحو أتزورني فأكرمك تقديره إن تزرني أكرمك، ولو قيل هنا إن أعجز عن أن أكون مثل الراغب أوار سوأة أخي لم يصح المعنى لأنّ المواراة تترتب على عدم العجز لا عليه، وقيل في توجيهه أنّ الاستفهام للإنكار بمعنى النفي، وهو سبب أي إن لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 أعجز واريت، وقيل هو من قبيل أتعصي ربك فيعفو عنك بالنصب لينسحب الإنكار التوبيخي على الأمرين، ويشعر بأنه في العصيان، وتوقع العفو مرتكب لما يحالف العقل حيث جعل سبب العقوبة سبب العفو، ويكون التوبيخ على هذا الجعل فكذا هنا نزل نفسه منزلة من جعل العجز سبب المواراة دلالة على التعكيس المؤكد للعجز عما اهتدى إليه غراب، ومن يكن الغراب له دليلا كفى به خائبا خاسراً، والثاني مسلك المدقق في الكشف وزاد فيه فإن قلت الإنكار التوبيخي إنما يكون على واقع أو متوقع فالتوبيخ على العصيان، والعجز له وجه إما على العفو، والمواراة فلا قلت التوبيخ على جعل كل واحد سبباً أو تنزيله منزلة من جعله سبباً لا على العفو، والمواراة فافهم، وقد أشار إليه في سورة الزمر، و! ل عليه أنّ الثاني في نجاية البعد والأوّل غير صحيح لأنه لا يكفي في النصب سببية النفي بل لا بد من سببية المنفي ألا ترى أنّ ما تأتينا فتحدثنا مفسر عندهم بأنه لا يكون منك إتيان فتحدث لا بأن لم تأتنا فتحدثنا، والجواب عنه أنه فرق بين ما نصب في جواب النفي، وما نصب في جواب الاستفهام، والكلام في الثاني فكيف يرد الأوّل نقضاً، ولو جعل في جواب النفي لم يرد ما ذكره أيضا لأنه لا حاجة إلى أخذ النفي من الاستفهام الإنكاري مع وضوح تأويل عجزت بلم أهتد، وقد قال في التسهيل أنه ينتصب في جواب النفي الصريح، والمؤوّل، وما نحن فيه من الثاني فتأمّل، وقال ابن عرفة في تفسيره ما في سياق شيء له حكمه وتقدير شرط مأخوذ منه فالتقدير إن كنت مثل هذا الغراب أوار الخ، وهو كلام دقيق. قوله: (وقرئ بالسكون على فأنا أواري الخ (أي أنه مستأنف، وهم يقدرون المبتدا لإيضاح القطع عن العطف وأمّا تسكين المنصوب فكثير، ولا عبرة بقول أبي حيان أنه ضرورة. قوله: (نأصبح من النادمين على قتله الخ) أصبح هنا بمعنى صار، وكابد بمعنى قاسى، ولقي ما يؤلم كبده، وقوله: ما كنت عليه وكيلا أي أنا لم أكن مأموراً بحفظه، وقد مز أنّ الوكيل بمعنى الحافظ، وقوله: ومكث سني آدم عليه الصلاة والسلام، وعدم الظفر الخ بالجرّ عطف على ما كابد وهو تزوجه بتوأمته. تنبيه: في الكشاف بعد هذا وروي أنه رثاه بشعر، وهو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم معصومون من الشعر، والشعر المذكور هو قوله: تغيرت البلادومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي لون وشكل وقل بشاشة الوجه المليح وقال الشراح المليح إن رفع فخطأ لأنه صفة الوجه المجرور، وان خفض فأقواء، وهو عيب قبيح، وان كثر وقول من قال الوجه فاعل قل، وبشاشة منصوب على التمييز بحذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف ألحن، وقيل إنّ آدم عليه الصلاة والسلام رثاه بكلام منثور بالسرياني فلم يزل ينقل إلى أن وصل إلى يعرب بن قحطان، وهو أوّل من خط بالعربية فنظر فيه فقدم، وأخر وجعله شعرا عربيا. (قلت الا شك أن لوائح الوضع عليه لائحة لركاكته لكن ما استصعبوه من الأقواء، وترك التنوين ليس بصعب لما في أشعار الجاهلية، والشعراء من أمثاله مع أنه قد يخرج بأنه نعت جرى على المحل لأنّ الوجه فاعل المصدر، وهو بشاشة، وقيل إنه مرفوع، وقد سمع كالجر. قوله: (بسببه قضينا عليهم) سبب هو معنى أجل كما سيذكره والضمير راجع للقتل أو لما ذكر من القصة، وقضينا تفسير لكتبا ومن ابتدائية متعلقة بكتبنا، وقيل بالنادمين، وكتبنا استئناف، واستبعده أبو البقاء، والأجل بفتح الهمزة، وقد تكسر أصل معناه الجناية ولذا يقال بمعناه من جراك أي من جريرتك فلا يخفى حسن موقعه هنا، ثم اتسع فيه فاستعمل لكل سبب هكذا حققه أكثر اللغويين وجراً يمد وقصر وراؤه مشددة، وقد تخفف، وضمير أنه للشأن، ومن شرطية والباء في بغير للمقابلة متعلقة بقتل أو حال بمعنى متعدياً ظالما، وفساد بالجر معطوف على المضاف المحذوف أو على المذكور إن لم يقدر 0 قوله: (من حيث إنه هتك حرمة الدماء الخ (يعني أنّ جميع الناس مشتركون في الكرامة على الله، والاحترام عند الله فمن قتل واحداً منهم فقد نفى كراهة الله وهتك حرمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وكذلك من قتل الجميع فيكون قتل واحد كقتل الجميع، وكذا إحياؤها بترك القتل كإحياء الجميع لإبقاء كرامة الله، وتوفير حرمته، والفائدة في هذأ التشبيه الترهيب، والرح عن قتل نفس واحدة لتصويره بصورة قتل جميع الناس، والترغيب، والتحضيض على إحيائها لتصويره بصورة إحياء جميع الناس ولأنه جرأ الناس فكان فعلهم متسببآ على فعله فكأنه صدر منه لما سنه من السنة السيئة، ولأنه يشبهه في استجلاب أصل غضب الله، وأدخل بعضهم في هذا التزوج لأنه يشبه الأحياء بالتناسب قال، وبه تتصل هذه الآية بقصة ابني آدم وهو تكلف من غير داع. قوله: (بعدما كتبنا عليهم هذا الشديد الخ (التشديد العظيم يؤخذ من قتل جميع الناس، وقوله: وبهذا اتصلت الآية، وفي أكثر النسخ القصة أي قصة ابني آدم بما قبلها من قصص بني إسرائيل، وعلى النسخة الأخرى المراد بالآية قوله: (من أجل ذلك الخ) اتصل بقصة ابني آدم، ويحتمل أن يريد بالآية قصة ابني آدم لأنها في حكم آية واحدة وفسر الإسراف بما ذكره ليشمل الفعل، ويعم ما لا يتعلق بالمال كما هو المتبادل منه. قوله: (أي يحاربون أولياءهما الخ) يدخل في أولياء الله، والمسلمين الرسول دخولاً أولياً، ولا ينافيه جعل محاربتهم بمنزلة محاربتهما لأنّ منهم من حارب الرسول حقيقة فلا حاجة إلى التنزيل في شأنه لأنه إشارة إلى تقدير مضاف أو إن ذكر الله للتمهيد، وجعل محاربة المسلمين حكم محاربة الرسول للتنبيه على أن ما ذكر في الآية في حكم قطاع الطريق شامل للقطاع على المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو بإعصار لأنهم يحاربون الرسول حيث يحاربون من هو على طريقته، وأهل شريعته فلا يتوهم أنّ الحكم فيهم بطريق الدلالة أو القياس، وما يقال إنه إشارة إلى أنّ ذكر الرسول تمهيد على تمهيد كلام خال عن التحصيل كيف ولا ذكر للمسلمين بعده، وأيضا قطاع الطريق لو قتلوا، وفعلوا بأهل الذمة فحكمهم حكم غيرهم، وكان مرادهم أن ذكر الله تمهيد لذكر رسوله، وذكر الرسول تمهيد لقوله يسعون في الأرض فساداً لأنه هو المقصود، ولو اقتصر عليه لكفى وبهذا التقرير علم سقوط ما قيل على المصنف رحمه الله تعالى أنه خرج من كرمه الرسول نفسه فيقتضي أنّ بيان شأنه بطريق المفهوم، وليس كذلك، وقال الجصاص: يريد الذين يحاربون أولياء الله، ورسوله كقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} ويدلّ على ذلك أنهم لو حاربوا رسول الله لكانوا مرتدين باظهار محاربة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومخالفته انتهى، وعليه فلا حاجة إلى التأويل، ولا يرد عليه شيء، وهو ظاهر، وأصلى معنى الحرب لغة السلب أي الأخذ، وقد يستعمل بمعناه يقال حربه إذا سلبه كما قاله الراغب: والمكابرة الهجوم جهرة واللصوصية بضم اللام مصدر بمعنى السرقة والمكابرة بهذا المعنى استعملها الفقهاء، وذكرها الجاحظ في كتاب اللصوص، وأهملها كثير من أهل اللغة فكأنها مولدة لم تثبت عندهم إلا أنّ الجاحظ ثقة، ولم يقل أنها مولدة. قوله: (اي مفسدين الخ (يعني أنه حال بتأويل المصدر باسم الفاعل أو مفعول له أو مصدر لسعي من معناه كقعدت جلوساً وفساد اسم مصدر بمعنى الإفساد حينئذ، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه. تنبيه: في الكشاف في قوله ليريه كيف يواري سوأة أخيه ليعلمه لأنه لما كان سبب تعلمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز قيل فهو استعارة تبعية في اللام حيث شبه ترتب التعلم على بحثه، وتسببه عنه بترتب ما يقصد بالفعل عليه، وكلامه صريح فيه، وان توهم أنّ مراده أنّ إسناد التعليم إلى الغراب مجازي لكونه سبباً، ولو أراد هدّا قال فكأنه علمه ثم بعد التجوّز في اللام هل الإسناد مجازي فيه تأمّل انتهى. (أقول) يعني على استعارة اللام معناه أنه ببحثه تبين له مواراة أخيه حقيقة، وهذا في التأويل ظاهر أما إسناده إلى الغراب فلا يمكن أن يكون على الحقيقة، ثم إنه على إرجاع الضمير لله، وتعلقه ببعث لا بد فيه من التجوز في اللام لأنها للعاقبة، وكلامه مشعر بخلافه فتأمّل. قوله: (أن يقتلوا الخ) الإتيان بالتفعيل لما فيه من الزيادة على القصاص من أنه لا يسقط بعفو الولي، وكذا التصليب لما فيه من القتل، وإنما ضم إليه القتل لأنه لا يكون جزاء القتل وأخذ المال أقل من القتل وحده، وقوله: حتى يموت تنازع فيه يترك ويطعن، وقوله: تقطع الخ. هذا في أول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 مرّة فان عاد قطع الأخريان. قوله: (ينفوا من بلد الخ) اختلف في النفي فقال الحجازيون ينفي من موضحع إلى موضع. وقال العراقيون: يسجن، ويحبس، والعرب تستعمل النفي بمعنى السجن لأنه يفارق بيته وأهله، وقال ابن عربي: فيه أقوال فقيل: ينفي لبلاد، وقيل: لبلد أبعد، وقيل: يطالبونه بالحد، والى الأول ذهب صاحب المحرر من الثافعية أيضاً كما قال الشاعر: - اه- 511 خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأموات فيها ولا الإحيا إذا جاءنا ال! سجان يوماً لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا واستدل له بأنّ المراد زجره، ودفع شره فإذا نفي إلى بلد آخر لم يؤمن ذلك منه، واخراجه من الدنيا غير ممكن ومن دار الإسلام غير جائز فإن حبس في آخر فلا فائدة فيه إذ بحبسه في بلده يحصل المقصود، وهو أشد عليه، وقوله: بحيث لا يمكنون من القرار في موضع المراد أنهم يشردون، ويفرقون بحيث لا يجتمعون في مكان كسرا لشوكتهم بالتفريق. قوله: (وأو في الآية الخ) أي هي للتقسيم، واللف والنشر المقدر على الصحيح، ومن قال بتخيير الإمام جعلها تخييرية، والأوّل علم بالوحي والا فليس في اللفظ ما يدلّ عليه دون التخيير ولأنّ فيها أجزية مختلفة غلظاً وخفة فيجب أن تقع في مقابلة جنايات مختلفة ليكون جزاء كل سيئة سيئة مثلها، ولأنه ليس للتخيير بين الأغلظ، والأهون في جناية واحدة كبير معنى، والظاهر أنه أوحى إليه هذا التنويع والتفصيل، وما قيل إنّ التخيير بالنسبة إلى الإمام، والحاكم فإنه يفعل ما يريد منها مع ملاحظة الجنايات، واستحقاقها صلح من غير تراض للخصمين مع بعده. قوله: (لهم خزي في الدنيا الخ) قال النووفي رحمه الله تعالى إذا اقتص منه، وعوقب كيف يكون مستحقا لذلك وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " من ارتكب شيئاً فعوقب به كان كفارة له " فيقتضي سقوط الإثم عنه، وأن لا يعاقب في الآخرة، وأجاب بأنه يكفر عنه حق الله، وأما حقوق العباد فلا، وهنا حقان لله والعباد، وفيه نظر، وقوله: مخصوص الخ لأنّ القصاص لا يسقط بالتوبة، ثم إنهم لهم في الدنيا عذاب وخزي، وكذا في الآخرة فاقتصر في الدنيا على الخزي لأنه أعظم من عذابها، واقتصر في الآخرة على عذابها لأنه أشدّ من الخزي، وقوله: {لعظم ذنوبهم} راجع إلى عذاب الدنيا، والآخرة ووجه دلالة أنّ الله غفور رحيم عليه أنه لا يعفو عن حقوق العباد بل عن حقوقه، وقوله: يسقط بالنوبة الخ إشارة إلى مخالفته لغيره من القصاص. تنبيه: قال شيخ والدي ابن حجر الهيثمي قول المصنف رحمه الله تعالى يسقط بالتوبة الخ كلام ظاهر الفساد لأنّ التوبة لا دخل لها في القصاص أصلاً إذ لا يتصور له بقيد كونه قصاصاً حالتا وجوب، وجوإز لأنا إن نظرنا إلى الولي فطلبه جائز لا واجب مطلقاً أو للإمام فان طلبه منه الولي وجب والا لم يجز من حيث كونه قصاصا والا جاز أو وجب من حيث كونه حدا، وأوله بعضهم بما لا يوافق المذهب فتأمّل. وقال شيخنا ابن قاسم ادعاؤه الفساد ظاهر الفساد فإنه لم يدع ما ذكر، وإنما ادعى أنّ لها دخلا في صفة القتل قصاصا وهي وجوبه، وقوله: (إذ لا يتصور الخ) قلنا لم ياع أنّ له حالتي وجوب وجواز بهذا القيد بل ادعى أن له حالتين في نفسه، وهو صحيح على أنه يمكن أنّ له حالتين بدّلك القيد لكن باعتبارين اعتبار الولي، واعتبار الإمام إذا طلب منه، وقوله: (إن نظرنا الخ) كلام ساقط ولا شك أنّ النظر إليهما يقتضي ثبوت الحالتين قصاصا، وقوله: فتأمّل تامّلنا فوجدنا كلامه نشأ من قلة التأمّ أنتهى. قوله: (وإنّ الآية في قطاع المسلمين الخ) قيل عليه المراد بالتوبة عن قطع الطريق، ولا تأثير لها في سقوط الحد بعد القدرة سواء كانت من الكافر أو المسلم، وأما إن توبة الكافر مسقطة لجميع ما كان قبل التوبة فمعلوم من غير هذا الموضع. واعلم أن مراد المصنف رحمه الله تعالى ما فصله في كتاب الأحكام أنّ محاربة الله ذهب قوم من السلف إلى أنها إنما تستعمل في الكفار فمن قال به حمل هذه الآية على أهل الردة ورده بأنه ورد في الأحاديث إطلاقها على أهل المعاصي أيضا وأنه لا خلاف بين السلف، والخلف في أن هذا الحكم غير مخصوص بأهل الردة، وإنه فيمن قطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 الطريق، وان كان من أهل الملة وحكي عن بعض المتأخرين، ومن لا يعتد به أنّ ذلك مخصوص بالمرتدين وهو قول ساقط مردود مخالف للأمة، واجماع السلف، والخلف ويدل على أنّ المراد به قطاع الطريق من أهل الملة قوله تعالى: {إلا الذين تابوا} الخ ومعلوم أنّ المرتدين لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما يسقطها عنهم قبل القدرة، وقد فرق الله بين توبتهم قبل القدرة، وبعدها، وأيضا فإن الإسلام لا يسقط الحد عمن وجب عليه، وأيضا ليست عقوبة المرتدين كذلك، والآية وان نزلت في الكفار من العرينين أو غيرهم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومراد المصنف رحمه الله تعالى رد هذا القول الذي ذهب إليه بعض المفسرين لكن في عبارته إجمال، ومسامحة فلا يرد عليه ما أورده هذا المعترض. قوله: (أي ما تتوسلون به إلى ثوابه الخ) يشير إلى أن إلى متعلقة بالوسيلة، وهي صفة لا مصدر حتى يمنع تقدم معموله عليه وقيل إنه متعلق بالفعل، وقوله: (وفي الحديث الخ) إن أراد به أنه هنا بهذا المعنى فغير ظاهر لتعلق الجارية ولأنه ورد في الحديث كما رواه مسلم وغيره: " منزلة في الجنة جعلها الله لعبد من عباده وأرجو أن كون أنا فأسألوا لي الوسيلة " فهو يقتضي أنها غير المذكورة هنا لاختصاصها بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والجواب أنه بيان لبعض أفرادها بطريق التنظير لا التمثيل والأعداء الظاهرة ظاهرة، وأما الباطنة فالقوى الشهوية ونحوها. قوله: (واللام متعلقة بمحذوف الخ) أي لام ليفتدوا لا لهم لأنه خبر أن، وفي أنّ بعدلو مذهبان أحدهما ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى أنها فاعل فعل مقدر، وضمير به لما في الأرض! ، ومثله وحد لما ذكره، واجراء الضمير مجرى اسم الإشارة مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (أو لأن الواو في مثله بمعنى مع) فيتوحد حينئذ مرجع الضمير وهو ما في الأرض! المصاحب لمثله كما تقول جاء زيد، وهنداً ضاحكا ومعه يكون تأكيدا وهو حال كذا في الكشاف وجعل الناصب له ثبت المقدر بعد لو وهكذا حكم الضمير بعد المفعول معه إلا فراد وأجاز الأخفش أن يعطي حكم المتعاطفين فيثني ضميره، وقال بعض النحاة الصحيح جوازه على قلة ورد بأنه لا فائدة في قوله معه حينئذ إن كان الضمير لما، وان كان لمثل بأن يكون له مثلان فيفيد، وأما كون العامل فيه ثبت فليس بصحيح لأنّ العامل في المفعول معه وهو العامل في المصاحب له كما صرحوا به، وهو ما أو ضميرها وشيء منهما ليس عاملا فيه ثبت المقدر، وأما صحته على تقدير جعله لهم أو متعلقه على ما قيل وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له، ولذا أسقط ذكر العامل المذكور في الكشاف فممنوع أيضاً كما نقل عن سيبويه رحمه الله أنه قال، وأما هذا لك، وأباك فقبيح لأنه لم يذكر فعل، ولا حرف فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل فصرح بأنّ اسم الإشارة، وحرف الجر والظرف لا يعمل في المفعول معه ومن العجائب ما قيل إن المصنف رحمه الله تعالى أعرض عن كونه مفعولأ معه، وقال إنّ الواو بمعنى مع يريد أنه من قبيل كل رجل وضيعته ردّاً على ما قاله الزمخشريّ، وهو فاسد من وجوه لأنّ مثله يلزم فيه المطابقة، ولا يذكر الخبر ولم يقل، ولو افتدوا مع أنه أخصر لأنّ هذا أبلغ إذ معناه لو أنهم حصلوا ما في الأرض، وملكوه بقصد الفدية لم يقبل منهم ذلك فتأمل. قوله: (تمثيل للزوم العذاب الخ) قال القطب أي كناية عن لزوم العذاب فإن لزوم العذاب من لوازمه أن ما في الأرض! جميعاً، ومثله معه لو افتدوا به منه لم يتقبل منهم فلما كانت هذه الجملة بل هذه الملازمة لازمة للزوم العذاب عبر عنها بها فيكون كناية ولعل التمثيل يطلق على الكناية إذا كانت بالتمثيل، وقال النحرير لا يريد به الاستعارة التمثيلية بل إيراد مثال وحكم يفهم منه لزوم العذاب لهم أي لم يقصد بهذا الكلام إثبات هذه الشرطية بل انتقال الذهن منه إلى هذا المعنى، وبهذا الاعتبار يقال له كناية، ويمكن تنزيله على التمثيل الاصطلاحي بأن يقال حالهم في حال التقصي عن العذاب بمنزلة حال من يكون له أمثال ما في الأرض! ، ويحاول بها التخلص من العذاب فلا يتقبل منه، ولا يتخلص فقد علصت أن التمثيل هنا محتمل ثلاثة معان. قوله: (وقرئ يخرجوا (يعني مجهولاً ووجه المبالغة إفادة الاسمية الثبوت مع زيادة الباء للتأكيد، وقد مر له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 زيادة توضيح في ما أنا بباسط يدي إليك. قوله:) جملتان عند سيبوبه الخ) في الكشاف رفعهما على الابتداء والخبر محذوف عند سيبويه رحمه الله تعالى كأنه قيل، وفيما فرض عليكم السارق، والسارقة أي حكمهما ووجه آخر، وهو أن يرتفعا بالابتداء والخبر فاقطعوا أيديهما، ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأنّ المعنى والذي سرق، والتي سرقت فاقطعوا أيدهما والاسم الموصول يضمن معنى الشرط، وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر لأن زبداً فاضربه أحسن من زيد فاضربه وهذا مما وقع فيه خبط في الكشاف هنا وفي سورة النور، وفي التفسير الكبير فيه كلام لا مساس له بهذا المقام مع طوله، والذي يبين لك مغزاه وان لم يفهموا كلام سيبويه رحمه الله ما في الانتصاف قال رحمه الله المستقري من وجوه القراآت أنّ العامّة لا تتفق فيها أبداً عن العدول عن الأفصح وجدير بالقرآن أن يحرز أفصح الوجوه وأن لا يخلو من الأفصح، ويشتمل عليه كلام العرب الذي لم يصل أحد منهم إلى ذروة فصاحته، ولم يتعلق بإهدابها، وسيبويه رحمه الله تحاشى عن اعتقاد عرائه عن الأفصح، واشتمال الشاذ الذي لا يعد من القرآن عليه، ونحن نورد كلام سيبويه لتتضح براءة سيبويه رحمه الله تعالى من عهدته قال بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب أنه متى بني الاسم على فعل الأمر فذلك موضع اختيار النصب، ثم قال موضحا لامتياز هذه الآية عما اختار فيه النصب، وأما قوله تعالى: {والسارق والسارفة} الآية {والزانية والزاني} [سورة النور، الآية: 2] الخ فإنّ هذا لم يبن على الفعل، ولكنه جاء على مثال قوله تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون} ، ثم قال فيها أنهار منها كذا يريد سيبويه رحمه الله تعالى تمييز هذه الآي عن المواضع التي بين اختيار النصب فيها، ووجه التمييز أنّ الكلام حيث يختار النصب يكون الاسم فيه مبنياً على الفعل وأما في هذه الآي فليس بمبني عليه فلا يلزم فيه اختيار النصب، ثم قال، وإنما وضمع المثل للحديث الذي ذكر بعده فذكر إخباراً، وفصصا فكأنه قال! ، ومن القصص مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار، والله أعلم فكذلك الزانية، والزاني لما قال جل ثناؤه سورة أنزلناها وفرضناها قال في جملة الفرائض الزانية والزاني، ثم جاء فاجلدوا بعد مضيئ الرفع فيهما يريد لم يكن الاسم مبنياً على الفعل المذكور بعد بل بني على محذوف متقدم وجاء الفعل طارئا، ثم قال كما جاء: وقائلة خولان فانكح فتاتهم فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر وكذلك: {والسارق والسارقة} أي، وفيما فرض! عليكم السارق، والسارقة، وإنما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث، وقد قرأ ناس والسارق والسارقة بالنصب، وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة، ولكن أبت العامة إلا الرفع يريد أنّ قراءة النصب جاء الاسم فيها مبنياً على الفعل غير معتمد على ما قبله فكان النصب قويا بالنسبة إلى الرفع حيث يبنى الاسم على الفعل لا على متقدم، وليس يعني أنه قوي بالنسبة إلى الرفع حيث يعتمد الاسم على المحذوف المتقدم فإنه قد بين أنه يخرجه عن الباب الذي يختار فيه النصب فكيف يفهم منه ترجيحه عليه، والباب مع القراءتين مختلف، وإنما يقع الترجيح بعد التساوي في الباب، والنصب أرجح من الرفع حيث يبنى الاسم على الفعل، والرفع متعين لا أقول أرجح حيث يبنى الاسم على كلام متقدم، وإنما التب! على الزمخشري كلام سيبويه من حيث اعتقد أنه باب واحد عنده ألا ترى إلى قوله لأنّ زيداً فاضربه أحسن من زيد فاضربه حيث رجح النصب على الرفع حيث يبنى الكلام في الوجهين على الفعل، وقد صرح سيبويه بأن الكلام في الآية مع الرفع مبني على كلام متقدم، ثم حقق سيبويه هذا المقدر بأنّ الكلام واقع بعد قصص، واخبار، ولو كان كما ظنه الزمخشري لم يحتج إلى تقدير بل كان يرفعه على الابتداء، ويجعل الأمر خبره كما أعربه الزمخشري فالنصب على وجه واحد وهو بناء الاسم على فعل الأمر، والرفع على وجهين أحدهما ضعيف، وهو الابتداء، وبناء الكلام على الفعل، والآخر قوي بالغ كوجه النصب، وقد رفعه على خبر ابتداء محذوف دل عليه السياق وإذا تعارض! وجهان في الرفع أحدهما قوي، والآخر ضعيف تعين القراءة على القوي كما أعربه سيبويه رحمه الله ورضي عنه، وإنما نقلت كلامه برمتة لأنه كله كما قيل: وما محاسن شيءكله حسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 ولا عطر بعد عروس، وناهيك بمقام لم بفهمه مثل الزمخشري، والإمام ولنا فيه زيادة تحقيق في سورة النور. قوله: (وجملة عند المبرد الخ) هذا كلام ابن الحاجب بعينه، وكونه جملتين عند سيبويه لأنّ تقديره مما يتلى عليكم حكم السارق، والسارقة، وهذه جملة اسمية، وقوله: فاقطعوا جملة فعلية مفسرة لذلك الحكم، وأما المبرد فذهب إلى أنّ الفاء ليست هي التي يعمل ما بعدها فيما قبلها كما في وربك فكبر ليصح النصب بالتسليط لما بعدها، وإنما هي الفاء الجزائية الداخلة على الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط بناء على أن اللام موصولة لا حرف تعريف كما في المؤمن، والكافر مما لم يقصد به معنى الحدوث، والمعنى الذي سرق، والتي سرقت فاقطعوا الخ. ومثل هذه الفاء يمنع العمل بالاتفاق، والأمر في هذا الموقع يقع خبراً للمبتدأ بلا تأويل، وليس من قبيل زيد فاضربه لكونه في الحقيقة شرطاً، وجزاء مثل أن سرط فاقطعوه كذا قال النحرير: نقلا عن المبرد وفيه نظر لأنّ هذه الفاء زائدة، وكونها تمنع العمل بالاتفاق لا يظهر وجهه، وأيضاً أنّ أل الموصولة قال الحلبي لا تقع في خبرها الفاء فليحرر هذا النقل فإنّ في النفس منه شيئاً وقوله لتضمنهما أي السارق والسارقة، وفي نسخة لتضمنها أي الجملة، والأولى أولى. قوله: (وقرئ بالنصب وهو المختار الخ) فيه بحث لأنه إن أراد أنه مختار عند القراء فليس كذلك لأنّ القراءة المتواترة على خلافه، وان أراد عند النحاة فقد عرفت أن سيبويه يقول إنّ الرفع أقوى، وإنه عنده ليس من باب الاشتغال، وان أراد عند المبرد فمذهب المبرد أن المبتدأ المتضمن معنى الشرط لا يحتاج خبره الأمرفي إلى تأويل، ولم يدخل السارقة في السارق تغليباً كما هو المعروف في أمثاله لأنه لبيان الحد الذي يحافظ فيه على ترك ما يدرأ الشبهة، وما ذكره في السرقة، وشروطها مما تكفلت به الفروع، وقوله) صلى الله عليه وسلم القطع الخ (أخرجه الشيخان عن عائشة ولفظه: " تقطع اليد قي ربع دينار فصاعداً ". قوله: (والمراد بالأيدي الإيمان، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه الخ) وضع الجمع موضع المثنى إشارة إلى قاعدة ذكرها النحاة، وهي أنّ كل جزأين أضيفا إلى الكل لفظاً أو تقديرا، وكانا مفردين من صاحبهما جاز فيهما ثلاثة وجوه الجمع، وهو الأفصح ثم الإفراد، ثم التثنية، واختلفوا أقي إلا آخرين أفصح فقيل الأوّل، وقيل الثاني، واحترزوا بالجزأين عما ليس بجزء نحو داريهما فإنه لا بد من تثنيته لا من اللبس، وكذا إن أفردا عن الإضافة كاليدين لذلك واحترزوا بالمفردين من نحو فقأت عينيهما فإنه لا بد من التثنية لإلباسه في الإفراد، وما نحن فيه من هذا القبيل فكان اللازم تثنيته على الأفصح فأشار إلى جوابه بأنّ اليد هنا بمعنى اليمين كما قرئ به فهي مفردة فلذا جمعت كالقلوب مع أنه لا لبس به فيجوز الجمع والإفراد كما ذكرنا، وما قيل إنّ اليمين من كل شخص! واحدة بخلاف اليد غير وارد لأنّ الدليل دل على أنّ المراد من اليد يد مخصوصة، وهي اليمين، وقد دل الشرع على ذلك أيضاً، والرسغ بضمتين وضم فسكون المفصل الذي بين الكف والساعد، والحديث دليل على معنى اليد، وانها اليد اليمين أيضا. قوله: (منصوبان على المفعول له) قال النحرير: وترك العطف إشعاراً بأنّ القطع للجزاء والجزاء للنكال والمنع عن المعاودة اهـ، وإنما ذكر هذا بناء على أنه لا يجوز تعدد المفعول له بدون عطف، واتباع لأنه على معنى اللام فيكون كتعلق حر في جر بمعنى بعامل واحد، وهو ممنوع، وقد صرّح به أبو حيان، واعترض على هذا الإعراب به فأشار المحقق إلى دفعه وقد سبقه إليه الحلبي ونقل عن بعض النحاة أنه أجاز تعدد المفعول له فلا يرد السؤال رأساً، وقد دفع أيضاً بأنّ النكال نوع من الجزاء فهو بدل منه، وعلى ما ذكره النحرير يكون مفعولاً له متداخلاً كالحال المتداخلة وهو حسن وإذا نصبا على المصدرية فهما إمّا مصدران لأقطعوا من معناه أو لفعل مقدر من لفظه، وقد جوّز فيه الحالية أيضاً. قوله: (من السراق) بتشديد الراء جمع سارق، ومن الغريب أنه نقل عن أبيّ رضي الله عنه أنه قرأ والسرق والسرقة بترك الألف وتشديد الراء فقال ابن عطية رحمه الله تعالى أنّ هذه القراءة تصحيف لأنّ السارق والسارقة كتبا بدون ألف في المصحف، وقيل في توجيهها إنهما جمع سارق، وسارقة لكن فاعلة لم ينقل فيه في جمع المؤنث السالم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 فعلة، ولم يسمع فعلة في الجمع أصلاً فلو قيل إنها صيغة مبالغة لكان أقرب فانظره، وقوله: إمّا القطع فلا يسقط بها ضمير بها للآخرة أي إذا لم يقطع في الدنيا لا يسقط حق العبد في الآخرة، وأن جاز سقوط حق الله، والتبعات حقوق العباد والمظالم، وقوله والعزم إشارة إلى أنّ الإصلاح هنا إصلاح النفس بالتوبة، وهي الندم، والعزم على عدم العود كما مر وأنه إذا تاب تاب الله عليه أي قبل توبته، وعموم الخطاب لكل واقف عليه مرّ تحقيقه، وفي الأحكام لابن العربي أنه في شرع من قبلنا كان جزاء السارق استرقاقه وقيل كان ذلك إلى زمن موسى صلى الله عليه وسلم فعلى الأوّل شرعنا ناسخ لما قبله وعلى الثاني مؤكد للنسخ كما سيأتي في سورة يوسف. قوله: (قدم التعذيب على المغفرة الخ) يعني كان الظاهر عكسه لأنّ الرحمة سابقة على الغضب كما في حديث " سبقت رحمتي غضبي " وهنا عكس لأنّ التعذيب للمصرّ على السرقة، والمغفرة للتائب منها، وقد قدمت السرقة في الآية أولاً ثم ذكرت التوبة بعدها فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق أو المراد بالتعذيب القطع، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله، والأوّل في الدنيا، والثاني في الآخرة فجيء به على ترتيب الوجود أو لأنّ المقام مقام الوعيد قالوا، وهذا أقرب. قوله: (أي صنع الذين يقعون الخ الما كانت ذواتهم لا تحزنه، وأنما يحزنه فعلهم أوّله بما ذكر، وهو إما بتقدير مضاف أو على أنّ الإسناد مجازي، وأنه أسند ما للفاعل إلى سببه أو أنه لا فاعل له حقيقي. قوله: (أكلط في إظهاره إذا وجدوا الخ) إنما قال ذلك لأنّ المنافقين كفرة، وذلك الإظهار بالأخبار والا كانوا مجاهرين لا تبال بهم كما فسره الزمخشرقي، وحزنه ليس لخوفهم بل شفقة عليهم حيث لم يهوفقوا للهداية. قوله: (خبر محذوف الخ (رجح عطف، ومن الذين هادوا على من الذين قالوا لأنه قرئ سماعين على الذم فهذا بيدل على أنها ليست بخير فسماعون حينئذ خبر مبتدأ محذوف، ولام للكذب للتقوية كما في قوله تعالى: {فعال لما يريد} [سورة البروج، الآية: 16، وأما تضمينه معنى القبول ففيه نظر فإنه يقتضي أنه إنما فسر بالقبول لتعديه باللام، وقد قال الزجاج يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل، ومنه سمع الله لمن حمده أي تقبل منه حمده، وكلام الجوهرقي يخالفه أيضا، ويقتضي أنه ليس مبنيا على التضمين، وعلى الوجه الأخير مفعوله محذوف، واللام للتعليل وضميرهم المقدر جوز فيه المصنف رحمه الله تعالى وجهين، وهما بمعنى لأن الذين يسارعون الفريقان وفي الكشاف أو للذين هادوا، وأورد على التضمين أيضا أن القبول متعد بنفسه كما في كتب اللغة يقال قبله كعلمه وتقبله، واللام بعد السماع بمعنى القبول بمعنى من كما في سمع الله لمن حمده، وتدخل على المسموع منه لا اأصمسموع. قوله:) والمعنى على الوجهين ( أي الوجهين السابقين في سماعون للكذب من كون اللام متعلقة به لتضمنه القبول دىاليه أشار بقوله مصغون لهم قابلون كلامهم، وكونها للتعليل، ومفعوله محذوف واليه أشار بما بعده، وزاد وجهاً آخر، وهو كون سماعون الثاني تأكيداً للأول، واللام متعلقة بالكذب ولا مغايرة بين الوجه الثاني هنا، وهناك كما توهم لأنّ المراد سماعون منك الكلام الصادر منك. قوله: (من بعد مواضعه الخ) في الكشاف يحرّفون الكلم يميلونه، ويزيلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع فقيل معناه ما تال في سورة النساء، وأما من بعد مواضعه، ومقاره يعني أنه تنبيه على الفرق بين عن مواضعه، ومن بعد مواضعه فمانّ معنى الأول مجرّد الإمالة، والثاني الإزالة عن مواضعه، وهذا مراد المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي يميلونه الخ فنزله عليه، ووجوه إعراب الجملة غنية عن البيان. قوله: (روي أن شريفاً من خيبر الخ) سماه شريفاً على زعمهم، وهدّا الحديث أخرجه البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه، وليس فيه أنهما من خيبر، وزاد فيه في الكشاف أنّ ابن صوريا أسلم في هذه القصة، وتركه المصنف رحمه الله تعالى لأنه لم يصح إسلامه بل خلافه، والتحميم تسويد الوجه من الحممة، وهي الفحمة، ويقال له تسخيم أيضاً، وقوله إن أوتيتم هذا المحرف أي المزال عن موضعه قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 الطيبي رحمه الله تعالى إنه ليس بمقول لهم بل وضع موضع مقولهم كما مرّ في قوله: {إنا تقلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} هو ظاهر، ولا وجه لما قيل ما المانع من أن يكون مقولهم فإنهم كانوا عالمين بالتحريف ومعترفين به فتأمّل، وقوله أنشدك الله قسم، وأقسم عليه بما هو من حال بني إسرائيل، وموسى صلى الله عليه وسلم مما يعرفه تأكيداً، وتحريضاً على عدم مخالفته، وقوله على من أحصن أي تزوّج لأنّ في جريان الإحصان الشرعي في الكافر ما هو مذكور في الفروع، وهو حجة على أبي حنيفة في اشتراط الإسلام إلا أن يقال كان ذلك قبل نزول الجزية أو كان على اعتبار شريعة موسى صلى الله عليه وسلم. قوله: (من الله (أي شيثا آخر يخالفه من الله أو من بدلية، وقوله، وهو كما ترى نص على فساد قول المعتزلة يعني في أنّ أفعال العباد خيرها، وشرها بإرادة الله، وهو رد على الزمخشريّ حيث وأى الآية صريحة في خلاف مذهبه فقال معنى من يرد الله فتنته من يرد تركه مفتونا، وخذلانه فلن تملك له من الله شيئا فلن تستطيع له من لطف الله، وتوفيقه شيئاً، ومعنى لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لم يرد أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من أهلها لعلمه أنها لا تنفع فيهم، ولا تنجع، ولا يخفى تعسفه فيه كما قال: في الانتصاف كم يتلجج، والحق أبلج هذه الآية كما تراها منطبقة على عقيدة أهل السنة في أنه تعالى أراد الفتنة من المفتونين، ولم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الفتنة ووضر الكفر لا كما تزعم المعتزلة من أنه تعالى ما أراد الفتنة من أحد، وأراد من كل الإيمان، وطهارة القلب، وأنّ الواقع من الفتن على خلاف إرادته، وأنّ غير الواقع من طهارة قلوب الكفار مراد أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إلى آخر ما شنع به. قوله: (والضمير للذين هادوا الخ) قيل: الأوجه أن يجعل الضمير لأولئك على التقديرين وسماعون للكذب تأكيد لما مر قيل إق الظاهر أنه تعليل لقوله لهم في الدنيا خزى الخ. أو توطئة لما بعده أو المراد بالكذب هنا الدعوى الباطلة، وفيما مز ما يفتربه الأحبار، ويؤيده الفصل بينهما، وأصل معنى السحت المحو، والمحق أطلق على الحرام لأنه ممحوق البركة يقال! سحته وأسحته أي أهلكه وأذهبه والسحت بضمتين وضم فسكون تخفيفاً وفتحتين اسم منه وأما بفتح فسكون فمصدر أريد به المسحوت كالصيد بمعنى المصيد. قوله: (لو تحاكم كتابيان إلى القاضي الخ) تحقيق المقام كما في كتاب الأحكام للجصاص رحمه الله تعالى أنّ هذه الآية ظاهرها التخيير، وهي معارضة لقوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [سورة المائدة، الآية: 49] فذهب قوم إلى أنّ التخيير منسوخ بالآية الأخرى وأنه كان أوّلاً مخيراً ثم أمر بإجراء الأحكام عليهم، واليه ذهب كثير من السلف، ومثله لا يقال من قبل الرأي وقيل إنّ هذه الآية فيمن لم يعقد له ذمة، والأخرى في أهل الذمة فلا نسخ إلا أن يراد به التخصيص فتأمل لأنّ من أخذت منه الجزية تجري عليه أحكام الإسلام، وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أصحابنا أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث، وسائر العقود إلا في بيع الخمر والخنزير فإنهم يقرون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين فإنهم نهوا عنه، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين واختلف في مناكحاتهم فقال أبو حنيفة يقرّون عليها، وخالفه في بعض ذلك محمد وزفر وليس لنا اعتراض! عليهم قبل التراضي بأحكامنا فمتى تراضوا بها، وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم، واعتبر أبو حنيفة تراضيهما بأحكامنا فلم يجز الحكم عليهما بمجيء الآخر، وخالفه محمد رحمه الله تعالى في هذا فلو أسلم أحدهما لزم الآخر حكم الإسلام، وهذا مما تحقيقه في الفروع فإن أردت تفضيله فراجع كتاب الأحكام للجصاص، والذب بالذال المعجمة الدفع. قوله: (بأن يعادوك لأعراضك عنهم الخ) يعني أنّ تعليق عدم الضرر بالأعراض باعتبار ما يترتب على عدم الحكم بما يوافق هواهم من العداوة المقتضية للتصدي لضرره فيصير مآل المعنى أن تعرض عنهم فعادوك، وقصدوا ضررك فالله يعصمك منهم، وقيل عليه إنّ المصنف رحمه الله فسر العصمة في قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} [سورة المائدة، الآية: 67] بعصمة الروج، وهي لا تنافي المضرة، وأجيب بأن مراده هنا بإيراد هذه العبارة عدم الضرّ مطلقاً، ولم يقصد حكاية ما في الآية، وقوله فيحفظهم، ويعظم شأنهم إشارة إلى أن المراد بالمحبة ما يلزمها من حفظه هنا، وتعظيمه كما هو شأن المحبوب، وبه يرتبط بما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 قبله وينتظم معه أتم انتظام إذ هي ميل القلب، وهو في حقه تعالى غير متصوّر. قوله: (تعجيب من يحميكم من لا يؤمنون به الخ (قيل الأولى أنه تعجيب من تحكيمهم، والتولي فإن شأن التحكيم الرضا بحكم الحكم كما تثير إليه كلمة ثم الاستبعاد به، وليس هذا بخارج عن كلام المصنف رحمه الله تعالى لقوله فيما بعد أنه داخل في حكم التعجيب لكن سوقه ليس على ما ينبغي. قوله: (وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه) أي في الظرف، وهو عندهم لأنّ الحال من المبتدأ لا يصح عند سيبويه، وقيل رفعها بالظرف ضعيف لعدم اعتماده وهو سهو لأنها اعتمدت على ذي الحال كما في الدرّ المصون لكن قال النحرير جعل التوراة مرفوعا بالظرف المصدر بالواو محل نظر ووجه النظر أنها تجعله جملة مستقلة غير معتمدة أو أنه لا يقرن بالواو، ولم يلتفت إلى هذا النظر المعرب، وإنما أوّل تأنيث التوراة لأنه اسم أعجمي وتاء التأنيث إنما يعتبر تأنيثها في العربي فأشار إلى أنها بعد التعريب عوملت معاملة الأسماء العربية الموازنة لها والموماة المغارة والدوداة مهملا الأرجوحة للصبيان أو صوت حركتها، وتكون بمعنى الجلبة وقد ذكره الأزهريّ فقول الطيبي لم أجده في كتب اللغة لا وجه له. قوله: (وهو عطف على يحكمونك داخل في حكم التعجيب (لأنّ التحكيم مع وجود ما فيه الحق المغني عن التحكيم، وان كان محلاً للتعجب، والاستبعاد لكن مع الإعراض عن ذلك أعجب وضمير به للكتاب وقوله: لأعراضهم إشارة إلى أن عدم الرضا بحكم الله كفر وعلى الوجه الثاني فالكفر ظاهر، وقوله: يهدي إلى الحق إشارة إلى تفسيره، وبيان متعلقه واستعارة النور للمبين ظاهرة، ويصح في يهدي، ويكشف الياء، والتاء على أنّ الضمير للتوراة قال النحرير: وهو أولى والجملة بيان للجملة أعني فيها هدي. قوله: (يعني أنبياء بني إسرائيل الخ) يعني إن خص فهو ظاهر وان عم فالمراد ما لم ينسخ منها على القول بأنّ شريعة من قبلنا شريعة لنا، وأورد عليه أنّ قوله للذين هادوا صريح في تخصيصحها ببني إسرائيل، وكذا قوله الذين أسلموا فإنّ المراد الذين انقادوا لها ولم ينسخوا أحكامها، وفيه نظر لأنه غفلة عن كونه متعلقاً بانزل فإنّ تخصيص الإنزال بهم لا يقتضي تخصيص العمل والصفة مادحة لا مقيدة كما سيأتي نعم ما ذكره جواب عن الاستدلال بهذه الآية لا مانع من حملها على وجه آخر. قوله: (صفة اجريت على النبيين الخ) تبع في هذا الزمخشريّ بناء على ظاهر كلامه وقد قيل عليه أنّ المدح إنما يكون بالصفات الخاصة التي يتميز بها الممدوح عمن دونه والإسلام لأمم الأنبياء فلا يحسن مدح النبيّ به فالوجه أنّ الصفة قد تذكر لمدحها وتعظيمها في نفسها، والتنويه بها كما قد يراد تعظيم الموصوف، وعلى هذا الأسلوب وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاح، والملائكة بالإيمان بعثاً على الاتصاف بهذه الصفة ليثبت لهم حق أخوّة المشاركة فيها، ولذا قيل أوصاف الإشراف أشراف الأوصاف وقال حسان رضي الله تعالى عنه: ما إن مدحت محمداً بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد فلو لم نذهب إلى هذا لخرجنا عن قانون البلاغة في ذكر الإسلام بعد النبوّة، ولذا عيب على أبي الطيب قوله: شمس ضحاهاهلال ليلتها درّ تقاصيرها زبرجدها فنزل عن الشمس إلى الهلال وعن الدرّ إلى الزبرجد فمضغت الألسن عرض بلاغته، ومزقت أديم صنعته اهـ وفي المفتاح إشارة إلى هذا في قوله تعالى {الذين يحملون العرش} إلى قوله {ويؤمنون} الآية قال ووجه حسن ذكره إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه، وذكره في التلخيص أيضاً وأورد عليه الطيبي رحمه الله تعالى كلاما واهياً ولذا تركناه، وكان القائل بأنها مادحة لا يسلم ما ذكر واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله مدحا لهم، وأنه لا يلزم ما أورده المعترض إذ قد قصد مع المدح فوائد أخر كالتنويه بعلو مرتبة المسلمين، والتعريض بغيرهم، وكلام المصنف رحمه الله تعالى مخالف لما ذكر، وقول الزمخشري على سبيل المدح قيل المراد به مدح الصفة نفسها، وقيل المراد أنها صفة أجريت عليهم على طريق المدح دون التخصيص أو التوضيح لكن لا بقصد المدح ليلزم ما ذكرتم بل يقصد التعريض، والهدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 بفتح فسكون الطريقة. قوله: (متعلق بأنزل) المذكور في قوله أنزلنا سابقاً، ولا يضرّ تقدّم المفعول، وصفته لأنه ليس بأجنبي فلا يحتاج إلى القول بأنه أنزل آخر مقدراً كما قيل، وأما تعلقه بهدى ونور فيلزم عليه الفصل بين المصدر ومعموله، وقوله: وهو يدل أي تعلقه بيحكم لا بأنزلنا لأنه لا يلزم من إنزالها لهم اختصاصها بهم كما مرّ، وهو جواب عما مرّ، وأنبياء الذين هادوا لا ينافي كونهم أنبياء بني إسرائيل كما مرّ لأنه على تعلقه بيحكم لا بأنزلنا أو أنّ هذا وجه آخر يدل عليه متعلق اللام فتأمّل، والربانيون المنسوبون إلى الرب هم الزهاد وقد تقدّم تحقيقه. قوله: (بسبب أمر الله) الأمر يستفاد من السين الدالة على الطلب، وقوله: بأن يحفظوا بيان لحاصل المعنى، وان أوهم أنّ ما مصدرية كما جوّزه بعضهم وقال إنه أولى لعدم احتياجه إلى تقدير العائد لأنّ التبيين بمن يعين موصوليتها عنده فقوله من كتاب الله يقتضيه وقوله بسبب أمر الله يقتضي أنّ ضمير استحفظوا راجع للنبيين والربانيين والأحبار وجوّز رجوعه للربانيين، والأحبار فإن كان المستحفظ النبيين تعين الثاني. قوله: (رقباء لا يتركون أن ينيروا الخ) شهداء جمع شهيد بمعنى مشاهد وعدّى بعلى لضمته معنى المراقبة، وجعل الزمخشري كانوا معطوفا على استحفظوا أي بسبب كونهم أي الربانيين والأحبار على كتاب الله شهداء، والعائد ضمير عليه، والغرض من بيان السببية أنّ الباء ليست مثلها في بها ليلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى واحد بفعل واحد بل الأولى صلة كما في حكمت بكذا، وهذه سببية، وان دخلتا على شيء واحد بالذات، وهو كتاب الله، وقوله: يبينون يشير إلى أنّ الشهادة هنا مستعارة للبيان لأن الشاهد يبين ما يشهد عليه. قوله: (نهي للحكام أن يخشوا غير الله الخ) المراد بالحكام الحكام بأحكام الدين مطلقا أو باحكام التوراة فيكون حكاية عما قيل لهم ومعنى يداهنوا يحكموا بما يطلبون لأجلهم من المداهنة، وهي المصانعة والملاينة، وهو معنى مجازي كما في الأساس لأنّ السير ونحوه إذا دهن لأن، وقوله: تستبدلوا إشارة إلى أنه مجاز عما ذكر، ولولاه لدخلت الباء على الثمن، وقد مرّ تحقيقه، وقوله: (مستهيناً به الخ الا يقال كان الظاهر أن يقال أو طلبا لنفع ليوافق ما قبله قيل هذا لأنّ تقديم النفع على حكم الله إهانة له فلذا أدرجه فيه لأنه إنما خصه به ليظهر ترتب الكفر عليه لأنّ مجرد الحكم بخلافه لا يقتضي الكفر. قوله: (ولذلك وصفهم بقوله الخ الما وصف في هذه الآيات من لم يحكم بالكافرين، ثم بالظالمين، والفاسقين اختلفوا فيه فعند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها في أهل الكتاب، وأنّ قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله مخصوص بهم، وأنّ الخطاب في قوله فلا تخشوا لهم، وعن الشعبي أنّ الآية التي فيها الكافرون في المسلمين، والخطاب في فلا تخشوا لهم، ويلزمه أن يكون المسلمون أسوأ حالاً من اليهود والنصارى إلا أنه قيل إنّ الكفر إذا نسب إليهم حمل على التشديد والتغليظ، والكافر إذا وصف بالظلم والفسق أشعر بعتوّه، وتمرّده فيه فمراد المصنف رحمه الله تعالى أنه لحكمهم بغيره وصفوا بهذه الأوصاف الثلاثة، وأن كان الموصوف واحداً باعتبارات مختلفة فلإنكارهم حكمه وصفوا بالكافرين، ولوضعهم الحكم في غير موضعه وصفوا بالظالمين، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين أو أنهم وصفوا بها باعتبار أطوارهم، وأحوالهم المنضمة إلى الحكم فتارة كانوا على حال تقتضي الكفر، وتارة على أخرى تقتضي الظلم أو الفسق، وقوله: أو لطائفة معطوف على باعتبار أي أو كل واحدة من الصفات لطائفة مخصوصة فيكون قوله فأولئك هم الكافرون للمسلمين إما تغليظاً أو إذا استحلوا ذلك. قوله: (وفرضتا على ثيهود الخ) أي فكتبنا مجاز بمعنى قدرنا وفرضنا، وكان القصاص في شريعتهم متعيناً عليهم كما صرّح به شرح المواقف فقوله، ومن تصدق به فهو كفارة له مما زيد في شريعتنا بالنسبة إلينا فلا منافاة بينهما وفيها متعلق بكتبنا أو حال أو صفة مصدر ومحذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف عامّ أو خاص أي مأخوذة أو مقتولة أو مقتصة وفي كل يقدر ما يتاسبه، وقرأ الكسائيّ العين وما عطف عليه بالرفع وحمزة وعاصم بنصب الجميع وأبو عمرو، وابن كثير وابن عامر بالنصب فيما عدا الجروح فرفعوها. قوله: (جمل معطوفة على أنّ وما في حيزها الخ) في توجيه الرفع اختلاف منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري قال أبو علي الفارسي: الواو عاطفة جملة اسمية على جملة أنّ النفس بالنفس لكن من حيث المعنى لا من حيث اللفظ فإنّ معنى كتبنا عليهم أنّ النفس بالنفس قلنا لهم النفس بالنفس فالجملة مندرجة تحت ما كتب على بني إسرائيل، وجعله ابن عطية على هذا القول من العطف على التوهم، وهو غير مقيس، وقال الزمخشري الرفع للعطف على محل أن النفس لأنّ المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا، واما لأنّ معنى الجملة التي هي النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة تقول كتبت الحمد لله، وقرأت سورة أنزلناها فقال أبو حيان هذا ثاني توجيهي أبي علي رحمه الله تعالى، إلا أنه جعله من العطف على المحل، وليس منه لأنّ العطف على المحل في مواضع ليس هذا منها لأنا لا نقول أنّ النفس بالنفس في محل رفع لأن طالبه مفقود بل أنّ وما في حيزها بتأويل مصدر منصوب ورذ بأنّ الزمخشري لم يعن أنّ أنّ، وما في حيزها في محل عطف عليه المرفوع حتى يرد عليه ما ذكر إنما عني إنّ محله الرفع قبل دخولها فروعي العطف عليه كما روعي في اسم أنّ المكسورة وقد سبقه إلى هذا الردّ أو البقاء، وجواز العطف على محل اسم أن المفتوحة كالمكسورة ذكره ابن الحاجب، وغيره من النحاة وهو الصحيح، وقد ردّ على ابن الحاجب قوله: إنه لم ينبه عليه بأنهم صرحوا به، وقالوا إنه أكثر ما يكون بعد علم أو ما في معناه كقوله: والا فاعلموا أنا وأنتم بغاة مابقينافي شقاق وبهذا علم أنّ قول النحرير: ولما كان العطف على المحل إنما يجوز في أن المكسورة دون المفتوحة نزل المفتوحة هنا مع الاسم، والخبر منزلة جملة من المبتدأ، والخبر ليتبين كون أنّ مع الاسم في محل الرفع مبتدأ، وذلك إما بإجراء كتبنا مجرى قلنا أو بتجويز إيقاع الكتبة على الجملة حكاية مختل من وجوه. أحدها: أن إنّ المفتوحة يعطف على محل اسمها كالمكسورة سواء في الجواز، والاختلاف، وزعم أنه لا يجوز. والثاني: أنه لا فرق بين إجراء كتب مجرى قال، والحكاية بها فإنها لا تكون إلا بإجرائها مجرى القول. الثالث: أنه لو كان مراده العطف على المحل لم يحتج إلى إجراء كتب مجرى القول، ولا مساس له ولو أجرى مجرى القول للزم حكاية المفرد به، وفتح أن بعده، وكلاهما مخالف لمقتضى هذا الإجراء فتوجيهه بما ذكر بما مرّتعسف. وقوله: على محل أنّ النفس يأباه لأنه حيمثذ على محل اسيم أن. (وعندي) أن معنى كلامهم هنا ليس ما ذكروه بل مرادهم أن كتب ينصب مفعولاً، وليس مما يعمل في الجمل فكيف صح أن يعطف على مفعوله جملة على قراءة الرفع، ولا بد من ملاحظة العطف عليه لأنه من جملة المكتوب عنده كما هو المتبادر من السياق، وكما دلت عليه قراءة النصب فوجهه بأنه أعمل في الجملة إما لتضمينه القول أو لأنه اعتبر فيه الحكاية لكونه بمعناه، ومما يحكى به، وهذا مبنيّ على الخلاف بين البصريين والكوفيين هل الحكاية تختص بالقول أو تجري في كل ما يفيد معناه فقول المصنف رحمه الله تعالى باعتبار المعنى يعني باعتبار معنى كتبنا، وما تضمنت من القول الذي يصحح وقوع الجمل بعدها حتى لو قيل كتبنا عليهم النفس بالنفس أو إنّ النفس بالكسر صح ذلك فلوحظ هذا، وبملاحظته يصير المعطوف عليه في معنى الجملة أيضا، ولما كان الوجهان المذكورأن في الكشاف متقاربين جعلهما المصنف قولاً واحدا فافهمه فانه مما تفرّد به كتابنا، وأظنك لا تراه في غيره فإنهم خبطوا فيه خبط عشواء. قوله: (أو مستأنفة) يعني أنّ هذه جمل اسمية معطوفة على الجملة الفعلية فالعين مبتدأ، أو بالعين خبره، وكذا ما بعده فيكون هذا ابتداء تشريع وبيان حكم جديد غير مندرج فيما كتب في التوراة، وقيل: إنه مندرج فيه أيضاً على هذا والتقدير وكذلك العيق بالعين الخ لتتوافق القراءتان. قال الحلبي وهذا مراد الزمخشري بالاستئناف ومنهم من حمل الاستئناف على المتبادر منه، وقال إنه جواب سؤال كأنه قيل ما حال غير النفس فقال العين بالعين الخ. قوله:) العين حاضية الثهاب / ج 3 لم م ا 3 مفقوءة بالعين الخ) أي يقدر كون خاص مناسب لما وقع خبرا عنه فإنّ الفقء بفاء وقاف، وهمزة إعماء العين، واخراجها لغة والجذع بجيم، وذال معجمة، وعين مهملة قطع الأنف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وقد يستعمل لغيره والصلم بالصاد المهملة، واللام والميم قطع الإذن والقلع معروف في السن، ومنهم من قدر الكون المطلق، وقال إنه مرادهم، وكأنّ هذا بيان لمآل المعنى. قوله: (أو على أنّ المرفوع منها الخ) يعني أنّ العبن عطف على الضمير المرفوع المستتر في الجارّ والمجرور الواقع خبرا، والجار والمجرور بعدها حال، وضعف هذا الوجه بأنه يلزمه العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير فصحل، ولا تأكيد، وهو لا يجوز عند البصريين إلا ضرورة، وأما قوله تعالى: {ما أشركنا ولا آباؤنا} [سورة الأنعام، الآية: 48 ا] فقال سيبويه رحمه الله تعالى أنه جاز للفصل بلا لإقامته مقام التوكيد، واعترض عليه أبو علي بأنّ هذا إنما يستقيم لو كان الفاصل قبل حرف العطف أما إذا وقع بعده فلا، وتنظير سيبوبه له بحضر القاضي امرأة غير متجه وردّه ابن عطية بأنّ الفصل معتبر بين المعطوف والمعطوف عليه وقد حصل هنا، وأجاب عنه المصنف رحمه الله تعالى بأنه مفصول تقديرا، إذ أصله النفس مأخوذة أو مقتصة هي بالنفس إذ الضمير مستتر في المتعلق المقدم على الجار والمجرور بحسب الأصل، وإنما تأخر بعد الحذف وانتقاله إلى الظرف، وهو يقتضي أنّ الفصل المقدر يكفي للعطف وفيه نظر وعلى هذا يقدر المتعلق عاما ليصح العطف إذ لو قدر النفص مقتولة بالنفس والعين لم يستقم المعنى وإنما جعلها حالاً مبينة، ولازمة لأنه لا معنى لقولنا العين مأخوذة حتى يقال بالعين وهو ظاهر وقيل على هذا أنه بعيد من جهة المعنى لأنه يكون المعنى أنّ النفس هي، والعين مأخوذة بالنفس حال كونها قصاصاً في العين اهـ، وهو مدفوع بأدنى تأمل. قوله: (أي دّات قصاص الخ الأنه مصدر كالقتال، وليس عين المخبر عنه فيؤوّل بأحد التأويلات المعروفة في أمثاله، وقوله: وقرأه الكسائي أيضاً أي كما رفع ما قبله، وأما غيره من القراء المذكورين فرفعه وحده، وقوله: على أنه إجمال للحكم أي لحكم الجروح بعد ما فصل حكم غيرها من الأعضاء لا أنه إجمال لما قبله كما يتوهم، وقيل عليه إنه لا اختصاص لكونه إجمالاً للحكم بقراءة الرفع، وقد يقال مراده تنبيها على أنه إجمال، وما قبله تفصيل فلذا ترك العطف عليه وأما ما قيل إنه إذا نصب كان الظاهر أنه لا يشمل ما قبله لتغاير المعطوف والمعطوف عليه بخلاف ما إذا رفع ففاسد معنى، ووجه القراآت ظاهر أما نصب الجميع فواضح، وأما رفع ما بعد لنفس فلأنها قسم آخر مقابل له لأنّ المتلف إما نفس أو غيرها، وأما رفع الجروح فلأنّ فيما قبل إزالة لنفس أو عضو وهذا ليس كذلك. تنبيه: قال ابن حنبل رحمه الله تعالى: لا تقتل الجماعة بالواحد لأنه تعالى قال: {النفس بالنفس} وأجيب بأنه تخصصه حكمته، وهي صون الدماء لأنه لو كان كذلك قتلوا مجتمعين حتى يسقط عنهم القصاص قال ابن العربي: وهو جيد إلا أنّ كون الحكمة مخصصة غريب. قوله: (من المستحقين الخ) أي من المستحقين للقصاص بدليل ما بعده. قوله: (وقيل للجاتي الخ) قال النحرير وهذا يدل على أنّ خبر المبتدأ مجموع الشرط، والجزاء حيث لم يكن العائد إلا في الشرط، وقيل: إنّ في الجزاء عائداً أيضا باعتبار أنّ هو بمعنى تصدّقه فيشتمل بحسب المعنى على ضمير المبتدأ فاستدلاله غير متين وليس بذاك لأنه مبنيّ على مذهب الأخفش الذي قررّناه في قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم} [سورة البقرة، الآية: 234] الآية في سورة البقرة، وقوله يسقط عنه ما لزمه تفسير للكفارة على هذا الوجه. قوله: (وقرئ فهو كفارته له أي فالمتمدّق الخ) يعني أن ضمير على هذه القراءة للمتصدق لا للتصدق. وقوله: (التي يستحقها) أخذه من الإضافة المفيدة للاختصاص، واللام المؤكدة لذلك، وكونها لا ينقص منها شيء لأن بعض الشيء لا يكون ذلك الشيء وهو تعظيم لما فعل حيث جعله مقتضياً للاسنحقاق اللائق من غير نقصان ثم لا خفاء في أن هذا يكون ترغيبا في العفو ونظره الزمخشري بقوله تعالى: {فأجره على الله} [سورة الشورى، الآية: 40] في الدلالة على تعظيم الفعل الذي استحق الأجر، وقيل الضمير يعود على المتححدق، ولكن المراد به الجاني نفسه، ومعنى كونه متصدّقاً إنه إذا جنى جناية لا يشعر بها أو لا تثبت فإذا اعترف كان اعترافه بمنزلة التصدق، وهذا منقول عن مجاهد رحمه الله تعالى، ومن الناس من لم يقف على هذا فتصلف بإيراده من عند نفسه. قوله: (وأتبعناهم على آثارهم الخ) قفينا من قفا يقفوا أي تغ، وتعلق الجاز به قالوا لتضمينه معنى جئنا به على آثارهم قافيا لهم فهو متعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 لواحد بالباء، والتضعيف ليس للتعدية لتعديه لواحد قبل التضعيف قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} يقال قفا فلان أثر فلان إذا تبعه قال الزمخشريّ: إنه متعد لمفعولين أحدهما بنفسه، والآخر بالباء، والمفعول الأوّل محذوف، وعلى آثارهم كالسادّ مسذه لأنه إذا قفا به على أثره فقد قفاه به فنحا به إلى أنّ التضعيف عداه إلى الثاني بالباء، وتبعه المصنف رحمه الله كذا قيل وفيه نظر. قوله: (مفعول ثان عدى إليه الفعل بالباء (قيل عليه هذا، وإن كان صحيحا من حيث إن فعل تد جاء بمعنى فعل المجرّد كقدر، وقد إلا أن بعضهم قال إن تعدية المتعدي إلى واحد لثان بالباء لا تجوز سواء أكان بالهمزة أو بالتضعيف ورد بأنّ الصواب أنه جائز لكنه قليل، وقد جاء منه ألفاظ قالوا صك الحجر الحجر وصككت الحجر بالحجر، ودفع زيد عمراً ودفعت زيداً بعمرو أي جعلته دافعا له، وقد مرّ أنه لا حاجة إلى هذا ومصدقا حال من عيسى مؤكدة فإنه من لازم الرسول صلى الله عليه وسلم هـ قوله: (وقرئ بفتح الهمزة (قيل وجه صحته أنه اسم أعجمي فليس بأس بأن يكون على ما ليس من أوزان العرب وهو أفعيل أو فعليل بالفتح، وأمّا افعيل بالكسر فله نظائر كإبزيم وإحليل وغيره، وقوله: في موضع النصب لأنه جملة، وقوله عطف عليه أي على قوله فيه هدى، ونور وعطف الحال المفردة على الجملة الحالية، وعكسه جائز لتأوليها بمفرد ولو اتترنت بالواو كما تقدم. قوله: (ويجوز نصبهما على المفعول له الخ) أي كما يجوز فيه الحالية وعطفه على الحال، وجعله بمعنى هاديا يجوز أن يكون مفعولاً لأجله معطوفا على مفعول له آخر مقدراً نحو إثباتا لنبوّته، وارشاد ونحوه أو هو معلل لفعل محذوف عامل فيه أي وهدى، وموعظة للمتقين آتيناه ذلك، وعادة الزمخشرقي في أمثاله تقديره مؤخراً لأن حدّفه وابقاء معموله يقتضي الاهتمام بالمعمول، وقوله: وليحكم عطف عليه، وأظهرت اللام فيه لاختلاف فاعليهما لأنّ فاعل المقدر ضمير الله وفاعل هذا أهل الكتاب، وتدر عليه ليصح كونه علة لإيتاء عيسى صلى الله عليه وسلم ما ذكر. قوله: (وعلى الأوّل) أي كونه حالاً إذا لا تعطف العلة على الحال، وأمّا تجويز عطفه عليه لأنه في معنى العلة فضعيف وقراءة حمزة بلام الجرّ ونصب الفعل، وغيره قرأ بلام الأمر، وجزمه مع كسر اللام وتسكينها. قوله: (وقرئ وان ليحكم الخ (جوّزوا في موصولة الرفع، والنصب على أنه حال، والخبر كقوله كذا صححه شراح الكشاف، وهي موصول حرفيّ لأن حروف المصدر تسميها النحاة بذلك لأنها تتم بما بعدها، ووصلها بالأمر مذهب سيبويه رحمه الله، وأورد عليه أنه إن قدر هنا، وآتينا. الحكم زال الطلب بالكلية وان قدر وآتيناه الأمر بالحكم فليس للأمر لفظ، وماذة مذكورة يسبك منها، ويكون معنى أمرته بأن قم بالأمر بالقيام وأجيب بأنّ الزمخشرفي حققه في سورة نوج في قوله: {أن أنذر قومك} [سورة نوح، الآية: ا] إذ قال أن الناصبة للمضارع، والمعنى إنا أرسلناه بأن أنذر أي بأن قلنا له أنذر أي بالأمر بالإنذأر يعني أنه إذا سبقه لفظ الأمر، وما في معناه نحو رسصت لا يحتاج إلى تقدير القول لأنّ مال العبارات أعني أمرته بالقيام وأمرته بأن قم أو أن قم بدون الباء وأحد، وان لم يسبقه فلا بد من تقديره لئلا يبطل الطلب ففي ما نحن فيه يقدر وأمر نافلاً يحتاج إلى إضمار القول، ونيما تلاه يكون التقدير، وأنزلنا إليك قول احكم أي الأمر بالحكم لأنّ المنزل الأمر بالحكم لا الحكم، ولو قيل: إنّ التقدير وأنزلنا إليك الأمر بالحكم، وأرسلناه بالأمر بالإنذار من دون إضمار القول، وليس من مدلول جوهر الكلمة بل من الأداة فيقدر المصدر تبعا وفي أمر المخاطب تحقيقا لكان حسنا، وهذا كما قدر في أن لا تزني خير عدم الزنا فيقدر مصدر من النفي وأمّا إذا صرّج بالأمر فلا يحتاج إلى تقدير مصدر الطلب أيضاً هذا، ولو قدر أمرته بالأمر بالقيام أي بأن يأمر نفسه مبالغة في الطلب لم يبعد عن الصواب، ولما فهم منه ما فهم من الأوّل، وأبلغ استعمل استعماله من غير ملاحظة الأصل، وهذا تدتيق بديع من إحسان صاحب الكشف، وبه اندفع كثير من الأسئلة على أن المصدرية، والتفسيرية كما في المغني، وشروحه، وهذا المصدر معطوف على الإنجيل أي آتيناه الإنجيل، والحكم به. قو! هـ: (عن حكمه أو عن الإيمان الخ) علق به عن لأن الفسق معناه الخروج كما مرّ، والخروج عن الإيمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 إنما يكون بما يوجب الكفر، وهو الاستهانة بحكم الله فقوله إن كان تيد للتقدير الثاني. قوله: (والآية تدل على أنّ الإنجيل الخ (لأنه تعالى أوجب العمل بما في الإنجيل، وهذا مما اختلف فيه هل شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم ناسخة لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، والإنجيل مشتمل على أحكام أم لا وهو مأمور بالعمل بالتوراة، وشريعة موسى-لمجب! المعروف الأوّل، ويشهد له هذه الآية وغيرها، وحديث البخاري: " أعطى أهل التوراة التوراة فعملوا بها وأهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به "، وفي الملل، والنحل للشهرستاني جميع بني إسرائيل كانوا متعبدين بشريعة موسى صلى الله عليه وسلم مكلفين التزام أحكام التوراة، والإنجيل النازل على المسيح لا يختص! أحكاما، ولا يستنبطن حلالاً، وحراما ولكنه رموز وأمثال، ومواعظ، وما سواها من الشرائع، والأحكام فمحال على التوراة، وكانت اليهود لهذه القصة لم ينقاد والعيسى غ! رو اهـ وقوله:) وحملها الخ (أي تأويل هذه الآية بما ذكر، وقيل عليه إنه لا يقتضي نسخ اليهودية إلا إذا كان أهل الإنجيل جميع بني إسرائيل، وليس في الآية تصريح به فتأمّل. قوله: (فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس (كون اللام الأولى للعهد ظاهر إذ المراد فرد معين من الكتب وأما كون الثانية للجنس فبادعاء أن ما عدا الكتب السماوية ليست كتبا بالنسبة إليها ويجوز أن يكون للعهد نظراً إلى أنه لم يقصد إلى جنس مدلول لفظ الكتاب بل إلى نوع مخصوص منه هو بالنظر إلى مطلق الكتاب معهود بالنظر إلى وصف كونه سماويا غايته أن عهديته ليست إلى حذ الخصوصية الفردية بل إلى خصوصية نوعية أخص من مطلق الكتاب، وهو ظاهر، ومن الكتاب السماوي حيث خص بما عدا القرآن، وذكر مثله في لفظ الكلمة. قوله: (ورقيباً على سائر الكتب بحفظه الخ) المهيمن في اللغة الرقيب قال: إنّ الكتاب مهيمن لنبينا والحق بعرفه ذوو الألباب والحافظ قال: مليك على عرس السماءمهيمن لعزته تعنوالوجوه وتسجد والشاهد أيضاً وهاؤه أصلية وفعله هيمن وله نظائر ببطر وحيمر وسيطر، وزاد الزجاجي بيقر، ولا سادس لها، وقيل إنها مبدلة من الهمزة، ومادّته من الأمن كهراق، وقال المبرد وابن قتيبة أنّ المهيمن أصله مؤمن، وهو من أسمائه تعالى فصغر، وأبدلت همزته هاء، وخطئ فيه حتى نسب إلى الكفر لأنّ أسماء إلله تعالى لا تصغر، وكذا كل اسم معظم شرعا. قوله: (وقرئ على بنية المفعول) أي بفتح الميم وهي شاذة رويت عن مجاهد وابن محيصن، وعلى هذه القراءة لا يكون فيه ضمير، وضمير عليه يعود إلى الكتاب الأوّل، وعلى قراءة كسر الميم فيه ضمير يعود إلى الكتاب الثاني، ومحافظة الحفاظ بتوفيق الله لهم فهي محافظة من الله أيضا، وقوله: بحفظه عن التغيير أي بسبب أن القرآن محفوظ عن التغيير، وهو شاهد على صحة غيره من الكتب السماوية فكان رقيباً عليها دالاً على ما فيها من الأحكام والتوحيد، وليس المعنى أنه حفظ الكتب عن التغيير حتى يعترض بأنه وقع فيها ذلك كما نطق به القرآن فلا وجه لكونه حفظها منه كما توهم. قوله: (فعن صلة لا تتبع الخ الأن أهواءهم مائلة وزائغة عن السبياى المستقيم فاتباعها انحراف وميل أو هو حال متعلق بمائلاً أو عادلاً أو حال من أهواءهم أي منحرفة، وتقديره التضمين بما ذكر أحد الطرق فيه، وقد مرّ تفصيله في سورة البقرة فارجع إليه وقوله أيها الناس إشارة إلى عموم الخطاب الشامل لما مضى، ومن بعدهم. قوله: (وهي الطريق إلى الماء (وجه الشبه بينها وبين الدين ظاهر فهو استعارة تحقيقية، وقوله الأبدية إن كان من وجه الشبه يكون وجهه في المشبه أقوى، وقال الراغب سميت الشريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة والصدقة روي، وتطهر، وأعني بالريّ ما قال بعض الحكماء كنت أشرب فلا أروي فلما عرفت الله رويت بلا شرب، وبالتطهير ما قال تعالى: {ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب، الآية: 33] والمنهاج الطريق الواضح، والعطف باعتبار جمع الأوصاف، وقيل المنهاج الدليل الموصل إلى معرفة الدين. قوله: (واستدلّ به الخ الأنه الظاهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 من جعله لكل شرعة لأنّ الخطاب يعم الأمم إذ المعنى لكل أمّة لا لكل واحد من أفراد الأمم فيكون لكل أمّة دين يخصه، ولو كان متعبداً بشريعة أخرى لم يكن ذلك الاختصاص قيل، والجواب بعد تسليم دلالة اللام على الاختصاص الحصري منع الملازمة لجواز أن نكون متعبدين بشريعة من قبلنا مع زيادة خصوصيات في ديننا بها يكون الاختصاص، وفيه أنه لا حاجة في إفادة الحصر لما ذكر مع تقدم المتعلق، وأيضا إنّ الخصوصيات المذكورة لا تنافي تعبدنا بشرع من تبلنا لأنّ القائلين به يدّعون أنه فيما لم يعلم نسخة، ومخالفة ديننا له لا مطلقاً إذ لم يقل به أحد على الإطلاق، ولذا جمع بين أضراب هذه الآية وبين ما يخالفها نحو اتبعوا ملة إبراهيم بأن الاتباع في أصول الدين، ونحوها. قوله: (جماعة متفقة على دين واحد الخ (قيده بذلك ليلا ثم ما قبله وجوز الزمخشريّ أن تكون الأمة بمعنى الملة بتقدير مضاف أي ذوي ملة وارتكبه وإن كان خلاف الظاهر لأنه أوفق بقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [سورة العائدة، الآية: 48] والمعنى لو شاء أن يجعلكم أمة لجعلكم لكنه لم يشأ، وعبر عن ذلك بقوله ليبلوكم أي أراد ليبلوكم، وقدر أراد دون شاء ليصح تعلق اللام به، وتقدير مفعول شاء مأخوذاً من الجواب هو المطرد، وأمّا خلافه فقد ردّه بعضهم، وقد تقدّم بسط الكلام فيه، وأجبر بالهمز من الجبر والقهر أفصح من جبر. قوله: (من الشرائع المختلفة الخ) إشارة إلى أنّ اختلاف الشرائع ليس بداء بل لحكم الهية يقتضيها كل عصر، والزيغ العدول عن الحق، والتفريط في العمل إهماله والتقصير فيه، وحيازة فضل السبق لأنه يصير سالكا سنة يشرك من بعده في أجرها، والسابقون السابقون أولئك المقرّبون، وقوله انتهازاً للفرصة أي اغتنام ما يمكن قال: انتهزالفرصة أنّ الفرصة تصميرأن لم تنتهزها غصه وقوله: (تعليل الأمر الغ (قيل أي لطلبه لا للزومه لظهور أن ليس المعنى أنه يلزمكم الاستباق لأجل أنّ مرجعكم إلى الله بل إني آمركم به، أو أنه واجب عليكم لهذه العلة، وفيه نظر لأنه لا معنى للوجوب سوى اللزوم فما المانع من اعتباره. قوله: (استئناف فيه ثعليل الأمر بالاستباق) أي أنه جواب سؤال مقدر بعد ما قرّر أنّ اختلاف الشرائع لاختبار المطيع الناظر للحكمة أو المعتقد أنّ لها حكمة، وغيره ممن يتبع هواه فعلة مبادرتهم إلى الطاعة أنّ مرجعهم إلى الآمر المثيب لمن أطاع المعاقب لمن عصى، وقيل إنها واقعة جواب سؤال مقدر أي كيف يعلم ما فيها من الحكم فأجاب بأنكم سترجعون إلى الله وتحشرون إلى دار الجزاء التي تنكشف فيها الحقائق، وتتضح الحكم فلهذا تضمن الوعد والوعيد وقوله للمبادرين والمقصريت لف، ونشر مرتب. قوله: (بالجزاء الفاصل) يعني أنّ الأنباء مجاز عن المجازاة لما فيها من تحقق ما ذكر. قوله: (عطف على الكتاب الخ) وقد مرّ تحقيق دخول المصدرية على الأمر ونون أن احكم فيها الضم والكسر، وأمرنا اسم مبتدأ وأن احكم خبره، ومن توهم أنه فعل وأن تفسيرية فقد أخطأ لأنه كما في الدر المصون لم يعهد حذف المفسر بأن قيل، ولو جعل معطوفا على فاحكم من حيث المعنى، والتكرير لإناطة قوله: {واحذرهم أن يفتنوك} كان أحسن، وهو تكلف لأن أن مانعة عن العطف كما في الكشف والحديث المذكور أخرجه ابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (يعني ذنب التولي الخ) يعني المراد ببعض الذنوب بعض مخصوص، والتعبير به يقتضي أنّ لهم ذنوباً كثيرة مذا بعضها، والتعبير بالبعض المبهم لتعظيمه كما أن التنوين يذكر للتعظيم لكونه دالاً على تبعيض مبهم فكما دل التنوين عليه دل لفظ بعض عليه كما في بيت لبيد، والتعظيم هنا بمعنى عده عظيما مهولاً ويذكر للتعظيم الذي هو ضد التحقير، ولقد تلطف الشاعر في قوله: وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس وهو استعارة تمليحية لا تهكمية، ومن لم يدقق النظر قال بعض بمعنى كل، وهو من الأضداد. قوله: (أو يرتبط) هو من معلقة لبيد المشهورة التي أوّلها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 عفت الديارمحلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها وقبله: أو لم تكن تدري نوار بأنني وصال عقد حبائل جذامها ترّاك أمكنة إذا لم أرضها أويرتبط بعض النفوس حمامها وترّاك صيغة مبالغة خبر بعد خبر أو بدل، وجذأم بجيم وذال معجمة بمعنى قطاع. قال ابن النحاس في شرحه المعنى أني أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما أكره إلا أن يدركني الموت فيرتبط نفسي، ويحبسها والحمام الموت وقيل القدر الذي قدر وجزم يرتبط عطفا على أرض وقيل إنه مرفوع أو منصوب على معنى إلا أن وسكن تخفيفا أو ضرورة، ولا داعي إليه وقصد ببعض النفوس نفسه إلا أنه عبر به لتعظيمه حتى كأنه لا يمكن تعيينه. قوله: (الذي هو الميل والمداهنة في الحكم) مز أن المداهنة الموافقة، والملاينة وال! راد بالجاهلية الملة الجاهلية قدره لأجل التأنيث والمراد متابعة الهوى لأن الملة تطلق على الحق، والباطل وقدر بعضهم في قوله طلبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب بعضهم، وهم قريظة، وقيل بنو النضير على ما ذكره شراح الكشاف حيث قالوا بنو النضير إخواننا فإن تتلوا منا قتيلاً أعطونا سبعين وسقا من تمر، وان قتلنا أخذوا منا مائة وأربعين وسقا وأروش جراً حتنا على النصف من أروشهم فاحكم لنا بمالهم يعني بالتفاضل فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " القتلى بواءدا أي سواء، وقولى: دزالمجوا رسول الله " أي من رسوق الله جمؤ أو ضمن معنى سألوا. قوله: (وقرئ برفع الحكم على أنه مبتدأ ويبغون خبره والراجع محذوف (وقيل الخبر محذوف، وهو صفته أي حكم يبغون قال ابن جني ليست هذه القراءة ضعيفة لكن غيرها أقوى منها، وقد حذف العائد من الخبر كما حذف من الصفة والصلة كقوله: قدأصبحت أم الخيارتدعي عليئ ذنباكله لم أصنع وقال أبو حيان حسنه هناك الفاصلة فصار كالمشاكلة فقد علمت أنّ فيه خلافا وبعضهم منعه وقال إن هذه القراءة خطأ وليس كما قال، وهذه قراءة ابن وثاب والأعرج وأبي عبد الرحمن، وقوله: (وقرئ أفحكم الجاهلية) يعني بفتحتين، وقراءة الخطاب على الالتفات. قوله: (اي عندهم واللام الخ) عندهم تفسير لقوله: {لقوم يوقنون} أي عند المؤمنين لا أحد أحسن حكما من الله، وليس مراده أنّ اللام بمعنى عندكما في الدرّ المصون فإنه ضعيف بل هو بيان لمحصل المعنى بدليل ما بعده، وإذا كانت للبيان تعلت بمحذوف كما في سقيا لك، وهيت لك أي تبين لك، وظهر أي مضمون الاستفهام الإنكاري الذي بمعنى النفي يذكر لقوم يوقنون كما أشار إليه المصنف، وقيل إنها متعلقة بحكما، وإنما لم يجعل اللام صلة لأنّ حسن حكم الله لا يختص بقوم دون قوم، وقيل هي على أصلها، وانها صلة أي حكم الله للمؤمنين على الكافرين أحسن الأحكام وأعدلها نقله الطيبي، وهذه الجملة حالية مقرّرة لمعنى الإنكار السابق. قوله: " يماء إلى علة النهي الخ) يعني أنها جملة مستأنفة تعليلا للنهي قبلها، وقال الحوفي إنها صفة أولياء، والأوّل هو الظاهر، وضمير بعضهم يعود إلى اليهود، والنصارى على سبيل الإجمال، والمعنى دال على أن بعض النصارى أولياء لبعض منهم، وبعض اليهود أولياء لبعض منهم، ولا حاجة إلى تقدير لأنّ اليهود لا يوالون النصارى كالعكس ويشير إليه قول المصنف رحمه الله لاتحادهم في الدين. قوله:) وهذا للتشديد الخ الأنه لو كان منهم حقيقة لكان كافراً، وليس بمقصود، وقوله: " لا تتراءى ناراهما " حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن جرير بن عبد الله وهو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " قالوا يا رسول الله، ولم قال " لا تراءى نارهما " وفي النهاية الترائي تفاعل من الرؤية يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضاً، واسناد الترائي إلى النار مجاز كقولهم داري تنظر إلى دار فلان أي تقابلها، ودور متناظرة يقول ناراهما مختلفان هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان فكيف يتفقان " وثراءى " بتاء واحدة رواية، وأصلها تتراءى بتاءين حذفث إحداهما تخفيفا، والمعنى لا ينبغي لمسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 أن ينزل بموضع إذا أوقدت فيه ناره تظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، ولكن ينزل مع المسلمين في دارهم وهذا المعنى الذي فسره به متعين وإلا لم يكن جوابا لسؤالهم، وفي الكشف إن ما وقع في الفائق من أنّ قوما من أهل مكة أسلموا، وكانوا مقيمين بها قبل الفتح فقال لمجرو: " أنا بريء من كل مسلم مع مشرك) فقيل لم يا رسول الله قال: " لا تراءى ناراهما " أي يجب أن يتباعد بحيث إذا أوقدت ناران لم تلح إحداهما للأخرى أظهر مما في النهاية، وقوله الموالي لهم أي جنس هؤلاء ولذا جمع ضميره. قوله: (أي الذين ظلموا أنفسهما لخ) هذا تعليل آخر يتضمن عدم نفع موالاتهم بل ترتب الضرر عليها، وقوله: (يعني ابن أبز الخ) هم المنافقون فالمرض بمعنى النفاق، وقوله: (يسارعون فيهم) عدي بفي، وأصل تعديته بعلى ولذلك فسره الزمخشرفي بينكمشون بمعنى يسرعون أيضا لأنه متعد بفي لكن تركه المصنف لكونه تفسيرا بالأخفى، وإنما عدل عنه إشارة إلى اختلاطهم بهم ودخولهم فيهم فعداه بها لتضمنه معنى الدخول والدائرة أصلها الخط المحيط بالسطح استعيرت لنوائب الزمان بملاحظة إحاطتها، واستعمالها في المكروه والدولة ضمذها، وقد ترد بمعنى الدائرة أيضا لكته قليل، وحديث عبادة أخرجه ابن جرير وابن إسحق وموالي بتشديد الياء جمع مولي مضاف لياء المتكلم. قوله: (يقطع شأفة اليهود الخ) أي يذهبهم بالكلية والشافة بشين معجمة، وهمزة، وقد تبدل ألفاً تخفيفا، وفاء كرأفة قال الفراء معناها الأصل، وبثرة في العقب تكوي فتذهب، وإذا تطعت مات صاحبها، وقال الأصمعيّ الشأفة النماء، والارتفاع، وفي المثل استأصل الله شأفته أي قطع أصله أو أذهب أثره كما تذهب تلك البثرة بالكي أو قطع نماءه وارتفاعه، وقوله: يقطع مضارع بمثناة تحتية أو باء جارّة واسم. قوله: (أو الأمر بإظهار الخ) يعني أنّ الأمر إمّا بمعنى الشأن كما في التفسير الأوّل أو مصدر أمره بكذا إذا طلب منه، واستبطنوه بمعنى أخفوه، وقوله: أشعر على نفاقهم أي دل، ولذا عداه بعلى. قوله: (ويؤيده قراءة ابن كثير الخ الأنها ظاهرة في الاستئناف، وقوله: (على أنه الخ) بيان للاستئناف على الوجهين لكن في كون الاستئناف البياني يقترن بالواو نظر، ولذا جعله بعضهم متعلقا بالثاني فقط، ومعنى كون الأوّل مستأنفاً أنه معطوف على جملة الترجي، وليس مندرجا تحتها. قوله: (عطفاً على أن يأتي باعتبار المعنى الخ (لما كان العطف على خبر عسى أو مفعولها يقتضي أن يكون فيه ضمير الله ليصح الأخبار به أو ليجري على استعماله قدره بعضهم، ويقول الذين آمنوأ به أو هو من العطف على المعنى إذ معنى المعطوف عليه عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا فتكون عسى تامة لإسنادها إلى أن وما في حيزها فلا يحتاج حينئذ إلى رابط، وهذا قريب من عطف التوهم فكأنهم عبروا عنه بالعطف على المعنى تأذباً. قوله: (أو بجعله بدلاً الخ (يعني أن يأتي بدل من اسم الله وعسى تامة، وهي تامة إذا أسندت إلى أن، وما في حيزها فكذا إذا أبدلت منه كما قال الفارسي لأنه لو أخبر عنها حينئذ لكان الخبر للبدل كما مر، وأن وما معها بعد عسى لا يخبر عنها هذا تحقيق كلام الفارسي رحمه الله، وقد غفل عنه من اعترض عليه بأنها إنما تتم إذا أسندت إلى أن، وما في حيزها كما صرح به النحاة وقوله: مغنياً عن الخبر بما تضمنه من الحدث بيان لوجه أنها إذا أسندت لأن ومنصوبها لا يكون! ها خبر بأنها إنما احتاجت إليه لأنها تستدعي مسنداً ومسنداً إليه كسائر النواسخ، والجملة الواقعة بعد أن مشتملة عليه فلا تحتاج إلى الخبر، وتحقيقه في كتب النحو. قوله: (أو على الفتح الخ (فالمعنى حيسئذ فعسى الله أن يأتي بالفتح، وبقول المؤمنين فهو نظير. للبس عباءة وتقرّ عيني وهذا الوجه ذهب إليه ابن النحاس وأورد عليه أنه يلزم الفصل بين أجزاء الصلة بأجنبيّ لأنّ الفتح حينئذ بمعنى أن يفتح وأن المعنى أن يأتي بقول المؤمنين، وهو ركيك، وأشار المصنف رحمه الله إلى دفع هذا بأنّ المراد عسى الله أن يأتي بما يوجب هذا القول من النصرة المظهرة لحالهم، وقيل إنه عطف على يصبحوا على أنه منصوب في جواب الترجي إجراء له مجرى التمني قاله إبن الحاجب، وهذا إنما يجيزه الكوفيون، وهو قول مرجوج والأصح في نصب يصبحوا أنه بالعطف على يأتي، وسوّغه وجود الفاء السببية التي لا يحتاج معها إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 رابط كما في الدر المصون، والظاهر أنه لا حاجة في عطفه على يصبحوا إلى جعله منصوبا في جواب عسى لأنّ الفاء كافية في المعطوف، والمعطوف عليه لأنهما كشيء واحد، ومن غفل عن هذا قال: كفى للعائد أقسموا بالله فإنه من وضع الظاهر موضع المضمر، ومثل هذا الإشكال وارد في عطف فيصبحوا إلا أن يكون من قبيل لعلي أحج فأزورك، وما اعترض به أبو حيان رده السفاقسي كما هو ظاهر فانظره إن أردته. قوله: (يقوله المؤمنون بعضهم لبعض الخ) يعني أن الاستفهام للتعجب والتبجح بتقديم الجيم أي الافتخار أو بقوله المسلمون لليهود تفضيحا لهم، وللمنافقين أي الذين عاهدوكم على النصرة ما بالهم خذلوكم. قوله: (وجهد الإيمان أغلظها الخ) في الكشاف في سورة النور جهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغ في اليمين، وبلغ غاية أشدها وأوكدها وسيأتي تحقيقه هناك، وهو حال بتأويل مجتهدين فيه أو أصله يجتهدون جهد أيمانهم فالحال في الحقيقة الجملة، ولذا ساغ كونه حالاً كقولهم: افعل ذلك جهدك مع أن الحال حقها التنكير لأنه ليس حالاً بحسب الأصل أو هو متأوّل بنكرة أو هو منصوب على المصدرية لأنّ المعنى أقسموا أقساما مجتهداً فيه، وفي قوله لأنه بمعنى أقسموا تسمح أي لأنه بمعنى مصدر أقسموا. قوله: (وفيه معنى التعجب الخ) جعله الزمخشريّ تعجبا، وشهادة على كونه مقول القول فقط وقيل في توجيهه إنما خص به لأنه ليس للمؤمنين شهادة، وحكم بحبوط أعمالهم، والمصنف رحمه الله جعله على الوجهين لأنه لا بعد في التعجب على الوجهين، ولا في حكم المؤمنين باعتبار ما يظهر من حالهم في ارتكاب ما ارتكبوه واخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وعلى الأوّل هي في محل نصب، وعلى الثاني لا محل لها وقيل إنها جملة دعائية، والتعجب من سياق الكلام لا من الصيغة أو منها، وقوله على الأصل أي يرتدد بفك الادغام لسكون الثاني والأصل في المثلين إذا سكن ثانيهما الفك كما تقرّر في محله، والإمام اسم مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه كما مر، وكتب على الأصل ليعلم منه حال القراءة الأخرى فهو لا يخالفه كما توهم، وهذا غير متفق عليه لأنه قال في الدر المصون أنه في بعض مصاحف الإمام يرتد بدال واحدة ومصاحفه متعددة فقيل سبعة وقيل ثمانية كما مر. قوله: (وهذا من الكائنات التي اخبر الله ثعالى عنها الخ) قيل من شرطية، والشرط لا يقتضي الوقوع إذ أصله أن يستعمل في الأمور المفروضة فكيف يكون هذا إخباراً عن المغيبات كما هو أحد وجوه إعجاز القرآن، وأمّا وقوعه في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فكان بعد نزول هذه الآية فلا يرد، والجواب أنّ الشرط قد يستعمل في الأمور المحققة تنبيهاً على أنها لا يليق وقوعها بل كان ينبغي أن تدرج في الفرضيات، وهو كثير، وقد علم من وقوع ذلك بعد هذه الآية أن المراد هذا، وذو الحمار بالحاء المهملة الأسود العنسي بالنون، وعنس قبيلة باليمن وعبس بالباء قبيلة غير هذه، وعنس جدهم نسبوا إليه، وقيل لهذا ذو الحمار لأنه كان له حمار يأمره بالسير والوقوف فيأتي ما يريد، وقيل إنه كان يقول له اسجد لربك فيسجد، وضبطه بعضهم بالخاء المعجمة كابن ماكولا، وغيره إما لأنه كان له طيلسان كالخمار أو لأنّ النساء كانت تجعل روث حماره في خمرهن ومسيلمة بكسر اللام تصغير مسلمة، ووقعة مسيلمة وتزوّجه بسجاج، وأكاذيبه الباردة مشهورة في التواريخ، وقاتله وحشيّ رضي الله عنه، وقيل هو وعبد الله بن زيد الأنصاري طعنه وحشي وضربه عبد الله بسيفه وهو القائل: يسائلني الناس عن قتله فقلت ضربت وهذاطعن في أبيات وقوله فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالداً كذا في الكشاف، وهو خطأ وصوابه بعث إليه أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وفزارة وغطفان قبيلتان مشهورتان، وياليل بياءين، ولامين كهابيل صنم سمي هذا به وسجاح مبنيّ على الكسر كانت كاهنة ثم تنبأت ثم أسلصت وحسن إسلامها، وحطم كزفر وعلي يده أي يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وحربه مع الخوارج عظيم طويل الذيل وجبلة بن الأيهم تقدمت قصته في سورة البقرة، والجمهور على أنه مات على ردته، وقيل إنه أسلم وروى الواقدي أنّ عمر رضي الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 تعالى عنه كتب إلى أحبار الشام لما لحق بهم كتاباً فيه أنّ جبلة ورد إليّ في سراة قومه فأسلم فكرمته، ثم سار إلى مكة فطاف فوطىء إزاره رجل من بني فزارة فلطمه جبلة فهشم أنفه، وكسر ثناياه، وقيل قلع عينه ويدل له ما سيأتي فاستعدى الفزاريّ على جبلة إليّ فحكمت إمّا بالعفو وإمّا بالقصاص فقال أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة فقلت شملك، وإياه الإسلام فما تفضله إلا بالعافي فسأل جبلة التأخير إلى الغد فلما كان من الليل ركب مع بني عمه ولحق بالشام مرتداً وروي أنه ندم على ما فعل وأنشد: تنصرت بعدالحق عاراللطمة ولم يك فيها لوصبرت لهاضرر فأدركني فيهالجاج حمية فبعت لها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني صبرت على القول الذي قاله عمر ووحشي معروف، وفي نسخة الوحشي، وهو خطأ من الكاتب. قوله: (قيل هم اليمن) أي أهل اليمن لأنّ اليمن اسم بلادهم، وأبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه من صميم اليمن، وهذا هو الصحيح كما أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، والطبراني والحاكم من حديث عياض ابن عمر الأشعري، وأما كونهم الفرس فقال العراقيّ رحمه الله لم أقف عليه، وهو هنا وهم، وإنما ورد ذلك في قوله تعالى في آخر سورة القتال: {وإن " تتولوا يستبدل قوماً غيركم} [سورة محمد، الآية: 38] كما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه فمن ذكره هنا، وهم أيضاً وقوله وذووه يدل على صحة إضافة ذو إلى الضمير في السعة فلا يلتفت إلى من أنكره، والقادسية موضمع بقرب الكوفة حارب فيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رستم الشقي صاحب جيش يزدجرد سمي بها لأنّ إبراهيم الخليل عشي! تقدس بها أي اغتسل، وتطهر، والنخع بفتحتين قبيلة، وكذا كندة وبجيلة. قوله: (من أفناء الناس (أي اخلاط قبائل شنى ليسوا قبيلة واحدة كمن قبلهم يقال هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو الأزهري عن ابن الآعرابيّ أعفاء الناس وأفناؤهم أخلاطهم الواحد عفو وفنو، وعن أبي حاتم عن أمّ الهيثم هؤلاء من أفناء الناس، وتفسيره قوم نزاع من ههنا، ومن ههنا ولم تعرف أمّ الهيثم للافناء واحداً وهو بفاء ونون ممدود. قوله: (والراجع إلى من محذوف تقديره الخ (من الشرطية هنا مبتدأ واختلف النحاة في خبرها فقيل مجموع الشرط، والجزاء وقيل الجزاء فعلى الأوّل لا يحتاج الجزاء وحده إلى ضمير يربطه، وعلى الثاني يحتاج إليه فهو مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله وقيل إنه مؤوّل بلا يضركم ارتداده أو الجزاء محذوف، وهذا مسبب عنه قائم مقامه أي فهو مبغوض مطرود، وسوف يأتي الله بمن هو خير منه، ولكل وجهة، وقدم محبة الله لأنّ محبة العبد بعد إرادة الله هدايته وتوفيقه لأنها ناشئة منها. قوله: (ومحبة الله للعباد الخ) تبع في هدّا الزمخشريّ إذ أنكر كون محب العباد دلّه حقيقية بل هي مجازية من باب إطلاق السبب على المسبب إذ لا تتصوّر المحبة الحقيقية هنا ورذ فيه على من اذعى ذلك من الصوفية في طرف العباد إذ الطرف الآخر لا نزاع فيه، وتد ردّه عليه، وأطنب فيه صاحب الانتصاف بما حاصله أنّ اللذة الباعثة على المحبة إما حسية، وهي ظاهرة أو عقلية كلذة الجاه، والرياسة ولذة العلوم، ولا علم ألذ وأكمل من معرفة الحق، والمحبة المنبعثة عنها محبة حقيقية متفاوتة بحسب تفاوت المعارف ألا ترى إلى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عن الساعة " ما أعددت لها ". قال ما أعددت لها كبير عمل، ولكن حب الله، ورسوله فقال عليه الصلاة والسلام: " أنت مع من أحببت " كيف غاير بين ا! محبة، والعمل وقال الغزالي رحمه الله بعد ما قرر أمر المحبة المحبون لله يقولون لمن أنكر عليهم ذلك أن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون. قوله: (واستعماله مع على الخ) يعني كان الظاهر أن يقال للمؤمنين كما يقال تذلل له، ولا يقال عليه للمنافاة بين التذلل والعلو ولكنه عداه بعلى لتضمنه معنى العطف والحنوّ المتعدي بها. قوله: (أو التنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلها على المؤمنين خاضعون لهم (لما كان في هدّا خفاء اختلف فيه شراح الكشاف فقيل المراد أنه ضمن معنى الفضل، والعلو يعني أنّ كونهم أذلة ليس لأجل كونهم إذلاء في أنفسهم بل لإرادة أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 يضموا إلى علو منصبهم، وشرفهم فضيلة التواضع، ولا يخفى أنّ مقابلته بالتضمين تقتضي أنه وجه آخر لا تضمين فيه، ولا يتأتى فيه التضمين لأنه لا تعانق بين المعنيين فلا وجه له، وقيل إنه استعار على لمعنى اللام ليؤذن بأنهم غلبوا غيرهم من المؤمنين في التواضع على علوهم بهذه الصفة مع شرفهم، وعلوّ طبقتهم، وقوله: {أعزة على الكافرين} تكميل لأنه لما وصفهم بالتذليل ربما توهم أنّ لهم في نفسهم حقارة فقال، ومع ذلك هم أعزة على الكافرين كقوله: جلوس في مجالسهم رزان وإن ضيف ألمّ بهم خفوق وهذا أقرب ما قيل لأنها مستعارة للام، ولكنه لوحظ معناها الأصلي كما يفهم من أبي لهب أنه جهنمي وان قال النحرير أنه لا يعهد مثله، وأضعفها ما قيل إنه على هذا الجار، والمجرور وصف آخر لقوم وقوله: (مع علوّ الخ) تفسير لقوله على المؤمنين، وخاضعون تفسير لا ذلة، وفي نسخة خافضون. قوله: (أو للمقابلة الخ (أراد بالمقابلة المشاكلة لأنه اسمها أيضا يعني لما كانت العزة تتعدى بعلى وقد قارنتها عدت بعلى مثلها والمشاكلة يجوز فيها التقدم والتأخر كما بين في محله ويحتمل أن يريد أنّ الذلة لما كانت ضد العزة، وتقابلها عذيت تعديتها لأنّ النظير كما يحمل على النظيريحمل الضد على الضد كما عذوا أسز بالباء حملاً له على جهر وهذا مما صرح به ابن جني وغيره، وقيل إنه يحتمل أنّ الذلة معناها ع! م العزة فلذا عديت تعديتها كأنه قيل غير أعزة على المؤمنين، وهو قريب من الأوّل، وتد يقال إنه وجه للحمل، وجملة يجاهدون صفة أو حال من ضمير أو عزة أو مستأنفة. قوله: (أو حال بمعنى أنهم الخ) هذا مذهب الزمخشريّ في جواز اقتران المضارع المنفيئ بلا بالواو فإن النحاة جوّزوه في المنفي بلم، ولما، ولا فرق بينهما فلا يرد عليه ما قيل إنهم نصوا على أن المضارع المنفيّ بلا، وما كالمثبت في أنه لا يجوز أن تدخل عليه الواو لأنه بمعنى الاسم الصريح فجاء زيد لا يضحك بمعنى غير ضاحك كما أن معنى جاء زيد يقوم بمعنى قائما والفرق بين العطف والحالية أنه على الأوّل تتميم لمعنى يجاهدون مفيد للمبالغة والاستيعاب، وعلى الثاني تعريض بمن يجاهد، وليس كذلك، وفيه تأمل. قوله:) وحالهم خلاف حال المنافقين الخ) أورد عليه أن تعيير المنافقين يفيده العطف أيضا بلا فرق وأنّ خشية المنافقين لا تختص باليهود بل يخافون - اه- 11، - 01. / - ط! / 3، 5 لوم المسلمين لو تخلفوا، أو على عدم اجتهادهم لو حضروا. قوله: (وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان الأنه نفى عنهم مخافة اللوم من أيّ لائم كان، وبانتفاء الخوف من اللومة الواحدة ينتفي خوف جميع اللومات لأنّ النكرة في سياق النفي تعم فإذا انضم إليها تنكير فاعلها استوعب خوف جميع اللوّام فهذا تتميم كذا قيل إلا أنه قيل عليه كيف يكون لومة أبلغ من لوم مع ما فيها من الوحدة فلو قيل لوم لائم كان أبلغ، والجواب بأنها في الأصل للمرّة لكن المراد بها هنا الجنس، وأتي بالتاء للإشارة إلى أنّ جنس اللوم عندهم بمنزلة لومة واحدة ولذا فسروه بلا يخافون شيئاً من اللوم لا يدفع السؤال لأنه لا قرينة على هذا التجوّز مع بقاء الايهام فيه وقوله إشارة إلى ما تقدّم أي، وأفرده لما تقدم ومنهم من خصه ببعضها وهذا أولى، وقوله يمنحه ويوفق له إشارة إلى شموله للايتاء بالفعل، والقوّة، وقوله كثير الفضل يشير إلى أنّ معناه ذلك أو أنه في الأصل كان من الإسناد المجازي ثم غلب حتى صار حقيقية، وقوله بمن هو أهله أي أهل الفضل وخصه وان كان عليما بكل شيء لمناسبة المقام. قوله: (وإنما قال وليكم الله الخ) أي لما قال: {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} [سورة المائدة، الآية: 51] الخ ذكر عقبه من هو حقيق بالموالاة، وأفرد الولي ليفيد أنّ الولاية لله بالأصال وللرسول، والمؤمنين بالتبع فيكون التقدير كما نبه عليه شراح الكشاف، وكذلك رسوله والذين آمنوا ليكون في الكلام أصل وتبع لا أنّ وليكم مفرد استعمل استعمال الجمع ليلزمه ما لزم لو كان النظم أولياؤكم، والحصر باعتبار أنه الولي أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنما هي بالاستناد إليه فلا يرد عليه أنه لو كان التقدير كذلك لتنافي حصر الولاية في الله ثم اثباتها للرسول تحر وللمؤمنين. قوله: (صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم الخ) أي اسم جار مجرى غير الصفات فلذا يوصف، ومجرى الصفات باعتبار صلته فلذا وصف به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 والزمخشريّ لم يعربه صفة فقيل لأنّ الموصول، وصلة إلى وصف المعارف، والوصف لا يوصف إلا بالتأويل ولذا قيل إنه أجرى مجرى الأسماء كمؤمن، وكافر. قوله: (متخشعون في صلاتهم الخ الما كان الركوع غير مناسب للزكاة فسره بمعنى يشملهما وهو التذلل والتخشع كما في قوله: لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه وعلى الوجه الثاني ابقاؤه على ظاهره، ويكون في معين وقصة عليّ كرم الله وجهه ورضي الله عنه أخرجها الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد متصل قال أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنّ منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ولا متحذث دون هذا المجلس! ، وانّ قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبئ صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله ثم إنّ النبئ صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً فقل نعم خاتم من فضة فقال: " من أعطاكه " فقال ذاك القائم وأومأ بيده إلى علي رضي الثه عنه ققال النبئ صلى الله عليه وسلم على أيّ حال اعطاك فقال وهو راكع فكبر النبئ صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية) فأنشأ حسان رضي الله عنه يقول: أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكل بطيء في الهدي ومسارع أيذهب مدحيك المحبر ضائعا وما المدح في جنب الاله بضائع فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا زكاة فدتك النفس يا خير راكع فأنزل فيك الله خير ولاية وثبتها مثنى كتاب الشرائع قوله: (واستدل به الشيعة على إمامته الخ) وجه الاستدلال أنه جعل الوليّ من يتصدق وهو راكع، وذلك عليّ رضي الله عنه والوليّ الخليفة لأنه الذي يتولى أمور الناس فتكون الخلافة منحصرة فيه حقا له وليس بشيء لأنّ المراد بالوليّ ضد العدو، وهو الصديق ولو سلم أنه ما ذكر فاللفظ عام، وسبب النزول لا يخصص وأرادة الجمع بالواحد خلاف الظاهر خصوصا وخلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت بالأحاديث الصحيحة كما بين في محله. قوله: (فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس الخ) فإذا كان لترغيب لا يختص! به أيضاً وذكروا في التعبير عن الواحد بالجمع أنه يكون لفائدتين تعظيم الفاعل وأنّ من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزل جماعة كقوله تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمة} [سورة النحل، الآية: 120] ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعل وتعظيم الفعل أيضاً، حتى أنّ فعله سجية لكل مؤمن وهذا نكتة سرية تعتبر في كل مكان ما يليق به ووجه الاستدلال المذكور ظاهر، وقيل إنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة فإنه كان جائزاً، ثم نسخ وبأنه أشار إليه فاً خذه من إصبعه بلا فعل! هـ. وقوله:) وضع الظاهر موضع المضمر الخ) هذا مبني على أنّ جواب الشرط الاسمي في نحوه لا بد من اشتماله على ضميره كما مرّ فوضع الاسم الظاهر موضع الضمير للدلالة على علة الغلبة، وهو أنهم حزب الله كقوله تعالى: {وإنّ جندنا لهم الغالبون} [سورة الصافات، الآية: 173] . وقوله: (ومن يتول هؤلاء الخ) بيان أنه على هذا الوجه ذكر الله للتوطئة والتمهيد وعلى ما بعده من التنويه، والتشريف لا يلزم فيه ملاحظة التوطئة ففرق بينهما ووجهه أنه جعلهم مشاهير بهذا وعلما فيه حتى لا يتبادر إلى الفهم غيرهم إذا ذكر حزب الله. قوله: (لآمر حزبهم) أي أهمهم، وقيل الحزب جماعة فيهم شدة فهو أخص من الجماعة، والقوم. قوله: (نزلت في رفاعة بن زيد الخ) وترتب النهي على اتخاذهم لتعليقه بما هو في حكم المشتق ومن جر الكفار أبو عمرو والكسائي ويعقوب وهو أظهر لقرب المعطوف عليه ولأن أبيا رضي الله عنه قرأ ومن الكفار والكفار على هذا مخصوص بالمشركين، وقد ورد بهذا المعنى في مواضع من القرآن، ووجه التخصيص ما ذكره وعلى قراءة النصب لا يكون المشركون مصرحا باستهزائهم هنا وان أثبت لهم في آية: {إنا كفيناك المستهزئين} [سورة الحجر، الآية: 95] إذا المراد بهم مشركو العرب ولا يكون النهي عليها معللاً بالاستهزاء بل نهوا عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 موالاتهم ابتداء، وهذا معنى. قوله:) على أنّ النهي الخ (وقوله بترك المناهي خصه لوتوعه بعد النهي عن اتخاذهم أولياء فالمناسب تخصيص الإيمان بالوعيد، ومن عممه نظر إلى أنه تذييل، ومثله يورد بطريق العموم فافهم. قوله: (وفيه دليل على أنّ الآذان مشروع للصلاة) وفي الكشاف فيه دليل جملى ثبوت الأذان بنص الكتاب لأنه لما دلّ على أنّ اتخاذ المناداة هزؤوا من مكرات الشرع دل على أنّ المناداة من حقوقه المشروعة له، وان كان ابتداء مشروعيته بالسنة كما في قصة عبد الله بن زيد الأنصاري وما رأى في منامه، وهذا لا ينافي كون مشروعية الأذان أول ما قدموا المدينة، والمائدة متأخر نزولها، ولما كان ثبوته معروفاً جعله المصحنف رحمه أدلّه تعالى دليلاً على مشروعيته لا على ثبوته فلذا عدل عما في الكشاف، وان كان لا يمتنع اجتماع الأدلة الشرعية على حكم واحد لأنها أمارات لا مؤثرات وموجبات، وقوله فدخل خادمه في شروح الكشاف أنه جارية فإن الخادم يطلق على الذكر، والأنثى وترك قول الكشاف لا بالمنام، ونحوه من الاستشارة لأنه رد لما ورد من ذكر المنام، ونحوه لأنه إنما ثبت بوحي وافق ما ذكر كما بينه شراح الحديث، وسمي الأذان مناداة لقوله حيّ على الصلاة حيّ على الفلاج. قوله: (فإنّ السفه يؤدي إلى الجهل) المراد بالسفه خفة العقل، وعدمه وفسر تتقمون بتنكرون وتيبون إذ النقمة معناها الانكار باللسان أو بالعقوبة كما قاله الراغب لأنه لا يعاقب إلا على المنكر فيكون على حد قوله: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم فلذا حسن انتقم منه مطوعه بمعنى عاقبه، وجازاه، والا فكيف يخالف المطاوع أصله فافهم، ونقم ورد كعلم يعلم وورد بكسر القاف في الماضي، والمضارع، وهي الفصحى، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى، وهي لغة أي قليلة، وهي قراءة الحسن، ونقم بعدى بمن وعلى وقال أبو حيان أصله أن يتعدى بعلى ثم افتعل المبنى منه يعدى بمن لتضمنه معنى الإصابة بالمكروه، وهنا فعل بمعنى افتعل وجعل ما أنزل إلينا، وما أنزل من قبل أي قبلنا عبارة عن جميع الكتب السماوية، وهو ظاهر. قوله: (عطف على أن آمنا الخ) و! ما كان على هذا تقديره هل تكرهون إلا إيماننا، وفسق أكثركم وهم لا يعترفون بأنّ أكثرهم فاسقون حتى ينكروه فلذا أولوه بأنه مستعمل في لازمه، وهو مخالفتهم فكأنه قيل هل تنكرون منا إلا أنا على حال تخالف حالكم حيث دخلنا في الإسلام، وخرجتم منه بالفسق بمعنى الخروج عن الإيمان أو أنه على تقدير مضاف أي اعتقاد أنكم فاسقون وهو ظاهر، وإنما قال أكثركم لأنّ منهم من أسلم كعبد الله بن سلام وأضرا به رضي الله عنهم، وقوله أي وما تنقمون منا كذا وقع في نسخ هذا الكتاب، والكشاف والا وجه ترك الواو وكذا وقع في نسخة، وكأن إشارة إلى أنهم نقموا عليه أمورأ أخر كما يفيده ما قبله من انكارهم الأذان، وغيره من أمور الدين فتأمل، وعلى هذا الوجه هو معطوت على المؤمن به بملاحظ معنى الاعتقاد أيضا فهو في المعنى كالوجه الذي قبله، والمراد بفسقهم كفرهم كما مر، وكما يلزمنا اعتقاد حقية ما نحن عليه يلزمنا اعتقاد بطلان ما يخالفه، والإيمان بأنه باطل، والوجه الرابع أنه مجرور بلام محذوفة ومعطوف على علة أخرى محذوفة، ومحله إما جر أو نصب أو هو منصوب بفعل مقدر منفي أو هو مبتدأ خبره محذوف، والجملة حال أي وفسقكم ثابت معلوم كذا قال في الكشاف فقدر الخبر مؤخراً، وقيل إنه لا بد من تقديره مقدماً لأنّ أن المفتوحة لا يقع ما معها مبتدأ إلا إذا تقدم الخبر ورد بأن كثيرا من النحاة خالف في هذا الشرط، وأنه يغتفر في الأمور التقديرية ما لا يغتفر في غيرها، وفي هذه الآية على احتمال الرفع والنصب، والجر وجوه كثيرة بلغت أحد عثر ترك المصنف رحمه الله تعالى منها وجوها كأنها لم يرض بها لما أوردوا عليها ككون الواو بمعنى مع لما قال النحرير: إنه لا يتم على ظاهر كلام النحاة من أنه لا بد في المفعول معه من المصاحبة في معمولية الفعل، وحينئذ يعود المحذور وهو أنهم نقموا كون أكثرهم فاسقين، وان قيل إنه على مذهب الأخفش الذي لا يئترط ذلك، وقيل عليه ما قيل وقيل إن آمنا بتقدير اللام وهذا معطوف عليه أي ما تنقمون علينا شيأ إلا لإيماننا وأنّ أكثركم فاسقون. قوله: (والآية خطاب ليهود الخ (أي لقوم من اليهود سألوه عما آمن به فتلا لهم {امنا بالئه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى} (الآية وهذا رواه ابن جرير والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:) أي من ذلك المتقوم الخ (اختلف المفسرون في المخاطب بأنبئكم فذهب الأكثر إلى أنه أهل الكتاب المتقدم ذكرهم وقيل الكفار مطلقا وقيل المؤمنون وكذا اختلفوا في معنى اسم الإشارة فقيل إشارة إلى الأكثر الفاسقين ووحد اسم الإشارة إلى لأنه يشار به إلى الواحد وغيره، وليس كالضمير أو لتأويله بالمذكور ونحوه وفي الكلام مقدر أي بشر من حال هؤلاء وجعله الزمخشرقي إشارة إلى المتقوم ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره دين من لعنه، وقيل إنه إشارة إلى الأشخاص المتقدمين الذي هم أهل الكتاب يعني أن السلف شز من الخلف وعليه فلا يحتاج إلى تقدير والمنقوم إنما هو إيمانهم المذكور والاحتياج إلى حذف المضاف ظاهر على كون من لعنه الله خبراً عن ضمير ذلك، وأما على كونه بدلاً فليخرج من بدل الغلط لأن مثل أعجبني الحسن زيد بدل غلط قطعأ إذ لا اشتمال قيل ذكر الزمخشري أن المعنى عقوبتهم شر من عقوبة المسلمين بزعمهم، وقد غفل عنه المصنف رحمه الله تعالى: فأهمله ولو جعل مثوبة مفعولأله لأنبئكم أي أنبئكم لطلب المئوبة عند الله بهذا الأنباء لاقتضاء حكم لخلص عن التكلف، وهذا له وجه لكنه خلاف الظاهر، وأما الأول فليس المصنف رحمه الله تعالى غافلا عنه كما زعم بل لما أول شراً الثاني اكتفى به عن تأويل الأول لجريانه فيه. قوله:) جزاء ثابتاً عند الله (قال الراغب: الثواب ما رجع إلى الإنسان من جزاء أعماله سمي به يتصوّر أن ما عمله يرجع إليه كقوله: {ومن يعمل مثقال ذرة خبرا يره} أسورة الزلزلة، الآية: 7، ولم يقل ير جزاءه والثواب يقال في الخير والشر لكن الأكثر المتعارف في الخير وكذا المثوبة، وهي مصدر ميمي بمعناه وعلى اختصاصها بالخير استعملت هنا في العقوبة على طريقة: تحية بينهم ضرب وجيع في التهكم وان كان ما في الآية استعارة لطيئ ذكر المشبه، وما في البيت تشبيهأ انتزع وجهه من التضاد على طريقة التهكم لذكر الطرفين بطريق حمل أحدهما على الآخر لكن على عكس قولك مزيد أسد، والتحية مشبه به والضرب مشبه كذا قيل: وقد أسلفنا في سورة البقرة التحقيق في هذا، وأنه ليس من التشبيه، والاستعارة في شيء كما صرح به الشيخ في دلائل الإعجاز فإن أردت تحقيقه فراجعه فإنه مما تفرد به كتابنا هذا. قوله:) بدل من شر على حذف مضاف (فيقدر أهل قبل ذلك أو دين قبل من كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي بشر الخ وتقدم وجه الاحتياج إلى التقدير على البدلية، ولم ينبه عليه المصنف في الثاني حوالة على الأول لظهوره. قوله: (وهم اليهود الخ) أي من لعنه الله اليهود، وكذا الممسوخون منهم، والممسوخون خنازير من النصارى، وقيل المسخان وقعا في اليهود، ومشايخ قيل جمع شيخ على خلاف القياس، والتحقيق أنه جمع مشيخة، وهي جمع شيخ كمسيفة للسيوف ومعب! ة للعبيد، ومأسدة للأسود. قوله: (عطف على صلة من الخ (في هذه الآية أربع، وعشرون قرأءة ثنتان من السبعة وما عداهما شاذ فقرأ جمهورهم غير حمزة عبد فعل ماض معلوم، وفيه ضمير يعود لمن، وقرأ حمزة عبد الطاغوت بفتح العين، وضم الباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت على أنّ عبد واحد مراد به الجنس، وليس بجمع لأنه لم يسمع مثله في أبنية الجمع بل هو صيغة مبالغة، ولذا قال الزمخشري معناه الغلوّ في العبودية، وأنشد لطرفة شاهداً عليه: أبتي لبيني أنّ أمكمو أمة وإن أباكمو عبد أراد عبداً، وقد ذكر مثله الزجاج، وابن الأنباري قال ضمت الباء للمبالغة كقو! هم للفظن، والحذر فطن وحذر بضم العين فلا عبرة بمن طعن على هذه القراءة، ونسب قارئها إلى الوهم كالفرّاء، وأبي عبيدة وأما الشاذة فقراءة أبيّ رضي الله عنه عبدوا معلوما بضمير الجمع لمعنى من، وقرأ الحسن عباد جمع عبد وعبد بالإفراد بجر الطاغوت ونصبه إما على أنّ أصله عبد بفتح الباء فسكن أو عبدا بالتنوين فحذف كقوله. ولا ذكر الله إلا قليلا ونصبه عطفاً على القردة، وقرأ الأعمش والنخعي عبد مجهولاً مع رفع الطاغوت، وقرأ عبد القه كذلك إلا أنه أنث فقرأ عبدت والطاغوت يذكر، ويؤنث كما مر، وهو معطوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 على صلة من والعائد محذوف أي فيهم أو بينهم، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه عبد بفتح العين، وضم الباء وفتح الدال، ورفع الطاغوت كشرف كان العبادة صارت سجية له أو أنه بمعنى صار معبودا كأمر أي صار أميراً، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما عبد بضم العين، والباء وفتح الدال، وجر الطاغوت فعن الأخفش أنه جمع عبيد جمع عبد فهو جمع الجمع عابد كشارف، وشرف أو جمع عبد كسقف وسقف أو جمع عباد ككتاب وكتب فهو جمع الجمع أيضا، وقرأ الأعمش عبد بضم العين، وتشديد الباء المفتوحة، وفتح الدال، وجر الطاغوت جمع عابد، وعبد كحطم وزفر منصوبا مضافا للطاغوت مفردا للمبالغة وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أيضا عبد بضم العين، وفتح الباء المشددة، وفتح الدال ونصب الطاغوت على حدّ ولا ذاكر الله، وقرأ بريدة، وعابد الشيطان بنصب عابد وجر الشيطان بدل الطاغوت، وقيل إنه تفسير وقرئ عباد كجهال، وعباد كرجال جمع عابد أو عبد وفيه إضافة العباد لغير الله، وقد منعها بعضهم، والأصح أنه أغلب، وقرئ عابد بالرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر وجر الطاغوت وقرئ عابد وبالجمع والإضافة وقرئ عابد منصوبا وقرئ عبد الطاغوت بفتحات مضافا على أنّ أصله عبدة ككفرة فحذفت تاؤه للإضافة كقوله: وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا أي عدته كإقام الصلاة أو هو جمع أو اسم جمع كخادم وخدم بلا حذف ويشهد له قراءة عبدة الطاغوت، وقرئ أعبد كأكلب، وعبيد جمع أو اسم جمع وعابدي جمع بالياء وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً، ومن عبدوا فهذه أربع وعشرون وقول المصنف رحمه الله (ومن قرأ الخ) أي مفردا منصوبا على وزن فاعل أو فعل كحذر أو جمعاً منصوباً والكل مضافة وقد سمعت أنّ منهم من نصب بعدها، ومر توجيهه فهو معطوف على القردة مفعول جعل أو على من لأنهم جوزوا فيها النصب بفعل مقدر أو بالبدلية من محل بشر، وقوله: وعبد صار معبودا أي بفتح العين وضم الباء فعل ماض ككرم ورفع الطاغوت وتقدم توجيهه. قوله:) ومن قرأ وعبد الطاغوت بالجر) أي على أنه مفرد أو جمع فهو معطوف على من المجرورة محلا على البدلية من شرّ وجعله عطفا على البدل لا على شر لأنه المقصود بالنسسبة، وقد مر تفسير الطاغوت بالشيطان، وأنه قرئ به، وقرأه حمزة بالنصب ومر توجيهها وقوله: والباقون يفتحها أي الباء على أنه ماض مبنيّ للفاعل كما مر، وقوله، وكل من أطاعوه الخ فالعبادة مجاز عن الطاعة. قوله: (جعل مكانهم شرا) أي أسند الشرارة إلى المكان وجعل شرا لأنّ التمييز في المعنى فاعل، واثبات الشرارة لمكان الشيء كناية عن إثباتها له كقولهم سلام على المجلس العالي، والمجد بين برديه كان شرهم أثر في مكانهم أو عظم حتى صار متجسما، ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا كجري النهر. قوله: (وقيل مكاناً منصرفاً) بصيغة المفعول كسائر أسماء الأمكنة، وهو ما ينصرفون إليه ليصيروا فيه فالكون بمعنى الصيرورة من المزيد يعني ليس المراد الكناية بل المكان محل الكون، والقرار الذي يؤول أمرهم إلى التمكن فيه كقوله شر منقلباً، وهو مصيرهم يعني جهنم، وبئس المصير والرارة بفتح الشين مصدر كالقباحة لفظاً ومعنى. قوله: (قصد الطريق الخ) قصد بفتح فسكون مجرور عطف بيان لسواء السبيل، وأصل معناه الوسط المستوي، وهو معنى القصد لأنه يستعمل في الاعتدال بين الإفراط والتفريط يعني أنهم أضل عن طريق الحق المعتدل لأنّ أهل الباطل بين مفرط كالنصارى إذ ادّعوا الألوهية لنبيهم جميرو ومفرط كاليهود إذا طعنوا في غير دينهم، والمراد به دين الإسلام والحنيفية. قوله: (والمراد من صينتي التفضيل) أي شر وأضل يعني أنّ التفضيل مقصود به الزيادة في نفسه من غير نظر إلى مشاركة غيرهم فيه وفيه وجوه فقيل إنه على زعمهم، وقيل إنه بالنسبة إلى غيرهم من الكفار. وقال النحاس إن مكانهم في الآخرة شر من مكان المؤمنين في الدنيا لما لحقهم فيه من مكاره الدهر وسماع الأذى، والهضم من جانبهم، واسنحسته بعضهم، ورجحوه على غيره من الوجوه. قوله: (أي يخرجون من عندك كما دخلوا الخ) التسوية بين دخولهم، وخروجهم لعدم انتفاعهم بحضورهم عنده صلى الله عليه وسلم وجعل الجملتين حاليتين لأنه يجوز تعددها جملة من غير عطف، ومن منعه يقول إنّ الواو عاطفة والمعطوف على الحال حال أيضاً، وباء بالكفر وبه باء الملابسة، والجار والمجرور حالان، ودخول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 قد لتفريب الماضي من الحال قال النحرير: دخلت قد لتقرب الماضي إلى الحال فتكسر سورة استبعاد ما بين الماضي، والحال في الجملة وإلا فقد إنما تقرب إلى حال التكلم، وهذا إشارة إلى ما قيل إنّ الماضي إنما يدل على الانقضاء قبل زمان التكلم، والحال مبينة لهيئة صاحبها قيد لعاملها فهي في حال وقوعه سواء كان ماضياً أو حالاً أو مستقبلا فهذا غلط نشأ من اشتراك لفظ الحال، وأجيب بأنّ الفعل إذا وقع قيد الشيء يعتبر مضيه، وغيره بالنظر إلى المقيد فماذا قيل جاءني زيد ركب يفهم منه تقدم الركوب على المجيء فلا بد من قد حتى تقز به إلى زمان المجيء فيقارنه، وله زيادة تفصيل في حواشي المطوّل، والرضي فارجع إليه، وذكروا لها نكتة أخرى هنا، وهي إنها تفيد ا! المخاطب كان متوقعا المضمون الخبر، وفي الكشاف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوقعا لإظهار الله ما كتموه فدخل حرف التوقع وأورد عليه أن حرف التوقع إنما دخل على الدخول، والخروج بالكفر لا على إظهار نفاقهم، وأجيب بأنّ الأخبار بذلك إظهار له، والمناقشة باقية لأنها لتوقع المخبر به لا لتوقع الأخبار، وقيل: لا شك أنّ المتوتع ينبغي أن لا يكون حاصلا، وكونهم منافقين كان معلوما له صلى الله عليه وسلم فيجب المصير إلى المجاز، والقول بإظهار الله ما كتموه، ولم يقل، وقد خرجوا به لإفادة تأكيد الكفر حال الخروج لأنه خلاف الظاهر إذ كان الظاهر بعد رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسماع كلامه أن يرجعوا عما هم عليه، وأيضاً أنهم إذا سمعوا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنكروه زاد كفرهم، وقوله والله أعلم إشارة إلى أن للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك علما أيضا لكنه كعلم الله المطلع على السرائر، وقيل: فحينئذ كان المناسب أن يقول المصنف رحمه الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه فتأمّل، وقيل قوله ولذلك أي لظنه صلى الله عليه وسلم قال، والله أعلم لتضمته علم النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضا لكن لا كعلمه تعالى لأنّ علمه ظني. قوله: (أي الحرام، وقيل الكذب لقوله عن قولهم الإثم) فإنه يدل على أنه متعلق بقولهم فلا يكون مطلق الإثم، ولا قرينة على خصوصية كلمة الشرك فتعين أن يكون المراد بقولهم آمناً من حيث كونه كذبا ليس عن صميم قلب أمّا إذا كان إخباراً فظاهر، وان كان إنشاء فلتضمنه الخبر بحصول صفة الإيمان لهم، وهذا هو الذي ارتضاه الزمخشري، والمصنف رحمه الله لما رأى تخصيصه هنا لا داعي إليه، وأنّ التخصيص فيما سيأتي لا يقتضيه بل ربما يقتضي خلافه لأنّ الأصل عدم التكرار لم يرتض ما جنحوا إليه، وإن كان لا تكرار فيه لأنه هنا بالنسبة إلى من فعلوه، وهناك بالنسبة إلى من لم ينه عنه نعى عليهم أوّلاً اتصافهم بسوء الاعتقاد، ثم عقبه بسوء الأعمال، وقال يسارعون في الإثم فعداه بفي، وهو يتعذى بإلى إشارة إلى تمكنهم فيه تمكن المظروف في ظرفه، واحاطته بأعمالهم. قوله: (لبئس شيئاً عملوه) إشارة إلى أن ما نكرة موصوفة وقعت تمييزاً للضمير المستتر في بئس الفاعل، والمخصوص محذوف أي بئس شيئاً عملوه هذه الأمور وجوّز جعلها موصولة فاعل بئس. قوله: (تحضيض لعلمائهم) بضادين معجمتين أي حث، وطلب وجعل الربانيين هنا علماء، وفيما مرّ زهاد المناسبة المقام، والزهاد في الأكثر علماء، والنهي إنما يكون منهم وكون لولا، وأخواتها مع المضارع للتحضيض، ومع الماضي للتوبيخ مما قرّره ابن الحاجب، وغيره. قوله: (أبلغ من قوله لبئسما كانوا يعملون الخ (أي لما تقرّر في اللغة، والاستعمال أنّ الفعل ما صدر عن الحيوان مطلقا فإن كان عن قصد سمي عملا ثم إن حصل بمزاولة، وتكرّر حتى رسخ، وصار ملكة له سمي صنيعا، وصنعة وصناعة فلذا كان لصنيع أبلغ لاقتضائه الرسوخ، ولذا يقال للحاذق صانع، وللثوب الجيد النسج صنيع كما قاله الراغب: والتدرّب الاعتياد والتحرّي التوخي وقصد الأحرى، والأليق، والتروّي التفكر والتأمل من الروية، ووقع في نسخة تردّد يعني العود إليه مرّة بعد أخرى، وفي أخرى تروّد، وهي متقاربة معنى، والحسبة بكسر الحاء اسم بمعنى الاحتساب، وهو معروف وإنما كان ترك النهي أقبح من الارتكاب لأنّ المرتكب له في المعصية لذة، وقضاء وطر بخلاف المقرّ له، ولذا ورد أنّ جرم الديوث أعظم من الزانيين فإن قلت يلزم على هذا أن ترك النهي عن الزنا، والقتل أشد إثما منهما، وهو بعيد كما قيل قلت قيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 الأشذية يختلف بالاعتبار فكونه أشد باعتبار ارتكاب ما لا فائدة له فيه لا ينافي كون المباشرة أكثر إثما منه فتأمل. قوله:) أي هو ممسك الخ) أي بخيل يضيق الرزق، وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود يعني فيمن لا تصح منه الحقيقة أصلاً كما هنا بخلاف يد زيد مغلولة أو مبسوطة فإنه كناية عن ذلك وقد مرّ الكلام فيه، وأنه قد لا تراعى هذه التفرقة كما جعل {الرحمن على العرش استوى} أسورة طه، الآية: 5] كناية عن الملك وفي قو! هـ، ولذلك يستعمل الخ. يقتضي أنه حيث يتصوّر منه ذلك مجاز مع أنه كناية فيحمل على ما إذا كان ثمة قرينة مانعة. قوله: (جاد الحمى بسط اليدين بوابل شكرت نداه ثلاعه ووهاده) جاد من الجود يقال جاد المطر فهو جائد والجمع جود كصاحب وصحب، والوهاد بكسر الواو جمع وهدة، وهي ما اطمأن وانخفض من الأرض، والتلعة ما ارتفع منها وقال أبو عمر والتلعة مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطون الأودية، والندي العطاء، ولو قرئ يديه تثنية يد لصح وبسط بضمتين جمع باسط، والمراد بها السحاب، والوابل المطر الكثير. قوله:) ونظيره من المجارّات المركبة شابت لمة الليل (الشيب معروف، واللمة بالكسر ذؤابة مخصوصة قيل فيه نظر لأنه من مجاز المفردات فالشيب مجاز عن وضح الصبح، واللمة عن سواده أي أبيض ما كان أسود منه، وليس هذا بمتعين لجواز أن يشبه طروّ الصمبح على الليل بعروض! الشيب في الشعر الأسود. قوله: (وقيل معناه أنه فقير الخ (أيده بهذه الآية لأنّ قبض اليد يقتضي إمكان بسطها لا عدم قدرته عليه والا لقيل شلت يده، والأوّل يقتضي البلاغة، وحسن الاستعارة لكنه جوّزه فيما بعده من غير تمريض له فانظر الفرق بينهما. قوله: (دعاء عليهم بالبخل والنكد الخ) ويجوز أن يكون خبراً والنكد بفتحتين هنا العسر وقلة الخير من نكدت الركية إذا قل ماؤها، والمطابقة على تقدير الدعاء بالبخل أو الفقر ظاهرة لنسبتهم ذلك إليه تعالى بخلاف الدعاء بغل الأيدي فإنّ المناسبة من حيث اللفظ فقط فيكون تجنيسا قال الزمخشري: ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة يغلون في الدنيا أسارى وفي الآخرة معذبين لإغلال جهنم، والطباق من حيث اللفظ، وملاحظة أصل المجاز كما تقول سبني سب الله دابره أي قطعه لأنّ السب أصله القطع قيل يعني تعتبر المطابقة في قوله تعالى: {يد الله منلولة} [سورة المائدة، الآية: 64] مع {غلت أيديهم} [سورة المائدة، الآية: 64، في إرادة الحقيقة في الثاني مع ملاحظة أصل المجاز، وهو غل اليد لا البخل الذي هو المراد منه لاستوائهما في التلفظ كما أن سب الله من حيث اللفظ مطابق لقولهم سبني الخ لأنّ المراد من سب الله قطع الدابر أي استأصله بقطع آخره وهذه مشاكلة لطيفة بخلاف قوله: قالوا اقترح شيئانجدلك طبخه قلت اطبخوالي جبة وقميصا ولا داعي إلى اعتبار المشاكلة هنا، وإنما هو تجنيس، ولذا تركها النحرير، وهو الظاهر وقوله: {مسخبين} الظاهر أنه بتشديد الحاء من سحبه إذا جرّه إذ لم يرد أسحبه، والمعروف فيه الثلاثي قال تعالى: {يسحبون في النار} [سورة القمر، الآية: 48، وهو معطوف على أسارى وهو حال. قوله: (ثني اليد مبالنة في الردّ الخ (لأنهم لما قالوا يده مغلولة ردّ عليهم بأن يديه مبسوطتان بالجود، والكريم إذا أعطى بيديه كان أكثر أو اليدان عبارة عن نعم الدنيا ونعم الاخرة أو عما ينعم به إكراما وما ينعم به استدراجا. قوله: (تكيد لذلك (أي لقوله يداه مبسوطتان الدال على نهاية الكرم، والجود ووجه التأكيد تعميم الأحوال المستفاد من كيف، ووجه الدلالة على الاختيار المشيئة، وأنه على مقتضى الحكمة التعليق بمشيئة الحكيم الذي لا يشاء إلا ما هو حكمة، ومصلحة وقوله: في ذات يد ذات معجمة أي في يد أو المراد به ما في اليد+ قوله: (ولا يجوز جعله حالاً من الهاء الخ (تبع في هذا أبا البقاء رحمه الله، وقد ردّ بأنّ الممنوع مجيء الحال من المضاف إليه إذا لم يكن المضاف جزءاً أو كجزء أو عاملا، وهنا المضاف جزء من المضاف إليه فليس بممتنع، والفصل بالخبرين الحال، وصاحبها ليس بممتنع أيضا كما في قوله تعالى: {وهذا بعلي شيخا} [سررة هرد، الآية: 72] إذا قيل إنه حالط من اسم الإشارة، والعامل فيه التنبيه، وقوله إذ لا ضمير يعود من جملة ينفق كيف يشاء إلى ذي الحال، وهو اليد إن قيل إنه لا مانع من تقديره أي ينفق بهما نعم هو خلاف الأصل، والظاهر، وهو يقتضي المرجوحية لا الامتناع، والجملة على هذا مستأنفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وجوّز فيها الحالية، والخبرية على التقدير السابق، وقوله: ولا من ضميرها أي المستتر في مبسوطتان. قوله: (في فنحاص بن عارّوراء (أخرجه ابن حبان، وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، وتقدّم ضبطه في آل عمران، وقوله وأشرك فيه الآخرون يعني أنه نسب القول إلى اليهود جملة، والقائل واحد لأنهم لما رضوا بقوله جعلوا قائلين كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا، والقاتل واحد منهم وقد مرّ تحقيقه. قوله: (أي هم طاغون الخ) لأنّ الزيادة تقتضي وجود المزيد عليه قبلها، ومثل له بما ذكره لأنه كان المتبادر أن يكون لأيمانهم، وازدياده لا لضده فلذا أوضحه بالمثال. قوله:) كلما أرادوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) يعني أن إيقاد النار هنا كناية عن إرادة الحرب لأنه كان عادتهم ذلك، ونيران العرب مشهورة منها هذه وضمير علإ 4 للرسول عتي! ، واطفاء النار على الأوّل عبارة عن دفع شرّهم، وعلى الثاني غلبتهم، والحرب عليه مطلقة، وفطرس الرومي بضم الفاء، وسكون الطاء المهملة، وضم الراء المهملة، والسين المهملة كذا ضبطه الخيالي رحمه الله، وفي نسخة نسطوس، وللحرب صلة أوقدوا أي متعلقة به واللام للتعليل، وقوله للفساد أي هو مفعول لأجله، وقيل إنه حال. قوله: (قلا يجارّيهم إلا شرا) يعني عدم المحبة كناية عنه كما أنّ محبته عبارة عن أنعامه، وثوابه كما مرّ، وقوله: ولم نؤاخذهم إشارة إلى أنه ليس المراد به الستر وقوله، ولجعلناهم إشارة إلى معنى التعدية بالهمزة، وعظم معاصيهم يستفاد من منع دخول الجنة وكثرتها من جمع السيئات، وقوله: يجب ما تبله بالجيم أي يقطعه، ويرفعه بحيث لا يؤاخذ بشيء قبله غير حقوق العباد، وقوله: (وإنّ الكتابي الخ) إشارة إلى دفع ما يوهمه قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية. قوله: (بإذاعة ما فيهما الخ) أصل الإتامة الثبات في المكان ثم استعير إقامة الشيء لتوفية حقه كما قاله الراغب، وتوفية حق الكتاب السماوي إظهار ما فيه، والعمل به فلذا فسره المصنف رحمه الله بما ذكر ثمّ أشار إلى أنّ إنزال الكتاب إلى قوم مجرّد وصوله إليهم أو إيجاب الإيمان، وان لم يكن الوحي نازلاً عليهم. قوله: الوسع عليهم أررّاقهم بأن يفيض الخ) المراد الانتفاع مطلقا، وخص اكل لكونه أعظمها ويستتبع سائرها كما مرّ في قوله: {يكلون أموال اليتامى} [سررة النساء، الآية: 10] وجعل من فوقهم، ومن تحت أرجلهم كناية عن أمور السماء والأرض! أو الأشجار العالية عليهم والزروع التي هي منخفضة أو الثمار على الأشجار والساقطة منها على الأرض! ، وجعله بمعنى الأمطار والأنهار التي تحصل بها أقواتهم بعيد من اكل. قوله: (عادلة غير غالية (معنى الاقتصاد الاعتدال، وغالية من الغلوّ، وهو الإفراط، وأمّا تفسير الاقتصاد بالتوسط في العداوة فغير مناسب لما بعد.، ولذا مر منه. توله: (أي بشى ما يعملونه الخ) في ساء مذاهب للنحاة فقيل إنها فعل تعجب كقضو زبد بالضم بمعنى ما أقضاه، وقيل إن النحاة لم يعدوا ساء من الأفعال التي استعملت للتعجب فقول المصنف، والزمخشري إنّ فيه معنى التعجب أرادوا، وأنه مأخوذ من المقام بدليل تفسيرها ببئس فإنها تكون من باب المدح، والذم وتمييزها محذوف أي ساء عملا الذي كانوا يعملون أو ما نكرة تمييز، وقوله أو الإفراط في العداوة هو على التفسير الثاني للاقتصاد، والتعجب لما فعلوه، وقد عرفوا خلافه. قوله: (جميع ما أنزل إليك الخ الما كان معنى قوله فإن لم تفعل فإن لم تبلغ ما أنزل، وهو الرسالة صار ما-له إلى أن لم تبلغ فما بلغت، وهو لا فائدة فيه لاتحاد الشرط، والجزاء فلذا قيل المعنى فإن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك فإنك لم تبلغ شيئا من أصلا لأنّ تقصيره في بعض ما أمر به يحبط باقيه كما أنّ من ترك ركناً من أركان الصلاة بطلت صلاته، واستدل به على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتم شيئاً من الوحي أصلا خلافا للشيعة إذ قالوا ترك بعضه تقية، وقال بعضهم أنّ هذا فيما يتعلق بالدين، ومصالح العباد، وأمر باطلاعهم عليه، وأما ما خص به صلى الله عليه وسلم من الأسرار كما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين أما أحدهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 فبئئته، وأما الآخر فلو بئئته قطع هذا البلعوم أي عنقه، وأصل معناه مجرى الطعام، واليه أشار الحسن رضي الله تعالى عنه بقوله: يارب جوهرعلم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا وهو علم الحقيقة، والحكمة المسكوت عنها، وقد أشار إلى هذا المصنف رحمه الله تعالى، وهو يفهم من لفظ الرسالة فإنّ الرسالة ما يرسل إلى الغير، وهذا مذهب الصوفية رحمهم الله تعالى أو أنّ اتحاد الجزاء، والشرط المراد به المبالغة كما في شعري شعري، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله أي فقد ارتكب أمراً عظيما، وقوله أو فكأنك بلغت شيئا منها كقوله: فكأنما قتل الناس جميعا قيل، والوجه هذا لأنه ربما يناقش في الأوّل، ووجه المناقشة أنّ الصلاة اعتبرها الشارع أمراً واحداً بخلاف التبليغ وهي غير واردة لأنه إذا ألزمه بتبليغ الجميع فقد جعلها كالصلاة، والإيمان فإنّ من آمن ببعض ما يلزمه الإيمان به دون بعض لا يعد مؤمناً، وأجيب بوجوه أخر منها أنّ المراد الحكم بالتبليغ لا نفس التبليغ أي إن تركت تبليغ ما أنزل إليك حكم عليك بأنك لم تبلغ أصلاً، وقيل أقيم السبب مقام المسبب أي لا ثواب لك، وقيل المراد بما أنزل القرآن، وبما في الجواب بقية المعجزات. قوله: (عدة وضمان من الله تعالى الخ) وإنما قال بعصمة روحه من القتل لئلا يورد عليه أنه صلى الله عليه وسلم شج يوم أحد حتى قيل إنها نزلت بعد ذلك فهو باق على عمومه، واستشكل بأن اليهود سمو. صلى الله عليه وسلم، وأجيب بأنه ضمن له العصمة بسبب تبليغ الوحي فلا يمنع عنه بقتل ونحوه، وأما ما فعل به كيم وبالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فللذب عن الأموال، والبلاد، والأنفس، ولا يخفى بعده قال الراغب رحمه الله تعالى: عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حفظهم بما خصوا به من صفاء الجواهر ثم بما أولاهم من الأخلاق والفضائل، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم، وبالتوفيق وقوله: (وعن أنس رضي الله تعالى عنه (قالوا هذا الحديث أخرجه الترمذي، والبيهقي وغيرها عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، ولم يسنده أحد عن أنس رضي الله تعالى عنه وأدم بهمزة ودال مهملة مفتوحتين بلا مذ وميم اسم جمع لا ديم، وهو الجلد المدبوغ وقوله: (ولعل المراد ال! أمر بيانه، وافشاؤه نشره، واظهاره. قوله: (حتى تقيموا التورية الخ (قد سمعت معنى الإقا! ة عن قريب، وقولى: نا! ط بوجوب الطاعة له أي إذا بعت إليهم وهذا يعلم من الطاعة فإف* تقتضي أمره لهم وهو لا يأمر من لم يبعث إليه فلا يقال إنّ النبيئ تكنن قد يبعث لقومه فقط كصا ورد في الحديث فكيف تجب على غيرهم طاعته، وفسر تأس بتحزن، وتتأسف، وأشار بقوله. (فإن ضرر الخ) إلى أنّ سبب الحزن خوف الضرر والمندوحة السعة، والمراد بها هنا الغني عنهم. قوله: (والصابؤون رقع على الابتداء وخبره محذوف الخ (يعني الخبر المذكور خبر إن، والصابئون مبتدأ خبره محذوف لدلالة الخبر الأول عليه فيكون حينئذ في نية التأخير، والتقدير أن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابؤون كذلك بناء على أنّ المحذوف في أن زيدا وعمرو قائم خبر الثاني لا الأوّل كما هو مذهب بعض النحاة، والى هذا أشار المصحنف رحمه الله تعالى، وقوله: حكمهم كذا كناية عن قوله: (من آمن الخ) واستدل عليه بالبيتين فإنّ قوله لغريب خبر أنّ، ولذا دخلت عليه اللام لأنها تدخل على خبر إنّ لا على خبر المبتدأ إلا شذوذاً، وكذا بغاة ما بقينا الخ خبر أنا، ولو كان خبر أنتم لقال ما بقيتم هذا تقرير ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري، وقال النحرير: إنما اختار هذا دون العكس، وهو أن يكون المذكور خبراً عن الثاني، وقد حذف من الأوّل لأنه أقيس حيث جعل السابق قرينة اللاحق، وقدم للاهتمام بالمقدم، وأوفق بالاستعمال كما في الشعر المذكور، وعورض بأن ترك الفصل بين المبتدأ، والخبر أنسب، والإلحاق بالأقرب أقرب، وهو أيضاً موافق للاستعمال كما في قوله: نحن بما عندنا البيت وإنما اعتبر نية التأخير ليسلم عن الفصل بين اسم إن وخبره، وليعلم أنّ الخبر ماذا، ثم قال وقد يقال اختار هذا في الآية خاصة أي كون الخبر للأوّل، والحذف من الثاني مع نية التقديم لأن الكلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 مسوق لبيان حال أهل الكتاب فصرف الخبر المذكور إليهم أولى، والصابئون أشد الفرق ضلالاً كما ذكره العلامة فباعتبار ذكرهم متأخرا قدم لأنه لمزيد الاهتمام أولى، وبالدلالة على هذا الغرض أوفى، وأيضاً في صرف الخبر إلى الثاني فصل للنصارى عن اليهود وتفرقه بين أهل الكتابين لأنه حينئذ عطف على قوله، والصابؤون قطعاً نعم لو صح أنّ المنافقين، واليهود أو غل المعدودين في الضلال، والصابئين، والنصارى أسهل صح تعاطفهما وجعل المذكور خبراً عنهما، وترك كلمة التحقيق المذكورة في الأوّلين دليلاً على هذا المعنى. قوله: (فإتي وقيار الخ) هو لضابي بضاد معجمة، وباء موحدة بعدها همزة ابن الحرث البرجمي بالجيم قاله، وقد حبسه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في خلافته بالمدينة حين اسنعدى عليه والشعر هو هذا: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإنى وقيا ربها لغريب وما عاجلات الطيريدنين للفتى رشاداً ولاعن ريثهن يخيب ورب أمور لا تضيرك ضيرة وللقلب من مخاشتهن وجيب ولاخيرفيمن لايوطن نفسه على نائبات الدهرحين تنوب وفي الشك تفريط وفي الجزم قوّة ويخطئ في الجدّ الفتى ويصيب ولست بمستبق صديقاولا أخا إذالم يعد الشيء وهويريب وقيار اسم فرسه أو جمله وكان وطئ غلاماً فقتله فحبس بسببه، وقوله: فمن يك روي بالفاء، وتركها مجزوماً وقيل إن غريب فيه خبر عن الاسمين جميعا لأن فعيلاً يستوي فيه الواحد، وغيره نحو والملائكة بعد ذلك ظهير ورده الخلخالي رحمه الله تعالى بأنه لم يرد للاثنين وإن ورد للجمع كفعول، وأجاب عنه ابن هشام بأنهم قالوا في قوله: (عن اليمين وعن الشمال قعيد (إن المراد قعيدان وهذا يدل على إطلاقه على الاثنين أيضاً فالصواب منع هذأ الوجه بأنه يلزم عليه توارد عاملين على معمول واحد، وهو أنّ والابتداء أو المبتدأ على الخلاف في رافع الخبر، ومثله لا يصح على الأصح خلافا للكوفيين. قوله: (وإلا فاعلموا الخ) هو لبشر بن أبي خازم بخله وزاء معجمتين الأزدي من قصيدة أوردها في الفضليات وقبله: إذا جزت نواصي آل بدر فأدّوها وأسرى في الوثاق والا فاعلموا أنا وأنتم بغاة مابقينافي شقاق وكان قوم من آل بدر، وهم قوم من فزارة جازوأ على بني لام، وهم من طيّ فجزوا نواصيهم، وحبسوهم، وقالوا مننا عليكم، ولم نقتلكم فقال بشر ذلك، ومعناه أدّوا غرامة ذلك، والا فاعلموا أنا نطلبكم أبدا كما طلبتمونا فبغاة جمع باغ بمعنى طالب، وقيل إنه جمع باغ من البغي، والتعدّي، وأنتم بغاة جملة معترضة لأنه لا يقول في قومه إنهم بغاة وما بقينا في شقاق خبر إنّ فلا شاهد لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لأنّ ضمير المتكلم مع الغير في محله. قوله: (وهو كاعترا ضدل به الخ (يعني الصابئون، رخبره المحذوف يجري مجرى الاعتراض لكونه جملة في أثناء الكلام لقصد التاكيد أمّا في الآية فظاهر، وأما في البيت فلأنّ إثبات البغي للمخاطبين مع كونهم بادين في الجناية، واغلي! في الشرّ لا يقين بأن يرجعوا، ويعتذروا يؤكد ثبوته لنا مع كوننا بصدد الانتقام، ودفع نقيضه الضيم، والعار، ولم يجعله اعتراضا حقيقة بل كالاعتراض لأنه معطوف على جملة {إنّ الذين آمنوا} وخبرها، ويرد عليه ما قاله ابن هشام من أن فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها، وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر فكذا ينبغي أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه بل هو أولى منه بالمنع، وأما ما أجاب به عنه بأن الواو واو الاستئناف التي تدخل على الجملة المعترضة كقوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن ثفعلوا فاتقوا النار} [سورة البقرة، الآية: 24] الخ، وهذه الجملة معترضة لا معطوفة فلا يتمشى هنا لأنه يفوّت نكتة التقديم من تأخير التي ذكروها لأنها إذا كانت معترضة لا تكون مقدمة من تأخير. قوله: (ويجوز أن يكون والنصارى معطوفا عليه) فيه تسمح، وهذا على القول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 الآخر للنحاة ولا يرد عليه شيء سوى أنّ الأكثر الحذف من الثاني لدلالة الأوّل، وعكسه قليل لكته جائز، ولم يتعرّض! لهذا الوجه في الكشاف لكنه يعارضه ما مرّ، وقيل هو عطف على الصلة بتقدير مبتدأ أي وهم الصابئون، ولا يخفى بعده وان عذه هو أحسن الوجوه. قوله: (نحن يما عندنا الخ) هذا من قصيدة لرجل من الأنصار، وقيل لقيس بن الخطيم بالخاء المعجمة ابن عديّ وهو شاعر جاهلي وقيل لعمرو بن امرئ القيس الأنصاري وأوّله: أبلغ بني جحجبى وقومهم خطمة أنا وراءهم أنف لماننادون ماتسومهم الأهـ رراء من ضيم خطة نكف الحافظ وعورة العشيرة لا يأتيهم من ورائنا وكف يا مال والسيد المعمم قد يطرأ في بعض رأيه السرف نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف جحجبى بفتح الجيمين بينهما حاء مهملة ساكنة، وآخره باء موحدة وألف مقصورة بطن من الأنصار، وخطمة بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة بطن من الأنصار أيضا، وأنف بضم الهمزة، والنون جمع آنف كضارب بمعنى محام مأخوذ من الأنفة، وهي الجمية وتسومهم بمعنى تكلفهم، والضيم الظلم، وخطة بمعنى شأن وأمر، ونكف بضم النون والكاف جمع ناكف بمعنى مستنكف، والوكف العيب أو الإثم أو الخوف أو المكروه أو النقص، والعورة ما لم يحم وكل مخوف، ومن ورائنا أي في غيبتنا، ومال مرخم مالك والمعمم ذو العمامة، وهو مما تتمدح به العرب، والشعر من المنسرج. قوله: (ولا يجوز عطفه على محل إنّ واسمها الخ) قال القطب: في شرح الكشاف لهم في العطف على المحل عبارتان فتارة يقولون العطف على محل إنّ واسمها، وتارة على محل اسم إن والمراد بالمحل ما كان قبل دخولها، وهو الرفع على الابتداء لأن اسمها لما لم يكن مرفوعا محلا إلا بسبب دخول أن جعلت مع اسمها شيئاً واحداً كما جعل لا التي لنفي الجنس مع اسمها أسماً واحداً، وجعلوا العطف على محلها مع اسمها، والتحقيق الأوّل لأنّ الاسم كان قبل مرفوعا بالابتداء فلما دخلت عليه لم تغير معناه بل أكدته، ولذا اختصت به هي، والمفتوحة على رأي دون أخواتها كليت، ولعل لتغييرها معناه، واختلفوا في غير العطف من التوابع فذهب الفراء ويونس إلى جوازه، وفيه مذاهب فأجازه بعضهم مطلقا، ومنعه بعضهم مطلقا، وفصل بعضهم فقال يمتنع قبل مضيّ الخبر، وبعده يجوز، وذهب الفراء إلى أنه إن خفي إعراب الاسم جاز لزوال الكراهة اللفظية نحو إنك وزيد ذاهبان، والا امتنع، والمانع ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري من لزوم توارد عاملين، وهما إنّ والابتداء أو المبتدأ، على معمول واحد، وهو الخبر، وأورد عليه أنه إنما يلزم ذلك لو كان المذكور خبرا عنهما ليصير مثل إنّ زيدا وعمرو، قائمان وأما على نية التأخير، وامتناع مضي الخبر تقديراً يخكون المذكور معمول إن فقط، وخبر المعطوف محذوف كما في أنّ زيدا قائم، وعمرو عطفا على محل إن مع اسمها، وأجيب بان من آمن صالح الخبرية المجموع، والأصل عدم التقدير فلو ارتفع الصابئون بالعطف على المحل لزم المحذور فتعين الرفع على الابتداء، ولزم تقدير الخبر ونية التأخير، وهذا ليس بشيء لأنه لو قدر له خبر لكان جملة معطوفة على جملة، ولم يكن من العطف على المحل في شيء، ولا يلزم المحذور المذكور إلا إذا لم يقدر له خبر، ولا محيص إلا بالتزام صحة ذلك كما ذهب إليه الكوفيون أو القول بأنّ خبر إنّ مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها، والعجب أنه مع ظهور ضعفه كي أوردوه، وأطال فيه مثل هؤلاء الفحول. قوله: (ولا على الضمير في هاد والعدم التثيد والفصل الخ) أما الأوّل فظاهر لأنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل بدون فصل، وكذا الثاني لأنه لو عطف على الفاعل لكان التقدير هاد الصابئون فيقتضي أنهم هود، وليس كذلك، وهذا القول منقول عن الكسائي، وقد خطأه فيه الفراء والزجاج بما ذكر، ولذا قيل إن الكسائي يرى صحة العطف من غير فاصل فلا يرد عليه الاعتراض الأوّل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وأما كون هاد بمعنى تاب كما في قوله تعالى: {إنا هدنا إليك} أسورة الأعراف، الآية: 56 ا] فلا يناسبه قوله من آمن منهم فتأمّل. قوله: (وقيل إنّ بمعنى نعم) التي هي حرف جواب، ولا عمل لها حينئذ فما بعدها مرفوع المحل على الابتداء والمرفوع معطوف عليه، وهذا مما أثبته بعض النحويين، وأهل اللغة، وخرجوا عليه قراءة أنّ هذان لساحران، ونحوه من الشواهد نعم إنه هنا لا يصح لأنها لم يتقدمها شيء تكون جوابا له، ونعم لا تقع في ابتداء الكلام على الصحيح، والجواب بأن ثمة سؤالاً مقدراً بعيد ركيك. قوله: (وقيل الصابئون منصوب بالفتحة الخ (قيل هذا القول فاسد فإنّ لغة بلحرث، وغيرهم الذين جعلوا المثنى دائما بالألف نحو رأيت الزيدان ومررت بالزيدان وأعربوه بحركات مقدرة إنما هي في المثنى وهذا القائل قاس الجمع عليه فألزمه الواو كما ألزم المثنى الألف فيعرب بحركات مقدرة، ومثله لا يجري فيه القياس، ولا ينبغي تخريج القرآن عليه ولكن المصنف رحمه الله تعالى تبع فيه أبا البقاء، ونقله مكي أيضاً، وقوله: وذلك أي تقدير الحركات على القول بأنه معرب بحركات مقدرة لا بالحروف كما يجوز فيه تقدير الفتحة على الياء يجوز تقديرها على الواو ولا يخفى ضعفه، وقوله، والجملة خبر أنّ على الوجه الأوّل أو خبر المبتدأ على الثاني، وعلى كل حال لا بد من تقدير العائد منها كما ذكره، ومن هذه إمّا شرطية أو موصولة دخلت الفاء خبرها، ولو أخر حذف العائد عن البدلية أيضاً لكان أولى لأنه بدل بعض لا بد فيه من تقدير العائد كما تقرّر في العربية، وكان عليه أن يوجه أنّ من آمن منهم كيف يقع خبرا عن الذين آمنوا أو بدلاً لأنه يقتضي أنقسام المؤمنين إلى مؤمنين وغير مؤمنين فلذا أوّل في الكشاف وشروحه بأن المراد بالذين آمنوا الذين آمنوا باللسان فقط فيكون المعنى الذين آمنوا باللسان من أخلص منهم الإيمان فله كذا أو يؤوّل من آمن بمن ثبت على الأيمان فيصح في حق المؤمنين الخلص، وفي هذا شبه جمع بين الحقيقة، والمجاز، ودفع بأنّ الثبات على الإيمان ليس غير الإيمان بل هو وأحداثه فردان من مطلقه، والوجه الأول إذ في ضم المؤمنين إلى الكفرة إخلال بتكريمهم، وبما ذكر من النكتة في تقديم، والصابئون. قوله: (أو النصب على البدل من اسم إنّ وما عطف عليه) ذكروا في إعرابه ثلاثة وجوه الرفع على الابتداء، والنصب بدلاً من مجموع الذين آمنوا، وما بعده أو مما عطف فقط، والمصنف رحمه الله تعالى ترك هدّا، وكأنه لما قيل إنّ البدل من المعطوف يستلزم الإبدال من المعطوف عليه كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى: {إذ أعجبتكم كثرتكم} [سورة التوبة، الآية: 25] وان قال النحرير أنه ممنوع قلو قال أو ما عطف عليه كان أشمل فإن قيل ما ذكر من الوجوه الثلاثة في محل من آمن هل يجري على تفسيري الدّين آمنوا أو لا قيل إن جعل أحداث الإيمان، والثبات عليه من إفراد الإيمان جاز إجراء الكل في كل من الوجهين، والأخص الرفع على الابتداء، والنصب على الإبدال في المجموع بما إذا أريد بالذين آمنوأ المنافقون، والنصب على الإبدال بما إذا أريد بهم خلص المؤمنين، واعلم أنه قال في الكشاف فإن قلت فأين الراجع إلى اسم إنّ قلت هو محذوف تقديره من آمن منهم كما جاء في موضع آخر فقيل هذا على تقدير البدل لا الخبر لوجود الراجع من قوله عليهم، وقيل في الردّ عليه المراد على تقدير ارتفاع من آمن على الابتداء إذ على تقدير كونه بدلاً فخبر أنّ هو قوله لا خوف عليهم وضمير عليهم عائد إلى اسم إق بلا حاجة إلى تقدير محذوف، والعجب ممن توهم العكس. (قلت) مراد الطيبي رحمه الله أنه على تقدير البدل يحتاج إلى رابط لأنه بدل بعض، ولا بد فيه من الضمير كما ذكره النحاة، والخبر عن بدل المبتدأ لا عن المبتدأ، ورابطه به موجود، وهو عليهم كما تقول زيد عينه حسنة فإنّ الخبر للبدل لا للمبتدأ على الأفصح الصحيح، وهو وهم لأنه يقتضي أنه إذا كان مبتدأ فالجملة لا تحتاج لرابط وليس كذلك لأن ضمير عليهم وهم لمن، وليس هو الموصول المبتدأ بل بعضه، وكذا الرادّ عليه، وأهم أيضا لأن قوله ضمير عليهم عائد على اسم إن خطأ لأنه على من سواء كان بدلاً أو مبتدا لأنّ من لا خوف عليهم ليس عين ما تقدم بل بعضه، وهذه غفلة عجيبة منهما. قوله:) وقرئ والصابئين وهو الظاهر) لعطفه على اسم إن من غير محذور، وقلبت الهمزة ياء على خلاف القياس، وقوله: بإبدال الهمزة ألفا يعني من صبا فيصير كرمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 واسم الفاعل منه صاب كرام وجمعه صابون كرامون، وصبا معناه مال لميلهم عن مقتضى الشرع، والعقل. قوله: (جواب الشرط والجملة صفة رسلاَ الخ) تسمية كلما كلمة شرط وقع من الفقهاء، وأهل المعقول وقال أبو حيان رحمه الله ليس كلمة شرط بل هو منصوب على الظرفية لإضافته إلى ما المصدرية الظرفية وقال السفاقسي رحمه الله، وغيره سموها شرطا لاقتضائها جواباً كالثرط الغير الجازم فهي مثل إذا ولا بعد فيه، وقيل على كونها صفة إنه لا يساعده المقام لأنّ الجمل الخبرية إذا جعلت صفة أو صلة يفسخ ما فيها من الحكم، ويجعل عنوانا للموصوف، وتتمة له، ولذا وجب أن تكون معلومة الانتساب له ومن هنا كانت قبل العلم بها أخباراً وبعده صفات، ولا ريب أن ما سيق له النظم إنما هو لبيان أنهم جعلوا كل من جاءهم من الرسل عرضة للقتل، والتكذيب حسبما يفيده جعلها استئنافا على أبلغ وجه وآكده لا بيان أنه أرسل إليهم رسلاً موصوفين بذلك، وهو تخيل لا طائل تحته فإنّ قوله، ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل، وأرسلنا إليهم رسلاً مسوق لبيان جناياتهم، والنعي عليهم بذلك كما اعترف به هذا القائل، وهو لا يفيده إلا بالنظر إلى الصفة التي هي المقصود بالإفادة كما في سائر القيود لأنها مرمى النظر وأمّا كونها معلومة فلا ضير فيه فإنك إذا وبخت شخصاً، وقلت له فعلت كيت، وكيت، وهو أعلم بما فعل لا يضرّ ذلك في تقريعه، وتعييره بل هو أقوى كما لا يخفى على الخبير بأساليب الكلام فلا تلتفت إلى مثل هذه الأوهام. قوله: (وقيل الجواب محذوف دلّ عليه ذلك وهو استئناف البيان الجواب المحذوف وتقديره ناصبوه وعادوه، ولم يقدر استكبروا الملفوظ به في الآية الأخرى لأنه أدخل في التوبيخ على ما قابلوا مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم الهادي لهم، وأنسب بما وقع في التفصيل مستقبحا غاية الاستقباح مذكورا بطريق الاستحضار، وهو قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنّ الاستكبار إنما تقضي إليه بواسطة المناصبة، وأمّا في الآية الأخرى فقد قصد إلى استقباح الاستكبار نظراً إليه في نفسه لاقتضاء المقام، وقد خالف المصنف رحمه الله الزمخشري إذ جعل هذا متعينا لأنه تفصيل لحكم إفراد الجمع الواقع في قوله: {أرسلنا إليهم رسلا، أي كلما جاءهم رسول من الرسل، والمذكور بقوله فريقاً كذبوا الخ يقتضي أنّ الجائي في كل مرّة فريقان فبينهما تدافع، وعلى تقدير قطع النظر عن أفراد هذا المانع لا يحسن في مثل هذا المقام تقديم المفعول مثل إن أكرمت أخي أخاك أكرمت لأنه يشعر بالاختصاص وتقدير الفعل مع النزاع في المفعول، وتعليقه بالشرط يشعر بالشك في أصل الفعل، وقيل: إنه لا بد من الفاء لأنّ محل تأثير الشرط هو الفعل وتقديم المفعول يبعده عن المؤثر فيحوجه إلى رابط، ولأنه بتقديم المفعول أشبه الجملة الاسمية المفتقرة إلى الفاء كذا قرّره النحرير، وقيل فيه مانع آخر لأن المعنى على أنهم كلما جاءمم رسول! وقع أحد الأمرين لا كلاهما فلو كان جوابا لكان الظاهر أو بدل الواو، والمصنف رحمه الله لم ينظر إلى هذه الموانع أمّا الأوّل فلأنه لقصد التغليظ جعل قتل واحد كقتل فريق، وقيل المراد بالرسول جنسه الصادق بالكثير، وبؤيده كلما الدالة على الكثرة، وأما الثاني فلأنه لا تقتضي قواعد العربية مثله، وما ذكر من الوجوه أوهام لا يلتفت إليها، ولا يوجد مثله في كتب النحو، ومنه علم دفع الأخير. (أقول) هذا عجيب منه مع تبحره يغفل عن مثل هذا، وقد قال في متن التسهيل، ويجوؤ أن ينطلق خيرا يصب خلافا للفراء فقال شراحه أجاز سيبويه، والكسائي رحمهما الله تعالى تقديم المنصوب بالجواب مع بقاء جزمه، وأنشد الكسائي رحمه الله تعالى: وللخيرأيام فمن يصطبرلها ويعرف لها أيامها الخيريعقب تقدير. يعقب الخير، ومنع ذلك الفراء رحمه الله مع بقاء الجزم، وقال بل يجب الرفع على التقديم والتأخير أو على إضمار الفاء، وتأوّل البيت بأنّ الخير صفة للأيام كأئه قال أيامها الصالحة، واختار ابن مالك رحمه الله هذا المذهب في بعض كتبه، ولما رأى الزمخشري اشتراك المانع بين الشرط الجازم، وما في معناه مال إليه خصوصا، وقوّة المعنى تقتضيه فهو الحق والمصنف رحمه الله نظر إلى الظاهر، وأنه لا حاجة إلى التقدير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 مع أن الآية الأخرى، وهي قوله تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون} [سورة الب! قرة، الآية: 187 تدلّ على التقدير دلالة ظاهرة. قوله: (د إنما جيء بيقتلون موضع قتلوا الخ) يعني إن كذبوا على أصله، وعدل في يقتلون إلى المضارع لقصد الاستحضار، ولم يقصد الزمخشريّ وجه إلاستمرار الذي ذكره هناك، وهو أنهم بعد يحومون حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنّ هذا خبر عن أسلافهم وإنما يستقيم ذلك في المخاطبين كما في تلك الآية، ولم يقصد ذلك في التكذيب لمزيد الاهتمام بالقتل، والمصنف رحمه الله تعالى ذكر الاستمرار، وأدخل المخاطبين فيه لأن ما صدر عن أسلافهم كأنه صدر منهم لارتضائهم واقتفائهم أثرهم، ولا منافاة بين استحضار الحال الماضية، والاستمرار لأنه لما قدر أنه شوهدت تلك الحال واستمرارها فيهم عبر عنها بالمضارع لذلك فلا يقال الظاهر أو تنبيهاً للمنافاة بينهما لكن الظاهر المغايرة بينهما لأنّ المراد إما حكاية الحال الماضية أو الاستمرار أي فريقاً تقتين حبعد لأنكم حول قتل محمد-لجببرو، واقتصر العلامة هنا على حكاية أسلافهم لقرينة ضطلؤا الغيبة، وترك تلك الآية على الاحتمالين لقرينة ضمائر المخاطبين ليكون توبيخاً، وتعييراً للحاضرين بفعل آبائهم، ولذا عقبت هذه الآية بقصة عيسى عليه الصلاة والسلام فتأمل. قوله: (أن لا يصيبهم بلاء وعذاب الخ) يعني المراد بالفتنة هنا البلاء لا معناها المعروف وأن الخفيفة كما ذكر في النحو إن وقعت بعدما يفيد اليقين فهي مخففة من الثقيلة، وان وقعت بعدما لا يفيد يقيناً، ولا ظناً فهي مصدرية، وان وقعت بعدما يفيد الظن احتملت الوجهين لإجرائه مجرى العلم لقوّته، وتنزيله منزلة غيره لعدم إفادة اليقين، وحسب من هذا القبيل لأنها بمعنى قدر وظن، وهي تنصب مفعولين سدت إنّ وما بعدها مسدهما لاشتماله على مسند، ومسند إليه وقيل إن حسب بمعنى علم هنا، وانها لا تخفف إلا بعدما يفيد اليقين، واسمها ضمير شأن محذوف، وكان تامّة وقيل: إنّ المفعول الثاني محذوف هنا أي حسبوا عدم الفتنة كائنا، وهو منقول عن الأخفش رحمه الله تعالى ومذصب الجمهور ما ذكر، واعلم أنّ هذا كله إنما يتم إذا قلنا كلما شرطية وقد منعه أبو حيان، وقال إنها في معنا. فتعامل معاملته، وهو الحق. قوله: (ثم تابوا فتاب الله عليهم) أي قبل توبتهم، وأثابهم عليها وذلك إنما يكون بعد توبتهم فلذا قدره، وقوله: كرة أخرى عدل عن قول الزمخشريّ بطلبهم المحال، وهو الرؤبة لأنه مع ما فيه من الاعتزال تكلف لأنّ طلب الرؤية منهم لم يكن بعد عبادة العجل فإن طلبها كان من الذين كانوا مع موسى صلى الله عليه وسلم في الطور، وعبادة العجل كانت من المتخلفين عنه إذ ذاك، ولذا قيل إن ثم فيه حينئذ للتراخي الرتبي لا الزماني. قوله: (وقرئ بالضم فيهما على أنّ الله عماهم الخ) الظاهر أنّ عماهم في عبارة المصنف رحمه الله تعالى بالتشديد لأنه ثبت في اللغة عما يعميه أي صيره أعمى، والذي في عبارة الزمخشريّ مخفف فإنه قال على تقدير عماهم الله، وصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى، والصمم كما يقال نزكته إذا ضربته بالنيزك، وهو رمح قصير معرب من مصغر نزه لكن قال أبو حيان إنه لم يسمع عماه وصمه، والزمخشريّ أعرف منه باللغة لكنه لغة قليلة كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والمعروف تعديته بالهمزة، وقد يعدي بالتضعيف فعموا بضم العين، والميم وصموا بضم الصاد والميم مبني للمفعول ويصح أن تقرأ عبارة المصنف رحمه الله تعالى عماهم، وصمهم فتكون مطابقة لعبارة الزمخشريّ. قوله: (بدل من الضمير أو فاعل الخ) على البدلية الضمير إما عائد على ما قبله أو غير عائد عليهم بل على الكثير مفسر به لأنه في هذه الصورة يجوز عود الضمير على المتأخر كما مر أو هو فاعل، والواو علامة الجمع لا ضمير، وهذه لغة لبعض العرب يعبر عنها النحاة بأكلوني البراغيث أو هو خبر مبتدأ محذوف واختلف في تقديره فقدره بعضهم العمي، والصم كثير منهم، ومنهم من قدره العمي، والصمم كثير منهم أي صادر منهم والظاهر الأوّل، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (وقيل مبتدأ والجملة قبله خبره الخ) وضعفه المصنف رحمه الله تعالى بأنّ الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ لالتباسه بالفاعل فلا يقال في زيد قام قام زيد على أنه مبتدأ، وخبر ورد بأن منع التقديم مشروط بكون الفاعل ضميراً مستترا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 فإنه لا يلتيس إذا كان بارزا فإن قيل إنه يلتبس بالفاعل في لغة أكلوني البراغيث أيضا قيل إنها لغة ضعيفة لا يلتفت إليها، وقد قالوا إنه لا يجوز تقديم الخبر فيما يصلح المبتدأ أن يكون تأكيدا للفاعل نحو أنا قمت فإن أنا لو أخر التيس بتأكيد الفاعل، وما نحن فيه مثله في الالتباس إلا أن الالتباس هنا بتابع آخر أعني البدل لكن النحاة صرحوا بجواز التقديم في مثل الزيد إن تاما، ولا التفات إلى اللغة الضعيفة لكن الجواز لا ينافي الضعف، وامتناع المثل يصلح وجها للضعف، ولذا قال المصنف رحمه الله لأنّ تقديم الخبر الخ، وقد أشار إليه الرضي فلا يرد ما ذكر. قوله: (والله بصير الخ) حمله على المجازاة لأنّ المطلع على من خالفه ينتقم منه، ويجازيه على ما فعل، ثم لا يخفى موقع بصير هنا مع قوله عموا، وقوله وفق أعمالهم منصوب على نزع الخافض أي على وفقها، ومقدارها. قوله: (أي إني عبد مربوب مثلكم الخ) أي مملوك مخلوق لأنّ الرب يكون بمعنى المالك والخالق، والمماثلة من العطف، وترتب العبادة على ذلك يؤخذ من التعليق بالرب، وقوله أو فيما يختصى به من الصفات رد على النصارى القائلين بحلول صفة العلم فيه، واعياء الموتى بالذات من عيسى صلى الله عليه وسلم. قوله: (يمنع من دخولها) يعني أنّ التحريم هنا مجاز مرسل أو استعارة تبعية للمنع إذ لا تكليف ثمة. قوله: (وما لهم أحد ينصرهم من النار) أي يمنعهم منها، وخصه ليناسب ما قبله، ولو أطلق لكان له وجه وجيه، وأشار بقوله أحد إلى أن القصد إلى التعميم ونفي الجنس لا نفي الجمع حتى يتوهم غيره، والظاهر أنه يلزم من نفي الجمع نفي الواحد لأنه إذا لم ينصرهم الجم الغفير فكيف ينصرهم الواحد منهم، ونقل عن الزمخشرفي أنه بناء على زعمهم أنّ لهم أنصاراً كثيرة فنفي ذلك تهكما بهم، وقيل إنه من مقابلة الجمع بالجمع، وأذا كان من كلام عيسى صلى الله عليه وسلم وضع فيه الظاهر موضع ضمير الخطاب كما في الكشاف، وعليه أيضا فالمعنى لا ينصرهم بل يعاديهم فكيف غيره، وليس معناه كما قيل إنّ تعظيم عيسى صلى الله عليه وسلم صار سببا لكونهم ظالمين لا ناصر لهم فما حال من عظم مخلوقا نازل الدرجة. قوله: (وهو حكاية عما قاله النسطورية الخ) قد مر الكلام في معنى الأقانيم، وانّ منهم من قال بتجسمها، وهو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله، وقوله ة وما سبق أي قوله إنّ الله هو المسيح. قوله: (وما في الموجودات واجب مستحق للعبادة الخ) أي ما من إله إلا وهو موصوف بالوحدة إذ التعدد يستلزم انتفاء الألوهية كما ثبت ببرهان التمانع فإذا نافى مطلق التعدد فما ظنك بالتثليث وقوله: (ومن حيث إنه مبدأ جميع الموجودات) تعليل لا تقييد لأنّ قيد الحيثية يستعمل للتعليل والتقييد والإطلاق كالإنسان من حيث هو إنسان قابل للعلم، وصنعة الكتابة فلا يرد عليه إنه تعالى مستحق للعبادة استحقاقا ذاتياً فالأولى ترك هذا القيد، وقوله متعال عن قبول الشركة إشارة إلى حصر الوحدة فيه على أبلغ وجه يفيد عدم قبوله للشركة فكما انتفى وجود الشركة انتفى إمكانها أيضا، وقوله ومن مزيدة للاستغراق قالوا في وجهه لأنها في الأصل من الابتدائية حذف مقابلها إشارة إلى عدم التناهي فاصل لا رجل لا من رجل إلى ما لا نهاية له، وبني اسمها لتضمن من لأنها الدالة على العموم كما ذهب إليه السكاكي قيل لو كان تقدير من يقتضي البناء بني المضاف وردّ بأنه فرق بين تقدير حرف، وتضمن معناه. قوله: (وإن لم ينتهوا عما يقولون ولم يوحدوا) ما قالوا هو التثليث، ونحوه من الكفر، والانتهاء له معنيان قبول النهي والفراغ، وبلوغ النهاية وعليهما فمعناه إن لم يرجعوا عما هم عليه إلى خلافه، وهو التوحيد والإيمان. قوله: (أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر) يعني أنّ هذا إمّا من وضع الظاهر موضع المضمر فالمراد بالذين كفروا النصارى، ومن بيانية أو ليس منه، والذين كفروا بمعنى الثابتين على الكفر فمن تبعيضية فقوله وضعه موضع الخ مبني على الثاني، وقدم الأوّل لعدم مخالفته لمقتضى الظاهر. قوله: (تكريرا للشهادة الخ) تعليل لوضع الظاهر موضع المضمر لما ذكر، وقوله: وتنبيهاً تعليل للوجه الآخر على اللف والنشر المشوس، ووجه التعقيب إذا فسر الذين كفروا بمن بقي على الكفر ظاهر، وكذا على الوجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 الآخر لأنّ المعنى أن الكفار مستحقون للعذاب فينبغي الرجوع، والتوبة عن الكفر ليسلموا منه، وتوبة الكفار هي الإسلام فلذا فسرها بقوله بالانتهاء الخ، وكذا طلب المغفرة للكفر إنما يكون بتنزيها لله عما اعتقدو.، وقوله بعد هدّا التقرير، والتهديد تصريح بوجه التعقيب على إطلاق الكفر فافهم. قوله: (يغفر لهم الخ) إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وقوله: تعجب من إصرارهم هو على تفسير الذين كفروا بمن بقوا على الكفر، وصرّح به لأنّ عدم التوبة يقتضي الإصرار، وترك الأوّل لظهوره إذ المعنى لا يبادرون إلى التوبة كقوله تعالى: {ألم يأت للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} . قوله: (ما هو إلا رسول كسائر الرسل قبله الخ) يعني ليس كما يزعم النصارى بل هو كغيره من رسل البشر لأنّ ما اشتبه عليهم وقع ما هو أعظم منه لغير. من الأنبياء فإنه أحيا من مات من الأجسام التي شأنها الحياة، وموسى صلى الله عليه وسلم أحيا الجماد، ونبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أحيا من مات من الأجسام التي شأنها الحياة، وموسى صلى الله عليه وسلم أحيا الجماد، ونبينا صلى الله عليه وسلم نطق له الحجر والشجر، وعيسى صلى الله عليه وسلم خلق من غير أب، وآدم صلى الله عليه وسلم خلق من غير أب وأم، وهذا أغرب. قوله: (وأمّه صديقة الخ) يعني أنّ هذه صيغة مبالغة كشريب كما صرح به النحاة، ومن غفل عنه قال لم يعدّوا فعيلاً من صيغ المبالغة، وكونه من الصدق أرجح ولذا قدمه المصنف رحمه الله لأنّ صيغ المبالغة القياس فيها الأخذ من الثلاثيّ لكن قوله، وصدقت بكلمات ربها يؤيد أنه من المضاعف، وعدل عن قول الزمخشريّ، وما أمّه أيضا إلا صديقة كبعض النساء لأنه ليس في النظم ما يفيد الحصر، وقال النحرير الحصر مستفاد من المقام، والعطف والأوّل ظاهر، وأمّا الثاني فيقتضي أنّ ما زيد إلا كريم، وأبوه شريف يصح أن يقال! إنه يصح ادّعاء الحصر في المعطوف، ولا بعد فيه وقوله كسائر النساء رد على النصارى، وما نسبوه لمريم. قوله: (ويفترقان إليه افمكار الخ) يعني أنه بين أولاً أقصى مراتب كمالهما، وأنه لا يقتضي الألوهية، وقدمه لئلا يواجههما بذكر نقائص البشرية الموجبة لبطلان ما ادعوا فيهما على حد قوله تعالى: {عفى الله عنك لم أذنت لهم} [سورة التوبة، الآية: 43] حيث قدم العفو على المعاتبة له صلى الله عليه وسلم وكونهما من عداد المركبات مأخوذ من التغذي الذي يتولد منه الأخلاط التي يتركب منها البدن ومنها قوامه، والكائنة بمعنى المحدثة، والفاسدة بمعنى الفانية لأن الفناء بفساد التركيب، ومنه قولهم عالم الكون والفساد، وقوله: ثم عجب أي بين ما يتعجب منه الناظر لحالهم، والواقف عليها فإن المراد من الأمر بالنظر التعجب كما تقول انظر إلى زيد يسير إليّ مع إحسانه. قوله: (كيف يصرفون عن استماع الحق الخ) يعني أني هنا بمعنى كيف، ويؤفكون بمعنى يصرفون. قوله: (وثم لتفاوت ما بين العجبين الخ) ويصح أن يكون لبيان استمرار زمان بيان الآيات وامتداده. قوله: (يعني عيسى عليه الصلاة والسلام وهو وإن ملك الخ) محصله أنّ معنى الآية أتعبدون شيئا لا يستطيع مثل ما يستطيعه الله أو شيئا لا استطاعة له أصلا لأن كل ما يستطيعه البشر بإيجاد الله، واقداره عليه، وهو جواب لما يقال كيف يكون المراد بما لا يملك عيسى صلى الله عليه وسلم، وهو ضارّ لهم نافع بإحياء الموتى، وغيره فأجاب بأن ضره، ونفعه كالإبراء، والأحياء بأمر الله، وتقديره على أنه ليس كضر الله، ونفعه فلا وجه للاستدلال به على مدعاهم ولا ينافي نفيه فإنّ الملك، والاستطاعة بالذات أو الفرد العظيم منهما المخصوص بالله فعلى الأوّل النفع والضرّ على عمومه والتأويل في نفيه، وعلى الثاني مخصوص، ولا تأويل في نفيه عنه. قوله: (نظرأ إلى ما هو عليه في ذاته الخ) يعني المراد بما عيسى، وأمه فكان الظاهر من فأشار إلى أنه في أوّل أمره كان نطفة، ومضغة لا يعقل، وهو بعد ذلك لا عقل له في ذاته لو لم يخلق الله فيه القوّة العاقلة، وعبر به لأنه نفي عنه بعدها القدرة على الضر، والنفع لأنّ معنى يملك يستطيع، ويقدر فذكرت ما توطئة له ومناسبة معه، وقوله رأسا يعني بالكلية أعم من الضرّ، والنفع أو أنه من جنس ما لا يعقل لكونه حيوانا أو جسماً فعبر عنه بما ليعم جنسه، ومن كان بينه، وبين غيره مشاركة وجنسية كيف يكون إلها، وقيل إنّ المراد بها كل ما عبد كالأصنام، وغيرها فغلب ما لا يعقل تحقيراً، وقوله: فيجازي عليها فهو القادر على الضر والنفع لا غيره، ولو صرح به لكان أنسب. قوله: (أي غلوا باطلاَ) يعني غير الحق صفة مصدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 أي غلوا غير حق، ولوصيفه به للتوكيد فإن الغلو لا يكون إلا غير حق، وقيل إنه للتقييد لأنه قد يكون غير حق، وقد يكون حقا كالتعمق في المباحث الكلامية، والخطاب لأهلى الكتاب مطلقاً كما أشار إلى النصارى بقوله: فترفعوا عيسى عليه الصلاة والسلام، وإلى اليهود بقوله: (أو تضعوه الخ) والقول الثاني يخصه بالنصارى، والإهواء جمع هوى، وهو الباطل الموافق للنفس. قوله: (شايعهم) ، وفي نسخة يشايعهم والمشايعة المتابعة، وفسر ضلوا في الموضعين بما يدفع التكرار، وقوله عن سواء السبيل الظاهر تعلقه بالأخير فيكون المراد به الإسلام، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله، وجعله النحرير متعلقا بالثلاثة فعليه يكون مراد المصنف رحمه الله بيان المراد به الأخير وأيلة بفتح الهمزة، وسكون الياء التحتية موضع قريب من بيت المقدص. قوله: (أي ذلك اللعن الشنيع الخ) ترك قول الزمخشريّ أي لم يكن ذلك اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ إلا لأجل المعصية، والاعتداء لأنه ليس في الكلام ما يفيد الحصر، وان قال النحرير: إنه استفيد الحصر من العدول عن جعله متعلقا بلعن إلى الجملة الاسنئنافية المقولة في جواب بأيّ سبب كان ذلك اللعن فوجب أن يكون ذلك هو السبب لا غير ليتم الجواب، وقيل الحصر من السببية لأنّ المراد منها السبب التام، وهو يفيد ذلك، وقد تقدم له ما يدل على ذلك في قوله فبما نقضهم ميثاقهم، وقوله: واعتدائهم ما حرم عليهم أي تجاوزهم إليه. قوله: (أي لا ينهي بعضهم بعضاً الخ الما كان فعلوه يقتضي أنّ النهي عما وقع والنهي لا يتصوّر فيه، وإنما يكون عن الشيء قبل وقوعه أوّلوه بأنّ المراد النهي عن العود إليه، وهذا إما بتقدير مضاف قبل منكر أي معاودة منكر يفهم من السياق أو بأن المراد مثله أو فعلوه بمعنى أرادوا فعله كما في {فإذا قرأت القرآن فاستعد} [سورة النحل، الآية: 98] أو التناهي بمعنى الامتناع، والكف لأنّ أصل معناه بلوغ النهاية وبها الفراغ، وقيل إنما يتوجه هذا السؤال لو كان في الكلام دلالة على وقوع الفعل حال اعتبار تعلق الفعل به إذ لا خفاء في صحة قولنا كانوا لا ينهون يوم الخميس عن منكر فعلوه يوم الجمعة، وكذا الكلام فيما إذا أريد لا ينتهون، ولا يمتنعون فإن الانتهاء عما فعل لا يتصوّر فهو لا يصلح جواباً، وقيل الانتهاء عن الشيء عبارة عن أن لا يفعل مرة أخرى ولك أن تقدّر فعلوا مثله، ولو جعل المعنى في فعلوه بالنسبة إلى زمان الخطاب لم يحتج إلى تأويل ولسان داود وعيسى صلى الله عليه وسلم بمعنى لسانيهما كما مرّ، وأفرد لعدم اللبس إن أريد باللسان الجارحة وقيل المراد به الكلام، وما نزل عليهما. قوله:) تعجيب من سوء فعلهم الخ) يعني أنّ اللام هنا جواب فسم مقدر، وجعل التأكيد للتعجيب، وهو ظاهر لأنه يقتضي أنه تعجيب عظيم، ولا بأس به، وقيل الأولى أن يجعل التأكيد للفعل المتعجب منه. قوله: (لبئس شيئاً قدّموا الخ) قدموا إشارة إلى أنّ أنفسهم عبارة عن ذواتهم، وأعينهم، وتقديمهم له فعله في الدنيا قبل جزائه، وما نكرة تمييز، والمخصوص بالذم المصدر المؤوّل. قوله: (هو المخصوص بالذم والمعنى موجب سخط الله الخ الهم في إعرابها وجوه فقيل إن سخط الله مرفوع على البدل من المخصوص بالذم، وهو محذوف جملة قدّمت صفته، والتقدير بئس الشيء شيء قدّمته لهم أنفسهم، وهو سخط الله، ونقلوا هذا عن سيبويه رحمه الله، وقيل إن سخط هو المخصوص بالذم، واعرابه مذكور في النحو، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تبعا للزمخشريّ، وقدر قبله مضافأ أي موجب سخطه لأنّ نفس سخط الباري باعتبار إضافته إليه ليس مذموما بل ما أوجبه من الأسباب، وهي ملاحظة حسنة، وهذا إنما يصح على جعل ما موصولة أو تمييزاً، وقيل هو في محل رفع بدل من ما إن قلنا إنها معرفة أو في محل نصب منها إن كانت تمييزاً ورد بأنه معرفة فكيف يبدل من التمييز أو من ضمير قدمته المحذوف وقيل إنه على تقدير الجار أي لأنّ سخط الله فالمخصوص محذوف، واليه أشار المصنف بقوله أو علة الذم الخ. قوله: (والخلود في العذاب) قيل عليه إن تأويل الجملة بالمصدر يقتضي أنها مندرجة تحت حرف المصدر، وهو لا يوصل بالاسمية، ولا سبيل إليه، وكذا قوله لأن كسبهم السخط، والخلود إلا أن تجعل أن مخففة من الثقيلة، وبعدها ضمير شأن مقدّر أو معطوفة على ثاني مفعولي ترى وهي علمية فإنه جوّز فيها أن تكون علمية وبصرية بالنسبة إليهم، والى أسلافهم، ولا يخفى بعده، وأنه تعسف لا حاجة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 إليه فإنّ قوله وفي العذاب هم خالدون جملة حالية مقدرة، ومثله يفسر معناه بتأويل المصدر فإذا قلت جاء زيد، والأمير راكب معناه وقت ركوب الأمير، ولا يحتاج إلى حرف مصدري فإنه توجيه للمعنى، وكسب متعد بمعنى أولاهم السخط، والخلود، والحال قيد تنشأ من عاملها وتتسبب عنه نحو طلعت الشمس، وهي منيرة فتدبر، وقوله إذ الإيمان يمنع ذلك أي يمنع موالاة المشركين، وفسر الفسق بالخروج لما مرّ. قوله: (لشذّة شكيمتهم وتضاعف كفرهم الخ) يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان لا ينقاد لأحد، وأصل معنى الشكيمة الحديدة التي توضعفي فم الفرس فإنه إذا كان حروفاً جعلت غليظة شديدة لتضبطه فلذا استعير للحمية والأنفة قال: أنا ابن سيارعلى شكيمه إنّ الشراك قدمن أديمه قال في الأساس، وهذا من الإيماض في الاستعارة إلى أصلها حيث جعل المزاولين للعدّ ملجمين، وتضاعف الكفر زيادته، والركون الميل، والتمرّن الاعتياد. قوله: (الذين قالوا إنا نصارى للين جانيهم الخ) في الانتصاف لم يقل النصار! مع أنه أخصر تعريضا بصلابة اليهود في الكفر، والامتناع عن الانقياد لأنّ اليهود لما قيل لهم ادخلوا الأرض المقدّسة قالوا: {فاذهب أنت وربك فقاتلا} [سورة المائدة، الآية: 24] ، والنصارى: {قالوا نحن أنصار الله} [سورة آل عمران، الآية: 52] فلذلك سموا نصارى فأستد إلى قولهم هنا تنبيهاً على انقيادهم، وهناك تنبيها على أنهم لم يثبتوا على الميثاق فهذا سره. قوله: (وإليه أشار بقوله ذلك بأنّ منهم قسيسين الخ) وجه الإشارة أن كون بعضهم له اهتمام بالعلم، والعمل وجملتهم لا يستكبرون عن الحق يقتضي كون جملتهم أقرب إلى الحق، وأهله وقيل إنّ مذهب اليهود أنه يجب إيصال الثر إلى من خالف دينهم بأقي طريق كان من القتل، وغيره وهو عند النصارى حرام، ولذا ورد في الحديث: " ما خلا يهودي بمسلم إلا هتم بقتله ". قوله: (والفيض انصباب عن امتلاء الخ (يعني معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأنّ الفيض أن يمتلئ الإناء حتى يسيل ما فيه عن جوانبه فوضع الفيض موضع الامتلاء بإقامة السبب مقام المسبب أو قصد المبالغة فجعلت أعيهم بأنفسها تفيض من أجل البكاء، والدمع يكون مصدر دمعت العين واسما لما يسيل منها، وفي الانتصاف أنّ هنا ثلاث اعتبارات أبلغها هذه. فالأولى: فاض دمع عينه، وهي الأصل. والثانية: فاضت عينه دمعا حوّل الإسناد إلى العين مجازا، ومبالغة ثم نبه على الأصل، والحقيقة بنصب ما كان فاعلاً على التمييز، والثالثة فيها هذا التحويل، وابراز التمييز في صورة التعليل كما نحن فيه، وهو أبلغ لبعده عن الأصل، وعدم ذكر الفاعل فيه، ومن تعليلية، وقيل أراد أن الدمع على الأوّل هو الماء المخصوص، وعلى الثاني الحدث، وهو على الأول مبدأ مادي، وعلى الثاني سببيّ، وقد جوّز في سورة براءة في قوله تعالى: {تولوا أعينهم تفيض من الدمع حزنا} أن يكون من الدمع بيانا كقوله أفديك من رجل، وان كان الأكثر في هذا القسم من البيان أن يأتي منكرا ا!. وما ذهب إليه ثمة من كون من بيانية، وأنها التي تدخل على التمييز مردود، وان كان الكوفيون ذهبوا إلى جواز تعريف التمييز، وأنه لا يشترط تنكيره كما هو مذهب الجمهور لأن التمييز المنقول عن الفاعل يمتنع دخول من عليه، وإن كانت مقدرة معه فلا يجوز تفقأ زيد من شحم فامتنع أن يكون تمييزا، وما ذهب إليه الزمخشري ثقة مخالف لكلامهم كما في الدر المصون فلا يصح قياسه على المثل الذي ذكره لأنه مفعول، وسيأتي بيانه في محله. توله:) من الأولى للابتداء والثانية لتبيين ما عرفوا الخ) أي من الأولى لابتداء الغاية، والثانية تحتمل البيانية، والتبعيضية كما قال الزمخشرفي: الأولى لابتداء الغاية على أنّ فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، وكان من أجله، وبسببه، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا، وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم، وبلغ منهم فكيف إذا عرفوه كله، ولم يتعرض لما يتعلق به الجاران لكن في كلامه إشارة إليه فمن الأولى متعلقة بمحذوف على أنه حال من الحق أي حال كونه ناشئا من الحق، واليه أشار بقوله على أنّ فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، ولا يجوز تعلقه بتفيض لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى بعامل واحد فمان من في من الدمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 ابتدائية إلا أن يقال إنها بيانية أو بمعنى الباء، وأما من الحق فعلى البيان متعلق بمحذوف، وعلى التبعيض بعرفوا، وهو معنى قوله عرفوا بعض الحق لا أنه إشارة إلى أنه مفعول به كما قيل، ويجوز أن تكون تعليلية أي فيض دمعهم بسبب عرفانهم، وفي كلامه إشارة إليه وقوله: (عرفوا كله) الأفصح عرفوه كله لأنّ كل المضافة للضمير لا تقع في فصيح الكلام إلا تأكيداً أو مبتدأ، ولا يعمل فيها ما قبلها. قوله: (أو من أمته الذين هم شهداء) إشارة إلى قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] وقد مرّ تفسيره وقوله استفهام إنكار، واستبعاد تحقيقا لإيمانهم كأنهم قالوا آمنا، ولا شبهة في إيماننا لأن عدم الإيمان في كمال الاستبعاد مع قيام الداعي، وهو الطمع في الدخول في زمرتهم، والانتظام في سلكهم والانخراط مع الصالحين بمعنى الانضمام معهم، والعذ منهم يقال انخرط فلان على القوم إذا جاءهم، ودخل معهم. قوله: (أو جواب سائل قال لم آمنتم الخ) قيل عليه أنّ علماء النحو، والمعاني صرحوا بأن الجملة الاستئنافية الواقعة جواب سؤال مقدر لا تقترن بالواو ولا بد فيها من الفصل إذ الجواب لا يعطف على السؤال وما قيل في الجواب عنه أنّ الواو زائدة، وقد نقل عن الأخفش إنها تزاد في الجملة المستأنفة أو هو عطف على جملة محذوفة هي الجواب المستأنف تقديره ما لكم لا تؤمنون، وقد جاءكم الحق، والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهركم لا يتوجه إلا ب! ثبات اقتران مثلها بالواو، وقد وقع مثله في الكشاف في مواضع، وكونها معطوفة على مقدر ينافي كونها جوابا، وقيل الظاهر عطفه بالواو، لأنّ كونه جوابا لا ينافي الاستفهام الإنكاري فتأمل. قوله: (ولا نوّمن حال من الضمير الخ) ما استفهامية مبتدأ ولنا خبره، ولا نؤمن جملة حالية، وهي حال لازمة لا يتم المعنى بدونها نحو فما لهم عن التذكرة معرضحين ولذا لا يصح اقترانها بالواو في مالنا، وما بالنا لا نفعل كذا لأنها خبر في المعنى، وهي المستفهم عنها، وقوله وذكره توطئة وتعظيما هذا على الوجه الثاني وهو أنّ المراد بكتابه ورسوله لأنه هو الذي جاءهم من الحق لكن لما كان المقصود من الإيمان بهما الإيمان بالله قدم ذكره عليهما، وهي حال عاملها معنوفي وهو الجار والمجرور أو متعلقه. قوله: (ونطمع عطف على نؤمن الخ) قدر المبتدأ على تقدير الحالية لأنّ المضارع المثبت لا يقترن بالواو، وعلى العطف فهو عطف على المنفي أو النفي فإذا عطف على المنفي فظاهر وان عطف على النفي فالطمع ليس بمنكر، ولذا جعلوا الإنكار، والاستبعاد للجمع ينهما أي كيف نطمع في ذلك، ونحن غير مؤمنين، وقيل يحتمل أن يكون معطوفا على لا نؤمن بأن يكون عطفاً على النفي أي نجمع بين عدم الإيمان، وبين الطمع أو على المنفي أي لسنا نجمع بين الإيمان، وبين الطمع، وذلك الجمع بالدخول في الإسلام لأنّ المسلم هو الذي ينبغي أن يطمع في صحبة الصالحين، وما ذكر صاحب التقريب من أنه على الأول ورد الجمع على النفي، وعلى الثاني ورد النفي على الجمع يوهم أن الأول لجمع منفيين، وليس كذلك بل هو جمع، ونفي إثبات انتهى، وفيه أمران الأول أنه على المنفيّ لا حاجة إلى اعتبار الجمع لأنه إنما اعتبر في العطف على النفي لأنّ الطمع في إدخال الله لهم في زمرة الصالحين ليس بمنكر فلذا صرف الإنكار فيه إلى الجمع ليصير المعنى كيف يطمع في إدخال الله لهم في زمرة الصالحين مع عدم الإيمان، وأما إذا عطف على المنفي فإنكار نفي الطمع في إدخالهم في زمرتهم مستقيم من غير نظر إلى معنى الجمع الثاني أن ما جعله، وهما ليس كما قال: فإنّ معناه أنّ الجمع المنكر فيه اعتبر بعد تقرر النفي، وإذا عطف عليه بعد ما نفى فقد ورد الجمع الذي أفاده العطف على النفي أي طرأ عليه وجاء بعده، وإذا عطف على المنفي فالنفي وراد عليهما، وعلى الجمع ولا وهم فيه، وقول المصنف رحمه الله تعالى عطف على نؤمن ظاهر في عطفه على المنفي، ويحتمل الوجه الآخر. قوله: (والعامل فيها عامل الأولى مقيدا بها أو نؤمن) أي الظرف أو متعلقه، وشمى عاملاً معنويا عندهم، ولما ورد على هذا كما في البحر أن العامل لا ينصب أكثر من حال! واحدة إذا كان صاحبها مفردا دون بدل أو عطف إلا أفعل التفضيل على الصححيح لأنه كتعلق حرفي جر لأنه بمعنى في حال كذا، ولذا قيل إنه مبيّ على رأي من إجاز تعددها مطلقا أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن الحال الأولى منه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وهو مطلق، والثانية بعد اعتبار تقييده فعامله متعدد معنى كما في رزقوا منها من ثمرة، وأفعل التفضيل فكأنه قيل كيف عدم الإيمان في حال الطمع المذكور، وهذه حال مترادفة، ولزوم الأولى لا يخرجها عن الترادف، وإذا كانت من فاعل نؤمن فهي متداخلة، وقيل معنى كلام المصنف رحمه الله تعالى أنها لو جعلت حالاً مستقلة، ولم يعتبر التقييد كان المآل مآلنا، ونطمع، ولا إنكار، ولا استبعاد للطمع بدون عدم للإيمان، وعبارة المصنف رحمه الله تعالى نائية عنه فانها توجيه للعمل لا لصحة المعنى، وما ذكره لازم أيضاً لأنه إنما ينكر الحال الثانية بعد إنكار الأولى لأنها لازمة بل هي معتبرة من إجزاء الجملة الأولى كما مر، وقيل إنّ في صحة قولنا ما لنا، ونحن نفعل كذا بالواو الحالية نظراً بالنظر إلى الاستعمال، وأنّ الحالين على الأوّل لا متداخلتين، ولا مترادفتين لعدم صحة ذكر الثانية بدون الأولى، وعدم كونها حالاً عما هي حال عنه، ولتسم هاتين حالين متلاصقتين فالحالان المتعاقبتان ثلاثة أقسام اهـ يعني أنّ الحال الواقعة بعد ما لنا، وما بالنا لا يصح اقترانها بالواو لأنها لازمة، والإنكار منصب عليها، وبها تمام الفائدة كما ذكره النحاة، وعليه قوله: مابال عينك منها الماءينسكب وقد ذكر مثل هذا في سورة آل عمران حيث اعترض على قول الكشاف ما باله وهو آمن، وهذا من فوائده التي تفرّد بها لكنها كلمة حق أريد بها باطل لأنه مسلم في الحال الأولى المتوقف عليها تمام الكلام، وأما إذا جاء بعدها حال أخرى فضلة فالسماع فيها خلاف ما ذكره والدراية تقتضيه كقول جرير: ما بال وجهك بعد الحلم والدين وقد علاك مثيب حين لا حين وكقول الآخر وقد أنشده ابن الأعرابي: وقائلة ما باله لا يزورها وقد كنت عن تلك الزيارة في شغل وقد مر لنا كلام فيه في سورة آل عمران، وأما ما ذكره في تثليث الحال فقد علمت رده، وكذا قوله ليست حالاً عما هي حال عنه لا وجه له. قوله: (اي عن اعتقاد من قولك الخ) في الكشاف بما تكلموا به عن اعتقاد، واخلاص من قولك هذا قول فلان أي اعتقاده، وما يذهب إليه، وقال النحرير: أوّل كلامه يشعر بأنّ القول حقيقة لكنه مقيد بأن يكون عن اعتقاد واخلاص، وآخره يشعر بأنه مجاز عن المذهب، والرأي والاعتقاد وبالجملة فالقصد إلى أنّ الإثابة ليست بمجرّد القول وأجيب بأن مراده أنه حقيقة لأنه الأصل وأنّ القول إذا لم يقيد بالخلو عن الاعتقاد يكون المراد به المقارن للاعتقاد كما إذا قيل هذا قول فلان لأنّ القول إنما يصدر عن صاحبه لإفادة الاعتقاد، وعبارته أحسن، ولذا عدل عنها. قوله: (أحسنوا النظر والعمل الخ) الأول مخصوص، والثاني عام أو الأول نظر إلى إفادة الحدوث، وتقدير معمول والثاني إلى إلحاقه بالأسماء، وعدم تقدير متعلق، والآيات الأربع هي من قوله، وإذا سمعوا إلى هنا، وقوله: (روي أنها نزلت الخ) هو حديث أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والواحدي من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث ابن هثام، وعروة بن الزبير رضي الله عنه مرسلاً فلا وجه لقول العراقي في التخريج أنه لم يقف عليه، وانكاره له، وكذا ما بعده أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير. قوله: (عطف التكذيب بآيات الله الخ) المراد بالمصدقين من سبق ذكرهم لأنه تعالى أثابهم بما قالوه، وهو الصدق النافع فذكر هؤلاء بعدهم ليتم الوعد، والوعيد: وبضدّها تتبين الأشياء قوله: (أي ما طاب ولذ منه الخ الذا عطف تفسير لأنّ الطيب يستعمل في القرآن بمعنى الحلال، وبمعنى اللذيذ فأشار إلى أن المراد الثاني بقوله ما أحل الله، وتضمن ما قبله لما ذكر يفهم من مدحهم بأنهم رهبان، وجعل الحلال حراما لأنهم لا يقربون النساء، ولا يأكلون اللحوم، ويجعلونها محرمة عليهم ولا ينافيه أنه مدحهم بذلك لأنه كان في دينهم ممدوحا ورب ممدوح بالنسبة إلى قوم مذموم بالنسبة إلى آخرين فلا يرد عليه شيء كما توهم وجعل الاعتداء عبارة عن تحريم الحلال فيكون تأكيدا لقوله: {لا تحرموا} الخ، وفي التوجيه الثاني عن تحليل الحرام بعد النهي عن تحريم الحلال فهو تأسيس، وسيأتي جعله بمعنى النهي عن الإسراف في الحلال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وقال النحرير إنه أشار في الكشاف إلى أربعة معان للاعتداء تجاورّ حد الشرع أو حد الاعتدال في الإنفاق أو الظلم على الإطلاق أو مقيداً بتحريم الطيبات. قوله: (ويجوز أن يراد به ولا تعتدوا الخ) فالمعنى لا تتجاوزوا الحلال إلى الحرام، وتحرموا ما أحل من قوله لا تحرموا طيبات الخ. وتحليل ما حرم الخ مستفاد من لا تعتدوا على هذا التفسير، والمراد بتحليله تعاطيه أو اعتقاد حله وفيه تأمل. قوله: (داعبة إلى القصد) أي الاعتدال، وعدم الإسراف إشارة إلى درج المعنى الآخر في النظم. قوله: (روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) هذا الحديث رواه ابن جرير والواحدي في أسباب النزول عن مجاهد وعكرمة والسدي، وله شاهد في الصحيحين من حديث وقع بمعناه ورقوا بمعنى رقت قلوبهم من خشية الله وهو ضد القسوة، وعثمان بن مظعون بظاء معجمة، وعين مهملة صحابيّ يكنى أبا السائب جمحيّ أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة، وقيل بعد اثنين، وعشرين شهراً منها، ودفن بالبقيع رضي الله عنه، وفي كلام بعضهم، والذي رواه المحدثون أنّ عثمان بن مظعون، وعليآ وأبا ذر رضي الله عنهم هموا بأن يختصوا ويقتتلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ونزل فيهم الآية الآتية: {ليس على الذين آمنوا} والذي ذكره منتزع من عدة أحاديث، وأصله في الصحيحين، والودك بفتح الواو، والدال المهملة، والكاف الشحم والمسوح جمع مسح، وهو اللباس أي الغليظ من الملابس، والسياحة في الأرض عدم التوطن، والقرار والمدّ أكبر جمع ذكر على خلاف القياس للفرق بينه، وبين جمع الذكر ضد الأنثى، وقيل لا واحد له كعباديد وتتمة الحديث بمعنى ما ورد فيه لا رهبانية في الدين. قوله: (كلوا ما حل لكم وطاب الخ) إشارة إلى أنه إذا كان مفعولآيكون صفة للمأكول كما هو الشائع فيه فهو بمعنى ما حل لا بالمعنى المصدري وقوله تقدمت عليه لأنه نكرة إشارة إلى أنه كان صفة، وصفة النكرة، إذا تقدمت صارت حالاً فلا يرد عليه أنه نكرة موصوفة يصح مجيء الحال منها، ولا يلزم تقدمه كما قيل، وقوله، ويجوز أن تكون مفعولاً أي صفة مفعول قائمة مقامه أي شيئاً مما رزقكم، ويحتمل أنه نفسه مفعول بتأويل بعض، وهو تكلف أو صفة مصدر أي أكلاً، والآية دليل لنا في شمول الرزق للحلال، والحرام إذ جعله تأكيداً خلاف الظاهر، وهو رد على المعتزلة وقوله: (وعلى الوجوه الخ) رد لما يوهمه كلام الكشاف من اختصاصه ببعضها. قوله: (هو ما يبدو من المرء بلا قصد الخ) أي ما يسبق إليه لسانه من غير نية اليمين هذا عند الشافعيّ رضي الله عنه، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لغو اليمين أن يحلف على أمر مضى يظنه كذلك فإن علمه على خلافه فهي غموس والأدلة على المذهبين مبسوطة في الفروع والأصول، وقيل على تعلق في أيمانكم بيؤاخذكم ففي للسببية كقوله إنّ امرأة دخلت النار في هرة، وقوله: أو حال منه أي من اللغو معطوف على صلة. قوله: (بما وثقتم الإيمان عليه الخ) يقتضي أنّ ما موصولة لتقدير العائد، وجعلها في الكشاف مصدرية قيل وهو أحسن لوقوعها في مقابلة اللغو، ولعدم الاحتياج إلى التقدير. قوله: (والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم الخ) المراد بالمؤاخذة المؤاخذة في الدنيا، وهي الإثم، والكفارة لأنّ فيها عقوبة لا في الآخرة حتى يرد أنّ المؤاخذة ليست في وقت الحنث فالوجيه هو الثاني، وتعقيد الإيمان شامل للغموس عند الشافعية، وفيه كفارة عندهم، وأما عندنا فلا كفارة، ولا حنث فيقدر إذا حنثتم فكأنّ التقديرين إشارة إلى المذهبين، وقراءة التخفيف ظاهرة، وقراءة عاقد فاعل فيها لأصل الفعل وكذا قراءة التشديد لأنّ القراآت يفسر بعضها بعضا أو المبالغة فيها باعتبار أنها باللسان، والقلب لا أنه للتكرار- اللساني كما توهم. قوله: (فكفارة نكثه أي الفعلة التي تذهب إثمه الخ) منهم من جعل هذا الضمير عائداً على الحنث المفهوم من السياق، ومنهم من جعله عائداً على ما الموصولة بتقدير مضاف أي نكثه، ومنهم من جعله عائداً على العقد الذي في ضمن الفعل بتقدير مضاف، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه قصد الثاني، ويحتمل غيره أيضا، وأما عوده على الإيمان لأنه مفرد كالأنعام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 أو مؤول بمفرد فلا حاجة إليه، وما بني عليه سيأتي ما فيه، والفعلة بفتح الفاء المرة من الفعل، وفسره به توجيها للتأنيث، وإشارة إلى أنه بالمعنى المصدري لقوله إطعام، وتذهب من الإذهاب، وقوله وتستره إشارة إلى أنّ معنى التكفير لغة الستر، والمراد به المحو لأنّ الممحوّ لا يرى كالمستور. قوله: (واستدلّ بظاهوه على جواز التكفير بالمال الخ) قيده بالمال ليخرج التكفير بالصوم فإنه لا يكون إلا بعد الحنث عندهم لأنه عند العجز عن غيره، والعجز لا يتحقق بدون حنث، وقيد بعض الشافعية جواز تقديم المال بما إذا لم يكن الحنث معصية، وأطلقه بعضهم، وهو الصحيح، وعليه المصنف رحمه الله تعالى، وقاسوه على تقديم الزكاة على الحول ووجه الاستدلال بظاهر الآية أنه جعل الكفارة عقب اليمين من غير ذكر الحنث وقال: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [سورة المائدة، الآية: 89] ونحن نقول إنّ الآية تضمنت إيجاب الكفارة عند الحنث، وهي غير واجبة قبل الحنث فثبت أنّ المراد بما عقدتم الإيمان وحنثتم فيها، وقد اتفقوا على أن معنى قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر} [سورة البقرة، الآية: 84 ا] فأفطر فعدة من أيام أخر فكذا هذا، وقوله على جواز التكفير إشارة إلى أنّ ما قدره أولاً من قوله إذا حنثتم قيد للوجوب، وكذا قوله كفارة نكثه فلا يقال إنه إذا كان التقدير ما ذكر كيف تكون الآية دليلا لهم فتأمّل. قوله. القوله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين الخ) هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقيل عليه أن دلالة الفاء الجزائية على التعقيب من غير تراخ ممنوعة، وبعد التسليم الواقع في حيز الفاء مجموع التكفير والإتيان، ولا دلالة على الترتيب بينهما ألا ترى أن قوله: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [سورة الجمعة، الآية: 9] الاية لا يقتضي تقديم السعي على ترك البيع بالاتفاق، وأيضا فقد روي هذا الحديث فليكفر عن يمينه، ثم ليأت بالذي هو خير وروي رواية أخرى: " فليأت الذي هو خير ثم ليكفر " ورجحنا هذه بالشهرة، وجعلنا كلمة، ثم في الأخرى بمعنى الواو، وفيه بحث لأن إثبات الشهرة لا يسمع بغير نقل، وهم يجمعون بين الروايتين بأنّ إحداهما لبيان الوجوب، والأخرى لبيان الجواز، وأيضأ تقديمها تارة، وتأخيرها أخرى يدلّ على أنهما سيان. قوله: (من أقصده في النوع أو القدر الخ) اقصد أفعل تفضيل من القصد وهو الاعتدال، وقوله، ونصف صاع عند الحنفية أي من البرّ وصاع من الشعير، وقوله ومحله النصب أي ومحل الجار والمجرور، وهو من أوسط، وإطعام مصدر ينصب مفعولين الأوّل منهما ما أضيف إليه وهو عشرة، والثاني محذوف أقيمت صفته مقامه أي طعاماً أو قوتا أو هو مرفوع على أنه بدل من إطعام أو خبر مبتدأ محذوف أي طعامهم من أوسط، وقيل على البدلية إنّ أقسام البدل لا تتصوّو هنا، وأجيب بأنه بدلط كل من كل بتقدير موصوف أي إطعام من أوسطه نحو أعجبني قرى الأضياف قراهم من أحسن ما وجد. قوله: (وأهلون كأرضون الخ) أرضون بسكون الراء هنا، ويجوز فتحها يعني جمع مذكر سالم على خلاف القياس لأن قياس مفرده أن يكون علما أو صفة وهذا اسم جامد كأرض! ، والذي سوّغه أنه استعمل كثيراً بمعنى مستحق فأشبه الصفة. قوله: (وقرئ أهاليكم الخ (هذه قراءة جعفر الصادق، وكان القياس فتح الياء لخفة الفتحة لكنه شبه الياء بالألف فقدر إعرابها، ولم يمثله كما في الكشاف بمعدي كرب لأنه نقل بالتركيب فخفف إلا أن يقال إن صيغته ثقيلة فأشبهت المركب، وهو إما جهح أهل على خلاف القياس كليال في جمع ليلة، وقال ابن جني واحدهما ليلاة وأهلاة قالوا، وهو يحتمل لئن يكون مراده أنّ له مفرداً مقدّرا هو هذا ويحتمل أنه سماع من العرب فيه، ومن قال إنه اسم جمع أراد به الجمع على خلاف القياس كما سيأتي. قوله: (عطف على إطعام أو من اوسط إن جعل بدلاً الغ) قيل وجهه أن يكون من أوسط بدلاً من الإطعام، والبدل هو المقصود، ولذلك كان المبدل منه في حكم المنحي فكأنه قيل فكفارته من أوسط ما تطعمون، وإعترض بأنّ العطف على البدل في موقع البدل ضرورة، وابدال كسوة منه لا يكون إلا غلطا، وهو لا يقع في التنزيل، وأجيب بالمنع بل قد ورد على ما سبق من أنه قد يعطف على البدل؟ ويكون المقصود الانتساب إلى ما انتسب إليه المبدل منه بجعله في حكم المنحي، وقد يجاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 بأنه على طريقة: علفتها تينا وماء باردا والتقدير إطعام من أوسط ما تطعمون أو إلباس من كسوتهم وردّ بأنه حيئذ يكون عطفا على المبدل منه لا البدل مع ما فيه من تغيير الكلام، والجواب أنّ المراد أنه بالنظر إلى ظاهر اللفظ عطف على البدل فإن قيل هنا وجه آخر، وهو عطفه على إطعام وجعل من أوسط صفة إطعام على ما هو الظاهر أو صفة مصدر محذوف أي إطعاما من أوسط أو مفعولاً به أي طعاماً من أوسط فما الباعث على هذا الوجه المتعسف أجيب بأنه اختار ذلك لتكون الكفارة فيما يتعلق بالمساكين متلائمة إذ الكسوة اسم للثوب فيناسب أن يعتبر في جانب الإطعام المطعوم بخلاف الإعتاق فإنه جن! واحد فليكن باسم المعنى، وهو التحرير، ومن حاول رد الكل إلى نهج واحد ذهب إلى أنّ التقدير إطعام أو إلباس كسوة. (أقول) ما ذكره مناف لما قرّره الأئمة وسلموه، ومثله لا يسمع، ثم إنه كيف يكون بدل غلط، وهو يتوقف على كون الأوّل غير مراد معناه قطعاً، وهذا لا يصملح هنا لأنّ كلاً منهما مقصود، وكيف يعطف بدل غلط على غيره، ثم إنه كيف يتأتى ما ذكره من التناسب، وهو على البدلية صفة إطعام مقدّر فلا يخفى ما في كلامه من الاختلال فلا يعطف عليه إلا إذا قطع عما قبله وكان خبر مبتدأ محذوف، والمناسبة المذكورة لا يتكلف لأجلها مثل هذه التكلفات فلا وجه للتقليد فتأمّل، وأما بدل الاشتمال الذي ادعاه بعضهم فمما لا شبهة في عدم صحته. قوله: (وهو ثوب ينطي العورة الخ) تفسير للكسوة تبع فيه الزمخشريّ، وأورد عليه أنه مخالف لمذهبه فانها عندهم ما يسمى كسوة قميص أو إزار أو منديل أو مقنعة، والقدوة بالضم، والكسر من يقتدى به، والاقتداء نفسه كالكسوة فمانها مصدر واسم المكسوّ أيضا فالمناسبة بينها، وبين الإطعام حاصلة من غير التكلف السابق، وقوله: (جامع قميص الخ) كلامه ظاهر في أنّ كل واحد منها كاف وهو يخالف قول الكشاف، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إزار أو قميص! أو رداء أو كساء، وعن مجاهد ثوب جامع، وهو ما يستر البدن على ما هو المتعارف، وجامع منون ما بعده بدل منه أو مضاف، والأوّل أولى. قوله: (أو كسوتهم) بكاف الجر الداخلة على أسوة بضم الهمزة وكرها أيضاً، وهي كما قال الراغب الحال التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا، وان قيحاً، وهو من الأسى وهو الحزن، وهو الإزالة نحو كربت النخل أزلت كربه وهذا أسوة هذا أي مثله فالكاف على هذه القراءة زائدة، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى كمثل ما تطعمون، وهذه قراءة سعيد بن جبير، وابن السميفع وهي شاذة، وهمزته بدل من واو لأنه من المؤاساة واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى، وقوله والكاف في محل الرفع الخ ظاهر كلامه أنه خبر مبتدأ محذوف، ويحتمل أنه بيان للمعنى، ولذا قيل إنه ليس بمستقيم والأولى طعام كاسوتهم على الوصف فهو عطف أيضاً على من أوسط، وعلى هذه القراءة يكون التخيير بين الإطعام التحرير فقط وتكون الكسوة ثابتة بالسنة، وقيل إنها لنفي الكسوة، وفيه نظر، وقال السفاقسي قدر أبو البقاء أي مثل أسبوة أهليكم في الكسوة فلا تكون الآية عارية من الكسوة، وفيه نظر لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه، وجوّز فيها النصب أيضا على أحد الوجوه في إعراب من أوسط وجعله معطوفاً عليه، وشرط الشافعيّ رضي الله تعالى عنه في المعتق الإيمان، ودليله، والجواب عنه مفصل في محله. قوله: (ومعنى أو إيجاب إحدى الخصال الثلاث الخ) اختيار للمذهب المختار في الواجب المخير، وهو أنّ الواجب أحد الأمور لا على التعيين لا ما نسب إلى بعض المعتزلة أنّ الواجب الجمع، ويسقط بواحد وبعضهم الواجب معين عند الله وهو ما يفعله المكلف فيختلف بالنسبة إلى المكلفين وبعضهم أن الواجب واحد معين لا يختلف لكن يسقط به، وبالآخر وتفاوتها فدراً وتوابأ لا ينافي التخيير المفوض! تفاوته إلى الهمم، وقصد زيادة الثواب فإنّ الكسوة أعظم من الإطعام، والتحرير أعظم منها. (وهاهنا بحث) وهو أنّ أو لأحد الشيئين أو الأشياء، وإنما تفيد التخيير بعد الطلب فقوله: كفارته إطعام خبر لفظاً طلب معنى لأنّ المقصود منه إيجاب ذلك، وحينئذ كيف تكون الفاء لتعقيبه إذ لو كان كذلك لاقتضى وجوبه قبل الحنث، ولا قائل به فإن قيل يقدر له تيد كما مرّ، لم يبق له دلالة على ما ذكروه فتأمّل، وقوله: واحدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 منها لما مز من أنّ أو للتخيير. قوله: (والشواذ ليست بحجة عندنا الخ) تال في الأحكام قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومجاهد، وإبراهيم وتتادة هن متتابعات لا يجزي فيها التفريق فثبت التتابع بقول هؤلاء، ولم يثبت بالتلاوة لجواز أن تكون التلاوة منسوخة والحكم ثابتاً، وهو قول أصحابنا، وقالوا أيضا إنّ قراءته كروايته، وهي مشهورة فيزاد بها على القطعي فما ذكروه غير مسلم عندنا وقوله وحنثتم مرّ تفصيله. قوله: (بأن تضنوا بها ولا تبذلوها الخ) أصل معنى الضنة البخل، والمراد عدم البذل وللسلف في الحفظ هنا تفاسير فقال قوم معناه احفظوا أنفسكم عن الحنث فيها، وإن لم يكن الحنث معصية وقال آخرون معناه أقلوا من الإيمان لقوله تعالى، {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} ، وعليه قول الشاعر: قليل الألاياحافظ ليمينه إذا بدرت منه الألية برّت وقال توم راعوها لكي تودّوا الكفارة إذا حنثتم فيها لأنّ حفظ الشيء رعايته قالوا وهذا هو الصحيح أتا الأوّل فلا معنى له لأنه غير منهي عن الحنث إذا لم يكن الفعل معصية وقد قال صلى الله عليه وسلم: " فليأت الذي هو خير وليكفر " كما مرّ وقال تعالى: {قد فرض! الله لكم تحلة أيمانكم} إسورة التحريم، الآية: 2] فثبت أنه غير منهيّ عن الحنث إذا لم يكن معصية فلا يجوز أن يكون احفظوا أيمانكم نهيا عن الحنث، وأما القول بأنه نهى عن الحلف فساقط واه لأنه كيف يكون الأمر بحفظ اليمين نهياً عن اليمين، وهل هو إلا كقولك احفظ المال بمعنى لا تكسبه، وأما البيت فلا شاهد فيه لأن معنى حافظ ليمينه إنه مراع لها بأداء الكفارة، ولو كان معناه ما ذكر لكان مكرّرا مع ما قبله، والى هذه الأقوال أشار المصنف رحمه الله تعالى، وفي الكشاف معنى آخر وهو أنّ المراد احفظوها، ولا تنسوا كيف حلفتم بها. قوله: (أي مثل ذلك البيان) يعني أنه إشارة إلى مصدر الفعل المذكور، وقد مرّ تحقيقه في البقرة في قوله: {وكلك جعلناكم أمّة وسطا} [سررة البقرة، الآية: 143] فتذكره، وقوله نعمة التعليم قدره مفعولاً بقرينة ما قبله، وقوله: أو نعمه جمع نعمة منصوب عطفا عليه فهو عام، والواجب شكرها مبينة لنعمه. قوله: (فإنّ مثل هذا التبيين يسهل لكم المخرج متة) في الكشاف لعلكم تشكرون نعمته فيما يعلمكم، ويسهل عليكم المخرج منه فقيل المجرور عائد على الحنث، وقيل المخرج منه فيما يعلمكم أي من التكليف، ولولا العائد لكان الأحسن أن تجعل ما مصدرية، وقيل إنه للشكر، وقوله: فإن الخ دليل على صحة إرادة نعمه الواجب شكرها يعني بمثل هذا التبيين يسهل الخروج من الشكر لأن شكر نعمة العمل مما يعرف من كلامه فتأمّل. قوله: (قدر تعاف عنه العقول الخ) قيل الرجز والرجس بمعنى، وهو الشيء القدر، وقيل ما تستقذره العقول، وقال الزجاج: إنه كل ما استقذر من عمل قبيح وأصل معناه الصوت الشديد، ولذا يقال للغمام رجاس لرعده، ولما كان فيه الإخبار عن متعدد بمفرد فإما أن يكون خبرآ عن الأوّل، وخبر الأخيرين مقدر أي رجس، وفسق وكفر، ونحوه أو في الكلام مضاف إلى هذه الأشياء والخبر له أي إنما شأن هذه الأشياء أو تعاطيها أو لا حاجة إلى تقدير لأنه يجوز الأخبار عن هذه الأشياء بأنها رجس كما قيل إنما المشركون نجس لأنه مصدر يستوي فيه القليل، والكثير، وهذا أحسن. قوله: الأنه مسبب عن تسوبله وتزيينه (يعني جعله عملا للشيطان مع أنها أعيان بعلاقة أن عمل الشيطان أي تزيينه سبب لها أو من للابتداء أي ناشئ من عمله، وإذا قدر التعاطي فقيل لا حاجة إلى التأويل، وفيه نظر. قوله.) الضمير للرج! أو لما ذكر الخ (رجوعه إلى الرج! لا يقتضي الأمر باجتناب الخمر فقط بل كان رجس، وعوده على جميع ما مرّ بتأويل ما ذكر أو على التعاطي المقدر، وجوّز عوده إلى الشيطان، وهو قريب، وقوله: لكي تفلحوا مرّ تحقيقه في أوّل البقرة فتذكره. قوله: (كد تحريم الخمر والميسر الخ) وجه التأكيد المذكور ظاهر لأنهم كانوا متردّدين في التحريم بعد نزول آية البقرة ولذا قال عمر رضي الله تعالى عنه اللهم بين لنا فيها بيانا شافيا فلما نزلت هذه، وسمع فهل أنتم منتهون قال انتهينا يا رب وبحت بموحدة مفتوحة، وحاء مهملة ساكنة، وتاء مثناة بمعنى خالص! أي لا خير فيه أصلا أو الغالب عليه عدم الخير، والأمر بالاجتناب عن عينهما أي لا عن شربها، وفعله باعتبار الظاهر واحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 الوجوه، والا فإذا رجع الضمير إلى التعاطي لا يكون كذلك. قوله: (وجعله سبباً يرجى منه الفلاح) ضمير جعله للاجتناب والسببية من لعل لأنها بمعنى ير ووجه المبالغة فيه باعتبار ظاهر الترجي وافادته أنه ذنب عظيم بعد ارتكابه لا يقطع بالفلاح بمجرّد الإقلاع عنه بل يرجى له ذلك. قوله: (وإنما خصهما لإعادة الذكر) أي الخمر والميسر هما المقصودان لأنهما هما اللذان صدرا منهم كما قال تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر} [سورة البقرة، الآية: 219] الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: " شارب الخمر كعابد الوثن " حديث رواه الترمذي بلفظ مد من الخمر وحمل على المستحل، ولا حاجة إليه، وهذا دليل على بعض المدعي أو جعل الأزلام بمنزلة الوثن، وهو بعيد وقيل إنهما لم يخصا بالذكر لأنّ معنى يصدكم عن ذكر الله بعبادة غيره، وهي الأنصاب وعن الصلاة بالاشتغال بالأزلام وهو تقدير من غير دليل، والشرارة بكسر الشين المعجمة الشر. قوله: (وخصر الصلاة من الذكر بالإفراد الخ (لأن ما يصد عن ذكره يصدّ عنها لأنّ الذكر من أركانها فأفردت بالذكر تعظيما لها كما في ذكر الخاص بعد العام. قوله: (والإشعار بأنّ الصادّ عنها كالصاذ عن الإيمان الخ) كأن وجهه أنّ الأوّل بيان لتعظيمها في ذاتها، وهذا بيان لأنه غاية مراد الشيطان من شرب الخمر، ومنتهى آماله ذلك فيها، ولا أحب إلى الشيطان من إيقاعها في الكفر فلولا أن تركها يؤذي إليه لما كانت محط نظره، ولذلك سميت عماد الدين في الحديث لأن الخباء لا يقوم بلا عماد، والفارق بين الإيمان، والكفر الصلاة لأن التصديق القلبي لا يطلع عليه، وهذه أعظم شعائر المشاهدة في كل وقت ولذا طلبت فيها الجماعة ليشاهدوا الإيمان، ويشهدوا به فافهمه فإنه خفي على من قال إنه لا إشعار في النظم بما ذكر، وصدها عن الصلاة لأنها تشغلهم عنها، ولأنّ السكران لا يقرب الصلاة. قوله: (أعاد الحث على الانتهاء الخ الأنه فهم أولاً من قوله تعالى: {فاجتنبوه} مع ما معه من تأكيدات التحريم، وقوله: إيذانا بأن الأمر الخ. أي الشأن والحال أو الأمر الطلبي باجتنبوه بلغ غاية الظهور حتى لا حاجة إلى أمرهم به لظهور أدلته القاطعة للأعذار فلذا عبر بالاستفهام الإنكاري مع الجملة الاسمية، والفاء المعقبة الدالة على أنها قد ثبتت الصوارف عنها، وتبينت وجوه الفساد فيها حتى أن العاقل إذا خلي، ونفسه بعد ذلك لا ينبغي أن يتوقف في الانتهاء، وقوله: أو مخالفتهما أعم من التفسير الأوّل فيكون مؤكدأ لقوله: {أطيعوا الله} وعلى الأوّل مؤسس، ولذا قدمه وقوله وإنما ضررتم به أنفسكم إشارة إلى أنّ قوله: {فاعلموا} الخ جواب باعتبار لازمه المكنى به عنه. قوله:) إذا ما اتقوا الخ (تعليق نفي الجناح بهذه الأحوال ليس على سبيل اشتراطها فإن عدم الجناج في تناول المباح الذي لم يحرم لا يشترط بشرط بل على سبيل المدج، والثناء، والدلالة على أنهم بهذه الصفة، وسبب النزول ليس وجهاً آخر في معنى الآية، ودفع ما فيها من التكرار بل إشارة إلى أنّ الآية نزلت في المؤمنين عاقة، ويدخل فيهم هذه الطائفة أو في هذه الطائفة لكن الحكم عام، وقوله: اتقوا المحرم الخ إشارة إلى دفع التكرار في الآية، وسيأتي تفصيله. قوله: (روي أنه لما نزل الخ (أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه. قوله:) ويحتمل أن يكون هذا التكرير الخ (قال الطيبي رحمه الله تعالى: المعنى أنه ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات، وتحريم الطيبات، وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مراتب الإخلاص واليقين، ومعارج القدس، والكمال، وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به وعلى الأعمال الصالحة لتحصيل الاستقامة التامّة التي يتمكن بها إلى الترقي إلى مرتبة المشاهدة، ومعارج أن تعبد الله كأنك تراه، وهو المعنى بقوله تعالى: {وأحسنوا} الخ وبه ينتهي للزلفى عند الله، ومحبته والله يحب المحسنين، وفي هذا النظم نتيجة من قوله! ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهد أن تكون بما بيد الله أوثق منك بما في يديك، وهذا دفع للتكرير، وأنه ليس لمجرّد التأكيد لأنه يجوز فيه العطف بثم كما صرح به ابن مالك في قوله تعالى: {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} [سورة التكاثر، الآية: 3] بل به باعتبار تغاير ما علق به مرّة بعد أخرى، والمصنف رحمه الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 أشار أولاً إلى تغايرها بأنّ المراد بالأوّل اتقاء ما حرّم عليهم أولاً مع الثبات على الإيمان، والأعمال الصالحة إذ لا ينفع الاتقاء بدون ذلك، والثاني اتقاء ما حزم عليهم بعد ذلك من الخمر ونحوه، والإيمان التصديق بتحريم ذلك، والثالث الثبات على اتقاء جميع ذلك من السابق، والحادث مع تحري الأعمال الجميلة فالمراد بالأوتات الثلاثة زمان التحريم الأوّل الماضي، وزمان التحريم الثاني الذي هو بمنزلة الحال، وزمان الثبات على جميع ذلك في المستقبل. قوله:) أو باعتبار الحالات الئلاث) باًن يتقي الله، ويؤمن به في السرّ ويجتنب ما يضرّ نفسه من عمل، واعتقاد ويتقي الله ويؤمن به علانية، ويجتنب ما يضرّ الناس، ويتقي الله، ويؤمن به بينه وبين الله بحيث يرفع الوسايط، وينتهي إلى أقصى مراتب التقوى في الدرجة السالفة القابلة للقوى النفسانية ولما في هذه الحالة من الزلفى منه تعالى ذكر الإحسان فيها لأن الإحسان كما فسره النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: االإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ". قوله:) أو باعتبار المراتب الثلاث (أي مراتب التقوى الثلاث التي مرّ تفصيلها، ومن قال المراد به مبدأ السلوك أو مبدأ العمر فقد غفل عن مراده أو تغاير التقوى باعتبار تغاير المتقي منه، وهو العقاب، والوقوع في حمى المحرمات، والتدنس بدنس الطبيعة والهيولى، وقوله فلا يؤاخذهم بشيء لأنه لازم المحبة فهو كناية كما في قوله: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم} [سورة المائدة، الآية: 18] وكان الظاهر، والله يحب هؤلاء فوضع المحسنين موضعه إشارة إلى أنهم متصفون بذلك. قوله: (نزلت في عام الحديبية) مرّ أنّ الحديبية بالتخفيف، وأنّ منهم من شددها، وهي اسم مكان معروف، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل. قوله: (والتحقير في بشيء للتنبيه الخ (تدحض من أدحض أي أزل، وهو كناية عن إزالة الثبات، والتصبر، والتحقير، والتقليل من شيء وتنكيره قيل عليه إن هذه الصيغة بعينها وردت في الأموال، والأنفس من الفتن العظام كقوله تعالى: {بشيء من الخوف والجوع ونقص من الآموال والأنفس والثمرات} [سورة البقرة، الآية: 155] وهو إشارة إلى ما يقع به الابتلاء من هذه الأمور فهو بعض من كل بالإضافة إلى مقدوره تعالى فإنه قادر على ابتلائهم بأعظم مما ذكر ليبعثهم بذلك على الصبر، ويدل على ذلك أنه سبق الوعد به قبل حلوله لتوطين النفوس فإنّ المفاجأة بالشدائد شديدة الألم، وإذا فكر العاقل وجد ما صرف عنه من البلايا أكثر مما وقع فيه بأضعاف لا تقف عنده غايته فسبحان اللطيف بعباده. (أقول) ما ذكره العلامة بعينه أشار إليه الشيخ في دلائل الإعجاز لأن شيء إنما يذكر لقصد التعميم نحو وان من شيء إلا يسبح بحمده، أو الإبهام، وعدم التعيين أو التحقير لادعاء أنه لحقارته لا يعرف، ولذا عيب على المتنبي قوله: لو الفلك الدوّارأبغضت سعيه هموّقه شيء عن ا! ل وران مع استحسانها في قول أبي حية النمري: إذاماتقاضى المرءيوم وليلة تقاضاه شيء لايمل التقاضيا وهنا لو قيل ليبلونكم بصيد تتم المعنى فإقحامها لا بد له من نكتة وهي ما ذكر، وأما ما أورده من الآية الأخرى فشاهد له لا عليه لأنه المقصود فيه أيضا التحقير بالنسبة إلى ما دفعه الله عنهم كما صرّح به المعترض مع أنه لا يتم الاعتراض به إلا إذا كان ونقص معطوف على مجرور من، ولو عطف على بشيء لكان مثل هذه الآية بلا فرق، والعجب أنه مع ظهوره أورده الطيبي رحمه الله ولم يتنبه له. قوله: (ليتميز الخائف من عقابه الخ) هذا بيان محصل المعنى، ووجه التجوّز فيه ما سياتي من أنّ العلم مستعمل في لازم معناه، وهو وقوع المعلوم، وظهوره لأنّ علمه تعالى لا يتخلف عنه أو أنّ المراد من العلم المتعلق بالمعلوم، وضمير هو للعقاب أي والعقاب لم يقع بل منتظر على صيغة المفعول إن وقع منه إثم، وقوله لضعف قلبه أراد به قلة يقيته وألا فضعف القلب بالمعنى المعروف لا يناسب عدم الخوف فقوله ة وقلة إيمانه تفسير له، ومن موصولة، ويجوز أن تكون استفهامية أي جواب من يخافه، وبهذا علم ضعف ما قيل لفظ الله فاعل يعلم فلا يصح أن يكون معنى ما ذكر والا لاختل نظام الكلام، إلا أن يكون المراد من مجموع يعلم الله الخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 ذلك، وقوله: بعد ذلك الابتلاء أي بعد إلابتلاء السابق، وما علم من حاله، وقيل المراد قدرة المحرم عليه فيما يستقبل فإن الابتلاء بغشيان الصيود قد مضى، وقوله: من لا يملك جأشه بالهمزة، وأصل معناه الصدر كما في الأساس ويطلق على القلب، وملك الجأس ضبطه بمعنى الصبر والتحمل، ويقال: ربط لذلك الأمر جأشا وهو رابط، وفي ضده واهي الجأس ومعناه ما ذكر وفسر العذاب الأليم بالوعيد لأنه ليس واقعاً البتة، ولا في حين الاعتداء والتقصير في أمر تسهل رعايته فوق التقصير فيما تصعب رعايته فلذا توعد عليه، وهذا يشبه حيتان أهل السبت، ولحوق الوعيد لا يحقق لحوق العذاب فما قيل إنه مناسب لمذهب المعتزلة باطل. قوله: (جمع حرام) بمعنى محرم، وان كان في الحل ومن كان في الحرم، وان كان حلالاً وهما سيان في النهي عن قتل الصيد، ورداح المرأة الئقيلة الردف والكثيبة العظيمة، وجمعه ردح بضمتين، وذكر القتل لما ذكر والذكاة بالذال المعجمة النحر والذبح. قوله: (وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه الخ) هذا مذهب الشافعي رحمه الله من أنّ ما لا يؤكل من الصيد فلا جزاء على المحرم فيه، ومذهبنا كما في كتاب الأحكام إنه عام في جميع صيد البرّ إلا ما خصه الحديث الآتي ولا يقاس غير الخمس عليها، والمراد بها كل ما ابتدأ الإنسان بالأذى كالسبع والذئب بالإجملا فخص به ما خرج عنه فإن لم يبتدئه بالأذى فعليه الجزاء، ولما لم يكن للخمس علة مذكورة لم يجز القياس عليها، وكونه غير ماكول اللحم لم تقم الدلالة عليه من فحوى الكلام، ولا ذكر لعلته فيه، ومن أصحابنا من يابى القياس في مثله لحصره بالعدد وكونه غير مأكول نفي، والنفي لا يكون علة. قوله: (خمس يقتلن الخ) رواه الشيخان ورواية " الحية " في مسلم وقوله: (مع ما فيه الخ) أي بالقياس عليه، وهو مذهبه، وقوله: هل يلغي أي يبطل حكمه، ولذا عبر بالقتل وهو الأصح من مذهب الثافعي أيضا. قوله: (ذاكرا لإحراد 4 عالماً بأنه حرام عليه الخ) وليس ذكر العمد للتقييد عند الجمهور بل إما لأنه المورد أو لأنه الأصل والخطأ ملحق به للتغليظ، والإشعار بأنه يستوي فيه العمد والخطأ، ووجه الدلالة أنه لا وبال ولا انتقام في الخطأ وهذا معنى قول المصنف رحمه أدلّه بل لقوله: (ومن عاد) الخ وقوله: (والخطأ ملحق به) فيه نظر فإنّ القياس لا يجري في الكفارات عندنا فالظاهر قول الزهري رحمه الله: نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ وذهب سعيد بن جبير إلى أنه لا شيء في الخطأ عملا بظاهر الآية. قوله: (فطعنه أبو اليسر رضي الله عنه الخ) قالوا إنما هو أبو قتادة رضي الله عنه كما في الصحيحين من روايته، وهو الذي فعل ذلك وقد تبع المصنف فيه الكشاف وقال الطيبي أنه ليس في شيء من الأصول يعني أصولي كتب الحديث وأورد على قوله: (إذ روي اليئ) أنه يدل على أنّ قتلهم كان عن قصد، ولا يدل على أنه عن علم بأنه حرام لأنّ الحديث دل على أنّ حرمة الصيد المحرم علم بعد نزول الآية فلا يدل على أنّ قتلهم عن تعمد بما فسره به، وفيه نظر لأنه صرّج في الكشاف بأنه كان محرّما في الجاهلية أيضاً نكان معلوما، والمعلوم من الآية كونه قد شرعنا به، واعلم أنه عدل عن قول الكشاف في التعريف أن يقتله، وهو ذاكر لإحرامه أو عالم أن ما يقتله مما يحرم عليه قتله لأنه ليس بمانع لأنه إذا رمى غير صيد أصاب صيدا، وهو ذاكر لإحرامه ينبغي أن يكون عمداً وليس به، وقد تكلف له ودفع آخرا بأن أو بمعنى الواو فلذا غيره المصنف رحمه الله. نوله: (برفع الجزاء والمثل قراءة الكوفيين الخ) الفاء إما جزائية أو زائدة في خبر الموصول قرأ أهل الكوفة فجزاء مثل بتنوين جزاء، ورفعه وفع مثل وباقي السبعة برفعه مضافا إلى مثل، ومحمد بن مقاتل بتنوين جزاء ونصبه ونصب مثل والسلمي برفع جزاء منوّنا ونصب مثل وقرأ عبد الله فجزاؤه برفع جزاء مضافاً لضمير، ورفع مثل فأما قراءة الكوفيين فواضحة لأن جزاء مبتدأ ومثل صفته والخبر محذوف أي فعليه جزاء مماثل لما قتله، وجوّز أبو البقاء مثل البدلية، والزجاج أن يكون جزاء مبتدأ ومثل خبر. إذ التقدير جزاء ذلك الفعل، أو المقتول مماثل لما قتله. قوله: (وعليه لا يتعلق الجار بجزاء) وأيضاً المصدر يعمل بمشابهة الفعل وبوصفه بعد الشبه، وأما كون المصدر بمعنى المجزى به فهو في حكم الصفة، فرد بأنه تفسير معنى لا تأويل إعراب فإنه جعل عين الجزاء مبالغة، والمقصود أنه مجزى به وفيه نظر، وإذا لم يتعلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 به كان صفة له أخرى لوقوعه بعد النكرة، وأورد على ما ذكر أنه إنما يمتنع عمله في المفعول به، ويجوز في الجار والمجرور لأنه يكفيه رائحة الفعل كما صرّحوا به. قوله: (وقرأ الباقون على إضافة المصدر الخ) ولما قيل على هذه القراءة أنّ الجزاء للمقتول لا لمثله أوّلوها بوجهين أن يكون مثل مقحماً كما في قولهم مثلك لا يقول كذا على أنه كناية، أو المراد أن يجزي أي يعطي المثل جزاء له، وهذا أظهر وأقوى وفي كلام المصنف رحمه الله إنّ الإضافة إذا كانت للمفعول تعين المعنى الثاني فلا يلائمه الجواب الأوّل، وقيل إنه يفوت عليه أيضاً اشتراط المماثلة بين الجزاء، والمقتول فالأولى جعل الإضافة بيانية أي جزاء هو مثل ما قتلى فتتفق القراءتان معنى، وليس بوارد لأنّ جزاءه المحكوم به ما يقاومه ويعادله وهو يقتضي المماثلة خصوصاً على مذهب أبي حنيفة رحمه الله فتأمل. قوله: (وهذه المماثلة باعتبار الخلقة الخ) هذا هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ففي الظبية شاة وفي النعامة بعير، وهو قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وما لا نظير له فيه القيمة كالعصفور، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف المثل هو القيمة يشتري بها هديا إن شاء وان شاء اشترى طعاما وأعطى كل مسكين نصف صاع، وان شاء صام عن كل نصف صاع يوماً وأيدوه بأنه قد ثبت المثل بمعنى القيمة في قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكا فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [سورة اد ب! قرة، الآية: 94 ا] فإنّ المراد قيمة المغصوب بالاتفاق فوجب الحمل عليه، وهو عامل لما لا نظير له وفيه القيمة عندهم فيلزم عليهم استعمال المثل في معنييه ولا حاجة إليه، فإن قيل المثل اسم للنظير، وليس باسم للقيمة وإنما أوجبوا القيمة فيما لا نظير له بالإجماع لا من الآية قيل إنّ الله تعالى قد سمى القيمة مثلاَ في قوله: {فمن اعتدى عليكم} الخ، ويدل على أنها مراده أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم روي عنهم في الحمامة شاة ولا تشابه بين الحمامة، والشاة فعلمنا أنهم أوجبوها على وجه القيمة فإن قيل إنما يسوغ حمله على القيمة لو لم يفسر، وقد فسر بقوله: من النعم فلا مساغ للتأويل قيل: إنما يكون تفسراً لو اقتصر عليه وأما إذا وصف به ما لا يحتمل التفسير من الصيام والطعام فلا فهو تفصيل للحكم كقوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم} [سورة المائدة، الآية: 89، الآية، وقوله: يهدي أي يذبح الهدي وفي نسخة يفدي، وقوله: وان لم تبلغ يخير أي إن زاد على نصف الصاع ما لم يبلغه يتصدق به أو يصوم له يوما. قوله: (واللفظ للأوّل أوفق الأن الظاهر من مثل ما قتل من النعم المماثلة في الخلقة والهيئة وهديا بالغ الكعبة يستدعيه، وأجيب بأنّ قوله يحكم به ذوا عدل يدل على أنّ المعتبر القيمة، ورد بأنّ القيمة كما تحتاج إلى نظر واجتهاد كذا مماثلة الخلقة لكن التقويم أحوج إلى ذلك فيعلم بالطريق الأولى، وقد مرّ أن المثل معروف في القيمة، وانّ ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله أشمل وغير محتاج إلى التكلف كما أشار إليه الزمخشري. قوله: (صفة جزاء الخ) أو حال من الضمير المستتر في خبره المقدر وهو عليه وقوله: وكما أنّ التقويم الخ) إشارة إلى جواب ما قيل من طرف أبي حنيفة إنّ التحكيم إنما يحتاج إليه في بيان القيمة، وقد مرّ الكلام فيه. قوله: (وقرئ ذو عدل على إرادة الجنس الخ) في الكشاف وقرأ محمد بن جعفر ذو عدل منكم أراد يحكم به من يعدل منكم، ولم يرد الوحدة فقيل: يعني لم يقصد أن العدل الواحد يكفي في الحكم بل قصد جنس العدل فإن من يكفي للاثنين كما يكفي للواحد لكن لا دلالة على التعيين، وهذا بعينه كلام الزجاج كما نقله الطيبي رحمه الله ومراده أن ذو يستعمل استعمال من للتقليل، والتكثير وليس المراد بها الوحدة بل التعدّد وأقله اثنان فما قيل عليه ليس في الآية لفظة صالحة لقصد التعدد صلاحية من لذلك، لا شبهة في عدم وروده عليه ومن فسر. بالإمام فتوحيده فيها على أصله من غير تأويل هو ما في الكشاف، وهو بعينه كلام ابن جني. قوله: (هدياً حال من الهاء في به أو من جزاء الخ) كونه من جزاء لأنه خبر عنده أو قدروا جبة جزاء وأما الزمخشري فلما قدر فعليه جزاء، وجعله حالاً لزمه أم! الحال من المبتدأ واعمال الظرف من غير اعتماد وكلاهما خلاف المنصور عند النحاة، وقيل فيه نظر لجوأز أن يعتبر الظرف معتمداً على المبتدأ يعني من قتله على القول بأنه خبر للشرط أو للموصول فكأنهم بنوا ذلك على اًنّ الواقع موقع الجزاء لو كان ظرفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 والمرفوع فاعلاَ لم تجز الفاء كما في المضارع المثبت أو الماضي بدون قد إلا بتقدير المبتدأ كما ذكر في قوله: {فينتقم الله منه} [سورة المائدة، الآية: 95] فيكون التقدير هاهنا فهو عليه جزاء فيكون الظرف معتمداً على المبتدأ المحذوف، وفيه نظر، وقيل إنه إذا كان حالاً من جزاء فهو فاعل لفعل تقديره فيجب جزاء الخ، وإذا كان حالاً من ضمير به فهي حال مقدرة كما قاله الفارسي، ثم إنه أورد على النحرير أنّ الاعتماد على المحذوف ممنوع ولذا لا يعمل اسم الفاعل بدون لى* عتماد مع أنه لا بد له من موصوف محذوف، وليس بشيء لأنه فرق بين المبتدأ المقدر والموصوف المفروض فإنّ الأوّل في حكم الموجود بخلاف الثاني. قوله: (وإن نوّن لتخصيصه بالصفة الخ الأنه نكرة لا تجيء الحال منها إلا إذا تخصصت أو تقدمت، وفي حال الإضافة حال ظاهرة واعتبار المحل لأنه مضاف إلى المفعول كما مرّ واضافة الصفة لفظية فلذا وصف به النكرة والخلاف في المسالة المذكورة مبسوط في الفروع. قوله: (عطف على جزاء إن رفعتة الخ) وعلى قراءة النصب كما تقدم فهو خبر مبتدأ محذوف أي الواجب عليه كفارة، ويجوز أن يقدر فعليه أن يجزي جزاء أو كفارة فيعطف كفارة على أن يجزي فهو مبتدأ تقدم عليه خبره، وأو فيه للتخيير قال الطيبي: وليس من باب جالس الحسن أو ابن سيرين بل من باب قولك جالس السلطان أو الوزير أو العامي، ونقل عن الشافعي رحمه الله قول ضعيف إنه على الترتيب، ومنه تعلم أن التخيير على قسمين ما يكون المخير متساويا وما يكون المخير فيه تفاوت وبون بعيد، وقوله: عطف بيان مبني على مذهب الفارسي من أنه لا يختص بالمعارف، ومن قال: باختصاصه جعله بدلاً أو خبر مبتدأ محذوف. قوله: (بالإضافة للتبيين الخ) فالكفارة بمعنى المكفر به، وهي عامة تشمل الطعام، وغيره وكذا الطعام يكون كفارة وغيرها فبينهما عموم، وخصوص من وجه كخاتم حديد وما قيل إنّ الطعام ليس جنسا للكفارة فالإضافة لأدنى ملابسة لا بيانية ليس بشيء يعتد به. قوله: (والمعنى عند الشافعي رحمه الله تعالى أو أن يكفر بإطعام مساكين الخ) فعنده يقوّم الهدي لأنه الواجب أوّلاً وعندنا يقوّم الصيد، وظاهر كلامه أنّ الكفارة والطعام بالمعنى المصدري، ولو أبقى على ظاهره لصح وله أن يتصدّق بما يبلغ المدّ عند الثافعي أيضاً. قوله: (أو ما ساواه من الصوم الخ) قال الراغب: العدل والعدل متقاربان لكنه بالفتح فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام وبالكسر ما يدرك بالحواس، كالعديل فالعدل بالفتح هو التقسيط على سواء على هذا روي بالعدل قامت السموات تنبيهاً على أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائداً على الآخر أو ناقصاً عنه على خلاف مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظماً، وهذا معنى دقيق بالتأمل فيه حقيق. قوله: (متعلق بمحذوف أي فعليه الجزاء أو الطعام الخ) أي متعلق بالاستقرار الذي تعلق به عليه المقدر وعدل عن قول الزمخشري إنه متعلق بجزاء، وان كان بناء على إعرابه، وهو لم يذكره لأنه إنما يتأتى إذا أضيف إلى مثل لأنه عطف عليه كفارة، ولا يعطف على المصدر قبل تمامه، ولا إذا نون ووصف لأن المصدر الموصوف بصفة متقدّمة لا يعمل، وفيه وجو. أخر كتعلقه بطعام أو بفعل مقدّر وهو جوزي. قوله: (ثقل فعله وسوء عاقبتة الخ) يثير إلى أنّ أصل معنى الوبال النقل ومنه الوابل للمطر الكثير والوبيل للطعام الثقيل الذي لا يسرع هضمه والمرعى الوخيم وضمير أمره على الوجه الأوّل لمن قتل الصيد، وعلى الثاني لله ولذا وصفه بالثدّة لأنه مخالفة لأمر القويّ الشديد البطش وأشار إلى أنه في الوجه الثاني مضاف مقدّر رأي وبال مخالفة أمر الله لأنّ أمر الله لا وبال فيه وإنما الوبال في مخالفته. قوله: (من قتل الصيد محرماً في الجاهلية الخ) وهو ذنب عظيم لأنهم كانوا على شريعة إسماعيل صلى الله عليه وسلم، والصيد محرّم فيها أيضاً كما ذكره الزمخشريّ فلا يرد عليه أنه لا ذنب في الجاهلية، أو قبل التحريم لأنه لا ذنب بدون التحريم، ولا تحريم في الجاهلية فكيف يتحقق العفو، وقيل المراد بالعفو أن لا إثم فيه. قوله: (1 لى مثل ذلك الخ) إنما ذكر المثل لأن العود إلى ذلك الفعل بعينه وقد وقع، وانقضى لا يتصور، وأما تقدير الميتدأ في فهو ينتقم فليصح دخول الفاء لأنّ الجزاء إذا وقع مضارعاً مثبتاً لم تدخله ما لم يقدر المبتدأ وكذا المنفي بلا فما قيل إنّ المضارع يجوز بدون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 الفاء فلا يكون للفاء فائدة فإذا جعلت اسمية ظهرت الفائدة مبني على القول بأنّ فيه وجهين، وهو أحد قول النحويين في هذه المسألة لكن المشهور خلافه. قوله: (وليس فيه ما يمنع الكفارة عن العائد الخ) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسين وشريح أنه إن عاد عمدا لم يحكم عليه بكفارة حتى كانوا يسألون المستفتي هل أصبت شيئاً قبله قال نعم لم يحكم عليه، وإن قال لا حكم عليه والجمهور على خلافه وهو الصحيح لأنّ وعيد العائد لا ينافي وجوب الجزاء عليه، وإنما لم يصرح به لعلمه فيما مض مع أنّ الآية يحتمل أنّ معناها من عاد بعد التحريم إلى ما كإن قبله، والانتقام يحتمل أن يكون في الدنيا بالكفارة لكنه خلاف الظاهر، وكذا كون المراد ينتقم منه إذا لم يكفر. قوله: (ما صيد منه مما لا يعيش إلا في الماء الخ) يعني الصيد مصدر بمعنى المفعول، وطعامه ليس مصدرا بمعنى أكله وعطفه عليه من قبيل أعجبني زيد وكرمه بل هو بمعنى المطعوم، وضمير طعامه للصيد فمعنى إحلال الصيد الانتفاع به، وإحلال مطعومه إحلال أكله على حذف مضاف، وهو من عطف الخاص على العام عنده، وعند ابن أبي ليلى الصيد والطعام على معناهما، ولذا قدر المضاف في صيد البحر فقال صيد حيوان البحر بأن تطعموه، وضمير طعامه لحيوان البحر، وقوله: مما لا يعيش إلا في الماء مطلقا هو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه، وخرح عنه الضفاع ونحوه. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر الخ) أخرجه أصحاب السنن عن أبي هريرة رضمي الله عنه وصححوه " والحل ميتته " بكسر الحاء، وفتح الميم بلا واو عإطفة خبر بعد خبر، وما ذكر! من قولي أبي حنيفة رحمه الله مفصل في الفقه. قوله: (ما قذفه أو نضب عنه الخ) أي ما ألقاه البحر أو بقي بعد ذهاب الماء عنه والتقييد ماخوذ من مقابلته بالصيد لأنّ ما لم يصد منه يكون كذلك، ونضب بنون، وضاد معجمة، وباء موحدة من النضوب، وهو دهاب الماء فالطعام بمعنى المطعوم كما مر ومن فسره با! ل جعل الضمير للصيد بمعنى المصيد أو بمعنى المصدر والضمير راجع إليه بمعنى المصيد. قوله: (تمتيعاً لكم نصب على الغرض) بالغين والضاد المعجمتين أي هو مفعول لأجله، وفسره بتمتيعاً لا تمتيعا ليتحد فاعلاهما على ما عرف في النحو وفي الكشاف بعد ما ذكر هذا، وهو في المفعول له بمنزلة قوله تعالى: {ووهبنا له إسحق ويعقوب} نافلة في باب الحال لأنّ قوله متاعا لكم مفعول له مختص بالطعام كما أنّ نافلة حال مختصة بيعقوب فخصص المفعول له يكون الفعل مسنداً لقوله طعامه، وليس علة لحل الصيد، دهانما هو علة لحل الطعام فقط، وإنما حمله عليه مذهبه، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى من أنّ صيد البحر ينقسم إلى ما يؤكل، والى ما لا يؤكل وإنّ طعامه هو المأكول منه كنافلة، وهي ولد الولد حال مختصة بيعقوب لأنّ إسحز ولده لصحلبه فكذا متاعا إلا أنه أورد عليه أنه يؤدي إلى أنّ الفعل الواحد المسند إلى فاعلين متعاطفين يكون المفعول له المذكور بعدهما لأحدهما دون الآخر كقام زبد، وعمرو إجلالاً لك على أنّ الإجلال مختص بقيام أحدهما وفيه البأس، وأما الحال في الآية المذكورة فليست نظيره لهذا لأن فيه قرينة عقلية ظاهرة، وعلى غير مذهبه فلا يختص المفعول له بأحدهما، وهو ظاهر جليّ فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى فما قيل إن المصنف رحمه الله أشار بإطلاق الغرض، وعدم تخصيصه بما في الكشاف إلى ما فيه صرف العبارة عن ظاهرها بلا ضرورة من عدم تدبر مراده، والسيارة مؤنث سيار باعتبار الجماعة يقال رجل سائر وسيار وسيارة باعتبار الجماعة قاله الراغب: والمراد المسافرون، وإنما جعله قديداً بناء على الأغلب. قوله: (ما صيد فيه أو الصيد فيه الخ) يعني الصيد بمعنى المصيد، والمعنى مصيد البر، وهو خلاف البحر محرّم على المحرم، وهو يقتضي حرمت عليه مطلقا سواء اصطاده هو أو غيره، والإضافة لامية أو هو بالمعنى المصمدري، والإضافة لامية أو بمعنى في فيقتضي تحريم صيد المحرم نفسه لا صيد الحلال له، والمراد صيده حقيقة أو حكماً بأن أمره به أو أعانه عليه أو دله عليه، وإليه أشار بقوله مدخل والجمهور على هذا، وهو مذهبنا للحديث الذي ذكره، وهو حديث أخرجه أحمد والحاكم، وصححوه عن جابر رضي الله عنه قيل ولا دلالة له على الأوّل على حرمة مصيد الحلال مطلقاً بل حرمة مصيده في أوقات المحرم إن كان قوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 ما دمتم قيد الصيد وعلى حرمة مصيده مطلقاً في أوقات كونه محرماً إن كان قيداً للتحريم، وأما قول الزمخشريّ لا دلالة له على تحريم صيدي الحلال لأنّ المفهوم المتبادر من حرم عليكم الصيد صيدكم فدفع بأنّ دلالة الآية عليه مدفوعة بأن السنة بينت المراد منه فلا عمل بدلالته، وفيه نظر لأنّ تحريم صيد البر للحلال معلوم أنه ليس عليه شيء فيه، وهذه قرينة ظاهرة على أنّ المراد ذلك فتدبر، وما دمتم قرئ بضم الدال من دام يدوم، وما مصدرية ظرفية وقرى دمتم بكسرها كخفتم من دام يدام لغة فيها، وحرم بضمتين جمع حرام بمعنى محرم، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما حرم بفتحتين أي ذوي حرم بمعنى إحرام أو مبالغة فالحرم اسم المكان، والإحرام أيضاً. قوله: (سمي البيت كعبة لتكعبه) التكعب التربيع، ومنه تكعب الحسان، وقد يقال للارتفاع، ولهذا سميت الكعبة كعبة لكونها مربعة أو مرتفعة، ومنه كعب الرجل. قوله: (عطف بيان على جهة الماخ أو المفعول الثاني) أي أو هو المفعول الثاني لأنّ جعل بمعنى صيرينصب مفعولين لا بمعنى خلق أو حكم، وبين كما قيل لأنه خلاف الظاهر دمانما قال على جهة المدح لأنّ البيت الحرام عرف بالتعظيم عندهم فصار في معنى المعظم أو لأنه وصف بالحرام المشعر بحرمته وعظمته فذكر البيت كالتوطئة له، وهذا مع ظهوره خفي على من قال شرط عطف البيان الجمود، والجامد لا يشعر بمدح إنما يشعر به المشتق، وهو جمود منه. قوله: (انتعاشاً لهم الخ) أصل معنى الانتعاش الارتفاع والتحرك، ويقال نعشه إذا رفعه من عثار أو جبره في زلة، وأفتقار فمعنى سبب انتعاشهم أنه سبب إصلاح أمورهم، وجبرها ديناً ودنيا كما بينه المصنف رحمه الله تعالى لأنه كان مأمنا لهم، وملجأ ومجمعاً لتجارتهم، والعمار جمع عامر، وهو من يأتي بالعمرة ومنه تعلم أنّ التجارة في الحج ليست مكروهة. قوله: (وقرأ ابن عامر قيماً على انه مصدر الخ (يعني أنه مصدر كشبع، وكان القياس أن لا تقلب واوه ياء كعوض وعوج لكنها لما قلبت في فعله ألفا تبعه المصدر في إعلال عينه. قوله: (ونصبه على المصدر أو الحال) أي يقوم قيماً أو قائماً، وذلك على تقدير كون البيت الحرام مفعولاً ثانيا، ويحتمل البدلية. قوله: (الشهر الذي يؤدي فيه الحج الخ) فالتعريف للعهد بدليل قرنائه جمع قرين وهو ما قرن به من الهدي والقلائد وعلى الثاني المراد به الجنس الشامل لكل واحد منها لانتفاء دليل العهدية. قوله:) ذلك إشارة إلى الجعل أو إلى ما ذكر الخ) في إعراب ذلك وجوه. أحدها: أنه خبر مبتدأ محذوف أي الحكم الذي قررناه ذلك أو مبتدأ خبره محذوف أي ذلك الحكم هو الحق أو مفعول فعل مقدر أي شرع ذلك لتعلموا الخ فاللام متعلقة به، وهو أقربها وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه، والإشارة إلى الجعل المذكور أو إلى جميع ما ذكر. قوله: (فإنه شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها الخ) بيان لكيفية تعليل قوله: (لتعلموا الخ القوله ذلك وأتى بالعام ليندرج تحته هذا العلم الخاص، ويمكن أن يكون المعنى إنما جعلنا الكعبة انتعاشا لهم في أمر دينهم ودنياهم أو ذكرنا حفظ حرمة الإحرام بمنع الصيد ليعلموا أنا نعلم مصالح دنياهم، ودينهم فيستدلوا بهذا العلم الخاص على أنه لا يعزب عن علمه تعالى مثقال ذرة في السموات والأرض، ويعلموا أنه تعالى عالم بما وراء ذلك كله. كذا في شرح الطيبي رحمه الله تعالى فما قيل لم نر ما يبين أنّ العلم بما ذكر دليل على أنه تعالى يعلم كل شيء وكلام المصنف رحمه الله تعالى لا يفي بالمقصود والذي سنح لي أنه تعالى لما كان مجردا بالذات، وبالفعل عن المادة، وعن التعلق بها كان النسبة إلى جميع الجزئيات بالنسبة إليه على السوية فإذا علم أنه تحقق عنده بعض الجزئيات كأحوال الكعبة علم أنه عالم بكلها إذ هي مستوية بالنسبة إليه تعالى، وكونه عالما ببعض دون آخر ترجيح بلا مرجح قصور وتكلف. قوله: (تعميم بعض تخصيص الخ) لأنّ الأوّل خاص بالموجودات غيره تعالى وهذا شامل له وللمعدومات، وقدم الخاص لأنه كالدليل على ما بعده، ووجه المبالغة من تعميم كل وصيغة عليم، وقوله: لمن هتك محارمه، وفي نسخة انتهك محارمه، وهتك المحارم رفع سترها، واتيانها، وانتهاك المحارم قريب منه، ولمن أقلع وفي نسخة انقلع بمعنى رجع، وقوله: تشديد في إيجاب القيام بما أمر أمر مبني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 للفاعل أي شدد عليهم في إيجاب امتثال ما أمر به لأنّ معناه أن ما أمر به، وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يقصر به فما وجه تقصيركم، ولم يأل جهدا في تبليغكم فأقي عذر لكم في الترك. قوله:) حكم عام في نفي المساواة عند الله) فإنه في أكثر أحسن كل شيء أقله، وهو ظاهر: والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عني والخطاب عام لكل ناظر بعين الاعتبار فإنه الصالح للخطاب، وفيه إشارة إلى غلبة أهل الإسلام، وان قلوا كما أنّ التوبة الواحدة تمحوا الألوف من الذنوب، وآثروا بالمد من الإيثار أي قدموه على غيره واجعلوا له أثرة على غيره، وقوله: (راجين الخ) تقدم الكلام فيه، وأنّ الرجاء بالنسبة إلى المخاطبين لا بالنسبة إليه تعالى وحجاج جمع حاج أو حجيج وقد تقدم الكلام على هذه القصة وأنّ المسلمين أرادوا أن يوقعوا بحجاج اليمامة وكان معهم تجارة عظيمة فنهى الله عن المشركين القاصدين لحرم الله، وسمي ما معهم خبيثا، واليمامة بلاد وهي في الأصل اسم امرأة سميت بها. قوله: (الشرطية وما عطف عليها الخ) يعني ليس السؤال عنه مطلقاً منهياً عنه بل منه ما هو لازم كالسؤال عما لا يعلم من أمر دينه: " وطلب العلم فريضة " كما في الحديث بل السؤال عما لا حاجة إليه مما بين إذ ربما تجر كثرة السؤال إلى ما يورث الغم فليس النهي عن السؤال مطلقا بل عن أشياء إن تبدلهم تسؤهم، وهي التكاليف الصعبة. قوله: (وهما كمقدمتين الخ) قال الطيبي بعدما ذكرء قلت: هذا النوع عند علماء البيان يسمى بالكناية الإيمائية فيفيد القطع بامتناع السؤال وليس يوجد في الآية، وتقرير الزمخشريّ أقرب لما يفهم من دليل الخطاب، والتقييد بالوصف أن هناك سؤالاً لا يعمهم وهو ما لا يتعلق بالتكاليف الشاقة، والأمور التي إن ظهرت أوقعتهم في الحرج، والضيق وهذا أحسن لولا أنّ قوله أن تبدلكم يقتضي أن يخص السؤال بما في إخفائه مصالح للعباد، وفي إبدائه فساد فإن مقابل الإبداء الإخفاء، ويعضده ما روى البخاري، ومسلم في سبب نزولها عن أنس رضي الله عنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قد فقال: " وتعلمون ما أعلم لضحكتم فليلاَ، ولبكيتم كثيرا) وفيه فقال رجل: قن أبي فقال. " فلان " فنزلت وفيه تأمل، وقوله: في زمان نزول الوحي تفسير لقوله حين ينزل القرآن. قوله: (وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه الخ) في أشياء مذاهب خمسة: أولها: وهو مذهب الجمهور، وهو أقربها، واليه ذهب الخليل، وسيبويه والمازني، وكثر البصريين أنها اسم جمع لا جمع كطرفاء، وأصلها شيآء بهمزتين بينهما ألف ووزنها فعلاء فقدمت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة على الفاء لاستثقال همزتين بينهما ألف قبلهما حرف علة وهي الياء فوزنها حينئذ لفعاء والقلب كثير في كلامهم فلا يضر الاعتراض بأنه خلاف الأصل لأنه أهون الشرين، وحسنه يعلم مما يخالفه، ومنع الصرف لألف التأنيث. الثاني: مذهب الفراء أنها جمع شيء بياء مشددة، وهمزة بوزن هين، ولين خفف كما قالوا في ميت ميت، وجمع بعد تخفيفه على أشيآء بهمزتين بينهما ألف بعد ياء بزنة أفعلاء فاجتمع همزتان إحداهما لام، والأخرى للتأنيث فخففوه بقلب الهمزة الأولى ياء ثم حذفوا الياء الأولى التي هي عين الكلمة فصار وزنه أفلاء، وقيل في تصمريف هذا المذهب أنّ أصله أشيآء فحذفت الهمزة التي هي لام الكلمة لأنّ الثقل حصل بها فوزنها أفعاء، وعليهما مغ الصرف لهمزة التأنيث. الثالث: مذهب الأخفش أن أشياء جمع شيء بوزن فلس، وفعلا يجمع على أفعلاء فجمع على أشيآء بهمزتين بينهما ألف بعد ياء ثم عمل فيه ما مر، ومنهم من عزا هذا المذهب للأخفش، وهو أمر سهل. ورده الزجاج بأن فعلاً لا يجمع على أفعلاء، وناظر المازني الأخفش في هذه المسألة فقال كيف تصغر أشياء قال: أقول أشيآ فقال المازوني: لو كانت أفعلاء لردت في التصغير إلى واحدها فقيل ش! آت، وإجماع البصرين أنّ تصغير أصدقاء إن كان لمؤنث صديقات، وان كان لمذكر صديقون فانقطع الأخفش، وتحقيقه أنّ المكسر إذا أصغر فإمّا أن يكون جمع قلة فيصغر على لفظه، وان كان جمع كثرة لا يصغر على لفظه فإن ورد منه شيء كان شاذاً بل يردّ إلى واحده فإن كان من غير العقلاء صغر، وجمع بالألف، والتاء، وان كان من العقلاء جمع بالواو، والنون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 فيقال في تصغير رجال رجيلون واسم الجمع يصغر على لفظه كقويم، ورهيط، وقال مكي رحمه الله تعالى يلزمهم أن يصغروا أشياء على شويآت أو على شييآت، ولم يقله أحد، وفي الدر المصون شويآت ليس بجيد فإنه ليس موضمع قلب ألياء واواً ألا ترى أنك تصغر بيتا على بييت لا بويت إلا أن الكوفيين يجيزون ذلك فيمكن أن يرى رأيهم قال أبو علي رحمه الله ولم يأت الأخفش عما مر بجوإب مقنع، والجواب عنه أن أفعلاء هنا جاز تصغيرها على لفظها، وان لم يجز في غيرها لأنها قد صارت بمنزلة أفعال فقامت مقامها بدلالة استجازتهم إضافة العدد إليها كما يضاف إلى أفعال وذكروا العدد المضاف إليها لذلك فقالوا ثلاثة أشياء فأقاموها مقام أفعال فلم يمنعوا تصغيرها على لفظها فلا تدافع بين التكثير والتقليل انتهى وهذا دليل من قال إنّ وزنها أفعال. الرابع: قول الكسائيّ إنها جمع شيء على أفعال كضيف، وأضياف، وأورد عليه منع الصرف من غير علة، ويلزمه صرف أبناء، وأسماء، وقد استشعر الكسائيّ هذا الاعتراض وأشار إلى دفعه بأنه على أفعال، ولكن كثرت في الكلام فأشبهت فعلاً فلم يصرف كما لم يصرف حمراء وقد جمعوها على أشاوى كما جمعوا عذراء على عذارى، وأشياوات كحمراء، وحمراوات فعاملوا أشياء وإن كانت على أفعال معاملة حمراء، وعذراء في جمعي التكسير والتصحيح ورد بأن الكثرة تقتضي تخفيفه وصرفه، وأيده بعضهم باًن العرب قد اعتبروا في باب ما لا ينصرف الشبه اللفظي كما مر في سراويل فيمن منعه مع أنه اسم أعجمي لشبه مصابيح وأجروا ألف الإلحاق مجرى ألف التاً نيث المقصورة، ولكن مع العلمية فاعتبروا مجرد الصورة، وله نظائر كثيرة. الخامس: أنّ وزنها أفعلاء جمع شيء مزنة فعيل كنصيب، وانصباء وصديق، وأصدقاء حذفت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة، وفتحت الياء تسلم الألف فصارت أشياء بزنة أفعاء، وجعل مكي تصريفه كمذهب الأخفش إذ أبدل الهمزة ياء، ثم حذف إحدى الياءين، وحسن حذفها من الجمع حذفها من المفرد لكثرة الاستعمال، وعدم صرفه لهمزة التأنيث الممدودة، وهو حسن لولا أن التصغير يرد عليه كما ورد على الأخفش مع إيرادات أخر، وقيل في تصريفه حذفت الهمزة، وفعل به ما فعل ووزنه أفياء، وفي القول قبله أفلاء وقوله افياء غلط، والصواب أفعاء، وكأنها من الناسخ والحاصل أنها هل هي اسم جمع، وأصل وزنها فعلاء أو جمع على أفعلاء، ووزنه بعد الحذف أفعاء أو أفلاء أو أفياء أو أصلها! فعال قالوا، والأظهر مذهب سيبويه لقولهم في جمعها أشاوى فجمعوه على صحراء، وصحارى وكان القياس أشايا بالياء لظهورها في أشياء لكنهم أبدلوها واو شذوذاً كما قالوا جبيت الخراج جباوة فأشاوى عند سيبويه لفاعا، وعند أبي الحسن أفاعل لما جمع أفعلاء حذف الألف، والهمزة التي بعدها للتأنيث للتكسير كما حذفوهما من القاصعاء فقالوا قواصع فصار أشاوى، وقوله: كطرفاء هو اسم جمع لطرفة وهي شجر الأثل، وقد علمت من هذا التفصيل معنى كلام المصنف رحمه الله وماله وعليه، ولنا في ذلك قديماً: أشياءلفعاءفي وزن وقدقلبوا لامالهاوهي قبل القلب شيآء وقيل أفعال لم تصرف بلا سبب منهم وهذا الوجه الرذ إيماء أوأشيآء وحذف اللام من ثقل وشيء أصل شيء وهي آراء وأصل أسماء أسما وكمثل كسا فاصرفه حتما ولا تغررك أسماء واحفظ وق!! للذي ينسى العلاسفها خفضت شياءوغابت عنك أشياء قوله:) صفة أخرى (أي لأشياء والرابط ضمير عنها، والجملة خبرية، والمعنى لا تسألوا عن أشياء لم يكلفكم الله بها كما في سبب النزول المذكور. قوله:) روي أنه لما نزلت الخ (بهذا يعلم ارتبا! الآية بما قبلها، وهذا الحديث أخرجه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن فيه أن القائل عكاشة بن محصن رضي الله عنه، ولذا شك الراوي فيه كما أشار إليه في الكشاف، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " فقال رجل: أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم لوجبت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 ولما استطعتم " ثم قال: " ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء ناتوا منه أستطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " قال ابن الهمام رحمه الله: الرجل المبهم هو الأقرع ابن حابس كما في مسند أحمد، والدارقطني، ومستدرك الحاكم في حديث صحيح رووه على شرط الشيخين فقد علمت الأصح في اسمه، وكون الواقعة تعددت احتمال بعيد وقوله: لوجبت أي مسألتكم، وهي الحج في كل عام. قوله: (أو استئناف الخ) ، والضمير في عنها على هذا يعود إلى المسألة المدلول عليها بلا تسألوا وإليه أشار المصنف، ويجوز أن تعود إلى أشياء أيضا كأنه قيل فما حالتنا في مساً لتنا هذه فقال عفا الله الخ. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الفريابي في تفسيره، وأخرج مسلم وغيره أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه في المسألة فصعد ذات يوم المنبر، وقال: " لا تسالوتي عن شيء إلا بينته لكم " فلما سمعوا ذلك أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر قال أنس رضي الله عنه فجعلت أنظر يمينا وشمالاً فإذا كل رجل لات رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رج! ، كان إذا لاحى يدعي إلى غير أبيه فقال يا رسول الله من أبي قال: " أبوك حذافة " ثم أنشأ عمر رضي الله عنه فقال: رضينا بالثه ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا نعوذ بالله من الفتن، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت في الخير والث! ر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتها دون الحائط " وروى أحمد أن حذافة رضي الله تعالى عنه رجع إلى أف فقال ويحك ما الذي حملك على الذي صنعت قالت: كنا أهل جاهلية وأهل أعمال قبيحة ويفرط بزنة يقعد بمعنى يسبق وما لا يعنيهم بفتح الياء بمعنى لا يهمهم وسؤال الرجال بقوله: أين أنا أي أين مآل أمري ومرجعي، وإلا فهو منافق متهكم، وقوله: يدعي بسكون الدال من الدعوة بالكسر. قوله: (الضمير للمسألة الخ) قال أبو حيان: لا يتجه هذا الأعلى حذف مضاف كما صرحوا به أي سأل أمثالها، وأمّا ما قيل إنه عائد على أشياء، وأنه غير متجه لفظا، ومعنى أمّا لفظاً فلأنه يتعدى بعن، وأمّا معنى فلان المسؤول عنه مختلف فإنّ سؤالهم غير سؤال من قبلهم. فغير وارد لأنه بتقدير مثل كما مر، وإذا رجع إلى المسألة يكون الضمير في موقع المصدر لا المفعول به بالواسطة حتى يلزم التعدية بعن فيحمل على الحذف، والإيصال، ولا بدون الواسطة كما في سألته درهما بمعنى طلبته منه لأنهم لم يسألوا تلك الأشياء بل سألوأ عنها، وعن حالها. قوله: (ولشر صفة لقوم فإنّ ظرف الزمان الخ) هذا هو المشهور بين النحاة، ولكن التحقيق إنه لا يكون خبراً عن اسم عين، ولا حالاً ولا صفة، ولا صلة إذا عدمت الفائدة فإن حصلت جاز كما إذا أشبهت العين المعنى في تجددها في كل وقت دون وقت نحو الليلة الهلال أو قدر قبله اسم معنى نحو اليوم خمر أي شرب خمر بخلاف زيد يوم السبت، ولذا قال في الألفية: ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة وان يفد فأخبرا وما نحن فيه مفيد لأن القوم لا يعلم هل هم ممن مضى أم لا وقد مرّ في قوله: {الذين من قبلكم} أنه أعرب صلة والصلة كالصفة، وقال أبو حيان رحمه الله هذا المنع إنما هو في الزمان المجرّد عن الوصف أما إذا تضمن وصفا فيجوز كقبل وبعد فإنهما وصفان في الأصل فإذا قلت جاء زيد تبل عمرو فالمعنى جاء في زمان قبل زمان مجيئه أي متقدم عليه، ولذا وقع صلة للموصول، ولو لم يلحظ فيه الوصف، وكان ظرف زمان مجرّدا لم يجز أن يقع صلة ولا صفة قال تعالى: {والذين من قبلكم} ولا يجوز والذين اليوم وهذا تحقيق بديع غفلوا عنه، ومنه تعلم ما في كلام المصنف رحمه الله تعالى وأما كون الصفة الجار والمجرور الذي هو ظرف لا الظرف نفسه فوهم لأن دخول الجار عليه إذا كان من أوفى لا يخرجه عن كونه فيالحقيقة هو الخبر أو نحوه فتأمّله. قوله: (اي بسببها حيث لم يأتمروا الخ الما لم يكن كفرهم بنفس المسألة بل بالمسؤول عنه أجابوا بأنه على حذف مضاف أي بجواب المسألة أو الباء للسببية دون الصلة، وقوله: لم يأتمروا بما سالوا أي لم يمتثلوا ما أجيبوا به، ويفعلوه. قوله: (رد وإنكار لما ابتدعه أهل الجاهلية الخ) نتجت الناقة مبني للمجهول مسند إلى المفعول الأوّل أي وضعت حملها، ونتاجها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 ومعنى البحيرة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من البحر، وهو الشق لثق أذنها فهي نعيلة بمعنى مفعولة والتاء للنقل إلى الاسمية أو لحذف الموصوف، وما ذكر. المصنف رحمه الله تعالى هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أنه ليس فيه قيد أن آخرها ذكر، وعن قتادة رضي الله عنه أنها إذا أنتجت خمسة أبطن نظر في الخامس فإن كان ذكراً ذبحوه وأكلوه، وان كان أنثى شقوا أذنها وتركوها ترعى ولا يستعملها أحد في حلب وركوب وغيره، وقيل البحيرة الأنثى التي تكون خامس بطن، وكانوا لا يحلون لحمها ولبنها للنساء فإن ماتت حلت لهن، وقيل البحيرة بنت السائبة وستأتي وكانت تهمل أيضاً وهذا قول مجاهد وجبير، وقيل: هي التي منع لبنها للطواغيت فلا تحلب وهو قول سعيد بن المسيب، وقيل: هي التي تترك في المرعى بلا راع وقيل التي ولدت خمس إناث فشقوا أذنها وتركوها هملاً، وقيل: هي التي ولدت خمساً أو سبعا وقيل عشرة أبطن فتترك هملا، وإذا ماتت حل لحمها للرجال دون النساء قاله الراغب وغيره وقيل هو السقب الذي إذا ولد شقوا أذنه وقالوا اللهم إن عاش فعبى وان مات فذكى فإذا مات أكلوه وجمع بين الأقوال بأن العرب كانت تختلف أفعالهم فيها. قوله: (وكان الرجل منهم يقول إذا شفيت الخ) هذا تفسير السائبة، وهي فاعلة من سيبته فهو سائب وهي سائبة أو بمعنى مفعول كعيشة راضية أي ذات رضا وكانوا إذا قدموا من سفر أو أصابتهم نعمة نذروا ذلك، وقيل: هي الناقة تنتج عشرة أبطن إناث فتهمل ولا يشرب لبنها إلا لضيف أو ولد وقيل ما ترك لآلهتهم، وقيل: ما ترك ليحج عليه وقيل هي العبد يعتق على أن لا يكون عليه ولاء ولا عقل ولا ميراث. قوله: (وإذا ولدت الشاة الخ (هذه هي الوصيلة وهي فعيلة بمعنى فاعلة لما سيأتي، واختلف فيها هل هي من جنس الغنم أو الإبل فقال الفرّاء: هي الثاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين فإذا ولدت في آخرها عناقاً وجديا قيل: وصلت أخاها فجرت مجرى السابة، وقال الزجاج: هي الشاة إذا ولدت ذكراً كان لآلهتهم وان ولدت أنثى كانت لهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها الشاة تنتج سبعة أبطن فإن كان السابع أنثى لم ينتفع النساء منها بشيء إلا أن تموت فتأكلها الرجال والنساء، وكذا إن كانت ذكراً وان كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فتترك معه ولا ينتفع بها إلا الرجال دون النساء فإن ماتت اشتركوا فيها، وقال ابن قتيبة رحمه الله: إن كان السابع ذكرأ ذبح وأكلوا منه دون النساء، وقالوا: {خالصة لذكورنا محرمة على أزواجنا} [سورة الأنعام، الآية: 139] وان كان أنثى تركت في الغنم وان كان ذكرا وأنثى فكقول ابن عباس رضي الله عنهما وقيل هي الشاة تنتج عشر أناث متواليات في خمسة أبطن فما ولدت بعده للذكور دون الإناث فإذا ولدت ذكرأ وأنثى معا قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها، وقيل: هي الشاة تنتج خمسة أبطن أو ثلاثة فإن كان جديا ذبحوه وان كان أنثى أبقوها وان كان ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاها هذا عند من خصها بالغنم، ومن قال: إنها من الإبل قال: هي الناقة تبكر فتلد أنثى، ثم تثنى بولادة أنثى أخرى ليس بينهما ذكر فيتركونها لآلهتهم، ويقولون: قد وصلت أنثى بأنثى ليس بينهما ذكر. قوله: (وإذا نتجت الخ) هذا معنى الحامي، واختل فيه أيضاً فقيل هو الفحل يولد لولده فيقولون قد حمى ظهره فيهمل ولا يطرد عن ماء ومرعى وقيل: هو الفحل يولد من ظهره عشرة أبطن فيقولون حمى ظهر، ويهملونه كذلك وعن الشافعيّ رضي الله عنه أنه الفحل يضرب في مال صاحبه عشر سنين وقيل هو الفحل ينتج له سبع أناث متواليات فيحمي ظهره، وقد عرفت أنّ منشأ الاختلاف مذاهب العرب فيها. قوله: (ومعنى ما جعل ما شرع ووضع الخ) كونه بمعنى ما شرع ذكره الزمخشري، والراغب وابن عطية لأنها هنا ليست بمعنى خلق ولا صير، وقيل: إنّ أحداً من أهل اللغة لم يذكر من معانيها شرع، وجعلها هنا للتصير والمفعول الثاني محذوف أي جعل البحرة مشروعه، وليس كما قال فإن الراغب رحمه الله: نقله عن أهل اللغة كما علمت وهو ثقة. قوله: (وفيه أنّ منهم من يعرف الخ الأنه قال أكثرهم، وهو ظاهر وقوله أو الآمر بالمد أي لا يعرفون إنّ الله هو الآمر المحلل والمحرّم، ولكنهم يقلدون ويصح قصره فتأمل. قوله: (الواو للحال والهمزة الخ) قال أبو البقاء: وجواب لو محذوف أي أولوا كانوا لا يعلمون يتبعونهم وذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 الراغب إلى أنّ الواو للعطف هنا، والهمزة للتعجيب من جهلهم أي يكفيهم ذلك، وان كان آباؤهم لا يعلمون فيفعلون ما يقتضيه علمهم، ولا يهتدون بمن له علم قيل: جعلوا الواو في مثله للحال وليس ما دخلته الواو حالاً من جهة المعنى بل ما دخلته لو أي، ولو كان الحال أنّ آباءهم لا يعلمون وفيه نظر ومن الغريب أنّ بعض المفسرين سمى هذه الهمزة همزة التوقف، وهي تسمية غريبة كما في الدار المصون وفي كون الجملة الاستفهامية الانشائية حالاً تأمل يحتاج إلى نظر دقنق، وقوله: فلا يكفي التقليد أي التقليد من غير أن يعلم أنّ من قلده له حجة صحيحة على ما قلده فيه حتى قالوا إن للمقلد دليلاً اجماليا، وهو دليل من قلده وأوّل من فعل هذا عمرو بن لحيّ بن جمعة بن خندف. قوله: (أي احفظوها والزموا صلاحها الخ) يعني اسم فعل أمر نقل أمر نقل إلى ذلك مجموع الجار والمجرور لا الجار وحده كما قيل وهو متعد، وقد يكون لازما بمعنى تمسك كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " عليك بذات الدين " وعلى قراءة الرفع فهو مبتدأ أو خبر أي لازمة عليكم أنفسكم، أو حفظ أنفسكم لازم عليكم بتقدير مضاف في المبتدأ، وهي قراءة شاذة لنافع وكون أسماء الأفعال موضوعة للألفاظ أو للمعاني محقق في النحو، وقول المصنف رحمه الله أسماً لالزموا ظاهر في الأوّل. قوله: (لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء الخ) أي ضلال غيركم لا يضركم إذا كنتم على الهدأية، ولما توهم من ظاهر الآية الرخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأذن في ذلك ينافي الأمر به أشاروا إلى الجواب عنه بوجوه. الأوّل: أنه للمنع عن هلاك النفس حسرة وأسفا على ما فيه الكفرة والفسقة من الضلال. والثاني: أنه تسلية لمن يأمر وينهى ولا يقبل منه عند غلبة الفسق وبعد عهد الوحي. والثالث: أنه للرخصة في تركهما إذا كان فيهما مفسدة فوقهما. والرابع: أنه للأمر بالثبات على الإيمان من غير مبالاة بنسبة الآباء إلى السفه حيث كانوا على الكفر والضلال وأبناؤهم على الإيمان والهدى، والخامس أن الاهتداء لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي المذكور لأنّ تركه مع القدرة عليه ضلال، وجميع الوجوه تؤخذ من كلام المصنف رحمه الله فالأوّل من قوله لما كان المؤمنون يتحسرون الخ، والثاني يؤخذ من قوله حسب طاقته لأنه يثير إلى أنّ ما لا يطاق معفو عنه ومن عدم الطاقة كثرة الفسقة، وكذا الثالث والرابع من قوله وقيل كان الرجل الخ والخامس: وهو مما زاده على الكشاف من قوله ومن الاهتداء الخ فلم يترك شيئا من الكشاف كما قيل. وقوله: (من رأى منكا) الحديث الخ أخرجه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه. قوله: (ولا يضركم يحتمل الرفع على أنه مستأنف الخ) أي هو إما مرفوع مستأنف لا تعلق به بالأمر، أو هو جواب للأمر والمعنى إن لزمتم أنفسكم لا يضركم والضمة على الأول رفع وعلى هذا حرك لالتقاء الساكنين بالضم إتباعا لما قبله، وكذا على تقدير كونه نهيا وليس المراد في النهي نهي من ضل عن الضرر بل المعنى نهي المخاطبين عما يؤدي إلى الضرر من جهة من ضل كناية على طريقة قوله لا أرينك ههنا، وقراءة الفتح لتحريكه بالفتح تخفيفا لالتقاء الساكنين، وضاره يضيره ويضوره بمعنى ضره كذمّه وذامه. قوله: (وتنبيه على أنّ أحدا الخ الأنه يدل على أنباء كل شخص بعمله دون عمل غيره والمقصود من الأنباء المؤاخذة به. قوله: (أي فيما أمرتم شهادة بينكم) اعلم أنهم قالوا: ليس في القرآن آية أعظم إشكالاً حكما واعرابا وتفسيرا من هذه الآية والتي بعدها حتى صنفوا فيها تصانيف مفردة قالوا: ومع ذلك لم يخرح أحد من عهدتها، والشهادة لها معان منها الإحضار كقوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [سورة البقرة، الآية: 282] ومنها القضاء نحو شهد الله أي قضى، ومنها أقرّ ومنها حكم ومنها حلف ومنها علم ومنها وصى كما في هذه الآية، وفيها قراآت متعدّدة فقرأها الجمهور برفع شهادة على أنها مبتدأ واثنان خبرها وجعلوها على حذف مضاف من الأول أي ذوا شهادة بينكم اثنان من الناس أو شهادة بينكم شهادة اثنين ليتصادق المبتدأ والخبر، ومنهم من جعل الشهادة بمعنى الشهود كرجل عدل أو الخبر محذوف، واثنان مرفوع بالمصدر الذي هو شهادة والتقدير فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، وهو قول الزجاج: وتبعه الزمخشريّ وإذا ظرف لشهادة أي ليشهد وقت حضور الموت أي أسبابه، وحين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 الوصية إما بدل من إذا أو نفس الموت أي وقوع الموت أي أسبابه حين الوصية أو منصوب بحضر أو شهادة مبتدأ خبره إذا حضر أي وقوع الشهادة في وقت حضور الموت حين الوصية على الوجوه السابقة ولا يجوز فيه أن يكون ظرفا للشهادة لئلا يخبر عن الموصول قبل تمام صلته كما مر أو خبره حين الوصية وإذا منصوب بالشهادة، ولا يجوز نصبه بالوصية، وان كان المعنى عليه لأنّ معمول المصدر لا يتقدمه على الصحيح، وأيضا يلزم تقديم معمول المضاف إليه على المضاف، وهو لا يجوز غير غير كقوله: على الثاني لعبدي غير مكفور لأنها بمنزلة لا واثنان على هذين الوجهين الأخيرين إما فاعل يشهد مقدرا أو خبر الشاهدان مقدراً أو شهادة مبتدأ أو اثنان فاعله سد مسد الخبر، وهو مذهب الفراء إلا أنه جعل المصدر بمعنى الأمر أي ليشهد فجعله من نيابة المصدر عن فعل الطلب، وهو ضعيف عند غيره لأنّ الاكتفاء بالفاعل مخصوص بالوصف المعتمد، وإذا وحين عليه منصوبان على الظرفية كما مر فهذه خمسة أوجه، وأما قراءة من نصبها فذهب ابن جني إلى أنها منصوبة بفعل مضمر اثنان فاعله أي ليقم شهادة بينكم اثنان، وتبعه الزمخشريّ، وأورد عليه أنّ حذف الفعل، وابقاء فاعله لم تجزه النحاة إلا إذا تقدم ما هو من جنس لفظه كقوله: ليبك يزيد ضارع لخصومة أو وقع في الجواب، وهذا ليس كذلك، وما ذكره من الاشتراط غير مسلم بل هو مسلم بل هو شرط أكثرية أو الشهادة مصدر ناب مناب فعله، وقدير ليشهد أمراً دون أشهد لرفعه الظاهر أو يقدر يشهد خبرا وبينكم في قراءة من نون شهادة منصوب على الظرفية ومن جره اتسع فيه لأنه متصرف، ولذا قرىء بقطع بينكم بالرفع، وقال الماتريدي والرازي إنّ الأصل ما بينكم، وهو كناية عن التنازع والتخاصم، وحذف ما جائز كقوله وإذا رأيت ثمّ أي ما ثم وأورد عليه أنّ ما الموصولة لا يجوز حذفها، ومنهم من جوّزه، وإنما بسطنا القول فيه لأنه من المهمات فقول المصنف رحمه الله أي فيما أمر تم إشارة إلى أنّ شهادة مبتدأ خبره هذا المقدر، وهو أحد الوجوه السابقة، وجعل المراد من الشهادة الاشهاد في الوصية لأنها اللازمة لمن حضره الموت لا الشهادة نفسها لأنها على من أشهده. وقوله:) وقرىء شهادة الخ) أي على أنها مفعول ليقم بلام الأمر من أقامها إذا أدّاها على وجهها وبينكم منصوب على الظرفية، وأوّل حضور الموت بمشارفته لأنه لا وصية إذا حضر بالفعل، وإنما هي قبل ذلك، وإذا متعلقة بالشهادة، وهو أحد الوجوه فيها، وحين بدل منه، وقوله مما ينبغي غير قول الزمخشريّ دليل على وجوب الوصية لأنهم قالوا المراد بالوجوب الندب المؤكد طلبه الشبيه بالواجب، وفي تقدير ليقم ما مرّ من حذف الفعل، وابقاء فاعله فتذكره. قوله: (اثنان فاعل شهادة ويجوز أن يكون خبرها على حذف المضاف) قيل عليه إنه صرح بأن الشهادة بمعنى الاشهاد الذي هو فعل الموصي المختصر فلا يصح أن يكون اثنان فاعلاً لها بل لا بد أن يكون مفعولاً منصوبأ، والزمخشريّ لم يجعل الشهادة بمعنى الاشهاد بل حملها على معناها المتبادر منها، واثنان فاعل أي فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان فلا يرد شيء (قلت) اضافته إلى الظرف ناطقة بأن الشهادة واقعة بينهم، وبمحضر منهم، وكذا تعلق حين الوصية بها فالمعنى شهادتهما بما أوصى به بحضرتهما، وهي تستلزم الاشهاد، وإليه مآل المعنى كما إذا قلت شهد الزيدان بما أسمعهما عمرو من كلامه، وبهذا الاعتبار كان مأمورا لأنّ المخبر عنه في الحقيقة الوصية المشهد عليها، وهي فعله، ونظيره، وإن لم يكن مما نحن فيه {فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضا! إحداهما فتذكر احداهما الآخرى} [سورة البقرة، الآية: 282] لأنّ المعلل به التذكير، والمعنى أن تذكر احداهما الأخرى إذا ضلت كما نبه على سره في كتب التفسير والعربية فليست الشهادة بمعنى الاشهاد مجازا حتى يرد ما ذكره المعترض، وتبعه كثير منهم، ولذا قال المراد، ولم يقل ومعناها أو هي مجاز عنه ونحو ذلك، وقد أشار إلى ذلك الزمخشريّ حيث قال بعد قوله في تفسير {شهادة بينكم} [سورة المائدة، الآية: 06 ا] فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان يعني فاستشهدوا فلا فرق بين كلاميهما كما توهمه المعترض، وأما ما قيل إن الشهادة بمعنى الأشهاد الذي هو مصدر المجهول، واثنان قائم مقام فاعله، والنائب عن الفاعل يطلق عليه فاعل كثيرا عندهم فمع كون الكلام مناد على خلافه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 يقتضي الإتيان لمصدر الفعل المجهول بنائب فاعل، وهو اسم ظاهر مرفوع، وهذا وأن جوّزه البصريون كما في شرح التسهيل للمرادي في باب المصدر فقد منعه الكوفيون، وقالوا إنه هو الصحيح لأنّ حذف فاعل المصدر سائغ شائع فلا يحتاج إلى ما يسد مسد فاعله كفاعل الفعل الصريح، وحذف المضاف إما من المبتدأ أو الخبر كما مرّ، ووقع في النسخ هنا اختلاف ففي نسخة الأشهاد في الوصية، وفي أخرى بالوصية، وفي أخرى أو الوصية فيكون المراد بالشهادة الوصية، وسيأتي ما يتعلق به، والأخيرة ليست معتمدة، ولا تناسب الكلام فتأمّل. قوله: (من أقاربكم أو من المسلمين وهما صفتان الخ) التفسيران مبنيان على ما سيأتي. قوله: (ومن فسر الغير بأهل الذفة) بناء على أنّ منكم معناه من المسلمين، وفي كونه منسوخا، واجماعاً نظر أما الأوّل فلأنه قد سبق من المصنف رحمه الله تعالى في آية الوضوء أن القول بالنسخ في هذه السورة ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم المائدة آخر القرآن نزولاً فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها، وأما الثاني فلأنّ ابن حنبل رضي الله تعالى عنه أجاز شهادة الكافر على المسلم في الوصية، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى أجازها في بعض الصور المذكورة في الفقه فتأمل. قوله: (أي سافرتم فيها) لأنّ ضرب في الأرض! معناه سافر كما بين في كتب اللغة، وقوله أي قاربتم الأجل إشارة إلى أنه من مجاز المشارفة لأنّ الوصية قبل إصابته. قوله: (تقفونهما الخ) وقف يكون لازما ومتعديا قال الراغب: يقال وقفت القوم أقفهم وقفا، ووقفواهم وقوفا، وتصبرونهما من الصبر بالصاد المهملة بمعنى الحبس قال في النهاية في الحديث: " من حلف على يمين صبر " أي ألزم بها، وحبس عليها، وكانت لازمة له من جهة الحكم. قوله: (صفة لآخران الخ) على الوصفية جملة الشرط معترضة فلا يضر الفصل بها، واختلف في الشرط هل هو قيد في أصل الشهادة أو قيد في آخران من غيركم فقط بمعنى أنه لا يجوز العدول في الشهادة على الوصية إلى أهل الذمة إلا بشرط الضرب في الأرض، وهو السفر فإن قيل هو شرط في اصل الشهادة فتقدير الجواب إن ضربتم في الأرض! فليشهد اثنان منكم أو من غيركم وان كان شرطا في العدول إلى آخرين من غير الملة فالتقدير فأشهدوا آخرين من غيركم أو فالشاهدان آخران من غيركم فقد ظهر أن الدالّ على جواب الشرط أما مجموع قوله اثنان ذوا عدل الخ، وأما آخران من غيركم فقص، وجملة أصابتكم معطوفة على الشرط، والى الثاني ذهب المصنف لظهوره. قوله: (صلاة العصر الخ (فالتعريف للعهد أو للجنس، وتصادم ملائكة الليل الخ لأنه يوكل بالمرء من يحفظه، ويكتب أعماله في النهار، وآخروه في الليل، وملائكة النهار يصعدون بعد العصر، وملائكة الليل تهبط بعده أيضا فيتلاقون حي! سذ فالتصادم مجاز عن التلافي، وهذا ورد مصرّحاً به في الحديث، واجتماع طائفتي الملائكة فيه تكثير للشهود منهم على صدقه، وكذبه فيكون أقوى من غيره، وأخوف. قوله: (إن ارتاب الوارث منكم الخ) قدر المض، ف أي ارتاب وارثكم لأنّ المخاطب الموصون والمرتاب الموصى له وجعله وارثا لأنه الأغلب، والمذكور في سبب النزول، والا فقد يكون الموصى له غير الوارث، ولو قدّر الموصي كان أسلم، وليس المراد بالوصية هنا الوصية التي لا تكون للوارث، وهو ظاهر، وقيل نزل ارتياب الموصى له منزلة ارتياب الموصي. قوله:) وإن ارتبتم اعتراض الخ (في الكشاف إن ارتبتم في شأنهما، واتهمتموهما فحلفوهما فالشرط مع جوابه المحذوف معترض لا الشرط وحده قيل قدر جواب الشرط ليكون الاعتراض هو الجملة الشرطية، ولو كان هو الشرط فقد لكان الجزاء مضمون القسم فلم يحسن توسيطه بين القسم، والجواب بل التقديم عليه أو التأخير، والمصنف رحمه الله تعالى لا بد له من ذلك أيضاً لأنه لا يخلو أن يكون للشرط جواب أو لا فإن لم يكن له جواب تكون أن وصلية، وهي مع أنّ الواو لازمة لها ليس المعنى عليها، ولو قدر فإمّا مقدماً أو مؤخراً، وكلاهما ينافيان الاعتراض إلا أن يريد أنها مستغنية عن الجواب لسد ما أكدته مسدّه، وفي قوله اختصاص القسم بحال الارتياب، وقوله بعد ذلك وجوابه أيضاً محذوف ما يشعر بموافقة الكشاف فتأمّل فما تيل إنه رأى اعتراض! الشرط، ومنع عدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 حسن التوسط المذكور وهم من قلة التدبر، وليس هذا من توالي القسم، والشرط المعهود لأنه إذا اتحد جوابهما، وهنا ليس كذلك، وقوله لا نحلف بالله كاذبا أي حلفاً كاذباً فلا ركاكة فيه، ثم إنهم قالوا لا نشتري لا يصلح جوابا للشرط، ولا دليلاً له، ولا مانع منه لأنه في معنى إن ارتبتم فلا ينبغي ذلك لأنا لسنا ممن يشتري ذلك بثمن قليل، وجوّز في ضمير به أن يرجع للقسم، وللشهادة لأنها قول أو لله قالوا، والتقدير بيمين الله، وأشار بقوله تستبدل إلى أن نشتري بمعنى نستبدل ليصح نصبه ثمنا، وقيل تقديره ذا ثمن، والأوّل أولى. قوله: (ولو كان المقسم له قريباً الخ) أشار إلى تقدير الجواب، والى أنها ليست وصلية لأنّ المعنى ليس على ذلك، وهو ظاهر، وقوله: الشهادة التي أمرنا بإتامتها إشارة إلى أنّ الإضافة، والاختصاص فيها بالله لأنه أمر بها أو أنها لأدنى ملابسة. قوله: (وعن الشعبي أنه وقف على شهادة) أي بالهاء ثم ابتدا آلله بالمد، والجرّ وليس هذأ من حذف حرف الجرّ وابقاء عمله شذوذاً لأنه إذا كان بغير عوض، وفي الجلا أ، الكريمة ت حويض همزة الاستفهام عن واو القسم، وحينثذ إما أن تمد للفصل بين الهمزتين فيقال آالله أوف سهل الثانية، ويقال أيضاً ها الله وهل الجر بحرف القسم أو بالعوض قولان وإذا قيل الله بدود دلى كما رواه سيبويه أيضا فهل حذف من غير عوض فتكون على خلاف القياس أو الهمزة المذكورة همزة الاستفهام، وهي همزة قطع عوّضت عن حرفه، ولكنها لم تمد اختار الئاني في الدرّ المصون، وهو أولى من دعوى الشذوذ، وضمير بغيره في كلام المصنف رحمه الله تعالى إن كان للتعويض فهو القول الأوّل، وهو الظاهر، وان كان للمد احتمل الثاني، وقوله: إن كتمنا تفسير لإذا لا تقدير، وقراءة لملائمين بينها المصنف رحمه الله تعالى، وسيأتي تحقيقها في عاد الأولى. قوله: (فإن عثر فإن اطلع (لما كان كل عاثر ينظر إلى موضع عثاره فيعرف نعته ورد العثور بمعنى الاطلاع، والعرفان، وقال الغوري: عثرت إذا اطلعت على ما كان خفياً، وهو مجاز بحسب الأصل، وقال الليث إنّ مصدر هذا العثور ومصدر العثار العثرة وقال الراغب: مصدرهما واحد، وما قاله الراغب: هو الظاهر لأنّ اختلاف المصدر ينافي المجاز فتأمّل. قوله: (أي نعلاَ ما أوجب إثماً الخ) فعلا بضمير التثنية، وقوله: فآخران في إعرابه وجوه قيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي فالشاهدان آخران، والفاء جزائية، وجملة يقومان صفة آخران، وهو مرفوع بفعل مقدر أي فليشهد آخران، ومرّ ما فيه أو هو خبر مقدم موصوف، والأوليان مبتدأ مؤخر، أو هو مبتدأ أخبره من الذين أو هو مبتدأ، وخبره يقومان، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى، والزمخشري، ولا يضرّ تنكيره وفيه أعاريب أخر هذه أحسنها، ومعنى كونهما شاهدين سيأتي في بيان معنى الآية. قوله: (من الذين جنى عليهم الخ) يشير إلى أن استحقاق الإثم عليهم كناية عن هذا المعنى، وذلك لأنّ معنى أ! تحق الشيء لاق به أن ينسب إليه فالجاني للإثم المرتكب له يليق أن ينسب إليه الإثم فاستحق الإثم بمعنى ارتكبه، وجناه فالذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم، وارتكب الذنب بالقياس إليهم ففيه تضمين، وضمير استحق عائد إلى الإثم أو الإيصاء أو الوصية أو هو مسند للجارّ، والمجرور، وإنما استحق الإثم لأنّ أخذ ما يحصل بأخذه إثم يسمى إثما كما يسمى ما يؤخذ بغير حق مظلمة، ولذلك يسمى المأخوذ باسم المصدر، وعلى بمنزلتها في استحق على زيد مال بالسهمان أي وجب أو بمعنى في أو من أي استحق فيهم أو منهم قيل، والحق أنه مسند للإثم مشاكلة، والتضمين لقوله، ومعناه من الذين جنى عليهم، وذلك لابتناء قوله فإن عثر على قوله أنا إذا لمن الآثمين لأن المعنى إن كنا كثمنا الحق كنا من الجانين، ثم إن اطلع على أنهما خانا وجنيا على المشهود له واستحقا إثما بذلك فآخران يقومان مقامهما بالشهادة فكنى عن قوله خانا، وجنيا بقوله: استحقا إثما ليشاكل الكلام السابق، وهو إنا إذا لمن الآثمين، ولذا قال واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين، ثم عبر عن المشهود عليهم بقوله استحق عليهم الإثم ليشاكل التعبير عن الجانبين بأنهما استحقا الإثم، وفيه تأمل، وقوله: وهو أي الفاعل والأوليان أفعل تفضيل، ولذا فسره بالأحقان، وفي الكشاف معناه من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجرّدهما للقيام بالشهادة، ويظهروا بهما كذب الكاذبين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 قوله: (وهو خبر محذوف الخ) أي على قراءة المجهول لأنّ الكلام فيها، والقراءة الأخرى وقعت فيما بين الكلام عليها، وتفصيل هذا لأنه من أهم المهمات، ومن تعلق هذه الآية أنه قرى اشحق مجهولاً، ومعلوما في السبعة، والأوّلين جمع أوّل جمع مذكر سالم، وقرأ الحسن الأوّلان تثنية أوّل، وابن سيرين الأوليين بياءين تثنية أولى منصوبا وقرئ الأولين بسكون الواو، وفتح اللام جمع أولى كالأعلين فقراءة الجمهور رفع الأوليان على أنه مبتدأ خبره آخران أي الأوليان بأمر الميت آخران كما مرّ أو خبر مبتدأ مقدر أيهما الأوليان كأنه قيل من الآخران فقيل هما الأوليان أو هو بدل من آخران أو عطف بيان، وهذا يلزمه عدم اتفاق البيان، والمبين في التعريف، والتنكير مع أنهم شرطوه فيه حتى من جوّز تنكيره لكن بعضهم لم يشترطه، وقد نص عليه الزمخشري في آل عمران أو هو بدل من فاعل يقومان أو صفة آخران لكن فيه وصف النكرة بالمعرفة، والأخفش أجازه هنا لأنه بالوصف قرب من المعرفة، وقال أبو حيان أنه هدم للقاعدة المؤسسة لكن المتقدمين ارتكبوه في مواضع كما في مررت بالرجل خير منك في أحد الأوجه قاله في الدرّ المصون، وهذا عكس، ولقد أمر على اللئيم يسبني فإنه يؤوّل فيه المعرفة بالنكرة، وهذا أوّل فيه النكرة بالمعرفة إذ جعلت في حكمها للوصف، ويمكن أن يكون منه بأن جعل الأوليان لعدم تعينهما كالنكرة أو هو نائب فاعل استحق لكن على هذا لا بد له من تأويل إما بتقدير مضاف أي إثم الأوليين وقدّره الزمخشري انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال، وهذا إعراب أبي عليّ الفارسي رحمه إلله تعالى، وتقدير الزمخشري أولى من تقدير الإئم لأنه لا يصح إلا بتأويل بعيد، وعلى غير هذا مرفوعه ضمير يعود على ما تقدم لفظاً أو سياقاً، وهو الإثم أو الإيصاء أو الوصية لتأويلها بما ذكر أو المال، وفي على في عليهم أوجه فقيل هي على أصلها كما مرّ أو بمعنى من أوفى، وأما قرإءة حفص بالبناء للفاعل فالأوليان فاعله، ومفعوله محذوف قدره بعضهم وصيتهما، وقدره الزمخشري أن يجرّد وهما للقيام بالشهادة، ويظهروا بهما كذب الكاذبين، وقدره ابن عطية مالهم، وتركتهم، وقراءة الأوّلين جمع أوّل المقابل للآخر فهو مجرور صفة الذين أو بدل منه أو من ضمير عليهم أو منصوب على المدح، ومعنى الأوّلية التقدّم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها، وأعرف كما مرّ، وقيل إنهم أوّلون في الذكر لدخولهم في يا أيها الذين آمنوا، وقرأ الحسن الأوّلان بالرفع على ما وجهناه به، والأوليين مثنى نصبه على المدح، وأما قراءة الأولين كالأعلين فشاذة لم تعز لأحد، وهو جمع أولى، واعرابه كالأوّلين والأوّليين، وقد مرّ الوجوه فيها وقوله:) وقرأ حمزة الخ) الأوّلين جمع أوّل منصوب، وقوله وقرى الأوّلين يعني تثنية أوّل، وبقية كلامه ظاهرة وقوله: بدل منهما تبع فيه الزمخشري، وقال النحرير: الضمير راجع إلى لفظ آخران فحقه أن يكون مفردا لأنّ لفظ المثنى كآخرين لفظ واحد، وقوله: أو خبر آخران فيه الأخبار عن النكرة بالمعرفة، وهو مما اتفق على منعه في مثله، وقوله: أو من الضمير في يقومان، وكون المبدل منه في حكم الطرح ليس من كل الوجوه حتى يلزم خلوّ الصفة عن الضمير على أنه لو طرح وقام هذا مقامه كان من وضع الظاهر موضع المضمر فيكون رابطاً. واعلم إن استحق هنا فسر بطلب الحق وبحق، وغلب. قوله: (فيقسمان الخ) معطوف على يقومان، والسببية فيها ظاهرة، ولشهادتنا جواب القسم، وفسر أحق بأصدق، والاعتداء بتجاوز الحق، والظلم بارتكاب الباطل بتنزيله منزلة اللازم أو بتقدير مفعول أي أنفسهم، وقيل الفرق بينهما بالعموم والخصوص. قوله: (ومعنى الآينبن إنّ المحتضر اذا أراد الوصية الخ) اعلم إنهم اختلفوا في معنى الشهادة في هذه الآية فقال قوم هي الشهادة على الوصية في السفر، وأجازوأ شهادة الذمي على المسلم في هذه الصورة وبه حكم بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإليه ذهب ابن حتبل، والآية ليست بمنسوخة عندهم لحديث المائدة. وقال آخرون الشهادة هنا بمعنى الحضور من شهدت كذا شهوداً وشهادة إذا حضرته، وقيل هي أيمان الوصي إذا ارتاب الورثة فلا نسخ عليهما أيضاً، والأخير قول مجاهد وبعض الصحابة، واليمين قد تسمى شهادة وبها فسر قوله تعالى: {فشهاثه أحدهم أربع شهادات بالله} [سورة النور، الآية: 6] لكنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 بعيد لأنّ الشهادة إذا أطلقت فهي المتعارفة، وقوله: ولا نكتم شهادة الله صريح فيه فإنّ الإيمان لا تكتم وتأويل من غيركم بغير أقربائكم قال الجصاص لا وجه له لأنّ الخطاب توجه أوّلاً إلى أهل الإيمان فالمغايرة تعتبر فيه، ولم يجر للقراية ذكر ويدل عليه الحديث الآتي في سبب النزول، ثم إنّ الشهادة إذا حملت على الوصية هل تعم كل وصية أو تخص بما وقع في الحديث اختلف فيه، وهل هي منسوخة أو باق حكمها فقيل نسخت بقوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فإنه آخر ما نزل، وقيل إنّ في هذه السورة ثماني عشرة فريضة لم ينسخ منها شيء. واعلم أنّ الشهادة كيف تتصوّر هاهنا وشهادتهما إما على الميت، ولا وجه لها بعد موته، وانتقال الحق إلى الورثة، وحضورهم أو على الوارث المخاصم فكيف يشهد الخصم على خصمه فهذا يقتضي بالضرورة تأويل الشهادة فالظاهر أن تحمل في قوله شهادة بينكم على الحضور أو الإحضار أي إذا حضر الموت لمسافر فليحضر من يوصي إليه بإيصال ماله لوارثه مسملاَ فإن لم يجد فكافر، والاحتياط أن يكونا اثنين فإذا جاءا بما عندهما، وحصل ريبة في كتم بعضه فليحلفا لأنهما مودعان مصدّقان بيمينهما فإن وجد ما خانا فيه، وادّعيا أنهما تملكاه منه بشراء، ونحوه، ولا بينة لهما على ذلك يحلف المدعى عليه على عدم العلم بما ادعياه، وإنه ملك لمورثهما لا نعلم انتقاله عن ملكه، والشهادة الثانية بمعنى العلم المشاهد، أو ما هو بمنزلته لأنّ الشهادة المعاينة فالتجوّز بها عن العلم صحيح قريب، والشهادة الثالثة إما بهذا المعنى أو بمعنى اليمين كما مرّ فلا نسخ في هذه الآية على هذا، ولا إشكال، ولله الحمد مما أفاضه الله عليّ ببركة كلامه. وما ذكر كله تكلف لم يصف من الكدر لذوق ذائق، وسبب النزول، وفعل الرسول مبين لما ذكرنا عودا على بدء، وقول المصنف من ذوي نسبه أو دينه إشارة إلى الوجهين السابقين، وقوله يوصي إشارة إلى حمل الشهادة على الوصية، والتغليظ بالزمان، والمكان مذهب الشافعي، وهو عندنا لا يلزم بل يجوز للحاكم فعله. وقوله: قإنه لا يحلف الشاهد هو المشهور، وقيل إنه إن لم يجد من يزكيه يجوز تحليفه احتياطا كما وقع في بعض كتب الفتاوى الحنفية، وقوله: ورد اليمين هو مذهب الشافعي أيضا، وعندنا لا تردّ اليمين، وليس في الآية دليل عليه لما ذكرناه، وقوله: أو لتغير الدعوى أي انقلابها بأنّ المدعى عليه صار مدعيا للملك، والوارث مدعى عليه فلذا لزمته اليمين لا للرد كما مرّ، وهو الصحيح، وقوله: (إذ روي الخ) استدل بسبب النزول على ما ذكره آخرا، وهو الصحيح. قوله: (روي أنّ تميماً الخ) أخرجه البخاري وأبو داود، والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بسند صحيح عن تميم الداري في هذه الآية قال يرى الناس منها غيري، وغير عدي بن بدّاء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشأم لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بزيل بن أبي مريم بتجارة، وص مه جام من فضة يريد به الملك وهو أعظم تجارته فمرضى فاوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترث لورثته قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ففقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأدّيت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أنّ عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل ديته فحلف فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} الآية فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدفي بن بداء كذا قال الترمذي: فيا لجامع، ثم قال هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير سمعت محمد بن إسماعيل يقول محمد بن السائب يكنى أبا النضر ولا نعرف لسالم أبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانى رضي الله تعالى عنها، وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه حدّثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي زائدة عن محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعديّ بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركتة فقدوا جاما من فضة محوّصا بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجد الجام بمكة فقيل اشتريناه من تميم، ومن عديّ فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأنّ الجام لصاحبهم قال: وفيهم نزلت الآية وهذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة، ومحمد بن القاسم كوفي قيل إنه صالح الحديث اهـ، وفي نور النبراس تميم الداري المذكور في هذه القصة نصراني من أهل دارين قاله مقاتل، وقيل هو تميم المعروف الداري منسوب إلى الدار، وهو بطن من لخم اهـ وبزيل بباء موحدة مضمومة وزاي معجمة مولى العاص بن وائل صاحب الجام، واختلف في ضبطه كما في كتاب المشتبه وبداء بياء موحدة، ودال مهملة مشددة ومد كشداد، ويقصر، وفي تفسير ابن مقاتل بنداء بنون قبل الدال، وهو غريب، وقال ابن حجر أنه اختلف في إسلامه، والمشهور إنه لم يسلم فقوله هنا، وبديل أي بدال مهملة هو ما في بعض النسخ، وفي الإصابة أنه بزيل، وقيل بريل براء مهملة بدل الدال، وبريل بن أبي مريم، وقيل ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاصي، ولا خلاف في أنه مسلم مهاجري اهـ فقول النحرير: قيل الصواب براء مفتوحة بعد الباء المضمومة عندي لا يخفى ما فيه، وقوله: دوّن أي كتب، وقوله: السهميان إشارة إلى أنهما وارثان له لأنه من بني سهم، وتخصيص العدد يعني باثنين من الورثة، وقوله: فأتاهم جعل الاثنين جمعاً تسمحا. قوله: (أي الحكم الذي تقدّم أو تحليف الخ) أي المشار إليه الحكم السابق تفصيله في هذه القضية أو تحليف الشاهدين، وقيل المشار إليه الحبس بعد الصلاة، وأدنى معنى أقرب، والى مقدّرة قبل أن المصدرية، والوجه بمعنى الذات، والحقيقة أي أقرب إلى الإتيان بها على حقيقتها من غير تغيير لها، والى هذا أشار بقوله على نحو ما حملوها الخ. وعلى وجهها حال من الشهادة، والتقدير ذلك الحكم الذي ذكرناه أقرب ان يأتوا بالشهادة على وجهها مما كنتم تفعلونه، وأقرب إلى خوف الفضيحة فيمتنعوا من ذلك فعلى هذا أو يخافوا عطف على أن يأتوا على حد قوله: علفتها تبنا وماء باردا قوله: (واتقوا الله واسمعوا ما توصون به الخ) توصون مخفف أو مشدّد واتقوا قيل إنه معطوف على مقدّر أي احفظوا أحكام الله وأتقوا الخ وحمل السمع على القبول، والإجابة لما أوصوا به لأنه أفيد وأنسب، ولو عمم لصح وقوله: (فإن لم تتقوا الخ) حمله على ما ذكر لاً نه تذييل لتلك القصة فلا بد لشموله لمن هي فيهم، وقوله: فقوله تفريع على تقدير متعلق الهداية طريق الجنة لأنها تتضح في ذلك اليوم ويحتمل عوده إلى ما قبله كله أي الاهتداء إلى الحجة أو طريق الجنة كائن يوم يجمع الخ. قوله: (بدل من مفعول واتقوا الخ) وهو الله فيكون مفعولاً به أيضا، وقيل إنه على هذا لا بدّ من تقدير مضاف أي اتقوا عذاب الله لاشتمال اليوم على العذاب لا على الله لتنزهه عن الزمان، والمكان وردّ بأنّ بينهما ملابسة بغير الكلية، والبعضية بطريق اشتمال المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظرف على المظروف بل بمعنى أنه ينتقل الذهن إليه في الجملة، ويقتضيه بوجه إجمالي مثلاً إذا قيل اتقوا الله يتبادر إلى الذهن أنه من أي أمر من أموره، وأيّ يوم من أيام أفعاله يجب الاتقاء يوم جمعه للرسل أم غير ذلك. (وفيه بحث الأنه اشترط فيه أن لا تكون ظرفية، وهذا ظرف زمان لو أبدل منه لا، وهم ذلك، وفي الدرّ المصون، والاشتمال لا يوصف به الله، وفيه نظر فتامّل، وعلى نصبه باذكر فهو مفعول به أيضاً. قوله: (أيّ إجابة أجبتم الخ) أي ماذا يتعلق بقوله: أجبتم على أنه مفعول مطلق له لكونه بمعنى أفي إجابة وماذا كله استفهام، وهذا الوجه أرجح الوجوه، ولذا قدمه وتقدير بماذا أجبتم على أن يكون السؤال عن الجواب لا الإجابة، والتقدير بأي شيء أجبتم فحذف حرف الجرّ، وانتصب ضعيف لأن حذف حرف الجرّ وانتصاب مجروره لا يجورّ إلا في الضرورة كقوله. تمرّون الديار ولم تعوجوا وكذا تقديره مجرورا والمقصود وأن كان واحدا في المآل لكن الاعتبار والتعبير مختلف، وأمّا تقدير ماذا أجبتم به كما قيل على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 أنّ ما مبتدأ، أو ذا بمعنى الذي خبره وأجبتم صلته، والعائد محذوف أي به كما قاله العوفي ففيه أنه لا يجوز حذف العائد المجرور إلا إذا جر الموصول بمثل ذلك الحرف الجار واتحد متعلقاً هما كما تقرّر في النحو. قوله: (وهذا السؤال لتوييخ قومهم الخ الما كان على كل من السؤال، والجواب إشكال أمّا السؤال فلأنه تعالى علام الغيوب فما معنى سؤاله أجابوا بأنه لقصد التوبيخ للقوم كما يقع صريح الاستفهام لذلك، وتحقيق كونه مجازاً أو كناية، ومن أيّ الأنواع في شرح المفتاح، وأما الجواب فلأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد نفوا العلم عن أنفسهم مع علمهم بما أجيبوا به فيلزم الكذب عليهم فاجابوا عنه بوجو.. الآوّل: إنه ليس لنفي العلم بل كناية عن إظهار التشكي، والالتجاء إلى الله بتفويض الأمر كله إليه. الثاني: أنه على حقيقته لكن على خصوص في الزمان، وهو أوّل الأمر لذهولهم من الخوف، ثم يجيبون في ثاني الحال، وبعد رجوع العقل إليهم، وهو في حال شهادتهم على الأمم فلا يكون قولهم لا علم لنا منافيا لما أثبت الله تعالى لهم من الشهادة على أممهم. الثالث: إنه إشارة إلى أنّ علمهم في جنب علم الله بمنزلة العدم مع تفويض الأمر إليه تعالى. الرابع: أنه ليس لنفي العلم بجوابهم عند التبليغ، ومدة حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل كان منهم في عاقبة الأمر، وآخره الذي به الاعتبار، واعترض على هذا بأنهم يرون آثار سوء الخاتمة عليهم فلا يصح نفي العلم بحالهم، وبما كان منهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يقال هذا إنما يدل على سوء الخاتمة، وظهور الشقاوة في العاقبة لا على حقيقة الجواب بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلعلهم أجابوا إجابة قبول، ثم غلبت عليهم الشقوة لأنا نقول معلوم أنه ليس المراد بماذا أجبتم نفس الجواب الذي يقولونه أو الإجابة التي تحدث منهم بل ما كانوا عليه في أمر الشريعة من الامتثال، والانقياد، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي أو عكس ذلك فإن قيل قول عيسى عليه الصلاة والسلام فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم الخ. يدل على عدم علمه بحالهم بعده قيل هو إثبات لقبائحهم على الوجه الأبلغ واعتذار بأنه لم يكن له المنع بعد التوفي واظهار أنه لا ذنب له في ذلك، ولا تقصير فلا يدل على نفي العلم بحالهم بعده بل على نفي القدرة على التعيين فقول المصنف لتوبيخ دفع لما يرد على السؤال، وقوله: لا علم لنا بما كنت تعلمه دفع لما يرد على الجواب بأنه ليس المقصود نفي علمهم بما سئلوا عنه بل نفي العلم بجميع ما علمه تعالى من الظواهر، والبواطن، وأشار بقوله وفيه الخ، إلى جواب آخر كما مرّ، وقوله: إلى جنب علمك أي بالقياس، وبالنسبة إليه، ولا يخفى أنّ هذا ما-له إلى ما ذكره أوّلاً فكيف ضعفه ومرضه، وما قيل إنّ ظاهر هذا المعنى لا يناسب جواب السؤال المذكوو فإن حمل على أنّ المراد لا علم لنا إلى جنب علمك فيما قاله القوم فهو راجع إلى ما ذكره المصنفا رحمه الله لا يخفى ما فيه وقوله: (أو لا علا لنا بما أحدثوا بعدنا الخ) جواب آخر، وقد مرّ ماله، وعليه. قوله: (وقرئ علام بالنصب الخ) إذا تم الكلام عند قوله إنك أنت يكون على طريقة قوله أنا أبو النجم، وشعري شعري أي أنت المعروف بنهاية الكمال، واحاطة العلم حتى إن ما ذكرنا يدل على ذاتك مغن عن صفاتك، وبه يفيد الحمل، ويتم المعنى، وإليه أشار المصنف بقوله أي أنك الموصوف الخ. وقوله: منصوب على الاختصاص عنى به النصب على المدح الاختصاص الذي ذكره النحوبون فإنّ له شروطا ليست مستوفاة هنا، وترك قول الزمخشري أنه صفة لاسم أن لأنّ الضمائر لا توصف على الصحيح، ولذا أوّلوه بأنّ مراده بالوصف البدل، وهو يطلقه عليه كثيراً، وفيه كلام كثير كفانا المصنف مؤنته بتركه، وأما قراءة الغيوب بالكسر فإنه سمع في كل جمع على وزن فعول بالضم كبيوت كسر أوّله لئلا يتوالى ضمتان وواو، وهو مفصل في كتب النحو. قوله: (وهو على طريقة ونادى أصحاب الجنة الخ) يعني كلمة إذ وقال الماضي عبر بهما عما في المستقبل مجازاً لتحققه، وهذا البدل لتفسير المبدل منه، وايضاح لأن الجواب جواب توبيخ الكفر وردّ لا قبول، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: (والمعنى أثه الخ) يعني اذكر إنعامي عليك، وعلى والدتك حين جعلك قومك لزينة، وإذا بدتك تعليل أو توقيت، وبروح القدس أي التطهير من هذه الوصمة بما آتيتك من المعجزات ففيه مزيد توبيخ لهم بما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 فعلوه مع ظهور المعجزاى المكذبة لهم. قوله: (وقرىء آي! دتك) بالمدّ قال الزمخشريّ: وزنه افعل، وقال ابن عطية فاعل، وأمّا أيد بالتشديد فوزنه فعل لا غير على الصحيح، ولا يحتاج في ثبوت هذه اللغة إلى سماع المضارع نعم يحتاج إليه في كون وزنه أفعل أو فاعل كما قيل لأنه اكتفى بمضارع الآخر، ويكفي لثبوته القراءة به ومعناهما واحد، وقيل معناه بالمدّ القوّة، وبالتشديد النصر، وهما متقاربان لأنّ النصر قوّة. قوله: (بجبريل عليه الصلاة والسلام الخ) تقدّم الكلام عليه في البقرة، وأطلاقه على كلامه المذكور وهو ما أتي به من التوحيد، والشريعة على طريق التشبيه، وإضافته إلى القدس بمعنى التطهير المعنوي اختصاصية، وقوله ويؤيده أي يؤيد أنّ المراد بروح القدس الكلام قوله تكلم بعده لأنه كالبيان له. قوله: (والمعنى تكلمهم في الطفولة والكهولة الخ) أي قوله في المهد كناية عن كونه طفلاً صغيرا، وهي أبلغ من التصريح، وأولى لأنّ الصغير يسمى طفلاَ إلى أن يبلغ الحلم فلذا عدل عنه، وقوله على سواء هو إشارة إلى دفع أنّ التكلم في الكهولة معهود من كل أحد فما معنى ذكره مع التكلم في الطفولة الذي هو من الآيات بأنّ القصد إلى عدم تفاوت الكلام في الحالين لا إلى أن كلاً منهما آية. وقال الإمام: إنّ الثاني أيضاً معجزة مستقلة لأنّ المراد تكلم الناس في الطفولة وفي الكهولة حين تنزل من السماء لأنه حين رفع لم يكن كهلاً، وهذا مبني على تفسير الكهل فإن عيسى عليه الصلاة، والسلام رفع ابن ثلاث وثلاثين، وقيل ابن أربع وثلاثين، ودلالته على التسوية عقلية لأن ذكر تكلم الكهولة ليس لأنه آية بل ليجعلهما على حد سواء، وهو ظاهر فما قيل لا دلالة على التسوية، والأولى أن يجعل وكهلا تشبيها أي تكلمهم كائنا في المهد وكائنا كالكهل في التكلم، وحينئذ ينهدم الاستدلال به على أنه سينزل ليس بشيء لأنّ ما ذكره يفيد التسوية أيضاً وكون التشبيه يؤخذ من العطف لا وجه له وتقدير الكاف تكلف، وفي كلام المصنف رحمه الله نظر بعد ما سمعت كلام الإمام في وجه الاستدلال به لأنه لا يجعله مذكور للتسوية بل لإثبات كلامه لهم في الكهولة، وهو إنما يكون بعد النزول على ما مرّ في معناها وأمّا إذا قصد التسوية فلا يقتضي ثبوت الكهولة إذ معناه تكلمهم طفلا كما تكلمهم لو كنت كهلاَ. قوله: (سبق تفسيره الخ) وسبق الكلام عليه لكنه كرر باذني ها أربع مرّات وثمة مرّتين قالوا لأنه هنا للامتنان وهناك للاخبار فناسب تكواره هنا، وأنّ له زيادة تأييد بكؤنه مأذونا- من الله فيما فعله، والجمع في الطائر المراد به أنه اسم جمع كباقر لجماعة البقر، وسامر للقوم يسمرون، ونحوه، وإلا ففاعل ليس من أبنية الجمع، وقد صرّحوا به في النحو، وليس المراد أنه! مفرد أريد به مجازاً معنى الحمع ومعنى الآية علمتك الكتابة من غير معلم، والحكمة بحيث غلبت حكماء زمانك مع مهارتهم، وزدت عليهم بايجادك ذا اروح، ولم ينقادوا لك، وإنما قال باذني لأنّ تصوير الحيوان وجعله ذا روح لا يجوز ولا يليق به بغير اذن، رقؤله ما هذا إشارة إلى أنّ أن فيه نافية، وجعل الإشارة إلى عيسى صلى الله عليه وسلم للأخبار عنه بساحر، وأما جعل الإشارة إليه في القراءة الأولى، وجعل السحر بمعنى الساحر فلا حاجة إليه. قوله: (أي أمرتهم على ألسنة رسلي) إنما فسرءـ بهذ لأنّ الوحي مخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم ليسوا كذلك فجعل أمرهم وحيا لكونه بواسطة الوحي إلى رسلهم قال الزجاج: الوحي في كلام العرب ورد بمعنى الأمر كقوله: الحمد دلّه النني استقلت باذنه السماء واطمأنت أوحى لها القرار فاستقرت أي أمرها أن تقرّ فامتثلت فما قيك الأظهر أنّ المرد بالإيحاء إلهامهم الإيمان لا وجه له، وانما قال برسلي، ولم يقل برسولي ليطابق ما بعده لأنّ / المراد بالرسل الوسل الذين في زمن عيسى صلى الله عليه وسلم أو من تقدمه لأنهم يجب الإيمان بهم، وبما جاؤوا به ما لم ينسخ، كأنه إشارة إلى أنّ الشريعة لموسى ىلجب! ر كما مرّ فافهم فسقط ما قيل الظاهر على لسان رسولي بدليك قوله، واشهد بأننا مسلمون، وكون أن مصدرية أو مفسرة! ، ودخولها على الأمر مرّ تحممه، وفسر مسلمون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 بمخلصون أو منقادون لأنه بهذا المعنى يطلق على من قبلنا، وفي العرف يختص بنا، وهو معنى آخر. وقوله: (فيكون تنبيهاً الخ) أي على جعله متعلقا بقالوا والمعية تفهم من كونهما في زمان واحد، وهو ظاهر. قوله: (لم يكق بعد عن تحقيق واستحكام معرف الخ) بعد سقط من نسخة إلى الآن أي حين تكلمهم بهذا لم يكن ما قالوه عن لحقيق منهم، ولا عن معرفة بالله، وقدرته لأنهم لو حققوه، وعرفوه لم يقولوا هل يستطيع، ويقدر إذ لا يليق مثله بالمؤمن بالله، وتبع فيه الزمخشري في الجري على ظاهر الكلام من كون الحواريين شاكين في قدرة الله وفي صدق عيسى صلى الله عليه وسلم كاذبين في دعوى الإيمان والاخلاص، وذهب محيي السنة وغيره إلى أنهم كانوا مؤمنين، وسؤالهم للاطمئنان، والتثبت كما قال الخليل صلى الله عليه وسلم {أرتي كيف تحيي الموتى} [سورة البقرة، الآية: 260، وهل يستطيع سؤال عن الفعل دون القدر تعبيرا عن الفعل بلازمه أو عن المسبب بسببه، ومعنى إن كنتم مؤمنين إن كنتم كاملين في الإيمان، والاخلاص ومعنى، ونعلم أن قد صدفتنا علم مشاهدة، وعيان بعلم ما علمناه علم إيمان، وايقان بدليل إنّ المؤمنين أمروا بالتشبيه بالحواريين، وأجيب بأنّ الحواريين فرقتان مؤمنون هم خالص عيسى عليه الصلاة والسلام والمأمور بالتشبه بهم، وكافرون وهم أصحاب المائدة، وسؤال عيسى صلى الله عليه وسلم لنزول المائدة وإنزالها ليلزمهم الحجة وقال ابن عطية وغيره من المفسرين إنّ القول بكونهم غيره مؤمنين خارق للإجماع ولا نعلم خلافاً في إيمانهم، وأوّلوا الآية، وأجابوا عنها بما مرّ ونحوه، وقالوا صفة الحوارفي تنافي عدم إيمانهم، وهو الحق، وادّعاء أنهم فرقتان يحتاج إلى نقل، ولك أن تقول أنّ المصنف رحمه الله لم يذهب إلى ما ذهب إليه الكشاف، وأنّ مراده أن إخلاصهم الذي ادّعو. لم يكن محكما محققاً تحقيقاً لا تعتوره الأوهام، والوساوس الذي لا تضرّ المؤمن، ولا توقعه في مزلة الكفر فطلبوا إزالة ذلك طلب من يتثبت لانكارهم له، واستعظامه عندهم لا لشك منهم، ولكن خافوا أن يوقعهم الشيطان به في حبائله، وهذا تصرّف منه أخف من نسب الشك إليهم، ومخالفة ظاهر النظم كما يدل عليه ما سيأتي، وهذا هو النظر السديد عندي فتأمله. قوله: (وقيل هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة) فكأنهم قالوا هل إرادة الله، وحكمته تعلقت بذلك أولاً لاً نه لا يقع شيء بدون تعلقهما به قبل، وقوله: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} [سورة المائدة، الآية: 57] لا يلائمه لأن السؤال عن مثله مما هو من علوم الغيب لا قصور فيه، وقد عرفت أنّ الجمهور أولوه كما مرّه قوله: (وقيل المعنى هل يطيع ربك الخ) فيستطيع بمعنى يطيع، ويطيع بمعنى يجيب مجازاً لأنّ المجيب مطيع، وذكر أبو شامة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب في مرض فقال له يا ابن أخي اح ربك أن يعافيني فقال: " اللهمّ اشف عمي) فقام كأنما نشط من عقال فقال يا ابن أخي إنّ ربك الذي تعبده ليطيعك فقال: " يا عم وأنت لو أطعته لكان يطيعك " أي يجيبك لمقصودك، وحسنه في الحديث المشاكل فقد عرفت أنّ العرب استعملته بهذا المعنى، وفي الانتصاف قيل معنى يستطيع يفعل كما تقول للقادر على القيام هل تستطيع أن تقوم، ونقل هذا عن الحسن فعلى هذا يقون إيمانهم سالما عن الشك في القدرة والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من التعبير عن المسبب بالسبب إذ هي من أسباب الإيجاد على عكس {إذا قمتم إلى الصلاة} [سورة المائدة، الآية: 6] وهذا التأويل الحسنيّ يعضد تأويل أبي حنيفة رحمه الله حيث جعل الطول المانع عن نكاح الأمة، وجود الحرة في العصمة، وعدمه أن لا يملك عصمة الحرّة، وان كان قادراً على ذلك فيباح له حينئذ الأمة، وحمل قوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} على معنى، ومن لم يملك منكم، وحمل النكاح على الوطء فجعل استطاعة الملك بمعنى الملك حتى أنّ القادر غير المالك عادم الطول عنده فينكح الأمة، وكنت أستبعده حتى وقفت على تفسير الحسن هذا، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك فنزهتهم عن أن ينسب إليهم مثل هذه المقالة الشيعة. قوله: (وقرأ الكسائي تستطيع ربك أي سؤال ربك) أي قرأها بالتاء خطابا بالعيسى صلى الله عليه وسلم، وربك منصوب على المفعولية، وبقراءته كانت تقرأ عائثة، ومعاذ وعليّ وابن عباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 في جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعلى هدّه القراءة فالأكثر أنّ فيها مضافاً مقدراً، وقيل لا حاجة إلى تقدير، والمعنى هل تستطيع أن ينزل ربك بدعائك، وهذا منقول عن الفارسيّ وفيه نظر وفي قوله هل تسأله ذلك إشارة إلى أنّ استطاعة السؤال هنا عبارة عن السؤال كما مرّ تحقيقه لأنّ قوله من غير صارف يأباه فتأمل. قوله: (والمائد الخوان إذا كان عليه الطعام من ماد الماء الخ) الخوان بضم الخاء، وكسرها، وفيه لغبة اخوان بهمزة مكسورة، وهو معرّب وقيل إنه عربيّ مأخوذ من تخوّنه أي نقص حقه لأنه يؤكل عليه فينقص، وهو بمعنى المائدة، وهي فاعلة من ماد يميد إذا تحرك أو من ماده بمعنى أعطاه فهي إما فاعلة بمعنى مفعول كعيشة راضية أو بجعلها للتمكن مما عليها كأنها بنفسها معطية كقولهم للشجرة المثمرة مطعمة، وتفسير المائدة بالخوان تفسير بالأعمّ لأنه لا يقال للخوان مائدة إلا وعليه طعام، والا فهو خوان كما لا يقال للقدح كأس إلا وفيه خمر، وله نظائر كثيرة ذكرها أهل اللغة. قوله: (بكمال قدرته وصحة نبوتي الا فرق بينهما في ابتغائهما، وإنما الفرق في تقدير متعلق الإيمان هل هو القدرة والنبوة أو عدم تقديره، والمراد صادقين في الإيمان مطلقاً. قوله: (تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال الخ) هذا! لا ينافي ما سبق من كونهم لم تكن معرفتهم مستحكمة لأنهم ليسوا معاندين ولا جازمين بخلافه فلهم أن يعتذروا عن طلبه بأنّ،: مرادنا أن نتيقن، ويزول وهمنا، وعلى التأويلات السابقة لا اشكال فيه فما قيل إنه رد لما في الكشاف من كونهم شاكين، ويدل عليه. قوله: (لما رأى أنّ لهم غرضاً صحيحاً الخ الا يرد عليه أنه كيف يتمشى مع تصريحه أولاً بما ذكره الكشاف، وتقديمه على سائر الأقوال، ولهذا اكترض عليه بأنه غير منايسب لصدر كلامه، ولذا قال بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال ليكون عين اليقين، ولا بعد في مثله من بعض الحواريين إذ قد يكون منهم من قرب عهده ثم تمحض بذلك خلوصه، ؤكلامه لا يخلو من اغلاق وادماج، وقوله عليها من الشاهدين مثل قوله: وكانوا فيه من الزاهدين. وقوله: (إذا استشهدتنا) يشعر بأنّ على صلة الشاهدين لكن فيه تقديم ما في حيز الصلة، وحرف الجر وكلاهما ممنوع فلا بد من تعلقه بمحذوف يفسره من الشاهديبن إن جوّزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقد جوّز تقدمه بعض النحاة مطلقاً وبعضهم في الظرف، وجوّز أن يكون حالاً من اسم كان أي عاكفين عليها على ما مرّ في قوله تعالى {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة} ، والوجه الثاني لا اشعار فيه به، وقوله بكمالها إشارة إلى أنّ عندهم دليلاَ لكنه غير تام، وهذ يؤيد ما اخترنا في تفسير كلامه. قوله: (اللهم ربنا الخ) قالوا ربنا نداء ثان لا بدل ولا صفة لأنّ لفظ اللهم لا يتبع، وفيه خلاف لبعض النحاة ومن السماء إما صفة مائدة أو متعلق بالفعل. قوله: (أي يكون يوم نزولها عيدا الخ الما كان العيد اسماً للزمان في المتعارف لم يصح الاخبار عن المائدة به فقدر نزولها يوم عيد ليصح الحمل فإن قلنا إنّ معناه السرور لا يحتاج إلى التأويل، ولكن يكون جعلها نفسها سرورا مبالغة مجازاً في الاسناد، والعيد العائد مشتق من العود لعوده في كل عام بالفرح والسرور، وكل ما عاد عليك في وقت فهو عيد قال الأعشى: فوا كبدي من لا عج الحب والهوى إذا اعتاد قلبي من أميمة عيدها وهو واوي لكنهم قالوا في جمعه أعياد، وكان القياس أعواداً ففعلوا ذلك فرقا بين جمع عيد وعود، وقد فصلنا الكلام فيه في شرح درة الغواص، ومنهم من أعرب لنا خبرا وجعل عيداً حالاً. قوله: (بدل من لنا باعادة العامل الخ) ظاهره أنّ المبدل منه الضمير، ولكن أعيد الجار لأنّ البدل في قوة تكرار العامل وهو تحكم لأنّ الظاهر أنّ الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور ثم إنّ ضمير الغائب يبدل منه وأمّا ضمير الحاضر، وهو المتكلم، والمخاطب فأجازه بعضهم مطلقاً، وهو ظاهر كلام المصنف، ومنعه قوم وفصل بعضهم فقال إن أفاد تأكيد أو إحاطة وشمولاً كما هنا جاز والا امتنع. قوله: (وقيل يثل منها أوّلنا وآخرنا) الآكل مأخوذ من المائدة، وقوله نريد أن نأكل منها، وكونها لأوّلهم، وآخرهم بأن يأكلوا منها جميعا من غير نقص، ولا تفاوت بين الأوّل، والآخر فيكون كقوله تعالى: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [سورة مريم، الآية: 62] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 والظاهر على هذا أن يكون لنا خبراً أي تكون قوتاً لنا أو نافعة لنا أوّلنا وآخرنا، وإنما ضعفه لأنّ الظاهر منه عموم كل بني إسرائيل بذلك والواقع خلافه فتأمل، وقراءة أولانا وأخرانا تأنيث الأوّل والآخر باعتبار الأمّة أو الطائفة، وهي قراءة زيد وابن محيصن والجحدري، وهي شاذة، وما قيل من أنّ المراد الدار الآخرة لا يصح والجملة صفة عيداً. قوله:) وارزقنا المائدة الخ الو عمم لكان أولى، وعلى هذا فالمراد بالمائدة ما عليها لأنها كما تطلق على الخوان تطلق على ما عليه. قوله: (أي تعذيباً (يعني أنه اسم مصدر بمعنى التعذيب كالمتاع بمعنى التمتيع أو اسم جعل بمعنى المصدر كالنبات بمعنى الانبات فيكون مفعولأ به مبالغة فينتصب به على التشبيه بالمفعول وفي التوسع يتعدّى الفعل إلى مفعول آخر بنفسه من غير تقدير حرف، والمنصوب على التشبيه بالمفعول ثلاثة المصدر، والظرف، ومعمول الصفة المشبهة، وليس هو الحذف والايصال، ولذا قال أبو البقاء فيه وجهان النصب على السعة أو الحذف، والإيصال، والأوّل أقيس لأنّ حذف الجار لا يطرد في غير أنّ، وأن عند عدم اللبس، وقيل المراد بالسعة الحذف، والايصال أي أعذب بعذاب، والعذاب ما يعذب به وربما يؤيده ما بعد.. قوله: (الضمير للمصدر الخ) قيل عذاباً مفعول مطلق إذ لو جعل اسماً لما يعذب به لقيل بعذاب لأنّ التعذيب لا يتعذى إلى مفعولين، والحذف، والإيصال خلاف الظاهر فلا يرجع إليه مع ظهور المصدرية فعلى هذا يكون ضمير لا أعذبه في موقع المفعول المطلق كما في ظننته زيداً قائما، ويقوم مقام العائد إلى الموصوف فإنّ قوله لا أعذبه صفة عذابأ، ويجوز أن يجعل من قبيل ضربته ضرب زيد أي عذابا لا أعذب تعذيباً مثله فيكون مع كونه في موقع المفعول المطلق عائداً إلى الموصوف. (اقول) هدّا مأخوذ من كلام أبي البقاء، وحاصله أنّ الصفة لا بد لها من عائد، وهذا الضمير إذا كان مفعولاً مطلقا يكون عائداً على المصدر المفهوم من الفعل كما في ظننته زيدا قائماً إذ لا مرجع له غيره وحينئذ تخلو الصفة من العائد فأجاب عنه بجوابين الأوّل أنه مصدر واقع بعد النفي فيعم ويشمل العذاب المتقدم ويحصل الربط بالعموم، وأورد عليه أنّ الربط بالعموم إنما ذكره النحويون في الجملة الواقعة خبرا نحو زيد نعم الرجل فلا يقاس عليه الصفة فإن قدر مثل يكون الضمير راجعاً على العذاب المتقدم والربط به، وقيل الضمير راجع إلى من بتقدير مضافين أي لا أعذب مثل عذابه، ولا بد من هذا التقدير ليصح المعنى. قوله: (من عالمي زمانهم أو العالمين مطلقاً الخ) السفرة بالضم الطعام بوضع للمسافر ثم شاع فيما يوضع فيه، والمثلة بالضم المراد بها هنا العقوبة، وأصلها عقوبة فيها قطع الأنف، والاً طراف للتكيل وهي المنهي عنها، وقال الطيبي المثلة العقوية الغريبة كالمسخ. قوله: (بلا فلوس) جمع فلس، وهو ما على جلد السمك من القشور، وهو على طريق التشبيه، وليس بمعنى اللمع الفضي كما قيل، والكراث بضم الكاف وتشديد الراء ورائحته كرائحة البصل تنفر منها الملائكة، وأهل الزهد والجبن معروف، وهم بضم الجيم والباء، وتشديد النون في اللغة الفصحى، وفيه لغة أخرى تسكين الباء وتخفيف النون كضد البخل، ولذا قال الشاعر: وقالوا تدرع للشجاعة والوغى فقلت دعوني آكل الخبز بالجبن وإنما جعلت هذه معها لأنها مشهية، والعسل دافع لضرر السمك، والقديد اللحم اليابس، وقوله أحيي بفتح الياء الأولى، وسكون الثانية أمر أي كوني حية ذات ووح، وقوله اضطربت أي تحركت بحلول الروح فيها، وغبا أي يوما بعد يوم ليكون أشهى وأحب، وفاء الفيء أي فيء الزوال وفاء ماض أي وجد ظله، وقوله استعفوا أي طلبوا العفو، وفي نسخة استغفروا، وقوله فلم تنزل الصحيح رواية خلافه، وهذا مرويّ عن الحسن. قوله: (وعن بعض الصوفية الخ) أن قال إن المقصود من الآية هذا فلا وجه له وان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 أراد أنه من البطون القرآنية فنعم، وتنزيل النظم عليه ظاهر. قوله: (توبيخ الكفرة وتبكيتهم الخ (يعني أنّ الاستفهام ليس حقيقياً، ولكن لا لتوبيخ عيسى صلى الله عليه وسلم بل لتوبيخ المتخذين، ولما كان هذا القول وقع من رؤسائهم في الضلال كان مقرّراً كالاتخاذ، وإنما المستفهم عنه صورة ممن صدر فلذا قدم المسند إليه لأنّ المستفهم عنه يلي الهمزة إلا لنكتة على المشهور عند أهل النحو والمعاني، ولام للناس للتبليغ، واتخذ بمعنى صير يتعدّى لاثنين، وقد يتعدى لواحد فالهين حال، ومن دون إما متعلق به أو بمحذوف صفة الهين وقيل التقديم لتقوية التوبيخ، وقوله وأمي دون مريم توبيخ على توبيخ أي مع أنك بشر تلد، وتولد قبل هذا، وقيل الاستفهام لاستنطاقه ليفتضحوا، وهذا ليس غير التوبيخ كما توهم. قوله: (ومعنى دون إما المغايرة الغ (لما كان معنى اتخذت فلانا صديقاً من دوني أنه استبدله به لا أنه جعله صديقاً معه، وهم لم يقولوا بذلك بل ثلثوا أوّلها بأن من أشرك مع الله غيره فقد نفاه معنى لأنه وحده لا شريك له منزه عن ذلك فاقراره بالله كلا اقرار فيكون من دون الله مجازاً عن مع الله أو المراد بمن دون التوسط بينهم وبين الله كما تقول اتخذ شفيعاً من دون السلطان أي بينك، وبينه فيكون الدون إشارة لقصور مرتبتهما عن مرتبته لأنهم قالوا هو كالشمس، وهذا كشعاعها، وهذا في الآخرة، ولذا ضعف ما قيل إنّ أوّل من صلى المغرب عيسى صلى الله عليه وسلم شكر ألله حين خاطبه بقوله " نت قلت الخ، وكان ذلك بعد الغروب فالأولى لنفي الألوهية عن نفسه، والثانية لنفيها عن أمّه، والثالثة لاثباتها لله. قوله: (أي أنزهك تنزيها من أن يكون لك شريك الخ) إشارة إلى أنّ اتخاذهما إلهين تشريك لهما معك في الألوهية لا إفرادهما بذلك إذ لا شبهة في ألوهيتك، وأنت منزه عن الشركة فضلا عن أن يتخذ إلهان دونك على ما يشعر به ظاهر العبارة قيل: ويجوز أن يكون إشارة إلى أنّ من دون الله في موتع الصفة، والمعنى الهين سوى الله فيكون المجموع ثلاثة، وهذا إثبات للشريك فنزهه عنه، ومنه يعلم توجيه آخر لقوله من دون الله غير التوجيهين السابقين اللذين ذكرهما الراغب، وتبعه المصنف رحمه الله، وقوله أنزهك تنزيها إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية كما مرّ تفصيله في سورة البقرة، وقوله من أن يكون لك شريك بيان لمتعلق المنزه عته، وقدره ابن عطية من أن يقال هذا، وينطق به قيل وهو أنسب بقوله ما يكون لي أن أقول الخ. قوله:) ما ينبني لي أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقوله) إشارة إلى أن ما يكون بمعنى ما ينبغي، ولا يليق، وهو أبلغ من لم أقله وقوله لا يحق لي إشارة إلى أنّ لي متعلقة بحق مقدمة عليه، وبحق خبر ليس، وليس بمتعين لاحتمال لي أن يكون للتبيين فيتعلق بمحذوف كما في سقيا لك، وقد أعربه المعربون كذلك فلا حاجة إلى تكلف وجه آخر، ولا يرد عليه ما قيل إنه يقتضي تعلق لي بحق وتقديم صلة المجرور على الجار ممتنع فلا بد من تقدير متعلق يفسره الظاهر، وأما القول بأنّ الباء زائدة فلا يفيد إذ لا فرق في المنع بين الزائد، وغيره إلا أن يذهب إلى القول بالجواز كما ذهب إليه بعض النحاة. قوله: (إن كنت قلتة) المعنى على المضي هنا، وأن تقلب الماضي مستقبلاً فلذا قيل معناه إن صح قوله ودعو أي ذلك فقد تبين عملك به، وأجاب عنه ابن يعيش بجوابين الأوّل عن المبرد أنّ كان قوية الدلالة على المضيّ فلا تقدران على تحويلها إلى الاستقبال الثاني عن ابن السراج أن التقديران أقل كنت قلته قال: وكذ ما كان من أمثاله، وفي تذكرة ابن هشام رحمه الله أنّ هذين الجوابين ضعيفان. قوله: (تعلم ما أخفيه في نفسي كما تعلم الخ) قال الزجاج: النفس في كلامهم لمعنيين بمعنى الروج، وبمعنى الذات وحقيقة الشيء، وليس مراده الحصر فيهما لأنّ لها معاني أخر، وإذا كانت بمعنى الذات فقد ورد إطلاقها على الله من غير مشاكلة كقوله: {وكتب على نفسه الرحمة} وغيره وأمّا بالمعنى الأوّل فلا تطلق عليه تعالى إلا مشاكلة، وهنا إن كان المراد الذات على كل حال فيهما فليست المشاكلة في إطلاقها بل في لفظ في حيث جعلت علم عيسى صلى الله عليه وسلم، في ذاته بمعنى في ذهنه، وعقله كقولك كان كذا في نفسي، وعلم الله لا يرتسم في عقل، ودهن ولا يتوقف على آلة، ولذا قال الطيبي رحمه الله لا بد من المشاكلة، وان أريد الحقيقة والذات من حيث إدخال في الظرفية لأنّ المراد به من جانب العبد ما في الضمير، والقلب، وقال الراغب: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 يجوز أن يكون القصد إلى نفي النفس عنه فكأنه قال تعلم ما في نفسي، ولا نفس لك فأعلم ما فيها كقوله: ولا ترى الضت بها ينجحر ولذا قال في الكشاف في نفسي في قلبي، والمعنى تعلم معلومي، ولا أعلم معلومك، ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة، وهو من فصيح الكلام، وفي الدر المصون أنه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما فما قيل في شرحه المعنى لا أعلم ما في ذاتك فعبر عن الذات بالنفس لقوله: {ثعلم ما في نفسي} [سورة المائدة، الآية: 16 ا] وأنت خبير بأن لا أعلم ما في ذاتك، وحقيقتك ليس بكلام مرضيّ بل المراد أنه عبر عن لا أعلم معلومك بلا أعلم ما في نفسك لوقوع التعبير عن تعلم معلومي بتعلم ما في نفسي لا يخفى ما فيه من الخلل بعد ما عرفت ما حققناه، واذأ علمت أن للنفس معنيين يطلق أحدهما على إلله من غير مشاكلة، وهو الحقيقة والذات، والثاني متوقف عليها علمت ما في كتب الأصول من الخبط كما في العضد، وشروحه. قوله: (كما تعلم ما أعلته (يعني علمهما على حد سواء عنده أو المراد أنه يعلم بالطريق الأولى، وقوله: في نفسك للمشاكلة جار على ما حققناه لأنه لم يقل إطلاق النفس مشاكلة لكن قوله، وقيل المراد بالنفس الذات صحيح لأنه يقتضي أنه عليه لا يحتاج إلى المشاكلة، وهو كذلك لما عرفت أن علمه ليس بانتقاس في ذأته لا لما قيل إنّ ما في ذاتك لا يخرجه عن المشاكلة إذ لا تطلق النفس بمعنى الذات عليه تعالى إلا مشاكلة كما في شرح المقاصد الشريفي فإنه ليس كذلك، وادعاء أنّ ما وقع في الآيات مشاكلة تقديرية من سقط المتاع. قوله: (تقر-لر للجملتين باعتبار منطوقه ومفهومه الإفادته الحصر بضمير الفصل إن قلنا لا يشترط فيه تعريف الطرفين أو أفعل التفضيل أو تعريف الطرفين المفيد لإثبات علم الغيب له تعالى، ونفيه عمن سواه فالإثبات تقرير لتعلم ما في نفسي لأنّ ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب، والنفي تقرير للا أعلم ما في نفسك لأنه غيب، وغيرك لا يعلم الغيب، وهذا معنى قوله باعتبار منطوقه ومفهومه، وما قيل عليه من أنّ المفيد للحصر ضمير الفصل فيكون نفي العلم عن الغير أيضاً منطوقا إلا أن يريد نفي العلم عن نفسه، وهو مفهوم لكن لا يلايمه قوله: تصريح بنفي المستفهم عنه ليس بوارد لأن الصحيح أنّ مدلول الكلام الحصري الإثبات على الانفراد، ويلزمه النفي، وفرق بين الحصر بما والا، وإنما وبين غيرهما، ولذا لا يصحح العطف بلا النافية بعدهما دون غيرهما فهو مفهوم ولا منطوق فتأمّل. قوله: (تصريح بنفي المستفهم عنه الخ) وهو قوله للناس لأنّ المعنى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به لا هذا، وما يدل عليه قوله سبحانك الخ. قوله: (عطف بيان للضمير في به أو بدل الخ) قدم عطف البيان لسلامته عن الأشكال، وجوّز كونه بدل كل من كل رداً على الزمخشريّ لأنّ المبدل منه في حكم النسخ، والطرح فيلزم خلوا لصلة من العائد بطرحه وبين وجهه بأنه ليس كذلك مطلقا وقوله: مطلقاً يحتمل في كل حكم لأنه قد يعتبر طرحه في بعض الأحكام كما إذا وقع مبتدأ فإن الخبر للبدل في نحو زيد عيته حسنة، ولا يقال حسن فلولا اعتبار طرحه لزم أن يخبر عنه، ويحتمل أنه ليس كل بدل كذلك بلهو مخصوص ببدل الغلط فإنه يعتبر طرحه كما في شرح المفصل، ثم إنه اعترض على الزمخشريّ بتناقض كلامه فإنه صرح في المفصل بأنه ليس في حكم الطرح وأعرب الأوليان بدلاً من ضمير يقومان قبيل هذا مع أنّ الضمير عائد من الصفة إلى الموصوف، والجواب عنه، وإن شنع عليه شراح الكشاف أنّ هذا مذهب لبعض النحاة، ونقله الإسفندياري في شرح المفصل عن ابن السراج. وقال في الدر المصون: إنّ الذاهبين إليه نصوا على أنه لا يجوز جاء الذي مررت به أبي عبد الذ بجرّ أبي عبد الذ بدلاً من الهاء، وعللوه بأنه يلزم بقاء الموصوف بلا عائد، وأما كون المبدل منه، وهو الاسم الظاهر يصلح للربط فإنه عين المبتدأ ففيه خلاف لهم، وهذا دأب الزمخشريّ كما يعلم من تتغ كتابه وصرح به في الكشف في مواضع أنه يمشي على مذهب في آية ثم يذكر مذهبا آخر يخالفه في أخرى استيفاء للمذاهب، ومن لا يعرف مغزى كلامه يظنه تناقضاً منه، ولا يرد عليه ما قيل إنّ في المعنى أنّ عطف البيان في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات فكما أنّ الضمير لا ينعت لا يعطف عليه عطف بيان فإنّ كثيراً من النحاة جوّزوه، وليس متفقاً عليه، وقد أشار شراح المغني إلى رده، وجعله خبر مضمر أي، وهو أن اعبدوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 الخ أو منصوبا بأعني مقدّراً ظاهر غني عن البيان. قوله: (ولا يجورّ إبداله من ما أمرتني به فإن المصدر لا يكون مفعول القول الخ) أي لا يجوز إبداله من ما الموصولة التي هي بدل من مفعول القول لأنّ مفعوله إمّا جملة محكية أو ما يؤدي مؤداها كقلت قصيدة أو ما أريد به لفظه حكاية، وليس هذا واحداً منها وقيل عليه العبادة، وان لم تقل فالأمر بها يقال لأنّ أن الموصولة مع فعل الأمر لا تقدر بالعبادة، ولكن بالأمر بها فكأنه قيل ما قلت لهم إلا الأمر بعبادة الله والأمر مقول بل قول على أنّ جعل العبادة مقولة ليس ببعيد على طريقة ثم يعودون لما قالوا أي للوطء الذي قالوا قولاً يتعلق به، ومثله كثير في القرآن، وفي الفرائد معناه ما قلت لهم إلا عبادته أي الزموا عبادته، وهو المراد مما أمرتني، والجملة بدل من ما لأنها في حكم المفرد وكله تعسف. قوله: (ولا ان تكون أن مفسرة لأنّ الأمو الخ) إشارة إلى أنّ ما مر على تقدير المصدرية ورده بوجهين أحدهما أنّ الأمر المسند إلى الله لا يصح تفسيره باعبدوا الله ربي وربكم بل باعبدوني أو اعبدوا الله، ونحوه ورد بأنه يجوز أن يكون حكاية بالمعنى، وأن يكون ربي وربكم من كلام عيسى صلى الله عليه وسلم كما مر في قوله: {إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم} رسول الله فليس من الحكاية بل إدماج أو على إضمار أعني، ونحوه وهذا لا ينافي التفسير كما قيل، وإن كان خروجا عن مقتضى الظاهر وفي أمالي ابن الحاجب إذا حكى حاك كلاما فله أن يصف المخبر عنه بما ليس في كلام المحكي عته، وقال الدماميني رحمه الله ولا يمتنع أن يكون الله قال لعيسى قل لهم اعبدوا الله ربي، وربكم فحكاه كما أمره به ولا إشكال، والوجه الثاني أنّ القول لا يفسر بل يحكي به ما بعده من الجمل، ونحوها، وهو ظاهري لأنه إن أريد به أنه لا يقترن بحرف التفسير المقول المحكي فمسلم لأنّ مقول القول في محل نصب على المفعولية والجملة المفسرة لا محل لها كما ذكره أبو حيان هنا لكن المقول هنا محذوف، وهو المحكي، وهذا تفسير له أي ما قلت لهم مقولاً، وفي الانتصاف أجاز بعضهم وقوع أن المفسرة بعد لفظ القول، ولم يقتصر بها على ما هو في معناه. قوله: (إلا أن يؤوّل القول بالآمر الخ) نقل عن الزمخشريّ في حواشيه كان الأصل ما أمرتهم إلا ما أمرتني به فوضع القول موضمع الأمر جريا على طريق الأدب الحسن لئلابجعل نفسه، وربه معا آمرين، ودل على الأصل بإقحام أن المفسرة قيل ولابتناء جعل القول في معنى الأمر على هذه القرينة، والنكتة لم يكن لك أن تجعل كل قول في معنى فعل فيه معنى القول فتجعل أن مفسرة له. (قلت) هذا ردّ لقول الانتصاف إنّ هذا التأويل لتقع أن المفسرة بعد فعل في معنى القول، وليس قولاً صريحا، وحمل القول على الأمر مما يصحح المذهب الآخر في إجازة وقوعها بعد القول مطلقاً فإنه لولا ما بين القول، والأمر من التناسب المعنوي لما جاز إطلاق أحدهما، وارادة الآخر، والعجب أنّ الأمر قسم من القول، وما بينهما إلا عموم، وخصوص، وليس في هذا التأويل الذي سلكه إلا كلفة لا طائل وراءها ولو كانت العوب تأبى وقوع المفسرة بعد القول لما أوقعتها بعد فعل ليس بقول، ثم عبرت عن ذلك الفعل بالقول لأنّ ذلك كالعود إلى ما وقع الفرأر منه، وهم بعداء من ذلك انتهى، وقال ابن هشام فإن قيل لعل الامتناع من إجازته لأنه أمر لا يتعدى بنفسه إلى المأمور به إلا قليلا يعني كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فكذا ما أوّل به قلنا هذا لازم له على توجيه التفسيرية، وهو ليس بشيء لأنه لا يلزم من تأويل شيء بشيء أن يتعدى تعديته كما صرحوا به لأنّ التعدية تنظر إلى اللفعل، ثم إنه قيل في جعل أن مفسرة لفعل الأمر المذكور صلته مثل أمرته بهذا أن قم نظر أما في طريق القياس فلأن أحدهما مغن عن الآخر، وأما في الاستعمال فلأنه لم يوجد، وفي ادعاء القياس نظر لأنّ الأوّل لإبهامه لا يغني عن الثاني، والثاني لا يغني عن الأوّل وللتفسير بعد الإبهام شأن ظاهر. قوله: (رقيباً عليهم أمنعهم أن يقولوا ذلك الخ) إشارة إلى أنّ الشهيد، والرقيب هنا بمعنى، ولكن تفنن في العبارة ليميز بين الشهيدين، والرقيبين لأنّ كونه صلى الله عليه وسلم رقيباً ليس كالرقيب الذي يمنع، ويلزم بل كالشاهد على المشهود عليه، ومنعه بمجرّد القول، وأنه تعالى هو الذي يمنع منع إلزام بالأدلة، والبينات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 فإن قلت قوله: {فلما توفيتني} الخ بعد قوله: {وكنت عليهم شهيدا} الخ من قبيل ما مر في قوله قالوا لا علم لنا أي لا علم لنا بما كان منهم بعدنا إذالحكم للخاتمة، وقد رد هنا بأنه كيف يخفى عليه أمرهم، وقد رآهم سود الوجوه كما مر قلت: ليس هذا منه لأنه صلى الله عليه وسلم في صدد التنصل، والتبري عما نسب إليه واثباته لهم فأين هذا من ذاك فإن قيل إنه تعالى قبل توفيه هو المانع بالإرشاد لإرسال الرسل والبينات كما أنه كذلك بعد توفيه فلا تقابل بين قوله كنت أنت الرقيب، وقوله: كنت عليهم شهيداً على هذا التفسير فينبغي تفسيره بأني ما دمت فيهم كنت شاهدا لأحوالهم فيمكن لي بيانها، وبعد التوفي لا أعلم حالهم، ولا يمكنني بيانها قلت منعه من غير واسطة بل بالقول، والزجر، ومنع الله ليس كذلك فالتقابل واضح وتخصيصه بعد توفيه بالفعل بلا رسولط، والا فهو الهادي قبله، وبعده وهو ظاهر مما مر، وقوله: بالرفع إلى السماء إشارة إلى ما سبق من أنه لم يصلب، ولم يمت فلذا فسر التوفي برفعه، وأخذه من الأرض! كما يقال توفيت المال إذا قبضته. قوله: (ولا اعتراض على المالك الخ) وأما العباد فقد يعترض عليهم إذا فعلوا بمماليكهم ما لا يجوّزه الشرع لأنهم لا ملك لهم على الإطلاق، وقوله وفيه تنبيه لم يجعله معنى النظم لأنه ليس من منطوقه بل فيه إشارة إليه. قو! 4:) فلا هجز ولا استقباح الخ) وقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه بدل العزيز الحكيم العزيز الغفور لأنه مقتضى قوله، وأن تغفر لهم كما نقله ابن الأنباري رحمه الله تعالى، وأجاب عنه لسوء فهمه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط لكونه جوابه، وليس كما توهم بفكره الفاسد بل هو متعلق بهما، ومن له الفعلى، والترك عزيز حكيم فهذا أنسب، وأدق وأليق بالمقام، وما في كلام المصنف رحمه الله تعالى يمكن إرجاعه إلى هذا أو هو متعلق بالثاني، وأنه احتراس لأنّ ترك عقاب الجاني قد يكون لعجزينا في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فبين أن ثوابه وعقابه مع القدرة التامة، والحكمة البالغة، وليس كما قيل: يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا وقوله: لا عجز ولا اشقباح فإن كونه عزيزا غالبا ينفي العجز، وكونه حكيما ينفي استقباح فعله، ولذا قيل ليس قوله: إن تغفر لهم تعريضا بسؤاله العفو عنهم، وإنما هو لإظهار قدرطه على ما يريد وعلى مقتضى حكمه وحكمته، ولذا قال إنك أنت العزيز الحكيم تنبيها على أنه لا امتناع لأحد عن عزته فلا اعتراض! في حكمه وحكمته، ولم يقل الغفور الرحيم، وإن اقتضاهما الظاهر كما قال: أذنبت ذنباعظيما وأنت للعفو أهل فإن غفرت ففضل وان جزيت فعدل قوله: (فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم الخ) في الكشاف ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بني الكلام على أن غفرت فقال إن عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب، وان غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأنّ المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرفاً كان العفو عنه أحسن يعني أنّ المغفرة، وان كانت قطعية الانتفاء بحسب الوجود لكنها لما كانت بحسب العقل تحتمل الوقوع واللاوقوع استعمل فيها كلمة إن فسقط ما يتوهم أن تعذيبهم مع أنه قطعيّ الوجود كيف استعمل فيه إن وأنما كان العفو أحسن لأنه أدخل في الكرم، وهذا لا ينافي كون العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر، وعدم وقوع العفو بحكم النص، والإجماع، وفي كتب الكلام أنّ غفران الشرك جائز عقلاً عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة لاًنّ العقاب حق الله على المذنب، وليس في إسقاطه مضرة فما ذكره في الانتصاف من أنّ هذا لا يوافق كلام أهل السنة، ولا المعتزلة ليس على ما ينيغي، وأما استعماله في الممتنع لذاته لنكتة أخرى فلا ينافي هذا، وبهذا التقرير علمت ما عني المصنف رحمه الله تعالى، وأنه ليس مخالفاً للكشاف كما توهم. قوله: (على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف الخ) قراءة الجمهور بالرفع ظاهرة على الابتداء، والخبرية، وفراءة النصب خرجت على وجوه منها أنه ظرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 لقال، وهذا مبتدأ خبره محذوف أي كلام عيسى مج! في يوم ينفع الصادقين أو هذا جزاء الصادقين، ونحوه أو هذا حق تصديقا لعيسى صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لأمته، والظرف خبره أي هذا الذي قاله عيسى صلى الله عليه وسلم واقع ينفع الخ أو هذا مفعول به للقول لأنه بمعنى الكلام القصص أو مفعول مطلق لأنه بمعنى القول. قوله: (وليس بصحيح لأن المضاف إليه معرب) قال الكوفيون: الظرف مبني على الفتح إذا أضيف إلى جملة فعلية، وأن كانت معربة، واستدلوا بهذه القراءة وغيرها، وأما البصريون فلا يجيزون البناء إلا إذا صدرت الجملة المضاف إليها بفعل ماض كقوله: على حين عاتبت المشيب على الصبا وخرجوا هذه القراءة على ما ذكره، ونحوه فادعاء عدم صحته على مذهبهم، وألحق بالماضي الفعل المنفي بلا كما ذكره النحرير: وتفصيله في النحو. قوله: (والمراد بالصدق الصدق في الدنيا فإن النافع ما كان حال التكليف) ، والعمل لا ينفع في الدار الاخرة مطلقا وهو إشارة إلى ما قالوه من أنّ الكفار لا يكذبون في الآخرة، ولذا قالوا وكنا نكذب بيوم الدين، وأورد عليه أنه ليس بمطابق لما ورد فيه لأنه شهادة بصدق عيسى صلى الله عليه وسلم فيما قاله جواباً عن قوله: (أأنت قلت للناس الخ) فالأخبار بأن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في الاخرة لا يلائم ذلك، وأجيب بأنّ المراد الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم إلى آخرتهم كما هنا فالنفع، والمجازاة تكون باعتبار تحققه في الدنيا، والمطابقة لما نحن فيه باعتبار تقرره، ووقوع بعض جزئياته في الآخرة، والمستمرّ هو الأمر الكلي الذي هو الاتصاف بالصدق، ولا يلزم من هذا أن يكون للصدق الأخروي مدخل في الجزاء ليعود المحذور ولا يحتاج إلى جعل الصدق الأخروي شرطا في نفع الصدق الدنيوي، والمجازاة عليه وقوله بيان للنفع يعني قوله لهم جنات إلى هنا تفسير للنفع، ولذا لم يعطف عليه. قوله: (تنبيه على كذب الخ) وجه التنبيه من تقديم الظرف لأنه المالك لا غيره فلا شريك له قيل، ويعلم منه تنزهه تعالى عن المكان. قوله: (وإنما لم يقل ومن فيهن الخ) لأنّ المعروف تغليب العقلاء لشرفهم على غيرهم، والوجه الأول مبني على اختصاصها بذوي العقول ف! طلاقها على ما يشملهم، ويجانسهم لنكتة، وهي الإشارة إلى قصور الجميع عن الربوبية لتجانسهم، والله لا يجانسه، ولا يثاكله شيء، وأنهم بمنزلة الجمادات في جنب عظمته، وكبرائه، والثاني إشارة إلى أنّ ما عامة للعقلاء، وغيرهم فاستعملت للعموم من غير تغليب لأنها لا تختص! بغير ذوي العقول بل تتناول الأجناس كلها عقلاء، وغيرهم فكانت أولى بالعموم لمناسبتها لمقام إظهار العظمة، والكبرياء فما في ملكوته وتحت قدرته لا يصلح شيء منها للألوهية سواء فيه عيسى صلى الله عليه وسلم وأمه وغيرهما، والحديث الذي ذكره موضوع كما ذكره ابن الجوزي من حديث أبيّ رضي الله عنه المشهور. تمت سورة المائدة اللهم لا تحرمنا ببركتها من موائد كرمك، ولا تقطع عنا عوائد نعمك وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام في كل مبدأ وختام آمين. تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع أوله سورة الأنعام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 هو بعض حديث أبي بن كعب في فضائل الفرآن سورة سورة، وهو موضوع كما قال الأئمة الحفاظ ابن الجوزي وابن حجر والذهبي وغيرهم، وتقدم الكلام عليه في آخر سورة آل عمران. بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأنعام قطب هذه السورة يدور على إثبات الصانع، ودلائل التوحيد قال أبو إسحق الإسفرايني رحمه الله في سورة الأنعام كل قواعد التوحيد، ولما كانت نعمه تعالى مما تفوت الحصر إلا أنها ترجع إجمالاً إلى إيجاد وابقاء في النشأة الأولى، وإيجاد وابقاء في النشأة الآخرة، ولما أشير في الفاتحة إلى الجميع ابتدئت بالتحميد لأنها ديباجة نعمه المذكورة في كتابه المجيد ثم أشير في الأنعام إلى* الإيجاد الأوّل وفي الكهف إلى الإبقاء الأوّل وفي سبأ إلى الإيجاد الثاني، وفي فاطر إلى الإبقاء الثاني فلهذا ابتدئت هذه السور الخمس بالتحميد فقال جل ثناؤه: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} . قوله: (غير ست الخ) وقيل غير اثنتين نزلتا في رجل من اليهود قال ما أنزل الله على بشر من شيء الخ. قوله: (أخبر بأنه سبحانه وتعالى حقيق بالحمد الخ) يشير به إلى إنها جملة خبرية وقد جوّز في هذه الجملة أن تكون خبرية وإنشائية، وذهب بعضهم إلى تعين الخبرية فيها، وبعضهم إلى تعين الإنشائية قال ابن الهمام في شرح البديع هي إخبار صيغة إنشاء معنى كصيغ العقود وبالغ بعضهم في إنكار كونها إنشائية لما يلزم عليه من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود ويبطل من وجهين أحدهما أنّ الحامد ثابت قطعاً بل الحمادون، والآخر أنه لا يصاغ للمخبر عن غيره لغة من متعلق أخباره، اسم قطعا، فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخباراً محضاً لم يقل لقائل الحمد حامد وهما باطلان فيبطل ملزومهما، واللازم مما ذكره انتفاء وصف الواصف المعين لا الاتصاف، وهذا لانّ الحمد إظهار الصفات الكمالية الثابتة لا ثبوتها نعم يتراءى كون كل مخبر منشئاً حيث كان واصفا للواقع ومظهرأ له، وهو توهم وأن الحامد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه ابتداء التعظيم، وهذا ليس ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان، وظهر أنّ الغفلة عن اعتبار هذا القيد جزء ماهية الحمد هو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 منشأ الغلط إذ بالغفلة عنه ظن أنه إخبار لوجود خارج يطابقه وهو الاتصاف، ولا خارج للإنشاء، وأنت تعلم أن هذا خارج عن المفهوم، وهو الوصف الجميل وتمامه، وهو المركب منه ومن كونه على وجه ابتداء التعظيم لا خارج له بل هو ابتداء معنى لفظه علة له انتهى قلت إن نظرت بدقيق النظر إلى ما قال فهذا كلام لا يخلو من اختلال فإنه لا يلزم في كل إنشاء صحة اشتقاق اسم فاعل صفة للمتكلم به منه بل إنما يكون إذا كان إنشاء لحال من أحواله كما فيما نحن فيه، ولا فرق فيه بينه وبين الخبر في ذلك، فكما يصح أن يقال حامد يقال لمن ضربت ضارب فإن لم يكونا كذلك لم يصح فيهما، وكما لا يقال لمن قال زيد قائم إنه قائم لا يقال لمن قال: اضحرب إنه ضارب وهذا لا يختص بالأمر، ألا ترى أنّ قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} [البقرة، الآية: 233] أنها خبرية لفظا وانشائية معنى لأنها لأمرهم بالإرضاع ولا يطلق عليه تعالى مرضحع، كذا نحو قاتله الله جملة إنشائية معنى خبرية لفظاً، ولا يقال لقائلها قاتل، وهذا تخيل فاسد والذي غرّه صيغ العقود، وقد علمت وجهه فيها وأنها لا تختص بها وما نحن فيه من قبيلها، فتأمّل منصفاً. قوله: (ونبه على أنه المستحق له الخ) يعني أنه أخبر أوّلاً أنه حقيق بالحمد باعتبار ذاته تعالى، ولذا لم يقل للمنعم ونحوه، ثم نبه على استحقاقه باعتبار الأنعام تنبيها على تحقق الاستحقاقين، وأعلم أن الحمد لغة الثناء بالجميل الاختياري تعظيما، وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم فقد تضمن محموداً به ومحمودأ عليه، إن قلنا إنه مغاير للمحمود به، ومعتبر فيه كما يعلم تحقيقه من شرح المطالع وحواشيه، وأمّا المستحق للحمد فهو المحموإ، ولا يشترط فيه ذلك بل لا يصح، قال الفاضل الليثي المراد بالاستحقاق الذاتي استحقاقه تعالى الحمد بجميع صفاته وأفعاله كما أشار إليه الشريف في شرح الكشاف حيث قال: لما كانت صفاته عين ذاته أو مستندة إليها. وكانت أفعاله متفرّعة على صفاته كان استحقاقه العبادة لصفاته، وأفعاله راجعا إلى الاستحقاق الذاتي، أقول هذا مردود من وجهين، الأوّل أن المحمود لا يشترط فيه أن يكون اختياريا كما مرّ فحينئذ التعظيم، وهو الحمد العرفي الذي الحمد اللغويّ نوع منه، وأقصاه العبادة يضاف إلى الذات من غير تأويل بل هو الطرف الأعلى كما صرّج به في الإشارات في مقامات العارفين، وقال الرازي في شرحه: أعلم أنهم في ذلك ثلاث طبقات. فالأولى: في الكمال والشرف الذين يعبدونه لذاته لا لشيء آخر، والثانية: وهي التي تلي الأولى في الكمال الذين يعبدونه لصفة من صفاته، وهي كونه مستحقا للعبادة، والثالثة: وهي آخر درجات المحققين الذين يعبدونه لتستكمل نفوسهم بالانتساب إليه انتهى، والعجب كيف خفي مثله على هؤلاء الفحول، فإن قلت كيف يتصوّر تعظيم الذات من حيث هي قلت لو وقع ذلك ابتداء قبل التعقل بوجوه الكمال كان كذلك أما بعد معرفة المحمود بسمات الجمال، وتصوّره بأقصى صفات الكمال فلا بدع في أن يتوجه إلى تمجيده وتحميده مرّة أخرى بقطع النظر عما سوى الذات بعد الصعود بدرجات المشاهدات، وإذا قال أهل الظاهر: صفاته لم تزده معرفة لكننا لذة ذكرناها فما بالك بهؤلاء وهم القوم كل القوم، الثاني أن ما استند إليه من كلام السيد السند غير مفيد لمدعاه بل شاهد عليه لأن صاحب الكشاف قال: لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات اا! ظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء، وغاية الخضوع وألاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته تخص بالعبادة، والاستعانة لا نعبد غيرك، ولا نستعينه ليكون الخطاب أدل على أنّ العبادة له لذلك التمييز الذي لا تحق العبادة إلا به، فقال الشريف: في أثناء تحقيقه ولما كانت صفاته إمّا عين ذاته أو مستندة إليها وحدها، وكانت متفرّعة عن صفاته الذاتية كان استحقاقه العبادة بصفاته وأفعاله راجعاً إلى الاستحقاق الذاني، أقول يريد قدس سرّه أنه لما تحصل من ضمير الحطاب الدال على تلك الصفات، ومن تقديمه الدال على الحصر أن استحقاق العبادة ليس إلا لذلك، والحال أنّ الاستحقاق الذاتي مقرّر بل هو المطلوب الأعلى فلا يصح الحصر، أجاب بأنه لا ينافيه إلا إذا كان مغايراً له رأسا، وأمّا إذا كان عينه أو راجعاً إليه فلا، فلذا جعل الاستحقاق الذاتي أصلاً وأرجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 الاستحقاق بالصفات إليه ولو كان معناه ما ذكره المحشي لعكس، لأنه جعل الاستحقاق بالذات راجعا إلى جميع الصفات، وتسميته ذاتيا بنوع تأوّل، وقد اهتدى إلى هذا بعض الفضلاء فقال في شرح كلامه هذا إشارة إلى دفع سؤال مقدر، وهو أن العبادة هي الحمد فإذا كان استحقاقه إياها منحصراً في التمييز بتلك الصفات كما يدلّ عليه قول المصنف لا تحق العبادة إلا به لم يثبت الاستحقاق الدّاتي بالنسبة إليها انتهى، وتحقيق هذا المقام مما أفاضه وليّ الفيض عليّ وقد غفل عنه كثير منهم وأشار بقوله أخبر إلى خبريتها ولم يجعلها إنشاء، وان صح ولا بتقدير قول لما سيأتي، وأشار بقوله! حقيق إلى أن اللام للاستحقاق، وتحقيق هذا المقام في سورة الفاتحة، وقيل إنما جعلها خبرية لتكون حجة لأنّ الإنشاء لا يكون حجة إلا بملاحظة الإخبار فالحجة إنما هو الإخبار فلذلك قال: ليكون حجة، ولم يقل ليظهر كونها حجة، وأمّا كونها أصلا فمعارض! بكونها علما في الإنشاء إذ لا يمكن الحمد إلا بصيغة الأخبار، وما قيل في وجهه ليصح عطف، ثم الذين كفروا عليه فيه أنه يجوز عطفها على خلق السماوات أو جعلها الإنشاء الاستبعاد والتعجب، أتول إن اتصافه بكونه حقيقا بالحمد ثابت في نفس الأمر، ومدلول هذه الجملة مطابق له والسورة أنزلت لبيان التوحيد ورح الكفرة، والأعلام بمضمونها على وجه الخبرية يناسب المقام وجعلها لإنشاء الثناء لا يناسبه، وأمّا قوله ليكون حجة فمتعلق بقوله نبه لأن الحجة في النعم الجسام التي لا يوجدها غيره، وأمّا الإخبار باستحقاق الحمد فالحجة فيه تحتاج إلى تكلف بعيد، فان قلت كيف تكرن إنشائية ولها خارج تطابقه، قلت تجعل لمجرّد الثناء كما في رب إني وضعتها أنثى للتحسر، ولذا قال بعضهم حمل الكلام على ظاهره من الإخبار مع احتمال الإنشاء بأن يكون المراد به ثناء أثنى الله به على نفسه كما قال الإمام لأن الإخبار أدل على الاستحقاق من إنشاء فرد منه ومن لم يفهمه اعترض عليه بأن كون لمقصود ثناء الله على نفسه لا يوجب كون الجملة إنشائية البتة، وأجاب بما لا طائل تحته، وفي التعبير بالتنبيه إشارة إلى أنه في غاية الظهور، وقيل إنما جعلها خبرية لما في حملها على الإنشاء من إخراج الكلام عن معناه الوضعيّ من غير ضرورة. قوله: (ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون) عين تعلق الباء بيعدلون، وكون يعدلون من العدل دون العدول، ولم يقل على الذين يعدلون ليعمّ كلامه الاحتمالين لاقتضاء سياق كلامه ذلك هنا ألا ترى إلى تعريف المسند في قوله المستحق بلام التعريف الدالّ على التخصيص فتأثل. قوله:) وجمع السماوات دون الأرضر الخ (في المثل السائر من محسنات الكلام المؤاخاة بين الألفاظ فإذا جمع أحد المتقابلين ينبغي أن يجمع الآخر، ولذا عيب على أبي نواس قوله: ومالك فاعلمن فيها مقام إذا اص! لت آجالاً ورز! ا وقيل: كان ينبغي أن يقول وأرزاقا وكنت أرى أن هذا الضرب من الكلام واجب حتى مز بي في القرآن ما يخالفه كقوله تعالى: {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ} [سورة النحل، الآية: 48] وقوله: {طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} [سورة النحل، الآية: 108] انتهى والزمخشريّ أشار في مواضع من الكشاف إلى أنه هو الأصل وأنه لا يعدل عنه إلا لنكتة وتبعه المصنف. قوله:) وهي مثلهن) إشارة إلى قوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 62] قال المصنف في تفسيرها أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض والظاهر منه التعدد الحقيقيّ، وقيل المراد الأقاليم السبعة. قوله: (لآن طبقاتها مختلفة بالذات الخ) وقال المصنف رحمه الله في سورة البقرة: جمع السموات، وأفرد الأرضى لأنها طبقات متفاضلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين، ومراده واحد فيهما إلا أنه أجمل هنا فعمم في الاختلاف لما يشمل اختلافهما ذاتا، وحقيقة وقيل عليه إنه لا يوافق مذهب أهل السنة فإن الأجسام متساوية عندهم، وبه استدل على جواز قبول السماوات الخرق والالتئام وامكان المعراج، ولا مجال لإرادة الاختلاف الشخصيّ لأن الأرض أيضاً كذلك قال الله تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 112 وقد جاء في الأحاديث النبوة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " هل تدرون ما هذه قالوا: هذه أرض، هل تدرون ما تحتهأ قالوا: الله ورسوله أعلم قال أرضر أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عدّ سبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 ّأرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام " أخرجه الترمذفي وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه ورذ بأنه لا يلزم من كون المصنف رحمه الله من الأشاعرة القائلين بتركب الأجسام من الجواهر الفردة المتماثلة أن يقول بعدم اختلاف الأجسام بالحقيقة لعدم المحيص لمن قال: بتجانس الجواهر الإفراد عن جعل الإعراض داخلة في حقيقة الجسم فتكون حينئذ جواهر مع جملة من الإعراض منضمة إلى تلك الجواهر والا كانت الأجسام كلها متماثلة في الحقيقة وإنه ضرورفي البطلان كذا في شرح المواقف، وقيل عليه أنه لا يخفى أنه يلزمهم القول بعدم الفرق بين الجواهر والإعراض في التجدد والبقاء ضرورة استلزام تجدد الجزء بتجدد الكل لكن المشهور من مذهبهم القول ببقاء الأجسام، وعدم بقاء الإعراض! فلزمهم القول بعدم اختلاف الأجسام فلا محيص إلا بأن يقال لعل المصنف رحمه الله لم يقل بتجدد الإعراض، أو بتماثل الجواهر الإفراد لعدم تمام دليل شيء فيهما، وهو غير وارد لأنّ عدم الفرق ظاهر المنع لأنه فرق بين تجدد الشيء بتجدد جزء منه وبين تجدده بجميع أجزائه وقولهم ببقاء الأجسام لا ينافيه لاحتمال أن يراد بالجسم ثمة ما يقابل الإعراض! لا ما تركب منهما أو المراد بها أعظم أركانه وأقواها نعم كون لدليل غير تامّ مسلم فتأمل. قوله: (متفاوتة الآثار والحركات (قيل هو إشارة إلى ما قيل أنّ السماء جارية مجرى الفاعل والأرض مجرى القابل فلو كانت السماء واحدة لتشابه الأثر وهو يخل بمصالح هذا العالم، وأمّا الأرض فهي قابلة والقابل الواحد كاف في القبول، وحاصله أنّ اختلاف الآثار دل على تعدد السماء دلالة عقلية، والأرض وان كانت متعددة لكن لا دليل عليه من جهة العقل فلذلك جمعها دون الأرض وأمّا دلالة اختلاف الحركات إلى جوانب مختلفة على ذلك فظاهرة وهذا يقتضي أنه استدلال على ظهور تعددها دون تعدد الأرض، والظاهر أنه ليس مراده بل المراد بعدما أثبت تعددهما بالنص بين أنه جمع أحدهما دون الآخر لهذه النكتة، وحينئذ فلا يرد أنه مبنيّ على أصول فلسفية لا ينبغي التفسير بها لأنه ليس بتفسير بل نكتة على أصول أهل المعقول بعدما بينها بوجه آخر، وقد فسر قوله متفاوتة الخ بمعرفة المواقيت، واضاءة النيران مما نطق به القرآن ودل عليه الأحاديث والآثار مما هو معلوم من الشرع تال تعالى: {) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} إلى قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة يس، الآية: 40] وقد فسر بكل من الكواكب وهو محسوس أيضا فيهما وفي الخنس {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [سورة التكوير، الآية: 16] لكن كلامه في سورة البقرة لا يناسبه. قوله: (وقدّمها لشرفها وعلو مكانها) أي لتقدمها بالشرف لأنها محل الملائكة المقرّبين، وقبلة الدعاء ونحو ذلك والأرض وان كانت دار التكليف ومحل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فليس ذلك إلا للتبليغ لأنها ليست بدار قرار وقال النيسابوري: قال بعضهم السماء أفضل لأنها متعبد الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وما وقع فيها معصية ولهذا هبط آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة، وقالت: اللهم لا تسكن في جواري من عصاك ولذا وقع ذكرها مقدّماً في الأكثر والسماوات مؤثرة والأرض متأثرة والمؤثر أشرف، وقال آخرون بل الأرض! أفضل لأنه تعالى وصف بقاعاً منها بالبركة كقوله: مباركا للعالمين، وردّ بأنه يدل على شرفها لا أشرفيتها، وهذا خلاف كاللفظي لا طائل تحته، وعلو مكانها ظاهر لأنها علوية والأرض! سفلية، ويحتمل العطف فيه أن يكون تفسيراً للشرف وتعليلاً له والمغايرة بأن يراد أنها بمنزلة العلة الفاعلة لأنّ الأرض! مستفيضة منها كما مرّ، قيل: من فسر المكان بالمرتبة ثم علل بكونها من الأرض بمنزلة العلة الفاعلة من القابل لم يصب في المعلل وأخطأ في التعليل، أما الأوّل فلكونه أعاده، وأما الثاني فلكون ما ذكره وجهاً للتقديم كما مر لا لعلو المرتبة كما زعم وهو تعصب منه لأنه على هذا يكون عطفاً تفسيرياً، ولا ضرر فيه وتفسير وجه التقديم وجه للتقديم فما المانع منه. قوله: (وتقدّم وجودها) هذا بناء على مختاره في البقرة لظاهر قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [سورة النازعات، الآية: 29] وان كان يعارضه ظاهر قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [سورة البقرة، الآية: 29] وكذا آية السجدة حتى تحير فيه كثير والمصنف رحمه الله تعالى جمع بينهما بأن، ثم ليست للتراخي في الوجود بل لتفاوت ما بين الخلقين وفضل خلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البلد، الآية: 17] أو هي لترتيب الأخبار، ولا بد لهذا من تتمة من الوجه الأوّل، وفي الكشاف لا تناقض فيه لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماوات فأما دحوها وبسطها فمتأخر وعن الحسن البصري خلق الله الأرض! في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان وذلك قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [سورة الأنبياء، الآية: 30] وهو الالتزاق انتهى واعترض عليه الإمام بأنّ الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن دحوها فإذا كان الدحو متأخراً عن خلق السماء كان خلق الأرض! أيضا كذلك وأجيب بالمنع لجواز أن يخلق الجسم صغيراً مندمج الأجزاء، ثم يبسط على مقدار ما يراد، وقال القاضي كغيره لا يندفع التناقض على تقدير كون، ثم للتراخي في الوقت في البقرة إلا أن يقدر لنصب الأرض! فعل آخر دل عليه أأنتم أشدّ خلقا مثل تعرف الأرض، وتدبر أمرها بعد ذلك وليستأنف بقوله دحاها لكنه خلاف الظاهر، ويمكن أن يدفع التناقض بأن معنى خلق قدر وأراد وقصد فلا تناقض، وأورد عليه أنّ قوله: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [سورة البقرة، الآية: 29] بيان نعمة أخرى مترتبة على نعمة سابقة، وهو خلقهم أحياء قادرين وهذه النعمة الأخرى إيجاد ما يتوقف عليه البقاء، ويتم المعاس، ولا يحسن عدّ القصد والتقدير نعمة أخرى، وفيه تأمّل وقد مر تفصيله في سورة البقرة. قوله: (والفرق بين خلق وجعل الذي له مفعول واحد الخ) جعل الزمخشري هذا الفرق بين الخلق، والجعل مطلقاً سواء تعدى لواحد أو لاثنين، والمصنف خالفه وخصه بالجعل المتعدي لواحد والتضمين في كلامه ليس هو المصطلح بأن يضمن فعل النقل ونحوه كما توهمه بعضهم، ورذه صاحب الكشف وفسره بكونه محصلاً من آخر كأنه كان في ضمنه، وقيل الجعل يدل على شيئين أحدهما في ضمن الآخر بأن يكون تابعا له، وقيل بأن يكون السابق يتضمن اللاحق بالقوّة لا الفعل فمعنى الجعل إخراج المعنى من القوّة إلى الفعل، وقيل هو جعل شيء في ضمن شيء بأن يحصل منه أو يصير إياه أو ينقل منه، أو إليه وبالجملة فيه اعتبار شيئين وارتباط بينهما، وفي الخلق معنى الإيجاد بقدر وتسوية، وقيل عليه إنّ التضمين بالمعنى المذكور لا يناسب الصور الثلاث الأول إلا بتكلف بعيد لا حاجة إليه والأولى أنّ جعل أعم من خلق لأنه لا يقال فيما ليس بمخلوق والخلق لا يقال فيما ليس بموجود ونحوه في الكشف، وفيه تأئل. وأعلم أنّ التضمين لغة جعل شيء في ضمن شيء كالظرف والمظروف أو جعله ضامنا له وملتزما له، وهو قريب من الأوّل واقتصر المصنف رحمه الله على أحد قسمي الجعل فإن أراد أنه هو الواقع في النظم والمحتاج إلى الفرق وأن جرى في غيره فهو ظاهر، وإن أراد ما في الكشاف وأن الفرق لا يتأتى في المتعدي لمفعولين، أو لا يطرد فيه فعليه منع ظاهر قيلي ومن تعرّض لتصيير شيء شيئا وجعله من التضمين في بيان مراد المصنف رحمه الله فقد ضل سواء الطريق، ولك أن تجيب عنه بأنه الإنشاء فيه معنى التصيير في الجملة وكذا النقل فيه معنى ذلك أيضا وفي الكشف تحقيقه أن الجعل بمعنى النقل من الصيرورة، إلا أنه من صار إليه لا من صار كذا، انتهى وهما متقاربان نهايته أنه تسامح في الإتيان متعديا خصوصا إن قلنا بالاحتمال الأوّل في كلام المصنف والأمر فيه سهل وفي الكشف الفرق بين الخلق والجعل أنّ التضمين واجب في الثاني، وتضمين النقل مخصوص به والإنشاء مشترك والتصيير في نحو خلقناكم أزواجا محتمل. قوله: (تنبيهاً على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية الخ) من الثنوية من ذهب إلى أنّ فاعل الخير النور وفاعل الشر الظلمة وهما في معتقدهما جسمان قديمان سميعان بصيران وسموهما بذلك على طريق النقل، وأورد على هذا أمور، الأوّل أنهما حينئذ ليسا بالمعنى الحقيقي المتعارف فمدعاهم الفاسد يبطل بمجرّد هذا، الثاني أنّ الرد يحصل بكونهما محدثين بقطع النظر عما اعتبر في مفهوم الجعل، ولو أتى بالخلق بدله حصل المقصود، الثالث أنّ الجعل المتعدي لواحد لا يقتضي كونه غير قائم بنفسه ألا ترى إلى قوله: {وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} [سورة النمل، الآية: 80] {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} [سورة الرحمن، الآية: 20] إلى غير ذلك من الآيات والشواهد اللهم إلا أن يقال الجعل بمعنى الصنع والعمل، فإذا تعلق بالأجسام كان باعتبار ما فيها من الصنعة، والعمل فمتعلقه في الحقيقة ما لا يقوم بنفسه وإنّ المتعارف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 فيهما ما يتبادر منهما وادعاء معنى آخر لا دليل عليه، ولذا جعله تنبيها لا دليلا فتأمل. قوله: (وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والاجرام الحاملة لها الخ) في نسخة وأفرد النور للقصد إلى الجنس يعني به ما قال الزمخشري إنه أفرد النور للقصد إلى الجنس كقوله: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [سورة الحاقة، الآية: 17] أو لأن الظلمات كثيرة لأنه ما من جنس من أجناس الاجرام إلا وله ظل وظله هو الظلمة بخلاف النور فإنه من جنس واحد، وهو النار وضمير لها في كلام المصنف أمّا للظلمات فيكون معنى كونها حاصلة لها أنها منشؤها أو لأسباب وهي كثاقة الأجسام وهذا أقرب وأورد عليه عود السؤال، وهو أنه لم أريد بالنور الجنس وبالظلمات أفرادها لا جنسها، وأنّ الظلمات كما تعددت فالأنوار أيضا تتعدد بحسب مباديها من الكواكب والنيرين والنار كما قال الزمخشري في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [سورة البقرة، الآية: 17] إن النور ضوء النار وضوء كل نير وأجيب بأنه فعل ذلك ليحسن التقابل مع قوله خلق السماوات والأرض ولا يخفى أنه لا دلالة لكلام المصنف على هذا، وهذا جواب آخر مستقل وبأن مرجع كل نير إلى النار على ما قيل أنّ الكواكب أجرام نورية نارية، والشهب منفصلة من نور الكواكب فالمصنف رحمه الله تعالى لما رأى تقارب الجوابين جعلهما شيئا واحداً. قوله: (أو لآن المراد بالظلمة الضلال وبالنور الهدى الخ) في تأخيره إشارة إلى ترجيح الأوّل تبعا للإمام رحمه الله فإنه قال إنه أولى لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ولأنّ الظلمات والنور إذا قرنا بالسماوات والأرض لم يفهم منهما إلا الأمر أن المحسوسان، وتعقب بأن المعنى أنه لما خلق السماوات والأرض! فقد نصب الأدلة على معرفته وتوحيده، ثم بين طرق الضلال وطريق الهدى بإنزال الشرائع والكتب السماوية {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} فناسب المقام، ثم الاستبعادية إذ يبعد من العاقل الناظر بعد إقامة الدليل اختيار الباطل على أنه كلما ذكر الظلمات والنور في الكتاب الكريم أراد الضلال والهدى كقوله تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} [سورة البقرة، الآية: 257] إلى غير ذلك، ولا يخفى أنّ قصاراه صحة ما ذكره لا أرجحيته والآية المذكورة لا ترد على الإمام بل تؤيد كلامه، ويدل على أنّ الهدى واحد والضلال متعدد قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 53 ا] والدين الحق مجموع أمور يتحقق الضلال بمخالفة كل واحد منها وقيل: المراد به العقائد الحقة لا الفروع. قوله: (وتقديمها لتقدّم الإعدام على الملكات الخ) إذا تقابل شيئان أحدهما وجودقي فقط فإن اعتبر التقابل بالنسبة إلى موضوع قابل للأمر الوجودي إمّا بحسب شخصه أو بحسب نوعه، أو بحسب جنسه القريب أو البعيد فهما العدم، والملكة الحقيقيان، أو بحسب الوقت الذي يمكن حصوله فيه فهما العدم والملكة المشهوران، وإن لم يعتبر فيهما ذلك فهما السلب والإيجاب فالعدم المشهور في العمي والبصر هو ارتقاع الشيء الوجودي كالقدرة على الأبصار مع ما ينشاً من المادّة المهيأة لقبوله في الوقت الذي من شأنها ذلك فيه كما حقق في حكمة العين وشرحها فإذا تحققت أن كل قابل لأمر وجودي في ابتداء قابليته واستعداده متصف بذلك العدم قبل وجود ذلك الأمر بالفعل تبين أن كل ملكة مسبوقة بعدمها لأنها وجود تلك الصفة بالقوّة، وهو متقدم على وجودها بالفعل، وقال: خاتمة المحققين: لا بد في تقابل العدم، والملكة أن يؤخذ في مفهوم العدمي كون المحل قابلا للوجودفي ولا يكفي نسبة العدمي إلى المحل القابل للوجودي من غير أن يعتبر في مفهوم العدمي كون المحل قابلا له، ولذا صرحوا بأنّ تقابل العدم والوجود تقابل السلب والإيجاب قال في الشفاء: العمى هو عدم البصر بالفعل مع وجوده بالقوّة وهذا لا بد منه في معناه المشهور انتهى فقول الفاضل المحشي فيه إن الجزئية غير مقيدة والكلية ممنوعة لتأخر الاعدام الطارئة عنها غير سديد، ثم قال: فإن قلت أراد كل ملكة يتقدمها العدم دون العكس قلت إن أريد تقدم العدم السابق مطلقاً، ولو في وقت عدم الموضوع فليس ذلك بعدم ملكة لأنه عدمها عن الموضوع القابل بأن يتحقق الموضوع ولا تتحقق الملكة لا بأن لا يتحقق الموضوع كما لا يخفى وان أريد تقدمه في وفت وجود الموضوع، فذلك غير متصوّر فيما لا تنفك الملكة عنه لكونها من لوازمه انتهى، وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 غير وارد أمّا إن أريد الملكة الحقيقية فظاهر، وأما إن أريد المعنى المشهور فلأنه يكفي وجود مادّة تقبل تلك الصفة، والملازمة المذكورة توهم يضره ولا ينفعه، ثم قال فإن قلت لم لا يكفي في المطلوب تقدّم بعض الإعدام على ملكاتها قلت معارض بتقدم بعض الملكات على إعدامها لتوقف تصوّر الإعدام على تصوّر ملكاتها، ولوجوديتها انتهى والفرق بين لزوم تقدم الشيء بنفسه ولزوم تقدم تصوّره ظاهر ألا ترى أن المفرد مقدم على المركب في الوجود لتقذ م الجزء على الكل مع أن المركب مقدم عليه في التصوّر، ولذا قدم تعريفه على تعريفه في المطالع ولك أن تقول عدم الملكة عدم مخصوص، والعدم المطلق في ضمنه وهو متقدّم على الوجود في سائر المحدثات، ولذا قال الإمام: إنما قدم الظلمات على النور لأنّ عدم المحدثات متقدم على وجودها كما جاء في حديث رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: " إن الله خلق الخلق في ظلمة، ثم رس عليهم من نوره " وفي أخرى: " ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه نوره اهتدى، ومن أخطأه ضل فلذلك جف القلم بما هو كائن ") 1 (، فعلى ما ذكره الإمام الظلمة في الحديث بمعنى العدم والنور بمعنى الوجود ولا يلائمه سياق الحديث، والظاهر ما قيل الظلمة عدم الهداية وظلمة الطبيعة والنور الهداية، والذي أرفعه فيه أنه اقتصر على رواية صدر الحديث، ثم إنه قيل الصواب أن يقال في وجه التقديم التقابل مع قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [سررة الأنعام، الآية: 73] وكونها متقدمة في الخلق على النور على ما ورد في الأخبار الإلهية أنّ الله خلق الخلق في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره فخلق النيرات لا يوافق ما مرّ من معنى الحديث الذي نطقت به الرواية، وقد بقيت هنا كلمات تركناها لعدم جدواها قوله: (ومن زعم أنّ الظلمة عرض يضادّ النور احتج بهذه الآية ولم يعلم أنّ عدم الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل) يعني أن الجعل ليس بمعنى الخلق، والإيجاد بل تضمين شيء شيئا وتصييره قائما به قيام المظروف بالظرف أو الصفة بالموصوف والعدم من الثاني فصح تعلق الجعل به، وان لم يكن موجودأ عينياً لأنه ذكر في الطوالع أنّ العدم المتجدد يجوز أن يكون بفعل الفاعل كالوجود الحادث هذا تحقيق كلامه، ولا يرد عليه شيء أصلاً فإنّ العدم إمّا مطلق صرف أو مقيد ومضاف كعدم الحياة أو عدم تقابل الملكة وقد مرّ تحقيقه ثمت، وقال النحرير الظلمة عدم النور فإن أجرى هذا على إطلاقه كان بين النور والظلمة تقابل الإيجاب والسلب إلا أنّ الحكماء يقولون هو عدم النور عما من شأنه فبينهما تقابل العدم والملكة وعند بعض المتكلمين هو عرض ينافي النور فبينهما تقابل التضاد انتهى، وما نقله عن الحكماء ليس بمتفق عليه فإنّ منهم من ذهب إلى الأوّل، وهو مذهب الإشراقيين كما في حكمة الإشراق وفي شرحه للعلامة الظلمة عدم الضوء عما من شأنه أن يستضيء على ما هو رأي المشائين أو عدم الضوء فحسب على ما هو رأي الأقدمين، وارتضاه بما هو مبسوط ثمت وقيل إذا كان الجعل بمعنى الخلق وليس الفرق بينهما إلا ما مرّ لا يصح تعلقه بالعدم إلا أن يعم الخلق غير الإيجاد، أو الإيجاد إيجاد الشيء ولو لغيره، فإن جعل أعم منه فإن كان الإثبات في نفس الأمر الذي هو أعم من الخارج واعدام الملكات ثابتة فيه، وأمّا العدم الصرف أمّا المطلق فلا تحقق له أصلا إلا إذا ثبت كونه ذاتيا للإعدام المضافة، وهو ممنوع لجواز كونه عرضا عامّاً لها ولا يلزم من ثبوت شيء ثبوت عرضه وأمّا المضاف، إلى غير الملكة فليس له ثبوت شبيه بالوجود الخارجي يرشدك إليه وضع الأسامي لإعدام الملكات كالظلمة والعمى دون غيرها انتهى وبما مر من تحقيق كلامه علمت أنه لا يرد عليه هذا والأحداث ليس بمعنى الإيجاد بل أعم منه والعدم مطلقا لا يصح إيجاده لأنه لا معنى للإيجاد إلا أحداث الوجود فلو أحدث فيه الوجود كان متصفاً به فيلزم اجتماع النقيضين نعم عدم الملكة عدم بالفعل ووجودب لقوّة كما مر نقله عن الشفاء مع أنهم صرحوا بأنّ العدم المطلق جزء من العدم المقيد، وقيل الجعل الإنشاء، وهو أعم من إيجاده بنفسه أو إيجاده في محل بأن جعل المحل متصفأ به، ولا يخفى أنّ الموجودات قد تتصف بالإعدام فتأمّل. قوله: (عطف على قوله الحمد لله الخ) في الكشاف عطفه إما على قوله الحمد لله على معنى أنّ الله حقيق بالحمد على ما خلق لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 ما خلقه إلا نعمة ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته وأمّا غلى قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَات} [سورة الأنعام، الآية: 73] على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه انتهى، وهذا من غوامض هذا الكتاب لأنّ هنا احتمالات أن يكون كفروا من الكفر أو الكفران، ويعدلون من العدل بمعنى التسوية أو العدول بمعنى الانصراف وبربهم إمّا متعلق بكفروا أو بيعدلون على كل تقدير فهذه الجملة إمّ معطوفة على جملة الحمد دلّه أو على الصلة وقد جوّز بعض هذه الاحتمالات تصريحا ونفى غيرها تلويحاً لأنه جعله على عطفه على جملة الحمد من العدول والجار متعلق بكفروا وكفروا من الكفر لا الكفران وعلى عطفه على الصلة فيعدلون من العدل، والجارّ متعلق به مقدم من تأخير إمّا لتعظيم اسمه الجليل أو لرعاية الفاصلة، وكفروا مسكوت عن تفسيره فيه إشارة إلى احتماله للوجهين، والذي اقتضى ذلك أن الأرجح الأبلغ العدول عنه إلى غيره إن لم يكن خطأ عند البلغاء فهو أخوه، وبيان ذلك أنه يصير المعنى على الوجهين هكذا الحمد والثناء مستحق للمنعم بهذه النعم الجسام على الخاص، والعام فكيف يتأتى من الكفرة والمشركين المستغرقين في بحار إحسانه العدول عنه، ولا يخفى استبعاد انصراف العبد عن سيده ووليّ نعمته إلى سواه بخلاف التسوية فإنّ المنعم قد يساويه غيره ممن يحسن إلى غيره، وهذا على الوجه الأوّل، وعلى الثاني معناه المعروف بالقدرة على إيجاد هذه المخلوقات العظام التي دخل فيها كل ما سواه كيف يتسنى لهؤلاء الكفرة، أو لهؤلاء الجاحدين للنعم أن يسووا به غيره ممن لا يقدر عليها، وهم في قبضة تصرفه بخلاف العدول عنه فإنه قد يتصوّر لجهلهم بحقه وما يليق بعظمته إذ العدول لا ينافي عدم المعرفة بخلاف التسوية فإنه لا يسوي بين شيئين لا يعرفهما بوجه ما ولما كان العدول في الأوّل مستلزما لكفران نعمه رتبه عليه وجعله تفسيرا له، وليس إشارة إلى أن كفروا من الكفران وبربهم بتقدير مضاف أي بنعم ربهم كما قيل، وأمّا عطفه على الصلة المسوقة لذكر المحمود عليه، وهذا ليس كذا! كما أورده في الانتصاف فرذ بأنه إشارة إلى مزيد كرمه وواسع حلمه حيث أنعم على المطيع والعاصي فكأنه قيل ما أكرمه وأحلمه كما قيل: إلهي لك الحمدالذي أنت أهله على نعم ماكنت قط لها أهلا أزيدك تقصيراً تزدني تفضلاً كأني بالتقصير أستوجب الفضلا كما سيأتي تحقيقه فما قيل إنه إشعار بأنّ الباء في الأوّل صلة كفروا ويعدلون من العدول، وفي الثاني يعدلون من العدل بمعنى التسوية وتقديم الصلة للاهتمام وتحقيق الاستبعاد وهذا تخصيص من غير مخصص لتأني التقديرين على كل من الوجهين، ووضع المظهر موضحع الضمير لبيان موقع الاستبعاد ولفظ الكتاب يوهم أنّ القرآن، ثم الذين كفروا به يعدلون وليس كذلك لا وجه له لما عرفت من وجه التخصيص وظهور المخصص وأمّا قوله به فليس غلطا في التلاوة كما توهم، وإنما هو تنبيه على أنّ الموضع موضع الإضمار وايضاج أن كفروا ليس من الكفران، ثم قال وفذا العطف على الصلة ليس على قصد أنه صلة برأسه ليتوجه الاعتراض بأنه لا معنى لقوله الحمد لله الذي كان منه تلك النعم العظام، ثم من الكفرة الكفران وإنما لم يحمل، ثم على التراخي مع استقامته لكون الاستبعاد أوفق بالمقام (وأورد عليه أبحاث (الأوّل إنه لا وجه لضم ما لا دخل له في استحقاق الحمد إلى ما له ذلك، ثم جعل المجموع صلة في مقام يقتضي كون الصلة محموداً عليه، والثاني أنّ مبني كلامه على أن المعتبر في هذا الوجه كون المذكور في حيز الصلة نعما والواقع منهم كفران، وهو مخالف للكتابين من وجهين أحدهما كون الخلق نعمة، وثانيهما كون يعدلون من العدول لا من العدل بمعنى التسوية، والجواب أما عن الأوّل فلما مرّ من أنه إذا أنعم عليه مع ذلك اقتضى علو شأنه وعموم إحسانه للمستحق وغيره وهو تعظيم منبئ عن كمال استحقاقه، ولذا قال بعض الفضلاء إنه حمد على كمال جوده حيث ينعم بمثل هذه النعم الجليلة على من لا يحمده ويشرك به، وقد يقال وقوعه موقع المحمود عليه باعتبار معنى التعظيم المستفاد من إنكار مضمونه فكأنه قيل الحمد لله الذي جل جنابه عن أن يعدل به شيء لكن المحمود عليه يجب أن يكون جميلا اختياريأ وما ذكر ليس كذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 فلا بد من الرجوع إلى التأويل وأمّا عن الثاني فلأنها نعم لا يقدر عليها سواه كما نبه عليه بقوله:) العظام) فتضمن ذلك عظيم قدرته التي لا يساويه فيها أحد وذكره الكفران بيان لحاصل المعنى، ومآله لا تفسير لقوله يعدلون حتى لا يناسب ما في الكتابين، ثم إنه قيل عليه أيضاً إن ما ينتظم في سلك الصلة المنبئة عن موجبات حمده تعالى حقه أن يكون له دخل في ذلك الأنباء في الجملة، ولا ريب في أن كفرهم بمعزل عنه واذعاء أنّ له دخلا فيه لدلالته على كمال الجود كأنه قيل الحمد لله الذي أنعم المثل هذه النعم العظام على من لا يحمده تعسف لا يساعده النظام، وتعكيس يأباه المقام. كيف لا وسياق النظم الكريم كما تفصح عنه الآيات الآتية لتوبيخ الكفرة ببيان غاية إساءتهم في حقه كما يقتضيه الادعاء المذكور وبهذا اتضح أنه. لا سبيل إلى جعل المعطوف من روادف المعطوف عليه لما أنّ حق الصلة أن تكون غير مقصودة الإفادة، فما ظنك بما هو من روادفها، وقد عرفت أنّ المعطوف هو الذي سيق له الكلام قلت لا شك في أنه على هذا الوجه يراد الحمد دلّه الذي أنعم بهذه النعم الجسام على من لا يحمده، ولا تعسف فيه لبلاغته وادعاء العكس ممنوع فإنّ المقام مقام الحمد كما تفيده الجملة المصدر بها، وما بعده كلام آخر ولا يترك مقتضى مقام لأجل مقتضى مقام آخر إذ لكل مقام مقال وهذا على عادته في استسمان ذي ورم، ونفخه في غير ضرم، فإن قلت كيف يصح عطفه من جهة العربية والموصول لا يكون صلة كما صرح به الرضي في باب الأخبار بالذي قلت الذي وقع في الرضي، وقوعها صلة ابتداء لا بطريق التبعية فإنه يغتفر في التابع ما. لا يغتفر في غيره، ثم إنه قيل الصواب في الجواب أن عطفه عليه ليس بقصد أنه صلة برأسه ولا لأنه جزء الصلة بل على أنه من روادفها عطف عليها بيانا لما لهم مع ذلك الصنع البديع، ومن الفعل الشنيع والصنع الفظيع، ويمكن أن يؤوّل بأنّ المعنى الحمد دلّه المنعم المستبعد مع إنعامه الكفران فيجوز أن يكون جزء الصلة انتهى وهذا مآل ما ذكره النحرير عند التأمل مع أنّ قوله ويمكن الخ يرد عليه ما أورده ثانيا بعينه، وما قيل فيه نظر لأنه تكلف بعيد وتغيير للنظم لا يرتكب إلا لضرورة ولا ضرورة هنا، ولأن قوله من الكفران لا يناسب أن يذكر بعد الحمد إذ لا علاقة له معه من قلة التدبر، وإذا انتقش في صحيفة ذهنك ما قرّرناه انمحى كل ما أوردناه. قوله: (ما خلقه نعمة (يشير إلى أنّ الحمد هنا في مقابلة النعمة لأنّ ما في حيز الموصول محمود عليه فلا يرد عليه أن الحمد لا يلزم أن يكون في مقابلة نعمة. قوله: (ثم الذين كفروا الخ الما كان المقام مقام الحمد ناسب التشنيع عليهم بعدم العمل بمقتضاه فلا يرد عليه أنّ كفرهم به تعالى لا سيما باعتبار ربوس! ط أشد شناعة وأعظم جناية مع عدولهم عن حمده عز وجل فجعل أهون الشرين عمدة في الكلام مقصوداً، بالإفادة واخراج أعظمهما مخرج القد المفروغ عنه مما لا عهدة له في الكلام السديد فكيف بالنظم التنزيلي. قوله: (ويكون بربهم تنبيهاً الخ) إشارة إلى النكتة في وضع الظاهر موضع المضمر، والرث في الأصل مصدر أو صفة بمعنى المربي المالك يختص به تعالى ولا يطلق على غيره إلا شذوذا أو مقيداً أو جمعا كما مر. قوله: (على معنى أنه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه الخ (هكذا في الكشاف، وهو بيان لما يقتضيه تباعد ما بين المتعاطفين وهو خلق هذه الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها سواه وتسوية الكفرة به من لا يقدر على شيء، ولم يذكر أنّ خلق هذه من النعم لأنه لبيان المناسبة بين الجملتين مع قطع النظر عن ارتباطه بما قبله وكونه محمودا عليه أؤ اكتفى بالتنبيه عليه فيما مضى وكونه معلومأ مع وقوعه موقع المحمود عليه اقتصاراً على مقدار الكفاية وحذرا من شبه التكرار، فلا يرد عليه ما قيل أنه لم يعتبر في هذا الوجه كون خلق السماوات والأرض من النعم مع أنه أشار فيما سبق إلى اعتباره مطلقا بقوله ونبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام، والصواب اعتباره هاهنا أيضاً لاقتضائه الإظهار في مقام الإضمار لا سيما في هذا الوجه لعطفه على الصلة، وقال أبو حيان: لا يصح هذا التركيب لأنه ليس فيه رابط يربط الصلة بالموصول إلا إذا خرج على نحو قولهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري يريدون عنه فيكون الظاهر وقع موقع المضمر فكأنه قيل، ثم الذين كفروا به يعدلون، وهذا من الندور بحيث لا يقاس عليه ولا يحمل عليه كتاب الله تعالى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 مع إمكان حمله مع الوجه الصحيح الفصيح، ولك أن تقول لا يلزم من ضعفه في ربط الصلة ابتداء ضعفه فيما عطف عليها كما في رب شاة وسخلتها، وأمّا ما قيل على ما ذكرنا من الجواب الصواب لا يحتاج إلى الرابط فعجيب لأنه لم يقل أحد من النحاة إنّ المعطوف على الصلة، بثم يجوز خلوه عن الرابط وغاية ما ذكره أنه نكتة للربط بالاسم وهو ظاهر. قوله: (ما لا يقدر على شيء منه) قيل تبع فيه الكشاف، والظاهر حذف لفظ منه، ولم يقفوا على وجهه وهو في كلام الزمخشري ظاهر لأن المانع من التسوية عدم القدرة على شيء مما لا يقدر عليه غير الله لا عدم القدرة على الخلق مطلقاً إذ أفعال العباد مخلوقة لهم عند المعتزلة والمصنف رحمه الله تبعه في ذلك ليكون نكتة على جميع المذاهب لا غفلة عن مراده. قوله: (ومعنى ثم استبعاد عدولهم الخ) قال ابن عطية رحمه الله، ثم دالة على قبح فعل الذين كفروا لأنّ المعنى أنّ خلقه السماوات قد تقرّر وآياته قد سطعت وأنعامه بذلك قد تبين، ثم بعد هذا كله عدلوا بربهم فهذا كما تقول أعطيتك وأحسنت إليك ثم تشتمني أو بعد وضوج ذلك كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو ولم يلزم التوبيخ كلزومه بثم، قال أبو حيان: هذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أنّ ثم للتوبيخ، والزمخشريّ من أنها للاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول ثم ولا أعلم أحداً من النحويين ذكر ذلك بل ثم هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة اسمية على اسمية أخرى فأخبر تعالى بأنّ الحمد له ونبه على العلة المقتضية للحمد من جميع الناس، وهي خلق السماوات والأرض والظلمات والنور، ثم أخبر أنّ الكافرين يعدلون فلا يحمدونه، وقيل الظاهر أنه لم يرد أنه موضوع للاستبعاد بل أراد أنه مستعمل فيه بطريق المجاز بمعونة المقام، وذلك لأنّ كل متباعد مستبعد ومتراخ عن خلافه فاندفع ما قال أبو حيان إنه لم يوضع لذلك بل هو مستفاد من سياق الكلام، وقد يجاب عنه بأنه أراد التراخي الرتبي وفيه أنّ مقتضى ذلك كون مدخوله أعلى مرتبة مما عطف به عليه وليس الأمر هنا كذلك أقول قوله متراخ ومتباعد في الجواب لا معنى له إلا أنّ بينهما بعد معنوقي وهو التراخي الرتبي بعينه فالجوأبان واحد، وما أورده وارد عليه، ثم ما أنكره من كون الأوّل أعلى رتبة لا وجه له، وقد صرّح ابن عطية رحمه الله بخلافه فيما سمعت لأنّ الأعلى في مثاله المعطوف عليه ونبه عليه بعض شراح الكشاف في غير هذا المحل وإذا شبه البون المعنوي بالبعد الزماني وعد هذا علاقة فما الفرق بينهما ومراد الزمخشرقي التراخي الرتبي وقال النحرير رحمه الله إنما لم يحمل ثم على التراخي مع استقامته لكون الاستبعاد أوفق بالمقام لأنّ التراخي الزماني معلوم فيه فلا فائدة في ذكره ومنه علمت أنّ الصواب أن يعذ كناية لا مجازاً لإمكان المعنى الحقيقي فيه وقوله استبعاد أن يعدلوا به ربما يشعر بأنه على الوجه الأوّل فقط ومراده جريانه فيهما لكته للاختصار اقتصر على أحدهما ليعلم الآخر بالمقايسة عليه، ثم قال: فإن قلت يرد على الفاضل وأبي حيان أن كفرهم وعدولهم لا يتراخى عن كونه حقيقياً بالحمد لاستمراره فإن جعل للتراخي في الأخبار كما يشعر به كلامه، ورد أنه لا تراخي بين الإخبارين كما في شرح التسهيل فلا بد من اعتبار التراخي الرتبي، والرجوع إلى ما قاله الزمخشريّ قلت كل ممتد يصح فيه التراخي باعتبار أوّله والفور باعتبار آخره كما حققه النحاة. قوله: (والباء على الآوّل الخ) قد مز اعتراض الفاضل المحقق بأن الفرق المذكور تخصيص من غير مخصص، وقد مرّ دفعه بنحو ما قاله بعض المتأخرين الفضلاء وجه التخصيص! رعاية المناسبة بين ما عطف، بثم الاستبعادية وبين ما عطف عليه فإنه إذا قيل، ثم الذين كفروا به يعرضون عن حمده فيكفرون نعمته فإنّ من استحق جميع المحامد من قبل العباد فالإعراض عن حمده في غاية الاستبعاد، ولا يناسب حينئذ أن يقال ثم الذين كفروا يسوّون به غيره إذ لم يسبق صريحا ما يفيد امتناع التسوية بينه وبين غيره حتى يفيد استبعاد التسوية وكذا إذا قيل إنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه فالمناسب في الاستبعاد أن يقال، ثم الذين كفروا يسوّون به غيره الذي لا يقدر على شيء منه، لا أن يقال ثم الذين كفروا به يعرضون عن حمده انتهى، ولا يخفى اتساق أنّ من استحق جميع المحامد لأنعامه بالنعم الجسام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 لا يناسبه أن تكفروا نعمته، ومن خلق هذه المخلوقات العظام لا يسوي به غيره كما قال تعالى: حكاية عن الكفار {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 97-98] وأيد الاعتراض! الذي اعترض! به النحرير بأنه إذا قيل إنه تعالى مستحق للحمد على هذه النعم الجسام التي لا يقدر عليها أحد، ثم الذين كفروا يعدلون به غيره مما لم يكن منه مثل هذه فيجعلونها آلهة مثله ويثنون عليه بما أثنوا به عليه تعالى كان كلاما صحيحا منتظما، وكذا إذا قيل إنه تعالى خلق ما خلق نعمة لهم مما لا يقدر عليه أحد، ثم هم يعدلون عنه ولا يحمدونه مع أنه مقتضاه ذلك كان كلاما صحيحا منتظما هذا تقرير كلامه، على وفق مرامه، وقد خفي عليه وعلى من قلده ولا يخفى أنه تكلف وتخليط فإن العلامة راعى في وجه الاستبعاد أخذه من المتعاطفين، وهو أدخل في كل من الوجهين وغيره أخذه، مما بعده وما قبله، ولا يخلو من التعقيد لملاحظة قيود كثيرة والاحتياج إلى تقديرها وملاحظتها، ولدّا لم يعرج عليه أحد من شراح الكشاف، وأشار إلى الكشف إلى أن ما جنح إليه الزمخشري ظاهر من حاق النظم، ولولاه لما حسن موقع ثم وما ذكره تكلف يأباه جزالة النظم وسلاسة السبك والحق أحق أن يتبع، ومعنى تسويتهم له تعالى بها في اذعاء الألوهية والعبادة وبعضهم سلك في ردّه مسلكا آخر فقال أنه معطوف على الجملة السابقة الناطقة بما مرّ من موجبات اختصاصه تعالى بالحمد المستدعي لاقتصار العبادة كما حقق في سورة الفاتحة مسوق لإنكار ما عليه الكفرة، واستبعاده من مخالفتهم لمضمونها واجترائهم على ما يقضي ببطلانه بديهة العقل، والمعنى أنه تعالى يختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ذاته وباعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه، ويعدلون به سبحانه أي يسوّون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقا له غير متصف بشيء من مبادي الحمد، وكلمة ثم لاستبعاد الشكر بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية القاضية ببطلانه لا سيما بعد بيانه بالايات التنزيلية، والموصول عبارة عن طائفة الكفار جرى مجرى الاسم لهم من غير أن يجعل كفرهم بما يجب أن يؤمن به كلاَ أو بعضاً عنواناً للموضوع، فإن ذلك مخل باستبعاد ما أسند إليهم صن الإشراك والباء متعلقه بيعدلون هذا هو الحقيق بجزالة التنزيل، وهذا مبنيّ على أنّ الحمد له دلالة على العبادة كما مرّ أن الزمخشري جعل إياك نعبد بيانا لقوله الحمد دئه وقد أوّله الشراح ثمة وهو لم يرتضه هناك فكأنه نسي ما قدمت يداه دماذا لم يلاحظ فيه ما ذكر لا ينتظم كلامه بوجه من الوجوه وهو من الأوهام الخيالية. قوله:) وصلة يعدلون الخ (لم يقدر ليعدلون في هذا الوجه مفعولاً بخلافه في الوجه الثاني بناء على ما نقل عن الزمخشرقي من أنه قال إنما ترك ذكر المعدول عنه ليقع الإنكار على نفس الفعل الذي هو العدول وأنه مما لا ينبغي أن يخطر ببال، وينبغي أن يجعل الفعل هاهنا كأنه غير متعد فلا يضمر له مفعول البتة وإنما لم يجعل في الوجه الثاني كذلك لأنه لا يحسن إنكار العدل بخلاف إنكار العدول قيل وفيه نظر ظاهر ووجهه أن مجرّد العدول بدون اعتبار متعلقه غير منكر ألا ترى أن العدول عن الباطل لا ينكر فالظاهر أن تذكر هذه النكتة في الوجه الثاني وإن حذفه إنما هو لأجل الفاصلة. قلت هذا وان تراءى في بادئ النظر لكته عند التحقيق ليس بوارد لأنّ العدول وان كان له فردان أحدهما مذموم وهو العدول عن الحق إلى الباطل وممدوج وهو العدول عن الباطل إلى الحق لكن العدول الموصوف به الكفار لا يحتمل الثاني فلتعينه لا يحتاج إلى تقدير متعلق وتنزيله منزلة اللازم أبلغ عند التأمل، بخلاف التسوية فإنها من النسب التي لا تتصور بدون المتعلق فلذا قدره ومنه تعلم أنّ تنزيل الفعل منزلة اللازم لا يكون أو لا يحسن إلا فيما ليس من قبيل النسب فأعرفه وقوله يعدلون بربهم الأوثان الأولى التعميم وقد اعترف المصنف رحمه الله بتضمن السورة الرذ على الثنوية، ئم إنّ حذف المفعول هنا ليقع الإنكار على نفس الفعل. قوله: (أي ابتدأ خلقكم الخ) إشارة إلى أنّ من ابتدائية، وقيل إنه يعني أنّ الخلق مجاز عن ابتدائه وأن كون الطين مبدأ لخلقهم باعتبار المادة الأولى فقوله، وإنّ آدم صلى الله عليه وسلم الخ بالكسر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 عطف على أنه للتفسير والتخصيص بعد التعميم، ويحتمل أن يكونا وجهين الأوّل إشارة إلى ما ذكره الإمام من أنّ الإنسان مخلوق من النطفة والطصث وهما من الأغذية الحاصلة من التراب بالذات أو بالواسطة، والثاني ظاهر ففي الآية ثلاثة وجوه وعلى الثالث تحتمل من التبعيضية ويكون قوله ابتدأ بيانا للواسطة فقط، وهو خلاف الظاهر، وفي الآية التفات لأنّ الخطاب وان صح كونه عافآ لكنه خاص بالذين كفروا، كما يقتضيه ثم أنتم تمترون ونكتته أن دليل الأنفس أقرب إلى الناظر من دليل الآفاق الذي في الآية السابقة والشكر عليه أوجب، وقد أشير في كل من الدليلين إلى المبدأ والمعاد وما بينهما. قوله:) ثم قضى الخ (قيل أي قدر وكتب فثم للترتيب في الذكر دون الزمان لتقدمه على الخلق، وما ذكره ظاهر إن أراد بالقضاء والقدر ما وقع في الأزل ولكن لا حاجة إليه ولذا قيل الظاهر أنه بالمعنى الحقيقيّ وهو الترتيب بأن يراد بالتقدير والكتابة ما تعلم به الملائكة وتكتبه كما وقع في حديث الصحيحين: " إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أرشين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً ويؤمر بأربع. كلمات ويقل له اكتب عمله ورزقه وشقئي أم سعيد " الحديث) 1 (ومن أراد بسط هذا المقام فلينظر شروحه، وقيل إن كان قضى بمعنى أظهر فثم للترتيب الزمانيّ على أصلها وإلا فهي للترتيب الذكري. قوله: (وأجل مسمى) في شرح الكشاف الأجل يقال بمعنى الوقت المعين لانقضاء شيء ولم يقع فيه مجازاً كالموت ولمجموع المدة كالعمر وعليه تدور وجوه التفسير فنزل كلامه على كل مناسبة وقوله يطلق لآخر المدة ضمنه معنى يستعمل وإلا فالأصل تعديه بعلى، والواو هنا إمّا للحال أو للعطف. قوله:) وقيل الآوّل الخ) حاصل ما ذكره أربعة أوجه صريحة وواحد ضمنا فهي خمسة أحدها أنّ الأجل الأوّل أجل الموت والثاني أجل القيامة ووجه تقييد الثاني بكونه عنده أنه من نفس المغيبات الخمس التي لا يعلمها إلا الله والأوّل أيضاً وان كان لا يعلمه إلا هو قبل وقوعه كما قال {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [سورة لقمان، الآية: 34، لكنا نعلمه للذين شاهدنا موتهم وضبطا تواريخ ولادتهم ووفاتهم فنعلمه سواء أريد به آخر المدة أو جملتها متى كان وكم مدة كأن كذا قيل، وقيل: إنه يعلم بالسن وانقراض الإقران قربا وبعدا، وان لم يتعين حقيقة أو الملائكة أطلعهم الله عليه وفيه نظر والثاني أنّ الأول ما بين الخلق والموت، والثاني ما بين الموت والبعث، ووجه التقييد بعنده في الثاني يعلم مما مز، والثالث كون الأوّل النوم والثاني الموت ولا يخفى بعده لأنّ النوم وان كان أخا الموت لكن لم يعهد تسميته أجلاً وان سمي موتا، ووجه تقييد الثاني بالنسبة إلى الشخص نفسه، والرابع كون الأوّل أجل من مضى وهو معلوم بخلاف من بقي ومن يأتي ووجه التقييد ظاهر، والخامس أنّ لكل شخص أجلين أجلا تكتبه الكتبة وهو يقبل الزيادة والنقص وأجلاً مسمى عنده لا يقبل التغيير ولا يطلع عليه غيره وسيأتي تحقيقه. قوله: (والاستئناف الخ (جوّز بعضهم أن يكون الاستئناف بمعنى جعله مبتدأ غير معطوف على ما قبله وآخرون إنه بمعنى كونه واقعا في ابتداء الكلام غير مؤخر على ما هو المستفيض في كلامهم كما سيأتي، وردّ الأوّل بأنه يأباه قوله ولأن المقصود بيانه ولا وجه له لأنه لو عطف على ما قبله كان تابعا له، وهو ينافي كونه مقصوداً وهذا ظاهر غاية الظهور، ويؤيده أنّ الاستئناف بمعنى القطع شائع في كلامهم، وأمّا بمعنى التصدير فغير مشهور نعم هو على هذا الوجه يخلو عن الفائدة التي في كلام الكشاف، والظاهر عدم تركها، ومحصلها أنّ الظرف إنما يجب تقديمه إذا لم يكن ثمة مسوّغ آخر كالوصف هنا لكن النكرة الموصوفة بالمعروف فيها التأخير في استعمال البلغاء فيقولون عندي عبد كيس ولي ثوب جيد وفي ملكي كتاب نفيس لا يكادون يتركون تقديم خبره إلا لمقتف!! ، وهنا أوجب تقديم النكرة أنّ المعنى، وأفي أجل مسمى عنده ت! غيماً لشأن الساعة فلما- جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم، قال الطيبي: هذا بيان لمعنى التنكير والتهويل فيه لا أنّ الكلام متضمن لمعنى الاستفهام كما ظن، وقيل ظاهر عبارة الكتاب أن هذا التعظيم مستفاد من الاستفهام المعتبر في معنى هذه النكرة كأنه لغرابته، وعظيم رتبته مما يسئل ويستفهم عنه والاستفهام يقتضي صدر الكلام وبه! ذا يندفع ما يقال أنه يكفي في إيثار التقديم الترجيح وأيّ حاجة إلى اعتبار الوجوب والإيجاب كما في عبارة الكتاب ولا يحتاج إلى تأويله بأنّ الراجح واجب في حكم البلاغة، وكلام الزمخشريّ يخالف قول السكاكي أنّ النكرة الموصوفة يجب تأخرها فلا يتأتى الجواب عنه بأنّ عدم الوجوب باعتبار الصناعة النحوية وما ذكره الزمخشرفي باعتبار استعمال البلغاء، ثم إنّ معنى كلام المصنف رحمه الله أنه قصد هنا التعظيم فقدّم للاهتمام بما قصد تعظيمه ولا ينافي كون التعظيم من التنكير أيضا فلا مخالفة بين كلامه وكلام الكشاف كما قيل وإنه أقرب منه لأنه لا يظهر دلالته على التعظيم إلا إذا لوحظ التنكير، وقال بعض الفضلاء فان قلت ليس قصد التعظيم للمبتدأ موجباً لتقديمه، ولهذا لم يعدّ في علم المعاني من الأحوال المقتضية له قلت قد أدرج المصنف الجواب عن هذا في أثناء تقريره بقوله إنّ المعنى وأيّ أجل مسمى عنده بمعنى أن أجلاً في معنى أفي أجل فكما أنّ أقي أجل واجب التقديم فكذا ما هو بمعناه، وأورد عليه قوله تعالى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ} [سورة المؤمنون، الآية: 62] فإنّ المعنى على أفي كتاب ولا يخفى أنّ ما قصد تعظيمه أهثم عند المتكلم والأهمية من مقتضيات التقديم كما صرّح به في متون المعاني، ثم أنّ المرجح قد يعارضه مرجح آخر خلافه فيجري كل منهما على حسب مقتضى مقامه ولذا قالوا إنّ النكات لا تتزاحم وفي شرح الكشاف هنا مباحث أخر تركناها خوف الإطالة، واذ قد تبين أنّ مراد الزمخشري بيان محصل المعنى لا أنّ ثمة استفهام مقدر اندفع ما اعترض به عليه من أنه لا يجوز أن يكون التقدير أفي أجل مسمى عنده لأن أيّ حينئذ صفة لموصوف محذوف تقديره وأجل أفي أجل مسمى عنده، ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أيا ولا حذف موصوفها، وإبقاؤها فلو قلت مررت بأيّ رجل تريد برجل أفي رجل لم يجز! مع أنه ردّ بأنه سمع ذلك كقوله: إذا حارب الحجاج أيّ منافق علاه بعضب كلما هزيقطع فإنهم قالوا تقديره منافق أيّ منانجق. قوله: (مثبت معين لا يقبل التغيير الخ) يوهم باعتبار المقابلة أنّ الأوّل يقبل التغيير والتأثير في تغييره إما من الخلق بالقتل ونحوه وهو ليس مذهب أهل السنة كما بين في محله أو من الخالق وهو أيضاً مما اختلفوا فيه فقيل الأرزاق والآجال مقدرة لا تتغير عما علمه الله، وأتا ما ورد في الأحاديث من أنّ صلة الرحم تزيد في العمر ونحوه، فقد قيل فيه إنّ المراد الزيادة بالبركة والتوفيق للطاعة أو هو بالنسبة لما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ وبه فسر قوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [سورة الرعد، الآية: 39] وقيل المراد طوله ببقاء الذكر الجميل وهو ضعيف، وقال الماوردي وحمه الله قد تقرّر أنه تعالى عالم بالآجال والأرزاق وغيرها وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه فإذا علم الله موت زيد في زمن كذا استحال موته قبله أو بعده وعلى هذا حمل قوله تعالى ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده كذا في شرح مسلم وهو وجه من وجوه هذه الآية ومعنى عنده أنه مستقل بعلمه وفيه إشارة إلى أن علمه حضوريّ ليس كعلمنا، وقيل الأجلان واحد والتقدير، وهذا أجل مسمى فهو خبر مبتدأ محذوف وعنده خبر بعد خبر أو متعلق بمسمى. قوله: (ولأنّ المقصود بيانه الأن الآية سيقت لبيان البعث وهو الدال عليه في الوجوه الثلاثة الأول وأما في الأخير فلأنه حينئذ ظاهر في الدليل إلا نفسي وفي نسخة ولأنه المقصود بيانه بالذات. تنبيه: أعلم أنه قال في الكشاف فإن قلت الكلام السائر أن يقال عندي ثوب جيد ولي عبد كيس، وما أشبه ذلك، فما أوجب التقديم قلت أوجبه أنّ المعنى وأقي أجل مسمى عنده تعظيماً لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم، وقال النحرير: يعني أنه قدم لأنه قصد التعظيم فإنه مما يناسب الاهتمام التقديم، وظاهر عبارة الكتاب أن هذا التعظيم مستفاد من معنى الاستفهام المعتبر في مثل هذا المنكر كأنه لغرابته، وعظم رتبته مما يسأل عنه ويستفهم عن حاله، والاستفهام يقتضي صدر الكلام، وبهذا يندفع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 ما يقال إنه يكفي في إيثار التقديم الترجيح فأفي حاجة إلى اعتبار الوجوب والإيجاب كما في عبارته ولا يحتاج إلى تأويله بأنّ الراجح واجب في حكم البلاغة وقال بعض علماء العصر فيما قاله النحرير نظر لأنّ أيا هذه ليست للاستفهام إنما هي لمعنى آخره، وفي المغني إنها تكون شرطية ودالة على الكمال نعم يمكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 أن يقال إنها منقولة من الاستفهام كما قاله الرضي: معتذراً عن ابن الحاجب لما لم يذكرها بأنها في الأصل استفهامية فمعنى رجل أفي رجل أنه عظيم يسأل عن حاله لأنه لا يعرفه كل أحد انتهى لكن لا شبهة في أن أياً هذه لا تقتضي الصدارة لانسلاخ الاستفهام عنها بالكلية، ولو اقتضت الصدارة لزم أن يقال برجل أقي رجل مررت، وهذا جليّ جداً وبهذا ظهر أنّ في توجيهه سهواً ظاهر اهـ، وإذا أحطت خبراً بما ذكرناه وبما قاله أبو حيان في الاعتراض على الزمخشري بأنه إذا كان التقدير وأفي أجل مسمى عنده كانت أيّ صفة لموصوف محذوف تقديره وأجل أفي أجل ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أيا ولا حذف موصوفها وابقاؤها ولو قلت مررت بأقي رجل تريد برجل أفي رجل لم يجز، وقال المعرب بعد هذا لا نسلم أن ما ذكره الزمخشري من التقدير يلزمه عليه حذف الموصوف بل هي مبتدأ كقولك أيّ رجل عندك وأيّ رجل زيد انتهى، وهذا ما قالوه بأسرهم من المتقدمين والمتأخرين (وأنا أقول أليس فيه ما طبق المفصل وأصاب المحز، فإذا نظرت بعين البصيرة عرفت أنّ العلامة يريد أنّ النكرة المخبر عنها بالظم ف يلزم تقدم ظرفها، وإنما تخلف هنا لأنها قصد بها التعظيم، وما قصد به ذلك حقيق بالتقديم والتعظيم من التنكير والتنوين لأنه في معنى أفي أجل ونظره به لأنه واضح كثير ولم يرد أنّ فيه لفظ أي مقدرا، وهو ظاهر لغير أكمه البصيرة، ويؤيده أن القاضي وغيره ذكروا التعظيم ولم يذكروا أياً والنحرير وغيره فهموا أن فيه أيا مقدرة فورد عليهم أمور ارتكبوا التكلف لدفعها، والعلامة إذا عرج إلى سماء المعاني لم يتوكا على عصى، وإذا حكم على المعاني لم تقرع له العصى، فإن قلت: إذا كان وجوب التقديم فيما وضع للاستفهام وجواز عدمه إذا انسلح عنه فالظاهر أنه فيما حمل عليه ليس كذلك لأن الأصل ليس كالنائب قلت هذا مما يتراءى في بادئ النظر، وعند التحقيق الظاهر خلافه لأنّ الأصل تكفيه أصالته شاهداً فلا يضرّ تخلفه أحيانا بخلاف الطارىء فإنه محتاج للبيان لتبادر الذهن إلى المعنى الأصلي فتأمله فإنه حقيق بذلك. قوله: (استبعاد الخ (إشارة إلى أنّ ثم هنا يجري فيها ما مرّ، وقوله: وخالق أصولهم يحتمل أن يريد بأصولهم آباءهم وجمعها لتعذدهم أو لتعدد فروعهم إن أريد ما ذكر في قوله: خلقكم من طين لا الآباء ولا العناصر أو موادهم إذ يؤخذ هذا من الأرض المرادة وما فيها. قوله: (وإبقائها ما يشاء كان أقدر الخ) ما يشاء إشارة إلى الآجال، وأقدر بمعنى أظهر قدرة وهو كقوله تعالى: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية: 27] لأنّ من صنع شيئا وأوجد ماذته سهل عليه صنع مثله فيقاس عليه إعادته أو هو لزيادة استعداد القابل لما أفيض عليه من الصور أوّلاً والا فالقدرة القديمة بالنسبة إلى جميع مقدوراتها على السواء فمعنى التفضيل فيها ما ذكر إمّا على طريق التمثيل والقياس إلى القدرة الحادثة التي تتفاوت قدرتها أو بالقياس إلى القابل لا الفاعل بزيادة استعداده للقبول، وأمّا بالنسبة إلى الفاعل فالكل على السواء فهو إمّا كناية عن زيادة ذلك الاستعداد أو أفعل التفضيل من المبنى للمجهول مثل ما أشغله أي أكثر ما تتعلق به القدرة، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى أن متعلق الامتراء تقديره تمترون في البعث، لا في الله فإنه لا يناسب ما تقدم من التصريح بكفرهم، وأن المعاد بضم الأجزاء واعادتها لا بإيجاد بعد إعدام وتحقيقه في الأصول. قوله: (فالآية الأولى دليل التوحيد الخ) وجه دلالة الثانية ظاهر على تفسيره ووجه دلالة الأولى أنه إذا كان لا يليق الثناء والتعظيم بشيء سواه لأنه المنعم لا أحد غيره لزم أن لا معبود ولا إله سواه بالطريق الأولى، ولا حاجة إلى ملاحظة برهان التمانع وأن الآية إشارة إليه لأنها بالذات إنما تدل على وجود الصانع لا التوحيد وإنما أوقعه في هذا التكلف حمل الدليل على البرهان العقلي، أو مقدماته التي يتألف منها أشكاله والمصنف رحمه الله قلما يستعمله بهذا المعنى كما يعلم من تتبع كلامه، ولذا قال بعض الفضلاء كونها دليل التوحيد ظاهر على أن يكون يعدلون من العدل وأئا كونه من العدول فباعتبار إجراء الخلق والجعل على الله وذكر بربهم، ولذا قال بعض المدتقين إنه ميل إلى ترجيح كون يعدلون من العدل، وقد أشار إليه في مفتتح كلامه أيضا بقوله ونبه على أنه المستحق إلى قوله: ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون لأنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 السورة مسوقة للردّ على أصناف المشركين، واعترض عليه بأنه غفلة عما زعم أنه تحقيق، وليس كما زعم والآية الثانية مستقلة في الدلالة على البعث إن فسرنا الأصول بالتفسير الأوّل، والا فهي غير مستقلة ومتعلق الامتراء عند المصنف رحمه الله البعث كما مرّ، وفي الكشاف إنه استبعاد لأنّ يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم فيكون متعلقه وجوده تعالى وهو موجه بناء على أن الأجل المسمى بمعنى القيامة فإنها دالة على البعث، وجعل بعضهم دليل البعث من خلق السماوات والأرض على منوال قوله: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} [سورة النازعات، الآية: 27] وهو خلاف الظاهر. قوله: (وأصله المري الخ) قال الراغب رحمه الله المرية التردد في المتقابلين وطلب الإمارة مأخوذة من مري الضرع إذا مسحه للدرّ. ومنه أخذ المصنف رحمه الله وقيل الامتراء بمعنى الجحد، وقيل الجدال، وعلى الوجه الأوّل وجه المناسبة أن الشك سبب لاستخراج العلم الذي هو كاللبن الخالص من فرث ودم. قوله: (الضمير دلّه (هذا قول الجمهور، وقال: أبو عليّ هو ضمير الشأن والله مبتدأ خبره ما بعده والجملة مفسرة لضمير الله وعلى هذا فإن تعلق الجارّ به فالحمل ظاهر الفائدة والا فهو على حد أنا أبو النجم وشعري شعري أي هو المعروف بالألوهية الأظهر من الخفي كما سيأتي تحقيقه. قوله: (متعلق باسم الله والمعنى الخ) في الكشاف متعلق بمعنى اسم الله كأنه فيل وهو المعبود فيها ومنه قوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [سورة الزخرف، الآية: 84] أو وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها أو وهو الذي يقال له الله فيها لا يشرك به في هذا الاسم غيره، وحاصله أنه لما توجه هنا أنّ الظرف لا يتعلق باسم الله لجموده، ولا بكائن لأنه يكون ظرفاً دلّه وهو منزه عن المكان والزمان أجاب عنه بأربعة أوجه، ولذا قال النحرير: لا خفاء في أنه لا يجوز تعلقه بلفظ الله لكونه اسماً لا صفة، وكذا في قوله في السماء إله وفي الأرض إله لأنّ إلها اسم وان كان بمعنى المعبود كالكتاب بمعنى المكتوب فهو متعلق بالمعنى الوصفيّ الذي تضمنه اسم الله كما في قولك، هو حاتم في طيىء على معنى الجواد، والمعنى الذي يعتبر هنا يجوز أن يكون هو المأخوذ من أصل اشتقاق الاسم أعني المعبود أو ما اشتهر به الاسم من الألوهية وصفات الكمال، ودل عليه هو الله مثل أنا أبو النجم وشعري شعري أي المعروف بذلك في السماوات والأرض، أو ما يدل عليه التركيب الحصر! من التوحد والتفرّد بالألوهية، أو ما تقرّر عند الكل من إطلاق هذا الاسم عليه خاصة فهذه أربعة أوجه لا خفاء فيها وفي كيفيتها، وليس معناها أن يحمل لفظ الله على معناه اللغوي أو المعروف أو المتوحد بالإلهية أو يقدر القول انتهى، وفيه بحث لأنه لا وجه لجعله متعلقا بالجملة جميعها ولا نظير له، وان جعله متعلقأ بلفظ الجلالة فلا بد من أخذ ذلك المعنى منه فيلزمه الرجوع إلى ما قاله الشراح وسيأتي ما يصححه على بعد، والمصنف رحمه الله لما اختار سابقاً أنه اسم للمعبود اختار هنا تعلقه بالاسم الكريم باعتبار أنه في المعنى المراد منه ملاحظ فيه معنى الصفة والجار والمجرور يكفي في تعلقه مثل ذلك فلا حاجة إلى اعتبار معنى آخر خارج عنه، ولم يقل المعبود ليصح الحصر المستفاد من تعريف الطرفين لأنه عبد غيره لكنه بغير حق، ولأن معناه بعد الغلبة المعبود بحق لا مطلق المعبود كما فصل في أوّل الكتاب، وإذا اتضح المراد سقط الإيراد، فلا وجه لما أورد عليه من أن الاستحقاق قائم به، وليس فيهما، فلو كان المعنى هو المعبود فيهما كما في الكشاف لصح لأن عبادته واقعة فيهما إذ المراد هو المعبود بحق فيهما ولا حاجة إلى أنه كني عن المعبودية بحق بام! تحقاق المعبودية وكذا الأوجه لقوله لو أريد هو المحمود فيهما لكان مناسباً لفاتحة السورة والحاصل أن كلامه مبنيّ على الأصح عنده من كونه وصفاً في الأصل بمعنى المعبود بحق أو المحير للعقول، وأمّا عند جعله اسماً مطلقا على المعبود كصاحب الكشاف فبأن ضمن اسمه معنى الوصف المذكور لكفاية رائحة الفعل فيه كان يلاحظ فيه بعض لوازمه، وما اشتهر به أو ما اعتبر عند وضعه للمعنى، الأوّل كقوله: أسد عليّ وفي الحروب نعامة والثاني نحو هو حاتم في بلده والثالث ما نحن فيه على ما ذهب إليه صاحب الكشاف، ثم إنه قيل لاختلاف مذهبهما في اسم الله اختلفت عبارتهما بزيادة لفظ المعنى وعدمها انتهى وفيه نظر. قوله: (لا غير) إشارة إلى الحصر المستفاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 منه فقيل إنه مستفاد من تعريف المسند كما أشار إليه بقوله هو المستحق للعبادة بناء على كون أصله الإله وبذلك الحصر جوّز الزمخشريّ تعلق الجار بمعنى اسم الله على تقدير المتوحد بالألوهية في السماوات والأرض وجوّز كون يعلم سركم وجهركم بيانا وتقريراً معللاً بأنّ الذي اسنوى في علمه السر والعلانية هو الله وحده، وهو ماخوذ من كلام الزجاج فإنه جعله ردّاً على المشركين حيث قال: المعنى هو المنفرد بالتدبير في السماوات والأرض خلافاً للمخذول القائل بأن المدبر فيهما غيره واليه أشار بقوله المتوحد بالألوهية فيهما، قال ابن الحاجب رحمه الله: وفائدة قوله أنا زيد الأخبار عما كان يجوز أنه متعدد بأنه واحد في الوجود وهذا إنما يكون إن كان المخاطب قد عرف مسميين أحدهما في ذهنه، والآخر في الوجود فيجوز أن يكونا متعدّدين فماذا أخبر المخبر بأحدهما عن الآخر كان فائدته أنهما في الوجود ذات واحدة فالإلهية بمعنى التدبير وهي المصحح للظرفية والتعلق به، وان توحده بذلك والحصر مستفاد من تعريف الطرفين سواء فيه الألف واللام وغيرهما كالعلمية كما يؤخذ من كلام الكشاف، وبه صرح ابن الحاجب وما وقع في بعض الكتب المعاني مما يقتضي أنّ التعريف المفيد للحصر إنما يكون بالألف واللام أو الموصولية يخالفه، ولكن الفضل للمتقدم والتوحد وإن استفيد من تعريف الطرفين، وهو يحصل بالمجموع لكنه نسبة بينهما يصح إسناده إلى الثاني لأنه متمم الفائدة فلذا صح تعلقه به باعتباره إذ لا وجه لتعلقه بالجملة فتأمل، فقول المحشي في وجه الحصر إنه بناء على كون أصله الإله غير مسلم، والذي غرّه ظاهر ما في كتب المعانيد، ولذا رد بعضهم تعلقه باعتبار معنى المتوحد فقال من غفل عن حصول معنى المتوحد من التركي! الحصري واعتبر معنى الحصر بعد التأويل بالمتوحد وقال إنما هو المتوحد في الإلهية لا غير لم يصب محزه، ثم إنه أورد على هذا الوجه أنّ التوحد بالألوهية أمر لا تعلق له بمكان من الأمكنة فلا معنى لجعله متعلقاً بمكان فضلاً عن جميع الأمكنة، واللازم من استواء السر والعلانية في علمه تعالى كون العالم هو الله تعالى لا وحدته نعم يلزم منه كونه هو الله دون غيره لكن أين هذا من التوحد الذي كلا منافيه، ويدفع بأن الألوهية تدبير الخلق كما عرفت وهو يتعلق بهما وبمن فيهما ومن تفرّد بتدبير جميع أمور أحد لزمه معرفة جميعها حتى يتم له تدبيرها فالجملة الثانية لازمة للأولى فلا وجه لما أورده فتدبر. قوله: (والجملة خبر ثان الخ) يعني على الوجهين ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ بمعنى هو يعلم سركم وجهركم كذا قدرو. كما هو دأبهم في الجملة المستأنفة فقيل هو مستدرك، وقيل قد جرت عادته في مثله أن يقدر مبتدأ، ولا يظهر له وجه يعتد به تلت ليس هو أبو عذرته فإنه قدره كذلك قدماء النحاة وفي دلائل الإعجاز إنه يقدر ذلك فيما إذا كان المستأنف فعلاَ فاعله ضمير مستتر فإنّ الظاهر ارتباط الكلام مما قبله لعود ضمير منه عليه فاذا قدّر ذلك ظهر انقطاعه عما قبله فسلك به مسلك النعت المقطوع رفعاً وان لم يكن ثمة ضرورة ملجئة إليه، وعلى الابتدائية هل هو استئناف بياني جواباً لسؤال مقدّر كأنه لما قيل هو المعبود والمعروف بالألوهية الخ قيل ما شأنه فقيل يعلم سركم الخ أو استئناف نحوي من غير تقدير سؤال، ورجحه الفاضل وغيره لأن تقدير السؤال تكلف. قوله: (ويكفي لصحة الظرفية كون المعلوم فيهما كقولك رميت الصيد قي الحرم إذا كنت خارجه والصيد فيه) وكتب الفاضل المدقق هنا نقلاً عن الإمام التمرتاشي في الإيمان أنه إذا ذكر ظرف بعد فعل له فاعل ومفعول، كما إذا قلت إن ضربت زيداً في الدار أو في المسجد فإن كانا معا فيه فالأمر ظاهر، وان كان الفاعل فيه دون المفعول أو بالعكس فإن كان الفعل مما يظهر أثره في المفعول كالضرب والقتل والجرح فالمعتبر كون المفعول فيه وان كان مما لا يظهر أثره فيه كالشتم فالمعتبر كون الفاعل فيه، فلذا قال: بعض الفقهاء لو قال إن شتمته في المسجد أو رميت إليه فشرط حنثه كون الفاعل فيه، وان قال إن ضربته أو جرحته أو قتلته أو رميته فشرطه كون المفعول فيه وهو محل الرمي الأول بمعنى إرسال السهم من القوس بنيته وذلك مما لا يظهر له أثر في المحل، ولا يتوقف على وصوف فعل الفاعل فيعد من قبيل الأوّل والرمي الثاني إرسالط السهم، أو ما يضاهيه على وجه يصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 إلى المرمى إليه فيجرحه أو يوجعه ويؤلمه ولذلك يكون من القبيل الثاني، والإمام البزازي لعدم وقوفه على هذا الفرق الذي نبهوا عليه قال وفي كل فعل له أثر في المحلوف كالشتم والرمي يعتبر كون المحلوف عليه في المسجد لا الحالف والطحاوي جعل الرمي كالشتم وهذا في استعمال العرف، وأما في العربية فلم نر فيه تفصيلاً وكلامهم هنا يخالفه لأنّ العلم لا يظهر له أثر في المعلوم، ولذا قيل إنه لا يصح قياس النظم بالمثال لأنّ الرمي له أثر في المحل دون العلم، وقيل في وجهه إنّ العالم إذا لم يكن له مكان أصلا لم يصح نسبة علمه إليه بالحصول فيه لكن إذا كان علمه متعلقا بما فيه صار كأنّ العلم فيه فجاز جعله ظرفا له، وأمّا ما ذكره من المثال فوجهه أنّ الرمي شيء ممتد من انفصال ما به الرمي من السهم وغيره إلى آن الوصول إلى المرمى فبعض أجزاء ذلك الرمي الممتد لما وقع في الحرم جاز جعله ظرفاً له، ومن هذا ظهر صحة أن يقال رميت الصيد في الحل باعتبار ما وقع فيه من أجزاء ذلك الممتد، وأما إذا أريد بالرمي حدوثه، فالصحة منحصرة في هذا القول باعتبار جزئه الأوّل فقط فتأمل اهـ، وهو غير سديد إذ لا يوافق استعمال اللغة ولا العرف وما ذكره من كون الفاعل لا يحويه مكان لا يوافق ما مثل به المصنف رحمه الله وما تكلفه له لا وجه له مع ما في تعبيره من الخلل، ولهذا المقام تحقيق لعل الله يمن به في محله. قوله: (أو ظرف مستقر وقع خبرا الخ) إمّا خبر بعد خبر إن كان الله خبراً دمان كان بدلاً فظاهر، وقوله: كأنه فيهما الخ قيل يعني أنّ الآية الكريمة من التشبيه البليغ كزيد أسد والمعنى الله كائن في السماوات والأرض بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وقال النحرير معنى كونه فيهما أنه عالم بما فيهما على التشبيه والتمثيل يعني الاستعارة التمثيلية شبهت حالة علمه بهما بحالة كونه فيهما لا! العالم إذا كان في مكان كان عالما به وبما فيه بحيث لا يخفى عليه شيء منه وفيه بحث إذ لا يظهر وجه الشبه الجامع بينهما وقوله لأن العالم إذا كان في مكان لا يدل على ما اذعاه، ثم قال: ويجوز أن يكون كناية فيمن لم يشترط جواز المعنى الأصلي، ولا يستقيم هذا الكلام بدون هذا المجاز أو الكناية ورذ بأنه يستقيم إذا حمل على المبالغة كما مز انتهى، وما أورد على التمثيل ليس بوارد لأنه شبهت الحالة التي حصلت من إحاطة علم الله بهما وبما فيهما بحالة بصير تمكن في مكان فنظره وما فيه، والجامع بينهما حضور ذلك عنده، وجوز فيه أن يكون مجازا مرسلاً باستعماله في لازم معناه وهو ظاهر وأن يكون استعارة بالكناية بأن شبه بمن تمكن في مكان، وأثبت له ما هو من لوازمه وهو علمه به وبما قيه. قوله: (ويعلم سركم وجهركم بيآن وتقرير له الخ (يعني على كون الظرف خبرا، وهو كالقرينة له فلذا جعله بيانا لأنّ القرينة تبين المراد، ولما كان معنى كونه فيهما إحاطة علمه كان هذا تقريراً وتوكيدآ لدلالته عليه فلا وجه لما تيل الأولى أن يقول أو تقرير، وجوز الزمخشري كونه خبراً ثالثأ بناء على أنّ القرينة فيه عقلية، وهي أنّ كل أحد يعلم أنه تقدس وتعالى منزه عن المكان والزمان كما في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [سورة الحديد، الآية: 4] إذ لم يردف بما يبينه فلا يرد أنه لو جعل خبراً انتفت القرينة. قوله: (وليس متعلق المصدر الخ (لأنّ معمول المصدر لا يتقدم عليه، والمراد بالمصدر السر والجهر فيكون من التنازع ويلزمه أيضا التنازع مع تقدم المعمول وفيه خلاف أيضا، وأمّا ما قاله ابن هشام رحمه الله من أنه إنما يمتنع تقدمه إذا قدر بحرف مصدري وفعل وهذا ليس كذلك فليس مما منعوه فقد رذه الشارح بأنّ تقديره ما يسرون وما يجهرون، وفيه نظر، ومنهم من يجوز تقدم الظرف لكنه قيل إنّ المصدر هنا بمعنى المفعول فلا يؤول بالموصول الحرفي والفعل، وقيل عليه إن هذا وإن صح لفظاً لا يصح معنى لأنّ أحوال المخاطبين لا معنى لكونها في السماء، والقول بأنّ المعنى حينئذ يعلم نفوسكم المفارقة الكائنة في السماوات أو نفوسكم المقارنة لأبدانكم الكائنة في الأرض خروج عن الظاهر، وتعسف لا يخفى قلت وهو وارد على المصنف رحمه الله أيضا لا من جهة أنه جعل المانع من جهة العربية فأشعر بصحته معنى بل على وجه تعلقه بالفعل، وجعل الظرفية باعتبار المفعول فإنه يقتضي أن سر المخاطبين في السماوات أيضا، ولذا تركه بعضهم اللهم إلا أن يقال إنه كناية عن إحاطة العلم بالخفيّ، والظاهر كقوله تعالى: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سورة سبأ، الآية: 3] ، ولذا قال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 بعض المتأخرين لعل جعل سرهم وجهرهم فيها لتوسيع الدائرة، وتصوير أنه لا يعزب عن علمه شيء في أي مكان كان لا لأنهما قد يكونان في السماوات أيضا، وأمّا تعميم الخطاب للملائكة فتعسف مع أن السياق يقتضي أنه على هذا لا يحتاج إلى التأويل كما في الخبرية، فهذا صلح عن غير تراض. قوله:) من خير أو شرّ الخ) رتب عليه قوله فيثيب الخ إشارة إلى أنّ علمه تعالى عبارة عن جزائه فتنمّ مغايرته لما قبله، وقوله ولعله أريد بالسر والجهر الخ، قال خاتمة المدققين فإن قلت هذا إنما يظهر إذا لم يتعلق في السماوات بيعلم، وأمّا إذا تعلق به فلا إذ لا تكون السماوات ظرفاً لأحوال أنفس المخاطبين قلت الآية الكريمة حينئذ من تغليب المخاطبين على الملائكة وفيه بعد لا يخفى، وقد فسر السر بالنفوس والجهر بالأبدان، ثم قيل على تقدير تعلق الظرف بالفعل المذكور يكون المعنى يعلم نفوسكم المفارتة في السموات، ونفوسكم المقارنة لأبدانكم في الأرض، وفيه بحث فإنّ الخطاب على هذا يكون للمؤمنين، وقد يكون فيما قبل للكافرين فتفوت المناسبة والارتباط، ثم كيف يفعل إذا تعلق الظرف بالمصدر مع أنّ أبدان المخاطبين ليست في السماوات ولعل الأولى والله أعلم أن يقال المراد بالسر ما كتم عنهم من عجائب الملك، وأسرار الملكوت مما لم يطلعوا عليه وبالجهر ما ظهر لهم من السموات، والأرض فإضافة السر والجهر إلى ضمير المخاطبين مجازية، وفيه نظر، ومراد المصنف رحمه الله بيان المغايرة بين المتعاطفين أيضا كما أن منهم من دفعه باختصاص الأوّل بالأقوال وهذا بالأفعال، وقيل عليه أحوال الأنفس كيف تكون ظاهرة وأجيب بأنه باعتبار ما يدل! عليها من الجوارح كما تظهر آثار الغضب والفرح، وغيرها من الأحوال النفسية. قوله: (من الأولى مزيدة للاستغراق) قيل أي لتأكيده فإنّ النكرة في سياق النفي للاستغراق، ويحتمل عدمه احتمالاً مرجوحا كما في قولك ما رجل في الدار بل رجلان بجعل النفي عائداً إلى وصف الفردية خصوصأ، وأمّا إذا كان مع من الاستغراقية لفظا نحو ما من رجل في الدار أو تقديراً نحو لا رجل في الدار فهو نص في الاستغراق، ولا يحتمل عدمه لثونه لنفي الجنس بالكلية وهذا مخالف لما حققه ابن مالك في التسهيل من أنه إذا كانت النكرة بعدها لا تستعمل إلا في النفي العام كانت لتأكيد الاستغراق نحو ما في الدار من أحد وإذا كانت مما يجوز أن يراد بها الاستغراق ويجرز أن يراد بها نفي الوحدة أو نفي الكمال كانت من دالة على الاستغراق نحو ما جاءني من رجل فتأمل. قوله: (والثانية للتبعيض (وجعلها ابن الحاجب تبيينية فقال النحرير، ولا يستقيم إلا إذا كانت النكرة في النفي بمعنى جميع الإفراد لما صرحوا به من أنه لا بد من صحة حمل المبين على المبين، وما قاله من أنها لو كانت تبعيضية لما كانت الأولى استغراقية ممنوع لصحة قولنا ما يأتيهم بعض من الآيات من أفي بعض كان، ومبني كلامه على اعتبار التبيين والتبعيض بعد اعتبار النفي، وإفادة الشمول والإحاطة فيصح التبيين، ولا يصح التبعيض حينئذ لكن لا يخفى إمكان اعتباره بعد اعتبار التبعيض فتأمل انتهى، وفيه بحث فإنّ الشمول والإحاطة في أمثاله يكون على البدل لا الاجتماع حتى لا يصح التبعيض، وحاصله أن التناول لكل فرد الذي هو مدلول النكرة المنفية قد يستلزم الحكم على المجموع كما فيما نحن فيه فإنّ مآل المعنى إلى أنّ المجموع ليس إلا معرضا عنه لهم فبالنظر إليه جاز كون من بيانية، وتحقيقه أنّ هاهنا اعتبارين أحدهما أن يلاحظ أوّلاً معنى آية منكراً ويلاحظ تعلق من آيات ربهم به ثم يسلط النفي عليه فحينئذ تكون تبعيضية البتة وثانيهما أن يسلط النفي عليه أوّلاً ثم يلاحظ تعلق من آيات ربهم به فحينئذ يجوز أن تكون تبيينية نظراً إلى لازم الحكم هذا ما قيل في تصحيح كونها بيانية لكنه خلاف الظاهر، ومع هذا لا وجه لقوله لو كانت تبعيضية لما كانت الأولى استغراقية لكونه في حيز المنع لأن الاعتبار على الوجه الثاني، ثم النظر إلى لازم الحكم ليس بأمر واجب وأيضا الاستغراق هاهنا لآية متصفة بالإتيان فهي وان استغرقت بعض من جميع الآيات. قوله:) أي وما يظهر لهم دليل قط الخ) يريد أن الآية في الأصل العلامة وتستعمل بمعنى الدليل، والمعجزة والآية القرآنية، واستعمال قط مع المضارع ليس بجيد لأن قط ظرف مختص بالماضي إلا أن يريد بقوله ما يظهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 ما ظهر ولا حاجة إلى مثله ولما كان الإتيان، والمجيء يوصف به الأجسام فسره بيظهر استعمالاً له في لازم معناه مجازاً لا كناية كما قيل، والوجوه مرتبة الأعم فالأعم ولا حاجة إلى تقييد كل بغير الذي بعده لتتغاير الوجوه كما قيل المراد بالدليل دليل الوحدانية، أو البعث فيقابل المعجزة. قوله:) تاركين للنظر فيه غير ملتفتين إليه) لما كان حقيقة الإعراض في العنق وصرف الوجه عن شيء من المحسوسات فسره هنا بمعنى ترك النظر في الدليل والاعتناء به مجازاً، ولما كان المشهور في هذا المجاز عدم الالتفات أردفه به وقيل فسر الإعراض عن الدليل بترك النظر فيه، ثم قيده بعدم الالتفات إليه إشارة إلى أنه لا قدج فيه للتقليد لأنّ المقلد بتقليده المجتهد ملتفت إلى دليله ولا يخفى بعده ونبوّ المقام عنه، وذكر الضمير نظرا إلى الدليل أو القرآن كما يدل عليه ما بعده. قوله:) وهو كاللازم لما قبله الخ) فيه وجهان أحدهما أن الفاء سببية ما بعدها مسبب عما قبلها كما اختاره في البحر، وقوله: كأنه قيل الخ بيان يحصل به المعنى، والثاني أن هنا شرطا مقدراً تقديره كما في الكشاف، وغيره إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بالحق لما جاءهم، والأوّل ظهر وكلام المصنف رحمه الله مبنيّ عليه، وما قيل إن الفاء على هذا الوجه للسببية أفادت تسبب ما بعدها أعما قبلها فهي في المعنى جزائية لشرط مقدر تقديره لما كانوا معرضين كما ذكرد المصنف رحمه الله خلط، وخبط لأنّ لما جوابها الماضي لا يقترن بالفاء على الصحيح الفصيح ألا ترى أن المصنف رحمه الله أسقطها في بيان المعنى، والفاء الفصيحة لا تقدر جواب لما، ولم نسمع أحداً من النحوييون قدرها بذلك، وكيف يقدر للفاء ما يقتضي عدمها، بقي أنّ الزمخشريّ قال: إنه مردود على كلام محذوف أي متعلق به في معرض الجزاء، وهو يستعمل مردودا بمعنى الجزائية والتبعية كثيراً فقيل لأن الشرط سبب في الحقيقة للجزاء إذ المعنى إن كانوا معرضين عن الآيات فلا تعجب فقد كذبوا بما هو أعظم آية يعني القرآن، وهو أشد من الإعراض انتهى، فقدر الفصيحة محذوفة بناء على جواز حذفها كما أشار إليه الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى} [سورة البفرة، الاية: 73] إذ المعنى فضربوه فحيي فحذف ذلك لدلالة قوله كذلك يحيي الله الموتى، والعجب منه أنه تال: ثمة يعني حذف ضربوه المعطوف على قلنا شائع في الفاء الفصيحة، وهنا قد حذفت الفاء الفصيحة في فحيي مع المعطوف بها أيضا بدلالة قوله كذلك الخ انتهى، ورده بعض الفضلاء فقال: من زعم أن الفاء في فحيي فصيحة فقد غفل عن أنّ ذلك على تقدير أن تكون مذكورة وما تبلها محذوفا، وأما إذا حذفا معا وقدرا معاً كالذي نحن فيه فالفاء سببية محضة وليس بشيء لأنه متفق على صحة مثل هذا التقدير، وقد قدره هو هنا كذلك وصرج به الكرماني في مواضع من الحديث النبوي فإن كان محصل رذه أنها لا تسمى فصيحة فنزاع لفظيّ لأنها إذا حذفت لا تفصح عن محذوف فلا تسمى فصيحة، ومن سماها فصيحة أراد أنه لو صرح بها أفصحت عنه والأمر فيه سهل، وقد مز قي سورة البقرة تفصيله. قوله: (أو كالدليل عليه الخ) قيل هذا بناء على أنّ الفاء يكون ما قبلها مسببا عما بعدها، وعكسه وجعلها النحاة والأصوليون على هذا تعليلية نحو أكرم زيداً فإنه أبوك واعبد الله فإن العبادة حق، قال الرضي: وقد تكون فاء السببية بمعنى لام السببية وذلك إذا كان ما بعدها سببا لما تبلها نحو اخرج منها فإنك رجيم، ولم يذكر إنها تفيد الترتيب حينئذ ولما كانت الفاء للتعقيب والسبب متقدّم على المسبب لا متعقب إياه تكلف صاحب التوضيح لتوجيهه بأنّ ما بعد الفاء علة باعتبار معلول باعتبار، ودخول الفاء عليه باعتبار المعلولية لا باعتبار العلية، وردّ بأنها لا تتأتى في كل محل، وفي التلويح الأقرب ما ذكره القوم من أنها إنما تدخل على العلل باعتبار أنها تدوم فتتراخى عن ابتداء الحكم وفي قوله فتتراخى الخ تسمح إذ التراخي يناسب، ثم لا الفاء ومراده أنها تعقب آخره، وفي شرح المفتاح الشريفي فإن قلت كيف يتصوّر ترتب السبب على المسبب قلت من حيث إن ذكر المسبب يقتضي ذكر السبب انتهى، فقد علمت وجه الترتيب فيها على سائر الوجوه وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله ولذلك رتب عليه بالفاء لكن ظاهر كلام النحاة، وغيرهم أن هذه الفاء تختص بالوقوع بعد الأمر، والوجه الأوّل يجري على الوجوه الثلاثة في تفسير الآية لتغاير الأعراض! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 والتكذيب وعبارة المصنف عندي تحتمل وجها آخر، وهو أن يكون فاعل رتب لفظ فسوف يأتيهم بمعنى أنه لما كان أمراً عظيماً يدل على ما هو عبرة رتب عليه الوعيد المذكور فتأمل. قوله: (أي سيظهر لهم ما كانوا به يستهزئون (لم يذكر النبأ في التفسير لأن إضافته بيانية أي النبأ الذي استهزؤوا به، وهو إخباره عن الوعد والوعيد كقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [سورة ص، الآية: 88] أو لأنه جعل إتيان لنبأ كناية عن الظهور كقوله: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وعلى الأوّل الإتيان وحده مجاز عن الظهور كما مر ولا وجه لادّعاء أنّ الإنباء مقحم، وأنّ المعنى سيظهر لهم ما استهزؤوا به من الوعيد الواقع فيه أو من نبوّة محمد كي! ونحوه لأنه لا داعي لإقحامه. قوله: (والقرن الخ (اختلف في القرن هل هو زمان معين أو أهل زمان مخصوص، واختار بعضهم أنه حقيقة فيهما، وقد اختلف فيه السلف فقيل هو من الاقتران ومعناه الأمّة المقترنة في مدة من الزمان واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: من قرنت وقيل من قرن الجبل لارتفاع سنهم وقوله: أهل زمان بناء على ما مرّ لا على تقدير مضاف أو تجوّز، واختلف في تعيين الزمان فقيل مائة وعشرون سنة وقيل مائة وقيل ثمانون وقيل سبعون وقيل ستون وقيل ثلاثون وقيل عشرون وقيل المقدار الأوسط في أعمار أهل كل زمان، ولما كان على هذا لا ضابط له بضبطه قال الزجاج قيل معناه أهل عصر فيهم نبيّ أو فائق في العلم على ما جرت به عادة الله، ويحتمل أنه مائة لما ورد أنّ على رأس كل مائة مجدداً فلا يقال إنه تقييد بلا دليل، والرؤية هنا إمّا بصرية أو علمية وهذا أظهر لأنهم لم يعاينوا القرون الخالية، وكم استفهامية أو خبرية معلقة لما قبلها، وهي في محل نصب على أنها مفعول به لأهلكنا أو مصدر بمعنى إهلاك أو على الظرفية بمعنى أزمنة، ومن في من قرن بيانية أو تبعيضية أو مزيدة كما في إعراب أبي البقاء وغيره 0 قوله: (مكناهم الخ) استئناف بيانيّ كأنه قيل ما كان حالهم، وقال أبو القاء: إنها في موضع جر صفة لقرن لأنّ الجمل بعد النكرات صفات لاحتياجها إلى التخصيص، وجمع الضمير باعتبار معناه، وقيل عليه أنت خبير بأنّ تنوينه التفخيمي مغن له عن استدعاء الصفة على أنّ ذلك مع اقتضائه أن يكون مضمونه، ومضمون ما عطف عليه من الجمل الأربع مفروغا عنه غير مقصود لسياق النظم مؤذ إلى اختلال النظم الكريم كيف لا، والمعنى حينئذ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن موصوفين بكذا وكذا وبإهلاكنا إياهم بذنوبهم وإنه بين الفساد انتهى وهذا غفلة منه أو تغافل عن تفسيرهم له بقولهم لم يغن ذلك عنهم شيئاً فالمراد به حقيقة الإهلاك، والا لزم التكرار وتفريع الشيء على نفسه وأما على هذا فلا يرد شيء مما ذكره أصلاً وما ذكره من أمر التنوين ليس بشيء. قوله: (جعلنا لهم فيها مكاناً) قال الزمخشريّ: معنى مكن له جعل له مكانا ومعنى مكنته في الأرض! أثبته فيها وقرّرته ولتقاربهما جمع بينهما في النظم هنا بمعنى أنهما وان تغايرا مدلولاً إلا أنهما اجتلبا للدلالة على السعة في الأموال والبسطة في الأجسام لأنّ التمكين فيها لا يكون إلا بذلك، وكذلك لا يجعل لهم مكاناً يتمكنون فيه كما أحبوا إلا بعدهما فاتحدا مقصوداً، وأمّا نكتة التخصيص فللإشارة إلى زيادة سعة من قبلهم وقوتهم لأنّ مكنه أبلغ من مكن له، والمصنف رحمه الله أشار إليه بتفسير أحدهما بالآخر، وقد يقالى أنّ مراده أنهما بمعنى بناء على عدم الفرق المذكور، ففي التاج إنهما مثل نصحته ونصحت له، وقال أبو عليّ: اللام زائدة كما في ردف لكم وكلامه في سورة الكهف وكلام الراغب في مفرداته يؤيده والفرق بين التفسيرين أنّ الأول بمعنى ثبتناهم في الأرض بإطالة الأعمار في سعة ورفاهية، والثاني بأن جعلناهم متصرفين فيها ملكا وملكاً وهما متقاربان. قوله: (ما لم نجعل لكم من السعة وطول المقام) إشارة إلى ما مر من تفسير مكنا، وفي ما هذه وجوه لأنها إمّا موصولة صفة لمحذوف تقديره التمكين الذي لم نمكنه لكم والعائد محذوف أو نكرة أي تمكينا لم نمكنه وعليهما فهي مفعول مطلق، وقيل إنها مفعول به لأنّ مكنا بمعنى أعطينا وقيل هي مصدرية أي مذة عدم تمكينكم، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لغير الأخير وتفسيره بالجعل المذكور لبيان المقصود الذي جعل كناية عنه كما في الكشف، ولا حاجة إلى جعله تجريداً كما قيل وقوله: يا أهل مكة إشارة إلى أنّ الخطاب للكفرة وقيل إنه لجميع الناس وقيل للمؤمنين. قوله: (أو ما لم نعطكا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 من القوّة والسعة) إشارة إلى أنّ مكناهم كناية عن إعطاء ما تمكنوا به من أنواع التصرف فقوله: {مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} بمعنى ما لم نعط فما مفعول به وإليه أشار في الكشاف حيث قال والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمودا وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا فلم يهمل موقع ما كما ظنه النحرير والوجه الأوّل ناظر إلى أنّ مكنا بمعنى جعلنا لهم مكانا وهو كناية عن السعة وطول المقام والثاني ناظر إلى أنه بمعنى التقرير والتثبيت وهو كناية عن القوّة المذكورة ويصح أيضا جعله مفعولاً مطلقاً على أنه بيان لمحصل المعنى، ثم إذا كانت ما بمعنى تمكينا فالمراد التثنية نحو ضربته ضرب الأمير وأشار في الكشاف إلى أنه من التشبيه المقلوب وهو أبلغ لأنّ تمكن عاد ونحوهم أقوى فالظاهر جعله مشبهاً به، وما قيل في بيان كلام المصنف رحمه الله هنا إنه من المكنة أي القدرة وما موصولة بحذف العائد وهي كالبدل من المكنة المدلول عليها بمكنا، وان جعلناه لمجرّد الإعطاء يكون مفعول أعطينا وما ذكر في الكشاف المعنى على عكسه، فإنّ المعنى أعطينا عاداً وغيرهم ما لم نعط أهل مكة انتهى يعلم ما فيه مما مر مع أنّ جعله من المكنة بضم فسكون بمعنى القدرة لا يصح لأنّ المكنة بهذا المعنى لا أصل لها في اللغة وان كانت شائعة في كلام العوام وجعل ما في تقريره صفة وقد صرّح أبو حيان بمنعه وأنه لا يوصف بغير الذي من الموصولات وقوله كالبدل لا يخفى ما فيه من الخلل، والعدد بالضم جمع عدة وهي السلاح ونحوه ولكم في النظم التفات ميز به بينهم وبين أهل مكة ليتضح مرجع الضميرين وهذه نكتة في الالتفات لم يعرّج عليها أهل المعاني وله وجه آخر وهو مواجهتهم بضعف حالهم تبكيتا لهم. قوله: (أي المطر أو السحاب الخ) السماء على هذين مجاز، وهو مشهور، وعلى الآخر حقيقة والتجوّز في إشاد الإرسال إلى السماء لأن المرسل ماء السحاب واليه أشار بقوله فإنّ مبدأ المطر منها، والمظلة بلفظ اسم الفاعل، والمدرار مفعال كمنحار صيغة مبالغة يستوي فيه المذكر والمؤنث ومغزارا من الغزارة وهي الكثرة. قوله: (فعاشوا في الخصب والريف) الخصب بالكسر كثرة الزروع والثمار ضد الجدب، والريف هنا سعة المأكل والمشرب والاً رض القريبة من الماء ولا ينبغي تفسيره هنا بأرض فيها خصب وزرع ولم يقل أجرينا الأنهار كما قال أرسلنا السماء للدلالة على كونها مسخرة مستمرّة الجريان لا لأنّ النهر لا يكون إلا جاريا فلا يفيد الكلام لأنّ النظم حينئذ ناظر إلى كونه من تحتهم ولو كان ما ذكره صحيحا لما ورد في النظم كقوله: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [سورة البقرة، الآية: 25] والظاهر أن جعلنا هنا بمعنى أنشأنا أوجدنا وهو مخصوص به تعالى فلذا غير الأسلوب وفاء فأهلكنا للتعقيب لا فصيحة لأنّ بذنوبهم لا يقتضي ما قدروه وهو فكفروا بل يأباه فتأمّل. توله: (وينشئ مكانهم آخرين الخ) يعني أنه تتميم لما قبله كما قال الزمخشري لأنه لا يتعاظمه أن يهلك قرنا ويخرب بلاده منهم فإنه قادر على أن ينشئ مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده كقوله: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [سورة الشمس، الآية: 5 ا] وفيه إشارة إلى أنهم قلعوا من أصلهم، ولم يبق أحد من نسلهم لجعلهم آخرين، وكونهم من بعدهم. قوله: (مكتوباً في ورق) في نسخة في رق ويشير به إلى أنّ الكتاب بمعنى المكتوب والجارّ والمجرور صفة كتاب أو متعلق بنزلنا والقرطاس بكسر القاف، وضمها معرب مخصوص بالمكتوب، أو أعم منه ومن غيره. قوله: (فلا يمكنهم أن يقولوا إنما الخ) أي لا يحتمل أن يقولوا إذا ترك العناد والتعنت، واعترض با! اللمس هنا إنما يدفع احتمال كون المرئيّ مخيلاً، وأمّا نزوله من السماء فلا يثبت به، وأجيب بأنه إذا تأيد الإدراك البصري في النزول بالإدراك اللمسي في المنزل يجزم العقل بديهة بوقوع المبصر جزماً لا يحتمل النقيض، فلا يبقى بعده إلا مجرّد العناد مع أنّ حدوثه هناك من غير مباشرة أحد يكفي في الإعجاز كما لا يخفى. قوله: (وتقييده بالأيدي الخ) سواء كان اللمس مخصوصا باليد لقول الجوهري اللمس المس باليد أو أعم لقول الراغب في مفرداته المس إدراك بظاهر البشرة كاللمس، وهو ظاهر قول المصنف رحمه الله في سورة الجن اللمس المس مستعار للطلب كالجس ووجه دفع التجوّز ظاهر كما في قولهم نظرت بعيني ويقولون بأفواههم وقيل في وجهه أن التنصيص على القيد المعتبر يفيد اعتباره فيكون تأكيداً للشيء لإعادة جزئه المقصود منه فكأنه إعادة له الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 والتأكيد يعين الحقيقة كما ذكره أهل المعاني فما قيل إنه إنما قيد به لأنّ الإحساس باللصوق يكون بجميع الأعضاء ولليد خصوصية في الإحساس ليست لسائرها، وأما التجوّز باللمس عن الفحص فلا يندفع به إذ لا بعد في أن يكون ذلك لبيان مباشرتهم للفحص بأنفسهم بل يندفع لكون المعنى الحقيقي أنسب بالمقام انتهى غنيّ عن الجواب إذ لا قرينة تصرف عن المعنى الحقيقي بل قرينة التأكيد قائمة على خلافه، وكذا ما قيل إنّ فيه تجريداً حيث ذكر بأيديهم فمعنى قوله لدفع التجوّز لدفع فساد التجوّز، والا فقد وقع في التجوّز ومعنى سكرت الأبصار غمضت وأقفلت، وأمّا قول بعضهم تقييده بالأيدي لدفع التجوّز سواء كان اللمس أعم مما هو باليد كما هو المفهوم من الكتب الكلامية، أو كان المس باليد كما هو المتبادر من كتب اللغة فغفلة عما نقلناه عن الراغب، ولا يليق نقل اللغة من كتب الكلام. قوله: (إن هذا إلا سحر مبين) أي ظاهر كونه سحراً، وقيل المراد به تعنتا أنه ليس بمخيل وان كان السحر لا يكون إلا مخيلا وفيه نظر ووضمع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أنه قول نشأ من كفرهم أو لأنّ المراد به قوم معهودون. قوله: (هلا أنزل معه ملك يكلمنا أنه نبي الخ) يعني لولا هنا للتحضيض والمقصود به التوبيخ على عدم الإتيان بملك يشاهد معه حتى تنتفي الشبهة بزعمهم أي هلا أنزل عليه ملك يكون معه يكلمنا أنه نبيّ فأوجز في العبارة تعويلا على انفهامه وليس معه تفسيراً لقوله عليه فلا يتوجه ما قيل إنه جعل على بمعنى مع كقوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [سورة البقرة، الآية: 177] أو جعل المعية منفهمة منه لأنّ النزول ليس في حال المقارنة إلا أن يحمل على الحال المقدرة والداعي إلى هذا أنّ النزول عليه ليس مطلوبا لذاته بل ليكون معه نذيراً. قوله: (جواب لقولهم الخ) يصح في الخلل الجرّ عطفاً على ما في قوله لما والرفع عطفا على المانع والمراد بالمانع اقتضاء هلاكهم وبالخلل زوال قاعدة التكليف كما سيأتي. قوله: (والمعنى أن الملك لو أنزل بحبث عاينوه الخ) في الكشاف هنا ثلاثة وجوه أمّا لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن ثم لا يؤمنون كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى} [سورة الأنعام، الآية: 11 ا] لم يكن بدّ من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة، وامّا لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة، فيجب إهلاكهم وأمّا لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون انتهى، وظاهره اختيار الوجه الأوّل من هذه الوجوه الثلاثة بدليل قوله: فإن سنة الله قد جرت.. الخ ويحتمل الثاني أيضاً لجريان العادة بذلك في الذين احتضروا من الكفار كفرعون لعنه الله وقوله كما اقترحوه أي في صورته الأصلية قيل وأنت خبير بأنّ الوجه الثاني ينافي الوجه الأوّل لدلالة الأوّل على بقاء الاختيار وأنهم لا يؤمنون إذا عاينوا الملك، قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته، والثاني على سلبه وزواله وأنّ الإيمان إيمان يأس، وفي الانتصاف الوجه أن يكون سبب تعجيل عقوبتهم، بتقدير نزول الملك وعدم إيمانهم أنهم اقترحوا ما لا يتوقف وجوب الإيمان عليه إذ الذي يتوقف الوجوب عليه المعجز من حيث كونه معجز إلا المعجز الخاص، فإذا أجيبوا على وفق مقترحهم فلم ينجع فيهم كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المقتضى لعدم النظرة، وفي الكشف الاختيار تاعدة التكليف وهذه آية ملجئة قال تعالى {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} لما رأوا بأسنا فوجب إهلاكهم لئلا يبقى وجودهم عاريا عن الحكمة إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف وهو لا يبقى مع الإلجاء هذا تقريره على مذهبهم، وهو غير صاف عن الإشكال انتهى، وفيه إشارة إلى أنه ليس على قواعد السنة وكان وجه إشكاله أنه وقع في القرآن والواقع ما ينافيه كما مر في قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} [سورة البقرة، الآية: 259] الآية وترك المصنف رحمه الله الجواب الأخير وان كان منقولاً عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنه لا يناسب قوله، ثم لا ينظرون فإنه يدل على إهلاكهم لا على هلاكهم برؤية الملك إلا بتكلف. قوله: (بعد نزوله طرفة عين) في الكشاف معنى، ثم بعد ما بين الأمر قضاء الأمر وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر لأنّ مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة، وقيل في لفظ ثم إشارة إلى أنّ لهم مهلة قدر أن يتأملوا فيما نزل فيؤمنوا بالاختيار، وفيه أن قوله: {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} عطف على قوله لقضى ولا يمهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 للتأمّل بعد قضاء الأمر. قوله: (لجعلناه رجلاَ) فيه إشعار بأنّ الرسول لا يكون امرأة وهو متفق عليه وإنما اختلف في نبوّتها. قوله: (جواب ثان إن جعل الهاء للمطلوب الخ) في الكشاف ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم تارة كانوا يقولون لولا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ملك وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة قال النحرير في شرحه يعني أنّ لهم اقتراحين أحدهما أن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم ملك في صورته بحيث يعاينه القوم فأجيبوا بقوله ولو نزلنا ملكا لقضى الأمر، والآخر أن ينزل إلى القوم ويرسل إليهم كان الرسول البشر ملك فأجيبوا بقوله ولو جعلناه أي الرسول المنزل إلى القوم ملكاً لجعلناه في صورة رجل وضمير جعلناه للرسول المنزل إلى القوم لا لمطلق الرسول سواء كان إلى محمد صلى الله عليه وسلم او إليهم لأنه ليس بلازم حي! حذ أن يجعل رجلاً إلا إذا خص بأن يعاينه القوم أيضا ليصح قوله لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم والمراد بالمطلوب مقترحهم الذي اقترحوه في الآية السابقة وهو أن يكون معه ملك أنزل عليه، ولذا قيل عن كونه جوابا ثانياً إنه يأباه جعلناه ملكاً فإنّ المناسب حينئذ أن يقال ولو أنزلنا ملكاً لجعلناه رجلا قيل ولا يخقى اندفاعه بقول المصنف رحمه الله ولو جعلنا قريناً لك ملكاً وأيضاً لا فرق بين هذا وبين كونه جواباً لاقتراح آخر في كون المناسب ما ذكر لأنهم قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ولا يخفى أن الفرق مثل الصبح ظاهر، ولا يضره التعبير بالإنزال فيهما، وعلى قوله إن جعل الهاء للمطلوب إنّ المطلوب أيضا ملك إلا أن يقال لو جعلنا المطلوب ملكيته ملكاً وأنت خبير بأنّ المطلوب هو النازل المقارن للرسول دل عليه قوله والمعنى ولو جعلناه قريناً لك ملكا فلا غبار عليه، ثم إن لزوم جعل الملك النازل رجلا لجعله ملكا كما هو مفهوم الآية الثانية ينافي لزوم هلاكهم له كما هو مفهوم الآية الأولى لتوقف الثاني على عدم الأوّل لأنّ مبناه على نزوله في صورته لا في صورة رجل فالوجه أن لا تكون الآية جواباً آخر بل جوابا عن اقتراح آخر حتى لا يلزم المنافاة وإنما قيده بقوله: يعاينوه لأنه إذا لم يطلب المعاينة لم يلزم تمثله رجلاً لكن لا يخفى أن هذا القيد معتبر أيضاً في رجوع الضمير إلى الرسول فالأولى أن يؤخر عن قوله أو الرسول ملكا ليصرف إلى الوجهين معاً قلت هذا كلام مختل فإنه على تقدير كونه جوابا آخر يكون جوابا على طريق التنزل والمعنى لو أنزلناه كما اقترحوا لهلكوا ولو فرضنا عدم هلاكهم فلا بذ من تمثله بشراً لأنهم لا يطيقون رؤيته على صورته الحقيقية فيكون الإرسال لغواً لا فائدة فيه وإنما لم يدّكر المعاينة في الوجه الثاني لأنّ كونه رسولاً لهم يقتضي ملاقاته لهم ومشافهتهم بما أرسل به وهو ظاهر. قوله:) دحية) بكسر الدال ويجوز فتحها كما نقل عن الأصمعيّ وا! مشهور الأوّل وهو دحية بن خليفة الكلبيئ الصحابيّ رضي الله عنه كان من أجمل الناس صورة، ولذا كان جبريلءش! هـ يتمثل في صورته أحيانا إذا جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه أصحاب السنن ومعنى دحية رئي! الجند. قوله:) وإئما رآهم كذلك الإفراد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ (يصح في من أن تكون تبيينية وتبعيضية لأنّ الإفراد بمعنى المنفردين من بينهم بخصائص ليست لغيرهم وهم بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو الأفراد الذين هم أنبياء لا كلهم لأن منهم من لم يشاهدهم علر صورتهم الحقيقية، وقيل فيه خفاء قال النيسابوري رحمه الله أن نبينائلمجي! لما رأى جبريل علب الصلاة والسلام بصورته غشي عليه وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام عاينوا الملائكة في صورة البشر كأضياف لوط وابراهيم عليهم الصلاة والسلام وكالذين تسوّروا المحراب لكن هذ محتاج إلى نقل من الأحاديث الصحيحة وسيأتي أنه لم يره على صورته الحقيقية أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء، وأشار المصنف رحمه الله في سورة النجم إل! عدم تيقنه إذ حكاه وفي تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر أنه لم يرد في شيء من كتب الآثار وناهيك به حافظاً فلا يرد ما ذكر على المصنف فمن قال إنها بيانية لا تبعيضية لأن الظاهر أن لكل منهم قوّة قدسية فقد أخطأ من وجهين لأنّ المخصوص بالإفراد رؤية صورة الملك الحقيقية بالقوّة القدسية لا القوّة نفسها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 قوله: (وللبسنا جواب محذوف أي ولو جعلناه رجلاَ الخ) الداعي إلى هذا إعادة لام الجواب فإنها تقتضي استقلاله وأنه لا ملازمة بين إرسال الملك والتخليط فإنه ليس سببا له بل لعكسه ولا تكلف فيه كما أنه لا وجه لما قيل إنه لا حاجة إلى هذا التكلف لجواز عطف لازم الجواب عليه وجعل كل منهما جوابا نعم هو وجه آخر صحيح وقد يقال إنّ نكتة إعادة اللام أنّ لازم الشيء بمنزلته فكأنه جواب فاعرفه. قوله: (أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلكم) في الكشاف ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان هذا إنسان وليس بملك فإن قال لهم الدليل على أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز وهو ناطق بأني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن فهو لبس الله عليهم ويجوز أن يراد وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة فذكر فيه وجهين مبني الأوّل على أن يلبسون استقباليّ تقديري موقت بحين جعل الرسول ملكآ والثاني حاليّ تحقيقيّ وهو ما هم عليه حين إرسال محمد-! ي! إليهم ولبسهم على الأوّل التكذيب وقولهم إنه بشر وليس بملك، وعلى الثاني تكذيب محمدءجب! ونسبة الآيات إلى السحر، وما مصدرية وتحتمل الموصولية هكذا قزره النحرير وكلام المصنف رحمه محتمل للمعنيين لكنه ترك قوله: فإذا فعلوا ذلك خذلوا الخ لأنه مبنيّ على الاعتزال وعدم نسبة خلق القبيح إليه تعالى هذا ما في بعض الحواشي وبحتملى أنه اختار الوجه الأوّل وإسناد اللبس إليه تعالى لأنه بخلقه أو للزومه لجعله رجلا ومعنى قول الشارح في حين الجعل أن المراد به مستقبل ممتد وقد يعتبر الواقع فيه كأنه في زمان واحد وقد عبر بهذه العبارة النحاة كابن هشام ومثله مما لا يرتاب فيه، فمن اعترض! عليه بأن الصواب أن الاستقبال التقديري الموقت بما بعد جعل الرسول ملكا لا بحينه وإلا لكان حالاً تقديريا، وأمّا أنّ النظر إلى زمان الجعل والحكم لا إلى زمان التكلم فليس بمطرد كما صرحوا به، فإن قلت كيف صح أنه استقبالي تقديري موقت بحين الجعل ولو للشرط في الماضي والجواب مترتب على الشرط فيكون بعده لا معه في حين واحد قلت ما ذكرته هو الأصل في استعمالها وقد استعملت للاستقبال أيضا، ووردت في كلام العرب كذلك كقوله: ولو أنّ ليلى الأخيلية سلمت ~ عليّ ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ~ إليها صدى من جانب إلقبر صائح وأعلم أنّ بعض الفضلاء قال هنا أن المقرّر فيما بين القوم إن صدق العكس لازم لصدق الأصل فعلى ذلك التقدير يلزم من كذب اللازم كذب الملزوم فهاهنا عكس القضية الصادقة، وهي قولنا لو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا غير صادق، لأن عكسها لو جعلناه رجلا لجعلناه ملكاً وليس كذلك لأنه تعالى قد جعله رجلا ولم يجعله ملكا فكيف يكون قضية العكس وهو كاذب، والأوّل صدق محض فإن قيل إنه اصطلاح طرأ ولا يجب موافقة قاعدتهم لقاعدة اللغة قيل إنه تقرّر أنّ تلك القاعدة غير مخالفة لقاعدة اللغة وأنها مما لا خلاف فيه. وأجيب بأنّ لو تستعمل في اللغة لمعنيين الأول: انتفاء الثاني لانتفاء الأوّل الثاني: أن الخبر الأوّل لازم الوجود في جميع الأزمنة إذا كان نقيض الشرط أليق باستلزام الجزاء فيلزم وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه كما في نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، وقد صرح المحققون بأن الآية سواء جعل ضمير جعلناه للمطلوب أو للرسول إمّا من قبيل الأوّل أي ولو جعلنا قرينا لك ملكا يعاينوه أو الرسول المرسل إليهم ملكا لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل، وما جعلنا ذلك الملك في صورة رجل لأنا لم نجعل القرين أو الرسول المرسل إليهم ملكا وأمّا من قبيل الثاني أي ولو جعلنا الرسول ملكاً لكان في صورة رجل فكيف إذا كان إنساناً وكل منهما لا يقبل العكس المذكور ولا ثالث فلا إشكال وليس محل البسط فيه، وإنما ذكرته لأنبهك فلا تكن من الغافلين. قوله:) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (يصح في التسلية أن تكون بقوله ولقد استهزئ برسل من قبلك فقط، ويحتمل أنها به مع ما بعده لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 متضمن أن من استهزأ بالرسل عوقب فكذا من استهزأ بك إن أصرّ على ذلك فلا تلتفت إلى من تكلف هنا ما لا حاجة إليه. قوله: (سخروا منهم) في القاموس هزأ منه وبه وسخر منه وبه، فهما متحدان معنى واستعمالاً فلا وجه لما قيل السخرية والاستهزاء بمعنى لكن الأوّل! قد يتعدى بمن والباء لكن في الدرّ المصون إنه لا يقال إلا استهزى به ولا يتعدى بمن، ثم قال الجارّ متعلق بسخروا والضمير راجع إلى الرسل وقيل إلى المستهزئين وقيل إلى أمم الرسل ومن للبيان، ويردّ الأول بأنه يؤول المعنى إلي فحاق بالذين سخروا كائنين من المستهزئين، ولا فائدة لهذه الحال لانفهامها من سخروا، والثاني بأنه يلزم إرجاعه إلى غير مذكور والجواب أنه مبنيّ على أنّ الاستهزاء والسخرية بمعنى وليس بلازم لأنّ من فسره بهذا يجوز أن يجعل الاستهزاء بمعنى طلب الهزء فيصح بيانه ولا يكون في النظم تكرار، قال الراغب رحمه الله: الاستهزاء ارتياد الهزء وان كان قد يعبر به عن تعاطي الهزء كالاستجابة في كونها ارتياداً للإجابة وان كانت قد نجري مجرى الإجابة انتهى، وأمّا رجوع الضمير إلى الأمم فقد ذكره الحوفي ورده أبو حيان بما ذكر وأجاب عنه في الدر المصون بأنه في قوّة المذكور. قوله: (فأحاط بهم الذي كانوا يستهزؤون به) فسر حاق بمعنى أحاط وفسره الفراء يعاد عليه وبال أمره، وقيل دار وقيل نزل ومعنإه يدور على الإحاطة والشمول ولا يستعمل إلا في الشر قالط: فأوطاً جرد الخيل عقر ديارهم وحاق بهم من باس ضربة حائق وقال! الراغب أصله حق فأبدل من أحد حر في التضعيف حرف علة كتطنب وتطنيب أو هو مثل ذمّة وذامة والمعروف في اللغة ما ذكره المصنف رحمه الله قال الأزهريّ: جعل أبو إسحق صاق بمعنى أحاط وكان مادته من الحوق وهو ما استدار بالكمرة وخالفه بعض أهل اللغة فقال إنه يائيّ بدليل حاق يحيق. قوله: (حيث أهلكوا لآجله الخ) قيل إنه يعني إن حاق بهم كناية عن إهلاكهم فإسناده إلى ما أسند إليه مجاز عقليّ من قبيل أقدمني بلدك حق لي على فلان، ولقد أغرب من بين المراد بقوله تعالى: {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} فقال من العذاب الذي كان الرسول يخوّفهم نزوله فلا تجوّز في الإسناد ولا في المسند إليه فإنه لا دليل على أنّ المراد بالمستهز! به هو العذاب بل المرسل، وبعد تسليمه فقد اعترف بأنّ المراد بالحيق بهم الإهلاك ومعلوم من مذهب أهل الحق أنّ المهلك ليس إلا الله تعالى فإسناده إلى غيره لا يكون إلا مجازا (قلت) ما رذه واستغربه هو ما اختاره الإمام الواحدي واستهزاؤهم بالرسل مستلزم لاستهزائهم بما جاؤوا به وما توعدوا به ومثله لظهوره لا يحتاج إلى قرينة وما توعدوا به هو العذاب، وحيقه بهم لا شبهة في أنه حقيقة، وأمّا تفسيره بالإهلاك فليس تفسير الحاق بل بيان لمؤدي الكلام، ومجموع معناه فلا يرد ما ذكره عليهم. قوله: (أو فنزل بهم وبال استهزائهم) نزل تفسير لحاق وقوله: (وبال) إشارة إلى أنه على تقدير مضاف كوبال وعقوبة، وما مصدرية والضمير للرسول الذي في ضمن الرسل أو هي موصولة، أو هو من إطلاق السبب على المسبب لأنّ المحيط بهم هو العذاب، ونحوه لا المستهزأ لكنه وضحع موضعه مبالغة كما قاله الطيبي. قوله: (عاقبة المكذبين الخ) العاقبة مآل الشيء مصدر كالعافية وكيف خبر مقدم لكان أو حال وكان تامة، وقوله كيف أهلكهم يميل إليه، وكي تعتبروا علة للأمر بالنظر، وعذاب الاستئصال من إضافة العام للخاص والاستئصال قلع الشيء من أصله وإنما فسر به لأنّ الإهلاك بدون الاستصال لا يختص بالمكذبين هذا، وقد قيل إنما عبر عنهم بالمكذبين دون المستهزئين إشارة إلى أن مآل من كذب إذا كان كذلك فكيف الحال في مآل! من جمع بينه وبين الاستهزاء وأورد عليه أن تعريف المكذبين للعهد وهم الذين سخروا فيكونون جامعين بينهما وقد اعترف به هذا القائل أيضا مع أنّ الاسنهزاء بما جاؤوا به يستلزم تكذيبه فتأمّل. قوله: (والفرق بيتة وبين قوله قل سيروا في الأرض فانظروا الخ) في الكشاف فإن قلت أيّ فرق بين قوله فانظروا وبين قوله ثم انظروا قلت جعل النظر مسببا عن السير في قوله: فانظروا فكأنه قيل سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين وأما قوله: {سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وايجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح قاله النحرير: يعني أنّ كليهما مطلوب لكن الأوّل للثاني وأمّا ثم انظروا فإنما لم يحمل على التراخي لأنّ واجب النظر آثار الهالكين حقه أن لا يتراخى عن السير، وقيل يجوز أن يكونا واجبين، وثم لتفاوت ما بينهما كما في توضأ ثم صل، وقال الراغب رحمه الله: قيل المراد بالسير المترتب عليه النظر إجالة الفكر ومراعاة أحواله كما روي في وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبدانهم في الأرض! سائرة وقلوبهم في الملكوت جائلة. (وأورد عليه أبحاث) الأوّل أنّ واجب النظر لما كان حقه أن لا يتراخى عن السير كان المناسب حينئذ ترك لفظ يوهم خلاف المقصود وايراد لفظ يفيده بلا إيهام فإنه مما يجب مراعاته كما تقرر في المعاني، والثاني أن السير من حيث هو سير مباح إلا أن يقيد بقيد يفيد وجوبه فإذا قرن بفاء السببية أمكن حمله على الواجب لأن السير للنظر واجب كالنظر كما أن السير للتجارة مباح كالتجارة ف! ذا قرن بثم فلا وجه لحمله على الواجب إذ ليس في اللفظ ما يشعر به وبين السير والوضوء فرق لا يخفى على من له ذوق، وفي كلام النحرير إشارة إلى ضعفه ثم قال: والتحقيق أنه تعالى قالط هنا ثم انظروا وفي النمل {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [سورة النمل، الآية: 69] وفي العنكبوت: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [سورة العنكبوت، الآية: 20] وفي الروم: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [سورة الروم، الآية: 42] فلا بد من بيان وجه تخصيص هذه الآية بثم ولعله أن الفاء تدلّ على أن السير يؤدّي إلى النظر، فيقع موقعه بخلاف ثم ولذا وقعت الفاء في الجزاء فهنا لم يجعل النظر واقعاً عقب السير متعلقاً وجوده بوجوده بل بعث على سير بعد سير لما تقدمه من بعثهم على استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد وأن يستكثروا من ذلك ليروا الآثار في ديار بعد يار إذ قال: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} [سورة الأنعام، الآية: 6، الآية فقد دلّ الأوّل على أن الهالكين طوائف كثيرة، والثاني على أن المنشا بعدهم أيضاً كثيرون، ثم دعا إلى العلم بالسير في البلاد ومشاهدة آثار أهل الفساد مما يحتاج إلى زمان ومدة طويلة تمنع من ملاصقة السير بخلاف المواضحع الأخر وهو كلام أكثره واه لكن تحريره وتهذيبه يحتاج إلى تطويل فتأمله، ثم إن أبا حيان رحمه الله اعترض! على الزمخشري بأن ما ذكره متناقض لأنه جعل النظر مسبباً عن السير وهو سبب له، ثم جعل السير معلولاً له حيث قال كأنه قيل سيروا لأجل النظر وأجيب بأن النظر علة للسير باعتبار وجوده الذهني، ومعلول له باعتبار وجوده العيني كما في عامّة العلل الغائية فلا تناقض فإن السبب قد يكون مقدمة للمسبب غير مقصود في ذاته بل ليقع المسبب نحو سرت ففزت بلقائك وسافرت إلى مكة فحججت، وقد يوقع قصداً من غير نظر إلى المسبب نحو ضربته فبكى وزنى فرجم وقد سبقه إليه بعض المفسرين فقال: هو مسبب وسبب باعتبارين فالنظر سبب في السير بمعنى العلة الغائية فهو سبب ذهنيّ والسير سبب وجودي موصل إلى النظر. قوله: (ولا كذلك هاهنا ولذلك قيل معناه إباحة السير للتجارة الخ) أو رد عليه أنه يأباه سلامة الذوق لأنه إقحام أمر أجنبيّ كبيان إباحة السير للتجارة بين الأخبار عن حال المستهزئين وما يناسبه وما يتصل به من الأمر بالاعتبار بآثارهم وهو مما يخل بالبلاغة إخلالاً ظاهر اهـ، وهذا هان تراءى في بادئ النظر لكنه غير وارد إذ هو غير أجنبيّ لأنّ المراد خذلانهم وتخليتهم وشأنهم من الإعراض عن الحق بالتشاغل بأمر دنياهم كقوله وليتمتعوا. قال العلامة: ثمة في تفسيره هو مجاز عن الخذلان والتخلية وأنّ ذلك الأمر متسخط إلى الغاية ومثاله أن ترى الرجل قد عزم على أمر وعندك أنّ ذلك الأمر خطأ وأنه يؤدّي إلى ضرر عظيم فتبالغ في نصحه واستنزاله عن رأيه فإذا لم تر منه إلا الأباء والتصميم حردت عليه وقلت أنت وشأنك وافعل ما شئت، فلا تريد بهذا حقيقة الأمر كيف والآمر بالشيء مريد له، وأنت شديد الكراهة متحسر ولكنك كأنك تقول له فإذ قد أبيت قبول النصيحة فأنت أهل ليقال لك إفعل ما شئت انتهى، ومنهم من ذهب إلى أن السير متحد فيهما، ولكنه أمر ممتد يعطف بالفاء تارة نظر الآخرة، وبثم نظراً لأوّله ولا فرق بينهما. قوله: (وهو سؤال تبكيت الخ) في الأساس بكته بالحجة غلبه وألزمه ما سكت به لعجزه عن الجواب عنه، والمقصود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 أنه تقريع لهم وتوبيخ. قوله: (ثقرير لهم) التقرير له معنيان الحمل على الإقرار والتثبيت بأن يجعله قاراً متمكنا ومنه تقرير المسألة وكلاهما مما نطقت به كتب اللغة كما ذكره الطيبي رحمه الله ومعناه على الثاني أنه تقرير للجواب لأجلهم أي نيابة عنهم كما في الكشف، وعلى لأوّل إلجاء إلى الإقرار بأن الكل له، لأن هذا من الظهور بحيث لا يقدر على إنكاره أحد كما قاله النحرير، وأفاد الإمام أن أمر السائل بالجواب إنما يحسن في موضع يكون فيه الجواب قد بلغ من الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر ولا على دفعه دافع وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وتنبيه الخ قيل وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا في الجواب مع تعينه لكونهم محجوجين، يعني أنه سألهم وأجاب عنهم لتعين الجواب فإنه لا يمكن خلافه فهو بمعنى قوله. {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [سورة آلى عمران، الآية: 64، وهو دقيق جداً. قوله: (كتب على نفسه الرحمة الخ) النفس هنا بمعنى الذات كما في قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 28] وفي شرحي التلخيص والمفتاح في بحث المشاكلة أن منها قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [سورة المائدة، الآية: 16 ا] وكذا قال المصنف في المائدة، وأورد عليه أن معنى النفس ذات الشيء مطلقا كما في الجوهري والكشاف ويؤيده هذه الآية فلا يحتاج إلى المشاكلة واعتبار المشاركة التقديرية غير ظاهر فلذا اختار قدس سره في وجه+ المشاكلة أنه لكونه عبر عن لا أعلم معلومك بلا أعلم ما في نفسك للمشاكلة لوقوع التعبير عن تعلم معلومي بتعلم ما في نفسي لكنه قدس سره قال في شرح الكشاف في وجه إطلاق النفس على القلب إن ذات الحيوان به تكون، وهذا التعليل كما قيل يشعر باختصاص النفس بذات الحيوان، وفيه نظر وتأمل. (قلت) التحقيق كما مر أن جعل العلم في النفس يقتضي إنه علم بارتسام صورة تنتقش في النفس، ومثله لا يوصف به الله تعالى فالمشاكلة ليست في لفظ النفس في الآية بل في ظرفية العلم لها فقول المصنف في المائدة الآية من المشاكلة، وقيل المراد بالنفس الذات ليس بظاهر إلا أن يقال النفس مشتركة بين معنيين أحدهما يطلق عليه تعالى، والآخر لا يطلق عليه وهي هنا بالمعنى الثاني بقرينة مقابلها فيحتاج إلى المشاكلة، وبهذا يصح أن يقال إنّ المشاكلة في النفس وبه يجمع بين التوجيهين ويتضح تلاقي الطريقين، ومن هذا ظهر أنه لا يتوجه ما قيل أما قوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} فقد قيل إنه للمشاكلة وإن أريد به الذات، وليس بشيء لأنّ مبناه على أنه لولا قوله تعلم ما في نفسي لم يجز أن يقال، ولا أعلم ما في نفسك لعدم إذن الشرع في إطلاقه عليه تعالى ويبطله الآيتان ا! ، وأمّا ما مر من قول النحرير في وجه إطلاق النفس على القلب الخ. وما أورد عليه فغير وارد لأنه بيان لتجوّز آخر فيه وهو إطلاقه على القلب فتأمل. قوله: (التزمها تفضلاَ الخ) ردّ للوجوب عليه تعالى الذي هو مذهب الحكماء والمعتزلة، ولذا غير ما في الكشاف إلى ما ذكره وقوله: ومن ذلك الهداية الخ توجيه لارتباط الآية بما قبلها، وما بعدها ليأخذ الكلام بحجزه وهو ظاهر. قوله: (اسئشاف وقسم الخ) قيل هو استئناف نحوي لا بياني ومن حمله على الثاني وقال في بيانه كأنه قيل وماتلك الرحمة فقيل إنه تعالى. {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} وذلك لأنه لولا خوف الحساب والعذاب لحصل الهرج والمرج وارتفع الضبط وكثر الخبط أورد عليه أنه إنما يظهر ما ذكر هل لو كانوا معترفين بالبعث وليس كذلك، ثم إنّ قوله إنه تعالى ليجمعنكم ليس بصحيح، وصوابه يجمعكم لفقد شرط لحوق النون في كلامه انتهى، وهو ردّ لما وقع في اللباب، وهو في الحقيقة تكلف لا يتوجه فيه الجواب إلا باعتبار ما يلزم التخويف من الامتناع عن المناهي المستلزم للرحمة وكلام المصنف رحمه الله لا يناسبه فلا ينزل عليه وأمّ المناقثة في العبارة فغير واردة لأنها المشاكلة ما وقع في النظم أو لحكايته، وقد وقع هذا التركيب في مواضع من القرآن وللنحاة فيه أقوال فذهب بعضهم إلى أنّ اللام بمعنى أن المصدرية وليست قسمية وهو بدل مما قبله بدل مفرد من مفرد، وردّه ابن عطية بأنه لا وجه لدخول النون حينئذ لأنه ليس من مواضعها واعتذر له أبو حيان بأنها دخلته لكونه على صورة القسم، وقيل إنها قسمية مستأنفة كما مز وقيل إنه اجواب لقوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لأنه يجري مجرى القسم وقوله: على إشراكهم واغفالهم النظر هو مأخوذ من مضمون الآيات السابقة. قوله: (مبعوثين إلى يوم القيامة الخ) أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 هو متعلق بمبعوثين من بعث بمعنى أرسل لا بمعنى أهب فلا يحتاج تعديته بإلى إلى تضمين شيء آخر كالضم والانتهاء، ولا جعله حالاً إلى توجيه فإنّ من مات مرسل إلى يوم القيامة وفيه أنّ البعث يكون إلى المكان لا إلى الزمان إلا أن يراد بيوم القيامة واقعتها في موقعها كقولهم شهد يوم بدر أي واقعته، أو هو لغو متعلق بيجمع كما مرّ في سورة النساء. قال الزمخشريّ: فيها المراد جمع فيه معنى السوق والاضطرار كما تقول حشرت اليوم إلى موضع كذا فوصل الجمع بإلى إلى هذا المعنى كما قيل ليبعثنكم ويسوقنكم ويضطرنكم إلى يوم القيامة أي إلى حسابه، وبهذا اندفع ما مرّ من أنّ البعث يكون إلى المكان كما مرّ فتأمّل 0 قوله: (وإلى بمعنى في) كما ذكر. النحاة واستشهدوا بقوله: فلا تتركني بالوعيد كأنني إلى الناس مطليّ به القارأجرب وتأوّله بعضهم بتضمين مضافا أو مبغضا أو مكرهاً، وقال ابن هشام: لو صح مجيء إلى بمعنى في لجاز زيد إلى الكوفة بمعنى في الكوفة ولا يرد إلا إذا قيل إنه قياسيّ مطرد وقيل إنها بمعنى اللام وقيل زائدة. قوله: (وقيل بدل من الرحمة بدل البعض) على أنه جملة لا مفرد كما مز، وقد ذكر النحاة أنّ الجملة تبدل من المفرد ولم يتعرّضوا الأنواع البدل فيه، والمراد أنّ القسم وجوابه بدل، فلا يرد عليه أنّ الجواب لا محل له من الإعراب، وإذا كان بدلاً يكون في محل نصب فيتنافيان، واستغنوا عن ذكر القسم بهذه الجملة، لأنها مذكورة في اللفظ كما يقولون جملة القسم والمراد القسم وجوابه فيستغنون بذكر أحدهما عن الآخر لا سيما إذا كان محذوفا كما في الدرّ المصون. قوله: (لا ريب) حال من اليوم أو صفة لمصدر أي جمعاً لا ريب فيه، ويحتمل أنّ الجملة تأكيد لما قبلها كما مرّ في ذلك الكتاب لا ريب فيه، ثم إعلم أنّ ظاهر قول المصنف رحمه الله وانعامه ربما يفهم منه أنّ خطاب ليجمعنكم عام للمؤمنين والكافرين بعد كونه خاصا بالكافرين وربما يذهب إلى تخصيصه بما مرّ، وتفسير الأنعام بعدم استئصالهم، وتعجيل العذاب أو نعمة الإيجاد ونحوها وفيه بعد. قوله: (بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية الخ) هذا جواب عما يقال إنّ الخسران مترتب على عدم الإيمان وقد عكس في النظم فلما فسر الخسران بعدم الفطرة والعقل اندفع المحذور وظهر الترتب المذكور، وفي الكشاف فإن قلت كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرانهم، والأمر على العكس قلت معناه الدّين خسروا أنفسهم في علم الله لاختيارهم الكفر فهم لا يؤمنون، قال النحرير: هذا يشعر بانّ الفاء تفيد السببية، وان لم تكن داخلة على الخبر عن الموصول مع الصلة، وقد سلم في الجواب السببية حيث اقتصر على تفسير الخسران بحيث يصح أن يجعل سابقاً على امتناعهم عن الإيمان، وسببا له وهو الخسران في علمه تعالى ولما كان هذا يكاد أن يخالف أصول المعتزلة حيث جعل العلم بأنهم لا يؤمنون سبباً لعدم الإيمان بحيث لا سبيل لهم إليه كما هو رأي أهل السنة أشار إلى دفعه بقوله: لاختيارهم الكفر ولو قال باختيارهم لكان أظهر في المقصود يعني أنّ علم الله تعالى بأنهم يتركون الإيمان، ويؤثرون الكفر صار سببا لامتناعهم عن الإيمان باختيارهم، وأمّا عند أهل السنة فقد صار ذلك سبباً لعدم إيمانهم بحيث لا سبيل إليه أصلاً، وبهذا يندفع ما قال الإمام الرازي: إنّ هذا يدلّ على أن سبق القضاء بالخذلان والخسران هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان، وذلك عين مذهب أهل السنة انتهى فقد علمت أنّ علم الله الأزلي بالأشياء قبل وقوعها كما هي يقتضي أن تقع على وفقه ولا تتخلف عنه، وبهذا الاعتبار صح أن يقال علم الله سبب أو علة لوقوعها فالاعتراض عليه بأنّ المعتزلة لا يجعلون علم الله تعالى سبباً للمعلوم أصلاً بل يقولون إنه تبع للمعلوم كما يعترف به الأشاعرة في إثبات صفة الإرادة فهذا التوجيه يخالف أصول المذهبين، والأولى أن يقال السبب هو اختيار الكفر لا العلم به وإنما أقحم العلم لتحقيق ذلك الاختيار، ويجوز أن تجعل الفاء لاستلزام الأوّل للثاني لا للسببية، وهذا الردّ بأنّ العلم تابع للمعلوم وهم، لأنّ معنى كونه تابعاً له أنّ خصوصية العلم وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بحقيقة ذلك لشيء، وهويته وهو لا ينافي كون المعلوم تابعا له في الوجود والتحقق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في سورة يونس، والفطرة الخلقة وخلقة الإنسان على الفطرة والسداد، وخلافها الآفة وجعلها رأس المال استعارة لطيفة كقول عمارة: إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب ثم إنه قيل إنّ كلام المصنف رحمه الله يقتضي أنّ خسروا هنا من الخسران بمعنى عدم الربح، وهو لا يصح لأنه لازم بل المراد أنهم نقصوا أنفسهم بتضييع! الفطرة التي يتوصل بها إلى الكمال وليس كما قال لأنّ خسر متعد قال تعالى: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [سورة الحج، الآية: اا] والذي غرّه ظاهر كتب اللغة ولا عبرة به مع وروده في الكلام الفصيح، وتضييع الفطرة تركها واتباع الهوى، وقيل: إنّ السؤال يدفع من أصله بأنّ سبق القضاء بالخسران سبب لعدم الإيمان وفيه أنّ السبب حينئذ يكون القضاء به لا نفسه، والتأويل بأن السبب هو الخسران في علم الله لا يجدي فإنه إذا حقق السبب فهو العلم به، وفيه ما فيه. قوله: (وموضع الذين نصب على الذم أو رفع على الخبر) أي أذمّ أو أريد أو أعني، وقيل إنه بدل من ضمير ليجمعنكم بدل بعض من كل بتقدير ضمير، أو هو خبر مبتدأ على القطع عن البدلية أيضاً فإن قلت كيف ذكروا قطعه هنا والقطع في النعت والضمير لا ينعت قلت قال الرضي: استدل الأخفش بهذه الآية على الإبدال من الضمير، والباقون يقولون هو نعت مقطوع للذم إمّا مرفوع الموضع أو منصوبه ولا يلزم أن يكون كل نعت مقطوع يصح اتباعه نعتا، بل يكفي فيه معنى الوصف ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا} ، [سورة الهمزة، الآية: 1] انتهى فإن قلت: يكفي جعله خبر مبتدأ مقدر أو معمول فعل مقدر ولا حاجة إلى ارتكاب ما ذكر قلت كأن الذي دعاه إليه أنّ مجرّد التقدير لا يفيد المدح والذم إلا مع القطع. قوله: (وأنتم الذين الخ) قدر ضمير الخطاب ليرتبط بما قبله، وهو يقتضي أنّ الخطاب قبله للكفرة وسبق الكلام فيه. قيل كان الظاهر أنتم بلا واو، وكان أصله أنه ذكر عام النصب والرفع فسقط من القلم المعطوف عليه أي أذم وأنتم ونحوه ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ الجملة على هذا التقدير معترضة أو حالية وقد صرح الطيبي رحمه الله بأنها تذييل لما قبلها وفيه نظر. قوله: (والفاء للدلالة على أنّ الخ) المتبادر بناؤه على الوجه الأخير فعلى الأوّلين يجوز أن يكون لتعليل الخسران بعدم الإيمان، وأن يكون للتفريع فيفيد السببية على الوجوه كلها كما في الكشاف، وهذا دفع للسؤال الذي أورده الزمخشرقي بطريق آخر، وهو حمل الخسران واضاعة رأس المال على الجري على ما لا تقتضيه الفطرة كما مرّ تحقيقه ولم يعرّج عليه لمخالفته للأصلين بحسب الظاهر كما مر، وهذا صريح في أنّ سببيته إنما هي لأصل عدم إيمانهم وبحسب لقائه كان سببا لبقائه ولما كان الواقع هاهنا صيغة نفي الاستقبال في لا يؤمنون كان اللازم منه هو الثاني، ولذا قال: أدى بهم إلى الإصرار على الكفر فلا تنافي بين أوّل كلامه وآخره لأنّ المراد بعدم إيمانهم عدمه في المستقبل وهو عين الإصرار. قوله: (عطف على دلّه الخ) إمّا عطف مفردين على مفردين حذف أحدهما أو عطف جملة على جملة والمقصود دخوله تحت قل ليكون احتجاجا ثانيا على المشركين وقيل إنها مستأنفة وما موصولة لا غير. قوله: (من السكنى وتعديته بفي الخ) جعله من السكنى ليتناول الساكن والمتحرّك من غير تقدير يعني كما أنّ له ما في الأمكنة له ما في الأزمنة وتعديته مبتدأ وقوله بفي خبره ومنهم من جعل الخبر قوله كما الخ وجعل قوله بفي متعلقا بتعديته والمراد أنّ تعديته بفي على الأصل في الأمكنة المحدودة، ثم أجيز حذفها من نحو دخلت وسكنت، ونزلت حيث يقال دخلت الدار ونزلت الخان وسكنت الغرفة لكثرة الاستعمال وانتصاب ما بعدها على الظرفية، وقال الجرمي: إنه مفعول به، وردّ بأنها لازمة فإنّ غير الأمكنة بعد دخلت يلزمها في نحو دخلت في الأمر وفي مذهب أبي حنيفة وكثيراً ما يستعمل في مع الأمكنة أيضا نحو سكنتم في مساكن الذين وتجيء مصادرها على الفعول؟ كذا قال الرضي: وأورد عليه أنه يفهم منه لزوم في هذا المقام فإنّ الليل والنهار ليسا من الأمكنة، والجواب عنه أنّ مراده بقرينة المثال الظرف المجازي وأيضا السكنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 حق استعمالها في المكان وهنا قيل إنه شبه الاستقرار بالزمان بالاستقرار في المكان فاستعمل استعماله فيه ولك أن تقول إنه مشاكلة تقديرية لأنّ معنى له ما في السماوات والأرض ما سكن فيهما واستقر فلذا عدى تعديته، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله والمعنى ما اشتملا عليه من قال قوله: وتعديته بفي يشعر بأنه يجيء متعدياً بنفسه أيضاً بناه على أنّ خبر تعديته قوله كما الخ كما مرّ. قوله: (أو من السكون الخ) فهو من الاكتفاء بأحد الضدين كما في قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [سورة النحل، الآية: 81] ولذا عطف المقدر بأو إشارة إلى التضاد وعدم الاتجماع ولو عطف بالواو صح، وإنما اكتفى بالسكون عن ضد. دون العكس لأنّ السكون أكثر وجودا، وردّ بأنه لا وجه للاكتفاء بالسكون عن التحرك في مقام البسط والتقرير، واظهار كمال الملك والتصرّف قيل وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى دفعه، فإنّ السكون مع ضده كناية عن جميع التغيرات والتصرفات الواقعة في الليل والنهار، فناسب المقام ورذ بأنه لو سلمت الإشارة المذكورة لا يندفع بها قوله لا وجه للاكتفاء بالسكون عن التحرك في مقام البسط، وفيه نظر، ثم إنه قيل إنّ ما سكن يعم جميع المخلوقات إذ ليس شيء منها غير متصف بالسكون حتى المتحرك حال حركته على ما حقق في الكلام من أنّ تفاوت الحركات بالسرعة والبطء لقلة السكنات المتخللة، وكثرتها وهذا كما قيل: إذاهبت رياحك فاغتنمها فإنّ لكل خافقة سكون قوله: (وهو السميع لكل مسموع الخ) التعميم من حذف المتعلق وكذا قوله: فلا يخفى عليه شيء وفيه إشارة إلى أنّ المسموع والمعلوم شامل لجميع الموجودات إذ لا يخرح عنهما شيء، وهو راجع إلى المعطوف والمعطوف عليه أي يعلم كل معلوم من الأجناس المختلفة في السماوات والأرض وش! مع هواجس كل ما يسكن في الملوين من الحيوان وغيره، وكلام الزمخشريّ ينبئ بأنه من تتمة قوله وله ما سكن وهذه الجملة يحتمل أنها من مقول القول ومن مقول الله وقوله: (ويجورّ أن يكون وعيدا الخ) هو على الأوّل بيان لإحاطة اطلاعه بعد بيان إحاطة قدرته، وعلى هذا وعيد لهم على أقوالهم وأفعالهم، ولذا خص السمع والعلم. قوله: (1 نكار لاتخاذ غير الله ولياً الخ) قال السيد: إنكار الشيء بمعنى كراهته والنفرة عن وقوعه في أحد الأزمنة، وادّعاء أنه مما لا ينبغي أن يقع يستلزم عدم توجه الذهن إليه المستدعي للجهل به المفضي إلى الاستفهام عنه، أو نقول الاستفهام عنه يستلزم الجهل به المستلزم لعدم توجه الذهن إليه المناسب للكراهة والنفرة عنه وادعاء أنه مما لا ينبغي أن يكون واقعا، وقس حال الإنكار بمعنى التكذيب عليه. قوله: (فلذلك قدّم وأولى الهمزة) في الكشاف أولى غير الله همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو أتخذ لأنّ الإنكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الولي مطلقاً فكان أولى بالتقديم ونحوه: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [سورة الزمر، الآية: 64] {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} [سررة يونس، الآية: 59] يعني كما قال النحرير: أولي غير الله همزة الاستفهام وقدم المفعول للاختصاص على ما ذكر في مواضع من الكشاف وجعل قوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} [سررة يونق، الآية: 59] لإنكار أن يكون الله أذن لهم لا لنفس الإذن، فإنه قد كان من شياطينهم، وما ذكر في المفتاح من أنّ هذا للتقوّي دون الاختصاص لأنّ هذا الإذن منكر من أقي فاعل كان مبنيّ على أنه جعل الإنكار بمعنى لا ينبغي أن يقع والزمخشريّ جعله بمعنى لم يقع فصح الاختصاص انتهى. وفي الكشف إنه تمهيد لقوله: {أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} [سورة يونس، الآية: 59] لأنّ أم مقطعة والهمزة فيها للتقرير، وأما إذا جعلت متصلة وهو وجه أيضاً فليس مما نحن فيه، والمصنف رحمه الله ترك التمثيل بهذه الآية إقا لأنه مع صاحب المفتاح أو لأنها ليست نصا في المطلوب، وأمّا كون ولي الهمزة مستلزما لتقديمه فلا ضير فيه كما توهم، ولا يصح في غير هنا الاستثناء لفظا لتقدمه على المستثنى منه ولتوجه الإنكار إلى اتخاذ أولياء ليس الله فيهم، وقيل لا خلاف بين الزمخشريّ والسكاكي وايراد ولدلّه أذن لكم} هنا يوهم أنّ تقديم اسم الله هاهنا على الفعل كما في الموضعين، وليس بذلك إذ المراد أنّ إيلاء هذا الاسم حرف الإنكار وبناء الخبر عليه دون العكس، وأن يقال أإذن الله لكم لأنه الأصل في الاستفهام لا سيما، وقد عطف عليه أم على الله تفترون وهي فعلية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 آذن بتقوية حكم إنكار أنّ الله هو الآذن لا حصول الإذن مطلقاً. ألا ترى كيف استشهد به لقوله لأنّ الإنكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الوليّ، وكيف يوهم تقديم المعمول والتركيب من باب تقوّي الحكم مثله في قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [سورة الزمر، الآية: 23] وقد قال فيه المصنف وايقاع اسم الله مبتدأ، وبناء نزل عليه فيه تفخيم لا حسن الحديث، وتأكيد لاستناده إلى الله وأنّ مثله لا يجوز أن يصدر إلا منه، فظهر أنّ المراد بالتقديم في قوله: فكان أولى بالتقديم الاهتمام دون التخصيص، واليه ينظر قول المفتاح فلا يحملى قوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} [سورة يونس، الآية: 59] على التقديم فليس المراد أنّ الإذن يكون من الله دون غيره، لكن أجمله على ابتداء أمر مراد منه تقوية حكم الإنكار، ويردّ هذا برمّته أنّ العلامة صرح بخلافه في مواضع من كثافه، وكذا نقله عنه هذا القائل أيضا في تفسير قوله: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [سورة الأحزاب، الآية: 4] ، قد قال فيما كتبه هناك إنّ مثل {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} [سورة الرعد، الآية: 26] عنده يفيد الحصر، فكلامه متناقض ولم يعرّج عليه أحد من شراح الكشاف، ومقتضى كلام النحرير أنّ القول بالحصر وعدمه دائر على تفسير الإنكار مع أنّ السكاكي لا يقول بإفادة أمثاله الحصر بوجه من الوجوه فكيف يتأتى التوفيق به فتأمّل، وقد وفق بينهما في عروس الأفراج بوجه آخر لا يعوّل عليه. قوله: (والمراد بالولئ المعبود لأنه رذ لمن دعاه إلى الشك) أي المراد به هنا ذلك لأنّ تعريفه لا يعهد، وتيل إنّ! المشرك لم يخص عبادته بغير الله حتى يكون لرذه فالرد عليه " تخذ غير الله ولياً ويدفعه أنّ من أشرك بالله غيره لم يتخذ الله معبوداً لأنه لا يجتمع عبادته تعالى مع عبادة غيره كما قيل: إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك وانفصل الكلام وقيل إنه لو فسر بالناصر لعلم أنه لا يتخذه معبوداً بالطريق البرهاني وقوله: رذ لمن دعاه إلى الشرك لأنه ذكر في سبب النزول أنهم قالوا له صلى الله عليه وسلم: إن آباءك كانوا على ديننا، وإنما تركت ذلك للحاجة، فارجع عن هذا لنغنيك والكلام يحتمل أنه من الإخراج على خلاف مقتضى الظاهر قصداً إلى إمحاص النصح ليكون أعون على القبول كقوله تعالى: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة ي! ، الآية: 22] . قوله: (وجره على الصفة الخ (وقيل على البدلية، ورجحه أبو حيان بأنّ الفصل فيه أسهل، وجعله بمعنى الماضي لتكون إضافته حقيقية، فتوصف به المعرفة، وهو ماض سواء كان كلاما من الله ابتداء أو محكياً عن الرسولءلمجب! ، لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم فمن قال: والدليل عليه كون النبيّ صلى الله عليه وسلم مأمورا بهذا القول، ولا ينافيه كونه من الكلام القديم كما في قراءة فطر، ولو سلم فيجوز أن يكون من قبيل التعبير بالماضي عما سيوجد بناء على تحققه بالنظر إلى كونه قديما، وعلى حقيقته بالنظر إلى كونه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى. فقد تعسف لأنّ اسم الفاعل حقيقة في الحال والاستقبال فتأويله بالماضي، ثم تأويل الماضي بالمستقبل تكلف لا داعي إليه والنصب على المدح أو على البدلية من وليا لا الصفة لأنه معرفة وعلى قراءة فطر فهو صفة فتأمّل. قوله: (يرزق ولا يررّق) يعني المراد بالطعم الرزق بمعناه اللغوي وهو كل ما ينتفع به بدليل وقوعه مقابلا له في قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 57، فعبر بالخاص عن العام مجازا لأنه أعظمه وأكثره لشدة الحاجة إليه واكتفى بذكره عن ذكره لأنه يعلم من نفي ذلك نفي ما سواه فهو حقيقة، وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما يعني أنه خص هذا بالذكر، أو خص بالتعبير به عن جميع المنافع دون اللباس، وغيره لشدة الحاجة كما خص الربا بالأكل والمقصود مطلق الانتفاع. قوله: (وقرئ ولا يطعم بفتح الياء) أي وبفتح العين، وهي عن أبي عمرو وجماعة بمعنى يكل والضمير لله، وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الياء وكسر العين. وقوله: (والمعنى) يعني معنى القراءة بالعكس، وهي قراءة يعقوب رحمه الله، فإن قيل الكلام مع عبدة الأصنام والصنم لا يطعم كما أنه لا يطعم أجيب بأنه ورد على زعمهم في إطعام الأصنام وافرازهم لها حصة من الطعام، قيل: ولا مجال لأن يقال صح ذلك بالنظر إلى إطلاق غير الله تعالى فإن منه من يطعم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 كالمسيح من معبودات الكفرة فغلب لأن المسيح يطعم ألا ترى إلى إنزالط المائدة، فإن قيل المطعم حقيقة هو الله تعالى قلت بلى، ولكن النظر هنا ليس مقصوراً على الحقيقة ألا ترى إلى قوله ما هو نازل عن رتبة الحيوانية فإن إطعام الحيوانات بألبانها وبيوضها وصيودها المخلوقة لله تعالى، وهو يصح جوابا عن كلام الكشاف، وهذا ردّ على بعض أرباب الحواشي، إذ وجه كلام المصنف رحمه الله بما وجه كلام الكشاف مع ما في كلام المصنف مما يأبا. وليس كذلك، لأنه يصح أن يكون مراده " تخذ من هو مرزوق غير رازق وليا والكلام، وان كان مع عبدة الأصنام إلا أنه نظر إلى عموم غير الله وتغليب أولي العقول، لأنّ فيه إنكار أن تصلح الأصنام للألوهية بالطريق الأولى كما في الكشف فتقدير كلامه أنا لا أشرك به من يطعم ولا يطعم فكيف أشرك به من هو أحط مرتبة منه ولا مانع من حمله على الحقيقة بدليل تفسيره بيرزق فإنّ الله هو الرزاق، وقيل إنه كناية عن كونه مخلوقا غير خالق كقوله تعالى: {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [سورة النحل، الآية: 20، ثم إنه قد مرّ أن لا يطعم مجاز عن معنى لا ينفع، فلا يرد السؤال رأسا. قوله: (وبنائهما للفاعل) بالجرج عطف على فتح الياء أو عكس الأوّل ووجهت إمّا بأن أفعل بمعنى استفعل كما ذكره الأزهري ومعنى لا يستطعم لا يطلب طعاما ويأخذه من غيره، أو المعنى أنه يرزق من يشاء ويمنع من لا يشاء كقوله: (لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت) والضميران لله ورجوع الثاني لغير الله تكلف يحتاج إلى التقدير. قوله: (لآنّ النبئ صلى الله عليه وسلم سابق أمّتة في الدين) أي في دينه لأنّ الشارع وكل نبيّ مأمور بما شرعه إلا ما كان من خصائصه وفيه إرشاد إلى أنّ كل آمر ينبغي أن يكون عاملاً بما أمر به لأنه مقتداهم كما قال تعالى حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 143] وسيأتي تحقيقه في آخر هذه السورة وقيل إنه للتحريض كما يأمر الملك رعيته بأمر ثم يقول وأنا أوّل من يفعل ذلك ليحملهم على الامتثال وإلا فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم امتناع عن ذلك حتى يؤمر به. قوله: (وقيل لي ولا تكونن ويجورّ عطفه على قل الما لم يصح عطفه على أكون إذ لا وجه للالتفات، ولا معنى لقوله: أمرت أن تكونن أوّله بوجهين تقدير قيل لي وعطفه حينئذ على أمرت أي إني قيل لي: لا تكونن من المشركين بمعنى أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك قالوا: ومن الحكاية عاطفة للقول المقدر، وقيل: إنه معطوف على مقول قل على المعنى إذ هو في معنى قل إنى قيل لي كن أوّل مسلم ولا تكونن الخ قالوا ومن المحكيّ، والوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله وهو عطف النهي على قل فأمر حاشية الثهاب / ج 4 / م 4 بأن يقول كذا ونهى عن كذا وجه ثالث، ولبعضهم فيه خبط هنا نحن في غنى عن ذكره، وقيل على هذا الوجه إنّ سلاسة النظم تأبى عن فصل الخطابات التبليغية بعضها عن بعض بخطاب ليس منها، وقيل يجوز أن يعطف على أني أمرت داخلا في حيز قل، والخطاب لكل من المشركين، ولا يخفى تكلفه وتعسفه. قوله: (مبالنة أخرى في قطع أطماعهم الخ) المبالغة الأولى تفهم من جعله أوّل! مسلم، فكيف يرجى منه خلافه ووجه التعريض فيه إسناد ما هو معلوم الانتفاء بأن التي تفيد الشك تعريضا، وجيء بالماضي إبرازاً له في صورة الحاصل على سبيل الفرض تعريضاً بمن صدر عنهم ذلك كما إذا شتمك أحد فتقول لئن شتمني الأمير لأضربنه قال النحرير في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر، الآية: 65] ولا يخفى أنه لا معنى للتعريض بمن لم يصدر عنه الإشراك وان ذكر بالمضارع لا يفيد التعريض لكونه على أقله. وقوله: (لا معنى الخ) ردّ لتوهم أنّ التعريض نشأ من إسناد الفعل إلى من لم يصدر منه بل من يمتنع منه لا من صيغة الماضي، ووجهه أنه لا يتعارف التعريض بالنسبة إلى من لم يصدر عنه الفعل في الاستقبال فتأمّل. قوله: (والشرط معترض الخ) ما تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب معنى فهو دليل عليه وليس إياه خلافاً للكوفيين، والمبرد ولا يكون الشرط غير ماض! إلا في الشعر كما قرّره النحاة، ولم يخالف في لزوم مضيه إلا بعض الكوفيين، والتزم المضيّ طلباً للتشاكل لئلا يظهر فيه تأثير الأداة ثم إنّ النحاة صوّروه ومثلوه بما إذا تقدم الجزاء بجملته وبما إذا تقدم بعضه عليه كقوله: يثني عليك وأنت أهل ثنائه ولديه إن هو يستزدك مزيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 كما في شرح التسهيل للمرادي وما نحن فيه من القبيل الثاني والصحيح عند النحاة أنه دليل الجواب والجواب محذوف وجوبا لوجود قائم مقامه كالاشتغالط بدليل عدم جزمه وتصديره بالفاء وافتراق معنييهما ففي التقدم بنى الكلام على الجزم، ثم طرأ التوقف وفي التأخر بنى الكلام من أوّله على التوقف فقوله جوابه محذوف جار على القول الأصح وتقديره أخف عذاب يوم عظيم، وقيل صرت مستحقا لعذاب ذلك اليوم، ثم إنه لما كان تعريضاً وكان المراد تخويفهم إذا صدر منهم ذلك لم يكن فيه دلالة على أنه يخاف هو مع أنه معصوم كما لا يتوهم مثله في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر، الآية: 65] فلا يرد عليه ما قيل إنّ فيه بحثاً من وجوه، الأوّل إنّ الجواب هو أخاف قدم على الشرط، وهو إما جواب لفظاً ومعنى أو معنى فقط وعلى كل حالط فلا حاجة إلى التقدير للاستغناء عنه، الثاني أنه لا انتظام، لأن يقال إني أخاف إن عصيت صرت مستحقاً للعذاب عذاب يوم عظيم، ولو قدر الجزاء بعد مفعول أخاف صار كبيت الفرزدق، الثالث أن الآية دلت على أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاف على نفسه الكفر والمعصية، وليس كذلك لعصمته ثم أجيب بأنّ الخوف تعلق بالعصيان الممتنع الوقوع امتناعاً عاديا فلا يدل إلا على أنه يخاف لو صدر عنه الكفر والمعصية، وهذا لا يدل على حصول الخوف، وهذا الجواب لا يتمشى على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بل على ما قلنا لا يقال على تقدير العصيان والكفر يكون الجواب هو استحقاق العذاب لا الخوف لأنا نقول لا منافاة بينهما فالخوف إمّا على حقيقته أو كناية عن الاستحقاق، وقيل معنى أخاف خوفه على أمّته وأنت في غنى عن هذا كله بما مرّ تقريره 0 قوله: (أي يصرف العذاب عته) فنائب الفاعل ضمير العذاب وضمير عته يعود على من، ويجوز عكسه ومن مبتدأ خبره الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف، والجملة مستأنفة أو صفة عذاب ولظرف متعلق بالفعل أو قائم مقام فاعله وقوله والمفعول به محذوف وهو العذاب أو العائد، والمضاف الذي قدره هول أو عقاب ونحوه، أو اليوم عبارة عما يقع فيه كما مرّ في مالك يوم الدين، وتركه المصنف هنا، لأنه إذا جعل كناية عما يقع فيه احتاج إلى عناية تشصيصه بالهول، وعلى تجويز أن يكون يومئذ قائما مقام الفاعل فهل يحتاج إلى تقدير مضاف أم لا قيل لا بد منه لأنّ الظرف غير التامّ أي المقطوع عن الإضافة كقبل وبعد لا يقوم مقام الفاعل إلا بتقدير مضاف ويومئذ له حكمه، وفي الدرّ المصون إنه لا حاجة إليه، لأن التنوين لكونه عوضا يجعلى في قوّة المذكور خلافا للأخفش، وهذا مما يحفظ. قوله: (نجاه وأنعم عليه) إشارة إلى قول الزمخشريّ فقد رحمه الله الرحمة العظمى وهي النجاة كقولك إن أطعمت زبدا من جوعه فقد أحسنت إليه تريد فقد أتممت الإحسان إليه أو فقد أدخله الجنة لأنّ من لم يعذب لم يكن له بد من الثواب. قال النحرير: لما اتحد الشرط والجزاء احتيج إلى التاويل ليفيد فعلى الأوّل يكون من قبيل من أدرك الضمان فقد أدرك المرعى، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ألله ورسوله، ومن قبيل صرف المطلق إلى الكامل يعني إذا كان الجواب عين الشرط لفظاً ومعنى كما في الحديث أو معنى بحيث يكون لازما بيناً له أو مآل معناه مآله، وقيده الطيبي بما إذا كان الجزاء مطلقا فإنه يدل على عظم شأن الجزاء كقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [سورة آل عمران، الآية: 185] أي فقد حصل له الفوز المطلق البليغ وكذا قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 192] أي الخزي العظيم، وعلى الثاني من ذكر الملزوم وارادة اللازم لأنّ إدخال الجنة من لوازم الرحمة إذ هي دار الثواب اللازم لترك العذاب، ونقض بأصحاب الأعراف قيل ولأجل هذا ترك المصنف تفسيره بالجنة، ولك أن تقول قوله وذلك الفوز الخ حال مقيدة لما قبله والفوز المبين إنما هو بدخول الجنة لقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [سورة آل عمران، الآية: 185] . قوله:) ودّلك الفوز المبين أي الصرف أو الرحم الخ (يعني أنّ اسم الإشارة مراد به الصرف الذي في ضمن يصرف أو الرحمة، وذكر لتأويل المصدر بأن والفعل، والمصنف قدره الرحم لعدم احتياجه للتأويل، وهو بضم فسكون أو بضمتين كما في القاموس، وما قيل إنه نظير قوله صلى الله عليه وسلم " أن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتربه فيعتقه " يعني بالشراء المذكور، وانّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 اختلاف العنوان يكفي في صحة الترتيب والتعقيب ولك أن تقول إنّ الرحمة سبب للصرف سابق عليه على ما تلوّح إليه صيغة الماضي والمستقبل والترتيب باعتبار الإخبار فيها تكلف لأن السبب والمسبب لا بد من تغايرهما معنى، والحديث المذكور منهم من أخذه بظاهره، ومنهم من أوّله بأن المراد لا يجزيه أصلا وهو دقيق لأنه تعليق بالمحال! ، وأمّا كون الجواب ماضياً لفظاً ومعنى ففيه خلاف حتى منعه بعضهم في كان لعراقتها في المضيّ. قوله: (وأن يمسسك الله بضرّ) داخل في حيز قل والخطاب للرسول ع! ييه، أو عامّ لكل من يقف عليه، وهو كاللف والنشر فمس الضرّ ناظر إلى قوله إني أخاف وم! الخير إلى قوله من يصرف الخ وتقدم م! الضرّ على مس الخير لاتصاله بما قبله من الرهب الدال عليه إفي أخاف وقد مرّ الكلام في اللمس والمس هل بينهما فرق أم لا. قوله:) فلا قادر على كشفه) نفي القدرة أبلغ من نفيه لاستلزامه له، ولذا فسره به مع مناسبته لقوله فهو على كل شيء قدير، ولأن بعض الفرّ لا يكشف وقوله فكان قادراً على إدامته وحفظه في الكشاف فكان قادراً على إدامته أو إزالته وهو بيان لوجه ارتباط الجزاء بالشرط، وكلام المصنف قريب منه وتكلف بعضهم الفرق بينهما، وقيل إنّ الجواب محذوف، وقوله: {فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [سورة الأنعام، الآية: 17] تأكيد للجوابين لأنّ قدرته على كل شيء من الخير والشرّ تؤكد أنه كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها، ومن قال إنه وهم فقد وهم إذ لا وجه لما ذكره. وقوله إذ لا تعلق له بالجواب الأوّل بل هو علة الجواب الثاني ظاهر البطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضرّ وإنكاره مكابرة وقوله فلا يقدر غيره على دفعه قيل يشير إلى أنه الجواب وفيه نظر. قوله: (تصوير لقهره وعلوّه بالنلبة والقدرة (يعني أنه استعارة تمثيلية فلا يلزم الجهة، وقوله بالغلبة متعلق بعلوّه، ويحتمل أنّ الاستعارة في الظرف بأن شبه الغلبة بمكان محسوس، وقيل إنه كناية عن القهر والعلوّ بالغلبة والقدرة وهما متعلقان بالقهر والعلوّ على طريق اللف والنشر والحاصل أنّ قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} عبارة عن كمال القدرة كما أنّ قوله: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} عبارة عن كمال العلم، وفوق منصوب على الظرفية معمول للقاهر أي المستعلي فوق عباده بالرتبة والمنزلة والشرف والعرب تستعمل فوق لعلوّ المنزلة وتفوقها، ومنه يد الله فوق أيديهم. قوله: (في امره وتدبيره) في المواقف الحكيم ذو الحكمة، وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه والإتيان بالأفعال على ما ينبغي، وقيل الحكيم بمعنى المحكم من الأحكام وهو إتقان التدبير، واحسان التقدير، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بالثاني أنسب والقول بأنّ فوق زائدة مردود بأنّ الأسماء لا تزاد، والجواب بمعنى على لا يصحح زيادته كما توهم. قوله: (والشيء يقع على كل موجود الخ) عدل عن قول الزمخشريّ الشيء أعمّ العامّ لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيقع على القديم والجرم والعرض! والمحال والمستقيم، ولذلك صح أن يقال في الله عز وجل شيء لا كالأشياء، وما ذكره من إطلاق الشيء على الله مذهب الجمهور واستدلوا بهذه الاية وقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص، الآية: 88] حيث استثنى من كل شيء ذاته ولأنه أعمّ الألفاظ فيشمل الواجب والممكن، ونقل الإمام أن جهما أنكر صحة إطلاق شيء على الله محتجا بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [سورة الأعراف، الآية: 180] فقال لا يطلق عليه إلا ما يدل على صفة من صفات الكمال والشيء ليس كذلك وقد مرّ أنّ الشيء مختص! بالموجود وأنه في الأصل مصدر استعمل بمعنى شاء أو مشىء فإذا كان بمعنى شاء صح إطلاقه عليه تعالى كما فصلناه ثمة. فائدة: قول الزمخشريّ والمحال والمستقيم أصل معنى المحال لغة ما أحيل وردّ عن سننه فيكون بمعنى المعوج، ولذا قوبل بالمستقيم، ثم كني بهما عن الجائز والممتنع، وهذا هو استعمال العرب الفصيح وهي عبارة سيبويه، ومن لم يعرفه لعدم وقوفه على كلام العرب اعترض على المتبني قوله: كأنك مستقيم في محال وقال: كان الظاهر في معوج ولس كما قال. قوله: (أي الله كبر شهادة) فهو مبتدأ محذوف الخبر قيل وهو المطابق للسؤال وقد يجعل على العكس أي ذلك الشيء هو الله وليس بمطابق له لعدم صلاحية أكبر للابتداء لنكارته إلا إذا حمل على حذف موصوف له هو المبتدأ انتهى، وهذا خبط فإنه لم يقدر أكبر وإنما قدر ذلك الشيء وان كان عبارة عنه مع أنّ مذهب سيبويه رحمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 الله إذا كان اسم استفهام أو أفعل تفضيل تقع مبتدأ يخبر عنه بمعرفة. قوله: (ويجورّ أن يكون الله شهيد هو الجواب الخ) قال الفاضل المحشي فيكون ذكره في موضع الجواب لتضمنه الجواب لا لأنه مقصود أصليّ وأنت خبير بأنّ الظاهر في الجواب أن يذكر أن الله شهيد له ليخرج الجواب عما وقع في سبب النزول من السؤال فاللائق بالمقام هو الإخبار بأنّ الله شهيد له لينتج من الشكل الثاني أنّ ا! بر شهادة شهيد له فلا عبرة بكتم اليهود والنصارى شهادتهم ثم تأتك المقدمتان مصرّحتان في الوجه الأوّل الدّي جعل الله فيه جوابأ للسؤال. وقوله: {شَهِيدٌ} كلام مبتدأ، وقال الزمخشرقي الله شهيد بيني وبينكم هو الجواب لدلالته على أنّ الله تعالى إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له، وجعله شراحه من الأسلوب الحكيم لأنه عدل عن الجواب المتبادر إليه ليدل على أنّ أكبر شيء شهادة شهيد للرسول فإن الله أكبر شيء شهادة والله شهيد له فينتج اكبر شهادة شهيد له فلا عبرة بكتم من كتم، ووجه كونه من الأسلوب الحكيم أن السائل تلقى بغير ما يتبادر فكأنه غير ما يتطلب سواء أكان السائل النبيّ لمجيلى أو من ذكر في سبب النزول، والأوّل هو المراد لأنه لما أجاب عن سؤالهم التلقينيّ كان كأنهم أجابوه به وهذا من غريب أنواعه لأنه منتج للجواب المطلوب، ولم يذكروا مثله ولذا قال النحرير: إنه يشبه الأسلوب الحكيم ولعله مرادهم، وأمّا كونه جوابا للسؤال الواقع في سبب النزول وهو غير مذكور ففيه تأمّل لأنهم قالوا له جميه أرنا شاهداً من أهل الكتاب فعدل إلى ما ذكر فقد انكشفت لثام الأوهام فما قيل حاصله أنّ شاهدي هو الله، وقوله: لأنه سبحانه وتعالى الخ تصحيح لكون الكلام جوابآ لأقي شيء أكبر شهادة وفيه أنه ليس معنى قوله من هو من بين شهودي لأنّ المقام يأباه حتى يقال إذا كان الله الشهيد كان أكبر شيء شهادة بل معناه من أكبر شهادة لو شهد ليقولوا الله فيقول هو شاهدي وما ذكره الزمخشريّ أقرب إلى الصواب لأن الغرض من السؤال بأفي شيء أكبر شهادة أنّ شاهدي أكبر شهادة فقوله شهيد الخ تنصيص له والسؤال المذكور لا يحتاج إلى جواب لكونه معلوماً بينا عند الخصم أيضاً لحاصله أنّ الله الذي هو أكبر شهادة شهد بذلك فتأمّله، والمصنف قصد تطبيق الجواب على السؤال لكته غفل عما قلنا ثم إنّ هذا ليس من أسلوب الحكيم كما ظن أمّا بالنظر إلى أيّ شيء أكبر شهادة فلوحدة السائل ولا ينفعه كون الجواب من قبل المشركين وأمّا بالنظر إلى قولهم أرنا من يشهد لك فللموافقة بين السؤال والجواب فتأمّل (وهاهنا نكتة ينبغي التنبيه عليها) وهو أنّ المقابل للخير الشرّ وقد قابله بالضرّ وهو أخص منه وهذا من خفيّ الفصاحة كما قال ابن عطية للعدول عن تانون الصشعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكونه أوفق بالمعنى وألصق بالمقام كقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [سورة طه، الآية: 118] ، فجاء بالجوع مع العرى وبالظمأ مع الضحو وكان الظاهر خلافه ومنه قول امرئ القيس: كأني لم أركب جواد اللذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسأل الزق الرويّ ولم أقل لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال وإيضاحه أنه في الآية قرن الجوع الذي هو خلوّ الباطن بالعرى الذي هو خلوّ الظاهر والظمأ الذي فيه حرارة الباطن بالضحاء الذي فيه حرارة الظاهر كما قرن امرؤ القيس علوّه على الجواد بعلوّه على الكاعب لأنهما لذتان في استعلاء وبذل المال في شراء الراح ببذل الأنفس في الكفاح الرابح بسرور الطرب وسرور الظفر وكذا هنا آثر الضرّ لمناسبة ما قبله من الترهيب فإن انتقام العظيم عظيم، ثم لما ذكر الإحسان أتى بما يعمّ أنواعه، وفي شرح المتنبي للواحديّ تفصيل لهذا لكنها لما كانت فائدة جليلة تعرض لها المعرب هنا أحببنا أن لا يخلو هذا السفر عنها. قوله: (واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة (لأنه المناسب للمقام، وأمّا كون الخطاب للكفار وليس فيهم من يبشر فقد ردّ بأنه ليس بمتعين إذ يجوز عمومه، وأن يكون لأهل مكة مطلقا سواء مسلموهم وكافروهم مع أنه يجوز تبشيرهم إن آمنوا وعملوا الصالحات وهو غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وارد لأنّ القائل بناه على كون الخطاب لكفارهم ومثله يكفي نكتة للاقتصار على الإنذار، وفي الدرّ المصون إنه على حد قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [سورة النحل، الآية: 81] ويمكن حمل كلام المصنف رحمه الله عليه ومحل من نصب على الضمير المنصوب أو رفع على الفاعل المستتر للفصل بالمفعول. قوله: (وسائر من بلغه من الأسود والآحمر) قال الحريريّ في الدرّة العرب تقول في الكناية عن العرب والعجم الأسود والأحمر لأنّ الغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة. قالوا: والمراد بالحمرة هنا البياض ومن قال الأسود والأبيض فقد خالف الاستعمال، ومراد المصنف رحمه الله جميع الناس لأن العجم من عدا العرب وأمّا تخصيصط بفارس فعرف الاستعمال. توله: (او من الثقلين) يعني الإنس والجن سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض وحمولتها أو لغير ذلك كما سيأتي في محله وهذا بيان لمعنى النظم هنا لا ترديد في كون رسالته للثقلين لأنه أمر مقرّر. قوله: (وفيه دليل على أنّ أحكام القرآن تعم الموجودين الخ) أي في قوله ومن بلغ إذ المراد به من لم يكن في عصره منهم ومن غيرهم لعموم من غير الموجود فلا يرد أنه إذا احتمل اللفظ معاني كيف يبقى دليلا، وقيل دلالته مخصوصة ببعض الوجوه وهو شمول الخطاب الشرعيّ لغير الموجود بطريق التغليب أو القياس أو غير ذلك مما هو مبسوط في أصول الفقه، وكون من لم تبلغه غير مؤاخذ مبنيّ على مذهبه في القول بالمفهوم قيل ولا دلالة على ذلك بوجه من وجوه الدلالة لأنّ مفهومه انتفاء الإنذار بالقرآن عمن لم يبلغه وذلك ليس عين انتفاء المؤاخذة، وهو ظاهر ولا مستلزما له خصوصا عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين إلا أن يلاحظ قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء، الآية: 15] الآية فلا يكون الدال عليه هذه الآية وفيه نظر ظاهر. قوله: (تقرير لهم مع إنكار واستبعاد) سبق أنّ التقرير بمعنى التثبيت أو الحمل على الإقرار، والإنكار يكون بمعنى التكذيب وأنه لم يفع وبمعنى أنه لا ينبغي وقوعه، والمراد هنا أنه تثبيت وتسجيل له وأنه مما لا يليق وفيه جمع بين معاني الاستفهام وهي معان مجازية لا يجمع بينها وان في ذلك التجوّز خفاء حتى قيل إنه لم يحم أحد حوله وأنه من أيّ أنواعه، وقد حققه السيد قدس سره في محله إلا أن يقال إنه يستعمل في أحد هذه المعاني وغيره مأخوذ من السياق فليتأمّل وجوز في هذه الجملة كونها مستأنفة واندراجها في المقول وأخرى صفة لآلهة قال أبو حيان رحمه الله: وصفة جمع ما لا يعقل كصفة الواحدة المؤنثة كقوله: {مَآرِبُ أُخْرَى} [سورة طه، الآية: 8 ا] ولله الأسماء الحسنى ولما كانت الآلهة حجارة وخشباً أجريت هذا المجرى تحقيراً لها وقوله: {مَآرِبُ أُخْرَى} أي بالذي تشهدون به أو شهادتكم بيان لمتعلقه المحذوف بقرينة الكلام. قوله: (بل أشهد أن لا إله إلا هو) الإضراب والشهادة مأخوذان من السياق أو أنه أمر بذكر. على وجه الشهادة فلا وجه لما قيل إنه لا معنى لاعتبار الشهادة فيه، وقيل إنه إذا كان في حيز إنما موصوف مؤخر فالمقصود قصره على تلك الصفة كما إذا قلت إنما زيد رجل عالم فماذا قصر على الوحدانية بمعنى التفرد في الألوهية أفاد ثنزهه عن الشريك وأنه لا إله إلا هو كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقيل عليه نفي الألوهية مستفاد من توصيف الإله بالواحد لا من كلمة القصة لأنها لا تفيد إلا قصره على الألوهية دون العكس وما كافة لا موصولة لمخالفته للظاهر والرسم، وما في تشركون موصولة عبارة عن الأصنام، وتحتمل المصدرية. قرله: (يعرفون رسول الله) التفات وكون حليته مذكورة في الكتب الإلهية مصرح به في القرآن في مواضع وأهل الكتاب ينكرونه عناداً ويؤولونه ويحرّفون بعضه، وهم الآن على ذلك من غير شبهة فلا وجه لما قيل إنه لا يخلو أن يكون ما يتعلق بتفاصيل حليته باقياً وقت نزول الآية أو لا بل محرّفا مغيراً، والأوّل باطل لأنّ إخفاء ما شاع في الآفاق محال وكذا الثاني لأنهم لم يكونوا حينئذ عارفين حليته كما يعرفون حلية أبنائهم فالوجه أن تحمل المعرفة على ما هو بالنظر والاستدلال. انتهى وتيل عليه إنّ الإخفاء مصرج به في القرآن كقوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} ! سورة الأنعام، الآية: 91] واخفاؤها ليس باخفاء النصوص بل بفولهم إنه رجل آخر سيخرج وهو معنى قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4 ا] وليس للإخفاء ذكر في كلام المصنف رحمه الله تعالى وهو كلام حسن. قوله: (لتضييعهم الخ (قد مرّ قريبا تفسيره واعرابه إلا أن الاتباع لا يتأتى هنا لأن المصنف رحمه الله تعالى فسره بأعم مما قبله فإن خص جاز، وتقديم به للحصر وإذا انحصر السبب في شيء لزم من فواته فواته. قوله: (ومن أظلم الخ) إنكار لاظلميتهم، وهو وان لم يدل على إنكار المساواة وضعا يدل عليه استعمالأ فإذا قلت لا أفضل في البلد من زيد معناه أنه أفضل من الكل بحسب العرف إذ يستفاد منه نفي المساواة، كذا في شرح المقاصد في بحث أفضلية الصحابة قال والسرّ فيه أنّ الغالب فيما بين شخصين الأفضلية والمفضولية لا التساوي فلذا دل على نفي الأفضلية لا المساواة انتهى. (قلت) بل هي وضعية لأنّ غير الأفضل إمّا مساو أو أنقص فاستعمل في أحد فرديه قال ابن الصائغ: في مسألة الكحل ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل وان كان نصا في نفي الزيادة وهي تصدق بالزيادة والنقصحان فالمراد الأخير، وهو من قصر الشيء على بعض أفراده كالدابة انتهى. وقيل الاستفهام هنا للاستعظام الادّعائي وهو لا ينافي الإنكار وبقوله الادعائيّ سقط أن قاتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أظلم فتأمّل. قوله: (وإنما ذكر أو وهم الخ) عدل عن قول الكشاف جمعوا بين أمرين متناقضين تكذبوا على الله بما لا حاجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح لما في التناقض من الخفاء كما بينه شرحه، فالنكتة في العطف بأو عنده التنافي بينهما وعند المصنف كون أحدهما كافياً في المطلوب والظاهر أنّ هدّا لا ينافي كون أو بمعنى الواو لأنه نكتة للعدول عن الظاهر فتأمّل. قوله: (فضلاَ ممن لا أحد أظلم منه) يعني أن ذكر عدم فلاح الظالمين يدل على أنّ الأظلم المذكور قبله لا يفلح بالطريق الأولى مع أنه أكمل إفراده فيدخل فيه دخولاً أوليا، وفضلا معناه والبحث فيه معروف، ومن أراد تفصيله فلينظر شرح المفتاح وكلام الثريف في شرح ديباجة الكشاف. قوله: (منصوب بمضمر الخ) في إعرابه وجوه منها أنه منصوب بمضمر يقدر مؤخراً وتقديره كأن كيت وكيت فترك ليبقى على الإيهام الذي هو أدخل في التخويف والتهويل وجوّز نصب باذكر مقدّراً وغيره مما فصل في الدرّ المصون. قوله: (أين شركاؤهم الخ) الإضافة فيه لأدنى ملابسة كما أشار إليه بقوله: شركاء لله لأنه لا شركة بينهم وإنما سموهم شركاء فلهذه الملابسة أضيفوا إليهم، ولما كان قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سورة الصاقات، الآية: 22] وغيره يقتضي حضووهم معهم في المحشر، وأبن يسئل بها عن غير الحاضر أجاب عنه بأنهم غيبوا عنهم حال السؤال اً وأنهم بمنزلة الغيب لعدم الفائدة أو هو بتقدير مضاف أي أين نفعهم وجدوأهم، وفي الكشاف إنما يقال لهم ذلك على جهة التوبيخ ويجوز أن يشاهدوهم إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة فكأنهم غيب عنهم، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التؤبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها فيروا مكان خزيهم وحسرتهم وهي ثلاثة وجوه، الأوّل أن يقال لهم ذلك على سبيل التوبيخ كقوله: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} [سورة الأنعام، الآية: 94، والثاني أنه قيل لهم وهم يشاهدونهم تعييرا كما تقول لمن جعل أحدا ظهيره يعينه في الشدائد إذا لم يعنه وقد وقع في ورطة بحضرته أين زيد فجعلته لعدم نفعه وإن كان حاضراً كالغائب، أو يقال حين يحال بينهم بعد ما شاهدوهم ليشاهدوا خيبتهم كما قيل: كما أبرقت قوماً عطاشاً غمامة فلمارأوها أقشعت وتجلت وهو في الثاني مجاز وفي غيره حقيقة وقيل إنّ قوله ويجوز وأن يحال وجهان في تقرير التوبيخ لا وجهان مقابلان للتوبيخ لتصير الأوجه ثلاثة أي إنما قيل للمشركين أين شركاؤكم للتوبيخ والتقريع ثم إمّا أن يكون هذا التوبيخ مع حضور الشركاء ومشاهدة المشركين إياهم، وأمّا أن يكون في غيبتهم وايراد هذين الاحتمالين لئلا يسبق الوهم إلى أنّ ذلك القول لا يصح إلا في غيبة الشركاء وإنما يكون كدّلك لو كان المقصود منه السؤال هذا محصل كلام الشراح، والكل متفقون على أنّ السؤال لم يقصد به ظاهره لكن اختلفوا في الوجوه هل هي ثلاثة للتغاير إلاعتباري بينها أو وجهان لبيان التوبيخ والخلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 في ذلك سهل، فأمّ ما قيل عليه من أنّ هذا السؤال المنبي عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها لقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [سررة الصافات، الآية: 22] الآية وغيرها إنما يقع بعدما جرى بينها وبينهم من التبرىء من الجانبين وقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله تعالى {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} الخ ونحوه أمّا بعد حضورها حينئذ في الحقيقة وابعادها من ذلك الموقف وامّا بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث ذواتها بل من حيث هي شركاء كما يعرب عنه الوقف بالموصول، ولا ريب في أنّ عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وان كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناما كانت أو لا وامّا ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء فيها فيروا خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد، وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ، وإنما الذي يحصل في الحشر الانكشاف الجلي واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة انتهى. فتخيل لا أصل له لأنّ التوبيخ مراد في الوجوه كلها ولا يتصوّر حينئذ التوبيخ إلا بعد تحقق خلافه مع أنّ كون هذا وقع بعد التبري في موقف آخر ليس في النظم ما يدل عليه، ومثله لا يجزم به من غير نقل لاحتمال أن يكون هدّا في موقف التبري والإشعار المذكور لا يتأتى مع أنه توبيخ وامّا العلاوة التي ذيل بها كلامه فواردة عليه أيضا مع أنها غير مسلمة لاًنّ عذاب البرزخ لا يقتضي أن لا يشفع لهم بعد ذلك فكم من معذب في قبره يشفع له. قوله: (ليفقدوها) قيل يرد عليه أنه حيمئذ ينكشف الحال عندهم ويعلمون أنه لا منفعة لهم في آلهتهم بل مضرة نلا احتمال للتفقد، وهذا غريب فإنّ نسخ الكشاف والقاضي متفقة على أنّ العبارة ليفقدوها من الفقدان، وهو متعلق بيحال بينهم وبين آلهتهم، فيظهر لهم لفقدانهم إياها في تلك الساعة خيبة ظنهم وخسرانهم في تجارتهم لا من التفقد ليرد عليه ذلك ولو سلم فيجوز أن يتفقدوها لغاية خيرتهم وفرط دهشتهم فإنّ الغريق يتشبث بكل حشيش لا يجديه نفعا أو المعنى ليتفقدوها بحمل السؤال على التفقد لإظهار خيبتهم وخسرانهم لا لأنهم يتفقدنها ليطلبوأ منها الشفاعة. قوله: (ويحتمل أن يشاهدوهم ولكن لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب عنهم) قيل هذا السؤال ظاهر في غيبة الشركاء، وقوله وما نرى معكم شفعاءكم الذين إلى قوله وضل عنكم ما كنتم تزعمون نص فيها فلا وجه لهذا الكلام، ويجوز أن يقال ذلك في موطن آخر، أو المعنى وما نرى معكم شفاعة شفعائكم 0 قوله: (فكأنهم غيب عنهم) بضم الغين المعجمة ليتشديد الياء اً وبفتحها مع التخفيف جمع غائب كخادم وخدم وقوله تزعمونهم شركاء إشارة إلى أن المفعولين محدّوفان وتقديرهما كما ذكره والزعم يستعمل في الباطل والكذب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل زعم في القرآن فهو بمعنى الكذب وخص القرآن لأنه يطلق على مجرّد الذكر والقول ولكن يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله، فحذف المفعولان لانفهامهما من المقام. قوله: (أي كفرهم والمراد عاقبته الخ) أصل معنى الفتنة على ما حققه الراغب من الفتن وهو إدخال الذهب النار لتعلم جودته من رداءته ثم استعمل في معان كالعذاب والاختبار والبلية والمصيبة والكفر والإثم والضلال وليس شيئاً من ذلك عين قولهم المذكور واختار المصنف رحمه الله أنّ المراد به الكفر لأنّ الفتنة ما تفتتن به ويعجبك وهم كانوا معجبين بكفرهم مفتخرين به ويظنونه شيئا فلم تكن عاقبته إلا الخسران والتبري منه وليس هذا على تقدير مضاف بل جعل عاقبة الشيء عينه ادّعاء قال الزجاج: وتأويل الآية حسن لطيف لا يعرفه إلا من عرف معاني كلام العرب وتصرّفاتها، ومثلها أن ترى إنساناً يحب غاويا فإذا وقع في مهلكة تبرأ منه فيقال له ما كان محبتك لفلان إلا أن تبرأت منه وليس هذا من قبيل عتابك السيف ولا من تقدير المضاف وان صح فاحفظه فإنه من البدائع الروائع. قوله: (وقيل معذرتهم الخ) يعني الفتنة استعملت بمعنى العذر لأنها التخليص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 من الغش والعذر يخلص من الذنب فاستعيرت له أو المراد الجواب بما هو كذب لأنه سبب الفتنة فتجوّز بها إطلاقا للمسبب على البب أو هو استعارة لأنّ الجواب مختص! بهم أيضا فقوله: {وَاللهِ رَبِّنَا} الخ على ظاهره وثم للتراخي في الرتبة لأنّ جوابهم هذا من أعظم التوبيخ السابق، وهذا هو الداعي إلى وضع الفتنة موضسع الجواب وعلى ما قبله قوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} كناية عن التبري وانتفاء التدين به وثم على ظاهره، والتفسيران الأخيران منقولان عن قتادة ومحمد بن كعب وتوجيههما بما مر وهو الذي ارتضاه الطيبي وهما متقاربان وقوله: {أو لآنهم قصدوا} الخ فيكون كالذي قبله معنى وتجوّزا، والتغاير اعتباري والحصر على الأوّل إضافي بالنسبة إلى جنس الأقوال أو ادّعائيئ وعلى الوجهين الأخيرين حقيقي. قوله: (وفت! هم بالرفع الخ) قرأ حمزة والكسائي يكن بالياء من تحت ونصب فتنتهم وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم تكن بالتاء من فوق ورفع فتنتهم والباقون بالتاء من فوق أيضاً ونصب فتنتهم، وما ذكره المصنف رحمه الله هو طريق الثاطبي عن الداني، ومن لم يفهم كلامه قال إنه مخالف لحرز الأماني وفي طريق ابن الجزري في الطيبة قرئ يكن بالمثناة التحتية عن الكسائي وحمزة وشعبة بخلف عنه ويعقوب الحضرمي ونصب فتنتهم، والباقون بالفوقية وابن كثير وابن عامر وحفص بالرفع والباقون بالنصب ورفع فتنتهم ابن عامر وحفص وابن كثير، والباقون بالنصب ومن رفع أنث يكن هذا جميع ما قرئ به من الطريقين والخلاف بينهما في شعبة فلا يتوهم مخالفته وقراءة الأخوين أفصح وذلك أنّ فتنتهم خبر مقدم وأن قالوا اسم لأنه إذا اجتمع اسمان أحدهما أعرف جعل الأعرف اسما وغيره خبرا وان قالوا يشبه المضمر والمضمر أعرف المعارف، وفيه بحث ولم يؤنث الفعل لإسناده إلى مذكر، وأمّا قراءة ابن كثير ومن معه ففتنتهم اسمها ولذلك أنث الفعل لإسناده إلى مؤنث وأن قالوا خبرها وفيه إنك جعلت غير الأعرف اسماً والأعرف خبراً فليست في قوة الأولى وأما قراءة الباقين ففتنتهم خبر مقدم والا أن قالوا اسم مؤخر وسيأتي ما في إلحاق علامة التأنيث. قوله: (والنصب على أنّ الاسم أن قالوا والتأنيث للخبر كقولهم من كانت أفك) الذي حققه علماء العربية أن إلحاق علامة التأنيث الفعل إذا أسند إلى مذكر قد أخبر عنه بمؤنث ليس مذهبا للبصريين وهو ضرورة عندهم، والكوفيون يجيزون في سعة الكلام تأنيث اسم كان إذا كان مصدراً مذكرأ وكان الخبر مقدما كقوله: وقد خاب من كانت سريرته الغدر فلو قلت كانت شمسا وجهك أو كانت الغدر سريرتك لم يجز واستشهدوا عليه بهذه القراءة، وقال ابن مالك وهذا أولى من أن يقال أنث على معنى المقالة لأنه من قبيل جاءته كتابي وهو قليل خصوصاً وتأنيث المصدر إذا كان ملفوظا قد لا يراعى، وأمّ جعل المصنف له تبعا للزمخشري من قبيل من كانت أمّك فقد رد بأنه ليس مما نحن فيه لأنّ من لفظها مذكر ومعناها مؤنث، ويجوز فيها مراعاة اللفظ والمعنى فليس تأنيثه لأجل الخبر لكنه في الدرّ المصون نقله بعينه عن أبي عليّ، وقال إنّ للتأنيث علتين مراعاة الخبر ومراعاة المعنى والنكات لا تتزاحم، فلا مانع من اعتبار هذه مرّة وهذه أخرى مع أنه قيل إنه مناقثة في المثال وليست من دأب المحصلين. قوله: (يكذبون ويحلفون الخ) فهو كما قيل: ويكون أكذب ما يكون إذا حلف واختلف في جواز الكذب على أهل القيامة فمنعه أبو عليّ الجبائي والقاضي، وذهب الجمهور إلى جوازه مستدلين بهذه الآية ونحوها فإنهم في القيامة حلفوا على أنهم ما كانوأ مشركين وهو كذب، واحتج المنكرون بأنّ حقائق الأشياء تنكشف حينئذ فإذا اطلع أهلها على الحقائق وعلى أنها لا تخفى عليه تعالى وأنه لا منفعة لهم في ذلك استحال صدوره عنهم، وأجابوا عن الآية بأنّ المعنى ما كنا مشركين في اعتقادنا وظنوننا وذلك لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم أنهم موحدون متباعدون عن الشرك، ثم اعترضوا على أنفسهم بأنهم على هذا التقدير يكونون صادقين فيما أخبروا فلم قال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 24] يعني في قولهم ما كنا مشركين وأجابوا بأنه ليس المراد به أنهم كذبوا في الآخرة بل المراد انظر كيف كذبوا على أنفسهم في دار الدنيا، وأورد حجتهم وأجاب بأنهم لما عاينوا هول القيامة دهشوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وحاروا فقالوا ذلك القول الكذب وان لم ينفعهم كما حكى الله عنهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 07 ا] مع أنه تعالى أخبر عنهم بقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28] وكذلك قالوا يا مالك ليقض علينا ربك وقد علموا أنه تعالى لا يقضي عليهم بالخلاص، وأجاب عما أجابوا به عن الدليل بأنّ قولهم المراد ما كنا مشركين عند أنفسنا تمحل وتعسف لمخالفته الظاهر، وحمل قوله انظر كيف كذبوا على أنفسهم على الكذب في الدنيا تحريف لكلام الله لأنّ ما قبله وما بعده ليس في أحوالها فتخلل أمر الدنيا تفكيك للنظم، ثم استدل بآية أخرى لا يتطرّق إليها التأوبل إلا بتكلف بعيد وهي قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ} أسررة المجادلة، الآية: 8 أ] الآية وفي الانتصاف في هذه الآية دليل بين على أنّ الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب وان لم يعلم المخبر بمخالفة خبره لمخبره، ألا تراه جعل أخبارهم وتبريهم كذبا مع أنه تعالى أخبر أنهم ضل عنهم ما كانوا يفترون أي سلبوا علمه حينئذ دهشاً وحيرة فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم. انتهى وفيه بحث، وقوله: (أيقنوا بالخلود) نظر فيه بأنه من أين يعلم أنهم موقنون بالخلود فليتأمّل. قوله: (تعسف يخل بالنظم) قال النحرير: التعسف الأخذ في غير الطريق لأنّ الآية لا تدل على هذا المعنى بوجه ولا تنطبق عليه لأنها في شأن حشرهم وأمرهم في الآخرة لا في الدنيا بل تنبو عنه أشد نبوّ لأن أوّل الكلام ويوم نحشرهم وآخره وضل عنهم ما كانوا يفترون وذلك في أمر القيامة لا غير، وقوله يخل بالنظم لما فيه من صرف أوّل الآية إلى أحوال القيامة وآخرها إلى أحوال الدنيا ولك أن تدفع ذلك بأنّ المعنى انظر كيف كذبوا على أنفسهم في الدنيا بما ضل عنهم في الآخرة ولم ينفعهم فيها فلا يكون أجنبياً فتامّل، وقال بعض أهل العصر أنّ قول المصنف رحمه إدلّه أنه لا يوافق قوله انظر الخ ممنوع فإنهم لجهلهم وسوء نظرهم اعتقدوا ذلك مع بطلانه فيقولون ما نعبدهم إلا ليقرّبونا. قوله: (من الشركاء) على أن تكون ما موصولة، وجوّز أن تكون مصدرية أي ضل افتراؤهم كقوله ضل سعيهم، وقرئ ربنا بالرفع خبر مبتدأ محذوف وهو توطئة لنفي إشراكهم وفائدته دفع توهم أن يكون نفي الإشراك بنفي الألوهية عنه تقدس وتعالى ولا برد عليه أنّ المناسب له تأخيره. قوله: (ومنهم من يستمع الخ (أفرد ضمير من وجمعه نظرا إلى لفظه ومعناه، والاستماع بمعنى الإصغاء لازم يعدي باللام والى كما صرّح به أهل اللغة وقيل إنه مضمن معنى الإصغاء ومفعوله مقدر وهو القرآن وقوله: والذي: قسم والمراد الله وضميرها عائد إلى الكعبة الحاضرة في الذهن، وقوله: مثل ما حدثتكم كان يحدّثهم باً خبار العجم كرستم واسقيديار وأكنة جمع كنان كغطاء وأغطية لفظاً ومعنى لأنّ فعالاً بفتح الفاء وكسرها يجمع في القلة على أفعلة كأحمرة وأقذلة، وفي الكثرة على فعل كحمر إلا أن يكون مضاعفاً أو معتل اللام فيلزم جمعه على أفعلة كأكنة وأخبية إلا نادراً، وفعل الكن ثلاثيئ ومزيد يقال كنه وأكنه وفرق بينهما الراغب فقال: أكننت يستعمل لما يستر في النفس، والثلاثيّ لغيره وبيته هو الكعبة المشرفة. قوله: (كراهة أن يفقهوه الخ (أي على تقدير مضاف ومنهم من قدر لا فبه وفي أمثاله وسيأتي في سورة الإسراء تجويز المصنف رحمه الله أن يكون مفعولاً به لما دل عليه قوله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي منعناهم أن يفقهوه أو لما دل عليه أكنة وحده من ذلك. قوله: (وقرا يمنع من استماعه) يمنع إلى آخره تفسير للوقر بالفتح قال الزجاج الوقر بالفتح ثقل في السمع، وبالكسر حمل البغل ونحوه وبه قرأ طلحة وهو استعارة كأنّ آذانهم وقرت وحملت من الصمم، وقد مرّ تحقيق التجوّز فيه في سورة البقرة في: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [سورة البقرة، الآية: 7] وأنه يحتمل الاستعارة التصمريحية، والمكنية والمشاكلة كما بسطناه ثمة ومعنى يمنع من استماعه أنه يمنع من استماعه على ما هو حقه فلا يخالف قوله: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [سورة الأنعام، الآية: 25] ولذا قيل الأنسب لما تقدّمه أن يقول كراهة أن يسمعوه وقال المصنف رحمه الله في الإسراء لما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وادراك اللفظ انتهى وأورد عليه أنهم ما عجزوا عن إدراك اللفظ المسموع على ما دل عليه ما مرّ في سبب النزول إنما عجزوا عن إدراك اللفظ المطبوع الشامل للخواص والمزايا وأجيب بأنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 مراده باللفظ هو اللفظ المعهود الموصوف بالإعجاز على ما ينادي عليه سياق كلامه لا نفس اللفظ مجرّدا فلا غبار عليه. قوله: (وأن يروا كل آية الخ) قيل لا بد من تخصيص الآية بغير الملجئ دفعاً للمخالفة بينه وبين قوله تعالى {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} فتأمّل. قوله: (أي بلغ تكذيبهم الآيات الخ) هذا بيان لمحصل المعنى لأنّ مآل عدم الفهم والاستماع التكذيب ولأنّ المجادلة هي القول المذكور فلا يقال إنه يقتضي أن يجادلونك هو الجواب، وأنّ الأنسب جعله غاية لجعله تعالى على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا أي بلغ بهم ذلك المنع من فهم القرآن إلى أن قالوا إن هذا إلا أساطير الأوّلين، وحتى إذا وقع بعدها إذا يحتمل أن يكون بمعنى الفاء وأن يكون بمعنى إلى والتقدير فإذا جاؤو 3 الخ، أو إلى أن جاؤوك، والمصنف رحمه الله اختار الثاني والغاية معتبرة في الوجهين وقوله غاية التكذيب أي أنّ تكذيبهم بلغ النهاية بهذا لأنه الفرد الكامل منه فهو نحو مات الناس حتى الأنبياء فاندفع ما توهم من أنّ التكذيب لا ينتهي بمجادلتهم واتضحت الغاية ومن لم يقف على مراده قال كون حتى جارّة مشكل جدّاً لأنه يقتضي انتهاء تكذيبهم في هذا الوقت والمشهور في النسخ إلى أنهم جاؤو 4 يجادلونك، ووقع في نسخة إن جاؤوك يجادلونك وقال المحشي عليها أنه بدل إذا بان للتنصيص على معنى الشرطية وحتى على الوجه الأوّل هي الابتدائية تقع بعدها جمل استئنافية لا محل لها من الإعراب سواء كانت اسمية أو فعلية وإذا منصوبة المحل على الظرفية بالشرط، أو الجواب على الخلاف في ذلك وشرطها جملة جاؤوك وجوابها يقول الخ ويجادلونك حال والمجادلة مطلق المنازعة والمخاصمة والقول المذكور فرد مخصوص منها فالكلام مفيد أبلغ إفادة كقولك إذا أهانك زيد شتمك فمن قال المجادلة لما كانت نفس قولهم إن هذا الخ كما يدل عليه جعله تفسيرا له كأن جعل يجادلونك حالاً ويقولون جوابا مفضيا إلى جعل الكلام لغواً إلا أن تؤوّل المجادلة بقصدها فقدوهم وأتى بما لا وجه له وتكلف ما لا حاجة إليه. قوله: (إلى أنهم جاؤوك كجادلونك الخ) قيل عليه إنّ النحاة قالوا الغاية فيما إذا كانت الجملة الشرطية من إذا وجوابها هي ما تسبب من الجواب مرتبا على فعل الشرط فكان الوجه أن يقول إلى أن يقولوا إن هذا إلا أساطير الأوّلين في وقت مجيئهم مجادلين فتأمّل، وهذا يقتضي أن يجادلونك هو الجواب فلا يناسب ما بعده. قوله: (خرافات) أصل الخرافة ما اخترف أي اقتطف من ثمار الشجر ثم جعل اسما لما يتلهى به من الحديث وما وقع في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: " خرافة حق فهو اسم رجل من عذرة استهوته الجق وكان يحدّث بما رأى فيهم فكذبوه وقالوا حديث خرافة فقال صلى الله عليه وسلم ذلك يعني أن ما حدّث به حق ") 1 (وفي المستقصي أنّ رجلا من خزاعة استهوته الجن فرجع إلى قومه وكان يحدّثهم بالأباطيل فكانت العرب إذا سمعت ما لا أصل له قالت حديث خرافة ثم كثر حتى قيل للأباطيل خرافات ونقل في الكشف عن العلامة في حواشيه عن العرب الخرّافات بالتشديد ويجمع أيضاً على خراريف وذكر مثله في ربيع الأبرار ولم أر ذكر التشديد مصححا في غيره والمعروف فيه التخفيف وأنه لا تدخله الألف واللام، ووقع في الحديث كما رواه البزار عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم " حدّث ذات ليلة نساءه حديثاً فقالت امرأة منهن هذا حديث خرافة فقال صلى الله عليه وسلم: أتدوون ما خرافة أن خرافة كان رجلأ من عذرة استهوته الجق فمكث فيهم دهرا ثم ردّوه إلى الإن! فكان يحدّث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس حديث خرافة " (2) وهو حديث مسند في بعض كتب الحديث. قوله: (ويجورّ أن تكون الجازة الخ) هذا قول الأخفش وتبعه ابن مالك رحمه الله في التسهيل وقال أبو حيان أنه خطأ وعليه فإذا خارجة عن الظرفية كما صرّحوا به وعن الشرطية أيضاً فلا جواب لها، والذي في النسخ الصحيحة أن يجادلونك على هذا حال ويقول تفسير له ووقع في نسخة بدل قوله حال جواب وردّ بأنه ليس فيها حينئذ معنى الشرطية قطعا فكيف يكون لها جواب، ولذا جعله الزمخشري حالاً على هذا الوجه ثم إنه قال: إنه مطالب بالفرق بين الوجهين حيث خص الأوّل بكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 الجواب يقولون والثاني بكونه يجادلونك وعلى ما صححناه لا يرد شيء من هذا ولا مخلص عنه إلا بأن يخرّح على قول الزجاج فيكون معنى كلامه ويجوز في حتى الابتدائية أن تكون الجارّة قال في المغني ولا محل للجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية خلافا للزجاج وابن درستوبه زعما أنها في محل جرّ بحتى، ويرّده أنّ حروف الجرّ لا تعلق عن العمل وإنما تدخل على المفرد أو ما في تاويله، وأمّا ما قيل في توجيهه على النسخة المرجوحة من أنّ الواو في قوله ويجادلونك بمعنى أو عطفاً على قوله وهو يقول ومجيء الواو بمعنى أو كثير أو أنه على حذف مضاف أي حتى يوم إذا جاؤوك! ادلونك فلا يخفى بعده. قوله: (والأساطير الأباطيل) هذا معناه والمراد الأحاديث المسطورة، وأما لفظه فقيل لا مفرد له وقيل له مفرد، وجوّز فيه أن يكون أسطوراً وأسطيراً وأسطارا بكسر الهمزة مع الهاء وعدمها، وقيل إنه جمع جمع وقيل جمع جمع جمع وسطر مفرده بسكون الطاء وفتحها معروف في الكتابة وغيرها، وأسطورة بضم الهمزة كأحدوثه وأحاديث وأسطارة بكسرها وأسطارة بفتح الهمزة جمع سطر بفتحتين كسبب وأسباب. قوله: (ينهون عنه الخ) ضمير الجمع للمشركين والضمير المجرور أمّا للرسول ع! ي! ففيه التفات أو للقرآن لسبق ذكرهما ومعنى النهي عنه النهي عن اتباعه والإيمان به، أو ضمير الجمع لأبي طالب وأتباعه أو إضرابه ممن نهى عن أذيته منهم كما هو معروف في الأحاديث ولذا لم يقل المصنف رحمه الله أبو طالب كما في الكشاف، أو له فقط وجمع استعظاما لفعله حتى كأته مما لا يستقل به واحد، وقيل إنه نزل منزلة أفعال متعدّدة فيكون كقوله قفا عند المازني ولا يخفى بعده، ورذ هذا الإمام بأنّ جميع الآيات المتقدمة في ذمّ فعلهم فلا يناسبه ذكر النهي عن أذيته وهو غير مذموم وفيه نظر، وقول المصنف كأبي طالب يشير إلى عدم اختصاصه به على القول بأنّ هذا سبب النزول فلا يشكل جمعه ويشهد له قصة جياد وليس المراد بالاستعظام في كلامهم التعظيم بل عده عظيماً كما في قوله إن الشرك لظلم عظيم، فما قيل إنّ جمع ضمير المفرد للتعظيم في غير نون المعظم نفسه لم يوجد في كلام من يوثق به وأيضاً من فعل النأي لا يليق تعظيمه للتوعد عليه، وما يعقبه من قوله: {وإن يهلكوا إلا نفسهم} لا يناسبه مع ما فيه غير وارد، ولذا قيل التعظيم يكون بمعنى التشريف للفاعل وهذا في الأكثر للفاعل المتكلم، وقد يكون في غيره كما ذكره المرزوقي ويكون للفعل نفسه فيعذ كثيراً وكثيراً، وهذا الفرق بين تعظيم الفاعل وتعظيم غيره أشار إليه النحرير هنا وهو فائدة جليلة، وفي ينهون وينأون تجنيس بديع، والنأي البعد وهو لازم يتعدى بعن وئقل عن الواحدي أنه سمع تعديه بنفسه عن المبرد وأنشد: أعاذل أن يصبح صديّ بقفرة بعيداً نآني زائري وقريني قوله: (وقفوا) وقف يكون لازما ومتعديا بمعنى الوقوف المعروف وبمعنى المعرفة فيهما أيضاً، فقوله يوقفون على النار حتى يعاينوها أو يطلعون عليها من الاطلاع إشارة إلى أن الإيقاف لينظروا ما يهولهم أو يرفعوا على جسرها وهو الصراط فينظرونها وهو المعنى الأوّل، وقوله أو يدخلونها إشارة إلى المعنى الثاني فقد احتوى كلامه على الوجوه الأربعة المذكورة في الكشاف، وجعل لو شرطية على أصلها وقيل إنها بمعنى أن وترى بصرية أو علمية وحذف الجواب لتذهب نفس السامع كل مذهب فيكون أدخل في التهويل أي لرأيت أمراً مهولاً، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه وذكر الوقوف ليبين لزومه لأنه مصدر للازم إلا نادراً، ومصدر المتعدي الوقف وسمع فيه أوقف في لغة قليلة وقيل إنه بطريق القياس. قوله: (تمنياً للرجوع إلى الدنيا) إشارة إلى أن متعلق نردّ مقدر تقديره إلى الدنيا. قوله: (اس! شاف كلام منهم على وجه الخ) المراد بالإثبات الأخبار عنه، واثباته في الواقع وهو في مقابلة التمني الذي هو إنشاء، والمراد بالاستئناف والابتداء معناه المتبادر المعروف وهو قطع الكلام عما قبله بأن لا يعطف عليه فالواو كالزائدة أو قطعه عما في حيز التمني وعطفه على مجموع الكلام فإنهم قد يستعملونه بهذا المعنى كما ذكره صاحب المغني في حرف الفاء حتى أنهم سموا واو الحال واو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 الابتداء فمن حمله على الأوّل قال في تفسير كلام المصنف رحمه الله أي ابتداء كلام ليس عطفاً على ما قبله على وجه الأخبار، والى الثاني مال النحرير فقال معنى كونه استئناف كلام أن يكون معطوفا على التمني عطف أخبار على إنثاء، وهو جائز عند اقتضاء المقام، وأورد عليه أنّ عطف الأخبار على الإنشاء وعكسه لم يجوّزه في شرحه على التلخيص وأن اعتبار المقام إنما يكون بعد صحة أصل الكلام والحق أنّ هذا العطف إنما يصح فيما له محل من الإعراب وليس معنى الاستئناف ما ذكره، ويدفعه ما مرّ وأنّ من النحاة من جوّز. مطلقا ونقحهأ أبو حيان عن سيبويه. قوله: (كقولهم دعني ولا أعود) يعني أنه خبر مستأنف وهو كلام يقوله من أذنب لمن يؤدّبه على ما صدر منه وفي شرح المفصل أنه رفع لتعذر النصب والجزم على العطف أمّا النصب فيفسد المعنى إذ المعنى حينئذ ليجتمع تركك لي وتركي لما نهيت عنه وقد علم أنّ طلب هذا المتأذب لترك المؤدّب إياه إنما هو في الحال بقرينة ما عراه من ألمه وقصد المؤدّب الترك لما نهى عنه في المستقبل ولا يستقيم الجزم أما بالعطف على دعني فظاهر لأنه لا يعطف معرب على مبني ولا محل له فيعطف عليه، وأما جعله نهيا معطوفا على الأمر فإنه لا يلزم من النهي تحقق الامتناع ألا ترى إلى تناقض أنا لا أفعل كذا في كل وقت ثم أفعله وعدم تناقض أنا أنهي نفسي عن كذا في كل وقت ثم أفعله. قوله: (أو عطف على نرذ أو حال الخ (فالمعنى على تمني مجموع الأمرين الردّ وعدم التكذيب أي التصديق الحاصل بعد الردّ إلى الدنيا لأنّ الرذ ليس مقصودا لذاته هنا وكونه متمني ظاهر لعدم حصوله حال التمني وان كان التمني منصبا على الإيمان والتصديق فتمنيه لأن الحاصل الآن لا ينفعهم لأنهم ليسوا في دار تكليف فتمنوا إيمانأ ينفعهم وهو إنما يكون بعد الرذ المحال والمتوقف على المحال محال وفي قوله في حكم المتمني إشارة إلى هذا، فاندفع ما في هذا المقام من الأوهام، وقوله راجع إلى ما تضمنه التمني من الوعد سيأتي تحقيقه قريبا. قوله: (ونصبهما حمزة ويعقوب الخ) أي نصب نكذب ونكون كذا في الكشاف وردّه أبو حيان وغيره بأن نصب الفعل بعد الواو ليس على الجوابية لأنّ الواو لا تقع في جواب الشرط فلا ينعقد مما قبلها وما بعدها شرط وجواب وإنما هي واو مع تعطف ما بعدها على المصدر المتوهم قبلها وهي عاطفة يتعين مع النصب أحد محاملها الثلاثة وهي المعية وتمييزها عن الفاء صحة حلول مع محلها أو الحال كما أنّ الفاء المنصوب ما بعدها تقدر بالشرط وشبهة من قال إنها جواب نصب ما بعدها كما ينصب ما بعد الفاء وتميزها منها أن الفاء إذا حذفت انجزم الفعل بالشرط الذي تضمن الكلام معناه، وأجيب عنه بأن الزجاج سبق الزمخشري إلى هذه العبارة وكفى به قدوة وإذا اتضح المراد سقط الإيراد إذ مراده أنها واقعة في موقع بنصب فيه الجواب واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله إجراء لها مجرى الفاء وترك تقديره بأن رددنا كما في الكشاف مع أن ابن الأنباري رحمه الله قال: إن الواو مبدلة من الفاء وأنها جوابية حقيقة ثم أنه قيل ما ذكره الزمخشري من معنى الجزائية أي إن رددنا لم نكذب فيه نظر فإن كان وجه النظر ما ذكرنا فقد مرّ جوابه وان كان وجهه ما نقل عنه أن ردّهم لا يكون سببا لعدم تكذيبهم فقد قيل عليه إنّ السببية يكفي كونها في زعمهم ليصح النصب على الجزائية، وردّ أنّ مجرّد الرذ لا يصلح لذلك فلا بد من العناية بأن يراد الردّ الكائن بعدما ألجأهم إلى ذلك إذ قد انكشفت لهم حقائق الأشياء، وقوله إجراء لها مجرى الفاء وجهه كما في شرح الرضي تشابههما في العطف وصرف ما بعدهما عن مقتضى الظاهر وقد مرّ تحقيقه والقراءة بالرفع إمّا على العطف أو الحالية أو الاستئناف والجملة معترضة ونصب الثاني على الجوابية بالنظر إلى المجموع، أو إلى الثاني وعدم التكذيب بالآيات مغاير للإيمان والتصديق فلم يتحدا وقرئ شاذاً بعكس قراءة ابن عامر. قوله: (1 لإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني الخ) يعني بل للإضراب عن تمنيهم الباطل الناشئ من إبداء ما يفضحهم وهو إن رددنا لم نكذب أي ليس ذلك عن عزم صحيح بل هو من إبداء ما افتضحوا به أي ليس الأمر كما قالوا من أنهم لو ردوا لآمنوا، وفي الكشاف بل بدا لهم ما كانوا يخفون من الناس من قبائحهم وفضائحهبم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 في صحفهم وبشهادة جوارحهم عليهم فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجراً إلا أنهم عازمون على أنهم لو ردّوا لآمنوا وقيل إنه في المنافقين وإنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرّونه، وقيل هو في أهل الكتاب وأنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحة نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ردّوا إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمعاصي فهذه ثلاثة وجوه، الأوّل إنه في المشركين وإنه أظهر الله قبائحهم من غير الشرك أو الشرك الذي أنكروه في موقف آخر فتمنوا ضجرا ما تمنوا إلا عزما وقدمه لأنه الظاهر إذ ما قبله متعلق بهم فانهم في بعض المواقف جحدوا الشرك وقالوا: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ففضحهم الله، والثاني أنه في المنافقين لأنهم الذين كانوا يخفون الكفر ولكنه لا يناسب ما قبله، والثالث أنه في أهل الكتاب مطلقاً أو علمائهم والذي أخفوه نبوّة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد بدا لهم وبال ما كانوا يخفون ولا يرد أنّ المناسب خفاؤه لا إخفاؤه لأنّ الإخفاء يستلزم الخفاء مع ما فيه من توبيخهم بقبيح وصفهم، وقدم المصنف رحمه الله كونه في المنافقين لملاءمته لظاهر الآية ولو أخره لكان أولى وترك الثالث لأنه ليس في السياق والسباق ما يدل عليه. قوله: (لا عزما الخ) أي ليس عزما معتذاً به لعلم الله بتخلفه لو عادوا كما يدل عليه قوله ولو ردّوا الخ ولا ينافيه تصميمهم عليه عند شدة الأهوال وقيل عزماً صحيحاً بإرادة نفس الطاعة والإيمان من حيث هو فإنه كان لخوف العقاب لا لذاته وفيه نظر، وقوله: فتمنوا ذلك بناء على أنّ ما سبق داخل في حيز التمني ظاهر وأما على الوجه الأخير ففيه تأمّل ثم إن هذا هل يدل على جواز الكذب يوم القيامة أم لا فيه كلام في شروح الكشاف وقد مرّ تفصيله. قوله: (بعد الوقوف والظهورا لسبق قضاء الله بذلك فانهم لخبث طينتهم ونجاسة حليتهم يذهلون عما رأوه فلا يرد أنّ العاقل لا يرتاب فيما شاهده حتى يعود إلى موجب العذاب الأليم، وأمّا أن المراد أنهم لو ردّوا إلى حالهم الأولى من عدم العلم والمشاهدة على أنه من إعادة المعدوم فلا يناسب مقام ذمّهم بغلوّهم في الكفر والإصرار وكونه جوابا لما مرّ من تمنيهم. قوله: (من الكفر والمعاصي) إشارة إلى ما مرّ في نصب ونكون وحده من أنّ عدم تكذيبهم بآيات الله تصديقهم بها وهو عين كونهم مؤمنين فكيف يقع جوابا له وقد دفع بأنا لا نسلم أنّ المراد به ذلك وليس عدم التكذيب بها عين التصديق ولا مستلزما له كمن نشأ في شاهق جبل فإنه ليس بمكذب ولا مصدق لعدم بلوغها إياه ولو سلم فالمراد بقوله ونكون من المؤمنين من الكاملين في الإيمان وعدم استلزام انتفاء التكذيب لهذا الإيمان بين ويومئ إلى هذا قول المصنف رحمه الله من الكفر والمعاصي فافهم. قوله: (فيما وعدوا من أنفسهم (إشارة إلى دفع ما قيل التمني إنشاء والإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب فكيف قيل لانهم لكاذبون فأجاب الزمخشرقي عنه بأنه بعض العدة فدخله ذلك باعتبار ما تضمنه كما تقول ليت لي مالاً فالأحسن إليك فلو رزق مالاً ولم يحسن إليه قيل إنه كذب عليه وصح أن يوصف بأنه كاذب، وقيل إنه ليس تكذيباً للتمني بل ابتداء أخبار منه تعالى بأنّ ديدنهم وهجيراهم الكذب، وأمّا قول الربعي أنّ التمني يحتمل الصدق والكذب محتجاً بقوله: مني أن يكن حقاً يكن أحسن المنى والاف! ل! ا! از! أر! را لأنّ الحق بمعنى الصدق وهو ضدّ الباطل والكذب فلا يخفى ما فيه مع أنه لو سلم فهو مجاز أيضا والمصنف رحمه الله اقتصر على أنّ الكذب عائد إليه باعتبار ما تضمنه من الخبر لظهوره إذ كل إنشاء يتضمن خبرا وهو المراد، وأمّا أن الوعد والوعيد هل هما من قبيل الخبر او من قبيل الإنشاء كما حقق في الأصول فإن كان مذهب المصنف رحمه الله الأوّل فكلامه هنا وفيما سبق ظاهر، وإن كان عنده إنشاء كما ذهب إليه الأكثرون فاستدلوا بأنه يتمدح بخلف الرعيد كما قال الشاعر: واني وان أوعدت " ووعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ولو كان خبراً لكان حنفه كذبا لا يتمدح به فمراده ما مز أو المراد بالكذب عدم الوفاء به لا عدم مطابقته للواتع كما ذكره الراغب وأوّله به بعضهم هنا وفي قوله لما نهوا عنه إشارة أيضا إلى أن دأبهم العناد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 واللجاج حتى لو نهوا عن الحق فعلوه. قوله: (عطف على لعادوا) قيل عليه انه استئناف أو عطف على أنهم لكاذبون لا على عادوا ولا على نهوا إذ حينئذ حق قوله وانهم لكاذبون أن يؤخر عن المعطوف أو يقدّم على المعطوف عليه وأشار إلى جوابه من تال وتوسط فرله وانهم لكاذبون لأنه اعتراض مسوق لتقرير ما أفادته الشرطية من كذبهم المخصوص، ولو أخر لأوهم أنّ المراد تكذيبهم في إنكارهم البعث والمعنى لو ردّوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا نمه، ولقالوا الخ، وقريب منه ما قيل فائدة التوسط المبادرة إلى تكذيبهم في وعدهم عقيب قوله ا! ادوا لما نهوا عنه مسوقا لرذ وعدهم، وقوله أو على أنهم لكاذبون أو على خبران وكذبهم حيمئذ غير مختص بما وعدوا أو خاص به وإذا عطف على نهوا فالعائد محذوف أي لما قالو.. موله: (الضمير للحياة الخ) أي للحياة المذكورة بعده، وهو كثير في كلامهم كقول المتنبي: هو الجد حتى يفصل العين أختها وحتى يكون اليوم لليوم سيدا وقول المعرّي: هو الهجر حتى ما يلمّ خيال قال ابن مالك رحمه الله: الضمير يعود على متأخر لفظاً ورتبة في مواضع منها ضمير الشأن ويسمى ضمير المجهول والقصحة ومنها الضمير المرفوع بنعم وبئس وما جرى مجراهما والضمير المجرور برب العائد على تمييزه والمرفوع بأوّل المتنازعين على مذهب البصريين والضمير المجعول خبره مفسرأ له، كما هنا والضمير الذي أبدل منه مفسره نحو ضمربتهم قومك وفي هذا الأخير خلاف منهم من منعه ومنهم من أجازه وعليه أبو حيان في سورة البقرة واعترض على الزمخشري في تجويزه في غير هذه المواضع كما أجاز في قوله تعالى في الأحقاف: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} [سورة الأحقاف، الآية: 24] كون الضمير راجعاً إلى عارضاً وهو حال أو تمييز وفي قوله: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [سورة البقرة، الآية: 29] عودهن إلى سبع إلا أن يكون مراده أن سبع سموات بدل لكنه يصير النظم غير مرتبط، وخالف هذا في شرحه على التسهيل، فقد عرفت وجه عود الضمير هنا على متأخر وأنه مختار النحاة وأمّا كونه ضمير شأن، فلا يتأتى على مذهب الجمهور لأنهم اشترطوا في خبره أن يكون جملة وخالفهم الكوفيون فيه كما في التسهيل قيل ويحتمل أنه عبارة عما في الذهن وهو الحياة والمعنى أن الحياة إلا حياتنا الدنيا وقيل هو ضمير القصة، ورذ بأنه لا يفسر بمفرد فإن قلت الكوفيون يجوّزون تفسيره بالمفرد فليكن هذا على مذهبهم قلت إن كان مذهبهم ذلك مطلقاً صح ما ذكرت وإن قيد المفرد بكونه عاملا عمل الفعل كاسم الفاعل ونحوه نحو أنه قائم زيد لأنه يسد مسذ الجملة لما فيه من الإسناد كما في الدر المصون فلا يصح لأنه مثل هو زيد، وقد قال إنه لا يجيزه أحد من النحاة وفيه نظر وما ذكره من الاحتمال بعيد جداً أو المراد ليس في الأذهان إلا هذه الحياة المشاهدة كقولهم: {مَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 29] . قوله:) مجاز عن الحبس! الما كان معنى الاستعلاء هنا غير متصوّر احتاج النظم إلى تقدير أو تجوّزوا لتجوّز إمّا في المفرد أو في الجملة على أنه استعارة تمثيلية وهو الأرجح عندهم وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما ولم يجعلوه كناية لأن المشهور-فيها اشتراط إمكان الحقيقة، وهي غير ممكنة هنا وبهذا بطل ما قال بعض الظاهرية من أن أهل القيامة يقفون بالقرب من الله تعالى في موقف الحساب. قوله: (وقيل معناه وقفوا على قضاء ربهم الخ) فهو من الوقوف بمعنى الاطلاع، وفيه مضاف مقدر وهو متعذ بعلى أيضاً فلا حاجة إلى التضمين وجعله من القلب كما توهم وقوله:) أو عرّفوه) من التفعيل بتشديد الراء والضمير لله ولا يلزم من حق التعريف حق المعرفة فلا يقال كيف هذا، وقد قيل ما عرفناك حق معرفتك وهو ظاهر وجوّز عود الضمير على القضاء أو الجزاء، فلا إشكال وهو أيضاً من الوقوف بمعنى الاطلاع لكنه لازم كما قيل وهذا متعد فتأمّل، وما قيل إنه بمعنى عرفوه بصفات لم يعرفوها بلا تقدير لا يناسب المقام. قوله: (والإشارة إلى البعث وما يتبعه (فالإشارة إلى جميع ما ذكر لا العقاب وحده ولا دلالة في قوله فذوقوا على ذلك كما قيل وقوله: كأنه جواب قائل الخ إشارة إلى أنه استئناف بياني وجوّز فيه أن يكون حالاً. قوله: (بسبب كفرهم أو ببدله) إشارة إلى أن ما مصدرية ويجوز فيها أن تكون موصولة بتقدير العائد لكن ما ذهب إليه المصنف رحمه الله أولى لعدم الاحتياج إلى التقدير سببية أو للتعويض كالدأخلة على الأثمان نحو اشتريت بكذا وكافأت إحسانه بضعفه على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 إنه استعارة تبعية وبعضهم جعل الباء للمقابلة وكلام المصنف رحمه الله يأباه لتغاير المقابلة، والبدلية كما في المغني لكنه قيل المقابلة أوفق بمذهب أهل السنة. قوله: (ولقاء الله البعث الخ (يعني أنه استعارة تمثيلية كما قال المصنف رحمه الله في سورة العنكبوت إنه تمثيل لحاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد، وقد اطلع السيد على أحواله فإما أن يلقاه ببشر لما يرضى من أفعاله أو بسخط لما يسخط منها وفسره في العتكبوت بالجنة ومرّض ما هنا لأنه هنا مع منكري البعث وهناك عامّ، قيل روي عن عليّ رضي الله عنه وكرّم وجهه أنه نظم أبياتا على وفق هذه الآية وفي معناها وهي: زعم المنجم والطبيب كلاهما لا يحشر الأموات قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر أوصح قولي فالخسارعليكما (قلت) لا أدري من أيهما أعجب الرواية أم الدراية فإنّ هذا الشعر لأبي العلاء المعري في ديوانه وهو: قال المنجم والطبيب كلاهما ~ لا تبعث الأموات قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر ~ أو صح قولي فالخسار عليكما أضحى التقى والشرّ يصطرعان في ~ الدنيا فأيهما أبرّ لديكما طهرت ثوبي للصلاة وقبله ~ جسدي فأين الطهر من جسديكما وذكرت ربي في ضميري مؤنساً ~ خلدي بذاك فاوحشا خلديكما وبكرت في البردين أبغي رحمة ~ منه ولا تريان في برديكما إن لم تعد بيدي منافع بالذي ~ آتي فهل من عائد بيديكما برد التقيّ وأن تهلهل نسجه ~ خير يعلم الله من برديكما قال ابن السيد في شرحه: هذا منظوم مما روي عن عليّ رضي الله عته أنه قال لبعض من تشكك في البعث والآخرة إن كان الأمر كما تقول من أنه لا قيامة فقد تخلصنا جميعاً وان لم يكن الأمر كما تقول فقد تخلصنا، وهلكت فذكروا أنه ألزمه فرجع عن اعتقاده، وهذأ الكلام وان خرج مخرج الشك فإنما هو تقرير للمخاطب على خطابه وفلة أخذه بالنظر والاحتياط لنفسه مع أنّ المناظر على ثقة من أمره، وهو نوع من أنواع الجدل، وقوله إليكما كلمة يراد بها الرح والزجر ومعناها كفا عما تقولان وحقيقته قولكما مصروف لكما لا حاجة لي به انتهى ومن له معرفة بقرض! الشعر يعلم أنه شعر مولد. تنبيه: هذا النوع يسمى استدراجاً قال في المثل السائر الاستدراج نوع من البلاغة استخرجته من كتاب الله تعالى وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الأفعال يستدرج الخصم حتى ينقاد ويذعن وهو قريب من المغالطة وليس منها كقوله تعالى: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [صورة غافر، الآية: 28] ألا ترى لطف احتجاجه على طريقة التقسيم بقوله إن يك كاذبا فكذبه عائد عليه، وأن يصدق يصبكم بعض ما وعدكم به ففيه من الإنصاف والأدب ما لا يخفى فإنه نبي صادق فلا بد أن يصيبهم كل ما وعد به لا بعضه لكنه أتى بما هو أذعن لتسليمهم وتصديقهم لما فيه من الملاطفة في النصح بكلام منصف غير مشتط مشدّد أراهم إنه لم يعطه حقه ولم يتعصب له ويحامي عنه حتى لا ينفروا عنه ولذا قدم قوله كاذباً ثم ختم بقوله إنّ الله لا يهدي الخ يعني أنه نبيّ على الهدى ولو لم يكن كذلك ما آتاه الله النبوّة وعضده، وفيه من خداع الخصم واستدراجه ما لا يخفى انتهى. قوله: (لأن خسرانهم لا غاية له الخ) حمله الطيبي على أنه غاية للخسران على حد قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [سورة ص، الآية: 78] أي إنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة إلى يوم الدين فإذا جاء ذلك اليوم لقيت ما تنسى اللعن معه أي خسر المكذبون إلى قيام الساعة بأنواع من المحن والبلاء، فإذا قامت الساعة يقعون فيما ينسون معه هذا الخسران وذلك هو الخسران المبين، وفي الكشف ردّاً عليه لم يجعل من باب وانّ عليك لعنتي لأنّ الخسران الأشذ بعد قولهم ذلك حين استقرارهم في دار العذاب فلا وجه لجعله غاية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 الخسران مبالغة وليس بوارد لأنّ جعله غاية للخسران المتعارف بقرينة المقام يفيد أن ما وقع بعده أشدّ وأفظع منه حتى كأنه جنس آخر، وهو يلاقي ما ذكره ولا ينافيه، وقد غفل عن هذا من تابعه وما ذكره الطيبي وجه بديع فتأمّله. قوله: (بغتة) في نصبه وجوه منها أنه حال بمعنى مبغوتين وقيل إنه منصوب على أنه مفعول مطلق من معناه كرجع القهقرى، وقيل بفعل مقدر من غير لفظه أي أتتهم بغتة، وقيل من لفظه والبغتة والفجأة مجيء شيء سرعة لم يكن منتظرا والساعة غلبت على يوم القيامة كالنجم للثريا، وسميت ساعة لقلتها بالنسبة لما بعدها من الخلود أو لسرعة الحساب فيها على الباري. قوله تعالى: {*******فهذا أوانك} تعالى بفتح اللام وسكون الياء كما مرّ قال سيبويه: كأنه يقول أيتها الحسرة هذا أوانك، وقال أبو البقاء: معناه يا حسرة احضري هذا أوانك وهو مجاز معناه تنبيه أنفسهم لتذكر أسباب الحسرة لأنّ الحسرة لا تطلب ولا يتأتى إقبالها وإنما المعنى على المبالغة في ذلك حتى كأنهم ذهلوا فنادوها كقوله: {يَا وَيْلَتَنَا} قيل والمقصود التنبيه على خطأ المنادي حيث ترك ما أحوجه تركه إلى نداء هذه الأشياء قال الطيبي: وهذا أقرب من قول الزمخشري لسلامته عن السؤال ولأنّ قوله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} مقارن لهذا التحسر وهو لا يناسب إلا الحشر ويعني بالسؤال قوله فإن قلت أما يتحسرون عند موتهم، قلت لما كان الموت وقوعا في أحوال الآخرة ومقدّماتها جعل من جنس الساعة وسمي باسمها ولذلك قال رسول الله-يخي! : " من مات فقد قامت قيامته " (1) أو جعل مجيء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة ووجهه أنه جعل الغاية تذكر التحسر لا نفسه فلم يرد السؤال عليه رأسا ومن لم يتنبه لمراده ظن أنه أهمل ما ذكره الزمخشري وضمه إليه. قوله: (قصرنا الخ (ما مصدرية والتفريط التقصير فيما قدر على فعله وقال أبو عبيد: معناه التضييع وقال ابن بحر معناه السبق ومنه الفارط للسابق فالمفرط سبقه غيره للفعل فالتضعيف فيه للسلب. قوله: (في الحياة الدنيا الخ) الضمير راجع إلى الحياة المعلوم من السياق وقوله أضمرت، وان لم يجر ذكرها أورد عليه أنّ عدم الذكر في كلامهم مثترك بينها وبين الساعة وعدمه في كلامه تعالى ممنوع فيهما لما سبق آنفاً وذكر جواب العلامة في شرح الكشاف وهو أنّ القائلين هذا القول هم الناهون عن اتباعه صلى الله عليه وسلم وهم كفار قريش، أو غيرهم فالحياة الدنيا مذكورة في قصة عن قوم آخرين وقد انتقل منها إلى قصة أخرى فلا يجوز عود الضمير منها إلى ما فرغ عنه بخلاف الساعة ولا يرد عليه كما توهم أنّ قول المصنف بعيد هذا وهو جواب لقولهم: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ينافيه لأنه لا مانع من ذكر مقالتين ثم التصريح بجواب إحداهما ألا تراه أظهر في الجواب، ولم يضمر لكونه كلاماً آخر نعم يرد عليه أنه إذا حكى كلامان لا مانع من أن يضمر في الآخر ما يعود إلى ما ذكر في الأوّل لأنهما باعتبار الحكاية كلام واحد، كما إذا قلت قال زيد أكرمت عمرا وقال بكر إنه أهانه ومثله كثير لا شبهة في صحته، ولك أن تقول! إن المراد إنها نكتة لا يلزم اطرادها فإن اعتبر المحكي أظهر وان اعتبرت الحكاية أضمر لا إنه يتعين الأوّل، وان كان قول الشارح لا يجوز يقتضي خلافه. قوله: (تمثيل الخ) الآصار جمع أصر كحمل لفظاً ومعنى والوزر أصل معناه الثقل أيضا ثم قيل للذنوب أوزار وجعلها محمولة على الظهر استعارة تمثيلية وعلى الظهر بناء على المعتاد الأغلب كما في كسبت اً يديكم إذ الكسب في أكثر بالأيدي وقيل حملها على الظهر حقيقة وانها تحسم لما روي في الحديث هنا: " إنه ليس من ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسة فإذا ر! قال له: ما أقبح وجهك فيقول: كذا كان عملك قبيحا فيكون معه قي قبره فإذا بعث قال له: إني كنت في الدنيا أحملك باللذات والشهوات، وأنت اليوم تحملني، فيركب ظهره ويسوقه إلى النار " (1 (الحديث ولعل هذا تمثيل أيضا وقريب منه ما قيل، من قال بالميزان واعتقد وزن الأعمال لا يقول إنه تمثيل. قوله: (ألا ساء ما يزرون) ساء يحتمل هنا وجوها ثلاثة أحدها أن تكون المتعدية المتصرفة ووزنها فعل بفتح العين والمعنى ألا ساءهم ما يزرون وما موصولة أو مصدرية أو نكرة موصوفة فاعل له، الثاني أنها حوّلت إلى فعل بضم العين وأشربت معنى التعجب والمعنى ما أسوأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 الذي يزرونه، أو ما أسوأ وزرهم على اهـ مالي ما، والئالث أنها حوّلت أيضا للمبالغة في الذمّ فتساوي بئس في المعنى والأحكام، والكلام في ما كما في قوله بئس ما اشتروا والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه فيما قبله لا يشترط فيه ما يشترط في فاعل بض من الأحكام ولا هو جملة منعقدة من مبتدأ وخبر وإنما هو فعل وفاعل، والفرق بين هذين الوجهين والأوّل إنه متعدّ في الأوّل قاصر في هذين وإنه فيه خبر وفيهما إنثاء، واقتصر المصنف على أحدهما وقدر المخصوص بالمدح وذكر المولى ابن كمال اثنين منها فتوهم بعضهم أنه لم يفرق بينهما وهو الواهم لأنه قال المخصوص بالذم محذوف أي بئس شيئاً يزرون وزرهم أو الذي يزرونه، وجاء على وزن فعل متعدياً فتقديره ساءهم انتهى. قوله: (وما أعمالها إلا لعب ولهو الخ) أي ليست الأعمال المختصة بها إلا كاللعب واللهو في عدم النفع والثبات فخرج ما فيها من الأعمال الصالحة كالعبادة وما كان لضرورة المعاش، والكلام من التشبيه البليغ ولو لم يقدر مضاف وجعلت الدنيا نفسها لهواً ولعبا مبالغة صح بقي هنا نكتة وهو أنه جمع اللهو واللعب في آيات فتارة قدم اللعب كما هنا وتارة قدم اللهو كما في العنكبوت فهل لهذا التفنن نكتة خاصة أم لا فأبدى بعضهم لذلك نكتة وزعم أنها من نتاتج أفكاره، وليس كما قال فإنها مذكورة في درة التأويل وهو أبو عذرته في هذا الفن، ومحصل ما ذكراه أنّ الفرق بين اللهو واللعب مع اشتراكهما في أنهما الاشتغال بما لا يعني العاقل وبهمه من هوى أو طرب سواء كان حراما أم لا أنّ اللهو أعم من اللعب فكل لعب لهو ولا عكس فاستماع الملاهي لهو وليس بلعب، وقد فرقوا بينهما بأنّ اللعب ما قصد به تعجيل المسرة والاسترواح به واللهو كل ما شغل من هوى وطرب، وان لم يقصد به ذلك كما نقل عن أهل اللغة قالوا واللهو إذا أطلق فهو اجتلاب المسرة بالنساء كما قال امرؤ القيس: ألا زعمت بسياسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي وقال قتادة اللهو في لغة اليمن المرأة، وقيل اللعب طلب المسرة والفرج بما لا يحسن أن يطلب به، واللهو صرف الهمّ بما لا يصلح أن يصرف به وقيل إن كان شغل أقبل عليه لزم الإعراض! عن كل ما سواه لأن من لا يشغله شأن عن شأن هو الله فإذأ أقبل على الباطل لزم الإعراض! عن الحق فالإقبال على الباطل لعب والإعراض عن الحق لهو، وقيل العاقل المشتغل بشيء لا بد له من ترجيحه وتقديمه على غيره فإن قدمه من غير ترك للآخر فلعب وإن تركه ونسبه به فلهو فهذه وجوه أربعة في الفرق بينهما ما إذا عرفت هذا فهذا الكلام لما كان رذأ على الكفرة في إنكار الآخرة وحصر الحياة في الحياة الدنيا فهؤلاء طاعة داعي الجهل ليس لهم وفي اعتقادهم إلا ما عجل من المسرة بزخرف الدنيا الفانية قدم اللعب الدال على ذلك وتفم باللهو أو لما طلبوا الفرح بها وكان مطمح نظرهم وصرف الهم لازم وتابع له أو لما أقبلوا على الباطل في أكثر أقوالهم وأفعالهم قدم ما يدذ عليه، وعلى الأخير الاستغراق إنما يكون بعد التقديم فروعي فيه الترتيب الخارجي، وأفا في العنكبوت فالمقام لذكر قصر مدة الحياة بالقياس إلى الآخرة وتحقيرها بالنسبة إليها، ولذا ذكر اسم الإشارة المشعر بالتحقير وعقبت بقوله: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [سورة العنكبوت، الآية: 64] والاشتغال باللهو مما يقصر به الزمان، وهو أدخل من اللعب فيه وأيام السرور فصار كما قال: وليلة إحدى الليالي الزهر لم تك غير شفق وفجر وينزل هذا على الوجوه في الفرق كما مر، وان أردت التفصيل فطالع درّة التنزيل. قوله: (وخلوص منافعها) أي عن المضارّ والآلام وقوله تنبيه على أنّ الخ لما خص أعمال الآخرة بالمتقين وهي في مقابلة أعمال الدنيا التي هي لعب ولهو علم أن ما ليس من أعمال المتقين ليس من أعمال الآخرة بل من أعمال الدنيا وأعمال الدنيا لعب ولهو فما ليس من أعمال المتقين لعب ولهو كذا أفاده النحرير ولزم منه بيان أنّ اللهو واللعب ما خالف أفعال المتقين، وترك بيانه لظهوره وعدم الاعتناء به فلا وجه لما قيل لو جعل المنبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 عليه عكس هذا أنّ اللهو واللعب ما ليس من أفعال المتقين كان أظهر. وقوله: (وقرأ ابن عامر ولدار الآخرة) بإضافة الموصوف للصفة ومن لم يجوّزه تأوّله بتقدير ولدار النشأة الاخرة ونحوه أو أجرى الصفة مجرى الاسم كما سيأتي تحقيقه في سورة يوسف. قوله: (أفلا يعقلون أيّ الأمرين خير) ضمير الجمع قال الواحدقي للمتقين وهو معنى قول المصنف رحمه الله خطاب المخاطبين لأنهم المخاطبون في الحقيقة والاستفهام حينئذ ليس للإنكار بل للتنبيه والحث على التأمّل، وقيل إنّ معنى قوله على خطاب المخاطبين به أي الذين وجه الكلام إليهم وهم الذين قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا فالاستفهام للتقرير والتحقيق أو الإنكار وفيه التفات ويشمل غيرهم بعموم الخطاب والتغليب كما هو معروف، وقيل على قوله وهو جواب الخ إنهم ينكرون الآخرة وهذا يدل على ترجيحها ولا وجه لأن ترجيحها يرذ ما ادّعوه على أبلغ وجه كما لا يخفى واعلم أن اللهو له معنيان أحدهما الهزل والثاني صرف النفس عن أمر إلى غير. ومادتهما واحدة وهو واوفي، وقال المهدوي الأوّل لامه: واو، والثاني ياء بدليل قولهم لهيان في الثاني وردّه أبو حيان بأنّ اللام في التثنية تقلب ياء ألا ترى قولهم شجيان في شجى، وهو واوي من الشجو (أقول) ما قاله غير مسلم لأنّ الراغب إمام أهل اللغة قال: يقال لهوت ولهيت، وقال في الدرّ المصون كلام الراغب هو الذي غرّ المهدويّ، وهو غريب منه فلا تكن من الغافلين. قوله: (معنى قد زيادة الفعل وكثرته) وكثرة العلم بكثرة المعلوم فإن في ليحزنك ويقولون دلالة على الاستمرار التجدّدي والأصل الأغلب في قد أن تستعمل للتقليل، وفهمه ابن مالك من قول سيبويه وتكون قد بمنزلة ربما قال الهذليئ: قد أترك القرن مصفرّآ أنامله كأن أثوابه محت بفرصاد كأنه قال: ربما هذا نص كلامه.! قال ابن مالك: إطلاقه إنها بمنزلة ربما يوجب التسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضيئ، وهو الصحيح، واعترض عليه أبو حيان بأنّ سيبويه رحمه الله لم يبين الجهة التي فيها قد بمنزلة ربما فلا يدل ذلك على التسوية وان كلامه يدل على التكثير لا التقليل لأنّ الإنسان لا يفخر بشيء يقع منه على سبيل القلة والندرة وإنما يفخر بما يقع منه على سبيل الكثرة فتكون قد بمنزلة ربما في التكثير انتهى. فأفاد أن قد في البيت للتكثير وأن كلام سيبويه رحمه الله دالّ على التكثير كما فهمه عنه الزمخشري وغيره لا كما فهمه ابن مالك ومن تبعه (قلت (فقد علمت اختلافهم في مراد سيبويه رحمه الله وفي قد في البيت وأنه محتمل للوجهين، والحق ما فهمه ابن مالك من أن مراده التقليل وانّ الشعر دليل عليه، فإن الفخر يقع بترك الشجاع قرنه وقد صبغت أثوابه بدمائه في بعض الأحيان وقول أبي حيان رحمه الله إنّ الإنسان لا يفخر إلا بما يصدر منه كثيراً غير مسلم، لأنّ ذلك فيما يكثر وقوعه، وأمّا ما يندر يفتخر بوقوعه نادراً لأن قرن الشجاع لو غلبه كثيرآ لم يكن قرنا له، لأن القرن المقاوم المساوي المعارض فلفظ القرن يقتضي بحسب دقيق االنظر أنه لا يغلبه إلا قليلاً والا لم يكن قرناً، ويتناقض أوّل الكلام وآخره ونحوه قول بعض النحاة في الردّ على من اسنشهد لتقليل قد يقولهم قد يجود البخيل ويصدق الكذوب بأن قد فيه للتحقيق لا للتقليل والتقليل يستفاد من مجموع الكلام لا من قد فإنه إن لم يحمل على أنّ صدور ذلك لو كان كثيراً فسد المعنى وناقض آخر الكلام أوّله وقيل إنها هنا للتحقيق، وقيل إنها للتقليل أي ما هم فيه أقل معلوماته، وإذا استعملت للتكثير فهل هو بطريق الوضع أو استعارة أحد الضدين للآخر قولان. قوله: (ولكنه قد يهلك المال نائله) هو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى يمدح بها حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري أوّلها: صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعرّى أفراس الصبا ورواحله وهي من جيد شعره ومنها: فمن مثل حصن في الحروب ومثله لإنكارضيم أولخصم يجادله أخوثقة لايهلك الخمرماله ولكنه قديهلك المال نائله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله ولولم يكن في كفه غيرنفسه لجادبهافليتق الله سائله قيل إنه يريد أنه جواد لا يسرف ولما كان السكر مظنة الإسراف خصه بالنفي، وقوله أخو ثقة ظاهر في هذا المعنى وان خفي على من قال إنّ جوده ذاتيّ لا يحدث بالسكر، ثم لما كان الوصف بإفراط التوقي عن الإسراف المفهوم من ملازمة الثقة مظنة التفريط في الجود تداركه بقوله ولكنه الخ أي مال ذلك الممدوح يذهبه نائله أي عطاؤه يعني ما فيه من كمال الحزم وفرط الاحتياط قد يقتضي غلبة الجود على من طبعه عدم الإسرأف فعلى هذا قد على معناها الأصليّ، غير مستعارة لضدها كما في الكشاف وغيره. (قلت) هذا تكلف يذهب رونق الشعر وماء الفصاحة والحق ما ذكره في الكشاف، وليس معنى قوله أخو ثقة ما ذكره بل معناه إنه يثق به من يرجوه في الشدائد ويقصده في المضايق لأنه لا يخيب راجيا كما فسره به أئمة الأدب وشراح الحماسة فلا دلالة له على عدم الإسراف أصلاً ألا ترى قوله في قصيدة أخرى: واذا سكرت فإنني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلم واذا صحوت فما أقصرعن ندا وكما علمت شمائلي وتكرمي قوله: (وقرئ الخ) هي قراءة نافع رحمه الله وكلامه رحمه الله لا يوهم أنها شاذة كما توهم. قوله: (فإنهم لا يكذبونك في الحقيقة (لما كان ظاهر النظم كالمتناقض لأنّ جحود آيات الله المنزلة على النبيّ صلى الله عليه وسلم المصدقة له تكذيب له فيما يدعيه من الشرائع وجهه في الكشاف بثلاثة أوجه الأوّل أنّ المراد بنفي تكذيبه استعظام تكذيبه، وأنه مما لا ينبغي أن يقع وجعله تكذيبا لله تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، الثاني أن المراد نفي التكذيب القلبي واثبات اللساني، الثالث أنهم ليس قصدهم تكذيبك لأنك عندهم موسوم بالصدق وإنما يقصدون تكذيبي والجحود بآياني، وهذا الوجه حكاه الكساتي وردّه الشريف المرتضى بأنه لا يجوز أن يصذقو. في نفسه، ويكذبوا ما أتى به لأنّ من المعلوم أنه ع! ييلى كان يشهد بصحة ما أتى به وصدقه وأنه الدين القيم والحق الذي لا يجوز العدول عنه فكيف يجوز أن يكون صداقا في خبره ويكون الذي أتى به فاسداً بل إن كان صادقاً فالذي أتى به صحيح وإن كان الذي أتى به فاسداً فلا بد أن يكون كاذبا فيه، وهذا تأويل من لم يحقق المعاني وسيأتي ما يؤخذ منه جوابه فتدبر وقيل إنهم لا يكذبونك فيما وافق كتبهم وان كذبوك في غيره وقيل جميعهم لا يكذبونك وان كذبك بعضهم وهم الظالمون المذكورون في هذه الآية فلا يكون من وضع الظاهر موضع المضمر وقيل لا يكذبونك كذبا ضارّاً لك وقال الطيبيّ الوجه هو الأوّل لقوله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} [سورة الأنعام، الآية: 34] فإنه تسلية له صلى الله عليه وسلم فلا يناسب الوجهين الأخيرين، وفيه نظر وقوله في الحقيقة في شرح الهداية هذه العبارة تستعمل عند المحصلين فيما إذا دلّ لفظ بظاهره على معنى إذا نظر إليه يؤول إلى معنى آخر، والمراد بقوله في الحقيقة أن تكذيبهم إنما هو لي فهو كما في الوجه الثالث ويكون ما روي مؤيداً له لا وجها آخر وان كان معناه لا يعتقدون كذبك في الباطن فهو جواب آخر وكلامه محتمل لهما كما سيأتي بل ربما ينزل على الوجوه كلها ويكون هذا من إيجازه البديع كما هو عادته، وقوله: (روي الخ) تأييد لما في ضمنه فإن حمل على ظاهره يكون اقتصر على أحد الأجوبة لأنّ بعضها الأخر غير مرضيّ له أو غير مغاير له من كل الوجوه ففيه ردّ على الكشاف وسلوك طريق آخر وهو الظاهر فكلامه محتمل لوجوه من التخريج فتدبر، والفاء للتعليل فإنّ قوله قد نعلم الخ بمعنى لا تحزن كما يقال في مقام المنع والزجر نعلم ما تفعل، ووجه التعليل في تسليته له صلى الله عليه وسلم بأن التكذيب في الحقيقة لي وأنا الحليم الصبور فتخلق بأخلاقي، ويحتمل أن يكون المعنى إنه يحزنك قولهم لأنه تكذيب لي فأنت لم تحزن لنفسك بل لما هو أهمّ وأعظم. قوله: (يجحدون بآيات الله ويكذبونها) وفي نسخة يكذبونه والجحد كالجحود نفي ما في القلب ثباته أو إثبات ما في القلب نفيه، وقيل: الجحد إنكار المعرفة، فليس مرادفا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 للنفي من كل وجه وقدر التضمين بالعطف، وهو أحد طرقه كما قدروه في الرفث إلى نسائكم بالرفث والإفضاء وليس طريقة منحصرة في الحالية، كما يتوهم وقد مرّ تحقيقه لكنه كان الأظهر أن يقول ويكذبون بها كما في بعض النسخ، ألا ترى إلى قوله والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب ولذا قيل حق التعبير ولكنهم يجحدون آياتنا مكذبين بها لتعدي الجحد بنفسه، وحص ن المضمر حالاً صلته الباء وليس متعينا كما عرفت، وقيل عليه أيضاً أن الجحد يتعدى بنفسه وبالباء كالتكذيب وهو ظاهر كلام الجوهري، والراغب فإنه قال يقال جحده حقه وبحقه، وكذب وأكذب معنى عند الجمهور وقال الكساتي: العرب تقول كذبته بالتشديد إذا نسبت الكذب إليه وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دونه، ويقولون أيضا أكذبته إذا وجدته كاذبا كأحمدته إذا وجدته محمودا، وإليه أشار المصنف رحمه الله وقوله: (روي أنّ أبا جهل الخ) هذا الحديث (1 (أخرجه الترمذي والحاكم عن عليّ كرم الله وجهه وصححاه، وهذا إشارة إلى وجه آخر كما في الكشاف وهو الذي حمل الكسائيّ على تفسيره السابق وقيل ليس هذا إشارة إلى وجه وذاك إلى آخر كما يوهمه النظر في الكشاف والا فالوجه إيراده بالواو، وحاصل المعنى أنهم لا يكذبونك في نفس الأمر لأنهم يقولون إنك صادق ولكن يتوهمون أنه اعترى عقلك نوع خلل فخيل إليك أنك نبي وليس الأمر بذاك وما جئت به ليس بحق، أو مراده كما قال الطيبيّ رحمه الله: إنك لا تكذب لأنك الصادق الأمين ولكن ما جئت به سحر، ومنه علم جواب ما مرّ عن علم الهدي المرتضى. قوله: (للدّلالة الخ (الظاهر أنّ مراده أنّ الظلم إمّا مطلق فيفيد أنّ الظلم دأبهم وديدنهم وأنه علة الجحود لأنّ التعليق بالمشتق يفيد علية المأخذ كما يفهم من قولك الجواد يقري الضيف أنّ سبب قراه الجود، وان أريد ظلمهم المخصوص فهو غير الجحود وواقع به نحو ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فيكون المبتدأ مشيراً إلى وجه بناء الخبر كقوله: إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول وقيل إنه يشير إلى أن اللام إمّا موصولة واسم الفاعل بمعنى الحدوث فيفيد الكلام سببية الجحد للظلم أو حرف تعريف واسم الفاعل بمعنى الثبوت فيفيد سببية الظلم للجعد انتهى وفيه نظر. قوله: (وفيه دليل الخ) كما صزح به في الآية الأخرى وهي وأن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فما هنا كقول السيد لغلامه إذا أهين أنهم لم يهينوك وإنما أهانوني، وهذا يبين معنى قوله في الحقيقة السابق وليس وجها آخر كما توهم، وقيل المراد بقوله: لا يكذبونك في السر وقوله على تكذيبهم وايذائهم إشارة إلى أن ما مصدرية وأو ذوا عطف على كذبت أو كذبوا أو على صبروا، والإيذاء بصيغة الأفعال بمعنى الأذى أثبته الراغب وصاحب المصباح المنير، وقوله في القاموس: أذاه أذى ولا تقل إيذاء خطأ والذي غرّه ترك الجوهريّ وغيره له وهو وسائر أهل اللغة لا يذكرون المصادر القياسية لعدم الاحتياج إلى ذكرها وقوله: (بوعد) كان الظاهر أن يقول بدله إلى وعد. قوله: (ولقد جاءك من نبأ المرسلين أي من قصصهم) القصص هنا كالنبأ لفظاً ومعنى ويصح أن يكون جمعا وفاعل جاء قال الفارسيّ هو نبأ ومن زائدة وهو على مذصب الأخفش المجوّز لزيادة من في الإثبات وقبل المعرفة وأيضا ليس المعنى على العموم بل المراد بعض نبئهم لقوله تعالى: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة غافر، الآية: 78] ، والصحيح أنّ فاعله ضمير مستتر تقديره هو أي النبأ أو البيان لا أنّ الفاعل محذوف وهذا صفته أي نبأ من نبأ المرسلين لأنّ الفاعل لا يجوز حذفه هنا ورجح أبو حيان عوده على ما دلّ عليه الكلام السابق من تكذيب الرسل وإيذائهم وضرّهم وهو بعض أنبائهم ومن نبا حال من الضمير المستتر، والزمخشري فسره بقوله بعض أنبائهم وهو تفسير معنى لا إعراب وقيل إعراب لأنّ الحرف عنده يكون مسنداً إليه إذا أوّل باسم كما جعل من مبتدأ في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا} [سورة البقرة: الآية: 8] وقد مرّ تحقيقه وقوله فتأسق من الأسوة أي اقتد بهم، وفسر الكلمة بالوعد وهو ظاهر وكابدوا بالموحدة بمعنى قاسوا. قوله: (وإن كان كبر) هذا شرط جوابه الفاء الداخلة على الشرط الثاني وجواب الثاني محذوف تقديره فافعل وجعل الشرط الثاني وجوابه جواباً للاوّل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 كما أوضحه المصنف رحمه الله قال النحرير: وإنما أتى بلفظ كان ليبقى الشرط على المضيّ ولا ينقلب مستقبلاً لأنّ كان لقوّة دلالته على المضيّ لا تقبله إن للاستقبال بخلاف سائر الأفعال وهو مذهب المبزد والنحاة تؤوّله بتبين وظهر ونحوه. قوله: (فإن استطعت أن تبتغي نفقاً الخ) النفق السرب النافذ في الأرض وأصل معناه حجر اليربوع ومنه النافقاء لأحد منافذه ومنه أخذ النفاق، وقوله: (فتطلع لهم آية) وقد يجعل نفس النفوذ في الأرض والصعود إلى السماء آية ولم يرتضه المصنف رحمه الله هذا وقد ردّه أبو حيان رحمه الله بأنه لا يظهر من دلالة اللفظ إذ لو كان كذلك لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية وأيضاً فأي آية في دخول سرب في الأرض! أمّا الرقيّ إلى السماء فيكون آية. قوله: (صفة لسلما الخ) فسر هذا وما بعده بأنّ المراد في شأنها وأمرها، وقيل لا يصح أن يكون من قبيل رميت الصيد في الحرم إذا كان خارجا عن الحرم كما توهمه النحرير والموهم وأهم لأنه لا معنى لسكون السلم في شأن السماء والنفق في شأن الأرض! بل المراد الظرفية الحقيقية، وقوله لو قدر إشارة إلى أنّ أن بمعنى لو ليؤذن بأنّ فيه تعليق إسلام قومه بالمحال وأن الشرط لم يخرج عن المضيّ كما مرّ. قوله: (وجواب الشرط الثاني محذوف تقديره فافعل) قيل من الجائز أن يعبر عن هذا المحذوف تارة بالخبر وتارة أخرى بالإنشاء وفيه وجوه ثلاثة، أحدها أنّ المقدر أتيت بصيغة الخبر وينبئ عنه قوله لأتى بها لأنه جعل إن بمعنى لو ليؤذن بأن فيه تعليق إسلامهم بالمحال أي بلغت من حرصك على إيمانهم بحيث لو قدرت أن تأني بالمحال أتيت به والمراد المبالغة فيه، وئانيها تقدير فافعل أمراً وفيه نوع توبيخ وحاصله بيان حرصه على تأتي مطلوبهم واقتراحهم على أبلغ وجه لأنه إذا وبخه على طلب ما اقترحوه تعريضا كان توبيخهم أجدر وأنسب بقوله فلا تكونن من الجاهلين لصراحته في التعريض، وثالثها لفعلت على أنّ نفس ابتغاء النفق والسلم آية. قوله: (ولو شاء الله لجمعهم الخ) يشير إلى تفسير الآية على مذهب أهل السنة القائلين بعدم جواز تخلف الإرادة الإلهية عن المراد ومفعول شاء محذوف وهو جمعهم على الهدى والآية دليل ظاهر لهم والمعتزلة أوّلوها بأنّ المراد منها لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة فالذي لم يتخلف هنا المشيئة القسرية لا مطلق المشيئة وهذا مراد من حمل المشيئة على مشيئة القسر خلافا لمن ظن مغايرتهما. قوله: (من الجاهلين بالحر ع على ما لا يكون) قيل لما أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يتعلق بمايمانهم مشيئة نهاه عن كونه معدوداً من زمرة الجاهلين بالحرص عليه ولا شك في وقوع الحرص منه لمج! قبل هذا فليس النهي من قبيل ولا تطع الكافرين وهو ردّ لما في شرح الكشاف، وليس بصواب فإنّ الزمخشري فسره بالذين يجهلون ذلك ويرومون خلافه فقيد الجهل بهذا الحكم وهو أنه لا يجمعهم على الهدى على مثل هذه الحالة كما أنّ قوله: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [سورة الأحزاب، الآية: 48] ، لا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام أطاعهم وقبل دينهم والمقصود لا ينبغي أن يكبر عليك إعراضهم والأقرب حالك من حال الجاهلين والمصنف رحمه الله سلك مسلكا آخر لم يحتج فيه إلى هذا وقد بين الفرق بين مسلكيهما في بعض الحواشي فلا معنى لخلط أحدهما بالآخر، ثم إنه لم يقل لا تكن جاهلاً بل من قوم ينسبون إلى الجهل تعظيماً لنبيه جم! هـ بأن لم يسند الجهل إليه للمبالغة في نفيه عنه وفي كلامهم إشارة إليه. قوله: (بالحرص الخ) عدل عن قول الزمخشري الذين يجهلون ذلك أي يجهلون أن لا يفعل ذلك لخروجه عن الحكمة فإنه رمز إلى مذهبه. قوله: (إنما يجيب الخ) احتج ابن قتيبة في أدب الكاذب بقول الغنوي: وداع دعايا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب على أنه يقال استجبتك بمعنى استجبت لك، ولذأ قال يعقوب يمكن أن يريد فلم يجبه، ويدل عليه أنه قال مجيب ولم يقل مستجيب، فيكون أجرى استفعل مجرى أفعل كما قالوا استخلصه بمعنى أخلصه واستوقد بمعنى أوقد ومنهم من فرق بينهما بأنّ استجاب يدل على قبول ما طلب منه وأجاب أعثم من ذلك. قوله: (بفهم وتأمّل) فالمراد بالسماع فرده الكامل وهو سماع فهم وتأمّل بجعل ما عداه كلا سماع وتوله: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ} [سورة الأنعام، الآية: 36] في الكشاف هو مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة ثم إليه يرجعون للجزاء، فكان قادراً على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان وأنت لا تقدر على ذلك، وقيل معناه وهؤلاء الموتى يعني الكفرة يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، فحينئذ يسمعون وأمّا قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم، وهما وجهان: الأوّل أنّ المعنى حال قدرته خاصة على إلجائهم إلى الاستجابة كحال قدرته خاصة على بعث الموتى من القبور لكن على هذا ليس لقوله: ثم إليه يرجعون كبير دخل في التمثيل إلا أن يراد أنه إشارة إلى ما ترتب على الاستجابة من الآثار في الدنيا والآخرة، والثاني الموتى فيه مجاز عن الكفرة تشبيها لكفرهم وجهلهم بالموت فيكون استعارة تبعية كما قيل: لايعجبن الجهول بزته فذاك ميت ثيابه كفن وعلى الأوّل فالمفردات على حقائقها، وكلام المصنف محتمل فيحتمل أنه يريد الأوّل ويكون قوله فيعلمهم مرتب عليه بناء على أنه عند الآية الملجئة لا ينفع الإيمان كما مرّ، ويحتمل الثاني أيضا أي الكفرة يعلمهم حيث لا ينفعهم الإيمان، وقوله كالموتى ظاهر فيه، وذلك إمّا عند الموت أو عند الحشر وخص العلم الثاني لأنه أقوى ولأنه الدّي يترتب عليه الجزاء ا! بر من الخلود في العذاب الأليم فلا يرد عليه ما قيل أنّ إعلام الله إياهم ليس بعد البعث بل حين الموت، وقيل المعنى، وهؤلاء الكفرة يبعثهم الله في شركهم حتى يؤمنوا بك عند حضور الموت في حال الإلجاء ذكره القرطبي نقلا عن الحسن رحمه الله فقوله فيعلمهم الخ تفسير والفاء تدخل على المفسر لأنه بعد المفسر في الذكر والرتبة ولا يخفى أنّ البعث على هذا بمعناه اللغوي وليس في كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه فحمل كلامه عليه تكلف بعيد، وقيل بعثهم هدايتهم إلى الإيمان وفيه رمز إلى أنّ هدايتهم كبعث الموتى فلا يقدر عليه إلا الله ففيه إقناط للرسول صلى الله عليه وسلم عن إيمانهم، وقوله: للجزاء إشارة إلى انّ الإرجاع عبارة عن الجزاء. قوله تعالى: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} قيل مع كثرة ما أنزل عليه من الآيات لعدم اعتدادهم بها عناداً كأنه لم ينزل عليه شيء أو آية مما اقترحوه، وهو رذ لمن أخذه مقابلا لها فلا يلزم أن يكون مساويا لها حتى تصح المقابلة. قوله: (آية مما اقترحوه الخ) دفع لما يشعر به من عدم تنزيل آية وتسليم ذلك اذعاء أنه مقدور له لكن لم يقع لعدم المشيئة بناء على الصارف، ووجه الدفع أن ما ذكروا عناد، أو المذكور في الجواب محمول على الآية الملجئة أو المعقبة للعذاب، ولا يخفى أنّ الجواب حينئذ لا يكون مطابقاً للسؤال إلا أن يحمل على الأسلوب الحكيم، وقيل عليه عدم اعتدادهم بالمنزلة استدعاء للملجئة ومن لوازم جحد الملجئة الهلاك على عادته تعالى فالمطابقة ظاهرة وبهذا ظهر أن قوله أو آية إن جحدوها هلكوا ليس وجها مغايرا لما قبله، ولا يخفى أنه غير وارد، أما الأوّل فلأنه لا يلزم من عدم الاعتداد عنادأ وتعنتا طلب الملجئ إذ يجوز أن يكون لطلب غير الحاصل مما لا يلجئ لجاجا وعنادأ فالجواب بالملجئ حيحئذ يكودط من الأسلوب الحكيم، أو يكون جواباً بما يستلزم مطلوبهم بطريق أقوى، وهو أبلغ نعم ما ذكره له وجه وأما ما ذكره من عدم التغاير فينافيه العطف بأوفى كلام المصنف فالظاهر أنّ الآية الأولى ما يكون مهلكا بنفسه إن ليم يؤمنوا كالجبل المرفوع عليهم والثانية ما لم يمكن جحده وإن لم يكن مهلكاً بنفسه، وقوله أن الله بفتح الهمزة وفيه إشارة إلى مفعول علم المقدر واستجلاب البلاء شامل للتأويلين في الآية، وقوله والمعنى واحد لأنه لم ينظر هنا إلى التدريج وعدمه فلا ينافي أنه فرق بينهما في غير هذا المقام. قوله: (تدب على وجهها (بالدال المهملة إشارة إلى أنّ المراد به معناها اللغوي لا العرفي وخرج بقوله على وجهها ما يدب في جوفها ولو أبقى على عمومه كان أولى. قوله: (يطير بجناحيه) هو تصوير لتلك الهيئة الغريبة الدالة على القوّة الباهرة والمقام مقام بيان كمال قدرته، وتوله: بالرفع والعموم يستفاد حينئذ من الوصف فقط، وقوله في الهواء ممدود ومن ظنه مقصوراً فقدوهم. قوله: (وصف به الخ) للقوم كلام في أنّ هذا من قبيل الصفة أو التأكيد أو عطف البيان قال النحرير: والأوّل هو الوجه ولا ينافيه كونه يفيد التأكيد كما في قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ} [سورة النحل، الآية: 51] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 ونفخة واحدة وأمس الدابر وغيره وليس بين النحاة وأهل المعاني خلاف فيه كما قاله الطيبي، وقوله في التقريب أنهما صفتان دلالتهما على التخصيص أولى من التعميم ليس بشيء لأنّ التوكيد لا ينافي كونهما صفتين كما ذكرنا مع أنّ التعميم نوع من التخصيص كما صرّح به الطيبي وهو منزع حسن. قوله: (قطعاً لمجاز السرعة ونحوها) اختار بعض المتأخرين أنّ وجه ذكره تصوير تلك الهيئة الغريبة الدالة على كمال القوّة والقدرة قال وقيل إنه لقطع مجاز السرعة، وقيل للتعميم ويرد عليهما إنه لو قيل ولا طائر في السماء لكان أخصر، وفي إفادة ذينك الأمرين من أظهر مع ما فيه من رعاية المناسبة بين القرينتين بذكر جهة العلوّ في إحداهما وجهة السفل في الأخرى، ورذ بأنه لو قيل في السماء يطير بجناحيه لم يشمل أكثر الطيور لعدم استقرارها في السماء، ثم إنّ قصد التصوير لا ينافي قطع المجاز والتعميم إذ لا مانع من إرادتها جميعا، وقطع مجاز الى ش عة لأنّ الطير أن يستعمل بمعنى السرعة كثيراً كما أنّ الطائر يستعمل مجازاً للعمل والنصيب كقوله طائره في عنقه فلما أكد ارتفع احتمال المجاز، وأما احتمال التجوّز وأنّ هذا ترشيح للمجاز فبعيد لا يلتفت إليه بدون قرينة ولم يذكر هذا في مقابله للإشارة إليه بقوله تدب الخ ولأنه يعلم بالعناية إليه ولأنّ التأكيد في هذا أظهر لكونه من لفظه مع ما ضم إليه من قوله بجناحيه، ولما كان المقصود من ذكرهما الدلالة على قدرته ببيان ما يعرفونه، ويشاهدونه من هذين الجنسين وشمول قدرته لهما وعلمه كان غيرهما غير مقصود بالبيان، ومن لم ينتبه لهذا ذكر هنا خرافات كاعتراضه بأنّ أمثال حيتان البحر خارجة عنهما وأجاب بإدخالها تارة في القسم الأوّل، لأنها تدب في الماء ودفعه بأن وصفه في الأرض ينافيه ورذه بأنّ المراد بها جهة السفل، ومقابل السماء وأخرى بإدخالها في الثاني لأنها تسبح في الماء كالسبح في الهواء وردّه بأنّ قوله يطير بجناحيه يدفعه وهذا كله مما ينزه عنه ساحة التنزيل ويبرأ منه لسان القلم لكنه ربما رآه خالي الذهن فظته شيئاً ومنهم من أورد العنكبوت، وأجاب عنه بما هو أوهى من بيوته. قوله: (أمثالكم) فإن قلت كيف يصح القصد إلى العموم الذي يفيده الوصف مع وجوب خروج المشبه به عنه قلت القصد أوّلاً إلى العامّ والمشبه به في حكم المستثنى بقرينة التشبيه كأنه قيل ما من واحد من إفراد هذين الجنسين بعمومها سواكم إلا أمم أمثالكم، ولك أن تدعي دخوله بوجه يظهر بالتأمّل، وقوله: (محفوظة الخ) يستفاد من التشبيه وقوله والمقصود الخ لأنه دال على ضبط أحوال المخلوقات وعدم إهمال شيء منها وهو يقتضي شمول القدرة وسعة العلم كما أشير إليه في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [سورة هود، الآية: 6، وقال الإمام المقصود أنّ عناية الله لما كانت حاصلة لهذه الحيوانات فلو كان إظهار آية ملجئة مصلحة ما مغ عن إظهارها وهذا معنى قول المصنف كالدليل الخ، وقيل إنها دليل على أنه قادر على البعث والحشر والأوّل أنسب، وفي رسالة المعاد لأبي عليّ قال المعترفون بالشريعة من أهل التناسخ إنه تعالى قال وما من دابة الآية وهذا هو الحكم الجزم بأنّ الحيوانات الغير الناطقة أمثالنا وليسوا أمثالنا بالفعل بل بالقوّة فجوّزوا حلول النفس الإنسانية في غيره وهو مذهب فاسد ودليل كاسد. قوله:) وجمع الأمم للحمل على المعنى) أي معنى الجمعية المستفاد من العموم، وذصب السكاير إلى أنّ الوصف المذكور دال على أنه أريد بهما الجنس دون الإفراد، ولذلك قال إنّ القصد من لفظ دابة ولفظ طائر إنما هو إلى الجنسين تقريراً له على معناه الأصلي وتجريداً عما عرض له في الاستعمال باعتبار التنوين والتنكير وإذا كان القصد منهما إلى الجنسين، فلا إشكال في الأخبار عنهما بقوله إلا أمم أمثالكم، كأنه قيل وما من جنس من هذين الجنسين إلا أمم ولا شك أنّ الجنس مفهوم واحد فلا يتصوّر حينئذ كون الوصف مفيد الزيادة التعميم، وفي الكشاف المقصود بهذين الوصفين زيادة التعميم والإحاطة كأنه قيل وما من دابة قط في جميع الأرضين السبع وما من طائر قط في جوّ السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم قال الشريف قدس سرّه: توجيهه أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم لكن جاز أن يراد بها دواب أرض واحدة أو طيور جوّ واحد فيكون استغراقاً عرفيا فلما ذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وصفان نسبتهما إلى دواب أفي أرض وطيور أي جوّ على السواء اتضح أنّ الاستغراق حقيقي يتناول دواب جميع الأرضين وطيور جميع الآفاق فظهر أنّ الوصفين يفيدان زيادة التعميم والإحاطة لكن يرد عليه أن النكرة المفردة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يصح الإخبار عنها بقوله أمم وكدّا لا يصح ذلك الأخبار، وان أريد بتلك النكرة النوع لأنّ كل نوع أمّة لا أمم وجوابه أنّ النكرة هاهنا محمولة على المجموع من حيث هو بقرينة الخبر، والى السؤال والجواب أشار في الكشاف وعليه المصنف أيضاً وبهذا التقرير تبين أنّ كلام الشيخين ليس بمتحد كما ذهب إليه كثير من شراح الكشاف وذهب فرقة منهم كالنحرير وصاحب الكشف إلى اتحادهما وأيده الفاضل الحفيد فقال وأنت خبير بأنّ زيادة من الاستغراقية لتأكيد العموم فيما يدخل عليه والإحاطة بأفراده نصا بحيث لا يحتمل غير ذلك عند أهل العربية جميعاً مع أنّ سوق الآية لبيان شمول قدرته لكل فرد للدابة والطائر كشمولها لإفراد الإنسان بلا تفاوت فمن حمل الوصف على بيان الجنس لم يرد الجنس مع عدم الصلوح للفردية بل قصد أنّ خصوص فرد أو نوع غير مقصود بل المقصود الجنس في جميع الإفراد إذ الوصف لا يختص بفرد أو نوع فالاستغراق حقيقيّ لا عرفيّ فبالضرورة مآل التوجيهين واحد بالإنصاف انتهى. وهو حق لا مرية فيه إلا مكابرة، ثم إنه بقي في كلام الشريف نظر من وجوه، الأوّل إنه ذكر أثي المراد من الجنس الماهية وإنه أمر واحد ثم ذكر إنه لا إشكالى في جمعية الخبر وهذان معنيان متنافيان مع أنّ دخول من يمنع من إرادة الماهية ولما استشعر هذا قال من متعلقه بالجنسية لا بكل واحد واحد وهو تكلف، الثاني أنه أورد على الزمخشري أنّ النكرة المفردة في سياق النفي تدلّ على كل فرد فرد وسلمه وهو وارد على السكاكي أيضا فكيف يخصه بمذهب الزمخشري، الثالث إنه قال إنّ النكرة هنا محمولة على المجموع من حيث هو، فإن أراد أنه لازم له فهو صحيح على المسلكين والا فكلام الزمخشري ناطق بخلافه، وهذا تحقيق المقام بما لا مزيد عليه وقد اغترّ بعضهم بكلام الشريف هنا فوقع فيما وقع، وفي البحر الكبير أنّ هذا يقتضي أنه يجوز أن يقال لا رجل قائمون والقياس لا يأباه إلا أنه لم يرد إلا مع الفصل بينهما وهو كلام حسن. قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} التفريط التقصير وأصله أن يتعدّى بفي وقد ضمن هنا معنى أغفلنا وتركنا فمن شيء في موضع المفعول به ومن زائدة والمعنى ما تركنا في الكتاب شيئاً يحتاج إليه من دلائل الألوهية والتكاليف ويبعد جعل من تبعيضية والتقدير ما فرّطنا في الكتاب بعض شيء وان جوّزه بعضهم، هذا ما ارتضاه أبو حيان والزمخشرفي وعدل عنه المصنف رحمه الله لأنه لا يتعذى فجعل التقدير تفريطا فحذف المصدر وأقيم شيئا مقامه وتغ فيه أبا البقاء رحمه الله إذا اختار هذا وقال أنّ المعنى عليه لا على غيره فلا يبقى في الآية حجة لمن ظن أنّ الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء، ونظيره لا يضرّكم كيدهم شيئا أي ضيرا، وأورد عليه في الملتقط أنه ليس كما ذكر لأنه إذا تسلط النفي على المصدر كان منفياً على جهة العموم ويلزمه نفي أنواع المصدر ونفي جميع أفراده وليس بشيء لأنه يريد أنّ المعنى حينئذ أن جميع أنواع التفريط منفية عن القرآن وهو مما لا شبهة فيه ولا يلزمه أن يذكر فيه كل شيء كما لزم على الوجه الآخر حتى يحتاج إلى التأويل فقول المصنف رحمه الله من أمر الدين الخ إشارة إلى التأويل لا حاجة إليه مع اختيار هذا الوجه كما إن نفي تعديه لا يضرّ من قال إنه مفعول به على التضمين كما مرّ، وأمّا ما قيل إن فرط يتعذى بنفسه لما وقع في القاموس فرط الشيء وفرط فيه تفريطا ضيعه وقدّم العجز فيه وقصر فلا نسلم أنه يتعدى بنفسه وتفرد صاحب القاموس بأمر لا يسمع في مقابلة الزمخشري وغيره مع أنه يحتمل أنّ تعديته المذكورة فيه ليست وضعية بل مجازية أو بطريق التضمين المذكور، وقرئ " فرطنا! بالتخفيف وهو والمشدد بمعنى واحد، وقال أبو العباس: معنى فرطنا المخفف أخرنا كما قالوا فرط الله عنك المرض أي أزاله، وقوله:) أمر حيوان أو جماد (دخل فيه النبات لأنه جماد وإدخاله في الحيوان لنموه تعسف على أن مثله يراد به التعميم كثيراً، وقوله: (أو القرآن) قيل هو لا يلائم ما قبله وما بعده ويدفع بأنّ المعنى لم نترك شيئاً من الحجج وغيرها إلا ذكرناه فكيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 يحتاج إلى آية أخرى مما اقترحوه ويكذب بآياتنا فالكلام بعضه آخذ بحجز بعض بلا شبهة. قوله: (مفصلاَ أو مجملاَ) يشير إلى أنّ ما ثبت بالأدلة الثلاثة ثابت بالقرآن لإشارته بنحو قوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [سورة الحشر، الآية: 2] إلى القياس وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} أسورة الحشر، الآية: 7] إلى السنة بل قيل إنه بهذه الطريقة يمكن استنباط جميع الأشياء منه كما سأل بعض الملحدين بعضهم عن طبخ الحلوى أين ذكر في القرآن فقال في قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة الأنبياء، الآية: 7] وقوله: وقد عدى بفي يعني فلا ينصب مفعولاً به، وليس مراده أنه كيف يتعلق به المجرور بها وبحرف بمعناها مرّة أخرى لأنه لا يدلّ عليه الكلام حتى يصحح بأنه من قبيل أكلت من بستانك من العنب كما توهم. قوله:) ثم إلى ربهم يحشرون يعني الأمم كلها) إن كان المراد بالأمم ما ذكر في النظم وهم من سوى الناس لجعلها أمثالاً لهم المستلزم للمغايرة، كما مرّت الإشارة إليه فضمير العقلاء لإجرائهم مجراهم في الحساب والحشر ولا يلزم تعميم الدابة وإلا لزم جعلهم مثالاً لأنفسهم، وان رجع إلى ذلك باعتبار إطلاقه صح، ويكون الجمع للتغليب، ويكون قوله كما روي الخ بياناً لإنصاف غير الناس بعضهم من بعض فإنه المحتاج للبيان، وما قيل بعد تعميم ضمير يحشرون المقصود إن من يضبط أحوال الدواب وأعمالها فينصف بعضها كما روي إنه يأخذ للجماء من القرناء (1 (ويجازيها كيف يهملكم سدى يريد به مآل الآية ومحصلها فلا يرد عليه أنّ أوّل كلامه يناقض آخره فتأمّل، وهو حديث صحيح رواه الشيخان. قوله:) فينصف بعضها من بعض) ترك قول الزمخشري فيعوّضها وينصف بعضها من بعض لابتنائه على مذهبه من أنّ التعويض لا يختص بالمكلفين والمختص الثواب، وهو منفعة مستحقة دائمة على وجه التعظيم والعوض منفعة مستحقة غير دائمة ولا مقترنة بالتعظيم فالحديث عنده استشهاد للتعويض والاتصاف جميعا، وبعضهم جعله للإنصاف فقط، وقوله: (للجماء الخ) الجماء التي لا قرن لها في رأسها ضد القرناء، وهو إشارة إلى حديث مسلم لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، قال ابن المنير رحمه الله: وليس هذا جزاء تكليف، ومن ذهب إلى أنّ البهائم والهوام مكلفة لها رسل من جنسها فهو من الملاحدة الذين لا يعوّل عليهم كالجاحظ، وقوله: (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) يعني أنّ قوله إلى ربهم يحشرون مجموعة مستعار على سبيل التمثيا! للموت كما ورد في الحديث: " من مات فقد تامت قيامته ") 2 (فلا يرد عليه أنّ الحشر بعث من مكان إلى آخر، وتعديته بإلى تنصيص على أنه لم يرد به الموت مع أن في الموت أيضا نقلاً من الدنيا إلى الآخرة. قوله: (لا يسمعون (إشارة إلى أنه تشبيه بليغ على القول الأصح في أمثاله ووجه الشبه عدم الانتفاع بما يقال. قوله: (خبر ثالث الخ) قيل الظاهر أنه واقع موقع عمى أي لا يرون آيات الله وكون في الظلمات حالاً أبلغ من كونه خبراً ثالثاً فإنه يفيد أن صممهم وبكمهم مقيد بحال كونهم في ظلمات الكفر حتى لو أخرجوا منها لسمعوا ونطقوا ولا يحتاج إلى بيان وجه ترك العطف فيه دون أخويه، وتدّر خابطون ولم يقدر متعلقه عاما لأنّ المراد من الخبط التعسف في السير كخبط عشواء، وهو أنسب وأبلغ لأنّ السائر في الظلمة ربما اهتدى بصوت فإذا كانوا كلهم صما وبكما لم يكن اهتداء أصلاً، وذكر في جمع الظلمات وجهين أحدهما أنه باعتبار ملل الكفر وأنواعه، والثاني أنّ المراد ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد في الباطل، وأعلم أنّ للعلماء في إعادة الحيوانات ومحاسبتها قولين أشار إليهما المصنف رحمه الله فقيل إنه على ظاهره فيخلق فيهم عقولاً ويحاسبهم وينصف بعضهم من بعض ثم يعيدهم ترابا، وقيل: إنه تمثيل لعموم عدله ولا إعادة ولا حساب كما في سراج الملوك. قوله: (من يشا الله يضلله) هو دليل لأهل السنة على أنّ الكفر وغيره بإرادته تعالى، وأن الإرادة لا تتخلف عن المراد وقدمه لأنّ هذا محل الخلاف بيننا وبينهم ولو أخره لكان له وجه، وقوله: بأن يرشده إلى الهدى بيان لوجه التقابل بينه وبين قوله يضلله، ثم لم يكتف به، وقيده بقوله يحمله عليه لأنّ الإرشاد إلى الهدى عامّ للكل ولما كانت الآية دليلاً ظاهراً لأهل السنة أوّلها في الكشف بقوله يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به لأنه ليس من أهل اللطف، ومن يثأ يجعله على صراط مستقيم أي يلطف به لأنّ اللطف يجدي عليه، وقوله من يشأ الله إضحلاله يشير إلى مفعوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 المقدّر ومن مبتدأ خبره ما بعده، وأن من ليس مفعولاً مقدما ليسا لفساد المعنى كما أوضحه في الدرّ المصون وفيه إعراب آخر وهو أنه منصوب بفعل مقدّر بعده يفسره ما بعده أي من يشق يثأ إضلاله. قوله: (ومن يثأ يجعله على صراط مستقيم بأن يرشده الخ) قيل كان الظاهر ومن يشأ يهده وإنما عدل عنه لأنّ هداية الله وهي إرشاده إلى الهدى غير مختصة ببعض دون بعض وقال إنه ردّ على المصنف في تفسيره بقوله يرشده إلى الهدى ورذ بأنّ مراد المصنف بالإرشاد إرشاد مقارن للرشاد بدليل قوله ويحمله فإنه عطف تفسيره بقوله يرشده كما مرّ. قوله: (أرأيتكم الخ) تحقيق هذا التركيب وهو مشهور في التنزيل وكلام العرب أنّ الأخفش قال إنّ العرب أخرجته عن معناه بالكلية فقالوا أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة الثانية إذا كانت بمعنى أخبر وإذا كانت بمعنى أبصر لم تحذف همزتها وشذت أيضاً فألزمتها الخطاب على هذا المعنى فلا تقول أبدا أراني زيد عمراً ما صنع وتقول هذا على معنى أعلم، وشذت أيضا فأخرجتها عن موضوعها بالكلية لمعنى أمّا بدليل دخول الفاء بعدها كقوله: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [سورة الكهف، الآية: 63] الاية فما دخلت الفاء إلا وقد خرجت لمعنى أمّا والمعنى أمّا إذ أوينا إلى الصخرة فالأمر كذا وكذا وقد أخرجتها أيضاً إلى معنى أخبرني كما قدمنا، وإذا كانت بمعنى أخبرني لا بد بعدها من اسم المستخبر عنه وتلزم الجملة بعد الاستفهام وقد تخرج لهذا المعنى وبعدها الشرط وظرف الزمان قاله أبو حيان والزمخشري يخالف في بعض ما ذكر، وقال الكرمانيّ: إنّ فيه تجوّزين إطلاق الرؤية وارادة الإخإر لأنّ الرؤية سببه، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب وقال سيبويه أرأيتك زيداً أبو من هو دخلها معنى أخبرني وأخبرني لا يعلق ولا يلغى، والجملة الاستفهامية بعد الاسم في موضع المفعول الثاني، وليس أرأيتك معلقا عنها واعترض على قوله لا يعلق بأنه سمع تعليقه في قوله تعالى: {أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} في آيات كثيرة مثلها تدلّ على التعليق ويخالف ما قاله، ولا يجوز أن تكون الجملة الاستفهامية جواب الشرط لأنه يلزمها الفاء، وقال ابن عصفور رحمه الله: إنّ المفعول حذف فيها اختصاراً والرؤية فيه علمية عند كثير وعليه المصنف رحمه الله خلافاً للرضمي إذ جعلها بصرية تبعاً لغيره والزمخشري كغيره جوّزهما فجعلها تارة بصرية وتارة علمية فهي منقولة من رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت كأنه فيل " بصرته وشاهدت حاله العجيبة أو أعرفتها أخبرني عنها ولا تستعمل إلا في حال عجيبة، وقال الرضي: جملة الاستفهام مستأنفة لا محل لها بيان لحال المستخبر عنه كأنه قال المخاطب لما قال أرأيت زيداً عن أيّ شيء من حاله تسأل فقال ما صنع فهو بمعنى قولك أخبرني عما صنع وإنما قال ذلك لأنها عنده متعدية لواحد لأنها بصرية أو قلبية بمعنى عرف الذي يتعدّى لوأحد. قوله: (استفهام تعجيب) هذا لا ينافي كونها بمعنى أخبرني لما قيل إنه بالنظر إلى أصل الكلام والا فهو مجاز عن معنى أخبرني منقول من أرأيت بمعنى أبصرت أو عرفت كأنه قيل " بصرته وشاهدت حاله العجيبة أو أعرفتها أخبرني عنها فلا تستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة لشيء، ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سبباً للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا إلى إحاطته علما والى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخبر، وعلى التقديرين فيه تجوّزان وشبه الاستعارة التبعية، وينبغي أن يسمى مثله مجازاً مرسلاً تبعيا ومن هاهنا ظهر مسألة لم تذكر في علم البيان فلا مخالفة بين كلام المصنف، وكلام الزمخشري كما تيل وأمّا قوله إنّ هذه المسألة مما لا يعرفه أهل المعاني فغريب منه لأنها مذكورة في شرح التلخيص للنحرير، وما قيل إنها للاسنخبار عن الشيء لعجيب فلما كانت للاستخبار كانت دالة على الاستفهام تعسف. قوله: (والكاف حرف خطاب كد به الضمير الخ) في عبارته تسمحات لأنّ مراده بالكاف لفعل كم لا الكاف وحدها والميم من تتمة ما قبلها، وقوله للتأكيد مع قوله أكد به لغو والظاهر جيء به للتأكيد وكونه خبراً بعد خبر وكون المراد أنه للتأكيد أبداً لا لغرض آخر خلاف الظاهر وكذا قوله لا محل له مع قوله حرف زائد وصرّح بالحرفية للإشارة إلى ما في قول الزمخشري إنه ضمير والفراء عكس هذا فقال الكاف ضمير مفعول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 والتاء حرف خطاب والكلام عليه مبسوط في المطولات. قوله: (لعدّيت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل) بناء على أنها علمية وأق جملة الاسنفهام في محل نصب على المفعولية لا مستأنفة ولا هو متعد لواحد بمعنى أبصر أو عرف كما مز، وقوله: وللزم الخ يعني أن يجمع المفعول لأن الضميرين معمولان لعلم فيلزم مطابقتهما لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر. قوله:) بل الفعل معلق أو المفعول محذوف الأنها علمية عند المصنف، والتعليق إبطال العمل لفظا لا محلاً بأن يدخل الجملة ما يمنع من العمل في لفظها وليس محلاً يحل فيه جملة كما بين في النحو، والمفعول الثاني في باب علم يكون جملة لأنه خبر في الأصل فاذا قدر المفعول الأوّل لم يكن تعليقاً، وإذا لم يقدر كان تعليقا لأنّ الجملة الاستفهامية ساذة مسدّ مفعولية كما مرّ نقله عن ابن عصفور، فمن قال ليس هذا تعليقاً نحويا فقد وهم، وقوله تنفعكم الخ تقديره أتنفعكم فقدر أداة الاستفهام لأنّ كثرته بعدها قرينة عليه. قوله: (ويدل عليه) أي على تقدير الهول لأنّ الدعاء لا يكون من نفس! الساعة التي لا يمكن دفعها بل من أهوالها وقال أبو البقاء مفعول أرأيتكم محذوف تقديره أرأيتكم عبادتكم الأصنام بدليل قوله: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ} . قوله: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ} في الكشاف تخصون ا-لهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ أم تدعون الله دونها والمصنف رحمه الله ترك بيان التخصيص هنا فقيل لأنه لإنكار دعوة غير الله لا لإنكار تخصيص الدعوة بغيره تعالى فتقديمه لأنّ الإنكار متعلق به وفيه نظر يعلم مما ستسمعه، وقوله: أن الأصنام بفتح الهمزة أي في أنّ الخ وقوله وجوابه محذوف وأمّا جواب الشرط الأوّل فقال الرضيّ إنه الجملة المتضمنة للاستفهام وردّه الدماميني في شرح التسهيل بأنّ الجملة الاستفهامية لا تقع جوابا للشرط بدون فاء، بل الاستفهامية مستأنفة وجواب الشرط محذوف مدلول عليه بأرأيت، وفيه بحث ذكرناه في حواشي الرضي. قوله: (بل تخصونه بالدعاء الخ (هذا وان أغنى عن قوله وتقديم المفعول الخ لكنه صرّج به لأنه يحتمل أنّ ألتقديم لرعاية الفواصل والتخصيص يستفاد من قوله: {وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} وقوله إلى كشفه بيان لمحصل المعنى لأنه إنما يدعي لكشفه أو إلى تقدير مضاف والعائد إلى ما محذوف، وقوله: كما حكي الخ إشارة لقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [سورة الإسراء، الآية: 67] فليس قوله بل إياه تدعون على الفرض كما يتوهم. قوله: (إن شاء أن يتفضل الخ) اعلم أنّ الزمخشريّ جوّز في متعلق الاستخبار أن يكون تقديره من تدعون وأن يتعلق بقوله: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ} وأورد عليه أنّ قوله فيكشف ما تدعون مع قوله أو أتتكم الساعة يأباه فإن قوارع الساعة لا تنكشف عن المشركين، وأجيب بأنه تد اشترط في الكشف المشيئة بقوله إن شاء إيذاناً بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة إلا أنه لا يفعل لوجه أرجح من الحكمة وهو مبني على أصول المعتزلة، وفي البحر الكبير الأحسن عندي أنّ هول القيامة يكشف أيضا ككرب الموقف إذا طال موقفه كما ورد في حديث الشفاعة الحظمى في الفصل بين الخلائق إلا أنّ الزمخشري لم يذكره لأنّ المعتزلة قائلون بنفي الشافعة وقد غفل عن هذا من اتبعه، وخص السؤال بالثاني لأنه غير وارد على الأوّل على ما ذكره الطيبي وصاحب التقريب لأنه إن علق أرأيتكم بمن تدعون المقدر على أنه مفعول فالمعنى أخبروني من تدعون إن أتاكم العذاب أو أتتكم الساعة فيتم الكلام عنده، ثم إنه استأنف مقرّرا لذلك المعنى سائلاً عن الدافع في الدنيا وما شوهد منهم في الشدائد من دعائه تبكيتا لهم بقوله أغير الله تدعون أي أتخصون آلهتكم بالدعوة لا بل أنتم عادتكم أن تخضون الله بالدعاء عند الكرب، والشدائد فيكشف ما تدعون إليه وان علقه بالاستفهام في قوله أغير الله تدعون يكون هو الدال على الجزاء، والمعنى أخبروني إن أتتكم الساعة أدعوتم غير الله أم دعوتموه فيكشف ما تدعون إليه ودخلت الهمزة لمزيد التقرير وحينئذ يلزم كشف قوارع الساعة، وهي لا تكشف عن الكفار بخلاف الوجه الأوّل لأنّ قوله أغير الله تدعون منقطع عنه كما سبق فلا يتعلق كشف الضرّ بالقيامة، وقد ذكر العلامة وصاحب الكشف نحوأ من هذا، وأورد عليه أنّ فيه نظر الظهور أنّ المعنى على هذا التقدير أيضا أتدعون غير الله عند إتيان العذاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 أو الساعة ويتوجه السؤال غاية الأمر أنه على الأوّل أظهر وليس كذلك لأنه إذا كان كلاما منقطعا لا يلزم أن يقدر ما ذكر بل ما يمكن كشفه بقرينة قوله: فيكشف فلا يرد ما ذكره، ثم إنّ المصنف رحمه الله جرى على احتمال عدم التقدير وأنه يتعلق بالآخرة وأشار إلى جوابه قال العلامة في شرح الكشاف وفي هذا الجواب ضعف لأنّ قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية. 48] ليس معناه أنه لا يغفر إن لم يشأ حتى إن شاء غفر والا لم يكن بين الشرك وغيره فرق ويمكن أن يفرق بأن المغفرة في غير الشرك مشروطة بمشيئة محققة لأنها صلة في قوله لمن يشاء اهـ أي وهذا مشروط بمشيئة بخلاف لك لاقتضاء الحكمة له، ولقوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 48] وبديتم الجواب فتأمّل. قيل ولو جعل مفعول المشيئة نفس الكشف كما هو المعروف في أمثاله ثم قيده بالتفضل كان أولى، وفيه نظر. قوله:) وتنسون الخ) بين أوّلاً أنه مجاز عن الترك، وثانيا أنه لشدة الهول ينسونهم فيكون حقيقة ولا يلزم أن ينسى الله لأنّ المعتاد فيها أن يلهج بذكره وينسى ما سواه ومن في من قبلك زائدة بناء على جواز زيادتها في الإثبات المصنف لم يرتضه في غير هذا الموضع، وقيل بمعنى في وقيل ابتدائية ورجحه بعض النحاة. قوله: (لما ركز في النقول الخ) أي لأجل ذكر الله أو دعائه المركوز في العقول أو لمركوزية الله تعالى في العقول على هذه الصفة أو لمركوزية ذكره بناء على هذا، وعلى هذين فما مصدرية، وقوله: على أنه القادر الظاهر من أنه القادر. قوله: (فكفروا وكذبوا) فالفاء فصيحة والزمخشري قدّر كذبوا فقط وهو أولى، وقوله: صيغتا تأنيث لا مذكر لهما أي لا مذكر لهما على أفعل كأحمر وحمراء كما هو القياس فإنه لم يقل أضرّ وأبأس صفة بل للتفضيل فإنّ البأس والضرّ مصدران وقوله يتذللون تفسير له لأنه من الضراعة وهي التذلل وعند المصائر يخشع المرء ويلين قلبه. قوله: (معناه نفي تضرّعهم) ذهب الهروي إلى أن لولا تكون نافية حقيقة بمنزلة لم وجعل منه فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الأقوم يونس والجمهور حملوه على التوبيخ والتنديم، وهو بعيد الترك وعدم الوقوع ولذا ظهر الاستدراك والعطف بلكن فيفيد إنهم لا عذر لهم فيه واليه أشار المصنف بقوله مع قيام ما يدعوهم وليست لولا هنا تحضيضية، كما توهم لأنها تختص بالمضارع وهو معنى آخر غير التوبيخ كما في المغني. قيل ولو قال وعدم المانع لكان أولى لأنّ مجرّد وجود الداعي بدون عدم المانع غير كاف لاستحقاق التوبيخ. قوله: (أي لم يتضرّعوا ولكن الخ) قيل لأنه لما كان التضرّع ناشئاً من لين القلب كان نفيه نفيه، وقيل كان الظاهر أن يقال لكن يجب عليهم التضرّع فعدل إلى ما ذكر لأنّ قساوة القلب التي هي المانع تشعر بأنّ عليهم ما ذكر فكأنه قيل لكن يجب التضرّع، وقيل إنما حمل على قصد النفي دون التنديم ليحسن الاستدراك، وهذا معنى قوله استدراك على المعنى وقوله ولم يتعظوا بيان للمراد من النسيان هنا. قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فإن قلت قد أسند الله هنا التزيين إلى الشيطان وأسنده إلى نفسه في قوله وكذلك زينا لكل أمّة عملهم، فهل هو حقيقة فيهما أو في أحدهما قلت وقع التزيين في النظم في مواضع كثيرة، فتارة أسنده إلى الشيطان كالآية الأولى وتارة إلى نفسه كالثانية وتارة إلى البشر كقوله: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 137] في قراءة، وتارة مجهولاً غير مذكور فاعله كقوله: {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} [سورة يون! ، الآية: 12] لأنّ التزيين له معان يشهد بها الاستعمال واللغة أحدها إيجاد الشيء حسنا مزينا في نفس الأمر كقوله: {زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا} [سورة الصافات، الآية: 6] والثاني جعله مزينا من غير إيجاد كتزيين الماشطة العروس، والثالث جعله محبوبا للنفس مشتهى للطبع وان لم يكن في نفسه كذلك فهذا إن كان بمعنى خلق الميل في النفس والطبع لا يسند إلا إلى الله كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4] قال المصنف في تفسيرها زينا لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلناها مشتهاة بالطبع محبوبة للنفس يعني والله هو الفاعل لهذا حقيقة لإيجاده له، ولغة ونحوأ لاتصافه بخلقه وإن كان بمجرّد تزويره وترويجه بالقول وما يشبهه كالوسوسة والإغواء كما أفصح عنه تعالى: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} [سورة الحجر، الآية: 39] فهذا لا يسند إلى الله حقيقة وإنما يسند إلى الشيطان أو البشر كما مرّ، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله في تفسير قوله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 فقال بأن وسوس لهم، وإذا لم يذكر فاعله يقدر في كل مكان ما يليق به، والذي تسكب فيه العبرات تحقيق تلك المقامات. قال الراغب في مفرداته زينه إذا أظهر حسنه إمّا بالفعل أو بالقول وقد نسب الله تعالى تزيين الأشياء في مواضع إلى نفسه وفي مواضع إلى الشيطان وفي مواضع ذكره غير مسمى فاعله وتزيين الله الأشياء قد يكون بإبداعها مزينة وايجادها كذلك وتزيين غيره للشيء تزويقه بفعلهم أو بقولهم وهو أن يمدحوه، ويذكروه بما يعرف منه انتهى. وقال صاحب الانتصاف في سورة آل عمران التزيين للشهوات يطلق ويراد به خلق حبها في القلوب وهو بهذا المعنى مضاف إلى الله تعالى حقيقة لأنه لا خالق كل شيء من جوهر ومن عرض قائم به كالحب وغيره محمود في الشرع المتصف به أولاً، ويطلق التزيين ويراد به الحض على تعاطي الشهوات والأمر به، وهو بهذا الاعتبار لا يضاف إلى الله تعالى منه إلا الحض على بعض الشهوات المحضوض عليها شرعاً كالنكاح الموافق للسنة وما يجري مجراه وأمّا الشهوات المحظورة فتزيينها بهذا المعنى الثاني مضاف إلى الشيطان تنزيلا لوسوسته وتحسينه منزلة الأمر بها والحض على تعاطيها انتهى. إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المصنف رحمه الله قال في تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [سورة البقرة، الآية: 212] حسنها في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها والمزين على الحقيقة هو الله إذ ما من شيء إلا وهو فاعله ويدل عليه قراءة زين على البناء للفاعل وكل من الشيطان والقوّة الحيوانية، وما خلق الله فيها من الأمور البهية والأشياء الشهية مزين بالعرض يعني أنه إذا كان بمعنى الإيجاد أسند إلى الله حقيقة، وإلى غيره مجازا كما مرّ تحقيقه رواية ودراية، فما قيل عليه من أنّ التزيين هو التحسين المدرك بالحس دون المدرك بالعقل ولهذا جاء في أوصاف الدنيا وأوصاف الآخرة والمزين في الحقيقة هو الشيطان فإنه حسن الدنيا في أعينهم وحببها إليهم وقراءة زين على البناء للفاعل على الإسناد المجازيّ فإنه تعالى أمهل المزين فجعل إمهاله تزييناً أو زينها حتى استحسنوها وأحبوها ومن قال المزين الخ أخطأ في المدعي وما أصاب في الدليل أمّا الأوّل فلأنّ التزيين صفة تقوم بالشيطان والفاعل الحقيقي لصفة ما تقوم به تلك الصفة وليت شعري ما يقول هذا القائل في الكفر والضلال، وأما الثاني فلأنّ مبناه عدم الفرق بين الفاعل النحوي الذي كلامنا فيه والفاعل الكلامي الذي هو بمعزل عن هذا المقام (قلت) المخطىء مخطئ من وجوه أحدها أنّ قوله المدرك بالحس ليس بصواب لأن تزيين الأعمال ليس مما يدرك بالحس فلا وجه لتخصيصه به، الثاني أنّ قوله والمزين في الحقيقة هو الشيطان إن أراد بالتزيين جعله مشتهى بالطبع وخلق ذلك فيه فباطل وان أراد الوسوسة ونحوها فالقاضي لا ينكره، ألا تراه قال في قوله تعالى: {وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ} [سورة الفتح، الآية: 12] الفاعل هو الله أو الشيطان، وكذلك قوله التزيين صفة تقوم بالشيطان فإنه يقال له أيّ معانيه أردت الثالث أنّ ما ذكره من عدم الفرق من بعض الظن وكيف يخفى على مثله وهو مقرر في الأصلين وإنما قصد الردّ على الزمخشري حيث فسره بما زعمه هذا القائل بناء على مذهبه في خلق العباد أفعالهم لا كما توهمه فقد فرّ من المطر ووقف تحت الميزاب، والحمد لله ملهم الصواب. قوله: (فلما نسوا ما ذكروا الخ (قيل هذه الآية الكريمة تؤيد مذهب من ذهب إلى أن لما ظرف بمعنى حين وليس فيه معنى الشرط إذ لا يظهر وجه سببية النسيان لفتح أبواب الخير، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وحديث الاستدراج لا يدفعه لأنه يفيد الصحة اجتماع الفتح مع النسيان لا سببيته له فلا بذ من قبل الجمهور من الجواب انتهى. (قلت اللنحويين في لما مذهبان الأوّل أنها حرف وجود لوجود أو وجوب لوجوب، والثاني أنها ظرف بمعنى حين، وقال ابن مالك: بمعنى إذ وهو حسن لاختصاصها بالماضي والإضافة إلى الجمل، وردّ ابن خروف الظرفية بنحو لما أكرمتني أمى أكرمتك اليوم لأنها لو قدرت ظرفا كان عاملها الجواب والواقع في اليوم لا يكون في الأمس، وأوّله القائلون به بنحو لما ثبت إكرامك كما أوّل إن كنت قلت غير المبرد، وعلى كلا القولين ففيها معنى الشرطية وإنما الخلاف في حرفيتها واسميتها فلا بد من تأويل الآية بأنّ النسيان سبب للاستدراج المتوتف على فتح أبواب الخير وسببيته شيء لآخر تستلزم سببيته لما يتوقف عليه فاندفع الاعتراضى أو الجواب ما ذكر باعتبار ماله ومحصله وهو ألزمناهم الحجة ونحوه كما أشار إليه المصنف وتسببه عنه ظاهراً وإنه مسبب عنه باعتبار غايته وهو أخذهم بغتة، وقوله كل شيء المراد به التكثير لا التعميم والإحاطة وهو مستعمل بهذا المعنى كما مرّ وقوله ولم يتعظوا إشارة إلى أنّ النسيان مجاز عت الترك وعدم العمل والاتعاظ كما مرّ نحوه. قوله:) مراوحة عليهم الخ (بالراء والحاء المهملتين أي مناوبة من قولهم راوج بين العملين إذا عمل هذا مرّة وذاك أخرى كأنه يروج إلى أحدهما بعد الآخر أو يستريح إليه كما يفعل الأب المشفق بابنه في الملاينة والمخاشنة ليصلح حاله فعلى الوجه الأوّل هذا للتأديب وعلى الثاني للاستدراج، قال النحرير: والوجه هو الثاني، والأوّل مبنيّ على الاعتزال فتأمّل، وقوله:) أو مكراً بهم) أي استدراجا قال الراغب مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أغراض! الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. قوله: (لما روي الخ) قال السيوطي: لم أقف عليه مرفوعاً إنما هو من تول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بزيادة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا لكن روى أحمد والطبرانيئ والبيهقيّ في شعب الإيمان من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: " إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما هو استدراج " (1 (ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية والتي بعدها، وقوله: (ورت الكعبة) قسم يعني أنه لما سمع قوله تعالى فتحنا عليهم الخ أقسم إنما هو للمكر والاستدراج بهم مؤيد للتفسير الثاني. قوله: (وقرا ابن عامر الخ) قرأها الجمهور هنا مخففة وابن عامر مثقلة للتكثير، وقرأ ابن عامر أيضا في الأعراف لفتحنا، وفي القمر ففتحنا بالتشديد، وكذا قرئ فتحت يأجوج ومأجوج والخلاف أيضاً في فتحت أبوابها في الزمر في الموضعين وفتحت السماء في النبأ، فإنّ الجماعة وافقوا ابن عامر على تشديدها ولم يخففها إلا الكوفيون فقد جرى على نمط واحد في هذا الفعل، والباقون شدّدوا في المواضع الثلاثة المشار إليها وخففوا في الباقي جمعاً بين اللغتين هذا تحقيق النقل فيه وفي كلام المصنف رحمه الله إجمال تفصيله هذا. قوله: (أعجبوا) مبنيّ للفاعل من قولهم أعجبني هذا الشيء وأعجبت به وهو شيء يعجب إذا كان حسناً جدا كذا في تهذيب الأزهريّ أو مبنيّ للمفعول من قولهم أعجب إذا زهى وتكبر، وقوله: (والقيام بحق (أي حق المنعم وهو الشكر وقوله: (ولم يزيدوا على البطر) أي غاية الفرج والنشاط المفرطين وزاد الواو على عبارة الكشاف لما فيه من إيهام إنه جواب. قوله: (فإذا هم مبلسون الخ (إذا هي الفجائية وفيها ثلاثة مذاهب مذهب سيبويه رحمه الله تعالى إنها ظرف مكان ومذهب جماعة منهم الرياشي إنها ظرف زمان ومذهب الكوفيين إنها حرف فعلى تقدير كونها ظرف زمان أو مكان الناصب لها خبر المبتدأ أي أبلسوا في مكان إقامتهم أو في زمانها، والإبلاس له ثلاثة معان في اللغة جاء بمعنى الحزن والحسرة واليأس وهي معان متغايرة، وقال الراغب والإبلاس الحزن المعترض من شذة اليأس، ولما كان المبلس كثيراً ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل أبلس فلان إذا سكت وإذا انقطعت حجته، وأيس وشس بمعنى، واليأس معروف. قوله: (بحيث لم يبق الخ (إشارة إلى أنه كناية عن الاستئصال لأنّ ذهاب آخر الشيء يستلزم ذهاب ما قبله وهو من دبره إذا تبعه فكان في دبره أي خلفه فالدابر ما يكون بعد الآخر ويطلق عليه تجوّزاً، وقال أبو عبيد: دابر القوم آخرهم وقال الأصمعي: الدابر الأصل ومنه قطع الله دابره أي أصله. قوله: (نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها) قال في الكشاف: فيه إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة فهو عنده إخبار بمعنى الأمر تعليما للعباد قيل ويحتمل أنه تعالى حمد نفسه على هذه النعمة الجليلة وجعل المصنف رحمه الله الحمد على هلاك الظلمة، وبين أنه نعمة باعتبار ما ذكره، وفي الانتصاف ونظير الأوّل قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [سورة الشعراء، 1 لآية: 173] قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى فيمن وقف هاهنا وجعل الحمد على إهلاك المتقدم ذكرهم من الطاغين، ومنهم من وقف على المنذرين وجعل الحمد متصلا بما بعده من إقامة البراهين على وحدانيته تعالى وأنه جل جلاله خير مما يشركون، فعلى الأوّل يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 الحمد ختما، وعلى الثاني فاتحة وهو مستعمل فيهما شرعا ولكنه في آية النمل أظهر في كونه مفتتحا لما بعده وفي آية الأنعام ختم لما تقدمه حتماً إذ لا يقتضي السياق غيره. انتهى، وقوله: أصمكم وأعماكم يعني أخذهما مجاز عما ذكر لأنه لازم له وفيه دليل على بقاء العرض زمانين لأنّ الأخذ لا يكون إلا للموجود وهو كلام حسن. قوله: (أي بذاك) إشارة إلى ما مرّ تحقيقه في سورة البقرة في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 68] من أنّ اسم الإشارة المفرد يعبر به عن أشياء عدّة وأن الضمير قد يجري مجراه لكنه في اسم الإشارة أشهر وأكثر في الاستعمال فلذا تأوّل الضمير به ولذا قال رؤبة في تفسير قوله: فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلدتوليع البهق أردت كان ذاك ففسر الضمير الراجع إلى ما تقدم باسم الإشارة قال الزمخشري: والذي حسن منه أن أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليس على الحقيقة وكذلك الموصولات ولذا جاء الذي بمعنى الجمع ومن غفل عن هذا قال إنّ هذا التأويل يجري في الضمير من غير حاجة إلى تأويل باسم الإشارة، وفي مجالس! النحاس إنه قيل لرؤبة ألا تقول كأنها فتحمله على الخطوط أو كأنهما فتحمله على السواد والبلق فغضب وقال كان ذاك بها توليع البهق فذهب إلى المعنى والموضع انتهى، ويحتمل إنه يريد أنه أفرد مراعاة للخبر لأنّ التوليع اجتماع لونين ولفظه مفرد ومعناه مثنى فتامّل، وأما قول بعضهم فإن قيل ما وجه اعتبار اسم الإشارة واقامة الضمير مقامه قلت للأشعار بأنّ الأمور المذكورة أمور ظاهرة فيكون الاحتجاح بها آكد فنا شيء من قلة التدبر. قوله: (أو بما أخذ وختم) يعني ضمير به راجع إلى المأخوذ والمختوم عليه الذي في ضمن ما مرّ لأنه بمعنى المسلوب منكم كما نقل عن الزجاج، وليس في الكلام ما الموصولة لا ملفوظة ولا مقدرة حتى يقال في تفسيره إنّ الضمير على ظاهره لأن ما وان كان متعدّد المعنى مفرد اللفظ كما توهم وأمّا الوجه الثالث فظاهر وأما جعله راجعا إلى السمع وجعل ما بعده داخلاً معه في القصد فبعيد. قوله: (انظر كيف نصرّف الآيات الخ) انظر يفيد التعجب أيضاً مثل أرأيت وتصريف الآيات تكريرها على أنحاء مختلفة كتصريف الرياج، ثم إنّ المراد إمّا مطلق الدلائل أو الدلائل القرآنية مطلقا أو ما ذكر من أوّل السورة إلى هنا أو ما ذكر قبل هذا ذهب إلى كل بعض من أرباب الحواشي فلذا قيل هي المقدمات العقلية الدالة على وجود الصانع وتوحيده المشار إليها بقوله: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ} الآية وأمّا الترغيب فبقوله فيكشف ما تدعون إليه، وأمّا الترهيب فبقوله: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 46] الخ وبمكن أن يؤخذ في ضمن قوله: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ} فيكونان مذكورين في ضمن المقدمات العقلية وأمّا التنبيه والتذكير فبقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ} [سورة النحل، الآية: 63] الخ وقيل غير ذلك، وقوله بعد تصريف الآيات وظهورها تقرير لكون ثم للاستبعاد كقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [سورة الكهف، الآية: 57] وأنّ تعريف الآيات للعهد كما مرّ. قوله: (من غير مقدمة) أي إمارة متقدمة يعني بغتة من حيث الظاهر لا يقابل جهرة لأنّ مقابل الجهرة الخفية لكن لما كان معنى بغتة وقوع الأمر من غير شعور، فكأنها في معنى خفية حسن أن يقابل بها كما في شروح الكشاف وليس المراد أنه مجاز أو استعارة بل إنه لما قرب أحدهما من الآخر صح مقابلته به ومثله كثير كما وقع في الحديث " بشروا ولا تنفروا " (1 (ومقابل التبشير الإنذار لا التنفير فمن قال إنّ البغتة استعارة للخفية بقرينة مقابلة الجهرة وانها مكنية من غير تخييلية بل بقرينة المقابلة المذكورة، وهذه الاستعارة لم يذكرها أهل المعاني تعسف بما لا حاجة إليه، ولا يخفى ما فيه وأنه يلزمه أن يصح بل يحسن النور خير من الجهل على أنّ الجهل استعارة للظلمة بقرينة مقابلته بالنور، ومثله يمجه الذوق السليم، وفي بعض التفاسير لما كانت البغتة هجوم الأمر من غير ظهور إمارة وشعور به تضمنت معنى الخفية فصح مقابلتها بالجهرة، وبدأ بها لأنها أرح من الجهرة وإنما لم يقل خفية لأنّ الإخفاء لا يناسب شأنه تعالى وهو بيان لنكتة ترك المقابلة، وليس المراد بقوله تضمنت معنى الخفية إلا أنها مثلها في عدم الشعور أي تضمنت ما في الخفية من ذلك المعنى ولو لم يرده لتناقض أوّل كلامه وآخره فمن اعترض عليه بأنّ البغتة ليست هنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 من قبيل الخفية حقيقة لأن الإتيان وان كان بغتة على سبيل الجهر لا على سبيل الخفية كما توهمه ابن كمال لم يقف على مراده. قوله: (وقرئ بنتة أو جهرة) يعني بفتح الغين والهاء على أنهما مصدران كالغلبة، وقال ابن جني في المحتسب قرأ سهيل بن شعيب السهمي جهرة وزهرة في كل موضع محرّكا، ومذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتح أنه لا يحرّك الأعلى أنه لغة فيه كالنهر والنهر والشعر والشعر والحلب والحلب والطرد والطرد ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفا حلقيا قياسا مطردأ كالبحر والبحر، وما أرى الحق إلا معهم، وكذا سمعت من عامّة عقيل وسمعت الشجري يقول أنا محموم بفتح الحاء وليس في كلام العرب مفعول بفتح الفاء وقالوا اللحم يريدون اللحم، وسمعته يقول تغدوا بمعنى تغدوا وليس في الكلام تفعل بفتح الفاء، وقالوا سار نحوه بفتح الحاء ولو كانت الحركة أصلية ما صحت اللام أصلا اهـ وهي فائدة ينبغي حفظها ومنه تعلم حال بغتة وقرئ بالواو العاطفة. قوله: (ما يهلك الخ) يشير إلى أنّ الاستفهام في معنى النفي ولذا صح وقوع الاستثناء المفرغ بعده لأنّ الأصل فيه النفي وليس المراد أنّ هل نافية حقيقة لأنّ أرأيت بعده الاستفهام في الجملة، وقوله: هلاك سخط وتعذيب توجيه للحصر بتقييد الهلاك بما يتبادر منه والا فقد يهلك غيرهم لكنه رحمه منه ليجازيهم على ما ابتلاهم به بالثواب الجزيل. قوله: (ولذلك الخ) أي لكون المراد بالاستفهام النفي أو لأنّ المراد هلاك سخط وتعذيب صح الاستثناء المفيد للحصر لأنّ غير الظالمين يهلك كما مرّ قيل والمسألة نحوية لأنه في الاستثناء المفرّغ يقدر العموم بما يقدر في الإثبات بالنفي وفيما لم يقدر يجوز بالإثبات نحو قرأت إلا يوم الجمعة إذ يصح قرأت كل يوم إلا يوم الجمعة، وهاهنا يصح هلاك الظالمين إلا أنّ المعنى هاهنا على النفي لا إنه لولاه لم يصح الاستثناء المفرغ، وهذا منه بناء على تعين الاحتمال الثاني عنده. قوله: (1 لا مبشرين ومنذرين الخ (التخصيص لأنّ الجنة أعظم ما يبشر به، فلذا يتبادر من الإطلاق كما في العشرة المبشرة والنار أعظم ما ينذر به فلا يقال الأولى التعميم، وهما حالان مفيدان للتعليل أي لأجل التبشير والإنذار وأشار إليه المصنف بقوله ليقترج والاقتراج طلبهم الآيات والتلهي السخرية يقال تلهى به إذا سخر وتلعب وهذا إشارة إلى ارتباط هذه الآية بقوله: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} [سورة العنكبوت، الآية: 50] وقوله ما يجب إصلاحه أي الإتيان به على وفق الشريعة أي إصلاحه على الوجه المشروع في إخلاص العبادة وعدم الشركة فعلى متعلقة بإصلاح. قوله: (جعل العذاب ماساً) يعني نسبة المس إليه وجعله فاعلا له يشعر بقصد الملاقاة من جانبه وفعله وان لم يتعين ذلك، فما أورد عليه من أنّ المس ليس من خواص الإحياء حتى يلزم ما ذكر وإنما هو تلاقي الجسمين من غير حائل بينهما يمكن دفعه بالعناية فعلى ما ذكره المصنف فيه استعارة تبعية وجوّزها الطيبي، وفي الكشاف جعل العذاب ماساً كأنه حيّ يفعل بهم ما يريد، وفي البحر أنّ المماسة تشعر بالاختيار والعرض لا اختيار له ومراد العلامة أنه وصف العذاب فيه بوصف المعذب مبالغة كشعر شاعر وهو مبنيّ على قاعدة الاعتزال وعند أهل السنة لا مانع من أن يخلق الله فيها حياة واحساسا وقوله: (واستغنى) يعني حيث لم يقل العذاب الأليم أو العظيم ونحوه لأنّ تعريف العهد يفيد ما ذكر. قوله: (بسبب خروجهم الخ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية وأصل معنى الفسق لغة الخروجي قال فسق الرطب إذا خرج عن قشره، ويقال لمن خرج عن حظيرة الشرع مطلقا بكفر أو غيره وأكثر ما يقال لمن خرج عن التزام بعض الأحكام لكنه غير مناسب هنا، ولذا فسره بمعنى يشمل الكفر لأنّ تعذيب الكافر بغير الكفر من ذنوبه وان صح لكن لا ينبغي أن يقال عذب الله الكافر بترك الصلاة مثلاً. قوله: (مقدوراته الخ) يعني الخزائن جمع خزينة أو خزانة وهي ما يحفظ فيه الأشياء النفيسة إما مجاز عن المقدورات أو هو بتقدير مضاف أي خزائن رزقه، وظاهر قول الزمخشري خزائن الله هي قسمه بين الخلق وأرزاقه أنّ الخزائن يحتمل أنه مضاف لمقدر، ويحتمل إنه مجاز عن المرزوقات من إطلاق المحل على الحال أو اللازم على الملزوم وكلام المصنف يحتمله وقيل إنّ التجوّز أولى لأنه لا بذ على التقدير من التجوّز أيضا فتأمّل. قوله: (ما لم يوح إلئ ولم ينصب عليه دليل (ما إما بدل من الغيب، أو عطف بيان مفسر له فإنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 الذي لا يطلع عليه وفي قوله لم ينصب الخ إشارة إلى جواز اجتهاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما في كلام المصنف رحمه الله موصولة وجوّز جعلها مصدرية زمانية فالغيب عام مقيد بمدة عدم الإيحاء ونصب الدليل. قوله: (وهو من جملة المقول) هنا قولان ومقولان أي قل وأقول وكلام المصنف محتمل فيحتمل أنه أراد أنه من جملة مقول قل كما قيل إنه من مقول قل لا أقول ولذا احتيج إلى إعادة أقول في قوله: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} فإنه على تقدير العطف على عندي خزائن الله لا حاجة إلى إعادته وإنما لم يكتف فيه بنفي القول للفرق بينه وبين قرينيه، وهو إنّ مفهومي عندي خزائن الله واني ملك معلومان عند الناس فلا حاجة إلى نفيهما إنما الحاجة إلى نفي ادعائهما تبرأ عن دعوى الباطل بخلاف مفهوم لا أعلم الغيب فإنه كان مجهولاً لا عندهم بل كان الظاهر من حاله عدم الاطلاع عندهم على الغيب، ولذا نسبوه إلى الكهانة فالحاجة هنا إلى نفيه، ثم إنّ هذا النفي تضمن الجواب عن قولهم إن كنت رسولاً فأخبرنا بما يقع في المستقبل لنستعدّ له، ونفي دعوى الملكية تضمن جواب ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق اوو، ويحتمل أنه مقول أقول لأقل، ولذا قيل لو قال المصنف رحمه الله من جملة ما لا يقولى كان أوضح وكلمة لا حينئذ في لا أعلم مذكرة للنفي لا نافية ولم يجعل من مقول قل لأنّ المقصود نفي دعوى علم الغيب ودعوى مالكية خزائن الله ليكونا شاهدين على نفي دعوى الألوهية، وبهذا اندفع ما قيل على هذا الوجه من أنه يؤدّي إلى أنه يصير التقدير، ولا أقول لكم لا أعلم الغيب وهو غير صحيح ف! نه لا وجه لعدم صحته ولله درّ المصنف حيث أتى بما يشملهما على الحصر، ولا يخلو من مخالفة للظاهر في الجملة، وعند التأمّل لكل وجهة ولذا قال النحرير: إنه من جملة القول في الواقع ومحمول على هذا المعنى البتة لأنه لا فائدة في الإخبار بأني لا أعلم الغيب، وإنما الفائدة في الإخبار بأني لا أقول ذلك ليكون نصا لادّعاء الأمرين اللذين هما من خواص الإلهية ليكون المعنى إني لا أذعي الإلهية ولا الملكية ويكون تكرير لا أقول إشارة إلى هذا المعنى وكان المصنف رحمه الله أجمل في قوله المقول لجوازهما عنده وزعم السفاقسي أن كلام الزمخشريّ محتمل لهما أيضا فتأمّل. قوله: (من جنس الملانكة) قيل هو إشارة إلى ما ذكره أبو عليّ الجبائيّ من أنّ هذه الآية تدل على أفضلية الملائكة لأن المعنى لا أدّعي منزلة أقوى من منزلتي وقال القاضي عبد الجبار: إن كان الغرض! من النفي التواضع فالأقرب لزوم الأفضلية، وان كان نفي القدرة على أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة فلا وهو الأليق بالمقام، ولو سلم فتكفي الأفضلية بزعم المخاطبين، وعليه يتنزل كلام المصنف ويخرج عما في الكشاف من النزغة الاعتزالية قيل، وهو على الأوّل حقيقة وعلى الثاني مجاز مرسل عن القادر على أفعالهم أو تشبيه بليغ، وفيه نظر لأنّ المقصود نفي الملكية لا نفي شبهها فتأمّله. قوله: (تبرّأ عن دعوى الإلهية والملكية (وفي نسخة الألوهية جعل مجموع قوله: {عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} عبارة عن نفي الألوهية لأنّ قسمة الأرزاق بين العباد ومعرفة علم الغيب مخصوصان به تعالى ولذا كرّر في الملكية لفظ ولا أقول وتيل على الزمخشري إذ ذكر هذا بعينه إنه يهدم قاعدة استدلاله في قوله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [سورة النساء، الآية: 172] ، على تفضيل الملك على البشر لأنّ الترقي لا يكون من الأعلى إلى الأدنى يعني من الألوهية إلى الملكية، ولا هدم لها مع إعادة لا أقول الذي جعله أمراً مستقلا كالإضراب، إذ المعنى لا أذعي الألوهية بل ولا الملكية ولذا كرّر لا أقول، وقيل مقام نفي الاستنكاف ينتفي فيه أن يكون المتأخر أعلى لئلا يلغو ذكره في مقام نفي الادعاء بالعكس فإن من لا يتجاسر على دعوى الملكية أولى أن لا يتجاسر على دعوى الإلهية الأشذ استبعاداً وأورد على هذا أنّ المراد لا أملك أن أفعل ما أريد مما تقترحونه وليس المراد التبري عن دعوى الإلهية، والا لقيل لا أقول لكم إني إله كما قيل ولا أقول لكم إني ملك وأيضا في الكناية عن الألوهية بعندي خزائن الله ما لا يخفى من البشاعة بل هو جواب عن اقتراحهم عليه صلى الله عليه وسلم أن يوسع عليهم خيرات الدنيا، وقيل في دفعه وجه التبري أنّ قوله تعالى لا أقول في قوّة قول الرسول لا أقول لعدم توقفه في الامتثال وليس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 إضافة الخزائن إلى الله تعالى منافيا لهذه الكناية لأنّ دعوى الإلهية ليس دعوى أن يكون هو الله بل شريكا له في الإلهية، وفيه نظر لأنّ إضافة الخزائن إليه تعالى اختصاصية فتنافي الشركة إلا أن يكون المعنى خزائن مثل خزائن الله أو تنسب إليه، فتأمّل. قوله: (رذا لاستبعادهم الخ) يعني أنه بعد نفي الإلهية والملكية ألزمهم بالحجة العقلية على ما ادّعاه لأنّ حاصله أني عبد ممتثل أمر مولاه ويتبع ما أوحاه وأي عقل ينكر مثله كما يشير إليه قوله أفلا تتفكرون أي في أنّ اتباع ذلك لا محيص عنه ولذا قال اتبع ما يوحى إليّ، ولم يقل إني نبيّ، أو رسول تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم والجاما لهم بالحجة وليس في كلامه نفي لتفضيل الملك بوجه من الوجوه كما قيل، ودفعه ما قدمناه وحاصل الردّ أنّ هذه دعواي وليست مما يستبعد إنما المستبعد إدعاء الإلوهية أو الملكية ولست أدّعيهما على أنّ مجرّد نفي هاتين لا يستلزم نفي الاستبعاد لجواز أن يذعي أمراً آخر مستبعداً. قوله: (للضال الخ) ذكر فيه ثلاثة وجوه مبناها على أنه تذييل لما مضى من أوّل السورة إلى هنا أو لقوله إن اتبع الخ أو لقوله لا أقول الخ والأوّل هو الوجه عندهم، ثم الثاني، وقوله: في تفسير قوله أفلا تتفكرون فتهتدوا الخ لف ونشر ناظر إلى هذه التفاسير على الترتيب فقوله تهتدوا راجع إلى الأوّل، وقوله: أو فتميزوا إلى الثاني، وقوله: أو فتعلموا إلى الثالث، والأفعال في عبارته منصوبة في جواب الاستفهام وقيل إنه غير مرتب وهو تكلف، وقابل المستحيل بالمستقيم كما قابله سيبويه بالمحال وكذا قال المتنبي: كأنك مستقيم في محال وهو استعمال العرب لأنّ أصل المحال من أحاله عن وجهه، وصرفه وهو في المحسوسات عين الاعوجاج ومن لم يعرفه اعترض عليه بأنّ الظاهر أن يقول: كأنك مستقيم في اعوجاج فالمستقيم هنا بمعنى الممكن، وفي بعض النسخ فتميزوا على أنه من تتمة تهتدوا وقوله: أو فتعلموا ناظر إلى الأخيرين، وفي نسخة فتعلمون والأولى أولى. قوله: (كالألوهية والملكية (فإن قيل دعوى الملكية من الممكنات أي من دعوى الأمور الممكنة لأنّ الجواهر متماثلة يجوز أن يقوم بكلها ما يقوم ببعضها ولهذا ما قيل لآدم جمم ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين أقدم على اكل طمعا في الملكية مع أن النبيّ لا يطمع في المحال، قلت أجاب عته شراح الكشاف بأنّ المقدمات على تقدير تمامها، إنما تفيد إمكان أن يصير البشر ملكا وأما أن يكون ملكا فلا لتمايزهما بالعوارض المتنافية بلا خلاف، وهذا كما قالوا إنّ كلا من العناصر يجوز أن يصير الآخر لا أن يكون، وعلى هذا ينبغي أن يحمل طمع آدم عليه الصلاة والسلام لو سلم كونه نبيا عند اكل، أو أنه لم يطمع في الملكية بل في الخلود، وقوله: (وجزمهم على فساد مدعاه) ضمنه معنى الحرص فلذا عداه بعلى فإن قلت: لم قال خزائن الله ولم يقل: لا أقدر على ما يقدر عليه الله قلت لأنه أبلغ لدلالته على إنه لقوّة قدرته كأنّ مقدوراته مخزونة حاضرة عنده. قوله: (المفرّطون) بتشديد الراء قيده به لأنه المناسب للإنذار ولقوله: لعلهم فخص بالذكر هؤلاء لأنهم الذين ينفعهم الإنذار ويقودهم إلى التقوى وليس المراد الحصر حتى يرد أنّ إنذاره لغيرهم لازم أيضا وقوله أو متردداً عطف على مقرّاً لأنه كافر أيضا وقوله: فإنّ الإنذار الخ بيان لوجه التخصيص، وينجع مضارع نجع كنفع لفظاً ومعنى، وأصله من نجع الدواء في المريض إذا أثر في برئه، والمراد بالفارغين منكر والحشر لأنّ أذهانهم خلت عن اعتقاده أو لأنهم فرغوا عن تداركه، وقوله لكي يتقوا بيان لمحصل المعنى لا إن لعل بمعنى كي، فإن المصنف لم يرتضه في كتابه هذا، وقد مرّ تفصيله وتحقيقه، وقوله في موضمع الحال لأن مجرّد الحشر لا يخاف ما لم يكن على هذه الحال، وفي الكشاف هنا كلام طواه المصنف لابتنائه على الاعتزال. قوله: (أمره بإكرام المتقين الخ (لأنّ النهي عن الشيء أمر بضده فالنهي عن طردهم كالأمر بتقريرهم وقوله: ترضية يقال رضاه بالتشديد كما يقال أرضاه، وقوله: هؤلاء الأعبد جمع عبد وقالوه تحقيرا لهم لأنهم موال مسهم الولاء والرق وليس تشبيها بالعبيد في الخرقة والحرفة كما قيل، أما عمار بن ياسر المذحجي رضي الله عنه فولاؤه مشهور، وأما صهيب بن سنان رضي الله عنه ويعرف بالرومي فهو نمريّ من العرب لكن أسره الروم وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 صغير فنشأ عندهم ثم قدمت به مكة فاشتراه عبدلذ بن جدعان وأعتقه، وخباب عدة من الصحابة منهم من مسه الرق ورق سلمان رضي الله عنه مشهور وتفصيله في الاستيعاب، وفي كلام المصنف رحمه الله خلط بين حديثين، وقد وقع مثله في الكشاف، وهذا الحديث) 1 (يروى من طرق عدة كما في تخريج أحاديث الكشاف وليس هو قول عمر في بعض طرقه فلا معنى لإنكاره بناء على أنه لا يليق بمقام النبوّة طرد المؤمنين لأجل غيرهم ظنا إنه ينافي في عصمته لأنّ الطرد لم يقع منه والذي همّ به أن يجعل لهم وقتا خاصا ولهؤلاء وقتاً خاصا ليتألف أولئك فيقودهم، إلى الإيمان والصحابة رضي الله عنهم يعلمون ما قصد فلا يحصل لهم إهانة وانكسار قلب منه صلى الله عليه وسلم. قوله: (والمراد بذكر الغداة والعشئ الدوام الخ) كما يقال فعله صباحا ومساء لما يداوم عليه، وقيل الغداة والعشيّ عبارة عن صلاتي الصبح والعصر لأن الزمان كثيراً ما يذكر، ويراد به ما يقع فيه كما يقال صلى الصبح ويراد بالصبح صلاته وكذا المغرب كما يعكس فيراد بالصلاة زمانها نحو قربت الصلاة أي وقتها، وقد يراد بها مكانها نحو: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [سورة النساء، الآية: 43] أي المساجد والدعاء على هذا مراد به حقيقته، أو المراد الدعاء الواقع في الصلاة فلا حاجة إلى ما قيل إنه مسامحة أو المراد الصبح والعصر وذكر الصلاة لبيان الدعاء وقد فسر الدعاء هنا بالصلوات الخمس وبالذكر وقراءة القرآن. قوله: (وقرأ ابن عامر يالغدوة) وكذا قرأه في سورة الكهف أبضا وهي قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء العطاردي وغيرهم، وغدوة وان كان المعروف فيها أنها علم جنس ممنوع من الصرف ولا تدخله الألف واللام، ولا تصح إضافته فلا تقول غدوة يوم الخميس كما قاله الفراء لكنه سمع اسم جنس أيضا منكراً مصروفا فتدخله اللام، وقد نقله سيبويه في كتابه عن الخليل، وذكره جمّ غفير من أهل اللغة والنحو فلا عبرة بقول أبي عبيد إنّ من قرأ بالواو وأخطأ وأنه اتبع رسم الخط لأنّ الغداة تكتب بالواو كالصلاة والزكاة وهو علم جنس لا تدخله الألف واللام والمخطئ مخطئ لما مرّ، وقد ذكر المبرد عن العرب تنكير غدوة وصرفه وادخال الألف واللام عليه إذا لم يرد غدوة يوم بعينه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وكفى بوقوعه في القراءة المتواترة حجة فلا حاجة إلى ما قيل إنه علم لكنه نكر لأن تنكير علم الجنس لم يعهد ولا أنه معرفة ودخلته اللام لمشاكلة العشيّ كما في قوله: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا إذ قال اليزيد لمجاورة الوليد ومنه تعلم أنّ المشاكلة قد تكون حقيقة. قوله: (يدعون ربهم مخلصين الخ) إشارة إلى أنّ المراد بالوجه الذات كما في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص، الآية: 88] على أحد التفاسير فيه وأنّ معنى إرادة الذات الإخلاص لها لأنه ذكر في الإشارات أنّ من الناس من أحال كون الله مراداً لذاته وقال إنّ الإرادة صفة لا تتعلق إلا بالممكنات لأنها تقتضي ترجيح أحد طرفي المراد على الآخر وذلك لا يعقل إلا في الممكنات، وقوله عليه أي الدعاء بالإخلاص. قوله: (ما عليك من حسابهم الخ) جوّز في ما هذه أن تكون تميمية وحجازية وفي شيء أن يكون فاعل الظرف المعتمد على النفي أعني عليك، ومن حسابهم وصف له قدم فصار حالاً ومن مزيدة للاستغراق لكن تشبيه الزمخشري بقوله إن حسابهم إلا على ربي الدال على الحصر بصريح النفي والإثبات يشعر بكون شيء مبتدأ، والظرف خبر فدم للحصر، وقوله: ليس عليك حساب إيمانهم يشير إلى تقدير مضاف أو إلى أنه المراد من النظم، أو أنّ الإضافة إليهم للملابسة المذكورة وأنّ حساب الإيمان إمّا بحسب المقدار أو بحسب الإخلاص، والضمير على هذا للمؤمنين كما يعلم من مقابله، ويجوز أن يكون الضمير للمشركين وضمير تطردهم للمؤمنين وضمير سؤالهم وايمانهم راجع إلى من، ولما مشددة حينئذ أو مخففة وما مصدرية. قوله: (فإن كان لهم باطن غير مرضئ الخ) قال أبو حيان كيف يفرض هذا وقد أخبر الله بإخلاصهم في قوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} واخباره هو الصدق الذي لا شك فيه وليس بشيء مع قوله كما ذكره المشركون. قوله: (فحسابهم الخ) هذا بعينه ما ارتضاه الزمخشريّ وأن الجملتين في معنى جملة واحدة تؤدّي مؤذي {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وأنه لا بذ منهما والا فالأولى تكفي للجواب وفي قوله كما أنّ إشارة إلى أنّ الثانية مسلمة ظاهرة حتى إنها تدل على الأولى لجعلها مقيسا عليها ولم يجعل المعنى أنّ حسابهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 ليس عليك بل علينا ليكون كقوله تعالى: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي} [سورة الشعراء، الآية: 13 ا] لأنّ المقصود دفع قدح المشركين في فقراء المؤمنين وهو بمجرد إن حسابهم إلا على الله لا عليك ولا دخل للثانية فيه وجعلها للتأكيد ينافي العطف كما ذكره العلامة في شرح الكشاف وأما وجه أخذ إن. حسابهم عليهم من النظم، فهو إنه كان أصله عليك حسابهم على أنه تصر قلب فإذا نفي ذلك لزم ثبوت عكسه، ولا حاجة إلى اعتبار النفي أولاً ثم اعتبار الحصر ليفيد حصر انتفاء حسابهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فيلزم كون حسابهم على أنفسهم لا على النبيئ صلى الله عليه وسلم، وتفسير حساب الرزق بالفقر لأنه الذي يتوهم مضرته وقد روي أنهم قالوا له يتبعونك لأنهم لا يجدون ما بنفقون وقوله: ولا هم بحسابك أي ولا يؤاخذون أو هو معطوف على الضمير المستتر للفصل، واعلم أنه قدم خطابه صلى الله عليه وسلم في الموضعين تشريفا له والا كان الظاهر وما عليهم من حسابك من شيء بتقديم على ومجرورها كما في الأوّل وفي النظم ردّ العجز على الصدر كما في قوله عادات السادات، سادات العادات. قوله: (على وجه التسبب وفيه نظر) في قوله فتطردهم وجهان أحدهما أنه منصوب على جواب النفي بأحد معنيين فقط، وهو انتفاء الطرد لانتفاء كون حسابهم عليه وحسابه عليهم لأنه ينتفي المسبب بانتفاء سببه، وتوضيحه أن قولك ما تأتينا فتحدثنا بنصب فتحدثنا يحتمل معنيين انتفاء الإتيان وانتفاء التحديث كأنه قيل ما يكون منك إتيان فكيف يقع منك حديث وهذا المعنى هو المقصود هنا أي ما يكون منك مؤاخذة كل واحد بحسابه فكيف يقع منك طرد، وانتفاء التحديث وثبوت الإتيان كأنه قيل ما تأتينا محدثا بل غير محدّث، وهو لا يصح هنا وهم وان أطلقوا قولهم منصوب على الجواب فمرادهم هذا، وجوّز في الدرّ المصون أن يكون منصوبا جوابا للنهي، وأما قوله فتكون ففيم نصبه وجهان أن يكون منصوبا في جواب النهي أعني لا تطرد وأن يكون معطوفا على فتطردهم وجعله المعرلث أظهر من الأوّل ولما لم يصلح في المعنى جواباً للنفي إلا إذا قصد تسببه على الطرد قال الط! بي: وجه النظر الذي ذكره المصنف رحمه الله إنّ قوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} الخ حينئذ مؤذن بأنّ عدم الظلم لعدم تفويض الحساب إليه فيفهم منه أنه لو كان حسابهم عليه وطردهم لكان ظالماً وليس كذلك لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأجاب عنه بأنّ المراد به المبالغة في معنى الطرد يعني لو قدر تفويض الحساب إليك ليصح منك طردهم لم يصح أيضا فكيف والحساب ليس إليك فهو كقول عمر رضي الله عنه نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، وقيل بل وجه النظر أنّ الإشراك في النصب بالعطف يقتضي الإشراك في سبب النصب وهو توقف الثاني على الأوّل بحيث يلزم من انتفاء الأوّل انتفاؤه واً نه منتف كونه من الظالمين سواء لوحظ ابتداء أو بعد ترتبه على الطرد، وأما جعله مترتبا على نفس الطرد بلا اعتبار كونه مترتبا على المنفي ومنتفياً بانتفائه فيفوت وجود سببية النصب، وفي البحر هما منصوبان تقدمهما نهي ونفيان وكل منهما أهل أن يجاب به ولا يكون جواب واحد لمتناقضين فتطردهم جواب للنفي وتكون جواب النهي ولا يمكن عكسه لئلا يكون الجواب والمجاب واحداً ولا يستقيم أن يقول لا تطردهم فتطردهم، ويمكن أن يكون فتطردهم جوابا للنهي كما مرّ ويكون فتكون عطفا على الجواب فالجائز وجهان خاصة أحبهما الأوّل لا الثاني إذ كلاهما لا يناسب أن يجاب لأنه بصير معناه ما عليك كل منهم فتطردهم فيناسب وان أجيب بالثاني صار المعنى مالك كل عليهم فتطردهم فمفهومه إن كانوا يحملون عنك كان طردك إياهم حسناً وهو خلف لا يجوز حمل القرآن عليه وهو وان خرج عن مختار البصريين لأعمال الثاني لا يضرّ لأنّ شرطه عندهم أن يكون المعنى مستقيما فيهما فان لم يستقم أعمل الأوّل اتفاقا كما في قوله، ولم أطلب قليل من المال انتهى. قوله: (ومثل ذلك الفتن الخ) يعني مثل ما فتنا الكفار بحسب غناهم وفقر المؤمنين حتى أهانوهم لاختلافهم في الأسباب الدنيوية فتناهم بحسب سبق المؤمنين إلى الإيمان وتخلفهم عنه حتى حسدوهم وقالوا ما قالوا لاختلاف أديانهم فشبه فتنا بفتن والزمخشري جعل ذلك إشارة إلى هذا الفتن المذكور وعبر عنه بذلك إيذانا بتفخيمه، ولدّا قال: ومثل ذلك الفتن العظيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 كقولك ضربت زيداً ذلك الضرب ولا يلزم منه تشبيه الشيء بنفسه لأنّ المثل ليس بمراد، وإنما جيء به مبالغة كما يقال ذلك كذلك، كذا قرّره العلامة يعني أن التشبيه كما يجعل كناية عن الاستمرار لأنّ ماله أمثال يستمرّ نوعه بتجذد أمثاله كما أشار إليه شراح الحماسة في قوله: هكذايذهب الزمان ويفنى الى حلم فيه ويدرس الأثر والاستمرار يقتضي التحقق والتقرر ويستلزمه، فجعل في أمثال هذا بواسطة الإشارة إلى البعيد عبارة عن تحقق أمر عظيم، وكونه عظيمأ مستفاد من لفظ ذلك المشار به إلى هذا الفتن القريب المذكور، وليست الكاف فيه زائدة، ومن قال الكاف فيه مقحمة أراد أنّ التشبيه غير مقصود فيه بل المراد لازمه الكنائيئ أو المجازي، وصاحب الكشاف لما في هذا الوجه من البلاغة والدقة اختاره وفيما ورد فيه كذلك وبعضهم لما رأى غموضه وتوهم فيه تشبيه الشيء بنفسه أوّله وتكلف لوجه التشبيه والمغايرة، وقال الطيبي: في شرح قوله وكذلك زينا في هذه السورة لما قال الزمخشري ومثل ذلك التزيين البليغ هذا على أن يكون المشار إليه ما في الذهن، وسيجيء بيانه في قوله تعالى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [سورة الكهف، الآية: 78] والمبالغة إنما يفيدها الإبهام الذهني والتفسير بقوله زبن، وهو ما يعلمه كل أحد من المزين من هو انتهى. فعلى هذا المشبه به الأمر المقرّر في العقول والمشبه ما دلّ عليه الكلام من الأمر الخارجيّ، وهو تخريج لطيف إلا أنه يخالف ما نقل صاحب الكشف في سورة الدخان عن العلامة الزمخشري أنه قال: المعنى فيه أنه لم يستوف الوصف وأنه بمثابة ما لا يحيط به الوصف فكأنه قال الأمر نحو ذلك وما أشبهه. (أتول) أراد أنّ الكاف مقحم للمبالغة وقد سلف إشارة إلى ذلك وأنّ هذا الإقحام مطرد في عرفي العرب والعجم انتهى. فهو من باب الكناية وهو وجه بديع، وهذا مما من الله به علينا فاحفظه، فانك لا تجده في غير كتابنا هذا. قوله: (فتنا أي ابتلينا) إشارة إلى ما قدمنا من أنّ أصل معنى الفتن تصفية الذصب ونحوه ثم استعمل في الابتلاء والاختبار. قوله: (أي أهؤلاء من أنعم الله اليم) هذا بيان لمحصل المعنى وإنما أتى بمن الموصولة إشارة إلى أنّ إنثارهم إنما هو لوصفهم بذلك وجعله سمة لهم لعدم اعترافهم بذلك واعتقادهم أنهم ليس عليهم آثار النعمة وهذا نحو ما تزره الخطيب في قوله: إن الذين ترونهم إخوانكم يشفى غليل صدورهم إن تصرعوا وليس مراده بيان التقدير والإعراب ليتقدم الخبر على المبتدأ فيفيد الحصر حتى يرد عليه أنّ المعنى على إنكار أن يكونوا مختصين بإصابة الحق دونهم كما قرّره، وإذا كان المعنى على ما ذكره يكون هناك من أنعم الله عليهم من بينهم يعرفونهم بكونهم كذلك، ولكن ينكر المتكلم أن يكونوا هؤلاء الفقراء وهو غير المعنى المراد، وانّ معنى الحصر مستفاد من قوله بيننا فإنه في موضع الحال من الضمير المجرور أي منفردين من بيننا، ولم يدر أن ما توهمه غير صحيح لفظا لأنّ المبتدأ والخبر إذا تعرّفا لم يجز تقديم الخبر فيه للبس مع ما في حذف الموصول وإبقاء صلته من ااضعف وان جوّزه بعض النجاة كما في الدرّ المصون، لكني أظن أنّ هذا التكلف لم يخطر ببال المصنف رحمه الله. قوله: (واللام للعاقبة الخ) قيل إنّ ما يترتب على فعل الفاعل من حيث ترتبه عليه فائدة ومن حيث وقوعه في طرفه غاية، ومن حيث كونه باعثا عليه غرض بالنسبة إلى الفاعل وعلة غائية بالنسبة إلى الفعل، ولأفعاله تعالى فوائد وغايات لأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض لما برهن عليه في الكلام، ثم إنه قد تشبه الغاية بالعلة الغائية من حيث إنها عاتبة له فتستعمل فيها اللام التعليلية على نهج الاستعارة التبعية، كاللام الداخلة على ثمرات أفعاله المسماة بالحكم، وليست هذه لام العاقبة عند الزمخشريّ ومن تابعه، وفي شرح المقاصد أنّ لام العاقبة إنما تكون فيما لا يكون للفاعل شعور بالترتب وقت الفعل أو قبله فيفعل لغرض، ولا يحصل له ذلك بل ضده فيجعل كأنه فعل الفعل لذلك الغرض الفاسد تنبيها على خطئه، ولا يتصوّر هذا في كلام علام الغيوب بالنظر إلى أفعاله، وان وقع فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 بالنظر إلى فعا! غيره كقوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [سورة القصص، الآية: 8] إذ ترتب فوائد أفعاله تعالى عليها تنبيه على العلم التانم فبينهما مباينة ولم يعتبر ابن هثام وغيره فيها هذا القيد وجعلها لا ما تدل على الصيرورة والمآل مطلقاً فيجوز أن تقع في كلامه تعالى وعليه المصنف، والفرق بين لام العاقبة وهذه في كلامه تعالى من حيث إن ترتب الفائدة في الأولى لمجرّد الإفضاء لا السببية والاقتضاء بخلاف الثانية، ولهذا كانت لام عاقبة إن لم يرد الخذلان على طريقة المصنف رحمه الله، وسيأتي الكلام عليه قريبا وهذا مما من الله به وينبغي للطالب حفظه. قوله: (أو للتعليل على أنّ فتنا متضمن معنى خذلنا) الخذلان تركه على ما هو فيه من الغواية من غير إرشاد واغاثة فالفتن متضمن معنى الخذلان لأنه سبب لافتتانهم وهو سبب لذلك القول أو هو من إطلاق المسبب على السبب واللام في هذا للتعليل لأنه سبب مقتض له، وان لم يكن باعثا عليه وعلى ما قبله كان ابتلاء بعضهم ببعض لما مرّ مؤدّيا إلى الحسد المؤذي إلى ذلك القول فاللام لام العاقبة والثاني هو المذكور في الكشاف بناء على مذهبه من أنّ الفتن أمر قبيح لا يسند إلى الله، فإن كان هذا نقلاً لكلامه وأخره إشارة إلى أنه ليس مذهبنا المرضيّ عنده فظاهر، وان كان بياناً لمعنى يحتمله النظم فالخذلان لا ينافي كون ذلك بإيجاده فكلام الزمخشريّ إشارة إلى نفيه وكلام المصنف وحمه الله ساكت عنه، وأورد هنا بعضهم سؤالاً، وهو فإن قيل التعليل هنا ليس بمعناه الحقيقي لأنّ أفعله تعالى منزهة عن العلل والأغراض فيكون مجازا عن مجرّد الترتب وهو في الحقيقة معنى لام العاقبة فلا وجه للترديد، وقيل هما مختلفان بالاعتبار فإن اعتبر تشبيه الترتيب بالتعليل كانت لام تعليل وان لم يعتبر كانت لام عاقبة وفيه إنّ العاقبة أيضاً استعارة فلا يتم هذا الفرق إلا على القول بأنه معنى حقيقيّ، وعلى خلافه يحتاج إلى فرق آخر فليتأمّل. قوله: (بمن يقع منه الإيمان والشكر الخ) الباء الأولى زائدة والثانية متعلقة بأعلم وفي الدرّ المصون العلم يتعدّى بالباء لتضمن معنى الإحاطة وهو كثير في كلام الناس نحو علم بكذا وله علم به وذكر الإيمان لأنّ الشكر على النعم الممنون بها عليهم وهي تفضيلهم في الدين، وذكره الخذلان على الوجه الثاني أو عليهما لأنه لارّم له، وتد أشرنا إلى ما فيه قريبا. قوله: (وصفهم بالإيمان بالقرآن الخ) الآيات تطلق على آيات القرآن وعلى الحجج وكل منهما صحيح هنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله لكن كان الظاهر أو مكان الواو ولذا قيل المراد بالحجج هنا الحجج القرآنية، ثم إنه جوّز في الباء هنا أن تكون صلة الإيمان وأن تكون سببية أي يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به بسبب نزول الآيات، وقوله: بعدما وصفهم بالمواظبة الخ إشارة إلى ما مرّ في تفسير الغداة والعشيّ، أمّا على الوجه الأوّل فظاهر، وأما على الثاني فلأن من واظب على هذين الوقتين مع كثرة تشاغل الناس عنهما لزمه المواظبة على غيرهما، وقوله بأن يبدأ بالتسليم أي وان كان في محل لا ابتداء به فيه إكراماً لهم بخصوصهم كما روي عن عكرمة والا فالسلام منه ليس مخصوصاً بهؤلاء. قوله: (ويبثرهم بسعة رحمة الله الخ) تفسير لقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} والسعة مأخوذة من شمولها لمن أذنب في قوله إنه من عمل الخ، ولم يعطف على ما قبله لأنّ جملة السلام دعائية إنشاثية والذانا تعليل لقوله وصفهم الخ وفضيلتي العلم والعمل من قوله يدعون ويؤمنون، وقوله: (من الله بالسلامة) مبنيّ على الوجه الثاني في سلام، وقوله: (وقيل الخ) وجه آخر في المراد بالذين وهو حديث مرسل رواه الفريابي وغيره، وفاعل نزلت ضمير يعود على هذه الآية وفي هذه الآية دليل على إطلاق النفس على الله من غير مشاكلة كما تقدم. توله: (اسمئناف الفا نحويّ أو بيانيّ، كأنه قيل وما هي وفي قراءة الفتح وجوه منها ما ذكره، وقيل إنه على تقدير اللام وقيل إنه مفعول كتب والرحمة مفعول له وقوله كعمر إشارة إلى ما روي سابقاً وأشار بمعنى رأى ذلك رأياً وروي أنه رضي الله عنه بكى عند نزولها وقال معتذراً ما أردت إلا خيرالم ا (. توله: (في موضع الحال الخ (الجهل له معنيان كما في الكشاف عدم العلم بالشيء أو بعاقبتة والمخاطرة من غير نظر إلى العواقب كما في قوله: ونجهل فوق جهل الجاهلينا ولذا تمتدح به العرب فعلى الأوّل المراد بها الهالة بمضارّ ما يفعله، وعلى الثاني السفه من غير تقديره فعول وقوله وأصلح آي في توبته بان أتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 بشروطها ولذا ذكر العزم على عدم العود مع أنه لا بد منه في التوبة، قيل وهذه الآية سيما على الوجه الثاني تقوّي مذهب المعتزلة حيث ذكر في مقام بيان سعة الرحمة أنّ عمل السوء إذا قارن الجهل ئم حصلت التوبة والإصلاح فإنه يغفر ولذا قيل: إنها نزلت! في عمر رضي الله عنه لما قال لرسول الله! ت: " لو أجبتهم لما قالوا لعل الله يأتي بهم " قاله حين لم يعلم المضرّة وتاب وأصلح وأورد عليه أنه تقرّر في الأصول أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فنزول الآية في حق عمر رضي الله عنه لا يدفع الإشكال (قلت) يريد أنّ اللفظ ليس عامّا وخطاب منكم لمن كان في تلك المشاورة والعامل لذلك منهم عمر رضي الله عنه فلا إشكال، وفسر ضمير بعده بالعمل أو السوء ولو فسره بالجهالة الملتبسة بالسوء كان أظهر، وقوله: ملتبساً بفعل الجهالة إشارة إلى أنه حال مؤكدة حينئذ. قوله: (فتحه من فتح الأوّل غير نافع الخ) ذكر فيها وجوه منها ما ذكره المصنف، ومنها أنها منصوبة بفعل مقدر أي فليعلم أنه، وقيل إنها تكرير للأولى للتأكيد وطول العهد، والجواب محذوف وهو بعيد، وأجاز الزجاج كسر الأولى وفتح الثانية، وهي قراءة الأعرج والزهراوي وأبي عمر والداني ولم يطلع على ذلك أبو شامة رحمه الله فقال: إنه محتمل إعرابي وان لم يقرأ به وليس كما قال. قوله: (وكذلك نفصل) قد مرّ الكلام على ذلك وقوله في صفة المطيعين والمجرمين خالف فيه ما في الكشاف حيث قصره على الثاني لظاهر قوله سبيل المجرمين، والمصنف رحمه الله رأى الاقتصار عليهم لأنّ بيان أحوالهم أهنم هنا لما فيها من المفاسد التي يجب التنبيه عليها أو اكتفاء بذكر أحد الفريقين واستبان كتبين يكون لازما ومتعدياً، وقد دل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} [سورة الأنعام، الآية: 39] على أهل الطبع وقوله: {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 51] على أهل إمارة القبول وقوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} على المطيعين أو المفرطين قال النحرير: قوله فصلنا ذلك إشارة إلى تقدير متعلق لام لتستبين وقدره ماضيا نظراً إلى ما اقتضاه المعنى، وذكر تفصيل الآيات بلفظ المضارع لقصد الاستمرار وتناول الماضي والآتي، ومبناه على كونه من قبيل ضربت كذلك وهو على التشبيه ظاهر أيضا، وتذكير السبيل وتأنيثه لغتان مشهورتان وقوله بما نصب الخ راجع لصرفت، وأنزل راجع لزجرت على اللف والنشر المرتب، ولتستبين معطوف على مقدر هاليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ليظهر الحق الخ. قوله: (عن عبادة ما تعبدون) تفسير لقوله إن أعبد فتدعودط إما بمعنى تعبدون لتضمن العبادة للدعاء أو بمعنى تسمونها آلهة، وقوله: تأكيد لقطع أطماعهم جعله تأكيداً لأنه يفهم من نهيه عما هم عليه المذكور قبله مع استمرار المضارع المنفي هنا والموجب للنهي كون ما هم عليه هوى باطل واستجهالهم من اتباع الهوى وترك الهدى، أو من قوله نهيت لأنّ من لم تنهه الأدلة فهو جاهل واليه جنح الزمخشري. قوله: (وتنبيه لمن تحرّى الحق الخ) قيل إنه ميل منه إلى مذهب الأشعري وغيره من أنّ إيمان المقلد غير صحيح في حق الآخرة كما تقرّر في الأصول، ولك أن تفول مراده بمن تحر 3، الحق من يقدر على الاستدلال، والمراد بقوله ولا يقلد التقليد الصرف كما يفعله الكفرة وأهل الاهواء. قوله: (أي في شيء من الهدى) قيل هو من المهتدين أبلغ من هو مهتد فنفيه بالعكس فهو هنا لتأكيد الخفي لا لنفي التأكيد، واليه أشار المصنف بقوله في شيء من الهدي وهو معنى دقيق، وهو ردّ لما قيل إنّ في هذا التفسير نظراً لأنّ هذا الأسلوب في الإثبات يوجب أن يكون المدخول ليس ممن له حظ قليل في ذلك الوصف بل له حظوظ وافرة، وفي السلب يوجب أن يكون المدخول له حظ ما فيه وفي الكشاف في قوله تعالى: {لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 168] قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عاليم لأنك تشهد له بكونه معدوداً في زمرتهم معروفا بمساهمته لهم وعراقته في وصفه وأجيب بأن إفادة معنى الاستغراق في نفي الهدي ليست من هذا القبيل بل جواب لما دل عليه قل لا أتبع أهواءكم على سبيل التعريض كأنه قيل إن اتبعت أهواءكم ضللت وكنت منكم وممن انغمس وتوغل في الضلال ولا أكون من الهدى في شيء مثلكم، وهو يدل على أنه من زمرة المهتدين المساهمين فيه، وهو وأن كان له وجه لكن الأوّل أولى، وهذه الفائدة قد ذكرها ابن جني رحمه الله في الخصائص وقد بسطنا الكلام فيها في غير هذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 المحل وقيل إنه يريد أنّ نفي كونه من المهتدين يستلزم نفي كونه في شيء من الهدى لأنّ الشخص بأدنى شيء يعدّ منهم، وقوله: وفيه تعريض بأنهم كذلك فهو كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر، الآية: 65] كما تقرّر في المعاني. قوله: (والبينة الدلالة الواضحة الخ) هكذا فسرها الراغب على أنها من بان يبين بمعنى ظهر، ولذا قيل فالوضوح ليس مأخوذاً من التنكير كما قيل وقوله التي تفضل الخ إشارة إلى أنها من البينونة بمعنى الانفصال والمعنى الأصلي ملاحظ فيها وان صارت بمعنى الدليل، ولما قال في الكشاف بعد تفسيرها بما ذكر يقال أنا على بينة من هذا الأمر وأنا على يقين منه إذا كان ثابتاً عندك بدليل علم أنّ قيد الوضوح ليس في مفهومها فلذا قيل إنه مأخوذ من التنكير وبان بمعنى ظهر وبمعنى انفصل معنى آخر فلا ينبغي خلطهما، وقيل المراد القرآن فعطف الوحي عليه من عطف العامّ على الخاص والبينة ما به التبيين أو المبينة، وقوله من معرفته إشارة إلى تقدير مضاف في أحد الوجهين. قوله: (على بينة من ربر) إن قيل معناه على حجة من جهة ربي فعلى هذا من ربي صفة لبينة على معنى كائنة من ربي صادرة عنه، وضمير به للبينة لأنها بمعنى البيان والمثبت كما قاله الزجاج لا لربي إذ الفرق للتفرقة، والتفصيل بينه وبينهم، وذلك إني صدقت بالبينة وأنتم كذبتم بها بخلاف ما إذا قيل وأنتم كذبتم بربي وأمّا على الوجه الآخر فالمعنى من معرفة ربي فيعود الضمير على ربي لأنّ المعنى أني صدقت به وأنتم كذبتم به وعليه فالخبر مقدر يتعلق به على بينة ومن ربي أي على بينة لأجل معرفة ربي، ويجوز أن بكون من ربي صفة بينة أيضاً ومن اتصالية أي بينة متصلة بمعرفة ربي أنا عليها كما في شروح الكشاف فنزل عليه كلام المصنف رحمه الله، وقوله باعتبار المعنى إشارة إلى تأويل البينة بما مرّ. قوله: (في تعجيل العذاب وتأخيره) قيل هو أولى من تخصيص الزمخشريّ بالتأخير ثم إنه قد سلك مسلك المصنف في تفسير يقضي وكأنه لم يقف على مراده من أنّ المقصود من قوله: إن الحكم إلا لقه التأسف على وقوع خلاف مطلوبه كما يشهد به موارد استعماله، وهو على التأخير فقط ثم أردفه بالقضاء بالحق فيهما تكميلا للخاص لإردافه بأمر عام كقوله: {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة الملك، الآية: ا] وهو أولى مما ذكره المصنف فلله درّ العلامة ما أدق نظره. قوله: (أي القضاء الحق الما كان القضاء يتعدّى بالباء لا بنفسه قالوا: إنّ الحق منصوب على المصدرية لأنه صفة صدر مصدر محذوف قامت مقامه أو يقضي ضمن معنى ينفذ أو هو متعدّ من قضى الدرع إذا صنعها كقوله: وعليهمامسرودتان قضاهما داود فهو استعارة وقوله فيما يقضي ظرف ليقضي على المعنيين، وقوله: وأصل الحكم المنع من حكمة لجام الفرس وقوله: من قص الأثر أي بالصاد المهملة المشدّدة قيل وهذه قراءة لا تناسب ما بعده فإنّ قوله خير الفاصلين يقتضي ذكر القضاء قبله والا لقيل خير القاصين وردّ بأنه قرئ بذلك فكأنّ هذه القراءة لم تبلغه وبأنّ القصص بمعنى القول وهو يوصف بالفصل كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [سورة الطارق، الآية: 13] ، وغيره فيناسبه مع أنّ معنى يقصه أنه بينه بياناً شافياً وهو عين القضاء، وقضى الأمر بمعنى قطع، وقطع الأمر بينه وبينهم كناية عن إهلاكهم. وقوله: (يؤخذ الخ) أي يهلك ويؤخر هلاكه وفسر عنده بما هو في قدرته لأنه يشترط فيها الحضور بالفعل ولذا قد يراد بها العلم أيضا وجعله في المعنى استدراكا لأنّ مآله لو قدرت أهلكتكم، ولكن الله أعلم بمن يهلك من غيره وله حكمه في عدم التمكن منه. قوله:) خزائنه جمع مفتح بفتح الميم الخ) هو بالفتح المخزن والخزانة والكنز لأنه مما يفتح فكأنه محل الفتح، والمفتاح والمفتح بكسر ميمي ما آلة الفتح وسمة في العنق والفخذ قيل والأنسب جعله بمعنى الكنز على أنّ مفاتح الغيب من قبيل لجين الماء، وأخر الزمخشري تفسيره بالخزائن لعدم تبادره من لفظ المفاتح، وعليه فهو استعارة مكنية وتخييلية شبه الغيب بأمور تحفظ وتصان، وأثبت لها المخازن تخييلاً، والمقصود أنّ علمها مخصوص به لأنه يلزم من علم المخازن علم ما حفظ فيها، ولذا لم يعطف عليه جملة لا يعلمها إلا هو لاتحادهما معنى فهي مؤكدة، وقال الإمام المراد على هذا التفسير أنه القادر على جميع الممكنات كما في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} [سورة الحجر، الآية: 21] ، والخزائن والمخازن متقاربان بأن معنى لكن الأولى لغة القرآن الفصيحة فلذا فسر النظم بها ثم أشار بعد إلى أنهما بمعنى فلا يقال لو قال مخازنه لكان أنسب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 بما بعده والأمر فيه هين. قوله: (مستعار الخ) يعني أنها مكنية وتخييلية إذ شبه الغيب بالأشياء المستوثق منها بالأقفال وإثبات المفاتيح تخييل كإظفار المنية، وأمّا جعلها تمثيلية فبعيد، وكذا جعل المفاتح بمعنى لعلم وجعله قرينة المكنية بناء على أنه لا يلزم أن يكون حقيقة كما تقرّر في ينقضون عهد الله أو هو استعارة مصرحة والإضافة إلى الغيب قرينتها، وهذا أسلم من التكلف، وجوّز فيه أن يكون مجازاً مرسلا فإنّ كونه مفاتح الغيب مستلزم للتوصل إليه، وتأييد قراءة مفاتيح ظاهر، ولذا قيل إنّ مفاتح جمع مفتاح كما قيل في جمع محراب محارب وجوّز الواحدي في مفتح بفتح الميم أن يكون مصدرا بمعنى الفتح. قوله: (والمعنى أنه المتوصل الخ) الظاهر أنه تفسير للوجه الثاني وينتقل منه إلى معنى الأوّل كما خصه به الزمخشرفي وجعله تفسيراً لهما ينبو عنه اللفظ، وقوله إنه المتوصل الحصر من تقديم الخبر، والمراد بالتوصل إحاطة العلم والإحاطة تؤخذ من لام الاستغراق، ووجه اختصاصها به تعالى أنه لا يعلمها كما هي ابتداء إلا هو، وقيل المراد بالغيب المغيبات الخمس، وفي الانتصاف لا يجوز إطلاق المتوصل على الله إذ لم يرد إذن به مع إيهامه بتجدد الوصول، وما في صيغة التوصل من الإشعار بأنه وصل بعد تباعد عن نيله ولا يدفعه ما قيل إنه يراد به الاستمرار التجددي ولذا أشار النحرير إلى أنه مرتضى عنده وهو غير وارد على المصنف رحمه الله لأنه وصف به العلم ولم يطلقه على الله. قوله: (فيعلم أوقاتها) فيه إشارة إلى ربطها بما قبلها وهو ظاهر وقوله وفيه دليل الخ أورد عليه أنّ علمه تعالى ليس بزمانيّ فلا قبلية ولا بعدية بينه وبين الأشياء الواقعة في الأزمنة وأجيب بأنه عند من جوّز كون علمه زمانيا لا إشكال فيه ومن منعه وهو الصحيح تأوّل القبلية والبعدية بأنها بالنظر إلى وجود المعلوم دون العلم أو بالنظر إلى تعلقه الحادث، وقيل لا شك في تقدم ذاته تعالى وعلمه على المصنوعات غايته أن ذلك التقدم ليس بزمانيّ بل بنوع من التقدم كتقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض كما حقق في محله يعني أنّ قبل هنا مجاز عن مطلق التقدم، وهو وجه حسن. قوله: (عطف للأخبار الخ) أي هو معطوف على قوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} الخ لأنّ قوله لا يعلمها إلا هو كالتأكيد لها فلا يصح عطفه عليه لأنه لا يصلح للتأكيد ولو كان علمه لها على وجه التفصيل والاختصاص لأنّ علم الغيب والشهادة متغايران، فلا يؤكد أحدهما الآخر، نعم من لم يجعلها مؤكدة يجوزه فيكونان مستأنفتين لتفصيل علمه وشموله ولا تعلق له بما قبله، ويصح أنّ المجموع مؤكد لاشتماله على مضمون ما قبله لأنه ليس توكيداً اصطلاحياً، وجعل المعرب الجملة الأولى حالاً فلا مانع من العطف عنده والمصنف رحمه الله لم يتعرّض! لذلك فكلامه يحتملهما. قوله: (ألا يعلمها) حال من ورقة وجاءت الحال من النكرة لاعتمادها على النفي والتقدير ما تسقط من ورقة إلا عالماً بها لصحة التفريغ في الحال أو نعت لها بناء على جوازه فيه كما في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} [سورة الحجر، الآية: 4] ومن في من ورقة زائدة في الفاعل وما بعده معطوف عليه، وقرئ بالرفع عطفاً على المحل وسيأتي وقوله مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات ردّ على الفلاسفة في قولهم إنه لا يعلمها وهو قول باطل، إلا أنّ المحقق الطوسي أنكره وقال إنهم لم يفهموا كلامهم، وله فيه رسالة جليلة. قوله: (بدل من الاستثناء الأوّل بدل الكل الخ) قال أبو البقاء رحمه الله: إلا في كتاب إلا هو في كتاب مبين، ولا يجوز أن يكون استثناء يعمل فيه يعلمها لأنه يصير المعنى وما تسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب فينقلب المعنى من الإثبات إلى النفي فإذا يكون الاستثناء الثاني بدلاً من الأوّل أي ولا تسقط من ورقة ولا حبة ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وما يعلمها إلا هو، وهذا معنى قوله في الكشاف إنه كالتكرير وقيل أي من جهة المعنى على ما بين وأما من جهة اللفظ فهو صفة للمذكورات كما أنه لا يعلمها إلا هو صفة لورقة، وأمّا ما يقال إنه تأكيد للاستثناء الأوّل أو بدل وإنه ليس استثناء من لا يعلمها اللزوم كونه نفياً من الإثبات لكون لا يعلمها إلا هو إثباتاً من المنفي فمما لا ينبغي أن يصفي إليه المحصل، ا! فهو اسنثناء من أعمّ الأوصاف والمعنى ما تسقط من ورقة بوصف إلا بأنه يعلمها وكذا حال إلا في كتاب والحصر إضافيّ بالنسبة إلى غير العلم، والذي جنح إليه إنه إن دخل في حيز العطف لم تصح البدلية والا فلا لتخلل العطف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 وفصله بين البدل والمبدل مع أنه قيل عليه إنّ صفة شيء كيف تكون تكرير الصفة شيء آخر معنى، ووجه كونه بدلاً أنّ قوله ولا رطب ولا يابس معطوفان على ورقة ليشاركاها في صفتها أعني لا يعلمها إلا هو فكأنه قيل ولا رطب ولا يابس إلا يعلمها، ولا يخفى أنه تكلف لا حاجة إليه وأنّ ما أورده غير وارد لأنّ الورقة داخلة في الرطب واليابس فلا تغاير بحسب المعنى فصح ما ذكره وسيأتي له تفصيل في سورة يونس. قوله: (أو بدل الاشتمال) ولا يصح أن يكون بدل كل من كل لعدم اتحادهما وهو ظاهر، وأما ما قيل أنّ اللوح محل معلوماته فيؤول إليه فتكلف لا حاجة إليه مع صحة الاشتمال، وكذا ما قيل إنه حينئذ يصح أن يكون بدل كل من حيث إنّ كونها في اللوج كناية عن كونها معلومة له لأنه خلط بين التفسيرين بجعلهما واحداً والكلام ناطق بخلافه، وقال الزجاج: إنه تعالى أثبت المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال إلا في كتاب من قبل أن نبرأها وفائدة ذلك أمور أحدها اعتبار الملائكة موافقات المحدثات للمعلومات الإلهية، وثانيها تنبيه المكلفين على عدم إهمال أحوالهم المشتملة على الثواب والعقاب حيث ذكر أنّ الورثة والحبة في الكتاب، وثالثها عدم تغيير الموجودات عن الترتيب السابق في الكتاب ولذا قال جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وهذا الكتاب يسمى اللوج المحفوظ. قوله: (استعير التوفي الخ (أشار بذكر المصدر إلى أنّ الاستعارة تبعية وقوله في زوال الإحساس إشارة إلى وجه الشبه بينهما والظاهر أنّ أل فيه للعهد أي إحساس الحواس الظاهرة لأنه ذكر في سورة يوسف أن الحواس الباطنة تدرك في النوم، وقيل إنه بناء على ما اشت! هر من أنّ النوم ضد الإدراك، وجعل صاحب التلخيص وجه الشبه عدم ظهوو الفعل وقوله جرياً على المعتاد أي من الكسب في النهار وعدمه في الليل والا فقد يعكس. قوله: (يوقظكم الخ (يعني أنّ البعث بمعنى الإيقاظ ضمير فيه للنهار على ما ذهب إليه كثير من المفسرين والزمخشري لما رأى قوله: {يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} (دالاً على حال اليقظة وكسبهم فيها وكلمة ثم تقتضي تأخير البعث عنها عدل عنه فقال في تفسيره ثم يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل، وكسب الآثام بالنهار ومن أجله كقولك فيم دعوتني فتقول في أمر كذا فجعل الضمير جارياً مجرى اسم الإشارة عائدا على مضمون كونهم متوفين وكاسبين ومفى في هو حاصل معنى لام العلة والأجل المسمى هو الكون في القبور قال النحرير: ولا يخفى ما فيه من التكلف وأنه لا حاجة إليه لأنّ قوله: {يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} إشارة إلى ما كسب في النهار السابق على ذلك الليل ولا دلالة فيه على الإيقاظ من هذا التوفي وأنّ الإيقاظ متأخر عن التوفي وان قولنا يفعل ذلك التوفي لنقضي مدة الحياة المقدّرة كلام منتظم غاية الانتظام، ولا يخفى أنه تكلف بعيد وما قيل في وجه التراخي أنّ حقيقة الإنامة في الليل تتحقق في أوّله، والإيقاظ متراخ عنه وان لم يتراخ عن جملته ليس بسديد لأنه لا وجه حينئذ لتوسط قوله: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} ومعنى جرحتم كسبتم مأخوذ من جوارج الطير. قوله: (ترشيحا للتوقي) قيل فعلى هذا يكون الترشيح مجازاً، وقد يقال إنه ليس بمجاز، ولا يخفى أنّ الترشيح له نوع خصوص بالمشبه والبعث مما لا خصوص له إذ يقال بعثه من نومه إذا أيقظه كما صرّح به في المطول ولك أن تتكلف بأنه كذلك في اللغة لكنه حقيقة شرعية في إحياء الموتى في الآخرة (قلت) كونه ترث! يحاً باعتبار ما ذكر.، وأنه المتبادر في عرف الشرع وان كان لغة أعنم وإذا أسند إليه تعالى لم بفهم منه إلا هذا أو الإيجاد وبعث هنا ليس مجازاً كما توهم بل حقيقة جعل ترشيحا لما مرّ ولا يشترط في الترشيح اختصاصه بالمشبه به، بل أن يكون أخص به بوجه كما قرّروه في قوله: له لبد أظفاره لم تقلم إذ جعلوا لم تقلم ترشيحا والبعث في الموت أقوى لأنّ عدم الإحساس فيه أقوى فإزالته أشد، وهو ظاهر وإن خالفه ما في المطوّل لأنه غير مسلم حتى جعله بعضهم قرينة في قوله من بعثنا من مرقدنا مع أنّ البعث حقيقة في الإيقاظ لكن المتبادر منه ما ذكروا لا لم يكن ترشيحا بل تجريدا، ولو سلم أنه مجاز فهو لا ينافي الترشيح، قال في الفرائد: الترشيح يجوز أن يكون باقياً على حقيقته تابعا للاستعارة لا يقصد به إلا تقويتها وأن يكون مستعارا من ملائم المستعار لملائم المستعار له، فلا يتجه ما قيل فيه بخث لأنه لما كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 البعث مجازاً عن الإيقاظ لم يكن من الترشيح في شيء، لأنّ الترشيح باق على حقيقته لا يعتبر فيه تشبيه ولا استعارة، والذي غرّه ظاهر كلامهم، وكذا ما قيل البعث الإثارة لا الإيقاظ غايته أنّ بعث النائم يكون! ايقاظه فلا ترشيح فيه ولو قلنا بعث النائم بايقاظه لا يكون ترشيحاً بل تجريداً. قوله: (ليبلغ المتيقظ الخ) الظاهر إنه علة غائية لما تقدم أعني، وهو الذي يتوفاكم الخ أي جعل هذا منتهى أعماركم، وقوله: أخر أجله إما تفسير للمراد من الأجل، أو إشارة إلى أنّ المراد به مجموع العمر لأنه يطلق عليهما كما مرّ. قوله: (ثم إليه مرجعكم) قال الثريف المرتضى: في الدرر والغرر فيما وقع في القرآن من ذكر الرجوع إلى الله نحو إليه ترجع الأمور كيف ترجع إليه وهي لم تخرج عن يده، وأجاب بأنه في دار التكليف قد يغير البعض فيضيف بعض أفعاله تعالى إلى غيره فإذا انكشف الغطاء انقطعت حبال الآمال عن غيره فيرجع إليه، أو أنّ المراد أن الأمور في يده من غير خروج ورجوع حقيقي فرجع بمعنى صار تقول العرب: رجع عليّ من فلان مكروه بمعنى صار، ولم يكن سبق، فهو بمعنى المصير إليه كما تشهد به اللغة أو أنه في دار الدنيا ما يكون للعباد ظاهراً كالعبد لسيده، فإذا أفضى الأمر إلى الآخرة زال ذلك ورجع الأمر كله إلى الله ظاهر أو باطنا، قيل ولو حمله على البعث من القبور لكان أولى لأنّ انقضاء الأجل يتضمن الموت، والظاهر أنه تمثيل مثل قدم على ربه وقوله بالمجازاة هو إمّا مجاز فيها أو كناية ثم إنه يحتمل أن يكون ما في القبر أو ما بعده أو أعثم منهما، ولو فسر بالمحاسبة وعرض الصحف لكان أظهر. قوله: (وقيل الآية خطاب للكفرة الخ) هذا مختار الزمخشرقي لأنها مسوقة للتهديد كما في قوله: {ثُمَّ يُنَبِّئُكُم} الخ ولأنّ حمل البعث على الإيقاظ تكرير مع ذكر كسب النهار ولأنّ ثم تدل على التراخي وهنا ليس كذلك وقد مرّ جوابه، وأما الجواب بأنّ واو ويعلم حالية وما عبارة عما كسب في النهار السابق كما يرشد إليه عدم إيراده بصيغة الاستقبال فلا دلالة فيه على أنّ الإيقاظ عن هذا التوفي وكلمة، ثم إنما تدل على تأخر الإيقاظ عن التوفي دون غيره، ولو سلم فإنما يدل على تأخره عن العلم دون الجرج ولا ضير فيه، ف! نه يعلم في الماضي أنهم يكسبون كما في الآتي، ثم إنّ المتبادر هو البعث عن التوفي المذكور لا عن غير المذكور فحمله عليه غير سديد لأنّ واو الحال لا تدخل على المضارع إلا شذوذاً أو ضرورة في المشهور، وقوله: في شأن الخ يشير إلى أنّ الضمير واقع اسم الإشارة، كما مرّ ومعنى في شأنه لأجل جزائه وحسابه وتشبيه نوم الليل بالموت لما فيه من ترك العبادة فتكون بيوتهم مقابرهم كما قيل: أيا نائم الليل هنئته فقبل الممات سكنت القبورا وقوله ليقضي الأجل الخ فالمراد بالأجل مدة موتهم أو غايتها، وقوله: سماه وضربه أي عينه والبعث علة لانقضاء تلك المدة، فإن قلت قد علل البعث بقوله فيه على هذا التوجيه فما وجه قوله ليقضي، قلت هو تعليل لتأخير البعث المستفاد من ثم، وفي الكشف وأما إن قضاء الأجل المسمى لا يصلح علة للبعث فليس بشيء بعدما فسره المصنف بقوله الأجل المضروب لبعثهم وجزائهم أي يبعثكم من القبور ليقضي أجل البعث والجزاء فيه، وهو متأخر عن البعث لا محالة ألا ترى إلى قوله: {ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [سورة يونس، الآية: 4] وقال العلامة في شرح الكشاف لا شك أنّ ظاهر الآية على العموم لكن قوله: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} يدل على تهديد شديد لا يليق إلا بالمعاندين الجاحدين، ولهذا فسر التوفي وان كان مسندا إلى الله بانسداحهم كالجيف لأن المقصود بيان حالهم المذمومة في الليل كما أنّ قوله ما جرحتم الخ بيان حالهم المذمومة في النهار، ويتوفاكم أي يقبض أرواحكم عن التصرف بالنوم كما يقبضها بالموت كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [سررة الزمر، الآية: 42] الآية، وفي أكثر التفاسير يبعثكم يوقظكم في النهار ليقضي أجل مسمى أي مدة الحياة ثم إليه مرجعكم بعد الممات، ثم ينبئكم بالمجازاة وإنما عدل عنه لأنّ قوله ويعلم ما جرحتم بالنهار دال على حال اليقظة وكسبهم فيها وكلمة، ثم تقتضي تأخر البعث عنها، فإن قلت البعث من القبور ليس علة لقضاء الأجل المسمى فنقول المراد بالأجل المسمى مدّة الكون في القبور لا مذة الحياة كما قالوا والبعث علة لانقضاء تلك المدّة. قوله: (من النوم الخ) فان قلت النوم ضروري فالنائم غير مكلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 فكيف يحاسب عليه، قلت المراد أنه يحاسب على أسبابه ومقدماته فإنها اختيارية ألا ترى أنّ من نام في آخر الوقت حتى فاتته الصلاة يكون عاصيا بنومه. قوله: (وهو القاهر) قد مرّ تفسيره وفوق منصوب على الظرفية حال أو خبر بعد خبر، وذكر الإرسال بعده ليفيد أنّ إرساله ليس لاحتياجه بل لما ذكر من الحكم، وقوله: (تحفظ أعمالكم) تفسير للحفظة جمع حافظ ككتبة وكاتب، ويحتمل أنّ المراد بهم المعقبات التي تحفظه من بين يديه ومن خلفه، ويرسل مستأنف أو عطف على القاهر لأنه بمعنى الذي يقهر ولا يصح جعله حالاً لأن الواو الحالية لا تدخل على المضارع، وتقدير المبتدأ لا يخرجه عن الشذوذ على الصحيح وعليكم متعلق بيرسل أو بحفظة، والإشهاد جمع شهد كصحب وهو جمع شاهد، أو اسم جمع له لأن فاعلا لا يجمع على أفعال إلا نادراً، وقوله: يحتشم بمعنى يستحي، وضمير من خدمه إمّا إلى السيد أو إلى العبد، قيل والمبالغة في الثاني أكثر وخدم بفتحتين جمع خادم، وهو من نوادر الجموع، وقوله ملك الموت وأعوانه جمع عون وهو المعين والظهير، والظاهر منه أن قبض الأرواح بجملتها ليس موكولاً إلى ملك الموت بل له أعوان يقبضونها معه، وقيل إنّ المباشر ملك الموت عليه الصلاة والسلام واسناد الفعل إلى المباشر والمعاون معاً مجاز كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا، والقاتل واحد منهم وقد يسند إليه فقط، والى الله تعالى وتوله حتى أي بلغت غلبته إلى أنهم لا يتأتى لهم مخالفة رسله في قبض الأرواح، وليس متعلقا لإرسال الحفظة حتى يقال ليس غاية إرسال الحفظة وقت مجيء الموت إلى أحدهم. قوله: (والمعنى الخ) يعني معنى قراءة التخفيف والضمائر كلها للرسل، والإفراط مجاوزة الحد وهو يكون بالزيادة والنقصان والتفريط التقصير، ولذا فسره بالتواني والتأخير، وقيل إنه على القراءتين، وفيه لف ونشر مرتب إن كان ضمير لهم للناس وما عبارة عن آجالهم وغير مرتب إن كان الضمير للرسل وما عبارة عن الإكرام والإهانة، وفيه نظر. قوله:) ثم رذوا إلى الله الخ) قيل الضمير للكل المدلول عليه بأحد وهو السرّ في مجيئه بطريق الالتفات والإفراد أوّلاً والجمع آخرا الوقوع التوفي على الانفراد، والرذ على الاجتماع أي ردّوا بعد البعث، وقيل أيضا فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ومن التكلم إليها لأنّ الرذ يناسبه اعتبار الغيبة، وان لم يكن حقيقة لأنهم ما خرجوا من قبضة حكمه طرفة عين، وقيل عليه ضمير ردّوا عبارة عن الأحد العامّ إذ المراد ليس فرداً واحداً إلا عن المخاطبين فالالتفات واحد، ثم إنّ الردّ إنما يقتضي غيبتهم وقت الردّ لا وقت الخطاب بأنكم تردّون فكأنه لم يسمع قوله: {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ} [سورة التوبة، الآية: 94] ولا يخفى أن الأحد وان كان يعمّ كما مرّ في سورة البقرة، لكنه لما أضيف إلى المخاطبين اقتضى ذلك التغاير بينهما والردّ لا يختص بل يعمّ الجميع فرجع إلى العباد فيكون فيه التفاتان بلا تكلف، وكون الرذ يقتضي الغيبة مما لا شبهة فيه لأنه لا يردّ إلا من ذهب وغاب فالمردود في أوّل تعلق الرذ به غائب، وبعده يصير حاضرا، فيجوز اعتبار كل من حاليه، واعتبار حالة البعد أنسب بالمقام فلا يرد ما ذكره وهو لا ينافي الخطاب في تردّون ولكل وجهة. وللناس فيما يعشقون مذاهب وقوله: (إلى حكمه وجزائه) وقيل إنه الرذ من البرزخ إلى موضع العرض والسؤال، وليس ببعيد من هذا. قوله: (العدل) الحق يطلق على الله إمّا مجازا وهو بمعنى العدل، أو مظهر الحق أو واجب الوجود، أو الصادق الوعد، ونصبه على المدج، أو على أنه صفة للمفعول المطلق أي الردّ الحق، فلا يكون حينئذ المراد به الله. قوله: (لا يشنله حساب عن حساب) هذا بناء على أنه يحاسبهم، وقيل إنه يأمر الملائكة بذلك فيحاسب كل إنسان ملك وإذا حاسبهم بنفسه في زمان قليل لزم أن لا يشغله حساب عن حساب فلا يرد ما قيل إن هذا المعنى لا يدل عليه قوله اسرع الحاسبين، وقوله مقدار حلب شاة عبارة عن تقليل زمانه وهو أنه عنده. قوله: (فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب) أي إنه يوم اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته، وقوله ذو كواكب كقوله: إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا بناء على أنّ الليل إذا لم يستتر بنور القمر ظهرت الكواكب صغارها وكبارها، وكلما اشتدت ظلمته اشتد ظهور الكواكب فيه، ومن الأمثال القديمة رأى الكواكب مظهراً أي أظلم يومه لاشتداد الأمر فيه كما قال الهذلي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 إني أرى وأظن أنّ ستري وضح النهاروعالي النجم وقد تلطف بعض المتأخرين فيه إذ قال: قد أعرت الشباب غيري وما زال شباب الإنسان ثوبا معارا أطلع الشيب في عذارى نجوما فرأيت النجوم منه نهارا قوله: (أو من الخسف) معطوف على قوله من شداندهما قيل فهو على الأوّل استعارة للهول، وعلى هذا المراد حقيقة الظلمات يعني ليس المراد شذة الخسف والغرق حتى يدخل هذا الوجه في الأوّل فيكون أعئم منه بل المراد ظلمة البرّ بالخسف في الأرض، وظلمة البحر بالغرق فيه فتغايرا، ومنهم من جعله كناية عن الخسف والغرق فهو حقيقة أيضا. قوله: (معلنين ومسرين (يعني نصبها على الحال أو المصدرية، وقيل بنزع الخافض، والإعلان والإسرار ي! ضمل أن يراد بهما ما باللسان والقلب، وقراءة خفية بالكسر لأنها لغة فيه كالأسوة والأسوة. قوله: (على إرادة القول) أي تقديره والقول المقدر حال أو على إرادة معناه من تدعون بناء على مذهب الكوفيين في الحكاية بما يدلّ على معنى القول من غير تقدير، والصحيح الأوّل فيكون محل الجملة النصب، وقيل إنّ الجملة القسمية تفسير للذعاء فلا محل لها، وقرأ الكوفيون أنجانا بلفظ الغيبة مراعاة لقوله تدعونه والباقون أنجيتنا بالخطاب حكاية لخطابهم في حالة الدعاء. قوله: (غتم سواها (أمره بالجواب تنبيها على ظهوره كما مرّ أو إهانة لهم إذ لا يلتفتون لخطابه، والمصنف رحمه الله نظر إلى الظاهر فخصه بقوله سواها لتقدم قوله منها فكل للتكثير حينئذ، ولا حاجة إليه بل يجوز أن تبقى على أصلها من التعميم والإحاطة وذكر التعميم بعد التحصيص كثير، ولا يعدّ تكرأراً، ثم إنّ المراد بالكرب ما يعم ما تقدم ولا محذور في التعميم بعد التخصيص أو أهوال القيامة، أو ما يعتري المرء من العوارض النفسية التي لا تتناهى كالأمراض والأسقام، فما قيل إن هذا يدلّ على أنّ المراد بما تقدم كرب مخصوص كالخسف والغرق والا فشدائد البر والبحر تتناول جميع الشدائد والكرب فلا فائدة في التعميم، أو الأولى نعمة رفع وهذه نعمة دفع هانه من قبيل متقلداً سيفاً ورمحاً تكلف لا داعي له. قوله: (تعودون إلى الشرك الخ (لأنّ الخطاب للمشركين وشركهم مقدّم على ذلك، فالشرك المذكور بالمضارع، وثم شرك آخر عادوا إليه بعد النجاة كما يقتضيه السياق، وهذا يؤيد ما سلكه الزمخشرقي سابقا من تخصيص الخطاب بالكفرة ووضع تشركون موضع لا تشكرون ا) أي هو مقتضى الظاهر المناسب لقوله: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لأنّ إشراكهم تضمن عدم صحة عبادتهم وشكرهم، لأنه عبادة بل نفيها لعدم الاعتداد بها معه إذ التوحيد ملاك الأمر، وأساس العبادة فوضعه موضعه توبيخا لهم لعدم الوفاء بالعهد، ولم يذكر متعلقه لتنزيله منزلة اللازم تنبيهاً على استبعاد الشرك في نفسه. قوله: (قل هو القادر) في الكشاف هو الذي عرفتموه قادرا أو هو الكامل القدرة، ولشراحة فيه كلام فقيل مراده أنها للعهد أو للجنس، وأنّ الحصر فيه باعتبار الكمال أو لخصوص هذه الأشياء المذكورة في النظم، وإنما أوّله بذلك لأنّ في هذه الأمور شروراً وقبائح لا تسند إليه عند المعتزلة، وفيه تفصيل كفانا المصنف رحمه الله مؤنته بتركه وقوله: {مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} المراد به جهة العلو وجهة السفل، فلا يتوهم أنّ الماء ليس تحت أرجلهم، والذي من فوقهم كأمطار حجارة من سجيل في قصة الفيل، وأرسال السماء في قصة نوح وإمطار الحجارة على قوم لوط عليه الصلاة والسلام. قوله: (أو يلبسكم) معنى يلبسكم يخلطكم فقيل: المراد اختلاط الناس في القتال بعضهم ببعض، وهو مراد المصنف رحمه الله، وقيل: المراد يخلط أمركم عليكم ففي الكلام مقدر وخلط أمرهم عليهم بجعلهم مختلفي الأهواء وشيعا جمع شيعة، وهم كل قوم اجتمعوا على أمر، وهو حال وقيل إنه مصدر منصوب بيلبسكم من غير لفظه. قوله: (فينشب القتال بينكم الخ) أصل معنى النشوب التعلق وفي الحديث قد نشبوا في قتل عثمان رضي الله عنه) 1 (، أي وقعوا فيه ويكون نشب بمعنى لبث نحو لم ينشب أن مات أي لم يلبث وليس مراداً هناه قوله: (وكتيبة الخ (هو شعر للفرار السليّ وهو: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 وكتيبة لبستهابكتيبة حتى إذا التبست نفضت لهايدي فتركتهم نفض الرماح ظهورهم من بين منعقروآخرمسندي ما كان ينفعني مقال نسائهم وقتلت دون رجالها لاتبعدي فلبستها بمعنى خلطتها فالتب! ست أي اختلطت، والمراد بقوله نفضت لها يدي أنه فرّ يقال نفضت يدي من فلان إذا وكلته لنفسه، ويقال في ضده قبضت كفي وجمعت عليه يدي، والمراد تبريه منهم وتركهم وشأنهم كقوله: {فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} [سورة الحشر، الآية: 6 ا] يريد أنه مهياج للشر خبير بمداخله ومخارجه وفيه طرف من اللؤم والجبن، ولذا عيب عليه هذا المقال، والكتيبة بالتاء المثناة الجيش. قوله: (يقاتل بعضكم بعضاً) هذا التفسير مأثور، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ة سألت الله أن لا يبعث على أمّتي عذاباً من فوقها أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك وسألتة أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني وأخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أن فناء أمتي بالسيف " (1 (. فإن قلت كيف أجيبت الدعوتان وقد وقع الخسف وسيكون خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بالجزيرة. قلت الممنوع خسف مستأصل لهم، وأمّا عدم إجابته في بأسهم، فبذنوب منهم، ولأنهم بعد تبليغه صلى الله عليه وسلم، ونصيحته لهم لم يعملوا بقوله. قوله: (بالوعد والوعيد) فسره بعضهم بقوله يحوّلها من نوع إلى آخر من اً نواع الكلام تقريراً للمعنى وتقريبا إلى الفهم، والوعد والوعيد لا يناسب قوله: {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} وقيل الترغيب والترهيب ربما يحمل الإنسان على تأمّل يقوده إلى برهان، وهذا مصحح لا مرجح وقوله الواقع لا محالة الخ لف ونشر مرتب والصدق صدق إخباره وأحكامه. قوله: (بحفيظ وكل إلئ أمركم) أصل معنى التوكيل أن تعتمد على غيرك قال تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} والموكل على القوم هو الذي فوّض! أمرهم إليه فهم يعتمدون عليه، ويلزمه حفظهم فكونه بمعنى حفيظ ايشعمال له في لازم معناه قال الراغب ما أنت عليهم بوكيل أي بموكل عليهم وحافظ، ووكيل فعيل بمعنى مفعول في قوله: {وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} ، أي اكتف به أن يتولى أمرك ويتوكل لك. قوله: (أما العذاب) فالنبا بمعنى المنبأ به أو بمعنى المصدر أي الأنباء، وقوله: وقت استقرار وفسره لأنه المناسب لما بعده وأمّا جعله مصدراً ميميا بمعنى الاستقرار فغير مناسب لكن قول المصنف رحمه الله ووقوع إن عطف على استقرار على أنه بيان للاستقرار فظاهر، ويصح عطفه على وقت فيكون تجويزاً للمصدرية فيه لكنه خلاف الظاهر. قوله: (بالتكذيب الخ الما كانت قريش تفعل ذلك في أنديتها، ولذا أتى بإذا الدالة على التحقيق بخلاف النسيان وفسر الإعراض بعدم المجالسة، وإن احتمل غير ذلك لدلالة قوله: ولا تقعد عليه ثم إنه قد استدلّ بهذه الآية على أن إذا تفيد التكرار حيث حرم القعود مع الخائض كلما خاض وفيه نظر لأنّ العموم ليس من إذا بل من الصيغة لترتب حكم المشتق على مأخذ اشتقاقه وهو الخوض. قوله: (اعاد الضمير الخ) يعني إلى الآيات، والظاهر عوده إلى الخوض أو الطعن أو مجموع ما مضى، وأصل معنى الخوض عبور الماء استعير للتفاوض في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن للذمّ وتخاوضوا في الحديث وتفاوضوا بمعنى، وقوله بأن يشغلك بوسوسته هذا على سبيل الفرض إذ لم يقع، ولذا عبر باًن، وإمّا أن الشرطية زيدت بعدها ما واختلف في لزوم توكيد الفعل الواقع ما بعدها فالمشهور لزومه وقيل لا يلزم وعليه قوله في المقصورة: أما ترى رأسي حاكى لونه طرّة صبح تحت أذيال الدجا وقوله: بالتشديد يعني تشديد السين ونسي بمعنى أنسى، وقال ابن عطية رحمه الله: نسي أبلغ من أنسى. تنبيه: قال في كتاب الأحكام اختار الرافضة أنّ النبيئ غت! هـ منزه عن النسيان لقوله تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} [سورة الأعلى، الآية: 6] وذهب غيرهم إلى جوازه انتهى (وعندي (أن يجمع بين القولين بأنه لا ينسى شيئاً من القرآن والوحي ويجوز في غير ذلك. قوله: (بعد أن تذكره) الذكرى مصدر، والمصدر يؤنث بالتاء كضربة وبالألف كبشرى والضمير راجع إلى النهي، وفي الكشاف وإن كان الشيطان ينسينك قبل النهي قبح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 مجالسة المستهزئين لأنها مما تنكره العقول وهو مبنيّ على الاعتزال مع تكلفه ولذا تركه المصنف رحمه الله، وقوله: (ظلموا الخ) المراد ظلم خاص والظلم وضع الشيء في غير موضعه. قوله:) مما يحاسبون عليه) الظاهر أنه تفسير لقوله: {مِنْ حِسَابِهِم} فيكون مصدراً بمعنى المفعول، ولا يصح أن يكون تفسير الشيء وأمّا جعل من ابتدائية بمعنى الأجل فمع كونه تكلفا الظاهر أن يقول إنها تعليلية لأنها ترد لذلك، كما ذكره النحاة وفسر على في على الذي يتقون باللزوم كما في قولهم عليّ ألف درهم، ولم يفسره بالمؤاخذة، كما في قوله: {عَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سورة البقرة، الآية: 286] قيل لأنه لا يناسب سبب النزول ولا وجه له لأنه لا يؤاخذ إلا بما يلزمه، ومآلهما بحسب المعنى واحد وقوله وغيره من القبائح عممه والزمخشري خصه بالخوض! لمناسبة المقام. قوله: (لأنّ من حسابهم يأباه الأنه يصير المعنى، ولكن ذكرى من حسابهم وليس بسديد، وقد تبع فيه الزمخشريّ واعترض عليه كثير من الشراح وغيرهم بأنه لا يلزم من العطف على مقيد بقيد اعتبار ذلك القيد في المعطوف، وظاهر كلام بعضهم هنا أنه مخصوص بالحالط والجار والمجرور هنا حال لأنه صفة للنكرة قدمت عليها، والحال قيد في عاملها فإذا كان من عطف المفردات، وعمل فيها العامل لزم تقيدها فإن قدر عامل آخر لم يكن من عطف المفردات وقيل نحن لا ندعي هذا بل نقول إنه إذا عطف مفرد على مفرد لا سيما بحرف الاستدراك فالقيود المعتبرة في المعطوف عليه السابقة في الذكر عليه معتبرة في المعطوف البتة بحكم الاستعمال تقول ما جاءني يوم الجمعة، أو في الدار أو راكبا أو من هؤلاء القوم رجل ولكن امرأة فيلزم مجيء المرأة في يوم الجمعة، أو في الدار أو بصفة الركوب، أو تكون من القوم البتة، ولم يجىء الاستعمال بخلافه ولا يفهم من الكلام سواه بخلاف ما جاءني رجل من العرب ولكن امرأة فإنه لا يبعد كون المرأة من غير العرب، قالوا والسرّ فيه أن تقدم القيود يدلّ على أنها أمر مسلم مفروغ منه وانها قيد للعامل منسحب على جميع معمولاته وأنّ هذه القاعدة مخصوصة بالمفرد لذلك وأمّا في الجمل فالقيد إذا جعل جزءا من المعطوف عليه وان سبق لم يشاركه فيه المعطوف، كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أسورة يونس، الآية: 49] كما في شرح المفتاح وهذا إذا لم تفهم القرينة خلافه كما في قولك جاءني من تميم رجل وامرأة من قريش، وتخصيص هذه القاعدة بتقدم القيد وادعاء اطرادها كما ذكره النحرير مما يقتضيه الذوق لكنا لم نر من التزمه غيره ومنهم من عممها كما قيل إنّ أهل اللسان والأصوليين يقولون إنّ العطف للتشريك في الظاهر فإذا كان في المعطوف عليه قيد فالظاهر تقييد المعطوف بذلك القيد إلا أن تجيء قرينة صارفة فيحال الأمر عليها فإذا قلت ضربت زيداً يوم الجمعة، وعمرأ فالظاهر اشتراك عمر ومع زيد في الضرب مقيداً بيوم الجمعة، فإن قلت وعمرأ يوم السبت لم يشاركه في قيده، والآية من القبيل الأوّل فالظاهر مشاركته في قيده ويكفي مثله للمنع وفيه بحث. قوله: (ولا على شيء لذلك الخ) مراده بقوله لا تزاد بعد الإثبات لا تقدر عاملة بعد الإثبات لأنها إذا عملت كانت في قوة المذكورة المزيدة، ولذا قيل الظاهر أن يقول لا تقدر عاملة بعد الإثبات ولا ينافيه ما مر من تجويز زيادتها في الإثبات في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} [سورة الأن! ام، الآية: 42] كما أورده عليه بعضهم لا لأنه مشى على قول هنا وعلى آخر ثمة لأنها عكازة أعمى بل لأنّ خلاف الأخفش وغيره في غير الظروف، كقبل وبعد وأمّا دخول من زائدة على الظروف في الإثبات فذهب إلى جوازه كثير من النحاة وارتضوه كما في شرح التسهيل وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس وقوله لمساءتهم مصدو إمّا مضاف للفاعل، والمفعول مقدّر أو مضاف للمفعول. قوله: (ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى الخ) أي ضمير لعلهم للمتفين أي يذكر المتقون المستهزئين ليثبت المتقون على تقواهم ولا يأثموا بترك ما وجب عليهم من النهي عن المنكر، وذكروا الثياب لأنّ أصل التقوى كان لهم قبله وقوله تنثلم أي تنقص، وأصل معناه الكسر وثقب الحائط، وقد ذكر العلماء أنه لا يترك ما يطلب لمقارنة بدعة كترك إجابة دعوة لما فيها من الملاهي، وصلاة جنازة لنائحة فإن قدر على المنع منع وإلا صبر هذا إذا لم يكن مقتدى به وإلا فلا يفعل لأنّ فيه شين الدين، وما روي عن أبي حنيفة من أنه ابتلى به كان قبل صيرورته إما ما مقتدى به لقوله: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 68] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 قوله: (لعباً ولهوا) قال السفاقسي هو مفعول ثان لاتخذوا وظاهر كلام ابن عطية والزمخشرفي أنه مفعول أوّل ودينهم ثان وفيه إخبار عن النكرة بالمعرفة وقال الرازي إنه مفعول لأجله أي اكتسبوا دينهم للهو واللعب فهو متعد لواحد. قوله: (أي بنوا أمر دينهم الخ الما أضاف الدين إليهم وليس لهم دين في الواقع أوّله في الكشاف بأوجه الأوّل أنهم اتخذوا الدين المفترض عليهم شيئا من جنس اللعب واللهو كعبادة الأصنام ونحوها، والدين المفترض الواجب عليهم وان كان في الواقع دين الإسلام لكن على هذا الوجه ليس المراد به هذا المفهوم بل مجرّد ما يصدق عليه مفهوم الدين الواجب الثاني أنهم اتخذوا ما يتبينون به، وينتحلونه بمنزله الدين لأهل الأديان شيئاً من اللعب واللهو، وحاصله أنهم اتخذوا اللعب واللهو دينا لهم كما صرح به الزمخشرفي، وليس من القلب في شيء ولا من جعل المبتدأ نكرة والخبر معرفة كما توهم، وفيه بحث الثالث أنهم اتخذوا دينهم الذي فرض عليهم وكلفوه أعني الإسلام لعبا ولهواً حيث سخروا به واستهزؤوا، فحاصل الأوّل اتخذوا الدين الواجب لعبا، والثاني جعلوا اللعب دينا واجبا، والثالث استهزؤو! بالدين الحق الذي يجب أن يعظم غاية التعظيم، ومعنى الإضافة في الأول والثالث ظاهر، وفي الثاني أنه عادة لهم، والوجه الرابع أنّ المراد بالدين العبد الذي يعاد إليه كل حين معهود بالوجه الذي شرعه الله كعيد المسلمين، أو بالوجه الذي اعتادوه من اللعب واللهو كأعياد الكفرة لأنّ أصل معنى الدين العادة والعيد معتاد في كل عام، ولبعده عن الظاهر أخر وترك المصنف ر-حه الله الثاني منها لما فيه من الخفاء ولأنه إن حمل على ظاهره من القلب فهو ضعيف والا فهو راجع إلى الوجه الآخر، والفرق بينهما سهل، وقوله زمان لهو الخ إشارة إلى أنه إذا كان بمعنى العيد وهو اسم زمان لأنه يوم مخصوص يقدر مضاف ليصح الحمل. قوله: (والمعنى أعرضر عنهم ولا تبال الخ (إشارة إلى أنّ الظاهر يقتضي الكف عنهم مع أنه مأمور بالتبليغ والقتال فأوّله بأنّ المراد لا تبال بهم وامض لما أمرت أو هو للتهديد، أو أن الآية نزلت قبل آية السيف التي في سورة براءة والأمر بالقتال فتكون منسوخة وعلى ما قبله فهي محكمة فذر بمعنى اترك فيه ثلاثة وجوه، واعلم أنهم اختلفوا في الوجوه المذكورة في الكشاف فقيل إنها أربعة وقيل ثلاثة، وقوله: اتخذوا ما هو لعب ولهو دينا لهم ليس من توجيه معنى الدين في شيء وهو الأوّل بعينه وإنما ذكره الزمخشري لبيان الوجهين من كونه مفعولأ أوّل أو ثانياً، والقلب الداعي له أن لا يثبت لهم دين فقول النحرير: إنه ليس من القلب إذ لا داعي له لا وجه له وفسره العلامة بقوله: ما هو لعب إشارة إلى تأويله بمعرفة المفهومة من ما الموصولة كما قيل، وفيه تأمّل. قوله:) وغرتهم الحياة الدنيا حتى أنكروا البعث) ففرّ من الغرور وهو معروف، وقيل: إنه من الغرّ وهو ملء الفم أي أشبعتهم لذاتها حتى نسوا الآخرة وعليه قوله: ولما التقينا بالعشية غرّني بمعروفه حتى خرجت أفوّق قوله: (وذكر به أي بالقرآن) جعل الضمير للقرآن كما في قوله فذكر بالقرآن من يخاف وعيد، والقرآن يفسر بعضه بعضا فلهذا اقتصر عليه، وقيل: إنه يعود على حسابهم، وقيل على الدين وقيل إنه ضمير يفسره ما بعده فيكون أن تبسل بدلاً منه واختاره أبو حيان. قوله: (مخاقة أن تسلم الخ) إشارة إلى أنه مفعول لأجله بتقدير مضاف أو أصله أن لا تبسل ومنهم من جعله مفعولاً به لذكر وتسلم من الأفعال ويجوز أن يكون من التفعيل وهما متقاربان وفسر تبسل بالإسلام إلى الهلاك أي وقوعه فيه وجعله كأنه رهن بيده، قال الراغب: تبسل هنا بمعنى تحرم الثواب والفرق بين الحرام والبسل أنّ الحرام عاتم لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع بالقهر، وقوله تعالى: {أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 70] أي حرموا الثواب، وفسر بالارتهان لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [سورة المدثر، الآية: 38] ورهينة فعيلة بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة، وقيل بمعنى مفعول أي كل نفس مقامة في جزاء ما قدمت من عملها، ولما كان الرهن يتصوّر منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أي شيء كان انتهى، فمعنى قوله ثرهن أي تحيس في الهلاك بسبب سوء عملها وهو معنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 إسلامه إليه، ولهذا جمع بينهما لأنه روي كل منهما عن السلف، وقال الزجاح: إنهما بمعنى واحد واليه أشار المصنف رحمه الله، فما قيل إنه من راهنه على كذا إذا خاطره فكان الهلاك يقول إن حصل منك سوء العمل، فالنفس لي تكلف نشا من قلة التدبر، وفريسة الأسد ما يفترسه ويصطاده، ولا تفلت أي تتخلص منه، والقرن بالكسر الكفوفي الشجاعة، والبسل بالسكون الحرام والإبسال التحريم قال: أجارتكم بسل علينا محرّم وجارتنا حل لكم وحليلها ويكون بسل جوابا بمعنى نعم وأجل واسم فعل بمعنى اكفف، وقوله عز وجل أن تبسل نفس فسر هنا بالعموم أي كل نفس وهو نكرة في الإثبات كقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [مورة التكوير، الآية: 4 ا] إما لأنه قد يؤخذ عمومه من السياق واقا لأنه نفي معنى كما يفهم من كلام المصنف، فتأمّل. قوله: (ليس لها الخ) في هذه الجملة ثلاثة وجوه فقيل إنها مستأنفة للإخبار بذلك أو في محل رفع صفة نفس، أو في محل نصب على أنها حال من ضمير كسبت وضمير يدفع للوليّ والشفيع باعتبار أنه مذكور أو تأويله بذلك أو بكل واحد على البدل، ومعنى كونهما من دون الله سواء كانت من زائدة أو ابتدائية إنهما يحولان بينها وبينه بدفع عقابه، ولذا قيل إنّ فيه مضافاً مقدراً أي دون عذابه، واليه يشير كلام المصنف، فلا يرد أنه من أين يؤخذ العذاب من النظم. قوله:) وإن تفد كل فداء) الفداء بالكسر والمدّ، وإذا فتح قصر وكل منصوب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف إليه لا مفعول به، وقيل: هو بمعنى الكامل، كقولك هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية وتقديره عدلاً كل عدل وفيه أنّ كل بهذا المعنى تلزم التبعية، والإضافة إلى مثل المتبوع نعتا لا توكيداً، كما في التسهيل ولا يجوز حذف موصوفها، وقوله: (لا إلى ضميره) لأنّ العدل هنا مصدر لوقوعه مفعولاً مطلقا وليس هو بمأخوذ نعم يجوز أن يراد بضميره العدل بمعنى الفدية على الاستخدام فيصح الإسناد إليه كما في قوله تعالى: {لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} لكن لا حاجة إليه مع صحة الإسناد إلى الجار والمجرور كسير من البلد وأخذ من المال وكذا كونه راجعاً إلى المعدول به المأخوذ من السياق، وكون يؤخذ بمعنى يقبل ونحوه. قوله: (أسلموا إلى العذاب الخ) فالمشار إليه بأولئك هم الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهواً لا الجنس المفهوم من قوله أن تبسل نفس مع قوله بما كانوا يكفرون لاحتياجه إلى تكلف وكون هذا مشروطا بعدم رجوعهم عما هم عليه معلوم بالأمخرورة ولا ينافيه مخافة أن تبسل الخ لأنه يخاف على كل أحد ويحرص على إنقاذه من كفره شفقة منه. قوله: (تثيد وتفصيل لذلك الخ) لأنّ المسلم إليه مجمل مفصل بهذا فيؤكده، وماء مغلي بصيغة المفعول تفسير للحميم ويتجرجر من الجرجرة بجيمين وراءين مهملتين بمعنى يتردّد ويضطرب فيها وأصل الجرجرة صوت يردّه البعير في حنجرته، وخص العذاب بالنار لأنه المتبادر منه فلا يرد أنه لا وجه له وفسر ندعو بنعبد، والنفع والضرّ بالقدرة عليهما لأنه الواقع ولأنّ نفيهما أبلغ. قوله: (ونردّ على أعقابنا) جمع عقب وهو مؤخر الرجل يقال رجع على عقبه إذا انثنى راجعاً كرجع على حافرته وانقلب على عقبيه قال تعالى: {فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 66] ومعناه القهقرى وقيل إنه كناية عن الذهاب من غير رؤية موضع القدم وهو ذهاب بلا علم بخلاف الذهاب مع الإقبال، وخطاب قل وان كان للنبيّ! يلى لكن فاعل تدعو ونردّ عامّ له ولغيره، والمعنى أيليق بنا معاشر المسلمين ذلك فلا يرد أن ذلك لم يكن من النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يتصوّر ردّه إليه لأنه لتغليب من أسلم من المؤمنين وليس مخصوصاً بالصدّيق أيضاً بسبب النزول، وقيل الردّ على الإعقاب بمعنى الرجوع إلى الضلال والجهل شركاً أو غيره. قوله: (من هوى يهوي هوياً إذا ذهب (هذا هو المعروف في اللغة وأمّا كونه من هوى بمعنى سقط يقال هوى يهوي هويا بفتح الهاء من أعلى إلى أسفل وبضمها لعكسه أو هما بمعنى، وأنه على تشبيه حال الضال كما في قوله تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء} [سورة الحج، الآية: 31] لأنه في غاية الاضطراب فلا يناسب قوله: {فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} [سورة الأنعام، الآية: 71] مع أنه يتوقف على ورود الاستفعال منه ومردة جمع ما ردوا لمهامه جمع مهمه وهو الفلاة وترك قول الزمخشري كما تزعمه العرب لأنه مبنيّ على إنكار الجن، وهو مذصب باطل والتشبيه تمثيلي وقد رذا بعد الكاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 ليكون تشبيه ردّ برذ وقوله متحيراً بيان لأنه حال وكذا في الأرض ويصح تعلقه باستهوته والمستهوي بصيغة المفعول. قوله: (ومحل الكاف النصب على الحال) قال في الفرائد حاصله حينئذ نرذ حال مشابهتنا كقولك جاء زيد راكباً أي في حال ركوبه، وليس الردّ في حال الشبه، وردّ بأنّ الحال مؤكدة كقوله: {وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} فلا يلزم ذلك وفيه نظر، والتشبيه على الحالية تمثيليّ شبه حال من خلص من الشرك ثم عادله بحال من ذهبت به الغيلان في مهمه بعدما كان على الجادة، وعلى أن يكون مصدراً مركب عقلي. قوله: (أي يهدونه الخ) هو وما بعده وجه واحد وأوّل كلامه بيان لحاصل المعنى وقيل هما وجهان الأوّل بقاؤه على المصدرية، والثاني تأويل المصدر باسم المفعول وسوق الكلام يأباه. قوله: (يقولون له ائتنا) مرّ أنّ أمثاله يقدر فيه قول هو حال أو يحكي بالدعاء لأنه بمعنى القول على الخلاف بين البصريين والكوفيين فيه ولا ينافيه تعدية يدعون لإلى كما توهم، وقوله في محل آخر لا حاجة لتقدير القول بناء على أحد القولين فلا تناقض فيه كما قيل، وقوله هو الهدي وحده الحصر من تعريف الطرفين أو ضمير الفصل. قوله: (واللام لتعليل الخ) بذلك إشارة إلى قول أنّ الهدى الخ أي أمرنا أن نقول ذلك عن خلوص طوية لننقاد لأمره فاللام لام تعليل، وهذا معنى قول أبي حيان مفعول أمرنا الثاني محذوف تقديره أمرنا بالإخلاص لكي ننقاد ونستسلم لرب العالمين، وليس هذا ما وقع في الكشاف حتى يقال إنه مبني على الاعتزال من تساوي الأمر، والإرادة وأن المصنف رحمه الله تابعه غفلة منه كما توهم وهذا غفلة عن مراده وعن إنّ ما أورده في الانتصاف ليس مسلما ولذا سم يعرّج عليه من الشراح غير الطيبي، والذي في الكشاف هي تعليل للأمر بمعنى أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم، وفي الكشف قال جار الله إذا قلت أمرته ليقوم كان ظاهره أمراً مطلقاً خصصه التعليل ونحوه قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [سورة الحج، الآية: 39] وقوله: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [سررة إبراهيم، الآية: 31] أي أذن في القتل وقل لهم صلوا) أقول) والتحقيق أنّ حقه أن يعدّى بالباء فلما عدل عن ذلك حمل على أنه لام التعليل، وتقديره أمرنا بأن نسليم للإسلام لا لغرض آخر فأفاد مبالغة في الطلب من وجهين انتهى، وهو محل تأمّل وقيل إن الإشارة للإسلام ولا غبار في تعليل الأمر بالإسلام بنفس الإسلام لأن مآله أنه طلب النفع، وهو تكلف لا حاجة إليه، وقيل اللام بمعنى الباء قال أبو حيان وهو غريب لا تعرفه النحاة، وأمّا زيادتها وتقدير أن بعدها فقول مرّ ما فيه، وقال الخليل وسيبويه: ومن تابعهما الفعل في هذا، وفي: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 26] يؤوّل بالمصدر وهو مبتدأ واللام وما بعد خبره أي أمرنا للإسلام، وعليه فلا مفعول للفعل كما في المغني فهو كتسمع بالمعيدي، ولا يخفى بعده وذهب الكسائيئ والفراء إلى أنّ اللام حرف مصدرقي بمعنى أن بعد أردت وأمرت خاصة، وردّه الزجاج وارتضاه صاحب الانتصاف ففي اللام هنا أربعة وجوه كونها زائدة وتعليلية للفعل أو للمصدر المسبوك منه أو بمعنى الباء أو أن المصدرية، فاختر لنفسك ما يحلو، وفي هذه المسألة كلام سيأتي تفصيله، والهدى بمعنى الاهتداء فسره بالإسلام، ولذا قابله بالضلال فليس الظاهر أن يقول الإضلال كما قيل. قوله: (عطف على لنسلم الخ (أي بناء على أنّ اللام تعليلية وهذا قبله حرف جرّ مقدر لاطراد حذفه والجار والمجرور معطوف على الجارّ والمجرور، وهو أيضا على مذهب سيبويه من تابعه من النحاة القائلين بدخول أن المصدرية على الأمر كما مرّ، أو فيه تسمح بناء على أنه معطوف على نسلم وأنه علة واللفظ مؤوّل والمراد ولتقيموا فاخرج على لفظ الأمر وفيه تأمّل، وأورد على هذا ابن عطية رحمه الله إنّ في اللفظ ما يمنعه لأن نسلم معرب وأقيموا مبنيّ، والمبنيّ لا يعطف على المعرب لأنّ العطف يقتضي التشريك في العامل، ورد بأته ليس كما ذكر بل هو جائز كقام زيد، وهذا وكقوله: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [سورة هود، الآية: 98] إلى غير ذلك. قوله: (أو على موقعه) ! خ فيه الزمخشري إذ قال إنه عطف على موضعلنسلم كأنه قيل وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا إنه كثيرا ما يقع في هذا الموقع أن نسلم فعطف عليه وان أقيموا بهذا الاعتبار على التوهم كما في فأصدق واكن، وبه يشعر قول الزمخشريّ كأنه قيل وأمرنا أن نسلم وأن أقيموالكن لا يخفى أنّ أن في أن نسلم مصدرية ناصبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 للمضارع وفي أن أقيموا مفسرة، وقيل لا حاجة إلى هذا الاعتبار بل المراد إنه عطف على مجموع اللام وما بعدها، ثم جوّز أن يكون عطفا على ما بعد اللام وأن مصدرية موصولة بالأمر بناء على جواز وصلها به وأمّا دفعه بأنّ العطف على توهم أن المفسرة، وأنه توهم إن مكانه أن أسلموا فبعيد، وقال أبو حيان رحمه الله: ظاهره أنّ لنسلم في موضمع المفعول الثاني لأمرنا وعطف عليه أن أقيموا فتكون اللام زائدة، وقد قدم أنها تعليلية فتناقض كلامه فتأمّل، ولما ذكر سبب النزول نشأ منه سؤال أشار إلى جوابه بقوله وعلى هذا كما بينه في الكشاف، وفي الدرّ المصون إنّ فيه وجوهاً فقيل معطوف على قوله إنّ هدى الله وقيل على قوله لنسلم، وقيل على ائتنا وهو بعيد، وقيل معطوف على مفعول الأمر المقدّر أي أمرنا بالإيمان واقامة الصلاة، وقيل هو محمول على المعنى وفيه كلام طويل فانظره. قوله: (قائماً بالحق) إشارة إلى أنّ الجار والمجرور في موقع الحال من الفاعل ومعنى الآية حينئذ كقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} ، [سورة ص، الآية: 27] ويجوز أن يكون حالاً من المفعول أي ملتبسة بالحق. قوله: (جملة اسمية الخ) قال الطيبي: الواو ستئنافية، والجملة تذييل لقوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} ولهذا جعل اليوم بمعنى الحين ليعمّ الزمان فقوله مبتدأ، والحق صفته والمراد المعنى المصدري أي القضاء الصواب الجاري على وفق الحكمة فلذا صح الإخبار عنه بظرف الزمان أعني يوم الخ، وإلى هذا يشير كلام المصنف رحمه الله، وتمثيله بالقتال إشارة للمصدرية، وقوله: وقوله الحق الخ إشارة إلى أنّ تقديم الخبر ليس للحصر، وقوله: نافذ هو معنى كن فيكون وكونه في جميع الكائنات مأخوذ من جملة الكلام والتذييل وقال النحرير: تقديم الخبر لكونه الشائع في الاستعمال مثل عنده علم الساعة لأنّ الحصر غير مناسب هنا وقول الزمخشري لا يكوّن شيئا من السماوات والأرض وسائر المكوّنات إلا عن حكمة، وصواب مستفاد من المقام، ولو جعل التقديم هنا للحصر لكان للحصر على عكس ما ذكر أي قضاؤه الحق لا يكون إلا يوم يقول وهو فاسد اهـ، وفيه أنّ المعروف الشائع تقدم الخبر الظرفي إذا كان المبتدأ نكرة أو نكرة موصوفة كما مز في أجل مسمى، أما إذا كان معرفة فلم يقله أحد ومثاله غير مستقيم لأنه قصد فيه الحصر لأنّ علم الساعة عند الله لا عند غيره، وما قيل من أنه يشير إلى أنّ الط طف داخل في المعنى على المبتدأ وأنّ المقصود بكون قول الحق وقت إيجاد الأشياء نفاذه فيها وأنّ المراد السماوات والأرضى وما فيهما أو الكلام على الظاهر، والمقصود تعميم قوله الحق لجميع الكائنات لا محصل له وهو ناشئ من قلة التدبر. قوله: (وقيل يوم منصوب بالعطف على السماوات الخ (إذا عطف على السماوات فهو مفعول به، والمعنى أنه أوجد السماوات والأرض! وما فيهما وأوجد يوم الحشر والمعاد، وكذا إذا عطف على الهاء فهو مفعول به أيضا كما في قوله: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي} [سورة البقرة، الآية: 48، وهو بتقدير مضاف أي هو له وعقابه وفزعه أو المراد باتقاء ذلك اليوم اتقاء ما فيه من ذلك، وأما القول بأنه معطوف على بالحق وهو ظرف لخلق فيتوقف على صحة عطف الظرف على الحال لأنّ الحال ظرف في المعنى وهو تكلف. قوله: أأو بمحذوف دل عليه بالحق (أي يقوم بالحق يوم الخ لأن معنى بالحق قائماً بالحق كما مرّ قال أبو حيان رحمه الله: وهو إعراب متكلف. قوله: (وقوله الحق مبتدأ وخبر أو فاعل يكون الخ) يعني على الوجوه الثلاثة الأخيرة وقوله على معنى وحين يقول الخ تقرير للمعنى على تقدير أن يكون قوله الحق فاعل يكون على الوجوه الثلاثة، ويوم على الأوّل مفعول خلق، وعلى الثاني مفعول اتقوا، وعلى الثالث منصوب بفعل محذوف وقوله لقوله الحق إشارة إلى أنّ الكائن جميع المخلوقات واسناد الكون إلى الحق إسناد مجازي إلى السبب وقيل لما اقتضى كون قوله الحق فاعل يكون تعلق كن به قال لقوله الحق، وفسره بالقضاء ولا شك أنّ تكوين القضاء يوجب تكوين المقضيّ، وهو تحريف لكلامه والقضاء بالمعنى المصدري لا يتعلق به التكوين إلا مجازا فالوجه ما قدمناه وفي الكشف المراد بالقول ما يقع بالقول، وهو المقضي أي حين يقول لمقضيه كن فيكون المقضي، والوجه الأوّل اهـ فلا يرد عليه أنّ هذا التفسير لا يناسب أن يكون قوله فاعلا ليكون بل المناسب أن يقال وحين يقول كن فيكون أثر قوله الحق كما توهم وعلى كونه فاعلا فإن عطف على السماوات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 فالمراد بالتكوين الإيجاد واليه أشار بقوله حين يكون الخ وإن عطف على مفعول اتقوا أو تعلق بمقدر، فالمراد بالتكوين الإحياء للحشر لأنه الذي يتقي ويظهر بعده القيام بالحق، واليه أشار بقوله فيكون التكوين الخ، وفي قوله حشر الأموات تسمح لأنه ليس بتكوين وقوله كقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ} [سورة غافر، الآية: 6 ا] الخ يعني أنّ تحصيص الملك بذلك اليوم لتعظيمه لا لاختصاص ملكه به، وفيه كلام آخر سيأتي. قوله: (يوم ينفخ في الصور) أي استقرّ الملك يوم ينفخ، واليه أشار بقوله لمن الملك فلا يدعيه غيره، والصور قرن ينفخ فيه كما ثبت في الأحاديث لا جمع صورة كما قيل والصور وأحواله مفصلة في كتب السنة. قوله:) كالفذلكة للاية (لأنّ الحكيم جامع لجميع أفعاله المتقنة الجارية على وفق المصالح، والخبير جامع لعلم الغيب والشهادة ففيه لف ونشر مرتب قيل: والواو ليست للعطف بل هي استئنافية نحو: {جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سورة سبأ، الآية: 17] وهو المسمى في المعاني بالتذييل، والمراد بالفذلكة إجمال ما فصل أوّلاً قال الواحدي رحمه الله في شرح قول المتنبي: نسقوا لنا نسق الحساب مقدماً وأتى فذالك إذ أتيت مؤخرا فذالك جمع فذلكة وهي جملة الحاسب لقوله فيها فذلك كذا انتهى، وهو من النحت المولد. قوله: (آزر الخ) إن كان علما لأبيه فهو عطف بيان أو بدل وقال الزجاج رحمه الله: ليس بين النسا بين اختلاف في أنّ اسم أبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم تارج بناء مثناة فوقية، وألف بعدها راء مهملة مفتوحة وحاء مهملة، والذي في القرآن يدل على أنه خلافه، فإما أن يكون لقبا غلب عليه أو كما قيل هو اسم عمه أو اسم جذه والعم والجذ يسميان أبا مجازا، والمصنف رحمه الله أجاب بأجوبة وهي ظاهرة، وقيل آزر وصف معناه الشيخ بفارسية خوارزم، وقيل إنه المعوج بالسريانية وقيل معناه المخطئئ وعلى الوصفية لا يظهر لمنع صرفه وجه فقال المصنف رحمه الله: إنه حمل على موازنه وهو فاعل المفتوح العين، فإنه يغلب منع صرفه لأنه كثير في الإعلام الأعجمية، والأولى أن يقال إنه غلب عليه فألحق بالعلم والا فليس فيه علمية أصلاً لأنّ الوصف في العجمة لا يؤثر في منع الصرف ومن لم يتنبه لهذا قال: العلة لم تبلغ النصاب، وقوله: أو نعت الخ فمنع صرفه لوزن الفعل والوصفية، لأنه على وزن أفعل، والأزر القوّة والوزر الإثم، وقوله: (والآقرب الخ) يشير إلى أنه لا عبرة بما وقع في التواريخ مخالفا لظاهر الكتاب المجيد لأنها أكثرها نسي بالتقادم وخلطت فيه أهل الكتاب، وقوله: (بحذف المضاف) أي عابد آزر، وحذفه إما في كلامهم أو في النظم. قوله: (وقيل المراد الخ) فهو من جملة المقول، وليس هذا التفسير المصطلح عليه في باب الاشتغال لا لأنه بينه وليس عينه بل ما يناسبه وهو تعبد لأنه لا يشترط فيه أن يكون عينه نحو زيداً ضربت عبده إذ تقديره أهنت زيداً، ضربت عبده بل لأنّ ما بعد الهمزة لا يعمل فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملاً كما تقرّر عندهم. قوله: (تفسير أو تقرير) المراد بالتفسير تفسير آزر مراداً به الصنم وعامله المقدر لأن تقديره أتعبد آزر، وقوله أتتخذ أصناما تفسير له والمراد بالتقرير تقريرهم بسوء عقيدتهم ليلزمهم، ولذا فسره النحرير بالتحقيق والتثبيت لأنه واتع وقيل المراد تقرير الاستفهام الإنكاري لا القابل للإنكار، وفيه نظر. قوله: (ويدل عليه أنه قرئ أزارا (بهمزتين الأولى استفهامية مفتوحة، والثانية مفتوحة ومكسورة وهي إمّا أصلية إن كان اسم صنم أو أصلية بمعنى القوّة، أو مبدلة من الواو بمعنى الوزر والإثم، وعليه فعامله مقدر أي تعبد إزرأ إن كان اسم صنم وإن كان عربيا فهو مفعول له، أو حال أو مفعول ثاني لتتخذ أو منصوب بمقدر كما ذكره المعرب وغيره ومن قرأ بهذه أسقط همزة أتتخذ، فجعل هذه القراءة دليلاً على أنه اسم صنم لا يتجه وقوله: (وهو يدل على أنه علم (أي قراءة يعقوب آزر بالمد وضم الراء على أنه منادى تدل على العلمية لأن حذف حرف النداء من الصفات شاذ، فما قيل إن النداء يكون بالصقات نحو يا عالم، وأجيب عنه بأنّ كثرته في الأعلام تكفي للترجيح، وقيل عليه دعوى الكثرة محل نظر من سوء الفهم وقلة التدبر، وكذا ما قيل إنّ خطاب إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه بما يشعر بتحقيره ينافي حسن الأدب لأنه ليس بأدون من قوله إني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 أراك وقومك في ضلال مبين وليس مقتضى المقام الأدب معه، وقوله ظاهر إشارة إلى أنه من أبان اللازم. قوله: (ومثل هذا التبصير الخ! إشارة إلى أنّ الإشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده، والإشارة قد تكون إلى متأخر كما مرّ في قوله هذا فراق بيني وبينك، وزيادة كافة وعدمها سبق منا تحقيقه، قيل، ولك أن تجعل المشبه التبصير من حيث أنه واقع والمشبه به التبصير من حيث أنه مدلول اللفظ، ونظيره وصف النسبة بالمطابقة للواقع، وهي عين الواقع وليس أبا عذرته فإنه سبق ما هو قريب منه في كلام الطيبي رحمه الله ويجوز أن يكون المشار إليه ما أنذر به أباه وضلل قومه من المعرفة والبصارة فيكون قوله فلما جن عليه الليل تفصيلا وبيانا لمعنى المثل، وأشار بقوله التبصير إلى أنّ رأى هنا بصرية لا علمية والزمخشرفي جعلها بصرية لكن ذكر أنها مستعارة للمعرفة، كما بينه شراحه، وكذا قال ابن عطية رحمه الله: وردّه أبو حيان بأنه يحتاج إلى نقل عن العرب إنّ رأى بمعنى عرف تتعدّى إلى مفعولين (قلت (إذا كانت بصرية استعيرت للمعرفة استعارة لغوية من إطلاق السبب على المسبب فلا يرد ما ذكره، وهذا ما جنح إليه الزمخشرقي، ولولا هذا لكان ادّعاء الاستعارة لغواً، وقوله وهو حكاية حال ماضية لما كان الظاهر أرينا جعله حكاية للحال الماضية استحضارا لصورته حتى كأنه حاضر شاهد. قوله:) تبصره دلائل الربويية) إن قرأناه فعلا من بصره يبصره فيكون ملكوت الذي هو نائب الفاعل بمعنى دلائل الربوبية أو بتقدير مضاف لكن هذه عبارة الكشاف بعينها، وقد ضبطها العلامة في شرحه على صيغة المصدر المنصوب وجعلها مفعولاً ثانيا مقدر التري، وهو يصح هنا وكأنه من طريق الرواية. قوله: (ربوييتهما وملكهما) الملكوت مصدر كالرغبوت والرحموت كما قاله ابن مالك وغيره من أهل اللغة وتاؤه زائدة للمبالغة، ولذا فسر بأعظم الملك،! وقوله ربوبيتهما إشارة إلى مصدريته، وقال الراغب: إنه يختص به تعالى وتفسيره الأوّل إشارة إلى معناه الحقيقي ورؤيتها إن كانت الرؤية بصرية رؤية آثارها، والثاني إشارة إلى معناه المجازي لأنّ ذلك هو المرئي، وقيل الأوّل ناظر إلى كون الرؤية رؤية البصيرة، والثاني إلى كونها رؤية البصر، وفيه نظر. قوله: (ليستدذ الخ (إشارة إلى ما مرّ في أمثاله من أنه إمّا معطوف على علة مقدّرة أي ليستدل وليكون أو علة لفعل مقدر أي وفعلنا ذلك الخ وقيل إنّ الواو زائدة وهو متعلق بما قبله، وهذه الوجوه جارية في كل ما جاء في القرآن من هذا فيل ينبغي أن يراد بملكوتهما بدائعهما وآياتهما لأنّ الاستدلال من غاية إراءتها لا من غاية إراءة نفس الربوبية، وقد مزت الإشارة إلى أنّ رؤية الربوبية برؤية دلائلها وآثارها، وقيل إنّ الاستدلال مع قطع النظر عن كونه سبباً للإيقان لا يكون علة للإراءة فكيف يعطف عليه بإعادة اللام وليس بشيء، وقوله وفعلنا تدره مقدما لأنّ العلة ليست منحصرة فيما ذكر، ومن قدره متأخرا رأى أنه المقصود الأصلي. قوله: (تفصيل وبيان لذلك) أي تفصيل للجملة المذكورة والترتيب ذكرى لتأخر التفصيل عن الإجمال في الذكر وليس في هذا دليل على أنه بالبصيرة أو البصر وقوله:) وقيل عطف الخ (قيل فائدته التنبيه على أنه صلى الله عليه وسلم في معرفة ربه إلى مرتبة الإيقان بالاستدلال وإقامة البرهان بحيث قدر على إلزامهم، وان كان ذا نفس قدسية لا يحتاج في اعتقادها بالذات إلى وساوس الأدلة، وكونه عطفاً على قال إبراهيم تبع فيه الزمخشري وهو تسمح والأوّل على إذ قال كما صرّج به غيرهما وقوله: (فإنّ أباه الخ) بيان لوجه المناسبة والارتباط، وقيل إنهم كانوا يعبدون الكواكب فاتخذوا لكل كوكب صنما من المعادن المنسوبة إليه، كالذهب للشمس، والفضة للقمر ليتقرّبوا إليها، فالصنم كالقبلة لهم فانكر أوّلأ عبادتهم للأصنام بحسب الظاهر، ثم أبطل منشأها وما نسبت إليه من الكواكب بعدم استحقاقها لذلك أيضاً. قوله: (وجق عليه الليل ستره بظلامه) هذه المادّة بمتصرّفاتها تدل على الستر قال الراغب: أصل الجن الستر عن الحاسة، يقال جنة الليل وأجنه وجن عليه فجنه ستره وأجته جعل له ما يستره وجن عليه ستره أيضأ، والزهرة بضم الزاي وفتح الهاء كتؤدة نجم في السماء الثالثة وتسكين الهاء في غير ضرورة الشعر خطأ، كما في أدب الكاتب، وفيه نظر وان نظر وان اشتهر خلافه، والوضع سوق مقدمة في الدليل لا يعتقدها لكونها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 معلمة عند غيره لأجل إلزامه بها وهو مصطلح أهل الجدل، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله فإنّ الخ قيل هذا ناظر إلى الوجه الثاني في فلما جن عليه الليل، وقوله أو على وجه النظر إلى الوجه الأوّل وفيه نظر لأنه يمكن أن يجري على القول الأصح على الوجهين، لأنّ معنى، وكذلك الخ ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف إبراهيم والمراد هدايته لطريق الاستدلال مع الخصوم، وبه تحصل زيادة اليقين، وإفحام الخصوم كما قاله الطيبي رحمه الله. قوله: (وإنما قاله رّمان مراهقتة) يريد الردّ على أنه لا حاجة إلى النظر والاستدلال المؤيد لما عنده من الاعتقاد فإنه مقام النبوّة والأنفس القدسية أعلى من أن تتشبث بحال الاستدلال فقال إنه كان في مبادي السن قبل البعثة ولا يلزمه اختلاج شك مؤدّ إلى كفر لأنه لما آمن بالغيب أراد أن يؤيد ما جزم به بأنه لو لم يكن الله إلهاً وكان ما يعبده قومه لكان إمّا كذا وامّا كذا، والفرق بينه وبين الأوّل إنه لإلزام الغير، وهذا الثلج الصدر ببرد اليقين، والوجه الأوّل لا لأنه دفع لما يقال إنّ قوله هذا ربي يكون حينئذ كفرا والأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عنه قبل البعثة، وبعدها بالاتفاق لأنّ كفر الصبيّ غير المراهب لا يعتذ به، وان صح إسلامه كما صرّح به الفقهاء، ولا يلزمه الكذب على الأوّل لأنه كلام لاستدراج الخصم على وجه الفرص وارخاء العنان ومثله لا يسمى كذباً، بل لما قال محي السنة لا يجوز أن يكون لله رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو موحد عارف بالله بريء عن كل ما سواه وكيف يتوهم هذا على من طهره الله وعصمه، وآتاه رشده من قبل إلى أن جاء ربه بقلب سليم، وقال وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين أو تراه أرإه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكباً قال هذا ربي معتقداً له هذا لا يكون أبداً بل أراد أن يستدرج القوم بهذا القول، ويغرّفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموه إذ كانوا يعظمون النجوم ويعبدونها، وقال الإمام السبكي رحمه الله في تفسير هذه الآية قد تكلم الناس فيها كثيراً، وفهمت منها أنّ ذلك تعليم منه سبحانه لإبراهيم صلى الله عليه وسلم طريق الحجة على قومه فاراه ملكوت السماوات والأرض، وعلمه كيف يحاجهم ويقول لهم إذا حاجهم في مقام بعد مقام إلى أن يقطعهم بالحجة ولا يحتاج مع هذا إلى أن يقال ألف الاستفهام محذوفة ويؤخذ منه أنّ القول على سبيل التنزل، وليس اعترافا وتسليماً مطلقاً وقولنا على سبيل التنزل معناه أنّ الخصم ينطق به لينظر ما يترتب عليه، وهذا الذي فهمت أقرب ما قيل فيها ويرشد إليه صدر الآية وعجزها أي قوله وكذلك نرى إبراهيم الآية، وقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنعام، الآية: 83] على قومه انتهى وهذا هو الحق فالنظم دال على خلاف الوجه الثاني. قوله: (فضلاَ عن عبادتهم) هذا إمّ إشارة إلى عدم العبادة بالبرهان أو إشارة إلى أنه كني بعدم المحبة عن عدم العبادة، لأنه يلزم من نفيها نفيها بالطريق الأولى وهما متقاربان، والزمخشريّ قدر مضافا أي لا أحب عبادة الآفلين، والتعليل بقوله فإنّ الخ للازم المنطوق المراد منه فلا يرد عليه أنه لا يصح أن يكون تعليلاً لعدم المحبة بل لترك العبادة وقد بناه على عدم المحبة. قوله: (والاحتجاب بالاستار الخ الا يوصف الله بأنه محجوب، قال القاضي رحمه الله: في الشفاء ما في حديث الإسراء من ذكر الحجاب في حق المخلوق لا في حق الخالق فهم المحجوبون، والباري جل اسمه منزه عما يحجبه إذ الحجب إنما يحيط بمقدّر محسوس، ولكنه حجب على أبصار خلقه وبصائرهم وإدراكاتهم للأجرام المحدودة، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، فهو تمثيل لمجرّد منعه الخلق عن رؤيته، أو هو في حق المخلوق، وقال الشريف قدس سره: في الدرر والغرر العرب تستعمل الحجاب بمعنى الخفاء وعدم الظهور فيقول أحدهم لغير. إذا استبعد فهمه بيني وبينك حجاب، ويقولون لما يستصعب طريقه بيني وبينك كذا حجبا وموانع وسواتر وما جرى مجرى ذلك، فهو مجاز في المفرد عنده، وفي حكم ابن عطاء الله الحق ليس بمحجوب إنما يحجب عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر، وهو القاهر فوق عباده فتدبره، وقيل: إنّ قوله يقتضي الإمكان والحدوث لف ونشر غير مرتب لأنّ الانتقال حركة، وهي حادثة فيلزم حدوث محلها، والاحتجاب اختفاء يستتبع إمكان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 موصوفه ومن هاهنا ظهر ضعف ما قيل إنّ الاستدلال بحدوث الجواهر دون إمكانها طريقة الخليلءجمف وهو منقول عن جملة أهل الكلام وهم يقولون إنه من صفات الإجرام المحدودة المتحيزة، وهو يستلزم الحدوث فلا يرد عليهم ما ذكره فتأمّل، وبزوغ القمر طلوعه منتشر الضوء، وأصله في بزوغ الناب لظهوره، وبزغ البيطار الداية أسال دمها فبزغ هو أي سال فشبه هذا به قاله الراغب رحمه الله. قوله: (فلما أفل) قيل كان غاب عن نظره ولم يكن حين رآه في ابتداء الطلوع بل كان وراء الجبل ثم طلع منه، أو في جانب آخر لا يراه، والا فلا احتمال لأن يطلع القمر من مطلعه بعد أفول الكواكب ثم يغرب قبل طلوع الشمس، وقيل فيه بحث إذ يجوز أن يكون الجبل في طرف المغرب، والذي ألجأهم إلى هذا التعقيب بالفاء، ويمكن أن يكون تعقيبا عرفياً مثل تزوّج فولد له إشارة إلى أنه لم تمض أيام وليال بين ذلك سواء، كان استدلالاً أو وضعا، واستدراجا لا إنه مخصوص بالثاني كما توهم على أنا لا نسلم ما ذكره إذا كان كوكبا مخصوصاً وإنما يرد لو أريد جملة الكواكب أو واحد لا على التعيين فتأمّل. قوله: (استعجز نفسه الخ) أي أظهر العجز صورة، وقوله إرشاد إشارة إلى أنّ هذا القول! يس بمرضي عنده، وهو الحق الحقيق بالقبول والنظم ناطق به كما بين في شروح الكشاف، لأنّ قوله لئن لم يهدتي ربي وقوله يا قوم إني بريء مما تشركون يدل على أنه كان مع قومه، وكان محاجا لهم مثافهة والمجموع دليل لمكان التعريض بدليل قوله كونن من القوم الضالين، ثم الجملة القسمية تدل على أنّ الكلام مع منكر مبالغ في الإنكار فلا يناسب فرض التردّد في نفسه على أنّ قوله ربي صريح في اعترافه بأنّ له ربا يعرفه ويعبده، وما قيل من أنه استعجز نفسه فاستعان بربه في درك الحق وقوله: {إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} إشارة إلى حصول اليقين من الدليل فخلاف الظاهر على أنّ حصول اليقين من الدليل لا ينافي محاجته مع قومه كما في الكشف فقد علمت أنّ في كلام المصنف رحمه الله نبوة من الظاهر لكن ينبغي أن يقاد إليه بزمام العناية بما مرّ، وفي الانتصاف إنما عرّض! بضلالهم في أمر القمر لأنه قد أيس منهم في أمر الكواكب، ولو قال في الأوّل لما أصغوا ولما أنصفوا، ثم صرّح في الثالثة بالبراءة لما تبلج الحق وظهر غاية الظهور، وهم في ظلمات العمى والعناد. قوله: (له ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر الخ) قال بعض المتأخرين ما نصه بعدما حكى كلام المصنف والكشاف لا حاجة إلى هذا التكلف لأن الإشارة إنما هي إلى الجرم ولا تأنيث فيه وإنما التأنيث بحسب اللفظ وليس في ذلك المقام لفظ الشمس فإنه في الحكاية لا المحكي انتهى، وقد سبق إلى هذا أبو حيان رحمه الله فقال يمكن أن يقال إنّ أكثر لغة العجم لا تفرق في الضمائر، ولا في الإشارة بين المذكر والمؤنث ولا علامة عندهم للتأنيث بل المؤنث والمذكر سواء عندهم فأشار في الآية إلى المؤنث بما يثار به إلى المذكر حين حكى كلام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وحين أخبر تعالى عنها بقوله: بازغة وأفلت أنث على مقتضى العربية إذ ليس ذلك بحكاية انتهى، وهذا إنما يظهر لو حكى كلامهم بعينه في لغتهم أما إذا عبر عنه بلغة العرب فكونه يعطي حكم كلام العجم فلا وجه له وان ظنوه شيئا، ثم إنّ النفس ألفت أخذ المعاني من الألفاظ حتى إذا تصوّرت شيئاً لاحظت ما يعبر به عنه في ذلك التخاطب وتخيلت أنها تناجي نفسها به كما قاله الرئي! في الشفاء، فإذا اشتهر التعبير عن شيء بلفظ مذكر أو مؤنث لوحظ فيه ذلك وإن لم يطلق عليه ذلك الاسم وقت التعبير والإشارة، كما في قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [سورة ص، الآية: 32] فحيث خولف ذلك المقتضى احتاج إلى عذر وتأويل كما حققه السيد قدس سرّه في ألم ذلك الكتاب وبعضهم ذكره هنا من عنده زاعماً أنه من نتائج أفكاره وأمّ كون لغته لا تأنيث فيها فلا وجه له لما علمت أن العبرة بالحكاية لا المحكي، ألا ترى إنه لو قال أحد الكواكب النهاري طلع فحكيته بمعناه وقلت الشمس طلعت لم يكن لك ترك التأنيث بغير تأويل لما وقع في عبارته، وإذا تتبعت ما وقع في النظم الكريم رأيته إنما يراعي فيه الحكاية مع أنه مبنيّ على أنّ إسماعيل هو أوّل من تكلم بالعربية والصحيح خلافه. قوله: (وصيانة للرب عن شبهة التأنيث) قيل ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر أو لأنه لا يفرق في غير لغة العرب بين المذكر والمؤنث في الإشارة فأجرى الكلام على قاعدة تلك اللغة في مقام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 الحكاية، وعلى قاعدة العربية في مقام الإخبار، وأمّا ما قيل وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث فيرد عليه إنّ هذا في الرب الحقيقي مسلم، ورذ بأن مراد القائل ما ذكره هذا الفاضل بقوله ويحتمل الخ والحكم بالوجوب بالنظر إلى اقتضاء المقام فلا يرد عليه شيء، وأجيب أيضا بأنه على تقدير أن يكون مسترشدا ظاهر وعلى المسلك الآخر إظهاراً لصونه ليستدرجهم إذ لو حقر بوجه ما كان سبباً لعدم إصغائهم، وقوله: (من الإجرام الخ) إشارة إلى أنّ ما موصولة ويصح جعلها مصدرية، وقوله: (ومخصص الخ) أي يخصصها بصفاتها كالبزوغ والأفول. قوله: (لتعدّد دلالته الأنه انتقال مع اختفاء واحتجاب ولكل منهما دلالة كما عرفت، والبزوغ وان كان انتقالاً مع البروز لكن ليس للثاني مدخل في الاستدلال، وقيل عليه إنّ البزوغ أيضاً انتقال مع احتجاب إلا أنّ الاحتجاب في الأوّل لاحق وفي الثاني سابق، وإما إنّ جوابه يؤخذ مما بعده وهو رؤيتها في وسط السماء فلا يشاهد البزوغ حتى يستدل به فلا يخفى ما فيه، فليتأمّل. قوله: (وخاصموه في التوحيد (أي تارة بأدلة فاسدة واقفة في حضيض التقليد، وأخرى بالتخويف فأشار إلى جواب كل منهما وإليه شار المصنف رحمه الله بقوله ولعله الخ فتدبر. قوله: (في وقت الخ) إشارة إلى ا! أن يشاء على معنى الظرف مستثنى من أعمّ الأوقات استثناء مفرّغا، وقال الزمخشريّ: إنّ الوقت محذوف فيه، وقال أبو البقاء: إنّ المصدر منصوب على الظرفية من غير تقدير وقت وقد منع ذلك ابن الأنباري فقال: ما معنا. يجوز خروجنا صياح الديك، ولا يجوز خروجنا أن يصيح الديك على معنى وقت صياحه، وإنما يقع ظرفاً المصدر الصريح، وأجاز ذلك ابن جني من غير فرق بينهما كما في الملتقط وغيره والاستثناء متصل، ويجوز أن يكون منقطعا على معنى ولكن أخاف أن يشاء ربي خوفي ما أشركتم به، وشيئا مفعول به أو مفعول مطلق وأن يصيبني بيان له. قوله: (بتخفيف النون) واختلف في أيهما المحذوفة، فقيل نون الرفع وقيل نون الوقاية، والأوّل مذهب سيبويه، وهو أرجح لقلة التغيير بالحذف والكسر ولأنه عهد حذفها للجازم وهذه لغة غطفان وهي لغة فصيحة ولا يلتفت إلى قول مكيّ إنه ضعيف. قوله: (لأنها لا تضرّ بنفسها (قيد بنفسها لأنها تضرّ إن شاء الله مضرتها وقوله ولعله إنما أتى بلعل لأنه لم يسبق له ذكر، وإنما فهم من قوله أخاف، والتهديد يؤخذ من تعليقه شيئا بمشيئته تعالى. قوله: (كأنه علة الاستثناء) في الكشاف أي ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها كرجمه بالنجوم لأنه إذا أحيل شيء إلى علم الله أشعر بجواز وقوعه. قوله: (أفلا تتذكرون الخ) قد مرّ أنّ فيه وجهين تقدير معطوف عليه أي أتسمعون هذا فلا تتذكرون، أو تقديم الهمزة من تأخير لصدارتها أي بعدما أوضحته من الدلائل الظاهرة المقتضية لشرعة التذكر إشارة إلى أن ما صنعوه ناشئ عن الغفلة. قوله: (وكيف أخاف ما أشركتم) أي أشركتموه به فحذف اختصاراً لعلمه بالقرينة وذكره فيما بعده، ولأنّ المراد تخويفهم، وذكر المشرك به أدخل في ذلك، وأمّا ما قيل إنه ليعود إليه الضمير فيما لم ينزل به، فليس بشيء لأنه يكفي سبق ذكره في الجملة، والظاهر أن يقال في وجهه والنكتة فيه إنه لما قيل قبيل هذا رلا أخاف ما أشركتم به، كان هذا كالتكرار له فناسب الاختصار إنه ى! يب حدّفه إشارة إلى بعد وحدانيته عن الشريك، فلا ينبغي عنده نسبته إلى الله ولا ذكره معه، ولما ذكر حال المشركين الذين لا ينزهونه عن ذلك صرّح به، وهذه نكتة بديعة فمن قال هنا لا بذ من بيان فائدة حذف بالله في الأوّل وإثباته في الثاني ولم أر أحداً تعرض له، فأقول لعل الوجه في ذلك إنّ مقصود إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الأوّل إنكار أن يخاف غير الله تعالى سواء كان مما يشركه الكفار أو لا، وبالجملة خصوصية الإشراك بالله تعالى مقصودة في هذا المقام، وأمّا قوله: (ما أشركتم } دون أن يقول بالله فلان الكلام فيما أشركوا وفي الثاني إنكار. عدم خوفهم من إشراكهم بالله فإنّ المنكر المستبعد عند العقل السليم هو الإشراك بالله تعالى لا مطلق الإشراك فلذا حذفه في الأوّل وأتى به في الثاني انتهى. فلا يخفى أنه تطويل من غير طائل مع أنّ ما أشركوا كيف يدل على ما سوى الله غير الشريك، وهو عجيب منه وأنت في غنى عنه مما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 أوضحناه لك. قوله: (وهو حقيق بأن يخاف منه كل الخوف) أي يخاف بسبب عذابه وعقابه الخوف الشديد، وفي الكشاف وأنتم لا تخافون ما يتعلق به كل مخوف وقدر أنتم ليبين أنهم أحقاء بالخوف فبنى الكلام على تقوى الحكم فعلى هذا يصح أن يكون قول المصنف رحمه الله وهو حقيق الخ بيانا لمآل الجملة وهو لا ينافي كون الجملة حالية وإن طعن فيه بأنّ المضارع المنفيّ لا يقرن بالواو كالمثبت لكنه غير مسلم ومنهم من جعله قيدا، وقال هذا القيد مع القيد السابق أعني قوله ولا يتعلق به ضرّ يومي إلى أنه جعل قوله ولا تخافون الخ عطفاً على جملة أخاف وان كان الزمخشري جعلها حالاً من فاعل أخاف أو مفعوله. قوله: (بالقادر الضاز النافع (وفي نسخة والقادر الضارّ، وهي ظاهرة لأنّ بين لا تضاف إلا لمتعدد وأمّا على هذه فقيل الباء بمعنى مع متعلق بمحذوف، وهو مع المجرور في محل نصب حال عن المقدور لا متعلق بالتسوية والا فلا يكون لبين معنى وهو تعسف. قوله: (بإشراكه) بيان لأنّ في الكلام مضافا مقدّرا وقيل إنه أرجع الضمير إلى الإشراك المقيد بتعلقه بالموصول فلا حاجة إلى العائد وهو مبنيّ على مذهب الأخفش في الاكتفاء في الربط برجوع العائد إلى ما يتلبس بصاحبه، كما مرّ تحقيقه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [سورة البقرة، الآية: 234] الآية لكنه لم يذكر مثله في ربط الصلة ولا بعد فيه، وقوله لم ينصب الخ فعدم التنزيل كناية عن ذلك، وقيل هو تعميم للدليل بحيث يشمل العقليّ والنقليّ، والسلطان الحجة فمعنا. على الثاني ظاهر وعلى الأوّل لأنه متضمن للحجج والبراهين. قوله: (احترازاً من تزكية نفسه) فأدرج نفسه فيمن زكاه إخفاء لتزكية نفسه لأنه أدعى لترك العناد إذ تزكية النفس، وان طابقت الواقع ربما دعت الخصم إلى اللجاج فلا يقال إنّ من ادّعى أنّ الحق معه لا يكون مزكياً لنفسه، وكيف لا والتزكية بالباطل كذب لا تزكية، ووجه أيضا بأنه للإشارة إلى أنّ أحقية إلا من لا تخصه بل تشمل كل موحد ترغيباً لهم في التوحيد. قوله: (استئناف منه) أي من إبراهيم صلى الله عليه وسلم محكيا عنه، والظاهر أنه استئناف نحويّ لا بياني لأنه ما كان جواب مقدّر، وهذا جواب سؤال محقق، بقي هنا ا! ابن هشام رحمه الله قال في المغني الاستئناف النحوقي ما كان في ابتداء الكلام، أو مقتطعا عما قبله، وهذا خارج عنهما لارتباط الجواب والسؤال فكيف يكون استئنافا نحوياً، والجواب عنه أنه في ابتداء كلام المجيب تحقيقاً أو تقديراً فيدخل فيما ذكره، أو المراد بكونه مقتطعا عما قبله أن لا يعطف عليه ولا يتعلق به من جهة الإعراب وان ارتبط بوجه آخر. قوله: (والمراد بالظليم هنا الشرك) فإن قلت لا يلزم من قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان، الآية: 13] إن غير الشرك لا يكون ظلما قلت: التنوين في بظلم للتعظيم فكأنه قيل لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم ولما تبين أنّ الشرك ظلم عظيم علم أنّ المراد لم يلبسوا إيمانهم بشرك أو أنّ المتبادر من المطلق أكمل إفراده. قوله: (لما روي الخ) (1 (هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد ابن حنبل والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه فقول النحرير: كما ستراه قريبا إن صح لا يليق به، وقوله: يصدق بتشديد الدال يصح قراءته مجهولاً ومعلوما. قوله: (وقيل المعصية الخ) هذا ما ارتضاه الزمخشري تبعا لجمهور المعتزلة لأنّ تفسير الظلم بالشرك يأباه ذكر اللبس أي الخلط إذ هو لا يجامعه، وإنما يجامع المعاصي قال النحرير: قد شاع استدلال المعتزلة بهذه الآية على أنّ صاحب الكبيرة لا أمن له، ولا نجاة من العذاب حيث دلت بتقديم لهم على اختصاص الأمن بمن لم يخلط إيمانه بظلم أي بفسق، وأجيب بأنّ المراد بالظلم هنا الشرك الذي هو ظلم عظيم كامل، ويشبه أن يكون تنكير ظلم إشارة لهذا بدليل ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه والزمخشرقي دفعه بأنّ لبس الإيمان بالشرك أي خلطه به مما لا يتصوّر لأنهما ضدان لا يجتمعان، والحديث إن صح خبر واحد في مقابلة الدليل القطعي فلا يعمل به، والقول بأنّ الفسق أيضا لا يجامع الإيمان عند المعتزلة لكونه اسما لفعل الطاعات، واجتناب المعاصي حتى إن الفاسق ليس بمؤمن كما أنه ليس بكافر مدفوع بأنه كثيراً ما يطلق على نفس التصديق بل لا يكاد يفهم منه بلفظ الفعل غير هذا حتى إنه يعطف عليه عمل الصالحات، وأجيب بأنه إن أريد بالإيمان مطلق التصديق سواء كان باللسان، أو غيره فظاهر أنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 يجامع الشرك، كالمنافق وكذا إن أريد تصديق القلب لجواز أن يصدّق بوجود الصانع دون وحدانيته كما في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [سورة يوسف، الآية: 06 ا] وهو ما أشار إليه المصنف رحمه الله، ولو أريد التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرح عن الكفر فلا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما بحيث يصدق عليه أنه مؤمن، ومشرك بل تغطيته بالكفر وجعله مغلوباً مضمحلا أو اتصافه بالإيمان ثم الكفر ثم الإيمان ثم الكفر مراراً، وبعد تسليم جميع ما ذكر فاختصاص إلا من بغير العصاة لا يوجب كون العاصة معذبين البتة بل خائفين ذلك متوقعين للاحتمال، ورجحان جانب الوقوع وقيل فيه بحث لأنّ اللبس على هذا المعنى متحقق على تقدير الانتهاء إلى الإيمان بتأخره عنه فيلزم أن ينتفي إلا من حينئذ البتة ولأنّ المراد بالأمن نفيا واثباتاً التعذيب وعدمه، والا قالا من كفر كاليأس ويدفع بأنّ المراد باللبس بالكفر أن يكون الكفر متأخراً لأنه جعل كاللباس والغطاء وما قبله كالتوطثة والفراش، وكون الإيمان يجبّ ما قبله قرينة له كما هو معلوم من الدين بالضرورة، والمراد بالأمن الطرف الراجح الذي هو كالجزم كما أشار إليه وليس هو إلا من الذي يكفر به، وفي بعض الحواشي فإن قيل المؤمن الفاسق الذي مات على الفسق ليس له الأمن فما وجه حمل الظلم على الشرك مع أنه يقتضي أنّ من لم يشرك آمن، وإن كان فاسقا قيل على التقدير المذكور يكون المراد من الأمن الأمن من خلود العذاب، ومن الاهتداء الاهتداء إلى طريق توجب إلا من الخلود فإذا كان المراد من الظلم المعصية، كان الأمن إلا من العذاب مطلقا فتأمّل. قوله: (1 ن جعل خبر تلك) وآتيناها خبر بعد خبر أو معترضة أو تفسيرية، وقيل يصح تعلقه بآتينا لتضمنه معنى الغلبة وجعله متعلقاً بمحذوف في هذا الوجه لئلا يلزم الفصل بين أجزاء البدل بأجنبي. قوله: (بالتنوين (قال أبو البقاء: يقرأ بالإضافة على أنه مفعول نرفع فرفع درجة الإنسان رفع له، ويقرأ بالتنوين فمن مفعول، ودرجات منصوب على الظرفية أو على نزع الخافض أي إلى درجات أو على المصدرية بتأويل رفعات أو هو تمييز، وأما كونه مفعولاً ومن بتقدير لمن فبعيد. قوله: (كلاَ منهما (لم يقل منهم لأنّ هداية إبراهيمءلمجييه معلومة مما سبق، لأنّ الغرض تعديد النعم على إبراهيمءلمجب! بشرف الأصول والفروع، والولد لا يعد نعمة ما لم يكن مهدياً، قيل وإنما ذكر نوحا لمجم! هـ لأنّ قومه عبدوا الأصنام فذكره ليكون له به أسوة وأمّا إنه لما ذكر أنعامه من جهة الفرع ثني بذكر النعمة من جهة الأصل فلا دلالة في النظم على علاقة الأبوّة، وقد قيل إنها معلومة بدليل آخر أو لشهرتها، ولك أن تقول أن من قبل دال عليه، فتدبر. قوله: (الضمير لإبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ) وهو من عطاياه التي امتن بها عليه على كلا الوجهين، لأنّ شرف الذزية وشرف الأقارب شرف لكنه على الأوّل أظهر، ويكون تطرية في مدح إبراهيم صلى الله عليه وسلم بالعود إليه مرّة بعد أخرى، وقال محيي السنة رحمه الله: ومن ذرّيته أي ذرّية نوح ع! ي! هـ ولم يرد من ذرّية إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه ذكر في جملتهم يونس صلى الله عليه وسلم وكان من الأسباط في زمن شعياء أرسله الله تعالى إلى أهل نينوى من الموصل وقال إنّ لوطاً صلى الله عليه وسلم كان ابن أخي إبراهيم لمج! هـ ابن تارح آمن بإبراهجم ولشص معه مهاجرا إلى الشأم فأرسله الله إلى أهل سدوم، ومن قال الضمير لإبراهيم صلى الله عليه وسلم يقدر ومن ذزية إبراهيم، وسليمان صلى الله عليه وسلم هدينا لأنّ إبراهيم هو المقصود بالذكر، وذكر نوح لتعظيم إبراهيم ولذلك ختم بيونس ولوط وجعلهما معطوفين على نوحا هدينا من عطف الجملة على الجملة، وصاحب الكشف أخرج إلياس صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك لما في جامع الأصول عن الكسائيّ إنهما من ذرّيته فبقي لوط خارجا ولما كان ابن أخيه آمن به وهاجر معه أمكن أن يجعل من ذزيته على سبيل التغليب كما ذكره الطيبي، وعليه ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى 0 قوله: (عطف على نوحاً) وذكر إسماعيل وان كان من ذرّية إبراهيم لأنّ السكوت عن إدراجه في الذرّية لا يقتضي أنه ليس منهم، وأنما لم يعد في موهبته لأنّ هبة إسحق كانت في كبره وكبر زوجه فكانت في غاية الغرابة، وذكر يعقوب لأنّ إبقاء النبوّة بطنا بعد بطن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 غاية النعمة ولم يعطف كلاً هدينا لأنه مؤكد لكونه نعمة. قوله: (جزاء مثل ما جزينا (قيل عليه أنّ مجموع الأمور الثلاثة من رفع الدرجة، وكثرة الأولاد والنبوّة فيهم ليست موجودة في غير إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والمراد بمماثلة جزائهم لجزائه مطلق المشابهة في مقابلة الإحسان بالإحسان والمكافأة بين الأعمال، والا جزية من غير بخس لا المماثلة من كل وجه لأنّ اختصاص إبراهيمءكب! هـ بكثرة النبوّة في عقبة مشهور فلا يرد عليه ما توهم. قوله: (دليل على أنّ الذزية تتناول أولاد البنات) لأنّ انتساب عيسى صلى الله عليه وسلم ليس إلا من جهة أمّه، وأورد عليه أنه ليس له أب يصرف إضافته إلى الأمّ إلى نفسه فلا يظهر قياس غيره عليه والمسألة مختلف فيها والقائل بها استدل بهذه الآية وآية المباهلة حيث دعا صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين رضي الله عنهما بعدما نزل ندع أبناءنا وأبناءكم إن لم نقل إنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنّ هذا ليس بشيء لأن مقتضى كونه بلا أب أن لا يذكر في حيز الذرّية وفيه نظر، وقوله: (فيكون البيان) المراد به قوله ومن ذرّيته، ويكون توله وزكريا وما بعده معطوفا على مجموع الكلام السابق. قوله: (قيل هو ادرش! جدّ نوح) عليهما الصلاة والسلام، وعلى هذا لا يجوز إرجاع ضمير ومن ذرّيته إلى نوح-لمج! هـ، وقيل إلياس من ولد إسماعيل، وعن العينيّ أنه سبط يوشع بن نون. قوله: (الكاملين في الصلاح) جواب عما يقال الصلاح صفة محمودة في نفسها لكنها لا يوصف بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 0 قوله: (وقرأ حمزة والكسائي الليسع) بوزن الضيغم وهو آعجمي دخلت عليه الألف واللام على خلاف القياس وقارنت النقل فجعلت علامة للتعريب، كما قال التبريزي إن استعماله بدونها خطأ يغفل عنه الناس، ويكون تنظيره باليزيد في دخول اللام فيما لا تدخل قبل النقل فإن كان فعلا فشابه العجمي الفعل في عدم جواز دخول أل عليه، فليس يسع من قبيل يزيد فعلاً حتى يرد أنّ دخول اللام عليه مخصوص بالضرورة فلا يصح تخريج ما في القرآن عليه فإنّ التشبيه ليس من كل الوجوه، ووجه الشبه ما مرّ، وهو أعجمي قيل إنه معرّب يوشع. قوله: (رأيت الوليد بن اليزيد الخ) هو من قصيدة للرمّاح بن ميادة من قصيدة مدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان أوّلها: ألا تسأل الربع الذي ليس ناطقاً واني على أن لا أنين لسائله كم العام منه أومتى عهد أهله وهل يرجعن لهو الشباب وعاطله هممت بقول صادق أن أقوله واني على رغم العداة لقائله رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديداً بأعباء الخلافة كأهله أضاء سراج الملك فوق جبينه غداة تناجي بالنجاح قوابله وهي قصيدة طويلة وقد قيل: إنّ اللام دخلته لمشاكلة الوليد وهي فيه للمح الأصل ورأيت إن كانت علمية فمباركا مفعول ثان، والا فهو حال وشديداً حال مترادفة أو متداخلة، وأعباء جمع عبء كثقل لفظا معنى وإضافته إلى الخلاف كأظفار المنية أو لجين الماء أو هو استعارة تصريحية لمهماتها، وما قيل إنه من قبيل لجين الماء وفيه استعارة تخييلية مجرّدة عن المكنية وهم، والكاهل ما بين الكتفين، ويونس بن متا بالمثناة كحتى ويقال: متتا بالفك اسم أبيه، وقيل: اسم أمّه وأنه لم يشتهر نبيّ باسم أمّه غير يونس وعيسى صلى الله عليهما وسلم وقد رسم بالألف. قوله: (وفيه دليل الخ) قيل ظاهره تفضيل كل منهم على من عداه وهو مشكل لأنه يلزم منه تفضيل الشيء على نفسه ولو أول بعالمي زمانه إنما يتم لو لم يجتمع في زمان نبيان وليس كذلك فإبراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام اجتمعا فتوجيهه تحصيص العالمين بمن ليس نبياً واليه أشار بقوله بالنبوّة، وبقوله على من عداهم من الخلق ليلزم كون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من الملائكة على ما هو المشهور من الاستدلال عليه بهذه الآية، وفيه إنه لا يلزم فضل غير المذكورين من الأنبياء عليهم ولا فضلهم على رسلهم لأنّ المراد كما صرّح به تفضيلهم بالنبوّة فاويهم فيها، وأما التفضيل على الملائكة مطلقا فمن عموم العالمين فلا يرد ما ذكره. قوله: (عطف على كلا) الظاهر أنه أراد أنه عطف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 على كلا فضلنا وجوّز أن يريد بكلا أحدهما لا على التعيين، فقوله أو هدينا هؤلاء إشارة إلى أنه واقع موقع المفعول به لتأويله ببعض، وقوله: فإنّ الخ إشارة إلى وجه ذكر من التبعيضية في النظم، وقوله تكرير لبيان ما هدوا إليه أي لأجل بيانه لأنّ المهديّ إليه لم يتكرّر، والمكرّر الهداية، وقوله: ما دانوا به يعني أديانهم، ويصح أن يكون إشارة إلى الهدي إلى الطريق المستقيم. قوله: (دليل على أنه متفضل عليهم بالهداية) قيل فيه دليل على أنّ الهداية بمشيئته تعالى، وأما أنه متفضل بها فمبناه على عدم لزوم المشيئة لذاته وذلك غير ذلك، وردّ بأنه ظاهر من لفظ المشيئة فإنها مرادفة للإرادة ومن كلمة التبعيض، ولذا قال بعضهم لما جعل المشيئة علة الهداية صارت تفضلاً بلا شبهة فاندفع ما فيه وما أورد عليه. قوله: (مع فضلهم) قيل لو أخره بعد قوله: (لحبط عملهم) كان أولى وأمره سهل، وقوله: (بسقوط ثوابها) إشارة إلى أنّ سقوط الأعمال لا يتصوّر بعد الوقوع، وإنما الساقط جزاؤها، وقوله: (والرسالة أليس عطفاً تفسيريا بل المراد أنّ النبوّة وان كانت أعمّ فالمراد بها ما يشمل الرسالة لأنّ المذكورين رسل، وقد يقال إنما ذكر الأعمّ في النظم لأنّ بعض من دخل في عموم آبائهم وذرّياتهم ليسوا برسل فلا يرد عليه أنّ تفسير النبوّة بالرسالة غير ظاهر، وتفسير هؤلاء بقريش من قرينة خارجية مع دلالة إشارة والمقام. توله: (أي بمراعاتها) هذا تفسير لمحصل معنى التوكيل بها لأنّ معناه الحفظ، وما قيل المراد بتوكيلهم بها توفيقهم للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهد فمعنى المراعاة داخل في معنى التوكيل إن أراد أنه تفسير له بجزء معناه، فلا نسلمه لأنه وما ذكره من لوازمه ولو سلم فإنما تركه لتكرّره مع قوله ليسوا بها بكافرين وما توهم من أنه إشارة إلى تقدير مضاف، وأنّ فيه مبالغة لأنه يقتضي مراعاة المرإعاة تعسف لا وجه له. قوله. (وهم الأنبباء عليهم الصلاة والسلام المذكورون ومتابعوهم) رجحه الزمخشري بوجهين، الأوّل أنّ الآية التي بعده إشارة إلى الأنبياء المذكورين عليهم الصلاة والسلام فإن لم يكن الموكلون هيم لزم الفصل بالأجنبي الثاني أنه مرتب بالفاء على ما قبله فيقتضي ذلك، وقيل إنّ فيه بعداً فان الظاهر كون مصذق النبوّة ومنكرها مغايراً لمن أوتيها، ولدّلك رجح بعضهم غير هذا الأوّل وهو أن يراد كل مؤمن، وقوله وقيل الملائكة قال الإمام فيه بعد لأنّ القوم قلما يقع على غير بني آدم. قوله: (فاختص) أمر من الاختصاص أي اجعله منفرداً بذلك واجعل الاقتداء مقصوراً عليه وهو مستفاد من التقديم. قوله: (والمراد بهداهم الخ) فإن قيل الواجب في الاعتقاد وأصول الدين هو اتباع الدليل من العقل أو السمع، ولا يجوز لا سيما للنبي مج! يي! أن يقلد غيره فما معنى أمره بالاقتدأء بهداهم قلنا معناه الأخذ به لا من حيث إنه طريقهم بل من حيث إنه طريق العقل والشرع ففيه تعظيم لهم وتنبيه على أنّ طريقهم هي الحق الموافق للعقل والسمع كذا قال النحرير: وفيه إنّ اعتقاده حينئذ ليس لأجل اعتقادهم بل لأجل الدليل فلا معنى لأمره بالاقتداء في ذلك، وأيضا قيل عليه أنّ الأخدّ باصول الدين حاصل له قبل نزول هذه الآية فلا معنى للأمر يأخذ ما قد أخذ قبل إلا أن يحمل على الأمر بالثبات عليه، فتعين كما قاله بعض المحققين إنّ الاقتداء المأمور به ليس إلا في الأخلاق الفاضلة والصمفات الكاملة، وإذا أمر رسوله ىشيي! أن يقتدي بجميعهم في ذلك، وهو معصوم عن مخالفة ما أمر به ثبت أنه اجتمع فيه جميع ما تفرق فيهم من الكمال، وثبت بهذه الآية أنه أفضل الرسل كما قال الإمام رحمه الله: وهو استنباط حسن فثبت أنه أفضل من الجميع كما ثبت أنه أفضل من كل واحد منهم، ولما نقل عن ابن عبد السلام إنه لا يدلّ على تفضيله على الجميع شنع عليه علماء عصره، واعلم أنّ المأمور بالاقتداء فيه هو العقائد لا الفروع مطلقا فما قاله النحرير: وغيره لا وجه له. قوله: (فليس فيه دليل عليه الصلاة والسلام متعبد بشرع من قبله) كما ذهب إليه كثير واستدلوا بهذه الآية وردّه المصنف كغيره بأنّ المراد بها العقائد الدينية مما لا يتبذل دون الفروع لأنها ليست مضافة إلى الكل، ولا يمكن التأسي بهم جميعاً فيها لتناتض الأحكام وأيضاً لو تعبد بشريعة لنقل إلينا ولم ينقل وقد عرفت ما في هدّا الوجه الذي اختاره فتذكر. قوله: (والهاء في اقتده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 للوقف الخ) أي هاء السكت التي تزاد في الوقف ساكنة إجراء للوصل مجرى الوقف، وبعضهم يحرّكها تشبيهاً لها بهاء الضمير، والعرب كثيراً ما تعطي للشيء حكم ما يشبهه وتحمله عليه، وقد روي قول المتنبيّ: وأحرّ قلباه ممن قلبه شبم بضم الهاء وكسرها على أنها هاء السكت شبهت بهاء الضمير فحركت، والأحسن كما في الدرّ أن يجعل الكسر لالتقاء الساكنين لا لشبه الضمير لأنّ هاء الضمير لا تكسر بعد الألف فكيف بما يشبهها، وأمّا كونه اتبع فيه خط المصحف فمما لا ينبغي ذكره لأنه يقتضي أنّ القراءة بغير نقل تقليدا للخط فمن قاله فقدوهم، وقيل إنها ضمير المصدر أي اقتد الاقتداء، وهو أقرب لأنّ إجراء الوصف مجرى الوقف ضعيف حتى قيل إنه مخصوص بالضرورة، والمراد بقوله أشبعها أنه كسرها ووصلها بياء وهو قراءة كما في الدرّ المصون، وابن عامر كسرها من غير إشباع وهو الذي تسميه القراء اختلاساً. قوله: (جعلا من جهتكم) هذا القيد معلوم من قوله أسألكم لأن المسؤول منه يطلب شيء من جهتة بالضرورة، وقيل إنه ماخوذ من قوله في موضمع آخر إن أجرى إلا على الله، قيل والآية تدلّ على أنه يحل أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام وللفقها فيه كلام لشهرته غنيّ عن البيان، والجعل بضمّ الجيم وسكون العين كالجعالة، والجعيلة ما يجعل للإنسان بفعله وهو أعمّ من الأجر والثواب كما قاله الراغب. توله: (وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه) قيل فيه اعترإف بعدم اختصاص الهدي المذكور بالأصول فلا وجه لنفي التمسك به قبيله) قلت) استفادة الاقتداء بهم في الأصول من الأمر الأوّل لا ينافي أن يؤمر بالاقتداء بهم في أمر آخر كالتبليغ وتلك آية هذه آية أخرى، ولا ينافيه تقدم المتعلق للحصر ثمة لأنه نفي لاتباع طريقة غيرهم في شيء أخر، ألا ترى قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [سورة الأحقاف، الآية: 35] لا ينافي تلك الآية وقد أمر فيها بالاقتداء بهم أيضا وهو معلوم من تحقيق المسألة والنظر فيما قاله أهل الأصول فيها فلا حاجة إلى ما قيل مخالفته لتخصيص الهدي بالأصول ظاهرة وأمّ لزوم جواز التمسك المذكور فلا لأنّ محل الخلاف هو أنه مأمور بالتعبد بشرع من قبله فيما لم يوجد في القرآن ما يدل على وجوبه أو حرمته أو إباحته فإذا وجد ذلك لا يكون محل الخلاف كيف وكثير من أحكام القرآن في الكتب المتقدمة، وقوله: إلا تذكيراً جعله نفس التذكير مبالغة، وذكرى مصدر كما مرّ ولا حاجة لتأويله بمذكر والمراد بالغرض غرض التبليغ والقرآن، ويصح تفسيره بالأجر أيضاً. قوله: (وما قدروا الله حتى قدره) فسره هنا بما عرفوه حق معرفته وفي الزمر بما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه لأنه في الأصل معرفة المقدار بالسبر ثم إستعمل في معرفة الشيء على أتمّ الوجوه حتى صار حقيقة فيه كما قالوا رحم الله من عرف قدره أي نفسه وحقيقته ومعرفة الله لما لم تكن إلا بصفاته فسر في كل محل بما يليق به فهنا لما كان في حق المشركين والكفار ناسب العظمة فدّكر في كل مقام ما يليق به، ولهذا فسر أيضا بما وصفوه حق وصفه لما عرفت. قوله: (في الرحمة والأنعام على العباد (لما جعل قولهم ما أنزل الله على بشر من شيء سبباً لأنهم ما عرفوه حق معرفته فإمّا أن يكو! اعدم المعرفة في صفة أالمطف أو في صفة القهر فإن كان في اللطف فالسبب إنكار النبوّة لأنها من أجل رحمته بالعباد، وان كان في القهر فالسبب الجسارة على ذلك الإنكار والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله حين أنكروا الخ. قوله: (والقائلون هم اليهود الني) اختلفوا في القائلين ما أنزل الله على بشر من شيء فذهب الجمهور إلى أنهم اليهود، واستدل عليه بقراءة الخطاب في قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} [سورة الأنعام، الآية: 191 وتقرير الاستدلال أنّ قوله قل من أنزل الخ جواب لأولئك القائلين والتاء في تجعلونه خطاب لهم ولا شك في أنّ الجاعلين التوراة قراطي! هم اليهود فيكون القائلون تلك المقالة هم اليهود، فإن قلت اليهود يقولون التوراة كتاب الله أنزله على موسى صلى الله عليه وسلم، فكيف يقولون ما أنزل الله على بشر من شيء أجيب بأنّ مرادهم الطعن في رسالته صلى الله عليه وسلم مبالغة في ذلك الإنكار فقيل لهم على سبيل الإلزام قد أنزل الله التوراة على موسى صلى الله عليه وسلم فلم لا يجوز إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فكأنهم أبرزوا إنزال القرآن عليه في صورة الممتنعات حتى بالغوا في إنكاره فألزموا بتجويزه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 ثم وصف كتاب موسى صلى الله عليه وسلم قصداً إلى تجهيلهم وتوبيخهم بصفات ثلاث أحدها أنه نور وهدى للناس، وثانيها أنهم حرّفوه وتصرّفوا فيه بابداء بعض واخفاء كثير كصفته غ! يرو وآية الرجم، وثالثها إنهم علموا في ذلك الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا ولا آباؤهم مما كانوا يختلفون فيه، وقراءة الغيبة على هذا التفات تبعيدا لهم بسبب ارتكابهم القبيح عن ساحة الخطاب، ولذا خاطبهم حيث نسب إليهم الحسن في قوله وعلمتم، وهذا من عيون اللطائف في الالتفات ويؤيد هذا الوجه ما روي في سبب النزول فقوله مبالغة الخ إشارة إلى أنهم عمموا الإنكار مع اعترافهم بالتوراة لذلك، وقوليما نقض كلامهم أي ردّه بإلزامهم كما عرفت وقراءة الجمهور بالجرّ عطف على نقض فإنها تدل على أن الخطاب لليهود، وقراءة الياء التفات نكتته ما ذكرنا مع مناسبته للغيبة في قالوا وقدروا. قوله: (بدليل الخ) هو دليل على كون الخطاب لليهود لكونهم الذين صدو منهم ذلك أو دليلى للمبالغة لأنهم لا ينكرون نزول التوراة فهو كما إذا قيل فلان يعرف الفقه فقلت منكراً لذلك هو لا يعرف شيئاً أصلا مع أنه لا بد لمعرفته لشيء مّا، وإنما ألزموا بالتوراة لاعترافهم بها فكلامهم مبالغة على طريق الكناية أو أنه كان لذهول من الغضب والتهوّر كما روي عن ابن الصيف. قوله: (وقراءة الجمهور) بالجر قيل الذين يجعلون التوراة كذلك هم أليهود لا قريش، وأمّ على قراءة الياء التحتية فيكون التفاتا جعلوا غيبا لثناعة ارتكاب ذلك الفعل وليس اعتراضاً بأنّ قراءة الياء لا تخرجه عن الاستدلال لأنّ ذلك الفعل، إنما صدر منهم وأنّ المصنف رحمه الله أيضا قصد التعريض بالاعتراض على تخصيص الزمخشريّ الاستدلال بقراءة الخطاب كما قيل فإنّ مراد العلامة إنّ قراءة الخطاب، أظهر في ذلك لدلالتها بالمعنى والصيغة. قوله: (وتضمن (وفي نسخة وتضمين وهو معطوف على نقض، وهو دليل آخر لأنه لو كان جوابا لكفار قريش لم يكن ما ذكر من التوبيخ في موقعه لأنهم لا يوبخون بفعل غيرهم فهو دليل على أنه جواب، وخطاب لهم فيكون القول الأوّل منهم، ومن لم يتفطن لهذا قال إنه عطف على قراءة الجمهور لا على إنه دليل آخر أوله مدخل فيه وان أوهمه ظاهر العبارة، وكيف يعطف على الدليل ما ليس بدليل، وفي نسخة تضمن على المضيّ فلا يكون من الدليل ويكون كقوله في الكشاف وأدرج تحت الإلزام توبيخهم انتهى، وتوبيخهم مفعول تضمن وذمهم بصيغة المصدر معطوف عليه والمراد بالحمل الحفظ من غير عمل كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [سورة الجمعة، الآية: 5] الآية. قوله: (روي) هذا الحديث) 1 (أخرجه ابن جرير والطبرانيّ عن سعيد بن جبير، والصيف بالصاد المهملة كضد الشتاء، والحبر بكسر أوّله وفتحه العالم الفصيح وليس حينئذ من إسناد ما صدر من البعض، إلى الكل إذا أريد به إنكار بعثته صلى الله عليه وسلم مبالغة ويكون منه إن أريد ظاهره، وليس إسناده إليهم لأنهم رضوا به لأنّ تمام الحديث يدلّ على خلافه كما سيأتي إذ لا يلزم ذلك في هذا الإسناد ولو سلم فجعله رئيسا لهم في حكم الرضا بما يقوله، ويفعله وحي! عذ فاللوم والتوبيخ لمالك حين جسر على مثله، وإن لم ينكر نزول التوراة في الحقيقة أو جعل عدم العمل والرضا بما فيها بمنزلة إنكارها، قيل وهذا الوجه لا يلائم لومهم وإلزامهم بإنزال التوراة على موسى عت! هـ لا سيما بعد أن قال هذا القائل، إنما صدر هذا عني من الغضب ثم إنّ النحرير جعل قوله روي الخ جواباً مستقلاً حيث قال إنّ هذا القول صدر مبالغة في إنكار إنزال القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم أو غضباً وذهولاً عن حقيقة الكلام كما أشار إليه بقوله وروي، الخ لكن الوجه هو الأوّل ولذا رتب عليه بحث الإلزام والتوبيخ حين عيروه انتهى. فلذا عطف في الكشاف بالواو، والعلامة في شرحه جعله مؤيداً للجواب الأوّل، ولم بجعله جوابا مستقلا وكان المصنف رحمه الله تعالى جنح إليه فترك العطف فلا يرد عليه ما قيل الظاهر أن يقول وروي بالواو لأنه بدونه يوهم كونه بيانا لكون القائلين هم اليهود لا وجها آخر، وليس كذلك لعدم دلالة هذه الرواية على أنّ الغرضى من هذا القول نفي إنزال القرآن، فتأمّل وقوله أنشدك الله قسم من نثده بمعنى سأله، وبغض الله للحبر السمين لأنه يدلّ على الحمق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 والجهل ولأنه من كثرة التنعم باكل والشرب في أكثر ولذا قيل ما أفلح سمين قط، وهو أغلبي، وتتمة الحديث: " فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود " فضحك القوم فغضب، ثم التفت إلى عمر رضي الله عنه فقال ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له قومه ما هذا الذي بلغنا عنك قال: إنه أغضبني فنزعوه أي عزلوه عن كونه رئيساً عليهم وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف. قوله: (وقيل هم المشركون الخ) وعليه قراءة الياء التحتية ظاهرة لقولهم: {لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 57 ا] ولقولهم: {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} إلا أنّ قوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} لا يلائمه لأنه ليس من فعل المشركين فلذا جعل من الانتقال عن خطابهم إلى خطاب اليهود به تعريضاً بهم بأنّ إنكارهم إنزال الله من جنس فعل هؤلاء بالتوراة في البطلان وعدم الإسناد إلى برهان، وعلى قراءة الخطاب فهو التفات من خطاب قوم إلى خطاب قوم آخرين وهو التفات عند الأدباء لكن الالتفات في القول المختار أبلغ وأحسن، وقيل: إنهم لما سمعوا كلام اليهود ورضموا به خوطبوا بما يخاطبون به وهو بعيد. قوله: (على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) والخطاب لليهود كما صرحوا به واليه يشير قول المصنف رحمه الله زيادة على ما في التوراة وقوله: (وقيل الخطاب الخ) فإن قيل إنه من جملة مقول قل من أنزل، وليس أجنبيا بينه وبين قل الله فأفي داع لتعيين إنه خطاب لليهود أو لقريش قيل هو لا يدخل معنى في حيز من أنزل الكتاب الخ إذ لا دخل له في الجواب، ولدّا قالوا إنه في موقع الحال أو عطف على مقول قل على إنه مقول آخر بالاستقلال وعلى تقدير كون الخطاب لقريش فهو خطاب لمن آمن منهم إذ التعليم إنما هو لهم لا للكفرة ولم يتعرّضوا لما فيه من القراءتين على الالتفات، ولا شبهة أن في قوله ما لم تعلموا إشارة إلى أنهم أهل علم بالكتاب فلذا لم يلتفتوا إلى كونه خطابا لقريش تنزيلاً لعلمهم الحاصل بالتعليم منزلة العدم لعدم العمل بموجبه توبيخا لهم كما قيل، وضعف كونه خطاباً لمؤمني قريش لعدم اقتضاء السياق والسباق له، وعلى هذا هو اعتراض للامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأتباعه لهدايتهم للمجادلة بالتي هي أحسن كما في الكشف والذي اقتضى التخصيص أنّ التعليم فاعله إمّا الإحبار أو النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلى الأوّل الخطاب لليهود، وعلى الثاني للمؤمنين، وما قيل الظاهر أن يقال هم قريش حتى يندرح فيهم من آمن منهم ويكون أوّل الكلام خطاباً لبعضهم وآخره خطابا لبعضهم وهم مؤمنوهم وإذا كان الخطاب مع اليهود وخطاب تجعلونه لهم، فلا يظهر لخطاب من آمن من قريش بهذا الخطاب وجه إلا أن يقال الناس عامّ فيدخل فيهم قريش وعلمتم معطوف على تجعلونه والخطاب فيه للناس باعتبار اليهود، وفي علمتم لهم باعتبار مؤمني قريش تكلف لا حاجة إليه. قوله: (أي أنزله الخ (يعني هو إمّا فاعل فعل مقدر أو مبتدأ خبره جملة مقدرة، واختلف في الأرجح منهما فقيل تقدير الفعل ليطابق السؤال ويقل التقدير، لأنّ ما بعد أداة الاستفهام في من أنزل فعل، وقيل: الأرجح تقدير الله أنزله وهو المطابق لمن أنزل بتقدير الله أنزله أم غيره مع إفادته للتقوّى وقد مرّ الكلام فيه، وله تفصيل في كتب العربية والمعاني وقوله أمره بأن يجيب عنهم إشارة إلى نكتة تلقين السائل الجواب، وعدم نقل جوابهم إشارة إلى أنهم ينكرون الحق مكابرة منهم وقد مرّ تفصيله. قوله: (في أباطيلهم) قد مر أنّ الخوض هو المتكلم في الشيء وأنه مخصوص بالباطل في المشهور، وإليه أشار المصنف رحمه الله وقوله: (فلا عليك) أصله، فلا بأس عليك واسم لا يحذف كثيراً، وقد سمع في هذا بخصوصه، ووجوه الإعراب فيه ظا+ص. وكونه حالاً من ضمير خوضهم لأنه مصدر مضاف لفاعله، وقوله: (أو من هم الثاني) وهو معطوف على هم الأوّل إشارة إلى أنه لا يصح حينئذ جعل الظرف متصلا بيلعبون على الحالية أو اللغوية لأنه يكون معمولاً له متأخراً عنه رتبة ومعنى مع أنه متقدم عليه رتبة أيضا لأنّ العامل في الحال عامل في صاحبها فيكون فيه دور وفساد في المعنى، وفي قوله والظرف متصل بالأوّل إيجاز لأنه أراد بالكلام الأوّل فيشمل كونه لغواً أو حالاً من هم ولذا لم يقل بهم الأوّل، ومن لم يتنبه له قال لا أرى وجها لعدم ذكره جواز كون الظرف حالاً من مفعول ذرهم مع أن المتبادر من عبارته. قوله: (مبارك كثير الفائدة والنفع) لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 الأوّلين والآخرين، قال الإمام: قد جرت سنة الله بأنّ الباحث عن القرآن والمتمسك به يحصل له عز الدنيا وقد شوهد كذلك في كل عصر، وقوله يعني التوراة خصها لأنها أعظم كتاب نزل قبله، ولأنّ الخطاب مع اليهود أو الكتب التي قبله فهو أعمّ شامل لها ولغيرها ومعنى كونها بين يديه أنها متقدّمة عليه لأنّ كل ما كان بين اليدين فهو كذلك. قوله: (عطف على ما دل عليه مبارك الخ) في الكشاف معطوف على ما دلّ عليه صفة الكتاب كأنه قيل أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار، وقال النحرير: لا حاجة إلى هذا التكلف لجواز أن يكون عطفاً على صريح الوصف أي كتاب مبارك وكائن للإنذار، ومثل هذا أعني عطف الظرف على المفرد في باب الخبر والصفة كثير وقيل الداعي إلى هذا التكلف أنه رأى الصفات السابقة عراة عن حرف العطف ليتلاءم أطراف الكلام ولا ينفك النظام، فلما جيء به مقترناً بالعطف اقتض حسن التوجيه أن لا يحمل على الوصف بل على العطف على محذوف وله غير نظير في القرآن سيما في هذه السورة كما مرّ، وليس بشيء وإن ارتضاه بعضهم لأنه يقتضي أنّ الصفات إذا تعدّدت ولم يعطف أوّلها يمتنع العطف في آخرها أو يقبح، وليس كذلك بل الواقع المصرّح به خلافه كقوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم، الآية: 5] فعطف قوله وأبكارا مع ترك العطف في الصفات السابقة لكنه لنكتة يمكن اعتبار ما يضاهيها هنا، مع أنّ ما ذكره لازم على الوجه الثاني وهو قوله أو علة لمحذوف الخ لأنّ جملة وأنزلناه لتنذر معطوفة على أنزلنا الواقع صفة فالظاهر أنّ الحامل على هذا أنّ اللفظ والمعنى يقتضيه أمّا المعنى فلأنّ الإنذار علة لإنزاله كما قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 19] ولو عطف لكان على أوّل الصفات على القول الأصح ولا يحسن عطف التعليل على المعلل به ولا الجارّ والمجرور على الجملة الفعلية لأنه نظير هذا رجل أقام عندي وليخدمني ولا يخفى قبحه، ومنه يعلم الحامل اللفظي، وليس تقديم الجارّ فيه للحصر لأنه فهم من الجملة السابقة علة أخرى ككثرة البركة بل للاهتمام لأنّ الإنذار مقتضى المقام أو الحصر إضافيّ، ويصح أن يقدّر لتبشر ولتنذر. قوله: (وإنما سميت الخ) وجه الأوّل أنهم يجتمعون عندها كتجمع الأولاد عند الأمّ المشفقة، ووجه قوله أعظم القرى شأنا أنّ غيرها كالتبع لها كما يتبع الفرع الأصل ووجه قوله لأنّ الأرض! الخ، يعني أنها أخرجت من تحتها كما يخرج الأولاد من تحت الأمّ وأيضاً فالناس يرجعون إليها كما ترجع الأولاد إلى الأمّ، واليه أشار الزمخشريّ في شعر له رويناه في ديوانه من قوله: أنا جار بيت الله مكة مركزي ومضرب أوتادي ومعقد أطنابي فمن يلق في بعض القريات رحله فأمّ القرى ملقى رحالي ومنتابي واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله قبلة أهل القرى ومحجهم، ومنتابي بمعنى مرجعي نوية بعد نوبة وإنما ذكرناه لأنّ شراحه لم يقفوا عليه وعلى المراد منه والقراءة بالياء التحتية على الإسناد المجازي لأنه منذر به. قوله: (أهل المشرق والمنرب) أوّله لعموم بعثته لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سورة سبأ، الآية: 28] واللفظ متحمل له وردّا على من تمسك بها لأنه مرسل للعرب خاصة ولا متمسك فيها لما سمعت على أنه خصهم لأنهم أحق بإنذاره كقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة العراء، الآية: 214] ولذا نزل كتاب كل رسول بلسان قومه مع أنه استدلال لإرساله للعرب وليس فيه حجة على نفي غيره. قوله: (والضمير يحتملهما) أي النبيّ والكتاب على البدل والصلاة المراد بها مطلق الطاعة مجازاً، أو اكتفى ببعضها لما ذكر وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في الثاني، وعلم الإيمان بمعنى علامته ولذا أطلق الإيمان عليها مجازا كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] أي صلاتكم. قوله: (ومن أظلم الخ) استفهام إنكاري معناه النفي والمراد أنه أظلم من جميع المخلوقات كما مرّ ومسيلمة بكسر اللام لأنّ ما بعد ياء التصغير يلزم كسره، والعامّة تغلط فتفتحها، وهو من بني حنيفة أهل اليمامة اذعى النبوّة في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقتل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه والأسود العنسي، كك كاهنا باليمن من بني عنس بعين مهملة مفتوحة ونون ساكنة وسين مهملة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 ادّعى النبوّة، واستولى على اليمن، وأخرج بعض عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فأهلكه الله على يد فيروز الديلمي، وجاء خبر قتله قبيل موته صلى الله عليه وسلم وقيل عقبه، وقوله: (اختلق) بالقاف بمعنى افترى، وعمرو بن لحيّ منقول من تصغير لحى، وهو الذي حرم البحائر وسيب السوائب في الجاهلية والزمخشري قصره على من ادّعى النبوّة والمصنف عمم وأو للتنويع لا للترديد، وعن النبيّ بوو: " رأبت فيما يرى النائم كأن في يديّ سوارين من ذهب فكسرا علئ، وأهماتي، فأوحى الله إلئ أنفخهما فنفختهما فطارا عني، فأؤلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما كذاب اليمامة مسيلمة وكذاب صنعاء الآسود العنسي " (1 (، كذا في الكشاف، قالوا والتأويل المذكور لأنّ السوار سيما الذهبي لا يناسب الرجال سيما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكونهما في يديه دليل على نزاع فيما يتقوّى به من أمر النبوّة ونفخهما إشارة إلى استحقار شأنهما وزوالهما بأدنى شيء وقد كنت تأوّلت هذه الرؤيا قبل الوقوف على هذا بأنّ الذهب النبوّة لأنه أشرف المعادن، وأنفعها لأنه خواتيم الله في أرضه التي بها التعامل، كما أنها أشرف صفات البشر الذين بهم تنتظم الأمور وكونها سوار إشارة إلى أنها بعده أو أنه يذهبها رجلان من أصحابه وهما الصذيق بأمره وخالد بن الوليد بمباشرته رضي الله عنهما والطيران بالنفخ زوالهما بدون مباشرته بنفسه بل بمقتض كلامه وشرعه، ثم وقفت على هذا وهو قريب مما قلته. قوله: (أو قال أوحى إلئ) فسره الزمخشري بمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمصنف رحمه الله جعله عبد الفه بن أبي سرح كاتب الوحي لما كان هذا داخلاً في الافتراء على الله وجه العطف باو بأنّ المراد بالثاني هو القول ولو على سبيل الترديد فيه، وقال الإمام: إنه في الأوّل يدعي أنه أوحى الله إليه ولم ينكر نزول الوحي على النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي الثاني أثبت الوحي لنفسه، ونفاه عنه صلى الله عليه وسلم، فكان جمعاً بين أمرين عظيمين، وهو إثبات ما ليس بموجود، ونفي ما هو موجود فجعل الواو عاطفة وضمير إليه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى توجيه غيره الواو للحال والضمير لمن وكون سبب النزول قصة ابن أبي سرح) 1 (ذكره ابن عطية في تفسيره، وقال ابن عرفة أنه غير صحيح ولم يبين وجهه. قوله: (كالذين قالوا الخ) فيكون دعوا. أنه سينزل بمعنى أنه قادر على ذلك والزمخشري حمل هذه الآية على ابن أبي سرح وساق حديثه هنا، ورجح بأنه ليس في حديثه أنه أوحى إليه بل ادّعى القدرة على ذلك لو روي أنّ هذه القصة كانت لابن أبي خطل، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن ابن الجوزي قال: إنه موضوع، وحديث ابن أبي سرح أخرجه ابن جرير عن السدي بدون قصة فتبارك الله، وقال ابن سيد الناس: في سيرته إنّ عثمان رضي الله عنه شفع له عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقبله بعد تلوّم وحسن بعد ذلك إسلامه حتى لم ينقم عليه شيء ومات ساجدا وأكثر بلاد المغرب فتحت على يديه في زمن عثمان رضي الله عنه. قوله: (حذف مفعوله) ، ثم لما حذف أقيم الظاهر مقام المضمر إذ أصله ولو ترى الظالمين إذ هم وتقييد الرؤية بهذا الوقت ليفيد أنه ليس المراد مجرّد رؤيتهم بل رؤيتهم على حال فظيعة عند كل ناظر، وما قيل ظاهره إنّ المفعول المحذوف هو الظالمون ولكن المقصود أنه هيئة كونهم في غمرات الموت، حال كون الملائكة باسطي أيديهم وجواب الشرط المحذوف شاهد لما قلت، فهو تعسف لتفسيره الكلام بما لا يدل عليه نعم هو وجه آخر، وقيل المفعول إذ والمقصود تهويل هذا الوقت لفظاعة ما فيه وجواب الشرط مقدر أي لرأيت أمرا فظيعا هائلاً. قوله: (شدائده) يعني أصل معنى الغمرة المرّة من غمر الماء ثم استعير للشدة وشاع فيها حتى صار كالحقيقة واليه يشير قول المتنبي: وتسعدني في غمرة بعدغمرة سبوح لهامنها عليها شواهد فانظر موقع قوله سبوح هنا ومثله بسط اليد هنا على الوجه الأخير. قوله: (بقبض أرواحهم الخ) ، والمتقاضحي الغريم الذي يطلب قضاء حقه والملظ بالظاء المعجمة والطاء المهملة الملح الملازم، وقوله: كالمتقاضي صريح في أنه تشبيه لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح في استيفاء حقه، وفي الكشف أنه كناية عن ذلك ولا بسط ولا قول حقيقة وقيل الظاهر من كلام المصنف رحمه الله أن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 هذا القول حقيقة لا تمثيلا وتشبيها لفعل الملائكة عند قبض أرواحهم بفعل الغريم الملظ، كما ذهب إليه في الكشاف فحمل قوله كالمتقاضي على التنظير وأنّ هذا الفعل صادر منهم حقيقة كما يصدر من الغريم، وهو الذي ارتضاه في الانتصاف وبه نطقت الآثار فبسط اليد إئا حقيقة أو على سبيل التمثيل وإذا كان بسط اليد بالعذاب بنحو الضرب فهو حقيقة أو المراد زيادته كما في قوله بل يداه مبسوطتان. قوله: (يقولون لهم الخ) فأخرجوا في محل نصب مقول قول مقدر وهو كثير مطرد والقول المضمر في محل النصب على الحالية من الضمير في باسطو الأمر على الأوّل للعنف بهم، وعلى الثاني للتوبيخ والتعجيز، والأوّل ناظر إلى قبض أرواحهم والثاني إلى قوله بالعذاب، ولو عمم لقوله وخلصوها لكان له وجه، وليس تقدير القول منافيا للتمثيل لأنه على سبيل الفرض أيضا، والمراد باليوم مطلق الزمان لا المتعارف وهو إما حين الإماتة أو ما يشمله وما بعده. قوله: (وإضافتة إلى الهون الخ) الهون والهوان بمعنى كما في قول الخنساء: تهين النفوس وهون النفوس يوم الكريهة أبقى لها واضافة العذاب إما حقيقية لأنّ العذاب قد يكون للتاديب لا للهوان أو هو كرجل سوء كما في الكشاف لأنّ العذاب مضرّة مقرونة بالإهانة، كما إنّ الثواب منفعة مقرونة بالإكرام فالعذاب مشتمل على الهوان واضافته إليه ليفيد أنه متمكن فيه لأنّ الاختصاص الذي تفيده الإضافة اً قوى من اختصاص التوصيف، والعراقة بالعين المهملة الأصالة وأصلها ثبات العروق قيل، ولو ذكر ادّعاء الولد والشريك فيما مضى لكان أنسب، وتعدية القول بعلى لتضمنه الافتراء واليه أشار بقوله كاذبا، وجملة ولقد جئتمونا الخ مستأنفة من كلامه تعالى، ولا ينافي قوله تعالى: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ} [سورة البقرة، الآية: 174، لأنه كناية عن الغضب وكونه من كلام ملائكة العذاب بعيد. قوله: (جمع فرد (على خلاف القياس، وفي الدر المصون فرد بفتح الراء، وقيل: بسكونها وفي نسخة فردان كسكران، وهو يقتضي أنه مفرد محقق لا مقدر، وفي الصحيح كأنه جمع فردان في التقدير إلا أن يكون تسمح في التعبير، وقال الراغب؟ هو جمع فريد كأسير وأسارى وكسالى بضم الكاف وفتحها جمع كسلان وفراد بالضم كرخال جمع رخل أنثى الضأن، وهو جمع نادر لم يات منه إلا كلمات مخصوصة كما مرّ، وقوله: فرداً كثلث يعني بضمتين مفرد بمعنى منفرد كعنق كما في القاموس، فكان الظاهر تكراره كما يقال فردأ فردا لكنه يؤوّل بما أوّل به قوله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} ، [سورة غافر، الآية: 67] ووقع في نسخة فراد كثلاث المعدول عن فرد فرد وقيل إنه من تحريف النساخ لما قيل إنّ مجيء هذا الوزن المعدول مخصوص بالعدد بل ببعض كلماته، ولم نره في اللغة ولا في كلام من يوثق به. زقلت) في الدرّ المصون يقالط جاء القوم فراد غير منصرف كأيحاد ورباع في كونه صفة معدولة وبه قرئ، وقرئ منوّنا مصروفا أيضاً فلا عبرة بإنكاره وكون العدل مخصوصا بما ذكر غير مسلم وإنما هو شائع فيه وإلى هاتين القراءتين أشار المصنف رحمه الله بقوله فرادا كرخال الخ فما ذكر من قلة الاطلاع، وفي تفسير الفراء فرادى جمع والعرب تقول قوم فرادى، وفراد غير منصرف شبهت بثلاث ورباع وفرادى واحده فرد وفريد وفرد وفردان ا!. وفردى كسكرى تأنيث فردان والتأنيث لجمع ذي الحال. قوله: (بدل) أي بدل كل من كل لأنّ المراد المشابهة في الانفراد المذكور والكاف حينئذ اسم بمعنى مثل أو فرد، وعلى الحالية فهي إما حال مترادفة أو متداخلة، وقوله عند من يجوز تعدد الحال أي من غير عطف وهو الصحيح، وقوله أو مشبهين هو على هذا حال أيضا وعطفه بأو لأنه قسيم لما قبله معنى لأنه على ما قبله شبيه في الانفراد وفي هذا باعتبار ابتداء الخلقة فلا وجه لما قيل الظاهر أن يقول أي مكان أو، وقوله: (مشبهين ابتداء خلقكم) كذا قدره أبو البقاء واعترض عليه المعرب بأنهم لم يشبهوا بابتداء خلقهم فصوابه أن يقدر فيه مضاف أي مشبهة حالكم حال ابتداء خلقكم وفيه نظر، وحفاة جمع حاف وهو خلاف المنتعل، والغرل بغين معجمة وراء مهملة ولام الأقلف وصحفه بعضهم عزلاً بعين مهملة وزاي معجمة، وهو خطأ لأنّ هذا هو المروي المأثور في الحديث (1) ، والبهم جمع بهيم أو أبهم وأصله الخيل التي لا شية فيها واستعير للخالي عما يغير هيئته الأصلية، وقوله مجيئا المراد بالمجيء هنا الخلق والإعادة ولذا جعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 كما خلقناكم صفة له، وقوله: فشغلتم إشارة إلى أنه متضمن للتوبيخ، والتخويل بالخاء المعجمة الأنعام وأصله ملك الخول وهم الخدم والنقير النقرة في ظهر النواة ويكنى به عن الشيء الحقير وقوله ما قدمتموه كناية عن كونهم لم يصرفوه إلى ما يفيد في الآخرة وكان الظاهر في العبارة أن يقول ما قدّمتم منه شيئا فكأنه جعل شيئا بدلاً من ضمير المفعول تنصيصا على العموم ولا يضرّ توسط منه لأنه ليس بأجنبيّ. توله: (في ربوبيتكم الخ) يعني أنّ فيكم متعلق بشركاء على حذف مضاف، وهو الربوبية واستحقاق العبادة عطف تفسيري له وقدره الزمخشريّ، في استبعادكم لأنهم حينئذ دعوها آلهة وعبدوها فقد جعلوا لله شركاء فيهم وقيل استعبده جعله عبدا فقوله في استعبادكم أي استعباد الإله إياكم، ولو قال في عبادتكم لكان أصوب لأنهم عبدوها فقد جعلوها شركاء في عبادتهم لا استعبادهم وردّ بأنه لم يجعل ال! ضاف المقدر عبادتكم لأنّ جعلهم شركاء في العبادة، كان على الحقيقة لا الزعم دمانما الزعم كونهم شركاء في اتخاذهم عبيدا ولك أن تجيب عنه بأنّ معنى جعلهم شركاء في العبادة العبادة الحقة المستحقة، وهي ليست على الحقيقة وإليه يشير كلام المصنف رحمه الله. قوله: (أي تقطع وصلكم الخ) هذا على قراءة الرفع وقد قرئ بهما يعني أنه من الأضداد أي الألفاظ المشتركة بين ضدين كالقرء للحيض، والطهر فيكون مصدرا لا ظرفا، وقيل إنه على هذا مصدر بمعنى البينونة والفصل وتحقيقه أنه قد يقال بيني وبينك شركة في كذا كما يقال بيني وبينك فراق والشركة من قبيل الوصلة فاستعمل لذلك بمعنى الوصل وتد اقتدى في ذلك بالإمام وتحقيقه أنّ بعضهم كابن عطية طعن في هذا بأنه لم يسمع من العرب البين بمعنى الوصل، وإنما انتزع من هدّه الآية فقيل عليه إنه فهم أنه معنى حقيقي لها، وهو مجاز كما قاله الفارسي لأنها تستعمل بين الشيئين المتلابسين في نحو بيني وبينك رحم وصداقة وشركة فصارت لذلك بمعنى الوصلة، ولو قيل بأنه حقيقة لم يبعد فإنّ أبا عمرو وأبا عبيد وابن جني والزجاج وغيرهم من أئمة اللغة نقلوه وكفى بهم سنداً فيه فكونه منتزعا من هذه الآية غير مسلم، وقيل هو ظرف أسند إليه الفعل على الاتساع هذا توجيه لقراءة الرفع فهو على هذا لازم الظرفية لكنه توس! ع فيه كما يتوسع بجعله مفعولاً، وفيه نظر، وقيل إنه منصرف غير لازم للظرفية وعليه الزمخشريّ في سورة العنكبوت، وقوله: (والمعنى الخ) يعني أنه وان أسند إليه لفظا لكن المعنى على الظرفية إذ التقدير وقع التقطع بينكم في قراءة النصب. قوله: (وحفص عن عاصم بالنصب) فالوجوه السابقة على قراءة الرفع وأوّله المصنف رحمه الله بما ذكره وقيل إنه الفاعل وبقي على حاله منصوباً حملا له على أغلب أحواله، وهو مذهب الأخفش، وقيل إنه بنى لإضافته إلى مبنيّ كما مز في مثل ما أنكم تنطقون، وقوله: (إنها شفعاؤكم (قيل المناسب للمقام إنها شركاء دته في الربوبية ألا ترى إلى قوله {لَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} (فلت) ما ذكره المصنف رحمه الله هو المناسب لقوله تعالى: {مَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ} . قوله: (على إضمار الفاعل لدلالة الخ) أي تقع الأمر أو الاشتراك بينكم أو وصلكم، وقيل إنّ الفاعل ضمير المصدر ولا يخفى إباء العبارة عنه إذ قوله لدلالة ما قبله لا يناسبه ولو كان كذلك لقال لدلالة الفعل عليه، وقال أبو حيان أنه ليس بصحيح لأنّ شرط إفادة الإسناد مفقودة فيه وهو تغاير الحكم والمحكوم عليه ولذلك لا يجوز قام القائم أو هو أي القيام، وفيه أنه سمع من العرب بدا بداء وقد قدروا في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [سورة يوسف، الآية: 35] بدا البداء فليتأمّل، ثم إنه إذا كان الضمير للمصدر فالمعنى على تأويل التقطع كما مرّ لئلا يصير التقدير تقطع التقطيع، وإذا تقطع التقطيع حصل الوصل وهو ضد المقصود. قوله: (أو أقيم مقامه موصوفه الخ) فما موصوفة لا موصولة ولو سلم جواز حذف الموصول وابقاء صلته، وهو مذهب الكوفيين كما نقله المعرب لأنها إذا كانت ظرفاً غير متصرّف يلزم حذف الفاعل من غير بدل يحل محله وجوازه في مثله غير مسلم، وقد أشار أبو حيان رحمه الله تعالى إلى منعه ولم يذكر فيه خلافا قال: والذي يظهر لي أنه من باًب التنازع سلط على ما كنتم تزعمون تقع وضل فاعمل الثاني، وهو ضل وأضمر في تقطع ضميرها وهي الأصنام فالمعنى لقد تقطع بينكم ما كنتم تزعمون وضلوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 عنكم كما قال تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [سورة البقرة، الآية: 66 أ] أي لم يبق إيصال بينكم وبين ما كنتم تزعمون أنهم شركاء فعبدتموهم وهذا إعراب حسن لم يتنبه له أحد. قوله: (بالنبات والشجر (لف ون! ئمر مرتب لأنها تتشقق ويخرج م! نها شيء ينمو والحب معروف، رالنوى ما في جوف التمر، ثم إنّ قوله الشقاق الخ مروي عن مجاهد رحمه الله وضعف بأنه لا دلالة له على كمال القدرة مع أنّ الشقاق داء يكون في الدواب، وأما استعماله بمعنى الشق فلم يذكره أهل اللغة إلا أنه وقع في شرح التسهيل صيغة فعال يكون للادواء كالزكام والأصوات كالصراخ قال ابن عصفور: وهو مقيس فيهما وفيما تفرق أجزاؤه كالرفات والحطام فيمكن أن يخرج هذا عليه لدلالته على التفرّق. قوله: (ليطابق ما قبله) قيل مشابهة إخراج الحي من الميت للأنبات تكفي للمطابقة وهذا غفلة عن كونه بيانا لما قبله ولذلك ترك العطف فلا بذ من تعميمه ليصلح لذلك، وقوله: (ذلك) إشارة إلى غير النامي. قوله: (حملاَ على فالق الحب الخ) أي عطفا عليه لا على يخرج الحيّ لأنه بيان لفالق الحب والنوى وهذا لا يصلح للبيان وإن صح عطف الاسم المشتق على الفعل وعكسه كقوله: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [سورة الملك، الآية: 19] والإمام وصاحب الانتصاف جعلاه معطوفاً على يخرج الحيّ من الميت، وفيه من البديع التبديل كقوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [سورة الحج، الآية: 61] وإنما عدل إلى صيغة المضارع في يخرج ليدل على تصويره وتمثيله واستحضاره، واشتماله على زيادة فيه لا يضرّ ذلك بكونه بياناً، كما أن مخرج الميت من الحيّ بيان مع شموله للحيوان والنبات وله وجه وحجته إنه ورد في آيات أخر معطوفا عليه هكذا يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي فيبعد قطعها عن نظائرها وإنما عدل إلى المضارع لتصويره واستحضاره لكونه أوّل في الوجود وأعظم في القدرة. قوله: (الذي يحق له العبادة) فسره به ليرتب عليه قوله فأنى تؤفكون ترتباً ظاهر إلا أنه حمله على مفهومه الأصلي دون ذات الواجب تصحيحا للحمل على ما قيل. قوله: (شاق عمود الصبح الخ) عمود الصبح ضوؤه المشبه به وهذا جواب عما يقال ما معنى فلق الصبح، والظلمة هي التي تفلق عنه كما قال تفرّي ليل عن بياض نهار، وحاصله أنّ الصبح صبحان صادق وكاذب تعقبه ظلمة فإن أريد الأوّل فالمراد فالقه عن بياض النهار أو في الكلام مضاف مقدر أي فالق ظلمة الإصباح وان أريد الثاني فالمراد فالقه عن ظلمة آخر الليل التي تعقبه وشاقه منه كما قال الشاعر: فانشق عنه عمود الفجر حافله والإصباح مصدر سمي به الصبح قال امرؤ القيس: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبح وما الإصباح منك بامثل وفتح الهمزة على أنه جمع صبح كقفل وأقفال ويقال مساء وامساء أيضاً قال تناسخ الإصباح والإمساء والغبش بغين معجمة وباء موحدة وشين معجمة ظلمة آخر الليل. قوله: (سكنا) في الكشاف السكن ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا واسنرواحا إليه من زوج أو حبيب ومنه قيل للنار سكن لأنه يستأنس بها ألا تراهم سموها مؤنسة والليل يطمئن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه ويقال للدار سكن أيضا كما قال الراغب فهو يطلق على الزمان والمكان ومن فيه قال: يابارقاذكرالحشى سكنه م! ض لتابالعقيق من سكنه فيجوز أن يراد جعل الليل مسكوناً فيه، وقوله التعب بكر العين كحذر صفة مشبهة من التعب، وقوله اطمأن إليه بمعنى سكن إليه، ولذا عذى بإلى كما في الأساس، وقوله: أو يسكن فيه الخلق أي يقروا ويهدؤوا من السكون. قوله: (ونصبه بفعل دلّ عليه جاعل لا به (لأنه يشترط في عمل اسم الفاعل كونه بمعنى الحال أو الاستقبال والكسائيّ وبعض الكوفيين أجازوا عمله بمعنى الماضي مطلقا حملا له على الفعلى الماضي الذي تضمن معناه واستدلوا بهذه الآية ونحوها، وبعضهم جوّزا عما له بمعنى الماضي إذا دخلت عليه الألف واللام، وبعضهم جوّز أعماله في الثاني إذا أضيف إلى الأوّل لشبهه بالمعرف باللام إذا أضيف وهذه مذاهب للنحاة قال السيرافي: الأجود هنا أن يقال إنما نصب اسم الفاعل المفعول الثاني ضرورة حيث لم يمكن إضافته إليه وقد أضيف إلى الأوّل فاكتفى في الأعمال بما في اسم الفاعل من معنى الفعل الماضي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 ولا يجوز الاعمال بدون هذه الضرورة، ولما لم يوجد عاملا في المفعول الأوّل مع كثرة وروده في الكلام قال أبو عليّ: إنه منصوب بفعل دل عليه اسم الفاعل فنحو معطي زيد درهما كأنه لما قيل زيد قيل ما أعطي فقال: درهماً أي أعطاه درهما كقوله: ليبك يزيد ضارع لخصومة فيسلم من الضرورة المذكورة، وردّه الأندلسيّ بأنه لا يستقيم ذلك في نحو ظانّ زيد أمس قائما إذ لا يقال هذا ظانّ زيد أمس ظنه قائما للزوم حذف أحد مفعولي ظانّ، وهو لا يجوز، وأجيب بأنّ للفارسي أن يرتكب جوازه للقرينة وان كان قليلا في أفعال القلوب، وضعف مختار السيرافي بقولهم هذا ضارب زيد أء. س وعمرا إذ لا اضطرار هنا إلى نصب عمراً لأنّ حمل التابع على إعراب المتبوع الظاهر أولي- ولا استدلال للكسائيّ في قوله تعالى: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ الْوَصِيدِ} [سورة الكهف، الآية: 18] لأنه حكاية للحال كما قرّره الرضي وغيره، وقيل عليه من لم يجوّز أعماله بمعنى الماضي كيف يسلم صحة الأمثلة المذكورة حتى يستدل بها على جواز أعماله فلا حاجة إلى أن يقال إعماله ضروريّ في تلك الأمثلة، ولا أن يقال انتصابه فيها بفعل مدلول عليه بها حتى يرد عليه عدم استقامته في المثال الأخير، وان جاز الاعتذار عنه، وكيف يسلم كون انتصاب سكنا بجاعل حتى يستدلّ به عليه بل يجعله بفعل دلّ عليه جاعل كما ذكره المصنف رحمه الله. (قلت) القائل بجواز أعماله بمعنى الماضي تمسك بما ذكر، وقال: إنّ التقدير واذعاء حكاية الحال خلاف الأصل ومثله يكفي في الأدلة النحوية، فكيف ينكر عليه، وقوله: (وبدل عليه) أي على كونه بمعنى الماضي وإنما حمله على المعنى ليتناسبا. قوله: (أو به) أي باسيم الفاعل المذكور ولا بفعل مقدّر وهذا مختار الزمخشري، واعترض عليه بأنه ذكر أن جاعلا دال على جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة ومع ذلك جعله عاملا في المضاف إليه ناصبا حيث جوّز عطف والشمس والقمر في قراءة النصب على محل الليل، وهو صريح في أنّ اسم الفاعل إذا أريد به الاستمرار كان عاملاَ فتكون إضافته غير حقيقية، وقد ذكر أنها حقيقية في مالك يوم الدين فبين كلاميه تناف وأجيب بأنّ الزمان المستمرّ يشتمل على الماضي والحال والاستقبال، فإن نظر إلى المضيّ لم يعمل وكانت إضافته حقيقية وإن لم ينظر إليه كان عاملاً واضافته غير حقيقية وكل واحد من الاعتبارين متعين باقتضاء المقام وقرائن الأحوال، وأجيب أيضاً بأنه لا منافاة بين أن يكون المستمرّ عاملا واضافته حقيقية لأنه لما استمرّ احتوى على الماضي وغيره فروعي الجهتان معاً فجعلت الإضافة حقيقية نظرا إلى الجهة الأولى واسم الفاعل عاملا نظرا إلى الثانية، وليس بشيء لأنّ مداركون إضافته حقيقية أو لفظية على العمل وعدمه، ويمكن أن يقال الاستمرار في مالك يوم الدين ثبوتي وفي جاعل الليل تجذديّ ومتعاقب إفراده واضافته لفظية لورود المضارع بمعناه دون الأوّل كما قرّره الشريف قدس سرّه، وقد مرّ فيه فوائد ومباحث في سورة الفاتحة، ولك أن تؤيد هذا الأخير بل تذعي تعينه بأن ملك يوم الدين لم يقع فكيف يقال إنه مستمرّ إلا بمعنى أنه ثابت بقطع النظر عن معنى التجدد كما في الصفة المشبهة والا كان الاستمرار فيه غير حقيقيّ وهو محتاج إلى التكلف، فتأمّل فإن قلت إنه ذكر في المفصل أنّ الصفة تدل على معنى ثابت واسم الفاعل والمفعول يجريان مجراها في ذلك فيقال ضامر البطن وحاملة الوشاج ومعمور الدار ومؤدب الخدام، وقد ذكره غيره من النحاة، فإن أريد الاستمرار الثبوتي يكون صفة مشبهة واشترط لعمله ما يشترط لها، فلا يصح الحمل عليه هنا، ولذا قال أبو حيان: إذا كان بمعنى الاستمرار لا يعمل عمل اسم الفاعل، وليس لمجروره محل كما صرّحوا به، قلت هو لا يجري مجراها إلا إذا اشتهر بذلك وشاع استعماله لذلك حتى يلحق بالصفة المشبهة، وهذا ليس كذلك ولم يتعرّضوا هنا لحكاية الحال لأنّ كون الليل محل الهدّ وليس مما يستغرب، والحكاية تختص به ويصح أن يكون جعل بمعنى أحدث المتعدي لواحد وسكنا حال. قوله: (ويشهد له الخ) لأنّ العطف متعين فيكون في وجه النصب كذلك، وليس المراد أنها تدل على تعلقهما من حيث المعنى بالليل والنهار كما قيل، وقوله: (بجعل مقدّرا (وهو الناصب لسكنا أو آخر والأوّل أولى. قوله: (أي مجعولان حسباناً (أو محسوبان حسباناً، ثم إن المصنف رحمه الله فسر الحسبان في سورة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 الرحمن بحساب معلوم مقدّر في بروجهما ومنازلهما ويتسق بذلك أمور السفليات ويختلف الفصول والأوقات وتعلم السنون والحساب. قوله: (مصدو حسب بالفتح) ، هكذا قال الزمخشري: أيضا فإن أراد أنه لا يكون إلا كذلك ورد عليه الحرمان فإنه مصدر حرمه كضربه وعلمه وان أراد أنه الأصل المقيس المسموع وما سواه ورد على خلاف القياس اتجه، وحسب هنا بمعنى زعم وظت وخمن والتسيير مصدر سيره. ثوله: (الذي قهرهما) المراد بقهرهما كونهما مسخرين لا يتيسر لهما إلا ما أريد بهما وبهذا التفسير يظهر تناسب المبدأ والختام فلا يتوهم أنه كان الظاهر تقدير الحكيم العليم، وفسره في غير هذه السورة بالغالب بقدرته على كل مقدور، والأنفع من التداوير جمع تدوير تفعيل من الإدارة وليس بمعنى ذلك التدوير الذي اصطلح عليه أهل الهيئة وهو فلك صغير خارج المركز لأنه ليس للشمس فلك تدوير إلا أن يريد به مطلق الخارج المركب وليس بمعنى الاستدارة لأنه لا يناسب هنا، وهدّا إجمال لما سيأتي في سورة يس من أنّ مخالفة حركاتها المقدرة لها تخل بتكوّن النبات وتعيش الحيوان، واعلم أنه قال في البحر الكبير أن السنة الشرعية قمرية لا شمسية، والشمسية مما حدث في دواوين الخراج، فإن قلت فلم أضاف الله الحساب إليهما قلت لأنّ بطلوع الشمس ومغيبها يعرف عدد الأيام التي تتركب منها الشهور والسنون فمن هنا دخلت انتهى. قوله: (في ظلمات الخ) المراد بالنجوم ما عدا النيرين لأنها التي بها الاهتداء ولأن النجم يخص بما عداهما، واليه أشار بقوله: (في ظلمات الليل) لأنهما لا ظلمة مع! مما ويجوز أن يدخلا فيها فيكون بيانا لفائدتهما العامّة بعدما بين فائدتهما الخاصة. قوله: (وإضافتها إليهما للملابسة (الإضافة تكون لأدنى ملابسة مجازا، وهل هو مجاز لغوي أو حكمي عقليّ اضطرب فيه كلام أهل المعاني، فقال النحرير: في شرح المفتاح في تحقيق قوله تعالى: {ابْلَعِي مَاءكِ} [سررة هود، الآية: 44] إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك بناء على أنّ مدلول الإضافة في مثله الاختصاص الملكي فيكون استعارة تصريحية أصلية جارية في التركيب الإضافي الموضوع للاختصاص الملكي في مثل هذا، وإن اعتبر اللام وبنى الاتصال والاختصاص عليها فالاستعارة تبعية، وقال: في إضافة كوكب الخرقاء حقيقة الإضافة اللامية ألاختصاص الكامل، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازاً حكمياً، وقال الشريف قدس سرّه: راذاً عليه الهيئة التركيبية في الإضافة اللامية موضوعة للاختصاص الكامل المصحح، لأن يخبر عن المضاف بأنه للمضاف إليه، فإذا استعملت لأدنى ملابسة تكون مجازاً لغويا لا حكميا كما توهم لأنّ المجاز في الحكم إنما يكون بصرف النسبة عن محلها الأصلي إلى محل آخر لأجل ملابسة بين المحلين، وفيه كلام ليس هذا محله، وقوله مشتبهات الخ فهي استعارة تصريحية تحقيقية وعلى الأوّل المجاز في الإضافة، ولكم إجمال لأنه يدل على انتفاعهم بها مطلقا، وقوله فإنهم المنتفعون به أي بالتفصيل بيان لوجه التخصيص مع أن فائدة التفصيل عامّة. قوله: (فلكم استقرار الخ (جوّز في مستقرّ ومستوح أن يكونا مصدرين ميميين وأن يكونا اسمي مكان والاستقرار إمّا في الأصلاب أو فوق الأرض لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [سورة البقرة، الآية: 36] أو في الأرحام لقوله تعالى: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} [سورة الحج، الآية: هـ، والاستيداع في الأرحام، فجعل الصلب مستقز النطفة والرحم مستودعها لأنها تحصل في الصلب لا من قبل شخص آخر، وفي الرحم من قبل الأب فأشبهت الوديعة كان الرجل أودعها ما كان عنده أو في الأصلاب أو تحت الأرض أو فوقها فإنها عليها أو وضعت فيها لتخرج منها مرّة أخرى كقوله: وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بذ يوئم أن ترذ الودائع وجوّز أن يكون المستقز كناية عن الذكر والمستوح كناية عن الأنثى، وقوله لأن الاستقرار منا الخ وجه كون الأوّل معلوما بأنه صادر منا والثاني مجهولاً بأن الله أودعهم وهو ظاهر. قوله: (ذكر مع ذكر النجوم الخ (بناء على أن الفقه شدة الفهم والفطنة، ومن قال إنه الفهم مطلقاً وليس بأبلغ من العلم قال إنه تفنن حذرا من صورة التكرير، وقال في الانتصاف الفقه أنزل من العلم، وإذا قيل فلان لا يفقه كان أذمّ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 لا يعلم ولما كان علم الإنسان بنفسه أقرب إليه من علم العلويات نفي عنه الفقه دون العلم، وهذا عكس ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للكشاف. قوله: (من السحاب) يعني المراد بالسماء لأنها كل ما علا، أو هو مجاز أو بتقذير مضاف كجانب أو أنه ينزل من السماء حقيقة إلى السحاب، ومنه إلى الأرض وتلوين الخطاب هنا الالتفات من الغيب إلى التكلم وعبر به إشارة إلى نكتته العامّة، والخاصة إنه لما ذكر فيحا مضى ما ينبهك على أنه الخالق اقتضى ذلك التوجه إليه حتى يخاطب. قوله: (نبت كل صنف) أي النبات بمعنى النابت وشيء ليس بعاتم بل المراد به الصنف من النبات إذ لا معنى لإضافة النبات إلى شيء ليس منه وقوله المفتنة بالفاء والتاء والنون افتعال من الفتن، وفي نسخة مفتنة بنونين أي على فنون وأنواع وقال ابن الجوزي: تقول لذي الفنون من العلوم مفتن، وقد افتن في الأمر أخذ من كل فن والعامّة تقول متفنن والمتفنن هو الضعيف وقد تفنن ضعف أخذ من الفنن، وهو مالان من الغصون. قوله:) من النبات أو الماء (المراد بالنبات أصوله والخضر شعبه وأوراقه وجملة تخرج صفة خضرا أو مستأنفة ومتراكبا معناه بعضه فوق بعض، وقد أخرج تعالى من الماء الحلو الأبيض في رأي العين أصنافا من النبات والثمار مختلفة الطعوم والألوان واليه نظر القائل يصف المطر: يمدعلى الآفاق بيض خيوطه فينسج منهاللثرى حلة خضرا فلله درّ التنزيل كم حوى معنى بديعا لو مرّ على خاطر الشعر قطع نفسه تقطيعاً، وقوله أخضر وخضر كأعور وعور إشارة إلى اختصاصه بالألوان والعيوب وما ألحق بهما. قوله: (جمع قنو (وهو ومثناه سواء لا يفرق بينهما إلا الإعراب، ولم يأت مفرد يستوي مثناه وجمعه إلا ثلاثة أسماء صنو وصنوان وقنو وقنوان ورئد ورئدان بمعنى مثل قاله ابن خالويه، وحكى سيبويه شقد وشقدان وحش وحشان للبستان نقله في المزهر. قيل وجعل من النخل الخ مبتدأ وخبراً ليس كما ينبغي لأن المقصود تعديد آيات قدرة الله ولا يستقاد ذلك إلا بنسبة جعل القنوان إليه تعالى، وهذا التركيب لا يدل عليه وسيأتي جوابه في قوله: {وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ} ومن طلعها على البدلية بدل بعض من كل وقوله فعلان بالفتح ليس من أبنية الجمع بل من أبنية المفردات كقبان وهو شرط اسم الجمع كما قرّره النحاة، وقوله: قريبة الخ لما كانت النخل شاهقة أشار إلى تأويله وهو حقيقة فيهما لكنه اقتصر في الوجه الثاني على البعض لما ذكره ويحتمل أن المراد سهولة الوصول إلى ثمارها بالهز والسقوط مجازاً. قوله: الدلالتها الخ) الزمخشري جعلهما وجهين أي إما أن يقدر على طريق الاكتفاء كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [سورة النحل، الآية: 81] أو لا يقدر اقتصاراً على ما هو أوفر نعمة وكلام المصنف رحمه الله يحتمله ويحتمل أنه جعلهما وجهاً واحداً وهو أقرب وأوجه. قوله: (عطف على نبات) النبات على ما قاله الراغب النابتات الخارجة من الأرض سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم لكنه اختص في المتعارف بما لا ساق له بل اختص عند العامّة بما تأكله الحيوانات، وعليه قوله تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا} [سررة النبأ، الآية: 15] وجعله الواحدي على خضرا، وقال الطيبي: الأظهر أن يكون عطفا على حباً لأنّ قوله نبات كل شيء مفصل لاشتماله على كل صنف من أصناف النامي كأنه قال: فأخرجنا بالنامي نبات كل شيء ينبت كل صنف من أصناف النامي، والنامي الحب والنوى وشبههما وقوله فأخرجنا منه خضراً الخ تفصيل لذلك النبات أي أخرجنا منه خضرا بسبب الماء فيكون بدلاً من فأخرجنا الأوّل بدل اشتمال ومن هاهنا يقع التفضيل فبعض يخرج منه السنابل ذات حبوب متكاثرة، وبعض يخرج منه ذات فنوان دانية، وبعض آخر جنات معروشات الخ وهذا مبنيّ على أن المراد بالنبات المعنى العاتم، وحينئذ لا يحسن عطفه عليه لأنه داخل فيه فالوجه ما ذكرنا فإن أريد ما لا ساق له تعين عطفه عليه لأنه داخل فيه وتعين أن يقدر لقوله من النخل فعل آخر وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وما قيل إنه لم يجعله معطوفا على خضراً لا! الأشجار ليست كالخضراوات في الخروج من النبات لأن الخارج أولاً يكبر، ويصير شجر إلا أنه يخرج نبات، ثم يخرج منه شيء يصير شجرأ ولأن كثرة صنوف المسببات واقتنانها مع وحدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 السبب وهو الماء أدخل في مقام بيان كمال القدرة والحكمة لكن هذين الوجهين على تقدير إوجاع الضمير قي منه إلى النبات، وأما إذا رجع! ! ى الماء كما جوّز فلا يتمشيان ليس بشيء لأنه ناشئ من الغفلة عن معنى ا! نبات لأنّ الشجر وأغصانه من النبات على الأوّل، ولأنه يفيد وحدة السببية لأنه تفصيل للمسبب سواء رجع الضمير إلى الماء أو إلى النبات، وهذا كله من قلة التدبر وقوله لكم إشارة إلى خبر مقدر وهو ظاهر. قوله: (ولا يجوز عطفه على قنوان (لما جوّز الزمخشرقي فيه وجهين هذا وما قبله رذ عليه المصنف رحمه الله بما ذكره لأنه يؤول إلى أن يكون المعنى ومن النخيل جنات من أعناب وفساده ظاهر إلا أن يتكلف له ما لا حاجة إليه كما قال النحرير: وقد يجاب عنه بأنّ من أعناب صفة جنات وهي لما كانت معروشة تحت أشجار النخل جاز وصفها بكونها مخرجة من النخيل مجاز الكون هيئتها مدركة من خلالها كما يدرك القنوان، وفيه جمع بين الحقيقة والمجاز أو بأن المراد أنه من عطف الجملة أي ومخرجة وحاصلة من الخضر، أو الكرم جنات من أعناب ففي قوله عطف على قنوان تجوّز لا حاجة إليه على هذا التقدير لجواز أن يعتبر جنات من أعناب عطفاً على قنوان وذلك المحذوف أعني من الخضر أو من الكرم عطفا على من النخل أي من نبات أعناب، يفي أنه على حذف المضاف لأنّ البستان لا يكون من العنب نفسه بل من النبات والأشجار انتهى، وقد يجاب عن الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من لا يقول به بأن الكلام على تقدير المضاف أي يخرج من أرض النخيل أو رياضها ونحوه، فلا يلزم ما ذكر، وقيل جنات مبتدأ ومن أعناب خبره ولا يلزم الابتداء بالنكرة من غير تخصيص لأن العطف على المخصص يكفي في التخصيص ذكره ابن مالك واستشهد عليه بقوله: عندي اصطباروشكوى عند قاتلتي فهل بأعجب من هذا امرؤسمعا وأورد على الوجه الأوّل أيضا أنه لا دلالة فيه على أنّ الأعناب والجنات من آثار القدرة ولا خفاء في أنه لا يختص بالوجه الأوّل ولا بالجنات والأعناب بل يجري في النخيل والقنوان، ويندفع باً نه مفوض إلى شهادة الذوق ودلالة المقام كما قرّره النحرير رذا على العلامة، ولك أن تقول أنّ قوله تعالى: {نَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل، الآية: 79] إشارة إلى ذلك لأن معناه آيات دالة على أنه لا يقدر عليه غير الله تعالى وقوله نصب على الاختصاص أي بأخص ونحوه مقدرأ وقوله: (لعزة الخ (بيان لنكتة وجه تغيير الأسلوب لأنه اتفق على قراءة النصب وكان الظاهر الجرّ فعدل عنه لذلك وغير المصنف رحمه الله ما في الكشاف فبدأ بقراءة النصب المتفق عليها، وأخر قراءة الأعمش المروية عن عاصم فإنها شاذة والجمهور على كسر تاء جنات عطفا على نبات كل شيء وجملة من النخل معترضة أو هو عطف على خضرا، وفي الرفع وجوه أحدها أنه مبتدأ خبره مقدر مقدما أو مؤخرا وثم وجنات أو ومن الكرم جنات، وهو أحسن بمقابلة من النخل أو ولهم أو ولكم جنات ومنهم من قدره وجنات من أعناب أخرجناها لكم، وهو معطوف على قنوان قال الزمخشرفي: من غير ملاحظة قيد من النخل، والمعنى جنات من أعناب وضعف بما ذكره المصنف وتوجيهه ما تقدم. قوله: (حال من الرمان الخ) منهم من جعله حالاً من الثاني لقربه وقدر مثله في الأوّل ومنهم من جعله حالاً من الأوّل لسبقه وتدر في الثاني ولا بد من تقدير والا كان المعنى جميعه متشابه، وجميعه غير متشابه وهو غير صحيح كما أشار إليه النحرير وقوله أو من الجميع أي بعض ذلك يعني الضمير راجع إلى الأمرين واقعا موقع اسم الإشارة وفي الكلام مضاف مقدر وهو بعض ومنهم من قال في تفسيره. إنه حال منهما بتأويل كل واحد أو الجميع، فإن قلت يأبى عن التأويل بكل واحد قوله بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه وأيضاً المتشابه يسند إلى المتعدد وكل واحد غير متعذد قلت المراد كل نوع، والنوع متعدد يحتمل التبعيض والمضاف محذوف اهـ وعذه بعض الناس سهواً لأنه ليس المراد تأويله بجميع بدليل تفسيره وليس بشيء لأنه لا فرق بين تأويل الضمير الراجع إليهما بذلك وتأويله نفسه بجميع فتأمّله وأشار بقوله متشابه الخ إلى ما في الكشاف إنّ افتعل وتفاعل هنا بمعنى كاستوى وتساوى وقوله:) في الهيئة، والقدر الخ) إشارة إلى ما وقع فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 التشابه وعدمه ويحتمل أنه لف ونشر فالهيئة ما به التشابه وغيره ما به عدمه. قوله: (أي ثمر كل واحد من ذلك (إشارة إلى أن الضمير راجع إلى جميع ما تقدم بتأويله باسم الإشارة، وأئا رجوعه إلى كل واحد منهما على سبيل البدل فبعيد لا نظير له في عدم تعيين مرجع الضمير، وذلك إما إشارة إلى الرنان والزيتون فيكون استخداما على إرجاعه إليه باعتبار الشجر، وقد سبق ذكره بمعنى الثمر أو إلى جميع ما تقدم ليشمل النخل وغيره مما يثمر فتأمّل. قوله: (إذا أخرج ثمره الخ) يشير إلى أنّ التقييد بقوله إذا أثمر للإشعار بأنه حينئذ ضعيف غير منتفع به فيقابل حال الينع، ويدل كمال التفاوت على كمال القدرة، وعلى هذا لا يتم ما نقل عن الزمخشري في حواشيه أنه قال: فإن قلت هلا قيل إلى غض ثمره وينعه قلت في هذا الأسلوب فائدة، وهي أنّ الينع وقع معطوفا على الثمر على سنن الاختصار على طريقة جبريل وميكائيل للدلالة على أنّ الينع أولى من الغض فلذا لم يقل إلى غض ثمره وينعه، كذا في شروح الكشاف، وفي الكشف إنّ قوله كيف يخرجه ضئيلا يأبى هذه الحاشية ويجعلهما متقابلين، نعم لو قيل فيه استحضار للحال الأولى واراءة التباين بين الحالين بخلافه لو قيل غض الثمر وينعه ففيه تقابل محض لكان حسنا (أقول) قد وقع مثل هذا في سورة يوسف في قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [سورة يوسف، الآية: 4] فقال ثمة أخرهما ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص بيانا لفضلهما واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع كما أخر جبريل وميكائيل عن الملائكة، ثم عطفهما عليها لذلك واعترض عليه صاحب التقريب بأنّ أحد عشر كوكبا لا يتناول الشمس والقمر بخلاف الملائكة فإنها تتناول جبريل وميكائيل، وأجاب عنه بأن التناول غير لازم لأنّ إفادة المبالغة هنالك من حيث إنّ ظاهر العطف المغايرة فكان فيه تنبيه على أنهما من جنس وهاهنا أيضا كان يمكنه أن يقول ثلاثة عشر كوكباً فلما عطف دل على فرط اختصاص واهتمام بشأنهما لزيادة الفائدة والتشبيه باعتبار التأخير، واخراجهما من جن! الكواكب وجعلهما متغايرين بالعطف انتهى وهذا بعينه جار هنا لأنه لم يقتصر على ثمره وزاد الظرف فاقتضى ذلك تعينه فكيف غفلوا عنه مع التصريح به فيما سيأتي، وضئيل بمعنى صغير ضعيف وهو في وقت الإخراج كذلك. قوله: (وإلى حال نضجه) وفي نسخة وألى حال نضيجه بوزن فعيل قيل يشير إلى أنّ الينع إمّا مصدر أو صفة ويانعه بالجز عطف على الضنم، وقيل الأوّل إشارة إلى تقدير الوقت ليناسب إذا أثمروا الثاني إشارة إلى عدم لزومه، ولا يخفى أنه تأويل يحتاج إلى تأويل، لأنّ الزمان لا ينظر والحال ليس بمعنى الزمان بل بمعنى الصفة. قوله: (ولا يعوقه الخ الأنه لو كان له ضد، أو نذ لخالفه في بعض ما يريد هالا لم يكن ضدّاً ولا ندا فيلزم تخلف ما ذكر كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة الأنبياء، الآية: 22] . قوله: (أي الملاءلكة الخ) كلا الأمرين موجب للشريك أما الأوّل فظاهر وأما الثاني فلأنّ الولد كفؤ الوالد فيشاركه في صفات الألوهية، وتسمية الملائكة جنا استعارة وقد سبق في سورة البقرة عن المصنف رحمه الله ما يقتضي أنّ الجن تشمل الملائكة حقيقة، وتوله: تحقيراً لشأنهم يعني عبدوا ما هو، كالجن في كونه مخلوقاً مستتراً عن الأعين، والمراد التحقير من حيث قام الشركة لا ازدراؤهم في أنفسهم. قوله: (او الشياطين الخ) فهو استعارة في جعلهم شركاء وعلى الوجه الذي بعده مجاز عقليّ. قوله: (والشيطان خالق الشرّ) وجمعه حينئذ لأنه مع أتباعه كأنهم معبودون كما قاله الإمام: قيل ولذلك غير قول الزمخشريّ إبليس إلى قوله والشيطان ليشمل أتباعه. قوله:) ومفعولاً جعلوا لله شركاء الخ) في الكشاف فائدة التقديم استعظام أن يتخذ دئه شريك من كان ملكا أو جنيا أو إنسيا أو غير ذلك، ولذلك قدم اسم الله على الشركاء، وفي الكشف إنه على الوجهين يعني جعل لله مستقرّا وغيره، وما ذكره في الإيضاح من رذ قول من جعل تقديم لله على تقدير الاستقرار للاهتمام معللا بأنّ الإنكار ناشئ من الجعل المتعلق بالمفعولين على السواء فلا فرق بين المتلوّ وعكسه مدفوع بأنّ ذلك لا ينافي كون مصب الإنكار أحد الجزأين، وملاحظة أصلهما، ولهذا جعل في المفتاح قوله لله شركاء تمهيداً لهذا، ثم إنه ناقض نفسه في ذلك حيث سلم أنّ تقديم شركاء على الجن على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 تقدير أن يكونا مفعولين لذلك (قلت) محصل ما في الإيضاح أن الفعل المتعذي إلى مفعولين لا اعتناء بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر فإذا قدّم أحدهما على الآخر لم يصح تعليل تقديمه بالعناية، وقد أجابوا عنه بأنّ الاشتراك بين الشيئين في مطلق العناية والاهتمام لا ينافي كون أحدهما أهمّ من الآخر بسبب خارج ككون الله نصب عين المؤمن هنا مع أنه يناقض ما ذكره فيما مرّ من أنّ تقديم شركاء على الجن على القول بأنهما مفعولاً جعلوا لاستعظام أن يتخذ شريك من كان ملكا أو جنيا أو غيرهما، ويناقض أيضا ما ذكره في بحث تقديم بعض معمولات الفعل على بعض كتقديم المفعول الأوّل على الثاني في باب أعطيت وقد دفع التناقض المذكور بأن إنكار التعليل بالعلة الحاصلة على تقدير خاص لا ينافي صحة التعليل بعلة أخرى على تقدير آخر، ثم إنه رذ جعلها على الوجهين بأنه على الثاني فقط، وعلى تقدير الظرف لغواً سواء تعلقا بشركاء أو بجعلوا، وذلك لأن حق الظرف اللغو أن يتأخر عن المفعول، وأما على تقدير اللغوية وجعل لله شركاء مفعولي جعلوا فيكون تقديم الخبر الظرف على المبتدأ النكرة جاريا على الأصل غير معلل بالاهتمام والاستعظام، وأشار في شرح المفتاح الشريفي إلى أنّ تقديمه لأنه محز الإنكار ولأن المفعول الأوّل منكر يستحق التأخر فلا تنافي بين التنكير واعتبار التقديم لنكتة أخرى، ثم قال: إن السكاكيّ لم يرض! بما في الكشاف لأنّ المقصود الذي سيق له الكلام إنكار اتخاذ الشريك لله مطلقا جنيا كان أو غيره، واستفادة هذا المعنى من تقديم دلّه على الجن لا يخلو من ضعف لأنّ التقديم إنما يدل بحسب المقام على أنّ المقدم أدخل في الإنكار لا على أنّ المؤخر لا دخل له في الإنكار أصلا، ولا يخفى أنّ المقدم مصب الإنكار ومحزه كما قرّروه في أنه يجب أن يلي همزة الإنكار ليفيد ذلك فإذا قلت أفلسا أعطيته كان الإنكار لخسة الفلس لا للعطاء، وهذا مثله على أنا نقول هو بخصوصه لا دخل له في الإنكار بل باعتبار كونه شريكاً ثم إنّ السكاكي جعل سبب التقديم كون المقدم في نفسه نصب العين، وكون كل واحد من مفعولي جعل حاضراً في الذهن وقت الإنكار لا يقتضي كون كل واحد منهما في نفسه نصب العين باعتبار أمر آخر مقتض لتقديمه، والسكاكي قد صرّح بهذا القيد أعني في نفسه، والمعترض! غفل عنه وعن فائدته. قوله:) والجن بدل من شركاء (قيل الأولى أن ينصب بمحذوف جوابا عن سؤال، كأنه قيل من جعلوه شركاء فقيل الجن، وذلك لأنه لو كان بدلاً لكان التقدير وجعلوا لله الجن، وليس له كبير معنى، وأجيب بأنّ المبدل منه! يس في حكم الساقط بالكلية. قوله: (وقد علموا أن الله خالقهم (اختار كون الضمير راجعا إلى الجاعلين لئلا يلزم تشتت الضمائر لو ارجع إلى الجن، وان رجح بأن جعل المخلوق كالخالق أفحش من جعل من لا يخلق كمن يخلق، وبأن كونهم مخلوقين معلوم من قوله: {وَالَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [سورة الأنعام، الآية: 98] وقدر قد لتصحيح لفظ الحال وعلموا لمعناه لأنه المقارن لجعلهم ولأنه المقتضى للإنكار فتأمل، وقوله: (دون الجن) نفي الخالقية عنهم على الثاني ظاهر، لأنّ الخالق لا يكون مخلوقا، وعلى الأوّل معلوم من إنكار تشريكهم المارّ، وقيل: إنّ الشيء الواحد لا يكون مخلوقا لخالقين، فقوله: وخلقهم في قوّة أن يقال دون الجن، ولا يضره جواز الاجتماع في الخلق بطريق الاشتراك لأنّ المراد بالخلق في قوله وخلقهم ما هو بالاستقلال ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقوله: (أي وجعلوا الخ) إشارة إلى أنّ هذا على تقدير أن لله شركاء مفعولاً جعل وهو ظاهر، وقيل إنه على هذا يكون جعل متعذياً إلى مفعول واحد وإنه كان عليه أن يذكره وليس بشيء، وقوله: أي زوروا في الكشاف والمزوّر محرّف مغير للحق إلى الباطل. قوله: (بنير علم) ذنم لهم بأنهم يقولون بمجرّد الرأي والهوى، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز أن ينسب إليه تعالى إلا ما جزم به وقام عليه الدليل، وقيل هو كناية عن نفي ما قالوا فإن ما لا أصل له لا يكون معلوما ولا يقام عليه دليل ولا حاجة إليه لأنّ نفيه معلوم من جعله اختلاقا وافتراء ومن قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} وقوله: فقالت اليهود فيكون المراد بالبنين ما فوق الواحد أو أنّ من يجوّز الواحد يجوّز الجمع، وأفرد قوله شريكا أو ولداً لأنّ نفي الواحد يدلّ على نفي الجنس، ولأنه أليق بالتنزيه. قوله: (ثبت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 الغدر) الثبت بسكون الباء بمعنى ثابت، والغدر بفتحتين وغين معجمة ودال، وراء مهملتين المكان ذو الحجارة والشقوق، قال: في العين رجل ثبت الغدر إذا كان ثبتاً في قتال أو كلام وفي المجمل يقال للرجل والفرس ثبت في موضع الزلل، والإضافة فيه على معنى في ولما كان تعالى منزهاً عن المكان والحلول أوّله بقوله عديم النظير فيهما، ومعناه أنّ إبداعه لهما لا نظير له لأنهما أعظم المخلوقات الظاهرة فلا يرد عليه أنه لا يلزم من نفي النظير فيهما نفيه مطلقاً، ولا حاجة إلى تكلف أنه خارج مخرج الردّ على المشركين بحسب زعمهم أنه لا موجود خارج عنهما، وقوله: (وخبره أني الخ) وهو استفهام إنكاري في معنى الإخبار فلا حاجة إلى تقدير القول فيه. قوله: (اي من أين الخ) أني لها استعمالات أحدها بمعنى كيف الثاني بمعنى من أين وهي عبارة سيبويه، والفرق بين أين ومن أين أنّ أين سؤال عن مكان الشيء، ومن أين عن المكان الذي برز منه ووقع في عبارات بعضهم أنها بمعنى أين وهو تسمح كما في عروس الأفراج، وفي الكشف إنها بمعنى أين ومن مقدرة قبلها كما تقدر في الظروف وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لجاز ظهورها، فيقال من أني ولم يسمع. قوله:) وقرئ بالياء للفصل (هي قراءة إبراهيم النخهص قال ابن جني تؤنث الأفعال لتأنيث فاعلها لأنهما يجريان مجرى كلمة واحدة لعدم استغناء كل عن صاحبه فإذا فصل جاز تذكيره وهو في باب كل أسهل لأنك! وحذفتها استقل ما بعدها وهو كلام حسن، وعلى الوجهين الأخيرين الجملة خبر، واعترض على الوجه الأخير بأنه إذا كان العمدة في المفسر مؤنثا فالمقدر ضمير القصة لا ضمير الشأن، وليس بوارد لعدم لزومه وإن ظنه كثير لازماً وقد نبه على خطئه في شرح التسهيل. قوله:) وإنما لم يقل به (أي لم يقل عليم به لتقدّم كل شيء لأنّ الأوّل مخصوص بغير ذاته وصفاته، والثاني عامّ لعلمه بهما وبغيرهما، وهذا لا يخالف ما ذكره في سورة البقرة. قوله: (1 لأوّل الخ (قزره في الكشاف هكذا إنه مبتدع السماوات والأرض وهي أجسام عظيمة لا يستقيم أن يوصف بالولادة لأنّ الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والدا، وهذا عندي أحسن من تقرير المصنف رحمه الله لما فيه من الخلل لأنّ كون السماوات من جنس ما يوصف بالولادة لا يقتضي تصوّره في نوعها أو إفرادها لأن التوالد لا يكون فيما لا روج له فكيف يقال إن تبرّأها عن ذلك لاستمرارها، وطول مدتها والولد إنما يطلب للبقاء ببقاء النوع، وهي غير محتاجة إلى ذلك فالله جل وعلا أولى به وكأن القاضي غرّه قوله لا يستقيم الخ وظنه صفة أجسام، وليس كذلك بل ضمير أنه للشأن ومبتدع مبتدأ، ولا يستقيم الخ خبره فاعرفه فإن من لم يهتد له قال تقرير المصنف رحمه الله: أولى لكونه بطريق برهانيّ من تقرير الزمخشرفي، وقوله المعقول بمعنى المتصوّر في العقول فلا حاجة إلى أنه بناء على الأكثر وإنه لا حاجة إلى الكلية لأنّ الكلام في ولد الوالد وهو يستدعي الزوجة، وقرّره بوجه آخر في البقرة وهو أن الوالد عنصر الولد المنفعل بانفصال ماذته منه وهو تعالى مبتدع الأشياء كلها فاعل على الإطلاق منزه عن الانفعال فلا يكون والداً انتهى، وهي متقاربة المعاني، والفرق بينهما يعلم مما بعدهما إنه قال هناك: {اقَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [سورة البقرة، الآية: 17 ا] وهنا أني يكون له ولد فتدبر. قوله:) الثالث أنّ الولد الخ) الدليل الأوّل من قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة البقرة، الآية: 117] والثاني من قوله ولم تكن له صاحبة والثالث من قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} والزمخشريّ قرّره هكذا إنه ما من شيء إلا وهو خالقه والعالم به ومن كان بهذه الصفة كان غنيا عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج قال النحرير: الظاهر أنّ العلم بكل شيء وجه مستقل فتكون الوجوه أربعة إلا أنه أدرجه وجعله مع خلق كل شيء وجها واحداً لأنّ المعنى إنما يتحقق بالإيجاد الاختياري، وذلك بالعلم ولأنه ربما يناقثى في لزوم كون الولد كالوالد في العلم بكل شيء، وقيل: إن المصنف رحمه الله جعلهما وجهاً واحداً لمدارهما على معنى واحد وهو الكفاءة وان هذه المناقشة ترذ على الزمخشري لا على المصنف لتقييده العلم بقوله لذاته، وفيه أنه لا يجدي نفعأ لأنّ المساواة في العلم ذاتيا أو غيره لا تلزم في الكفاءة، ولذا قيل في كلام المصنف مناقشة ظاهرة لأن التفاوت في العلم بل في سائر الكمالات لا ينافي الكفاءة فكثيراً ما يلد العالم النحرير والمؤمن ضده، وهذه أدلة إقناعية لا تليق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 المناقشة في مقدماتها. قوله: (إشارة إلى الموصوف الخ الأن اسم الإشارة كإعادة الموصوف بصفاته المذكورة كما مرّ تحقيقه، وقوله: ويجوز الخ يعني يجوز أن يكون الله بدلاً من اسم الإشارة وربكم صفته وما بعده خبر، ولا يجوز في الله أن يكون صفة فإن أراد مع ما بعده لا يصح أيضا لأنه جملة والجمل لا يوصف بها إلا النكرات أو المعرّف بأل الجنسية، وهذا ليس كذلك وكذا خالق كل شيء يصح أن يكون بدلاً من الضمير وذكر فيما سبق للاستدلال على نفي الولد وهنا لإثبات استحقاق العبادة فلا تكرار، واليه يشير كلام المصنف رحمه الله تعالى وقد غفل عنه بعضهم مع ظهوره وأفاد بعص المتأخرين هنا إنه قيل هنا ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وفي سورة المؤمن: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [سررة غافر، الآية: 62] فإن قيل لم قدم هاهنا قوله: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} على قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وعكس في سورة المؤمن قلنا لأنّ هذه الآية جاءت بعد قوله: {جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء} الخ فلما قال: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ} أتى بعده بما يدفع الشركة فقال: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} ثم قال: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وهناك جاء بعد قوله: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة غافر، الآية: 57] فكان الكلام على تثبيت خلق الناس وتقريره لا على نفي الشريك عته كما كان في الآية الأولى فكان تقديم خالق كل شيء هناك أولى، وقيل معناه يجوز أن يكون البعض بدلاً من اسم الإشارة لأنّ العلم أخص من اسم الإشارة عند الجمهور فلا يجوز أن يكون صفة له لأن الموصوف لا بد أن يكون أخص أو مساوياً كما حقق في النحو، وأما كونه صفة فقيل إنه على مذهب ابن السرّاج فإنه ذهب إلى أن أعرف المعارف اسم الإشارة ثم المضمر ثم العلم ثم ذو اللام، ويحتمل أن يكون الله صفة ذلكم على ما مرّ من أنه صفة، وقد مز ما فيه. قوله: (حكم مسبب عن مضمونها الخ) قيل العبادة المأمور بها هي نهاية الخضوع وهي لا تتأتى مع الشريك فلذا استغنى عن أن يقال فلا تعبدوا إلا إياه وذكره غيره من المحشين، وقال إنه من سوانح الوقت وهذا يقدج فيما ذكروه من أنّ تقديم المفعول في إياك نعبد يعتمد الاختصاص إذ على هذا يفهم من مجرّد العبادة ولا حاجة فيه إلى تقديم المفعول، ويرذه أن مفهوم العبادة لا يقتضي الاختصاص! إلا من الدليل الخارجيّ على أن إفادة الحصر بوجهين لا مانع منه كما في لله الحمد فإن التقديم ولام الاختصاص يدلان عليه، وكذا التقديم مع التصريح بأداته كما صرّحوا به. قوله: (فكلوها إليه الخ) الأمر بإيكالهم إليه لازم لمفهوم هذه لأنه إذا تولى جميع الأمور لزم أن لا يوكل إلى غيره ممن لا يتولاها، والتوسل بالعبادة مأخوذ من جعل وهو على كل شيء وكيل حالاً وقيدا للعبادة كما يشهد له الذوق، فما قيل إنه يريد أن فائدة الإخبار بكونه على كل شيء وكيل ذاك لا أنه يفهم ذلك من الوكيل ناشئ من عدم التحقيق، وكذا تفريعه على الرقيب بالمجازاة إشارة إلى أنه كناية عن المجازاة ثم لما وصفه بأنه رقيب عليهم عقبه بقوله لا تدركه الأبصار إشارة إلى أنّ مراقبته ليست كمراقبة غيره، لأن المراقبة تستلزم النظر إليه بحسب الظاهر المتوهم. قوله: (وهي حاسة النظر) المراد بالحاسة القوّة ولذا أنث وتأنيث هي مراعاة للخبر. قوله: (واستدل به المعتزلة الخ) فسر بعضهم الإحاطة بإدراك ذاته وجميع صفاته وفسرها بعضهم بإدراكه بالكنه، وأورد عليه أنه كما لا يدرك كنهه بالبصر لا يدرك بالعقل أيضا فالتخصيص بالأبصار يقتضي تفاوتا بينها وبين العقول مع أنّ الأبصار لا تدرك كنه غيره أيضا وبأنّ التخصيص خلاف الظاهر، ومقتضى المدح الامتناع والأقرب شيء يمكن أن يبصر ولا يبصر لمانع فالحق في الجواب كما دلت عليه الأحاديث أنه لا يرى بأعمال الحاسة إنما يرى بقوّة يخلقها بمحض قدرته في العبد ثم إنهم تمسكوا بالآية تارة على الامتناع، لأنّ ما يمدح بعدمه يكون وجوده نقصاً يجب تنزيه الله عنه وتارة على عدم الوقوع، والمصنف رحمه الله اقتصر على إيراد الأوّل وأجاب بما يبطل عدم الوقوع لأنه يلزم منه إبطال الامتناع، وقوله ليس الإدراك مطلق الرؤية بل على وجه الإحاطة كما أشار إليه أوّلاً، وتوله: (ولا النفي في الآية عامّاً (لأنّ القضية مطلقة لم تقيد بكلية ولا دوام، ولما كان عموم الأوقات وعموم الأحوال متلازمين لم نجعلهما جوابين. قوله:) فإنه في قوّة قولنا لا كل بصر الخ (يعني الألف واللام للاستغراق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 والنفي لسلب العموم واحتمال الثاني لا يضرنا لأنه يكفي الاحتمال الأوّل في إبطال الاستدلال، ثم تنزل عن منع الكلية فقال مع أن النفي لا يوجب الامتناع، وقيل عليه لا يخفى إنّ حديث التمذج يدفعه (قلت أليس هذا بمسلم عندنا، وكيف يتمذح بنفي ما أثبته الكتاب والسنة بل إنما ذكر للتخويف بأنه رقيب من حيث لا يرى فليحذر كما أشار إليه الطيبي، وقد روي في تفسير الآية لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة. قوله: (يحيط علمه بها) قيل الأنسب بالمقام إنه علم بطريق الرؤية، ويجوز تعميمه أيضأ. قوله: (فيدرك ما لا تدركه الأبصار كالأبصار (فهذه الجملة سيقت لوصفه تعالى بما تضمن تعليل قوله وهو يدرك الأبصار فقط على هذا الوجه، ثم إنّ المراد بالإبصار هنا النور الذي يدرك به المبصرات فإنه لا يدركه مدرك بخلاف جرم العين فإنه يرى، أو يقال المراد أنّ كل عين لا ترى نفسها ووقع في نسخة بدل كالإبصار بالإبصار على صيغة المصدر. توله: (ويجوز أن يكون من باب اللف الخ) فإنّ اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالفتح والخبير يناسب كونه مدركا بالكسر، وبقوله فيكون اللطيف مستعاراً من مقابل الكثيف فشبه به الخفيّ من الإدراك اندفع ما قيل إنّ المناسب لعدم الإدراك اللطيف المشتق من اللطافة وهو ليس بمراد هنا، وأما اللطيف المشتق من اللطف بمعنى الرأفة فلا يظهر له مناسبة هنا، وفي شرح الأسماء الحسنى لمحمد البهائيّ اللطيف الذي يعامل عباده باللطف وألطافه لا تتناهى ظواهرها وبواطنها في الأولى والآخرة، وان تعذوا نعمة الله لا تحصوها، والله لطيف بعباده يرزق من يشاء، هيأ مصالح الناس من حيث لا يشعرون وأخفى لهم لطفه من حيث لا يعلمون، وقيل اللطيف العليم بالغوامض والدقائق من المعاني والحقائق ولذا يقال للحاذق في صنعته لطيف، ويحتمل أن يكون من اللطافة المقابلة للكنافة، وهو وان كان في ظاهر الاستعمال من أوصاف الجسم لكن اللطافة المطلقة لا توجد في الجسم، لأن الجسمية يلزمها الكنافة وإنما لطافتها بالإضافة فاللطافة المطلقة لا يبعد أن يوصف بها النور المطلق الذي يجل عن إدراك البصائر فضلاً عن الإبصار ويعز عن شعور الإسرار فضلا عن الأفكار، ويتعالى عن مشابهة الصور والأمثال وينزه عن حلول الألوان والإشكال، فانّ كمال اللطافة إنما يكون لمن هذا شأنه ووصف الغير بها لا يكون على الإطلاق، بل بالقياس إلى ما هو دونه في اللطافة ويوصف بالنسبة إليه بالكنافة انتهى. وهذا يقتضي أنه حقيقة فيه تعالى فتأمّله، والخبير للمبالغة فيه يكون علة، والمقام وان اقتضى ترك العطف لكن المقصود به إثبات هذه الأوصاف والتعليل الذي أشار إليه المصنف رحمه الله ضمنيّ، وقوله لما لا يدرك بالحاسة أي ليس شأنه ذلك فلا يقال إذا كان اللطيف بمعنى ما لا تدركه الأبصار كيف يعلل الشيء بنفسه فلا يرد هذا كما توهم، وقوله: ولا ينطبع فيها أي لا ينطبع ويرتسم مثاله فيها وإلا فالشيء نفسه لا ينطبع ففيه تسمح، وهذا أحد المذاهب في كيفية الرؤية وتحقيقه في كتب الحكمة والكلام، وقوله: (وهي للنفس الخ) المعروف إنها للقلب كالبصر للعين، وقوله: (تجلى) بمعنى تظهر وتكشف، وقوله: (الدلالة) فجمعه باعتبار أنواعه وقيل المراد آيات القرآن. قوله: (فلنفسه أبصر) قدره غيره فلنفسه الإبصار، وقدّره أبو حيان فيهما بقوله فالإبصار لنفسه أي نفعه وثمرته، ومن عمى فعليها أي فالعمى عليها أي فجدوى العمى عائد على نفسه، والإبصار والعمى كنايتان عن الهدى والضلال، قال: وهذا الذي قدرناه من المصدر وهو الإبصار والعمى أولى لوجهين أحدهما أنّ المحذوف يكون مفرداً لا جملة ويكون الجارّ والمجرور عمدة لا فضلة، وفي تقدير غيره المحذوف جملة والجارّ والمجرور فضلة ولأنه لو كان المقدر فعلا لم تدخله الفاء سواء أكانت شرطية أو موصولة مشبهة بالشرط لأنّ الفعل الماضي إذا لم يكن دعاء ولا جامداً، ووقع جواب شرط أو خبر مبتدأ مشبه باسم الشرط لم تدخل الفاء في جواب الشرط، ولا في خبر المبتدأ لو قلت من جاءني فأكرمته لم يجز بخلاف تقديرنا، وهو غير وارد، لأنه ليس كالمثال الذي ذكره بل مثاله من جاءني، فلا كرامة جاء إذ تقدم فيه الجارّ والمجرور لإفادة الحصر والجاز والمجرور إذا تقدم على الماضي جاز اقترانه بالفاء، بل قيل: إنها لازمة له كما صرّح به النحرير، والمعرب السفاقسي، ففي هذه المسالة ثلاثة مذاهب المنع، وهو مختار أبي حيان والجواز الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 واللزوم وهو مختار غيره، وفي الدرّ المصون أنّ هذا التقدير سبق الزمخشري إليه غيره من السلف كالكلبي وقوله: فعليها وباله لم يقدر فعليها عمى كما قدره الزمخشري لأنّ عمى لم يعهد تعديه بعلى بخلاف ما قدّره فإنه لا يحتاج إلى تكلف تأويل، وقيل إنه قدّر في إحداهما الفعل وفي الأخرى الاسم إشارة إلى جواز كل من المسلكين، والمراد بالعمى والبصر الهدى والضلال كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ومن هذا عرفت أنّ الظرف المقدر متعلقه فعلاً يقع جواب الشرط مع الفاء أو بدونها كما يؤخذ من كلام الزجاج، وقد ردّه في المغني وليس بصواب كما ستراه. قوله: (والله سبحانه وتعالى هو الحفيظ (الحصر مستفاد من تقديم المسند إليه على ما عرف من مذهب الزمخشري من عدم اشتراط الخير الفعلي، وقوله وهذا الخ يعني قد جاءكم بصائر إلى هنا كما صرّح به في الكشاف لا قوله: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} فقط كما قيل وعلى هذا فقل مقدرة كما صرّح به شراح الكشاف، وأمّا ما قيل الورود على لسانه لا يقتضي هذا التقدير، فإنّ منشئ القصيدة على لسان غيره لا يضمر القول فتخيل فاسد، وإنما نظيره ما إذا وصف متكلم نفسه، ثم ذكر ما لا يصح إسناده إليه فإنه لا بد من تقدير الحكاية والا فسد كلامه، واختل نظامه، وقوله مثل ذلك قد مز شرحه. قوله:) وليقولوا الخ) قدر صرفنا ماضياً والزمخشرفي قدره مضارعا متأخرا قيل لقصد التخصيص، وفيه نظر واللام لام العاقبة وهي مجاز منقول من التعليل ولذا عطف عليه الغرض وجوّز أن يكون على الحقيقة أبو البقاء وغيره لأنّ نزول الآيات لا ضلال الأشقياء وهداية السعداء، قال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} [سورة البقرة، الآية: 26] وبجوز أن يكون التقدير لينكروا وليقولوا الخ، وقيل هذه اللام للأمر ويؤيده إنه قرئ بسكونها كأنه قيل، وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا هم ما يقولون، فإنهم لا احتفال بهم ولا اعتداد بقولهم وهو أمر معناه الوعيد والتهديد وعدم الاكتراث بقولهم، وفي الدرّ المصون فيه نظر لأنّ المعنى على ما قالوه وأيضا فإنّ قوله ولنبينه نص في أنّ اللام لام كي، وأما تسكين اللام في القراءة الشاذة فلا دليل فيها لاحت! مال إنها خففت لإجرائها مجرى كبد، وكونها معترضة ولنبينه متعلق بمقدر معطوف على ما قبله وان صححه لا يخرجه عن كونه خلاف الظاهر، وعبارة الزمخشرفي هنا، وليقولوا جوابه محذوف تقديره وليقولوا درست نصرّفها، ومراده بالجواب المتعلق، وهو اصطلاج منه وقع في مواضمع من كتابه قال المعرب سماه جوابا لأنه يقع جوابا للسائل الذي يقول أين متعلق هذا الجارّ، فلا يرد عليه ما قاله أبو حيان، ولكونه خلاف الظاهر عدل عنه المصنف رحمه الله. قوله: (درست من الدروس الخ) فيه قرا آت ثلاث متواترة وما عداها شاذة فقرأ ابن عامر درست كضربت، وابن كثير وأبو عمرو دارست كقاتلت، والباقون درست أنت كضربت، ومعنى الأولى قدمت وتكرّرت على الإسماع كقوله: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 25] ومعنى الثانية دارست يا محمد غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية، كقوله: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} [سورة النحل، الآية: 103] الآية ومعنى الثا اصة حفظت، واتقنت بالدرس أخبار من مضى كقوله تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [سورة الفرقان، الآية: هـ، وقرئ في الشواذ درست ماضياً مجهولاً، وفسرت بتليت وعفيت أي الآيات، واعترض! على الثاني بأنّ درس بمعنى انمحى لازم لم يعرف متعديا في اللغة والاستعمال، ورذ بأنه ورد متعديا قال الزبيدي درس الشيء يدرس دروسا عفا ودرسته الريح، وقال النحرير: جاء درس لازما ومتعدياً لمعنيين وقرئ دزست مشددا معلوما وتشديده للتكثير أو للتعدية والتقدير درست غيرك الكتب، وقرئ مشدداً مجهولاً، وقرئ دورست على مجهول فاعل، ودارست بالتأنيث والضمير للآيات أو للجماعة، وقرئ درست بضم الراء والإسناد للآيات مبالغة في محره أو تلاوته لأنّ فعل المضموم للطبائع والغرائز، وقرأ أبيّ رضي الله عنه درس وفاعله ضمير النبيّ ع! ي! أو الكتاب إن كان بمعنى انمحى ودرسن بنون الإناث مخففا ومشدداً، وقرئ دارسات بمعنى قديمات أو بمعنى ذات درس أو دروس كعيشة راضية وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي دارسات، وقراءة المفاعلة إمّا على أنه بمعنى أصل الفعل، أو تأويله بما مرّ تحققه في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ} [سررة البقرة، الآية: 9] . قوله: (اللام على أصله (قال الشريف قدس سرّه: أفعاله تعالى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 يتفرّع عليها حكم ومصالح متقنة هي ثمراتها وان لم تكن عللا غائية لها حيث لولاها لم يقدم الفاعل عليها ومن أهل السنة من وافق المعتزلة في التعليل، والغرض الراجع منفعته إلى العباد، وادّعى أنه مذهب الفقهاء والمحدثين، إذا عرفت هذا فاعلم أن حقيقة التعليل عند أهل السنة بيان ما يدل على المصلحة المترتبة على الفعل، وأما تفسيره بالباعث الذي لولاه لم يقدم الفاعل على الفعل أو عدم اشتراط ذلك فهو من تحقيقات المتكلمين لا تعلق له باللغة، وأما عند أهل اللغة فهو حقيقة في ذلك مطلقا، والفرق بينها وبين لام العاقبة أنّ لام العاقبة ما تدخل على ما يترتب على الفعل، ويى! مصلحة، وهل يشترط فيها أن يظنه المتكلم غير مترتب أم لا حتى يكون في كلامه تعالى من غير حكاية أم لا فيه خلاف تقدم شرحه فما قيل أنّ اللامات الداخلة على فوائد أفعاله المسماة بالحكم والمصالح استعارات تبعية فلا تكون اللام فيها على أصلها إلا على رأي من يجوّز أن تكون أفعاله معللة بالاغراض، ولا يقول به المصنف رحمه الله مردود بما سمعت آنفا، وقوله باعتبار المعنى يعني التأويل بالكتاب أو القرآن، والمراد بالمصدر التبيين أو التصريف كما قيل فهو مفعول مطلق على الأوّل، وقوله: (فإنهم المنتفعون به (بيان لوجه تخصيصهم بذلك لجعل ما سواهم كالعدم، وجعل الجملة المعترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تفيد تقوية الكلام صرّح به الزمخشري في مواضع من كتابه فلا عبرة بمن أنكره، وقوله أكد به إيجاب الاتباع لأنّ من هذا وصفه يجب اتباعه. قوله: (أو حال مؤكدة) فسم ابن مالك في التسهيل الحال المؤكدة إلى مؤكدة لعاملها نحو ولي مدبرا ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ومؤكدة لغيره في بيان فخر أو يقين أو تعظيم ونحوه ويجب أن يتقدّم عليها جملة اسمية، ويحذف عاملها وجوبا فمن قال وكونها واقعة بعد الجملة الاسمية شرط لوجوب حذف عاملها لا لصحتها لقوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [سورة البقرة، الآية: 60] فقد خلط بين معنيي الحال وقسميها ومعنى لا تحتفل لا تعتد وتبال وقوله ولا تلتفت تفسير له، وأوّله بهذا لأنه لا بد له من التبليغ والقتال إلا أن يكون قبل الأمر بالقتال، ثم نسخ بالآية السيف في سورة براءة فيكون حينئذ على عمومه، وقوله وهو دليل الخ ردّ على المعتزلة كما مرّ، والزمخشرفي فسره بمشيئة إكراه وفسر لأنّ عندهم مشيئة الاختيار حاصلة البتة قال النحرير: وهذه عكازته في دفع مذهب أهل السنة من أنّ الله تعالى لم يثأ إيمان الكافر ولا طاعة العاصي تمسكا بأمثال هذه الآيات. قوله: (أي ولا تذكروا آلهتهم الخ) هذا إمّا لأنّ الذين يدعون عبارة عن الآلهة والعائد مقدر، والتعبير بالذين على زعمهم أنهم من أولى العلم أو بناء على أنّ سب آلهتهم سبّ لهم كما يقال ضرب الدابة صفع لراكبها، أو على تغليب العقلاء منهم كالمسيح صلى الله عليه وسلم وعزير، ثم إنه في الكشاف ذكر في سبب النزول وجهين (1 (الأوّل إنهم قالوا عند نزول قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [سورة الأنبياء، الآية: 98] لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك، والثاني إن المسلمين كانوا يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسب الله تعالى، وأورد على الأوّل أن وصف اكهتهم بأنها حصب جهنم وبأنها لا تضرّ ولا تنفع سبّ لها فكيف نهى عنه بقوله: {وَلاَ تَسُبُّواْ} الخ. وأجيب بأنهم إذا قصدوا بالتلاوة سبهم وغيظهم يستقيم النهي عنها، ولا بدع فيه كما ينهى عن التلاوة في المواضمع المكروهة، أو معناه لا يقع السب منكم بناء على ما ورد في الآية فيصير سبباً لسبهم، وقيل السب ذكر المساوي لمجرّد التحقير والإهانة، وذلك إنما ورد للاستدلال على عدم صلوحها للألوهية والمعبودية ومثله لا يسمى سبا، وفيه نظر وقيل عليه إنّ سبب النزول على إحدى الروايتين وصفه لها بأنها حصب جهنم فكيف لا يكون ذلك سبا فالجواب أن يقال النهي عن السب في الحقيقة إنما هو عن إظهاره، فإنه المؤذي إلى سب الله فتأمّل. قوله: (أو لنهجونّ إلهك) فإن قيل إنهم كانوا يقرّون بالله وعظمته وإنّ آلهتهم إنما عبدوها لتكون شفعاء عنده فكيف يسبونه، قلنا لا يفعلون ذلك صريحاً بل يفضي كلامهم إلى ذلك كشتمهم له ولمن يأمره بذلك مثلا، وقد فسر بغير علم بهذا، وهو حسن جذا أو أنّ الغيظ والغضب ربما حملهم على سب الله صريحا ألا ترى المسلم قد تحمله شدّة غضبه على التكلم بالكفر وعدوا كضربا وعدوا كعتوّاً وعداء كعزاء، وعدواناً كسبحان مصدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 عدا عليه بمعنى تعدى وتجاوز وهو مفعول مطلق لتسبوا من معناه لأنّ ال! سب عدوان أو مفعول له أو حال مؤكدة مثل بغير علم، وقرأ ابن كثير في رواية عنه عذوا بفتح العين وضم الدال وتشديد الواو على أنه حال. قوله: (وفيه دليل الخ) يعني إذا أذت إلى معصية راجحة على معصية ترك الطاعة وكانت سببا لها بخلاف الطاعة في موضع فيه معصية لا يمكن دفعها وكثيرا ما يشتبهان، ولذا لم يحضر ابن سيرين جنازة اجتمع فيها الرجال والنساء، وخالفه الحسن للفرق بينهما كما في الكشاف، وقد علم مما مرّ في تفسير قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أسورة الأنعام، الآية: 68] ما هو الصحيح عند فقهائنا، كما أفاده شيخنا المقدسي في الرمز من أنه لا يترك ما يطلب لمقارنة بدعة كترك إجابة دعوة لما فيها من الملاهي، وصلاة جنازة لنائحة فإن قدر على المنع منع والا صبر، وهذا إذا لم يكن مقتدى به والا فلا يقعد لأنّ فيه شين الدين، وما روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه ابتلى به كان قبل صيرورته إماما يقتدى به، وقال الإمام أبو منصور كيف نهانا الله عن سب من يستحق السب لئلا يسب من لا يستحقه وقد أمرنا بقتالهم، وإذا قاتلناهم قتلونا وقتل المؤمن بغير حق منكر وكذا أمر النبيّ لمجز بالتبليغ والتلاوة عليهم وان كان يكذبونه وأجاب بأنّ سب الآلهة مباج غير مفروض! ، وقتالهم فرض وكذا التبليغ وما كان مباحاً نهى عما يتولد منه ويحدث وما كان فرضا لا ينهي عما يتولد منه، وعلى هذا يقع الفرق لأبي حنيفة فيمن قطع يد قاطع قصاصاً فمات منه فانه يضمن الدية لأنّ استيفاء حقه مباج، فأخذ بالمتولد منه، والإمام إذا قطع يد السارق فمات لا يضمن، لأنه فرض! عليه فلم يؤخذ بالمتولد منه انتهى، ومنه تعلم أنّ قوله الطاعة ليس على إطلاقه. قوله:) من الخير والشر الخ) وقوله في الكشاف مثل ذلك التزيين زينا لكل أمّة من أمم الكفار سوء عملهم أي خليناهم، وشأنهم ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم، أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم، أو زيناه في زعمهم، وقولهم إنّ الله تعالى أمرنا بهذا وزينه لنا، يعني أن ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى زين للكافرين الكفر وعملهم القبيح، وتزيين القبيح قبيح، والله متعال عنه على أصول المعتزلة، فلذا أوّل الآية بوجوده رجح منها الوص! الثاني لمناسبته لوصف ايمفرة قبله، والمصنف رحمه الله تعالى ذكر وجها آخر وترك ما ذكره لعدم الحاجة إليه عندنا ولم يجعل التشبيه فيه من قبيل ضربته كذلك لخفائه قيل: ولأنه يأباه قوله لكل أثة، وفيه نظر والمشبه بالنصب عطف على اسم أن ويجوز رفعه. قوله:) مصدر في موقع الحال) أو حال مؤوّل باسم الفاعل أو منصوب بنزع الخافض أي أقسموا بجهد أيمانهم أي أوكدها، وقد مرّ الكلام عليه في المائدة والتحكم إظهار الحكومة وتكلفها باقتراج الآيات. قوله: الئن جاءتهم آية الخ (كإنزال الملائكة وغير ذلك، وفيه إشارة إلى أن ما جاءهم ليس بآية عندهم كما يدلّ عليه، وقوله:) واستحقار (فلا حاجة إلى التقييد بقوله من مقترحاتهم إلا أن يكون لبيان الواقع. قوله:) وليس شيء منها بقدرتي الخ) في الكشاف إنما الآيات عند الله وهو قادر عليها، ولكنه لا ينزلها إلا على موجب الحكمة أو إنما الآيات عند الله لا عندي فكيف أجيبكم إليها وآتيكم بها، والمصنف رحمه الله أشار إلى أن العندية بمعنى كونها مقدورة له تعالى، والمقصود من الحصر نفي القدرة عن نفسه ليبين أنه لا يمكنه أن يجيبهم بها، وزاد الزمخشري وجهاً آخر، وهو أن المراد أنّ الآيات منحصرة في المقدورية لا تتعداها إلى النزول بغير حكمة قيل: ولم يلتفت إليه المصنف لما قال النحرير إق فائدة الحصر يعني فكيف أجيبكم الخ لا تظهر على هذا الوجه ويمكن أن تظهر بأنه لا حكمة فيما يطلبونه فلا يمكن أن يجيبهم به، ويمكن أن يقال إن المصنف رأى تقارب الوجهين فجعلهما وجها واحداً وقد جنح إلى هذا من قال العندية من حيث القدرة، ومن حيثية الإتيان بالمشيئة إن اقتضته الحكمة، وقوله:) أنّ الآية المقترحة) إشارة إلى أنّ الضمير راجع للآية لا للآيات لأن عدم إيمانهم عند مجيء ما اتترحوه أبلغ في توبيخهم قيل ولو جعل الضمير للآيات لكان فيه مزيد مبالغة في بعدهم عن الإيمان وبلوغهم في العناد غاية الإمكان، ولا يخفى ما فيه إلا أن يلاحظ أنه باعتبار شمولها للمقترحة وغيرها فتأفل. قوله:) وما يدريكم (استفهام إنكار وهو في المعنى نفي وفي بعض الحواشي، ما استفهامية لا نافية والا يبقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 الفعل بلا فاعل، وفي الدر المصون قيل فاعله ضمير الله أي وما يشعركم الله إنها إذا جاءت الآيات المقترحة لا يؤمنون وهو تكلف بعيد، وقال السفاقسي: إنه كير مستقيم لأن الله أعلمهم بأنهم لا يؤمنون، إلا أن تجعل لا زائدة. قوله: (أنكر السبب مبالغة في نفي المسبب الخ (إشارة إلى جواب ما يقال إنك إذا قيل لك أكرم زيداً يكافئك قلت في إنكاره ما أدراك أني إذا أكرمته يكافئني فإن قيل لا تكرمه، فإنه لا يكافئك قلت في إنكاره ما أدراك إنه لا يكافئني تريد وأنا أعلم منه المكافأة فمقتضى حسن ظن المؤمنين بهؤلاء المعاندين أن يقال وما يدريكم إنها إذا جاءت يؤمنون غائبات لا بعكس المعنى إلى أن المعلوم لك الثبوت وأنت تنكر على من نفى كذا قرّره شراح الكشاف، فلذا حمله بعضهم على زيادة لا، وبعضهم على ا! أن بمعنى لعل وبعضهم على أنها جواب قسم بناء على أن أنّ في جواب القسم يجوز فتحها، والزمخشري وتبعه المصنف أبقى الكلام على ظاهره فقيل في المثال المذكور إنك إذا علمت أنه لا يكافئ وأشير عليك بإكرامه لظن المشير المكافأة فلك حينئذ معه حالتان، حالة أن تنكر عليه اذعاء العلم بما تعلم خلافه، وحالة أن تعذره لعدم علمه بما أحطت به ففي الحالة الأولى تقول ما يدريك أنه يكافئ، وفي الثانية تقول ما يدريك أنه لا يكافئ أي من أين تعلم أنت ما علمته أنا من عدم المكافأة، وكذلك الآية لإقامة عذر المؤمنين كما يدل عليه ما بعده، وايضاحه كما قيل إنه استفهام في معنى النفي، والإخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم والمعنى إنّ الآيات عند الله ينزلها بحسب المصالح وقد علم إنهم لا يؤمنون ولا ينجع ذلك فيهم وأنتم لا تدرون ما في الواقع من علمه تعالى فلذا توقعتم إيمانهم، والاستفهام الإنكاري له معنيان فالإنكار، إن كان بمعنى لم يقال ما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون وبمعنى لا يقال لا يؤمنون والمراد الثاني بدليل ما بعده، وفي الكشف إنه في الثاني منكر عليهم الاقتراح وهو القول من كير علم وبمعنى ما لا يعرت حقيقته، وهو أبلغ وإن كان الثاني أوضح وأقرب ومنه يعلم أنه يجوز أن يكون الإنكار بمعنى لم أيضا فقوله أنكر السبب أي الإشعار مبالغة في نفي المسبب أي الشعور، وليس معناه أنه أنكر الدراية بهذا العلم وأريد إنكاره إظهار الحرص أي أنتم لا تدرون كما قيل فالمعنى لا تدرون أنهم يؤمنون، وفي نفي المسبب بهذا الطريق مبالغة ليست في نفيها بدونها لأنّ في الكناية إثبات الشيء ببينة وفيه تعريض بأن الله عالم بعدم إيمانهم على تقدير مجيء الآية المقترحة لهم، وتنبيه على أنه تعالى لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون فعدم الإنزال لعدم الإيمان. قوله: (أن بمعنى لعل) هذا قول الخليل رحمه الله، ويؤيده أن يشعركم ويدريكم بمعنى، وكثيرا ما تأتي لعل بعد فعل الدراية نحو وما يدريك لعله يزكي، وأن في مصحف أبيّ رضي الله عنه وما أدراك لعلها، وقوله كأنه قال وما يشعركم ما يكون منهم إشارة إلى أن مفعوله محذوف على هذين الوجهين وهو يتعدى إلى مفعولين. قوله: (ثم أخبرهم الخ) ظاهره أنه إخبار ابتدائيّ وجعله ابن الحاجب جواب سؤال، وفي الكشف كأنه قيل لم وبخوا فقيل لأنها إذا جاءت لا يؤمنون، ولك أن تبنيه على قوله وما يشعركم فإنه أبرز في معرض المحتمل كأنه سأل عنه سؤال شاك ثم علل بقوله لأنها إذا جاءت لا يؤمنون جزما بالطرف المخالف، وبياناً لكون الاستفهام غير جار على الحقيقة، وفيه إنكار لتصديق المؤمنين على وجه يتضمن إنكار صدق المشركين في المقسم عليه وهذا نوع من السحر البياني لطيف المسلك، وعلى كونه خطاباً للمؤمنين لا يكون داخلا في حيز قل إلا بأن يقدر قل للكافرين إنما الآيات عند الله وللمؤمنين وما يدريكم، وهو تكلف لا داعي إليه، وعلى كونه خطابأ للمشركين يدخل تحته ويكون فيه التفات. قوله: (وقرئ وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم الخ (في الكشاف أي يحلفون بأنهم يؤمنون عند مجيئها وما يشعرهم أن تكون قلوبهم حينثذ كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات مطبوعا عليها فلا يؤمنوا بها اهـ، والضمير للكفار كما يدل عليه قوله على حلفهم أي إنكار لما حلفوا عليه والقراءة حينئذ إمّا بالفتح أو بالكسر، ويجري فيه ما مز فنزل عليه كلام الشيخين، وتقدم أنّ يشعركم وينصركم ونحوه قرئ بضم خالص وسكون واختلاس. تنبيه: قراءة كسر إنّ وجهها الخليل وغيره بأنها استئناف إخبار بعدم إيمان طبع على قلبه، وضعف الفتح بأنه يصير عذراً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 لهم وليى مقصود الآية، وقال الزمخشرقي على الكسر ثمّ الكلام عند يشعركم ثم أخبرهم بعلته، ووجه الفتح بستة أوجه فصلها صاحب الدرّ المصون. قوله: (فلا يؤمنون) إشارة إلى أنه ليس المراد بتقليب الإبصار حقيقته، وقوله: (بما أنزل من الآيات (إشارة إلى أنّ الضمير راجع إلى الآيات بتأويله بما أنزل وقولهه هداية المؤمنين يعني الدلالة الموصلة، وقيل إنه لله والرسول أو القرآن أو التقليب وهو بعيد. قوله: (وحثرنا عليهم كل شيء قبلا (معنى حشرنا سقنا ما اقترحوه من هذه الأشياء، وقوله: (فقالوا الخ) بيان لقوله ولو أننا أنزلنا، وقوله: (فآتوا بآبائنا) بيان لقوله وكلمهم الموتى وفسره بالنظم القرآنيّ، وقوله: (أو تأتي) بيان لقوله وحشرنا عليهم كل شيء والتعبير بكل تنزيلاً لأعظم الشيء منزلة كله أو مبالغة، وكون قبلاً الجمع حالاً من كل لأنه يجوز مراعاة معناه ولفظه كما نص عليه النحاة واستشهدوا بقوله: جادت عليه كل عين ثزة فتركن كل حديقة كالدرهم إذ قال تركن دون تركت فلا حاجة إلى ما قيل إنه باعتبار لازمه وهو الكل المجموعيّ، وهو معنى قوله وإنما جاز ذلك لعمومه مع الإشارة إلى مصحح الحال من النكرة مع تأخرها، وفي قبلا قرا آت كسر القاف وفتح الباء وضمهما، وقرئ في الشواذ بضم فسكون وغير ذلك فقبلا بكسر وفتح بمعنى مقابلة ومشاهدة وهو حال كما قاله الفراء والزجاج وعليه أكثر أهل اللغة وهو مصدر وعن المبرد أنه بمعنى جهة وناحية فانتصابه على الظرفية كقولهم لي قبل فلان كذا، وأما المضموم فقيل جمع قبيل بمعنى كفيل، ومنه القبالة لكتاب العهد والصك أو قبيل بمعنى جماعة والمعنى عليه حشرنا عليهم كل شيء فوجا فوجا وجماعة جماعة ويكون بمعنى الأوّل أيضا أي معاينة ومقابلة، كقوله: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [سورة يوسف، الآية: 26] . قوله: (ما كانوا ليؤمنوا) جواب لو وهواداً كان منفيا لا تدخله اللام ولذا اعترض على الحوفي رحمه الله في قوله إنّ اللام فيه مقدرة أي لما، وقوله: لما سبق عليهم القضاء بالكفر بتشديد الميم وتخفيفها، وقيل عليه إنّ فيه تعليل الحوادث بالتقدير الأزلي، ولا يخفى فساده بل لبطلان استعدادهم وتبدل فطرتهم القابلة بسوء اختيارهم وتبعه من قال: في تفسيره أي ما صح واستقام لهم الإيمان لتماديهم في العصيان وغلوّهم وتمردهم في الطغيان وأما سبق القضاء عليهم بالكفر فمن الأحكام المترتبة على ذلك حسبما ينبئ عنه قوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 10 ا] وليس بشيء لأن ما ذكره على مذهب الأشعري القائل بأنه لا تأثير لاختيار العبد وان قارن الفعل عنده، ولا يلزم الجبر كما يتوهم على ما حققه أهل الأصول ولا خفاء في كون القضاء الأزليّ سببا لوقوع الحوادث ولا فساد فيه، وأما سوء اختيار العبد فحسبب للقضاء الأزلي، وتحقيقه كما قيل إن سوء الاختيار، وان كان كافيا في عدم وقوع الإيمان لكنه لا قطع فيه لجواز أن يحسن الاختيار بصرفه إلى الإيمان بدل صرفه إلى الكفر فكان سوء اختياره فيما لا يزال مسببا للقضاء بكفره في الأزل فبعد القضاء به يكون الواقع منه الكفر حتما، كما قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سورة السجدة، الآية: 13] . قوله: (استثناء من أعتم الآحوال الخ) وجوّز أن يكون من أعمّ الأزمان والظاهر الأوّل فإن لوحظ أن جميع أحوالهم شاملة لحال تعلق المشيئة بهم فهو متصل وان لم يلاحظ أنّ حال المشيئة ليس من أحوالهم كان منقطعاً أي لكن إن شاء الله آمنوا واستبعده أبو حيان ولام فيه المصنف رحمه الله، وقوله:) حجة واضحة على الصعتزلة (قال أهل السنة لما ذكر الله تعالى إنهم لا يؤمنون إلا إن شاء الله إيمانهم فلما لم يؤمنوا دل على أنه تعالى ما شاء إيمانهم بل كفرهم، وأجابوا عنه بأن المراد مشيئة قسر وإكراه وعدم إيمانهم يستلزم عدم المشيئة القسرية وهو لا يستلزم عدم المشيئة مطلقاً فتأمّل. قوله: (ولذلك أسند الجهل إلى كثرهم الخ (أي لكونه جهلا مخصوصا بالمقسم عليه أسند إلى الأكثر مع أنّ مطلق الجهل يعئم جميع الكفار وكذا الكلام في تقييد جهل المسلمين بيمينهم، وليس الظاهر الخطاب حينئذ كما قيل، وقوله: ولكن كثر المسلمين ليس الوجهان مبنيين على اختلاف القراءتين لئلا يلزم ترجيح القراءة الشاذة على المشهورة بل على تقدم ذكر المقترحين المقسمين والمسلمين المتمنين لحصول ما اقترحوا وأن قوله وما يشعركم إنكار على المسلمين بوجه يتضمن الإنكار على المقسمين. فوله: (وهو دليل الخ) رذ على الزمخشريّ حيث فسره بقوله: كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأعدائهم أوّله بذلك لأن عداوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصية فلا تكون بخلق الله وجعله عنده، ولما كان خلاف الظاهر جعله المصنف رحمه الله دليلاً على خلافه وهو الظاهر. قوله: (ولكل متعلق به (أي بعدوا أو جعل حالاً من عدؤاً تدم لنكارته أو مفعول ثان على البدلية على ما تقدم في إعراب {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ} [سورة الأنعام، الآية: 00 ا] فتذكره ويصح جعله متعذيا لواحد وعلى كونه متعلقأ بعدوا يكون ثقديمه للاهتمام، ويجوز نصب شياطين بفعل مقدر وقوله يوسوس الخ تفسير للوحي هنا لأنه الشيء الخفي والوسوسة كذلك وقوله من زخرفه أي مأخوذ منه وأصل معنى الزخرف الذهب، ولما كان حسناً في الأعين قيل لكل زينة زخرفة، وتد يخص بالباطل فيقال شيء مزخرف ونحوه مموّه لأنه من الماء وهو الذهب المذاب وأصله موه، وقوله مفعول له أو مصدر في موقع الحال بتأويل غارين، وفسره الزمخشري بقو! هـ خدعا وأخذاً على غرّة أي غفلة، وقال الراغب: غرّه غروراً كأنما طواه على غرّة بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء وهو طية الأوّل. قوله: (ولو شاء ربك إيمانهم الخ) قدره بعضهم ولو شاء ربك أن لا يفعلوا معاداة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وايحاء الزخارف على أنّ الضمير لما ذكر بناء على المشهور ومن تقدير مفعول المشيئة ما دلّ عليه جواب لو بعده ولذا قيل في تفسيره ولو شاء ربك عدم الأمور المذكورة لا إيمانهم كما قيل فإنّ القاعدة المستمرّة إنّ مفعول المشيئة عند وقوعها شرطا يكون مضمون الجزاء، وهو ما فعلوه كما تقرّر في كتب المعاني. (قلت) هنا ذكر فعل المشيئة سابقا فالظاهر أنه يجوز مراعاة كل منهما بحسب ما يقتضيه الحال، وهنا كذلك لأنّ المشيئة تعلقت بالإيمان في قوله: قبيله إلا أن يشاء الله والمذكور في المعاني ما لم يتكرّر فيه فعل المشيئة ولم يكن قرينة غير الجواب فاعرفه، فإنه بديع، وقيل إن جعل العدم متعلق المشيئة لا يخلو عن تكلف، فلذا جعل المفعول هنا لازمه بناء على أنه يكفي في العدمي عدم المشيئة دون مثيئة العدم كما مرّ فتأمّل، وقوله ما فعلوا ذلك يريد أنّ الضمير راجع إلى جميع ما تقدم بتأويله كما مرّوا إنما لم يرجعه إلى كل واحد على البدل لاحتياجه إلى تأويل فيما هو مؤنث كالعداوة، ثم إنه قال هنا ولو شاء ربك ما فعلوه، وفيما بعده ولو شاء الله ما فعلوه، فغاير بين الاسمين في المحلين فذكر النكتة فيه بعضهم بأنّ ما قبله من عداوتهم له كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي لو شاء منعهم عنها فلا يصلون إلى المضرة يقتضي ذكره بهذا العنوان إشارة إلى أنه مربيك في كنف حمايته، وإنما لم يفعل ذلك لأمر اقتضته حكمته وأمّا في الآية الأخرى فذكر قبله إشراكهم فناسب ذكره بعنوان الألوهية التي تقتضي الإشراك. قوله: (وهو أيضاً دليل على المعتزلة الخ) قيل أي دليل عليهم في شيئين كقوله: {مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ} [سورة الأنعام، الآية: 111] ومن قدر مفعول المشيئة عدم فعل المعاداة والإيحاء، ثم قال في الآية دلالة على أن الشرور صدورها عنه بمشيئته فقد سها حيث غفل عن أنّ عدم تعلق المشيئة بعدم فعل لا يستلزم تعلقها بذلك الفعل، وفيه أنه في مثيئة العبد ظاهر، وأما في مشيئة الله على رأي أهل السنة القائلين بأنه لا يكون إلا ما يريد، فإذا عدم تعلقها بعدم شيء لزم التعلق بوجوده إذ لا واسطة بينهما فليتأمّل، وكفرهم تفسير لافترائهم وجعل ما مصدرية، ويصح أن تكون موصولة والواو بمعنى مع أو عاطفة، وذرهم أمر له بعدم المبالاة أو هو قبل النسخ كما مرّ. قوله: (وليكون ذلك جعلنا الخ) فحذف المعلل وأقيمت علته مقامه، وإنما قدره مؤخرا للاهتمام بالعلة لا للحصر. قوله: (والمعتزلة لما اضطروا الخ) يعني أن القبائح عندهم لا ينسب إليه تعالى خلقها، فلا تعلل بها أفعاله فلذلك أوّلوها بما ذكر، والا فيجوز أن تكون حكماً ومقاصد له تعالى، وقيل: اللام للتعليل أو للعاقبة على الاختلاف في كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض، وردّ بأنه لا يخفى أنّ اللامات الداخلة على ثمرات أفعاله سبحانه عند من لم يجعل أفعاله تعالى معللة بالأغراض استعارة تبعية تشبيها للغاية بالعلة الغائية، وليس شيء منها للعاقبة كما مرّ فجعل الاختلاف في كون أفعاله تعالى معللة بالأغراض أم لا مداراً للاختلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 في كون اللام في لتصغي للتعليل أو العاقبة خطأ يعني ليس مداره ذلك بل أن الشرور هل تنسب إليه فيعلل بها أفعاله أم لا، وقوله إنه استعارة ليس بشيء أيضا لأنه يسمى لغة علة وغرضاً وتفسير الغرض بما ذكر إنما هو اصطلاج للمتكلمين وأهل المعقول، كما مرّ تحقيقه وعلى القول بأنه عطف على غروراً وهو مفعول له ذكرت اللام لأنه غير مصدر صريح فلا ينصب على المفعولية لعدم استكمال الشروط، وهو حينئذ متعلق بيوحي. قوله: (أو لام القسم كسرت) قال الرضي: لا يجوز عند البصريين في جواب القسم الاكتفاء بلام الجواب عن نون التوكيد إلا في الضرورة، والكوفيون أجازوه في السعة وبعض العرب بكسر لام جواب القسم الداخلة على الفعل المضارع كقوله: إذا قال قدني قال بالله حلفة لتغني عني ذا إنائك أجمعا وبعضهم يجعل هذه اللام لام كي والجاز والمجرور جواب القسم، واعترض عليه ابن هشام في المغني بأنه مفرد لا يصلح أن يكون جوابا للقسم، ويردّه أنه يقدر متعلقه فعلا، وقد مرّ في تفسير قوله: {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [سررة الأنعام، الآية: 154] جواز كونه جواب الشرط، وفي الحديث: " من ترك كلا فإلئ ومن ترك مالاً فلورثتة ") 1 (وهل تلزم الفاء أم لا مرّ تحقيقه، وقال المعرب: إنها على هذا القول واقعة موقع الجواب لدلالتها عليه وليست جوابا وإنما هي الذي أقسم لأجله وقد دل على المقسم عليه فوضع موضعه، وقول المصنف كسرت لما لم يؤكد كذا قاله النحاة في وجهه: قال المعرب: ويدلّ على فساده أنّ النون قد حذفت ولام الجواب باقية على فتحها كقوله: لئن تك قد ضاقت عليّ بيوتكم ليعلم ربي أن بيتي أوسع فقوله ليعلم جواب القسم الموطأ له باللام وهي مع ذلك مفتوحة مع حذف نون التوكيد فتأمّل. قوله: (أو لام الأمر وضعفه أظهر) أي من ضعف القسمية، وفي نسخة ظاهر لعدم حذف حرف العلة من آخره ويؤيده أنه قرئ بحذفها، وقرئ بتسكين اللام وحرف العلة قد يثبت في مثله كما خرج عليه قراءة أرسله معنا غداً نرتعي ونلعب وإنه من يتقي ويصبر فليكن هذا مثله والأمر حينئذ للتهديد أو للتخلية. قوله: (والصنو الميل) ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم، الآية: 4] وفي الحيث فأصغى لها الإناء وعين صغواء وصغياء بمعنى مائلة ويقال صغوت وصغيت صغواً وصغيا فهو مما جاء واويا وبائيا، ومضارعه يصغي ويصغو ومصدره صغيا بالفتح والكسر، وزاد الفراء صغياً وصغوّاً بالياء والواو مشددتين ويقال أصغى مثله فيصح في قول المصنف رحمه الله الصغو تشديد الواو وتخفيفها. قوله: (والضمير لما له الضمير في فعلوه (يعني ضمير إليه ولذا جوّز عوده إلى الوحي وإلى الزخرف والى القول والى الغرور وإلى العداوة لأنها بمعنى التعادي كذا قال المعرب. قوله:) وليكتسبوا) الاقتراف في اللغة الاكتساب وأكثر ما يقال في الشر والذنب، ولذا قيل: الاعتراف يزيل الاقتراف، وقد يرد في الخير كقوله تعالى: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [سورة الشورى، الآية: 23] ، وأصله قشر لحاء الشجر وجلدة الجرج وما يؤخذ منه قرف ومنه القرفة لنوع من العقاقير، وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف وجوّز فيها المصدرية والظاهر الأوّل واليه يشير قوله من الآثام. قوله:) وغير مفعول (قدم وولى الهمزة لما تقدم في قوله: {أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [سورة الأنعام، الآية: 14، وليس للتخصيص إلا أن يراد أنه لتخصيص الإنكار لا لإنكار التخصيص، وقيل في تقديمه إيماء إلى وجوب تخصيصه تعالى بالابتغاء والرضا بكونه حكماً وكذا الفاء لسببية الإنكار لا لإنكار السببية، وحكماً حينئذ إمّا حال من غير الله وهو ظاهر أو تمييز أو مفعول له وعلى العكس قدم لأنه مصب الإنكار، وكون الحكم أبلغ من الحاكم لأنه صفة مشبهة تفيد ثبوت معناها ولذا لا يوصف به إلا العادل أو من تكرّر منه الحكم. قوله:) القرآن المعجز (يحتمل التوراة أيضأ لما بين فيها من نبوّته لمجي! وصفاته. قوله: (وفيه تنبيه على أن القرآن الخ (لأنّ المعنى لا أبتشي حكمأ يخر الله بعد إنزال القرآن متضمنا للأحكام فاصلا بين الحق والباطل، واعترض عليه بأن كونه مغنيا بتقريره وتفصيله ظاهر، وامّا أن يكون لإعجازه دخل في ذلك فلا. وأجيب بأنه لا يكون إلزاماً إلا بالعلم بكون المنزل من عند الله، وهو يتوقف على الإعجاز بحيث يستغنى عن آية أخرى دالة على صدق دعواه على أنه من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 عند الله وفي دلالة النظم عليه خفاء إلا أن يقال جعل الجملة الاسمية حالية دالة على تقرره وثبوته في نفسه أو أن يجعل الكتاب بمعنى المعهود إعجازه، وهذا من عدم تدبر الآية إذ المعنى لا أبتغي حكماً في شأني وشأن غيري إلا الله الذي نزل الكتاب لذلك وإنما يحكم له بصدق مدعاه بالإعجاز فإنهم لما طعنوا في نبوّته، وأقسموا أنهم إن جاءتهم آية آمنوا بين الله أنهم مطبوع على قلوبهم وأمره بأن يوبخهم وينكر عليهم بقوله أفغير الله الخ أي " عدل عن الطريق المستقيم فأخص غيره بالحكم، وهو الذي أنزل هذا الكتاب المعجز الذي أفحكم وألزمكم الحجة يكفي به حاكماً بيني وببنكم بإنزال هذا الكتاب المفصل بالآيات البينات من التوحيد والعدل والنبوّة والإخبار إلى غير ذلك مما هو كالعقد المفصل الذي أعجزكم عن آخركم فأجابهم بالقول بالموجب لأنهم طعنوا في معجزاته فبكتهم على أحسن وجه، وضم إليه علم أهل الكتاب فقوله ينفي التخليط والالتباس مأخوذ من كونه مفصلا وكونه معجزاً مأخوذ من كونه مغنيا عما عداه في شأنه وشأن غيره كما مز. قوله:) بعلم أهل الكتاب) جارّ ومجرور متعلق بتأييد، وبه متعلق بعلم أي بحقيته، ولتصديقه علة العلم ووجه التأييد ظاهر، والفرق بين أنزل ونزل مرّ تحقيقه وأن الأؤل دفعيّ والثاني تدريجيّ وهو أكثري والقراءة بهما هنا تدل على قطع النظر عن الفرق وليس إشارة إلى المعنيين باعتبار إنزاله إلى سماء الدنيا، ثم إنزاله إلى الأرض لأنّ إنزاله دفعة إلى السماء لا يعلمه أهل الكتاب. قوله:) في أنهم يعلمون ذلك الخ (لما كان النبيّ مجشحيه لا يمتري في حقيته أجابوا عما اقتضاه ظاهر النظم بأربعة أوجه، الأوّل هذا وهو أنّ المراد امتراؤه في علم أهل الكتاب بذلك، ولعله قبل إعلام الله له إذ بعده لا امتراء فيه أيضا ولو قدم قوله بجحود أكثرهم كما في الكشاف ليبين سبب امترائه في علمهم لكان أولى، وقوله: من باب التهييج جواب ثان أي ليس المراد حقيقته بل تهييجه وتحريضه على ذلك، وتوله: (أو خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) جواب آخر أي أن الخطاب لأمته على طريق التعريض، وقوله: (وقيل الخطاب لكل أحد) جواب رابع والمراد كل أحد ممن يتصوّر منه الامتراء لما تقرّر أن أصل الخطاب أن يكون مع معين وقد يكون لغيره كما في قوله ولو ترى إذ المجرمون فلا يرد ما قيل: إن جعل الخطاب لعموم الناس يحتاج إلى جعل العموم لما سواه أو جعل خطابه للتهييج، فيلزم الجمع بين الحاقيقة والمجاز إلا أن يجعل النهي كناية عن أنه لا ينبغي لأحد أن يمتري فيه، واليه يشير قوله: (فلا ينبغي الخ) مع أنّ الظاهر أنه جمع بين مجازين لا بين مجاز وحقيقة. قوله:) بلغت الخ أليس المراد أنه عرض لها التمام بعد ضده بل المراد إنها بدئت كذلك، واستمرّت عليه، والفعل تد يرد لمثله نحو: {كَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة النساء، الآية: 96] فليس من يدع التفاسير كما توهم، ثم لما كان التمام يعقبه النقص غالبا كما قيل: إذا تم أمر بدا نقصه تيقن زوالاً إذا تيل تم ذكر قوله لا مبدل لكلماته احتراساً وبياناً لأن تمامها ليس كتمام غيرها، وقوله في الأخبار والمواعيد بناء على أنّ الوعد خبر كما مز، وقيل إنه إنشاء وصدقها عدم الخلف فيها فالظاهر العطف بأو والنصب على الوجوه من ربك أو الكلمة. قوله: (لا أحد يبدل شيئاً منها الخ (المراد أنه لا أصدق منها فتبدل به ونفى الأصدقية يدل على نفي المساواة، كما يقال ليس في البلد أعلم من فلان كما مز تفصيله فلا يقال إنه لا ينافي جواز التبديل بما هو مثله، وقيل: الباء هنا ليست في موقعها لأنّ معنى بدله بخوفه أمنا أزال خوفه إلى الأمن وليس بوارد لأنه يقتضي أنّ الباء لا تدخل على المأخوذ وقد صرّحوا بخلافه، وفي الكشف أنه إذا قيل تبذل الكفر بالإيمان أريد أتخذ الكفر بدله فالمطلوب المأخوذ هو ما عدّى إليه الفعل بلا واسطة، وإذا قيل بدله به أريد غيره به فالحاصل ما أفضى إليه الفعل بالباء، قال في تفسير قوله تعالى: {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} لا أحد يبدل شيئا بما هو أصدق انتهى، فقد فرق بين بدل وتبذل وما ذكره ناشئ من عدم الفرق، وقوله: (أصدق (إن قيل الصدق لا يقبل الزيادة والنقص لأنه إن طابق الواقع فصدق والا فكذب، قيل المراد أبين وأظهر صدقا، وفي الحديث أصدق الحديث الخ قال الكرماني جعل الحديث كمتكلم فوصف به كما يقال زيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 أصدق من غيره والمتكلم يقبل الزيادة والنقص في ذلك وقيد التحريف بالشيوع لأن غيره لا ضير فيه. قوله: (على أنّ المراد بها القرآن) أي بالكلمات في هذا الوجه وفي الذي بعده وأما الأوّل فعام لسائر الكتب والأحاديث القدسية، وقوله: (بعدهما (قيد للنبيّ غ! ت والكتاب، فلا حاجة إلى أن يراد لا نبيّ بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، والمراد أنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا ينسخ شريعته شريعة ولا كتابة كتاب آخر ينزل فلا يدل على أنّ القرآن لا ينسخ بالحديث، ولا ينافي هذا نزول عيسى عشييه لأنه يعمل بعد النزول بشريعة نبينا لمجي! ، وقوله: (ما تكلم به) فهو على هذا عامّ وعلى أن المراد به القرآن خاص قيل والكلمة تطلق على الكلام إذا كان مقصودا مضبوطا نحو كلمة زهير رضي المه عنه لقصيدته هكذا قيدوه هنا، وأطلق النحاة فيه وقوله فلا يهملهم إشارة إلى أنّ العلم والسمع عبارة عن المجازاة كما مرّ غير مرّة. قوله: (يريد الكفار الخ) فهو عامّ والخطاب له ولأئته ىلمجرو فيشمل الفرق الضالة وغيرهم وان أريد بالأرض! مكة فلأنّ أكثر أهلها كانوا حينئذ كفاراً. قوله: (وهو ظنهم الخ) إشارة إلى أنّ اتباع الظن مطلقا ليس بمذموم كما في العمل بالظن في التحري والاجتهاد ونحوه، وقوله: (يطلق على ما يقابل العلم (أي الجهل لأنّ العلم، كما يقابل الظن والشك يقابل الجهل، فالمراد به حينئذ الاعتقاد، ويقابله الباطل ولو جزما وهو على الأوّل حقيقة فلا فرق بينه وبين تفسيره بالآراء الفاسدة والأهواء الباطلة كما قيل. قوله: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} إن فيه وفيما قبله نافية والخرص الحزر والتخمين وقد يعبر به عن الكذب والافتراء وأصله القول بالظن وقول ما لا يستيقن ويتحقق قاله الأزهرفي، ومنه خرص النخل خرصاً وهي خرص المفتوح مصدر والمكسور بمعنى مفعول كالنقض والنقض والذبح والذبح. قوله: (فإن أفعل لا ينصب الظاهر الخ (أي على الصحيح وبعض الكوفيين يجوّزه، وقوله في مثل ذلك أي مما أريد به التفضيل أما إذا جرد لمعنى اسم الفاعل فمنهم من جوّز نصبه كما صرّح به في التسهيل وحينثذ يؤتى بمفعوله مجرورا بالباء أو اللام كقول المصنف رحمه الله تعالى بالفريقين فإذا لم ينصبه قدر له فعل يدل عليه أفعل كما قاله الفارسي وخرج عليه قوله: أكر وأحمى للحقيقة منهم وأضرب منا بالسيوف القوانسا لأنه ضعيف لا يعمل عمل فعله، والفعل المقدر هنا يعلم، وقيل معنى في مثل ذلك مثل هذا الكلام وإنه ذكر في علم النحو إن اسم التفضيل لا يعمل في المظهر إلا إذا كان لشيء وهو في المعنى لمتعلق ذلك الشيء المفضلى باعتبار الأوّل على نفسه باعتبار غيره منفيا مثل ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد لأنه بمعنى حسن، وهو يريد مسألة الكحل وفي تلك المسألة لا ينصب الظاهر بل يرفعه والكلام ثمة في عمل الرفع لا في عمل النصب فهذا، وهم ويبعد أن يريد بمثل ذلك المفعول به احترازاً عن الحال والمفعول فيه والتمييز فإنها شنصبها أعلم، وقوله: (معلق عنها الفعل المقدّر) التعليق إبطال العمل لفظا لا محلاً والإلغاء إبطاله لفظأ ومحلاً كما يعلم من كتب النحو. قوله: (فتكون من منصوية الخ) يعني بالفعل وهو يعلم، وفاعله ضمير ألله كما أشار إليه المصنف وحمه الله وهذا على قرأءة يضل بضم الياء، وأما على القراءة الأولى فلا تصح الإضافة وجوّز أن تكون استفهامية معلقا عنها الفعل أيضاً وإذا جرّت بالإضافة فالمعنى أعلم المضلين، وكذا على الثاني أعلم المضلين أي من يجد الضلال من أضللته وجدته ضالاً، ومجرورة بالنصب عطف على منصوبة قيل فيكون لقوله: أي يضله الله مدخل في هذا الإعراب كما في إعراب النصب كما يدل عليه الفاء التفريعية في قوله فتكون وأنت خبير بعدم استقامته أما إذا كان المضلين اسم فاعل فظاهر لأن من حينئذ يكون عبارة عن الضالين، أي على أن الفاعل ضميره تعالى وأما إذا كان اسم مفعول مع أنه غير شائع في الاستعمال فلأنّ المضاف ليس من جنس المضاف إليه ولا مجال لكون الإضافة للتخصيص، فأما أن يقال التفريع على هذه القراءة ولا مدخل للتفسير فيه لكنه خلاف الظاهر أو يقال توله مجرورة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة عطف على التفريع والمفرع عليه ولو صرّج به وغير عبارته لكان أوضح. (قلت) ضمير يضل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 في الإضافة عائد على من وتركه لظهوره فادّعاء عدم الظهور فيه مكابرة، وعلى هذه القراءة كان الظاهر أن يقال بالمهديين، وكان وجه العدول عنه الإشارة إلى أن الهداية صفة سابقة ثابتة لهم في أنفسهم كأنها غير محتاجة إلى جعل لقوله: كل مولود يولد على الفطرة بخلاف الضلال فإنه أمر طارئ أوجده فيهم فمن قال: يرد عليه إنّ سياق الكلام لبيان الضالّ لا المضل ويدذ عليه قوله وهو أعلم بالمهتدين فليس من المهتدين لهذه النكتة، وكيف يصح ما ذكره بعد القراءة بها. قوله: (والتفضيل الخ) يعني زيادته إمّا في المعلومات أو في وجوه العلم أو باعتبار الكيفية وهي لزوم علمه أو كونه ذاتيا. قوله: (مسبب عن إنكار الخ) لأنه أنكر اتباع المضلين ومن جملة ما هم عليه الذبائح للأصنام وغيرها، وتحريمهم الحلال كالصوائب والبحائر وتحليل الحرام كالميتة وما ذبح لغير الله. قوله: (لا مما ذكر عليه اسم غيره) قيل الحصر مستفاد من عدم اتباع المضلين ومن التقييد بالشرط المذكور، وقيل من سبب النزول وانّ نزاع القوم إنما هو في الميتة دون ما ذكر عليه اسم الله فلو لم يكن المراد إباحة ما ذكر اسم الله عليه فقط لكان الكلام متعرضا لما لا يحتاج إليه ساكتا عما يحتاج إليه، وقيل عليه لا حاجة إلى هذا والنفي المذكور مستفاد من صريح النظم وهو قوله ولا تأكلوا مما لم الخ فإنه وقوله وذروا الخ معطوفان على قوله فكلوا، وقوله وما لكم من تتمة المعطوف عليه يشير إلى أنّ التسبب باعتبار المعطوف ولا دخل فيه للمعطوف عليه، وفائدته الرذ على من تحرّج من المسلمين في أكل الذبيحة وان ذكر عليها اسم الله كما صرح به في قوله: وما لكم أن لا تثلوا الخ تقريعا لهم على ذلك، ويردّه أنهم جعلوا هذا النفي مأخوذاً من المعطوف عليه فقط مستفاداً من قبل ذكر المعطوف فلا بد من ملاحظة ما ذكره النحرير كغيره. قوله: (حتف أنفه (أي من غير ذبح ونحوه قال الجوهري: ولم يسمع له فعل، وحكى ابن القوطية في أفعاله له فعلاً وهو حتفه الله يحتفه من باب ضربه إذا أماته قيل أوّل من تكلم حتف أنفه النبيّ لمجور فهي لغة إسلامية وليس كذلك فإنهم تكلموا بها في الجاهلية قال السموأل: وماماًت مناسيدحتف أنفه ولاضل مناحيث مات قتيل وخص الأنف لأنهم أرادوا أنّ روحه تخرج من أنفه بتتابع أنفاسه فتخيلوا خروج روج المريض من أنفه والجريح من جراحته. قوله: (إن كنتم بآياته مؤمنين) أي إن صرتم عالمين حقائق الأمور بسبب إيمانكم بالله وهذا من جملة ذلك فألزموه وقيل إن كنتم متيقنين بالإيمان، وعلى يقين منه فإنّ التصديق يختلف ظنا وتقليدا وتحقيقاً. قوله: (وأيّ غرضى لكم الخ) اختلف في سبب نزول الآية فقال علم الهدى سببه أن المسلمين كانوا يتحرّجون من أكل الطيبات تقشفا وتزهداً، ويؤيده قوله مالكم الخ، ثم إنه قيل إنه يجوز اكل مما ذكر اسم الله عليه وغيره معا، وليست من التبعيضية لإخراجه بل لإخراج ما لم يؤكل منه كالروث والدم، وهو خارج بالحصر السابق كما نطق به كلامه، وقوله: في أن إشارة إلى تقدير في قبل المصدر المؤوّل وليس حالاً كما أعربه بعضهم لأنّ المصدر المؤوّل من أن والفعل لا يقع حالاً كما صرح به سيبويه لأنه معرفة ولأنه مصدر بعلامة الاستقبال المنافية للحالية، وان أيده وقوع الحال بعده كثيراً نحو ما لهم عن التذكرة معرضين إلا أن يؤوّل بنكرة أو يقدر مضاف، وقوله بقوله: حرمت عليكم الميتة تبع فيه الزمخشري، وقد ردّه الإمام وغيره بأنّ الصواب بقوله: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [سورة الأنعام، الآية: 45 ا] الآية فبقي ما عدا ذلك على الحل لا بقوله حرّصت الخ لاً نها مدنية، وأما التاخر في التلاوة فلا يوجب التأخر في النزول وقيل: التفصيل بوحي غير متلو كما أشير إليه في قوله قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرما الآية وفصل وحرم قرئ كلى منهما معلوما ومجهولاً. قوله: " لا ما اضطررتم إليه) ظاهر تقرير الزمخشري أنّ ما موصولة فلا يستقيم غير جعل الاستثناء منقطعاً، قيل ولك أن تجعله استثناء من ضمير حرم، وما مصدرية في معنى المدّة أي الأشياء التي حرّمت عليكم إلا وقت الاضطرار إليها، وفيه أنه لا يصح حينئذ الاستثناء من الضمير بل هو استثناء مفرغ من الظرف العام المقدر ومن في مما حرم تبعيضية وضمير إنه راجع لما. قوله: (وقيل الزنا في الحوانيت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 واتخاذ الأخدان) جمع خدن وهو الصاحب، وأكثر ما يستعمل فيمن يصاحب لزنا وغيره من الشهوات النفسانية فيقال خدن المرأة وخدينها وهذا لف ونشر مرتب للظاهر والباطن، وكانوا في الجاهلية يستحلون زنا السرّ، وأفاد الطيبي أنه على هذا الوجه مقصود العطف مسبب عن عدم الاتباع وعلى الأوّل معترض للتاً كيد، وهو الوجه، ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (ظاهر في تحريم الخ) أي من الحيوان وذهب عطاء وطاوس إلى أنّ متروك التسمية حيواناً أو غيره حرام لظاهر الآية ولكن سبب النزول يؤيد خلافه كما احتج عليه من عداه. قوله: (وقال مالك (الذي في شروح الهداية عنه أنه تال: بالحرمة مطلقا، وفي الانتصاف وصاحبه من أئمة المالكية أنّ مذهب مالك يوافق مذهب أبي حنيفة وأما هذا فرواية شاذة عن أشهب فعنة في ذلك روايتان أشهرهما موافقة أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه) ذكر الضمير لتأويله بالمذبوج وهذا الحديث رواه أبو داود في المراسيل ولفظهإ ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر ") 1 (. قوله: (وفرق أبو حتيفة رحمه الله الخ) قال النحرير: أما الناسي فلأنّ تسمية الله في قلب كل مؤمن على ما روي أنه ىلمجي! سئل عن متروك التسمية ناسيا فقال: " كلوه فإنّ تسمية الله في قلب كل مسلم " و! م يلحق به العامد إما لامتناع تخصيص الكتاب بالقياس وان كان منصوص العلة وأمّا لأنه ترك التسمية عمداً فكأنه نفى ما في قلبه واعترض بأن تخصيص العامّ الذي خص منها البعض جائز بالقياس المنصوص العلة وفاقا وبأنا لا نسلم أنّ التارك- عمدا بمنزلة النافي لما في قلبه بل ربما يكون لوثوقه بذلك وعدم افتقاره إلى الذكر فذهبوا إلى أنّ الناسي خارج بقوله وإنه لفسق إذ الضمير عائد إلى عدم ذكر التسمية لكونه أقرب المذكورات، ومعلوم أنّ الترك نسيانا ليس بفسق لعدم تكليف الناسي والمؤاخذة عليه فتعين العمد، وقد عرفت ما فيه، وفي هذا المقام تحقيقات من أرادها فعليه بشروح الكشاف. توله: (وأوّله) وفي نسخة وأوّلوه وظاهر النسخة الأولى إنه تأويل أبي حنيفة رحمه الله والذي في الكشاف إنه تأويل الشافعي رحمه الله وهو الظاهر، واعترض بأنه عند أبي حنيفة أن متروك التسمية عمداً حرام أيضا، فالواجب أن يقول وبالمتروك التسمية عمدا فتأويله عند أبي حنيفة بالميتة لا غير يجعل المتروك التسمية عمدا داخلاً في الميتة دون المتروك نسياناً، ولك أن تحمل كلام المصنف رحمه الله على أنه تأويل لمذهبه أو من طرف أبي حنيفة رحمه الله لمن استدل عليه بالآية بإخراجه منها هاثبات مدعاه بالحديث، والظاهر أن أو في كلامه للترديد أي منهم من أوّله بهذا، ومنهم من أوّله بذاك بدليل قوله فإنّ الفسق الخ وقوله وهو يؤيد التأويل بالميتة فإنه يدل على أنه تأويل على حدة، وقيل إنها للتنويع وهو تأويل واحد. قوله: (وإنه لفسق الخ) هذا ملخص ما ذكره الإمام استدلالاً للشافعي رحمه الله بأنّ النهي مقيد بقوله وإنه لفسق لأن الواو للحال لقبح عطف الخبر على الإنشاء والمعنى لا تأكلوه حال كونه فسقا ثم إنّ الفسق مجمل يفسره قوله: {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [سورة المائدة، الآية: 3] فيكون النهي مخصوصاً بما أهل لغير الله به فيبقى ما عداه حلالاً إما بالمفهوم أو بعموم دليل الحل أو بحكم الأصل واعترض! عليه بأنه يقتضي أن لا يتناول النهي أكل الميتة مع أنه سبب النزول وبأنّ التأكيد بأنّ واللام ينفي كون الجملة حالية لأنه إنما يحسن فيص قصد الإعلام بتحققه البتة، والردّ على منكر تحقيقا أو تقديراً على ما بين في المعاني والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير كأنه قيل لا تأكلوا منه إن كان فسقا فلا يحسن وإنه لفسق بل وهو فسق وأجيب عن الأوّل بأنه دخل بقوله وإنه لفسق ما أهل به لغير الله، وبقوله وإنّ الشياطين الخ الميتة فيتحقق قول الشافعي إنّ هذا النهي مخصوص بما ذبح على النصب أو مات حتف أنفه، وعن الثاني بأنه لما كان المراد بالفسق هاهنا الإهلال لغير الله كان التأكيد مناسباً كأنه قيل لا تأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق والمشركون ينكرونه وفيه أنه وقع في بعض كتب المعاني في قوله: إنّ بني عمك فيهم رماج أنّ الجملة المصدرة بأن لا تقع حالاً لأنها حرف لا يكاد يرتبط ما صدر به بما قبله إلا أن كلامهم هنا لا يوافقه، ولم ينكروا على الرازي إعرابها حالية، وقد قال الفاضل اليمني في قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سورة البقرة، الآية: 76 ا] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 لا امتناع في تصدير الجملة الحالية بأنّ والنحرير أشار إلى تفصيل فيه وهو من الفوائد البديعة. قوله: (والضمير لما الخ) أئا بتقدير مضاف أي أكله أو جعله عين الفسق مبالغة، ولم يجعل الضمير للمصدر المأخوذ من مضمون لم يذكر اسم الله عليه أي إن ترك ذكر اسم الله عليه فسق لأن كون ذلك فسقا لا سيما على وجه التحقيق، والتأكيد خلاف الظاهر، ولذا لم يذهبوا إليه ولأنّ ما لم يذكر اسم الله عليه شامل للميتة مع القطع بأنّ ترك التسمية عليها ليس بفسق كذا قيل، وقيل عليه إنّ الضمير يرجع إلى ما باعتبار أحد متناوليه والمعنى لا تأكلوا الميتة وما أهل لغير الله به، فإنّ عدم التسمية على الثاني فسق دمانّ الكفار يجادلونكم في أكل الأوّل، وقوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ} من جملة الدليل دال على أحد شطري المدعي وهو مع تكلفه ليس مطابقا لكلام المعترض فإنه على تقديره رجوعه إلى المصدر لا إلى ما وهذا من جملة أوهامه، والمراد بما قتله الله الميتة. قوله: (وإنما حسن حذف الفاء الخ) تبع فيه أبا البقاء رحمه الله، وقيل عليه إنّ هذا لم يوجد في كتب العربية بل اتفقوا على أنّ ترك الفاء في الجملة الاسمية لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، وكأنه قاسه على جواز عدم جزم المضارع في الجزاء إذا كان الشرط ماضيا فالتوجيه في تركها ما ذكر الرضي وأبو حيان، والمعرب إنه على تقدير القسم وحذف لام التوطئة فلذلك أجيب القسم والأصل والتقدير ولئن أطعتموهم والله أنكم لمشركون وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسده وأتا ما ادّعاه من أنّ حذف الفاء مخصوص بالضرورة فليس كما قال فإنّ المبرد أجازه في الاختبار كما ذكره المرادي في شرح التسهيل، وقول ابن مالك: توضيحه ما زعمه النحويون من أنه مخصوص بالضرورة ليس بصحيح بل يكثر في الشعر، يقل في غيره كما في الحديث: " إنك إن تاع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة " (1 (فمن خص الحذف بالشعر فقد حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق انتهى، فيه نظر لأن الكلام في حذفها وحدها إمّا تبعية للجملة أو بعض أجزائها فليس محل الخلاف كما في الحديث فرث أمر يغتفر تبعاً ولا يغتفر استقلالاً. قوله: (مثل به من هداه الله الخ) قيل هما تمثيلان لا استعارتان كما مرّ في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 9 ا] وردّ بأنّ الظاهر أنّ من كان ميتا ومن مثله في الظلمات من قبيل الاستعارة التمثيلية إذ لا ذكر للمشبه صريحاً يحاولا دلالة بحيث ينافي الاستعارة والاستعارة الأولى بجملتها مشبه والثانية مشبه به، وهذا كما تقرل: في الاستعارة الإفرادية أيكون الأسد كالثعلب أي الشجاع كالجبان. (قلت) وهذا من بديع المعاني الذي ينبغي أن يتنبه له ويحفظ فإنهم ذكروا أن التشبيه ينافي الاستعارة بل شرطوا فيها أن لا تشمّ رائحته، والمراد إن التشبيه الواقع في تلك الاستعارة أو في شيء منها مناف لها وأمّا تشبيه المعنى المستعار بعد تقرّر التجوّز فيه بمعنى آخر حقيقي أو مجازي كما هنا فلا ينافيها، كما صرّح به المحققون من شراح الكشاف، وقد أومأ إليه الشريف أيضا في سورة البقرة في قوله: كان أذني قلبه خطلاً وان فتدبره بأذن واعية، وقوله ميتاً على الأصل يعني بالتشديد، وقوله: (صفته (بيان لأنّ المثل هنا بمعنى الصفة كما في قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} اسورة الأنعام، الآية: 22 ا] الآية لكنه يختص بالصفة الغريبة كما مز تحقيقه في أوّل سورة البقرة. قوله: (وهو مبتدأ خبره الخ) في الكشاف كمن صفته هذه وهي قوله: إ في الظلمات ليس بخارج (منها بمعنى هو في الظلمات ليس بخارج منها كقوله مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار أي صفتها هذه، وهي قوله فيها أنهار يعني أن جملة هو في الظلمات ليس بخارج منها وقعت خبر المبتدأ الذي هو مثله على سبيل الحكاية، بمعنى إذا وصف يقال له ذلك، وجملة مثله مع خبره صلة الموصول ففي الظلمات خبر هو مقدراً، ولا يصح أن يكون خبر مثله لأن في الظلمات ليس ظرفاً للمثل وضمير هو وضمير ليس راجعان لمن إذا عرفت هذا فقد قيل إن في كلام المصنف رحمه الله تعالى اختلالاً إلا أن يتكلف ويفسر قوله، وهو مبتدأ بمعنى لفظ هو مبتدأ حتى قيل إن في النسخة تحريفاً من الناسخ ولعل لفظه خبره هو في الظلمات (قلت أليس الأمر كما زعم فإن ما ذكره المصنف رحمه الله صزج به المعربون كالسمين وأبي البقاء فإنه قال في الظلمات خبر مثله ولم يقدر هو مبتدأ وهو لا يلزمه أن يكون في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 الظلمات ظرفاً للمثل لأنّ المراد أنّ مثله هو كونه في الظلمات والمقصود الحكاية وليس تقدير الزمخشري هو إلا لأجل التوضيح لذلك وليس بضروري، فإن المثل بمعنى الصفة وهي مبهمة، وقوله في الظلمات الخ مبين لتلك الصفة ولش! الضمير الذي فيه يرجع للمثل حتى يلزم ما توهمه لأنّ الخبر عين المبتدأ فلا يحتاج إلى عائد كما إنه لو قدر هو كذلك فتأمّله فإنه حقيق بالتأمّل، ومن فسر كلام المصنف بما في الكشاف وشروحه فقط خبط هنا إلا أنّ ما قاله الزمخشري أحسن لأنّ خبر مثله لا يكون إلا جملة تامّة والظرف بغير فاعل ظاهر لا يؤدّي مؤدّاه كقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ} [سورة الرعد، الآية: 35] فاعرفه، وقوله للفصل ولأنه لا يخبر عن المبتدأ إلا بعد ذكر ما هو من تتمته مع أنّ المعنى ليس عليه فالمراد بقوله صفته صفته الغريبة العجيبة فإنّ المثل مخصوص به وتركه اعتماداً على ما تقدم في سورة البقرة فلا يرد عليه ذلك كما قيل، وقوله للفصل أي بالخبر ولضعفها من المضاف إليه لا لعدم مساعدة المعنى كما قيل. توله: (كما زين الخ) قيل هذا بعيد والظاهر أن يجعل المشار إليه إيحاء الشياطين، وكأنه إنما قدّره بقرينة سبب النزول فالمراد بالمؤمنين حمزة وعمر وعمار رضي الله عنهم والكافرين أبو جهل فإنّ الأوّلين زين لهم إسلامهم وهو زين له عمله. قوله: (أي كما جعلنا في مكة كابر مجرميها الخ) قال الطيبي: هذا مشعر بأنّ قوله أو منك ان ميتا الآية متصل بقوله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 121] لأنّ الضمير المرفوع للمسلمين والمنصوب للمشركين وهم الذين قيل فيهم: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ} [سورة الأنعام، الآية: 16 ا] وهم الذين قالوا للمسلمين: إنكم تزعمون إنكم تعبدون الله فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم والجملة الشرطية أي وان أطعتموهم إنكم الخ متضمنة لإنكار عظيم وقوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [سورة الأنعام، الآية: 122] الخ أمّا حال مقرّرة للإنكار إذ الموحد والمشرك لا يستويان فتأمله. قوله: (ومفعولاه أكابر مجرميها على تقديم المفعول الثاني الخ (إذا كان جعل بمعنى صير تعدّى لمفعولين واختلف في تعيينهما فقيل في كل قرية مفعول ثان مقدم وأكابر مجرميها بالإضافة هو الأوّل، وقيل أكابر مفعول أوّل ومجرميها بدل منه فاله أبو البقاء، وقيل أكابر مفعول ثان قدم ومجرميها مفعول أوّل لأنه معرفة فتعين إنه هو المبتدأ بحسب الأصل والتقدير جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر فيتعلق الجارّ والمجرور بالفعل، ولما كان في كل عصر مجرم كان معلوما، وإنما المطلوب كونه من الرؤساء، واعترض على هذا أبو حيان بأنه خطأ وذهول عن فاعدة نحوية وهي إن أفعل التفضيل إذا كان بمن ملفوظا بها أو مقدرة أو مضافا إلى نكرة كان مفرداً مذكرا دائما سواء كان لمفرد مذكر أو لغيره، فإن طابق ما هو له تأنيثا وجمعا وتثنية لزمه أحد أمرين إما الألف واللام أو الإضافة إلى معرفة فالقول بأنّ مجرميها بدل من أكابر أو مفعول خطأ لالتزامه أن يبقى مجموعا وهو غير معرف بأل ولا مضاف لمعرفة وذلك لا يجوز، قال: وقد تنبه لهذا الكرماني إذ قال: إضافة أكابر إلى مجرميها لأنّ أفعل لا يجمع إلا مع الألف واللام أو الإضمافة ولو قال إلى معرفة لكان أولى، وهو غير وارد لأنّ أكابر وأصاغر أجرى مجرى الأسماء لكونه بمعنى الرؤساء والسفلة، وما ذكره إنما هو إذا بقي على معناه الأصلي، ويؤيده قول ابن عطية رحمه الله إنه يقال: أكابرة كما يقال أحمر وأحامرة كما قال: إنّ الأحامرة الثلاث تولعت وانّ ردّه أبو حيان بأنه لم يعلم أحد من أهل اللغة والنحو أجاز في جمع أفضل أفاضلة وفيه نظر، وأمّا الجواب بأنه على حذف المضاف المعرفة للعلم به أي أكابر الناس، أو أكابر أهل القرية فلا يخفى ضعفه. قوله: (ويجوز أن يكون مضاقاً إليه إن فسر الجعل بالتمكين الخ) كون الجعل بمعنى التمكين أي الاستقرار في المكان إنما هو إذا تعدى لمفعول واحد وكأن هذا إنما جاء من تعلق في كل قرية به وقد قدم إنه إذا تعدى لواحد يكون بمعنى خلق، وبه صرّج النحاة، ولما كان غير مناسب هنا فسره بما ذكر وهو راجع لمعنى التصيير، وقيل إنه عطف على قوله مجرميها بدل ولا يلزم أن يكون بمعنى التمكين بل يجوز كونه بمعنى التصيير والظرف مستقرّ أي صيرنا أكابر مجرميها موجودين في كل قرية، وعلى تفسيره بالتمكين فالتمكين حيحئذ من المكان وان جعل من المكنة لا يصح إلا بجعل ليمكروا مفعولاً ثانياً، أي مكنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها أي جعلناهم متمكنين للمكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 فيها، فمن قال: لا يحتاج إلى هذا إلا على تقدير كون ليمكروا مفعولاً ثانيا فقدسها وان كان كلاما مستأنفا يرد عليه إنّ كونه مضافا إليه لا يتوقف على هذا التفسير، وغاية ما يمكن في توجيه كلام المصنف إنه عطف على قوله مفعولاه أكابر مجرميها ردّاً لقول الإمام أنه لا تجوز الإضافة لأنّ المعنى لا يتم إذ يحتاج إلى مفعول ثان للجعل، وعلى هذا التفسير يتم المعنى فتجوز الإضافة، وفي قوله أو في كل قرية إشارة إلى رد آخر وهو مبني على تمام الكلام عند قوله مجرميها، وكون اللام للمصلحة وظاهر كلام الزمخشري أن جعلنا بمعنى صيرنا والظرف لغو وأكابر أوّل المفعولين مضاف لمجرميها وليمكروا الثاني كما ذكره النحرير، قيل عليه لا تخصيص للإضافة بهذا المعنى، بل يصح مع جعل الجعل بمعنى التصيير والمفعول الثاني لا يتعين أن يكون مجرميها كما مرّ، ويحتمل أن يكون المفعول الثاني ليمكروا فيها وهو مقتضى سوق الكشاف كما ذكره النحرير وفيه أنّ اللام سواء كانت للغرض أو للعاقبة متعلقة بالجعل لا محالة (قلت) يعني إنه على الإضافة لا يصح جعل ليمكروا مفعولاً ثانياً لأنّ المعنى يأباه، ولا في كل قرية لأنّ جعل مجرمي القرية في القرية لغو من الكلام لا يفيد، وجعل أصل الكلام أكابر المجرمين فأضيف إلى ضمير القرية لزيادة الربط تكلف مستغنى عنه، فتعين أن يكون متعديا لواحد بمعنى مكناهم لأن معنى جعل زيد في البيت إسكانه وتمكينه فيه وكأنه معنى مجازي، وقى عليه جعل جعل بمعنى خلق ومنه يعلم ما وقع في بعض الحواشي، وقوله إذا أضيف يعني لمعرفة وهو الواقع وترك التصريح به لأنه معلوم، وقال النحرير: قيل في كل قرية أكابر مفعولاً جعلنا ومجرميها بدل أو مضاف إليه بدليل قراءة أكبر مجرميها، وقيل أكابر مجرميها مفعولاه بتقديم الثاني وفي كل قرية لغو، والذي يقتضيه النظر الصائب، والتأمّل الصادق إنّ في كك قرية لغو وأكابر أوّل وليمكروا ثان انتهى. قوله: (زاحمنا بني عبد مناف) يعني نافسناهم في الشرف، وقوله: (كفرسي رهان) هو مثل يضرب للتساوي ولما كان فرسا الرهان لا يلزمهما التساوي إذ قد يسبق أحدهما فسره في النهاية بقوله سابقان إلى غاية، وقال غيره المراد التشبيه باعتبار ابتداء الجري والخروج للرهان لا باعتبار النهاية. قوله: (استئناف للرذ عليهم الخ) أي جواب سؤال نشا من قولهم لن نؤمن الخ أي فما كان جواب الباري تعالى لهم قوله: وإنما هي بفضائل الخ في المواقف لا يشترط في الإرسال استعداد ذاني بل الله يختصبرحمته من يشاء، والله أعلم حيث يجعل رسالاته فقيل عليه دلالة الآية على الاستعداد أظهر لما روي عن أبي جهل ولما ذكره المصنف رحمه الله، وهذا لا يستلزم الإيجاب الذي يقوله الفلاسفة لأنه إن شاء أعطى النبوّة وان شاء أمسك وأن استعد المحل. (قلت (مراد صاحب المواقف أيضا بالاستعداد الذاتي الموجب لأنّ عادته تعالى أن يبعث من كل قوم أشرفهم وأطهرهم جبلة فلا يرد عليه ما ذكر، ثم إنّ قوله أعلم بالمكان يريد أنّ حيث خرجت عن الظرفية بناء على القول بتصرفها، ولا عبرة بمن أنكره فهي مفعول به وناصبه فعل مقدر أي يعلم وترك التنبيه عليه اعتمادا على ما سبق فلا يرد عليه أنه يقتضي نصب أفعل التفضيل للمفعول به كما توهم وفي كتاب الشعر لأبي عليّ رحمه الله تعالى الجملة بعد حيث إذا وقعت مفعولاً به صفة، والمعنى حيث يجعله أي يجعل فيه قيل، وعبارة المصنف رحمه الله تدلّ عليه، ويحتمل الإضمافة أيضا، وقال الرضي: والأولى أنه مضاف ولا مانع من إضافته وهو اسم إلى الجملة وفيه بحث، وقال ابن الصائغ: ولا يصح في حيث هنا الجرّ بالإضافة لأن أفعل بعض ما يضاف له ولا نصبه بأفعل نصب الظرف لأنّ علمه تعالى غير مقيد بالظرف، وردّ بأنه يجعل تقيده به مجازيا باعتبار ما تعلق به، وهو أولى من إخراجه عن الظرفية فإنه ممتنع أو نادر، فإن قلت ذكر المفسرون والمتكلمون أنّ الآية ردّ على الفلاسفة والمتكلمين وهؤلاء إنما ذكروا النبوّة والمذكور في الآية الرسالة، فلا دليل فيها، قلت: إثبات الأخص أعني الرسالة يلزم منه إثبات الأعمّ أعني النبوّة الذي نازع فيه الفريقان، وهذا مع ظهوره لم يتعرّضوا له لأنهم إنما ينكرون الرسالة لأنها هي التي تضرهم أو لأنه يلزم من إنكار الأعمّ، وانتفائه انتفاء الأخص. قوله: (دّل وحقارة الخ) كونه بعد الكبر مستفاد من قوله سيصيب ومن وصفهم بأكابر قبله، وهو أشنع فلذا قيده به، وقوله: (يوم القيامة) تفسير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 للعندية كما يقتضيه المقام، وقد يفسر بعلمه وقدرته فإن لكل مقام مقالاً. قوله: (وقيل تقديره من عند الله) قال الفراء: إنه اختار هذا أكثر المفسرين ولا يجوز في العربية أن تقول جئت عند زبد وأنت تريد من عند زيد انتهى، والى ضعفه أشار المصنف رحمه الله بتمريضه وتأخيره، وقوله بسبب مكرهم إشارة إلى أنّ الباء للسببية وما بعده إلى أنها للمقابلة كما في بعثه بكذا، وفسر الهداية بالتعريف لأنّ تعريف الطريق دلالة. قوله: (فيتسع له ويفسح فيه) وفي نسخة وينفسح وهو بمعنى يتسع أيضاً وأصل معنى الشرح الشق والفتح وهو يقتضي السعة والفسح فإنه إذا شرح جسم انبسط وظهر ما تحته ولذا قابله بالضيق هنا والواسع يقبل ما يدخله بسهولة فلذا جعل عبارة عن كونه قابلا للحق مفرغا عن غيره إذ لو اشتغل به لم يكن متسعاً، وهذا على طريق التمثيل والتجوّز، فقوله كناية أراد به معناها اللغوي وهو إنه عبارة عن ذلك والا فهو بناء على من لا يشترط فيه إمكان المعنى الحقيقي. قوله: (وإليه أشار عليه أفضل الصلاة والسلام الخ) هذا الحديث (1 (ساقه أكثر المفسرين هنا وقد أخرجه الفريابي وابن جرير والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه يعني أنّ النبئ صلى الله عليه وسلم سئل عن معنى شرح الصدر في هذه الآية فذكره والإنابة إلى دار الخلود بمعنى الميل إلى ما يقرب من الجنة والتجافي البعد عن الدنيا، وقوله بحيث ينبو أي يمتنع عن قبول الحق، وهو بيان لأنه ضد شرح الصدر، وقوله:) وصفا بالمصدر (أي للمبالغة وكذا ضيقا في أحد وجوهه وأصل معناه شدة الضيق، فإن الحرجة غيضة أشجارها ملتفة بحيث يصعب دخولها. قوله:) كأنما يصعد الخ) فسره ابن عباس رضي الله عنهما بقوله، فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل الإيمان والتوحيد في قلبه حتى يدخله وبه يتضح معنى التشبيه والامتناع فيه عادي، وقوله: (بمن يزاول الخ) تفسير لصيغة التفعل إشارة إلى أنه للمزاولة والتكلف، وقوله وقيل معناه محصل الأوّل محاولة ما لا يقدر عليه ومعنى هذا تباعده عن الحق ونبوّة عنه، وأصل يصعد ويصاعد يتصعد ويتصاً عد فأدغمت التاء في الصاد من الصعود وهذه الجملة مستأنفة، وؤاء. جوّز فيها الحالية أيضا. قوله: (كذلك) يجوز فيه التشبيه كما ذكره المصنف وأن يكون إشارة إلى الجعل المذكور بعده كما مرّ خقيقه، وقوله العذاب أو الخذلان فوصف الخذلان ومغ التوفيق بنقيض ما يوصف به التوفيق من أنه طيب، أو أراد الفعل المؤدّي إلى الرجس وهو العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب، وقوله للتعليل لأنّ سبب خذلانهم وعذابهم عدم إيمانهم. قوله: (الطريق الذي ارتصاه الخ) يعني إضافة صراط إلى الرب إن كانت للتشريف فالمراد به الطريق المرضي وهو يناسب الإشارة إلى بيان القرآن أو الإسلام ومستقيماً بمعنى لا عوج فيه حال مؤكدة لصاحبها وعاملها محذوف وجوبا مثل هذا أبوك عطوفا، وان جعلت بمعنى الطريق الذي أوجده على مقتضى الحكمة شمل الهداية والإضلال لأنهما طريقان للفلاح والخسران وهو يناسب جعل الإشارة إلى ما سبق ومستقيما حال مؤسسة إن أخذ على ظاهره، والعامل اسم الإشارة أو ها التي للتنبيه وان فسر بما ذكره المصنف فمؤكدة، وعاملها مقدر كما أشار إليه بتمثيله بقوله: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} [سورة البقرة، الآية: 91] والمراد بالعوج في قوله لا عوج العوج المعنوي، وقوله مطرد إشارة إلى أنّ الاستقامة بمعنى الاطراد والدوام ولا وجه لما قيل إن كل حال مؤكدة يحتمل أن تكون مقيدة بهذا الاعتبار ولم يقل به أحد والعامل في الحال على كل حال معنى الإشارة أو التنبيه، وقوله دار الله إشارة إلى أنّ السلام اسمه تعالى أضيف إليه للتشريف، أو بمعنى السلامة من المكاره أو دار تحيتهم به فيكون السلام بمعنى التسليم لقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [سورة يونى، الآية: 0 ا] . قوله: (في ضمانه الخ) أي معنى العندية أنه تكفل بها تفضلاً بمقتضى وعده فلا يرد عليه إنه تبع الزمخشري فيه وهو على مذهبه في الوجوب على الله، أو إنها مدخرة لهم لقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [سورة السجدة، الآية: 17] وفسر بأنهم في منزلة وضيافته وكرامته ويحتمل أن يكون قوله عند الله فيما سبق من قوله: {صَغَارٌ عِندَ اللهِ} [سورة الأنعام، الآية: 24 ا] بهذا المعنى على سبيل التهكم. قوله: (بسبب أعمالهم الخ) يعني الوليّ إن كان بمعنى الموالي أي المحب أو الناصر فالباء للسببية وان كان بمعنى المتولي فهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 للملابسة بتقدير مضاف أي يتولاهم ملتبسا بجزاء أعمالهم أي يعد لهم الثواب، ويوم نحشرهم منصوب على الظرفية، والعامل فيه اذكر مقدّراً أو نقول أو كان ما لا يذكر لشناعته كما ارتضاه الزمخشري وقوله من إغوائهم يعني أنه بتقدير مضاف إذ لا معنى لاستكبارهم بحسب الظاهر أو هو عبارة عن جعلهم أتباعاً. قوله: (بأن دلوهم على الشهوات الخ) هذا محصل ما في الكشاف، ومعنى يعوذون أنّ الرجل منهم كان إذا نزل وادياً وخاف قال: أعوذ برب هذا الوادي يعني كبير جنه، ومعنى إجارتهم إنقاذهم كما ينقذ الجار جاره وأصل معناه المنع كما قال: هم المانعون الجار حتى كأنهم لجارهم فوق السماكين منزل وقوله: (وهو اعتراف الخ) يعني قوله: (ربنا استمتع) إلى هنا وإنما جعله للتحسر لعدم فائدة الخبر ولازمها وهو ظاهر. قوله: (منزلكم الخ) يعني منوي إما اسم مكان أو مصدر فإذا كان مصدرأ فالحال من الضمير ظاهرة لأنه عامل فيه لأنه مضاف إلى فاعله، والحال لا يكون من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف عاملاً أو جزأه أو كجزئه، وأما إذا كان اسم مكان فلا يكون عاملاً فلذا قدر العامل أي يبوّؤن فيها خالدين، وأما قول أبي البقاء، وتبعه المصنف رحمه الله إنّ العامل معنى الإضافة فقد رذوه بأنّ النسبة الإضافية لا تعمل ولا يصح أن تنصب الحال وسيأتي تفصيله. قوله: (1 لا الآوقات الخ الما كان الخطاب للكفرة، وهم لا يخرجون من النار لأنّ ما قبله بيان حالهم فيبعد جعله شاملا للعصاة ليصح الاستثناء باعتباره مع أن استعمال ما للعقلاء قليل وجهوه، بأن المراد النقل من النار إلى الزمهرير أو المبالغة في الخلود بمعنى أنه لا ينتفي إلا وقت مشيئة الله وهو مما لا يكون مع إبراز في صورة الخروج، وأطماعهم في ذلك تهكماً وتشديدا للأمر عليهم وما مصدرية وقتية ولخفاء هذا الوجه تركه المصنف رحمه الله تعالى، أو أن المستثنى زمان إمهالهم قبل الدخول ورذ الأوّل بأنّ فيه صرف النار من معناها العلمي، وهو دار العذاب إلى اللغوي، وأجيب عنه بأنه لا بأس بالصرف إذا ادعت إليه ضرورة، وقيل عليه إنّ المعترض لا يسلم الضرورة لا مكان غير ذلك التأويل مع أنّ قوله مثواكم يقتضي ما ذهب إليه المعترض بحسب الظاهر وردّ الأخير أبو حيان بأنه في الاستثناء يشترط اتحاد زمان المخرج والمخرج منه، فإن قلت قام القوم إلا زيدا فمعناه إلا زيدا ما قام ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيدا ما يقوم في المستقبل، وكذلك سأضرب القوم إلا زيدا معناه إلا زيداً فإني لا أضربه في المستقبل ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيدا فإني ما ضمربته قبل إلا إذا كان استثناء منقطعاً، فإنه يسوغ كقوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] فإنهم ذاقوها ولك أن تقول أنّ القائل به يلتزم انقطاعه كما في الآية التي ذكرها ولا محذور فيه مع ورود مثله في القرآن وفيه نظر، وقيل إنه غفلة عن تأويل الخلود بالأبد والأبد لا يقتضي الدخول، وفي الآية تأويلات أخر منها ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه تعالى استثنى قوما قد سبق علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبيّ-لمج! ، وهذا مبني على أنّ الاستثناء ليس من المحكيّ، وإنّ ما بمعنى من، ومنها أنهم يفتح لهم أبواب الجنة ويخرجون من النار فإذا توجهوا للدخول أغلقت في وجوههم إستهزاء بهم وهو معنى قوله: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [سورة المطففين، الآية: 34] قال الشريف: علم الهدى المرتضى في الدرر فإن قيل أفي فائدة في هذا الفعل وما وجه الحكمة فيه قلنا وجه الحكمة فيه ظاهر لأنّ ذلك أغلظ على نفوسهم وأعظم في مكروههم، وهو ضرب من العقاب الذي يستحقونه بأفعالهم القبيحة لأنّ من طمع في النجاة والإخلاص من المكروه واشتد حرصه على ذلك ثم حيل بينه وبين الفرج وردّ إلى المكروه يكون عذابه أصعب وأغلظ من عذاب من لا طريق للطمع عليه، ومنها ما قال الزجاج: إن المعنى إلا ما شاء من زيادة العذاب ولم يبين وجه استقامة الاستثناء والمستثنى منه على هذا التأويل، قال في الانتصاف: ونحن نبينه فنقول العذاب على درجات متفاوتة فكان المراد أنهم مخلدون في جنس العذاب إلا ما شاء ربك من زيادة تبلغ الغاية وتنتهي إلى أقصى النهاية حتى تكاد لبلوغها الغاية ومباينتها الأنوأع العذاب في الشدة تعد خارجة عنه ليست من جنسه، والشيء إذا بلغ الغاية عندهم عبروا عنه بالضد كما يعبر عن كثرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 الفعل برب وقد الموضوعتين لضده من القلة وهو معتاد في لغة العرب وقد حام أبو الطيب حوله فقال: ولجدت حتى كدت تبخل حائلاً للمنتهى ومن السروربكاء فكأنّ هؤلاء إذا نقلوا إلى غاية العذاب ونهاية الشذة قد وصلوا إلى الحذ الذي يكاد أن يخرج عن اسم العذاب المطلق حتى يسوغ معاملته في التعبير معاملة المغاير له وهو وجه حسن لا يكاد يفهم من كلام الزجاج إلا بعد هذا البسط، وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ما يؤيده وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا في تفسير قوله إلا ما شاء ربك. قوله: (وقيل إلا ما شاء الله قبل الدخول) فيه تأمّل إذ لو أراد جعل قوله خالدين فيها أبداً في جميع الأوقات لا يخفى ما فيه، وان أراد تقدير أبداً بعد الخلود ففيه إنّ الخلود بعد الدخول فلا يتناول ما بعده ما قبل الدخول، وجعل التأبيد للدخول الضمني المفهوم من الخلود تعسف وكذا تعليقه بقوله: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 128] تعسف ظاهر فلذلك قال قيل. قوله: (نكل بعضهم إلى بعض الخ) قال النحرير: هو على الأخير من الموالاة والمقارنة يوم القيامة ولا قبح فيه فلذا لم يؤوّله الزمخشري بناء على مذهبه وعلى الأوّل بمعنى تجعل الظلمة بعضهم، واليا على بعض متصرفاً فيه في الدنيا وهو غير قبيح عندنا من حيث صدوره عنه تعالى وعندهم قبيح، فلذا أوّلوه بتخليتهم وشأنهم حتى تصير الظلمة ولاة وعلى هذا التوجيه ما قال الإمام: إنّ هذا يدلّ على أنّ الرعية إذا كانوا ظالمين فالئه تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم، وفي الحديث: " كما تكونوا يولي عليكم)) 1 (وهذا رذ على الشارح العلامة إذ ردّ كلام الإمام، وقوله: (أو نجعل الخ (فهو خاص مؤوّل بالإغواء، وقوله كما كانوا في الدنيا إشارة إلى معنى التشبيه في هذا الوجه، وأما على الأوّل فيجوز أن يكون تشبيها وأن يكون من قبيل ضربته كذلك كما مرّ. قوله:) الرسل من الإنس خاصة الما كان المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء قدر الفراء هنا مضافا أي من أحدكم أو أنه من إضافة ما للبعض إلى للكل كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة الرحمن، الآية: 22] وإنما يخرجان من الملح كما سيأتي تحقيقه أو أن الرسل أعمّ من المرسل من الله أو من رسل الله لأنّ الجن لم يرسل إليهم، وفي بعض التفاسير إنه قام الإجماع عليه وزعم قوم أنّ الله تعالى أرسل للجن رسولاً منهم يسمى يوسف، وهو لا يضرّ الإجماع لأنه خلاف لا اختلاف، والفرق بينهما معلوم، وقوله لما جمعوا الخ ظاهره أنه لا بدّ في مثله من الجمع في صيغة واحدة، وقال الزجاج: هو جار في كل ما اتفق في أصل كما اتفق الجن والإنس في التمييز والتكليف، وقوله: رسل الرسل يعني الذين بعثهم رسلنا ليبلغوهم عنهم واليهم متعلق برسل. قوله: (ذم لهم على سوء الخ) يشير إلى ما في الكشاف من أن الشهادة الأولى حكاية لقولهم كيف يقولون وكيف يعترفون، والثانية ذمّ لهم وتخطئة فلا تكرار فيها والمخدج بالدال المهملة بمعنى الناقص، وتحذيرا مفعول له. قوله: (ذلك الخ) جوّز فيه أن يكون مرفوعا خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره مقدر أي كما ذكر أو خبره إن لم يكن ربك الخ أو منصوبا بفعل مقدر كخذ ونحوه والمشار إليه إتيان الرسل، أو ما قص من أمرهم أو السؤال المفهوم من قوله ألم يأتكم كما ذكره المعرب واللام مقدرة قبل أن وإليه يشير قوله تعليل، وقوله: {مُهْلِكَ الْقُرَى} إشارة إلى التجوّز في النسبة أو تقدير المضاف ولا يأباه قوله وأهلها غافلون لأنّ أصله وهم غافلون فلما حذف المضاف أقيم الظاهر مقام ضميره، وقوله: أو لأنّ الشأن إشارة إلى أنّ اسمها حينئذ ضمير شان مقدر، وقوله ملتبسين الخ إشارة إلى أنّ الباء للملايسة وأنه حال من المضاف المعلوم ولو قدر ملتبسة على أنه حال من القرى صح. قوله: (أو ظالماً) إشارة إلى وجه آخر على أنه حال من ربك أي ملتبساً بظلم أي ظالماً، والظلم عند عدم إرسال الرسل بناء على أنه من شأنه ذلك أو بناء على القبح، والحسن العقليين ونحن نثبته ولكن لا نجعله مناط الحكم كما قالت المعتزلة، قيل ولا يخفى أنّ قوله: وهم غافلون على هذا التقدير كالمستدرك لأنّ الظلم إنما يكون على تقدير غفلتهم، وأورد عليه أنّ الحصر ممنوع إذ قد يتصوّر الظلم مع عدم الغفلة حال التيقظ ومقارنة الانقياد، وان كان المراد به هاهنا هو الإهلاك حال الغفلة فقوله وهم غافلون تعيين للمراد فلا يتوهم الاستدراك وفيه بحث، وقوله: (بدل من ذلك) أي من لفظ ذلك عطف على قوله تعليل لأنه لا يقدر اللام فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 قوله: (مر، لب) فسره به ليتناول الدركات حقيقة أو تغليباً فإنه عامّ لجميع المكلفين، وقوله من أعمالهم الخ فمن على الأوّل ابتدائية، وعلى الثاني بيانية بتقدير مضاف وعلى الثالث تعليلية. قوله: (على تنليب الخطاب الخ) ويجوز أن يكون التفاتاً قيل إنما خصه بقراءة الخطاب إذ لا استتباع فيمن قرأ بالياء لصحة الأخبار عن الغائبين بيعلمون من غير ارتكاب تغليب بخلاف الأخبار عن المفرد الحاضر يتعلمون فإنه لا يصح بدون التغليب، ومن توهم أنّ القيد المذكور لأنه على قراءة الغيبة لا يحمل على تغليب غير. صلى الله عليه وسلم إذ لم يعهد في كلامهم تغليب الغائب وان كثر على المخاطب ولا يغلب أحدهما على المتكلم فقد وهم حيث زعم أنه لولا عدم العهد بتغليب الغائب على المتكلم لكان الكلام المذكور مظنة التغليب، وقد عرفت أنه ليس كذلك لصحة الكلام بدون التغليب، اهـ قلت لا كلام في صحة الكلام بدون التغليب وإنما الكلام فيما لو أريد شمول يعلمون للمخاطب بأن أريد جميع الخلق، فما المانع من التغليب على المخاطب إلا أنه لم يعهد مثله فالواهم هو لا من وهمه. قوله: (أيها العصاة) خصهم لأنّ التخويف يناسبهم ومنهم من قدره أيها الناس وله وجه. قوله: (أي قرناً بعد قرن الخ) في الكشاف من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم، وهم أهل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، وإنما فسره بذلك لأنّ آخرين يدل على التغاير في الصفة ومثل لهم بذلك لتحقق قدرته، وقوله لا محالة أخذه من التأكيد بأن واللام، ولكنه استدراك من أن يشأ. قوله: (على غاية تمكنكم) يعني المكانة إما مصدر بمعنى التمكن أو ظرف بمعنى المكان كالمقام والمقامة وهو مجاز عن الحال كما أشار إليه الزمخشري، ويقال على مكانتك أي أثبت على حالك ولا تنحرف فهو اسم فعل بمعنى الأمر. قوله:) كان المهدّد الخ (قال النحرير: يريد أنّ الأمر للتهديد وهو من قبيل الاستعارة تشبيها لذلك المعنى بالمعنى المأمور به الواجب الذي لا بدّ أن يكون ممن ضربت عليه الشقوة. قوله: (العاقبة الحسنى) يريد أنه أطلق العاقبة والدار والمراد بالدار الدنيا وبالعاقبة العاقبة الحسنى أي عاقبة الخير لأنها الأصل، فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة الآخرة وقنطرة المجاز إليها وأراد من عباده أعمال الخير لينالوا حسن الخاتمة، وأما عاقبة الشرّ فلا اعتداد بها لأنها من نتائج الفجار كما سيأتي في سورة القصص، وقوله فمحلها الرفع أي على الابتداء والجملة خبرها ومجموعهما سادّ مسد مفعولي العلم وتركه لظهوره وقوله خبرية أي موصولة وهي مفعول علم بمعنى عرف الذي يتعدى إلى واحد، وقوله مجمعا عليه على صيغة الفاعل أي عازماً مصمماً كقوله: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [سورة يونس، الآية: 71] وقوله لا يتأتى منه إلا الشر إشارة إلى وجه الشبه والعلاقة. قوله: (وفيه مع الإنذار الخ) الإنذار يؤخذ من قوله فسوف تعلمون لأنه للتهديد، وحسن الأدب حيث لم يقل العاقبة لنا وفوّض الأمر إلى الله وهذا من الكلام المنصف كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ووجه كون الظلم أعمّ ظاهر، وكونه أكثر فائدة لأنه إذا لم يفلح الظالم فكيف الكافر. قوله: (روي أنهم كأنوا يعينون الخ) أصلا النظم وجعلوا لله الخ ولشركائهم فطوى ذكر الشركاء لأنه أمر محقق عندهم وأشار إلى تقدديره بالتصريح به بعد ذلك والزعم مثلث كالوذ. قوله: (ساء ما يحكمون) ساء يجري مجرى بئس في جميع أحكامها فما فاعل موصولة أو موصوفة وحكمهم المخصوص بالذمّ كما أشار- إلى تقديره، ويكرن ضد سرّ متعديا لواحد ويصح أن يراد هنا والتقدير ساءهم حكمهم وملا مصدرية وأخطأ ابن عطية رحمه الله في منعه الأوّل لأنّ المفسر يضمر مع أنه يجوز بلا خلاث، ثم إق فاعل ساء يجب أن يكون معرّفاً باللام، أو مضافاً في الأشهر فالوجه الثاني أولى خلافا لمن عكسه. فوله:) بالوأد (هو قتل البنات الصغار، وكانت العرب في الجاهلية تئد البنات بأن يدفنوهن أحياء، ويقال إنهم كانوا في ذلك فريقين، أحدهما يقول إنّ الملائكة بنات الله قألحقوا البنات بالئه نهو أحق بهم، والآخر أنهم كانوا يقتلونهن خشية الإنفاق، وقيل إنهم كانوا ينذرون إن بلغ بنره عثرة نحر واحداً منهم، قيل إنما قيل لها موءودة لأنها ثقلت بالتراب الض ي طرح عليها حتى ماتت وليس بمستقيم لأن فعل الموءودة وأد وفعل الثقل آد قال تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [سورة البقرة، الآية: 255] فهذا ناشئ من عدم الفرق بين المادتين، وقد وقع هذا الخطأ لبعض أهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 اللغة ونبه عليه الشريف المرتضى في أماليه واذعاء القلب لا داعي إليه، هـ كانوا يذبحون أولادهم ويقسمون بذلك، وينذرونه كما فعله عبد المطلب في قصته المشهورة واليها أشار النبيّ بمخ! بقوله: " أنا ابن الذبيحين!) 1 (وهو معنى قوله: (ونحرهم لآلهتهم) . قوله: (شركاؤهم الخ (السدنة بالسين المهملة جمع سادن وهو خادم الصنم وجعل الجن شركاء لا! اعتهم لهم كما يطاع الشريك دلّه، وكذا السدنة أو لأنهم شركاء في أموالهم، ومعنى تزيينه تحسينه لهم وحثهم عليه. قوله: (وهو ضعيف في العربية الخ) تبع فيه الزمخشري وهو من سقطاته وسوء أدبه على الله الذي يخشى منه الكفر كما قاله في الانتصاف والقرا آت السبعة لا بذ فيها من نقل صحيح أو متواثر فيما عدا الأداء على المشهور، وأفي مسلم يقدم على أن يقرأ كلام الله برأيه ويتبع وسم المصحف من غير سماع خصوصا هؤلاء الأئمة الأعلام الواقفين على دقائق الكلام، وهو يظن أن القرآن يقرأ بالرأي كما ذهب إليه بعض الجهلة مع أنه ليس بصحيح لأنهم فرقوا بين المضاف الذي يعمل وغيره فإن الثاني يفصل فيه بالظرت والأوّل إذا كان مصدراً ونحوه يفصل بمعموله مطلقاً لأن إضافته في نية الانفصال، ومعموله مؤخر رتبة ففصله كلا فصل فلذا ساغ فيه، ولم يخص بالشعر كغيره كما صرّج به ابن مالك، وخطأ الزمخشري لعدم فرقه بينهما وظنه أنه ضرورة مطلقا، وأما ادعاء حذف المضاف إليه من الأوّل والمضاف من الثاني كما ذهب إليه السكاكيّ فتكلف نحن في غنى عنه، وكلام الله أحق أن تجري عليه القواعد، وترجع إليه لا أن يرجع إلى كيره، والعجب ممن أثبت تلك القواعد برواية واحد عن جاهليّ من العرب فإذا جاء إلى النظم توقف في الإثبات به، ولابن القاصح في كتاب الطرق هنا كلام نفيس، وهو أنه ذكر أن حمزة رحمه الله رأى رب العزة مزتين قال يا حمزة اقرأ كلامي فقرأ فقال! له: على من قرأت، قال: على فلان، قال: صدق هو كلامي إلى أن قال قرأ جبريل عليه الصلاة والسلام قال: صدق قرأ كلامي فلما انتهى إلى الله، قال له: من قرأ سكت تأذبا قال له: قل أنت وقص القصة، قال: ومنها علم أن من كذب أحداً من القرّاء فقد كذب الله فنعوذ بالله ونسأله أن ينفعنا بكلامه، وببركة نقلته ونحن بحمد الله لا نشك في ذلك وقد شاهدناه رأى العين. قوله: (فزججتها الخ) بنصب القلوص وجز أبي والزج والدفع والمزجة بكسر الميم رمح قصير، وأبو مزادة كنية رجل والقلوص الفتية من النوق وضمير زججتها للكتيبة، وروي زج القلوص بالجرّ والتقدير قلوص أبي مزادة، فحذف من الثاني وعليه فلا شاهد، وهذا البيت لا يعرف قائله قيل ليس في هذا الشعر ضرورة لاستقامة الوزن والقافية بالإضافة إلى القلوص ورفع أبي مزادة وليس بشيء لأنّ المختار عندهم في تعريف الضرورة، أنها ما وقع في الشعر لا ما يكون عنه فدوحة والا فما من ضرورة إلا، ويمكن تغييرها مع بقاء الوزن إلا نادراً، وقوله: بإضمار فعل دلّ عليه زين فهو على حذ قوله: ليبك يزيد ضارع لخصومة وهو مشهور. قوله: (وليخلطوا مليهم الخ (لما كان المشركون لا دين لهم أوّل قوله دينهم في الكشاف بثلاثة أوجه، ففال ودينهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل-ستن حتى زلوا عته إلى الشرك، وقيل دينهم الذي وجب أن يكونوا مليه، وقيل معناه وليوقعوهم في دين ملتبس، وقوله ما وجب عليهم الخ معناه ما كان يجب عليهم التدين به مما يوافق شريعة من الشرائع، لا ما أحدثوه من عند أنفسهم وقيل المراد به دين الإسلام، وتزيين القتل وان كان قبل البعثة لكنه فعل يبقى عليه نسلهم وقيل المراد بالدين في الوجهين دين إسماعيل عليه الصلاة والسلام باعتبار الحال الأوّل والحال الثاني، وكل هذا مستغنى عنه، وقوله واللام للتعليل الخ، لأنّ مقصود الشياطين من إغوائهم ليس إلا ذلك وأما السدنة فليس محط نظرهم ذلك لكنه عاقبته. قوله:) ما فعلوه الخ (المراد بقوله أو الفريقان أن الضمير راجع لجميع هؤلاء، والضمير المفرد لفعل القبيلين بتاً ويله باسم الإشارة وقد تقدم وجهه، ومن غفل عنه قال: لا حاجة إليه، ولم يذكر الإرداء والتلبيس لأنه نتيجة ذلك، وقوله افتراءهم الخ يعني ما مصدرية أو موصولة وهو ظاهر. قوله: (إشارة إلى ما جعل لآلهتهم (السابق وما بينهما كالاعتراض نإن قلت كيف يعطف عليه قوله وأنعام حرّمت ظهورها، قلت أدخلت فيها لأنّ السوائب بزعمهم تعتق وتعفى لأجل الآلهة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 أو أنها خبر مبتدأ مقدر وقوله يستوي الخ بيان لوصف الأنعام، وكونه مضيقا باعتبار أنه مغ منها وبزعمهم من الحكاية وكذا افتراء على الله، وقوله لا يذكرون اسم الله عليها فهو كناية، وترأ الجمهور حجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم، وروي بضم الحاء وسكون الجيم، وقرئ أيضا بفتح الحاء وسكون الجيم وبضم الحاء والجيم معا ومادّته تدلّ على المنع والحصر، وهو في الأصل مصدر مذكر ويفرد مطلقا وجوّز في المضموم الحاء والجيم أن يكون مصدرا كالحلم وأن يكون جمعا كسقف ورهن. قوله: (نصب على المصمر الخ (إنما نصبه قالوا لأنّ تعلق عليه وبزعمهم به صيره بمعنى افتروا كما أشار إليه بقوله لأنّ الخ وأما جعله الجارّ متعلقا بقالوا مع بعده فقيل في وجهه إنّ المصدر إذا وقع مفعولاً مطلقا لا يعمل لعدم تقديره، بأن والفعلى، وفيه نظر لأنّ تأويله بذلك ليس بلازم لتعلق الجارّ به كما صرّحوأ بنظيره في تقدمه، فإن قلت استشهادهم للفصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله فزججتها الخ ينافيه لأن زج مفعول مطلق لزججتها وقد نصب القلوص قلت قد أجاب عنه الرضي بأنّ المصدر العامل ليس مفعولاً مطلفا في الحقيقة بل المفعول المطلق محذوف تقديره زجا مثل زج القلوص، وقوله بمحذوف تقديره كائنا وعلى جعله مفعولاً له أي قالوا: ما تقدم لأجل الافتراء على الباري تعالى وهو بعيد معنى، وقوله أو بدله يشير إلى أن الباء للمقابلة والعوضية كما في اشتريت بكذا. قوله: (وتأنيث الخالصة للمعنى (ثم راعى لفظها، وقال العراقي في الإنصاف ليس في القرآن آية حمل فيها أوّلاً على المعنى، ثم على اللفظ ئانيا غير هذه لا آية يعني إذا لم تكن خالصة مصدواً، ورد بأنّ له نظائر في كلام العرب كثيرة وفي القرآن في مواضع كآية: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [سورة الإسراء، الآية: 38] إذ أنث ضمير كل مراعاة للمعنى ثم ذكر حملآ على لفظها وآيات أخر وهي ثلاثة أخر كما في الدرّ المصون فانظره، ثم إنه غير مسلم هاهنا، فإنه حمل على اللفظ أوّلاً لأنّ صلة ما جارّ ومجرور تقدير متعلقه استقز لا استقرّت فقد روعي اللفظ فيه أوّلاً كذا قيل ولا وجه له لأنّ المتعلق والضمير المستتر فيه لا يعلم تذكيره وتأنيثه حتى يكون مراعاة لأحد الجانبين، وراوية بمعنى راو أي كثير الرواية وقيده بقوله رواية الشعر لئلا يتوهم أنه بمعنى المزادة والتاء فيه للمبالغة، وقوله:) أو هو مصدر) ذكره الفرّاء لكن مجيء المصدر بوزن فاعل وفاعلة قليل وهو حينئذ إمّا للمبالغة، أو بتقدير ذو وهذا مستفيض في لسان العرب تقول فلان خالصشي أي ذو خلوصي قال الشاعر: كنت أميني وكنت خالصتي وليس كل امرئ بمؤتمن قوله: (أو حال من الضمير الذي في الظرف الخ (في الكشاف ويجوز أن تكون التاء للمبالغة مثلها في راوية الشعر، وأن تكون مصدراً وقع موقع الخالص كالعاقبة أي ذو خالصة، ويدل عليه قراءة من قرأ خالصة بالنصب على أنّ قوله لذكورنا هو الخبر وخالصة مصدر مؤكد ولا يجوز أن يكون حالاً متقدمة لأنّ المجرور لا يتقدم عليه حاله فقيل وجه دلالة النصب على كون خالصة بمعنى المصدر أنها لو كانت بمعنى اسم الفاعل لكانت حالاً من ذكورنا فيلزم تقدم الحال على المجرور، أو من الضمير في الظرف الواقع خبراً فيلزم تقدمه على العامل المعنوي وهو الجارّ والمجرور، ويمكن أن يتكلف في تطبيق عبارته على الأمرين وأما جعلها حالاً من الظرف الواقع صلة فلا معنى له عند التأمّل الصادق، فإن أريد أنها في حال الخلوص من البطون والخروج عنها تكون للذكور فهو معنى كونه حالاً من ضمير الخبر لا الصلة، وقيل فيه حث فان الملازمة المستفادة من قوله لو كانت الخ ممنوعة لم لا يجوز أن تكون خالصة اسم فاعل وخبراً لما والتأنيث باعتبار كون ما بمعنى الأجنة كما اختاره المصنف رحمه الله أو تكون حالأ من هذه الأنعام بأن يكون المعنى س أفي بطون هذه الأنعام دو! ، سائرها لذكورنا، وأما قوله ويمكن أن يتكلف الخ ففيه تسامح لأن عبارته نص في الأمر الأوّل وإنما يحتاج إلى التكلف في تطبيقها على الأمر الثاني بأن يقال المراد بالمجرور الجاز والمجرور، واقتصر عليه لظهور انتفاء الفصل) قلت (هذا ليس بشيء لأنه يريد أن يجعل معنى قوله حالاً من المجرور بمعنى أنه شامل للحال من المجرور من الضمير المستتر في الجار والمجرور، ولا شبهة في أنّ أخذهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 معاً من هذا التعبير تكلف فهو لم يفهم مراده، قال: وأمّا قوله فلا معنى له فوجهه أنّ تقييد كون الشيء في البطن وحصوله فيه بالخلوص مما لا يفيد أصلاً، اهـ ورذ بأنه كقراءة الإضافة بمعنى جيدة وهو الخارج حيا فما ذكره ليس نتيجة التأمل الصادق، وهذا بعينه كلام القطب في شرحه وقد اعترض عليه بأنه لا يصح لأنّ اعتبار كونه حياً أو ميتا في حال استقراره في البطون لا وجه له ولك أن تقول تقديره ما كان في بطون هذه الأنعام أو تجعلها حالأ مقدرة، وكل هذا تعسف وضيق عطف، وتد أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى دفعه لأن المراد بخالصة ما ولد حيا بقرينة مقابلته بأن يكن ميتة وليس خالصة بمعنى صرفا وصافية بل بمعنى سالمة كما يقولون خلصت من الشذة ونحوه إذا سلمت منها وهذا مما لا غبار عليه. قوله: (لأنها لا تتقدّم الخ (فيه لف ونشر، والعامل المعنوي الجارّ والمجرور وأسم الإشارة وها التي للتنبيه سميت بذلك، وان كانت لفظاً لأنها عملت بما تضمنته من معنى الفعل والتغليب ظاهر إلا أنه لا يحتاج إليه إذا نصب ميتة لرجوع الضمير إلى ما. قوله: (وقرئ خالص الخ (تفصيل القرا آت ونسبتها مفصل في فنه لكن الزمخشري قال: وقرأ أهل مكة وان تكن ميتة بالتأنيث والرفع وفي الدرّ المصون إنها قراءة ابن عامر رحمه الله فإن عنى بأهل مكة ابن كثير وما أظنه عناه فليس كذلك وإن عنى غيره فصحيح ويجورّ أن ابن كثير روى عنه ذلك لكنه لم يشتهر انتهى، وبعض الناس تبجج بتخطئته هنا، وافتخر افتخار الخصي فلذا نقلناه. قوله: (من توله وتصف السنتهم الكذب) وهذا من بليغ الكلام وبديعه فإنهم يقولون وصف كلامه الكذب إذا كذب وعينه تصف السحر أي ساحرة وقده يصف الرشاقة بمعنى رشيق مبالغة حتى كان من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له قال المعرّي: سرى برق المعرة بعدوهن فبات برامة يصف الكلالا وقوله جزاء إشارة إلى أنه واقع موقع مصدر سنجزيهم بتقدير مضاف. قوله: (لخفة عقلهم الخ) تفسير للسفه فكان الظاهر تقديمه كما في بعض النسخ وأشار باللام إلى أنه مفعول له وجوّز فيه الحالية والمصدرية وجهلهم تفسير لقوله بغير علم، وعطفه عليه، وان كان حالأ أو صفة إشارة إلى أنّ له مدخلا في التعليل فتأمّل وقوله وما كانوا مهتدين بعد قوله قد ضلوا للمبالغة في نفي الهداية عنهم لأنّ صيغة الفعل تقتضي حدوث الضلال بعد إن لم يكن فلذا أردف بهذه الحال لبيان عراقتهم في الضلال، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض. قوله: (معروشات الخ) التعريش رفعه على العريش، وهو معروف وقيل المعروش الكرم، وغيره ما ينبطح على الأرض كالبطيخ والبراري جمع برية معروف. قوله: (والضمير الخ) ذكروا فيه وجوها أن يرجع إلى أحدهما على التعيين ويعلم الاخر بالمقايسة إليه، أو إلى ءلل واحد على البدل أو إلى الجميع والضمير بمعنى اسم الإشارة كما مرّ، وأورد عليه أبو حيان افى الضمير لا يجوز إفراده مع العطف بالواو زاد وجهاً آخر وهو إنّ في الكلام مضافا مقدراً والضمير راجع إليه أي ثمر جنات، وهذه الوجوه تجري في ضمير ثمره كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله في الهيئة والكيفية متعلق بقوله مختلفاً. قوله: (وإن لم يدرك) أي ينضج ويتم! ني فائدة التقييد به إباحة ا! ل قبله، وعلى الثاني لا حاجة إلى هذا القيد ويينع بياءين من كاب علم وضرب والياء الثانية ثابتة على كل تقدير. قوله: (والأمر بإيتائها يوم الحصاد الخ) ! ي إذا أربد به الزكاة، وأما على الوجه الأوّل فهو باق على ظاهره، وأما إذا أريد الزكاة! الحصاد وقت الوجوب في الذمّة لا وجوب الأداء فأشار المصنف رحمه الله بأنه للمبالغة في الأمر بالمبادرة إليه حتى كأنه مؤدّي قبل وقته، والأمر لما دل على الحدث بماذته والوجوب بهيئته صح أن يقيد باعتبار كل منهما، قيل ولو تعلق بالحق لم يحتج إلى تأويل مصدر حصد الحصد، وعدل إلى الحصاد بفتح الحاء وكسرها وبهما قرئ لما أريد دلالته على حصد خاص إذا انتهى، وجاء زمانه كما صرّج به سيبويه رحمه الله، والمراد بالتنقية تخليصه من القشر ونحوه، وما ذكره المصنف رحمه الله مبني على الفرق بين نفس الوجوب ووجوب الأداء وهو خلاف المشهور عند الشافعية. قوله:) في التمدّق) قال النحرير: لو علقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 بالأكل والصدقة بقرينة الإطلاق لكان أقرب، وأفا إذا أريد بالحق الزكاة المفروضة فهي مقدرة لا تحتمل الإسراف من حيث هي زكاة لأن ما زاد لا يسمى زكاة فلا وجه لما قيل إن التقدير لا ينافي الإسراف إذ يحتمل أن يزيد على المقدار المعين على وجه التنفل. قوله:) عطف على جنات الخ) والجهة الجامعة إباحة الانتفاع بهما، وقوله وما يفرس للذبح أي يبسط فعلى الوجهين الأوّلين الفرس بمعنى المفروش، وعلى الثالث الكلام على التشبيه. قوله: (كلوا مما أحل لكم منه) إشارة إلى أنّ الرزق شامل للحلال والحرام، فإن كنت من تبعيضية فهو ظاهر، وان كانت ابتدائية فكذلك لأنه ليس فيه ما يدلّ على تناول جميعه، والمعتزلة خصوه بالحلال، واستدلوا بهذه الآية بجعلها إحدى مقدمتي شكل منطقي أجزاؤه سهلة الحصول، وتقديره الحرام ليس بمأكول شرعا وهو ظاهر، والرزق ما يؤكل شرعا لقوله تعالى: {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} [سورة الأنعام الآية: 142] فالحرام ليس برزق، وهذا إنما يفيد لو صدق كل رزق مأكول شرعا والآية لا تدل عليه فلذا لم يلتفت المصنف رحمه الله إلى دليلهم، وفسر خطوات الشيطان بالتحليل والتحريم لاقتضاء المقام له وقوله ظاهر العداوة إشارة إلى أنه من أبان اللازم. قوله: (بدل من حمولة وفرشاً الخ (في الدرّ المصون حمولة وفرشا منصوبان عطفا على جنات والحمولة ما أطاق الحمل من الإبل والفرش صغارها وقال الزجاج رحمه الله: أجمع أهل اللغة على أنّ الفرس صغار الإبل، قال أبو زيد: يحتمل أنه سمي بالمصدر لأنه في الأصل مصدر، وهو مشترك بين معان منها ما تقدم ومتاع البيت والفضاء الواسع، واتساع خف البعير قليلا والأرض الملساء، وقيل ما يحمل عليه من الدواب والفرس ما اتخذ من صوفه ووبره ليفرش اهـ فقول المصنف رحمه الله إنه بدل على أحد التفاسير للحمولة والفرس، بحيث يشمل الأزواج الثمانية فإن خصت بالإبل فالبدل مشكل أما إذا فسرت الحمولة بكبارها كالإبل والبقر والغنم والفرش بصغارها فهو ظاهر. قوله:) أو مفعول كلوا (يعني كلوا الذي قبله وتقديره كلوا لحم ثمانية أزواج ولا تتبعوا جملة معترضة وقول أبي البقاء رحمه الله: ولا تسرفوا معترضة سهو. قوله: (أو فعل دل عليه الخ) وهو مجرور معطوف على كلوا والفعل الدال عليه إمّا كلوا أو خلق أو أنشأ أو نحوه، وإذا كان حالاً فتقديره مختلفة وإنما أوّل به ليكون بياناً للهيئة وعند من اشترط في الحال أن يكون مشتقاً أو مؤوّلاً فهو ظاهر وصاحب الحال الأنعام، عاملها متعلق الجاز والمجرور قوله:) والزوج الخ) إشارة إلى أنّ الزوج يطلق على كل واحد من القرينين ويدلّ عليه قوله ثمانية أزواج إذ لولاه كانت أربعة، ولذا قال والمراد الأوّل ويطلق على مجموعهما كما! له الراغب: وسمع من العرب وهذا مما أخطأ فيه الحريري في درّته. قوله: (وهو بدل من لمائية) قال النحرير: الظاهر أنّ من الضأن بدل من الأنعام واثنين من حمولة وفرشاً أو من ثمانية ازواج إن جوّزنا أن يكون للبدل بدل او أعرب مفعولاً والبدل اثنين، ومن الضأن حال من! رة قدمت عليها وهو بدل بعض من كل أو مع ما عطف عليه بدل كل من كل أو من الضأن يدل كما مرّ، واثنان إذا رفع مبتدأ خبره الجارّ والمجرور، والجملة بيانية لا محل لها من الاعراب، وضثين فعيل كعبيد جمع أو اسم جمع ومعزى اسم جمع معز أيضا، وقوله: أنثييهما إ! ارة إلى أنّ الألف واللام للعهد أو بدل من الإضافة، وأما مركبة من أم وما الموصولة. قوله: (والمعنى إنكار أن الله حرّم (لما كان المنكر هو التحريم، والجاري في الاستعمال إنّ ما أنكر يلي الهمزة قالوا إنه عدل عنه لأنّ هذا أبلغ فيه وبيانه ما قال السكاكي رحمه الله إن إثبات التحريم يستلزم إثبات محله لا محالة فإذا انتفى محله، وهو الموارد الثلاثة لزم انتفاء التحريم على وجه برهاني كأنه وضع موضع من سلم أنّ ذلك قد كان ثم طالبه ببيان محله كي يتبين كذبه، ويفتضح عند المخالفة ومنه تعلم أنّ المطلوب بلى الهمزة، وقد يعدل عنه لنكتة وبه يجمع بين كلامهم فتأمّله. قوله: (إذ أنتم لا تؤمنون) يعني أنهم ذهبوا إلى أنّ الله حرّم هذا والعلم بذلك إما بأن بعث الله رسولاً أخبرهم به، وإما بأن شاهدو! الله تعالى وسمعوا كلامه في التحريم، والأوّل مناف لما هم عليه لأنهم ما كانوا يؤمنون برسول فتعين المشاهدة والسماع وهو محال فقد تهكم الله بهم بذلك، ثم بين ظلمهم بقوله فمن أظلم الخ، ثم أعلمهم بقوله: {قُل لاَّ أَجِدُ} الخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 أن التحريم والتحليل بالوحي لا بالتشهي والهوى. قوله: (والمراد الخ) اقتصر في الكشاف على الأثر الثاني، لأنّ عمرو بن لحيئ هو الذي بحر البحائر، وسيب السوائب فهو الذي تعمد الكذب، وأما من تابعه من كبرائهم فيحتمل إنه أخطا في تقليده فلا يكون متعمدا للكذب فلا ينبغي التفسير به، ولذا قال في تفسيره بعض المتأخرين افترى كذباً، كاذبا لا مخطئا في ظنه فإنّ فيه مندوحة عن الكذب فليس فيهن خطأ ومخالفة للجمهور في الكذب ولا مخالفة لما قاله الزمخشرقي: إلا في جعله كذبا حالاً بمعنى كاذباً، وان جوّز فيه أن يكون مصدرأ من غير لفظ الفعل، فمن قالط إنه أخطأ في الإعراب وغفل عن قيد التعمد في معنى الافتراء لم يفهم كلامه. قوله: (ليضل الناس بغير علم (أي عمل عمل القاصد إضلالهم من أجل دعائهم إلى ما فيه الضلال وإن لم يقصد الإضلال ولذلك قال بغير علم كذا قيل يعني إنّ اللام للعاقبة، ويؤيده قوله بغير علم إن كان حالاً من فاعل يضل ولا يضره احتمال كونه حالاً من الناس وان صح، لأنّ الأوّل أظهر وأبلغ في الذتم لكون المقتدى به جاهلاً فكيف المقتدي، ومن غفل عنه خطأه فيه. قوله: (لا يهدي القوم الظالمين) أي إلى طريق الحق وقيل إلى دار الثواب لاستحقاقهم العقاب، ولا يعد فيه كما توهم وإذا لم يهتد الظالم فالأظلم أولى بعدم الهداية. قوله: (قل لا أجد فيما أوحى إلئ محرّماً الخ) كني بعدم الوجدان عن عدم الوجود ومبني هذه الكناية على أنّ طريق التحريم التنصيص منه تعالى وتفسيره بمطلق الوحي أستظهروه ولذا قال: أوحى ولم يقل انزل، وقوله: (وفيه تنبيه الخ (قد مرّ ما يشير إليه وأيضا أن الآية لو لم تدل على الحصر، وقد وردت للردّ على المشركين في تحريم ما لم. يحرّمه الله يعني لم يوح إليّ تحريم ما حرّمتموه وإنما الموحي تحريم ما ذكر، ولو لم يكن ذلك مقصودا لم تفذ ما ذكر، وقوله لا بالهوى إشارة إلى أنّ القصر إضافيّ فلا ينافي الاجتهاد، وفسر المحرّم بالطعام لدلالة ما بعده عليه. قوله: (1 لا أن يكون ميتة الخ) فسر الزمخشري محرّماً بطعاماً محرّما من المطاعم التي حرّمتموها، وإنما قيده بذلك لدفع توهم ما يرد من أنّ في النظم حصر المحرّمات فيما ذكر، ولا شك أنّ لنا محرّمات غيرها فلذا جعل الاستثناء منقطعاً أي لا أجد ما حرّمتموه لكن أجد الأربعة محرّمة، وهذا لا دلالة فيه على الحصر إذ الاستثناء المنقطع ليس كالمتصل في الحصر وهذا مما ينبغي التنبيه له والمصنف لم يقيده بما ذكر لأنّ الأصل الاتصال وعدم التقييد، وأشار إلى دفع ذلك بقوله فيما سيأتي والآية محكمة الخ قيل وحينئذ يكون الاستثناء من أعتم الأوقات أو أعنم الأحوال مفرّغاً بمعنى لا أجد شيئاً من المطاعم المحرّمات في وقت من الأوقات أو حال من الأحوال إلا في وقت أو حال كون الطعام أحد الأربعة فاني أجد حينئذ محرّما، فالمصدر للزمان أو الهيئة وفيه أنه لا يناسب قول المصنف رحمه الله إلا وجود الخ فانه ناطق بخلافه إلا بتكلف، مع أن المصدر المؤوّل من أن، والفعل لا ينصب على الظرفية عند الجمهور، ولا يقع حالاً لأنه مجرفة. قوله: (لى عطف على أن الخ (أي على قراءة الرفع كما يدلّ عليه قوله إلا وجود ميتة فإنه على قراءة النصب يكون التقدير على وجوده ميتة، وعطفه حيمئذ على ميتة أقرب لفظاً ومعنى، وإنما بين هذه القراءة رذاً على أبي البقاء حيث قال وقرئ برفع ميتة على أن تكون تاقة، وهو ضعيف لأن المعطوف منصوب فلا حاجة إلى ما قيل إنه جعله كذلك لاطراده على القراءتين. قوله: (أي إلا وجود ميتة) الظاهر أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ميتة موجودة فإن يكون في النظم بمعنى اسم الفاعل كذا أفاده خاتمة المدققين فلا يريد ما قال النحرير: إنّ في جعل الاستثناء متصلا تكلفاً في اللفظ أي إلا الموصوف بأن يكون أحد الأربعة على أنه بدل من محرّما والجواب عن صحة الحصر أنه قد ورد حصر المحزمات في الأربعة لقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} الخ فناسب أن تحمل هذه الآية على ذلك، ويدفع الأشكال بأنّ المعنى لا أجد عند تبليغ هذه الآية سواها، أو هي مخصصة بالخبر وليس نسخاً اهـ وفيه نظر، والمراد بالميتة ما لم يذبح ذبحا شرعيا فيتناول المنخنقة ونحوها. قوله: (لا كالكبد والطحال (إشارة إلى أنهما دمان متجمدان كما ذكره الأطباء، وجاء في الحديث: " أحلث لنا ميتنان السمك والجراد، ودمان الكبد والطحال ") 1 (وما عداهما من الدماء حرام مطلقا كما ذهب إليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 الشافعيّ رحمه الله ولو ما قل، وتلطخ به القدر واللحم، وتوصيف طاعم بيطعمه كقوله طائر يطير قطعا للمجاز ولا دلالة فيه على أنّ جلد الميتة قبل الدباغ يحرم لأنه يشوى ويؤكل وإذا دبغ لا يقبل ا! ل كما قيل. قوله: (فإنّ الخنزير) قيل الظاهر أنه راجع إلى اللحم لأنه المحدث عنه، وقال ابن حزم: هو عائد على خنزير لقربه وذكر اللحم فيه لأنه أعظم ما ينتفع به منه فإذا حرم فغيره بطريق الأولى وبين وجه الحرمة بأنه خبيث في نفسه، ومخبث بأكله الخبائث كالعذرة وهو معنى قوله مخبث، ويحتمل أنه تأكيد كليل أليل وقوله: عطف على لحم خنزير هو على قول. قوله: (ويجوز أن يكون فسقا الخ) تال أبو حيان: هذا إعراب متكلف جدا والنظم عليه خارج عن الفصاحة وغير جائز على قراءة رفع ميتة لأنّ ضمير به ليس له ما يعود إليه ولا يجوز أن يتكلف له موصوف محذوف يعود عليه الضمير أي شيء أهل لغير الله به لأنّ حذف الموصوف والصفة جملة لا يجوز إلا إذا كان بعض مجرور بمن أو في قبله نحو منا ظعن، وفينا أقام أي فريق ظعن وفريق أقام فإن لم يكن كذلك اختص بالضرورة لكن هذا غير متفق عليه عند النحاة، فإنّ منهم من أجازه مطلقاً فلعل المصنف رحمه الله يرى رأيه، وأما منعه من حيث رفع الميتة فغير مسلم لأنه يعود على ما كان عائدا عليه في النصب إذ لا مانع منه. قوله: (والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون) خطأه بعضهم فيه بأنّ الجار والمجرور قائم مقام الفاعل فليس فيه ضمير، والصواب ما في الكشاف إنّ ضمير به يرجع إلى ما يرجع إليه المستتر في يكون، والقول بأن فيه ضميرا وان أهل بمعنى ذبح منفردا به لغير الله تكلف وتعسف وأصل الإهلال رفع الصوت والمراد هنا ما ذكر عليه غير اسم الله، واضطر افتعال من الضرورة وعاد بمعنى متجاوز. قوله: (لا يؤاخذه (لما كان كونه غفورأ رحيما أمراً ثابتا متقدما على الاضطرار تأوّله بأنه وقع جزاء باعتبار لازم معناه ولا حاجة إلى تقدير جزاء يكون هذا تعليلا له، ومعنى عدم المؤاخذة به الإباحة لأنه لو يكن مباحا وقعت المؤاخذة به فلا يرد ما قيل ظاهره ترك المؤاخذة على أكل الحرام بناء على المغفرة والرحمة من الله والاضطرار من العبد، وقوله في الآية الأخرى: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [سورة الأنعام، الآية: 119] بعد ذكر المحرّمات ظاهرة الإباحة. قوله: (والآية محكمة) الشافعي لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة مطلقا وقد نقض مذهبه بهذه الآية فأجاب بأنّ الآية دالة على التوقيت بقرينة أوحى بعني إلى الآن لم أجد ذلك فلا ينافي ما حرّم بعدها أو هي عامّة واثبات محرّم آخر تخصحيص لا نسخ عندهم، وقوله ولا على حل الأشياء الخ يعني أنها لا تدلّ على ذلك بل الدال عليه استصحاب الأصل إذ الأصل الحل عنده فالاستثناء في كلامه منقطع. قوله: (كل ما له أصبع) ظاهره إنّ أحد فلقتي خف البعير تسمى إصبعا والظاهر أنه ليى حقيقيا وإنما جعل المسبب تعميم التحريم لأنّ بعضه كان حراماً، والثروب جمع ثرب بالثاء المثلثة والراء المهملة والموحدة هو شحم رقيق على الأمعاء والكرش، والكلى بضم الكاف جمع كلية معروف. قوله:) والإضانة لزيادة الربط) يعني بعد قوله من البقر والغنم لا يحتاج إلى إضافة الشحوم إليهما بل يكفي أن يقال الشحوم لكنه قد يضاف لزيادة الربط، والتأكيد كما يقال أخذت من زيد ماله وهو متعارف وهذا إن تعلق من البقر بحرّمنا بعده، وأما من جعله معطوفا على كل ذي ظفر فيؤوّله بعض ويجعل حرّمنا عليهم شحومهما تبيينا للمحرّم فيهما فالإضافة للربط المحتاج إليه لكنه خلاف الظاهر، وما قيل إنه غير صحيح لأنه استدراك لدخول الغنم والبقر تحت ذوات الظفر أي لكن ما حرّمنا منهما إلا شحومهما فغير مسلم عند من أعرب هذا الإعراب فتأمّل. قوله:) 1 لا ما حملت ظهورهما الخ (قال أبو حنيفة رحمه الله لو حلف لا يأكل شحما يحنث بشحم البطن فقط، وقالا يحنث بشحم الظهر أيضاً لأنه شحم وفيه خاصية الذوب بالنار ولهذا استثنى في الآية وله أنه لحم حقيقة لأنه ينشأ من الدم ويستعمل كاللحم في اتخاذ الطعام والقلايا وبؤكل كاللحم ولا يفعل ذلك بالشحم، ولهذا يحنث بأكله لو حلف لا يأكل لحما وبائعه يسمى لحاماً لا شحاماً فالاستثناء في الآية منقطع بدليل استثناء الحوايا، وتأويله بما حمله الحوايا من شحم خلاف الظاهر. قوله: (أو ما اشتمل على الإمعاء الخ (قال النحرير: يفهم منه أنّ الحوايا عطف على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 ظهورهما أي ما حملت الحوايا لكن الأنسب عطفها على ما حملت بتقديره مضاف أي شحوم الحوايا وقوله: (مما اشتمل) بيان لذلك، ويحتمل عندي أن يكون ما اشتمل تفسيراً للحوايا لأنه من حواه بمعنى اشتمل عليه فيطلق على الشحم الملتف على الأمعاء، وان كان المشهور أنها نفس الأمعاء، وهو على هذا معطوف على المستثنى داخل في حكمه يعني حزمنا جميع شحومهما إلا هذه الثلاثة فكان المناسب هو الواو دون أو لأنّ المخرج جميعها لا أحدها، وأجيب بأنّ الاستثناء من الإثبات نفي وأوفى النفي تفيد العموم لكونه بمنزلة النكرة في سياق النفي فيصير المعنى لم يحرّم واحد منهما على التعيين وذلك ينفي المجموع ضرورة، وفيه أن الاستثناء إنما يقتضي نفي الحكم عن المستثنى بمنزلة قولك انتفى التحريم عن هذا أو ذاك، فالوجه أن يقال أو في العطف على المستثنى من قبيل جالس الحسن أو ابن سيرين، كما ذكره في العطف على المستثنى منه يعني أنها الإفادة التساوي في الحكم فيحرم الكلم وسيأتي البحث فيه. قوله: (جمع حاوية أو حاوياء الخ) إختلف أهل اللغة في معناها فمنهم من فسره بما مرّ، وقيل: هي المباعر وقيل: المصارين والإمعاء، وقيل: كل ما يحويه البطن فاجتمع واستدار، وقيل: هي الدوارة التي في بطن الشاة ثم اختلف في مفردها فقيل حاوية بوزن فاعلة، وقيل: تحوية كظريفة وقيل: حاوياء بالمد كقاصعاء، وجوّز الفارسي أن يكون جمعا لكل واحد من هذه الثلاثة، وقد سمع في مفردها ذلك فحاوية وحوايا كزاوية وزوايا ووزن جمعه فواعل والأصل حواوي فقلبت الواو التي هي عين الكلمة همزة، لأنها ثاني حرفي لين اكتنفاء مذة فواعل، ثم قلبت الهمزة المكسورة ياء لثقلها، ثم فتحت لثقل الكسرة على الياء فقلبت الياء الأخيرة ألفاً لتحرّكها بعد فتحة فصارت حوايا أو قلبت الواو همزة مفتوحة، ثم الياء الأخيرة ألفا ثم الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين كما فعل بخطايا، وكذلك إن قلنا إنّ مفردها حاوياء وزن الجمع فواعل كقاصعاء وقواصع واعلاله كالذي قبله، فإن كان مفردها حوية فوزنه فعائل كظريفة وظرائف، وأصله حوائي فقلبت الهمزة ياء مفتوحة والياء التي هي لام ألفا فصار حوايا فاللفظ متحد والعمل مختلف، وما وقع في القاموس والصحاح هنا غير محرر، وعلى ما ذكرناه ينزل كلام المصنف رحمه الله. قوله: (وقيل هو عطف على شحومهما) هذا على على مقدر أي وهو معطوف على ما قبله، وقيل الخ أو على معنى ما قبله فعلى الأوّل يكون معطوفاً على المستثنى يعني حرّمنا شحومهما إلا هذه الثلاثة، وعلى هذا هو معطوف على غير المستثنى فتكون محرّمة، قيل: ولقائل أن يقول إمّا أن يحرّم عليهم ما اشتمل على الأمعاء فعلى تقدير عطف الحوايا على ظهورهما يلزم أن تكون حلالآ أو لا يحرّم فعلى تقدير عطفه على شحومهما، يلزم أن يكون حراما هذا خلف وأيضا يمنعه قوله أو ما اختلط فإنه معطوف على المستثنى بلا شبهة وليس بشيء لأن هذين القولين منقولان عن السلف، وأكثرهم ذهب إلى الأوّل ومن ذهب إلى الثاني، قال بتحريمه: وتحريم ما اختلط ومن ذهب إلى الأوّل خالفه فيه فلا وجه لما ذكره. قوله: (وأو بمعنى الواو) هذا إمّا على الوجهين كما نقلناه عن النحرير أو على الأخير كما ذهب إليه العلامة، وكلام المصنف يحتملهما وقال النحرير: أو هاهنا مثلها في جالس الحسن أو ابن سيرين أي لإفادة التساوي في الحكم فيحرم الكل، وقيل هي للتفصيل وهو قريب منه، وقد يحمل على ظاهره ويقال معناه حرّمنا عليهم شحومهما أو حرّمنا عليهيم الحوايا أو حرّمنا عليهم ما اختلط بعظم فيجوز له ترك أكل أيها كان وأكل الآخرين، ورذ بأن الظاهر إن مثل هذا وإن كان جائزا فليس من الشرع أن يحرّم أو يحلل واحد مبهم من أمور معينة، وإنما ذلك في الواجب فقط وقيل فيه بحث لأنه المعلوم من شرعنا لا من شرع اليهود، وهذا كله ليس بشيء فإنّ الحرام المخير والمباح المخير صرح به الفقهاء وأهل الأصول قاطبة، والعجب من النحرير كيف ينكره مع اشتهاده، قال السبكي رحمه الله: في الأشياء مسألة يجوز أن يحزم واحد من أشياء مبهمة خلافاً للمعتزلة ونقل المسألة عن القرافي وأطال في تقريرها، ثم قال: ويفرض ذلك في مضطر وجد سمكاً ولبناً فإن جمع بينهما فعلاً وتركا كان آثماً، ومثل له بمثال آخر فإن أردته فراجعه، وقد ذكره ابن الهمام في تحريره أيضا، ثم إنكاره الإباحة أغرب فإنك إذا قلت لأحد انكح هنداً أو زينب وهما أختان فقد أبحت له واحدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 مبهمة شرعا وهذا مما لا شبهة فيه، وقد قيل أيضاً إنه مثال للتحريم المبهم، ثم إني تأمّلت ما ذكر. السعد من إنكاره الحرام المخير مع أنه مصرّج به في كتب الأصول كما رأيت فتعجبت منه لجلالة قدره، ثم رأيت في شرح التمهيد أنّ العلامة قال: في شرح أصول ابن الحاجب إن ما ذكره الأصوليون فيه نظر ولم يبين وجهه وقال: كان وجهه إنه لا يتعين ترك أحدهما إذ له ترك الجميع، وكلا منا فيما يحرم لذاته لا لعارض! فالإشكال باق، وكلمة أو في النهي نحو لا تطع منهم آثماً أو كفوراً للنهي عن واحد لا بعينه، والنهي عن الجمع من دليل آخر اهـ (أقول) فهاهنا أمور في المخير فعلهما وتركهما، وفعل أحدهما وترك الآخر في الإثبات والنفي فهذه ست وجوه، ثم لنا أيضا وجوب وحرمة وتخيير واباحة والكلام في الأمرين فالوجوب المخير إنما يتحقق إذا وجب أحدهما وامتنع ئركهما وفعلهما كالكفارة، فإنه إذا فعلها كان الآخر تطوّعا لا كفارة وإنما الكلام في المحزم كنكاح إحدى الأختين ونحوه مما ذكروه فإن كان هذا مراد النحرير كان له وجه فأمعن النظر قوله: (هو شحم الإلية (ومنهم من فسره بالمخ لكن قال السرخسي: في الإيمان إنه لا كول أحد لمخ العظم شحم، وأما قولهم إن الآية نوع ثالث لا يستعمل استعمال اللحوم والشحوم فقال ابن الهمام فيه نظر والعصعص بالإهمال كقنفد وعليط وزرنب منبت الذنب. رله:) ذلك التحريم أو الجزاء) جزى يتعذى بالباء وبنفسه كما ذكره الراغب وغيره، وفي ذلك هنا وجوه ككونه خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره ما بعده والعائد محذوف، وكونه شصوبا على المصدر وهو ظاهر كلام الشيخين هنا لكن ابن مالك قال: لا يشار إلى المصدر إلا إذا أتغ به نحو قمت ذلك القيام ولو قلت ذلك فقط لم يجز لكن أبو حيان رذه وقال: إنه ول ئز أيضاً ونقله عن النحاة مع شواهده وكلام ابن مالك في كتبه متناقض فيه والحق جوازه فما! ل إنهما مفعولان منصوبان بنزع الخافض فيه ما فيه وقيل إنه مفعول به مقدم، وكلام المصنف حتمله. قوله: (أو الوعد والوعيد) هو مستفاد من السياق أو التحريم لتضمنه عقاب اله هـ تكب ل وثواب المجتنب، ومعنى الصدق فيه قد تقدم تفصيله وهو رذ على من جوّز خلف الوعيد كما بين في الكلام، وفيه نظر وقوله: واسعة على المطيعين التخصيص يؤخذ من مقابلته بلزوم عذاب المجرمين ولازب ولازم بمعنى ووقوع ما أخبر ألله به من المغيبات من وجو. الإعجاز لكلامه وليس الإعجاز به فقط كما في قول ضعيف. قوله:) أي لو شاء خلاف ذلك الخ) رذ على الزمششريّ حيث قال: سيقول الذين أشركوا أخبار بما سوف يقولونه ولما قالوه قال: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} [سورة النحل، الآية: 35] ، يعنون بكفرهم وتمرّدهم أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله تعالى وإرادته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه، قال النحرير: نعم هو كمذهبهم في كون كل كائن بمشيئة الله لكن الكفرة يحتجون بذلك على حقية الإشراك وتحريم الحلال وسائر ما يرتكبون من القبائح، وكونها ليست بمعص! لكونها موافقة للمشيئة التي تساوي معنى الأمر على ما هو مذهب القدرية من عدم التفرقة بين المأمور والمراد وأن كل ما هو مرادا لله فهو ليس بمعصية منهيّ عنها، والمجبرة وان اعتقدوا أن الكل بمشيئة الله لكنهم يعتقدون أنّ الشرك وجميع القبائح معصية، ومخالفة الأمر يلحقها العذاب بحكم الوعيد ويعفو عن بعضها بحكم الوعد فهم في ذلك يصدقون الله فيما دل عليه العقل والشرع من امتناع أن يكون أكثر ما يجري في ملكه على خلاف ما يشاء، والكفرة يكذبونه في لحوق الوعيد على ما هو بمشيئته تعالى إلى أن قال وحاصل ما قال الإمام هو أن في كلام المشركين مقدمتين إحداهما أنّ الكفر بمشيئة الله تعالى، والثانية أنه يلزم منه اندفاع دعوة النبيّ! يو، وما ورد من الذمّ والتوبيخ إنما هو على الثانية إذ الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد فله أن يشاء من الكافر الكفر ويأمره بالإيمان ويعذبه على خلافه، ويبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى دار السلام وان كان لا يهدي إلا من يشاء. قوله: (لا الاعتذار الخ (قيل عليه أنت خبير بأنه إذا أريد الاعتذار لا ينهض ذتهم دليلأ لهم أيضا لإثبات الكسب والاختيار، فإن قيل المراد ذثهم على ما ذكروا من مقدمتهم قلنا كلامه إنما يدل على أنّ الذتم بالاعتذإر فتأمّله قلت هو لا يضرّ المصنف رحمه الله تعالى لأن المعتزلة لما جعلوه اعتذارأ، واستدلوا به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 أبطله من أصله ولا يضرّ دفعه بوجه آخر فذمّهم عند المصنف لدعوى الرضا لا لدعوى المشيئة. قوله:) ويؤيد ذلك الخ (وجه التأييد أنه لا تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم في دعوى أنه لو شاء الله مشيئة إلجاء، وقسر عدم الشرك ما أشركفا لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعي-ءفه و! ! اا! كل يب في أنّ الرسول لمجي! هـ يمنع كون ذلك مرضيا له تعالى فتكون دعواهم أنّ أفعالهم بمشيئة مرضية قيل، ولعله قال: يؤيد دون يدل! لأنّ في الاعتذار تكذيباً أيضا فتأمّل، وقوله: (عطف الخ) بيان لوجه عطف الظاهر على الضمير المرفوع المتصل بدون تأكيد لأنه يكفي أفي فاصل فيه وتد فصل بلا والكوفيون لا يشترطون في ذلك شيئاً، واستدلوا بهذه الآية ونحوها وهم أجابوا بما مرّ، وفيه نظر لأنّ الفصل ينبغي أن يتقدم حرف العطف ليدفع الهجنة، والمصنف رحمه الله تبع في هذا بعض النحاة بناء على أنه يكفي الفصل بين المعطوف، وإن لم يفصل حرف العطف وقد توقف فيه أبو عليّ رحمه الله فتأمّل وفسر العلم بمعلوم خاص بسبب اقتضاء المقام وأوّل الإخراج بالإظهار لاختصاصه بالمحسوس. قوله: (وفيه دليل الخ) أي اتباع الظن لمجرّد التشهي والهوى لأنه ذمّهم به وهو ظن مخصوص فاسد من بعض الظن، ولذا قيل لا حاجة إلى قوله ولعل ذلك الخ، والبالغة القوية ومنه أيمان بالغة أي مؤكدة، وقوله بلغ بها صاحبها فهي كعيشة راضية في الوجهين، والحج بمعنى القصد أو النلبة. قوله: (من الحج) المشهور أنها بمعنى الغلبة وقوله كأنها تقصد الخ فهي من إسناد الشيء لسببه. قوله: (وفعل يؤنث ويجمع) ترك التثنية لعلمها بالقياس أو أراد بالجمع ما فوق الواحد فيشملها، وهذا بناء على ما اشتهر من أنّ اتصال هذه العلامات من خصائص الأفعال، واذعى أبو عليّ الفارسي أنّ ليس حرف، واتصلت به الضمائر في لست ولستما ولستم لشبهه، لفعل لكونه على ثلاثة أحرف، وبمعنى ما كان كما لحق الضمير هاني وهاتيا وهاتوا مع كونه اسم فعل لقوّة مناسبته للأفعال فعلى هذا القول يكون اسم فعل مطلقاً كما في شرح التسهيل، رمليه الرضي فإنه قال وبنو تميم يصرفونه فيذكرونه ويؤنثونه ويجمعونه نظراً إلى أصله ومن لم مف على الخلاف في هذه المسألة نقل كلام الرضي معترضا به على المصنف رحه 4 الله. رله: (وأصله الخ) حذف الألف لأنّ أصله المم فاللام ساكنة بحسب الأصل، وأما استبعاد المصنف رحه الله فدفع بما نقله الرضي عن الكوفيين من أنّ أصل هل أمّ هلا أمّ وهلا كلمة استعجال بمعنى أسرع، فغير إلى هل لتخفيف التركيب، ونقلت ضمت الهمزة إلى اللام وحذفت كما هو القياس في نحو قد أفلح إلا أنه ألزم هذا التخفيف هنا لثقل التركيب. قوله:) ويكون متعذّيا) بمعنى احضروأت، ولازما بمعنى أقبل كقوله هلمّ إلينا، واعترض عليه بأنه فسرها في سورة الأحزاب بقرب نفسك إلينا، فجعله متعديا وقدر مفعوله فبين كلاميه تناف، وهو مع كونه مناقشة في المثال ليس بوارد لأنه بنى كلامه هنا على الظاهر المتبادر، وأبدى ثمة احتمالاً من عنده مع أنه قيل إنه تحقيق لمعنى اللزوم وإلا قال قربوا غيركم فتأفله. قوله: (يعني قدوتهم فيه الخ) أي المراد بالشهداء كبراؤهم الذين أسسوا ضلالهم، والمقصود من إحضارهم تفضيحهم وإلزامهم فلذا فرّع عليه قوله فإن شهدوا، وقوله ولذلك قيد الشهداء بالإضافة أي قال شهداءكم ولم يقل: شهداء لأنّ المراد بالشهداء الشهداء المعروفون بالباطل فلذا إضافة للدلالة على ذلك وفرّع عليه ما بعده وعبر عنهم بالموصول لما مرّ من أنّ الصلة يجب أن تكون معلومة، وعلم من كلامه هنا أن الصفة لا يجب فيها أن تكون معلومة، بل أن تكون ثابتة للموصوف فقط فلا حاجة إلى التوفيق بينهما، كما وقع لكثير فتكلفوا ما تكلفوا والا لم يكن فرق بين الذين يشهدون وشهداء يشهدون. قوله: (فلا تصدقهم الخ (فلا تشهد استعارة تبعية وقيل: مجاز مرسل من ذكر اللازم وارادة الملزوم لأنّ الشهادة من لوازم التسليم، وقيل كناية وقيل: مشاكلة وزاد قوله وبين لهم فساده لأنّ السكوت قد يشعر بالرضا. قوله: (للدلالة الخ (كذا في الكشاف وقد قيل عليه إنه لا دلالة للإضافة على الحصر، وغاية التوب أنّ اتباع الهوى مطلقا ممنوع، فلما أضافه إليهم في مقام المنع عن اتباع الهوى علم أنّ صاحب الهوى ليس إلا مكذب الآيات ولا يخفى ما فيه، وقيل وجهه إن الاتباع منحصر في الهوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 والحجة وانّ متبع أحدهما لا يكون متبعا للآخر للمنافاة بينهما وضمير بها للأيات، وقوله فاتسع فيه يعني استعمل المقيد في المطلق مجازا وهو ظاهر، وقوله الخبرية هو مقابل الاستفهامية فهي موصولة أو موصوفة، والعائد محذوف حينئذ. قوله: (وأصله أن يقوله من كان في علو) ي! ضمل أنه هنا على الأصل تعريضا لهم بأنهم في حضيض الجهل ولو سمعوا ما يقول ترقوا إلى ذروة العلم وقمة العز. قوله: (لأنه بمعنى أقل الما كان أتل بمعنى أقل صح أن يعمل في الجملة بناء على المذهب الكوفي من أنه يحكي الجمل بكل ما تضمن معنى القول، وغيرهم يقدّر فيه قائلاً ونحوه فمن اعترض بأن الناصب للجملة إنما هو الماذة المخصوصة لا ما يكون من أقسامها فإن التلاوة والأمر والنهي تنصب المفرد مع كونها من باب القول لم يصب واسم الاستفهام معمول حرّم تقدّم عليه لا أتل لئلا تبطل صدارته والمعنى أقل لكم وأبين جواب هذا الاستفهام. قوله: (أي لا تشركوا الخ) أي أنّ إن هنا تفسيرية لا مصدرية فلذا عبر بأي التفسيرية لاستيفاء شرطها وهو تقدّم ما فيه معنى القول دون حروفه. قال النحرير: نظم الكلام لا يخلو عن خفاء لأنّ إن إمّا مصدرية أو مفسرة فمان جعلت مصدرية كانت بيانا للمحرّم بدلاً من ما أو عائده المحذوف، وظاهر أنّ المحرّم هو الإشراك لا نفيه وان الأوامر بعده معطوفة على لا تشركوا فيه عطف الطلبي على الخبري، وجعل الواجب المأمور به محرّماً فاحتيج إلى تكلف كجعل لا مزيدة وعطف الأوامر على المحرّمات باعتبار حرمة أضدادها، وتضمين الخبر معنى الطلب وأما جعل لا ناهية وصلة لأن المصدرية كما جوزه سيبويه رحمه الله إذ عمل الجازم في الفعل وألناصب في لا مع الفعل، فلا سبيل إليه هنا لأن زيادة لا الناهية لم يقلى به أحد ولم يرد، فإن جعلت مفسرة ولا ناهية والنواهي بيان لتلاوة المحرّمات أشكل عطف، وانّ هذا صراطي مستقيماً الخ على أن لا تشركوا مع أنه لا معنى لعطفه على أن المفسرة مع الفعل وعطف الأوامر المذكورة على النواهي، فإنها لا تصلح بياناً لتلاوة المحرّمات بل الواجبات، والزمخشري اختار كونها مفسرة، وعطف الأوامر لأنها معنى نواه ة ولا سبيل حينئذ لجعل إق مصدرية لما مرّ وأجاب عن الإشكال الأوّل بأنّ هذا صراطي تعليل للاتباع متعلق باتبعوه على حذف اللام وجاز عود ضمير اتبعوه إلى الصراط لتقدمه في اللفظ، فإن قيل فعلى هذا يكون اتبعوه عطفا على لا تشركوا ويصير التقدير وفاتبعوا صراطي لأنه مستقيم، وفيه جمع بين حرفي عطف أعني الواو والفاء وليس بمستقيم، وان جعلنا الواو استئنافية اعتراضية قلنا ورود الواو مع الفاء عند تقديم المعمول فصلاً بينهما شائع في الكلام مثل: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3، و {أَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [سورة الجن، الآية: 118 فإن أثبت الجمع البتة ومنعت زيادة الفاء فاجعل المعمول متعلقاً بمحذوف والمذكور بالفاء عطفاً عليه مثل عظم فكبروا دعوا الله فلا تدعوا مع الله وآثروه فاتبعوه، وعن الإشكال الثاني بان عطف الأوامر على النواهي الوأقعة بعد أن المفسرة لتلاوة المحرّمات مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرّما دل على أن التحريم راجع إلى أضدادها بمعنى أن الأوامر قصد لوازمها حتى كأنه قيل لا تسبوأ الوالدين ولا تبخسوا الكيل والميزان ولا تتركوا العدل ولا تنكثوا العهد، ومثله وان لم يجز بحسب الأصل ربما يجوز بطريق العطف انئهى، واختار أبو حيان رحمه الله إن في الكلام مقدّرا وأصله اتل ما حرّم وما أوجب والتفسير لهما، وقال: إنه أقرب مما ذكروه. قوله: (تعليق الفعل المفسر بما حرّم) أي جعله عاملاً فيه وهو معنى التعليق إذا تعدى بالباء لا بعن والمراد بالفعل المفسر بفتح السين اتل لا بكسرها كما توهم ومن فسر تعليق المفسر بجعله تفسيراً لما حرّم فقد وهم، وقوله: (إلى أضدادها) مرّ تفسيره. قوله: (ومن جعل أن ناصبه الخ) فهو اسم فعل بمعنى الزموا وما قيل إن انتصاب أن لا تشركوا بعليكم يأباه عطف الأوامر، إلا أن تجعل لا ناهية وأن المصدرية موصولة بالأوامر والنواهي على ما جوّزه الزمخشري نقلاً عن سيبويه، تكلف! لا حاجة إليه لجواز العطف على العامل أعني عليكم لأنه بمعنى الزموا. قوله: (أو بالبدل من ما أو من عائده المحذوف) قيل لا يجوز أن يكون بدلاً من المحذوف والمبدل منه في حكم التنحية، والسقوط بواسطة كونه غير مقصود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 بالنسبة فلو حذف لفظاً أيضا لم يبق له اعتبار اً صلاً، والعجب من النحرير إنه جوّز ذلك هنا وقد أشار في المطول إلى ما حققناه في حواشيه وهو تحيل لا وجه له وقد مرّ ما فيه، وقيل إن جعلت إن مصدرية فلا إمّا زائدة أو ناهية أو نافية وكلها باطلة لعطف الأوامر فلو كانت زائدة لكان المأمور به محرّما لأن التقدير حينئذ حرّم أن تشركوا وأن تحسنوا وعلى النهي يجتمع ناصب وجازم على فعل واحد وهو غير جائز وعلى النفي يلزم عطف الطلب على الخبر إلا أن يقال الخبر متضمن للطلب إذ هو في معنى النهي، ورد بأن المعاني الواجبة تجعل محرّمة باعتبار أضدادها كما مرّ وأما جعل لا ناهية وان جوّز اجتماع الناصب والجازم فلا سبيل إليه كما مرّ، وتضمن الخبر معنى الطلب تكلف، وقيل الإنشاء هنا مؤوّل بمفرد فيجوز أن يعطف على الخبر المؤوّل به، وقيل إنه على هذا الأوامر معطوفة على تعالوا لا على لا تشركوا حتى يلزم ما ذكر وعلى تقدير اللام فالجواب عن عطف الأوامر ما مرّ، وقوله: (أو المحرّم أن تشركوا) إشارة إلى زيادة لا في هذا الوجه وقوله يحتمل المصدر فيكون معناه إشراكا ما وعلى المفعولية شريكا ما. قوله: (وضعه موضع النهي الخ) جعله كناية عن ذلك لتتناسب المعطوفات، ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ولأنّ الإحسان إذا لم تترك معه الإساءة لا يعتد به كما قال أبو الطيب: إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى ~ فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقيا وإن قال في مقام آخر: أنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان واجمال قوله: (ومن خشيتة الخ) إشارة إلى أنّ الآية شاملة لقتل الأولاد للفقر الحاصل بالفعل أو لخشية الفقر في المستقبل، والقرآن يفسر بعضه بعضا، وقيل: إن الخطاب في كل آية لصنف منهم، وليس خطابا واحدا فالمخاطب بقوله: {مِّنْ إمْلاَقٍ} من ابتلى بالفقر وبقوله: (خثية إملاق) من لا فقر له ولكنه يخشى الفقر ولهذا قدم رزقهم هنا فقيل: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقدّم رزق أولادهم في مقام الخشية فقيل: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} وهو كلام حسن. قوله: (أو الزنا) فجمع الفواحش للمبالغة أو باعتبار تعدد من يصدر منه ورجح بعضهم هذا التفسير، وقوله كالقود مما أجازه الشرع كدفع الصائل وغيره. قوله:) فإنّ كمال العقل هو الرشدا لما كان أصل العقل ثابتا لهم أوّله بما ذكر وهو ظاهر، وقال: هنا تعقلون وفيما بعده تذكرون مع التفنن بالتعبير بالأمر والنهي لأنّ المنهيات كالشرك وقتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس كانت العرب لا تستنكف منها، وأما إحسان الوالدين وايفاء الكيل وصدق القول والوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه فلذا أمروا بالثبات عليه وتذكره فتدبره. قوله: (حتى يصير بالغاً الخ) يعني المراد به هنا البلوغ لا أن يبلغ ثلاثة وثلاثين أو أربعين فإنه وان كان معنى له لكنه ليس بمراد هنا بل في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ} [سورة الأحقاف، الآية: 15] سنة، وهو من الشدة أي القوّة أو الارتفاع من شذ النهار إذا ارتفع، واختلف فيه على خمسة أقوال فقيل هو جمع لا واحد له، وهو قول الفراء وقيل: هو مفرد وأفعل ورد مفرداً نادراً كآنك، وقيل هو جمع شدة كنعمة وأنعم وقدّر فيه زيادة الهاء لكثرة جمع فعل على أفعل كقدح وأقدح، وقال ابن الأنباري: إنه جمع شد بضم الشين كود، وأودّ وقيل جمع شد بفتحها وهو هنا غاية من حيث المعنى لا من حيث التركيب اللفظي، ومعناه احفظوا على اليتيم ماله إلى بلوغ أشذه فادفعوه إليه قاله أبو حيان رحمه الله: وآنك بالمذ وضمم النون إلا سرب ولم يأت في المفردات على هذا الوزن غيرهما كما في القاموس وتوله: (ما يسعها) إشارة إلى أنّ فعلا بمعنى فاعل، وقوله وذكره لما كان فيه حرج مع كثرة وقوعه رخص فيما خرج عن طاقتهم ويحتمل رجوعه إلى ما تقدم أي جميع ما كلفناكم ممكن ونحن لا نكلف ما لا يطاق، وقوله: (يعني ما عهد الخ) يحتمل أيضاً أنّ المراد ما عاهدتم الله عليه من إيمانكم ونذركم، وتخفيف تذكرون بحذف إحدى التاءين. قوله: (الإشارة فيه الخ (أي باعتبار أكثره وقيل المشار إليه من قوله: (تعالوا إلى هنا) وقيل المشار إليه شرعه صلى الله عليه وسلم ويلائمه قوله ولا تتبعوا السبل، وإذا كان تعليلا مقدما فيه جمع حرفي عطف وقد مرّ توجيهه. قوله:) فتفرقكم الخ (إشارة إلى أن الباء للتعدية وأصل تتفزق وهو منصوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 في جواب للنهي. قوله:) وصاكم به) قيل لما كان في الوصية معنى الاهتمام والمحافظة زيادة على معنى الطلب استعيرت للأمر المؤكد والموصى به نفس ما ذكر لا حفظه لما عرفت إن معنى الحفظ ينتظم معنى الوصية، وقيل عليه إن الوصية قد تكون بالإتلاف كبذل المال وذبح القرابين والإعتاق فتأقلى. قوله: (عطف على وصاكم (فيه تسمح أي على جملة ذلكم وصاكم وفيه إشارة إلى أنّ الاسمية التي خبرها فعليه في معنى الفعلية فلذا حسن عطف الفعلية عليها. قوله: (وثم للتراخي في الإخبار الخ (الترتيب الإخباري في نحو بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب ذكره الفراء، وقال ابن عصفور أنه ليس بشيء لأنّ ثم تقتضي تأخير الثاني عن الأوّل بمهلة ولا مهلة بين الإخبارين يعني أنه لا بذ من الرجوع إلى أنها انسلخ عنها معنى الترتيب أو أنه ترتيب رتبي كما يشير إليه قوله أعجب في المثال، وقول المصنف هنا أعظم وعلى هذا فهي لفصل الخطاب الثاني عن الأوّل، وفصل ا! خطاب هو التفاوت الرتبي بعينه فمن قال: لا يبعد أن تكون ثم للإشارة إلى الانتقال من كلام إلى آخر فتكون بمنزلة فصل الخطاب، وكنا كثيرا نسمعه من أهل التدويون فوجدنا أصله هنا والتراخي في الإخبار إنما يكون لو كان ثم آتينا متراخيا في الإنزال لم يأت بشيء من عنده مع أنّ الألفاظ المنقضية تنزل منزلة البعيد كما مرّ في ذلك الكتاب فلا حاجة إلى أنّ التراخي في الإخبار باعتبار توسط جملة لعلكم تتقون بينهما، وأما الترتيب الرتبي فأن يكون الثاني أعظم من الأوّل لأنّ التوراة المشتملة على الأحكام والمنافع الجمة أعظم من هذه الوصية المشهورة على الألسنة فاندفع إنّ إنزال التوراة تقدّم على هذه الوصية القرآنية، وقوله قديماً وحديثا إشارة إلى عدم الترتيب الزماني وان صح التراخي باعتبار ابتدائها كما في سائر الأمور الممتدّة فلا يرد أنّ إنزال التوراة أعلى حالاً من الوصية الواقعة هنا، وفي الكشاف هذه التوصية قديمة لم تزل توصاها كل أمّة على لسان نبيهم. (قبل فيه بحث) لأنّ المراد بالموصى بها إما مطلق بني آدم وخطاب وصاكم لهم أو الكفار المعاصرون له صلى الله عليه وسلم والخطاب لهم لا سبيل إلى الأوّل لأنّ الخطاب السابق واللاحق للمعاصرين كما لا يخفى، ولا إلى الثاني لأنّ الوجه المذكور لصحة عطف الإيتاء على التوصية بثم لا يكون حينئذ مستقيما لأنّ الإيتاء حينئذ قبل التوصية بدهر طويل، فظهر أن حمل، ثم على التراخي الزماني بعيد ولعل المصنف تركه لهذا، وليس بشيء مع التأمّل الصادق. قوله: (للكرامة والنعمة) قيل إشارة إلى أنه في موقع المفعول له وجاز حذف اللام لكونه في معنى إتماما ويحتمل أنه مصدر لقوله آتينا من معناه لأنّ إيتاء الكتاب إتمام للنعمة كأنه قيل أتممنا النعمة إتماما فتمام بمعنى إتمام كنبات في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17، وقوله للكرامة مفعوله أو أصله إيتاء تمام أو هو حال كما سيأتي. قوله: (على من أحسن القيام الخ) هذا محصل ما في الكشاف بلا فرق قال النحرير يريد اًنّ الذي أحسن إقا للجنس أو للعهد والمعهود أما موسى عخي! ففاعل أحسن ضمير موسى صلى الله عليه وسلم ومفعوله محذوف يعود إلى الموصول، وتماما على هذا حال من الكتاب وأما على قراءة أحسن بالرقع فخبر مبتدأ محذوف والذي وصف للدين أو للوجه الذي يكون عليه الكتب وتماماً على الوجهين حال من الكتاب، وعلى الذي في الوجه الأوّل متعلق به، وهو بمعناه المصدري وفي الثاني مستقز حال بعد حال وتماماً بمعنى تافا أي حال كون الكتاب تامّاً كائنا على أحسن ما يكون والأحسنية بالنسبة إلى غير دين الإسلام، وغير ما عليه القرآن لقوله بعده وهذا كتاب الخ وقوله أي زيادة بيان لحاصل المعنى وليس لتضمين الزيادة حتى يتعذى بعلى لأنّ الإتمام يتعذى بها أيضاً نحو وأتممت عليكم. قوله: (ونصبهما يحتمل العلة والحال والمصدر (قيل قوله للكرامة يأبى المصدرية وفيه نظر ثم إنه فسر قوله تفصيلاً بتفصيل ما يحتاج إليه في الدين فقيل إن فيه دلالة على أنه لا اجتهاد في شريعة موسى صلى الله عليه وسلم وقد ورد مثله في صفة القرآن كقوله تعالى في سورة يوسف: {تَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة يوسف، الآية: 11 ا] فلو صح ما ذكره لم يكن في شريعتنا اجتهاد أيضا، وقوله: (لعل بني إسرائيل الم يجوّز عوده على الذي بناء على الجنسية لأنه لا يناسب بربهم يؤمنون. قوله: (كراهة أن تقولوا الخ الما كان هذا بحسب الظاهر لا يصلح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 للعلية لأنزلنا المذكور أوّلوه بتقدير المضاف أو حذف لا كما عرفت في أمثاله كذا قيل، وقيل فيه إنّ العامل فيه أنزلنا مقدراً مدلولأ عليه بنفس أنزلناه ولا جائز أن يعمل فيه أنزلناه الملفوظ به لئلا يلزم الفصل بين العامل، ومعموله بأجنبي وذلك إنّ مبارك إمّا صفة وإما خبر وهو أجنبي على كل من التقديرين والذي منعه هو قول الكسائيّ رحمه الله وقيل لا حاجة إلى التقدير بأن تجعل اللام لام العاقبة وأما كون القول في المستقبل علة لإنزاله باعثا عليه فلا يغني عما ذكر فتأمّل. قوله: (ولعل الاختصاص الخ الا شبهة في أن الزبور معروف مشهورا إلا أنه لا أحكام فيه فأل في الكتاب للعهد ومنه يعلم إنه لا كتاب للمجوس. قوله: (وإنه) كذا قدره الزمخشري، وليس مراده تقدير معمول للمخففة كما صرّج به السفاقسي بل لما بين إنّ أصلها الثقيلة أتى معها بالضمير لأنها لا تكون إلا عاملة فلا يتوهم إنه ذهب إلى أعمال الخفيفة، وكذا من قدرها بانا كنا فلا يرد قول أبي حيان رحمه الله إنّ المخففة من الثقيلة إذا لزمت اللام في أحد جزأيها ووليها الناسخ فهي مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر ثابت ولا محذوف، فهذا مخالف الكلام النحاة وكذا تبعه في المغني والدرّ المصون، ولا حاجة إلى الاعتذار بأنّ الزمخشري لا يسلم ذلك، وقال ابن الحاجب في أماليه إنما لم نحكم بتقدير ضمير الشأن في المخففة المكسورة لما ثبت إعمالها في مثل قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [سورة هود، الآية: 11 ا] فإن قيل فليقدر إذا لم تعمل في نحو إن زيد قائم قيل إنه لو قدّر لوجب امتناع العمل لتعذر أن يكون لها اسمان وتد جاز العمل بإجماع البصريين، وهذا إنما يتم لو قيل بتقديره دائماً ولو ظهر عملها ولا داعي إليه فليقدر إذا لم يظهر عملها، وقوله لا ندري ما هي لأنا أميون أو لأنها ليست بلغتنا، والثقابة بمثلثة وقاف وموحدة النفوذ والحدة، ويروى بالفاء بدل الموحدة من قولهم غلام ثقف لقف أي ذو فطنة وذكاء، والتلقف التلقي بسرعة وقوله حجة واضحة تعرفونها لظهورها وكونها بلسانكم، وقوله بعد أن الخ تقسيم لهم فان منهم العارف ومنهم المتمكن من المعرفة. قوله: (أعرض أو صد (يعني هو إما لازم بمعنى أعرض أو متعد بمعنى صدّه عن الأمر منعه وصد وان ورد لازماً لكن أكثر فيه التعدي، ولذا لم يقيده بمفعول لشهرته، وقوله فضل ناظر إلى التفسير الأوّل وأضل إلى الثاني ووقع في نسخة أو بدل الواو فيهما وهي للتقسم كالكلمة اسم أو فعل أو حرف فهما بمعنى ولا اعترإض عليه كما توهم. قوله: (أي ما ي! ظرون الخ) قيل جعل الاستفهام للإنكار وأنكر الرضي كون هل للاستفهام الإنكاري فالأظهر إنه تقريري (قلت) الرضي بعد ما ذكر إنها لا تكون للإنكار قال: إنها تكون للتقرير في الإثبات كقوله هل ثوّب الكفار أي لم يثوّبوا وافادتها فائدة النافي حتى جاز أن يجيء بعدها إلا وهو مراد المصنف رحمه الله إلا أنه لما اقتضى وقوعه أشار بقوله شبهوا بالمنتظرين إلى أنه فرضي وهو دقيق فالانتظار استعارة وليس على كل أحد أن يقلد الرضي، وقد صرّج في المغني بأنّ هل تكون للإنكار. قوله: (أي أمره بالعذاب الخ) وتفسير. بكل الآيات ليقابله بعضها قيل، ولو حمل على حقيقته لابتنائه على اعتقاد الكفرة، كقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ} اسورة البقرة، الآية: 215] لم يبعد والحق أنه بعيد بل باطل لأنّ في قوله إنا منتظرون تقريراً وتجويزاً كما أفاده بعض الفضلاء. قوله: (وعن حذيفة الخ) (1) إنما هو معروف من حديث حذيفة بن أسد كما في صحيح مسلم، كذا قاله العراقي، وجزيرة العرب بلادهم وهي كما قال أبو عبيد: صقع من الأرض ما بين خرق أبي موسى الأشعري رضي الله عنه إلى أقصى اليمن في الطول وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة في العرض، قال الأزهري: سميت جزيرة لأنّ بحر فارس وبحر السودان أحاط بجانبينا وأحاط بجانب الشمال دجلة والفرات وسياتي تفسير الدخان والنار المذكورة بأن تطرد الناس إلى محشرهم وقيل غير ذلك. قوله: (يوم يأتي بعض آيات ربك الخ) قال خاتمة المفسرين وتبعه غيره يعني الآية المذكورة في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً لىلمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في للمانها خبرا طلوع الشمس من منربها والدجال ودابة الآرض ") 1) وفي الصحيحين: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً لىلمانها " (2 (ثم قرأ الآية فبعد هذا التعيين منه صلى الله عليه وسلم للمراد من الآية في القرآن كيف تفسر بغير ما عينه كيف، ونزول عيسى صلى الله عليه وسلم الدعوة الخلق إلى دين الحق بعد خروج الدجال له، قيل فيجوز أن يكون عدم القبول ممن عاين الخروج لا من كل أحد مطلقا كما قالوا نظيره في طلوع الشمس من مغربها (أقول) هذا مسبوق إليه وسيأتي تفصيله وقال القاضي عياض رحمه الله الحكمة في هذا إنه أوّل ابتداء قيام الساعة يتغير العالم العلوي، فإذا شوهد حصل العلم الضروري بالمعاينة وارتفع الإيمان بالغيب فهو كالإيمان عند الغرغرة، وهذا معنى قول المصنف رحمه الله كالمحتضر إذا صار الأمر عيانا وليس المراد تفسير بعض الآيات بما يشاهده المحتضر من الملائكة فهو تنظير وتمثيل له، ويحتمل أن يريد التعميم لما يشمل المذكور وغيره ففيه إشارة خفية إلى تفسير بعض الآيات الثاني بما يصير به الأمر عيانا وذلك إنما يكون بطلوع الشمس من مغربها كمشاهدة ملائكة الموت وفسره فيما مضى بالإشراط مطلقا، وقولهم المعرفة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأولى ليس على إطلاقه بل إذا كان الظاهر الإضمار وعدل عنه إلى الإظهار قد يقتضي ذلك تغايرهما كما في شرح التلخيص، وعدل عن تفسير الزمخشري هنا له بالإشراط لمخالفته الأحاديث الصحيحة وما عليه لمحققون، وكذا ما قيل لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض، فقد قال ابن حجر رحمه الله تعالى: إنّ فيه نظرا لأن خروج عيسى صلى الله عليه وسلم بعد خروج الدجال، وهو يقبل الإيمان إلا أن يقال إنها كلها في يوم واحد ونصوص الأحاديث ناطقة بخلافه ومن غفل عن إنّ هذا الحديث معارض! لما هو أصح منه تثبث به هنا فالحق إنه يجب أن يكون المراد ببعض الآيات التي لا ينفع الإيمان بعدها طلوع الشمس من مغربها كما هو الموافق للأحاديث الواردة في عدم قبول التوبة، فقول المصنف رحمه الله تعالى يعني إشراط الساعة تفسير للآيات أو نقول المراد ببعض الآيات في قوله يوم يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس من مغربها لا مطلق الإشراط، وفي الزواجر مقتضى الأحاديث إنه لا يقبل بعد ذلك أبداً لكن الظاهر قبول ما وقع بعد ذلك من غير تقصير كمن جن، وأفاق بعد ذلك أو أسلم بتبعية أبويه وسيأتي ما يؤيده. تنبيه: روى العراقي في شرح التقريب لفظ حديث صحيح اتفق عليه الشيخ، وبعض أصحاب السنن لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك معنى قول الله لا ينفع نفسا إيمانها وهو يدل على أنّ عدم قبول الإيمان والتوبة مخصوص بطلوع الشمس من مغربها ويخالفه ما في مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عته مرفوعا: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساًللمانها طلوع الشمس من منربها والدجال ودابة الأرض " (9 (، وفي رواية: " إحدى ثلاث " وفي بعضها: " يأجوج ومأجوج " وهذا يعارض الأحاديث الأولى المعينة لطلوع الشمس من مغربها وهي الصحيحة رواية ودراية وعليها المفسرون والمحذثون قال وفي ثبوت ذلك بخروج الدجال إشكال فإنّ نزول عيسى صلى الله عليه وسلم بعده وفي زمنه خير كنير دنيوي، وأخروي والظاهر قبول التوبة وهو المصرح به قال ابن عطية رحمه الله: ويؤيده منع الغرغرة من القبول وإذا أخبر النبيّ جم! رو بتخصيص مانع القبول بالطلوع في الحديث الصحيح لم يجز العدول عنه وتعين إنه معنى الآية فلا ينفع إيمان كافر ولا توبة عاص فيبقى كل أحد على الحال التي هو عليها وسببه إنه إذا شوهد تغير العالم العلوي يحصل الإيمان الضروري وهم مكلفون بالإيمان بالغيب، وقال البلقيني رحمه الله: إنه إذا تراخى الحال بعد طلوعها وطال العهد حتى نسي قبل الإيمان والتوبة لزوال الآية الملجئة، وقال العراقي وحمه الله: فيه نظر لأن الظاهر إنه لا يطول العهد حتى ينسى ولا دليل له فيما اذعاه اهـ (أقول) ما اعترض به على البلقيني غير متجه لما رواه القرطبي رحمه الله تعالى في تذكرته عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إن الناس يبقون بعد طلوع الشمس من منربها مائة وعشرين سنة " (2 (ونقله الحافظ ابن حجر في شرح البخاري وقال إنه نص في ردّ ما قالوه، وفي سوق العروس لابن الجوزي أن الشمس تطلع من مغربها ثلاثة أيام بلياليها ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 يقال لها ارجعي من مطلعك فتلخص من هذا إنّ الآية المانعة من قبول الإيمان والتوبة إنما هي طلوع الشمس من مغربها، وهو الصحيح عند المفسرين والمحذثين والأحاديث الأخر غير منافية لها أمّا من جعلها عدة آيات فهي آخرها المتحقق بها ذلك، وأما كونها إحدى آيات فهي محمولة على المعينة في الحديث لأنها أعظمها وإنما أخفاها الله كما أخفى علم الساعة حثا لهم على تقديم التوبة كما أخفى ساعة الإجابة وليلة القدر، وأما كون التوبة تقيل بعدها إذا تراخى العهد فهو حق كما قبل إيمان أبوى النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الغرغرة، ومشاهدة أهوال البرزخ وإن توقف فيه بعض مشايخنا وإنما ذكرنا هذا مع طوله لأنه من أنفس الذخائر التي يجب حفظها في كنوز الدفاتر. قوله: (والإيمان برهانئ) أي عيني ليعمّ التقليد وقرينة المجاز مقابلته بالعياني، وعبر عنه بالبرهاني لأنّ حقه أن يكون كذلك واعلم أنّ الآيات المذكورة منها ما هو موجود كالدجال والدابة والخسف والنار، ومنها ما هو ممكن غير خارق للعادة فعلم وجه اختصاصها بطلوع الشمس من مغربها فاعرفه. قوله: (وقرئ تنفع بالتاء الخ) قال اً هل العربية المضاف يكتسب من المضاف إليه أمورا منها التذكير والتأنيث لكن في المغني شرط هذه المسألة صلاحية المضاف للاستغناء عنه، ومن تمت ردّ ابن مالك رحمه الله في التوضيح قول أبي الفتح بن جني في توجيه قراءة أبي العالية لا تنفع نفسا إيمانها بتأنيث الفعل إنه من باب قطعت بعض أصابعه لأنّ المضاف لو سقط هنا لقيل نفسا لا تنفع بتقديم المفعول ليرجع إليه الضمير المستتر المرفوع الذي ناب عن الإيمان في الفاعلية، ويلزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره نحو زيداً ظلم تريد أنه ظلم نفسه وذلك لا يجوز اهـ. (أقول) هذا عجيب منه فإنه أخذ الضاز من كلامه وترك النافع منه فإنه قال بعد هذا وقد يصحح قول ابن جني بأن يجعل لسريان التأنيث من المضاف إليه إلى المضاف سبب آخر وهو كون المضاف شبيهاً بما يستغنى عنه، فالإيمان وان لم يستغن عنه في لا ينفع نفسا إيمانها يستغنى عنه في سرتني إيمان الجارية فيسري التأنيث إليه لوجود الشبه كما يسري إليه بصحة الاسنغناء عنه، ويؤيده قول ابن عباس رضي الله عنهما: اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم فسرى تأنيث البطون والقلوب إلى الشحم والفقه مع أنهما لا يستغنى عنهما بما أضيف إليهما لكنهما شبيهان بما يستغنى عنه في نحوأعجبتني شحم بطون الغنم، ونفعت الرجال فقه قلوبهم وقد يكون تأنيث كثيرة وقليلة بتأويل كتاويل الشحم بالشحوم والفقه بالفهوم، اهـ فالمراد بالاستغناء الاستغناء حقيقة أو حكما مع أنه على تقدير السقوط لا يلزم إجراء أحكام السقوط بالفعل، كما مرّ في أنّ المبدل منه قد يكون ضميرا رابطا وأمّا قول النحرير: إنهم عنوا بالبعض ما يكون أعمّ من أجزاء الذات وصفاتها القائمة بها، فكأنه عنى هذا وإلا فلا يخفى ما فيه وقال أبو حيان: إنه أنث بتأويل الإيمان بالعقيدة والمعرفة مثل جاءته كتابي فاحتقرها على معنى الصحيفة وتبعه من قال: أريد بالإيمان المعرفة، ويرشدك إليه قراءة لا تنفع بالتاء وبكسب الخير الإذعان والقبول، ونحن معاشر أهل السنة نقول بموجبه من أنّ الإيمان النافع مجموع الأمرين فلا حجة فيه للمخالف لأنّ مبناه على حمل الإيمان على المعنى الاصطلاحي المخترع بعد نزول القرآن، وتخصيص الخير بما يكون بالجوارح، وكل منهما خلاف الأصل، وفيه نظر. قوله: (وهو دليل الخ) قالت المعتزلة: الآية دالة على عدم الفرق بين النفس الكافرة إذا آمنت عند ظهور أشراط الساعة، وبين النفس التي آمنت من قبلها، ولم تكسب خيرا يعني إنّ مجزد الإيمان بدون العمل لا ينفع والاعتراض بأنّ أحد الأمرين في سياق النفي يفيد العموم كالنكرة على ما ذكر في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 24] فعدم النفع يكون للنفس التي لم يكن منها الإيمان ولا كسب الخير مدفوع بأنه لا يستقيم هنا لأنه إذا انتفى الإيمان انتفى كسب الخير في الإيمان، والحاصل أنّ أو إذا وردت في النفي فهو لنفي أحد الأمرين فإن اعتبر عطف أحد الأمرين على الاخر ثم سلط النفي عليه يفيد شمول العدم عند الإطلاق إلا إذا قامت قرينة حالية اً ومقالية على أنه لا يقاع أحد المعينين فحينئذ يفيد الشمول كما في هذه الآية لأنّ اشتراط أحد الأمرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 إنما يحسن إذا تحقق كل منهما بدون الآخر، ولأنه إذا انتفى الإيمان انتفى كسب الخير في الإيمان بالضرورة فيكون ذكره لغواً من الكلام، أو يؤوّل بأنّ المراد أنهما معا شرطان في النفع والعدول إلى هذه العبارة لتفيد المبالغة في أنهما سيان وإنما يستحسن إذا كان الأوّل أعرف بالشرطية كالإيمان والكسب في هذه الآية ومنه علم الجواب عن الأؤل، وقد أجيب عن اللغوية بأنه لما كان النفع مشروطا بأحد الأمرين سبق الإيمان أو الكسب المذكور، وان كان تحقق أحدهما مستلزما للآخر ظهر وجه عدم الإيمان لنفس خلت عنهما ولا يضر بالمقصود كون الخلوّ عن سبق الإيمان مستلزما للخلوّ عن الكسب لأن غرضنا بيان عدم نفع إيمان نفس خلت عنهما وهذا حق بسبب اشتراط النفع بأحدهما فلا يضرّنا كون الخلو عن واحد مستلزماً للخلو عن الآخر، ولا حاجة إلى ما تكلف في الاشتراط بأحد الأمرين من أنه يجب اعتبار العمل الصالح سابقاً بأن يقال النافع هو العمل الصالح في الإيمان فإن لم يوجد فالإيمان ولا يجوز أن يقال النافع هو الإيمان فإن لم يوجد فالعمل الصالح في الإيمان لأنّ الإيمان إذا انتفى انتقى العمل الصالح عنه بالضرورة وقال بعض المحققين لا يخفى إنّ استدلال المعتزلة لا يخلو عن قوّة، وقد أجاب عنه أهل السنة تارة بأنّ المراد بالخير الإخلاص وبالإيمان ظاهره من القول والعمل وفيه بعد، وتارة بأنّ الآية من اللف التقديري أي لا ينفع نفساً إيمانها وكسبها الخير في الإيمان فتتوافق الآيات والأحاديث الشاهدة بأنّ مجرّد الإيمان نافع ويلائم مقصود الآية وهو تحسير الذين أخلفوا ما وعدوا من الرسوخ في الهداية عند إنزال الكتاب حيث كذبوا وصدفوا عنه وفيه إنه ذكر في الخلاصة وغيرها إن توبة اليأس مقبولة وان لم يكن إيمانه مفبولاً، لكن وقع في جامع المضمرات خلافه. (قلت) هو الصحيح الوارد في الأحاديث الصحيحة كما مرّ ثم قال والأظهر في الجواب أن يقال المراد بالنفع كما له أي الوصول إلى رفيع الدرجات والخلاص عن الدركات بالكلية، ويرد على المعتزلة أنّ الخير نكرة في سياق النفي فيعمّ ويلزم أن يكون نفع الإيمان لمجرّد الخير ولو واحداً وليس كذلك فإنّ جميع الأعمال الصالحة داخلة في الخير عندهم وهو لا يرد على المصنف رحمه الله لأنه ناقل لكلامهم. قوله: (وللمعتبر تخصيص هذا الحكم بذلك اليوم) أي لتخصيصه بالذكر ولتقديمه فعدم اعتبار الإيمان المجرّد عن العمل مخصوص بمن أدرك ذلك اليوم بغير عمل فلا تثبت الآية مدعاكم وهو جواب جدلي لا يخفى ضعفه وإلا فالإيمان المتقدّم على ذلك نافع مطلقأ عندنا، وقوله حمل الترديد الخ محصله كما مرّ عموم النفي لا نفي العموم. نوله: (والعطف على لم يكن الخ) وأو على هذا بمعنى الواو، وإذا لم ينفع الإيمان الحادث من غير تقدّم مع كسب الخير فعدم نفعه بدونه بطريق الأولى واليه أشار بقوله وإن كسبت فيه خيرا كذا قيل فعليه إن بكسر الهمزة وصلية وقيل إنها بالفتح مصدرية والأوّل أولى. قوله:) فآمنوا ببعض وكفروا ببعض) قيل هذا لا يلائم قوله وكانوا شيعا إلا أن يجعل صفة أخرى، ووصف الأمم السالفة بأنها في الهاوية إلا فرقة يعني قبل نسخ دينهم، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذقي وصححه وابن ماجه وابن حبان وصححه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه (1 (. قوله: (من السؤال الخ) منهم حال لأنه صفة نكرة قدمت عليها، وفسره بليس عليك شيء من السؤال الخ أو من عقابهم أو أنه بريء منهم أو أمره بتركهم، وكله ظاهر. قوله: (أي عشر حسنات أمثالها) ولما كان المثل مذكراً كان الظاهر عشرة فأجيب بأنّ المعدود محذوف أقيمت صفته مقامه وقيل إنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه، وقوله أقل ما وعد الخ مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وقوله من الله لا بطريق الوجوب عليه تعالى فهو قيد لأصل الإثابة وزيادتها وقضية للعدل تعليل للجزاء، وكونه بالمثال ولو زيد أيضاً لم يخرج عن العدل على مذهبنا. قوله: (بنقص! الثواب ورّيادة العقاب) أي ليس نقص الثواب، وزيادة العقاب ظلما لأنّ له تعالى أن يعذب المطيع ويعفو عن المسيء إذ لا إيجاب عندنا فليس هذا مذهب المعتزلة، وقيل الظلم بمعناه اللغوي وفيه نظر. قوله: (بدل الخ (ما ذكره في إعرابه ظاهر، والمضمر إما هداني أو نحوه كأعطاني وعرّفني لأنّ الهداية تستلزم المعرفة. قوله: (وهو أبلع من المستقيم الخ) في نسخة من القائم، والزنة الهيئة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 والصيغة مجموع المادّة والهيئة، وكونه أبلغ لدلالته على الثبوت دون الحدوث، وأبلغية المستقيم باعتبار زيادة الحروف، وفيه ما مرّ الكلام فيه في الرحمن الرحيم، وقيل لأنّ السين للطلب فيفيد طلب القيام واقتضاءه والقيم الثابت المقوّم لأمر المعاس والمعاد والظاهر أنّ المستقيم هنا من استقام الأمر بمعنى ثبت والا فلو اختلف معناهما لا يتأتى ما ذكره المصنف، وقوله: (فاعل لإعلال فعله (وهو قام كما في نحو عياذ فقيم مصدر كالصغر والكبر، وفعله قام يقوم فأعلوه لإعلال فعله ولولا ذلك لصح كعوض، وحول لأنهم لم يجروه يعني لم يقع على بناء يشبه بناء الفعل حتى يعل بالحمل عليه لأنّ أصل الإعلال للأفعال ويعل من الأسماء ما شابهها وزنا لكنه مصدر تبع فعله في الإعلال كما هو القياس كما فصل في المفصل وشروحه وجعلت الملة عطف بيان لتوضيحه، وهذا بناء على جواز تخالفهما تعريفا وتنكيراً كما في المغني أو منصوب بتقدير أعني. قوله: (حتيفاً حأل) قال النحرير: حنيفا حال من المضاف إليه للإطباق على جواز كذلك إذا كان المضاف جزءاً من المضاف إليه أو بمنزلة الجزء حيث يصح قيامه مقامه نحو اتبعوا إبراهيم إذا اتبعوا ملته ورأيت هنداً إذا رأيت وجهها بخلاف رأيت غلام هند قائمة، واختلفوا في عامل مثل هذه الحال فقيل معنى الإضافة لما فيه من معنى الفعل المشعر به حرف الجز كأنه قيل ملة نسبت لإبراهيم حنيفاً والصحيح إنّ عاملها عامل المضاف لما بينهما من الاتحاد بالوجه المذكور وأمّا مثل أعجبني ضرب زيد راكبا فلا كلام في جوازه وكون عامله هو المضاف نفسه اهـ، وأورد عليه أنه إذا كان العامل معنى الإضافة بتلك الطريق فلا معنى لتخصيص، ذلك بما إذا كان المضاف جزءا أو كجزء، فيلزم تجويزها من كل مضاف إليه، وهو باطل ولك أن تقول النسبة خصوصا غير التامّة عامل ضعيف فلما كانت نسبة الجزء، وشبهه أقوى من غيرها خصت بالعمل فهذا قياس مع الفارق، ومثله يكفي في العلل النحوية. قوله: (وما أنا عليه الخ) يريد أنّ المحعى والممات، أريد بهما مجازاً ما يقارنهما ويكون معهما من الإيمان والعمل الصالح لأنه المناسب لوصفه بالخلوص لله. قوله: (وقرأ نافع الخ) وفيها الجمع بين ساكنين، ولذا طعن بعضهم إنه رجع عن هذه القراءة حتى قال أبو شامة رحمه الله لا يحل نقلها عنه، وفي رواية إنه كسر الياء كقراءة حمزة وصرّج بالكسر وستأتي، وقرأ الجحدري محي بقلب الألف ياء وهي لغة هذيل. (أقول) ما قاله أبو شامة مردود فإنّ هذه القراءة ثابتة عنه، وقوله في التيسير الياء موقوفة ولم يقل ساكنة إشارة إلى توجيه هذه القراءة بأنه نوى فيها الوقف فلذا جاز فيها التقاء الساكنين وبها قرأ مشايخنا. قوله: (خالصة) يحتمل أنه بيان لمتعلق خاص أو لمعنى اللام أو لحاصل الكلام لأنّ لله ولوجه إلله يدلّ على ذلك، وقوله: (لا أشرك فيه غيرا) بيان له بحسب المقام، وقوله وبذلك القول فيكون أمره بقل المذكور لا بقول آخر وعلى الثاني يحتمل إنه أمر آخر. وقوله: لآن إسلام كل نبي متقدّم على إسلام أمّته واليه الإشارة بقوله في الحديث: " أوّل ما خلق الله نوري " (1) . قوله: (فأشركه في عبادته الخ) قيل تقديم غير الله لا يصح أن يكون للاختصاص لأنه حينئذ ليس إشراكا للغير بل توحيد، فنبه بقوله فأشركه على أنّ التقديم ليس للاختصاص بل لأنّ الإنكار ليس في بغية الرب بل في بغية الغير، ولا يبعد أن يقال ذكر في رذ دعوته إلى الغير رذ الاختصاص تنبيهاً على أنّ إشراك الغير ينافي بغية الله إذ لا بغية له إلا بتوحيده ثم إنّ نفي البغية والطلب أيضاً أبلغ في نفي العبادة، وقال العلامة: أغير الله أبغي ربا جواب لأن التقديم فيه لحصر إنكار الربوبية في غير الله وكل حصر فيه جوأب عما أخطأ فيه السامع، ولهذا قال ولا تكسب كل نفس إلا عليها الخ جواب وفي الكشف الاختصاص نشأ من التقديم أو من أداة الحصر، وهو يقتضي سوق الكلام مع منكر وهو دقيق يحتاج إلى تأنل. قوله: (فلا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه) جعله من حملة الجواب عن دعائهم إلى عبادة ا-لهتهم يعني لو أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه لم أكن معذوراً بأنكم سبقتموني إليه، وقد فعلته متابعة لكم ومطاوعة فلا يفيدني ذلك شيئا ولا ينجيني من الله لأنّ كسب كل أحد وعمله عائد إليه، ولا يرد أنّ الكسب وان قارن على بمعنى المنفقة لمقابلته لقوله ولا تزو الخ إذ هو للمضرة فالمعنى ولا تكسب كل نفس منفعة إلا أن تكون تلك المنفعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 محمولة عليها لا على غيرها فالمنفعة التي تزعمونها في اتخاذ غير الله إلها لا تنفعني كما توهم، وغير المصنف جعله جوابا لقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [سورة العنكبوت، الآية: 2 ا] لأنّ ما كسبته كل نفس من الخطايا محمول عليها لا على غيرها وقوله ولا تزر وازرة تأكيد له لكن المصنف رحمه الله رأى التأسيس أولى ففسره به. قوله: (على أنّ الخطاب للمؤمنين) أو لأمّة الدعوة، وقوله: (لأنّ ما هو آت قريب) بيان لأنه أريد به عقاب الآخرة ولو أريد به عقاب الدنيا لم يحتج إليه أي الموعود سريع الوصول، فإنّ سرعة العقاب تستدعي سرعة إنجاز الوعد. قوله: (وصف العقاب الخ) يعني جعل الخبر في الأولى سريع الذي هو صفة العقاب ولم يجعل العقاب نفسه صفة له بأن يقول إنّ ربك معاقب، كما قال: غفور رحيم دمان كان حمل صفة العقاب حملاً له في المعنى ومعنى كونه غفوراً بالذات أنّ مغفرته ورحمته لا تتوقف على شيء كما في الحديث القدسي: " سبقت رحمتي غضبي " (1 (وعقابه لا يكون إلا بعد ما صدر من العبد ذنب يستحق به ذلك، وهو معنى كونه بالعرض. قوله: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علئ سورة الأنعام جملة واحدة الخ) (1) قال ابن حجر رحمه الله: هذا الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية، وفي رجاله ضعف، وقال غيره: إنه موضوع وسئلى عنه النوويّ رحمه الله تعالى فقال أنه لم يثبت، وأما قوله فمن قرأ الخ فمن الحديث الموضوع الذي أسندو. إلى أبيّ بن كعب في فضائل السورة كما غللرخاتمة الحفاظ السيوقي رحمه الله وزجل بالزاي المعجمة والجيم واللام بمعنى صوت بالتسبيح والتحميد لأنّ السورة أنزلت لبيان التوحيد مفصلا لكن قوله في الحديث جملة واحدة ينافيه قوله في أوّل السورة إنها مكية غير ست آيات أو ثلاث آيات من قوله، قل تعالوا الخ وما سيجيء من قوله في آخر سورة براءة ما نزل القرآن عليّ إلا آية آية وحرفاً حرفا ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد، ولا يقال لعل سورة الأنعام لم تنزل إلا بعد ما قال ذلك الحديث لأنا نقول سورة براءة مدنية وسورة الأنعام مكية وكونها نزلت مرّتين بالمدينة ومكة دفعة وتدريجا خلاف الظاهر، وكذا الجمع بين الحديثين بتقييد كل منهما بقيد حتى لا ينافي الآخر اللهمّ كما يسرت لنا إتمام التشرّف بسورة الأنعام يسر لنا الإتمام وأجر ما عوّدتنا من بدائع الأنعام، في مطلع كل ابتداء ومقطع كل اختتام، وأهدمنا لنبيك محمد جمتن أفضل صلاة وسلام، ومثل ذلك لا له وصحبه الكرام على مدى الليالي والأيام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. سورة الأعراف بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية الخ) قال الداني رحمه الله في كتاب البيان لعدد آي القرآن قال مجاهد وقتادة هي مكية إلا قوله، واسألهم عن القرية الآية فإنها نزلت بالمدينة وكلماتها ثلاثة آلاف وثلثمائة وخمس وعشرون كلمة وحروفها أربعة عشر ألفاً وثلثمائة وعشرة أحرف وهي مائتان وخمس آيات في البصريّ، والشاميّ وست في المدنيّ والكوفيّ. قوله: (المص سبق الكلام في مثله) وبيان ما فيه وبيان إعرابه وعدمه فلا حاجة إلى إعادته هنا، وقوله في إعراب كتاب خبر مبتدأ محذوف الخ مبني الأوّل على المختار من كون ألفاظ التهجمي على نمط التعديد فإذا كان المص اسم السورة فظاهر أنه المبتدأ ثم ضمير هو عائد إلى المؤلف من الحروف أو إلى السورة باعتبار حضورها في العلم، والتذكير باعتبار الخبر ولو جعل المقدر اسم إشارة موافقا لقوله الم ذلك الكتاب لم يبعد وكان ميله إلى الثاني ولذا حمل الكتاب على السورة والا فالكلام على أسلوب قوله تعالى ذلك الكتاب وقد حمله على الكتاب الصالح للهداية والإنذار والتذكير مع أنّ مثل هذه الكلمات لو جعل للبعض الذي هو السورة كان أبلغ فكأنه بنى التفرقة على التعريف والتنكير، وإنما لم يجعل كتاب أنزل مبتدأ أو خبراً على معنى كتاب وأي كتاب لكونه خلاف الأصل وشيوع حذف المبتدأ كذا أفاده النحرير: وكلام المصنف رحمه الله موافق للزمخشريّ في بعض ما ذكره. قوله: (أنزل إليك صفتة) فإن كان القرآن عبارة عن القدر المشترك بين الكل والجزء فالتوصيف بالماضي ظاهر، وان كان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 المجموع فلتحققه جعل كالماضي، وإذا أريد السورة فالكتاب إن أطلق على البعض، كما في قولهم ثبت بالكتاب فواضح والا فهو مبالغة لحمل الكل عليه بادعاء أنه لاستجماعه كمالاته كأنه هو. قوله: (أي شك فإن الشاك حرج الصدر الخ) في الكشاف سمي الشك حرجاً لأنّ الشاك ضيق الصدر حرجه كما أنّ المتيقن منشرح الصدر منفسحه، قال ابن المنير رحمه الله يشهد له قوله: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 147] وقال النحرير الظاهر أنه مجاز علاقته اللزوم والقرينة المانعة هو امتناع حقيقة الحرج والضيق من الكتاب وان جوّزتها فهو كناية (قلت) في الأساس ضاق المكان وتضايق ومن المجاز وقع في مضيق من أمره، وضاق عليه صدره فلا وجه للتردّد في كونه مجازاً لكته شاع في ذلك، وصار حقيقة عرفية فيه، وحينئذ فمان نظر إلى المتبادر كان مجازاً لأنّ الكتاب لا يحصل منه في نفسه ضيق صدر وان قطع النظر عن ذلك ولوحظ أنه يضيق الصدر منه باعتبار عوراضه كان كناية عن الثك، وليس المراد أنه ممن يصدر الشك منه كما سيأتي تحقيقه في تقرير النهي. قوله: (أو ضيق قلب من تبلينه (فضيق الصدر على حقيقته لكن في الكلام مضاف مقدّر كخوف عدم القبول والتكذيب كما في قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [سورة هود، الآية: 2 ا] قيل منع في الكشف كون الحرج كناية عن الخوف لأنّ ضيق الصدر من الأذى مستفاد من الخوف لا أنّ الخوف من الأذى، كأنه يريد تسليم صحة الحقيقة ومغ صحة الكناية لاستدعاء المعنى كون الخوف من الأذى، وليس فليس ولك أن تمنع فساده فإنه قد يوقع الخوف على سبب المكروه لا عليه كما تقول أخاف من مجيئي إليك لمن أوعدك بالضرب فإن أوّلته بما اً ناله من قبل المجيء، أو مما يفضي إليه فكذا في الآية إذ التأويل ليس أولى من التأويل، ثم على تقدير كون الحرج حقيقة كما في الوجه الثاني تكون الجملة كناية عن عدم المبالاة لإعداء كما في الكشاف وكلام المصنف رحمه الله خليّ عنه فتأمّله. قوله: (وتوجيه النهي إليه للمبالغة) قيل توجيه النهي عن الشيء، وهو مما يوهم إمكان صدور المنهيّ عنه من المنهي إمّا للمبالغة في النهي فإن وقوع الشك في صدره-جير سبب لاتصافه به، والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني ونفي له عن أصله بالمرّة، كقوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [سورة المائدة، الآية: 2] وليس هذا من قبيل لا أرينك هاهنا فإنّ النهي هناك وارد على المسبب مراد به النهي عن السبب فالمآل نهيه عما يورث الحرج، اهـ وما ذكره المصنف رحمه الله إشارة إلى ما في الكشاف وتقريره، كما قيل إنّ قوله تعالى: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} نهي للحرج عن الكون في الصدر والحرج مما لا ينهي، فأجاب بأنّ المراد نهي المخاطب عن التعرّض للحرج بطريق الكنابة كما في قوله لا أرينك هاهنا، فإنه نهي المتكلم عن رؤية المخاطب والمراد نهي المخاطب أي لا تكونن هاهنا فإنّ رؤيتي إياك مستلزمة لكونك هاهنا فعدم كونك هاهنا مستلزم لعدم رؤيتي إياك فأطلق اللازم وهو عدم الرؤية وأراد الملزوم، وهو عدم الكون هاهنا فكذا في الآية عدم كون الحرج في صدره من لوازم عدم كونه متعرّضا للحرج، فإطلاق نهي الحرج على نهيه عنه كناية ومثله في الأمر وليجدوا فيكم غلظة ظاهره أمر المشركين، والمعنى على أنه أمر المؤمنين بأن يغلظوا على المشركيت ففي قوله فلا يكن في صدرك حرج كناية مترتبة على كناية، وقيل عليه الظاهر أنه مجاز لا كناية لأنّ الكناية لا تنافي الحقيقة، وهو الفارق بينها وبين المجاز وهنا يمتنع إرادة حقيقة نهي الإنسان نفسه نعم يجوز جعل كون الحرج في الصدر كناية عن كونه حرج الصدر فلك أن تعتبره كذلك، ثم تسلط النهي عليه فيحتمل أنهم أرادوا ذلك وسموا النهي أيضاً كناية تبعاً. (أقول) استعمال الملزوم، وإرادة اللازم والتصرف هنا لا يخلو إمّا أن يكون في النهي، أو المنهي أو المنهى عته، وليس المراد الأوّل لأنّ النهي باق بحاله لم يتجوّز فيه، ولم يكن به عن شيء إذ معنى لا أرينك لا تحضر ومعنى الآية لا تحم حول حمى الحرج وكذا المنهي، وهو المخاطب والحرج لم يقصد به شيء آخر يتعلق به النهي فتعين أنّ المراد المنهيّ عنه، وهو رؤيته له إذ كني بها عن حضوره لاستلزام أحدهما للأخر وكذا كونه حرجا كني به عن تعاطي ما يؤدّي إليه، والمعنى الحقيقي هنا تجوز إرادته قبل دخول النهي قطعاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 إذ لو قيل أنت حرج أو لا أراك صح بل هو مراد فلذا ذهب عامّة الشراح، وغيرهم إلى أنه كناية نعم بعد دخول النهي لا يصح إرادته فلذا جوّز فيه النحرير: أن يكون مجازا لأن النهي سواء كان طلب الترك، أو الكف لم يقصد من الإنسان لنفسه ولا من الحرج لأنه لا يعقل حتى ينهي فالمعترض أوّلاً إن أراد الفرق بين ما نحن فيه والمثال باعتبار أنّ المراد في أحدهما النهي عن السبب، والمراد المسبب، وفي الآخر بالعكس فلا ضير فيه، ولذا عبر العلامة باللزوم دون السببية وان أراد أنه ليس من الكناية أصلا فباطل وكذا إنكار الآخر للكناية لما عرفت نعم قوله وسموا النهي أيضا كناية تبعا أجاد فيه لكونه قرب من المراد مرّة وبعد عنه أخرى، ومثله: {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 102] كما مر فتدبر وفي الكشاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له، فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم يعني أنّ الحرج في هذا الوجه، وان كان على حقيقته، فالجملة مجاز أو كناية عن عدم المبالاة بالإعداء فتوهم بعضهم أنها فائدة أهملها المصنف رحمه الله وليس كما توهموا، فإنّ قوله مخافة أن تكذب فيه صريح في عدم المبالاة بهم. قوله: (والفاء تحتمل العطف والجواب الخ) في العطف قيل إنه معطوف على مقدر أي بلغه (فلا يكن في صدرك) الخ وقيل إنه معطوف على ما قبله بتأويل الخبر بالإنشاء، أو عكسه أي تحقق إنزاله من الله إليك أو لا ينبغي لك الحرج والفراء قال: إنّ الفاء اعتراضية لا عاطفة ولا يختص كونها للجواب بتعلق لتنذر بأنزل كما يوهمه قوله إذا أنزل إليك لتنذر* قوله: (متعلق بأنزل الخ) ذكر في متعلق اللام وجوها أحدها تعلقه بأنزل، وهو قول الفراء قال اللام في لتنذر منظوم مع قوله أنزل على التقديم، والتأخير على تقدير كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في الخ قال المعرب: فجملة النهي معترضة بين العلة، ومعلولها وهو الذي عناه الفراء بقوله على التقديم والتأخير، وهذا مما ينبغي التنبه له فإنّ المتقدمين يجعلون الاعتراض على التقديم والتأخير لتخلله بين كلام واحد وليس مرادهم أنّ في الكلام قلبا كما سنبينه في أوّل الكهف، والثاني أنها متعلقة بمتعلق الخبر أي لا يكن الحرج مستقرّاً في صدرك لأجل الإنذار كذا قاله ابن الأنباري، الثالث أنها متعلقة بالكون وهو مسلك غير ابن الأنباري، وقول الزمخشري: إنه متعلق بالنهي قيل ظاهره أنه متعلق بفعل النهي وهو الكون بناء على جواز تعلق الجارّ بكان وهو الصحيح ويحتمل أنه يريد بما تضمنه معنى النهي كما قيل، وقال النحرير: إنه معمول للطلب أو المطلوب أعني انتفاء الحرج وهذا أظهر لا للمنهى عنه أي الفعل الداخل عليه النهي لفساد المعنى، وقيل عليه إنه متعاق بأنزل أو بلا يكن على الثاني لكونه علة للمطلوب لا للطلب لأنه بدون الامتثال لا يوجب التمكن من الإنذار ولا للمنهتي، لفساد المعنى قيل، ويجوز ذلك على معنى أنّ الحرج للإنذار والضيق له لا ينبغي أن يكون ولا يخفى أنّ كلمة منه تخدشه وفيه تأمّل، ثم وجه توسيط المفرّع بين العلة والمعلل إذا تعلق بأنزل أما على أوّل تفسيري الحرج فظاهر لترتبه على نفس الإنزال لا على الإنزال للإنذار، وأما على ثانيهما فهو الاهتمام به مع ما فيه من الإشارة إلى كفاية واحد من الإنزال والإنذار في نفي الحرج أما كفاية الثاني فظاهرة وأما كفاية الأوّل فلأنّ كون الكتاب المؤلف من جنس هذه الحروف البالغ إلى غاية الكمال منزلاً عليه خاصة من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقتضي كونه رحيب الصدر غير مبال بالباطل وأهله. قوله: الأنه إذا أيقن الخ) إشارة إلى الوجهين السابقين في قوله فلا يكون في صدرك حرج على الترتيب والزمخشري عكسه إشارة إلى أنّ الثاني أظهر وأولى. قوله: (يحتمل النصب الخ) عن الزمخشرفي أنه قال: لم أجعله معطوفا على محل لتنذر لأنّ المفعول له يجب أن يكون فاعله وفاعل الفعل المعلل واحدا حتى يجوز حذف اللام منه، وفيه كلام لا حاجة إليه هنا، وقوله على محل تنذر لأنه مصدر تأويلاً وفي نسخة لتنذر، والصحيح الأولى لما في هذه من المسامحة، وقوله: (أو خبر المحذوف) أي هو ذكرى والمعنى على الأوّل أنه جامع بين الوصفين وعلى هذا أنه موصوف بكل منهما استقلالاً. قوله: (يعم القرآن والسنة الخ) فليس ما أنزل من وضع الظاهر موضع المضمر ولذا جمع الضمير، وفي جعل الوحي مطلقاً منزلاً من الله تجوّز حينئذ بأن يراد به مطلق الوحي كما يشير إليه ما بعده، وقوله وما ينطق عن الهوى بناء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 على عمومه المتبادر فلا ينافيه أنه فسره في سورة النجم بقوله ما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى المقتضى لتخصيصه بغير السنة. قوله: (ولا تتبعوا من دونه أولياء) أي لا تتخذوا ولياً غيره فيضلكم وإذا جعل الضمير لما أنزل قدر ومن أولياء لأنه لا يحسن وصف المنزل بكونه دونهم، فقوله من دونه متعلق بالفعل تبله والمعنى لا تعدلوا عنه إلى غيره من الشياطين والكهان، أو بمحذوف لأنه حال فالضمير في من دونه يحتمل أن يعود على ربكم، وهو تفسير المصنف رحمه الله الأوّل، وأن يعود على ما الموصولة أو الكتاب، والمعنى لا تعدلوا عنه إلى الكتب المنسوخة، وجوّز كون الضمير للمصمدر أي لا تتبعوا أولياء اتباعا من دون اتباع ما أنزل إليكم، وقرأ مجاهد تبتغوا بالغين المعجمة من الابتغاء، وقوله: وقرئ أي اعتراض أو استئناف. قوله: (أي تذكرا قليلأ أو زماناً قليلاَ الخ) يعني هو نعت مصدر محذوف أقيم مقامه، أو نعت زمان محذوف كذلك، ونصبه بالفعل بعده وما مزيدة للتوكيد، وأجيز أن يكون نعت مصدر لتتبعوا قيل ويضعفه أنه لا معنى حينئذ لقوله تدّكرون، وأما النهي عن الاتباع القليل فلا يضرّ لأنه يفهم منه غيره بالطريق البرهاني، وجوّز في ما أن تكون موصولة ومصدرية، فيكون المصدر أو الموصول مبتدأ، وزمانا قليلا خبره، وتد قيل إنها نافية وهو بعيد، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ولأنه يصير المعنى ما تذكرون قليلاً، ولا طائل فيه وقيل إنه مردود با! الكوفيين جوّزوا العمل، والمعنى ما تذكرون قليلاً فكيف تذكرون الكثير، وفيه نظر. قوله: (حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره) هذا جار على الوجهين في مرجع ضمير من دونه، ولا اختصاص له بالأخير كما يتخايل من قوله دين الله فإنّ الأوّل تمهيد لذلك ولذا أردفه المصنف رحمه الله تعالى بقوله وتتبعون غيره إشارة إلى عدم اختصاصه بأحدهما، وتتبعون بالعين المهملة والإعجام خلاف الظاهر وإن صح. قوله:) وما مزيدة لتثيد القلة الأنها تفيد القلة في نحو أكلت أكلاً ما فهي هنا قلة على قلة. قوله: (وإن جعلت مصدرية الخ) لأنّ معمول المصدر لا يتقدمه فيكون له إعراب آخر كما مرّ، وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: لا يجوز أن تكون مصدرية لأنّ قليلاً لا يبقى له ناصب وردّه يعلم مما مز، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لما قاله أبو البقاء، ولا يجوز أن تكون ما المصدرية أو الموصولة فاعل قليلا كما جوز في {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 17] لأنّ قليلاَ لا ينصبه تتبعوا وجعله حالاً من فاعله لا طائل تحت معناه. قوله: (بحذف التاء الخ) المذكور في كتب القرا آت إنّ حمزة الكسائيّ، وحفصاً قرؤوا تذكرون بتاء واحدة وذال مخففة وقرأ ابن عامر يتذكرون بياء تحتية، ومثناة فوقية وذال مخففة وفي طريق شاذة للأخفش عن ابن عامر بتاءين فوقيتين، والباقون بتاء فوقية وذال مشدّدة، وهذا هو الصحيح الذي به يقرأ وهذا هو الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى فقوله وقرأ حمزة والكسائيّ، وحفص عن عاصم تذكرون بحذف التاء أي الأولى وابقاء تاء مثناة فوقية وذال مفتوحة مخففة، وقوله وابن عامر يتذكرون أي بمثناة تحتية مفتوحة ومثناة فوقية مفتوحة، وذال معجمة مفتوحة مخففة، والباقون بتاء الخطاب وتشديد الذال، وقوله: (على أن الخطاب بعد مع النبئ صلى الله عليه وسلم) بعد مبنيّ على الضم أي في جميع ما تقدم قبله في قوله: (لتنذر) وفي محل المقدر قبل قوله اتبعوا ومن لم يفهم كلام المصنف رحمه الله خطأه في قوله بعد وخطأ. غيره من أرباب الحواشي لعدم اتقانه للفن فلا حاجة إلى ذكره. قوله: (وكثيرا من القرى) إشارة إلى أنّ كم خبرية للتكثبر ومن بعدها زائدة، وأما في قوله من القرى فهي بيانية ومحل كم رفع على الابتداء والجملة بعدها خبر أو نصب على الاشتغال. قوله: (أردنا إهلاك أهلها الخ (لما كانت الفاء للتعقيب والهلاك بعد مجيء البأس بحسب الظاهر أولوا النظم بوجوه أحدها أن أهلكنا مجاز بمعنى أردنا إهلاكها كما في: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة، الآية: 6] الثاني أن المراد بالإهلاك الخذلان وعدم التوفيق فهو استعارة أو من إطلاق المسبب على السبب أو المراد حكمنا بإهلاكها وقيل الفاء تفسيرية نحو توضا فغسل وجهه الخ، وقيل للترتيب الذكري، وقيل إنه من القلب، وقيل الفاء بمعنى الواو أو المراد فظهر مجيء بأسنا واشتهر، وقدر المصنف رحمه الله تعالى هنا مضافاً مع أنّ القرية تتصف بالهلاك، وهو الخراب وجوّز حمله على الاستخدام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 لأنّ القرية تطلق على أهلها مجازاً، وما ذكره المصنف رحمه الله يرد عليه ما قاله بعض المدققين في تفسيره حيث قال فيه إشكال أصولي وهو أنّ الإرادة إن كانت باعتبار تعلقها التنجيزي فمجيء البأس مقارن لها لا متعقب لها وبعدها، وان لم يرد ذلك فهي قديمة فإن كان البأس يعقبها لزم قدم العالم فإن تأخر عنها لزم أن يعطف بثم، فإن قلت الإرادة القديمة مستمرّة إلى حين مجيء البأس فعدم مجيء البأس عقب آخر مدتها قلت لو قلت قام زيد فأكرمته لم يلزم أن يكون الإكرام بعد كمال القيام بل قد يكون قبل كماله، وأجاب ابن عصفور بأنّ المراد أهلكناها إهلاكا من غير استئصال فجاءهم إهلاك استئصال، وقال ابنه شام أجيب أيضاً بأنها للترتيب الذكري، وقال ابن عطية: معناه أهلكناها بخذلان أهلها وهو اعتزاليئ فالصواب أن يقال معناه خلقنا في أهلها الفسق والمخالفة ؤجاءها بأسنا، فإن قلت في الآية تقديم وتأخير أي أهلكناها أو هم قائلون فجاءها بأسنا فالإهلاك في الدنيا، ومجيء البأس في الآخرة فيشمل عذاب الدارين، قلت يأباه قوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا} [سورة الأعراف، الآية: 50] فإنه يدلّ على أنه في الدنيا اهـ (وأنا أ! دول) دفع هدّا الإشكال على طرف التمام فالمراد تعلقه التنجيزي قبل وقوعه أي قصدنا إهلاكها فافهم. قوله: (بياناً (هو في الأصل مصدر بات يبيت بيتا وبيتة وبياتاً وبيتوتة، قال الليث: البيتوتة الدخول في الليل ونصبه على الحال بتأويله ببائتين وجوّز أن يكون على الظرفية، لأنه فسر بليلاً والأوّل هو الظاهر، ولذا اقتصروا عليه. قوله: (أو هم قائلون) أو للتنويع أي أتاهم تارة ليلاً كقوم لوط عليه الصلاة والسلام، وتارة وقت القيلولة كقوم شعيب-ك! ، والقيلولة من قال يقيل فهو قائل وهي الراحة والدعة وسط النهار، وان لم يكن معها نوم وقال الليث هي نومة نصف النهار واستدل للأوّل بقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [سورة الفرقان، الآية: 24] والجنة لا نوم فيها ودفع بأنه مجاز والأمر فيه سهل. قوله: (وإنما حذفت واو الحال استثقالاً (كذا في الكشاف واعترض عليه باًن الضمير يكفي في الربط وإنما يحتاج إلى الواو عند عدمه كما اشتهر في النحو، وهو قد جوّز في قوله تعالى {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [سورة البقرة، الآية: 36] الحالية بدون واو فكيف يكون ممتنعا، أو غير فصيح وقد نص الزجاج وأبو حيان على خلافه مع أنه لو سلم هدّا فإنه في ابتداء الحال، وأما الحال المعطوفة فلا تقترن بواو الحال، واذعاء حذفها صريح في أنه لا بذ منها حتى تكون مقدرة إذا لم يلفظ بها فلا تكون نسبا منسياً لكنه مذهب بعضهم، وهل هو مطلق أو فيه تفصيل سنقصه عليك قريبا مع ماله وعليه. قوله: (فإنها واو عطف استعيرت للوصل) تبع فيه السكافي ومن نحا نحوه وقد ردّه أبو حيان وصاحب الانتصاف بما لا وجه له فذهب إلى أنها موضوعة لربط الحال ابتداء وليست منقولة من العطف والأمر فيه سهل. قوله: (لا اكتفاء بالضمير فإنه غير فصيح) هذا مذهب الزمخشرقي، وقد تبع فيه الفراء وابن الأنباري، وظاهرة أنه كذلك مطلقا قال في البديع الاسمبة الحالية لا تخلو من أن تكون من سببيّ ذي الحال أو أجنبية فإن كانت من سببية لزمها العائد والواو تقول جاءني زيد وأبوه منطلق، وخرج عمرو ويده على رأسه إلا ما شذ قالوا كلمته فوه إلى فيّ، وان كانت أجنبية لزمتها الواو ونابت عن العائد وقد يجمع بينهما نحو قدم عمرو، وبشر قام إليه وقد جاءت بلا واو ولا ضميرقال: ثم انتصبنا جبال الصفد معرضة عن اليسار وعن إيماننا جدد فجبال الصفد معرضة حال اهـ، وقد عرفت أنه مذهب النحاة من غير تفصيل فيه وقد صرّح به الثيخ عبد القاهر أيضأ لكنه جعله على قسمين ما تلزمه الواو ومطلقأ وهو ما إذا صدر بضمير ذي الحال نحو جاء زيد وهو يسرع لأنّ إعادة ضميره تقتضي إن الجملة مستأنفة لئلا تلغو الإعادة فاذا لم يقصد الاستئناف فلا بد من الواو، وما عداه يلزمه الواو في الفصيح إلا على طريق التشبيه بالمفرد والتأويل فإنه حننئذ قد تترك الواو جوازا، ولم يجعله فصيحا فلا معارضة بين أوّل كلامه وآخره كما توهم، وأما قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [سورة البقرة، الآية: 36] فقيل الأظهر فيه أنه استئناف لا سيما إذا أريد معاداة بني آدم بعضهم لبعض، وهو الراجح عند الزمخشرقي وأما إرادة معاداة آدم حواء مع إبليس، والحية وجعل الجملة حالية بتأويل متعادين فابداه على سبيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 الاحتمال كما هو دأبه لا أنه مختاره، وتأويل الجملة بالمفرد يصار إليه إذا انتزع المفرد من جملة أجزائها لا من الخبر كمتعادين هنا، ولى " من غيره والا فما من حال إلا وهي في معنى مفرد، وما قيل: من أنّ الضابط نيه أنه إذا كان المبتدأ ضمير ذي الحال تجب الواو والا فإن كان الضمير فيما صدر به الجملة سواء كان مبتدأ نحو فوه إلى فيّ وبعضكم لبعض عدوّ أو خبراً نحوه: وجدته حاضراه الجود والكرم فلا يحكم بضعفه لكون الرابط في أوّل الجملة، والا فضعيف قليل كقوله: نصف النهار الماء غامره في رواية فكلام مخالف للمذهبين، والذي غرّه فيه ظاهر كلام الشيخ وفيه نظر (بقي هنا أمران) يجب التنبيه لهما الأوّل أنهم أطلقوا الحكم هنا، وقد قال ابن مالك في شرح الألفية إن كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير، وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه، وذلك الكتاب لا ريب فيه وتبعه ابن هشام، ونقله الطيبي هنا عن السكاكي فلا يعدل عنه إلا لنكتة الثاني أنّ ظاهر كلامهم هنا أنّ الواو الحالية يصح أن تقع بعد العاطف نحو سبح الله وأنت راكع أو وأنت ساجد بل يلزم ذلك لكنها تحذف للتخفيف، ولئلا يجتمع عاطفان صورة وبه صرّح الفراء كما نقله المعرب وارتضاه صاحب الانتصاف وقد منع ذلك أبو حيان ولم يحك فيه خلافا فقال نص النحويون على أنّ الجملة الحالية إذا دخل عليها حرف عطف امتغ دخول واو الحال عليها للمشابهة اللفظية، وهو من الفوأئد البديعة فاحفظه. قوله: (وفي التعبيرين مبالغة في غفلتهم الخ) حيث عبر في الأولى بالمصدر وجعلها عين البيات مبالغة، وفي الثانية بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت مع تقديم المسند إليه المفيد للتقوّى قيل، والمبالغة ظاهرة لا تحتاج إلى البيان، وإنما المحتاج إليه كونها في غفلتهم وأمنهم من العذاب فاستدل عليه بقوله، ولذلك خص الوقتين اللذين فيهما كمال الغفلة عن العذاب ثم عطف عليه قوله ولأنهما وقت دعة واستراحة يعني أنّ تخصيصهما لأجل الغفلة وكونهما وقت الاستراحة، ثم قال: فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع، وأراد أن تخصيص الوقتين المعلل بما ذكر معلل بذلك هذا هو التحقيق، ومن قال: إنما المبالغة في التعبير لا اختصاص له بالوقتين لم يحم حول المراد اهـ ولا يخفى أنّ البيتوتة والقيلولة تقتضي الغفلة والأمن إذ لولاهما لم يبيتوا ولم يقيلوا فالمبالغة فيهما مبالغة في مقتضاهما، فلأجل ذلك خص الوقتان بذلك ومحصله ذمّهم بالغفلة عما هم بصدده فلذا قالوا وباتوا ولم يحذروا غضب الله والنكتة الأخرى أنه تعالى أنزل العذاب عليهم في هذين الوقتين، لأنه أشد وأنكى فخص مجازاتهم بهما لتكميل استحقاقهم لها فيهما، والدعة بفتح الدال والتخفيف الخفض والاستراحة، وإنما خولف بين العبارتين وبنيت الحال الثانية على تقوّي الحكم، والدلالة على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم لأنّ القيلولة أظهر في إرادة الدعة، وخفض العيش فإنها من دأب المترفين، والتنعمين دون من اعتاد الكدج، والتعب وفيه إشارة إلى أنهم كانوا أرباب أشر وبطر. قوله: (أي دعاؤهم الخ) الدعوى المعروف فيها أنها بمعنى الادّعاء وتكون بمعنى المدّعي أيضاً وقد وردت بمعنى الدعاء والاستغاثة قال تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} [سورة يونس، الآية: 10] وحكى الخليل عن العرب اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أي في صالح دعائهم، والى المعنيين أشار المصنف أي لم يكن عاقبة دعائهم واستغاثتهم أو ما ادّعوه إلا هذا الاعتراف وجعله عين ذلك مبالغة على حد قوله: تحية بينهم ضرب وجيع وجوّزوا فيه أن يكون دعواهم اسم كان وأن قالوا خبرها، والعكس والثاني أولى لأنه أعرف ولأنه المصرّح به في غير هذه الآية، وأورد عليه أنّ الاسم والخبر إذا كانا معرفتين واعرابهما مقدّر لا يجوز تقديم أحدهما على الآخر فيتعين الأوّل وقد أجيب عنه بأنه عند عدم القرينة والقرينة هنا كون الثاني أعرف وترك التأنيث وأيضاً هذا إذا لم يكن حصر فإن كان يلاحظ ما يقتضيه فتأمّل. قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} الخ قال الطيبي رحمه الله: هذا السؤال واقع في الحشر وقوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} وارد في الدنيا لتعقبه لقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [سورة الأعراف، الآية: 4] الخ فالفاء في فلنسألن فصحيحة كأنه قيل فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا في الدنيا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فقطعنا دابرهم، ثم لنحشرنهم فلنسألنهم، وفي الكشف لعل الأوجه أن يجعل فلنسألن متعلقا بقوله اتبعوا ولا تتبعوا، وقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ} معترض حثا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 على الاعتبار بحال السابقين ليستمروا في الاتباع، وقوله عن قبول الرسالة الخ أي لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [سورة القصص، الآية: 65] وأيضا سؤال المرسل والمرسل إليه قرينة على ذلك. قوله: (والمراد من هذا السؤال توبيخ الكفرة الخ) ولما ذكر السؤال هنا ونفي في آية أخرى جمع بينهما بأنّ المثبت سؤال التوبيخ والمنفي سؤال الاستعلام أو أن هذا في موقف وذاك في آخر، وقال الإمام رحمه الله: إنهم لا يسألون عن الأعمال أي ما فعلتم، ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال والصوارف التي صرفتهم عنها أي لم كان كذا، قيل ولا حاجة إلى التوفيق فإن المنفي هو السؤال عن الذنب لا مطلق السؤال، وردّ بأنّ عدم قبول دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ذنب، وأفي ذنب فسؤالهم عنه ينافيه فالحاجة باقية، وفيه نظر. قوله: (على الرسل حين يقولون الخ) أي في جواب قولهم ماذا أجبتم كما مرّ في سورة المائدة تفصيله، ثم لما وكلوا الأمر علمه قص عليهم ما أحبوا أو جميع أحوالهم، وقوله عالمين بظواهرهم، وبواطنهم مستفاد من ترك المفعول، والباء للملابسة والجارّ والمجرور حال من فاعل نقص وقوله أو بمعلومنا فالباء متعلقة بنقص وما كنا غائبين حال أو استئناف لتأكيد ما قبله، وهو عبارة عن الإحاطة التاقة بأحوالهم وأفعالهم. قوله: (والورّن أي القضاء الخ الما كانت الأعمال أعراضاً لا يوزن وقد ورد ذكر وزنها في القرآن والأحاديث اختلفوأ فيه فمنهم من أوّل الوزن بأنه بمعنى القضاء، والحكم العدل أو مقابلتها بجزائها من قولهم وازنة إذا عاد له، وهو إما كناية أو استعارة بتشبيه ذلك بالوزن المتصف بالخفة، والثقل بمعنى الكثرة والقلة والمشهور من مذهب أهل السنة أنه حقيقة بمعناه المعروف، ثم قيل توزن صحف الأعمال، وقيل أصحابنا فيخف بعضهم ويثقل آخر باعتبار عمله، وقيل إنّ الأعمال تجسم وتوزن. قوله: (إظهارا للمعدلة وقطعاً للمعذرة) بيان لحكمة الوزن وجواب عما يقال إنه لا حاجة إليه والأوّل بالنظر إلى الخلائق المطلعين على ذلك، والثاني بالنسبة إلى صاحب العمل فقط، وهذه حكم لا يلزم الاطلاع على حقيقتها حتى يقال إن انكشفت الأحوال يومئذ فلا حاجة للوزن، ويكفي قول الله أو الملائكة هذا غلبت حسناته، ونحوه والا فلا فائدة فيه مع أنّ الفائدة أن يسرّ المؤمن المتقي، ويغتم خلافه كما في السؤال وشهادة الجوارح. قوله: (أنّ الرجل يؤتى به الخ) (1) هذا الحديث أخرجه الترمذيّ وابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بنحوه، والسجل الكتاب، وقيل إنه معرّب وأصل معناه الكاتب، وسجل عليه بكذا شهره، ورسمه قاله الزمخشريّ: في شرح مقاماته، ومذ البصر وقع في هذا الحديث، وفي صحيح مسلم 9 نظرت إلى مد بصري " (2 (، قال النووي: في شرحه كذا هو في جميع النسخ وهو صحيح ومعناه منتهى بصري وأنكره بعض أهل اللغة، وقال الصواب مدى بصري وليس بمنكر بل هما لغتان والمدى أشهر اهـ وقوله: (بطاقة) بكسر الباء رقعة صغيرة وتطلق على حمام تعلق في جناحه وليست مولدة كما قيل فإنها وردت في هذا الحديث، وغيره وفي فقه اللغة أنها معرّبة من الرومية وفي المحكم البطاقة الرقعة الصغيرة تكون في الثوب وفيها رقم ثمنه حكاه شمر وقال لأنها بطاقة من الثوب قيل، وهو خطأ لأنه يقتضي أنّ الباء حرف جرّ والصحيح ما تقدم كما حكاه الهروي. قوله: (قيها كلمتا الشهادة الخ) قال القرطبي في تذكرته في هذا الحديث: " فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله " وليست هذه شهادة التوحيد لأنّ الميزان يوضع في كفته شيء وفي الأخرى ضده فتوضع الحسنات في كفة، والسيئات في أخرى ومن المستحيل أن يؤتى لعبد واحد بكفر وايمان معا فلذا استحال أن توضع شهادة التوحيد في الميزان أما بعد إيمانه فيكون تلفظه بشهادة أن لا إله إلا الله حسنة توضحع في ميزانه كسائر حسناته قاله الترمذفي: ويدلّ عليه قوله: أن لك عندي حسنة دون أن يقول إيمانا، وقد سئل النبيّ ىلمجحر عن لا إله إلا الله أهي من الحسنات فقال: " من أعظم الحسنات ") 1 (ويجوز أن يكون المراد هذه الكلمة إذا كانت آخر كلامه في الدنيا، اهـ ويؤيده حديث البخارفي 9 كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان وهما كلمتا الشهادة " (2 (ولك أن تقول المراد بها كلمة التوحيد فتأمّل، والكفة بفتح فتشديد كل مستدير وبه سميت كفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 الميزان المعروفة، وقوله: (لما روي الخ)) 3 (أخرجه البخارفي ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. قوله: (يومئذ خبر الميتدأ الخ) أي الوزن مبتدأ والظرف خبره أي الوزن كائن يوم إذ تسئل الرسل والمرسل إليهم فحذف الجملة وعوّض عنها التنوين، وهذا مذهب الجمهور، والحق نعت للوزن قيل ولم يلتفت إلى كونه خبراً ويومئذ متعلق بالوزن لأنّ المعنى يكون حينئذ الوزن في ذلك اليوم هو الحق لا غيره أو لا الباطل، والأوّل غير صحيح، والثاني غير مراد بل المعنى الإخبار بأنّ الوزن الحق وتمييز الأعمال يقع في ذلك اليوم لا في أيام الدنيا ألا ترى قوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأنبياء، الآية: 47] والفصل بين الصفة والموصوف بالخبر كثير لا سيما إذا كان ظرفاً، وأما كونه بدلاً من الضمير المستتر في الظرف كما ذكره مكيّ، وتبعه صاحب اللباب فقالوا إنه غريب بعيد (قلت) ما جعله مانعا موجود في جعله خبر مبتدأ محذوف لأنه ضمير الوزن، ومعناه الوزن الحق لا غيره أو لا الباطل فكيف يعد مانعا إلا أن يلتزم ذلك ويقال إنّ هذا الوجه غير مقبول لكنه ذكره بيانا لوجوه الإعراب التي ذكرها المفسرون فتأمّل، والسوقي عطف تفسيريّ للعدل. قوله:) حسناته أو ما يوزن به الخ الما كان الظاهر أنّ الميزان مطلقا واحداً وميزان كل شخص واحد وان جاز أن يكون لكل عمل ميزان وقد جمع في النظم فأمّا أن يراد الحسنات الموزونات على أنها جمع موزون واضافته للعهد لترتب الفلاح عليه فجمعه ظاهر وإما أن يراد الميزان وجمعها باعتبار تعدّد أوزانها وموزوناتها وفي الكلام مضاف مقدّر أي كفة موازينه، وقوله وجمعه بصيغة المصدر أو الماضي أي جعله جمعا، وقوله فهو جمع موزون الخ لف ونشر مرتب للتفسيرين وهذا الوزن للمسلمين عند الأكثر، وأما الكفار فتحبط أعمالهم على أحد الوجهين في تفسير توله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [سورة الكهف، الآية: 105] وقيل إنها توزن أيضا وان لم تكن راجحة ليخفف بها لهم العذاب عنهم، وهو ظاهر النظم وكلام المصنف رحمه الله هنا لذكر الفطرة وهي الإسلام والتصديق والتكذيب المتبادر منه الإيمان والكفر وان أمكن التعميم لما يشمله الإسلام من الأعمال الصالحة وجعل عدم العمل تكذيباً فتأمّله، وبقي من تساوت حسناته وسيئاته مسكوتا عنه، وهم أهل الأعراف على قول وقد يدرج في القسم الأوّل لقوله: {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة، الآية: 52 ا] وعسى من الله تحقيق ما صرّحوا به. وأعلم أنّ الحافظ له تأليف مستقل في الميزان قال فيه إنهم اختلفوا في تعدد الميزان، وعدمه والصحيح الثاني والوزن بعد الحساب، وأعمال الكفرة يخفف بها عذابهم كما ورد في حق أبي طالب وهو الصحيح كما قاله القرطبي، وقال السخاوي: المعتمد أنه مخصوص بأبي طالب والمعتمد ما قاله القرطبيّ، فلا وجه للتردد فيه. قوله:) بتضييع الفطرة السليمة الخ) قيل المراد بها فطرة الإسلام لقوله في الحديث: " ما من مولود يولد على الفطرة الخ ") 1 (ويحتمل أن المراد الخير الذي هو أصل الجبلة فما بعده تفسير له فتأمل. قوله: (فيكذبون بدل التصديق) ما مصدرية والباء جوّز فيها التعلق بخسروا وبيظلمون، وقدم عليه للفاصلة وعدى الظلم بالباء لتضمنه معنى التكذيب نحو كذبوا بآياتنا أو الجحد نحو جحدوا بها، وكلام المصنف يحتملهما فالفاء إما تفسيرية أو تعقيبية فمن قال إنه غفل عن معنى التضمين لم يصب وكذا من عين إرادته. قوله: (مكناكم من سكناها الخ (مكنا إن كان على ظاهره وحقيقته فمعناه جعلنا لكم فيها مكانا، وسكنى وقراراً واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله من سكناها، ويجوز أن يكنى به عن أقدرناكم على التصرف فيها بالملك أو الزراعة، وأسباب التعيش ولما كانت الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة أدرج المصنف رحمه الله الثاني في الأوّل وصاحب الكشاف جعلهما وجهين متغايرين، ولما كانت الحقيقة أولى وأنسب بهذا المقام، وما عطف عليه قدمها فتدبر. قوله: (أسباباً تعيشون بها الخ) معايش جمع معيشة ووزنها مفعلة، وهي اسم لما يعاش به أي يحيي فهي في الأصل مصدر عاس يعيش عيشاً وعيشة ومعاشاً ومعيشا ومعيشة، والجمهور على التصريح بالياء فيها، وروي عن نافع " معائش " بالهمزة فقال النحويون: إنه غلط لأنه لا يهمز عندهم بعد ألف الجمع إلا الياء الزائدة، كصحيفة وصحائف وأما معايش فياؤه أصلية هي عين الكلمة لأنها من العيش حتى قال أبو عثمان: إنّ نافعاً رحمه الله لم يكن يدري العربية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 وردّ هذا بأنّ العرب قد تشبه الأصلي بالزائد لكونه على صورته، وقد سمع عنهم هذا في مصايب ومناير ومعايش، فالمغلط هو الغالط والقراءة وان كانت شاذة غير متواترة مأخوذة عن الفصحاء الثقات، وأما قول سيبويه رحمه الله إنها غلط فإنه عنى أنها خارجة عن الجادة والقياس، وهو كثيراً ما يستعمل الغلط في كتابه بهذا المعنى وإلى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله، وقليلا ما تشكرون تقدم الكلام فيه، وصنعت بمعنى أحسنت من الصنيعة وكأنه قال: فيما صنعت ولم يقل ما صنعت إشارة إلى تعذر الشكر لإفراد نعمه. قوله: (أي خلقنا أب كم آدم طيناً الخ الما كان أمر الملائكة بالسجود مقدما على خلقنا، وتصويرنا وقد عطف عليه بثم اقتضى تأويله فأوّلوه بوجوه، منها أنّ المراد خلق آدم عليه الصلاة والسلام وتصويره ولكنه لما كان مبدأ لنا جعل خلقه خلقا لنا ونزل منزلته فالتجوّز على هذا في ضمير الجمع بجعل آدم كجميع الخلق لتفرعهم عنه، أو في الإسناد إذ أسند ما لآدم الذي هو الأصل والسبب إلى ما تفرّع عنه وتسبب وليس هذا من تقدير المضاف الذي ذهب إليه بعضهم لأنّ قوله نزل خلقه الخ يأباه، وذهب الإمام رحمه الله إلى أن خلقنا وتصويرنا كناية عن خلق آدم صلى الله عليه وسلم وتصويره، قيل وكلام المصنف رحمه الله يحتمله وليس بظاهر. قوله: (أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم) بأن خلقنا آدم ثم صوّرناه فالتجوّز في الفعل فالمراد بخلق الجنس ابتداء خلقه وابتداء خلق كل جنس بإيجاد أوّل أفراده، وهو آدم-سح! الذي هو أصل البشر، فهو كقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [سورة السجدة، الآية: 7] وعلى هذين الوجهين يظهر العطف بثم والترتيب ثم أشار إلى جواب آخر استضعفه، وهو أنّ ثم لترتيب الأخبار لا الترتيب الزمانيّ حتى يحتاج إلى توجيه والمعنى خلقناكم يا بني آدم مضغا كير مصوّرة ثم صوّرناكم، ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة الخ، وقيل إنه للتراخي في الرتبة لأنّ كون أبينا مسجودا للملائكة أرفع درجة من خلقنا ثم تصويرنا. قوله: (ثم قلنا للملافكة اسجدوا لآدم) قيل الظاهر أن يقول ثم أمرن الملائكة بالسجود لآدم صلى الله عليه وسلم، وإنما عدل عته لأنّ الأمر بالسجدة كان قبل خلق آدم على ما نطق به قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [سورة ص، الآية: 72] والواقع بعد تصويره إنما هو قوله تعالى اسجدوا لآدم لتعيين وقت السجدة المأمور بها قبل هذا يعني أنه أمرهم أوّلاً أمراً معلقاً ثم أمرهم ثانياً أمرا منجزا مطابقا للأمر السابق فلذا جعله حكاية له فما قيل إنه يقتضي أنّ هذا ليس أمرا بالسجود وهو مما لا يتفوّه به عاقل ليس بشيء ينظر فيه. قوله: (لم يكن من الساجدين ممن سجد لآدم) عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى أنّ أل موصولة واسم الفاعل بمعنى الماضي وأنّ المنفيّ سجوده لآدم لا لله، وفائدة هذه الجملة التكميل ودفع احتمال أن يكون معنى إلا إبليس لم يبادر إلى السجود كما بادرت الملائكة فيحتمل أنه سجد بعد ذلك فأتى بهذه الجملة للاحتراس مع المبالغة والإشارة إلى أنه لو صدر منه ذلك لم يعد سجود العدم انقياده باطناً وامتثاله حقيقة. قوله: (ولا صلة الخ) أي زائدة فإنه يعبر عن الزائد في القرآن بالصلة تأدّبا لأنّ المنع إنما هو عن السجود لا عن تركه قال النحرير: هي مزيدة إلا إذا حمل ما منعك على ما حملك وما دعاك على ما قرره صاحب المفتاح، ثم لا بد في إفادة لا تأكيد معنى الفعل وتحقيقه من بيان، ولم أرهم حاموا حوله اهـ وما أشار إليه حقيق بالبيان فإنّ لا النافية كيف تؤكد ثبوت الفعل مع إيهام نفيه، والذي ظهر لي أنها لا تؤكده مطلقا بل إذا صحب نفيا مقدّماً أو مؤخرا صريحا أو غير صريح كما في غير المغصوب عليهم ولا الضالين وكما هنا فإنها تؤكد تعلق المنع به واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: الموبخ عليه ترك السجود فتأقل. قوله: (وقيل الممنوع عن الشيء مضطرّ إلى خلافه فكأنه الخ) هذا عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ مآله أنها زائدة أو غير زائدة بأن يكون المنع مجازا عن الإلجاء والاضطرار فمعناه ما اضطرّك إلى أن لا تسجد وهذا قريب من تول السكاكي أنه بمعنى الحامل والداعي لكنه أبلغ منه، ويحتمل التضمين أيضا وقال الراغب: المنع ضد العطية وقد يقال: في الحماية فقوله ما منعك أن لا تسجد معناه ما حماك عن عدم السجود. فوله: (دليل على أنّ مطلق الآمر للوجوب والفورا لأنّ ترتب اللوم والتوبيخ على مخالفته يقتضي الوجوب، وجعله في وقت الأمر الدال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 عليه إذ يدلّ على الفور دلالة ظاهرة كما بين في الأصول، وقد أجابوا عنه بأنه ليس من صيغة الأمر بل من قوله فقعوا له ساجدين إلا أنّ بعضهم قد مغ دلالة الفاء الجزائية على التعقيب من غير تراخ، وهذا المنع يتجه على قول المصنف، ولذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم أنه أعلم منهم الخ، والا فظاهر. يخالف قوله: {فَقَعُواْ لَهُ} ليتأمل وردّ بأنّ الاستدلال بترتب اللوم على مخالفة الأمر المطلق حيث قال إذ أمرتك ولم يقل إذ قيل: {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} وليس القول بالفور مذهب الشافعية كما ذكره المصنف رحمه الله في منهاجه والكلام على هذه المسألة مبسوط في الأصول. قوله: (جواب من حيث المعنى) لأنّ الظاهر فيه منعني كذا وكذا وهذا إنما هو جواب عن أيكما خير فهو من الأسلوب الأحمق كما مرّ في قصة نمروذ، وقوله كأنه قال الخ بيان لتضمنه الجواب بقياس استدلاليّ، وهو أني مخلوق من عنصر علوي نير فأصلي أشرف وأنا كذلك والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه فالدلالة على التكبر ظاهرة، وكذا على القول بالحسن العقلي الذي أخذه من شرف العنصر وضده من ضده، وقد بين المصنف رحمه الله غلطه بأنّ الشيء كما يشرف بمادّته يشرف بفاعله وغايته وصورته، وهي في آدم مجقي! دونه كما بينه لكن قوله بغير واسطة أي واسطة توالد وتناسل يقتضي أنّ إبليس كذلك ولم ينقل، وقوله: {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} لا دخل له في الصورة فكأنه ذكره توطئة لقوله: (لذلك الخ) . قوله: (والآية دليل الكون والفساد) الكون الخروج من العدم إلى الوجود والفساد عكسه، وهذا بحكم اللزوم لا أنها تدلّ على المصطلح بين أهل الفلسفة إذ لا دلالة عليه كما لا يخفى، ثم إنّ دلالتها على الكون ظاهرة لخلق آدم وابليس، وايجادهما وأما على لفساد فتوقف فيه بعضهم والظاهر أنه باعتبار الطين والنار فإنهما استحالاً عما كانا عليه من الطينية والنارية لما تركبت منهما الأجساد وهو ظاهر أيضاً لا داعي للتوقف فيه، والملاك بفتح الميم وكسرها قوامه الذي يملك به، وقوله أجسام كائنة أي حادثة لا أرواح قديمة وكون الأجسام من العناصر الأربعة أمر مقرّر في الحكمة فإضافته إلى أحدها باعتبار أغلبيته وهو ظاهر. قوله: (من السماء أو الجنة) فيه اختلاف بين المفسرين واقتصر المصمنف رحمه الله على هذين القولين لاشتهارهما، وقيل: الجنة روضحة بعدن، وقيل: إنه أخرح من الأرض إلى الجزائر وأمر أن لا يدخلها إلا-ضفية، وقيل إنه بذلت صورته البهية بأخرى، وقوله: (التكبر لا يليق بأهل الجنة) فكما يمنع من القرار فيها يمنع من دخولها بعد ذلك وقوله: (من تواضع لله الخ) الحديث) 1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقوله: فإنها مرجعه مرجع منها ولو ثني كان أظهر. قوله: (أمهلني إلى يوم القيامة) قال في الحجر: أراد أن يجد فسحة في الإغواء ونجاة من الموت إذ لا موت بعد وقت البعث فاجابه إلى الأوّل دون الثاني، يعني قوله إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم النفخة الأولى الذي ينقطع بها التكليف ثم مراده يتوقف على أمرين عدم الإماتة وتاخير العذاب، ولذا قيل كان الظاهر ولا تعجل عقوبتي بالواو فتأمّل. قوله: (يقتضي الإجاية إلى ما سأله الخ) في البزازية عن الإمام البرسنفيني لا يجوز أن يقال دعاء الكافر مستجاب لأنه لا يعرف الله ليدعوه، وقال الدبوسي يجوز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كانرا " (2 (وقيل أراد كفران النعمة لا كفران الدين، والفتوى على أنّ دعاء الكافر قد يستجاب استدراجا كما هنا إذ أستجيب بعض دعائه لأكله لأنه تمنى عدم الموت إذ لا موت بعد البعث اهـ، وأما احتمال أن يكون إخبارا عن كونه من المنظرين في قضاء الله من غير ترتب على دعائه، فخلاف المتبادر من النظم فإنه يدل على أنّ الغاية ما طلبه وحده فقوله: يوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم واحد لكن في سورة ص ما يخالفه وجوّز في الحجر كون المراد بيوم الوقت المعلوم يوم يبعثون لا يوم النفخة الأولى لكنه قال: ولا يلزم أن لا يموت فلعله يموت أوّل اليوم ويبعث مع الخلق في تضاعيفه لأنّ كل شيء هالك إلا وجهه، وقوله أو وقت يعلم الله انتهاء أجله فيه أراد أنه معلوم لله وقد أخفى عنا، قيل لكن يجب أن يكون قبل انقطاع أيام التكليف فيكون قبل النفخة الثانية، وقوله: لكنه محمول الخ على الاحتمال الأوّل، وأما إن كان مراد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 تأخير العقوبة فالظاهر أنه أجيب لذلك. قوله: (وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته) ضمير إليه أمّا لما سأله أو ليوم الوقت المعلوم، وهو دفع لما يخطر بالبال من أنه أجابه لسؤاله مع ما فيه من إفساد خلقه، وقد تبع فيه الزمخشرفي وهو كما قال النحرير: كغيره مبنيّ على تعليل أفعاله بالإغراض وعدم إسناد القبائح والشرور إليه مع أنه ليس بشيء لأنّ حقيقة الابتلاء في حقه تعالى محال ومجازه وهو أن في الإنظار منه ابتلاء امتحانا لا يدفع السؤال ولأنّ ما في متابعته من ألم العقاب أضعاف ما في مخالفته من عظيم الثواب، بل لو لم يكن له الأنظار والتمكين لم يكن من العباد إلا الطاعات وترك المعاصي فلم يكن إلا الثواب كما للملائكة والأولى أن لا يخوض العبد في أمثال هذه الأسرار، ويفوّض حقيقتها إلى الحكيم المختار. (أقول) الظاهر أنّ الابتلاء هنا بمعنى جعلهم ذابلية ومشقة فليست حقيقته محالاً عليه تعالى إذ ليس المراد الاختيار وكون أفعاله تعالى فيها حكم ومصالح مما لا ينكر، فالظاهر عدم وروده على المصنف رحمه الله تعالى، وان ورد على الكشاف فلا تكن من الغافلين. قوله: (أي بعد أن أمهلتني لأجتهدن في إغوائهم الخ (بعدية الإمهال مأخوذة من الفاء والاجتهاد من قوله لأقعدنّ لهم الخ كما سيأتي، وقوله:) بسبب إغوائك) إشارة إلى أنّ الباء للسببية وما مصدرية، ولما أسند الإغواء وهو إيقاع ألغيّ أي الاعتقاد الباطل في القلب إلى الله والمعتزلة لا تجوّز إسناد القبائح إليه تعالى أوّلوه فتارة قالوا إنه قول الشيطان فليس بحجة، وتارة بأن الإغواء بمعنى النسبة إلى الغيّ كأكفره إذا نسبه إلى الكفر، أو المراد التسبب في الغيّ بما أمره به من السجود فهذه التأويلات المذكورة مذهبهم كما صرّح به في محل آخر، فكان ينبغي أن لا يتبعهم هنا ويفسره بخلق الغيّ فيه أو يذكره أيضاً ليكون على لمذاهب، وقد قيل في دفعه إنه فهم هذا من السياق لأنّ المذكور هو الأمر بما يفضي إليه أو يجعل الإغواء بمعنى الترغيب لما فيه من الغواية، والأمر هو لا يجوز من الله كما هو مراد اللعين من قوله لأغوينهم. قوله: (تسمية) المراد به الوصف والنسبة كما مر، وقوله أو حملاً أي خلق فيه من الأشياء ما حمله عليه أو تكليفا بما غويت وهو الأمر بالسجود فمعنى الإغواء إحداث سبب الغيّ وايقاعه فالتجوّز في المسند لا في الإسناد. قوله: (متعلقة بفعل القسم (أي بسبب إغوائك أقسم بك أو بعزتك لأقعدنّ الخ، فإن كان هو قسما أوّل بتكليفك إياي حتى يكون القسم به صفة من صفات الأفعال، وهو مما يقسم به في العرف وان لم تجر الفقهاء عليه أحكام اليمين فيكون القسم تكرّر منه فتارة أقسم بهذا وتارة بالعزة، وصدر لام القسم منعها عن عمل ما بعدها فيما قبلها لأنها لها الصدر على الصحيح، وأما جعل ما استفهامية لم تحذف ألفها وتعلق الباء بأغويتني فلا يخفى ضعفه وان قيل به. قوله: (ترصدا بهم) الظاهر أنه أراد أنه كناية عن ترصده لهم، ويحتمل التمثيل أيضا، ولما كان الصراط ظرف مكان مختص ومثله لا ينتصب على الظرفية إلا في شذوذ ذهب بعضهم إلى أنه مفعول به بتضمين أقعدن معنى ألزمن وآخرون على أنه على نزع الخافض، وهو على أو منصوب على الظرفية شذوذا كما في الشعر المذكور وهو من قصيدة لساعدة بن جؤبة أوّلها: هجرت غضوب وحبّ من تتجنب وعدت عواد دون وليك تشعب شإب الغراب ولا فؤادك تارك ذكر الغضوب ولا عتابك يعتب ومنها في وصف رمح: لدق بهزالكص يعسل متنه فيه كماعسل الطريق الثعلب ومعنى لدن لين والعسلان الاهتزاز والاضطراب وبه يوصف مثى الذئب والثعلب، إذا أسرع، وض! مير فيه للكف أو للهز، وأعلم أنّ المشهور أنّ الطريق ظرف محدود لا ينصب على الظرفية، وذهب بعض شرّاح الكتاب إلى أنه غير محدود ينصب قياساً وقال: إنه مراد سيبويه رحمه الله وقد يجمع بينهما بأنه بحسب وضعه عاثم معناه كل أرض تطرق أي يمشي عليها ثم خص بما يسلكه الناس من ممرّ السابلة دون الجبال والوهاد. قوله: (أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده الخ) يعني هذه استعارة تمثيلية شبه حال وسوستة لبني آدم بقدر الإمكان بحال إتيان العدّ ولمن يعاديه من أقي جهة أمكنته، ولذا لم يذكر الفرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 والتحت إذ لا إتيان منهما، فقوله من جميع الجهات أي جميع الجهات التي يؤتى منها، كما صرّح به بقوله من أي وجه يمكنه فلا ينافي قوله ولذلك لم يقل الخ والتسويل تحسين الشيء وتزيينه للإنسان ليفعله، وقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} ترشيح لهذه الاستعارة. قوله: (وقيل لم يقل من فوقهم الخ) عطف على قوله ولذلك لم يقل الخ فإن كان مبنيا على التمثيل أيضاً فالفرق بينهما أنّ ترك هاتين الجهتين على الأوّل لعدمهما في الممثل به وعلى الثاني لعدمهما في الممثل، وان كان مبناه على أنه لا تمثيل قيل، وهو الأظهر فالفرق واضح فلا يرد أنه إذا بنى الكلام على التمثيل لا حاجة إلى الاعتذار عن تركهما. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله عنهما من بين أيديهم من قبل الآخرة) هكذا أخرجه ابن أبي حاتم فعلى هذا ليس الكلام كله تمثيلا واحداً بل مجازات أو استعارات أو كنايات فما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة آتية، وما هو كذلك كأنه بين اليدين، ومن فسره بالدنيا فلأنها حاضرة مشاهدة وما خلفهم الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة مخلفة ومن فسره بالآخرة فلأنها مغيبة عنهم وتفسير الأيمان بالحسنات والشمائل بالسيئات لأنهم يجعلون المحبوب في جهة اليمين وغيره في جهة الشمال كما قال: أبيني أفي يمني يديك جعلتني فافرج أم صيرتني في شمالك قوله: (ويحتمل أن يقال من بين أيديهم الخ) فيكون المراد بما بين أيديهم ما يعلمونه لأنّ ما هو كذلك محسوس مشاهد، وضحدّه ما كان خلفاً وما كان بجانب اليمين والشمال يسهل أخذه وتناوله فلذا عبر به عما ذكر، وقال بعض حكماء الإسلام إنه إشارة إلى القوى الأربع فما بين أيديهم وما خلفهم إشارة إلى القوّة المودعة في مقدّم الدماغ والمودعة في مؤخره وما بين أيديهم إشارة إلى الشهوة المودعة في الكبد وهو في اليمين وما خلفهم إلى الغضب في القلب وهو في اليسار. قوله: (وإنما عدّى الفعل إلى الآوّلين بحرف الابتداء لخ) هذا ما حققه الزمخشرقي وهو من أسرار العربية لأنّ اختلاف حروف التعدية مع المفعول به، وفيه لقصد معان لاحظوها ينبغي التيقظ لها فإنه كما قال: لغة تؤخذ ولا تقاس وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط فلما سمعناهم يقولون جلس عن يميته وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يميته أنه جل! بى متجافياً عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ونحوه من المفعول به نحو رميت عن القوس وعلى لقوس ومن القوس لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضحع على كبدها للرمي، ويبتدأ الرمي منها وكذلك قالوا جلس بين يديه وخلفه يعني في لأنهما ظرفان للفعل ومن بين يديه ومن خلفه لأنّ الفعل يقع في بعض الجهتين كما تقول جثتة من الليل تريد بعض الليل، ولا مخالفة بينهما إلا في جعل من ابتدائية، والزمخشريّ جعلها تبعيضية وأشار إلى أنّ فيها معنى الابتداء أيضا وقيل خص اليمين والشمال بعن كا! ثمة ملكين يقتضيان التجاوز عن ذلك. قوله: (مطيعين الخ الشمول الشكر لأعمال الجوارح، ووجد إن كان معنى صادف نصف مفعولاً واحداً وبمعنى علم بنصب مفعولين فإن نصب مفعولين فشاكرين هو الثاني والا فهو حال والجملة مستانفة أو معطوفة على المقسم عليه، وقوله قال ذلك ظناً أي قال ذلك لما رآه من الإمارات على طريق الظن، وقوله لقوله باللام دليل لا تشبيه، وفي نسخة كقوله بالكاف، ومبدأ الشرّ القوّة الشهوية والغضبية، ومبدأ الخير ألعقل، وقوله سمعه من الملائكة فيكون علماً لا ظنا وهذا إشارة إلى تأثير إغوائه في غير القليل الذين قال الله فيهم: {فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [سورة سبأ، الآية: 20] ولم يفرّعه لأنه بمقتضى الجبلة لا بمجرّد إغوائه. قوله: (مذؤما مذموماً من ذأمه الخ) مذؤما حال وكذا مدحورا أو هو صفة، وفسر مذؤما بمعنى مذموما وفسره الليث بمحقراً، وفي فعله لغتان ذأمه يذأمه بالهمزة كرامه يرأمه وذامه يذيمه بالألف كباعه يبيعه ومصدر المهموز أم كرأس ومصدر المعتل ذام كقال وبهما روي المثل إن تعدم الحسناء ذاماً، والذأم العيب وقال ابن قتيبة: الذم والقراءة المشهورة مذؤماً بالهمز كمسؤلاً من ذأمه، وقرئ مذوما بذال مضمومة وواو ساكنة وهي تحتمل أن تكون مخففة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 من المهموز بنقل حركة الهمزة إلى الساكن ثم حذفها، وأن تكون من المعتل وكان قياسه مذيم كبيع إلا أنه أبدلت الواو من الياء على حذ قولهم مكول في مكيل مع أنه من الكيل، والدحر الطرد وضمير منها للسماء كما في قوله: {اهْبِطْ مِنْهَا} [سررة الأعراف، الآية: 13، وقيل هو للجنة وهو الأصح عند الأكثر. قوله: (اللام فيه لتوطئة القسم وجوابه الخ (في الكشاف واللام في لمن تبعك موطثة للقسم ولأملأنّ جوابه وهو ساد مسد جواب الشرط منكم بمعنى منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب كما في توله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 138] وروي عصمة عن عاصم رحمه الله لمن تبعك بكسر اللام بمعنى لمن تبعك منهم هذا الوعيد، وهو قوله لأملأن جهنم منكم أجمعين على أنّ لأملأنّ في محل الابتداء ولمن تبعك خبره اهـ وفي الدرّ المصون في من وجهان أظهرهما أنها دخل عليها لام موطئة وتسمى موذنة جواب قسم محذوف، ومن شرطية في محل رفع مبتدأ ولأملأنّ جواب قسم ساد مسد جواب الشرط الثاني أنّ اللام لام ابتداء ومن موصولة صلتها تبعك في محل رفع بالابتداء خبرها لأملأنّ وقرئ شاذاً عن عاصم لمن بكسر اللام على أنها متعلقة بقوله لأملأنّ ورد بأنّ لام القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، والثاني أنها متعلقة بالذأم والدحر على التنازع واعمال الثاني أي اخرج بهاتين الصفتين لأجل اتباعك، الثالث أنّ الجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف يقدر مؤخراً أي لمن تبعك هذا الوعيد الدال عليه قوله: لأملأنّ الخ لأنّ القسم وجوابه وعيد، وهو مراد الزمخشريّ بقوله على أنّ لأملأن في محل الابتداء ولمن تبعك خبره فقول أبي حيان رحمه الله: إن أراد ظاهره فهو خطأ لأن قوله لأملأنّ جملة جواب قسم محذوف فمن حيث كونها جملة لا يجوز أن تكون مبتدأ ومن حيث كونها جواب قسم يمتنع أيضا لأنها لا موضمع لها ومن حيث كونها مبتدأ لها موضع ويمتنع في شيء واحد أن يكون له موضع، ولا موضع له وهو محال، وهذا بعد قول الزمخشري إنّ معناه لمن تبعك منهم هذا الوعيد وهو لأملأنّ كيف يتردّد بعد هذا مع تصريحه بمراده وتأويله، وأمّا قوله على أنّ لأملأنّ في محل الابتداء فإنما قاله لأنه دال على الوعيد الذي هو في محل ابتداء فنسب إلى الدال ما نسب للمدلول معنى، وقول الشيخ ومن حيث كونها جواب قسم الخ تحامل عليه لأنه لا يريد جملة الجواب فقط البتة إنما أراد الجملة القسمية برمّتها وإنما استغنى بذكرها عن ذكر قسمها لأنها ملفوظ بها وقد تقدم ما يشبه هذا، وقوله ويمتنع في شيء واحد أن يكون له موضعولا موضع له جوابه ظاهر (أقول (ذهب إلى أنه محكيّ هنا ورد بأن الحكاية تقتضي تقدم الوعيد، وليس كذلك ولا يخفى ما في هذا كله من التعسف من غير داع له فتدبر. قوله: (أي وقلنا يا آدم (لم يعطفه على ما بعد قال: أي قال يا إبليس أخرج، ويا آدم اسكن لأنّ ذلك في مقام الاستئناف والجزاء لما حلف عليه إبليس من القعود على الصراط الخ، وهذا من تتمة الامتنان على بني آدم والكرامة لأبيهم وإنما لم يجعل عطفا على ما بعد قلنا لأنه يؤول إلى قلنا للملائكة يا آدم فقدر قلنا لتكون الجملة عطفاً على قلنا للملائكة، وهذا هو الذي يقتضيه انتظام السياق كما قرّره النحرير، وما قيل إن الترتيب يقتضي عطفه على ما بعد قال فإنّ هذا الأمر لهما ليس إلا بعد الأمر له بالخروج جزاء لما حلف عليه بعد المقابلة أي قال له اخرج غضبا عليه، ولذلك أسكن تكريما له على تلوين الخطاب مع ما فيه من القرب فخلاف الظاهر، وان كان له وجه والكلام في أسكن أنت وعطفه مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (وهو الآصل لتصغيره على ذيا (يعني أصله ذي والهاء عوض عن الياء المحذوفة لا هاء سكت بدليل تصغيره فإنه يدل على ذلك، قال ابن جني رحمه الله: يدل على أنّ الأصل هو الياء قولهم في المذكر ذا والألف بدل من الياء إذ الأصل ذيّ بالتشديد بدليل تحقيره على ذيا، وإنما يحقر الثلاثي دون الثنائي كما ومن فحذفت إحدى الياءين تخفيفا ثم أبدلت الأخرى ألفا كراهة أن يشبه آخره آخر كي. ثوله: (فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم الخ) يعني كان بمعنى صار وأل موصولة ومفعول ظالمين مقدر وهو أنفسهم لأنهما بالأكل إنما ظلما أنفسهما، ومن الظالمين أبلغ من ظالمين كما مرّ، والجزم والنصب بعطفه على تقرباً وجعله جواب النهي ظاهر. قوله: (أي فعل الوسوسة لأجلهما الخ) فالفرق بين وسوس له، ووسوس إليه أن وسوس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 له بمعنى لأجله فاللام ليست صلة، وقال الجوهرفي: إنها لة بمعنى إلى ومعناه ألقى إليه الوسوسة والوسوسة الصوت الخفيّ المكرّر، ولذا قيل الصوت الحلي وسوسة أيضا كما قال: قالوا كلامك وسواس هذيت به وقد يقال لصوت الحلي وسواس وفعللة تكثر في الأصوات كهينمة وهمهمة للصوت الخفيّ، وخشخشة للصوت الحاصل من تحريك سلاح ونحوه، ووسوس لازم ويقال رجل موسوس بكسر الواو ولا تفتح كما قاله ابن الأعرابي: وقال غيره يقال موسوس له وموسوس إليه فيكون موسوس بالفتح على الحذف والإيصال، والوسوسة أيضا حديث النفس، وقال الأزهريّ: وسوس ووزوز بمعنى. قوله: (واللام للعاقبة أو للغرض الخ) من ذصب إلى أنها للعاقبة لأنه لم يعلم صدوره منهما ومن ذهب إلى أنها للتعليل لأنه الأصل فيها ويجوز قصد ذلك بناء على حدسه أو علمه بطريق من الطرق كما سبق في قوله: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 17] وقوله ولذلك أي لكون كشف الفرج بسوء صاحبه سمته العرب. سوأة، وقوله وفيه دليل الخ وجه الدلالة أنّ ذلك قصد به الإساءة إليهما فلولا أنه كدّلك لم تكن إساءة وليس هذا مبنياً على الحسن والقبح العقليين الذي هو مذهب المعتزلة ولذلك لما ذكره الزمخشرفي ميلاً لمذهبه قال النحرير رحمه الله: إن أراد أنّ القبح يكون مذموماً في حكم الله سواء ورد به الشرع أولاً فلا دلالة للنظم عليه أو بمعنى كراهة الطبع، وعدم ملاءمة العقول السليمة فلا نزاع ولا خلاف في أنّ مثله لا يتوقف على الشرع. قوله: (وكانا لا يريانها الخ) بيان لكونها مغطاة عنهما وجمع العورات على حد صغت قلوبكما. قوله: (وإنما لم تقلب الواو المضمومة الخ) ووري بواوين ماضي واري المجهول كضارب وضورب أبدلت ألفه واواً قالوا والأولى فاء الكلمة والثانية زائدة وقرئ أورى بالهمزة لأنّ القاعدة إذا اجتمع واوان في أول كلمة فإن تحركت الثانية أو كان لها نظير متحرّك وجب إبدال الأولى همزة تخفيفاً مثال الأوّل أو يصل وأواصل في تصغير واصل وتكسيره، ومثال الثاني أولى أصله وولى فأبدلت لما تحركت الثانية في الجمع وهو أول فإن لم تتحرّك بالفعل أو القوّة جاز الإبدال كما هنا، كذا قرّره النحاة فلا وجه لتردّد النحرير فيه: ومعنى المواراة الستر، وقرئ سوأتهما بالإفراد والهمز على الأصل وبإبدال الهمزة واواً وإدغامها، وقرئ بالجمع على الأصل وبطرح حركة الهمزة على ما قبلها وحذفها وبقلبها واواً وادغامها، وهي إمّا من وضع الجمع موضع التثنية أو لإدخال الدبر في السوأة وقوله وبقلبها أي قرئ بقلب الهمزة واوا وادغامها فيصير اللفظ سوّآتهما بتشديد الواو فليس في كلامه خلل كما توهم. قوله: (1! راهة أن تكونا) يعني أنه استثناء مفرغ من المفعول لأجله بتقدير مضاف أو حذف حرف النفي ليكون علة كما عرف في أمثاله، وأمّا عدم التقدير على أنه سبب بعيد فخلاف الظاهر المشهور. قوله: (الذين لا يموتون أو يخلدون الخ) أي المراد من الخلود عدم الموت اصلا أو الخلود العارض بعد الموت بدخول الجنة، واستدل بهذه الآية على فضل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفي الكشاف على البشر ووجهه أنه لما قال: أن تصير ملكا أو تكون في مرتبة الملك كما لا قرّر ذلك ولم ينكر عليه وأبضاً ارتكب آدم عليه الصلاة والسلام المنهي عنه طمعا في ذلك، فلولا أنه أفضل لم يرتكبه فليس الاسندلال بمجرّد قول إبليس وإنما قال الزمخشريّ على البشر لأنه لم يكن نبياً في الجنة والمصنف رحمه الله تعالى نظر إلى ما يؤول إليه. قوله: (وجوابه الخ) هو ظاهر لأنه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل فلا ي! ل على التفضيل من كل الوجوه، وأيضا إن رغبتهما كانت في الخلود فقط وقيل على قوله إنّ الحقائق لا تنقلب إنه لا مانع منه عند الأشاعرة لتجانس الأجسام فإما أن يكون هذا مختاره أو إلزاما لهم على مذهبهم فتأمّل. قوله: (وأخرجه على رنة المفاعلة الخ الما كان القسم من جانب واحد، والمفاعلة تقتضي صدوره من الجانبين قيل إنه بمعنى أقسم وإنما عبر بالمفاعلة للمبالغة لأنّ من يباري أحداً في فعل يجد فيه فاستعمل في لازمه، أو أنه وقع من الجانبين ولكنه اختلف متعلقه فهو أقسم على النصح وهما على القبول، وفي الانتصاف في إنما يتم لو لم يذكر المقسم عليه، وهو النصيحة أمّا إذا ذكر فلا يتم إلا إذا سمي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 قبول النصح نصحاً لمقابلته له كما قيل في وواعدنا موسى أو أنه تجوز المفاعلة، وان لم يتحد المتعلق لكن كونه حقيقة بعيد. قوله: (وقيل أقسماً الخ) قيل فيكون فيه لف لأنّ آدم وحواء لا يقسمان بلفظ التكلم بل بلفظ الخطاب، وقيل إنه إلى التغليب أقرب، وقيل إنه لا حاجة إليه بأن يكون المعنى حلفا عليه بأن يقول لهما إني لكما لمن الناصحين. قوله: (فنزلهما الخ) أي أنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبه المعصية بسبب تغريرهما بقسمه من دلي الدلو في البئر، وعن الأزهريّ أنّ معناه أطمعهما وأصله من تدلية العطشان شيئا من البئر فلا يجد فيها ما يشفي غليله وقيل من الدلّ وهو الجراءة أي فجرّأهما كما قال: أظن الحلم دلّ عليّ قومي وقد! جيل الرجل الحليم فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء. قوله:) بما غرّهما به من القسم الخ (يعني الباء للمصاحبة أو الملابسة وهو حال من الفاعل أو المفعول ولا حاجة إلى جعل الغرور مجازا عن القسم لأنه سبب له كما قيل. قوله: (فلما وجدا طعمهما آخذين في ا! ل الخ الما كان الذوق وجود الطعم بالفم وقد يعبر به عن ا! ل اليسير فسره بهذا لأنه وقع في آية أخرى مصرحاً بالأكل فيها، والتهافت التساقط ويخص بما يكره، والسنبلة من الحنطة معروفة، وقوله: (ظفرا) أي شيئا كالظفر ساتراً لبدنهما. قوله:) أخذا يرقعان الخ (إشارة إلى أنّ طفق من أفعال الشروع الدالة على الأخذ في الفعل، ولذا لا تدخل أن على خبرها وهي بكسر الفاء في الأفصح وقد تفتح واً صل معنى الخصف الخرز في طاقات النعال، ونحوها بإلصاق بعضها ببعض فالمراد يلصقان بها، ولهذه القصة عنى العباس رضي الله عنه الجنة في قوله يمدح النبيّ يرو: من قبلهاطبت في الظلال وفي مستوح حيث يخصف الورق والمعنى يخصفان على سوآتهما، أو على بدنهما لما تقرّر في العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر أو المضمر إلى ضميره بواسطة أو بدونها فأما أن يكون في الكلام مضاف مقدر أو يكون ضمير عليهما عائدا على السوأتين كما قاله أبو حيان. قوله: (وقرئ يخصفان من أخصف أي يخصفان أنفسهما) قال الجاربردي لما نقل خصف إلى أخصف للتعدية ضمن الفعل معنى التصيير فصار الفاعل في المعنى مفعولاً لتصيير فاعلاً لأصل الفعل فيكون التقدير يخصفان أنفسهما عليهما من ورق الجنة فحذف مفعول التصيير ومن للتبعيض اهـ وقد جوز فيه أن يكون خصف وأخصف بمعنى، ويخصفان من خصف المشدد بفتح الخاء على الأصل، وقد ضمت اتباعا للياء وهي قراءة عسرة النطق، ويخصفان بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد من الافتعال وأصله يختصفان سكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين ونظيره يهدي، ويخصمون وفتح الخاء يعقوب رحمه الله. قوله: (عتاب على مخالفة النهي) هو من قوله ألم أنهكما وتوبيخ على الاغترار بقول العدوّ من توله وأقل لكما إنّ الشيطان الخ وقوله: (وفيه دليل على أنّ مطلق النهي للتحريم) أي النهي إذا ورد مطلقا من غير تقييد بتحريم صريحا أو تلويحا يدل على ذلك كقوله أنهكما هنا إذ لم يقل نهي تحريم، والدليل على إرادة التحريم منه اللوم الشديد عليه وندمهما واستغفارهما من ذلك فلذلك استدل به على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحيح خلافه، وقد أجاب المصنف رحمه الله عنه في البقرة بأنه للتنزبه وأنّ ندمهما واستغفارهما لترك الأولى فكيف ذكر هنا أنه دليل على التحريم مع احتمال التنزيه، والجواب عنه أنه لم يقل النهي للتحريم بل مطلق النهي وهو ما لم يكن معه قرينة حالية أو مقالية تدل على خلافه، ولذا قيل إنّ قوله وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدوّ مبين مقارن للنهي فليس مطلقا. قوله: (وإن لم تففر لنا الآية) هذا شرط حذف جوابه لدلالة جواب القسم المقدر عليه فإن قبل حرف الشرط لام توطئة مقدرة كما في قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [سورة المائدة، الآية: 73] ويدل على ذلك ورود لام التوطئة قبل أداة الشرط في كلامهم كذا قاله المعرب ومنه يعلم أنّ قول المصنفين في تراكيبهم والا لكان كذا كلام صحيح لأنّ لام التوطئة يطرد حذفها فلا عبرة بما قيل إنه خطأ فتأمل. قوله: (دليل على أن الصغائر الخ) قيل عليه إنه يحتمل أن يكون قول آدم صلى الله عليه وسلم مبنياً على ظن أنّ ما فعله كبيرة كما يوهمه ظاهر المؤاخذة فلا دلالة فيه على ما ذكر. (قلت) الفرق بيته وبين ما ذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 المصنف رحمه الله يسير فهو كالصيد من المقلي فتدبر. قوله: (الخطاب لآدم وحواء وفوّيتهما الخ) هذا على عادته كصاحب الكشاف إنه إذا كان في النظم تفاسير أو احتمالات ذكر بعضها في موضع، وبعضها في آخر مع التنبيه على المختار وتركه فلا يرد عليه إنه قال في سورة البقرة إن الخطاب لآدم وحواء لقوله فاهبطا، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر فكأنهم هم، ولك أن تقول هو عين ما ذكر لأنّ ذريتهم لم تكن موجودة حال الخطاب فتامّل، وقوله: (وكرّر الخ) يعني إبليس أخرج أولاً وأمره هنا ثانيا إشارة إلى عدم انفكاكه عن جنسهما في الدنيا، وقد قيل إنه أخرج منها ثانيا بعدما كان يدخلها للوسوسة أو من السماء، وقوله: (أو اخبر الخ (حاصله أنّ الأمر وقع مفرقا وهذا نقل له بالمعنى واجمال له. توله: (في موقع الحال أي متعادين) قد مرّ تفصيله في قوله أو هم قائلون، وقد قيل عليه إنه ينافي ما سبق من قوله وأما جاءني زيد هو فارس فخبيث لا يقال هنا أوّل الجملة بمفرد حيث قال: أي متعادين كما أن قولهم كلمته فوه إلى فيّ في معنى مشافها، فلا يحتاج إلى الواو، لأنا نقول لو صح هذا التأويل لجرى في جميع الجمل الاسمية فيقال هم قائلون في تقدير قائلين، وهو فارس في تقدير فارسا فالوجه أن يحمل قوله بعضكم لبعض عدوّ على الاستئناف كأنهم لما أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا فأجيبوا بأنّ بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين، ورد كما مرّ تحقيقه بأنه إشارةءلى تنزيل الجملة الاسمية الحالية منزلة المفرد ليحسن ترك الواو وفسر المعاداة على وجه لا يوهم معاداة آدم عليه الصلاة والسلام لحواء، وبالعكس وليس كقولك جاءني زيد وهو فارس في معنى جاءني فارسأ لما أشار إليه الثيخ عبد القاهر من الفرق بين جاء زيد كذلك، وجاء وهو كذلك بأنّ لهذا نوع ابتداء واستئناف (قلت) هو كما قال: وقد فصله السبكيّ في أشباهه، وقال: إنّ المفرد يقتضي تجذد المقارنة والجملة لا تقتضي ذلك فكأنه استئناف لبيان ما هو عليه من الحال فلو قال لله عليّ أن أعتكف وأنا صائم أو صائما وفي نذره في الأولى بالاعتكاف في رمضان بخلاف الثاني وقد ذكره النحرير: هنا بطريق البحث وهو مما صرّح به غيره ولشيخ مشايخنا ابن قاسم فيه بحث، وقوله استقرار الخ أي هو مصدر ميمي أو اسم مكان كما مرّ. قوله: (إلى تقضي آجالكم) وفي البقرة تفسيره بالقيامة أيضا لأنه متعلق بما تعلق به الظرف الواقع خبرا فإن نظر إلى كونه مستقرا كانت الغاية القيامة وان نظر إلى التمتع أو المجموع كانت الموت، ويجوز اعتبار كل منهما على كلا الوجهين وقد مرّ تحقيقه هناك. قوله: (وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان ومنها تخرجون) بفتح التاء وضم الراء هنا وفي الزخرف قرئت في مواضع مبنية للفاعل، وفي أخرى للمفعول وتفصيله في كتب القراآت، وفي الدر المصون فائدة هنا في قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [سورة الأعراف، الآية: 23] إنه حذف حرف النداء لتعظيم المنادى وتنزيهه قال مكيّ: كثر نداء الرب بحذف يا منه في القرآن وعلة ذلك أنّ في حذف يا من نداء الرب معنى التعظيم والتنزبه، وذلك أنّ النداء فيه طرف من معنى الأمر لأنك إذا قلت يا زيد فمعناه تعال فحذفت لتزول صورة الأمر وهذه نكتة جليلة. قوله: (أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية الخ) قال ابن فارس في فقه اللغة الضاحي معناه خلقنا لأنّ الأنعام لا تقوم إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء والله تعالى ينزل الماء من السماء، ومثله: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} [سورة الأعراف، الآية: 26] وهو تعالى إنما أنزل الماء لكن اللباس من القطن، وهو لا يكون إلا بالماء ا! وهذا التفسير منقول عن الحسن رحمه الله وما ذكره هنا هو حاصل ما قال في سورة الزمر في تفسير قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [سورة الزمر، الآية: 6] وقضى أو قسم لكم فإنّ قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح المحفوظ أو أحدث لكم بأسباب نازلة منها كأشعة الكواكب والأمطار اهـ، والتجوز الظاهر أنه في المسند، ويحتمل أن يكون في اللباس أو الإسناد ويواري ترشيح في بعضها وقوله التي قصد الشيطان الخ يريد أن إبداء سوآتهما موجب لإبداء سوآتنا فهو كالقاصد لذلك ولو لم يخلق الله اللباس لتحقق ما أراده، وقوله: (روي أنّ العرب الخ) أخرجه المحدثون وهو في صجح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل إنهم كانوا يفعلونه تفاؤلاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 بالتعرّي عن الذنوب والآثام، وفي السير أنهم كانوا يلبسون ثياب قريش فمن لم يجدها طاف عريانا. قوله: (ولباساً تتجملون به الخ) فعطفه إمّا من عطف الصفات فوصف اللباس بثيئين مواراة السوأة والزينة فالريش بمعنى الزينة لأنه زينة الطير فاستعير منه ويحتمل أنه من عطف الشيء على غيره أي أنزلنا لباسين لباص مواراة ولباس زينة فيكون مما حذف فيه الموصوف أي لباساً ريشاً أي ذا ريش والريش مشترك بين الاسم والمصدر، وقرئ رياشا وهو مصدر كاللباس أو جمع رائش. قوله:) خثية الله الخ) ففي الوجهين الأوّلين مجازاً ومشاكلة وفي الأخير حقيقة. قوله: (ورفعه بالابتداء وخبره ذلك خير) أي الجملة خبره والرابط اسم الإشارة لأنه يكون رابطا كالضمير أو خير خبر، وذلك صفة لباس التقوى كما قاله الزمخشري: وقد سبقه إليه الزجاج وابن الأنباري وغيره، واعترض عليه الحوفي بأن الأسماء المبهمة أعرف من المعرف باللام ومما أضيف إليه، والنعت لا بد أن يساوي المنعوت في رتبة التعريف أو يكون أقل منه ولا يجوز أن يكون أعرف منه كما صرّح به النحاة، فلذا قيل إنه بدل أو بيان لا نعت، وأجاب عنه المعرب بأنه غير متفق عليه فإنّ تعريف اسم الإشارة لكونه بالإشارة الحسية الخارجية عن الوضع قيل إنه أنقص من ذي اللام، والمصنف رحمه الله أشار إلى جواب وهو أنه بمعنى المعرف باللام فيكون في مرتبته، وقد قيل إنّ ال موصولة فتتساوى رتبتهما وفيه نظر، وقد قيل إنّ ذلك لا محل له من الإعراب وهو فصل كالضمير، وهو غريب قيل لم يسبق إليه وقد سبقه له أبو عليّ في الحجة والإشارة بالبعيد للتعظيم بتنزيل البعد الرتبي منزلة الحسيّ، ثم إن كانت الإشارة للباس المواري فلباس التقوى حقيقة والإضافة لأدنى ملابسة وإن كانت للباس التقوى فهو استعارة مكنية وتخييلية بأن يتوهم للتقوى حالة شبيهة باللباس تشتمل على جميع بدنه بحسب الورع والخشية من الله اشتمال اللباس على اللابس ليست حال خارجية بل صورة وهمية كما في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} أسورة النحل، الآية: 112] قاله العلامة: أو من قبيل لجين الماء وعلى قراءة النصب يكون اللباس المنزل ثلاثة أو يفسر لباس التقوى بلباس الحرب فقط أو يجعل الإنزال مشاكلة فتأمّل. قوله: (أي إنزال اللباس) المتقدم كله أو الأخير لقربه وقوله فيعرفون عطف على يذكرون ويتعظون عطف عليه ويتورّعون مفرّع على يتعظون أو فيعرفون تفريع على يذكرون مشاراً إلى يرفعه فقوله فيتورّعون تفريع على يتعظون في مقابلة فيعرفون نعمته فتأئل، وقوله الدالة على فضله ورحمته إشارة إلى أنّ الآيات هنا بمعنى الأدلة. قوله: (لا يمحننكم) تقدم أنّ الفتنة معناها التخليص من الغش وأنها تطلق على الابتلاء والإضلال، وهو المراد وهذا نهي للشيطان في الصورة والمراد نهي المخاطبين عن متابعته وفعل ما يقود إلى فتنته كما تقدم تحقيقه في قوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [سورة الأعراف، الآية: 2] والقراءة المشهورة بفتح حرف المضارعة وقرئ بضمها من أفتنة حمله على الفتنة وقرئ بغير توكيد أيضا. قوله: (كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها الخ) يعني أنّ قوله كما أخرج وضعموضع كما فتن وضعاً للسبب موضحع المسبب أي أوقعهما في المحن والبلاء بسبب الإخراج ويجوز أن يكون التقدير لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم أو لا يخرجنكم بفتنته إخراجا مثل إخراجه أبويكم ولا منافاة بين كون الهبوط عقاباً على تلك الزلة وكونه لجعله خليفة لأنّ من العقاب ما يترتب عليه الأنعام فتأمّل. قوله: (حال من أبويكم أو من فاعل أخرج الاشتماله على ضميريهما وكل منهما صحيح معنى والصناعة مساعدة عليه ولفظ المضارع قالوا إنه لحكاية الحال الماضية لأنها قد تقضت وانقطعت، وردّ بأنه ليس على حكاية الحال الماضية على ما توهم وان كان الأمر كذلك يعني أنه يقارن الإخراج في البقاء، وهو كاف في مقارنة الحال لعاملها وليس بوارد لأن النزع السلب وهو ماض بالنسبة إلى الإخراج وإنما الباقي عريهما والإسناد إليه مجازي لكونه سببا في ذلك إذ لم ينزعه عنهما وهو ظاهر، وقوله: (تعليل للنهي) كما هو معروف في الجملة المصدرة بأنّ في أمثاله، وتأكيد للتحذير لأنّ العدوّ إذا أتى من حيث لا يرى كان أشد وأخوف. قوله: (ورؤيتهم إيانا الخ) ردّ على الزمخشري وغيره من المعتزلة المنكرين لرؤية الجن لرقة أجسامهم ولطافتها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 لمان كانوا يروننا لكثافة أجسامنا، وقد ثبتت رؤيتهم بالأحاديث الصحيحة المشهورة وهي لا تعارض نص القرآن هنا كما قالوا لأنّ المنفيّ فيه رؤيتهم إذا لم يتمثلوا لنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو تأكيد للضمير المستتر، وقبيله في قراءة الرفع معطوف عليه لا على البارز لأنه لا يصح للتأكيد، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ولا حاجة إلى القول بأنه عطف على محل اسم أنّ، وعلى قراءة النصب فهو عطف على اسم إن والضمير لا يلبس لا للشأن كما في الكشاف لأنه لا يصح العطف عليه ولا يتبع بتابع، أو الواو واو مع، والقبيل الجماعة، فإن كانوا من أب واحد فهم قبيلة، ومن لابتداء الغاية وحيث ظرف لمكان انتفاء الرؤية وجملة لا ترونهم في محل جرّ بالإضافة، ونقل عن أبي إسحاق أنّ حيث موصولة وما بعدها صلة لها ورده أبو عليّ الفارسيّ بأنه لم يقل به أحد غيره إلا أن يريد أنه كالموصول والصلة وهذه القضية عامّة مطلقة لا دائمة فلا تدل على ما ذكره المعتزلة. قوله: (بما أوجدنا بينهم الخ) أي الموالاة عبارة عما يتسبب عن هذا إذ لا موالاة بينهم حقيقة، وقوله مقصود القصة أي السابقة على هذه فهي جملة مستأنفة ويجوز أن يقصد بها التعليل أيضا والفذلكة الإجمال كما مرّ. قوله: (اعتذروا واحتجوا الخ) أعرض عن الأوّل لأنه غنيّ عن الرذ والمراد أعرض! عن التصريح بردّه، والا فقوله إنّ الله لا يأمر بالفحشاء متضمن لرذه لأنه إذا أمر بمحاسن الأفعال فكيف يترك أمره لمجرّد اتباع الآباء فيما هو قبيح عقلا فلا ينافي هذا قوله فيما سيأتي وعلى الوجهين يمتنع التقليد، وقال الإمام ة لم يذكر جوابا عن حجتهم الأولى لأنها إشارة إلى محض التقليد، وقد تقرّر في المعقول إنه طريقة فاسدة لأنّ التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان التقليد حقا لزم القول بحقية الأديان المتناقضة فلما كان فساده ظاهراً لم يذكره الله. قوله: (لأنّ عادته سبحانه وتعالى جرت الخ) أي عادة الله جرت على الأمر بمحاسنها وهو اللاق بالحكمة المقتضية أن لا يتخلف فلا يتوهم أنه لا يستلزم نفي أمره بالفحشاء حتى يتم الاستدلال فالأولى أن يقول وعادته جرت الخ، وقوله: (ولا دلالة الخ) يعني لا دلالة على القبح العقلي بالمعنى المتنازع فيه، وهو كون الشيء متعلق الذمّ قبل ورود النهي عنه بل بمعنى نفرة الطبع السليم ولا نزاع فيه كما حقق في الأصول، وقوله والله أمرنا بها أي أمر آباءنا ففيه مضاف مقدر فلا يقال الظاهر أمرهم بها والعدول عن الظاهر إشارة إلى ادّعاء أنّ أمر آبائهم أمر لهم. قوله: (وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل الخ) أي على تقدير كونه جوابا أو جوابين أما على الأوّل فلأنهم قلدوهم فيما أمر الله بخلافه وكذا على الثاني، فلا دلالة في الآية على المنع من التقليد مطلقا، ولا على عدم صحة إيمان انمقلد. قوله: (إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله تعالى) لأنّ الافتراء تعمد الكذب فإذا أنكر القول من غير علم فإنكار ما علم خلافه يثبت بالطريق الأولى والإنكار إمّا بمعنى إنه لا ينبغي ذلك أو لم يكن والأوّل ظاهر والظاهر المراد منه النهي عنه، ولا دليل في الآية لمن نفى القياس بناء على أنّ ما يثبت به مظنون لا معلوم، لأنه مخصوص من عمومها بإجماع الصحابة، ومن يعتد به أو بدليل آخر، وقيل المراد بالعلم ما يشمل الظن وتفصيله في الأصول. قوله: (بالعدل الخ) تفسير للقسط ومنه القسطاس للميزان، وقوله: وتوجهوا إلى عبادته أي إقامة الوجه كناية عن التوجه إليه دون غيره. قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} فيه وجهان فقيل إنه معطوف على الأمر الذي ينحل إليه المصدر مع إن أي بأن اقسطوا، والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر كما نقله المعرب، وقول الزمشخريّ: وقل أقيموا وجوهكم أي اقصدوا عبادته يحتمل أنّ قل مقدر غير الملفوظ به فيكون أقيموا مقولاً له، وأن يكون معطوفا على أمر ربي المقول لقل الملفوظ بها، وقال النحرير: قدره لأنه لو عطف على أمر ربي لكان ظاهره عطف الإنشاء على الخبر وان كان على سبيل الحكاية وتأويل مثله شائع، ولو لم يقدّر لا وهم أنّ مقول قل هو مجموع أمر ربي وأقيموا وفيه نظر، ويجوز أن يكون معطوفا على محذوف تقديره قل اقبلوا وأقيموا، وتال الجرجاني: الأمر معطوف على الخبر، لأنّ المقصود لفظه، أو لأنه إنشاء معنى. قوله: (في وقت كل سجود أو مكانه الخ) يعني أنّ مسجداً هنا يحتمل أن يكون مكانا أو زمانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 وكان من حق مسجد فتح العين لضمها في المضارع، وله أخوات في الشذوذ مذكورة في التصريف ويحتمل أنه إشارة إلى أنه مصدر ميمي، والوقت مقدر أو اسم مكان كني به عن الصلاة واليه الإشارة بقوله وهو الصلاة، وقيل: إنه إشارة إلى أنّ عند بمعنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي وهو أي السجود على الوجهين مجاز عن الصلاة لا إلى أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله كما توهم. قوله: (أو في أيّ مسجد حضرتكم الصلاة الخ) عطف على قوله في كل وقت سجود والمسجد بالمعنى المصطلح، ففيه ثلاثة وجوه ويكون الأمر للوجوب على الأوّلين وللندب على الثالث وهو لا يناسب المقام، وقوله واعبدوه إشارة إلى أنّ الدعاء بمعنى العبادة لتضمنها له، والدين بمعناه اللغوي وهو الطاعة، وقوله فإنّ إليه مصيركم أي رجوعكم مأخوذ من قوله تعودون بعده وبيان لارتباطه به وأنه مذكور للتعليل. قوله: (كما أنشثم ابتداء تعودون بإعادته الخ) إنما قال تعودون ولم يقل نعيدكم إشارة إلى أنّ الإعادة دون البدء من غير مادّة ولذا فسر بدأكم بأنشأكم حتى كأنه عاد بنفسه بحيث لو تصوّر الاستغناء عن الفاعل لكان في الإعادة دون البدء فهو كقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية: 27] سواء كانت الإعادة الإيجاد بعد الإعدام بالكلية أو بجمع متفرّق الأجزاء، وقول المصنف باعادته بيان للواقع ورتب المجازاة عليه إشارة إلى أنه المقصود من ذلك ليرتبط بما قبله وما بعده. قوله: (وإنما شبه الإعادة بالإبداء الخ) وجه التقرير والتحقيق ما مر من أنّ الإعادة بالنسبة إلى المخلوقين أسهل من الإبداء فذكر على المتعارف، وغر لا بغين معجمة وراء مهملة تقدم معناه. قوله: (وقيل كما بدكم مؤمناً وكافرا) هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما فيكون كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} ويكون ما بعده تفسيراً وتفصيلا له، قيل وهو أنسب بالسياق لأنهم أمرهم بالإخلاص وأشار إلى أنه لا يتيسر له ذلك إلا من قدر له السعادة فإنه قضى بالسعادة والشقاوة، وتوله مؤمناً وكافراً فيه تسمح أي فريقاً مؤمنا وفريقاً كافراً والمعنى خلقكم منقسمين إلى ذلك. قوله: (بمقتضى القضاء السابق الخ (أي بينت الهداية والضلالة بمقتضى القضاء الأزلي، وهو عندنا إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على ها هي عليه فيما لا يزال، وعند الفلاسفة علمه بما ينبغي أن تكون عليه الأشياء وعدل عن تفسير الزمخشريّ فإنهم ينكرون القضاء في أفعال العباد الاختياربة ويثبتون علمه بها وتحقيقه في أصول الدين. قوله: (وانتصابه بفعل يفسره ما بعده) أي انتصاب فريقا الثاني وانتصاب الأوّل بهدي وقدّم عليه للتخصيص فالمناسب تقدير العامل في الثاني مؤخرا أيضاً والجملتان حال بتقدير قد أو مستأنفة، ويجوز نصبهما على الحال من ضمير تعودون والجملتان بعدهما صفتان لهما ويؤيده قراءة أبيّ رضي الله عنه تعودون فريقين فريقاً هدي وفريقا الخ والمنصوب بدل أو منصوب بأعني مقدراً. قوله: (أي وخذل) تبع فيه الزمخشريّ وقد قيل عليه لا ضرورة في تفسير الهداية بالتوفيق للإيمان، وأما جعل المضمر المفسر خذل دون أضل مع أنه الظاهر الملائم لهدي وحقت عليهم الضلالة فاعتزال، ولك أن تقول أنّ المصنف رحمه الله لم يرد ما قصده الزمخشريّ فإن التوفيق للإيمان هداية ومن أضله الله فهو مخذوف والخذلان ترك النصر فلما اتخذوا الشياطين أولياء يستندون إليهم وكلهم الله إليهم ولم ينصرهم، وإنما فسره به لدلالة ما بعده عليه فتأمّله. قوله: (تعليل لخذلانهم) إشارة إلى ما حققناه، ويؤيده أنه قرئ إنهم بالفتح وهي نص في التعليل فلذا اختاره المصنف رحمه الله، وقوله: (أو تحقيق لضلالهم (أي تأكيد له لأنّ الخذلان يستلزم الضلالة والجملة مستأنفة ولم يسند الإضلال إليه تعالى وان كان هو الفاعل له تعليماً للأدب. قوله: (يدل على أنّ الكاقر المخطئ الخ) وجه الدلالة أنه ذكر أوّلاً من وإلى الشياطين عادلاً عن الله وهم المعاندون ثم ذمّ من ظن منهم أنّ ما هو عليه حق وهدى، وهو المخطئ، فلا يرد عليه أنّ من حسب أنه مهتد كيف يكون معاندا فيتكلف جوابه، وقيل إن من حقت عليه الضلالة في مقابلة من هداه الله وهو شامل للمعاند والمخطئ فقوله ويحسبون الخ من قبيل بنو فلان قتلوا قتيلاً. قوله: (وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر) قيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 إنّ معناه أنّ من فرق بين الكافر المخطئ والمعاند في استحقاق الذمّ بقول المراد بالضمير في أنهم اتخذوا الكافر المقصر في النظر وهم الذين حق عليهم الضلالة وأما الذين اجتهدوا وبذلوا الوسع فمعذورون كما هو مذهب البعض، وقيل إنه يعني أنه يحمل قوله ويحسبون على المقصر في النظر تقليدا صرفا غير مبالغ في النظر فإنّ خلافه ليس إلا المجتهد المبالغ فيه، وفيه إن الاختلاف إنما هو في خلوده في النار، وفي استلزام الذمّ المذكور إياه فليحرّر. قوله: (ثيابكم لمواراة عورتكم) وفي نسخة عوراتكم بالجمع يعني المراد بالزينة ما يستر العورة لأنه اللازم المأمور به، ولذا قال ومن السنة بيانا لوجه تفسيره به دون لباس التجمل المتبادر منه لأنّ المستفاد من خذوا هو وجوب الأخذ ولباس التجمل مسنون، ولا يصح أن يكون مراده أن هذا الأمر يحتمل الندب لأنّ قوله وفيه دليل الخ ينافيه، وقيل إنّ الآية لما دلت على وجوب أخذ الزينة بستر العورة في الصلاة فهم منها في الجملة حسن التزين بلبس ما فيه حسن وجمال فيها ولهذا قال: ومن السنة الخ وهذا يؤخذ من تعبيره بالزينة، وقوله: عند كل مسجد لا يأتي على الحمل على وجوب المواراة عند الطواف لأنه مخصوص بالمسجد الحرام حتى يحمل عمومه على كل بقعة منه كما قيل وقوله روي الخ بيان لوجه ذكر الأكل والشرب هنا، وقوله بتحريم الحلال هو المناسب لسبب النزول المذكور فالإسراف تجاوز عن الحد مطلقا سواء كان في فعل أو ترك والشره بالراء المهملة الحرص. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ (حديث صحيح أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، وقوله كل ما شئت والبس ما شئت أي مما هو حلال وهذا لا ينافي ما ذكره الثعالبي وغيره من الأدباء إنه ينبغي للإنسان أن يأكل ما يشتهي ويلبس ما يشتهيه الناس كما قيل: نصيحة نصب قالت بها ا! ياس كل ما اوثم! تهيت والبسن ها تثتهيه ا! اس فإنه لترك ما لم يعتد بين الناس وهذا الإباحة كل ما اعتادوه، والمخيلة الكبر وما دوامية زمانية، وأخطأتك من قولهم أخطأ فلان كذا إذا عدمه، وفي الأساس من المجاز لن يخطئك ما كتب لك، وأخطأ المطر الأرض لم يصبها وتخطأت النبل تجاوزته. قوله: (قد جمع الله الطب في نصف آية الخ) في الكشاف يحكي أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعليّ بن الحسين بن واقد رضي الله عنهم ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه قال وما هي قال قوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} فقال النصراني ولا يؤثر من رسولكم شيء في الطب فقال قد جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم في ألفاظ يسيرة قال وما هي قال قوله صلى الله عليه وسلم: " المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأعط كل بدن ما عوّدته " فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا وترك المصنف رحمه الله تمام القصة لأنّ في ثبوت هذا الحديث كلاما للمحدّثين وفي شعب الإيمان للبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم " وقد شرحه الطيبي فإن أردته فراجعه وفسر المحبة بالارتضاء لما مرّ وقوله من النبات الخ عمم في تفسيره لأنّ تخصيصه يغني عنه ما مرّ والمستلذات تفسير للطيبات وفسرت بالحلال أيضا، وقوله من المآكل والمشارب تفسير للرزق وكون الأصل في الأشياء الحل أو الحرمة مما اختلف فيه في أصول الفقه ووجه الدلالة ظاهر وقوله للإنكار أي لإنكار تحريمها على وجه بليغ لأنّ إنكار الفاعل يوجب إنكار الفعل لعدمه بدونه. قوله: (والكفرة و! ! شاركوهم الخ) بيان لوجه الاختصاص المستفاد من اللام مع أنها أحلت للكفرة أيضاً كما يدل عليه خالصة يوم القيامة فإنه يشعر بالمشاركة في الدنيا، وقيل إنه متعلق بآمنوا فلا يحتاج إلى توجيه. قوله: (وانتصابها على الحال الخ) هو حال من الضمير المستتر في الجارّ والمجرور والعامل فيه متعلقه، وعلى قراءة الرفع هو خبر بعد خبر أو هو الخبر وللذين متعلق به قدم لتأكيد الخلوص، والاختصاص وقوله كتفصيلنا الخ ويجوز أن يكون على حدّ قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أسورة البفرة، الآية: 143] كما مرّ تحقيقه. قوله: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 (ما تزايد قبحه الخ) يعني الفحش زيادة القبح وما يتعلق بالفروج هو الزنا أو يعمّ الملامسة والمعانقة، وقوله: جهرها وسرّها روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يكرهون الزنا علانية ويفعلونه سرّاً فنهاهم الله مطلقاً، وقال الضحاك: ما ظهر الخمر وما بطن الزنا، وقيل الفواحش الكبائر مطلقاً. قوله: (وما يوجب الإثم تعميم بعد تخصيص وقيل شرب الخمر) أصل معنى الإثم الذم فأطلق على ما يوجبه من مطلق الذنب وذكره للتعميم بعد التخصيص بما مرّ من معنى الفواحش، وقيل إن الإثم هو الخمر قال الثاعر: نهانا ريسول الله أن نقر الزنا وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا وهو منقول عن ابن عباس رضمي الله عنهما والحسن البصري، وذكره أهل اللغة كالأصمعي وغيره قال! الحسن: ويصدّقه قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [سورة البقرة، الآية: 219] وقال ابن الأنباري: لم تسم العرب الخمر إثما في جاهلية ولا إسلام والشعر المذكور موضوع، وردّ بأنه مجاز لأنها سببه، وقال أبو حيان رحمه الله: إنّ هذا لتفسير غير صحيح هنا أيضا لأن السورة مكية، ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد وقد سبقه إلى هذا غيره وأيضا الحصر حيحئذ يحتاج إلى التأويل. قوله: (الظلم أو الكبر) أفرده بالذكر للمبالغة بناء على التعميم فيما قبله أو دخوله في الفواحش لأن تخصيصه بالذكر يقتضي أنه تميز من بينها حتى عد نوعا مستقلاً. قوله: (متعلق بالبني مؤكد له الأن البغي لا يكون إلا بغير حق أو حال مؤكدة لأن الحال يتعلق معناها بصاحبها لأنها صفة معنى وقوله معنى راجع إلى قوله مؤكد، ويصح صرفه لما قبله من التعلق والتأكيد. قوله: (تهكم بالمشركين الخ الأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره، قيل في الانتصاف قياسه أن يكون كقوله: على لا حب لا يهتدي بمناره (قلت) هذا هو الحق لأن المعنى حرّم ربي أن يشركوا به شركاء لا ثبوت لها وما أنزل الله لإشراكها سلطاناً فبالغ في نفي الشريك بنفي لازمه لينتفي ملزومه بالطريق البرهاني، اهـ ورد بأنّ التهكم إنما جاء من حيث إنه يوهم أنه لو كان عليه سلطان لم يكن محرّما دلالة على تقليدهم في الغي والمعنى على نفي الإنزال والسلطان معا على الوجه الأبلغ على أسلوب ولا ترى الضب بها ينحجر. كما صرّحوا به في تفسير قوله تعالى: {بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [سورة آل عمران، الآية: 51 ا] ومنه يظهر أن لا منع من الجمع يعني بين التهكم والأسلوب المذكور كما توهمه ذلك القائل ومنه تعلم أن الكلام التهكمي لا يلزم أن يكون من استعارة التضادّ كما توهم، وفي قوله وتنبيه نظر. قوله: (بالإلحاد في صفاته) أي العدول عما وصف به من الوحدة إلى غيره من اتخاذ الشريك كما يدل عليه ما قبله. قوله: (مدّة أو وقت لنزول العذاب الخ) أي الأجل المدة المعينة للشيء كالدين والموت وآخر تلك المدة وقد اشتهر في المدة المضروبة لحياة الإنسان والمراد هنا مدة أمهلوها لنزول العذاب أو وقت نزوله المعين له، كما نقل عن الحسن وابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل، وذهب بعضهم إلى أنه وقت الموت والتقدير ولكل أحد من أمّة وعلى الأول لا حاجة إلى تقدير فيه لأن المراد لكل أمة زمان معين لإهلاكهم وانقراضهم فإنه ليس المراد بالأجل فيه العمر والا لقال لكل واحد بل أجل عذاب الاستثصال فإنه تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين إذا جاء ذلك الوقت نزل بهم العذاب، ولذلك تال إنه وعيد لأهل مكة، وقال ابن جني: قراءة الجمع على الظاهر لأن لكل إنسان أجلاً وأما إفراده فلقصد الجنسية والجنس من قبيل المصدر وأيضا حسن الإفراد لإضافته إلى الجماعة ومعلوم أنّ لكل إنسان أجلاً، وقوله انقرضت مدّتهم أي انقطعت وتمت مدة إمهالهم بمجيء آخرها فمجيء الأجل مجاز عن تمامه وهو على تفسيره بالمدة أو جاء بمعنى حان أي قرب وجاء حينه والأجل وقت نزول العذاب على التف ير الثاني ولإضافة في قوله وقتهم لأدنى ملابسة. قوله: (أي لا يتأخرون ولا يتقدّمون أقصر وقت الخ (لما كان الظاهر عطف لا يستقدمون على لا يستأخرون كما أعربه الحوفي وغيره أورد عليه أنه فاسد لأنّ إذا إنما يترتب عليها الأمور المستقبلة له الماضية والاستقدام حينئذ بالنسبة إلى محل الأجل متقدم عليه فكيف يترتب عليه ما تقدمه ويصير من باب الإخبار بالضروري الذي لا فائدة فيه كقولك إذا قمت فيما يأتي لم يتقدم قيامك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 فيما مضى، وأجاب عنه الواحدي بأنه على المقاربة والعرب تقول جاء الثتاء إذ قرب فالمعنى أنها إذا أقربت لا تتقدم على وقتها المعين ولا تتأخر عته إلا أنه ليس تحته طائل وقيل إن جملة ولا يستقدمون مستأنفة، وقيل إنها معطوفة على الشرط وجوابه أو على القيد والمقيد، وقيل إنّ المقصود المبالغة في انتفاء التأخير يعني أنّ التأخير مساو للتقديم في الاستحالة ولذا نظمه معه في سلك أو أن مجموع لا يستأخرون ولا يستقدمون كناية عن أنهم لا يستطيعون تغييره، ويؤخذ من قوله لشدة الهول أنهم لذهولهم لم يفرقوا بين طلب المحال وغيره، فهو عبارة عن ذهولهم عن الطلب مطلقا وهو جواب آخر مع الإشارة إلى أن الاستفعال بمعنى التفعل أو على ظاهره ونفي طلبه أبلغ من نفيه، وقال النحرير: في شرح المفتاح القيد إذا جعل جزءاً من المعطوف عليه لم يشاركه المعطوف فيه كما هنا فإنّ الظرف مخصوص بالمعطوف عليه إذ لا معنى لقولهم: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} ا! وقد ذكروا أنه إذا عطف شيء على شيء وسبقه قيد يشارك المعطوف المعطوف عليه في ذلك القيد لا محالة وأما إذا عطف على ما لحقه قيد فالشركة محتملة فالعطف على المقيد له اعتبار أن أحدهما أن يكون القيد سابقا في الاعتبار والعطف لاحقا في الاعتبار، والثاني أن يكون العطف سابقا والقيد لاحقا فعلى الأوّل لا يلزم اشتراك المعطوفين في القيد المذكور إذ القيد جزء من أجزاء المعطوف عليه وعلى الثاني يجب الاشتراك إذ هو حكم من أحكام الأوّل يجب فيه الاشتراك وقوله أقصر وقت إشارة إلى أنّ الساعة ليست عبارة عن التحديد حتى يجوز أن يتأخروا أقل منها بل عبارة عن أقل مدة مطلقا وتد وقع هذا التركيب في مواضع ودخلت الفاء فيه على إذا إلا في سورة يونس والموضع موضع الفاء فليتأمل. قوله: (ذكره بحرف الشك الخ) إرسال الرسل لهداية البشر واقع وليس بواجب عندنا، وقالت الفلاسفة إنه واجب على الله لأنه يجب عليه تعالى أن يفعل الأصلح، وهم يسمون أهل التعليم، والمراد ببني آدم جميع الأمم وهو حكاية لما وقع مع كل قوم وليس المراد بالرسل نبينا صلى الله عليه وسلم وببني آدم أمته كما قيل فإنه خلاف الظاهر. قوله: (وضمت إليها ما الخ) ما مزيدة للتأكيد وقيل إنها تفيد العموم أيضا فمعنى أما تفعلن إن اتفق منك فعل بوجه من الوجوه، وإذا زيدت إلى أنّ الشرطية فهل يلزم تأكيد الفعل بعدها أولاً فيه خلاف فقال الزجاج: والمبرد وتبعهما الزمخشري إنها لازمة لا تحذف إلا ضرورة ورد بكثرة سماع خلافه كقوله: فأمّا تريني ولي لمة فإنّ الحوادث أودى بها ولذا لم يصرح المصنف رحمه الله تعالى به، فقيل لزوم التأكيد لئلا تنحط رتبة فعل الشرط عن حرفه، ثم إنه قيل إنّ المذكور في النحو أن نون التوكيد لا تدخل الفعل المستقبل المحض إلا بعد أن يدخل على أول الفعل ما يدل على التأكيد كلام القسم نحو والله لأضربن أو ما المزيدة نحو أما تفعلن ليكون ذلك توطئة لدخول اكأكيد فعلى هذا يكون أمر الاستتباع عكس ما قاله المصنف رحمه الله تعالى، وليس كما قال فإنها تدخل في النهي والتخضيض والعرض والتمني، وقوله: (فمن اتقى) جوايه ومن إما شرطية أو موصولة وإلى الثاني ذهب المصنف رحمه الله لعطف الموصول عليه، وأشار بقوله اتقي التكذيب إلى تقدير المفعول، وتقدير منكم ليرتبط الجواب بالشرط معنى. قوله: (وإدخال الفاء في الخبر الآول الخ) في نسخة الجزاء بدل الخبر، فمن أما موصولة وبؤيده عدم الفاء فيما بعده أو شرطية والاسمية بعدها معطوفة على الشرطية الجوابية، والمعنى لا خوف عليهم من العقاب، ولا هم يحزنون لفوات الثواب ولا ينافيه أهوال القيامة، ووجه المبالغة في الوعد لعدم تخلفه جعله مسببا عن التقوى، والعمل الصالح المشعر بأنه لا ينفك عنه إذ المعلول لا يتخلف عن العلة غالبا بخلاف الوعيد فإنه يجوز تخلفه، ومن في فمن أظلم للاستفهام الإنكاري والتقول تعمد الكذب مطلقا. قوله:) مما كتب لهم من الأرزاق والآجال الخ) أي من ظلمهم وافترائهم وتكذيبهم لا يحرمون ما قدر لهم من الرزق والعمر إلى انقضاء آجالهم، وقوله مما كتب أي قدروا الكتاب بمعنى المكتوب فليس فيه مجاز فإن كان الكتاب بمعنى المكتوب فنه وهو اللوح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 المحفوظ ففيه مجاز عقلي أو لغوي، ومن لابتداء الغاية وجوز فيها التبيين والتبعيض، وقوله: يتوفون أرواحهم لأن التوفي تناول الشيء وقبضه وافياً والتوفي يضاف إلى الله كقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر، الآية: 42] ويضاف إلى الملائكة، وهو المراد بالرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله: (وحتى غاية لنيلهم الخ) أي غاية للنيل وحرف ابتداء أي غير جارّة بل داخلة على الجملة كما في قوله: وحتى الجياد ما يقدن بأرسان وقيل إنها جارة وقيل لا دلالة لها على الغاية والصحيح ما قدمناه وتفصيله في الدر المصون. قوله: (وما صلت بأين الخ) أي رسمت في المصحف العثماني، وهي اسم موصولة لا صلة زائدة حتى تتصل به في الخط لكنه على خلاف القياس، وفي قوله الفصل وموصولة لطف لصنعة الطباق البديعية ومعنى تدعون تستغيثون بهم في المهمات. قوله: (غابوا عنا) جواب بحسب المعنى إذ مآله لا ندري أين هم أو هو ليس بجواب إذ السؤال غير حقيقي بل للتوبيخ فلا جواب وما ذكر إنما هو للتحسر والاعتراف بما هم عليه من الخيبة والخسران. قوله: (وشهدوا على أنفسهم الخ) شهدوا يحتمل أن يكون معطوفا على قالوا فيكون من جملة جواب السؤال، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بإقرارهم على أنفسهم بالكفر كذا في البحر، وأورد عليه أنه إذا عطف على قالوا لا يكون جوابا إذ لو كان جوابا لكان من مقولهم ولو عطف على المقول كان تقديره قالوا شهدنا على أنفسنا إلا أن يكون ذكراً له بمعناه فتأمل ولا تعارض بين هذا، وبين قوله والله ربنا ما كنا مشركين لأنه من طوائف مختلفة أو في مواقف وأوقات مختلفة أو أنه لحيرتهم كما مز في الأنعام، وأوّل الشهادة بالاعتراف لأنها إما للغير أو على الغير لكنها التلفظ بما يتحققه الشاهد فتجوز به عن ذلك وليس في النظم ما يدل على أنّ اعترافهم بلفظ الشهادة، وقوله ضالين تفسير له بحسب المعنى لأنّ الكافر ضال مع مناسبته لقوله ضلوا عنا. قوله: (أي قال الله تعالى لهم الخ) التفسير الأوّل بناء على جواز أنه تعالى يكلمهم بغير واسطة والثاني على خلافه. قوله: (أي كائنين في جملة أمم مصاحبين دهم (قيل لو قال حال أو مصاحبين كان أولى لأنّ في للظرفية، وتجيء بمعنى مع نحو فادخلي في عبادي فلا وجه للجمع وليس بشيء لأنه إشارة إلى أنّ الطرفية مجازية معناها المصاحبة ولذا جمع في الكشاف بينهما فهو بيان لمحصل المعنى، وقوله كائنين إشارة إلى أنه حال لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى بمتعلق واحد حتى يحمل الثاني على البدلية أو أنه صفة أمم، وقوله من النوعين يدل على أنّ الجن يثابون ويعاقبون لأنهم مكلفون كالإنس. قوله: (التي ضلت بالاقتداء بها) أي كلما دخلت أمة تابعة أو متبوعة لعنت التابعة المتبوعة التي أضلتها، والمتبوعة التابعة التي زادت في ضلالها على ما أشار إليه في الكشاف في تفسير قوله لكل ضعف فلا يلزم التسلسل كما توهم. قوله: (ادّاركوا فيها جميعاً أي تداركوا) غاية لما قبله أي يدخلون فوجا فوجا عنا بعضهم بعضاً إلى انتهاء تلاحقهم باجتماعهم في النار، وقول المصنف رحمه الله تداركوا تفسير له ببيان أصله إذ أصله تداركوا فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالاً وتسكينها ثم إجتلبت همزة الوصل، وقوله تلاحقوا بيان لمعناه أي لحق بعضهم بعضاً وأدركه وعن أبي عمرو رحمه الله أنه قرأ ادّراكوا بقطع ألف الوصل قال ابن جني: وهو مشكل لأنه إنما يجيء شاذاً في ضرورة الشعر في الاسم أيضا لكنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع وهو تنبيه حسن. قوله: (أخراهم دخولاً أو منزلة) قال المعرب؟ أخرى وأولى يحتمل أن يكونا فعلى أنثى أفعل التفضيل والمعنى أخراهم منزلة وهم الأتباع والسفلة لأولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء وهو الوجه الثاني في كلام المصنف رحمه الله الذي بينه بقوله منزلة، ويحتمل أن يكونا أنثى آخر بكسر الخاء بمعنى آخر المقابل للأوّل وليس للمفاضلة والفرق بينه وبين ذاك أن الثاني يدل على الانتهاء دون الأوّل ولا يجوز فيه أن يكون بمعنى غير والي الوجه الثاني أشار المصنف رحمه الله بقوله دخو لاً قيل والثاني أرجح لأنّ تقدم أحد الفريقين على الآخر في الدخول يحتاج إلى إثبات (قلت) هو مرويّ عن مقاتل رحمه الله وكفى به سنداً. قوله: (أي لأجل أولاهم) أي اللام للتعليل لا للتبليغ كما في قولك قلت لزيد افعل كذا لأنّ خطابهم مع الله تعالى لا معهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 قال الزجاج رحمه الله المعنى وقالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلونا لأجل أولاهم وأما لام أولاهم لأخراهم فيجوز فيها أن تكون للتبليغ لأن خطابهم معهم بدليل قوله: {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 39] قاله المعرب. قوله: (سنوا فا الضلال فاقتدينا بهم) فسره بأنهم سنوا لهم الضلال ليشمل الجميع لأنّ حقيقة الإضلال الدعوة إلى الضلال وهو يقتضي ملاقاتهم لهم وليس بلازم ومن فسره بدعونا إلى الضلال وأمرونا به أراد هذا أيضاً لأن من سن سنة سيئة فقد دعا إليها وأمر بها في التقديو، وكذا قوله: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا} [سورة سبأ، الآية: 33] وقيل إنه قول البعض وله وجه. قوله: (مضاعفاً لآنهم ضلوا وأضلوا) قال أبو عبيد الضعف مثل الشيء مرّة واحدة وقال الأزهري: ما قاله هو ما تستعمله الناس في مجاز كلامهم، وقال الشافعي رضي الله عنه قريبا منه فيما لو أوصى بضعف ما لولده والوصايا جارية على عرف الاستعمال، وأما كلام الله تعالى فيرذ إلى كلام العرب، والضعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد ولا يقتصر على مثلين بل هو غير محصور، ولذا فسروه هنا بمضاعف وقد مرّ له تفصيل وضعفا صفة لعذابا، ويجوز أن يكون بدلاً منه ومن النار صفة العذاب أو الضعف. قوله:) أما القادة فبكفرهم الخ) القادة جمع قائد أي الرئيس المتبوع وهو في الجمع كسادة وفيه كلام في النحو، وقوله بكفرهم وتقليدهم في الكشاف لأنّ كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين، أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلأنّ القادة زادوا باتباعهم لهم طغيانا وثباتا على الضلال وقوّة على الإضلال كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [سورة الجن، الآية: 6] قيل ولا يخفى عدم اطراده فإن اتباع كثير من الأتباع غير معلوم للقادة إلا أن يقال إنه مخصوص ببعضهم ولذا قيل الأحسن أن يقال إنّ ضعف الأتباع لإعراضهم عن الحق الواضح وتولى الرؤساء والمتبوعين لينالوا عرض! الدنيا اتباعا للهوى ويدل عليه قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ} [سورة سبأ، الآية: 32] وفيه نظر وكلام المصنف رحمه الله يحتمل أن يكون التقليد في الهوى ضلالاً آخر يستحقون به المضاعفة فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (ما لكم أو ما لكل فريق وقرأ عاصم رحمه الله بالياء على الانفصال) الظاهر أنّ المراد من الانفصال انفصال هذا الكلام عما قبله بأن يكون تذييلا لم يقصد به إدارجه في الجواب حتى يكون خطابا لهم وقيل معناه انفصال القادة من الاتباع بخلاف قراءة التاء فإنها للفريقين بتغليب المخاطبين الذين هم الاتباع على الغيب الذين هم القادة إذ على قراءة عاصم لا يمكن القول بالتغليب إذ لا يغلب الغائب على المخاطب، وفيه أنّ قول المصنف لا يعلمون مالكم إشارة إلى أنّ الخطاب للاتباع من غير تغليب، وقوله أو ما لكل فريق إشارة إلى التغليب فتأمل قيل لكن، ولا تعلمون من جملة مقول القول، ولكل ضعف يلقى إلى الاتباع لأنه جواب قولهم فآتهم الخ فإذا قرىء لا تعلمون بالخطاب يكون موجها إليهم، وإذا قرئ بالغيبة يكون منفصلاً غير ملقى إليهم وهذا ما أشرنا إليه أوّلاً وتضعيف العذاب للضلال والإضلال فلا يكون زيادة على ما استحقوه حتى يكون ظلما مع أنه لا يسئل عما يفعل. قوله: (عطفوا كلامهم على جواب الله الخ) المراد بالعطف في كلامه العطف الواقع بالفاء في قوله فما كان الخ، ولذا قال شراح الكشاف: إنّ معناه ترتيبه عليه لا العطف الاصطلاحي فقوله ورتبوه تفسير له لأنه جواب شرط مقدّر لأنهم رتبوا كلامهم على كلام الله تعالى على وجه التسبب لأن إخبار الله تعالى بقوله لكل ضعف سبب لعلمهم بالمساواة حملهم على أن يقولوا وإذا كان كذلك فقد ثبت أنه لا فضل لكم علينا في استحقاق الضعف وقيل إنها عاطفة على مقدّر أي دعوتم الله فسوّى بيننا وبينكم فما كان الخ وفيه تأمّل. قوله:) من قول القادة أو من قول الفريقين) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها، أو من قول الله للفريقين وهي أظهر من الأولى لأنه إذا قالته الأولى للأخرى على سبيل التشفي يكون من مقول، القول الأخير وهو تثف بأنّ دعاءهم عاد عليهم ضررة، ولم يختص بمن دعوا عليه وإذا كان من كلام الله تعالى لهما يكون توبيخا وأما إذا كان من مقول الفريقين فيحتاج إلى تقدير أي قالت كل فرقة للأخرى ذوقوأ الخ والباء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 سببية، وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف وأشار بقوله عن الإبمان بها إلى أنّ الاستكئار عنها الإباء عن الإيمان بها مجازاً. قوله: (لا دعيتهم وأعمالهم الخ) كون السماء لها أبواب وانها تفتح للدعاء الصالح وللأعمال الصاعدة وللأرواح، وارد في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فلا حاجة إلى تأويل وفسر فتح أبوابها بإنزال البركة والأمطار والرحمة عليهم أيضا والتضعيف لتكثير المفعول لا الفعل لعدم مناسبة المقام، واسناد الفتح إلى الآيات مجاز لأنها سبب ذلك. قوله: (أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الخ) سمّ الخياط ثقب الإبرة لأن السم بتثليث السين الثقب الصغير مطلقاً، وقيل أصله ما كان في عضو كأنف وأذن، والخياط فعال ما يخاط به كالمخيط بكسر الميم وفتحها وهذا دفع لما قيل إنه لا يناسب الجمل خرق الإبرة، فلذا فسر بالحبل العظيم لمناسبته للمقام يعني أنّ الجمل يضرب به المثل في عظم الجسم قديما كما قال: جسم الجمال وأحلام العصافير وخرق الإبرة يضرب به المثل أيضا في الضيق فيكون قد علق دخولهم الجنة على دخول أعظم الأجرام في أضيق المنافذ كقوله: إذا شاب الغراب أتيت أهلي وهو معروف في كلام العرب، ولذلك قال الشاعر: ولوأنّ ما بي من جوى وصبابة على جمل لم يدخل الناركافر وقوله وقرئ الجمل الخ أي بضم الجيم وفتح الميم المشددة، وبفتحها مخففة كنغر بضم النون وفتح الغين المعجمة والراء المهملة وهو نوع من كبار العصافير أحمر المنقار، والنصب بضم النون والصاد والقنب بكر القاف وضمها وتشديد النون المفتوحة والباء الموحدة نوع من غليظ الكتان تتخذ منه الحبال، وحبل السفينة يكون منه ومن الليف، وقوله: (وستم) معطوف على الجمل أي وقرئ سم وكذا قوله وفي سم المخيط معطوف عليه وهو بكسر الميم وفتحها كما ذكره المعرب، وهي قراءة شاذة وقوله وهو الحبل تفسير للغات الخمسة. قوله: (ومثل ذلك الجزاء الفظيع الخ) إشارة إلى أنّ الجار والمجرور نعت مصدر محذوف والفظيع الثنغ وهو الخلود في النار كما يفسره ما بعده، وتفسير الكواشي للاربعة الأخيرة بالبعير ليس بشيء كما قاله بعض الفضلاء وجملة لهم الخ إمّا مستأنفة أو حالية ومهاد كفراش لفظا ومعنى فاعل الظرف أو مبتدأ ومن جهنم حال من مهاد لتقدّمه. قوله: (غواش الخ) جمع غاشية وهي ما يغشى به ومنه غاشية السرج المعروفة، وللنحاة في مثله خلاف فقيل هو غير منصرف لأنه على صيغة منتهى المجموع والتنوين عوض! عن الحرف المحذوف أو حركته والكسرة ليست للإعراب، وهذا لا يختص بصيغة الجمع بل يجري في كل منقوص غير منصرف كيعيل تصغيريعلى، وبعض العرب يعربه بالحركات الظاهرة على ما قبل الياء لجعلها محذوف نسيا منسيا، ولذا قرئ غواس برفع الشين وله الجوار المنشآت بضم الراء. قوله: (عبر عنهم بالمجرمين تارة الخ) يعني ذكر الخاص الذي هو الظلم بعد ذكر الجرم العام، وذكر معه التعذيب بالنار الذي هو أشد من الحرمان من الجنة لما ذكر ووضع الظالمين موضع ضمير المجرمين، وهما بمعنى للتنبيه على جمع الصفتين، وقد قيل بتغايرهما أيضا. قوله:) على عادته سبحانه وتعالى الخ (يشفع بمعنى يقرنه به ويجعله به شفعا، ولا نكلف معترضة وهو الظاهر وقيل إنها خبر بتقدير العائد أي منهم وقوله في اكتساب النعيم النعيم مأخوذ من الجنة، لأن لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، والاكتساب إشارة إلى أنّ العمل الصالح سبب في الجملة، وإن لم يكن بطريق الإيجاب، والدليل على أنّ اكتسابه بذاك أنه رتب الحكم على الموصول والصلة سيما مع توسط اسم الإشارة، وإذا علم أن مبني التكليف على الوسع زادت الرغبة في ذلك الاكتساب لحصوله بما فيه يسر لا عسر لكنه نبه على أنه مع يسره لا يحصل إلا بالهداية والتوفيق وقوله: (يسهل) إشارة إلى ما قاله الإمام ونقله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه من أنّ الوسع ما يقدر عليه الإنسان بسهولة ويستمرّ فإن أقص الطاعة يسمى جهدا لا وسعا وغلط من ظن أنّ الوسع بذل المجهود. قوله: (نخرج من قلوبهم أسباب الغل أو نطهرها منه الخ) وفي نسخة ونطهرها بالواو وهي النسخة التي صححها بعض أرباب الحواشي لأنّ المراد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 منه ما يحصل لأهل الجنة من تصفية الطباع عن كدورات الدنيا ونزع الأحقاد الكامنة فيها، وقيل المراد بتطهير قلوبهم حفظها من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب بحيث لا يحسد صاحب الدرجة النازلة صاحب الرفيعة لإزالة الشهوات، وقد جوّزه في الحجر ولك أن تحمله عليه فتأمل. قوله:) وعن علئ كرم الله وجهه أتي الخ) هذا يدلّ على أنه كان ذلك بمقتضى الطباع البشرية فيهم لكته نزع بتوفيق الله، وقيل الأولى أن يراد عدم اتصافهم بذلك من أوّل الأمر، وما وقع إنما كان عن اجتهاد لإعلاء كلمة الله وخص هؤلاء لما جرى في خلافة عثمان رضي الله عنه بينهما ومحاربة طلحة والزبير رضي الله عنهما في وقعة الجمل، وهذا حديث أخرجه ابن سعد والطبرفي من رواية معمر عن قتادة كلاهما عن عليّ رضي الله عته بسند منقطع وأخرجه ابن أبي شيبة عن ربعيّ بسند متصل كما قاله ابن حجر رحمه الله. قوله: (لما جزاؤه هذا الخ (ليس تقدير إعراب بل بيان لحاصل المعنى، وان كان قوله في الكشاف لموجب هذا يحتملهما والمراد أن في الكلام تجوزا عقليا أو لغويا بجعل الهداية لما أدى إليها هداية له. قوله: (واللام لتوكيد النفي الخ) هذه هي اللام التي تسمى لام الجحود وتزاد بعد كان المنفية للتأكيد، وتفصيلها مذكور في النحو، ولم يجعل الجواب ما قبله لامتناع تقدمه على الصحيح، والواو حالية أو استئنافية، وعلى قراءة إسقاط الواو فالجملة بيانية، وهو ظاهر. قوله:) يقولون ذلك اغتباطاً وتبجحا الخ) أي من قوله الحمد لله إلى هنا فلا يرد عليه ما قيل إنه لا يلائم قوله فاهتدينا بإرشادهم فإنّ المقصود بالجملة القسمية على هذا بيان صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في وعدهم بالجنة لا تعليل الاهتداء فتأمل، والاغتباط بالغين المعجمة السرور وأن يصير الشخص بحال يغتبط فيها كما في تاج المصادر والتبجح بتقديم الجيم على الحاء المهملة الفرج فليس قولهم ذلك إلا لإظهار ما ذكر لا للتعبد والتقرب لأنّ الجنة ليست دار تكليف وعبادة كما قيل. قوله: " ذا رأوها من بعيد أو بعد الخ) يعني الإشارة بتلك الموضوعة للإشارة إلى البعيد لها قبل دخولها والنداء للإعلام بأنها موروثة لهم وبعد الدخرل المشار إليه كونها موروثة لهم وتلكم توطئة لذلك والا فلا حاجة إلى الإشارة إلى مكان حل فيه أحد كما أنه لا حاجة إلى كون التقدير تلكم الجنة التي وعدتم بها في الدنيا هي هذه فيكون المشار إليه غائباً بعيدا فتلكم خبر مبتدأ محذوف أي هذه تلكم الجنة الموعودة لكم قبل، أو تلكم مبتدأ حذف خبره أي تلكم الجنة التي أخبرتم عنها أو وعدتم بها في الدنيا هي هذه، وقوله والمنادى مبتدأ خبره أورثتموها، وقوله: (بالذات) أي ما نودي به وتصد إعلامه كونها موروثة وان كان بحسب الظاهر تلكم الجنة. قوله:) أي أعطيتموها بسبب أعمالكم الخ) يعني أنّ الميراث مجاز عن الإعطاء وتجوّز به عته إشارة إلى أنّ السبب فيه ليس موجباً وان كان سببا بحسب الظاهر كما أن الإرث ملك بدون كسب وإن كان النسب مثلا سببا له، فلا يرد على قوله بسبب أعمالكم إنه يعارض! قوله: " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " إ أ (إذ المراد بسبب عمله السبب التام، فلا يحتاج إلى الجواب عنه ولا أن يقال الباء للعوض لا للسبب وفيه تفصيل لعل التوبة تفضي إليه، وهذا تنجيز للوعد بإثابة المطيع لا بالاستحقاق والاستيجاب بل هو بمحض فضله تعالى كالإرث. قوله: (وأن في المواقع الخمسة هي المخففة الخ (هي أن تلكم وأن وجدنا وأن لعنة الله وأن سلام عليكم، وأن أفيضوا وإذا كانت مخففة فحرف الجر مقدر أي بأن واسمها ضمير شأن مقدر أي بأنه تلكم كذا قدره الزمخشري، وفيه إشارة كما صرحوا به إلى أن ضمير الشأن لا يجب أن يؤنث إذا كان المسند إليه في الجملة المفسرة مؤنثاً وبه صرح ابن الحاجب وابن مالك فهو أمر استحسانيّ، فلا عبرة بما وقع في التلخيص مما يخالفه وقوله لأنّ المناداة الخ يؤخذ منه شرط، أن المفسرة وهي سبق ما فيه معنى القول دون حروفه. قوله: (إنما قالوه تبجحاً بحالهم وشماتة الخ) التبجح الافتخار والشماتة الفرج بمصيبة العدوّ والتحسير الإيقاع في الحسرة والندم، ويصح إعجامه أي نسبتهم إلى الخسار. قوله: (د إنما لم يقل ما وعدكم الخ) في الكشاف حذف ذلك تخفيفاً لدلالة وعدنا عليه، ولقائل أن يقال أطلق ليتناول كل ما وعد الله من البعث والحساب والثواب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 والعقاب وسائر أحوال القيامة لأنهم كانوا مكذبين بذلك أجمع، ولأن الموعود كله مما ساءهم وما نعيم أهل الجنة إلا عذاب لهم فأطلق لذلك يعني لم يذكر مفعولاه لأنّ المراد مطلق الموعود به سواء كان لهم أو لغيرهم فليس القصد إلى تخصيص موعود ولا موعود به ولو قيل كذلك لتقيد بما وعدوا به فلا يرد عليه ما قيل إنه لو ذكر المفعول على حسب ذكره في الأوّل فقيل فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا لكان الفعل مطلقا أيضا باعتبار الموعود به لأنه لم يذكر فيتناول كل موعود به من البعث والحساب والعقاب التي هي أنواع من جملتها التحسر على نعيم أهل الجنة فليس ذلك خاصاً بحذف المفعول الواقع على الموعودين فالوجه أن حذفه تخفيفا وايجازا واستغناء عنه بالأول ولا ما قيل إن الجواب لا يطابق سؤاله لأن المدعي حذف المفعول الأول وهو ضمير المخاطبين والجواب وقع بالمفعول الثاني الذي هو الحساب والعقاب وسائر الأحوال فهو إنما يناسب لو سئل عن حذف المفعول الثاني لا الأول. قوله: (لأنّ ما ساءهم من الموعود الخ (قيل لا خفاء في كون أصحاب الجنة مصدقين بالكل والكل مما يسرّهم فكان ينبغي أن يطلق وعدهم أيضاً فلا بد من حمله على الاكتفاء بالسابق لا على الإطلاق. قوله: (وهما لنتان (ولا عبرة بمن أنكر الكسر مع القراءة به واثبات أهل اللغة له، وصاحب الصور إسرافيل عليه الصلاة والسلام وقوله بين الفريقين لا بين القائلين نعم كما قيل، ولا يرد أن الظاهر أن يقال بينهما لأنه غير متعين والكسر على إرادة القول مذهب البصريين بالتضمين أو التقدير، وعلى الحكاية بإذن لأنه في معنى القول فيجري مجراه مذهب الكوفيين، والتأذين المراد به النداء وهو إعلام بلعنة الله لهم أو ابتداء لعن. قوله: (صفة للظالمين مقرّرة (فلا يوقف بينهما وعلى القطع يصح الوقف، وإنما كانت صفة مقرّرة لأنّ الصدّ عن سبيل الله بمعنى الإعراض عنه لا منع الغير، وطلب ميلة لازم لكل ظالم شتكون الصفة مقرّرة مؤكدة بخلاف الصد بمعنى منع الغير، ولذا قيل صده عن كذا صرفه، ومنعه عنه أي يمنعون الناس عن دين الله بالنهي عنه وادخال الشبه في دلائله ويبغونها عوجا أي يطلبون لها تأويلا وامالة إلى الباطل وصد عنه صدوداً أعرض! أي يصدون بأنفسهم عن دين الله ويعرضون عنه ويبغونها عوجا يطلبون إعوجاجها ويذئونها فلا يؤمنون بها، فعلى الأوّل يكون العوج بمعنى التعويج والإمالة، وعلى الثاني يكون على أصله وهو الميل والأوّل مختار النسفي، والثاني مختار القرطبي وهو الأظهر واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى فافهمه والفرق بين العوج والعوج يأتي تحقيقه في سورة الكهف وما لأهل اللغة فيه من الكلام ووجه الفرق بينهما. قوله: (أي بين الفريقين الخ (لأنّ الآية الأخرى تفسرها ولكنه لا يتعين وأثراهما سموم النار وروج الجنة. قوله: (أعراف الحجاب) أي أعاليه المراد شرا فإنه تشبيهاً لها بعرف الدابة والديك وهو معروف. وفي التفسير الآخر معناه أعلى موضع منه لأنه أشرف وأعرف مما انخفض منه وظاهر كلامه أنه حقيقة في هذا الوجه. قوله: (وهو السور الخ (للمفسرين في أصحاب الأعراف أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وأشهرها الأوّل وقيل: هم أصحاب الفترة الذين لم يبذلوا دينهم، وقيل: أطفال المشركين. وفي النسخ هنا اختلاف ففي بعضها بأو في الجميع، وفي بعضها بالواو فيها وفي بعضها بأو في بعضها، والواو في بعض، وخيار المؤمنين وعلماؤهم بالرفع والجر. وقوله يرون في صورة الرجال لتوجيه إطلاق الرجال على الملائكة، وهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة. قوله: (بعلامتهم التي أعلمهم الله بها) أي جعلهم معلمين بها من العلامة. ويصح أن يكون من العلم والسيما العلامة من سام أو وسم فيعرفون أن من فيه سمة كذا من أهل الجنة، وغيره من أهل النار، والظاهر أنّ هذا قبل دخولهم الجنة أو النار إذ لا حاجة بعده للعلامة. وأما النداء والصرف فبعده، لكن ظاهر كلام المصنف فيما سيجيء أنّ الكل بعده، وأنّ قوله كبياض الوجه إشارة إلى قوله تعالى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} . قوله: (وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو تعليم الملالكة) أي أن كذا علامة الجنة، وكذا علامة النار، كما مرّ قيل وفي الحصر نظر وباء بسيماهم للملابسة. قوله: (أي إذا نظروا الخ) بيان الحاصل المعنى لا أن في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 الكلام شرطاً مقدراً وفي الدرّ المصون أنه إشارة إلى أنه جزاء شرط محذوف، والداعي له مراعاة قوله وإذا صرفت أبصارهم. قوله: (حال من الواو) وفي الكشاف استئناف أو صفة رجال وضعف بالفصل. وقوله: (على الوجه الأوّل) أي في تفسير رجال الأعراف بمن حبس بين الجنة والنار. وأما على بقية الوجوه فهو حال من أصحاب الجنة لأنه لا يناسب قوله لم يدخلوها وهم يطمعون إلا أنه قيل إن يطمعون بمعنى يعلمون ويتيقنون وهو بهذا المعنى منقول عن أهل اللغة، وبه فسر قوله والذي أطمع أن يغفر لي أي أعلم أو يحرصون. وأمّا جملة وهم يطمعون فحال من واو لم يدخلوها بعد تسليط النفي أي كانوأ طامعين حال دخولهم الجنة لا قبله، فتأمل وتلقاء في الأصل مصدر وليس في المصادر تفعال بكسر التاء غير تلقاء وتبيان، ثم أستعمل ظرف مكان بمعنى جهة اللقاء والمقابلة فنصب على الظرفية. وفي قوله صرفت إشارة إلى أنهم لم يلتفتوا إلى جهة النار إلا مجبورين على ذلك لا باختيارهم، لأنّ مكان الشرّ محذور، ولذا استعاذوا منه وقوله من رؤساء الكفرة كأبي جهل بيان لقوله رجالاً. وما في ما أغنى استفهامية للتقريع والتوبيخ ويجوز أن تكون نافية، والجمع بمعنى الكثرة استعمال له في كماله، وعلى الثاني هو مصدر مفعوله مقدر وهو أنسب لعدم تكريره مع ما بعده. وما في ما كنتم مصدربة لعطفه على المصدر. قوله: (من تتمة قولهم الخ) فهو في محل نصب مفعول القول أيضا أي قالوا ما أغنى وقالوا أهؤلاء الخ. وجوّز فيه أن يكون جملة مستقلة غير داخلة في حيز القول، والمشار إليه على الأوّل هم أهل الجنة. والقائلون هم أهل الأعراف والمقول لهم أهل النار، والمعنى قال أهل الأعراف لأهل النار أهؤلاء الذين في الجنة اليوم هم الذين كنتم تحلفون أنهم لا يدخلونها وادخلوا الجنة بمعنى قالوا لهم أو قيل لهم ادخلوا الجنة وعلى الاستئناف اختلف في المشار إليه فقيل هم أهل الأعراف، والقائل ملك مأمور بذلك، والمقول له أهل النار وقيل المشار إليه أهل الجنة والقائل الملائكة والمقول له أهل النار، وقيل المشار إليهم هم أهل الأعراف وهم القائلون أيضا والمقول لهم الكفار وادخلوا الجنة من قول أهل الأعراف أيضا أي يرجعون فيخاطب بعضهم بعضا ولا ينالهم الخ جواب القسم. قوله: (أي فالتفتوا إلى أصحاب الجنة الخ (أي ومعنى ادخلوا دوموا فيها غير خائفين ولا محزونين، وقوله وهو أوفق للوجوه إلا خيرة هي تفسير رجال بقوم علت درجاتهم الخ. لا بالمحبوسين في الأعراف لأنّ المناسب إدخالهم أنفسهم الجنة لا أمرهم غيرهم بالدخول فيها، وقيل موافقته للأول بتأويل ادخلوا نجدوموا على الدخول، ويحتمل أن يكون كونهم على الأعراف قبل دخول بعض أهل الجنة الجنة، وفيه تأمّل. وقوله: (بعد) متعلق بقيل، وقوله: (وقالوا لهم ما قالوا) أي من الاستعاذة والسلام. قوله: (وقيل لما عيروا الخ) عطف بحسب المعنى على قوله من تتمة قولهم، أي لما عير أصحاب الأعراف أصحاب النار أقسم أصحاب النار أنّ أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة، فقال الله تعالى أو بعض الملائكة خطابا لأهل النار أهؤلاء الذين أقسمتم بالله مشيرا إلى أصحاب الأعراف، ثم وجه الله تعالى خطابه إلى أصحاب الأعراف فقال ادخلوا الخ. فيكون هؤلاء متأنفا لا من تتمة قولهم للرجال وهو على الوجه الأوّل في تفسير رجال ولذا قابله به. قوله: (وقرئ ادخلوا ودخلوا) أي بالمزيد المجهول أو المجرّد المعلوم وحينئذ كان الظاهر لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلذا قدر أنه مقول قول محذوف هو حال ليتجه الخطاب ويرتبط الكلام، وقرئ ادخلوا بامر المزيد للملائكة أيضا. قوله: (أي صبوه) فإن أصل معنى الفيض صبّ المائعات وقوله وهو دليل الخ أي لظاهر النظم ولفظ على وليس دليلاً قطعيا حتى يبحث فيه، وقوله من سائر الأشربة كاللبن فسره به ليتعلق به الإفاضة من غير تأوبل فإن فسر بالطعام يقدر للثاني عامل أو يؤول الأوّل بما يعمهما كألقوا أو يضمن ما يعمل في الثاني أو يجعل من المشاكلة كما عرف في العربية، وقوله: (علفتنا تبناً وماء باردا) تمامه: حتى شتت همالة عيناها قوله: (منعهما عنهم منع المحرم عن المكلف) يعني أنّ التحريم بمعنى المنع كما في قوله: حرام على عينيّ أن يطعما الكرى لأنّ الدار ليست بدار تكليف فهو استعارة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى، ولو جعل من قبيل المشعر جاز، ولكن الأوّل أبلغ والتصدية التصفيق كما مرّ والفرق بين اللهو واللعب مر تفصيله في الأنعام، فإن أردت فانظره. قوله: (نفعل بهم فعل الناسين) يعني أنه تمثيل فشبه معاملته تعالى مع هؤلاء بالمعاملة مع من لا يعتد به ويلتفت إليه، فينسى لأنّ النسيان لا يجوز على الله تعالى والنسيان يستعمل بمعنى الترك كثيراً في لسان العرب ويصح هنا أيضاً فيكون استعارة تحقيقية أو مجازاً مرسلاً، وكذا نسيانهم لقاء الله أيضا، لأنهم لم يكونوا ذاكري الله حتى ينسوه، فشبه عدم إخطارهم لقاء الله والقيامة ببالهم وقلة مبالاتهم بحال من عرف شيئاً ثم نسيه، وليست الكاف للتشبيه بل للتعليل، ولا مانع من التشبيه أيضا إلا قوله ما كانوا بآياتنا الخ. وقوله من العقائد الخ، أدرج القصص في المواعظ لأنّ السعيد من اتعظ بغيره. قوله: (عالمين بوجه تفصيله الخ) إشارة إلى انّ على علم وتنكيره للتعظيم حال من الفاعل وأنه يقتضي أنّ ما فعله محكما متقنا كما يفعل العالم بما يفعله، وحينئذ يقتضي أنه تعالى يعلم بصفة زائدة على الذات وهي صفة العلم لا عين ذاته كما يقوله الفلاسفة ومن ضاهاهم في ذلك، أو حال من المفعول. وقوله:) وقرئ فضلناه (أي بالضاد المعجمة وهي قراءة ابن محيصن، وقوله: (في هذه القراءة عالمين (إشارة إلى أنه حال من الفاعل على هذه القراءة لأنه أنسب وان جاز أن يكون حالأ من المفعول أيضا وفيه نظر فلعله اكتفى بأحد الوجهين ليعلم الآخر بالمقايسة، فتدبر. قوله: (حال من الهاء) وجوّز فيه أن يكون مفعولاً لأجله، وجوّز فيه أن يكون حالاً من الكتاب لتخصيصه بالوصف، وقرئ بالجرّ على البدلية من علم والرفع على إضمار المبتدأ. قوله: (يممظرون الخ (يعني النظر هنا بمعنى الانتظار لا بمعنى الرؤية، وقوله ما يؤول إليه أمره إشارة إلى أنّ التأويل بمعنى العاقبة وما يقع في الخارج، وهو أصل معناه ويطلق على التفسير أيضاً، والمعنى أنهم قبل وقوع ما هو محقق كالمنتظرين له لأنّ كل آت قريب فهم على شرف ملاقات ما وعدوا به فلا يقال كيف ينتظرونه مع جحدهم فإنهم وان جحدو. إلا أنهم بمنزلة المنتظرين وفي حكمهم من حيث أنّ تلك الأحوال تأتيهم لا محالة، وما يقال إق فيهم أقواما يشكون ويتوقعون، قيل يأباه تخصيص التبين بالصدق إلا أن يقال أنّ الذي تبين لهم ذلك وقوله: (تركوه ترك الناسي) إشارلاة إلى ما مرّ تحقيقه. قوله:) أي قد تبين أنهم الخ) فسره به لاً نه يترتب عليه طلب الشفاعة ولأنه هو الواقع فيه، وتوله أو هل نردّ إشارة إلى أنه معطوف على الجملة الاسمية، أو الظرفية ومن مزيدة في المبتدأ أو في الفاعل بالظرف وقراءة النصب عطف على يشفعوا المنصوب في جواب الاستفهام أو أنّ أو بمعنى إلى أن أو حتى أنّ على ما اختاره الزمخشريّ. وقوله فعلى الأوّل أي قراءة الرفع لعطفه على ما قبله المسؤول أحد الأمرين الشفاعة أو الردّ إلى الدنيا ودار التكليف ليتلافوا ما فات، وعلى الثاني أي النصب بأن يكون لهم شفعاء في الخلاص مما هم فيه، أما بالشفاعة في العفو عنهم، أو الرد فالشفاعة لأحد الأمرين إن كانت أو عاطفة لاً لأمر واحد إذا كانت بمعنى إلى إذ معناه يشفعون إلى الردّ وبهذا اندفع ما قيل إنّ المقابلة بين الشفاعة بغير الردّ وبين الردّ غير ظاهرة لأنه أثر الشفاعة ونتيجتها، فالوجه أن تكون الشفاعة حينئذ كناية عن المغفرة، والمعنى فتغفر بالشفاعة أو تردّ. قوله: (جواب الاستفهام الثاني الخ) الثاني صفة جواب أو الاستفهام أي في أحد الوجوه وهو رفع نردّ بالعطف فإنه في حكم استفهام ثان أو نصبه بالعطف على تردّ مسبب عنه وأما قراءة الرفع فعلى لوجوه كلها، وضل بمعنى غاب وفقد، والمراد هنا أنه بطل ولم يفدهم شيئا. قوله: (أي قي ستة أوقات) اليوم في اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى ما ذكر، دمان أريد المتعارف فاليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسماوات فيقدّر فيه مضاف، أي مقدار ستة أيام، وقوله دليل للاختيار ظاهر لأنه لو كان بالإيجاب لصدر دفعة واحدة، وقيل لأنّ عدوله إلى التدريج مع القدرة على خلافه يقتضي ذلك، وقيل إنّ في دلالته عليه خفاء، وأما كون الفعل موجبا مشروطا مما يوجد وقتاً فوقتا فقيل مآله إلى التسلسل أو ثبوت الاختيار، واعتبار النظار بناء غلى تقدم خلق الملائكة عليها، أو المراد أصحاب النظر والبصيرة من العقلاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 المعترفين بالشرع إذا سمعوه. قوله: (استوى أمره أو استولى الخ) في الكلام الاستواء من الصفات المختلف فيها فقيل المراد استوى أمره فالإسناد مجازيّ أو فيه تقدير، ولا يضرّ حذف الفاعل إذا قام ما أضيف إليه مقامه، وقيل الاستواء بمعنى الاستيلاء كما في قوله: قد استوى بشر على العراق فعلى الأوّل ليس من صفاته تعالى، وعلى الثاني يرجع إلى صفة القدرة، وفي أحد قولي الأشعريّ إنه صفة مستقلة غير الثمانية، واليه أشار المصنف رحمه الله، وقيل بالتوقف فيه وأنه ليس كاستواء الأجسام وحمله المجسم على ظاهره. قوله: (والعرش الخ (أي هو فلك الأفلاك، أما حقيقة لأنه بمعنى المرتفع أو استعارة من عرس الملك وهو سريره، ومنه رفع أبويه على العرس، أو بمعنى الملك بضم الميم وسكون اللام ومنه ثل عرشه إذا انتقض ملكه واختل. قوله: (ولم يذكر عكسه للعلم به الخ) أشار بقوله يغطيه أي يغطي الله النهار بالليل، إلى أنّ الفاعل هو الله وإسناده إلى الليل مجاز ولما كان المغطي يجتمع مع المغطي وجوداً ولا يتصوّر هنا قال المصنف رحمه الله في سورة الرعد يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعدما كان مضيئاً يعني المغطى حقيقة هو المكان، وأسند إليه للملابسة بينهما، وجوّز جعل الليل والنهار مغشي على الاستعارة بأن يجعل غشيان مكان النهار واظلامه بمنزلة غشيانه للنهار نفسه، فكأنه لف عليه لف الغشاء أو شبه تغيب كل منهما بطريانه عليه بستر اللباس للابسه، وكون الجوّ مكانهما بمعنى مكان ضيائهما وظلمتهما والا فليس للزمان مكان فتدبر. قوله:) أو لآنّ اللفظ يحتملهما الخ) يعني معنى ما ذكره أوّلاً من تغطية النهار بالليل وعكسه تغطية الليل بالنهار، فيكون موافقا للقراءة المشهورة. وقال ألنحرير: إنه يعني أن يغشى الليل النهار محتمل لمعنى جعل الليل لاحقا بالنهار، بأن يحمل على تقديم المفعول الثاني وهو الليل ولمعنى جعل النهار لاحقا بالليل بأن يكون المفعول الثاني هو النهار، إلا أنه قيل ولا يراد منه إلا أحد المعنيين على التعيين فوجب المصير إلى الجواب الأوّل، واحتمال أنّ في أحد المعنيين إشارة إلى الآخر لا يخفى بعده، ورذه أبو حيان بأنه لا يجوز أن يكون الليل مفعولاً ثانيا من حيث المعنى لأنّ المنصوبين إذا تعدى إليهما فعل وأحدهما فاعل من حيث المعنى يلزم أن يكون هو الأوّل منهما، كما لزم ذلك في ملكت زيدا عمراً، ورتبة التقديم هي الموضحة لأنه الفاعل معنى، كما لزم ذلك في ضرب موسى عيسى بخلاف أعطيت زيداً درهما فإن تعين المفعول الأوّل لا يتوقف على التقديم، وفي القاعدة المذكورة كلام سيأتي في سورة مريم. وعندي أن مراده أنّ الليل والنهار بمعنى كل ليل ونهار وهو بتعاقب الأمثال مستمرّ الاستبدال فيدذ على تغيير كل منهما بالآخر من غير تكلف ومخالفة لقواعد العربية فتدبره فإنه دقيق، وبالتأمّل حقيق، وقوله: (ولذلك قرئ الخ (فإنّ هذه القراءة تدلّ على العكس، وسيأتي لهذا تحقيق في سورة الرعد وي! إن شاء الله تعالى. قوله: (يعقبه سريعاً كالطالب الخ (أي الليل لأنه المحدّث عنه، والحث الإعجال والسرعة في الحمل على فعل الشيء كالحض، يقال حثثته فهو حثيث ومحثوث. قوله: (بقضائه وتصريفه) تفسير للأمر، وفي الكشاف بمشيئته وتصريفه وسماه أمرا على التشبيه، أي على سبيل الاستعارة إذ جعل هذه الأشياء لكونها تابعة لتدبيره وتصريفه كما يشاء، كأنهن مأمورات منقادة لأمره، ويصح حمله على ظاهره كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة يس، الآية: 82] على تفسير أي هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة مذللة منقادة لإرادته، وقوله وقرأ ابن عامر رحمه الله كلها لو قال وقرأها كلها كان أحسن، وفي القراءة الأولى جوّز تقدير جعل ونصبها به، ومسخرات مفعول ثان. قوله:) فإنه الموجد والمتصرف (إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الظرف، وفيه لف ونثر مرتب، فالموجد للخلق والمتصرت للأمر، والفاء للتفريع أو التفسير. قوله: (تبارك الله (قال الإمام رحمه الله البركة لها تفسيران أحدهما البقاء والثبات، والثاني كثرة الآثار الفاضلة، فإن حملته على الأوّل فالثابت الدائم هو الله، وإن حملته على الثاني فكل الخيرات والكمالات من الله، فلهذا لا يليق هذا الثناء إلا بحضرته، وقوله:) بالوحدانية (قيل أخذه مما قبله، لأنه لما اختص الخلق والتصرف به تعالى لزم انحصار الألوهية والربوبية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 فيه، ولا حاجة إليه فإته مصرج به في قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ} [سورة الأعراف، الآية: 54] الخ وهذا ختام ملاحظ فيه مطلعه، فلله دز المصنف رحمه الله تعالى في دقة نظره. قوله:) وتحقيق الآية الخ (قال الإمام رحمه الله شرح خلق السماوات بقوله فقضاهن سبع سموات في يومين، ثم قال وأوحى في كل سماء أمرها، فدل على أنه خص كل فلك بلطيفة نورانية من عالم الأمر، فكذلك قال في هذه الآية بعد خلق السماوات والأرض! والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، فهو دالّ على أنّ كل واحد من الشمس والقمر والنجوم مخصوص بشيء روحاني من عالم الأمر، ثم قال: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} إشارة إلى أنّ كل ما سوى الله إما من عالم الخلق، والملك وهو عالم الأجسام والجسمانيات، أو من عالم الأمر والملكوت، وهو كل ما كان مجرّدا عن الحجمية والمقدار إلى آخر ما فصله، فقوله المستحق للربوبية واحد مأخوذ من قوله إنّ ربكم وما وصف به، وقوله: (لأنه الذي الخ) إشارة إلى أن الصفات أجريت للتعليل، وقوله: (فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم) الخ بيان لدليل الانحصار، وقوله: (فأباع الآفلاك (إشارة إلى تقدم خلق السماء على الأرض كما مرّ، وقوله:) جسما تابلاَ للصور (هو الهيولي وسماها جسماً لأنها مادّته، وقوله: (ثم قسمها (إشارة إلى العناصر الأربعة وما يتكوّن منها ويتولد منها وهي المواليد الثلاثة، أي الحيوان والنبات والمعدن، وقوله: (لقوله الخ (استدل به على أن الأربعة الأيام مع اليومين الأوّلين، وقوله: (ثم لتا تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره) فيكون قوله ثم استوى على العرس استعارة تمثيلية. قوله: (أي ذوي تضرّع الخ (فهو حال من الفاعل بتقدير مضاف، ويجوز نصبهما على المصدرية أيضا، وقوله نبه به الخ، إشارة إلى أن معنى التجاوز في الدعاء طلب ما لا يليق به، فإنه تعذ عن حدّه المناسب له، وقوله وقيل هو الصياح في الدعاء والإسهاب الخ، الإسهاب معناه الإفراط في التطويل، وفي رفع الصوت بالدعاء اختلاف، منهم من كرهه مطلقا، ومنهم من قبله مطلقاً، ومنهم من فصل فقال: عند خوف الرياء الإخفاء أفضل فإن لم يخفه فالإظهار أفضل، وفي الانتصاف حسبك في تعين الأسرار في الدعاء اقترانه بالتضرّع في الآية فالإخلال به كالإخلال بالضراعة إلى الله في الدعاء، وانّ دعاء لا تضرع ولا خشوع فيه لقليل الجدوى، وكذا ما لا يصحبه الوقار، وكثيرأ ما نرى الناس يعتمدون الصياح في الدعاء، خصوصا في الجوامع، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين رفع الصوت في الدعاء وفي المسجد، وربما حصلت للعوام حينئذ رقة لا تحصل مع الخفض، وهي شبيهة بالرقة الحاصلة للنساء والأطفال، خارجة عن السنة، وسمة السلف الواردة في الآثار، والتضرّع بمعنى التذلل من الضراعة، وحمل التضرّع والخفية هنا على معنيين متقاربين، وهما التذلل مع الإخفاء، وفسرهما في الأنعام بمعلنين ومسرين، فجعل التضرّع مقابلا للخفية، قيل لأنّ المراد هناك حكاية دعائهم لا الأمر به. قوله: (وعن النبئ يكتيرو الخ)) 1 (رواه أبو داود وأحمد في مسنده. قوله: (ولا تفسدوا في الأرض) قال أبو حيان رحمه الله: هذا نهي عن وقوع الفساد في الأرض، وادخال ماهيته في الوجود بجميع أنواعه من إفساد النفوس والأموا أط والأنساب والعقول والأديان، ومعنى بعد إصلاحها بعد أن أصلح الله خلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق ومصالح المكلفين، اهـ وهو معنى كلام المصنف. قوله: (ذوي خوف من الرذ لقصور أعمالكم الخ) أي هما حالان بمعنى خائفين وطامعين، ويجوز أن يكونا مفعولين لأجلهما، وسيأتي تفصيله في قوله: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [سورة الرعد، الآية: 12] وقوله ترجيح للطمع الخ لأنّ المؤمن بين الرجاء والخوف، ولكنه إذا رأى سعة رحمته وسبقها غلب الرجاء عليه، وما يتوسل به إلى الإجابة هو الإحسان في القول والعمل، وهو يؤخذ من التعليق بالمشتق كما مرّ. قوله:) وتذكير قريب الخ) توجيه لتذكيره مع أنه خبر عن مؤنث، ولهم في تأويله وجوه تبلغ خمسة عشر وجها، منها ما ذكره المصنف انّ الرحمة بمعنى الرحم بضم الراء وسكون الحاء وضمهما بمعنى الرحمة، قال تعالى: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [سورة الكهف، الآية: 81] وفي نسخة بمعنى الترحم كما ذكره غيره أيضا، أو الخبر محذوف وهذا صفته أي أمر قريب، أو حمل فعيل بمعنى فاعل كما هنا على فعيل بمعنى مفعول الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث عند أمن اللبس، وقال الكرماني أنه بمعنى مفعول أي مقربة وضعف بأنه لا ينقاس خصوصا من غير الثلاثي، أو هو محمول على فعيل الوارد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 في المصادر، فإنه للمذكر والمؤنث أيضا كالنقيض بالنون والقاف والضاد المعجمة، وهو صوت الرحل ونحوه، وقيل إنه للفرق بين قريب في يالنسب وغيره، وهو قول الفراء فإنه قال فلانة قريبة مني لا غير، وفي المكان وغيره يجوز الوجهان، وقال الزجاج: إنه خطأ، وقيل إنّ فعيلا للنسب كلابن وتامر وهو ضعيف، وتفصيله في الأشبا. والنظائر النحوية، وقراءة الريح على الوحدة مع جمع نشراً لأنه اسم جنس صادق على الكثير فهو في المعنى جمع. قوله: (جمع نشور بمعنى ناشر الخ) أي نشرا بضم النون والشين جمع نشور بفتح النون، بمعنى ناشر وفعول بمعنى فاعل، بطرد جمعه عليه كصبور وصبر، ولم يقل إنه جمع ناشز كبازل وبزل، لأنّ جمع فاعل على فعل شاذ، وناشر اختلف في معناه هنا، فقيل هو على النسبط، إما على أنّ النشر ضد الطي، واما على أنّ النشر بمعنى الإحياء لأنّ الريح توصف بالموت والحياة كقوله: إني لأرجوأن تموت الريح فأقعد اليوم وأستريح كما يصفها المتأخرون بالعلة والمرض، ولقد تلطف القائل في شدة الحرّ: أظن نسيم الروض! مات لأنه له زمن في الروض! وهو عليل وقيل هو فاعل من نشر مطاوع أنشر الله الميت فنشر وهو ناشر كقوله: حتى يقول الناس ممارأوا ياهـ اللميت ا! اشر وقيل ناشر بمعنى منشر أي محعى، وقيل فعول هنا بمعنى مفعول كرسول ورسل، إلا أنه نادر مفرده وجمعه، وقراءة ابن عامر بضم النون وسكون الشين بعدما كانث مضمومة للتخفيف المطرد في فعل بضمتين. قوله:) بفتح النون) أي وسكون الشين مصدر بمعنى ناشرات، وفي الكشاف بمعنى منتشرات، لما مرّ من معاني نشر أو نصبه على الحالية، أو هو مفعول مطلق لأرسل من معناه، كجلس قعوداً ورجع القهقرى. قوله:) وعاصم بشرا الخ (أي بضم الموحدة وسكون الشين، وأصلها الضم جمع بشير كنذير ونذر ثم خفف بالتسكين، وهي بمعنى يرسل الرياج مبشرات لينشرها بالمطر، وقد روي بضمهما أيضا وهي مروية عن عاصم رحمه الله وقوله مصدر بشره أي بالتخفيف، بمعنى بشره المشدد، وباشرات بمعنى مبشرات، وقوله وبشري أي وقرئ بشري كرجعي وهو مصدر أيضا من البشارة، وقوله قدّام رحمته تقدم تحقيقه وفسر الرحمة بالمطر، كما أثبته بعض أهل اللغة، ولا يلتفت إلى قول ابن هشام في بعض رسائله إنه لم يثبت مجيء الرحمة بمعنى المطر، وقوله: (تدزه) بالدال المهملة أي تنزل مطره من الدر بمعنى اللبن مجازاً. قوله:) حملت واشتقاقه من القلة) وفي نسخة حملته وحقيقة أقله جعله قليلاً أو وجده قليلا، والمراد به ظنه قليلاً كأكذبه إذا جعله كاذباً في زعمه، ثم استعمل بمعنى حمله لأنّ الحامل يستقل ما يحمله، ومنه القلة والمقل بمعنى الحامل، وقوله يستقله أي يعده قليلا، وحتى غاية لقوله: يرسل والسحاب اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه ويجمع، وأهل اللغة تسمية جمعاً فلذا روعي فيه الوجهين في وصفه وضميره. قوله: (لآجله أو لأحيائه أو لسقيه الخ) قال أبو حيان رحمه الله اللام في لبلد لام التبليغ، كما في قلت لك، وفرق بين قولك سقت لك مالاً وسقت لأجلك مالاً فإنّ الأؤل معناه أوصلته لك أو أبلغتكه، والثاني لا يلزم منه وصوله إليه وقوله: (لإحيائه) الخ اللام فيهما أيضاً للتعليل، وميت قرئ مشدداً ومخففا كما ذكره المصنف. قوله:) بالبلد أو بالسحاب الخ (أي يجوز في الضميرين المذكورين أن يعودا على كل مما ذكر قبلهما صريحا أو ضمنا، وجعله الباء للإلصاق لأنّ الإنزال ليس في البلد بل المنزل، ولذا جوّز فيه الظرفية كما في رميت الصيد بالحرم، والسببية شاملة للسبب القريب والبعيد، وعود الضمير على الماء لقربه، ولا يضره تفكيك الضمائر لأنه مع القرينة حسن. قوله: (من كل أنواعها الما كان الاستغراق غير مراد ولا واقع، وكان المراد التكثير، وقيل أنّ الاستغراق عرفي. قوله: (1 لإشارة فيه إلى إخراج الثمرات) قيل فيه إشارة إلى طريقتي القائلين بالمعاد الجسماني في إيجاد البدن ثم إحيائه بعد انعدامه، أو ضم بعض أجزائه إلى بعضها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 على النمط السابق بعد تفرقها ثم إحيائه، ففيه رذ على منكريه، والأوّل أظهر لأنّ المتبادر من الآية كون التشبيه بين الإخراجين من كتم العدم، والثاني يحتاج إلى تمحل تقدير الأحياء واعتبار جمع الأجزاء مع أنه غير معتبر في جانب المشبه به، قلت قوله بردّ النفوس إلى موادّ أبدانها بعد جمعها يأبى حمله على الأوّل، وهو المذهب الحق الذي اختاره المصنف فتأمّل، تطريتها من المنقوص بمعنى تجديدها، وموادّ بالتشديد جمع ماذة وقوله: (فتعلمون) بيان للمقصود من تذكر ذلك وتدبره بمقتضى المقام، وقوله: (بالقوى) أي بسبب القوى أو بإظهار آثار القوى فلا يرد عليه أنّ القوى موجودة وان لم تتعلق النفس بها، فالوجه أن يقال بعد جمع أبدانها وتهيئتها لتعلق النفس وصلوحها للقوى والحواس فتدبر. قوله: (1 لأرض الكريمة التربة (إشارة إلى أنّ البلد بمعنى الأرض! مطلقاً كما في قوله: وبلدة مثل ظهر الترس موحشة للجن بالليل في حافاتها زجل وأمّا استعمالها بمعنى القرية فعرف طار، والكريمة التربة تفسير للطيب، وكرمها كونها منبتة لاسباخا. قوله: (بمشيئته وتيسيره) هذا معنى إذن الله كما مرّ. قوله: (عبر به عن كثرة النبات وحسنه الخ) أي المراد من كونه طيبا أن يكون حسنا وافياً لكونه واقعاً في مقابلة نكدا، فالمطابقة معنوية، وفي صحاح الجوهري نكدت الركية قل ماؤها، ورجل نكد عسر، وقيل: إنّ في الكلام حالاً محذوفة، أي يخرج واقياً حسنا بقرينة مقابله، والغرارة بفتح الغين والزاي المعجمتين والراء المهملة الكثرة، والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المهملة أرض ذات حجارة سود، والسبخة بكسر الباء أرض ذات ملح معروف. قوله: (قليلأ عديم النفع الخ) تفسير نكد بالكسر، لأنه يقال عطاء نكد أي قليل لا خير فيه، وكذا رجل نكد قال: فأعط ما أعطيته طيبا لاخيرفي المنكودوالناكد لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا ونصبه على الحال أو صفة مصدر محذوف أو معطوف على الطيب فيكون البلد عاماً، ويخرج أصله يخرج نباته كما قدره المصنف رحمه الله تعالى، أو التقدير وبنات الذي خبث الخ وقال الطيبي: والذي خبث إشارة إلى أنّ أصل الأرض! أن تكون طيبة منبتة، وخلافه طار لعارض! ، كما أنه مثال للإنسان الذي الأصل فيه أن يكون على الفطرة، وقوله: (ونكدا) على المصدر أي قرئ نكداً بفتحتين على زنة المصدر، والنصب أيضا على أنه مصدر أي خروجاً نكداً كما ذكره المعرب، وقيل أراد به تصحيح اللفظ لا أنه منصوب على المصدر، فإنه حال بحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه، وتوله: (يخرجه البلدا لم يجعل الضمير لله لتكلفه، ونردّدها ونكرّرها تفسير لنصرف، لأنّ التصريف تبديل حال بحال، ومنه تصريف الرياح. قوله: (لقوم يشكرون نعمة الله الخ) أو مثل ما مرّ في القرآن من تفصيله وتبيينه نفصل ونكرر سائر آياته لمن شكر نعمة الله التي من جملتها هذا التفصيل، وشكرها بالتفكر فيها والاعتبار بها وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون به وإن عم، وإنما فسر الشكر بما ذكر لأنه المناسب لما قبله، ولو أبقى على ظاهره لكان أظهر. قوله: (والآية مثل لمن تدبر الآيات الخ) أي قوله: (والبلد الطيب) الخ استطراد واقع على أثر ذكر المطر الذي هو توطئة لقوله: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى} الخ أي هو تمثيل وتقريره أنا بينا تلك الآيات الدالة على القدرة والعلم لعلكم تتفكرون فيها، فتعلمون أنكم إلينا ترجعون، لكن لا تنجع تلك الآيات إلا فيمن شرح الله صدره، فيخرج نبات فكره طيباً، ومن جعل صدره ضيقا لا يخرج نبات فكره إلا حبينا، فلا يرفع لها رأساً، كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون، وهذا كما في حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء قأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجاذب أمسكت الماء، فنقع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان) 1 (لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 ومثل من لم يرفع لذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت له ") 2 (. وقوله: (لم يرفع رأساً (استعارة لعدم الانتفاع والقبول، والظاهر أنه كناية، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى هذا الحديث. قوله:) جواب قسم محذوف الخ (أي هو جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا، وفي الكشاف فإن قلت ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وقل عنهم نحو قوله: حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموافما إن من حديث ولا صالي قلت: إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق، إلا تأكيداً للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم، وتبعه المصنف رحمه الله لكن غيره من النحاة قالوا إذا كان جواب القسم ماضيأ مثبتاً متصرفاً فإما أن يكون قريبا من الحال فيؤتى بقد، وإلا أتيت باللام وحدها، فجؤزوا الوجهين باعتبارين، وقال هنا: لقد بدون عاطف، وفي هود والمؤمنين بعاطف قال الكرماني لتقدم ذكره صريحاً في هود وفي المؤمنين ضمناً في قوله: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 22] لأنه أوّل من صنعها بخلاف ما هنا. قوله: (لأنها مظنة التوقع (هو معنى كلا االكشاف الذي قررناه، ولا فرق بينهما كما توهم، وفي شرح التسهيل بسط لهذه المسألة والاعتراض بقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} وهم لأنّ الكلام في الماضي، والمراد بالتوقع توقع الأعلام به لأنه ماض. قوله: (ونوح ابن لملك الخ (لملك بفتحتين ولأمك كهاجر أبو نوج عليه الصلاة والسلام، ومتوشلح بوزن المفعول في المشهور، وقيل هو بفتح الميم وضم المثناة الفوقية المشددة وسكون الواو وشين معجمة ولام مفتوحة ثم خاء معجمة. قوله: (أوّل نبتي الخ) اعترض عليه بأنه يقتضي أنه أوّل الرسل، وقد كان قبله شيث وإدرش! عليهما الصلاة والسلام، وهو من خواص نبينا محمد! ت، وأجيب عنه بأنّ عموم الرسالة للثقلين، وبقاء دعوته إلى يوم القيامة، وأيضا إنه بعد الطوفان لم يكن في الأرض غير قومه، وتفصيله في شرح البخارقي لابن حجر. قوله: (أي اعبدوه وحده) فسره به لدلالة ما بعده عليه لأنّ الإله المعبود، ولأنهم معترفون بعبادته، وهي مع التشريك كلا عبادة، وغيره قرئ بالحركات الثلاث، بالنصب على الاستثناء، والجر على النعت أو البدل من إله، والرفع باعتبار محله. قوله:) إن لم تؤمنوا (كان الظاهر إن لم تعبدوا، لكن لما كانت عبادته تستلزم الإيمان به قدر ذلك، وكون المراد باليوم يوم الطوفان لأنه أعلم بوقوعه إن لم يؤمنوا. قوله: (أي الإشراف الخ) الرواء بضم الراء المهملة والمذ حسن المنظر، وملء العيون مجاز عن زيادة حسنهم في النظر، وقيل لأنهم ملوّن قادرون على ما يراد منهم من كفاية الأمور، أو يملؤون المجال! باتباعهم. توله:) أي شيء من الضلال بالغ في النفي الخ) في الكشاف الضلالة أخص من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل لك ألك تمر فقلت ما لي تمرة، وفي المثل السائر الأسماء المفردة الواقعة على الجنس التي يفوق بينها وبين واحدها بتاء التأنيث متى أريد النفي كان استعمال واحدها أبلغ، ومتى أريد الإثبات كان استعمالها أبلغ، كما في هذه الآية، وليس الضلالة مصدرا كالضلال بل هي عبارة عن المزة الواحدة، فإذا نفى نوح عليه الصلاة والسلام عن نفسه المرة الواحدة من الضلال فقد نفى ما فوق ذلك، وقد اشتهر الاعتراض على ذلك بوجوه منها ما قيل إنه غير مستقيم لأنّ نفي الأخص أعم من نفي الأعم، فلا يستلزمه ضرورة، أنّ الأعم لا يستلزم الأخص بخلاف العكس، ألا تراك إذا قلت هذا ليس بإنسان لم يلزم أن لا يكون حيوانا، ولو قلت هذا حيوان لا يستلزم أن يكون إنسانا، فنفي الأعم كما ترى أبلغ من نفي الأخص، وأيضاً جعل التاء للوحدة كتاء تمرة، وقد قال في المجمل الضلال والضلالة بمعنى واحد، وأيضاً لو قيل ما عندي تمرة بمعنى تمرة واحدة، وعندي تمر كثير صح، كما لو أظهر ذلك فقال ليس عندي تمرة واحدة بل تمرات حتى لا يعد مثله تناقضا، فقول نوج صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ} ليس نفياً لضلالات مختلفة الأنواع، وردّ بأنهما وأن جاآ في اللغة بمعنى واحد كالملال والملالة إلا أن مقابلة الضلال بالضلالة ونفيها عند قصد المبالغة في الهداية، يدل أن المراد به المرة، والتاء للوحدة فيكون بعضاً من جنس الضلال وفرداً واحدا منه، ويؤول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 معناه إلى أقل ما يطلق عليه اسم الضلال، وهذا معنى كونه أخص! ، ولا يبعد تفسيره بالأقل فردا وظاهر، أنّ نفيه أبلغ من نفي الجنس المحتمل للكثرة، أو الانصراف إلى الكمال، كما يحتمل نفس الماهية، ولا كذلك احتمال رجوع النفي في المرة إلى الوحدة، بمعنى ليس بي ضلالة بل ضلالات، كما في جاءني رجل بل رجلان لأنه مضمحل، في هذا المقام لا مجال للوهم فيه فسقط ما أورد على ذلك برمته، وأغنى عما وقع هنا للشراح من القيل والقال، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله شيء من الضلال فتدبر، وقوله بالغ في النفي حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلالة واحدة، وبالغوا في الإثبات حيث أكدوا كلامهم بأنّ واللام، وجعلوا الضلال ظرفا له، وقوله وعرض لهم به لأنّ تقديم المقيد لاختصاص النفي به يقتضي أنه ثابت لهم، وهو المراد بالتعريض لأنه من عرض الكلام ومفهومه. قوله: (استدراك باعتبار ما يلزمه الخ) في الكشاف فإن قلت كيف وقع قوله ولكني رسول استدراكاً للانتفاء عن الضلالة، قلت كونه رسولاً من الله مبلغا رسالاته ناصحا في معنى كونه على الصراط المستقيم فصح لذلك أن يكون استدراكا للانتفاء عن الضلالة، فقيل عليه معنى الاستدراك أن يقع للمخاطب في الجملة السابقة وهم فيتدارك ذلك الوهم بإزالته، فلما نفى الضلالة عن نفسه فربما يتوهم المخاطب انتفاء الرسالة أيضاً كما انتفى الضلالة فاستدركه بلكن، كما في قولك زيد ليس بفقيه، لكنه طبيب، وأما جوابه بأن إثبات الرسالة في معنى الاهتداء واثبات الاهتداء استدراك لنفي الضلالة ففيه بعد، لأنه لما نفى الضلالة لم يذهب وهم واهم إلى نفي الاهتداء أيضاً حتى يحتاج إلى تداركه، ويمكن أن يقال إذا لم يسلك طريقا فلا اهتداء ولا ضلال، وقال النحرير: متعقبا له إن كان القصد إلى مجرّد كون لكن يتوسط بين كلامين متغايرين نفيا واثباتاً فوجه السؤال والجواب ظاهر، وأمّ إذا أريد بالاستدراك رفع التوهم الناشئ من الكلام السابق على ما هو المشهور، وعلى ما قاله المصنف رحمه الله تعالى معنى الاستدراك أنّ الجملة التي يسوقها أولأ يقع فيها وهم للمخاطب فيتدارك ذلك الوهم بإزالته، كقولك زيد ليس بفقيه ولكته طبيب، ففي الكلام إشكال لأن نفي الضلالة ليس مما يقع فيه نفي كونه رسولأ، وعلى صراط مستقيم، وما في الكتاب غير واف بحله بل ترك ما ذكره من التأويل أولى، إذ يمكن أن يقال ربما يتوهم المخاطب عند نفي الضلالة انتفاء الرسالة أيضاً، لكن توهم انتفاء الهداية مما لا وجه له إذ من البعيد أن يقال نفي الضلالة، ربما يوهم نفي سلوك الطريق المستقيم، وحيث لا سلوك لا هداية، كما لا ضلالة والظاهر أن المصنف رحمه الله تعالى لم يقصد سوى أنه عند نفي أحد المتقابلين قد سبق الوهم إلى انتفاء المقابل الآخر، لا إلى انتفاء الأمور التي لا تعلق لها به، فأول ما وقع في معرض الاستدراك بما يقابل الضلال مثلا يقال زيد ليس بقائم لكنه قاعد، ولا يقال لكنه شارب إلا بعد التأويل بأن الشارب يكون قاعدآ، وقد قيل: إنّ القوم لما أثبتوا له الضلالة أرادوا به ترك دين الآباء ودعوى الرسالة، فهو حين نفي الضلالة توهم منه أنه على دين آبائه، وترك دعوى الرسالة، فوقع الأخبار بأنه رسول، وثابت على الصراط المستقيم أستدراكا لذلك، ولا خفاء في أن هذا ليس كلام الكتاب، اهـ وما ذكره تحقيق بديع لكن المذكور في العربية كما نقله صاحب المغني أنّ للنحاة في الاستدراك ولزومه لها قولين: فقيل الاستدراك أن تنسب لما بعدها حكما مخالفاً لما قبلها سواء تغايرا إثباتا ونفياً أولاً، وقيل هو رفع ما يتوهم ثبوته، وهو التحقيق كما يشهد به من تتبع موارد الاستعمال، وما ذكره أوّلاً مخالف للقولين إلا أن يرجع إليه بضرب من التأويل، وقال بعض المتأخرين من علماء الروم: النظر الصائب في الاستدراك هنا أن يكون مثل قوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم الخ وقوله: سوى أنه الضرغام لكنه الوبل أي ليس بي ضلالة وعيب، لكني رسول من رب العالمين فليتأفل، ومحصل كلام المصنف رحمه الله تعالى أنها واقعة بين متغايرين بحسب التأويل، وهي تفيد التأكيد في مثله، كما صرح به النحاة فلا يرد السؤال الذي أورده بعضهم هنا، وهو فإن قيل لا فائدة في الاستدراك لأنّ نفي الضلالة يستلزم الهدي، قلنا المراد من الهدي الهداية الكاملة، ونفي الضلالة لا يستلزمها. قوله: (صفات لرسول أو استئناف) قيل إذا كانت الجملة صفات جاز فيها التكلم لأنها خبر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 المتكلم كقوله: أنا الذي سمتني أمي حيدرة والقياس سمته لكنه حمل على المعنى لا من اللبس، وهو مع ذلك قبيح حتى قال المازنيّ رحمه الله تعالى لولا شهرته لرددته، فينبغي الحمل على الاستثناء إذ لا وجه للحمل على الضعيف مع وجود القوي، قلت لا وجه لهذا لأنّ ما ذكره المازني في صلة الموصول لا في وصف النكرة فإنه وارد في القرآن مثل: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أسورة النمل، الآية: 55] مصرج بحسنه في كتب النحو والمعاني، مع أنّ ما ذكره المازني وتبعه ابن جني حتى استرذل قول المتنبي: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ردّه النحاة وقال في الانتصاف أنه حسن في الاستعمال، وهذا إذا لم يكن الضمير مؤخراً نحو الذي قرى الضيوف أنا أو كان للتشبيه نحو أنا في الشجاعة الذي قتل مرحبا، وقوله بالتخفيف أي تسكين الباء وتخفيف اللام لا تشديدها، وقوله: (على الوجهين) أي ألاستئناف والوصفية، فهي فيهما بيان للرسول بأنه الذي يبلغ عن الله الخ. قوله: (وجمع الرسالات الخ) أي رسالة كل نبيّ واحدة وهي مصدر الأصل فيه أن لا يجمع، فجمع هنا لاختلاف أوقاتها فكل وقت له إرسال، أو تنوّع معاني ما أرسل به، أو أنه أريد رسالته ورسالة غيره ممن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقوله: (للدلالة على إمحاض النصح) بناء على أنّ اللام فيه للاختصاص لا زائدة للدلالة على أنّ الغرضى ليس غير النصح، وليس النصح لغيرهم كما قيل، والمراد بكون النصح ليس لغيرهم أن نفعه يعود عليهم لا عليه كقوله: {مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ} وهذا هو المستفاد من اللام بواسطة الاختصاص، وأمّا كونه لا غرض له غير النصح في تبليغه، فإمّا من ذكر النصح بعده أو لأن معناه كما قال الراغب: يتضمن الخلوص عما يخالفه من قولهم عسل ناصح أي خالص، فلا يرد على الأوّل أن دلالة اللام عليه غير ظاهرة، وعلى الثاني أنه لا وجه للحصر فيهم لا سيما ودعوة نوح عليه الصلاة والسلام عامة لمن في عصره، فتدبر ووجه التقرير لأنّ سعة علمه تقتضي تصديقه فيما أخبرهم به. قوله: (من قدرته الخ) فمن بيانية لما مقدمة عليه وفيه مضاف فقدر، وعلى الوجه الثاني من ابتدائية ولا تقدير فيه، والاستفهام للإنكار بمعنى لم كان ذلك ولا داعي له، والكلام في تقدير المعطوف وعدمه معلوم مما مر، وتفصيله في أول المغني وان جاءكم بتقدير من لتعديته بها، وفسر الذكر بما أرسل به كما قيل للقرآن ذكراً وبالمواعظة لأنها تذكير وقدراسان في قوله على رجل المتعلق بجاء لأنه لا يقال جاء عليه بل جاء على يده أو على لسانه، يعني بواسطته وقيل على بمعنى مع فلا حاجة إلى التقدير، وقيل تعلق به لأنّ معناه أنزل أو لأنه ضمن معناه، وقوله من جملنكم أو من جنسكم إشارة إلى أنّ من تبعيضية أو بيانية. وقوله: (نإنهم الخ) على الوجهين بيان للتعجب من كونه جاء على لسان رجل، وليس مخصوصا بالثاني كما توهم، وقوله من إرسال البشر أي من دعواه، وعاقبة الكفر والمعاصي العذاب والعقاب، وضمير منهما للكفر والمعاصي. قوله: (بسبب لإنذار الخ) أراد أنه سبب في نفسه لا أنّ الكلام دال عليه، وكذا فيما بعده فلا يرد الاعتراض عليه بأنه لم يعتبر السببية، والا لقيل فتنقوا مع أنه تابعه قيما بعده فورد عليه ما ورد فتأمّل. وقوله وفائدة حرف الترجي الخ وقيل هو جار على عبادة العظماء في وعدهم بلعل. قوله تعالى {فَأَنجَيْنَاهُ} الخ الفاء للسببية باعتبار الإعراق لا فصيحة، وفي الشعراء ثم أغرقنا لأنّ الإنجاء ثمة من قصدهم له كما ذكره هناك وقوله وهم من آمن به خصه بالبشر لمقابلته بإغراق المكذبين وإن كان معه بعض الحيوإنات وقوله: (وكانوا أربعين) الخ أي الناجون فلا يخالفه ما هو في هود من أن من آمن به تسعة وسبعون. قوله: (متعلق بمعه الخ) أي يجوز أن يتعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة، كما يجوز أن يكون صلة ومعه متعلق به، أو متعلق بأنجينا وفي ظرفية أو سببية أو حال من الموصول متعلق بمقدر أي كائنين فيها، أو حال من الضمير المستتر في الظرف، والفرق بينه وبين الأول لفظا أن له متعلقا مقدراً على هذا، ومعنى التصريح بالغية هذا بعد ما كانت ضمنا وفيه نظر. وقوله عمي القلوب بضم العين وسكون الميم جمع أعمى، وبفتح العين وكسر الميم على أنه مفرد أو جمع سقطت نونه للإضافة. قوله: (والأوّل أبلغ الخ) فرق بين عم وعامى بأن عم صفة مشبهة تدل على الثبوت كفرح بخلاف عام فهو أبلغ، وقيل عم لعمي البصيرة، وعام لأعمى البصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 وقيل هما سواء فيهما. قوله: (عطف على نوحاً إلى قومه) أي عطف المجموع على المجموع وغير الأسلوب لأجل ضمير أخاهم، إذ لو أتى به على سنن الأول عاد الضمير إلى متأخر لفظ، ورتبة وهوداً عطف بيان أو بدل وعاد اسم أبيهم سميت به القبيلة أو الحيّ، فيجوز صرفه وعدمه كثمود كما ذكره سيبويه وأمّا هودءلمج! ر فاشتهر أنه عربي، وظاهر كلام سيبويه رحمه الله أنه أعجمي ويشهد له ما قيل إنّ أول العرب بعرب، ومعنى أخاهم إنه منهم نسبا وهو قول للنسابين، ومن لا يقول به يقول إن المراد صاحبهم وواحد في جملتهم، كما تقول يا أخا العرب، وبين حكمة كون النبيّ صلى الله عليه وسلم يبعث من قومه لأنهم أفهم لقوله من قول غيره، وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله. قوله: (استأنف به ولم يعطف الخ) أي لم يعطف هذا ولا قال الآتي في جوابهم لجعله جواب سؤال مقدر، بخلاف ما مرّ في قصة نوج صلى الله عليه وسلم، فغاير بينهما تفنناً كما ذكره الزمخشريّ. وقيل عليه إنه غير كاف في الفرق فإنّ الرسالة كما هي مظنة السؤال هنا، كذلك هي مظنة السؤال ثمة فالأولى أن يقال كان نوح يك! يرو مواظبا على دعوتهم غير مؤخر لجواب شبههم لحظة واحدة، وأما هود صلى الله عليه وسلم فما كان مبالغا إلى هذا الحد فلذا جاء التعقيب في كلام نوح عليه السلام، وقيل إنه يصلح عذر الترك الفاء لا لترك الوصل والكلام فيه، وقيل إنّ تتمة هذا الجواب أنّ قصة نوج عليه السلام ابتداء كلام فليست مظنة سؤال بخلاف قصة هود صلى الله عليه وسلم فإنها معطوفة على قصة نوح عليه السلام، فكانت مظنة أن يقال أقال هود مثل ما قال نوج أم لا، وقيل عليه إنه تغيير للتقرير بتقرير آخر وليس بشيء. قوله: (وكأن قومه كانوا أقرب من قوم نوح عليه السلام ولذلك قال الخ) أي كانوا أقرب إلى قبول الحق واجابة الدعوة من قوم نوج صلى الله عليه وسلم، ولذلك أطلق الملأ المعاندين من قوم نوح وقيده هنا بمن كفر منهم، وفيه إشارة إلى وجه قوله هنا أفلا تتقون، وقوله هناك: {إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة الأعراف، الآية: 59] فإنه أشدّ من التخويف وقيل في وجهه إنها أوّل وقعة عظيمة بخلاف هذه فتدبر. قوله: (إذ كان من إشرافهم من آمن الخ) فلم يكن من أشراف قوم نوح عليه الصلاة والسلام مؤمن، فعلى هذا ما ورد في سورة المؤمنين: {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} [سورة المؤمنون، الآية: 24] الخ في وصف نوج يكتنرو محمول على أنه هناك للذمّ لا للتمييز وإنما لم يذمّ هاهنا للإشارة إلى التفرقة بين قوم نوج وقوم هود عليهما الصلاة والسلام ولو حمل الوصف على الذمّ هنا، وفرق بأنّ مقتضى المقام ذمّ قوم هود لشدة عنادهم لقولهم إنا لنراك في سفاهة مع كونه معروفا بينهم بالحلم والرشد، وذم قوم نوح في سورة المؤمنين لعنادهم بقولهم: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ، إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [سورة المؤمنون، الآية: 24-25] لما فيه من فرط العناد، ثم إنه قيل إنّ الظاهر أن ما نقل هنا عن قوم نوج صلى الله عليه وسلم مقالتهم في مجلس أو مقالة بعضهم، وما نقل في سورة المؤمنين مقالتهم في مجلس آخر، أو مقالة بعض آخر، فروعي في المقامين مقتضى كل من المقالتين، ثم إن شذة عناد من عاند من قوم هود صلى الله عليه وسلم لا تنافي قرب جملتهم من جملة قوم نوج، حيث آمن بعض أشرافهم دون أشراف قوم نوجء! ر، فإن قلت قوله إذ كان من أشراف قومه من آمن يقتضي أنّ قوم نوج عليه الصلاة والسلام ليسوا كذلك، وهو ينافي قوله في تفسير قوله والذين آمنوا معه أنه آمن معه أربعون رجلاً وأربعون امرأة، وقوله تعالى: {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [سورة هود، الآية: 36] قلت هؤلاء لم يكونوا من السادات كما هو المعتاد في اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وفيل إنه وقت مخاطبة نوح جمز لقومه لم يكونوا آمنوا، بخلاف قوم هود، ومثله يحتاج إلى النقل. قوله: (متمكناً في خفة عقل راسخا فيها (حيث لم يقل سفيها، وجعله متمكنا فيها تمكن الظرف في المظروف، ففيه استعارة تبعية مع أن واللام المؤكدة لذلك، وقوله حيث فارقت الخ تعليل لذلك. وقوله ولكني رسول مرّ تحقيق الكلام فيه. قوله: (وفي إجابة الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الكفرة الخ (توصيفه الكلمات بالحماقة مبالغة، والمعنى الأحمق قائلها فهو مجاز، وقوله عن مقابلتهم أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 بالتسفه والتكذيب وهضم النفس من قوله على رجل منكم، وقوله تنبيه على أنهم عرفوه بالأمرين النصح والأمانة، فليس من حقه أن يتهم بالكذب ونحوه، وذكر هذا في الكشاف، ثم قال وأنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه، وفي الكشف الفرق بين الوجهين بحسب تقدير المتعلق للنصح والأمانة وجعلهما من قبيل المهجور ذكر متعلقه، والثاني يفيد أنه أوحدي فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته، فلذلك قال عرفت فيما بينكم، وقال الطيبي وحمه الله إنه على الأوّل اعتراض، وعلى الثاني حال، كما مرّ في قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 51] وهذا كله من العدول عن الفعلية إلى الاسمية المفيدة للتحقق والثبوت، ووقع في نسخة هنا وقرأ أبو عمرو أبلغكم بالتخفيف يعني من الأفعال والباقون بالتشديد في الموضعين، وفي الأحقاف والتضعيف والهمزة للتعدية. قوله: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء) إذ ظرف منصوب بآلاء المحذوف هنا بقرينة ما بعده لتضمته معنى الفعل، والذي اختاره الزمخشريّ أنه مفعول اذكروا، أي اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسام، كما مرج تفصيله في البقرة، وهو أقرب مما مرّ لكنه مبنيّ على الاتساع في الظرف، أو أنه غير لازم للظرفية، والمشهور في النحو أنّ إذ وإذا لازمان للظرفية، وفي الخلق يحتمل أنه بمعنى المخلوقين، أي زداكم في الناس على أمثالكم بسطة أي قوّة، وزيادة جسم لأنه روي أن أقصرهم كان ستين ذراعا، وعالج موضع مشهور بكثرة الرمل، وعمان بالضم والتخفيف بلد ينسب إليه البحر، ووقع في نسخة شجر بشين معجمة وحاء مهملة، وهو ساحل له ينسب إليه العنبر، وعلى أن المراد الملك الإسناد إليهم مجاز لكونه من بعضهم، وقوله خوفهم من عقاب الله هو من قوله تتقون كما فسره والنعم ظاهرة. قوله: (آلاء الله (هي نعمه جمع إلي بكسر الهمزة وسكون اللام، كحمل وأحمال، أو إلى بضم فسكون كقفل وأقفال، أو إلى بكسر ففتح مقصوراً كعنب وأعناب، أو بفتحتين مقصوراً كقفا وأقفاء، وبهما ينشد قول الأعشى: أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحمي ولا يخون إلى وقوله تعميم الخ أي مطلق آلاء الله لا قوله زادكم كما توهم. قوله: (لكي يفضي الخ ( لما كان الفلاج لا يترتب على مجرّد ذكر النعم جعل ذكرها عبارة عما يلزمها من شكرها الذي من جملته عمل الأركان، ولطاعة فالشكر عرفيّ وهو كناية. قوله:) استبعدوا اختصاص الخ) الاستبعاد مستفاد من الاستفهام وسوق الكلام والانهماك الإكثار والتقيد بالشيء، وألفوه من الألف والمحبة، وفي نسخة ألفوه بسكون اللام أي وجدوه. قوله:) ومعنى المجيء الخ (لما كان بين أظهرهم وفيهم أوّل بأنه كان في مكان معتزلاً عنهم للعبادة أو لئلا يرى سوء صنيعهم، فجاءهم حقيقة لينذرهم، أو أن المراد به أجئتنا ونزلت علينا من السماء، تهكما بناء على زعمهم أنّ المرسل من الله لا يكون إلا ملكأ، أو مجاز عن القصد إلى شيء، والشروع فيه فإنّ جاء وقام وقعد وذهب تستعمله العرب كذلك تصويراً للحال، فتقول قعد يفعل كذا وقام يشتمني، وذهب يسبني قال: فاليوم إذ قمت تهجوني وتشتمني كما فصله المرزوقي في شرح الحماسة. قوله: (قد وجب أو حق أو نزل الخ) يعني استعمال وقع المخصوص بنزول الأجسام في الرجس، والغضب مجاز عن الوجوب بمعنى اللزوم من إطلاق السبب على المسبب، كما أنّ الوجوب الشرعي كان بمعنى الوقوع فتجوّز به عما ذكر، ويجوز أن يكون استعارة تبعية شبه تعلق ذلك بهم بنزول جسم من علو، وهو المراد بقوله نزل عليكم كذا قيل والظاهر أنه يريد أنّ وقع بمعنى قضى وقدر، لأنّ المقدرات تضاف إلى السماء، وما قيل إنّ التجوّز في كلمة على لأنّ العذاب لقوّة الثبوت كأنه استعلاء، أو لأنّ أكثر العذاب ينزل من صوب السماء، فضمن معنى النزول فلا وجه له، وقوله: (على أنّ المتوقع (وجه للتعبير بالمضيّ عما سيقع ولا يخفى لطف، كالواقع هنا لقوله في النظم وقع، فالتجوّز إما في المادة أو الهيئة، والارتجاس والارتجاز بمعنى حتى قيل أنّ أحدهما مبدل من الآخر، وأصل معنا. الاضطراب، ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به، وفسر الغضب بالغضب الإلهي وارادة الانتقام كما مرّ تحقيقه في الفاتحة لئلا يتكرّر مع ذكر العذاب قبله. قوله: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 (في أشياء سميتموها آلهة الخ) جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة، كما يقال لما لا يليق ما هو إلا مجرّد اسم، فالمعنى أتجادلونني في مسميات لها أسماء لا تليق بها، فتوجه الدمّ للتسمية الخالية عن المعنى، والضمير حينئذ راجع لأسماء وهي المفعول الأوّل للتسمية، والثاني آلهة ولو عكس لزم الاستخدام، وقوله ما نزل الله بها من سلطان أي حجة ودليل تهكم كما مرّ في قوله: {أَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} فهو تعليق بالمحال، واليه يثير قوله أنها لو اسنحقت أي استحقت العبادة، وكون الاسم غير المسمى أو عينه تقدّم الكلام عليه في أوّل الكتاب، واللغات هل لي توقيفية أم لا، واضعها الله أو العرب، والكلام فيه والاستدلال مفصل في أصول الفقه، ووجه ضعفها يعلم من تقرير كلام المصنف رحمه الله؟ كما بيناه لك فلا نطيل بغير طائل، وقوله لما وضح ما مصدرية وهو تعليل لنزول العذاب، ونزول العذاب مفعول انتظروا وهو بيان! موقع الفاء في النظم، وقوله في الدين إشارة إلى أن المعية مجاز عن المتابعة. قوله: (أي استأصلناهم (يعني أن قطع الدابر كناية عن الاستئصال إلى إهلاك الجميع لأنّ المعتاد في الآفة إذا أصابت الآخر أن تمرّ على غيره، والشيء إذا امتد أصله أخذ برمته، والدابر بمعنى الآخر. قوله: (تعريض بمن آمن منهم الخ) قال الطيبي رحمه الله يعني إذا سمع المؤمن أن الهلاك اختص بالمكذبين وعلم أنّ سبب النجاة هو الإيمان لا غير تزيد رغبته فيه ويعظم قدره عنده. قوله: (روي أنهم كانوا يعبدون الآصنام الخ (إمساك القطر عدم المطر، وجهدهم البلاء، بمعنى شق عليهم، وأذاهم من الجهد، وقيل بفتح القاف وسكون الياء علم ومعنا. السيد الذي يسمع قوله وأصله قبول فأعل إعلال ميت وأطلق على كل ملك من حمير وكونهم أخوال معاوية بن بكر لأنّ أمّه من قبيلتهم كما ذكره البغويّ، والفينة الجارية مطلقاً ويراد بها المغنية، وهو المراد هنا وكان اسم إحداهما وردة والأخرى جرادة، فقيل لهما جرادتان على التغليب، وقوله أهمه ذلك أي أورثه غما واستحياه أي من ضيوفه لئلا يظنوا أنه ملهم، فذكر ذلك للجاريتين فقالا له: قل شعرا يذكرهما بما قدما له لنغنيهم به فيفطنوا لذلك من غير علم بأنه منك فقال ذلك: وويحك ترحم وهينم أمر من الهينمة وهي الصوت الخفيّ، والمراد اح، وقد امسوا بنقل حركة الهمزة للدال الساكنة وما يبينون الكلاما أي ضعفوا ومرضوا من القحط وقال من قال مرثد لأنه كان مؤمنا يكتم إيمانه، وقوله ما كنت تسقيهم ما موصولة وكونها نافية بعيد، وقوله فأنشأ الله أي خلق وأظهر، وقوله ناداه مناد من السماء الخ. قيل كان كذلك يفعل الله بمن دعاه إذ ذاك وسود السحاب أغزر ماء كما هو معروف، وقوله: (وادي المنيث) بوزن الفاعل من الغيث اسم واد لهم مشهور عندهم وريح عقيم لا مطر معها وهذا لمعاوية وبعده: وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما والقصة طويلة مذكورة في السير، وعاد المذكورة عاد الأولى ونسلهم عاد الآخرة. قوله: (سموا باسم أبيهم ا! بر الخ) يعني أنّ القبيلة سميت باسم الجد، كما يقال تميم أو سميت بمنقول من ثمد الماء إذا قل وبعد التسمية به ورد فيه الصرف وعدمه، أما الثاني فلأنه اسم القبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وأتا الأوّل فلأنه اسم للحيّ أو لأنه لما كان اسمها الجد أو القليل من الماء كان مصروفا لأنه علم مذكر أو اسم جنس، فبعد النقل حكى أصله، والحجر بكسر الحاء اسم أرض معروف، وفي قوله ابن ثمود بيان لأنّ الأخوة نسبية. قوله: امعجزة ظاهرة الدلالة) بيان لوجه إطلاقها عليها ومن ربكم متعلق بجاءتكم أو صفة بينة ومن لابتداء الغاية أو للتبعيض، إن قدر من بينات ربكم وليس بلازم على تقدير الوصفية ما قيل. قوله: (استئناف لبيانها الخ (أي لبيان البينة والمعجزة، أي استئناف نحويّ، وجوّز أن يكون استثنافا بيانيا جوابا لسؤال مقدر، تقديره أين هي ما لا هي حتى ينافي القصة وأنهم سألوها، ويقال أن الظاهر حينئذ أن يقال هي ناقة الله، وجوّز في هذه الجملة أن تكون بدلاً من بينة بدل جملة من مفرد للتفسير. قوله: (وآية نصب على الحال الخ) وهي حال مؤكدة وكون العامل فيها معنى الإشارة لأنه فعل معنى أي أشير، ولذا سماه النحاة العامل المعنوي، وتحقيقه مرّت الإشارة إليه، وقوله ولكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 بيان كما في سقيا له فيتعلق بمقدر لا غير، وإذا كان لكم خبرا فآية حال من الضمير المستتر فيه والعامل هو أو متعلقة كما تقرّر في النحو، وإضافتها إلى الله حقيقة وهي تفيد التعظيم إذ ليس كل إضافة تشريفية لأدنى ملابسة كما ذكره العلامة، أو لأنها ليست بواسطة إنتاج ولذلك كانت آية كما أن خلقها ليس تدريجياً كذلك. وقوله: (العشب) بيان لمفعوله المقدر لأنه معلوم وتأكل بالجزم جواب الأمر، وقرئ بالرفع فالجملة حالية، وفي أرض الله يجوز تعلقه بتأكل والأمر فهو من التنازع. قوله: (نهي عن المس الذي هو مقدّمة الإصابة الخ) فهو كقوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} [سورة الأنعام، الآية: 52 ا] إذ المعنى لا تجعلوا الأذى ما سالها، ولا يلزم من المجاورة والمس التأثير، ألا ترى أنه لا يلزم من مس السكين الجرح والقطع، وبلزم من عدم المس عدمه بالطريق الأولى، فلا وجه لما قيل إنّ عليه منعا ظاهراً، فإنّ المنهي عنه ليس مطلق المس بل هو المقيد بمقارنة السو، كالنهي في قوله: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [سورة النساء، الآية: 43] إلا أن يجعل بسوء حالاً من الفاعل، والمعنى ولا تمسوها مع قصد السوء بها فضلاً عن الإصابة. قوله: (جواب للنهي (أي منصوب في جوابه والمعنى لا تجمعوا بين المس وأخذ العذاب إياكم، وأخذ العذاب وان لم يكن من صنيعهم لكنهم تعاطوا أسبابه، وقوله من بعد عاد لم يقل خلفاء عاد مع أنه أخصر إشارة إلى أنّ بينهما زمانا طويلاً، وبوّأكم بمعنى أنزلكم، والمباءة المنزل. قوله: (أي تبنون في سهولها الخ) فمن بمعنى في كما في قوله تعالى: {نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [سورة الجمعة، الآية: 9] والسهل خلاف الحزن، وهو موضع الحجارة والجبال، أو من ابتدائية أو تبعيضية أي تعملون القصور من مادّ مأخوذة من السهل وهي الطين واللبن بكسر الباء الموحدة الطوب الذي لم يحرق، والآجرّ بالمد وتشديد الراء ما أحرق منه. قوله: (وتنحتون الجبال بيوتا الخ) النحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء، وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وقرئ تنحاتون بالإشباع كينباع، وبيوتا حال مقدّرة لأنها حال النحت لم تكن بيوتا كخطت الثوب جبة والحالية باعتبار أنها بمعنى مسكونة أن قيل بالاشتقاق فيها وتقديره من الجبال ونصبه بنزع الخافض يرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ولا يعينه كما توهم، وإذا ضمن نحت معنى اتخذ نصب مفعولين، وعنا بمعنى أفسد فمفسدين حال مؤكدة كولوا مدبرين، واستضعفوهم واستذلوهم بمعنى عدوهم ضعفاء وأذلاء. قوله: (بدل من الذين الخ) ما ذكره هو الظاهر وأن قيل إنّ كون الضمير لقومه لا يوجب ذلك البتة، إذ لا يخفى احتمال أن يكون بدل بعض، وعلى كونه بدل بعض يكون المستضعفون قسمين مؤمنين وكافرين، وعلى كونه بدل كل يكون الاستضعاف مقصوراً على المؤمنين ويكون الذين استضعفوا قسماً واحداً، ومن آمن تفسير للمستضعفين من قومه، وجعل الاستفهام للاستهزاء لأنهم يعلمون بأنهم عالمون بذلك، ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر بل عدلوا عنه كما سترى. قوله:) عدلوا به عن الجواب الخ (أي هذا من الأسلوب الحكيم، وهو تلقي السائل والمخاطب بخلاف ما يترقب تنبيهاً له على أنه هو الذي ينبغي أن يسأل عنه، فهنا كأنهم قالوا لا ينبغي أن يسأل عن إرساله فإنه ظاهر لا يسأل عنه عاقل بل يسأل عمن اتبعه، وفاز بالاقتداء به ولذلك قال على المقابلة الخ أي مقتضى الظاهر سلوك طريق المجاراة، وسوق الكلام على وفق اعتقادهم والا ففي قولهم: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} تسليم للرسالة فكيف يكون أصل كلامهم، ولذا قال في الانتصاف إنهم لم يقولوه حذراً مما في ظاهره من إثبات رسالته وهم يجحدونها، وقد يصدر مثل ذلك على سبيل التهكم كقول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [سورة الشعراء، الآية: 27] وليس هذا موضع التهكم فإن الغرض إخبار كل من الفريقين عن حاله فلذا قال هنا كافرون والمقابلة بالعدول عن الظاهر كما عدلوا لأنهم جعلوا الإرسال مسلما فتركوه كما عدلوا عن قولهم نعم لأنّ إرساله لا شك فيه. قوله: (أسند إلى جميعهم فعل بعضهم للملابسة الخ (يعني الإسناد مجازي لملابسة الكل لذلك الفعل لكونه بين أظهرهم، وهم متفقون على الضلال والكفر أو لرضاهم أو لأمرهم لقوله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} ! سورة القمر، الآية: 29] وليس المراد أنّ العقر مجاز لغوي عن الرضا بالنسبة إلى غير فاعله لتكلفه، وقيل لأنه لا يلزم أن لا يذكر العقر بالفعل وهو المقصود وفيه نظر. قوله: (واستكبروا عن امتثاله الخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 (اختار أحد وجهين في الكشاف لأنه جوّز في الأمر أن يكون واحد الأمور أو الأوامر، والمصنف رحمه الله اقتصر على الثاني لأنه إذا كان واحد الأوامر فعتوا إمّا مضمن لمعنى التولي فالمعنى تولوا واستكبروا عن امتثال أمره عاتين، أو مضمن معنى الإصدار أي صدر عتوّهم عن أمر ربهم، وبسببه فلولا ذلك الأمر وهو قوله ذروها الخ. ما ترتب العتوّ وان كان الثاني فالمعنى تولوا واستكبروا عن شأن الله أي دينه وهو بعيد، والداعي إلى التأويل بتولوا أو صدر أنّ عتا لا يتعدى بعن فتعديته به لتضمينه ذلك، كما في قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} والمصنف رحمه الله ذهب إلى تضمينه استكبر لأنه ثبت عنده تعديته بعن، وقوله: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أمر للاستعجال لأنهم يعتقدون أنه لا يتأتى ذلك ولذا قالوا إن كتت من المرسلين. قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الخ وقع في نسخة تفسير هذه الآية مقدماً وفي بعضها مؤخراً، والأمر فيه سهل وطعن بعض الملاحدة بأن هذه القصة ذكر فيها هنا أخذتهم الرجفة، وفي موضع آخر الصحيحة، وفي آخر بالطاغية، والقصة واحدة، ظن أنّ بين ذلك منافاة، وليس كما زعم فإن الصيحة العظيمة الخارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوبهم، وأما الإهلاك بذلك فسببه طغيانهم، وهو معنى قوله بالطاغية والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله فأتتهم صيحة الخ، وفسر جاثمين في نسخة بخامدين ميتين لأنّ الجثوم معناه اللصوق بالأرض، وقوله فتقطعت قلوبهم تفسير للرجفة بأنها خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع، وفسرها بعضهم بالزلزلة، وجعل الصيحة من السماء، ويخالفه ما سيأتي في هود والحجر من أنها كان من تحتهم. قوله: (روي أنهم بعد عاد الخ) عمروا بتخفيف الميم من العمارة، ولا يجوز تشديدها إلا إذا كانت من العمر، وخلفوهم بتخفيف فتح اللام أي صاروا خلفا عنهم، وعمروا مجهول مشدد الميم من العمر، ولا تفي بها إلا بينة أي فيهدم قبل أن يموت أحدهم ما بناه، والخصب بكسر الخاء كثرة النبات والثمار، وسعة أي سعة رزق، وقوله: اخرج معنا إلى عيدنا أي مصلى عيدنا، وقوله: (منفردة) أي منفصلة عن الجبل،) ومخترجة) بضم الميم وخاء معجمة ساكنة، وفتح التاء والراء والجيم أخرجت على خلقة الجمل، وقيل تشاكل البخت (وجوفاء) عظيمة البطن ووبراء كثيرة الوبر، ولتؤمنُنَّ بضم النون الأولى لأنه للجمع وتمخضت بالمعجمة أي تحرّكت، وتمخض النتوج أي كحركة الحامل بولدها، وعشراء كعلماء التي أتى عليها عشرة أشهر بعد طروق الفحل، ونتجت مبني للمفعول وأصله أن يتعدى لمفعولين، تقول نتجت الناقة فصيلا إذا ولدت نتاجا فإذا بني للمجهول يقام المفعول الأوّل، أو الثاني مقام الفاعل، وكون ولدها مثلها معجزة أيضا، وقوله غبا أي يوما بعد يوم، وتتفحج بفاء ثم حاء مهملة مشددة ثم جيم أي تفرج ما بين رجليها للحلب، وهرب الدوالت فزعاً من عظمها، وزينت أي ذكرته وحسنته هاتان المرأتان، والسقب ولد الناقة الذكر، والرغاء صوت ذوات الخف، وأنفجت بتشديد الجيم بعد الفاء أي انشقت، فقال أي صالح صلى الله عليه وسلم تصبح أي تدخل قي الصباج أو تصير، وفلسطين بالفاء مدينة بأرض! الشأم، وتحنطوا من الحنوط وهو ما يطيب به الميت، والصبر بكسر الباء صمغ مرّ، وإنما تحنطوا به لئلا تأكلهم الهوامّ والسباع، والإنطاع جمع تطع بكسر النون وفتح الطاء وقد تسكن أديم معروف. قوله:) ظاهره أنّ توليه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين) أي ميتين وإنما قال ظاهره لأنه يجوز عطفه على قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [سررة الأعراف، الآية: 78] فيكون لخطاب لهم حين أشرفوا على الهلاك لا بع! هـ، وعلى المتبادر فالخطاب إما كخطاب النبيّ لمجب! لقتلى المشركين حين ألقوا في قليب بدر أي بئره فوقف عليهم ونادى: " يا فلان يا قلان بأسمائهم إنا وجدنا ") 1 (الخ كما رواه البخاري وغيره بناء على أن الله يرذ أرواحهم إليهم فيسمعون مقاله، ويكون مما خص به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أنه ذكره للتحسر والتحزن كما تخاطب الديار والأطلال، وقوله: أي وأرسلنا لوطا أي هو منصوب بأرسلنا المقدم لا بآخر مقدر. قوله: (وقت قوله لهم أو واذكر الخ) على الأوّل هو متعلق بأرسلنا، ولذا قيل عليه أنّ الإرسال قبل وقت القول لا فيه، ودفع بأنه يعتبر الظرف ممتداً كما يقال زيد في أرض الروم فهو ظرف غير حقيقي يكفي وقوع المظروف في بعض أجزائه، وقوله أو واذكر لوط فيكون من عطف القصة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 على القصة، واذ بدل اشتمال بناء على أنها لا تلزم الظرفية أو المعنى اذكر وقت إذ قال لقومه، وقيل العامل فيه على تقدير اذكر مقدر تقديره، واذكر رسالة لوط إذ قال فإذ منصوب برسالة قاله أبو البقاء رحمه الله. قوله: (توييخ وتقريع الخ) معنى قوله المتمادية في القبح أي التي بلغت أقصى القبح، وغايته يعني إنها أقبح الأفعال، قال في الأساس فلان لا يماديه أحد لا يجاريه إلى مدى. قوله: (ما فعلها قبلكم أحد الخ) فسره به لأنّ عدم السبق في فعل معناه ذلك، وإن كان يحتمل مساواة الغير فيها وقوله قط إشارة إلى استغراق النفي في الماضي الذي أفاده النظم، وكون اختراع السوء وسن السيئة أسوأ ظاهر إذ لا مجال للاعتذار عنه، وإن كان قبيحا كما هو عادتهم بقولهم إنا وجدنا فتأمل، وقوله والباء للتعدية في الكشاف، والباء للتعدية من قولك سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " سبقك بها عكاشة " (1) قال أبو حيان رحمه الله التعدية هاهنا قلقة جدا لأنّ الباء المعدية في الفعل المتعدي لواحد تجعل المفعول الأوّل يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء كالهمزة، فإذا قلت صكت الحجر بالحجر كان معناه أصككت الحجر الحجر أي جعلت الحجر يصك الحجر، وكذلك دفعت زيدأ بعمرو عن خالد معناه أدفعت زيداً عمراً، عن خالد أي جعلت زيدا يدفع عمرا عن خالد فللمفعول الأوّل تاً ثير في الثاني، ولا يصح هذا المعنى هنا إذا لا يصح أسبقت زيد الكرة أي جعلت زيداً يسبق الكرة إلا بتكلف، وهو أن تجعل ضربك الكرة أوّل ضربة قد سبقها وتقدمها في الزمان فلم يجتمعا، فالظاهر أنّ الباء للمصاحبة أي ما سبقكم أحد مصاحبا، وملتبسا بها، وليس بشيء بل المعنى على التعدية، ومعنى سبقته بالكرة أسبقت كرتي كرته لأنّ السبق بينهما لا بين الشخصين أو الضربين وكذا في الآية، ومثله يفهم من غير تكلف، ولذا قيل في معناه سبقت ضربه الكرة بضربي الكرة أي حعلت ضربي الكرة سابقا على ضربه الكرة، وهذا معنى قوله إذا ضربتها فتدبر وقوله ومن الأولى لتأكيد النفي أي زائدة له. قوله: (والجملة استئناف) أي استثناف نحوقي أو بيانيّ كما في الكشاف كأنه قيل له لم لا نأتيها فقال ما سبقتكم بها أحد فلا تفعلوا ما لم تسبقوا إليه من المنكرات لأنه أشد، ولا يتوهم أن سبب إنكار الفاحشة كونها مخترعة، ولولاه لما أنكر إذ لا مجال له بعد كونها فاحشة، ولم يجعل من قبيل: ولقد أمرّ على اللنيم يسبني لتعين الفاحشة لكنه جوّز فيها الحالية من الفاعل أو المفعول. قوله:) بيان لقوله أتأتون الفاحشة الخ) ظاهره اختصاص البيان بقراءته بالاستفهام وقد صرّج المعرب بخلافه ولا مانع منه، وكونه أبلغ لما سيأتي في وجه التقييد، ولتأكيده بأن واللام والإتيان هنا بمعنى الجماع، ومن دون النساء حال من الرجال أي تأتونهم منفردين عن النساء وصفة شهوة وتعلقه به بعيد، والاستئناف هنا يحتمل النحوي والبياني أيضا. قوله:) وشهوة مفعول له) أي لأجل الاشتهاء لا غير ومشتهين، أو هو مصدر ناصبه تأتون لأنه بمعنى تشتهون. قوله:) وفي التقييد بها) أي على الوجهين لا على أحدهما كما توهم لأنّ الجماع لما لم ينفك عن الشهوة كان التقييد بها دليلا على قصدها دون غيرها فتأمّل. قوله: (إضراب عن الإنكار الخ) أي إضراب انتقالي إلى ما أدى إلى ذلك أو إلى بيان استجماعهم للعيوب كلها، والإضراب إمّا عما ذكر قبله أو عن غير مذكور وهو ما توهموه عذرهم فيه. قوله:) أي ما جاؤوا بما يكون جواباً الخ (أشار إلى أن النظم من قبيل: تحية بينهم ضرب وجيع ولاعيب فيهم غيرأنّ سيوفهم والقصد منه إلى نفي الجواب على أبلغ وجه فلا يقال التفير لا يوافق المفسر لأنه أثبت الجواب وقد نفاه. قوله: (والاستهزاء بهم) في الكشاف إنه سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش وافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد. قوله: (من أمن به الخ) أي ليس المراد بالأهل الأقارب بل من اتبعه من المؤمنين كما صرح به في رواية أخرى، وقوله وأهلة وفي نسخة واغلة اسم امرأته، وقوله: (فإنها الخ) تعليل لعدم نجاتها. قوله: (من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا الخ) هذا إحدى الروايتين لأنه روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت أحد منهم إلا هي فالتفتت فأصابها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 الحجر وهلكت، وروي أنه خلفها مع قومها وسيأتي تفصيله، وللغابر معنيان كما ذكره أهل اللغة المقيم وعليه قول الهذلي: فغبرت بعدهم بعيش ناصب أي أقمت ويكون بمعنى الماضي والذأهب، وعليه قول الأعشى: في أمّة في الزمن الغابر فهو مشترك ويكون بمعنى الهالك أيضا، وعلى الوجه الأوّل إنها كانت مع القوم الغابرين فلا تغليب، أو كانت بعضا منهم فيكون تغليباً، كما في قوله: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أسورة التحريم، الآية: 12] كما مرّ. قوله: (أي نوعاً من المطر عجيباً الخ (أي التنكير للتعظيم والنوعية فلا منافاة بينهما، وسجيل معرّب معناه طين متحجر وفي الكشاف في الفرق بين مطر وأمطر مطرتهم أصابتهم بالمطر كغاثتهم وأمطرت عليهم كذا بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر، فأمطر علينا حجارة من السماء وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، ومعنى وأمطرنا عليهم مطراً وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيباً يعني الحجارة ألا ترى إلى قوله: {فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [سورة النمل، الآية: 58] وفي الانتصاف مقصوده الردّ على من يقول مطرت السماء في الخير وأمطرت في الشر، ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن معنى أمطرت أرسلت شيئا على نحو المطر، وان لم يكن إياه حتى لو أرسل الله من السماء أنواعاً من الخيرات والأرزاق، مثلاً كالمن والسلوى، جاز أن يقال فيه أمطرت السماء خيرات أي أرسلتها إرسال المطر، فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية، ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئاً سوى المطر، وكان عذاباً فظن أنّ الواقع اتفاقا مقصود في الواقع فنبه المصنف رحمه الله على تحقيق الأمر فيه وأحسن وأجمل، ومنه يعلم أنّ ما نقل عن أبي عبيد وغيره من أن أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة مؤوّل وأن ردّ بقوله عارض ممطرنا فإنه عنى به الرحمة، وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ مطرا مفعول مطلق، وقيل أمطرنا هنا ضمن معنى أرسلنا، ولذا عدى بعلى ومطراً مفعول به، وقيل الممطور كبريت ونار وسيأتي فيه أقوال أخر. قوله: (روي الخ) الأردن بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة وتشديد النون قال بعض الفصلاء وقوله في القاموس، وتشديد الدال سهو منه (وسدوم) بفتح السين والدال مهملة ومعجمة كما ذكره الأزهري وغيره قرية قوم لوط سميت باسم رجل، وفي المثل أجور من قاضي سدوم، وخسف مبنيّ للمجهول، وقوله وقي الخ مرضه لأن ظاهر النظم يخالفه. قوله: (وأرسلنا الخ) إشارة إلى عطفه كما مرّ، وشعيب مفعول أرسلنا وهم أولاد مدين جملة معترضة، وهذا بناء على أنّ مدين علم لابن إبراهيم، ومنع صرفه للعلمية والعجمة، ثم سميت به القبيلة، وقيل هو عربيّ اسم بلد، ومنع صرفه للعلمية والتأنيث فلا بد من تقدير مضاف حينئذ، أي أهل مدين أو المجاز، وهو على هذا شاذ إذ القياس إعلاله كمقام فشد كمريم ومكوزة، وليس بشاذ عند المبرد قيل وهو الحق لجريانه على الفعل، وشعيب تصغير شعب أو شعب، قيل والصواب أنه وضع مرتجلا هكذا وليس مصغرا لأنّ أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز تصغيرها، وفيه نظر لأن الممنوع التصغير بعد الوضع لا المقارن له كما هنا. قوله: (وكان يقال له خطيب الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ (أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله لمجي! إذا ذكر شعيبا يقول: " ذاك خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لحسن مراجعته قومه " (1 (والمراجعة مفاعلة من الرجوع وهي مجاز عن المحاورة، يقال راجعه القول وإنما عتى النبيّ كي! ما ذكر في هذه السورة ما يعلم بالتأمّل فيه. قوله:) يريد المعجزة الخ (أي المراد بالبينة ذلك لأنه لا بذ لكل نبيئ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من معجزة، قال بعضهم قال الزجاج: لم يكن لشعيب عليه الصلاة والسلام معجزة، وهو غلط لأنه قال تعالى: {قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ} [سورة الأعرأف، الآية: 85] فجاء بالفاء بعد مجيء البينة، ولو اذعى مدع النبوّة بغير آية لم تقبل منه، لكن الله لم يذكرها، فلا يدل على عدمها يعني أنّ الفاء سببية فالمعنى قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوّني أوجبت عليكم الإيمان بها، والأخذ بما أمرتكم به فأوفوا فلا وجه لما قيل أنّ البينة نفس شعيب عليه الصلاة والسلام. قوله: (وما روي من محاربة عصا موسى عليه الصلاة والسلام الخ) مبتدأ خبره قوله فمتأخر الخ. وهو ردّ لقول الزمخشري ومن معجزات شعيب عليه الصلاة والسلام ما روي من محاربة عصا موسى عليه الصلاة والسلام للتنين الخ. فلا يجوز أن يراد هنا لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 متأخر عن المقاولة، فلا يصح تفريع الإيفاء عليه ولأنه يحتمل أنه كرامة لموسى عليه الصلاة والسلام أو إرهاص لنبوّته، وقيل إنه متعين وإن أدركه موسى لعدم مقارنة التحدي. قال الإمام رحمه الله كلام الكشات مبني على أصل مختلف فيه لأنّ عندنا إنه إرهاص، وهو أن يظهر الله على يد من سيصير نبينا خوارق للعادة، وعند المعتزلة هو غير جائز. قال الطيبيب رحمه الله وفيه نظر لأنه قال في آل عمران في تكليم الملائكة عليهم الصلاة والسلام لمريم إنه معجزة لزكريا عليه الصلاة والسلام، أو إرهاص لنبوّة عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (وولادة الغنم التي دفعها) أي سلمها شعيب لموسى عليهما الصحلاة والسلام ليسقيها، والدرع بضم الدال المهملة وسكون الراء والعين المهملتين جمع أدرع أو درعاء وهي ما اسوذ رأسه وابيض سائره من الغنم والخيل، وقوله: (وكانت الموعودة له) أي وعده أنّ ما كان منها فهو له. قوله: (أي آ! ة الكيل على الإضمار (أي تقدير المضاف أو الكيل بمعنى ما يكال به مجارّاً كالعيش بمعنى ما يعاش به وإنما دعاه لهذا عطف الميزان عليه، وهو شائع في الآلة دون المصدر، ولذا قال لقوله وقوله: (كما قال في سورة هود) تأييد لأنّ الكيل بمعنى المكيال لأنه قال فيها المكيال والميزان، أو يؤول الثاني بتقدير مضاف هو مصدر معطوف على مثله، أو يجعل الميزان مصدرا ميه ياً بمعنى الوزن كالميعاد بمعنى الوعد وان كان قليلا. قوله: (ولا تنقصموهم حقوقهم الخ (البخس بمعنى النقص وكون الشيء عامّا واضح فعبر بما يفيد العموم لأجل أن ينبهوا على تجاوزهم عن شعيب عليه الصلاة والسلام، أو لينبهنا الله على ما كانوا عليه من ذلك، والأمر فيه سهل، فما قيل حق الكلام فإنهم يبخسون الجليل الخ لأنّ المقام للتعليل دون التنبيه، وغاية توجيهه أن مبنى المفاعيل لأجلها على اللام فتجعل اللام المقدرة فيها للعاقبة الخ. ما أطال به من غير طائل لا داعي له ثم أنّ النهي عن النقص يوجب الأمر بالإيفاء، فقيل في فائدة التصريح بالمنهي عنه بيان لقبحه، وقيل غير ذلك مما يعين تفسيره على وجه أعم منه فتدبر، والمكس كان دراهم تؤخذ ممن يبيع في السوق في الجاهلية، فيصبح أن يراد بالبخس كلا من المعنيين والحيف الجور. قوله: (بعدما أصلح أمرها الخ) أي هو على حذف المضاف وهو الأمر أو الأهل أو إضافة المصدر إلى الفاعل على الإسناد المجازي إلى المكان، وقوله أو أصلحوا فيها بيان لحقيقة ذلك الإسناد وملابسته في الوجه الثاني تبل ذكره، ويصح أن يكون مراده أنه إضافة إلى المفعول، والتجوز في النسبة الإيقاعية لأنّ إصلاح ما في الأرض إصلاح لها، والتمثيل لمطلق التجوّز في الإسناد فإن قلت ما المانع من حمله على الحقيقة لأنّ الإصلاح يتعلق بالأرض نفسها كتعميرها واصلاح طرقها وجسورها إلى غير ذلك، قلت قوله: {لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} يأباه، ولذا صح جعل الإضافة على معنى في لكنه لا يصح تفسير كلام الشيخين به كما وهم فيه بعض شراح الكشاف. توله: (إشارة إلى العمل بما أمرهم به الخ (في الكشاف إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض، أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، أي هو إشارة إلى المذكور وإن تعدد أو إلى العمل بما ذكر، وهو واحد فهما وجهان لإفراد اسم الإشارة وتذكيره، فما قيل إنه لم يذكر الثاني لاتحادهما معنى وكون هذا أخص! غفلة عن مراده، والعمل بما نهى عنه الانتهاء عنه وتركه. قوله: (ومعنى الخيرية أمّا الزيادة مطلقا الخ) لأنّ المتبادر منه التفضيل، وقيل خير هنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع، وفي الكشاف يعني الخيرية في الإنسانية وحسن الأحدوثة، وما تطلبونه من التكسب والتربح لأنّ الناس أرغب في متجارتكم إذا عرفوا منكم الإماتة والسوية إن كنتم مؤمنين مصدقين لي في قولي ذلكم خير لكم، اهـ فحمل الإيمان على معناه اللغوي وهو التصديق بما ذكره لا على مقابل الكفر، ولذا خص الخيرية بأمر الدنيا، لكنه جوّز في هو حمله على معناه المعهود وتبعه المصنف رحمه الله تعالى قال: لأنهم وان سلموا بالامتثال عن تبعة البخس والتطفيف في الدنيا إلا أن استتباع الثواب مع النجاة مثروط بالإيمان به، فإن حمل قول المصنف رحمه الله هنا مطلقاً على ذلك، فالأمر ظاهر وان كان معناه في الدنيا والآخرة بناء على أن الكفار يعذبون على المعاصي كما يعذبون على الكفر فتركها خير لهم أيضا، قيل والمراد الثاني لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 فسر الفساد بالكفر، وليس لتعليق تركه على الإيمان معنى ويطلب الغرق في تجويزهما هناك لا هنا ثم إنّ تعليق الخير على تصديقه بتأويل العلم بالخيرية، والا فهو خير مطلقا إذ حينئذث شوقف تحقيق الخيرية في الإنسانية على تصديقهم، وليس كذلك، ولذا قيل ليس شرطا للخبرية بل لفعلهم كأنه قيل فأتوا به إن كنتم صادقين كذا قال الرازي ويرذه كلام الكشاف، وقال الخيالي الأظهر أنّ ذلكم خير لكم معترضة والشرط متعلق بما سبق من الأوامر والنواهي، وفيه نظر قال الطيبي رحمه الله ومثل هذا الشرط إنما يجاء به في آخر الكلام للتوكيد فعلم منه أنّ شعيبا عليه الصلاة والسلام كان مشهوراً عندهم بالصدق والأمانة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قومه يدعى بالأمين (قلت) الفرق أنه ذكر عقيبه قوله: {أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} [سورة هود، الآية: 87] وهو يقتضي أنه أراد بالإيمان مقابل الكفر وتفسيره به له حسن ثمة إذ به يتخلص عن التكرار فتأمّل. والأحدوثة هنا الذكر الجميل، وقد ورد ذلك في كلام العرب وان قال الرضي إنها تختص بما لا يحسن كما بيناه في حواشيه. قوله: (بكل طريق من طرق الدين كالشيطان الخ) يعني أن القعود على الصراط تمثيل كما مز فيما حكى من قول الشيطان لأقعدن لهم صراطك المستقيم، إذ مثل إغواؤهم عن دين الحق بكل ما يمكن من الحيل بمن يريد أن يقطع الطريق على السابلة فيكمن لهم من حيث لا يدرون، وهذا نحوه في التمثيل فلذا قال كالشيطان. وقوله وصراط الحق توجيه للكلية، والمعارف جمع معرفة والمراد بها معرفة الله وصفاته. قوله: (وقيل كانوا يجلسون على المراصد الخ (معطوف على ما قبله بحسب المعنى، وعلى هذا لا يكون الكلام تمثيلا، ولا يكون سبيل الله من وضع الظاهر موضع المضمر، ويكون ضمير به لله وهل يكون توعدون، وما عطف عليه حالاً فقيل لا بل استئنافاً والأظهر الحالية، وقوله: (ويوعدون من آمن به) تقدير للمفعول المحذوف لا دلالة على أعمال الفعل الأوّل، والا كان المختار تصدونهم. قوله: (وقيل كانوا يقطعون الطريق الخ (ضعفه وأخره لعدم ملاءمة توعدون وتصدون له إذ لا يظهر تقييد قطع الطريق به، وترك كونهم عشارين المذكور في الكشاف لتكرّره مع قوله ولا تبخسوا على تفسيره. قوله: (يعني الذي قعدوا عليه الخ) إن كان على القول الأوّل فالقعود استعارة، قيل ويجوز أن يكون على الثاني فيراد بسبيل الله الدين الحق، ولا يكون من وضع الظاهر موضع المضمر. قوله: (أو الإيمان بالله) بالنصب عطف على الدّي قعدوا، وقوله: على الأوّل أي تفسير كل صراط بطرق الذين بخلاف الوجهين الآخرين. قوله: (أي بالله اللعلم به أو لكل صراط على تفسيره الأوّل، أو بسبيل الله لأنّ السبيل يذكر ويؤنث، قيل تركه المصنف رحمه الله مع أنه أقرب لفظا، ومعنى ليصح الكلام أيضا على تفسير سبيل الله بالإيمان بالله، وفيه نظر. قوله: (ومن مفعول تصذّون على أعمال الآقرب الخ) يعني أنه لو كان كذلك لكان من التنازع واعمال الأوّل فيلزم إظهار ضمير الثاني عند الجمهور إذ لا يجوز حذفه عندهم إلا في ضرورة الشعر، وهذا ردّ على الزمخشريّ، لكن مرّ أنّ مراده بيان محصل المعنى لا إعمال الأوّل، والحذف من الثاني حتى يرد عليه ما ذكر، أو يجعل تصدون بمعنى تعرضون لازما فلا يكون مما نحن فيه. قوله: (وتطلبون لسبيل الله عوجاً الخ) إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال والعوج الذي طلبوه شبههم أو وصفهم لها بما ينقصها وألا فلا عوج فيها ولذا جوّز فيه التهكم في الكشاف، وعلى التفسير الأخير عوجها عدم أمنها، والعدد بالفتح معروف، وبالضم جمع عذة وهو ما يعدّ للنوائب من مال وسلاح وغيره، وقيل إن قليلا بمعنى مقلين أي فقراء، وإذ مفعول اذكروا أو ظرف لمقدّر كالحادث أو النعم، وقوله:) في النسل أو المال الف ونشر مر تب للعدد والعدد، وفي نسخة والمال والأولى أولى. قوله: (بين الفريقين الخ) أي الضمير للفريقين تغليبا ولذا أضيف إليه بين فلا حاجة إلى تقدير وبينكم، وخطاب اصبروا للمؤمنين، ويجوز أن يكون للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار، والكفار على ما يسوءهم من إيمانهم أو للكافرين أي تربصوا لتروا حكم الله بيننا وبينكم، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لذلك. قوله: (وهو خير الحاكمين إذ لا معقب لحكمه ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 حيف فيه (سيأتي الكلام على هذا التفضيل في أحسن الخالقين، ولا معقب لحكمه أي لا أحد يتعقبه ويبحث عن فعله من قولهم عقب الحاكم على حكم من قبله إذا تتبعه، وكونه كذلك يقتضي سداده، وخيرية الحكم إنما هي باعتباره فلا وجه لما قيل إنه يقتضي قوّته لا خيريته، وهو غنيّ عن الرذ وان ظنه شيئا. قوله: (أي ليكونن أحد الأمرين) بيان لمعنى أو وما قيل إنه جواب أن يقال كيف يصح وقوع لتعودنّ جواباً للقسم، والعود ليس فعل المقسم يعني أنّ جواب أحد الأمرين وهو في وسعه يقتضي أنّ القسم لا يكون على فعل الغير، ولم يقل أحد به فإنه يقال والله ليضربن زيد من غير نكير. قوله: (وشعيب عليه الصلاة والسلام لم يكن في ملتهم قط) دفع لما يقال أنّ العود الرجوع إلى ما كان عليه قبل، وشعيب عتئ نبيّ معصوم عن الدّنوب فضلاً عن الكفر، فأشار المصنف رحمه ألله إلى أنه من باب التغليب فغلبوا عليه، والعائد منهم دونه كما غلب هو عليهم في الخطاب ففي الآية تغليبان أو تعود بمعنى تصير يعمل عمل كان كما أثبته بعض النحاة واللغويين، وسيأتي أنّ المصنف رحمه الله جوّزه في سورة إبراهيم، وحينئذ فلا تغليب إلا أنه قيل إنه لا يلائم قوله بعد إذ نجانا الله منها إلا أن يقال بالتغليب فيه، أو يقال التنجية لا يلزم أن تكون بعد الوقوع في المكروه، ألا ترى إلى قوله: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} [سورة الأعرأف، الآية: 83] وأمثاله أو أنّ هذأ القول جار على ظنهم أنه كان في ملتهم لسكوته قبل البعثة عن الإنكار عليهم، أو هو صدر عن رؤسائهم تلبيسا على الناس وايهاما لأنه كان على دينهم وما صدر عن شعيب عليه الصلاة والسلام على طريق المشاكلة، وقيل إنه جار على نهج قوله: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [سورة البقرة، الآية: 257] والإخراج يستدعي دخولاً سابقا فيما وقع الإخراج منه، ونحن نعلم أنّ المؤمن الناشئ في الإيمان لم يدخل قط في ظلمة الكفر، ولا كان فيها وكذلك الكافر الأصلي لم يدخل قط في نور الإيمان ولا كان فيه، ولكن لما كان الإيمان والكفر من الأفعال الاختيارية التي خلق الله العبد ميسراً لكل واحد منها متمكناً منه، لو أراده عبر عن تمكن المؤمن من الكفر ثم عدوله عنه إلى الإيمان اختياراً بالإخراج من الظلمات إلى النور توفيقا من الله له ولطفاً به، والعكس في حق الكافر وقد مضى تطبيق هذا النظر عند قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: 16] وهو من المجاز المعبر فيه عن المسبب بالسبب، وفائدة اختياره في هذا الموضع تحقيق التمكن والاختيار لإقامة حجة الله على عباده، وهاهنا احتمال وهو أنّ الظاهر أنّ العود المقابل للخروج إلى ما خرج منه وهو القرية، والجار والمجرور حال أي ليكن+ منكم الخروج من قريتنا، أو العود إليها كائنين في ملتنا، فلا تغليب وعدى عاد بفي كان الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم. قوله: (أي كيف نعود الخ) في الكشاف الهمزة للاستفهام والواو والحال تقديره أتعيدوننا في ملتكم حال كراهتنا، قيل ليست هذه واو الحال بل واو العطف عطفت هذه الحال على حال مقدرة كقوله عتئ: " ردّوا السائل ولو بظلف محرق ") 1 (إذ ليس المعنى رذوه حال الصدقة بظلف محرق بل معناه رذوه مصحوبا بالصدقة ولو مصحوباً بظلف محرق.) قلت) وقد تقدّمت هذه المسألة وإنه يصح أن تسمى واو الحال وواو العطف، ولولا خشية التكرار لذكرته. وقال أبو البقاء رحمه الله: لو هنا بمعنى إن لأنها للمستقبل، وفسر الهمزة بكيف لأنها أظهر في التعجب وأنسب بالمقام، وخصه بالوجه الأوّل لأنّ التعجب يناسب العود دون الإعادة، وجعل الواو للحال لأنه المعروف في أمثاله وخصه بالعود دون الإخراج لدلالة قوله إن عدنا عليه، وان فسره في التيسير بقوله أتخرجوننا من قريتنا من غير ذنب ونحن كارهون لمفارقة الأوطان، وقد وجه بأنّ العود مفروغ منه لا يتصوّر من عاقل فلا يكون إلا الإخراج فتأمّل. قوله: (شرط جوابه محذوف دليله قد افترينا الخ) في الكشاف أنه إخبار مقيد بالشرط وفيه وجهان أحدهما أن يكون كلاما مستأنفا فيه معنى التعجب، كأنهم قالوا ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام لأنّ المرتد أبلغ في الافترأء الخ والثاني أن يكون قسما على تقدير حذف اللام بمعنى والله لقد افترينا على الله كذبا. قال النحرير: كأنّ أصل السؤال والجواب تمهيد لما يبنى عليه من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 الوجهين، والا فظاهر أنه إخبار مقيد بالشرط، فإن قيل فهلا حمل الكلام على ظاهره قلنا لا لأن إن لا تقلب الماضي المصدر بقد، ولا المقدم على الشرط، فكيف إذا اجتمع الأمران فظاهر أن الافتراء الماضي لا تعلق له بالعود، ولا سبيل إلى الحمل على إن عدنا ظهر أنا قد أفترينا البتة لإيهامه أن المانع ظهور الافتراء لا هو نفسه، لأن المقيد بالعود هو الافتراء نفسه لا ظهوره، وكذا قيل وفيه نظر لوروده على الوجه الثاني، أعني جعل قد افترينا جواب القسم بحذف اللام فإنه مقيد بالشرط، ولاندفاعه بجعل الماضي بمعنى المستقبل، تنزيلا له منزلة الواقع، ومقرّبا إلى الحال حتى كأنه قيل تد افترينا الآن أن هممنا بالعود كما ذكره أبو البقاء رحمه الله. وبالجملة فاستقامة ظاهر الكلام على تقدير القسم وعدمها بدونه محل نظر وردّ، بأن حاصل سؤال الزمخشري كما قرّر في الكشف أن الظاهر في مثله أن لا يتعلق بالشرط نفس الجزاء، بل ظهوره والعلم به، على عكس ما قرّره النحرير، كما في نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، ونحو: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} [سورة التوبة، الآية: 40] وهاهنا المقصود تقييد نفس ألافتراء بالعود، ولفظ قد وصيغة المضيّ يمنعانه، وحاصل الجواب أنه أخرج لا على مقتضى الظاهر إذ المعنى على تقيد الافتراء كما آثره القاضي وأبو البقاء رحمهما الله، ولفظة قد مع صيغة الماضي تدل على التأكيد فيستاد منها نفي التعجب، أو كونه جواب قسم بقرينة المقام، وهذا مما لا غبار عليه، وقوله نزعم أن لله تعالى نداً بيان لمعنى الافتراء. قوله: (وقيل إنه جواب قسم الخ) فحذف القسم ولام الجواب مقدرة فيه أيضأ، وجوّز في البحر تبعاً لابن عطية رحمه الله أن يكون الفعل المذكور قسما، كما يقال برئت من الله إن فعلت كذا قال الشاعر: بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أشن على ابن هند غارة لم يخل يوماً من نهاب نفوس قوله: (وما يصح لنا الخ) كان تامة بمعنى وجد، وصح بمعنى وجد أيضاً، ولا يكون في استعمال العرب بمعنى لا يصح ولا يقع وتارة بمعنى لا ينبغي ولا يليق كما صرحوا به. قوله: (خذلاننا وارتدادنا الخ) في الكشاف معنى قوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ} إلا أن يشاء خذلاننا ومنعنا الألطاف لعلمه أنها لا تنفع فينا، وتكون عبثأ، والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أي هو عالم بكل شيء مما كان وما يكون، فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحوّل وقلوبهم كيف تتقلب، وكيف تقسو بعد الرقة وتمرض بعد الصحة وترجع إلى الكفر بعد الإيمان، وقد ردّ عليه المصنف رحمه الله بزيادة الارتداد، وجعله مراد الله ووجهه. كما قال بعض المدققين إنّ معنى: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} إنه يعلم كل حكمة ومصبحة ومشيئته على موجب الحكمة، فلو تحقق مشيئته للعود والارتداد لم يكن خاليا من الحكمة فلا يستبعد وهذا معنى لطيف فلا وجه لأن يقال لو أريد إلا أن يشاء الله عودنا لما كان لذكر سعة العلم بعده كبير معنى بل كان المناسب ذكر شمول الإرادة، وأنّ الحوادث كلها بمشيئة الله كما قرّره النحرير. قوله: (وقيل أراد به حسم طمعهم الخ) الحسم القطع، وهذا رد على الزمخشرفي فيما تبع فيه الزجاج، بأنّ المراد من {إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ} التأبيد لأنه تعالى لا يشاء الكفر نحو حتى يبيض القار ويشيب الغراب، وهو مخالف للنصوص القرآنية والعقلية، من أن جميع الكائنات تابعة لمشيئة الله وقوعا وعدما، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يلائمه أيضا قوله: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} وما قيل إن مآل الكلام إلى شرطية وصدقها لا يقتضي تحقق طرفها ولا إمكانه، ولم يتحقق هنا، والقصر في الآية في شعيب ع! هـ والمؤمنين فجاز أن يكون كفر غيرهم بدون مشيئة كلام واه فإنه لا معنى للتعليق بالمشيئة، إلا أن وقوعه وعدمه منوط بإرادة الله تعالى، سواء وقع أو لا، ولذا لما لم ير الزمخشرفي منه محيصاً تعلق تارة بقوله: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} وأخرى بجعله من التعليق بالمحال. قوله: (أي أحاط علمه بكل شيء الخ) فيقع ذلك بإرادته الجارية على وفق علمه بما فيه من الحكمة والمصلحة من الرذة والثبات على الإيمان، فلا دليل فيه على أنّ المعنى إلا أن يشاء الله خذلاننا، ومنع الألطاف عنا كما قاله الزمخشريّ بناء على مذهبه. قوله: (احكم بيننا الخ) يعني الفتح بمعنى الحكم، وهي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 لغة لحمير، أو لمراد والفتاحة بالضم عندهم الحكومة، وبيننا منصوب على الظرفية أو هو مجاز بمعنى أظهر وبين، ومنه فتح المشكل لبيانه وحله تشبيهاً له بفتح الباب وازالة الأغلاق حتى يوصل إلى ما خلفها، قيل فبيننا مفعول به بتقدير ما بيننا على هذا الوجه، وقوله: (على المعنيين) أي خير الحاكمين أو خير المظهرين. قوله: (لاستبدالكم الخ) فهو استعارة وفيما بعده حقيقة، وقوله سادّ مسدّ جواب الشرط والقسم أي جواب للقسم بدليلى عدم اقترانه بالفاء ومغن عن جواب الشرط، فكأنه جواب لإفادته معناه وسده مسده لا إنه جواب لهما معا فإنه مع مخالفته القواعد النحوية يلزم فيه أن يكون جملة واحدة لها محل من الإعراب، ولا محل لها وأن جاز باعتبارين كما تقدم. قوله له: (الرجفة الزلزلة وفي سورة الحجر الخ) هذا توفيق بينهما كما مرّ أو أنّ شعيباً عليه الصلاة والسلام بعث إلى أمتين، فالقصة غير واحدة إلا أنه سهو قاله المحشي لأنه في سورة هود لا الحجر والذي ذكر فيه الصيحة في الحجر قوم صالح. فائدة: إذا حرف جواب وجزاء وقد وقع لبعضهم هنا أنها إذا الظرفية الاستقبالية وا! الجملة المضاف إليها حذفت وعوّض عنها التنوين، كما في إذ ورذه أبو حيان رحمه الله بأنه لم يقله أحد من النحاة ولم نره في غير هذه الآية، وقال المعرب: إنه يجوز في إنا إذا الظالمون، وقد سبقه إليه القرافي رحمه الله، وخرّج عليه قوله عشي! في بغ الرطب بالتمر: " فلا إذا ") 1 (أي إذا ج! قال وقد تعجبت منه لما رأيته ثم وقفت على ما هنا. قوله:) كأن لم يننوا فيها) أي استؤصلوا كأن لم يقيموا وغنى بالمكان يغني أقام به دهراً طويلاً وقيده بعضهم بالإقامة في عيش رغد وقال ابن الأنباري كغيره أنه من الغنى ضد الفقر كما في قوله: غنينا زمانا بالتصعلك والغنى فكلا سقاناه بكأسهما الدهر فالمعنى كان لم يعيشوا فيها مستغنين ورذ الراغب رحمة الله غنى بمعنى أقام إلى هذا المعنى فقال غنى في المكان طال مقامه فيه مستغنياً به عن غيره، واستؤصلوا بمعنى أهلكوا بيان لحاصل المعنى. قوله: (لا الذين صدّقوه واتبعوه الخ) رذ عليهم ما زعموه في الآية السابقة من أنّ من تبع شعيبا عليه الصلاة والسلام خاسر، والحصر مستفاد من تعريف الطرفين مع ضمير الفصل، وأن القصر للقلب ولما لم يلزم من عدم الخسران الربح زاد قوله: (فإنهم الرابحون (إشارة إلى المراد، وترك القصر في الجملة الأولى المذكورة في الكشاف لابتنانه على أنّ نحو الله يستهزئ بهم يفيده، والمصنف رحمه الله تعالى لا يقول به، أو على أنّ بناء الخبر على الموصول يفيد علية الصلة، وينتفي الحكم بانتفائها وهو غير تام لما يأتي، وقال النحرير إنّ في هذا الابتداء معنى الاختصاص على رأيه في مثل {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} [سررة الرعد، الآية: 26] من غير فرق بين المضمر والمظهر المنكر والمعرّف الموصول وغيره وهنا وإن توسط بين المبتدأ والخبر لفظ كان المخففة فالخبر بعد فعل المبتدأ، وقد يقال مراده بهذا الابتداء كون المبتدأ موصولاً فإنه يشعر بعلية الصلة فينتفي الحكم عند انتفائها وهو معنى الاختصاص، وقيل عليه إن أراد أن رأيه في مثل هذا التركيب أنه للتخصيص البتة فليس كذلك، وقد صرح هو أيضا في المطوّل بأن صاحب الكشاف يوافق الشيخ عبد القاهر في كون تقديم المسند إليه إذا لم يل حرف النفي مفيداً للتقوّى تارة وللتخصيص أخرى، وان أراد أنه يجوز أن يفيد التخصيص فلا بد من بيان قرينة في هذا المقام تدل على إرادة التخصيص والظاهر الثاني، والقرينة أنه لما ذكر هلاك الكافرين الذين نصحوا المؤمنين بعد سبق ذكرهما جميعاً ولم يذكر هلاك المؤمنين، ثم ابتدأ وصرج بهلاك المكذبين صار ذلك قرينة على الاختصاص، واليه أشار بقوله أوّلاً إنّ في هذا الابتداء معنى الاختصاص وثانيا لأنّ الذين اتبعوا شعيباً عليه الصلاة والسلام قد أنجاهم الله، وأمّا ما أورد على قوله، وقد يقال الخ من أنّ انتفاء العلة المعينة لا يستلزم انتفاء المعلول لجواز أن يتحقق بعلة أخرى، إلا أن يقال لما استفيد علية الصلة للحكم، فينتفي إذا انتفت في المقام الخطابي إلى أن يقام دليل على وجود علة أخرى فغفلة عما حققه قبيله في قوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً} [سورة الأعراف، الآية: 81] من أنّ الظاهر من تعليل الفعل ببعض الأغراض! والدواعي أنه نفي لما سواه لا سيما إذا كان ذلك مما لا يكون الفعل بدونه في الجملة فذكره لا يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 لإثباته بل لنفي غيره ومثل العلة في هذا السبب ومنه تعلم وجه إفادة الحصر في قوله فيما نقضهم ميثاقهم وأنه لا غبار عليه، وان غفلوا عنه ثمة فاحفظه فإنه من النفائس المذخرة. قوله: (وللتنبيه على هذا والمبالنة فيه كرّر الموصول واستأنف الخ (في الكشاف وفي هذا الاستئناف والابتداء وهذا التكرير مبالغة في ردج مقال الملأ لأشياعهم، وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم، فقوله: على هذا الخ أي لأنّ القصد الرد عليهم في أنّ من اتبع شعيبا عليه الصلاة والسلام خاسر بأن الخاسر إنما هو هم لأنّ لهم الخسران الديني والدنيوي على أبلغ وجه كرّر الموصول من غير عطف لأنه بين أوّلاً هلاكهم حتى كأنهم لم ينزلوا قط في ديارهم، وأنهم خسروا خسرانا عظيما وسفه رأيهم بأن الخسران في تكذيبه لا في اتباعه كما زعموا، واستهزأ بأن ما جعلوه نصيحة صار فضيحة أثرها في الدنيا كالعقبى، ومن عادة العرب الاستئناف من غير عطف في الذم والتوبيخ فيقولون أخوك الذي نهب مالنا أخوك الذي هتك سترنا فتأمل. قوله: (ثم أنكر على نفسه الخ (أي جرّد من نفسه شخصاً وأنكر عليه حزنه على قوم لا يستحقونه كما فعل امرؤ القيس في قوله: تطاول ليلك بالإثمد ونام الخليّ ولم ترقد وكان من حق الظاهر وكيف يشتد حزنك لقوله: (ثنم أنكر على نفسه الكنه التفت وقال: كيف يشتد حزني، وإذا كان مع غيره فلا يكون من التجريد كذا قال الطيبي رحمه الله (قلت (الظاهر أنه ليس من الالتفانت ولا التجريد في شيء فإنّ قوله قال يقتضي صيغة التكلم وصيغة التكلم تنافي التجريد فما ذكره لا وجه له وإنما هو نوع من البديع يسمى الرجوع لأنه إذا كان قوله قد أبلغتكم تأسفا ينافي ما بعده فكأنه بدا له ورجع عن التأسف منكرا لفعله الأوّل ومثله كثير في الإشعار والنكتة فيه الإشعار بالتوله والذهول لشذة الحيرة لعظم الأمر، بحيث لا يفرق بين ما هو كالمتناقض من الكلام وغيره وقد صرح به أصحاب البديع، والحاصل أنّ فيه وجهين فالوجه الأوّل أنه حزن واشتد حزنه على حال القوم، ثم أنكر ذلك على نفسه، والثاني أنه لا حزن عليهم لأنهم لم يقبلوا النصيحة فليسوا أحقاء بالحزن، وقراءة إيسي بكسر الهمزة وقلب الألف ياء على لغة من يكسر حرف المضارعة، وامالة الألف الثانية وفي قوله: بإمالتين تغليب وتسمح وإلا فالأوّل كسر وقلب صريح، وقوله: (فلم تصدقوا) روي بالتاء والياء. تنبيه: في تاريخ ابن كثير رحمه الله تعالى أنّ شعيباً عليه الصلاة والسلام نبيّ أهل مدين ومدين قبيلة من العرب سميت بهم المدينة، وشعيب عليه الصلاة والسلام ابن يشجر بن لاوى ابن يعقوب، وقيل غير ذلك في نسبه وقيل إنّ شعيبا وبلعم آمنا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام وفي الاستيعاب أنّ شعيبا صهر موسى عليهما الصلاة والسلام من قبيلة من العرب تسمى عنزة، وعنزة ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وبينه وبين من تقدم دهر طويل فهم غير أهل مدين، وشعيب اثنان اهـ. قوله: (بالبؤس والضر) أي الفقر والمرض لتفسير. الحسنة يالسعة والسلامة، وبه فسو ابن عباس رضي أدلّه عنهحا وإلا أخذنا اسنثناء هفرّغ وأخذنا في محل لى الحال، وتقديره وما أ! سلنا إلا آخذين والفعل الماض! ي يقع ب! عد إلا بأحد شرطين إما عل كما هنا وإما مح قد نحو ما! يد إلا قد قام ولا يجولى ما زيد إلا ضحرب، والنبيّ والرسول سيأتي أنّ الزمخشريّ فرق بينهحا بأنّ النبي من أوح! إليه والوسول من أوحى إليه وأمر بالتبليخ، وبأنّ الرسول من جمح إلى المعجزة كتابا منزلاً عليه، والنبيّ غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنحا أمر بمتابعة من ق! بله وأورد عليه! لادة عدد الرسل على حدد الكتب فلذا قال في السمقاصد الرسول من له كتاب أو نسخ لبعضى أحكام الشريعة السابقة، وقال القاضي: من له شريعة مجددة، وأورد عليه! أنّ القاضمي رحمه أدلّه ذكر في قوله تعإل! ف! إسحعيل: {لى الحال، وتقديره وما أ! سلنا إلا آخذين والفعل الماض! ي يقع ب! عد إلا بأحد شرطين إما عل كما هنا وإما مح قد نحو ما! يد إلا قد قام ولا يجولى ما زيد إلا ضحرب، والنبيّ والرسول سيأتي أنّ الزمخشريّ فرق بينهحا بأنّ النبي من أوح! إليه والوسول من أوحى إليه وأمر بالتبليخ، وبأنّ الرسول من جمح إلى المعجزة كتابا منزلاً عليه، والنبيّ غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وإنحا أمر بمتابعة من ق! بله وأورد عليه! لادة عدد الرسل على حدد الكتب فلذا قال في السمقاصد الرسول من له كتاب أو نسخ لبعضى أحكام الشريعة السابقة، وقال القاضي: من له شريعة مجددة، وأورد عليه! أنّ القاضمي رحمه أدلّه ذكر في قوله تعإل! ف! إسحعيل: {وكان رسولاً نجيآ} [سورة مريم، الآية: 51] انه يدل على أنّ الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة، فإذ أولاد إبراه! يم صلى الله عليه وسلم كانوا على شريعته فيبطل تعريفاً هما فالحق أذ لا يعتبر التعريفط الأوّل بل يدفح السؤالى بأنّ حديث عدد الكتب والرسل من الآحاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 الغير المفيدة في الاعتقاديات على أن حصر الرسل عليهم الصلاة والح! علام يخالف ظاهر قوله: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة الأعرأف، الآية: 78] وفيه نظر لأنّ عدم ذكر فصعصحهم لا ينافي عددهم إجمالاً وسيأتي الكلام فيه مفصلاً ثحة لكن الفاضحل الخيالى ذكره هنا فتبعناه. قوله: (حس! شضرعوأ هشذللوأ) هشوبوا عن ذنوبهم، وقال الشريف في تفسير قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إنّ لعل عند الحعتؤلة مجار عن الإرادة، ولحا لم يصحح عند الأشاعرة لاستلزامه وقوع الحواد ولا التعليل عند من يغفي تعليل أفعاله بالاغراض مطلقاً وإن جوره بعض أهل السنة ف! الإغرأض! الرإجعة للعبد وجحب! أذ يجعلى مجازاً عن الطلب الذي لا يستلؤم حصحول المطلوب، أو عن توتب النجاة على ما هي ثحرة له كما فسو هنا بحتى فإن أفعاله تعال! يتفرع عليها حكم ومصحالح متقنة هي ثمراتها وإن لا تكن عللاَ غائية لها بحيث لولاها لم يقدر الفاعل عليها كحا حقق ف! موضعه، وقال: ف! حاشية العضد وأما الغر ضفهو ما لأجله إقدام الفاعلى على الفعل، ويس! حى علة غائية له ولا توجد في أفعاله تعال! وإن جص! افوائدها، وما قيل من إنّ المقصود يسحى! ضحاً إذا لم يمكن لفإحل خصعيله إلا بذلك الفعل فاصطلاح جديد لم يعرف له مستند لا عقلاً ولا نقلا فأورد عليه أنّ بين كلاميه مدافعة ظاهوة لأنه اعتبر في العللى ا! خائية كونها بحيث لولاها لم يقدلى الفاعل عليها، وقد وافقهم في شوح المواقف في اعتبار هذا القيد فيها حيث استدل على نفي وجوب التعليل في أفعاله تعال! بأنه فاعل لجميح الأفعال أبتداء فلا يكون شيء من الكائنات إلا فعلا له لا غوض! اً لفعل آخعر لا يحصحل إلا به فيصلح غرض! اً لذلك الفعل فكيف أنكر على ذلك القائل، وجعله اصطلاحا جديدا، وقد قدّمنا تفص! يل هذا في أوّل سورة البقرة. قوله: (أي أعيد! ناصاً بدل مما كانوا فيه الخ) قيل في مكاذ وجهان اظهرهحا أنه مفعول به لا ظرف والحعنى بدّلنا مكاذ الحال السسيئة الحال الحسنة فالحسنة هـ! الحأخوذة الحاصلة في مكان السيئة المتروكة، وهو الذي تصحبه الباء في نحو بدلت ذيدا بعحرو فزيداً مأخوذ وعمرو متووك كحا مرّ والثاني إنه منصوب عل! الظرفسية إلا أنه مردود لأنه لا بذ له من مفعولين، أحدهما على إسقاط الباء وف! كلام المصعنف لى حمه الله ما يدفعه فإنه جعل بدل متضمناً معنى أعطى الناصب لمفعولين احدهحا ض! حيرهم والثاني الحسنة، وتلك الحسنة في مكان السيئة وكونها في مكانها كناية عن كونها بدلاً عنها ولا محذور فيه كما توهم، وقوله: (ابتلاء! اً) بالأمرين أي هعاهله معها كحعاملة الحختبر بالإساءة والإحسان. قوله: (يسقالط عفا النبمات إذا كثر وهف إعفاء اللحى) ال! لحى جحح لحية، هدجور في لام اللحى الضم والكسر كما في كتاب العين، وهو إشارة إلى ما وقح في حديث السنن: " أحفوا الشوا! ب وأعفوا اللحى " (1) والإحفاء الاستقصاء والنهك فححله أكثر على القص بدليل التصريح به في روأية وبعضهم على الحلق وهو لى واية عن أب! حنيفة رححه الله تعالى أي قللوا شعر الشوارب وكثروا شعر اللحى بتركه على حاله. قوله: (كفرانأ لنععة إدفه الخ) معنى قوله يعاقب يجعل كلاَ منهما عقب الآخر ويداولها فيتعاوران، وفي ال! كشاف ف! قفسير مثلى هذه الآية فتحنا ع! ليهم أبواب كل شيء من الصحة والحعة وصنوف النعمة ليزاوج عليهم بعن توبتي الضرّاء والسرّاء كحا يفعل الوالد المشفق بولده، ويخاشنه تارة ويلاطفه أخرى طلباً لص! لاحه فقيل عليه إنه قححل الاعتزال، وتنكب عن ظاهر الحقال، ولا ينبغي أن يخفى على أحد أنّ هذا استدراج واستهلاك عند غاية الفرج والسرور وأنفتاج أبوأب الأماني والمطالب جسميعا ليكوذ الأخذ والهلاك أشدّ وأفظع وليس من قبيل ال! تنقيف والتأديب، والبلاء بالحسنات والسيئات، وف! الكشف قيل الظاهر أنه استدراج لا تنقيف وتأديب كحا في ال! كشاف. (أقول) أما إنه تسعالى يفعل ذلك بعباده ملاطفة فغير منكر! قوله: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 168] وأما سياق هذه الآية فلا ينافي ما ذكره لأنّ الملاطفة بعينها تصحير استدراجاً فيحا بعد، وأما الأثر الحروي: " إذا رأيت الله يعطي العبد على معاصيه ما يحب فإنحا هو استدراج " (3) وتلا الآية فلا يرد ها ذكره لأنه صلى الله عليه وسلم أخذه من قوله: {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ} [سورة الأنعام، الآية:،،] وقد سبق الى الملاطفة تصحير استدراجا، وقيل على كلى من الثلاثة أشكال أما كلام الكشاف فلأنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 الآية السابقة في سورة الأنعام وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 2،] كهذه الآية في السباق والسيإق والأسلوب لا مغايرة بينهحا إلا في لفظة: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} أسو! ة الأنعام، الآية:، 4] وهي لا توجب كبير فرق بينهما فكيف جعلها ملاطفة، ومزاوجة في السابقة وأستدراجا ف! هذه، والدليل على جعلها أسندراجا هنا قوله فيما بعد ومكر الله اسنعارة لأخذه العبد من حيعث لا يشعر ولاستدراجه فعلى العاقلى أن يكون في خوفه من هكر الله الخ مح ترتب أفأمنوا مكر الله على القصة المذكورة، وأما كلام النحرير فلأنّ صإحب الكشاف لو كان ممن يزعم أنّ الاستدراج منا! لحذهب الاعتزال فكيف فسر مكر الله بالاستدراح فيعا بعد، وأما كلام الكشف فلأنّ المقصحود من الاستدراج كون الهلاك أفظح والأخذ أشذ ومن الحلاطفة الإصلاح والتأديب، وإذ كان التعذي! ب بعدها أفظع لكن فرق بين مجرّد ترتب الشيء على الشيء، وبين كونه مقصحودا منه سيحا عند من يقول! بالغر ضفي أفعاله تعالى والاستدراج هو الثاني فتأمّلى. فوله: (ظخذظ! بش! تة) عطيف على مجحوع عفواً، وقالوا أو على قالوا لأنه العسبب عنه وقوله: لا يشعروذ بنزول العذأب قيل المراد بعدم الشعولى عدم تصعديقهم بإخبار الرسل به لا خلوّ أذهانهم عنه، ولا عن وقته لقوله تعال! : {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [سو! ة الأنعام، الآية: 131] وفيه نظر لأنّ هذه حالط مؤكدة لمعنى البغتة كعا قاله فمعناه أنهم غير هنتظوين لوقتها فليس له! م شعور به. قوله: (يضي القرى ألمحدلول ع! ايها الخ) فاللام للعهد الذكري، والقوية وإن كانت مفردة لكنها ف! سياق النفي فتساوي القرى وإذا أهلد مكة وما حولها فهي للعهد الخارجي، وجوّز في الكشاف أن تكودط للجنس فقال في الكشف فعليه يتناول قوى ألى سل إليها نبيّ وأخذ أهلها وغيرها، وقيل عليه كيف يتنإول قرى لم يرسل إليها نبيّ وآخو الآية: {وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وإلى أدة وقع التكذلمجط والأخذ فيحا بينهم بعيدة فإلظاهر أنه يتناول جنس القرى المرسلى إلى أهلها من الحذكورة وغيرها، ولحا كانت إلى ادة مكة غير ظاهرة من السياق أخره المصحنف رححه الله تعالى وهرض! هـ ووجهه أنه تعالى لحا أخبر عن القوى الهعالكة بتكذيب الرسل وأنهم لو آمنوا سلحوا وغنموأ انتقل إلى إنذا! أهلى مكة مما وقح بإلأمم والقرى السالفة. قوله: (لوسعنا عليهم أ! ير هس! رظ هـ الخ) يعني فتحن! استعإرة تبعية، وفي ذكر الأبواب في الكشاف إشعالى بأنها تحثيلعة جمث اعتبر في فتح الأبوأب الأحوالى، وقد يقإل لا حاجة إليه لأنه شبه تيمنمير البوكات عليهم بفتح الأبوأب في س! هولة التناول وجإء اعتبار الاستغلاق من ضوورة الفتح، وقوله: من كلى جانب يعني أنّ ذكر السماء والأرض لضعميم الجهات لا لتبيين ما فيه من البركات كحا هو! أي من فسرها بالمطر والغبات والبركات عامّة، في هذا دون الآخر وهو الفرق بينهحا، هلجور أن يكون الفتح مجازاً مرسلا في لارمه وهو التيسير قيل وفي الآية إشكال وهو أنه يفهم بح! سا الظاهر منها أنه يفتح عليهم بركات من الصعحاء والأرض! إن آمنوا وفي الأنعام: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الأنعام، الآية: 44] ويدل على أنه ف! تح عليها بركات من السماء والأرض وهو معنى قوله أبواب كل شيء لأنّ الحراد منهما الخصب والرفاء والصعح! ة والعافية لمقابلة {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء} [سو! ة الأنعام، الآية: 42] وحملى فتح البركات على إدامته أو ديادته عدول على الظاهر غعر ملائاً لتفسيره بتيسعر البركات ولا بالحطر والنبات، وأجيب عنه بأنه ينبغي أذ يراد بالبوكات غير الحسنة وما يربى عليها أو يراد آمنوا من أوّل الأمو فنجوا من البأساء والضرّاء كحا هو الظاهر، والحراد في سو! ة الأنعام بالفتح ما أهلد بالحسنة هاهنا فلا يتوهم الإشكال وفيه بحث فتدبر. قوله: (ظخذن! ا!) الظاهر أنّ هذا الأخذ والسابق في {أخذناهم وهم لا يشعرون} واحد وححل أحدهما على الأخذ الأخروي والآخر على الدنيوي بعيد. قوله: (عطف عل! قوله ظخذظ! الخ) وفي الكشاف ف! بياذ عطف هذه بالفاء والأخرى بالواو المعطوف عليه قوله. {فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى} إلى {يكسبون} [سورة الأعراف، 1 لآية: 96] وقع اعترأض! أبين الحعطوف والمعطوف عليه وإنحا عطف بالفاء لأنّ المعنى فعلوا وصنعوا فأخذناهم بغتة أبسعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بيانا وآمنوا أن يأتيهاً بأسن! ض! حى، ثم قال: إنه! جح فعطف بالفاء قوله: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ} [سووة الأعراف، الآية: 99] لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 تكرير لقوله أفأمن أهل القرى يري! د أنّ القص! د إلى إنكار أن يقح بعد أخذ قوم شعيب عليه الص! لاة والسلام أمن أهل القرى أن يجيئهم البأس بياتا ويجينهم البأس ض! حى من غير اعتبا! ترتيب بينهحا فبالضرورة ك! اذ عطف الجحلة الأولى بالفاء والثانية بالواو ودخلت الهحزة لإفادة إنكالى أن يقع بعد ذلك الأخذ هذاذ الأمران ومع وضحوح معنى الكلام، وصويح لفظه سبق إلى بعض الأوهام، أنّ الحواد أنّ إلا من الأوّل عقحط أخذ الأوّلين بخلاف الثاني فإنّ إنعكإره مع إنكار الأوّل لا بعده، فإن قيل: هلا جعل المعطوف عليه {فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وهو أقرب، قلنا: لأنّ مساق ولو أنّ أهل القرى إلى قوله يكسبون مساق التكرار والتأكيد بخلاف ما قبله، فإنه لبيان حال القرى وقصحة هلاكها قصمدا فالعطف عليه أنس! ب وإن كان هذا أقوب وهذا على تقدير أن يراد بالقرى القرى الحدلول عليها بفا سبق وأما إذا أديد بها مكة وما حولها فوجهه ظاهر لأنّ منشأ الإنكالى الأما السالفة لا ما أصاب أهل مكة ومن حولها من القحط وض! يق الحال. قوله: (وها بي! نهحا أعتوأغم! الخ) في الكشف وأهل القرى هن! أهل مكة وما حواليها محن بعث إليه نبينا مححد صلى الله عليه وسلم، وأما وجه وقوع الاعتراض فبين لأنه يؤكد ما ذكره من أن الأخذ بغتة يترتب على أضحداد الإيمان والتقوى، ولو عكس لانعك! س الأمو، ومنه يظهر أنّ جعل اللام للجنس هغالك أولى ليؤكد الحعطوف عليه ويشحلهما شمولاً سوأء. قوله: (لى المحنى أبحد ذلك أهن أمل القرى) إشارة إلى أنّ الفاء للتعقيب وأنّ الإنكعار منصبّ عليه أي كيف يعقمب ما رأوه الأمن من عذاب الله، وهذا مح ظهوره خفي حلى من فال: كأنه لم يجعل الفاء للتعقيب لأنّ الأهنين الحنكرين لم يكونا عقيب هلاك القوم ولا للسببية، ثاً أطال في تقريوه من غير طائلى، وجعل يقدم رجلاً هلؤخر أخرى، وقد تركناه لع! دم جدوأه. قوله: (تج! ييتاً أو وقت ب! يان الخ) أي هو مصد! يات أو بيت ونصعبه على الطرفية بتقدير هضاف أي وقت أو هفعول مطلق ليأتيهم من غير لفظه أي تبييتاً أو حال من الفاحل بمعنى مبيتاً بالكسر أو من المفعول بحعنى مبيتين بالفتح، وجوّز في غير هذا المحل أذ يكوذ من المفعول بحعنى بائنين أي داخلين ف! الليلى، وف! الدرّ المص! وذ فيه وجوه أحده! أنه منصوب على الحال، وهو في الأصل مصدلى، وجوّر أذ،؟ ! يكعوذ مفعولاً له، وقول الواحدي بياتاً ظاهره أنه ظرف إلا أذ يكوذ تفسيراً للحعنى وإذا جعل وهم نائحون حالاً من الضمير المستتر ف! بياتاً فلقأهلله بإلص! فة كحا مرّ وهو حال متداخلة حينئذ، وفوله على التوديد أي توديد بين أذ يأتيهأ في هذا الوقت أو ف! هذا الوتعتا أي هو لأحد الشيئين. قوله: (ضحوة النهار) أصل هعنى الضحى أرتفإع الشمس أو شروق! ها وقت ارتفاع! هـ! كما في قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [سو! ة الضحى، الآية: ا] ثم استعحل للوقت الواقح فيه ذلك هلكون منصحرفاً إذ لم يرد به وقت من ي! وم بعينه وغير منص! رف إن أهلد به ض! حوة يوم معين فيلزم النصب على الظوفية وهو مقص! و! فإذ فتح مد والضحى يذكر هلؤنث، وفوله: يلهون إشادة إلى أنّ اللعب مجار عن الليهو والغفلة أو إلاشتغال بما لا نفح فيه على التشبيه. قوله: (تحوير قول! أظهن أهل القرى الخ) وفي نسخة تقريو أي تكرير لما سبق على طريقة الجحح بعد التقسيم قص! داً إلى! لإدة التحذير والإنذار، ولهذا لم يجعل ضححيرا فأمنوا لجحيح أهل القرى الهالكة المشإلى إليهم بقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى} [سورة الأعراف، الآية: 96] والبافية المبعوث إليهم نبينا صلى الله عليه وسلم المشار إليهم بقوله أفأمن أهل القرى ولو جعل لذلك لجار إلا أنه لما جعل تهديدا للحوجودين كاذ الأنسب التخص! يص كذا في شروح الكشاف وقعل عليه كعف يصعح جعله تكريرا للحجحوع والحال أنّ إنكا! الأمنين ليعقبهح! مشاهدة هلا! الأوّلين كما قرّره وإنكار أمن القوى السابقة ليس كذلك إذ لا معنى لإنكار الأمن من الهالكين وتقدير معطوف عليه آخر هرتعبا عليه أمن الجميح تعسف ظاهر فتدبر. قوله: (ومكر أدلّه اسضعمارة لاشدراج إب الخ) فشبه استد! اج الله للعاصي حتى يهلكه في غفلته بالعكو والخداع، فلذا صح إطلاقه عليه تعال! من غيو مشاكلة لكن يناقض هذأ قول المصحنف ر حمه أدلّه في تفسيو قوله تعإلى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ} [سورة آل عحرأن، الآية: 54] أنه لا يجور إطلاق ال! عكو على ألله إلا بطريق المشاكلة فتأمّل، ثم إنّ توتب هذا الكلام أعني فوله أفأمنوا الخ على قصة أهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 القرى يدلّ على أنّ تبديل السيئة بالحسنة مغكر واستدرأج، وقد مرّ مثل هذا النظم في الأنعام فجعله في الكشإف ملاطفة ومزاوجة ورجحه المصحنف رححه الله أيضأ حيعسا قدمه هـ! ناك فهو تحكم بحت كما قرّ! هـ الأستاذ و! ذه النحرير المدقق بأنه يحكن أن يقال بعد تمسليم أن ليس الحواد الإشالى ة في المقامين إل! التوجيهين فقوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ} يرجح الححلى على الملاطفة فتتئم وجوه الإرشاد والححل على ترك الكفر حتى يكوذ الكفر حينئذ أ! يد في القبح والشناعة حيث قطع دابرهم لأجله وححد عليه. تنبيه: الأمن من مكر الئه كبيرة عند الشافعية وهو الاسنرسال في الحعاصي اتكالاً على عفو الله كما في جحح الجوأمع، وقال الحنفية: إنه كفر كاليأس لقوله تعال! : {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سو! ة يوسف، الآية: 87] {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} واستدلّ الشافعية بحديث ابن مسعود رضي الله عنه من الكبائر إلا من مكر ألله وما ورد من أنه كفر مححول على التغليظ، وفيه تفصيل ليس هذ امحله فقول المصحنف رححه الله الذين خسروا بالكفر إشا! ة لهذا فتأمّله. قوله: (أي يخلفون من خلا! م الخ) أي الإرث هنا مجا! عحا ذكر وهو ظاهر وجعله يهد بمعنى يبين وإذ كاذ هدى يتعدى بسنفسه، وباللام وبإلى لأنّ ذلك في الحفعول الثاني لا في الأوّل كحا هنا فهذا استعحال آخو، وقيل لك أن تحمل اللام على ا! زيافى ة كح! في ردف لكم، والحراد بالذي! ن أهل مكة ومن حولها كحا نقلى عن أبن عباس! ضعي ألله عنهح!. قوله: (لأفه بععن! يبين الضا بطريق المجار أو ال! تضحين وقوله: (هلوثون دي! ما! هم) يقتضي أنّ الأوّل على ظاهره ولو كان عطف بأو فتأمّل، وقوله أن الشأذ إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة واسحها ض! حير شأدن هقد! ، وخبره جملة لو نشاء، وفي اللباب تخصيص هذا بكونه مفعولاً كحا في قراءة النون وجعلها مصددىلة والفعل بعد لو في تأثلل المصدر كحا في قراءة ألياًء، وفيه نظر لاً نه يحتاج إلى إثبات دخول المصددية على لو الشرطية مح أنّ أن المفتوحة مصددرية أيضا فتأمّل، وقوله: (بجزاء ذنوبهم) يعني أنه على تقدير مضاف أو تضمين أصبنا معنى أهلكنا فلا حاجة إلى التقدير، وقوله وهو فاعل يهد يعني المصدر المؤوّل فاعله، وجوّز أيضاً أن يكون الفاعل ضمير الله، ويؤيده قراءة النون وأن يكون ضميراً عائدأ على ما يفهم مما قبله أي أو لم يهد ما جرى للأمم السابقة. قوله: (ومن قرأه بالنون جعله مفعولاً) هي قراءة مجاهد قال النحرير: الظاهر أنّ اعتبار قضمين معنى نبين إنما هو على قراءة النون حيث ذكر المفعول الثاني، وأما على قراءة الياء فهو من قبيل التنزيل منزلة اللازم ولا حاجة إلى تقدير المفعول الثاني أي أو لم يبين لهم هذا الشأن الطريق المستقيم، أو مآلهم وعاقبة أمرهم، واعترض عليه بأنّ التنزيل منزلة اللازم يكون بالنسبة إلى أحد المفعولين مع ذكر المفعول الآخر كما يكون بالنسبة إلى المفعولين والصريح كغير الصريح كما صرّح به الشريف في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [سورة العلق، الآية: ا] فالقراءتان متساويتان في اعتبار التضمين والتنزيل دمان صرّح الزمخشرفي بلفظ أو لم نبين في قراءة النون دون الياء وعكس القاضي فقيل يمكن أن يقال قصد التعلق إلى المفعول دليل ظاهر على القصد إلى المفعول لا سيما عند ذكر ما يصلح أن يكون مفعولاً أوّل أعني للذين يرثون وجعل اللام للتعليل وصف ظاهر بخلاف قراءة الياء إذ لا قصد حينئذ إلى التعلق بشيء أصلاً، والحق أنّ التضمين أولى من التنزيل لأنّ لام للذين إن حمل على التعدية فلا تنزيل، وان حمل على التعليل ففيه نوع تعسف كما لا يخفى اهـ وفيه بحث إذ الظاهر أنّ الاعتراض! وارد إذ على التنزيل وألاقتصار على المفعول الأوّل لا بذ من ذلك إذ هدى لا يتعذى إلى المفعول الأوّل باللام كما ذكره النحرير وغيره إلا أن يجعل قاصراً على المفعولين أي أو لم تكن منا هداية للوارثين فتأمّل ولبعض الناس هنا كلام غير مهذب. قوله:) عطف على ما دلّ عليه أو لم يهد الخ (هذا يحتمل أن يكون تقديراً للمعطوف عليه بدلالة ما قبله وهو الظاهر، ويحتمل أن يريد أنه معطوف على جمله، أو لم يهد لأنها وان كانت إنشائية فالمقصود منها الإخبار بغفلتهم فلا يرد عليهم ما قيل إنه إضمار من غير حاجة، وترك المصنف رحمه الله عطفه على يرثون الذي جوّزه في الكشاف لما قيل عليه إنه صلة، والمعطوف على الصلة صلة ففيه الفصل بين أبعاض الصلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 بأجنبيّ وهو أن لو نشاء سواء كان فاعلا أو مفعولاً. قوله: (أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع) فهي جملة مستأنفة كما يشهد له تقدير المبتدا لأنهم التزموه في الاستئناف دران خفى وجهه كما مرّ في سورة آل عمران ويحتمل أن تكون معترضة تذييلية أيضا، أي ونحن من شأننا وسنتنا أن نطبع على قلب من لم نرد منه الإيمان حتى لا يتعظ بأحوال من قبله ولا يلتفت إلى الأدلة، وليس معناه إنه معطوف على جملة أو لم نهد كما يوهم. قوله: (ولا يجورّ عطفه على أصبناهم الخ) قوله لأنه في سياقة جواب لو تعليل لجعله بمعنى الماضي لأنّ المعطوف على الجواب له حكم الجواب، وهي تختص بالماضي وقوله لإفضائه الخ تعليل لقوله لا يجوز، وقد تبع المصنف رحمه الله تعالى هذا الزمخشريّ، وقد قيل عليه إنه يجوز عطفه عليه ولا يلزم أن يكون المخاطبون موصوفين بالطبع ولا بد، فهم وان كانوا كفاراً ومقترفين للذنوب ليس الطبع من لوازمهم إذ الطبع هو التمادي على الكفر، والإصرار عليه حتى يكون مأيوسا من قبوله للحق ولا يلزم أن يكون كل كافر بهذه المثابة بل إنّ الكافر يهدد لتماديه على كفره بأن يطبع على قلبه فلا يؤمن أبداً وهو مقتضى العطف على أصبناهم فيكون في الآية قد هذد بأمرين إصابته بذنبه والطبع على تلبه والثاني أشدّ من الأوّل، وهو نوع من الإصابة بالذنب والعقوبة أنكى فهو كقوله: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة، الآية: 25 ا] وإنما الزمخشريّ فرّ من دخوله تحت المشيئة على مذهبه لأنه قبيح والله تعالى متعال عنه فلا ينبغي للمصنف رحمه الله تعالى أن يتابعه عليه والحق أنّ منعه له ليس بناء على أنه لا يوافق رأيهم فقط بل لأنّ النظم لا يقتضيه، وهو الذي جنح إليه المصنف رحمه الله تعالى لأنه يستلزم انتفاء كونهم مطبوعا على قلوبهم لمستفيده كلمة لو من انتفاء جملتيها واللازم باطل لقوله: {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي يصرّون على عدم القبول وقوله: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} [سورة يون! ، الآية: 74] العامّ لأهل القرى الوارثين والموروثين وقوله: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} لدلالته على أنّ حالتهم منافية للإيمان وأنه لا يجيء منهم البتة، وبهذا يندفع الاعتراض، وهذا هو الحق الحقيق بالقبول كما ارتضاه المحققون من شراح الكشاف إلا أنه أورد على قولهم اللازم باطل لقوله فهم لا يسمعون إنّ الطبع إذا دخل في حكم المشيئة كان عدم السماع كذلك، وبكون المعنى لو شئنا لاستمرّ منهم عدم السماع، وهو لا ينافي عدم السماع بالفعل، وقيل إنه يمكن أن يقال دخول نفي السماع في حيز لو يقتضي تأويل الاسمية بالماضوية فلا ينافي اعتبار استمرار غير حاصل، ورذ قوله أنّ نطبع على قلوب الكافرين عامّ بأنهم أهل القرى وهي موروثة لا وارثة كما صرّح به فلا وجه للاستدلال به وفيه تأمّل وذهب ابن الأنباري رحمه الله إلى أنّ لو بمعنى أن وأصبنا بمعنى نصيب. قوله: (سماع تفهم واعتبار) هذا مما يقتضيه تفريعه على الطبع، وأمّا تفسير. بلا يجيبون كما في سمع الله لمن حمده فغير مناسب. قوله: (حال إن جعل القرى خبرا وتكون إفادته بالتقييد الخ) قيل لاخفاء أن الكلام فيما إذا أريد الجنس لا تلك القرى المعلوم حالها وقصتها أو تلك القرى الكاملة في شأنها مثل ذلك الكتاب، فإنّ ذلك بمنزلة الموصوف واعترض! بأنّ الحال راجع إلى تقييد المبتدأ لأنّ العامل فيه ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، ولو سلم فالسؤال إنما يندفع على تمدير كون نقص حالاً لا خبراً بعد خبر، والقول بأنّ حصول الفائدة بانضمام الخبر الثاني الذي هو بمنزلة الخبر على طريقة هذا حلو حامض ظاهر، والسؤال إنما هو على تقدير الحالية فإنّ الحال فضلة ربما يتوهم عدم حصول الفائدة بها ليس بشيء لظهور أنّ هذا ليس من قبيل حلو حامض بمعنى من بل كل من الخبرين مستقل اص. (قلت) وكذلك ما قيل في الجواب عنه بأنه لما اشترك الخبران في ذات المبتدأ كفى إفادة أحدهما مما لا وجه له، وقد سبق النحرير إلى ما ذكر صاحب الكشف، والجواب أنا نسلم أن العامل فيه ما في المبتدأ من معنى الفعل، وإنه قيد له لكنه في المعنى وصف لذي الحال فيصير الخبر كالموصوف المقصود منه صفته كما في أنت رجل كريم هو في غاية الظهور، والسؤال مندفع على تقدير كونه حالاً بما ذكر، وعلى تقدير كونه خبراً بعد خبر بأنّ التعريف لا يكون للجنس بل للعهد أو للدلالة على كمالها في جنسها حتى كأنها هو، وترك التنبيه عليه لظهوره وكم له أمثال في كلامهم، واليه أشار المدقق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 في الكشف بقوله المعنى على التقديرين مختلف لأنه إذا جعل حالأ يكون المقصود تقييده بالحال كما ذكره الزجاج في هذا زيد قائماً إذا جعل قيدا للخبر إذ الكلام إنما يكون مع من يعلم إنه زيد والا جاء الإحالة لأنه زيد قائما كان أولاً وأما إذا جعل خبراً بعد خبر فتلك القرى على أسلوب ذلك الكتاب على أحد الوجوه ونقص خبر ثان تفخيم على تفخيم حيث نبه على أنّ لها قصصاً وأحوالاً أخر مطوية، وهذا معلوم للشارح في كتابه فكثيراً ما يرسل الأوجه ويفرّع على واحد، ثم إنه علم منه أن الخبر يشترط فيه الإفادة بالذات أو بواسطة قيد له كصفة وحال وقد قال ابن هشام إنّ هذا يشكل على أبي عليّ رحمه الله تعالى في مسألة حكاها عن الأخفش وهي إنه امتنع من إجازة أحق الناس بمال أبيه ابنه لأنه ليس في الخبر إلا ما في المبتدأ، ثم قال فإن قلت أحق الناس بمال أبيه ابنه البارّ به أو النافع له أو نحوه كانت المسألة بحالها في الفساد لأنّ الخبر نفسه غير مفيد ولا ينفعه مجيء الصفة بعده لأنّ وضع الخبر على تناول الفائدة منه لا من غيره، وردّه بأنه إذا جاز للحال أن تحصل الفائدة المقصودة نحو فما لهم عن التذكرة معرضين إذ السؤال إنما هو في المعنى عن الحال فجوازه في الصفة أجدر فتأمّل، يعني أنّ قوله يعني قرى الأمم المارّ ذكرهم ظاهر في جعل اللام للعهد فلا حاجة إلى التقييد بالحال إلا أن يجعل ذلك بياناً للمشار إليه لا تفسيراً للقرى كما قيل. قوله: (بما كذبوه من فبل الرسل الخ) يعني ما موصولة وقدر عائدها كذبوه لا كذبوا به لأنه لا يجوز حذفه لاختلاف المتعلق كما ذكره المعرب، وفسره في يونس بقوله بسبب تعوّدهم تكذيب الحق، وتمرّنهم عليه قبل بعثة الرسل أي أنهم كانوا قبل البعثة جاهلية مكذبين للحق فلم تقدهم البعثة فالباء سببية، وقال الزجاح فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية تلك المعجزات بما كذبوا قبل رؤيتها يعني أوّل ما جاؤهم فاجؤوهم بالتكذيب فاتوا بالمعجزات فأصرّوا على التكذيب وهو معنى قول المصنف رحمه الله مدة عمرهم الخ، وقال الطيبي رحمه الله أعلم أنه تعالى جعل عدم إيمانهم بسبب تكذيبهم المقيد بقوله من قبل فالفعل المضارع وهو قوله ليؤمنوا إمّا على ظاهره فيكون المعنى ما كانوا ليؤمنوا الآن أي عند مجيء الرسل لما سبق منهم التكذيب قبل مجيئهم، واما أن يحمل على الاستمرار فالمعنى أنهم لم يؤمنوا قط، واستمرّ تكذيبهم لما حصل منهم التكذيب حين مجيء الرسل، ولما اشتمل الفعل على معنى الاستمرار في الحالات المتعاقبة صح أن يقال بما كذبوا به أوّلاً والوجه الأوّل مناسب لأصول المعتزلة يعني إنما لم يؤمنوا بالرسل بما خالفوا قبل مجيئهم عقلهم الهادي فلما أبطلوا استعدادهم لم ينفعهم مجيء الرسل، والثاني موافق لمذهب أهل السنة لأنّ العقل غير مستقل فلا بد معه من انضمام الرسل والبعثة فهؤلاء لما كذبوا الرسل والآيات، ولم تؤثر فيهم دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة لم يؤمنوا إلى آخر عمرهم، وهذا أنسب من الأوّل بقوله كذلك يطبع الله يوضع المظهر موضع المضمر وعن مجاهد رحمه الله إنه كقوله. ـ تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28] فالمعنى ما كانوا لو أهلكناهم، ثم أحييناهم ليؤمنوا ففيه إيجاز لكن لخفائه تركه المصنف رحمه الله وفيها وجوه أخر وقوله واللام لتأكيد النفي يعني أنها لام الجحود، وقد مرّ شرحها. قوله: (والدلالة على أنهم ما صلحوا الخ) بيان للتأكيد الذي تفيده لام الجحود ويعطيه التركيب، وقوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ} بيان لعدم صلاحهم للإيمان ويصح فيه التشبيه والتعظيم للطبع كما في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] وقوله فلا تلين شكيمتهم أي لا ينقادون للحق وأصل معنى الشكيمة حديدة اللجام التي في فم الفرس. قوله: (كثر الناس والآية اعتراض الخ) يعني وما وجدنا إلى فاسقين اعتراض! إن كان الضمير للناس لأنه لا اختصاص له بما قبله لكن لعمومه يؤكده، ومرجع الضمير معلوم لشهرته فإن كان للأمم المذكورين يكون من تتمة الكلام السابق فهو تعميم لا اعتراض كذا قرره شراح الكشاف فلا معنى لما قيل كيف يكون اعتراضا مع شموله للأمم، ومن في من عهد زائدة، ووجد هذه متعدية لواحد وجوّز فيها أن تكون علمية و! ثرهم متعلق به أو حال. قوله: (وفاء عهد الخ) يعني أنه على تقدير مضاف لأنّ عهدهم وجد على الوجهين والعهد أما ما عهده الله إليهم ببعثة الرسل ونحوها، أو في عالم الذرّ أو ما عاهدوا الله عليه في نزول الشدة بهم، والحجج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 الدلائل الدالة على الله، وفسره ابن مسعود رضي الله عنه بالإيمان كما في قوله: {اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [سورة مريم، الآية: 78] وقيل العهد بمعنى البقاء. قوله: (علمناهم الخ) يعني إن وجد هنا بمعنى علم فهي من الأفعال النواسخ الناصبة للمبتدأ والخبر لدخول أن المخففة عليها، وهي لا تدخل إلا على المبتدأ أو على الأفعال الناسخة عند الجمهور خلافا للأخفش رحمه الله فإنه جوّز دخولها على غيرها، وهذه اللام هي اللام الفارقة بين المخففة وغيرها، وأن هذه بعد التخفيف ملغاة لا عمل لها على المشهور كما تقدم تفصيله، وقوله: ذا الحفاظ أي صاحب الحفاظ، وهو المحافظة والمراقبة، ويقال إنه لذو حفاظ ومحافظة إذا كان له أنفة وقوله الضمير للرسل أي في قوله: {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} [سورة الأعراف، الآية: 103] ، أو للأمم المدخول عليه بتلك القرى، والأوّل أولى. قوله: (بأن كفروا بها مكان الإيمان الخ) الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو متعد بنفسه لا بالباء فلذا وجه تعديه هنا بوجوه منها أنه لما كان الكفر والظلم من واد واحد عدّى تعديته أو هو بمعنى الكفر مجازا أو تضمينا أو هو مضمن معنى التكذيب أو الباء سببية، ومفعوله محذوف أي ظلموا أنفسهم أو الناس بسببها، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في التضمين أي كفروا بها واضعين الكفر غير موضعه يعني إنما أوتي موسى الآيات والمعجزات لتكون موجبة للإيمان بما جاء به فعكسوا حيث كفروا فوضعوا الشيء في غير موضمعه، ويحتمل أن يريد التجوّز. قوله:) وفرعون لقب لمن ملك مصر الخ) يعني إنه علم شخص، ثم صار لقبا لكل من ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس والنجاشي لمن ملك الحبشة وقيصر لمن ملك الروم، وقيل هي أعلام أيضا لأنها لا تنصرف وليست من علما الجنس لجمعها على فراعنة وقياصرة وعلم الجنس لا يجمع، فلا بد من القول بوضع خاص لكل من يطلق عليه وليس بشيء لأنّ الذي غرّه قول الرضي إنّ علم الجنس لا يجمع لأنه كالنكرة شامل للقليل والكثير لوضعه للماهية، فلا حاجة لجمعه وقد صرح النحاة بخلافه وممن ذكر جمعه السهيليّ رحمه الله في الروض! الأنف فكأنّ مراد الرضي أنه لا يطرد جمعه، وما ذكره تعسف نحن في غنى عنه، وقوله وكان اسمه الخ المذكور في التواريخ أنّ أحدهما اسم فرعون موسى والآخر اسم فرعون يوسف. قوله: (لعله جواب لتكذيبه إياه الخ) في هذه الآية قراآت عليّ بجر على لياء المتكلم، وهي قراءة نافع رحمه الله والقراءة المشهورة على أن لا أقول بجر على لأن المصدرية، وصلتها وهي مشكلة لأنّ الظاهر أنّ عدم ترك قوله للحق حقيق عليه لا أنه حقيق على عدم ترك قوله للحق لأنّ حقيق بمعنى جدير ويتعدى بالباء، وبمعنى واجب ولازم ويتعدى بعلى، وهو المراد هنا فلذا ذهب المفسرون في تأويلها إلى وجوه ستة ستراها، وجعل المصنف رحمه الله قوله: {وَقَالَ مُوسَى} [صورة يونس، الآية: 84] جوابا لفرعون إذ كذبه المدلول عليه بما قبله. قوله: (وكأنّ أصله الخ) بناه على القراءة المشهورة واستغنى بشهرتها عن التصريح بها هذا هو الوجه الأول وهو أن في الكلام قلباً وهو على قسمين أن يكون بقلب المعنى والألفاظ بتقديمها وتأخيرها نحو خرق الثوب المسمار أو بقلب المعنى فقط كما هنا فإنّ ياء المتكلم لا وجود لها حتى تؤخر وتزال عن مكانها، وفيه بعد اشتراط أمن اللبس ثلاثة مذاهب مشهورة القبول مطلقا، والمنع مطلقا والتفصيل بين ما تضمن اعتباراً لطيفا وغيره، فيقبل الأول دون الثاني، ولذا ضعفوه هنا، والإغراق وجه آخر لا يدعى أنه المحسن هنا فتأقل، والظاهر أنّ الإسناد والإغراق حقيقة باعتبار أصله والا لم يكن قلبا، وفي الانتصاف أطلق عليه أنه مجاز فإن أراد ظاهره كان مشكلا فتدبر. قوله: (وتشقى الرماج الخ) هو من شعر لخراش بن زهير وقبله: كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا قوادم حرب لا تلين ولا تمرى وتلحق خيل لا هوادة بينها وتشقى الرماج بالضياطرة الحمر وتمرى من أمرت الناقة درّ لبنها وهو استعارة هنا، والهوادة الصلح والميل ورجل ضيطر وضيطار كبيطار ضخم لا غناء عنده، فلذا يطلق على الخدم والسفلة، وهو المراد هنا وهاء ضياطرة عوض عن المد كبياطرة إذ القياس فيه ضحياطير أو هي لتأنيث الجمع، والحمر جمع أحمر كناية عندهم عن العجم لغلبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 الحمرة على ألوانهم، فلذا يستعملونه في الذم، وأصله تشقى الضياطرة بالرماح إلا أنّ الثاعر جعل الرماح شقيت بهم لتكسرها من كثرة الطعن فيهم كما قال أبو الطيب: طوال الردينيات يقصفها دمي وبيض السريجيات يقطعها لحمي وأفصح عن هذا المعنى في قوله: والسيف يشقى كماتشقى الضلوع به وللسيوف كعا للناس آجال قوله: (أو لأنّ ما لزمك فقد لزمته) عطف على ما قبله بحسب المعنى لأنّ المعنى وإنما قال حقيق علي أن لا أقول لأنّ أصله ولأنّ الخ، وهذا هو الجواب الثاني أي كما أن قول الحق لازم له فهو لازم لقو الحق أيضاً، واعترض! عليه بأنّ اللزوم قد يكون من أحد الطرفين دون الآخر كما هنا، فليس كل ما لزمك لزمته، وأجيب عنه بأنه إشارة إلى أنه من الكناية الإيمائية كقوله البحتري: أو مارأيت الجود ألقى رحله في آل! ة ثم لم يتحوّل وقول ابن هانئ: فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير يعني بلغت الملازمة بين الجود والممدوج بحيث وجب وحق على الجود أن لا يفارق ساحته فيسير حيث سار وهو المراد، وقيل عليه بل معناه أنّ بين الواجب ومن يجب عليه ملازمة فعبر عن لزومه للواجب بوجوبه على الواجب كما استفيد من العكس، وليس من الكناية الإيمائية في شيء بل هو تجوّز فيه مبالغة حسنة. قوله: (أو للأكراق في الوصف بالصدق الخ) الإغراق المبالغة من قولهم أغرق الرامي في النزع وهو نوع في البديع معروف فقد جعل قول الحق بمنزلة رجل يجب عليه شيء، ثم جعل نفسه أي قابليته لقول الحق وقيامه به بمنزلة الواجب على قول الحق فيكون استعارة مكنية وتخييلية، فالمكنية في قول الحق إذ شبه برجل، والتخييلية في حقيق أي بالغ في وصف نفسه بالصدق فيقول أنا واجب على الحق أن يسعى في أن أكون أنا قائله فكيف يتصوّر مني الكذب، جعل الحق كأنه عاقل يجب عليه أن يجتهد في أن يكون هو القائم به، وقيل عليه هذا إنما يتم لو كان اللفظ هو حقيق على قول الحق، وليس كذلك بل على قولي الحق، وجعل قوله الحق يجب عليه أن يسعى في أن يكون هو قائله ليس له كبير معنى، وهذا مما ذكره النحرير، ولم يجب عنه وأجاب عنه بعض المتأخرين بما لا حاصل له وهو ظاهر الورود، ويمكن دفعه بأن مبناه على أنّ المصدر المؤوّل معرفة لا بد من إضافته إلى ما كان مرفوعأ له، وليس بمسلم فإنه قد يقطع النظر عن ذلك، وصرّح بعض النحاة بأنه قد يكون نكرة كقوله: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى} [سورة يونس، الآية: 37] أي افتراء وهنا قطع النظر فيه عن الفاعل إذ المعنى حقيق عليّ قول الحق وهو محصل مجموع الكلام فلا إشكالط فيه، وما ذكره يليق بالتدقيقات الرياضية لا التراكيب العربية فتدبر. وقوله: إلا بمثلي في أكثر النسخ وهو ظاهر، وفي بعضها بمثله على عدم الحكاية وهي بمعنى الأولى والنسخة الأولى أصح. قوله: (أو ضمن حقيق معنى حريص الخ (هذا هو الجواب الرابع وهو ظاهر، وعلى جعل على بمعنى الباء كما تكون الباء أيضا بمعنى على فحقيق بمعنى جدير، وبقي جواب سادس ذكره ابن مقسم، وقال: إنه أولى وقد أهملوه وهو أنه متعلق برسول إن قلنا بجواز أعمال الصهفة إذا وصفت، فإن لم نقل به وهو المشهور فهو متعلق بفعل يدلّ عليه، أي أرسلت على أن لا أقول إلا الحق، وقراءة حقيق أن لا أقول بتقدير الجارّ وهو على أو الباء أو يقدر علي بياء مشدّدة، وتفسيره ما مر في القرا آت المشهورة. قوله: (فخلهم الخ (الظاهر أنه معنى حقيقيّ للإرسال قال الراغب: الإرسال يقال في الإنسان وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة، وقد يكون ذلك بالتسخير كإرسال الرياج والمطر، وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع نحو: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة مريم، الآية: 83] ويقابله الإمساك فأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أنّ المراد به الأخير، وما قيل إنه استعارة من إرسال الطير من القفص تمثيلية أو تبعية لا أصل له، وهذا إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لما توفي وانقرضت الأسباط غلب فرعون على نسلهم واستعبدهم، فأنقذهم الله بموسى ع! ، وكان بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 اليوم الذي دخل فيه يوسف عليه الصلاة والسلام مصر، واليوم الذي دخل فيه موسى-شي! أربعمائة عام. قوله: (فأحضرهما عندي ليثبت بها صدقك الما كان ظاهر الكلام طلب حصول الشيء على تقدير الحصول أشار إلى بيان المغايرة بين الشرط والجزاء، وكون جواب الشرط الثاني ما يدل عليه الشرط المتقدم وجوابه أمر آخر، وقوله: ليثبت بها صدقك إشارة إلى أنّ الشرط الثاني مقدم في الاعتبار على قاعدة تكرّر الشرطين فتدبر. قوله: (ظاهر أمره) تفسير لمبين، وقوله: صارت ثعبانا إشارة إلى أنه صيرورة حقيقية لا تخييلية، وأشعر بمعنى كثير الشعر، وفي نسخة أشعرانيا وهو بمعناه، وفاغراً بالفاء والغين المعجمة والراء المهملة بمعنى فاتح، وسور القصر بمعنى أعلى حائطه، وأحدث أي استطلقت بطنه في مكانه لخوفه، وقوله فمات أي للخوف، ووطء بعضهم بعضاً. وقوله: أنشدك بالذي الخ، أي أقسم عليك به. قوله:) من جيبه أو من تحت إبطه الخ (لقوله: {أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أسورة النمل، الآية: 12] وقوله: {اضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [سورة طه، الآية: 22، والجمع بينهما ممكن في زمان واحد. وقوله: (بياضاً خارجاً عن العادة (لأنه روي أنه أضاء له ما بين السماء والأرض وقوله: أو للنظار أي لأجلهم. وقوله: (لا أنها كانت بيضاء في جبلتها (أي أصل خلقتها لأنه كان آدم شديد الأدمة وهي السمرة، وأصله " دم بهمزتين أفعل، وكونه كذلك مروفي في الحديث الصحيح. قوله: (قيل قاله هو وأشراف قومه الخ) يعني أنه وقع في سورة الشعراء قال! : {لِلْمَلَإِ} وهنا قال: {الْمَلإِ} والقصة واحدة فكيف يختلف القائل في الموضحعين. وفي الكشاف قاله: هو، وقالوه: هم فحكى قوله ثمة وقولهم هنا أو قاله: ابتداء فتلقنه منه الملأ فقالوه لأعقابهم، أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ، كما يفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصة، ثم تبلغه الخاصة العامة، والدليل عليه أنهم أجابوه بقولهم:) أرجئه وأخاه (فأشار إلى ترجيح أنّ الملأ قالوه عن فرعون بطريق التبليغ إلى القوم، بأنّ القوم أجابوا فرعون وخاطبوه بقولهم:) أرجئه وأخاه) فلو لم يكن الكلام تبليغا من فرعون إليهم لما كان لهذا الجواب والخطاب وجه إذ لا يناسب قول الملأ ابتداء إلا أن يقدر في الكلام، إذ المناسب حينئذ ارجعوا وأرسلوا، ولا يناسب النقل بطريق الحكاية لأنه حينئذ لا تكون مشاورة، فلا يتجه جوابهم أصلاً أو أن الجواب وهو أرجئه الخ في الشعراء من كلام الملا لفرعون، وهنا من كلام سائر القوم فلا منافاة بينهما لتطابق الجوابين، ثم اختلفوا في قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} فقيل إنه من تتمة كلام الملا وهو الظاهر، وقيل كلام الملا تنم عند قوله: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ} ثم قال فرعون مجيبا لهم {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} قالوا: {أَرْجِهْ} وحينئذ يحتمل أن يكون كلام الملا مع فرعون، وخطاب الجمع في يخرجكم لتفخيمه أو لما جرت به العادة، وأن يكون مع قوم فرعون والمشاورة منه قيل: وإنما التزموا هذا التعسف ليطابق ما في الشعراء في قوله: {مَاذَا تَأْمُرُونَ} فإنه من كلام فرعون. وقوله: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} كلام الملا لفرعون لكن ما اندفعت المخالفة بالمرّة لأنّ قوله: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم} كلام فرعون للملا، وفي هذه السورة على ما وجهوه كلام الملا لفرعون، ولعلهم يحيلونه على أنه قال لهم مرّة، وقالوا له أخرى. قوله: (تشيرون في أن نفعل) يعني أنه من الأمر بمعنى المشاورة وهو المروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما يقال: أمرته فأمرني أي شاورته فاشار عليّ برأي، وليس هو الأمر المعهود وان قيل به. وأمّا قوله في العصا هنا: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ} وفي محل آخر {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [سورة النمل، الآية: 10، فلا معارضة بينهما كما سيأتي {حَاشِرِينَ} جمع حاشر وهو من يجمعهم. وقوله: كأنه الخ من تتمة التوفيق كما مرّ. قوله:) والإرجاء التأخير الخ) هذا هو الأصح لغة لا أنه بمعنى الحبس، وقيل لأنه لم يثبت منه الحبس، وقيل: الأمر به لا يوجب وقوعه، وقيل: إنه لم يكن قادرا على حبسه بعد ما هاله منه، وقوله: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 29] في الشعراء كان قبل هذا وقال أبو منصور: الأمر بالتأخير دل على أنه تقدم منه أمر آخر وهو الهئم بقتله فقالوا أخره ليتبين حاله للناس. قوله: (وأصله أرجئه الخ) يعني بالهمز وفيه هنا وفي الشعراء ست قرا آت متواترة لا التفات لمن أنكر بعضها، كما ستراه ثلاث مع الهمزة أرجثه وبهمزة ساكنة وهاء متصلة بواو الأشباع، وأرجئه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 بضم دون واو، وأرجئه بهمزة ساكنة وهاء مكسورة من غير صلة، وثلاث بدونها أرجه بسكون الياء والهاء وصلا ووقفا، وأرجهي بهاء مكسورة بعدها ياء، وأرجه بهاء مكسورة بدون ياء فضم الهاء وكسرها، والهمز وعدمه لغتان مشهورتان وهل هما مادّتان، أو الياء بدل من الهمزة كتوضأت وتوضيت قولان، وقد طعن في قراءة ابن ذكوان رحمه الله فقال أبو عليّ الفارسي ضم الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره، وكسرها غلط لأنّ الهاء لا تكسر إلا بعد ياء ساكنة أو كسرة. وقال الحوفي: ليست بجيدة، وأجيب عنه بوجهين أحدهما أنّ الهمزة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين، فكان الهاء وليت الجيم المكسورة فلذا كسرت، والثاني أنّ الهمزة عرضة للتغيير كثيرا بالحذف وابدالها ياء إذا سكنت بعد كسرة، فكأنها وليت ياء ساكنة فلذا كسرت وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله. وأورد عليه أبو شامة رحمه الله أنّ الهمزة تعد حاجزاً، وأنّ الهمزة لو كانت ياء كان المختار الضم نظرا لأصلها وليس بشيء، لأنها كما قال المعرب: لغة ثابتة عن العرب. وقوله: جه وأي لفظ جه بكسر الهاء غير مشبعة مع واو العطف كابل بكسرتين فيجوز تسكينه للتخفيف، والمنفصل والمتصل المراد به ما كان من الكلمة وغيره لا في الخط، كما قيل وقوله: فلا يرتضيه النحاة الأولى تركه. وسحار صيغة مبالغة وهي تناسب عليم، فلذا اتفق عليها في الشعراء. قوله: (بعدما أرسل الشرط في طلبهم) الشرط بشين معجمة مضمومة وراء مهملة مفتوحة، وطاء مهملة أعوان الولاة لأنهم يجعل لهم علامة، وفي القاموس الشرط بضم وسكون ما اشترطت يقال: خذ شرطتك وواحده الشرط كصرد، وهم أوّل كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروفة، وهو شرطيّ كتركيّ وجهنيّ. وفيه أنه قال في الأساس الصواب في الشرطيّ سكون الراء نسبة للشرطة، والتحريك خطأ لأنه نسب إلى الشرط الذي هو جمع فتأمّل. قوله: (استأنف به الخ) أي استئنافاً بيانيا ولذا لم يعطف، وقيل: إنه حال من فاعل جاء وهذا أولى منه. وقراءة أنّ إمّا على الأخبار، وامّ على حذف همزة الاستفهام لتتوافق القراءتان، ولأنّ الظاهر عدم جزمهم به، ولذا رجحه الواحديّ رحمه الله بناء على اطراد حذفها. وقوله: وايجاب الأجر تفسير للأخبار أي ليس المراد بالأخبار ظاهرة إذ لا وجه له فيحمل على إيجابه عليه واشتراطه، كأنهم قالوا يشرط أن تجعل لنا أجراً، وما قيل: إنه لا طلاوة له لا طلاوة له، وقوله: (والتنكير للتعظيم) مثل له في الكشاف بأنّ له لا بلا فقال النحرير: مثل لتنكير التعظيم بتنكير التكثير للقرب بينهما. قوله: (وإنكم لمن المقرّبين عطف الخ) في الكشاف هو معطوف على محذوف سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال: إيجاباً لقولهم إنّ لنا لأجراً نعم إنّ لكم لأجراً هانكم لمن المقرّبين أراد أني لا أقتصر بكم على الثواب وحده، وأنّ لكم مع الثواب ما يقل معه الثواب وهو التقريب والتعظيم، لأنّ المثاب إنما يتهنأ بما يصل إليه ويغتبط به إذا نال معه الكرامة والرفعة، وروي أنه قال لهم: تكونون أوّل من يدخل وآخر من يخرج. ) قلت) هذا هو عطف التلقين، وقد عرف من هذا تحقيقه بأنه عطف على مقدّر هو عين الكلام السابق قبله، فمن قال إنه عطف عليه أراد هذا لأنه لما كان عينه جعل هو المعطوف عليه، ومن إعادته على وجه القبول أفاد تحقيق ما قبله، وتقريره للقطع به فماعادته بحرف الجواب أفصح وأوضح فاحفظه، فإنهم لم ينبهوا عليه هنا وبه يجمع بين الأقوال السابقة في سورة البقرة. وقوله: التحريضهم (يعني بالزيادة المذكورة. توله: (خيروا موسى عليه الصلاة والسلام مراعاة للأب) قال المشايخ: ولمراعاتهم للأدب رزقوا السعادة الأبدية وأن نلقي وأن نكون جوّز فيه النصب بتقدير اختر ونحوه، والرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف وهو ظاهر أي أمرك الإلقاء، واظهار الجلادة إذ لم يبالوا بتقدمه وتأخره، وقد قيل إنه مخالف لقولهم قبله إن كنا الخ فإمّا أن تكون حالهم تغيرت، أو وقت المبارزة محل إظهاو القوّة. قوله: (فنبهوا عليها بتنيير النظم الخ) تغيير النظم إذ لم يقولوا وأمّا أن نلقي والظاهر أنه وقع في المحكيّ كذلك بما يرادفه فلا يرد عليه شيء ووجه كونه أبلغ تكرير الإسناد، وتعريف الخبر بالجرّ عطف على ما هو أبلغ، وقيل إنه تفسير له وقيل إنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 معطوف على تغيير النظم والأوّل أولى وقوله: أو تأكيد ضميرهم المتصل يعني المستتر في يكون لأنه في حكمه بل أشد، وهو معطوف على توسيط الفصل والاعتراض بأنّ الجمع بين الفصل والتأكيد لا يمكن لأنّ لأحدهما محلاً من الإعراب دون الآخر وهم ظاهر، فإن قلت ما الفرق بين أن يكون الضمير مؤكدا وبين أن يكون فصلاً، قلت قال الطيبي رحمه الله: التكرير يرفع التجوّز عن المسند إليه فيلزم التخصيص من تعريف الخبر أي نحن نفعل الإلقاء البتة لا غيرنا والفصل لتخصيص الإلقاء بهم لأنه لتخصيص المسند بالمسند إليه فيعرى عن التوكيد، وقال الفاضل اليمني: قد ذكر علماء المعاني أنّ ضمير الفصل يفيد التخصيص وكذا تعريف الخبر فعلى هذا إذا أجتمعا هل يكونان جميعا مفيدين للتخصيص كما تفيد أن، واللام التأكيد إذا اجتمعتا أو يكون حاصلا بأحدهما فقط فإن جعلناه بتعريف الخبر يكون إنما جيء به للفرق بين الخبر والنعت اهـ، وله تفصيل ليس هذا محله. قوله: (كرماً وتسامحاً أو ازدراء الخ) التسامح تفاعل من السماحة، وهي قرينة من الكرم أو المراد به عدم المبالاة فيقرب من الازدراء وهو إفتعال من الزراية وهي التحقير، وهو جوأب عما يقال إنّ إلقاءهم الحبال والعصيّ معارضة للمعجزة بالسحر وهي كفر، والأمر بالكفر كفر فكيف أمرهم به، والجواب أنّ السحرة إنما جاؤوا لإلقاء الحبال والعصيّ، وقد علم موسى-لج! هـ أنهم لا بد، وأن يفعلوا ذلك وإنما وقع التخيير في التقديم والتأخير كما صرّج به في الآية الأخرى أوّل من ألقى فجوّز لهم التقديم لا لإباحة فعلهم بل لتحقيرهم، وقلة مبالاته بهم وللوثوق بالتأييد الإلهيّ وأنه لن يغلب سحر معجزة فقط، وهذا لا دلالة له على الرضا بتلك المعارضة، وأيضا أذن لهم ليبطل سخرهم فهو إبطال للكفر بالآخرة وتحقيق لمعجزته، وقوله ووثوقاً على شأنه ضمن الوثوق معنى الاعتماد فلذا عدّاه بعلى والا فهو يتعدى بالباء. قوله: (بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه) فسره بذلك لقوله: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ} وهو كقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [سورة طه، الآية: 66] وقد روي أنهم لو نوها وجعلوا فيها زئبقا فلما أثر تسخين الشمس فيها تحرّكت والتوى بعضها ببعض فتخيل الناس ذلك وليس في هذا إبطالاً للسحر مع أنه ثابت بالنصوص لكن المعتزلة تنكره كما تنكر الجن فالأولى تركه كما قيل بل لأن القرآن ناطق بخلافه إذ جعله كيداً وتخيلا، ولذا لم يلتفتوا لاعتراضه هنا. قوله: (وأرهبوهم إرهاباً شديداً الخ) يعني أنّ الاسترهاب بمعنى الإرهاب البليغ فالطلب مجاز في المبالغة والزيادة لأنّ المطلوب من شانه أن يهتم به ويبالغ فيه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنهم الخ فلا يرد عليه، ما قيل إنه بمعنى الأفعال ل! للطلب كما قال الزمخشريّ: لعدم ظهوره هنا إذ لا يلزم منه حصول المستدعي والمطلوب. قوله: (عظيم في فنه الخ) يعني أنّ عظمته بالنسبة لغيره من السحر، ولما هو في زعمهم، وأن ألق أن فيه تفسيرية لتقدّم ما فيه معنى لقول دون حروفه أو مصدرية فهي مفعول الإيحاء وقوله فألقاها الخ يشير إلى أن الفاء المذكورة والمحذوفة فصيحة وقد مرّ ما فيه. قوله: (ما يزؤرونه من الإفك الخ) الإفك بفتح الهمزة مصدر أفكه بمعنى قلبه، وهو أصل معناه وإطلاقه على الكذب لكونه مقلوباً عن وجهه لكنه اشتهر فيه حتى صار حقيقة، وقد فسره به ابن عبامى رضي الله عنهما هنا أيضا، وما موصولة وهو معلوم من تقديره العائد أو مصدرية، والإفك بمعنى المأفوك لأنه المتلقف وترأ حفص تلقف بالتخفيف وغيره تلقف بالتشديد وحذف إحدى التاءين وتلقف بمعنى تأخذ وتبتلع. قوله: (فثبت لظهور أمره) يعني استعير الوقوع للثبوت والحصول أو للثبات والدوام لأنه في مقابلة بطل فان الباطل زائل، وفائدة الاستعاوة الدلالة على التأثير لأنّ الواقع يستعمل في الأجسام وهو كقوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [سورة الأنبياء، الآية: 118 إذ استعير القذف لا يراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل ومن فسر الواقع بالتأثير أراد هذا، وقال الفراء: معناه تبين الحق من السحر. قوله: (أي صاروا أذلاء مبهوتين الخ) أي الانقلاب مجاز عن الصيرورة لظهور المناسبة بينهما أو بمعنى الرجوع فصاغرين حال، وقوله والضمير الخ أي الضمير واجع لفرعون وقومه والسحرة على الاحتمال الأوّل، وعلى الاحتمال الثاني لفرعون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 وقومه لا عليهما لأنّ السحرة لا ذلة لهم إلا أن يحمل على الخوف من فرعون، أو على ما قبل الإيمان وظاهر النظم يخالفه، فإن قلت قوله مبهوتين من أين أخذه قلت أخذه من قوله انقلبوا لما اختير على قلبوا فتأمّل. قوله: (جعلهم ملقين على وجوههم الخ) يعني كان الظاهر خرّوا ساجدين إذ لا إلقاء هنا لكنه تجوّز به عنه لأنّ ظهور الحق ألجأهم إلى ذلك واضطرّهم إليه حتى كان آخر دفعهم فألقاهم فهو استعارة وبهرهم بمعنى غلبهم أو أنّ الله ألقاهم بمالهامهم لذلك فالملقي هو الله لينعكس أمر فرعون، أو المراد أسرعوا كالذي يلقيه غيره، والاستعارة تبعية أو هو تمثيل، ويصح أن يكون مشاكلة لما معه من إلقاء كما ذكره في الشعراء. قوله: (أبدلوا الثاني من الأوّل الخ (أي أبدلوا لفظ رب الثاني المضاف لهما لدفع هذا التوهم، ولم يقتصروا على موسىءك! إذ ربما يبقى للتوهم رائحة لأنه كان ربي موسى عليه الصلاة والسلام في صغره ولذا قدم في محل آخر لأنه أدخل في دفع التوهم أو لأجل الفاصلة أو لأنه أكبر سناً منه، وقدم موسى لشرفه أو للفاصلة، وما وقع في شرح المفتاح للسعد من أنه قدم موسى عليه الصلاة والسلام لأنه كان أكبر سنا منه إمّا سهو أو رواية غير مشهورة، وأمّا كون الفواصل في كلام الله تعالى لا في كلامهم فلا يضرّ كما توهم وروي أنهم لما قالوا آمنا برلت العالمين قال أنا رلث العالمين فقالوا: رذا عليه رلت موسى وهرون. قوله: (بالله أو بموسى (أمّا الأوّل فلقوله رلت العالمين، وأمّا الثاني فلقوله في آية أخرى آمنتم له فإنّ الضمير لموسىءكي! لقوله إنه لكبيركم الخ. قوله: (1 لاستفهام فيه للإنكار الخ) قرأ القرّاء آمنتم بحرف الاستفهام إلا حفصا فإنه قرأها على الأخبار وفيها أيضاً معنى التوبيخ كما في الاستفهام لأنّ الخبر إذا لم يقصد به فائدته ولا لازمها تولد منه بحسب المقام ما يناسبه، وهنا لما خاطبهم بما فعلوه مخبراً لهم بذلك أفاد التوبيخ والتقريع، ويجوز أن يقدر في الهمزة بناء على جوازه والاستفهام للإنكار بمعنى أنه لا ينبغي ذلك وفي القراءة هنا وجوه مبسوطة في محلها. قوله: (إن هذا الصنيع لحيلة الخ (قاله تمويهاً على القبط يريهم أنهم ما غلبوا ولا انقطعت حجتهم، وكذا قوله قبل أن آذن لكم، وقوله في مصر أي التعريف عهدقي، والميعاد أي ميعاد اجتماعهم، وعاقبة ما فعلتم مفعول تعلمون المقدر وقوله تعالى قبل أن آذن لكم لا يقتضي وقوع الإذن فإذا قلت جاء زيد قبل عمرو ولا يدل على مجيء عمرو كما ذكره بعض المفسرين إلا أنه لا بد من جعله مقدرا، وتقديره بمنزلة وقوعه وقد وقع في مواضع من القرآن وهو شائع في الاستعمال، وقوله من كل شق طرفاً أي من كل جانب عوضا مغايرا للآخر كاليد من أحدهما والرجل من الآخر، ومن خلاف حال أي مختلفة، وقيل من تعليلية متعلقة بالفعل أي لأجل خلافكم وهو بعيد. قوله: (فشرعه الله للقطاع) جمع قاطع وهو من يقطع الطريق لعظم جرمهم وقوله: (ولذلك سماه) أي سمى قطع الطريق محاربة الله في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [سورة المائدة، الآية: 33] الآية والمعنى يحاربون أولياء الله أو عباده لأنّ أحداً لا يحارب الله إلا أنّ المسافر في أمان الله وحفظه فالمتعرّض له كأنه يحارب الله، وقوله على التعاقب هو مذهبه وإلا فقد يجمع بين بعضها وبعض كما يعلم من كتب الفقه فتدبر. قوله: (بالموت لا محالة الخ (قد جاءت هذه القصة مفصلة في الشعراء مجملة هنا فحملت هذه على تلك إذ قال فيها: {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 51] عللوا عدم المبالاة الذي يعطيه لا ضير بالانقلاب إلى الله والطمع في الثواب فلذا فسرت بوجوه، الأوّل إنا لا نبالي بالموت الذي نلاقي به رحمة الله ونخلص منك والضمير للسحرة فقط، والثاني إنا ننقلب إلى الله فيثيبنا على ما عذبتنا به وما فعلت بنا نافع لنا لتكفيره الخطايا ونيل الثواب العظيم والضمير لهم أيضا والثالث، إنا جميعا ننقلب إلى الله فيحكم بيننا وينتقم لنا منك ويثيبنا على ما قاسيناه والضمير لهم وفرعون، والرابع إنا ولا بذ ميتون فلا ضير فيما تتوعدنا به والأجل محتوم لا يتأخر عن وقته ومن لم يمت بالسيف مات بغيره والضمير فيه يحتمل السحرة والجميع والمصنف رحمه الله جعله ثلاثة لأن الأخير والأوّل في المعنى واحد، وقوله: (شغفا (بغين معجمة وفاء أي محبة، وضمنه معنى الحرص فعداه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 بعلى. قوله: (وما تئكر منا الخ (أي نقم بمعنى عاب وأنكر، وأن آمنا مفعول به وما أنكرته وعبته هو أعظم محاسننا فهو على حدّ قوله: ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم تعاب بنسيان الأحبة والوطن كما أشار إليه المصنف رحمه الله فإن كان نقم بمعنى عذب من النقمة فإن آمنا مفعول له وقوله فزعوا إلى الله أي التجؤوا وتضرعوا من فزع إليه إذا التجأ إليه ليزيل فزعه وخوفه وأصل معنى الفزع الخوف وتفصيله في كامل المبرد. قوله:) أفض علينا صبراً يغمرنا الخ (فأفرغ استعارة تبعية تصريحية وصبراً قرينتها أي هب لنا صبراً تاما كثيراً، وعلى الثاني صبراً أصلية مكنية وأفرغ تخييلية وقيل الأول أيضا كذلك إلا أنّ الجامع الغمر، وهاهنا التطهير. قوله: (ثابتين على الإسلام) فسره به لسبق إسلامهم وسجودهم. قوله: (بتغيير الناس عليك الخ) أي المراد بالإفساد ما يشمل الديني والدنيوي، ويفسدوا حذف مفعوله للتعميم، أو نزل منزلة اللازم أو يقدر يفسدوا الناس بدعوتهم إلى دينهم. قوله: (عطف على يفسدوا الخ) فيه قرا آت فقراءة العامّة بياء الغيبة ونصب الراء أمّا عطف على يفسدوا أو منصوب في جواب الاستفهام كما ينصب بعد الفاء، والمعنى كيف يكون الجمع بين تركك موسى عليه السلام وقومه مفسدين وبين تركهم إياك وعبادة آلهتك أي لا يمكن وقوع ذلك. قوله: (كقول الحطيئة (هو شاعر أموي معروف وهو من قصيدة أوّلها: ألا قالت إمامة قد تحزي فقلت أمام قدغلب العزاء ومنها: ألا أبلغ بني عوف بن كعب فهل قوم هلى خلق سواء ألم أك نائما فتوعدوني فجاءني المواعد والرجاء ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودّة والإخاء والشاهد فيه على هذه القراءة وكونها شائعة سائغة في كلام العرب. قوله: (وقرئ بالرفع الخ) قرأ بها الحسن وغيره، وهو إمّا عطف على مقدر أو استئناف أو حال بحذف المبتدأ أي وهو يذرك لأنّ الجملة المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح، وهي على الأوّل معترضة مقزرة لما سبق، وعلى الثاني مقرّرة لجهة الإنكار. قوله: (وقرئ بالسكون الخ) أي بالجزم وهو عطف على التوهم أي توهم جزم يفسدوا في جواب الاستفهام كقوله فأصدق وأكن لتوهم جزم أصدق في جواب التحضيض، وقال ابن جني رحمه الله: بل تركت الضمة للتخفيف كقراءة أبي عمرو يأمركم بإسكان الراء استثقالاً للضمة عند توالي الحركات، وقيل: إنّ المصنف رحمه الله عبر بالسكون دون الجزم إيماء إلى هذا. توله: (كأنه قيل تفسدوا الخ) أي عطف على المعنى، ويقال له في غير القرآن عطف التوهم لأن جواب الاستفهام يجزم بدون الفاء فقدر عدمها هنا كذلك وعطف عليه يذرك بالجزم كما عطف أكن المجزوم على أصدق المنصوب بتنزيله منزلة المجزوم، وقيل إنه معطوف على محل الفاء وما بعدها كما في {مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} ويذرهم بالجزم وقد ردّه في المغني. قوله: (معبودا! لك الخ) تفسير للقراءة المشهورة إذ الآلهة جمع إله بمعنى معبود، وقوله تيل الخ توجيه لجمع الآلهة وإضافتها إليه مع أن المشهور أنه كان يدعي الألوهية ويعبد ولا يعبد فأمّا لأنه كان يعبد الكواكب فهي آلهة وكان يعتقد أنها المرتبة للعالم السفلي مطلقا وهو رلث النوع الإنساني أو أنه اتخذ أصناما تعبد لتقربهم إليه كما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وهذا كما قالت الجاهلية: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [سورة الزمر، الآية: 3] . توله: (وقرئ إلا هتك (كعبادتك لفظا ومعنى فهو مصدر، وقيل إنها اسم للشمس وكان يعبدها ونقل ابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينكر قراءة العامة بالجمع ويقرؤ إلاهتك بالمصدر بمعنى عبادتك ويقول إنّ فرعون كان يعبد ولا يعبد، ألا ترى قوله ما علصت لكم من إله غيري، وقيل إنه كان دهريا منكراً للصانع. قوله: (كما كنا نفعل الخ الما كان ذلك وقع منهم قبل ذلك فسره بذلك ليكون المعنى إنا مستمرون على القهر والغلبة دفعا لوهم القبط لما قيل في شأن المولود وهو موسى غ! ي! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 كما هو مشهور من قصته، والاستحياء مرّ تفسيره في البقرة، وقوله غالبون الخ إشارة إلى أن الفوقية مجاز عن الغلبة كما مرّ تحقيقه في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 18] . قوله: الما سمعوا قول فرعون الخ (يعني أنه من الأسلوب الحكيم أي ليس كما قال فرعون إنا فوقهم قاهرون فإن القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله ولمن وعده الله توريثه الأرض وأنا ذلك الموعود الذي وعدكم الله النصرة به وقهر الاعداء وتوريث أرضهم. قوله: (والتثبت في الأمر) مجرور معطوف على الاستعانة أي هذه الجملة تسلية لهم بالكناية عن أن ملك القبط سينقل إليهم وتقرير للأمر بالاستعانة به تعالى، والتثبت من الصبر والأمر الأوّل المصطلح عليه، والثاني واحد الأمور وإذا كانت اللام في الأرض للعهد فالمراد مصر، وما يملكه القبط، وقوله بإعادته قيل جعل وعده بمنزلة فعله لكونه جبارا. قوله: (تصريحاً بما كنى عنه أوّلاً الخ (يشير إلى أن في إلنظم كنايتين وتصريحاً الأولى إنّ الأرض لله يورثها من يشاء لأنه كناية عن أن سيورثكم أرضهم ولذا قالوا إنه أطماع لهم وهو معنى الإرث، والثانية أنّ العاقبة للمتقين لأنه تقرير لما وعدهم وأنّ العاقبة المحمودة والنصرة لهم لأنهم المتقون والتصريح في قوله: {عَسَى رَبُّكُمْ} لأنّ عسى في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب أو عبر بها لعدم الجزم كما ذكره المصنف رحمه الله أو تأدّبا وإن كان بوحي واعلام من الله وقد تجعل الكنايتان واحدة، وقوله: {فَيَنظُرَ} أي يرى أو يعلم وفيه إشارة إلى ما وقع منهم بعد ذلك. قوله: (بالجدوب لقلة الأمطار الخ) السنة بمعنى العام وغلبت حتى صارت كالعلم الزمان القحط ولامها واو أو هاء يقال اسنى القوم إذ البثوا سنة وأسنتوا إذا أصابهم الجدب فقلبت لأمه تاء للفرق بينهما، قال المازنيّ رحمه الله: وهو شاذ لا يقاس عليه، وقال الفراء: توهموا أنّ الهاء أصلية إذ وجدوها ثابتة فقلبوها تاء. قوله: (غلبت) أي صارت كالعلم بالغلبة فإذا أطلقت تبادر منها ذلك حتى يجعلونها تاربخا فيقولون فمن سنة كذا للجدب العامّ المشهور بينهم، وقوله لكثرة العاهات أي عاهات الثمار. قوله: (لكي يتنبهوا على أنّ ذلك بشؤم كفرهم الخ) يعني التذكر إما بمعنى الاتعاظ لأنهم إذا تنبهوا لما نزل بهم بسبب عصيانهم اتعظوا بذلك أو بمعنى الذكر أي يذكرون الله فيتضرعون له، ويلجؤون إليه رغبة فيما عنده، وقوله يتنبهوا أو ترق بيان لسبب كل من المعنيين المأخوذ مما قبله، ومن المقام فلا يرد عليه ما قيل أن ترق قلوبهم عطف على كي يتنبهوا فكل منهما حال كونه معينا بشيء تعليل للتذكر المفسر بالتفكر، فإن قلت لم لا يحمل كلامه على كون الاتعاظ تفسيراً للتذكر وذكر التنبيه لتوقف الاتعاظ عليه، قلت لأنه حينئذ إما أن يعطف أو ترق على يتنبهوا أو على يتعظوا فعلى الأوّل يلزم أن يفسر التذكر بالفزع وعلى الثاني يلزم أن يفسر بالرقة وليس كذلك، وقس عليه حال كون التنبيه تفسيراً للتذكر والاتعاظ تقريباً وبالجملة كلامه لا يخلو عن تشويش فلو قال لكي يتنبهوا أنّ ذلك بسوء كفرهم الخ أو يتعظوا فترق قلوبهم فيفزعوا الخ حتى يكون إشارة إلى معنيي التذكر كان أولى اهـ. قوله: (من الخصبط والسعة (تيل إنه تمثير فلا ينافي أنها للجنس وفيه نظر. قوله: (لآجلنا ونحن مستحقوها) أي اللام لام الأجل ومعنى كونها لأجلهم أنهم أهل لها مستحقون بيمن الذات لأنواع الحسنات حتى أنها إذا لم تصبهم كان ذلك بشؤم غيرهم وبه يأخدّ الكلام بعضه بحجز بعض ويلتئم أشد التثام، وقيل نحن مستحقوها بيان لوجه كون الحسنة لأجلهم ولو قال أو نحن الخ إشارة إلى معنى آخر للام كان أولى، وفي الكشاف أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها والتخصيص فيه من التقديم ويحتمل أيضا أنه بيان لمعنى اللام، ونحن مستحقوها بيان لوجه الاختصاص، وقيل دلت اللام على الاستحقاق والاختصاص مستفاد من تقديم الخبر. قوله: (يتشاءموا يهم الخ) سموا التشاؤم تطيرا وأصله ما ذكره الأزهري رحمه الله أنّ العرب كانوا إذا خرجوا لقصد وطار طائر ذات اليسار تشاءموا به وكذا بنعيق الغربان ونحوه فسمي الشؤم طيرا وطائرا والتشاؤم تطيرا والطائر يطلق على الحظ، والنصيب سواء أكان خيراً أو شرا وقد يخص بالتشاؤم والإغراق المبالغة وتذلل العرائك أي تسهل وتلين الطبائع وترققها يقال فلان لين العريكة أي سلس الخلق منكسر النخوة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 وقوله وتزيل التماسك تفاعل من الإمساك والمراد أنها تدفع التصلب والصبر، وقوله سيما بدون لا قيل إنه غير عربيّ ولا مقدرة معه وقد تقدم ما فيه مراراً وعتوّاً بمعنى استكبارا. قوله:) وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقبق الخ (قال في الكشاف: فإن قلت كيف قيل فإذا جاءتهم الحسنة بإذا وتعريف الحسنة وان تصبهم سيئة بأن وتنكير السيئة قلت لأنّ جنس الحسنة، وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه وأمّا السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها، واختلف شراحه في مراده بالجنس فقيل إنه أراد العهد الذهني، وهو الحسنة التي في ضمن فرد من أفراد الخصب والرفاهية وغيرها وهو المراد بقوله وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه ولما ورد أنه كالنكرة فلا فرق بينه وبين سيئة حينئذ قال: والتعيين بحسب الذهن والشيوع بحسب الوجود فيفيد تعريفه الاعتناء بشأن الحقيقة إمّا لعظمها أو لأنّ الحاجة ماسة إليها أو لأنّ أسباب نشأتها متاخرة فهي لذلك بمنزلة الحاضر بخلاف النكرة فإنها غير ملتفت إليها، وقيل المراد العهد الخارجي التقديري ولذا فسر الحسنة بالخصب والرخاء بدليل ذكره في مقابلة: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ} [سورة الأعرأف، الآية: 130] وقوله لأنّ جنس الحسنة الخ أي جنس الخصب والرخاء وفيه مبالغة لأنه لكثرة الوتوع، كالجنس كله واجب الوقوع، ولذا لا يزال يتكاثر حتى يستغرق الجنس، ومقابلته بقوله: وأما السيئة الخ دليل على إرادة ذلك فلا تخالف بين كلاميه، ولم يرد بالجنس العهد الذهني، وهذا مراد صاحب المفتاح به ويندفع ما توهمه صاحب الإيضاج فافهمه فإنه من المضايق، وفي هذا المقام كلام لأهل المعاني من أراده فعليه بشروح المفتاح. قوله: (لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بإحداثها باللذات) بدلالة تعريف الجنس الدال على الكثرة، وتعلق الإرادة بها بالذات لأنّ العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة، وعموم النعمة قبل حصول الأعمال والنقمة إنما استحقوها بأعمالهم بعد ذلك، ألا ترى رزق الطيور ونحوها بدون عمل، فقوله بالذات في مقابلة بالتبع لما عملوه كما يفصح عنه ما عقبه به في تفسير الطائر. قوله: (أي سبب خيرهم وشرّهم الخ) كذا في الكشاف وقد قيل عليه إنه فسره تارة بسبب الخير والشر، وأخرى بسبب الشؤم، والتطير التثاؤم عند جميع المفسرين والطير الشئم لا سببه فلا وجه لتفسيره به، وقد مر عن الأزهري رحمه الله وأهل اللغة ما يخالفه، وليس بوارد لأنّ الداعي لتفسيرهم هدّا قوله عند الله لأن الذي عنده تعالى تقدير ذلك وليس ما ذكره الأزهري بمتفق عليه فقد قيل: إنّ أصل التطير تفريق المال وتطييره بين القوم فيطير لكل أحد نصيبه من خير أو شر ثم غلب في الشرّ قال: يطير غداً يد الإشراك شفعا ووتص اً والزعامة للغلام فمعنى طائرهم حظهم وما طار إليهم من القضاء والقدر بسبب شؤمهم عند الله وما نزل بهم، فقوله أو سبب شؤمهم نظرا إلى الغلبة، وما يسوءهم ما أصابهم من بلاء الدنيا. قوله: (وهو اسم الجمع وقيل هو جمع) القول الأوّل هو الصحيح لأنه على أوزان المفردات والثاني قول الأخفش وقد ردّه الزمخشري 0 قوله: (أصلها ما الشرطية الخ (اختلف في مهما هل هي بسيطة، أو مركبة من ما وأبدلت الألف هاء أو من مه اسم فعل للكف باقية على معناها أو مجردة عنه أقوال للنحاة أسلمها البساطة، وهي اسم شرط لا حرف على الصحيح، وتكون مبتدأ وخبرها الشرط أو الجزاء أو هما على الخلاف وتكون مفعولاً به لا ظرفا خلافاً لبعضهم، وقد شذد الإنكار عليه في الكشاف وخالفه ابن مالك فيه، وقال: إنه مسموع عن العرب، ولها استعمال آخر فتكون اسم استفهام كقوله: مهما لي الليل مهما ليه وقوله: (يصوّت به) أي اسم فعل، وهو يطلق عليه اسم صوت والكاف بتشديد الفاء أي طالب الكف، وقوله: (وما الجزائية) أي الشرطية لأنهم يسمون الشرط جزاء. قوله: (ومحلها الرفع على الابتداء أو النصب الخ) وتقدّم الكلام على أنها قد تكون ظرفية في كلام العرب كقوله: وانك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا ويوافقه استعمال المنطقيين لها بمعنى كلما وجعلها سور الكلية فإنها تفيد التعميم كما صرحوا به وليس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 من مخترعاتهم كما توهم، وقوله أيما شيء تحضرنا يشير إلى أنه من الإضمار على شريطة التفسير والمضمر موافق له معنى كما في زيد أمررت به وقدره مؤخراً لأنّ اسم الشرط له صدر الكلام وتأتنا عطف بيان وتفسير له حينئذ ولذا جزم، وقوله والضمير في به وبها الخ يعني راجع لمهما باعتبار لفظه، ولها باعتبار معناه لا لآية لأنها مسوقة للبيان، فالأولى رجوع الضمير على المفسر المقصود بالذات وفي المغني الأولى عوده إلى آية والأولى ما مرّ نعم تبيينه به يحسن رعاية معناه كما قاله الطيبي رحمه الله تعالى ولا مانع منه كما قيل، وهي لا تفيد التكم ار دائما كما قاله الإمام في كلما تزوّجتك فأنت طالق وقد تفيده كما في هذه قاله بعضهم، وقوله والضمير في به وبها لمهما قيل في نسخة لما وهو تصحيف وليس كذلك فتأمّل، وقوله وإنما سموها آية الخ جواب سؤال وهو إنهم ينكرون كونها آية وتسميتها سحرا ينافي كونها آية أيضاً. قوله: (ما طاف بهم وغشي أماكنهم الخ) يعني هو فعلان اسم جنس من الطواف، وقيل إنه في الأصل مصدر كنقصان وهو اسم لكل شيء حادث يحيط بالجهات ويعم كالماء الكثير، والقتل الذريع والموت الجارف قاله أبو إسحق: وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تفسيره بالموت لكنه اشتهر في طوفان الماء وهو معروف، وقيل: هو اسم جنس واحده طوفانة والموتان بضم الميم، وقد تفتح موت في الماشية وأمّا الموتان بفتحان فخلاف الحيوان، ولذا حرك حملاَ عليه والطاعون معروف ويقابل ما قبله لخصوصه بالإنسان، وتفسيره بالجدري لأنه كان عاما فيهم. قوله: (والجراد والقمل) الجراد معروف واحده جرادة سمي به لجرده ما على الأرض والقمل بضم القاف وتشديد الميم واختلف فيه أهل اللغة على أقوال، منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى والقردان بكسر القاف وسكون الراء المهملة جمع القراد المعروف وتفسيره بصغار الجراد وهي تسمى دبي، ولا تسمى جراد إلا بعد نبات أجنحتها فلا يتكرر مع الجراد كما قيل، وقيل: هي صغار الذر، وقيل هو بمعنى القمل بفتح فسكون كما قرئ به أيضا. قوله:) روي أنهم مطروا ثمانية أيام الخ) قاموا فيه أي في الماء لأنّ من جلس غرق والتراقي جمع ترقوة أعلى الصدر أي واصلا إلى تراقيهم، وقوله مشتبكة بمعنى مختطة، وركد بمعنى دام والكلأ مهموز النبات، وقوله فأشار بعصاه وقيل جاءت ريح فألقتها في البحر، وقوله القمل الخ هو بتفسيره الآخر، وبه علم الجواب عن التكرار السابق، وقوله: (يثب) بالمثلثة والموحدة من الوثوب وهو معروف والرعاف بالضم سيلان الدم من الأنف وهو مرض! قد يهلك. قوله: (نصب على الحال الخ) أي من تلك الأشياء المتقدمة ومعنى مفصلات مميز بعضها عن بعض مفصلة بالزمان ليعلم هل يستمرّوا على عهدهم أم لا أو مبين أنها آيات إلاهية لا سحر كما يزعمون، وقوله: على مهل بفتحتين أي بغير عجلة، وعصى موسى عليه الصلاة والسلام هي عصى آدم عليه الصلاة والسلام أتاه بها ملك كما في الدر المنثور. قوله: (يعني العذاب المفصل (ولما لا تنافي التفصيل والتكرير فلا يرد أنه كان المناسب على هذا كلما، وقوله أو الطاعون أرسله الله عليهم بعد ذلك يعني لا السابق المفسر بالطوفان، والرجز بالكسر والضم لغة فيه بمعنى العذاب وقد ورد إطلاقه على الطاعون في الحديث الصحيح، وهو الطاعون بقية وجزءاً وعذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل كما في الترمذي وغيره، وتد فسره به هنا سعيد بن جبيررضي الله عنه فلا وجه لما قيل إنه لم يجر له ذكر فالحمل على العذاب المفصل أولى لأنّ التفسير بالمأثور أولى. قوله: (بعهده عندك) وهو النبوّة فما مصدرية وسميت النبوّة عهداً لأنّ الله عهد إكرام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بها، وعهدوا إليه تحمل أعبائها أو لأن لها حقوقا تحفظ كما تحفظ العهود أو لأنها بمنزلة عهد ومنشور من الله. قوله: (أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به الخ) فهي موصولة وان تدعوه بدل من ضمير عهده أو بتقدير اللام، وقوله وهو صلة أي الجار والمجرور، والباء إمّا للإلصاق أو للسببية أو للقسم الاستعطافي أو الحقيقي. قوله: (أو متعلق بفعل محذوف الخ) فيه تأمل لأنّ الباء في القسم للسؤال مثل بحياتك أجرني، وعلى هذا فلا تتعلق لفظاً بقوله أسعفنا بل هو جواب القسم السؤالي فتتعلق به معنى، ولا شك أنّ قوله يصلح جواباً لذلك القسم فأي حاجة إلى اعتبار الحذف، ولو تعلق لفظاً فليتعلق باح أيضا كذا قيل فلو ترك لفظ حق الظاهر في القسم سلم مما ذكر فتدبر، وقوله أو قسم أي حقيقي لا استعطافي وقوله: (أي أقسمنا) الخ تفسير للوجه الأخير واللام موطئة للقسم المذكور أو المقدر. قوله: (إلى حد من الزمان هم بالغوه الخ الما كان كشفنا بمعنى أنجيناهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 منه صح تعلق الغاية به للاستمرار فيه بغير تكلف، والمراد بالأجل الحد الذي ضرب له فيحصل العذاب أو الهلاك بالغرق أو المراد بالأجل معناه المشهور أو أجل عينوه لإيمانهم أي عينا لعذابهم زماناً لا بد أن يبلغوه وهم وتت الغرق أو الموت وإن أمهلناهم وكشفنا عنهم العذاب إلى عين ذلك الأجل بسبب الدعاء وقوله فلما كشفنا فاجؤوا النكث كذا في الكشاف فقال العلامة: فجواب لما في الحقيقة هذا الفعل المقدر وكلا الاسمين أعني لما وإذا معمول له لما ظرفه وإذا مفعول به وقال النحرير: إنه محافظة على ما ذهبوا إليه من أن ما يلي كلمة لما من الفعلين يجب أن يكون ماضياً لفظا أو معنى إلا أن مقتضى ما ذكروا من أن إذ وإذا المفاجأة في موقع المفعول به للفعل المتضمنين هما إياه أن يكون التقدير فاجؤوا زمان النكث أو مكانه وهذا كله يقتضي أنّ لما لا تجاب بإذا المفاجأة الداخلة على الاسمية وقد صرحوا بخلافه فالظاهر أنّ مرادهم بيان إنها فجائية وقعت جواب لما من غير حاجة إلى ما ذكروه من التكلف فتدبر، والنكث النقض وأصله نكث الوصف المغزول ليغزله ثانياً فاستعير لنقض العهد بعد إبرامه وهي استعارة فصيحة كما شبه بعكسه، وقوله من غير توقف تأمل وبيان للمراد بالمفاجأة هنا. قوله: (فأردنا الانتقام الما كان الانتقام عين الإغراق أو له به ليتفرع عليه أو الفاء مفسرة له عند من أثبتها. قوله: (في اليم أي في البحر) اختلف فيه فقيل هو عربيّ، وقيل معرب وهل هو مطلق البحر أو لجته أوالذي لا يدرك قعره، وأمّا القول بأنه اسم البحر الذي غرق فيه فرعون فضعيف. قوله: (أي كان إكراقهم بسبب تكذيبهم الخ) يعني أنّ سبب الإغراق، وما استوجبوا به ذلك العقاب هو التكذيب بها وهو الذي اقتضى تعلق إرادة الله تعالى به تعلقاً تنجيزياً وهو لا ينافي تفريع الإرادة على النكث لأنّ التكذيب هو العلة الأخيرة والسبب القريب، ولا مانع من تعدد الأسباب وترتب بعضها على بعض. قوله:) حتى صاروا كالغافلين عنها) يعني أنّ الغفلة مجاز عن عدم الفكر والمبالاة إذ المكذب بأمر لا يكون غافلا عنه لتنافيهما وفيه إشارة إلى أن من شاهد مثلها لا ينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها. قوله: (وقيل الضمير للتقمة الخ (هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأراد بالنقمة الغرق كما يدل عليه ما قبله فيجوز كون الجملة حالية بتقدير قد وما قيل: كأنّ القائل به تخيل أن الغفلة عن الآيات عذر لهم لأنها ليست كسبية وللجمهور أن يقولوا بل تعاطوا أسبابها ذموا بها كما يذم الناسي على نسيانه لتعاطي أسبابه إنما يتأتى لو حملها على حقيقتها أما لو جعلت مجازا عما مر فلا فتدبر. قوله:) باستعبادهم (أي استضعافهم وتذليلهم بجعلهم عبيداً وقتل أبنائهم ومن مستضعفيهم بكسر العين بيان لمن صدر منه ذلك. قوله: (يعني أرض الشأم الخ (وروي أنها أرض! مصر وهو المناسب لذكر الفراعنة لأنهم ملوك مصر كما مر، وقيل: إنّ المصنف رحمه الله تعالى تركه لأنه لم يجزم بأنهم وأولادهم تملكوها أو لأنّ السوق يقتضي ذكر ما تمكنوا فيه! ل ما ملكوه، وفسر لبركة بالخصب والسعة وقد فسرت بكونها مساكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء، والصالحين العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوج كالعماليق. قوله: (ومضت عليهم واتصلت بالانجاز الخ (ومعنى المراد بالكلمة وعده تعالى لهم بقوله ونريد ان نمن الخ، وتمامه مجاز عن سبق ذلك وانجازه، وقيل المراد بالكلمة علمه الأزليّ والمعنى مضى واستمرّ عليهم ما كان مقدّراً من إهلاك عدوّهم وتوريثهم الأرض أو التفت من التكلم إلى الخطاب في قوله ربك لأنّ ما قبله من القصص كان غنر معلوم له، وأما كونه منجز لما وعد ومجريا لما قضى وقدر فهو معلوم له، وقيل: إنه رمز إلى أنه سيتم نعمته عليه بما وعده أيضاً وقراءة كلمات بالجمع لأنها مواعيد، ووصفها بالحسنى لتأويلها بالجماعة، وكذا يجوز وصف كل جمع بمفرد مؤنث إلا أنّ الشائع في مثله التأنيث بالتاء، وقد يؤنث بالألف كما في قوله مآرب أخرى. قوله: (وخرّبنا ما كان يصنع فرعون الخ) أي التدمير التخريب والإهلاك وهو متعد، وقوله دمر الله عليهم حذف مفعوله أي منازلهم وجوّز في اسم كان أن يكون ضميراً مستترا وفرعون فاعل يصنع وهو الظاهر وأن يكون فرعون اسمها ويصنع خبرها والتقدير بصنعه، وأورد عليه أنه لا يجوز في نحو يقوم زيد أن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 مبتدأ لالتباسه بالفاعل، وفيه نظر. قوله: (من الجنات أو ما كانوا يرفعون الخ) يعني العرض! إمّا عروس الكروم أو بمعنى الرفع والضم والكسر في رائه لغتان، وقرىء في الشواذ يغرسون بالغين المعجمة، وفي الكشاف إنها تصحيف ولذا تركها المصنف رحمه الله تعالى وهي شاذة. قوله: (وجاوزنا الخ) معنى جاوزنا قطعنا يقال جاوز الوادي وجازه إذا قطعه، والبحر بحر القلزم وأخطأن قال إنه نيل مصر كما في البحر وقوله تسلية الخ أي عما رآه لمجز من اليهود بالمدينة فإنهم جروا على دأب أسلافهم مع موسى صلى الله عليه وسلم، وقوله وايقاظا الخ أي بنو إسرائيل وقعوا فيما وقعوا فيه للغفلة عما من الله به عليهم فنزل بهم ما نزل فليحذر المؤمن من الغفلة وليحاسب نفسه في كل لحظة. قوله: (بعد مهلك فرعون) أي هلاكه أو زمان هلاكه، ويجوز تراءته على صيغة ال! فعول قيل: يحتمل أن تكون البعدية رتبيه فإنّ عبور الجم الغفير البحر العميق من غير أن يبتل فدم أحد أعظم آية من هلاك فرعون وقومه، وهو دفع لما ورد عليه وعلى الكشاف من أنه وقع في سورة الشعراء {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 66] وهو صريح في أنّ عبور موسى صلى الله عليه وسلم وقومه قبل هلاك فرعون، وكلام المصنف رحمه الله في سورة البقرة يدل عليه، ولذا قيل: إنّ عبور موسى عليه الصلاة والسلام، وقومه البحر وقع مرتين مرّة قبله ومرّة بعده ونتأمّل. قوله:) وقيل من لخم) هو باللام والخاء المعجمة حيّ من اليمن كانت ملوك العرب منهم في الجاهلية وعن الزمخشريّ إنه قبيلة بحضر موت والذي صححه ابن عبد البرّ في كتاب النسب إنّ لخما وجذاما أخوان ابنا عدي بن عمرو بن سبا اقتتلا فجذم لخم أخاه فسمى جذاما ولطمه الآخر فسمي لخما لأنّ اللخمة اللطمة وقوله: وما كافة الخ ولذا وقع بعدها الجملة الاسمية، ويجوز فيها أن تكون موصولة ولهم صلة وآلهة بدل من الضمير المستتر فيه أو مصدرية ولهم متعلقه فعل أي كما ثبت لهم والمصنف رحمه الله اقتصر على الأظهر. قول! : (وصفهم بالجهل المطلق) إذ لم يذكر له متعلقاً ومفعولا لتنزيله منزلة اللازم أو لأنّ حذفه يدل على عمومه أي تجهلون كل شيء ويدخل فيه الجهل بالربوبية بالطريق الأولى فلا يقال إنّ المناسب بالمقام أن يقدر شأن الألوهية والتفاوت بينها وبين ما عبدوه. قوله: (واكده) أي بأنّ وتوسيط قوم وجعل ما هو المقصود بالإخبار وصفاً له ليكون كالمتحقق المعلوم كما قاله النحرير: وهذه نكتة سرية في الخبر الموطىء لادّعاء أنّ الخبر لظهور أمر. وقيام الدليل عليه كأنه معلوم متحقق فيفيد تأكيده وتقريره ولولاه لم يكن لتوسيط الموصوف وجه من البلاغة، وقوله متبر مكسر من الكسر، وهو محرّف في النسخ ومتبر بالتفعيل والإفعال من التبار وهو كالدمار الهلاك، وقوله: (ويجعلها رضاضا) أي فتاتاً مكسراً وكل شيء كسرته فقد رضضته، ويحطم من الحطم وهو الكسر أيضاً، وفسر الباطل بالمضمحل الذي لا يزال لأنه المناسب لا خلاف الحق لأنه معلوم ثابت قبل ذلك. قوله: (وإنما بالغ في هذا الكلام الخ) بين بعض الفضلاء المبالغة بإفادته قصر ما هم فيه على التبار وما عملوا على البطلان في كلام واحد بطريقين بتقديم الخبر على المبتد! فإنه يفيد القصر المذكور مع قطع النظر عن جعل هؤلاء اسم إنّ من حيث إنّ الإشارة بها إلى قوم موصوفين بالعكوف على أصنام لهم فيدل عليه الوصف للمسند، ويفيد القصر ولو أخر خبر المبتدأ اهـ وقال الطيبي رحمه الله تعالى: إنّ في تخصيص اسم الإشارة بالذكر الدلال على أن أولئك القوم محفوفون بالدمار لأجل إنصافهم بالعكوف على عبادة الأصنام ثم في توكيد مضمون الجملة بأنّ مزيد دلال على ذلك وأشار بقوله وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرّضون للتبار وليس تركيب المصنف للقصر إذ لا موجب لأن يقال إنهم متبرون دون غيرهم بل هو مبتدأ فيفيد تقوى الحكم وفائدة تقديم الخبر بأنهم لا يتجاوزون عن الدمار إلى ما يضادّه من الفوز والنجاة على القصر القلبي، وأما قوله إنه لا يعدوهم البتة وأنه لهم ضرب لازب فمن الكناية لأنه إذا لم يتجاوز عن الدمار إلى النجاة فيلزمهم الدمار ضربة لازب، وموجب هذه المبالغات إيقاع الجملة تعليلاً لإثبات الجهل المؤكد للقوم لاقتراحهم أن يجعل لهم إلها وأبلغ من ذلك أنّ المذكور ليس جوابا بل مقدمة، ونمهيد وإنما الجواب قوله أغير الله الخ. قوله: (وتقديم الخبرين) أي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 متبر وباطل قال النحرير: هو مبنيّ على أنّ ما هم فيه مبتدأ أو متبر خبر له، وان كان يحتمل إحتمالاً مساويا أو راجحا أن يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند إليه وذلك لاقتضاء المقام الحصر المستفاد من التقديم أي متبر لا ثابت وباطل لاحق ولم يتعرّض في تقريره لهذا الحصر لظهوره اهـ لكن المصنف رحمه الله تعرض له بقوله لاحق لما هم فيه لا محالة ولا زب لما مضى عنهم. قوله: (للتنبيه على أنّ الدمار لاحق لما هم فيه الخ) قال: وذلك لأن جعل المسند إليه اسم إشارة مع إفادته كمال التمييز ينبه عند تعقيب المشار إليه بأوصاف على أنه جدير بما يرد بعد اسم الإشارة لأجل تلك الأوصاف فيكون خبره لازبا لا يعدوه البتة، ويختص به كاختصاص العلة حيث لم يتعرض لاثباته لغيره اهـ وفيه بحث، ولهذا سكت المصنف رحمه الله عن قصر الاختصاص ولازب بمعنى لازم. قوله: (تعالى قال أغير الله الخ) أعاب لفظ قال: مع اتحادّ ما بين القائلين لأنّ هذا دليل خطابي بتفضيلهم على العالمين ولم يستدل بالتمانع العقلي لأنهم عوام. قوله: (أطلب لكم معبود الخ) فسره بأطلب كغيره من أهل اللغة فيتعدى لمفعول ويكون أبغيكم على الحذف والإيصال وغير لله إما صفة إلها قدم عليه فانتصب على الحال أو مفعول أبغى والها حال أو تمييز، وفي الجوهري بغيتك الشيء طلبته لك وظاهره أنه متعد لمفعولين، وقد مرّ أنّ مثله لاختصاص الإنكار بغيره تعالى دون إنكار الاختصاص، وذلك من تقديم المفعول أو الحال وقد يكون لإنكار الاختصاص إن اقتضاه المقام، وفي الكشاف أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبودا واعتبار العبادة نظرا إلى أنه من لوازم الذات أو إلى حال الاسم قبل العلمية واعتبره لأنه أدخل في الإنكار وتركه المصنف رحمه الله. قوله: (والحال أنه خصكم الخ) هذا الاختصاص ماخوذ من معنى الكلام إذ ليس فيه ما يفيد القصر لكن كونهم أفضل من جميع العالمين، أو من عالمي رمانهم يقتضي قصر التفضيل عليهم قصرا حقيقيا أو إضافياً، وأما تقديم الضمير على الخبر هنا فلا يقتضيه ولو اقتضاه كما ذهب إليه الزمخشري يكون المعنى وهو المخصوص بأنه فضلكم على من سواكم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام خارجون عن المفضل عليهم بقرينة عقلية، وأدخل الباء على المقصور وهو جائز بطريق الحقيقة أو المجاز وان كان الأصل دخولها على المقصور عليه كما مرّ، وإذا كان المزاد تفضيلهم على جميع العالمين فالمراد تفضيلهم بتلك الآيات لا مطلقا حتى يلزم تفضيلهم على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الجملة حالية مقرّرة لوجه الإنكار وقيل إنها مستأنفة، وقوله سوء مقابلتهم بالقاف والباء بدليل ما بعده أي إيقاعهم له في مقام الإيمان والشكر، وليس تصحيفاً من المعاملة بالعين المهملة والميم كما توهم، وأخس شيء هو الأصنام. قوله: (واذكروا صنيعه في هذا الوقت) الصنيع الإحسان وظاهره أنّ إذ ظرفية ومفعوله محذوف لأنّ إذ لا تخرج عن الظرفية عنده كما صرّج به في سورة البقرة، ومن جوّزه جعله مفعولاً به وجعل ذكر الوقت كناية عن ذكر ما فيه، وعلى هذه القراءة فالظاهر أنه من كلام الله تتميما لكلام موسى صلى الله عليه وسلم كالذي بعده والمصنف رحمه الله لما رجح كونه من مقول موسى صلى الله عليه وسلم ليوافق القراءة الأخرى بدليل قوله بعده {وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} ولئلا ينفكك النظم فسره بقوله صنيعه الخ فكأنه جعله التفاتا من الغيبة إلى التكلم لأنه ينطق بما أوحاه الله إليه وهو بعيد، ولذا قيل عليه حق التعبير أن يقال واذكروا صنيعنا معكم وهذا إنما يلائم قراءة ابن عامر فإنه عليها من مقول موسى صلى الله عليه وسلم، وأمّا احتمال أن يكون ضمير أنجينا لموسى وأخيه أولهما ولمن معهما فخلاف الظاهر. قوله: (استئناف لبيان الخ) أي بيانيّ في جواب سؤال وهو ما فعل بهم أو مم أنجاهم، وقوله:) أو حال الخ الاشتماله على ضميريهما وقوله بدل منه ويحتمل الاستئناف أيضاً. قوله: (ئعمة أو محنة (لأنّ البلاء بمعنى الابتلاء والاختبار، وهو يكون بكل منهما، وفيه لف ونشر مرتب قيل: ويحتمل أن يراد ما يشملهما. قوله: (وواعدنا موسى ثلانين ليلة) ذكر في الكشاف وشرحه هنا سؤالان لأن أحدهما على تفصيل الأربعين هنا إلى ثلاثين وعشر والاقتصار على الأربعين في البقرة، والآخر ذكر أربعين مع أنه من المعلوم أن ثلاثين وعشرا أربعون وأجابوا بأنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 الثلاثين للعبادة والعشر لإزالة الخلوف، أو أنّ الثلاثين للتقرب والعشر لإنزال التوراة، ولما كان الوعد في ثلاثين والإتمام بعشر مطلقاً يحتمل أن يكون تعيينهما بتعيين الله أو بإرادة موسى أفاد قوله فتمّ ميقات ريه الخ أن المراد الأوّل أو إنّ إتمام الثلاثين بعشر يحتمل المعنى المتبادر، ويحتمل أنها كانت عشرين تحت بعشر ثلاثين فذكر لدفع هذا التوهم، وأما المفاعلة في المواعدة وتفسيرها بأنه وعده الله الوحي ووعده موسى ع! ي! المجيء فتقدّم تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (بالغاً أربعين الخ) اليمقات الوقت بمعنى وقد فرق بينهما بأنّ الوقت مطلق، والميقات وقت قدر فيه عمل من الأعمال، وفي نصب أربعين وجوه منها ما في الكشاف من أنه حال وتقديره بالغاً أربعين الني كما ذكره المصنف رحمه الله، وردّ بأنه لا يكون حالاً بل معمول للحال المحذوف وأجيب بأن النحويين يطلقون الحكم الذي للعامل لمعموله القائيم مقامه فيقولون في زيد في الدار إنّ الجارّ والمجرور خبر والخبر إنما هو متعلقه، وقيل عليه إن الذي ذكره النحاة في الظرف دون غيره، فالأحسن أنه حال بتقدير معدود أو فيه نظر، وقيل إنه مفعول به بتضمين تئم معنى بلغ وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقيل إنه منصوب على الظرفية وأورد عليه أنه كيف يكون ظرفاً للتمام والتمام إنما هو بآخرها إلا أن يتجوّز فيه، وقيل هو تمييز، وقيل تنم من الأفعال الناقصة في مثل تمّ الشهور ثلاثين فهذا خبرها، وقوله: (سأل ربه) أي سأل ربه الكتاب وسأل قد يتعدى لمفعولين، وخلوف فيه بضم الخاء تغير رائحة الفم لأنّ الرائحة الثانية تخلف الأولى، وفي الحديث الصحيح لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ولذا كره بعضهم السواك بعد الزوال للصائم، وقوله فأمره الله أي تكفيراً لفعله ومنه يعلم ما مرّ من وجه التفصيل، وقوله ثم أنزل عليه التوراة إشارة إلى الوجه الآخر. توله: (تعالى وقال موسى لأخيه هارون) يفتح النون بالجر بدلاً أو بيانا لأخيه أو النصب بتقدير أعني وقرىء شاذاً بالضم على النداء أو هو خبر مبتدأ مقدّر، وقوله كن خليفتي يقال خلف فلان فلانا صار خليفته، واستخلاف النبيّ آخر وان كان نبيا لا بأس به ولذا وقع في الحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى. قوله: (وأصلح ما يجب أن يصلح الخ) يعني إما مفعوله مقدّر بما ذكره وفيه إشارة إلى أنّ المراد إصلاح أمور دينهم لا دنياهم، أو هو منزل منزلة اللازم من غير تقدير مفعول وهو يفيد التعميم أو معناه ليكن منك إصلاج وليس المراد به أيّ إصلاح كان بل إصلاج تاتم عامّ لأنه نكرة في سياق النفي، وقيل إنه لا يناسب المقام، وقوله: (ولا تتبع من سلك الإفساد (كأنه إشارة إلى أنه جعل الإفساد كالطريق المسلوك لهم كما يقال هذه طريقة فلان، ولا تطع من دعاك إليه كالتفسير له أو لبيان أنه نهاه عن اتباعهم بدعوة وبدونها. قوله: (واللام للاختصاص (كما في قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء، الآية: 78] وليست بمعنى عند كما ذهب إليه بعض النحاة، وقوله لوقتنا الذي وقتناه أي لتمام الأربعين. قوله: (من غير وسط كما يكلم الملاتكة (لما لم يمكن المعتزلة إنكار كونه متكلما ذهبوا إلى أنه متكلم بمعنى موجد للأصواب والحروف في محالها أو بإيجاد أشكال الكتابة في اللوح المحفوظ وان لم تقرأ على اختلاف بينهم، وقد ردّ بأنّ المتحرّك من قامت به الحركة لا من أوجدها وألا لصح اتصاف الباري بالاعراض المخلوقة له تعالى عن ذلك علوا كبيرا على ما حقق وفصل في علم الكلام، ونحن معاشر أهل السنة نثبت الكلام لله والقائم بذاته هو الكلام النفسي وقال الشهرستاني: بل اللفظي القديم على ما حقق في شرح المواقف فعليه الله متكلم له أن يكلم مخلوقاته بكلام لفظي من غير واسطة، وعلى الأوّل أيضا كذلك بأن يخلق فيه قوّة يسمع بها ذلك من غير صوت ولا حرف كما ترى ذاته في الآخرة من غير كمّ ولا كيف وكلام المصنف رحمه الله مجمل اقتصر فيه على المرتبة المتيقنة فكأنه قال كلمه بالذات كما يكلم الملائكة، ولذا اختص! موسى صلى الله عليه وسلم باسم الكليم والمراد بالسماع من كل جهة عدم اختصاص ما سمعه بجهة من الجهات، وكذا قوله تنبيه على أنّ سماع كلامه القديم الخ اقتصر فيه على المقدار المتفق عليه بين أهل السنة، ولعمري لقد سلك المحجة الواضحة. قوله: (أرني نفسك الخ) فيه إشارة إلى أنّ المفعول محذوف لأنه معلوم ولم يصرّج به تأدبا، ولما كانت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 الرؤية سببة عن النظر متأخرة لأنّ النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماساً لرؤيته والرؤية الإدراك بالباصرة بعد النور خطر بالبال أنه كيف جعل النظر جواباً لأمر الرؤية مسببا عنه فيكون متأخراً عنها وهي مقارنة له بالزمان، وان كانت متقدمة بالذات فأشار إلى توجيهه بأنّ المراد بالإراءة لش! إيجاد الرؤية بل التمكن منها مطلقا، أو التجلي وهو الظهور وهو مقدم على النظر وسبب له كما أشار إليه بقوله فأنظر، وهذا بطريق الكناية إذ ذكرها وأراد لازمها من التمكين أو التجلي إذ لو كان بيانا لطريقها كما قيل لم يندفع المحذور فتدبر. قوله: (وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة) يعني بقطع النظر عن الدنيا والآخرة لأنّ طلب المستحيل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محال لأنه إن علم باسنحالته فطلبه عبث، وان لم يعلم فجهل وكلاهما غير لائق بمنصب النبوّة، وقد قالوا نختار أنّ موسى ع! ير لم يعلم امتناع رؤيته ولا يضرّ ذلك، لأنّ النبوّة لا تتوقف على العلم بجميع العقائد الحقة وجميع ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز بل على ما يتوقف عليه الغرض من البعثة والدعوة إلى الله تعالى وهو وحدانيته وتكليف عباده بأوامر ونواه ليحرضهم على النعيم المقيم، ولا نسلم أنّ امتناع الرؤية من هذا القبيل، أو نختار أنه يعلم امتناعها وسؤاله لغرض، أو هو محرّم ارتكبه لأنه صغيرة وردّ بأنه يلزمهم أن يكون الكليم يث! يرو دون آحاد المعتزلة علما ودون من حصل طرفاً من الكلام في معرفة ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز، وهذه كلمة حمقاء، وطريقة عوجاء لا يسلكها أحد من العقلاء ولا شك أنا نعتقد أنّ علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بذاته وصفاته أكمل من علم ما عداهم، وان أردت تحرير هذا فعليك بمطوّلات الكلام ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد. قوله: (ولذلك) أي لكونها جائزة قال ما ذكر دون لن أرى لأنه يدلّ على امتناع الرؤية مطلقاً أو إن أريك لأنه يقتضي أنّ المانع من جهته، ولن تنظر إليّ إن كان بصيغة المجهول كما قيل فظاهر والا فلأنّ النظر لا يتوقف على معد وإنما المتوقف عليه الرؤية والإدراك وذلك المعدّ قوّة يخلقها الله فيه بحيث ينكشف له انكشافا تامّا وهل يختص بالآخرة أولأ فيه خلاف ينظر في محله. قوله: (وجعل السؤال لتبكيت قومه الخ) إشارة إلى قولهم إق موسى صلى الله عليه وسلم لم يسأل الرؤية لنفسه بل لقومه القائلين أرنا الله جهرة وإنما أضافها إلى نفسه ليمنع عنها فيعلم قومه أنها بالنسبة إليهم أبعد وأشد في الاستحالة، وهو أبلغ من إضافتها إليهم وأدعى لقبولهم، ولذا لم يقل وأرهم ينطروا إليك، وفي شرح المواقف إنه خلاف الظاهر فلا بد له من دليل وما ذكروه من أنّ الدليل أخذ الصعقة ليس بشيء واليه أشار المصنف رحمه الله يعني لو كان كذلك كان عليه أن يزيل يث! بهتهم ولا يحتج إلى ما هم فيه من الآراء الفاسدة، وقوله إذ لا يدل الإخبار الخ وكلمة لن تدل على تأكيد النفي دون تأييده على الصحيح ولو سلم فبالنسبة إلى الدنيا. وقوله: (أو أن لا يراه الخ) جواب جدليئ. قوله: (ودعوى الضرورة فيه مكابرة) إذ ليس انتفاء ذلك بديهي والا لم يختلف فيه العقلاء، أو هو جهالة بحقيقة الرؤية لأنه لا نزاع في جواز الإنكشاف العلمي التامّ ولا في ارتسام صورة من المرئي في العين أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئيّ أو حالة إدراكية مستلزمة لذلك إنما النزاع أنا إذا أبصرنا الشمس مثلا ثم غمضت العين نجد في الأوّل حالة زائدة على الثاني، وكذا إذا علمنا شيئاً علما جليا ثم أبصرناه نجد في الثاني أمراً زائداً على الأوّل، وهو الذي نسميه بالرؤية ولا يتعلق في العادة إلا بما هو في جهة ومقابلة فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تكون مقارنة للمقابلة والجهة وأن تتعلق بالذات المقدسة أم لا والى الأوّل ذهب الأشاعرة والمخالف فيه اشترط فيه ذلك، ولذا قال السهروردي: قد يحقق بأيسر نظر أنّ الرائي غير العضو المخصوص، وهو قوّة حالة فيه وبه ل يرتفع الإشكال لأنّ القوم لما اعترفوا بأنّ العين لا تبقى على هذه الصفة بل يخلق الله فيها استعداداً لرؤيته تعالى، وخصومهم أنكروا الرؤية والعين هذه العين بمشخصاتها أجمع فالصلح فمن لي بالعين التي كنت ناظرا إليّ بها قبل القطيعة والصد قوله: (يريد أن يبين به أنه لا يطيقه الخ) يعني ليس المقصود نفي الرؤية بل نفي لطاقته لها في هذه الدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 الدنيا، ثم إنّ قولهم المعلق على الممكن ممكن قالوا عليه: منع ظاهر إذ الممكن ربما يستلزم المحال وان كان بحسب الغير لا بحسب ذاته فإن عدم المعلول الأوّل يستلزم عدم الواجب لأنّ عدم المعلول لا يكون إلا بعدم علته ففي هذه الصورة لا يلزم من تعليق اللازم على الملزوم الممكن إمكان صدق الملزوم بدون اللازم لأن الملزوم ليس هو الممكن من حيث ذاته بل من حيث هو مأخوذ مع الغير، وهو من هذه الحيثية ممتنع فإنّ عدم المعلول الأوّل إذأ اعتبر في نفسه فعدمه ممكن، ولا يستلزم عدم الواجب من هذه الحيثية وان اعتبر من حيث إنّ وجوده واجب بالعلة فعدمه ممتنع بها ومستلزم لعدمها، ولكن ليس عدمه ممكناً بالذات من هذه الحيثية حتى يلزم إمكان لازمه، وامكان صدق الملزوم بدون اللازم على تقدير كون اللازم محالاً إذ لا يلزم من إمكان العدم نظرا إلى ذاته إمكان العدم الممتنع بالغير أبداً بالنظر إليه ولا يلزم من ذلك كونه واجباً لذاته، وإنما يلزم أن لو امتنع نسبة العدم إليه لذاته فإذا كان المعلق عليه هنا استقرار الجبل من حيث هو يلزم من إمكانه مكان المعلق أما إذا كان استقرار. مع ملاحظة الغير الذي يمتنع الاستقرار عنده فلا يلزم من إمكانه إمكان الرؤية فللمعتزليئ أن يقول إنّ المعلق عليه استقرار الجبل عقيب النظر أي استقرار الجبل مع كون الجبل مقيداً بالحركة فيه فإن استقرار الجبل وان كان ممكناً في نفسه عقيب النظر إلا أنه بحسب تقييده بما ينافيه من الحركة ممتنع بالغير في ذلك الوقت فجاز أن يستلزم المحال، وتعلق عليه الرؤية من تلك الحيثية وحينئذ لا يرد أن يقال إنّ استقرار الجبل ممكن في نفسه في جميع الأوقات بدلاً من الحركة فإن قيل الظاهر أنه علق على استقرار الجبل من حيث هو وان كان ذلك في الاستقبال، وكونه ممتنعا بالغير في ذلك الوقت من جهة تقييده بالحركة فيه لا يستلزم أن يوجد المعلق عليه بتلك الجهة، ولا ينافي أن يكون الظاهر ما ذكرنا قلنا المتبادر لا يدفع إحتمال الغير المنافي لليقين وان كان ذلك الاحتمال احتمالاً مرجوحاً فان قلت المتبادر يجب أن يصار إليه إذا لم يدل دليل على خلافه بملاحظته يكون ما ذكر مفيداً لليقين قلت فحيمئذ يمنع من اللفظ الملقى إلى موسى ىلمجز حين الإلقاء إليه، ويحتمل أن يكون حين القائه إليه قرينة حالية أو مقالية دالة على التعليق باستقرار الجبل المقيد بالحركة ولا تكون تلك القرائن منقولة إلينا، ومجملات كتاب الله من هذا القبيل كما حققه بعض علماء الروم. قوله: (جبل زبير) بزاي معجمة مفتوحة وباء موحدة مكسورة وراء مهملة بوزن أمير اسم هذا الجبل كما في القاموس والمشهور أنه الطور. قوله: (طهر له عظمته) قيل عليه إنّ ظهور عظمة الله للجبل تستدعي أن بكون له إدراك وهو مستلزم للحياة فيكون التفاوت بيته وبين القول الآخر غير ظاهر، وقال الطيبي رحمه الله: إنه مثل لظهور اقتداره وتعلق إرادته بدك الجبل لا أنّ ثمة تجلياً كما في قوله: {كُن فَيَكُونُ} [سورة يس، الآية: 82] وقال الإمام المقصود: إنّ موسى صلى الله عليه وسلم لن يطيق رؤيته بدليل أنّ الجبل لما رآه اندك ويجوز أن يخلق الله له حياة وسمعاً وبصراً كما جعله محلا لخطابه في قوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سورة سبأ، الآية: 0 ا] ونقل هذا عن الأشعري رحمه الله وكان المصنف رحمه الله أشار إلى هذا بقوله وتصدى له اقتداره وأمره. قوله: (مدكوكاً مفتتا الخ) أي هو مفعول به بمعنى اسم المفعول والدك بمعنى التفتيت والتكسير، وقيل: هو التسوية بالأرض وقوله أخوان أي بينهما اشتقاق اً كبر كالشك بمعنى الطعن كما يقال منه شككت بالرمح، وهو قريب من الثق معنى وقراءة دكاء بالمدّ إما لأنه صفة أرض! وهي مؤنثة أو مستعار من قولهم ناقة دكاء إذا لم يرتفع سنامها ودكا بضم الدال والتنوين جمع دكاء كحمراء، وحمر أي قطعا دكا فهو صفة جمع وهو قطع جمع قطعة، وفي شرح التسهيل لأبي حيان أنه أجرى مجرى الأسماء فأجرى على المذكر وهو جواب آخر. قوله: (مغشياً عليه من هول ما رأى) خرّ بمعنى سقط، وقيل: هو سقوط له صوت كالخرير وصعقا بمعنى صاعقاً وصائحا من الصعقة، وقيل لو كان هذا معنى النظم لعطف بالفاء وعطفه بالواو ويقتضي ترتبه على التجلي. (قلت (المراد بالهول هول التجلي وعظمته فلذا عطف بالواو لأنه لو عطف بالفاء أوهم أنه يترتب على الدك مع أنّ مثله قد يعطف بالواو عند السكاكي كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [سورة النمل، الآية: 5 ا] كما صرّح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 به الطيبي رحمه الله فيما سيأتي، وقوله من غير إذن أو في غير محله وزمانه، وقوله مرّ تفسيره أي في سورة الأنعام بأنّ إسلام كل نبي سابق على أمّته، وقوله لا ترى في الدنيا فيه خلاف كرؤية المنام عند القائلين بالرؤية وكأنّ المصنف رحمه الله تعالى اختار خلافه، وفي الكشاف فانظر إلى إعظام الله أمر الرؤية في هذه الآية وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه صلى الله عليه وسلم من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهباً ولا يغرّنك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهم، والقول ما قال بعض العدلية فيهم: لجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمرلعمري موكفه قد شبهوه بخلقه وتخوّفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه وهذا من غلوّه وقد أشار المصنف رحمه الله بما ذكره إلى ردّه وهذا الشعر الذي هجا به أهل السنة رضي الله عنهم أجابه عنه شعراؤهم بأشعار كثيرة كقول الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى: عجبا لقوم ظالمين تلقبوا بالعدل مافيهم لعمري معرفه قدجاءهم من حيث لايدرونه تعطيل ذات الله مع نفي الصفه وتلقبواعدلية قلنانعم عدلوابربهم فحبهم سفه والبلكفة نحت كالبسملة أي القائلين بأنّ الرؤية بلا كيف، وفي بعض حواشي الكشاف القائلين بل كفى في إمكان الرؤية تعليقها بالممكن، وقوله اصطفيتك اخترتك لأنه افتعال من الصفوة وهو الخيار. قوله: (أي الموجودين في زمانك الخ) قيده به لأن الاصطفاء لا يخصه، ولما ورد هرون أشار إلى قيد يخرجه بأنّ المراد اصطفاه بأمرين الرسالة والتكليم فخرج هرون، فإن قلت على هذا لا يحتاج إلى القيد لأن التكليم بغير واسطة في الدنيا مخصوص به ولا يلزم تفضيله من كل الوجوه على غيره كنبينا صلى الله عليه وسلم وهو المقصود بالتكليم الموجه إليه الخطاب المأمور بتبليغه من سواه فلا يرد أنه كان معه سبعون كلهم سمعوا الخطاب أيضاً وبالناس خرج الملائكة رأسا. (قلت) المصنف رحمه الله تبع الزمخشرفي في هذا ووجهه أنّ الرسالة والتكليم بغير وسط وجد لنبينا صلى الله عليه وسلم فلزم أن يكون مختارا عليه وهو النبيّ المختار فلا يرد ما ذكر كما قيل. قوله: (وبتكليمي لىساك) أو على تقدير مضاف أي سماع كلامي، وقوله: (مما يحتاجون إليه من أمر الدين) تال الإمام: لا شبهة في أنه ليس على العموم لأنّ المراد كل شيء كانوا محتاجين إليه من الحلال والحرام والمحاسن والقبائح ثم فصله. قوله: (بدل من الجارّ والمجرور الخ الو جعلت من تبعيضية لأنّ كل شيء من الموإعظ بعض كل شيء على الإطلاق اتجه وسلم من زيادة من في الإثبات إلا أنّ قوله كتبنا له كل شيء يشعر بأنّ من مزيدة لا تبعيضية ولم يجعلها ابتدائية حالاً من موعظة وموعظة مفعول به لأنه ليس له كبير معنى، ولم تجعل موعظة مفعولاً له، وان استوفى شرائطه لأنّ الظاهر عطف تفصيلا على موعظة كما أشار إليه بقوله من المواعظ، وتفصيل الأحكام وظاهر أنه لا معنى لقولك كتبنا له من كل شيء لتفصيل كل شيء، وأما جعله عطفاً على محل الجارّ والمجرور فبعيد من جهة اللفظ والمعنى. قوله: (واختلف في أنّ الألواح الخ) أي اختلفت الرواية فيه وزمرد بضم الزاي المعجمة والميم والراء المهملة وعن الأزهريّ فتح الراء وبالذال المعجمة آخره، وهو غير الزبرجد كما هو معلوم عند أهله وسقفها بسين مهملة وقاف وفاء أي جعلها سقائف والسقائف الألواج واحدها سقيفة وروي شققها بشين معجمة وقافين وهو بمعناه أيضا وليس تصحيفا كما توهم، وفي بعض النسخ عطف سقفها بأو وفي بعضها بالواو، وهي أظهر. قوله: (على إضمار القول عطفاً على كتبنا) أي فقلنا خذها وحذف القول كثير مطرد قال العلامة هانما قدّر لا لعطفه الإنشاء على الخبر لأنه يجوز بإلغاء لأنّ قوله كتبنا له على الغيبة فقدر فقلنا له ليناسبه في الغيبة، ولو قيل كتبنا لك لم يحتج إلى تقدير، وأما جعله بدلاً من فخذ ما الخ فقد ضعف لما فيه من الفصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 بأجنبيّ وهو جملة كتبنا المعطوفة على جملة قال وهو تفكيك للنظم. قوله: (والهاء للألواح أو لكل شيء) على تقدير القول والعطف على كتبنا، وقوله: (فإنه بمعنى الأشياءا لأن العموم لا يكفي في عود ضمير الجماعة بدون تأويله بالجمع، وجوّز الزمخشرفي عوده على التوراة بقرينة السياق، وقوله أو للرّسالات على البدلية كما في شروح الكشاف والتعيين موكول إلى القرينة العقلية، وقوله بقوّة أي بعزيمة وجدّ فهو حال من الفاعل أي ملتبسا بقوّة وجوّز أن يكون من المفعول أي ملتبسة بقوّة براهينها والأوّل أوضح أو صفة مفعول مطلق أي أخذا بقوّة. قوله تعالى: {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} الظاهر جزمه في جواب الأمر فيحتاج إلى تأويل لأنه لا يلزم من أمرهم أحدهم، ولذا قيل تقدير لام الأمر فيه بناء على جوازه بعد أمر-ت القول أو ما هو بمعناه كما هنا، وبأحسنها حال ومفعول يأخذوا محذوف أي ما ينفعهم أو هو مفعول والباء زائدة كما في لا يقرأن بالسور. قوله: (أي بأحسن ما فيها كالصبر الخ) إضافة أفعل التفضيل إما إلى المفضل عليه نحو زيد أحسن الناس أو إلى غيره والأولى مختلف فيها كما ذكره الفاضل اليمني في قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} [سررة البقرة، الآية: 96] فالمشهور أنها محضة على معنى اللام، وقيل إنها لفظية وغيرها اختصاصية بلا نزاع والظاهر أنّ هذه من الأوّل لأنّ المعنى بأحسن الإجراء التي فيها مشتملة على تلك المعاني أو بأحسن أحكامها كقولك أحسن زيد وجهه فمن قال إنه إشارة إلى أن الإضافة على معنى في فقدوهم والذي غر. وجود في في اللفظ وقال النحرير وغيره: إنه ينافي ما سبق من أنّ المكتوب على بني إسرائيل هو القصاص قطعاً، والجواب بأنه مثال للحسن والأحسن لا لكونه في التوراة بعيد جذاً، وقوله على طريقة الندب متعلق بلفظ وأمر في النظم والمعنى أن يأخذوا به على طريق الندب والأحسن لا الوجوب، وأما صدور الأمر من موسى عليه الصلاة والسلام فيحتمل الوجوب والندب، وقوله أو بواجباتها هو كالأوّل وإنما الفرق بينهما أنّ المراد بأحسن أحكامها ما يندب إليه أو ما يلزم ويجب لأنّ الواجب أحسن من المندوب والمباج فليست الإضافة فيه لأدنى ملابسة كما قيل. قوله: (ويجوز ان يراد بالأحسن البالغ في الحسن الخ (قال العلامة في سورة مريم في قوله تعالى: {خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} [سورة مريم، الآية: 76] إن هذا من وجيز كلامهم يقولون الصيف أحر من الثتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده، وتحقيقه أن تفضيل حرارة الصيف على حرارة الشتاء غير مراد بلا شبهة بل هو راجع إلى تفضيل كثرة الحرارة أو قوّتها على كثرة البرودة أو قوّتها أو باعتبار الإحساس وذلك لأن معنى أحرّ وأبلغ حرّاً متقاربان ولذا توصل في الممتنع بنحوه ففيه مجاز وايجاز وتفصيله، ما قال بعض النحاة إن لأفعل أربع حالات إحداها وهي الحالة الأصلية أن يدل على ثلاثة أمور، أحدها اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا كان وصفا، الثاني مشاركة مصحوبة في تلك الصفة، الثالث مزية موصوفه على مصحوبه فيها، وبكل من هذين المعنيين فارق غيره من الصفات الحالة الثانية أن يخلع عنه ما امتاز به من الصفات ويتحرّ للمعنى الوضعي، الحالة الثالثة أن تبقى عليه معانيه الثلاثة، ولكن يخلع عنه قيد المعنى الثاني ويخلفه قيد آخر وذلك أنّ المعنى الثاني وهو الاشتراك كان مقيدآ بتلك الصفة التي هي المعنى الأوّل فيصير مقيداً بالزيادة التي هي المعنى الثالث ألا ترى أن المعنى في قولهم العسل أحلى من الخل أن للعسل حلاوة، وان تلك الحلاوة ذات زيادة، وان زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخل قاله ابن هشام في حواشي التسهيل وهو بديع جداً الحالة الرابعة أن يخلع عنه المعنى الثاني، وهو المشاركة وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك في نحو يوسف أحسن إخوته، وقوله: لا بالإضافة أي ليس حسنة بالإضافة إلى ما أضيف إليه بل مبالغته وزيادته بالإضافة إلى مبالغة ما أضيف إليه، فلا يرد عليه ما قيل الأظهر حينئذ تشبيهه بقوله الأشج والناقص أعد لابني مروان وقي البحر يمكن الاشتراك فيها في الحسن، فيكون المأمور به أحسن من حيث الامتثال وترتب الثواب عليه ويكون المنهيّ عنه حسنا باعتبار الملاذ والشهوة، فيكون بينهما قدر مشترك في الحسن، وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 اختلفا متعلقاً. قوله: (دار فرعون وقومه بمصر الخ (إشارة إلى أنه تأكيد للأمر بالأخذ بالأحسن وبعث عليه لوضع الإراءة موضع الاعتبار إقامة للسبب مقام مسببه مبالغة، وفي وضع دار الفاسقين موضع أرض مصر تحذير لهم عن اتباع أثرهم، واليه الإشارة بقوله فلا تفسقوا الخ، وفيه التفات لأنّ المراد سأريهم فلا يفرطوا فيما أمروا به، وجوّز فيه التغليب أيضاً، وفي قراءة سأوريكم تغليب لأنّ المراد سأوريك، وقومك فالجملة استئنافية لتعليل الأمر وعلى المشهورة الخطاب مخصوص بالقوم لأنّ المعنى لتعتبروا ولا تفسقوا، وقوله: (أو منازل الخ) هو قول لبعضهم ولذا أدخل فيه، أو وإلا فلا مانع من الجمع. قوله: (وقرئ سأوريكم) بضم الهمزة وواو ساكنة وراء خفيفة مكسورة، وهي قراءة الحسن البصري، وهي لغة فاشية بالحجاز فيها تخريجان أحدهما أنها من أوريت الزند لأنّ المعنى سأنوره وأبينه، والثاني وهو الأظهر الذي اختاره ابن جني أنه على الإشباع كقوله: من حيثما سلكوا أتوا فانظوروا ورأى بصرية وجوز فيها أن تكون علمية على جواز حذف المفعول الثالث. قوله: (بالطبع على قلوبهم الخ) متعلق بقوله سأصرف أي صرفها عنهم لأنه علم أنهم لا ينتفعون بها لطبع الله على قلوبهم، وقضائه الأزليّ بالشقاوة عليهم. قوله: (سأصرفهم عن إبطالها الخ) فالكلام مع قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متصل بما سبق من قصصهم وهو أو لم يهد الخ وايراد قصة موسى وفرعون للاعتبار، ولذا قال كما فعل فرعون، وقيل: إنه على هذا اعتراض قال الطيبي فقوله وان يروا كل آية الخ عطف على قوله يتكبرون في الأرض وعلى الأوّل الآية عامة، وعطف وان يروا على سأصرف للتعليل على منوال قوله: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ} [سورة النمل، الاية: 15] على رأي صاحب المفتاح، وقوله: (فعاد عليه) أي عاد عليه فعله بعكس ما أراد وهو إعلاء آيات الله واظهارها واهلاكهم وتدميرهم، وقوله: (بماهلاكهم) معطوف على إعلائها، ويصح ضبطه بالنون والإعلان الإظهار أيضا، وقيل إنه معطوف على قوله بالطبع أي سأصرفهم عن إبطالها بإهلاكهم. قوله: (صلة يتكبرون الخ الما كان التكبر لا يكون بحق أصلاً أوّلوه بوجهين الأوّل على جعله متعلقاً بالفعل، والتكبر بمعنى التعزز أي يتعززون بالباطل، وبما يؤديهم إلى الذل والهوان، ولا يرفعون للحق رأسا فقوله وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وما عطف عليه مناسب لهذا الوجع فعلى هذا يصح أن يكون هذا مراد المصنف رحمه الله بقوله يؤيد الوجه الأوّل، ولذا قدمه وعكس ما في الكشاف والثاني واليه أشار المصنف رحمه الله، بقوله أو حال من فاعله أي غير محقين لأنّ التكبر بحق ليس إلا لله كما في الحديث القدسي الذي رواه أبو داود: " والكبرياء ردائي، والعظمة إرّاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار ") 1 (وفيه معان دقيقة تعرف بالمشاهدة مع استعارات بديعة وايماء غريب وأمّا أنّ التكبر يكون بحق كما في الأثر التكبر على المتكبر صدقة فالتحقيق أنه صورة تكبر لا تكبر فتدبر. قوله: (منزلة) من آيات القرآن من التنزيل، أو الإنزال أو معجزة بالجر أو النصب أي منزلة كانت أو معجزة دون المنصوبة في الأنفس والآفاق لئلا يتوهم الدور وتكذيبهم بذلك وكفرهم لعنادهم، وخلل عقولهم وانغماسهم في الهوى والضلال الناشئ عن ختم الله وطبعه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم بحيث صاروا كالحيوانات العجم، وهو الذي صرفهم عن النظر في الآفاق والأنفس بلا خفاء فهذا هو السيب القريب له، والطبع البعيد فلا وجه لما قيل الصرف ليس بمسبب عن التكذيب بل العكس، وسبب الصرف علم من ترتب الحكم على الموصول ولا حاجة إلى جعل ذلك إشارة إلى التكبر وان صح. قوله: (ويجورّ أن ينصب الخ) عطف على المعنى لأنه على الأوّل مرفوع والجار والمجرور خبره، وعلى هذا مفعول مطلق والباء متعلقة بمحذوف والعامل فيه أصرف المقدم لأنّ الجار والمجرور صلة والموصول مفعوله، وما بعده صلته ومعطوف عليها فلا فصل بأجنبيّ كما توهم، ولا يقال إنّ هذا الصرف المقدر محقق وذاك غير محقق وبتكلف ما لا حاجة إليه. قوله: (أي ولقائهم الدار الآخرة الخ) يعني أنه من إضافة المصدر إلى المفعول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 وحذف الفاعل أو إلى الظرف على التوسع، وتقدير المفعول وهو ما وعدهم الله كما مرّ تحقيقه في مالك يوم الدين، فقول النحرير: إنه على الأوّل مضاف إلى المفعول به على الحقيقة وبالنظر إلى المعنى، والا فعلى تقدير الإضافة إلى الظرف هو أيضا منزل منزلة المفعول به ليس كما ينبغي. قوله: (لا يممفعون) تحقيق لمعنى الإحباط لأنّ الأعمال أعراض لا تحبط حقيقة، وهذه الجملة خبر الذين وهل يجزون مستأنفة أو خبر وهذه حال بإضمار قد، وقوله الأجزاء أعمالهـ م لأنّ المجزي ليس نفسر العمل، وهو ظاهر. قوله: (من بعد ذهابه للميقات الخ) من هذه ابندائية والتي بعدها تبعيضص جمة أو ابتدائية أيضا على حد أكلت من بستانك من العنب أو متعلقة بمقدر على أنه حال، وقوله بعد ذهابه إما بيان للمعنى أو إشارة إلى تقدير مضاف. قوله: (التي استعاروا من القبط حين هموا بالخروج الخ) وقيل ألقاها البحر على الساحل بعد غرقهم قال الإمام رحمه الله " روي أنه تعالى لما أراد إغراق فرعون وقومه لعلمه أنه لا يؤمن أحد منهم أمر موسى صلى الله عليه وسلم بني إسرائيل أن يستعيروا حلي القبط ليخرجوا خلفهم لأجل المال أو لتبقى أموالهم قي أيديهم " فقيل عليه إنه مشكل لكونه أمرا بأخذ مال الغير بغير حق، وإنما يكون غنيمة بعدما هلكوا مع أنّ الغنائم لم تكن حلالهم لقوله عشيي! : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي أحلت لي الغنائم ") 1 (الخ وقد قال المفسرون في قوله تعالى فيئ سورة طه: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [سورة طه، الآية: 87] أراد بالأوزار أنها كانت تبعات وآثاماً لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب فلا يحل لهم أخذ مالهم مع أنّ الغنائم لم تكن تحل لهم، وهذا مخالف لما ذكرنا، وقد أشار بعضهم إلى دفعه بما لا طائل تحته فتدبره، ولك أن تقول أنهم لما استعبدوهم بغير حق واستخدموهم وأخذوا أموالهم وقتلوا أولادهم ملكهم الله أرضهم، وما فيها فالأرض! دلّه يورثها من يشاء من عباده، وكان ذلك بوحي من الله تعالى لا على طريق الغنيمة، وفي كلام الكشاف إشارة إليه ويكون ذلك على خلاف القياس وكم في الشرائع مثله، وقوله بالاتباع أي اتباع الحاء للام وهو ظاهر. قوله: (بدنا ذا لحم ودم الخ) هذا أحد التفاسير للجسد في اللغة وقد أعربوه بدلاً وعطف بيان ونعتا بالتأويل، وكون تراب أثر فرس جبريل عليه الصلاة والسلام يقتضي الحياة لم يظهر لي وجهه، والحيل هي أن جعل في جوفه أنابيب مقابلة لمهب الريح فإذا دخلت فيه سمع له صوت شديد قيل وهذا ليس بشيء لمنافاته لما صرّح به في قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [سورة طه، الآية: 95] الخ. قوله: (وإنما نسب) 1 (أخرجه البخاري 335 و 3122 ومسلم 521 والنسائي 1 / 209- 1 21 والدارمي 1 / 322 وأحمد 3 / 304 من حديث جابر بأتم منه 0 الاتخاذ إليهم وهو فعله) واتخاذه أي السامريّ فالمراد بالاتخاذ العمل ولكونهم راضين به وواقعاً بين أظهرهم نسب إلى الجميع وأسند إليهم إسناداً مجازيا كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم وكون الرضا شرطاً في مثله ليس بكلي كما مرّ. قوله: (أو لأنّ المراد اتخاذهم إياه إلها) هو في الوجه الأوّل بمعنى صنع متعد لواحد، وفي هذا متعدّ لاثنين والمعنى صيروه إلهاً وعبدوه كلهم فلا تجوّز فيه، وعلى الأوّل لا بد من تقدير جملة، وهي يعبدوه ليكون ذلك مصب الإنكار لأنّ حرمة التصوير حدثت في شرعنا على المشهور، ولأنّ المقصود إنكار عبادته، والخوار بضم الخاء المعجمة والواو المفتوحة صوت البقر والجواز بضم الجيم والهمزة الصوت الشديد. قوله: (تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنظر الخ) يعني أنهم لم يقتصروا على عدم النظر في أمره حتى تجاوزوا ذلك إلى جعله إلها خالقا فعبدوه، وقوله اتخذوه إلها بيان لحاصل المعنى مع الميل إلى الوجه الثاني في جعل اتخذ متعديا لمفعولين كما مرّ، وقوله: كآحاد البشر تمثيل للمنفي والقدر يضم ففتح جمع قدرة. قوله: (تكرير للذمّ) أي تكرير لتأكيد الذتم بذلك وأشار إلى أنه متعد لمفعولين، وقدر الثاني كما ترى، وقوله: وكانوا ظالمين ما استئنافية أو الواو اعتراضية للإخبار بأن وضع الأشياء في غير موضعها دأبهم وعادتهم قبل ذلك فلا ينكر هذا منهم، أو حالية أي اتخذوه في هذه الحالة المستقرة لهم، وهذا فرق بين الجملة المعترضة والحالية بحسب المعنى، وهو دقيق جداً. قوله: (كناية من أن اشتد ندمهم الخ الم يجعله عبارة عن الندم لأنّ السقوط في اليد إنما يكون عند شدّته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 وجعله كناية لا مجازاً لعدم المانع عن الحقيقة، وجعل الفاعل في قراءة المبنيّ للفاعل العض لا الفم لأنه أقرب إلى المقصود ولأنّ كونه كناية عن الندم إنما هو حيث يكون سقوط الفم على وجه العص، ثم الأيدي على هذا حقيقة وعلى تفسير الزجاج الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ استعارة بالكناية وهل في الكلام دلالة إيمائية لا دلالة فيه عليها، إلا أن يقال أنّ سقوط الندم في القلب أو النفس كناية عن ثبوته للشخص، وإنما اعتبر التشبيه فيما يحصل لا في اليد ليكون استعارة تصريحية لأنه لا معنى لتشبيه اليد بالقلب إلا بهذا الاعتبار، وقيل: إنه على تفسير الزجاج استعارة تمثلية لأنه شبه حال الندم في القلب مجال الشيء في اليد في التحقيق والظهور، ثم عبر عنه بالسقوط في اليد، وقال الواحديّ تحصل من كلام المفسرين وأهل اللغة أنّ معنى سقط في يده ندم فأما وجهه فلم يوضحوه إلا أنّ الزجاح قال إنه بمعنى ندموا ولم يسمع هذا قبل نزول القرآن، ولم تعرفه العرب ولم يوجد في أشعارهم وكلامهم فلذا خفي عليهم فقال أبو نواس: ونشوة سقطت منها في يدي فأخطأ في استعماله وهو العالم النحرير وقال أبو حاتم فسقط فلان في يده بمعنى ندم فأخطأ أيضاً، وذكر اليد لأنه يقال لما يحصل وأن لم يكن في اليد وقع في يده وحصل في يده مكروه فشبه ما يحصل في النفس وفي القلب بما يرى بالعين، وخصت اليد لأنّ مباشرة الأمور بها كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [سورة الحج، الآية: 0 ا] أو لأنّ الندم يظهر أثره بعد حصوله في القلب في اليد كعضها وضرب إحدى يديه على الأخرى، كقوله تعالى في النادم فأصبح: {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [سررة الكهف، الآية: 42] {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [سورة الفرقان، الآية: 27] فلذا أضيف إليها لأنه الذي يظهر منه كاهتزاز المسرور وضحكه وما يجري مجراه، وقيل من عادة النادم أن يطأطىء رأسه يوضع ذقنه على يده بحيث لو أزالها سقط على وجهه، فكأن اليد مسقوط فيها، وفي بمعنى على وقيل: هو من السقاط وهو كثرة الخطأ قال: كيف يرجون سقاطي بعدما لفع الرأس بياض! وصلع وقيل مأخوذ من سقيط الجلد، والفراء لعدم ثباته مثل لمن لم يحصل من سعيه على طائل وسقط مدة بعضهم من الأفعال التي لا تتصرّف كنعم وبئس، وقرأ أبو السميفع سقط معلوماً أي الندم كما قال الزجاج: أو العض كما قال الزمخشرفي أو الخسران كما قاله ابن عطية وكله تمثيل، وقرأ ابن أبي عبلة أسقط رباقي مجهول وهي لغة نقلها الفراء والزجاج. قوله: (وقيل معناه سقط الندم في أنفسهم) قد مر أنه قول الزجاج والواحديّ، وهل هو استعارة تمثيلية أو مكنية أو كناية، قد نقلنا لك ما قال القوم فيه فعليك بالاختيار، وحسن الاختيار. قوله: (وعلموا الخ) في الكشاف وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم، وإنما جعلها بصرية مجازاً عن انكشاف ذلك لهم انكشافا تاما كأنه محسوس، ولم يقصر المسافة فيجعلها علمية ليسلم الكلام من القلب الذي توهمه بعض المفسرين لأنّ الندم إنما يحصل لهم بعد تبين الضلال لأنه هان كان كذلك لكنه بعده ينكشف انكشافاً تاما لا يمكن إخفاؤه، فلا حاجة إلى ما قيل فإن قلت تبين الضلالة يكون سابقاً على الندم فلم تأخر عنه، قلت الانتقال من الجزم بالشيء إلى تبين الجزم بالنقيض لا يكون دفعياً في الأغلب بل إلى الشك، ثم الظن بالنقيض، ثم الجزم بالنقيض، ثم تبينه والقوم كانوا جازمين بأنّ ما هم عليه صواب والندم عليه ربما وقع لهم في حال الشك فيه فقد تأخر تبين الضلال عنه لمن يتبين، وقوله: (وقرأهما (أي ترحم وتغفر. قوله: (شديد الغضب وقيل حزيناً) هما حالان مترادفتان أو متداخلتان إن قلنا الثانية حال من المستتر في غضبان أو بدل كل لا بعض كما توهم، والأسف إما شدة الغضب أو الحزن. قوله: (فعلتم بعدي حيث عبدتم العجل والخطاب للعبدة الما كانت الخلافة أن يقوم الخليفة مقام من خلفه، وينوب عنه في أفعاله، وهي لا تكون بحضرته وإنما تكون بعده جعل خلفتم مستعملاً في لازم معناه، وهو مطلق الفعل لثلا يتكرّر قوله بعدي معه والفعل المذموم بعده إنما هو للعبدة، فلذا خصوا بالخطاب على هذا. قوله:) أو قمتم مقامي فلم تكفوا العبدة والخطاب لهرون والمؤمنين) وإنما خصوا لأنهم الذين قاموا مقامه في ذلك، والذم ليس للخلافة نفسها بل لعدم الجري على مقتضاها حينئذ. قوله: (وما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 نكرة موصوفة الخ) فما في محل نصب تمييز مفسر للضمير المستتر في بض وهذا مذهب الفارسيّ، وخالفه غيره من النحاة فيه كما في فصل في النحو، فقوله خلافة بالنصب تفسير لما وخلافتكم هو المخصوص بالذم. قوله: (ومعنى من بعدي من بعد انطلاقي الخ (تركه الزمخشريّ لأنّ قوله خلفتموني يدل عليه، والتأسيس خير من التأكيد وكون خلفتموني يدل على بعدية مطلقة، وهذه خاصة قليل الجدوى. قوله: (أو من بعد ما رأيتم مني من التوحيد) فالبعدية بالنسبة إلى الأحوال التي كانوا عليها. قوله: (والحمل عليه والكف عما ينافيه) هذا ناظراً إلى كون الخطاب لهرون والمؤمنين، وما عطف عليه ناظر إلى كونه للعبدة فلذا قالوا الظاهر عطفه بأو كما في الكشاف لكن المصنف رحمه الله لما رآه وجها واحداً صالحاً لكل لم يعطفه بأو، وهو ظاهر فتدبر. قوله: (أتركتموه غير تام الخ الما كان المعروف تعدى عجل بعن لا بنفسه لأنه يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تمّ عليه، وأعجله عنه غيره جعلوه هنا مضمنا معنى سبق معدى تعديته وذهب يعقوب إلى أنه معنى حقيقيّ له من غير تضمين أي عجلتم عمأ أمركم به، وهو انتظار موسى صلى الله عليه وسلم حال كونهم حافظين لعهده، والسبق كناية عن الترك كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولم يجعل ابتداء بمعناه لخفاء المناسبة بينهما، وعدم حسنها والأمر على هذا واحد الأوامر وعلى قوله: {مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 44] واحد الأمور، وهو الفرق بينهما قال الطيبي رحمه الله وهذا الميعاد غير ميعاد الله موسى ستي في قوله: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} [سورة الأعراف، الآية: 142] لضرب ميعاد موسى صلى الله عليه وسلم قبل مضيه إلى الطور، لقوله: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [سورة الأعراف، الآية: 142] وميعاد القوم عند مضيه لقوله: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} وسيأتي تفصيله عن قريب. قوله: (طرحها من شدّة الغضب الخ) في قوله حمية للدين اعتذار عما يتوهم من سوء الأدب، وقوله روي الخ كذا في البغوي لكن هذا ينافي ما روي عن الربيع بن أن! رضي الله عنه إنّ التوراة نزلت سبعين وقرأ يقرأ الجزء منه في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال الطيبي رحمه الله: وهو من قلة ضبط الرواة في الإعصار الخالية، ولذا قيل إنه ينافي قوله بعده أخذ الألواج فإنّ الظاهر منه العهد، وأجيب بأنه رفع ما فيها من الخط دون ألواحها وقيل كان فيها إخبار عن المغيبات فرفع ذلك وبقي الأحكام والمواعظ والله أعلم بذلك، ومثل هذا لا يقال بالرأي فلا وجه لما قيل من أن القرآن لا يدل عليه فلعل المراد وضعها على الأرض ليأخذ برأس أخيه. قوله: (بشعر رأسه الأنه الذي يمسك ويؤخذ، وهو لا ينافي أخذه بلحيته كما وقع في سورة طه أو أدخل فيه تغليباً، وقوله يجرّه حال من موسى أو من رأس بتأويله بالعضو فلا يقال لا رابط فيه، أو من أخيه لأنّ المضاف جزء منه وهو أحد ما يجوز فيه ذلك، وقوله حمولاً لينا بيان لتحمله ما صدر منه، وقوله أحب إلى بني إسرائيل أي من موسى صلى الله عليه وسلم وتركه هنا حسن. قوله:) ذكر الأمّ ليرققه عليه) أي ليحصل له رحمة ورقة قلب له وإلا فهما أخوان لأب وأمّ على الأصح، وقيل ذكر أمه لأنها قامت في تربيته وتخليصه بأمور عظيمة فلذا نسبه إليها، وفي ابن أثم هنا قرا آت وهي لغات فيه وفي ابن عم، وقوله زيادة في التخفيف بالحذف والفتح وعلى ما بعده هي حركة بناء. قوله: (إزاحة لتوهم التقصير) بالنصب مفعول له أي قاله لذلك أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذا إزاحة أي إزالة. قوله: (فلا ثفعل بي ما يشمتون بي لأجله الخ) هذا على القراءة المشهورة بضم التاء وكسر الميم، وإنما فسره به لأنه لم يقصد إشماتهم، وإنما فعل ما يترتب عليه ذلك، وهو مجاز أو كناية عما ذكر وقرئ بفتح التاء وضم الميم، وهو كناية عن هذا المعنى أيضا على حد لا أرينك هاهنا والشماتة سرور الأعداء بما يصيب المرء. قوله: (معدودا في عدادهم الخ) فعلى الأوّل هو جعل حقيقيّ، وعلى الثاني من الجعل في الظن والاعتقاد على طريقة وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا. قوله: (إن فرط في كفهم) أي قصر في منعهم وعدل عن قول الزمخشريّ: أن عسى فرّط لما فيه مما ليس هذا محله، وقوله ترضية له أي طلبا لرضاه بتطييب خاطره، ودفعا للشماتة بطلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 المرضاة وتلاتي ما فات، وعد ما فرط منه كأنه ذنب لعدم استحقاقه وان كان ذلك ليس ممنوعاً عليه كما ذهب إليه القائلون بعدم العصمة. قوله: (بمزيد الأنعام علينا الأن مقابلته بالمغفرة تدل على أنها رحمة إنعام لا عفو، وترك المتعلق من المنعم به والدارين وجعل الرحمة محيطة بهم إحاطة الظرف لانغماسهم فيها يقتضي المزيد، وقوله منا على أنفسنا لدخولهم في الراحمين دخولاً أوّليا وفيه إشارة إلى أنه استجاب دعاءه. قوله: (وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم) وصيغة الخطاب لأنه وقع ذلك ولا يتعين أن يكون حكاية لما قاله موسى صلى الله عليه وسلم كما قيل: وقوله وهي خروجهم من ديارهم فيكون مخصوصا بالذين أتخذوا العجل وعلى تفسيره بالجزية، يكون المراد بالذين اتخذوا العجل قوم موسىء صلى الله عليه وسلم مطلقاً ليشمل أولادهم لأنّ الجزية لم تضرب عليهم إلا في الإسلام كذا قيل، وهو مناف لقول المصنف رحمه الله إنّ بختنصر ضربها وكانوا يؤذونها للمجوس، ويكون من تعيير الأبناء بما فعله الآباء، ولذا فسره بعضهم ببني قريظة والنضير وفسر الغضب بالجلاء والذلة بالجزية. قوله: (ولا فرية أعظم من فريتهم هذا الهكم واله موسى) جملة هذا الهكم الخ تفسير لفريتهم أو معمول له لتضمينه معنى القول ونسبها لهم، ولم يخصها بالسامري كما في الكشاف لمتابعتهم له ورضاهم بما فعل. قوله: (من الكفر والععاصي) عممه لعموم المغفرة ولأنه لا داعي للتخصيص ولذا فسر آمنوا بما يناسبه، وقوله وما هو مقتضاه أدخله في الإيمان لأن تمام الإيمان به وقيل إنه ذهب إلى تقديره لاقتضاء المقام له، وقوله من بعد التوبة لم يقل والإيمان لأنّ التوبة لا تقبل بدونه ولم يجعله للسيئات لأنها لا حاجة له مع قوله: {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا} لا لأنه يحتاج إلى حذف مضاف ومعطوف أي من عملها، والتوبة عنها لأنه لا معنى لكونها بعدها إلا ذلك وقوله ورمنوا سواء كان حالاً أو معطوفا من ذكر الخاص بعد العام للاعتناء به لأنّ التوبة عن الكفر هي الإيمان فلا يقال التوبة بعد الإيمان فكيف جاءت قبله. قوله: (سكن وقد قرئ به) قرأ به معاوية بن قرة والسكوت، والسكات قطع الكلام وهو هنا استعارة بديعية، وفي الكشاف هذا مثل كان الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له قل لقومك كذا و {أَلْقَى الألْوَاحَ} وجرّ برأس أخيك إليك فترك النطق بذلك وقطع الإغراء، ولم يستحسن هذه الكلمة، ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك ولأنه من قبيل شعب البلاغة والا فما القراءة معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة، وطرفا من تلك الروعة يعني أنه شبه الغضب بشخص آمرناه، فهو استعارة مكنية، وأثبت له السكوت على طريق التخييل، وقال السكاكي إنه استعارة تبعية شبه سكون الغضب، وذهاب حدته بسكوت الآمر الناهي والغضب قرينتها، وقيل مراد الزمخشري تمثيل حال سكون الغضب بحال سكوت الناطق الآمر الناهي، ومرجعه إلى كون الغضب استعارة بالكناية عن الشخص الناطق، والسكون استعارة تصريحية لسكون هيجانه، وغليانه فتكون مكنية قرينتها تصريحية لا تخييلية، وبحتمل أن تكون تبعية بناء على جوازه عنده كما مرّ، وقال الزجاج: مصدر سكت الغضب السكتة ومصدر سكت الرجل السكوت، وهذا يقتضي أن يكون سكت الغضب فعلاً على حدته، وقيل هذا من القلب، وتقديره سكت موسى صلى الله عليه وسلم عن الغضب، ولا وجه له وكلام المصنف رحمه الله محتمل لوجوه الاستعارة وقوله وقرئ سكت أي بمجهول مشدد للتعدية. قوله: (التي ألقاها) يعني أنّ تعويفه للعهد، وهو ينافي الرواية السابقة ظاهراً في أنه رفع منها ستة كما ينافيه قوله من الألواح المنكسرة وتقدم جوابه. قوله: (وفيما نسخ فيها الخ) حاصله أنّ نسخة فعله بمعنى مفعولة أي منسوخة، والنسخ له في اللغة معنيان الكتابة والنقل فعلى الأوّل هو بمعنى المكتوب والإضافة بيانية، أو على معنى في وعلى الثاني بمعنى لمنقول من الألواح المنكسرة، وقيل معنى منسوخة ما نسخ فيها من اللوح المحفوظ، ولفظ فعلة يجوز صرفه، وعدمه على ما فصله الرضي والكلام في كونها علم جنس، وتحقيقه مع ما فيه وعليه مفصل في العربية وقوله دخلت اللام الخ هذه لام التقوية الداخلة على المعمول المقدّم ومعمول الصفة القوعية في العمل، أو هي للتعليل ومفعوله محذوف، ومعنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 لربهم أي ليس لرياء وسمعة. قوله: (فحذف الجار وأوصل الفعل) وهو مسموع في اختار وأمر فصيح وهذا هو الظاهر، وقيل إنه مفعول وسبعين بدل منه بدل بعض من كل، والتقدير سبعين منهم، وقيل عطف بيان. قوله: (سبعين رجلاَ لميقاتنا) اختلفت الرواية والمفسرون هنا في هذا الميقات هل هو ميقات ربه الذي واعده، أو هو غيره وهو ميقات آخر للاعتذار عن عبادة العجل، وأقوى ما يحتجون به أنه تعالى ذكر قصة الكلام وأتبعها قصة العجل، ثم ذكر هذه القصة وذكر بعض قصة والانتقال منه إلى قصة أخرى، ثم إتمام تلك القصة يوجب اضطرابا في الكلام، وقيل عليه الخروج للاعتذار إن كان بعد قتل أنفسهم ونزول التوبة فلا معنى للاعتذار، دمان كان قبل قتلهم فأيّ وجه للاعتذار، وثمرته القتل ولا ريب أنّ قصة واحدة تكرّر في القرآن فيئ سور لا مانع من تكرّرها في سورة واحدة، وهو الظاهر الذي عليه كثير من شراح الكشاف، والإمام ذهب إلى الأوّل وارتضاه وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله، وقوله: وذهب مع الباقين أي موسى صلى الله عليه وسلم، وقوله فتشاجروا أي تنازعوا وتضايقوا، وقوله: غشيه أي عرض له، وفسرت الرجفة بالصاعقة أي الصوت الشديد أو رجفة الجبل وزلزلته، وأما قوله صعقوا فقيل معناه ماتوا من الصاعقة، وقيل معناه غشي عليهم. قوله: (تمنى هلاكهم وهلاكه الخ) تستعمل لو للتمني وهل هو معنى وضمي لها أو مجازيّ، وهي شرطية تدل على الامتناع والتمني في الممتنعات فتدل عليه بقرينة السياق والأكثر حينئذ أن لا يذكر لها جواب، وذكر بعض النحاة أنه قد يذكر جوابها كما هنا والمصنف رحمه الله تبع الزمخشرفي في هذا، وقيل عليه إنه ذهب إليه ليوافق ما أسس عليه مذهبه يعني في امتناع الرؤية، وهو خلاف الظاهر لأنّ لو للامتناع وإنما يتولد معنى التمني إذا اقتضاه المقام، والمقام هنا يقتضي أن لا يهلكهم حينئذ لقوله: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا كما أشار إليه محيي السنة فلا وجه لما قيل إنه جعل المعنى على التمني لخلوّه بدونه عن الإفادة، ولكن لا تجعل لو للتمني والا لم تحتج إلى الجواب بل بمعونة المقام، ثم جعل ذلك على وجهين كون هلاكهم الذي تمناه بدون السبب، وبالسبب ولا بأس فيه وقوله أو عنى معطوف على تمنى إذ المقصود به الترحم عليهم ليرحمهم الله كما رحمهم، أو لا جريا على مقتضى كرمه، وإنما قال: واياي تسليما منه وتواضعا. قوله: (أو بسبب آخر) عطف على ما قبله بحسب المعنى لأن محصلة تمنى هلاكهم بسبب محبة أن لا يرى ما رأى من مخالفتهم له، ونحوه أو بسبب آخر فاندفع ما قيل إنّ أو لا يظهر صحة موقعه، ولذا قيل قوله بسبب الخ متعلق بتمنى فعطفه على ما تبله باعتبار المعنى يعني تمنى ذلك بسبب ما رأى من الرجفة أو بسبب آخر مثل الجراءة على طلب الرؤية لقومه، والمراد إهلاكهم جميعاً ولذا قال واياي بعد إهلاك خيارهم كما روي عن مقاتل رحمه الله فلا يرد ما قيل إنه يأباه قوله أتهلكنا الخ. قوله: (وكان ذلك قاله بعضهم الخ (قيل الداعي له على ذلك ما فيه من التضجر الذي لا يليق بمقام النبؤة، ولكن لا يخفى أنه لا قرينة عليه مع أنّ ما قبله مقول موسى صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون على ظاهره وأن يكون بمعنى النفي أي ما تهلك من لم يذنب بذنب غيره، وعن المبرد أنه سؤال استعطاف. قوله: (وقيل المراد بما فعل السفهاء الخ) يعني فعل السفهاء عبادة العجل، والذين خاف هلاكهم من ذكر وهذا بناء على تعذد الميقات وعلى هذا فهو من قول موسى مجتيب أيضا، وعن السدي أن السبعين ماتوا من تلك الرجفة، وعن عليّ كرم الله وجهه أنّ موسى وهارون انطلقا إلى سفح جبل فنام هرون فتوفاه الله فلما رجع موسى صلى الله عليه وسلم قالوا له قتلته فاختار سبعين منهم وذهبوا إلى هرون فأحياه الله، وقال ما قتلني أحد فأخذتهم الرجفة هنال. توله: (ابتلاؤك الخ) قد مز أنّ هذا حقيقة الفتنة، وقوله: فزاغوا أي مالوا عن عبادة الله تعالى إلى عبادة العجل، وقوله: من تشاء ضلاله عدول عما في الكشاف من تأويله لأن الله لا يخلق الضلال القبيح عنده، وقو! هـ بالتجاوز عن حده ناظر إلى الطمع في الرؤية واتباع المخايل أي الظنون بما يظهر من العلامات من خوار العجل ناظر إلى توله أوجدت في العجل خوارا وهما أيضا ناظران إلى تفسير ما فعل السفهاء كما مرّ على اللف والنشر المرتب، وقوله هداه إشارة إلى مفعوله المقدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 بقرينة المقام وضمير هي للفتنة المعلومة من السياق أي إن الفتنة إلا فتنتك وان نافية، وقيل يعود على مسألة الإراءة المفهومة من قوله أرنا الله جهرة. قوله: (القاذم بأمرنا) تفسير للولي لأنه من يلي الأمور ويقوم بها، ومن شأنه دفع الضر وجلب النفع فلذا فرّع عليه قوله فاغفر لنا الخ مع تقديم التخلية على التحلية، وقوله: (تنفر السيئة وتبدلها بالحسنة) لأنّ من تمام العفو اتباعه بالإحسان، وفسره به ليكون تذييلاً لاغفروا رحم معاً. قوله: (حسن معيشة الخ) يعني أنّ حسنة الدنيا شاملة للدين والدنيا، وقوله الجنة تفسير لحسنة الآخرة لا للأخرة لأنه اكتفاء وتقديره، وفي الآخرة حسنة وقوله: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} تعليل لطلب المغفرة والرحمة. قوله:) من هاد يهود الخ (قراءة العامة بضم الهاء من هاد يهود بمعنى رجع وتاب كما قال: إني امرؤ مما جنيت هائد ومن كلام بعضهم: يا راكب الذنب هدهد وا.! جد! أنك هدهد وقيل معناه مال، وقرأ زيد بن عليّ وأبو وجرة هدنا بكسر الهاء من هاد يهيد بمعنى حرك وأجاز الزمخشريّ على الضم والكسر بناءه للفاعل والمفعول بمعنى ملنا أو أمالنا غيرنا أو حركنا أنفسنا أو حركنا غيرنا، وقيل عليه إنه متى التب! وجب أن يؤتى بحركة تزيل اللبس فيقال عقت إذا عاقك غيرك بالكسر فقط، أو الإشمام إلا أن سيبويه جوّز في نحو قيل الأوجه الثلاثة من غير احتراز وقد تابعه الزمخشرفي، والمصنف رحمه الله فقوله ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل والمفعول أي هدنا بالكسر يحتملهما لاتحاد الصيغة وصحة المعنى وان اختلف التقدير، وقوله:) ويجوز أن يكون المضموم (أي هدنا بضم الهاء كالمكسور مبنيا للمفعول منه أي من هاد يهيد، وقوله:) في الدنيا) الإخراج رحمة الآخرة لأنها تخص المؤمنين، وقو! هـ من أشار قرئ أساء بالمهملة ونسبت هذه القراءة لزيد بن عليّ، وقال الداني: إنّ هذه القراءة لم تصح ولهذا تركها المصنف رحمه الله. قوله: (فسأثبتها في الآخرة أو فسثتبها كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل) بفتح السين للاستقبال والمراد إثباتها في الآخرة لمؤمني هذه الأمّة وغيرهم أو للتأكيد إن كان المراد تقديرها وللاستقبال إن كان المراد إثباتها لمن آمن من بني إسرائيل بمحمد صلى الله عليه وسلم فقوله: (منكم يا بني إسرائيل) متعلق بقوله للذين يتقون مقدم عليه ومن تبعيضية لا للبيان لأنهم بعض المخاطبين لا أنفسهم، وهو حال! من الذين يتقون كما تاله النحرير: وقيل إنها بيانية، وقوله: خصها بالذكر لإنافتها أي لعلوها وشرفها من ناف وأناف على الشيء أشرف عليه، أو لأنها أشق فذكرها لئلا يفرطوا فيها والمراد بتخصيصها بالذكر أنه أفرد بالتصريح بها مع دخولها في التقوى، وعلى تخصيص المصنف رحمه الله التقوى باتقاء الكفر والمعاصي إذا أريد بالمعاصي المنهيات من الأفعال دون التروك فالتخصيص على ظاهره، دمان عم فالمراد ما مرّ وفي كونها منيفة على الصلاة التي هي عماد الدين نظر إلا أن يراد بالنسبة إلى المالية فتدبر. قوله: (فلا يكفرون بشيء منها الخ) عموم الآيات يفيده الجمع المضاف وقوله: (فلا يكفرون بشيء منها (تفسير له أو المراد ويدومون على الإيمان بعد إحداثه لا كقوم موسى صلى الله عليه وسلم فلذا عطفه بالفاء التفسيرية أو المعقبة للدوام على أصل الإيمان فلا يرد عليه أنّ حقه أن يعطف بالواو كما قيل، وأما تقديم بآياتنا فهو يفيد اختصاص إيمانهم بجميع الآيات لأنّ بعض أمّة موسى ع! لم يؤمنوا ببعضها. قوله: (مبتدأ خبره يأمرهم الخ (في إعراب الذين وجوه الجرّ على أنه بدل من الذين يتقون أو نعت له، والنصب على القطع والرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر أو على أنه مبتدأ خبره جملة يأمرهم كما قاله المصنف رحمه الله تبعا لأبي البقاء، أو أولئك هم المفلحون، وفيه بعد وأورد على الأوّل أنه من تتمة وصف الرسولءلمجي! أو معمول للوجدان فكيف يكون خبراً، وليس بشيء لأنه ليس من تتمة إذا جعل خبرا ومعناه ظاهر، نعم هو خلاف المتبادر من النظم وإذا كان بدل بعض فالذين يتقون عام، وفيه ضمير مقدر أي منهم وإذا جعل بدل كل جعل الذين يتقون هؤلاء المعهودين، وقوله: (والمراد) بيان لمحصل المعنى على الوجهين ويصح أن يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 تفسيرا للذين يتقون الأوّل ومنهم إشارة إلى التقدير، وللذين يتقون على الثاني، ويأمرهم إن لم يكن خبراً فهو حال أو مستأنف، وفيه وجوه أخر. قوله:) وإنما سماه رسولاً بالإضافة إلى الله الخ (في الكشاف هنا تفسير الرسول بالذي يوحى إليه كتاب، والنبيّ بالذي له معجزة فقال النحرير: هو إشارة إلى الفرق بين النبيئ والرسول بأن الرسول من يكون له كتاب خاص، والنبيّ أعم وان كان مفهوم الرسالة أيضا أعم كالمرسل، وفاقا بدليل إن إسماعيل ولوطا والياس ويونس عليهم الصلاة والسلام من المرسلين وليس لهم كتاب خاص، ويعني أنّ الفرق المذكور مع تغاير المفهومين على كل حال من عرف الشرع والاستعمال وأما الوضع والحقيقة اللغوية فهما عامان، وقد ورد في القرآن بالاستعمالين، فلا تعارض بينهما، ولا يرد أنّ ذكر النبيّ العام بعد الخاص لا يفيد والمعروف في مثله العكس، واندفع ما في الكشف من أن ما ذكره الكشاف غير سديد لأن أكثر الرسل لم يكونوا أصحاب كتاب مستقل كيف، وقد نص تعالى على أنّ إسماعيل ولوطا والياس ويونس من المرسلين ولا كتاب لهم وكم وكم، والتحقيق أن النبيّ هو الذي ينبىء عن ذاته وصفاته، وما لا تستقل العقول بروايته ابتداء بلا واسطة بشر، والرسول هو المأمور مع ذلك باصلاج النبوّة فالنبوّة نظر فيها إلى الأنباء عن الله تعالى، والرسالة إلى المبعوث إليهم عكس ما ذكره المصنف رحمه الله والثاني، دهان كان أخص وجود إلا أنهما مفهومان مفترقان، ولهذا لم يكن رسولاً نبيا مثل إنسان حيوان اهـ، والمصنف رحمه الله فرق بينهما بفرق آخر، وهو أن الرسول من أرسله الله لتبليغ أحكامه والنبيّ من أنبأ الخلق عن الله فالأوّل يعتبر فيه الإضافة إلى الله، ولذا قدم عليه لتقدّم إرسال الله له على تبليغه وشرفه، والثاني يعتبر فيه الإضافة إلى الخلق فلذا أخر والنبيّ فعيل بمعنى اسم الفاعل، ويشهد له أن الجاري في الاستعمال نبينا ورسول الله العكس قليل، ولذا قيل إن المصنف أشار إلى أنهما هنا على معناهما اللغوي لإجرائهما على ذات واحدة كما إنهما كذلك في قوله: {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [سورة مريم، الآية: 54] ولذا قال ثمة أرسله إلى الخلق فأنبأهم فلم يفرق بينهما، ولما تعددت الذوات وقوبل بينهما في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [سورة الحج، الآية: 52] في الحج احتاج إلى الفزق المشهور فقال الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبيّ يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق فلا يرد عليه النقض بإسماعيل صلى الله عليه وسلم ونحوه لحمله على معناه اللغوي وبهذا اندفع كل ما أوردوه هنا. قوله:) الذي لا يكتب ولا يقرأ الخ) كونه-لمجيه لا يكتب ولا يقرأ أمر مقرّر مشهور، وهل صدر عنه ذلك في كتابة صلح الحديبية كما هو ظاهر الحديث المشهور أو أنه لم يكتب وإنما أسند إليه مجازاً، وقيل إنه صدر منه ذلك على سبيل المعجزة وتفصيله في فتح الباري، وهو نسبة إلى أفة العرب لأن الغالب عليهم كأن ذلك، كما في الحديث: إ إنا أمّة أئية لا نكتب ولا نحسب ") 1 (، وأما نسبته إلى أتم القرى فلأنّ أهلها كانوا كذلك أو إلى اً ته كاً نه على الحالة التي ولدته أقه عليها، وقيل إنه منسوب إلى الأئم بفتح الهمزة بمعنى القصد لأنه المقصود وضم الهمزة من تغيير النسب، ويؤيده قراءة يعقوب الأمي بفتح الهمزة وإن احتملت أن تكون من تغيير النسب أيضأ، وقوله وصفه به الخ يعني أن هذه الصفة فيها مدح وعلؤ كعب لأنها معجزة كما في البردة كفاك بالعلم في الأقيّ معجزة كما أنّ صفة التكبر دته مادحة وفي غيره ذاتة. قوله: (ويحل لهم الطيبات الخ) في تفسير الطيبات والخبائث قولان، أحدهما أنها الأشياء التي يستطيبها ويستخبثها الطبع فتكون الآية دالة على أنّ الأصل في كل ما تستطيبه النفس، ويستلذه الطبع الحل وفي كل ما يستخبثه الطبع الحرمة إلا لدليل منفصل، والثاني ما طاب في حكم الشرع وما خبث فيه، قيل ولا شك أنّ معناه حينئذ ما حكم الشرع بحله أو حكم بحرمته، وحينئذ يرجع الكلام إلى أنه يحل ما يحكم بحله ويحرّم ما يحكم بحرمته ولا فائدة فيه وردّوه بأنه يفيد فائدة وأيّ فائدة لأنّ معناه أنّ الحل والحرمة يحكم الشرع لا بالعقل والرأي كتحريم بني إسرائيل للشحوم كما يشير إليه قوله مما حرّم عليهم كالشحوم، قيل إنه قيده لاقتضاء التحليل سبق التحريم، ولذا لم يفسره بما طاب في الشريعة كما في الكشاف، وجوّز كون الخبائث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 ما يستخبث طبعاً أو ما خبث فيها، وجعل مثل الدم والربا مما حرّم لأنّ الأصل في الأشياء الحل ولا يرد عليه أحل الله البيع وحرّم الربا لأنه ردّ لقولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [سورة البقرة، الآية: 275] أو لأن المراد ابقاه على حله لمقابلته بتحريم الربا وبه اندفع ما مرّ من أنه لا فائدة فيه، وقوله: (كالدم الخ) إشارة إلى القولين في الخبيث كما مرّ وفي قوله: {فَسَأَكْتُبُهَا} [سورة الأعراف، الآية: 156] تخلص حسن جداً كما في المثل السائر فانظره. قوله: (ويخفف عنهم ما كلفوا به الخ) يعني أن الوضع والإصر والأغلال كل منها استعارة لما ذكر، ويصح جعل بعضها استعارة والآخر ترشيح، والمجموع استعارة تمثيلية ولم يبين لكل مثالاً على حدة لأنه يصلح لكل منها، والأصر الحمل والثقل وقرىء بالفتح على المصدر وبالضم على الجمعية وهو ظاهر، وقرض! موضمع النجاسة قيل إنه من الثوب والبدن، وقد أورد عليه أنه ينافي ما ذكره في قوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} من تفسيره بالعفو عن القصاص على طريقة الندب، وجمع بأنه كان مأموراً به في الألواح أولاً، ثم تعين عليهم القصاص تشديداً عليهم جزاء لما صدر عنهم والحراك بحاء مكسورة وراء مهملة الحركة. قوله: (وعظموه بالتقوية) هذا حقيقة معناه لغة قال الراغب: في مفرداته التعزير النصرة مع التعظيم والتعزير الذي هو دون الحد يرجع إليه لأنه تأديب والتأديب نصرة لأن أخلاق السوء عدو، ولذا قال: في الحديث " انصر أخاك ظالماً أو مظلوما ققيل كيف أنصره ظالماً فقال ثكفه عن الظلم)) 1 (ومن غفل عنه قال: وجه لتقييد التعظيم بالتقوية لأنّ كلاً منهما معنى مستقل له مع أنه يتكرّر مع قوله نصروه وهو غفلة عن قول المصنف رحمه الله ونصروه لي أي قصدوا بنصره وجه الله واعلاء كلمته. قوله: (أي مع نبوّته يعني القرآن (أي المراد بالنور القرآن لأن حقيقة النور ومحصل معناه ما كان ظاهراً بنفسه مظهرا لغيره، وهو كذلك لظهوره في نفسه بإعجازه واظهاره لغيره من الأحكام واثبات النبوّة فهو استعارة فإن فهمت فهو نور على نور وقدر نبوته لأنه لم ينزل معه، وإنما أنزل مع جبريل عليه الصلاة والسلام فأشار إلى تقرير مضاف إذا تعلق بأنزل لأنّ استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعاً به، فإن تعلق باتبعوا فالمعنى اتبعوا القرآن مع إتباع النبي ىكييه فيكون أمراً بالعمل بالكتاب والسنة، أو هو حال أي اتبعوا القرآن مصاحبين له في إتباعه؟ وقيل مع بمعنى على وهو بعيد وجوز أن يكون حالاً مقدرة من نائب لاعل أنزل. قوله: (ومضمون الآية جواب دعاء موسى صلى الله عليه وسلم) يعني من قوله قال عذابي إلى هنا وفيه طيّ لما في الكشاف من السؤال والجواب عن تطابقهما، ودعاؤه قوله فاغفر الخ. قوله: (الخطاب عامّ الخ) إشارة إلى أنّ التعريف للاستغراق بدليل قوله جميعا، وهو ردّ على اليهود ومن قال إنه مبعوث للعرب ولذا أدرج فيه الجن لأنّ المعنى للناس جميعا لا للعرب فلا ينافيه دخولهم وان قلنا بالمفهوم فتأفل، وقوله حال من إليكم أي من الضمير المجرور قيل: ولا حاجة إلى ذكره، ورذ بأنه دفع لتوهم أنه حال من الناس وقوله: (إلى كافة الثقلين (لا يرد عليه أن كافة يلزم نصبه على الحالية، وغيره لحن لأنه غير مسلم كما فصلناه في شرح درة الغواص. قوله: (صفة لله تعالى وإن حيل بينهما الخ) ردّ على أبي البقاء رحمه الله إذ استضعف النعت، والبدل بالفصل لأنه ليس بأجنبيّ، ولأنه لكونه معمول المضاف إليه أي إلى الله وهو رسول المضاف في نية التقديم فكأنه لا فصل فيه، وقيل: فيه إشارة إلى ترجيحه وان رجح الزمخشريّ خلافه لأنه أقحم معنى وأسهل لفظاً، وجعله مبتدأ قيل هو مع ظهوره في المقام نبوة عنه. قوله: (وهو على الوجوه الآول) هي ما عدا كونه مبتدأ وكذا في الكشاف جعله بيانا للجملة قبله مع قوله إنه بدل من الصلة، وفي الكشف فيه دلالة بينة على أنّ البدل يكون بياناً كما نص عليه سيبويه، ووجه البيان أنّ من ملك العالم هو الإله فبينهما تلازم يصحح جعل الثانية مبينة للأولى والبيان ليس المراد به الإثبات بالدليل حتى يقال الظاهر العكس لأنّ الدليل على تفرده بالألوهية ملكه للسموات والأرض مع أنه يصح أن يجعل دليلاً عليه أيضاً، لأن الدليل على أنه المالك المتصرف فيهما وما فيهما انحصار الألوهية فيه إذ لو كان إله غيره لكان له ذلك وهو ظاهر، وأما اعتراض أبي حبان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 رحمه الله بأنّ الجمل التي لا محل لها من الإعراب لا يجري فيها تبعية الإبدال فليس بشيء لأنّ أهل المعاني ذكروه، وأما تعريف التابع بكل ثان أعرب لإعراب سابقه فليس بلكيّ كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. قوله: (مزيد تقرير لاختصاصه بالآلوهية) قيل عليه منع، وهو أنه إنما يدلّ على ثبوتها له تعالى لا على اختصاصها إلا أن يقال بناء على تقدير مبتدأ وافادته الحصر، وليس بشيء لأنه لم يقل لا يحمص ويميت غيره. قوله: (ما انزل عليه الخ) وكأنه عبر عنها بالكلمات لأنها بالنسبة إلى ما لو كان البحر مدادا له لم تنفذ كلماته وقوله: أو عيسى صلى الله عليه وسلم هو على قراءة الوحدة وتسميته كلمة لأنه خلق بقوله: كن من غير نطفة، والعدول عن التكلم حيث لم يقل فآمنوا بي لأنه قصد توصيفه بما ذكر والضمير لا يوصف وأجريت عليه الأوصاف التي تقتضي اتجاعه، وفي الكشاف ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أنّ الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا المتصف بما ذكر كائنا من كان إظهارا للنصفة وتمادياً من العصبية لنفسه، وقد أومأ إلى ذلك المصنف رحمه الله بقوله الداعية الخ فرآه مندرجا فيما ذكره، ولو صرّج به لكان أولى. قوله: (رجاء الاهتداء أثر الأمرين) أي الإيمان بما ذكر واتباعه، وخطط بالكسر جمع خطة بكسرها أيضا وهي المنزل والدار من قولهم اختلط الدار إذا ضرب حدودها وهذه خطة بني فلان وخططهم، فقوله: في خطط الضلالة أي نازل ومتمكن فيها كما يقال هو في ضلال وفي هدى. توله: (يهدون الناس محقين الخ) يعني الجار والمجرور في محل نصب على الحالية والباء للملابسة، أو لغو والباء للآلة، وقوله: (من أهل زمانه) أي زمان موسى صلى الله عليه وسلم، وتعارض! الخير والشر أي وقوع كل منهما مقابلا للأخر، وقوله: وقيل قوم وراء الصين الخ أي من بني إسرائيل، وفي الكشاف إن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم، ففتح الله لهم نفقاً في الأرض، فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين، وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا، وذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال لهم جبريل عليه الصلاة والسلام: هل تعرفون من تكلمون قالوا لا قال هذا محمد النبي الأميّ فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إن موسى فئ أوصانا من أدرك منكم أحمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ عليه مني السلام فردّ محمد على موسى عليهما السلام السلام، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم! ي! هـ أن يجمعوا ويتركوا السبت) 1 (. قوله: (وصيرناهم قطعاً متميزا بعضهم الخ) جوّزوا في قطع أن يتعذى لواحد وأن يضمن معنى صير فيتعدى لإثنين فاثنتي عشرة حال أو مفعول ثان كما ذكره المصنف رحمه الله لكن تفسيره بهذا ظاهره أنه جار على الوجهين فقطعا حال أو مفعول ثان أيضا وتصريحه بالتصيير يابى الوجه الأوّل إلا أن يقال إنه إذا تعدى لواحد فيه معنى الصيرورة أيضا لأنه من لوازم التعدي، أو اقتصر على أحد الوجهين في صدر الكلام لرجحانه عنده. قوله: (وثأنيثه للحمل على الأمّة أو القطعة (أي تأنيث اثنتي ومعدود مذكر وهو انسبط، وما قبل الثلاثة يجري على أصل التأنيث والتذكير إما لأنّ بعده أمما فراعى تأنيثه أو لأنّ كل سبط قطعة منهم فأنث لتأنيث السبط به أو لتأويله بفرقة. قوله: (بدل منه ولذلك جمع الخ) قال ابن الحاجب: في شرح المفصل أسباطا منصوب على البدلية من اثنتي عشرة ولو كان تمييزاً لكانوا ستة وثلاثين على هذا النحو لأن مميز اثنتي عشرة واحد من اثنتي عشرة فإذا كان ثلاثة كانت الثلاثة واحداً من اثنتي عشرة فيكونون ستة وثلاثين قطعاً، اهـ فهذا هو الذي جنح إليه المصنف وهو جار على الوجهين في قطعناهم والتمييز على هذا محذوف أي فرقة، أو التقدير قرقا اثنتي عشرة فلا تمييز له، والداعي لهذا أنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 تمييز العدد المركب من أحد عشر إلى تسعة عشر مفرد منصوب وهذا جمع، وقال: الحوفيّ إنّ صفة التمييز أقيمت مقامه وأصله فرقة أسباطا فليس جمعاً في الحقيقة. قوله: (أو تمييز له على أن كل واحدة الخ (يعني أنّ السبط مفرد بمعنى ولد كالحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استعمل في كل جماعة من بني إسرائيل بمعنى القبيلة في العرب تسمية لهم باسم أصلهم كتميم، وقد يطلق على كل قبيلة منهم أسباط أيضاً كما غلب الأنصار على جمع مخصوص فيكون مفرداً تأويلا لأنه بمعنى الحيّ والقبيلة فلذا وقع موقع المفرد في التمييز كما يثني الجمع في نحو قوله: بين رماحي مالك ونهشل إذ عد كل طائف ونوع منها واحداً، ثم ثناه كما يثنى المفرد وهذا بخلاف ثلثمائة سنين بالإضافة فإنه يتمّ المراد فيه بثلثمائة سنة، وقرأ الأعمش وغيره عشرة بكسر الشين وروي عنه فتحها أيضا والكسر لغة تميم والسكون لغة الحجاز وقد تقدم. قوله: (على الآوّل بدل بعد بدل الخ) المراد بالأوّل كون أسباطا بدلاً فيكون بدلاً من اثنتي عشرة لأنه لا يبدل من البدل كما سيأتي، أو نعته وعلى كونه تمييزاً يكون بدلاً منه ولا مانع من كونه نعتا أيضاً فانظر لم تركه المصنف. قوله: (وحذفه للإيماء على أنّ موسى صلى الله عليه وسلم الخ (ضمن الإيماء معنى الدلالة فعد 51 بعلى وهو كثيرا ما يتسامح في الصلات يعني أنّ هذه الفاء فصيحة وحذف المعطوف عليه لعدم الإلباس وللإشارة إلى سرعة الامتثال حتى كأن الإيحاء وضربه أمر واحد وانّ الإنجباس وهو انفجار الماء بأمر الله حتى كأن فعل موسى صلى الله عليه وسلم لا دخل له فيه، وقد مرّ تحقيق الفاء الفصيحة في سورة البقرة، وما ذكر من الإيماء قيل عليه إنّ الفاء التعقيبية تدل عليه، وأجيب بأنّ الحذف أدلّ منها، ووجهه أنه توهم أنّ الإنجباس اتصل بالأمر من غير فصل فتأمل. قوله. (كل سبط) أي قبيل كما مرّ واقتصر عليه لأنه الأشهر والأرجح عنده لشهرته، وقد تقدم الكلام على أناس وأنّ فعالاً هل هو جمع أو اسم جمع، وا! أهل اللغة يسمون اسم الجمع جمعا كما ذكره النحرير هنا وقدروا القول قبل كلوا للرّبط أي قلنا أو قائلين. قوله: (سبق تفسيره الخ) مرّ أن أصله فظلموا بأن كفروا بهذه النعم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالكفر إذ لا يتخطاهم، ومرّ الكلام عليه وفسر القرية ببيت المقدس وهو الراجح وقيل أريحاء وقيل قرية أخرى. قوله: (غير أنّ قوله فكلوا الخ) يعني أنّ القصة واحدة والتعبير فيها مختلف وله تفصيل في الكشاف، يعني إذا تفرّع المسبب على السبب اجتمعا في الوجود فيصح الإتيان بالفاء والواو إلا أنه قيل الواو أدل على جودة ذهن السامع وأنه مستغن عن التصريح بالترتيب، وفي اللباب أتى بالفاء في البقرة لأنه قال: ادخلوا فحسن ذكر التعقيب معه، وهنا قال: اسكنوا والسكنى أمر ممتد واكل معه لا بعده وذكر رغداً هناك لأنه في أوّل الدخول يكون ألذ وبعد السكنى واعتياده لا يكون كذلك وهو حسن جدا. قوله: (وعد بالغفران أو الزيادة عليه بالإثابة (إشارة إلى أن مفعول سنزيد محذوف تقديره ثوابا، وقوله وإنما أخرج الثاني أي قوله سنزيد المحسنين وليس هذا غفولاً عن الواو والجامعة بينهما في البقرة الدالة على التشريك في المقابلة، كما قيل، لأن المراد أنّ امتثالهم جازاه الله بالغفران وزاد عليه، وتلك الزيادة محض فضل منه فقد يدخل في الجزاء صورة لترتبه على فعلهم وقد يخرج عنه لأنه زيدة على ما استحقوه كما أنه إذا أقرض أحد عشرة فقضاه خمسة عشر فإنه يقال إنّ الخمسة عشر قضاء أو العشر قضاء والخمسة فضل واحسان ولذا قرئه بالسين الدالة على أنه وعد وتفضل، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله هناك أيضا فتدبر، ثم إنه إن كان المراد بالاستئناف ترك مالعاطف فوجهه ما ذكر وان كان المراد رفعه، وترك جزمه وتجريده من السين فلا يرد ما ذكر رأساً. قوله: (مضى تفسيره فيها (أي في البقرة وهو بدلوا بما أمروا به من التوبة والاستغفار طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا، والرجز العذاب أو الطاعون وقد مرّ تحقيقه. قوله:) واسألهم للتقرير والتقريع) الضمير لمن بحضرة الرسول ع! ي! من نسلهم وهذا الفعل معطوف على اذكر المقدر عند قوله واذ قيل كما قاله الطيبي رحمه الله: والتقرير بمعنى الحمل على الإقرار سواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 كان بالاستفهام أو بنحو أسألكم عن كذا والمراد إعلامهم بذلك لأنهم كانوا يخفونه، وقوله بتعليم أي ممن أسلم منهم، أو وحي إن كان قبل إسلامهم أو المراد أنه لا يعلم إلا بتعليم أو بوحي ولا تعليم فتعين الوحي، وقوله لتكون متعلق بالوحي وقوله معجزة عليهم أي شاهدة عليهم. قوله: (عن خبرها وما وقع أهلها (يعني السؤال عن حال القرية المراد بهما يعمّ السؤال عنها نفسها وعن الأهل أو هو إشارة إلى تقدير مضاف ويجوز فيه التحوّز وضمير يعدون للأهل المقدّر أو المعلوم من الكلام، وقيل إنه استخدام. قوله: (قريبة منه الخ) فالمراد بالحضور القرب، وقيل إنه من الحضارة أي أنها حضر معمور من بين قرىء ذلك البحر، وقوله قرية بين مدين والطور تقدم تفسير مدين وطبرية بالشأم، وقوله بالصيد يوم السبت ظاهره إنّ السبت هنا اليوم لا المصدر كما في الكشاف. قوله: (وإذ ظرف لكانت الخ (المراد بالمضاف المقدر أهل وعلى البدلية فإن قيل إذ من الظروف المتصرفة فلا كلام فيه وإلا أشكل عليه أن البدل على نية تكرار العامل، وهو لا يجرّ بعن فلا بد أن يكون هذا على القول الآخر وان لم يكن مرضيه سرد للأقوال والاحتمالات. قوله: (ظرف ليعدون الخ (جعله بدلاً بعد بدل لأنّ الإبدال من البدل فيه كلام سيأتي والإعداد إحضار العذة وتهيئتها، وسبتت اليهود عظمت يوم السبت بترك العمل فيه ونحوه، وقوله والإضافة أي إضافة سبت لضميرهم وشرّعا جمع شارع. قوله: (ويؤيد الأوّل) أي المصدرية أنه قرىء به من المزيد ولفظ قوله مرفوع أي يؤيده قوله لا يسبتون لأنّ النفي يقابل الإثبات، وهو يوم السبت وأسبت بمعنى دخل في السبت كأصبح وقوله: (لا يدخلون في السبت (بالبناء للمجهول إشارة إلى أنّ الهمزة للتعدية فيه، وما قيل إنه لم يثبت أسبته بمعنى أدخله في السبت لا وجه له مع القراءة به. قوله:) مثل ذلك البلاء الخ) يحتمل أنّ الإشارة إلى الامتلاء السابق أو المذكور بعده كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] كما مرّ وإذا كان متصلا بما قبله فالمعنى لا تأتيهم كذلك الإتيان في يوم السبت ووقع في نسخة بعده والباء متعلقة بيعدون وسقط من بعضها، وكأنه جعل إذ يعدون متعلقا بنبلوهم وبما كانوا متعلقاً به والمعنى نبلوهم وقت التعدي بالفسق وليس هذا بمتعين ولذا اعترض عليه بأنه ما المانع من تعلقه بنبلوهم مع قربه والعدول عنه لا وجه له فتأمّل. قوله: (عطف على إذ يعدون) لا على إذ تأتيهم وان كان أقرب لفظا لأنه إتا ظرف أو بدل فيلزم أن يدخل هؤلاء في حكم أهل العدوان وليسوا كذلك، قيل: أمّا على تقدير انتصابه فظاهر وأفا على تقدير ابداله فلأنّ البدل أقرب إلى الاستقلال وأيضا عطفه عليه يشعر أو يوهم أنّ القائلين من العادين في السبت لا من مطلق أهل القرية، والظاهر أن وجهه أنّ زمان القول بعد زمان العدوان ومغاير له وأفا كونه زماناً ممتداً كسنة يقع فيه ذلك كله فتكلف من غير مقتض والإيهام المذكور لا وجه له ولا يخص العطف مع أنه قول للمفسرين في الطائفة القائلة كما ستراه فتأمّل. قوله: (مخترمهم) أي مهلكهم ومستأصلهم من قولهم اخترمته المنية إذا قطعت حيانه وتقدير في الآخرة، قالوا: إنه تخصيص من غير مخصص، وبقية الآية تدل على خلافه وسننبهك عليه قريبا وعطف بعض أرباب الحواشي عليه قوله، ومستأصلهم تفسيراً له لدفع توهم الإعتزال الذي قصده الزمخشريّ، وقوله تقاول بينهم بالإضافة والتنوين أي الصلحاء الواعظين قالوه بعضهم لبعض أي لم تشتغلون بما لا يفيد أو قاله من انتهى عن الموعظة ليأسه لمن لم ينته منهم، أو قاله المعتدون تهكما بالناصحين هم المخوّفين لهم بالنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة، وحينئذ يكون قولهم ولعلهم يتقون التفاتا أو مشاكلة لتعبيرهم عن أنفسهم بقوم، وأمّا لجعله باعتبار غير الطائفة القائلين وارعوى بمعنى انتهى، وانكف ووجهه المبالغة أنه إذا لم يؤالاً عن السبب كان الظاهر لا تعظوا أو اتعظون فعدل عنه إلى السؤال عن سببه لاستغرابه لأنّ الأمر العجيب لا يدري سببه، وان كان سؤالاً عن العلة فهو ظاهر. قوله: (جواب للسؤال أي موعظتنا الخ) إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر على قراءة الرفع وقراءة النصب إما على أنه مفعول لأجله أي وعظناهم لأجل المعذرة، وعدّاه بإلى لتضمينه معنى الإنهاء والإبلاع أو مفعول مطلق لفعل مقدر أو مفعول به الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 للقول وهو وإن كان مفردا في معنى الجملة لأنه الكلام الذي يعتذر به، والمعذرة في الأصل بمعنى العذر وهو التنصل من الذنب، وقال الأزهري إنه بمعنى الاعتذار، وهو على القولين الأوّلين ظاهر، وعلى الأخير قيل إنه من تلقى السائل بغير ما يترقب فهو من الأسلوب الحكيم، وقوله: إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك أي اليأس المحقق فلا ينافي قوله: حتى أيسوا من اتعاظهم أو المراد حتى قاربوا اليأس كما يقال قد قامت الصلاة. قوله: (تركوا ترك الناسي) يعني أنه مجاز عن الترك والظاهر منه أنه استعارة شبه الترك بالنسيان والجامع بينهما عدم المبالاة به أو هو مجاز مرسل لعلاقة السببية، ولم يحمل على ظاهره لأنه غير واقع ولأنه لا يؤاخذ بالنسيان ولأن الترك عن عمد هو الذي يترتب عليه إنجاء الناهين إذ لم يمتثلوا أمرهم بخلاف ما لو نسوه فإنه كان يلزم تذكيرهم، وما موصولة وجوّز فيها المصدرية وهو خلاف الظاهر. قوله: (فعيل من بؤس الخ) البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أنّ البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية قاله الراغب: وفيه قراآت بلغت ستاً وعشرين فمنها بئيس بالهمز على وزن فعيل ومعناه شديد فهو وصف أو مصدر كالنكير وصف به، ومنها بيئس بفتح الباء وسكون الياء التحتية المثناة والهمزة المفتوحة كضيغم وصيقل وهو من الأوزان التي تكون في الصفات والأسماء والياء إذا زيدت في المصدر هكذا تصيره اسما أو صفة كصقل وصيقل كما قاله المرزوقي: وعينه مفتوحة في الصحيح مكسورة في المعتل كسيد، ولذا قالوا في قراءة عاصم، وفي رواية عنه بكسر الهمزة إنها ضعيفة رواية ودراية ويحققها أن المهموز أخو المعتل. قوله: (وابن عامر بئس الخ) فأصله بئس بباء مفتوحة وهمزة مكسورة كحذر فسكن للتخفيف كما قالوا في كبد كبد وفي كلمة كلمة وقراءة نافع رحمه الله مخرجة على ذلك إلا أنه قلب الهمزة ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها أو هذان القراءتان مخرجتان على أن أصلها بئس التي هي فعل ذم جعلت اسماً كما في قيل وقال: والمعنى عذاب مذموم مكروه، وقوله: كما قرىء الخ أي قرىء به بالكسر على الأصل وقوله أو على إنه راجع للقراءتين لا للثانية فقط وكان الظاهر جعله اسما فوصف به كما قيل وفيه نظر. قوله: (وقرىء بيس كريس) هذه قراءة نصر بن عاصم ولهما تخريجان أحدهما أنها من البوس بالواو وأصلها بيوس كميوت فاعل أعلاله، والثاني ما ذكره المصنف رحمه الله ورش! ككيس سيد القوم ولذا يطلقه الناس على صاحب السفينة وأصله على ما قاله رشس لا رئيس كما يتبادر إلى الذهن لأنّ إعلاله أقيس وباض بزنة اسم الفاعل أي ذو بأس وشدة وقوله بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية فالفسق كما أنه سبب للابتلاء سبب للهلاك إذا أصر عليه، أو المراد به إصرارهم على فسقهم أو مخالفتهم الأمر وعدم امتثال النصح. قوله: (تكبروا عن ترك ما نهوا عنه الخ) قدر المضاف أعني ترك إذا التكبر والإباء عن نفس المنهى عته لا يذم كما في قوله: {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي عن امتثاله وهو مثال لتقدير المضاف مطلقا لاقتضاء المعنى له مع المناسبة بين الأمر والنهي وان لم تكن مقصودة بالذات. قوله: (كقوله إنما قولنا لشيء الخ) تقدم تفسيرها في البقرة، وخسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد، وقوله إنما قولنا الخ سيأتي في تفسير سورة النحل يعني أنّ الأمر تكويني لا تكليفي لأنه ليس في وسعهم حتى يؤمروا به وفي الكلام استعارة تخييلية شبه تأثير قدرته تعالى في المراد من غير توقف، ومن غير مزاولة عمل واستعمال آلة بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور به من غير توقف وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله وسيأتي تحقيقه إن شاء الله. توله: (والظاهر يقتضي أنّ الله تعالى الخ) أي أوقع لهم نكالاً في الدنيا غير المسخ لكنه لم يبين وهذا يناسب أن لا يقيد العذاب الشديد بقوله في الآخرة كما نبهناك عليه، وقوله: (ويجورّ الخ) فيكون العذاب البئيس هو المسخ، وهذه الآية تفصيل لما قبلها، وقوله مطروق أي جعل طريقاً يدخل منه وأنسباء كاصدقاء جمع نسيب وهو القريب ومسخ القلوب أن لا يوفقوا الفهم الحق. قوله: (أي اعلم الخ) معنى تأذن تفعل من الإذن وهو بمعنى آذن أي أعلم والتفعل يجيء بمعنى الأفعال كالتوعد والإبعاد. قوله: (أو عزم لأنّ العازم الخ) يعني أنه عبر به عن العزم لأنّ العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 والترك ثم بجزم فهو يطلب من النفس الإذن فيه فجعل كناية عن العزم أو مجازاً عته ولما كان العازم جازما كان معنى عزم جزم، وقضى فأفادا التأكيد فلذا أجرى مجرى القسم، وأجيب بما يجاب به وهو قوله ليبعثن هنا، وفي كلام عمر رضي الله عنه عزمت عليك لتفعلن كذا، وقد صرّح به أهل اللغة والنحو فإن قلت مقتضى هذا أنه يصح أن يقالط عزم الله على كذا والظاهر خلافه، وقد صرّح النحرير بمنعه في غير هذا المحل من شرح الكشاف، قلت ليس الأمر كما ذكر فإنه ورد في حديث في صحيح مسلم رحمه الله وفي تهذيب الأزهري عن ابن شميل أنه ورد " عزمة من عزمات الله ") 1 (أي حق من حقوق الله وواجب مما أوجب الله. قوله: (إلى آخر الدهر) هذا لا ينافيه نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ورفع الجزية لأنه من أشراط الساعة الملحقة بأمور الآخرة وفسر العقاب بعقاب الدنيا لقوله سريع، فإنّ ظاهره أنه عقاب عاجل لا آجل، وقوله: {لِّمَن تَابَ وَآمَنَ} [سورة طه، الآية: 82] قيده به لاقتضاء المقام وليس على مذهب المعتزلة لأنه لم ينف العفو عمن لم يتب، وقوله وقطعناهم الخ من مغيبات القرآن لأنهم كذلك لا ديار لهم ولا سلطان يخصهم، والشوكة القوّة والقهر وقوله مفعول ثان أو حال إشارة إلى. القولين السابقين في كون قطع مضمنا معنى صبرا ولا لكن تفسيره بفرقناهم يناسب الحالية وقد مرّ مثله، وقوله: (بحيث لا يكاد الخ) أخدّه من الأرض والتقطيع. قوله: (صفة أو بدل منه الخ) أي من أمما على الوجهين أما الوصفية فظاهرة، وأما البدلية فقد خصها المعرب بالحالية وتكون هذه الجملة حالاً مبدلة من الحال أي حال كونهم منهم الصالحون، وجوّزه غيره على المفعولية بجعل الجملة صفة موصوف مقدر هو البدل في الحقيقة أي قوما منهم الصالحون الخ والصالحون مبتدأ أو فاعل للظرف، وقوله:) وهم الذين آمنوا بالمدينة) قيل إنه خلاف الظاهر لتفريع قوله فخلف من بعدهم خلف عليهم وضم المصنف رحمه الله إليه نظراءهم ليخف الإشكال، وقيل هم الذين وراء الصين. قوله: (تقديره ومنهم ناس دون ذلك الخ) إشارة إلى القاعدة المشهورة بين النحاة وهو أنّ الموصوف بظرف أو جملة إنما يطرد حذفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه كما في منا ظعن ومنا أقام، وغيره ممنوع عندهم على المشهور، فما قيل إنه شاع في الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمرّ النحاة على جعل الأوّل خبرا والثاني مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس، وان كان أبعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر أحرى وكأنهم يرون المصير إلى الحذف في أوانه أولى مخالف لما قرّروه لكن الذي جنح إليه أنّ مغزي المعنى يقتضي أنّ المتأخر خبر وهو الأصل إذ معنى منا ظعن بعضنا ظاعن وبعضنا مقيم ومحط النظر، والمقصود بالإفادة الظعن والإقامة وليس القصد إلى أنّ الظاعن والمقيم محقق ولكن لم يعلم أنه منهم، وقس عليه ما في النظم وهو كما قال لكن نور القوم أدق لأنّ محل الفائدة كونهم منقسمين إلى قسمين، ويعينه مقابلته بقوله منهم الصالحون فإنه لا يصح فيه إن يكون الظرف صفة للمبتدأ لما فيه من الإخبار عن النكرة بالمعرفة أو تقدير المتعلق معرفة وكلاهما خلاف الظاهر فالمعنى أنّ هؤلاء منقسمون إلى قسمين ولا حاجة إلى ما اعتذر به فتدبره. قوله: (منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم) يعني أنّ المراد بدون من انحط عنهم ولم يبلغ منزلتهم في الصلاح كما في قوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 18 ا] كما قاله الراغب ومن فسره بغيره فقد تسمح فإن أريد بالصلاج الإيمان فمن دونهم الكفرة وان أريد ظاهره فهم الفسقة وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه أراد ما يشملهما وجعل ذلك إشارة إلى الصلاح لإفراده قيل ولا بد فيه من تقدير مضاف، وهو أهل فإن أشير به إلى الصالحين لم يحتج إلى تقدير وقد ذكر النحويون أنّ اسم الإشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع، وقوله بالنعم والنقم لأنهما مما يختبر بهما، وقوله ينتهون وقع في نسخة ينتبهون. قوله: (مصدر نعت به الخ) هذا هو الصحيح لأنه يوصف به المفرد وغيره ولذا رذ القول بأنه جمع، وأمّا ردّه بأنه ليس من أبنية الجمع فغيروا رد لأنّ القائل بأنه جمع أراد أنه اسم جمع لأنّ أهل اللغة يسمون اسم الجمع جمعاً كما صرّح به ابن مالك في شرح الألفية ونقله النحرير وأمّا الخلف والخلف بالفتح والسكون هل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق فقيل هما بمعنى، وهو من يخلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 غيره صالحا كان أو طالحاً وقيل ساكن اللام يختص بالطالح ومفتوحها بالصالح، وفي المثل سكت الفا ونطق خلفا، ويؤيد الأوّل قوله: وبقيت في خلف كجلد الاجرب وقال بعض اللغويين: قد يجيء خلف بالسكون للصالح وخلف بالفتح لغيره، وقال البصريون: يجوز التحريك والسكون في الرديء وأما الجيد فبالتحريك فقط ووافقهم أهل اللغة إلا الفراء وأبا عبيد، واشتقاقه أما من الخلافة أو من الخلوف وهو الفساد والتغير، وقالط أبو حاتم: الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع فيه سواء والخلف بفتح اللام البدل ولداً كان أو غريباً. قوله: (والمراد به الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلا يصح تفسير الصالحين بمن آمن به كما مرّ، وقوله يقرؤونها الخ إشارة إلى أنّ الوراثة مجاز عن كونها في أيديهم واقفون عليها بعد آبائهم كما كان الإرث، وقرأ الحسن ورثوا بالضم والتشديد مبنياً لما لم يسم فاعله. قوله: (حطام هذا الشيء الأدنى الخ) الحط م بالضم المتكسر من اليبس والمراد حقارته وعرضه للزوال فإن العرض! بفتح الراء ما لا ثبات له ومنه استعار المتكلمون العرض لمقابل الجوهر، وقال أبو عبيد العرض! بالفتح جميع متاع الدنيا غير النقدين وبالسكون المال والقيم، ومنه الدنيا عرض حاضر بأكل منها البر والفاجر وقدر موصوف الأدنى الشيء توجيهاً لتذكيره مع أن المراد به الدنيا، وهو والدنيا من الدنو لقربها بالنسبة إلى الآخرة وأما كونها من الدناءة، فخلاف الظاهر لأنه مهموز ولذا تركه الجوهريّ وأخره المصنف رحمه الله والرشا بضم الراء وكسرها جمع رشوة وكون الجملة حالية ظاهر ويكفي مقارنته لبعض زمانه الوراثة لامتداده. قوله: (وهو يحتمل العطف والحال الخ) الثاني خلاف الظاهر لاحتياجه إلى تقدير مبتدأ من غير حاجة وذكر في نائب الفاعل وجهان ظاهر إن والأوّل أولى وأظهر. قوله: (من الضمير في لنا الخ) هكذا أعربها الزمخشرقي ولم يبين أنها حال من ضمير لنا أو يقولون فقيل مراده الثاني، والقول بمعنى الاعتقاد والظن، ولذا قال يرجون المعفرة مصرين وقيل إنما تاله للغرض الذي ذكره وهو أن الغفران شرطه التوبة وهو مذهب المعتزلة وأما أهل السنة فلا يشترطونها ولا يرد عليه أنّ جملة الشرط لا تقع حالاً لأنّ ذلك جائز كما قاله السفاقسي، والظاهر أنّ هذه الجملة مستأنفة (قلت) وان كانت نزغة اعتزالية لكن الحالية أبلغ لأنّ رجاءهم المغفرة في حال يضاذها أوفق بالإنكار عليهم، واعترض! على المصنف رحمه الله بأنّ الظاهر أنه حال من فاعل يقولون كما يدل عليه سياق كلامه وسيجيء في الكشاف ما يقرب منه في قوله تعالى في التوبة {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 42] ولم يتابعه المصنف رحمه الله هناك، ورذ بأنّ تقييد القول بذلك لا يستلزم تقييد المغفرة به، والمطلوب الثاني لأنه يحتمل حينئذ أن يقولوا ذلك حال أخذهم الرشا إذا ظفروا به ويكون اعتبارهم الغفران وبتهم به بشرط الرجوع والإنابة بخلاف ما إذا كان حالأ من ضمير لنا فإنّ المعنى حينئذ يجزمون بمغفرتهم مع عدم التوبة وفي نظر فتأمل. قوله:) يرجون المغفرة (قيل ليس المراد بالرجاء ما يحتمل عدم الوقوع فإنهم يقطعون بالمغفرة لما سيصرّح به قريبا، وقوله مصرين بيان للحال والجملة الحالية من كلام الله لا من المحكيّ، حتى يؤوّل ضمير يأتهم بالغيبة كما قيل. قوله: (أي في الكتاب) هو أما بيان لحاصل المعنى، والإضافة اختصاصية على معنى اللام أو إشارة كما قاله الطيبي رحمه الله إلى أنّ الإضافة على معنى في أي الميثاق المذكور في الكتاب. قوله: (عطف بيان للميثاق الخ) وقيل إنه بدل منه وقيل إنه مفعول لأجله وأن مصدرية، وقيل مفسرة لميثاق الكتاب لأنه بمعنى القول ولا ناهية جازمة وعلى الأوّل هي نافية. قوله:) أو متعلق به) أي يقدر قبله حرف جر هو متعلق بالميثاق لأنه عهد به لهم، وقوله والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة أي القطع بها هذا رذ على الزمخشري في جعله معتقد اليهود مذهب أهل السنة فإنهم لا يجزمون بالمغفرة للمطيع فضلأ عن العاصي، بل يجوّزون تعذيب المطيع كمغفرة العاصي المصر ولو أنصف لكان مدّهبه في البت بمغفرة التائب أقرب إلى مذهبهم، وهو من التعصب الذي حمله على التعسف بأمثاله والتجائه إلى نقل من التوراة لم يثبت مع أنه منسوخ محرف أو مخصوص بهم لو ثبت ولذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 تركنا تفصيله لما فيه، وقوله والمراد توبيخهم إشارة إلى أنه ناظراً إلى مقولهم هذا قيل والحق أنه ناظر إليه والى قوله: (يأخذون عرض) الخ، وقوله: (والدلالة (بالرفع معطوف على توبيخهم، وقوله البت بالمغفرة هو الداعي إلى تاويل الر-بء بما تقدم، وهو يقتضي اًن السين للاستقبال مع التأكيد وعلى كل حال ففي المقام كدر ما فتدبر. قوله: (من حيث المعنى (وان اختلفا خبراً وإنشاء إذ المعنى أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا وجوّز بعضهم كونه معطوفا على لم يؤخذ ودخول الاستفهام عليهما، وهو خلاف الظاهر وان عطف على ورثوا فجملة ألم يؤخذ معترضة وما قبلها حالية وجعل بعضهم المجموع معترضاً ولا مانع منه وقيل إنها حال بإضمار قد، وقد قرأ الجحدري أن لا تقولوا بالخطاب على الالتفات وقرأ عليّ والسلمي اذارسوا بتشديد الدال، وأصله تدارسوا فصرف كتصريف ادارأتم كما مرّ، وقوله مما يأخذ هؤلاء أي من عرض الدنيا السابق. قوله: (فيعلموا ذلك (تفريع أو تفسير كما مز نظيره، وقوله على التلوين أي تلوين الخطاب وهو جعله لونا بعد لون والمراد الالتفات، وإن كان التلوين أعم منه كما يعلم من شرح المفتاح قيل هذا على تقدير كون الخطاب للمأخوذ عليهم الميثاق فلو كان للمؤمنين فلا التفات فيه، ولك أن تقول إنه المراد بالتلوين، وقوله اعتراض والاعتراض قد يقترن بالفاء نحو: فاعلم فعلم المرء ينفعه وكذا قوله أنا لا نضيع الخ كما في الكشاف قيل وهو مبني على أنّ الاعتراض يكون في آخر الكلام وفيه نظر. قوله:) على تقدير منهم الخ (وقيل الرابط العموم الذي فيه وقيل أل عوض عن الضمير وأصله مصلحيهم وقوله تنبيها على أنّ الإصلاج كالمانع من التضييع لاًق التعليق بالمشتق يفيد علة مأخذ الاشتقاق فكأنه قيل لا نضيع أرجهم لإصلاحهم، وقوله وإفراد الإقامة أي تخصيصها بالتصريح بها مع دخولها في التمسك بالكتاب لانافتها أي لثرفها لأنها عماد الدين، وقيل إنّ خبر المبتدأ محذوف كمأجورون ونحوه. قوله: (قلعناه ورفعناه الخ) إذا كان معناه الجذب كما قاله المصنف رحمه الله يضمن معنى الرفع، وأما القلع فإنه من لوازمه ليطابق قوله ورفعنا فوقهم الطور، واختلفت عبارات أهل اللغة فيه ففسره بعضهم بالقلع وبعضهم بالجذب وبعضهم بالرفع وعليه فلا حاجة إلى التضمين، وقوله سقيفة سره به مع أنه كل ما علا وأظل لأجل حرف التشبيه إذ لولاه لم يكن لدخولها وجه، وفسر الظن باليقين لأنه لا يثبت في الجوّ، وقيل إنه على أصله وهو المناسب لقوله لأنه لم يقع متعلقه لأنه إذا لم يقع متعلقه كيف يتحقق التيقن، ولذا قيل مراده باليقين الاعتقاد الراجح الذي يكاد أن يكون جازما وهو الظاهر كما قال العلامة: قال المفسرون معناه علموا وتيقنوا، وقال أهل المعاني قوي في نفوسهم أنه واقع بهم إن خالفوا، وهذا هو الأظهر في معنى الظن وسيأتي ما فيه، وقوله: (ساقط عليهم) إشارة إلى أنّ الباء بمعنى على كما في أن تأمنه بقنطار وهو أحد معانيها وقوله: لأنهم كانوا يوعدون به أي بشرط عدم القبول كما سيصرّج به فسقط ما قيل إنّ المنقول في القصة إن تبلتم ما فيها والا ليقعن عليكم لا يقتضي تيقنهم بوقوع الجبل عليهم لإمكان خلافه بالقبول، وكذا عدم ثبوت الجبل في الجؤ لا يقتضيه لأنه على جري العادة وأما على خرقها فلا بعد فيه كرفعه فوقهم ووقوفه فيه وقد ردّ بأن المتيقن لهم وقوع الجبل عليهم إن لم يقبلوا ما في التوراة لكونه معلقا عليه، ولا يقدح فيه عدم وقوعه إذا قبلوا، ولاحتمال ثبوته على خرق العادة ألا ترى إلى أنه يتيقن احتراق ما وقع في النار مع إمكان عدمه كما في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قوله: (وإنما أطلق الظن الخ) أي المراد هنا اليقين أي الاعتقاد الجازم بأنهم إن لم يقبلوا وقع، وهو لا يقتضي الوقوع بدون شرطه فلم سمي ظناً أجاب عنه بأنه لما لم يكن متعلقه أي مفعوله واقعاً لعدم شرطه أشبه المظنون الذي قد يتخلف فسمي ظناً، والا فهو يقين لإخبار الصادق الذي لا يتخلف ما أخبر به، والعجب ممن قال: بعدما حقق ما سمعته فيه إنه حينئذ يكون جهلاً لا يقيناً، وبهذا عرفت أن كلام المصنف رحمه الله لا غبار عليه، وأنّ تأويله الظن باليقين لا يرد عليه شيء مما مرّ، فإن قلت كلام المصنف رحمه الله لا يخلو من إشكال لأنه فسر الظن باليقين وعلله بأنه لم يقع متعلقه أي ما علق عليه الوقوع، وهو عدم قبول أحكام التوراة فإذا لم يقبلوها وقع عليهم قلت تيقنهم ذلك بناء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 على ما شاهدوه وعلى ما في أنفسهم من عدم القدرة على القبول فلما كبر عليهم ذلك قبلوه وسجدوا على جباههم، وأخذوا ذلك كما رواه ابن حبان فانّ الجبل لم يقع عليهم، وعلى تقدير قائلين قبل خذوا فهو حال وهذا التقدير لا بدّ منه ليرتبط النظم، وقوله حال بتأويل مجدين. قوله: (بالعمل به) يعني أن الذكر كناية عزا العمل به أو مجاز وهو ظاهر قوله كالمنسيّ وليى إشارة إلى أنه يجوز حمله على حقيقته كما قيل، وقوله قبائح الأعمال إشارة إلى مفعوله المقدر. قوله: (أي أخرج الخ) أي أنّ الكلام محمول على ما يتبادر منه وأخذ استعارة بمعنى أخرج وأوجد لأنّ الأخذ لشيء يخرجه من مقرّه، وقوله بدل البعض هو أحسن من جعله بدل اشتمال ورجحه السفاقسيّ، وفيه نظر. قوله: (ونصب لهم دلائل ربوبيتة الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية شبه فيها مركب بمركب، وعدل عن قول الزمخشريّ إنه من باب التمثب ل والتخييل لأنه ربما ينوهم منه أنّ فيه استعارة تخييلية، وليى كذلك لا لما قيل إنّ إطلاق التمثيل على كلامه تعالى جائز، وأما إطلاق التخييل فغير جائز لأنّ كلام الله وارد على أساليب كلام العرب فلا مغ في إجرائه مجرى كلامهم حتى يطلق عليه مثله كالإلتفات ونحوه مما منعه بعض الظاهرية والمراد بالتخييل الإيقاع في الخيال وتصوير المعقول بصورة المحسوس لأنّ ألف العامّة بالمحسوس أتم وأكمل، وإدراكهم له أعمّ وأشمل وقد تبع في كونه تمثيلاً الزمخشرفي وغيره، واعلم أنّ ما ذكره الزمخشري هنا معناه أنه شبه من أوح الله فيه عقلا يدرك به ما نصب لهم من دلائل هديهم للإيمان به بذوات ذراريهم التي أشهدها على أنفسها فأقرّت إلا أنّ المعتزلة يشترطون في الإدراك البنية، كما نقله ابن المنير في تفسيره فالمشبه أمر محقق والمشبه به أمر مفروض متخيل لا حقيقة له في الخارج فهو من قبيل ما يحكى عن الحيوان والجماد عليه قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت، الآية: 11، ولذا جعله تخييلا وليس المراد به الاستعارة التخييلية المشهورة فإن قلت كل الناس يصدق عليهم بنو آدم وذريته فمن المخرج والمخرج منه والكل واحد، قلت هذا مما استشكلوه والزمخشريّ تخلص منه بحمل بني آدم على قدماء اليهود القائلين عزيز ابن الله، والذرّية على المعاصرين للنبيّ ىلمجي! هـ كما في البحر الكبير. قوله: (ويدل عليه قوله قالوا بلى الخ) أي يدل على أنه تمثيل لا على ظاهره بقية الآية من هنا إلى آخرها لأنه لو أريد حقيقة الإشهاد والاعترات، وقد أنساهم الله تلك الحالة بحكمته لم يصح أن يقولوا يوم القيامة {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} ويلي جواب ألست قال ابن عباس رضي الله عنهما لو قالوا نعم لكفروا لأن النفي إذا أجيب بنعم كان تصديقا له فكأنهم قالوا: ألست بربنا، وتيل عليه إن صح ذلك عنه ففيه أنّ النفي صار إثباتا في تقدير التقرير فكيف يكون كفراً، وإنما المانع من جهة اللغة وهو أن النفي إذا قصد إيجابه أجيب ببلى، وإن كان مقرّرا بسبب دخول الاستفهام عليه تغليبا لجانب اللفظ، ولا يراعى المعنى إلا شذوذا كقوله: أليس الليل يجمع أمّ عمرو وءا! انا فذاك بنا! ل انى نعم وأرى الهلال كما تراه ويعلوها النهاركما علانى فأجاب أليس بنعم مراعاة للمعنى لأنه إيجاب وفيه نظر، وقوله شهدنا من كلام الئبما فضميرنا لله أو من كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو من كلام الذرية. قوله: (كراهة أن تقولوا) هذا تأويل البصريين في مثله، والكوفيون يقدرون فيه لا النافية أي لئلا تقولوا أي هو مفعول لأجله وعامله أشهدهم أو مقدّر يدل عليه، وقوله لم ننبه بصيغة المجهول تفسير للغفلة، وقراءة أبي عمرو بالغيبة لقوله أشهدهم وقراءة الخطاب لهم لقوله ربكم. قوله: (لأنّ التقليد عند قيام الدليل الخ) تعليل لمضمون الكلام، وما فهم منه أي كره ذلك ولم يقبله لأنّ تقليد الآباء الخ وقوله المبطلين صفة آباءهم وفي بعض النسخ بالرفع على القطع. قوله: (وقيل لما خلق الله آدم الخ) هذا حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ وكثير من المحدثين عن مسلم بن يسار أنّ عمر رضي الله عنه سأل عن هذه الآية فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنها فقال: " إنّ الله تعالى خلق آدم ثم مح ظهره بيمينه فاستخرج منه رية فقال خلقت هؤلاء للجنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار، ويعمل أهل النار يعملون فقال ائرجل يا رسول الله ففيم العمل فقال إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار " (1 (وللمفسرين والمحدثين ومثايخ الصوفية هنا كلام طويل الذيل، والحديث ناطق بأنّ هذا معنى الآية لأنه ساقه مساق التفسير لها واطباق المعتزلة على أنّ القرآن لا يفسر بالحديث مخالف لإجماع من يعتد به، وكذا قول الإمام إنّ ظاهر الآية يدل على إخراج الذرّية من ظهر بني آدم وليس فيها ما يدل على أنهم أخرجوا من صلب آدم، ولا ما يدل على نفيه إلا أنّ الخبر دل عليه فيثبت خروجهم من آدم بالحديث، ومن بني آدم بالآية لا يطابق سياق الحديث مع جواز أن يراد ببني آدم هذا النوع الشامل لآدم عليه الصلاة والسلام كما هو مشهور في الاستعمال، ولذا قيل: الواجب على المفسر أن لا يفسر القرآن برأيه إذا وجد النقل عن السلف فكيف بالنص القاطع من حضرة الرسالة فإنّ الصحابيّ سأله عما أشكل عليه من معنى الآية وكذا فهم الفاروق رضي الله عنه، وقال الكسائيّ: لم يذكر ظهر آدم لأنّ الله أخرج بعضهم من بعض على الترتيب في التوالد، واستغنى عن ذكر آدم عليه الصلاة والسلام لعلمه، وأما قولهم إنّ هذا الإقرار عن اضطرار فيلزم أن لا يكونوا محجوجين يوم القيامة فدفع بأنهم قالوا شهدنا يومئذ فلما زال العلم الضرورفي، ووكلوا إلى رأيهم نصبت الأدلة وأرسلت الرسل ليتيقظوا عن سنة الغفلة، ولا يغيب عنهم ما أخذ عليهم من العهد فإن قالوا أيدنا يوم الإقرار بالتوفيق والعصمة، وحرمناهما بعده فمشترك الإلزام لأنه إذا قيل لهم ألم نمنحكم إ أحقول والبصائر لهم أن يقولوا حرمنا اللطف والتوفيق، فأفي منفعة لنا بذلك وبهذا سقط ما تشبث به بعض شراح المصابيح هنا، وأما كيفية هذا الإخراج وأنه من المسامّ وأنّ الله خلق فيهم عقلا كنملة سليمان صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما يسأل عنه فالحق أنه من العلوم المسكوت عنها المحتاجة إلى كشف الغطاء، وفيض العطاء وأنشد هنا بعض العارفين: لويسمعون كما سمعت كلامها حض والعزة ركعا وسجودا وقال الإمام السهروردفي في عوارف المعارف قيل لما خاطب الله السماوات والأرض بقوله: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت، الآية: 111 نطق من الأرض وأجاب موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما أصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرّة الأرض بمكة فقال بعض العلماء وهذا يشعر بأنّ أوّل ما أجاب من الأرض ذرّة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض! فصار رسول الله لمجي! هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له والى هذا أشار رسول الله مجخي! بقوله: " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ") 1 (وفي رواية بين: " الروح والجسد ") 2 (وقيل بذلك سمي أمّيا لأنّ مكة أمّ القرى، وذرّته أمّ الخليقة وتربة الشخص مدفنه، وكان يقتضي ذلك أن يكون مدفنه ئيخير بمكة حيث كانت تربته منها، ولكن قيل الماء لما تموّج رمي الزبد إلى النواحي فوقعت جوهرة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة، والإشارة إلى ما ذكرناه من ذرّة رسول الله عقرو هو ما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} [سورة الأعراف، الآية: 172] ، الآية وورد في الحديث: " إنّ الله تعالى مسح ظهر آئم وأخرج ذزيته منه كهيئة دز واستخرج الذز من مسام الشعر فخرج الذر كخروج العرق " (1 (وقيل كان المسح من بعض الملائكة عليهم الصلاة والسلام فأضاف الفعل إلى المسبب، وقيل معنى القول بأنه مسح إنه أحصى كما تحصى الأرض المساحة وكان ببطن نعمان واذ بجنب عرفة بين مكة والطائف فلما خاطب الذر وأجابوا ببلى كتب العهد في رق أبيض، وأشهد عليه الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وألقم الحجر الأسود فكانت ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المجيبة من الأرض اهـ. قوله: (وتد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب المصابيح) قال فيه وظاهر الحديث لا يساعد ظاهر الآية فإنه تعالى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 لو أراد أن يذكر أنّ استخراج الذرّية من صلب آدم دفعة واحدة لا على توليد بعضهم من بعض على مرّ الزمان لقال وإذ أخذ ربك من ظهر آم ذرّيته، والتوفيق بينهما أن يقال المراد من بني آدم في الآية آدم ك! وأولاده فكانه صار اسماً للنوع كالإنسان والبشر، والمراد من الإخراج توليد بعضهم من بعض على مرّ الزمان، واقتصر في الحديث على ذكر آدم صلى الله عليه وسلم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر الفرع اهـ، وقد علم ما فيه مما مرّ. قوله: (والمقصود من إيراد هذا الكلام الخ) يشير إلى الردّ على الزمخشرقي إذ خصه ببني إسرائيل فإن حمله على العموم أكثر فائدة، ويكفي دخولهم في العموم دخولاً أوّليا ومبناه على التمثيل الذي اختاره تبعا للزمخشريّ، وجزم به في شرح المصابيح وقوله: {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} معطوف على مقدر أي ليظهر الحق، ولعلهم الخ وقيل الواو زائدة. توله: (هو أحد علماء بني إسرائيل الخ (وهو بلعام بن باعوراء أيضا فإنه من بني إسرائيل في رواية ابن عباس رضي الله عنهما، وفي رواية غيره إنه من الكنعانيين. قوله: (أو أمية الخ) هو عبد الفه بن أبي ربيعة بن عوف الثقفيّ شاعر جاهلي كان أوّل أمره على الإيمان، ثم أضله الله تعالى لأنه كان يظن أنه يبعث إليه وقال ابن كثير رحمه الله إنه لقي النبيّ لمجيرو ولم يؤمن به ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: إنّ يوم الحساب يوم عظيم شاب فيه الوليد يوماثقيلا قال آمن شعره وكفر قلبه، وقوله: (أوتي علم بعض كتب الله (أو الاسم الأعظم. قوله: (أن يكون هو) أي أن يكون هو ذلك الرسول، فخبر كان محذوف أو استعير الضمير المرفوع للمنصوب، وحقيقة السلخ كشط الجلد وازالته بالكلية عن المسلوخ عنه، ويقال لكل شيء فارق شيئاً بالكلية انسلخ منه كما قال الإمام. قوله: (حتى لحقه وقيل استتبعه (قال الجوهرقي، وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، وقال الراغب يقال أتبعه إذا لحقه، وكذا فسره به الزمخشرقي وعدل عنه المصنف رحمه الله فقيل إنه ذهب إلى أن أتبع بمعنى تبع لكنه اعتبر فيه معنى اللحوق فهو ردّ لتفسيره بنفس اللحوق من غير اعتبار معنى آخر ولا يخفى ما فيه، واستتبعه بمعنى جعله تابعا له قيل وهو على هذا هو متعد لمفعولين حذف ثانيهما، وقدره في الكشاف خطواته لأنه صرّج به في غير هذه الآية، وفي الكشف في كونه بمعنى اللحوق كأنّ المعنى فجعلتهم تابعين لي بعدما كنت تابعاً لهم مبالغة في اللحوق، وهو بمعنى قوله في البحر فيه مبالغة إذ جعل كأنه إمام للشيطان يتبعه فتأمّل فلا يرد عليه ما قيل فيه بحث، والظاهر أنّ المعنى أنّ الشيطان كان وراءه طالباً لإضلاله، وهو لسبقه بالإيمان والطاعة لا يدركه، ثم لما انسلخ من الآيات أدركه. قوله: (روي أنّ قومه سألوه الخ) وتتمته كما قال الإمام أنه قصد بلدة وغزاهم وكانوا كفاراً فطلبوا منه الدعاء عليه وألحوا عليه حتى دعا عليه فاستجيب له، ووقع موسى صلى الله عليه وسلم وبنو إسرائيل في التيه بدعائه، فقال موسى-شي! يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التيه فقال: بدعاء بلعم فقال: كما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه ثم دعا موسى ش! م عليه أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان، ولذا رذ القول بأنّ بلعم كان نبياً، وقيل إنه لا ينبغي التفوّه به لأنه لا يجوز عليهم الكفر بعد البعثة عند أحد من العقلاء وقوله إلى منازل الأبرار إشارة إلى أنه رفع رتبة وضمير رفعناه للذي، وقيل إنه للكفر أي لا زلنا الكفر بالآيات فالرفع من قولهم رفع الظالم عنا وهو خلاف الظاهر وإن روي عن مجاهد وحمه الله. قوله: (بسبب تلك الآيات (أي الباء سببية والضمير المجرور للآيات لا للمعصية كما قيل، وقوله وملازمتها بيان للمراد من الرفع بالايات بأنه بملازمتها أي العمل بما فيها. قوله: (مال إلى الدنيا) تفسير للإخلاد بالميل لأنّ أصل معناه السكنى واللزوم للمكان من الخلود قال ابن نويرة: بأبناء حيئ من قبائل مالك وعمرو بن يربوع أقاموا فأخددوا ولما في اللزوم من الميل إلى المنزل أريد منه، وقال الراغب: معناه ركن إليها ظاناً أنه مخلد فيها، وقوله أو إلى السفالة، يعني المراد بالأرض! الدنيا أو السفالة قال الطيبي الرواية فيه فتح السين، وفي الصحاح السفالة بالضم نقيض العلوّ وبالفتح النذالة. قوله: (وإنما علق رفعه بمشيئة الله الخ (ردّ على الزمخشري فإنه أوّل قوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 ولو شئنا فقال المراد بالمشيئة ما هي تابعة له، ومسببة عنه كأنه قال ولو لزمها لرفعناه الخ قال النحرير: لما كان ظاهر الآية مخالفا لمذهبه دالاً على وقوع الكائنات بمشيئة الله تعالى أخلد إلى التأويل بجعل مشيئة الله مجازاً عن سببها وهو لزوم العمل بالآيات بقرينة الاستدراك بما هو فعله المقابل للزوم الآيات وهو الإخلاد إلى الأرض والميل إلى الدليا لكنه ذهب عن أنّ هذا مصير إلى المجاز قبل أو أنه لجواز أن يكون، ولو شئنا على حقيقته وأخلد إلى الأرض مجازاً عن سببه الذي هو عدم مشيئة الرفع بل الإخلاد وإنما ترك التعويل على عكازته في مثل هذا المقام، وهو حمل المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء لأنّ الاستدراك بقوله، ولكنه أخلد لا يلائمه لفوت المقابلة. قوله: (فأوقع موقعه أخلد إلى الأرض واتبع هواه مبالغة) فإنّ الإخلاد إلى الأرض كناية عن الإعراض عن الآيات والكناية أبلغ من التصريح، وقوله حب الدنيا رأس كل خطيئة أي أصل لها، ووقع لبعض الناس تصحيف حسن فيه وهو حب الدينار بمعناه المعروف أي كل خطيئة أي أصلها. قوله: (فصفته التي هي مثل في الخسة (قال أبو حيان: المثل مشترك بين الوصف وما يضرب والمراد هنا الوصف العجيب المستغرب، وأشار المصنف إلى أن استعماله في تلك الصفة لأنها يتمثل بها وقد مرّ تحقيقه في البقرة، وقوله وهو راجع لأخ! أحواله أو للصفة لكونها بمعنى الوصف. قوله:) واللهث إذ لاع اللسان) بالدال والعين المهملتين أي إخراجه متتابعأ مع نفس عال لشدة خفقان القلب الناشئ عن ضعفه، والمثل كما مز الصفة لا الحال والقصة ليقطع بأنه من تشبيه المركب بالمركب بل الظاهر أنه تشبيه لصفته بصفة الكلب، أو لنفسه بنفس في غاية الخسة والذلة، وذكر اللهث في كل حال لاختصاصه به ولأنه حال مستبشعة مكروهة لكن قد يفهم من جعل الشرطية حالاً من الكلب قيداً في التشبيه به أنّ التشبيه مركب، وكذا قول المصنف رحمه الله التمثيل قد يشير إليه. قوله: (والشرطية في موضع الحال الخ) قد مرّ على السفاقسيّ أن الشرطية تقع حالاً مطلقا لكن في الضوء أنّ الشرطية لا تكاد تقع بتمامها حالاً، فإذا أريد ذلك جعلت خبراً عن ضمير ذي الحال نحو جاءني زيد وهو أن تسأله يعطك فتجعل جملة اسمية مع الواو، لأنّ الشرط لصدارته لا يكاد يرتبط بما قبله إلا أن يكون هناك فضل قوّة، نعم يجوز إذا خرجت عن حقيقتها بأن عطف عليه نقيضه أو لم يعطف، ولا بذ في الأوّل من حذف الوأو نحو آتيك إن تأتني، أو لم تأتني لأنه يحول إلى معنى التسوية كالاستفهام، وأما الثاني فلا بد فيه من الواو نحو آتيتك وان لم تأتني إذ لو حذفت التبس بالشرط الحقيقي، وقال الطيبي: إنّ الآية من القسم الأوّل ولذا تركت الواو لأنّ المعنى حمل عليه أو لم يحمل (قلت (المعروف فيه ترك الجواب، وقيل الظاهر جعل الشرطية بياناً وتفسيراً للمثل كقوله: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الاية: 59] وفيه نظر لأنّ التمثيل في الخسة لا في اللهث وعدمه فتدبر. قوله: (والتمثيل واقع موقع لازم التركيب الخ) المراد بالتمثيل مطلق التشبيه بالمعنى اللغوي، ويحتمل أن يراد معناه المعروف والمراد بلازم التركيب أنه لم يرفع بل أذل وأهين لازم الشيء يدل عليه بطريق البرهان، ويبينه أتم بيان فلذا قال للمبالغة والبيان ولأنّ التمثيل بالنسبة إلى أصل المعنى كناية وهي أبلغ من التصريح، والبيان لكونه تصويراً للمعقول بالمحسوس، ولذا قيل أراد بلازم التركيب ما هو بمنزلة نتيجته فإنّ مآله إلى صورة قياس استثنائي استثنى فيه نقيض المقدم وليس المراد به الاستدلال بانتفاء المقدّم على انتفاء التالي، حتى يقال إنه غير منتج لأنّ المقدم ملزوم للتالي، ولا يلزم من نفي الملزوم نفي اللازم بل المراد الإخبار بأنّ سبب انتفاء التالي في الخارج هو انتفاء المقدم فيه، ونظيره ما قيل في قوله النحاة لو لانتفاء الثاني لانتفاء الأوّل. قوله:) وقيل لما دعا على موسى صلى الله عليه وسلم خرج لسانه الخ) ذكر فيه ثلاثة أوجه في الكشاف الأوّل تشبيهه بالكلب في الخسة تشبيه مفرد بمفرد الثاني تشبيهه به في استواء الحالتين في النقصان، وأنه ضال وعظ أو لم يوعظ كالكلب يلهث حمل عليه أو لم يحمل والظاهر انه تشبيه مركب في هذا الوجه، والثالث التشبيه في اللهث، وهذا هو الوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله فوجه التشبيه في الأوّلين عقليّ وفي الثالث حسيّ. قوله: (فاقصص القصص الخ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 ذلك إشارة إلى وصف الكلب أو إلى المنسلخ من الآيات، وقوله: (فإنها نحو قصصهم) فإن بلعم بعدما أوتي آيات الله انسلخ منها ومال إلى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعدما أوتوا التوراة المشتملة على نعت رسول الله-لمجيم وذكر القرآن المعجز وبشروا الناس باقتراب مبعثه صلى الله عليه وسلم وكانوا يستفتحون به انسلخوا عما اعتقدوا في حقه صلى الله عليه وسلم وكذبوه وحرفوا اسمه. قوله: (أي مثل القوم الخ (ساء بمعنى بئس وفاعلها مضمر ومثلا تمييز مفسر له، وششغني بتذكيره وجمعه وغير ذلك عن فعل ذلك بضميره كما بين في النحو، وأصل ساء التعدي لواحد والمخصوص بالذم لا يكون إلا من جن! التمييز المفسر للضمير فيلزم صدق الفاعل، والتمييز والمخصوص على شيء واحد والقوم مغاير للمثل هنا فلزم تقدير محذوف من التمييز أو المخصوص أي ساؤوا أهل مثل أو مثل القوم، وقرئ بإضافة مثل بفتحتين ومثل بكسر فسكون للقوم ورفعه فساء للتعجب، وتقديرها على فعل بالضم كقضو الرجل ومثل القوم فاعل أي ما أسوأهم والموصول في محل جر صفة القوم أو هي بمعنى بئس ومثل القوم فاعل والموصول هو المخصوص في محل رفع بتقدير مضاف أي مثل الذين الخ، وقدّر أبو حيان رحمه الله في هذه القراءة تمييزا ورد بأنه لا يحتاج إلى التمييز إذا كان الفاعل ظاهراً حتى جعلوا الجمع بينهما ضرورة على ثلاثة مذاهب فيه المنع مطلقا والجواز مطلقا، والتفصيل فإن كان مغايرا جاز نحو نعم الرجل شجاعا زيد والا امتنع فمراد المصنف رحمه الله أنّ تقديره ساء مثل القوم الذين كذبوا مثلهم إلا أنّ قوله تعالى: {ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} لا يساعده كما قيل أو مثل الذين وقيل التقدير ساء مثلاً القوم هو فتدبر. قوله: (إما أن يكون داخلاَ في الصلة (أي لا محل لهذه الجملة لأنها إما معطوفة على الصلة، أو مستأنفة للتذييل والتأكيد للجملة التي قبلها، وقوله في الوجه الثاني وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم قيل إنه إشارة إلى أنه على هذا الوجه يكون التقديم للتخصيص، وأنّ سبب ظلمهم أنفسهم هو التكذيب بخلافه على الوجه الأوّل فإنّ التقديم فيه لرعاية الفاصلة، وسبب الظلم غيره فتأمّل. قوله: (تصريح بأنّ الهدي والضلال من الله الخ) كله ظاهر إلا قوله مستلزمة للاهتداء فإنه مبنيّ على تفسير الهداية بالدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل والكلام فيه مشهور أو أنها بمعنى الدلالة على الموصل وأريد بها هنا فردها الكامل لإسنادها إلى الله ولتفريع الاهتداء عليها ومقابلتها بالضلال وما معه، وقوله: (والإفراد في الأوّل) أي إفراد الضمير وخبره رعاية للفظ من وجمعه رعاية لمعناها، ووجهه ما ذكره من أنّ الحق واحد والضلال طرق متشعبة. قوله: (والاقتصار في الأخبار الخ) يعني أنه إذا أريد بالهداية الدلالة الموصلة كما مرّ لزمها الاهتداء فيكون كالإخبار عن الشيء بنفسه، وجعل الجزاء عين الشرط على حد شعري شعري، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومثله يفيد التعظيم والتفخيم وأنه في الشهرة غنيّ عن التوصيف والتعريف وكاف في نيل كل شرف، والعنوان من عنوان الكتاب وهو ما يعلم به ما فيه ووزنه فعوال من عن له كذا إذا اعترض والفعل عنونت، ويقال عننت ويقال له علوان من علن أي ظهر وفعله علونت أو فعلان من العلو وعنيان لغة فيه، لأنه يعلم به ما يعني من الكتاب ولا تكون نونه أصلية لأنه ليس في الكلام فعيال وروي بكسر العين في جميعها كما قاله المرزوقي في شرح الفصيح وهو مرفوع معطوف على المستلزم وضمير لها للنعم. قوله: (ذرأنا خلقنا) والذرء مهموز الخلق ولام لجهنم لام العاقبة كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] وقال ابن عطية إنها للتعليل، وقوله: (يعني المصرّين) خصه به لاقتضاء ما بعده له وكأنه زاد قوله في علمه تعالى ليشمل من ارتد وقت موته ومن نافق، وقوله: (إذ لا يلقونها) الخ يعني أنّ ذلك ليس لقصور الفطرة حتى لا يذموا بها كالبهائم وقيد السمع والبصر بما ذكر ليفيد ولو أطلق لتنزيله منزلة العدم اتجه. قوله: (في عدم الفقه الخ) أي الفهم يريد أنّ وجه الشبه أمور مدركه مما قبله فهي كالتأكيد لها، ولذا فصلت عنها، وقوله ما يمكن الخ سقط من بعض النسخ ومن في المنافع تبعيضية أو بيانية ويدرك معلوم أو مجهول، وقوله الكاملون الخ لصحة الحصر إذ الغفلة في كثير ممن عداهم لكنها كلا غفلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 بالنسبة إلى غفلتهم، وكمال غفلتهم يعلم مما أحلفه من عدم الإدراك. قوله: (فإنها تدرك (يعني جهة المبالغة في الضلال ليست جهة الشبيه حتى يؤذي إلى كذب أحد الخبرين وتنافيهما فافهم. قوله: (لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني) إشارة إلى أنّ الحسنى تأنيث الأحسن للتفضيل، وعدل عن تعليل الزمخشريّ لأنه غير تام، وقوله والمراد بها الألفاظ أي المراد بالأسماء الألفاظ التي تطلق عليه تعالى مطلقا، أو المراد لله الأوصاف الحسنى فيكون كقولهم طار اسم فلان في البلاد أي اشتهر نعته وصفته كما في الكشف. قوله: (فسموه بتلك الأسماء (أي المراد بالدعوة التسمية كقولهم دعوته زيدا وبزيد أي سميته، وقيل معناه نادوه بها من الدعاء. قوله: (واتركوا تسمية الزائنين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه) تفسير لمعناه واشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراً وهو تسمية بقرينة المقام والزيغ أي الميل تفسير للإلحاد لأنه يقال لحد وألحد بمعنى مال ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح فإنه في وسطه، وقيل ألحد بمعنى جادل ولحد مال، وكون أسماء الله تعالى توقيفية مطلقا هو المشهور، وفيها أقوال أخر فقيل التوقيف في الأسماء دون الصفات، وقيل يجوز مطلقاً ما لم توهم نقصا، وقيل يكفي ورود ماذته في لسان الشارع والصحيح الأوّل، قال الطيبي رحمه الله: فإن قلت أليس العجم يسمون الله باسم غير وارد والأمة قد اتفقوا على صحته، قلت اتفاقهم على صحته يدل على أنه وارد يعني أنّ المراد بالشارع نبي من الأنبياء فتأمل، وقوله: (أو بما يوهم (إشارة إلى القول الآخر والإيهام في أبي المكارم للأبوة وفيما بعده للتجسيم، وهذا مما يقوله أهل البادية وجهلة العرب كما في الكشاف. قوله: (أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمي به نفسه (لأنّ العرب لما سمعوا اسمه الرحمن أنكروه، وكانوا يسمون مسيلمة رحمن اليمامة تعنتاً في كفرهم، وفي الانتصاف في هذا الوجه بعد لأنّ ترك الدعاء ببعض الأسماء لا يطلق عليه إلحاد في العرف، وإنما يطلق على فعل لا ترك، وأجيب بأنّ إنكار بعض الأسماء الحاد لأنه تصرف فيها بالنقص، كما أنّ الزيادة إلحاد للتصرف بالزيادة، ولم يجعل إلحاد باعتبار إطلاقه على غيره تعالى لأنه يرجع للوجه الذي بعده، وهو لا ينفي البعد. قوله: (أو وذروهم وإلحادهم فيها الخ (قيل هذا هو الصواب، والواو في والحادهم عاطفة أو للمعية والآية عايه منسوخة بآية القتال قيل لم يقل تسميتهم الأصنام إلهة كما في الكشاف لعدم كون الإلحاد في أسمائه لأنّ لفظ الإله يطلق على المعبود مطلقاً، لكن أورد على فوله، واشتقاق أسمائها منها أنّ الإلحاد في المشتق دون المشتق منه، وفيه نظر. قوله:) أو أعرضوا عنهم فإن الله مجارّيهم) فالآية وعيد كقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} [سورة الحجر، الآية: 3] وليست منسوخة وهو وجه مستقل، وفي نسخة بالواو فهو من تتمة ما قبله، وقوله بالفتح أي فتح الياء والحاء لأنّ عينه حرف حلق والقصد الطريق المستقيم أو بحعنى المصدر. قوله: (للدلالة الخ (متعلق بذكر وبيانه أنه خلق للنار ظاهر وكونهم ضالين ملحدين عن الحق من مجموع الكلام إذ لم ينظروا في دليل الحق، ولم يعتبروا لا من قوله يلحدون في أسمائه فقط حتى يرد عليه إنه مخصوص في النظم، وقيل إنه يشير إلى تقدير في النظم بقرينة مقابلته أي وممن خلقنا للجنة، وفي لفظ ممن إشارة إلى قلتهم بالنسبة لمن خلق للنار. قوله: (واستدل به على صحة الإجماع لأن المراد منه الخ) أي استدل بهذه الآية على أنه حجة في كل عصر سواء عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم وغيره، واستدل به أيضا على أنه لا يخلو عصر عن مجتهد إلى قيام الساعة لأن المجتهدين هم أرباب الإجماع، ونظيره الاستدلال على إرادة الاستغراق من اللام بعدم إمكانه على العهد الخارجي أو الذهني والمستدل الجبائي، قيل: وهو مخالف لما روي من أنه " لا تقوم الساعة إلا على أشرار الخلق ") 1 (" ولا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض! الله " (2 (ولا مرضه المصنف رحمه الله فتأمل، وقوله: (فإنه معلوم) قيل فيه إنه معلوم من جهة الشارع كما في قوله:) خير القرون قرني () 3 (وفيه نظر. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام لا نزال من أمتي طائفة الخ)) 4 (أخرجه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وقد قاله في تفسير الآية وقوله: (إذ لو اختص! (تعليل له أي قاله مع عدم ما يدل على العموم كذا قيل وفيه نظر. قوله:) سنستدنيهم الخ) وفي نسخة سندنيهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 قال النحرير الاستدراج استفعال من الدرجة بمعنى النقل درجة بعد درجة من سفل إلى علو فيكون استصعادأ، أو بالعكس فيكون استنزالاً وقد استعمله الأعشى في قوله: ليستدرجنك القول حتى تهزه في مطلق معناه، وليس من استعمال المشترك في معنييه أي نقر بهم إلى الهلاك بإمهالهم وادرار النعم عليهم حتى يأتيهم وهم غافلون لاشتغالهم بالترفه، ولذا قيل إذا رأيت الله أنعم على عبده وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج. قوله: (حتى يحق عليهم كلمة العذاب (أي يجب عليهم كلمة العذاب وهي أمره به كقوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [سورة الحاقة، الآية: 30] وهذا إن أريد بالعذاب عذاب الآخرة وقيل هو نكال الدنيا كالقتل. قوله: (عطف على سنستدرجهم الخ) وفي نسخة على نستدرجهم فهو داخل في حكم الاستقبال وحكم السين، وليس المراد بعطفه عليه إلا ذلك إذ لا يعطف على جزء كلمة حقيقة أو حكما، وقيل إنه مستأنف أي وأنا أملي لهم وفيه حينئذ خروج من ضمير المتكلم مع الغير المعظم نفسه إلى ضمير المتكلم المفرد، وهو شبيه بالالتفات كما قاله المعرب والظاهر أنه من التلوين. قوله: (إنّ أخذي شديدا لأن المتانة الشدة والقوّة ومنه المتن للظهر، وقوله: (سماه كيدا (قد قيل عليه إنه لا يخفى أنّ الأخذ وهو العذاب ليس بإحسان بل الذي ظاهره إحسان هو استدراجهم وامهالهم ليس إلا، فالظاهر أن يقول سماه كيداً لنزوله بهم من حيث لا يشعرون، ويمكن أن يقال الكيد ليس هو الأخذ بل الأنعام عليهم وامهالهم مع عصيانهم حتى يستحقوا العذاب، وأخذهم أشذ أخذ فمقدمته إحسان، وعاقبته إهلاك بعد خذلان فإضافة أخذي للعهد أي هذا الأخذ لمن هو غافل منهمك في لذته كذلك فتدبر. قوله:) روي الخ ((1 (هذا الحديث أخرجه ابن جرير وغيره عن قتادة بلفظ يصوّت ويموّت بمعناه، وكذا يهيت أيضا وأصله حكاية صوت، وهو أن يقول ياه ياه وهو نداء الداعي من بعد، وقوله: فخذا فخذا أي قوما بعد قوم يا بني فلان يا بني فلان كما ورد التصريح به فيه، وهو بعد نزوله قوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 214، والفخذ من العشائر وأوّلها الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، وقوله: (جنون (إشارة إلى أن الجنة مصدر كالجلسة بمعنى الجنون، وليس المراد به الجن كما في قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سورة الناس، الآية: 6، لأنه يحتاج إلى تقدير مضاف أي مس جنة أو تخبطها وما نافية، وقيل استفهامية والفعل معلق عنها وقيل موصولة والمعنى أو لم يتفكروا في الذي بصاحبهم من جنة على زعمهم، والقائل هو أبو لهب وكون هذا سبب النزول أحد قولين فيه، وقيل إنهم كانوا إذا رأوا ما يعرض له-ك! هـ من برحاء الوحي قالوا: إنه جن فنزلت. قوله: (موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر الخ (أي من اً بان المتعذي ومفعوله ما ذكر، وقال: على ناظر دون سامع لقوله أو لم ينظروا ولأنه أبلغ لجعله بمنزلة المحسوس المشاهد، ولما كان هذا تقريراً لما قبله من رسالته وتكذيبهم فيما قالوه وأمر النبوة مفزع على التوحيد ذكر ما يدل على التوحيد فقال: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ثم قال: {وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ} والمقصود التنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السماوات والأرض! بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد وهذا معنى كلام المصنف رحمه الله وهو ملخص كلام الإمام، وقوله ليظهر تعليل للتعليل. قوله: (عطف على ملكوت الخ (الملكوت الملك الأعظم قيل فيكون هذا معمولاً لينظروا لكن لا يعتبر فيه بالنظر إليه أنه للاستدلال إذ قيد المعطوف عليه لا يلزم ملاحظته في المعطوف، وكون أن مصدرية قاله أبو البقاء: لكن النجاة قالوا: إن أن المصدرية لا توصل إلا بالفعل المتصرّف، وعسى غير متصزف وهو لا مصدر له فلذا مغ من دخولها عليه، ولم يدخل بعده اللام الفارقة لعدم اللبس فالأحسن أنها مخففة من الثقيلة، قيل ووقوع الجملة الإنشائية خبر ضمير الشأن مما يناقش فيه والمصنف رحمه الله يستمر عليه، واسم يكون ضمير الشأن على كل تقدير، وكان المانع من حمل هذا على التنازع أنه خلاف الأصل لما فيه من الإضمار قبل الذكر، وعنه غني لكن الثأن في ضمير الشأن فإنه من هذا القبيل مع التكرار هنا أي أن الثأن عسى أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 يكون الشأن. ) قلت (كله على طرف الثمام فإن خبر ضمير الشأن لا يشترط فيه الخبرية ولا يحتاج إلى لتأويل، كما صزج به في الكشف ووجهه ظاهر والإضمار قبل الذكر في التنازع والشأن مما صرّحوا بحسنه وجوازه، والتكرار أمر سهل ولعلهم لم يلتفتوا إليه لأن تنازع كان وخبرها مما لم يعهد فيما هو كالشيء الواحد، ومغافصة الموت بالغين المعجمة والفاء والصاد المهملة مفاجأته على غرّة، ومنه وقاك الله غوافص الدهر أي حوادثه. قوله: (إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية الخ (فيكون مرجع الضمير معلوماً من السياق، وقيل إنه يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم بتقديره مضاف أي بعد حديثه أو المراد بعد هذا الحديث، أو المراد بعد الأجل أي كيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم. قوله: (وقيل هو متعلق بقوله صسى (معطوف على قوله كأنه إخبار، وقائله الزمخشرقي قال: فإن قلت بم تعلق قوله:) فبأيّ حديث بعده يؤمنون) قلت بقوله: {عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ} كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الموت، وماذا ينتظرون بعد وضوج الحق، وبأقي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا، يريد التعلق المعنوي والارتباط بما قبله بالتسبب عنه لا الصناعي فإنه متعلق بيؤمنون، وقوله:) فما بالهم (توضيح للمقصود، لا تقدير أي ليس بعده ما ينتظر، وجعل الفاء جزائية في فبأفي حديث، وقوله:) أحق منه (تأويل بعده. قوله:) كالتقرير والتعليل له (قيل إنه على المعنى الأوّل، وقيل: المتبادر منه أنه كذلك على المعنى الذي نقله فقط، وليسى كذلك فإنه على المعنى الأوّل كذلك أيضاً، ولو قال للسابق بدل توله للتعليل له لكان أحسن، وقوله أحد غيره خصه به لأنّ المعنى عليه، والعمه التردد في الضلال والتحير أو أن لا يعرت حجة. قوله: (بالرفع على الاسئشاف (قرئ بالياء والنون بالجزم والرفع فيهما فالرفع على الاستئناف أي ونحن أو هو والسكون عطف على محل الجملة الاسمية لأنها جواب الشرط أو بالتسكين للتخفيف، كما قرئ يشعركم وينصركم، والغيبة جريا على اسم الله والتكلم على الالتفات. قوله:) أي عن القيامة وهي من الآسماء الغالبة الخ (الساعة في اللغة مقدار قليل من الزمان غير معين، وفي عرف الشرع يوم القيامة، وفي عرف المعذلين جزء من أربعة وعثرين جزءاً من الليل والنهار، واطلاقها على يوم القيامة إمّا لمجيئها بغتة من غير أن يعلمها أحد، ولا يخفى عدم المناسبة فيه لمعناها الأصلي إلا أن يكون ذلك معتبراً في معناها اللغوي، كما في قوله: {تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [سررة يوسف، الآية: 07 أ] أو لأنها تدهش من تأتيهم فتقل عندهم أو تقلل ما قبلها، وقيل إنه يعني بقوله بغتة لا على التدريج فإنها اسم لزمان قيام الساعة بالنفخة وهو قدر يسير لكن ذلك القيام مستمرّ إلى الأبد. قوله: (أو لسرعة حسابها) فأطلقت على ذلك اليوم بهذا الاعتبارل، وقال الزمخشرفي: إنها سميت باسم ضدها تمليحا فإنها في غاية الطول كما يسمى الأسود كافورا. قوله: (أو لأنها على طولها الخ (أي سميت بها لذلك وفرق بين الوجوه بأن مبني الأوّل أنها اسم لزمان قيام الناس لا للزمان المديد ومبني غيره على أنها اسم لزمان ممتد. قوله: (متى إرساؤها أي إثباتها (يقال رسا الشيء يرسو ثبت وأرساه غيره، ومنه الجبال الراسية لكن الرسو يستعمل في الأجسام الثقيلة وإطلاقه على الساعة تشبيه للمعاني بالأجسام، وجعل المرسي مصدراً ميميا بمعنى الإرساء، وفسر أيان بمتى لقربها منها وإن كانت متى أعمّ وجوّز بعضهم أن يكون اسم زمان ولا يرد عليه أنه يلزم أن يكون للزمان زمان لأنه يؤؤل بمتى وقوعه كما في أيان يوم القيامة. قوله: (واشتقاق أيان من أيّ الخ (قال ابن جني رحمه الله: الاشتقاق في غير الأسماء المتصرفة مما يأبوه، وأيان بفتح الهمزة فعلان وتكسر في لغة فهي فعلان والنون زائدة جريا على الأكثر ولم يجعل فعلاً لا من أين لأنّ أيان ظرف زمان، وأين ظرف مكان، ولا أنّ أصله أفي أو أن أو أقي لتكلفه وأقي من أويت بمعنى رجعت لأن باب طويت أكثر من باب عييت، ولقربه معنى لا! البعض آو إلى الكل ومستند إليه، وأصلها على هذا أوى ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصارت أي كطيّ وشيّ، وهذا أمر قدروه للامتحان وليعلم حكمها إذا سمي بها فلا ينافي التحقيق من أنها بسيطة مرتجلة، ولا ينافي ما ذكره الزمخشري في سورة النمل من أنه لو سمي به لكان فعلان من آن يئين، ولا يصرف فالحاصل أنه يجوز فيه الصرف وعلمه كما في حمار قبان، وليس الاشتقاق هنا بمعنى الأخذ كما توهم وآو بالمد اسم فاعل. قوله:) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 استأثره به الخ (متعلق بمحذوف أي اختاره مختصاً به فلا يطلع عليه غيره من ملك مقرب أو نبي، فلا يرد أن استأثر إن كان بمعنى اختار تعدى بنفسه، وإن كان بمعنى انفرد تعدى بالباء فلا يصح الجمع بينهما، أو هو بمعنى اختصه الله به أي بنفسه، وقيل في الصحاح: استأثر فلان بالشيء أي استبد به فكان حق العبارة استأثر الله به أو بعلمه، ويطلع من الاطلاع وهو التوقيف عليه بالمشاهدة كما في تاج المصادر. قوله: الا يظهر أمرها في وقتها الخ (اللام في قوله لوقتها هي لام التأقيت، واختلف النحاة فيها كما في شرح التسهيل فقيل هي بمعنى في، وقال ابن جني: بمعنى عند، وقال الرضي: هي اللام المفيدة للاختصاص، والاحتصاص على ثلاثة أضرب أمّا أن يختص الفعل بالزمان لوقوعه فيه نحو كتبت لغرّة، وكذا أو يختص به لوقوعه بعده نحو لخمس خلون، أو يختص به لوقوعه قبله نحو لليلة بقيت، فمع الإطلاق يكون الاختصاص لوقوعه فيه ومع قرينة قبله أو بعده فلا منافاة بين جعل المصنف لها بمعنى في هنا، وقوله بعده إنها للتأقيت، ومعنى التأقيت أنها حد معين لما تعلقت به فغاية عدم إظهارها وقت وقوعها، ولذا أتى بإلى في تفسيره، كما يقال لحدود الحرم مواقيت لا أنها بمعنى وقت كما توهم، حتى يقال يلزم هنا تكرار الوقت فالوجه أنها بمعنى في والعجب منه أنه فسره بفي أوّلاً فإنه من قلة التدبر. قوله: (والمعنى أن الخفاء بها مستمرّ الخ) هذا يحتمل أن يكون معنى قوله: {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} وهو الظاهر لأنه إذا لم يظهرها لأحد قبل وقوعها استمزت خفية إلى ذلك الوقت، وقيل إنه معنى قوله: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} . قوله:) عظمت على أهلها الخ (في الكشاف ثقلت في السماوات والأرض أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة وبوذه أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه، أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها أو لأن كل شيء لى* يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها، قال النحرير: يريد أن ثقلت على الأوّلين مجاز عن شقت، والكلام على حذف مضاف من الساعة ومن السماوات أي ثقل على أهل السماوات والأرض! خفاؤها، وعدم العلم بأهوالها أو توقعها وخوف شدائدها وأهوالها وعلى الأخير الكل على ظاهره، أي ثقلت عند الوقوع على السماوات حتى انشقت وعلى الأرض! حتى انهدت، وعلى الوجوه كلمة في استعارة منبهة على تمكن الفعل فيها وهو رذي من خصه بالأخير، والمصنف رحمه الله تعالى اختار الوجه الأوّل لأنه المناسب للسياق، والسياق إذ المخفي عنهم علمها ومن تبغتهم من فيها لا هي نفسها، فالثقل بالنسبة اليهم لكن الأخير يفيد الثقل عليهم بالطريق الأظهر لأنه إذا لم تطقها هذه، وهي أعظم الإجرام فما ظنك بمن عداها. قوله:) وكأئه إشارة إلى الحكمة في إخفائها (يعني لما فيها من الأهوال والأمور العظيمة الشاقة أخفى الله علمها عن الخلق ليعلم من يخافه بالغيب، ولعمارة الكون وإلا لترك كثير أمور دنياه. قوله: (إنّ الساعة الخ () 1 (أخرجه بهذا اللفظ ابن جرير من مرسل قتادة وهو في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه وتهيج بمعنى تتحرك والمراد به تقوم، وقيام الساعة مجاز عن قيام أهلها. قوله: (عالم بها فعيل من حفى عن الشيء الخ (قال المعرب: الحفاوة أصل معناها الاستقصاء في الأمر للاعتناء به قال: فإن تسألوا عني فيارث سائل حقيّ عن الأعشى به حيث أصعدا ومنه إحفاء الشارب، والحفاوة أيضاً البر واللطف قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [سورة مريم، الآية: 47، وقال الراغب: الإحفاء الإلحاج في السؤال أو البحث عن تعرف الحال، ويقال حفيت بفلان وتحفيت به إذا اعتنيت بكرامته، والحفيّ العالم بالشيء ا!. وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن المعنى الأخير مجاز متفرّع على لأوّل لأن من بحث عن شيء وسأل عنه استحكم علمه به فأريد به لازم معناه مجازاً أو كناية، فحاصله كأنك عالم بها وجملة كأنك الخ حال من مفعول يسألونك، فما قيل ظاهره أن معنى حفيئ عنها سائل عنها إلا أن المذكور في سورة القتال وهو المصزج به في اللغة أنه بمعنى المبالغة وبلوغ الغاية فقط، فمعنى السؤال فيه بطريق التضمين بقرينة عن الخ، ما ذكره مما لا محصل له، وقوله: (ولذلك عدّ! بعن (أي باعتبار أصل معناه وهو السؤال فإنه يتعذى بعن ولولا ذلك لعدى بالباء، يقال عالم به وحفيئ به ولذا قيل إن عن بمعنى الباء، وقيل إنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 ضمن معنى كاشف. قوله: (وقيل هي صلة يسالونك) فصلة حفيئ محذوفة والتقدير كأنك حفيّ بها أي معتن بشأنها حتى علمت حقيقتها ووقت مجيئها، أو كأنك حفيّ بهم أي معتن بأمرهم بزعمهم أن علمها عندك وحفي لا يتعدى بعن كذا في البحر. قيل: وكلام المصنف رحمه الله يقتضي أن حفي يتعدى بعن وفي الأساس من المجاز أحفي في السؤال، الحف وهو حفيّ في الأمر بليغ في السؤال عنه كأنك حفيّ عنها الخ، وليس بمعارض له لأنه باعتبار معناه المجازي كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى فلا فرق بينهما. قوله: (وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة الخ) معطوف على قوله من حفي عن الشيء إذا سأل عنه الخ، فحفي من الحفاوة بمعنى اللطف والشفقة، وهو يتعدى بالباء كما أشار إليه بقوله تتحفى بهم، وعن على هذا متعلق بالسؤال فهو مبنيّ على ما قبله أيضا، أو هو متعلق بمحذوف كتخبرهم وتكشف لهم عنها، والمعنى عليه أنهم يظنون أن عندك علمها لكن تكتمه فلشفقتك عليهم طلبوا منك أن تخصهم به. قوله:) وقيل معناه كأنك حفتي بالسؤال عنها (فعن متعلقة بحفيّ لتضمنه معنى السؤال، وقوله:) تحبه (تفسير لكأنك حفيّ بلازمه لأن من أحب شيئاً سأل وبحث عنه، ولكن تكره ذلك لأنه من المغيبات التي لا يجب البحث عنها، ومرله: (تكثره (هذا هو الصحيح، وفي نسخة نكره وهو من تحريف الكتبة، وقيل صرابه تؤثره، وعبارة الكشاف يعني أنك تكره السؤال عنها لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به ا!. ولا وجه له كما مرّ. وقوله: (استأثره الله بعلمه) قيل حق العبارة استأثر الله بعلمه وقد مرّ بيانه، فالوجوه ثلاثة الأوّل إنه بمعنى عالم، والثاني بمعنى الشفقة، والثالث بمعنى المحبة، وقد علمت تعلقه مما مز. قوله:) كرره لتكرير يسألونك لما نيط به الخ) أي لما علق به من زيادة قوله كأنك حفيّ أو زيادة قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} وللمبالغة معطوف على قوله لما نيط به، والمبالغة من هذه الزيادة أيضا لأنّ قوله: كأنك عالم بها استبعاد لعلمه بها وهو الحبيب اكرم جميد فما حال من سواه، ويجوز عطفه على قوله لتكرير. قوله: (جلب نفع ولا دفع ضرّ الخ) وقع التبري بالياء في النسخ وكان الظاهر التبرؤ بالهمزة لكنه أبدل الهمزة ياء وعامله معاملة المعتل، كما يقال توضي في التوضؤ، وقوله: من ذلك إشارة إلى أن الاستثناء متصل لا منقطع كما قيل. قال النحرير: هو استثناء متصل أو منقطع واتصاله بالتأويل والتأويل ما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وفي البحر الاستثناء متصل أي إلا ما شاء الله من تمكيني منه فإني أملكه بمشيئته تعالى، وقيل الظاهر الانقطاع لأنّ المالكية بمعنى القدرة لأن ما يدل على نفي خلق الأعمال يدل على نفي وقوعها إلا أن يقال إنه بناء على الظاهر، وفيه نظر، وذلك إشارة للضرّ والنفع، وقوله: ما أنا إلا عبد مرسل أي لا قادر على الضرّ والنفع فالقصر إضافي. قوله:) من ادعاء العلم بالغيوب (وجه إظهار العبودية ظاهر لا! عدم المالكية من شأنه، والتبري من ادعاء العلم بالغيوب لأنه لو علم الأمور الآتية المغيبة ضارّها ونافعها، قبل الوقوع ربما تيسرت له تهيئة أسبابها ودفع أسباب الضرر، فحيث لم يكن ذلك علم عدم علمه بها في الجملة، ويكفي مثله في الأمور المسلمة من الخطابات كما يصرّج به قوله بعده: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ} الخ فسقط ما قيل لا يلزم من عدم تملك النفع والضرر عدم علم الغيب، فإنّ بعض الملائكة عليهم الصلاة والسلام عالم ببعض الغيوب، ولا يملك ضرّه ولا نفعه فإن أريد جميع الغيوب فمع قلة جدوه وعدم القرينة عليه من الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لا يدعيه. توله: (ولو كنت أعلم الغيب الخ) فإن قيل العلم بالشيء لا يلزم منه القدرة عليه كما لا يخفى، قيل استلزام الشرط للجزاء لا يلزم أن يكون عقليا وكليا، بل يكفي أن يكون عاديا في البعض كما مرّ. قوله: (فإنهم المنتفعون بهما الخ) مبني الأوّل على تخصيص البشارة والإنذار بالمؤمنين والثاني على تخصيص الإنذار بالكفرة والبشارة بالمؤمنين وقوله:) متعلق النذير محذوف (أي للكافرين وحذف ليطهر اللسان منهم، وفي نسخة محذوفا بالنصب وهو ظاهر. قوله: (وهو آدم) عليه الصلاة والسلام توطئة لما سيأتي من الجري على المعنى، وما قيل إنه للإشارة إلى أنّ الإنسان ليس هو الهيكل المركب من اللحم، ولذا قدر في منها من جسدها في غاية البعد. قوله: (من جسدها من ضلع من أضلاعها الخ (والظاهر أن من تبعيضية، وجوّز فيها أن تكون ابتدائية، وعلى الثاني من ابتدائية، واستشهد له بالآية لتعين أنّ الأزواج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 من جنسهم لا من أبدانهم، وقوله من ضلع من أضلاعها بدل بعض من قوله من جسدها، وليس على حد أكلت من بستانك من العنب، كما قيل وكونها خلقت من ضلعه مصرّج به الحديث على ما يعلم الخالق سبحانه وتعالى حقيقته. قوله: (ليأنى بها ويطمئئ إليها الخ) يعني إنه من السكن، وهو الإن! أو من السكون، والمراد به الاطمئنان ومثل للسكون للجزء بالسكون للولد، وأما السكون إلى الجنس فظاهر لأنّ كل شيء إلى جنسه أميل بالطبع، والوجهان مبنيان على التفسيرين الاثنين، فالأوّل على الأوّل، والثاني على الثاني. قوله:) وإنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب قلما تغشاها) يعني ضمير يسكن المذكر للنفس المؤنثة سماعا لأن المراد منها آدم عختن، فلو أنث على الظاهر لتوهم نسبة السكون إلى الأنثى، والمقصود خلافه. وقال الزمخشري أنّ التذكير أحسن طباقاً للمعنى، وان كان التأنيث أوفق باللفظ ولا خفاء في أنّ رعاية جانب المعنى أولى، ووجه الأحسنية الإيماء إلى أنّ الذكر هو الذي يميل في غالب الأمر إلى الأنثى، وأيضا خلق الذكر أوّلاً وجعل منه زوجه إزالة لاستيحاشه فكان نسبة المؤانسة إليه أولى، ولأنّ التغشي بمعنى المجامعة المخصوصة بالذكر فتفريعها عليه أن! سب بتذكيره فيرجح جانب المعنى، وهو معنى قول المصنف رحمه الله ليناسب الخ. قوله: (خف عليها الخ (المشهور أنّ الحمل بالفتح ما كان في بطن أو على شجر، والحمل بالكسر خلافه وقد حكى في كل منهما الكسر والفتح، وهو هنا إما مصدر فينتصب مفعولاً مطلقا أو الجنين المحمول فيكون مفعولاً به، وخفته إما عدم التأذي به كالحوامل أو على الحقيقة في ابتدائه، وكونه نطفة لا تثقل البطن. قوله: (فاستمرّت به وقامت وقعدت الخ (قرأها الجمهور بتشديد الراء ومعناه استمزت به كما قرئ به في قراءة الضحاك وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولا وجه لما قيل) نه قلب أي استمرّ بها حملها، وقرأ أبو العالية وغيره مرت بتخفيف الراء فقيل أصلها المشذدة فحففت، كما قيل ظلت في ظللت، وقيل: إنها من المرية أي الشك أي شكت في كونه حملا بإنسان أو مرضاً أو غيره، وقرأ عبد الله بن عمر والجحدري فمارت من مار يمور إذا جاء وذهب فهي بمعنى المشهورة، أو هي من المرية، فوزنه فاعلت وحذفت لامه للساكنين، وقوله: فظنت الحمل أي ظنت الحمل مرضا أو غير إنسان كما سيأتي. قوله: (صارت ذات ثقل الخ (أي الهمزة فيه للصيرورة، كقولهم أتمرو اللبن صار ذا تمر ولبن، وقيل: إنها للدخول في الفعل أي دخلت في زمان الثقل كأصبح دخل في الصباج، وفي قراءة المجهول الهمزة للتعدية، وهذا ناظر بحسب الظاهر إلى الوجه الثاني في الخفة، وقد ينطبق عليهما. قوله: (ولدا سوياً الخ (أي المراد بالصلاج عدم فساد الخلقة كنقص بعض الأعضاء وعلة ونحوه، وقوله على هذه النعمة المجذدة خصه بها لأنه الذي يتسبب عن الإيتاء فلا يقال لو حمله على جميع النعم، ويدخل فيه هذه كان أولى. قوله: (جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما الخ الما كان المراد من النفس الواحدة وقرينتها آدم عليه الصلاة والسلام وحوّاء وهما بريئان من الشرك، وظاهر النظم يقتضيه ذهبوا فيه إلى وجوه، ذهب إلى كل منها قوم من السلف، فأوّل أوّلاً بتقدير مضاف في موضعين أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما، إنما قدروه في موضعين هان كفى تقديره في الأوّل، واعادة الضمير على المقدر أوّلاً تقليلا للتقدير واستغناء عن إقامة الظاهر مقام المضمر، لأنّ الحذف هنا لم يقم عليه قرينة ظاهرة فهو كالمعدوم فلا يحسن عود الضمير عليه، وافراد ضمير سموه باعتبار لفظ ما، أو المراد سموا كل واحد على البدل، فما عبارة عن أولاد أولادهما، والمعنى جعلوا الأصنام شركاء له في أولادهم بإضافتهم العبودية إليها، وأورد عليه أنّ هذا من لازم اتخاذ هذه الأصنام آلهة ومتفرّع عليه لا أمر حدث عنهم لم يكن قبل فينبغي أن يكون التوبيخ على هذا دون ذلك، وليس بوارد لأنّ المقام يقتضي التوبيخ على هذا لأنه لما ذكر ما أنعم به عليهم من الخلق من نفس واحدة، وتناسلهم وبخهم على جهلهم، واضافتهم تلك النعم إلى غير معطيها وإسنادها إلى من لا قدرة له على شيء، ولم يذكر أوّلاً أمراً من أمور الألوهية قصداً حتى يوبخوا على اتخاذ الآلهة، وقيل عليه أيضا إشراك أولادهما لم يكن حين آتاهما الله صالحاً بل بعده بأزمنة متطاولة، وأجيب بأن كلمة لما ليست للزمان المتضايق بل الممتذ، فلا يلزم أن يقع الشرط والجزاء في يوم واحد أو شهر أو سنة، بل يختلف ذلك باختلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 الأمور، كما يقال لما ظهر الإسلام طهرت البلاد من الكفر والإلحاد، والمضاف المقدّر أولاد في الموضعين فقام المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه. قوله: (ويدل عليه قوله فتعالى الله عما يشركون (إذ جمع الضمير ولم يسبق جمع فيقتضي تقدير جمع وهو الأولاد، وأما احتمال كونه انتقالاً لتوبيخ المشركين حقيقة تفريعا على التوبيخ على مشبه الشرك، أو كون ضمير الجمع للمثنى فخلاف الظاهر. قوله:) وقيل لما حملت حوّاء الخ) هذا هو الوجه الثاني بحمل الكلام على ظاهره، وتأويل الشرك لأنه لم يقصد أنّ الحرث رب له، والعبد لا يلزم أن يكون بمعنى المملوك أو المخلوق، بل إنه لما كان سببا لنجاته ونجاة أمّه جعله كالعبد له مع أن الإعلام لا يلزم قصد معانيها الأصلية، وأما ما صدر عن الأولاد فشرك لأنهم قصدوا معانيها الأصلية بدليل عبادتهم لها، لكن لعلو مقامهما لا يناسبهما ما يوهم الإشراك في الاسم، وقوله: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ابتداء كلام لتوبيخ المشركين بعد إنكار ما يشبهه مما صدر عنهما، وقد استضعفه المصنف رحمه الله، لكنه كما قالوا مقتبس من مشكاة النبوّة، فإنه أخرجه أحمد والترمذقي وحسنه الحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما ولدت حؤاء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحرث فإنه يعيش فسمته بذلك فعاس فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ") 1 (وهو قول السلف كابن عباس ومجاهد وسعيد بن المسيب وغيرهم وما قيل إنه آحاد وليس في معرض تفسير الآية وبيانها ليس بشيء. قوله:) ويحتمل أن يكون الخطاب في خلقكم لآل قصي الخ (فعلى هذا الخطاب لقريش والنفس الواحدة قصيئ، ومعنى كون زوجها منها أنها من جنسها كما مرّ، وقد استبعد هذا الوجه بأن المخاطبين لم يخلقوا من نفس قصيّ كلهم ولأجلهم، وإنما هو مجمع قريش، ولم تكن زوجة قرشية بل بنت سيد مكة من خزاعة، وقريش إذ ذاك متفرّقون وهذا مبنيئ على اختلاف يعلم من التواريخ والأنساب كما في السير، ولا يقال من أين علم أنه صدر منهما لأنه بإعلام الله إن كان هو معنى النظم، فقوله زوج قرشية غير مسلم، وقوله عبد مناف الخ مناف اسم صنم، وأضاف الآخر إلى شمس، وفي الكشاف عبد العزى، وأضاف أحدهم إلى نفسه، والآخر إلى الدار، وهي دار الندوة المعروفة. قوله: (ويكون الضمير في يشركون لهما ولأعقابهما الخ (لاجتماعهم في الشرك بخلافه في الوجه الأوّل، والتأوبل الرابع وهو أبعدها، وان قال في الانتصاف إنه أحسن وأقرب أن يكون المراد بالنفسين جنسي الذكر والأنثى لا يقصد به إلى معين، والمعنى خلقكم جنساً واحداً وجعل أزواجكم منكم أيضا، لتسكنوا إليهن فلما تغشى الجنس الذكر الجنس الآخر الذي هو أنثى جرى منهما كيت وكيت، ونسب إلى الجنسين ما صدر من بعضهم على حذ بنو فلان قتلوا قتيلا. قوله: (وقرأ نافع وأبو بكر شركاً الخ (أي بصيغة المصدر، والمعنى جعلا له شركة فيما خلقه أو جعلا الأصنام ذوي شرك له فيقدر مضاف، وهو على الأوّل متعذ لواحد، وعلى الثاني لاثنين والفرق بينهما ظاهر، وقوله: وهم ضمير إنما ذكره لأنه يختص بالعقلاء، فبين أنه جاء على زعمهم. قوله: (أي لعبدتهم (تفسير معنى لا تقدير مضاف لأن الضمير للمشركين وهم العبدة، وقوله: فيدفعون الخ يعني أن النصر عبارة عن دفع الضرر مجازاً في لازم معناه أو مشاكلة. قوله: (أي المشركين (يعني ضمير تدعوا للنبيّ ك! والمؤمنين أوله وجمع للتعظيم على ما فيه، وضمير المفعول للمشركين، وإن كان الخطاب للمشركين فهو التفات بدليل ما بعده من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ} . قوله: (إلى الإسلام (جعل الهدى اسما لما يهتدى به وهو الإسلام، وقوله في تفسيره إن تدعوهم إلى أن يهدوكم يقتضي أنه بمعناه المصدري، وهو الدلالة، وقد وقع مثله في الكشاف إشارة إلى جواز الوجهين، وقال النحرير في شرحه: أي يجوز أن يراد بالهدي ما صار بمنزلة الاسم، كما يقال فلان على هدي ورشاد، وأن يراد حقيقة معناه المصدري وهي الدلالة على الطريق المستقيم أو على البغية، ومعنى لا يتبعوكم على جعل الخطاب للمؤمنين لم يحصلوا ذلك منكم، ولم يتصفوا به واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: لا يتبعوكم إلى مرادكم ومعناه على جعل الخطاب للمشركين لا يجيبوكم، ولا يقدرون على ذلك واليه أشار بقوله ولا يجيبوكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 ففي كلامه لف ونشر مرتب على التفسيرين. قوله: (وإنما لم يقل الخ (يعني القياس الشائع في الاستعمال بعد همزة التسوية وأختها هو الفعل لتأويله بالمصدر، ولكنه عدل عنه هنا لأن المستويين فيه إحداث الدعاء، واستمرار الصمت لا إحداثه، والفرق بين الوجهين اللذين ذكرهما المصنف رحمه الله مع قربهما وقرب معنى الثبات، والاستمرار إنّ استمرار الصمت على الأوّل تقديري، وعلى الثاني تحقيقي، فإن مبني الأوّل على وقوع الدعاء منهم وفرض! عدمه، ومبني الثاني على عدم وقوعه وفرض! وقوعه، والظاهر أن المبالغة على الوجهين في جعل الضمير للأصنام أو للمشركين، كما تقدم، وأنّ الأوّل مبنيّ على كون الضمير للمشركين، والثاني مبني على كونه للأصنام في قوله: أوأن تدعوهم! ولا منافاة لأن الأوّل مطلق الدعاء، وهذا الدعاء في الحوائج والشدائد، وقيل: إن الاسمية بمعنى الفعلية، وإنما عدل عنها لأنها رأس فاصلة وفيه أنه لو قيل يصمتون تم المراد، والصمات بضم الصاد مصدر بمعنى الصصت، وفعال مصدر الأصوات كالصراخ وهذا محمول على ضده. قوله: (تعبدونهم وتسمونهم ا-لهة الخ (يعني أنّ الدعاء إقا بمعنى العبادة تسمية لها بجزئها، أو بمعنى التسمية كدعوته زيداً ومفعولاه محذوفان، ولو قال أو تسمونهم كان أولى، وبتفسيره بما ذكر انتفت منافاته للوجه الثاني في قوله: {أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} . قوله: (من حيث إنها مملوكة مسخرة (أي مملوكة لله مسخرة له، وقوله ويحتمل الخ، عطف على قوله من حيث إنها مملوكة الخ، فتكون المثلية في الحيوانية، والعقل على الفرض، والتقدير لكونها بصورتها، وقصارى بضم القاف بمعنى غاية. قوله:) ثم عاد عليه بالنقض (أي عاد على الفرض! المبنيّ عليه المثلية بالإبطال فقال ألهم الخ، وعلى الأوّل لما جعلهم مثلهم كرّ على المثلية بالنقض لأنهم أدون منهم، وعبادة الشخص منهو مثله لا تليق فكيف من هو دونه، وليس المراد إن من لم يكن له هذه لا يستحق الألوهية، وإنما يستحقها من كانت له ذهب إليه بعض المجسمة واستدل به على مذعاه. قوله: (وقرئ أن الذين بتخفيف إن ونصب عباد الخ) هذه قراءة سعيد ابن جبير، وخرجها ابن جني على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية وهو مذهب الكسائيّ وبعض الكوفيين، لكن قيل: إنه يقتضي نفي كونهم عباداً أمثالهم، والمشهورة تثبته فتتناقض القراءتان، وأجيب بأنه لا تناقض لأن المشهورة تثبت المثلية من بعض الوجوه وهذه تنفيها من كل الوجوه أو من وجه آخر، وقيل: إنها إن المخففة من الثقيلة، وانها على لغة من نصب بها الجزأين كقوله: إنّ حراسنا أسدا وأعمال المخففة ونصب جزأيها كلاهما قليل ضعيف، فلذا جعل عبادأ حالاً، وأمثالكم هو الخبر في القراءة برفعه والخبر محذوف وهو الناصب للمذكور. قوله:) ولم يثبت مثله (القائل به يمنع ذلك، ويقول إنه ثابت في كلام العرب كقوله: إن هومستولياعلى أحد إلا على أضعف المجانين وضتم طاء يبطش وكسرها لغتان وبهما قرئ والبطش الأخذ بقوّة. قوله؟ (واستعينوا بهم الخ) أي دعوتهم لذلك بقرينة ما بعده، والأمر للتعجيز، وقوله من مكر وهي أنتم وشركاؤكم أي الضمير لهم جميعا، وفي نسخة من مكر أنتم وشركاؤكم. قوله: (الوثوقي على ولاية الله تعالى وحفظه) أي لاعتمادي ولذا عذاه بعلى وهو إشارة إلى أنّ الجملة التي بعده للتعليل، وليس تقدير الشيء فإنّ ما بعده يفيده، وأل في الكتاب للعهد، فلذا فسره بالقرآن. قوله:) أي ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين الخ (إشارة إلى أنّ قوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} تذييل وتقرير لما سبق، وتعريض لمن فقد الصلاج بالخذلان والمحق، والمعنى أنّ وليي الذي نزل الكتاب المشهور الذي تعرفون حقيته، ومثله يتولى الصالحين ويخذل غيرهم، والذين تدعون من دونه الآيتين، كالمقابل له وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين، هنا ما أراد يوسف عليه الصلاة والسلام بقوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [سورة يوسف، الآية: 101] ففضلا في محزه. قوله:) من تمام التعليل لعدم مبالاته الخ (اللام صلة التعليل وهو دفع لتوهم التكرار لسبق مثله، ولذا قيل ما مرّ للفرق بين من تجوز عبادته وغيره، وهذا جواب ورد لتخويفهم له بآلهتهم. قوله: (يشبهون الناظرين إليك الخ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 أي الأصنام قال الإمام رحمه الله: إن حملنا هذه الصفات على الأصنام فالمراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجوهها أوجه القوم، وان حملناها على المشركين فالمعنى أنهم وإن كانوا ينظرون إليك فإنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية فصاروا كأنهم عمي، وقيل يشبهون من باب الأفعال أي يشابهونهم ففيه إشارة إلى أنه استعارة تصريحية تبعية بأن يشبه مالهم من الهيثة بالنظر فتطلق عليه أو مكنية، ولا يجب أن تكون قرينة المكنية التخييلية، وفيه بحث وخطاب تراهم للنبيّ-يخت أو لكل واقف عليه والرؤية بصرية أو علمية. قوله: (خذ ما عفا لك الخ (أي العفو صدر عفا بمعنى سهل، وتيسر وأريد به ما يتيسر وخذ بمعنى أقبل وأرض مجازاً أي أرض منهم ما تيسر من أعمالهم، ولا تدقق وتشدد والجهد بمعنى المشقة أو المراد بالعفو ظاهره أي اعف عمن أذنب، وفيه استعارة مكنية إذ شبه العفو بأمر محسوس يطلب فيؤخذ. قوله: (أو الفضل وما يسهل الخ (أي المراد أن يأخذ من صدقاتهم ما عفا أي سهل عليهم وهو الفضل أي الزائد عن نفقتهم ولوازمهم والمتبادر من الأخذ أخذ المال ونحوه، والإمام ليس مأمورأ بأخذ الصدقات ليصرفها في مصارفها بل بأخذ الزكاة فدل ذلك بالقرينة العقلية على أنه كان ذلك بمنزلة الزكاة فيكون قبل وجوبها فلا يقال إنه تقييد من غير دليل بعينه، وقال الجوهريّ: العفو ما فضل عن النفقة من المال. قوله: (فلا تمارهم ولا تكافئهم الخ) المماراة المجادلة والمكافأة أن تفعل به كما فعل بك أو تنتقم منه، وكون الآية جامعة لمكارم الأخلاق ظاهر، وقد فسر هذا في الحديث القدسي لما سأل النبئ صلى الله عليه وسلم عنها جبريل عليه الصلاة والسلام فسأل رب العزة ثم رجع فقال يا محمد آنّ ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، وعن جعفر الصادق أمر الله نبيه ىشي! بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، وفي الحديث " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وكان خلقه عخي! القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم، الآية: 4] فقيل إن زبدة الحديث مفسرة لزبدة الآية فإن زبدتها تحرّي حسن المعاشرة مع الناس، وتوخي بذل المجهود في الإحسان إليهم والمداراة معهم والإغضاء عن مساويهم لكن القرآن مادّته عائة، والحديث القدسي ماذته خاصة، وقد علم كل أناس مشربهم فافهم. قوله: (يتخسنك منه نخس) إشارة إلى أن الإسناد مجازي لجعل المصدر فاعلا كجد جذه وقيل النزع بمعنى النازغ فالتجوّز في الطرف والأوّل أبلغ وأولى، وفيه مجاز آخر سيجيء، وقوله تحملك على خلاف ما أمرت بيان لارتباط الآية بما قبلها، وجعل النزغ والنسغ بالسين المهملة، والعين المعجمة والنخس مترادفة وفسرها بالغرز بغين معجمة وراء مهملة وزاي معجمة، وهو إدخال الإبرة، وطرف العصا وما يشبهه في الجلد كما يفعله السائق لحث الدواب، وقوله: كاعتراء غضب أي عروضه والمراد بالفكرة ما يعرض للفكر مما يمنع ذلك بتخييل محذور فيه. قوله: (شبه وسوسته للناس إغراء الخ (فهو استعارة تبعية فأصلية لتشبيه الإغراء بالغرز المذكور كما أنّ فيه إسنادا مجازيا، وقوله للناس بيان لمعنى مطلق النزغ العائم في الناس غيره صلى الله عليه وسلم، وأما نزغ الشيطان له فهو الغضب والفكر كما مرّ، وهو داخل في الإزعاج لأن المراد به كل ما يقلق النفس، وهو وجه الشبه بين النزغ والوسوسة وهو لا يخالف ما في الكشاف كما توهم ففيه استعارة تبعية. قوله: (يسمع استعاذتك الخ) المراد بالسماع ظاهره، وخصه لمقتضى المقام أو القبول والإجابة للدعاء بالاستعاذة، وقوله فيحملك يعني المراد من علمه بذلك وهو بكل شيء عليم إنه يوفقه له ويحمله عليه كما أن المراد من علمه بأفعالهم مجازاتهم عليها، ومشايعة بشين معجمة وياء تحتية مثناة وعين مهملة متابعته في الغضب، ونحوه لأن التابع من شيعة المتبوع. قوله: (لمة منه وهو اسم فاعل الخ (اللمة بفتح اللام من لم به إذا جاءه، ومنه إلمام الزيارة والمراد وسوسته، وهو على هذه القراءة اسم فاعل من طات بالشيء إذا دار حوله وجعل تلك اللمة طائفا لأنها وان جعلها مساً لا تؤثر فيهم فكأنها طافت حولهم ولم تصل إليهم، فلا يرد عليه ما قيل إنّ مسهم يدل على الإصابة، أو هي من طاف طيف الخيال إذا عرض لفكره فالمراد بالطائف الخاطر، وقراءة طيف على المصدرية أو هو مخفف طيف من طاف يطيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 كلان يلين فهو لين، ثم لين أو من طاف يطوف فهو طيف، ثم طيف وتمثيله بهما إشارة لهذين الاحتمالين وقوله، ولذلك جمع ضمميره أي في قوله وإخوانهم يمدونهم أو المراد الجنس لا إبليس فقط، وهو تقرير لما قبله من ا3 مر بالاستعاذة عند نزغ الشيطان. قوله: (وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا الخ) الذين لم يتقوا صفة لإخوان مبينة لمعنى الأخوة بينهم، ويمدهم الشياطين بمعنى يعاونونهم والتقدير إخوان الشياطين يمدهم الشياطين فالخبر جار على غير من هو له لأن الضمير فيه للشياطين لا لإخوان الذي هو مبتدأ وفيه كلام في أنه هل يجب إبراز الضمير أو لا يجب في الفعل كالصفة المختلف فيها بين أهل القريتين. قوله: (يمدّهم الثياطين في الغي بالتزيين والحمل عليه الخ (أي المدد الإعانة، وهي بالتزيين والحمل عليه وقوله كأنهم الخ بيان لمعنى المفاعلة المجازية على حد ما مرّ في وواعدنا موسى، والمراد بالتسهيل تهوين المعاصي عليه أو تهيئة أسبابه، وقيل المعنى واخوان الشياطين يمذون الشياطين بالاتباع والامتثال فيكون الخبر جارياً على ما هو له. تنبيه: قال أبو علي رحمه الله: في الحجة قرأ نافع يمذونهم بضم الياء وكسر الميم، والباقون بفتح الياء وضم الميم وعامّة ما جاء في التنزيل مما يستحب أمددت على أفعلت كقوله: {أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 55، وما كان على خلافه يجيء على مددت قال تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سورة البقرة، الآية: 15، وقال أبو زيد: أمددت القائد بالجند، وأمددت القوم بمال ورجال وقال أبو عبيدة: يمدّونهم في الغيّ يزينون لهم يقال مد له في غيه، وهكذا يتكلمون فهذا مما يدل على أن الوجه فتح الياء كما ذهب إليه الأكثر ووجه قراءة نافع أنه بمنزلة فبشرهم بعذاب أليم ا!. قوله: (لا يمسكون عن إغوائهم الخ) يقصرون من أقصر إذا أقلع وأمسك قال: سما لك شوق بعدما كان أقصر وقرئ يقصرون من قصر وهو مجاز عن الإمساك أيضا، وقوله حتى يردوهم كذا في نسخة وفي أخرى يردونهم قيل فيه بحث أما في اللفظ ففي إثبات النون، وأفا في المعنى فلأنّ إخوان الشياطين ليسوا على صلاح الأمر حتى يردوا عنه، اهـ وفيه أن إثبات النون ليس في النسخة الصحيحة، ولو كان أيضا فله وجه وأمّا الصلاح الذي ذكره فلا صلاج له لأنّ المحنى لا يمسكون عن إغوائهم حتى يردونهم إلى مرادهم، وهو فساد على فساد فلا توجه للبحث. قوله:) ويجوز أن يكون الضمير للإخوان الخ (أي ضمير يقصرون وما قبله جار على ما قرره، وفسره بقوله ولا يتقون كالمتقين أي كما يتقي المتقون ويقصرون عن الفيّ وفي نسخة لا يكفون عن الفيّ، وهو ظاهر. قوله:) ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين (أي إخوان الجاهلين وهم الشياطين أي الشياطين يمدون الجاهلين في الغيّ فالخبر جار على من هو له، وقوله ويرجع الضمير أي مفعول يمذون ويقصرون إلى الجاهلين في قوله، وأعرض! عن الجاهلين وفي الكشاف والأوّل أوجه لأنّ إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا. قوله: (هلا جمعتها (أي لولا للتحضيض كهلاً، واجتبى له معنيان جمع كجباه تقول جبى كذا لنفسه كجمعه، واجتمعه والآخر بمعنى أخذ يقال جبى له كذا فاجتباه أي أخذه، والآية فسرت بآيات القرآن التي لم تنزل على مرادهم أو بالخوارق التي اقترحوها، فعلى الأوّل يكون معنى قولهم هلا جمعها ولفقها من عند نفسه افتراء كما أتى به، أوّلاً فإنه على زعمهم كذلك وعلى الثاني معناه هلا أخذها من الله بطلب منه، وهو مجاز على الثاني علاقته السببية وفي الدر المصون جبى الشيء جمعه مختارآ، ولذا غلب اجتبيته بمعنى اخترته وهو تهكم من الكفار كما قاله الطيبي رحمه الله: ففي كلامه لف ونشر مرتب كما في قوله: (لست بمختلق) والتقول والاختلاق الكذب، ونصب وأنصت بمعنى وقد جاء أنصت بمعنى أسكت متعديا قال الكميت: أبوك الذي أجدى عليك بنصرة فانصت عني بعده كل قائل قوله: (هذا القرآن بصائر للقلوب الخ) على طريق التشبيه البليغ أو سبب البصائر فهو مجاز مرسل أو هو استعارة لإرشاده وجمع خبر المفرد لاشتماله على آيات وسور جعل كل منها بصيرة. قوله:) نزلت في الصلاة كأنوا يتكلمون فيها الخ) اختلف في سبب نزولها على وجه ينبني عليه معناها، فقال الجصاص: سببها كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبتي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة وقرأ معه أصحابه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 فخلطوا عليه فنزلت وكذا روى الشعبي وغيره، وهي تدل للحنفية في أنه لا يقرأ في سرية ولا جهرية لأنها تقتضي وجوب الاستماع عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وقد قام الدليل في غيرها على جواز الاستماع وتركه فبقي فيها على حاله في الإنصات للجهر، وكذا في الإخفاء لعلمنا بأنه يقرأ وإن لم نسمعه، وقال مالك رحمه الله تعالى ينصب في الجهرية ويقرأ في السرية لأنه لا يقال له مستمع، وقال الشافعيئ رضي الله تعالى عنه يقرأ في الجهرية والسرية في رواية المزنيّ، وفي رواية البويطي إنه يقرأ في السرية أتم القرآن ويضم السورة في الأوليين، ويقرأ في الجهرية أم القرآن فقط، وسبب نزول الآية كما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت فالنهي إنما هو عن التكلم لا عن القراءة وهو معنى قوله نزلت الخ وكون الاستماع خارج الصلاة مستحبا متفق عليه، وقوله فأمروا باستماع الخ ظاهره أنه لا يقرأ وهو مخالف لمذهبه إلا أن يكون مراده أنه يستحب للإمام في الجهرية سكتتان سكتة بعد التكبير لدعاء الافتتاح، وسكتة بعد الفاتحة ليقرأ المقتدي كما نقل في الأحكام، وسيشير إليه المصنف رحمه الله، والوجه أن مراده أنها وردت في ترك الكلام لا في القراءة فلذا لم يتعرض! لها فلا يرد عليه ما ذكر، وقوله: (واحتج به من لا يرى الخ (وجه الاحتجاج ما سمعته ولا ضعف فيه بل ظاهر النظم معه، والكلام عليه وما فيه مفصل في الفروع. قوله: (عامّ في الآذكار الخ (أي هو عاتم لكل ذكر، أو هو مخصوص بالقرآن والمراد به قراءة المقتدي سراً بعد فراغ الإمام عن قراءة الفاتحة، وأورد عليه أنه يكون قوله: {وَدُونَ الْجَهْرِ} تكرار والعطف يقتضي المغايرة، وفي كلام الإمام ما يدفعه حيث قال: المراد بالذكر في نفسه أن يكون عارفا بمعاني الأذكار التي يقولها بلسانه مستحضر الصفات الكمال والغز والعظمة والجلال، وذلك لا! الذكر باللسان عارياً عن الذكر بالقلب كأنه عديم الفائدة فتأفل. قوله: (متضرّعاً وخائفاً (أي هو حال بتأويله باسم الفاعل، أو بتقدير مضاف أي إذا تضرّع وخيفة، وأما كونه مفعولاً لأجله فلا يناسبه، وأصل خيفة خوفة. قوله:) ومتكلماً كلاما الخ (أي هو صفة لمعمول حال محذوفة لأنّ دون لا تتصزف على المشهور وهو معطوف على تضرّعا وقيل إنه معطوف على قوله في نفسك أي اذكره ذكراً في نفسك، وذكراً بلسانك دون الجهر الخ. قوله:) فوق السر ودون الجهر (قيل إنه احتراز عن الكلام النفسي، لا المخافتة، فالسز هو القلبي لا القولي، وقيل المراد بالسر تصحيح الحروف، وهو أدنى مرتبة المخافة فيتناول نوعا من كل منهما وذلك أدخل في الخشوع والإخلاص أو أراد به مطلق المخافتة، وبالجهر المفرط منه فيكون المأمور به ما فوق المخافتة، وما دون الجهر المفرط فيختص بنوع من الجهر، قال الإمام المراد أن يقع الذكر متوسطا بين الجهر والمخافتة كما قال تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [سورة الإسراء، الآية: 110] . قوله:) بأوقات الغدوّ والعشيات الخ الما كان الظاهر جمعهما أو إفرادهما أشار إلى أن الغدوّ مصدر، ولذا لم يجمع ولكنه عبر به عن الزمان كما في آتيك خفوق النجم وطلوع الشمس، وأنه يقدر فيه مضاف مجموع ليتطابقا لكن، في القاموس أن الغدوة تجمع على غدوّ فتحصل المطابقة، وفي الصحاح الغدوّ نقيض الرواح وقد غدا يغدو غدوّا وقوله تعالى: {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} أي بالغدوات فعبر بالفعل عن الوقت كما يقال جئتك طلوع الشمس أي وقت طلوعها. قوله: (وقرئ والإيصال الخ (أي بالأفعال بالكسر مصدر أصل، إذا دخل في وقت الأصيل وهو والعشي آخر النهار، وهذه قراءة أبي مجلز واسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهي شاذة والآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل فهو جمع الجمع وليس للقلة وليس جمعا لأصيل، لأنّ فعيلا لا يجمع على أفعال وقيل أنه جمع له لأنه قد يجمع عليه كيمين وأيمان، وقيل إنه جمع لأصل مفرداً كعنق ويجمع على أصلان أيضا، وقوله مطابق للغدوّ أي في الإفراد والمصدرية لأنه مصدر آصل إذا دخل في الأصيل، وقوله يعني ملائكة الملأ الأعلى، فالمراد بالعندية القرب من الله بالزلفى والرضا لا المكانية أو المراد عند عرس ربك. قوله: (ويخصونه بالعبادة الخ) اعتبر العبادة فيه لأنّ السجود عبادة ولأنه تعريض بمن عبد غيره، وجعل التقديم للتخصيص الإضافي ليفيد التعريض المقصود، وقيل إنه للفاصلة والتخصيص من المقام وكذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 التعريض لأنه تعليل لما قبله أي ائتوا بما أمرتم به والا فأنا مستغن عنكم وعن عبادتكم لأن لي عباداً مكرمين من شأنهم ذلك. قوله: (ولذلك شرع السجود لقراءته) أي لإرغام من أبي ممن عرّض له كما يدلّ عليه ما بعده فالتعريض ليس لعدم سجودهم بل لعدم تخصيصهم له به، والسجدة لاية أمر فيها بالسجود للأمر أو حكى فيها استنكاف الكفرة عنه مخالفة لهم أو حكى فيها سجود نحو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأسيا بهم، وهذا من القسم الثاني باعتبار التعريض أو من القسم الأخير باعتبار التصريح. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آم الخ)) 1 (هذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله السجدة أي آية السجدة، وقوله: (يا ويله) تحسر كقوله: (يا حسرتا) . قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الآعراف الخ)) 2 (حديث موضوع ولا عبرة برواية الثعلبي له، عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا آخر ما أردنا تعليقه) على سورة الأعراف اللهم يسر لنا الإتمام ببركة خاتم الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وا لسلام. سورة الأنفال بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مدنية) قيل إلا قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [سورة الأنفال، الآية: 30] والآية وجمع بعضهم بينهما بأنا إن قلنا الهجرة من حين خروجه عتحر من مكة فهي مدنية لأنها نزلت عليه لمجي! ليلة خروجه منها وإن قلنا إنها بعد استقراره في مقصده فهي مكية، وهذا مسلك غير مشهور في المكي والمدني، وقوله ست وسبعون في الكوفي خمس وسبعون كما قاله الداني في كتاب العدد. قوله: (أي الغنائم يعني حكمها الخ) أصل معنى النفل بالفتح واحد الأنفال كما قال لبيد: إنّ تقوى ربنا خير نفل الزيادة ولذا قيل للتطوع نافل ولولد الولد، ثم صار حقيقة في العطية لأنها لكونها تبرعاً غير لازم كأنها زيادة وتسمى به الغنيمة أيضا وما يزاد ويعين لبعض الجيش على حصته الشائعة واطلاقه على الغنيمة باعتبار أنها منحة من الله من غير وجوب، وقال الإمام رحمه الله: لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم، وقيل لأنه زيادة على ما شرع الجهاد له وهو إعلاء كلمة الله وحماية حوزة الإسلام فإن اعتبر كونه مظفوراً به سمي غنيمة ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال الغنيمة ما حصل مستغنمأ سواء كان يبعث أولاً باستحقاق أو لا قبل الظفر أو بعده والنفل ما قبل الغنيمة، وما كان بغير قتال وهو الفيء، وقيل ما يفضل عن القسمة، ثم السؤال إفا لاستدعاء معرفة، أو ما يؤذي إليها وإمّا لاستدعاء جداء أو ما يؤذي إليه واستدعاء المعرفة جوابه باللسان، وينوب عنه اليد بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء الجداء جوابه باليد وينوب عنه اللسان موعداً ورذاً وإذا كان للتعزف يعدى بنفسه، وعن والباء وإذا كان لاستدعاء جداء يعذى بنفسه أو بمن وقد يتعذى لمفعولين كأعطى واختار وقد يكون الثاني جملة استفهامية نحو: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم} [سورة البقرة، الآية: 211] قاله أبو عليّ رحمه الله تعالى واختلف في الأنفال هنا فذهب كثير من المفسرين إلى أنّ المراد بها الغنائم، وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى وذكر وجه التسمية كما فصلناه، ثم أشار إلى أنه يطلق على ما يشترطه الإمام للغازي زيادة على سهمه لرأي يراه سواء كان لشخص معين، او لغير معين كمن قتل قتيلا فله سلبه، والمقتحم الذي يرمي بنفسه للشدائد والمهالك، والخطر الأمر العظيم. وقوله: (يعني حكمها (بيان للمراد من السؤال عنها لا تقديره كما سيذكره في سبب النزول، ويجوز أن يريد تقديره. قوله: (أي امرها مختص! بهما الخ (فسره به لأنها لو كانت مختصة بهما اقتضى أن لا يكون لغيرهم منها شيء فبين أنّ المختص بهما الأمر والحكم فيقسمها النبي! ي! كما يأمره الله، ولا مخالفة فيه لظاهر سبب النزول، ولا لآية الأخماس حتى يقال هذا توفيق من المصنف رحمه ألله تعالى، أو هي منسوخة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 كما قيل، ووجه الجمع بين الله ورسوله هنا لأنه علم من كلامه إنه اختصاص الله بالأمر والرسول-شي! بالامتثال، وقد أشار في الكشاف إلى أنه لتعظيم شأن الرسول مج! هـ وايذان بأنّ طاعته طاعته، وكأن المصنف رحمه الله رأى أنه لا حاجة إليه فتأمّل. قوله: (وسبب ئزوله الخ)) 1 (أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وسبب اختلاف المسلمين وهو رحمة أنها أؤل غنيمة لهم، وقوله: (المهاجرون منهم أو الأنصار) على تقدير الاستفهام أي أيقسمها المهاجرون أو الأنصار، ووقع في نسخة إثباته هكذا المهاجرون الخ. قوله: (وقيل شرط رسول الله! كتي! () 2 (كما أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي هذا هو سبب النزول لاختلافهم فيه قال النحرير: مبنيئ الأوّل على كون النفل بمعنى الغنيمة، ومبنى هذا على كون المراد منه ما يعطاه الغازي زائدأ على سهمه، وعلى الوجهين السؤال استعلام لتعديه بعن وعلى قراءة يسألونك الأنفال استعطاء كما في سألتك درهما، وقد جعل بعض المفسرين السؤال مطلقا هنا بمعنى الاستعطاء وادّعى زيادة عن ولا داعي إليه، قيل: وينبغي أن يحمل قراءة إسقاط عن على إرادتها لأنّ حذف الحرف وهو مرد معنى أسهل من زيادته للتأكيد وفيه نظر (والغناء) بفتح الغين المعجمة والمد النفع، وشبان جمع شاب، والوجوه السادات، والردء براء مهملة مكسورة ودال مهملة ساكنة وهمزة العون والظاهر أنّ المراد به هنا الملجأ، وتنحازون أي تنضمون إليها إذا رجعتم، وأصل الانحياز الانتقال من حيز الى حيز، ومنه قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} [سورة الأنفال، الآية: 6 ا] وقوله ولهذا قيل الخ ضعفه لأنه يحتمل أنه من نسخ السنة قبل تقرّرها بالكتاب كما قيل. قوله:) وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عته الخ) (1 (عمير مصفر وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وقال أبو عبيد هكذا وقع فيه سعيد بن العاص، والمحفوظ عندنا العاصي ابن سعيد والقبض بفتحتين المقبوض من الغنائم بقاف وباء موحدة وضاد معجمة، ووقع في تفسير ابن عطية بقاف وفاء وصاد مهملة قال: وهو المحل الذي توضعفيه الغنائم، اهـ. وقوله: (وبي ما لا يعلمه إلا الله (أي وجد في نفسه شيئا وقال: يعطاه اليوم من لم يبل بلائي، قيل وهذ يحتمل أن يكون سبباً ثالثا للنزول كما في بعض التفاسير لكن صيغة الجمع في وأصلحوا ذات بينكم تأباه ظاهراً، ولذا لم يقل المصنف رحمه الله وقيل. قوله: (وقرىء يسألونك الخ (القراءة الأولى قراءة ابن محيصن، والثانية لعلي بن الحسين وغيره والإدغام للاعتداد بالحركة العارضة وفي قوله يسألك الشبان الخ إشارة إلى أنه سؤال استعطاء لما شرط أي بالنسبة لهم. قوله: (في الاختلاف والمشاجرة (أي المخاصمة، وقوله الحال التي بينكم إشارة إلى أنّ ذات بمعنى صاحبة صفة لمفعول محذوف أي أحوالاً ذات افتراقكم، أو ذات وصلكم، أو ذات المكان المتصل بكم، فبين إمّا بمعنى الفراق أو الوصل أو ظرف، وعلى الأخير بنى المصنف رحمه الله تعالى كلامه، وقال الزجاج: وغيره إن ذات هنا بمنزلة حقيقة الشيء ونفسه كما بينه ابن عطية وعليه استعمال المتكلمين، ولما كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت إليه كما تقول اسقني ذا إنائك أي ما فيه جعل كأنه صاحبه. قوله: (فإن الإيمان يقتضي الخ (ذلك إشارة إلى الخصال الثلاث أي الإيمان بمعنى التصديق يقتضي ما ذكر فالمراد بيان ترتب ما ذكر عليه لا التشكيك في إيمانهم، وهو يكفي في التعليق بالشرط، وهذا بناء على أن الأعمال غير داخلة فيه، وما بعده مبني على أن المراد بالإيمان الكامل فيدل على الأعمال لأنها شرط أو شطر، ولعل مراده باقتضائه له إنه من شأنه ذلك لا إنه لازم له حقيقة لحصول القطع بأن نفس الإيمان لا يتوقف على ذلك كله لا سيما والمراد به التصديق الحقيقي، ولما رأى الزمخشري أنّ أصل الإيمان لا يستلزمه قال: وقد جعل التقوى واصلاج ذات البين، وطاعة الله ورسوله من لوازم الإيمان وموجباته ليعلمهم إنّ كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها، ومن لم يفهم مراده قال إنه خلط بين الوجهين وجعلهما وجها واحداً فتدبر، وقوله طاعة الأوامر الخ على اللف والنشر المشوش، وقيل: ولا يخفى أن إصلاج ذات البين داخل في طاعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 الأوامر، وما في الآية تعميم بعد تخصيص، وإنما قدم ما يدلّ على الاحتراز لذكر الأنفال التي هي مظنة الغلول، ثم الإصلاج لمناسبته للقصة. قوله: (أي الكاملون في الإيمان (إنما قيده وفسره به للحصر إذ لو لم يذكر اقتضى إن من ليس كذلك لا يكون مؤمنا وليس كذلك وعلى الوجه الأوّل لا يكون عين النكرة فإنها إذا أعيدت معرفة لا يلزم أن تكون عينها لأنه أغلبي، وعلى الثاني فهي عينها، وقال النحرير: جعل اللام إشارة إليهم جرياً على ما هو الأصل في اللام، وهو العهد سيما وقد انضم إليه قرينة لاحقة من قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} بلفظ أولئك الصريح في الإشارة إليهم وتعريف الخبر وتوسيط الفصل مع القطع با! أصل الإيمان لا ينحصر في المذكورين. قوله: (فزعت لذكره (أي خافت من الله كلما ذكر، أو خافت إذا أرادت معصية فذكرت الله وعقابه، وانتهت عما همت به فهو على الأوّل عامّ وعلى هذا خاص وقوله يهتم بكسر الهاء من الهم بالشيء أي العزم عليه، وينزع مضارع نزع نزوعا إذا انتهى، وك! وأصله بمعنى القلع وفي نسخة فيفرغ من الفراغ والمراد به ذلك أيضا، ووجل بالفتح يجل لغة والأخرى وجل بالكسر يوجل بالفتح وفي مضارعه لغات، والفرق بمعنى الخوف معروف، وقال أهل الحقيقة الخوف على قسمين خوف العقاب وهو للعصاة وخوف الجلال والعظمة فإن العبد الذليل إذا حضر عند ملك عظيم يهابه وهذا الخوف لا يزول عن قلب أحد، والمصنف رحمه الله حمله في الآية على القسمين معا فإن قلت جعل ذكر الآيات مقتضيا للوجل، والإضطراب وفي قوله: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} اسورة الرعد، الآية: 28] ما يخالفه قلت قد فرقوا بين الذكرين فإنّ أحدهما ذكر رحمة والآخر ذكر عقوبة فلا منافاة بينهما. قوله: (لزيادة المؤمن به الخ (اختلف في الإيمان هل يزيد وينقص أو لا على أقوال فقيل لا يزيد ولا ينقص، وقيل يزيد وينقص لأنّ الأعمال داخلة فيه فيقبل ذلك بحسبها، وقيل نفس التصديق يقبل الزيادة قوّة وضعفا، ولما ذكر في الآية زيادته نزلها على الأقوال فمن قال لا يزيد ولا ينقص، قال إنّ ذلك باعتبار متعلقه، وهو المؤمن به على بناء المفعول، ومن قال إنّ اليقين نفسه يقبل ذلك قال لقوّة الأدلة ورسوخه ولا شك أنّ إيمان أحد العوام ليس كإيمان الصذيقين، ولذا قال عليّ كزم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، وقد رجح هذا النحرير والعلامة، ومن قال إنّ الأعمال داخلة فيه فهو ظاهر فقوله، وهو قول الخ راجع للقول الأخير وهو العمل. قوله: (يفوّضون إليه أمورهم الخ (الأمور المفوّضة إلى الله إمّا أمور ترجى، أو أمور تخشى فلذا عطف عليه قوله ولا يخشون الخ، والحصر المذكور من تقديم المتعلق على عامله، وهو ظاهر. قوله: الأنهم حققوا إيمانهم الخ (لما كانت الإشارة بأولئك إلى الموصوفين بالصفات المذكورة بعد إنما إلى هنا، وقد تضمن ذلك وصفهم بخمسة أوصاف ثلاثة منها تتعلق بالباطن، والقلب الخوف من الله والإنقياد لطاعته المشار إليه بالإخلاص وأن لا يتوكل إلا عليه، واثنان منهما تتعلق بالظاهر الصلاة والصدقة، ثم رتب على ذلك حقية إيمانهم واستحقاقهم لمنازل الجنان بين المصنف رحمه الله ذلك وأشار إلى وجه الاقتصار عليها لأنها مكارم إفعال القلوب، ومحاسن أعمال الجوارح فتدل على غيرها فالخشية من قوله وجلت قلوبهم والإخلاص من حصر التوكل، وفي جعل تلك مكارم لأنها من كرم النفس وجودتها وهذه محاسن لتزين ظاهر المرء بها، وقوله حققوا إشارة إلى أن حقاً مصدر حق بمعنى ثبت وتحقيقه إثباته وقوله العيار من عاير المكاييل إذا قدرها ونظر ما بينها من التفاوت، والعيار على كذا بمعنى الدليل والشاهد عليه لأنه يعلم به أمر غيره كما يعرف بمعايرة المكاييل زيادتها ونقصها. قوله: (وحقا صفة مصدر محذوف الخ (أي إيمانا حقاً فالعامل فيه المؤمنون لا حق مقدراً كما قيل، أو هو مؤكد لمضمون الجملة فالعامل فيه حق مقدرا، وقيل إنه يجوز أن يكون لمضمون الجملة التي بعده أي لهم درجات حقا فهو ابتداء كلام وهذا مع أنه خلاف الظاهر إنما يتجه على القول بجواز تقديم المصدر المؤكد لمضمون الجملة عليها، والظاهر منعه كالتأكيد وقد ذكر الزمخشرقي هنا أنه تعلق بهذه الآية من يستثنى في الإيمان، وكان أبو حنيفة رحمه الله ممن لا يستثنى فيه، وهي مسألة الموافاة المشهورة، ولكونه متعلقآ بهذه الآية وجه بعيد، ولذا أنكره العلامة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 في شرحه، ولذا لم يتعرّض لها المصنف رحمه الله هنا وتحقيقها أن الاستثناء أعني إن شاء الله إن كان للتبرك وتفويض الأمور إلى مشيئته تعالى، أو للشك في الخاتمة أو في الإيمان المنجي الذي يترتب عليه دخول الجنة أو لتعليق الإيمان الكامل الذي يدخل فيه الأعمال جاز، وبالجملة ليس للشك في حصول الإيمان في الحال فيرتفع النزاع، ويتبين أنه لفظي كما ذهب إليه شراح الكشاف بأسرهم، وقد تقدم تفصيله. قوله: (كرامة وعلوّ منزلة الخ (يعني المراد بالدرجات العلوّ المعنوي، أو الحسي في الجنة وجمعها على الأوّل ظاهر باعتبار تعددها وتنوّعها، وفي الثاني هي متعددة حقيقة، وقوله لما فرط بالتخفيف أي سبق ولم يذكروا لتوسط المغفرة، والظاهر تقديمها هنا نكتة فلتنظر، ومعنى قوله رزق كريم أن رازقه كريم، فلذا دذ على الكثرة وعدم الانقطاع إذ من عادة الكريم أن يجزل العطاء، ولا يقطعه فكيف بأكرم الأكرمين وجعل الرزق نفسه كريما على الإسناد المجازي للمبالغة. قوله: (خبر مبتدأ محذوف الخ الما كان الكلام يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج، وهو غير مصرّح به ومحتاج للبيان ذكروا في بيانه، واعرابه وجوهاً بلغت عشرين فمنها ما اختاره الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله إنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه أي حالهم هذه في كراهة التنفيل كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له، كما سيأتي في تفصيل القصة فالمشبه حال والمشبه به حال أخرى ووجه الشبه كراهتهم الخ، وهذا هو قول الفرّاء فإنه قال الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها مع أنها أولى بحالهم واخراجك مضاف للمفعول، وقوله في كراهتهم له أي الحال، وذكره باعتبار المضاف أو لكونه بمعنى الشأن والظاهر أنّ المراد بالكراهة الكراهة الطبيعية التي لا تدخل تحت القدرة، والاختيار فلا يرد أنها لا تليق بمنصب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقوله تعالى: {مِن بَيْتِكَ} أراد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها مثواه واضافة الإخراج إلى الرب إشارة إلى أنه كان بوحي منه. قوله: (أو صفة مصدر الفعل المقدّر في قوله لله (قال ابن الشجري في الأمالي الوجه هو الأوّل، وهذا ضعيف لتباعد ما بينهما وأيضا جعله داخلاً في حيز قل ليس يحسن في الانتظام، وقال أبو حيان: إنه ليس فيه كبير معنى ولا يظهر للتشبيه فيه وجه وأيضاً لم يعهد مصدر لمتعلق الجاز، وتأكيده ولذا قدر بعضهم قبل هذا ما يدلّ عليه ذلك والاعتذار با! الفاصل كالاعتراض لا يخلو من الاعتراض! ، وقيل تقديره وأصلحوا ذات بينكم كما أخرجك وقد التفت من خطاب جماعة إلى خطاب واحد وتيل وأطيعوا الله ورسوله كما أخرجك إخراجا لا مرية فيه، وقيل يتوكلون توكلاً كما أخرجك، وقيل إنهم لكارهون كراهة ثابتة كإخراجك، وقيل الكاف بمعنى إذ وهو مع بعده لم يثبت وقيل الكات للقسم، ولم يثبت أيضا وان نقل عن أبي عبيد، وجعل يجادلونك الجواب مع خلوّه عن اللام والتأكيد، وقيل الكاف بمعنى على وما موصولة، ولا يخفى ما فيه وقيل الكاف مبتدأ خبره مقدر وهو ركيك جذاً، وقيل إنها في حل رفع خبر مبتدأ أي وعده حق كما أخرجك، وقيل تقديره قسمتك حق كإخراجك وقيل ذلكم خير لكم كإخراجك، وقيل تقديره إخراجك من مكة لحكم كإخراجك هذا، وقيل هو متعلق باضربوا وهو كما تقول لعبدك رتبتك افعل كذا، وقال أبو حيان: إنّ الكاف للتعليل كما في قوله لا تشتم الناس كما لا تشتم والتقدير أعزل الله بنصره وأمدك بجنوده، لأنه الذي أخرجك وهم كارهون وبعد اللتيا والتي في النفس شيء من أكثر هذه التخريجات. قوله: (في موقع الحال أي أخرجك الخ (أي حال كونهم كارهين للحرب لعدم الاستعداد له أو للميل للغنيمة، والحال مقدرة لأنّ الكراهة وقعت بعد الخروج بوادي دقران كما ستراه في القصة، أو يعتبر ذلك ممتداً. قوله: (وذلك أنّ عير قريش الخ (هذه الجملة مبينة لما قبلها وإن دخلتها الواو وذلك إشارة إلى أن الإخراج في حال الكراهة، وقوله عمرو بن هشام قال: الفاضل المحشي هو أبو جهل، ولم يكن في العير بل في النفير والعير بكسر العين الإبل التي تحمل المتاع والنجاء النجاء أي بادكأوا النجاء، وهو بالفتح والمد الإسراع، وقوله في كل صعب وذلول أي على كل مركوب صعب، لا ينقاد وذلول منقاد للركوب والمراد عدم التربص واختيار ما يركب، وقوله: (أموالكم) بدل من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 عيركم أو خبره إن رفع وإن نصب فتقديره أدركوا، وقوله وقد رأت جملة حالية وهو من رؤيا المنام وملكاً بفتح اللام، وقوله:) حلق (بمعنى ارتفع وأصله من تحليق الطائر، وهو استدارته في الهواء وضمن حلق معنى رمى أي راميأ بها، وقوله: (يتنبؤوا (أي يدعوا النبوّة يعني به بني هاشم، وفي نسخة ترضى بالتأنيث، ورجالهم بالنصب على التنازع في نساؤهم وبدر اسم رجل حفر تلك البئر واستنبط ماءها فسمي به وقيل بجميع أهل مكة مبالغة وإلا فهم لم يخرجوا كلهم، ودقران بدال مهملة وقاف وراء مهملة واد قريب من الصحراء، وقوله نتأهب أي نستعدّ ونتدارك، وقوله:) إنا خرجنا (تعليل وبيان لسبب عدم تأهبهم واحدى الطائفتين إمّا العير، وامّا القوم فإنّ الطائفة لا تختص بالعقلاء، وقوله فاحسنا أي أحسنا الكلام في إتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:) انظر أمرك) أي ما تريد وافعل فنحن لا نخالفك، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يخشى مخالفة الأنصار لأنهم شرطوا عليه في بيعة العقبة أن ينصروه على من أتاه وهو بالمدينة كما سيأتي، وقوله: (إلى عدن أبين (أي إلى أقصى اليمن وأبين بفتح الهمزة وعن سيبويه أنها مكسورة أسم رجل عدن بها أي أقام فسميت به، وقال الفاضل اليمني وهو أعرف ببلاده: أبين اسم قصبة بينها وبين عدن ثلاثة فراسخ أضيفت إليها الأدنى ملابسة، وقيل إنه يجوز أن يكون مثل سبأ فتأفل، وقوله: (كانوا عددهم) جمع عذة بضم العين، والمراد ما أعذ للمعاونة، وقوله برآء بالمذ ويجوز براء من ذمامه أي من ذمته وعهده بالنصرة حتى يصل أي العدوّ إلى ديارهم، وقيل حتى يصل النبيّ غشت ولا وجه له، وقوله فتخوف إنما تخوّف رسول اللهء! ز مع ما مز من قول سعد بن عبادة له، وهو سيد الأنصار لأنه سيد الخزرج فأراد أن يعلم اتفاقهم على رأيه وقوله: (دهمه (بالإهمال أي هجم عليه، وقيل ساءه وفي نسخة همه وهي تحريف، وقوله: (على ذلك) للتعليل أو المراد عهودنا على ذلك، وقوله لو استعرضت بنا هذا البحر أي لو عبرته عرضاً وهو أشق من طوله، وقيل معناه طلبت من البحر عرض ما عنده من الأمواج والأهوال وأنت فيه، والباء تحتمل التعدية والمصاحبة والأخير أنسب بقوله معك، وتوله: (تلقى بنا (الباء للتعدية أو للمصاحبة، وقوله صبر وصدق بضمتين جمع صبور وصدوق، وقيل صبر بضم الصاد وتشديد الباء جمع صابر وصدق بضمتين مخففا جمع صدق كضرب من قولهم رجل صدق اللقاء وتقرّ بفتح التاء والقاف أي يسرّك ومصارع القوم أي المحالّ التي فيها جثث قتلاهم والوثاق ما يوثق ويربط به لأنه اً سر في بدر، وقوله لا يصلح أي لا يصلح لك هذا الرأي، وهو قول القائل عليك بالعير. قوله: (فكره بغضهم قوله) قال المحشي أي قول رسول اللهءكرو والفاء للتفريغ أي إذا تبين أنّ القصة هكذا، فقد تبين أنّ بعض الصحابة كره قول النبي ك! هـ كلهم فقد تمت القصة بنقل كلام العباس رضي الله تعالى عنه والقصد بهذا تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [سورة الأنفال، الآية: 5] لكن في كلامه الباس لايهامه أنّ ضمير قوله للعباس رضي الله عنه. قوله: (يجادلونك في الحق الخ) هذه الجملة إمّا حالية أو مستأنفة، وقوله: (في إيئارك الجهاد (أي أختيار النبي كيئ الجهاد وتلقي النفير بسبب أنه مظهر للحق، ومعل للدين وليست الباء في موضع اللام حذراً من تكرارها في قوله لإيثارهم كما قيل. قوله: (إنهم ينصرون الخ (فاعل تبين ضمير الحق من غير شبهة، وهذا تفسير للمراد منه لأنه ما آثر الجهاد إلا بعد علمه بالنصر لإعلام الله له به فلا يرد عليه أنه مخالف للظاهر. قوله: (أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت) وقوله وهو يشاهد أسبابه إشارة إلى أنّ مفعول ينظرون هو أسباب الموت ومقدماته، وهو تقدير معنى ويجوز أن يكون تقدير إعراب ومضاف بأن يكون جملة كأنما الخ صفة مصدر لكارهون بتقدير مضاف أي كارهون كرأهة ككراهة من سيق للموت، وقد شاهد علاماته ومنهم من جعل الجملة حالية. قوله: (وكان ذلك لقل عددهم الخ) اعتذار عن مخالفتهم للنبيّ-لمجرو لأنهم كانوا ثلثمائة وتسعة عشر رجلاً فيهم فاوسان، وقيل فارس واحد والمشركون ألف ذو عدة وعذة، ورجالة بفتح وتشديد جمع راجل وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 الماشي، والفارسان هما المقداد بن الأسود والزبير بن العوام رضي الله عنهما وفي مسند أحمد عن عليّ كرم الله وجهه ما كان منا فارس يوم بدر إلا االمقداد ابن الأسود، وقوله (وفيه) أي في قوله كأنما يساقون إلى الموت لأن من هذه حاله يكود كذلك. قوله:) على إضمار اذكر) على أنه مفعوله إن كانت متصزفة أو التقدير أذكر الحادث إذ الخ كما مز، واحدى أي لفظ إحدى مفعول بعد لأنه يتعدّى بنفسه وبالباء إلى الثاني، والنفير اسم جمع أي القوم النافرون للحرب وفي المثل لا في العير ولا في النفير، وأوّل من قاله أبو سفيان بن حرب لبني زهرة كما فصل في الأمثال. قوله:) والثوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك (المعروف استعيرت للشدة والحذة وللسلاح أيضأ، ويقال منه رجل شائك للسلاج وشاك كغاز كقوله: لدي أسد شاكي السلاج مقذف والكلام فيه مشهور. قوله: (أي يثبته ويعليه (يشير إلى أنه من حق بمعنى ثبت فأحقه ثبته، وإعلاؤه إظهاره على غيره وهو تفسير للحق لأن الحق حق في نفسه لا يحتاج إلى إحقاق كما أنّ الباطل باطل في حذ ذاته لا يحتاج إلى إبطال فالمراد بإحقاق الحق، وابطال الباطل إظهار كونه حقاً وباطلاً لئلا يلزم تحصيل الحاصل، وما قيل الإعلاء من لوازم الإثبات لا معنى له. قوله: (الموحى بها ني هذه الحال الخ (أي المراد بالكلمات كلماته الموحى بها في هذه القصة أو أوامره للملائكة بالإمداد ونحوها، وقراءة بكلمته لجعلها كالشيء الواحد أو هي كلمة كن التي هي عبارة عن القضاء والتكوين كما مرّ. قوله: (ويستأصلهم (أي يهلكهم جملة من أصلهم لأنه لا يفني الآخر إلا بعد فناء الأوّل، ومنه سمي الهلاك دبارا. قوله: (والمعنى أنكم تريدون الخ) هذا محصل النظم من قوله، وتودّون إلى هنا فقوله تريدون أن تصيبوا ما لا هو معنى قوله تودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم، وقوله والله يريد الخ معنى قوله ويريد الله الخ. قوله: (وليس بتكر-لر الخ الما كان يتراءى منه أنه تكرار كقولك أريد أن أكرم زيداً لإكرامه، وهو لغو وليس هذا بناء على تعلقه بيحق أو يريد كما يتوهم بل هو مما يقتضيه الكلام لأنّ فعل الشيء لأجل شيء آخر يقتضي إرادة ذلك الشيء الآخر منه فيؤول معناه إلى ما ذكر، أجيب بأنّ قوله {يُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ} لبيان الفرق بين إرادته تعالى وارادة القوم بأنه يريد إثبات الحق وما هو من معالي الأمور، وهم الفائدة العاجلة، وما هو من سفسافها، وقوله ليحق الحق لبيان أنه فعل ما فعل من نصرة المؤمنين وخذلان المشركين لهذا الفرض الصحيح والحكمة الباهرة وهو إثبات الحق وابطال الباطل فالحاصل أنّ الأوّل بيان إرادة الله مطلقا وهذه لإرادة خاصة، وفيه مبالغة وتأكيد للمعنى بذكره مطلقأ ومقيدا كانه قيل من شأن إرادة الله ذلك فلذا فعل ما فعلى هنا فلا يرد عليه ما قيل إنه لا يخفى أنّ بيان أنه تعالى أراد أن يحق الحق، ويبطل الباطل في قوّة أنه أراده بما فعله فبعد تسليم أنّ مثل هذا لا يعد تكراراً لا محيص عن حصول الغنية بالأوّل عن الثاني أما على ما ذهب إليه الزمخشريّ من تقدير المتعلق مؤخراً ليفيد التخصيص، فيكون مصب الفائدة هو الحصر في ذلك وبه يتم الفرق فكان على المصنف رحمه الله أن يذكره. قوله: (ولو كره المجرمون) أي المشركون لا من كره الذهاب إلى النفير لأنه جرم منهم كما قيل. قوله: (بدل من إذ يعدكم الخ) وان كان زمان الوعد غير زمان الاستغاثة لأنه بتأويل أنّ الوعد، والاستغاثة وقعا في زمان واسع كما تقول لقيته سنة كذا كما مرّ مثله في آل عمران، قيل وهو يحتمل بدل الكل إن جعلا متسعين وبدل البعض إن جعل الأوّل متسعا، والثاني معياراً. قوله: (أو متعلق بفوله ليحق الحق (فإن قلت يحق مستقبل لنصبه بأن واذ للزمان الماضي فكيف تعمل فيه قيل إنه على ما ذهب إليه بعض النحاة كابن مالك من أنها تكون بمعنى إذا للمستقبل كما في قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [سررة غافر، الآية: 71، وقد يجعل من التعبير عنه بالماضي لتحققه فتأفل. قوله:) واستغاثتهم الخ) الاستغاثة طلب الغوث وهو التخليص من الشذة والنقمة والعون، وهو متعد بنفسه ولم يقع في القرآن إلا كذلك، وقد يتعدى بالحرف كقوله: حتى استغاث بماء لارشاء له من الأباطح في حافاته البرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 وكذا استعمله سيبويه رحمه الله فلا عبرة بتخطئة ابن مالك رحمه الله للنحاة في قولهم المستغاث له أو به أو من أجله، ولا محيص بمعنى لإخلاص، وأي حرف نداء وآلعصابة كالعصبة الجماعة من الناس، وسقوط ردائه عخي! من توجهه في الدعاء وانجذابه له والمناشدة الطلب، قيل وكلام أبي بكر رضي الله عنه يقتضي أن المستغيث النبيّ صلى الله عليه وسلم فالجمع للتعظيم، وقوله: (وعن عمر رضي الله عنه الخ () 1 (أخرجه مسلم والترمذي. قوله: (بأتي ممدّكم الخ (يعني أنه حذف الجارّ لأنه مقيس مع أنّ وان وقراءة الكسر بتقدير القول أو لأنه يدل على معنى القول فيجري مجراه في الحكاية على المذهبين في مثله، وقوله: (من القول) أي من جنس القول. قوله: (متبعين المؤمنين الخ) الإرداف الاتباع والإركاب وراءك، وقال الزجاج أردفت الرجل إذا جئت بعده، ويقال ردف وأردف بمعنى وهو أن يركبه أو يجيء خلفه، وقيل بينهما فرق فردفت الرجل ركبت خلفه وأردفته أركبته خلفي، وقال شمر: ردفت وأردفت إذ فعلت ذلك بنفسك فإذا فعلته بغيرك فأردفت لا غير هذا محصل كلام اللغويين فيه ومحصل كلام الزمخشريّ هنا على تطويل فيه وتشويش أن اتغ مشدداً يتعدى إلى واحد وأتبع مخففا يتعدى إلى اثنين بمعنى الإلحاق وان نقل في التاج أنه يكون بمعنى اللحاق متعديا لواحد أيضا وأردف أتى بمعناهما، ومفعول اتبع محذوف ومفعولاً اتبع محذوفان فيقدر ما يصح به المعنى ويقتضيه فقول المصنف رحمه الله أوّلاً: (متبعين المؤمنين (بالتشديد، وقوله ثانياً:) ومتبعين بعضهم بعضا) بالتخفيف وذكر فيه على تعديه لواحد احتمالين في موصوفه ومفعوله فإفا أن يكون موصوفه جملة الملائكة، ومفعوله المقدر المؤمنين، والمعنى اتبع الملائكة المؤمنين أي جاؤوا خلفهم، أو موصوفه بعض الملائكة، ومفعوله المقدر المؤمنين، والمعنى اتبع الملائكة المؤمنين أي جاؤوا خلفهم، أو موصوفه بعض الملائكة ومفعوله بعض آخر، والمعنى تبع بعض الملائكة بعضا منهم كرسلهم، وأشار إلى أنّ المعنيين على التعدية الواحد بمعنى اتبع المشدّد بقوله من أردفته إذا جئت بعده، ثم ذكر له على تعديه لمفعولين وكونه بمعنى متبعين المخفف ثلاثة معان على أنه صفة للملائكة كلهم ومفعولاه بعضهم بعضا أي هذين اللفظين بأن يكونوا جعلوا بعضهم يتبع بعضاً وياتي بعده أو مفعوله الأوّل بعضهم، والثاني المؤمنين أي اتبعوا بعضهم المؤمنين فجعلوا بعضا منهم خلفهم، أو مفعولاه أنفسهم والمؤمنين أي اتبعوا أنفسهم وجملتهم المؤمنين فجعلوا أنفسهم خلفهم فالاحتمالات خمسة والتقادير كما عرفت، هذا تحقيق مراد المصنف رحمه الله بما لا يحتاج إلى غيره. قوله:) مردفين بفتح الدال اي متبعين أو متبعين) الأوّل بالتشديد متعد لواحد والثاني بالتخفيف متعد لاثنين وهما بصيغة المفعول فهو على الأوّل مقدمة الجيش لأنها متبعة، والمتبع لهم المؤمنون وعلى الثاني ساقته لأنهم متبعون أي جاعلون أنفسهم تابعة لهم. قوله: (وقرئ مردفين بكسر الراء وضمها الخ) أصله على هذه القراءة مرتدفين فأبدلت التاء دالاً لقرب مخرجهما وأدغمت في مثلها ويجوز في رائه حينئذ الحركات الثلاث الفتح وهي القراءة التي حكاها الخليل رحمه الله عن بعض المكيين، وفتحها بنقل حركة التاء أو للتخفيف والكسر على أصل التقاء الساكنين، أو لاتباع الدال، والضم لاتباع الميم والكل شاذ وظاهر ما نقل عن الخليل أن القراءة بالفتح، والآخرين يجوز أن بحسب العربية كما يجوز كسر الميم أيضاً، فلو ذكر المصنف رحمه الله تعالى الفتح كان أولى ولم يذكر في معناه كونه من الارتداف بمعنى ركوب أحدهم خلف آخر كما في بعض التفاسير لأنّ أبا عبيد أنكره وأييده بعضهم. قوله: (وقرئ بآلاف ليوافق الخ الأنه وقع في سورة أخرى بثلاثة آلاف وبخمسة آلاف، وهنا بألف فقراءة الجمع بآلاف كأصحاب جمع ألف كفلس توافق ما وقع في محل آخر وعلى قراءة الإفراد فالتوفيق ما ذكره المصنف رحمه الله والاختلاف في أنهم قاتلوا معهم، أو لم يقاتلوا، وإنما كثروا سوادهم تقوية وتوهينا لأعدائهم مفصل في الكشاف. قوله: (أي الإمداد) يعني مرجع الضمير المصدر المنسبك على قراءة الفتح، والمصدر المفهوم منه على الكسر ولم يجعله له باعتبار أنه قول لتكلفه، وقوله: (1 لا بشارة) إشارة إلى أنه مصدر منصوب على أنه مفعول له، وجعل متعد لواحد وليطمئن معطوف عليه، وأظهرت اللام لفقد شرط النصب، وظاهر كونه بشرى أنّ النبيّء صلى الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 أخبرهم به، والمراد بالذلة الانكسار من الفزع والا فالعزة دلّه ولرسوله والمؤمنين. قوله:) وإمداد الملائكة وكثرة العدد) بضم العين جمع عدة وهي ما يعد للحرب، وغيره كالسلاح والأهب جمع أهبة بمعناه فهو عطف تفسير وتأكيد أو بفتحتين وهو ظاهر، وفي الكشاف يريد ولا تحسبوا النصر من الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإنّ الناصر هو الله لكم للملائكة أو وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله، والمنصور من نصره الله، والفرق بينهما أنه على الأوّل لا دخل للملائكة في النصر، والثاني أنّ لهم دخلا إلا أنهم ليسوا بسبب مستقل، ولتقارب الوجهين أدرجهما المصنف رحمه الله تعالى في كلامه وأما ما قيل إنه ترك لقلة مساسه بالمقام، فلا مساس له بالمقام. قوله: (بدل ثان من إذ يعدكم الخ) وهذا بناء على جواز تعدد البدل، والنعمة الثالثة أنّ الخوف كان يمنعهم النوم فلما طمن الله قلوبهم نعسوا، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة وسوسة من لشيطان وضعف تعلقه بالنصر، بأن فيه إعمال المصدر المعرف بأل وفيه خلاف للكوفيين، والفصل بين المصدر ومعموله، وعمل ما قبل إلا فيما بعدها، وتعلقه بما في الظرف من معنى الفعل لتقدير ثابت، ونحوه قيل عليه إنه يلزم تقييد استقرار النصر من الله بهذا الوقت ولا تقيد له به، وردّ بأنّ المراد به نصر خاص فلا محذور في تقييده فتأمّل، وفي تعلقه بجعل فصل بينهما، وفيه وجوه أخر ووجه القراآت ظاهر. قوله: (أمنا من الله) يعني الأمنة هنا مصدر بمعنى الأمن كالمنعة، وان كان قد يكون وصفة بمعنى أمين كما ذكره الراغب وفي نصبه وجوه، منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وهو أنه مفعول له ولما كان من شرطه أن يتحد فاعله وفاعل الفعل العامل فيه، وفاعله هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم الآمنون، وفاعل يغشى على هذه القراءة الله، وعلى الأخرى النعاس، أجاب) بأن يغشيكم النعاس) يلزمه معنى تنعسون، فجعل كناية عنه، وهذا مفعول له باعتبار المعنى الكناتي، فقوله متضمن بمعنى مستتبع ومستلزم له حخى كأنه في ضمنه ويغشاكم النعاس مؤوّل بتنعسون لأنه بمعناه، وقوله: (والأمنة) فعل لفاعله أي لفاعل تنعسون الذي دل عليه الكلام. قوله:) ويجوز أن يراد بها الإيمان) أي يراد الإيمان بمعناه اللغوي، وهو جعل الغير آمنا بمعنى الأمان فيكون مصدر آمنه، وهو بعيد في اللغة كما قاله النحرير، بناء على أنه مصدر المزيد بحذف الزوائد ولك أن تقول ليس مراده هذا بل منه لما كان صفة آمنة ومآل معنى الأمنة الكائنة من الله التأمين فباعتباره جعل مفعولاً له، واتحدا فاعلا، والحاصل أنه إمّا أن يؤوّل الفعل أو المصدر فتدبر، ومع هذا فعلى قراءة يغشيكم ظاهر لأنّ فاعل التغشية، والأمان هو الله وأما على الأخرى وهي يغشاكم فلا يتأتى هذا بل يؤوّل بما مرّ، ويجوز في هذه القراءة وجه آخر وهو أن يجعل إلا من صفة النعاس لا صفة أصحابه وهو أنّ النوم كأنه كان يخاف أن يأتيهم لئلا يمسه ما مسهم، أو أنه التمس منهم الأمنة فلما أمن أتاهيم كما في البيت المذكور، وهو معنى لطيف، وان قيل: إنه تخيل يليق بالشعر لا بالقرآن، ثم إن وجهه كما قيل إنه استعارة بالكناية شبه النعاس بشخص من شأنه أن يأتيهم في وقت الأمن دون الخوف وقرينته إثبات الأمن له، وقيل: إنه جعل الأمنة فعل النعاس على الإسناد المجازي لكونه من ملابسات أصحاب الأمن أو على تشبيه حاله مجال إنسان شأنه الأمن والخوف، وان حصل له من الله تعالى الأمنة من الكفار في مثل ذلك الوقت المخوف فلذلك غشيكم وأنامكم، فيكون الكلام تمثيلا وتخييلاً للمقصود بإبراز المعقول في صورة المحسوس، فإن قلت: كيف يكون إسنادا مجازيا كما في الكشاف، وشروحه واسناد يغشاكم إلى النعاس لا شبهة في كونه حقيقة على كل حال والأمن لم يذكر له فاعل حتى يكون الإسناد فيه مجازيا والمصدر لا يضمر فيه فهل مراده بالإسناد النسبة التي بين الفعل والمفعول له، قلت المراد الإسناد المقدر في الأمن لأنه لما جعل صفة للنعاس فكأنه قيل أمن النعاس فغشيهم، ومنه تعلم أنّ الإسناد المجازي قد يكون مذكورأ، وقد يكون مقدرا وهو شبيه بالاستعارة المكنية، فتنبه له، ثم إن الوجه الأوّل هو الذي ذكروه في قوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [سورة الرعد، الآية: 12] لأنه تعالى إذا أراهم البرق رأوه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 فكانوا فاعلين معنى وسيأتي تحقيقه إلا أنه قيل إن فاعل تغشية النعاس، هو الله تعالى، وهو فاعل الأمنة أيضا لأنه خالقها، وحينئذ يتحد فاعل الفعل والعلة ويندفع السؤال على قواعد أهل السنة، ولا يخفى أنّ المعتبر الفاعل اللغوي، وهو المتصل بالفعل، وهو تعالى غير متصف بالأمن ولا يقال له آمن والعبد هو الفاعل لغة وإن كان تعالى هو الفاعل حقيقة، وحينئذ يفتقر السؤال إلى دفعه بما مرّ، فإن قلت لم اقتصر على أنه مفعول! هـ هنا وجعله في آل عمران تارة حالاً وأخرى مفعولاً به ومفعولاً له، قلت قالوا إنّ ذلك المقام اقتضى الاهتمام بشأن الأمن، ولذلك قدمه وبسط الكلام في الأمن وازالة الخوف، ألا ترى إلى سياق الآية وهو قوله: {فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ} [سررة آل عمران، الآية: 153] ، وسباقها وهو قوله يغشى طائفة الخ حيث جعله صفة لنعاسا وختم الكلام بقوله لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم كيف جعل الكلام كله في الأمن والخوف بخلافه هنا لأنه مقام تعداد النعم فجيء بالقصة مختصرة بالرمز. قوله: (يهاب النوم أن ينشى عيونا تهابك فهو نفار شرود) هذا من قصيدة للزمخشركا في ديوانه وتهاب بمعنى تخاف، ونفار صيغة مبالغة كنفور من النفور والشرود وهما بمعنى، وقراءة أمنة بالسكون لغة فيه. قوله: (من الحديث والجنابة الخ) على هذا يصير تفسير الرجز بالجنابة مكرّرأ فالتفسير هو الثاني كما قيل وقد أشار المصنف رحمه الله إلى دفع التكرار بأنّ الجملة الثانية تعليل للأولى والمعنى طهركم منها لأنها من رجز الشيطان، وتخييله والكثيب ما اجتمع من الرمل، والا عفر بعين مهملة وفاء وراء مهملة رمل أبيض يخالطه حمرة، وتسوخ فيه أي تغوص وتنزل فيه الإقدام للينه وهذا الحديث أخرجه) 1 (أبو نعيم في الدلائل، وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وليس فيه فاحتلم أكثرهم، وقوله: (على عدوته) بضم العين أي جانبه والركاب الإبل اسم جمع لا واحد له من لفظه أو واحده ركوبة، وقوله: (تلبد) أي التصق بعضه ببعض، وذهب تخلخه فسهل المشي عليه، وقوله وزالت الوسوسة أي بسبب زوال ما وسوس به، وأشفقوا بمعنى حزنوا. قوله: (بالوثوق على لطف الله تعالى لخ (يقال رابط القلب ورابط الجأس للصبور الجريء وكل من صبر على أمر فقد ربط قلبه عليه والأصل ليربط قلوبكم، ثم على قلوبكم فعند الاستعلاء كأنّ قلوبهم امتلأت منه حتى علا عليها فأفاد التمكن فيه، وقوله حتى تثبت في المعركة أي حتى تثبت القلوب في المعركة ولا تجبن فيفرّوا أو حتى تثبت الإقدام لأنّ ثباتها تابع لقوّة القلوب، لا بالمطر لتقدم زمان المطر على زمان الوحي لأنه وقت القتال وذلك قبله لأنّ التثبت بالمطر باق إلى زمانه أو يعتبر زمان الأول متسعا قد وقعا فيه كما مرّ، وقوله في إعانتهم وتثبيتهم أي إعانة المؤمنين وتثبيتهم، ذكره لأنّ توله أني معكم لإزالة الخوف كما في توله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التربة، الآية: 40] ولما ورد عليه أن الملائكة، لا يخافون من الكفرة فما وجه خطابهم به دفعه بأن المراد أني معكم أي معينكم على تثبيت المؤمنين والكسر على تقدير القول أي قائلا إني معكم، أو لكونه متضمناً لمعنى القول حكيت به الجمل على المذهبين في أمثاله، واجراء بالجرّ عطفا على إرادة وجوّز نصبه عطفاً على محله ولا حاجة إليه. قوله: (بالبشارة أو بتكثير سوادهم الخ (البشارة إنا بأن يخبروا الرسول جمح أو بأن يلهموا قلوب المؤمنين ذلك، أو بأن يظهروا لهم في صورة بشرية يعرفونها، ويعدونهم النصر والتمكن كما روي أنّ تكثير السواد كان كذلك. قوله: (فيكون قوله سألقي الخ (أي على الاحتمال الأخير وهو المحاربة يعني الخطاب مع الملائكة عليهم الصلاة والسلام، والجملتان مفسرتان الخبرية للخبرية والطلبية للطلبية فسألقي الخ تفسير لأني معكم في إعانتهم بإلقاء الرعب واضربوا، تفسير لثبتوا ويكون تثبيتهم قولهم لهم أبشروا بالنصر ونحوه، هالقاء الرعب بقو! هم للمشركين إنهم إن حملوا عليكم انهزمتم ونحوه، ووجه الاستدلال به على تسليم التفسير ظاهر ولأنّ خطاب ثبتوا للملائكة فالظاهر أن اضربوا كذلك، وهو أحد قولين للمفسرين كما مرّ. قوله: (ومن مفع ذلك جعل الخطاب الخ (أي من منع قتال الملائكة، جعل الخطاب اًي المخاطبة فيه أي في فاضربوا، أو الكلام المخاطب به في هذا النظم مع المؤمنين إما على التلوين وتغيير الخطاب من خطاب الملائكة إلى خطاب المؤمنين، أو يكون كلاما تلقينيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 للملائكة بتقدير القول لكنه حكى فيه ما قاله الله بلفظه والا فكان الظاهر سيلقي الله الرعب فاضربوا الخ واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله تولي هذا. قوله: (أعاليها التي هي المذابح) يعني فوق الإعناق إما على ظاهره، والمراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق فالمراد اضربوا رؤوسهم كقوله: وأضرب هامة البطل المشيح أو المراد أعالي الإعناق التي هي نحرها ومقطعها الذي تطير بضربه الرؤوس وفوق باقية على ظرفيتها لأنها لا تتصرّف، وقيل إنه إذا كان عبارة عن الرأس فهو مفعول به قيل وتفسيره بالأعالي ناظر إليه، وقيل فوق هنا بمعنى على، والمفعول محذوف أي اضربوهم على الأعناق وقيل زائدة. قوله: (أصابع أي حزوا رقابهم الخ (اختلف أهل اللغة في البنان فقيل هو الأصابع واحده بنانة، وقيل إطلاته عليها مجاز من تسمية الكل بالجزء، وقيل هي المفاصل، وقيل هي مخصوصة باليد وقيل نعم اليد والرجل، ويقال بنام بالميم وأشار المصنف رحمه الله بقوله اقطعوا أطرافهم إلى أن المراد بالبنان مجازأ مطلق الأطراف لوقوعه في مقابلة الأعناق، والمقاتل إذ المراد اضربوهم كيفما اتفق من المقاتل وغيرها وإنما خصت لأن بها المدافعة. قوله: (إشارة إلى الضرب الخ (أو الإشارة إلى جميع ما مرّ والخطاب لأفراده أو لكل من ذكر قبل من الملائكة والمؤمنين على البدل أو لأنّ الكاف تفرد مع تعذد من خوطب بها، وليست كالضمير كما صرّحوا به. قوله: (بسبب مشاقتهم لهما (أي عداوتهم وإنما سميت العداوة مشاقة من شق العصا، وهي المخالفة أو لأنّ كلاً من المتعادين يكون في شق غير شق الآخر كما أن العداوة سميت عداوة لأنّ كلا منهما في عدوة بالضم أي جانب، وكما أن المخاصمة من الخصم بالضم وهو الجانب كما بينه أهل الاشتقاق، وقوله:) هو الجانب (تفسير للخصم أوله ولما قبله. قوله: (تقرير للتعليل الخ (أراد بالتعليل السببية في قوله بأنهم شاقوا الله الخ وهذا بيان له بطريق البرهان أي ما أصابهم بسبب المشاقة لله ورسوله، ومن يشاقق الله ووسوله فهو مستحق للعقاب، ولذا قال تقرير ولم يقل تأكيد، ويحتمل أن يريد التأكيد هذا إن أريد بالعقاب ما وقع في الدنيا فإن كان الأخروي فهو وعيد وبيان لخسرانهم في الدارين، ويحتمل أن يريد أنّ هذا تقرير لما قبله لأجل ما فيه من بيان العلة والمعنى استحقوا ما ذكر بسبب تلك المشاقة لأنهم شاقوا من هو شديد العقاب سريع الانتقام، وقوله: {حَاقَ بِهِم} [سورة هود، الآية: 8] أي أصابهم وأحاط بهم. قوله: (الخطاب فيه مع الكفرة على طريقة الالتفات الخ (والالتفات من الغيبة في شاقوا إلى الخطاب، قال النحرير: إشارة إلى أن الخطاب المعتبر في الالتفات أعثم من أن يكون بالاسم كما هو المشهور نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أو بالحرف كما في ذلك بثرط أن يكون خطابا لمن وقع الغائب عبارة عنه، وفيه بحث، وأشار في الرفع إلى وجهين أن يكون مبتدأ أو خبراً. قوله:) أو نصب بفعل دل عليه فذوقوه (أي من باب الاشتغال، وقيل عليه إنه لا يجوز لأن الاشتغال إنما يصح لو جؤزنا صحة الابتداء في ذلكم، وما بعده الفاء لا يكون خبراً إلا إذا كان المبتدأ موصولاً أو نكرة موصوفة، ورذ بأنه ليس متفقاً عليه فإن الأخفش جوّزه مطلقاً، وقوله: (أو غيره (بالجرّ عطف على فعل، وقوله: التكون الفاء عاطفة) إشارة إلى أنها زائدة على الأوّل أو جزائية، كما في زيداً فأضربه على كلام فيه، وقوله أو عليكم أي اسم فعل بمعنى ألزموا، قال النحرير: ومرجعه إلى ذوقوا العذاب إلا أنه عدل في المقدر عن المجاز، وقال أبو حيان: إنه لا يجوز هذا التقدير لأن عليكم من أسماء الأفعال وأسماء الأفعال لا يجوز حذفها، وعملها محذوفة وليس ما قاله بمسلم فإن من النحاة من أجازه، وأما كونه عدل عن تقدير المجاز فمع كونه لا وجه له، وان تبع فيه الفاضل اليمني لا يصلح جوابا عن اعتراض أبى حيان: كما توهم لأنه ينبغي أن يقدر الزموا. قوله:) عطف على ذلكم (ظاهره وان كان مطلقا إلا أن يريد إذا كان مرفوعا كما قيده به الزمخشريمما، وتركه لظهوره، وفي بعض الحواشي أنه جعله خبر مبتدأ محذوف أو عكسه، ولذا لما ذكر نصبه جعله مفعولاً معه لأنه لا يخفى ما في تقدير باشروا أو عليكم أو ذوقوا أنّ للكافرين عذاب النار مما يأباه للذوق، ولذا قال العلامة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 إنه لا معنى له، وأما المعية فلا يرد عليها شيء لأن تقديره ذوقوا ذلك مع أن لكم زيادة عليه عذاب النار، ولا ركاكة فيه كما توهم، و على أنه فاعل فعل مقدر أي وقع إ " لا دلالة في كلامه عليه لكن في جواز نصب المصدر المؤوّل على أنه مفعول معه نظر، والظاهر هو للكافرين وضع موضع لكم، وقوله للدلالة الخ لأنه يقتضي علية مأخذ الاشتقاق كما مرّ تحقيقه، وقوله: أو الجمع إشارة إلى كونه مفعولاً معه وله إعراب آخر وهو نصبه باعلموا أو جعله خبر مبتدأ محذوف، وعلى قراءة الكسرة فالجملة تذييل واللام للجنس والواو للاستئنات. قوله: (كثيرا بحيث يرى لكثرتهم الخ (يعني أن الزحف مصدر زحف على عجزه، ثم أطلق على الكثير لأنه يشبه بالزاحف لما ذكر، وقال الراغب: الزحف إنبعاث مع جز الرجل كإنبعاث الصبي قبل أن يمشي، والبعير المعي والعسكر إذا كثر تعسر إنبعاثه، وجمع على زحوف لأنه خرج عن المصدرية وهو حال إما من الفاعل أو المفعول أو منهما، وقيل إنه مصدر لفعل وقع حالاً. قوله: (بالانهزام فضلأ الخ (هذا بناء على المتبادر من أن زحفا حال من المفعول وأنه بمعنى كثير، وكثرتهم بالنسبة إليهم فإذا نهوا عن الإنهزام ممن هو أكثر منهم ففي غيره بطريق الأولى، وقيد بالإنهزام وإن شمل غيره لأنه المتبادر منه عند الإطلاق، ولقوله: (فقد باء بغضب) الخ. قوله: (والأظهر أنها محكمة (أي ليست منسوخة بآية التخفيف كما سيأتي، وقيل إنها منسوخة بها، وهذا بناء على أن التخصيص بمنفصل ليس بنسخ عند الشافعية فلا يرد عليه، أن المحكم ما ليس بمنسوخ ولا مخصص، وقوله ويجوز الخ فيكونون موصوفين بالكثرة فلا يحتاج إلى تخصيص، ولما ورد عليهم أنهم لم يكونوا ببدر كذلك قال: إنه عبارة عما وقع لهم يوم حنين، والرمي المذكور إنما كان فيه على ما عليه المحدثون وسيأتي ما فيه وعدل عن لفظ الظهور إلى الإدبار تقبيحا للإنهزام وتنفيراً عنه. قوله: (يريد الكرّ بعد الفرّ الخ (الكرّ من كز على العدوّ إذا حمل عليه والفرّ الرجوع، قال: امرؤ القيس: مكز مفزمقبل مدبر معاً قوله:) فإثه من مكايد الحرب (لأنه يغرّه بصورة انهزامه، وقوله: منحاز أيءنصمأ وملحقا بهم وكونه على القرب يفهم منه بناء على المتعارف، وقيل إنه لا يختص به بناء على مفهومه اللغوي. قوله: (روي الخ () 1 (السرية عسكر دون الجيش، وهذا الحديث رواه أبو داود الترمذفي وحسنه لكن بمعناه مع مخالفة في بعض ألفاظه، والعكار الذي يفز إلى من هو أمامه ليستعين به، ولا يقصد الفرار، وفي النهاية العكارون الكزارون إلى الحرب والعطافون نحوها يقال للرجل الذي يفرّ عن الحرب ثم يكرّ راجعا إليها عكر واعتكر، ويحتمل أن تسميتهم عكارين تسلية لهم وتطييبا لقلوبهم. قوله: ادإلا لغو لا عمل له (لا عمل تفسير للغو وأنه المراد به لا الزائد ولم يعمل لأنه استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال، ولولا التفريغ لكانت عاملة أو واسطة في العمل على ما ذكر في النحو، والاستثناء المفرغ شرطه أن يكون في النفي أو صحة عموم المستثنى منه نحو قرأت إلا يوم كذا الصحة أن تقرأ في جميع الأيام، ومن هذا القبيل ما نحن فيه، ويصح أن يكون من الأوّل لأن يولي يمعنى لا يقبل على القتال، وعلى الاستثناء من المولين المعنى المولون إلا المنحرفين والمتحيزين لهم ما ذكر من الغضب، وقوله رجلاً بيان للمعنى لا تقدير إذ لا حاجة له لكن الأصل في الصفة اًن تجرى على موصوف. قوله:) ووزن متحيز متفيعل الخ (قال النحرير: جعل في المفصل تدبرآ من باب التفعل فاعترض عليه بأن حقه تدور لأنه واوقي فهو تفعيل، وقد ذكره له بعض تلامذته فأذعن له، وذكر الإمام المرزوقي أن تديرا تفعل نظراً إلى شيوع ديار بالياء وعلى هذا يجوز أن يكون تحيز تفعل نظراً إلى شيوع الحيز بالياء فلهذا لم يجىء تدوّر ولا تحؤز) قلت (ما ذكره الإمام المرزوقي أيده بعض النحاة وذكر ابن جني في إعراب الحماسة إنه هو الحق وأنهم قد يعدون المنقلب كالأصلي، ويجرون عليه أحكامه كثيراً، وفي قوله إنهم لم يقولوا تحؤز نظر فإن أهل اللغة قالوا تحوّز وتحيز كما نقله في القاموس، وقال: ابن تيمية تحؤز تفعل وتحيز تفيعل، وهذه الماذة معناها في كلام العرب يتضمن العدول من جهة إلى أخرى من الحيز وهو فناء الدار ومرافقها، ثم قيل لكل ناحية فالمستقز في موضعه كالجبل لا يقال له متحيز، ويراد بالمتحيز عند العرب ما يحيط به حيز موجود، وهو أعثم من هذا والمتكلمون يريدون به الأعثم، وهو كل ما أشير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 إليه فالعالم كله متحيز. قوله: (هذا إذا لم يزد العدد على الضعف الخ (كما مرّ أنها مخصوصة بما في غيرها من الآيات، وأما تخصيصها بأهل بدر وبجيش فيه النبيّءكتن فلأن الواقعة المذكورة في النظم تخصص بالمعونة، وهذا منقول عن أبي سعيد الخدرفي رضي الله عنه أما أهل بدر فإنه أوّل جهاد وقع في الإصلام، ولذا تهيبوه ولو لم يثبتوا فيه لزم مفاسد عظيمة ولا ينافيه أنه! يكن لهم فئة ينحازون إليها لأن النظم لا يوجب وجودها، وأما إذا كان النبيّ عتي! معهم فإن الله قد وعده بالنصر، كذا قيل وقال الجصاص: إنه غير سديد لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يخرجوا لأنهم لم يعلموا بالنفير وظنوها العير فقط، والإنحياز عن النبيئ-لمجيه غير جائز لعصمته ولأن الله نصره فكان فئة لهم وقيل عليه إق الإشارة بيومئذ إلى يوم بدر ولا تكاد تصح لأنه في سياق الشرط، وهو مستقبل فالآية إن كانت نزلت يوم بدر قبل انقضاء القتال فيوم بدر فرد من أفراد أيام اللقاء فيكون عاتا فيه لا خاصاً به، وإن نزلت بعده فلا يدخل يوم بدر فيه بل يكون ذلك استئناف حكم بعده، ويومئذ إشارة إلى يوم اللقاء، ويدفع بأن المراد أنها نزلت يوم بدر، وقد قامت قرينة على تخصيصها كمامرّ ولا بعد فيه، وباء بمعنى رجع وضمير معه للنبي لمجي! ، وقوله:) ينصركم (إشارة إلى أن إسناد القتل إلى الله مجاز، والفرار عن الزحف بغير نية الكز، والإنحياز إلى فئة المسلمين كبيرة ما لم يكن الجيش قليلاً لا يقدر على المقاومة، ولذا قال محمد بن الحسن رحمه الله إذا كانوا اثني عشر ألفا لم يجز لأنهم لا يغلبون عن قلة كما في الحديث. قوله: (روي أئه لما طلعت قريش الخ () 1 (قال السيوطي: هذ الحديث أخرجه ابن جرير بن عروة ومرسلا، وليس فيه أمر جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك، وروى ابن جرير وابن مردوية أمر جبريل له بذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولم يقف عليه الطيبي فقال: لم يذكر أحد من أئمة الحديث أن هذه الرمية كانت يوم بدر إنما هي يوم حنين واغتر به من قال: المحدثون على أن الرمية لم تكن إلا يوم حنين وليس كما قالا والطيبي رحمه الله لم يبلغ درجة الحفاظ، ومنتهى نظره الكتب الستة وكثيراً ما يقصر في التخريج اهـ وقد سبقه الحافظ بن حجر إلى هذا وخرج الرمي في بدر من طرق عديدة وذكر ما في حنين في هذه القصة من غير قرينة بعيد جدا والعقنقل بعين مهملة مفتوحة وقاف مفتوح ونون ساكنة وقاف ولام، ووزنه فعنعل الكثيب العظيم من الرمل والمراد به محل مخصوص، وشاهت الوجوه بمعنى صارت مشوهة أي قبيحة، والخيلاء بوزن العلماء بمعنى الكبر، وتناول كفآ كان المناول له عليا رضي الله عنه، وشغل بالبناء للمجهول بمعنى اشتغل، وردفهم بمعنى تبعهم كما مرّ، وضمير انصرفوا وأقبلوا للمسلمين. قوله:) والفاء جواب شرط محذوف الخ (قال أبو حيان رحمه الله: ليست هذه الفاء جواب شرط محذوف وإنما هي للربط بين الجمل لأنه قال: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [سورة الأنفال، الآية: 12] وان كان امتثال ما أمروا به سببا للقتل فقيل: فلم تقتلوهم أي لستم مستبذين بالقتل لأن الأقدار عليه، والخلق له إنما هو لله تعالى، قال السفاقسيّ، وهذا أوى من دعوى الحذف، وقال ابن هشام يردّه انّ الجواب المنفي لا تدخل عليه الفاء وهو غير وارد على الزمخشرفي لأن الجملة عنده اسمية وتقديره فأنتم لم تقتلوهم كما صزح به ومن غفل عن هذا قال: إنه علة الجزاء أقيمت مقامه والأصل إن افتخرتم بقتلهم فلا تفتخروا به فأنكم لم تقتلوهم، ونظائره كثيرة ولم يقدر المبتدأ كما في الكشاف، لأن الكلام على نفي الفاعل دون الفعل لعدم الحاجة إليه والغنية عنه بقوله: {وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} مع أن الأصل في الجزاء الفعلية دون الاسمية وكذا قول النحرير: يشبه أن يكون هذا المبتدأ مقدراً لأنه على نفي الفعل دون الفعل، والدليل عليه قوله ولكن الله رمى الخ ورذه معلوم مما أسلفناه. قوله: (وما رميت يا محمد رمياً توصله الخ) كذا في بعض النسخ، وفي أخرى توصلها أي الحصباء أو الكف من التراب والعائد محذوف أي به أو أنث الرمي لتأويله بالرمية، وقد استدل بهذه الآية والتي قبلها على أنّ أفعال العباد بخلقه تعالى حيث نفى القتل والرمي والمعنى، إذ رميت أو باشرت صرف الآلات، والحاصل ما رميت خلقاً إذ رميت كبا، وأجيب بأن الإسناد إليه تعالى لأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 بتأييده ونصره، وبأن معناه الإماتة وهي فعله تعالى وإنما فعل العبد الجرج وبأنّ إسناد الرمي إليه تعالى لأن إيصال تراب قليل إلى عيون كثيرة لم يكن إلا فعله تعالى، وبأن المراد الرمي المقرون بالقاء الرعب، وهو منه تعالى، وكلها خلاف الظاهر كذا قيل، وأورد عليه أن المدعي وان كان حقا لكن لا دلالة في الآية عليه لأن التعارض بين النفي والإثبات الذي يتراءى في بادىء النظر مدفوع بأن المراد ما رميت رميا تقدر به على إيصاله إلى جميع العيون، وإن رميت حقيقة وصورة وهذا مراد من قال: ما رميت حقيقة إذ رميت صورة فالمنفيّ هو الرمي الكامل، والمثبت أصليما وقدر منه فالإثبات والنفي لم يردا على شيء واحد حتى يقال: المنفي على وجه الخلق، والمثبت على وجه المباشرة ولو كان المقصود هذا لما ثبت المطلوب بها الذي هو سبب النزول من أنه أثبت له الرمي لصدوره عنه ونفي عنه لأن أثره ليس في طاقة البشر، ولذا عدت معجزة له حتى كأنه لا مدخل له فيها أصلا فمبني الكلام على المبالغة ولا يلزم منه عدم مطابقته للواقع لأن معناه الحقيقيئ غير مقصود، وهذا مراد الزمخشرقي هكذا ينبغي أن يفهم هذ المقام إذ لو كان المراد ما ذكر لم يكن مخصوصا يهذا الرمي لأنّ جميع أفعال العباد كذلك بمباسرتهم وخلق الله) قلت (هذا ليس بشيء لأن وجه الدلالة ينافي ما ذكره لأن المراد به الأمر الكامل الذي لا تطيق البشر أن تفعله ويصدر عنه هذا الأثر لأنه إن كان بإيجاد الله تتم الدست إذ لا قائل بالفرق، وان كان بتمكينه، وهو من إيجاد العبد نافاه قوله: (ولكن الله قتلهم) ولكن الله رمى والتأويل مخالف للظاهر، وقد قيل إن علامة المجاز أن يصدق نفيه، حيث يصدق ثبوته ألا تراك تقول للبليد حمار، ثم تقول ليس بحمار فلما أثبث الفعل للخلق، ونفاه عنهم دل على أن نفيه على الحقيقة، وثبوته على المجاز بلا شبهة، فإن قلت إن أهل المعاني جعلوه من تنزيل الشيء منزلة عدمه وفسروه بما رميت حقيقة إذ رميت صورة والرمي الصورفي، موجود منه، والحقيقي ما وجد منه فلا تنزيل فيه كما ذكروا، قلت الصورفي مع وجود الحقيقي كالعدم كاضمحلال ثور الشمع مع شعشعة الشمس، ولذا أتى بنفيه مطلقاً كإثباته وما ذكروه بيان لتصحيح المعنى في نفس الأمر، وهو لا ينافي النكتة المبنية على الظاهر، ولذا قال في شرح المفتاح: النفي والإثبات وارد إن على شيء واحد باعتبارين فالمنفيئ هو الرمي باعتبار الحقيقة كما أن المثبت هو الرمي باعتبار الصورة فتدبر فإنه وقع فيه خبط لبعضهم. قوله:) أتى بما هو غاية الرمي قأوصلها الخ) فالحاصل أن الرمي مطلق أريد فرده الكامل المؤثر ذلك التأثير كما يطلق المؤمن، ويراد به الكامل وفيه نظر لأن المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل لتبادره منه وأما ما جرى على خلاف العادة وخرج عن طوق البشر فلا يتبادر حتى ينصرف إليه بل ليس من أفراده فتأقل. قوله ة) وقيل معناه ما رميت بالرعب الخ (هذا أحد التاً ويلات ممن يقول أفعال العباد غير مخلوقة دلّه كما مرّ، وقوله وقيل الخ هكذا أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهرفي ويخور بمعنى يصيح ويخرج نفسه بشدة. قوله:) أو رمية سهم الخ (أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جبير، وكنانة بكاف ونونين، وفي نسخة لبابة بلام وباءين موحدتين، والحقيق مصغر يهودفي من يهود المدينة، وقوله والجمهور على الأوّل أي على أنه رمى بتراب لا بسهم، ونحوه لأنه يصير أجنبيا وتد نزلت الآية في بدر 0 قوله:) ولينعم عليهم نعمة عظيمة الخ (هذا هو معنى ما في الكشاف من تفسير البلاء بالعطاء، وقال الطيبي رحمه الله: الظاهر تفسيره بالإيلاء في الحرب بدليل ما بعده، وقيل إنه يرجع لما ذكر وهو تكلف، والبلا يستعمل فيما يصيب الإنسان خيراً أو شرّاً كقول زهير: فأبلاهما خير البلاء الذي يبلى وقولهم أبلى فلان بلاء حسنا أي قاتل قتالاً شديدا، أو صبر صبراً عظيما في الحرب سمي به ذلك الفعل لأنه مما يخبر به المرء فيظهر جلادته وحسن أثره، وقيل البلاء يكون بمعنى العطاء أيضا لأنه يخبر به يقال أبلاه إذا أنعم عليه وبلاه إذا امتحنه. قوله: (فعل ما فعل الخ (يعني أن لام التعليل لها متعلق محذوف تقديره ما ذكر، وقيل هو عطف على مقدر أي ليمحق الكافرين وليبلي المؤمنين منه بلاة حسناً قيل وقدر المتعلق مؤخراً لا لقصد الاختصاص إذ لا حاجة إليه بل لكونه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 أحسن من تقديمه وفيه نظر. قوله: " شارة إلى البلاء الحسن الخ (أو إلى الجميع بتأويله بما ذكر، وقوله أي المقصود على الوجه الأوّل في إشارة وما بعده على الأخيرين ويجوز جعله مبتدأ محذوف الخبر ومنصوبا بفعل مقدر. قوله: (معطوف (أي عطف مفرد على مفرد أو جملة على جملة، وقوله أي المقصود اقتصر عليه لأنه يعلم منه الآخر بالمقايسة، وقيل إنه إشارة إلى ترجيح جعل ذلكم إشارة إلى البلاء الحسن لكن لا يخفى أنّ جزالة المعنى تقتضي أن يكون العطف باعتبار الإشارة إلى القتل أو الرمي، والتوهين التضعيف. قوله: " ن تستفتحوا الخ) أي لا تطلبوا الفتح وتدعوا به أو تطلبوا أن يحكم الله بينكم من الفتاحة والتهكم في قوله جاءكم الفتح لأنّ الذي جاءهم الهلاك والذلة، والمراد بالجندين جندهم وجند المسلمين. قوله:) من الاغناء أو المضاز (هو على الأوّل مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، وعلى الثاني مفعول به ومن قرأ يفتح إن قدر قبله اللام أو جعله خبر مبتدأ، والرغبة لتعديه بعن بمعنى الإعراض مجرور عطفاً على التكاسل، وأوّل المؤمنين على هذا التفسير بالكاملين إيماناً لأنهم مؤمنون أيضاوهو ظاهر وقراءة الكسر أظهر وهو تذييل لقوله وان تعودوا نعد، وقوله إن تعودوا أي إلى ما ذكر من التكاسل وما بعده. قوله: (فإن المراد) اعتذار عن إفراد الضمير وارجاعه للرسول صلى الله عليه وسلم بأنّ المقصود طاعة الرسول، وذكر طاعة الله توطئة لطاعة الرسول، وطاعة الرسول ع! ت مستلزمة لطاعة الله لأنه مبلغ عنه فكان الراجع إليه كالراجع إليهما، وعلى رجوعه للأمر أو للجهاد لا يحتاج إلى تأويل، وجؤز رجوعه للطاعة لتأويله بأن والفعلى وعلى الأخير فالسماع على ظاهره فإن كان الضمير للرسول عشي! فالسماع مجاز عن التصديق، أو سماع كلامه من المواعظ، والقرآن كما أشار إليه المصنف رحمه الله، والأمر في كلام المصنف إن كان بمعناه المتبادر منه فهو اكتفاء، أو بمعنى مطلق الطلب فيشمل النهي، وان كان المراد به واحد الأمور فظاهر والأوّل هو الظاهر، وإذا كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فالتولي حقيقة وإن كان للأمر فجاز، وقوله دل عليه الطاعة أي في ضمن أطيعوا لأنه أمر خاص. قوله:) سماعاً ينتفعون به) يعني أن المنفيئ سماع خاص لكنه أتى به مطلقا للإشارة إلى أنهم نزلوا منزلة من لم يسمع أصلا بجعل سماعهم بمنزلة العدم. قوله:) شرّ ما يدب على الأرض الخ (يعني المراد بالدابة معناها اللغوي أو العرفي، وقوله عذهم من البهائم اختار الثاني لأنه أشهر قيل ظاهر كلامه أنه عمم في الدابة حتى يشمل ما تطلق عليه حقيقة أو تشبيها فتأمل، وما ميزوا به هو العقل لأنه المميز للإنسان عن غيره وقد نفى عنهم. قوله: (سعادة كتبت لهم أو انتفاعاً بالآيات الخ (في الكشاف، ولو علم الله في هؤلاء الصمّ البكم خيراً أي انتفاعا باللطف لأسمعهم للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين، ومن ثم قال: {لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} يعني لو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف فلذلك منعهم ألطافه أو ولو لطف بهم فصذقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا فقال الشارح النحرير: يعني أن قوله لتولوا في مفى عدم انتفاعهم باللطف، فلا يرد ما قيل إن قوله: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} يدل على عدم التولي وهو خير فيناقض ما سبق من أنه تعالى لم يعلم فيهم الخير فإنه يستلزم الخير ضرورة أن علم الله مطابق لكن لا يخفى أنّ الإشكال بحاله بل أظهر لأنّ قوله لما نفع فيهم اللطف يوجب بمقتضى أصل، لو أن يكون قد نفع فيهم اللطف، وهذا خير كل الخير فلا محيص إلا بجعله من قبيل لو لم يخف الله لم يعصه، أي لا ينفع فيهم اللطف، ويكون التولي على تقدير الإسماع فعلى تقدير عدمه بطريق الأولى وأيضاً لا نسلم أن عدم التولي لعدم الإسماع خير، وإنما الخير أن يسمعوا ويحصل منهم التصديق لا الإعراض، واعلم أن سوق الشرطية الأولى هو أنه تعالى لو علم فيهم خيرا لأسمعهم لكن لا يعلم فلم يسمعهم، والثانية أنه لو أسمعهم لكان منهم الإعراض لا التصديق فكيف على تقدير عدمه وقد يتوهم أنهما مقدمتا قياس اقترانيئ هكذا لو علم فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا ينتج لو علم فيهم خيراً لتولوا وفساده بين وأجيب بأنه إنما يلزم النتيجة الفاسدة لو كانت الثانية كلية، وهو ممنوع وهذا المنع وان صح في قانون النظر إلا أنه خطأ في تفسير الآية لابتنائه على أن المذكور قياس مفقود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 شرائط الإنتاج ولا مساغ لحمل كلام الله عليه، وقيل عليه أن كلمة لو لانتفاء الثاني لانتفاء الأوّل لا لعكسه وأما استعارتها للاستدلال بانتفاء الثاني على انتفاء الأوّل كما في آية التمانع فبمعزل عما نحن فيه مع أنه تطويل بغير طائل، وما رذ به على القائل المذكور غير وارد لأنّ مراده منع كون القصد إلى ترتيب قياس لانتفاء شرط لا أنه قياس فقد شرطه كما أنه يمنع منه عدم تكرار الوسطي أيضا وإنما المقصود من المقدمة الثانية تأكيد الأولى إذ مآله إلى أنه انتفى الإسماع لعدم الخيرية فيهم، ولو وقع الإسماع لا تحصل الخيرية فيهم لعدم قابلية المحل فتدبر. قوله: (لأسمعهم سماع تفهم (قيده به لا! أصل السماع حاصل لهم، ثم إنه قيل كون نفي الإسماع المذكور معلولاً لنفي الخيرية المفسرة بالسعادة المكتوبة أي المقدرة ظاهر لا سترة عليه، وأما على تقدير كونها مفسرة بالانتفاع بالآيات فلا بل الأمر بالعكس، فالأولى أن يقتصر على التفسير الأول وليس بشيء لأنّ سماع التفهم لم يرتب على الانتفاع بل على علم الله بالانتفاع بالآيات ولا شبهة في ترتبه عليه ومثله غنيّ عن البيان، وقيده بما ذكر وأطلق في الثاني إشارة إلى أنه ليس القصد إلى ترتيب القياس لاختلاف الوسط، ومنه تعلم أنّ ما وقع في بعض النسخ بعد قوله لأسمعهم من قوله سماع فهم، وتصديق لا يناسب إلا تفسير التولي بالارتداد. قوله: (أو ارتدّوا بعد التصديق والقبول (يعني أنّ التولي إمّ الابتداء أو في البقاء لأن التصديق إذا لم يدم كلا تصديق، وأفاد بعض المدققين هنا أنه لما أرود أنّ الآية قياس اقتراني من شرطيتين ونتيجة غير صحيحة أشار المصنف رحمه الله إلى جوابه أوّلأ بمنع القصد إلى القياس فيه لفقد كلية الكبرى، وثانيا بمنع فساد النتيجة إذ اللازم لو علم فيهم خيراً في وقت لتولوا بعده ومنه تعلم ما في كلام النحرير هنا وفي المطوّل فهم. قوله: (لعنادهم الخ) قيده به لأنه لما فسر قوله لأسمعهم بسماع الفهم والتصديق لم يكن ذلك التولي إلا للعناد وهذه الحال مؤكدة مع اقترانها بالواو وقوله يشهد بالغيبة أي قصيّ ونؤمن بصيغة المتكلم مع الغير. قوله: (وحد الضمير فيه لما سبق) يعني قوله إن الإجابة للرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر الله توطئة أو لأنّ طاعة الله في طاعة الرسولءلمجي! وزاد وجها آحض وهو أنّ الرسول تحب ور! خ عن الله! ! د! اهم فتتحد الدعوة ولهذا أفرد الضمير. قوله: (وروي الخ (أبيّ هو أبيّ بن كعب رضي الله عنه، وهذا الحديث أخرجه الترمذفي والنسائيّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح وتمامه " لأعلمنك سورة أعظم سورة في القرآن الحمد دلّه رب العالمين هي السغ المثانى " (1 (وقوله: (واختلف فيه) أي في جواز قطع الصلاة لإجابة رسول الله ىلمجب ففي قول للشافعيّ إنّ الكلام في الصلاة لإجابته صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة ولا يبطلها لأنه فرض أني في الصلاة فلا يبطلها عنده، وقوله: (فإن الصلاة أيضاً إجابة الأنه أمر بها ففعلها إجابة لأمره، وجوابه كذلك فلا يبطلها، وحكى الروياني وجها آخر أنها لا تجب وتبطل الصلاة، وقيل إنه يقطعها ولكنه إذا كان الأمر يفوت بالتأخير يجوز قطع الصلاة له كما إذا رأى أعمى وصل إلى بئر ولو لم يحذره لهلك وقوله، وظاهر الحديث الخ فيه نظر لأنه لا دلالة فيه على أن إجابته لا تقطع الصلاة فتأمّل. قوله: (من العلوم الدينية الخ) أي أطلقت الحياة على العلم كما يطلق الموت على الجهل وهو استعارة معروفة ذكرها الأدباء وأهل المعاني، والبيت المذكور للزمخشريّ، كما قرأته في ديوانه من قصيدة مدح بها المؤتمن بالله الخليفة وأوّلها: حدث إلى أين مرت الظعن فعندهن الفؤاد مرتهن ومنها: لاتعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن. وقد ألم فيه بقول أبي الطيب من قصيدته التي أوّلها: أفاضل الناس أغراض لذا الزمن يخلو من الهمّ اخلاهم من الفطن ومنها: لاتعجبن مضيماً حسن بزته وهل تروق دفيناً جودة الكفن والعجب من النحرير في شرح قول الكشاف ولبعضهم لا تعجبن الخ حيث قال: هذا كما هو عادته إذا أنشد شعرا لنفسه أن يقول لبعضهم والبيت لأبي الطيب: وهذا من عدم التتبع لكن خلطه بين بيتين من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 بحرين أعجب مع تصريح الإمام الطيبي به، والحلة معروفة ومنهم من رواه حليته، وجوّز فيه البدلية من الجهول بدل اشتمال فقد حرفه كما يدريه من يدري المعاني الشعرية. قوله: (أو مما يورثكم الحياة الأبدية الخ (هذا إمّا استعارة أو مجاز مرسل بإطلاق السبب على المسبب، وكذا إطلاقه على الجهاد وهو كقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [سورة البقرة، الآية: 179] وأما إطلاقها على الشهادة فمجاز أيضا، ويجوز أن يكون حقيقة والإسناد مجاز على كل حال. قوله: (تمثيل لغاية قربه من العبد الخ) أصل الحوال كما قال الراغب: تغير الشيء وانفصاله عن غيره وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول وباعتبار الانفصال قيل حال بينهما كذا فحقيقة كون الله حال بين المرء وقلبه أنه فصل بينهما، ومعناه الحقيقي غير متصوّر هنا فهو مجاز عن غاية القرب من العبد لأنّ من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما، وانفصال أحدهما عن الآخر، هو إمّا استعارة تبعية، فمعنى يحول يقرب، أو استعارة تمثيلية، وقيل إن الأنسب أن يكون مجازاً مركباً مرسلا لاستعماله في لازم معناه، وهو القرب وليس ببعيد. قوله: (وتنبيه على أنه مطلع الخ الأنه أقرب إليها من صاحبها كما مرّ. قوله: (ما عسى ينفل عنه صاحبها) ما موصولة عبارة عن المكنونات والضمائر وضمير عنه لما باعتبار لفظه وضمير صاحبها للقلوب أي المكنونات التي قد يغفل عنها صاحب القلوب، ولا تعزب عن علام الغيوب، وجملة يغفل صلته، وعسى مقحمة بين الموصول وصلته وكون عسى تقحم بين الشرط والجملة الشرطية، والموصول وصلته، وكثير في كلام المصنفين، وقد وقع في مواضع من الكشاف والهداية وتال أبو حيان رحمه الله: إنه تركيب أعجمي لا عربيّ لأنّ عسى لا تكون صلة ولا شرطا ولا استعمالها بغير اسم ولا خبر كقول الزمخشريّ في الأعراف إن عسى فرّط في حسن الخلافة، وقال الفاضل المرتضى اليمني هذا التركيب مشكل لأنه لم يرد على القياس الملتئب في استعمال عسى لأن لها استعمالين. أحدهما: أن يكون لها اسم وخبر وخبرها هو أن مع الفعل المضارع. وثانيهما: أن يكون اسمها أن مع الفعل وشمتغني إذ ذاك عن الخبر فإتا أن تكون زائدة ككان إذا زيدت لأنها قد تضمن معنى كان كما نص عليه سيبويه فيجوز حينئذ أن تجري مجراها في الزيادة والإقحام لتأكيد الشرط ونحوه، وامّا أن يكون التقدير عسى ان يكون فرط واسم عسى ضمير يرجع إلى أخيه فحذف أن يكون لأنّ حذف خبر عسى جائز كما في الإيضاح وأفا إن عسى معترضة بين إن وفعل الشرط، واسمها ضمير التفريط المدلول عليه بالفعل، وخبرها محذوف وتقديره عسى التفريط أن يكون حاصلا. (قلت الا حاجة في زيادتها إلى تضمين معنى، كان لأن الفرّاء أجاز زيادة جميع أفعال هذا الباب، وقد تبعه النحرير في سورة الأعراف فاحفظه. قوله: (أو حث على الميادرة الخ) يعني أن قوله اعلموا الخ المقصود منه الحث على ما ذكر فمعنى يحول بينه وبين قلبه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة إدوائه، وعلله وردّه سليما كما يريده الله فاغتنموا هذه الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب وأخلصوها لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه الذي به يعقل في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه. قوله: (أو تصوير وتخييلا لخ) يعني أنه استعارة تمثيلية لتمكنه من قلوب العباد فيصرفها كيف يشاء بما لا يقدر عليه صاحبها شبه بمن حال بين شخص، ومتاعه فإنه يقدر على التصرّف فيه دونه كما في الحديث: " ما من آدمئ إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أرّاغ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا يا مقلب القلوب ") 1 (وقوله:) أراد في الآوّل وقض بعده) إشارة إلى أنه فطر على السعادة وأما الكفر فبقضاء منه فقوله أراد سعادته أي ثبوتها، فتأمّل، وقراءة بين المرّ بتشديد الراء بعد نقل حركة الهمزة إليها على لغة من يقف على الحروف بالتشديد مع إجراء الوصل مجرى الوقف، وقوله بينه وبين الكفر الخ ردّ على الزمخشريّ، وقوله وأنه إليه تحشرون أنسب بالوجه الأوّل، ولذا خالف الزمخشريّ في تقديمه وضمير أنه دلّه أو للشأن. قوله: (دّنبنا يعمكم أثره الخ) قد فسرت الفتنة هنا بمعنيبن أحدهما الذنب والمراد بالذنب أمّا تقرير المنكرين واما اختلاف كلمة الدين، وثانيهما العذاب فإن أريد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 الذنب ف! صابته بماصابة أثره، وان أريد العذاب فأصابته بنفسه، واختلفوا في لأهل هي ناهية أو نافية كما سيأتي تفصيله، وقد قيل إنها دعائية ومن إمّا بيانية أو تبعيضية فحصل بالضرب وجوه بعضها صحيح مراد كما ستراه فأشار بقوله ذنبا إلى اختبار الشق الأوّل، وقوله أثره إشارة إلى أنّ المصيب على هذا التفسير هو الأثر فإمّا أن يقدر أو يتجوّز في إصابته، والمراد بأثره شآمته ووباله وعقابه، وقوله كإقرار المنكر أي تمكين الفعل المنكر بين المسلمين من قولهم أقرّه في مكانه فاستقرّ، وقوله: (بين أظهرهم) أي بينهم، وظهر مقحم كما مرّ والمداهنة أن يظهر خلاف ما يضمر مصانعة، ومداراة، ومثل للذنب بأمور خمسة وأتى بالكاف إشارة إلى أنه غير مخصوص بها. قوله: (على أنّ قوله لا تصيبن إمّا جواب الأمر الخ) ولا نافية حينئذ والإصابة لا تخص الظالم بل تعمه وغيره، واعترض عليه ابن الحاجب رحمه الله بأنه غير مستقيم إذ جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنى الأمر المطهر لا من جنس الجواب كما ذكره المصنف رحمه الله تبعا لغيره فيقدر أن تتقوا لا تصيب الظالمين خاصة، ويفسد المعنى لأنه يصير الاتقاء سببا لانتفاء الإصابة عن الظالم وأجيب بأنه محمول على اللفظ، وأصل الكلام اتقوا فتنة لا تصيبنكم فإن أصابتكم لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل عمتكم فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر في جواب الأمر لتسببه عنه وسمي جواب الأمر لأنّ المعاملة معه لفظاً وهذا وجه وجيه، والفتنة على هذا إقرار المنكرين الخ، ومن تبعيضية وردّ بأنه من البين أنّ عموم إصابة الفتنة ليس مسبباً عن عدم الإصابة ولا عن الأمر، وهذا إنما يرد لو جعل الضمير في قوله لشببه، لجواب الشرط الثاني، أما لو جعل لجواب الشرط المقدّر والمقدّر صفة الجواب لا الشرط فيكون جواب الشرط الأوّل على أنّ مراده إنه قدر جواب الشرط الأوّل هكذا لأنه المتسبب عنه لا هذا لم يرد عليه شيء، وهو المناسب لدقة نظره، وقيل إنه على رأي الكوفيين حيث يقدّرون ما يناسب الكلام، ولا يلتزمون أن يكون المقدر من جنس الملفوظ ففي مثل لا تدن من الأسد يأكلك المقدر الإثبات أي إن تدن يأكلك، وهنا النفي أي إن لم تتقوا تصبكم، والمصنف رحمه الله قدّر شرطاً يستقيم به المعنى لا مضمون الأمر ولا نقيضه فلا يتبين به كون المذكور جواب الأمر فقيل مراده أنّ التقدير إن لم تتقوا أصابتكم وان أصابتكم لا تخص الظالمين، وقيل عليه إنه لا حاجة إلى اعتبار الواسطة بل يكفي إن لم تتقوا لا تصيب الظالمين خاصة، وقيل مراد من قدر إنّ أصابتكم إن لم تتقوا على مذهب الكسائي رحمه الله في تقدير النفي لكنه عبر عنه بأن أصابتكم لتلازمهما فلا يرد حديث الواسطة، وارتضاه بعض المتأخرين (وهاهنا بحث) وهو أنّ من جعله مجزوما في جواب الشرط يحتمل أنه يفسر الفتنة بالذنب ويريد به ارتكاب المعاصي لا الإقرار والمداهنة ليصح أن تتقوا لا تصيبن الظالمين خاصة بل تعمّ لأنه لا يكفي اتقاؤه بل لا بدّ من دفع المجاهرين به إذا قدر على المنع فمحصل النظم حينثذ اتقوا المعاصي بالذات، وامنعوا من ارتكبها منكم، ولذا قال ابن العربي كما نقله القرطبي: فإن قيل قد قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ونحوه مما يوجب أن لا يؤاخذ أحد بذنب غيره فالجواب أن الناس إذا تجاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه أن يغيره فإن سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة وصح الكلام من غير تكلف. قوله: (وفيه أنّ جواب الشرط متردد فلا يليق به النون الخ (جواب عن أن لا يؤكد المضارع في غير قسم ولا طلب ولا شرط إلا أنهم اختلفوا في المنفيّ بلا فقيل يجوز تأكيده لإجرائه مجرى النهي، وقيل إنه مخصوص بالضرورة، والفزاء قال إنه جاز هنا لما فيه من معنى الجزاء، والمصنف رحمه الله تبعا للكشاف قال: إنّ فيه معنى النهي لأنّ المعنى لا تتعرّضوا لها فمأخذ الاشتقاق مطلوب عدمه كما في النهي، وما ذكره بيان لوجه عدم تأكيده بأنه متردّد بين الوقوع وعدمه غير مجزوم به فيه، والتأكيد يقتضي دفع التردّد، فأجاب بأنه طلبيئ معنى فيؤكد كما يؤكد الطلبي، وهو لا! اشه التردّد في وقوعه لأنه لا تردد في طلبه، على أنه قيل إنه لا تردّد فيه على تقدير وقوع الشرط فالتردّد في الحقيقة إنما هو في وقوع الشرط لا فيه، وقد علصت أنّ الفرّاء يجوّز تأكيد الجزاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 مطلقا فما ذكره هنا على مذهبه وعلى ما رجحه ابن جني من أنّ المنفيّ بلا يؤكد لشبهه بالنهي كما في قوله تعالى: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} [سورة النمل، الآية: 8 ا] وقد اعترض عليه بأنه منع ما جوّزه هنا في سورة النمل لأنّ النون لا تدخله في السعة فكأنه نسي هناك ما جوّزه هنا وقد يوفق بيتهما فتدبر. قوله: (وفيه شذوذ الخ) قد عرفت أن ابن جني وبعض النحاة جوّزوه وقد ارتضاه ابن مالك في التسهيل لكن ما ذكره كلام الجمهور. قوله: (أو للنهي على إرادة القول (أي لا ناهية والجملة صفة فتنة أيضا لكن لما كان الطلب لا يقع صفة لأنه قائم بالمتكلم وليس حالاً من أحوال الموصوف فقولك مررت برجل اضربه لا يصح إلا باعتبار تعلقه به لكونه مقولاً فيه ذلك، وليس المقصود بالمقولية الحكاية بل استحقاقه لذلك حتى كأنه مقول فيه، وجوّز وصفه به باعتبار تأويله بمطلوب ضربه فلا يتعين تقدير القول كما قيل، وان اشتهر ذلك كما في شرح المغني فتامّل. قوله: (حتى إذا جن الظلام الخ) هذا رجز لا يعرف قائله، وفي كامل المبرّد رحمه الله العرب تختصر التشبيه وربما أومأت إليه، كما قال أحد الرجاز: بتنا بحسان ومعزاه تبط فا زلت أسعى بينهم وألتبط حتى إذا كاد الظلام يختلط جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط يقول إنه في لون الذئب لأنّ اللبن إذأ خلط بالماء ضرب إلى الغبرة، والمذف بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وقاف اللبن الممزوج بالماء، وقط لاستيعاب الزمان الماضي وهي مشددة لكنها مخففة للوقف عليها وما رواه المصنف رحمهه الله مخالف لرواية المبرّد في المحراع الأوّل، واختلط بالخاء المعجمة أي اختلط ما فيه لشدة ظلمته، ويصح إهماله أي بالغ في ظلمته يعني أن رائي اللبن يخطر بباله لون الذئب لشدة شبهه، فإنّ هذا اللبن يشبه لونه وهو من بديع التشبيه كما في قول بعض المتأخرين: قام يقط شمعة فهل رأيت البدرقط قوله: (وأما جواب قسم الخ) فيظهر تأكيده ويؤيده القراءة الأخرى، وهي قراءة عليّ وزيد بن ثابت وأبيّ وابن مسعود رضي الله عنهم، وإنما قال: وان اختلفا في المعنى لأنّ إحداهما إثبات والأخرى نفي ردّاً على من جعلهما بمعنى فمنهم من قال لتصيبن أصله لا تصيبن حذفت ألفه، ومنهم من قال لا تصيبن أصله لتصيبن فطول ألفه، وهو ضعيف والإصابة على الأوّل عامّة وعلى هذا خاصة، ومن لم يعرف مراده قال لا حاجة لذكر هذا مع وضوحه. قوله: (ويحتمل أن يكون نهياً بعد الآمر الخ) أي يكون نهيا مستأنفاً لتقرير الأمر وتوكيده ومعناه لا تتعرّضوا للظلم فتصيبكم الفتنة خاصة لأنه سببها فالإصابة خاصة على هذا وإنما أوّل بلا تتعرّضوا لأنّ الفتنة لا تنهى فهو من باب الكناية كما مرّ في قوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [سورة الأعراف، الآية: 2] واليه يشير بقوله عن التعرّض وأشار بقوله خاصة إلى أنه خاص على هذا كما مرّ. قوله:) فإنّ وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه (بيان للمعنى على النهي كما مرّ، وقيل إنه تعليل للنهي عن التعزض للظلم فإذا اختص! وباله بالظالم لم يؤول نفيه إلى نفي الإصابة رأساً ولا إلى نفي الخصوص واثبات العموم، كما في الوجوه المتقدمة وفيه نظر. قوله: (ومن في منكم على الوجوه الأوّل للتبعيض الخ (وفي نسخة على الوجه الأوّل والصحيح في الحواشي الأولى، وفي الكشاف معنى من التبعيض على الوجه الأوّل والتبيين على الثاني لأنّ المعنى لا تصيبنكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس فقيل في تخصيص التبعيض بالأوّل والتبيين بالثاني حزازة، وفيل في بيانه إنّ مراده بالأوّل النفي، وهي فيه تبعيضية لأنّ المعنى أن الفتنة لا تختص بالظالمين منكم فيكون منكم غير ظالمين تعمهم أيضاً، والثاني النهي ومن فيه بيانية لأنه نهي للمخاطبين عن الظلم الذي هو سبب إصابة الفتنة، وقد عبر عن المخاطبين باعتبار الظلم بالذين ظلموا فيكون منكم بيانا للذين ظلموا واليه أشار، بقوله لا تصيبنكم خاصة أي لا تتعرّضوا فتصيبنكم الفتنة معشر الظالمين خاصة على ظلمكم، لأنّ الظلم أقبح منكم من سائر الناس، ومن سائر الناس في محل النصب على الحال من الضمير في أقبح، ومن المستعمل مع أفعل التفضيل محذوف، والتقدير الظلم منكم أقبح من الظلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 من سائر الناس نحو زيد قائما أحسن منه قاعداً، وقيل الوجه الأوّل أن يكون جوابا للأمر ومحله نصب على أنه بدل من الذين ظلموا، والثاني أن يكون صفة أو نهياً ومن بيانية إلى هذا ذهب القاضي أيضا لأنه إذا كان المراد، واتقوا فتنة لا تصيبنكم العقاب خاصة على ظلمكم كان منكم تفسيرا للذين ظلموا أي لا تصيبن الظالم الذي هو أنتم أي لا ينبغي أن تختصوا بالفتنة، وأنتم عظماء الصحابة فإذا حققت النظر علصت أن المخاطبين في الأوّل كل الأمّة، وراكب الفتنة بعضهم فلا محالة تكون من تبعيضية، والمخاطبين في الثاني بعض الأمّة الذين باشروا الفتنة فلا محيد عن كون من بيانية، وقال النحرير: معنى من التبعيض على الوجه الأوّل أي كون لا تصيبن جواب الأمر لأن الذين ظلموا بعض من كل الأمّة المخاطبين بقوله اتقوا والتبيين على الوجه الثاني، وهو كون لا تصيبن نهيا سواء اعتبر مستقلاً أو صفة لأنّ المعنى لا تتعرّضوا للظلم فتصيب الفتنة الظالمين الذين هم أنتم بناء على ظلمكم، وإنما أصابتهم على ظلمهم خاصة دون سائر الناس لأنّ الظلم منهم أقبح من الظلم من سائر الناس، فقوله منكم في موقع الحال من ضمير أقبح، وقوله من سائر الناس على حذف مضاف أي من ظلم سائر الناس، والقياس في مثله التقديم مثل الظلم منكم أقبح من الظلم من سائر الناس، إذا عرفت هذا فقول المصنف رحمه الله على النسخة المشهورة الوجوه الأول الظاهر أن المراد منه الثلاثة من الخمسة الأوجه وهي كونها نافية وجواب الأمر، أو نافية وهي صفة فتنة أو ناهية وهي صفة فتنة بالتأويل المشهور والأخيرين كونها نافية جواب قسم، أو ناهية والجملة مستأنفة وقد أورد عليه أنه لا فرق بين الوجه الثالث والخامس، وأنها إذا كانت قسم فلا نافية فمن تبعيضية كما في الوجه الأوّل من غير فرق، وأما على نسخة الإفراد وأنّ مراده ما في الكشاف بعينه كما صرّج به الطيبي وتبعه بعض أرباب الحواشي على تصحيحها فلا إشكال في كلامه، وبعد اللتيا والتي ففي المقام نظر لم يدفع بسلامة الأمير. قوله: (وقيل للعرب كاقة) مسلمهم وكافرهم وهذا وإن نقل عن وهب بعيد لا يناسب المقام مع أن فارس لم تحكم على جميع العرب لكن السيوطي، رواه في الدرّ المنثور أيضا. قوله: (كفار قريث! أو من عداهم الخ (قيل إنهما ناظران إلى كون الخطاب للمهاجرين، ومن عداهم أي غير قريش من العرب ولو أرجع الأوّل إلى تفسيره بالمهاجرين، ومن عداهم إلى تفسيره بالعرب أي عادى العرب غيرهم لم يبعد ومعادين مخفف مفاعلة من العداوة، ومضاذين بالتشديد والضاد المعجمة بمعناه. قوله: (فآواكم إلى المدينة) ناظر إلى تفسيره بالمهاجرين، وما بعده إلى تفسيره بالعرب كافة، وقوله على الكفار بناء على أنّ الخطاب للمسلمين كافة والكفار ما يقابلهم مطلقا، وقوله أو بمظاهرة الأنصار بناء على أن الخطاب للمهاجرين، وقوله بإمداد الملائكة، وهو على عموم الخطاب أيضاً، ويوم بدر ظرف له، وفسر الطيبات بالغنائم لأنها لم تطب إلا لهم ولأنه أنسب بالمقام، والامتنان به أظهر هنا. قوله: (بتعطيل الفرائض والسنن الخ) يعني المراد بالخيانة لهما عدم العمل بما أمرا به، أو بالنفاق أو الغلول في المغانم أي السرقة منها لأنّ الغلول بالمعجمة معناه السرقة من المغنم. قوله: (وروي الخ) إشارة إلى وجه آخر بعلم من سبب النزول، وهذا الحديث أخرجه البيهقيّ في الدلائل وفيه أنه صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة (1 (، وأبو لبابة رفاعة بن عبد المنذر لا مروان بن المنذر، كما في الكشاف فإنه يخالف ما صحح في أسماء الرجال وهو صحابيّ معروف، وروى ابن المسيب أنه رضي الله عنه تصدق بثلث ماله، وتاب فلم ير منه بعد ذلك إلا الخير حتى فارق الدنيا. قوله: (فأشار إلى حلقه أنه الذبح) أي أشار بيده إلى حلقه يعني بإشارته أنّ حكم سعد فيكم هو الذبح والقتل فلا تختاروه. قوله: (فشدّ نفسه على سارية) أي عمود من عمده، وقد اختلف في الفعل الذي أوجب فعل أبي لبابة رضي الله عنه هذا بنفسه كما في الاستيعاب فقيل هو ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل إنه تخلف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه الخ، وقال ابن عبد البرّ إنه أحسن أي رواية، وقوله أنخلع من مالي أي أتركه لله، وقوله أن يتصدق به بدل من الثلث أو بتقدير لأن يتصدق به. قوله: (وأصل الخون النقص الخ) أي أصل معناه النقص والخائن بنقص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 المخون شيئاً مما خانه فيه وهو ضد الأمانة، وقوله لتضمنه أي ضد الأمانة إياه أي النقص، واعتبر الراغب في الخيانة أن تكون سراً، وقوله فيما بينكم أي لا تقع منكم الخيانة لله ورسوله ولا يخونن بعضكم بعضاً وأماناتكم على حذف مضاف أي أصحاب أماناتكم ويجوز أن تجعل الأمانة نفسها مخونة. قوله: (وهو مجزوم الخ) أي يجوز فيه أن يكون منصوبا بإضمار أي في جواب النهي كقوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله أي لا تجمعوا بين الخيانتين أو مجزوم بالعطف على ما قبله وهو أولى ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى لأنّ فيه النهي عن كل واحد على حدته بخلاف النصب، فإنه نهي عن الجمع بينهما ولا يلزم منه النهي عن كل واحد على حدته وروي عن أبي عمر، وأمانتكم بالتوحيد وهو معنى القراءة الأخرى، وقوله: (بالواو) متعلق بالجواب لأنّ نصبه بأن مقدرة. قوله: (أنكم تخونون الخ) يعني أنّ الفعل متعد له مفعول مقدر بقرينة المقام كأنكم تخونون ونحوه، أو هو منزل منزلة اللازم واليه أشار بقوله أو وأنتم علماء لأنّ ذلك من العالم أقبح منه بن غيره، وليس المراد بما ذكر التقييد على كل حال، وتميزون بالخطاب والغيبة. قوله: (لأنهم سبب الوقوع الخ) إشارة إلى معنى الفتنة كما مرّ فإنه إما الإثم والعقاب فتكون أطلقت عليهم لأنهم سببها، أو الاختبار فالمعنى أنّ الله رزقكم الأولاد والأموال ليختبركم وقوله: (كأبي لبابة رضي الله عنه (إشارة إلى أنه نزل في حقه أو ليس في حقه، ولكنه مناسب لسبب نزول ما قبله ولذا عقب به وقوله: (لمن آثر) أي اختاره وقدمه عليهم وأنيطوا بمعنى علقوا وهو مجاز حسن، والمعنى اهتموا به وتقيدوا. قوله: (هداية الخ (ذكروا للفرقان هنا معاني كلها ترجع إلى الفرد بين أمرين، وقال الطيبي رحمه الله يجوز الجمع بينها فأو للتخيير، ولما فسره بالظهور مع خفائه بين وجهه بأنّ الفرقان ورد في كلام العرب إطلاقه على الصبح، وهو يعرف بالظهور كقوله: أظلم الليل لم يحر فرقانا ومن لم يعرف مراده قال لو قال: بدله أبين من فرق الصبح كان أولى. قوله: (ويسترها الخ) أي في الدنيا التكفير حقيقته لغة الستر فلذا فسره به لئلا يتكرّر مع قوله يغفر لكم، ثم أشار إلى أنه يجوز تغايرهما بتغاير المتعلق بأن يراد بأحدهما الصغائر أو ما تقدم وبالآخر الكبائر أو ما تأخر، وفيه إشارة إلى أنّ مفعول يغفر لكم ذنوبكم فلا يرد عليه أنه كان عليه أن يفسر التكفير بالإبطال فإنه غفلة عن مراده فلا تكن من الغافلين، وقوله كالسيد الخ مثال لعدم الإيجاب. قوله: (تذكار لما مكر قريش الخ) يعني إنه ذكر هنا تذكيراً له بما كان في أوّل الإسلام وقوله واذكر إذ يمكرون بك الخ مرّ تحقيقه، والوثاق بفتح الواو وكسرها ما يوثق به ويشذ به فالمراد بالتثبيت هو جعله ثابتا في مكانه إما لكونه مربوطا فيه أو محبوسا، أو مثخنا بالجراج حتى لا يقدر على الحركة منه، ولا يلزم أن يذكر في القصة الآتية لأنه قد يكون رأي من لا يعتذ برأيه فلم يذكر فسقط أنّ الإثخان إن كان بدون قتل فلا ذكر له في القصة، وان كان بالقتل يتكرّر والحراك الحركة، والبراج مصدر برج مكانه زال عنه فنفيه يدل على الثبوت، والبيات الهجوم على العدوّ ليلا، ودار الندوة دار بناها قصيّ ليجتمعوا فيها للمشاورة والمهمات من نداً بالمكان اجتمع فيه، ومنه النادي، ولن تعدموا من عدم يعدم وهو ظاهر، وليس من الإعدام كما توهم وهذا الحديث أخرجه كذلك ابن هشام في سيرته وأبو نعيم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال الطيبي رحمه الله إنه في مسند أحمد رحمه الله وليس فيه ذكر إبليس من عدم الاطلاع كما قاله خاتمة الحفاظ رحمه الله، وهذه القصة وقصة الغار مفصلة في السير. قوله: (بردّ مكرهم عليهم الخ) المكر لما كان معناه حيلة يجلب بها مضرّة إلى غيره وهو مما لا يجوز في حقه تعالى أشار إلى تأويله هنا بوجوه أولها أنّ المراد بمكر الله ردّ مكرهم أي عاقبته ووخامته عليهم فأطلق على الرذ المذكور مكراً لمشابهته له في ترتب أثره عليه فيكون استعارة تبعية، والمشار إليه بقوله برذ مكرهم عليهم وثانيها أن المراد مجازاتهم على مكرهم بجنسه واطلاق المكر على المجازاة مجاز مرسل بعلاقة السببية والمشاكلة تزيده حسنا على حسن كما في شرح المفتاح ويصح فيه الاستعارة أيضا لأنهم لما أخرجوه عحنن أخرجهم الله فإذا كان المجازاة من جنس العمل كان بينهما مشابهة أيضا، وهو المشار إليه بقوله أو بمجازاتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 عليه، وثالثها أن يكون استعارة تمثيلية بتشبيه حالة تقليلهم في أعينهم الحامل لهم على هلاكهم بمعاملة الماكر المحتال! اظهار خلاف ما يضمر واليه الإشارة بقوله أو بمعاملة الخ أو إنه مشاكلة صرفة فالوجوه أربعة. قوله: (إذ لا يؤبه بمكرهم الخ) يؤبه ويعبأ به بمعنى يعتد به، وقوله دون مكره أي عند مكره والمزاوجة بمعنى المشاكلة كالازدواج، وقوله لأنّ مكره أنفذ من مكرهم وأبلغ تأثيراً، وهذا معنى الخيرية والتفضيل في النظم قال النحرير إطلاق خير الماكرين عليه تعالى إذا جعل باعتبار أن مكره أنفذ وأبلغ تأثيراً فالإضافة للتفضيل على المضاف لأنّ لمكر الغير أيضا نفوذاً وتأثيرا في الجملة، وهذا معنى أصل فعل الخير فتحصل المشاركة فيه وإذا جعل باعتبار أنه لا ينزل إلا الحق، ولا يصيب إلا بما استوجبه الممكور به فلا شركة لمكر الغير فيه فالإضافة حينئذ للاختصاص كما في أعد لابني مروان لانتفاء المشاركة، وقيل هو من قبيل الصيف أحرّ من الشتاء بمعنى أنّ مكره في خيريته أبلغ من مكر الغير في شريته وكلام المصنف رحمه الله يمكن تنزيله على هذا فتدبر. قوله: (وإسنادا مثال هذا إنما يحسن للمزاوجة الخ) قد سبق مثله في سورة آل عمران، وهو يقتضي أنّ المكر لا يطلق عليه تعالى دود مشاكلة، واعترض عليه بقوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 99] وقد أجيب عنه بأنّ المشاكلة إما تحقيقية أو تقديرية والآية التي أوردوها من قبيل الثاني على ما ذكر في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ} لأنّ ما قبله يدل على معاملتهم بالحيلة والمكر وفيه نظر. قوله: (هو قول النضر بن الحرث الخ) النضر بن الحرث كان معروفا بينهم بالفطنة والدهاء فكانوا يتبعون ما يقوله وأشار إلى أنه من إسناد فعل البعض إلى الجميع لأنّ القائل واحد منهم، وأشار إلى أنّ وجه التجوّز في إسناده أنه كان كبيرهم الذي يعلمهم الباطل إذ علم منه، ومما مرّ في أماكن أن إسناد فعل البعض إلى الكل إما لكثرة من صدر منه، أو لرضا الباقين به أو لأنّ القائل رئي! متبع أو لغير ذلك من النكت وأنه لا ينحصر في الرضا كما توهم، والقاص بتشديد الصاد المهملة من يقص لهم القصص ووقع في بعض النسخ قاضيهم بضاد معجمة بعدها ياء أي حاكمهم الذي يفصل القضايا فيهم ولها وجه وليست بأولى كما قيل، وأتمروا بمعنى تشاوروا، والمكابرة أصل معناها فاعلة من الكبر، والمراد بها فرط العناد فعطفه عليها تفسريّ. قوله: (أن يشاؤوا) بتقدير حرف الجر أي من أن يشاؤوا أو عن أن يشاؤوا، والأنفة بفتحتين، والاستنكاف الامتناع عن شيء تكبرا، والتحدّي طلب المعارضة، وأصله في الحاديين يتناظران في الحد إثم عم والتقريع والتعبير والتوبيخ وبين قرّعهم وقارعهم تجنيس، وقوله: (فلم يعار! وا سواه) أي اختاروا معارضة السيف على معارضة الكلام لفرط عجزهم عنه، ووقع في نسخة فلم يعارضوه بسورة وهي ظاهرة، وقوله خصوصا في باب البيان لأنهم فرسانه المالكون لازمته وغاية ابتهاجهم به، ومن قال: حتى علقوا السبعة على باب الكعبة متحذين بها لم يدر أنه لا أصل له دمان اشتهر. قوله: (ما سطره الأوّلون من القصص) أصل معنى السطر الصف من الكتابة والشجر ونحوه، وكذا السطر بالفتح إلا أن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر أسطار وأساطير، وقال المبرد: أساطير جمع أسطورة كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب، والقصص بكسر القاف جمع قصة وبفتحها القصة نفسها والمصدر. قوله: (هذا أيضاً في كلام ذاك القائل أبلغ في الجحود الخ) وجه أبلغيته أنه عذ حقيته محالاً فلذا علق عليه طلب العذاب الذي لا يطلبه عاقل، ولو كان ممكنا لفر من تعليقه عليه، وهذا أسلوب من الجحود بليغ قال العلامة فإن قلت إن للخلو عن الجزم فكيف استعمل في صورة الجزم قلت إن لعدم الجزم بوقوع الشرط، ومتى جزم بعدم وقوعه عدم الجزم بوقوعه وهذا كقوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [سورة البقرة، الآية: 23، والخطاب مع المرتابين إبراز لارتيابهم في صورة المحال للأدلة القاطعة للارتياب ففرض كما يفرض المحال، وقيل عليه إنه تعليق بالمحال كأن كان الباطل حقا على فرض المحال غير قطعي ليصح تعليق شيء به بكلمة، إن الموضوعة للشك الخالية عن الجزم بالوقوع وعدمه فيصير كالتنبيه على انتفاء ذلك الشيء، وأما ما قاله هذا القائل فإنما نشأ توهمه من الاقتصار في بعض الكتب على أنها لعدم الجزم بالوقوع من غير تعرض! لجانب اللاوقوع تصداً إلى التفرقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 بينها وبين إذا فإنّ عدم الجزم باللاوقوع مشترك بينهما، وهو كما قال: فإنه لو جزم باللاوقوع لم يكن الوقوع مشكوكا بل مجزوم الانتفاء فيكون المحل محل لو دون أن فتدبر. قوله: (والمعنى إن كان هذا القرآن حقاً منزلاً فأمطر الخ) نكر حقاً مع تعريفه في النظم فقيل إنه إشارة إلى ما ذكره الزمخشري من أنّ التخصيص والتعيين وقع على سبيل المجازاة لقولهم إنه هو الحق لا على قصد الحصر وإلا كان المنكر انحصار الحقية فيه لا حقيته من أصلها وليس مراده، بل مراده أن حقيقته محال من أصلها فلذا نكره، وترك الفصل في بيان المعنى وتقريره ليدل على عدم قصده للحصر، (وعرف الحجارة (إشارة إلى أنها معروفة وهي السجيل، وقوله: (وفائدة التعريف) أي على هذه القراءة لأنه ليس المقصود به المجازاة فيها، وتيل إنّ هذا بحسب النظرة الأولى، والتحقيق أنّ مراده أنّ تعريف الحق عهديّ خارجيّ لا جنسيّ كما في الكشاف أي الحق المعهود المنزل من عند الله هذا لا أساطير الأوّلين كما يدلّ عليه قوله للنضر فأفاد تخصيص المسند إليه بالمسند فإنه يأتي له أيضاً وأكده الفصل كما حقق في قولهم {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [سورة البقرة، الآية: 12] وقوله: (حقاً منزلاً شاهد له) وقائم مقام تعريفه، وكذا قوله روي الخ فقوله، وفائدة التعريف جار على الوجهين وإنما عدل عن مسلك الكشاف لعدم ثبوت قول قائل أوّلاً على وجه التخصيص، ولا يخفى أنه ليس في كلامه ما يدل على العهد، ولا على الحصر، وقوله منزلاً ليس إشارة لذلك بل بيان لقوله من عندك وأما ما تمسك به من أنه لم يثت قول قائل على وجه التخصيص فليس بشيء فإنّ قول النبيّ ىلمج! إنه كلام الله ليس معناه إلا ذلك عند التأقل، وكون الزمخشرقي قال إنّ التعريف للجنس لا وجه له بل ظاهر كلامه أنه للعهد إذ المجازاة تقتضيه فما اختاره تعسف ظاهر، وقوله بعذاب أليم سواه يؤخذ من المقابلة، ويصح أن يكون من عطف العامّ على الخاص. قوله: (والمراد منه التهكم وإظهار اليقين الخ) عطف عليه للتفسير له لأنه ليس اليقين المصطلح عليه إذ لم يطابق الواقع، والتهكم في إطلاق الحق عليه وجعله من عند الله، وفائدة قوله من السماء كما في الكشاف إنه صفة مبينة إذ المراد أمطر علينا السححل والحجارة المسوّمة للعذاب وأمطر استعارة أو مجاز لأنزل. قوله: (وقرئ الحق بالرفع الخ) قراءة العامّة النصب وقراءة الأعمش وزيد بن عليّ بالرفع. قوله: (وفائدة التعريف فبه الخ) ا! الحقية المعلق عليها الشرط ليست مط لمقة إذ هي لم تنكر بل- قية مخصوصة، وهي كونها منزلة من عند الله، والظاهر منه أنّ التعريف عهدقي، وأنه مراد به مطلقا ومعنى العهد فيه أنه الحق الذي ادعاه النبيّ! يلى وهو أنه كلام الله المنزل عليه على النمط المخصو ص، ومن عندك إن سلم دلالته عليه فهو للتأكيد فلا يرد عليه ما قيل إنّ قوله من عندك يدل على كونه حقا بالوجه المذكور من غير احتياج إلى التعريف. قوله:) بيان لما كان الموجب لإمهالهم الخ) والمراد بدعاء الكفار قولهم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء} [سورة الأنفال، الآية: 32] الخ ولا ينافي كونه دعاء قصد التهكم حتى يقال المراد بالدعاء ما هو صورته. قوله: (واللام لتثيد النفي الخ) هذه هي التي تسمى لام الجحود ولام النفي لاختصاصها بمنفيّ كان الماضية لفظاً أو معنى وهي تفيد التأكيد باتفاق النحاة أما لأنها زائدة للتأكيد وأصل الكلام ما كان الله يعذبهم أو لأنها غير زائدة والخبر محذوف أي ما كان الله مريداً وقاصداً لتعذيبهم، ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وأما ما قيل في وجهه إنّ هذه اللام هي التي في قولهم أنت لهذه الخطة أي مناسب لها وهي تليق بك ونفي اللياقة أبلغ من نفي أصل الفعل فتكلف لا حاجة إليه بعدما بينه النحاة في وجهه. قوله: (عذاب استئصال) أي يعمهم بهلاكه ويأخذهم من أصلهم، قيل عليه إنه لا دليل على هذا التقييد مع أنه لا يلائم المقام، وقيل الدليل عليه إنه وقع عليهم العذاب، والنبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم كالقحط فعلم أنّ المراد به عذاب استئصال، والقرينة عليه تأكيد النفي الذي يصرفه إلى أعظمه. قوله: (والمراد باستغفارهم الخ) ذكر فيه ثلاثة أوجه، الأوّل أنّ المراد استغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين، قال الطيبي: وهذا الوجه أبلغ لدلالته على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة، وهو المرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 في كتاب الأحكام، والثاني أنّ المراد به دعاء الكفرة بالمغفرة، وقولهم غفرانك فيكون مجرّد طلب المغفرة منه تعالى مانعا من عذابه ولو من الكفرة، والثالث أنّ المراد بالاستغفار التوبة والرجوع عن جميع ما هم عليه من الكفر وغيره، وهو منقول عن قتادة والسدفي، ومجاهد رحمهم الله فيكون القيد منفياً في هذا ثابتاً في الوجهين الأوّلين ومبني الاختلاف فيها ما نقل عن السلف في تفسيره، والقاعدة المقرّرة وهي أنّ الحال بعد الفعل المنفيّ، وكذا جميع القيود قد يكون راجعا إلى النفي قيداً له دون المنفيّ، وقد يكون راجعا إلى ما دخله النفي وعلى الثاني فله معنيان. أحدهما: وهو الأكثر أن يكون النفي راجعاً إلى القيد فقط ويثبت أصل الفعل. وثانيهما: أن يقصد نفي الفعل، والقيد معا بمعنى انتفاء كل من الأمرين، والمعنى انتفاء الفعل من غير اعتبار لنفي القيد واثباته. والحاصل أن القيد في الكلام المنفيّ قد يكون لتقييد النفي، وقد يكون لنفي المقيد بمعنى إنتفاء كل من الفعل والقيد أو القيد فقط، أو الفعل فقط كما قرّره النحرير في سورة آل عمران، وقد مز تفصيله وتحقيقه في سورة البقرة، وأما قول الشارح النحرير هنا أنّ الداذ على انتفاء الاستغفار هنا على الوجه الأخير القرينة والمقام لأنفس الكلام وإلا لكان معنى، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم نفي كونه فيهم، فإن قيل الحال قيد والنفي في الكلام راجع إلى القيد قلنا وأنت فيهم حال أيضا فإن قيل الاستغفار من الكفر ينافي التعذيب، وقد ثبت أنهم يعذبون بمفارقة النبيّ ع! حر، وبقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ} الله فينتفي الاستغفار قلنا وكذلك كونه فيهم ينافي بحكم العادة وقضية الحكمة تعذيبهم وقد بين أنهم يعذبون، فإن قيل كونه فيهم ليس مما يستمرّ بل يزول البتة فيحدث التعذيب قلنا الاستغفار عن الكفر يحتمل ذلك غايته، إنه احتمال بعيد ويمكن أن يقال هم يستغفرون للاستمرار فينتفي بالتعذيب، ولو بعد حين بخلاف أنت فيهم فإنه لمجرّد الثبوت، وهو متحقق ما لم يفارقهم، ولم يصبهم العذاب، وهذا إنما يتم إذا جعل وأهلها مصلحون للاستمرار والدوام دون الثبوت، اهـ فلا يخفى ما فيه من التطويل، وما بين كلاميه من التنافي ولبعض الناس هنا خبط تركه أولى من ذكره، وعلى الوجه الأوّل المستغفرون هم المسلمون، والاستغفار طلب المغفرة والتوفيق للثبات على الإيمان، والضمير للجميع لوقوعه فيما بينهم، ولجعل ما صدر عن البعض بمنزلة الصادر عن الكل فلا يلزم تفكيك الضمائر كما قيل. قوله: (مما يمنع تعذيبهم الخ (هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب وفي الكشاف، وما لهم ألا يعذبهم الله وأفي شيء لهم في انتفاء العذاب يعني لا حظ لهم في ذلك، وهم معذبون لا محالة، وكيف لا يعذبون الخ ولما كان العدم لا يحتاج إلى علة موجبة بل يكفي فيه عدم علة الوجود كما حققوه أشار إلى أنّ المراد طلب ما يمنع التعذيب ولما لم يكف في وجود شيء عدم المانع بل لا بذ من الموجب، أشار إلى وجوده بقوله وهم يصدون وما استفهامية، وقيل إنها نافية أي ليس ينتفي عنهم العذاب مع تلبسهم بهذه الحالة. قوله:) متى زال ذلك) أي الاستغفار، وكونه فيهم لدفع المنافاة بين الاثنين وقد دفع أيضا بأنّ العذاب السابق عذاب الاستئصال لعلم الله بأنّ فيهم من يسلم، ومن ذرّيتهم من يهتدي والثاني قتل بعضهم، وعن الحسن أنّ هذه نسخت ما قبلها، وقال النسفيّ أن نزول {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} وهو كوو بمكة، ثم خرج من بين أظهرهم فاستغفر من بها من المسلمين فنزل {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أسررة الأنفال، الآية: 33] أي وفيهم أحد من المسلمين فخرح المستغفرون من مكة فنزل وما لهم ألا يعذبهم الله الخ، وأذن له في فتح مكة وينافيه ما تقدم في أوّل السورة. قوله: (وحالهم ذلك الخ) إشارة إلى أن الجملة حالية وأورد على قوله وإحصارهم عام الحديبية، إنّ إحصارهم كان بعد قتل النضر ونظرائه فلا ينتظم مع ما سيق له الكلام، وأجيب عنه با! القائل إن كان هذا هو الحق الخ وان كان النضر، ومن تبعه لكن الحكم بالتعذيب بعد مفارقة النبيّ صلى الله عليه وسلم يعمّ الكل بسبب صدّ سيكون منهم، ولو صدر من غير النضر واضرابه بعد هلاكهم فتأمل. قوله: (مستحقين ولاية أمره مع شركهم الخ) فالضمير إن للمسجد الحرام، ولما كانوا متولين له وقت نزولها بين أنه نفى لاستحقاق ذلك فإن كان الضمير دلّه لا يحتاج إلى تأويل، وقوله المتقون من الشرك إشارة إلى شموله لجميع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 المسلمين وأنّ التقوى هنا اتقاء الكفر وهي المرتبة الأولى للتقوى كما مرّ وعلى جعل الضمير لله فالمتقون أخص من المسلمين، وجعله الزمخشرقي على الأوّل مخصوصا أيضا لأنهم المستحقون في الحقيقة. قوله: (كأنه نبه بالأكثر الخ) لأنّ منهم من يعلمه ولكن يجحده عناداً أو المراد به الكل لأنّ للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام كما أن الأقل لا يعتبر فينزل منزلة العدم. قوله: (أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة الخ) قال الراغب في تفسير الآية وما كان صلاتهم الخ تنبيه على إبطال صلاتهم وأنّ فعلهم ذلك لا اعتداد به بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدى فالمراد بالصلاة إن كان حقيقتها، وهو الدعاء أو الفعل المعروف فحمل المكاء والتصدية بتأويله بأنه لا فائدة فيه ولا معنى له كصفير الطيور وتصفيق اللعب، أو المراد أنهم وضعوا المكاء موضع الصلاة على حذ: تحية بينهم ضرب وجيع ومن لم يفهم كلامه قال: ذكر ثلاثة وجوه ليصح حمل المكاء والتصدية، ولا يخفى أنّ أوّل الوجوه لا يصلح أن يكون وجهاً إلا أن يصار إلى أحد الأخيرين فلا تبقى حاجة إليه، وثانيها يحتاج إلى وقوع هذه التسمية منهم، وسيجيء أنهم يرون أنهم يصلون فتأمل. قوله:) فعال من مكا يمكو إذا صفر) وأسماء الأصوات تجيء على فعال إلا ما شذ كالنداء، والبكاء ممدوداً ومقصورا بمعنى وقد فرق المبرد بينهما فقال الممدود اسم الصوت والمقصور الدموع. قوله: (تصفيقاً الخ) قال ابن يعيش في شرح المفصل التصدية التصفيق، والصوت وفعله صددت أصد ومنه، قوله تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [سورة الزخرت، الآية: 57] أي يصيحون، ويعجون فحول إحدى الدالين ياء كما في تقضي البازي لتقضضه، وهذا قول أبي عبيدة وأنكر عليه، وقيل إنما هو من الصدى، وهو غير ممتنع لوقوع يصدون على الصوت أو ضرب منه اهـ والصدى معروف، وهو ما يسمع من رجع الصوت عند جبل ونحوه، والتصفيق ضرب اليد باليد بحيث يسمع له صوت، وإذا كان من الصد فالمراد صدّهم عن القراءة أو عن الدين أو البيت الحرام أو الصد بمعنى الصيحة كما مرّ عن ابن يعيش. قوله: (وقرئ صلاتهم بالنصب الخ) وفي هذه القراءة الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وهو من القلب عند السكاكي رحمه الله تعالى، وعن ابن جني على أصله وأنّ المعرفة قد تقرب من النكرة معنى فيصح فيها ذلك، وأنه يغتفر في النواسخ لا سيما إذا نفيت، وتفصيله في كتب النحو والمعاني، وقوله ومساق الكلام الخ أي هذه الجملة إمّا معطوفة على وهم يصذون فيكون لتقرير استحقاقهم للعذاب أو على قوله: {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} فيكون تقرير العدم استحقاقهم لولايته، وقوله: (يرون بضم الياء) أي يرون الناس إنهم في صلاة أيضا، أو يحاكون أفعال المسلمين استهزاء أو بفتحها أي يعتقدون ذلك. قوله: (واللام يحتمل أن تكون للعهد (أي للعهد الذكر! من غير تعيين فلا وجه لما قيل إنه القتل أو الأسر، على هذا فينبغي تقديمه على عذاب الآخرة وعلى تفسيره بعذاب الآخرة الفاء للسببية لا للتعقيب، وهي والباء تفيد أنّ كون الأفعال المذكورة سبباً للعذاب إنما هو لكفرهم، وأنّ مثله من أعمال الكفر. قوله: (اعتقادا وعملآ) وفي نسخة، أو عملاً يعني المراد بالكفر ما يشمل الاعتقاد والعمل، كما أنّ الإيمان في العرف يطلق على ذلك فلا جمع فيه بين الحقيقة، وغيرها كما قيل، والمطعمون اثنا عشر منهم، وهم أبو جهل وعقبة ونبيه ومنبه وأبو البحتري والنضر وحكيم بن حزام وأبو زمعة والحرث والعباس وغيرهم، والجزر بضمتين جمع جزور وهي من الإبل مطلقا أو الناقة المجزورة، وفي النهاية الجزور البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أنه مؤنث لفظيّ وجمعه جزر وجزرات وجزائر، واستجاس بمعنى أتاه من الجيش من يطلبه، والثأر قتل القاتل يقال ثأرته به والأوقية بالضم، ويقال وقية بالضم أيضاً أفعولة من وقى أو فعلية من الأوق، وهو الثقل وهي أربعون درهما على ما في كتب اللغة وعند الأطباء، وهو المتعارف عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم وذكر الزمخشرقي، أنها اثنان وأربعون درهماً في سورة النساء وهنا اثنان وأربعون مثقالاً، واللام في ليصذوا لام الصيرورة، ويصح أن تكون للتعليل لأنّ غرضهم الصدّ عما هو سبيل الله بحسب الواقع، وان لم يكن كذلك في اعتقادهم، وسبيل الله طريقه، وهو عبارة عن دينه واتباع رسولهءكيعه. قوله: (فسينفقونها بتمامها ولعل الأؤل أخبار عن إنفاقهم الخ الما تضمن الموصول معنى الشرط، والخبر بمنزلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 الجزاء، وهو فسينفقونها اقترن بالفاء وينفقون إمّا حال أو بدل من كفروا، أو بيان له، وفي تضمن الجزاء من معنى الأعلام والإخبار التوبيخ على الإنفاق والإنكار عليه كما في قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] وفي تكرير الإنفاق في شبه الشرط، والجزاء الدلالة على كمال سوء الإنفاق كما في قوله: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 92 ا] وقولهم من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى، والمعنى الذين ينفقون أموالهم لإطفاء نور الله والصد عن اتباع رسول الله تخت عن قريب سوء مغبة ذلك الإنفاق، وانقلابه إلى أشد الخسران من القتل والأسر في الدنيا والنكال في العقبى: إذا البذل لم يرزق خلاصاً من الأذى فلا الأجر مكسوبا ولا المال باقيا وهو الوجه الأخير في كلام المصنف رحمه الله، وهو أبلغها فقوله بتمامها إشارة إلى وجه التغاير، وهو أنّ المنفق الأوّل بعضه والثاني كله ومآله إلى أنه يفنى ويزول أو الأوّل إنفاق في بدر والثاني في أحد فينفقون لحكاية الحال الماضية، والثاني على معناه الاستقبالي، ولما كان إنفاق الطائفة الأولى سبباً لإنفاق الثانية أتى بالفاء لابتنائه عليه والآية نزلت بعد الوقعتين. قوله: (ويحتمل أن يواد بهما واحد) قد مرّ تحقيقه، ودفع تكراره وان لم يلاحظ ما بعده، وقوله: (وإنه لم يقع بعد) أي إن الاستقبال فيهما على ظاهره خصوصاً في الجزاء الدال على العاقبة، وبما قزرناه اندفع ما قيل، إنه يأتي زيادة التبيين في الثاني وترتيبه بالفاء على الأوّل من غير تكلف، والحاصل أنّ هنا قولين هل نزلت في الإنفاق يوم بدر، أو يوم أحد وعلى هذا فهما واحد والأوّل لبيان غرض الإنفاق، والثاني لبيان عاقبته، وقوله: {يُنفِقُونَ} خبر، وقوله: فيسنفقونها متفرع عليه، والفعلان مستقبلان وإن حمل ينفقون على الحال فلا بد من تغاير الإنفاقين. قوله: (لفواتها من غير مقصود (أما في بدر فظاهر وأما في أحد فلأنّ المقصود لهم لم يتح بعد ذلك فكان كالفائت. قوله: (جعل ذاتها تصير حسرة الخ) أي ندما وتأسفا قيل إنه يريد أنه من قبيل الاستعارة في المركب حيث شبه كون عاقبة إنفاقها ندماً بكون ذاتها ندما، ولا مانع من جعله حقيقة بتقدير مضافين أو بجعل التجوّز في الإسناد فتدبر، وقيل: إنها أطلقت بطريق التجوّز على الإنفاق مبالغة. قوله: (ثم ينلبون آخر الأمر) يعني أنّ المراد بالغلبة الغلبة التي استقرّ عليها الأمر، فإن قلت غلبة المسلمين متقدمة على تحسرهم بالزمان فلم أخرت بالذكر قلت المراد أنهم يغلبون في مواطن أخر بعد ذلك، وقوله وان كان الحرب بينهم سجالاً جمع سجل، وهو الدلو العظيم والمراد به نوبة السقي، ولذا جمع أي يكون مرّة لهم ومرّة عليهم كما قال: فيوم عليناويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر والعاقبة للمتقين وهذا استعارة شبه المتحاربين بالمستقيين على بئر واحدة، ودلو واحد وأوّل من قاله أبو سفيان رضي الله عنه. قوله: (أي الذين ثبتوا على الكفر الخ) خصه بهم بقرينة ما بعده، وأذا فسر الخبيث، والطيب بالكافر والمؤمن أو الفساد والصلاح تعلق بيحشرون فإن فسر بالمالين تعلق بتكون عليهم حسرة إذ لا معنى لتعليل كون أموالهم حسرة بتمييز الكفار من المؤمنين، كما أنه لا وجه لتعليل حشرهم بتمييز المال الخبيث من الطيب، وأولئك على هذا أي على تقدير كون الخبيث والطيب هو المال إشارة إلى الذين كفروا، وهو ظاهر وكون التمييز أبلغ من الميز لزيادة حروفه على المشهور يقال ميزته فتميز ومزته فإنماز وقد قرئ شاذا وانمازوا اليوم، والمراد أنّ الذين كفروا ليس هو الأوّل حتى يلزم التكرار وليس المراد أن كفروا بمعنى ثبتوا حتى يرد أنّ الفعل لا يدل على الثبوت فيجاب بأنه ثبوت تجددقي كما قيل. قوله: (فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض الخ) من قولهم سحاب مركوم، ومتراكم من الركام، وهو ما يلقى بعضه على بعض، ويوصف به الرمل والجيش فإن كان الفريق الخبيث الكفرة، والفريق الطيب المؤمنين فالمراد به ازدحامهم في المحشر، وإن كان المراد الصلاج والفساد فالمراد أنه يضم كل صنف بعضه إلى بعض في الحشر، وجعله في جهنم بجعل أصحابه فيها، وإن كان المراد المال فظاهر لقوله تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} [سورة التربة، الآية: 35، الآية والمعنى أنه يكون حسرة وبلاء لهم في الدنيا والآخرة. قوله: (إشارة إلى الخبيث لأنه مقدّر بالفريق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 الخ (توجيه لجمعه مع إفراد المشار إليه وإذا كان للمنفقين الذين بقوا على الكفر فظاهر، وبين الخاسرين بالكاملين ليصح الحصر، وبين وجه الكمال بما ذكره وهذا بناء على أنّ مراده به الكافر. قوله: (يعني أبا سفيان وأصحابه الخ) فالتعريف فيه للعهد، وفد حمل أيضا على الجنس فيدخل هؤلاء فيهم دخولاً أوّليا وجعل اللام لام التعليل لا للتبليغ وهي صلة القول لأنه كان الظاهر حينئذ إن تنتهوا بالخطاب كما قرىء به لكن يجوز أن يكون للتبليغ، وأنه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها كما اختاره في البحر. قوله: (وقرىء بالتاء الخ) على أنّ الخطاب لهم واللام للتبليغ، وقوله وإن يعودوا إلى قتاله لم يفسره بالعود إلى المعاداة لأنها باقية على حالها، ولو فسره به لكان المعنى إن داموا عليها. قوله: (الذين تحزبوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ) تحزبوا بمعنى تجمعوا أحزاباً والتدمير الهلاك وقد ذكر الزمخشرقي هذا، وجوّز تفسيره بالذين حاق بهم مكرهم يوم بدر والمصنف رحمه الله يذكره، لأنه داخل فيما ذكره ولأنّ السنة تقتضي التكرّر فيقتضي تفسيره بأمر آخر عامّ، وفي البحر إنّ قوله فقد مضت سنت الأوّلين لا يصح أن يكون جوابا بل هو دليل الجواب والتقدير أن يعودوا انتقمنا منهم فقد مضت سنة الأولين، وقوله: (فيجازيهم (إشارة إلى أنه أقيم مقام الجزاء أو جعل مجازاً عن الجزاء، أو كناية لمالا فكونه تعالى بصيراً أمر ثابت قبله وبعده ليس معلقاً على شيء، وعلى قراءة الخطاب هو للمسلمين المجاهدين، وجزاؤهم ليس " حلقاً على انتهاء من قاتلوه فلذا وجهه بقوله ويكون تعليقه الخ يعني أنّ ثوابهم بمباشرة القتال وتسببهم لإثابة مقاتليهم، وفي العبارة كدر. تنبيه: قال النحرير المراد بالذين كفروا هو الكفر الأصلي، وما سلف ما مضى في حال الكفر فاحتجاج أبي حنيفة رحمه الله على أنّ من عصى طول العمر، ثم ارتد ثم أسلم لم يبق عليه ذنب في غاية الضعف، اهـ وهذا ليس بشيء فإنّ أبا حنيفة رحمه الله ومالكا أبقيا الآية على عمومها لحديث: " الإسلام يهدم ما قبله ") 1 (وقالا إنه يلزمه حقوقه الآدميين دون حقوق الله كما في كتاب أحكام القرآن لابن عبد الحق وخالفهما الشافعيّ رحمه الله، وقال يلزمه جميع الحقوق. قوله: (أي الذي أخذتموه الخ (يعني أنّ ما موصولة، وكان حقها أن تكون مفصولة وهذا تعريف للغنيمة في الشرع، وفي الهداية إذا دخل الإثنان أو الواحد دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذا شيئاً لم يخمس لأنّ الغنيمة هو المأخوذ قهراً، وغلب لا اختلاساً وسرقة الخمس، وظيفتها لكن الشافعيّ يخمسه وان لم يسمّ غنيمة عنده لإلحاقه بها، وقوله حتى الخيط كناية عما قل مطلقاً، وقد أجيز فيما هذه أن تكون شرطية. قوله: (مبتدأ خبره محذوف الخ) يعني المصدر المؤوّل من أنّ المفتوحة مع ما في حيزها مبتدأ، وقدر خبره مقدما لأنّ المطرد في خبرها إذا ذكر تقديمه لئلا يتوهم أنها مكسورة فأجرى على المعتاد فيه، ومنهم من أعربه خبر مبتدأ محذوف أي فالحكم إن الخ، وقد رجحت هذه القراءة بأنها آكد لدلالتها على إثبات الخمس وأنه لا سبيل لتركه مع احتمال الخبر لتقديرات كلازم، وحق وواجب ونحوه وفيه نظر. قوله: (والجمهور على ان ذكر الله للتعظيم) وهو معنى قول عطاء، والشعبيّ خمس الله وخمس الرسول صلى الله عليه وسلم واحد، وخمس الله مفتاح الكلام، واختلف في ذكر الله هنا هل هو لكونه له سهم أم لا فعلى الثاني ذكره إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الآية المذكور أو بيانا لأنه لا بد في الخمسة من إخلاصها لله، ويكون ما بعده تفصيلاً له وقسم بوزن ضرب مصدر بمعنى تقسيمه، وقيل المراد بالتعظيم تعظيم المصارف الخمسة كما يدل عليه قوله وانّ المراد الخ وليس المراد تعظيم ا) هـ سول صلى الله عليه وسلم كما في الكشاف لعدم الاقتصار عليه، ولذا تركه المصنف وحمه الله لعدم ارتضائه له ولاتحاده مع الثالث بحسب المآل ولا يخفى فساده لأنّ تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينافي عدم الاقتصار على ذكره، ولا معنى لتعظيم المسكين وابن السبيل وإنما يقال فيه شفقة وترحم مع أنّ عاد اللام تجعل الأقسام في حكم الاستقلال، ويصير التنظير بهذه الآية ضائعا لكن قوله فكأنه الخ يقتضي أنه لتعظيم الأقسام الخمسة لاختصاصها به تعالى إن كان ضمير به لله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وأخصيتهم به أمّ الرسول-سيرو والقربى فظاهر وأما اليتامى من المسلمين وما بعدهم فلعناية الله بهم وشفقته عليهم لمان كان الضمير للخمس أو للصرف أو للقسم فهو ظاهر، والحق أنه مراده ويكون ترك الوجه الثاني لعدم ارتضائه له لأنّ ذكر الله للتعظيم، وقع في مواضع عديدة وبكون قوله وللرسول معطوفا على لله كم في الآية فإنه مزيد للتعظيم، وان كان بياناً للإخلاص لوجه الله يكون قوله وللرسول بتقدير مبتدأ أي وهو للرسول الخ والضمير للخمس. قوله: (وحكمه بعد باق) أي حكم المصرف باق إلى الآن، وهو مذهب الشافعيئ رحمه الله وسيأتي ذكر من خالف فيه لكن سهم الرسول لمجي! فيه خلاف عندهم فقيل يعطي للإمام وقيل يوزع على الأصناف الأربعة وقيل يصرف لما كان يصرف إليه في حياته! من مصالح المسلمين كما ذكر المصنف رحمه الله. قوله:) وقال أبو حتيفة رضي الله تعالى عنه الخ الأنه بوفاته صلى الله عليه وسلم فات مصرفه ولأن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لأنه صلى الله عليه وسلم علق استحقاق ذوي القربى بالنصرة إذ قال لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام فدل على أنّ المراد بالقرب قرب النصرة لا قرب النسب. قوله:) وعن مالك رضي الله تعالى عته الأمر فيه مفوّض! إلى رأي الإمام الخ (مالك رضي الله عنه لا يرى ذكر الوجوه المذكورة لبيان أنه لا يصرف فيما سواها، وليس للتحديد بل الأمر موكول عنده إلى نظر الإمام فيصرف الخمس في مصالح المسلمين، ومن جملتها قرابته! ت ولا تحديد عنده فالمراد بذكر الله عنده أنّ الخمس يصرف في وجوه القربات لله تعالى، والمذكور بعده ليس للتخصيص بل لتفضيلهم على غيرهم ولا يرفع حكم العموم. قوله: (وذهب أبو العالية وحمه الله الخ (كما أنّ هذا المذهب مذهب أبي العالية فالرواية المذكورة هو الذي رواها، ولذا قال في الكشاف، وعنه الخ فيصح أن يقرأ روي معلوماً ومجهولآ لأن الحديث المذكور) 1 (رواه أبو داود في المراسيل، وابن جرير عن أبي العالية أيضاً. قوله: (ويصرف سهم الله إلى الكعبة (أي إن كانت قريبة والا فإلى مسجد كل بلدة وقع فيها الخمس كما قاله ابن الهمام رحمه الله. قوله: (وذووا القرى بنو هاشم الخ الا بنو عبد شمس وبنو نوفل، وقوله هؤلاء مبتدأ واخوتك بدل منه وبنو هاشم عطف بيان، وقوله: (لا ننكر الخ) خبر، وقوله لمكانك أي لمكانك منهم الذي هو شرف لهم، وقيل: إنّ هذا التركيب من قبيل أنا الذي سمتني أمي حيدره وكان مقتضى الظاهر جعله الله، وهو لا يصح إلا إذا كان بدلاً من ضمير المخاطب، والظاهر أنّ المكان عبارة عن قرابته منهم وأنّ العائد محذوف أي الذي جعلك الله به أو فيه، وليس مما ذكره في شيء، وفي نسخة وصفك الله فيهم لأنه لمجرو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وعثمان رضي الله عنه ابن عفان بن العاص بن أسد بن عبد شمس بن عبد مناف وجبير بن مطعم بن عدفي بن نوفل بن عبد مناف، وكان لعبد مناف خمس بنين هاشم وعبد شمس ونوفل والمطلب وأبو عمرو وكلهم أعقبوا إلا أبا عمرو، وقوله: (أرأيت الخ (أي أخبرني لم أعطيتهم وحرمتنا، وقوله بمنزلة واحدة أي في النسب. قوله: الما روي الخ) هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن جبير بن مطعم وفي الصحيحين بعضه، وقوله جميب لم يفارقونا الخ إشارة ة لى توجيه ما فعله بالنصرة كما مرّ وتشبيكه كأسبيه بين أصابعه إشارة إلى اختلاطهم به، وعدم مفارقتهم له وقوله وقيل بنو هاشم وحدهم أي ذوو القربى، هؤلاء لا غيرهم من قريش. قوله:) وقيل جميع قريش الخ (فيقسم بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} اسورة النساء، الآية: أا] وهو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وعند أبي حنيفة رحمه الله أنهم كانوا كذلك لكن سقط بعده! هـ، ويعطى لمن كان منهم داخلا في الأقسام الثلاثة وبسط الأقوال وأدلتها في كتب الفروع. قوله:) كسهم ابن السبيل) فإنه مخصوص بالفقير فاقترانه به يدل على أنه مثله في الجملة في اشتراط الفقر، وان كان فقر ابن السبيل أن لا يكون معه مال، وان كان له مال وفقر هؤلاء أن لا يكون لهم مال، ولذا قيل كان عليه أن يقول كاليتامى، وقوله:) كله لهم (أي لذوي القربى، ومنهم أي القربى وقوله للتخصيص أي لتخصيص ذوي القربى بالأصناف الثلاثة، وقوله: (وقيل الخمس كان الخ) فتكون الآية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 نزلت بعد بدر، وفينقاع بفتح القاف وتثليث النون شعب من اليهود كانوا بالمدينة، وقوله على رأس الخ المراد بالرأس هنا الطرف والآخر كما في حديث بعثه الله على رأس أربعين سنة فهو مجاز من إستعمال المقيد في المطلق. قوله: (متعلق بمحذوف الخ (أي جزاؤه ومحذوف، والمراد التعلق المعنوي وليس جوابه ما قبله لأنه لا يصح تقدم الجزاء على الشرط على الصمحيح عند أهل العربية، وإنما قدر فاعلموا، ثم بين أن المراد بالعلم العمل لأن المطرد في أمثاله أن يقدر ما يدل ما قبله عليه فيقدر من جنسه، فلا يقال إنه كان المناسب أن يقدر العمل أوّلاً تصرا للمسافة كما فعله النسفيّ رحمه الله. قوله: (من الآيات والملايكة والنصر (يعني أنّ المفعول محذوف، ولا قرينة تعينه فيعمّ كل ما نزل، والموصول من صنيع العموم وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز ولا شبهة كما قيل إذ المراد بالمنزل ما جاءه من الله سواء كان جسما أو غيره، ولو سلم فالمجاز والحقيقة في الإسناد لا مانع من الجمع بينهما فتدبر، وعبد بضمتين جمع عبد، وقيل اسم جمع له. قوله: (يوم بدر الخ) فالفرقان بمعناه اللغوي والإضافة فيه للعهد، ويوم التقى الجمعان بدل منه أو متعلق بالفرقان وقوله فيقدر الخ إشارة إلى دخول ما ذكر فيه بقرينة المقام، وتعريف الجمعان للعهد، دماذ بدل أيضا أو معمول لا ذكر مقدراً. قوله: (والعدوة بالحركات الئلاث الخ) أي في العين، وأصل معنى العدو والتجاوز فالمراد به هنا الجانب المتجاوز عن القرب وهو معنى قول المصنف رحمه الله تعالى شط الوادي أي جانبه البعيد من شط بمعنى بعد، وقراءة الفتح شاذة قرأ بها الحسن، وزيد بن عليّ وغيرهما وهي كلها لغات بمعنى ولا عبرة بانكار بعضها. قوله: (البعدى من المدينة الخ) فهو تأنيث أقصى بمعنى أبعد وفعلى من ذوات الواو إذا كان اسماً تبدل لأمه ياء نحو دنيا، وقصوى بحسب الأصل صفة فلذا لم تبدل للفرق بين الاسم والصفة وهي قاعدة مقزرة عند بعض التصريفين فإن اعتبر غلبتها، وأنها جرت مجرى الأسماء الجامدة قيل قصيا وهي لغة تميم، والأولى لغة أهل الحجاز، ومن أهل التصريف من قال: إنّ اللغة العالية العكس فإن كانت صفة أبدلت نحو العليا، وان كانت اسما أقرّت نحو حزرى فعلى هذا القصوى شاذة، والقياس قصيا وهي لغة قرأ بها زيد بن عليّ، وعنوا بالشذوذ مخالفة القياس لا الاستعمال فلا تنافي الفصاحة كذا في الدر المصون، ومنه تعلم أنّ لإهل الصرف فيه مذهبين، ولو قيل: إنه مبنيّ على اللغتين لم يبعد فما قيل إنّ دنيا من دنا يدنو قرب وقصوى من قصا يقصو بعد، وهما وان كانا صفتين إلا أنهما ألحقا بسبب الاستعمال بالأسماء فلذا كان القياس قلب الواو ياء والا فقد تقرّر في موضعه أن هذا القياس إنما هو في الأسماء دون الصفات ليس بمسلم لأنه مذهب آخر كما عرفت. قوله: (تفرقة بين الاسم والصفة) ولم يعكس وان حصل به الفرق لأنّ الصف أثقل فأبقيت على الأصل الأخف لثقل الانتقال من الضمة إلى الياء، ومن عكس أعطى الأصل للأصل وهو الاسم وغير في الفرع للفرق، وقوله كالقود فإنه كان القياس فيه قلب الواو وألفاً لكنها لم تقلب فهي موافقة للاستعمال دون القياس. قوله: (أي العير أو قوّادها) جمع قائد والمراد أصحابها والركب اسم جمع راكب لا جمع على الصحيح فعلى الأوّل هو تغليب أو مجاز وعلى الثاني حقيقة والواو الداخلة عليه حالية أو عاطفة وأسفل منصوب على الظرفية لأنه في الأصل صفة للظرف أي في مكان أسفل وأجاز الفرّاء والأخفش رفعه على الاتساع أو بتقدير موضع الركب أسفل الخ. قوله: (في مكان أسفل من مكانكم الخ) إشارة إلى أنه صفة ظرف المكان المنصوب بتقدير في فلذلك انتصب انتصابه وقام مقامه، وقوله: (من مكانكم) إشارة إلى أنه أفعل تفضيل لم ينسلخ عن الوصفية فيصير بمعنى مكان كما توهم وفسره بساحل البحر بيانا للواقع، وقوله والجملة حال من الظرف قبله أي من الضمير المستتر في الجارّ والمجرور. قوله: (وفائدتها الدلالة على فوّة العدوّ الخ) ما ذكره من الفائدة جعله في الكشاف فائدة للتقييد بالأمور المذكورة من قوله إذ أنتم الخ فقول المصنف رحمه الله وفائدتها أي فائدة هذه الحال، وتقييد ما قبلها به مع ذكر ما قبله أيضاً كما سيصرّح به في قوله، وكذا ذكر مراكز وتقديره، كما قيل إنّ قوله إذا أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم لا تفيد الحكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 ولا لازمه لأنهم يعلمونها ويعلمون أنه تعالى عليم بها وليس بسديد لأنه تعالى ذكرهم بهذه الأحوال والعلم يحصل من التذكير وان لم يكن ابتداء، وهو كاف في فائدة الخبر، والدّي يسأل عنه فائدة التذكير وهي هنا تصوير تدبيره تعالى إذ سبب الأسباب حتى اجتمعوا للحرب والامتنان على المؤمنين بتأييدهم مع ضعفهم وقوّة عدوّهم من جهات عديدة، وقوله واستظهارهم بالركب أي تقويهم بهم لقربه منهم، وقوله على المقاتلة عنها أي ال كلدافعة عنها وتوطين نفوسهم أي جعلها ثابتة عليه قارّة كما يقز المرء في وطنه، وقوله أن لا يخلوا مراكزهم من الإخلاء أي لا يجعلوها خالية منهم، ولو كان من الخلل كان مراكزهم منصوبا بنزع الخافض! ، أو مضمنا معنى ما يتعدّى بنفسه والأوّل أولى، وضعف شأن المسلمين كما في الكشاف معلوم من الواقع لقلة عددهم وعددهم المعلوم من إثباته للعدوّ دونهم، فلا يقال إن في دلالة الآية عليه كلاماً. قوله: (والتباث أمرهم (أي صعوبته والتباسه عليهم من قولهم التاثت عليه الأمور والبست واختلطت، واستبعاد غلبتهم لما مرّ، وتوله: تسوخ فيها الأرجل أي تغيب وتزلّ. توله: (أي لو تواعدتم أنتم وهم الخ) جعل الضمير الأوّل شاملا للجمعين تغليباً والثاني خاصاً بالمسلمين، وخالف الزمخشريّ فيهما إذ جعله فيهما شاملاً للفريقين لتكون الضمائر على وتيرة واحدة من غير تفكيك وإذ فسره بقوله لخالف بعضكم بعضاً فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلميق الخ لأنه غير مناسب للمقام إذ القصد فيه إلى بيان ضعف المسلمين ونصرة الله لهم مع ذلك وقوله ليتحققوا الخ متعلق بالدلالة أو بمقدر أي ذكر ما ذكر ليتحققوا الخ. قوله:) ولكن ليقضي الله أمرا الخ (أي ولكن تلاقيتم على غير موعد ليقضي الخ فهو متعلق بمقدر كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله حقيقاً بأن يفعل الخ تأويل له لأن القضاء قبل فعله لا بعد ما كان مفعولاً، ولذا فسره الزمخشريّ بقوله كان واجباً أن يفعل لأنّ تحققه ووجوبه مقرّر قبل ذلك، وقيل: كان بمعنى صار الدالة على التحوّل أي صار مفعولا بعد أن لم يكن، وقيل: إنه عبر به عنه لتحققه حتى كأنه مضى. قوله: (بدل منه أو متعلق بقوله مفعولا الخ (وقيل: إنه متعلق بيقضي، وقد قيل عليه إنّ علة القضاء كون المقضي حقيقا بأن يفعل الذي يفيده كان مفعولاً، وقوله ليهلك إنا علة للجمع فيكون بدلاً متعلقأ به أو لكونه حقيقا أو لنفس أن يفعل فيكون متعلقاً بمفعولاً لا بالقضاء، وليس بشيء لأنه إذا تعلق به، كان المعنى ليظهر ويقع ما ذكر وهو ظاهر. قوله: (والمعنى ليموت من يموت عن بينة الخ) المراد بالبينة الحجة الظاهرة أي ليظهر الحجة بعد هذا فلا يبقى محل للتعليل بالأعذار، وقوله أو ليصدر الني فالمراد بالحياة الإيمان وبالموت الكفر استعارة أو مجازاً مرسلاً والبينة إظهار كمال القدرة الدال على الحجة الدامغة ليحق الحق ويبطل الباطل. قوله: (والمراد بمن هلك ومن حئ المشرف للهلاك والحياة الخ (المشارفة للهلاك ظاهرة، وأما مشارفة الحياة فقيل المراد الاستمرار على الحياة بعد وقعة بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة في الحياة أيضاً، وإنما قال: المراد ذلك لأنّ من حيّ مقابل لمن هلك، والظاهر أن عن بمعنى بعد كقوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 40] وقيل: لما لم يتصوّر أن يهلك في الاستقبال من هلك في الماضي حمل من هلك على المشارفة فيرجع إلى الاستقبال، ولذا قال في بيان المعنى ليموت الخ، وكذا لما لم يتصوّر أن يتصف بالحياة المستقبلة من اتصف بها في الماضي حمل على المشارفة ليكون مستقبلا أيضا لكن يلزم منه أن يختص بمن لمن يكن حياً إذ ذاك فيحمل على دوام الحياة دون الاتصاف بأصلها، فالمعنى لتدوم حياة من أشرف لدوامها كما أشار إليه المصنف بقوله، ويعيش من يعيش الخ، ولا يجوز أن يكون المعنى لتدوم حياة من حيّ في الماضي لأن من حيئ حينئذ يصدق على من هلك فلا تحصل المقابلة، ولقائل أن يقول: لما كان نزول هذه الآية بعد بدر صح التعبير بالماضي لحصول هلاك من هلك، وتبقية من بقي وقت النزول والاستقبال بالنظر إلى الجمع لتأخرهما عنه فلا حاجة إلى التأويل بالإشراف فتأمّل. قوله:) أو من هذا حاله في علم الله وقضائه) حاصله اعتبار المعنى باعتبار علم الله وقضائه وبه يندفع المحذور السابق، وهذا عبارة عما ذكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 من الحياة والهلاك. قوله: (وقرىء ليهلك بالفتح) قرأها الأعمش، وعصمة عن أبي بكر عن عاصم، وقياس ماضيه هلك بالكسر والمشهور فيه الفتح كقوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [صورة النساء، الآية: 176] وقد سمع في فعله هلك يهلك كضرب يضرب ومنع وعلم كما في القاموس، وقال ابن جني في المحتسب: إنها شاذة مرغوب عنها لأن ماضيه هلك بالفتح ولا يأتي فعل يفعل إلا إذا كان حرف الحلق في العين أو اللام فهو من اللغة المتداخلة، وقد تبعه الزمخشريّ في سورة الأحقاف. قوله: (للحمل على المستقبل) أي المضارع قال أبو البقاء: حيئ يقرأ بتشديد الياء وهو الأصل لتماثل الحرفين كشد ومد، ويقرأ بالإظهار، وفيه وجهان أحدهما أنّ حيّ حمل على المستقبل وهو يحيا فلما لم يدغم فيه لم يدغم في الماضي، وليس كذلك شدّ ومذ لإدغامه فيهما، والثاني أن حركة الحرفين مختلفة فالأولى مكسورة والثانية مفتوحة، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين، ولذا أجازوا في الاختيار ضبب البلد إذا كثر ضبابه، أو لأنّ الحركة الثانية عارضة تزول في نحو حييت، وهذا في الماضي، أما إذا كانت حركة الثاني حركة إعراب فالإظهار فقط. قوله: (بكفر من كفر وعقابه) المراد بالأمرين الإيمان والكفر واشتمالهما على الاعتقاد واشتمال الإيمان على القول ظاهر لاشنراط إجراء الأحكام بكلمتي الشهادة، واشتمال الكفر على القول بناء على المعتاد فيه أيضا، وليس الأمر على التوزيع كما توهم، وقيل: المراد بالأمرين الهلاك والحياة فإن الحيّ له قول واعتقاد، كما أنّ المشرف على الحياة كذلك وليس بشيء. قوله: (مقدّر باذكر أو بدل ثان من يوم الفرقان الخ (معنى تقديره باذكر أنه ظرف له أو مفعول كما مرّ، ولذا لم يقل نصب باذكر ليصدق على المذهبين وتعلقه بعليم لا يخفى ما فيه، وقوله: (في عينك في رؤياك الخ) في رؤياك يحتمل الحالية والبدلية، والرؤية مصدر رأي البصرية في اليقظة، والرؤيا مصدر رأي الحلمية وهو المراد هنا. فيكون أي أثر إخباره، وقوله: (لجبتتم) من الجبن مضموم العين لأنه من أفعال السجايا، والفشل بمعنى الجبن، وفي الكشاف وعن الحسن في منامك في عينك لأنها مكان النوم كما قيل للقطيفة المنامة لأنه ينام فيها: وهذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته، ولهذا تركها المصنف رحمه الله. ووجه التعسف أنّ المنام شاع بمعنى النوم مصدر ميمي لا في المحل الذي ينام فيه الشخص النائم، فالحمل على خلافه تعسف، ولا نكتة فيه وما قيل: أنّ فائدة العدول الدلالة على الأمن الواقع فيه لما غشيهم النعاس فليس بشيء لأنّ التقييد بذلك النوم في تلك الحالة لا دليل عليه، فهو تجوّز بعيد خال عن الفائدة مع شهرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رآه في المنام وقصه على أصحابه رضي الله عنهم، فلا يعارضحه كون العين مكان النوم نظراً إلى الظاهر. قوله: (وهو أن تخبر الخ (كان الظاهر وهي أي المصالح، ولكنه راعى فيه الخبر أي المصالح ما! منها إخبارك لهم فلا تقدير فيه ولا إشكال كما قيل. قوله: (تعالى لفشلتم) جمع ضممير الخطاب في الجزاء مع إفراده في الشرط إشارة إلى أنّ الجبن معرض لهم لا لهءسي! إن كان الخطاب للأصحاب فقط، وان كان للكل فيكون من إسناد ما للأكثر للكل. قوله: (يعلم ما سيكون فيها الخ) قيل: قيده بالمستقبل لأنه تعليل لأمور مستقبلة من الجبن والتسليم ونحوه، وقوله: فيها إشارة إلى أنّ معنى ذات الصدور ما فيها من الخواطر التي جعلت كأنها مالكة للصدور. وقوله: وقليلا حال الخ أخره ليعلم به حال ما قبله من قليل وكثير. قوله: (وإنما فللهم الخ (تثبيتأ علة للتقليل في المرأى وكذا تصديقا، وأكلة جزور ومثل في القلة كآلكة رأس أي أنهم لقلتهم يكفيهم ذلك وآكلة بوزن كتبة جمع أكل بوزن فاعل والجزور الناقة. قوله: (وقللهم في أعينهم الخ) يعني حكمه تقليل الكفرة في أعين المؤمنين ما مرّ، وتقليلهم في أعين الكفار كان في ابتداء الأمر لجترؤوا أي تحصل لهم الجراءة عليهم، ويتركوا الاستعداد والاستمداد، والتحام القتال بالحاء المهملة دخول بعض القوم في بعض كلحمة الثوب، ثم بعد ذلك رأوهم كثيراً لتفجأهم الكثرة، وفي نسخة لتفاجئهم أي لتقع لهم فجأة وبغتة فيكون لهم بهتة وتحير وضعف قلوب وضمير يرونهم للمؤمنين وضمير مثليهم للمؤمنين أو للكافرين، والظاهر الثاني. قوله: (وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة الخ (إشارة إلى أنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 الرؤية وسائر الادراكات بمحض خلقه تعالى، ولا يجب وقوعها عند تحقق ما يجعله الحكماء شرطا، ولا يمتنع عند فقد بعضها، وفي الانتصاف وهي مبطلة لمذهب منكري الرؤية لفقد شرطها، وهو التجسم ونحوه لكنه قيل في الحصر المذكور نظر لاحتمال أن يحدث الله في عيونهم ما يستقلون له الكثير كما أحدث في عيون الحوّل ما يرون له الواحد اثنين كما في الكشاف، ولا يلزم أن يكون منامه على الخلاف الواقع لأنه في مقام التعبير، والقلة معبرة بالمغلوبية، والواقعة منها ما يقع بعينه، ومنها ما يعبر ويؤوّل، وقيل ما ذكر من التعليل مناسب لتقليل الكثير لا لتكثير القليل، وأنت خبير بأن تكثير القليل بكون الملائكة عليهم الصلاة والسلام معهم ومن جانب الكفرة حقيقة فلا يحتاج إلى توجيه فيهما، وإنما المحتاج إليه تقليل الكثير ولذا اقتصر عليه، وترك الوجه الثاني لأنه في التكثير، وبه يتضح وجه الحصر، والاقتصار فافهم. قوله: (لاختلاف الفعل المعلل به (وهو في الأوّل اجتماعهم بلا ميعاد، وهنا تقليلهم، ثم تكثيرهم. قوله: (حاربتم جماعة الخ (فسر اللقاء بالحرب لغلبته عليه كما ذكره، ولم يصف الفئة بأنها كافرة لأنه معلوم غير محتاج إلى ذكره، وقيل ليشمل قتال البغاة ولا ينافيه خصوص سبب النزول، وقوله: (للقائهم) اللام للتوقيت أي في وقت لقائهم أي قتالهم، ومن الكلمات الواهية هنا ما قيل على المصنف إنّ الانقطاع معتبر في معنى الفئة لأنها من فاوتته رايته أي قطعته، والمنقطع عن المؤمنين إما كفار أو بغاة، ثم قال: مستسمنا ذا ورم ومن لم يقف على هذه الدقيقة الأنيقة قال لم يصفها لأنّ المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار، وهذا مما لا حاجة إلى ردّه، وكذا ما قيل الأولى حذف قوله مما لأنّ له نظار مشهورة كالنزال. قوله: (في مواطن الحرب داعين له الخ) وهذا يقتضي استحباب الدعاء والذكر في القتال، ومنه التكبير، وقيل يستحب إخفاؤه ولذا قيل المراد بذكره أخطاره بالقلب وتوقع نصره، وفي الحديث: " لا تمنوا لقاء العدوّ اسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيرا فإن أجلبوا وضجوا فعليكم بالصمت () 1 (، وهذا من عدم الوقوف على كتب السنة، وفي كتاب الدعوات للبيهقي أدعية مأثورة في القتال كقوله: " اللهم أنت ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم ييدك فاقتلهم واهزمهم " وأحاديث أخر في معناه، وقوله: بشراشره: أي بجملته وكليته وبقيته، وهو جمع شرشرة بمعنى طرف فهو كقو لهم برّمته وأسره. قوله: (جواب النهي (أي منصوب بأن مقدرة في جوابه، أو هو معطوف عليه فيكون مجزوماً وما يدل عليه قراءة عيسى بن عمر ويذهب بباء الغيبة والجزم كما في الكشاف، ولعدم مدخلية القراءة بالياء في الدلالة على العطف اقتصر المصنف على الجزم، وقيل كان عليه ترك قيل لأنه على هذه القراءة مجزوم عند الكل لا عند البعض ومراده بقيل على غير قراءة الجزم لأنه في توجيه قراءة الجمهور. قوله: (والريح مستعارة للدولة) يعني استعير الريح للدولة لشبهها به في نفود أمرها، وتمشيته فيقال هبت رياج فلان إذا كانت له دولة قال الشاعر: إذاهبت رياحك فاغتنمها فإنّ لكل خافقة سكون ولا تغفل عن الإحسان فيها فما تدري السكون متى يكون وقيل في وجه الشبه إنه عدم ثباتها. قوله: (وقيل المراد بها الحقيقة الخ) يعني أن علامة النصر أن تهب ربح من جانب المقاتلين في وجوه الأعداء فيكون الريح لنصرة من تهب من جانبه، ولعدمه لمن قابلتة، وهذا مروقي عن قتادة كما ذكره الطيبي رحمه الله تال: لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ، وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن عليّ رضي الله عنهما وهو مشهور الآن بين الناس فيكون حقيقة، أو كناية عن النصر، وكان النبيّ ع! ي! إذا لم يقاتل أوّل النهار انتظر حتى تميل الشمس، ومنهم من توهمه مطلقأ فينا في إهلاك عاد بالدبور فقال إهلاكهم كان نصرة لهود علي الصلاة والسلام، والصبا ريح تهبّ في المستوى من مطلع الشمس ويقابلها الدبور، والكلاءة بالمذ كالحراسة لفظاً ومعنى. قوله: (وفي الحديث نصرت بالصبا الخ () 1 (أخرجه البخاريّ، ومسلم عن ابن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 عباس رضي الله عنهما. قوله: (بطرا فخراً وأشراً الخ (البطر والأشر بفتحتين النشاط للنعمة، والفرج بها ومقابلة النعمة بالتكبر، والخيلاء والفخر بها. قوله: (ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة الخ) جوّز في نصب بطراً وما عطف عليه أن يكون على أنه مفعول له، وأن يكون حالاً بتأويل بطرين مرائين، وكلامه هنا ظاهر في الأوّل! ، وما قيل إنّ الوجه أن يقال كما في بعض التفاسير إنهم خرجوا لنصرة العير بالقيان، والمعازف فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثل هؤلاء بطرين طربين مرائين بأعمالهم لا ما ذكره المصنف رحمه الله فإنه لا يصلح وجهاً لخروجهم من مكة بطرين مرائين، ولا مخالفة بينهما، والأمر فيه سهل فلا حاجة إلى التطويل بغير طائل، وقوله تعزف من العزف بعين مهملة مفتوحة وزاي معجمة ساكنة وفاء، وهو الطرق، والضرب بالدفوف، والقينات جمع قينة، وهي الجارية مطلقأ والمراد بها المغنية وقوله فوافوها أي فجاؤوا بدرأ، وسقوا كأس المنايا أي بدل الخمور، وناحت عليهم النوائح أي بدل المغنيات، وكانت أموالهم غنائم بدلاً عن بذلها وكون الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه محل الكلام عليه بالأصول، وقوله: (من حيث الخ (للتعليل فإنّ حيث في عباراتهم للإطلاق والتقييد والتعليل كما مرّ. قوله: (معطوف على بطرا الخ (أما إن كان حالاً بتأويل اسم الفاعل أو بجعله مصدر فعل هو حال فالعطف ظاهر لأن الجملة تقع حالاً من غير تأويل، وأما إن كان مفعولأ له والجملة لا تقع مفعولاً له فيحتاج إلى تكلف، وهو أن يكون أصله أن تصدوا فلما حذفت أن المصدرية ارتفع الفعل مع القصد إلى معنى المصدرية بدون سابك كقوله: ألا أيهذا الراجزي أحضر الوغا وهو شاذ ولم يذكره النحاة فالأولى جعله على هذا مستأنفا، ونكتة التعبير بالاسم أوّلاً، ثم الفعل أنّ البطر والرياء دأبهم بخلاف الصد فإنه تجدد لهم في زمن النبوّة. قوله:) مقدّر باذكر (قيل الظاهر اذكروا لأنه معطوف على لا تكونوا وليس هذا بأمر لازم وأجيب بأنه بيان لنوع العامل لا هذا بخصوصه أي يقدر فعل من هذه الماذة، وهو اذكروا وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً. قوله:) بأن وسوس الخ) ذكر الزمخشرقي في التزيين هنا وجهين، الأوّل أنّ الشيطان وسوس لهم من غير تمثيل في صورة إنسان فالقول على هذا مجاز عن الوسوسة والنكوص، وهو الرجوع استعارة لبطلان كيده، وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله، ولذا قدمه، والثاني أنه ظهر في صورة إنسان لأنهم لما أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني كنانة لأنهم كانوا قتلوا منهم رجلا، وهم يطلبون دمه فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم فتمثل إبليس اللعين في صورة سراقة الكناني، وقال أنا جاركم من بني كنانة فلا يصل إليكم مكروه منهم فقوله وقال أنا جاركم على الحقيقة وسيأتي هذا الوجه، وقال الإمام: معنى الجار هنا الدافع للضرر عن صاحبه كما يدفع الجار عن جاره، والعرب تقول أنا جار لك من فلان أي حافظ لك مانع منه، ولذا قال: مقالة نفسانية أي بالوسوسة، وعند من نفى الكلام النفسيّ كالزمخشريّ فالكلام تمثيل كما قيل، وفيه نظر والروع بضم المهملة القلب أو سويداؤه، وقوله وأوهمهم الخ أي ليس قوله إني جار على الحقيقة، ولكم خبر لأنه لو تعلق به كان مطؤلاً فينتصب لشبهه بالمضاف، وقد أجاز البغداديون فتحه فعلى هذا يصح تعلقه به ومن الناس حال من ضمير لكم لا من المستتر في غالب لما ذكرنا وجملة إني جار لكم تحتمل العطف والحالية، وقوله مجير لهم إشارة إلى أنه من قبيلى الإسناد إلى السبب الداعي، وإذا كان صفة فالخبر محذوف أي لا غالب كائنا لكم موجود، وصلته بمعنى متعلق به. قوله: (تلاقي الفريقان (فالترائي كناية عن التلاقي لأنّ النكوص عنده لا عند الرؤية، وقوله: (رجع القهقرى (هو معنى النكوص، وعلى عقبيه حال مؤكدة، وقيل إنه مطلق الرجوع فتكون مؤسسة وقوله أجما بطل كيده يعني أنه استعارة تمثيلية شبه بطلان كيده بعد تزيينه بمن رجع القهقرى عما يخافه وقوله وعاد ما خيل إليهم مجهولاً، وعاد بمعنى صار أي انقلب إلى عكس ما تخيلوا. قوله: (تبرّأمنهم وخاف عليهم الخ) جعل قوله إني بريء الخ عبارة عن التبري منهم لأنه ليس منه قول حقيقة أما على القول الأول فظاهر، وأما على الثاني فلما سيأتي في بيانه، والتبري منهم إمّا بتركهم أو بترك الوسوسة لهم، وقال خاف عليهم قيل لأنه لا يخاف على نفسه لأنه من المنظرين وفيه نظر لما سيأتي، وقوله: (وقيل (عطف على قوله مقالة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 نفسانية، والأحنة بالكسر للهمزة وحاء مهملة ونون معناها الحقد كما مرّ، وقوله يثنيهم أي يصرفهم للرجوع عن قصدهم، وقوله: أتخذ لنا أي تترك معاونتنا. قوله: (وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله الخ) أصل قوله يصيبني مكروها يصيبني الله بمكروه فمكروهأ منصوب على نزع الخافض، وليس تفعيلا منه كما قيل والحامل له عليه تعديته، وليس في اللغة تفعيل منه، واعترض على قوله أو يهلكني الخ بأنه لا اختصاص له بالتفسير الثاني، ولا بقوله إذ رأى الخ لظهور تمشيته على التفسير الأول، ولا يخفى أن قال على الأول بمعنى وسوس وهر لا يوسوس إليهم بخوفه على نفسه بل عليهم، ولذا قال: في الأول خاف عليهم وهو ظاهر، وقوله: إذ رأى فيه ما لم ير قبله كما في حديث الموطأ رحم الله مؤلفه: " ما رؤكط الشيطان يوماً هو فيه أصغر، وأدحر ولا أحقر وأغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاورّ الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر لما رأى جبريل والملائكة عليهم الصلاة والسلام معه " (ا! (ومن العجيب (ما في كتاب التيجان أن إبليس قتل ببدر وابن بحر هو الجاحظ. قوله:) وأن يكون مستانفاً) قيل الظاهر أنه من كلامه إذ على كونه مستأنفا يكون تقريرا لمعذرته، ولا يقتضيه المقام فيكون فضلة من الكلام، وهو غير وارد لأنه بيان لسبب خوفه لأنه يعلم ذلك، وهذا على الوجه الأوّل وكونه من كلامه على الثاني فتدبر. قوله: (والذين لم يطمئنوا الخ (تفسير للذين في قلوبهم مرض فالمرض مجاز عن الشبهة، وهم المؤلفة قلوبهم، وعلى ما بعده المرض الكفر أو النفاق. قوله:) والعطف لتغاير الوصفين (قيل يجوز أن يكون صفة المنافقين، وتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف لأن هذه صفة للمنافقين لا تنفك عنهم قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أو تكون الواو داخلة بين المفسر والمفسر نحو أعجبني زيد وكرمه، وقيل في الرذ عليه العطف باعتبار تغاير الوصفين أي يقول الجامعون بين صفتي النفاق ومرض القلوب، وجعل الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف أو من قبيل أعجبني زيد وكرمه وهم. (قلت (جعله وهما تحامل منه، فإنه لا مانع منه صناعة ولا معنى، وقد ذكره القائل على وجه التجويز بناء على مذهب الزمخشرقي فانظر وجه الوهم فيه، فإن كان وجهه أنّ المنافقين جار على موصوف مقدر أي القوم المنافقون، فلا نسلم أنه متعين، ولأنه قد يقول إنه أجرى هنا مجرى الأسماء، مع أن الصفة لا مانع من أن توصف. قوله:) حين تعرّضوا لما لا يدي لهم الخ) يدي مثنى يد بمعنى القدرة أي لا طاقة لهم به، وهذا التركيب سمع من العرب بهذا المعنى، وحذفت نون التثنية منه كما أثبتت الألف في لا أباً لك لتقدير الإضافة فيه، وبه احتج يونس على أنه بمنزلة المضات كما فصل في مطوّلات كتب النحو، وزهاء بضم الزاي المعجمة والمد بمعنى قريب سواء كانوا أقل أو أكثر، والمراد بما يستبعده العقل نصرة قوم قليلي العدد والعدد على من تم لهم ذلك، وفسره به لاقتضاء المقام له. قوله: (ولو ترى ولو رأيت فإنّ لو تجعل المضارع الخ (قال النحرير: لا بد أن يحمل معنى المضيّ هنا على الفرض! ، والتقدير كأنه قيل قد مضى هذا المعنى، ولم تره ولو رأيته لرأيت أمراً فظيعا والا فظاهر أنه ليس المعنى هاهنا على حقيقة المضيّ قيل والنكتة فيه القصد إلى تصوير أنّ رؤية المخاطب حال الكفار وقت ذلك مستمرّة الامتناع في الماضي استمرارا تجددياً وقتاً بعد وقت فالقصد إلى استمرار امتناع الرؤية وتجدده (وفيه بحث الأنه لا مانع من كون الرؤية في الماضي لأنه ليس المراد بها رؤية واقعة حتى يتأتى ما ذكروه، والمضيّ في الحقيقة للرؤية الممتنعة بل لامتناع الرؤية الماضية في الدنيا فما الداعي إلى هذه التكلفات فتأمّل. قوله: (والملائكة فاعل يتوفى) ولم يؤنث لأنه غير حقيقيّ التأنيث وحسنه الفصل بينهما، وقوله: (الفاعل ضمير الله) أي فاعلى يتوفى والملائكة على هذا مبتدأ خبره جملة يضربون والجملة الاسمية مستأنفة، وعند المصنف رحمه الله حالية واعترض عليه بأنه ذكر في أوّل الأعراف أنه لا بد في الاسمية من الواو وتركها ضعيف، وقد مرّ الكلام فيه. قوله: (وهو على الأوّل الخ) أي يضربون ويحتمل الاستئناف أيضاً والمراد بالأوّل الوجه الأوّل، وهو كون الملائكة فاعل يتوفى، وهو إئا حال من الفاعل أو المفعول أو منهما لاشتماله على ضميريهما، وهي مضارعية يكتفي فيها بالضمير. قوله: (ظهورهم وأستاههم) يعني الدبر ما أدبر وهي كل الظهر أو بعضه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 كما اختص به في عرف اللغة، ولعل المراد بذكرهما التخصيص بما لأنه أشد نكالاً واهانة كما ذكره الزمخشرفي، أو المراد التعميم على حد قوله: {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [سورة الأعراف، الآية: 205] لأنه أقوى ألما. قوله: (بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا الخ أليس التقدير لمجرّد الفرار من عطف الإنشاء على الخبر بل لأنّ المعنى يقتضيه لأنه من قول الملائكة قطعا قيل، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل، كما مرّ في آل عمران ونقول ذوقوا عذاب الحريق فقول البحر قطعاً فيه نظر، وعندي أنه لا وجه له فإنّ السياق يعين ما قاله، وبينهما وبين تلك الآية فرق ظاهر، وجعل بشارة لأنّ المراد به عذاب الآخرة فإن أريد به ما أحرقوا به حالة الضرب فهو للتوبيخ وقوله بشارة تهكم إشارة إلى أن قوله ذوقوا من التهكم لأنّ الذوق يكون في المطعومات المستلذة غالبا وفيه نكتة أخرى، وأنه قليل من كثير يعقبه، وأنه مقدمة كأنموذج الذائق، وبهذا الاعتبار يكون فيه المبالغة وإن أشعر الذوق بقلته. قوله: (وجواب لو محذوف لتفظيع الأمر وتهويله) إشارة إلى أنه يقدّر لرأيت أمراً فظيعا كما اشتهر تقديره به، وقدره الطيبي رحمه الله لرأيت قوّة أوليائه ونصرهم على أعدائه. قوله: (بسبب ما كسبتم الخ) إشارة إلى أن الباء سببية وأق تقديم الأيدي مجاز عن الكسب، والفعل وقوله عطف على ما فهي موصولة والعائد محذوف. قوله: (للدلا لة على أن السببية مقيدة الخ) جعل في الكشاف كلاً منهما سبباً بناء على مذهبه في وجوب الأصلح، ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله وأشار إلى ردّه بأنّ السبب هو الأوّل وهذا قيد له وضميمة بها يتم، ووجه كونه ضميمة بقوله إذ لولاه الخ فقوله لا أن لا يعذبهم بذنوبهم معطوت على قوله أن يعذبهم، والمعنى أن سبب هذا القيد دفع احتمال أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا احتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم فإنه أمر حسن عقلاً وشرعا فقوله للدلالة على أنّ السببية وفي نسخة سببيته الخ أي تعيينه للسببية إنما يحصل بهذا التقييد إذ بإمكان تعذيبهم بغير ذنب، يحتمل أن يكون سبب الت! ذيب إرادة العذاب بلا ذنب فحاصل معنى الآية أنّ عذابكم له إنما نشأ من ذنوبكم لا من شيء آخر فلا يرد عليه ما قيل كون تعذيب الله العباد بغير ذنب ظلماً لا يوافق مذهب أهل السنة، لا يقال هذا يخالف ما قاله في سورة آل عمران من أنّ سببيته للعذاب من حيث إن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضى إثابة المحسن، ومعاقبة المسيء، لأنا نقول لنفي الظلم معنيان، أحدهما ما ذكر من آثابة المحسن الخ والآخر عدم التعذيب بلا ذنب، وكل منهما يؤول إلى معنى العدل فلا تدافع بين كلاميه كما قيل، وأما جعله هناك سببا وهنا قيداً للسبب فلا يوجب التدافع أيضا فإن المراد بالسبب الوسيلة المحضة، فهو وسيلة سواء اعتبر سببا مستقلا أو قيداً للسبب، ومنه تعلم سقوط ما قيل على المصنف رحمه الله أنّ إمكان تعذيبه تعالى لعبده بغير ذنب، بل وقوعه لا ينافي تعذيب هؤلاء الكفرة المعينة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى اعتبار عدمه لعدم الاطلاع على مراده، ثم قال: لو كان المذعي أنّ جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين لاحتيج إلى ذلك، وهذا أيضا من عدم الوقوف على مراده فإن الاحتياج إلى ذلك القيد في كل من الصورتين إنما هو لتبكيت المخاطبين في الاعتراف بتقصيرهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم فالقول بالاحتياج في صورة عموم الخطاب لجميع المعذبين، وبعدمه في صورة خصوصه ركيك جداً، وقيل في بيانه إنه يريد أنّ سببية الذنوب للعذاب تتوقف على انتفاء الظلم منه تعالى، فإنه لو جاز صدوره عنه لأمكن أن يعذب عبيده بغير ذنوبهم، فلا يصلح أن يكون الذنب سبباً للعذاب لا في هذه الصورة ولا في غيرها، فان قلت لا يلزم من هذا إلا نفي انحصار السبب للعذاب في الذنوب، لا نفي سببيتها له والكلام فيه إذ يجوز أن يقع العذاب في الصورة المفروضة بسبب غير الذنوب، ولا ينافي هذا كونها سببا له في غير هذه الصورة كما في أهل بدر فلا يتم الترتيب، قلت السبب المفروض! في الصورة المذكورة، إن أوجب استحقاق العذاب يكون ذنبا لا محالة والمفروض خلافه، وان لم يوجبه فلا يتصوّر أن يكون سبباً إذ لا معنى لكون شيء سبباً إلا كونه مقتضياً لاستحقاقه فإذا انتفى هذا ينتفي ذلك، وبالجملة فمآل كون التعذيب من غير ذنب إلى كونه بدون السبب لانحصار السبب فيه ا!. وردّ بأنّ قوله وان لم يوجبه فلا يتصوّر أن يكون سبباً ممنوع فإن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 السبب الموجب ما يكون مؤثراً في حصول شيء سواه كان عن استحقاق أو لا، ألا ترى أنّ الضرب والقتل بظلم سبب للإيلام والموت مع أنه ليس عن استحقاق، فاعتراض! السائل واقع في موقعه، ولا يمكن التقصي عنه إلا بما قرّرنا. من أنّ معنى الآية ذلك العذاب بكسب أيديكم لا لشيء آخر من إرادة التعذيب بلا ذنب فانه تعالى ليس بظلام فالمقام مقام تعيين السببية، وتخصيصها للذنوب وذلك لا يحصل إلا بنفي صدور العذاب بلا ذنب منه تعالى، ومن هنا علم أنّ قوله وبالجملة الخ ليس بسديد فإنّ مبناه كون الاستحقاق شرطا للسببية، وقد مرّ ما فيه لمختار أجلة المفسرين من كون نفي الظلم سبباً آخر للتعذيب لأنّ سببية نفي الظلم موقوفة على إمكان إرادة التعذيب بلا ذنب، وكونها سبباً للعذاب فكيف يكون مآل كون التعذيب بلا ذنب كونه بدون سبب فتأمّل. قوله: (ينتهض الخ) قيل هذا ينافي ما ذكر في آل عمران، وقد علصت جوابه، وقيل إنه قد يتحقق بالعفو إذ ليسا بطرفي نقيض عندنا فلا يتم ما ذكره، وقد عرفت ما فيه، ثم إنه قيل ما في آل عمران ظاهر البطلان فإنّ ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلاً لينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب، ومنشؤه عدم الفرق بين السبب، والعلة الموجبة والفرق واضح، فإن السبب وسيلة غير موجبة لحصول المسبب بخلاف العلة، والعدل اللازم من نفي الظلم سبب العذاب المستحق، وإن لم توجبه فالاستدلال بعدم الإيجاب على عدم المسبب فاسد، ولبعض أهل العصر فيه كلام تركناه خوف الإطالة ثم إن قول المصنف رحمه الله ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم لا ينتهض على المعتزلة إلا أن يقال إنه كلام تحقيقي وان لم يسلموه فتأمل. قوله: (وظلام للتكثير الخ) جواب ما قيل إنّ نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ونفي الكثرة لا ينفي أصله بل ربما يشعر بوجوده، ورجوع النفي للقيد بأنه نفي لأصل الظلم، وكثرته باعتبار آحاد من ظلم كأنه قيل ظالم لفلان، ولفلان وهلمّ جزاً فلما%! مع هؤلاء عدل إلى ظلام لذلك أي لكثرة الكمية فيه، وقد أجيب بوجوه منها أنه إذا انتقى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل لاًنّ من يظلم يظلم للانتفاع بالظلم، فإذا ترك كثيره مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع، والضر كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا وبأنّ ظلام للنسب كعطار أي لا ينسب إليه الظلم أصلا وبأنّ كل صفة له تعالى في أكمل المراتب فلو كان تعالى ظالماً كان ظلاما فنفي اللازم لنفي الملزوم، وبأنّ نفي الظلام لنفي الظالم ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله انتقالأ من اللازم إلى الملزوم، فإن قلت لا يلزم من كون صفاته تعالى في أقصى مراتب الكمال كون المفروض ثبوته كذلك بل الأصل في صفات النقص على تقدير ثبوتها أن تكون ناقصة، قلت إذا فرض! ثبوت صفة له تعالى يفرض! بما يلزمها من الكمال، والقول بأنّ هذا في صفات الكمال إنما يوجب عدم ثبوتها لا ثبوتها ناقصة، وأجيب أيضا بأنّ استحقاقهم العذاب بلغ الغاية بحيث لولاه لكان تعذيبهم غاية الظلم، وهو الذي ارتضاه في الكشاف وأيده في الكشف وأيضاً لو عذب تعالى عبيده بدون استحقاق، وسبب لكان ظلماً عظيما لصدوره عن العدل الرحيم. قوله: (أي دأب هؤلاء الخ) الدأب إدامة السير، والدأب العادة المسمرة، وهو المراد هنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى وأشار إلى أنه خبر مبتدأ مقدر وهو دأب هؤلاء وتفسير الكاف بمثل لا يقتضي أنها اسم كما قيل. قوله: (تفسير لدأبهم) أي للدأب المشبه، والمشبه به لأنه لبيان وجه الشبه كما سيأتي فتكون الجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب، وقيل إنها مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانياً، وقيل حالية بتقدير قد. قوله:) كما أخذ هؤلاء) المقصود بيان اشتراكهما في الأخذ لا التشبيه حتى يقال إنه تشبيه مقلوب. قوله: (لا يغلبه في دفعه شيء) تفسير للقوى المضموم إليه شديد العقاب أي لا يغلبه غالب فيدفع عقابه عمن أراد معاقبته وما حل بهم هو الانتقام بتعذيبهم، وقوله مبدلاً إشارة إلى أنه تغيير خاص بتبديل إلى ضدّه فإنّ التغيير شامل لغيره، وقوله ما بهم إشارة إلى أنّ المراد بالأنفس الذوات. قوله: (1 لى حال أسوأ كتغيير قريش الخ) في الكشاف في دفع السؤال بأنهم لم يكن لهم حال مرضية غيروها إلى حال مسخوطة إنه كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 كفرة عبدة أصنام فلما بعث-لمجي! إليهم الآيات البينات فكذبوه وعادوه، وتحزبوا عليه ساعين في إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال، وعاجلهم بالعذاب، والمصنف رحمه الله اختصر كلامه فورد عليه أن أسوأ لا حاجة إليه فإن صلة الرحم والكف عن تعرض! الآيات والرسل ليست بحال سيئة، وهي التي غيروها إلا أن يقال قوله في صلة الرحم، والكف ليس بياناً للحال بل الحال هي الكفر ولكن لاقترانها بما ذكر لم تكن أسوأ بل سيئة، وقيل إنهم لما كانوا متمكنين من الإيمان، ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى وهو وجه حسن. قوله: (وليس السبب عدم تنيير الله ما أنعم الخ (لما كان منطوق الآية أنّ سبب ما حل بهم عدم تغيير ما أنعم الله به على قوم حتى يغيروا وانتفاء تغيير الله حتى يغيروا لا يقتضي تحقق تغييره إذا غيروا، والعدم ليس سببا للوجود هنا وأيضا عدم التغيير صارف عما حل بهم لا مر جب له بحسب الظاهر أشار إلى أنّ السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها، وهو تغيير نعمة من غير، وإنما آثر التعبير بذلك لأنّ الأصل عدم التغيير من الله لسبق إنعامه ورحمته لأنّ الأصل فيهم الفطرة، وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقرّ عليه الحال من ذلك لا أنّ كونه عادة له دخل في السببية فتدبر. قوله: (وأصل يك الخ) شبه النون بحروف العلة أنها من الزوائد وحروف العلة تحذف من آخر المجزوم فلذا حذفت هذه، وهو مختص بهذا الفعل لكثرة استعماله. قوله: (تكرير للتثيد ولما نيط به الخ) أي لم علق بالثاني تعليقا معنو أي ذكر معه، والحاصل أنّ الدأب المشبه والمشبه به هنا فأما الأوّل أو مغاير له فعلى الأوّل يكون تكريراً للتأكيد وليس تكريراً صرفا لما فيه من الزيادة، والتغيير لأنه يدلّ على أنهم كفروا نعمه، وهو مربيهم المنعم عليهم بجميع النعم كما يدل عليه لفظ الرب، ولذا لم يقل كذبوا ولا بآياته وفيه بيان للأخذ بالإهلاك والإغراق وقيل لأنّ الآيات نعم فتكذيبها كفران بها وأيضاً الرب مفيض النعم فتكذيب آياته كفران لنعمه والأوّل أولى فتدبر. قوله: (وقيل الآوّل لتشبيه الكفر والأخذ الخ) فيتغاير التشبيهان ولا يكون تأكيداً، قال في الفرائد هذا ليس بتكرير لأنّ معنى الأوّل حال هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر فأخذهم، وآتاهم العذاب ومعنى الثاني حال هؤلاء كحال آل فرعون في تغييرهم النعم، وتغيير الله حالهم بسبب ذلك التغيير، وهو أنه أغرقهم بدليل ما قبله، وقيل إن النظم يأباه لأنّ وجه التشبيه في الأوّل كفرهم المترتب عليه العقاب فينبغي أن يكون وجهه في الثاني قوله كذبوا الخ لأنه مثله إذ كل منهما جملة مبتدأة بعد تشبيه صالحة لأن تكون وجه الشبه فتحمل عليه، كقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الآية: 59] وأما قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً} [سورة الأنفال، الآية: 53] الخ فكالتعليل لحلول النكال معترض بين التشبيهين غير مختص بقوم فجعله وجا للتشبيه بعيد عن الفصاحة، وهذا وجه تمريضه فتأمّل. قوله: (وكل من الفرق المكذبة الخ) يعني المراد كل من كفر وكذب بآيات الله أو المراد به آل فرعون وكفار تريش لأنّ ما قبله في تشبيه دأب كفرة قريش بدأب آل فرعون صريحاً وتعييناً، ويكفي مثله قرينة لذلك فلا يرد ما قيل إنه لا وجه للتخصيص مع أنّ السياق يقتضي شموله للمشبه والمشبه به، أو للمشبه به، وهم آل فرعون ومن قبلهم فتأمّل، وقوله أنفسهم إشارة إلى تقدير المفعول، ولو عممه لكان له وجه. قوله: (أصروا على الكفر الخ (فسره به لأنّ مجرّد الكفر لا يخبر عن المتصف به بأنه لا يؤمن. قوله: (ولعله إخبار عن قوم مطبوعين الخ) تبع الزمخشري أوّلا في تفسير لا يؤمنون بلا يتوقع منهم الإيمان، ثم ذكر وجها آخر، وهو أن معنى لا يؤمنون أنهم مطبوعون على الكفر مصرون عليه، ولا يظهر الفرق بينهما، وقوله والفاء للعطف على الوجهين، ووجه التنبيه المذكور جعله مترتباً ترتب المسبب على سببه ولو جعل من تتمة الثاني لترتب عدم الإيمان على الطبع لا على الإصرار لأنه عينه كان أوجه. قوله: (بدل من الذين كفروا الخ) جوّزوا في هذا الموصول الرفع على البدلية من الموصول قبله أو على النعت له فيخص الموصول الأوّل وحينئذ يصح أن يكون بدل كل أيضا ما قيل إنه لا وجه له غير صحيح أو عطف البيان والرفع على الابتداء، والخبر والنصب على الذمّ، ومعنى يمالؤوا يعاونوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 ويساعدوا وأصل معناه يصيرون من ملئهم وقومهم، وقوله كعب بن الأشرف قيل المعاهد إنما هو كعب بن أسد سيد بني قريظة، وهذا منقول عن البغوي وخطأ ما وقع هنا، وحالفهم بالحاء المهملة أي عاهدهم على حربه ع! ب!. قوله:) ومن لتضمن المعاهدة معنى الأخذ) وفي نسخة لتضمين وهو التضمين المصطلح أي عاهدت آخذاً منهم والا فالمعاهد متعذية بنفسها، وقيل المعنى إنه في ضمنه لاشتهار أخذ عليه عهداً فلكونه من لوازمه جعل متضمنا له ولا حاجة إليه، وقال أبو حيان رحمه الله من تبعيضية وقيل زائدة على كون المراد بالمرّة مرة المعاهدة المراد التي بعدها، وعلى كون المراد المحاربة يكون النقض واقعا فيها. قوله: (سبة الغدو) السبة بضم السين المهملة وباء موحد مشددة العار الذي يسب به، والمغبة بالفتح العاقبة من الغب بالإعجام، والغدر نقض العهد وضمير فيه لنقض العهد. قوله: (فإما تصادفنهم وتظفرن بهم) الثقف يفسر الإدراك والمصادفة وبالظفر والظفر إنما يكون بعد الملاقاة فأشار إلى أن المراد به الظفر المترتب على الملاقاة لأنه الذي يترتب عليه التشريد، وفلا يقال حق التعبير أو الفاصلة لتغاير المعنيين كما في كتب اللغة، وقوله عن مناصبتك بالصاد المهملة والباء الموحدة أي معاداتك ومحاربتك، ومنه الناصبة ونكل بالتشديد بمعنى أوقع النكال وبقتلهم تناعه فرق، ونكل وقوله على اضطراب أي مع إزعاج. قوله: (وقرىء شرذ بالذال المعجمة) وهو بمعنى المهملة، واختلف في هذه الماذة فقال ابن جني إنها مهملة لا توجد في كلام العرب فلذا قيل إنه إبدال لتقارب مخرجيهما، وقيل: إنه قلب من شذر ومنه شذر مذر للمتفرق، وذهب بعض أهل اللغة إلى أنها موجودة ومعناها التنكيل ومعنى المهمل التفريق كما قاله قطرب لكنها نادرة، وقوله ومن خلفهم أي قرىء من خلفهم بكسر الميم، وهي من الجارّة. قوله: (والمعنى واحد) أي في قراءتي الكسر والفتح، وهو منزل منزلة اللازم كما أشار إليه بقوله فعل التشريد وجعل الوراء ظرفا فالتقارب معنى من وفي تقول اضرب زيدا من وراء عمرو ووراء عمرو بمعنى في ورائه، وليس هذا من قبيل يجرح في عراقيبها إذ ليس الظرف مفعولاً به في الأصل إلا في مجرّد تنزيله منزلة اللازم والحاصل أنّ التشريد وراءهم كناية عن تشريدهم في الوراء فتوافق القراءتان وقوله لعل المشرّدين بصيغة المفعول وهم من صادفهم أو هم من خلفهم. قوله: (معاهدين الخ) المعاهدة تؤخذ من الخيانة والنبذ الطرج وهو مجاز عن إعلامهم بأن لا عهد بعد اليوم فشبه العهد بالشيء الذي يرمي لعدم الرغبة فيه، وأثبت النبذ له تخييلا ومفعوله محذوف وهو عهدهم. قوله: (على عدل وطريق قصد الخ) على سواء إمّا حال من الفاعل أي أنبذها وأنت على طريق قصد أي مستقيم أي ثابتا على عهدك فلا تبغتهم بالقتال بل أعلمهم به، وإمّا حال من الفاعل أو المفعول بالواسطة أو منهما معاً أي كائنين على استواء أي مساواة في العلم بذلك أو في العداوة، وسواء صفة موصوت محذوف أي على طريق سواء والطريق مجاز عن الحال التي هم عليها، وقوله ولا تناجزهم أي تعاجلهم في المحاربة بأن تحاربهم قبل أن تظهر إليهم نبذ العهد، وقوله على الوجه الأوّل أي كونه بمعنى عدل، وقوله أو منه أي النابذ ولزوم ذلك إذا لم تنقض مدة العهد أو يظهر نقضهم للعهد، ولذلك غز النبيّ صلى الله عليه وسلم أهل مكة من غير نبذ ولم يعلمهم لأنهم كانوا انقضوا العهد بمعاونتهم بني كنانة على قتل خزاعة حلفاء النبيّ كيرو كما ذكره الجصاص (قلت) وقوله تخافن صريح فيه أي والسواء ورد في كلامهم بمعنى العدل كقوله: حتى يجيبوك إلى السواء والمراد بالخوف خوف إيقاع الحرب ونقض العهد فلا وجه لما قيل إن الأولى تركه. قوله:) تعليل للأمر بالنبذ الخ) ويحتمل أن يكون طعناً في الخائنين الذين عاهدهم الرسول لمجح وعلى طريقة الاستئناف متعلق بقوله تعليل. قوله: (خطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم) أو لكل سامع والذين كفروا سبقوا مفعولاه على قراءة الخطاب وهي ظاهرة وأمّا القراءة با اسياء للغيبة فضعفها الزمخشرفي، وقال: إنّ القراءة التي تفرد بها حمزة غير نيرة أي واضحة، وقد ردوا عليه ذلك بوجهين الأوّل أنّ حمزة لم ينفرد بها بل ترأها حمزة وحفص وغيرهما، واليه أشار المصشف رحمه الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 الثاني أنّ قوله إنها غير واضحة ليس كما زعم فإنها أنور من الشمس في وسط النهار لأنّ فاعل يحسبن ضمير أي لا يحسبن هو أي قبيل المؤمنين أو الرسول أو الحاسب أو من خلفهم أو أحد لأنه معلوم من الكلام فلا يرد عليه أنه لم يسبق له ذكر، وأمّا حذف الفاعل فلا يخطر بالبال كما توهم، وعليه فمفعولاه الذين كفروا سبقوا، وقيل الفعل مسند إلى الذين كفروا والمفعول الأوّل محذوف، وسبقوا هو الثاني أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سابقين وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله أنفسهم أي مفعوله المقدر أو أنّ التقدير لا يحسبنهم لكنه ليس بتقدير مضاف لأنّ أفعال القلوب يجوز أن يتحد فيها الفاعل والمفعول وحذف أحد مفعوليها جوزه الزمخشريّ في غير موضع ولا يضرّ الإضمار قبل الذكر لتأخر رتبته، وقيل تقديره أن سبقوا وأن وما بعدها ساد مسد المفعولين، ويؤيده قراءة أنهم سبقوا ولا يخفى ما فيه، وقيل سبقوا حال وأنهم لا يعجزون ساد مسد المفعولين في قراءة من قرأ بالفتح، ولا على هذا مزيدة وقوله للتكرار أي لكونه عين الفاعل، وقوله: الأنّ أن المصدرية الخ) قد أجيب عن قول المصنف رحمه الله أن المصدرية الخ بأن أن قد يقال إنها ليست مصدرية بل مخففة، ومراده بالمصدرية التي تنصب الفعل لأنها المتبادرة عند الإطلاق، فلا يرد عليه أنه لا مانع من أن يريد المصنف بأن المصدرية المخففة لأنها مصدرية كما صرّج به النحاة نعم إطراد حذفها غير مسلم، وقوله فلا تحذف أي حذفا مطرداً فإنه نادر أو شاذ في غير المواضع المعروفة كما في قوله تسمع بالمعيدي ونحوه، وقول النحرير: الوجوه لا تخلو من تمحل لا ينبغي من مثله إلا أن يريد بيان ما في الكشاف. قوله: (بالفتح على قراءة ابن عامر) ردّ على الزمخشري حيث ذكره في توجيه قراءة حمزة وتفرده، ومثله في تفسير الفراء والزجاج والتخصيص بالذكر لا يفيد الحصر،، قوله صلة أي زائدة لأنّ الزائد يسمى صلة في القرآن تأدّباً لأنه صلة لتزيين اللفظ، وتقويته ويؤيده أنه قرىء بحذفها، وقوله مفلتين أي هاربين. قوله: (والأظهر أنه تعليل للنهي الخ) أي على هذه القراءة هو تعليل بتقدير اللام المطرد حذفها في مثله، وأفلت وتفلت خلص، وأعجز. الشيء فإنه، وأعجزت الرجل وجدته عاجزا، واليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى وقوله: (أو لا يجدون) بأو ووقع في نسخة بالواو والصحيح هو الأوّل لأنهما معنيان متغايران، وقوله: (استئناف) أي نحوي أو بيانيّ. قوله: (ولعل الآية إزاحة لما يحذر به الخ) أي الآية لإزالة ما يحذر به المؤمنون من أنّ في نبذ العهد إيقاظ الأعداء، وتحريك الشر فمن بيانية أو صلة يحذر، ونبذ مصدر، وفل بفتح الفاء وتشديد اللام المنهزم يقع على الواحد وغيره، وقوله لنا قضي العهد الذي يقتضيه السياق أو للكفار مطلقا كما يقتضيه ما بعده، وقوله ما يتقوى به في الحرب أي فأطلق عليه القوّة مبالغة، وإنما ذكر لأنه لم يكن لهم في بدر استعداد تامّ فنبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل مكان. قوله: (وعن عقبة بن عامر رضي الله عته) أخرجه مسلم أي الرمي بالنشاب والقسيّ فحص بالذكر لأنه أقوى ما يتقوى به كقوله الحج غرفة والمراد خصه الله به على تفسيره به أو خصه النبىّ - صلى الله عليه وسلم - بتسميته قوّة فلا يرد عليه أنه يخالف ما سيذكر في عطف الرباط على القوة مع أنّ الرباط منها لأن فضله على غيره في القوّة، ويحتاج إلى الجواب بأنه أقوى بالنسبة لما عدا الرباط من آلات الحرب وكونه أفضل وأقوى بالنسبة إلى الكل. قوله: (اسم للخيل التي تربط الخ) قيل يلزم عليه إضافة الشيء لنفسه حينئذ، وردّ بأن المراد أنّ الرباط بمعنى المربوط مطلقاً إلا أنه استعمل في الخيل، وخص بها فالإضافة اعتبار عموم المفهوم الأصلي، وقيل إنّ قوله اسم للخيل التي تربط تفسير لمجموع رباط الخيل لا للرباط وحده فلا يحتاج إلى توجيه وهذا بالآخرة يرجع إلى ما ذكره المجيب، وليس غيره كما توهم، وقيل الرباط مشترك بين معان آخر كانتظار الصلاة وغيره فإضافته لأحد معانيه للبيان كعين الشمس، ومنه يعلم أنه يجوز إضافة الشيء لنفسه إذا كان مشتركاً وإذا كان من إضافة المطلق للمقيد فهو على معنى من التبعيضية وفيه ما مرّ وقوله: (مصدر الخ) يعني هو مصدر للثلاثي أو للمفاعل سمي به المفعول، وخصه الزمخشرفي بالثاني لأنه المقيس فيه فعال. قوله: (وعطفها على القوّة الخ) أي على معناها الأصلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 وتفسيره الأوّل على تفسيره بالرمي وقيل إنه جزم به، والزمخشرفي جوزه لأنه ذكر للقوّة معاني، ما يتقوى به والرمي والحصون، وكونه كذلك على الأوّل فقط والمصنف رحمه الله لم يذكر الحصون وأوّل الرمي بكونه الأقوى فلذا جزم به، وقيل المطابق للرمي أن يكون الرباط مصدرأ وعلى تفسير القوّة بالحصون يتم التناسب بينه وبين رباط الخيل لأنّ العرب سمت الخيل حصونا وهي الحصون التي لا تحاصر كما في قوله: ولقد علمت على تجنبي الردى أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى وحصني من الأحداث ظهر حصاني ومنه أخذ المتنبي قوله: أعز مكان في الدنيا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب قوله: (تخوفون به الخ) هذه الجملة حال من أعدوا وفيه إشارة إلى عدم تعين القتال لأنه قد يكون لضرب الجزية ونحوه، وقوله من غيرهم فسرها بغير لأنها ليست للظرفية الحقيقية. قوله: (لا تعرفونهم بأعيانهم) جعل العلم بمعنى المعرفة لتعديه لواحد، وقد جوز أن يكون على أصله ومفعوله الثاني محذوف أي لا تعلمونهم محاربين لكم أو معادين وهو تكلف، وقال بأعيانهم لأنّ المعرف تتعلق بالذوات، وقوله يعرفهم أطلق العلم على الله، وهو بمعنى المعرفة والمعرفة لا يجوز إطلاقها على الله على ما عليه الأكثر ولا حاجة إلى أن يقال إنه للمشاكلة لما قبله فلا يرد ما اعترض به عليه وان ذهب إليه في الدر المصون مع أنه وقع إطلاق العارف على الله في نهج البلاغة، ووجهه ابن أبي الحديد في شرحه كما مرّ، وقوله يوف إليكم أي يؤذي بتمامه والمؤذي جزاؤه لا هو فلذا ذكره المصنف رحمه الله إشارة إلى التقدير، أو التجوّز في الإسناد وتضييع العمل إحباطه وعدم الثواب به يعني أنّ الظلم عبارة عما ذكره وان كان له ذلك فإنه يفعل ما يشاء فله تعذيب المطيع فضلاً عما ذكر فتدبر، وقوله ومنه الجناح أي سمي به لأنه يتحرك ويميل، والسلم له معان منها الاستسلام للطاعة. قوله: (وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه) المراد بالنقيض الضد وهو الحرب لأنها مؤنثة سماعية، وقوله فيه أي في التأنيث. قوله: (السلم تأخذ الخ (لم أر من عزاه، ومعناه أن السلم أمر مرضيّ ينبغي الاستكثار منه، وأمّا المحاربة فتجتنب الإلداع فتدخل على مقدار الحاجة، وشبهها بمشرب غير طيب يكتفي بقليله لدفع العطش، وأنفاس جمع نفس بفتحتين وأصله من التنفس، وهو إخراج الهواء من الجوف، والمراد به مجازا المزة من الشرب كما في قول جرير: تعلل وهي ساغته بفيها بأنفاس من الشبم القراج وجرع بالراء والعين المهملتين جمع جرعة بتثليث أوله، وهي حسوة من ماء وهو من المجاز كما يقال تجرع الغيظ كما ذكره في الأساس فمن ظنه جمع جزعة بكسر الجيم، وضمها والزاي المعجمة وهي القليل من الماء وقال: إنه صحح في النسخ فقد أساء الرواية والدراية، وقراءة فاجنح بضم النون على أنه من جنح يجنح كقعد يقعد، وهي لغة قيس قراءة شاذة قرأها الأشهب العقيلي والفتح لغة تميم وهي الفصحى، وقوله خداعا أي في السلم والصلح. قوله:) والآية مخصوصة بأهل الكتاب الخ (أهل الكتاب هم يهود بني قريظة، وهم المعنيون بقوله الذين عاهدت إلى هنا إن كان قوله وأعدّوا لهم لنا قضي العهد كما مر أحد الوجهين فقوله لاتصالها مبنيّ عليه فان كان للكفار مطلقا تكون هذه الآية عامّة منسوخة بآية السيف لأنّ مشركي العرب ليس لهم إلا الإسلام، أو السيف بخلاف غيرهم فإنه يقبل منهم الجزية فالقولان راجعان للتفسيرين على اللف والنشر المرتب وقيل إنه عليهما واتصال بقصتهم لأن ما بينهما اعتراض! في حكم المتأخر. قوله: (محسبك وكافيك) يعني أنه صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل، وقال الزجاج: إنه اسم فعل بمعنى كفاك فالكاف في محل نصب، وعلى الأوّل في محل جرّ وخطأه فيه أبو حيان لدخول العوامل عليه واعرابه في نحو بحسبك درهم ولا يكون اسم فعل هكذا، ولم يثبت في موضع كونه اسم فعل. قوله: (قال جرير الخ (تبع فيه الكشاف وشراحه فإنهم قالوا إنه من قصيدة لجرير وأنشدوه هكذا: إني وجدت من المكارم حسبكم أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 واذا تذكرت المكارم صزة في مجلس أنتم به فتقنعوا لكن المذكور في شرح شواهد الكتاب أن هذين البيتين لعبد الرحمن بن حسان، وقيل لسعد بن عبد الرحمن بن حسان ورواه أني رأيت من المكارم الخ وجعل أن تلبسوا أحد مفعولي رأيت وحسبكم المفعول الثاني، وكانت بنو أمية بن عمرو بن س! د بن العاصي لما زوّجوا أختهم من سليمان بن عبد الملك وحملوها إلى الشأم، وهو معهم وعدوه بالقيام بأمره فقصروا فقال: الشعر يهجوهم، ومعنى الشعر أني نظرت في أحوالكم فوجدتكم اكتفيتم من المكارم باللبس واكل ولا همة لكم تدعوكم إلى الكرم ومعالي الأمور فإن وقع في مجلس المذاكرة في المكارم فغطوا رؤوسكم واستتروا لأنكم لستم من أهلها وليس فيكم رائحة من المكارم التي عدوها، وحرّ بالحاء المهملة المضمومة والراء المهملة بمعنى أحسنها والحز من كل شيء ما يختار منه، ويروى خز بخاء معجمة مفتوحة وزاي معجمة والخز الإبريسم، وقيل إنه يطلق على الصوف أيضاً، والمعروف الأوّل. توله: (مع ما فيهم من العصبية الخ) العصبية بمعنى التعصب والضغينة كالضغن الحقد، وتوله حتى صاروا كنفس واحد متعلق بألف يعني أن العرب ناس لشدة أنفتهم وتعصبهم ولما ركز في طباعهم من الحقد قلما تصفو قلوبهم وتخلص مودّتهم فتأليفه لهم، وجعلهم متصافين لا كدر بينهم من آياته مجقيرو كما في الكشاف، وضعف القول بأنّ المراد بهم الأوس والخزرج لما كان بينهم في الجاهلية لأنه ليس في السياق قرينة عليه. قوله: (لو أنفق منفق الخ) يعني أن الخطاب لغير معين بل لكل واقع عليه لأنه لا مبالغة في انتفائه من منفق معين، وذات البين العداوة وقوله والإصلاج أي إصلاج ذات البين، وقوله المالك للقلوب إشارة إلى حديث قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. قوله: (لا يعصى عليه ما يريده) أي لا يتخلف شيء عن إرادته ولا يقع شيء بدون إرادته وهو استعارة تبعية أو تمثيلية. قوله: (يعلم أنه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده الخ (أي يعلم ما يليق بتعلق الإرادة به فيوجده بمفتضى حكمته، واحن بالمهملة بوزن عنب جمع أحنة، وهي الحقد، وقوله: (وصاروا أنصارا) أي طائفة واحدة متناصرين مسمين بذلك متبعين على قلب واحد في نصرة النبىّ - صلى الله عليه وسلم - ودينه. قوله: (إما في محل النصب على المفعول معه اليئ (وقال الفراء إنه يقدر نصبه على موضع الكاف أيضاً واختاره ابن عطية وردّه السفاقسي بأن إضافته حقيقية لا لفظية فلا محل له، اللهم إلا أن يكون من عطف التوهم، وكونه مفعولا معه ذكره الزجاح: فقول أبي حيان رحمه الله إنه مخالف لكلام سيبويه رحمه الله فإن جعل زيداً في قولهم حسبك وزيداً درهم منصوباً بفعل مقدر أي، وكفى زيداً درهم، وهو من عطف الجمل عنده لا يضرنا وذكره الفراء في تفسيره. قوله: (فحسبك والضحاك سيف مهند) أوله: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا وفي رواية واشتجر القنا وانشقاق العصا عبارة عن التفرّق والعداوة، واشتجار القنا بمعنى اشتباك الرماج والمراد به التحام الحرب أي إذا كان الحرب والتحم القتال أو وقع الخلاف بينكم فحسبك مع الضحاك سيف هندي، وقال ابن يسعون في شرح شواهد الإيضاح. إن الضحاك يروي بالنصب والرفع والجرّ، فالرفع على أنه مبتدأ خبره سيف، وخبر حسبك محذوف لدلالة الكلام عليه أو لا خبر له لأنه في معنى الأمر اي فلتكتف والضحاك سيفك الأوثق، والنصب على أنه مفعول، وحسبك متبدأ وسيف خبره أي كافيك سيف مع صحبة الضحاك أي حضوره، وحضور هذا السف مغن عما سواه، والجرّ على أن الواو واو القسم أو بالعطف على الكاف والمعنى ليس عليه، والهيجاء الحرب. قوله: (أو الجر عطفاً على المكني الخ) أي محلة الجرّ بالعطف على المكني أي الضمير لأنه مكني به وتسميه النحاة كناية والعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ منعه البصريون، وأجازه الكوفيون وحجة المانعين أنه كجزء الكلمة فلا يعطف عليه. قوله: (أو الرفع الخ) عطفا على فاعل الصفة، وضعف في الهدى النبوي رفعه عطفا على اسم الله، وقال: إنما هو عطف على الكاف فإنّ المعنى عليه، ولا وجه له فإن الفراء والكسائي رجحاه وما قبله وما بعده يؤيده، وقوله: (كفاك الخ) بيان لحاصل المعنى لا أنه بمعنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 الفعل حتى يكون اسم فعل كما قيل، وقوله نزلت بالبيداء أي في الصحراء في سفره عحلى والقرآن منه سفرقي وحضرفي، وهل هو مكي أو مدنيّ أو واسطة الكلام فيه مشهور، وعلى القول بأنها نزلت في إسلام عمر رضي الله عنه تكون هذه الآية وحدها مكية فإنه قد يكون في السور المدنية آيات مكية ويكون في قوله في أوّل السورة مدنية تغليبا فإن كان المراد بمن اتبعك هو فمن تبعيضية، وعلى غيره هي بيانية، وقد جوّز فيه أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي كذلك أو خبر مبتدأ محذوف. قوله: (بالغ في حثهم عليه الخ) حرض بمعنى حض وحث فهو بمعنى الحث لا المبالغة فيه والمبالغة ذكرها الزجاج إذ قال تأويل التحريض في اللغة أن يحث الإنسان على شيء حتى يعلم منه أنه حارض أي مقارب للهلاك، وفي الدرّ المصون أنه مستبعد منه، وقد تبعه الزمخشري والمصنف رحمه الله، وقال الراغب الحرض يقال لما أشرف على الهلاك والتحريض الحث على الشيء بكثرة التزيين، وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض نحو قذيته أزلت عنه القذى، وأحرضته أفسدته نحو أقذيته إذا جعلت فيه القذى، ومنه تعلم وجه المبالغة فيه ونهكه المرض بمعنى أضعفه وأضناه، ويشفي مضارع أشفى على كذا إذا أشرف عليه وقاربه، وقرئ حزص من الحرص المهملى وهو ظاهر. قوله تعالى: إلى {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ} [4 / 290 {صابِرُونَ} الخ في البحر انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث أثبت قيداً في الجملة الأولى، وهو صابرون وحذف نظيره من الثانية، وأثبت قيداً في الثانية، وهو من الذين كفروا وحذفه من الأولى، ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في جملتي التخفيف، وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه، ثم ختم بقوله: {وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} مبالغة في شدة المطلوبية، ولم يأت في جملتي التخفيف بقيد الكفر اكتفاء بما قبله (قلت) هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك، وبقي عليه أنه ذكر في التخفيف بإذن الله وهو قيد لهما، وقوله والله مع الصابرين إشارة إلى تأييدهم وأنهم منصورون حتما لأنّ من كان الله معه لا يغلب، وبقي فيها لطائف فلله درّ التنزيل ما أحلى ماء فصاحته، وأنضر رونق بلاغته. قوله: (شرط في معنى الأمر الخ (أي هذه الجملة الخبرية لفظا إنشائية معنى لأن المراد ليصبرنّ الواحد لعشرة، ولذا وقع النسخ فيه لأن النسخ في الخبر فيه كلام في الأصول، وخالف الزمخشرقي إذ جعلها خبراً ووعدا لهم، فالظاهر أن يقول المصنف رحمه الله أو الوعد فإنه على الخبر كما صرّج به الشارح، وقال الإمام: الدليل على كونه بمعنى الأمر أنه لو كان خبر الزم أن لا يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين، وليس كذلك بدليل قوله: والله مع الصابرين، فإنه ترغيب على الثبات في الجهاد، وقيل عليه إنّ التعليق الشرطي يكفي فيه ترتيب الجزاء على الشرط في بعض الزمان لا في كله، ولولا ذلك لزم تحلف وعده بذلك لانتفاء الكلية، وقوله: {وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} لا يقتضي الإنشائية. (وفيه بحث الأن تعليق الغلبة على الصبر وجعله سببا لها يقتضي وجودها كلما وجد، والترغيب في الشيء يقتضي أنه قد يتخلف عنه ولذا ركب فيه وهذا أمر خطابي يكتفي فيه بمثله، ثم أن العلامة قال في الآية إشارة إلى علة غلبة المؤمنين عشرة أمثالهم من الكفار، وهي أمران أحدهما جهلهم بالمعاد حتى يقاتلون من غير احتساب كالبهائم بخلاف المؤمنين فإنهم يؤمنون بالمعاد فيقدمون على الجهاد على بصيرة طلبا للثواب، ويقاتلون بعزم صحيح وقلب قويّ، فلذا كفي القليل منهم الكثير، والثاني جهلهم بالمبدأ فيعولون على شوكتهم وقوّتهم، والمؤمنون يستعينون بالله فيستوجبون نصرته فيغلبونهم لا محالة، فأشار إلى الأوّل بقوله يقاتلون على غير احتساب، والى الثاني بقوله ويعزمون بالله اهـ. وقد أشار المصنف رحمه الله إلى جهلهم بالمبدأ بقوله جهلة بالله، وبالمعاد بقوله وباليوم الآخر فلا وجه لما قيل أنّ المصنف رحمه الله اكتفى بذكر المعاد لاستلزامه للمبدأ، وترك قوله في الكشاف كالبهائم وهو في غاية الحسن فإنّ الجزار لا يضره كثرة الغنم، وقوله بعون الله وتأييده هو معنى قوله بإذن الله إشارة إلى أنّ الأوّل مقيد به أيضا كما مرّ، وقوله تكن بالتاء في الآيتين اعتبار التأنيث اللفظي والبصريان أبو عمرو ويعقوب قرآ فإن تكن في الآية الثانية بالتأنيث لقوّته بالوصف المؤنث بقوله صابرة، وإما أن يكن منكم عشرون فبالتذكير عند الجميع إلا في قراءة شاذة عن الأعرج، فقول المصنف رحمه الله وان تكن سهو في التلاوة لأنّ أبا عمرو قرأها في قوله: {وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ} بالفاء. قوله: (بسبب إنهم جهلة بالله الخ (فقه بمعنى فهم وعلم، والمعنى أنهم لا يعتقدون أمور الآخرة فإنّ من اعتقدها وعلم أنه على الحق هان عليه الموت، كما قال عليّ كرم الله وجهه لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ، وقوله: (رجاء الثواب) مفعول له علة لثبات المؤمنين، وقوله قتلوا أو قتلوا أي إن قتلوا رجوا ثواب الغزو، وان قتلوا رجوا منازل الشهداء وثوابهم، ولأنّ من أنكر الآخرة ولم يعلم إلا هذه الدار شح بنفسه غاية الشح فجبن، ومن علم انتقاله إلى أعلى منها هانت عليه نفسه وأحب لقاء الله، وقوله: (ولا يستحقون) عطف على لا يثبتون أي لجهلهم بالله لا يثبتون، ولا يستحقون إلا الخذلان وعدم النصرة والظفر. قوله: (لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة الخ) الجمهور على انّ هذه الآية ناسخة للتي قبلها، وذهب مكيّ إلى أنها مخففة لا ناسخة كتخفيف الفطر للمسافر، وثمرة الخلاف أنه لو قاتل واحد عشرة فقتل هل يأثم أو لا، فعلى الأوّل يأثم، وعلى الثاني لا يأثم، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما، وعلى النسخ نزول هذه الآية متراخ عن نزول الأولى، قال النحرير: تقييد التخفيف بقوله الآن ظاهر، وأما تقييد علم الله ففيه خفاء، وتوضيحه أنّ علم الله متعلق بقوله الآن، أما قبل وقوعه فبأنه سيقع، وحال الوقوع بأنه يقع، وبعد الوقوع بأنه وقع، وقال الطيبي رحمه الله: معناه الآن خفف الله عنكم لما ظهر متعلق علمه تعالى أي كثرتكم الموجبة لضعفكم بعد ظهور قلتكم وقوّتكم. قوله: (وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك ثم لما كثروا خفف عنهم) تغاير الوجهين بتغاير سبب التخفيف فإن قلت كيف يستقيم هذا مع قوله: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} فإنّ التحويل من القلة إلى الكثرة يزيد القوّة لا الضعف، قلت لما كان موجب القوّة اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه لا على الكثرة كما في بدر أوجب أن يقاوم واحد منهم عشرة، ولذا علل مقابله بقوله بأنهم لا يفقهون كما عرفت، ثم لما كثروا اعتمدوا على كثرتهم بعض اعتماد كما في حنين فخفف الله عنهم بعض ذلك، وقال الإمام الكفار إنما يعوّلون على قوّتهم وشوكتهم، والمسلمون يستعينون بالدعاء والتضرّع، فلذا حق لهم النصر والظفر، وعن النصر أباذي أنّ هذا التخفيف كان للأمّة دون الرسول عشب! ، وهو الذي يقول بك أصول وبك أجول، ومن كان كذا لا يثقل عليه شيء حتى يخفف. قوله: (وتكرير المعنى الواحد الخ) أي وجوب ثبات الواحد للعشرة في الأوّل، وثبات الواحد للاثنين في الثاني، فكفاية عشرين لمائتين تغني عن كفاية مائة لألف، وكفاية مائة لمائتين تغني عن كفاية ألف لألفين، ووجهه بأنه للدلالة على عدم تفاوت القلة والكثرة فإن العشرين قد لا تغلب المائتين، وتغلب المائة الألف وأما الترتيب في المكرر فعلى ذكر الأقل ثم أكثر على الترتيب الطبيعي، فلا يرد عليه أنه لو عكس الترتيب في الآية لما كان لما ذكر وجه كما قيل. قوله: (بذكر الأعداد المتناسبة) الأعداد المتناسبة عند الحساب والمهندسين هي التي يكون الأوّل منها للثاني، والثالث للرابع أضعافاً متساوية أو جزءاً أو أجزاء بعينها وهو المراد هنا. قوله: (والضعف ضعف البدن الخ) يعني الضعف الطارئ عليهم بالكثرة الموجب للتخفيف عدم القوّة البدنية على الحرب لأنّ منهم الشيخ والعاجز ونحوه، فلو أوجب ذلك عليهم جميعا لم يتيسر لهم بخلافهم قبل ذلك، ف! نهم كانوا طائفة منحصرة معلومة قوّتهم وجلادتهم، أو المراد ضعف البصيرة والاستقامة وتفويض النصرة إلى الله فإن فيهم قوما حديث عهدهم بالإسلام ليسوا كذلك، وهذا مبني على أن الضعف بالفتح والضم بمعنى واحد فيكونان في الرأي والبدن، وقيل بينهما فرق فبالفتح في الرأي والعقل، وبالضم في البدن، وهو منقول عن الخليل بن أحمد رحمه الله وقد قرئ بهما وهو يؤيد كونهما بمعنى، وقرئ ضعفاء بصيغة الجمع، وقوله: بالنصر والمعونة يعني المراد بصحبته صحبة نصره وتأييده وإلا فهو معكم أينما كنتم. قوله: (ما كان لنبئ الخ) التنكير قراءة الجمهور والتعريف قراءة أبي الدرداء رضي الله عنه، وأبي حيوة والمراد على كل حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما نكر تلطفاً به صلى الله عليه وسلم حتى لا يواجه بالعتاب، ولذا قيل إنه على تقدير مضاف أي أصحاب النبيّءتج! هـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 صفحة ناقصة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 بدليل قوله تعالى: {تُرِيدُونَ} ولو قصد بخصوصه لقيل تريد، ولأنّ الأمور الواقعة في القصة كما سيأتي صدرت منهم لا منه صلى الله عليه وسلم، وكلام المصنف رحمه الله صريح في أنه المراد لأنه سيذكر الاستدلال بها على اجتهاد النبيّ لمجر وهو يقتضي ذلك، وتأنيث تكون لتأنيث الجمع، وقرئ أسارى تشبيها لفعيل بفعلان ككسلان وكسالى، أو هو جمع أسرى فيكون جمع الجمع. قوله: (بكثر القتل ويبالغ فيه الخ (أصل معنى الثخانة الغلط والكثافة في الأجسام، ثم استعير للمبالغة في القتل والجراحة لأنها لمنعها من الحركة صيرته كالثخين الذي لا يسيل، والحطام بالضم ما تكسر من يبسه كالهشيم من الحطم وهو الكسر، وهو يستعمل للمحقرات والعرض! ما لا ثبات له ولو جسما، ويقال الدنيا عرض حاضر أي لا ثبات لها ومنه استعار المتكلمون العرض المقابل للجوهر، ويطلق على مقابل النقد من المتاع وليس بمراد هنا، وقوله: في الأرض للتعميم. قوله تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} المراد بالإرادة هنا الرضا وعبر به للمشاكلة فلا يرد أنّ الآية تدل على عدم وقوع مراد الله تعالى، وهو خلاف مذهب أهل السنة. قوله:) يريد لكم ثواب الآخرة الخ (زاد لفظ لكم لأنه المراد وجعله مما حذف فيه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه، وسبب نيل الآخرة التقوى والطاعة، وذكر نيل لتوضيحه لا لتقدير مضافين. قوله:) وقرئ بجر الآخرة) قرأها سليمان بن جماز المدني، وخرجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره، وقدروه عرض! الآخرة فقيل إنه لا يحسن لأنّ أمور الآخرة دائمة مستمرة، فلا يطلق عليها العرض، فإن جعل مجازاً عن مطلق ما فيها فتكلف، ودفعه الزمخشرقي بأنه قدر كذلك لمشاكلة عرض الدنيا، والمراد ما قدره بعضهم من أعمال أو ثواب وهو أحد التأويلين في البيت وقيل-: إنه من العطف على معمولي عاملين مختلفين. قوله: ) قوله أكل مرئ تحسبين امرأ وشار توقد بالليل نارا) اختلف في قائله فقيل هو أبو داود وقيل حارثة ابن حمران الأيادي من أبيات منها: ودار يقول لها الرائدون ويلمّ دار الحذاقيئ دارا يصف أيام تغذيه بالنعم ئم مصيره إلى حال أنكرت عليه امرأته فأنباً ها بجهلها بمكانه، وأنه لا ينبغي أن تغتر بأمر من غير امتحانه، لكن قال: اين يعيش سيبويه رحمه الله يحمل قوله ونار على حذف مضاف تقديره وكل نارأ لا أنه حذف وقدر موجودا، وأبو الحسن يحمله على العطف على معمول عاملين فيخفض ناراً بالعطف على امرئ المخفوض بإضافة كل، وينصب ناراً بالعطف على امرأ المنصوب، وهذا من أوكد شواهده، وروي وناراً الأول بالنصب فلا شاهد فيه، وفي كامل المبرد نسبة هذا البيت إلى عدقي بن زيد، وتحسبين خطاب لامرأته لا لنفسه كما قيل، وأصل توقد تتوقد. قوله:) يغلب أولياءه الخ (من التغليب أو الغلبة لأن القوقي العزيز يكون كذلك من اتبعه فجعله كناية عن هذا المعنى بقرينة المقام، وقوله: ويخصه بها أي ما يليق بالحال اللائقة له. فإنّ للزند حليا ليس للعنق وقوله: (وخير بيته وبين المن (حيث قال ة {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [سورة محمد، الآية: 4] وقوله: (فاستشار فيهم) أي شاور أصحابه، وفيه دليل على جواز الاجتهاد بحضرته عحييه، وقول أبي بكر رضي الله عنه قومك وأهلك بالنصب على الاشتغال، أو بتقدير ارحم، وقول عمر رضي الله عنه أئمة الكفر أي رؤساء الكفر، وقوله: (مكني (أي خلج بيني وبينه، ويقال مكنته من الشيء وأمكنته منه إذا أقدرته عليه فتمكن واستمكن، والمراد الإذن والرخصة، وقوله: (لنسيب) أي قريب النسب منه، وقوله: (فلم يهو ذلك) أي لم يرضه ويحبه، وقوله: (ألين من اللين (تمثيل لطيف وفيه إشارة إلى أنه لين خير ورحمة لألين ضعف، وفي قوله: (أشدّ (دون أقسى لطف لا يخفى، وقوله: (قال الخ (بيان لوجه الشبه على حذ، وقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الآية: 59] وفي قوله: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [سورة نوح، الآية: 26] دقيقة وهي الإشارة إلى ما وقع في خلافته من تطهير أرض الحجاز من الكفرة، وقوله: (أدنى من هذه الشجرة) أي أقرب منها يراه ويشاهده، قيل والمراد به ما وقع بأحد واستشهد منهم سبعون، كما وقع في الحديث: " إن شئتم فأديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم ") 1 (كما في الكشاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 وهذا الحديث أخرجه) 1 (أحمد وابن جرير وابن مردوية عن ابن مسعود رضي الله عنه ومسلم عن ابن عباس) 2 (رضي الله عنهما بنحوه. قوله:) والآية دليل الخ) قيل إنما تدل عليه لو لم يقدر في ما كان لنبيّ لأصحاب نبيّ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر مع أن الإذن لهم فيما اجتهدوا فيه اجتهاد منه، إذ لا يمكن أن يكون تقليداً، لأنه لا يجوز له التقليد، وأما إنها إنما تدل على اجتهاد النبيئ-لمج! لا اجتهاد غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قيل، فليس بوارد لأنه إذا جاز له فلغيره بالطريق الأولى، ووجه كونه خطأ وأنه لم يقرّ عليه ظاهر من هذه القصة. قوله: (لولا حكم من الله سبق الخ) يعني المراد بالكتاب الحكم، وأنّ إطلاقه عليه لأنه مكتوب في اللوح، وذلك الحكم هو ما ذكره، وقيل: المراد لولا حكم الله بغلبتكم ونصركم لمسكم عذاب عظيم من أعدائكم بغلبتهم لكم وتسليطهم عليكم يقتلون ويأسرون وينهبون، وفيه نظر. قوله: (أو أن لا يعذب أهل بدر الخ (استشكل هذا الإمام بأنه يقتضي عدم كونهم ممنوعين عن الكفر والمعاصي، وعدم كونهم مهددين بترتب العقاب عليه، وهل هذا إلا قول بسقوط التكليف عنهم ولا يتفوّه به عاقل اص. وهذا غريب منه فإنّ هذا بعينه في حديث البخاري لا إنّ الله اطلع على أهل بدر فقال: يا أهل بدر اصنعوا ما شئتم فقد غفرت لكم ") 3 (وأما ما ذكره من سقوط التكليف فلا يصدر إلا عمن سقط عنه التيهليف، لأن معناه - 9402 من طرق عن عبيدة السلماني مرسلاَ، وهو أصح من الموصول، لمجيئه من طرق. وله علة أخرى فهناك اضطراب في المتن في ألفاظه فتارة يذكر فيه جبريل، وتارة لا يذكر. وقد قال العلامة التوربشتي كما فيإ شرح المشكاة " 4 / 251 هذا الحديث مشكل جدأ لمخالفة ما يدل على ظاهر التنزيل، ولما صح من الأحاديث أن أخذ الفداء يوم بدر كان رأياً رأوه فعوتبوأ عليه، ولو كان هناك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليه في هذه الآية اهـ باختصار. وانظر مزيد الكلام على ذلك في تفسير ابن كثير بتجريجي عند هذه الآية. ا! من حضرها من المؤمنين يغفر الله له ذنبه ويوفقه لطاعته، لأنها أوّل وقعة أعر الله بها الإسلام، وفاتحة للفتوج، والنصر من الله عليه بأن غفر له ما يصدر عنه من المعاصي لو صدرت، وملأ صدره إيمانا ووهبه ثباته إلى الموافاة، فكيف يتوهم ما ذكره، وأغرب منه ما قيل في دفعه إن هذا معنى الآية مع احتمال المعاني الأخر التي ذكروها فهو غير مقطوع به، ونظيره احتمال المغفرة بدون التوبة فكما أنّ احتمال هذه لا يوجب كونهم غير ممنوعين عن المعاصي، ولا عدم تهديدهم بالوعيد عليها كذلك احتمال هذا، وليت شعري لو كان فيما ارتكبه معنى يساوي عناءه. قوله: (أو أنّ الفدية التي أخذوها ستحل (أي تصير حلالاً لهم، وفي نسخة سيحل لهم ما استحقوا به العذاب، وما استحقوا به العذاب أخذ بالفدية قبل أن يحل لهم ثم عفى لأنه سيحل عن قريب ولم ينهوا عنه قبل ذلك، وإن كانت الفدية تعذ من الغنائم وهي لم قحل لأحد قبل، وإنما كانت توضع في مكان فما قبل منها نزلت نار من السماء أحرفته، وقوله لنا لكم أي وقع بكم. قوله: (روي الخ (أخرجه ابن جرير عن محمد بن إسحق بلفظ: " لو أنزل من السماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بق معاد لقوله: كان الإثخان في القتل أحبّ إيي ") 1 (وأخرجه ابن مردوية عن ابن عمر لكن لم يذكر فيه سعد بن معاذ، وهذا يدذ على أن المراد بالعذاب عذاب في الدنيا غير القتل مما لم يعهد، لقوله: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء} وأما أنهم يستشهد منهم بعدتهم فالشهادة لا تسمى عذإبأ. قوله: (وقيل امسكوا عن الغنائم فنزلت (أي امتنعوا من الأكل والصرف منها تزهداً لا ظنأ لحرمتها، حتى يقال إنه علم حلها مما مرّ في قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم} أسورة الأنفال، الآية: 41] الخ ولذا قيل إنه لتأكيد حلها واندراج مال الفداء في عمومها، فما غنمتم هنا إما الفدية لأنها غنيمة أو مطلق الغنائم، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية، وجعل الفاء عاطفة على سبب مقدر قد يستغنى عنه بعطفه على ما قبله لأنه بمعناه، أي لا أؤاخذكم بما أخذ من الفداء فكلوه هنيئأ مريا. قوله:) وبنحوه تشبث الخ (أي تمسك والتعبير بالتشبث الذي هو بمعنى التعلق يشعر بضعفه لأن الإباحة ثبتت هنا بقرينة أن الأكل إنما أمر به لمنفعتهم، فلا ينبغي أن يثبت على وجه تتقلب المنفعة مضرة، أي يجب عليهم فيشق. قوله: (حال من المغنوم (أي هو حال من ما الموصولة أو من عائدها المحذوف، ولذا قال من المغنوم ليشملهما، ومن قال إنه حال من العائد المحذوف فقد ضيق ما اتسع إذ لا مانع منهما، وقوله:) وفائدته (أي فائدة التقييد بقوله حلالاً، وقوله:) أو حرمتها) عطف على تلك المعاتبة، والأوّلين جمع أوّل والمراد بهم من قبلنا من الأمم هانما كان سبباً لإمساكهم لاحتمال انها حرمت ثانيا، أو أنها مكروهة لهم، فلا يقال بعدط- أحلت صريحا كيف يتوهم شيء آخر حتى يزاج.!! تنبيه: قوله عز وجل: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ} اختلف فيه على أقوال: أحدها أنه لا يعذب قوما قبل تقديم ما يبين لهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 أمرأ أو نهيا، الثاني أنه عهد أن لا يعذبهم ومحمد لمج! فيهم، الثالث أنه سبق في علمه تعالى حل الغنائم لهم، لكنهم استعجلوا قبل بيانه، فإن قلت هذه أؤل غزاة لرسول الله كج، فكيف يقال إنّ الغنائم أحلت لهم، وما في علم الله قبل البيان لا دليل فيه، قلت قال: في كتاب الأحكام أؤل غنيمة في الإسلام حين أرسل رسول الله! لى عبد الفه ابن جحش رضي الله تعالى عنه لبدر الأولى ومعه ثمانية رهط من المهاجرين رضي الله عنهم، فأخذوا عيراً لقريش وقدموا بها على النبيئ ك! رو، فاقتسموها واً قزهم على ذلك. قوله:) أنها نزلت في العباس رضي الله عنه الخ () 1 (أخرجه الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها وصححه وقيل إنها نزلت في جملة الأسارى، وهو أقرب لكونه بصيغة الجمع، وإن قيل سبب نزول الآية العباس رضي الله عنه لكنه عام، فلذا جمع لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقوله: (تركتني) أي صيرتني فقيراً أتكفف أي أسأل الناس وأمذ كفي إليهم، وكان فداء كل أسير عشرين وقية من الذهب كما فصل في الكشاف، وقوله: (ما بقيت (أي إلى آخر عمري، وأمّ الفضل زوجته كنيت بابن لها، وقوله: (في وجهي (أي في توجهي هذا، وعبد الله ومن بعده أولاده، وسواد الليل ظلمته الشديدة المانعة من الرؤية، وقول العباس رضي الله عنه: فأبدلني الله خيراً من ذلك إشارة إلى ما في قلبه من الخير وأنّ الله حقق ما وعد، وقوله. اليضرب) أي يتجر من ضرب في الأرض. قوله: (نقض ما عاهدوك الخ) هو إعطاء الفدية أو أن لا يعودوا لمحاربته ع! فه ولا إلى معاضدة المشركين وجعل الزمخشري المعهود هنا هو الإسلام ونقضه الكفر لأنها قسيم لما قبلها، والخير فيها بمعنى الإيمان كما مرّ، فالخيانة الكفر والارتداد بقرينة التقابل، وقوله: (المأخوذ بالعقل (الميثاق المأخوذ بالعقل هو ما سبق في قوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 172] على أحد الوجهين فيها، وفي نسخة بالعقد بالدال بدل اللام، والأولى أصح وان كان تأويل الثانية ما ذكر. قوله: (فأمكنك منهم (أي أقدرك عليهم، وأشار إلى أنّ مفعوله محذوف تقديره ما ذكر ولا التفات فيه، وقوله: (فإن أعادوا (الخ بيان لحاصل المعنى، واشارة إلى أن قوله فقد خانوا لازم للجزاء، وأقيم مقامه والجواب فيسمكنك منهم في الحقيقة. قوله: (أوطانهم الخ (وهم المهاجرون الأوّلون ومن يعدهم هجروا أوطانهم وتركوها لأعدائهم في الله لله، وفيها مع ذلك بذل المال والضياع والدور والكراع بالضم، الخيل والمحاويج جمع محووج بمعنى محتاج ومفرده مقدر. قوله: (في الميراث الخ (قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: آخى الرسول عشي! بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فكان المهاجريّ يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن له بالمدينة ولي مهاجرقي، ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجرفي، واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة، ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة، والولي القريب والناصر، لأن أصله في القرب المكاني، ثم جعل للمعنوي كالنسب والدين والنصرة، فقد جعل صلى الله عليه وسلم في أوّل الإسلام التناصر الديني أخوّة، وأثبت لها أحكام الأخوّة الحقيقية من التوارث، فلا وجه لما قيل إنّ هذا التفسير لا تساعده اللغة، فالولاية على هذا الوراثة المسببة عن القرابة الحكمية. قوله: (أو بالنصرة والمظاهرة) عطف على قوله في الميراث أي الولاية في الميراث كما مرّ، فتكون منسوخة أو الولاية بالنصرة، والمظاهرة أي المعاونة فتكون محكمة. قوله: (اي من توليتهم في الميراث (لم يجز هنا حمله على النصرة والمظاهرة لأنها لازمة لكل حال لكلا الفريقين، كما قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [سورة الأنفال، الآية: 72] وبهذا ظهر أنّ التفسير في الآية السابقة هو هذا، ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (وقرأ حمزة ولا يتهم بالكسر الخ (جاء في اللغة الولاية مصدراً بالفتح والكسر فقيل هما لغتان فيه بمعنى واحد، وهو القرب الحسي والمعنوي، وقيل بينهما فرق فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه، والكسر ولاية السلطان قاله أبو عبيدة، وقيل: الفتح من النصرة والنسب، والكسر من الإمارة قاله الزجاج، وخطأ الأصمعي قراءة الكسر وهو المخطئ لتواترها، واختلفوا في ترجيح إحدى القراءتين، ولما قال المحققون من أهل اللغة إنّ فعالة بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء ويجعل فيه كاللفافة والعمامة، وفي المصادر يكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 في الصناعات، وما يزاول بالأعمال كالكتابة والخياطة ذهب الزجاج وتبعه غيره إلى أنّ الولاية لاحتياجها إلى تمرد وتدوب شبهت بالصناعة، فلذا جاء فيها الكسر كالإمارة، وهذا يحتمل أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك فتكون حقيقة، ويحتمل كما في بعض شروح الكشاف أن تكون استعارة، كما سموا الطب صناعة لكنها وان كان التصرف فيها في الهيئة لا في المادة استعارة أصلية لوقوعها في المصدر دون المشتق، ومنه يعلم أن الاستعارة الأصلية قسمان ما يكون التجوّز في مادته وما يكون في هيئته، وقوله: كأنه بتوليه الخ، أي كأنّ صاحبه يزاول عملاً بتوليه أي يحاوله ويعالجه، وضمير كأنه للولي أو للشأن. قوله: (فواجب عليكم الخ) فسره به لأنّ على تدل عليه وهو مبتدأ أو خبر، وقوله وهو بمفهومه الخ لدلالة تعليق الحكم بالوصف، على أن موالاة بعض الكفار إنما تليق بالكفار، فعلى المؤمنين أن لا يوالوا إلا المؤمنين. قوله: (ألا تفعلوا ما أمرتم به الخ (وقيل: الضمير المنصوب للميثاق أو حفظه أو النصر أو الإرث، وعوده على جميعها أولى كما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل إنه للاستنصار المفهوم من الفعل، وهو تكلف وتكن تامّة فاعلة فتنة، والفتنة إهمال المؤمنين المستنصرين بنا حتى يسلط عليهم الكفار وفيه وهن للدين، وقراءة كثير بالمثلثة مروية عن الكسائي. قوله: (لما قسم المؤمنين الخ) أي إلى من آمن وهاجر، ومن لم يهاجر وأنصار، والذين حققوا الخ هم المهاجرون، والذين وقع منهم بذل المال ونصرة الحق هم الأنصار، وقوله ووعد لهم عطف على بين، وضمنه معنى ذكر فلذا عداه باللام. قوله: (لا تبعة له الخ) بيان لكرمه بأنه لا يطالب فيه ولا يمن، والإلحاق يشعر بأنهم دونهم رتبة، وهو كذلك، واختلف في قوله: (من بعد) فقيل بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية، وقيل بعد نزول هذه الآية، وقيل بعد بدر، والأصح أنّ المراد والذين هاجروا بعد الهجرة الأولى، وقوله: (من الأجانب (متعلق بقوله بأولى، وهي من التفضيلية. قوله: (في حكمه أو في اللوح الخ) لأنّ كتاب الله يطلق على كل منها، وليس المراد بالقرآن آية المواريث، لأنه لا يناسب ما بعده، بل المراد هذه الاية وفيه تأمل. قوله: (واستدل به على توريث ذوي الأرحام) لأنّ هذه الآية نسخ بها التوارث بالهجرة، ولم يفرق بين العصبات وغيرهم، فهو حجة في إثبات ميراث ذوي الأرحام الذين لا قسمة لهم ولا تعصيب، وبها أيضا احتج ابن مسعود رضي الله عنه على أنّ ذوي الأرحام أولى من مولى العتاقة، وخالفه سائر الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما يصح الاستدلال إذا لم يكن المراد بكتاب الله تعالى آيات المواريث السابقة في سورة النساء، ولذا أشار المصنف رحمه الله إلى ضعف الاستدلال المذكور. قوله: (من الموارث والحكمة في إناطتها بنسبة الإسلام) المراد أخوة المهاجرة التي كان بها التوارث، واعتبار القرابة ثانياً، أي نسخ ذلك ثم حصر التوارث في اننسب الحقيقي. قوله: (من قرأ سورة الأنفال الخ) (1) هذا الحديث موضوع من جملة الحديث المشهور الذي ثبت وضعه، (تتم) تعليقنا على سورة الأنفال، اللهم اجعلنا ببركتها ممن غنم رضاك، وفاز بجزيل عطاياك، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. سورة براءة قوله: (مدنية) أي الاتفاق إلا الآيتين المذكورتين وفي كتاب العدد للداني ما يخالفه. قوله: (وهي آخر ما نزل الخ) كما اختلف في أوّل نازل اختلف في آخره أيضا، فقيل هو هذه السورة، وقيل سورة المائدة، وآخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [سورة النساء، الآية: 176] وفي كونها آخراً مع تعلقها بالموت اتفاق عجيب، وقوله: أسماء أخر أي غير سورة براءة، وأسماؤها كلها بصيغة الفاعل إلا البحوث بفتح الباء، فإنه صيغة مبالغة بمعنى اسم الفاعل، وقد ذكر المصنف رحمه الله معناها، ووجه التسمية بها على اللف والنشر بقوله- لما فيها الخ، وسكت عن التصريح بتعليل التسمية بالمبعثرة كما قيل وليس كذلك لأنها بمعنى المثيرة كما يشير إليه كلامه من تدبر، وعن المنقرة والتسمية بسورة العذاب لفهم الأؤل من تعليل التسمية بالبحوث والمثيرة، والثاني من تعليلها بالمدمدمة. قوله: (لما فيها من التوبة الخ) بيان لوجه التسمية بما ذكر، وأشار بما فيها من التوبة إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 قوله تعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} إلى قوله: {عَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} [سورة التوبة، الآية: 118] والقشقشة معناها التبرئة وهي مبرئة من النفاق، وهو وجه تسميتها بالمقشقشة، ولو قال التبرئة وأطلقها لكان أظهر وأولى، والبحث التفتيش وهو وجه تسميتها بالبحوث، والمنقرة أيضاً لأنّ التنقير في اللغة البحث والتفتيش، واثارتها أي إخراج تلك الحال من الخفاء إلى الظهور وهو وجه تسميتها مبعثرة ومثيرة، وقوله: (والحفر عنها) بمغنى البحث عنها إنجازاً وهو وجه تسميتها الحافرة، وما يخزيهم بالخاء المعجمة والزاي، وما يفضحهم وجه تسميتها المخزية والفاضحة، وينكلهم أي يعاقبهم ويشرد بهم، أي يطردهم ويفرقهم وجه المنكلة والمشردة ويدمدم عليهم أي يهلكهم وجه المدمدمة، وعلم منه أو من التنكيل وجه تسميتها سورة العذاب، وليس في السور أكثر أسماء منها، ومن الفاتحة. قوله: (وإنما تركت التسمية فيها لأنها نزلت لرفع الأمان الخ) أشار إلى وجه ترك كتابة البسملة في هذه السورة والتلفظ بها دون غيرها، وللسلف فيه أقوال ثلاثة: أصحها هذا، ولذا قدمه ولم يصدره بقيل، وقيل: لأنها مع الأنفال سورة واحدة، والبسملة لا تكتب في خلال السور، وقيل: لأنه لم يعين محلها ولم يبين أنها سورة مستقلة، واختلفت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في ذلك، كما سيأتي ووجه ما اختاره أمّا رواية فلأنه مرويّ عن عليّ رضي الله عنه، وأما دراية فلأنّ تسميتها بما مرّ يقتضي أنها سورة مستقلة، وتعليل التسمية لا ينافي ا! التسمية توقيفية لأنه بيان لوجه التوقيف، ولأنّ ترتيب السور والآيات ثابت بالوحي. قوله: (وقيل كان النبتي صلى الله عليه وسلم) (1 (هكذا رواه أبو داود وحسنه والنسائيّ وابن حبان، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي الكشاف سأل عن ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت عليه السورة أو الآية، قال: " اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا) (2 (وتوفي رسول اللهءلجيييه ولم يبين لنا أين نضعها، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فلذلك قرنت بينهما وكانتا تدعيان القرينتين يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يبين موضع السورة ولم يبين ههنا، وكانت القصتان متشابهتين فلم يعلم أنّ هذه كالآيات من الأنفال فتوصل بها، كالآية بالآية أو سورة مغايرة لها ليفصل بينهما بالتسمية، فقرن بينهما بلا تسمية، كما تقرن الآية بالآية وهذا يقتضي أنّ ترتيب السور توقيفي كما قيل. قوله: (وقيل لما اختلقت الصحابة رضي الله عنهم الخ) فترتيبها على هذا القول معلوم بتوقيف منه تج! ييه، ولكن التردّد في كونها سورة أو بعض سورة فروعي الجانبان بالفصل بينهما وترك إثبات البسملة، وهذا هو الفرق بينه وبين ما قبله، ولم يذكر القول بأنها سورة واحدة جزما كما في الكشاف، إذ يلزم ترك الفرجة بينهما والطول بالضم كصرد وهي من البقرة إلى الأعراف، والسابعة سورة يونس أو الأنفال وبراءة على القول بأنهما سورة واحدة كذا في القاموس، ووقع في نسخة الطوال والمصحح هو الأوّل. (أقول (هذا زبدة ما في الحواشي، وقال السخاوي رحمه الله في جمال القراء: إنه اشتهر تركها في أوّل براءة، وروي عن عاصم رحمه الله التسمية في أوّلها وهو القياس لأنّ إسقاطها إما لأنها نزلت بالسيف أو لأنهم لم يقطعوا بأنها سورة مستقلة، بل من الأنفال ولا يتم الأوّل لأنه مخصوص بمن نزلت فيه، ونحن إنما نسمي للتبرك ألا ترى أنه يجوز بالاتفاق بسم الله الرحمن الرحيم وقاتلوا المشركين الآية ونحوها، فإن كان الترك لأنها ليست مستقلة فالتسمية في أوّل الأجزاء جائزة، وروي ثبوتها في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه فليس مخالفاً للمصاحف، وذهب ابن منادر إلى قراءتها وفي الإقناع جوازها، فقول الجعبري رحمه الله: إن كان ما قال السخاوي نقلا فمسلم والا فلا الخ لا وجه له، والمعول عليه الأوّل إلا أنه لم يفهم المراد منه لأنّ المراد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أن ينادي بها فهي كالأوامر الشرعية، ومثله لا يبدأ بها، وأما حكمها شرعا فهو استحباب تركها، وأما القول بحرمتها ووجوب تركها كما قاله بعض مشايخ الشافعية فالظاهر خلافه. قوله: (ابتدائية متعلقة بمحذوف الخ) أما كونها ابتدائية فلمقابلتها بإلى، وأما تعلقها بمحذوف وكونها غير صلة لبراءة فلفساد المعنى فيه والتبري من الله ورسوله! هـ، ومن جوّزه هنا فقد وهم وقدّروا صلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 دون حاصله لتقليل التقدير لأنه يتعلق به إلى هنا أيضاً، ومن غفل عنه قال: يجوز أن يكؤفى ظرفاً مستقزاً بتقدير حاصلة، وعلى كون إلى الذين خبرا يقدر له متعلق آخر، وقراءة النصب قرأ بها عيسى بن عمر وهي منصوبة باسمعوا أو بالزموا على الإغراء، وقوله برئا الخ إشارة إلى أن فيه معنى التجدّد والحدوث، وفي الكشاف وقرأ أهل نجران من الله بكسر النون، والوجه الفتح مع لام التعريف لكثرته اهـ وقوله والوجه الفتح حقه أن يقول والقراءة لأنّ اله! مر لالتقاء الساكنين أو لاتباع الميم قراءة شاذة. قوله: (وإنما علقت البراءة الخ (لما كان حق البراءة أن تنسب إلى المعاهد قال في الكشاف: فإن قلت لم علقت بالبراءة بالله ورسوله، والمعاهدة بالمسلمين، قلت قد أذن الله في معاهدة المشركين أوّلاً، فاتفق المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم، فلما نقضوا العهد أوجب الله تعالى النبذ إليهم، فخوطب المسلمون بما تجدّد من ذلك، فقيل لهم اعلموا أن الله ورسوله لمجر قد برئا مما عاهدتم به المشركين. اهـ وحاصله كمافي الكشف إن عاهدتم إخبار عن سابق صدر من الرسول ىلمج! والجماعة، فنسب إلى الكل كما هو الواقع، وان كان بإذن من الله أيضاً لقوله {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [سورة الأنفال، الآية: 61] والثاني إخبار عن حادث فكيف ينسب إليهم وهم لم يحدثوه بعد وإنما يسند إلى من أحدثه، وفي الانتصاف أن سر ذلك أنّ نسبة العهد إلى الله ورسوله جميد في مقام نسب فيه النبذ إلى المشركين لا يحسن أدبا ألا ترى إلى وصية رسول الله عشحر لأمراء السرايا إذا قال لهم: " إذا نزلتم بحصن فطلبوا النزول على حكم الله فانزلوهم على حكمكم فاثكم لا تدرون أصادفتم حكم الله فيهم أو لا، وإن طلبوا ذمة الله، فأنزلوهم على دينكم فلأن تخفر ذمتكم خير من أن تخفروا ذمة الله " (1 (فانظر إلى أمره صلى الله عليه وسلم بتوقير ذمة الله مخافة أن تخفر وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع، فتوقير عهد الله وقد تحقق من المشركين النكث، وقد تبرأ منه الله ورسوله بأن لا ينسب العهد المنبوذ إلى الله أحرى وأجدر، وفلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه هذا وجه التخصيص الذي في الكشاف وشروحه، وأما ما ذكره المصنف رحمه الله فقيل عليه إنه لم يعلم منه وجه تعليق المعاهدة بالمسلمين، ويجوز أن يجاب بأنّ تعليقها بهم لا يحتاج إلى ذكر وجه لظهور صدورها منهم، وإنما المحتاج إليه تعليق البراءة بالله ورسوله، وان كانت الواو في قوله والمعاهدة بالمسلمين للحال دون العطف فلا غبار عليه، ويجوز أن يقال يستفاد وجهه أيضا من قوله وان كانت صادرة بإذن الله حيث دذ على أنّ المعاهدة لم تكن واجبة بل مباحة مأذونة فنسبت إليهم بخلاف البراءة فإنها واجبة لإيهابه تعالى، فلذا نسبت للشارع وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في هذا فتدبر. وقيل: ذكر الله للتمهيد كقوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة الحجرات، الآية: ا] تعظيما لشأنه صلى الله عليه وسلم ولولا قصد التمهيد لأعيدت من كما في قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ} وإنما نسبت البراءة إلى الرسولءكييه والمعاهدة لهم لشركتهم في الثانية دون الأولى، ولا يخفى ما فيه فإنّ من برىء منه الرسول صلى الله عليه وسلم تبرأ منه المؤمنون، وما ذكره من إعادة الجار ليس بلازم، وما ذكره من التمهيد لا يناسب المقام، ولك أن تقول أنه إنما أضاف العهد إلى المسلمين لأنّ الله علم أن لا عهد لهم، وأعلم به رسوله مجفلذا لم يضف العهد إليه لبراءته منهم ومن عهدهم في الأزل، وهذا نكتة الإتيان بالجملة اسمية خبرية وان قيل إنها إنشائية للبراءة منهم، ولذا دلت على التجدد فتأمّل. قوله. (وذلك أنهم عاهدوا الخ (فالمعاهدة عامة وقيل إنها خاصة ببعض القبائل، وقوله: (وأمهل المشركين) عدل عن الإضمار الواقع في الكشاف، لأن تلك المهلة كانت عامة للناكثين وغيرهم كما قيل، وقوله: (ليسيروا أين شاؤوا (التعميم مأخوذ من السياحة، وأصلها جريان الماء وانبساطه ثم استعملت للسير كما قال طرفة: لوخفت هذامنك ماتنثني حتى ترى خيلا أهامي تسيح قوله: (شوّال) جره على البدلية من أشهر، وقيل على المجاورة الأولى نصبه بيان لأربعة أشهر وفيه اختلاف، فقيل إن براءة نزلت في شوّال فتكون تلك الأربعة من شوّال إلى المحرّم، وقيل إنها وان نزلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 في شوّال إلا أنّ تبليغها في زمن الحج فتكون الأربعة من عشر ذي القعدة، وقوله: (فسيحوا) بتقدير القول أي فقل لهم سيحوا أو بدونه وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب، والمقصود أمنهم من القتل في تلك المدّة وتفكرهم واحتياطهم، ليعلموا أنهم ليس لهم بعدها إلا السيف، وليعلموا قوّة المسلمين إذ لم يخشوا استعدادهم لهم، وقوله: (لما روي الخ) قال الحفاظ: إنه ملفق من عدة أحاديث، بعضها في مسند أحمد عن علي رضي الله عنه (1 (، وبعضها في الصحيحين عن أبي هريرة (2 (رضي الله عنه، وبعضها في دلائل البيهقي عن ابن عباس (3 (رضي الله عنهما، وبعضها في تفسير ابن مردوية عن أبي سعيد الخدري) 4 (رضي الله عنه، والعضباء بعين مهملة وضاد معجمة وباء موحدة ممدود من النوق المشقوفة الأذن، ومن الشيا. المشقوقة الأذن أو المكسورة القرن، وهو لقب ناقة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولم تكن عضباء كما في شروح الكشاف. وإنما أرسله صلى الله عليه وسلم على ناقته ليحقق أن رسالته منه، والموسم زمان الحج وأمير الموسم أمير الحاج المنصوب من قبل الأمام، وقوله: (رجل مني (أي قريب مني نسباً، وذلك بوحي كما في حديث في الدر جرياً على عادة العرب، وقوله: فلما دنا أي قرب من أبي بكر رضي الله عنه، والرغاء بالمد صوت الإبل، وقوله: (أمير أو مأمور) رأى أرسلك النبيئ كير لتكون أميراً مكاني أو لأنك مأمور بأمر آخر، والتروية سقي الماء بقدر ما يزيل العطش، ويكون بمعنى التفكر، ولذا قيل: إنه سمي به اليوم الثامن من ذي الحجة لأنهم كانوا يسقون إبلهم قيه، ولأنّ إبراهيم كي! تروّى وتفكر فيه في ذبح إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والآيات التي قرأها عليّ رضي الله عنه من أوّل هذه السورة. قوله ة (أمرت بأربع الخ) أي بأن أخبر بها منادياً، وكأن العلم بأنه لا يدخل الجنة كافر لم يكن حاصلاً للمشركين قبل ذلك، أو المراد أنه لا يقبل منهم بعد ذلك إلا الإيمان أو السيف، قال الطيبي رحمه الله: فهو من باب لا أرينك ههنا، أي أمرت بأن أنادي بأن يتصفوا بما يستعدوا به أن يكونوا أهلا للجنة إذ لا يقبل منهم سوى هذا أو إخبارهم بأنّ عداوة المؤمنين للكفرة ومفارقتهم لهم ثابتة في الدنيا والآخرة وأن يتم مجهول، وتمام العهد تكميل زمانه كما في قوله تعالى: {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} . قوله: (ولعل قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤذي عني إلا رجل مني (أي لا يبلغ عني نبذ العهد إلا رجل من أقربائي جواب عن استدلال الرافضة بهذا على إمامة عليئ كرّم الله وجهه وتقديمه على أبي بكر رضي الله عنه بأنه جار على عادة العرب في ذلك لئلا يحتجوا وهل كان ذلك بوحي جاء به جبريل عليه الصلاة والسلام، أولاً فيه قولان وتقدم ما فيه، وقوله: (ويدل الخ الأنه خصه بالعهد المشار إليه بهذا وعشيرة الرجل نسله ورهطه الأدنون، وأخرج هذه الرواية أحمد والترمذي عن أنس (1 (رضي الله عنه وحسنه، وقوله: (لا تفوتونه) مر بيانه، وقوله: (بمعنى الأفعال (أي الإيذان، وقوله:) على الوجهين) أي خبر مبتدأ أو مبتدأ ومتعلق من كما مرّ أيضاً. قوله:) يوم الحج اكبر) منصوب بما تعلق به إلى الناس لا بأذان لأنّ المصدر الموصوف لا يعمل. قوله: (يوم العيد الخ) بيان لوجه التسمية ووصفه بأنه أكبر، ومعظم أفعاله الحلق والرمي والطواف، وهذا وجه المعقول والمنقول أنّ الأعلام كان فيه، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صرّج بتسميته به كما سيأتي، وهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي عن عبد الرحمن بن يعمر) 1 (ولكونه أقوى رواية ودراية قدمه وهذا أكثر باعتبار الكمية، ووقوف عرفة باعتبار الكيفية لأنه أعظم أركانه التي لا تتم بدونه فلا منافاة بينه وبين ما سيأتي، وقوله: (الحج عرفة) (2 (حديث صحيح أي معظمه وقوف عرفة. قوله: (ووصف الحج باكبر الخ (أي اتصافه بالأكبرية إمّا بالنسبة لغير أعماله كما مما مرّ أو بالنسبة إلى العمرة لأنها الحج الأصغر وهما على الوجهين، وقوله: (أو لآنّ ذلك الحج الخ) فيكون التفضيل مخصوصاً بتلك السنة، وعلى ما قبله شاملى لكل عامّ، وكذا في الوجه الذي بعده مختص بذلك العامّ، وأمّا تسمية الحج الموافق يوم عرفة فيه ليوم الجمعة باكبر فلم يذكروه، وان كان ثوابه زيادة على غير. كما نقله السيوطي في بعض رسائله، وقال بعض علماء العصر في الحج الأكبر أقوال أحدها أنه كان يوم عرفة يوم جمعة، والثاني أنه القرآن، والثالث أنه الحج مطلقا، والأصغر العمرة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 ولا تعارض! بين الأقوال لأنهما أمران نسبيان فلا وجه لإنكاره. توله: (أي بأنّ الخ) هذا على قراءة الفتح يكون بتقدير حرف جرّ لاطراد حذفه مع أنّ وأن والجارّ والمجرور متعلق بمحذوف هو صفة المصدر أو به نفسه لأنه المعلم به، ورسوله بالرفع عطف على الضمير المستتر في برىء للفصل بينهما أو مبتدأ محذوف الخبر أي ورسوله كذلك. قوله: (في قراءة من كسرها الخ) لأنّ المكسورة لما لم تغير المعنى جاز أن تهقدر، كالعدم فيعطف على محل ما عملت فيه أي على محل كان له قبل دخولها لأنه كان مبتدأ هذا في القراءة الشاذة بالكسر، وأما على فتحها في قراءة العامّة فغير جائز لأن المفتوحة لها موضع غير الابتداء بخلاف المكسورة، وقال ابن الحاجب: إن المفتوحة على قسمين ما يجوز فيه العطف على محلها، وما لا يجوز فالذي يجوز أن تكون في معنى المكسورة كالتي بعد أفعال القلوب نحو علصت أن زيداً قائم وعمرو لأنها لاختصاصها بالدخول على الجمل في معنى إنّ زيداً قائم وعمر، وفي علمي، ولذا وجب الكسر في نحو علصت أنّ زيداً لقائم، والأذان بمعنى العلم فيدخل على الجمل أيضاً كعلم، وفي غير ذلك لا يجوز نحو أعجبني أنّ زيداً كريم وعمرو فلا يجوز فيه إلا النصب لأنها ليست مكسورة ولا في حكمها، والنحويون لم يتنبهوا لهذا الفرق، والمصنف رحمه الله بنى كلامه على المشهور، فلذا قيد العطف على المحل بقراءة الكسر وهي قراءة الحسن والأعراح، والمحل قد يجعل لاسم إنّ لأنها في حكم العدم ولأنّ المعرب هو الاسم، وقد يجعل المحل لها مع اسمها وكلاهما واقع في كلام النحاة ولكل وجهة. قوله: (إجراء للأذان مجرى القول الأنه في معناه فيحكي به الجمل، وهو أحد مذهبين مشهورين، والآخر يقدر القول فيه، وفي أمثاله لاختصاص الحكاية به وقراءة النصب بالعطف على اسم أنّ وهو الظاهر أو جعله مفعولا له والواو بمعنى مع. قوله: (ولا تكرير فيه) أي لا تكرير في ذكر براءة الله ورسوله مع ذكرها أوّلاً لأنّ تلك إخبار بثبوت البراءة، بمعنى هذه براءة ثابتة من الله ورسوله في علمه تعالى، فأخبرهم بثبوت ذلك في علمه، وقوله: (وأذان الخ) إخبار منه تعالى لأولئك المخاطبين واجب التبليغ لقوله: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ} [سورة الأنفال، الآية: 58] فوجب تبليغه لكافة الناس في ذلك اليوم المخصوص بما ثبت في حكمه تعالى من تلك البراءة، ولذا خص الأوّل المعاهدين وعم هذا سائر الناس، وقوله من الكفر والغدر بنقض العهد، وقوله:) فالتوب (أي الضمير للمصدر المفهوم من تبتم كاعدلوا هو، وفوله عن التوبة أي إن كان متعلق التولي التوبة فظاهر، وان كان الإسلام ووفاء العهد والتولي عنه كان منهم قبل ذلك، فالمراد بتوليتم ثبتم على التولي. قوله: (لا يفوتونه طلباً الخ (طلباً وهربا منصوب بنزع الخافض أي في طلبه، وفي هربكم أو حال بمعنى طالبين وهاربين، وأعجزه كما مرّ في الأنفال بمعنى فاته وسبقه، وبمعنى وجده عاجزاً وإلى المعنيين أشار المصنف رحمه الله، فإلى الأوّل أشار بقوله لا يفوتونه طلبا، هالى الثاني بقوله ولا تعجزونه هرباً أي لا تجدونه عاجزاً عن ادراككم إذا هربتم، وقيده بقوله في الدنيا لمقابلته بعذاب الآخرة المذكور بعده وقوله: وبشر الخ تهكم، وترك المصنف رحمه الله قراءة الجرّ في ورسوله المنسوبة إلى الحسن فإنها لم تصح، وأن وجهت بأنّ الجرّ لثجوار أو الواو والقسم وقصة الأعرابي ورفعها إلى عمر رضي الله عنه تقتضي عدم صحتها. قوله: (استئناء من المشركين الخ) اختلفوا في هذا الاستثناء هل هو منقطع أو متصل من المشركين الأوّل أو الثاني، أو من مقدّر تقديره اقتلوا المشركين إلا المعاهدين منهم، أو من قوله: (فسيحوا (وهو الذي اختاره الزمخشريّ لما سيأتي، وقول المصنف رحمه الله استثناء من المشركين إشارة إلى الأوّل لكنه مبهم، وقوله أو استدرك أي استثناء منقطع إشارة إلى الوجه الآخر، وسما. استدراكا لأنه يقدر بلكن، قيل: إذا جعل في محل نصب على أنه استثناء من المشركين لزم أن لا يكون الله ورسوله بريآن من هؤلاء المشركين الذين لم ينقضوا عهودهم حتى أمر المسلمون أن يتموا عهودهم، وهو على ظاهره غير مستقيم لأن الله ورسوله بريآن من المشركين نقضوا عهودهم أو لم ينقضوا، فالوجه أن يكون استثناء من قوله فسيحوا لأنّ المعنى براءة من الله ورسوله إلى المشركين المعاهدين، فقولوا لهم سيحوا في الأرض أربعة أشهر فقط، إلا الذين عاهدتموهم ولم ينقضوا عهدهم فاتموا إليهم عهدهم، والحاصل أنّ هنا جملتين يمكن أن يعلق بهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 الاستثناء جملة البراءة، وجملة الإمهال، لكن تعليق الاستثناء بجملة البراءة يستلزم البراءة عن بعض المشركين، فتعين تعلقه بجملة الإمهال أربعة أشهر لأنهم يمهلون وان زادت مدّتهم على أربعة أشهر، والذي يفهم من كلام الزمخشري أن الاستثناء منقطع بمعنى لكن حملا للذين عاهدتم على المشركين ولا ضرورة فيه، بل اللفظ عام والاستثناء مخصص له بهم اهـ. وهذا وارد على ما اختاره المصنف رحمه الله مع ما فيه من تخلل الأجنبي بين المستثنى والمستثنى منه أيضا، وأجيب عنه بأنّ مراده أنه استثناء من المشركين، الثاني دون الأوّل ولا يلزم تخلل الفاصل الأجنبيّ وهو ظاهر، وحديث المنافاة لا وجه له، لأنّ المراد بالبراءة البراءة عن عهودهم كما صرّح به المصنف رحمه الله لا عن أنفسهم، ولا كلام في أنّ المعاهدين الغير الناكثين ليس الله ورسوله بريئين من عهودهم، وان برئا عن أنفسهم، وليس هنا ما ينافي هذا فيكون هذا قرينة على أن البراءة الأولى عن العهود مقيدة لا مطلقة فتأثل. قوله: (أو استدراك وكأنه قيل لهم الخ) أي استثناء منقطع قيل فيكون قوله من المشركين في الموضعين عمل عمومه ثم يخص بالاستدراك، وبكون الذين مبتدأ، وقوله فأتموا خبره والفاء لتضمنه معنى الشرط لا جواب شرط مقدّر، وأورد على المصنف رحمه الله أمران، الأوّل أن المراد بالذين عاهدتم الناكثون كما صرّح به المصنف رحمه الله، فكيف يجوز أن يكون الاستثناء متصلاَ من المشركين وهو السرّ في جعله استثناء من قوله: {فَسِيحُواْ} وتخصيصه في الأوّل دون الثاني خلاف الظاهر، الثاني أنّ المراد به ناس بأعيانهم فلا يكون عاماً حتى يشبه الشرط، وتدخل الفاء في خبره وأجيب بأنا لا نسلم أنه خاص وكلام المصنف رحمه الله غير صريح فيه، لقوله: وأمهل المشركين فإنه صريح في العموم كما مرّ، وبأنّ زيادة الفاء في خبره على مذهب الأخفش فإنه لا يشترط ما ذكر. قوله:) من شروط العهد الخ (الجمهور على قراءة ينقصوكم بالصاد المهملة وهو متعدّ لواحد فشيئا مصدر أي شيئا من النقصان لا قليلاً ولا كثيراً، وقرأها عطاء وغيره بالضاد المعجمة على تقدير مضاف أي ينقضوا عهدكم، قال الكرماني رحمه الله: وهي مناسبة للعهد إلا أنّ قراءة العامّة أوقع لمقابلة التمام، ومن تبعيضية ويجوز أن تكون بيانية، وقوله: ولم ينكثوه يناسب قراءة الأعجام، ويظاهروا بمعنى يعاونوا، وقوله قط إشارة إلى عموم شيئاً. قوله: (تعليل وتنبيه الخ) يعني أن قوله إنّ الله يحب المتقين وارد على سبيل التعليل لأن التقوى وصف مرتب على الحكمين، أعني قوله: {فَسِيحُواْ} وقوله: {فَأَتِمُّواْ} ومضمونها عدم التسوية بين الغادر والوافي. وقوله: إلى تمام مدتهم إشارة إلى تقدير مضات لأنّ مدتهم لا يصح أن تكون غاية، بل الغاية آخرها وهو المراد بالتمام، لأنه ما يتم به الشيء وهو جزؤه الأخير، وقيل المدة بمعنى آخرها وهو تكلف، وأتموا بمعنى أدّوا ولذا عدى بإلى. قوله: (1 نقضى وأصل الانسلاخ الخ) قال أبو الهيثم: يقال أهللنا شهر كذا أي دخلنا فيه فنحن نزداد كل ليلة منه لباسا إلى نصفه، ثم نسلخه عن أنفسنا جزءاً جزءاً حتى ينقضي فينسلخ وهي استعارة حسنة وأنشد: إذا ما سلخت الشهرأهللت مثله كفى قاتلاً سلخ الشهور واهلالي ومثل انسلخ انجرد وسنة جرداء تامّة، والسلخ يستعمل تارة بمعنى الكشط كسلخت الإهاب عن الشاة أي نزعته عنها، وأخرى بمعنى الإخراج كسلخت الشاة عن الإهاب أي أخرجتها منه واطلاق الانسلاخ على الأشهر استعارة من المعنى الأوّل، فإن الزمان ظرف محيط بالأشياء كالإهاب، والمصنف رحمه الله جعله من الثاني كأنه لما انقضى أخرج من الأشياء الموجودة كذا قيل. قوله:) التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها الخ (في الدر المصون يجوز أن تكون الألف واللام للعهد، فالمراد بهذه الأشهر الأربعة المتقدمة، والعرب إذا ذكرت نكرة ثم أرادت ذكرها ثانيا أتت بالضمير أو باللفظ معرفا بأل، ولا يجوز أن تصفه حينئذ بصفة تشعر بالمغايرة، فلو قيل رأيت رجلا فأكرمت الرجل الطويل لم ترد بألثاني الأوّل، وان وصفته بما لا يقتضي المغايرة جاز، كقولك فأكرمت الرجل المذكور، ومنه هذه الآية فإنّ الأشهر قد وصفت بالحرم، وهو صفة مفهومة من فحوى الكلام فلا تقتضي المغايرة، ويجوز أن يراد بها غير الأشهر الحرم المتقدّمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 فلا تكون أل للعهد والوجهان منقولان في التفسير اهـ والمصنف رحمه الله اختار القول الأوّل، ويكون ذكر فيه حكم الناكثين بعد التنبيه على إتمام مدة من لم ينكث، فلا يرد عليه ما قيل إنها تسعة أشهر لبني كنانة وأربعة أشهر لسائر المعاهدين المذكورة في قوله تعالى: {فَسِيحُواْ} الخ ومن قال هي التي أبيح للناكثين الخ، فقد غفل لعموم الحكم لبني كنانة. قوله: (وهذا مخل بالنظم مخالف للأجماع الخ (لأنه يأباه ترتبه عليه بالفاء فهو مخالف للسياق الذي يقتضي توالي هذه الأشهر، ومخالفته للإجماع لأنه قام على أنّ الأشهر الحرم يحل فيها إلقتال، وأن حرمتها نسخت، وعلى تفسير بها يقتضي بقاء حرمتها، ولم ينزل بعدما ينسخها ورد بأنه لا يلزم أن ينسخ الكتاب بالكتاب بل قد ينسخ بالسنة كما تقرّر في الأصول، وعلى تقدير لزومه كما هو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه يحتمل أن يكون ناسخة من الكتاب منسوخ التلاوة، ولا يخفى أن هذا الاحتمال لا يفيد ولا يسمع لأنه لو كان كذلك لنقل والنسخ لا يكفي فيه الاحتمال، وقيل إنّ الإجماع إذا قام على أنها منسوخة كفى ذلك من غير حاجة إلى نقل سنده إلينا، وقد صح أنه-لمجييه حاصر الطائف لعشر بقين من المحرم، وكما أنّ ذلك كاف في نسخها يكفي لنسخ ما وقع في الحديث الصحيح، وهو: " إنّ الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والآرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ") 1 (، فلا يقال إنه يشكل علينا لعدم علم ما ينسخه كما توهم، فإن قلت هل نسخ القرآن بالإجماع قلت نعم، قال: في النهاية شرح الهداية تجوز الزيادد على الكتاب بالإجماع صزج به الإمام السرخسيّ. وقال فخر الإسلام إن النسخ بالإجماع جوّزه بعض أصحابنا بطريق أن الإجماع يوجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت به النسخ والإجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، ويجوز النسخ بالخبر المشهور فبالإجماع أولى، وأمّا اشتراط حياة النبىّ - صلى الله عليه وسلم - في جواز النسخ فغير مشروط على قول ذلك البعض اهـ وأنت تعلم أن فيه اختلافاً عندنا فلا يصح جوابا عن كلام الشافعية كما قيل، إلا إذا نقل عنهم القول به مع أن في الإجماع كلاما ولم يعتد بمن خالف في بقاء حرمتها هنا فلا يخالف ما سيذكره من أن نسخ حرمتها مذهب الجمهور، ولك أن تقول مغ القتال في الأشهر الحرم في تلك السنة لا يقتض ي منعه في كل ما شابهها بل هو مسكوت عنه فلا يخالف الإجماع، ويكون حله معلوما من دليل آخر. قوله: (وأسروهم الخ) قيل المراد بالأسر الربط لا الاسترقاق فإن مشركي العرب لا يسترقون، ولذا لم يفسر الحصر بالتقييد كما في الكشاف لئلا يتكرّر، وقيل المراد إمهالهم للتخيير بين القتل والإسلام، وقيل: هو عبارة عن أذيتهم بكل طريق ممكن، وقوله: يتبسطوا في البلاد أي ينتشروا في البلاد ويخلصوا منكم. قوله: (وانتصابه على الظرف الخ (قيل ذكر هذا الزجاج وتبعه غيره، وتد رذه أبو عليّ رحمه الله بأنّ المرصد المكان الذي يرصد فيه العدوّ فهو مكان مخصوص لا يجوز حذف في منه، ونصبه على الظرفية إلا سماعا، وردّه أبو حيان رحمه الله بأنه يصح انتصابه على الظرفية لأن اقعدوا ليس المراد به حقيقة القعود بل المراد به ترقبهم وترصدهم، فالمعنى ارصدوهم كل مرصد يرصد فيه، والظرف مطلقاً ينصبه بإسقاط في فعل من لفظه أو معناه نحو جلست وقعدت مجلس الأمير، والمقصور على السماع ما لم يكن كذلك وكل، وان لم تكن ظرفاً لكن لها حكم ما تضاف إليه لأنها عبارة عنه، وجوّز في الانتصاف أن يكون مرصداً مصدراً ميميا فهو مفعول مطلق وهو بعيد، وقيل إنه منصوب على نزع الخافض، وأصله على كل مرصد أو بكل مرصد فلما حذف على أو الباء انتصب، وهو غير مقيس خصوصا على فإنه يقل حذفها حتى قيل إنه مخصوص بالشعر كما قاله أبو حيان. قوله: (فدعوهم ولا تتعرّضوا لهم بشيء (أي القتل وما معه، وهذا على جميع ما مرّ من تفسيره، وجعله في الكشاف كناية عن الإطلاق على تفسير الحصر بالتقييد أو عدم التعرّض إن فسر بالحيلولة بينهم وبين المسجد الحرام، وتخلية السبيل في كلام العرب كناية عن الترك كما في قول جرير: خل السبيل لمن يبني المنار به ثم يراد منه في كل مقام ما يليق به. قوله: (وفيه دليل على أنّ تارك الصلاة الخ) قد أجاد المصنف رحمه الله هنا كل الإجادة إذ ساق كلامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 على وجه يشمل مذهب الشافعيّ رضي الله عنه في قتل تارك الصلاة، ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في حبسه، وان كان جعله قرين الزكاة يقرب مذهب أبي حنيفة، ولعل المصنف رحمه الله إنما سلك هذا المسلك لأن في قتله كلاماً في مذهبهم، وقال الشافعيئ رضي الله عنه إنه تعالى أباج دماء الكفار بجميع الطرق والأحوال، ثم حرّمها عند التوبة عن الكفر وإقام الصلاة وايتاء الزكاة فما لم يوجد هذا المجموع يبقى إباحة الدم على الأصل فتارك الصلاة يقتل، ولعل أبا بكر رضي الله عنه استدل بهذه الآية على قتال مانعي الزكاة، وإنما خصا من بين الفرائض لأن إظهارهما لازم، وما عداهما بعسر الاطلاع عليه، وقد أورد المزني رحمه الله من الشافعية على قتل تارك الصلاة تشكيكا تحيروا في دفعه كما قاله السبكي في طبقاته فقال إنه لا يتصوّر لأنه إما أن يكون على ترك صلاة قد مضت أو لم تأت، والأوّل باطل لأن المقضية لا يقتل بتركها، والثاني كذلك لأنه ما لم يخرج الوقت فله التأخير فعلام يقتل، وسلكوا في الجواب عنه مسالك الأوّل إنه وارد على القول بالتعزير والضرب والحبس فالجواب الجواب، وهو جدليّ، الثاني أنه على الماضية لأنه تركها بلا عذر ورذ بأن القضاء لا يجب على الفور، وبانّ الشافعي رضي الله عنه قد نص على أنه لا يقتل بالمقضية مطلقا، ومذهب أصحابه أنه لا يقتل بالامتناع عن القضاء والثالث أنه يقتل للمؤداة في آخر وقتها، ويلزمه أنّ المبادرة إلى قتل تارك الصلاة تكون أحق منها إلى المرتد إذ هو يستتاب، وهذا لا يستتاب ولا يمهل إذ لو أمهل صارت مقضية، وهو محل كلام فلا حاجة إلى أن يجاب من طرف أبي حنيفة رحمه الله، كما قيل بأنّ استدلال الشافعيّ رحمه الله مبنيّ على القول بمفهوم الشرط ونحن لا نقول به ولو سلم، والتخلية الإطلاق عن جميع ما مز فلا يخلي، ويكفي له أن يحبس على أنه منقوض بمانع الزكاة عنده، وأيضاً يجوز أن يرد بإقامتها التزامهما وإذا لم يلتزمهما كان كافراً ولذا فسره النسفي به فتأمل. قوله: (استأمنك وطلب منك جوارك) أي مجاورتك وكسر جيمه أفصح من ضمها والاستئمان طلب الأمان والاستجارة بمعناه كما يقال أنا جار لك وقد موّ تحقيقه، وقوله ويتدبره إشارة إلى أنه ليس المراد منه ومجرّد السماع ولا حجة للمعتزلة في الآية على نفي الكلام النفسي كما في شرح الكشاف للعلامة، وحتى يصح أن تكون للغاية أي إلى أن يسمعه ويصح أن تكون للتعليل، وهي متعلقة في الحالتين بأجره وليس من التنازع في شيء. قوله: (موضع أمنه) يعني أنه اسم مكان لا مصدر ميمي بتقدير مضاف وهو موضع، وان احتمله كلامه إذ الأصل عدم التقدير. قوله: (لأنّ إن من عوامل الفعل) تعمل فيه الجزم لفظا أو محلاً فلذا اختصت به لأنها تعمل دائما عملاً يختص به فلا يصح دخولها على الأسماء، فلا وجه لما قيل الأولى أن يقول من دواخل الفعل لأنّ عملها يختص بالمضارع دون الماضي، وهي تدخل عليه. قوله: (ريثما يسمعون ويتدبرون) أي بمقدار زمان يسع السماع والتدبر، والريث في الأصل مصدر راث بمعنى أبطأ إلا أنهم أجروه ظرفا كما أجروا مقدم الحاج، وخفوق النجم كذلك قال أبو علي رحمه الله في الشيرازيات هذا المصدر خاصة لما أضيف إلى الفعل في كلامهم في نحو قول السلولي: لا يمسك الخير إلا ريث يرسله صار مثل الحين والساعة ونحوهما من أسماء الزمان، وما زائدة فيه بدليل صحة المعنى بدونها ألا ترى أنّ قولهم ما وقفت عنده إلا ريث قال كذا وريثما قال كذا سواء وقد جاء الاستعمالان في كلامهم قال الراعي: وما ثوائي إلا ريث ارتحل وقال معن: قلبت له ظهر المجن فلم أدم على ذاك إلاريثما أتحول وكثر ما يستعمل مستثنى في كلام منفي، وحق ما أن تكتب موصولة بريث لضعفها من حيث الزيادة وكونها غير مستقلة بنفسها، ويجوز كون ما مصدربة. قوله: (بمعنى الإنكار والاستبعاد الخ الما كان عهدهم واقعا لا يتصوّر إنكاره أشار إلى أن المنكر عهد ثابت لا ينكث، أو عهد ثان لا مطلق العهد والوغرة شدة توقد الحرّ، ومنه قيل في صدره عليّ وغر بالتسكين أي ضغن وعداوة وتوقد من الغيظ فوغرة بفتح فسكون أو بفتح فكسر والأوّل أولى، وقوله: (ولا ينكثوه) وقع في نسخة ولأن يثبتوه، وقوله: أو لاًن يفي الخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 فيكون العهد عهد الله ورسوله وهو معنى كونه عندهما ومعنى كونه للمشركين إنه معهم ومتعلق بهم فسقط ما قيل إنّ هذا معنى فولنا كيف يكون لله ورسوله عهد عند المشركين لا معنى ما وقع في النظم. قوله: (وخبر يكون كيف الخ) وهو واجب التقديم لأنّ الاستفهام له صدر الكلام، وللمشركين على هذا متعلق بيكون إن قلنا به أو هي صفة لعهد قدمت فصارت حالاً وعند إما متعلقه بيكون أو بعهد لأنه مصدر أو صفة له متعلق بمقدر أو الخبر للمشركين، وعند فيها إلا وجه المتقدّمة، ويجوز أيضا تعلقه بالاستقرار الذي تعلق به للمشركين أو الخبر عند الله وللمشركين إمّا تبيين كما في سقيا لك فيتعلق بمقدر مثل أقول هذا الاستبعاد لهم، أو متعلق بيكون، واما حال من عهد أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر ويغتفر تقدم معمول الخبر لكونه جاراً ومجروراً، وكيف على الوجهين الأخيرين شبهة بالظرف أو بالحال ويجوز أن تكون تامّة، والاستفهام هنا بمعنى النفي، ولذا وقع بعده الاستثناء. قوله: (ومحله النصب على الاستثناء الخ) أي هو استثناء متصل لدخولهم في المشركين، ومحله النصب على الاستثناء أو الجرّ على البدل لأن الاستفهام في معنى النفي، وهذا على التفسيرين السابقين، وأما إذا كان منقطعاً فهو مبتدأ خبره مقدّراً وجملة فما استقاموا خبره، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله. قوله: (أي فتربصوا أمرهم الخ) أي انتظروا أمرهم، وهو بيان لحاصل المعنى لا تقدير، وقو! هـ غير أنه مطلق أي قوله فأتموا مطلق، وهذا مقيد بالاستقامة والدوام على العهد فيحمل المطلق عليه، فإن قلت تفريعه على قوله: {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا} ولم يظاهروا عليكم أحداً يفيد تقييده بعدم النكث فهما سواء فيه، قلت قد دفع هذا بأنّ عدم النقض المستفاد منه مغيي بوقت التبليغ أو بتمام الأربعة الأشهر، وأمّا بعد تمامها فالآية ساكتة عنه وإن كان لا بد منه في وجوب إتمام المدّة ولا يخفى ما فيه. قوله: (وما ثحتمل الشرطية والمصدرية (على المصدرية هي ظرف في محل نصب على ذلك أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم على الشرطية يجوز فيها أن تكون في محل نصب على الظرفية أيضاً أي في أيّ زمان استقاموا لكم استقيموا لهم، أو في محل رفع على الابتداء وفي خبرها الخلاف المشهور، وقوله فاستقيموا جواب الشرط والفاء واقعة في الجواب وعلى المصدرية مزيدة للتأكيد. قوله: (تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد الخ) يعني أنّ الفعل المحذوف بعدها إن كان ما تقدّم فهو تكرار للتأكيد والتقدير كيف يكون لهم عهد، أي يثبتون عليه كما مرّ أنه المراد منه وهذا على التفسير الأوّل، أو المراد استبعاد بقاء الحكم وهو وفاء الله والرسول لهم به وترك قتالهم ونحوه وهو على التفسير الثاني، والتنبيه على العلة مأخوذ من قوله وإن يظهروا الخ أي علة استبعاد ذلك وانكاره، وهي إنّ الله علم وقد دلت الإمارات على ذلك أنّ عهودهم إنما هي لعدم ظفرهم بكم ولو ظفروا لم يبقوا ولم يذروا فمن كان أسير الفرصة مترقبا لها كيف يرجى منه دوام عهد فتدبر. قوله: (وحذف الفعل للعلم به) أي المستفهم عنه يحذف مع كيف كثيراً ويدل عليه بجملة خالية بعده، وتقديره كيف يكون لهم عهداً وكيف لا تقاتلونهم ونحوه. قوله: (وخبرثماني الخ) هو من مرثية لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار وقبله: لعمركما أن البعيد الذي مضى وإن الذي يأتي غدا لقريب وخبرتماني إنما الموت بالقرى فكيف وهاتا هضبة وقليب ومنها: وداع دعايا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب ففلت اح أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب ومعنى البيت قلتما لي إنّ من سكن القرى لحقه الموت لكثرة الوباء بها فكيف مات أخي في برية هي هذه وذكر الهضبة وهي الجبل المنبسط على الأرض، والقليب أي البئر شارة إلى أنها مفازة فيها ذلك، وقيل هما جبل وبئر معينان عند قبر أخيه وهاتا اسم إشارة للمؤنث يقال تا وني وليس مثنى حذفت نونه كما توهم. قوله: (1 لا حلفا وقيل قرابة الخ (الحلف كتكتف القسم قيل، وقد صحح هنا كذلك والحلف بكسر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 فسكون العهد والعبارة محتملة له، ولا يضر تفسير الذمّة به لأنه غير متعين وكونه مؤكداً أو تفسيراً يأباه إعادة إلا ظاهراً، وقد اختلف في معنى الألّ بكسر الهمزة وقد تفتح على أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وأشار إلى أنّ منها ما يحتمل أن يكون مجازاً وهذا كله منقول عن أئمة اللغة، والمفسرين فالمناقشة فيه ليست من دأب المحصلين. قوله: (لعمرك الخ) من شعر لحسان رضي الله عنه يهجو به أبا سفيان رضي الله عنه يقول له: إن عذك من قريش مع ما فيك كما يعذ بعض الناس النعام من الإبل كما قيل في المثل إنه قيل للنعامة طيري فقالت أنا جمل فقيل لها احملي فقالت: أنا طائر، ولذا تضاف إلى الإبل في غير لغة العرب، والسقب ولد الناقة، والرأل بالهمزة ولد النعام، والجؤار بضم الجيم وفتح الهمزة والراء المهملة الصراخ وصوت البقر، وقوله: ثم استعير أي من العهد للقرابة لأن بين النسبتين عقد أشد من عقد التحالف، وكونه أشد لا ينافي كونه مشبهاً لأنّ الحلف يصرح به ويلفظ فهو أقوى من وجه آخر، وليس التشبيه من المقلوب كما توهم، وقوله: (من ألل الشيء إذا حدّده) وفي تلك الأمور حذة ونفاذ، وكونه من أل البرق لظهور ذلك، وعلى كونه بمعنى الإله فالمعنى لا تخافون الله ولا تراقبونه في نقض عهدكم، وقد ضعف هذا بأنه لم يسمع في كلام العرب الّ بمعنى إله، ولذا ذكر المصنف رحمه الله أنه عبرفي، وأيده بأنه قرئ أيلا وهو بمعنى الإله عندهم. قوله: (عهدا أو حقاً بعاب على إغفاله ( أي تركه وسمي به العهد أيضاً لأنّ نقضه يوجب الذم وقولهم في ذمتي كذا سمي بها محل الالتزام، ومن الفقهاء من قال هو معنى يصير به الآدميّ على الخصوص أهلاً لوجوب الحقوق عليه، وقد يفسر بالأمان والضمان وهي متقاربة. قوله: (ولا يجوز جعله حالاً من فاعل لا يرقبوا الخ الأن الحال تقتضي المقارنة، وهم في حال عدم المراعاة فإن حملت على ما يشمل مراعاتها ظاهرا وباطناً صح مقارنتها لإرضائهم في الجملة لكن عدم المراعاة الواقع جزاء لظهورهم وظفرهم متأخر عنه لتسببه وترتبه عليه، والإرضاء المذكور مقدم على الظهور فيلزم تقدّمه على المراعاة التي هي جزاء له، وهو المانع في هذا الوجه، وهذا رد على جعلها حالأ منه كما ذهب إليه بعض المفسرين، ونقله أبو البقاء رحمه الله وأشار إلى رذه وأما احتمال نفي القيد فتكلف لا داعي له. قوله: (ولأن المراد إثبات إرضائهم الخ (فالاستبطان الإخفاء في الباطن، وهو من قوله وتأتي قلوبهم يعني أنّ بين الحالتين منافاة ظاهرة لأنّ حال الإرضاء بالأفواه فقط حالة إخفاء للكفر، والبغض مداراة لهم، وهذه حالة مجاهرة بالعداوة مناقضة لهذه الحال فلا وجه لتقييد إحداهما بالأخرى، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن المانع في الأوّل التقدم اللازم من الشرط، والحالية تقتضي المقارنة والمانع في هذا أنّ بين الحالتين تضاذاً يأبى اجتماعهما وتقييد إحداهما بالأخرى لأنّ المراد بعدم المراعاة أنهم لا يبقون عليهم أي لا يرحمونهم ولا يرقون لهم في إيقاع المكروه بهم وهذه مجاهرة تنافي معنى تلك الحال فالمانع في نفس ما جعل الحال منه لا من خارج وهو الشرط فاعرفه فإن الفرق بين الوجهين خفيّ، وقد وقع للمحشي هنا كلام معقد لم ينتج شيئا فتركته لقلة جدواه. قوله: (متمرّدون لا عقيدة تزعهم الخ (إشارة إلى دفع ما يقال أنّ الكفر أقبح من الفسق فما معنى وصف الكفار في مقام الذم به، وان الكفر فسق فما وجه إخراج البعض بقوله أكثرهم، با! المراد بالفسق التمزد وارتكاب ما لا يليق بالمروءة مما يقبح حتى عند الكفرة ويجرّ المذمة ويجعل صاحبه أحدوثة كالغر والكذب ونحوه مما يتجنبه بعض الكفرة أيضا فلذا وصف به أكثرهم بعد تقرر كفرهم، وتزعهم بالزاي المعجمة والعين المهملة بمعنى تكفهم وتمنعهم والرح قريب منه، والتفادي التحامي والتباعد والأحدوثة ما يتحذث به من القبائح مما اشتهر. قوله: (استبدلوا بالقرآن الخ) يعني أنه استعارة تبعية تصريحية، ويتبعها مكنية وهي تشبيه الآيات بالمبتاع، أو مجاز مرسل باستعمال المقيد وهو الاشتراء في المطلق وهو الاستبدال كالمرسن، ولذا تعذى إلى الثمنية بنفسه وأدخلت الباء على ما وقع في مقابلته وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً، وقوله: (بالقرآن) قيل أو التوراة إن أراد بالذين كفروا اليهود وكان ينبغي له ذكره لما سيأتي قريبا. قوله: (بحصر الحجاج) أي بحبسهم ومنعهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 والحجاج جمع حاج والعمار جمع عامر، وهو الذي يأتي بالعمرة ويصح أن يريد به المجاورين بالحرم، والذين يعمرونه مطلقاً دمان أريد بالسبيل الدين فهو مجاز وإن أريد به سبيل البيت فهو حقيقة، وفي الكلام مضاف مقدر أو النسبة الإضافية متجوّز فيها، وفي قوله الحجاج والعمار إشارة إلى أن صذ بمعنى مغ متعذ يقال صذه عن كذا إذا صرفه وقد يكون لازمأ بمعنى أعرض. قوله: (ساء ما كانوا يعملون عملهم هذا الخ) يجوز في ساء أن تكون على بابها من التعدي، ومفعولها محذوف أي ساءهم عملهم الذي كانوا يعملونه وأن تكون جارية مجرى بض فتحوّل إلى فعل بالضم ويمتنع تصرفها وتصير للذم، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في الثاني فالمخصوص محذوف أي ساء العمل ما كانوا يعملون واليه الإشارة بقوله عملهم، أو هو تفسير لقوله ما كانوا يعملون والمراد بيان محصل المعنى لا إن ما مصدرية فإنها تحتمل الموصولية والمصدرية، وعليهما فالمراد به ما مضى من صدهم عن سبيل الله وما معه واليه الإشارة بقوله هذا أو المراد به ما تضمنته الجملة المذكورة بعده فتكون لأجل التفسير فلا تكون مكرّرة. قوله: (قهو تفسير لا تكرير الخ (بخلافه على الأوّل فإنه تكرير للتأكيد أو ليس بتكرير لما سيذكره بقوله، وقيل الخ ولما في التفسير إلا آخر من خلاف الظاهر وتفكيك الضمائر لكون السوابق واللواحق للمشركين الناقضين آخره، وفي المدارك ولا تكرار لأن الأوّل على الخصوص لقوله فيكم، والثاني على العموم لقوله في مؤمن لشموله لمن سيؤمن من بعد نزول الآية، وقوله:) في الناقضين) أي الناكثين للعهد والإعراب الذين جمعهم أبو سفيان رضي الله عنه للاستعانة بهم على حرب النبيّء! ييه فالثمن القليل لمقام أبي سفيان رضي الله عنه، وقوله عن الكفر لم يقل ونقض العهد لاستلزامه له. قوله: (اعتراض للحث الخ) أي جملة معترضة بين فإن تابوا وان نكثوا للتأكيد لما اعترضت فيه، ويعلمون منزل منزلة اللازم، أو مفعوله مقدر أي يعلمون ما فصلناه، وفي قوله (على تأمل الخ (إشارة لأنّ العلم كناية عن التفكر والتدبر أو بجاز بعلاقة السببية لأنّ المقصمود حثهم على التفكر في تأمل آيات الله وتدبرها، وقوله وخصال التائبين وقع في بعض النسخ أو بد! الواو والأولى أولى. قوله: (وإن نكثوا ما بايعوا عليه الخ (يعني أن النكث شامل للرذة ونقض العهد فيجوز أن يفسر بكل منهما كما ذهب إليه بعض المفسرين وصاحب الكشاف جمع بينهما، وله وجه ورجح ما فعله المصنف رحمه الله بأن كلأ منهما سبب للقتل ولا حاجة إلى ضمهما. قوله:) وطعنوا في دينكم بصريح التكذيب الخ (إنما اشترط صريح التكذيب والتقبيح لأنّ كل كافر أصليّ أو مرتد لا يخلو من تكذيب له وتقبيح، لكن الذي يوجب قتله إكلانه بذلك لأنّ ابن المنير رحمه الله قال في تفسيره لو طعن الذمي في ديننا مع أهل دينه وتستر فإذا بلغنا ذلك كان نقضا للعهد، وهذا أحسن من قولهم يقتل للطعن لأنه نقض العهد وجاهر به وهو مخالف لما قاله المصنف رحمه الله إلا أن يعمم التصريح بما يشمل تصريحه لأهل دينه، فإن قلت كان الظاهر أو طعنوا لأنّ ما قبله على التفسيرين كاف للقتل والقتال، قلت: النقض بالقول ولا بد منه حتى يباج القتل وتخصيص الإظهار ربما كان قوليا ليعلم منه ما كان بالفعل بالطريق الأولى، ولما كان السياق لبيان نقض العهد قولاً وفعلاً لم يكن في الآية دلالة على أنّ الذمي إذا طعن في الدين، ومن الطعن في الدين سب النبيّ ىلمج! رو ينتقض عهده ويباج قتله، وأيضا صريح الآية أنه إذا وجد منه نقض العهد أو الرذة مع الطعن قتل، فكيف تدل على القتل بمجرّد الطعن، وقال الجصاص في أحكام القرآن إنّ الآية تدل على أن أهل الذمة ممنوعون من إظهار الطعن في دين الإسلام وهو يشهد لقول من قال من الفقهاء إنّ من أظهر شتم النبيئ! ي! من أهل الذمة فقد نقض عهده ووجب قتله، وقال أصحابنا يعزر ولا يقتل، وهو قول الثوري والمنقول عن مالك والشافعيّ، وهو قول الليث قتله وأفتى به ابن الهمام رضي الله عنه كما في شرح الهداية وفيه كلام مفصل في الفروع، والحاصل أنه كان الظاهر أن يقول أو طعنوا لأن كلاً منهما كاف في استحقاق القتل والقتال، وكون الواو بمعنى أو يفيد أنّ الطعن نقض العهد فهو من عطف الخاص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 على العامّ، ولا يكون إلا بالواو واعلم أنّ للطعن موقعا لطيفاً مع القتال وبه اقتديت بقولي من قصيدة: ولطعن ذبا موقع لم يصل له سواعد مدتها الوغى بيد السمر قوله: (فوضع أئمة الكفر الخ) يعني المراد بأئمة الكفر مطلق المشركين، ووضع فيه الظاهر موضع الضمير وسموا أئمة الكفر لأنهم صاروا بكفرهم رؤساء متقدميين على غيرهم في زعمهم، والتقدم بالجر معطوف على الرياسة، وأحقاء منصوب خبر بعد خبر لصار، أو المراد رؤساء الكفر وتخصيصهم لأنهم أهئم لا لأنه لا يقتل غيرهم. قوله: (أو للمنع من مراقبتهم (فيه نظر وقيل المراد مراقبة الآذ والذمة، وأنّ قوله للمنع عطف بحسب المعنى على المفهوم من الكلام أي لرياستهم أو للمنع الخ، أو على قوله: لأن قتلهم أهمّ، والأوّل أولى معنى، والثاني أنسب لفظاً، وتخصيص القتل بالرؤساء لا ينافي وجوب قتل غيرهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله. والظاهر أنه يشير إلى ما في الكشاف، يعني أن تخصيص المقاتلة بهم لأنّ قتلهم أهم أو ليمتنعوا عما هم عليه ويرجعوا إلى الحق. قال في تفسيره: أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعدما وجد منهم ما وجد من اإحظائم أن تكون المقاتلة سب جما في انتهائهم عما هم عليه وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد اهـ فهو معطوف على قوله لأن من غير احتمال لغيره، أو هو راجع إلى تفسير النكث بالردّة، والمراد أنه لا يقبل توبتهم فتدبر. قوله:) بتحقيق الهمزتين على الأصل والتصريح بالياء لحن (تبع فيه الزمخشري وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بهمزتين ثانيهما بين بين ولا ألف بينهما، والكوفيون وابن ذكوان عن ابن عارم بتحقيقهما من غير إدخال ألف، وهشام كذلك إلا أنه أدخل بينهما ألفاً هذا هو المشهور بين القراء السبعة، ونقل أبو حيان عن نافع المد بين الهمزة والياء فأما قراءة التحقيق وبين بين فضعفها جماعة من النحويين الفارسي، ومنهم من أنكر التسهيل بين بين وقرأ بياء خفيفة الكسرة، وأما القراءة بالياء فارتضاها الفارسي وجماعة، والزمخشرقي جعلها الحنا، وخطأه أبو حيان رحمه الله فيه لأنها قراءة رأس النحاة والقراء أبي عمرو وقراءة ابن كثير ونافع، وأما الاعتذار عنه بأن مراده أنها غير ما عند البصريين ولا حرج على الناقل، فلا وجه له لأنه مع القراءة بها من يكون البصري أو الكوفي فإنها صحيحة رواية ودراية، وأما الاعتذار بأن مراده بكونها لحنا أنه لم يقرأ بها في السبعة كما ذكره في التيسير، فلا يناقض كلامه في الكشاف قوله: في المفصل إذا اجتمعت همزتان في كلمة، فالوجه قلب الثانية حرف لين كما في آدم وأيمة، لأنه حكاية قول النحويين لا القراء فخطأ أيضاً، لما عرفت أنه مذهب صحيح للقراء ولا يضر كونه لم يثبت من طريق التيسير. ووزن أئمة أفعلة كحمار وأحمرة وأصله أئممة فنقلت حركة الميم إلى الهمزة وأدغمت، ولما ثقل اجتماع الهمزتين فرّوا منه بإبدالها أو تخفيفها، أو إدخال ألف للفصل بينهما ففيها خمس قرا آت اتفق عليها الأربعة عشر تحقيق الهمزتين، وجعل الثانية بين بين بلا إدخال ألف وبه، والخامسة بياء صريحة وكلها صحيحة لا وجه لإنكارها وتفصيلها في النشر. قوله: (على الحقيقة الخ أليس المراد بالحقيقة ما يقابل بل المجاز بل المراد معناه اللغوي، وهو ما تحقق وثبت أي ليست جبلتهم وما خلقوا عليه أمراً ثابتا لأنهم نقضوها ولم يفوا بها، وان كانت يمينا في الشرع عند الشافعية، وعند أبي حنيفة يمين الكافر ليست يمينا معتداً بها شرعا، فالنفي عنده على الحقيقة بمعناه المتبادر منها، وثمرة الخلاف إنه لو أسلم بعد يمين انعقدت في كفره ثم حنث هل تلزمه ا. رة فعند أبي حنيفة لا تلزمه الكفارة، وعند الشافعيّ رضي الله تعالى عنه تلزمه، واستدلّ بأنه تعالى وصفها بالنكث بقوله: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم} والنكث لا يكون حيث لا يمين، والجواب بأنّ ذلك باعتبار اعتقادهم أنه يمين ليس بشيء لأنّ الإخبار من الله والخطاب للمؤمنين، فإن قيل الاستدلال بالنكث على اليمين إشارة أو اقتضاء، ولا أيمان لهم عبارة فتترجح قيل: بل يؤوّل جمعأ بين الأدلة وفيه نظر لأنه إذا كان لا بذ من التأويل في أحد الجانبين فتأويل غير الصريح أولى، وبما قرّرنا به كلامه سقط ما قيل في تقريره إنه أراد ففي الاعتداد بها لا نفي أصلها، وان كان هو المتبادر بخلاف كلام الزمخشري فإنه لنفي أصلها فكان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 الأولى أن يعبر بما هو صريح في مراده ليوافق استدلاله الآتي. توله: (وفيه دليل على أن الذمي إذا طعن في الإسلام فقد نكث عهده) قد مرّ الكلام فيه، وقد قيل عليه إنه ليس في محله، ومحله بعد قوله: {وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} وفي الدلالة على كل حال بحث (قلت) هنا ناشئ من عدم تدبر كلامه فإنه لا يتم الاستدلال إلا بعد بيان أن أيمانهم لا يعتد بها من جهة عدم الوفاء إذ لو وفوا بها لم يكن منهم طعن ولا نقض للعهد، وهو يفيد تلازمهما بحيث يكون الطعن نقضاً للعهد فيصير سببا مستقلا، ولولاه لم تدل على ذلك لأنها تدلّ على أنها بمجموعها سبب لا كل واحد منهما وبه سقط بحثه من حيث لا يدري فتدبر. وفي قوله: والا لما طعنوا دخل لأنه أدخل اللام في جواب إن الشرطية وهو خطأ لكنه مشهور في عبارات المصنفين كما في شرح المغني (وعندي) أنه ليس بخطأ لأنّ المراد والا فلو كان لهم أيمان لما طعنوا الخ كما هو المعروف في تمهيد الاستدلال فاللام واقعة في جواب لو المحذوفة للاختصار ولا ضير فيه، وقوله: واستشهد به الحنفية الخ مرّ تحقيقه، وقوله: الوثوق عليها ضمته معنى الاعتماد ولذا عداه بعلى. قوله:) وقرأ ابن عامر لا إيمان الخ (أي قرأه بكسر الهمزة فإما أن يكون بمعنى الإيمان المرادف للإسلام، أو بمعنى الأمان على أنه مصدر آمنه إيمانا بمعنى أعطاه الأمان، فاستعمل المصدر بمعنى الحاصل بالمصدر وهو الأمان، ولو أبقى على أصل معناه صح أيضا، وإنما نفى عنهم لأن مشركي العرب ليس لهم إلا الإسلام أو السيف. قوله: (وتشبث به الخ) أي تمسك به ووجه التمسك إنه نفي إيمان من نكث والمرتد ناكث، ونفيه مع أنه يقع منه نفي للاعتداد به وصحته، ووجه ضعفه أنه ليس نصا فيما ذكر لاحتمال معان أخر، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال لأنه يحتمل نفي الأمان عن المشركين حتى يسلموا أو نفي قوم معينين في المستقبل، وأنه طبع على قلوبهم فلا يصدر منهم إيمان أصلا، أو يكون المراد أن المشركين لا إيمان لهم حتى يراقبوا ويمهلوا لأجله، يعني أنّ المانع من قتلهم أحد أمرين إما العهد وقد نقضوه، أو الإيمان وقد حرموه، وبهذا سقط ما قيل أن وصف أئمة الكفر بأنهم لا إسلام لهم أو لا إيمان تكرار مستغنى عنه. وقوله: اليكن الخ (مز تقريره وإيصال الأذية افتعال أو إفعال مضمن معنى إلصاق 0 وقوله: ليكن غرضكم الخ إشارة إلى أن الترجي من المخاطبين لا من الله. قوله: (تحريض على القتال لأنّ الهمزة دخلت على النفي للأنكار الخ) في نسخة المبالغة في الفعل، وفي نسخة في القتال، وهما بمعنى لأنّ مقصوده أن الاستفهام فيه للإنكار، والاستفهام الإنكاري في معنى النفي، ونفي النفي إثبات على أبلغ وجه، وآكده لأنه إذا كان الترك مستقبحا منكراً أفاد بطريق برهاني إنّ إيجاده أمر مطلوب مرغوب فيه فيفيد الحث والتحريض عليه، وعدل عن قوله في الكشاف دخلت الهمزة على لا تقاتلون تقريراً بانتفاء المقاتلة، ومعناه الحض عليها على سبيل المبالغة لأنه قيل عليه إنّ التقرير له معنيان الحمل على الإقرار ويتعدى بالباء كما في الصحاح، والتثبيت بمعنى جعله قاراً ثابتأ في قراره، ويتعدى باللام، والظاهر هنا الثاني لكن تعديته بالباء تقتضي خلافه، ودفع بأنا لا نسلم أنّ المعنى على الثاني لأنّ المراد الحمل على الإقرار بأنهم لا يقاتلون قصداً إلى التحريض على القتال، ومنهم من قال أنّ الباء لتقرير معنى التصديق ولا يخفى سماجته، ومنهم من قال: أنّ التقرير بمعنى التثبيت يتعذى بالباء أيضا يقال: فز بالمكان ورد بأنه لا نزاع في أنه يستعمل بالباء وهي بمعنى في لكنها تدخل على موضعه، ومحل الاستقرار لا على المستقرّ كما هنا فتأمّل. وبكر حلفاء قريش، وخزاعة حلفاء النبيئ ع! ييه. قوله:) حين تشاوروا في أمره بدار الندوة الخ) قد مرّت القصة مفصلة، والواقع فيها الهتم بالإخراج لا الإخراج، وإنما خرج بنفسه! اذن الله له، فإن قيل: إن أريد ما وقع في دار الندوة من الهم فهو بالإخراج أو الحبس أو القتل فليس الهئم فيها بالإخراج فقط، والذي استقز رأيهم عليه هو القتل لا الإخراج فما وجه التخصيص، قلت تخصيصه لأنه هو الذي وقع في الخارج ما يضاهيه مما يترتب على همهم وان لم يكن بفعل منهم، بل من الله لحكمة ومن عداه لغو، فخص بالذكر لأنه هو المقتضي للتحريض لا غيره مما لم يظهر له أثر، وقيل: إنه اقتصر على الأدنى ليعلم غيره بطريق أولى ولا يرد عليه إنه ليس بأدنى من الحبس كما توهم لأن بقاءه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 موثقا في يد عدوّه المقتضي للتبريح بالجوع والتهديد أشد منه بلا شبهة، وكونهم اليهود يأباه السياق وعدم القرينة عليه، ولذا مرضه. قوله: (بالمعاداة والمقاتلة) قال الإمام: يعني بالقتال يوم بدر لأنهم حين سمع العرب بالخروج للعير، قالوا: لا نرجع حتى نستأصل محمدأ أو ندمغه، أو قتال حلفاء خزاعة وهذا قول الأكثرين، وتركه المصنف رحمه الله لما فيه من التكرار. قوله: (أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم الخ) يعني أنه أقيم فيه السبب مقام المسبب والعلة مقام المعلول لأن المنكر في الحقيقة ترك القتال لخوف العدوّ، والله أحق أن تخشوه، في إعرابه وجوه فقيل الله أحق مبتدأ وخبر، وأن تخشوه بدل من الجلالة، أو بتقدير حرف جر أي بأن تخشوه، وقيل: أن تخشوه مبتدأ خبره أحق والجملة خبر الله. قوله: (فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه (القضية هنا بمعنى المقتضي أي مقتضي إيمان المؤمن الذي يتحقق أنه لا ضاز ولا نافع إلا الله، ولا يقدر أحد على مضرّة ونفع إلا بمشيئة الله أن لا يخاف إلا من الله، ومن خاف الله خاف منه كل شيء، والحصر من حذف متعلق أحق المقتضي للعموم، أي أحق من كل شيء بالخشية فلا ينبغي أن يخشى سواء. قوله: (أمر بالقتال بعد بيان موجبه) وهو كل واحد من الأمور الثلاثة فكيف بها إذا اجتمعت، والتوبيخ من قوله: ألا تقاتلون وأتخشونهم، والتوعيد من قوله: {فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} لأنّ معناه لا تتركوا أمره كما مرّ، وقدم النصر وان تأخر لفظا لتوقفهما عليه. قوله: (والتمكن من قتلهم وإذلالهم) إشارة إلى أنّ اللازم للمقاتلة ذلك، ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ إسناده إلى الله مجاز لأنه الذي مكنهم منه وأقدرهم عليه، وقيل إنّ قوله: بأيديكم كالتصريح بأنّ مثل هذه الأفعال التي تصلح للباري فعل له، وإنما للعبد الكسب بصرف القوى والآلات وليس الحمل على الإسناد المجازي بمرضيّ عند العارف بأساليب الكلام، ولا الإلزام بالاتفاق على امتناع كتب الله بأيديكم، وكذب الله بألسنة الكفار بوارد لما مرّ مراراً أن مجرّد خلق الفعل لا يصحح إسناده إلى الخالق ما لم يصلح محلاً له، وامتناع ما ذكر احتراز عن شناعة العبارة إذ لا يقال يا خالق ألفاذورات ولا المقدر للزنا والممكن منه، ولا يخفى ما فيه فإنه تعالى لا يصلح محلاً للقتل ولا للضرب ونحوه مما قصد بالإذلال، وإنما هو خالق له، والفعل لا يسند حقيقة إلى خالقه وان كان هو الفاعل الحقيقي للفرق بينه وبين الفاعل اللغوي: إذ لا يقال كتب الله بيد زيد على أنه حقيقة بلا شبهة مع أنه لا شناعة فيه، لقوله: كتب الله فما ذكره غير مسلم. قوله: (يعني بني خزاعة الخ (هم حلف رسول الله لمجب! الذين عاهدوا قريثاً عام الحديبية على أن لا يعيثوا عليهم بني بكر، وكان فيهم قوم مؤمنون، وقوله: وقيل بطوناً هو منصوب بيعني مقدّراً، والبطن فرقة من القبيلة كما مرّ، وسبأ مهموز كجبل يصرف، ولا يصرف اسم بلدة بلقيس، ولقب عبد شمس بن يعرب مجمع قبائل اليمن، وهذا بناء على أن المراد بقوم مؤمنين قوم بأعيانهم، ولو حمل على العموم صح لأنّ كل مؤمن يسرّ بقتل الكفار. وقوله: أبشروا من الإبشار بمعنى التبشير والفرج القريب فتح مكة، ويدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما إنّ قوله تعالى {أَلاَ تُقَاتِلُونَ} الخ ترغيب في فتح مكة وأورد عليه أن هذه السورة نزلت بعد الفتح فكيف يكون هذا تركيباً في فتحها. وأجيب بأنّ أوّلها نزل بعد الفتح وهذا قبله، وفائدة عرض البراءة مت عهدهم مع أنه معلوم من قتال الفتح، وما وقع فيه الدلالة على عمومه لكل المشركين ومنعهم من البيت وقوله: (والآية من المعجزات (أي لما فيها من الأخبار عن الغيب فهي من إعجاز القرآن الدال على تصديق النبيّ عش! ر، ولو قال فالآية لكان أولى. قوله: (ابتداء إخبار الخ) أي بعض المشركين يتوب الله عليه فيترك كفره كما وقع ذلك، وقراءة النصب بإضمار أن ونصبه في جواب الأمر وهذه قراءة أبي عمرو في رواية عنه ويعقوب، قال الزجاج: وتوبة الله على من يشاء واقعة قاتلوا أو لم يقاتلوا، والمنصوب في جواب الأمر مسبب عنه فلا وجه لإدخال التوبة في جوابه، فلذا قال بعضهم: إنه تعالى لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على بعضهم فإذا قاتلوا جرى قتالهم مجرى التوبة من تلك الكراهية، فيصير المعنى إن تقاتلوهم يعذبهم الله ويتب عليكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 من كراهة قتالهم، والذي يظهر أنّ التوبة للكفار والمعنى أن قتالهم كان سبباً لإسلام كثير منهم لما رأوا من نصر المؤمنين وعز الإسلام من غير تكلف واليه أشار المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى ما قاله ابن جني من أنه كقولك إن تزرني أحسن إليك وأعط زيداً كذا، على أن المسبب عن ذلك جمع الأمرين لا أن كل واحد مسبب باستقلاله فإنه تعسف، والمعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو الذي في قوله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ} [سورة الفتح، الآية: أ- 2، وقوله من جملة ما أجيب به الأمر، أي بإجراء المنصوب مجرى المجزوم على عكس فأصدق وأكن، لأن جواب الأمر كما يجزم ينصب بعد الفاء فيعطف منصوب على مجزوم، وعكسه على الفرض! والتقدير وهو المسمى بعطف التوهم، وما قيل إنّ قراءة الرفع على مراعاة المعنى حيث ذكر مضارع مرفوع بعد مجزوم هو جواب الأمر، ففهعم منه أنّ المعنى {وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاء} على تقدير المقاتلة لما يرون من ثباتكم وضعف حالهم، وعلى قراءة النصب فمراعاة للفظ إذ عطف على المجزوم منصوب بتقدير نصبه فهو مما لا وجه له، ولا ينبغي أن يصدر عنه فإنه على الرفع مستأنف لا تعلق له بما قبله. قوله: (خطاب للمؤمنين الخ (الشاملين لهلمخلصمين والمنافقين لكراهة بعض منهم ذلك المنافقين وإنما عممه ليناسب ما بعده، وأم المنقطعة بمعنى بل والهمزة والإضراب فيها للانتقال من أمر إلى آخر، وجعل الأوّل كأنه لم يذكر، والحسبان بكسر الحاء مصدر حسبه بمعنى ظنه، وبضمها مصدر حسب بمعنى عد، والإضراب هنا عن أمرهم بالقتال إلى توبيخهم على الجبن، وقوله ومعنى الهمزة أي المقدّرة مع بل. قوله: (ولم يتبين الخلص منكم (إشارة إلى أنّ لما كلم نافية، وبينهما فرق مذكور في النحو، وهذا بيان لمعنى النظم كما في الكشاف بعينه، وفي الكشف إنه يخالف بظاهره أوّله آخره لدلالة أوّله، على أن العلم مجاز عن التمييز، والتبيين يعني مجازا مرسلا باستعماله في لازم معناه، وآخره على أنه كناية عن نفي المعلوم، أي لم يوجد ذلك إذ لو وجد كان معلوماً له تعالى فهو نفي له بطريق برهاني بليغ، وأجاب بأنه إشارة إلى أنه استعمل لنفي الوجود مبالغة في نفي التبيين، وما ذكره أوّلاً حاصل المعنى وذلك لأنه خطاب للمؤمنين إلهابا لهم وحثا على ما حضهم عليه، بقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ} فإذا وبخوا على حسبان أن يتركوا، ولم يوجد فيما بينهم مجاهد مخلص دذ على أنهم إن لم يقاتلوا لم يكونوا مخلصين، وأن الإخلاص إذا لم يظهر أثره بالجهاد في سبيل الله ومضاذة الكفار كلا أخلاص، ولو فسر العلم بالتبيين مجازاً لم يفد هذه المبالغة، اهـ ولذا قيل: لم يرد به تفسير الآية على أن يكون الخلص منصوبا مفعولاً ليتبين، فإنه يتعذى كبين تقول: بينت الأمر فتبين أي عرفته لمنافاته ما سيجيء، ومن غيرهم متعلق به لتضمنه معنى الامتياز. قوله: (من حيث أن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه) قيل: قوله في الكشاف المعنى أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم، يقتضي أن تصرف المبالغة إلى الثبوت، يعني أن المعنى على التوبيخ والإنكار، فنفى العلم في التحقيق إثبات له على وجه الإنكار، وإذا أريد بالعلم المعلوم يكون مبالغة في ثبوت المعلوم لأنّ العلم كالبرهان على المعلوم من حيث أن قوله مستلزم على صيغة الفاعل، وأما إذا حمل المبالغة على المبالغة في النفي، فظاهره غير مستقيم لأنّ انتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء اللازم إلا بعد المساواة وحينئذ هو لازم فلا وجه للتعبير بالملزوم إلا أن يقرأ مستلزم بفتح الزاي، لكنه خلات الظاهو، والمعروف في الاستعمال وقد تابعه من بعده وقد قيل أيضاً: إنّ مراد المصنف رحمه الله تعايى إن نفي العلم دليل على عدمه، والمذكور هو الأوّل وعلى هذا فالوجه أن يقال: من حيث أن نفي علم الله مستلزم لعدمه، إذ لو لم يكن معدوماً وجب علم الله به لإحاطة علمه بجميع الأشياء اهـ (وعندي (أن هذا كله تعسف غير محتاج إديه، أنّ قول صاحب الكشاف ليس إشارة إلى أنّ المبالغة في الإثبات، بل إشارة إلى أن منفي لما متوقع على شرف الوقوع كما صزج به، وأمّا ما استصعبوه فأمر هين لأنّ معنى كلامه أنه نفي العلم في الآية، وأريد نفي المعلوم فمعناه لم يجاهدوا على أبلغ وجه، لأنه برهاني إذ لو وقع جهادهم علمه الله إذ تعلق علم الله بشيء يقتضي وقوعه ويستلزمه، والا لم يطابق علمه الواقع وهو محال كما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 أنّ عدم علمه به واقعاً يقتضي عدم وقوعه إذ لو وقع وقع في الكون ما لا يعلمه وهو محال أيضاً، وهو من باب الكناية واللزوم فيها معلوم فما الداعي إلى تحريف العبارة وتغييرها فتدبر. قوله:) عطف على جاهدوا (وجوّز فيه الحالة أيضاً وفسر الوليجة بالبطانة لأنها من الولوج وهو الدخول، وكل شيء أدخلته في شيء وليس منه فهو وليجة، ويكون للمفرد وغيره بلفظ واحد وقد يجمع على ولائج، وما موصولة مبتدأ وفي لما صلته ومن بيان له وشبه خبره، وافادة لما توتع الوقوع معروف في العربية. قوله: (يعلم غرضكم منه الخ) ضمير منه إمّا للجهاد أو لما ذكر وكونه يعلم الغرض منه يعلم من صيغة المبالغة، ومقام التوعد والا فليس في النظم ما يدلّ عليه، وما يتوهم من الآية هو أنه لا يعلم الأشياء قبل وقوعها كما ذهب إليه هشام، واستدل بقوله: (ولما يعلا الله (ووجه الأزاحة أنّ تعملون مستقبل فيدل على خلاف ما ذكره وما كان نفيه يستعمل لنفي الصحة، والجواز ونفي اللياقة كلا ينبغي، وفسره به ليطابق الواقع فإنهم عمروها ولذا قدره بعضهم بأن يعمروا بحق، وهو مشهور بهذا المعنى حتى صار حقيقة فيه فلا وجه لحمله على ظاهره كما قيل. قوله: (شيئاً من المساجد الخ) يعني أنه جمع مضاف فيعم في سياق النفي ويدخل فيه المسجد الحرام دخولاً أوّليا إذا نفى الجمع يدل على النفي عن كل فرد فيلزم نفيه عن الفرد المعين بطريق الكناية، وما مرّ في البقرة من أنّ الكتاب أكثر من الكتب مبنيّ على أنّ استغراق المفرد أشمل وقد مز ما فيه. قوله: (وقيل هو المراد الخ (يعني المراد من مساجد الله المسجد الحرام، وعبر عنه بالجمع لما ذكر أو لأنّ كل موضع منه مسجد، ولم يحمل على العموم والجنس لأنّ الكلام فيه. وقوله: (وإمامها (بكسر الهمزة جعل المسجد الحرام كالإمام للمساجد لتوجه محاريبها إليه توجه المقتدي لجهة إمامه فيكون التعبير عنه بالجمع مجازأ علاقته ما ذكر، وأما فتح همزة أمامها فركيك مفوّت للمبالغة، والمعنى الذي قصده المصنف رحمه الله فلا تغتر بمن قال: إن معناهما واحد. قوله: (بإظهار الشرك وتكذيب الرسول لمجرو (يعني أنّ شهادتهم على أنفسهم مجاز عن الإظهار، لأنّ من أظهر فعلآ فكأنه شهد به على نفسه وأثبته لها، وقوله:) حال من الواو) أي في يعمروا، وقوله: بين أمرين متنافيين لأن عمارة المتعبدين تصديق للمعبود بعبادته فينافيه الكفر بذلك. وقيل: إن الشهادة على ظاهرها والمراد قولهم كفرنا بما جاء به ونحوه، والمصنف رحمه الله لما رأى أن حقيقة الشهادة بما تكون على الغير وهذا الوجه أبلغ وأدق اقتصر عليه. وقوله: (روي أنه لما أسر الخ () 1 (أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله:) نحجب الكعبة (أي نخدمها ونكون بوابين لها وليس المراد نكسوها كما قيل، لا! الحاجب اشتهر بمعنى البوّاب وجمعه حجبة. والحجيج جمع أو اسم جمع للحاج وفك العاني بمعنى إطلاق الأسير وفك الرقبة اعتاقها وقوله فنزلت أي الآية ما كان للمشركين الخ. وهذا يقتضي أنّ العباس رضي الله عنه لم يكن حينئذ مسلما وفيه كلام. وقوله: بما قارنها متعلق بحبطت، وجملة {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} عطف على جملة (حبطت) على أنه خبر آخر لأولئك وهم فصل يفيد الحصر فيهم دون عصاة المؤمنين. وقوله: لأجله أي لأجل الشرك لأنه سبب الخلود فيها وفيه رذ على الزمخشري في جعله الأعمال بمعنى الكبائر على الاعتزال. قوله: (إنما تستقيم عمارتها الخ (تستقيم بمعنى تصح فإن الذي تصح منه ويمكن من العمارة سواء كانت بالمكث فيه للعبادة أو بالبناء، والفرش رنحوه من حاز الكمال العلمي والعملي وهو كناية عن الإيمان الظاهر، فإنه يكون بالتصديق بما ذكر واظهاره وتحققه شرعا بإقامة واجباته، فلا يقال إن توقفه على الإيمان بالله واليوم الآخر ظاهر، وأما توقفه على ما بعده خصوصاً الزكاة فغير ظاهر، ويتكلف له بأنّ مقيم الصلاة يحضرها فتحصل به العمارة، ومن لا يبذل المال للزكاة الواجبة لا يبذله لعمارتها، وأنّ الفقراء يحضرون المساجد للزكاة فتعمر بهم فإنه تكلف نحن في غنية عنه: والصيانة ترك ما لا يليق بها كالحديث في المسجد فإنه مكروه، ولا يرد عليه أن التصذق في المسجد مكروه لأنه لا يلزم من حضورهم فيه لأخذها أداؤها فيه. - قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى الخ () 1 (هو حديث قدسيّ روي بمعناه من طرق، لكن قال: ابن حجر رحمه الله: إنه لم يجده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 هكذا في كتب الحديث وفي الطبرانيّ عن سلمان رضي الله عنه عن النبيءسفه " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى إلى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم زائره،) 2 (وكان أصحاب النبيئ ىيخ! هـ يقولون إنّ بيوت الله في الأرض المساجد وان حقا على الله أن يكرم من زاره فيها وله شواهد أخر. قوله: (وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم الخ (يعني كان الظاهر أن يقال: من آمن بالئه ورسوله-يخييه لكنه ترك للمبالغة في ذكر الإيمان بالرسالة دلالة على أنهما كشيء واحد إذا ذكر أحدهما فهم الآخر على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، ومن جملته رسالته ع! ز كما في فوله تعالى: {آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} فليس رأى من ظن أن في الكلام دلالة على ذكره وليس فيه بيان الفائد في طيئ ذكره كما ظن في أنه لم يذكر فائدة الطي، وقرينه مبتدأ خبره الإيمان ودلالته على ما ذكر بطريق الكناية. قوله: (ولدلالة قوله وأقام الصلاة الخ (فإن المفهوم المقصود منهما ليس إلا الأعمال التي أتى بها رسول الله ع! هـ والإتيان بتلك الأعمال يستلزم الإيمان به إذ هي لا تتلقى إلا منه، كما أن الإيمان بالمبدأ والمعاد كذلك فلا غبار عليه. قوله: (أي في أبواب الدين الخ (الخشية كالخوف وقد يفرق بينهما. والمحاذ يرجع محذور، وقوله: فإن الخشية تعليل للتخصيص بأبواب الدين وجواب للسؤال الذي أورده في الكشاف فقال: فإن قلت كيف قيل ولم يخش إلا الله والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها، قلت: هي الخشية، والتقوى في أبواب الدين وأن لا يختار على رضا الله تعالى رضا غيره لتوقع مخوف، ف! ذا اعترضه أمران أحدهما حق الله، والآخر حق نفسه، فحقه أن يخاف الله فيؤثر حق الله على حق نفسه، وقيل: كانوا يخشون الأصنام ويرجونها فأريد نفي تلك الخشية عنهم، يعني الششية المقصورة على الله هي الخشية في أمر الدين، وعدم اختيار رضا الغير على رضا الله، وقوله: بتمالك عنها أي يقدر على الامتناع عنها. قوله: (ذكره بصيغة التوقع الخ) قال النحرير: يعني أنّ المؤمنين وان ذكروا باسم الإشارة بعد التهذيب بأوصاف مرضية ترجب أن يكونوا من المهتدين إلا أنّ توسط كلمة عسى في هذا المقام يناسب أن تكون لحسم اً طماع الكافرين وعدم اتكال المؤمنين لا للأطماع وسلوك سنن الملوك مع كون القصد إلى الوجوب، وقيل عليه الأوصاف المذكورة وان أوجبت الإهتداء، ولكن الثبات عليه مما لا يعلمه غير الله والعبرة للعاقبة، فإن وإن عد في الشرع اهتداء لكن قد يطرأ عليه العدم، فكلمة التوقع يجوز أن تكون لهذا، وما ذكره في فائدتها من قطع أطماع المشركين في حيز المنع وبيانه بأن هؤلاء مع كمالهم الخ. غير مسلم عندهم لزعمهم أنهم على الحق وغيره على الباطل. (قلت (ما ارتضاه وجهاً هو معنى قول المصنف رحمه الله ومنعا للمؤمنين الخ، والنظر إلى العاقبة هنا لا يناسب المقام الذين يقتضي تفضيل المؤمنين عليهم في الحال، ولذا لم يجعله المصنف رحمه الله وجهاً مستقلا بل ضميمة، وأما زعم الكفرة أنهم محقون فلا التفات إليه بعد ظهور الحق، فجعل إنكارهم بمنزلة العدم وبنى الكلام على الحقيقة كما في قوله: (لا ريب فيه) فتدبر. قوله: (مصدر أسقي وعمر) بالتخفيف لأن عمر المشدد إنما يقال في عمر الإنسان لا في العمارة وتشبيه المعنى بالجثة لا يحسن هنا فلذا احتيج إلى تقدير في الأوّل أو في الثاني، وقوله ويؤيد الأوّل قراءة من قرأ سقاة بضم السين جمع ساق وعمرة بفتحتين جمع عامر فإنّ فيها تشبيه ذات بذات كما في الوجه الأوّل، ويؤيده أيضا ضمير يستوون إذ على غيره يحتاج إلى تقدير لا يستوون في أعمالهم فيرجع إلى نفي المساواة بين الأعمال نفسها. قوله:) والمعنى إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة الخ) أشار إلى وجهي التقدير بالجمع بينهما، وأنّ كلاً منهما مستلزم للأخر فلذا لم يعطف بأو، وإن قيل إنها أولى وما ذكره بناء على الصحيح المختار من أنّ المفاضلة بين المسلمين والكفار كما يشهد له ظاهر النظم، ومنهم من جعل المفاضلة بين المسلمين كما وقع في صحيح مسلم إنّ الآية نزلت في الصحابة رضي الله عنهم إذ قال بكلضهم لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج وآخر لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال: آخر بعد الجهاد إلا أنه قيل إن قوله أعظم درجة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 يؤيده لكن سيأتي ما يدفعه. قوله: (أي الكفرة ظلمة الخ) في قوله هداهم الله ووفقهم للحق إشارة إلى أنّ الهداية ليست مطلقة الدلالة لأنه لا يناسب المقام، وقوله وقيل: المراد الخ لا يخفى ضعفه فإن من يسوّي إن لم يكن مسلماً فهو عين التفسير الأوّل، وان كان مسلماً فلا معنى لصدور ذللث منه. قوله: (اعلى رتبة وأكثر كرامة الخ (يعني أنه إما استطراد لتفضيل من اتصف بهذه الصفات على غيره من المسلمين، أو لضفضيلهم على أهل السقاية والعمارة، وهم وان لم يكن لهم درجة عند الله جاء على زعمهم ومدعاهم، وقوله:) دونكم جار (على الوجهين. قوله:) نعيم مؤجمم دائم (يعني أنّ المقيم استعارة للدائم قال أبو حيان رحمه الله: لما وصف الله المؤمنين بثلاث صفات الإيمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاثة الرحمة والرضوان والجنة وبدأ بالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقفها عليه ولأنها أعم النعم وأسبقها، كما أن الإيمان هو السابق، وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي فيه بذل الأنفس والأموال، ثم ثلث بالجنات في مقابلة الهجرة، وترك الأوطان إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها بدلهم بدار الكفر الجنان والدار التي هي في جواره، وفي الحديث الصحيح: " يقول الله سبحانه: يا أهل الجنة هل رضيتم فيقولون: كيف لا نرضى، وقد باعدتنا عن نارك وأدخلتنا ج! ك فيقول: لكم عندي أفضل من ذلك فيقولون، وما أفضل من ذلك فيقو! أحل لكم رضاي فلا أمخط عليكم بعدها " (1 (وقرأ حمزة يبثر بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين وا! فيف من الثلاثي وقوله وراء التعيين والتعريف يعني أنه للتعظيم ووجه دلالة التنكير على التعظيم ما ذكره ولا يخفى حسن تعبيره بأنه وراء ذلك، وجعل المبشر هو الله فيه من اللطف بهم ما لا يخفى. قوله:) أكد الخلود الخ (يعني أنّ التأكيد هنا لدفع التجوّز لأن الخلود حقيقة طول المكث كما قيل، وقوله يستحقر دونه أي بالنسبة إليه عملهم الذي استحقوه به أو يستحقر عنده ما في الدنيا من النعيم. قوله: (نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة الخ) كذا أخرجه الثعلبيّ عن ابن عباص رضي الله عنهما أنه كان قبل فتح مكة لا يتم الإيمان إلا بالهجرة، ومصارمة الأقارب الكفرة، وقطع موالاتهم فشق ذلك عليهم فلما نزلت هذه الآية هاجروأ وجعل الرجل يأتيه أبوه أو أخوه أو ابنه فلا ينزله ولا يلتفت إليه، ثم رخص لهم بعد ذلك، وهذا يقتضي أنّ هذه الآية نزلت قبل الفتح ولا ينافي كون السورة نزلت بعد الفتح لأنّ المراد معظمها وصدرها فلا يرد قول الإمام الصحيح أن هذه السورة نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على ما ذكر، وقال أبو حيان: لم يذكر الأبناء هنا لأنّ الأولياء أهل الرأي والمشورة والأبناء تبع ليسوا كذلك، وذكروا في الآية الآتية لأنها في ذكر المحبة وهم أحب إلى كل أحد، وقوله نزلت نهيا عن موالاة التسعة هذا مرويّ عن مقاتل، وذكرهم في السير فإن قلت سبيل الله الجهاد فيصير المعنى جاهدوا في الجهاد قلت وجه بأنه ليس حقيقة فيه، وقد يراد به غير ذلك كمخلصين وهو المراد. قوله: (يمنعونكم عن الإيمان الخ) تعليل للنهي، وقوله لقوله: {إَنِ اسْتَحَبُّواْ} الخ بيان لوجه التفسير الثاني لأنه يشعر بالرذة بحسب الظاهر، وقوله: (اختاروه) إشارة إلى أن تعدى استحب بعلى لتضمنه معنى ما ذكر مما يتعدّى بها وحرضوا بالضاد المعجمة من التحريض، وهو الحت وبالصاد المهملة من الحرص وقع كل منهما في النسخ وهما متقاربان معنى والأولى أولى. قوله: (بوضعهم الموالاة في غير موضعها) هذا هو معنى الظلم لغة وهو صادق على المعنى الشرعي، فإن كان المراد ومن يتولهم بعد النهي، والتنبيه على قبحه فالظلم بمعنى التعدي والتجاوز عما أمر الله به وإن كان قبل ذلك أو مطلقا فهو بمعناه اللغوي، ووجه وضعه في غير موضمعه تركه أخوانه في الدين إلى أعدائه، وان كانوا أقرباء. قوله:) أقرباؤكم الخ) فذكره للتعميم والشمول وكون العشيرة من العشرة لأنها من شأنهم، وأما كونها من العشرة فلكمالهم والعشرة عدد كامل أو لأن بينهم عقد نسب كعقد العشرة، فإنه عقد من العقود، وهو معنى بعيد لكن المصنف رحمه الله مسبوق إليه، ونفاقها بفتح النون بمعنى رواجها والرواج ضد الكساد. قوله: (الحب الاختياري دون الطبيعي الخ) المراد بالحب الاختياري هو إيثارهم وتقديم طاعتهم لا ميل الطبع فإنه أمر جبلي لا يمكن تركه ولا يؤاخذ عليه، ولا يكلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 لإنسان بالتحفظ عنه أي بالامتناع عنه، وفي هذه الآية وعيد وتشديد لأنّ كل أحد قلما يخلص منها فلذا فيل إنها أشد آية نعت على الناس كما فصله في الكشاف. قوله: (مواقعها) بقاف بعدها عين مهملة أي موضع المحاربة التي تقع فيه، وفي نسخة مواقفها بقاف بعدها فاء أي محل مصاف الحروب والوقوف لها وهما متقاربان. قوله: (وموطن يوم حتين الخ (تبع في هذا ما وقع في الكشاف من أنّ ظرف الزمان لا يعطف على المكان ولا عكسه لأنّ كلا منهما يتعلق بالفعل بلا واسطة، وظاهر كلامه منعه مطلقاً، وظاهر كلام أبي على الفارسي ومن تبعه جوازه مطلقا كما في قوله: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة هود، الآية: 99] وقيل لا منع من نسق زمان على مكان وبالعكس إلا أنّ الأحسن أن يترك العاطف في مثله فقد علّمت أنّ للنحاة فيه ثلاثة مذاهب، وقال ابن المنير في البحر إنّ النحاة لم يعللوه وعلته أنّ الواو تقتضي الاشتراك في العامل، وفي جهة البعدي لأن جهة بعدي الزمان غير جهة بعدي المكان ونسبتهما مختلفة، وما قيل إنّ مراد الزمخشري إنه لا يجوز عطفه هنا لأنّ مواطن مجرورة بفي، ويوم منصوب على الظرفية فلو كان معطوفاً عليه لجر مدفوع بأنّ العطف هنا على المحل لا على اللفظ فوجود في لا يضرّ، وكذا كون ظرف الزمان ينتصب على الظرفية مطلقا، وظرف المكان يشترط فيه الإبهام لا دخل له في منع العطف وان توهمه بعضهم، فإن قلت كيف يقال زرتك في الدار- في يوم الخميس، ولا يجوز تعلق حر في جرّ بعامل واحد بمعنى واحد بدون تبعية فضلا عن أن يحسن قلت إذا اعتبر التغاير الاعتباري في العامل بالاطلاق والتقييد كما مرّ في كلما رزقوا منها من ثمرة فاعتبار التغاير الحقيقي في الطرفين أولى بالجواز، وهذه فائدة لم يذكروها في تلك المسألة، وقال النحرير: ليس المراد أنه ليس بينهما مناسبة مصححة للعطف فإنه ظاهر الفساد بل إن كلا منهما يتعلق بالفعل بلا توسط عاطف كسائر المتعلقات لا يعطف بعضها على بعض، وإنما يعطف على البعض ما هو من جنسه، ولا يتعلق به استقلالاً نحو ضربت زيداً وعمرا وصمت يوم الجمعة ويوم الخميس ونحوه، فلذا جعل من عطف المكان على المكان أو الزمان على الزمان بتقدير مضاف، أو بجعل المواطن اسم زمان قياسا وان بعد عن الفهم، ثم إنه في الكشاف أوجب انتصاب يوم حنين بمضمر، وهو نصركم وأنه من عطف الجمل لا! إذ بدل من يوم حنين فيلزم كون زمان الإعجاب بالكثرة ظرف النصرة الواقعة في المواطن الكثيرة لإيجاد الفعل، وليقيد المعطوف بما يقيد به المعطوف عليه، وبالعكس بحسب الظاهر كاعجبني قيام زيد يوم الجمعة وقيام عمرو وعكسه، ويوم حنين متقيد بزمان الإعجاب بالكثرة لأنّ العامل ينسحب على البدل، والمبدل منه جميعا فكذا المواطن، واللازم باطل إذ لا إعجاب بالكثرة في المواطن فاندفع ما قيل إنما يلزم لو كان المبدل منه في حكم النتيجة مع العاطف ليؤول إلى نصركم في مواطن كثيرة إذ أعجبتكم، وليس كذلك إذ ما-له نصركم في مواطن واذ أعجبتكم، ثم إنه على ما في الكشاف منع ظاهر مرجعه إلى أن الفعل في المتعاطفين لا يلزم أن يكون واحدا بحيث لا يكون له تعدد أفراد كضربت زيد اليوم، وعمرا قبله وأضربه حين يقوم وحين يقعد إلى غير ذلك فلا يلزم من تقييده في حق المعطوف بقيد تقييده في حق المعطوف عليه بذلك، ولا نسلم إنّ هذا هو الأصل حتى يفتقر غيره إلى دليل، وأما ما يقال إنّ هذه النكتة تدفع أصل السؤال أيضا لأنّ الزمان إنما لم يعطف على المكان لو كان ذلك الفعل واحدا وليس بلازم لجواز تغاير الفعلين ففيه نظر اهـ وكله كلام منقح، وهو زبدة ما في شرح الكشاف إلا دفعه الإيراد المذكور بجعل البدل قيدا للمبدل منه فإنه لا وجه له، وهو تحامل على السائل غير مسموع. قوله: (ويجوز أن يقدّر في أيام مواطن (هكذا هو في صحيح النسخ، ووقع في كثير منها، ويجوز أن يقدر مواطن أيام وهو سهو من الناسخ فيكون عطف يوم حنين على منوال ملائكته وجبريل كأنه قيل نصركم الله في أوقات كثيرة وفي وقت إعجابكم بكثرتكم الخ، ولا يرد عليه ما قيل إن المقام لا يساعد عليه لأنه غير وارد لتفضيل بعض الوقائع على بعض، ولم يذكر المواطن توطئة ليوم حنين كالملائكة إذ ليس يوم حنين بأفضل من يوم بدر وهو فتح الفتوح وسيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 الواقعات وبه نالوا القدج المعلى، والدرجات العلى لأنّ القصد في مثله إلى أن ذلك الفرد فيه من المزية ما صيره مغايرا لجنسه لأن المزية ليس المراد بها الشرف، وكثرة الثواب فقط حتى يتوهم هذا بل ما يشمل كون شأنه عجيباً، وما وقع فيه غريبا للظفر بعد اليأس والفرج بعد الشدة إلى غير ذلك من المزايا فإن قلت لم منعه هنا، ولم يمنعه في سورة هود في قوله: {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة هود، الآية: 99] قلت فسرهما هناك بالدارين إشارة إلى أنهما ظرفا مكان تاويلا وهذا لا يتأتى هنا فتدبر. قوله: (ولا يمنع إبدال قوله إذا أعجبتكاً الخ) هذا رذ على ما ذهب إليه في الكشاف من أنه مانع على تقدير جواز عطف أحد الظرفين على الآخر إلا أن يقدر منصوبا باذكر مقدراً، وقد علمت أنه لا وجه له وما أراد المنصف رحمه الله، وتحقيقه ويعلم مما قدمناه وقوله: (فيما أضيف إليه) المعطوف يعني الإعجاب بالكثرة، والمضاف إليه إذ ولكونه بدلاً مقصوداً بالنسبة جعله معصوفا أو المراد بالإضافة التقييد. قوله: (وحنين واد بين مكة والطائف) على ثلاثة أميال من مكة والطلقاء جمع طليق، وهو المطلق من أسر ونحوه وغلب على الذين من عليهم النبيّ لمجلى بالإطلاق يوم الفتح، وقوله: (هوازن وثقيف (قبيلتان معروفتان والظاهر أنه مفعول حارب والفاعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله والمسلمون بالرفع لكن كان الظاهر وثقيفا بالنصب لأنه منصرف فقيل إنه منعه من الصرف لمشاكلة هوازن، ولا يخفى أنه اسم لقبيلة فيصرف لأنه بمعنى حيّ ويمتنع لأنه بمعنى قبيلة فلا وجه للتردد فيه. قوله: (قال النبئ صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر رضي الله تعالى عنه أو غيره من المسلمين)) 1 (وهو سلمة بن سلامة قال الإمام إسناده إلى النبيئ لمجر بعيد لقطع نظره صلى الله عليه وسلم عن كل شيء سوى الله، وكونه غيرهـ منصوص عليه رواية كما في الدر، وقوله: (لن نغلب) مجهول،) ومن قلة) أي غلبة بسبب القلة ناشئة عنها، والمراد إثبات الغلبة بالكثرة كناية واعجابا بكثرتهم أي فالوا لما أعجبتهم كثرتهم فأدركهم غرور بذلك، وان كان من بعضهم لأن القوم يؤخذون بفعل بعضهم قيل، والحكمة أنّ الله أراد أن يظهر أن غلبتهم بتأييد الهيّ لا بقلة وكثرة، وقوله: (فأدرك المسلمين إعجابهم) أي شآمته ووخامته، والفل بفتح وتشديد المنهزم يقع على الواحد وغيره، وقوله: (في مركزه (أي مقره ومحله الأوّل. قوله: (ليس معه إلا عمه العباس رضي الله عنه آخذا بلجامه الخ (هذه رواية لكنه قيل الصحيح ما في رواية أخرى من أن طلقاء أهل مكة فرّوا قصد الإلقاء الهزيمة في المسلمين والنبيّ مجش! هـ على دلدل، وهي بغلته الشهباء لا يتخلخل، ومعه العباس رضي الله عنه آخذاً بلجامه وابن عمه أبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر وعليّ بن أبي طالب وربيعة بن الحرث والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد وهو قتل بين يدي النبيّءش! هـ وهؤلاء من أهل بيته، وثبت معه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فكانوا عشرة رجال، ولذا قال العباس رضي الله تعالى عنه: نصرنارسول الله في الحرب تسعة وقد فرّمن قد فر منهم واقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه بما مسه في الله لايتوجع ولذا قيل إنّ المصنف رحمه الله لم يصب فيما ذكره. قوله:) وناهيك بهذا شهادة الخ) فانّ الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على أنه مج! ن! كان أشجع الناس، وكانوا إذا اشتذ الحرب اتقوا برسول الله لمج! ، وشزف وكرّم وناهيك بمعنى يكفيك وحسبك به دليلا عليه تقول هذا جل ناهيك من رجل، ونهيك من رجل ونهاك من رجل يستوي فيه المفرد المذكر وغيره، والمراد به المدح كأنه ينهاك عن تطلب غيره، وهو مبتدأ أو الباء زائدة وركوبه مج! ييه البغلة أيضا إظهارأ لثباته، وأنه لم يخطر بباله مفارقة القتال، وقوله: (صيتا) بالتشديد أي جهوريّ الصوت شديده، وهو بيان لسبب تخصيصه بالأمر، وقوله: (يا أصحاب الشجرة) أي يا أصحاب بيعة الرضوان المذكورين في قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سررة الفتح، الآية: 8] وتوله: (يا أصحاب سورة البقرة) قيل: هم المذكورون في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [سورة البقرة، الآية: 285] وقيل: الذين أنزل عليهم سورة البقرة، وقيل: المراد الذين حفظوها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 فإنهم عظماء الصحابة رضي الله عنهم. قوله: (فكروا عنقاً واحداً) أي رجعوا جماعة واحدة أو دفعة واحدة من قوله: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 4] أي رؤساؤهم وجماعاتهم فهو بضم العين والنون، وتسكن ويجوز فتحهما بمعنى مسرعين. قوله: (حمى الوطيس) أصل معنى الوطيس التنور وهذه استعارة بليغة ومعناها اشتدّ الحرب، وفيه نكتة أخرى قل من تنبه لها وهي ما قاله ياقوت في معجم البلدان إنّ أوطاس واد في ديار هوازن وبه كانت وقعة حنين، وفيها قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " حمى الوطيس " وذلك حين استعرت الحرب وهو أوّل من قالها، واسم الوادي أوطاس وهو منقول من جمع وطيس كيمين وأيمان ففيه تورية فانظر لفصاحته صلى الله عليه وسلم، ومقاصده في البلاغة ورميه بسهام البراعة إلى أغراضها، وهو التنور وقيل نقرة في حجر يوقد فيها النار ويطبخ اللحم، ويقال وطست الشيء وطساً إذا كدرته وأثرت فيه، وأخذه التراب ورميه تقدم الكلام عليه، ورب الكعبة قسم، وقوله: (انهزموا (خبر وتبشير للمؤمنين. قوله:) شيئاً من الإغناء) يعني شيئا نصبه إما على أنه مفعول مطلق إن أريد الإغناء أو مفعول به على تضمنه معنى الإعطاء أي لم تعط شيئاً يدفع حاجتكم أو لم تكفكم شيثا من أمر العدوّ. قوله: (برحبها أي سعتها الخ) أي ما مصدرية، والباء للملابسة والمصاحبة أي ضاقت مع سعتها عليكم، وهو استعارة تبعية إما لعدم وجدان مكان يقرون به آمنين مطمئنين، أو أنهم لا يجلسون في مكان كما لا يجلس في المكان الضيق. قوله: (وليتم الكفار ظهوركم (قال الراغب في مفرداته: وليت سمعي كذا ووليت عيني كذا أقبلت به عليه قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وإذا عدى بعن لفظاً أو تقديراً اقتضى معنى الإعراض، وترك قربه اهـ فجعله في الأصل متعدياً إلى مفعولين، وتعديته بعن لتضمنه معنى الإعراض! ، وهو غير مراد هنا وأما الإقبال فإنما جاء من كون الوجه مفعولاً فقد عرفت وجه ما ذكره فإنه إنما يعتمد في اللغة عليه، ومن لم يقف على مراده اعترض! عليه، وقال: ولي تولية أدبر كما في القاموس فلا حاجة إلى تقدير مفعولين، وتبعه من قال: إن ما ذكره المصنف رحمه الله لا وجه له، والتضمين خلاف الأصل، وكيف يتوهم ما ذكروه مع قوله: {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [سورة الأنفال، الآية: 15] وغير. من الآيات التي وقع فيها متعد بالمفعولين وإنما غرهم كلام القاموس، وليس بعمدة في مثله. قوله: (إلى خلف (إشارة إلى اشتقاق الأدبار. قوله:) رحمته التي سكنوا بها وأمنوا) وهي النصر وانهزام الكفار، واطمئنان قلوبهم للكرّ بعد الفرّ ونحوه ولا حاجة إلى تخصيص الرحمة مع شمولها لكل رحمة في ذلك الموطن. قوله: (على رسوله وعلى المؤمنين الذين انهزموا الخ الما كان الأصل عدم إعادة الجارّ في مثله إشارة إلى نكتة، وهي بيان التفاوت بينهما فإنهم قلقوا واضطربوا حتى فروا فكانت سكينتهم اطمئنان قلوبهم، وهو لمجج، ومن معه ثبتوا من غير اضطراب فسكينتهم بمعاينة الرسول ع! فه الملائكة، وظهور علامات ذلك لمن معه، وقوله: وقيل الخ يعني المراد بالمؤمنين قيل ولو أخر نكتة إعادة الجا ار عن هذا لكان أولى لجريها فيهما، وفيه نظر، ثم إنه على الوجه الأوّل كلمة، ثم في محلها فلذا اختاروه، وعلى الوجه الآخر يكون التراخي في الإخبار أو باعتبار المجموع لأنّ إنزال الملائكة بعد الانهزام لا التراخي الرتبي لبعده. قوله: (بأعينكم (يعني أنّ الرؤية بصرية، وا! المراد نفي الرؤية حقيقة لا أنهم رأوها هم أو المشركون وأنّ المراد لم يروا مثلها قبل ذلك، وكما اختلف في عددهم اختلف أيضا هل قاتلوا أم لا. قوله: (وكانوا خمسة الخ (قيل ونجه الاختلاف في العدد أنه تعالى قال: {أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ} [سورة آل عمران، الآية: 124، ثم قال: {وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ} [سررة آل عمران، الآية: 125] فأضاف الخمسة للثلاثة فصارت ثمانية، ومن أدخل الثلاثة فيها قال إنها خمسة فجعلهم نهاية ما وعد به الصابرين ومن قال: ستة عشر جعلهم بعدد العسكرين اثني عشر وأربعة وهو كلام حسن، وقوله في الدنيا تنازع فيه كفر وجزاء ودلّ عليه قوله، ثم يتوب الخ وفسر التوبة بالتوفيق للإسلام منهم وهي من ، الله قبوله ذلك ولا ينفك عنه أما التوفيق المذكور فقد يكون، وقد لا يكون فهو المعلق بالمشيئة لا قبوله كما يتبادر من النظم فأشار المصنف رحمه الله إلى دفعه، وقوله: (ويتفضل عليهم) إشارة إلى أنه ليس بطريق الوجوب كما تقول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 المعتزلة. قوله: (روي أنّ ناساً منهم الخ) (1 (هذا الحديث في رواية للبخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم بنحوه، وقوله:) ما كنا نعدل بالأحساب (أي لا نسوي بها شيئاً بل نختارها ونقدمها على غيرها والحسب ما يعذ من المفاخر وأرادوا أن اختيارهم ذلك مفخرة ومنقبة لهم، وقوله: (وقد سبى الخ) جملة حالية معترضة بين أثناء صلامهم، وسبايا جمع سبية بمعنى مسبية أي مأسورة والذراري جمع ذرية، وقوله: (فشأنه) أي فليلزم شأنه وهو ما اختاره، وقوله:) ومن لا) أي من لم تطب نفسه، وقرله: (وليكن قرضاً (أي بمنزلته ولا مانع من حمله على حقيقته، والعرفاء جمع عريف وهو من يؤمر على فرقة من العسكر ليعرف أحوالهم كالنقيب وقوله فليرفعوا إلينا أي يعلمونا به من قولهم رفعت القصة للأمير، وقوله فرفعوا أنهم قد رضوا أي رفعوه إلى النبىّ - صلى الله عليه وسلم - وأعلموه به. قوله: (لخبث باطنهم الخ) نجس بالفتح مصدر فيحتاج إلى تقدير مضاف أو تجوّز وان كان صفة كما ذكره الجوهري فلا بذ من تقدير موصوف مفرد لفظا مجموع معنى ليصح الإخبار به عن لجمع أي جن! نجس ونحوه، وقوله لخبث باطنهم أي هو مجاز عن خبث الباطن، وفساد العقيدة فهو استعارة لذلك أو لأنهم يجتنبون كما يجتنب النجس فلا وجه لما قيل إن المناسب تقديم الوجه الثالث على الثاني لاشتراكه مع الأوّل في عدم كون الكلام على التشبيه للمبالغة، والوجوب أمّا للمبالغة في اجتنابهم أو المراد وجوبه في الجملة كما في الحرم فلا يرد ما قيل كان عليه ترك الوجوب، وعلى كون المراد ملابستهم النجاسة كالخمر والخنزير ونحوه فهو حقيقة حينئذ أو تغليب. قوله:) وفيه دليل على أنّ ما الغالب نجاستة نجس (أي متنجس كالبط والدجاج المخلى إذا جعل رأسه في ماء نجسه حملاً على غالب أحواله. قوله: (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) فالنجاسة عنده حقيقة ذاتية لكن الذي ذهبوا إليه خلافه، وقوله وأكثر ما جاء تابعا لرجس لأنّ هذه القراءة وهي قراءة أبي حيوة دلت على أنه أكثرقي لا أنه لا يجوز بغير اتباع كما نقل عن الفراء، وتبعه الحريري في درّته وعلى قول الفراء هو اتباع كحسن بسن، ثم إنّ المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما مال إليه الرازي وعليه فلا يحل الشرب من أوانيهم ومؤاكلتهم ونحوه، لكنه قد صح عن النبيئ لمجن! والسلف خلافه، واحتمال كونه قبل نزول الآية فهو منسوخ بعيد لأنّ الأصل الطهارة، والحل ما لم يقم دليل على خلافه، وقوله: وأكثر ما جاء تابعا كقولهم اً كثر شربي السويق ملتوتا. قوله: (لنجاستهم وإنما نهى عن الاقنراب للمبالغة الخ) وكون العلة نجاستهم إن لم نقل بأنها ذاتية لا تقتضي جواز دخول من اغتسل، ولب! ثيابا طاهرة لأن خصوص العلة لا يخصص الحكم كما في الاستبراء، ووجه المبالغة أن المراد دخوله فالمنع عن قربه أبلغ، وإذا كان للمنع عن الحرم يكون المنع من قرب نفس المسجد الحرام على ظاهره، وبالظاهر أخذ أبو حنيفة رحمه الله إذ صرف المنع عن دخول الحرم للحج والعمرة بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} فإنه إنما يكون إذا منعوا من دخول الحرم، وهو ظاهر ونداء عليئ كرم الله وجهه بقوله: ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك بأمر النبيّ ىشي! يعينه فلا يقال إنّ منطوق الآية يخالفه. قوله: (وفيه دليل على أنّ الكفار الخ) وجه الدلالة نهيهم والنهي من الأحكام وكونهم لا ينزجرون به لا يضرّ بعد معرفته معنى مخاطبتهم بها والمخالف فيه يقول النهي بحسب الظاهر لهم، ولكنه كناية عن نهي المؤمنين عن تمكينهم من ذلك كما في نحو لا أرينك هاهنا بدليل أن ما قبله وما بعده خطاب للمؤمنين لا للكفار، وسنة براءة سنة نزولها وقراءتها عليهم وسنة حجة الوداع هي العاشرة من الهجرة. قوله: (فقراً بسبب منعهم الخ (لأنهما لما منعوا شق ذلك عليهم لأنهم كانوا يأتون في الموسم بالميرة والمتاجر لهم والإرفاق جمع رفق وهو المنفعة، وفي نسخة الإرزاق وهما بمعنى، والعيلة من عال بمعنى افتقر. قوله: (من عطائه أو بتفضله بوجه آخر الخ) يعني الفضل بمعنى العطاء أو التفضل فعلى الأوّل من ابتدائية أو تبعيضية وعلى الثاني سببية ولذا عبر عنها بالباء، وقيل إنها نزلت على الوجهين للأصل وهو خلاف الظاهر وقوله: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا} [سورة الأنعام، الآية: 6] كثير الأمطار، وتبالة بفتح التاء المثناة الفوقية والباء الموحدة بلدة من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 بلاد اليمن ولما تولى عملها الحجاج استحقرها ورجع فقيل في المثل أهون من تبالة على الحجاج، وجرس بضم الجيم وفتح الراء المهملة، والشين المعجمة مخلاف من مخاليف اليمن أي ناحية منه، والمخلاف في إليمن كالرستاق بالعراق، وامتاروا أي جلبوا له الميرة بالكسر وهي الطعام أو جلبه. قوله: (وقرئ عائلة على أنها مصدر الخ) يعني إنه إما مصدر بوزن فاعلة كالعافية أو اسم فاعل صفة لموصوف مؤنث مقدر أي حالاً عائلة أي مفقرة، فقوله أو حال يعني أو صفة حال، وفي نسخة أو حالاً بالنصب أي أو تقديره خفتم حالاً عائلة ففي كلامه تعقيد وايجاز مخل لكته اختصر كلام ابن جني رحمه الله تعالى وهو هذه من المصادر التي جاءت على فاعلة كالعاقبة، والعافية ومنه قوله تعالى: {لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [سورة الغاشية، الآية: 11، أي لغوا ومنه قولهم مررت به خاصة أي خصوصا، وأمّ قوله تعالى: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} [سورة المائدة، الآية: 13] فيجوز أن يكون مصدرا أي خيانة وأن يكون على تقدير نية أو عقيدة خائنة، وكذا هاهنا يقدر إن خفتم حالاً عائلة، اهـ وما قيل إنه إلغاز لأنه أراد بالحال معنى الصفة فإنه مفعول به سواء أكان مصدرا أو اسم فاعل فأطلق الحال وأراد به الصفة فإنّ المعنى، وان خفتم حالاً عائلة على الإسناد المجازي فحذف الحال، وأقيمت الصفة مقامه لا يخفى حاله. قوله: (قيده بالمشيئة الخ) يعني أنّ التعليق بالمشيئة قد يتوهم أنه لا يناسب المقام وسبب النزول، وهو خوفهم الفقر فإنّ دفعه بالوعد بإغنائهم من غير تردد أولى والشرط يقتضي التردد فأشار إلى أنه لم يذكر للتردد بل لبيان إنه بإرادته لا سبب له غيرها فانقطعوا إليه، وقطعوا النظر عن غيره، ولينبه على أنه متفضل به لا واجب عليه لأنه لو كان بالإيجاب لم يوكل إلى الإرادة فلا يقال إنّ هذا لا حاجة إلى أخذه من الشرط مع قوله من فضله لأن من فضله يفيد أنه عطاء واحسان، وهذا يفيد أنه بغير إيجاب وشتان بينهما، وكونه غير عامّ لكل إنسان وعام يفهم من التعليق، وقيل إنه للتنبيه على أنه بإرادته لا يسعى المرء وحيلته: لوكان بالحيل الغني لوجدتني بنجوم أقطار السماء تعلقي قوله: (أي لا يؤمنون بهما على ما ينبغي الخ (لما كانت الآية في حق أهل الكتاب، وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر نبه على أن إيمانهم لما كان على ما لا ينبغي نزل منزلة العدم فإنه كلا إيمان لأنهم يقولون لا يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وانّ النار لم تمسهم إلا أياما معدودات واعتقادهم في نعيم الجنة أنه ليس كما تقول كما مر في تفسير قوله: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أسورة البقرة، الآية: 4] في البقرة وقوله فإيمانهم الخ في نسخة فإنّ إيمانهم، وعليهما فلا غبار على كلامه كما توهم لقلة التدبر. قوله: (ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة الخ الما كان كل ما حرّمه الله حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم وبالعكس فسره بالكتاب والسنة ليسلم من التكرير. قوله: (هو الذي يزعمون الخ) يعني المراد نبيهم كموسى ع! ي! ف! نهم بدلوا شريعته وأحلوا وحرّموا من عند أنفسهم اتباعا لأهوائهم فيكون المراد لا يتبعون شريعتنا، ولا شريعتهم ومجموع الأمرين سبب لقتالهم وان كان التحريف بعد النسخ ليس علة مستقلة، وقوله اعتقاداً وعملا تمييز قيد ليخالفون لا للنسخ. قوله: (الذي هو ناسخ سائر الأديان (في نسخة ناسخ الأديان وهما بمعنى لأنّ أل فيه للاستغراق وهذا مأخوذ من توله الحق لأنه يفهم إنّ غيره ليس بحق، وكون الشرائع حقا مما لا شبهة فيه فيصرف إلى نسخها وابطال العمل بها فيكون بمنطوقه مفيدا لأنه ثابت لا ينسخ، وبمفهومه أنه ناسخ لما عداه فلا حاجة إلى ما قيل إنّ ثبات الدين يتوقف على عدم المنسوخية لا على ثبوت الناسخية لغيره فيجاب بأنّ المراد ناسخيته لغيره، وهي تستلزم ثبوته ودين الحق من إضافة الموصوف للصفة أو المراد بالحق الله تعالى. قوله: (مشتق من جرى دينه إذا قضاه) معنى الجزية معروف لكنه اختلف في مأخذها فقيل من الجزاء بمعنى القضاء يقال جزيته بما فعل أي جازيته، أو أصلها الهمز من الجزء والتجزئة لأنها طائفة من المال يعطي، وقيل إنها معرب كزيت وهو الجزية بالفارسية، وفي الهداية أنها جزاء الكفر فهي من المجازاة. قوله: (حال من الضمير) وهو فاعل يعطوا ومؤاتية بالمثناة الفوقية من المؤاتاة، وهي الموافقة وعدم الامتناع والطاعة واليد هنا إما يد المعطي أو يد الآخذ، وفي الكشاف معناه على إرادة يد المعطي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 حتى يعطوها عن يد أي عن يد مؤاتية غير ممتنعة لأنّ من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد ولذلك قالوا أعطى يده إذا انقاد وأصحب، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة كما يقال خلع ربقة الطاعة عن عنقه، أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ، وأما على إرادة يد الأخذ فمعناه حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، وعن إنعام عليهم لأنّ قبولها منهم، وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم، وقيل عليه إنه لا تقريب فيه ولا يصلح بياناً لعلاقة المجاز لأنّ أعطى يده وبيده بزيادة الباء، أو تعدية الإعطاء بالباء وبنفسه كما في الأساس ظاهر الدلالة على معنى الإطاعة والانقياد بخلاف أعطى عن يد فإنه مبعد لجعل عن مزيدة أو بمعنى الباء، ورذ با! القصد إلى معنى السببية أي صادرا عن يد لإفادة من وعن والباء ذلك كما صرح به في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} في قراءة عكرمة، وأما على كونها يد الآخذ فاستعمال اليد في القدرة أو النعمة شائع فاعتراضه في التقريب بأنه لا دلالة على هذه الإضمارات ليس بشيء، والعجب ممن قال: بعد سماع ما ذكر من بيان مراد ا! زمخشري، وردّ ما أورد عليه عندي أنّ معنى عن يد صادرا عن انقياد بسببه فاليد بمعنى الانقياد والاستسلام كما صرّح به صاحب القاموس بعده في معانيها، وعن للسببية لأنّ صاحب المغني والزمخشري جعلاه ص معانيها فتبين أنه لا حاجة إلى ما تكلفه الزمخشري فإنه مع كونه مستغنى عنه بما قرّرناه يرد عليه اعتراض! صاحب التقريب فلم يدر أن ما قاله بعينه كلام الزمخشري فقد أتعب نفسه من غير فائدة. قوله: (أو عن يدهم بمعنى مسلمين) يعني المراد به تسليمها بنفسه، من غير أن يبعث بها على يد وكيل أو رسول لأنّ القصد فيها التحقير وهذا ينافيه فلذا منع من التوكيل شرعا، وخالف الزمخشريّ في جعله مع أنه نقد غير نسيئة، وجهاً واحدا لما فيه من الجمع بين المعنى الحقيقيّ، وغيره فسلم مما يرد عليه. قوله: (أو عن غنى (لأنّ اليد تكون مجازا عن القدرة المستلزمة للغنى، وهذا لم يذكره الزمخشري صريحا. قوله:) أو عن يد قاهرة (على أن يكون المراد باليد يد الآخذ يعني أنّ المراد باليد القهر والقوّة فلو صرّج به لكان أظهر وأخصر، والمراد بالذلة في قوله إذلاء الذلة الظاهرة كوجء العنق والأخذ باللبب، ونحوه فلا يرد عليه إنه تكرار مع قوله وهم صاغرون كما قيل، وقوله:) عاجزين أذلاء (توضيح للحالية من الفاعل. قوله: (أو عن إنعام عليهم الخ (فاليد بمعنى الإنعام وتكون بمعنى النعمة أيضاً وابقاؤهم بالجزية أي عدم قتلهم والاكتفاء بالجزية نعمة عظيمة فاليد الآخذ، وهي عبارة عن إنعامه لا عن قدرته واستيلائه لما مرّ في قوله أو عن يد قاهرة، وفي بعض النسخ قوله أو عن إنعام مقدم على قوله أو من الجزية وهو أولى من تأخيره الواقع في بعضها فإنّ قوله أو عن إنعام الخ، مبني على أن يكون المراد باليد يد الآخذ كما في قوله أو عن يد قاهرة قيل ويجوز في الوجوه الأول كونه حالاً عن الجزية أي مقرونة بالانقياد، ومسلمة بأيديهم وصادرة عن غنى ومقرونة بالذلة وكائنة عن إنعام عليهم وبجوز في الأخير الحالية عن الضمير أي مسلمين نقداً، وقوله من الجزية معطوف على قوله من الضمير وجعله الزمخشري مع الثاني وجها واحدا وقد مرّ تحقيقه. قوله: (أذلاء الخ) وجأه بالجيم والهمزة ضربه، ومجوس هجر مجوس توطنوا هجر بالتحريك وهي بلدة باليمن يجوز صرفها، وعدمه وهذا من الزيادة على الكتاب والسنة وشبههم بأهل الكتاب لزعمهم أنّ لهم نبياً اسمه زرادشت، وقوله: (ويؤيده أنّ عمر رضي الله تعالى عنه الخ) أخرجه البخاري) 1 (، وقوله: (فلا تؤاخذ منهم الجزية) هو مذهب الشافعي لأنّ قتال الكفرة واجب، وقد عرفنا تركه في أهل الكتاب بالكتاب، وفي المجوس بالخبر فبقي غيرهم على الأصل ولأبي حنيفة رحمه الله ما رواه الزهرقي ولأنه لما جاز استرقاقهم جاز ضرب الجزية عليهم، وتتمته في كتب الفقه، وقوله: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (2 (أي اسلكوا بهم طريقتهم، واجعلوهم مثلهم، وهو حديث أخرجه مالك في الموطأ والشافعي في الأم وما روي عن الزهري أخرجه عبد الرزاق عن معمر. قوله: (وأقلها في كل سنة دينار) هو مذهب الشافعيّ رحمه الله، ومذهب أبي حنيفة ما ذكره والغنى هو الذي يملك أكثر من عشرة آلاف درهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 والفقير الذي لا يملك مائتي درهم، والكسوب بفتح الكاف القادر على الكسب وان لم يكن له حرفة والفقير الغير المكسوب كالأعمى والمقعد والشيخ الكبير، وهذا إذا ابتدأ الإمام وضعها أمّا إذا وضعت بالتراضي والصلح فبحسب ما يتفق عليه وعليه حمل ما استدل به الشافعي رحمه الله تعالى. فائدة: يجب التنبيه لها قال الإمام الجصاص في أحكام القرآن: اقتضى وجوب قتلهم إلى أن تؤخذ منهم الجزية على وجه الصغار والذلة أنه لا يكون لهم ذمّة إذا تسلطوا على المسلمين بالولاية ونفاذ الأمر والنهي، إذ كان الله إنما جعل لهم الذمّة بإعطاء الجزية وكونهم صاغرين فواجب على هذا قتل من تسلط على المسلمين بالغصب وأخذ الضرائب بالظلم، وان كان السلطان ولاه ذلك هان فعله بغير إذنه وأمره فهو أولى وهذا يدل على أنّ هؤلاء النصارى، واليهود الذين يتولون أعمال السلطان، ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين وأخذ الضرائب لا ذمة لهم، وأن دماءهم مباحة ولو قصد مسلم مسلما لأخذ ماله فقد أبيح له قتله في بعض الوجوه فما بالك بهؤلاء، وقد أفتى فقهاؤنا بحرمة تواليهم الأعمال لثبوته بالنص كما في البحر الرائق، وقد ابتلى السلاطين بهذا حتى احتاج الناس إلى مراجعتهم وتقببل أياديهم كما كان في زمن السلطان مرأد حتى وقع بسبب ذلك فتنة عظيمة لا يفي البيان بها، وقد قلت في ذلك: ويح ناس قوما يهودا تولوا وتولوا عن قول رب تعالى حسبوا الطب والأمانة فيهم فاستباحوا الأرواج والأموالا يقتلون البغاة من غير حرب وكفى الله المؤمنين القتالا وبسط الكلام فيه ابن القيم رحمه الله. قوله: (إنما قاله بعضهم من متقدّميهم الخ (من بيانية أو تبعيضية وهو الظاهر ونسبة الشيء القبيح إذا صدر من بعض القوم إلى الكل مما شاع كما مرّ تحقيقه، وقوله والدليل الخ قيل ما الحاجة إلى دليل، وقد صرّج به في النظم فهذا كإيقاد الشمعة وسط النهار المشمس، وأجيب بأنّ مدلوله صدوره منهم، ولا خفاء فيه والذي أثبت بما ذكر أنه معروف بينهم غير منكر منهم ولذا أسند إلى جميعهم، وقيل ضمير فيهم ليهود المدينة، وهو استدلال على القول الثاني ولا دلالة في الآية عليه بخصوصه فتأمّل، وتهالكهم حرصهم عليه حتى يكادوا أن يهلكهم الحرص. قوله: (عزير بالتنوين الخ) قرأ عاصم والكسائي بتنوين عزيز والباتون بترك التنوين، فالأوّل على أنه اسم عرب وابن خبره، وقال أبو عبيد أنه أعجمي لكنه صرف لخفته بالتصغير كنوج، ولو طورد بأنه ليس بمصغر درانما هو أعجمي جاء على هيئة المصغر كسليمان، وفيه نظر، وأما حذف التنوين فقيل حذف لالتقاء الساكنين على غير القياس، وهو مبتدأ وخبر أيضاً، ولذا رسم في جميع المصاحف بالاً لف، وقيل لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، وقيل لأنه موصوف بابن وسيأتي ما فيه، وقوله: (تشبيهاً للنون بحروف اللين) فإنّ حروف اللين تحذف عند التقاء الساكنين والنون تحرّك لدفعه. قوله: (أو لأنّ الابن وصف والخبر محذوف الخ) من ذهب إلى هذا قطع بالانصراف لكونه عربيا كما ذكره الجوهري، وقال الزمخشري: أنّ هذا القول تمحل عته مندوحة وذكر الشيخ في دلائل الإعجاز هذا القول وردّه حيث قال الإثم إذا وصف بصفة، ثم أخبر عنه فمن كذبه انصرف تكذيبه إلى الخبر وصار ذلك الوصف مسلما فلو كان المقصود بالإنكار قولهم عزير ابن الله معبودنا لتوجه الإنكار إلى كونه معبوداً لهم، وحصل تسليم كونه ابناً دلّه، وذلك كفر وقال الإمام إنه ضعيف أمّا قوله إنّ من أخبر الخ فمسلم، وأمّا قوله ويكون ذلك تسليماً للوصف فممنوع لأنه لا يلزم من كونه مكذبا لذلك الخبر كونه مصدقا لذلك الوصف إلا أن يقال تخصيص ذلك بالخبرية يدل على أنّ سواء لا يكذب، وهو مبنيّ على دليل خطابي ضعيف، وقيل هذا الكلام يحتمل أمراً آخر، وهو أن يقال المراد من إجراء تلك الصفة على الموصوف بناء الخبر عليه فحينئذ يرجع التكذيب إلى جعل ذلك الوصف علة للخبر فبطل ذلك التمحل يعني الوصف للعلية فإنكار الحكم يتضمن إنكار علته، ولو سلم فلا يستلزم تسليمها، وقيل عليه إن إنكار الحكم قد يحتمل أن يكون بواسطة عدم الاقتضاء لا لأنّ الوصف كالأبنية مثلاً منتف، وفي الإيضاج أن القول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 بمعنى الوصف، وارد أنه لا يحتاج إلى تقدير الخبر كما أنّ أحداً إذا قال مقالة ينكر منها البعض فحكيت منها المنكر فقط قال في الكشف، وهو وجه آخر حسن في دفع التمحل لكنه خلاف الظاهر أيضا لا ترى إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [سورة التوبة، الآية: 30] وما قيل إنه لا يدفع التمحل غير مسلم وأمّا ما قيل إن ما ذكره الشيخ ليس بمطرد لا في توجه الإنكار إلى الخبر ولا في كون الوصف مسلما كما إذا كان الخبر مسلماً للكل، أو للحاكي والوصف غير مسلم فانه إذا قدّر الخبر في الآية نبينا أو حافظ التوراة لا يتوجه الإنكار إلى الخبر بل إلى الوصف، ولا يبعد أن يكون حذف الخبر للإشارة إليه فيندفع المحذور إلا أنّ حمل كلام رب العزة عليه مخل ببلاغته فحبط، وخلط غريب مع أنه مع إخلاله بالفصاحة والبلاغة كيف ينبغي ذكره، وهل إخلاله إلا لما ذكروه بعينه مع أنه لم يزد على ما قاله الإمام إلا علاوة من الصخور في البراري. قوله: (مثل معبودنا أو صاحبنا وهو مزيف لآنه يؤدي إلى تسليم النسب وإنكار الخبر المقدّر) قد تقدّم بيانه على أتم وجه، قيل: كيف ينكر قولهم صاحبنا فالوجه الاقتصار على معبودنا كما في الكشاف، أقول مقصوده أنّ قانون الاستعمال على إنكاره سواء كان منكراً في نفسه أو لا لأنه قد يتوهم في التقدير الأوّل إنّ الإنكار إنما استفيد من قيام الدليل على أنه لا معبود إلا الله، وفيه ردّ على توهم بعض الأذهان القاصرة كما مرّ قبيلة إن الخبر إذا لم يكن منكراً توجه الانكار إلى الوصف المذكور فتنبه، وههنا وجه آخر لا يرد عليه شيء مما ذكروه، ولم يظهر لي وجه تركه مع ظهوره وأظنه من خبايا الزوايا، وهو أن يكون عزير ابن الله والمسيح ابن الله خبرين عن مبتدأ محذوف أي صاحبنا عزير ابن الله، والخبر إذا وصف توجه الانكار إلى وصفه نحو أهذا الرجل العاقل، وهذا موافق لقانون البلاغة، وجار على وفق العربية من غير تكلف ولا غبار عليه. قوله: (استحاله لأن الخ) من لم يكن إلها تنازعه ما قبله واذما لم يقل من لم يكن ابن الله مع أنه المدعي، ولذا قيل إنّ هذا لا يدل على كونه ابنا لأن ابن الإله لا يكون إلا إلها لاتحاد الماهية كذا قيل، وقيل لما لم يكن عندهم مستقلا بالألوهية لزم كونه ابنا، وفيه تأمل. قوله: (تثيد لنسبة هذا القول إليهم الخ الم يرتض شراح الكشاف كونه تأكيد الدفع التجوّز عن الكتابة والإشارة أو كون القائل بعض أتباعهم ونحوها مثل كتبته بيدي، وأبصرته بعيني لأنه غير مناسب، ولذا حمله الزمخشري على وجهين الأوّل أنه مجزد لفظ لا معنى له معقول كالمهملات، أو أنه رأى ومذهب لا أثر له في قلوبهم وإنما يتكلمون به جهلا أو عناداً، ولكن إرادة المذهب من الفول مستدركة لأنّ كون القول بأفواههم لا بقلوبهم كاف في ذلك ترك المصنف رحمه الله تعالى الاحتمال الثاني، ولما رأى المصنف أنّ كون المراد به التأكيد مع التعجيب من تصريحهم بتلك المقالة الفاسدة لا ينافيه المقام كما صرح به العلامة في شرح الكشاف لأنّ التأكيد لا ينافي اعتبار نكتة أخرى لم يلتفت إلى ما ذكر لأنه الشائع في أمثاله ولأنه لا تجوّز فيه، وأما ما قيل إنّ المناسب حينئذ أن يقال، وقالت الخ بأفواههم من غير تخلل قوله: {ذَلِكَ قَوْلُهُم} ولذا حمله بعضهم على دفع التجوّز في المسند دون الإسناد، والقول قد ينسب إلى الأفواه والى الألسنة والأوّل أبلغ ولذا أسند إليها هنا فغير ظاهر، والمراد بقوله في الأعيان في نفس الأمر فلا يرد عليه ما قيل المفهومات أمور معنوية لا وجود لها في الخارج لشيوع مثله في كلامهم من غير مبالاة به. قوله:) فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه) فانقلب مرفوعا أو هو تجوّز، كقوله: {وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} أسورة يوسف، الآية: 52] أي لا يهديهم في كيدهم فالمراد يضاهون في أقوالهم. قوله: (والمراد قدماؤهم الخ (فالمضاهي من كان في زمنه منهم لقدمائهم، ومعناه عراقتهم في الكفر على الوجه الذي بعده هو شامل لهم كلهم وأما كون المضاهي النصارى، ومن قبلهم اليهود فخلاف الظاهر مع أنّ مضاهاتهم علصت من صدر الآية، ولذا أخره المصنف رحمه الله لكنه منقول عن قتادة. قوله: (والمضاهاة المشابهة الخ) فيقال ضاهيت وضاهأت كما قاله الجوهري: وقراءة العامة يضاهون بهاء مضمومة بعدها واو وقرأ عاصم بهاء مكسورة بعدها همزة مضمومة وهما بمعنى من المضاهاة وهي المشابهة وهما لغتان، وقيل الياء فرع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 عن الهمزة كما قالوا قربت وتوضيت وأخطيت، وقيل الهمزة بدل من الياء لضمها، ورذ بأنّ الياء لا نثبت في مثله حتى تقلب بل تحذف كيرامون من الرمي، وقيل: إنه مأخود من قولهم إمرأة ضهيا بالقصر وهي التي لا ثدي 559 لها أو لا تحيض أو لا تحمل لمشابهتها الرجال ويقال امرأة ضهياء بالمذ كحمراء وضهياءة بالمد وتاء التأنيث وشذ فيه الجمع بين علامتي التأنيث، قيل وهو خطأ لاختلاف الماذتين فإنّ الهمزة في ضهياء على لغاتها الثلاث زائدة، وفي المضاهأة أصلية ولم يقولوا إنّ همزة ضهيأ أصلية وياؤها زائدة لأن فعيل لم يثبت في أبنيتهم، ولم يقولوا وزنها فعلل كجعفر لأنه ثبت زيادة الهمز في ضهياء بالمذ فتتعين في اللغة الأخرى، وفيه رذ على الزمخشري إذ جعل الهمزة مزيدة، وقال: إنّ وزنه فعيل ولا محيص عنه سوى أن تجعل الواو بمعنى أو في كلامه ليكون إشارة إلى القول الآخر في همزتها، وما يقال إنه يجوز أن يراد بكونه فعيلا مجرّد تعداد الحروف، والا فوزنه فعلأ كما صرّح به الزجاج لا يناسب ما قصده من الاشتقاق، وفيه كلام مفصل في سرّ الصناعة لابن جني. قوله: (على فعيل) يعارض ما قاله في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} [سورة البقرة، الاية: 87] من أنّ وزن مريم مفعل إذ لم يثبت فعيل. قوله:) دعاء عليهم بالإهلاك الخ (قال الراغب: المقاتلة المحاربة وقولهم قاتلهم الله تيل معناه لعنهم، وقيل معناه قتلهم والصحيح أنه على المفاعلة والمعنى صار بحيث يتصذى لمحاربة الله فإنّ من قاتل الله فمقتول ومن غالبه فمغلوب، انتهى. فعلى الأوّل هو دعاء عليهم بالإهلاك كما ذكره الرأغب، وعلى الثاني المراد منه التعجب من شناعة قولهم فانها شاعت في ذلك حتى صارت تستعمل في المدح فيقال قاتله الله ما أفصحه فظهر الفرق بينهما وأنه لا وجه لما قيل إنه دعاء عليهم بالإهلاك، ويفهم التعجب من السياق لأنها كلمة لا تقال إلا في موضع التعجب من شناعة فعل قوم، أو قولهم مع أن تخصيصه بالشناعة شناعة أخرى، ومما يتعجب منه ما قيل لا يظهر وجه الدعاء من الله فهو بتقدير قولوا قاتلهم الله والجمل الدعائية في القرآن كثيرة لكنها في كل مقام يراد منها ما يناسبه. قوله:) بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله الخ (هذا هو تفسير النبىّ - صلى الله عليه وسلم - فينبغي الاقتصار عليه لأنه لما أتاه عديّ بن حاتم وهو يقرؤها قال له: إنا لم نعبدهم فقال: ألم تتبعوهم في التحليل والتحريم فهذه هي العبادة، والناس يقولون فلأن يعبد فلأنا إذا أفرط في طاعته فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة، وهي طاعة مخصوصة على مطلقها والأوّل أبلغ وعلى كونه بمعنى السجود يكون حقيقة. قوله: (بأن جعلوه ابنا (فسره به لأنّ سياق الآية يقتضيه فلا يرد ما قيل الأولى بأن عبدوه ليعمّ كل النصارى، والمتخذون الأوّل بالكسر والثاني بالفخ على زنة الفاعل والمفعول. قوله: (فبكون كالدليل على بطلان الاتخاذ الخ الأن من عبدوه إذا لم يؤمر بغير عبادة ألله فهم بالطريق الأولى، وإنما قال كالدليل لأنه ليس بدليل لاحتمال أنّ المعبودين اختصوا بذلك لكمالهم وعدم احتياجهم إلى الواسطة بخلاف من دونهم وان كان احتمالاً فاسدا، وهذا على الثاني إذ هو على الأوّل إبطال لاتخاذهم لا دليل علي! ، ولذا خصه المصنف رحمه الله والزمششرفي به كما يشهد له التفريع فمن قال: إنه لا وجه له لا وجه له. قوله: (ليطيعوا الخ) فسر العبادة بمطلق الطاعة التي تندرج فيها العبادة لأنه أبلغ وأدل على إبطال فعلهم إذ المراد باتخاذهم أربابا إطاعتهم كما مرّ، وهذا إذا كان المتخذ على زنة الفاعل ظاهر فإن كان وزن المفعول فلما مر أن غيرهم يعلم بالطريق الأولى، وبهذا سقط ما قيل إنه لا حاجة إلى صرف العبادة عن معناها الظاهر إلى معنى الإطاعة حتى يحتاج إلى أن يقال طاعة الرسول لمج، وكل من أمر الله بطاعته كطاعة الله في الحقيقة. قوله: (مقزرة للتوحيد) هو على الوجهين، وفيه فائدة زائدة هو أنّ ما سبق يحتمل غير التوحيد بأن يؤمروا بعباد إله واحد من بين الآلهة فأذن وصف الماً مور بعبادته بأنه هو المنفرد بالألوهية، وهو المراد ويجوز كونها مفسرة لواحد. قوله: (حجته الدالة على وحدانيته وتقدسه الخ) فنور الله استعارة أصلية تصريحية لحجته أو القرآن أو للنبوّة لتشبيهها بالنور في الظهور والسطوع والإطفاء بأفواههم ترشيح، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وقيل استعارة أخرى، واضافته إلى الله قرينة أو تجريد، وقوله بشركهم أو تكذيبهم متعلق بيطفئوا لا تفسير للأفواه، وقوله إلا أن يتم نوره إن كان المراد به النور السابق فهو من إقامة الظاهر مقام المضمر دهان أريد كل نور له أعم من الأوّل فهو تتميم له وقوله: (، علاء التوحيد) ناظر إلى الوجه الأوّل، وما بعده لما بعده، وقوله: (عن أن يكون له شريك) إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله: (وقيل إنه قمثيل لحالهم في طلبهم الخ) هو معطوف بحسب المعنى على قوله حجته الخ أي هو استعارة تمثيلية والمستعار جملة الكلام لأنّ حالهم في محاولة إبطال نبوّته صلى الله عليه وسلم بالتكذيب هو المشبه المطوي، والمشبه به حال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق أي منتشر المعنى بقوله: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} وقوله: {وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} ترشيح لأنّ إتمام النور زيادة في استنارته، وفشوّ ضوئه فهو تفريع على الأصل المشبه به، وقوله هو الذي أرسل وسوله بالهدى الخ تجريد وتفريع على الفرع وروعي في كل من المشبه، والمشبه به الإفراط والتفريط حيث شبه الإبطال بالإطفاء بالفم، ونسب النور إلى الله ومن شأن النور المضاف إليه أن يكون عظيماً فكيف يطفأ بنفخ الفم فلذا قال: عظيم منبث في الآفاق مع ما بين الكفر الذي هو ستر وازالة للظهور والاطفاء من المناسبة، وقوله بنفخه متعلق بإطفاء، والضمير المضاف إليه راجع لمن. قوله: (وإنما صح الاستثناء المفرغ الخ (يعني إن إلا أن يتمّ استثناء مفرغ وهو في محل نصب مفعول! به، والاستثناء المفرغ في الأغلب يكون في النفي إلا أن يستقيم المعنى، وهذا نفي في المعنى لأنه وقع في مقابلة يريدون ليطفؤوا نور الله فدل التقابل على أن معناه كما قال الزمخشرفي: لا يريد إلا تمام نوره، وقال الزجاج: المستثنى منه محذوف تقديره ويكره الله كل شيء إلا إتمام نوره فالمعنى على العموم المصحح للتفريع عنده فللناس في توجيه التفريع هنا مسلكان، والحاصل إنه أن أريد كل شيء يتعلق بنوره بقرينة السياق صح إرادة العموم ووقوع التفريع في الثابتات كما ذهب إليه الزجاج إذ ما من عام إلا وقد خص فكل عموم نسبي لكنه يكتفي به، ويسمى عموماً ألا ترى أن مثالهم قرأت إلا يوم كذا قد قدروه كل يوم، والمراد من أيام عمر. لا من أيام الدهر فإن نظر إلى الظاهر في أمثاله كان عاما، واستغنى عن النفي وان نظر إلى نفس الأمر فهو ليس بعام فيؤوّل بالنفي، والمعنى فيهما واحد وإنما أوّل به هنا عند من ذهب إلى تأويله لاقتضاء المقابلة له إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي، فيلزمه جريان التفريغ في كل شيء، وليس كذلك كما صرّج به الرضي، ولذا قيل الاستثناء المفرغ وإن اختص بالنفي إلا أنه قد يمال مع المعنى بمعونة القرائن، ومناسبة المقامات فيجري بعض ا! إيجابات مجرى النفي في صحة التفريغ معها، كم! قيل في قوله تعالى: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} [سورة البقرة، الآية: 249] وهذا ما يقال لا يجري في الإثبات إلا أن يستقيم المعنى ولو اكتفى بمجرّد جعل المثبت بمعنى نفي مقابله الجري في كل مثبت ككرهت بمعنى ما أردت وأبغضت بمعنى ما أحببت وهكذا، وإنما قدره المصنف رحمه الله لا يرضى، ولم يقدر لا يريد كما قدره الزمخشرفي لأنّ المراد بإرادة إتمام نوره إرادة خاصة، وهي الإرادة على وجه الرضا بقرينة قوله: {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة الصف، الآية: 8] لا الإرادة المجامعة لعدم الرضا كما هو مذهبنا بخلاف من يسوّي بينهما فمن فسر كلام المصنف رحمه الله بكلام الزمخشرقي غفل عن إرادته، ومن الناس من أورد هنا بحثاً وهو أنّ الغرض من إرجاع الإثبات إلى النفي بالتأويل تصحيح المعنى، ولا يخفى أنه لا فرق هنا بين أن يؤولط بلا يرضى، وعدمه في عدم صحة المعنى فإن عدم رضاه تعالى إتمام كل شيء غير نوره لا يصح فالآية مشكلة على كل حال! ، فإن قيل المعنى يأبى كل شيء يتعلق بنوره إلا إتمامه فالمعنى صحيح من غير تأويل بالنفي، والحاصل أنه إن عم الأباء كل شيء فالنفي، وعدمه سيان في بمدم صحة المعنى، وان خص فلا حاجة إلى التأويل، وقد علمت مما قرّرناه لك أنّ هذا البحث من عدم الوقوف على المراد، وربما استصعبه من لم يعرف حقيقة الحال. قوله: (محذوف الجواب) وتقديره يتمّ نوره، وقوله كالبيان لأنّ المراد من إتمام نوره إظهاره، ولكونه بحسب المآل بمعناه ذيله بما ذيله به بعينه لكنه عبر عن الكافرين بالمشركين تفاديا عن صورة التكرار، وظاهر كلامه أنه فسر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 الكفر بالكفر بالرسول مجت! ر، وتكذيبه والشرك تالبهفر بالله بقرينة التقابل ولا مانع منه فسقط ما قيل إنه ليس لهذا التكرير تسبب عن كونه كالبيان فالأولى أن يقال كرر للتأكيد وكيف يكون تأكيداً مع أنه بين تغايرهما، وتفسير الجنس بسائر الأديان إشارة إلى أنّ المراد به الاستغراق لما عداه، وهو على إرجاع الضمير للدين، وقوله أو على أهلها على إرجاعه للرسول صلى الله عليه وسلم ففي الكلام حينئذ مضاف مقدر أي أهل الدين، وخذلانهم عدم نصرهم ويصدون من الصد أو الصدود كما مرّ. قوله: (يأخذونها بالرشا) هي جمع رشوة، والباء للملابسة أي يأخذونها ملتبسة بها، ولو قال: الارتشاء كان أوضح والباء للسببية وقوله سمي أخذ المال أكلا الخ في الكشاف أنه على وجهين إمّا أن يستعار ا! ل للأخذ ألا ترى إلى قولهم أخذ الطعام وتناوله، واما على أنّ الأموال يؤكل بها فهي سبب ل! ل ومنه قوله: إنّ لنا أحمرة عجافا يأكلن كل ليلة اكافا وقيل عليه لا طائل تحت هذه الاستعارة والاستشهاد بقولهم أخذ الطعام وتناوله سمج، والوجه هو الثاني، وما قاله القاضي سمي أخذ المال أكلا لأنه الغرض الأعظم منه، وردّ بأنه استشهد بقولهم على أنّ بينهما شبها والا فهذا عكس المقصود، وفائدة الاستعارة المبالغة في أنه أخذ بالباطل لأنّ اكل هو غاية الاستيلاء على الشيء ويصير قوله بالباطل على هذا زيادة مبالغة، ولا كذلك لو قيل: يأخذون، وعلى الوجه الآخر التجوّز كما قيل إما في ا! ل لأنه مجاز عن الأخذ لأنّ الأكل ملزوم للأخذ كما أنّ أخذ الطعام مجاز عن أكله لأنه لازم له، وأما في الأموال فهي مجاز عن الأطعمة التي تؤكل بها للتعلق بين الأموال، والأطعمة المختصة بها كما أنّ الاكاف مجاز عن العلف للتعلق بينهما بسبب اشترائه والمصنف رحمه الله اختار أنّ اكل مجاز مرسل عن الأخذ بعلاقة العلية، والمعلولية وكونه مجازاً في الإسناد لا وجه له، فلذا لم يلتفتوا إليه وفسر سبيل الله بدينه وقريب منه تفسيره بحكمه. قوله: (ويجوز أن يراد به الكثير من الأحبار الخ) يريد أن التعريف في الذين يكنزون للعهد، والمعهود إما الأحبار والرهبان، وأمّا المسلمون لجري ذكر الفريقين، والأولى حمله كما قال الطيبي رحمه الله على العموم فيدخل فيه الأحبار والرهبان دخولاً أولياء، وقوله الكثير لبيان الواقع في أصدق الكلام لأنهم ليسوا كذلك جميعا، والضن بكسر الضاد كالضنة شدة البخل، والمبالغة من التعبير عن المنع بالكنر الذي أصل معناه الدفن في الأرض، ويقتنون افتعال من القنية وهي معروفة. قوله: (وأن يراد المسلمون الخ) وجه الأول ذكره عقب ذمهم ووجه هذا أنّ قوله لا ينفقونها بشعر بأنهم ممن ينفق في سبيل الله لأنه المتبادر من النفي عرفا، ووجه دلالة حديث عمر رضي الله عنه (1 (عليه أنّ الصحابة رضي الله عنهم فهموا منها ذلك، وهم أهل لسان فدل على ذلك والاستدلال بالنور إلى إرادة المشركين فقط لأنه المذكور في كلامه لا بالنسبة إلى تعميمه، فإنه لا دلالة له على عدم العموم لدخولهم فيه، ولذا قيل إن حديث عمر رضي الله عنه لا يدل على التخصيص بالمسلمين، وقيل لو أريد بهم أهل الكتاب خاصة لقيل، ويكنزون فلما قيل والذين يكنزون استئنافا علم أن المراد التعميم، والتخصيص بالمسلمين، وقد قيل المراد المسلمون ويدخل الأحبار والرهبان بطريق الأولى، وفي التعميم غنيمة عن هذا كله، وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه أبو داود: " وما أذى زكاته فليس بكنز ") 2 (أخرجه الطبراني والبيهقي في سننه وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما وتفسيره الكنز بالكنز المتوعد عليه في الآية بيان لمراده صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأمّا قوله يكوو الخ)) 3 (جواب عن السؤال بمعارضة ما ذكر لما مرّ من الحديث، وقيل إنه كان قبل أن تفرض الزكاة والشيخان حيث أطلقا عند المحدثين ص البخاري ومسلم، وهو المراد الحديث: رواه الطبراني والبخاري في تاريخه، وقوله: (1 لا إذا (المستئنى فيه الجملة من الشرط وجوابه، وتصفيحها بسطها ومدّها حتى تصير صفيحة وفسر العذاب بالكيّ بهما لأن يوم الخ تفسير له. قوله: (أي يوم توقد النار ذات حمى الخ) يعني أنّ أصله ما ذكر لكنه عدل عنه للمبالغة لأنّ النار في نفسها ذات حمى فإذا وصفت بأنها تحمي دلّ على شدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 توقدها، ثم جعلت مستعلية على الكنوز فطوى ذكرها وحول الاسناد إلى الجار والمجرور فأفاد شدة حرّ الكنوز المكرى بها وقرىء تحمى بالتاء الفوقية بإسناده إلى النار كأصله وقراءته بالياء لأنّ الفاعل ظاهر والتأنيث غير حقيقي، وبها فاصل. قوله: (وإنما قال عليها والمذكور شيثان الخ (أي الظاهر في هذه الضمائر والتثنية فلم أتى بضمير المؤنث فذكر أن وجهه أنه ليس المراد بهما مقدار معين منهما، والجنس الصادق بالقليل والكثير منهما بل الكثير لأنه هو الذي يكون كنزا فأتى بضمير الجمع للدلالة على الكثرة ولو ثنى احتمل خلافه وأيده بما روي عن علي كرّم الله وجهه كما رواه ابن حبان وابن حاتم موقوفا عليه، والتوجيه الآخر أن الضمائر عائدة على الكنوز أو الأموال المفهومة من الكلام فيكون الكلام عاما، ولذا عدل فيه عن الظاهر والتخصيص بالذكر لأنهما الأصل الغالب في الأموال لا للتخصيص والقانون لفظ روي معرّب جمعه قوانين، وهو في الأصل بمعنى المسطر، ثم استعمل بمعنى الأصل. قوله: (أو للفضة الخ) وجه آخر وهو أن الضمير للفضة واكتفى بها لأنها أكثر والناس إليها أحوج ولأنّ الذهب يعلم منها بالطريق الأولى مع قربها لفظا. قوله: (لأنّ جمعهم وامساكهم الخ) بيان لوجه تخصيص ما ذكر بالذكر كونه مكتوبا بأن غرضهم من جمعها طلب أن يكونوا عند الناس ذوي وجاهة أي رآسة بسبب الغنى من قولهم هو وجه القوم لسيدهم، وليس المراد ما تعارفه الناس، وأن يتنعموا بالمطاعم الشهية التي تشتهب يا أنفسهم، والملابس الب كية ذات البهاء، وهو حسن المنظر فلو جاهتهم ورآستهم المعروفة بوجوههم كأنّ الكيّ بجباههم ولامتلاء جنوبهم بالطعام كووا عليها ولما لبسوه على ظهورهم كويت. قوله:) أو لأنهم ازورّوا الخ) وجه آخر والازوراء الانحراف عن السائل، وهو بالوجه فيكون سبب كيّ الجباه، والإعراض أن يولي عنه جانبه فهو مناسب لكيها وتولية الظهور في غاية الظهور، وقوله: (أو لأنها الخ) يعني تخصيصها لاشتمالها على أشرف الأعضاء بالذات لأنها رئي! الأعضاء كما صرّح به الأطباء أو لأنها أصول الجهات الأربع فالمفاديم الإمام، والمآخر الخلف والجنبان اليمين والشمال فيكون كناية عن جميع البدن، قيل ولم يذكر نكتة لبيان الاقتصار على هذه الأربع من بين الجهات الست. قوله: (على إرادة القول الخ) أي يقال لهم هذا، وقوله لمنفعتها إما إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى محصل معنى الكلام، واللام للتعليل ولم تجعل للملك لعدم جدواه، وقوله: (عين مضرتها) إشارة إلى أنهم حصل لهم خلاف ما قدروه في العاقبة. قوله: (وبال كنزكم) يشير إلى أنّ ما مصدرية مؤوّلة بمصدر من جنس خبر كان لأنّ في كون الناقصة لها مصدر كلاً ما ولذا قال بعض النحاة لا مصدر إلا للتامة، وهو الكون ولأن المقصود الخبر وكان إنما ذكر لاستحضار الصورة الماضية، ولذا خالف الزمخشرقي في تقدير كونكم كانزين، وقدر له مضافا وهو وبال بمعنى ألمه وشذته بالكيّ، وقوله أو ما تكنزونه إشارة إلى موصوليتها وتقدير العائد، وفي قوله ذوقوا ما الخ استعارة مكنية وتخييلية أو تبعية وكنز يكنز كضرب يضرب وقعد يقعد لغتان وبهما قرىء. قوله: (أي مبلغ عددها الخ الما كانت العدّة مصدراً كالشركة، واثنا عشر ليس عينها فلا يصح حمله عليها قدر الكلام بما يصححه، والمبلغ المقدار الذي يبلغه، وقيل إنما قدر المضاف مع عدم الحاجة إليه في تأدية المعنى لأنّ المقصود الردّ على المشركين في الزياد بالنسيء، وهو إنما يحصل به لا بدونه وفيه نظر. قوله: (معمول عدّة لأنها مصدر) أي حالاً كما هو الظاهر، وقيل بحسب الأصل وهو كاف للعمل في الظرف لأن العدد خرج عن المصدرية وهي بمعناه، وهو تكلف لا حاجة إليه وعدة مبتدأ وعند الله معموله، وفي كتاب الله صفة اثنا عشر ويوم معمول كتاب الله على مصدريته أو العامل فيه معنى الاستقرار وفي الإعراب وجوه آخر مفصلة في محلها، وشهرا تمييز مؤكد لأنه مع قوله: (عذّة الشهور) أي شهور السنة لو حذف استغنى عنه قيل، وما يقال إنه لدفع الإيهام إذ لو قيل عذة الشهور عند الله أثنا عشر سنة لكان كلا ما مستقيما ليس بمستقيم، وهو غير وارد لأنّ مراد القائل أنه يحتمل أن تكون تلك الشهور في ابتداء الدنيا كذلك كما في قوله: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [سورة الحج، الآبة: 47] ونحوه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 ولا مانع منه فهو أحسن من الزيادة المحضة، وفسر الكتاب باللوح وبالحكم لأنه يقال كتب الله كذا بمعنى حكم به، أو قدره كما مرّ وقدم الأوّل لأنه أظهر وأسلم عن التكرار مع قوله عند الله. قوله: (متعلق بما فيه من معنى الثبوت الخ) أي بما في قوله كتأ! الله من معنى الثبوت الدال عليه بمنطوقه، أو بمتعلقه أو بالكتاب إن كان مصدراً بمعنى الكتابة لا عيناً وجثة، وإنما قال والمعنى الخ لأنّ كونها في اللوح أو في الحكم الإلهي أزلي قبل خلقهما فبين أن ا! مراد تقييده به باعتبار الوقوع، ولما كان الوقوع مستمراً لا مقيدا بالخلق أشار بقوله مذ خلق إلى أنه بيان لابتدائه فلا ينافي استمراره، وزاد الأزمنة لأن المراد بخلق السماوات والأرض! إيجادها، وايجاد ما فيها من الجواهر والأعراضى والمعنى أنه في ابتداء إيجاد هذا لعالم كانت عذتها كذلك، وهي على ما كانت عليه فاندفع ما قيل إن قوله في كتاب الله ليس بمعنى حكمه وقضائه وتقديره لأنّ ذلك قبل خلق السماوات والأرض، ومنها أي من الاثني عشر. قوله: (واحد فرد الخ) قال النووي في شرح مسلم الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر أضيف لهم لأنّ بعض العرب وهي ربيعة كانوا يحرمون رمضان ويسمونه رجبا، ولذا قال في الحديث: " رجب مضر الذين بين جمادى وشعبان ") 1 (بيانا له، واختلف في ترتيبها فقيل أوّلها المحرم وآخرها ذو الحجة فهي من شهور عام وقيل أوّلها رجب فهي من عامين، وقيل أوّلها ذو القعدة وهو الصحيح لتواليها، وفي الحديث ثلاث متواليات ورجب مضر، اهـ وأورد عليه ابن المنير في تفسيره أنه إنما يتمشى على أن أوّل السنة المحرّم، وهو حدث في زمن عمر رضي الله عنه، وكان يؤرخ قبله بعام الفيك، ثم أرخ في صدر الإسلام بربيع الأوّل فتأمّله، وقوله وثلاثة سرد أي متوالية من سرد العدد تابعه، والمحرّم لا يستعمل بغير أل لكونه علما بالغلبة. قوله: (أي تحريم الأشهر الآربعة (جعل الإشارة إليها لقربها ولا يضر كون ذلك للبعيد لأنّ الألفاظ لتقضيها في حكمه كما مرّ تحقيقه في ذلك الكتاب، ولم يلتفت إلى جعلها لكون العدّة كذلك الذي رجحه الإمام بأنّ كونها أربعة محرمة مسلم عند الكفار، وإنما القصد الردّ عليهم في النسيء والزيادة على العدّة لأن التفريع الذي بعده يقتضيه فتأمّل. قوله: (وارتكاب حرامها الك أن تفسر هتك حرمتها بالقتال فيها وارتكاب حرامها بارتكاب المحرّمات على تفسيري الظلم فيتغايران، وأن تجعل الثاني تفسيراً له أي ارتكاب الحرام فيها فالإضافة على معنى في أو لأدنى ملابسة. قوله: (والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة) واختلف في الناسخ لها، ولذا لم يذكره المصنف رحمه الله للاختلاف فيه مع أن الأصح النسخ، وأن الظلم هنا مؤوّل بارتكاب المعاصي فيها وتخصيصها به مع أنه مطلق لتعظيمها وأن الإثم فيها أشذ من غيرها كما في الحرم وشهر رمضان وحال الإحرام، وقوله: (عن عطاء الخ) هو عطاء بن أبي رباح، وهو المراد حيث أطلق، وقوله إلا أن يقاتلوا بصيغة المجهول والضمير للمسلمين أو المعلوم والضمير للكفار وإنما استثنى هذا لأنه للدفع فلا يمنع منه بالاتفاق أو لأنّ هتك حرمته ليس منهم بل من البادئ. قوله: (ويؤيد الأوّل) أي القول بالنسخ المقابل لقول عطاء وما ذكره من كون غزوة حنين في شوّال وذي القعدة رواية صحت عنده، وقال محمد في الأصل إنه حاصر الطائف من مستهل المحرّم أربعين يوما، وفتحها في صفر وهو يدل على النسخ أيضا، ونقل النسفي عن الواقدي أنه خرج لها في سادس شوّال وهزمهم فهرب أميرهم مالك بن عوف مع بقيتهم وتحصنوا بالطائف فتبعهم صلى الله عليه وسلم، ومعه المسلمون وحاصرهم بقية الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو من الحرم انصرف فأتى الجعرانة، وقسم السبي والأموال وأحرم بعمرة منها. قوله: (جميعاً) هذا هو المراد منه وهو في الأصل مصدر انتصب على الحال، وهل يلزم النصب على الحال، ولا يتصرف أولاً فيه كلام بسطناه في شرح الدرة وهو بمعنى المفعول لأنه مكفوف عن الزيادة، ويجوز أن يكون اسم فاعل لأنه يكف عن التعرّض له، أو التخلف عنه وهو حال إمّا من الفاعل أو المفعول أي لا يتخلف أحد منكم عن القتال أو لا تتبركوا قتال أحد منهم، وقوله: (بشارة الخ) لأنّ الجند الذين معهم لا يشك في نضرتهم، وقوله: (بسبب تقواهم (لأن التعليق بالمشتق يفيد عليه مأخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 الاشتقاق كما مرّ مراراً. فائدة: كان القتال في صدر الإسلام فرض! عين، ثم نسخ وأنكره ابن عطية رحمه الله تعالى. قوله: (تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر الخ) جعله مصدراً على فعيل كالنذير والنكير لأنه لا يحتاج إلى تقدير بخلاف، ما إذا كان فعيلاً بمعنى مفعول صفة فإنه لا يخبر عنه بزيادة إلا بتأويل أي ذو زيادة أو إنساء التسيء زيادة، وقوله: (وهم محاربون (أي عازمون على الحرب، وقوله حتى رفضوا خصوص الأشهر أي تركوها واستبدلوا مكانها أشهراً أخر، وربما زادوا في السنة شهرا لذلك، وفي النسيء لغات بها قرئ أيضا كإبدال الهمزة ياء وإدغامها فالنسيّ، كالنديّ وهي قراءة نافع، وقوله وقرئ النسي بحذفها أي بحذف الهمزة وتسكين السين بوزن النهي كما في الكشاف ففي كلامه قصور والنسء، كالمس وفي آخره همزة، والنساء بالكسر والمد كالمساس. قوله:) وثلاشها مصادر نسأه إذا أخره) يعني النسي كالنهي والنسء كالبدء والنساء كالنداء، وسكت عن النسيّ بوزن فعيل فإنه اختلف فيه فقيل هو مصدر كالنذير وقيل وصف كقتيل وجريح. قوله: (لأنه ثحريم ما أحله الله الخ) يعني أنهم لما توارثوه على أنه شريعة، ثم استحلوه كان ذلك مما يعد كفرا، وترك الوجه الآخر الذي ذكرهه الزمخشري من أنه معصية، والكفر يزداد بالمعصية كما يزداد الإيمان بالطاعة لما يرد عليه من أن المعصية ليست من الكفر بخلاف الطاعة فإنها من الإيمان على رأي وإن أجيب عنه بما لا يصفو عن الكدر. قوله: (ضلالاً زائداً الخ) لاًنّ أصل الضلال ثابت لهم قبله فالمراد زيادته فيكون لهم زيادة كفر على كفر، وضلال على ضملال فهم في ظلمات بعضها فوق بعض، وهذا على كونه من الثلاثي المعلوم وعلى كونه من الإضلال معلوماً ومجهولاً الفاعل الله، أو الشيطان وعلى المعلومية يصح أن يكون الذين فاعلا ومفعوله محذوف أي اتباعهم ورجح هذا على الأوّل. قوله: (فيتركونه على حرمته) فسر تحليله بتاخير الشهر الحرام ومعناه ثحريم شهر آخر مكانه، وفسر تحريمه بإبقائه على حرمته القديمة وتحريم تأخيره، وجنادة بضم الجيم والنون والدال المهملة علم، والمراد بالمحرم في كلامه شهر المحرّم، أو ما كان محرّما من الأشهر مطلقأ، والقابل غلب في العرف على العام الذي بعد عامك، وقوله: (أو حال) وعلى الأوّل لا محل لها من الإعراب قيل والوجهان سواء في تبيين الضلال وإنما الاختلاف في المحلية وعدمها. قوله: (واللام متعلقة بيحرّمونه الخ) وإذا حرّموه لأجل موافقة ما حرّمه لزم أن لا يحرّموا بدله لمالا لزادت العدّة فلا يقال كان عليه أن ينبه على هذا، كما قيل وجعله بعضهم من التنازع، وما دل عليه المجموع هو فعلوا ذلك ونحوه. قوله: (بمواطأة العدّة وحدها الخ) يعني كان الواجب عليهم العدة، والتخصيص فإذا تركوا التخصيص فقد استحلوا ما حرّم الله. قوله: (وهو الله تعالى والمعنى خذلهم (تفسير لتزيين الله لهم سوء أعمالهم لدلالة قراءة المبني للفاعل على أنّ المزين هو الله تعالى، والا ففي كثير من المواضع يجعل المزين هو الشيطان، وحينئذ لا يفسر التزيين بالخذلان بل بالوسوسة، وقد مرّ تحقيقه، وقوله: (هداية موصلة الخ) تفسير له وتقييد على القولين لأنه المنفي. قوله: (تباطأتم الخ (تفاعل من البطء، وهو عدم السرعة إلى الجهاد، وأصل إثاقلتم تثاقلتم كما قرئ به على الأصل فأدغصت التاء في الثاء، واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن، وإذا متعلق به أما على قراءة أثاقلتم بفتح الهمزة على أنها همزة استفهام وهمزة الوصف سقطت في الدرج فيكون العامل فيه فعلا دل عليه الكلام كملتم لأنّ الاستفهام له الصدر، فلا يتقدم مفعوله عليه، والاستفهام للتوبيخ في هذه القراءة، وهو ظاهر. قوله: (متعلق به الخ الما كان تثاقل يتعدّى ضمنه معنى الإخلاد، وهو الميل وضمير بها للغزوة ووقت عسرة أي قحط وعدم عذة والقيظ شدة حرّ الصيف، والشقة بالضم والكسر مسافة بعيدة يشق قطعها وقوله بدل يعني معنى من البدل، وقوله في جنب الآخرة أي إذا قيست إليها، وهذه تسمى في القياسية لأن المقيس يوضع بجنب ما يقاس به. قوله: (مطيعين الخ) ترك قول الزمخشري أطوع وخيراً منكم لأنه زيادة من غير حاجة مع أنه هو الواقع المناسب لعدم نفارهم، وقوله: فإنه الغنيّ الخ إشارة إلى أن عدم الضرّ ليس مقيداً بالاسنبدال بل مع قطع النظر عنه، والضمير على هذا لله وفي الكلام مضاف مقدر وشيئا مفعول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 به أو مفعول مطلق، وقوله وعدله الخ أي وعداً سابقا على هذا الوعد، وقوله فيقدر على التبديل هو من قوله يستبدل قوما غيركم وتغيير الأسباب أي أسباب النصرة، وينصره بلا مدد، وقوله كما قال الخ فيكون قوله: {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تتميما لما قبله وتوطئة لما بعده. قوله: (فسينصره الله كما نصره الله الخ الما كان الجواب هنا ماضا والشرط جوابه مستقبل حتى إذا كان ماضيا قلبه مستقبلا، وهنا لم ينقلب جعل الجواب فسينصره كما نصره أوّلاً، وفي الكشاف فيه وجهان أحدهما ألا تنصروه فسينصرهـ من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد، ولا أقل من الواحد فدل بقوله فقد نصره الله على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت، والثاني أنه أوجب له النصرة وجعله منصوراً في ذلك الوقت فلن يخذل من بعده والى هذين الجوابين أشار المصنف رحمه الله بما ذكره لكنه اعترض! عليه بأنّ مآلهما واحد فينبغي الاقتصار على أحدهما، وقيل الوجهان متقاربان إلا أنّ الأوّل مبني على القياس، والثاني على الاستصحاب فإنّ النصرة ثابتة في تلك الحالة فتكون ثابتة في الاستقبال إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان، والحاصل أنه لما جعله دليلاً على الجواب أثبت الدلالة بوجهين والمآل واحد، وقد يقال إنه على الوجه الأوّل يقدّر الجواب، وعلى الثاني هو نصر مستمرّ فيصح ترتبه على المستقبل لشموله له، وإنما قال كالدليل لأنه لا يلزم من إحدى النصرتين الأخرى إذ هو فعال لما يريد لكنه جرى على عوائد كرمه، وأن الكريم لا يقطع إحسانه، وتفسير الإبان لم لتبيين النفي لأنّ إلا في صورة الاستثنائية فلا يرد ما قيل إنه لا وجه له. قوله: (وإسناد الإخراج إلى الكفرة الخ) يعني أنه إسناد إلى السبب البعيد، والحال عن ضمير نصره أو من أخرجه والأوّل أولى، وقيل إنّ إسناده لهم حقيقة شرعية وفيه نظر، وقوله إذ المراد به زمان متسع دفع لتوهم تغايرهما المانع من البدلية، وقيل إنه ظرف لقوله ثاني اثنين، دماذ يقول بدل منه، وقوله والغار أي المذكور، وقوله: (في يمنى مكة) أي في الجهة اليمنى. قوله: (وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه) في الكشاف وقالوا: من أنكر صحبة أبي بكر رضي الله عته فقد كفر لإنكاره كلام الله، وليس ذلك لسائر الصمحابة رضي الله عنهم، وقيل إنه ليس بمنصوص عليه فيها بل المنصوص عليه أنّ له ثانيا هو صاحبه فيه فمانكار ذلك يكون كفرا لا إنكار صحبته بخصوصه، ولذا قال: قالوا فجعل العهدة فيه على غيره وفيه نظر، وقوله: (بالعصمة والمعونة (يعني أنها معية مخصوصة والا فهو مع كل أحد، وقوله: (روي الخ) (1 (رواه البخاري ومسلم إلى قوله الله ثالثهما، وما بعده رواه البزار والطبراني والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عته والمغيرة بن شعبة رضي الله عته، وقوله: (فأشفق (أي حزن وخاف، وقوله ما ظنك الخ أي أتظن بهما شرّاً وضرراً ويتردّدون بمعنى يجيؤون ويذهبون مراراً، والكلام على السكينة وهي الطمأنينة قد مرّ. قوله: (على النبئ صلى الله عليه وسلم أو على صاحبه رضي الله عنه وهو الأظهرا لأنّ النبيّءلمجرو لم ينزعج حتى يسكن، ولا ينافيه تعين عود ضمير أيده على الرسول صلى الله عليه وسلم لعطفه على قد نصره لا على أنزل حتى تنفك الضمائر، وقيل بل الأظهر الأوّل وهو العناسب للمقام، وانزال السكينة لا يلزم أن يكون لدفع الانزعاج بل قد يكون لرفعته، ونصره كما مرّ في قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى، اهـ وقوله فتكون الجملة الخ يعني على الوجه الثاني لأنه لو عطف على أنزل عليه يكون متعقباً على ما قبله وليس كذلك بخلافه على الأوّل فلا وجه لما قيل إنه على الوجهين، والأولى ترك الفاء المقتضية لتفريعه على الثاني وقوله يعني الشرك الخ فالكلمة مجاز عن معتقدهم الذي من شأنهم التكلم به، وعلى الوجه الآخر بمعنى الكلام مطلقا، وقابله بتفسير كلمة الله بالتوحيد أو دعوة الإسلام على اللف والنشر للتفسيرين. قوله. (والمعنى وجعل ذلك الخ) إشارة إلى ما تضمنه الكلام من إعلاء كلمته تعالى، وتسفيل كلمتهم وكون التخليص سببا لذلك باعتبار أنه مبدأ الجعل المذكور، وهذا يقتضي كونهما في حيز الجعل وهو على قراءة النصب، وسياق كلامه ليس فيها ودفع بأنهما داخلان فيه لا من حيث تسليط الجعل عليه بل من حيث كون جعل كلمة الذين كفروا سفلى يستلزم علوّ كلمة الله فهو لا ينافي قراءة الرفع، وبتأييده عطف على بتخليصه، وقوله:) حيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 حضر (بالمعجمة من الحضور. قوله: (والرفع أبلغ لما قيه من الإشعار الخ) أي أكثر بلاغة لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام، والثبوت وإن الجعل لم يتطرق لها لأنها في نفسها عالية بخلاف علوّ غيرها فإنه غير ذاتيّ، بل بجعل وتكلف فهو عرض زائل غير قار وان تراءى للعقول القاصرة خلافه، وقيل: إنما الرفع أبلغ لما في النصب من إيهام التقييد بالظروفب السالفة إذ أخرجه وما بعده، وهو وارد على قوله وأيده بجنود فالأولى التعليل بأن جعل كلمة الله في حيز الجعل والتصيير غير مناسب بل هو دائم ثابت، ولا كذلك تسفيل كلمة الكفر الذي هو جعلها مقهورة منكوسة بين الناس، وأما التعليل بأن جعل الله كلمة الله كأعتق زيد غلام زيد، فمدفوع بأنّ هذا لا فائدة فيه، وفي إضافة الكلمة إلى الله إعلاء لمكانها وتنويه لثأنها وفيه بحث. قوله:) في أمره وتدبيره (لف ونشر مرتب، وفسر الخفة والثقل بوجوه خمسة مآلها إلى حال سهولة النفر وحال صعوبته، ولذلك أسباب كنشاط الإنسان وعدمه لما فيه من المشقة أو لقلة العيال، وكثرتهم أو لكونه له سلاج وعدمه أو لكونه صحيحا أو مريضاً، وابن أمّ مكتوم من الصحابة رضوان الله عليهم، وكان رضي الله عنه ضريراً وهذا يقتضي أنّ آية ليس على الأعمى حرج نزلت بعد هذه الآية وهو لا ينافي كون هذه السورة من آخر ما نزل أي مجموعها أو أكثرها، وهذه الآية نزلت في النفير العائم وتفصيله في الفروع، والجهاد فرض كفاية في الأصل. قوله:) بما أمكن الخ) يعني يجاهد بنفسه إن قدر والا فبإنفاقه ماله إن كان له مال فينفقه على السلاح، وتزويد الغزاة ونحوه، وقوله من تركه أي عندكم أو عند الله إن كان في تركه مرابطة، وحفظ للعيال ونحوه. قوله:) تعلمون الخير الخ) يعني علم متعد لواحد بمعنى عرت تقليلأ للتقدير أو مفعولاه ذلك خيراً فيتعذى لاثنين وجواب إن مقدّر هو علمتم أو بادروا، وفسر العرض بالنفع الدنيوي كما مرّ وقربه عبارة عن سهولة تناوله، وقاصداً من القصد، وهو التوسط أي بين البعد والقرب، وبعد يبعد كعلم يعلم لغة فيه لكنه اختص ببعد الموت غالبا، ولا تبعد يستعمل في المصائب للتفجع والتحسر كما قال: لا يبعد الله إخواناً لنا ذهبوا أفناهم حدثان الدهر والأبد قوله: (رجعت من تبوك) أي من غزوة تبوك، وهي معروفة في السير وتبوك محل سمي بعين فيه، وهي العين التي أمر النبيّء! أن لا يمسوا من مائها شيئآ فسبق إليها رجلان، وفيها شيء قليل من ماء فجعلا يدخلان فيها سهماً ليكثر ماؤها فقال لهما رسول الله لمجير: " ما زلتما تبوكانها " (1 (أي تحفرانها فسميت تبوك وهي غير مصروفة. قوله: (يقولون لو كان لنا استطاعة العدّة أو البدن الخ) بالله إمّا متعلق بسيحلفون وهو مختار المصنف رحمه الله أو من جملة كلامهم ولا بد من تقدير القول في الوجهين أي سيحلف المتخلفون عند رجوعك معتذرين يقولون بالله لو استطعنا أو سيحلفون بالته يقولون لو استطعنا، وقوله لخرجنا فيه مذهبان أحدهما إن لخرجنا جواب القسم، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم، والشرط إذا تقدم القسم ؤهو اختيار ابن عصفور رحمه الله، والآخران لخرجنا جواب لو وهي وجوابها جواب القسم، وهو اختيار ابن مالك رحمه الله، وأما كونه ساذا مسد جوابي القسم، والشرط فقيل عليه إنه لم يذهب إليه أحد من أهل العربية، وأجيب عنه بأنّ مراده إنه لما حذف جواب لو ودل عليه جواب القسم جعل كأنه سذ مسذ الجوابين، وأما ما قيل لا حاجة إلى تقدير القول لأن الحلف من جن! القو! فهو أحد المذهبين المشهورين، فلا يضر من وجهه على المذهب الآخر، وقدره فعلا لا قائلين لأنه بيان لقوله سيحلفون فيقتضي الفعلية. قوله:) وقرئ لو استطعنا بضم الواو الخ (هي قراءة الحسن وقرئ بالفتح ففيه ئلاثةءوجه وقرا آت، وقوله ساذ مسذ جوابي القسم مرّ تحقيقه أما على كونه من كلامهم فظاهر وأما على تعليقه بالفعل فلأن جملة القول مفسرة، وبيان له فيتضمن معنى القسم وفيه تأمل. قوئه: (وهو بدل من سيحلفون (قيل إن الهلاك ليس مرادفأ للحلف، ولا هو نوع منه، ولأ يجوؤ أن يبدل فعك من فعل إلا أن يكون مرادفاً له أو نوعا منه، وفي كلام المصنف رحمه الله ما يد فيه وهو قوله لأنّ الحلف الخ فهما مترادفان فإن اذعاء فيكون بدل كل من كل، وقيل إنه بدل اشتمال لأنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 الحلف سبب للإهلاك والمسبب ببدل من السبب لاشتماله عليه وله نظائر كثيرة وكلام المصنف رحمه الله يحتمله أيضا وعليه حمله بعض أرباب الحواشي. قوله: (أو حال من فاعله (أو استئناف وفي الكشاف يحتمل أن يكون حالاً من فاعل لخرجنا، ولبعده لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى لكن سبق منه ما يقاربه في الأعراف في قوله سيغفر لنا فراجعه، وقوله لأنهم كانوا مستطيعين كذب الشرطية إما بكذب الملازمة بأن يقال لا يخرجون لو استطاعوا، أو بتخلف الجزاء مع وجود الشرط، وكذبها بأنهم استطاعوا، وما خرجوا والثاني مستلزم للأوّل، ولذا اختاره المصنف رحمه الله، ولأن النظم دل عليه كقوله: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} [سورة التوبة، الآية: 46] . قوله: (كناية عن خطئه) تبع في هذا الزمخشرقي، إذ قال في تفسيره أخطأت وبئسما فعلت، وفي الانتصاف ليس يصح أن يفسره بهذا، وهو بين أحد أمرين إمّا أن لا يكون مراداً لله أو يكون ولكن قد أجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم عن مخاطبته بصريح العتب، ولطف به في الكناية عنه بما يلزم أن يقال عنده فما باله لم يتأدب بآداب الله خصوصاً في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلى كلا التقديرين هو ذاهل عما يجب من حقه صلى الله عليه وسلم، ولقد أحسن من قال في الآية إن من لطف الله بنبيه صلى الله عليه وسلم أن بدأه بالعفو قبل العتب، وقال ابن الجهم للمتوكل: عفا الله عنك ألا حرمة تجودبفضلك يا ابن الندى وقال السخاوندي: هو تعليم لتعظيمه ع! ، ولولا تصدير العفو في الخطاب لما قام بصولة العتاب، وهو يستعمل حيث لا ذنب كما تقول لمن تعظمه عفا الله عنك ما صنعت في أمري، وفي الحديث عجبت من يوسف عليه الصلاة والسلام وصبره وكرمه، والله يغفر له وفي الشفاء إنه افتتاح كلام بمنزلة أصلحك الله وأعزك، ولقد اشمأز من هذه الكلمة كثير من أهل الورع، وعدوها من قبيح سقطاته، حتى أن البدر النابلسي رحمه الله صنف فيه مصنفاً سماه جنة الناظر وجنة المناظر، وكان هذا سبباً لامتناع الإمام السبكي رحمه الله من إقراء الكشاف، ولهذه السقطة نظائر فيه فكان على المصنف رحمه الله أن لا يتابعه في مثله فإنه إمّا ترك للأولى أو خطأ في الاجتهاد الذي به الثواب فلا متمسك فيها لمن جوّز صدور الخطيئة منهم عليهم الصلاة والسلام على ما فصل في الأصول، وهذا على أنه إنشاء للدعاء، وأما كونه إخباراً فهو يشعر بالذنب، والخطأ فلذا جعل كناية عنه فلا يكون الإخبار عن العفو مقصودا أصلياً لأن العتاب والإنكار بعده بقوله لم أذنت لهم يكون مخالفا للظاهر، وفيه نظر والزمخشرقي جعله كناية عن الجناية وحاول بعضهم توجيه كلامه بأنّ مراده أنّ الأصل فيه ذلك فأبدله بالعفو تعظيماً لشأنه، ولذا قدم العفو على ما يوجب الجناية فلا خطا فيه، ولو اتقى هو والموجه موضع التهم كان أولى وأحرى. قوله: (واعتلوا بثاذيب) أي بينوا علة للتخلف كاذبة، وقوله: (هلا توففت) يشير إلى أن حتى غاية للتوقف المفهوم من الكلام لا للإذن لعدم صحة المعنى عليه، وقيل تقديره ما كان الإذن حتى يتبين. قوله: (في الاعتذار الخ (قيل لو أطلقه كان أولى أي يتبين الكاذب من الصادق والمخلص من المنافق لأنّ هذا يقتضي إن في هؤلاء ا! معتذرين من صدق في الاعتذار، والنظم مصرّح بخلافه وبناؤه على الفرض، والتقدير مما لا حاجة إليه. قوله: (قيل إنما فعل رسول الله عنييه الخ (قال زبدة المتأخرين قال مولانا مفتي الممالك شمس الدين أحمد بن كمال باشا في بيتي يوم الاثنين ثاني عشر محرّم الحرام لسنة ثمان وثلاثين وتسعمائة بمحضر مولانا عبد القادر قاضي العسكر، وغيره من العلماء الحضر هذا الحصر ليس بصحيح فإنّ لهما ثالثا وهو المذكور في سورة التحريم، يعني تحريم ما أحله الله ابتغاء لمرضاة أزواجه، وقلت أنا بل رابعاً وخامسا إلى غيره، أعني ما دكر في سورة عبس في قصة ابن أم مكتوم رضي الله عنه، ولك أن تقول أشار المصنف رحمه الله بصيغة التمريض إلى ذلك، ويجوز إصلاج كلامه بتقييد الشيئين بما يتعلق بأمر الجهاد، والله وليّ الرشاد اهـ، وقد قرأته بخطه الشريف رحمه الله، وأخذه للفداء قد تقدم في قوله تعالى: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ} [سورة الأنفال، الآية: 68] وأذنه للمنافقين ما وقع هنا. قوله: (أي ليس من عادة المؤمنين الخ (نفي العادة مستفاد من نفي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 الفعل المستقبل الدال على الاستمرأر نحو فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، وقال النحرير حمله على نفي الاستمرار ولو حمله على استمرار النفي كما في أكثر المواضع أي عادتهم عدم الاستئذان لم يبعد وفي الانتصاف لا ينبغي لأحد أن يستأذن أخاه في فعل معروف، ولا للمضيف أن يستأذن ضيفه في تقديم الطعام إليه وذلك أمارة التخلف، ولذا قيل في وصف الخليل لمجز فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين لأنّ معنى راغ ذهب خفية وهذا مما يجب التأدب به، وقوله: (في أن يجاهدوا) فهو متعلق بالاستقرار بتقدير في. قوله: (أو أن يستأذنوك في التخلف الخ (يعني أنّ متعلق الاستئذان محذوف، وأن يجاهدوا مفعول لأجله بتقدير مضاف أي كراهة أن يجاهدوا، والمعنى على نفي الاستئذان، والكراهة معأ فإذا أمرتهم بشيء بادروا إليه، وقيل تقديره في أن لا يجاهدوا كما مرّ نظيره، وقوله:) الخلص! (جمع خالص، وهو مستفاد من الجهاد بالمال والنفس فلا وجه لما قيل إنه ليس بمستفاد من الآية وإنما هو إلواقع منهم، وقوله: (فضلاَ الخ) يعلم من مفهومه لأنهم إذا لم يستأذنوه في الجهاد المطلوب، فكيف في التخلف المذموم، ولذا لم يقدر المصنف رحمه الله أن لا يجاهدوا كما قدره الإمام. قوله: (شهادة لهم بالتقوى وعدة لهم بثوابه) قيل أما ألشهادة فلوضعالمظهر موضع المضمر أو إرادة جنس المتقين ودخولهم فيه دخولاً أوّليا والا لم يناسب المقام، وأما 11 لوعد فلأنّ الأعمال الصالحة تقتضي الوعد بالثواب، كما أنّ الأعمال الفاسدة مقتضية للوعد بالعقاب، ورد بأنّ الوعد بالثواب ليس من مجرّد اقتضاء الاتقاء حسن الثواب بل من جهة إن مثل قولنا أحسنت إليّ فأنا أعلم بالمحسنين، وعدله بأجزل ما يمكن من الثواب كما أنّ قولك أسأت إليّ فأنا أعلم بالمسيء وعيد بأشد العقاب وعلى هذا فلتقس المواضع التي يقع فيها ذكر علم الله بما مرّ من ذلك. قوله: (تخصيصر الإيمان بالله الخ) يعني هنا وفي قوله: {يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} خصا بالذكر لأنهما الباعث على الجهاد والوازع بالزاي المعجمة والعين المهملة أي المانع عنه لأنّ من آمن بهما قاتل في سبيل دينه وتوحيده، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر، وهما مستلزمان للإيمان بما عداهما، وقوله يتحيرون يعني التردد مجاز أو كناية عن التحير لأن المتحير لا يقرّ في مكان وأصل معنى التردّد الذهاب والمجيء، وقوله أهبة بهمزة مضمومة تليها هاء موحدة هي هنا ما يحتاج إليه المسافر كالزاد والراحلة. قوله: (وقرئ عدّة بحذف التاء الخ) يعني بضم العين وتشديد الدال والإضافة إلى الضمير الذي هو عوض عن تاء التأنيث المحذوفة فإن الإضافة قد تعوّض عنها إذا كانت لازمة كإقام الصلاة لأنّ التاء عوض عن محذوف كما في عدة بالتخفيف بمعنى الوعد في البيت فلا تحذف بغير عوض، وقوله: إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى، والخليط الأصدقاء المخالطون وانجردوا بمعنى ارتحلوا بأجمعهم وأسرعوا المسير، والشاهد في عد بكسر العين وتخفيف الدال وأصله عدة قال السفاقسيّ: قرأ محمد بن مروان وابنه معاوية عدة بضم العين والهاء دون التاء فقال الفرّاء: سقطت كما في إقام الصلاة. وهو سماعي، وفي اللوامح لما أضاف أناب الإضافة عن التاء فأسقطها قال أبو حاتم: هو جمع عدة كبرة وبرّ. قوله: (استدراك عن مفهوم قوله ولو أرادوا الخ (هذا دفع لسؤال تقديره إنّ قوله أراد الخروج معناه نفي إرادتهم للخروج وقوله كره ال! هـ الخ نفي لإرادة الله الخروج فكيف استدرك نفي إرادتهم الخروج بنفي إرادة الله لهم الخروج والاستدراك من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، فلا انتظام لهذا الكلام أجاب عنه بأنّ قوله، ولو أرادوا الخروج يستلزم نفي خروجهم والمراد بقوله كره الخ تثبيطهم عن الخروج، لأنّ كراهة انبعاثهم سبب لتثبيطهم فأقيم السبب مقام المسبب فكأنه قيل ما خرجوا لكن تثبطوا عن الخروج فهو استدارك نفي الشيء بإثبات ضدّه كما يستدرك نفي الإحسان بإثبات الإساءة في قولك ما أحسن إليّ لكن أساء والتثبيط التعويق، والصرف عما يريد فعله وهذا كلام في غاية الانتظام وكذا قرّره شراح الكشاف، واعترض عليه بأن لكن تقع بين ضدين أو نقيضين أو مختلفين على قول، وما نحن فيه بين متفقين على تقريرهم، ولذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 قيل في صحة الاستدراك على ما قالوا بحث، والظاهر أنّ لكن هنا للتأكيد كما أثبتوه، ودفعه أنه له لما قال: ما خرجوا خطر بالبال أنه عرض! مانع عوّقهم عن الخروج فاستدرك بنفيه، وقال: إنهم تثبطوا أي تكلفوا إظهار التثبط، والعائق ولا أصل له وبين عدم الخروج المستلزم للعائق غالباً، وعدم العائق تضادّ في الجملة ومن لم يتنبه لهذا قال: لم لم يعتبر نفي إرادتهم واعتبر لازمه من الخروج، ولو جعل المعنى ما أرادوا الخروج ولكن تثبطوا ظهر معنى الاستدراك ولم يدر أنّ التعويق إنما يكون عما أريد فتدبر. قوله: (تمثيل لالقاء الله كراهة الخروج الخ) يعني إنه تعالى جعل خلق داعية القعود فيهم بمنزلة الأمر، والقول الطالب كقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [سررة البقرة، الآية: 243] أي أماتهم، وهو المراد بقوله جعل القاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمر بالقعود، وقوله: (أو وسوسة) بالجرّ معطوف على القاء وبالأمر متعلق بتمثيل أي تشبيه لهذا أو لهذا به، وقيل إنه مرفوع معطوف على تمثيل، وبالأمر متعلق به، والأوّل أوجه. قوله: (أو حكاية قول بعضهم) معطوف على تمثيل وأذن الرسول مجرور معطوف على قول بعضهم، ويحتمل الرفع عطفا على تمثيل، وعلى هذين فالقول على حقيقته. قوله: (والقاعدين يحتمل المعذورين) حكاه بلفظ الواقع في النظم، وفي الكشاف إنه ذم لهم وتعجيز والحاق بالنساء والصبيان والزمني الذين شأنهم القعود، والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ} [سورة التوبة، الآية: 87] يعني أنه أبلغ من أقعدوا، وكونوا مع القاعدين لالحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفيز، بالتخلف الموسومين بهذه السمة، وهو من قبيل لأجعلنك من المسجونيبئ كما مرّ تحقيقه وفي كلام المصنف رحمه الله إجمال وابهام لأنه يحتمل أن يريد بالمعذورين هؤلاء، وبغيرهم من سواهم فيكون مخالفاً لما في الكشاف، ويحتمل أن يريد بالمعذورين الرجال الذين لهم عذر يمنعهم عن الخروج كالمرضي، وبغيرهم من لا يحتاج إلى عذر في التخلف كالصبيان والنساء فيقرب مما في الكشاف، وهو الذي ارتضاه بعض أرباب الحواشي مع قصور في بيانه، وحوله: (وعلى الوجهين) أي سواء أريد المعذورين أو غيرهم لا يخلو عن ذم لأنّ المراد بالأمر التخلية والتوبيخ لا حقيقته، وقيل المراد بالوجهين أن يراد بالقول المجاز أو الحقيقة، ولذا قيل: إنه على الأخير لا ذمّ فيه. قوله: (ولا يستلزم ذلك ان يكون لهم خبال الخ الما! توهم أنّ زيادة الخبال تقتضي ثبوت أصله، وليس فيهم ذلك جعل بعض المعربين الاسعثناء مفرّغاً منقطعا بتقدير ما زادوكم قوّة وخيراً لكن شرّا وخبالا دفعه المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشركما بأنّ الاستثناء المفرغ يقدر المستثنى منه عاما أي زادوكم شيئا إلا خبالا على صلاحكم فلا يلزم ما ذكره مع أن الاستثناء المفرغ لا يكون إلا متصلاً فلا يصح صناعة، وهذه من الفوائد التي لم يصرّح بها النحاة، وقد التزم بعضهم صحته لأنه كان في تلك الغزوة منافقرن لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضاً واجتمعوا بهم زاد الخبال فلا فساد في ذلك الاستلزام ولو ثبت وكونه لا يكون مفرّغاً لأنه من أعم العام فيكون بعضه البتة. قوله: الآنه لا يكون مفرّكا (يعني الاستثناء المنقطع لا يكون مفرّغا) وفيه بحث (لأنه لا مانع منه إذا دلت القرينة عليه كما إذا قيل ما أنيسك في البادية فقلت ما لي بها إلا اليعافير أي ما لي أني! إلا هذه. قوله: (ولا سرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة الخ (الإيضاع إسراع سير الإبل يقال وضعت الناقة تضع إذا أسرعت وأضعتها أنا، والمراد الإسراع بالنمائم لأنّ الراكب أسرع من الماشي، كما في الكشاف فقيل المفعول مقدر وهو النمائم فشبه النمائم بالركائب في جريانها وانتقالها وأثبت لها الإيضاع ففيه تخييلية ومكنية، وقيل: إنه استعارة تبعية شبه سرة إفسادهم لذات البين بالنميمة لسرعة سير الركائب ثم استعير لها الإيضاع وهو للإبل والتضريب الإفساد من قولهم ضرب البرد النبات، إذ أسده والتخذيل إيقاع الخذلان وهو عدم النصرة، وخلال جمع خلل وهو الفرجة استعمل ظرفاً بمعنى بين فإن قلت قول المصنف ولا وضحعوا ركائبهم ووضع البعير خطأ لقول الأخفش في كتاب المعاياة إنه لا يصح أن يقال أوضعت الركائب ولا وضع البعير، وإنما يستعمل بدون قيد، قلت: هذا غير متفق عليه كما ذكره نقلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 عن بعض أهل اللغة واستدل له بقوله: فلم أرسعدي بعد يوم لقيتها غداة بها أحمالها صاج توضع واعلم أنّ قوله ولا أوضعوا في الإمام مرسوم بألفين الثانية هي فتحة الهمزة والفتحة ترسم لها ألف كما ذكره الدأني رحمه الله وتبعه الزمخشريّ هنا. قوله: (يريدون أن يفتنوكم الخ) يقال بغاه كذا وبغاله كذا بمعنى قلب، وأراد والجملة خالية أي باغين لكم الفتنة، وضعفة بفتحتين جمع ضعيف واللام على التفسير الأوّل للتقوية كما في قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [سورة هود، الآية: 07 ا] واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله يسمعون تولهم ففي الكلام مضاف مقدر وعلى الوجه الثاني اللام للتعليل، وتوله والله عليم بالظالمين تقدم تحقيق دلالته على الوعيد قريبا. قوله: (فإن ابن أبز رأس المنافقين الخ) ثنية الوداع موضع معروف شامي المدينة، وهو بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد الياء العقبة، والوداع بفتح الواو سميت بها لأنه يوخ الخارج بها، وقيل الوداع اسم واد خلفها وذو جدة مكان بقربه، ولم أر له ضبطا وأظنه من تحريف النساخ وأنه ذو جسد وهو موضع بقرب المدينة فإنه ذكر في التواريخ ولم يذكروا غيره مع إحاطتهم، وقصص المنافقين ومكايدهم مذكورة في السير. قوله: (ودبروا لك المكايد والحيل الخ) يعني الأمور المراد منها المكايد فتقليبها مجاز عن ثدبيرها أو الآراء فتقليبها تفتيشها واجالتها والآيتان هذه والتي قبلها وما ثبطهم لأجله هو أن حضورهم فيه ضرر دون نفع. قوله: (تداركاً لما فوّت الرسول صلى الله عليه وسلم) تعليل لما قبله، وما فوته هو هتك أستارهم وبيان بطلان أعذارهم، وهو دفع لما يقال إنّ خروج هؤلاء إن كان مصلحة فلم كرهه الله، وان كان مفسدة! ما عوتب النبيّء صلى الله عليه وسلم بأنه مفسدة، وإنما عوتب على عدم التأني فيه حتى يفتضحوا فكان الأولى التصفح عن كته ذلك، والتأمّل فالعتاب على ترك الأولى نظراً للظاهر وحمل من ظاهره الإسلام على الصلاج والمقصود زيادة تبصيره وتدريبه فليس جناية كما زعمه الزمخشري. قوله: (أي العصيان والمخالفة الخ (لأنّ الفتنة تكون بمعنى الذنب كما مرّ والإشعار ظاهر وعلى الوجه الثاني الضرر، وقوله: (بنساء الروم (لأنّ غزوة تبوك كانت للروم الذين بجهة الشأم، وجد بن قيس من بني، سلمة أحد المنافقين لعنهم الله تعالى ومولع بفتح اللام بمعنى كثير الشغف والمحبة يعني فأخشى العشق لهن، أو مواقعتهن من غير حل وبنات الأصفر الروم كبني الأصفر، وقيل في وجه التسمية وجوه منها أنهم ملكهم بعض الحبشة فتولد بينهم نساء وأولاد ذهبية الألوان. قوله:) أي أنّ الفتنة هي التي سقطوا فيها الخ (هذا التخصيص قيل: إنه مستفاد من تقديم الظرف على عامله والتصدير بأداة التنبيه فإنها تدلّ على تحقق ما بعدها ورذ بأنّ تقديم الظرف لا يفيد إلا تخصيص العامل لا بالعكس كما ذكر، وأما التنبيه فيفيد مجرّد التحقق لا التخصيص فالأولى أن يقال لما كان قوله ألا في الفتنة رذأ لقوله ولا تفتني كان نفيا لتلك الفتنة، وهي التخلف أو العيال أو بنات الأصفر واثباتا لهذه، وهو معنى الحصر وقد يقال إنه بيان لمحصل المعنى وأنه لم يقعوا إلا في الفتنة لأن الفتنة هي التي سقطوا فيها لا غيرها فتدبر. قوله:) جامعة لهم يوم القيامة الخ (قال النحرير: فعلى الأوّل المجاز في محيطة حيث استعمل في الاستقبال، وعلى الثاني في جهنم حيث استعمل في الأسباب أو الكلام تمثيل شبهت حالهم في إحاطة الأسباب بحالهم عند إحاطة النار وما ذكره بناء على أنّ اسم الفاعل حقيقة في الحال، وقد حقق في محله فما قيل إنّ اسم الفاعل لا يدذ على شيء من الأزمنة وضعا فيستعمل لكل منه بحسب القرائن وأن جعل جهنم مجازاً بعيد عن الفهم ليس بشيء لمن عرف معنى كلام القوم. قوله: (في بعض غزواتك (قيده به لدلالة السياق عليه، وقوله: (كسر (أي هزيمة لبعض جيشه يقال انكسر العسكر إذا انهزموا، وهو حقيقة عرفية وأصله انشقاق الأجرام، وتبجحوا بتقديم الجيم على الحاء المهملة بمعنى فرحوا وافتخروا، واستحمدوا عدوه صوابا محمودأ والمتحذث بفتح الدال المشددة محل الاجتماع للحديث أي انصرفوا عن ذلك إلى أهليهم وخاصتهم، أو تفرقوا وانصرفوا عنه! سيم، فإن قلت فلم قابل الله تعالى هنا الحسنة بالمصيبة ولم يقابلها بالسيئة، كما قال تعالى في سورة آل عمران {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} اسورة آل عمران، الآية: 120] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 قلت لأن الخطاب هنا للنبيّ! وهي في حقه مصيبة يثاب عليها لا سيئة يعاتب عليها، والتي في آل عمران خطاب للمؤمنين. قوله:) 1 لا ما اختصنا بإثباته الخ) يعني إن كتب إما بمعنى قدر لنا ما لا بذ منه واللام للاختصاص أو بمعنى خطه واللوج فاللام للتعليل، والأجل والمراد أنه لا يضرنا ما أنتم عليه فنحن راضون بما أراده الله، ولم يرتض المعنى الثاني الزمخشرقي، وغيره وقالوا إنه غير مناسب للمقام وان قوله هو مولانا لتأكيد ما سبق من الاختصاص، والدلالة على أنه المراد، وقال الشارح رحمه الله: إنه دفع لما يقال إن المعنى إلا ما كتب الله في اللوح، وجف به القلم فيدلّ على أنّ الحوادث كلها بقضاء الله تعالى، والمصنف رحمه الله لم يعوّل على ذلك لأنه غير مسلم عنده فتدبر. قوله: (وقرىء هل يصيبنا الخ) جعل قراءة يصيبنا بتشديد الياء من صيب الذي وزنه فيعل لا فعل بالتضعيف لأنّ قياسه صوّب لأنه من الواوي فلا وجه لقلبها ياء بخلاف ما إذا كان صيوب على فيعل لأنه إذا اجتمعت الواو والياء، والأوّل منهما ساكن قلبت الواو ياء وهذا قياس مطرد، وقد مرّ تحقيقه في تخير وتدبر ومخالفة ابن جني رحمه الله في أمثاله، وقوله: (من بنات الواو (أي الكلمات الواوية وبينه بأنه مشتق من الصواب لأنّ الإصابة وقوع الشيء فيما قصد به كما أن الصواب إصابة الحق، ووقوعه في محله أو من الصوب وهو القصد أو النزول لأن المصيب يقصد ما أصابه وأما الصوب بمعنى الجهة، كما في قولهم صوب الصواب فجاز كما في المصباج، وهو مستعمل في كلام العرب وجوّز الزمخشرفي، كونه من التفعيل على لغة من قال صاب يصيب. قوله: الأنّ حقهم أن لا يتوكلوا على غيره (فيه إشارة إلى الحصر المأخوذ من تقديم الجاز والمجرور وتفريع التوكل على ما قبله يقتضي أنه لا ناصر ولا متولي لأمرهم غيره فقوله لأنّ الخ بيان لوجه الحصر أي انحصر التوكل عليه لأن حق المؤمن أن لا يتوكل على غيره، وإنما كان حقه ذلك لأنه لا ناصر له ولا متولي لأمره سواه فاندفع ما قيل إنه لا وجه لتعليل المصنف رحمه الله والعلة ما قبله، كما تفيده الفاء والتربص معناه الانتظار والتمهل، وقوله: (1 لا إحدى العاقبتين الخ (إشارة إلى وجه تأنيث الحسنى بأنه صفة لمؤنث، وهو العاقبة، وقوله: (التي كل منها حسنى العواقب (أي كل منهما أحسن من جميع العواقب غير الأخرى أو أحسن من جميع عواقب الكفرة، أو كل منهما أحسن مما عداه من جهة فلا يرد عليه أنه يلزم أن يكون كل منهما أحسن من الآخر. قوله: (النصرة والشهادة (تفسير للحسنيين يعني ما ينتظرونه لا يخلو من أحد هذين وكل منهما حسن، وقوله:) إحدى السوأيين (بهمزة وياءين تثنية سوأى مؤنث أسوأ كحسنى وأحسن وهو كحبليين تثنية حبلى، وفي بعض النسخ السوأتين بتاء فوقية والأولى أولى لمقابلة الحسنيين. قوله: (بقارعة من السماء) القارعة الدا! ة والمميبة ونزو! امن السماء كالصاعقة وريح عاد، وهو في مقابلة بأيدينا فلذا فسر من عنده به، وهو كناية عن كونه من الله بلا مباشرة البشر، وقوله أو بعذاب بأيدينا إشارة إلى أنه معطوف على صفة عذاب فهو صفة مثله لا أنه مقدر، وفيد القتل بكونه على الكفر لأنه بدونه شهادة واشارة إلى أنهم لا يقتلون حتى يظهروا الكفر ويصروا عليه لأنهم منافقون والمنافق لا يقتل ابتداء كما هو معلوم من حكمه. قوله: (أمر في معنى الخبر الخ) كما أن الخبر يستعمل للأمر في نحو رحمه الله ويتربصن بأنفسهن كذلك الأمر يستعمل بمعنى الخبر كثيرا كما في قول كثير عزة: أسيئي بنا أوأحسني لاملومة لدينا ولامقلية إن تقلت وهو كما قال الزجاج: رحمه الله في معنى الشرط أي إن أحسنت وإن أسأت فلست ملومة ولا مقلية وان تنفقوا طوعا أو كرها فلن ينقبل منكم فلا يتوهم أنه إذا أمر بالإنفاق كيف لا يقبله، وهو استعارة تمثيلية شبهت حالهم في النفقة وعدم قبولها بوجه من الوجوه بحال من يؤمر بفعل ليمتحنه ويجز به فيظهر له عدم جدواه فلا يتوهم أن لفظه لفظ الأمر والتجوّز عن الأمر بالامتحان يقتضي بقاءه على الإنشائية والمبالغة جاءت من هذه الاستعارة ويمتحنوا بصيغة المعلوم أي يجرّبوا. قوله:) وهو جواب قول جدّ بن قيس (قال اين! سيد الناس رحمه الله تعالى في سيرته قال رسول لله مجتي! ذات يوم وهو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 في جهازه يعني للعزاة للجد بن قيس أحد بني سلمة: " يا جدّ هل لك العام في جلاد بني الأصفر " فقال: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشذ عجباً بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله ىسي! وقال: " قد أذنت لك ففيه نزلت ") 1 (. قوله: (ونفى التقبل يحتمل أمرين) كل منهما يقع في الاستعمال فقبول الناس له أخذه وقبول الله سبحانه وتعالى ثوابه عليه ويجوز الجمع بينهما. قوله: (إنكم كنتم قوما فاسقين (في الكشاف المراد بالفسق التمرّد والعتو وهو دفع لما يقال كيف علل مع الكفر بالفسق الذي هو دونه، وكيف صح ذلك مع التصريح بتعليله بالكفر وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا ودفعه المصنف رحمه الله تعالى بوجه آخر وهو أن المراد بالفسق ما هو الكامل وهو الكفر ولذا جعله بيانا وتقريراً له، والاستئناف نحوفي. قوله: (وما منعهم قبول نفقاتهم الخ) منع يتعذى إلى مفعولين بنفسه وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجز وهو من أوعن وهنا تعدى بنفسه إليهما كما أشار إليه وان كان حذف حرف الجرّ مع أنّ وأن مقيس مطرد ولذا قدره بعضهم هنا، ولذا تعدى بحرف فيقال فيه منعه من حقه ومنع حقه منه لأنه يكون بمعنى الحيلولة بينهما، والحماية ولا قلب فيه كما توهم، وقال أبو البقاء رحمه الله: إن تقبل بدل اشتمال من هم في منعهم ولا حاجة إليه، وفاعل منع أنهم كفروا كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقيل ضمير الله وأنهم كفروا بتقدير لأنهم كفروا، وقوله لأنّ تأنيث النفقات الخ وللفصل أيضا، وقوله على أنّ الفعل لله أو للرسول صلى الله عليه وسلم إذا فسر القبول بالأخذ كما مرّ فإن قيل الكفر سبب مستقل لعدم القبول فما وجه التعليل بمجموع الأمور الثلاثة، وعند حصول السبب المستقل لا يبقى لغيره أثر قلنا أجاب الإمام رحمه الله بأنه إنما يتوجه على قول المعتزلة القائلين بأن الكفر لكونه كفرا يؤثر في هذا الحكم، وأما أهل السنة فإنهم يقولون هذه الأسباب معرّفات غير موجبة للثواب ولا للعقاب، واجتماع المعرّفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز. قوله: (لأنهم لا يرجون بهما ثواباً الخ (أي بالصلاة والنفقة، وفي الكشاف فإن قلت الكراهة خلاف الطواعية، وقد جعلهم الله طائعين في قوله طوعاً، ثم وصفهم بأنهم لاينفقون إلا وهم كارهون، قلت المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من رؤسائهم وما طوعهم ذلك إلا عن كراهة واضطرار لا عن رغبة واختيار يعني المراد بالكراهة هنا عدم الرغبة، وهي لا تنافي الطوع كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى لكنه نوقش فيه بأنّ قوله طوعا أو كرها لا يدلّ على أنهم طائعون إذ غايته أنه ردد حالهم بين الأمرين وكون الترديد ينافي القطع كما قيل محل نظر كما إذا قلت إن أحسنت أو أسأت لا أزورك مع أنك لا تحسن. قوله: (فلا تعجبك أموالهم الخ) العجب ما يتعجب منه، وما لم يعهد ويستعار للموفق الذي يروقك يقال أعجبني كذا أي راقني ومنه ما في هذه الآية، وقوله ليعذبهم قيل هذه اللام زائدة، وقيل المفعول محذوف، وهذه تعليلية أي يريد إعطاهم لتعذيبهم، وفيه تفصيل في محله، وقوله يكابدون أي يقاسون فيها ما لم يقاسه لأنهم لعدم حصولهم على شيء غيرها أشد حرصا وتعباً. قوله: (فيموتوا كافرين مشتنلين بالتمتع الخ الما لم يصح تعليق الموت على الكفر بإرادته تعالى لتنزهه عن إرادة القبيح عند المعتزلة أوّله الزمخشريّ بأنّ مراد الله امهالهم ودوام النعمة عليهم إلى أن يموتوا على الكفر مشتغلين بما هم فيه عن النظر في العاقبة، والقول بأنّ ما يؤدي إلى القبيح ويكون سببا له حكمه حكمه في القبح في حيز المنع وأجاب الجبائي بأنّ إرادة حال الكفر لا تستلزم إرادة الكفر كالمريض يريد المعالجة عند حدوث المرض والسلطان يريد المقاتلة عند هجوم العدوّ ولا يريد المرض والعدوّ، ورذه الإمام رحمه الله بأنّ استلزام إرادة الشيء ما هو من ضرورياته ضروريّ، وحصول الكفر من ضروريات الموت على الكفر بخلاف ما ذكره من الأمثلة فإنّ حاصل المعالجة إزالة المرض! ، ومريد زوال الشيء يمتنع أن يكون مريداً له وكذا مقاتلة العدوّ إزالة لهجومه، واقدامه على الحرب وليست إرادة الموت على الكفر إرادة زواله، وقيل عليه إنّ كون إرادة ضروريات الشيء من لوازم إرادته ليس بمسلم فكم من ضروريّ للشيء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 لا يخطر بالبال عند إرادته فضلا عما ادعاه فقول المصنف رحمه الله فيموتوا إشارة إلى ترتبه على ما قبله من أشتغالهم بالدنيا حتى يأتيهم الموت من غير رجوع عن كفرهم، وهذا يعلم من تأخيره وترك الفاء فيه اعتماداً على أنه يعلم من معنى الكلام كما مرّ عن السكاكيّ، ولما كان الاستدلال بالآية على أنّ كفر الكافر بإرادة الله غير تامّ لما عرفت لم يتبع من استدلّ بها، وفسرها بما ذكر مما هو متفق عليه عند أهل السنة والمعتزلة والشغل ضد الفراغ فإذا تعذى بعن كان بمعناه، والتقية ما يظهر لأجل اتقاء الضرر وليس عن اعتقاد وقوله غير إنا جمع غار كثيران ونار تفسير لمغارات جمع مغاوة بمعنى الغار، ومنهم من فرق بينهما بأنّ الغار في الجبل والمغارة في الأرض، وقراءة الجمهور بفتح الميم وقرىء بضمها شاذاً. قوله: (نفقاً ينحجرون فيه الخ (النفق بفتحتين سرب في الأرض! ، وهو الحجر وانحجر دخل الحجر وهو معروف وهو مفتعل فأدغم بعد قلب تائه دالاً، وقراءة يعقوب بفتح الميم اسم مكان من الثلاثي، وقراءة مدخلاَ بضم الميم وفتح الخاء من المزيد لأنهم يدخلون أنفسهم أو يدخلهم الخوف فيه، ومتدخلا اسم مكان من تدخل تفعل من الدخول ومندخلاً من اندخل وقد ورد في قول الكميت: ولا يدي في حميت السمن تندخل وأنكر أبو حاتم رحمه الله هذه القراءة، وقال إنما هي بالتاء بناء على إنكار هذه اللغة والقراءة تبطله. قوله: (لآقبلوا نحوه وهم يجمحون الخ (أي لو وجدوا شيئاً من هذه الأمكنة التي هي منفور عنها مستنكره لأتوه لشدة خوفهم، وقيل لئلا يظن أنّ مساكنتهم لكم عن طيب نفس، والفرس الجموح النفور الذي لا يردّه لجام ويجمزون قراءة أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقيل له: يجمحون فقال: يجمحون ويجمزون ويشتدون بمعنى، وليس مراده أنه يقرأ بالزاي كما توهم بل التفسير، وردّ الإنكار وجمازة ناقة شديدة العدو. قوله: (يلمزك يعيبك الخ) ظاهره أنه مطلق العيب كالهمز ومنهم من فرق بينهما بأنّ اللمز في الوجه والهمز في الغيب، وقد عكس أيضا وأصل معناه الدفع، وضمم عينه لغة فيه والملامزة بمعنى اللمز. قوله:) في قسمتها (يحتمل أنه بيان للمعنى المراد، أو تقدير المضاف وفي للظرفية أو التعليل. قوله: (نزلت في أبي الجوّاظ المنافق الخ) قال العراقي: لم أقف عليه في شيء كتب الحديث، والجوّاظ بصيغة المبالغة والظاء لمعجمة كشداد الضخم المتكبر والكثير الكلام. قوله: (وقيل في ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج) الذين خرجوا على عليّ كرم الله وجهه وقتله، وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث (1 (نحوه وعند مسلم ذي الخويصرة بدون ابن، وهو الصحيح واسمه خرقوص وإذا الفجائية معلوم معناها وأحكامها في النحو وهي تسد مسدّ الفاء في الربط فلذا وقعت الاسمية هنا جواباً بدون فاء، وغاير بين جوابي الجملتين إشارة إلى أن سخطهم ثابت لا يزول ولا ينفي بخلاف رضاهم. قوله: (من الننيمة أو الصدقة) عمم الحكم لهما وان كان ما بعده وما قبله في الصدقة لأنه أنسب ولأنّ الموصول من صيغ العموم، وقوله: (كفانا فضله) إما بيان لحاصل المعنى أو تقدير المضاف لدلالة المعنى عليه والتصريح به بعد.، وقوله: (صدقة أو غنيمة) مفعول يؤتينا أو خبر كان أي صدقة كان أو غنيمة أو بدل من محل الجار والمجرور، وأخرى صفة لكل منهما، وقوله أكثر مما آتانا جعله أكثر لأنه المتبادر من جعله فضلا، وأكثر تسلية فلا يقال إنه لا حاجة إليه بل يكفي أن يكون مثله لأنه لما كان سخطهم لقلة العطية ناسب أن يكون المعنى سيعطينا أكثر مما أوجب السخط وهذا بناء على أنّ معنى الآية، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله، وان قل فيكون معنى قوله فإن أعطوا منها أعطوا ما أرادوا وان لم يعطوه سخطوا لا إن لم يعطوا شيئاً، وهذا أحد احتمالين للمفسرين، ولذا قيل ظاهر هذه الآية أنهم لا يرضون بما أعطوا وهو خلاف ما يدل عليه ما قبله فإن حملت الآية الثانية على الغنيمة فلا إشكال إذ المعنى رضوا به، وإن لم يعطوا غيره، وان أريدت الصدقة فتحمل الآية الأولى على أنهم إن أعطوا بقدر طمعهم، وقوله والجواب محذوف لا قالوا والواو زائدة كما قيل. قوله: (ثم بين مصارف الصدقات تصويباً الخ) يعني لما ذكر المنافقون وطعنهم وسخطهم بين أن فعله لإصلاح ع لدين، وأهله لا لأغراض نفسانية كأغراضهم فانطبقت هذه الآية وما فيها من الحصر المستدعي لإثباته لم ذكر ونفيه عمن عداه يعني الذي ينبغي أن يقسم مال الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 عليه من اتصف بإحدى هذه الصفات دون غيره إذ القصد الصلاج والمنافقون ليس فيهم سوى الفساد فلا يستحقونه حسما لأطماعهم فظهر جواب أنه كيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين وقوله الزكوات تفسير للصدقات ليخرج غيرها من التطوع. قوله: (وهو دليل على أن المراد باللمز الخ (هذا إشارة إلى أن التفسير الأوّل وهو قوله قيل إنها نزلت في أبي الجوّاظ، وأنه في الصدقات هو المرضيّ عنده. قوله: (والفقير من لا مال له ولا كسب الخ) هذا قول الشافعيّ رضي الله تعالى عنه، وما حكاه بقيل قول أبي حنيفة رحمه الله فعنده الفقير من له أدنى شيء، وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير تائم، وهو مستغرق في الحاجة والمسكين من لا شيء له فيحتاج للمسألة لقوته، وما يواري بدنه ويحل له ذلك بخلاف الأوّل حيث لا تحل له المسألة فإنها لا تحل لمن يملك قوت يومه بعد ستر بدنه، وعند بعضهم لا يحل لمن كان كسوبا أو يملك خمسين درهما، ويجوز صرف الزكاة لمن لا تحل له المسألة بعد كونه فقيرا، ولا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة بالحاجة، ولذا قلنا يجوز للعالم وإن كان له كتب تساوي نصبا كثيرة إذا كان محتاجاً إليها للتدرش! ، ونحوه بخلاف العامّي، وعلى هذا جميع آلات المحترفين، ووجه كون الفقير أسوأ حالاً لقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [سورة الكهف، الآية: 79، إذ أثبت للمسكين سفينة. وأجيب بأنها لم تكن لهم بل هم أجراء فيها أو عارية معهم أو قيل لهم مساكين ترحما، وبقوله ع! ز: " اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في رّمرة المساكين " (1 (مع ما روي أنه صلى الله عليه وسلم تعوّذ من ا! قر، وأجيب بأنّ الفقر المتعوّذ منه ليس إلا فقر النض لما روي أف ط ن صلى الله عليه وسلم يسأل العفاف والغنى (2 (، والمراد به غنى النفس لا كثرة الدنيا، واستدل على أنّ الفقير أسوأ حالاً من المسكين بتقديمه في الآية ولا دليل فيه لأن التقديم له اعتبارات كثيرة في كلامهم، وبأنّ الفقير بمعنى المفقور أي مكسور الفقار فكان أسوأ، ومنع بجواز كونه من فقرت له فقرة من مالي إذا قطعتها فيكون له شيء، وأما قوله تعالى: {مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [سورة البلد، الآية: 6 ا] أي ألصق جلده بالتراب في حفرة استتر بها مكان الأزار وألصق بطنه به لجوع فتمام الاستدلال به موقوف على أنّ الصفة كاشفة، وهو خلاف الظاهر، وقوله: يقع صفة كسب والفقار بفتح الفاء عظام الصلب، وقوله أصيب فقاره أي كسر ورمى بمصيبته كقولهم ذكره إذا قطع ذكره، وقوله لا يكفيه أي لنفسه وعيله وكفاية المال للسنة والكسب لليوم، وقوله: (كأنّ العجز أسكنه (قيل إنه ملائم للعكس. قوله:) وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل الخ) إشارة إلى ما رواه الترمذي رحمه الله عن أنس رضي الله عنه وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه، وصححوه: " اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ") 3 (وقوله: (يتعوّذ من الفقر) إشارة إلى ما رواه أبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بقوله: " اللهم إتي أعوذ بك من الكفر والفقر ") 4 (وأما ما اشتهر من أنّ الفقر فخرى فلا أصل له كما يظنه بعضهم. قوله: (الساعين في تحصيلها) أي الذين يجبونها يعطي لهم مقدار كفايتهم إلا أن يستغرق المال فلا يزاد على النصف، ولا تقدير فيه والشافعيّ رضي الله عنه قدره بالثمر. قوله: (والمؤلفة الخ (قال ابن الهمام المؤلفة كانوا ثلاثة أقسام قسم كفار كان رسول الله لمجييه يعطيهم ليتألفهم على الإسلام، وقسم كان يعطيهم ليدفع شرّهم، وقسم أسلموا وفيهم ضعف إسلام فكان يتألفهم ليقوي إيمانهم، وفي الهداية انعقد إجماع الصحابة رضي الله عنهم على انقطاعهم بعده صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فإنّ عمر رضي الله تعالى عنه رذهم لما جاء عيينة والأقرع يطلبان أرضا من أبي بكررضي الله عنه فكتب خطاً فمزقه عمر رضي الله عنه، وتال هذا شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم على الإسلام، والآن قد أعز الله الإسلام فأغنى عنكم فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف فرجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا الخليفة أنت أم عمر فقال: هو إن شاء ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم مع احتمال أن فيه مفسدة، كارتداد بعض منهم وإثارة ثائرة، فإن قيل إنه لا إجماع فلا بد من دليل يفيد نسخه قبل وفاته أو يقيده بحياة النبيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 صلى الله عليه وسلم أو يكون حكماً انتفى بانتفاء علمته وانتهائها ومجرّد الانتهاء لا يصلح دليلاً لنفي الحكم لأنّ بقاء الحكم لا يحتاج لبقاء علته، كما في الاضطباع والرمل فلا بد من خصوص محل يقع فيه الانتفاء عند الانتفاء من دليل يدل على أنّ هذا الحكم مما شرع مقيداً ثبوته بثبوتها غير أنا لا يلزمنا تعيينه في محل الإجماع بل إن ظهروا لأوجب الحكم بأنه ثابت، على أن الآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه تصلح لذلك، وهي قوله تعالى: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف، الآية: 29] كذا قيل وفيه نظر فإنه إنما يتم لو ثبت نزول هذه الآية بعد هذه وقوله عيينة ابن حصين بالتصغير كذا في النسخ وصوابه حصن مكبراً، وقوله من خمس الخمس لأن إعطاء حق فقراء المسلمين لغيرهم مخالف للظاهر بخلاف حق نفسه، وقوله وقيل الخ هو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقد مز تحقيقه وعدّ طائفة تؤلف على القتال منهم بأن يكونوا أقرب إلى العدوّ ونحوه، وقال بعض الساقط سهم المؤلفة من الكفار دون المسلمين فالآية غير منسوخة وعلى القول بنسخها فهل الناسخ الإجماع على القول بأنه ينسخ أو أنه بانتهاء الحكم لانتهاء علته كما مرّ، وفيه كلام في التفسير الكبير ومنهم من قال إنه تقرير لما كان في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه إعزاز للدين، وهو بعده يمنعهم فتأمّل. قوله: (وللصرف في فك الرقاب الخ) إشارة إلى تقدير متعلق الجار بمصروفة كما سيأتي، وان في الكلام مضافا مقدرا بحسب الاقتضاء لأنها لا تصرف في الرقاب نفسها، وإنما تصرف في فكها والنجوم جمع نجم وهو الكوكب، ثم استعمل لزمان طلوعه، ثم لكل زمان معين ثم لما يؤذي فيه وهو بدل الكتابة. قوله: (والعدول عن اللام الخ) في الكشاف إنه للإيذان بأنهم أرسخ في الاستحقاق لأنّ في للوعاء فجعل هؤلاء محلا له، وفي الانتصاف إن له سرا آخر أظهر من هذا، وهو أن الأصنات الأربعة الأوائل يملكون ما يدفع إليهم لأخذهم له تملكا، والأواخر لا يملكونه بل يصرف في جهتهم، ومصالحهم فمال المغاتب يأخذه سيده والغارم رب الدين وأما سبيل الله فواضح، وابن السبيل مندرج في سبيل الله، وإنما أفرد تنبيها على خصوصيته مع تجرّده عن الحرف فيمكن عطفه على كل منهما 4 ولكن عطفه على القريب أقرب، ومتعلق الجار إما مصروفة للفقراء كقول مالك رحمه الله: أو مملوكة للفقراء كقول الشافعي رحمه الله الأوّل أولى لاطراده في الجميع لأنه يقال مصروفة لكذا وفي كذا بخلاف الثاني، وهذا محصل ما ارتضاه المصنف رحمه الله لكنه أجمله، وقوله الاستحقاق للجهة جعل الجهة نفسها مستحقة مجازاً، وكناية عن نفي الاستحقاق أو اللام للأجل، وقوله وتيل للإيذان الخ هو ما اختاره الزمخشرفي يعني أنهم جعلوا محلا له لتمكنه فيهم بشدة استحقاقهم له، وهذا على أنّ اللام لمجرّد الاختصاص فأما إذا جعلت للملك فالوجه ما ذكره المصنف رحمه الله لأنه مقتضى مذهب الشافعي رحمه الله إذ عنده أنه لا بد من صرفها إلى جميع الأصناف لأنها على طريق التملك ولا يجوز صرف ملك أحد إلى غيره وعند غيره هي للاختصاص بهؤلاء الأصناف لا تتعداهم فيجوز أن يصرف لبعض دون بعضى وتفصيله في التلويح وكتب الأصول. قوله: (المديونين لأنفسهم في غير معصية الخ) احترز بقوله لأنفسهم عما بعده مما استدين لإصلاح ذات البين، وبقوله في غير معصية عمن استدان للمعصية كالخمر والإسراف فيما لا يعنيه لكن قال النووي في المنهاج قلت الأصح أنه يعطي إذا تاب وصححه في الروضة، والمانع مطلقا قال إنه قد يظهر التوبة للأخذ، وهو الذي ارتضاه المصنف رحمه الله، وقوله لم يكن لهم وفاء أي ما يوفون به دينهم فاضلاً عن حوائجهم، ومن يعولونه والا فمجرد الوفاء لا يمنع من الاستحقاق وهذا أحد القولين عند الشافعية، وهو الأظهر وقيل لا يشترط لعموم الآية وهل يشترط حلول الدين أولاً قولان لهم. قوله: (أو لإصلاح ذات البين (أي الحال التي بين القوم كأن يخاف فتنة بين قبيلتين تنازعا في قتيل لم يظهر قاتله أو ظهر فيعطي الدية تسكيناً للفتنة، وهذا يعطي مع الغني مطلقا، وقيل إن كان غنياً بنقد لا يعطي وهذا الإطلاق هو المنقول في كتب الشافعية المعتمد عليها كشرح المنهاج فلا تغتر بما وقع في بعض الحواشي هنا. قوله: (لا تحل الصدقة لفنئ الخ ((1 (هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه فالغازي إذا لم يكن له فيء يعطي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وان كان غنياً وهم المتطوّعة وكذا الغارم لإصلاج ذات البين كما مرّ وكذا آخذ الصدقة بشراء أو هبة ممن تصدق عليه وكذا العامل على الصدقات يعطي، وان كان غنيأ كما مز والمراد بالغني غير المزكي وكذا لو ورثها عن الفقير حلت له. قوله:) وللصرف في الجهاد بالإنفاق الخ (المتطوّعة هم الذين لا فيء لهم، وكذا مذهب الشافعيئ رحمه الله، وعن! أبي يوسف رحمه الله في سبيل الله معناه منقطع الغزاة وعند محمد رحمه الله منقطع الحاج والمراد الفقراء منهم واستش! صل مذهبهما بأنه إن كان له مال في وطنه فهو ابن سبيل والا فهو فقير فالعدد ناقص، وأجيب بأنه فقير لكن زاد عليه بوصف انقطاعه فهو أهئم ولذا نص عليه وأورد عليه أنه يعتبر فيها قيوداً تجعلها متغايرة، والتحقيق ما في كتاب الأحكام للجصاص إن من كان غنيا في بلده بداره، وخدف وفرسه وله فضل دراهم حتى لا تحل الصدقة له ف! ذا عزم على سفر غزاة احتاج بعدة وسلاح لم يكن محتاجا له في إقامته فيجوز أن يعطي من الصدقة، وان كان غنيا في مصره، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم الصدقة تحل للغازي الغنيّ انتهى، وبهذا علم أنّ الآية يوافقها مذهبا الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، وكراع كغراب الخيل والقناطر جمع قنطرة وأمّا القناطير فجمع قنطار والمصانع جمع مصنع ومصنعة وهو مجرى الماء والحصن، ويصح إرادة كل منهما هنا والظاهر الأوّل وقوله المنقطع عن ماله أي إن كان له مال، وهو إشارة إلى أنّ شرطه أن لا يكون معه مال، وإن كان له مال في وطنه فالسبيل بمعنى الطريق. قوله: (مصدر الخ (أي ناصبه مقدر مأخوذ من معنى الكلام، وقيل إنه صفة بمعنى مفروضة، ودخلته التاء لإلحاقه بالأسماء كنطيحة، وقوله يضع الأشياء الخ تفسير لحكيم أولهما. قوله: (وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة الخ (كونه يقتضي التخصيص بهذه الأوصاف لا نزاع فيه، وأما اقتضاؤ. وجوب الصرف إلى كل صنف وجد منهم والتسوية فلا دلالة للآية عليه لأنه تعالى جعل الصدقة لهؤلاء، فأما وجوب ما ذكر فلا كما أنّ قوله في الغنيمة {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ} الآية يوجب القسم عليهم من غير توزيع بالاتفاق، والحكم الثابت للمجموع لا يوجب ثبوته لكل جزء من أجزائه، ولذا اختار بعض الشافعية ما قاله أبو حنيفة رحمه الله لقوّة منزعه في الأخذ ووالده عمر ابن محمد البيضاوي رحمه الله، وهو مفتي الشافعية في عصره، وتحقيق الدليل في التلويح وغيره فإن أردته فارجع إليه، وقوله على أن الآية الخ، إشارة لما مرّ. قوله: (سمي بالجارحة للمبالنة كأنه من فرط استماعه الخ) في المفتاح إنه مجاز مرسل كما يراد بالعين الرجل إذا كان ربيئة لأنّ العين هي المقصودة منه فصارت كأنها الشخص كله، قال الشريف قدس سرّه: لم يرد بقوله كأنها الخ أن هناك تشبيهاً حتى يتوهم أنه استعارة ألا تراه لو حمل على ظاهره لم يكن استعارة إذ لم يطلق المشبه به على المشبه بل عكسه، وما ذكره لا يتمشى في كلام المصنف رحمه الله تعالى لأنه جعل الكل كأنه الجزء فالتوهم فيه أقوى، والظاهر أن مراده إطلاق الجزء على الكل للمبالغة كما قيل: إذا ما بدت ليلى فكلي أعين وان حدثوا عنها فكلي مسامع وقيل إنه مجاز عقليّ كرجل عدل وفيه نظر وليس بخطأ كما توهم، والمبالغة في أنه يسمع كل قول باعتبار أنه يصدقه لا في مجزد السماع إذ لا مبالغة فيه، وما قيل إن مرادهم بكونه أذنا تصديقه بكل ما سمع من غير فرق كما يرشد إليه قوله يصدقه فليس من قبيل إطلاق العين على الربيئة، ولذا جعله بعضهم من قبيل التشبيه بالإذن في أنه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حق عن باطل ليس بشيء يعتد به، وقيل إنه على تقدير مضاف أي ذو أذن وهو مذهب لرونقه. قوله: (أو اشتق له فعل) بضمتين كعنق على أنه صفة مشبهة من أذن يأذن إذناً استمع كقوله: وان ذكرت بشرّ عندهم أذنوا وعلى هذا هو صفة بمعنى سميع، ولا تجوّز فيه ففيه أربعة أوجه وأنف بضمتين روضة لم ترع أو كأس لم تشرب قبل، وشلل بوزنه وشين معجمة بمعنى مطرود وخفيف في الحاجة. قوله: (روي أنهم قالوا محمد أذن سامعة الخ) في سببه قولان قيل إنّ جماعة من المنافقين ذكروه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به وقالوا نخشى أن تبلغه مقالتنا فقال جلاس بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 سويد نقول ما شئنا، ثم إن بلغه نحلف له فيقبل قولنا فإنه أذن، وقيل إنّ رجلاً منهم قال: إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقاً فنحن شر من الحمر فقال ابن امرأته والله أنه لحق وانك لشر من حمارك فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له آخر منهم إنّ محمداً أذن فإن حلفت له ليصدقنك فنزلت، وكلام المصنف رحمه الله يحتمل الروايتين لإجماله وما تأذى به! ك! ي! أمّا ما قالوه في حقه من ذلك فيكون قوله في الآية، ويقولون غير ما تأذى به أو نفس قولهم هو أذن فيكون عطف تفسير كما في الكشاف والمصنف رحمه الله تعالى لم يفصله. قوله: (تصديق لهم بأنه أذن الخ) يعني أنه صدّقهم في كونه أذنا لكن لا على الوجه الذي أرادوه من أنه يسمع كل ما يلقى إليه من غير تمييز بل على وجه آخر وهو أنه أذن في الخير وأنّ استماعه خير كله فهو كما في الانتصاف أبلغ أسلوب في الردّ عليهم لأنّ فيه اجتماعاً في الموافقة على مدعاهم بالإبطال وهو كالقول بالموجب. قوله: (من حيث إنه يسمع الخير ويقبله) في الكشاف، وأذن خير كقولك رجل صدق تريد الجودة والصلاح كأنه قيل نعم هو أذن، ولكن نعم الأذن ويجوز أن يريد هو أذن في الخير والحق، وفيما يجب سماعه وقبوله، وليس بأذن في غير ذلك ويدلّ عليه قراءة حمزة ورحمة بالجرّ عطفا عليه أي هو أذن خير ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله يعني أنه من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة، أو إضافته على معنى في بدليل قراءة حمزة لأنه لا يحسن، وصف بالأذن بالرحمة ويحسن أن يفال أذن في الخير والرحمة والمصنف رحمه الله لم يتعرّض لشيء من الوجهين، وفسره على وجه صادق عليهما وما قيل إنه اختار الثاني، ولم يلتفت إلى الآخر وبنى عليه ما بنى تخيل لا وجه له سوى تكثير السواد. قوله: (ثم فسر ذلك بقوله يؤمن بالله الخ) إذ المراد بالأدلة الأدلة السمعية كالوحي والقرآن ولذا أدرجها في التفسير والمعنى هو أذن خير يسمع آيات لله، ودلائله فيصدقها ويستمع للمؤمنين فيسلم لهم ما يقولون ويصدقهم، وهو تعريض بأنّ المنافقين أذن شر يسمعون آيات الله ولا يثقون بها، ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع قولهم إلا شفقة عليهم لا أنه يقبله لعدم تمييزه كما زعموا، وبهذا يصح وجه التفسير فتدبر. قوله: (واللام مزيدة للتفرقة الخ) يعني أنّ الإيمان بالله بمعنى الاعتراف والتصديق يتعدى بالباء كما مز تحقيقه في سورة البقرة فلذا قال بالله، والإيمان للمؤمنين بمعنى جعلهم في أمان من التكذيب بتصديقهم لهم لما علم من خلوصهم متعد بنفسه فاللام فيه مزيدة للتقوية هذا مراده رحمه الله تعالى، والزمخشرفي قال في وجه التفرقة بينهما إنه قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء التي يتعدى بها الكفر حملاً للنقيض على النقيض، وتصد السماع من المؤمنين، وإن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقهم لكونهم صادقين عنده فعدى باللام ألا ترى إلى قوله: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [سورة يوسف، الآية: 17، فعدى باللام لأنه بمعنى التسليم لهم ومن فسر كلام المصنف بكلام الكشاف فقد خلط. قوله: (لمن أظهر الإيمان الخ (فسره بذلك لأنهم منافقون، وقراءة حمزة بالجرّ عطفاً على المضاف إليه والفرق بينها وبين قراءة الرفع أنها تفيد استماع كلامهم دون الأولى، وعلى قراءة النصب هو مفعول لة لفعل مقدر أي يأذن بمعنى يسمع أو عطف على آخر مقدر أي تصديقا لهم ورحمة لكم وقوله وقرئ أذن أي بالتنوين وخير صفة له بمعنى خير المشدد أو أفعل تفضيل أو مصدر وصف، به مبالغة أو بالتأويل المشهور ولم يذكر الزمخشرقي، كونه صفة فقيل لأنه ليس المعنى على أنه أذن خير لكم بل على أنه مع كونه أذنا خير لكم حيث يقبل معاذيركم، وفيه نظر. قوله:) بإيذائه (أي أذيته والإيذاء مصدر آذاه، وتد أثبته الراغب ولما لم يذكره الجوهري كما هو عادة أهل اللغة في ترك المصادر القياسية ظن صاحب القاموس أنه لم يسمع فقال وأذاه أذى، ولا تقل إيذاء وهو خطأ منه كما ذكرناه في كتاب شفاء القليل، وفيه إشارة إلى أن إيراد الموصول يفيد عليه الصلة للحكم، وقوله تخلفوا أي عن الجهاد معطوف على قالوا وما مصدرية وما قالواة هو ما تقدم من قولهم إذن أو ما أذوه به ع! م على الروايتين، وقيل يحلفون على أنهم منكم. قوله: الترضوا عنهم) تعليل للتعليل أي حلفوا للإرضاء والإرضاء لأجل تحصيل رضاكم عنهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 أو تفسير للإرضاء بالرضا لأنه لازم له ومقصود منه لا مطلق فعل ما يرضى، وإن لم يترتب عليه الرضا. توله: (بالإرضاء بالطاعة الخ (إشارة إلى أن أن يرضوه صلة أحق بتقدير الباء لا مبتدأ أحق خبره والمفضل عليه محذوف أي من غيره وقوله بالطاعة، والوفاق أي الموافقة لأمره تفسير لإرضاء الله ورسوله. قوله: (وتوحيد الضمير الخ الما كان الظاهر بعد العطف بالواو والتثنية، وقد أفرد وجهوه بأنّ إرضاء الرسول! م لا ينفك عن إرضاء الله تعالى فلتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد عليهما الضمير المفرد، وأحق على هذا خبر عنهما من غير تقدير. قوله:) أو لأن الكلام في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) فيكون ذكر الله تعظيما له وتمهيداً فلذا لم يخبر عنه، وخص الخبر بالرسول وفيه تأمّل، وقوله: (أو لأنّ التقدير الخ) جعل الخبر للأوّل لسبقه وخبر الثاني مقدر وهو كذلك وسيبويه جعله للثاني لأنه أقرب مع السلامة من الفصل بين المبتدأ والخبر كقوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض! والرأي هختلف وقيل إنّ الضمير لهما بتأويل ما ذكر أو كل منهما، وأنه لم يثن تأدّبأ لئلا يجمع بين الله وغيره في ضمير تثنية وقد نهى عنه على كلام فيه، وقوله: (صدقا) أي إيمانا صادقاً في الظاهر، والباطن لا باللسان كإيمان المنافقين، وجواب الشرط مقدر يدل عليه ما قبله، وقراءة التاء على الالتفات للتوبيخ إن كان الخطاب لهم، وقيل إنه للمؤمتين وفي قراءة ألم تعلم الخطاب للنبي مج! ي! ، أو لكل واقف عليه. قوله:) يشاقق مفاعلة من الحد (بمعنى الجهة والجانب كما أن المشاقة من الشق بمعناه أيضا فإن كل واحد من المتخالفين والمتعاديين في حذ وشق غير ما عليه صاحبه، وهو الظاهر إذ المراد يخالف ويحتمل أن يكون الحد بمعنى المنع في كلامه. قوله: (على حذف الخبر (وهو حق وإن وما معها اسم تأويلاً مبتدأ وقدر لأن الفاء جواب الشرط وهو لا يكون إلا جملة، وأن المفتوحة مع ما في حيزها مفرد تأويلاً وقدر مقدماً لأنها لا تقع في ابتداء الكلام كالمكسورة وجوّز أن يكون خبراً أي الأمر أن له الخ. قوله: (أو على تكرير أنّ للتكيد) في كتاب سيبويه بعدما ذكر ما يكرّر للتطرية، ومما جاء من هذا الباب قوله تعالى: {أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 35] فكأنه قال أيعدكم إنكم مخرجون إذا متم ولكته قدمت إن الأولى ليعلم بعد أيّ شيء الإخراج، وزعم الخليل رحمه الله أن مثل ذلك قوله تعالى جذه {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ} ، ولو قال فإنّ كانت عربية جيدة انتهى، وقيل إنه يعني أنه تكرير لطول العهد، وإفادة التأكيد كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النحل، الآية: 1119 وكقوله: لقدعلم الحي اليمانون أنني إذا! لت أ! ابعدفى-اني! ا وليس من التأكيد الاصطلاحي وفي مثله لا بأس بالفصل سيما بما يكون من متعلقاته، ثم إنّ هذا المكرر لما كان محض مقحم هاعادة كان وجوده بمنزلة العدم فجاز الفصل به بين فاء الجزاء وما بعدها، ومع هذا لا يخلو عن ضعف، وأما إشكال نار جهنم فالحق أنه قوقي لأنّ أن لما كان تكراراً للأوّل لم يقتض إلا ما اقتضاه، ولم يعمل إلا فيما عمل فيه من غير أن ينفرد بعمل، وفي الجملة فجعل أن الثانية تكريراً للأولى مع أن لها منصوبا غير منصوبها ومرفوعا غير مرفوعها ليس من قاعدة التكرير لبعد العهد، والمجوز مكابر معاند لا ينبغي أن يصغي إليه اهـ، وما ذكره من الإشكال لصاحب التقريب، والمجوز الذي أشار إليه العلامة فإنه قال هو وإن كان زائداً يجوز إعماله، كما في كفى بالله شهيداً وهذا كله غير وارد لما عرفت أنه مذهب الخليل، وهم ناقلون له كما نقله سيبويه، وليس زعم تمريضا له لأنه عادته في كل ما نقله كما بينه شراحه، وما قال إنه إشكال قويّ ليس بوارد عليه فالحق ما قاله العلامة. قوله. (ويحتمل أن يكون معطوقاً الخ (لا يخفى بعده مع أن أبا حيان رحمه الله قال إنه لا يصح لأنهم نصوا على أن حذف الجواب إنما يكون إذا كان فعل الشر! ماضيأ أو مضارعا مجزوما بلم، وهذا ليس كذلك وليس ما ذكره متفقاً عليه وقد نص على خلافه في مغني اللبيب فكأنه شرط للأكثرية وعلى كل حال لا يرد اعتراضه وأما كون حقه العطف بالواو فليس بشيء لأن استحقاقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 النار بسبب المحادة بلا شبهة، وقراءة الكسر لا تحتاج إلى توجيه لظهورها، وقوله الإهلاك الدائم ثم جعل الإشارة إلى أنّ له النار فناسب تفسير الخزي بالإهلاك وعظمه بدوامه. قوله: (وتهتك عليهم أستارهم) تفسير لتنبئهم لأنه استعارة لإفشاء سرهم حتى كأنها تقول لهم في قلوبكم كيت وكيت، وقوله ويجوز الخ لما فسر ضمير عليهم بالمؤمنين، وكذا تنبئهم أيضا وما عد 51 للمنافقين لقوّة القرينة والدلالة عليه ومثله لا يضر إذ ليس تفكيك الضمائر بممنوع مطلقاً كما صرّج به الكشاف، أشار إلى أنه يجوز أن تكون الضمائر كلها للمنافقين، وكون السورة نازلة عليهم بمعنى مقروءة عليهم وفي حقهم إن كان الجار والمجرور متعلقا بتنزل فإن تعلق بمقدر أي تنزل سورة كائنة عليهم من قولهم هذا لك وهذا عليك فظاهر، وهذا هو الداعي لترجيح الوجه الأوّل، وإسناد الأنباء إلى السورة مجاز، قيل: وكذا المسند على جعل الضمير للمنافقين ورد بأنه إذا كان الأنباء بمعنى الإخبار لا الإعلام لا يجوز، والمقصود لازم فائدة الخبر، وهو أنه لا يخفى على الرسول لمجيرو. قوله: (وذلك يدل على ترددهم أيضاً) أي كتردّد المؤمنين في كفرهم لعدم ظهورهم، إذ لو ظهر قتلوا وكأنّ وجه الدلالة من وجه الدلالة من قوله تنبئهم لأنهم لو كانوا عالمين بها لم تكن معلمة لهم، ولا لنا والظاهر أن يقول وفيه إشعار أو هو من قوله يحذر لأنهم لو كانوا كفرة لم يحذروا إلا أن يكون استهزاء. قوله: (إنه خبر في معنى الآمر الخ) معناه ليحذر المنافقون فوضع موضعه، قال النحرير: إنه ينبو عنه قوله ما تحذرون نوع نبوة إلا أن يراد ما يحذرون بموجب هذا الأمر، وقوله كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء أي يقولون نحذر أن تنزل الخ على طريق الاستهزاء فعلى هذا لا دلالة فيها على تردّدهم في كفرهم، وقوله لقوله لأنها تدل على أنه وقع منهم ا! شهزاء بهذه المقالة، وعلى غير هذا الوجه فالمراد نافقوا لأنّ المنافق مستهزئ فكما جعل قولهم آمنا، وما هم بمؤمنين مخادعة في البقرة جعل هنا استهزاء. قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} أي مبرزه كان الظاهر، أن يقال إن الله منزل سورة كذلك أو منزل ما تحذرون لكنه عدل عنه للمبالغة إذ معناه مبرز ما تحذرونه من إنزال السورة أو لأنه أعمّ إذ المراد مظهر كل ما تحذرون ظهوره من قبائحكم، واسناد الإخراج إلى الله إشارة إلى أنه يخرجه إخراجا لا مزيد عليه والمساوي ضد المحاسن جمع سوء على خلاف القياس، وأصله الهمزة، وقوله: روي الخ أخرجه ابن جرير عن قتادة. قوله:) تحذرونه) إشارة إلى أن حذر المخفف متعد فإنّ أن تنزل مفعوله لا على تقدير من لأنه تعدى بالتضعيف إلى مفعولين كقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 28] ويدل عليه أيضا ما أنثده سيبويه رحمه الله تعالى: حذر أموراً لا تضير وآمن ما ليس ينجيه من الأقدار وقيل: إنه مصنوع، وقال المبرد إنه غير متعد لأنه من هيآت النفس كفزع، ورد بأنه غير لازم إذ من الهيآت ما يتعذى كخاف وخشى فعنده أن تنزل على إسقاط الجار. قوله: (لا والله ما كنا في شيء من أمرك الخ) يقتضي أنهم أنكروا القول رأسا، وفي التفسير الكبير أنهم ما أنكروه بل تالوا قلناه، وإنما نلعب ونلهي لتقصر مسافة السفر بالحديث، والمداعبة وهو أوفق بظاهر النظم، وقوله ليقصر من التفعيل. قوله:) توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به الخ) يعني الاستفهام التوبيخي أولى المتعلق إيذانا بأن الاستهزاء وقع لا محالة لكن الخطأ في المستهزأ به فقد أخطأتم لوضعه في غير موضعه لأنّ تقديم المتعلق يستدعي حصول الفعل، وانكار متعلقه كما قرّره السكاكيّ واليه أشار المصنف بقوله بمن لا يصح الخ، والزام الحجة بإثبات ما أنكروه. قوله: (ولا تعبأ) ضبط بالخطاب للنبيّ لمجيه، والجزم بلا الناهية وهو معطوف على قل وتعبأ من عبأت بفلان عبأ باليت واعتددت به، واعتذارهم قولهم: {كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} وهو تفسير له لأنّ قول ذلك لهم بعد إنكارهم لعدم الاعتداد به. قوله: (لا تشتغلوا الخ (يعني النهي عن الاشتغال به وادامته إذ أصله وقع، وقوله أظهرتم الكفر لا أوجدتم أصله لسبقه في باطنهم ولذا فسر الإيمان بإظهاره، وقوله: لتوبتهم وإخلاصهم فالخطاب لجميع المنافقين، وعلى الوجه الآتي للمؤذنين والمستهزئين منهم والعفو فيه عن عقوبة الدنيا العاجلة، وقوله مصرين على النفاق ناظر إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 التفسير الأوّل وقوله أو مقدمين إلى الثاني. قوله:) ذهاباً إلى المعنى كأنه قال الخ (لما كان الفعل المجهول مسندا إلى الجار والمجرور، ومثله يلزم تذكيره ولا يجوز تأنيثه إذا كان المجرور مؤنثا تقول سير على الدابة لا سيرت عليها، أشكلت هذه القراءة فقال ابن جني وحكاه الزمخشري وتبعه المصنف رحمه الله إنه ميل مع المعنى ورعاية له فلذا أنث لتاً نيث المجرور إذ معنى تعف عن طائفة ترحم طائفة، وهو من غرائب العربية، ولو قيل إنه للمشاكلة لم يبعد وقد غفل عنه في المطول، وقيل إن نائب الفاعل ضمير الذنوب، والتقدير إن تعف هي أي الذنوب. قوله: (أي متشابهة في النفاق الخ) أي طائفة متشابهة في النفاق كتشابه أبعاض الشيء الواحد والمراد اتحاده في الحقيقة والصورة كالماء والتراب فمن اتصالية وكذا في الوجه الآخر، وإذا كان تكذيباً لقولهم المذكور فهو إبطال لمدعاهم وما بعده من تغاير صفاتهم، وصفات المؤمنين كالدليل عليه والآية على هذا التوجيه متصلة بقوله يحلفون بالله إنهم لمنكم، وعلى الأوّل بجميع ما ذكر من قبائحهم، وقبض اليد كناية عن الشح والبخل كما أن بسطها كناية عن الجود لأنّ من يعطي يمذ يده بخلاف من يمنع. قوله: (اغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته (يعني بمعنى أنهم لا يذكرونه، ولا يطيعونه لأنّ الذكر له مستلزم لإطاعته فجعل النسيان مجازاً عن الترك، وهو كناية عن ترك الطاعة، ونسيان الله منع لطفه وفضله عنهم، وقيل إنه كناية عن الترك في حق البشر لإمكان الحقيقة، قال النحرير جعل النسيان مجازاً لاستحالة حقيقته على دلّه تعالى، وامتناع المؤاخذة على نسيان البشر، وحمل الفاسقون على الكاملين كأنهم الجنس كله ليصح الحصر المستفاد من الفصل، وتعريف الخبر وإلا فكم فاسق سواهم، وضمنه معنى البعد والخروج فلذا عداه بعن. قوله. (وعد الله المنافقين) الوعد هنا تهكم وعطص الكفار عطف عامّ على خاص أو متغايرين بحسب الظاهر. قوله: (مقدّرين الخلود) قيل الوجه الإفراد لأنهم لم يقدروه وإنما قدره الله لهم أو أد يقال مقدري الخلود بصيغة المفعول، والإضافة إلى الخلود ولعله جمعه للتعظيم، وقيا! المعنى يعذبهم الله بنار جهنم خالدين فلا حاجة إلى التقدير، وقيل إنه تكلف وتقدير التقدير فيه غير شائع، وقيل إنّ مقدريه اسم مفعول، والخلود مرفوع بدل اشتمال من الضمير فيه، والألف واللام رابطة بدلاً عن الضمير كقوله: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [سورة النازعات، الآية: 141 (قلت) هذا كله تكلف وقد قدره الزمخشري هكذا، ولا شك أن المراد دخولهم وتعذيبهم بها وهم في تلك الحال لما يلوج لهم يقدرون الخلود في أنفسهم، ولما كان الخلود دوام المكث، وأوّله داخل فيه جاز أن يجعلوا حينئذ خالدين لتلبسهم بالخلود باعتبار ابتدائه في الجملة فهذا غفلة عن مراده ومغزاه. قوله:) هي حسبهم عقاباً وجزاء الخ) أي فيها ما يكفي من ذلك، وقوله وفيه دليل أي ما يدل على ذلك، وليس من الاستدلال ووجه الدلالة يعلم من السياق لاً نه إدا قيل للمعذب كفى هذا دلّ على أنه بلغ غاية النكاية، ولذا قيل معنى قوله هي حسبهم إنه لر اكتفى به كان حسبهم فلا ينافي الزيادة عليه، وإن كان من نوعه وتفسير الإقامة بعدم الانقطاع إشارة إلى أنه مجاز فيه إذ الإقامة من صفات العقلاء، أو هو مجاز عقلي كعيشة راضية. قوله.) والمراد به ما وعدوه الخ الما كان معنى العذاب المقيم، والخلود واحدا أشار إلى أنه لا تكرار فيه لأنّ ذاك وعد وهذا بيان لوقوع ما وعدوا به مع أنه لا مانع من التأكيد، أو هذا نوع آخر غير عذاب النار في الآخرة فإن قلت قوله هي حسبهم يمنع من ضم شيء آخر إليه، قلت: المراد هي حسبهم في تعذيبهم بالنار فلا ينافي تهذيبهم بنوع آخر وضمه إليه أو ذاك عذاب الآخره وهذا عذاب مما قاسوه مت التعب والخوف من الفضيحة والقتل ونحوه. قوله:) أنتم مثل الذين أو فعلتم الخ) أي الكاف في محل رفع خبر مبتدأ هو أنتم، أو في محل نصب أي فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم فالكاف اسم هنا وجعله الزمخشري مثل قول النمر بن تولب كاليوم مطلولآ ولا طلبا أي لم أر والكلام على هذا يحتاج إلى بسط ليس هذا محله. قوله:) بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم الخ) إشارة إلى أن هذه الجملة إلى قوله بخلافهم تفسير للتشببه، وبيان لوجه الشبه، وأنها لا محل لها من الإعراب، وقد صرح بأنه مأخوذ من مجموع ذلك بقوله تمهيداً لذم المخاطبين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 بمشابهتهم فلا وجه لما قيل كان عليه أن يؤخره إلى قوله ذئم الخ، وإنما ذكر كونهم أشذ وأقوى ليعلم إنهم أصابهم ما أصابهم مع ذلك فأنتم أولى وأحق به، والخلاق النصيب المقدر من الخلق بمعنى التقدير، وهو أصل معناه لغة، والملاذ بالتشديد اللذات جمع لذة على غير قياس كالمحاسن. قوله:) ذمّ الأوّلين الخ (إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ هنا تشبيهين، أحدهما مجرى على ظاهره، وهو خضتم كالذي خاضوا وثانيهما فيه أطناب لأن أصله فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم فأقي فائدة في زيادة قوله فاستمتعوا بخلاقهم، وأجاب عنه بأنّ الزيادة للتوطئة، والتمهيد للتمثيل لمزيد تقبيح الاستمتاع بشهوات الدنيا ولذاتها وتثبيته في قلب السامع إجمالاً وتفصيلاً فإمّا أن يقدر مثله في الثاني لعطفه عليه أو لا يقدر إشارة إلى الاغتناء بالأوّل، والمخدج بمعنى الناقص وقوله التهائهم هو افتعال من اللهو. قوله: (دخلتم في الباطل الخ (الخوض الثروع في دخول الماء ويستعار لمباشرة الأمور وأكثر ما يستعمل في الذمّ في القرآن فلذا خصه بالباطل، وقوله: (كالذين خاضوا) يعني أنه جمع وأصله الذين فحذفت نونه تخفيفاً كما في قوله: وان الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أمّ خالد وبحتمل أن يريد أنه مفرد واقع موقع الجمع والعائد إلى الموصول محذوف أي خاضوه وأصله خاضوا فيه فحذف تدريجاً لأنّ العائد المجرور لا يحذف إلا بشروط كجرّ الموصول بمثله، أو الذي صفة لمفرد اللفظ مجموع المعنى كالفريق والفوج، أو هو صفة مصدر أي كالخوض الذي خاضوه والضمير للمصدر، ورجح بعدم التكلف فيه، وقال الفراء: إن الذي تكون مصدرية وخرج هذا عليه. قوله: (لم يستحقوا الخ) الحبط السقوط والبطلان والاضمحلال وكونها حابطة في الآخرة ظاهر، وفي الدنيا لما لهم من الذل والهوان وغير ذلك، وقوله خسروا الدنيا والآخرة تفسير له بما يتوجه به الحصر ويتضح. قوله: (وعاد وثمود الخ) غير الأسلوب لأنهم لم يستهزؤوا بنبيهم، وقيل لأنّ كثيراً منهم آمنوا ونمروذ بالذال المعجمة، وقوله وأهلك أصحابه لم يبين هلاكهم لأنه كان بإبادتهم بعد هلاك ملكهم لا بسبب سماوقي كغيرهم. قوله: (أهلكوا بالنار يوم الظلة (هي غمامة أطبقت عليهم قيل الذين أهلكوا بالنار يوم الظلة هم أصحاب الأيكة من قوم شعيب عليه الصلاة والسلام، وأما أهل مدين فأهلكوا بالصيحة والرجفة وأجيب بأنه على قول قتادة وأما على قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فأهل مدين أهلكوا بالنار يوم الظلة، ورجفت بهم الأرض وتفصيله في تفسير البغوي في سورة الأعراف، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مبنيّ عليه. قوله:) والمؤتفكات الخ (معطوف على أهل مدين وأصل معنى الائتفاك الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفل بالخسف، وهو قد وقع في قريات قوم لوط عليه الصلاة والسلام فإن كانت مرادة به فهي على حقيقتها وإن كان المراد مطلق قرى المكذبين، وهي لم تخسف بأجمعها فيكون المراد به مجازاً انقلاب حالها من الخير تشبيها له بالخسف على طريق الاستعارة كقول ابن الرومي: وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة أعاليها بل أن تسود الأراذل وقريات بالتصغير جمع قرية لأنّ جمع المكبر قرى. قوله:) يعئي الكل) أي جميع ما ذكر لا المؤتفكات فقط كما قيل لأنّ جمع الرسل على تفسيرها الأوّل يحتاج إلى التأويل برسل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والدعاة لهم وإن صح على الثاني بغير تتأويل. قوله:) أي لم يك وفي نسخة لم يكن من عادته الخ) قيل إنه من الإيجاز بالحذف، وأصله فكذبوهم فأهلكهم فما كان الخ وهو ردّ على قول الزمخشرقي في قوله فما صح منه أن يظلمهم، وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح وهو مبنيّ على مذهبه، وقوله: (من عادته (أخذه من المضارع المفيد للاستمرار، ولو حمل على استمرار النفي كان أبلغ كما مرّ في قوله لا يستأذنك يعني أنه لا يصدر ذلك، وتسميته ظلما لمشابهته له لو كان أو لأنه يسمى ظلما بالنسبة إلى العباد الفاعلين له فلو وقع منه لم يكن ظلما على مذهبنا، وقوله عرّضوها بمعنى جعلوها عرضة ومستحقة له. قوله:) في مقابلة قوله المنافقون الخ) وبعضهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 أولياء بعض يقابله قوله بعضهم من بعض، وغير فيه الأسلوب إشارة إلى تناصرهم وتعاضدهم بخلاف أولئك ومقابلة الأمر بالمعروف ظاهرة، وقوله ويؤتون الزكوة في مقابلة قبض أيديهم وسخطهم ويطيعون الله في مقابلة نسوا الله على ما مز من تفسيره، وأولئك سيرحمهم الله في مقابلة فنسيهم المفسر بعدم لطفه ورحمته أو في مقابلة أولئك هم الفاسقون لأنه بمعنى المتقين المرحومين، والوعد في مقابلة الوعيد على تفصيله أيضاً. قوله: (في سائر الأمور (سائر إن كان بمعنى الباقي عما قبله من الزكاة واخواتها فظاهر! ان كان بمعنى الجميع كما هو مستعمل بمعناه على كلام فيه لغة فصلناه في شرح درة الغوّاص فهو تعميم بعد التخصيص. قوله: (لا محالة) فإن السين مؤكدة للوقوع، وفي المغني زعم الزمخشرفي إنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واتع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد، والوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه، وليس كما قال والذي غزه قول الزمخشري إنها تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد بل المراد كما صرّح به شراحه، ووقع في مفصلات النحو وهو مصرّج به في الكتاب، وشروحه أيضا أن السين في الإثجات في مقابلة لكن في النفي فتكون بهذا الاعتبار تأكيداً لما دخلت عليه، ولا يختص بالوعد والوعيد، ولا ينافي دلالتها على التنفيس وان كانت قد تجرد عنه كما قد يقصد بها مجرّد التنفيس فإنه أمر مأخوذ من المقام والاستعمال، وأعلم أن ابن حجر قال في التحفة ما زعمه الزمخشرفي من أنّ السين تفيد القطع بمدخولها رذ بأنّ القطع إنما فهم من المقام لا من الوضع، وهو توطئة لمذهبه الفاسد في تحتم الجزاء ومن غفل عن هذه الدسيسة وجهه، وقال شيخنا ابن قاسم هذا لا وجه له لأنه أمر نقلي لا يدفعه ما ذكر ونسبة الغفلة للأئمة إنما أوجبها حب الاعتراض. قوله: (غالب على كل شيء) الكلية مت صيغة المبالغة، وبيان للمراد في الواقع فاللام في الأشياء للاستغراق. قوله: (تستطيبها (فكونها طيبة إما في نفسها لأنّ الطيب ما تتلذذ به الحواس، وهي مما يلتذ به النظر أو ما فيها من العيش والنعيم طيب فالإسناد مجازي، وقوله: (وفي الحديث) وقع بمعناه مرويا من طرق والطيب يكون بمعنى الحلال والطاهر وليس بمراد هنا. قوله: (1 تامة وخلود الخ) أصل معنى العدن في اللغة الاستقرار والثبات فلذا استعمل في الإقامة يقال عدن بمكان كذا ومنه عدن اليمن، والمعدن والإقامة صادقة على الخلود فلذا فسره به لأنه فرده الكامل المناسب لمقام المدح فلا يقال لا يوافق ما ذكر في كتب اللغة وفي الكشات عدن علم بدليل قوله: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [سورة مربم، الآية: 61] وقال المصنف رحمه الله في تفسيرها وعدن علم لأنه المضاف إليه في العلم أو علم للعدن بمعنى الإقامة كبرة فلذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله التي الخ، وسيأتي تحقيقه هناك فقوله إقامة إمّ بيان لمعناه اللغوي أو العلمي، وقوله في الحديث المذكور وهو مرويّ عن أبي الدرداء) 1 (في البزار والدارقطني وابن جرير (دار الله (يقتضي العلمية للمكان الذي فيه منازل، واضافته إلى الله للتشريف أو الله معطيها لا دخل لأحد فيها (وطوبى) شجرة في الجنة وبمعنى الطيب ويستعمل للمدح في طوبى له وهو المراد، والحديث يقتضي تخصيصها بالأصناف الثلاثة، وقد قيل: إنه يخالف ظاهر القرآن من أنها لجميع المؤمنين والمؤمنات وتخصيصه بهؤلاء، قد قيل إنه مبنيّ على التوزيع الآتي وعلى خلافه يحتاج إلى التجوّز ونحوه وسيأتي بيانه، وفي الكشاف إنه قيل إنها مدينة في الجنة، وقيل نهر جناته على حافاته. توله:) ومرجع العطف الخ (أي في قوله ومساكن طيبة في جنات عدن إما أن يتغايرا بالذات فيكونوا وعدوا بشيئين، وهما الجنات بمعنى البساتين ومساكن في الجنة فلكل أحد جنة ومسكن أو الجنات المقصود بها غير عدن، وهي لعامة المؤمنين وعدن للنبيين عليهم الصلاة والسلام والشهداء والصديقين، وإما أن يتحدا ذاتأ ويتغايرا صفة فينزل التغاير الثاني منزلة الأوّل ويعطف عليه فكل منهما عامّ، ولكن الأوّل باعتبار اشتمالها على الأنهار والبساتين والثاني باعتبار الدور والمنازل، وقوله في جوار العليين أي سكان الجنان من الملائكة والملأ الأعلى كما هو أحد معانيه. قوله: (ثم وعدهم بما هو كبر الخ (الوعد مفهوم من المقام، وسياق الكلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 لا من المنطوق. قوله: (لأنه المبدأ لكل سعادة الخ) أي روحانية أو جسمانية إذ لولا رضاه عنهم لما خلقهم سعداء مستحقين لذلك، ونيل الوصول أي للسعادة أخذها وألاتصاف بها بالفعل وقال: رضوان من الله دون رضوان الله قصداً إلى إفادة أنّ قدراً يسيرا منه خير من ذلك، وأحل بمعنى أوجب من حل به كذا إذا نزل، والرضوان لما فيه من المبالغة لم يستعمل في القرآن إلا في رضا الله. قوله: (أي الرضوان) فهو فوز عظيم يستحقر عنده نعيم الدنيا فلا ينافي قوله تعالى. {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التربة، الآية: 89، كما قيل، ولذا قيل كان المناسب أن يفسر العظيم بما يستحقر عنده نعيم الجنة، أو الجنة وما فيها، وكأنه فسره بتفسير شامل للوجهين لأنّ ما استحقر عنده الجنة تستحقر عنده الدنيا بالطريق الأولى. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} ظاهر الآية يقتضي مقاتلة المنافقين، وهم غير مظهرين للكفر، ونحن مأمورون بالظاهر فلذا فسر الآية السلف بما يدفع ذلك بناء على أن الجهاد بذل الجهد في دفع ما لا يرضى سواء كان بالقتال أو بغيره، وهو إن كان حقيقة فظاهر، والا حمل على عموم المجاز فجهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين لإلزامهم بالحجج وازالة الشبه، ونحوه أو بإقامة الحدود عليهم إذا صدر منهم ما يقتضي ذلك، فقد روي عن الحسن أن المراد بجهاد المنافقين إقامة الحدود عليهم، واستشكل بأنّ إقامتها واجبة على غيرهم أيضاً فلا تختص بهم وأشار في الإحكام إلى دفعه بأنها في زمنه ىجي! أكثر ما صدرت عنهم، وأما القول بأن المنافق عنده بمعنى الفاسق فركيك، ولما لم يره المصنف رحمه الله تفسيراً مستقلا جعله ضميمة، فلا يقال الأولى عطفه بأو. فوله:) في ذلك) الإشارة إلى الجهاد بقسميه وتحابهم من المحاباة والميل وهو مجزوم بحذف آخره، وقوله مصيرهم هو المخصوص بالذمّ. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ ((1 (أخرجه البيهقي في الدلائل عن عروة بن الزبير، والجلاس بضم الجيم والسين المهملة وتخفيف اللام بوزن غراب رجل من الصحابة كان منافقاً وقد حسن إسلامه بعد ذلك، كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (فحلف بالله ما قاله) وتفصيله في الكشاف لكن إسناد الحلف في الآية للجميع مع صدوره عن الجلاس وحده لأنهم رضوا به واتفقوا عليه فهو من إسناد الفعل إلى سببه أو جعل الكل لرضاهم به كأنهم فعلوه كما تقدم إذ لولا رضاهم ما باشره، ولا حاجة إلى عموم المجاز لأنّ الجمع بين الحقيقة والمجاز جاثز في المجاز العقلي، وليى محلا للخلاف، وكذا الكلام في هموا بما لم ينالوا أو لا حاجة إليه لأنهم جماعة من المنافقين ولا يناسب حمله على جماعة جلاس إلا أن يراد همهم بقتل عامر، وهو الذي بلغ مقالة جلاس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال له أنت شرّ من الحمار كما في الكشاف. قوله: (وأظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام) أوّله بالإظهار فيهما لأن كفرهم الباطن كان ثابتا قبله واسلامهم الحقيقيّ لا وجود له، والفتك القتل والضرب على غرة غفلة، والعقبة ما ارتفع من الجبل وتسنمها العلو عليها كما يعلى سنام الإبل، والخطام كالزمام لفظا ومعنى، وإنما أخذ بزمامها لكونه محل مخاطرة لصعوبته، ووقع الإخفاف صوت مشيها وقعقعة السلام صوت حركته، وقوله إليكم اسم فعل بمعنى تنحوا وابعدوا وكرره للتأكيد، وقوله أو اخراجه بالجرّ عطفا على فتك الرسول، وقوله أو بأن يتوّجوا عبد الله أي يجعلوه رئيسا وحاكما عليهم، وكان مترشحاً لذلك قبل قدوم النبيّ لمجوو المدينة، وهو الحامل له على نفاقه لحسده للنبيّ ع! و، وهو معطوف على من فتك بحسب المعنى لأنه بمعنى يفتكوا بالرسول أو العطف على الجار والمجرور فتأمل، وعن السدي أنهم قالوا إذا قدمنا المدينة عقدنا على رأس عبد الله بن أبيّ تاج الرياسة، وجعلناه رئيسا وحكما بيننا، وان لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبيّ لعنه الله: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} يعني بالأعز نفسه الذليل عند الله فسمعه ابن أرقم فبلغه النبي لمج! فأنكره، وحلف فنزلت الآية وسياتي تفصيله في سورة المنافقين. قوله:) أنّ خمسة عشر منهم الخ) أخرجه أحمد من حديث أبي الطفيل. قوله: (وما أنكروا أو ما وجدوا ما يورث نقمتهم الخ) النقمة كما قال الراغب: بمعنى الإنكار باللسان والعقوبة فإن أريد الأوّل فظاهر، وإن أريد الثاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 فهو مجاز عن وجدان ما يورث النقمة أي يقتضيها والى ذلك أشار المصنف، وقدّم الأوّل لاستغنائه عن التأويل، وتريب منه تأويله بالإرادة ومحاويج جمع محتاج على غير قياس، والضنك ضيق في المعيشة وقلة الرزق، والعيش ما يتعيش به كالمأكل وغيره، وقدمهم بفتح القاف وكسر الدال المخففة على الحذف والإيصال أي قدم عليهم أو استولى عليهم كقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} وأثروا استغنوا من الثراء وهو الغنى والدية عشرة آلاف فزيادة ألفين على عادتهم في الزيادة تكرما وكانوا يسمونها شنقاً بفتح الشين المعجمة، ونون وقاف، وهو ما زاد على الدية والمولى بمعنى القريب أو المعتق الذي له إرثه وقيل ضمير أغناهم الله للمسلمين أي ما غاظهم إلا إغناء الله للمؤمنين. قوله:) والاستثناء مفرغ الخ) يعني إنّ المعنى ما كرهوا وعابوا شيئأ إلا إغناء الله إياهم فهو مفعول به، أو مفعول له والمفعول محذوف أي ما نقموا الإيمان لأجل شيء إلا لأجل إغناء الله، وهو على حذ قولهم ما لي عندك ذنب إلا أني أحسنت إليك وقوله: ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إذ غضبوا وهو متصل على ادعاء دخوله إذ ألاستثناء المفرغ لا يكون منقطعاً، كما مرّ وفيه تهكم وتأكيد الشيء بخلافه. فوله: (هو الذي حمل الجلاس الخ (ضمير هو لما يفهم من الكلام، أي نزول هذا حمله على التوبة بعدما كان يخاف من عدم قبولها فكانت سببا لحسن إسلامه لطفا من الله به، وحمله على كذا أي كان سبباً له والحامل على الشيء سببه، وهو من المجاز المشهور وجعل الضمير للتوب بمعنى التوبة لتذكير الضمير وان كان تأنيث المصادر قد يغتفر، وقوله بالإصرار على النفاق يعني المراد بإعراضهم وتوليهم عن إخلاص الإيمان، والدوام عليه كما في يا أيها الذين آمنوا آمنوا وقد مز تحقيقه، وقوله بالقتل والنار لف ونثر مرتب، والمراد بالقتل أنهم يقتلون إن أظهروا الكفر لأنّ الإصرار مظنة الإظهار فلا ينافي ما مرّ من أنهم لا يقتلون، وإن جهادهم بمعنى إلزام الحجة، وقيل عذاب النار هنا متاعب النفاق أو عذاب القبر أو ما يشاهدونه عند الموت فلا إشكال. قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ} بن حاطب ويقال ابن أبي حاطب الأنصاري الذي ذكره ابن إسحاق فيمن بنى مسجد الضرار وليس هو ابن عمرو الأنصاري البدري لأنه استشهد بأحد ولأنه مجقيد قال: " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية ") 1 (ومن كان بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقا في قلبه فينزل فيه ما نزل فهو غيره كما قال ابن حجر في الإصابة: وإن كان البدري هو المشهور بهذا الاسم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقوله: (لا تطيقه) بتقدير مضاف أي لا تطيق شكره والشكر أداء حقوقه وهذا من معجزاته إذ كان كما قال: وقوله: (كل ذي حق حقه (أي أو في صرف حقوق الله منه إن رزقني، وقوله: (فتمت (أي زادت، والدود بدالين مهملتين معروف وهو إذا حصل في شيء يتضاعف بسرعة وقوله: يا ويح ثعلبة ويح كلمة ترحم لما ناله من فتنة الدنيا، والمنادى محذوف أي يا ناس أو يا زائدة للتنبيه أو المنادى ويح كقوله يا حسرتي كأنه نادى ترحمه عليه ليحضر، وقوله لا يسعه واد أي واد واحد بل أودية ومصدقين بتخفيف الصاد المفتوحة وتشديد الدال المهملة المكسورة، وهم الذين يأخذون الصدقات، وقوله: (فاستقبلهما (وفي نسخة استقبلهم، وباء بصدقاتهم للتعدية أو المصاحبة وكتاب الفرائض أي ما فرض من الزكاة، ومجيء ثعلبة وحثوه التراب ليس للتوبة من نفاقه بل للعار من عدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 قبول زكاته مع المسلمين، وقوله أخت الجزية أي مشابهة لها. قوله:) إن الله منعني أن أقبل منك الخ) الظاهر أنه يوحى له بأنه منافق والصدقة لا تؤخذ منهم، وان لم يقتلوا لعدم الإظهار، وقوله هذا عملك أي جزاء عملك وما قلته، وقيل المراد بعمله طلبه زيادة رزقه، وهذا إشارة إلى المنع أي هو عاقبة عملك لقوله أمرتك فلم تطعني فإنه أمره بالاقتصار على مقدار يؤذي شكره، وقيل المراد بالعمل عدم إعطائه للمصدقين، ويؤيده أنه وقع في نسخة فلم تعطني بتقديم العين، وقوله فجعل التراب هكذا هو في نسختي بتقديم التراب أي جعل يحثو التراب أو هو من الاشتغال، وقوله منعوا حق الله منه أي من فضله فمن تبعيضية أو من الله فهو صلة المنع وفسر البخل به لأنّ البخل في الشرع منع ما يجب عليه. قوله: (عن طاعة الله (أي في إعطاء الصدقة وضمير عنها لمطلق الطاعة، وهو المناسب للمقام إذ المعنى أن عادتهم الإعراض عن الطاعات فلا ينكر منهم هذا، ولو كان المعنى معرضون عن ذلك لكان تقييد للشيء بنفسه والجملة مستأنفة أو حالية، والاستمرار المقتضى تقدّمه لا ينافي الحالية كما قيل. قوله: (أي فجعل الله عاقبة فعلهم (إشارة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا أي أعقب فعلهم، وقوله وسوء اعتقاد عطف تفسير للنفاق وأن المراد سوء العقيدة، والكفر المضمر لأنه الذي في قلوبهم لا إظهار الإسلام واضمار الكفر الذي هو تمام معناه. قوله: (ويجوز أن يكون الضمير للبخل (أي المستتر في أعقب الذي كان في الوجه الأوّل لثه قال النحرير: والظاهر أن الضمير لته لأنه الملائم لسوق النظم سابقاً ولاحقا لئن آتانا ويوم يلقونه، ولأن قوله تعالى: {بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} يأبى كون الضمير للبخل إذ ليس لقولنا أعقبهم البخل نفاقا بسبب إخلاف! الوعد كبير معنى، وإنما اختاره الزمخشري لنزغة اعتزالية من أنه تعالى لا! حي بالنفاق، ولا يخلقه على قاعدة التحسين والتقبيح وما بعده يأباه ولا يتصوّر أن يعلل النفاق بالبخل، أوّلاً ثم يعلله بأمرين غيره بغير عطف ألا ترى إنك لو قلت حملني على إكرام زيد علمه لأجل أنه شجاع جواد كان خلفا حتى تقول حملني على إكرام زيد علمه وشجاعته وجوده كما أفاده بعض المحققين، وقال الإمام: ولأن غاية البخل ترك بعض الواجبات، وهو لا يوجب حصول النفاق الذي هو كفر وجهل في القلب كما في حق كثير من الفساق، ومعنى أعقاب النفاق جعلهم منافقين يقال أعقبت فلانا ندامة أي صيرت عاقبة أمره ذلك، وكون هذا البخل بخصوصه يعقب النفاق، والكفر لما فيه من عدم إطاعة الله ورسوله، وخلف وعده كما قيل لا يقتضي أرجحيته بل صحته، وهي لا تنكر. قوله: (متمكناً في قلوبهم الخ (بيان للمعنى وليس توجيها لفي ولا لكلمة إلى لأنه لو قيل استقز في قلوبهم، أو كائنا في قلوبهم إلى يويم يلقونه لم يكن عليه غبار كما توهم. قوله: (يلقون الله بالموث الخ (لف ونشر مرتب يريد أن الضمير في يلقونه إما لله، والمراد باليوم وقت الموت أو للبخل والمراد يوم القياصة، والمضاف محذوف وهو الجزاء قيل ولا حاجة إلى أن يراد حينئذ يوم القيامة وكأنه جنح إلى أنّ جزاء أمثال البخل لا يرى إلا في يوم القيامة، وهو ظاهر والمنع عليه غير مسموع، وقوله:) يلقون عمله (أي عمل البخل والمراد جزاؤه، وكان الظاهر عملهم. قوله: (ببب إخلافهم) يعني أنّ ما مصدرية، وجعل خلف الوعد متضمنا للكذب بناء على أنه ليس بخبر حتى يكون تخلفه كذبا بل إنشاء لكنه متضمن للخبر فإذا تخلف كان قبيحا من وجهين الخلف والكذب الضمني، وقوله أو المقال بالجرّ معطوف على الضمير المجرور في قوله كاذبين فيه من غير إعادة الجارّ يعني الكذب إما الكذب في الوعد، أو في المقال مطلقاً فيكون عطفه على خلف الوعد أظهر. قوله: (وقرىء بالتاء على الالتفات) قيل ياً باه قوله: (يعلم سرّهم ونجواهم (وجعله التفاتا آخر تكلف فالظاهر أنّ الخطاب للمؤمنين، وقوله ما أسروه الخ على أن الضمير للمنافقين، وقوله أو العزم على أنه لمن عاهد على اللف، والنشر وكذا قوله وما يتناجون الخ، وقوله فلا يخفى إشارة إلى أنه علة لما قبله وسيق لظهور تعليله له. قوله: (ذمّ مرفوع أو منصوب الخ (أي خبر مبتدأ هم الذين أو مفعول أعني أو أذم الذين أو مجرور بدل من ضمير سرّهم وجوّز أيضا أن يكون مبتدأ خبره سخر الله منهم، وقيل: فيسخرون وعلى ما اختاره المصنف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 المراد بالذين يلمزون المنافقون مطلقا لا من قبله حتى يقال يتوقف صحته على أنّ اللأمزين هم الحالفون ودونه خرط القتاد كما قيل وضم ميم يلمزون لغة كما مرّ، والمتطوّعين المعطين تطوّعا. قوله: (روي أئه صلى الله عليه وسلم الخ () 1 (أخرجه أحمد عن عبد الرحمن وابن جرير وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله:) حث على الصدقة (أي رغبهم وحضهم عليها في خطبة خطبها قبل خروجه إلى غزوة تبوك، ومصالحة إحدى امرأتيه على ما ذكر هي رواية الطبراني والبغوي في المعالم، فله امرأتان فقط، والذي في الكشاف أنه صولحت تماضر امرأته عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً، وعزاه الطيبي للاستيعاب فيكون له أربع زوجات وبين الروايتين بون بعيد، والوسق بفتح فسكون ستون صاعا والصاع ثمانية أرطال وهو كيل معروف وهذه القصة رواها ابن جرير عن ابن إسحاق. قوله: (وجاء أبو عقيل الخ)) 1 (رواه البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والطبراني وابن مردوية عن أبي عقيل والكل سبب للنزول والجرير حبل تجز به الإبل والمعنى أنه استقى بحبل للناس وأخذ ذلك أجرة عليه، ومفعول أجرّ محذوف أي الدلو، وقيل: هو بالجرير والباء زائدة، وقوله وان كان الله الخ أن هذه مخففة من الثقيلة واللام الداخلة على ما بعدها هي الفارقة بينها وبين النافية، وقوله أن يذكر بنفسه أي أن يذكر الرسول بنفسه، وليست الباء زائدة في المفعول كما قيل. قوله: (1 لا طاتتهم الخ) قرأ الجمهور جهدهم بضم الجيم، وقرأ ابن هرمز وجماعة بالفتح فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل: المفتوج بمعنى المشقة والمضموم بمعنى الطاقة قاله القثبيّ، وقيل: المضموم شيء قليل يعاش به والمفتوج العمل والمصنف اختار أنهما بمعنى، وهو طاقتهم وما تبلغه قوّتهم والهزء والسخرية بمعنى. قوله:) جارّاهم على سخريتهم كقوله الله يستهز! ء بهم) في الكشاف سخر الله منهم كقوله: {اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} [سورة البقرة، الآية: 5 ا] في إنه خبر غير دعاء ألا ترى إلى قوله ولهم عذاب أليم، يعني إنه خبر بمعنى جازاهم الله على سخريتهم، وعبر به للمشاكلة وليست إنشائية للدعاء عليهم بأن يصيروا ضحكة لأنّ قوله ولهم عذاب أليم جملة خبرية معطوفة عليها فلو كان دعاء لزم عطف الخبرية على الإنشائية، وإنما اختلفا فعلية واسمية لأنّ السخرية في الدنيا وهي متجدّدة والعذاب الأليم في الآخرة وهو ثابت دائم. قوله: (يريد به التساوي بين الأمرين الخ) يعني هذه الجملة الطلبية خبرية والمراد التسوية بين الاستغفار وعدمه كقوله: {أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [سورة التوبة، الآبة: 53] وقوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [سورة البقرة، الآية: 6] والمقصود الأخبار بعدم الفائدة في ذلك وأنهم لا يغفر لهم أصلا، وقيل الظاهر أن المراد بمثله التخيير، وهو المروي عنه صلى الله عليه وسلم لما قالي عمر كيف تستغفر لعدوّ الله وقد نهاك الله عنه فقال: ما نهاني، ولكن خيرني فكأنه قال: إن شئت فاستغفر وان شئت فلا تستغفر، ثم أعلمه أنه لا يغفر لهم وان استغفر كثيراً. قيل وليس كما قال لقول النسفي رحمه الله: يبعد أن يفهم منه التخيير ويمنعه عمر رضي الله عنه، وقيل: إنه ناظر إلى ظاهر اللفظ فإنه يدل على الجواز في الجملة، وفي لفظ الترخيص! إشعار بأنهء! كان عالما بحرمة الاستغفار للكافر إلا أنه رخص له في ذلك ليظهر عدمه غاية الظهور مع أن الكلام لا يخلو عن إش! كال، وقيل: لما سوّى الله بين الاستغفار وعدمه، ورتب عليه عدم القبول ولم ينه عنه فهم أنه مخير ومرخص فيه، وهذا مراده صلى الله عليه وسلم لا أنه فهم التخيير من أو حتى ينافي التسوية بينهما المرتب عليها عدم المغفرة، وذلك تطييباً لخاطرهم وأنه لم يأل جهداً في الرأفة بهم، هذا على تقدير أن يكون مراد عمر رضي الله عنه بالنهي ما وقع في هذه الآية لا في قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة! الآية: 113] لعدم مطابقته ل لجواب حينئذ، ثم استشكل استغفاره ع! هـ لابن أبيّ لعنه الله مع تقدم نزول تلك الآية، وتفصى عنه با! النهي ليس للتحريم بل لبيان عدم الفائدة، وهذا كلام واه لأن منعه من الاستغفار للكفار لا يقتضي المنع من الاستغفار لمن ظاهر حاله الإسلام، فالتحقيق أنّ المراد التسوية في عدم الفاندة، وهي لا تنافي التخيير فان ثبت فهو بطريق الاقتضاء لوقوعها بين ضدين لا يجوز تركهما ولا فعلهما فلا بد من أحدهما فقد يكون في الإثبات كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} أسورة البقرة، الآية: 6] لأنه مأمور بالتبليغ، وقد يكون في النفي كما هنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وفي قوله: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [سورة المنافقون، الآية: 6] الآية فهو محتاج إلى البيان، ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنه رخص لي ") 1 (ولعله رخص له في ابن أبيّ لحكمة، وإن لم يترتب عليه فائدة القبول، وأما كلام النسفي رحمه الله فلا وجه له مع ما رواه البخارقي ومسلم وابن ماجه والنسائيّ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مج! هـ قال لعمر رضي الله عنه: " إنما خيرتي الله فقال: استغفر لهم أو لا تستنفر لهم " (2 (فتأمل. قوله:) كما نصر عليه بقوله الخ) هذا وان كان لم يذكر فيه العدم بل الشق الآخر لكنه يعلم من عدم المغفرة مع الاستغفار عدمها بدونه بالطريق الأولى فلذا جعله مساويا لمعنى التسوية. قوله: (روي أنّ عبد الله بن عبد الله الخ) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم بمعناه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا رواه ابن ماجه والنسائيّ كما مرّ وهذا هو الصحيح المشهور في سبب النزول، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى: {سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سأله اللامزون الاستغفار لهم فنهاه الله عنه، وقيل إنه استغفر لهم فنهى عنه فتشتد مناسبتها لما قبلها ومنه علم اختلاف الرواية في وقوع الاستغفار وعدمه واختار الإمام عدمه، وقال: إنه لا يجوز الاستغفار للكافر فكيف يصدر عنه صلى الله عليه وسلم وردّ بأنه يجوز لأحيائهم بمعنى طلب سببه، وهو توفيقهم للإيمان وإيمانهم، واما أنّ النهي ليس لمعنى ذاتيّ حتى يفيد تحريمه فيجوز لتطييب خاطر أو لحمل الأحياء منهم على الإيمان ونحوه، ففيه نظر وكذا قوله إنّ الاستغفار للمصرّ لا بنفعه لأنه لا قطع بعدم نفعه إلا أن يوحى إليه أنه لا يؤمن كأبي لهب، واما أنّ استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين إغراء لهم على النفاق فضعيف جدا، وكذا قوله إذا لم يستجب الله دعاءه كان نقصاً في منصب النبوّة ممنوع لأنه قد لا يجاب دعاؤه لحكمة كما أشار إليه المصنف رحمه ألله بقوله وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا، وكذا قوله إنه لا فرق في ذلك بين القليل والكثير، وبالجملة فهذه معارضات لا وجه لها مع مقابلة النص فتدبر. قوله: (فنزلت سواء عليهم استنفرت لهم الخ) أورد عليه أنّ سورة براءة آخر ما نزل فكيف تكون هذه الآية نازلة بعدها، وهي من سورة أخرى فإن أجيب بأنه باعتبار أكثرها وصدرها فلا مانع من تأخر نزول بعض الآيات عنها منع بأنّ هذه الآية من سورة المنافقين، وصدرها يقتضي أنها نزلت في غير هذه القصة لأنّ أوّلها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ} [سورة المنافقون، الآية: 5] لهم الخ وكونها نزلت مرّتين لا يقال بالرأي فالحق أنّ هذا مشكل فتدبر. قوله: (وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين الخ) خالف الزمخشرفي في قوله إنه صلى الله عليه وسلم لم يخف عليه ذلك، وهو أفصح الناس وأعرفهم باللسان ولكنه خيل بما قال: إظهارا لغاية رأفته ورحمته على من بعث إليه كقول إبراهيم عليه. الصلاة والسلام: " ومن عصاتي فإنك غفوو رحيم " يعني أنه أوقع في خيال السامع أنه فهم العدد المخصوص دون التكثير فجوّز الإجابة بالزيادة قصدا إلى إظهار الرأفة والرحمة كما جعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم جزاء من عصاني أي لم يمتثل أمر ترك عبادة الأصنام قوله: (فإنك غفور رحيم (دون أن يقول شديد العقاب فخيل أنه يرحمهم ويغفر لهم رأفة بهم وحثاً على الاتباع لما قيل إنه بعدما فهم منه التكثير فذكره للتمويه، والتخييل لا يليق بمقامه وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه لا ينافي فصاحته، ومعرفته باللسان فإنه لا خطأ فيه، ولا بعد إذ هو الأصل ورجحه عنده شغفه بهدايتهم ورأفته بهم واستعطاف من عداهم فلا بعد فيه كما توهم. قوله: (فبين له أن المراد به التكثير الخ (واستعمال العدد للتكثير كثير، وهو لا يختص بالسبعين لكنه غالب فيها وهو كناية أو مجاز في لازم معناه. قوله: (لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد) فكأنه العدد وبيانه أنّ الستة عند الحساب عدد تامّ، والعدد التاتم عندهم ما ساوى مجموع كسوره المنطقة وما عداه زائد أو ناقص وكسوره سدس، وهو واحد وثلث وهو اثنان ونصف وهو ثلاثة ومجموعها ستة فإذا زيد عليها واحد كانت أتمّ في الكمال، ولذا قال ابن عيسى الربعي السبعة أكمل الاعداد لأنّ الستة أوّل عدد تامّ، وهي مع الواحد سبعة فكانت كاملة إذ ليس بعد التمام سوى الكمال، ولذا سمي الأسد سبعا لكمال قوّته، والسبعون غاية الغاية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 إذ الآحاد غايتها العشرات، وقال المصنف رحمه الله في شرح المصابيح السبعة تستعمل في الكثرة يقال سبع الله أجرك أي كثره، وذلك أن السبعة عدد كامل جامع لأنواع العدد كله إذ الأعداد إمّا زوج أو فرد، واما زوج زوج وأما زوج فرد، فالزوج هو الاثنان والفرد هو الثلاثة وزوج الزوج هو الأربعة، وزوج الفرد هو الستة والواحد ليس من الأعداد عندهم لكنه منشأ العدد فالسبعة ستة وواحد فهي مشتملة على جملة أنواع العدد ومنشئها فلهذا استعمل في التكثير اهـ، وقيل إنها جامعة للعدد لأنه ينقسم إلى فرد وزوج وكل منهما إما أوّل، وأما مركب فالفرد الأوّل الثلاثة والمركب الخمسة والزوج الأوّل اثنان، والمركب أربعة وينقسم إلى منطق كأربعة وأصم كستة والسبعة تشمل جميعها فإذا أريد المبالغة جعلت آحادها عشرات ثم عشراتها مئات، وهذه مناسبات ليس البحث فيها من دأب التحصيل. قوله: (إشارة إلى أنّ اليأص الخ) اليأس ضد الرجاء، والإياس جعله ذا يأس فكان الظاهر الإياس، وقوله لعدم قابليتهم لخلقهم كفاراً والكفر صارف عن المغفرة لأنه يغفر ما عداه، وان كان ذلك ممكنا بالذات كما يشعر به تعبيره بالصمارف، وفسر الفسق بشذة الكفر، وعتوّه ليكون ذكره مع الكفر منتظما. قوله:) وهو كالدليل على الحكم السابق الخ) أي سببية كفرهم لعدم المغفرة لأن المراد به كفر طبعوا عليه، وهو مرض خلقي لا يقبل العلاج، ولا يفيد فيه الإرشاد فالمراد بالهداية الدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنها واقعة فمن قال الدليل هو الآية السابقة لا هذه فقد وهم. قوله: (والتنبيه على عذر الرسول صلى الله عليه وسلم في استغفاره) وهو مجرور عطف على الدليل وجوّز رفعه بالعطف على محل الجارّ والمجرور، وقد قيل: إنه لا عذر عن الاستغفار الثاني بعد نزول الآية إلا أن يقال بتراخي نزول قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} الخ عن قوله استغفر لهم، وقيل هذا العذر إنما يصح لو كان استغفاره للحيّ كما مرّ عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه نظر، وقوله بعد العلم بموتهم كفارأ أو إعلامه ذلك بالوحي. قوله: (بقعودهم عن النزو خلفه الخ) يعني مقعد مصدر ميمي بمعنى القعود، وخلاف ظرف بمعنى خلف، وبعد كما استعملته العرب بهذا المعنى، وتيل مقعد اسم مكان والمراد به المدينة، وقال المخلفون: ولم يقل المتخلفون لأنه كف منع بعضهم من الخروج فغلب على غيرهم أو المراد من خلفهم كسلهم أو نفاقهم، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم في التخلف، أو لأنّ الشيطان أغراهم بذلك وحملهم عليه كما في الكشاف، واستعمال خلاف بمعنى خلف لأن جهة الخلف خلاف الإمام. قوله: (ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة (فهو مصدر خالف كالقتال فيصح أن يكون حالاً بمعنى مخالفين لرسول الله جمز أو مفعولاً لأجله أي لأجل مخالفته لأن قصدهم ذلك لنفاقهم، ولا حاجة إلى أن يقال قصدهم الاستراحة، ولكن لما آل أمرهم إلى ذلك جعل علة فهي لام العاقبة، وهو علة إما للفرج أو للقعود. قوله:) إيثارا للدعة والخفض (الدعة الراحة، والتنعم بالمآكل والمشارب والخفض بمعناه وكرهوا مقابل فرج مقابلة معنوية لأنّ الفرج بما يحب، وقوله عليها أي الدعة والمهج جمع مهجة وهي هنا بمعنى الأنفس، وإن كان أصل معناه الروج أو القلب أو دمه ووجه التعريض ظاهر، لأن المراد كرهوه لا كالمؤمنين الذين أحبوه والتثبيط التعويق كما مرّ، وقوله: وقد آثرتموها الخ فسر به ليرتبط بما قبله. قوله:) أن مابهم إليها الخ (تقدير لمفعول يفقهون أي لو كانوا يعلمون أن مرجعهم النار، أو لو كانوا يعلمون شدة عذابها لما آثروا راحة زمن قليل على عذاب الأبد وأجهل الناس من صان نفسه عن أمر يسير يوقعه في ورطة عظيمة، وقوله كيف هي تقدير آخر لمفعول يفقهون، أي لو يعلمون أحوالها وأهوالها، وثوله ما اختاروها إشارة إلى جواب لولا المقدر. قوله: (أخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا الخ) في البحر الظاهر أنّ قوله فليضحكوا قليلاً إشارة إلى مدة عمر الدنيا، وليبكوا كثيرا إشارة إلى مذة الخلود في النار فجاء بلفظ الأمر، ومعناه الخبر فقليلاً على معناه حينئذ، اهـ ولا حاجة إلى حمله على العدم كما ذكره المصنف رحمه الله، وقال ابن عطية إنّ المعنى لما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا، وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً، وهذا يقتضي أن يكون البكاء والضحك في الدنيا كما في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 حديث: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلاً ") 1 (وقيل المراد بضحكهم فرحهم بمقعدهم، وفليلاً وكثيرا منصوب على المصدريه أي ضحكاً وبكاء قليلاً وكثيراً أو الظرفية، أي زمانا قليلآ وكثيراً وجزاء مفعول له ليبكوا وهو مصدر من المبنيّ للمفعول. قوله: (للدلالة على أنه حتم واجب الأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل وأكثر فاستعمل في لازم معناه، ولأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر، فإن قلت الوجوب لا يقتضي الوجود، وقد قالوا إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقق المأمور به فالخبر آكد وقد مز مثله فما باله عكس هنا، قلت لا منافاة بينهما كما قيل لأن لكل مقام مقالأ، وال! نكت لا تتزاحم فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشذة امتثاله كأنه وقع منه ذلك وتحقق قبل الأمر كان أبلغ وإذا عبر عن الخبر بالأمر كأنه لإفادة لزومه، ووجوبه فكأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى وأما كون الأمر هنا تكويني فركيك جذآ ولا يمنع منه كونه مستقبلاً كما قيل، اً لا ترى قوله إذا أراد شيئآ أن يقول له كن فيكون فتدبر. قوله:) والمراد من القلة العدم (تقدم أنه لا حاجة إليه وأما ما قيل إنه اعتبرهما في الآخرة، ولا سرور فيها فلا دلالة في كلامه عليه، وان كان هو صحيحأ في نفسه. قوله:) رذك إلى المدينة (إشارة إلى أن رجع يكون متعذيا بمعنى رذ كما هنا، ومصدره الرجع وقد يكون لازماً ومصدره الرجوع، وأوثر استعمال المتعذي، وإن كان اللزوم أكثر إشارة إلى أن ذلك السفر لما فيه من الخطر يحتاج لتأييد الهيئ، ولذا أوثرت كلمة إن على إذا، وقوله: أو من بقي منهم لأن منهم من مات فضمير منهم على الأوّل للمتخلفين، وعلى الثاني للمنافقين، وقوله:) فكان المتخلفون (لأحسن للفاء هنا لأنه ليس من مواقعها وما وقع في نسخة موافقيهم بدل منافقيهم من غلط الناسخ، وما قيل إن المراد بمن بقي من بقي على نفاقه، ولم يتب مما لا وجه له وذكر لذكر طائفة نكتة أخرى، وهي أن من المنافقين من تخلف لعذر صحيح، وهو بعيد فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى. قوله تعالى: {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا} الآية ذكر القتال لأنه المقصود من الخروج فلو اقتصر على أحدهما كفى إسقاطا لهم عن مقام الصحبة، ومقام الجهاد أو عن ديوان الغزاة وديوان المجاهدين، وإظهار الكراهة صحبتهم، وعدم الحاجة إلى عدهم من الجند، أو ذكر الثاني للتأكيد لأنه أصرح في المراد، والأوّل لمطابقته لسؤاله كقوله: أقول له ارحل لا تقيمت عندنا فهو أدذ على الكراهة لهم، وقوله: للمبالغة تقدم تقريره ودفع ما يرد عليه، وقوله تعليل له أي لنهيهم يعني أنه جملة مستأنفة في جواب سؤال مقدر، وقوله على تخلفهم أي من غير عذر صحيح منهم واللياقة مصدر لاق بمعنى تعلق، وهو مجاز عن المناسبة. قوله: (وأوّل مرّة هي الخرجة الخ) إشارة إلى أنها منصوبة على المصدرية والمعنى أوّل مرّة من الخروج، وقيل: إنها جمنصوبة على الظرفية الزمانية واستبعده أبو حيان رحمه الله وفي الكشاف إنه لم يقل أوّل المرّات لأن أكثر في المضاف عدم المطابقة، وتفصيله في شرح السعد. قوله: (المتخلفين الخ) مع الخالفين متعلق باقعدوا أو بمحذوف على أنه حال والخالف المتخلف بعد القوم وقيل إنه من خلف بمعنى فسد ومنه خلوف فم الصائم لتغير رائحته، والمراد النساء والصبيان والرجال العاجزون وجمع هكذا تغليبا، وقرأ عكرمة الخلفين بوزن حذرين وجعلوه مقصوراً من الخالفين إذ لم يثبت استعماله كذلك على أنه صفة مشبهة كذا قيل، وفيه نظر. قوله:) روي أن ابن أبن الخ)) 1 (أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، والباسه العباس رضي الله عنه قميصه حين أسر ببدر أخرجه البخاري عن جابر) 2 (رضي الله عنهما، وقوله: (الذي يلي جسده) تفسير للشعار بالكسر لأنّ معناه ما يلي الجسد من الثياب ". لمماسته الشعر، وقوله: (وذهب ليصلي عليه فنزلت) وقيل إن عمر رضي الله عنه حال بينه وبينه، وهي إحدى موافقاته للوحي، وقيل: إنّ جبريل عليه الصلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 والسلام أمسك ثوبه وهذا كله على أنه لم يصل عليه والرواية فيه مختلفة، وقوله: (الضنة) بالكسر أي البخل والمنع بعدما سأله وإلباسه العباس رضي الله عنه سببه أنه كان رضي الله عنه طويلاً جسيماً فلم يحضر ثوب بقدر قامته غير ثوب ابن أبن، وقيل: إنه ظن أنه حسن إسلامه، فلذا كفنه وأراد الصلاة عليه، ثم أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بأنه مات على كفره. قوله: (والمراد من الصلاة الدعاء الخ) يعني أن المراد بالصلاة عليه صلاة الميت المعروفة، وإنما منع منها عليه لأنّ صلاة الميت دعاء، واستغفار واستشفاع له، وقد منع من الدعاء لميتهم فيما تقدم في هذه السووة، وفي قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة، الآية: 113] ولم يرد أنّ الصلاة هنا بمعناها اللغوي وهو الدعاء كما توهم. قوله: (ولذلك رتب الخ) أي علله بموته على الكفر لأنه حينئذ لا يجوز الاستغفار له فلا يجوز أن يصلى عليه. قوله: (مات أبدا يعني الموت على الكفر الخ (جعل أبداً ظرفا متعلقا بقوله مات، والذي ذكره غيره أنه متعلق بالنهي، وهو الظاهر وما ارتكبه المصنف رحمه الله أمر لا داعي إليه سوى أنه رآه وجهاً صحيحاً ونظرا خفياً فعدل إليه اعتمادا على أنّ الآخر طريقة مسلوكة، واضحة لا حاجة لذكرها، وأما من حاول توجيهه بأنه حمل الموت الأبدي على الموت على الكفر لأنّ المسلم يبعث ويحيا والكافر وإن بعث لكنه للتعذيب فكأنه لم يحيى، فهو كناية عن الموت على الكفر فلذا جعل أبدا منصوبا بمات دون لا تصل لأنه لو جعل منصوبا به لزم أن لا تجوز الصلاة على من تاب منهم، ومات على الإيمان مع أنه لا حاجة للنهي عن الصلاة عليهم إلى قيد التأبيد، فقد أخطأ ولم يشعر بأنّ منهم حالاً من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفاً بصفتهم، وهي النفاق كقولهم أنت مني يعني على طريقتي، وصفتي كما صرحوا به مع أنّ ما ذكره كيف يتوهم مع قوله: {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} ومات ماض باعتباو سبب النزول وزمان النهي، ولا ينافي عمومه وشموله لمن سيموت، وقيل إنه بمعنى المستقبل وعبر به لتحققه وقوله لم يحى مضارع من الحياة ضد الموت. قوله: (ولا تقف عند قبوه الخ) القبر مكان وضع الميت وبكون بمعنى الدفن وقد جوّز هنا هذا أيضا، وقوله تعليل للنهي جملة مستأنفة لذلك، وقوله أو لتأبيد الموت بناء على تفسيره وقد عرفت ما فيه. قوله: (تكرير للتثيد والأمر حقيق به الخ) حيث مرّت في هذه السورة مع تغاير في بعض ألفاظها، وقوله:) والآمر حقيق به) أي بالتأكيد بالتكرير لعموم البلوى بمحبتها والإعجاب بها، وقوله طامحة بمعنى مرتفعة وملتفتة إليها، والمراد تعلق المحبة بها، وقوله مغتبطة أي حريصة وأصل الغبطة طلب مثل ما لغيرك بدون تمني زواله وقد تقدم قوله فلا تعجبك بلفظه لكنه بعيد. قوله: (ويجوز أن تكون هذه في فريق غير الأوّل) قال الفارسيّ: ليست للتأكيد لأنّ تيك في قوم وهذه في آخرين وقد تغاير نطقهما فهنا ولا بالواو ولمناسبة عطف نهي على نهي قبله في قوله:) ولا تصل) الخ فناسب الواو، وهناك بالفاء لمناسبة التعقيب لقوله قبله: {وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [سورة التوبة، الآية: 54] أي للإنفاق فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد فنهى عن الإعجاب المتعقب له، وهنا وأولادهم دون لا لأنه نهى عن الإعجاب بهما مجتمعين، وهناك بزيادة لا لأنه نهى عن كل واحد واحد فدل مجموع الآيتين على النهي عن الإعجاب بهما مجتمعين ومنفردين، وهنا أن يعذبهم وهناك ليعذبهم بلام التعليل وحذف المفعول أي إنما يريد اختبارهم بالأموال والأولاد وهنا المراد التعذيب فقد اختلف متعلق الإرادة فيهما ظاهراً، وهناك في الحياة الدنيا وهنا في الدنيا تنبيها على أن حياتهم كلا حياة فيها، وناسب ذكرها بعد الموت فكأنهم أموات أبداً، ومنه تعلم أنه يصح في التأبيد معنى آخر. قوله: (ويجوز أن يراد بها بعضها) بطريق التجوّز بإطلاق الجزء على الكل لا بطريق الاشتراك كإطلاق القرآن على ما يشمل الكل والبعض كما يوهمه كلام الكشاف، وان قيل إنّ هذا مراده أيضا، والمراد بالسورة سورة معينة وهي براءة أو كل سورة ذكر فيها الإيمان والجهاد وهذا أولى وأفيد لأن استئذانهم عند نزول آيات براءة علم مما مرّ، وقد قيل إن إذا تفيد التكرار بقرينة المقام لا بالوضع وفيه كلام مبسوط في محله. قوله:) بأن آمنوا بالله ويجورّ أن تكون أن مفسرة (يعني أن مصدرية وقبلها حرف جرّ مقدر، ويجوز أن تكون مفسرة لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه، قيل والمصدرية تناسب إرادة السورة بتمامها والتفسيرية تناسب بعضها ففيه لف ونشر والخطاب للمنافقين، وأما التعميم أو إرادة المؤمنين بمعنى دوموا عليه فلا يناسب المقام ويحتاج فيه ارتباط الشرط، والجزاء إلى تكلف ما لا حاجة إليه، وفي توله استأذنك التفات، وقال النحرير: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 القرآن والكتاب كما وضعا للكل وضعا للمفهوم الكلي الصادق على الكل والبعض، وأما السورة فليست إلا اسماً للمجموع فإطلاقها على البعض مجاز محض. قوله: (ذوو الفضل والسعة) خصهم لأنهم المذمومون، وهم من له قدرة مالية ويعلم منه البينة أيضا بالقياس فهو الملوم لا غيره كما يدل عليه قوله عقبه الذين قعدوا لعذر وهو شامل للرجال والنساء ففيه تغليب، وخص النساء بعده للذم. قوله: (جمع خالفة (بمعنى المرأة لتخلفها عن أعمال الرجال، والمراد ذمّهم والحاقهم بالنساء كما قال: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول والخالفة تكون بمعنى من لا خير فيه، والتاء فيه للنقل للاسمية فإن أريد هنا فالمقصود من لا فائدة فيه للجهاد وجمع على فواعل على الوجهين أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلتأنيث لفظه لأن فاعلا لا يجمع على فواعل في العقلاء الذكور إلا شذوذاً كنواكس، وقوله: (ما في الجهاد) مأخوذ من المقام وقوله: {لَكِنِ الرَّسُولُ} استدراك لما فهم من الكلام، وقوله: (إن تخلف) الخ فهو كقوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 189 وقوله فقد جاهد تقدير دليل الجواب أي فلا ضحير لأنه قد جاهد الخ. قوله: (منافع الدارلن الخ (مأخوذ من عموم اللفظ واطلاقه، وقوله وقيل الحور معطوف على منافع الدارين لا على الجنة، وقوله لقوله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ} [سورة الرحمن، الآية: 70] فإنها بمعنى الحور فيحمل هذا عليه أيضاً، وقوله:) وهي جمع خيرة) أي بسكون الياء مخفف خيرة المشذد تأنيث خير، وهو الفاضل من كل شيء المستحسن منه، وقوله:) بيان لما لهم من الخيرات الأخروية) قيل فلو خص ما قبله بمنافع الدنيا بدليل المقابلة لم يبعد. قوله: (أسداً وغطفان (هما قبيلتان من العرب معروفتان، والجهد المشقة التي تلحقهم بمفارقة الأهل والمعذرون فيه قراءتان مشهورتان التشديد والتخفيف، والمشددة لها تفسيران: أحدهما: من عذر بمعنى قصر وتكلف العذر فعذره باطل كاذب. والثاني: من اعتذر وهو محتمل لأن يكون عذره باطلا وحقا، وأما التخفيف فهي من أعذر إذا كان له عذر وهم صادقون على هذا، وإليه يثير قوله موهما الخ لأنه من التكلف، وقوله: (مهد العذر) أي بينه محتمل للوجهين كما عرفت ووجه الإدغام ظاهر وكسر العين لاك فاء الساكنين بأن تحذف حركة التاء للإدغام فيلتقي ساكنان، وتحرك العين بالكسر وضم العين لاتباع الميم وهو ثقيل لم يقرأ به، وقوله: (إذا اجتهد في العذر (إشارة لصدقه. قوله: (وقرئ المعذرون بتشديد العبن والذال الخ) فهو من تعذر كادّثر من تدثر والتفعيل بمعنى الافتعال فيحتمل الصدق والكذب أيضاً وهذه القراءة نسبت لمسلمة، وليست من السبعة كما توهم، ولذا قال أبو حيان رحمه الله هذه القراءة إما غلط من القارئ أو عليه لأنّ التاء لا يجوز إدغامها في العين لتضادّهما وأما تنزيل التضاد منزلة التناسب فلم يقله أحد من النحاة ولا القراء، فالاشتغال بمثله عبث، وقول المصنف رحمه الله كالزمخشري إنها لحن أي لعدم ثبوتها فلا يقال إنها قراءة فكيف تكون لحناً. قوله: (وقد اختلف في أنهم كانوا معتذرين بالتصنع (أي بالباطل واظهار ما ليس واقعاً بتكلف صنعه، وقد علمت سبب الاختلاف، وأما تعين الصحة لأنّ قراءة التخفيف تعينه والتشديد تحتمله فتحمل عليها لئلا يكون بين القراءتين تناف فدفع بأنّ المعتذرين كانوا صنفين محقا ومبطلاً فلا تعارض بينهما كما قيل وقوله: (فيكون الخ) تفريع على الصحة بأن الذين كذبوا منافقون كاذبون، والمعتذرون مؤمنون لهم عذر في التخلف وكذبهم بادعاء الإيمان، وعلى الأوّل كذبهم بالاعتذار والتصنع والقعود على الوجهين مختلف. قوله: (من الإعراب أو من المعذرين الخ) أي من الإعراب مطلقاً فالذين كفروا منهم منافقوهم أو أعم، وقوله من اعتذر لكسله توجيه لمن التبعيضية ولا ينافي استحقاق من تخلف لكسل العذاب لعدم قولنا بالمفهوم، والمصنف رحمه الله قائل به فلذا فسر العذاب بمجموع القتل والنار لأنّ الأوّل منتف في المؤمن المتخلف للكسل، وقيل المراد بالذين كفروا منهم المصرّون على الكفر. قوله: (كالهرمي والزمني) جمع هرم، وهو الضعيف من كبر السن، وزمن وهو المقعد وفيه لف ونشر، وأشار إلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 شمول المرض لما لا يزول كالعمى والعرج، وان الضعف شامل للخلقي والعرضي وجهينة وما بعده أسماء قبائل، والحرج أصل معناه الضيق، ثم استعمل للذنب وهو المراد. قوله: (بالإيمان والطاعة في السر والعلانية الخ) معنى نصح لله ورسوله مستعار للإيمان والطاعة ظاهراً وباطنا كما يفعله الموالي بضم الميم كالمصافي لفظاً ومعنى، وفي قوله كما إشارة إلى أنه استعارة أو المراد بالنصح لله ورسوله بذل الجهد لنفع الإسلام والمسلمين فإذا تخلفوا تعهدوا أمورهم وأهلهم، وأوصلوا لهم خبر من غاب عنهم لا كالمنافقين الذين تخلفوا وأشاعوا الأراجيف لأنّ هذه الأمور إعانة على الجهاد، وقوله يعود على الإسلام فيه لقولاً وفعلاً أي له عائدة ونفع للإسلام وأهله. قوله: (أي ليس عليهم جناح الخ) من مزيدة وليس على محسن سبيل كلام جار مجرى المثل، وهو إما عام ويدخل فيه من ذكر أو مخصوص بهؤلاء فالإحسان النصح لله والرسول، والإثم المنفي إثم التخلف، فيكون تأكيداً لما قبله بعينه على أبلغ وجه وألطف سبك، وهو من بليغ الكلام لأنّ معناه لا سبيل لعاتب عليه أي لا يمرّ به العاتب ويجوز في أرضه فما أبعد العتاب عنه فتفطن للبلاغة القرآنية كماقيل: سقيا لأيامنا التي سلفت إذلايمرّالعذول في بلدي وكلام المصنف يحتمل أن يكون قوله ليس عليهم جناح إعادة لمعنى ليس عليهم حرج، وقوله ولا إلى معاتبتهم سبيل بيان لهذا وإشارة إلى ترتبه عليه أي لا حرج عليهم فهم لا يعاتبون، ووضع المحسنين موضع الضمير بناء على الوجه الثاني، والتخصيص في قوله لهم إشارة إلى أنّ كل أحد عاجز محتاج للمغفرة والرحمة إذ الإنسان لا يخلو من تفريط ما فلا يقال إنه نفى عنهم الإثم أوّلاً فما الاحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب، فإن أريد ما تقدم من ذنوبهم دخلوا بذلك الاعتبار في المسيء، وقوله فكيف للمحسن في نسخة للمحسنين بصيغة الجمع. توله: (عطف على الضعفاء الخ) هو على الثاني من عطف الخاص على العامّ اعتناء بهم وجعلهم كأنهم لتميزهم جنس آخر وعلى الأوّل فإن أريد بالذين لا يجدون الخ الفقير المعدم للزاد، والمركب وغيره وهؤلاء واجدون لما عدا المركب تغايرا، وهو ظاهر كلام المصنف والنظم وان أريد بمن لا يجد النفقة من عدم شيئا لا يطيق السفر لفقده كان هذا من عطف الخاص على العام أيضا والأوّل أولى. قوله: (البكاؤون) (1 (جمع بكاء بصيغة المبالغة، وهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لم يكن لهم قدرة على ما يركبون للغزو مع النبيّ صلى الله عليه وسلم طلبوا منه ذلك، فلما أجابهم بكوا وحزنوا حزناً شديدا فاشتهروا بهذا وتفصيلهم في سيرة ابن هشام رحمه الله، وعلبة بن زيد بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الباء الموحدة كذا ضبطوه، وهو صحابي مشهور رضي الله عنه وفي أسمائهم وعددهم اختلاف والمعروف أنهم طلبوا ما يركبون وهو معنى قوله فأحملنا فقوله الخفاف جمع خف، وهو في الجمل كالقدم في الإنسان ويطلق عليه نفسه كما يقال ماله خف ولا حافر والمرقوعة التي يشد على خفها جلد إذا أضر بها المشي، والنعال جمع نعل والخصف خياطة النعل، وهذا تجوّز عن ذي الخف والحافر فكأنهم قالوا احملنا على كل شيء مما تيسر أو المراد احملنا ولو على نعالنا وأخفافنا مبالغة في المناعة، ومحبة للذهاب معه. قوله: (هم بنو مقرّن) بكسر الراء المهملة المشذدة كمحدّث، وهم سبعة أخوة كلهم صحبوا النبيّ ع! ي! قال القرطبي رحمه الله: وليس في الصحابة سبعة أخوة غيرهم، وهذا القول عليه أكثر المفسرين وخص المصنف رحمه الله منهم ثلاثة بالمجيء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد وأبو موسى هو الأشعري رضي الله عنه وأصحابه من أهل اليمن. قوله: (حال من الكاف في أتوك بإضمار قد) فيه وجوه من الأعراب منها أنه على حذف حرف العطف أي وتلت أو فقلت، وقيل قلت: هو الجواب وتولوا مستأنف جواب سؤال مقدر وهو أحسن مما اختاره المصنف رحمه الله وأما العكس بأن يكون تولوا جوابا وهذه مستأنفة في جواب سؤال مقدّر كما في الكشاف فبعيد والمصنف رحمه الله اختار أنّ الأولى حاًل والجواب ما بعده، وزمان الإتيان يعتبر واسعا كيومه وشهره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 فيكون مع التولي في زمان واحد أو يكفي تسببه له، وإن اختلف زمانهما كما ذكره الرضي في قولك إذا جئتني اليوم أكرمتك غداً أي كان مجيئك سببا لإكرامك غدا. قوله: (أي دمعها فإن من للبيان الخ) أي يفيض دمعها فهو إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل، وقال أبو حيان: لا يجوز كون محل من الدمع نصبا على التمييز لأنّ التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضا فإنها معرفة ولا يجيز كونها تمييزا إلا الكوفيون، وقيل: إنه قفي إجازة الكوفيين وأمّا الأوّل فمنقوض بقولهم عز من قائل ونحوه وهذا وارد بحسب الظاهر وإن كان ما ذكره أبو حيان صرّج به غيره من النحاة فقالوا: لا يجوز جره إلا في باب نعم وحبذا، ومن على كلامه بيانية لا تجريدية، وقيل أصل الكلام أعينهم يفيض دمعها، ثم أعينهم تفيض دمعاً وهو أبلغ الإسناد الفعل إلى غير الفاعل وجعله تمييزاً سلوكا لطريق التبيين بعد الإبهام ولأنّ العبن نفسها جعلت كأنها دمع فائض، ثم أعينهم تفيض من الدمع أبلغ من أعينهم تفيض دمعا بواسطة من التجريدية فإنه جعل أعينهم فائضة، ثم جرد الأعين الفائضة من الدمع باعتبار الفيض، وقد تابعه غيره على هذا ورد بأن من هنا للبيان لما أبهم مما قد يبين بمجزد التمييز لأنّ معنى تفيض العين يفيض شيء من أشياء العين كما أنّ معنى قولك طاب زيد طاب شيء من أشياء زيد، والتمييز رفع إبهام ذلك الشيء فكذا من الدمع كما تبين كاف الخطاب في نحو قول المتنبي: فديناك من ربع وان زدتنا كربا وإذا كان من الدمع قائما مقام دمعاً كان في محل النصب على التمييز، وأما حديث التجريد فلم يصدر عمن له معرفة بأساليب الكلام، ومرّ في المائدة أنّ الفيض انصباب عن امتلاء فوضع موضع الامتلاء للمبالغة أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفلها يعني أن الفيض مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية، فإن الثاني سبب للأوّل فالمجاز في المسند، والدمع هو ذلك الماء المخصوص أو الفيض على حقيقته، والتجوّز في إسناده إلى العين للمبالغة كجري النهر إذ الدمع مصدر دمعت العين دمعا ومن للأجل، والسببية وتحقيقه مرّ في المائدة. قوله: (حزناً نصب على العلة الخ (إن قيل فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن فكيف سبب قيل إن الحزن والسرور يسند إلى العين أيضا يقال سخنت وقرّت عينه، وأيضاً إنه نظر إلى المعنى إذ محصله تولوا وهم يبكون. قوله: (أو الحال (بمعنى حزينة والفعل المدلول عليه يحزنون حزنا، وقوله: (ولئلا) بتقدير الجارّ قبله وتعلقه بحزنا إن لم يكن مصدر فعل مقدر لأنّ المصدر المؤكد لا يعمل، وقد جوّز تعلقه به أيضا فيكون على جميع التقادير وتعلقه بتفيض قيل إنه على الأخيرين لأنه لا يكون لفعل واحد مفعولان لأجله وإبداله خلاف الظاهر، ثم إن هذا بحسب الظاهر يؤيد كونه مندرجا تحت قوله: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} ومغزاهم أي محل غزوهم أو مقصدهم وسبيلهم، وقوله إنما السبيل بالمعاتبة لم يفسرد بالإثم كما مرّ ولو ضمه إليه كان أحسن، وقيل قيده به ليصح الحصر، ولذا قيل إنها للمبالغة وفيه نظر. قوله: (واجدون للأهبة (أي عدّة السفر ولوازمه وقيده به لخروج البكائين لأنهم أغنياء لكن لا أهبة لهم كما مرّ، وقوله: (استئناف (أي جواب سؤال تقديره لم استأذنوا أو لم استحقوا للمعاتبة، ووخامة العاقبة سوءها وأصل الوخامة كثرة المرض، وقوله لا يعلمون مغبته بفتح الغين المعجمة العاقبة كالغب أيضا أي عاقبة رضاهم بالقعود، وقوله لأنه الضمير للشأن وأعلم إنّ قولهم لا سبيل عليه، معناه لا حرج ولا عتاب وإنه بمعنى لا عاتب يمرّ عليه فضلا عن العتاب وإذا تعدّى! الى كقوله: ألاليت شعري هل إلى أئم سالم سبيل فأنا الصبرعنها فلا صبر فبمعنى الوصول كما قال: هل من سبيل إلى خمرفأشربها أم من سبيل إلى نصربن حجاج ونحوه فتنبه لمواطن استعماله فإنه من مهمات الفصاحة. قوله: (لآنه لن نؤمن الخ) يعني قوله لن نؤمن لكم استئناف لبيان موجب لا تعتذروا، وكذا قوله قد نبأنا الله استئناف آخر لبيان موجب لن نؤمن لكم كأنه قيل لا تعتذروا فقيل لم لا نعتذر فقيل لأنا لن نؤمن لكم أي نصدقكم في عذركم فقيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 لِمَ لَمْ تؤمنوا لنا فقيل لأنّ الله قد نبأ بما في ضمائركم من الشرّ، وتعدبه نؤمن باللام مرّ بيانها. قوله: (أعلمنا بالوحي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بعض أخباركم الخ (نبأ يتعدى إلى مفعولين، ويتعدى إلى ثلاثة كاعلم في المعنى والعمل، وقد ذهب هنا إلى كل منهما طائفة والمصنف رحمه الله اختار أنها متعدية إلى اثنين الأوّل الضمير والثاني من إخباركم أما لأنه صفة المفعول الثاني، والتقدير جملة من أخباركم أو هو من أخباركم لأنه بمعنى بعض أخباركم، وليست من زائدة على مذهب الأخفش، وليس نبأ متعديا لثلاثة ومن إخباركم ساد مسد مفعوليه لأنه بمعنى أنكم كذا وكذا كما قيل لبعده، ولا الثالث محذوف لمنعه عندهم أو ضعفه، ولذا قيل لو قال عرفنا كان أظهر. قوله: (أتنيبون عن الكفر الخ) يشير إلى أنّ رأي علمية وأنه ذكر أحد مفعوليه وتقدير الثاني أتنيبون عن الكفر أي ترجعون من الإنابة أم تثبتون عليه، والمعنى سيعلم الله عملكم من الإنابة عن الكفر أو الثبات عليه علما يتعلق به الجزاء ولش! من التعليق، وبين قوله أتنيبون بنون وباء موحدة وتثبتون بمثلثة وموحدة ومثناة تجنيس خطي، وقوله: (فكأنه استتابة وإمهال للتوبة) لأنّ السين للتنفيس ففيه إشارة لما ذكر وقوله فوضع الوصف الخ يعني وضع عالم الغيب والشهادة موضع ضميره عر وجل ليدل على التهديد، والوعيد وانه تعالى مطلع على سرّهم وعلنهم لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم فيجازيهم على حسب ذلك. قوله: (بالتوييخ والعقاب عليه) يعني إعلامهم به وذكره لهم للتوبيخ أو المراد أن الوقوع في جزائه كأنه إعلام لهم بما فعلوا وقوله فلا تعاتبوهم منصوب معطوف على تعرضوا، وليس بنهي يعني المراد من حلفهم أن تعرضحوا عن معاتبتهم على ما فرط منهم، وقوله:) ولا توبخوهم (نهي لهم عن لومهم وتقريعهم لعدم نفعه ولذا علله بقوله إنهم رجس يعني إنهم يتركون ويجتنب عنهم كما تجتنب النجاسة، وهم طلبوا إعراضى صفح فأعطوا إعراض مقت، وأمّا إنّ الإعراض في قوله لتعرضوا بتقدير للحذر عن أن تعرضوا على أنه إعراض مقت أيضاً فتكلف، والتأنيث اللوم وأنبه بمعنى لامه، وقوله بالحمل على الإنابة أي التوبة إشارة إلى معنى آخر في إطلاقه على اللوم، وهو أنه حامل على التوبة وبين بعدم نفعه أنه بيان لسبب الإعراض! وترك المعاتبة. قوله: (من تمام التعليل) فالعلة نجاسة جبلتهم التي لا يمكن تطهيرها لكونهم من أهل النار في التقدير: فاللوم يغريهم ولا يجديهم والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل فاتركوا ما لا يفيد، ولذا لم يعطف قوله من أهل النار في التفسير، وقوله لا ينفع فيهم التوبيخ في الدنيا والآخرة يقتضي أنهم لا يوبخون مطلقا بل إن التوبيخ ووقوعه في الآخرة ليس لنفعهم بل لتعذيبهم وتحقيرهم فلا يرد أنه ينافي ما سبق في قوله: {فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بالتوبيخ فالأولى ترك ذكر الآخرة إذ ليس الكلام في التوبيخ الأخروي، وان أجيب عنه بأن في الدنيا ليس متعلقا بقوله بالتوبيخ بل بقوله لا ينفع فتدبر. قوله: (أو تعليل ثان والمعنى الخ) فعلل ترك التوبيخ بعلتين إحداهما أنه لا فائدة فيه فلا ينبغي الاشتغال به، وبأنه إن كان لتنكيلهم فيكفي ما لهم في الآخرة نكالاً، وقوله كفتهم عتابا على حد قولهم عتابك السيف ووعظك الصفع، وقوله فلا تتكلفوا عتابهم إشارة إلى كونه علة مستقلة، وجزاء مصدر لفعل تقديره يجزون ذلك، وقيل لمضمون ما قبله فإنه في معناه فهو مفعول مطلق أو مفعول له أو حال من الخبر عند من جوزه. قوله: (فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله الخ) يعني أنه نهى للمسلمين عن أن يرضوا عنهم مع أنّ الله لا يرضى عنهم فكان إرادتهم مخالفة لإرادة الله، وذلك غير جائز قيل فقوله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم ليس على ما ينبغي لأنّ رضاكم وحدكم لا يجوز فليس لعدم النفع معنى، وأجيب عنه بأنّ المراد إن رضاكم وحدكم على تقدير تحققه لا ينفعهم فلا مؤاخذة عليه ومراده بيان ارتباط الجزاء بالشرط لأنّ عدم رضا الله عنهم ثابت قبل ذلك أي أن ترضوا عنهم لا ينتج رضاكم لهم شيئا. قوله: (وإن امكنهم أن يلبسوا الخ) أي إن لبسوا عليكم حتى أرضوكم فهم لا يلبسون على الله حتى يرضى عنهم فلا يهتك أستارهم، ويهينهم فالمقصود على الأوّل إثبات الرضا لهم ونفيه عن الله، وعلى الثاني إثبات مسببه ونفيه فيكون قوله ترضوا كناية عن تلبيسهم على المؤمنين بالإيمان الكاذبة. قوله: (والمقصود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 من الآية الخ) أي على الوجهين، وقوله بعد الأمر بالإعراض لا ينافي ما مرّ من قوله ولا توبخوهم كما توهم. قوله: (أهل البدو الخ) العرب هذا الجيل المعروف مطلقا والإعراب سكان البادية منهم فهو أعم وفيل العرب سكان المدن والقرى، والأعراب سكان البادية من العرب أو مواليهم فهما متباينان ويفرق بين جمعه وواحده بالياء فيهما، والنسبة إلى البدو بدوي بالتحريك والحضر بفتحتين خلاف البادية، وقوله لتوحشهم أي لبعدهم عن الناس وانفرادهم في البوادي، وقساوتهم أي قساوة قلوبهم لعدم استماع الذكر والمواعظ، وقوله: (بأن لا يعلموا (إشارة إلى تقدير الجار الذي يتعدى به أجدر وأعلم ونحوه. قوله:) فرائضها وسننها (أدخل السنن في حدود الله تغليبا لأنّ الحدود تخص! الفرائض أو الأوامر والنواهي لقوله تلك حدود الله فلا تعتدوها وتلك حدود الله فلا تقربوها، وتيل المراد بها هنا بقرينة المقام وعيده على مخالفة الرسولءلج! هـ في الجهاد، وقيل مقادير التكاليف، وأهل الوبر البادية لأنّ بيوتهم من وبر وشعر وأهل المدر وهو الطين الحاضرة لأنهم أهل البناء، وقوله: (يعدّ (بفتح المثناة التحتية وكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة تفسير ليتخذه مغرماً أي يعده ويصيره، وفسر النفقة بالصرف في سبيل الله والصدقة بقرينة المقام، والمغرم الخسران بإعطاء ما لا يلزمه من الغرام وهو الهلاك، وقيل أصل معناه الملازمة وقوله: (لا يحتسبه قربة (أي لا يتقرب به لله وأجره ولا يرجو عليه ثوابا لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر، وقوله رياء أو تقية أي خوفا وفي نسخة وتقية. قوله: (دوائر الزمان ونوبه الخ (تفسير للدوائر لأنها جمع دائرة وهي النكبة والمصيبة التي تحيط بالمرء ونوب جمع نوبة وهو كالنائبة ما ينوب الإنسان من المصائب أيضا فتربص الدوائر انتظار المصائب لينقلب بها أمر المسلمين ويتبذل فيخلصوا مما عذوه مغرماً. قوله: (اعتراض بالدعاء عليهم) وهو من الاعتراض بين كلامين كما فصل في محله، وقوله: (بنحو ما يتربصونه (عدل عن قول الكشات بنحو ما دعوا به لأن ما صدر منهم ليس دعاء وان وجهه شراحه بما هو خلاف الظاهر كقول النحرير تربصهم يتضمن دعاءهم عليهم وهو غريب منه فالجملة على هذا إنشائية دعائية، وعلى الوجه الأخير خدرية والدائرة اسم للنائبة وهي بحسب الأصل مصدر كالعافية والكاذبة، أو اسم فاعل بمعنى عقبة دائرة والعقبة أصلها اعتقاب الراكبين وتناوبهما، ويقال للدهر عقب ونوب ودول أي مرة لهم ومرة عليهم. قوله: (والسوء بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة الخ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا السوء وكذا الثانية في الفتح بالضم والباقون بالفتح، وأمّا الأولى في الفتح وهي ظن السوء فاتفق السبعة على فتحها، قال الفراء المفتوج مصدر والمضموم اسم، وقال أبو البقاء: إنه الضرر وهو مصدر في الحقيقة كالمفتوج، وقال مكي المفتوح معناه الفساد والمضموم معناه الهزيمة والضرر وظاهره إنهما اسمان، وقوله: (كقولك رجل صدق) يعني إنه وصف بالمصدر مبالغة وأضيف الموصوف إلى صفته كقوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} اسررة مريم، الآية: 28] وقد حكي فيه الضم فيقال رجل سوء، وقوله: (وفي الفتح بضم السين (قد علمت أنه ليس على إطلاقه، وبين الفتح والضم شبه طباق. قوله: (سبب قربات (القربة بالضم ما يتقرب به إلى الله ونفس التقزب فعلى الثاني يكون معنى اتخاذها تقرّبا اتخاذها سببا له على التجوّز في النسبة أو التقدير، وعند الله إعرابه ما ذكر وجوز تعلقه بقربآت أي مقرّباً عند الله، وقوله: (وسبب صلواته! ك! ر) إشارة إلى عطفه على تربات وقد جوز عطفه على ما ينفق أن يتخذ ما ينفق وصلوات الرسول عقي! قربات. قوله: (لأئه صلى الله عليه وسلم! ن ددعوا للمتصدقين) أي الذين يعطون الصدقة، وأما الذي ياً خذها فمصذق من التفعيل وحمل الصلاة على معناها اللغوي، وهو الدعاء مطلقا ليشمل دعاء الناس واستغفارهم ودعاء النبيّ ش! ر لبعضهم بلفظ الصلاة، وهو من خصائصه ع! ي! لأنه حقه فله أن يجعله لغيره إذ الصلاة مخصوصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما أنّ عز وجل مخصوص بالله، وان كان يقال عزيز وجليل لغيره تعالى، واختلف في الصلاة على غير الأنبياء والملائكة استقلالأ هل هو حرام أو مكروه أو خلاف الأدب على أقوال المشهور منها الكراهة. قوله: (كما قال صلى الله عليه وسلم اللهتم صل على * أبي أوفى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 الخ) (1 (أخرجه أصحاب السنة غير الترمذي، وأوفى بفتح الهمزة والفاء والقصر اسم عقبة الأسلمي من أصحاب بيعة الرضوان روى له البخاري وهو آخر من بقي من الصحابة رضوان الله عليهم بالكوفة سنة سبع وثمانين. قوله:) شهادة من الله الخ) معتقدهم مصدر ميمي بمعنى اعتقادهم، وحرف التنبيه ألا وتوله والضمير لنفقتهم المعلومة من السياق أو لما التي هي بمعناها فهو راجع له باعتبار معناها فلذا أنث أو لمراعاة الخبر. قوله: (والسين لتحقيقه) أي. لتحقيق الوعد، وتقدم أنّ السين في مثله تفيد التحقيق والتأكيد لأنها في الإثبات في مقابلة لن في النفي فتفيد ذلك بقرينة تقابلهما في الاستعمال، وهذا هو المنقول عنهم، وفي الانتصاف النكتة في إشعارها بالتحقيق أنّ معنى الكلام معها أفعل، كذا وان أبطأ الأمر أي لا بد من ذلك، وفيه تأمّل والإحاطة من في لأنّ الظرف يحيط بمظروفه. قوله: (لتقريره الخ) يعني أنّ معناه أنه غفور رحيم، وهذا مقتضى فضله وكرمه فيكون مقرّرا لدخولهم في رحمته، وكالدليل عليه أو أنه متضمن لمعناه فهو مؤكد له. قوله: (قبل الأولى) أي ومن الإعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً والثانية قوله: (ومن الاعراب من يؤمن بالثه (الخ، وذو اليجادين لقب عبد الله بن نهم بضم النون المزني لقب به لأنه لما سار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادالها وهو بكسر الباء الموحدة وبالجيم والدال المهملة كساء نصفين فاتزر بنصفه وارتدى بالآخر ومات في عصر النبيئ ع! ز ودفنه ع! يرو بنفسه وقال: " اللهم إتي أمسيت راضياً عنه فارض! عته " فقال عبد الفه بن مسعود رضي الله عته ليتني كنت صاحب الحفيرة (2 (وفي الآية أقوال أخر. قوله: (هم الذين صلوا إلى القبلتين الخ) في السابقون وجوه من الاعراب أظهرها أنه مبتدأ لا معطوف على من يؤمن وخبره رضي الله عنهم الخ لا الأوّلون ولا من المهاجرين، وهل المراد بهم جميع المهاجرين والأنصار ومن بيانية لتقدمهم على من عداهم أو بعضهم ومن تبعيضية قولان اختار المصنف رحمه الله الثاني واختلف في تعيينهم على ما ذكره المصنف رحمه الله، فإن قلت لا وجه لتخصيص المهاجرين بالصلاة إلى القبلتين وشهود بدر لمساواة الأنصار لهم في ذلك قلت المراد تعيين سبقهم لصحبته ومهاجرتهم له صلى الله عليه وسلم على من عداهم من ذلك القبيل، فمن لحق--النبيئ! تهخت بالمدينة، وهاجر قبل تحويل القبلة وقبل بدر كانت هجرته سابقة على هجرة غيره، ومن شهد العقبتين أو أجاب دعوة مصعب رضي الله عنه كان أسبق وأرسخ قدما من غيره من الأنصار رضي الله عنهم فلا تضر تلك المشاركة وتقديم المهاجرين لفضلهم على الأنصار كما ذكر في قصة السقيفة، ومنه علم فضل أبي بكر رضي الله عنه على من عداه لأنه أوّل من هاجر معه صلى الله عليه وسلم، وقيل إنه سكت عن اشتراك الأنصار في القبلتين وشهود بدر لظهور أمره ولا وجه له فالصواب ما قدمناه. قوله: (أهل بيعة العقبة الأولى (كانت في سنة إحدى عشرة من البعثة والثانية في سنة اثنتي عشرة وفي عدد من بايع بها وذكره بسط في السير، وأما حديث مصعب رضي الله عنه فهو أنّ أهل البيعة الثانية لما انصرفوا بعث معهم رسول اللهءلمجييه مصعب بن عمير رضي الله عنه ابن هاشم بن عبد المناف إلى المدينة يقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين فأسلم منهم خلق كثير، وهو أوّل من جمع بالمدينة أي صلى الجمعة، وقوله: (وقرئ بالرفع الخ (فيكون جميع الأنصار محكوما عليهم بالرضا بخلاف بزاءة الجر وفيه تأمّل. قوله: (اللاحقون بالسابقين من القبيلتين الخ) من القبيلتين متعلق باللاحقين والسابقين على التنازع، أو باللاحقين فقط لأنّ تقييد السابقين به علم مما مرّ فالاتباع بالهجرة والنصرة، وعلى الوجه الثانى بالإيمان والطاعة لشموله لجميع المؤمنين، وقال بعض السلف: إنه تعالى أوجب لمتقدميئ الصحابة رضي الله عنهم الجنة مطلقا وشرط لمتبعيهم شرطا وهو الأعملى الصالحة، وقوله بقبول طاعتهم بيان لمعنى رضا الله وهو ظاهر، وأما رضا العبد عن ربه فمجاز عن كونه مستغرقا في نعمه ذاكراً لها، وقوله:) في سائر المواضع (في الدر المصون وأكثر ما جاء في القرآن موافق لقراءة ابن كثير وقوله: (حول بلدتكم (تفسير للمعنى المراد أو تقدير للمضاف. قوله: (عطف على ممن حولكم) فيكون كالمعطوف عليه خبراً عن قوله منافقون كأنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 قيل المنافقون من قوم حولكم ومن اهل المدينة وهو من عطف المفردات، ويكون قوله مردوا الخ جملة مستأنفة أو صفة لقوله منافقون لسكن فيه الفصل ب ق الصفة وموصوفها ولذا عد بعيدأ أو الكلام تم عند قوله منافقون من أهل المدينة خبر مقد! والمبتدأ بعده محذوف تامت صفته مقامه وحذف الموصوف، واقامة صفته مقامه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في مقدم عليه مقيس شائع نحو منا ظعن، ومنا أقام كما تقرّر في النحو وقد مرّ تحقيقه، والتقدير ومن أهل المدينة قوم ماردون على النفاق، وما قيل جرت العادة بتقدير الموصوف في الثاني فعلاً كان أو ظرفا دون التقدير في الأوّل ليكون باقياً على أصله من التقديم لا يخفى ما فيه من القصور وقد سبق رده فتذكر. قوله: (ونظيره في حذف الموصوف الخ) هو نظير له في مطلق حذف الموصوف بالجملة لا في خصوصه لأن حذت الموصوف بعد مجرور بمن، وهو بعضه مقيس وبدونه كما في البيت ضرورة، أو نادر فلا يرد عليه الاعتراض بأنه ليس مما نحن فيه. قوله:) أنا ابن جلا الخ (هو بيت هكذا: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني وهو من قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي وفيه للنحاة تأويلات فقيل إن الفعل والضمير المستتر فيه صار علما فحكي كما تحكى الجمل، وقيل إنه فعل فقط سمي به ولم يصرف وقيل جلا مصدر مقصور معناه انحسار الشعر عن الرأس أي أنا ابن ذي جلا أي انحسار شعر رأسه لكثرة وضع البيضة عليه، أو جعل نفس الانجلاء مبالغة وعلى هذه الأقوال لا شاهد فيه، والمشهور أنه فعل ماض بمعنى بين وأظهر غير منقول إلى العلمية والمعنى أنا ابن رجل كشف الأمور الشدائد وأوضحها بمباشرته لها، وطلاع الثنايا جمع ثنية وهي العقبة كناية عن ارتكاب عظائم الأمور كما يقال طلاع أنجد جمع نجد وقوله متى أضع العمامة يعرفوني أي لانحسار شعر رأسي، أو أنه يريد كثرة مباشرة الحرب فلا يراه الناس إلا بغير عمامة ولا يعرفونه إلا بزقي المحارب، أو متى حاربت عرفت بشجاعتي واقدامي على الحرب، وقوله:) كلام مبتدأ) أي مستأنف استئنافا نحويا أو بيانياً كأنه قال: ما دأبهم ووصفهم فقيل مردوا الخء قوله: (تمرئهم وتمهرهم في النفاق (يشير إلى أن أصل معنى التمرّد التمرن أي الاعتياد والتدزب في الأمر حتى يصير ماهراً فيه لاتخاذه صنعة ودينا له، ولذا خفي نفاقهم عليه لمجب! مع كمال فطنته وفراسته، وقال الراكب: إنه من قولهم شجرة مرداء أي لا ورق عليها أي إنهم خلوا. من الخير، وروى أهل الجنة جرد مرد، وهو محمول على ظاهره أو المراد أنهم خالصون من الشوائب والقبائح وصرج ممرّد أي مملس كما قال: في منزل شيدبنيانه يزل عنه ظفر الطائر قوله: (لا تعرفهم بأعيانهم الخ) وان عرفهم إجمالاً قيل والظاهر المناسب لا تعرف نفاقهم والتنوّق كالتأنق التصنع، والتكلف بإظهار النيقة وهي الحذق وما يعجب الناظر، وفي المثل خرقاء ذات نيقة، والتحامي الاجتناب والتلبيس عليه بالاعتذار والحلف. قوله: (بالفضيحة والقتل الخ) اختلف في المرتين على أقوال ذكر المصنف رحمه الله منها ثلاثة، وقيل المراد التكثير كقوله: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 4] لقوله: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} [سورة التوبة، الآية: 1126 وقال الآمدي الأوّل عذاب الدنيا مطلقاً والثاني عذاب الآخرة والقتل إئا فرضيّ إذا أظهروا النفاق أو المراد خوفه وتوقعه، ونهكه المرض بمعنى أضناه وأثقله فالمراد به ظاهره لأنّ المرض كفارة للمؤمن وعقوبة عاجلة لغيره، أو المرض المعنوي وهو ما في قلوبهم. قوله: (وآخرون اعترفوا الخ (معطوف على منافقون أي وممن حولكم آخرون أو من أهل المدينة آخرون ويجوز أن يكون مبتدأ واعترفوا صفته وخبره خلطوا كذا قال المعرب وغيره وقيل عليه أنه يقتضي إن اعترافهم مفروغ منه والمقصود بالإفادة غيره، وليس كذلك إذ هو المقصود بالإفادة فآخرون مبتدأ وهو الخبر وسوغ الابتدا أنه صفة موصوف مقدر وفيه نظر لأنّ اعترافهم شاهد بربطهم أنفسهم فالمقصود بيان أنهم ممن تاب الله عليه فلا وجه لما ذكر. قوله: (وهم طائفة من المتخلفين الخ) اختلف في عددهم هل هم خمسة أو ثلاثة أو عشرة، وهلى هم منافقون أو لا لكنهم اتفقوا على أن أبا لبابة رضي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 عنه منهم وأنه ممن أوثق نفسه، وسواري جمع سارية وهي العمود، وقوله: (على عادته) هي أنه إذا قدم صلى الله عليه وسلم من سفر دخل المسجد وصلى ركعتين قبل دخول منزله، وحديث السواري أخرجه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس) 1 (رضي الله عنهما وهذه صلاة الفتح وهي سنة. قوله: (والواو إما بمعنى الباء الخ) الشاة الواحدة من الغنم ذكراً أو أنثى ضأناً أو معزاً وتطلق على الظباء، وجمعها شاء بالمد والهمزة آخره وهمزة بدل من الهاء بدليل جمعه على شياه وليس هذا محل بيانه وكونه الواو بمعنى الباء نقلوه عن سيبويه رحمه الله، وقالوا إنه استعارة لأنّ الباء للإلصاق والواو للجمع وهما من واد واحد، وقال ابن الحاجب رحمه الله: أصله شاة بدرهم أي كل شاة بدرهم وهو بدل من الشاء أي مع درهم، ثم كثر فأبدلوا من باء المصاحبة واواً فوجب نصبه واعرابه بإعراب ما قبله كقولهم كل رجل وضيعته، وهو تكلف ولذا قالوا إنه تفسير معنى لا إعراب. قوله:) أو للدلالة على أنّ كل واحد منهما مخلوط بالآخر) في الكشاف كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر كقولك خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه، وفيه ما ليس في قولك خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء، وفي الانتصاف التحقيق في هذا أنك إذا قلت خلطت الماء باللبن فالمصرّح به الكلام أنّ الماء مخلوط، واللبن مخلوط به، والمدلول عليه لزوما لا صريحاً كون الماء مخلوطا به واللبن مخلوطاً، وإذا قلت خلطت الماء واللبن فالمصرّج به جعل كل واحد منهم مخلوطأ، وأما ما خلط به كل واحد منهما فغير مصرّج به بل من اللازم أنّ كل واحد منهما له مخلوط به محتمل أن يكون قرينه أو غيره، فقول الزمخشرقي: إنّ قولك خلطت الماء واللبن يفيد ما يفيده مع الباء وزيادة ليس كذلك فالظاهر أنّ العدول في الآية عن الباء لتضمين الخلط معنى العمل كأنه قيل عملوا صالحا وآخر سيئا، تال النحرير رحمه الله: يريد أن الواو كالصريح في خلط كل بالآخر بمنزلة ما إذا قلت خلطت الماء باللبن، وخلطت اللبن بالماء بخلاف الباء فإنّ مدلولها لفظاً ليس إلا خلط الماء مثلا باللبن، وأما خلط اللبن بالماء فلو ثبت لم يثبت إلا بطريق الالتزام ودلالة العقل، وتقرير صاحب المفتاح قريب من هذا حيث جعل التقدير خلطوا عملاً صالحا بسيء وآخر سيئأ بصالح إلا أنه جعل الصالح والسيىء في أحد الخلطين غيرهما في الآخر حيث قال بأن أطاعوه وأحبطوا. الطاعة بكبيرة وأخرى عصوا وتداركوا المعصية بالتوبة فالمخلوط على هذا ما يقابل المخلوط سواء كان هو المذكور بعد الواو وبالعكس أو لا بخلاف تقدير المصنف رحمه الله فإنه ذلك المذكور البتة حتى لا يجوز عنده خلطت الماء واللبن بمعنى خلطت الماء بغيره سواء كان اللبن أو غيره، وخلطت اللبن بغيره سواء كان الماء أو غيره ويجوز عند السكاكي، وقال غيره إنّ هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك وهو مشهور (وفيه بحث) لأنّ اختلاط أحدهما بالآخر مستلزم لاختلاط الآخر به، وأمّا خلط أحدهما بالآخر فلا يستلزم خلط الآخر به لأن خلط الماء باللبن مثلاً معناه أن يقصد الماء أوّلاً ويجعل مخلوطا باللبن، وهو لا يستلزم أن يقصد اللبن أولاً بل ينافيه فخلط العمل الصالح بال! يىء معناه أنهم أتوا أوّلاً بالصالح، ثم استعقبوه سيئا وخلط السيىء بالصالح معناه أنهم أتوا أوّلاً بالسيىء، ثم أردفوه بالصالح فأحدهما لا يستلزم الآخر كما قال: وهو يرجح ما ذهب إليه السكاكي لكن ما ذكره من الإحباط مبنيّ على مذهب المعتزلة فتدبر. قوله: (أن يقبل توبتهم الخ) التوبة إذا أسندت إلى العبد معناها ظاهر، وإذا أسندت إلى الله فمعناها قبولها لأنّ أصل معناها العود فالعبد يعود إلى الطاعة والله يعود بإحسانه وتفضله عليه. قوله: (وهي مدلول عليها بقوله اعترفوا بذنوبهم) لما كانت التوبة من الله بمعنى قبول التوبة تقتضي صدور التوبة عنهم جعل الاعتراف دالاً عليها لأنه توبة إذا اقترن بالندم والعزم على عدم العود وكذا لو قدر فتابوا عسى الله أن يتوب عليهم وقوله: (روي الخ) أخرجه ابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما) 1 (، وقوله: (فتمدّق بها) أي ضعها مع الصدقات فيما تريد. قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} الخ جوّزوا في ضمير تطهرهم أن يكون خطابا للنبيّ صلى الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 عليه وسلم وأن يكون للغيب وضحمير المؤنث للصدقة، فعلى الأوّل الجملة في محل نصب على الحال من فاعل خذ، ويجوز كونه صفة صدقة بتقدير بها لدلالة ما بعده عليه، وأما تزكيهم فالتاء للخطاب لا غير لقوله بها إذ جعله للصدقة ركيك لا يليق أن يحمل عنيه وتفصيله في كتب الإعراب. قوله: (أو حب المال المؤدّي بهم إلى مثله) أي مثل ما صدر عنهم من التخلف، وليس كناية من التخلف كقولهم مثلك لا يبخل إذ لا حاجة إليه وتطهير الذنوب تكفيرها، وتطهير حب المال إخراجه من قلوبهم، ولذا ورد أنّ الصدقة أوساخ الناس، ولم يحل له ىلمجي! واختلف في المأمور به في الآية فقيل الزكاة، ومن تبعيضية وكانوا أرادوا التصدق بجميع مالهم فأمره الله بأخذ بعضها لتوبتهم لأنّ الزكاة لم تقبل من بعض المنافقين فترتبط بما قبلها، وان أريد الزكاة فهو عام، وإن خص سببه وقيل: ليست هذه الصدقة المفروضة بل هم لما تابوا أبذلوا جميع مالهم كفارة للذنب الصادر منهم فأمره الله بأخذ بعضها، وهو الثلث وهذا مروي عن الحسن، وهو المختار عندهم، وقوله تنمي من الإنماء وهو الزيادة، وقوله: (ترفعهم الخ (فيه إشارة إلى أنهم كانوا منافقين وفيه خلاف تقدّم. قوله: (واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم الخ) يعني أنّ الصلاة هنا بمعنى الدعاء، وعدى بعلى لما فيه من معنى العطف لأنه من الصلوين وألا فالدعاء لا يتعدى بعلى إلا للمضرة، وهو غير مراد هنا، وتفسيره بصلاة الميت بعيد هنا وان روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولذا استدل به على استحباب الدعاء لمن يتصدق. قوله: (تسكن إليها نفوسهم الخ (السكن السكون، وما يسكن إليه من الأهل والوطن فإن كان المراد الأوّل فجعلها نفس السكن، والاطمئنان مبالغة، وهو الظاهر وان كان الثاني فهو مجاز بتشبيه دعائه في الالتجاء إليه بالسكن، ووجه جمع صلاة لأنها اسم جنس والتوحيد لذلك أو لأنها مصدر في الأصل. قوله: (الضمير أما للمتوب عليهم الخ) يعني إذا قصد هؤلاء، وقد مرّ ما يشير إلى قبول توبتهم فذكره هنا تمكيناً لذلك في قلوبهم، فالاستفهام للاستبطاء لتوبتهم، وان كان لغيرهم من المنافقين فهو توبيخ وتقريع لهم على عدم التوبة وترغيب فيها، وازالة لما يظنون من عدم قبولها، وقرىء بالتاء وهو على الأوّل التفات، وعلى الثاني بتقدير قل ويجوز أن يكون الضمير للمنافقين والتائبين معاً للتمكين والتخصيص. تنبيه: قال النووي في شرح مسلم قال الفقهاء: الدعاء لدافع الزكاة سنة لا واجب خلافاً لبعض الشافعية عملاً بظاهر الآية واستحب الشافعيّ رحمه الله أن يقول في دعائه آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهور وبارك لك فيما أبقيت والصحيح أنه لا يستحب انتهى. قوله:) وهو يقبل التوية (الضمير إما للتأكيد أوله مع التخصيص بمعنى أنّ الله يقبل التوبة لا غيره بمعنى أنه يفعل ذلك ألبتة لما سبق من أنّ ضمير الفصل يفيد ذلك والخبر المضارع من مواقعه، وقيل التخصيص بالنسبة إلى الرسول لمجبب! بمعنى أنه يقبل التوبة لا رسوله ع! ب! لأنّ كثرة رجوعهم إليه مظنة لتوهم ذلك وقوله: (إذا صحت) بيان لنفس الأمر لأنّ غيرها لا يقبل بل لا يسمى توبة، وتعديته القبول بعن لتضمنه معنى التجاوز والعفو عن ذنوبهم التي تابوا عنها وليس المعنى أنّ التوبة إذا قبلت فكأنها تجاوزت عته كما توهم، وقيل عن هنا بمعنى من. قوله: (بقبلها قبول من يأخذ الخ (يعني أنّ الأخذ هنا استعارة للقبول والإثابة لا كناية كما قيل لأنّ الكريم والكبير إذا قبل شيئا عوض عنه إذ الأخذ هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا الله تعالى وقد يجعل الإسناد إلى الله مجازا مرسلاَ، وقيل في نسبة الأخذ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله خذ ثم إلى ذاته تعالى إشارة إلى أنّ أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قائم مقام أخذ الله تعظيماً لشأن نبيه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [سورة الفتح، الآية: 0 ا] فهو على حقيقته ولا يخفى ما فيه من البعد في إدعاء الحقيقة وان كان ما فهمه معنى حسنا. قوله: (وإن من شأنه قبول توبة التائبين الخ) هو مأخوذ من صيغة المبالغة التي تفيد تكرّر ذلك منه وأنه شأن من شؤونه وعادة من عوائده أي إنه يقبل ذلك كما علمتم أنه شأنه وعادته، ولولا الحمل على هذا لكان لغوا وقد تكلف من قال إنه جعل الواو في قوله وانّ الله ابتدائية والمقصود التعليل، وقيل الواو للعطف على مقدر كأنه قيل إنّ الله هو البر الرحيم فيكون تعليلاً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 لكناية القبول عن إعطاء الثواب وحذف أداة التعليلى لأنه قياسيّ، وتقديمه على ما ذكر في تعليل قبوله للتقريب بين التعليل والمعلل مهما أمكن وقيل عليه إنه لا حاجة إلى الاعتذار عن حذف أداة التعليل لإمكان تقديرها في المعطوف عليه المقدر وكل ذلك من ضيق العطن. قوله: (فإنه لا يخفى عليه الخ) يعني المراد بالرؤية الاطلاع عليه، وعلمه علما جليا مكشوفا له وعلمه كناية عن مجازاته، وأما جعل الرؤية حقيقية وأنه يرى المعاني فلا حاجة إليه لتكلفه، وإن كان بالنسبة إليه غير بعيد وقوله فإنه تعالى لا يخفى من الإخفاء أي لا يخفى ذلك عنهم بل يعلمهم به كما تبين لهم من تفضيح بعض وتصديق آخرين، وفي هذه الآية وعد ووعيد، ولذلك قيل إنها أجمع آية في بابها، وقوله بالمجازاة إشارة إلى أن الأنباء مجاز عن المجازاة أو كناية. قوله تعالى: (وسترذون إلى عالم الغيب والشهادة) قال بعض المفسرين: الغيب ما يسرونه من الأعمال والشهادة يظهرونه كقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [سررة البقرة، الآية: 77] فالتقديم لتحقيق أنّ نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده لا لإيهام أنّ علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة، ورده بعض فضلاء العصر فقال: لا يخفى عليك انّ هذا قول يكون علمه تعالى حضوريا لا انطباعيا وحصوليأ وقد زيفوه وأبطلوه لشمول علمه تعالى للممتنعات، والمعدومات الممكنة والعلم الحضوري يختص بالموجودات العينية لأنه حصول المعلوم بصورته العينية عند العالم فكيف لا يختلف الحال فيه بين الأمور البارزة والكامنة مع أن الكامنة تشمل المعدومات ممكنة كانت أو ممتنعة ولا يتصوّر فيها التحقق في نفسها حتى تكون علما له تعالى، وتحقيق علمه الواجب بالأشياء من المباحث المشكلة والمسائل المعضلة، ولو أمسك هذا القائل عن أمثال هذه المطالب لكان خيراً له إذ بالتفوه بأمثال هذه المزيفات، تبين أنه لم يحم حول ما تقرّر عندهم من التحقيقات، وقد حققناه في بعض تعليقاتنا بما لا مزيد عليه انتهى، وهذا ذهول عن مراده والذي أوهمه ما أوهمه قعاقع ألفاظه وتطويله بلا طائل كما هو عادته في التشبه بالحرائر. قوله: (وآخرون من المتخلفين الخ) اختلف في المراد بآخرين هنا فقيل هم هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهو المروي في الصحيحين، والمنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وكبار الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق ولا شك وارتياب كما في السير وإنما كان لأمر مع الهم باللحاق بهم فلم يتيسر ذلك فلما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان ما مرّ من المعذرين قال: هؤلاء لا عذر لنا إلا الخطيئة، ولم يعتذروا له صلى الله عليه وسلم فأمر المسلمين باجتنابهم فاجتنبوهم واعتزلوا نساءهم فنزلت يعني آية العفو عنهم وتعذيبهم إلى الله، وإنما اشتذ الغضب عليه مع إخلاصهم والجهاد فرض! كفاية لما نقل عن ابن بطال في الروض الأنف وارتضاه أنه كان على الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه ألا ترى قول راجزهم في الخندق: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وهؤلاء من أجلهم فكان تخلف هؤلاء كبيرة فإذا عرفت أن هؤلاء من كبار الصحابة رضوان الله عليهم وأنهم من المخلصين كما صرّحوا به فقول المصنف رحمه الله إن أصروا على النفاق لا ينبغي أن يصدر مثله عن مثله ومن قال: إنّ هذه الآية في المنافقين كما هو قول للحسن وغيره لم يفسره بهؤلاء، وما قيل إنّ كلامه محمول على ما يشبه النفاق فهو بعيد ودعوى بلا دليل. قوله: (مرجون بالواو الخ) قرىء في السبعة مرجؤون بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة وقرىء مرجون بدون همزة كما قرىء ترجى من تشاء بهما، وهما لغتان يقال أرجأته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن تكون الياء بدلاً من الهمزة كقولهم قرأت وقربت وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير وعلى كونه لغة أصلية فهو يائيّ، وقيل إنه واوي. قوله: (والترديد للعباد وفيه دليل على أن كلا الأمرين بإرادة الله تعالى) يعني إما كأو لوقوع أحد الأمرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 والله تعالى علم بما يصير إليه أمرهم والتردد منه تعالى محال فهو للعباد إذ خوطبوا بما يعلمون والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الرجاء والخوف، والمراد تفويض ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته إذ لا يجب عليه تعذيب العاصي، ولا مغفرة التائب ولذا قيل إنها هنا للتنويع أي أمرهم دائر بين هذين الأمرين وهو أولى مما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: (والمراد الغ (مر ما له وعليه. قوله: (عطف على وآخرون الخ) قيل إنه على الوجه الثاني من إعرابه فهو مبتدأ خبره من أهل المدينة، وإذا كان مبتدأ فخبره محذوف ونصبه على الاختصاص أي القطع وهو منصوب بمقدر كأذم واعني، وليس هذا الاختصاص الذي اصطلح عليه النحاة، وقطع المعطوف فيه تفصيل سبق في سورة البقرة، وعلى قراءة ترك الواو ويحتمل ما مرّ من الوجوه وأن يكون بدلاً من آخرون على أحد التفسيرين، وفيه وجوه أخر مفصلة في إعراب السمين وغيره. قوله: (ضرارا) مفعول له وكذا ما بعده، وتيل مصدر في موضع الحال أو مفعولاً ثانيا لاتخذوا، وقوله مضارّة أي بتفريق الجماعة وأشار إلى أنه مصدر من المفاعلة. قوله: (روي إلخ (قال العراقي رحمه الله: هكذا ذكره الثعلبي بدون سند وروى بعضه ابن مردوية وابن جرير، وقباء بضم القاف والمد محل بقرب المدينة ويجوز فيه الصرف وعدمه، وقوله:) فحسدتهم إخوانهم) سماهم إخوانا لأنهم أبناء أخوين وأبو عامر الراهب هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم ا! فاسق من أهل المدينة تر! ب في الجاهلية فلما قدم النبيّ ع! ر إلى المدينة قال لى ما هذا الذي جئت به قال: " الحنيفية البيضاء دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام " قال أبو عامر فأنا عليها فقال له: إنك لست عليها، قال: بلى ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية " فقال: أبو عامر أمات الله الكاذب منا فريدأ وحيدا فأفن النبيئ مجش! هـ فمات أبو عمار كذلك بقنسرين) 1 (، وقوله:) إذا قدم من الشأم (أي لأنه هرب ليأتي بجنود قيصر لحرب النبيّ صلى الله عليه وسلم كما يأتي، وقوله لذي الحاجة أي من شغلته حاجته عن المضي للجماعة حتى ضاق الوقت، والعلة يعني المرض! ، والمطيرة بفتح الميم ذات المطر، وقوله: (فأخذ ثوبه) اختصار لما في الكشاف من أنه كان قبل ذهابه لمجر لتبوك فقال: " إئي على جناح سفر وحال شغل فإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه " فلما أتى لمجتن من تبوك أتوه وسألوه ذلك فدعا ع! ي! بقميصه وهم بذلك فنزل عليه الوحي) 1 (بما ذكر، وقوه: (والوحشئ) كذا في النسخ والصواب وحشيّ بدون أل، وقوله:) واتخذ مكانه الخ (أي جعل محلا لالقاء الكناسة به. قوله: (وتقوية للكفر الذي يضمرونه الخ) قيل الكفر يصلح أن يكون علة فما الحاجة إلى تقدير التقوية فيه وكأنه إنما تدره لأنّ اتخاذه ليس كفراً بل مقوّلة لما اشتمل عليه، وقنسرين بكسر القاف وتشديد النون مكسورة ومفتوحة بلدة بالشأم، وقيل من بلاد الروم لأنها كانت إذ ذاك في أيديهم. قوله: (ومن قبل متعلق بحارب أو باتخذوا الخ) تصوير للمعنى وبيان للمضاف المقدر على هذا الوجه، وهو قبل أن ينافقوا أي ظهروا والنفاق وعلى الوجه الآخر تقديره من قبل الاتخاذ، وقوله لما روي تأييد للثاني وقوله على جناج سفر أي آخذين في السفر شارعين فيه استعارة من جناح الطائر، وقفل بمعنى رجع ومنه الفاعلة تفاؤلاً وكزر مبنيئ للمجهول أي كرّر عليه السؤال في ذلك. قوله: (ما أردنا ببنائه إلا الخصلة الحسنى الخ (فإن نافية والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة الخصلة فهو مفعول به وعلى تقدير الإرادة فهو مصدر قائم مقامه منصوب على المصدرية أي إلا الارادة الحسنى، والمراد بالإرادة المراد فلذا وصفها بالحسنى وفسرها بنحو الصلاة، وهكذا وقع في الكشاف وقد حرفه بعضهم فظن أن العبارة إلا لارادة الحسنى بلام الجرّ التعليلية وقال: إنه وجه متكلف، وقوله في حلفهم أي ما حلفوا عليه، وقوله: (للصلاة (بيان للمعنى المراد، ويحتمل أن يكون القيام مجازاً عن الصلاة كما في قولهم فلأن يقوم الليل، وفي الحديث من قام رمضان إيمانا واحتساباً. قوله: (يعني مسجد قباء أسسه الخ (اختلف السلف في المراد بالمسجد في هذه الآية فرجح المصنف رحمه الله كونه مسجد قباء لظاهر قوله تعالى من أول يوم إذ لا يراد أوّل الأيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 مطلقا بل أوّل أيام الهجرة، ودخول المدينة المنوّرة لأنه بنى قبل مسجد المدينة وقوله: (وفيه رجال يحبون أن يتطهروا) ولأنه أوفق بالمقام لأنه بقباء كمسجد الضرار، والقول الثاني إن المراد به مسجدهءشر بالمدينة لما روي فيه من الأحاديث الصحيحة، وحديث أبي سعيد (1 (رضي الله عنه الذي ذكره المصنف رحمه الله مخرّج في مسلم، وقد جمع الشريف السهروردي رحمه الله بين الأحاديث، وقال: كل منهما مراد لأنّ كلا منهما أسس على التقوى من أوّل يوم تأسيسه، والسرّ في إجابته صلى الله عليه وسلم السؤال عن ذلك مما في إلحديث دفع ما يوهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء والتنويه بمزية هذا عن ذلك، وهو غريب هنا وقد سبقه إليه السهيلي في الروض الأنف، واللام في قوله لمسجد لام ابتداء أو قسم وعلى قيل إنها بمعنى مع والأبلغ إبقاؤها على ظاهرها وجعل التقوى أساسا له. قوله: (من أوّل يوم من أيام وجوده) أي هو أوّل يوم من أيام وجود بنائه وتأسيسه، وإنما قيد به لظهور أنه لم يؤسس على التقوى من أوّل يوم من مطلق الأيام، والمعنى أنّ تأسيسه على التقوى كان مبتدأ من أوّل يوم من أيام وجوده لا حدثا بعده، قال السهيلي: نور الله مرقده في الآية من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مع عمر رضي الله عنه حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والحين الذي أمن فيه النبيّ ع! ي! وبنيت المساجد وعبد الله كما يحب فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أن ذلك اليوم هو أوّل أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن فإن كان الصحابة رضوان الله عليهم أخذوه من هذه الآية فهو الظن بهم لأنهم أعلم الناس بتأويل كتاب الله، وأفهمهم بما في القرآن من الإشارات، وإن كان ذلك على رأي واجتهاد فقد علمه الله، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أؤل يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم، وليس ههنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو حال فتديره ففيه معتبر لمن اذكر، وعلم لمن رأى بعين فؤإد واستبصر. قوله:) ومن يعم الزمان والمكان (هذا مذهب الكوفيين وأنها للابتداء مطلقاً ولهم أدلة من القرآن كهذه الآية، وقوله لته الأمر من قبل ومن بعد ومن كلام العرب كما فصل في النحو منع البصريون دخولها على الزمان، وخصوه بمذ ومنذ وتأوّلوا الآية بأنها على حذف مضاف أي من تأسيس أوّل يوم وقدروا مثله فيما ورد من كلامهم، وقال أبو البقاء: أنه ضعيف لأنّ التأسيس المقدر ليس بمكان حتى يكون لابتداء الغاية وسبقه إليه الزجاج (قلت) إنما فروا من كونها لابتداء الغاية في الزمان وليس في كلامهم ما يدل على أنها لا تكون لابتداء الغاية إلا في المكان، وقال ابن عطية: يحسن عندي أن يستغني عن التقدير وأن من جرّب أوّل لأنه بمعنى البداءة كأنه قال: من مبتدأ الأيام وفيه نظر، وقيل إنّ من هنا تحتملى الظرفية أي في أوّل يوم فلا يكون فيها شاهد لهم وسبقه إليه بعض المحققين حيث قال لا أرى في الآية ونظائرها معنى الابتداء إذ المقصود من الابتداء أن يكون الفعل شيئا ممتداً كالسير والمشي ومجرور من منه الابتدائية نحو سرت من البصرة أو يكون أصلا لشيء ممتد نحو خرجت من الدار إذ الخروج ليس ممتد أو ليس التأسيس ممتدا، ولا أصلاً لممتدّ بل هما حدثان واقعان فيما بعد من وهذا معنى في ومن في الظروف كثيراً ما يقع بمعنى في وللنظر في هذا كله مجال. قوله: (لمن إلى آخر البيت) وهو: لمن الدياربقنة الحجر أقوين من حجج ومن دهر وهو مطلع قصيد لزهير بن أبي سلمى يمدح بها هرم بن سنان وبعده: لعب الزمان بها وغيرها بعدي سوا في المورق القطر فغدا بمندفع النجائب من صفوا أولات الضال والسدر دع ذا وعد القول في هرم خيرالبداة وسيد الحضر الخ والقنة بضم القاف وتشديد النون أعلى الجبل والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم والراء المهملة بلاد ثمود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 وبفتح الحاء محل باليمامة، وقد ضبط بهما هنا وصوّب ابن السيد الثاني رواية وقال: الأوّل غلط وقيل إن هذا البيت ليس لزهير وإنه مصنوع أدخل في شعره، وليس منه وهو الذي ارتضاه الفضل وله قصة مذكورة في مجال! النحاة، وأقوين بمعنى خربن وخلون من السكان وحجج جمع حجة بكسر الحاء فيهما وقوله لمن الديار من فيه استفهامية على عادة الشعراء في ابتداء قصائدهم بمثله كأنه يستفهم عنها لأنه لم يعرفها لتغيرها وخرابها، ومن السهو الغريب هنا ما قاله الفاضل المحشي من أنّ الشاهد في أوّل البيت إذ من الأولى لابتداء المكان والثانية بقسميها لابتداء الزمان والبصريون يقدرونه من مر حجج ومن مر دهر، وقيل من فيه زائدة على مذهب الأخفش وقيل: إنها للتعليل أي لأجل مرور حجج ودهر. قوله:) أولى بأن تصلي فيه (جعل أحق أفعل تفضيل، والمفضل عليه كل مسجد أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير فلا يرد أنه لا أولوية فيه أو هو على زعمهم، وقيل هو بمعنى حقيق، وفسر تقوم بمعنى تصلي وفسر الطهارة بالبراءة من العيوب مجازاً أو بالطهارة الشرعية من الجنابة، ولو فسر بالطهارة من النجس كما في الاستنجاء أو بما يشملهما لكان ظاهراً أيضاً، وقوله: (يدنيهأ من جنابه تعالى إدناء المحب الخ) إشارة إلى أنه مجاز عن قربهم من الله وقربهم بمعنى كرامتهم وكثرة ثوابهم إذ المحبة الحقيقية لا يوصف بها ألله تعالى، ويحتمل أنه من المشاكلة وقيل تطهرهم بحمى كانت مكفرة لذنوبهم، وقوله: (لما نزلت الخ) أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس (1 (رضي الله عنهما وابن مردوبه وسكوتهم حياء من النبي ىلجرو وقوله: (وأنا معهم) بضمير المتكلم أو بكسر الهمزة وضمير الجمع، والمراد بالرخاء سعة الرزق وعدم الشذة ورث الكعبة قسم، وقوله: (إنّ الله عز وبئ قد أثنى عليكم الا يقتضي تعين المسجد لأنهم كانوا يصلون في مسجده أيضا. قوله: (نتبع النائط الأحجار الخ) استدلّ به في الهداية على أفضلية الماء على الحجر قال شيخنا رحمه الله وأورد عليه شيثان ضعف الحديث وعدم مطابقته للمدلول لأنه يقتضي استحباب الجمع، قيل: والمطابق له حديث ابن ماجه، وفيه قالوأ " نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء " (2 (والحاصل انّ الجمع أفضل، ثم الماء، ثم غيره وفي الجمع توفير الماء للوضوء، ولغيره لا سيما في محل الحاجة. قوله: (بنيان دينه) هو من قبيل لجين الماء أو هو مكنية وتخييلية، وهذا يناسب تفسيره الأوّل للطهارة وهو الأرجح لأنه المقتضي لمحبة الله كما قيل ولأنهم ذكروا في مقابلة أصحاب الضرار فاللائق وصفهم بضدّ ما وصفوا به، والتأسيس وضع الأساس وهو أصل البناء وأوّله وبه أحكامه ولهذا استعمل بمعنى الأحكام إلا أنه إذا تعدى بعلى تعين الأوّل كما قيل فهو المراد هنا ففي الآية شبه التقوى والرضوان تشبيها مكنيا مضمرا في النفس بما يعتمد عليه أصل البناء وأسس بنيانه تخييل فهو مستعمل في معناه الحقيقي أو هو مجاز بناء على جوازه فتاسيس البنيان بمعنى أحكام أمور دينه أو تمثيل لحال من أخلص لله، وعمل الأعمال الصالحة بحال من بنى بناء محكماً مؤسسا يستوطنه، ويتحصن به أو البنيان استعارة أصلية والتأسيس ترشيح أو تبعية والمصنف رحمه الله تعالى بنى كلامه على الأوّل. قوله: (على قاعدة محكمة الخ) يعني أنه استعارة مكنية شبهت التقوى بقواعد البناء تشبيها مضمرا في النفس دل عليه بما هو من روادفه ولوازمه وهو التأسيس والبنيان، والمرضاة بمعنى الرضا وأوّلها بطلبه لأنّ رضا الله ليس من أعمال العبد التي ابتنى عليها أحكام أمره، والذي هو من عمله طلب ذلك فهو إن كان إشارة إلى تقدير مضاف لا ينافي قوله بعيدة تأسيس ذاك على أمر يحفظه عن النار ويوصله إلى رضوان الله فإنه ظاهر في أنه مجاز بإطلاق السبب على المسبب لأنه إشارة إلى توجيه آخر فيه وان كان بيانا لأنّ رضوان الله مجاز عن طلب الرضا بالطاعة لأنه سببه فظاهر. قوله تعالى: {عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} الخ) شفا البئر والنهر طرفه ويضرب به المثل في القرب كقوله تعالى: {وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [سورة آل عمران، الآية: 103] وأشفى على الهلاك صار على شفاه ومنه شفاء المريض لأنه صار على شفا البرء والسلامة والجرف بضمتين وبسكون الراء البئر التي لم تطور وقيل هو الهوّة وما يجرفه السيل من الأودية لجرت الماء له أي أكله وإذهابه وهار نعت جرف وفيه أقوال، فقيل إنه مقلوب وأصله هاور أو هائر فوزنه فالع، وقيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 إنه حذفت عينه اعتباطا فوزنه فال، والاعراب على رائه كباب، وقيل إنه لا قلب فيه ولا حذف ووزنه في الأصل فعل بكسر العين ككتف، وهو هور أو هير ومعناه ساقط أو مشرف على السقوط، وهو ظاهر قول المصنف رحمه الله فأدى به الخ والخور بالخاء المعجمة والراء المهملة الضعف والتراخي، والاستمساك الثبات واشداد بعضه ببعض كانه يمسكه وفاعل انهار إمّا ضمير البنيان وضمير به للمؤسس أي سقط بنيان الباني بما عليه أو للشفا وضمير به للبنيان، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله. قوله: (على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها) إشارة إلى أنه كان الظاهر في التقابل أن يقال أم من أسس بنيانه على ضلال وباطل وسخط من الله إذ المعنى أفمن أسس بنيان دينه على الحق خير أم من أسسه على الباطل، ولذا قال في الكشاف والمعنى أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة محكمة قوية، وهي الحق الذي هو تقوى الله ورضوانه خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها، وأقلها بقاء وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة الثبات، والاستمساك وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازاً عما ينافي التقوى، يعني أنه شبه الباطل بشفا جرف هار في قلة الثبات فاستعير للباطل بقرينة مقابلته للتقوى، والتقوى حق ومنافي الحق هو الباطل، وقوله فانهار ترشيح وباؤه إمّا للتعدية أو للمصاحبة فشفا جرف هار استعارة تصريحية تحقيقية، والتقابل باعتبار المعنى المجازي المراد منها وقوله على قاعدة الخ إشارة إلى وجه الشبه تصريحية تحقيقية، والتقابل باعتبار المعنى المجازي المراد منها وقوله على قاعدة الخ إشارة إلى وجه الشبه وما به التقابل الضمني، فإن قلت لماذا عاير بينهما حيث أتى بالأوّل على طريق الكناية والتخييل، وبالثاني على طريق الاستعارة والتمثيل، قلت للتفنن في الطريق رعاية لحق البلاغة وعدولاً عن الظاهر مبالغة في الطرفين إذ جعل حال أولئك مبنياً على تقوى ورضوان هو أعظم من كل ثواب وحال هؤلاء على فساد أشرف بهم على أشذ نكال، وعذاب ولو أتى به على مقتضى الظاهر لم يفده مع ما فيه من التهويل كما سيشير إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر) فيه تسمح أي ما جرفه أي أزاله سيل الوادي الهائر وقيل، أراد بالوادي ما يجري فيه والهائر بمعنى الهادم وضمير هو للجرف، وقوله في مقابلته إشارة إلى ما ذكرنا. قوله: (ثمثيلاَ لما بنوا عليه أمر دينهم الخ (يعني أنه استعارة لمعنى به يقع التقابل كما أوضحناه ويجوز أن يكون مراده أنه استعارة تمثيلية قيل، وفرّع على المستعار له الرضوان تجريداً، وعلى المستعار الانهيار ترشيحاً وفيه نظر وقوله تأسيس ذاك، وتأسيس هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل والمفعول، وقوله: (يحفظه من النار (إشارة إلى التقوى لأنّ أصل معناها الوقاية والحفظ، وقوله: (التي الجنة أدناها) إشارة إلى قوله (ورضوان من الله كبر) كما مرّ، وقوله: (على صدد الودوع) إشارة إلى ما مرّ من دلالة الشفاء على القرب، ولفظ الوقوع هنا في محزه وموقعه. قوله: (أسس على البناء للمفعول (أي في الموضعين وأس بالضم وأساس بالفتح مفردان مضافان، وهو أصل البناء وكذا أس بالفتح وأسس بفتحات مصدر أو مقصور أساس وبهما قرئ أيضاً في الثواذ، وقوله: (وثلائتها جمع أس الخ) فيه تسمح لأنّ أساس بالكسر جمع أس وأس! ر جمع أساس وآساس بالمد جمع أسس كما في الصحاح، والبنيان مصدر كالغفران، وقيل اسم جن! جمعي واحده بنيانة كقوله: كبنيانة العادي موضع رجلها ومن قال إنه جمع أراد هذا كما في الدر المصون. قوله: (وتقوى بالتنوين الخ (أي وقرئ تقوى وألفه للإلحاق كأرطى الحق بجعفر، ولو كانت ألف تأنيث لم يجز تنوينه وهو تخريج ابن جني والذي قرأها عيسى بن عمر، وتترى بتاءين بمعنى متتابعة وتاؤه مبدلة من واو ويجوز تنوينه على أنّ ألفه للإلحاق وتركه على أنها للتأنيث، وقوله:) جرف (بالتخفيف أي بضم الجيم وتسكين الراء. قوله: (وليس بجمع ولذلك الخ (رذ على من قال: إنه جمع واحده بنيانة كما مرّ، وقد سمعت تأويله واستدل على أنه مفرد بثلاثة أوجه، وفيه نظر لأنّ الجمع قد تلحقه التاء كأساكفة وغيره مع أنه مراد القائل أنه اسم كأ! جمعي إلا أن يقال مراده أنّ فعلان في الجمع لا تلحقه التاء، وكذا الأخبار بريبة لا دليل فيه لأنه يقال الحيطان منهدمة، والجبال راسية وجوز على المصدرية أن يكون الذي مفعوله، وهو لا يرد نقضا على دليل الوصفية كما قيل لإثباته المدعي ومراده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 أنه لو كان جمعا لوصف باللاتي ونحوه لا بالذين لاختصاصه بالعقلا، وأما احتمال تقدير المضاف وجعله صفة له وكذا الخبر فخلاف الظاهر، ويكفي مثله في أدلة النحاة وفي المثل أضعف من حجة نحوي. قوله: (شكاً ونفاقا الخ (أصل معنى الريب الشك وقد فسر به هنا، والمراد شكهم في بنوته ع! يرو الذي أضمروه وهو عين النفاق فلذا عطفه عليه للتفسير، ولما كان الحامل على البناء هو النفاق زادهم ذلك بهدمه نفاقا لشدة غيظهم قال الإمام رحمه الله: لما صار بناء ذلك البنيان سببا لحصول الريبة في قلوبهم جعل نفس ذلك البنيان ريبة، وفيه وجوه أحدها أنّ المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وازداد غيظهم وارتيابهم في نبوّته لمجيرو، وثانيها أنه لما أمر بتخريبه خافوا فارتابوا هل يتركون على حالهم أو يقتلون، وثالثها أنهم اعتقدوا أنهم احسنوا بنيانه فلما هدم بقوا مرتابين في سبب تخريبه والصحيح هو الأوّل ورجح الطيبي الثاني بأنه أوفق للغة وريبتهم بالبناء كأنه سبب لهدمه فليس في الكلام مضاف مقدر والوسم السمة والعلامة وأصل معناه الكي. قوله:) بحيث لا يبقى لها قابلية الإدراك الخ (أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت إلا وقت تقطيع قلوبهم أو في كل حال إلا حال تقطيعها وهو كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك، وإضمار الشك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياء إلا إذا قطعت ومزقت فحينئذ تخرج الريبد منها وتزول والمبالغة في الريبة واضحة، وهذا على التصوير والفرض فلا تقطيع فيه، وعلى الوجه الذي بعد. فالتقطيع والتمزيق بالموت وتفريق أجزاء البدن فهو حقيقي، ويفيد لزوم الريبة ما دإموا أحياء، وعلى الثالث المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فتقطيع القلب مجاز أو كناية عن شدة الأسف، والفرق بين الوجوه ظاهر لكنه قيل إياك أن تتوهم أنّ مراده بالأوّل ما في الكشاف من أنه تصوير لحال زوال الريبة عنها إذ ليى في كلامه ما يدل عليه، وكأنه لم يرض! به لأن احتمال الحقيقة في الوجه الثاني يمنع الحمل على التمثيل لأن المجاز مشروط بالقرينة وقد دفع بأن جعل الكلام محتملاً للحقيقة، والمجاز في كلامهم كثير ومبناه على أن القرينة لا يجب أن تكون قطعية بل قد تكون احتمالية فإن اعتبرت جعل مجازآ - والا جعل حقيقة وكناية ومن لا يسلمه قال يتعين هنا أنه كناية ولا يخفى أنه ليس في كلام المصنف رحمه الله ما يخالف كلام الكشاف حتى يقال إنه لم يرتضه ومثله من التكلفات الباردة. قوله: (تقطع) أي في هذه القراءة بفتح التاء وأصله تتقطع فحذفت إحدى التاءين وقراءة الياء لإسناده إلى الظاهر وتقطع بالتخفيف، وهو مجهول الثلاثي وتقطع بالتاء ونصب قلوبهم، والضمير للخطاب أو للريبة وقطعت بفتح القاف والتاء في المبني للفاعل وبضم القاف وسكون التاء في المجهول. قوله: (تمثيل لإثابة الله إياهم الخ (في الكشاف ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن، ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة، وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضأ لإعلاء كلمته ونصر دينه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك وجعل وعده حقاً، ولا أحد أوفى من واعده فنسيئته أقوى من نقد غيره وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم، وهو استعارة تمثيلية صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، واثابة الله لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء وأتى بقوله يقاتلون الخ بيانا لمكان التسليم، وهو المعركة هاليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: " الجنة تحت ظلال السيوف ") 1 (ثم أمضاه بقوله ذلك هو الفوز العظيم، ولما في هذا من البلاغة واللطائف المناسبة للمقام لم يلتفتوا إلى جعل اشترى وحده استعارة أو مجازا عن الاستبدال، وان ذكروه في غير هذا الموضع لأنّ قوله: {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ} يقتضي إنه شراء وبيع وهذا لا يكون إلا بالتمثيل ومن غفل عنه، قال إنه تركه وهو جائز أيضا، ومنهم من جوّز أن يكون معنى اشترى منهم أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم بالبذل فيها، وجعل قوله يقاتلون مستأنفاً لذكر بعض ما شمله الكلام اهتماما به. قوله: (استئناف ببيان ما لأجله الشراء) يعني لما قال اشترى الخ كأنه قيل لماذا فقيل ليقاتلوا في سبيله، وليست المقاتلة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 نفس الشراء حتى تكون بيانا له كما قيل، وقوله:) يقاتلون في معنى الأمر) قيل إنه مرضه لأنه لا يجري في يقتلون المجهول وجعله بمعنى يباشرون سببه تكلف من غير داع. قوله:) وقد عرفت الخ) دفع لسؤال عدم مراعاة الترتيب بأنّ الواو لا تقتضيه، وبأن المراد يقتل بعض ويقتل بعض لكنه أسند إلى الجميع فعل بعضهم لأنّ المجاهدين كنفس واحدة، وقيل يتعين الثاني لدلالته على جراءتهم حيث لم ينكسر، والآن قتل بعضهم د هاما أنّ الواو لا تفيد الترتيب فلا يجدي لأنّ تقديم ما حقه التأخير في أبلغ الكلام لا يكون بسلامة الأمير، وهذا لا يقتضي عدم صحته بل مرجوحيته، وهو أمر سهل، ثم إنه قال إنه لم يقل بالجنة وهو أخصر لما فيه من مدحهم بأنهم بذلوا أنفسهم ونفائسهم بمجرّد الوعد ثقة بالوفاء، وأيضا تمام الاستعارة به يعني أنه يقتضي بصريحه عدم التسليم، وهو عين الوعد لأنك إذا قلت اشتريت منك كذا بكذا احتمل النقد بخلاف ما إذا قلت بأنّ لك كذا فإنه في معنى لك عليّ كذا وفي ذمّتي لأنّ اللام هنا ليست للملك، إذ لا يناسب شراء ملكه بملكه كالممهورة إحدى خدمتيها فهي للاستحقاق، وفيه إشعار بعدم القبض وكون تمام الاستعارة التمثيلية به لا يخلو من وجه لأنّ الجنة بمعناها الحقيقي تصلح عوضماً، ولأنه لولاه لصح جعله مجازا عن الاستدلال، وهو غير مراد لكنه لا يخلو من نظر ومن لم يقف على مراده قال لا فرق بين اشترى بالجنة، وا! ثيترى بأنّ له الجنة، وهو من قلة التدبر والقائل مسبوق بما ذكره. قوله: (مصدر مؤكد لما دل عليه الثسراء) فإنه في معنى الوعد قيل هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة لأنّ معنى الشراء بأنّ لهم الجنة وعد لهم بها على الجهاد في سبيله والمفهوم من تقرير المصنف رحمه الله ظاهر أن يكون المجاز في لفظ الشراء، وقد جعل الكلام تمثيلاً فمفرداته باقية على معانيها الأصلية، وقد علمت أن الشراء بأنّ له كذا يفيد النسيئة، وهي وعد فلا ينافي ما ذكره من التمثيل، ولا يرد عليه ما قيل إنّ الوعد مستفاد من مضمون اشترى بأنّ لهم الجنة ومن جعله من الشراء فقد غفل ولا حاجة إلى تكلف أنّ مراده أنه مؤكد لمضمون الجملة، وحقاً نعت له وعليه حال من حقا لتقدمه عليه. قوله: (مذكورا فيهما كما أثبت في القرآن) قال في الكشاف: وعد ثابت قد أثبته في التوراة والإنجيل كما أثبته في القرآن، قال الطيبي: يعني حقا بمعنى ثابتا ومن المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن، فقرن التوراة والإنجيل معه في سلك واحد ليؤذن بالاشتراك، ولذلك أتى بحرف التشبيه، وقال كما أثبته في القرآن إلحاقاً لما لا يعرف بما يعرف، وهذا بعينه كلام المصنف رحمه الله لأنّ إثباته فيهما بذكره ثم إنه إما أن يكون ما في الكتابين أن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم اشترى منهم أنفسهم بذلك، أو أن من جاهد له ذلك فليس في كلام المصنف رحمه الله اضطراب كما توهم ويجوز تعلفه باشترى ووعداً وحقأ وبمقدر كمذكوراً أو ثابتا، ومن أوفى استفهام إنكاري في معنى لا أحد أوفى من الله وهو يقتضي نفي مساواته في الوفاء عرفا كما مر تحقيقه فإنه إذا قيل ليس في المدنية أفقه منه أفاد أنه أفقه أهلها. قوله: (مبالغة في الإنجارّ) المبالغة من أفعل التفضيل، وجعل الوعد عهداً وميثاقأ قيل وهي لا تقتضي عدم خلف وعده وإنما المقتضى له قوله تعالى: {لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [سورة آل عمران، الآية: 94 ا] فتأقل. قوله: (وتقرير لكونه حقاً) وجه التقرير ظاهر وفي بعض التفاسير قال أبو المعالي رحمه الله: المكاتبة من المعاوضات المجازية الخارجة عن القياس فإنها مقابلة مال بملك وهما لواحد هنا، وهذا على مذصب الشافعيّ رحمه الله فإن العبد لا يملك عنده وعند مالك رحمه الله يملك فالمعاوضة عنده حقيقية وان كان ملك العبد ضعيفا مزلزلاً ففي الآبة حجة له، وقال أبو الفضل الجوهري رحمه الله في وعظه ناهيك بائعها وثمنها الجنة والواسطة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. قوله: (فانرحوا به غاية الفرح) يقال بشرته وأبشرته إذا أخبرته بخبر سار فاستبشر فرج ووجد ما يبشر به وشر كدّا قال الراغب فليس مستعملاً في لازم معناه كما قيل. قوله: (رفع على المدح أي هم الخ) يعني أنه نعت للمؤمنين قطع لأجل المدح بدليل قراءة التائبين فعلى هذا الموعود بالجنة المجاهد المتصف بهذه الصمفات لا كل مجاهد وهو قول للمفسرين، وعلى القول الآخر وهو تبشير مطلق المجاهدين بما ذكر فالتائبون مبتدأ، وفي خبره أقوال فقيل تقديره من أهل الجنة فيكونون موعودين بها أيضاً كمن قبلهم لقوله: {وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} [سورة النساء، الآية: 95] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 لأنّ المراد بها الجنة، وقيل إنه بدل من ضمير يقاتلون وحمل التوبة على التوبة عن الكفر لأنه بعد ذكر المنافقين، وتوبتهم عنه ولأنّ ما ذكر بعده من الصفات لو حمل على التوبة عن المعاصي يكون غير تام الفائدة مع أنّ من اتصف بهذه الصفات الظاهر اجتنابه للمعاصي، وقوله نصبا على المدح أي بتقدير أمدح أو أعني. قوله: (هم الجامعون لهذه الخصال الخ) قيل عليه إنه تبع فيه الكشاف، وفي بعض التفاسير أنه دسيسة اعتزالية كأنه يقول المؤمنون هم الجامعون لهذه الصفات حتى يجعل المذنب غير مؤمن انتهى (قلت) ويدفع بأنه أراد بقوله على الحقيقة الكاملون إيمانا لا المؤمنون كما سيصرّح به في قوله وبشر المؤمنين ولو تركه كان أولى. قوله: (لنعمانه أو لما نابهم الخ) وفي نسخة يأتيهم والأولى أصح ونابهم بالنون والباء الموحدة بمعنى نزل بهم والسراء بالمد المسرّة والضراء بالمد المضرة يعني الحمد إما في مقابلة النعمة بمعنى الشكر أو بمعنى الوصف بالجميل مطلقا فالحمد لله على كل حال ولا حاجة إلى ما قيل إن المضرة لكونها سببا للثواب يحمد عليها. قوله: (السائحون الصائمون الخ الما كان في الأمم السابقة السياحة والرهبانية، وقد نهى عنها فسرت كما وقع في الحديث بالصوم وهو استعارة له لأنه يعوق عن الشهوات كما أنّ السياحة تمنع عنها في أكثر أو لأنه رياضة روحانية ينكشف بها كثير من أحوال الملكوت، والملك فشبه الاطلاع عليها بالاطلاع على البلدان والأماكن النائية إذ لا يزال يتوصل من مقام إلى مقام ويدخل من مدائن المعارف إلى مدينة بعد أخرى على مطايا الفكر من ساج الماء إذا سأل، وعن عائشة رضي الله عنها: " سياحة هذه الأمّة الصيام " (1) ، وروي مرفوعا كما هو ظاهر صنيع المصنف وقوله: (في الصلاة) حمل الركوع والسجود على معناهما الحقيقي وجعلهما بعضهم عبارة عن الصلاة لأنهما أعظم أركانها، وقوله: (بالإيمان والطاعة الو أبقى لفظ النظم على عمومه كان أولى. قوله: (والعاطف فيه للدلالة على أنه بما عطف عليه الخ الما ترك العطف فيها وذكر في موضعين احتاج إلى بيان وجهه والنكتة فيه سواء كانت وتلك الصفات إخباراً أو لا، وقد وقع مثله في غير هذه وبحثوا عن وجهه قال في المغني: الظاهر أن العطف في هذا الوصف بخصوصه إنما كان من جهة أنّ الأمر والنهي من حيث هما أمر ونهي متفابلان بخلاف بقية الصفات لأن الأمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف والناهي عن المنكر آمر بالمعروف فأشير إلى الاعتذار بكل من الوصفين وأنه لا يكفي فيه ما يحصل في ضمن الآخر، وما ذكره المصنف رحمه الله من أنهما في حكم خصلة، وصفة واحدة أي بينهما تلازم في الذهن والخارج لأن الأوامر تتضمن النواهي ومنافاة بحسب الظاهر لأنّ أحدهما طلب فعل والآخر طلب ترك فكانا بين كمال الاتصال والانقطاع المقتضى للعطف بخلاف ما قبلهما، فلا يرد عليه اًن الراكعون الساجدون في حكم خصلة واحدة أيضاً فكان ينبغي فيهما العطف على ما ذكره إذ معناه الجامعون بين الركوع والسجود، أو لأنه لما عدد صفاتهم عطف هذين ليدل على أنهما شيء واحد وخصلة واحدة والمعدود مجموعهما، وما ذكره ابن هشام رحمه الله أمر آخر وهو أنّ العطف إما لما بينهما من التقابل أو لدفع الإيهام ولما ورد أنه لا ينبغي العطف فيما بعده أشار إلى جوابه كما ستراه. قوله:) أي فيما بينه وعيته من الحقائق والشرائع للتتبيه على أنّ الخ (يعني أنه من ذكر أمر عام شامل لما قبله وغيره ومثله يؤتى به معطوفاً نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء فلمغايرته لما قبله بالإجمال، والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه، فاندفع ما قيل إنه عطف على ما قبله من الأمر والنهي لأن من لم يصدق فعله قوله لا يجدي أمره نفعاً، ولا يفيد نهيه منعا، ومن لم يتنبه لهذا قال إنه للتنبيه على أنّ ما قبله مفصل الخ وليت شعري ما وجه الدلالة في العطف على هذا، وقد ظهر نكتة أخرى أوضح مما قالوه، وهو أنّ المراد بحفظ الحدود ظاهره وهي إقامة الحد كالقصاص على من استحقه والصفات الأول إلى قوله الآمرون صفات محمودة للشخص في نفسه، وهذه له باعتبار غيره فلذا تغاير تعبير الصنفين فترك العاطف في القسم الأؤل عطف في الثاني، ولما كان لا بذ من اجتماع الأول في شيء واحد ترك فيها العطف لشذة الاتصال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 بخلات هذه فإنه يجوز اختلاف فاعلها ومن تعلقت به، وهذا هو الداعي لإعراب التائبون مبتدأ موصوفا بما بعده والآمرون خبره فكأنه قيل الكاملون في أنفسهم المكملون لغيرهم، وقدم الأوّل لا! المكمل لا يكون مكملاً حتى يكون كاملا في نفسه، وبهذا اتسق النظم أحسن نسق من غير تكلف والله أعلم بمراده. قوله:) وقيل إنّ هذا للإيذان بأنّ التعداد قد تم بالسبع (وفي نسخة بالسابع، وقد مز بيان كون السبع عدداً تاما وتفصيله، وقائل هذا القول هو أبو البقاء تبعأ لغيره ممن أثبت واو الثمانية، وهو قول ضعيف لم يرضه النحاة كما فصله صاحب المغني رحمه الله وذكروه في قوله تعالى: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [سورة الكهف، الآية: 22] وسيأتي تحقيقه، وقد نظر فيه بأن الدال على التمام لفظ سبعة لاستعماله في التكثير لا معدودة وفيه نظر. قوله:) يعني به (وفي نسخة بهم أي بالمؤمنين ولم يقل، وبشرهم بكذا إشارة إلى أنه لأمر جليل لا يحيط به نطاق البيان، وقوله: ) روي الخ)) 1 (أخرجه البخارفي ومسلم رحمهما الله تعالى عن سعيد بن المسيب عن أبيه. قوله:) وقيل لما افتتح مكة الخ) الصحيح في سبب النزول هو الأوّل، وهذا حديث ضعيف أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما فإن قيل موت أبي طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة فكيف يتأتى جعل ما مرّ في الصحيحين سببا للنزول، قيل إنه لمجي! كان يستغفر له إلى حين نزولها فإنّ التشديد على الكفار، والنهي عن الدعاء لهم إنما ظهر بهذه السورة كما في التقريب واعتمده من بعده من الشراح ولا ينافيه قوله في الحديث فنزلت لامتداد استغفاره له إلى نزولها أو لأن الفاء للسببية بدون تعقيب، والأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد جبل بين مكة والمدينة وعنده بلدة تنسب إليه ومستعبراً بمعنى باكيا من العبرة بالفتح. قوله: (بأن ماتوا على الكفر الخ (خصه لأنه الواقع في سبب النزول، ومثله ما إذا علم بالوحي أنهم مطبوع على قلوبهم لا يؤمنون كما سيشير إليه في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلا اعتراض عليه كما توهم، وقوله:) وفيه دليل الخ الأنه إنما نهى عنه بعد تبين أنهم من أهل النار، وهو لا يقطع به في حق كل إحيائهم وطلب المغفرة يستلزم بطريق الاقتضاء إيمانهم، أو هو المراد منه فلا يقال إنه لا فائدة في طلب المغفرة للكافر، وقوله وبه دفع النقض يعني أنّ الآية تدل على أنه لا يصح ذلك وقد وقع من إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه ووجه الدفع ظاهر. قوله:) وعدها إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه الخ) أباه بفتح الهمزة وابىء الموحدة يعني أنّ فاعل وعد ضمير إبراهيم عليه الصلاة والسلام واياه ضمير عائد على أبيه بدليل ما قرأه حماد الراوية والحسن وابن السميفع وابن نهيك ومعاذ القارىء كما في الدرّ المصون فإنهم قرؤوا أباه بالموحدة، وقوله: (منفرتك) أي مغفرة الله لك، وقوله: (بالتوفيق للإيمان) إشارة لما مرّ، ويجب بالجيم بمعنى يقطع ويمحو وهو عبارة الحديث ولا تنافيئ سبب النزول كما قيل لأنّ معنى الآية ما كان لكم الاستغفار بعد التبيين وأما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنما كان في حياته وقبل النهي عنه فلا وجه لما قيل إنه يشكل قوله تعالى في سورة الممتحنة {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [سورة الممتحنة، الآية: 4] {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [سورة الممتحنة، الآية: 4] حيث منع من الاقتداء به فيه ولو كان في حياته لم يمنع منه لأنه يجوز الاستغفار بمعنى طلب الإيمان لأحيائهم لأنه إنما منع من الاقتداء بظاهره وظن أنه جائز مطلقا كما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وأما قوله في الكشاف على أنّ امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي لأنّ العقل يجوّز أن يغفر الله للكافر، ألإ8 ترى إلى قوله عليه السلام دعمه لأستغفرنّ لك ما لم أنه فلم يتعرّض له المصنف رحمه الله لأنه لا يلائم قوله تعالى: {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [سورة التوبة، الآية: 14 ا] كما ئيل لأنّ وعده بامتثال أمره يقتضي أنه كان قبل موته. قوله: (ويدلى عليه قراءة من قرأ أباه الخ) قد علمت أنها قراءة الحسن وأنه قرأ بها غير واحد من السلف، وإن كانت شاذة فلا التفات إلى ما قيل إنهم عدوها! حيفان وأنّ ابن المقنع صحف في القرآن ثلاثة أحرف فقرأ إياه أباه، وقرأ في عزة وشقاق في غرة بالمعجمة، وهو بالعين المهملة وقرأ شأن يغنيه يعنيه بفتح الياء وعين مهملة. قوله: (أو وعدها إبراهيم أبوه الأنه وعده أن يؤمن، وبهذا ظهر جواب آخر وهو أنه لما وعده الإيمان استغفر له بعد موته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 لاحتمال أنه أنجز وعده وآمن وهذه القراءة لا تنافي الأخرى لأنه وعده الإيمان فوعده أن يدعو له بالتوفيق لذلك، وقوله بأن مات الخ فمعنى عدوّ لله مستمرّ على عداوته والا فهو أوّلاً عدوّا لله لكفره والتبري قطع الوصلة وفسرها بقطع الاستغفار لمناسبة السياق له. قوله: (لكثير التأوّه وهو كناية عن الخ) أوّاه فعال للمبالغة من التأوّه، وقياس فعله أن يكون ثلاثيا لأنّ أمثلة المبالغة إنما يطرد أخذها منه، وحكى قطرب رحمه الله له فعلا ثلاثيا فقال: يقال آه يؤه كقام يقوم أوها وأنكره عليه غيره، وقال: لا يقال إلا أوه وتأوّه قال المنقب العبدي: إذا ما قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرجل الحزين وقال الزمخشري: أوّاه فعال من أوّه كلأل من اللؤلؤ وتركه المصنف رحمه الله تعالى لما أورد عليه والتأوّه قول آه، ونحوه مما يقوله الحزين فلذا كني به عن الحزن ورقة القلب، وقوله: (والجملة) أي إن إبراهيم الخ والشكاسة الشدة وسوء الخلق. قوله: (ليسميهم ضلالأ الخ) ضلال بالضم والتشديد كجهال جمع ضال وإنما فسره به وان كان الإضلال خلق الضلال عندنا لظهوره، وأما تفسير الزمخشريّ فبناء على مذهبه لأنه قبل البيان والتكليف بالنهي عن الاستغفار لا يكونون مؤاخذين وضالين، فالمنايسب لما قبله أن يكون المعنى لا يستقيم من لطف الباري أن يذم المؤمنين، ويؤاخذهم وشمميهم ضلالأ حتى يبين لهم ما يتقون، وهو أنّ الاستغفار لمن مات مشركا غير جائز فإذا بين لهم ذلك ولم يتركوا الاستغفار فحينئذ يسميهم ضلالاً، ويذمّهم وليس هذا متابعة للزمخشرفي على الاعتزال كما بينه الطيبي رحمه الله. قوله: (حظر ما يجب اتقاؤه) حظر بالحاء المهملة والظاء المعجمة بمعنى منع، وهو إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ المعنى المراد من بيان المحظور من حيث هو محظور بيان حظره والمراد نهيهم عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمه هو لاستغفرنّ لك ما لم أنه وقوله: (في القبلة) أي ماتوا قبل تحويل القبلة وتحريم الخمر. قوله: (وفي الجملة دليل الخ) أي في جملة ما ذكر أو بالجملة وعلى كل حال، والغافل من لم يسمع النص، والدليل السمعي وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة في قولهم إنه مخصوص بما لم يعلم بالعقل كما في الكشاف بناء على القبح والحسن العقلي، وقوله: (في الحالين) أي ال البيان وعدمه، وبشراشرهم بجملتهم وكليتهم جمع شرشرة بشيم معجمة وراء مهملة، وفيما يأتون ويذرون بمعنى ما يأتونه ويذرونه وسوا أي سوى الله، وقوله: (لمن استغفر) عطف على الرسول بزيادة التصريح باللام إذ هو في معنى بيان لعذر الرسول أو لعذر من استغفر أو هو عطف على بيان بتقدير بيان لمن استغفر، وقوله وجوب التبري عنهم رأسا قيل فيه نظر لأن المذكور فيه التبري عمن تبين أنه من أصحاب الجحيم. قوله: (من أذن المنافقين في التخلف الخ) يعني أنّ التوبة إمّا على ظاهرها فتقتضي ذنبا ولا مانع منه في حق غيره صلى الله عليه وسلم فلذا لم يتعرض له، وفي حقه صلى الله عليه وسلم المراد به ما ارتكبه من الأذن للمنافقين، وخلاف الأولى كقوله: {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لهم أو هي مجاز عن البراءة من الذنب، والصون عنه فيكون استعارة لشبه البراءة عنه بعفوه في أنه لا مؤاخذة في كل منهما كما في قوله: (لينفر لك الله) فإنه بمعنى ليصونك عن ذلك، وقيل: المراد بالذنب على هذا ما يكون نقصا بالنسبة إلى الشخص أعمّ من ترك الأولى وفيه نظر، وعلقة بضم فسكون ما يتعلق به منه. قوله: (وقيل هو بعث على التوبة والمعنى ما من أحد الخ (أي حض وتحريض للناس كلهم على التوبة لأنّ كل أحد محتاج إليها حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع عصمتهم لترقيهم في المقامات فكلما وصلوا إلى مرتبة كان الوصول إليها بمنزل التوبة عما دونها فتكون التوبة استغفاره للصعود إلى المقامات وانتقالاً من العليّ إلى الأعلى في الخواص، وفي العوام من حضيض الذنوب إلى أوج التوبة المقربة لهم من العلي الأعلى والتحريض مأخوذ من إسناد التوبة إلى هؤلاء ووصفهم بها فإذا كانوا محتاجين إليها فما بالك بغيرهم فمغايرته لما قبله، واختصاصه بالبعث المذكور ظاهر كما إذا قلت خدم الوزير السلطان مخاطباً للعوام، فإنه يدل على تحريضهم على خدمته فاندفع ما قيل إنّ البعث والإظهار لا يتوقفان على هذا المعنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 بل يحصلان على المعنيين الأوّلين فتخصيص تعليل حصول البعث بما ذكره من المعنى الغير المشهور محل كلام، وكذا ما قيل في دفعه إنه ليس وجهاً ثالثا بل بيان لفائدة الوجهين السابقين، وكيف لا وهو في الأوّلين خاص، وفي هذا عام وكون البعث موجودا فيهما لا يضرّ، وقوله: (1 لا وله مقام) أي مقام يمكنه الوصول إليه وان لم يكن مقاما له في الحال، وضمير دونه لمقام وهو لاحد وفيه لما، وقوله:) والترقي الخ) صريح فيما قرّرنا. قوله: (وإظهار لفضلها (أي لفضل التوبة فيكون المقصود بذكر الصفة مدحها نفسها لا مدح موصوفها كوصف الملائكة عليهم الصلاة والسلام بالإيمان والأنبياء صلى الله عليه وسلم بالصلاج في بعض الآيات ذا لوصف للمدح كما يكون لمدح الموصوف يكون لمدح الصفة، وهذا من لطأور! البلاغة كما نصوا عليه وهو كما قال حسان رضي الله تعالى عنه: ما إن مدحت محمداً بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد وقد مرّ تفضيله. قوله:) في وقتها الخ) فيه إشارة إلى أنّ الساعة هنا بمعناها اللغوي، وهو مقدار من الزمان غير معين كما في قوله: {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [سورة الروم، الآية: 55] فليس من استعمال المقيد في المطلق كما قيل، وهي في عرف أهل الشرع يوم القيامة، وفي عرف المعدلين جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الليل والنهار كما في شرح البخاري، وضمير هي للعسرة بمعنى الشدة والضيق وجيش العسرة وغزوة العسرة، هي تبوك وتجهيز عثمان رضي الله عنه مذكور في كتب الحديث، وقوله: (في عسرة الظهر) الظهر مجاز عما يركب تجوّز به عنه لأنه المقصود منه كالعين للربيئة أي كانوا في قلة من المركب، والاعتقاب ركوب جماعة نوبة نوبة والزاد والماء بالجرّ عطف على الظهر أي زادهم وماؤهم قليل، واللفظ بفتح الفاء وتشديد الظاء هنا ما يعتصر من كرس البعير والافتظاظ عصره، وفي أمالي القالي العرب كانوا إذا أرادوا توغل الفلوات التي لا ماء فيها سقوا الإبل على أتنم إظمائها، ثم قطعوا مثافرها أو خزموها لئلا ترعى فاذا احتاجوا إلى الماء افتظوا كروشها فشربوا ثميلها وهو كثير في الأشعار كقوله: وبهماء يشتاف الدليل ثرابها وليس بها إلا اليماني يخلف وقوله: الفظ) في بعض النسخ الفظظ وهو الظاهر. قوله: (عن الثبات على الإيمان) هو إما مجرّد همّ ووسوسة أو من ضعفائهم ومن حدث عهدهم بالإسلام، وقوله: أو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما روي أنّ منهم من همّ بالانصراف من غير إذنه صلى الله عليه وسلم. قوله: (وفي كاد ضمير الشأن أو ضمير القوم) قرأ حمزة يزيغ بالياء ففي كاد ضمير الشأنّ، وقلوب فاعل يزيغ والجملة خبرها وعليه حمله سيبويه رحمه الله الآية، ولا يصح أن يكون قلوب اسم كاد ويزيغ الخبر لأنّ السرّ به حينئذ التقديم فيكون التقدير كاد قلوب يزيغ ولا يصح لتذكير الضمير في يزيغ وتأنيث ما يعود عليه، وضعفه أبو البقاء رحمه الله، واستشكل هذا بأنهم قالوا إنّ خبر أفعال القلوب لا يكون إلا مضارعاً رافعا اسمها، فبعضهم أطلقه وبعضهم قيده بغير عسى، ولا يكون سبباً وهذا بخلاف كان فإنّ خبرها يرفع الضمير والسببي وعلى هذا فإذا كان اسم كاد ضمير شأن ورفع الخبر لم يكن فاعله ضميراً عائدا على اسمها ولا سببيا له وقيل: لما كانت الجملة مفسرة لضمير الشان وهي هو في المعنى أغنى عن الضمير ألا ترى أن المبتدأ إذا كان ضمير شأن والجملة خبره لم يحتج لضمير يعود على المبتدأ، وقد ذكره ابن الصائغ رحمه الله في شرح الجمل فقال: وجه ذلك أن المسند والمسند إليه في الحقيقة هو الجملة الواقعة بعد الضمير، وليس بخارج عما تقدم ولذلك يجوز ما كان زيد بقائم على أن يكون في كان ضمير الأمر، ويكون بقائم في موضع رفع خبر المبتدأ وأدخلت الباء عليه، وان لم يكن خبر كان صريحا في اللفظ لأنه الخبر في المعنى، وعلى ذلك تأوّل الفارسي ليس الطيب إلا المسك على أن في ليس ضمير الأمر، ودخلت الأعلى خبر المبتدا لأنه الخبر المنفي معنى، وعلى هذا لا وجه لتكلف أبي حيان رحمه الله زيادة كاد، وقرأ الباقون تزيغ بالتاء فيحتمل أن يكون قلوب اسم كاد وتزيغ خبرها وفيه ضمير يعود على اسمها، قال أبو عليّ رحمه الله: ولا يجوز ذلك في عسى، وهذا مبنيّ على جوازه في مثل كاد يقوم زيد والصحيح المنع ويحتمل أن يكون اسم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 كاد ضميرا يعود على جمع المهاجرين والأنصار أي من بعد ما كاد الجمع وقدره ابن عطية رحمه الله ما كاد القوم وضعف بأنه أضمر في كاد ضمير لا يعود إلا على متوهم وبأن خبر كاد يكون قد رفع سببياً، وقد تقدم أنه لا يرفع إلا ضميراً عائداً على اسمها، وذهب أبو حيان كما علمت إلى أن كاد زائدة، ومعناها مراد ككان ولا عمل لها في اسم ولا خبر ليخلص من الأشكال، ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه من بعدما زاغت بإسقاط كاد وقد ذهب الكوفيون إلى زبادتها في نحو لم يكد مع إنها عاملة معمولة فهذا أولى، وقرأ أبي رضي الله عنه من بعد ما كادت وقرأ الأعمش يزيغ بضم الياء. قوله: (وقرىء من بعد ما زاغت) هذا يستأنس به لما قيل إنها زائدة وجعل الضمير على هذه القراءة للمتخلفين سواء أكانوا من المنافقين أم لا كأبي لبابة رضي الله عنه لوصفهم بالزيغ المحتمل لكونه عن الإيمان أو الإتباع، وأما على المشهورة فلم يوصفوا بالزيغ بل بالقرب منه فيشمل المتخلفين وغيرهم كما مرّ. قوله: (تكرير للتثيد وتنبيه الخ) فالضمير للمهاجرين والأنصار والنبي عتي! ، وقد تقدم أنه تاب عليهم فيكون تأكيداً له والتأكيد يجوز عطفه بثم كما صرح به النحاة وان كان كلام أهل المعاني يخالفه ظاهراً وسيأتي تحقيقه، والتنبيه على أنّ توبته في مقابلة ما قاسوه من الشدائد، وإنما جعله تنبيهاً لأنّ ما قبله يعيده إذ التعليق بالموصول يفيد علية الصفة. قوله: (أو المراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم) الكيدودة مصدر كاد كالكينونة، والبينونة أي تاب عليهم لكيدودتهم، وقربهم من الزيغ لأنه جرم محتاج إليهم فيكون مخصوصا ببعض من مضى وهم الفريق، والضمير راجع إليه حينئذ فلا يكون تكريراً لما سبق، ولكيدودتهم متعلق بتاب واللام للتعليل أو الاختصاص وعلى الثلاثة يحتمل عطفه على قوله على النبي وقوله عليهم وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقيل إن تاب مقدر هنا لتغاير توبتهم للتوبة السابقة وفيه نظر. قوله: (تخلفوا عن النزو الخ) أشار بتفسيره باللازم إلى أن المخلف كسلهم أو الشيطان، أو المراد خلف أمرهم أي أخر وهم المرجؤون فالإسناد إليهم إما مجاز أو بتقدير مضاف، وهو منقول عن السلف كما مرّ بتفصيله في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ} [سورة التوبة، الآية: 106] ومرارة بضم الميم وراءين مهملتين ابن الربغ العامري كما في مسلم وغيره، أنكره المحدثون وقالوا صوابه العمري نسبة لعمرو بن عوف، قاله البخاري وابن عبد البز ولا عبرة بقول القاضي عياض لا أعرف إلا العامري. قوله: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (يجوز إذا أن تكون شرطية جوابها مقدر، وأن تكون ظرفية غا! ة لما قبلها، وقوله برحبها بضم الراء إشارة إلى أن ما مصدرية والباء للملابسة، وجعله مثلا لأنّ المكان الضيق لا يسع ولا يكون مقرا لأحد فالمراد مجازاً أنهم لم يقروا في الدنيا مع سعتهاكماقيل: كأن بلاد الله وهي فسيحة على الخائف المطلوب كفة حابل لاعراض الناس عنهم عدم مجالستهم ومحادثتهم لأمر النبيّ-لمج! هـ لهم بذلك. قوله: (قلوجمم من فرط الوحشة الخ) يعني ليس الأنفس هنا بمعنى الذوأت بل بمعنى القلوب مجازاً لأنّ ضام الذوات بها كما قيل المرء بأصغريه إذ الضيق، والسعة يوصف به القلوب دون الذواش، ومعنى ضيقها شدة غمها وحزنها كأنها لا تسع السرور لضيقها فهو استعارة في الفيق، مع التجوّز ويه ترق من ضيق الأرض! إلى ضيقهم في أنفسهم، وهو في غاية البلاغة وفسر الظن بالعلم لأنه المناسب لهم، وقوله: (من سخطه) بيان للمراد لأن الالتجاء فرار من سخطه، وذلك بالتوبة وطلب المغفرة. قوله: (بالتوفيق للتوبة الخ الما كان توبة الله بمعنى قبولى التوبة وقبول التوبة يقتضي تقدمها لم يفسره به ليلتئم مع قوله ليتوبوا والتوفيق للتوبة يتقدم عليها وعلة لها، فقوله بالتوفيق الخ تفسير للتوبة، ولو قال: وفقهم كان أظهر وقوله أو أنزل الخ جواب آخر فالمرإد به أنزل قبول توبتهم في القرآن وأعلمهم بها ليعدهم المؤمنون في جملة التائبين أو هو بمعناه المشهور، وقوله: (ليتوبوا) بمعنى ليستقيموا على التوبة ويستمرّوا عليها أو التوبة الثلأنية ليست هي القبولة، والمعنى قبل توبتهم ليتوبوا في المستقبل إذا صدرت منهم هفوة ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 يقنطوا من كرمه، وهذا هو المناسب لما ذكره في تفسير الثواب، في قوله ولو عاد الخ، وقد خبط من أدخله في كلام المصنف رحمه الله. قوله: (مع الصادقين الخ) الخطاب إن كان لمن آمزء من أهل الكتاب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فالمراد بالصادقين الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على الطاعة، وان كان عامّا فيراد الذين صدقوا في الدين نية وقولاً وعملاَ وان كان لمن تخلف وربط نفسه بالسواري فالمناسب أن يراد بالصادقين الثلاثة أي كونوا مثلهم في صدقهم وخلوص نيتهم والى هذه الوجوه الثلاثة أشار المصنف رحمه الله وأيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين وعهودهم عطف تفسير عليه، وقيل إنه جعل الخطاب عاما في الوجوه كلها، ولم يلتفت إلى ما مرّ من التفصيل الواقع في الكشاف لعدم القرينة عليه والوثوق بروايته فتأمّل. قوله: (ما كان لأهل المدينة) قيل خص أهل المدينة لقربهم منه، وعلمهم بخروجه وأنه خاص بالنبيئ صلى الله عليه وسلم لا بغيره من الخلفاء لاًنّ النفير ليس بلازم ما لم يلم العدوّ، ولم يمكن دفعه بدونه وقد سبق ما نقلناه عن ابن بطال رحمه الله من أنه كان واجبا عليهم لأنهم بايعوا عليه فتذكره، ووقع في نسخة بعد قوله عن رسول عخيرو عن حكمه فقبل قدره ليدخل ما عداه. قوله: (عبر عته بصبنة النفي للمبالغة) هو نهي بليغ لأنّ معناه لا ينبغي ولا يستقيم، ولا يصح وهو أبلغ من صريح النهي، واذ أنهوا عن أن يتخلفوا عته مجخ! وإن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه وجب عليهم أن يصحبوه! في البأساء والضرّاء وأن يلقوا أنفسهم ما يلقاه من الثدائد فيكونون مأمورين بذلك لأنّ النهي عن الشيء أمر بضده، والمعنى ما صح لهم ولا استقام أن يترفعوا بأنفسهم عن نفسه بأن يكرهوا الشدائد لأنفسهم ولا يكرهوها له فإنه مستهجن جدا بل عليهم أن يعكسوا القضية، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى ما يشير إلى ذلك وهو قوله ويكابدوا أي يقاسوا. قوله تعالى: {وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} عداه بالباء وعن وقال الواحدي رحمه الله يقال رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت، وفي النهاية رغبت بفلان عن هذا الأمر أي كرهته له ففيه مبالغة أيضا فتأمّله. قوله: (روي أن أبا خيثمة رضي الله عنه بلغ بستانه الخ) (1 (أبو خيثمة من الأنصار أحد بني سالم بن الخزرج شهد أحدا وبقي اإلى أيام يزيد بن معاوية، وهذا الحديث رواه البيهقيّ من طريق أبي إسحاق، وقوله: (بلغ بستانه) أي أتاه ودخله بعد ما ذهب النبيّ ع! برو إلى غزوة تبوك، وقوله: (فرشت له) بفتح الفاء والراء وتشديد الثين من رش الماء على التراب إذا نثره عليه ليسكن ويبرد ويجوز أن يكون من الفرس وقوله: (بسطت حينئذ) تفسير له، والرطب معروف (وظل ظليل) تأكيد له من لفظه كليل أليل ومعنى يافع أي زاه نضيج حسن، والضج بفتح الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة ضوء الشمس وحرها بلا ساتر منها، وقوله: (ظل ظليل الخ) بتقدير هذا، أو يكون أو إنهنا والحال أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكر من مقاساة حرّ الشمس وبروزه للرّياح فهذا ليس بخير لإيثار النعيم والراحة على مقاساة ما يقاسي النيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون رضي الله عنهم، (ورحل ناقتة) كمنع أو هو مشدد وضع عليها رحلها وهو ما يركب عليه كالسرج، وقوله ومرّ كالريح أي مرّ يسرع سيره وهو مثل في السرعة، ومد الطرف عبارة عن النظر وأصل الطرف تحريك الجفن ويطلق على العين، وقوله فإذا هي الفجائية ويزهاه السراب أي بالزاي المعجمة أي يرفع شخصه للناظر، والسراب ما يرى من شعشعة الشمس في وسط النهار كالآل. قوله: (كن أبا خيثمة) قال السهيلي رحمه الله في الروض الأنف في الحديث كن أبا ذر وكن أبا خيثمة لفظه لفظا لأمر ومعناه الدعاء كما تقول أسلم أي سلمك الله انتهى، وكذا قال غيره من المتقدمين كالفارسيّ رحمه الله وذكره المطرزي في قول الحريري كن أبا زيد وفي شعر ابن هلال: ومعذرقال الإله لحسنه كن فتنة للعالمين فكأنها ولم يزيدوا في بيانه على هذا وهو تركيب بديع غريب، ومعناه مساقه الله إلينا وجعله إيا. ليكون هو القادم علينا، فاقيم فيه العلة مقام المعلول في الجملة الدعائية الإنشائية على حد قوله في الحديث: " أبلي وأخلقي " (1) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 أي عمرك الله ومتعك بلباسك لتبلي وتخلق، وقولهم أسلم أي سلمك الله لتسلم، ثم لما أقيم مقامه أبقى مسندا إلى فاعله وان كان المطلوب منه هو الله، وهو قريب من قولهم لا أرينك ههنا أي لا تجلس حتى أراك، وهو تمثيل أو كناية، وفي شرح مسلم للنووي رحمه الله قال ثعلب كن زيدا أي أنت زيد وقال عياض رحمه الله: الأشبه أن كن لتحقيق الوجود أي ليوجد هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة، وهو الصواب وهو معنى قوله في البحر اللهمّ اجعله أبا خيثمة، واسمه عبد الله بن خيثمة وقيل مالك وليس في الصحابة رضوان الله عليهم من يكنى أبا خيثمة إلا هذا وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي انتهى، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم طلب من الله وترجى أن يكون هو. قوله: (وفي لا يرغبوا يجوز النصب والجزم) النصب بعطفه على يتخلفوا المنصوب بأن واعادة لا لتذكير النفي، وتأكيده وهو نفي في معنى النهي البليغ والجزم بجعل لا ناهية فهو نهي صريح، وفي الكشاف روي أنّ ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به صلى الله عليه وسلم كأبي ذر وأبي خيثمة رضي الله عنهما، ثم قال: ومنهم من بقي ولم يلحق به صلى الله عليه وسلم، ومنهم الثلاثة قال كعب رضي الله عنه لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه فردّ علي كالمغضب بعد ما ذكرني، وقال: ليت شعري ما خلف كعباً فقيل له يا رسول الله ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله (1 (ما أعلم، إلا فضلا واسلاما ونهى عن كلامنا أيها الثلاثة فتنكر لنا الناس، ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد فلما مضت أربعون ليلة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتزل نساءنا ولا نقربهن، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع أبشر يا كعب بن مالك فحررت ساجدا، وكنت كما وصفني ربي سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} وتتابعت البشارة فلبست ثوبي وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو جال! في المسجد وحوله المسلمون فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني، وقال: لتهنك توبة الله عليك فلن أنساها لطلحة، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنير استنارة القمر: " أبشر يا كعب بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا الآية) 2 (، قال النحرير رحمه الله في شرحه هكذا وقع في الكتاب وقديماً كان يختلج في صدري أنه لا يحسن في الانتظام أن يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حقه ما قال فيقول معاذ الله، وهو تكذيب له فلا يليق به ثم يردّ على القائل كالمغضب، وينهي عن مكالمته حتى تبين لي من مطالعة الوسيط، وجامع الأصول أنه تصحيف وتحريف والصواب فقال معاذ والله بواو القسم يعني معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صرّج بما ذكر مقسماً، وهذا مما لم يتنبه له أحد من الشراح والعجب العجاب من الفاضل الطيبي طيب الله ثراه مع غاية اطلاعه على كتب الحديث والتاريخ كيف لم يتنبه لهذا (قلت الا عجب ولا عجاب، ولا خطأ ولا صواب فإنّ القصة والحديث كما ذكر ولو نظر إلى جلالة المصنف وكثرة اطلاعه وطبق كلامه على الرواية المأثورة المشهورة وقرأ عبارته هكذا فقال معاذ آلله بتنوين معاذ ومد همزة الله فإنه كما يقال في القسم، والله يقال الله بالمد بمعناه قياسا مطرداً مشهورأ في الاستعمال على أنه رواه بالمعنى أو ظفر فيه برواية هكذا وهو كاصما أفتخر بواو ونحن نفتخر بمدة إن عليّ إلا الأصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، وأنا أعجب أيضاً ممن لم يأت بشيء هنا ثم تبجح، وافتخر فقال بعد ما ساق كلامه انظر إلى التبجح بهذه الجزئية التي مآلها إلى العثور على واو سقطت من الناسخ، ونقل ما ذكره من الوسيط وجامع الأصول مع أنه في الصحيحين فكيف بكتابنا هذا الذي حرّرنا فيه كل صشكلة وحللنا كل معضلة، وهذبنا الأحاديث وألفاظها ونقحنا تخريجها، وأتينا فيه بالعجب العجاب مما ضرب بينه وبين غيرنا الحجاب فلله درّ من قل لمن لايرى المعاصرشيئا ويرى للأوائل التقديما إق ذاك القديم كان جديداً وسيبقى هذا الجديد قديما وإنما نقلنا هذا مع طوله لتعلم أنه ليس كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة. قوله: (إشارة إلى ما دلّ عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 قوله ما كان) أي نهيهم عن التخلف عنه أو أمرهم باتباعه لما ذكروا لأمره مأخوذ مما قصد بالكلام ومن النهي لأنه أمر بضده كما مرّ، والمشايعة بالشين المعجمة والعين المهملة بمعنى متابعة، وعدم مفارقة شيعته وقوله شيء من العطش تفسير للظمأ بالقصر والمد وبهما قرئ، وشيء إشارة إلى أنه للتقليل، والإبهام المستفاد من التكثير أي قليل أو كثير، والمخمصة المجاعة أي الجوع من جوع البطن أي ضمورها. قوله: (لا يدوسون مكاناً) الموطئ يجوز فيه أن يكون اسم مكان ومصدراً ميميا والوطء إمّا بمعنى الدوس بالأقدام ونحوها، أو بمعنى الإيقاع والمحاربة كما في الحديث: " آخر وطأة وطئها الله بؤفي " (1 (وهو واد بالطائف وحمله المصنف رحمه الله على معنى الدوس لأنه معناه الحقيقي وجعله اسم مكان لأنه الأشهر الأظهر ففاعل يغيظ ضميره بتقدير مضاف، أي وطؤه لأنّ المكان نفسه لا يغيظ أو ضمير عائد إلى الوطء الذي في ضمنه، وفسر الغيظ بالغضب، وفي نسخة يغيظهم وسيأتي تحقيق الغيظ في سورة تبارك، وأعلم أن خولة بنت حكيم رضي الله تعالى عنها ووت أنه-! يرو خرج وهو محتضن أحد ابني بنته رضي الله عنه، وهو يقول: " إنكم تبخلون وتجبنون، وإنكم لمن ريحان الله، وإن آخر وطأة وطئها الله بؤفي " (2 (وقد خفي على كثير وجه مناسبة آخر الحديث لأوّله، وتوضيحه أنّ معنى تبخلون وتجبنون أنّ محبة الأولاد تحمل على البخل ليخلف المال لهم، وعلى الجبن لخوف ضياعهم إذا قتل، ولما كان قوله صلى الله عليه وسلم: " آخر وطأة " أي آخر وقعة وحرب لي هذه لأنّ غزوة الطائف آخر غزواته ىسي! ، وتبوك وان كانت بعدها لم يكن بها قتال كناية عن قرب أجله لأنّ تمام المصالح يؤذن بالرحيل، فالمعنى أنهم ريحان الله يحى بهم عباده فحبهم أمر طبيعي يعسر معه فراقهم، واني مفارقهم عن قريب أو محبتهم تدعو إلى الجبن وترك القتال، وقد انقضى القتال فتأمّل والنيل مصدر نال نيلاً وقيل هو مصدر نلته أنوله نولاً ونوالاً فأبدلت الواو ياء حكاه الطبري فإبداله على خلاف القياس. قوله: (كالقنل والأسر الخ) أي لا يأخذون، وينالون شيئا ونيلاً إما مصدر فالمفعول به محذوف أو بمعنى المأخوذ فهو مفعول وتفسيره بالمصدر مشعر بالأوّل، وقوله به وحد الضمير لعوده لجميع ما قبله لتأويله بذلك المذكور أو هو عائد على كل واحد منها على البدل قال النسفي وحد الضمير لأنه لما تكرّرت لا صار كل واحد منها مفردا بالذكر مقصودا بالوعد، ولذا قال فقهاؤها لو حلف لا يأكل خبزاً ولا لحما حنث بواحد منهما ولو حلف لا يأكل خبزا ولحما لم يحنث إلا بالجمع بينهما، وقوله: (استوجبوا به الثواب) أي استحقوه استحقاقا لازما بمقتضى وعده تعالى لا بالوجوب عليه، وإنما أوّل العمل بالثواب لأنه المقصود من كتابة الأعمال فهو بتقدير مضاف أو بجعله كناية عما ذكر. قوله: (وذلك مما يوجب الخ) المتابعة بمثناة فوقية وموحدة أي اتباعه وعدم التخلف عنه، والذي في أكثر النسخ المشايعة بشين معجمة ومثناة تحتية وهو بمعناه وهو الذي في الكشاف. قوله: (على إحسانهم الخ) هذا من التعليق بالمشتق وكونه تعليلا لكتب، بمعنى أنهم استوجبوه لأنه لا يضيع الخ، والتنبيه من وضع المحسنبن مكان المجاهدين والسعي في تكميلهم لأنه يقصد به أن يسلموا كضرب المجنون، وعلاقة السوط بكسر العين لأنها تكسر في الحسيات وتفتح في المعاني كعلاقة الحب، وذكر الكبيرة بعد الصغيرة وان علم من الثواب على الأولى الثواب على الثانية لأنّ المقصود التعميم لا خصوص المذكور إذ المعنى لا ينقصون شيئاً ما فلا يتوهم إنّ الظاهر العكس، وانفاق عثمان رضي الله عنه في جيس العسرة ألف دينار، قيل وألف محمل أعان به المسلمين. قوله: (في مسيرهم) أي سيرهم للغزو، ومنفرج بضم الميم وبفتح الراء اسم مكان بمعنى ما انعطف يمنة أو يسرة لأنه منخفض بين جبال يجري فيه سيولها، وهو منعطف في أكثر وأصل الوادي اسم فاعل من ودي بمعنى سال فهو السيل نفسه، ثم شاع في محله، ثم صار حقيقة في مطلق الأرض وجمعه أو دية كناد بمعنى مجلس جمعه أندية، وناج جمعه أنجية ولا رابع لها في كلام العرب. قوله:) أثبت لهم الخ) جعل الكتابة مجازا أو كناية عن لازم معناه وهو الإثبات ولو حمل على حقيقته أي كتبه في الصحف أو اللوح صح أيضا، ولم يفسره باستوجبوا كما مرّ لأنه أنسب بقوله ليجزيهم الله والضمير للمذكور كما مرّ، وإليه أشار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 المصنف رحمه الله بقوله ذلك أو لكل واحد كما عرفت، وجعله للعمل تكلف محوج إلى تقدير لأنه صفة لما قبله في المعنى وفصل هذا وأخره لأنه أهون مما قبله. قوله: (جزاء أحسن أعمالهم الخ) قال أبو حيان رحمه الله التقدير أحسن جزاء الذي كانو! يعملون لأنّ عملهم له جزاء حسن، وأحسن فجعله أحسن جزاء فانتصاب أحسن على المصدرية لإضافته إلى مصدر محذوف وهو الوجه الثاني في كلام المصنف رحمه الله، وقال الإمام فيه وجهان الأوّل أنّ أحسن صفة عملهم، وفيه الواجب والمندوب والمباح فهو يجزيهم على الأوّلين دون الأخير قيل، وعلى هذا يحتمل أن يكون بدل اشتمال من ضمير يجزيهم، وأورد عليه أنه ناء عن المقام مع قلة فائدته لأنّ حاصله أنه تعالى يجزيهم على الواجب، والمندوب وأنّ ما ذكر منه ولا يخفى ركاكته وأنه غير خفي على أحد، وقد يقال إنه كناية عن العفو عما فرط منهم في خلاله إن وقع لأنّ تخصيص الجزاء به يشعر بأنه لا يجازي على غيره، ثم قال الثاني أنّ اً حسن صفة لجزاء أي ليجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأفضل وهو الثواب، وقيل عليه إنه إذا كان أحسن صفة لجزاء كيف يضاف إلى الأعمال وليس بعضا منها، وكيف يفضل عليه بدون من ولا وجه لدفعه بأنّ أصله مما كانوا الخ فحذفت من مع بقاء المعنى على حاله كما قيل إذ لا محصل له، وقوله: (جزاء أحسن أعمالهم) قيل يحتمل أن يكون جزاء منوّناً منصوباً على المصدرية وأحسن مفعوله، وهو مضاف لما بعده والمقصود تقدير العامل الناصب لأحسن لأنّ الفعل نصب الضمير فلا ينصب مفعولاً آخر إلا أن يجعل بدلاً كما مرّ، والمراد بجزاء أحسن الأعمال أحسن جزاء الأعمال، وليس المراد أحسن هذه الأعمال المذكورة حتى يقتضي أنّ الجزاء على بعضها، ويحتمل إضافة جزاء لمعموله، وهو أحسن وهو كالأوّل في المعنى لكنه كان مجرورا فلما حذف انتصب وهذا ثاني وجهي الإمام (أقول) هذا مما لا وجه له، فإنّ المصدر الواقع مفعولاً مطلقا لا يعمل خصوصاً في غير ما عمل فيه فعله فلا يصح ضربت زيداً ضربا عمراً ولا يخفى ركاكته، فالظاهر أنه مضاف، وأنه لما حذف قام المضاف إليه مقامه فانتصب على المصدرية في الوجهين والمعنى أنه يجازيهم على أعمالهم بإضعافها كجزائه على الأحسن وقال السفاقسي: أحسن يحتمل أن يكون بدلاً من ضمير ليجزيهم بدل اشتمال أي ليجزي الله أحسن أفعالهم بالأحسن من الجزاء أو بما شاء، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي ليجزيهم الله جزاء أحسن أفعالهم اهـ. قوله: (وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً الخ) في هذه الآية وجهان مبنيان على كونها متعلقة بما قبلها من أمر الجهاد أو منقطعة لا تختص به أو لبيان طلب العلم فانه فريضة على كل مسلم، والثاني أوفق بصريح النظم فلذا قدمه المصنف رحمه الله، والمعنى لا يستقيم لهم أن يخرجرا جميعا لطلب العلم كالغزو لأنه تعالى لم بين وجوب الهجرة والجهاد وكل منهما سفر لعبادة فبعد ما فضل الجهاد ذكر السفر الآخر، وهو الهجرة لطلب العلم فيكون النفر والخروج لطلب العلم ولكن المصنف رحمه الله تعالى عمم فيه لبيان أنّ حكمهما واحد فيلتئم بما قبله كالوجه الثاني وقوله: (فإنه يخل بأمر المعاس) تعليل لقوله أن ينفروا وترك الآخر لظهوره، وهو الأثم ويصح أن يكون تعليلاً لهما فإنّ في ترك غلبة العدوّ غلبتهم المخلة بالمعاس أيضا، والثاني وهو الذي أشار إليه بقوله، وقد قيل الآتي أنه لما شدد على المتخلفين قالوا لا يتخلف منا أحد عن جش أو سرية فلما فعلوا ذلك حتى بقي النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده نزلت، فقيل لهم لا تنفروا جميعا للقتال ولتقم طائفة معه لتعلم الدين، وتفهم ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم فإذا رجع المجاهدون أفادوهم ما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم، وهذا مرويّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قيل: فعلى هذا لا بد في الآية من إضمار والتقدير فلولا نفر من كل فرقة طائفة وأقامت طائفة ليتفقه المقيمون، ولينذروا قومهم النافرين إلى الغزو إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون معاصي الله تعالى عند ذلك التعلم، وردّ بأنه لا حاجة إلى ا! لتقدير إذ يفهم الفرق من قوله: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) فإنّ الفرق إذا نفر من كل منها طائفة لزم أن تبقى طائفة أخرى فضمير ليتفقهوا يرجع إلى الفرق البانية المفهومة من الكلام وسيأتي ما فيه. قوله: (فهلا نفر من كل جماعة كثيرة الخ) يعني لولا هنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 تحضيضية لا امتناعية وهي مع الماضي تفيد التوبيخ على ترك الفعل، ومع المضارع تفيد طلبه والأمر به لكن اللوم على الترك فيما يمكن تلافيه، قد يفيد الأمر به في المستقبل، ولذا قيل إنّ الآية تدل على وجوب طلب العلم لا لما قيل إنّ التوبيخ على الترك يقتضي الوجوب، وكون الفرقة كثيرة والطائفة قليلة في الآية مأخوذ من السياق، ومن التبعيضية لأنّ البعض في الغالب أقل من الباقي فلا يرد ما قيل إن الفرقة، والطائفة بمعنى في اللغة فلا يدلّ النظم على ما ذكر، وادعاء الفرق ودلالة النظم عليه وأنّ أهل اللغة لا يبالون بالتعريف بالأعم يحتاج إلى نقل. قوله: (ليتكلفوا الفقاهة فيه الخ) إشارة إلى أنّ صيغة التفعل للتكلف، وليس المراد به معناه المتبادر بل مقاساة الثدة في طلبه لصعوبته، وأنه لا يحصل بدون جد وجهد فقوله ويتجشموا أي يرتكبوها عطف تفسير لما قبله. قوله: (وليجعلوا غاية سعيهم الخ الما كان الظاهر ليتفقهرا في الدين، وليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يفقهون، وقد وضع موضع التعليم الإنذار وموضع يفقهون يحذرون آذن بالغرض! منه وهو اكتساب خشية الله، والحذر من بأسه قال الغزالي رحمه الله: كان اسم الفقه في العصر الأوّل اسم لعلم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدة الأعمال والإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب ويدل عليه هذه الآية، وإنما عبر بالغاية لأنّ علة النفر التفقه لكن التفقه لما كانت علته الإنذار كان علة لعلته فهو غاية له إذ علة العلة علة، وهي علة غائية لأنها إنما تحصل بعد ذلك. قوله: (وتخصيصه بالذكر الخ) يعني المقصود منه الإرشاد الشامل لتعليم السنن، والآداب والواجبات والمباحات ولا شك أن الإنذار أخص منه، فما قيل من إنهما متلازمان، وذكر أحدهما مغن عن الآخر غفلة أو تغافل وكذا ما قيل إن غايته تكميل النفس علماً وعملاً فهو مع دخوله في قوله ليتفقهوا إنما سكت عنه لأنه معلوم بالطريق الأولى مع أنه صرّج به في قوله يستقيم، ويقيم ودلالته على فرضيته بالأمر، وأنه فرض كفاية حيث أمر به طائفة منهم لا على التعيين والتذكير الوعظ. قوله: (وأنه ينبني أن يكون غر ضالمتعلم الخ) قيل بل يجب، وهذا لم يدر أن ينبغي تستعمل للوجوب، والترفع طلب الرفعة والعلو والتبسط السعة والبسطة في الجاه والرزق. قوله: (إرادة أن يحذروا) يعني لعل تعليل للإنذار فالترجي كناية عن إرادتهم لأنّ المترجي مراد، والترجي من الله قيل إنه مجاز عن الطلب، وقيل ظاهره أنّ الإرادة من المنذرين على أن لعل متعلق بقوله لينذروا قومهم، وحي! عذ لا يبقى في الآية دليل على حجية خبر الواحد لابتنائها على أنّ الله تعالى أوجب الحذر بقول الطائفة وسياتي ما يدفعه. قوله: (واستدل به على أن أخبار الآحاد حجة الخ) قال الجصاص في الأحكام في الآية دلالة على لزوم خبر الواحد في أمور الديانات التي لا تلزم العامّة ولا تعم الحاجة إليها وذلك لأنّ الطائفة لما كانت مأمورة بالإنذار انتظم فحوى الدلالة عليه من وجهين أحدهما أن الإنذار يقتضي فعل المأمور به وإلا لم يكن إنذارا، والثاني أمره إيانا بالحذر عند إنذار الطائفة لأنّ معنى قوله لعلهم يحذرون ليحذروا وذلك يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد لأنّ الطائفة تقع على الواحد فدلالثها ظاهرة فإن كان التأويل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فالطائفة النافرة إنما تنفر من المدينة، والتي تنفقه هي القاعدة بحضرة الرسول ىلمجيح فدلالتها أيضا قائمة لأنّ النافرة إذا رجعت أنذرتها التي لم تنفر، وأخبرتها بالأحكام فهي تدلّ على لزوم قبول خبر الوأحد القاعد بالمدينة مع كون النبيّ صلى الله عليه وسلم بها لإيجابها الحذر على السامعين بنذارة القاعدين، فقد علمت أن في الاستدلال بالآية على حجينه ووجوب العمل به طريقين، وكلام المصنف رحمه الله على الطريقة الأولى فسقط الاعتراض! بأنه مبنيّ على أن الترجي من لله وأنه إيجاب وهو غير متعين هنا. قوله: (يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية الخ) قيد الثلاثة بالتفرد ليفيد مطلوبه، وأورد عليه أنه فسر الفرقة آنفاً بالجماعة الكثيرة كالقبيلة، وأهل البلدة وكلامه هذا لا يلائمه ظاهرا ولا يخفى أن كاف التشبيه تة تضي عدم الحصر، ولذا قال ظاهرا، ثم إن تقريره مبنيّ على أن الطائفة تقع على الواحد وسيأتي في سورة النور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 ما ذكره من أن أقلها ثلاثة فبين كلاميه تعارض وسيأتي تفصيله، ولإرادة الواحد من الطائفة قال لتندر بالإفراد ويتذكروا بالجمع كما صححوه هنا لكن وقع في نسخة ولينذروا، وقوله: (ليحذروا الا دخل له في الاستدلال قيل ولم يقيد بقوله واحدا أو اثنين كما قالوا في تقرير ألاستدلال لتعينه من كون الطائفة النافرة بعضاً من الفرقة مع أن الاستدلال لا يتوقف عليه لأنّ المقصود عدم بلوغها إلى حد التواتر، وقوله فرقتها أي الباقية. قوله:) وقد قيل للآية معنى آخر) قد مرّ تقريره، وظاهره أن الاستدلال إنما هو على القول الأوّل وقد عرفت أنه جار عليهما كما نقلنا ذلك عن كتاب الأحكام، وهذا القول قول ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (سبق المؤمنون إلى النفير الخ الأنهم كانوا لعاهدوا أن لا يتخلف أحد منهم عن جيش أو سرية كما مرّ وانقطاعهم عن التفقه لنزول الوحي، وحدوث الشرائع والأحكام في كل زمان، وقوله الجهاد ا! بر فسر كونه جهاداً أكبر بأنه هو الأصل يعني المطلوب من الجهاد إظهار الدين، وتنوير حججه والجهاد الأكبر يستعملونه بمعنى مجاهدة النفس لأنها أعظم عدوّ وأقوى خصم. قوله: (فيكون الضمير في ليتفقهوا الخ) قد مرّ ما قيل إنه لا بد على هذا من إضمار وتقدير أي نفر من كل فرقة طائفة وأقامت طائفة ليتفقهوا الخ ورده بأنه لا حاجة إليه، والضمير يعود إلى ما يفهم منه إذ يلزم من نفر طائفة بقاء أخرى، وقيل عليه انتظام الكلام يقتضي الإضمار إذ لولاه أفاد إن نفور الطوائف للتفقه وليس كذلك فإن أراد أنه بحسب الظاهر والمتبادر لم يلزم الإضمار، وإن أراد أنه لا يصح تعلقه به على أنه قيد وتعليل لمفهومه فلا وجه له. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} أي الذين يقربون منكم قربا مكانيا لا قربا نسبيا كما قيل وإنما خص الأمر بهم مع قولهم في أوّل السورة اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وتوله وقاتلوا المشركين، ولذا روي عن الحسن رحمه الله أن هذه الآية منسوخة بما ذكر لأنه من المعلوم أنه لا يمكن قتال جميع المشركين، وغزو جميع البلاد في زمان واحد فكان من قرب أولى ممن بعد، ولأن ترك الأقرب الاشتغال بقتال الأبعد لا يؤمن معه من هجوم على الذراري والضعفاء، والبلاد إذا خلت من المجاهدين وأيضاً الأبعد لا حد له بخلاف الأترب فلا يؤمر به وقد لا يمكن قتال الأبعد قبل قتال الأقرب قال الإمام رحمه الله: إنما لم يقولوا بالنسخ لكون ترتيب نزول الآيتين على عكس ما قاله الحسن رحمه الله تعالى، ومن قال: لا حاجة إلى هذا في نفس النسخ لم يفهم مراده ثم إنه قال: قوله: {يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} ظاهر في القرب المكاني، وقيل إنه عامّ له وللقرب النسبي، وقيل إنه خاص بالنسبي لأنها نزلت لما تحرج الناس من قتل أقربائهم ولا يخفى ضعفه، ولا إشعار في كلام المصنف رحمه الله به كما توهمه هذا القائل لأنّ مراده أنه أمر أوّلاً بإنذار عشيرته! لأنه كان بين أظهرهم فوجب عليه إنذار الأقرب فالأقرب قبل الأمر بالقتال، ثم بعد الأمر به كان على ذلك الترتيب أيضاً والذي غره قوله أحق بالشفقة فتدبر. قوله: (وقيل هم يهود الخ (قيل يرده كون السورة آخر ما نزل وفيه نظر. قوله: (وليجدوا فيكم غلظة) قالوا إنها كلمة جامعة للجراءة والصبر على القتال وشدة العداوة، والعنف في القتل والأسر وظاهرها أمر الكفار بأن يجدوا في المؤمنين غلظة والمقصود أمر المؤمنين رضي الله تعالى عنهم بالاتصاف بصفات كالصبر وما معه حتى يجدهم الكفار متصفين بها فهي على حد قولهم لا أرينك هاهنا كما مرّ تحقيقه، والغلظة ضد الرقة مثلثة الغين وبها قرئ لكن السبعة على الكسر، وقوله: (بالحراسة والإعانة) لأنه مع كل أحد، ولكن هذه معية خاصة وهو تأكيد وتعليل لما قبله، وقوله: (على إضمار فعل الخ (ويصير مؤخراً لأن الاستفهام له الصدر. قوله: (بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة الخ) لما دلت الآية على زيادة الإيمان بما ذكر، والمسألة مشهورة فمن قال بدخول الأعمال فيه فزيادته عنده ظاهرة، ومن لم يقل به ذهب إلى أنّ زيادته بزيادة متعلقه والمؤمن به وقيل التحقيق أن التصديق في نفسه يقبل الزيادة والنقص والثدة والضعف وليس إيماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم كإيمان* غيرهم، ولهذا قال عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً فقوله بزيادة العلم الخ إشارة إلى قبوله الزيادة في نفسه، وقوله وانضمام الخ إشارة إلى زيادته باعتبار متعلقه، وترك القول الآخر لشهرته، وقد ذكره في أوّل سورة الأنثنال، وقوله: (سبب لزيادة كمالهم) بالعمل بما فيها والإيمان بها، وقوله: (مضموماً) إشارة إلى تضمين الزيادة معنى الضم، ولذا عدى بإلى وقد قيل إلى بمعنى مع ولا حاجة إليه، وقوله: (واستحكم ذلك) أي الكفر بسبب الزيادة. قوله: (أو لا يرون الخ) كون الواو عاطفة على مقدر أو على ما قبلها الكلام فيه معروف، وقد تقدم تحقيقه، وقوله يبتلون بأصناف البليات تفسير للفتنة فإن لها معاني منها البلية والعذاب، وابتلاؤهم لو كانوا أصحاب بصر وبصيرة بردّهم عما هم عليه، وقوله: (أو بالجهاد) فالفتنة بمعنى الاختبار أي يختبرون بظهور ذلك ولم يحمل على الافتضاح لعدم ملايمته للمقام، وقوله لا ينتهون أي عما هم عليه من الاستهزاء أو عن النفاق لأنّ التوبة تستلزم ما ذكر. قوله: (تنامزوا بالعيون الخ) فسر النظر بالتغامز بقرينة الحال لكنه قيل دلالة التغامز على الغيظ غير ظاهرة ولا معهودة وفيه نظر والسورة على الأوّل مطلقة وعلى الثاني مقيدة بسورة فيها ذكر عيوبهم، وقوله: (يقولون (يعني لا بد من تقدير القول فيه ليرتبط الكلام وجملته حالية أو مستأنفة. قوله: (هل يراكم من أحد الخ) قيل معناه هل يراكم من أحد لما تغامزتم فتفضحوا، وقوله حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم إما بمعنى حضوره ومجلسه، أو المراد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأقحمت الحضرة للتعظيم كما هو معروف في الاستعمال ومخافة الفضيحة بغلبة الضحك أو بالاطلاع على تغامزهم وهذا على التفسير الأوّل، وأما على الثاني فانصرافهم بسبب الغيظ، وقيل معنى انصرفوا انصرافهم عن الهداية. قوله:) يحتمل الإخبار والدعاء) والجارّ والمجرور متعلق به على الأوّل، وبانصرفوا على الثاني، ورجح الثاني واقتصر عليه في الكشاف، وقوله لسوء فهمهم يعني أنه إما بيان لحماقتهم أو لغفلتهم، وعدم تدبرهم. قوله: (من جنسكم عربي مثلكم) يحتملأ أنه تقدير معنى أو تقدير مضاف أي من جنس العرب، وهو امتنان عليهم لأنهم يعرفونهم والجنس آلف لجنسه، ويفهمون كلامه، وقيل: المراد من جنس البشر كقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} ، [سورة الأنعام، الآية: 9] وقرئ أنفس أفعل تفضيل من النفاسة والمراد الشرف، وقوله شديد شاق من عز عليه بمعنى صعب، وقوله عنتكم إشارة إلى أن ما مصدرية والمصدر فاعل عزيز والعنت بالتحريك ما يكره ويشق، وقيل عزيز صفة رسول وعليه ما عنتم ابتداء كلام أي يهمه، ويشق عليه عنتكم. قوله: (أي على إيمانكم وصلاح شأنكم (قدر المضاف لأن الحرص لا يتعلق بذواتهم وأما تعلقه برؤوف رحيم على التنازع كما قيل فلا وجه له، وقوله قدم الأبلغ يعني كان الظاهر في الإثبات الترقي، وقد عكس رعاية للفواصل أي لمناسبة الفواصل المراعى في القرآن، ولذا لم يقل الفاصلة، وهذا بناء على أن الرأفة أشذ الرحمة وقد مرّ ردّه بأنّ الرأفة الشفقة والرحمة الإحسان بدليل أنها قدمت في غير الفواصل كقوله: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً} [سورة الحديد، الآية: 27] ابتدعوها. قوله: (فإنه يكفيك معرتهم الخ) المعرة الأمر المكروه، والأذى مفعلة من العرّ أي الحرب وهذا تعليل للأمر والاكتفاء بالله ولا إله إلا هو كالدليل عليه لأنّ المتوحد بالألوهية هو الكافي المعين، وفسر العرس بالملك وهو أحد معانيه كما في القاموس، ثم ثنى بمعناه المعروف، وهو فلك الأفلاك المحيط بالعالم، وهو أحد معانيه كما ذكره الراغب، وقوله: تنزل الخ إشارة إلى حسن الختام، لما سبق من الأحكام، والرفع على أنه صفة الرب. قوله: (وعن أبر وضي الله تعالى عنه الخ (أخرجه أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وقوله آخر ما نزل الخ يعارضه ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} أسورة النساء، الآية: 176] وآخر سورة نزلت براءة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما آخر آية نزلت {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 281] وكان بينها وبين موته صلى الله عليه وسلم ثمانون يوما، وقيل تسع ليال وحاول بعضهم التوفيق بين هذه الروايات بما لا يخلو عن كدر، وفي هذه الآية إشكال مشهور في كتب الحديث. قوله: (ما نزل القرآن الخ) (1 (أخرجه الثعلبي رحمه الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال العراقي رحمه الله تعالى، وهو منكر جدّاً، وقال الطيبي رحمه الله تعالى المراد بالحرف الطرف منه، والجملة سواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 كانت آية أو أقل أو أكثر مما دون السورة، وهو مخالف لما مرّ في آخر سورة الأنعام، ولما صرّحوا به من أنها لم تنزل جملة (تتم) ما علقناه على سورة التوبة، اللهم يسر لنا الإتمام ببركة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأشرف السلام، والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده سيدنا ومولانا محمد ىلمج! ، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته وأهل بيته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين تم. تم الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس أوّله سورة يونس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 سورة يونس عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) أي قولاً واحداً عند الدانيّ رحمه الله تعالى، وقيل في بعض آياتها أنها مدنية على اختلاف في ذلك أيضا، والمناسبة أنّ خاتمة السورة قبلها بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وابتداء هذه به وقوله: (مائة وتسع آيات) قال الداني في كتاب العدد وهي مائة وعشر آيات في الشامي - شسع في غيره، وقوله: (فخمها) أي لم يملها لأن التفخيم يطلق على ما يقابل الترقيق، وما يقابل الإمالة والممال هنا ألف را لأنه قرئ فيها بالإمالة وتركها على ما تقرر في علم القراآت، وقوله إجراء لألف الراء مجرى المنقلبة عن الياء بيان لوجه الإمالة. وهو أن الألف المنقلبة عن الياء تمال تنبيهاً على أصلها ولما كانت هذه الكلمة اسما والأسماء لا يكون فيها الألف أصلية إلا نادراً أجروها مجرى ما أصله الياء لكثرته وخفته وعاملوها معاملته فأمالوها ولئلا يتوهم أنها حرف. قوله: (1 شارة إلى ما تضمنته السورة أو القرآن الخ (جوّ. في الإشارة أن تكون لآيات هذه السورة، وأن تكون لآيات القرآن وفي الكتاب أن يراد به السورة وأن يراد القرآن فصارت صوره أربعاً إحداها الإشارة إلى آيات القرآن، والكتاب بمعنى السورة ولا يصح إلا بتخصيص آيات وتأويل بعيد وثانيتها عكسه ولا محذور فيه، والأخريان مرجع إفادتهما إلى كونه حكيما، وجوّز الإشارة إلى الآيات لكونها في حكم الحاضر وان لم يسبق ذكرها كما يقال في الصكوك هذا ما اشترى فلان، وأوثر لفظ تلك للتعظيم، وكونه في حكم الغائب من وجه، وخالف فيما ذكر الكشاف فإنه لم يحمل الكتاب على القرآن، ووجه بأنه تركه لأن الظاهر من قولنا هذه الآيات آيات القرآن أنها جميع آياته لإفادة الجمع المضاف إلى المعرفة الاستغراق، وهذا وارد على المصنف رحمه الله لو سلم لكنه قيل إنه ممنوع مع أنه إنما يفيد بطلان صورة واحدة من الثلاث فتأمّل. قوله: (ووصفه بالحكيم لاشتماله على الحكم) فيراد بالحكيم ذو الحكمة إمّا على أنه للنسبة كلابن وتامر أو يشبه الكتاب بإنسان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 ناطق بالحكمة على طريق الاستعارة بالكتابة، واثبات الحكمة قرينة لها تخييلية، والحكمة، وهي الحق والصواب صفة لله لكنه لإشتماله عليها أو لمشابهته للناطق بها وصف بها. قوله: (أو لأنه كلام حكيم) فالمعنى حكيم قائلة فالتجوّز في الإسناد كليله قائم، ونهاره صائم. قوله: (أو محكم آياته لم ينخ شيء منها) أي بكتاب آخر لمنافاته لما سيأتي، وهو عطف بحسب المعنى على ما قبله لأنه في قوّة لأنه مشتمل ففعيل بمعنى مفعل على ما فيه، وهذأ بناء على أنّ المراد بالكتاب السورة وأنه لا منسوخ فيها، والمحكم يقع في مقابلة المتشابه، وفي مقابلة المنسوخ، وكونه إشارة إلى الكتب المتقدّمة من التوراة والإنجيل، والزبور كما قيل بعيد، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله: (استفهام إنكار للتعجب) في الكشاف الهمزة لإنكار التعجب والتعجيب منه أي لإنكار تعجب الكفار من الإيحاء كما سيذكره والتعجيب السامعين من تعجبهم لوقوعه في غير محله فإن كان مراد المصنف رحمه الله ما ذكره الزمخشري فلام للتعجب صلة الإنكار وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون صفة أي إنكار كائن للتعجب أي لبيان أنه مما يتعجب منه إذ التعجب لا يجري عليه تعالى والجزم بأنه تعريض للزمخشري ومخالفة له دعوى من غير دليل، وتقديم خبر كان لأنه مصبّ الإنكار. قوله: (وقرئ بالرفع) أي برفع عجب على أنه اسم كان وهو نكرة و {أَنْ أَوْحَيْنَا} المعرفة خبره ومن ذهب إلى أنه لا ينبغي الحمل عليه جعل كان تامّة و {أَنْ أَوْحَيْنَا} بدل منه بدل كل من كل أو اشتمال أو بتقدير حرف جرّ أي لأنّ أوحينا أو من أن أوحينا. وهو أظهر من البدلية، وقول المصنف رحمه الله على أنّ الأمر بالعكس أي عكس المعروف في كلام العرب، وهو الإخبار عن المعرفة بالنكرة فيكون هذا ذهابا إلى جوازه مطلقا أو في باب النواسخ مطلقا أو إذا كانت مدخولة للنفي أو ما هو في حكمه كالاستفهام الإنكارقي على ما فصله النحرير في شرح التلخيص، ويحتمل أن يريد بالعكس القلب إمّا على قبوله مطلقا أو إذا تضمن لطيفة فإن وجدت قبل إلا عدل عنه إلى الوجوه الأخر فإن قلت هنا وجه أظهر، وهو أنّ للناس خبر كان وعليه اقتصر في اللوامح فلم تركوه قلت تركوه لأنه ركيك معنى لأنه يفيد إنكار صدوره من الناس لا مطلقا، وفيه ركاكة ظاهرة فتأمّل. قوله:) واللام للدلالة على أنهم الخ) يعني ليس متعلقاً به على طريق المفعولية كقوله: عجبت لسعي الدهر بيني وبينها لأنّ معمول المصدر لا يتقدم عله بل هي للبيان كما في هيت لك وسقيا لك فمتعلقها مقدّر، ومنهم من جوّزه بناء على التسمح في الظرف أو لأنه بمعنى المعجب والمصدر إذا كان بمعنى مفعول أو فاعل يجوز تقديم معموله عليه كما ذكره النحاة، وجوّز أيضا تعلقه بكان، وإن كانت ناقصة بناء على جوازه. قوله: (من أفناء رجالهم) أفناء بفتح الهمزة وسكون الفاء، والنون والمد وهذه العبارة وان استعملت في خمول النسب فليس بمراد لأن نسبه فيهم، وشرفه نار على علم بل المراد أنه ممن لم يشتهر بالجاه، والمال اللذين اعتقدوا أنهما سبب العز والإجلال لجهلهم، وجاهليتهم لأنه قد يستعمل لعدم التعيين مطلقاً أو التعيين كقول أبي تمام: من مبلغ أفناءيعرب كلها إني بنيت الجارقبل المنزل يقال هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو قاله الجوهرفي، وتال الأزهريّ عن ابن الأعرابيّ أعفاء الناس وأفناؤهم أخلاطهم الواحد عفو وفنو، وعن أبي حاتم عن أمّ الهيتم هؤلاء من أفناء الناس،. ولا يقال في الواحد هو من أفناء الناس وفسروه بقوم تراع من هاهنا ومن هاهنا، ولم تعرف أمّ الهيتم الإفناء واحدأ والمراد بالخلط إبهام النسب وليس بمراد هنا، ومراد أبي تمام التعميم ومنهم من اعترض على المصنف رحمه الله ومتابعته الزمخشريّ في هذه العبارة، واختار أنّ المراد برجل أنه مشهور بينهم بالجلالة، والعفة والصدق كما قال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 28 أ] فإنه محل الإنكار وهو أنسب بالمقام وهو غير ظاهر لأنه وإن كان أعظم مما ذكر لكن السياق يقتضي بيان كفرهم، وتذليلهم وتحقيرهم لمن أعزه الله، وعظمه وما ذكره يناسب القسم الثاني لا الأوّل فقط خلط تفسيراً بآخر لأن تعجبهم يحتمل أن يكون لكونه ليس له مال وجاه كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [سورة الزخرف، الآية: 31] أو لكونه من البشر كقوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 تعالى: {لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً} [سورة فصلت، الآية: 14] أو لكونه أنذرهم بالبعث الذي أنكروه والمصنف رحمه الله لم يلتفت إلى هذا لبعده عن السياق، وقولهم يتيم أبي طالب لأنه كان معه في صغره، ولم يعرفوا أنّ أنفس الدرّ يتيمه، وقيل للحسن رحمه الله لم جعله الله يتيماً فقال لئلا يكون لمخلوق عليه منة فإنّ الله هو الذي آواه وأدّبه ورباه، وقوله: (وجهلهم بحقيقة الوحي (لأنه سبحانه يعلم حيث يجعل رسالاته وما عدوه سيئا ليس بشيء يلتفت إلى مثله، وقوله: (هذا) أي الأمر هذا أو خذ هذا، وقوله خفة الحال قد أجاد في التعبير عن قلة المال به لأنه أخف إذ ليس له معه ما يشغله عما أريد منه مع عدم احتياجه إليه، ولذا قيل لبعض المشايخ هل يقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم زاهد فقال: ما قدر الدنيا عنده حتى يزهد فيها وقد أرسل الله إليه ملك الجبال في بدء الوحي، وقال: إن شئت جعلتها لك ذهبا وجواهر فلم يطلب ذلك وأنما يطلب الغنى من لا يقدر عليه وقوله وقيل الخ هو التفسير الثاني كما عرفته. قوله: (أن هي المفسرة الخ) أي لمفعوله الإيحاء المقدر وشرطها موجود وهو أن يتقدم عليها ما فيه معنى القول دون حروفه كالإيحاء نحو كتبت إليه أن قم وقوله أو المخففة من الثقيلة على أنّ اسمها ضمير الشأن وفي وقوع الجملة الأمرية الإنشائية خبر الضمير الشأن دون تأويل وتقدير قول اختلاف فذهب صاحب الكشف إلى أنه لا يحتاج إلى ذلك لأنّ المقصود منها التفسير وخالفه النحرير وغيره في ذلك، وذهبوا إلى أنه لا فرق بين خبره وخبر غيره، ولم يذكر احتمال كونها مصدرية حقيقة في الوضع لمنع كثير من النحاة وصلها بالأمر والنهي، وذكره أبو حيان هنا بناء على جوازه مع أنه نقل عنه في المغني أنّ مذهبه المنع بناء على أنه يفوت معنى الأمر إذا سبك بالمصدر، واعترض! بأنه يفوت معنى المضيّ، والحالية والاستقبال المقصود أيضا مع الاتفاق على جوازه، وقد يقال إن بينهما فرقاً فإنّ المصدر يدلّ على الزمان التزاماً فقد تنصب عليه قرينة فلا يفوت معناه بالكلية بخلاف الأمر فإنه لا دلالة للمصدر عليه أصلا، وقد مرّ ما ذهب إليه بعض المدققين من أنّ المصدر كما يجعل ويسبك من جوهر الكلمة فيجوز أخذه من الهيئة، وما يتبعها فيقدر في هذا، ونحوه أوحينا إليه الأمر بالإنذار كما قدر في لا تزني خير عدم الزنا خير، ومنهم من ذكر هذا بحثا من عنده مع أنّ هذا مشترك في الالتزام، والجواب مع أنّ المفتوحة المشددّة لأنها مصدرية أيضا، وقوله فتكون الخ تفريع على الوجه الثاني، وعلى الأؤل مفعوله مقدر وهذه الجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب كما مز. قوله: (عمم الإنذار الخ (أي حيث قال الناس دون المؤمنين، والكافرين، ولا مانع من الاستغراق العرفي أي كل أحد ممن يقدر على تبليغه إذ تبليغ جميع أهل عصره غير ممكن له، وإليه يشير قول المصنف رحمه الله إذ قلما من أحد الخ فلا وجه للاعتراض بأنّ الاستغراق المفهوم من كلامه غير صحيح لأنّ تبليغ الإنذار إلى كل من في عصره ليس في وسعه ولا حاجة إلى دفعه بأنه لم يرد الاستغراق، وإنما قصد المبالغة، وأفا تبشير الكافرين إن آمنوا فراجع إلى تبشير المؤمنين، وقيل إنّ في المؤمنين عموم الخبر به، وهو شموله للثقلين، واعترض! على قوله في المغني أنّ أبا حيان منع وصل أن المصدرية بالأمر بأنه جوّزه هنا، وفي سورة النحل. قوله:) سابقة ومنزلة رفيعة الخ) في الكشاف أي سابقة، وفضلاً ومنزلة رفيعة سميت قدما لما كان السعي، والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة قدما كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد وباعا لأنّ صاحبها يبوع بها فقيل لفلان قدم في الخير والسابقة هنا مصدر بوزن فاعلة بمعنى السبق، والسبق كالتقدم بمعنى فضلهم على غيرهم لما خصوا به من سائر الأمم فالقدم مجاز مرسل عن السبق لكونها سببه وآلته، والسبق مجاز عن الفضل والتقدم المعنوي إلى المنازل الرفيعة فهو مجاز بمرتبتين، وقيل المراد تقدمهم على غيرهم في دخول الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " وقيل تقدمهم في البعث، وقيل سابقة اسم فاعل أي سعادة سابقة في اللوج أو شفاعة سابقة، وفي الكشاف وجه آخر، وهو أنّ قدم صدق بمعنى مقام صدق كمقعد صدق بإطلاق الحال، وارادة الحال، وليس هذا معنى قوله منزلة رفيعة كما توهم حتى يلزم جمع المعاني المجازية، وظاهر. أنّ القدم يطلق على السبق مطلقا كما تطلق اليد على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 النعمة، والعين على الجاسوس، والرأس على الرئيس، وقال صاحب الانتصاف لم يسموا سابقة السوء قدما إمّا لكون المجاز لا يطرد أو لأنه غلب في العرف عليه. قوله: (وإضافتها إلى الصدق) أصل الصدق في الأقوال قال الراغب: ويستعمل في الأفعال فيقال صدق في القتال إذا وافاه حقه، وكذا في ضدّه يقال كذب فيه فيعبر به عن كل فعل فاضل ظاهراً، وباطنا، ويضاف إليه كمقعد صدق، ومدخل صدق، ومخرج صدق، وقدم صدق، ولسان صدق في قوله، واجعل لي لسان صدق سأل أن يجعله الله صالحأ بحيث إذا أثنى عليه لم يكن كذبا كما قال: إذانحن أثنينا عليك بصالح فأنت كما تثني وفوق الذي نثني فإضافته من إضافة الموصوف إلى صفته، وأصله قدم صدق أي محققة مقرّرة لما عرفت من معناه، وفيه مبالغة لجعلها عين الصدق، ثم جعل الصدق كأنه صاحبها، وهذا من منطوقه، وقوله والتنبيه الخ أي تنبيه على أنهم إنما نالوا تلك السابقة بصدقهم ظاهراً وباطناً، واعترض! عليه بأنه إنما يحصل هذا إذا كانت الإضافة من إضافة المسبب إلى السبب إلا أن يكون في التنبيه إشارة إلى احتمالها لها، ويدفع بأنه لا حاجة إلى ما ذكر لأنّ الصدق إنما تجوّز به عن توفية الأمور الفاضلة حقها للزوم الصدق لها حتى كأنها لا توجد بدونه ويكفي مثله في ذلك التنبيه، وهذا كما أنّ أبا لهب يشعر بأنه جهنمي. قوله: (يعنون الكتاب الخ) يعني الإشارة إلى الكتاب السابق ذكره، وعلى قراءة لساحر الإشارة إلى رجل، وقوله وفيه اعتراف الخ لأنّ السحر خارق للعادة، وقال النحرير لأنّ قولهم إنّ هذا لسحر المراد به الحاصل بالمصدر وهم كاذبون في ذلك عند أنفسهم أيضا، وبهذأ الاعتبار يكون دليل عجزهم لأنّ التعجب أوّلاً ثم التكلم بما هو معلوم الانتفاء قطعا حتى عند نفس المعارض دأب العاجز المفحم، وما قيل عليه أنه لا دخل لتعجبهم فيه فالأولى تركه ليس بشيء. قوله:) التي هـ! أصول الممكنات) إنما فسر به بيانا لحكمة تقديمها، وكونها أصولاً لأنّ السماء جارية مجرى الفاعل، والأرض مجرى القابل، وبإيصال الكواكب اختلاف الفصول، ويكون م! فيها على ما قزره الحكماء وقد تقدم تفصيله وقوله تعالى: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [سورة الأعراف، الآية: 54] قيل هي مدة مساوية لأيام الدنيا، وقيل هي بالمعنى اللغوفي، وهو مطلق الوقت وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها من أيام الآخرة 10 لتي هي كألف سنة مما تعدون قيل، والأوّل أنسب بالمقام لما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة بخلق هذه الأجرام العظيمة في مثل تلك المدّة اليسيرة، ولأنه تعريف لنا بما نعرفه، وقوله استوى إمّا بمعنى استوى أمرد، وتمّ أو استولى فيرجع إلى صفة القدرة، وقيل إنه صفة غير الثمانية لا يعلم ما هي، وقيل إنه مما اشتبه فيتوقف فيه كما فصل في محله، والعرش تقدم أنه الجسم المحيط بجميع الكائنات أو الملك أو شيء غير ذلك. قوله: (يقدّر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته الخ) يعني تعريف الأمر للعهد، والمراد أمر الكائنات، وتدبيرها بمعنى تقديرها جارية على مقتضى الحكمة، وأمّا ما سيذكره فهو معناه اللغوفي، وقوله وسبقت به كلمته أي قضاؤه كما في قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [سورة الأنعام، الآية: 115] وجملة يدبر استئنافية لبيان حكمة استوائه على العرس وتقرير لعظمته، وقوله ويهيئ بتحريكه أي بسبب تحريك العرس، وفلك الأفلاك أسباب ذلك لأنّ بحركته تحريك غيره ولذا اقتصر عليه. قوله: (والتدببر النظر الخ (وجه لاشتقاقه، وبيان لحقيقته، وقوله تقرير لعظمته لأنها علمت من خلق المخلوقات العظام فقرّر ذلك بأنه لعز جلاله لا يجسر أحد على الشفاعة عنده بغير إذن فالتقدير لا شفاعة لشفيع، وهو تعليم للعباد أنهم إذا فعلوا شيئا يتأنون والا فهو سبحانه وتعالى قادر على خلقها دفعة في آن واحد، وعدل عن قول الزمخشريّ يدبر يقضي، ويقدّر على حسب مقتضى الحكمة، ويفعل ما يفعل المتحريّ للصواب الناظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يلقاه ما يكره آخراً انتهى لأنه كما قيل خطأ لفظا، ومعنى فإنه لا يجوز إطلاق التحرّي على الله، ولا يمثل فعل الله به، ولأنه مبنيّ على رأيه، وهي قاعدة فاسدة عند أهل السنة. قوله: (وردّ على من زعم أنّ اكهتهم تشفع الخ) قيل هذا الردّ غير تامّ لأنهم لما ادعوا شفاعتها قد يدعون الإذن لها فكيف يتمّ هذا الرذ، ولا دلالة فيها على أنهم لا يؤذن لهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 وما قيل إنها دعوى غير مسلمة واحتمالها غير مجد لا فائدة فيه إلا أن يقال مراده أن الأصنام لا تدرك ولا تنطق فكونها ليس من شأنها أن يؤذن لها بديهيّ، وأما إثبات الشفاعة لمن أذن له فمعلوم من الكلام لأنه لو كان المراد نفي الشفيع مطلقأ قيل لا شفيع والمراد الشفاعة المقبولة، وهي شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والأخبار. قوله:) أي الموصوف بتلك الصفات الخ (يعني الإشارة إلى الذات الموصوفة بتلك الصفات المقتضية لاستحقاق ما أخبر به عنه وإذا كان وجه ثبوت ذلك له ما ذكر مما لا يوجد في غيره اقتضى انحصاره فيه وأنه لا رلث غيره ولا معبود سواه فاتضح معنى قوله لا غير، وقوله: فاعبدوه وحدوه لكن قوله للألوهية يقتضي أن الجلالة الكريمة خبر لا صفة فلذا قيل الأظهر تأخيرها لأنّ ما ذكر تفسير لاسم الإشارة. قوله: الا غير (أي لا وست غيره، وقيل إنه وقع في النسخ بدون ضمير فيقتضي قصر الموصوف على الصفة قصراً إضافيا قلا يلائم تعليله، وأفا كون انتفاء السبب الخاص لا يقتضي انتفاء سبب آخو للربوبية فليس بشيء لأنّ ما ذكر من لوازم الألوهية فهي لا توجد بدونه، والقصر من تعريف الطرقين ومن فحواه لأن تلك المقتضيات لا توجد في غيره، وقيل إنه حمله على القصر مع انتفاء أداته لئلا يلزم التكرار فإن ما قبله داذ على ثبوت الربوبية مع عدم المنكر لها فتأقل. قوله:) وحدوه بالعبادة (قد أشرنا إلى أن التخصيص من ترتيب الأمر بالعبادة على اختصاص الربوبية، وأيضا أصل العبادة ثابت لهم فيحمل الأمر به على ما ذكر ليفيد وفيه نظر. قوله:) تتفكرون أدنى تفكر الخ) يريد أنه كالمعلوم الذي لا يفتقر إلى فكر تاتم، ونظر كامل بل إلى مجرّد التفات وأخطار بالبال، وهذا بيان لإيثار تذكرون على تفكرون وان كان هو المراد ولذا فسر به وجعل المتذكر هو ما سبق من استحقاقه لما ذكر والمنبه عليه ذلك، وخطؤهم فيما هم عليه المشار إليه بقوله لا ما تعبدنه فلا فرق بين كلامه، وكلام الكشاف كما توهم. قوله: (بالموت أو النشور (وفي نسخة والبعث وفي أخرى والنشور والحصر المذكور مستفاد من تقديم إليه وقيل عليه إنه لا يناسب ما سيأتي من أن قوله: {يَبْدَأُ الْخَلْقَ} الخ كالتعليل لقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} فالحق ما وقع في النسخة الأخرى والبعث بالواو وفيه نظر يعلم مما سيأتي. قوله: (مصدر مؤكد لنفسه الخ) المصدر إذا أكد مضمون جملة تدذ على معناه فإن كانت نصا فيه لا تحتمل غيره فهو يسمى في اصطلاج النحاة مؤكداً لنفسه نحو له عليّ ألف اعترافا، وإن احتمله وغيره نحو زيد قائم حقاً فهو مؤكد لغيره ولا بد له من عامل محذوف فيهما، وتفصيله ووجه الشمية مفصل في النحو- قوله: (مصدر آخر مؤكد لفيره) قد عرفت معنى المؤكد لنفسه، وغيره وهنا لما كان الوعد يححمل الحقية والتخلف كان مؤكدا لغيره مما تضمنته جملة المصدر وعامله المقدر، وقيل انتصماب حقا بوعد على تقدير في لشبهه بالظرف كقوله: أفي الحق إني هائم بك مغرم وما ذهب إليه المصنف رحمه الله أظهر. قوله: (بعد بدئه وإهلاكه الخ) يعني أنّ معنى قوله يبدؤهـ االخلق ثم يعيده إعادته بعد بدئه واهلاكه لأنه بيان للموعود به، والموعود به الإعادة وإنما ذكر البدء، والإهلاك لتوقف الإعادة عليهما إذ معناها وجود ثان لما وجد أوّلاً بعد فنائه فتدبر. قوله: (أي بمدله أو بعدالتهم الخ (يعني أنّ الألف، واللام عوض! عن الضمير المضاف إليه، وهو إمّا ضممير الله أو ضمير المؤمنين فالمعنى بعدله أو بعدالتهم ويرجح الثاني بأنه أوفق بما يقابله من قوله بكفرهم فيعلل جزاء المؤمنين بإيمانهم، وهو المقصود من القسط لأنّ الكفر ظلم عظيم، وأيضا لا وجه لتخصيص العدل بجزاء المؤمنين بل جزاء الكافرين أولى به لما اشتهر أنّ الثواب بففمله، والعقاب بعدله، وقوله وقيامهم على العدل تفسير لعدالتهم بالقيام على العدل في الأعمال الظاهرة فيدخل فيه الإيمان وعلى ما بعده يخص بالإيمان، ورجحوه لما مرّ. قوله: (فإن معناه الخ) المبالغة في اسنحقاق العقاب بجعله حقاً مقرّراً لهم كما تفيده اللام، ولم يجعل عك وجعل الثواب علة إشارة إلى أنه المقصود، وأمّا العقاب فهو بكسبهم وليس مقصوداً له تعالى بالذات بل بالعرض، ولذا قال تعالى: <سبقت رحمتي غضبي >، وقوله من الإبداء والإكلادة يقتضي تعلق ليجزي بهما على التنازع، وقيل الأظهر تعلقه بيعيده فقط وقوله وأنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 تعالى يتولى الخ، يعني لم يذكر الجزاء إشارة إلى أنه أمر عظيم لا تحيط به العبارة خصوصاً وقد جعل ذاته الكريمة هي الجازية فإنّ العظيم لا يتولى بنفسه إلا الأمر العظيم، ثماليه أشار بقرله يتولى ففي كلامه إدماج لمعنى آخر. قوله: (والآية كالتعليل لقوله إليه مرجعكم الخ (جريا على ما اطرد في استعمال الجملة المصدّرة بأنّ كتوبوا إنه غفور رحيم وكونها تعليلاً أو كالتعليل لإخفاء فيه وإنما الكلام في المعلل هل هو كون المرجع إليه أو كونه لا مرجع إلا إليه فالظاهر هو الثاني كما أشار إليه النحرير في شرحه والمعنى مرجعكم إلى الله لا إلى غيره، وإنما أرجعكم إليه ليجازيكم بما يليق بكم واستة، دة الحصر من المعلل ظاهرة ومن العلة لأنّ البدء والإعادة معلومة الانتفاء عن غيره عقلا فلا حاجة إلى أن يعتبر في الكلام ما يدل على الحصر حتى يتكلف له ما تكلفه من تعسف بما لا يليق ذكره. قوله: (ويؤيده قراءة من قرأ أنه الخ) أي بالفتح بتقدير لام التعليل فهو صريح فيما ذكر وجوّز فيه أن يكون منصوباً بوعد مفعولاً له أو مرفوعا بحقا فاعلا له وكلامه يحتمل أن يكون وعد وحق هما العاملان في المصدرين المذكورين وأن يكونا فعلين آخرين مقدّرين بدلالة ما قبلهما عليهما فإن كان المراد الأوّل فالمصدران ليسا للتأكيد ويكون هذا إعراباً آخر لأن فاعل العامل في المصدر المؤكد لا بد أن يكون عائداً على ما تقدمه مما أكده فالمعنى وعد الرجوع إليه، وحق الوعد، وان كان الثاني فهو ظاهر ثم إن التعليل المذكور لا يناسب كون المراد بالمرجع الموت فإمّا أن يكون هذا إشارة إلى أنّ تفسيره الثاني هو المرضيّ عنده أو يكون الصحيح نسخة العطف بالواو كما مز التنبيه عليه. قوله: (ذات ضياء وهو مصدر الخ (يعني هو على تقدير مضاف أو جعلها نفس الضياء مبالغة كما أشار إليه في نوراً، وانقلاب الواو ياء لانكسار ما فبلها وأمّا همزة فعلى القلب المكاني فلما وقعت الواو أو الياء المنقلبة عنها متطرفة بعد مذة قلبت همزة ابتدأء أو بعد قلبها ألفاً كما هو معروف في التصريف، وكونه جمعا بعيد، ولأنّ تقابله بنور ألا يقتضيه كما قيل، وخالفه أبو عليّ في الحجة فقال كونه جمعاً كحوض، وحياض أقيس من جعله مصدراً كقيام فهما قولان، وإنما كان أقدر لأنّ المصدر يجري على فعله في الصحة، والاعتلال انتهى، وقوله في كل القرآن هذه رواية، وقد قال بعض القرّاء أنها لم تصح، وقيل إنما قرأ بها هنا، وفي سورة الأنبياء القصص. قوله: (أو سمي نوراً للميالفة الخ) معناه ظاهر لكنه في نسخة أو فيكون فيه وجهان، وفي نسخة بالواو والأولى أظهر، وقوله، وهو أعمّ من الضوء كما عرفت أي في أوّل سورة البقرة بناء على أنه ما قوي من النور، والنور شامل للقوي والضعيف، وعلى القول الثاني هما متباينان فما كان بالذات كالشمس، والنار فهو ضوء، وما كان بالعرض فهو نور ولذا غاير بينهما في النظم، واليه أشار بقوله نبه الخ، وكونه بمقابلة الشمس، والاكتساب منها لا يؤخذ من النظم، وإنما هو من دليل آخر، وذكره تتميما للفائدة، وقوله خلق يشعر بأن جعل بمعنى خلق فضياء ونوراً حال، وقد مرّ التفصيل في الضوء، والنور بما لا مزيد عليه، وأنه إذا كان أبلغ فلم قيل الله نور السماوات والأرض، ولم يقل ضياؤها، والجواب عنه، وقد ذكر في وجهه هنا أنّ المقصود تشبيه هد 51 الذي نصبه للناس بالنور الموجود في الليل، وأثناء الظلام، والمعنى أنه جعل هداه كالنور في الظلام فيهدي قوما ويضل آخرون، ولو جعله كالضياء جمثل الشمس التي لا يبقى معها ظلام لم يضل أحد، وليس كذلك فتأمّل. قوله: (قدّر مسير كل واحد منهما الخ) يعني الضمير لهما بتأويل كل واحد منهما أو للقمر، وخص بما ذكر لسرعة سيره لأنّ ما تقطعه الشمس في سنة يقطعه هو في شهر ولأنّ منازله معلومة محسوسة، وأحكام الشرع منوطة به في اكثر فلا يضرّ ما قيل إن العنين يؤجل سنة شمسية، وقوله حساب الأوقات بالنصب إشارة إلى عطفه على عدد لا على السنين بالجرّ، وهو القراءة وتقدير مضاف، وهو سير يقتضي أن منازل منصوب على الظرفية أو الحالية، وقيل أصله قدر له منازل فهو مفعول به، وقوله ولذلك أي لكونه مخصوصاً بالقمر لأنّ علم ذلك إنما هو به، وليست الإشارة إلى كون الأحكام منوطة به حتى يمنع، وليس ذكر الأيام في تفسير الحساب بناء على عود الضمير للشمس كما توهم. قوله: " لا متلبساً بالحق (يعني أن الباء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 للملابسة، وهو حال، والحق خلاف الباطل، وهو الصواب أي لم يخلقه باطلا وعبثاً، وقوله مراعياً تفسير له أي أوح خواص وقوى منتظمة بمصالح العالم السفليّ، وقوله على وجود الصانع إشارة إلى أن الآيات بمعنى الدلائل، وقيل هي آيات القرآن، وتفصيلها نزولها مفصلة منجمة مبينة ل! ما يلزم، وقوله فإنهم المنتفعون حمله على العلماء، وخصهم لما ذكر ولم يجعله بمعنى العقلاء، وذوي العلم لعمومه كما قيل لأن هذا أبلغ كقوله: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [سورة النازعات، الآية: 45] وقوله: {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سورة يونس، الآية: 6، مرّ تفسيره في سورة آل عمران. قوله: (لا يتوقعوئه لإنكارهم البعث الخ) قالوا الرجاء يطلق بمعنى توقع الخير، وهو الأصل كالأمل، ويطلق على الخوف، وتوقع الشرّ، ويطلق على مطلق التوقع، وهو في الأوّل حقيقة، وفي الآخرين مجاز، وجوّز الزمخشري فيه هنا الوجوه الثلاثة، واقتصر المصنف رحمه الله على معنى التوقع لأنه أنسب بالمقام، وقيل لعدم احتياجه إلى تقدير مضاف كحسن أو سوء، وقال الإمام حمل الرجاء على الخوف بعيد لأنّ تفسير الضد بالضد غير جائز يعني في غير الاستعارة التهكمية، والتهكم غير مراد هنا كما يشعر به قوله تفسير دون استعارة فمن ردّه بذلك لم يصب مع أنّ الإمام رحمه الله لا يسلم له ما قاله فإنه ورد في استعمالهم، وذكره الإمام الراغب والمرزوقيّ، وأنشدوا شاهدآ له قول أبي ذؤيب: إذالسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عوامل قال الراغب وجهه أنّ الرجاء والخوف متلازمان، واعترض على المصنف رحمه الله بأنّ تفسيره لا ينتظم مع تعليل قرينه فالمراد لا يخافونه لاعتمادهم على شفعائهم فإن قوله لغفلتهم لا يتمشى مع الإنكار، وليس بوارد لأنه يعني أنهم غفلوا وذهلوا عن الأدلة وما يرشدهم إلى العلم بها حتى أنكروا، والتفسير بذلك إيماء إلى ظهورها حتى كأنها حاضرة عندهم وإنما عرض لهم ذهول وغفلة فتدبر وقوله من الآخرة أي بدلاً عنها لأنّ مجرّد الرضا بها مع عدم ترك الآخرة ليس بذم، وهو تفسير له بما وقع في النظم في قوله أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، وجملة رضوا معطوفة على الصلة أو حالية بتقدير يرقد. قوله: (وسكنوا إليها الخ (حقيقة الطمأنينة سكون بعد انزعاج كما قاله الراغب رحمه الله فالاطمئنان إما بمعنى السكون بسبب زينتها وزخارفها فالباء سببية أو ظرفية بمعنى سكنوا فيها سكونا خاصا، وهو سكون من لا يرحل ولا ينزعج لزعمهم أنه لا حياة غيرها وقوله مقصرين كان حقه أن يقول قاصرين لأنّ أقصر معناه كف مع القدرة لا بمعنى الاقتصار الذي عناه. قوله: (لا يتفكرون فيها لانهماكهم الخ الما كان الغافلون، والذين لا يرجون عبارة عما هو متحد الذات أشار إلى أنه من عطف الصفة على الصفة تنبيهاً على أنهم جامعون بينهما وأن كل واحدة منهما متميزة مستقلة صالحة لأن تكون منشأ للذم والوعيد كما في الكشاف، وهو أولى مما ذكره المصنف رحمه الله فإنه يفهم من ظاهره أنّ كلاً منهما غير موجب للوعيد بالاستقلال بل الموجب له المجموع، وهؤلاء هم المنكرون للبعث على هذا الوجه، ولما صح أن تكون الثانية سببأ للأولى قال في الكشاف، ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم فوكل الترتيب إلى ذهن الذكيّ، وفي كلام المصنف رحمه الله اً يضاً إشارة إليه. قوله:) وإمّا لتغاير الفريقين الخ) أي هما فريقان من الكفرة متغايران فلذا عطفا فالأوّل المشركون المنكرون للاخرة، والثاني أهل الكتاب مثلا الذين ألهاهم حبّ الدنيا والرياسة عن الإيمان والاستعداد للآخرة، وقوله بما واظبوا أي داوموا واستمرّوا والاستمرار التجدّدي من المضارع لا سيما إذا اقترن بكان فإنه كالصريح فيه، والتمرّن التدرّب والاعتياد. قوله:) بسبب إيمانهم الخ (قدر متعلق الهداية ما ذيهر، وقدره تارة بإلى وتارة باللام لتعديه بهما كما أنه يتعذى بنفسه، والتقدير الأوّل والأخير يدل عليه قوله بعده: {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ} الخ لأنه بيان له يعني أنّ عملهم، وايمانهم يكون نوراً بين أيديهم يقودهم إلى الجنة أو أنهم بذلك تنجلي بصيرتهم وينكشف لهم حقائق الأمور أو لما يريدونه من النعيم أو غيره في الجنة. قوله: (" من عمل بما علم " الخ) هذا يقتضي أنّ العمل هو المورّث لما ذكر لا مجموع الإيمان والعمل حتى ينافي ما سيذكره كما توهم. قوله:) ومفهوم الترتيب وإن دل على أنّ السبب الهداية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 الخ) هذا ردّ لما في الكشاف من أن الآية دلت على أنّ الإيمان المعتبر في الهداية إلى الجنة هو المقيد بالعمل الصالح لا المطلق لأنه جعل الصلة مجموع الأمرين كأنه قال إنّ الذين جمعوا بين الإيمان، والعمل الصالح يهديهم ربهم، ثم قال بإيمانهم أي المقرون بالعمل فرأى بعضهم وتبعه المصنف رحمه الله أنه مبنيّ على الاعتزال، وخلود غير الصالح في النار ولا دلالة فيها على ما ذكره لأنه جعل سبب الهداية إلى الجنة مطلق الإيمان وأمّا أن إضافته إلى ضمير الصالحين تقتضي أخذ الصلاح قيداً في التسبب فممنوع فإنّ الضمير يعود على الذوات بقطع النظر عن الصفات، وأيضا فإن كون الصلة علة للخبر في نحو الذي يؤمن يدخل الجنة بطريق المفهوم فلا يعارض! السبب الصريح المنطوق، وليس كلى خبر عن الموصول يلزم فيه ذلك نحو الذي كان معنا أمس فعل كذا كما فصل في المعاني، وقد ردّ هذا بأنّ الجمع بين العمل الصالح والإيمان ظاهر في أنهما السبب والتصريح بسببية الإيمان المضاف إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالتنصيص على أنه ذلك الإيمان المقرون بما معه لا المطلق لكنه ذكر لأصالته وزيادة شرفه فلا استدراك، ولا دلالة على استقلاله، ثم إنّ النزاع إنما هو في سبب الهدأية إلى طريق الجنة لا إلى الاستقامة على سلوك السبيل المؤدّي إلى الثواب وأنّ من لا يكون مهتديا إلى الجنة لا يدخل الجنة مطلقا، ومنعه مكابرة فتدبر. قوله: {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} أي من تحت منازلهم أو بين أيديهم، وقوله استئناف أي نحويّ أو بيانيّ فلا محل له من الإعراب، وقوله على المعنى الأخير لعدم المقارنة في الأوّلين وان صح أن يكون حالأ منتظرة لكنه خلاف الظاهر، وقوله خبر أي ثالث، وقوله أو حال أخرى منه أي من مفعول يهديهم فتكون حالاً مترادفة أو من الأنهار فهي متداخلة، وقوله أو بيهدي أي على الأخير. قوله: (أي دعاؤهم الخ) الدعوى مشهورة في الادّعاء لكنها وردت بمعنى الدعاء أيضا، وهو المراد هنا بقرينة ما بعده لأنه من جنس الدعاء وتكون أيضا بمعنى العبادة وقد جوّز إرادته هنا، وان كانت الجنة ليست دار تكليف أي لا عبادة لهم غير هذا القول والمراد نفي التكليف كقوله: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [سررة الأنفال، الآية: 35] والأوّل أظهر فلذا اختاره المصنف والثاني أدق أو المراد أنه عبادة لهم تلذذاً لا تكليفا. قوله: (اللهئم إنا نسبحك الخ) أشار به إلى أنّ سبحان مصدر بمعنى التسبيح، وعامله محذوف، وقدّرها اسمية وقدم اللهمّ مع أنه مؤخر بناء على أنّ النداء يقدم على الدعاء لكنه استعمل مع سبحانك كذلك أمّا جعلها اسمية فلأنه أبلغ بقرينة أن الجمل التي بعدها كذلك، وأفا التأخير فلأنّ التنزيه تخلية عن جميع النقائص، وفي النداء ربما يتوهم ترك الأدب. قوله: (ما يحى به بعضهم بعضاً الخ (اختلف في إضافة هدّا المصدر وهو تحية فقيل إنه مضاف لفاعله أي تحيتهم بتقدير مضاف أي تحية بعضهم بعضاً آخراً والبعض المقدر مفعول والفاعل محذوف وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما، وأما على كون المحيي الملائكة عليهم الصلاة والسلام فهو مضاف للمفعول لا غير وكذا إذا كان المحي هو الله سبحانه وتعالى كما في الكشاف، وستأتي الإشارة إليه في كلام المصنف رحمه الله، وقيل يجوز أن يكون مما أضيف فيه المصدر لفاعله ومفعوله معا إذا كان المعنى يحيي بعضهم بعضا كما قيل في قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 78] حيث أضيف لداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام وغيرهما وهما حاكمان ومعهما المحكوم عليهم قيل وهذا مبني على أنه هل يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أم لا فان قلنا نعم جاز ذلك لأنّ إضافة المصدر لفاعله حقيقة ولمفعوله مجاز، ومن منع ذلك أجاب بأنّ أقل الجمع اثنان فلذلك قال لحكمهم، وقد مرّ أنّ الخلاف في ذلك إذا كان المجاز لغويا وأفا إذا كان عقليا فلا خلاف في جوازه ونظير. ما قيل في حب الهرّة من الإيمان أن المراد أن تحب الهرّة أو تحبك الهرّة وقيل المراد حث الهزة مطلقا سواء كان منها أو لها، وقيل لم يقصد بالإضافة إلى الفاعل والمفعول النظر إلى ذلك بل قطع النظر عنه، ومعناه التحية الكائنة فيما بينهم والضمير على كل حال للمؤمنين وعلى كل حال لا يخفى ما فيه، ولما رآه السفاقسيئ مشكلأ قال إنه مصدر مضان للمجموع لا على سبيل العمل فكان كما قيل: ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر قوله:) أي أن يقولوا ذلك الخ (فسره بالمصدر لأن المبتدأ آخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 المضاف إلى المصدر فيكون بعضاً منه فلا يقال إنه لا ضرورة لتأويله بالمصدر، والدعاء مقول لهم لا قول. قوله:) ولعل المعنى أئهم الخ) يعني أن لدعائهم أوّلاً وآخراً فأوّله سبحانك اللهمّ، وآخره الحمد دلّه رلمحت العالمين وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة ترقوا في معرفته تعالى، ومعرفة كنه ذاته غير ممكن فالغاية القصوى معرفة صفاته وهي إئا سلبية وتسمى بصفات الجلال وافا غيرها وتسمى بصفات اجمرام وبه فسر قوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [سورة الرحمن، الآية: 78] والأولى متقدمة على الثانية فلذا قدم قوله سبحانك، وأخر النداء أيضاً مع تقدمه في نحوه إشارة إلى ترقيهم في معرفة صفات الجلال، ثم قيل الحمد لله إشارة إلى ترقيهم في صفات الإكرام، وقوله أو الله تعالى إشارة إلى الوجه الآخر، وهو أن يكون تحية مضافا للمفعول والفاعل هو الله كما صرّج به الزمخشري فيما تقدّم وهو المذكور في قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [سورة يس، الآية: 58] . قوله:) وأن هي المخففة من الثقيلة الخ) واسمها ضمير الشان محذوف، والجملة الاسمية خبرها وأن ومعمولاها خبر المبتدأ وليست مفسرة لفقد شرطها ولا زائدة كما قيل وقراءة مجاهد وقتادة ويعقوب وغيرهم بتشديدها ونصب الحمد تدذ على ذلك وعذى يسرع بنفسه حملا له على يعجل. قوله:) وضع موضع تعجيله الخ (قال سيبويه التقدير لو يعجل الله للناس الشرّ تعجيلا مثل تعجيلهم الخير، ثم حذف تعجيلا وأقيمت صفته مقامه ثم حذفت الصفة وأقيم ما أضيفت إليه مقامها كاسأل القرية انتهى، وفي الكشاف وضحع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم، واسعافه بطلبتهم حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل لهم والمراد أهل مكة، وقولهم فأمطر علينا حجارة من السماء، وفي الانتصاف هذا من تنبيهاته الحسنة الدالة على دقة نظره إذ لا يكاد يوضع مصدر مؤكد مقارنا لغير فعله في الكتاب العزيز بدون هذه الفائدة الجليلة والنحاة يقولون فيه أجري المصدر على فعل مقدر دل عليه المذكور، ولا يزيدون عليه وإذا راجع الفطن قريحته وناجى فكرته علم أنه إنما قرن بغير فعله لفائدة ففي قوله: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17] التنبيه على نفوذ القدرة في المقدور وسرعة إمضاء حكمها حتى كان إنبات الله لهم نفس نباتهم أي إذا وجد الإنبات وجد النبات حتماً حتى كان أحدهما عين الآخر فقرن به، وقال المدقق في الكشف أنه إشعار بسرعة إجابته لهم حتى كأنّ استعجالهم بالخير عين تعجيله لا يتأخر عنه، وهذا كما قيل في قوله فانفجرت أنه دالّ على سرعة الامتثال كأنّ الانفجار ترتب على نفس الأمر فما قيل أنّ مدلول عجل غير مدلول استعجل لأن عجل يدلّ على الوقوع، واستعجل على طلب التعجيل وذلك واقع من الله، وهذا مضاف إليهم فلا يصح ما ذكر بل لا بدّ أن يقدر تعجيلاً مثل استعجالهم أي ولو يعجل الله للناس الشرّ إذا استعجلوه استعجالهم بالخير من قلة التدبر وكذا دفعه بأنّ استفعل ليس للطلب بل هو كاستقرّ بمعنى أقرّ، وقد علم من كلام المصنف رحمه الله تعالى دفع ما توهموه لأنه لا بد فيه من تقدير ولكن طيه لدلالة المذكور عليه حتى كأنه مذكور بذكره إفادة النكتة المذكورة ولذا عده في البيان من إيجاز الحذف وشبهه المدقق بالفاء الفصيحة حتى أنه لو سمى المصدر الفصيح حسن ذلك وقد أطال بعضهم هنا بغير طائل مما رأينا تركه خيراً منه فقول المصنف رحمه الله تعالى وضع أي حل محله بعد حذفه، وقوله في الخير لأنه مشبه به فهو ثابت بخلاف تعجيل الشرّ فإنه في حيز لو منفيّ وقوله: (المراد شرّ استعجلوه) يؤخذ مما سيقدره وبقية كلامه ظاهر إلا أنه قيل لو طرج قوله تعجيله للخير من البين كان أولى، وقوله لأميتوا وهلكوا لأنّ معنى قضى إليه أجله أنهى إليه مذته التي قدر فيها موته فهلك، وعلى قراءة قضينا الضمير فيه لله أيضا وفيه التفات. قوله: (عطف على فعل محذوف الخ) يعني أنه لا يصح عطفه على شرط لو ولا على جوابها لانتفائه، وهذا مقصود إثباته لا نفيه فلذا ذهبوا فيه إلى طرق منها أنه معطوف على مجموع الشرطية لأنها في معنى لا يعجل لهم، وفي قوّته فكأنه قيل لا نعجل بل نذرهم، ومنها أنه معطوف على مقدر تدل عليه الشرطية أي ولكن نمهلهم أو لا تعجل كما قدره المصنف رحمه الله، وقيل الجملة مستأنفة والتقدير فنحن نذرهم، وقيل إنّ الفاء جواب شرط مقدر، والمعنى، ولو يعجل الله ما استعجلوه لأبادهم، ولكن يمهلهم ليزيدوا في طغيانهم ثم يستأصلهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 وإذا كان كذلك فنحن نذر هؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا من أهل مكة في طغيانهم يعمهون، ثم نقطع دابرهم، وقيل هذه الآية متصلة بقوله إنّ الذين لا يرجون لقاءنا دالة على استحقاقهم العذاب وأنه تعالى إنما يمهلهم استدراجا وأتى بالناس بدل ضميرهم تفظيعاً للأمر ثم قيل فنذر الذين لا يرجون لقاءنا مصرحاً باسمهم، وذكر المؤمنين إنما وقع في البين تتميماً ومقابلة فليس بأجنبيّ، ولا حاجة إلى جعله جواب شرط مقدر، وأمّ جعل لو بمعنى أن وتفريع ما بعده عليه فركيك إذا تأملت وان ظن أنه وجه وجيه. قوله: (دعانا لإزالتة مخلصاً فيه الخ الجنبه في محل نصب على الحال ولذا عطف عليه الحال الصريحة والتقدير دعانا مضطجعا لجنبه أو ملقي لجنبه واللام على ظاهرها، وقيل أنها بمعنى على ولا حاجة إليه وقد يعبر بعلى بدله وهي تفيد استعلاءه عليه، واللام تفيد اختصاصه به لاستقراره عليه، واختلف في ذي الحال فقيل الإنسان والعامل فيها مس، واستضعف بأمرين. أحدهما: تأخرها عن محلها بغير داع. والثاتي: أنّ المعنى على أنه يدعو كثيراً في كل أحواله لا على أنّ الضرّ يصيبه في كل أحواله كما صرّح به في غير هذه الاية. وقيل إنه لا بأس به فإنه يلزم من مسه الضرّ في هذه الأحوال دعاؤه في تلك الأحوال أيضا لأنّ القيد في الشرط قيد في الجواب فإذا قلت إذا جاء زيد فقيراً أحسنا إليه فالمعنى أحسنا إليه في حال فقر.، وقيل ذو الحال فاعل دعانا وهو ظاهر ثم هل المراد بالإنسان الجنس، والأحوال بالنسبة إلى المجموع أي منهم من يدعو على هذه الحال ومنهم من يدعو على تلك أو المراد شخص معين وأنّ هذه أحواله، والمراد الكافر ذهب إلى كل منها بعض المفسرين ولا حاجة إلى جعل إذا هنا للمضيّ، وصرفها عن أصلها كما قيل وقوله ملقى قدر له متعلقا خاصا ليظهر به معنى اللام. قوله: (وفائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال (أي سواء كان بالنسبة لشخص واحد أو للنوع كما مز، وأمّا شموله لأصناف المضار أي الأمراض فلأنها إمّا خفيفة لا تمنعه القيام أو متوسطة تمنعه القيام دون القعود أو شديدة تمنع منهما فهذه الأحوال مبينة لمضاره من السياق ولا خفاء في ذلك يحتاج إلى التوجيه كما توهم. قوله: (مضى على طريقتة واستمرّ على كفره) فيه إشارة إلى أنّ المراد بالإنسان نوع منه، وهو الكافر لا الجنس فالمرور على هذا مجاز عن الاستمرار على ما كان عليه، وعلى الثاني باق على حقيقته وهو كناية عن عدم الدعاء وعدى بعلى في الأوّل لتضمنه معنى المضيّ وعن في الثاني لتضمنه معنى المجاوزة. قوله:) كأنه لم يدعنا الخ (بالتشديد بيانا لأصله لقوله فخفف والتمثيل لتخفيفه واضمار ضمير الشأن بدليل رفع ثدياه وهذا بناء على أنها إذا خففت لا يبطل عملها فيقدّر لها ما يقتضيه الكلام، وقال الفاضل اليمني: أنه يبطل عملها، وأصل البيت كان ثدييه فلما خفف بطل عملها فلا حاجة إلى تقدير. قوله: (ونحومشرق اللون كان ثدياه حقان) وفي بعض النسخ مشرق الصدر ولم يعز هذا البيت لقائله والنحر موضع القلادة من الصدر والأصل حقتان فحذفت تاؤه في التثنية على خلاف القياس كما قالوا، وهذا يدل على أنه لا يقال حق بمعنى حقة كما يستعمله الناس، وكان مخففة بطل عملها فالجملة بعدها لا محل لها فانظر من أي أنواع الجمل هذه أو اسمها محذوف في محل رفع وضمبر ثدياه للنحر والثدي معروف، وقيل ليس البيت كالآية لأنها اعتبر فيها ضمير الشأن لأنّ حق هذه الحروف الدخول على المبتدأ والخبر، ولو بعد التخفيف فإنه لا يبطل إلا العمل وعلى هذا لا حاجة إلى ضمير الشأن في البيت والتمثيل به لمجرّد بطلان العمل وهذا مخالف لما صرّحوا به فإنّ ابن مالك رحمه الله تعالى صرّج في التسهيل بأنها عاملة بعد التخفيف دائما، وقال في المفصل يجوز إعمالها والغاؤها مطلقا فأوّله ابن يعيش بأنّ المراد بإلغائها عملها في ضمير الشأن وهو بعيد ومن ذهب إلى الأوّل قدر ضمير الشأن في البيت كما صرحوا به، وأمّا التفصيل الذي ذكر. فلم نره لغيره، وبطلان عملها يخرجها عن مقتضاها على القول به وفي شرح الشواهد لابن هشام رحمه الله أنّ هذا البيت أورده سيبويه رحمه الله تعالى هكذا: ووجه مشرق النحر كان ثدياه حقان وعليه فالضمير للوجه أو للنحر وهو بتقدير مضاف أي ثديا صاحبه أو الإضافة لأدنى ملابسة، وقد روي أوّله وصدر، وأصل كان كأنه والضمير للوجه أو الصدر أو للشأن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 والجملة الاسمية خبره فلا يتعين تفدير ضمير الشأن كما قالوه هنا وروي كان ثدييه على أعمالها في اسم مذكور فحقان الخبر، وقوله إلى كشف ضر الخ إشارة إلى تقدير مضاف لأنّ المدعو إليه كشفه لا هو، وقيل إلى بمعنى اللام فلا تقدير فيه. قوله: (مثل ذلك التزيين الخ) تفسير معنى لا إشارة إلى أنّ الكاف اسمية، والإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده لا إلى شيء آخر مشبه به، وقد مرّ تحقيقه في سورة البقرة في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] والتزيين مرّ تحقيقه وتحقيق فاعله في سورة الأنعام. قوله:) حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى الخ) جعلها ظرفاً بمعنى حين لا شرطية بتقدير جواب، وهو أهلكناهم بقرينة ما قبله لعدم الحاجة إليه. قوله: (أو عطف على ظلموا) وكذا قوله: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} وجوّز الزمخشريّ كونه اعتراضا بين الفعل ومصدره التشبيهي، وقال النحرير لأنّ معنى ظلموا وما بعده إحداث التكذيب، ومعنى هذا الإصرار عليه بحيث لا فائدة في إمهالهم، وحاصل المعنى أن السبب في إمهالهم هذان الأمران، وهذا ظاهر على تقدير العطف، وأمّا على تقدير الاعتراض فلأنه مفيد لتقرير ما تخلل هو بينه، وهو إفادة السببية وهذا دفع لما توهم من أنه لا يصلح سببا لإهلاكهم، والعطف يقتضيه والضمير في كانوا عائد على القرون وجوّز مقاتل رحمه الله أن يكون ضمير أهل مكة فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى ما كنتم لتؤمنوا وكذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الجزاء نجزي وقرئ يجزي بياء الغيبة التفاتا من التكلم في أهلكنا إليها. قوله: (وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم الخ) قيل عليه أنّ علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس وقال بعض فضلاء عصرنا كون العلم علة لكفرهم وعدم إيمانهم باطل لا يشتبه على مؤمن فضلا عن عالم فاضل لأنّ كون علم العالم الديان علة للكفر، والعصيان مقالة أهل الزيغ والطغيان وحاشى مثل المصنف رحمه الله أن يقع فيه لكن ظاهر عطف قوله وعلمه الخ على قوله لفساد استعدادهم يوهم ذلك فيجب أن يؤوّل كلامه، ويصرف عن ظاهره بأن يجعل المراد موتهم على الكفر المعلوم منه تعالى أو يجعل العلم علة للحكم بأنهم يموتون على الكفر، ويكون حاصل المعنى، ولقد أهلكنا القرون السابقة لما كذبوا وعلمت أنهم لا يؤمنون وان أهلكناهم فتكون العلة هي المعلوم أعني عدم إيمانهم فيما سيأتي ولكن إنما علم ذلك لكون علم الله تعالى محيطا بالمستقبل فتوسيط العلم لإثبات المعلوم لا لإفادة علية العلم فافهم، وقال آخر من فضلاء العصر أقول معنى كون العلم تابعاً للمعلوم أنّ علمه تعالى في الأزل بالمعلوم المعين الحادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصيته العلم وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية، وأئا وجود الماهية وفعليتها فيما لا يزال فتابع لعلمه الأزليّ التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق، وتوجد فيما لا يزال على هذه الخصوصية فنفس موتهم على الكفر، وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزليّ، ووقوعه تابع له فخذ هذا التحقيق ينفعك في مواضع شتى وهذا مما لا شبهة فيه وهو مذهب أهل السنة رحمهم الله تعالى وقد صرّج به النحرير في أوّل سورة الأنعام حيث قال: علم الله بأنهم يتركون الإيمان، ويؤثرون الكفر صار سببا لامتناعهم عن الإيمان باختيارهم عند المعتزلة، وأما عند أهل السنة فقد صار ذلك سبباً لعدم إيمانهم بحيث لا سبيل إليه أصلا وبهذا يندفع ما قال الإمام الرازي إن هدّا يدل على أنّ سبق القضاء بالخسران، والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع عن الإيمان وذلك عين مذهب أهل السنة انتهى، وبهذا علصت ما في هذا المقام من الخبط، وقد زاد في الطنبور نغمة من قال في رده إنّ المصنف رحمه الله لم يرد الاستدلال بالعلم على المعلوم حتى يلزم جعل المعلوم تابعا للعلم، ويرد عليه أنّ الأمر بالعكس بل أراد به الإشارة إلى أن وقوع إهلاكه تعالى القرون مشروط بعلمه بموتهم على الكفر، وإن كان نفس الموت على الكفر سببا لنفس الإهلاك، وهو كناية عن نفس موتهم على الكفر لأنّ علم الله تعالى يتعلق بالأشياء على ما هي عليه، والنكتة في تلك الإشارة ما ذكرنا من الاشتراط فتدبر ما ذكرناه، ولا تقع في هوّة التقليد كما وقعوا واحدا بعد واحد، وقد سبق طرف من هذا فيما سبق، وكون اللام لتأكيد النفي مز تفسيره. قوله: (نجزي كل مجرم أو نجزيكم الخ) يعني المجرمين إمّا عامّ شامل لهم، ولمن قبلهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 من القرون أو خاص بالمخاطبين وذكر القوم إشارة إلى أنه عذاب استئصال والتشبيه على الثاني على ظاهره أي يجزيكم مثل جزاء من قبلكم وعلى الأوّل هو عبارة عن عظم هذا الجزاء والتشبيه فيه على منوال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] ولم يلتفت إلى جعل القوم المجرمين عبارة عن القرون لأنه غير مناسب للسياق، والدلالة المذكورة من تخصيصهم بالوصف المذكور وهي ظاهرة. قوله: (استخلفناكم قيها بعد القرون) إشارة إلى أنه معطوف على قوله، ولقد أهلكنا لا على ما قبله، وقوله استخلاف من يختبر هو معنى قوله لننظر واشارة إلى أنه على طريق التمثيل لأنّ المعنى كاستخلاف إذ حقيقة الاختبار لا تصح في حقه تعالى. قوله: (أتعملون خيرا أو شرّا الخ (كذا وقع في الكشاف فقيل عليه القاعدة النحوية أنّ ما بعد كيف إن كان فعلاً كان حالاً نحو كيف ضرب وان كان اسما كان خبرا نحو كيف زيد، وهذا يخالفه فكأنه جعله مجازا عن أي شيء لدلالة المقام عليه، ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى، وفيه أن ما ذكره ليس على إطلاقه فإنها في كيف كنت خبر أيضا، وفي كيف ظننت زيداً مفعول به، والتحقيق أن معناها السؤال عن الأحواد والصفات لا عن الذوات، وغيرها فالسؤال هنا عن حالهم وأعمالهم ولا معنى للسؤال عن العمل إلا عن كونه حسنا أو قبيحا وخيرأ أو شزاً فليست مجازاً بل هي على حقيقتها فهي إفا مفعول به أو مفعول مطلق قال في المغني وعندي أنها تأتي مفعولاً مطلقأ وأنّ منه كيف فعل ربك إذ المعنى أفي فعل فعل ربك ولا يتجه فيه أن يكون حالاً من الفاعل انتهى. قوله:) وكيف معمول تعملون فانّ معنى الاستفهام يحجب الخ (أي ليس معمولاً لننظر لأن الاستفهام له الصدارة فيحجب أي يمنع ما قبله من العمل فيه ولذا لزم تقديمه على عامله هنا، وهو من التعليق على كل حال إقا لأنّ النظر بمعنى العلم أو لكونه طريقا له فيعامل معاملة أفعال القلوب في جريان التعليق فيه، وفي قوله معمول تعملون إشارة مّا إلى ما تقدم، وفي قوله سابقا يختبر إشارة إلى أنّ المراد من النظر هنا الاختبار والمراد منه العلم لأنّ الاختبار طريقه فهو راجع إلى ما في الكشاف فإن قلت إذا كان بمعنى العلم يلزم أن لا يكون الله عالما بأعمالهم قبل استخلافهم قلت المراد أنه تعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بأعمالهم ليجازيهم بحسنها كقوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، [سورة هود، الآية: 7] ويمكن أن يقال المراد بالعلم المعلوم كما مرّ في نظائره فحينئذ يكون هذا مجازاً مرئياً على استعارة، وعلى الأوّل استعارة تمثيلية مرتبة على استعارة تصريحية تبعية وليس الذهاب إلى هذا من المصنف رحمه الله، والزمخشريّ لأنّ النظر تقليب الحدقة والله تعالى لا يتصف به فلا يلزم تبعيته له في نفي الرؤية كما هو مذهب بعض القدرية القائلين بأنه تعالى لا يرى، ولا يرى كما توهم ولا في جعل رؤية الله بمعنى علمه فإنّ الرؤية إدراك عين المرئيّ كما أنّ السمع إدراك المسموع، وهي حالة مغايرة للعلم فينا، وأمّا في الله تعالى فهل هي مغايرة لعلمه بالمرئيات، والمسموعات كما ذهب إليه الأشاعرة أو ليست مغايرة له بل رؤية الله، وسمعه عبارة عن علمه كما ذهب إليه المعتزلة كما ذهب إليه بعض شرّاح الكشاف بل لأن المعنى يقتضيه فإذا قلت أكرمتك لأرى ما ثصنع فالمعنى لأختبرك، وأعلم ما صنعك فأجازيك عليه، ومن حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى على أنه حمل البصر على الانتظار، والتربص! الذي هو أحد معانيه وقال إنّ معمول تعملون ضمير كيف لا هو نفسه فقد خبط وتعسف لعدم تدبر كلام المصنف رحمه الله ولم يعرف أنّ كيف لا يصح أن يرجع إليها ضمير كما صرّج به السيرافيّ في شرح الكتاب، ولولا خوف الملل لذكرت كلامه برمته، وكشفت لك الغطاء عما فيه من المفاسد فكن على بصيرة من ربك. قوله: (وفائدته الدلالة) أي لم يقل لننظر عملكم، وعدل عنه إلى ما ذكر لهذه النكتة وهي أنّ النظر إلى كيفية الأعمال لا إليها نفسها، وهما بالنظر إلى معناه الأصليئ فإن المجاز مشعر به، وملوح إليه في الجملة فتدبر، وقوله يحسن الفعل تارة، ويقبح كالخمر يشرب للهو ولإساغة الغصة عند عدم غيرها. قوله: (يعني المشركين الخ) هذا بيان للواقع، ولأنّ من لا يرجو اللقاء وينكر البعث فهو مشرك، وقوله: (بكتاب آخر) إشارة إلى أنّ المراد بالقرآن معناه اللغوفي، وقوله: (أو ما نكرهه (أو فيه لمنع الخلو. قوله: (أو بدّله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى الخ (التبديل يطلق على تبديل ذات بذات أخرى كبدلت الدنانير دراهم، وعلى صفة بأخرى كبدلت الخاتم حلقة فالظاهر أنّ المراد بقوله أئت بقرآن غير هذأ القسم الأوّل، وقوله أو بدله الثاني لأن تبديل بعض الشيء ليس تبديلا لذاته بل قريب من تبديل الصفة، والصورة. قوله:) ولعلمهم سألوه الخ (الإسعاف المساعدة بالإجابة إلى ما طلبوه فيلزموه بأنه ليس من عند الله بل هو افتراء منه فلذا بدله وغيره كما يريد وليس المراد أنه لو أجابهم آمنوا، وقوله ما يصح إشارة إلى أن كان تامّة بمعنى وجد ونفي الوجود قد يراد ظاهره، وقد يراد به نفي الصحة فإنّ وجود ما ليس بصحيح كلاً وجود. قوله: (وهو مصدر استعمل ظرفاً) أي هو مصدر على تفعال بكسر التاء ولم يجىء مصدر بكسرها غير تلقاء وتبيان وان وقع في الأسماء غيرهما، وقرئ شاذاً بفتح التاء، وهو القياس في المصادر الدالة على التكرار كالتطواف، والتحوال، وقد يستعمل تلقاء بمعنى المقابل، وأمام فينتصب انتصاب الظروف المكانية، ويجوز جزه بمن أيضا فإنها لا تخرج الظرف عن ظرفيته، ولذا اختصت الظروف الغير المتصرّفة كعند بدخولها عليها فهو هنا كذلك بمعنى من جهتي ومن عندي استعمل في الظرفية المجازية إذ معنى الملاقاة غير مراد هنا فما قيل إن أراد أنه يستعمل ظرفاً ولو في موضع آخر فمسلم كتوجهت تلقاءه اًي جانبه، وان أراد أنه هنا ظرف فممنوع لدخول من عليه لا صحة له. قوله: (وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل) يعني أنهم اقترحوا عليه أحد أمرين الإتيان بقرآن آخر والتبديل فأجاب عن التبديل فقط بحسب الظاهر لأن الإتيان بقرآن آخر غير مقدور عليه فلم يحتج إلى الجواب عنه لأنه إذا لم يكن له التبديل لم يكن له الإتيان بقرآن آخر بطريق الأولى فهو جواب عن الأمرين بحسب المآل، والحقيقة، وهم يعلمون أنّ الإتيان بمثله غير مقدور ولكن اقترحوه لما مرّ ولا يصح أن يكون مرادهم الإتيان به من الله تعالى بالوحي أيضاً لأنه لا يناسب قوله إن اتبع إلا ما يوحي إليّ إني أخاف إن عصيت ربي، وأمّا كون عصيانه بالاقتراج على الله فإنه لا يليق به فخلاف الظاهر الناطق به السياق، وفي قوله من تلقاء نفسي إشعار بأنه يكون من الله وهو كذلك كما وقع في نسخ بعض الآيات كما سيشير إليه، وأمّا الاعتراض بأنّ قوله من تلقاء نفسي يشعر بأنه مقدور له، ولكن لا يفعله بغير إذنه تعالى والتبديل بالمعنى الأوّل أي تبديل القرآن بغيره غير مقدور له فليس بوارد لأنّ التبديل المقصود به تبديل البعض بدليل وقوعه في مقابلة الأوّل، والسكوت عن الأوّل لا يشعر بإمكانه بل يشعر بخلافه فتدبر. قوله: (تعليل لما يكون الخ) أي مستأنف لبيان وجه ما ذكره والمستبد المستقل وقوله:) وجواب للنقض الخ) أي أنه جواب لنقض مقدر، وهو أنه كيف هذا وقد وقع مثله بالنسخ لبعض الآيات، واعترض عليه بأنّ قوله من تلقاء نفسي يحصل به جواب النقض فلا حاجة لدفعه بهذا بل الجواب حاصل بالأوّل، وهذا تعميم بعد التخصيص فيشمل النسخ وغيره، وفيه بحث، وقوله: (ولذلك الخ) أي قيده بقوله من تلقاء نفسي رذا لتعريضهم بأنه من عنده، وسماه عصيانا لأنّ تبديل ما هو من عند الله معصية، وقوله: (وفيه إيماء الخ (لأنّ اقتراج ما يوجب العذاب يستوجبه أيضاً، وإن لم يكن كقعله ولذا جعله إيماء. قوله:! (لو شاء الله غير ذلك (مقتضى الظاهر أن يقال لو شاء الله أن لا أتلوه ما تلوته لأنّ مفعول المشيئة المحذوف بعد لو عين ما وقع في الجواب على ما قرّره أهل المعاني فقيل المراد بقوله غير ذلك عدم تلاوته فهو تفسير بالمعنى، وقد تقدم ما فيه فتذكره. قوله:) ولا أعلمكم به على لساني (دريت بمعنى علمت يقال: دريت بكذا، وأدريتك بكذا وأدريتك كذا فيتعذى بنفسه، وبالباء وكذا العلم لكونه بمعناه قد يتعذى بالباء فيقال علمت به كما استعمله المصنف رحمه الله، وأعلمته بكذا وفي الدرّ المصون أنه إذا تعدى بالباء يضمن معنى الإحاطة، وفي القاموس أنه إذا تعدى بالباء يكون بمعنى الشعور، وفيه نظر. قوله:) بلام التثيد (المراد بلام التاً كيد اللام التي تقع في جواب لو، وليست لام الابتداء لأنها لا تدخل على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 الماضي، وأفا دخولها في المعطوف على الجواب دونه، وان كان خلاف الظاهر فهو جائز لنكتة، وهي هنا إن إعلامهم به على غير لسانه أشد انتفاء وأقوى قيل، ولا هذه مذكرة ومؤكدة للنفي زائدة لأن لا تقع في جواب لو لأنه يقال لو قام زيد ما قام عمرو دون لا قام، فيه نظر لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع وقوله، والمعنى أي على هذه القراءة. قوله: (على لغة من يقلب الألف المبدلة الخ) هذه قراءة الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما بهمزة ساكنة فقيل إنها مبدلة من ألف منقلبة عن ياء وهي لغة عقيل كما حكاه قطرب فيقولون في أعطاك أعطأك، وقيل لغة بلحرث، وقيل الهمزة أبدلت من الياء ابتداء كما يقال في البيت لبأت وهذا على كونها غير أصلية وقد قرئ بالألف أيضا. قوله: (أو من الدرء الخ) فالهمزة أصلية من الدرء، وهو الدفع والمنع، ويقال أدرأته أي جعلته دارئا ودافعا والمعنى ما ذكره المصنف رحمه الله وقرئ أنذرتكم من الإنذار. قوله: (مقدار عمر (عمر يشبه بظرف الزمان فينتصب انتصابه أي مدة، وقيل هو على حذف مضاف أي مقدار عمر، واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى وهو بضم الميم وقرأ الأعمش بسكونها للتخفيف وقوله مقدار عمر بالتنوين فأربعين منصوب بدل أو عطف بيان لمقدار ويجوز إضافته، والأربعون سن به تمام الرجولية والعقل، ولذا أكثر جمعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكون بعدها وكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم، وقوله من قبل القرآن إشارة إلى أنّ الضضير عائد عليه على معنى النزول وقيل على وقت النزول، وقبل التلاوة وقوله لا أتلوه ولا أعلمه بيان للقبلية المذكورة. قوله: (فإنه إشارة إلى أن القرآن الخ) تعليل للتقرير قيل عليه إنّ كلامه لا يخلو من تشويش ولو جعل قوله فإنّ من عاس تعليلاً لقوله ثم قرر الخ بدل قوله فإنه إشارة الخ وأتى بمعنى قوله القرآن معجز آخراً بأن يق! ول علم أنه معلم من الله وأنّ ما قرأ عليهم معجز خارق للعادة انتظم غاية الانتظام، وقوله بين ظهرانيهم بفتح النون أي بينهم، وفي وسطهم، والقريض الشعر من القرض، وهو القطع،: والبذ بالمعجمة الغلبة والمنطيق بكسر الميم البليغ والأحاديث جمع حديث على خلاف القياس أو جمع أحدوثة، وأعرب بمعنى أظهر، وبين والأقاصيص القصص، وقوله على ما هي عليه أي على النهج التي وقعت عليه مطابقا للواقع وقوله معلم به من التعليم أو الإعلام. قوله: (أفلا تستعملون عقولكم الخ) العقل قوّة للنفس، ونور روحانيّ به تدرك العلوم، وعقل يكون بمعنى علم وأدرك، والمصنف رحمه الله جعله مأخوذاً من العقل المذكور والمراد به استعماله لأنه مما يعلم بالعقل، ويدرك بالفكر. قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى} قد مرّ مرارا أنّ نفي الأظلمية كناية عن نفي المساوي أيضاً، وقوله تفاد تفاعل من الفداء جعل مجازا عن المحاماة، والاحتراز والاتقاء والاجتناب قال الشاعر: تفادي الأسود القلب منه تفاديا وقوله مما أضافوه إليه كناية أي مما نسبوه إليه من كونه افتراء منه لأنه المقصود من قولهم: {ائْتِ بِقُرْآنٍ} الخ كما مرّ. وقول: أو تظليم الخ أي نسبتهم إلى الظلم، والحبهم به عليهم فعلى الأوّل القصد إلى نفي ما ذكروه بأنه لا أحد أظلم ممن أسند إلى الله مالم يقله وكذب بآياته، وعلى الثاني يتضمن ذلك مع زيادة لأنّ نسبته إلى الافتراء تكذيب بايات الله والأوّل أنسب بالمقام وعلى الثاني تعلقه به لأنهم إنما سألوه صلى الله عليه وسلم تبديله لما فيه من ذمّ آلهتهم الذين افتروا في جعلها آلهة، وقيل إنه توطئة لما بعده. قوله: (فكفر بها) يعني أنّ المراد الكفر بكونها من عند الله لا تكذيب ما تضمنته، وقوله: (لأنه جماد الخ) المقصود من هذا الوصف نفي المعبودية عن الأوثان إمّا لأنها جمادات لا تقدر على النفع، والضرّ ومن شأن المعبود القدرة على ذلك وأمّا لأنهم إن عبدوها لا تنفعهم، وان تركوا عبادتها لا تضرّهم ومن شأن المعبود أن يثيب عابده، ويعاقب من لم يعبده، والفرق بينهما إطلاق النفع، والضرّ في الأوّل وتقييده بالعبادة وتركها في الثاني كذا في شرح الكشاف، وكلام المصنف رحمه الله صريح في الأوّل وأو للتنويع. قوله: (وكأنهم كانوا شاكين الخ) أي شاكين في البعث كما أشار إليه بقوله إن يكن بعث لأنّ المتبادر من الشفاعة عند الله أنه في الآخرة، وهو مستلزم للبعث، وقوله لا يرجون لقاءنا يقتضي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 خلافه من إنكارهم له فإذا كانوا شاكين مترددين كانوا تارة لا يرجون اللقاء، وأخرى يرجونه ويعدونهم شفعاء لهم فيه، وأورد عليه أنه مخالف لقوله تعالى: {لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [سورة يونس، الآية: 7] على ما فسره المصنف رحمه الله والفرضر لا يستلزم التردّد والشك يعني هذا القول منهم على سبيل الفرض والتقدير أي إن كان بعث كما زعمتم فهؤلاء يشفعون لنا فلا تنافي بين الآيتين والمراد بالشك مطلق التردّد لا ما تساوى طرفاه، ولذا قال فيما سيأتي على توهم أنه الخ. قوله: (وهذا من فرط جهالتهم الخ) أي ما ذكر في قوله ويعبدون من دون الله الخ، وتركهم عبادة الله من قوله من دون الله لأنّ معناه يعبدون غير الله مما لا يضرّ ولا ينفع والموجد بالجيم بمعنى الخالق فإن قلت الشفاعة نفع ولو كانت متوهمة فكيف هذا مع قوله قطعا الخ قلت مراده بقوله يعلم قطعا علمهم في الدنيا بعدم نفعها وضرّها فإنه محقق وانكارهم مكابرة لا يعتذ بها أو المراد علم غيرها بذلك مطلفا فتأمل. قوله: (أتخبرونه) قيل فسره به مع ظهوره لأنه يرد بمعنى الإعلام وهو غير مناسب للمقام، وفوله وفيه تقريع وتهكم هو الواقع في أكثر النسخ يعني المقصود من ذكر أنباء الله بما لا تحقق له، ولم يتعلق به علمه التهكم والهزؤ بهم، والا فلا أنباء، وقوله العالم بجميع المعلومات إشارة إلى ما يلزم من نفي علمه بذلك وهو عدم تحققه. قوله: (من العائد المحذوف) وهو مفعول يعلم إذ التقدير يعلمه وهذه الحال مؤكده لنفي الشريك المدلول عليه بما قبله، وهو جار على التفسيرين ووجه التأكيد إنه جرى في العرف أن يقال عند تأكيد النفي للشيء ليس هذا في السماء، ولا في الأرض! لاعتقاد العامة أنّ كل ما يوجد إما في السماء، وأما في الأرض كما هو رأي المتكلمين في كل ما سوى الله إذ هو المعبود المنزه عن الحلول، وهذا إذا أريد بالسماء، والأرض جهتا العلو والسفل، وقيل الكلام إلزامي لاعتقاد المخاطبين أن الأمر كذلك، وعلى كلام المصنف رحمه الله تعالى فيه دليل على نفي مدعاهم لأنّ ما فيهما مخلوق مقهور فكيف يكون شريكأ لخالقه، والمعبود السماوي الكواكب، والأرضيّ الأصنام، والهياكل وقوله: (عن إشراكهم (إشارة إلى أن ما مصدرية، وما بعده إشارة إلى أنها موصولة، والعائد محذوف. قوله: (موجودين على الفطرة الخ) أي فطرة الإسلام، والتوحيد التي خلق عليها كل أحد كما في الحديث فالمراد كونهم على جبلة واحدة قبل أن يظهر خلافه، وهو في ابتداء النشأة بقطع النظر عما عرض لهم فالمراد كونهم على جبلة واحدة قبل أن يظهر خلافه، وهو في ابتداء النشأة بقطع النظر عما عرض لهم أو المراد اتفاقهم على الحق في عهد آدم عليه الصلاة والسلام، قبل اختلاف أولاده أو المراد اتفاقهم على التوحيد، والحق في زمن نوج عليه الصلاة والسلام بعد أن لم يبق على الأرض من الكافرين ديار وفي هذه الوجوه الاتفاق في الحق أو المراد اتحادهم في الضلال والباطل في الفترة، وهذا أضعفها لبعده ولأنه باعتبار الأكثر لأن منهم من كان على الحق أو على الضلال معطوف على الحق. قوله: (باتباع الهوى والأباطيل الخ) هذا ناظر إلى كون الاتفاق في الحق، وقوله أو ببعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام الخ ناظر إلى كونه في الضلال. قوله:) بتأخير الحكم بينهم الخ (يعني أن الناس لما اختلفوا، وافترقوا إلى محق ومبطل، والله قادر على أن يحكم بينهم وينزل عليهم آيات ملجئة إلى اتباع الحق أو أن يهلك المبطل ويظهر المحق لكن الحكمة، والقضاء الأزلي اقتضيا تأخيره إلى يوم الفصل والجزاء. قوله: (أي من الآيات التي اقترحوها الخ) كآية موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام طلبوا ذلك تعنتا وعناداً والا فقد أتى بآيات ظاهرة ومعجزات باهرة تعلو على جميع الآيات، وتفوق سائر المعجزات لا سيما إعجاز القرآن الباقي على وجه الدهر إلى يوم القيامة، وفسر في الكشاف قوله يقولون بقالوا إشارة إلى أنه لحكاية الحال الماضية ولم يتبعه المصنف رحمه الله لعدم تعينه. قوله: (تصرف عن إنزالها (يعني أن الصارف عن الإنزال للآيات المقترحة أمر مغيب، واعترض عليه بأنه أمر متعين، وهو عنادهم فالمراد إنما الغيب دلّه لا أعلم متى ينزل بكم العذاب المستأصل لشأفتكم لعنادكم، وان كنت عالماً بأنه لا بد من نزوله وأجيب بأنا لا نسلم أنّ عنادهم هو الصارف فقد يجاب المعاند، وقوله تعالى وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون إن دذ على بقائهم على العناد، وان جاءت لم يدل على أن العناد هو الصارف. قوله: (لنزول ما اقترحوه ( الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 وقع في نسخة ما اقترحتموه كما في الكشاف، وهو بيان لمتعلق الانتظار، وقيل إنه تهكم بهم لأنه لم يقع، وفيه تأمل، وقوله لما يفعل الله بكم كالقحط الذي دام عليهم، ونصره عليهم، وقتلهم في مواطن كثيرة، وضمير غيره راجع لما+ قوله تعالى: ( {وَإِذَا أَذَقْنَا} الآية الخ (قيل المراد بالناس كفار مكة لما ذكر في سبب نزولها من قحطهم، وطلبهم أن يدعو لهم بالخصب فيؤمنوا، وقيل إنه عاتم لجميع الكفار دون العصاة لأنّ في الاية ما ينافيه، وقوله صحة وسعة تمثيل، ولم يرد به الحصر وفسر مكرهم بالطعن، وقيل هو إضافة ذلك للأصنام والكواكب والحيا بالمد والقصر المطر، والمراد به هنا الخصب، وقوله منكم بيان لأنّ أسرع أفعل تفضيل وذكر للمفضل عليه، وأسرع مأخوذ من سرع الثلاثيّ كما حكاه الفارسيّ، وقيل هو من أسرع المزيد وفيه خلاف فمنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من أجازه مطلقاً، وقيل إن كانت همزته للتعدية امتنع والا جاز ومثله بناء التعجب، وقوله قد دبر الخ تفسير لسرعته والتدبير مجاز عن التقدير أي تقديره لذلك قبل ذلك. قوله: (على سرعتهم المفضل عليها الخ) في الكشاف ما وصفهم بسرعة المكر فكيف صح قوله أسرع مكرا، وأجاب بأنه دل عليه كلمة المفاجأة لأنّ المعنى فاجأوا وقوع المكر منهم وسارعوا إليه، وظاهر كلامه أنّ صحة استعمال أسرع الدال على المشاركة في السرعة متوقف على دلالة الكلام عليه وأنّ وجهه ما ذكر، وكان المصنف رحمه الله لم يصرّح بالصحة إشارة إلى أنه ليس بلازم لكن دلالة الكلام عليه أوضح وأظهر، وهو كذلك وإذا الأولى شرطية، والثانية فجائية رابطة لجواب الشرط والكلام في كونها ظرف زمان أو مكان، وفي العامل فيها وفي الشرطية مبسوط في محله. قوله: (والمكر إخفاء الكيد) الكيد المضرة، والمكر إيصال المضرة، وإطلاقه على الله مجاز، ولا يستعمل إلا مشاكلة، وقد سبق ما فيه، وقوله وهو من الله الخ يعني إطلاقه عليه إمّا استعارة بتشبيه الاستدراج به أو مجاز مرسل أو مشاكلة فإنها لا تنافيه كما في شرح المفتاح. قوله: (تحقيق للاثتقام (كما مرّ من أنه إذا ذكر علم الله أو إثباته بكتابة ونحوها لما فعله العباد فهو عبارة عن المجازاة، وقوله لم يخف الخ. تجهيل لهم في مكرهم، واخفائهم ذلك على من لا يخفى عليه خافية. قوله: (بالياء ليوافق ما قبله) هذه قراءة الحسن ومجاهد ونافع في رواية عنه جريا على ما سبق من قوله منهم ولهم، والباقون بالخطاب مبالغة في الإعلام بمكرهم والتفاتاً لقوله قل الله إذ التقدير قل لهم فناسب الخطاب، وفي قوله إنّ رسلنا التفات أيضا إذ لو جرى على قوله قل الله لقيل إن رسله فلا إشكال فيه كما قيل من حيث إنه لا وجه لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم إنّ رسلنا إذ الضمير لله لا له، وأجيب بتقدير مضاف أي رسل ربنا أو الإضافة لأدنى ملابسة كما قيل، وقد أجاب بأنه حكاية ما قال الله أو على كون المراد أداء المعنى لا بهذه العبارة، وهذا على تقدير أن يكون هذا الكلام داخلا في حيز القول، وليس بمتعين لجواز جعل قول الله ذلك تحقيقاً للقول المأمور به وفي قوله على الحفظة إشارة إلى أنّ المراد برسلنا رسل الملائكة، ولو قال الكتبة كان أظهر فتأمّل. قوله تعالى: ( {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} الآية (قال الإمام لما قال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} [سورة يونس، الآية: 121 الخ وهو كلام كليّ ضرب لهم مثلابهذا ليتضح ويظهر ما هم عليه، وقوله يحملكم على السير، ويمكنكم في الكشاف فإن قلت كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحريعني وهو مقدم عليه فلا يكون غاية له إذ التسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك قلت لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، ولكن مضمون الجملة الثرطية الواقعة بعد حتى بما في حيزها كأنه قيل يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف، وتراكم الأمواج، والظن للهلاك، والدعاء بالإنجاء قال أبو حيان رحمه الله: وهو كلام حسن ولما رآه محتاجا للتأويل أوّله بالحمل على السير والتمكين منه المتقدم على الكون في الفلك ليتضح جعله غاية له فهذا هو الداعي لتفسير المصنف رحمه الله بما ذكر، ولم يحتج لما في الكشاف لأنه قيل إنّ التحقيق أنّ الغاية إن فسرت بما ينتهي إليه الشيء بالذات فالغاية ليست إلا الشرط وأن فسرت بما ينتهي إليه الشيء مطلقاً سواء كان بالذات أو بالواسطة كان الغاية مجموع الشرط، والجزاء وقيل المسير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 في البحر هو الله إذ هو المحدث لتلك الحركات في السفينة بالريح، ولا دخل للعبد فيه بل في مقدماته وأما سير البز فمن أفعال العبد الاختيارية، وتسيير الله فيه إعطاء الآلات والأدوات فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولذا فسره المصنف رحمه الله بالحمل عليه بأن أحوجه للمعاش، والحركة ومكنه منها فهو معنى مجازقي شامل لهما، وأمّا ادعاء اتحاد السير فيهما والاستدلال به على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله فتكلف وقال ابن عطية رحمه الله ركوب البحر للجهاد والحج جائز، وكذا ركوبه لضرورة المعاس، ولغيره وعند هيجان الريح مكروه. تنبيه: في بعض التفاسير حكى الفخر خلافا في راكب السفينة هل هو متحرّك بحركتها أو ساكن وظاهر الآية الأول لتسويته بين البرّ والبحر وسير البرّ يعمّ الركوب والمشي، ثم نقل عن السلف المنع فيه لغير ضرورة، وعند هيجان ريحه. ) قلت) الأوجه أن لا خلاف فإنه ساكن بالذات سائر بالواسطة، وقرأ ابن عامر ينشركم بالنون، والشين المعجمة، والراء المهملة من النشر ضد الطيّ أي يفرّقكم ويبثكم، وقال الحسن ينشركم من النشر بمعنى الإحياء، وقرأ بعض الشاميين ينشركم بالتشديد للتكثير من النشر، وقرأ الباقون يسيركم من التسيير، والتضعيف فيه للتعدية تقول سار الرجل وسيرته، وقال الفارسي: إنّ سار متعد كسير لأنّ العرب تقول سرت الرجل وسيرته بمعنى كقول الهذلي: فلاتجزعن من سنة أنت سرتها فأوّل راض سنة من يسيرها ولم يرتضه النحاة، وأولوا البيت بما فصله المعرب. قوله: (في الفلك) مفرده وجمعه واحد والحركات فيه بينها تغاير اعتبارقي، وقوله بمن فيها إشارة إلى أنّ الخطاب الأوّل عامّ وهذا خاص بمن فيها وهو التفات للمبالغة في تقبيح حالهم كأنه أعرض! عن خطابهم وحكى لغيرهم سوء صنيعهم وباء بهم للتعدية وفي بريح ربها للسببية فلذا تعلق انحرفان بمتعلق واحد لاختلاف معناهما، ويجوز أن تكون الباء الثانية للحال أي جرين بهم ممتبسة بريح طيبة فيتعلق بمحذوف كما في البحر، وقيل بريح متعلق بجرين بعد تعديته بالباء وقد تجعل الأولى للملابسة، وفرحوا عطف على جرين وهو عطف على كنتم، وقد تجعل حالاً وفسر طيبة بلين هبوبها يعني وموافقتها لهم بمقتضى المقام، وقوله: (والضمير للفلك) قدّمه لكونه أظهر، وان كان الثاني أقرب، وقوله بمعنى تلقتها تأويل له على الوجه الثاني وهو ظاهر. قوله: (ذات عصف شديدة الهبوب) أي هو من باب النسب كلابن وتامر وهو مما يستوي فيه المذكر والمؤنث كما صرحوا به فلذا لم يقل عاصفة مع أن الريح مؤنثة لا تذكر بدون تأويل، وقوله شديدة الهبوب تفسير لمعنى العاصف لأنه من العصف، وهو الكسر أو النبات المتكسر لأن الريح الشديدة تفعل به ذلك فكان كتامر من التمر، ومن لم يدر هذا قال لو حذف قوله ذات عصف كان أولى، وجعله من باب تامر لا وجه له لأنّ الريح تذكر وتؤنث فلذا لم يقل عاصفة أو لاختصاص العصوف به فهو كحاثض، وكيف يتأتى ما ذكره وتفسيره بشديدة الهبوب ينافيه، وقوله يجيء الموج منه تخصيص له لأنه ليس على ظاهره. قوله: (اهلكوا وسدّت عليهم مسالك الخلاص الخ) يشير إلى أنه استعارة تبعية شبه إتيان الموح من كل مكان الذي أشرف بهم على الهلاك، وسد عليهم مسالك الخلاص، والنجاة بإحاطة العدوّ، وأخذه بأطراف خصمه، وهذا أوفق بالنظم من قوله في الكشاف جعل إحاطة العدوّ بالحيّ مثلا في الهلاك، وليس هذا كقوله: {واللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 19] وهذا لا ينافي قوله تعالى وظنوا، وقيل إنه يريد أنّ الإحاطة استعارة لسد مسالك الخلاص تشبيها له بإحاطة العدوّ بإنسان ثم كني بتلك الاستعارة عن الهلاك لكونه من روادفها ولوازمها فقوله أهلكوا بيان للمعنى المراد بطريق الكناية. وقوله: (وسدّت الخ) بيان للمعنى الأصلي له، وأنه استعارة لا حقيقة وجعل كناية عن نفس الهلاك لا القرب منه كما قيل لأنه مقطوع لا مظنون، وإنما المظنون هو الهلاك نفسه ومن جعله كناية عن القرب منه جعل الظن بمعنى اليقين، ولك أن تجعله كناية عن الهلاك مع كون الظن بمعنى اليقين بناء على تحقق قوعه. في اعتقادهم، وفيه بحث. قوله: (من غير إشراك لتراجع الفطرة) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 أي لرجوعهم إلى الفطرة التي جبل عليها كل أحد من التوحيد، وأنه لا متصرّف إلا الله المركوز في طبائع العالم وصيغة التفاعل للمبالغة، وقوله من شدة الخوف تعليل للتراجع والزوال المذكور وما ذكره المصنف رحمه الله تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، رعن الحسن رحمه الله ليس المراد إخلاص الإيمان بل علمهم بأنه لا ينجيهم إلا الله جار مجرى الإيمان الاضطراريّ فتأمّل. قوله: (وهو بدل من ظنوا بدل اشتمال الخ) جعله أبو البقاء رحمه الله جواب ما اشتمل عليه المعنى من معنى الشرط أي لما ظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله، وجعله المصنف رحمه الله كالزمخشري بدل اشتمال لأنّ دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فبينهما ملابسة تصحح البدلية، وجعله أبو حيان رحمه الله جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا كان حالهم إذ ذاك ومخلصين حال وله متعلق به والدين مفعوله، وقيل إنه لم يجعله استئنافا جواب ماذا صنعوا ولا جواب الشرط وجاءتها حال كقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة العنكبوت، الآية: 65] لأنّ البدل أدخل في اتصال الكلام والدلاله على كونه المقصود مع إفادته ما يستفاد من الاستئناف مع ألاستغناء عن تقدير السؤال والاحتياج إيى المجواب يقتضي صرف ما يصلح له إليه لا إلى الحال الفضلة المفتقرة إلى تقدير قد مع أن عطف وظنوا على جاءتها يأبى الحالية والفرح بالريح الطيبة لا يكون حال مجيء العاصف، والمعنى على تحقق المجيء لا على تقديره ليجعل حالاً مقدرة، وفيه نظر لأن تقدير السؤال ليس تقديراً حقيقيا بل أمر اعتباري مع ما فيه من الإيجاز، وليس بأبعد مما تكلف للبدلية وما عذ. مانعاً من الحالية مشترك بينه وبين كوته جواب إذا لأنه يقتضي أنهما في زمان واحد فما كان جوابها فهو الجواب فتدبر. قوله: ( {لَئِنْ أَنجَيْتَنَا} الخ) اللام موطئة لقسم مقدر، ولنكونن جوابه والقسم وجوابه في محل نصب بقول مقدّر عند البصريين، وذلك القول حال أي قائلين لئن أنجيتنا الخ ويجوز أن يجري الدعاء مجرى القول لأنه من أنواعه فتحكي به الجملة، وهو مذهب الكويين، وقوله إجابة لدعائهم مأخوذ من الفاء. قوله: (فاجؤوا الفساد فيها الخ) يعني أنّ إذا فجائية واقعة في جواب لما، والبغي بمعنى الفساد والإتلاف، وهو الذي يتعدى بفي وهو يكون بحق وبغير حق فلذا قيد بقوله بغير الحق، ويكون بمعنى الظلم، ويتعدّى بعلى ولا يتصوّر فيه أن يكون بحق فلو حمل عليه كان بغير الحق للتأكيد، والى الأوّل ذهب المصنف رحمه الله. قوله: (فإن وباله عليكا الخ) يعني أنّ البغي في الواقع على الغير فجعله على أنفسهم لأنّ وباله عائد عليهم فهو إمّا بتقدير مضاف على متعلقة به أو بإطلاق البغي الذي هو سبب للوبال عليه فعلى متعلقة به أو على الاستعارة بتشبيه بغيه على غيره، وايقاعه بإيقاعه على نفسه في ترتب الضرر فيهما كقوله: {وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} [سورة فصلت، الآية: 46] أو المراد بالأنفس أمثالهم استعارة أو أبناء جنسهم لأنهم كنفس واحدة، وهو استعارة أيضا، وليس المراد تقدير أمثال لأنه مفسر له. قوله: (منفعة الحياة الدنيا لا تبقى الخ) تفسير للمراد من متاع الحياة الدنيا فإنّ المتاع يطلق على ما لا بقاء له كما مر. قوله: (ورفعه على أنه خبر بغيكم الخ) متاع قرئ بالرفع، والنصب فالرفع إمّا على أنه خبر بغيكم وعلى أنفسكم متعلق به أو على أنفسكم خبر ومتاع خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو أو ذلك متاع الحياة الدنيا. قوله: (ونصبه حفص على أنه مصدر مؤكد الخ) قراءة النصب خرّجت على أوجه منها أنه منصوب على الظرفية نحو مقدم الحاج أي زمن متاع الحياة الدنيا، ومنها أنه مصدر واقع موقع الحال أي متمتعين، والعامل عليهما الاستقرار الذي في الخبر، ولا يجوز أن يكون منصوبا بالمصدر لأنه لا يجوز الفصل بين المصدر، ومعموله بالخبر وأيضا لا يخبر عن المصدر إلا بعد تمام صلاته ومعمولاته ومنها أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر أي يتمتعون متاع الحياة الدنيا أو مفعول به لفعل مقدر أي يبغون متاع الحياة ولا يجوز أن ينتصب بالمصدر لما تقدم، ومنها أنه مفعول لأجله والعامل فيه مقدر أو الاستقرار ويجوز نصبه بالبغي، وجعل عليكم متعلقاً به لا خبراً لما مرّ، والخبر محذوف نحو مذموم أو منهيّ عنه أو ضلال فقوله مصدر مؤكد أي لفعل محذوف، وقوله: (والخبر محذوف) إشارة إلى أنه لا يجوز على هذا جعل على أنفسكم خبرا لأنه لا يجوز الفصل بين المصدر، ومعموله بالخبر، ولا يخبر عنه قبل تقدم متعلقاته كما مرّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 وقوله محذور هو الخبر المقدر، وقوله: (أو مفعول فعل الخ) أي مفعول به ليبغون مقدراً، وفي كلامه شيء لأنّ البغي له معان الطلب، وهو أصله ويتعدى بنفسه، والإتلاف والإفساد، ويتعدى بفي والظلم، ويتعدى بعلى كما ذكره العلامة الشارح فإذا كان بمعنى الطلب كيف يوصل بعلى، وأيضاً البغي المذكور بمعنى الإفساد فتنتفي المناسبة ويفوت الانتظام فتأمل، وفي جعل البغي عليهم إضارة إلى ما وقع في الحديث " أسرع الخير ثوابا صلة الرحم وأعجل الشرّ عقاباً البغي واليمين الفاجرة " ورويءثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدينإ. وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو بغى جبل على جبل لدك الباغي. (وقد قلت) في عقده: إن يعد ذو بغي عليك فحله وأرقب زمانا لانتقام باغي واحذرمن البغي الوخيم فلوبغى جب!! على جبل لدك الباغي وكان المأمون رحمه الله تعالى يتمثل بهذين البيتين لأخيه رحمه الله: يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة فأربع فخير فعال المرء أعدله فلوبغى جبل يوماعلى جبل لاندك مف أعاليه وأسفله وعن محمد بن كعب رحمه الله ثلاث من كن فيه كن عليه البغي، والنكث والمكر، وقوله بالجزاء تقدم وجهه. قوله: (حالها العجيبة الخ) تفسير للمثل فإنه في الأصل ما يشبه مضربه بمورده، ويستعار للأمر العجيب المستغرب كما مرّ تحقيقه، وهذا تشبيه مركب شبه فيه هيئة اجتماعية من الحياة وسرعة انقضائها بأخرى من خضرة الزروع ونضارتها وانعدامها عقيبها بالأمر الإلهي، وقد مرّ تحقيقه في سورة البقرة وقول الزمخشري أنه روعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام فلا يبالي بأيّ أجزائه يلي الكاف فإنه ليس المقصود تشبيهه كالماء هنا ظاهر، وسيصزح به المصنف أيضاً، وقوله: {أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا} استعارة وقعت في طرف المشبه به فالمشبه به مركب من أمور حقيقية وأمور مجازية كما قال الطيبي رحمه الله. قوله: (فاشتبك بسببه حتى خالط الخ) أي بسبب الماء كثر النبات حتى التف بعضه ببعض ومنهم من جعل الباء على أصلها وهو المصاحبة، والاختلاط بالماء نفسه فإنه كالغذاء للنبات فيجري فيه ويخالطه. قوله: (من الزروع والبقول) الذي يأكل الناس، والحشيش الذي يأكله الحيوان، وهو بيان للنبات. قوله: (وازيثت بأصناف النبات الخ) يعني أنّ فيه استعارة مكنية إذ شبهت الأرض! بالعروس وحذف المشبه به وأقيم المشبه مقامه وتخييلية وهي أخذها الزخرف، وقوله وازينت ترشيح للاستعارة وقيل الزخرف الذهب استعير للنضارة والمنظر السار وزين بكسر الزاي المعجمة، وفتح الياء جمع زينة. توله: (وازينت أصله تزينت) فأدغمت التاء في الزاي، وسقنت فاجتلب همزة وصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن بدليل أنه قرئ تزينت بأصله من غير تنيير، وقوله وأزينت على أفعلت كأكرصت وكان قياسه أن يعل فتقلب ياؤه ألفاً فيقال أزانت لأنه المطرد في باب الأفعال المعتل العين لكنه ورد على خلافه كأغيلت المرأة بالغين المعجمة إذا سقت ولدها الغيل، وهو لبن الحامل، ويقال أغالت على القياس ومعنى الأفعال الصيرورة أي صارت ذات زينة كأحصد صار إلى الحصاد أو صيرت نفسها ذات زينة وقرأ أبو عثمان النهدي، وغير. أزيأنت بهمزة وصل بعدها زاي ساكنة، وياء مفتوحة، وهمزة مفتوحة ونون مشدّدة وتاء ئانيث وأصله ازيانت بوزن احمارّت بألف صريحة فكرهوا اجتماع ساكنين فقلبوا الألف همزة مفتوحة كما قرئ الضألين بالهمز. وكقوله: إذا ما الهوادي بالغبيط احمأزت وقرأ عوف بن جميل ازيانت بألف من غير إبدال، وقرئ ازاينت أيضا فقول المصنف رحمه الله وازيانت بألف أو همزة. قوله: (ضرب رّرعها ما يجتاحه (أمر الله ما قدره، والمراد ما ذكره فهو حقيقة، ولا حاجة إلى جعله كناية عما ذكر ويجتاح بتقديم الجيم على الحاء بمعنى يهلك، وقوله شبيهاً بما حصد من أصله الظاهر أنه تشبيه لذكر الطرفين لأنّ المحذوف في قوّة المذكور شبه الزرع الهالك بما قطع، وحصد من أصله، والجامع بينهما الذهاب من محله فيهما، ويصح أن يكون استعارة مصزحة، وأصله جعلنا زرعها هالكا فشبه الهالك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 بالحصيد وأقيم اسم المشبه به مقامه، ولا ينافيه تقدير المضاف كما توهم لأنه لم يشبه الزرع بالحصد بل الهالك بالحصيد، وهذا أقرب مما ذهب إليه السكاكي من أ) ، فيه استعارة بالكناية إذ شبهت الأرض المزخرفة، والمزينة بالنبات الناضر المونق الذي ورد عليه ما يذبله، ويفنيه، وأثبت له الحصد تخييلاً ولا يخفى بعده فإن أردت تحقيقه فانظر شروح المفتاح، وقوله كأن لم يغن زرعها لو قال بدله نباتها كان أولى لكنه راعى مناسبة الحصيد، وقوله لم يلبث باللام، والباء الموحدة والثاء المثلثة أي لم يمكث، ويقيم وهو تفسير له لأنّ غني بالمكان معناه أقام، وسكن وعاس فيه، ومنه المغني للمنزل، ووقع في بعض النسخ ينبت من النبات والأولى أظهر وأولى، وقوله والمضاف محذوف في الموضعين، وبعد حذفه انقلب الضمير المجرور منصوباً في الأوّل، ومرفوعا مستتراً في الثاني بل في المواضمع لأن قادرون عليها بمعنى قادرون على زرعها أو حصدها نعم المبالغة مخصوصة بهما، ولذا خصهما ووجهها أنّ الأرض نفسها كأنها قلعت وكأنها لم تكن لتغيرها بتغير ما فيها، وقوله على الأصل أي بإرجاع الضمير مذكرآ باعتبار الزرع، ولذا قيل إنه يجوز عود الضمير على الزرع المفهوم من الكلام والسياق وقيل الضمير للزخرف وقيل للحصيد ويجوز أن يجعل التجوّز في الإسناد. قوله:) فيما قبله وهو مثل في الوقت القريب الخ) أي فيما قبل أمرنا، وفي نسخة قبيله بالتصغير، وأمس يراد به اليوم الذي قبل يومك، ويراد به ما مضى من الزمان مطلقأ كقول زهير: واعلم علم أليوم والأمس قبله والأوّل مبني لتضمنه معنى الألف، واللام والثاني معرب، ويضاف وتدخله أل، وخص الوقت القريب بهذا لتعينه، وتعين الحادث فيه وتيقن زواله والا فكل ما طرأ عليه العدم كان كأن لم يكن. قوله:) والممثل به مضمون الحكاية الخ (قد مر بيان أنه تشبيه، وأنه محتو على استعارات، ولطائف من نكت البلاغة كما قرّرنا، والجوائح مع جائحة وهي الآفة وفي نسخة الطوائح، وهي جمع مطيحة على خلاف القياس من الإطاحة بمعنى الإذهاب، والإهلاك. قوله: (دار السلامة من التقضي الخ) دار السلام الجنة ووجه التسمية ما ذكر لأنّ السلام إما مصدر بمعنى السلامة فيكون معناه دارا فيها السلامة من الآفات ومن التقضي أي الانقضاء والزوال لخلودهم فيها أو السلام الله فالإضافة إليه لأنه لا ملك لغيره فيها ظاهراً وباطنا وللتشريف، وللتنبيه على أنّ من فيها سالم مما مر للنظر إلى معنى السلامة في أصله، ويدل على قصده تخصيصه بذلك دون غيره من الأسماء أو السلام بمعنى التسليم من قولهم سلام عليكم لأنه شعارهم فيها أو لتسليم الله والملائكة عليهم الصلاة والسلام عليهم تكريما لهم. قوله: (بالتوفيق (في شرح المواقف التوفيق عند الأشعرفي، وأكثر الأئمة خلق القدرة على الطاعة، وقال إمام الحرمين خلق الطاعة، والهداية عندهم خلق الاهتداء وهو الإيمان، فقوله بالتوفيق إن كان تفسيرا للهداية فالمعنى يوفقه لطريقها أي الجنة بالطاعة الشاملة للإيمان، وإن كان المراد مع التوفيق فظاهر، والتدزع لبس الدرع فإنّ الاتقاء عن المعاصي يحميه ويصون نفسه، وضمه إلى الإسلام لأن الطريق الموصل إلى الاستقامة إنما يكون بذلك، وفيه إشارة إلى أنّ الطريق هو الإسلام والعمل بمنزلة درع يصونه في سفره. قوله:) وفي تعميم الدعوة وتخصيصالهداية الخ (الآية تدل على ما ذكر وعلى أن الهداية غير الدعوة إلى الإيمان، والطاعة والأمر مأخوذ من قوله يدعو لأن الدعاء يكو " ن بالأمر، والإرادة مأخوذة من قوله يشاء لأنّ المشيئة مساوية للإرادة على المشهور، وهو ردّ على المعتزلة لأنّ الأمر عندهم بمعنى الإرادة فلذا عمم الدعوة لجميع الخلق بدليل حذف مفعوله، وخص الهداية بالمشيئة لتقييدها بها فالكل مأمور، ولا يريد من الكل الاهتداء لأنّ ظاهر قوله يهدي من يشاء أنه يهدي من يشاء رشده، واهتداءه فلو شاء اهتداء الكل كان هادياً للكل، وليس كذلك فلزم المعتزلة شيئان أحدهما أنّ المراد بالهداية التوفيق والألطاف والأمر مغاير للألطاف والتوفيق وهو كذلك لأنّ الكافر مأمور وليس بموفق. الثاني أنّ من يشاء هو من علم أن اللطف ينفع فيه لأنّ مشيئته تابعة للحكمة فمن علم أنه لا ينفع فيه اللطف لم يوفقه، ولم يلطف به إذ التوفيق لمن علم الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 أنه لا ينفعه عبث، والحكمة منافية للعبث فهو يهدي من ينفعه اللطف، وان أراد اهتداء الكل، وقوله المثوبة الحسنى توجيه لتأنيث الحسنى، والمراد بالإحسان العمل بفعل المأمور به، واجتناب المنهيات. قوله: (وما يزيد على المنوبة الخ) فالزيادة مصدر بمعنى الزائد مطلقاً، وفيما بعده تضعيف الحسنات والمثوبة الثواب، وفسر في الأصول بالمنفعة الخالصة الدائمة المقرونة بالتعظيم فلذا قال العلامة رحمه الله: إن قوله للذين أحسنوا الحسنى أيدل على حصول المنفعة، وقوله وزيادة يدل على التعظيم، وقوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة يدل على خلوصها، وقوله أصحاب الجنة هم فيها خالدون إشارة إلى كونها دائمة آمنة من الانقطاع. قوله: (وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء) هذا هو التفسير المأثور عن الصحابة كأبي بكر رضي الله عنه وأبي موسى وحذيفة وعبادة والحسن وعكرمة وعطاء ومقاتل والضحاك والسديّ رحمهم الله، وفي صحيح مسلم، ومسند أحمد، وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إنّ لكم عند الله موعدأ يريد أن ينجزكموه قالوا: ألم يبيض وجوهنا وينجنا من النار ويدخلنا الجنة قال: فيكشف الحجاب فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه " زاد مسلم ثم تلا للذبن أحسنوا الحسنى، وزبادة الآية، ولهذأ اعترض على المصنف رحمه الله بأنه تبع الزمخشريّ في تضعيف هذا القول، وقوله: (إنه حديث مرفوع) بالقاف أي مفتري، ولا ينبغي أن يصدر من مثله فإنه حديث متفق على صحته فحرّف، وأساء الأدب. قوله: (لا يغشاها الخ) أي المراد بنفيه إمّا ظاهره بان لا يعرض لهم كما يعرض لأهل النار أو المراد نفي ما يعرض لهم عند ذلك من سوء الحال وهذا أمدح، ولذا أشير في الأوّل إلى أنّ المقصود منه تذكير حال أهل النار فإن تذكيره لهم مسرة كما أنّ تذكير حال هؤلاء لأولئك عليهم حسرة، وقوله ولا انقرا ض لنعيمها هو مما يلزم خلودهم فيها. قوله: (عطف على قوله {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} الخ) يعني الذين معطوف على الذين المجرور الذي هو مع جاره خبر (وجزاء سيئة (معطوف على الحسنى الذي هو مبتدأ، وهذه هي المسألة المشهورة عند النحاة بعطف معمولي عاملين، وفيها مذاهب المنع مطلقا، وهو مذهب سيبويه، والجواز مطلقا وهو قول الفراء والتفصيل بين أن يتقدّم المجرور نحو في الدار زيد، والحجرة عمرو فيجوز أولاً فيمتنع والمانعون يخرّجونه على إضمار الجارّ ويجعلونه مطرداً فيه كقوله: أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا وهو مراد المصنف رحمه الله، ولشهرة المسألة اعتمد على تفصحيلها المعلوم، فلا يرد عليه ما قيل إنّ ظاهره يدل على الاختلاف في جواز هذا المثال نفسه، وليس كذلك فإنه مسموع عن العرب، وإنما الاختلاف في تش- يجه على العطف أو تقدير الجاز. قوله: (أو الذين مبتدأ والخبر جزاء سيئة الخ) وقدر المضاف ليصح الحمل إذ الخبر مفرد مغاير له، وعليه فالباء في بمثلها متعلقة بجزاء، ويجوز أن يكون جزأء سيئة بمثلها جملة من مبتدأ وخبر هي خبر المبتدأ كما سيصرح به المصنف رحمه الله، فلا حاجة إلى تقدير المضاف لكن العائد محذوف أي جزاء سيئة منهم بمثلها على حدّ السمن منوان بدرهم أي منه، وقد جوّز فيه أن يكون لهم هو الخبر بقرينة للذين أحسنوا أي لهم جزاء سيئة بمثلها فلا حاجة إلى تقدير عائد، وقوله أن يجازي إشارة إلى أنه مصدر المبنيّ للمفعول لا اسم للعوض كما في الوجه الأوّل، والمقدر مصدر أيضا أو بمعنى العوض! أو بمعنى أثره وقوله: (بسيئة مثلها) قدر له موصوفاً مخصوصاً بقرينة المقام، ومماثلتها لها في القدر والجنس وقوله: (لا يزاد عليها) إشارة إلى أن المثلية كناية عن عدم الزيادة بمقتضى العدل وأما النقص فكرم، وهذأ يؤخذ من مقابلته بالزيادة وقيل الذين مبتدأ خبره مالهم من الله من عاصم، وما بينهما اعتراض!. قوله: (وفيه تنببه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف) تبع فيه الزمخشري، وقد علصت أنه مخالف للمأثور والقول المنصوص في تفسيرها، والمراد بالفضل أن يفضل على العمل، ويزيد عليه كما مرّ. قوله: (أو كأنما أغشيت الخ) عطف على جزاء سيئة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 أي خبر الذين جزاء سيئة أو قوله كأنما أغشيت أو أولئك أصحاب النار، وما بينهما من الجمل الثلاث أو الأربع اعتراض بناء على جواز تعذد الاعتراض، وفيه خلاف للنحاة ولذا رجح ما يخالفه، وقوله فجزاء سيئة مبتدأ أي على هذين الوجهين، وعلى حذف الخبر الباء متعلقة بجزاء، وإذا كان مثلها خبراً فالباء إمّا زائدة أو غير زائدة متعلقها خاص أي مقدّر بمثلها أو عام أي حاصل بمثلها، وما قيل إنه لا معنى له حاصل وهم ظاهر نعم الأوّل أفيد، ولفظ مقدر بالجز فيه لطف إيهام، ويجوز رفعه على الحكاية لأنه خبر وقوله، وقرئ بالياء لكون الفاعل ظاهراً، وتأنيثه غير حقيقي وتأويله بأن يذل، وقيل لأنها مجاز عن سبب الذلة كما مر. قوله: (ما من أحد يعصمهم) أي يحميهم ويمنعهم، ومن في من عاصم زائدة لتعميم النفي، وأمّا في من الله فعلى تقدير المضاف، وهو سخط متعلقة بعاصم وقدمت عليه لأنّ من مزيدة، والمعمول ظرف، وعلى كون المعنى من جهة الله، وعنده هو صفة عاصم قدم فصار حالاً أو متعلق بالظرف أي لهم. قوله: (أغطيت) بالغين المعجمة، والطاء المهملة، والياء المفتوحة، وتاء التأنيث يقال أغطى الليل كذا إذا ألبسه ظلمته كغطاه بالتشديد، وقوله لفرط سوادها وظلمتها هو وجه الشبه. قوله: (والعامل فيه أغشيت لآنه العامل في قطعا الخ) تبع فيه الزمخشريّ، واعترض عليه بأنّ من الليل ليس صلة أغشيت حتى يكون عاملاً في المجرور بل هو صفة فعامله الاستقرار، والصفة من الليل، وذو الحال هو الليل فلا عمل لأغشيت فيه، وقد يقال من للتبيين والتقدير كائنة، وكائنة عامل في الليل، وهو مبنيّ على أنّ العامل في عامل الشيء عامل فيه، وهو فاسد، وقيل إنه جرى على ظاهر كلام النحاة من أنّ الصفة، والخبر والحال وغيرها هو الظرف لا عامله المقدر كحاصل، وإلا فالعامل في الحقيقة فيه هو المقدر انتهى، وذكر قريباً منه النحرير، وقال إنه لا غبار عليه، وليس بشيء (أقول) ما قاله المعربون، والشراح لا وجه له، والوجه ما قاله أبو حيان رحمه الله تعالى من أنّ الزمخشري أخطأ اللهم إلا أن يقال مراده أنّ مثله لا يحتاج لمتعلق مقدّر أو نقول مراده أنه متعلق بأغشيت مقدر لأن عامل الظرف المستقرّ كما يكون عاماً يكون خاصا كما في زيد على الفرس أي راكب أو يركب لأنه كما يكون اسما يكون فعلا، وقول المعرب أنّ المصنف رحمه الله أراد! انّ الموصوف، وهو قطعا معمولاً لأغشيت، وهي صاحب الحال والعامل في الحال هو العامل في ذي الحال فجاء من ذلك أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها بهذه الطريقة لا يسمن، ولا يغني* من! جوع. ف! عرفه، وقيل الوجه أن من تبعيضية أي بعض أالم! ليل وهو بدل من قطعاً ومظلماً حال من البعض لا من الليل فيكون العامل في ذي الحال أغشيت، ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف، وأجيب بأنه ذهب إلى أنّ أغشيف " له اتصال بقوله من الليل من قبل أنّ الصفة والموصوف متحدان لا سيما والقطع بعض بن الليل فجاز! أن يكون عاملا في الصفة بذلك الاعتبار ككبمانه- قيل أك! ث! يت الليل مظلما، وفذا كما جوّز في نحو ونزعنا ما في صدوركم من غل إخوانا أن يكون حالاً من الضمير مع الاختلاف باعتبار اتحاده بالمضاف فكأنه قيل نزعنا ما فيهم، وكما جوّز في ملة إبراهيم حنيفاً وهذا ما ذهب إليه المصنف رحمه الله يعني أنّ العامل يكفي في اتحاد. الاتحاد الحقيقي أو الاعتباري كما في المسالة المذكررة، " وهذا سرّ هذا الموضع لا ما طوّله كثيرون لا سيما من حمله على التجريد فإنه مما لا. وجه له، ولا فرق في كون عن الليل معمول الفعل بين أن يكون من للتبيين- على أأنّ " المراد بالليل زمان كون الشمس تحت الأفق أو للتبعيض على أنّ المراد به جميع، ذلك الزمان، ولا حاجة لما هنا- بئ التطويلات فإنها كلها لا محصل لها. قوله: (أو معنى الفمل " في من الليل) عطف على أغثمي! ت يعني متعلقه المقدر، وإنما قال معنى الفعل ليشمل الوصف، والفعل، وهذا هو الوجه العالمم عن التكلف وهو عالم في محل المجرور. كما تقدم، والقطع- بكسر فسكون اسم مفرد معناه طائفة من الليل أو ظلمة آخر الليل أو اسم جنس لقطغة وعلى هذه الوجوه تفرد صفته،، وحاله وأمّا كونه حالاً من الجمع، وهو قطع بكسر ثم فتح جمع قطعة كما في القراءة الأولى لتأويله بكثير كما قاله أبو البقاء فتكلف، وقال العلامة الليل له الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 معنيان زمان تخفى فيه الشمس. قليلاً أو كثيراً كما يقال دخل الليل، والآن ليل، وما بين غروب الشمس إلى طلوعها أو قربها من الطلوع، وعليه من هنا تبعيضية أو بيانية فاحفظه. قوله: (مما يحتج به الوعيدية) باعتبار ظأهره أي جعل الذين كسبوا السيئات خالدين في النار، والوعيدية هم القائلون بخلؤد أصحاب الكبائر، وحاصل دفعه أنّ السيئات شاملة للشرك، والكفر والمعاصي، وقد قامت الأدلة على أنه لا خلود لأصحاب المعاصي فخصصت الآية بمن عداهم لا أنّ اللام في السيئات للاستغراق حتى يكون المراد من عمل جميع ذلك كما توهم، وأيضا هم داخلون في الذين أحسنوا لأنّ المراد به من أحسن بالإيمان فلا يدخل في قسيمه لتنافي حكميهما، وكلام المصنف رحمه الله صريح في تعميم الحكم لغير المشركين لا تخصيصه بهم كما توهم،! وب! سقط ما قيل إن فيه بحثا إلا أن يقال الصطلى ينصرف إلى الكامدل. قوله: ( {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} الخ) يوم منصوب بفعل مقدر كذكرهم وخوّفهم ونحوه والمراد بالفريقين فريقا الكفار من المشركين وأهل الكتاب، وجوّز بعضهم تخصيصه بالمشركين. قوله: (الزموا مكانكأ حتى تنظروا ما يفعل بكم) هذا يحتمل وجهيق أنّ مكانكم اسم فعل لألزموا، وأن يكون ظرفا متعلقا بفعل حذف فسذ مسده، وكلام المصنف رحمه الله كالصريح فيه، وعلى كل حال فهو كناية عن معنى انتظروا والمراد من أمرهم بالانتظار الوعيد، والتهديد، واعترض على الأوّل بأنه لو كان اسم فعل لألزموا كان متعدياً مثله. وليس بمتعد، ولذا قدره النحاة بأثبت، وأجيب بأنه مسبوق به وهو تفسير معنى لا إعراب، وقيل الزم يكون لازما ومتعديا كما في الصحاح فألزم هنا لازم لا متعد فلا يرد ما ذكر، وقيل إنّ مرادهم إنه ظرف أقيم مقام عامله فهو معرب لا اسم فعل مبنيّ على الفتح كما هو قول أبي عليّ الفارسيّ، وهذا كله تكلف وغفلة لما في شرح التسهيل أنه بمعنى أثبت فيكون لازماً، وذكر الكوفيون أنه يكون متعديا وسمعوا من العرب مكانك زيداً أي انتظره وقال الدماميني رحمه الله في شرح التسهيل لا أدري ما الداعي إلى جعل هذا الظرف اسم فاعل إمّا لازما وامّا متعديا وهلا جعلوه ظرفا على بابه ولم يخرجوه عن أصله أي أثبت مكانك أو انتظر مكانك وإنما يحسن دعوى اسم الفعل حيث لا يمكن الجمع بين ذلك الاسم، وذلك الفعل نحو صه وعليك وإليك، وأمّا إذا أمكن فلا كوراءك وأمامك وفيه بحث. قوله: (تكيد للضمير المنتقل إليه من عامله) أي المنتقل إلى الظرف، وهذا ظاهر في أنه باق على ظرفيته وإن احتمل الثاني أيضاً بأن ايكون بيانا لأصله قبل النقل وجعل أنتم مبتدأ خبره محذوف أي مهانون أو مخزيون خلاف الظاهر مع ما فيه من تفكيك النظم ولأنه يأباه قراءة وشركاءكم بالنصب لأنه يصير مثل كل رجل وضيعته ومثله لا يصح فيه لعدم تقدم- ما يكون عاملا فيه. قوله: (ففرقنا بينهم الخ (زيل بمعنى فرق، وليس المراد التفريق الجسماني لأنه لا يناسب ما بعده، ولذا عطف عليه قوله، وقطعنا الوصل للتفسير، وفيه إشارة إلى أن بين منصوب على الظرفية لا مفعول به كما توهم، والوصل جمع وصلة، وهي الإيصال المعنوي الذي كان بينهم في الدنيا وزيل فرق وميز قيل وزنه فعل وهو يائيّ لقولهم في مفاعلته زايل قال: لعمري لموت لا عقوبة بعده لذي البث أشفى من هوى لا يزايل أي لا يفارق وأما زاول فبمعنى حاول، وقيل إنه واوفي ووزنه فيعل كبيطر ولولاه لقيل زول إذ لا داعي للقلب فيه والقول الأوّل أصح لأن مصدركل التزييل لا الزيولة مع أن فعل أكثر من فيعلى وبدليل زايل وقد قرئ به. قوله:) مجارّ عن براءة ما عبدوه من عبادتهم) قيل إنّ المراد بالشركاء على هذا الأوثان وهي لا تنطق فلذا جعل مجازاً وفيه إنها جمادات لا تتبرأ أيضأ إلا أن يكون هذا على تقدير أن يخلق الله فيها إدراكا ونطقا وهو لا يناسب قوله بعده وقيل لأنّ الظاهر ترك الواو لا جعله قولاً آخر فالظاهر أنه عامّ لما عبدوه شامل لمن له عقل ونطق وحمله على التبري، وأنه بمعنى ما أمرناكم وما حملناكم على ذلك لأنهم عبدوهم في الواقع فكيف يصح نفيه وجعله الإهواء آمرة مجاز عن معنى داعية له، وتوله فتشافههم بذلك أي تكلمهم، وفي نسخة تشاقهم بالقاف بدل الفاء أي تخاصمهم، وفيه إشارة إلى أنّ الحال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 على عكس ما ظنوا. قوله: (وقيل الشياطين (قيل عليه، وعلى ما قبله أنّ الأوّل لا يناسب قوله مكانكم أنثم وشركاؤكم، وهذا لا يصح مع قوله فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ولذا مرضه المصنف رحمه الله إشارة إلى أن عهدته على قائله، وقد أجيب عن الثاني بأنه يجوز أن يكون كذباً منهم بناء على جواز وقوعه يوم القيامة، وقد مرّ تفصيله. قوله: (واللام هي الفارقة (أي بين النافية والمخففة، وقوله في ذلك المقام أي مقام الحشر، وهو المقام الدحض والمكان الدهش وهو بيان لأنه باق على أصله وهو الظرفية لا أنه ظرف زمان على سبيل الاستعارة، وان وقع كذلك في مواضع لأن بقاءه على أصله أولى 0 قوله:) تختبر ما قدّمت من عمل الخ (فالابتلاء على هذا مجاز بإطلاق السبب وإرادة المسبب وهو الانكشاف والظهور واليه أشار بقوله فتعاين نفعه وضرّه، وعلى القراءة بالتاء من التلاوة بمعنى القراءة، وهو إمّا كناية عن ظهوره أيضا أو قراءة صحف الأعمال أو من التلو لأنه يتجسم ويظهر لها فتتبعه أو هو تمثيل، وقرأ عاصم رحمه الله في رواية عنه نبلو بالنون، والباء الموحدة، وفاعله ضميره تعالى وكل مفعوله فإن كان بمعنى نختبر فهو استعارة تمثيلية كما أشار إليه أي نعاملها معاملة المختبر، وما أسلفت بدل من كل بدل اشتمال أو منصوب بنزع الخافض، وحذف الباء السببية أي بما أسلفت، وكذا إن كان نبلو من البلا فالمعنى نعذبها بما أسلفت، وما موصولة أو مصدرية وقوله نختبرها إشارة إلى أن المبدل منه ليس مطروحا بالكلية، وقوله وابدال معطوف على نصب لا على المقروء وليست الواو واو مع كما توهم، وقوله إلى جزائه يشير إلى أنّ الرذ معنوفي وان أريد موضع جزائه فهو حسيّ، وقال الإمام ردّوا إلى الله جعلوا ملجئين إلى الإقرار بألوهيته. قوله: (ربهم ومتولي أمرهم الخ) في شرح الكشاف المولى مشترك بين معنى السيد والمالك ومعنى متولي الأمور فإن كان بمعنى الأوّل ناسب تفسير الحق بالصادق في ربوبيته لأنه تعريض للمشركين بدليل عطف توله {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ، وان كان الثاني فالحق بمعنى العدل لأنه المناسب لمتولي الأمور، والمصنف رحمه الله جمع بينهما، وفسر الحق بالمتحقق الصادق الحقية، وقوله على المدح، والمراد به الله تعالى لأنه من أسمائه وعلى الثاني هو ما يقابل الباطل وضمن ضاع معنى غاب فلذا عد 51 بعن. قوله: (فإنّ الأرزاق تحصل بأسباب سماوية الخ) الأسباب السماوية المطر، وحرارة الشمس المنضجة وغير ذلك، والمواذ الأرضية ظاهرة إشارة إلى انّ الأوّل بمنزلة الفاعل، والثاني بمنزلة القابل، وقوله أو من كل واحد منهما أي بالاستقلال كالأمطار أو العيون والمن والأغذية الأرضية، وقوله توسعة عليكم تعليل للمعنى الثاني وفيه مخالفة للكشاف. قوله: (وقيل من لبيان من) هي على الأوّل لابتداء الغاية، وعلى هذا لا بد من تقدير مضاف، وجوّز فيها التبعيض حينئذ، والمراد غير الله لأنه لإنكار رازق سواه فلا يتوهم أنه غير مناسب لأنّ الله ليس من أهل السماء، والأرض لكنه لا يناسب قوله فسيقولون الله، ولذا مرضه المصنف رحمه الله فتأمل. قوله تعالى: ( {أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ} ) أم منقطعة بمعنى بل والإضراب انتقاليّ لا إبطاليّ، وقوله يستطيع حقيقة الملك معروفة ويلزمها الاستطاعة لأنّ المالك لشيء يستطيع التصرف فيه، والحفظ والحماية، ولذلك تجوّز به عن كل منهما، وقد فسر أيضا بالتصرّف إذهابا وإبقاء. قوله: (ومن يحمي ويميت الخ) فالإحياء، والإماتة إخراج أحد الضدين من الآخر لمعنى يحصل منه فهو من قولهم الخارج كذا أي الحاصل، وعلى التفسير الاخر فالإخراج على ظاهره كإخراج الطائر من البيضة فتدبر، وقوله وهو تعميم بعد تخصيص إشارة إلى أنّ الكل منه، واليه وأنه لا يمكنكم علم تفاصيله، وقوله إذ لا يقدرون من المكابرة الظاهر على المكابرة وهو كثير ما يتسمح في الصلات وقوله أنفسكم عقابه لا يخفى أنّ التقوي لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد. فالأولى إسقاط أنفسكم إلا أن يقال إنه إشارة إلى أنه افتصال من الوقاية فهو بتقدير مضاف بعد حذفه ارتفع المضاف إليه، وهو معنى قوله في الكشاف تقون أنفسكم. قوله: (المتولي لهذه الأمور المستحق للعبادة هو ربكم الخ) أي ا-لإشارة إلى المتصف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 بالصفات السابقة أي من هذه قدرته، وفسر الحق بالثابت ربوبيته لأن الحقية والثبوت يعتبران باعتبار الوصف الذي تضمته الموصوف به، والله صفة اسم الإشارة وربكم خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وقوله لأنه الذي أنشأكم إشارة إلى أنّ الإشارة للمتصف بتلك الصفات فيفيد تعليل مضمون الخبر بها وقوله فأنى تصرفون أي كيف تعدلون عن عبادته وأنتم مقرّون بأنه هو الحق. قوله: (استفهام إنكار الخ الأن ما استفهابية وذا اسم إشارة أو ماذا رجمب، وجعل اسم استفهام كما قرّره النحاة والاستفهام الإنكاري لنفي الوجود أي لا يوجد بعد الحق شيء يتبع إلا الضلال فمن تخطى الحق، وهو عبادة الله وحده لا بد وأن يقع في الضلال وهو عبادة غيره على الانفراد أو الإشراك لأنّ عبادة الله مع الإشراك لا يعتذ بها. قوله تعالى: ( {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} ) الكاف في محل نصب نعتاً لمصدر محذوف، والإشارة قيل للمصدر المفهوم من تصرفون أي مثل صرفهم عن الحق بعد الإقرار به، وقيل إلى الحق إمّا السابق أو المذكور بعده، وقوله كما حقت الربوبية لله إشارة إلى أنّ الإشارة إلى ما تضمنه قوله فماذا بعد الحق إلا الضلال أي مثل تحقق ذلك تحقق حكمه أو الإشارة إلى مصدر تصرفون كما مرّ، وكلمة الله بمعنى حكمه وقضائه، وذكر في الكشاف وجهين* في اسمشبه به، وفسر الكلمة بالعلم، والحكم والعدة العذاب وترك المصنف رحمه الله تفسيره بالعلم فالوجوه ستة، وأنهم لا يؤمنون إمّا بدل إن فسرت الكلمة بالحكم، وهو بدل كل من كل أو اشتمال بناء على أنّ الحكم المعنى المصدري أو المحكوم به أو تعليل إن فسرت بالعدة بالعذاب، واللام حينثذ مقدرة قيله أي لأنهم لا يؤمنون، وفسر الفسق بالتمرد والخروج عن حد الاستصلاج لأنه المحناسب لكونهم مختوما على قلوبهم محكوما عليهم بعدم الإيمان. قوله: (والمراد بها العدة بالعذاب) أي على التعليل المراد بالكلمة ذلك كقوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} [سورة الزمر، الآية: 9 ا] قيل وفي هذا الوجه شيء وهو أنّ الذين فسقوا مظهر وضع موضع ضمير المخاطبين للإشعار بالعلية، والفسق هنا فسر بالتمرد في الكفر فصار محصل الكلام إن كلمة العذاب حقت عليهم لتمردهم في كفرهم ولأنهم لا يؤمنون وهو تكرار لا طائل تحته، وأجيب بأنه تصريح بما علم ضمنا من الذين فسقوا، ودلالة على شرف الإيمان بأنّ عذاب المتمرّدين في الكفر بسبب انتفاء الإيمان، ومنهم من أجاب بأن الذين فسقوا دلّ على كفرهم فيما مضى، ولا يؤمنون على إصرارهم على الكفر فالتعليل الأوّل للعدة بالعذاب، والثاني تعليل لوعدهم به فلا تكرار، ويؤخذ من كلام المصنف رحمه الله أنّ تمردهم في الكفر عبارة عن خروجهم عن حد الإصلاح الذي أوجب لهم الوعيد، وخروجهم عن حده لأنهم مصزون على الكفر مطبوع على قلوبهم فالتمرّد والخروج عن الحد مأخوذ من نفي الإيمان في المستقبل فتدبر. قوله: (جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها الخ (دفع لسؤال، وهو إن مثل هذا الاحتجاج إنما يتأتى على من اعترف بأن من خواص الإلهية إبداءه ثم إعادته ليلزم من نفيه عن الشركاء نفي الإلهية عنها وهم غير مقرّين بذلك فاً جاب بأنه أمر مسلم عند العقلاء للأدلة القائمة عليه عقلاً، وسمعاً ومنكره مكابر معاند لا التفات إليه. قوله: (ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الخ (أي ولعدم مساعدتهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجواب عنهم، وقيل عليه إنه جعله جوابا عن ذلك السؤال، وليس كذلك لأنّ السؤال عن الشركاء وهذا الكلام في الله بل هو استدلال على الهيته تعالى، وأنه الذي يستحق العبادة بأنه المبدئ المعيد بعد الاستدلال على نفي الهبة الشركاء نعم إن حمل التركيب على الحصر كان الجواب والاستدلال صحيحا يعني إن اعتبر إفادته الحصر كما قرّر في الله يبسط الرزق فيصير الله يبدأ، ويعيد لا غيره من الشركاء فينتظم الجواب، وهذا في غاية الظهور لدلالة الفحوى عليه لأنك إذا قلت من يهب الألوف زيد أم عمرو فقيل زبد يهب الألوف أفاد الحصر بلا شبهة، وهذا أمر آخر لا يلزم فيه ملاحظة التقديم والتأخير كما قيل لأن قوله هل من شركائكم من يبدؤ الخلق الخ. ومعناه هل المبدئ المعيد الله أم الشركاء ألا ترى إلى قوله: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي} [سورة يونس، الآية: 35، الخ فتدبره، وقوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 لأنّ لجاجهم أي عنادهم وضمير بها للإعادة والقصد استقامة الطريق فلذا قيل إنّ قصد السبيل تجريد. قوله: (بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام الخ) لما كان قوله قل الله يهدي دألاً على اختصاص الهداية به كما مرّ مع وجودها في بعض شركائهم كعيسى عليه الصلاة والسلام، فسرها بما يختص به تعالى فإنّ ما ذكر من خواص الألوهية اللازم من نفيها نفيها فتأمل. قوله: (وهدى كما يعدّى بإلى الخ) يعني أنّ هدى يتعدّى إلى اثنين ثانيهما بواسطة، وهي إلى أو اللام، وأمّا تعديه لهما بنفسه فقيل إنه لغة كاستعماله قاصراً بمعنى أهتدي فيكون فيه أربع لغات، وقيل إنه على الحذف والإيصال على الصحيح ومفعوله الأوّلط محذوف هنا في المواضع الثلاثة، والتقدير هل من شركائكم من يهدي غيره قل الله يهدي من يشاء أفمن يهدي غير.، وقد تعدّى للثاني بالحرفين هنا لما سيأتي، وقول الزمخشري إنّ هدى الأوّل قاصر بمعنى اهتدى لا يناسب مقابلته بقوله يهدي للحق مع أنّ المبرد قال هدى بمعنى اهتدى لا يعرف وان لم يسلموه له. قوله: (للدلالة على أنّ المنتهى غاية الهداية) يعني أنه جمع بين صلتيه تفنناً واشارة إلى معنى الانتهاء فإنه ينتهي إليه، وباللام إلى أنه علة غائية له، وأنّ ما هداه إليه ليس على سبيل الاتفاق بل على قصده من الفعل، وجعله ثمرة له، وقيل اللام للاختصاص وقوله وأنها أي الهداية وما وقع في بعض النسخ، وإنما بأداة الحصر من تحريف النساخ، وقوله ولذلك عدى بها أي باللام في قوله قل الله يهدي للحق، وأمّا قوله أفمن يهدي إلى الحق فالمقصود به التعميم وان كان في الواقع هو الله. قوله: (أم الذي لا يهتدي) بني أوّل كلامه على قراءة يهدي بوزن يرمي، وهي قراءة حمزة والكسائيّ وسيذكر بقية القرا آت كما ستراه وذكر لها معنيين أحدهما أن يكون هدى لازما بمعنى اهتدى كما قاله الفراء، وقد تقدم قول المبرد أنه لا يعرف لكنهم قالوا الصحيح ما قاله الفراء وعليه اعتمد المصنف رحمه الله وكفى به سنداً، والمعنى أم من يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي بنفسه إلا أن يهتدي اهتداء حصل له من هداية غيره، وهو الله بخلقه الهداية، وهذا هو المعنى الأوّل وحاصله نفي تسوية من يهدي غيره بمن لا يهتدي في نفسه إلا إذا طلب الهداية وحصلها من غيره فيهدي لازم بمعنى يهتدي والمعنى الثاني أن يكون متعذياً فيهما، والمعنى أم من لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله فضمير يهديه إن رجع لمن فالمعنى لا يهدي ذلك الهادي غيره إلا إن هدى الله الهادي لهدايته أو في نفسه، وان رجع لغير فالمعنى لا يهدي إلا إذا قدر وأراد الله هداية ذلك الغير. قوله: (وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح) الإشارة إمّا إلى الانتفاء في الوجهين، وهو الظاهر لأنّ الاهتداء، وهداية الغير مختص بذوي العلم أو إلى الثاني لأن هداية الغير لا تتصوّر في الأوثان أصلاً بخلاف الاهتداء من الغير، وفيه نظر لأنّ الاهتداء قبول الهداية، ولا يتصوّر في الأوثان فإن كان على زعمهم، وادّعائهم فهو جار فيهما فتامّل ثم إنّ المعرب أفاد هنا أنّ الآية واردة على الأفصح، وهو الفصل بين أم وما عطف عليه بالخبر فإن قولك أزيد قائم أم عمرو وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} [سورة الفرقان، الآية: 15] أفصح من قولك أزيد أم عمرو قائم كقوله تعالى: {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. قوله:) بفتح الهاء وتشديد الدال) مع فتح الياء أيضا وأصلها يهتدي فنقلت فتحة التاء إلى الهاء، ثم قلبت دالاً لقرب مخرجهما وأدغمت فيها وقرأها أبو عمرو، وقالون عن نافع كذلك لكنه اختلس فتحة الهاء ولم يكملها تنبيهاً على أنّ الحركة فيها عارضة ليست أصلية. قوله: (ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد) أي بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال لأنه لم ينقل الحركة فالتقى ساكنان فكسر أوّلهما للتخلص من التقاء الساكنين. قوله: (وروى أبو بكر (أي شعبة يهدي باتباع الياء الهاء أي بكسرهما مع تشديد الدال، وكان سيبويه رحمه الله يرى جواز كسر حروف المضارعة لغة إلا الياء فلا يجوّز ذلك فيها لثقل الكسرة عليها، وهذه القراءة حجة عليه. قوله: (وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرّد (عن نقل الحركة إلى ما قبلها أو تحريكها بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين وهذه رواية عنه، وروي عنه أيضاً اختلاس الكسرة، والقراءة الأولى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 استشكلها جماعة من حيث الجمع بين الساكنين فلذا قال المبرد: من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة قال النحاس إذ بدونه لا يمكن النطق بها، وأنكره المعرب كما أشار إليه بأنه رواية التيسير، وأنه قرئ به في يخصمون، ويخطف أبصارهم، وقوله وقرئ إلا أن يهدي أي مجهولاً مشددا من التفعيل للمبالغة أي دلالة على المبالغة في الهداية، واعلم أنّ من أرباب الحواشي من اعترض على قول! المصنف رحمه الله وقرأ أبو عمرو بالإدغام الخ بأنّ مقتضاه أنّ أبا عمرو، ونافعا قرآ بإسكان الهاء مع الإدغام، وهذا لم يقرأ به أحد ومن ذكر إنما قرؤوا بالاختلاس، وكأنه جعل الاختلاس سكوناً وهو بعيد إلى آخر ما فصله وهذا من قصور الاطلاع فإن ما ذكر ثابت من بعض الطرق كما فصله في لطائف الإشارات، وكذا ابن الجزري في الطيبة وهذا الاستثناء قيل إنه منقطع، وقيل إنه متصل. قوله: (فما لكم كيف تحكمون بما يقتضي صريح العقل بطلانه) ما لكم مبتدأ وخبر والاستفهام للإنكار والتعجب أي أيّ شيء لكم في اتخاذ هؤلاء العاجزين عن هداية أنفسهم فضلا عن هداية غيرهم، وقد قال بعض النحاة إن مثله لا يتم بدون حال بعده نحو فما لهم عن التذكرة معرضين، وهنا لا حال بعده لأنّ الجملة استفهامية لا تقع حالاً فهي استفهام آخر أي كيف تحكمون بالباطل الذي يأباه العقل من اتخاذ الشركاء دلّه، ولذا ذكر فيه عجب بعد عجب. قوله:) مستندا إلى خيالات فارغة (أي لا وجه لها، ولا فائدة فيها وأقيستهم الفاسدة كقياس الغائب على الشاهد أي الحاضر المحسوس كقياس أحوال الخالق على أحوال المخلوق، وهذا القياس باطل كما برهن عليه في أوائل شرح المواقف، وتنكير ظناً للنوعية كما أشار إليه. قوله: (والمراد بالأكثر الجميع الخ) يعني أن الأكثر يستعمل بمعنى الجميع كما يرد القليل بمعنى العدم قال المرزوقي في قوله: قليل التشكي في المصيبات حافظ من اليوم أعقاب الأحاديث في غد نفي أنواع التشكي كلها وعليه قوله تعالى: {فقليلاَ ما يؤمنون فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} [سورة البقرة، الآية: 88] وحمل النقيض على النقيض حسن وطريقة مسلوكة والمراد ما اتبعوه من العقائد أو إقرارهم بالله قال الزمخشري: وما يتبع أكثرهم في إقرارهم بالئه إلا ظنا لأنه قول غير مستند إلى برهان عتدهم أنّ الظن في معرفة الله لا يغني من الحق وهو العلم شيئأ، وقيل وما يتبع أكثرهم في قولهم للأصنام إنها آلهة، وانها شفعاء عند الله إلا الظن، والمراد بالاكثر الجميع يعني أن المراد بأكثرهم على الأوّل أكثر الناس فهو على حقيقته، وعلى الثاني أكثر المشركين فالاكثر بمعنى الجميع كذا قرّر. الثرّاج، وقيل ضمير أكثرهم للمشركين في الوجهين لأنهم الذين سبق ذكرهم فتأمل. قوله: (من الإغناء ويجورّ أن يكون مفعولاً به (هو على الأوّل مفعول مطلق بمعنى إغناء مّا ومن الحق حال على هذا، وعلى غيره متعلق بيغني. قوله: (وفيه دليل على أنّ تحصيل العلم في الآصول واجب) يعني لما ذكر أن الظن لا غناء فيه، والمراد في الاعتقاديات دون العمليات لقيايم الدليل على صحة التقليد والاكتفاء بالظن فيها كما تقرر في أصول الفقه، وهذا على القول بأن إيمان المقلد غير صحيح فإن قلت تفسيره السابق يدل على أنّ الظن الباطل ما استند إلى خيالات وأوهام فارغة لا مطلق الظن فكيف يدل على ما ذكر قلت المفسر هو الظن الأوّل، وأما الظن في قوله إن الظن الخ فمطلق الظن الشامل للصحيح والفاسد فكأنه قيل ما يتبع أكثرهم إلا ظنأ فاسداً، والحال أن الظن مطلقاً غير نافع فكيف الظن الفاسد قوله وعيد الخ لأنّ ما يفعلون فعلهم المعهود سابقا، وعلمه عبارة عن مجازاته كما قرّرناه مراراً. قوله:) 1 فتراء من الخلق) افتراء تفسير أي يفتري، ومن الخلق تفسير دون الله لأنه بمعنى غيره وغير الخالق الخلق وجعل أن يفتري بمعنى افتراء أي مفتري، وفيه بحث لم يتعرض له أحد من أرباب الحواشي وهو إنّ أن والفعل المؤوّل بالمصدر معرفة باتفاق النحاة فلا يخبر به عن النكرة (قلت (هذا مما توقفت فيه حتى رأيت ابن جني قال في الخاطريات: إنه يكون نكرة وأنه عرضه على أبي عليئ رحمه الله فارتضاه ولذا جعله بعضهم بيانا لحاصل المعنى إذ معنى ما كان ما صح واللام فيه مقدّرة، وأصله ما كان هذا القرآن لأن يفتري كقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} [سورة التوبة، الآية: 122] وأن يفتري خبر كان، ومن دون الله خبر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 ثان بيان للأوّل أي صادرأ من غير الله كما زعموا أنه افتراه، وهذا الإعراب ذهب إليه بعض المعربين ولم يرتضه في الدرّ المصون لكن بلاغة المعنى تقتضيه، والخلاف مبني على أنّ لام الجحود تعاقب أن المصدرية فإذا أتى باللام حذفت أن وإذا أتى بأن حذفت اللام، وقال أبو حيان أيضا الصحيح خلافه فما قيل في رذه إنه ليس على حذف اللام لتأكيد النفي بل أن يفتري في معنى مصدر بمعنى المفعول كما أشار إليه بقوله، وكان محالاً أن يكون مثله في علوّ أمره، واعجازه مفتري لكن ما ذكر من قوله ما صح، وما استقام وكان محالاً ربما يشعر بأنه على حذف اللام، إذ مجرّد توسيط كان لا يفيد ذلك، والتعبير بالمصدر لا تعلق له بتأكيد لا ربما يشعر بأنه على حذف اللام، إذ مجرّد توسيط كان لا يفيد ذلك، والتعبير بالمصدر لا تعلق له بتأكيد معنى النفي انتهى غفلة عن مراده مع أنه رجع إلى ما قاله آخرأ فلا وجه له، ثم إن نفي كان قد يستعمل لنفي الصحة، وبمعنى لا ينبغي، وأصله ما وجد، وهي كان التامّة فيجوز أن يكون المعنى ما كان لهذا القرآن افتراء أي ما صح أن ينسب إليه، وما أشار إليه أوّلاً ذهب إليه ابن هشام رحمه الله في أواخر المغني، وقال شارحه أنه لا حاجة إليه لجواز أن يكون كان تافة، وأن يفتري بدل اشتمال من القرآن، وقيل عليه أنه لا يحسن قطعا لأن قولك، وما وجد القرآن يوهم من أوّل الأمر نفي وجوده، ولا بد من الملابسة بين المبدل، والمبدل منه في بدل الاشتمال فيلزم أن يبتني الكلام على الملابسة بين القرآن العظيم، والافتراء وفي التزام كل من الأمرين ترك أدب لا يلتزمه المنصف فالوجه ما ذكره ابن هشام وليس بسديد ابتداء لأنه ليس معنى الملابسة أن يعرف بالاتصاف به كما توهم وما ذكره من الإيهام لا عبرة به مع الدافع القوي له وهو قوله بعده ولكن تصديق الخ وما ارتضاه من كلام ابن هشام ليس كما زعم لا لما ذكره الشارح بل لما أشرنا إليه فتدبر. قوله: (مطابقا لما تقدّمه من الكتب الإلهية الخ (أي معنى تصديقه لها مطابقته إياها وهي مسلمة الصدق عند أهل الكتاب فيكون هذا كذلك هذا مراد المصنف رحمه الله، وأورد عليه أن اللازم منه صدق ما طابقه منها لا كونه كلام الله وغير مفتري، ولا يلزم صدقه عند غير أهل الكتاب أيضا واعتبار إعجازه إنما يدلّ على صدق ما وافقه منها دون ما عداه فلا بد من ضم مقدمة أخرى، وهي أنه ظهر عن يد أمّيّ لم يمارس الكتب ولا أهلها، ولم يسافر إلى غير وطنه حتى يتوهم تعلمه من غيره أو يحمل تصديقه لها على إخباره بنزولها من عند الله كانا أنزلنا التوراة فإنه يدلّ بعد إعجازه على أنها من عند الله ولا يحمل على مطابقته لها في المعنى لما مرّ ثم إنه تراءى من كلامه أنه جعل التصديق أوّلاً بمعنى المطابقة وثانياً بمعنى الدلالة على الصدق وأسلوب تحريره لا يخلو عن خلل، وقيل المراد بتصديقه إياها أنّ بعثته مصدّقة للإخبار بها في تلك الكتب إلى هنا ما قاله، ولا يخفى أنّ الصدق مطابقة الواقع والتصديق بيان أنه صدق، وهو إما مضاف لفاعله أو مفعوله والظاهر الأوّل لأنه المناسب لردّ دعوى افترائه بأنها بينت وأظهرت صدقه لا هو أظهر صدقها كما يلوج إليه قوله المشهود على صدقها وتصديقها له بأنّ ما فيه من أمر البعث، والعقائد الحقة مطابق لما فيها، وهي مسلمة عند أهل الكتاب وما عداهم إن اعترف فبها والا فلا عبرة به، ثم إنه ترقى عن هذا إلى أنه إذا تطابق مدلولهما، ولزم من صدق أحدهما صدق الآخر، ومن صدق بعضه صدق كله إذ لا قائل بالتفريق بينهما لزم أن يكون هو المصدق لا هي لأنه معجز فيكون مثبتا لنفسه، ولغيره، ولذا سمي القرآن نورا لأنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره فلا خفاء في كلامه ولا خفاء في اتساق نظامه لمن تدبر فإن جعل مضافا للمفعول يكون مبالغة في نفي الافتراء عنه لأنّ ما يثبت به صدق غيره فهو أولى بالصدق، وإنما كان مصدّقا لها لأنه دال على نزولها من عند الله كقوله إنا أنزلنا التوراة، ولاشتماله على قصص الأوّلين الموافقة لما في التوراة، والإنجيل، وهو معجز دونها فهو الصالح لأن يكون حجة وبرهانا لغيره لا بالعكس، وقوله عيار عليها أي شاهد مبين لأن العيار ما يقاس به غيره وشموّي وعيار الدراهم والدنانير ما فيها من الفضة، والذهب الخالصين. قوله: (ونصبه بأنه خبر لكان مقدر) في إعرابه على قراءة النصب وجوه أمّا العطف على خبر كان أو خبر لكان مقدرة أو مفعول لأجله لفعل مقدر أي أنزل لتصديقها وجعل العلة ذلك هنا، وإن أنزل لأمور أخر، لأنه المناسب لمقام رد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 دعوى افترائه مع أنّ العلة ليس ذلك بل هو مع بيان الشرائع والعقائد ومنها إثبات نبوّته وهو الداعي لنزوله أو هو مصدر فعل مقدر أي يصدق، وقرئ برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف وهي قراءة عيسى بن عمرو ا+لثقفيّ ومعنى لا ريب مر تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (وهو خبر ثالث داخل في حكم الاستدراك الخ) أي لكان المقدرة بعد لكن أو المبتدأ المقدّر والأوّل تصديق والثاني تفصيل وهذا هو الثالث وفصل لأنه جملة مؤكدة لما قبلها واكتفى ببيان الوجه الأوّل عن الثاني، وقوله ويجوز أن يكون حالاً لم يذكره الزمخشريّ وان كان في كلامه إشارة إليه على ما قيل ومعنى كونه لا ريب فيه أنه لا ينبغي لعاقل أن يرتاب فيه لوضوح برهانه كما مز تحقيقه في البقرة فلا ينافي قوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [سورة البقرة، الآية: 23] وقوله فإنه مفعول في المعنى بيان لوجه مجيء الحال من المضاف على ما عرف في النحو وأن يكون استئنافا نحويا لا محل له من الإعراب أو بيانيا جواباً للسؤال عن حال الكتاب والأوّل أظهر. قوله: (خبر آخر تقديره كائناً الخ) أي خبر لكان المقدرة أو المبتدأ كما مرّ وإذا كان متعلقا بالتصديق أو التفصيل وفي الكشاف بتصديق وتفصيل فجملة لا ريب فيه معترضة لئلا يفصل الأجنبيّ بين الفعل ومتعلقه، وكذا إذا تعلق بالمعلل، ولذا قيل لو أخره عنه لكان أولى، وكذا على الحالية، والمعلل أنزله الله أي أنزله الله من رب العالمين أي من عنده فأقيم الظاهر مقام الضمير وقوله أو من الضمير في فيه أي المجرور لا المستتر وقوله ومساق الآية يعني قوله، وما كان هذا القرآن الخ والمنع من الظن من قوله، وما يتبع أكثرهم وما يجب اتباعه القرآن والشريعة المذكور في هذه الآية، والبرهان عليه كونه من عند الله ثابتا ما فيه بتصديق الكتب السالفة. قوله: (بل أيقولون افتراه محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الهمزة فيه الإنكار) يعني أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة عند سيبويه رحمه الله والجمهور وبل انتقالية والهمزة للإنكار وجوز الزمخشريّ أن تكون للتقرير لإلزام الحجة قال والمعنيان متقاربان، والمعنى على الإنكار ما كان ينبغي ذلك وضمير افترى للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه معلوم من السياق، وقيل إنها متصلة ومعاد لها مقدّر أي أتقرون به أم تقولون افتراه وقيل أم استفهامية بمعنى الهمزة، وقيل عاطفه بمعنى الواو والصحيح الأوّل. قوله: (في البلاكة وحسن النظم) أي الانتظام وارتباط بعضه ببعض، وقوة المعنى جزالته وما فيه من الحكم ونحو ذلك وقوله على وجه الافتراء لأنهم اذعوا افتراءه فقال لهم إن كان افتراء فافتروا مثله، وليس المراد الاحتراز عن الإتيان به من جهة الوحي فإنه لا يتحدّى به وليس في الوسع، وقوله: فإنكم مثلي تعليل للتحدي والطلب وفي العربية أي ذلك الجنس وأهل اللسان والتمرّن الاعتياد والعبارة بمعنى التعبير ويجوز أن يريد بالنظم الشعر وبالعبارة النثر أي لكم تمرّن في أنواعه مما لم يصدر مني ولم أتمرّن عليه مثلكم. قوله:) ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم الخ) ذلك إشارة إلى المذكور أي مع كونكم مثلي فيما ذكر والفاء في قوله فاستعينوا إشارة إلى أن دعوتهم لأجله وأنّ دعوتهم كناية أو مجاز عن الاستعانة بهم وفاء فأتوا جواب شرط مقدر دل عليه إن كنتم صادقين أي إن كان الأمر كما زعمتم، وقوله من دون الله يصح تعلقه بادعوا فمن ابتدائية وبقوله من استطعتم فهي بيانية كما أشار إليه في الكشاف، والثاني أولى لأنّ إطلاق ما استطعتم بحيث يعم الخالق والمخلوق ليس على ما ينبغي وقول المصنف رحمه الله سوى الله ظاهر، وجعله استثناء منقطعا تكلف لا داعي له. قوله: (بل سارعوا إلى التكذيب الخ) المسارعة إلى التكذيب مأخوذة من قوله لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله فإن التصديق والتكذيب بالشيء ينبغي أن يكون بعد العلم به والإحاطة بكنهه ومعرفة مآله ومرجعه والا كان مسارعة إليه في غير أوانه، ولذا رأيت بخط بعض الفضلاء المتأخرين إن بل هذه ينبغي أن تسمى فصيحة لأنّ المعنى فما أجابوا أو ما قدروا بل كذبوا، وقرئ بسورة مثله بالإضافة فيكون كقوله فأتوا بسورة من مثله على الاحتماليق. قوله: (بالقرآن أوّلى ما سمعوه الخ) بدل من قوله بما لم يحيطوا الخ أي المراد بما لم يحيطوا بعلمه القرآن قبل أن يتدبروه ويقفوا على شأنه وإعجازه، وقوله أو بما جهلوه عطف عليه أي المراد به ما كذبوه من القرآن المذكور فيه البعث ونحوه مما يخالف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 اعتقادهم الفاسد. قوله: (ولم يقفوا بعد على تأويله الخ) لما هذه نافية جازمة تختمى بالمضارع كلم إلا أنها تفارقها من خمسة وجوه استمرار منفيها إلى الحال كقوله: فإن كنت مأكولاً فكن خيرآكل والا فأدركني ولما أمزق ومنفيّ لم يحتمل الاستمرار وعدمه ولا يقترن بأداة شرط ومنفيها يكون قريبا من الحال ومتوقع الثبوت ويجوز حذفه كثيراً على ما فصل في كتب العربية، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله بعد أي بعد ما مضى والى الآن فلم يفسرها بلم وحدها بل من ما ضمّ إليها مما يثير إلى مجناها فمن قال وضع لم موضع لما مع ما عرف من الفرق بينهما غفل أو تغافل، وقوله ولم تبلغ أذهانهم معانيه أشار به إلى أنّ للتأويل معنيين أحدهما معاني الكلام الوضعية، والعقلية، وبيان ذلك يسمى تأويلا، وهو نوع من التفسير، والثاني وقوع مدلوله، وهو عاقبته وما يؤول إليه، وذكر بعضهم أن هذا هو حقيقة معناه اللغوي فإن كان تأويله معناه الأوّل فإتيانه معرفته، والوقوف عليه مجازاً باستعماله في لازم معناه، وان كان تأويله وقوع مدلوله الذي أخبر بغيبه فإتيانه مجاز عن تبيينه وانكشافه،! وقوله والمعنى أي معنى لما يأتهم تأويله على الوجهين واعجاز المعنى إخباره عن المغيبات فإنّ البشر لا يقدر عليه، وهلى ابيان لأن إعجازه لهم بكلا اللامرين.، قوله: (ومعنى التوقع الخ) التوقع الانتظار، وأصل معنا. طلب وقوع الفعل مع تكلف، واضطراب، وقد تقدم أنّ لما تدل على أن نفيها متوقع منتظر، وهو أحد الفروق بينهاص، ويين لم وقد ذكر له في الكشاف ثلاثة وجوه أحدها أن المراد بالتأويل بيان المعنى، وأنه متوقع منهم الوقوف عليه، وعلى الإعجاز يتكزر التحدي عليهم وامتحانهم به حتى يظهروا العجز ويقروا به، وهو معنى قول المصنف رحمه الله قد ظهر لهم بالآخرة الخ، والثاني أن الموصوفين بهذا كانوا شاكين فيه فلذا؟ أتى بلما لأنّ زوال شكهم متوقع، ولم يذكره المصنف رحمه الله تعالى، وصاحب الكشاف، وان ذكره أيضاً أشار إلى ضعفه، والثالث أنّ المراد بالتأويل ما يؤول إليه من وقوع ما فيه من المغيبات فإنه منتظر الوقوع لتيقننا بأنّ ما أخبر الله عنه سيقع وهو ما أشار إليه بقوله أو لما الخ، وقوله فرإزوا بالراء المهملة والزاي المعجمة بمعنى جرّبوا وامتحنوا وتضاءلت بالمد بمعنى صغرت وضعفت، وقوله: لما كرر بكسر اللام التعليلة أو بفتحها بمعنى حين ظرف ظهر وكذا لما شاهدوا، والإقلاع الكف يقال أقلع عنه إذا كف. قوله: (فلم يقلعوا عن التكذيب تمردا وعنادا (قليل عدم الإقلاع يستفاد من استمرار الذم لا من كلمة التوقع ففي كلامه تسامح، ومع ذلك ففيه أنّ النحاة صرّحوا بأنّ منفيّ لما مستمرّ النفي إلى الحال دون لم فإذا استمرّ نفيه إلي الآن لم يجز يأتي تاويله إلى حين الأخبار فلا يصح قوله، ومعنى التوقع الخ والظاهر أنّ الاية الأولى إنكار لتكذيبهم النظم، والثانية لتكذيبهم بما فيه من الأخبار قبل أن يحيطوا بعلمه، ويأتيهم تأويله إلى نزول الآية الكريمة انتهى. وقد سبق هذا القائل شرّاج الكشاف، وأشاروا إلى أنه مأخوذ من مجموع الكلام، والسياق مع ما فيه من التكلف قال النحرير والذي يلوح من. كلامه أنه تعالى نبه أوّلاً على تكذيبهم بعد بيان المرجع، والمآل والعلم بحقيقة الحال بقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسورة مِّثْلِهِ} فإنه يدل على أنهم لم يرجعوا عن تكذيبهم بل أصرّوا بغياً وحسداً وعناداً، ثم أضرب عن ذلك إلى الإخبار عنهم بما هو أشنع في نظر العقل من وجه وهو المسارعة إلى التكذيب قبل العلم واتيان التأويل إذ فيه اتصاف برذيلة الجهل وقلة الإنصاف، وعدم التثبت وان كان التكذيب بعد العلم أشنع من جهة اأنّ الجاهل ربما يعذر لكن العناد في نظر العرب ليس كاستقباج الجهل والتقليد لمن هو دونهم أو مثلهم بل ربما استحسنوه حتى قيل: فعاند من تطيق له عنادا ولو سلم فضمه إلى تكذيب العناد أشنع لا محالة ففي الجملة قد ثبت أنهم كذبوا قبل العلم جهلاً وتقليداً وبعده حسداً فاستمرّ تكذيبهم في الحالين بدليل عدم انقطاع الذمّ عنهم انتهى ولا يخفى حاله وهذا من مشكلات هذا الكتاب والكشاف، ولقد أطال شراحه بما قلت إفادته وملت زيادته فتدبره. قوله: (فيه وعيد لهم الخ) هو يفهم من قوله كذلك وعاقبة الظالمين، وقوله من يصدق به في نفسه يعني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 المضارع إئا للحال والإيمان لغويّ بمعنى التصديق القلبي، ولا ينافيه تكذيب اللسان أو مستقبل والمراد الإيمان العرفي باللسان، والجنان قيل والمفسدون على الأوّل المعاندون، وعلى الثاني المصرون، وقيل بل المراد بهم على الأوّل المعاندون والمصرون، وعلى الثاني المصرون فقط فتأمّل قال الزجاج كيف في موضع نصب خبر كان وقد يتصرّف فيها فتوضمع موضعالمص در وهو كيفية ويخلع عنها معنى الاستفهام بالكلية وهي هنا تحتمل ذلك، وكذا فول البخارقي كيف كان بدء الوحي، وفي تفصيل، وكلام في الدر المصون فان أردته فراجعه. قوله: (وإن أصرّوا على تكذيبك الخ) أوّله به لأنّ أصل التكذيب حاصل فلا يصح فيه الاستقبال الذي هو مقتضى الشرط وأيضا جوابه، وهو قل لي عملي ولكم عملكم الذي هو عبارة عن التبري والتخلية إنما يناسب الإصرار على التكذيب، واليأس من إجابتهم، ولذا لم يحملوه على المضيّ، وأنّ المعنى إن كانوا قد كذبوا. قوله: (فقد أعذرت الخ) أي بالغت في العذر كما يقال أعذر من أنذر، وقوله حقا كان أو باطلاً أي كل منهما ولذا لم يثنه، وقوله لا تؤاخذون أي تعاقبون ووقع في نسخة تؤخذون والأصح الأولى، وقوله ولما فيه متعلق بقيل قدم عليه وأشار بقوله قيل إلى ضعفه فإنّ مدلول الآية اختصاص كل واحد بأفعاله وثمراتها من الثواب، والعقاب ولم ترفعه آية السيف بل هو باق، وقوله ولما فيه من إيهام الإعراض فيه تسمح، وتقديره قيل إنّ المراد به مجاز الإعراض والتخلية، وهو منسوخ فلا وجه لما قيل إن كان الكلام نظراً إلى معناه الإيهامي فإن كان المعنى الإيهامي يقبل النسخ تئم، والا فالنسخ ليس على معناه العرفيّ. قوله تعالى: ( {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ} الخ (من مبتدأ خبره مقدم عليه، وأعاد ضمير الجمع لمن مراعاة لمعناها، وقد يراعى لفظها كقوله: {وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} [سورة يونس، الآية: 43] وقد يجمع بينهما مع تقديم كل منهما، وفيه تفصيل في النحو قد قدمنا طرفاً منه، والمعنى أنّ من المكذبين من يصغي إلى القرآن أو إلى كلامك، وتصل الألفاظ لآذانهم ولكن لا يقبلونها كالأصمّ لا يسمع شيثا سيما إذا لم يعقل فإنه وان وصل لصماخه لا يسمع لعدم تعقله المعنى المراد منه إذ المقصود من الاستماع فهم المعاني، وان كانوا كالصمّ الذين لا يعقلون مع كونهم عقلاء لأن عقولهم مؤفة أي أصابتها آفة ومرض بمعارضة الوهم للعقل، ومتابعة الألف والتقليد فيتعذر عليهم فهم معاني القرآن والأحكام الدقيقة، وإدراك الحكم الأنيقة فلا يتوهم أنّ صدر الآية أثبت لهم الاستماع وعجزها نفاه عنهم والمقدمة الاستدراكية مطوية مفهومة من المقام وبها يتم الانتظام وهي تنبيه على أن الغرض من استماع الحق قبوله، وقوله كالأصم إشارة إلى أنه تمثيل في معرض! الاستدلال على ذلك الاستدراك لأنّ انتفاء الاستماع كناية عن انتفاء القبول، وتقديم المسند إليه في قوله أفأنت تسمع الصمّ عند السكاكيئ للتقوية، وجعله العلامة للتخصيص فتقديم الفاعل المعنوفي، وايلاؤه همزة الإنكار دلالة على أنه ع! ز قصد إسماعهم، وهو منتف عنه أي أنت لا تقدر عليه بل الله هو القادر وسرد الألفاظ سوقها متتابعة من سرد الدرع، ونسجه والناعق الصائح الزاجر كالراعي. قوله: (حقيقة استماع الكلام الخ) قيل بل هو حقيقة السماع ألا ترى أنه تعالى أثبت لهم الاستماع ونفي السماع وفيه نظر والمعاني الدقيقة ما اشتمل عليه القرآن، وقوله أفأنت تهدي العمي تقدر الخ حمله على نفي القدرة لأنه الثابت لله تعالى والمراد بالهداية الموصلة لا مطلق الدلالة لأنه ثابت له صلى الله عليه وسلم وقوله، وان انضمّ الخ حمل النفي في قوله لا يبصرون على نفي البصيرة لمناسبة المقام وليكون تأسيساً. قوله: (فإنّ المقصود من الأبصار هو الاعتبار والاستبصار) جواب سؤال مقدر، وهو أنه أثبت لهم النظر والأبصار باعتبار الواقع ونفاه ثانياً لعدم الغرض! منه الذي جعله كالعدم لا يقال الأصل في كلمة لو الوصلية أن يكون الحكم على تقدير تحقق مدخولها ثابتاً كما أنه ثابت على تقدير عدمه إلا أنه على تقدير عدمه أولى، والأمر هنا بالعكس لأنا نقول اتصال الوصل بالإثبات جار على المعروف فإن تقديره تسمعهم ولو كانوا لا يعقلون يقتضي إسماعهم مع العقل بطريق الأولى والاستفهام إثبات بحسب الظاهر فإن نظر إلى الإنكار وأنه نفي بحسب المعنى اعتبر أته داخل على المجموع بعد ارتباطه هكذا ينبغي تحقيق هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 المقام وقد قيل النفي منسحب على المعطوف عليه فقط لا عليهما حتى يرد الإشكال، ولا محصل له سوى تعقيد كلماته. قوله: (بسلب حواسهم وعقولهم (أي إن سلبها والظلم على ظاهره وفسره الزمخشري بينقصهم شيئا فقيل ضمن معنى النقص فنصب مفعولين إن كان نقص كذلك كما في قوله: لا ينقصوكم شيئا وبه صرّج الحلبي وقيل إنه تفسير لا تضمين فإنه متعد بمن كقوله: لا يظلم منه شيئاً فالناس منصوب بنزع الخافض وشيئاً مفعول به وقد صرّج الراغب بكونه معنى للظلم، ومنهم من أعرب شيئا مفعولاً مطلقاً أي شيئا من الظلم، وعدل عما في الكشاف لابتنائه على مذهبه قيل، وهو جواب لسؤال نشأ من الآية السابقة وضمير بإفسادها وما بعده للحواس. قوله:) وفيه دليل على أنّ للعبد كسباً الخ) المجبرة هم أهل الجبر الذين يقولون إنّ العبد لا كسب له ووجه الدلالة أنه ذكر أنه يظلم نفسه بالتصرّف وصرف الحواس لما لا يليق وهو عين الكسب، وقوله ويجوز أن يكون وعيداً يعني بحمل الآية على أن الله لا يظلم الناس في تعذيبهم بل يعدل فلا شك أنه وعيد وشيئا على هذا مفعول مطلق فيكون ذلك في الآخرة وفي الوجه الأوّل يختص بأمور الدنيا. قوله: (لهول ما يرون) كذا في الكشاف قيل والوجه هو الأوّل لأن حال المؤمنين كحال الكافرين في أنهم لا يعرفون مقدار لبثهم في القبور بعد الموت إلى الحشر فوجب أن يحمل على أمر يختص بالكفار، وهو أنهم لما ضيعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص على لذاتها لم ينتفعوا بعمرهم، وكان وجود ذلك العمر كالعدم عندهم فلذلك استقلوه والمؤمنون لانتفاعهم بعمرهم لا يستقلونه، وأمّا قوله لهول ما يرون فهو تعليل مشترك لأنّ الكفار لما شاهدوا من أهوال الآخرة استقلوا مذة لبثهم في الدنيا أو في القبور لأن الإنسان إذا عظم حزنه نسي الأمور الماضية، وقيل إذا شاهدوا ذلك الهول هان عليهم غيره، ووذوا طول مكثهم في القبور أو في الدنيا لئلا يروا ذلك فيعذونها قصيرة فتأمّل. قوله: (والجملة التشبيهية في موقع الحال الخ (أي من مفعول نحشرهم، وكان مخفف كأن أو مركب من الكاف وأن والظاهر الأوّل، وأصله كأنهم أناس لم يلبثوا فيما مضى إلا ساعة، وعلى كل حال فالتشبيه ليس مراداً به ظاهره فإن التشبيه كثيراً ما يذكر ويراد به معان أخر تترتب عليه كما صرّح به في شرح المفتاح فالمراد إما التأسف على عدم انتفاعهم بأعمارهم أو تمني أن يطول مكثهم قبل ذلك حتى لا لشاهدوا ما رأوه من الأهوال، ومن غفل عن هذا قال: إنّ الظاهر أنها للظن فإن تشبيههم بعدم لبثهم إلا ساعة كلام خال عن الفائدة وهو من آفة الفهم فتدبر. قوله: (أو صفة ليوم الخ) تبع فيه بعض المعربين وردّه أبو حيان بأنّ الجمل نكرات، ولا تنعت المعرفة بالنكرة، وأيضاً هو من صفة المحشورين لا من وصف اليوم فيحتاج إلى تقدير رابط، وتكلف قبله أي كأن لم يلبثوا قبله، ومثله لا يجوز حذفه وكذا إذا قدر صفة مصدر محذوف، وعنده أنّ الجمل التي تضاف إليها أسماء الزمان ليست بنكرات على الإطلاق لأنه إن قدر حلها إلى معرفة كان ما أضيف إليها معرفة وإن قدّر حلها إلى نكرة كان نكرة، وهاهنا يوم نحشرهم بمعنى يوم حشرنا والمراد به يوم القيامة، وهو يوم معين ولا يخفى أنه جوّز تنكيرها أيضا، والذين قالوا بتنكير. هنا لم يقولوا إنه دائماً نكرة حتى يرد عليهم ما ذكروه فيجوز أن يكون يوم بمعنى وقت، والمعنى وقت حشرهم يشبهون فيه من لم يلبث غير ساعة من نهار ويؤيده قوله وهذا أوّل ما نشروا فإنه يدل على أن اليوم يراد به ذلك الوقت ففي كلامه ما يدفع الاعتراض، وإن لم يتنبهوا له وصنعه من حذف العائد غير مسلم، ونهاية ما ذكره أنه وجه ضعيف، وهم لم يرجحوه. قوله: (يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا) أي لم يقع بينهم مفارقة بالموت إلا زمانا قليلاً، وقوله: وهذا أوّل ما نشروا أوّل منصوب على الظرفية لا أفعل تفضيل وهو بيان للواقع، وقيل إنه لدفع المنافاة بينه ويين قوله: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 101] وقوله: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [سورة المعارج، الآية: 10] بالحمل على زمانين وفيه نظر وقيل المثبت تعارف تقريع وتوبيخ والمنفي تعارف تواصل ومنفعة. قوله: (وهي حال أخرى مقدرة أو بيان الخ) ولا داعي لجعلها مقدّرة لأنّ الظاهر عدم! تأخر التعارف عن الحشر بزمان طويل حتى يحتاج إلى جعلها مقدرة، وتقرير البيان كما في الكشاف، وشرحه أنه لو طال العهد لم يبق التعارف لأنّ طول العهد منس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 ومفض إلى التناكر لكن التعارف باق فطول العهد منتف، وهو معنى كأن لم يلبثوا إلا ساعة أي في القبور فالمراد بالبيان الإثبات والاستدلال ولا ينافيه كونه مثبتا بعدم اللبث أيضاً وأمّا كونه لا يتأتى إلا إذا أريد قصر المدة حقيقة لا استقصارها لما يرى من الهول فقد دفع بأنّ التعارف بخلق الله لا دخل لقصر المدة وطولها فيه وكون يتعارفون بيانا من حيث دلالته على وجه الشبه لا أنه مبنيّ على استقصار مدّة لبثهم وفيه تأمّل وقوله أو متعلق الظرف أي عامل في الظرف وهو يوم فيعطف على ما سبق. قوله: (للشهادة على خسرانهم) أي لإثباتها من الله فالجملة مستأنفة، وهي إنشائية للتعجب بقرينة المقام، والمراد بيان أنها مما يتعجب منه والا فالله لا يتعجب لتعاليه عنه فماله إلى التعجب من العباد، وقوله ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في يتعارفون فيه تسمح لأنّ الحال القول المقدر وجوّز فيه كونه حالاً من ضمير نحشرهم إن كان يتعارفون حالاً أيضأ لئلا يفصل بينها وبين صاحبها بأجنبيّ، وما منحوا ما أعطوا من العقل والحواس والمعاون جمع معونة، وهو ما يستعان به من الآلات واستكسبوا أي طلبوا الكسب أو بالغوا فيه وقوله نبصرنك إشارة إلى أن رأى هنا بصرية لا علمية. قوله: (كما أراه يوم بدر) تنظير أو تمثيل، وهو إشارة إلى أنّ هذا الشق من الترديد هو الواقع. قوله: (وهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف مثل فذاك) أي فذاك واقع أو فالأمر ذاك فيكون جملة جوابية وليس مفرداً حتى يعترض! عليه بأنه لا يقع جوابا ويتكلف له بأنّ اسم الإشارة يسد مسد الجملة، وقيل لا حاجة إلى التقدير فإنّ قوله فإلينا مرجعهم يصلح جواباً للشرط وما عطف عليه، والمعنى أنّ عذابهم في الآخرة مقرّر عذبوا في الدنيا أو لا، ودفع بأنّ الرجوع لا يترتب على إواءة ما يعدهم وما بيناه من المعنى لا يندفع بما ذكر، ولا حاجة إلى أنه اتفاقيّ من غير ملازمة بينهما كما قيل. قوله: (ذكر الشهادة وأراد نتيجتها الخ) يعني أنّ شهادة الله على الخلق بكونه رقيباً عليهم وحافظاً لما هم عليه أمر دائم في الدارين وثم تقتضي حدوثه فلذا جعلت مجازاً عن لازمها لأنّ اطلاعه تعالى على أفعالهم القبيحة مستلزم للجزاء والعقاب، وثم للترتيب والتراخي، وقيل إنه تراخ رتبيّ حينئذ أو ذكريّ، ولم يلتفت إليهما المصنف رحمه الله لقلة الربط فيهما وكماله فيما ذكر ولأنّ شهادة الله عليهما لا تتعلق بالشرط فتعطف على جزائه وعطفها على مجموع الشرطية خلاف الظاهر أو المراد به إظهار الشهادة يوم القيامة فثمّ على ظاهرها، وقيل المراد من أدائها واظهارها إنطاق الجوارح فإن قلت المجازاة متقدمة على إراءة العذاب أو معها، وقد فسر الرجوع بإراءة العذاب كما تقدم فكيف يعطف ما يراد به المجازاة على ما يراد به إراءة العذاب الذي هو نفس المجازاة بثم قلت قوله فنريكه ليس تفسيرا للرجوع بل بيان للمقصود منه المتفرّع عليه بقرينة ما ذكر هنا فلا حاجة إلى جعله تفسيراً حتى يتكلف لتوجيهه. فوله: (بالبينات فكذبوه الخ) يشير إلى أن في الكلام مقدراً به ينتظم الكلام لقوله قضى بينهم، وقد يقدر أيضا فكذبته طائفة وآمنت به أخرى قضى بينهم بإنجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به واهلاك ما عداهم وما ذكره المصنف رحمه الله أخصر وقد قيل في تفسيره لهذه الآية ما يخالف كلامه في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سورة يون! ، الآية: 19] في هذه السورة وهو مما يدفع بأدنى تأمّل، وقوله فأنجى وأهلك إشارة إلى أنه إخبار عن حال ماضية. قوله: (وقيل معناه لكل أمّة يوم القيامة الخ) فعلى هذا الاستقبال على ظاهره ولا يحتاج إلى تقدير كما في الوجه الأوّل وقد رجح بأنّ قوله ويقولون متى هذا الوعد تقوية، وأمّا حديث التأكيد والتأسيس فما لا يلتفت إليه وقوله وقضى أي وشهدوا وقضى. قوله: (ويقولون متى هذا الوعد استبعاداً له واستهزاء به) في الكشاف أنه استعجال لما وعدوا من العذاب استبعاداً له والمصنف رحمه الله أسقط الاستعجال وقد قال النحرير رحمه الله أن معنى الاستفهام في متى الاستعجال بمعنى طلب العجل، وهو الذي يقال له الاستبطاء بمعنى عذ الأمر بطيئا، ثم القصد من هذا الاستعجال هو استبعاد الموعود وأنه مما لا يكون ووسط الاستبطاء جريا على قضية المناسبة كما لا يخفى إذ الاستفهام للاستبعاد ابتداء إنما يكون بأين وأنى ونحو ذلك دون متى ففي كلام المصنف رحمه الله على هذا نظر لكن ما قاله غير مسلم فإنه لا مانع من استعماله ابتداء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 في الاستبعاد إذ المقام يقتضيه والمجاز لا حجر فيه مع ظهور العلاقة هنا. قوله: (فكيف أملك لكم الخ) قالوا إنه بيان لوجه ارتباط الجواب بالسؤال فإنّ الاستفهام للاستعجال والاستبعاد كما مرّ لأنّ من لا يملك ذلك لنفسه لا يملكه لغيره بالطريق الأولى وذكر النفع للتعميم إذ المعنى لا أملك لنفسي شيئا، وقيل: إنه استطرادفي لئلا يتوهم اختصاصه بالضرّ. قوله: (1 لا ما شاء الله) في الكشاف إنه استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله كائن فكيف أملك لكم الضرّ وجلب العذاب، وقيل عليه إنه لم عدل عن الاتصال وهو الأصل، ولا مانع منه هنا إذ يجوز أن يكون التقدير إلا ما شاء الله من النفع والضرّ فإني أملكه والعجب أنه قدر ما شاء الله من ذلك والإشارة إلى النفع والضرّ وهو بيان لما شاء الله فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه فكيف يكون منقطعا ورد بأنه وان كان من جنس المستثنى منه ولكن ليس المعنى على إخراجه من حكمه، ولهذا جعل الحكم أنه كائن دون أني أملكه ويؤيده أنه ورد في آيات أخر غير مقيد لكن فيه أنّ الملك بمعنى الاستطاعة وهو مستطيع لما شاءه الله فيكون متصلا داخلا في الحكم أيضاً نعم إن أبقى الملك على ظاهره تعين الانقطاع ولذا جوّز المصنف رحمه الله الوجهين، وقدم الاتصال لأنه الأصل، وقد خبط بعضهم في شرح كلامه بما لا حاجة لنا بإيراده. قوله: (لا يتأخرون ولا يتقدّمون الخ (يعني أن الاستفعال بمعنى التفعل، وسبق في الأعراف أنه يجوز بقاؤه على أصله وأن المعنى لا يطلبون التقدم والتأخر، وقالوا إن لا يستقدمون استئناف أو معطوف على القيد والمقيد لا على قوله لا يستأخرون حتى يرد عليه أنه لا يتصوّر التقدم بعد مجيء المدة فلا فائدة في نفيه، وقد ردّ بأنّ الفائدة فيه المبالغة في انتفاء التأخير لأنه لما نظمه في سلكه أشعر بأنه بلغ في الاستحالة إلى مرتبة التقدم فهو مستحيل كالتقدّم للتقدير الإلهيّ، وان أمكن في نفسه وهو السرّ في إيراده بصيغة الاستفعال أي بلغ في الاستحالة إلى أنه لا يطلب إذ المحال لا يطلب، وقيل معنى إذا جاء إذا قارب المجيء نحو إذا جاء الشتاء فتأهب له (قلت (وأشار الزمخشريّ إلى جواب آخر وهو أن لا يتأخر ولا يتقدم كناية عن كونه له حذ معين وأجل مضروب لا يتعذاه بقطع النظر عن التقدم والتأخر كقول الحماسيّ: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدّم قال المرزوقيّ: يقول حبسني الهوى في موضع يستقرّ فيه فالزمه ولا أفارقه وأنا معك مقيم وطائع لا أعدل عنك ولا أميل إلى سواك، وقوله فسيحين بالحاء المهملة أي يجيء حينه وزمانه وفي ئسخة فسيجيء، وهما بمعنى وينجز وعدكم بالبناء للمجهول. قوله: (تعالى أرأيتم إن أتاكم عذابه (أرأيت يستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية وهو أصل وضعه، ثم استعملوه بمعنى أخبرني والرؤية فيه تجوز أن تكون بصرية وعلمية، وقد أشار في مواضع من الكشاف إلى كل منهما فالتقدير أأبصرت حاله العجيبة أو أعرفتها فاخبرني عنها ولذا لم يستعمل في غير الأمر العجيب، ولما كانت رؤبة الشيء سببا لمعرفته ومعرفته سبباً للأخبار عنه أطلق السبب القريب أو البعيد وأريد مسببه وهل هو بطريق التجوّز كما ذهب إليه كثيرا أو التضمين كما ذهب إليه أبو حيان رحمه الله، والكاف وما معها حرف خطاب وهل الجملة مستأنفة لا محل لها أو في محل نصب على أنها مفعول أرأيت معلق عنها أم لا فيه اختلاف لأهل العربية مفصل في محله. قوله:) وقت بيات واشتغال بالنوم (يعني لم يقل ليلا ونهاراً ليظهر التقابل لأن المراد الإشعار بالنوم، والغفلة وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدؤ ويتوقع فيه ويغتنم فرصة غفلته وليس في مفهوم الليل هذا المعنى، ولم يشتهر شهرة النهار بالاشتغال بالمصالح والمعاش حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار أو النهار كله محل الغفلة لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو غذاء أو زمان قيلولة كما في قوله بياتا أو هم قائلون بخلاف الليل فإنّ محل الغفلة فيه ما قارب وسطه، وهو وقت البيات فلذا خص بالذكر دون النهار، والبيات بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم لا بمعنى البيتوتة. قوله: (أيّ شيء من العذاب يستعجلونه) ماذا جملتها أنها اسم استفهام مركب بمعنى أقي شيء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 أو استفهامية وذا موصولة بمعنى الذي أي ما الذي يستعجلونه، وإذا كانت مركبة هنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله بتفسيره بأيّ شيء فهي إمّا مفعول يستعجل قدم لصدارته أو مبتدأ، فالعائدة مقدر كما إذا كان موصولاً أي يستعجله واليه ذهب المصنف رحمه الله، ومن قال إنّ منه هو الرابط مع تفسير الضمير بالعذاب جنح إلى أن المستعجل من العذاب فهو شامل للمبتدأ فيقوم مقام رابطه لأنّ عموم الخبر في الاسم الظاهر يكون رابطا ففي الضمير أولى فمن قال إنّ تقدير المصنف رحمه الله لضميريستعجلونه مع تفسيره بأيّ شيء لا وجه له، وإنه مما يتعجب منه جعل منه عائداً مع عدم صحته رواية ودراية والله أعلم. تنبيه: قال المعرب الرؤية بمعنى العلم باقية على أصلها لأنها داخل على جملة الاستفهام، وهي ماذا وجواب الشرط محذوف قدره الزمخشري تندموا على الاستعجال وردّه أبو حيان بأنه إنما يقدّر ما تقدمه لفظا أو تقديراً نحو أنت ظالم إن فعلت أي إن فعلت فأنت ظالم والذي يسوغ تقديره فأخبروني ماذا يستعجل وفي ردّه نظر لأنه ليس نظير ما ذكر لأن الشرط هنا معتمد عليه، وهو في الأصل اعتراض بين أرأيتم ومعمولها وحذف جوابه لدلالة معنى الجملة عليه لا لدلالة لفظ ما تقدم عليه لأنّ في قوله أخبروني ماذا يستعجل دلالة لا تخفى على ندمهم إذا حل بهم، وجوّز كون ماذا يستعجل جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ما تطعمني ثم تتعلق الجملة بأرأيتم وردّه بأن جواب الشرط إذا كان استفهاما فلا بد من الفاء، ولا تحذف إلا ضرورة، وأمّا تعلق الجملة بأرأيتم فإن عنى ماذا يستعجل فلا يصح لأنه جعلها جواباً للشرط وإن عنى بها جملة الشرط فقد فسر أرأيتم بأخبروني، وهو يطلب متعلقاً مفعولاً ولا تقع جملة الثرط موقعه) قلت) جوابه أنه جواب الشرط عنده معنى لا إعرابا والجواب محذوف، ولذا جعل الجملة الاستفهامية وهي ماذا باقية على تعلق أرأيتم بها والتقدير أرأيتم ماذا يستعجل المجرمون من عذابه إن أتاكم فماذا ت! تعجلون والتمثيل مطابق لأنّ ما تطعمني ليس هو نفس الجواب حتى يلزم فيه الفاء بل هو دال عليه والنية التقديم كما في قوله: وان أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم وجوّز أيضا أن يكون قوله أثم إذا ما وقع جواب الشرط وماذا يستعجل اعتراض! والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ورذ بأنّ أثنم استفهام فإذا كان جواباً للشرط فلا بد من الفاء كما تقدم وأيضا الجملة الاستفهامية معطوفة فلا يصح أن تكون جوابا فالجملة الاستفهامية أي أرأيتم بمعنى أخبروني تحتاج إلى مفعول ولا تقع جملة الشرط موقعه، وأجيب بما مرّ من أن الجواب معنى لا إعراباً ولم نقل إنّ جملة الشرط واقعة موقع مفعول أخبروني بل قدم أوّلاً أن أرأيتم معلق بالاسنالهام غايته أنّ الشرط يكون اعتراضا بين أرأيتم ومعمولها وهو الجملة الاستفهامية انتهى) قلت (بما ذكره يندفع الاشكال إلا أنه خلاف الظاهر. قوله: (وكله مكروه لا يلانم الاستعجال (هدا لا ينافي ما مرّ من أنّ الاستعجال مقصود به الاستبعاد والاستهزاء دون ظاهره لما قاله الطبيئ من أنّ هذا وارد في الجواب على الأسلوب الحكيم لأنهم ما أرادوا بالسؤال إلا استبعاداً دالموعود منه تعالى وأنه افتراء فطلبوا منه تعيين وقته تهكما وسخرية فقال في جوابهم هذا التهلم لا يتمّ إذا كنت مقرّاً بأني مثلكم وأني لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً فكيف أذعي ما ليس لي به حق، ثم شرع في الجواب الصحيح، ولم يلتفت إلى تهكمهم واستبعادهم وفي الكشاد، ويجوز أن يكون معناه التعجب كأنه قيل أي شيء هول شديد يستعجلون منه، وقيل عليه أدماذا يستعجل متعلق بأرأيتم وهو استخبار فكيف يكون ماذا للتعجب ولعل الاستخبار أيضا ليد مجرى على حقيقته وردّ بأنّ مراده أنّ التنكير للتهويل والتعجب فلا يأباه ما ذكر، وإنما إلاه كون قصد المتكلم بهذا الاستفهام هنا هو التعجب) وعندي (أنّ السؤال والجواب ليس! لمتوجه وأن ظنه كذلك بعض المتأخرين أمّا السؤال فلأنّ التعجب لا ينافي ما ذكر فإنه يسنثاد من المقام لأن هذا الاستعمال إنما يكون في الاستخبار عن الحال العجيبة، وأما كون ذلك لأخوذاً من التنكير فليس بشيء لأنّ التنكير في التفسير لا المفسر فأخذه منه تعسف لا وط له. قوله: (وهو متعلق بأرأيتم لأنه بمعنى أخبروني (قد قدمنا لك توجيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 كونه بمعنى أحرني والمراد بالتعلق التعلق المعنويّ الأعم من كونه معموله أو استئنافا جوابآ لسؤال لأنه بيادله وقوله للدلالة على أنهم لجرمهم الخ يعني وضع الظاهر موضع الضمير لهذه النكتة، و، قيل إنّ وعدهم بالعذاب إنما هو لجرمهم فلا حاجة لذكره وإنما النكتة فيه إظهار تحقيرهم إذتهم كلام واه غني عن الردّ. قوله: (وجواب الشرط محذوف وهو تندموا الخ) تيل عليه أن الحواب إنما يقدر مما تقدمه لفظا أو تقديراً فالذي يسوغ أن يقدر ههنا فأخبروني ما يستعجل المجرمون لأنه بمعنى أرأيتم الخ، وأجيب بأنه كذلك لأن المقصود من قوله أرأيتم الخ تنديمهم أو تكليلهم، ولو قدر كما ذكره المعترض لصح أيضاً والمآل واحد ثم إنّ تقدير الجوأب من غير جس المذكور إذا قامت قرينة عليه ليس بعزيز. قوله: (ويجورّ أن يكون الجواب ماذا (قيل إن دل الا يصح لأن جواب الشرط إذا كان استفهاماً فلا بد فيه من الفاء تقول إن زارنا فلان فأقي رحل هو، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة النظم وقد صزج في المفصل بأن الجملة إذا كانت انأئية لا بد من الفاء معها والاستفهام وان لم يرد به حقيقته لم يخرج عن الإنشائية والمثال المذنور ليس من كلام العرب ثم إن تعلقها بأرأيتم وكونها في قوّة معموله يمنع صحة كونها جوابا وما ذكر من كون الجملة الاستفهامية لا تقع جوابا بدون الفاء صرّج الرضيّ بأنه جائز في كثير من الكلام الفصيح ولو سلم فيقدر فيه القول، وحذفه كثير مطرد وقيل مراد. أنّ جواب الشرط محذوف وأنّ هذا دليله فتسمح في تسميته جوابا وما ذكر بعده يأبا.، وأمّا تعلقها بأرأيتم فإنما هو إذا لم يقدر جوابا فلا يرد ما ذكره، وقد أورد على هذا الوجه أيضا أنّ استعجال العذاب قبل إتيانه فكيف يكون مرتبا عليه وجزاء وأجيب بأنه حكاية عن حال ماضية أي ماذا كنتم تستعجلون كما صرّح به في قوله تعالى {وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} والقرآن يفسر بعضه بعضا لكن مجرّده لا يجوّز أن يكون جوابا لأنّ الاستعجال الماضي لا يترتب على اتيان العذاب فلا بد من تقدير تعلموا أي تعلموا ماذا الخ، وقيل إن أتاكم بمعنى إن قارب اتيانه أو المراد أن أتاكم أمارات عذابه، وقيل إنكار الاستعجال بمعنى نفيه رأساً فيصح كونه جوابا واعترض على قوله وتكون الجملة أي الشرطية بتمامها متعلقة بأرأيتم بأنه لا يصح تعلقها به إذا خلت عن حرف الاستفهام كما صزحوا به، وتقدير الاستفهام قبل إن الشرطية تكلف، وهذا إلا محصل له لأنّ مراد المعترض! إنّ أرأيت بمعنى أخبرني والجملة الشرطية لا يصح أن تكون مفعولاً له لأنه يتعدى بعن، ولا تدخل على الجملة إلا أنها إذا اقترنت بالاستفهام، وقلنا يجواز تعليقها وفيه كلام في العربية جازه ويدفع بأنه أراد بالتعلق التعلق المعنوي لأنّ المعنى أخبروني عن صنيعكم إن كان الخ. قوله:) أو قوله أثم إذا ما وقع الخ) معطوف على قوله ماذا أي والشرطية أيضا متعلقة بأرأيتم كما مز وقد تبع في هذا الزمخشري، وهو في غاية البعد لأنّ ثم حرف عطف لم يسمع تصدير الجواب به، والجملة المصدرة بالاستفهام لا تقع جواباً بدون الفاء كما مرّ وأمّا الجواب عنه بأنه أجرى ثم مجرى الفاء فكما أنّ الفاء في الأصل للعطف والترتيب، وقد ربطت الجزاء فكذلك هذه فخالف لاجماع النحاة وقياسه على الفاء غير جليّ، ولذا قيل مراده أنه يدلّ على جواب الشرط والتقدير إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه وقوله أثم إذا معطوف عليه للتأكيد نحو كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ولا يخفى تكلفه فإنّ عطف التأكيد بثم مع حذف المؤكد مما لا ينبغي ارتكابه، ولو قيل المراد إنّ آمنتم هو الجواب وأثم إذا ما وقع معترض فالاعتراض! بالواو والفاء وأمّا بثمّ فلم يذهب إليه أحد وقرىء ثم بفتح الثاء بمعنى هنالك وأمّا تفسير ثم المضمومة به فخطا أو تفسير معنى كما في الدرّ المصون، وقد تقدّم عن المعرب ما يدفع هذا كله فإنّ المراد بكونه جوابا أنه جواب معنى لا لفظا، والجواب مقدر هذا قائم مقامه ولا يخفى بعده فاعرفه. قوله تعالى: (أثم إذا وقع (اختلف في إذا هذه هل هي شرطية أو لمجرّد الظرف بمعنى حين فعلى الأول يكون تكريراً للشرط وهو على كل حال مؤكد لمعناه، وقول المصنف في تقرير المعنى آمنتم به بعد وقوعه، وكذا قوله لانكار التأخير تصريح بمعنى ثم ولو على تقدير الجزائية لأنّ الجزاء متعقب ومترتب على الشرط فلا ينافي استعارتها للربط وبالجملة فهذا المحل من مشكلات الكشاف فلا علينا بالتطويل فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 فإنه كما قيل: ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر وقوله جم! صمنى الخ بيان للوجه الأخير واشارة إلى أن الجواب في الحقيقة آمنتم. قوله: (أي قيل لهم الخ) فالآن في محل نصب على أنه ظرف لآمنتم مقدر لا للمذكور لأنّ إلاستفهام له صدر الكلام وقرىء بدون همزة الاستفهام فيجوز تعلقه به وقمدير القول ليس بضروريّ بل لكونه أظهر وأقوى معنى وقوله: تكذيبا واستهزاء فس! ره به لما مرّ أنه استهزاء واستبعاد ولو تحققوه لم يستعجلوا وقوعه، وقيل فسر به ليرتبط بما قبله وفيه نظر، وقال الطيبيّ قوله أمنتم بحسب الظاهر يقتضي أن يقال بعده، وقد ك! ختم به تكذبون لا تستعجلون فوضع موضعه لأن المراد به الاسمتعجال السابق، وهو للتكذيب والاستهزاء استحضارا لمقالتهم فهو أبلغ من تكذبون، وق! ل الاسئعجال كناية عن التكذيب، وفائدة هذه الحال استحضارها والكلام على الان وتعريفه! ميموط في النحو والألف واللام لازمة لوضعه فاستعماله بدونها بأن يقال آن خطأ إلا أنه ملازم للظرفية كما ذكره ابن مالدك قيئ الثوضيح. قوله: (المؤلم على الدوام) إشارة إلى أنّ إضافة العذاب للخلد للدلالة على دوام ألمه وقوله من الكفر والمعاصي إشارة إلى أنهم يعذبون على " المعاصي أيضاً لأنهم مكلفون بالفروع وبالاتباع للأوامر والنواهي لكن هل العذاب عليها دائمآ تبعا للكفر أو ينتهي كنحذاب غيرهم من العصاة الظاهر الثاني، وبه جمع بين النصوص الدالة على تخفيف عذاب الكفار وما يعارضها بأنّ المخفف عذاب المعاصي، والذي لا يخفف عذاب الكفر. قوله: (أحق ما تقول من الوعد أو ادعاه النبوّة) رجح الأوّل لأنه الأنسب بالسياق، وقيل لأنه لا يتأتى إثبات النبوّة لمنكريها بالقسم وأجيب بأنه ليس المراد إثباتها بلى كون تلك الدعوى جداً لا هزلاً أو أنه بالنسبة لمن يقنع بالاثبات بمثله ولا يخفى أنّ ما ادّعاه لا يثبت عند الزاكمين أنه افتراء قبل وقوعه بمجرّد القسم أيضاً فلا يصلح هذا مرجحا، والقسم لم يذكر للالزام بل تأكيدا لما أنكروه والوعد هو نزول العذاب لا وجه آخر كما قيل. قوله: (تقوله بجد أم باطل تهزل به الخ) استخبارهم عن حقيته، وعدمها منه يقتضي علمه بذلك وأنه لم يصدر عنه خطأ وحينئذ يلزم كونه حقاً أنه صدر عنه قصداً وجداً وكونه على خلافه عدمه فلذا وصفه بما ذكر بيانا للواقع وأيده بسبب النزول فاندفع ما قيل عليه أنه تفسير للحق لا تفريع عليه إذ لم يقل فتقوله، والقول بجد لا يقتضي كون المقول ثابتا متحققا في نفس الأمر، والسؤال إنما هو عنه بدليل قوله قل الخ. وحمله على أنه لحق في اعتقادي خلاف الظاهر. قوله: (وإلا ظهر أنّ الاستفهام فيه على أصله لقوله ويستنبؤونك وقيل إنه للإنكار (ضعفه لأنه إذا كان للإنكار لا يناسب طلب الخبر الذي هو معنى يستنبؤونك، وقيل لما كان زعمهم الجزم ببطلانه كان الظاهر أنه ليس على حقيقته والاستنباء تهكم منهم واستهزاء فلا دلالة فيه لما ذكره، ولا يدفع بأنه إنما يتوجه أن لو كان المستنبىء من هؤلاء المكذبين ولو كان من غيرهم فلا والمراد حي أو هو وأتباعه وليس بشيء لأن حييا من يهود أنمدينة ومن رؤساء المكذبين وأفا جوابه بأن المراد بكونه على حقيقته أنه ليس للانكار فلا ينافي الاستهزاء فما لا ينبغي ذكره. قوله: (ويؤيده أنه قرىء الحق هو الخ) أي بالتعريف مع الاستفهام أي هذه القراءة تؤيد أنّ المراد الانكار لما فيها من التعريض لبطلانه المقتضي لإنكاره فإنه قصر للمسند على المسند إليه المشهور والمعنى أنّ الحق ما تقول أم خلافه فلا حاجة إلى ما في الكشاف من جعله من قصر المسند إليه على المسند المخالف لما عليه علماء المعاني وارجاعه لكلام الكشاف كما توهمه بعضهم مما لا داعي إليه. قوله: (وأحق مبتدأ والضمير مرتفع به) لأنه بمعنى ثابت فهو حينئذ صفة وقعت بعد الاستفهام فتعمل ويكتفي بمرفوعها عن الخبر إذا كان اسما ظاهرآ أو في حكمه كالضمير المنفصل وإذا كان خبراً مقدما فتقديمه ليلي الهمزة المسؤول عنه لا للتخصيص حتى يفيد التعريض كما في قراءة الأعمش بالتعريف مع أنه غير متعين لذلك فلذا لم يجعلها دالة على ما مرّ. قوله:) والجملة في موضع النصب بيستنبؤونك (أي على وجهي الإعراب فيها ثم إن استنبأ المشهور فيها أنها تتعدى إلى مفعولين أحدهما بدون واسطة، والآخر بواسطة عن والمفعول الأوّل هنا هو الكاف، والثاني فقامت مقامه الجملة لأن المعنى يسألونك عن جواب هذا السؤال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 إذ الاستفهام لا يسأل عنه، ولما رأى الزمخشري أن الجملة هنا لا تصلح أن تكون مفعولاً ثانيا معنى لما عرفت ولفظاً لأنها لا يصح دخول عن عليها جعل الاستنباء مضمنا معنى القول أي يقولون لك هذا، والجملة في محل نصب مفعول للقول، وهو كلام لا غبار عديه، ومن غير في وجوه الحسان قال بعد ما أخطأ في قوله إن هذه الجملة بتقدير عن أن مراد الزمخشري أن المفعول الثاني مقدر وإن هذه الجملة لا تصح أن تكون مفعولا لأن الاستفهام يمنع من ذلك ولم يعرف أنه يراد بها لفظها على الحكاية ولا يمنع أحد من النحاة قلت هل قام زيد فهو خبط غريا منه. قوله: (إن العذاب لكائن) هذا على التفسير الأول في أحق هو وما بعده على الآخر، قيل كلا الضميرين أي ضمير هو وأنه وهو غير ملائم للسياق ولذا مرضه قوله: (وأي بمعنى نعم الخ) أي هي جواب وتصديق كنعم ولا تستعمل إلا مع القسم بخلاف نعم فإنها تستعمل به، وبدونه ولذلث سمع من كلامهم وصلها بواو القسم إذا لم يذكر المقسم به فيقولون أيو ويوصلون به هاء السكت أيضا فيقولون أيوه، وهذه شائعة الآن في لسان العوام كذا قرّر. الزمخشريّ لكن ردّه أبو حيان بأنه يجوز استعمالها مع القسم وبدونه، والأوّل هو الأكثر، وما ذكره من السماع ليس بحجة لأنّ اللغة فسدت بمخالطة غير العرب فلم يبق السماع حجة وحذف المجرور بواو القسم والاكتفاء بها لم يسمع من موثوق به، وهو مخالف للقياس. قوله: (بفائتين العذاب) من الفوت بانمثاة من قولهم فاته الأمر إذا ذهب عنه جعله من أعجزه الشيء إذا فاته ويصح جعله من أعجزه بمعنى وجده عاجزاً أي ما أنتم بواجدي العذاب أو من يوقعه بكم عاجزاً عن ادراككم وأيقاعه بكم والفائت على الأوّل هو الكفار لا العذاب. قوله: (بالشرك أو التعدّي على الغير) المراد بالشرك مطلق الكفر هنا وهو أحد استعماليه يعني الظلم إمّا لنفسه، وهو بالكفر وخصه لأنه أعظمه ولأنّ الكلام في حق الكفار، ومنهم من عممه لسائر المعاصي أو لغيره بالتعدي عليه، وقوله من خزائنها وأموالها الإضافة فيه لأدنى ملابسة. قوله: (من تولهم افتداه بمعنى فداه) يعني أنّ افتدى هنا متعد بمعنى فداه أي أعطاه الفداء، وهو ما يتخلص به فمفعوله محذوف أي افتدت نفسها بما في الأرض وقد يكون لازما مطاوع فدى المتعدّي يقال فداه فافتدى، وقد جوّز هذا أيضاً هنا، ولم يلتفت إلى هذا الشيخان لعدم مناسبته للسياق إذ المتبادر منه أنّ غيره فداه لأنّ معناه قبلت الفدية والقابل غير الفعل وفيه نظر لأنه قد يتحد القابل والفاعل إذ أفدى نفسه نعم المتبادر الأوّل. قوله: (لأنهم بهتوا بما عاينوا الخ الما كانت الندامة والندم من الأمور الباطنة وهي لا تكون الأسرا فوصفها بالأسرار مما لا يظهر له وجه، وأيضاً أسرار الندامة يدلّ على التجلد وليس بمراد وجه بأنّ الندامة، وان كانت من الأسرار القلبية لكن آثارها تبدو وتظهر في الجوارح كالبكا وعض اليد ونحو ذلك فالمراد بتخصيص كونها في القلب نفي ما عدا ذلك لشدة حيرتهم وبهتهم من شدّة ما نزل بهم أو المراد أخلصوها لأنها سرية فإذا وصفت بذلك أفاد تأكيدها وقوّتها، واخلاصها لأنّ أعمال القلب من شأنها الاخلاص، ولذا يقال للخالص من الشيء أنه سرّه لأنه من شأنه أن يخفي ويصان ويضن به، وقيل أسرّ من الأضداد أي من الألفاظ المشتركة بين معنيين متضادّين لأنه يكون بمعنى أخفى وأظهر، وقوله لخالصته الخالصة ما خلص من كل شيء وضمير أنها وبها للخالصة لا لندامة، وفي الكشاف وقيل أسرّ رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم ولم يذكره المصنف رحمه الله لأنّ هول الموقف أشد من أن يتفكر معه في أمثال ذلك وان أمكن توجيهه ولأنّ ضمير أسرّوا عامّ لا قرينة على تخصيصه وأشرّ بالشين المعجمة بمعنى أظهر مشهور وإنما الكلام في كون أسر يرد بمعناه، وفيه كلام في شرح المعلقات. قوله: (ليس تكريرا) يعني لقوله فإذا جاء رسولهم قضى بينهم السابق لأنّ الأوّل بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممهم وهذا مجازاة للمشركين على شركهم وبيان لأنهم لا يزادون على استحقاقهم أو هذا قضاء آخر بين الظالمين السابقين في قوله، ولو أنّ لكل نفس ظلمت والمظلومين الذين ظلموهم وإن لم يجر لهم ذكر هنا لكن الظلم يدلّ بمفهومه عليهم فقوله، والضمير أي ضمير بينهم، وقوله يتناولهم أي المظلومين أو الظالمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 والمظلومين معاً، وهذا أيضاً إذا لم يكن القضاء السابق في الدنيا كما مرّ. قوله: (تقرير لقدرته تعالى على الإثابة والعقاب الخ (يعني أن هذا تذييل لما سبق، وتأكيد واستدلال على ما سبق ذكره بأن من يملك جميع الكائنات وله الترصرّف فيها قادر على ما ذكر، وعلى انجاز ما وعد لأنه لا يخلف ما وعد رسوله به من نصره وعقاب من لم يتبعه فلا يرد على المصنف رحمه الله أنه وعيد والخلف فيه جائز كما تقرّر عندهم فالتعبير بالوعد في الاية ليس تنليبا كما يتوهم، وهذا يعرفه من يتدبر الأمور لا من يغتر بالحياة، ويدري ظاهرها فيظن أنها باقية وذكر القدر على الأمانة استطرادقي لا دخل له في الاستدلال على النشر وقوله لأنّ القادر لذاته بيان لما تقرّر من أن القادر بالذات لا يزول بغيره، والقدرة صفة ذاتية عندنا، وعين الذات عند بعضهم كما هو معلوم في الأصول. قوله: ( {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ} الخ) الخطاب عامّ، وقيل لقريش ومن ربكم متعلق بجاء أو وصفة موعظة ومن للابتداء والموعظة والشفاء للمؤمنين والهداية بمعنى الدلالة مطلقا عامّة وبمعنى الموصلة خاصة أيضا. قوله: (أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الخ) يعني أنّ المراد القرآن وأنّ قوله موعظة إشارة للعمليات لأن الوعظ ترغيب وترهيب فيحث على محاسن الأعمال ويزجر عن قبائح الأفعال وما بعده إشارة إلى الكمال العلمي بالعقائد الحقة ويتقنها بتصفية الباطن لها حتى تشرق بنور الهداية وتصعد من درجات اليقين إلى أعلى عليين وفيه إشارة إلى أنّ للنفس الإنسانية مراتب كمال من تمسك بالقرآن فاز بها إحداها تهذيب الظاهر عن فعل ما لا ينبغي واليه الإشارة بالموعظة لأنها الزجر عن المعاصي، وثانيها تهذيب الباطن عن العقائد الفاسدة والملكات الرديئة، وهو شفاء ما في الصدور وثالثها تحلي النفس بالعقائد الحقة والأخلاق الفاضلة ولا يحصل ذلك إلا بالهدى، ورابعها تجلي أنوار الرحمة الإلهية وتختص بالنفوس الكاملة وقد وردت الآية مرتبة على هذا الترتيب الأنيق وبتلك الكمالات تحصل مناسبة بين المؤثر والمتأثر ليستعذ بها لفيض إحسانه فلذا لم يحصل له ذلك ابتداء بل في آخر أحواله، وذهاب ظلمة الهيولى التي يتضح بها نور الهداية، وقال الإمام الموعظة إشارة إلى تطهر ظواهر الخلق عما لا ينبغي، وهو الشريعة والشفاء تطهر الأرواج عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الطريقة والهدى ظهور الحق في قلوب الصديقين، وهو الحقيقة والرحمة إشارة إلى بلوغ الكمال والإشراق حتى يكمل غيره ويفيض عليه وهي النبوّة والخلافة فهذه درجات ستة لا يمكن فيها تقديم ولا تأخير واليه الإشارة في الحديث: " كان خلقه القرآن " فتدبر، والمحاسن والمقابح جمع حسن وقبح على غير قياس، وقوله وهدى مرفوع على كتاب وكذا قوله ورحمة والوصف بهذه، وجعلها عينه للمبالغة، وقوله والتنكير فيها أي في هذه المذكورات لا في رحمة فقط كما قيل. قوله: (بإنزال القرآن (الباء للسببية متعلق بفضل الله ورحمته أي ذلك بسبب نزول وهدايتكم به أو هو بدل منه مفسر له أي المراد بفضل الله ورحمته ذلك ويناسب الثاني قول مجاهد رحمه الله الفضل والرحمة القرآن والأوّل تفسيرهما بالجنة، والنجاة من النار والتوفيق والعصمة إلى غير ذلك من التفاسير. قوله: (والباء متعلقة بفعل يفسره قوله فبذلك فليرحوا (يعني فليفرحوا من قوله فبذلك فليفرحوا، وقيل جعل المجموع مفسراً لأنه لولا ذكر المتعلق لم يكن مفسراً بل عاملا فيه فالمفسر في زيداً ضربته ضربته بتمامه إذ لولا الضمير لكان عاملا. قوله:) فإن اسم الإشارة بمنزلة الضمير الخ (يعني أنه من باب الاشتغال وشرطه اشتغال العامل بضمير المعمول واسم الإشارة يقوم مقام الضمير فاشتغاله به بمنزلة الاشتغال بضميره وذلك إشارة إليهما باعتبار ما ذكره في قوله عوان بين ذلك وهو مشهور في اسم الإشارة، وهذا من غريب العربية فإن المعروف في الاشتغال اشتغاله بالضمير وكونه باسم الإشارة لم يذكره النحاة. قوله: (نقديره بفضل الله وبرحمته فليعتنوا الخ (يعني المقدر إما من لفظه أو من معناه كما في زيدأ ضربت غلامه أي أهنت زيداً وهذا مما يجوز إذا دلت عليه القرينة وقد صرّح به النحاة والقرينة قائمة هنا لأن ما يسر به يكون مما يعتني ويهتم بشأنه وتقديم المعمول لاعتناء مؤيد لذلك فقول أبي حيان رحمه الله إنّ هذا إضمار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 لا دليل عليه مما لا وجه له، وهذا أحسن مما قيل إنّ الاعتناء من تقديم المعمول. قوله: (وفائدة! ذلك التكرير التثيد والبيان الخ) إن كان هذا راجعا للتقديرين فالتكرير، والتأكيد في الأوّل لأنه لازم له فكأنه مذكور ففي تقديره تكرير وتأكيد معنوي أيضا، وأمّا الثاني فظاهر بدليل أنّ ما ذكر بعده غير مختص بالتقدير الثاني، والبيان بعد الإجمال حيث حذف متعلق الأوّل فحصل الإبهام والإجمال لاحتمال غيره. قوله: (وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح) الإيجاب من الأمر لأنه الأصل فيه وتكريره ينفي احتمال الإباحة وغيرها والاختصاص من تقديمه على العامل المقدر لأنه يقدر على طبق المذكور والظاهر أنّ مراده أن التقديم أفاد الاختصاص فلما كرر أوجب اختصاصه ونفي احتمال أن تقديمه لغير ذلك ثم إنه قيل عليه اللازم من التقديم اختصاص الفرج بهما فهو إما مقلوب أو بناء على أنّ الباء يجوز دخولها على كل من المقصور والمقصور عليه حقيقة، أو بتضمينه معنى الامتياز كما مر تحقيقه، وقوله أو بفعل دل عليه قد جاءتكم أي مقدر بعد قل لا بعد جاءتكم المذكور لأن قل تمنع منه فلا يكون من الحذف على شريطة التفسير أي جاءتكم موعظة وشفاء وهدى ورحمة بفضل الله وبرحمته فالمراد بالرحمة الأولى غير الثانية. قوله: (وذلك إشارة إلى مصدره (أي مصدر جاء وهو المجيء لأنه مصدر ميمي وضمير مجيئها راجع إلى المذكورات التي هي فاعل جاء. قوله: (والفاء بمعنى الشرط (يعني إنها داخلة في جواب شرط مقدر أو أنها رابطة لما بعدها بما قبلها لدلالتها على تسبب ما بعدها عما قبلها والوجهان في الفاء على التقادير السابقة في متعلق الباء وان أشعر قوله في الأول فبهما أن الأول مبني على الأول منهما والثاني مبني على تقدير جاءت لقوله والدلالة على أنّ مجيء الكتاب الخ لأنه تمثيل يعلم منه حال غيره إذ لا داعي للتخصيص، وقوله وتكريرها للتأكيد يعني إن الفاء الثانية زائدة لتأكيد الأولى وهذا جار على جميع ما سبق من التقادير والجارّ والمجرور متعلق به، وقيل الزائدة هي الأولى لأن جواب الشرط في الحقيقة فليفرحوا وبذلك مقدم من تأخير، وزيدت فيه الفاء للتحسين ولذلك جوز أن يكون بدلاً من قوله بفضل الله وبرحمته فلا يكون من الحذف والتفسير في شيء، وقد وقع في نسخة الفاء الأولى وفي نسخة لم يقع لفظ الأولى فيحتمل القولين وليست الثانية عاطفة كما قيل في: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [سورة العنكبوت، الآية: 56] لأن المحذوف متعلق بفضل الله لا متعلق بهذا ولا ضرورة تدعو التكثير المحذوفات من غير داع في النظم الكريم فاعرفه. قوله:) وإذا هلكت إلى آخر البيت) وهو قوله: لا تجزعي إن منفسا أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي وهو من شعر للنمر بن تولب والخطاب لزوجته وكانت لأمته إذ نزل به ضيوف فعقر لهم أربعة قلائص! فقال لها ذلك والمعنى لا تجزير لما أتلفه من نفيس مالي فإني أحصل لك أمثاله، ولكن اجزير إن مت وهلكت فإنك لا تجدين مثلي من الرجال يخلف عليك، والشاهد فيه زيادة الفاء في قوله فعند ذلك أو في فاجزعي. قوله: (وعن يعقوب فلتفرحوا بالتاء على الآصل المرفوض) أي وروي أنه قرأ فلتفرحوا بلام الأمر وتاء الخطاب على أصل أمر المخاطب المتروك فيه فإنّ أصل صيغة الأمر باللام فحذفت مع تاء المضارعة واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن فإذا أتي بأمر المخاطب فقد استعمل الأصل المتروك فيه وهذا أحد قولين للنحاة فيه وقيل إنها صيغة أصلية وفي حواشي الكشاف عن المصنف إن هذه القراءة إنما قرىء بها لأنها أدل على الأمر بالفرج، وأشد تصريحاً به إيذانا بأن الفرح بفضل الله ورحمته مما ينبغي التوصية مشافهة به، وبهذا الاعتبار انقلب ما ليس فصيحا فصيحا كما في قوله: {لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الاخلاص، الآية: 4] كما سيأتي بيانه وقال ابن جني وقراءة فلتفرحوا بالتاء خزجت على أصلها وذلك أنّ أصل أمر المخاطب اللام كما قرّرناه ولم يفعلوا ذلك بأمر الغائب لأنه لم يكثر كثرته، ولذا لم يؤمر باسم الفعل كصه والذي حسنه هنا أن النفس تقبل الفرج فذهب به إلى قوة الخطاب فلا يقال فلتحزنوا إلا إذا أريد صغارهم وارغامهم ومنه أخذ العلامة ما ذكره، وهذا من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 دقائق المعاني التي ينبغي أن يتنبه لها. قوله:) وقد روي مرفوعاً الخ (يعني أنّ هذه القراءة وان كانت شاذة إلا أنها وردت في حديث صحيح رواه أبو داود عن أبيّ بن كعب مرفوعا إلى النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال في الكشاف أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيدها بقراءة فافرحوا لأنها أمر للمخاطب على الأصل، وقد قرأ بها الحسن، وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ومن الغريب قوله في شرح اللب لما كان النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الحاضر، والغائب جمع بين اللام، والتاء وكأنه يعني أن الأمر لما كان لجملة المؤمنين حاضرهم، وغائبهم غلب الحاضرون في الخطاب على الغائبين، وأني باللام رعاية لأمر الغائبين، وهي نكتة بديعة إلا أنه أمر محتمل، وقرىء فلتفرحوا بكسر اللاء. قوله: (قإنها إلى الزوال) أي صائرة إلى الزوال، ومن قدره شرفة فقد وهم لأنه يتعدى بعلى وقوله وهو ضمير ذلك أي راجع إلى لفظ ذلك باعتبار مدلوله وهو مفرد فروعي لفظه، وإن كان عبارة عن الفضل والرحمة، ويجوز إرجاع الضمير إليهما ابتداء بتأويل المذكور أو جعلهما في حكم شيء واحد. قوله: (وقرأ ابن عامر ئجمعون) بالخطاب لمن خوطب بقوله يا أيها الناس سواء كان عاما أو لكفار قريش، وعلى قراءة فلتفرحوا أو افرحوا فهو خطاب للمؤمنين، وأمّا على قراءة الغيبة فيجوز أن يكون لهم أيضاً التفاتا ولم يذكره المصنف رحمه الله لأنّ الجمع أنسب بغيرهم، وان صح وصفهم به في الجملة، وما في قوله مما تجمعون تحتمل الموصولية والمصدرية. قوله: (جعل الررّق منزلاً لأنه الخ (يعني أنّ الرزق ليس كله منزلاً منها فالإسناد مجازي بأن أسند إليه ذلك لأنّ سببه منها أو أنزل مجاز بإطلاق المسبب على السبب فهو بمعنى قدر، وقريب منه نفسيره بخلق كما في قوله: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [سورة الزمر، الآية: 6] وقيل إنه على طريق الاستعارة المكنية، والتخييلية وهو بعيد كما أن جعل الرزق مجازا عن سببه أو تقدير لفظ سبب لا ينبغي لأنّ المستخبر عنه ليس سبب الرزق بل هو نفسه. قوله: (وما في مو! ع النصب بإنزل الخ) هي على الأوّل استفهامية وعلى الثاني موصولة، والعائد محذوف أي أنزله، وهي مفعول أوّل، والثاني جملة الله أذن لكم على أن قل مكرر للتوكيد فلا يكون مانعا من العمل فيه، والعائد على المفعول الأوّل مقدّر أي أذن لكم فيه، وإذا كانت استفهامية فهي مفعول أنزل مقدم لصدارته، ومعلق لا رأيتم إن قلنا بالتعليق فيه ومن بيانية والجارّ والمجرور حال. قوله: (ولكم دل على أنّ المراد منه ما حل ولذلك وبخ على التبعيض الأنه بمعنى ما قدر لانتفاعكم والمقدر لانتفاعهم هو الحلال فيكون الرزق المذكور هنا قسماً منه، وهو شامل للحلال، والحرام فلا دلالة فيها للمعتزلة على أنّ الحرام ليس برزق فهو ردّ على الزمخشريّ، والتبعيض التفريق بين بعض وبعض في الحل والحرمة من عند أنفسهم كالبحائر والسوائب، ونحو ذلك. قوله: (مثل هذه أنعام وحرث حجر الخ) هذا إشارة إلى آيات أخر وتفسير للقرآن به، وهذه إشارة إلى ما جعلو. لآلهتهم من الأنعام، وحجر بمعنى ممنوعة، وما في البطون أجنة البحائر، وقد مر تفسيره في محله، وقوله فتقولون ذلك الإشارة إلى ما مرّ من قوله هذه أنعام الخ وذلك مقول القول، وبحكمه أي الله متعلق بتقولون لا خبر ذلك. قوله: (ويجوز أن تكون المنفصلة متصلة بأرأيتم الخ) في أم هذه وجهان أحدهما أنها متصل عاطفة تقديرها أخبروني الله أذن لكم في التحليل والتحريم أو تكذبون في نسبة ذلك إليه فجملة الله أذن لكم مفعول لا رأيتم، والثاني أنها منقطعة بمعنى بل والهمزة والاستفهام في الله أذن لكم للانكار فأنكر عليهم الأذن ط فيه، ثم قال بل أتفترون تقريرأ للافتراء، والأوّل هو الظاهر الذي رجحو.، ولهذا قدمه المصنف رحمه الله فقوله ويجوز أن تكون المنفصلة أي الجملة، والقضية المنفصلة، وهي مجموع قوله الله أذن لكم أم على الله تفترون فسماها منفصلة إما على اصطلاج أهل الميزان أو بالمعنى اللغوي لانفضالها عن أرأيتم، وتوسط قل، وإنما عبر به لمطابقة قوله متصلة، وعلى هذا فما موصولة واتصال الجملة بأرأيتم لأنها مفعول ثان له كما مر. قوله: (وإن يكون الاستفهام للإنكار الخ) يعني إنكار الإذن في التحريم، والتحليل، والإضراب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 عنه لتقرير افترائهم، وعلى الأوّل الاستفهام للاستخبار، ولا ينافيه تحقق العلم بانتفاء الأذن، وثبوت الافتراء لأنّ الاستخبار لا يقصد به حقيقته بل المراد منه التقرير، والوعيد والزام الحجة. تنبيه: قوله تعالى: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} مر في الأنعام جعل الزمخشري له من قبيل التقديم للتخصيص ورده بأنه لا يجوز تقديم الفاعل كما تقرّر في النحو وان جوزه الزمخشري تبعا لعبد القاهر وقال السكاكي ليس المراد أن الإذن منكر من الله دون غيره فلا بد من حمله على الابتداء، وتقوية الحكم الإنكاري يعني أن إنكاره مطلق لا من الله فقط كما لو اعتبر التقديم فلا يصح من جهة المعنى أيضا، وقيل: إن صاحب الكشاف أراد بالإنكار نفي التحقق لا نفي الابتغاء كما ظنه السكاكي فالمعنى على التقديم أن الإذن الموجود لم يصدر منه تعالى بل من شياطينهم لا أنه ينتفي ابتغاؤه من الله دون غيره كما زعمه، وقد مر ما فيه مفصلا في سورة الأنعام. قوله:) أي شيء ظنهم (يعني ما استفهامية، وقوله: وهو منصوب أي بالظرفية، وناصبه الظن لا يفترون لعدم صحته معنى ولا بمقدر لأن التقدير خلاف الظاهر، وقوله: ويدل عليه أي القراءة بالماضي تدل على تعلقه بالظن لأن الظاهر عمل الفعل فيه وقيل لأن أكثر أحوال القيامة يعبر عنها بالماضي في القرآن وقوله لأنه كائن تعليل للتعبير عنه بالماضي لأنه كائن لا محالة فكأنه وقع لتحققه ومافب هذه القراءة بمعنى الظن في محل نصب على المصدرية، والمعنى ما ظنهم في شأن يوم القيامة وما يكون فيه لهم كما يدل عليه جعله تهديداً، ووعيدآ لكنه يرد عليه ما قيك أن اعتباى اللىث في يوم القيامة مع انكشاف اولأمور فيه مستبشع فالظاهر اعتبار 8 في اظ- نيا، وإت الف! بى حم! صى المئس! كوت كا! يوم منصوب به ئوكوى دض-،! فيكون المضيّ على بابه لا أنه عبر به لذلك، وقول المصنف رحمه الله لأنه كائن يحتمله بخلاف ما في الكشاف، وأمّا ما قيل إن المجاز هنا لا يستقيم لأنه صار نصا في الاستقبال لعمله في الظرف المستقبلى، وهو يوم القيامة فليس بوارد لأن يوم القيامة يقدر لتحققه ماضيا كما في أتى أمر الله. قوله: (ولا تكون في أمر الخ) يبث! ير إلى أن ما نافية، وأنّ الشأن بمعنى الأمر الذي يعتني به، وبقصد من قولهم شأنه بالهمز كسأله إذا قصده والأصل فيه الهمز، وقد تبدل ألفاً، وكوله من شأنت أي مأخوذ من قولهم شأنت. قوله: (والضمير في وما تتلوا منه الخ) أي الضمير المجرور بمن عائد على الشأن، ومن للتبعيض لأن التلاوة بعض شؤونه، وقوله لأنّ تلاوة القرآن الخ توجيه، وتعليل، وفيه إشارة إلى وجه تخصيصه من بين الشؤون، وقوله: أو لأن القراءة توجيه بوجه آخر بجعل منه للأجل، وقوله: ومفعول تتلو أي على الوجهين، وقوله: من تبعيضية إذا كانت الأولى للإخل حتى لا يتعلق حرفان بمعنى بمتعلق واحد. قوله: (أو للقرآن) أي ضمير منه، وقوله من قرآن بيان للضمير ومن تبعيضية، - والقرآن عام للمقروء كلاً وبعضاً وهو حقيقة لا مجاز بإطلاق الكل على الجزء إذ لا داعي له. قوله: (أو دلّه (فمن ابتدائية، ومن الثانية تبعيضية. قوله: (تعميم للخطاب الخ (يعني خص الخطاب الاول برأس النوع الإنساني، وهو النبيّ عليه أفضل الصلاة والسلام، وعبر عن عمله بالشأن لأنّ عمل العظيم عظيم، ولما عمم الخطاب عبر بالعمل العام الشامل للجليل، والحقير، وليس المراد بما فيه فخامة تلاوة القرآن كما توهم، وقيل: الخطاب الأول عام للأمة أيضا كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] قيل واختلاف هذه الأفعال بالمضي، والاستقبال إشارة إلى أنّ القصد إلى استمرارها فالمعنى ما كان وما يكون والا كنا ونكون فتأمله وقوله مطلعين عليه إشارة إلى أن المقصود من الاطلاع عليهم الاطلاع على عملهم، وقوله: تخوضون يقال: أخاض في الحديث، وخاض! فيه واندفع كلها مجاز مشهور وفي الشروع فيه، والتلبس به. قوله: (ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه) يشير إلى أن عزب بمعنى بعد، وغاب، وخفي فالمراد لا يبعد، ولا يغيب عن الله شيء، والمراد منه لا يبعد، ويغيب عن علمه بتقدير مضاف أو هو كناية عن ذلك. قوله: (موازن نملة صغيرة) إشارة إلى أن من زائدة وأن المثقال اسم لما يوازن الشيء، ويكون في ثقله، والذرة بمعنييها عبارة عن أقل شيء، والهباء بالمدّ ما في الهواء من دقيق الغبار. قوله: (أي في الوجود والإمكان) يعني أنّ الأرض، والسماء عبارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 عن جميع الموجودات، والممكنات لأن العامة لا تعرف غيرهما، وقوله ولا متعلقاً بهما كالأعراض والعرس، والكرسي تتوهمه العامة في السماء أيضاً فلا يقال إنّ العامة تعرفهما، وليسا فيهما وقوله في الأرض، ولا في السماء يشمل نفس السماء والأرض أيضاً. قوله: (وتقديم الآرض لأنّ الكلام في حال أهلها الخ) يعني أنها قدمت في كثير من المواضع، وقد وقعت السماوات في سورة سبأ في نظير هذه الآية مقدمة وهي قوله تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} فأشار إلى أنّ حقها ذلك ولكنه لما ذكر قبله شهادته على شؤون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم ناسب تقديم الأرض هنا لأن السياق لأحوال أهلها وإنما ذكرت السماء لئلا يتوهم اختصاص إحاطة علمه بشيء دون شيء وقوله المقصود منه البرهان على إحاطة علمه بها أي بحال أهل الأرض أي المقصود من هذه الآية إحاطة علمه بحال أهل الأرض بأنّ من لا يغيب عن علمه شيء كيف لا يعرف حال أهل الأرض وما هم عليه مع نبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ما في الكشاف من أنّ العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا لأنه لا بد في التقديم من نكتة، وان كانت الواو لا تقتضيه ولأنه عكازة أعمى. قوله: (كلام برأسه مقرّر لما قبله) أي جملة مستقلة، وليس معطوفا على ما قبله حتى يكون الاستثناء منقطعاً أو على خلاف الظاهر ولا إن كانت نافية للجنس فاصغر اسمها منصوب لا مبنيّ على الفتح لشبهه بالمضاف، وكذا أكبر لتقدير عمله وفي إعراب السمين إن لا نافية للجنس وأصغر وأكبر اسمها فهما مبنيان معها على الفتح، وهو سبق قلم فإنه شبيه بالمضاف لعمله في الجار والمجرور فلا وجه لبنائه إلا أنه مذهب البغداديين وهو قول ضعيف. قوله: (بالرفع على الابتداء والخبر) أو على أن لا عاملة عمل لير أما الأول فلأنه يجوز الغاؤها إذا تكروت وأما قولهم إنّ الشبيه بالمضاف يجب نصبه فالمراد المنع من البناء لا منع الرفع والالغاء كما توهمه بعضهم فأتي بما لا طائل تحته ونقل عن سيبويه رحمه الله كلاما لا يدل على مدعاه، ولولا خوف الاطالة نقلتة لك. قوله: (ومن عطف على لفظ مثقال ذرة الخ (أي سواء كان مفتوحاً بأن يجيء بالفتح لأنه لا ينصرف ويعطف على لفظ مثقال أو ذزة أو مرفوعا عطفاً على محله لأنه فاعل ومن زائد وحينئذ ورد عليه إشكال، وهو أنه يصير التقدير ولا يعزب عنه أصغر من ذلك، ولا أكبر إلا في كتاب فيعزب عنه ومعناه غير صحيح، وقد دفع بوجو. منها ما ذكره المصنف رحمه الله وهو أنه إنما يصير المعنى كذلك إذا كان الاستثناء متصلأ فإذ قدر منقطعا صح لأنه يصير تقديره لكن لا أصغر ولا أكبر إلا هو في كتاب مبين ودفع أيضا بأنه على حد قوله لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وقوله: ولا عيب فيهم غيرانّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب فالمعنى لا يبعد عن علمه شيء لا الصغير ولا الكبير إلا ما في اللوح أو في علمه فإن عد ذلك من العزوب فهو عازب عن علمه، وظاهر أنه ليس من العزوب قطعنا فلا يعزب عن علمه شيء قطعا، وفي الآية أقوال أخر ضعيفة كجعل إلا عاطفة بمعنى الواو، وكون الكلام على التقديم والتأخير وأنه متعلق بما قبل قوله وما يعزب، وجعله مستثنى من مقدر لا من المنفي المذكور أي ليس شيء إلا في كتاب ونحوه وكلها ظاهرة قوّة وضمعفا إلا ما نقله الإمام عن بعض المحققين من أن العزوب عبارة عن مطلق البعد والمخلوقات فسمان قسم أوجده الله تعالى من غير واسطة كالأرض والسماء، والملائكة عليهم الصلاة والسلام وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث في العالم وقد تتباعد سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة وجود واجب الوجود فالمعنى لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين كتبه الله وأثبت فيه صور تلك المعلومات، فهو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال واثبات العزوب بمعنى البعد عنه في سلسلة الإيجاد لا محذور فيه وهذا وجه دقيق إلا أنه أشبه بتدقيقات الحكماء لبعده عن أسلوب العربية، وقيل معنى معزب يبين وينفصل أي لا يصدر عن ربك شيء من خلقه إلا وهو في اللوح وتلخيصه إنّ كل شيء مكتوب فيه ذكره الكواشي، وقريب منه قوله في المغني إن معنى يعزب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 ليس يخفى بل يخرج إلى الوجود فمعناه لا يخرج إلى الوجود عنه مثقال ذرّة إلا وهو في كتاب ولا منافاة كما قيل بين قوله هنا، وقوله في سورة سبأ في قوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سورة سبأ، الآية: 3] لا يجوز عطف المرفوع على مثقال والمفتوح على ذرّة لأنّ الاستثناء يمنعه اللهمّ إلا إذا جعل الضمير في عنه للغيب وجعل المثبت في اللوج خارجا لظهوره على المطالعين فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطوراً في اللوح لأنّ مراده الاستثناء المتصل الذي هو الظاهر فيكون كما في الكشاف هنا، ومن ههنا ظهر جواب آخر، وهو أنّ المراد بالبعد عن الله البعد والخروج عن غيبه أي لا يخرج عن غيبه إلا ما كان في اللوج فيعزب عن الغيب إلى الظهور لاطلاع الملائكة عليهم الصلاة والسلام وغيرهم عليه فيفيد إحاطة علمه بالغيب والشهادة، ويظهر منه وجه لتقديم الأرض وهذا معنى حسن من الله به عليّ. قوله: (والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ الم يفسره بالعلم كما في سورة الأنعام لئلا يتكرّر مع قوله عن ربك على ما فسره به أو لاقتضاء المعنى له فتأمّل. قوله: (الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة) الوليئ ضد العدوّ فهو المدبئ ومحبة العباد طاعتهم ومحبته لهم إكرامه كما في شرح الكشاف ولذا قال القائل رحمه الله تعالى: تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذالعمري في القياس بديع لوكان حبك صادقاً لأطعته إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع وعلى الأؤل يكون فعيل بمعنى فاعل، وعيى الثاني بمعنى مفجول نجهو مشترك فتفسير المصنف رحمه الله له بهما إمّا بناء على جواز استعمال المشترك في معنييه، وامّا باستعماله! في أحدهما وارادة الآخر لأنه لازم له كما قيل ما جزاء من يحبّ إلا أن يحبّ مع أنه يجوز أن يكون بمعنى الفاعل أو المفعول فيهما، وقيل الولاية من الأمور النسبية فاعتبر الولاية من جانب العبد بالطاعة ومن جانب الله بالكرامة فلا حاجة إلى ما قيل إن الواو في كلام المصنفءبمعنى أو. قوله: (من لحوق مكروه الخ) قال الراغب الخوف توقع المكروه وضده الأمن، والحزن من الحزن بالفتح، وهو خشونة في النفس لما يحصل من الغمّ ويضاذه الفرج ولما كان الفرح بحصول المأمول وما يسر كان الحزن بفواته كما قال: ومن سرّه أن لايرى مايسوءه فلايتخذ شيئاً يخاف له فقدا ولذا فسره المصنف رحمه الله بما ذكر وهما متقاربان فإذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، ولذا قابله في البيت به، وقيل لحوق المكروه في المستقبل كما صرّحوا به ولا اختصاص لسبب الحزن بفوات المأمول بل قد يحصل من لحوق مكروه في المستقبل فوات مأمول في الماضي ولا يخفى ما فيه، والمراد بانتفاء الخوف، والحزن أمنهم كذلك في الآخرة بعد تحقق مالهم من القرب، والسعادة، وإلا فالخوف والحزن يعرض لهم قبل رزلك سواء كان سببه دنيويا أو أخرويا. قوله: (وقيل {الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ) هو على الأوّل تفسير لما أجمل من أولياء الله الذين لا خوف ولا حزن لهم بأنهم المتقون المبشرون، وهذا جار على وجوه الإعراب، و! ذا مختار الزمخشري حيث قال أولياء الله الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة وقد فسر ذلك في قوله الذين آمنوا وكانوا يتقون فهو توليهم إياه لهم البشرى في الحياة الدنيا، وفي الآخرة فهو توليه إياهم فإن قلت إذا كانا صفتين لأولياء الله، ولما تضمنه من المعنيين يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر ولهم البشرى جملة لا توصف به المعرفة قلت المفسر لا يلزم أن يكون صفة فإذا قدر مبتدأ وجعلا خبرين له كانا مفسرين غير وصفين فإن قلت فكان الظاهر عطف لهم البشرى كما قيل قلت المفسر شيء واحد وان تضمن معنيين قصد تفسيرهما فالظاهر ترك العطف لاتخادهما فتأمّل، وقد وقع تفسير الأولياء بالذين يذكر الله برؤيتهم يعني يظهر عليهم آثار العبادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما ذوو الاخبات، والسكينة وقيل هم المتحابون في الله وعن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء، ولا شهداء تغبطهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله قالوا: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 يا رسول الله خبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بيثهم ولا أموال كتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وأنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس " ثم قرأ الآية، وهذا تفضيل لهم بجهة من الجهات فلا يلزم تفضيلهم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل كذا في شروح الكشاف وتابعهم غيرهم وفيه أنه يقتضي تسليم أن هذه الصفات ليست في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس كذلك إذ جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع من آمن بهم جرى يينهم هذا التحالت ألا ترى أهل الصفة رضي الله عنهم متصفين بذلك وهم محبون للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو يحبهم أيضا فلا وجه لما ذكر فالجواب أنّ الغبطة هنا بمعنى أنه يعجبه ذلك لأنه لا يغبط إلا على ما يحمد ويحسن ويعجب من غبط فهو كناية عن ذلك فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن اتصف بذلك لكن مقام الدعوة واشتغاله بمحبة الله أجل من أن يظهر تحابه كيف لا " ولا يتم الإيمان حتى يكون النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وأهله وماله " فلا تكن من الغافلين. قوله: (وهو ما بشر به المتقين الخ) فسر بشرى الدنيا بما ذكره، واطلاق البشرى على أوّلها ظاهر وعلى ثانيها لأنّ الرؤيا المصالحة سماها النبي صلى الله عليه وسلم: " المبشرات " والمكاشفات التي تظهر لصفاء باطن صاحبها مما يسز في المستقبل تبشير له أو لمريده أيضا كما يعرفه أهله وكذا بشرى الملائكة عليهم الصلاة والسلام عند النزع أي نزع الروح بالموت فإنهم يبشرونه ويرى مقامه اللهتم يسر لنا ذلك بكرمك ورحمتك، وقوله بيان لتوليه لهم هذا من تتمة القيل أي لهم البشرى الخ بيان لهذا كما أنّ ذاك بيان لذاك فإن قلت لم لم يقل لا يخافون ولا يحزنون مع أنه أخصر وأظهر وأنسب للمشاكلة بينهما قلت لأنّ خوفهم من الله مقرّر فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وغيرهم لا يخاف عليهم ذلك ولا يحزنون لأنهم قد بشروا بما يسرّهم عقبه وهذه نكتة لم أر من ذكرها. قوله: (ومحل الذين آمنوا الخ) وجوه الإعراب ظاهرة لكن في جعله صفة فصل بين الصفة والموصوف بالخبر وقد أباه النحاة ممن جوّزه الحفيد رحمه الله، وجوّز فيه البدلية أيضا والمواعيد جمع ميعاد بمعنى الوعد لأنه هو الذي لا يقع فيه الخلف، وقوله إلى كونهم مبشرين أو إلى البشرى بمعنى التبشير وقيل إلى النعيم الذي وقعت به البشرى. قوله: (هذه الجملة والتي قبلها اعتراض) أمّا الأولى وهي لا تبديل لكلمات الله فلأنّ معناها لا إخلاف لوعده فتؤكد البشارة لأنها في معناه، وأمّا الثانية وهي قوله ذلك هو الفوز العظيم فلأنّ معناها أنّ بشارة الدارين السازة، فوز عظيم، وهذا بناء على جواز تعدد الاعتراض وعلى أنه يجوز أن يكون في آخر الكلام، ولذا قيل لو جعلت الأولى معترضة، والثانية تذييلية كان أحسن بناء على أنّ ما في آخر الكلام يسمى تذييلا لا اعتراضاً وهو مجرّد اصطلاح، والى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله وليس من شرطه الخ ومراده الاتصال بحسب الإعراب، وفيه أنّ قوله ولا يحزنك يصح جعله معطوفا على الجملة قبله أي إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا يحزنك قولهم وقوله إشراكهم الخ، وكذا ما ضاهاه مما وقع وما سيقع. قوله: (استئناف بمعنى التعليل (أي ابتداء كلام سبق للتعليل أو هو جواب سؤال مقدر تقديره لم لا يحزنه فقيل لأنّ الغلبة لله فلا يقهر، ويغلب أولياؤه، وأمّا كونه بدلاً من قولهم كما قاله ابن قتيبة رحمه الله فرذه الزمخشريّ بأنه مخالف للظاهر لأنّ هذا القول لا يحزنه بل يسرّه وأمّا أنه على سبيل الفرض للإلهاب والتهييج، وأنهم قد يقولونه تعريضاً بأنه لا عزة للمؤمنين فبعيد وقراءة الفتح قراءة أبي حيوة. قوله: (كأنه قيل الخ) يشير إلى أنه كناية على نهج لا أرينك هاهنا أو مجاز لأنّ القول مما لا ينهي كما إذا قلت لا يأكلك الأسد فمعناه لا تقرب منه فالمعنى لا تحزن بقولهم فأسند إلى سببه أو جعل من قبيل ما مرّ وكذا كل ما نهى فيه عن فعل غيره، وقوله فهو يقهرهم الخ يعني أنّ المقصود من إثبات جميع العزة لله إثباتها لأوليائه ويلزمه ما ذكر، وقوله: لأقوالهم فسره به ليرتبط بما قبله وقوله فيكافئهم إشارة إلى أنّ اطلاع الله على الفعل عبارة عن مجازاته به كما مرّ. قوله: (من الملائكة والثقلين) لأنّ من للعقلاء، والتغليب غير مناسب هنا ووجه التخصيص ما ذكره، وهو جار على الوجوه وقوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 أشرف الممكنات عبيداً كونهم عبيدا مأخوذ من لام الملك. قوله: (أي شركاء على الحقيقة الخ) هذا رذ على من توهم أن شركاء لا يصح أن يكون مفعول يتبعون لأنه يدلّ على نفي اتباعهم الشركاء مع أنهم اتبعوهم لأنّ المعنى أنهم، وأن اتبعوا شركاء فليسوا في الحقيقة شركاء فالمراد سلب الصفة بحسب الحقيقة، ونفس الأمر وان سموهم شركاء لجهلهم، وقوله ويجوز أن يكون شركاء مفعول يدعون معطوف على معنى ما قبله لأنه في قوّة يصح أن يكون مفعول يتبع، وقوله ومفعول يتبع محذوف تقديره يتبعون حقاً يقيناً كما سيشير إليه وقد يجعل آلهة أو شركاء كما قدره بعضهم ميلاً إلى أعمال الثاني في التنازع، وقيل عليه أنه لا يصح كونه منه لأنّ مفعول الأوّل مقيد دون الثاني فلا يتحد المعمول حتى يكون من هذا الباب إذ هو مشروط فيه وأجيب بأنّ التقييد عارض! بعد الأعمال بقرينة عامل فلا ينافيه وفيه نظر. قوله: (وإنما يتبعون ظنهم أنهم شركاء) إشارة إلى معمول الظن المقدر وقيك إنه يجوز تنزيله منزلة اللازم. قوله: (ويجوز أن تكون ما استفهامية منصوبة بيتبع) وشركاء مفعول يدعون أي أيّ شيء يتبع المشركون أي ما يتبعونه ليس بشيء ويجوز توجيهه بحيث يتحد مع قراءة الخطاب في المعنى. قوله: (أو موصولة معطوفة على من) أي وله ما يتبعه المشركون خلقاً وملكا فكيف يكون شريكا له فصدر الآية باق على ما مرّ من الاستدلال وعدم صلاحية ما عبدوه مطلقا لذلك ويجوز أن تكون ما حينئذ مبتدأ خبره محذوف كباطل ونحوه أو قوله إن يتبعون والعائد محذوف أي في عبادته أو اتباعه. قوله: (وقرئ تدعون بالتاء الخطابية) وهذه قراءة السلمي وعزيت لعليّ كرّم الله وجهه أيضاً، وقوله والمعنى أي على هذه القراءة رذ لما قيل إنها غير متجهة وما استفهامية والعائد للذين محذوف، وشركاء حال منه أي تدعونهم حال كونهم شركاء في زعمكم والذين عبارة عن الملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام وقوله فيه أي في اتباعهم لله فيكون إلزاماً بأن ما يعبدونه يعبد الله فكيف يعبد، وقوله: بعد برهان أي من قوله إلا أن الله الخ وما بعده قوله إن يتبعون إلا الظن مصروف عن الخطاب إلى الغيبة. قوله: (يكذبون فيما الخ (أصل معنى الخرص الحزر بتقديم الزاي المعجمة على الراء المهملة أي التخمين والتقدير، وششعمل بمعنى الكذب لغلبته في مثله وكلاهما صحيح هنا وحزر سمع من باب ضرب ونصر. قوله: (تنبيه على كمال قدرته الخ (أي كمال القدرة من خلق ما لا يقدر عليه غيره من الليل والنهار والنعمة براحة الليل والأبصار، وقوله: المتوحد يشير إلى إفادة تعريف الطرفين للقصر وأنه قصر تعيين يترتب عليه حصر العبادة فيه لأنّ من لا يقدر ولا ينعم لا تليق عبادته. قوله: (وإنما قال مبصراً الخ (أي لم يقل لتبصروا فيه ليوافق ما قبله تفرقة بين الظرفين إذ الظرف الأوّل ليس سبباً للسكون والدعة بخلاف الثاني لأنّ الضوء شرطه الأبصار فلذا أسند إليه مجازاً، ولم يسند إلى الليل، وقيل مبصراً للنسب كلابن وتامر أي ذا أبصار وجعله ابن عطية رحمه الله من باب المجاز كقوله: ما ليل المحب بنائم ومن لم يفرق بينهمالم يصب وأراد بالسبب ما يتوقف عليه في الجملة لا المؤثر ولا حاجة إلى جعله من حذف الاحتباك وأصله جعل الليل مظلما لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً لتتحزكوا فيه. قوله: (أي تبناه ( لعل هذا قول بعضهم وإلا فما ذكروه من الأدلة يقتضي أنهم يقولون بالتوليد حقيقة، وقوله تعالى اتخذ صريح فيما فسر به هنا. قوله:) تنزيه له عن التبني الخ (أصل معنى سبحان الله التنزيه عما لا يليق به جل وعلا وششعمل للتعجب مجازاً فلذا قيل إنّ الواو هنا وفي الكشاف بمعنى أو لأنه لا يجمع بين الحقيقة، والمجاز وقيل: إنه كناية قالوا وعلى أصلها، وهذا بناء على صحة إرادة المعنى الحقيقيّ في الكناية، وفيه خلاف لهم وقيل لا يلزم أن يكون استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هو من المعاني الثواني، وقوله تعجيب في نسخة تعجب وقوله من كلمتهم الحمقاء مجاز كذكر حكيم أي الأحمق قائلها. قوله:) فإنّ اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة (وهو الغني عن كل شيء وتسببه عنها إمّا لأنّ طلبه ليتقوّى به أو لبقاء نوعه وقوله: تقرير لغناه لأن المالك لجميع الكائنات هو الغنيّ، وما عداه فقير وهو علة أخرى لأن التبني ينافي المالكية. قوله:) نفي لمعارض ما أقامه من البرهان الخ (المعارض في اللغة المنافي، وفي الاصطلاج ما نافاه الدليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 المتأخر من أحد الخصمين والمراد هنا إما الأوّل وهو ظاهر أو الثاني لأنّ السلطان هنا الحجة التي فرضت أي ليس بعد هذا حجة تسمع والمعارض الدليل مطلقا صحيحا كان أو باطلا والمراد تجهيلهم وأنه لا مستند لهم سوى تقليداً لأوائل واتباع جاهل لجاهل، وقوله متعلق بسلطان لأنه بمعنى الحجة وإذا كان صفة تعلق بمحذوف، ومن زائدة، وإذا تعلق بعندكم لما فيه من معنى الاستقرار يكون سلطان فاعل الظرف لاعتماده فلا يلزم الفصل بين العامل المعنوقي، ومتعلقه بأجنبيّ كما قيل. قوله:) على أنّ كل قول لا دليل عليه الخ) يؤخذ من قوله إن عندكم الخ. وقوله وأن العقائد الخ من قوله أتقولون على الله الخ، وهو رذ لمن تمسك بالآية على نفي القياس، والعمل بخبر الآحاد لأنه في الفروع والآية مخصوصة بالأصول لما قام من الأدلة على تخصيصها وإن عمّ ظاهرها. قوله:) افتراؤهم متاع (فافتراؤهم هو المبتدأ المقدر بقرينة ما قبله أو تقلبهم أي تقلبهم في الدنيا وأحوالهم، وقال السمين رفع متاع من وجهين على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر أي كيف لا يفلحون، ولهم ما لهم فقيل ذلك متاع، وقوله بما كانوا الباء سببية، وما مصدرية وفي الدنيا متعلق بمتاع أو نعت له، وقوله فيلقون الشقاء المؤبد مأخوذ من كونه في مقابلة المتاع القليل. قوله:) {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} الخ (إذ بدل من النبأ أو معمولة له لا لأتل لفساد المعنى، ولام لقومه للتبليغ أو التعليل وقوله خبره مع قومه بالرفع والنصب تفسير لنبأ نوج عليه الصلاة والسلام، وقوله: عظم عليكم وشق تفسير لكبر كما مز تحقيقه في قوله وإن كانت لكبيرة. قوله: (نفسي الخ (يعني المقام إفا اسم مكان وهو كناية إيمائية عبارة عنه نفسه كما يقال المجلس السامي، ولا وجه لقوله في الكشاف، وفلان ثقيل الظل أو مصدر ميميّ بمعنى الإقامة يقال قمت بالبلد وأقمت بمعنى، وأقحم في بيانه لفظ كوني للتوضيح أي إقامتي بين أظهركم مدّة مديدة أو المراد قيامه بدعوتهم، وقريب منه قيامه لتذكيرهم ووعظهم لأنّ الواعظ كان يقوم لأنه أظهر وأعون على الاستماع فجعل القيام كناية أو مجازاً عن ذلك أو هو عبارة عن بيان ذلك وتقرّره، وقوله فعلى الله توكلت جواب لأنه عبارة عن عدم مبالاته والتفاته إلى استثقالهم أو هو قائم مقامه، وقيل الجواب فأجمعوا وقوله فعلى الله توكلت اعتراض لأنه يكون بالفاء فاعلم فعلم المرء ينفعه الأوّل فأجمعوا معطوف على ما قبله وبما قرّرناه لا يرد ما قيل إنه متوكل على الله دائماً فلا يصح جعله جوابا لكن فيه عطف الإنشاء على الخبر، وقيل المراد استمراره على التوكل فلا يرد ما ذكره وقيل جواب الشرط محذوف أي فافعلوا ما شئتم. قوله:) فاعزموا عليه الخ) القراءة بقطع الهمزة من أجمعوا فقيل إنه يقال أجمع في المعاني وجمع في الأعيان يقال أجمعت أمري، وجمعت الجيش، وهو الأكثر وأجمع متعذ بنفسه وقيل بحرف جرّ يحذف اتساعاً يقال أجمعت على الأمر إذا عزمت وهنا حذف اتساعاً كذا قال أبو البقاء رحمه الله تعالى وكلام المصنف رحمه الله مائل إليه واستشهد للقول الأوّل بقول الحرث بن حلزة: أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت له ضوءضاء وقال السدوسيّ أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه، وقال أبو الهيثم أجمع أمره جعله مجموعاً بعد ما كان متفرّقا وتفرقته أن يقول مرّة أفعل كذا ومرّة أفعل كذا فإذا عزم فقد جمع ما تفرّق من عزمه ثم صار بمعنى العزم حتى وصل بعلى، وأصله التعدية بنفسه ومنه الإجماع والمراد بالأمر هنا مكرهم وكيدهم. قوله: (أي مع شركائكم) هذا توجيه لقراءة النصب، وقد قرئ بوجوه ثلاثة فالنصب خرّج على وجوه منها ما ذكره المصنف رحمه الله وهو أنه مفعول معه من الفاعل لأنهم عازمون لا معزوم عليهم ويؤيد هذا التخريج، وأنهم عازمون قراءة الرفع بالعطف على الفاعل وهو الضمير المتصل لوجود الفاصل وقيل إنه مبتدأ محذوف الخبر أي وشركاؤكم مجمعون ونحوه. قوله: (وقيل إنه معطوف على أمركم بحذف المضاف الخ) توجيه آخر للنصب مبنيّ على أنّ أجمع متعلق بالمعاني فلذا احتاج للتقدير والشركاء إن كان المراد بهم من على دينهم فظاهر وان أربد بهم الأصنام فتهكم بهم أو الكلام من الإسناد إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 المفعول المجازيّ كاسأل القرية. قوله: (وقيل إنه منصوب بفعل محذوف ثقديره وادعوا شركاءكم) أي هو منصوب بمقدر كما في قوله علفتها تبناً، وماء باردا وعلى قراءة نافع عطف شركاءكم عليه لأنه يقال جمعت شركائي كما يقال جمعت أمري وقيل المعنى ذوي أمركم وكلام المصنف رحمه الله تعالى يميل إليه وفيه نظر وقوله والمعنى أي على الوجوه السابقة وأمرهم بلفظ الماضي أي أنّ نوحا عليه الصلاة والسلام أمرهم ويصح أن يكون اسما أيضا وقوله بالعزم على قراءة العامّة أو الاجتماع على قراءة نافع، وقوله على أفي وجه أعمّ من المكر والكيد وثقة علة لأمرهم وقلة مبالاة معطوف عليه. وفي قصدي مصدر مضاف إلى المفعول. قوله: (واجعلوه ظاهرا مكشوفاً) هذا كما مرّ من أنّ الأمر لا يصح كونه منهيا فهو إما كناية عن نهيهم عن تعاطي ما يجعله غمة أو أمرهم بإظهاره، وعليكم على الأوّل متعلق بغمة وعلى الثاني بمقدّر أي كائنا والمراد من الغمّ ما يورثه والأمر بمعنى الشأن وهو الإهلاك أو قصده. قوله: (أذوا إلتي الخ) فالقضاء من قولهم قضى دينه إذا أدّاه فالهلاك مشبه بالدين على طريق الاستعارة المكينة، والقضاء تخييل أو قضى بمعنى حكم ونفذ والتقدير احكموا بما تؤذوه إليّ ففيه تضمين واستعارة مكنية أيضا ومفعول اقضوا محذوف عليهما كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وقر! {ثُمَّ اقْضُواْ} الخ) الباء في بشركم للمعية أو التعدية وأفضى إليه بكذأ معناه أوصله إليه وأصله أخرجه إلى الفضاء كأبرزه أخرجه إلى البراز بالفتح وهو المكان الواسع، ومنه مبارزة الخصمين. قوله: ( {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} الخ) شرط مرتب على الجزاء قبله أي إن بقيتم على إعراضكم عن تذكيري بعد أمري لكم وعدم مبالاتي بما أنتم عليه فلا ضير عليّ، وقيل الأوّل مقام التوكل، وهذا مقام التسليم والمبالاة بشيء إتا للخوف أو الرجاء واليهما الإشارة بالجملتين وجواب الشرط محذوف أقيم ما ذكر مقامه أي فلا باعث لكم على التولي ولا موجب له أو ما ذكر علة للجواب أقيم مقامه، وقوله واتهامكم بالجرّ عطف على ثقله، والواو بمعنى أو. قوله: (المنقادين لحكمه) إشارة إلى أنّ المراد بالإسلام الاستسلام والانقياد لا ما يساوق الإيمان كما فسره به الزمخشريّ، وقيده بالذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئاً والداعي له قوله: {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ} إلا أنه تكلف، ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله، وقوله لا أخالف أمره مطلقا أو هذا الأمر وهو تفسير للانقياد وقوله فأصرّوا على تكذيبه فسره به لأن السياق دال على تقدم تكذيبهم له كما يدذ عليه قوله إن كان كبر الخ ولأنّ إهلاكهم المعقب إنما كان بعدما استمرّ من تصذيهم وطول عنادهم واصرارهم وإلزامهم الحجة بقوله إن كان كبر الخ وقوله وبين أنّ توليهم أي بقوله فإن توليتم الخ وقوله لا جرم توطئة لتفريع قوله فنجيناه لا إشارة إلى أن الفاء فصيحة أي فحقت عليهم كلمة العذاب فنجيناه وقوله من الفرق بدلالة المقام وقيل من أيدي الكفار، وقوله وكانوا ثمانين أي من الناس غير الحيوانات وقوله من الهالكين به أي بالغرق ومن للبدل أي جعل الثمانون خليفة عمن هلك بالطوفان لأنه المذكور قبله وبعده. قوله: (تعظيم لما جرى عليهم الأن الأمر بالنظر إليه يدل على شناعته قال الراغب: النظر يكون بالبصر والبصيرة، والثاني أكثر عند الخاصة فالمراد اعتبر بما أخبرك الله به لأنه لا يمكن أن ينظر إليه هو ولا من أنذره، والمراد بالمنذرين المكذبين والتعبير به إشارة إلى إصرارهم عليه حيث لم يفد الإنذار فيهم وقد جرت العادة أن لا يهلك قوم بالاستئصال إلا بعد الإنذار لأن من أنذر فقد أعذر، وقوله لمن كذب الرسول أي رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام، والتسلية له ظاهرة، وقوله كل رسول إلى قومه هذا يستفاد من إضافة القوم إلى ضميرهم، وليس من مقابلة الجمع بالجمع المفضي لانقسام الآحاد على الآحاد وفيه إشارة إلى أنّ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم واختلف في نوح عليه الصلاة والسلام هل بعث إلى أهل الأرض كافة أو إلى صقع واحد منها وعليه ينبني النظر في الغرق هل عمّ جميع أهل الأرض أو كان لبعضهم وهم أهل دعوته كما صزج به في الآيات، والأحاديث قال ابن عطية رحمه الله وهو الراجح عند المحققين، وعلى الأوّل لا ينافي اختصاص عموم الرسالة بنبينا مجشحيه لأنها لمن بعده إلى يوم القيامة. قوله تعالى: ( {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} الآية (ضمير كانوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 وكذبوا القوم الرسل، والمعنى أن حالهم بعد بعثه الرسل كحالهم قبلها في كونهم أهل جاهلية وقيل ضمير كانوا لقوم الرسل وكذبوا لقوم نوح عليه الصلاة والسلام أي ما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوج عليه الصلاة والسلام أي بمثله، ويجوز أن يكون عائداً الى نوج نفسه أي ما كان قوم الرسل بعد نوج ليؤمنوا بنوج إذ لو آمنوا به آمنوا بأنبيائهم، ومن قبل متعلق بكذبوا أي من قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقيل الضمائر كلها لقوم الرسل بمعنى آخر وهو أنهم بارزوا رسلهم بالتكذيب كلما جاء رسول لجوا في التكذيب، والكفر فلم يكونوا ليؤمنوا بما سبق به تكذيبهم من قبل لجهم في الكفر وتماديهم، وقيل ما مصدرية والمعنى كذبوا رسلهم فكان عقابهم من الله أنهم لم يكونوا ليؤمنوا بتكذيبهم من قبل أي من سببه وجرائه وأيده بقوله كذلك نطبع الخ، والظاهر أن ما موصولة لعود الضمير عليها، وأما كون ما المصدرية اسفا! فقول ضعيف للأخفش وابن السراج، وقوله لشدة شكيمتهم الشكيم والشكيمة حديدة اللجام المعترضة في فم الفرس وفلان شديد الشكيمة على التمثيل أي أبيّ لا ينقاد فالمراد لعنادهم ولجاجهم وفي شرح الكشاف للجاربردي الشكيمة الحديدة الخ وفلان شديد الشكيمة أي شديد إ النفس وفلان ذو شكيمة أي لا ينقاد اص. قوله: (فما استقام لهم أن يؤمنوا الخ (كان المنفية المقترنة بلام الجحود تدذ على المبالغة في النفي تقديراً، وبذلك نفي الصحة والاستقامة، وقد يراد به لا ينبغي ولا يليق أو لا يجوز، وقد يستعمل نفيها مطلقا لذلك وصرج به الإمام البغوي في غير هذا المحل لا يقال لعله إنما حمل على نفي الاستقامة لأنّ أصل المعنى نفي كون إيمانهم المستقبل في الماضي، وماله إلى نفي القابلية والاستعداد لأنه قيل إنه مدفوع بجعل صيغة المضارع للحال، ويحمل على زمان إخباره تعالى لنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى ما حصل لهم أن يؤمنوا حال مجيء البينات فيكون زمان عدمه بعد زمان اعتبار عدم الإيمان. قوله:) أي بسبب تعوّدهم تكذيب الحق وتمرّنهم عليه قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام (يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى وأق الباء سببية لا صلة يؤمنوا كما هو الظاهر وما مصدرية ولما كان يأباه عود الضمير عليها جعله عائداً إلى الحق المفهوم من السياق، والمقام ولما كان فيه أنّ الكفر هو تكذيب الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فلا تتضح السببية أو له بأنّ المراد بالتكذيب ما ركز في طباعهم وتعوّدوه قبل بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام من تكذيب كل حق سمعوه وهذا سبب للسبب وهو شدة شكيمتهم ولذا قذضه، ولا يخفى ما فيه من التكلف فالأظهر ما قدمناه وقيل ما موصولة والباء للسببية أو الملابسة أي بالشيء الذي كذبوا به وهو العناد، وقد مز ما قيل إنّ ضمير به لنوح عليه الصلاة والسلام، وقوله كذلك نطبع أي مثل هذا الطبع كما مرّ تحقيقه. قوله:) وفي أمثال ذلك دليل الخ) المراد بأمثال ذلك ما وقع فيه ذكر الطبع والختم والتغشية، وما أحال عليه هو ما ذكره في أوائل سورة البقرة وقوله الأفعال أي أفعال العباد القبيحة، أو مطلق الأفعال التي للعباد إذ لا قائل بالفصل وكونها واقعة بقدرة الله لإسنادها إليه وقبحها عائد إلى الاتصاف بها لا إلى إيجادها، وخلقها كما برهن عليه في الكلام وكسب العبد لها ظاهر إذ طبع الله على قلبه عبارة عن منعه عن قبول الحق والإيمان، وهو عين الكفر فقوله بخذلانهم بيان لسبب فعل الله بهم ذلك، وخلقه فيهم وليس تفسيراً للطبع بالخذلان حتى ينافي الدلالة المذكورة، فإنّ المعتزلة يفسرونه بذلك حيث وقع تطبيقاً له على مذهبهم فلا غبار عليه كما توهم، وفي الكشاف الطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم لأنّ من عاند وثبت على اللجاج خذله الله ومنعه التوفيق واللطف، فلا يزال كذلك حتى يتراكم الرين والطبع على قلبه وهذا تأويل للآية ليوافق مذهبه، وهل هو كناية أو ليس بكناية لكنه جار مجراها يعرف بتدقيق النظر في كلام شرّاحه، والآيات التسع هي العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفاح والدم والطمس وفلق البحر. قوله: (معتادين الإجرام) بفتح الهمزة وكسرها جمع ومفرد أي الذنوب العظيمة أو فعل الذنب العظيم لأنّ الجرم ما عظم منه، وهذه الجملة معترضة تذييلية وجوّز فيها الحالية فيفيد اعتيادهم ذلك وتمرّنهم عليه لأنّ معناها أنه شأنهم ودأبهم كما يعرفه من له ممارسة بعلم البلاغة، وكذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 كونها علة لما قبلها وهو ردّهم واستكبارهم يؤخذ من ذلك كما أشار إليه المصنف رحمه الله، والحمل على العطف الساذج لا يناسب البلاغة لا لتقدم الإجرام على البعث لأن المراد استمرارهم وتعاونهم عليه كما فسر به. قوله: إ فلما جاءهم الحق} جعل الحق كشخص جاءهم من الله على طريق الكناية والتخييل وهذا يدل على غاية ظهوره بحيث لا يخفى على ذي بصر وبصيرة فلهذا فسروه بعرفانهم ذلك، وكذا وضع الحق موضع الضمير إشارة إلى ظهور حقيته عند كل أحد، وأيضاً قد صرّج به في محل آخر بقوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم فلا يرد قوله في الفرائد لا دلالة في النظم على معرفتهم له، وقولهم إنه يدذ على أنهم بهتوا لما بهرهم منه، وهذا غير وارد على المصنف رحمه الله لأنه لم يفسره به، وإنما ذكر أنهم عرفوه بما قارنه من الآيات كما يدذ عليه تفريعه بالفاء وهو معنى ما في الكشاف أيضاً، والمعجزات من قوله من عندنا فتدبر. توله: (ظاهر أنه سحر وفائق في فنه واضح فيما بين إخوانه) يشير إلى أنّ مبين من أبان بمعنى ظهر واتضح لا بمعنى أظهر وأوضح كما هو أحد معنييه، ولا وجه لما قيل إنّ قوله ظاهر بيان لأن الإشارة لنوعه وقوله وفائق في فنه بيان لأنّ الإشارة لفرد كامل كما يدلّ عليه ما بعده بل المراد أن ظهوره إمّا ظهور كونه سحراً في نفسه أو ظهوره بالنسبة إلى غيره من أنواع السحر فتأمل وقوله وفائق في نسخة أو بدل الواو. قوله: (أنه لسحر الخ) يعني أنّ القول على ظاهره ومقوله محذوف بقرينة ما قبله لا قوله أسحر لما سيأتي وقوله بتوا القول من البت بموحدة ومثناة أي قطعوا القول بأنه سحر فكيف يستفهمون عنه، وقوله أسحر الخ من قول موسى صلى الله عليه وسلم لا من قولهم، وهي جملة مستأنفة للإنكار، ثم أجاب بجواب مرّضه لأنه خلاف الظاهر، وهو أنّ الاستفهام مقصودهم به تقريره أي حمله على الإقرار بأنه سحر لا السؤال حتى ينافي البت والقطع، وقوله والمحكي أي في أحد الموضعين فإمّا أن يكون المقول الثاني والأوّل حكاية بالمعنى أو بالعكسى، وإنما ذكر هذا لأنّ القصة واحدة فالصادر فيها بحسب الظاهر إحدى المقالتين، وقوله اللهمّ هو بمعنى يا الله لا بمعنى يا الله آمنا بخير لأنه ينافي ما بعده من الشرّ، والميم المشددة المبنية على الفتح عوض عن يا فلا تجامعها إلا شذوذا، وله ثلاث استعمالات النداء، والاستثناء والجواب كنعم للاستظهار وتقوية هو ضعيف عند المتكلم إشارة إلى أنه محتاج لمعونة من الله، وقد ورد في الحديث وكلام فصحاء العرب فليس بمولد كما توهم قاله المطرزي في شرح المقامات فهو هنا إشارة إلى ضعف الجواب كأنه ينادي الله لأنّ يسدد مقاله لضعفه، وأمّا إذا كان تقولون بمعنى تعيبون لأنّ القول والذكر قد يطلق ويراد به ذلك فلا مفعول له، وقوله يخاف القالة الخ القالة مصدر كالقول إلا أنه يختص بالسرّ في قول لأهل اللغة وفي كلامه الآتي إشارة إلى جواب آخر، وهو أنه مقول قولهم والاستفهام ليس له بل مصروف إلى قيده وهو الجملة أعني، ولا يفلح الساحرون والمعنى أجئتنا بسحر تطلب به الفلاج والحال أنه لا يفلح الساحر أو هم يستعجبون من فلاحه، وهو ساحر فتدبر، وقوله يبطل مضارع الإبطال وهو إقنافي، والا فيجوز أن يكون سحرا يبطل غيره من السحر، وقوله: ولأنّ العالم عطف على فإنه لأنّ الفاء تعليلية، وقوله فيستغنى عن المفعول أي المفعول المعهود من كلام موسى صلى الله عليه وسلم على الوجهين. قوله: (واللفت والفتل إخوان) أي بينهما مناسبة معنوية، واشتقاقية لأنّ لفته بمعنى صرفه ولواه وكذا فتله وليس أحدهما مقلوبا من الآخر كما قاله الأزهرقي رحمه الله، وقوله من عبادة الأصنام الظاهر عبادة غير الله لأنهم عبدوا فرعون لعنه الله. قوله: (الملك فيها سمي بها الخ (يعني المراد بها ذلك لأنها لازمة له فأريد من اللفظ لازم معناه أو المراد الملوك لأنها عادتهم رؤساؤهم مستتبعون لغيرهم فالكبرياء بمعنى التكبر أي عد نفسه كبيراً لهم، والفرق بينهما أن في الأوّل ملاحظة استحقار غيره، وهو التكبر المذموم بخلاف الثاني وقيل سمي بها لأنها أكبر ما يطلب من أمور الدنيا وفي الأرض متعلق به أو يتكون أو مستقرّ حال أو متعلق بلكما والأرض! قيل المراد بها مصر، وقوله حاذق فيه فسره به لأن المراد علمه بصفة السحر وحذقه فيها، وقراءة حمزة والكسائيئ سحار لا ساحر كما في بعض النسخ فهو من تحريف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 الناسخ، وأسقط قوله في الكشاف هنا كما قال القبطيّ لموسى صلى الله عليه وسلم إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض لأنه لا حا! إليه لا لما قيل إنه سهو صوابه كما قال الإسرائيليّ. قوله تعالى: ( {قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ} (لا يخفى ما في الإبهام من التحقير والإشعار بعدم المبالاة وسيأتي في الشعراء أنه ليس المراد الأمر بالسحر، وما فعلوه لأنه كفر، ولا يليق منه الرضا به بل علم أنهم ملقون فأمرهم بالتقدم ليظهر إبطاله وسيجيء تفصيله. قوله: (لا ما سماه فرعون وقومه الخ (يعنى أنّ تعريف المسند لإفادة القصر إفراداً وكذا على قراءة عبد الله بالتنكير يستفماد القصر من التعريض لوقوعه في مقابلة قوله {إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} فالمعنى على القصر في التعريف والتنكير، وكلام المصنف رحمه الله يحتمله ثم إنه قيل إن هذا التعريف للعهد لما تقدمه في قوله إنّ هذا لسحر وهو منقول عن الفزاء رحمه الله ورذ بأنّ شرط كونه للعهد اتحاد المتقدم والمتأخر كما في أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول، وهذا ليس كذلك فإنّ السحر المتقدم ما جاء به موسى صلى الله عليه وسلم، وهذا ما جاؤوا به ورذ بمنع اشتراط ذللث بل اتحاد الجنس كاف في الجملة ولا يشترط الاتحاد ذاتاً كما قالوا في قوله تعالى: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ} [سورة مريم، الآية: 33] إن اللام للعهد مع أن السلام الواقع على عيسى صلى الله عليه وسلم غير الواقع على يحيى عليه الصلاة والسلام ذاتاً كذا قالوا، وفيه بحث من وجهين الأوّل أن الظاهر اشتراط ذلك وما ذكره لا يدلّ على ما قاله لأنّ السلام متحد فيهما وتعذد من وقع له لا يجعله متعذداً كما أنّ زيداً لا يتعدد باعتبار تعذد الأماكن والمحال وإنما يتمّ ما ذكره أن لو صح رأيت رجلا وأكرمت الرجل إذا كان الأوّل زيدأ والثاني عمراً، ويكون العهد باعتبار الاتحاد في الجنسية كما أنّ أنواع السحر وأعمالها مختلفة خصوصاً والأوّل سحر اذعائيّ، وهذا حقيقيئ فالاعتراض وارد على الفزاء رحمه الله الثاني أن القصر إنما يكون إذا كان التعريف للجنس، وأمّا تعريف العهد فلا يفيد القصر فكيف قزر هذا من اذعى أن القصر من التعريف ثم ذكر أنه للعهد نعم هنا أمر آخر، وهو أن النكرة المذكورة أوّلاً إذا لم يرد بها معين ثم عرّفت لا تنافي الجنسية لأن النكرة تساوي تعريف الجنس فحينئذ يكدون تعريف العهد لا ينافي القصر وان كان كلامهم يخالفه ظاهراً كليحرّر هذا فاني لم أر من تعرّض! له وقوله أي الذي جئتم به إشارة إلى أن ما على القراءة المشهورة موصولة، والسحر خبره، وقد جوّز أن تكون استفهامية في محل رفع بحذف الخبر. قوله: (وقرأ أبو عمرو السحر أكخ) ما ذكره غير متحتم لجواز كونها موصولة على هذه القراءة أيضاً مبتدأ والجملة الاسمية أي أهو السحر أو السحر هو خبره، وقوله ويجوز أن ينتصب صطف على قوله مرفوعة بالابهتداء، فقوله السحر على وجهيه الأخيرين. قوله: (سيمحقه أو سيظهر بطلانه) الباطل الفاسد والذي فني وضد الأوّل الحق وضد الثاني الثابت قال إلا كل شيء ما خلا الله باطل والسحر ما ظهر للعيون من آلاته ونفس عمله فإن كان الأوّل فإبطاله بالمعنى الثاني وإن كان الثاني فالظاهر فيه المعنى الأوّل كما في قوله تعالى: - {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [سورة الأنفال، الآية: 8] ! ويصح فيه المعنى الثاني والى هذا أشار المصنف رحمه الله ببيان معنييه. قوله: (لا يثبتة ولا يقوّبه الما كان تذييلاً لتعليل ما قبله وتأكيده فسره بتفسيرين ناظرين إلى ما قبله فلا يثحته بل يزيله ويمحقه، ولا يقوبه بل يظهر بطلانه لأنّ ما لا يكون مؤيداً من الله فهو باطل، وأيضا الفاسد لا يمكن أن يكون صالحاً جخسب الظاهر فلذا فسر إصلاحه بإدامته، وتقويته بالتأييد الإلهي، وقول الزمخشري لا يثبته، ولا يديمه، ولكن يسلط عليه الدمار أي الفساد والهلاك قيل زاده وان لم يلزم من عدم الإصلاح الإفساد لوقوعه في مقابلة قوله ويحق الله الحق فكأنه قال ويبطل الباطل ورذ بأنّ نفي إثباته لا يكون إلا بالدمار، وما ذكره المصنف رحمه الله أظهر، وقوله لا حقيقة له تفسير للتمويه لأن التمويهات تلبيسات الأوهام من قولهم موّهت الإناء إذا طليته بالذهب والفضة وتحته نحاس أو حديد لأنّ الوهم يكسو الباطل لباس الحق ويروّجه، وقوله إنّ السحر إفساد، وتمويه لا حقيقة له فيه بحث لأن من السحر ما هو حق، ومنه ما هو تخيل باطل، ويسمى شعبذة وشعوذة فلعله أراد أن منه نوعاً باطلأ، وقد فصله الرازي في سورة البقرة وسيأتي في تفسير المعوذتين بيانه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 إن شاء الله تعالى. قوله: (ويثبته (أي يوجده ويحققه بأوامره وقضاياه أي بتشريعه وأحكامه، وقراءة كلمته اعى أن المراد الجنس فتطابة! القراءة الأخرى، ويحتمل أن يراد قوله كن قيل أو ا (سكل! ات ار؟ مور والشؤون والكنمة الأمر رإحد الأسور ولا! نع منه كما قضس! وقوأ- في " سبف! صره! قي مبدأ. حثته! إلخلا 5 قيده به لأ: فءس ص ت إصه بعد؟ تهـ اأسذزاري صت ق! مد ول وأمّا عقب الإلقاء فما آمن به إلا بعض ذريتهم. قوله: " لا أولاد من أولاد قومه) هذا بيان لمحصل المعنى لا بيان لتقدير مضاف لأنّ من تبعيضية، وهم بعض من الذراري لا من القوم إذ لو لم يقدر وجعلت من ابتدائية صح ويكفي لإفادة التبعيض التنوين وأشار إلى أنّ المراد بالذراري الشبان لا الأطفال، وقوله وقيل الضمير لفرعون أي الضمير في قومه، وهو معطوف على قوله إلا الأولاد فإنه في معنى الضمير لموسى صلى الله عليه وسلم، ورجح الأوّل بأنّ موسى عليه الصلاة والسلام هو المحدث منه وبأنه كان المناسب على هذا على خوف منه بدون إظهار فرعون، ورجح ابن عطية رحمه الله الثاني بأنّ المعروف في القصص أنّ بني إسرائيل كانوا في قهر فرعون، وكانوا بشروا بأنّ خلاصهم على يد مولود يكون نبيا صفته كذا وكذا فلما ظهر موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعوه ولم يعرف أن أحداً منهم خالفه فالظاهر الثاني، والكلام في قوم فرعون لأنهم القائلون أنه ساحر والقصة على هذا بعد معجزة العصا فالفاء ليست للتعقيب بل للترتيب والسببية وأجيب بأنّ المراد ما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من بني إسرائيل دون غيرهم فإنهم أخفوه وان لم يكفروا. قوله: (أو مؤمن آل فرعون الخ) إشارة إلى أنّ تلك الآية تفسير لها مؤيدة لهذا وزوجته أي زوجة الخازن وقوله: وماشطته أي ماشطة فرعون لأنه كان له ضفائر عين امرأة لتسريحها، وهو معطوف على طائفة، وداخل في القيل الثاني ولفظ الذرية فيه نبوّ عن هذا الوجه. قوله: (أي مع خوف منهم) يشير إلى أنّ على بمعنى مع كقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [سورة البقرة، الآية: 177] وقوله وجمعه على ما هو المعتاد الخ اعترض عليه بأنه ليس من كلام العرب الجمع في غير ضمير المتكلم كنحن كما ذكره الرضي وردّ بأنّ الثعالبي والفارسي نقلاه في الغائب أيضاً وبأنه لا يناسب تعظيم فرعون فإن كان على زعمه وزعم قومه فإنما يحسن في كلام ذكر أنه محكيّ عنهم، وقيل إنه ورد على عادتهم في محاوراتهم في مجرّد جمع ضمير العظماء وان لم يقصد التعظيم فتأمل. قوله: (أو على أن المراد بفرعون ا-له كما يقال ربيعة ومضر) قيل عليه إن هذا إنما عرف في القبيلة وأبيها إذ يطلق اسم الأب عليهم، وفرعون ليس من هذا القبيل، وقد قال القرافي رحمه الله إنه صار علما للقبيلة منقولاً من اسم الجد فإن لم يسمع نقله لم يطلق على الذرية ألا تراهم لا يقولون فلان من هاشم، ولا من عبد المطلب بل من بني هاشم وبني عبد المطلب فعلى هذا يكون فرعون كربيعة ولم يسمع فيه ذلك إلا أن يراد أن فرعون، ونحوه من الملوك إذا ذكر خطر بالبال أتباعه معه فعاد الضمير على ما في الذهن، وتمثيله بما ذكر لأنه نظيره في الجملة والمراد بآل فرعون فرعون وآله على التغليب فكما أطلق فرعون على الآل في النظم أطلق الآل على فرعون في تفسيره، وقيل إنه على حذف مضاف أي آل فرعون وملئهم كاسأل القرية وقيل عليه إنّ القرية لا تسأل فالقرينة قائمة على المضاف بخلاف فرعون فإنه يخاف فلا قرينة على التقدير هنا فلا يجوز مثله، وقيل إنّ القرينة جمع ضمير ملئهم والقرينة كما تكون عقلية تكون لفظية مع أنّ سؤال القرية للنبيّ على خرق العادة جائز أيضا، ولا يخفى أنّ الخارق للعادة خلاف الظاهر، وأنّ ضمير الجمع يحتمل رجوعه لغيره كالذرية فلم يتعين حتى يكون قرينة وأمّا أن المحذوف لا يعود عليه الضمير فإن أراد مطلقا فغير صحيح، وإن أراد إذا حذف لقرينة فممنوع لأنه في قوّة المذكور، وهو كثير في كلام العرب، وقريب منه ما قيل إنه حذف منه المعطوف، وأصله خوف من فرعون وقومه، والضمير عائد لذلك لكته قيل إنه ضعيف غير مطرد، وعوده على الذرية على جميع التقادير، وعود. على القوم أي قوم موسى عليه الصلاة والسلام أو قوم فرعون، والجمع حينئذ باعتبار معناه. قوله تعالى: ( {أَن يَفْتِنَهُمْ} (أصل الفتن إدخال الذهب النار ليعلم خالصه من غيره، ثم استعمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 في إدخال الناس النار كقوله: {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 13] وسمى ما يحصل منه العذاب فتنة، ويستعمل في الاختبار نحو فتناك فتونا، واستعمل بمعنى البلاء والشدة وهو المراد هنا أي أن يبتليهم ويعذبهم. قوله: (وهو بدل منه (أي من فرعون بدل اشتمال أي على خوف من فرعون فتنته أو مفعول الخوف لأنه مصدر منكر يجوز إعماله، وقيل إنه على تقدير اللام وهو مما يطرد الحذف فيه، ولا يلزم فيه أن يستوفي شروط المفعول له كما قيل. قوله: (وإفراده بالضمير) أي بالإبدال منه وارجاع الضمير إليه لأنه شرط في بدل الاشتمال ويحتمل أن يريد أنه بدل منه وما عطف عليه وأفرد الضمير لما ذكره وان كان الخوف والبدلية من المجموع ففي تعبيره على كل حال تساهل لا يخفى، وقوله كان بسببه لأنهم مؤتمرون بأمره ثم إنه قيل أن قوله وإفراده بالضمير جار فيما إذا كان المراد بفرعون آله بأن يرجع إليه وحده على طريق الاستخدام، وإنه ردّ على الزمخشري إذ منعه، ولا يخفى ما فيه من التكلف وفسر العلو بالغلبة والقهر، وهو مجاز معروف، وقوله في الكبر أي التكبر والعتوّ أي التجبر إشارة إلى أنّ الإسراف مجاز عن تجاوز الحد لا التبذير وبين مجاوزة الحد فيهما بما ذكر على اللف والنشر المرتب، وقوله فثقوا به الخ قيل لو قدم الجاز والمجرور ليفيد الحصر كما في الآية كان أحسن وليس كما ظن لأنه غفلة عن مراده وليس هذا بتفسير بل بيان لما تعلق به الثرط وتوطئة له، والملاحظ فيه التوكل فقط كما سنبينه. قوله: (وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين) يعي أنه من تعليق شيئين بشرطين لأنه علق وجوب التوكل بالإيمان، وعلق نفس التوكل بالإسلام وهو الإخلاص لله والانقياد لقضائه كالمثال الذي ذكره فإنّ وجوب الإجابة معلق على الدعوة ونفس الإجابة معلقة على القدرة، وعلى هذا حمل كلام الكشاف بعض شراحه، وقال إنه يفيد مبالغة في ترتب الجزاء على الشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق إن كنت تزوّجتني، وسيأتي تفصيله، وخالف من قال إنّ مراده أنه من باب التعليق بشرطين المقتضي لتقدّم الشرط الثاني على الأوّل في الوجود حتى لو قال إن كلمت زيداً فأنت طالق إن دخلت الدار لم تطلق ما لم تدخل قبل الكلام لأنّ الشرط الثاني شرط للأوّل! فيلزم تقدمه عليه، وقزره بأنّ هنا ثلاثة أشياء الإيمان، والتوكل والإسلام، والمراد بالإيمان التصديق وبالتوكل إسناد الأمور إليه وبالإسلام تسليم النفس إليه، وقطع الأسباب فعلق التوكل بالتصديق بعد تعليقه بالإسلام لأن الجزاء معلق بالشرط الأوّل وتفسير للجزاء الثاني كأنه قيل إن كنتم مصدقين الله، وآياته فخصوه بإسناد جميع الأمور إليه وذلك لا يتحصل إلا بعد أن تكونوا مخلصين لله مستسلمين بأنفسكم له ليس للشيطان فيكم نصيب والا فاتركوا أمر التوكل لأنه ليس لكل أحد الخوض فيه. قوله: (فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل الخ) الوجوب مأخوذ من الأمر وتقديم المتعلق لأنه إذا كان إسناد الأمور إلى الغير لازماً، وقد أسندت إليه تعالى دون غيره اقتضى وجوب ذلك ولو جاز التوكل على غيره لم يكن واجبأ، وقد علق التوكل المقصور على الأوّل، وجعل الثاني معلقا بقوله توكلوا وحده كما أشار إليه بتأخير المتعلق، ولا حاجة إلى اعتبار القصر فيه لأن الإخلاص يغني عنه كما أشار إليه بقوله فإنه لا يوجد مع التخليط أي عدم الإخلاص لأن من لم يخلص لله لم يتوكل عليه لأن من توكل عليه كفاه فأمعن فيه النظر فإنه من غوامض الكتاب. قوله: الأنهم كانوا مؤمنين مخلصين (هذا يؤخذ من التوكل وقصره على الله ومن التعبير بالماضي دون توكل والدعوة ربنا لا تجعلنا فتنة الخ وقيل إنه مبني على أن دعاء الكافر في أمر الدين غير مقبول، ولا دلالة له على الإخلاص، وفيه نظر وقوله موضع فتنة أي موضع عذاب لهم بأن تسلطهم علينا فيعذبونا، وقيل الفتنة بمعنى المفتون وهو المراد بموضع الفتنة مجازأ وقوله أي لا تسلطهم الخ تفسير له وقوله من كيدهم إشارة إلى أنّ النجاة بمعنى الخلاص وأنه إما مما يتهمون به أو من أنفسهم، وقوله وفي تقديم التوكل الخ، ولا ينافيه أنه قدم لكونه بيانأ لامتثال أمر موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالتوكل فإن النكات لا تتزاحم. قوله: (أي اتخذا مباءة (بالمذ أي منزلاً من تبوأ المكان اتخذه مباءة كتوطنه اتخذه وطناً وتبوّأ قيل إنه يتعدّى لواحد قيقال: تبوأ القوم بيوتاً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 فإذا دخلت اللام الفاعل فقيل تبوّأت للقوم بيوتا تعدى لما كان فاعلا باللام فيتعدى لاثنين كما هنا وقال أبو علي رحمه الله هو متعد بنفسه لاثنين، واللام زائدة كما في ردف لكم وفعل، وتفعل قد يكون بمعنى وكلام المصنف رحمه الله صريح في الأوّل وأن تحتمل المصدرية والتفسيرية. قوله: (يسكنون فيها أو يرجعون إليها الم يذكر الأوّل في الكشاف، واتخاذها مسكنا لا يقتضي بناءها ولا ينافيه، وقوله أنتما وقومكما إشارة إلى توجيه الجمع بين التثنية والجمع لأن الاتخاذ والتشريع مخصوص بهما فلذا ثنى أوّلاً، وأمّا العبادة فلا تختص فلذا جمع الضمير ليشمل القوم كما سيشير إليه، وبين أنه من تغليب المخاطب على غيره أيضا. قوله: (تلك البيوت (إشارة إلى أنّ الاضافة للعهد، وقوله مصلى الخ يعني تلك البيوت المتخذة إن كانت للسكنى فمعنى اتخاذها أن تكون محلاً للصلاة فيها فالقبلة مجاز عن المصلي، وإن كانت للصلاة فمعنى القبلة المساجد مجازا أيضا بعلاقة اللزوم أو الكلية والجزئية، وهذا لف ونشر ناظر إلى قوله يسكنون أو يرجعون. قوله:) وكان موسى-نحييصلي إليها) هذا لا يوافق ما مر في البقرة في تفسير قوله تعالى وما بعضهم بتابع قبلة بعض من أن اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس وهو المنصوص عليه في الحديث الصحيح وجعل البيوت قبلة ينافيه ما في الحديثأ2 (جعلت إلى الأرض مسجداً وطهورأ من أنّ الأمم السالفة كانوا لا يصلون إلا في كنائسهم، وأجيب عن هذا بأنّ محله إذا لم يضطروا فإذا اضطروا جازت لهم الصلاة في بيوتهم كما رخص لنا صلاة الخوف فإن فرعون لعنه الله خرّب مساجدهم، ومنعهم من الصلاة فأوحى الله إليهم أن صلوا في بيوتكم كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما وذكره البزيزي في تفسيره، وقوله وكان موسى يصلي إليها هذا قول خلاف المشهور وأغرب منه ما قاله العلائي رحمه الله من أنّ جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت قبلتهم الكعبة. قوله:) أمروا بذلك الخ (بناء على أنّ المراد بالبيوت المساكن أفا لو أريد المساجد فلا يصح هذا التوجيه، وقوله وانما ثنى الضمير الخ توجيه لاختلاف الضمائر، وقوله لأنّ البثارة الخ، وأيضاً تبشير العظيم أسرّ، وأوقع في النفس وقوله وأنواعا من المال حمله عليه لأنّ المال اسم جنس شامل للقليل، والكثير فإذا جمع دل على قصد الأنواع المتعددة وذكر المال بعد الزينة من ذكر العام بعد الخاص للشمول أو تحمل على ما عداه بقرينة المقابلة وقوله تعالى: {لِيُضِلُّواْ} قرىء بفتح الياء وضمها. قوله: (دعاء عليهم بلفظ الأمر) ذكروا فيه ثلاثة أوجه لأنّ اللام لام الأمر، والفعل مجزوم والأمر للدعاء أو لام التعليل أو لام العاقبة والصيرورة والفعل منصوب وقدم الدعاء على غيره إشارة لترجيحه كما في الكشاف، وقد قال في الانتصاف أنه اعتزال أدق من دبيب النمل يكاد الاطلاع عليه أن يكون كشفا لأنّ الظاهر أن اللام للتعليل ومعناه إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بأنه تعالى إنما أمرهم بالزينة والأموال، وما يتبعهما استدراجاً ليزدادوا إثماً وضلالة كقوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا} والزمخشري لاستحالة ذلك عنده أعمل الحيلة في تأويلها وقال في الفرائد لولا التعليل لم يتجه قوله إنك آتيت فرعون وملأه زينة ولم ينتظم، وقد أورد عليه أيضاً أنه ينافي غرض البعثة وهو الدعوة إلى الإيمان والهدى ودفع هذا كله بأنه لم يجنح إلى ما قصده الزمخشريّ لأنه ليس من منطوقه ولكل امرىء ما نوى وبأنّ المصنف رحمه الله أشار إلى دفع الأخير بأنه لما مارسهم وعلم أنه كائن لا محال دعا به كما يدعو الوالد على ولده إذا ليس من رشده بأن يدوم على الشقاوة والضلال وأمّا انتظام الكلام فهو أنّ موسى عليه الصلاة والسلام ذكر قوله إنك آتيت الخ تمهيداً للتخلص إلى الدعاء عليهم أي أنك أوليتهم هذه النعم ليعبدونك ويشكروك فما زادهم ذلك إلا كفراً وطغيانا فليضلوا عن سبيلك ولو دعا ابتداء لم يحسن فلذا قدم الشكاية من سوء حالهم ثم دعا عليهم فلم ينكر ذلك منه. قوله: (وقيل اللام للعاقبة الخ) قيل عليه أن موسى صلى الله عليه وسلم لا يعلم عاقبتهم، ودفع بأنه أخبر عنها بالوحي واعترض بأنه مخل بالتكليف لأنه كيف يطلب منهم ما أعلمه الله بأنه لا يقع، ولو قيل إنه لما رأى أحوالهم علم أنّ أمرهم يؤول إلى ذلك لممارسته وتفرسه لم يرد شيء من ذلك. قوله: (ويحتمل أن تكون للعلة الخ) والمراد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 من التعليل إنه إنما أنعم عليهم مع كفرهم لاستدراجهم بذلك فالاستدراج سبب وعلة لضلالهم أو لاضلالهم والظاهر أنه حقيقة على هذا وأنه مقصود لله تعالى، ولا يلزم ما قاله المعتزلة من أنه إذا كان مراد الله يلزم أن يكونوا مطيعين بضلالهم بناء على أن الإرادة أمر أو مستلزمة لأنه تبين بطلانه في الكلام السابق فلا حاجة إلى جعل المعنى لئلا يضلوا كما قدره بعضهم أو التعليل مجازيّ، كما أشار إليه بقوله ولأنهم الخ فلما ضلوا بسبب الدنيا جعل ايتاؤها كأنه لذلك فيكون في اللام استعارة تجية، والفرق بين هذا وبين العاقبة أن قلنا باً نه معنى مجازي أيضاً أن في هذا ذكر ما هو سبب لكن لم يكن ايتاؤه لكونه سبباً وفي لام العاقبة لم يذكر سبب أصلاً وهي كاستعارة أحد الضدين للآخر فاعتبر الفرق فإنه محل اشتباه حتى وهم فيه كثير وقوله فيكون ربنا تكريرا الخ يعني في الاحتمالين الأخيرين للام وهو اعتذار عن توسطه بين العلة ومعلولها، وليس من مواقع الاعتراضى ولذا عيب قول النابغة: لعل زياد إلا أبالك غافل فتكريره للتأكيد، وللإشارة إلى أنه المقصود وان ورد في معرض! العلة لأنّ ما قبله بث لسوء حالهم توطئة لما بعده كما مرّ. قوله تعالى: ( {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ) في الفصول العمادية قال شيخ الإسلام خواهر زاده الرضا بكفر الغير إنما يكون كفرا إذا كان يستجيز الكفر أو يستحسنه أمّا إذا لم يكن ذلك ولكن أحب الموت، أو القتل على الكفر لمن كان مؤذيا حتى ينتقم الله منه فهذا لا يكون كفرا، ومن تأمل قوله تعالى: {رَبَّنَا اطْمِسْ} الآية يظهر له صحة ما ادعينا، وعلى هذا لو دعا على ظالم بنحو أماتك الله على الكفر، أو سلب عنك الإيمان لا ضرر عليه فيه لأنه لا يستجيزه ولا يستحسنه، ولكن تمناه لينتقم الله منه ث وقال صاحب الذخيرة: قد عثرنا على رواية عن أبي حنيفة رحمه الله أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل ففيه اختلاف لكن الأوّل هو المنقول عن الماتريدي أما رضاه بكفر نفسه فكفر بلا شبهة وظاهر قولهم على ما نقل في الشكف أن من جاءه كافر ليسلم فقال اصبر حتى أتوضأ أو أخره يكفر لرضاه بكفره في زمان قليل يؤيد ما روي عن أبي حنيفة رحمه الله قلت لكن يدل على خلافه ما روي في الحديث الصحيح في فتح مكة أنّ ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله عنه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: " يا رسول الله بايعه فكف صلى الله عليه وسلم يد. عن بيعته ونظر إليه ثلاث مرات ") 1) وهو معروف في السير فهذا يدل على أنّ التوقف مطلقا ليس كما قالوه كفرا فليتأمل، وقوله جواب للدعاء وهو اشدد لا اطمس فهو منصوب والدعاء بلفظ النهي ظاهر وهو مجزوم وإذا عطف على ليضلوا فهو منصوب أو مجزوم على الوجهين السابقين. قوله: (أي أهلكها الخ) أصل الطمس محو الأثر والتغيير ويستعمل بمعنى الإهلاك والإزالة أيضا وفعله من باب ضرب ودخل ويتعدّى ولا يتعدى، وقوله المحق هو المحو كما في بعض النسخ وأقسها في كلام المصنف ضبط بفتح الهمزة من الأفعالط. قوله: (لأنه كان يؤمن) بالتشديد أي يقول آمين وآمين بمعنى استجب فهو دعاء وضمير لأنه لهارون وهذا دفع لأنّ الداعي هو موسى عليه الصلاة والسلام فكيف قيل دعوتكما وإن كان التخصيص بالذكر لا يقتضي أن غيره لم يدع، وفسر الاستقامة بالثبات على الدعوة بعد دعائه باهلاكهم فيقتضي أن لا يستعجلا بالإجابة إذ لو وقعت لم يؤمرا بدعوتهم فلذا قال ولا تستعجلا فلا حاجة إلى القول بأنه مفهوم من روأية خارجة، وقوله أنه أي موسى عليه الصلاة والسلام أو فرعون قيل وهو أولى. قوله: (وعن ابن عامر برواية ابن ذكوان ولا تتبعان بالنون الخفيفة الخ) قرأ العامة بشديد التاء والنون وقرىء بتخفيف النون! مكسورة مع تشديد اال! تاء وتخف! فها فإمّ قراءة العامة فلا فيها للنهي، ولذلك أكد الفعل وأما كونها نافية فضعيف لأنّ المنفي لا يؤكد على الصحيح، وأمّا قراءة التخفيف فلا إن كانت نافية فالنون علامة الرفع والجمبة حالية أي استقيما غير متبعين إلا أنه قي! ل إنّ المضارع المنفي بلا كالمثبت لا يقترن بالواو إلا أن يقدر المبتدأ أو دفع بأن ابن الحاجب رحمه الله جوّز فيها الاقتران بالواو وعدمه كما نقل في شرح الكشاف فلا إشكال وقيل إنه مرفوع والجملة سستأنفة للإخبار بأنهما لا يتبعان سبيل الجهلة، وأمّا أن لا ناهية والنون نون التأكيد الخفيفة كسرت لالتقاء الساكنين، فالكسائي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 وسيبويه لا يجيزانه لأنهما يمنعان وقوع الخفيفة بعد الألف سواء كانت ألف التثنية أو الألف الفاصلة بين نون الإناث ونون التوكيد نحو هل تضربنان يا نسوة وأيضا النون الخفيفة إذا لقيها ساكن لزم حذفها عند الجمهور، ولا يجوز تحريكها لكن يونس والفزاء أجازا ذلك وفيه عنه روايتان إبقاؤها ساكنة لأن الألف لخفتها بمنزلة فتحة، وكسرها على أصل التقاء الساكنين وعلى قولهما تتخزج هذه القراءة وقيل إنها نون التأكيد المشدإة خففت وقيل الفعل مرفوع على أنه خبر أريد به النهي فهو معطوف على الأمر. قوله:) ولا تتبعان من تبع (أي وعنه ولا تتبعان بتخفيف التاء الثانية وسكونها وبالنون المشذدة من انثلاثيئ وعنه أيضأ تتبعان كالأولى إلا أن النوت ساكنة على إحدى الر! إبيئ عن يونسر في تس! سين نوت الث كيد الخفيفة بعد الأكف عمى الأصا! واغتفار اشقاء السىاكنيسن إذأ كان ألأؤل ألفا كما في 3ءحياي! اتبعه وتبعه قيا هه! الم! ت س أقي مشى خلفه كذأ أ-*-.؟ ب! ! ر! بنهور ؤ! واتمعهء-. الأفعال بمعنى حاذاه وعليه قول المصنف رحمه الله تبعته حتى أتبعته ولذا فسر بأدركه ومعنى ئبعته حتى أتبعته مشيت من بعده حتى لحقته أي وصلت له كما ستراه. قوله:) جوّزناهم في! و) فسر القراءة المشهورة بالأخرى توطئة لذكرها، ومعنى أجاز وجاوزا وجوّزوا حد وهو قطعه وخلفه وهو يتعدى بالباء إلى المفعول الأوّل الذي كان فاعلاً في الأصل وإلى الثاني بنفسه كما قرىء وجوّزنا ببني إسرائيل البحر وليس من جوّز بمعتت أنفذ واً دخل لأنه لا يتعدى بالباء إلى المفعول الأوّل بل بقي إلى المفعول الثاني فتقول جوّزته فيه، وفعل بمعنى فاعل وليس التضعيف فيه للتعدية. قوله: (ياغين وعادين الخ (يعني أنهما مصدران وقعا حالين بتأويل اسم الفاعل أو مفعولاً لأجله، وقوله وقرىء وعدوّا أي بضم العين والدال وتشديد الواو وادراك الفرق ولحوقه بمعنى وقوعه فيه وتلبسه بأوائله، وقيل إنه بمعنى قارب ادراكه كجاء الشتاء قأهب لأنّ حقيقة اللحوق تمنعه عما قاله، ولذا حمل على القول النفسي حتى جعل دليلأ لإثبات الكلام النفسي وفيه نظر لاحتماله غيوه فلا يصح الاستدلال به لما ذكر. قوله:) بأنه (قدّر الجار لأنّ الإيمان والكفر متعديان بالباء وهو في محل جرّ أو نصب على القولين المشهورين، وأمّا جعله متعديا بنفسه لأنه في أصل وضعه كذلك فمخالف للاستعمال المشهور فيه. قوله: (على إضمار القول الخ) أي وقال إنه الخ أو هو مستأنف لبيان إيمانه أو بدل من أمنت لأنّ الجملة الاسمية يجوز إبدالها من الفعلية وجعله استئنافاً على البدلية باعتبار المحكي لا الحكاية لأنّ الكلام في الأوّل والجملة الأولى في كلامه مستأنفة والمبدل من المستأنف مستأنف وقوله فنكب عن الإيمان كنصر وفرح بمعنى عدل وأوان القبول حال صحته واختياره وحين لا يقبل حال يأسه واحتضاره، فلا يقبل ذلك فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا كما يدل عليه صريح الآية وأفا ما وقع في الفصوص من صحة إيمانه وأنّ قوله آمنت به بنو إسرائيل إيمان بموسى عليه الصلاة والسلام فخالف للنص والإجماع وان ذهب إلى ظاهره الجلال الدواني رحمه الله وله رسالة فيه طالعتها وكنت أتعجب منها حتى رأيت في تاريخ حلب للفاضل الحلبي إنها ليست له وإنما هي لرجل يسمى محمد بن هلال النحوي وقد ردّها القزويني وشنع عليه، وقال: إنما مثاله رجل خامل الذكر لما قدم مكة بال في زمزم ليشتهر بين الناس كما في المثل خالف تعرف وفي فتاوى ابن حجر رحمه الله إن بعض فقهائنا كفر من ذهب إلى إيمان فرعون والجلال شافعي المذهب وله حاشية على الأنوار طالعتها ورذها شخنا الرملي، ولذا قيل إنّ المراد بفرعون في كلامه النفس الإمارة وهذا كله مما لا حاجة إليه، واعلم أنه ورد! ن فرعون لعنه الله لما قال آمنت الخ أخذ جبريل عليه الصلاة والسلام من حال البحر أي طينه فدسه في فيه لخشية أن تدركه رحمه الله تعالى فقال في الكشاف أنه لا أصل له وفيه جهالتان إحداهما أنّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس فحال البحر لا يمنعه والأخرى أنّ من كره إيمان الكافر وأحبّ بقاءه على الكفر فهو كافر لأنّ الرضا بالكفر كفر ورد بأنّ الرواية المذكورة صحيحة أسندها الترمذيّ وغيره، وإنما فعل جبريل عليه الصلاة والسلام ما فعل غضباً عليه لما صدر منه وخوفاً أنه إذا كرره ربما قبل منه على سبيل خرق العادة لسعة بحر الرحمة الذي يستغرق كل شيء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 وأمّا الرضا بالكفر فقد قدمنا أنه ليس بكفر مطلقا بل إذا استحسن وإنما الكفر رضاه بكفر نفسه كما في التأويلات لعلم الهدى، وقيل إنه صحيح لكن الرضا بكفر نفسه إنما يكون، وهو كافر فلا معنى لعده كفراً والكفر حاصل قبله ومرّت مسألة من جاء ليسلم فاستمهل، وما فيها، وقيل عليه أنّ كون الرضا بكفر نفسه دون غيره كفراً منقولة في الفتاوى فلا وجه لانكارها وهي لا تقتضي سبق الكفر لأنه لو عزم على أن يكفر غداً كفر لرضاه بذلك وفيه أنه لم ينكرها وإنما قال إن كونها كفراً ظاهري ولا ينبغي عدها مما يكفر به لأنه إمّا رضا بكفر سابق أو في الحال أو في المستقبل فإن رضي بكفره ا! بق فكما قال وان رضي بكفر في الحال فان كان غير الرضا صار ماضيا عنده وان كان نفس الرضا فهو إنشاء كفر لا رضا به، وكذا ما في المستقبل فتأمّل. قوله: (وبالغ فيه الأنه أتى بثلاث جمل، ولذ قيل إنه ينافي حال اليأس، وقوله آمنت إنشاء لا أخبار عن إيمان ماض كما قيل، وقوله أتؤمن الآن قدر الفعل مقدماً لأن الاستفهام أولى به، وأشار إلى أنه لا حاجة لتقديره مؤخراً ليفيد التخصيص لأن لفظ الآن مخصص دالّ على أنه لا إيمان له قبله فما قيل إنه لو أخره كان أولى لا وجه له والقائل هو الله وقيل جبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله الضالين المضلين عن الإيمان لأن وصف الكافر المتصف بالكفر الذي هو أعظم من كل جرم بالفساد ونحوه يقتضي صرفه إلى المبالغة في كفره فلذا فسره بالضالّ بكفره المضل لغيره بحمله عليه. قوله: (نبعدك مما وقع فيه قومك الخ) ننجي على القراءة المشهورة تفعيل من النجاة وهي الخلاص مما يكره وبعد اغراقه لا نجاة له فهو إما مجاز عن يخرجك من قعر البحر إلى الساحل والتعبير به تهكم واستهزاء وطفا على الماء علا عليه ولم يرسب، أو هو من النجوة والنجوة المكان المرتفع قيل وسمي به لكونه ناجيا من السيل يقال نجيته إذا تركنه بنجوة أو ألقيته عليها، وقوله ليراك بنو إسرائيل لأنّ منهم من تردّد في هلاكه كما سيأتي. قوله: (وقرأ يعقوب ننجيك الخ) وهذه القراءة من الأفعال وهي بمعنى التفعيل بمعنييه السابقين، وأمّا القراءة بالحاء المهملة فمعناها نجعلك في ناحية كما ذكره وهي قرءة ابن السميفع لكن في النشر ومما لا يوثق بنقله قراءة ابن السميفع وأبي السماك ننحيك بالحاء، ولمن خلقك بفتح اللام والقاف انتهى. قوله:) في موضع الحال أي ببدنك عارياً عن الروج الخ) وهو مبنيّ على التجريد وجوّز أن يكون بدل بعض والباء زائدة فيه ولوحظ فيه للتخصيص بالذكر كونه عاريا إمّا عن الروح أو اللباس، أو كونه تامّا وجعل حالاً بهذين الاعتبارين فليس تأكيداً مثل تكلم بفيه كما قاله أبو حيان: أو المراد بالبدن الدرع لأنه اسم للدرع القصير الكمين والباء للمصاحبة كما في دخل عليه بثياب السفر، وفي الضوء الفرق بين الباء ومع أنّ مع لاثبات المصاحبة ابتداء والباء لاستدامتها وأصله نطرحك بعد الغرق بجانب البحر ثم سلك طريق التهكم فقيل ننجي ولمزيد التصوير أوقع ببدنك حالاً من ضمير ننجيك. قوله: (وكانت له درع الخ) قيل إنها كانت مرصعة بالجواهر وقيل كانت من حديد لها سلاسل من الذهب، وقوله يعرف بها لبيان حكمة ذكرها، وقيل ببدنك بصورتك لأنه كان أشقر أزرق العين طويل اللحية قصير القامة ليس له مثابة في بني إسرائيل. قوله: (وقرىء بابدانك الخ (أي قرىء بالجمع بجعل كل عضو بمنزل البدن فأطلق الكل على الجزء مجازاً كقولهم هوى بإجرامه فإنه بمعنى جرمه وجسمه فأطلق الجمع لما ذكر وليس بمعنى ذنوبه كما توهم وهو إشارة إلى بيت من قصيدة ليزيد بن عبد ربه، وقيل هي ليزيد بن عبد الحكم الثقفيّ أوردها ابن الشجري في أماليه أولها: تكاشرني كرها كأنك ناصح وعينك تبدي أن صدرك لي دوي ومنها: وكم موطن لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النيق منهوي وهو محل الاستشهاد ومنها: فليت كفافا كان خيرك كله وشرك عني ما ارتوى الماء مرتوي وقوله أو بدرعك إشارة إلى التفسير الآخر ومظاهراً من قولهم ظاهر وطابق وطارق إذا لبس ثوبا على ثوب أو درعا على درع، وقوله في البيت طحت بمعنى هلكت والنيق بكسر النون ما ارتفع من الجبل وكذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 القلة. قوله: (لمن وراءك علامة الخ) والمراد بمن خلفه من بقي بعده من بني إسرائيل، وقوله: إذ كان تعليل لجعله آية واحتياجهم إلى العلامة وأنه لا يهلك بمعنى من أنه أو هو بدل من الضمير في خيل، ومطرحا بتشديد الطاء بمعنى ملقى والممرّ محل المرور، أو لمن يأتي عطف على قوله لمن وراءك وهذا أنسب بقوله وانّ كثيراً من الناس الآية وخلفك على الأوّل ظرف مكان وعلى الثاني ظرف زمان، وقوله أو حجة عطف على عبرة وعلى ما كان عليه حال من ضمير مملوك وتزويره دعواه الألوهية وقوله محتمل على المشهور على القراءة بالفاء. تنبيه: استشكل قصة فرعون بأنّ إيمانه إن كان قبل رؤية ملائكة الموت وحال اليأس فباب التوبة مفتوج فلم لم يقبل إيمانه وان كان بعده فلا ينفعه ما ذكر من النطق والجواب، وهو مخالف للإجماع وأجيب عنه بوجوه أحدها أنه كان دون ظهور أمر عظيم فلذا لم يقبل إيمانه، الثاني أنه كان بعد موته كسؤال الملكين، الثالث أنه في حال حياته لكنه علم عدم إخلاصه في اعتقاده، ولذا قال جبريا! عليه الصلاة والسلام خشيت أن تدركه الرحمة، والمتكلم بقوله الآن جبريل وقيل ميكائيل لأنه ملك البحار وعندي أنّ هذا كله تكلف، وأنه إنما لم يقبل إيمانه لأنّ شرط صحته وقبوله إجابة دعوة رسول زمانه صلى الله عليه وسلم وقد عصاه ولم يجبه وبه صرّج في الكتاب الكريم في قوله عز وجل: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} ، [سورة المزمل، الآية: 6 ا] وهو غير مناف للحديث. قوله: (منزلاً صالحاً مرضياً الخ (فمبوّأ اسم مكان منصوب على الظرفية ويحتمل المصدرية بتقدير مضاف أي مكان مبقا وبدونه وثوأ متعدّ لواحد إذا فسر بأنزل وقد يتعدى لاثنين فيكون مبوّأ مفعولاً ثانياً، والصدق ضد الكذب قال العلامة: من عادة العرب إذا مدحت شيئأ أن تضيفه إلى الصدق تقول رجل صدق وقدم صدق وقال تعالى: {مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} إذا كان عاملاً في صفة صالحا للغرض المطلوب منه كأنهم لاحظوا أنّ كل ما يظن به فهو صادق ولذا فسر. بقوله صالحاً مرضيا وفي بني إسرائيل هنا قولان للمفسرين قيل هم الذين في زمان موسى صلى الله عليه وسلم فالمبوّأ على هذا المراد به الشأم ومصر، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله وقدمه وقيل الثأم وبيت المقدس بناء على أنهم لم يعودوا إلى مصر بعد ذلك وفيه كلام قد مرّ وقيل هم الذين على عهد نبينا عليه الصلاة والسلام فالمبوّأ أطراف المدينة إلى جهة الشأم، وألى هذا التفسير أشار بقوله أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فكان عليه أن يشير إلى تفسير المبوّ! عليه أيضا ولا بد أن يراد ببني إسرائيل ما يشملى ذرّيتهم لأن بني إسرائيل ما دخلوا الشام في حياة موسى صلى الله عليه وسلم وإنما دخله أبناؤهم، وقوله من اللذائذ وقد تفسر بالحلال وقوله فما اختلفوا في أمر دينهم بناء على أنّ بني إسرائيل من في عصر موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعده على القول الآخر وقوله بنعوته المذكورة في التوراة وتظاهر معجزاته قوّتها وكثرتها. قوله: (من القصص) خصه لأنّ المراد دون الأحكام لأنها لنسخها شريعتهم تحالفها فلا يتصوّر سؤالهم عنها، وقوله على سبيل الغرض والتقدير دفع لتوهيم وهو أنه صلى الله عليه وسلم لا يتصوّر منه لانكشاف الغطاء له، وقد دفع بمراتب لأن الخطاب ليس له بل لكل من يتصوّر منه الشك كما في قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [سورة السجدة، الآية: 12] وقولهم إذا عز أخوك فهن، ولو سلم أنه له فهو على سبيل الفرض والتقدير، ولذا عبر بأن التي تستعمل غالباً فيما لا تحقق له حتى تستعمل في المستحيل عقلا وعادة كقوله: {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ} [سورة الأنعام، الآية: 35] وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها، ولما ورد بعد ذلك أنه ما الفائدة حينئذ أشار إلى جوابه بقوله، والمراد الخ يعني أنّ الفائدة فيه الاستدلال على حقيته وبيان أنّ القرآن مصدق لها بمطابقته لها مع إعجازه، وقوله والاستشهاد تفسير للتحقيق معطوف عليه، وأنّ القرآن عطف على ذلك فمحصله دفع الشك إن طرأ لأحد غيره بالبرهان. قوله: (أو وصف أهل الكتاب) هذه فائدة ثانية محصلها توبيخ أهل الكتاب لعلمهم بما أوحي إليك وأنه حق، وقوله أو تهييج الرسول صلى الله عليه وسلم فائدة ثالثة محصلها تهييج الرسول وتحريضه ليزداد يقيناً كما قال الخليلء! ييه ولكن ليطمئن قلبي وأيد هذا بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حين نزول الآية: " لا أشك ولا أسأل " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 وهو مما أخرجه عبد الرزاق وابن جرير عن! ادة رضي الله عنه. قوله: (وقيل الخطاب الخ) عطف بحسب ال! نى على قولى على سبيل الغرض! لأنّ مبني الأوّل على أنه المراد بالخطاب كما مرّ وهذا على أف غير مراد على حذ قولهم: إياك أعني واسمعي يا جماره وأشار بقوله من يسمع إلى توجيه الأفراد فيه، وفي قوله على لسان نبينا إليك إشارة إلى دفع ما! قال إنّ الخطاب إذا لم يكن له كيف يتأتى قوله تعالىإ مما أنزلنا إليك} فأجاب عنه بما ذكر حتى يكون كقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [سورة النساء، الآية: 174] وقيل أن نافية، وقوله فاسأل جواب شرط مقدر أي فإذا أردت أن تزداد يقينا فاسأل، وتركه المصنف رحمه الله لأنه خلاف الظاهر. قوله: (وفي تنبيه) أي على جيم الوجوه ومنهم من خصه بالأخير والمسارعة من الفاء الجزائية بناء لحى أنها! فيد ا! قب. قوله: (واضحاً لا مدخل للمرية فيه) وقع في بعض النسخ ووضوح! مأحوذ مش إشاد المجيء الذي هو من صفات الأجسام المحسوسة إليه ففيه مكنية وتخييلية، وظهوره باتضاح براهينه حتى لا يشك فيه فاتفح تفريع ما بعده بالفاء عليه، والامتراء الشك والتردّد، وهو أخف من التكذيب فلذا ذكر أوّلاً وعقب بالآخر وقوله فلا تكونن من الممترين بالتزلزل! ل النيم عن كل شيء إن كان لمن تلبس به فمعناه تركه وان كان لغيره فمعناه الثبات على عدمط وأن لا يصدر منه في المستقبل ك! اهنا فلذا قال إنه للتهييج والتثبيت وقولى أيفا أي! ما في الذي قب! وتنظيره بالآية ظاهر. قوله:) كلمت ربك بأنهم يموتون على الكفر ونجلدون في العذاب الخ (فسر كلمة ربك في الكشاف بقول الله الذي كتبه في اللوج، وأخبر به الملائكة أنهم جوتون كأرا فلا لمجون غيره وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر، ومراد تعالى الله عن ذلك واقتصر المصنف رحمه الله على ما ذكر منه لأنه مبنيّ على مذهبه لأنه جعله كتابة معلوم لا مقدّر عند أهل السنة هو معلوم لله ومقدّر ومراد فعلمه تعالى موافق لتقديره وارادته، ولا يجوز تخلفهما ولذا أقحم الباء في قوله بأنهم أي ئقديره وقضاؤه به، وقيل ذكرها إشارة إلى ملاحظة معنى التكلم فيها، وهذه الآية مما استدلّ بها للقضاء والقدر، وقضاؤه تعالى عند الأشاعرة عبارة عن إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وقدره إيجاده إياها على تقدير معين في ذواتها وأفعالها، وعند الفلاسفة قضاؤه عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود من أحسن نظام، وأكمل انتظام وشممونه العناية وهي مبدأ فيضان الموجودات على الوجه اكمل، وقدره عبارة عن خروجه إلى الوجود بأسبابه على الوجه الذي تقرّر في القضاء، والمعتزلة ينكرونهما في الأفعال الاختيارية التي للعباد ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال، ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم بل إلى اختيار العباد وقدرتهم واليه يشير كلام الزمخشريّ وأدلة الفرق وما فيها وما عليها مبسوطة في الكلام بما يضيق عن بسطه هذا المقام فلذا تركناه، وقوله ولا ينتقض قضاؤه إشارة إلى أنّ المراد من تمام الكلمة إبرام القضاء كما أشرنا إليه، وقوله وهو تعلق إرادة الله إذ لا يكون شيء بدون إرادته كما هو مذهب أهل السنة فما لم يشأ لم يكن وهذا رذ لكلامهم، ولما وقع في الكشاف، وعند رؤية العذاب يرتفع التكاجف فلا ينفعهم إيمانهم فنفي الإيمان لفقد سببه ليس مطلقا بل نفي له في وقت القبول لقوله حتى يروا العذاب الأليم فتأمل. قوله: (فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها الخ) أشار إلى أنّ لولا هنا تحضيضية فيها معنى التوبيخ كهلاً كما يقرأ بها في قراءة أبيّ وعبد الله فهلا كانت، وقال السفاقسي إنها هنا للتوبيخ على ترك الإيمان ولما فيها من معنى النفي الذي يقتضي أنه لم تؤمن قرية من القرى أصلاً خصت بأنّ المراد من القرى التي أهلكت بالاستئصال ولم تؤمن قبل نزول العذاب واختلف في كل هذه فذهب السمين وغيره إلى أنها تامّة وآمنت صفتها ونفعها معطوف على الصفة، وذهب العلامة في شرح الكشاف إلى أنها ليست تامّة والا لكان التحضيض على الوجود بل ناقصة وآمنت خبرها، ولذا قدره في الكشاف بواحدة من القرى الهالكة لامتناع أن يكون اسم كان نكرة محضة لكن التقييد بالهلاك مستدرك وإلا لكان استثناء قوم يونس منقطعا لعدم دخولهم في القرى الهالكة، وكذا التقييد بأحد الوصفين من الوحدة، وكونها من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 القرى لأنّ أحدهما كاف والأصل عدم التقدير فلا يتجاوز قدر الضرورة انتهى، ولذا أسقطه المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: إنه ذكر إشارة إلى بقاء القرية على حقيقتها ورد بأنّ كونها من القرى يغني عنه مع أنه ذكر أن المراد بها أهلها فلا يتأتى ما ذكر، وتيد بقوله قبل معاينة العذاب إذ لو أطلق يبق لقوله إلا قوم يونس وجه، ثم إنه أورد عليه أن التحضيض على الصفة فلا غبار فيه، وفيه بعد تأمل قيل والظاهر أن يقول أشرفنا بها على الهلاك ليمكن جعل الاستثناء متصحلا، وقوله كما أخر فرعون إشارة إلى وجه ارتباط هذه الآية بما قبلها. قوله: (لكن قوم يونس) بيان لأنّ الاستثناء منقطع وإليه ذهب سيبويه والكسائي وأكثر النحاة لعدم اندارجه فيما قبله أن أبقيت القرية على ظهره وكذا إن قدر وصفها بكونها من الهالكين فلذا نصب المستثنى، وقوله أوّل ما رأوا الخ سيأتي بيانه. تنبيه: في بعض التفاسير يجوز في يونس ويوسف تثليث النون والسين مهموزاً وغير مهموز وهي لغات فيهما المتواتر منها الضم. قوله: (ويجوز أن تكون الجملة في معنى النفي الخ) أصل معنى التحضيض يشعر بالأمر حتى جعلوه في حكمه، وعلى كون الاستثناء متصلاً لا بد أن يلاحظ فيه معنى النفي رالا فسد المعنى لما يلزمه من كون الإيمان من المستثنين غير مطلوب، ولذا فسر بما آمنت وكون المواد بالقرى أهاليها لقوله: {آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} [سورة يونس، الآية: 98] ولو اعتبر التحضيض لم يصح الاتصال لأنّ التحضيض طلب للإيمان، وهو مطلوب فيه وقيل عليه بل يصح الاتصال على تقديره أيضا لأن أهل القرى محضوضون على الإيمان النافع وليس قوم يونس محضوضين عليه لأنهم آمنوا، وقيل المعنى ما آمن من أهل قرية من القرى الهالكة فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس فجعل مدار الوجهين على توصيف القرى تارة بالهالكة، وأخرى بالعاصية وخصه الزمخشري بالهالكة وجوّز الوجهين وعلله بأنّ المراد بالقرى أهاليها فأورد عليه أنّ التعليل ليس في محله لعدم توقف صحة الاستثناء عليه مع أنه لا يناسب الاتصال لأنّ قوم يونس ليسوأ من الهالكين ودفع بأن المراد المشرفين على الهلاك في الاتصال مع بقائه على ظاهره في الانفصال، ولا يخفى ما فيه من التعسف، واعلم أن الإيمان بعد مشاهدة ما وعدوا به إيمان يأس غير نافع وعادة الله إهلاكهم من غير إمهال فإن كان قوم يونس شاهدوه فهذا خصوصية ليونس واليه ذهب كثير من المفسرين لقوله كشفنا والا فلا. قوله: (ويؤيده قراءة الرفع على البدل الأن البدل لا يكون إلا في غير الموجب وهو بدل من قرية المراد بها أهلها وقد خرّجت هذه أيضاً على أن إلا بمعنى غير وهي صفة وظهر إعرابها فيما بعدها. قوله: (إلى آجالهم) بالفتح والمدّ جمع أجل وما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسيره بقوله {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سورة الأحقاف، الآية: 5] لا صحة له وتوجيهه بأنهم إحياء سترهم الله عن الناس مما لا وجه له، ونينوى بالكسر من بلاد الموصل قريبة منها والموصل بفتح الميم وكسر الصاد بلدة مشهورة والمسوح جمع مسح بوزن ملح، وهو اللباس أي لبسوا الألبسة الخلقة تذللا، والتفريق بين الأولاد والوالدات ليبكوا ويضجوا وكذا إخراج الحيوانات للعجيج ورفع الصوت فيكون وسيلة لرحمة الله، وأغامت بمعنى أطلعت الغيم، وقوله فحت تعليل للتفريق والعجيج الصياج. قوله:) بحيث لا يشذ (بالشين المعجمة والذال المعجمة، ويجوز ضم شينه وكسرها من الشذوذ أي ينفرد ويخرج ومن للعموم لكنها في غير النفي ليست نصاً فيه فلذا أكد بكلهم للتنصيص عليه وكذا جميعا ولا يمكن حمله على الاجتماع في زمان معين كما حمل عليه في غير هذا الموضع. قوله: (وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ أيمانهم أجمعين (المراد بالقدرية المعتزلة لقبهم أهل السنة به لاسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم وانكارهم القدر فيها وكما يصح نسبة مثبت القدر إليه يصح نسبة نافيه أيضاً إليه ولا مشاحة في الاصطلاج يعني أن الآية حجة عليهم في قولهم إرادة الله تتعلق بإيمان الكافر لكنها تخلف عنها المراد، ووجه الحجة أن لو تدل على أنه لو أراد إيمان من في الأرض لآمنوا وأن المشيئة والإرادة لا محالة تستلزم المراد وهم لما رأوها بحسب ظاهرها مبطلة لمذهبهم قيدوا المشيئة والإرادة بمشيئة القسر والإلجاء وهذا دأبهم في كل ما ورد عليهم من ذلك فالإرادة عندهم مطلقاً يجوز تخلفها عن المراد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 وما لا يتخلف نوع منها، وهو مشيئة القسر والالجاء لأنه تعالى قادر على الجائهم إلى ما أراد فإذا فعل ذلك لزم عدم التخلف ورذه المصنف رحمه الله بأنه خلاف الظاهر، ولا قرينة في الكلام عليه بل ما بعده صريح في رذه. قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} هذه الهمزة لصدارتها مقدمة من تأخير على الأصح لأن هذه الجملة متفرعة على ما قبلها وليس القصد إلى إنكار تفرعها، وأنت جوز فيه أن يكون مبتدأ وفاعل مقدر يفسره ما بعده لاقتضاء الاستفهام للفعل، والمراد بالناس من طبع عليهم أو الجميع مبالغة. قوله:) وترتيب ا! راه على المشيئة بالفاء الخ (هذا مبتدأ خبره قوله للدلالة الخ، وإيلاؤها معطوف على ترتيب وهو مصدر مضاف للمفعول، وفاعله حرف الاستفهام لا العكس لعدم دخول هذا الإيلاء في الاستحالة المذكورة حينئذ كذا قيل وفيه نظر، وقوله وتقديم الضمير أي تقديم الفاعل المعنوي على الفعل للتخصيص أي تخصيص إنكار الإكراه بالنبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقدم الإنكار في الاعتبار على اعتبار الاختصاص اللازم من التقديم دون عكسه حتى يفيد إنكار الاختصاص، وكلا الاستعمالين واقع في الكلام البليغ بحسب اقتضاء المقام فيفيد ثبوت الاكراه لله تعالى أو لغيره، وفي شرح المفتاح للشريف قدس سره المقصود من قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} إنكار صدور الفعل من المخاطب لا إنكار كونه هو الفاعل مع تقرر أصل الفعل فالتقديم لتقوية حكم الإنكار لا للتخصيص كما ذهب إليه الزمخشري، وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل لذلك لأنه لم يصرح بالتخصيص الذي ذكره الزمخشري لكن ظاهره أنه موافق له. قوله: (للدلالة على أن خلاف المشيئة مسنحيل الخ) أي خلاف مشيئة الله تعالى وهو إيمان من لم تتعلق مشيئته بإيمانه بأن تعلقت بخلافه قيل ومراده بتقديم الضمير ما ذهب إليه السكاكي من التكلم به مقدّماً دون أن يكون مزالاً عن أصله، وهو أفتكره الناس أنت بدليل عدم تصريحه بالتخصيص فالمراد إنه لتقوّي الحكم، والانكار لانكار التقوّي فله دخل في الدلالة على الاستحالة أي استحالة ما أراد الله خلافه، ولذا قرّره بقوله وما كان لنفس الخ (قلت (مراد المصنف رحمه الله أن ترتب الانكار كما ذكره محصله لو شاء الله إيمانهم وقع فكيف تكرههم أنت على الإيمان الذي لم يرده فانكاره عليه الاكراه يقتضي أنه لا يكون بالاكراه فضلا عن غيره ولما فسر الزمخشري المشيئة بمشيئة الالجاء والقسر على مذهبه لزم إثبات الإكراه لله، وحيث نفاه عنه لزم من مجموع الأمرين الحصر فلك أن تقول المفيد للحصر ذلك لا التقديم وحده فلا يكون كلامه مخالف للسكاكي، والمصنف رحمه الله لما لم يفسره بذلك لم يذكر التخصيص فجعله لتقوية الانكار، والدلالة على أنه مستحيل فتدبره فإنه دقيق جذاً وقوله إذ روي يعني المراد هذا المعنى إذ روي الخ. قوله: (ولذلك قرّره بقوله وما كان لنفس الخ (أي لدلالته على ما ذكر كان هذا تقريراً له لأنه يدل على أنه لا يكون من ذلك إلا ما يريد على ما فسره به والأذن في اللغة الاطلاق في الفعل ورفع الحجر عنه، ويلزمه تسهيل ذلك، وارادته فلذا فسره الزمخشري بالتسهيل، والمصنف رحمه الله تعالى بالإرادة، وذكر معه معناه الحقيقي إشارة إلى إرادته مع لوازمه فلا يرد أنه جمع بين الحقيقة والمجاز مع أنّ المصنف رحمه الله شافعي يجوّزه، ولما كان إيمان العبد بإرادته أيضا لكسبه وهو مكلف به ضم إليه قوله، وتوفيقه فالحصر إضافي ثم ما كان إن كان بمعنى ما وجد منه ذلك احتاج إلى تقييد النفس بمن علم الله أنها تؤمن كما في الكشاف، وأن كان بمعنى ما صح لا يحتاج إليه، ولذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، وإنما فسره الزمخشري بما ذكر من التسهيل ومنح الألطاف لأن اللطف عنده خلق القدرة على الفعل حتى يخلق العبد لنفسه ضررا لاعتزاله. قوله: (العذاب أو الخذلان فإنه سببه) أصل الرجس القذر ثم نقل إلى العذاب لاشتراكهما في الاستكراه والتنفر ثم أطلق على سببه فهو مجاز في المرتبة الثانية فقول المصنف رحمه الله تعالى فإنه سببه راجع إلى التفسير الثاني الذي اقتصر عليه في الكشاف، ومنهم من فسره بالكفر كما في قوله: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة، الآية: 25 ا] لمقابلة الإيمان فتدل على خلق الكفر وهو مخالف لمذهب المعتزلة ولذا لم يفسره الزمخشري به واقتصر على الخذلان وقال الإمام الرجس عبارة عن الفاسد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 المستقذر فحمله على كفرهم وجهلهم أولى من حمله على عذاب الله، وقيل عليه إن كلمة على تأباه وإنه يغني عنه قوله على الذين لا يعقلون وليس بشيء لأنه بمعنى يقدره عليهم، وحديث الإغناء لا يجدي مع أنه يفسر بما يجعله تأسيساً، وهو ظاهر، وقوله وقرىء بالزاي أي المعجمة، وهو بمعناه والزاي قال في النشر: يقال زاء بالمد وزاي بياء بعد الألف وزيّ بالتشديد وفي أدب الكاتب حروف المعجم تمد وتقصر، وإذا قصرت كتبت بالألف إلا الزاي فإنها تكتب بياء بعد الألف وهو مخالف لما في النشر. قوله: (لا يستعملون عقولهم الخ (يعني إما أنه منزل منزلة اللازم أوله مفعول مقدر، وأيضاً بينهما فرق معنوي كما صرح به، وهو أنه على الأوّل لم يسلبوا قوّة النظر لكنهم لم يوفقوا لذلك، وعلى الثاني بخلافه ويؤيد الأوّل أمرهم بالتفكر فإنهم لو سلبوا ذلك لم يؤمروا به وإنما قال يؤيد دون بدل لأنّ الطبع لا ينافي التكليف، وقيل وجه التأييد أنّ الأمر بالتفكر يناسب من لم يستعمل عقله لا من استعمله ولم يعقل دلائله ولم يجعله دليلاً لاحتمال أن يراد به الأمر بتكرير النظر وتدقيقه رجاء أن يهتدوا ولا يخفى ما فيه. قوله: (من عجائب صنعه الخ) أي المراد بنظرها نظر استدلال على ما ذكر، وماذا يجوز أن يكون كلمة استفهام مبتدأ وفي السماوات خبره أي أي شيء في السماوات ويجوز أن يكون ما مبتدأ وذا بمعنى الذي، وفي السماوات صلته وهو خبر المبتدأ وعلى التقديرين فالمبتدأ وخبره في محلى نصب بإسقاط الخافض لأن الفعل قبله معلق بالاستفهام، ويجوز على ضعف أن يكون ماذا كله موصولاً بمعنى الذي وهو في محل نصسب بانظروا وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله إن جعلت استفهامية ووجه ضعفه ما قيل إنه لا يخلو أن يكون النظر بمعنى البصر فيعدى بإلى وامّا أن يكون قلبيا فيعدى بفي. قوله: (وما نافية أو استفهامية في موضع النصب) واقعة موقع المصدر أو مفعول به، وعلى الوجهين الأوّلين ف! مفعول تغني محذوف إن لم ينزل منزلة اللازم، والنذر جمع نذير بمعنى إنذار أو منذر، وعلى المصدرية جمع لإرادة الأنواع، ويجوز في النذر أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في سورة القمر وأيام العرب استعملت مجازاً مشهوراً في الوقائع من التعبير بالزمان عما وقع فيه كما يقال المغرب للصلاة الواقعة فيه، وقوله لذلك اللام للتقوية فيقدر معمول الفعل بدونها وعلى الأوّل متعلق الانتظارين واحد بالذات، وعلى الثاني مختلف بالذات متحد الجنس وقدره في الثاني بدون اللام إشارة إلى جواز الأمرين وليناسب المقدر الثاني. قوله: (عطف على محذوف الخ (أي تهلك الكافرين ثم ننجي، وعبر بالمضارع ولم يقل نجينا لحكاية الحال. قوله: (كذلك الانجاء أو انجاء كذلك) في نسخة أو الانجاء كذلك معزفاً باللام قيل وهو لا يلائم ما بعده يعني أنّ الإشارة إلى الانجاء وهو إمّا صفة لمصدر محذوف أي ننجيكم انجاء كذلك الإنجاء الذي كان لمن قبلكم وهو الوجه الثاني وعلى تنبهيره فهو ظاهر، أو الكاف في محل نصب بمعنى مثل لسذها مسذ المفعول المطلق وهو الوجه الأؤل ولذا لم يقدر له موصوفاً وأمّا على النسخة الأخرى فلا يتضح كلامه وقيل إنه يريد أن كذلك إمّا وصف أو موصوف وعلى الأوّل كذلك في موقع الحال من الإنجاء الذي تضمنه ننجي بتأويل نفعل الانجاء حال كونه مثل ذلك الإنجاء وعلى الثاني هو في موضع مصدر محذوف أقيم مقامه وقد يجعل في موضمع رفع خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك ولا يخفى أنه لا وجه له فالظاهر على هذه الرواية أنه إمّا مصدر أو خبر مبتدأ محذوف لكنهم قدروه الأمر كذلك، والمصنف رحمه الله تعالى قدّره الإنجاء كذلك فتأمل. قوله: إ وحقاً علينا اعتراض الخ) أي بين العامل ومعموله اهتماماً بالانجاء وبياناً لأنه كائن لا محالة إذ جعله كالحق الواجب عليه وقيل بدل من كذلك أي من الكاف التي هي بمعنى مثل، وقيل كذلك منصوب بننجي الأوّل، وحقاً بالثاني وكون الجملة المعترضة تحذف مما استفيد من هذا المحل، ولا ضير فيه إذا بقي شيء من متعلقاتها. قوله: " ن كت! م في شك من ديني وصحته الخ) في الكشاف إن كنتم في شك من ديني وصحته وسداده فهذا ديني فاسمعوا وصفه واعرضوه على عقولكم وانظروا فيه بعين الإنصاف لتعلموا أنه دين لا مدخل فيه للشك وهو أني لا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم، ولكن أعبد الله الخ فقيل إنه ذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 فيه وجهين أحدهما الشك في نفس الدين من أي الأديان هو وهذا إذا قلنا إنهم لا يعرفون دينه كما كانوا يقولون إنه صبأ فقوله وصحته وسداده بيان للدّين لكنه مستدرك لأنّ الكلام في حقيقة دينه لا في صحته وألا لم يطابق الجواب إذ ليس فيه ما يدل على صحته الثاني الشك في الثبات عليه أن قلنا إنهم عرفوه لكن طمعوا في تركه له، وعلى كلا الوجهين لا يكون الجزاء مرتبطا بالشرط بحسب الظاهر لأن شكهم في دينه ليس سبباً لعدم عبادته الأوثان وعبادة الله فلا بد من تأويله بالأخبار أي إن كنتم تشكون في ديني فأنا أخبركم باً ني لا أعبد الخ، وجزاء الشرط قد يكون مفهوم بالجملة الجزائية نحو إن تكرمني أكرمك وقد يكون الأخبار بمفهومه نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس أي إكرامك إياي سبب لإخباري بإكرامي إياك قبل كما قاله ابن الحاجب رحمه الله في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله فإنّ استقرار النعمة ليس سببا لحصولها من الله بل الأمر بالعكس، وإنما هو سبب للأخبار بحصولها منه تعالى فكذا هذه الآية، وقوله لكنه مستدرك لا وجه له لأنهم كما لا يعرفون دينه لم يعرفوا صحته أيضا والجواب صالح لهما كما سنقرّره، وأما جعله سبباً للأخبار فيهما ففيه أنه على الوجه الأوّل مسلم وأئا على الثاني فليس كذلك لأنه بمعنى أني ثابت عليه لا أرجع عنه أبداً، وهو غير محتاج إلى جعل المسبب الأخبار كما في الوجه الأوّل كما أشار إليه الشارح المدقق ورجح الأوّل. قوله: (فهذا خلاصة ديني اعتقادا وعملأ الخ (العمل مأخوذ من العبادة والاعتقاد من قوله الله الذي يتوفاكم أي الإله الحق المميت المحيي وكون الاعتقاد من قوله وأمرت أن أكون من المسلمين بإدخاله في الجزاء مخالف لسياقه، ولا حاجة إليه وقوله فاعرضوها الخ إشارة إلى ارتباط الجزاء بالشرط بناء على أن الشك في صحته وما هو وهو أحد الوجهين المذكورين في الكشاف، وإشارة إلى أن ارتباطه به بالنظر إلى محصله وتأوبله بما ذكر وهو أنّ عبادتي لاله هذا شأنه، وعبادتكم لحجارة لا تضر ولا تنفع فانظروا في ذلك لتعرفوا صحة ديني وحقيقته وفساد ما أنتم عليه فلا حاجة على طريق المصنف رحمه الله تعالى لجعله من جعل المسبب الأخبار والأعلام كما جنح إليه الزمخشري لأن الجزاء عنده الأمر بعرض! ما ذكر على عقولهم والتفكر فيه، وقوله تخلقونه أي تصنعونه وعبر به زيادة في تحميقهم وضمير، وهو أني عائد على خلاصة لاكتسابه التذكير من المضاف وتعبدونه معطوف على تخلقونه. قوله:) وإنما خص التوفي بالذكر الخ) أي ذكر هذه الصفة دون غيرها من صفات الأفعال لأنه لا شيء أشد عليهم من الموت فذكر لتخويفهم، وقيل المراد أعبد الله الذي خلقكم ثم يتوفاكم ثم يعيدكم فذكر الوسط ليدل على الطرفين اللذين كثر اقترانهما به في القرآن. قوله: (بما دل عليه العقل الخ) فقوله أمرت بمعنى وجب عليّ ذلك بالعقل والسمع أراد بالعقل التابع لما سمع من الشرع فلا يرد عليه أنه تبع فيه الزمخشري في قوله إنه أمر بالوحي والعقل فإنه نزغة اعتزالية لقوله بالحسن والقبح العقليين فهو كلمة حق أريد بها باطل فاعرت. قوله: (وحذف الجار الخ) تبع فيه الزمخشريّ ومراده أنّ الباء الجارة حذفت فإن نظر إلى مدخولها يكون حذفا مطرداً لأنّ الجار يطرد حذفه مع أن وان قطع النظر عنه يكون مما سمع لأنه سمع في بعض الأفعال عن العرب حذف الجار، ومنها أمر ونصح فاندفع ما ورد عليه أن تفسير المطرد بحذف حروف الجرّ مع إنّ وأن يقتضي اطراده قطعا فكيف يكون من غيره مع وجود شرط الاطراد. قوله: أمرتك الخبر فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسب هو من قصيدة الأعشى طرود، وقيل لعمرو بن معد يكرب، وقيل لخفاف بن ندبة، وقيل للعباس بن مرداس ومطلعها: يا دارأسما بين السفح والرحب أقوت وعفى عليها ذاهب الحقب ومنها: واليوم قد قمت تهجوني وتشتمني فاذهب فما بك والأيام من عجب وقد جمع فيه بين تعديته بنفسه وتعديته بالباء، والنسب بالنون، والسين المهملة وروي بالشين المعجمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 ومعناه العقار الثابت. قوله: (عطف على أن أكون الخ) دفع لما قيل إن أن في أن أكون مصدرية بلا كلام لعملها النصب، وهذه معطوفة عليها لكن لا يصح أن تكون مفسرة لعطفها على الموصولة ولأنه يلزم دخول الباء المقدرة عليها، ولا مصدرية لوقوع الأمر بعدها فاختار في دفع ذلك أنها موصولة لنقله عن سيبويه رحمه الله وأنه يجوز وصلها بالأمر ولا فرق في صلة الموصول الحرفيّ بين الطلب، وبين الخبر لأنه إنما منع في الموصول الاسمي لأنه وضع للتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل، والجمل الطلبية لا تكون صفة والمقصود من هذه أن يذكر بعدها ما يدلّ على المصدر الذي تؤوّل به، وهو يحصل بكل فعل، وامّا أن تاويله يزيل معنى الأمر المقصود منه فقد مرّ دفعه بأنه يؤوّل بالأمر بالإقامة إذ كما يؤخذ المصدر من المادّة قد يؤخذ من الصيغة مع أنه لا حاجة إليه هنا لدلالة قوله أمرت عليه وقد يجعل قول المصنف رحمه الله تعالى وأمرت بالاستقامة إشارة إلى هذا، وقيل إن ها فعلا مقدراً أي وأوحي إلي أن أ! م وأنه يجوز فيه أن تكون أن مصدرية ومفسرة لأنّ في المقدر معنى القول دون حروفه، ورجح بأنه يزول فيه قلق العطف ويكون الخطاب في وجهك في محله ورد بأنّ الجملة المفسرة لا يجوز حذفها، وأمّا صحة وقوع المصدرية فاعلا ومفعولاً فليس بلازم ولا قلق في هذا العطف، وأمر الخطاب سهل لأنه لملاحظة المحكي والأمر المذكور معه وقوله وصيغ الأفعال كلها كذلك أي دالة على المصدر. قوله: (والمعنى وأمرت بالاستقامة في الدين) في شرح الكشاف إقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته تعالى والإعراض! عما سواه فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء يقيم وجهه في مقابلته بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالاً إذ لو التفت بطلت المقابلة فلذا كني به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين فالوجه المراد به الذات والمراد اصرف ذاتك وكليتك للدين فاللام صلة واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله والاستداد الخ وعلى الوجه الثاني الوجه على ظاهره واقامته توجيهه للقبلة فاللام للتعليل والتفسير الأوّل هو الوجه وما قيل إنه كني به عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين تكلف. تنبيه: قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ} الآية قالوا إنه يحتمل أن يكون من الحذف المطرد أي حذف الجارّ مع أنّ وأن أو من غيره كأمرتك الخير وتعقبه في التقريب بأنه على الأوّل مطرد قطعا فكيف يعطف عليه غيره إلا أن يريد أنه نوع من الحذف قد يطرد وقد لا يطرد وعلى الثاني يقدر معه لام التعليل أي لأن أكون وعطف أن أقم مشكل لأنّ أن إتا مصدرية أو تفسيرية والثاني يأباه عطفها على الموصولة لأنّ صلتها تحتمل الصدق، والكذب بخلاف التفسيرية التي سماها الزمخشريّ عبارة إلا أن سيبويه جوّز وصلها بالأمر والنهي لدلالتها على المصدر ولذا شبهها بأنت الذي تفعل ووجه الشبه أنه نظر فيها إلى معنى المصدر الدال عليه الخبر والإنشاء وقال في الفرائد يجوز أن يقدّر وأوحى إليّ أن أقم وفيه فائدة معنوية وهي أن المعطوف مفسر كأعجبني زيد وحسنه. قوله: (حال من الدين أو الوجه) حنيفاً معناه مائلا عن الأديان الباطلة كما مرّ فإن كان حالاً من الوجه فهي حال مؤكدة لأن إقامة الوجه تضمنت التوجه إلى الحق والإعراض عن الباطل وان كان حالاً من الدين فهي حال منفكة كذا قيل، وفيه نظر ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في أقم. قوله: (ولا تكونق من المشركين (تأكيد لقوله فلا أعبد الخ. وهو تهييج وحث له على عبادة الله تعالى ومغ لغيره، وقال الإمام أنه محمول على أمره بأنه لا يلتفت لما سواه حتى يكون فائدة زائدة لأنّ ذلك شرك خفيّ عند العارفين، وقوله من دون الله إشارة إلى آخر درجات العارفين لأنّ ما سواه ممكن لا ينفع ولا يضرّ، وكل شيء هالك إلا وجهه فلا حكم إلا له ولا رجوع إلا إليه في الدارين وما سواه معزول عن التصرّفات فإن أضيف إليه شيء من ذلك وضع في غير موضعه وليس طلب الشبع من الأكل والريّ من الشرب قادحاً في الإخلاص لأنه طلب انتفاع مما خلقه الله له. قوله: (بنفسه إن دعوته أو خذلته (قيده بنفسه لأن ذلك من الله لا منه بالذات، وهو لف ونشر مرتب وخذلته هنا بمعنى تركته، ودعوته بمعنى طلبت منه ما تريد بدليل المقابلة. قوله: (فان دعوته (يشير إلى أن لفظ الفعل كناية بمنزلة اسم الإشارة فكما إذا ذكرت أشياء متعذدة قبل ذلك فذلك إشارة إليها كذلك ربما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 تذكر أفعال ثم يكنى عنها بلفظ الفعل كما مز تحقيقه في قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [سورة البقرة، الآية: 24] وقوله وإن يصبك فسره بالإصابة لأنه لازم معناه، وسترى تحقيقه وفسر الكشف والرذ بالدفع إشارة إلى أن تغاير التعبير للتفنن. قوله: (جزاء للشرط وجوإب لسؤال مقدّر عن تبعة الدعاء (تبع بوزن صرد وتبعة مؤنثة أي ما يتبعه بعده وهذه عبارة النحاة وفسرت بأن المراد أنها تدلّ على أن ما بعدها مسبب عن شرط محقق أو مقدّر وجواب عن كلام محقق أو مقدر فاندفع ما قيل إن جزاء الشرط محصور في أشياء ليس هذا منها وما يتوهم من أن الجواب جملة فإنك لا ما بعد إذن لا وجه له فتأمّل، وقوله عن تبعة الدعاء أي تتبع دعوة ما دون الله. قوله:) ولعله ذكر الإرادة مع الخير والمس مع الضرّ الخ (عدل عما في الكشاف من أنه ذكر في كل من الفقرتين المتقابلتين ما يدذ على إرادة مثله في الأخرى لاقتضاء المقام تأكيد كل من الترغيب والترهيب لكنه قصد الإيجاز والاختصار للإشارة إلى أنهما متلازمان لا! ما يريده يصيبه، وما يصيبه لا يكون إلا بإرادته لكنه صرّج في كل منهما بأحد الأمرين إشارة إلى أن الخير مقصود بالذات لته تعالى والضرّ إنما وقع جزاء لهم على أعمالهم وليس مقصوداً بالذات فلذا لم يعبر فيه بالإرادة وهذا أحسن مما جنح إليه الزمخشري، وهو نوع من البديع يسمى احتباكاً، ويمكن ملاحظته فيه أيضا بأنه يجعل نكتة للطيّ، وعدم التصريح لكنه لا حاجة إلى التقدير وكونه بالذات ظاهر كما قال المصنف رحمه الله تعالى في تفسير قوله بيدك الخير ذكر الخير وحده لأنه المقضي بالذات والشرّ مقضي بالعرض إذ لا يوجد شز جزئيّ ما لم يتضمن خيراً كليا. قوله: (ووضع الفضل موضع الضمير الخ (أي لم يقل لا دافع له أو لا راذ له على أن ما يصدر من الخير محض كرم وتفضل إذ لا يجب على الله شيء عندنا فلا يستحق العباد بأفعالهم، وطاعتهم على الله شيئا، وهو رد لقول الزمخشري، والمراد بالمشيئة مشيئة المصلحة فإنه دسيسة اعتزالية. قوله:) ولم يستثن لأنّ مراد الله لا يمكن رذه (أي لم يقل فلا راذ لفضله إلا هو كما قال فلا كاشف له إلا هو لأنه قد فرض فيه أن تعلق الخيرية واقع بإرادة الله تعالى فصحة الاستثناء تكون بإرادة ضده في ذلك الوقت وهو محال بخلاف مس الضرّ فإن إرادة كشفه لا تستلزم المحال وهو تعلق الإرادتين بالضدين في وقت واحد لأنه مبنيّ على أنه لا يجوز تخلف المراد عن الإرادة لا على أن إرادته قديمة لا تتغير بخلاف المس فإنه صفة فعل يوقعه ويرفعه بخلاف الإرادة فإنها صفة ذات كما توهم إذ المراد تعلقها. قوله: (يصيب به بالخير) أرجع الضمير للخير لقربه حينئذ ولو جعل لما ذكر صح، ولكن هذا أظهر وأنسب بما بعده، وقوله فتعرّضوا الخ إشارة إلى أن المقصود من ذكر المغفرة والرحمة هنا ما ذكر وقوله رسوله الخ فالحق مبالغة على الأول لأنّ المراد أن ما بلغه، ونفسه حق. قوله: (فمن اهتدى بالإيمان والمتابعة) المراد بالمتابعة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وفسر من ضل بالكفر ووقع في نسخة بهما وهو المراد والكفر بهما أن لا يتبعهما، ولا يمتثل أمرهما إذ الكفر مستلزم لذلك، وما قيل إن ذكر المتابعة يشعر بأن الاهتداء لا يحصل بمجرّد الإيمان وحده بل مع الامتثال فيما يتعلق بالأعمال وأنه يأباه اقتصاره في تفسير الضلال على الكفر إلا أن يحمل على الاكتفاء من قلة التدبر، وفسر الوكيل بالحفيظ لأنه أحد ما يرأد به، وقوله اطلاعه على الظواهر منصوب على المصدرية أي كاطلاعه. قوله:) عن النبئي! نرو الخ) هذا الحديث موضوع نص عليه ابن الجوزيّ في الموضوعات. تم تعليقنا على سورة يونس والحمد دلّه على إحسانه وأفضل صلاة وسلام على أفضل مخلوقاته وعلى آله وصحبه. سورة هود عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم قال الداني رحمه الله تعالى في كتاب العدد هي مائة دراحدى وعشرون آية في المدنيئ الأخير واثنان في المدني الأوّل وثلاث في الكوفي، واعلم أنه لما ختم سورة يونس بنفي الشرك واتباع الوحي افتتح هذه ببيان الوحي والتحذير من الشرك وهي مكية عند الجمهور، وقيل ة لا قوله فلعلك تارك الآية. قوله: (مبتدأ الخ) فالر اسم السورة أو القرآن وكذا إن جعل خبر مبتدأ مقدر أي هو أو هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 وقد تقدم تفصيله في أوّل سورة البقرة. قوله: (نظمت نظما محكماً الخ) فسره بقوله لا يعتريه اختلال أي لا يطرأ عليه ما يخل بلفظه ومعناه، وعبر بالمستقبل لأنّ الماضي والحال مفروغ عنه، وذكر فيه وجوهاً أربعة أوّلها أن يكون مستعاراً من أحكام البناء، واتقانه فلا يكون فيه تناقض أو تخالف للواقع والحكمة أو ما يخل بالفصاحة والبلاغة الثاني أن يكون من الأحكام، وهو المنع من الفساد، وفسره بالنسخ لبعضه من غيره أو لكله كالكتب السالفة فعطفه عليه تفسيرفي فلذا بينه بقوله فإن الخ. فهو من أحكمه بمعنى منعه ومنه حكمة الدابة لحديدة في فمها تمنعها الجماج، ومنه أحكصت السفيه إذا منعته من السفاهة كما قال جرير: أبني حنيفة أحكمواسفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا قيل فكان ما فيه من بيان المبدأ والمعاد بمنزلة دابة منعتها حكمتها من الجماج فهي تمثيلية أو مكنية، وهو ركيك فإنّ تشبيهه بالدابة مستهجن لا داعي له وبعد تفسيره بالنسخ لا يرد عليه ما قيل إنه يوهم قبوله للفساد وهو لا يليق بالقرآن ولم يجوّز في هذا أن يراد بالكتاب القرآن والمراد عدم نسخة كله أو بعضه بكتاب آخر لأنه خلاف الظاهر وإن صح، والثالث من المنع أيضا لمنعه من الشبه بالأدلة الظاهرة، والرابع من حكمته أي جعلته حكيمآ أو ذا حكمة والمراد حكيم قائلها كما في الذكر الحكيم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد وقوله من حكم بالضم إشارة إلى أنّ الهمزة فيه للنقل من الثلاثيّ بخلاف ما قبله، وذلك لاشتماله على أصول العقائد والأعمال الصالحة، والنصائح والحكم وأمّهات بمعنى أصول، وقواعد يتولد منها غيرها. قوله: (بالفرائد من العقائد) قال الراغب الفصل إبانة أحد الشيئين عن الآخر حتى يكون بينهما فرجة ومنه المفاصل وفصل عن المكان فارقه ومنه فصلت العير وفي الكشاف فصلت كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية آية أو فرّقت في التنزيل فلم تنزل جملة واحدة ليسهل حفظها أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد أي بين ولخص وعن عكرمة والضحاك ثم فصلت أي فرّقت بين الحق والباطل يعني أنه إمّا استعارة من العقد المفصل بفرائده أي كباره التي تجعل بين اللآلئ التي تغاير حجمه أو لونه فشبهت الآيات بعقد فيه لآلئ وغيرها لتغاير النفائس التي اشتملت عليها إلى قصص وأحكام، ومواعظ وغيرها، وقوله من دلائل الخ متعلق بقوله فصلت لا بيان للفرائد حتى يقال إنّ الصواب ما وقع في بعض النسخ فوائد بالواو والتقدير فصلت لأنواع من دلائل التوحيد الخ، وهي في حواشي المصنف رحمه الله تعالى بالراء أو أنها جعلت فصلا فصلاً من السور أو الآيات أو فرّقت في النزول أو هو من الإسناد المجازي والمراد فصل ما فيها، وبين فهذه أربعة وجوه في التفصيل أيضاً والتلخيص بمعنى التبيين لا بمعنى الاختصار كما بين في اللغة، وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى إلا أنه على إرادة التفصيل بجعلها سور المراد بالكتاب القرآن وبالآيات آياته، وان قيل إنه يصح أن يراد السورة على أن المعنى جعلت معاني آيات هذه السورة في سور، ولا يخفى أنه تكلف ما لا حاجة إليه، وقوله وقرئ ثم فصلت أي بفتحتين خفيفتين وهي قراءة ابن كثير، ومعناه فرقت كما ذكره المصنف رحمه الله وقيل معناه انفصلت وصدرت كما في قوله ولما فصلت العير وسيأتي بيانه. قوله: (وثئم للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار (لما كان التفصيل والأحكام صفتين لشيء واحد لا تنفك إحداهما عن الأخرى لم يكن بينهما ترتب وتراخ فلذا جعلوه إمّا لتراخي الرتبة، وهو المراد بقوله في الحكم أو للتراخي بين الإخبارين وقد أورد عليه أنه إذا أريد بتفصيلها إنزالها نجما نجما تكون ثم على حقيقتها فمع تحقق الحقيقة لا وجه للحمل على المجاز وبأن الأخبار لا تراخي فيه إلا أن يراد بالتراخي الترتيب مجازا أو يقال بوجود التراخي باعتبار ابتداء الجزء الأول وانتهاء الثاني ولا يخفى عليك أنّ الآيات نزلت محكمة مفصلة فليست ثم للترتيب على كل حال كما صرّح به العلامة في شرحه، وليس النظر إلى فعل الأحكام والتفصيل، وأفا التراخي بين الإخبارين فلما مرّ في أوائل سورة البقرة في ذلك الكتاب من أنّ الكلام إذا انقضى فهو في حكم البعيد ففيه ترتيب اعتباري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 وهو المراد كما أشار إليه الشارح المدقق إذا عرفت هذا فاعلم أنه قال في الكشف إن أريد بالأحكام أحد الأولين وبالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبيّ لأنّ الأحكام بالمعنى الأوّل راجع إلى اللفظ والتفصيل إلى المعنى والمعنى الثاني وان كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال، وان أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأنّ الأحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها، وجعلها فصولاً بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأنّ كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصعة، وهذا تراخ وجوديّ، ولما كان الكلام من السيالات كان زمانيا أيضاً، ولكن المصنف رحمه الله آثر التراخي في الحكم مطلقاً حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع وليظهر وجه العدول عن الفاء إلى ثم وان أريد الثالث وبالتفصيل أحد الطرفين فرتبي وألا فإخبارقي، والأحسن أن يراد بالإحكام الأوّل وبالتفصيل أحد الطرفين وعليه تنطبق المطابقة بين حكيم وخبير، وأحكصت وفصلت، وهي ثابتة على الوجوه الثلاثة في من لدن لكن جعلها صلة للفعلين أرجح، وذلك لتعلق أن لا تعبدوا بهما على الوجهين، وأفاد سلمه الله أن أصل الكلام أحكم آياته حكيم ثم أحكمها حكيم على نحو: ليبك يزيد ضارع لخصومة ثم من لدن حكيم كما يقال من جناب فلان لما في الكناية من المبالغة وافادة التعظيم البليغ، وهو إشارة إلى الوجوه الستة عشر الحاصلة من ضرب معاني الأحكام الأربعة في معاني التفصيل الأربعة وهذا وان احتاج إلى البسط والإيضاح لكن الجدوى فيه قليلة فعليك باستخراجه بنظرك الصائب. قوله: (صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر الخ) أي هو صفة للنكرة أو خبر ثان للمبتدأ الملفوظ أو المقدر على الوجهين أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى ولذا قال تقرير لأحكامها وتفصيلها، وقوله على أكمل ما ينبغي أخذه من كون ذلك فعل الله الحكيم الخبير مع الجمع بين صيغتي المبالغة، ولا يحتاج إلى جعل الحكيم بمعنى المحكم كما قيل لأنه يكفي فيه أن يكون صائغها ذا حكمة بالغة، وقوله باعتبار ما ظهر أمر. وما خفي أخذه من أن الحكيم ما يفعل على وفق الحكمة والصواب، وهو أمر ظاهر، والخبير من له خبرة بما لا يطلع عليه غيره من الخفيات فهو لف ونشر، وجعله الزمخشري في النظم أيضاً من اللف والنشر على أن تقديره أحكم آياته حكيم، وفصلها خبير وله وجه وجيه لكن المصنف رحمه الله لم ينظر إليه، ومعنى كونه تقريراً أنه كالدليل المحقق له. قوله: (ألا تعبدوا الخ) ذكروا فيه أنه يجوز أن يكون متصلا بما قبله وحينئذ في أن وجهان أحدهما أن تكون مصدرية، وكذا أن استغفروا لأن أن المصدرية توصل بالأمر كما مرّ تحقيقه، وكذا توصل بالنهي فلا نافية، وهو منصوب أو ناهية وهو مجزوم، وهو على تقدير اللام ومحله نصب أو جر على المذهبين وليس هذا مفعولاً له حتى يتكلم في شروطه وثانيهما أن تكون مفسرة لما في تفصيل الآيات من معنى القول دون حروفه، وقدره الزمخشري بأمرين أحدهما فصل، وقال لا تعبدوا والآخر أمر أن لا تعبدوا فحذف في الأوّل أن لأنه قدر صريح القول، ولم يحذفها في الثاني لأنه قدر ما في معناه قيل، وأن المفسرة في تقدير القول، ومعناه ولذا لا تأتي بعد صريحه، وإنما تأتي بعد ما هو في معناه ليكون قرينة على إرادته منها وبهذا سقط ما يتوهم من أنهم اشترطوا عدم صريح القول وتقديره في تقريرهم مناف له فتأمّل. قوله: (ويجورّ أن يكون كلاماً مبتدأ للإغراء الخ) هذا هو الوجه الثاني، ومعنى كونه مبتدأ أنه منقطع وغير متصل بما قبله اتصالاً لفظياً كما في الوجهين السابقين، وهذا على وجهين قصد الإغراء على التوحيد أو قصد التبرّي عن عبادة الغير لأنه في تأويل ترك عبادة غير الله فإن قدر ألزموا ترك عبادة غيره على أنه مفعول به فهو إغراء، وان قدر اتركوا ترك عبادة غيره فهو مفعول مطلق للتبرّي عن عبادة الغير، وفي الكشاف، ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة وبدل عليه قوله إنني لكم منه نذير وبشير كأنه قال ترك عبادة غير الله إنني لكم منه نذير كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [سورة محمد، الآية: 4] وقيل عليه أنّ في كلامه اضطرابا حيث دلّ أوّله على الوجه الأوّل، وآخره على الوجه الثاني، وقد وجه بأنّ مراده بقوله كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [سررة محمد، الآية: 4، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 إفادة معنى الإغراء لا اشتراك الصورتين في النصب على المصدرية، ومنع جواز حمل الآية عليه بأنه ليس وزان ألا تعبدوا إلا الله وزان ترك عبادة غير الله في استقامة تقدير اتركوا عبادة غير الله تركا إذ لو قلت اتركوا عبادة غير الله أن لا تعبدوا أي عدم العبادة لم يكن شيئا لأن أن لا يحسن موقعه كما لا يحسن اضربوا أن لا تضربوا أي اضربوا الضرب، وسرّه أنّ أن علم للاستقبال فلو أريد استقبال غير زمان الأمر لم يكن مفعولاً مطلقا وان أريد ذلك الاستقبال ضاع للاكتفاء بالأوّل اهـ والأمر كما قال وهذا توجيه لما يقتضيه النحو من أنّ أن المصدرية والفعل لا يقع موقع المفعول المطلق، وكون ذلك لا يجوز أو لا يحسن مما لا شبهة فيه فمن قال الأمر فيه سهل بأن تجعل أن المصدرية للتأكيد لم يتدبر كلامه، ثم إن المصنف رحمه الله تعالى أطلق كونه للإغراء من غير تقييد. له بكونه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الكشاف لأنه غير متعين لاحتمال أن يكون ما قبله أيضاً مفعولاً له بتقدير قل في أوّل الكلام، وكونه خلاف الظاهر لا ينافي كونه وجها مرجوحاً. قوله: (1 نني لكم منه من الله (أي فالضمير لله، والتقدير إنني لكم من جهة الله نذير وبشير وهو في الأصل صفة فلما قدم صار حالاً، وقيل إنه يعود على الكتاب أي نذير من مخالفته، وبشير لمن آمن به وقدم الإنذار لأنه أهمّ، وعطف أن استغفروا على ألا تعبدوا سواء كان نهيا أو نفيا. قوله: (توصلوا إلى مطلوبكم بالتوبة الما كان الاستغفار بمعنى التوبة في العرف كان توسط كلمة ثم بينهما محتاجاً إلى التوجيه فقيل لا نسلم أن الاستغفار هو التوبة بل الاستغفار ترك المعصية والتوبة الرجوع إلى الطاعة، ولئن سلم أنهما بمعنى فثم للتراخي في الرتبة، والمراد بالتوبة الإخلاص فيها والاستمرار عليها والمصنف رحمه الله تعالى حمل الاستغفار على التوبة وجعل التوبة عبارة عن التوصل إلى مطالبهم بالرجوع إلى الله فثم على ظاهرها ولا حاجة إلى جعلها بمعنى الواو والعطف تفسيرفي كما نقل عن الفرّاء وقيل الاستغفار طلب الغفر وستر الذنب من الله والعفو عنه ومعنى التوبة الندم عليه مع العزم على عدم العود فليسا بمتحدين ولا بمتلازمين نعم قد يستعمل الأوّل في العرف بمعنى الثاني، وفائدة عطف الثاني على الأوّل التوصل به إلى ذلك المطلوب والجزم بحصوله كما قال ثم توصلوا الخ بيانا لحاصل المعنى لا أنّ توبوا عبارة عن معنى توصلوا كما توهم، ولا يخفى ما في العبارة من النبوّ عما ذكره فتأمّل. قوله: (فإنّ المعرض عن طريق الحق (أي من أعرض! عن طريق الحق بالكفر والعصيان لا بد له من الرجوع إليها ليصل إلى مطلوبه، وهذا على طريق التمثيل في النظم بجعل التوبة بمعناها الأصلي وهو الرجوع فالرجوع إلى الله المراد به لازم معناه، وهو طلب الوصول إلى المطلوب والإعراض عن الحق إن كان بالشرك فتوقفه على ما ذكر ظاهر، وكذا إن أريد الأعمّ وأمّا إن أريد المعصية فالمراد الجزم بحصول مطلوبه فإنّ العفو يجوز من غير توبة فتأمّل. قوله: (وقيل استففروا من الشرك الخ) أي اطلبوا غفره وستره بالإيمان ثم توبوا إلى الله ارجعوا إلى الله بالطاعة فعلى هذا كلمة ثم على ظاهرها من التراخي، وقيل إنّ تراخيه رتبيّ لأنّ التحلية أفضل من التخلية وإنما مزضه لأنّ قوله ألا تعبدوا إلا الله يفيد ما أفاده، وقوله ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين فإن بين التوبة وهي الانقطاع إلى الله بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيداً، وقيل إن هذا بطريق الكناية فإنّ التفاوت والتباين من روادف التراخي وفيه نظر. قوله تعالى ( {يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا} ) انتصابه على أنه مفعول مطلق من غير لفظه كقوله: {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17] ويجوز أن يكون مفعولاً به لأنه اسم لما يتمتع به وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي يمتعكم بمتاع وأنّ في الكشاف إشارة إليه، وقوله يعشكم في أمن ودعة بفتح الدال بمعنى الراحة يعني أن من أخلص الله في القول والعمل عاش في أمن من العذاب وواحة مما يخشاه، وأمّا ما يلقاه من بلاء الدنيا فلا ينافي ذلك لما فيه من رفع الدرجات، وزيادة الحسنات فلا ينافي هذا كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، ولا كون أشدّ الناس بلاء الأمثل فالأمثل لأنّ المراد أمنه من غير الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه وراحته طيب عيشه برجاء الله والتقرّب إليه حتى يعدّ المحنة منحة، والتمتع يجيء بمعنى الانتفاع وبمعنى تطويل العمر ويناسبه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 الأوّل للأوّل والثاني للثاني. قوله: (هو آخر أعماركيم المقدّرة الخ) التقدير التعيين ببيان المقدار، وهو المراد بالتسمية كما مرّ في الأنعام، وقوله أولا يهلككم معطوف على يعشكم فيكون على هذا الخطاب لجميع الأمّة بقطع النظر عن كل فرد فرد والأجل المسمى آخر أيام الدنيا والاستئصال إهلاكهم جميعا من أصلهم كما وقع لبعض الأمم. قوله: (والآرزاق والآجال وإن كانت متعلقة بالأعمال الخ (إن أراد تعليقها بها في الأحاديث كما ورد صلة الرحم تزيد في العمر، وكذا ما ورد بزيادة الرزق مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة فالمراد الجمع بين تلك الأحاديث، وما في الآية من جعله مسمى معينا لا يقبل التغيير بالزيادة والنقص ومحصله إنّ الله لما علم صدور تلك الأعمال وعدمه كان الأجل مسمى في علم الله بالنسبة إلى كل أحد فلا منافاة بينهما وإن أراد في الآية فلأنّ قوله يمتعكم الخ بمعنى أنه يحييهم حياة هنيئة، ولا يكون ذلك إلا بالرزق، وهو جواب الأمر فقد علق فيه ذلك على تلك الأعمال مع أنه ذكر أنه مسمى فأجاب بأنه عالم بصدورها، وعدمه فلا ينافي ذلك تسميتها وتعيينها فلا وجه لما قيل إنه ليس في الآية تعليق الآجال بالأعمال بل تعليق حسن العيش وأنّ ذلك لم يعلم من الآية بل من الحديث. قوله: (ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله الخ (يعني الفضل الأوّل بمعنى الزيادة في أمور الدين، وقريب منه ما في الكشاف أنه الفضل في العمل فليس الثاني عينه فلذا قدر بجزاء فضله وثوابه يعني من له زيادة في الدين له زيادة في الجزاء والثواب لأنّ الأجر يزيد بزيادة العمل وقوله في الدنيا والآخرة وفي نسخة أو الآخرة وهي للتنويع بدليل قوله خير الدارين يعني أنه ينعم عليه في الدنيا والآخرة فلا يختص إحسانه بإحدى الدارين وضمير فضله على ما ذكره المصنف رحمه الله لكل، وقد جوّز أن يعود إلى الرب فالمراد الثواب، ولذا لم يفسره المصنف رحمه الله تعالى به كما في الكشاف، وقد قيل إن في الآية لفا، ونشراً وانّ التمتع الحسن مرتب على الاستغفار، دمايتاء الفضل مرتب على التوبة والوعد ظاهر وكونه للموحد الثابت من قوله يمتعكم إلى أجل لأنه يقتضي ثباتهم على ذلك إلى الموت. قوله:) وإن تتولوا الخ (يعني أنه مضارع مبدوء بتاء الخطاب لأنّ ما بعده يقتضيه وحذفت منه إحدى التاءين والتولي الإعراض! أي إن استمرّوا على الإعراض، ولم يرجعوا إلى الله واليوم الكبير يوم القيامة لكبر ما فيه، ولذا وصف بالثقل أيضا أو المراد به زمان ابتلاهم الله فيه في الدنيا وقراءة تولوا قراءة عيسى بن عمرو اليماني من الشواذ وقيل إن تولوا ماض غائب والتقدير فقل لهم إني الخ لأنّ التولي صدر منهم واستمرّ وهو خلاف الظاهر فلذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:) رجوعكم الخ (يعني أنه مصدر ميمي وكان قياسه فتح الجيم لأنه من باب ضرب فقياسه ذلك كما علم في علم الصرف وقوله فيقدر على تعذيبهم أشدّ الخ لأنه وصف بالقدرة العظيمة فيقدر على كل عظيم وكبر اليوم لكبر ما فيه وعظمه فلهذا كان هذا تقريراً، وتأكيداً له. قوله:) يثنونها عن الحق وينحرفون عنه الخ (في هذه اللفظة ثلاث عشرة قراءة المشهور منها، وهي قراءة الجمهور يثنون بالياء المفتوحة مضارع ثناه يثنيه، وأصله يثنيون فأعل الإعلال المعروف في نحو يرمون، وثناه معناه طواه وحرفه وفسر المصنف رحمه الله تعالى هذه القراءة بوجوه الأوّل أنه كناية أو مجاز عن الاعراض عن الحق فمتعلقه محذوف أي يثنونها عن الحق لأن من أقبل على شيء واجهه بصدره ومن أعرض حرفه عنه أو المراد أنهم يضمرون الكفر وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم فثنى الصدر مجاز عن الإخفاء لأن ما يجعل داخل الصدر فهو خفيّ، ومتعلقه على الكفر ومغايرته لما قبله في المعنى والمتعلق ظاهرة لا مجزد التعذي بعن وعلى كما قيل وقوله أو يولون ظهورهم تفسير ثالث وهو حقيقة على هذا لا! من ولى أحداً ظهره ثنى عنه صدره، والمعنى أنهم إذا رأوا النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلوا ذلك فهو تفسير للمعنى الحقيقيّ بلازمه لأنه أوضح. قوله:) وقرئ يثنوني بالياء والتاء من اثنوني) كاخلولي فوزنه يفعوعل وهو من أبنية المزيد الموضوعة للمبالغة لأنه يقال حلا فإذا أريد المبالغة قيل احلولي وهو لازم فصدورهم فاعله ومعناه ينطوي أو ينحرف انطواء وانحرافا بليغاً، وهو على المعاني السالفة في قراءة الجمهور والقراءة بالتاء لتأنيث الجمع وبالياء التحتية لأنّ تأنيثه غير حقيقيّ، وهذه القراءة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وغيرهما، وقوله من اثنوني أي أنه مضارع ماضيه هذا فهو مأخوذ منه بزيادة حرف المضارعة. قوله: (وتثنون وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف (أي قرئ تثنون بتاء مثناة ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم نون مفتوحة تتلوها واو مكسورة بعدها نون مشذدة وهذه القراءة نسبت لابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعروة وغيرهما، وأصله تثنونن على وزن تفعوعل من الثن بكسر الثاء وتشديد النون وهو ماهش، وضعف من الكلأ قال: تكفي اللقوح أكلة من ثن وصدور مرفوع على أنه فاعله ومعناه إمّا أنّ قلوبهم ضعيفة سخيفة كالنبت الضعيف فالصدور مجاز عما فيها من القلوب أو أنه مطاوع ثناه لأنه يقال ثناه فانثنى واثنونن كما صرّج به ابن مالك رحمه الله تعالى في التسهيل فقال وافعوعل للمبالمغة، وقد يوافق استفعل ومطاوع فعل ومثلوه بهذا الفعل فالمعنى أن صدورهم قبلت الثني فتكون بمعنى انحرفت ومعناه يرجع إلى قراءة الجمهور ومن الخطأ الغريب ما قيل الكلأ بوزن جبل العشب رطبه ويابسه، وفي القاموس الثن بالكسر يبيس الحشيش إذا كثر وركب بعضه بعضا، وعلى هذا فقول المصنف رحمه الله شالى أو مطاوعة صدورهم للثني لا يلائمه إذ الظاهر أنّ المطاوعة في الرطب أكثر واليبيس ينكسر في اكثر إذا قصد تثنيه لأنه ظن أنهما وجه واحد، ولم يتنبه لأنه وجه آطخر مصرّح به في كتب النحو ثم بعد إرخاء العنان فاعتماده على القاموس وترك ما ذكر. المصنف رحمه إلله تعالى، وهو أنه ضعيف النبات وهشه وإن لم يكن يابسا مع أنه هو الذي صرّح به إمام اللغة ابن جني في كتاب المحت! سب وأغرب منه ما قيل إنه أراد بركوب بعضه لبعض انعطاف بعضه على بعض بالانحناء كما هو شأن الكلأ إذا شرع في اليبس وذلك هو المطاوعة وهو مراد المصنف وحمه الله تعالى لا أنّ فيه ثنيا بعد اليبس، والملاءمة ظاهرة. قوله: (وتثئمق من اثنأن كابيأض بالهمزة) أي وقرئ بذلك كتطمئن، وفيه وجهان أحدهما أنّ أصله اثنأنّ كاحمأرّ وأبياض! ففرّ من التقاء الساكنين بقلب الألف همزة! مكسورة، وقيل أصله تثنونّ بواو مكسورة فاستثقلت الكسرة على الواو فقلبت همزة كما قيل في وشاح أشاح فعلى الأوّل لجكون من الافعيلال وعلى هذا هو من باب افعوعل، ورجح الأوّل باطراده، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (وتثنوى) كارعوى قرأ بها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل إنها غلط في النقل لأنه لا معنى للواو في هذا الفعل إذ لا يقال تنوته فانثوى كرعوته فارعوى، ووزن ارعوى من غرلحب الأوزان، وفيه كلام في المطوّلات، وبقية القرا آت مفصلة في الدرّ المصون، ومن غريب القرا آت هنا أنه قرئ مثنون بالضم واستشكلها ابن جني رحمه الله تعالى بأنه لا يقال أثنيته بمعنى ثنيته، ولم يسمع في غير هذه القراءة. قوله: (من الثه سرّهم) وفي نسخة بسرّهم ذكروا في متعلق هدّه اللام وجهين الأوّل أنه متعلق بيثنون وعليه جماعة من المفسرين وهو الظاهر والثاني أنه متعلق بمحذوف أي ويريدون ليستخفوا لأنّ ثني الصدر والإعراض إظهار للنفاق فلا يصح تعليقه بذلك لأنه لا يصلح سبباً له فلذا قدر له، ويريدون على أنها معطوفة على ما قبلها لا أنها حالية وان كان أظهر بحسب المعنى، ولذا قيل لا وجه لتقدير الواو ويشهد له ما نقل عن الزمخشريّ إنّ المعنى يظهرون النفاق، ويريدون مع ذلك أن يستخفوا، ومن لم يدر وجهه اعترض عليه والمصنف رحمه الله تعالى رأى أنه لا حاجة إلى التقدير إذ يصح تعلقه بما قبله لكنه قيل إنه على المعنيين الأوّلين ليثنون ظاهر فإنّ انحرافهم عن الحق بقلوبهم، وعطف صدورهم على الكفر وعداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعدم إظهارهم ذلك يجوز أن يكون للاستخفاء من الله لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى، وأمّا على المعنى الثالث فالظاهر أنه لا بدّ من التقدير إلا أن يعاد ضمير منه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي ذكره في الوجهين الأولين من كلام المصنف رحمه الله تعالى لتقديره متعلقاً له فليس خلاف الظاهر كما توهم، وقال أبو حيان الضمير في منه لله، وسبب النزول يقتضي عوده للرسول صلى الله عليه وسلم لأنها نزلت في بعض الكفار الذين كانوا إذا لقيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم تطأمنوا وثنوا صدورهم كالمستتر وردّوا إليه ظهورهم، وغثوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه، وكراهة للقائه، وهم يظنون أنه يخفى عليه صلى الله عليه وسلم (1) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 فنزلت فعلى هذا ليستخفوا متعلق بيثنون قيل فغاية ما يوجه به كلام المصنف رحمه الله في عدم التقدير أنه لما جعل سبب النزول ما ذكر جاز تعلق اللام بيثنون وصح التعليل، وهو قريب مما قاله أبو حيان رحمه الله تعالى إلا أنه جعل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى يجوز أن يكون له ولله، وإنما خصه بالله بناء على ظاهر قوله: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} لكنه ترك لما ذكره من المعاني الثلاثة ليثنون واختيار لمعنى آخر، وهذا ليس بشيء بل هو على المعاني المذكورة لكنه في الوجه الأخير يكون الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم، وليس في كلامه ما ينافيه فتدبر. قوله: (قيل إنها نزلت الخ) قال السيوطيّ الثابت في صحيح البخاريّ أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يستحيون أن يتخلوا أو يجامعوا فيفضوا بفروجهم إلى السماء فعلى هذا ثنى الصدور على ظاهره لا مجاز ولا كناية فهو أصح نقلاً مؤيداً ببقائه على حقيقته وكون قيل لتمريضه لا فائدة فيه كالاعتذار بجواز تعدد سبب النزول كما ذهب إليه بعضهم. قوله: (وفيه نظر إذ الآية مكية والنفأق حدث بالمدينة) قد أجيب عنه بأنّ القائل به لم يرد بالنفاق ظاهره بل ما كان يصدر من بعض المشركين الذين كان لهم مداراة تشبه النفاق، وأيضاً أنه كان بمكة منافقون) كالأخنس " (3) فإنه كان يظهر الإيمان وبضمر الكفر ولا فرق بين فعله وفعل منافقي المدينة حتى لا يسمى منافقاً نعم النفاق كان بمكة لكن لم يكن في مكة طائفة ممتازون عن سائر المشركين، وأمّا حديث أنّ النفاق كان بالمدينة والإشكال بأنّ السورة مكية فغير مسلم بل ظهوره إنما كان فيها، والامتياز إلى ثلاث طوائف وقع بها، وقد صرّح به في الكشاف في قوله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ولو سلم فلا إشكال بل يكون على أسلوب قوله كما أنزلنا على المقتسمين إذا فسر باليهود فإنه إخبار عما سيقع، وجعله كالواقع لتحققه وهو من الإعجاز فكذا ما نحن فيه هكذا حقق في الكشف. قوله: (1 لا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم) أي يلتحفون بما يلتحف به النائم كما ذكره في الرواية السابقة، وقوله يستوي في علمه الخ إشارة إلى أن ذكر علم العلانية بعد علم السرّ لبيان أنهما في علم الله سواء، والا لم يكن في ذكره مؤخراً فائدة، وقوله ما عسى يظهرونه عسى مقحمة، وقد تقدم بيان هذا كله، وحين ناصبه تريدون مضمرا كما مرّ، وقدّره أبو البقاء يستخفون، وقيل ناصبه يعلم، ولا يلزم منه تقييد علم الله لأنّ من يعلم هذا يعلم غيره بالطريق الأولى، وما في ما يسرّون مصدرية أو موصولة عائدها محذوف. قوله: (بالآسراو ذات الصدور الخ) يعني المراد بذات الصدور إمّا الأسرار أو القلوب، وأحوالها بجعلها لاختصاصها بالصدور كأنها صاحبة للصدور مالكة لها، وليست الذات مقحمة كما في ذات غد ولا من إضافة المسمى إلى اسمه كما توهم. قوله: (غذاؤها ومعاشها الخ (المراد بالدابة معناها اللغوي، وهو كل ما دلت على الأرض باتفاق المفسرين هنا لا المعنى العرفيّ، واحتج بهذه الآية أهل السنة على أنّ الحرام رزق، وألا فمن لم يأكل طول عمره إلا من الحرام لا يصل إليه رزقه ثم إن الآية تحتمل أن يراد بها أنّ الله تعالى يسوق إلى كلى حيوان رزقه فيأكله فورد النقض بحيوان هلك قبل أن يرزق شيئا، ودفع بأنّ المراد كل حيوان يحتاج إلى الرزق يرزقه الله وما ذكر ليس كذلك لكن ينتقض بحيوان لم يرزق، ومات جوعا، ودفع بأنّ المراد كل حيوان جاءه رزق فمن الله كما نقل عن مجاهد لكن لا يبقى فيها استدلال لما استدلّ عليه أهل السنة بها، ولا يبقى المحذور المذكور فتدبر. قوله: (وإنما أتى بلفظ الوجوب الخ) يعني أنّ على تستعمل للوجوب، ولا وجوب على الله عند أهل الحق على ما بين في الكلام فأجاب المصنف بأنه لتحققه بمقتضى وعده كان كالواجب الذي لا يتخلف فينبغي لمن عرف ذلك التوكل على الله فكلمة على المستعملة للوجوب مستعارة استعارة تبعية لما يشبهه، ويكون من المجاز بمرتبتين، ولا يمنع من التوكل مباشرة الأسباب مع العلم بأنه المسبب لها، وفي الكشاف أنه لما ضمنه الله، وتكفل به صار واجبا في المرتبة الثانية فلا منافاة كما في نذور العباد فإنها تصير واجبة بالنذر بعدما كانت تبرّعا، وقال الإمام الرزق واجب بحسب الوعد، والفضل والإحسان، ومعناه أن الرزق باق على تفضله لكنه لما وعده، وهو لا يخل بما وعد صوّر بصورة الوجوب لفائدتين إحداهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 التحقيق لوصوله، والثانية حمل العباد على التوكل فيه، وقوله كل في كتاب مبين كالتتميم لمعنى وجوب تكفل الرزق كمن أقرّ بشيء في ذمّته، ثم كتب عليه صكاً. قوله: (أماكنها في الحياة والممات الخ) جعل المستقرّ والمستوح اسم مكان لأنه الظاهر، وجوز فيهما أن يكونا ممدرين، وأن يكون المستوح اسم مفعول لتعدّي فعله، ولا يجوز في مستقرّها لأنّ فعله لازم، وقوله في الحياة، والممات لف ونشر مرتب، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما مستقرّها مأواها في الأرض، ومستودعها المحل الذي تدفن فيه وسمي مستودعاً لأنها توضع فيه بلا اختيار، وقوله والأصلاب، والأرحام يجوز جرّه ونصبه، وهو لف ونشر أيضاً، وجعل الأرحام مستودعاً للنطف ظاهر لأنها توضع فيه من قبل شخص آخر بخلاف الأصلاب وقيل إنه نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما عكسه فهو لف، ونشر مشوس، وكلام المصنف رحمه الله يحتمله، وقوله أو مساكنها من الأرض الخ هذا ما في الكشاف، واقتصر عليه لعمومه لجميع الحيوانات بخلاف الأوّلين لكنه لا يخلو من بعد، ولذا أخره المصنف رحمه الله. قوله: (كل واحد من الدواب وأحوالها) يعني أنّ المضاف إليه كل محذوف، وهو كل ما ذكر أي كل دابة ورزقها؟ ومستقرّها ومستودعها في كتاب مبين ومن للتبعيض أي كل فرد فرد منها لا للتبيين بمعنى كل هو هذا، وكأنه تعالى ذكر بعض أحوالها، ثم عممه لغيرها أي كل ما ذكر وغيره. قوله: (مذكور في اللوح المحفوظ) تفسير للكتاب وبيان للمتعلق، وقوله بيان كونه عالماً الخ يعني لما ذكر أنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون أردفه بما يدل على عموم علمه وأراد بما بعدها قوله، وهو الذي خلق السماوات والأرض الخ وتقريره للتوحيد لأنّ من شمله علمه، وقدرته هو الذي يكون إلهاً لا غيره مما لا يعلم، ولا يقدر على ضرّ ونفع، وتقريره للوعيد لأنّ العالم القادر يخشى منه ومن جزائه، ويجوز أن تكون الآية تقريراً لقوله ما يسرون، وما يعلنون، وما بعدها تقرير لقوله، وهو على كل شيء قدير. قوله: (أي خلقهما وما فيهما كما مرّ الخ) الظاهر أنه إشارة إلى تقدير ذلك لأنّ الثابت أنه خلقهما، وما فيهما في تلك المدّة فإمّا أن يقدر أو يجعل السماوات مجازاً بمعنى العلويات فيشملها، وما فيها ويجعل الأرض بمعنى السفليات فيشملها، وما فيها من غير تقدير، وما قيل إنّ المراد بالعلويات نفس السماوات، والأرض سهو، وإنما احتاج إلى التجوّز أو التقدير وان كان خلقها في تلك المدة لا ينافي خلق غيرها لاقتضاء المقام للتعرّض! لها. قوله: (وجمع السماوات دون الأرضى الخ) قد مرّ تفصيل هذا وأن المراد أنها سبع طباق متفاصلة بينها مسافة كما ورد في الأثر، وأنّ قوله، ومن الأرض مثلهن المراد به الأقاليم السبعة وأنّ حقيقة كل سماء غير الأخرى وأنه قيل إن الأرض مثل السماء في العدد، وفي أن بينها مسافة، وفيها مخلوقات فيكتفي حينئذ في التوجيه باختلاف الأصل. قوله: (قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما الخ) كونه قبل خلقهما مأخوذ من كان لأنّ المعنى المستفاد منها بالنسبة للحكم لا للتكلم، وهو خلق السماوات والأرض، وهذا ظاهر سواء كانت الجملة معطوفة أو حالية بتقدير قد إنما الكلام في قوله لا إنه كان موضوعاً على متن الماء فإن الاستعلاء صادق بالمماسة، وعدمها ولا دليل على ما ذكره في الآية، وقيل مبني هذا النفي على كون الظاهر ذلك فإن كون العرس منطبقاً على الماء أوّلاً ثم رفعه عنه محتاج إلى دليل، وهو منتف، ولا يخفى ما فيه فإن عدم الدليل لا يكون دليلاً للعدم كما بين في محله إلا أن يكون ذلك بعناية لما نقل عن السلف أنه كان على الماء، وهو الآن على ما كان عليه ولأنه الأنسب بمقام بيان القدرة الباهرة وعلى كل حال فلا يخلو عن القيل، والقال. قوله: (واستدلّ به على إمكان ا! لاء (قيل أراد الإمكان الوقوعي لأنّ المستفاد من الآية أنه خلق السماوات والأرض! ولم يكن إذ ذاك غير العرس، والماء وعليه منع ظاهر، والخلاء هو الفراغ الكائن بين الجسمين اللذين لا يتماسان، وليس بينهما ما يماسهما، وقوله وأن الماء أوّل حادث بعد العرس، وبيانه أن كونه على الماء يحتمل المماسة، وعدمها، ولذا قال إمكان الخلاء دون وجوده ولما كان معنى كونه عليه أنه موضوع فوقه لا مماسه، وخلق السماوات والأرض بعدهما اقتضى أن الماء مخلوق قبلهما، وأنه أوّل حادث بعده، وهو من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 فجوى الخطاب، وقوله لا إنه كان موضوعاً الخ لأنّ سياقه لبيان قدرته يقتضيه فسقط ما قيل إنه ما المانع من إرادته فتأمل، وقوله وقيل كان الماء على متن الريح فلا يكون الماء أوّل بل هو الريح وحده أو مع الماء، ولو ترك المصنف رحمه الله هذا كله كان أولى. قوله: (متعلق بخلق الخ (أي اللام للتعليل متعلقة بالفعل المذكور، وأفعاله تعالى غير معللة بالأغراض! على المشهور لكنها يترتب عليها حكم، ومصالح تنزل منزلة العلل، ويستعمل فيها حرف التعليل على طريق التشبيه، والمجاز. قوله: (أي خلق ذلك كخلق من خلق الخ) يشير إلى أن إلابتلاء، والاختبار لا يصح وصفه تعالى به لأنه إنما يكون لمن لا يعرف عواقب الأمور فالمراد ليس حقيقته بل هو تمثيل، واستعارة شبه معاملة الله تعالى مع عباده في خلق المنافع لهم وتكليفهم شكره واثابتهم إن شكروا وعقوبتهم إن كفروا بمعاملة المختبر مع المختبر ليعلم حاله، ويجازيه فاستعير له الابتلاء على سبيل التمثيل فوضع ليبلوكم موضع ليعاملكم، ويصح أن يكون مجازاً مرسلاً لتلازم العلم، والاختبار إلا أنه على جعل الابتلاء بمعنى العلم يصير التقدير خلق ذلك ليعلم الأحسن من غيره، وهذا أيضاً غير ظاهر لأن علمه قديم ذاني ليس متفرعاً على غيره فيؤوّل بأنه بمعنى ليظهر تعلق علمه الأزلي بذلك، وأمّا على أنه تمثيل، وأن المراد يعاملكم معاملة المختبر كما قرّرناه فلا تكلف فيه وهو مع بلاغته مصادف محزه فمن قال هنا إنّ ليبلوكم وضع موضعليعلم لم يصب والقرينة هنا عقلية وكون خلق الأرض وما فيها للابتلاء ظاهر وأمّا خلق السماوات فذكر تتميما، واستطراداً مع أنها مقرّ الملائكة الحفظة، وقبلة الدعاء ومهبط الوحي، إلى غير ذلك مما له دخل في الابتلاء في الجملة، وقيل إنّ ذكرها لأنها خلقت لتكون أمكنة للكواكب، والملائكة العاملين في السماوات والأرض لأجل الإنسان. قوله: (وإنما جاز تعليق فعل البلوى الخ) في الكشاف فإن قلت كيف جاز تعليق فعل البلوى قلت لما في فعل الاختبار من معنى العلم لأنه طريق إليه فهو ملاب! له كما تقول انظر أيهم أحسن وجهاً، واسمع أيهم أحسن صوتا لأنّ النظر والاستماع من طرق العلم، وقيل عليه إنه ينافي قوله في سورة الملك إنه سمي علم الواقع منهم باختبارهم بلوى، وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر فإن قلت من أين تعلق قوله أيكم أحسن عملاً بفعل البلوى قلت من حيث إنه تضمن معنى العلم فكأنه قيل ليعلمكم أيكم أحسن عملاً، وإذا فلت علمته أزيد أحسن عملا أم هو كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه كما تقول علمته هو أحسن عملا فإن قلت أتسمي هذا تعليقاً قلت لا إنما التعليق أن يوقع بعده ما يسد مسد المفعولين جميعاً كقولك علمت أيهما فعل كذا، وعلمت أزيد منطلق ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدراً بحرف الاستفهام، وغير مصدر به، ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك علمت أزيد منطلق، وعلمت زيداً منطلقاً انتهى فقيل إنه مضطرب حيث جوزه هنا، ومنعه ثمة، وللشراح فيه كلام فمنهم من سلم، ومنهم من فرق بينهما فقيل إن التعليق لا يختص بالفعل القلبي بل يجري فيه، وفيما يلابسه ويقاربه بالفعل القلبي، وما جرى مجراه إمّا متعد إلى واحد أو اثنين فالأوّل يجوز تعليقه سواء تعدى بنفسه كعرف أو بحرف كتفكر لأنّ معموله لا يكون إلا مفرداً، وبالتعليق بطل عمله في المفرد الذي هو مقتضاه، وتعلق بالجملة ولا معنى للتعليق إلا إبطال العمل لفظا لا محلا وان تعذى لاثنين فإمّا أن يجوز وقوع الثاني جملة كباب علم أولاً فإن جاز علق عن المفعولين نحو علمت لزيد قائم لا عن الثاني لأنه يكون جملة بدون تعليق فلا وجه لعذه منه إذ لا فرق بين وجود أداة التعليق، وعدمها فالتعليق لا يبطل عمل الفعل أصلا كما في علمت زيداً أبوه قائم، وعلمت زيداً لأبوه قائم فإنّ عمله في محل الجملة لا فرق فيه بين وجود حرف التعليق، وعدمه وان لم يجز وورد فيه كلمة تعليق كان منه نحو يسالونك ماذ! ينفقون فإن المسؤول عنه لا يكون إلا مفرداً وهنا احتمالان أن يكون فعل البلوى عاملاً في قوله أيكم أحسن عملا، وفعل البلوى كقتضي أن يكون مختبر ومختبر به، والمختبر به لا يكون إلا مفردا لأنه مفعول بواسطة الباء كقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ} [سورة البقرة، الآية: 155] والتعليق أبطل مقتضاه، وأن تضمن الفعل معنى العلم فيكون العلم عاملا فيه، وهو مفعوله الثاني، ولا يقع التعليق فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 فقد ظهر أن تعليق الفعل في الآية إنما هو على تقدير أعمال فعل البلوى، وعدم تعليقه على تقدير أعمال العلم فلا منافاة قطعا، وقيل التعليق هنا بمعنى تعليق فعل القلب على ما فيه استفهام، وهو بهذا المعنى خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين، وهو في الاستفهام خاصة دون ما فيه لام الابتداء ونحوها صرّح به ابن الحاجب فلا ينافي ما في سورة الملك من أنه ليس بتعليق لأنّ مفعوليه مذكوران فإنما نفى التعليق بالمعنى المشهور، وأمّا الحمل على الإضمار هنا، والتضمين ثمة للعلم، وأنه حمل في كل منهما على وجه للتفنن فلا وجه له بعد تصريح الزمخشري بأنه استعارة، وحاصله أنّ التعليق له معنيان مصطلح، ويعد! بعن، وهو المنفيّ ثمة ولغوقي، ويعدى بالباء، وعلى وتعليقه أن يرتبط به معنى واعرابا سواء كان لفظا أو محلا، وهو المثبت ورد حمل أحدهما على الإضمار، والآخر على التضمين لأنّ عبارته تأبا. وأت قوله تضمن معنى العلم فالمراد أنه يدل عليه فهو كأنه في ضمته بدليل أوّل كلامه فلا ينافيه كما توهم فقد علمت أنّ في التوفيق في الكلامين ثلاثة طرق لهم، ولكن الفضل للمتقدم. (والتحقيق) عندي أنه هنا جعل قوله ليبلوكم أيكم أحسن عملاً بجملته استعارة تمثيلية فتكون مفرداته مستعملة في معناها الحقيقي معطاة ما تستحقه، وفعل البلوى يعلق عن المفعول الثاني لأنه لا يكون جملة إذ هو يتعدى له بالباء، وحرف الجرّ لا يدخل على الجمل وإنما جرى فيه التعليق لأنه مناسب لفعل القلوب معنى كما صرّج به ابن مالك في التسهيل، وغيره، وفي سورة الملك جعله مستعارا لمعنى العلم والفعل إذا تجوّز به عن معنى فعل آخر عمل عمله، وجرى عليه حكمه، وعلم لا يعلق عن المفعول الثاني فكذا ما هو بمعناه فسلك في كل من الموضعين مسلكا تفننا، وهو كثيراً ما يفعل ذلك في كتابه فإن قلت هل لاختياره أحد المسلكين هنا والآخر ثمة وجه أم هو اتفاقي قلت له وجه وهو أنه لما ذكر قبله خلق السماوات والأرض وما فيهما من النعم والمنافع ناسب أن يذكر بعده حال العباد في الشكر وعدمه بمقالة اختبارهم للعلم بذلك، ولما ذكر ثمة قبله خلق الموت والحياة ناسب أن يعقب بإظهار ما هم عليه وعاقبة أمرهم، وحسن الظت به يقتضي أنه قصده، وما قيل إنه في غاية السقوط لأنّ القول بتعليق فعل البلوى من غير اعتبار معنى العلم فيه مجرّد اصطلاح ومخالفة لقول المصنف رحمه الله لما فيه من معنى العلم على أن صلوحه لأن يعمل في تلك الجملة مجرّدا عن معنى العلم ممنوع، ولو سلم فمضمونها ليس بمختبر به فكيف يكون معلقاً بهذا الاعتبار لأنّ المختبر به خلق السماوات والأرض دونه كلام ناشىء من قلة التدبر والتتبع، وكيف يكون مجرّد اصطلاح وقد كال في التسهيل شارك أفعال القلوب ما وافقهن معنى أو قاربهن لا ما لم يقاربهن خلافاً ليونس، وأمّ قوله لما فيه من معنى العلم فالمراد أنه طريق للعلم كالنظر والسؤال كما صرّج به لا أنه مستعمل في معناه، وأمّا منعه في التعليقات فغير مسموع، وأمّا أنه غير مختبر به فعلى طرف الثمام لأنهم اختبروا بما في السماوات والأرض من المنافع فظهر حسن العمل من غيره فما يترتب على المختبر به مختبر عنه، وجعله مختبرأ به باعتبار ترتبه عليه، ثم إن قال إن المفهوم من كلام الكشاف في سورة الملك اختصاص التعليق بأفعال القلوب المتعدية لاثنين، وقال فيما نقل عنه إنّ من شرط التعليق عند النحاة أن لا يذكر شيء من المفعولين كقولك علمت أيهم أخوك، وعلمت لزيد منطلق فلو قلت علمت القوم أيهم أفضل لا يكون تعليقاً، ولذا لم يكن ليبلوكم منه أيضاً فقد نصى على أنه يختص بالأفعال السبعة وبالمفعولين دون الثاني وحده فيشكل بأن الرضي صرّح بخلافه فيهما، ولذا قال في إيضاح المفصل أن تخصيصه بهذه الأفعال ظاهره غير مستقيم، وغاية ما يقال في توجيهه أن جواز تعليق المتعدي إلى واحد مختلف فيه، ومختاره المنع، وما يتعدى إلى اثنين بال! ضمين فيرجع إلى الأفعال السبعة، وأما التعليق عن المفعول الثاني فقد زيفه في الملك بما لا مزيد عليه، والحق حقيق بأن يتبع انتهى (قلت) هذا كله ناشىء من قلة التتبع فإنه قال في شرح التسهيل زعم ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يضمن معناهما ويعمل عملهما، واختلف في التعليق عن المفعول الثاني وحده فقال جماعة من المغاربة نعم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 يعلق عنه نحو علمت زيدا أبو من هو، وكلام التسهيل صبريح فيه وخالفهم جماعة من النحاة لما مرّ فإن قلت ما الراجح من هذين الرأيين قلت رأي من ذهب إلى أنه من باب التعليق بدليل قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} انتهى، وهذا ليس بشيء لأنّ ما ذكره لا يصلح أن يكون دليلا لأن سأل لا يعمل في الجمل فلا يقاس عليه ما نحن فيه فحينئذ لا مخالفة بين كلام الزمخشري، وكلام الرضي نعم ما ذكره الزمخشري لا محيد عنه لمن تدبر. قوله: (كالنظر والاستماع) قال اً بو حيان: لا أعلم أن أحداً ذكر أن استمع تعلق، وإنما ذكروا من غير أفعال القلوب سل وانظر، ورأى البصرية على اختلاف فيها (قلت) كلام التسهيل صريح في خلافه لأنه قال، ومثل ذلك ما وافقهن أو قاربهن يعني من كل ما هو طريق للعلم، وكذا قول الرضي وكذا جميع أفعال الحوأس، وكفى بالزمخشري سندا قوياً. قوله: (وإنما ذكر صيغة التفضيل) الدالة على الاختصاص بالمختبرين الأحسنين أعمالاً مع أنّ اختبار الأعمال شامل لقرق المكلفين وللقبيح، والحسن والأحسن كما عممه في قوله ليبلوكم أي أيها الناس فلا يخص المتقين ومآله إلى سرالين تخصيص الابتلاء بالمؤمنين، وتخصيص الأحسن بالذكر فأجاب بأنه قصد بذلك الحث والتحريض على محاسن الأعمال لدلالته على أن الأصل المقصود بالاختبار ذلك الفريق ليجازيهم أكمل الجزاء فكأنه قيل المقصود أن يظهر فضيلتكم لا فضلكم فإنه مفروغ عنه، وليس يخصيص للخطاب كما توهم لأنّ إظهار حال غيرهم مقصود أيضا لكن لا بالذات، وأحاسن عمع أحسن، ومحاسن جمع حسن على خلاف القياس. قوله: (فإن المراد بالعمل ما يعم عمل! ب الخ) عمم العمل لما يشمل العلم والاعتقاد، واستدل عليه بالحديث الوارد في تفسير: " أحم احسن عملاَ بأحسن عقلاَ وأورع " (1) الخ. وهو حديث مسند لابن عمر رضي الله عنه أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والحاكم بسنده لكنه قيل إنه واه لأن التقوى، وأحسنية العمل تدل على كمال العقل، وصحة العقيدة، وفي الكشف أنه ذكر الزمخشري أن المراد بالأحسن عمل المتقي، وما في الحديث تأييد له، ويحتمل أن يكون وجها ثالثاً ويجوز ان يكون أحسن دالاً على الزيادة المطلقة، وأن يكون من باب أفي الفريقين أحسن مقاما كما قيل. قوله: (أي ما البعث أو القول به الخ) إشارة إلى وجه مطابقة جوابهم لقول الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انحم مبعوثون بوجهين " أحدهما أنه إشارة إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكره البعث والتركيب من التشبيه البليغ أي ما قلته كالسحر في بطلانه، والثاني أنه إشارة إلى القرآنء " نه قال لو تلوت عليهم من القرآن ما فيه إثبات البعث لقالوا هذا المتلوّ سحر، والمراد إنكار البعث بطريق الكناية الإيمائية لأنّ إنكار البعث إنكار للقرآن، وقيل الأولى طرح الوجه الأوّل إذ لا لطف في تشبيهه بالسحر ولعله زاد قوله، والبطلان لذلك، وفيه أنه لا خصوصية له ترجحه من بين الأباطيل، وهو كلام ساقط لأنه أيّ خصوصية أقوى من وقوعه في جواب ذكر البعث لهم، وقد أوضح وجه الشبه بقوله في الحديقة حيث كان ذكره يمنع الناس عن لذة الدنيا الدنية، ويصرفهم إلى الانقياد، ودخولهم تحت الطاعة، وقوله على أن الإشارة إلى القائل هذا يناء على الظاهر، والا فقد جوّز على القراءة الأولى أن تكون الإشارة إليه أيضا بجعله نفس السحر مبالغة، وجوز في هذا كون الإشارة إلى القرآن، وجعله ساحراً مبالغة أيضآ كقولهم شعو شاعر. قوله: (على تضمين قلت معنى ذكرت الخ (أراد بالتضمين المصطلح أي ولئن قلت ذكرا أنكم مبعوثون فهو مفعول للذكر لا للقول، ولذا فتحت ولم يجعله بمعنى الذكر مجازا، وان قيل إنه أظهر لأنّ الذكر والقول مترادفان فلا معنى للتجوز حينئذ، ولما كان معنى القول باقياً في التضمين جاء الخطاب على مقتضاه فما قيل إنه لا وجه له لا وجه له. قوله: (له أو أن تكون انّ بمعنى عل) على لغة في لعل بمعناها وذكرها لأنها أخف ولاً نه ورد استعمالهما في محل واحد إذ قالوا أئت السوق محلك أن تشتري لحماً وأنك تشتري لحماً كما في الكشاف فلا يقال الأولى أن يقول لعل مع أنه أمر سهل من أن يذكر. قوله: (بمعنى توقعوا بعثكم الخ الما كان النبي صلى الله عليه وسلم قاطعاً بالبعث ورد أنه كيف يقول لعلكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 مبعوثون، وأيضاً القراءة المشهورة صريحة في القطع والبت وهذه صريحة في خلافه فيتنافيان فأجابوا عنه بأنّ لعل هنا لتوفع المخاطب لا على سبيل الأخبار فإنهم لا يتوقعون البعث فليس الأمر كذلك بل على سبيل الأمر، ولذا قال بمعنى توقعوا بعثكم، وقد جوّزوا أن يكون هذا من الكلام المنصف، والاستدراح فربما يتنبهون إذا تفكروا ويقطعون بالبعث ومن العجب ما قيل على المصنف رحمه الله تعالى إن ظاهر عبارته أن عل اسم فعل كعليكم، وهو يحتاج إلى نقل فكأنه لم ينظر شيئا من شروح الكشاف، والسكوت في بعض الأماكن أبلغ من النطق. قوله: (وتبتوا) أي تقطعوا من البت، وقوله لعدوه تفسيراً لقوله تعالى ليقولن فلذا أدخل عليه اللام الواقعة في النظم في جواب القسم المقدر، وباء بانكاره صلة البت أي لا تقطعوا بسلبه وانتفائه، وقوله ما لا حقيقة له تفسير للسحر فإنهم أرادوا به الشعوذة، وما لا حقيقة له منه لا مطلق السحر فإن منه ما له حقيقة كما قدمناه، وبهذا يندفع ما يرد على تفسيره بمثله. قوله: (الموعود) في العذاب هنا قولان فقيل هو عذاب الآخر، وقيل عذاب الدنيا، وهو إمّا عذاب بدر أو قتل المستهزئين وهم خمسة نفر ماتوا قبل بدر قال جبريل عليه الصلاة والسلام: أمرت أن أكفئهم أي أقتلهم كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقول المصنف رحمه الله تعالى الموعود شامل لهذه الأقوال، وقوله جماعة من الأوقات فالأمّة بمعنى الطائفة مطلقا وان غلب في العقلاء، وقوله قليلة مأخوذ من قوله معدودة لأنّ الشيء القليل يسهل عده وسيأتي تحقيقه في سورة الكهف. قوله: (استهزاء) يعني أنّ قولهم ما يمنعه من الوقوع للاستعجال، وهو كناية عن الاستهزاء والتكذيب لأنهم لو صدقوا به لم يستعجلوه، وقوله كيوم بدر إشارة إلى ما مرّ. قوله: (ويوم منصوب بخبر ليس مقدّم عليه وهو دليل الخ) أي متعلق بمصروفاً واستدل به البصريون على جراز تقديم خبرها لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم عامله بطريق الأولى، وإلا لزم مزية الفرع على أصله، وقال الشاطبيئ رحمه الله تعالى في شرح الألفية: هذه القاعدة منازع فيها فإنها لا تطرد ألا ترى أنك تقول أما زبداً فاضرب وقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [سورة الضحى، الآية: 9] فقد تقدّم هنا معمول الفعل، والفعل لا يلي أما والحجازيون يقولون ما اليوم زيد ذاهبا، ولا يجوز تقديم خبرها بالاتفاق، والكوفيون أجازوا هذا طعامك رجل يأكل، وزيداً ضربني فأكرمت فقدموا معمولط يأكل، وهو نعت لرجل لا يتقدم على المنعوت ومعمول! رمت، وهو معطوف على ضربني، والمعطوف لا يتقدم على المعطوف عليه، ولا النعت ملى المنعوت، وفي الكشاف ما يخالفه في قوله تعالى: {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} انتهى. وقيل المعمول هنا ظرف يبنى الأمر فيه على التسامح فيه، مع أنه قيل إنه متعلق بفعل محذوف دل عليه ما بعده، وتقديره ألا يصرف عنهم العذاب يوم يأتيهم، وقيل تقديره يلازمهم! وم يأتيهم الخ. وقيل يوم مبتدأ لا متعلق بمصروفا، وبني على الفتح لاضافته للجملة، وفي نجاء الظرف إذا أضيف لجملة صدرها فعل مضارع معرب خلاف للنحاة سيأتي فهذا الجواب غير مسلم، وهذا الخلاف بينهم في تقديم الخبر على ليس لا على اسمها فإنه جائز بلا خلاف، والكلام فيه وفي أدلته مفصل في كتب النحو، وقوله وضع الماضي الخ لأنّ مقتضى الظاهر المناسب لما قبله ويحيق، وكان الظاهر أيضا أن يقال ما كانوا به يستعجلون لكنه وضع موضعه لما ذكر. قوله: (ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها (لما كاق الذوق اختبار طعم المطعوم ملائما كان أولاً وكانت الرحمة النعمة مطلقا مطعوما أو غيره كان الذوق عاما من هذا الوجه، ولما أريد ما يلائم، ويستلذ منه كان خاصا من وجه فلذا فسره ر! اذكر، وجعله مجازاً عنه، وفوله منا بيان لأنها بمحض الفضل، والأنعام لا الاستيجاب، وقوله منه إما بمعنى من أجل شؤمه فمن تعليلية أو صلة للنزع، وقوله لقلة صبره في الكشاف لعدم صبره لأنه لا يخلو من صبر ما أو المراد بالقلة العدم، وهو المناسب لما بعده، وقوله بعد عدم بالضم أي فقر. قوله: (وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى) المراد بالفعلين أذقنا ومسته أي لم يقل مسسناه بالإسناد إلى ضمير المتكلم كما في أذقنا للدلالة على أن مس الضر ليس مقصود بالذات إنما وقع بالعرض بخلاف إذاقة النعماء كما أشار إليه المصنف في غير هذا المحل، وعلى هذا ينبغي أن يفسر قوله، ثم نزعناها منه بمن أجل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 شؤمه، وسوء صنيعه وقبيح فعله ليكون قوله منا، ومنه مشيرا إلى هذا المعنى، ومنطبقا عليه كما قال تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [سورة النساء، الآية: 79] وقيل المراد بالفعلين تحوّل النعمة إلى الشدة وعكسه لا الفعل الاصطلاحيّ يعني أنّ اختلافهما في التعبير حيث بدأ في الأوّل باعطاء النعمة، واذاقة الرحمة، ولم يبدأ في الثاني بإذاقة الضرّ على نمطه تنبيها على سبق رحمة الله على غضبه، وقيل المراد أذقنا ومست، واختلافهما تخصيص! الأوّل بالنعماء، والثاني بالضراء، والنكتة تغليب جانب الرحمة، ولا يخفى أنّ ذكره بعيداً يأباه. قوله: (أي العصائب التي ساءتني (المصائب جميع مصيبة، وكان القياس فيه مصاوب لكنهم شبهوا الأصلي بالزائد، وقول الخليل إنه الخطا الواضح مراده هذا لكنه تسمح في تعبيره، وقوله ساءتني يشير إلى أن السيئة هنا من المساءة ضدّ المسرّة لا بمعنى الخطيئة، ومعنى ساءتني فعلت بي ما أكره. قوله:) بطر بالنعمة مغترّ بها) فرح كحذر بمعنى فاعل حول للمبالغة والفرج أكثر ما يرد في القرآن للذم فإذا قصد المدح قيد كقوله: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة آل عمران، الآية: 70 ا] . قوله: (تنبيه على أنّ ما يجده الإنسان في الدنيا الخ) وجه التنبيه ظاهر لأنّ المس أوّل الوصول، والذوق ما يخبر به الطعوم فمحن الدنيا لسرعة تقضيها للمؤمن كلا شيء ولغيره أنموذج لما بعده، ولذا قد يقصد بذلك المبالغة لاشعاره بأنه مقدمة لغيره، والتنبيه الأوّل محصله الإشارة إلى أنها أنموذج ما بعدها، وقوله وأنه يقع معطوف على أنّ ما يجده، وهذا تنبيه على عدم صبر الإنسان، وأنه يتحوّل بأدنى شيء من الخير والشر وليس ابتناء الثاني على أن المراد أدنى ما يطلق عليه اسم الذوق، والمس والأوّل على خلافه، وأنه محمول على أصل وضعه كما توهم. قو! ": (كالأنموفي) قيل عليه أنه قال في القاموس: النموذج بفتح النون معرب، والأنموذج لحن قلت هذا لم تعرّبه العرب قديما، وما ذكره في القاموس تبع فيه الصاغاني، وليس كما قال ففي المصباح المنير الأنموذج بضم الهمزة، والنموذج بفتح النون معرب، وأنكر الصاغاني أنموذج لأنّ المعرّب لا يزاد فيه انتهى، وما ذكره الصاغاني ليس بصحيح ألا تراهم قالوا في تعريب هليله اهليلج كما أوضحناه في شفاء الغليل نعم هو أفصح كما في شعر البحتري: أو أبلق يلقي العيون إذ أبدا من كل شيء معجب بنموذج قوله: " يماناً بالله تعالى واستسلاماً لقضائه الما تضمن اليأص عدم الصبر، والكفران عدم الشكر كان المستثنى من ذلك ضدّه ممن اتصف بالصبر والشكر فلما قيل إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات كان بمنزلة إلا الذين صبروا وشكروا، وذلك من صفات المؤمن فكنى بهما عته فلذا فسره في الكشاف بقوله إلا الذين آمنوا فإنّ عادتهم أن نالتهم رحمة أن يشكروا وان زالت عنهم نعمة أن يصبروا فلهذا حسنت الكناية به عن الإيمان وأمّا دلالة صبروا على أنّ العمل الصالح شكر لأنه ورد في الأثر الإيمان نصفان نصف صبر، ونصف شكر، ودلالة عملوا الخ على أنّ الصبر إيمان لأنهما أخوان في الاستعمال فغير مطابق لما نحن فيه إلا أن يراد وجه آخر كأنه قيل إلا المؤمن الصالح الصابر الشاكر، وهو وجه لكن القول ما قالت حذام لأنّ الكناية تفيد ذلك مع ما فيها من الحسن، والمبالغة كذا أفاد. المدقق في شرحه، وكلام المصنف رحمه الله تعالى لا يخالفه فما قيل إنّ المسلم يثق بالله أن يعيد نعمه إن زالت، ولا يغتر بالنعم بل يشكر لعلمه أنها من فضله بخلاف الكافر، وهذا باعتبار الأغلب، وأنه من شأنهم فلا يضر تخلفه في بعض الأفراد كما توهم، ثم قال إنّ قوله إيماناً، وشكراً إشارة إلى أن تعبير جار الله له بالإيمان ليس كما ينبغي غير مسلم، ووصفه الأجر بالكبير لأنه مخلد مع ما معه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولذا قال أقله الجنة ورضوان من الله كبر، واختاره على عظيم لرعاية الفاصلة. قوله: (والاستثناء من الإنسان الخ) إشارة إلى أنّ اللام للجنس، والاستغراق من شعبه فيحمل عله حيث لا عهد ومن حمله على الكافر جعله للعهد لسبق ذكره فيكون الاستثناء منقطعا. قوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك الما كان الترجي يقتضي التوقع، وتوقع ترك التبلغ لما أمر بتبليغه أو التواني للتقية، ونحوها مما لا يليق بمقام النبوّة قيل في الجواب عنه لا نسلم أن لعل هنا للترجي بل هي للتبعيد فإنها تستعمل لذلك كما تقول العرب لعلك تفعل كذا لمن لا يقدر عليه فالمعنى لا تترك، وقيل إنها للاستفهام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 الانكاري كما في الحديث: " لعلنا أعجلناك) (1) وان سلم فهو لتوقع الكفار فإنه قد يكون لتوقع المتكلم، وهو الأصل لأنّ معاني الانشا آت قائمة به، وقد يكون لتوقع المخاطب أو غيره ممن له تعلق، وملابسة بمعناه كما هنا فالمعنى أنك بلغ بك الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه، ولو سلم أن المتوقع منه هو النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا يلزم من توقع الشيء وقوعه، ولا ترجح وقوعه لوجود ما يمنع منه وعلى هذا اقتصر المصنف رحمه الله تعالى، وتوقع ما لا يقع منه المقصود تحريضه على تركه، وتهييج داعيته كما أشار إليه في الكشاف وسيأتي جواب آخر عن هذا، وقوله تترك الخ إشارة إلى أنّ المراد باسم الفاعل المستقبل ولذلك عمل، وأنّ المراد ترك تبليغهم لا مطلق التبليغ، وما يخالف كالطعن في آلهتهم، والخيانة في الوحي كتمه والتقية الترك للخوف، والترك في بعض الأحيان لداع ليس بخيانة لأنه لا يوجب الفوت فيرتفع الوثوق به ويفوت مقصود البعثة، وقوله أن يكون ما يصرف الخ. كان تامّة وفي بعض النسخ أقوى فهي ناقصة. قوله تعالى: ( {وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (قيل: هو معطوف على تارك سواء كان جملة أو مفردا ورد بأنّ هذا واقع لا متوقع قالوا وحالية، وفيه نظر لأنّ ضيق صدره من الموحى به أن حمل على ظاهره ليس بمتوقع أيضا وإنما يضيق صدره لما يعرض في تبليغه من الشدائد، وهذا بناء على ما فسروه فإن قلت إذا كان المعنى كأني بك ستترك بعض ما أوحي إليك وشق عليك أذني ووحيي أيضاً، وهو أن يرخص لك فيه كما أمر الواحد بمقاومة عشرة، ثم أمروا بمقاومة الواحد لاثنين، وغير ذلك من التخفيفات لم يكن فيه محذور أصلا قلت يأباه قوله أن يقولوا الخ نعم لو أريد ترك الجدال بالقرآن إلى الجلاد، والضرب والطعان لأنّ هذه السورة مكية نازلة قبل الأمر بالقتال صح فتأمّله، وعدل عن ضيق الصفة المشبهة إلى اسم الفاعل ليدلّ على أنه مما يعرضى له لأنّ الله تعالى شرح صدره، وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحوّل إلى فاعل فيقولون في سيد سائد وفي جواد جائد وفي سمين سامن قال: بمنزلة أمّا اليتيم فسامن وأمّا كرام الناس باد شحومها وظاهر كلام أبي حيان أنه مقيس وقيل إنه لمشابهة تارك ومنه يعلم أنّ المشاكلة قد تكون حقيقة وقول المصنف رحمه الله تعالى، وعارض! لك أحيانا إشارة إلى دلالته على الحدوث، ومنه تعلم أنّ المشاكلة غير مناسبة للمقام. قوله: (بأن تتلوه عليهم مخافة أن يقولوا الخ) بأن متعلق بعارض أي عارض بسبب تلاوته وهو تفسير لقوله به فالضمير للقرآن، وهو ما يوحى، وأن يقولوا في محل نصب أو جرّ على الخلاف في أن وأن وما معهما بعد حذف المضاف أو حرف الجز، وقيل تقديره لئلا يقولوا أو بأن يقولوا أو كراهة أن يقولوا وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: لأن يقولوا أي لأن قالوا فهو بمعنى الماضي قيل ولا حاجة إليه، وكيف يذعي ذلك، ومعه ما هو نص في الاستقبال يعني أن (قلت (بل إليه حاجة، وهو أنه روي في سبب النزول أنهم قالوا اجعل لنا جبال مكة ذهبا أو ائتنا بملائكة يشهدون بنبوّتك إن كنت رسولاً، وروي أن كلا قالته طائفة، وقيل القائل ابن أمية، ولذا قيل إن تقدير كراهة أولى من تقدير مخافة لوقوع القول إلا أن يراد مخافة تكريره، وعلى الجمع يحتاج الإنزال إلى التأويل (قلت) الظاهر أنّ التقدير أن يقولوا مثل قولهم لولا الخ، وحينئذ لا يرد شيء، ولا تخرج أن المصدرية عن مقتضاها، وقوله وقيل الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة أن يقول الضمير للقرآن يعني لما يوحى الدال عليه، وقوله ولا عليك أي لا بأس عليك، واسم لاسمع حذفه في مثله، وقوله يضيق به صدرك جمل حالية، وهي المستفهم عنها في الحقيقة وقوله فتوكل الخ تفريع عليه لأنه بمعنى قائم بكل أمر وحافظ له. قوله: (أم مئقطعة والهاء لما يوحى) ذكروا فيها وجهين أحدهما أنها منقطعة فتقدر ببل، والهمزة الإنكارية أي بل أيقولون وقيل إنها متصلة، والتقدير أيكتفون بما أوحينا إليك أم يقولون إنه ليس من عند الله، والأوّل أظهر، ولذا اقتصر عليه المصنف. قوله: (في البيان وحسن النظاً تحدّاهم أوّلاً الخ) دفع لسؤال، وهو أنه قد سبق التحدي بسور من مثله في البقرة، ويونس فما وجه التحدي بعد ذلك بعشر سور مطلقاً أو ما تقدم إلى هنا كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأن نوزع فيه بأن بعضها مدنيّ وهذه مكية، ولا معنى للتحدي بعشر لمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 عجز عن التحذي بواحد بأنّ هذا التحدي وقع أوّلاً فلما عجزوا تحداهم بسورة مما مرّ وان كان سابقاً في التلاوة متأخر في النزول، واعترض بأنّ هذا يقتضي تقدم هذه السورة على سورة البقرة وبونس، وقد أنكره المبرّد، وقال الأمر بالعكس، ووجهه بأنّ ما وقع أولاً هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الأخبار عن المغيبات والأحكام، وأخواتها فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بأن يأتوا بعشر سور مثله في النظم، وان لم تشتمل على ما اشتمل عليه، وقيل عليه أنه لا يطرد في كل سورة من القرآن وأنّ تقدم السورة على السورة لا يقتضي تقدم جميع آياتها فيجوز تأخر تلك الآية عن هذه، وأمّا تكرّرها في البقرة ويونس فلا بأس فيه. (قلت (أمّا قوله غير مطرد فلا وجه له لأن مراده اشتماله على شيء من الأنواع التسعة ولا يخلو شيء من القرآن عنها، وأمّا اذعاء تأخر نزول تلك الآية فخلاف الظاهر، ومثله لا يقال بالرأي فالحق ما قاله المبرّد من أنه تحداهم أوّلاً بسورة مثله في البلاغة، والاشتمال على ما اشتمل عليه فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بالإتيان بعشر سور مثله في النظم من غير حجر في المعنى، ويشهد له توصيفها بمفتريات وأمّا ما قيل إن التحدّي بسورة وقع بعد إقامة البرهان على التوحيد، وابطال الشرك فتعين أن يكون لإثبات النبوّة بإظهار معجزة، وهي السورة الفذة، ولذا قال المحققون القرآن هو الكلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه والتحدي بعشر وقع بعد تعنتهم، واستهزائهم، واقتراحهم آيات غير القرآن لزعمهم أنه مفتري فمقامه يناسبه التكثير لأنه أمر مفتري عندهم فلا يعسر لإتيان بكثير مثله فمع قلة جدواه لا وجه لما أسسه عليه كما في الكشف. قوله: (وثوحيد المثل باعتبار كل واحد) أي كان الظاهر مطابقته لموصوفه في الجمعية لكنه أفرد بتاويله بكل واحد منها مثله إذ هو المقصود لا مماثلة المجموع، وقيل مثل، وان كان مفرداً يجوز فيه المطابقة، وعدمها لأنه يوصهف به الواحد، وغيزه نظراً إلى أنه مصدر في الأصل كقوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} وقد يطابق كقوله: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ} [سورة الواقعة، الآية: 22] وقيل إنه هنا صفة لمفرد مقدر أي قدر عشر سور مثله، وقيل إنه وصف لمجموع العشر لأنها كلام، وشيء واحد، وأيضا عشر ليس بصيغة جمع فيعطي حكم المفرد كنخل منقعر. قوله: (مفتريات مختلقات الخ) قال الإمام استدل بهذه الاية على أن إعجاز القرآن بفصاحته لا باشتماله على المغيبات، وكثرة العلوم إذ لو كان كذلك لم يكن لقوله مفتريات معنى أمّا إذا كان بالفصاحة فالفصيح يكون صدقا وكذبا، وقيل عليه إنّ الملازمة ممنوعة لأن معنى قوله مفتريات من عند أنفسكم كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا كذباً وردّ بأن معنى الافتراء الكذب، والاختلاق اختراع الكذب لا مطلق الاختراع كما ظنه لكن ما ذكر. إنما يدل على صحة كون وجه الإعجاز ذلك، ولا يمنع احتمال كونه الأسلوب الغريب، وعدم اشتماله على التناقض، وقوله من عند أنفسكم قيده به لأنّ المعنى عليه إذ هم عرب عرباء فصحاء فالمطلوب الإتيان به من عندهم لا من عند غيرهم، وكذا ما بعده. قوله: (لتعلمكم القصص والأشعار الخ) ذكره توطئة لما بعده ولا منافاة فيه لما قبله كما توهم، والنظم عطف تفسيري للقريض إن لم يرد به ترتب المعاني الأول في النفس كما وقع في كلام عبد القاهر بهذا المعنى، وقوله فصحاء مثلي المثلية أمّا في عدم القدرة على طبقة الإعجاز أو تنزل منه صلى الله عليه وسلم فلا يرد أنه أفصح العرب بالاتفاق كما قيل. قوله تعالى: ( {وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم} ) قدم تفسيره باستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به، وقوله من دون الله متعلق بادعوا كما مرّ وفائدة ذكره الإشارة إلى أنه لا يقدر على مثله إلا الله، وقد مرّ تحقيقه. قوله: (وجمع الضمير الخ) يعني أن الأمر بقل للنبيّ صلى الله عليه وسلم فمقتضاه أن يقال لك لكنه جمع للتعظيم بناء على أنّ ذلك لا يختص بضمير المتكلم كما قاله الرضي أو الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين لأنهم كانوا يتحدّون أيضا، وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم شامل لهم لأنهم مأمورون بما أمر به ما لم يعلم أنه من خصائصه، وفي هذه المسألة اختلاف عند الشافعية كما صرّح به في جمع الجوامع لكن الأصح عندهم إن أمره بشيء لا يتناول أقته والمصنف رحمه الله تعالى ذهب هنا إلى القول المرجوح عندهم، ومحل الخلاف ما لم يكن المأمور به يقتضي المشاركة كالقتال فما قيل إنّ قوله وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الخ تعليل لقوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 كانوا يتحدونهم، وهو مخالف لمذهبه غير وارد وهاهنا بحث، وهو أنه ذكر في الكشاف تأييداً لهذا الوجه قوله تعالى في موضع آخر فإن لم يستجيبوا لك فاعترض! عليه بعض علماء العصر بأنه لا يصلح لتأييده بل لتأييد كون المراد الرسول صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم، وأجاب بأنه تأييد له بالنسبة للوجه الثالث إذ محصله أنّ الضمير للمتحدّي لا للمشركين، ولا يخفى بعده، ولو قيل إنه تأييد له لأنه خوطب النبيّ صلى الله عليه وسلم في محل آخر بالكاف، ولو كان الجمع للتعظيم جمع هناك أيضاً فتأثل. قوله: (وللتنبيه على أنّ التحدّي الخ (الظاهر أنه معطوف على قوله لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم والوجوه ثلاثة إمّا أن يكون ضمير الجمع للرسول صلى الله عليه وسلم وحده جمع للتعظيم أو له وجمع مجازا أيضا تنزيلاً لفعله منزلة فعلهم جميعا لأنهم معه على حدّ بنو فلان قتلوا قتيلا، وجعل فعله كفعلهم إشارة لما ذكره، وعطفه باً لواو لاشتراكه مع الأوّل في أنه مجاز، وأنه يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده فيهما بخلاف الثاني فإنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين فالجمع على حقيقته، وقيل إنه عطف على قوله لأن المؤمنين، والفرق بينهما أنّ مبني الأوّل على كونهم متحدين حقيقة معه صلى الله عليه وسلم، ومبني الثاني على كونهم حاضرين عند تحديه غير غافلين عنه فكأنهم متحدون أيضاً، وإنما عطف بالواو دون أو مع تباين مبناهما لاتحادهما في كون الخطاب للمؤمنين فهما مباينان للأوّل لكون الخطاب فيه للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده، وقيل إنه معطوف على لهم، والمعنى لأنّ المؤمنين الخ يعني في الخطاب تنبيه لهم على أنّ التحدي يوجب ما ذكر فوجب أن لا يغفلوا عنه، ويشتغلوا به، وقيل إنه معطوف على قوله من حيث الخ يعني أمر قل يتناولهيم لدليلين أحدهما ما تقرّر أنه يجب اتباعه عليهم، والثاني أنّ في تناول هذا الأمر تنبيها على أن التحذي الخ فهذا دليل مخصوص يتناول هذا الأمر بخصوصه بخلاف الأوّل لعمومه في كل أمر سوى ما خصه الدليل، وقيل عليه أن التنبيه المذكور يصلح أن يكون باعثا لا يراد الخطاب في لكم جميعا بعدما أورد مفرداً، ولا يصلح أن يكون دليلا يثبت به تناول الأمر الوارد بلفظ المفرد كما ثبت بما قبله، وهذا مبنيّ على انّ المراد بالتحدي تحدي النبيّ صلى الله عليه وسلم أو جنسه، وأنّ المراد بقوله فلا تغفلون عنه أنهم يفعلونه أو يراقبونه فعلى أن المراد الجنس وفعلهم له يكون مندرجا في العلية، ويصلح دليلاً، ولا ورود لاعتراضه ويظهر وجه عطفه بالواو أيضا فتدبر. قوله: (ولذلك رتب عليه قوله الخ) أي لكونه يزيدهم رسوخا في الإيمان بالله وكتبه، ورسله عليهم الصلاة والسلام رتب عليه ما يدلّ على ذلك. قوله: (إنما أنزل بعلم الله ملتبساً بما لا يعلمه الخ) جعل ما كافة، وفي أنزل ضمير ما أوحى، وبعلم الله حال أي ملتبسا بعلمه، وإنما هذه تفيد الحصر كالمكسورة على الصحيح فالمعنى ما أنزل إلا ملتبساً بعلمه لا يعلمه غيره، وهو معنى قول المصنف رحمه الله لأنه إذا التبس بعلمه لا يعلمه إلا هو، والمراد بما لا يعلمه غيره، ولا يقدر عليه سواه الكيفيات، والمزايا التي بها الإعجاز والتحدّي، ومن ضم إليه المغيبات لأنها لا يعلمها سواه فلبيان الواقع لا لأنّ به التحدي لكنه لا ينافيه، وضمّ المصنف رحمه الله إليه قوله، ولا يقدر عليه سواه مع أنّ المذكور في النظم العلم دون القدرة قيل لأنّ نفي العلم بالشيء يستلزم نفي القدرة لأنه لا يقدر أحد على ما لا يعلم فتأمّل. قوله: (لا يعلمه إلا الله) قال صاحبنا الفاضل المحشي الذي يظهر من هذه العبارة أن يكون كلا جانبي الحصر بعد الباء فلا يكون محمولاً على استفادة الحصر من أنما المفتوحة كما ذكره العلامة في سورة الكهف بل هو مستفاد من الإضافة كما في قوله فلا يظهر على غيبه أحداً أي على غيبه المخصوص بعلمه كما أفصح عنه خاتمة المفسرين هنا اص. قوله: (لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر الخ) دليل للحصر المفيد العلم لهم لأنه علم ما لا يعلمه غيره وقدر على ما لا يقدر عليه سواه فقوله بما لا يعلم ناظر إلى العلم، ولا يقدر إلى القادر وعطفه عليه على حد قولهم متقلداً سيفا، ورمحاً أي والقادر على ما لا يقدر الخ. فلا يرد أنّ قادراً لا يتعدى إلى قوله بما لم يعلم. قوله: (ولظهور عجز ا-لهتهم الخ) هذا مخصوص بالمشركين دون من آمن من أهل الكتاب فلهذا صرّح به، وإن دخل فيما قبله فلا يقال إنه لا حاجة لذكره فالمؤكد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 لإيمانهم قوله فاعلموا إنما أنزل بعلم الله، وقوله، ولتنصيص الخ عليه متعلق بتنصيص، والمراد بهذا الكلام القرآن لا فوله لا إله إلا الله حتى يقال إعجاز بعض آية لم يقل به أحد، وهذا دليل آخر على الوحدانية مركب من السمعيّ، والعقلي لكنه قيل عليه لا يتوجه به تفريعه على عدم الاستجابة، وهو المقصود فتأمّل، والتهديد وما بعده مبنيّ على تفسيره بما مز. قوله:) ثابتون على الإسلام الخ) هذا بناء على أنّ الخطاب للمسلمين، وقوله مطلقا بالنسبة إليهم، والى من دعوهم لمعاونتهم، والى غيرهم من المسلمين لأنهم وإن لم يباشروا المعارضة علم من عجز من هو في مرتبتهم أو عرفوه بما فهموه من أمارات إعجازه. قوله: (ويجورّ أن يكون الكل خطاباً) أي في لكم للمشركين، والضمير الغائب في يستجيبوا لمن دعوهم فيعود على من في من استطعتم، ويكون ذلك من مقوله داخلا في حيز قل، وعلى الأوّل هو من قول الله للحكم يعجزهم كقوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [سورة البقرة، الآية: 24] وقوله، وقد عرفتم الخ جزم به، ولم يقل وعرفتم عطفا على لم يستجيبوا لدلالة استعانتهم المفروضة على ثبوت عجزهم. قوله: (أنه نظم لا يعلمه إلا الله الخ) أي لا يحيط بما فيه من البطون والمزايا إلا هو، وما دعاهم إليه من التوحيد يعلم لثبوت نبوّته يك! يه! بالمعجزة، وقوله وفي مثل هذا الاستفهام أي إلاستفهام بهل فإنها لطلب التصديق، وترتبه بالفاء على ما قبله يقتضي وجوبه من غير مهلة بشهادة التعبير بمسلمون دون تسلمون، والتنبيه المذكور من الفاء في قوله فهل، وظاهر كلامه يثير إلى ترجيحه كما في الكشاف لأنّ الكلام بحسبه ملتثم موافق لما قبله لأن ضمير الجمع في الآية المتقدمة للكفار، والضمير في هذه الآية ضمير الجمع فليكن للكفار أيضاً ولأنّ الكفار أقرب المذكورين فرجوع الضمير إليهم أولى، ولأنّ الحمل على المؤمنين يحتاج إلى تأويل العلم، والإسلام بالدوام، والخلوص بخلافه على هذا، ويمكن جعله راجعاً إليهما بأن يكون المراد إبجاب الدوام، والخلوص، وزوال العذر عن تركه، وقوله بإحسانه الضمير راجع لمن أي من يريد بإحسانه الدنيا أو الرياء، ولم يخلصه لوجه الله، وإنما قدّر ذلك لاقتضاء السياق، ولأنه لو أريد ظاهره لم يكن بين الشرط، والجزاء ارتباط لأنه ليس كل من تلذذ بالدنيا كذلك. قوله: (نوصل إليهم جزاء أعمالهم) يعني أنّ في الكلام مضافا مقدّرا أو الأعمال عبارة عن الجزاء مجازا والأوّل أولى ووفى يتعدى بنفسه فتعديه بإلى إمّا لتضمنه معنى نوصل أو لكونه مجازاً عنه، والظاهر من كلامه الثاني لأنه لو أراد الأوّل قال نوصله إليهم، وافيا كما في الكشاف، وقوله من الصحة الخ إشارة إلى ما سيأتي من احتمال من للوجوه الآتية، وقوله والرياسة هو ناظر إلى كونه في المرائين كما فسره الزمخشريّ بقوله فعلت ليقال كذا وكذا، وقد قيل فليس مخالفاً له كما قيل، وقوله ونوفي بالتخفيف أي من باب الأفعال بإثبات الياء إتا على لغة من يجزم المنقوص بحذف الحركة المقدرة كما في قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي أو على ما سمع في كلام العرب إذا كان الشرط ماضيا من عدم جزم الجزاء إمّا لأنها لما لم تعمل في الشرط القريب ضعفت عن العمل في الجزاء فتعمل في محله دون لفظه، ونقل عن عبد القاهر أنها لا تعمل فيه أصلاً لضعفها، والذي نقله المعرب أنّ للنحاة فيه مذهبين منهم من قال إنه في نية التقديم، ومنهم من قال إنه على تقدير الفاء، ويمكن أن يردّ ذلك إلى هذا، وليس مخصوصاً بما إذا كان الشرط كان على الصحيح وأمّا قراءة الجزم فظاهرة وما نقل عن الفرّاء من أنّ كان زائدة فيها كأنه أراد أنها غير لازمة في المعنى فقدر إقحامها ليكون الشرط مضارعا في المعنى فيقتضي جواباً مجزوماً فلا يرد عليه أنه غير صحيح للزوم أن يقال يرد بالجزم وفي الأحكام أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ ما سبيله أن لا يفعل الأعلى وجه القرية لا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنّ الأجرة من حظوظ الدنيا فمتى أخذ عليه الأجرة خرج من أن يكون قربة بمقتضى الكتاب، والسنة. قوله: (كقوله: وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لاغائب مالي ولا حرم) هذا البيت- من كقصيدة لزهير بن أبي سلمى في مدح ممدوحه هرم بن سنان، وهي من القصائد المشهورة فلذا لم أورد منها شيئا لشهرتها، والخليل هنا من الخلة، وهي الفقر أي فقير، والمسغبة المجاعة، والمراد زمان الشدّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 والقحط، وحرم بفتح الحاء، وكسر الراء من الحرمان بمعنى ممنوع أي لا يعتذر إليه بعذر كما لي غائب أو لا أعط بل يسارع إلى البذل لكرمه. قوله: (لا ينقصون شي! اً- مبن أجورهم) ينقصون مجهول، وشيئا تمييز وضمير فيها ظاهره أنه للدنيا لكن قيل الأظهر أن يكون للأعمال لئلا يكون تكراراً بلا فائدة ورذ بأنّ فيه فائدة لإفادته أنّ البخس ليس إلا في الدنيا فلو لم يذكر توهم أنه مطلق لأنّ المعنى هم غير مظلومين في إيفاء جزاء أعمالهم في الدنيا دون تأخيره إلى دار القرار، والمصنف رحمه الله تعالى لم يتعرّض فلا يرد عليه شيء كما قيل مع أنه يكون للتأكيد، ولا ضرر فيه. قوله: (والآية الخ) وإذا كانت في الكفرة وبرهم أي إحسانهم فهي على العموم لأنهم يعجل لهم ثواب أعمالهم في الدنيا على المشهور، وقيل إنه يخفف به عنهم عذاب الآخرة، ويشهد له قصة أبي طالب فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر إنها في منكري البعث أو المرائين من مقريهم إذ لا يتمشى على القولين لكن حصرهم في الكينونة في النار يقتضي أنها في الكفار، ومنافقيهم لا في أهل الرياء إلا أن يقال المعنى ليس يحق لهم إلا النار، وجائز أن يعفى عما استحقوه، ويكون المراد من سوقها كذلك التغليظ في الوعيد، والحاصل أنه تعالى ذكر بطلان أعمال هؤلاء، والأعمال الباطلة إفا أعمال الكفار أو أعمال أهل الرياء إذ غيرهم لا يبطل عمله فلذا اختلف فيه المفسرون، ورجح العلامة الأوّل لأنّ السياق في الكفرة، ولأن قوله ليس لهم في الآخرة إلا لنار لا يليق على إطلاقه إلا بهم، وعلى تفسير. بأهل الرياء لا بد من تقييده فيقال ليس لهم في الآخرة بسبب أعمالهم الريائية إلا النار كما في شرح الكشاف، والأصل عدم التقييد، وهو معنى قول المصنف رحمه الله تعالى في مقابلة ما عملوا أو يؤوّل بما مرّ لكن لا حاجة إليه في كلام المصنف رحمه الله تعالى إلا أن يقال إنه يؤول إليه فمراده بيانه تأمّل، وقوله الحسنة بالرفع صفة صور، وأوزار العزائم جمع عزيمة، وهي نيته بما فعل من الرياء، وغيره. قوله: (لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة الم يقل لم يبق لهم ثواب في الآخرة على أنه تفسير لحبط العمل لأنه ليس معنى الحبط إذ معناه إبطالها بعد تحققها، وليس بمراد بل المراد أنهم لا يجازون في الآخرة إمّا لجزائهم عليها في الدنيا أو لأنها لا تستحق شيئاً من الجزاء، وهذا المعنى معنى مجازفي للحبط عليها فلا وجه لما قيل حق التعبير ترك التعليلى إلى التفسير، وقوله أو لم يكن الترديد مبنيّ على أنّ المرائين من المؤمنين لهم ثواب في الآخرة بأعمالهم إلا أنهم لما استوفوا ما يقتضيه صورها في الدنيا لم يبق لهم ثواب في الآخرة، ويجوز أن لا يعتبر في حق ثواب الآخرة لأن العمدة في اقتضائه الإخلاص فتأمّله. قوله: (ويجوز تعليق الظرف الخ) وإذا تعلق بحبط فالضمير للآخرة، وقوله في نفسه قيده به ليفيد ذكره بعد الحبط فالمراد بالبطلان الفساد لعدم شرط الصحبة، وإلا فإن أريد به عدم بقائه لعدم بقاء الأعراض فجميع الأعمال كذلك، وإن أريد عدم الانتفاع رجع إلى الحبط، وقوله لأنه لم يعمل على ما ينبغي فلذا كان في نفسه باطلا، وهو توطئة لما بعده. قوله: (وكأنّ كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها) فيكون المعنى ليس لهم في الآخرة إلا النار لحبوط أعمالهم، وعدم ترتب الثواب عليها لبطلانها، وكونها ليس على ما ينبغي فإن قيل حبط ما صنعوا، وبطلان ما عملوا يقتضي أن لا ينتفعوا به لا أن يكون لهم النار فكيف تصح العلية قلنا إذا بطل عمل الجوارح لم يبق لهم إلا أوزار العزائم السيئة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فلهم النار في مقابلته فإذا عرفت بهذا وجه تعليل الحبوط لما قبله، وعلمت أنّ علة الحبوط لكونه لم يكن كما ينبغي، وهو معنى بطلانه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ندفع ما قيل إنه لقائل أن يقول ما قبلها مركب من أمرين ثبوت النار لهم ونفي الثواب عنهم، وحبوط ما عملوا ليس بعلة للأوّل لأنّ علته أوزار العزائم كما أشار إليه، ولا للثاني لأنّ الحبوط نفس نفي الثواب فلا يكون علة لنفسه. قوله: (وقرئ باطلأ على أنه الخ) وهذه القراءة شاذة ونسبت لعاصم، وقد خرّجت على ثلاثة أوجه الأوّل أن ما زائدة، وباطلاً منصوب بيعملون، وفيه تقديم معمول خبر كان، وفيه كتقديم الخبر خلاف، والأصح الجواز، والثاني، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى أنّ ما إبهامية، وباطلا منصوب بيعملون أيضاً، وما صفة للنكرة، والمعنى باطلا أقي باطل، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 وهي كما في قوله: وحديث ما على قصره ولامرماجدع قصيرأنفه وقيل إنها زائدة للتوكيد وقد تقدم تفصيله في قوله تعالى: {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} [سورة البقرة، الآية: 26] والثالث أن يكون باطلا مصدراً بوزن فاعل كما في البيت المذكور، وهو منصوب بفعل مقدر، وما اسم موصول فاعله، واليه أشار بقوله أو في معنى المصدر الخ. قوله: (ولا خارجاً الخ) وهذا من شعر للفرزدق، وقد حلف أن لا يقول الشعر، ولا يذمّ أحداً وتزهد وأقبل على قراءة القرآن، وقال: ألم ترني عاهدت ربي وأنني لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا أشتم الدهرمسلما ولا خارجاً من فيّ زوركلام أضمر الفعل كأنه قال، ولا يخرج خارجا، وجعل خارجاً موضع خروجاً، وعطف الفعل المضمر، وهو ولا يخرج على لا أشتم، ولا أشتم جواب للقسم أي حلفت بعهد الله لا أشتم الدهر مسلما، ولا يخرج من فيّ زور كلام خروجا، والرتاج باب الكعبة، وكان حلف عنده. قوله: (وبطل على الفعل (أي، وقرئ بطل على صيغة الفعل الماضي المعطوف على حبط، وهي من الشواذ. قوله تعالى: ( {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} (فيه وجهان أحدهما أنه مبتدأ، والخبر محذوف تقديره أفمق كان على هذه الأشياء كغيره كذا قرّره أبو البقاء، وأحسن منه أفمن كان كذا كمن يريد الحياة الدنيا، وزينتها، وحذف معادل الهمزة، ومثله كثير والهمزة للتقرير، والثاني وهو الذي نحاه الزمخشري أنه معطوف على مقدّر تقديره أمن كان يريد الحياة الدنيا فمن كان على بينة سواء أو يعقبونهم في المنزلة، ويقاربونهم لما بينهما من التفاوت البعيد، وهو أحد المذهبين في مثله والاستفهام على هذا إنكاريّ، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى كما ستراه، وهو مبتدأ محذوف الخبر على كلا الوجهين، وليس خبراً عن مبتدأ محذوف كما توهم، وعلى ما في الكشاف قيل لا بد من تقدير فعل ليستقيم المعنى أي أتذكر أولئك فتذكر أو يقال فيقال، والهمزة لإنكار هذا التعقيب، واليه أشار بقوله أن يعقب ويقارب، وليس بشيء، والتحقيق قول الشارح المدقق إن التقدير أمن كان يريد الحياة الدنيا على أنها موصولة فمن كان على بينة من ربه، والخبر محذوف لدلالة الفاء أي يعقبونهم أو يقربونهم، والاستفهام للإنكار فيفيد أنه لا تقارب بينهم فضلا عن التماثل فلذلك صار أبلغ من نحو قوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} [سورة السجدة، الآية: 8 ا] وأمّا كونها عطفاً على قوله من كان يريد الحياة الدنيا فلا وجه له لأنه يصير من عطف الجملة، ولا يدل على إنكار التماثل، ولا معنى لتقدير الاستفهام في الأوّل فإن الشرط، والجزاء لا إنكار عليه، ومن لم يقف على ما أرادوه قال على قول المصنف رحمه الله تعالى، والهمزة لإنكار أن يعقب الخ اعتبار كونهم عقيب المذكورين سابقا حتى يتوجه الإنكار إليه ليس له كبير حسن عند من له ذوق صحيح فتدبر. قوله:) برهان من الله يدله على الحق والصواب) يعني المراد بالبينة الدليل الشامل للعقليّ، والنقليّ، والهاء للمبالغة أو النقل، وهي، وإن قيل إنها من بان بمعنى تبين، واتضح لكنه اعتبر فيها دلالة الغير، والبيان له، وأخذه بغضهم من صيغة المبالغة كما قيل في ظهرانة بمعنى المظهر، وقوله فيما يأتيه، ويذره هذا أحسن من تخصيصه بالإسلام كما في الكشاف لكنه هو المناسب لما بعده. قوله: (والهمزة لإنكار أن يعقب من هذا شأنه الخ) يعني أن يكون هؤلاء في مرتبة بعد مرتبتهم فكيف يماثلونهم كما عرفت، ومن فاعل يعقب وهؤلاء مفعوله، وقوله المقصرين هممهم، وأفكارهم على الدنيا قيل في هذه العبارة تقصير لأنّ قصر لا يتعدى بعلى، واعتذر بأنه ضمن معنى القاصرين أو برفع هممهم على الابتداء وجعل على الدنيا خبره أي قاصرة عليها، وأن يقارب معطوف على أن يعقب، وهو مبنيّ للمجهول، وبينهم قائم مقام فاعله يشير إلى تفسير المنكر بالمقاربة لتقاربهما. قوله: (وهو الذي أغنى عن ذكر الخبر) الضمير لإنكار التعقيب، والمقاربة لأنه بمعنى المداناة في المماثلة فيدل على الخبر المحذوف، وقوله وتقديره بالرفع على الابتداء، وخبره أفمن الخ، وهذا التقدير لازم لأنّ المبتدأ لا بد له من الخبر إلا في مواضع ذكرها النحاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 ليس هذا منها، ويكفي لما ذكره من الإغناء كونه غير مذكور فلا يرد أنه إذا أغنى عنه فلا حاجة إليه لا لفظاً ولا معنى حتى يجاب بأنه مجرور معطوف على قوله ذكر فيكون مستغنى عنه أيضا، وأنه بيان لمحصل المعنى ولا اختلال في عبارته كما توهم، وهو في غاية الظهور. قوله: (وهو (أي كونه على بينة حكم يعمّ كل مؤمن مخلص هذا بناء على الوجوه السابقة، ولا يختص بكونه للمرائين أو المنافقين، وقوله وقيل المراد به أي بمن كان على بينة، وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى، ومرضه لأنّ قوله أولئك لا يلائمه إلا أن يحمل على التعظيم ولأنّ السياق للفرق بين الفريقين لا بينهم، وبين النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله، وقيل الخ قيل إنه بناء على الوجه الثالث فيما تقدم، وقوله الذي هو دليل العقل خصه به لاقتضاء تفسير الشاهد بدليل السمع. قوله: (شاهد من الله) إشارة إلى أنّ الضمير السابق المجرور، وهذا لله لا للقرآن كما في الكشاف لأنه خلاف الظاهر، وقوله ومن قيل القرآن إشارة إلى أنّ الضمير عائد على الشاهد بمعنى القرآن لقربه، وقوله فإنها أيضا تتلوه في التصديق فلا ينافي تقدم نزولها زمانا فتأقل. قوله: (أو البينة هو القرآن) وفي نسخة وقيل البينة هو القرآن فيكون المراد بها البرهان السمعي، وهو معطوف على قوله الذي هو دليل العقل بحسب المعنى، وهذا لم يذكره الزمخشري، والتقدير البينة برهان عقلي من الله أو القرآن، وقوله ويتلوه من التلاوة أي على هذا الوجه، وعلى ما قبله بمعنى يتبع كما مرّ والشاهد على هذا إفا جبريل عليه الصلاة والسلام أو لسان النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ أهل اللغة ذكروا من معاني الشاهد الملك واللسان، وقوله على أنّ الضمير له أي ضحمير منه للرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه الأخير ومن للتبعيض، وعلى الأوّل الله، ومن ابتدائية، وقوله أو من التلوّ بضم التاء واللام، وتشديد الواو أو بفتح فسكون، ثم واو مخففة مصدر تلاه يتلوه بمعنى تبعه أي يتبع من كان على بينة أو البينة نفسها، وذكرت لأنّ تأنيثها غير حقيقيّ أو لكونها بمعنى البرهان، وضمير منه دلّه ومن ابتدائية، وقوله ملك يحفظه أي يصون صحفه لا أن حفظه بالتلاوة لأنّ ابن حجر قال لم يتل القرآن أحد من الملائكة غير جبريل عليه السلام. قوله:) وقرئ كتاب بالنصب الأنه معطوف على مفعول يتلوه، وقيل إنه منصوب بفعل مقدر أي يتلو كتاب موسى جمي! ولم يذكره لأن الأصل عدم التقدير، واماماً ورحمة حالان من كتاب موسى، وقوله أي يتلو الخ تفسير له على قراءة النصب وضمير منه لمن ومن تبعيضية، ومن كان على بينة من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، من أهل الكتاب، والشاهد علماؤهم، وقوله ويقرأ بيان لمعنى يتلو على هذا، وأنه من التلاوة، وشهادتهم على أنه حق لا مفتري، وفي الكشف والمراد به أهل الكتاب ممن كان يعلم أن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق وأن كتابه هو الحق لما كانوا يجدونه في التوراة أي، ويتلو القرآن شاهد من هؤلاء، وهو عبد الفه بن سلام رضي الله عنه ولهذا جعله نظير قوله، وشهد شاهد الآية لأنه فسره به أيضاً، وهو يتلو من قبل القرآن كتاب موسىءسب! ، والحاصل أن من كان على بينة مؤمنو أهل الكتاب بدليل نفي المقاربة بينهم، وبين من تبعهم، وخص من بينهم تالي الكتابين، وشاهدهم بالذكر فمن تبعيضية لا تجريدية كما توهم دلالة على فضله وتنبيهاً على أنهم تابعوه في الحق، وأيد ذلك باعترافهم فبلغوا رتبة الشاهد وفي قوله يتلوه استحضار للحال ودلالة على استمرار التلاوة وهو في غاية المطابقة للمقام فتأقله وقوله كتابا مؤتما به في الدين أي مقتدي لأن الإمام يطلق على الكتاب، ولذا يسمى المصحف العثماني بالإمام، وقوله لأنه بيان لإطلاق الرحمة عليه. قوله: (بالقرآن) وفي نسخة أي بالقرآن بيان لمرجع الضمير وقيل إنه لكتاب موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أقرب، ولا يناسب ما بعده من إيعاد من كفر من الأحزاب بالقرآن لا بالتوراة، ولكونه توطئة لما بعده لم يكن خاليا عن الفائدة، وقيل إنه للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله تحزب أي تجمع على حرب النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في يوم أحد، وغيره. قوله: (يردها لا محالة) يعني أن موعد اسم مكان الوعد، وهم وعدوا بورود النار أي دخولها فهو مجاز المراد به ذلك كما قال حسان رضي الله عنه: أوردتموها حياض! الموت ضاحية فالنار موردها والموت ساقيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 وقوله لا محالة لأنه لا يخلف الميعاد، ولترتبه على الكفر المستلزم لدخولها، وهو توطئة لقوله فلا تك في مرية مأخوذ منه، وكسر ميم المرية بمعنى الشك لغة أهل الحجاز الفصيحة المشهورة، والضم لغة أسد وتميم وبها قرأ السلمي، وأبو رجاء والسدوسيّ. قوله:) من الموعد) أي من كون النار موعدهم، وليس بأظهر كما قيل، والخطاب إن كان عامّا لمن يصلح له فالمراد تحريضهم على النظر الصحيح المزيل له، وان كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم فهو بيان لأنه ليس محلا للريب تعريضاً بمن ارتاب فيه، ولا يلزم من نهيه عنه وقوعه، ولا توقعه منه. قوله تعالى: ( {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا} (المراد نفي أن يكون أحد أظلم منه أو مساوياً له في الظلم كما مرّ، وقوله كان أسند إليه ما لم ينزل كالمحرف الذي نسبوه إلى الله أو نفى عنه كاليهود المنكرين للقرآن ولما في كتابهم كنعت النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم، ويحتمل أن يريد أنه من الكلام المنصف أي لا أحد أظلم مني إن كنت أقول لما ليس بكلام الله أنه كلامه كما زعمتم أو منكم إن كنتم نفيتم أن يكون كلامه مع تحقق أنه كلام الله، وفيه وعيد، وتهويل للأمر قيل، ولا يبعد أن تكون الآية للدلالة على أن القرآن ليس بمفتري فإنّ من يعلم حال من يفتري على ألله كيف يرتكبه كما مز في سورة يون! في قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ} [سورة طه، الآية: 69] وقيل أراد به هذا، وما مرّ فيكون تفسيراً للآية بوجهين. قوله: (في الموقف) بيان لمحل العرض! ، وقوله بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم تفسير له بأنّ المراد من عرضهم عرض! أعمالهم ففيه مضاف مقدر أو هو كناية عن ذلك، وقيل إنه مجاز والعرض على الله من قراءة صحف الأعمال، وبيان ما ارتكبوه ليطلع عليه أهل الموقف ويوبخوا بسوء صنيعهم، وان كان تعالى عالما بالسر والعلانية، وقيل إنها تعرض على الملائكة، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمؤمنين فالعرض على الله إمّا مجاز أو حقيقة، وإسناده أي كونه على الله مجاز وفيه نظر والإشهاد جمع شاهد كصاحب، وأصحاب بناء على جواز جمع فاعل على أفعال أو جمع شهيد بمعناه كشريف وأشراف، ومعناه الحاضر، وفي الإشارة بقوله هؤلاء تحقير لهم وقوله تهويل عظيم أي للعنة كل من يراهم، وقوله لظلمهم بالكذب على الله بيان لارتباطه بما قبله، وقوله عن دينه إشارة إلى أن السبيل كالطريق المستقيم الدين مجازاً. قوله: (ويصفونها بالانحراف (الانحراف تفسير للعوج، وهو ظاهر، ويقال بغيتك الشيء طلبته لك فتفسيره بوصفهم لها بالعوج بيان لأنه مجاز عن ذلك لأن من طلب شيئاً لآخر كأنه سبب لاتصافه به، ووصفه له فهو من إطلاق السبب على المسبب أو هو على حذف مضاف أي يبغون أهلها العوج أي الانحراف عن الدين بالردّة وحاصله أنهم يصفونها بالعوج وهي مستقيمة أو يبغون أهلها أن يعوجوا بارتدادهم للكفر وقيل يطلبونها على عوج، وعلى اختلاف معاني عوجا اختلف إعرابه على أنه حال أي معوجين أو مفعول به أي يبغون لها العوج. قوله: (والحال أنهم كافرون الخ) إشارة إلى أن الجملة حالية، وقوله وتكريرهم أي لفظ هم لتأكيد كفرهم، واختصاصهم به كذا قال الزمخشري فقيل إنّ التأكيد من تكريرهم والاختصاص من تقديم هم على كافرون، وقيل التخصحيص من تقديم بالآخرة، والمعنى أنّ غيرهم، وان كفروا بها لكنهم دون هؤلاء، وهؤلاء هم المخصوصون بالكفر الذي لا غاية بعده ورد بأنّ تقديم بالآخرة لا يدلّ على ما ذكره بل على حصر كفرهم في الآخرة، وأنّ كلا الأمرين مستفاد من هم لأنه بمنزلة الفصل وان لم يستوف شرائطه فيفيد الاختصاص، وضرباً من التأكيد كما قرّروه، وأمّا تقديم بالآخرة فلم يريدوه والاختصاص اذعائيّ ومبالغة في كفرهم كان كفر غيرهم ليس بكفر في جنبه، وقيل إنه بناء على أنّ مثل زيد هو عارف يفيد الحصر، والظاهر أنه يفيد تقوّي الحكم لا غير، واختصاصهم بالجر معطوف على تأكيد وجوّز عطفه على كفرهم بناء على أنه مستفاد من تقديم الضمير الأوّل فتأمل. قوله: (في الدنيا) جعل الأرض كناية عن الدنيا، ومن زائدة لاستغراق النفي، وقيل إنها تبعيضية، وجوّز في ما أن تكون موصولة. قوله: (ليكون أشدّ وأدوم (قيل عذاب الدنيا لا يمنع عذاب الآخرة فلكم من معذب في الدارين فالأولى أن يقول لحكمة لا يعلمها إلا الله) قلت) كونه أشد، وأدوم مما لا شبهة فيه، وكونه كذلك لا ينافي تعذيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 بعضهم في الدنيا كما وقع لبعضهم من الخسف ونحوه. قوله تعالى:) {يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ} ) فإن قيل ما وجه مضاعفة العذاب، وقد نص الله على أن من جاء بالسيئة لا يجزي إلا مثلها، وهم لا يظلمون قيل معناه مضاعفة عذاب الكفر بالتعذيب على ما فعلوا من المعاصي، والتعامي عن الآيات، ونحو ذلك من تضاعف كفرهم، وبغيهم، وصدهم عن سبيل الله، ويدلّ عليه نسبته إلى الموصوفين بما ذكر من الصفات وقوله استئناف أي جملة مستأنفة بين بها ذلك، وقيل إنها من كلام الإشهاد، وهي جملة دعائية. قوله: (لتصامّهم عن الحق وبغضهم الخ) قيل إنه تعالى نفى استطاعتهم لسماع الحق وأبصاره وهم يسمعون ويبصرون فبطل القول بإثبات استطاعة العبد لأفعاله، وقدرته عليها لأنه لما ثبت أنّ بعض أفعال العبد غير مقدور عليه لم يكن الجميع كذلك، وهذا كما يرد على المعتزلة يرد على أهل السنة لأنهم أثبتوا للعبد استطاعة غير مؤثرة فلذا قيل إن المراد أنهم يستثقلون استماع الحق إلى الغاية، ويستكرهونه كذلك فكأنهم لا يستطيعونه وهذا شائع في كل لسان كقولهم هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه إذا استكرهوه ولا يراد نفي القدرة بل فرط الاستكراه فهذه استعارة تصريحية تبعية لأنها تشبيه حالهم بحال آخر لهم لا استعارة تمثيلية فإنها تشبيه حال شيء بحال آخر فحاصله أنه شبه استكراههم، ونفرتهم عن الشيء بعدم الاستطاعة عليه، ووجه الشبه الامتناع من كل منهما لكن فيه أنّ قوله أنّ الاستعارة التص شيلية لا تكون إلا في تشبيه حال شيء بحال آخر لا يظهر له وجه لأنّ اللازم فيها إنما هو التركيب، وملاحظة الهيئتين، وان كانتا لذات واحدة فلو قلت في أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى أنه شبه حال تردده بين إقدام، واحجام بحالته إذا قدم رجلاً، وأخر أخرى لم يكن منه مانع، وقيل في تقرير الاستعارة التبعية أنه شبه تصامّهم عن الحق وبغضهم له بعدم استطاعة السمم فأطلق على المشبه اسم المشبه به، وأورد عليه أنه لا يلائم قول المصنف لتصافهم ولتعاميهم، ولو تعين أن اللام للتعليل فلا ضير فيه أيضا لأن تحقيق المعنى الحقيقيّ المناسب للمجازي قد يعلل به إطلاقه عليه، والتجوّز به فالمعنى لوقوع التصامّ والتعامي، وفرط الأعراض! ، والبغض أطلق عليهم عدم الاستطاعة، وأمّا حمله على نفي استطاعة النافع من ذلك فيذهب به رونق الكلام والمبالغة التي فيه، وأمّا القول بأنه تشبيه، وأق كلام الكشاف مبنيّ عليه فليس بشيء يحتاج إلى الردّ. قوله: (وكأنه العلة لمضاعفة العذاب (فكأنه قيل ما بالهم استوجبوا مضاعفة العذاب فقيل لأنهم كرهوا الحق وأعرضوا عنه غاية الإعراض، وبهذا التقرير اندفع ما ذكره الطيبيّ رحمه الله معترضاً به على التعليل، وأنه لا ينتظم. قوله:) وقيل هو بيان لما نفاه من ولاية الآلهة الخ) فالمراد بقوله ما كان لهم الخ بيان عدم نصرة آلهتهم ونفعها لهم، وقوله ما كانوا يستطيعون السمع الخ. في حق آلهتهم وهو بيان وتقرير له وما بينهما اعتراض حينئذ فالضمائر للأصنام لا للكفار، وعلى الأوّل الأولياء مطلق الناصرين الشامل للآلهة، وغيرهم، وعلى هذا يخص الآلهة، ونفي استطاعة السمع، والأبصار حقيقة على هذا دون الأوّل، ومرض! هذا لمخالفته السياق، واستلزامه تفكيك الضمائر، وقيل إنه لا ينتظم الكلام معه بدون تقدير ما كنا في غنية عنه. قوله: (باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى) كأنه أراد أن خسران أنفسهم بخسران مالها من عبادة الله إذا استبدلوها بذلك، وفي البحر أنه على حذف مضاف أي سعادة أنفسهم وراحتها فإن أنفسهم باقية معذبة، وقيل إبقاؤه على ظاهره أولى لأنّ بقاء العذاب كالإبقاء، وفي الكشاف إنّ خسرانهم في تجارتهم لا خسران أعظم منه لأنهم خسروا أنفسهم يعني أنّ المقصحود من خلقهم عبادة الله فقد تركوا أنفسهم لعبادة الأوثان فهذا في الحقيقة خسران في النفس، وهو أعظم خسارة ففي الكلام استعارة مرشحة كقوله: إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب قوله: (من الآلهة وشفاعتها) قيل عطف شفاعتها من قبيل أعجبني زيد، وكرمه لأنّ المفتري الشفاعة لا الآلهة ورد بأنه ليس منه إذ دعوى الآلهة افتراء، ودعوى الشفاعة كذلك، ولا حاجة إلى تقدير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 مضاف أي من آلهية الآلهة كما قيل، وأورد عليه أنه يقتضي أنّ الغائب عنهم آلهية الآلهة لا نفسها وليس بمقصود كما مرّ في سورة الأنعام نظيره فتأمّل. قوله:) أو خسروا بما بدّلوا وضاع عنهم ما حصلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة (لفظ بدلوا بالدال المهملة من التبديل أو بالذال المعجمة من البذل، وهو العطاء، والثانية قيل إنها الصحيحة رواية، ودراية، والباء عليها بمعنى في أي خسروا فيما بذلوا، وهو عبادة الله، وما حصلوا، وهو عبادة الآلهة، وافتراؤهم قولهم أنها حق، ولا وجه للقول بأنّ ما حصلوا هو آلهتهم كذا قيل، ولا محصل له، والظاهر أنّ تفسيره هذا على وجه يغاير ما قبله، وعلى ما ذكره ليس بينهما كبير فرق فالصواب أن يقال إنه بالدال المهملة، وا! الباء سببية يعني أنهم خسروا بسبب تبديلهم الهداية بالضلالة، والآخرة بالدنيا، وضاع عنهم ما حصلوه بذلك التبديل من متاع الحياة الدنيا والرياسة فيكون هذا الوجه أعمّ من الأوّل، وفي النظم دلالة عليه إذ أضاف الخسران إلى أنفسهم دون تعيين لما خسروه لكن الافتراء بظاهره مناسب لتفسيره الأوّل فتأمّل. قوله تعالى: ( {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ} الخ الم يفسره المصنف رحمه الله تعالى تبعا للزمخشريّ، وسيأتي تفسيره في الحواميم، وقوله لا أحد أبين، وأكثر خسرانا منهم وضع أفعل التفضيل للزيادة على المفضل في الكمّ، والكيفية، والظاهر أنه لا يمتنع الجمع بينهما فإن أراد بقوله أبين أعظم لأنّ الظهور لازم للكبير، والعظيم فهو تفسير له بلازم معناه يكون معنى حقيقيا له، وان أراد به ظاهره يكون معنى مجازيا فتفسير المصنف رحمه الله تعالى له بهما إمّا بناء على مذهبه من جواز الجمع بين الحفيقة، والمجاز تتميما للفائدة السابقة، وقيل إنّ الواو بمعنى أو أو هو من عموم المجاز ولم يبق معنى يشملهما على القاعدة فيه، والزمخشري اقتصر على الأوّل، وترك لثاني فقيل لثلا يكون تكراراً مع فوله خسروا أنفسهم بناء على تفسيره المتقدم قيل، والمصنف رحمه الله تعالى ردّد التفسير بينهما لأنه لم يفسره بما فسره به جار الله فيحتمل أن يكون معنى خسران أنفسهم أنّ ضرره عائد إليهم لا إلى الله ولا إلى غيره ثم إنّ الحصر مستفاد من تعريف المسند بلام الجنس سواء جعل هم ضمير فصل فيفيد تأكيد الاختصاص أو مبتدأ ما بعده خبره، والجملة خبران فيفيد تأكيد الحكم (قلت) وهنا وجه آخر، وهو أن حذف المفضل يفيد العموم فيكون المعنى أنهم أخسر من كل أحد، وهو بمنطوقه يفيد الأخسرية فيهم، وهذا أنسب بظاهر عبارة المصنف رحمه الله تعالى، وقوله اطمأنوا إليه، وخشعوا له الخ يعني أن الإخبات أصله نيزول الخبت، وهو المنخفض من الأرض فأطلق على الخشوع، واطمئنان النفس تشبيهاً للمعقول بالمحسوس، ثم صار حقيقة فيه، ومنه الخبيت بالتاء المثناة للدنيء، وقيل إنّ التاء يدل من الثاء المثلثة، وقوله في أصحاب الجنة هم فيها خالدون ليس لحصر الخلود في هؤلاء فإنّ العصاة يخلدون فيها إلا أن يراد بنفي الخلود عنهم نقصه من أوّله كما سيأتي نظيره. قوله ئعالى: ( {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى} الخ) ذكر في هذا التشبيه احتمالين تبعا للكشاف لكن بينهما مخالفة ستراها مع ما فيها فقوله يجوز أن يراد تشبيه الكافر الخ. فيه تسامح لأنّ المشبه حال الكافر، وحال المؤمن لا الكافر، والمؤمن لكن لما وجد أحدهما مستلزما للآخر عبر به عنه، وقيل يحتمل أنه حمله على تشبيه الذوات، واقحام لفظ المثل تنبيها على ما فيه دليل تركه من المشبه به في النظم، وحاصل هذا الوجه أنه شبه كل من الفريقين باثنين باعتبار وصفين ففيه أربع تشبيهات، ولذلك قيل إنه نظير قول امرئ القيس: كاًنّ قلوب الطير رطبا ويابساً لدي وكرها العناب والحشف البالي كما في الكشاف لأن حاصله تاً ويل الفريقين بفريق من الناس كافر، وفريق مؤمن فمثل الفريقين بمنزلة قلوب الطير رطبها، ويابسها كالأعمى، والبصير بمنزلة العناب، والحشف، وكذا الأصمّ، والبصير، ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنّ في البيت تشبيه كل من الرطب، واليابس بشيء واحد، وفي الآية كل من الكافر والمؤمن باثنين، ولذا قيل البيت أشبه بالوجه الثاني من هذا، وليس هذا بوارد لأنّ مراد العلامة أنه تشبيه متعدد بمتعدّد مع قطع النظر عن التضام، والعدة فلا فرق بين البيت، والآية إلا من جهة أن في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 البيت تشبيه شيء بشيئين، وفي الآية تشبيه كل واحد من شيئين بشيئين فلا مخالفة بين كلام المصنف رحمه الله تعالى، والزمخشري كما توهم، وقوله لتعاميه هذه اللام كاللام السابقة في كلامه، وتأبيه بمعنى امتناعه تفعل من الآباء. قوله: (أو تشبيه الكافر بالجامع الخ) فعلى هذا فيه تشبيهان لا أربعة لأنه شبه حال هؤلاء الكفرة الموصوفين بالتصامّ، والتعامي بحال من خلق أصمّ أعمى لعدم انتفاعه بحاستيه فيما يتعلق بسعادة الدارين، وحال هؤلاء المؤمنين لانتفاعهم بهما وامتناعهم مما وقع فيه أولئك بحال قوى حاسة السمع، والبصر لانتفاعه بالنظر لأنوار الهداية، واستماعه لما يلذ وينتفع به السمع من البشارة، والإنذار فهو تشبيه مركب من جانب المشبه به لا المشبه كما ينبني عليه لفظ المثل، وهذا من بديع التشبيه، وظرائفه الرائقة، وهذا الوجه آثره الطيبي رحمه الله تعالى، والحق معه، ولا نظر لقول صاحب الكشاف أنّ فيه بعد الآن الأعمى قد يهتدي بما سمع من الدلالة، والأصمّ فد يهتدي بما يرى من الإشارة فمن كان أعمى أصمّ لا يقبل الهداية بوجه من الوجوه فهذا أبلغ، وأقوى في التشنيع كما أشار إليه في الكشاف. قوله:) والعاطف لعطف الصفة على الصفة) يعني على الاحتمال الثاني فالذات واحدة لكن نزل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات فعطف بالفاء كما في البيت المذكور وفي الوجه الأوّل هو من عطف الموصوف على الموصوف واللف في الفريقين لأنه في قوّة الكافرين، والمؤمنين فيكون تقديريا أو ما دل عليه قوله، ومن أظلم ممن افترى الخ. وقوله إنّ الذين آمنوا الخ فهو تحقيقيّ، وقدم ما للكافرين لتقدّمه هنا، ولأنّ السياق لبيان حالهم والنشر في قوله كالاً عمى الخ. والطباق هو الجمع بين الضدين، وهما الأعمى، والبصير والأصم، والسميع. قوله: (الصابح فالنانم الخ (أصل هذا أنه لما قال الحرث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان يتوعد ابن زيابة التيمي: أنا ابن زيابة أن تلقني لاتلقني في النعم العازب وتلقني يشذ بي أجرد مستقدم البركة كالراكب فأجابه ابن زيابة بقوله: يالهف زيابة للحرث الصا بح فالغانم فالآيب والله لو لاقيته خاليا لآب سيفانا مع الغالب أنا ابن زيابة أن تدعني آتك والظن على الكاذب قوله: يا لهف الخ أي يا حسرة أبي لأجل هذا الرجل، والصابح المغرّ في وقت الصباح، والآيب الراجع وقد تقدم تفصيله في سورة البقرة، والشاهد فيه عطف صفات موصوف واحد بالفاء. قوله: (تمثيلاَ أو صفة أو حالاً) مرّ في البقرة أنّ المثل كالمثل في الأصل بمعنى النظير ثم استعير لقول شبه مضربه بمورده، ولا يكون إلا لما فيه غرابة فلذا استعير في المرتبة الثانية لأنّ الأولى صارت حقيقة عرفية للقصة أو الحال أو الصفة العجيبة كقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [سورة البقرة، الآية: 17] أي حالهم العجيبة الشأن، وقوله وله المثل الأعلى أي الصفة العجيبة فلذا فسره المصنف رحمه الله تعالى بهذه المعاني الثلاثة فتأمّل، ونصبه على كل فها على التمييز المحول عن الفاعل، وقوله على إرادة القول، وتقديره قائلا اني لكم الخ. أو فقال وقدر في قراءة الفتح الجارّ، والمعنى ملتبسا بالإنذار أي بتبليغه وقوله. قوله: (بدل من أني لكم أو مفعول الخ) البدلية على قراءة الفتح، وأمّا على الكسر فيجوز أن تكون مصدرية سولة لأرسلنا بتقدير بأن أي أرسلنا بنهيهم عن الإشراك قائلاً أني لكم نذير مبين أو مفسرة بحاليها من تعلقها بأرسلنا أو بنذير، وعلى الإبدال فإن مصدرية، ولا ناهية والقول مقدر بعد أن والتقدير أرسلناه يقول إني لكم نذير بقول لا تعبدوا، وهو بدل بعض أو كل على المبالغة، وادّعاء أنّ الإنذار كأنه هو فإن لم يقدر القول فهو بدل اشتمال كذا حققه الشارح المدقق، وقيل عليه أنه على تقدير القول بدل اشتمال أيضاً إذ لا علاقة بينهما بجزئية أو كلية حتى يجعل بدل بعض أو كل، وهو غفلة عن أنه على تقدير القول يكون قوله أني أخاف المعلل به النهي من جملة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 المقول، وهو إنذار خاص فيكون بعضا له أو كلأ على الاذعاء فليس في كلامه شيء سوى غبار سوء الفهم فتدبر. قوله: (ويجوز أن تكون الخ) أي أرسلناه بشيء أو نذير بشيء هو لا تعبدوا الخ لكن الانذار فيه غير ظاهر ويجوز أيضا أن يكون تفسيرا لمفعول مبين كما أنه يجوز أن يكون مفعولاً له أي مبينا النهي عن الشرك. قوله: (مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب) بالكسر أي الله لأنه الموجد للألم، وان كان يوصف به العذاب أيضا، وهو حقيقة عرفية ومثله يعد فاعلا في اللغة فيقال ا-لمه العذاب من غير تجوّز، وذكر وصف العذاب هنا استطراديّ كما في الكشاف لوقوعه في غير هذه الآية، وقد جوّز أن يكون مراده أنه يصح هنا أن يكون صفة للعذاب لكنه جرّ على الجوار، وهو في الوجهين على الإسناد المجازي بجعل اليوم أو العذاب معذبا مبالغة لكنه في الأوّل نزل الظرف منزلة الشخص نفسه لكثرة وقوع الفعل فيه فجعل كأنه وقع منه، وفي الثاني جعل وصف الشيء لقوّة تلبسه به كأنه عينه فأسند إليه ما يسند إلى الفاعل على ما حقق في علم المعاني. قوله تعالى: ( {فَقَالَ الْمَلأُ} الخ) الملأ القوم الأشراف من قولهم فلأن ملىء بكذا إذا كان قادرا عليه لأنهم ملؤوا بكفاية الأمور، وتدبيرها أو لأنهم متمالئون أي متظاهرون متعاونون او لأنهم يملؤون القلوب مهابة والعيون جمالاً، وا! ف نوالاً أو لأنهم مملؤون بالآراء الصائبة والأحلام الراجحة على أنه من الملء لازما ومتعديا. قوله: (لا مزية لك علينا الخ) ذكر الزمخشري فيه وجهين أحدهما أنّ المثلية التي ذكروها في المزية، والفضيلة على التنزل، والفرض، ولذ ذكروا أنه بشر تعريضاً بأنه يماثلهم في البشرية والا فهم أحق منه بالمزية لجهلهم وظنهم أنها بالجاه والمال يعني هب أنك مثلنا في المزية فلم اختصصت بالنبوّة من بيننا، والثاني أنهم أرادوا أنه مثلهم في البشرية، ولو كان نبيا كان ملكأ لأنّ النبيّ أفضل من غيره من البشر، والملك كذلك، واقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل وان كان لفظ البشر ظاهراً في الثاني لأنه تفوج منه رائحة الاعتزال كما في شروحه، د وإن نوزعوا فيه، وقوله تخصك بالنبوّة أدخل الباء على المقصور، وهو أحد استعماليه كما مرّ خقيقه. قوله: ( {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ} ) إن كانت رأى علمية فجملة اتبعك مفعول ثان، دمان كانت بصرية فهي حال بتقدير قد. قوله: (جمع ارذل فإنه بالغلبة الخ) الأرذل، والرذل الدنيء المستحقر، ولما كان أفعل التفضيل إذا جمع جمع جمع سلامة في الأقيس الأغلب كالأخسرون ولا يكسر أفعل إلا إذا كان اسما أو صفة لغير تفضيل كأحمر وقد كسر هنا قالوا إنه كسر لأنه غلبت فيه الاسمية، ولذا جعل في القاموس الرذل، والأرذل بمعنى، وهو الخسيس كما فسره به المصنف رحمه الله تعالى أو هو جمع رذل، وفي الكشاف أنه جمع أرذل اسم تفضيل مفمافاً للتوضيح لأنهم يزعمون مشاركتهم في ذلك، وأنه كقوله في الحديث: " أحاسنكم أخلاقاً " ولم يذكره المصنف رحمه الله تعالى لأنه على خلاف القياس لكن كونه جمع رذل أيضا مخالف للقياس، ولذا قيل إنه جمع أرذل جمع رذل فهو جمع الجمع، وقد وقع في بعض النسخ أرذل بضم الذال، وفتح الهمزة جمع رذل فيكون جمع جمع، وهو الأصح رواية ودراية، وكأن الأخرى من تحريف النساخ. قوله: (ظاهر الرأي من غير تعمق من البدوّ الخ) قرأه أبو عمرو بالهمزة، والباقون بالياء فأمّا الأوّل فمعناه أوّل الرأي بمعنى أنه صدر من غير روية، وتأمّل أوّل وهلة وأمّا الثاني فيحتمل أن أصله ما تقدم، ويحتمل أن يكون من بدا يبدو كعلا يعلو علوّاً، والمعنى ظاهر الرأي دون باطنه، ولو ئؤمل لعرف باطنه وهو في المعنى كالأوّل، وعلى كليهما هو منصوب على الظرفية، والعامل فيه قيل نراك أي ما نراك في أوّل رأينا أو فيما يظهر منه، وقيل اتبعك، ومعناه؟ في أوّل رأيهم أو ظاهر. وليسوا معك في الباطن أو اتبعوك من غير تأمّل وتثبت، وقيل العامل فيه أراذلنا، والمعنى أنهم أراذل في أوّل النظر، وظاهره لأنّ رذالتهم مكشوفة لا تحتاج إلى تأمل وفيه وجوه اخر مفصلة في الدر المصون. قوله: (وانتصابه بالظرف على حذف المضاف الخ) قد علمت أنه إذا كان ظرفا ما ناصبه لكنه قيل إنّ نصبه على الظرفية يحتاج إلى الاعتذار عنه فإنه فاعل ليس يظرف في الأصل فقال مكيّ إنما جاز في فاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل كقريب، وملىء لإضافته إلى الرأي، وهو كثيرأ ما يضاف إليه المصدر الذي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 يجوز نصبه على الظرفية نحو أمّا جهد رأيك فإنك منطلق، وقال الزمخشريّ: أصله وقت حدوث أوّل رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك، وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل إنّ بادي مصدر على فاعل منصوب على المفعولية المطلقة، والعامل فيه ما تقدم وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب، وقيل على تقدير المصنف، والزمخشري أنّ تقدير الوقت ليكون نائباً عن الظرف فينتصب على الظرفية، وأمّا تقدير الحدوث فلا داعي له على تفسيري بادي أمّا إذا كان بمعنى أوّل فلأنّ وقت أوّله هو وقت حدوثه، وأئا إذا كان بمعنى ظاهر فوقت ظاهر الرأي، وان اتسع وقت لاتباعهم، وقد عرفت مما مرّ أنّ اسم الفاعل لا ينوب عن الظرف وينتصب، والمصدر ينوب عنه كثيرأ فأشاروا بذكره إلى أنه متضمن معنى الحدوث في معنييه فلذا جاز فيه ذلك، وليس مرادهم أنه محذوف، وما ذكرو. هنا من أنّ الصفات لا ينوب منها عن الظرف إلا فعيل من فوائدهم الغريبة، وعليهم الاعتماد فيه لكنه غير مسلم لأنّ فاعلاً وقع ظرفا كثيرا كفعيل فإن من أمثلته خارج الدار، وباطن الأمر وظاهره، وهو كثير في كلامهم فإن قلت ما ذكر. المصنف رحمه الله تعالى يشكل بأنّ ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إلا إذا كان مستثنى منه نحو ما قام إلا زيدا القوم أو مستثنى أو تابعا لأحدهما كما فصله المعرب، وغيره فلذا تكلفوا لاعرابه وجوها قلت قالوا إنه يغتفر ذلك في الظرف لأنه يتسع فيه ما لا يتسع في غيره، والرأي جوّزوا فيه هنا أن يكون من رؤية العين أو من الفكرة والتامّل. قوله: (وإنما استرذلوهم لذلك) أي عدّوهم أراذل لسرعة اتباعهم وزعمهم أنّ ذلك وقع منهم من غير تأمّل أو لفقرهم لأنهم لا يعرفون إلا الشرف الظاهر من أمور الدنيا، وهذا هو الوجه وألاحظ اكثر حظاً وقوله: لك ولمتبعيك أدخل نوحا عليه الصلاة والسلام معهم لأنّ الخطاب أوّلأ معه فيكون تأكيداً لنفي الأفضلية عنه لسبقه في قوله ما نراك وهو تغليب، وقيل الخطاب لاتباعه فقط فيكون التفاتا ويؤهلكم بمعنى يجعلكم أهلاً لذلك واياك واياهم بدل من مفعول نظنكم في النظم، وقوله فغلب أي في الموضعين وقوله أخبروني تقدم تحقيقه، وأنّ الرؤية فيه يجوز أن تكون بصرية، وقلبية وقد جوّزهما الزمخشري لأنّ كلاَ منهما سبب للأخبار، وأرأيتم متعلق بأنلزمكموها، وقيل بطلب البينة يعني على أن يكون من التنازع هنا، وأعمل الثاني فلا وجه لما قيل إنّ هذا بحسب الأصل، وأمّا هنا فهو متعلق بأنلزمكموها لأنّ القائل بهذا يجعلها جملة مستأنفة أو مفعولاً ثانياً كما صرّحوا به، وجواب إن كنت محذوف أي فاخبروني، وفسر البينة بالحجة، والبرهان كما مرّ، وقوله بايتاء البينة أي السابقة، والمراد البينة: المؤتاة فهو من إضافة الصفة للموصوف كما ستراه في توجيه توحيد الضمير، والحجة المعجزة الدالة على نبوّته عتي!. قوله: (فخفيت عليكم فلم تهدكم الخ (يعني أنّ عماء الدليل بمعنى خفائه مجازاً فيقال حجة عمياء كما يقال مبصرة للواضحة وهو استعارة تبعية شبه خفاء الدليل بالعمى فان كلا منهما يمنع الوصول إلى المقاصد ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية بأنّ شبه الذي لا يهتدي بالحجة لخفائها عليه بمن سلك مفازة لا يعرف طرقها، واتبع دليلاً أعمى فيها، والظاهر من عبارة المصنف الأوّل، وأمّا ادعاء القلب، وأن أصله عميتم عنها فيأباه ذكر على دون عن مع أنه ليس بحسن هنا. قوله: (وتوحيد الضمير لأنّ البينة الخ الما ذكر البينة والرحمة كان الظاهر فعميتا فوجهوه بأن الرحمة هنا هي البينة على تفسيره الأوّل بإيتاء البينة أي البينة المؤتاة كما مرّ أو هو تفسير لقوله: {وَآتَانِي رَحْمَةً} لكنه عبر بالمصدر أو الضمير للبينة أي المعجزة، والرحمة النبوّة وخفاؤها أي البينة يستلزم خفاء المذعي فلذا اكتفى به وجملة، وآتاني رحمة على هذا معترضة أو الضمير للرحمة، وفي الكلام مقدّر أي خفيت الرحمة بعد خفاء البينة، وما يدلّ عليها وحذف هذا للاختصار، وقيل: إنه معترض في المعنى دون تقدير، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في الأوّل أو الضمير لهما بتأويل كل واحدة منهما، وفي الكشاف وجه آخر وهو أن يقدر عميت بعد لفظ البينة وحذف للاختصار، وعدل عنه المصنف رحمه الله تعالى لأنه رآه مع أنه تقدير جملة، وهذا مفرد تقديراً قبل الدليل، ولم يقدر في الوجه الأوّل لعدم الاحتياج إليه على أنّ كلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له أيضاً، وحمله عليه بعض فضلاء العصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 وقوله على أنّ الفعل لله، أي في القرإءتين، وقد قرىء بالتصريح به فهو يدلّ على هذا. قوله: (أنلزمكم على الاهتداء (إشارة إلى ان نلزمكم بمعنى نقسركم ونكرهكم، لأنّ المراد إلزام الجبر بالقتل ونحوه لا إلزام الايجاب لأنه واقع، قيل. وذكر الاهتداء لأنه ليس في وسعه فلا يرد عليه، أن المكره يصح إيمانه ويقبل عندنا إيمانه، فيجاب بأنه لم يكن في دينهم، وقيل: المعنى لو أمكنني الإلزام مع الكراهة فعلته، وروي عن قتادة. قوله: (وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعاً وقدّم الأعرف) وهو ضمير المخاطب، لأنه أعرف من الغائب كما بين في النحو، وهذا أحد مذهبين في هذه المسألة، وقيل: إنه يلزم الاتصال كما في هذه الآية، ونسب لسيبويه، ولو قدم الغائب وجب الانفصال، فيقال: أنلزمها إياكم على الصحيح، وأجاز بعضهم الاتصال، واستشهد بقول عثمان رضي الله عنه: أراهمني حيث قدم ضمير الغائب على ضمير المتكلم الأعرف واتصلا، وكان الواجب أراهم أياي. قوله: (على التبليغ (في الكشاف إنه راجع إلى قوله لهم {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ} وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أحسن مما ذكر، وما قيل: إن ما ذكره الزمخشري مراده به ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، بعينه لا خصوص ذلك القول، وأنّ قوله راجع إليه، بمعنى متعلق به معنى خلاف الظاهر، والجعل بضم فسكون، ما يعطى في مقابلة العمل كالأجر المذكور في محل آخر. قوله: (فإنه المأمول منه) الضمير أن الله فيفيد الحصر ويطابق النظم، أي ما أجر التبليغ، أو ما مطلق الأجر إلا منه، وليس الضمير الأوّل للأجر، والثاني لله لفساد المعنى عليه، إذ معناه أن الأجر هو المأمول من الله لا غير الأجر، وهو لا يطابق المفسر فتدبر. وقوله: حين سألوا طردهم، أي قالوا له اطردهم عنك لنؤمن بك استكافاً عن مجالستهم. قوله: (فيخاصمون طاردهم عنده (يعني فيعاقبه على ما فعل، فهذه الجملة علة لعدم طردهم، أو المعنى لا أطردهم فإنهم من أهل الزلفى عند الله، المقرّبين الفائزين عند الله وهذا هو الشرف لا ما عرفتم، وترك معنى آخر في الكشاف، وهو أني لا أطردهم لأنّ إيمانهم ليس عن يقين وتفكر كما زعمتم، لأني لا أعلم السرائر فليس عليئ إلا اتباع الظاهر، وسيلقون ربهم فينكشف حالهم عنده من كونهم على ما زعمتم أو على خلافه، وكان المصنف رحمه الله تعالى تركه لأنّ ما بعده لا يلائمه، أو لأنه مبنيّ على أن سؤال الطرد لعدم إخلاصهم في الإيمان لا لفقرهم، وهو مرجوح عنده. وقوله: ويفوزون بقربه مستفاد من المقام، والا فملاقاة الله تكون للفائز وغيره. قوله: (بلقاء ربكم أو بأقدارهم) وقريب منه قوله في الكشاف: أنهم خير منكم، فالجهل بمعنى عدم العلم المذموم، وهذا مناسب للوجه الثاني في قوله أوانهم الخ. وقوله: أو في التماص طردهم، لم يذكر ما جهلوه في هذا الوجه لتنزيله منزلة اللازم وهو الظاهر، وقيل: إن مفعوله مقدر عليه أيضاً، أي تجهلون المحذور في التماس ذلك، وهو خلاف الظاهر لكنه مناسب للوجه الأوّل، وقوله: أو تتسفهون الخ فيكون الجهل بمعنى آخر، وهو الجناية على الغير، وفعل ما يشق عليه قولاً أو فعلاً، وهو معنى شائع كقوله: ألالايجلهن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا قوله: (يدفع انتقامه) يعني النصرة هنا مجاز عن لازم، معناها وهو دفع الضررءذ معناها الحقيقي غير صحيح هنا والمثابة الخصال المجتمعة فيهم وتوقيف الإيمان، أي جعل إيمانهم موقوفاً على طردهم ومعلقاً به لأنهم قالوا له إن طردتهم آمنا بك كما مرّ. قوله: (خزائن ررّقه وأمواله حتى جحدتم فضلى (هذ شروع في دفع الشبه التي أوردوها تفصيلا، بعدما دفعها إجمالاً، بقوله: أرأيتم الخ. فكأنه يقول: عدم اتباعي لنفيكم الفضل عني، إن كان فضل المال والجاه فأنا لم أذعه، ولم أقل لكم إنّ خزائن رزق الله وماله عندي، حتى أنكم تنازعوني في ذلك وتنكروه، وإنما وجوب اتباعي لأني رسول الله، المبعوث بالمعجزات الشاهدة لما اذعيته. قوله: (عطف على عندي خزائن الله الخ الما كان نفي القول يقتضي نفي المقول فالعطف على مقول القول المنفي منفيّ أيضا ذكر معه النفي المزيد لتأكيد النفي السابق، والتذكير به، ودفعاً لاحتمال أنه لا يقول إلا هذا المجموع، فلا ينافي أن يقول أحدهما، فالمعنى لا أقول أنّ عندي خزائن الله، وأن عندي علم الغيب، حتى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 تكذبوني لاستبعاد ذلك، وما ذكرت من دعوى النبوّة إنما هو بوحي وإعلام من الله مؤيد بالبينة فلا يرد ما قيل: إنّ كلمة لا تنافي عطفه على لا أقول بتقدير أقول بعدلاً. قوله:) أي ولا أقول أنا أعلم الغيب) كذا في الكشاف بإبراز ضمير أنا فقيل: إنّ أنا تأكيد للمستتر في أقول، لا من باب التقؤى أو التخصيص، وفي هذا التأكيد إظهار فائد تكرار، لا لأنك إذا أكدت لإزالة احتمال المعية، فقد أذنت أنك في الكلام محق على اليقين منه بعيد عن السهو والتجوّز ولو قلت إنه زاده ليظهر عطفه على الاسمية، ويدفع احتمال عطفه على الفعلية لأنه الظاهر كان أوضح. قوله: (حتى تكذبوني استبعاداً الما قلته من دعوى النبوّة والإنذار بالعذاب، فإنه بإعلام الله ووحيه، والغيب ما لم يوج به، ولم يقم عليه دليل، وليس هذا كذلك، وقيل: إنه غير ملائم للمقام، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم حين اذعى النبوّة سألوه عن المغيبات وقالوا له: إن كنت صادقا فأخبرنا عنها فقال: أنا أذعي النبوّة بآية من ربي، ولا أعلم الغيب إلا بإعلامه، ولا يلزم أن يذكر ذلك في النظم، كما أنّ سؤال طردهم كذلك، ولا يخفى عليك أنه لا قرينة تدلّ على ما ذكره، وأمّا طردهم فإن استحقارهم لهم قرينة على ذلك، وقد صرّح به السلف رحمهم الله، ومثله لا يقال من قبل الرأي. قوله: (أو حتى أعلا أنّ هؤلاء أنبعوكي بادىء الرأي من غير بصيرة ولا عقد قلب) قيل: ظاهر. أنّ المراد أنهم آمنوا نفاقاً فعلى هذا يكون المراد من قولهم بادي الرأي بادي رأي من يراهم، وليم يذكر هذا الاحتمال، ويجوز أن يكون المراد عقداً جازما ثابتا كأنّ ما سواه ليس بعقد، وردّ بأن المراد بالبصيرة وعقد القلب اليقين، والاعتقاد الجازم، وهو شامل للوجهين في بادىء الرأي لا مغاير لهما، كما توهمه هذا القائل، ولا يخفى أنّ هذا صيد من المقلي، فإنه الوجه الثاني الذي ذكره بقوله ويجوز الخ وما ذكر. أوّلاً بناء على الظاهر من عقد القلب، فإنّ ربط القلب بالشيء اعتقاد له، وعدمه هو النفاق، ولا شك أنه لم يسبق له ذكر. قوله: (وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول) كما يجوز عطفه على المقول، وأمّا على التفسير الأوّل فيتعين الثاني، وفيه نظر. قوله: (حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا الا يخفى أنّ هذا مبنيّ على الوجه الثاني المذكور في الكشاف في تفسير قوله: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا} [سورة هود، الآية: 27] وقد مرّ أنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يعرّج عليه، ولم يرتضه لابتنائه على الاعتزال، ومنه تعلم ما في الكشف من النزاع في الابتناء، فإنه إنما فسره به لاقتضاء النظم له وتوصيفه هنا بالبشرية صريح فيه، إلا أن يقال قوله سابقا لا مزية لك علينا، شامل للوجهين، فإنّ المزية المقتضية لوجوب طاعته، بأن يحوز كمالات جنسهم، أو بأن يكون من جنس آخر أفضل منهم، ولا مانع من ذلك في كلامه، فهذا يعين إرادته فيما مر، وأما جعل هذا كلاما آخر وليس ردّا لما قالو. سابقاً فلا وجه له. قوله: (في شأن من استرذلتموهأ) إشارة إلى أن اللام ليست للتبليغ بل للأجل، والا لقيل لن يؤتيكم، وأن الإسناد للأعين مجاز كما سيأتي، وأنّ العائد محذوف، وأنّ الازدراء وقع، والتعبير بالمضارع للاستمرار أو لحكاية الحال، وقوله: فإن ما أعد الله الخ ولا يبعد أن يراد به خير الدنيا والآخرة، إذ المال غاد ورائح، وقد أورثهم الله أرضهم وديارهم بعد غرة! م، وقوله: إن قلت تفسير لإذا لأنها جواب وجزاء كما مرّ، وقوله: لتجانس الراء في الجهر فإن التاء مهموسة. قوله: (واسناده إلى الآعين للمبالنة والتنبيه على أنهم استرذلوهم) المبالغة من اسناده للحاسة التي لا يتصور منها تعييب أحد فكان من لا يدرك ذلك يدركه، وأمّا التنبيه على أنه بمجرّد الرؤية فظاهر من جعل الازدراء لمجرّد تعلق البصر من غير تفكر وتأمّل، وقوله: بادي الرؤية من غير روية مطابق لقوله: {مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [سورة هود، الآية: 27] أحسن مطابقة مع ما بين الرؤية والروية من التجنيس، وفيه إشارة إلى أنّ الرأي يجوز أن يكون بمعنى الرؤية كما مرّ، وبما عاينوا الخ. كالتفسير لقوله بادىء الرأي من غير روية، وقوله: وقلة منالهم أي ما يصلح حالهم من المال من النوال، وهو الصلاح للحال، قال: عجزت وليس ذلك بالنوال لا من النوال بمعنى العطاء، وقوله: في معانيهم وكمالاتهم، أي في المعاني التي كملوا بها كالإيمان والتسليم للحق والمسارعة إليه، فإن كانت الرواية، معايب من العيب فالمعنى التأمّل في أحوالهم الناقصة والكاملة، فيفرقون بين ذلك لتمييزهم بين ما يعابون به من غيره. قوله: (فأطلتة أو أتيت بأنواعه) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 فالمراد بقوله جادلتنا شرعت في جدالنا فأطلته، أو أتيت بنوع من أنواع الجدال فأعقبته بأنواع فالفاء على ظاهرها، وفيه إشارة إلى أنه لا حاجة إلى تأويل جادلتنا بأردت جدالنا كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [سورة النحل، الآية: 98] كما في الكشاف. وقال المدقق: إنه عبارة عن تماديه في الجدال، يعني مجموع ما ذكر كناية عن التمادي والاستمرار، والحامل له عليه عطف فأكثرت بالفاء. قوله: (في الدعوى والوعيد) أي في دعوى النبوّة والوعيد بنزول العذاب، قيل لا حاجة إلى الأوّل، إذ المعنى إن صدقت في حكمك بلحوق العذاب إن لم نؤمن بك، وما في ما تعدنا مصدري أو موصولة، والعائد مقدر أي تعدناه. قوله:) بدفع العذاب أو الهرب (أعجزه بمعنى صيره عاجزاً، والعجز إمّا بالدفع أو بعدم وجود المعذب، وكلاهما محال هنا. قوله:) شرط ودليل جواب الخ) الشرط هو قوله إن أردت أن أنصح لكم، دليل الجواب هو قوله: ولا ينفعكم نصحي، ومجموع قوله: (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم (دليل على جواب الشرط الآخر، وهو قوله: {إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} وفي الكشاف قوله: ( {إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} ) جزاؤه ما دلّ عليه قوله: لا ينفعكم نصحي، وهذا الداذ في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك: إن أحسنت إليّ أحسنت إليك، أن أمكنني، يعني أنّ ما تقدم جزاء حكما لا لفظاً، فقيد بشرط آخر، كما قيد صريح الجزاء، لأنّ التقييد من مقتضيات معنى الجزاء لا لفظه، وحينئذ جاز أن يكون قيدا للجزاء المجرّد، فيتعلق الشرط الأوّل بالجزاء معلقا على الثاني، ويحتمل العكس، فليس ما ذكر بناء على قواعد الشافعية على ما توهم، ثم إن كان أحد الشرطين لا ينفك عنه الجزاء أو الشرط الأوّل، فهو لتحقيق المرام وتأكيده، كما فيما نحن فيه، وقول القائل: إن دخلت الدار، فأنت طالق إن كنت زوجتي، والا فهو لتقييد الجزاء على أحد الوجهين والذي حققه النحاة، كما في شرح التسهيل لابن عقيل رحمه الله: أنه إذا توالى شرطان فأكثر كقولك إن جثتني، إن وعدتك أحسنت إليك، فأحسنت إليك جواب إن جثتني، واستغنى به عن جواب إن وعدتك، وزعم ابن مالك أنّ الشرط الثاني مقيد للأوّل بمنزلة الحال، وكأنه قال: إن جئتني في حال وعدي لك، والصحيح في هذه المسألة أنّ الجواب للأوّل، وجواب الثاني محذوف لدلالة الشرط الأوّل وجوابه عليه، فإن قلت إن دخلت الدار إن كلمت زيداً إن جاء إليك فأنت حرّ، فأنت حرّ جواب إن دخلت، وان دخلت وجوابه دليل جواب إن كلصت، وان كلمت وجوابه دليل جواب إن جاء، والدليل على الجواب جواب في المعنى، والجواب متأخر فالشرط الثالث مقدم، وكذا الثاني، وكأنه قيل: إن جاء فإن كلمت، فإن دخلت فأنت حرّ فلا يعتق إلا إذا وقعت هكذا مجيء ثم كلام ثم دخول، وهو مذهب الشافعيّ رحمه الله، وذكر الجصاص أنّ فيها خلافا بين محمد وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وليس مذهب الشافعيّ فقط والسماع يشهد له قال: إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معا قد عزز إنها كرم وعليه فصحاء المولدين، وقال بعض الفقهاء: الجواب للأخير، والشرط الأخير وجوابه جواب الثاني، والشرط الثاني وجوابه جواب الأوّل، وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد هكذا دخول ثم كلام ثم مجيء، وقال بعضهم: إذا اجتمعت حصل العتق من غير ترتيب، وهذا إذا كان التوالي بلا عاطف، فإن عطف بأو فالجواب لأحدهما دون تعيين، نحو إن جئتني أو إن أكرمت زيدا أحسنت إليك، وان كان بالواو فالجواب لهما، وإن كان بالفاء فالجواب للثاني، وهو وجوابه جواب الأوّل، فتخرج الفاء عن العطف، وهذا مقرّر في كتب الفقه والنحو ولا كلام فيه، وإنما الكلام في كون هذه الآية من ذلك القبيل، فجعلها المصنف رحمه الله تعالى كغيره منه فعليه لا فرق بين تقدم الجواب وتأخره عته، واستشكله ابن هثام في المغني بأنه لم يتوال فيها شرطان بعدهما جواب، وكلام النحاة فيه، والبيت السابق فيما كان ذلك، وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في المعنى للأوّل، فينبغي أن يقدر إلى جنبه، ويكون تقديره أن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، وأمّا أن يقدّر الجواب بعدهما ثم يقدر بعد ذلك مقدّما إلى جانب الشرط الأوّل فلا وجه له فعليه يختلف حكم المسألة والتوسط والتأخر، وله رسالة في هذه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 المسألة مستقلة. والسؤال الذي أورده يرد على المصنف رحمه الله تعالى، لكنه مدفوع، أمّا إن قلنا بجواز تقدم الجواب كما هو مذهب الكوفيين فظاهر، وان لم نقل به أيضاً فالمقدر في قوّة المذكور، والكثير في توالي شرطين بدون عاطف تأخره سماعا فيقدر كذلك، ويجري عليه حكمه فتأمّل، فليكن ما نحن فيه مما اختلف فيه الفقهاء على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وحاصله كما قال العلامة: إن قوله: ( {إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} ) شرط جوابه محذوف يدل عليه لا ينفعكم نصحي، وهذا الدال في حكم المدلول عليه وهو الجزاء، أي هذا الدال هو الذي يقدر جزاء، حتى يكون التقدير إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي، لكن هذا الجزاء ليس مطلقاً بل مقيدا بشرط، وهو إن أردت أن أنصح لكم، فحاصل التقدير إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي، إن أردت الخ. والحاصل أنّ المصنف رحمه الله تعالى جعل قوله لا ينفعكم دليل الجواب على امتناع تقدّمه، وهو الأصح والجملة كلها جواب الثاني، فيكون الكلام متضمنا لشرطين مختلفين، أحدهما جواب للآخر، وجعل المتأخر في الذكر متقدما في المعنى، بناء على أنه إذا اعترض شرط على شرط، ولا عاطف كان الثاني في نية التقديم، وهي المسألة المختلف فيها بين الفقهاء، وجعل جار الله لا ينفعكم دليل جواب إن كان الله، وجعل إن أردت قيدأ للجواب على ما قيل إنه مراده، فهي عنده شرطية واحدة مقيدة، فليس نظير المسألة المذكورة، وفائدة التقييد عنده ظاهرة، فلا وجه ل! ما قيل إنه لا فائدة فيه على ما ذهب إليه. قوله: (ولذلك نقول الخ) قال الإمام هذا الشرط المؤخر في اللفظ مقدّم في الوجود، فإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار، كان المفهوم منه أنّ ذلك الطلاق من لوازم الدخول، فإذا قال بعده إن أكلت الخبز كان المعنى على أنّ تعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأوّل، مشروط بحصول هذا الشرط الثاني، والشرط مقدم على المشروط في الوجود، فعلى هذا إن حصل الشرط الثاني تعلق الجزاء بذلك الشرط الأوّل، وان لم يحصل الثاني لم يتعلق الجزاء بذلك الشرط الأوّل. قوله: (وهو جواب لما أوهموا الخ) الإيهام مأخوذ من قوله أكثرت جدالنا، فأجابهم بما حاصله إنّ كلامي نصح وارشاد، لا أنه كلام بلا فائدة، يكون المقصود منه مجرّد الجدال، وإنما لم يفد لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد إضلالكم ليهلككم، وقوله: إن أردت أن أنصح لكم، أن أبقى على الاستقبال لا ينافي كونه نصحهم في الماضي، وقيل: إنه مجاراة لهم لاستظهار الحجة لأنهم زعموا أنه ليس بنصح إذ لو كان نصحا قبل منه. قوله: (وهو دليل على أن إرادة الله تعالى الخ) هو رذ لمذهب المعتزلة، ولقول الزمخشري إنّ الإغواء قبيح لا يصح أن يصدر عنه تعالى، ولا يريده وان وقع نحوه بدون الإرادة منه، لكنه قيل عليه إنّ الشرطية لا تدلّ على وقوع الشرط، ولا جوازه فلا يتم الاستدلال به ولا يحتاج إلى التأويل الآتي، ودفع بأن المقام ينبو عنه لعدم الفائدة في مجرّد فرض! ذلك، فإن أرادوا إرجاعه إلى قياس استثنائيّ، فإمّا أن يستثني عين المقدم فهو المطلوب، أو نقيض التالي فخلاف الواقع لعدم حصعول النفع. قوله: (وأنّ خلاف مراده محال) أي بالغير لا بالذات، وإلا لم تصدق الشرطية الدالة على لزوم الجواب للشرط، قيل ولو قال: بدل هذا وأنّ مراده لا يتخلف عن إرادته، كان أظهر لقولهم إيمان الكافر مراده تعالى، وخلاف مراده نفع النصح لهم، وان كان صريح النظم أنّ الإغواء مراده، لأنّ عدم نفعه لازم للإغواء، وارادة الملزوم إرادة للازمه. قوله: (وقيل إن يغويكم أن يهلككم الخ (هذا من تفاسير المعتزلة للجواب عن مخالفة الآية لمذهبهم، فتارة قالوا المراد هذا، وتارة قالوا سمي ترك إلجاء الكافر وتخليته، وشأنه إغواء، وكلاهما مخالف للظاهر المعروف في الاستعمال، وغوى بكسر الغين وفتح الواو كرضي رضا كما في القاموس، والبشم كالتخمة من كثرة شرب اللبن، والفصيل ولد الناقة، ومنهم من جوّز أن يكون إن نافية، فتدل على مدعي المعتزلة، ولا ينبغي حمل كلام الله عليه لبعده. قوله: (خالقكم والمتصرّف فيكم وفق إرادته (أي على وفق إرادته فهو منصوب بنزع الخافض، ووفقها ما يوافقها، والرب بمعنى الخالق والمربي، والتصرّف المذكور لازم لمعناه، فلذا فسر بما ذكر، ولم يرد أنّ الإغواء من تصرّفاته الموافقة لإرادته، حتى يتوهم أنه جبريل إنه علم عدم استعدادهم، واختيارهم استواء الطريقين على وفق الإرادة التي لا يتخلف عنها شيء، كما زعمت المعتزلة، وقوله فيجازيكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 قد مز تحقيقه. قوله: ( {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} وباله (يعني أنه على تقدير مضاف، أو على التجوّز به عن مسببه، والافتراء المفروض هنا ماض، والشرط يخلص للاستقبال، فينبغي أن يقدر فيه ما يكون مستقبلا، فلذا قيل تقديره إن علمتم أني افتريته، لكن الجزاء لا يترتب على علمهم بل على الافتراء نفسه، ودفع با! العلم يستدعي تحققه لا محالة، فصح لترتب عليه بهذا الاعتبار وفيه نظر، وقوله: وقرئ إجرامي اًي بفتح الهمزة جمع جرم. قوله:) من إجرامكم في إسناد الافتراء إلئ) فيه إشارة إلى أن أصله إن افتريته فعليّ عقوبة افترائي، ولكنه فرض محال وأنا بريء من افترائكم، أي نسبتكم إياي إلى الافتراء، وعدل عنه إدماجا لكونهم مجى!!! ، وأن المسألة معكوسة، والظاهر أن هذا من تتمة قصش نوج عليه الصلاة والسلام وفي ش-! ا-، وعليلأ الجمهور، وعن مقاتلى إنه في شأن النبي، ولا يخفى بعده، وان قيل إنه أنسب، وجعل ما مصدرية لما في الموصولة من تكلف حذف العائد المجروو، وهو المناسب لقوله: إجرامي قبله. قوله تعالى: ( {إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} ) هذأ استثناء متصل والمراد إلا من استمرّ على الإيمان، لأن للدوام حكم الحدوث، ولذا لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه في الحال حنث عندنا، وقيل المراد إلا من قد استعذ للإيمان، وتوقع منه، ولا يراد ظاهر.، والا كان المعنى إلا من قد آمن، فإنه يؤمن، وأورد عليه أنه مع بعده يقتضي أنّ من القوم من آمن بعد ذلك، وهو ينافي تفنيطه من إيمانهم، ولو قيل: إن الاستثناء منقطع، وانّ المعنى لا يؤمن أحد بعد ذلك غير هؤلاء، لكان معنى بليغا فتدبره، وتبتشى افتعال من البؤس، وهو حزن في استكانة، ويقال: ابتأس إذا بلغه ما يكرهه، فلذا فسره بقوله ونهاه الخ. والإقناط من قوله لن يؤمن، لأنّ لن لتأكيد النفي. قوله: (ملتبساً بأعيننا الخ (يشير إلى أنّ الجارّ والمجرور حال من الفاعل، وأنّ الباء للملابسة، أي محفوظا، قيل: والملابسة للعين كناية عن الحفظ، والأعين للمبالغة فيه، كما أنّ يسط اليد كناية عن الجود، وبسط اليدين كناية عن المبالغة فيه، وقيل الأعين هنا بمعنى الرقباء، وإنه تجريد على حذ قوله: وفي الرحمن للضعفاء كافي لأنه تعالى هو الرقيب، وردّ بأن العين هنا بمعنى الجارحة، وهي جرت مجرى التمثيل، وليس من التجريد في شيء، وليس المعنى على الرقباء هنا، وكأنّ التوهم نثأ من قوله في تفسيره في سورة المؤمنين، كأنّ مع الله حفاظا يكلؤنه بعيونهم، وهذا عليه لا له، لأنه إنما نبه به على فائدة جمع الأعين، وليس فيه أنّ الحافظ هو الله بنفسه، أو بمن نصبه لذلك، وقد صرّج به في الطور، والاستعارة فيه من الجارحة، والجمع للمبالغة، وقال في الطور إنه لذكر ضمير الجمع معه هناك فهو وجه آخر، ولا منافاة بين الوجوه، وأمّا ما قيل إنّ كلامه يقتضي أنه مجاز مرسل لاستعمال الجارحة في لازمها، وهو الحفظ فلا وجه له، لأنه بيان لوجه الشبه والمناسبة بينهما، وقوله: بكثرة آلة الحس أي تعدّدها لأنه جمع قلة، أو لأنه لما أضيف أفاد الكثرة لانسلاخ معنى القلة بها عنه. قوله: (كيف تصنعها) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يدر كيف يصنعها، فأوحى الله إليه أن تصنعها مثل جؤجؤ الطائر، أي صدره، وقوله: ولا تراجعني إشارة إلى أنّ النهي عن المخاطبة مبالغة في النهي عن المراجعة في أمرهم بخطاب أو غيره، وقوله محكوم الخ لأنه المحقق في الحال، لأنّ الإغراق لم يقع، فهو أبلغ لدفع الاستشفاع بعد النهي. قوله: (وكلما مرّ عليه م! كل منصوب على الظرفية، وما مصدرية وقتية، أي كل وقت مرور، والعامل فيه جوابه، وسخروا صفة ملأ أو بدل اشتمال، لأنّ مرورهم للسخرية. قوله: (استهزؤوا به لعمله السفينة) يقال سخر منه وبه وهزأ به، ومنه واسناد الاستهزاء إلى نوح عليه الصلاة والسلام حقيقة، وكذا إلى عمله، وقيل إنه مجاز لأنه سبب الاستهزاء، وقوله: فإنه كان يعملها، بيان لسبب الاستهزاء، قيل: إنهم قالوا له ما تصنع يا نوح لأل بيتا يمشي على الماء، فتضاحكوا وسخروا منه، والاستهزاء منهم حقيقة، وفي نسخر منكم مشاكلة، لأنه لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: إنه لجزائهم من جنس صنيعهم فلا يقبح، ولذا فسر بعضهم السخرية بالاستجهال، كما ذكره المصنف وهو مجاز لأنه سبب للسخرية، فأطلقت السخرية وأريد سببها لكنه لا يناسب قوله كما تسخرون، أو هو على هذا ضاكلة، وقوله وقيل: معطوف على ما قبله بحسب المعنى، وسوف تعلمون أي تعرفون، ولذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 شدّى لواحد وهو من الموصولة، وقيل إنها على أصلها والمفعول الثاني محذوف، وقيل: من استفهامية والجملة معلق عنها، وهي ساذة مسذ المفعول، أو المقعولين على الوجهين. قوله: (وينزل أو يحل عليه حلول الدين (منصوب على أنه مصدر تشبي! يئ، وهو بيان لأنه على التفسير افاني فيه استعارة تبعية ومكنية، شبه حكم الله بغرقهم بالدين اللازم أداؤه، وهو على الأوّل سقيقة، والإسناد مجازيّ، أي ينزل عليهم من السماء ما بغرقهم ويعذبهم به، والعذاب على الأوّل دنيوفي، وعلى الآخر أخروفي، ويحتمل أنه في الأوّل أخروفي أيضا، فيكون مجازاً، وقوله دائم إشارة إلى أنّ الإقامة استعيرت للدوام. قوله:) غاية لقوله ويصنع الفلك الخ) أي هي! ارة متعلقة به، وإذا لمجرّد الظرفية، وإذا كانت حتى ابتدائية فهي غاية أيضاً كما مرّ في الأنعام، وقوله: وما بينهما حال، كأنه جعل قالوا جواب كلما، وسخروا متعلق بملا، والا فلو كان سخروا جوابا كانت جملة قال استثنافية، والحمل على التغليب بعيد، واعترض بأنه على الثاني لا مدخل لقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} فالمراد ما بينهما حال مع ما يتعلق به، لأنّ المجموع حال، وهو ناشئ من قلة التدبر لأنّ ما بعد قال بأسره من مقول القول، الذي وقع جوابا،! لكل جملة واحدة بمنزلة الكبرى، وقوله: أو حتى هي التي يبتدأ الخ، يعني أنّ إذا شرطية، وحتى ابتدائية داخلة على الشرط، وجوابه، والجملة لا محل لها من الإعراب. قوله تعالى: ( {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا} ) هو واحد الأوامر، أي الأمر بركوب السفينة، أو واحد الأمور وهو الشأن، وهو نزول العذاب بهم، وقلنا على الاحتمال الأوّل استئناف، وعلى الثاني جواب إذا. قوله: (نبع الماء منه وارتفع كالقدر الخ) إشارة إيى أنه استعارة، شبه خروج الماء بفوران القدر، مع ما في إخراج الماء من التنور الذي هو محل النار من الغرابة، والتنور كالفرن ما يوقد فيه النار للخبز، وهو معروف قيل إنه كان تنورا لآدم يخبز فيه، وهو من حجارة وكان عنده، وقيل: غير ذلك كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، واختلف فيه وفي ماذته، فقيل: إنه عربيئ ووزنه تفعول من النور، وأصله تنوور، فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها، ثم حذفت تخفيفا، ثم شددت النون عوضا عما حذف، وهذا القول نقل عن ثعلمب، وقال أبو علي الفارسيّ وزنه فعول، وقيل: على هذا إنه أعجمي ولا اشتقاق له، ومادّته تنر، وليس في كلام العرب نون قبل راء، ونرجس معرب أيضا، والمشهور أنه مما اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصابون، وقوله: في موضع مسجدها على يمين الداخلي مما يلي باب كندة، ذكره في سورة المؤمنين، وقوله: بعين وردة بمنع الصرف لأنه علم لها، وقوله: من أرض الجزيرة، يعني الجزيرة العمرية، وسيأتي في المؤمنين إنه بالشأم، فحمل على اختلاف الرواية، وقوله: أشرف أي أعلى من الشرف، وهو مرتفع الأرض، وقوله: في السفينة يشير إلى أنه أنث ضمير الفلك لأنه بمعنى السفينة. قوله: (من كل نوع الخ) يشير إلى أنّ التنوين عوض عن المضاف، أو هو بيان للمعنى المراد، وفي الكشاف ما يقتضي أنه حمل الوحوس والهوام وغيرها، وقراءة العافة ب ضمافة كل لزوجين، وقرأها حفص بالتنوين، فعلى الأوّل اثنين مفعول احمل، ومن كل زوجين حال، وقيل من زائدة واثنين نعت مؤكد لزوجين بناء على جواز زيادتها في الموجب، وعلى قراءة حفص زوجين مفعول، واثنين نعت مؤكد له، ومن كل حال أو متعلق باحمل، وقوله ذكرا وأنثى تفسير لزوجين، والزوج هنا احمواحد المزدوج بآخر من جنسه، لا مجموع الذكر والأنثى، والا لزم أن يحمل من كل ص كف أربعة أصناف، وهو أحد معنييه كما بيناه في شرح الدرّة، وزوجين على الأوّل بمعنى ؤهـ ت بت، وعلى الثاني بمعنى صنفين، وقوله عطف على زوجين اي على القراءة الأولى: وعلى اثت 3يئ على الأخرى. قوله:) والمراد امرأته! أي المسلمة لا الكافرة المغرقة، وبنوه أي منها ونساؤهم فأهله سبعة، وكنعان قيل كان اسمه يام وهذا لقبه عند أهل الكتاب، وواعلة بوزن فاعلة بالعين المهملة زوجته الكافرة، وضمير أمّه لكنعان، وهذا يدلّ على أن الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم يحل لهم نكاح الكافرة، بخلاف نبينا! ير لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [سورة الأحزاب، الآية: 50] الآية. قوله: (قيل كانوا تسعة وسبعين) فالكل مع نوح عليه الصلاة والسلام ثمانون وهي الرواية الصحيحة وقيل: سبعة ويرذه عطف من آمن إلا أن يكون الأهل، بمعنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 الزوجة فإنه ثبت بهذا المعنى، وهو خلاف الظاهر، وقوله: في سنتين، وقيل في أكثر من ذلك، والساج شجر عظيم يكثر بالهند، وقيل إنه ورد في التوواة إنها من الصنوبر، وقوله: وكان طولها الخ. وفيه أقوال، والأقوال متفقة على أنّ سمكها ئلاثون، والمراد بالذراع ذراع ابن آدم إلى المنكب كما ذكره القرطبيّ رحمه الله تعالى، وقوله وجعل لها ثلاثة بطون الخ، وقيل الطبقة السفلى للوحش، والوسطى للطعام، والعليا له ولمن أمن. قوله: ( {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا} ) أي تال نوح عليه الصلاة والسلام بدليل قوله: {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقيل الضمير دلّه، وضمير الجمع لمن معه، وفيها متعلق باركبوا وتعديته بفي لأنه ضمن معنى ادخلوا وقيل تقديره اركبوا الماء فيها، وقيل: في زائدة للتوكيد، والمصنف رحمه الله تعالى اختار أن تعديته بها لأنه مجاز عن معنى الصيرورة، ولم يجعله تضمينا لأنّ الركوب ليس بحقيقيئ، فيلزم جمع التضمين والتجوّز وما ذكره أقرب، وقوله: جعل ذلك ركوباً يشير إلى أنّ فيه استعارة تبعية، لتشبيه الصيرورة فيها بالركوب، وقيل: الاستعارة مكنية. قوله: (متصل باركبوا حال من الواو (بيان لوجه اتصاله به، والباء للملابسة وملابسة اسم الله بذكره ولذا فسره بقوله ة مسمين الله، أو الحال محذوفة وهذا معمولها ساذ مسدّها فلذا سموه حالاً، أي قائلين باسم الله، ومجراها ومرساها معمول الاستقرار الذي تعلق به الجارّ والمجرور على الأوّل، ومعمول قائلين وهي حال مقدرة أو مقارنة، بناء على أن الركوب المأمور به ليس أحداثه بل الاستمرار عليه. قوله:) وقت إجرائها وإرسائها الخ (جوّزوا فيه أن يكون اسم زمان أو مكان، أو مصدرأ ميميأ، وعلى الأخير يقدر مضاف محذوف وهو وقت، ولما حذف سد هذا مسده وانتصب وهو كثير في المصادر، وتمثيله بخفوق أي الطلوع أو الغروب أحسن من تمثيل الزمخشريّ بمقدم الحاج، لاحتماله غير المصدرية، وقوله بما قدرناه يعني متعلق الجارّ والمجرور، أو قائلين ولا يجوز نصبه باركبوا إذ ليس المعنى على اركبوا في وقت الإجراء والإرساء، أو في مكانهما، وإنما المعنى متبركين أو قائلين فيهما. قوله: (ويجورّ رفعهما الخ) أي رفع المصدرين بالظرف لاعتماده على ذي الحال، وهو ضمير اركبوا فهي حال مقدرة على ما مرّ، وأمّا كونها من ضمير فيها فلا قرينة في كلامه عليه، ومن زعم أنه مراده وأنه حمله على الصلاح فما أفسده أكثر مما أصلحه، وقوله: أو جملة عطف على ما قبله بحسب المعنى، والخبر المحذوف تقديره متحقق ونحوه، وقوله: جملة مقتضية على صيغة المفعول، أي مستأنفة منقطعة عما قبلها لاختلافها في الخبرية أو الإنشائية، فقوله: لا تعلق لها بما قبلها تفسير له، وأصل الاقتضاب في اللغة الاقتطاع، ويطلق في اصطلاح المعاني على الانتقال من الغزل إلى المدح من غير تخلص. قوله: (أو حال مقدّرة من الواو أو الهاء) المراد بالهاء ضمير فيها العائد على السفينة، وقد اعترض عليه بأمرين، الأوّل أنّ الحال إنما تكون مقدّرة إذا كانت مفردة كمجراة، أمّا إذا كانت جملة فلا، لأنّ الجملة معناه اركبوا وباسم الله إجراؤها، وهذا واقع، وردّ بأنا لا نسلم أنه واقع حال الركوب وإنما يكون كذلك لو لم تكن حالاً مقدرة، وهذا ناشئ من عدم الوقوف على مراده، لأنهم ذكروا أنّ الفرق بين الحال إذا كانت مفردة، وجملة أنّ الثانية تقتضي تحققه في نفسه وتلبسه بها، وربما أشعرت بوقوعها قبل العامل، واستمرارها معه كما إذا قلت جاءني وهو راكب فإنه يقتضي تلبسه بالركوب واستمراره عليه، وهذا يتمادى كونها منتظرة، ولا أقل من أنه لا يحسن الحمل عليه حيث تيسر الإفراد، وأمّا الجواب عنه بان الجملة في تأويل المفرد لعدم الواو ككلمته فوه إلى فيّ، والمعنى اركبوا فيها مجراة ولا شك أنّ إجراءها لم يكن جمند الركوب فهي مقدرة، فمع أنه لا يدفع ذلك على ما قرّرناه قد مرّ في سورة الأعراف ما يدل على عدم صحته، الثاني أنه لا عائد على ذي الحال هنا إذا كان حالاً من الواو، وتقديره فإجراؤها معكم أو بكم كائن باسم الله تكلف، وأمّا كون الاسمية لا بد فيها من الواو فغير مسلم كما مرّ، وما قاله الرضي من أنّ الجملة الاسمية قد تخلو من الرابطين، عند ظهور الملابسة نحو خرجت زيد على الباب، فضعيف في العربية لا ينبغي التخريج عليه. تنبيه: قال الفاضل المحشي الحال المقدرة لا تكون جملة، ومثله لا يقال بالرأي، وكان وجهه أن الحال المفردة صفة لصاحبها معنى، والجملة الحالية قد يكتفي فيها بالمقارنة، نحو سرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 والشمس طالعة، ويتصيد منها صفة، كالسببية، وفيه بحث، فإنّ الجملة الحالية منها المقارنة، ومنها ما هو بتأويل مفرد مأخوذ من مجموعها، نحو كلمته فوه إلى فيّ، أي مشافها، وضها ما هو من جزئها كبعضكم لبعض عدوّ، أي متعادين، ومنه ما نحن فيه، فردّها مطلقا غير صلم. قوله: (ويجورّ أن يكون الاسم مقحماً) أي زائداً وفي الكشاف ويراد بالله إجراؤها! رساؤها أي بقدرته وأمره، أي على إرادة ذلك أو تقديره، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز الإقحام طى تقدير مسمين أو قائلين، إذ لا يظهر معناه، وهذا على تقدير المصدر، وأمّا على تقدير ا! زمان والمكان فيكون من قبيل نهاره صائم، وطريقه سائر، وهذا التقدير يجوز تنزيله على كلام! احد، وعلى كلامين. قوله: (ثم اسم السلام عليكما) إشارة إلى زيادة لفظ اسم في شعر لبيد العامري، وهو قوله: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملافقد اعتذر وقد مز تفصيله في أوّل الفاتحة. قوله: (مجراها بالفتح من جرى الخ (أي من الثلاثيّ والثلا! لة الزمان والمكان والمصدرية، وقراءة مرساها بالفتح شاذة، وقوله: صفتين لله، قيل: مليه إنّ اسم الفاعل بمعنى المستقبل إضافته لفظية فهو نكرة، لا يصح توصيف المعرفة به فهو يدل، والقول بأنّ المراد الصفة المعنوية لا النعت النحويّ، فلا ينافي البدلية بعيد. قوله: (أي ك لا مغفرته لفرطاتكم الخ) بيان لارتباطه بما قبله، أي لولا مغفرته ورحمته ما نجاكم إيمانكم من الغرق، فهي جملة مستأنفة بيان للموجب له، وليس علة لأركبوا لعدم المناسبة له كما قيل، وفيه أنه قال العلامة إنه علل به، يعني بالنظر لما فيه من الإشارة إلى النجاة، فكأنه قيل اركبوا النجيكم الله. قوله: (متصل بمحذوف الخ) في هذه الجملة ثلاثة أوجه، أحدها أنها مستأنفة، والحاني أنها حالية من الضمير المستتر في باسبم الله، أي جريانها استقرّ باسم الله حال كونها ب رية، والثالث أنها حال من شيء محذوف دل عليه السياق، أي فركبوا فيها جارية، والفاء المحقدّرة للعطف، وبهم متعلق بتجري أو بمحذوف أي ملتبسة بهم، والرسوّ الاستقرار، يقال! سا يرسو وأرسيته، والمضارع لحكاية الحال الماضية، وقوله: وهم فيها مستفاد من قوله بهم، ولم يجعلوها من الضمير المستتر في الحال الأولى، على أنها حال متداخلة لأنه يلزم أن يكون المجريان في وقت الركوب، وهو وقت تقدير التسمية فتأمّل، والطوفان له معان منها الماء إذا فا حتى غرّق البلاد وهو المراد، واضطرابه شدّة حركته. قوله: (كل موجة منها كجبل الخ (ش ليس المراد تشبيه الموجة الواحدة بالجبال، والموج واحده موجة، والجبال متفاوتة، كما أنّ الأمواج كذلك. قوله: (وما قيل من أن الماء الخ) جواب عما يقال إنه روي أنه طبق ما بين السماء والأرض، وأنّ السفينة كانت تجري في داخله كالسمك فلا يتحرّك، ولا يجري ولا يكون له موج، بأنه ليس بصحيح رواية، وهو مما يأباه العقل، ولو سلم فهذا كان في ابتداء ظهوره بدليل قول ابنه سآوي إلى جبل فإنه يدل على أنه كان تدريجياً. قوله: (علا شوامخ الجبال (من إضافة الصفة للموصوف وهذا مما تبع فيه المصنف الزمخشريّ وليس له وجه. قوله تعالى: ( {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ) قال السفاقسيّ والسمين الجمهور على كسر تنوين نوج عليه الصلاة والسلام لالتقاء الساكنين، وقراءة وكيع بضمه اتباعاً لحركة الإعراب، وقال أبو حاتم إنها لغة ضعيفة، وهاء ابنه توصل بواو في الفصيح، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما بسكون الهاء فلا التفات إلى ما قيل إنه ضرورة وهي لغة عقيل، وقيل الإزد، وقرأ عليّ رضي الله تعالى عنه ابنها ولذا قيل إنه كان ربيبه والربيب ابن امرأة الرجل من غيره، لأنّ الإضافة إلى الأمّ مع ذكر الأب خلاف الظاهر، وان جوّزوه، ووجه بأنه نسب إليها لكونه كافراً مثلها، وقرأ محمد ابن علي وعروة والزبير ابنه بهاء مفتوحة دون ألف اكتفاء بالفتحة عنها، وهو ضعيف في العربية، حتى خصه بعضهم بالضرورة، وهذا النداء كان قبل ركوب السفينة، والواو لا تدذ على الترتيب، وقوله: على أنّ الضمير لامرأته أي على القراءتين، وقوله: رشدة بكسر الراء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الدال وتاء تأنيث، يقال للولد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 هو لرشدة إذا كان من نكاج لا من زنا وسفاح، وضده لزينة بالكسر وقوله: إذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عصمت أضاف العصمة لهم، وان كانت في الحقيقة للزوجات، لأنه عار عليهم ونقيصة مبرّؤون عنها. قوله: (على الندبة) عبر في الكشاف تبعا لابن جني في المحتسب بالترثي تفعل من رثيت، وهي بمعنى الندبة في عبارة المتقدمين، وقوله: ولكونها الخ دفع لاستشكالهم بأن النحاة صرّحوا بأنّ حرف النداء لا يحذف في الندبة، فأجاب بأنه حكاية والذي منعوه في الندبة نفسها إلا في حكايتها، وما وقع في تفسير ابن عطية من أبناء بفتح همزة القطع التي للنداء رذ بأنه لا ينادي المندوب بالهمزة، وأنّ الرواية بالوصل فيها، والنداء بالهمزة لم يقع في القرآن. قوله: (عزل فيه نفسه) يعني أنّ المعزل بالكسر هنا اسم مكان العزلة، وفد يكون زمانا، وأمّا المصدر فبالفتح ولم يقرأ به أحد، وإذا كان اعتزاله في الدين فهو بمعنى مخالفته مجازاً، يقال: هو بمعزل عن الأمر إذا لم يفعله. قوله: (كسروا الياء ليدلّ على ياء الاضافة المحذوفة في جع القرآن) أي هنا وفي يوسف وثلاثة مواضع في لقمان، وفي الصافات، وقوله: وقف مليها أي سكنها، وعاصم عطف على ابن كثير، وقوله: اقتصارأ على الفتح من الألف المبدلة صن ياء الإضافة، وقيل: إنّ حذفها لالتقاء الساكنين ويؤيد الأوّل أنه قراً بها حيث لا ساكن كدها. قوله: (وحفصى الخ) وروي عنه الاظهار في النشر أيضاً، وكلاهما صحيح. قوله: (أن كرقئي) من الأفعال، ويجوز أن يكون من التفعيل، فالعصمة عبارة عن حفظه عن الغرق. قوله: (1 لا الراحم وهو الله الخ) ذكروا فيه وجوها الأوّل لا عاصم إلا الراحم، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر، لأن الأصل لا عاصم من أمر الله إلا الله، وفي العدول إلى الموصول زيادة فخيم وتحقيق لرحمته، وأن رحمته هي المعتصم لا الجبل، وهو أقوى الوجوه، الثاني لا ذا عصمة أي لا معصوم إلا المرحوم، قيل: وفيه أن فاعلا بمعنى النسبة قليل، فإن أريد في نفسه فم! نوع، وان أريد بالنسبة إلى الوصف فلا يضرّ، الثالث الانقطاع على أن لا عاصم على الحقيقة، أي ولكن من رحمه الله فهو المعصوم، وأورد عليه أن مثل هذا المنقطع قليل، لأنه في الحقيقة جملة منقطعة تخالف الأولى، لا في النفي والاثبات فقط، والأكثر فيه مثل ما جاءني القوم إلا حمارا، الرابع لا معصوم إلا الراحم على معنى لكن الراحم يعصم من أراد، وهذا غير مصرّج به في الكشاف، ولكنه يظهر من تجويزه أن يكون من رحم هو الراحم، ولا عاصم بمعنى لا معصوم، الخامس إضمار المكان أي لا عاصم إلا مكان من رحمه الله، وهو السفينة، وهو وجه حسن فيه مقابل لقوله: يعصمني، وهو المرجح بعد الأوّل، والعاصم على هذا حقيقة، لكن إسناده إلى المكان مجازي، وقيل إنه مجاز مرسل عن مكان الاعتصام بناء على إسناد الفعل إلى المكان إسناداً مجازيا والمعنى لا مكان اعتصام إلا مكان من رحمه الله، نإنه أرجح من الكل، لأنه ورد جواب! عن قوله ساوى إلى جبل، الخ السادس لا معصوم إلا مكان من رحمه الله، وأريد به عصمة من فيه على الكناية، فإنّ السفينة إذا عصمت عصم من فيها، وهذا وجه أبداه صاحب الكشف من عنده، السابع أنّ الاستثناء مفرّغ، والمعنى لا عاصم اليوم أحداً أو لأحد إلا من رحمه الله، أو لمن رحمه الله وعده بعضهم أقربها، وعلى ما ذكرنا ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى في الاقتصار على بعضها، وقوله: وهم المؤمنون تفسيران لا للمكان لأنه السفينة، وقوله رذ بذلك الخ إشارة إلى الترجيح السابق، وقوله: اللائذ به جمع لائذ مضاف للضمير، أي اللائذين به، وقوله لاذا عصمة ذو العصمة يشمل العاصم والمعصوم، والمراد هنا المعصوم فهو مصدر عصم المبنى للمفعول، فإن قيل على أنّ التقدير لا عاصم إلا مكان من رحمه الله، يكون المعنى لا عاصم من أمر الله إلا المكان، فيقتضي أن المكان يعصم ويمنع من أمر الله وقضائه، وهو غير صحيح لأنه لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه، قلت أجيب بأن المراد بأمر الله بلاؤه وهو الطوفان، وبهذا الاعتبار صح الاستثناء فتأمّل. قوله: (بين نوح عليه الصلاة والسلام وابنه) فلم يصل إلى السفينة لينجو، أو بينه وبين الجبل فلم يتيسر له الصعود فلم ينج أيضا لزعمه أن الماء لا يصل إليه وتفريع فكان الخ على هذا لا ينافي قوله: لا عاصم لأن المراد فكان من غير مهلة أو هو بناء على ظنه. قوله: (ئوديا بما ينادى به أولو العلم الخ) هذه الآية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 حوت من البلاغة أمراً عجيبا ترقص! الرؤوس له طربا، قال في الكشاف: نداء الأرض والسماء بما ينادى به الحيوان المميز على لفظ التخصيص، والإقبال عليهما بالخطاب من بين سائر المخلوقات، وهو قوله: (يا أرضى ويا سماء) ثم أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل، من قوله: (أبلعي ماءك وأقلعي) من الدلالة على الاقتدار العظيم، فإنّ السماوات والأرض! وهذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه، كأنها عقلاء مميزون، قد عرفوا عظمته وجلالته وثوابه وعقابه وقدرته على كل مقدور، وتبينوا تحتم طاعته عليهم وانقيادهم له وهم يهابونه ويفزعون من التوقف دون الامتثال له، والنزول على مشيئته على الفور من غير ريث الخ. قيل: عنى أنه شبه الأرض والسماء بالعقلاء المميزين على الاستعارة المكنية، والنداء استعارة تخييلية وهي قرينتها، ثم رشحت بالأمر والبلغ لاختصاصه بالحيوان، لأنه إدخال الطعام في الحلق بالقوّة الجاذبة، فهو ترشيح على ترشيح، وأمّا الاقلاع فلا تجريد فيه ولا ترشيح، لاشتراكه بين الحيوان وغيره، يقال: أقلعت السماء إذا لم تمطر، وخالفه غيره فقال: إنه تجريد لاشتهاره في السماء والمطر، قال: وإنما اختير الترشيح في جانب الأرضى، والتجريد في السماء، لأنّ إذهاب الماء كان مطلوباً أوّليا وليس للسماء فيه سوى الامساك، فقيل: أقلعي والأرض هي التي تقبل الاذهاب المطلوب، وقيل: إنه وهم لأنّ تفسيرهم له بالامساك ينافيه فتأمّل. قوله: (تمثيلأ لكمال قدرته الخ) قيل مراده ما مرّ من الاستعارة المكنية والتخييلية، مع ما يصحبه من لطائف البلاغة، وهو تمثيل فويّ، أو اصطلاحيّ باعتبار أنه يلزمه استعارة أخرى تمثيلية، لكنها ليست من صريح الطم بل تابعة له، وقيل: إنه يعني أنّ في النظم استعارة تمثيلية شبهت الهيئة المنتزعة من كمال قدرته ملى رد ما انفجر من الأرض إلى بطنها، وقطع طوفان السماء، وتكوّن ما أراده فيها كما أراد، لهيئة المنتزعة من الآمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه الخ. فعلى هذا يكون استعارة واحدة يخلاف ما في المفتاح، وعلى الوجه الأوّل لا مخالفة بين كلام الشيخين وكلام السكاكيّ، كما ارتضاه الشارح إلا في أمر يسير سيأتي بيانه، وقيل: إنه يخالفه فإنّ السكاكيّ حمل النظم على استعارات حسنة، وترشيحاتها ومجازات بليغة، وعلاقاتها مع فخامة لفظها ووجازة نظمها، لمجعل القول مجازاً عن الإرادة بعلاقة تسببها له، والقرينة خطاب الجماد، كأنه قيل أريد أن روتدّ ما انفجر من الأرض وينقطع طوفان السماء، وجعل الخطاب بيا أرض ويا سماء وأرادا ملى نهج المكنية تشبيها لهما بالمأمور المنقاد، وأثبت لهما ما هو من خواص المشبه به أعني النداء، وجعل البلع استعارة لغور الماء فيها للذهاب إلى مقر خفيّ، والماء استعارة مكنيه تشبيها لى بالمطعوم المتغذي به، والقرينة ابلعي باعتبار أصله، وان كان عنده استعارة تصريحية على حد ينقضون عهد الله، ورجح استعارة البلع للنشف على ما اختاره كما سيأتي، وجعل أمر البلع ترشيحاً للمكنية التي في المنادى لزيادته على القرينة، كما تقرّر عندهم، وجعل إضافة الماء إلى الأرض! مجازا لغويا لاتصال الماء بها، كاتصال المال بالمالك، والخطاب ترشيح له، قيل: والظاهر أنه تجوّز عقلي في النسبة، والخطاب ترشيح للمكنية في المنادى، وقد مرّ تحقيقنا لهذا المبحث في مالك يوم الدين، والخلاف فيه بين الفاضلين، واستظهروا أنه من إضافة الغذاء إلى المغذي في النفع والتقوّى وصيرورته جزءاً منه، ولا نظر إلى المالكية، ومن أراد بسط الكلام في هذا فلينظر شروح المفتاح، وقوله: الذي يأمر المنقاد لحكمه يعني فيأتمر ويبادر للامتثال، وتركه لظهوره، وهذه المبادرة من السياق لا من دلالة الأمر على الفور كما قيل. قوله: (والبلع النشف والاقلاع الامساك) النشف من نشف الثوب، العرق كسمع وبصر إذا شربه، قال المدقق: هذا أولى من جعل السكاكي البلع مستعار الغور الماء في الأرض لدلالته على جذب الأرض ما عليها، كالبلع بالنسبة إلى الحيوان، ولأنّ النشف فعل الأرض، والغور فعل الماء، فلله دره ما أكثر اطلاعه على حقائق المعاني، وأمّا ما قيل: إن البلع ترشيح والاقلاع تجريد بناء على قول الزمخشريّ، أقلع المطر فوهم لأنّ تفسير الامساك يرشد لخلافه فتأمّل. قوله: (وغيض الماء نقص) من غاضه إذا نقصه وجميع معانيه راجعة إليه، وقوله الجوهري: غاض الماء إذا قل ونضب، وغيض الماء فعل به ذلك لا يخالفه وهو إخبار عن حصول المأمور به من السماء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 والأوض معا، أي فامتثلا ما أمرا به ونقص الماء، ولا يخص غيض الماء بطوفان السماء كما ئوهم، وفيه كلام طويل في الكشف. قوله: (واستقرّت) يقال استوى على السرير إذا استقر عليه، وآمل بالمذ وضمّ الميم بلدة. قوله: (هلاكاً لهم الخ) يعني أن البعد ضد القرب، وهو باعتبار المكان، وهو في المحسوس، وقد يقال: في المعقول نحو ضلوا ضلالاً بعيداً، وأن استعماله في الموت والهلاك استعارة لكن كلام أهل اللغة يخالفه لاختلاف فعليهما، فإنه يقال: في الأوّل بعد يبعد ككرم يكرم بعد بضم فسكون، وفي الثاني بعدا يبعد كفرح يفرج فرحا، كما قيل فالواقع في قول المصنف بكسر العين في الماضي وفتحها في المصدر، وقيل بالعكس، والظاهر أنه فيهما بالضم، لأنّ الواقع في النظم مصدر ل! لمضموم فهو يقتضي أن يكون من البعد المكاني، وأنهما من ماذة واحدة، وهو الذي حمل المصنف رحمه الله تعالى على التجوّز وقوله: إذا بعد بضم العين، وبعدا كقربا ووصف البعد بكونه بعيداً للمبالغة كجد جده، وقوله لا يرجى عوده بيان لشدّة بعده وبيان لاطلاق البعد على الموت، وقد أوضح هذا المعنى التهامي في قوله في مرثيته المشهورة: أشكو بعادك لي وأنت بموضع لولا الردى لسمعت فيه سراري والشرق نحو الغرب أقرب شقة من بعد تلك الخمسة الأشباري وقوله: وخص بدعاء السوء يعتي بعدا مصدر يستعمل للدعاء، كسقيا ورعيا لكنه مخصوص بالسوء كجدعا وتعسا، والمراد بالظلم مطلقه أو تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم به ظلموا أنفسهم. قوله: (والآية في غاية الفصاحة الخ) ما اشتملت عليه من الفصاحة والنكات مفصل في شرح المفتاح، والمراد بالفصاحة البلاغة، وفخامة لفظها مجاز عن بلاغتها، وكنه الحال حقيقته من إرادة ما ذكر. قوله:) واللراد الآخبار على البناء للمفعول الخ) يعني أنّ الفاعل قد يترك ويبنى للمجهول لتعينه، لأن تلك الصفات لا تليق بغيره حقيقة، أو ادّعاء وقد صرّج الشعراء بهذا المعنى وتشبتوا به كما قال أبو نواس: وان جرت الألفاظ يوما بمدحة لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني قوله: (وأراد نداءه (أوّله به ليصح التفريع عليه كما بينه، وقيل: إنه تفصيل للمجمل لا! الإجمال يعقبه التفصيل، وقيل: إنّ المعقب ما بعد قوله: رلث، وهو إنما ذكر للتوطئة لما بعده، وإنّ تأويل المصنف رحمه الله تعالى ليس بحسن لأنّ فعل كل فاعل مختار لا بد أن يعقب إرادته، فليس في ذكره حينئذ كبير فائدة وفيه نظر. قوله: (وإق كل وعد تعده حق الخ) يعني أنّ كل وعد لك حق وقد وعدت بانجاء أهلي وهو من جملتهم، وهو في قوّة قياس، ومراده استعلام الحكمة في عدم انجائه مع ما ذكر إن كان ذلك بعد غرقه، أو الاستكشاف عن حاله إن كان قبله، وإليهما أشار بقوله: فما حاله أو فما له لم ينج لكنه كان ينبغي أن يقدم قوله ويجوز الخ على ذلك. قوله: (ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه) فإن الواو لا تقتضي الترتيب، قال الزمخشري: وذكر المسألة دليل على أن النداء كان قبل غرقه حين تأبيه عن ركوب السفينة وخوفه عليه، وأمّا جواز أنه لم يعرف غرقه، وأنه تعالى يجوز أن ينجيه بسبب أخر لمقتضى وعده فخلات الظاهر. قوله: (لآنك أعلمهم وأعدلهم الخ) يشير إلى أنّ المعنى على التعليل، والى أنه إذا بنى أفعل من الشيء الممتنع من التفضيل والزيادة، يعتبر فيما يناسب معناه معنى الممتنع، وقال الإمام ابن عبد السلام في أماليه إنّ هذا ونحوه من أرحم الراحمين وأحسن الخالقين مشكل، لأن أفعل لا يضاف إلا إلى جنسه، وهنا ليس كذلك لأنّ الخلق من الله بمعنى الإيجاد، ومن غيره بمعنى الكسب، وهما متباينان، والرحمة من الله إن حملت على الإرادة صح المعنى لأنه يسير أعظم إرادة من سائر المريدين، وإن جعلت من مجاز التشبيه وهو أنّ معاملته تشبه معاملة الراحم صح المعنى أيضا لأن ذلك مشترك بينه وبين عباده، وإن أريد إيجاد فعل الرحمة كان مشكلاً إذ لا موجد سواه، وأجاب الآمدي رحمه الله تعالى بأنه بمعنى أعظم من يدعي بهذا الاسم، قال: وهذا مشكل لأنه جعل التفاضل في غير ما وضع اللفظ بإزائه، وهو يناسب مذهب المعتزلة فتأمل. قوله: (أو لآنك أكثر حكمة من ذوي الحكم الخ) يعني على أن يبني من الحكمة حاكم للنسبة، وقيل: عليه إنّ الباب ليس بقياسي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 وإنه لم يسمع حاكم بمعنى حكيم، ولأنه لا يبني منه أفعل إذ ليس جاريا إلى الفعل، فلا يقال ألبن وأتمر، إذ لا فعل بهذا المعنى، والجواب بأنه كثر في كلامهم، أو يجوز أن يكون وجها مرجوحا، وبأنه من قبيل أحنك الشابين لا يخلو عن تعسف، وتعقب بأنّ للحكمة فعلا ثلاثيا، وهو حكم كما مرّ في أوّل السورة، وأفعل من الثلاثيئ مقيس، وأيضا سمع احتنك الجراد، وألبن وأتمر، فغايته أن يكون من غير الثلاثيّ، ولا يخفى ما فيه، ومنهم من فسره على هذا بأعلمهم بالحكمة، كقولهم: آبل من أبل، بمعنى أعلم وأحذق بأمر الإبل. قوله تعالى: ( {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الخ (قيل إنه اشتبه عليه الأمر لظنه أنّ المستثنى امرأته وحدها، وقوله: ولا تكن مع الكافرين، لا يدلّ على تحقق كفره لاحتمال أن يراد لا تكن في خلالهم، ولبعد هذا اعتذر عنه المصنف رحمه الله تعالى، بأنّ حب الولد شغله عن تأمّل حاله فعوتب على ترك التأمّل فيه، ومثله ليس بمعصية، والمراد ليس من أهلك الذين وعدهم الله بالنجاة، وقوله: لقطع الولاية يعني أنه لا يكون بين مسلم وكافر ولاية، ولذا لم يتوارثا، وقرابة الدين أقرب من قرابة النسب، كما قال أبو نواس: كانت مودّة سلمان له نسبا ولم يكن بين نوح وابنه رحم قوله: (فإنه تعليل الخ) أي هذه الجملة تفيد أنّ مضمونها تعليل لما قبلها، لأنها مستأنفة في جواب لم لم يكن من أهلي، وأصله إنه ذو عمل فاسد لأنه العلة في الحقيقة، فعدل عنه مع أنه أخصر وحذف ذو للمبالغه بجعله عين عمله لمداومته عليه، ولا يقدّر المضاف لأنه يفوّت المبالغة المقصودة منه. قوله: (كقول الخنساء) هي امرأة من فصحاء الجاهلية، والخنس انخفاض الأنف، وتوصف به الظباء، فلذا سميت به، ولها ديوان معروف، وهذا من قصيدة لها رثت بها صخرأ أخاها وهي مشهورة (ومنها) : وما عجول على بوّ تحن له لها حنينان إعلان وإسرار ترتع ما غفلت ححى إذا ذكرت فإنما هي إقبال وادبار يوما بأوجع مني حين فارقني صخر وللعيش أحلاء وإمرار ) ومنها (: لمان صخرالتأتق! الهداة به كأنه علم في رأسه نار فقوله تصف ناقة لأنها مثلت حالها بناقة ذبح ولدها فهي تحن له، فإذا ذهلت عنه رعت، وإذا ذكرته اضطربت، فهي بيت إقبال وادبار، أي بين إقبال على الحنين، وادبار عنه، والشاهد في قوله: هي إقبال وادبار، والعجول التي فقدت عجلها، والبوّ جلد يحشى تبنا لترأمه وتدر وترتع من رتع في المرعى إذا مشى فيه للرعي. قوله: (ثم بدّل الخ) معطوف على مضمون ما قبله، أي علل ثم بدل، ولمن متعلق بالنجاه أو أوجب، ومن في من أهله بيانية أو تبعيضية، والمراد بالمناقضة مجرّد المناقاة لأن بينهما واسطة وهي البطالة، وقوله: وقرىء إنه عمل أي بالفعل الماضي، وغير صالح مفعوله، وأصله عملاً غير صالح فحذف، وأقيمت صفته مقامه. قوله: (ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك الخ) أي أصواب فتسأل عنه أم لا فتتركه، وهو شامل لوجهي السؤال، والنهي إنما هو عن سؤال ما لا حاجة له إليه إمّا لأنه لا يهم، أو لأنه قامت القرائن على حاله، كما هنا لا عن السؤال للاسترشاد والاشتنجاز أي طلب الإنجاز للوعد، وهو إذا كان النداء قبل الغرق، والاستفسار عن المانع عن نجاته إذ كان بعده، قيل: والاً وّل هو الظاهر من اللفظ، وعلى الثاني يكون من الحذف والإيصال وأصله عما ليس الخ، لأنّ السؤال الاستفساري يتعدى بعن، والطلبيّ بنفسه، كما هو مشهور عندهم، وأمّا القول بأنّ ما عبارة عن السؤال فلا حاجة إلى الحذف والايصال، فليس بشيء لأنه يحتاج إلى التقدير في قوله: إذ لا معنى لنفي العلم عن سؤاله، وإنما هو عن المسؤول، فلا وهم فيه كما توهم. قوله: (وإنما سماه جهلأ الخ) يشير إلى أنه ليس بجهل، وإنما هو غفلة عما مرّ من الاستثناء، أو ظنه شمول الوعد لجميع أهله، ولا يخفى بعده، وقوله: أشغل بالألف في النسخ، وقد أنكره بعض أهل اللغة، لكها لغة قليلة أو رديئة، وكتب بعض العمال في رقعة للصاحب أن رأي مولانا أن يأمر بإشغالي ببعض أشغاله، فوقع له من كتب إشغالي لا يصلح لاشغالي، ومتعلق العلم والجهل حال ابنه، واستحقاقه لما حل به، وما ليس له به علم كون المسؤول خطأ أو صواباً وأن تكون بمعنى كراهة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 أن تكون أو لئلا تكون كما مز نظيره، وقال: الماتريدي إنّ نوحاً عليه الصلاة والسلام ظن ابنه على دينه لأنه كان يخفي كفره منه، والا لم يسأل نجاته وقد نهى عن مثله، قيل: وهو الأظهر. قوله: (بفتح اللام والنون) أي ويفتح النون بدليل ما بعده، وقوله: للياء أي لأجل أن تدل الكسرة على الياء المحذوفة، أو لمناسبتها والإثبات أمره ظاهر، وقوله: فيما يستقبل لأنّ السؤال وقع منه، وقيل: إنه لدفع أن يكون ردّاً لقوله ابني وانكاره السؤال، وأفا في الحال فغير متصوّر وقوعه منه فتأمل، وقوله: بصحته إشارة إلى تقدير مضاف، ودخل فيه ما علم فساده وما شك في صحته وفساده. قوله: (انزل من السفينة (وقال الإمام من الجبل إلى الأرض، وقوله مسلماً بصيغة المفعول إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وأنّ الجارّ والمجرور حال، والسلام إمّا بمعنى السلامة مما يكره، أو بمعنى التسليم والتحية من الله، أو من الملائكة عليهم الصلاة والسلام، الذين من قبله، وقوله: من جهتنا، بيان لقوله: منا وأن من فيه ابتدائية، ولو أخره كان أحسن، وهو متعلق بمسلماً لا بالمكاره كما جوّزه بعضهم. قوله: (ومباركاً عليك) أي مدعوا لك بالبركة، بأن يقال بارك الله فيك، وهو مناسب لكون السلام بمعنى التسليم فيكون كقوله: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وهذه الآية من الاحتباك لأنه حذف من الثاني ما ذكر في الأوّل، وذكر فيه ما حذف من الأؤل، والتقدير بسلام منا عليك وبركات منا عليك، وقوله آدما صرفه لأنه نكره، ونوج عليه الصلاة والسلام يسمى آدم الثاني والأصغر، لأن الناس كلهم من نسله عليه الصلاة والسلام، لأنه لم يبق بعد الطوفان غير بنيه وأزواجهم على ما اختاره في الصافات، وا! جميع الناس من نسله، كما قال: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [سورة الصافات، الآية: 77] وهو لا ينافي الوجه الثاني في من هنا والحاصل أن العلماء قد اختلفوا في الناس بعد الطوفان هل هم جميعا من نسل نوح عليه الصلاة والسلام، ولذا سموه آدم الثاني وآدم الأصغر، كما اختلفوا فيمن كان معه في السفينة وعددهم، فقيل: إنه مات من كان معه في السفينة من غير أولاده ولم يبق لهم نسل، فحينئذ لا يصح أن يكون الأمم نشؤوا ممن معه إلا أن يخصوا بأولاده، لكن الأكثر على أن لهم نسلا فلا يكون نوح عليه الصلاة والسلام أبا البشر بعد آدم عليه الصلاة والسلام، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ينظر إلى القولين. قوله: (وهو الخير النامي (الضمير للبركة وذكره باعتبار الخير، قال الراغبه: البرك صدر البعير، وبرك البعير ألقى بركه، واعتبر فيه اللزوم، ولذا سمي محتبس الماء بركة، ولما فيه من الاشعار باللزوم وكونه غير محسوس اختص تبارك بالاستعمال في الله كما سيأتي، ثم إن في قوله تعالى: {وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} لطيفة، وهو أنه قد تكرّر فيه حرف واحد من غير فاصل ثماني مرّات، مع غاية الخفة فيه ولم تتكرر الراء مثله في قوله: وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبرحرب قبر مع ما ترى فيه من غاية الثقل وعسر النطق، وهذا آية من جملة إعجازه فاعرفه. قوله: (هم الذين معك) فمن على هذا للبيان قيل عليه إنه لا حاجة إلى لفظ الأمم بل إلى هذا بأسره فلو ترك أو قيل على من معك كان أظهر وأخصر، وقوله لتحزبهم أي لكونهم مجتمعين، وقوله لتشعب الأمم، فإطلاق الأمم عليهم مجاز، وعلى الوجه الآخر، من ابتدائية، وقوله: والمراد بهم أي بالأمم الناشئة على الوجه الثاني، ورجح الزمخشري هذا الوجه، بحسن التقابل بين وعلى أمم وأمم سنمتعهم وبسلامته عن التجوّز، واطلاق الأمم على جماعة قليلة لكنه يقتضي أن لا يسلم ويبارك على من معه، فقيل استغنى بالتسليم عليه عن التسليم على من معه، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم زعيم أمّته، أو أنه يعلم بالطريق الأولى. قوله: (أي وممن معك أمم الخ) جوّز في هذه الواو الحالية والعطف، وظاهره أنّ أمم مبتدأ، وجملة سنمتعهم صفته المسوّغة للابتداء بالنكرة، والخبر مقدر وهو ممن معك بدلالة ما قبله، وكذا في الكشاف، لكنه قيل عليه إنه إنما يناسب الوجه الثاني في من دون الأوّل، وجعله في المقدر، بمعنى آخر لا يخلو من تكلف، ويحتمل أن يكون التقدير وأمم ممن معك سنمتعهم بحذف الصفة، وجعل الجملة المذكورة خبراً، وجوّز أبو حيان كون أمم مبتدأ من غير تقدير صفة على أنّ الجملة خبره لأن العطف والتفصيل مسوّغ عنده، وفسر الأمم الثانية بالكفار لقرينة ذكر العذاب، وقوله: والعذاب ما نزل بهم، أي في الدنيا لا عذاب الآخرة. قوله: (إشارة إلى قصة نوح عليه الصلاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 والسلام (بيان لأنّ التأنيث للنبأ باعتبار القصة، وأن الإشارة بالبعيد لتقضيها، وقوله: أي بعضها إشارة إلى أنّ من تبعيضية لأنها بعض المغيبات، وكونها من علم الغيب مع اشتهارها، باعتبار التفصيل لأنه غير معلوم، وقيل: إنه بالنسبة إلى غير أهل الكتاب لا عامّ، لأنها نسيت لقدم العهد كما قي! ، وقوله: والضمير لها وهو الرابط لجملة الخبر. قوله: (موحاة إليك) أوّله باسم المفعول لأنّ الجملة الخبرية تؤوّل بالمفرد، ولبيان أنه لحكاية الحال الماضية، والمقصود من ذكر كونها موحاة سواء كان خبراً أو حالاً، إلجاء قومه للتصديق بنبوّته صلى الله عليه وسلم، وتحذيرهم مما نزل بهم فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه، وفائدة تقديم من أنباء الغيب إذا تعلق بنوحيها نفى أن يكون علم ذلك بكهانة، أو تعلم من الغير، فلا وجه لما قيل إنه لا فائدة فيه كما سيشير إليه. قوله: (أي مجهولة عندك الخ) إشارة إلى أن هذا إشارة إلى الإيحاء المعلوم مما مرّ، وقوله: جاهلاً تفسير له على وجهي الحالية وأنه بيان لهيئة الموحي أو الموحى إليه. قوله: (تنبيه على أنه لم يتعلمها الخ) يعني أنه إذا لم يعلمها وهو نبيّ يوحى إليه، فغيره بالطريق الأولى، فلا حاجة لذكرهم معه، فأجاب بأنه من باب الترقي، كما تقول هذا الأمر لا يعلمه زيد، ولا أهل بلده لأنهم مع كثرتهم لا يعلمونه، فكيف يعلمه واحد منهم، وقد علم أنه لم يخالط غيرهم، وقوله: على مشاق الرسالة الخ إشارة إلى أنه فذلكة لما قبله، وبيان للحكمة في إيجابها من إرشادهم وتهديدهم. قوله: (عطف على قوله نوحاً إلى قومه) أي أنه من العطف على معمولي عامل واحد، وليس من المسألة المختلف فيها فعطف المنصوب على المنصوب، والجارّ والمجرور على الجار والمجرور، وقدم لعود الضمير إليه وقيل إنه على إضمار أرسلنا لطول الفصل، فهو من عطف جملة على أخرى، وهوداً عطف بيان لأخاهم، وقيل إنه بدل منه، وأخاهم بمعنى واحداً منهم، كما يقولون يا أخا العرب. قوله: (وقرئ بالجرّ حملاَ على المجرور وحده) أي بجعله صفة له، جار على لفظه، والرفع باعتبار محل الجارّ والمجرور لا فاعل للظرف لاعتماده على النفي، ووقع في النسخ المصححة بعد قوله: اعبدوا الله وحده، وفي نسخة وحدوه بالأمر تفسير له بقرينة ما بعده، ومن قوله: {مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سررة الأعراف، الآية: 85] وقيل إنه يريد أنّ معنى اعبدوا الله أفردوه بالعبادة، ووحدوه بالألوهية بمعونة المقام لأنهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام، فالمقصود إفراده بالعبادة لا أصلها، مع أنه لا اعتداد بالعبادة مع الإشراك، فالأمر بالعبادة يستلزم إفراده بها. قوله: (باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء) يعني قولهم إنها شركاء لأنّ اتخاذها نفسه ليس افتراء، فجعله افتراء مبالغة، وأشار بعطف قوله وجعلها شفعاء أنهم في الواقع إنما تقرّبوا بها إلى الله كما نطق به التنزيل في غير هذا الموضع، لكن الشرع عده شركا، فلا يرد عليه ما قيل ليت شعري من أين علم اتخاذهم إياها شفعاء، فالأولى الاقتصار على اتخاذها شركاء. قوله: (وتمحيضاً (بالضاد المعجمة أو الصاد المهملة، فإنّ كلاً منهما بمعنى الإخلاص، وقوله: لا تنجع كتنفع لفظاً، ومعنى ومشوبة بالباء الموحدة، أي مخلوطة ممتزجة، وقوله: أفلا تستعملون عقولكم إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم، واستعمال العقل التفكر والتدبر ليعرف ماله وما عليه، وقوله خاطب كل رسول الخ إشارة إلى ما ورد من أمثاله في القرآن، وليس تفسيراً لما نحن فيه. قوله: (1 طلبوا مغفرة الله بالإيمان الخ (يعني أنّ طلب المغفرة عبارة عن الإيمان بالله وحده، لأنه من لوازمه لتوقف المغفرة عليه، إذ لا معنى لطلب المغفرة مع الكفر، والتوبة لا تكون بدونه أيضا وعطف التوبة حيمئذ بثم إن أريد بها التوبة عن الشرك، بدليل المقام لا يظهر لأنها نفسه، فلذا أوّلت بأنها مجاز عن التوسل بها إلى المغفرة، والتوسل بالإيمان إلى مغفرة الله متأخر عنه، ولا يصح أن يكون المراد التوبة عما صدر منهم غير الشرك، لأنّ الإيمان يجب ما قبله، وأورد عليه أنّ التوسل بالتوبة عن الشرك لا ينفك عن طلب المغفرة بالإيمان والتوحيد، لأنه من لوازمه فلا يكون بعده، فإن قيل: المراد بطلب المغفرة بالإيمان طلبها قبل الإيمان لا معه، قيل: فيرتفع الإشكال حينئذ من غير احتياج إلى التأويل بالتوسل لأنّ معناه حينئذ اطلبوا الإيمان ثم آمنوا، وهو غير محتاج إلى التأويل ويدفع بأنّ المراد الأوّل فالاسنغفار الإيمان والتوبة عن الشرك الرجوع إلى صراط الله المستقيم ودينه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهو متراخ عن الإيمان باعتبار الانتهاء، وجوّز في قوله: توسلوا أن يكون بيانا لحاصل المعنى لأنّ الرجوع إلى شيء الوصول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 إليه، وأن يكون إشارة إلى أنه مستعمل فيه مجازاً، كما مرّ في أوّل السورة والأوّل أولى. قوله: (وأيضاً التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان الخ (في الكشاف قيل: استغفروأ ربكم آمنوا به، ثم توبوا إليه من عبادة غيره، لأن التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان، فعلى هذا الاستغفار كناية عن الإيمان لأنه من روادفه، والتصديق بالله لا يستدعي الكفر بغيره لغة، فلذا قيل: ثم توبوا، وإنما قال قيل: إشارة إلى أنّ الوجه ما مرّ في أوّل السورة، لأنّ قوله: {اعْبُدُواْ اللهَ} دل على اختصاصه تعالى بالعبادة كما مرّ، فلو حمل استغفروا على هذا لم يفد فائدة زائدة سوى ما علق عليه من قوله تعالى: {يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} الخ وقد كان يمكن تعليقه بالأوّل، والحمل على غير الظاهر، مع قلة الفائدة مما يجب الاحتراز عنه في كلام الله المعجز، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو بعينه ما في الكشاف، لأنّ التبرؤ عن الغير لا يصح حمله على ظاهره إذ لم يتبرؤوا من نبيهم ولا من المؤمنين فمن ظنه كذلك، وقال: إنما يرد على الزمخشريّ لا يرد عليه، وجوّز أن يكون هذا وقع في مجلس آخر غير متصل بالأوّل فقد ارتكب شططا، ثم إنه قيل: إنّ التبرؤ عن الغير هو التبرؤ التفصيلي ليظهر التراخي، وعبر عن التوبة بالتبرؤ لأن الرجوع إلى الله يلزمه ترك التوجه إلى غيره، والا لم يكن رجوعا إليه فتأئله، وقوله كثير الدر أي الأمطار، وقوله: {قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} أي مضمومة إليها، وقيل: إلى بمعنى مع وإذا انضمت القوّة إلى أخرى فقد ضوعفت، ولذا فسره به. قوله: (رغبهم بكثرة المطر الخ) المراد بزيادة القوّة قوّة الجسم وأصحاب زروع وعمارات، أي أبنية وهو لف ونشر مرتب، فالزروع ناظر للأمطار، والعمارات للقوّة، وقوله: وتضاعف القوّة بالتناسل لأنهم يحصل لهم قوّة بأولادهم، أو لأنه ناشئ عن قوّة البدن، وقوله: مصرين، وقيل: المعنى مجرمين بالتولي وهو تكلف. قوله: (صادرين عن قولك الخ) في الكشاف كأنه قيل: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك، فقيل عليه إنّ هذه كالتي في قوله: {أَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [سورة البقرة، الآية: 36] للسببية أي وما نحن بتاركي آلهتنا بسبب قولك، وحقيقته ما يصدر ترك لآلهتنا عن قولك، فهو ظرف لغو متعلق بتاركي، والمصنف رحمه الله تعالى جعله مستقرّا حالاً، وقدره صادرين عن قولك، وهو إما من صدر صدورا بمعنى وقع ووجد، أو من صدر صدراً بمعنى رجع، والأوّل باطل لأنهم ليسوا موجودين عن قوله، وكذا الثاني لأنّ الرجوع عن القول لا يتصوّر إلا إذا كانوا قائلين له ولم يكونوا كذلك أصلاً، فالصواب مصدرين الترك عن قولك (قلت) هذا كما ورد في الحديث، وكلام العرب لا يصدر إلا عن رأيه وهو من الصدر بمعنى الرجوع عن الماء القابل للورد، فإنّ الورد والصدر يجعل كناية عن العمل والتصرّف، لأنهم أرباب سفر وبادية، وذلك جل أمرهم، ولذا قال معاوية رضي الله تعالى عنه طرقتني أخبار ليس فيها إصدار وايراد وقال: ما أمس الزمان حاجاً إلى من يتولى الإيراد والإصدارا أي يتصرف في الأمور بصائب رأيه، وكما تال بعض البلغاء: إنّ أمير المؤمنين نطق بلسانك وأعطى وأخذ بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك، ولما كان الصدر مستلزما للورد اكتفوا به، فقالوا لا يصدر عن رأيه، فالمعنى ما نحن بتاركي آلهتنا عاملين بقولك، وهو تقدير للمتعلق بقرينة عن، والمقدّر كناية لا تضمين، ولذا قال: في الكشف لم يحمله على التضمين كما في قوله: فأزلهما الشيطان عنها لأنّ المضمن هو المقصود، والترك هاهنا هو مصب الفائدة، ومن لم يدر هذا قال: صادرين بمعنى معرضين وهو صريح في التضمين لكنه جعل المضمن حالاً، والمضمن فيه أصلا مع رجحان العكس لأنّ المضمن هو المقصود غالبا لكون الترك هاهنا مصب الإفادة فنبه بذلك على أنه قد يختار خلافه لعارض، وقصد به الرد على ما في الكشف تبعاً لغيره. قوله: (حال من الضمير في تاركي (وإذا وقع في الكلام المنفيّ قيد فالنفي منصب عليهما أو على القيد فقط، وهو الأكثر أو على المقيد فلا يكون النفيّ للقيد وهو قليل، وهنا قد انتفى القيد والمقيد معا لأنهم لا يتركون آلهتهم ولا يعلمون بقوله، وقيل إنه قيد للنفي والمعنى انتفى تركنا عبادة آلهتنا معرضين عن قولك فلا يلزم محذور، وبتفسير صادرين بمعرضين اندفع ما أورده العلامة ولو أبدل صادرين بمعرضين لئلا يرد عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 شيء ويظهر كونه جوابا لقوله لا تتولوا أي معرضين عن قولك المجرّد عن حجة لكان أظهر وأولى، وقد علمت أنه غفلة عن المراد. قوله تعالى:) {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} ) في الكشاف، وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه إقناطا له من الإجابة لأنهم أنكروا الدليل على نبوّته رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا مؤكدين لذلك إنا بمجرّد قولك لا نترك آلهتنا، ثم كرروا ما دل عليه الكلام السابق من عدم إيمانهم بالجملة الاسمية مع زيادة الباء، وتقديم المسند إليه المفيد للتقوّى دلالة على أنهم لا يرجى منهم ذلك بوجه من الوجوه فدلّ على اليأس والإقناط. قوله: (ما نقول إلا قولنا اعتراك الخ) يعني أنه استثناء مفرّغ وأصله أن نقول لحولاً إلا قولنا هذا فحذف المستثنى منه وحذف القول المستثنى، وأقيم مقوله مقامه أو اعتراك هو المستثنى لأنه أريد به لفظه وذكر لفظ قولنا لبيان أنّ المراد به لفظه، وليس مما استثنى فيه الجملة وهو بيان لسبب ما صدر عن هود عليه الصلاة والسلام بعد ما ذكروا عدم التفاتهم لقوله، واعتراك بمعنى أصابك من عراه يعروه، وأصله من اعتراه بمعنى قصد عراه وهو محله وناحيته، ومعناه خبله وأفسد عقله وباء بسوء للتعدية. قوله: (بجنون الخ (يعني أنه المراد بالسوء، وقوله من ذلك أي ولأجل ذلك، والهذيان معروف، والخر) فات جمع خرافة بتخفيف الراء وقد موّ تفسيرها وأنّ الزمخشري نقل فيها التشديد، وهي الغريب من القول الذي لا حقيقة له وهي منقولة من علم رجل إلى هذا المعنى، وقوله والجملة مقول القول أي القول المقدر قبل إلا أو بعدها على ما مرّ من الوجهين فيه يريد أن انتصابه بالقول لا بإلا وفي نسخة بدل مقول القول مفعول القول، وهما بمعنى. قوله: (وإلا لغو لأنّ الاستثناء مفرّغ) المراد بلغويتها عدم عملها لا زيادتها لأنّ المفزغ بحسب ما قبله من العوامل، وهذا مبنيّ على أن العامل في غير المفرّغ إلا على اختلاف فيه مفصل في النحو، ومقالتهم الحمقاء من الإسناد المجازي أي الأحمق قائلها، وأني بريء تنازع فيه الفعلان وقوله فكيدون ظاهر تقرير المصنف رحمه الله تعالى أن الخطاب لقومه، ويفهم منه حال آلهتهم بالطريق الأولى، وقال الزمخشري: أنتم وآلهتكم، وهو أولى وجميعا حال من ضمير كيدوني وقوله من آلهتهم إشارة إلى أن ما موصولة والعائد محذوف وهو المناسب لكونه جوابأ لقولهم اعتراك لعدم مبالاته بها وبإضرارها كما أشار إليه بقوله وفراغه الخ. والمراد فراغ ذهنه وخلوّه عن تصوّره لأنّ عدم ذلك مفروغ عنه ضرورقي، ومن دونه متعلق بتشركون يعني تشركون به ما لم يجعله شريكا كقوله: {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} وقوله: {مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى، الآية: 21] لا حال إذ لا فائدة في التقييد به وقوله تأكيدأ لذلك أي للبراءة وتذكيره لتأويله بأن والفعل أو بالمذكور ونحوه وافادته التأكيد لأنّ شهد الله ونحوه كالقسم في إفادة التأكيد والتحقيق وقوله وأمرهم معطوف على أشهد أي بأن أشهد وأمر وفيه إشارة إلى التنازع، وقوله وأن يجتمعوا في نسخة وأن يجمعوا وهو معطوف على بأن أشهد وهو ظاهر في أن الخطاب للقوم كما مز، قيل: وهو أظهر مما سلكه الزمخشري لأنه سلك في نفي قدرة الآلهة على ضره طريقا برهانياً فلا يناسبه الطلب منها وحتى إذا الخ غاية للاجتماع، وأن يضروه متعلق بعجزوا ولا يضر صفة جماد ولا تتمكن خبر أن، وفي نسخة بالواو فالخبر لا تضر وهو معطوف عليه. قوله: (وهذا من جملة معجزاته الخ) كون تثبيطهم بمعنى تأخيرهم وتعويقهم معجزة إنما هو بملاحظة كونه بعصمة الله إذ كان واحداً أغضب كثيرين حرّاصا على قتله فأمسك الله عنه أيديهم وكفهم والا فمجزد التأخير ليس كذلك (فإن قلت (كيف عطف اشهدوا وهو إنشاء على الخبر) قلت (أمّا من جوزه فلا يشكل عليه، وأمّا من منعه فيقدر له قولاً أي وأقول اشهدوا واشهاد الله يحتمل الإنشاء أيضا وان كان في صورة الخبر وإنما غاير بين الشهادتين لاختلافهما فإنّ الأوّل إشهاد حقيقة مقصود بذكره التأكيد، والثاني المقصود به الاستهزاء والإهانة كما يقول الزجل لخصمه إذا لم يبال به أشهد عليّ أني قائل لك كذا، وقول المصنف رحمه الله تعالى أمرهم بناء على ظاهر الحال أي أتى بصيغة الأمر لهم فلما لم يكن حقيقة عبر عنه بالأمر لأنه يرد كثيراً للاستهانة والتهديد وإن احتمل أن يكون إشهاده لهم حقيقة لإقامة الحجة عليهم، وعدل عن الخبر فيها تمييزاً بين الخطابين فهو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 خبر في المعنى، وقوله العطاش إلى إراقة دمه استعارة بمعنى الحزاص كما يحرص العطشان على الماء، والإراقة ترشيح وقوله ولذلك أي لما مرّ وكونه معصوما من الله قرّره بإظهار التوكل على من كفاه ضرّهم، وقوله عقبه أي عقب هذا الكلام، وقوله تقريراً له أي لثقته وذكره لما مز وكونه تقريراً له لا ينافي كونه يفيد التعليل لنفي ضرهم بطريق برهانيئ كما يشير إليه قوله لن يضروني فإني متوكل على الله لأن بيان علة الشيء تقوّيه، وتقرّره وفي قوله: {رَبِّي وَرَبَّكُمْ} تدزج إلى تعكيس أمر التخويف وقوله لم يقدره من التقدير. قوله: (ثم برهن عليه (أي على المعنى، وهو عدم قدرتهم على ضره مع توكله ولقوله ربي وربكم دخل في البرهان والناصية مقدم الرأس، وتطلق على الشعر النابت فيها وناصيته بيده أي هو منقاد له والأخذ بالناصية عبارة عن القدرة، والتسليط مجازاً وقد يكون كناية والمصنف رحمه الله تعالى ذهب إلى الأوّل لأنه أنسب هنا. قوله: (أنه على الحق والعدل الخ) يعني أنّ قوله على صراط مستقيم تمثيل واستعارة لأنه مطلع على أمور العباد مجاز لهم بالثواب والعقاب كاف لمن اعتصم كمن وقف على الجادّة فحفظها، ودفع ضرر السابلة بها وهو كقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [سررة الفجر، الآية: 14] وقيل معناه إنّ مصيركم إليه للجزاء وفصل القضاء والحق والعدل مأخوذ من الاستقامة وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى اندراجه في البرهان، وفي قوله إنّ ربي دون أن يقول وربكم نكتة غير الاختصار، وهي الإشارة إلى أنّ اللطف والإعانة مخصوصة به دونهم. توله: (فإن قتولوا) جعله مضارعا لاقتضاء أبلغتكم له ولا يحسن فيه اذعاء الالتفات، ولذا من جعله ماضيا قدر فقل أبلغتكم لكنه لا حاجة إليه، والمراد إن استمرّوا على التولي لوقوعه منهم ويجوز أن يبقى على ظاهره بحمله على التولي الواقع بعد ما حجهم. قوله: (فقد أذيت ما علئ من الإبلاغ وإلزام الحجة الخ الما كان إبلاغه واقعا قبل توليهم والجزاء يكون مستقبلا بالنظر إلى زمان الشرط أشار إلى تأويله بقوله فلا تفريط أو أنه مراد به لازم معناه المستقبل باعتبار ظهوره أو أنه جواب باعتبار الإخبار لأنه كما يقصد ترتب المعنى يقصد ترتب الإخبار كما في وما بكم من نعمة فمن الله، ومنهم من جعل الجواب محذوفا وهذا دليله والتقدير لم أعاتبكم لأنكم محجوجون، وقوله ولا عذر لكم بعض الجواب، وجعله بعضهم جوابا آخر والواو بمعنى أو، وقوله فقد أبلغتكم إشارة إلى أنه أقيم فيه السبب مقام المسبب، ويصح جعله تعليلاً لما قبله. قوله: (استئناف بالوعيد (يحتمل أنه يريد الاستئناف النحوي بناء على جواز تصديره بالواو لا البياني بأن يكون جواب سؤال، وهو ما يفعل بهم كما قيل لأنه لا يقترن بالواو ومنهم من فسر الاستئناف بالعطف على مجموع الشرط، والجزاء وهو خلاف الظاهر من العبارة يكون مترتبا على قوله إنّ ربي على صراط مستقيم، والمعنى أنه على العدل فلذا انتقم منكم وأهلككم فلا يرد أنّ المعنى لا يساعد عليه كما توهم، وقوله يهلكهم لأنّ استخلاف غيرهم على ديارهم يستلزم ذلك، وقوله ويؤيده القراءة بالجزم على الموضحع أي موضع الجملة الجزائية مع الفاء، وعلى القراءة بالرفع يصح عطفه أيضا على الجواب لكن على ما بعد الفاء لأنه الجواب في الحقيقة والفاء رابطة له فما قيل إنه يشعر بجواز عطفه على الجواب على عدم القراءة بالجزم، وليس بذاك سهو وقوله يعذرني بالجزم بيان لمعنى الجزاء على ما مرّ ومعناه يقبل عذري، ودخول الفاء على المضارع هنا لأنه تابع يتسمح فيه وقيل تقديره فقد يستخلف الخ. قوله: (شيئاً من الضرر) إشارة إلى أنه مفعول مطلق لأنه لا يتعدى لاثنين، ولا حاجة لتأويله بما يتعدى لهما كتنقصون، وقوله أسقط النون منه أي من تضرون لأنه معطوف على المجزوم، وقوله بتوليكم وقيل بذهابكم وهلاككم لا ينقص من ملكه شيء، وقوله فلا تخفى الخ إشارة إلى أن مراقبته كناية عن مجازاته كما مز أو حفيظ بمعنى حافظ والحافظ بمعنى الحاكم المستولي، ومن شأنه أنه لا يقدر على ضرّه سواه وقوله عذابنا على أنّ الأمر بمعنى الشأن واحد الأمور أو المأمور به، والتفسير الآخر على أنه واحد الأوامر والإسناد على الثاني مجازقي، والأمر بالعذاب إما أمر الملائكة فهو حقيقيّ، أو هو مجاز عن الوقوع على طريق التمثيل. قوله: ( {نَجَّيْنَا هُودًا} (صرح بالنجاة للمؤمنين مع التعريض بعذاب الكافرين بيانا لأنه الأهم، وأن ذلك لا يبالي به أو مفروغ منه وقوله برحمة يعني أنه بمحض الفضل إذ له الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 تعالى تعذيب المطيع، وترك قول الزمخشريّ بسبب الإيمان لما فيه من رائحة الاعتزال، ولما إن كانت لمجرّد الحين فظاهر والا فوجه الترتب على النزول قيل إنه لأن الإنجاء يعتمد نزوله، وفيه نظر، والظاهر أن يقال ترتبه عليه باعتبار ما تضمنه من تعذيب الكفار فيكون صرح بالإنجاء اهتماما، ورتب باعتبار الآخر إشارة إلى أنه مقصود منه. قوله:) وكانوا أربعة آلاف) هذأ فيه مخالفة لما تقدم من أنه كان وحده، ولذا عذ مواجهته وحده للجم الغفير معجزة له صلى الله عليه وسلم كما مز فحينئذ يجوز أن يكون هؤلاء معه حين المحاجة ودعوى انفراده عنهم إذ ذاك لا بد لها من دليل، ولا مانع من جعل هذا باعتبار حالين وزمانين فتأمّل. قوله: (تكرير لبيان ما نجاهم منه) حاصله أنه لا تكرير فيه لأن الأوّل إخبار بأن نجاتهم برحمة الله، وفضله والثاني بيان لما نجوا منه وأنه أمر شديد عظيم لا سهل فهو للامتنان عليهم وتحريض لهم على الإيمان، وليس من قبيل أعجبني زيد وكرمه كما قيل أو هما متغايران فالأوّل إنجاء من عذاب الدنيا، والثاني من عذاب الآخرة فرجح الأوّل بملاءمته لمقتضى المقام، وقوله لبيان اللام للتعليل لأصله تكرير وقد أورد على الثاني أن إنجاءهم منه ليس في وقت نزول العذاب في الدنيا، ولا مسبباً عنه إلا أن يجاب بأنه عطف على المقيد والقيد كما قيل في قوله: {لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} [سورة سبأ، الآية: 30] وقد مرّ تحقيقه، ولا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع لأن الموافق للتعبير بالماضي المفيد لتحققه حتى كأنه وقع أن يجعل باعتبار ذلك واقعاً في وقت النزول تجوزاً، والمعنى حكمنا بذلك لهم وتبين لهم ما يكون لهم لأن الدنيا أنموذج الآخرة مع أن في كلام المصنف إشارة إلى أن المعنى نجيناهم في الدنيا كما سننجيهم في الآخرة فتامل، والمراد بالغلظ تضاعفه. قوله: (أنت اسم الإشارة باعتبار القبيلة) فالإشارة إلى ما في الذهن وصيغة البعيد لتحقيرهم أو لتنزيلهم منزلة البعيد لعدمهم، وإذا كانت لمصارعهم وقبورهم فالإشارة للبعيد المحسوس والإسناد مجازي أو هو من مجاز الحذت أي تلك قبور عاد أو أصحاب تلك عاد. قوله: (كفروا بها) هذه الجملة كالتفسير لما قبلها وأشار بتفسيره إلى أن جحد متعد بنفسه، وقد عدى بالباء حملا له على الكفر لأنه المراد أو بتضمينه معناه كما أن كفر جرى مجرى جحد فتعدى بنفسه في قوله كفروا ربهم وقيل كفر كشكر يتعدى بنفسه، وبالحرف وظاهر كلام القاموس إن جحد كذلك أي كفروا بالله، وأنكروا آياته التي في الأنفس والآفاق الدالة على وجوده فكأنهم كانوا منكرين للصانع لا مشركين. قوله: (ومن عصى رسولاً فكأنما عصى الكل الخ (هذا بالنسبة إلى التوحيد لأن الكل متفقون عليه فعصيان واحد عصيان للجميع فيه، أو لأنّ القوم أمرهم كل رسول بطاعة الرسل إن أدركوهم والإيمان بهم لا نفرق بين أحد من رسله فالضمير في لأنهم للقوم، وأمروا مبني للمجهول ويجوز أن يكون الضمير للكل وأمروا على صيغة المعلوم أي كل نبي أمر قومه بذلك، وقوله من عند بتثليث النون، وعنوداً مصدر بضم العين وأصل معنى عند اعتزل في جانب لأن العند الجانب ومنه عند الظرفية. قوله: (أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين الخ (يعني أن الكلام على التمثيل بجعل اللعنة كشخص تبع آخر ليدفعه في هوّة قدامه فالمتبعون قدامهم الجبارون أهل النار، وخلفهم اللعنة والثبور وضمير اتبعوا إما لعاد مطلقا أو للمتبعين للجبارين منهم فتعلم لعنة غيرهم بالطريق الأولى، وتكبهم تلقيهم على وجوههم. قوله: (جحدوه الخ) كأنه إشارة إلى ما مرّ من أن تعديته بنفسه لإجرائه مجرى جحداً، وهو من كفران النعمة وهو متعد بنفسه ففي الكلام مضاف مقدر أو هو على الحذف والإيصال. قوله: (دعاء عليهم بالهلاك الخ) قد مرّ تحقيق البعد ودلالته على الهلاك، وأنه حقيقة أو مجاز- قيل ويجوز أن يكون دعاء باللعن كما في القاموس البعد والبعاد اللعن، ولا وجه لما قيل إنه من المزيد، وقوله والمراد الخ يعني أنهم كانوأ قبل أن يهلكوا مستأهلين لهذا ومثله كثير في كلام العرب كقوله: لايبعدن قومي الذين هم سمّ العداة وآفة الجزر واللام للبيان كما في قولهم سقياً له لا للاستحقاق كما قيل: والذي حمله عليه قوله كانوا مستوجبين وقد علمت أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 معناه أنه تأويل للذعاء فإنه لا معنى له بعد الوقوع فلذا أولوه بأن المراد منه أنهم مستوجبون لذلك، وقوله تفظيعاً لأمرهم ناظر إلى إعادة ذكرهم وقوله، وحثا نظار لتكرير ألا. قوله: (وفائدثه تمييزهم عن عاد الثانية الخ) يعني أنه إشارة إلى أن عادا كانوا فريقين عادا الأولى وعادا الثانية فيكون إفادة لذلك لا لدفع اللبس هنا حتى يرد عليه ما قيل إنه ضعيف لأنه لا لبس في أن عادا هدّه ليست إلا قوم هود عليه الصلاة والسلام للتصريح باسمه وتكريره في القصة، وقيل المراد تأكيد تمييزهم، وقيل: ذكر للفواصل أو ليفيد مزيد تأكيد بالتنصيص عليهم، وارم سيأتي تفسيرها. قوله: (هو كوّنكم منها لا غيره الخ) قالوا إنه أخذ الحصر من تقديم الفاعل المعنوي مثل أنا قضيت حاجتك واعتبره الزمخشري في هذا وفي قوله استعمركم فيها أيضا والمصنف رحمه الله سكت عنه اكتفاء ببيان هذا عنه لا أنه عطف بعد اعتبار التقديم فلا ينسحب على ما بعده لأن الأول أنسب بالمقام، وقد يقال الحصر مستفاد من السياق لأنه لما حصر الإلهية فيه اقتضى حصر الخالقية أيضا فبيان ما خلقوا منه بعد بيان أنه الخالق ا! بر لا غيره يقتضي هذا وبيان إنشائهم من الأرض والتراب بأن المراد خلقهم منها بالذات أو بالواسطة أو أنهم خلقوا من النطف والنطف من الغذاء الحاصل من الأرض، وقد مرّ في الأنعام أنّ المعنى ابتدأ خلقكم منها فإنها المادّة الأولى، وآدم الذي هو أصل البشر صلى الله عليه وسلم خلق منها أو خلق أباكم فحذف المضاف. قوله: (عمركم فيها واستبقاكم الخ) العمازة قال الراغب: نقيض الخراب يقال عمر أرضه يعمرها عمارة فهي معمورة وأعمرته الأرض واستعمرته فوضت إليه العمارة، وقال: استعمركم فيها والعمر مدة عمارة البدن بالحياة والروح، وهو دون البقاء ولذا وصف به الله دون هذا، والعمر والعمر واحد وخص بالقسم المفتوح ويقال عمرت المكان وعمرت به بمعنى أقمت والعمرى في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره كالرقبى، وتخصيص لفظه تنبيه على أن ذلك شيء معار انتهى فقوله عمركم بالتشديد من العمر، وأما العمارة ففعلها مخفف يشير إلى أنه يجوز أخذه من العمر وهو مدة الحياة. قوله: (أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها) هذا هو الوجه الثاني على أنه من العمارة، ومعناه أنه جعلكم قادرين على ذلك وأمركم بها فالسين للطلب على حقيقتها ولذا عطفه عليه، وذكر القدرة توطئة له وعلى الأوّل لا طلب فيه كما أنه على تفسيره بجعلكم عمارها الاستفعال فيه بمعنى الأفعال. قوله: (وقيل هو من العمرى) بضم فسكون مقصور وقد تقدم تفسيرها وهل هي هبة أو عارية تفصيله في الفروع واستدل الكسائيّ رحمه الله تعالى بهذه الآية على أن عمارة الأرض! واجبة لطلبها منهم وقسمها في الكشاف إلى واجب كالقناطر اللازمة والمسجد الجامع ومندوب كالمساجد ومباح كالمنازل وحرام كما يبنى من مال حرام وقد كان هؤلاء أعمارهم طويلة إلى الألف مع ظلمهم فسأل الله نبيّ لهم عن سبب تعميرهم فقال الله إنهم عمروا بلادي فعاس فيها عبادي يعني لأنهم عمروا البلاد بحفر الأنهار وغرس الأشجار فطولت لهم الأعمار كما قال الشاعر: ليس الفتى بفتى لايستضاءبه ولا يكون له في الأرض آثار وقال آخر: إن آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار وفوله ويرثها منكم أي يرثها من بعدكم الله لأنه خير الوارثين. قوله: (أو جعلكم معمرين دياركم الخ) هذا على كونه من العمري أيضاً وهو ما في الكشاف حيث قال الثاني أن يكون بمعنى جعلكم معمرين دياركم فيها لأنّ الرجل إذا ورث داره من بعده فكأنما أعمره إياها ليسكنها عمره، ثم يتركها لغيره، وقد قيل عليه إن ما في الكشاف أن معنى استعمركم جعلكم معمرين بوزن اسم الفاعل من أعمره، وقوله المصنف تسكنونها مدة عمركم يقتضي أن معمرين على صيغة المفعول فإن أردت حمل كلامه على ما في الكشاف جعلت الأعمار مفهوما من قوله، ثم تتركونها لغيركم لأن تركها للغير وتوريثها إياه بمنزلة الأعمار لذلك الغير حيث يسكنها هو أيضا مدة عمره، ثم يتركها لغيره، ولك أن تقول مراد المصنف رحمه الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 أنها لهم عمرى إما للموروث عنه فلأن الله جعلها له مدّة عمره، وإما للوارث فلأنّ الله أو موزثه جعلها له كذلك، فلا حاجة إلى جعل العمرى مخصوصة بقوله ثم تتركونها حتى يكون ما قبله توطئة، أو زائداً على المراد، ولا يرد عليه ما قيل: إنّ الأولى أن يقول أو جعلكم معمرين دياركم تتركونها بعد انقضاء أعماركم لغيركم يسكنها مذة عمره في تحقيق كونه معمر إبل الاعتبار فيه للمعمر له مدة عمره، ولا يرد على هذا القائل أنه توهم أن معمرين في كلام المصنف رحمه الله بزنة اسم الفاعل، وهو بزنة المفعول كما قيل، مع أنه لا مانع منه، وحاصله أن الوجوه ثلاثة: إما أن يكون استعمركم من العمر أو التدمير أو العمرى. قوله: (قريب الرحمة الخ (لقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 56] والقرآن يفسر بعضه بعضا وقد جعل قوله قريب ناظراً لقوله توبوا، ومجيب لاستغفروا، أي ارجعوا إلى الله فإنه قريب منكم أقرب من حبل الوريد، واسألوه المغفرة فإنه مجيب للسائلين، وهو وجه حسن، وكلام المصنف رحمه الله غير بعيد منه، ومخايل جمع مخيل وهي الإمارة والسداد بالفتح الصلاج. قوله: (أن تكون لنا سيدا أو مستشارا) أن تكون بدل من الضمير المستتر في مرجوّا بدل اشتمال أو مفعول فعل مقدر أي نرجو أن تكون والمقصود تفسيره، وقوله: انقطع رجاؤنا مستفاد من قوله قبل هذا، وقوله على حكاية الحال أي في بعيد لانتهائنا لأنه على حاله. قوله: (موقع في الريبة) يعني أنه اسم فاعل من أرابه المتعدي، بمعنى أوقعه في الريبة، أو من أراب اللازم بمعنى صار ذا ريب وشك، وذو الريب وصاحبه من قام به لا نفس الشك، فالإسناد مجازي للمبالغة كجد جدّه، وأما على الاحتمال الأوّل، فالظاهر أنه مجازي أيضا، لأن الموقع في الريب بمعنى القلق والاضطراب هو الله لا الشك فعده حقيقة، أما بناء على أنه فاعل في اللغة، واما لما قيل إنهم غير موحدين معتقدين أن الموقع في القلق هو الله لا الشك نفسه، وهو ظاهر كلام الكشاف، وقد صرح في آخر سبا بأنّ كليهما مجاز لأن المريب إنما يكون من الأعيان لا من المعاني، واما أنّ القوم جهلة لا يفرقون بين عين ومعنى، فمما لا يلتفت إليه لأنّ ما ذكر في الحكاية لا المحكى وكذا ما قيل: إنّ معنى كون الشك موقعاً في الريبة أن شك بعض جماعة يوقع الريبة لآخرين، فإن الطباع مجبولة على التقليد أو باعتبار أن أصل الشك قد يوجب استمراره وهو من ضيق العطن، وقلة الفطن وهذا كله مبني على أن بين كلامي الشيخين في المحلين فرقاً وليس بمسلم قال في الكشف قوله على الاسناد المجازي متعلق بالوجهين لأنه قال في آخر سبا بعد ما ذكر الوجهين وكلاهما مجاز إلا أن بينهما فرقاً وهو أن المريب من الأوّل منقول ممن يصح أن يكون مريبا من الأعيان إلى المعنى والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك كما تقول شعر شاعر فعلى الأوّل هو من باب الإسناد إلى السبب لأن وجود الشك سبب لتشكيك المشكك، ولولاه لما صدر عنه التشكيك انتهى، وهذا هو الحق عندي. قوله: (بيان وبصيرة (تقدم تفسير البينة بالحجة والبرهان، وفسرها هنا بما ذكر لمناسب المقام لأن اً صل معنى البينة كما قال الراغب: الدلالة الواضحة حسية أو عقلية والبيان الكشف عن الشيء بنطق أو غيره فالمناسب لقوله فمن ينصرني تفسيره بما ذكروا والمعنى إن كان عندي بصيرة ودلالة على الحق وخالقت من يدفع عني! أستحقه من الله. قوله:) وحرف الشك باعتبار المخاطبين) حرف الشك هو أن واصل وضعها أنها لشك المتكلم، وهو غير شاك في كونه على بينة لكنه من الكلام المنصف والاستدراج ولذا أتى به على زعمهم وما عندهم من الشك في أمره، وقوله يمنعني من عذابه يعني أن النصرة هنا مستعملة في لازم معناها وهو المنع والدفع، وفي الكلام مضاف مقدر أو النصر مضمن معنى المنع ولذا تعدى بمن، وقوله: في تبليغ رسالته أي تركه والمنع عن الاشراك به. قوله: (فما تزيدونني إذن باستتابعكم إياي) كذا في الكشاف فقال العلامة، وتبعه غيره إن أذن ظرف حذف منه المضات إليه، وعوض منه التنوين وأشار لرده الشارح المدقق فقال قوله إذن حينئذ دل بإذن على أن الكلام جواب وجزاء وبحينئذ على التعقيب المستفاد من الفاء لا أنه تأكيد يدل على أن إذن تختص بالظرفية، وقد خبط فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 أرباب الحواشي هنا خبط عشواء لعدم النظر إلى معزاه فإنه أراد أن حذف المضاف، وتعويض التنوين عنه إنما هو في إذ لا في إذا، وقد جوزه في إذا بعض النحاة في بعض الآيات فرده أبو حيان بأنه لم يقله أحد من النحاة ونسبه إلى الوهم لكن في الدر المصون أنه ذهب إليه بعض أجلة المفسرين وفي كلام العرب ما يشهد له فعلى المشهور في العربية لا يصح ما ذكر مع أنّ المعنى ليس عليه إذ هو إشارة إلى أنّ قوله فما تزيدونني غير تخسير جواب للشرط المذكور لا إن جوابه محذوف يدل عليه قوله فمن ينصرني، وقوله: حينئذ بيان لتعقيبه له المصحح للجوابية فإذن بمعناها المشهور حرف جواب، وجواز وقد وجد رسمه بالنون في النسخ ولو كان كذلك تعين كتابته بالألف. قوله:) غير أن تخسروني بابطال الخ (يعني أن التخسير معناه جعله خاسرا وفاعل التخسير قومه ومفعوله هو والمعنى تجعلوني خاسرا لأني باتباعكم أكون مضيعا لما منحني الله من الحق، وهو خسران مبين أو فاعل الخسران صالح والمفعول هم، ومعنى تخسيره لهم نسبتهم إلى الخسران فإن التفعيل يكون للنسبة كفسقته إذا نسبته للفسق، والمعنى ما يزيدني استتباعي غير أني أقول لكم إنكم في ضلال وخسران لا إن أتبعكم فيكون إقناطاً لهم من اتباعه، وما قيل: إن الأولى أن يقال غير أن أنسب إلى الخسران لأن المفروض متابعته باختياره لا باختيارهم حتى يلاموا فلا إصابة فيه في اللفظ، ولا في المعنى، وقيل: إن المعنى غير تخسيري إياكم كما ازددتم تكذيبأ إياي ازدادت خسارتكم فكان سببها، وقوله: منحني الله به أي باستتباعكم أو ضمن منح معنى خص فتعلقت به. قوله: (1 نتصبت آية على الحال وعاملها الخ (جعل عاملها الاشارة لأن المبتدأ لا يعمل فيها، ولذا منعها بعض النحاة فيما ليس من هذا القبيل لأن اسم الإشارة فيه معنى الفعل، ولذا يسمى عاملاً معنويا، وأما ما يلزمه من اختلاف عامل الحال، وعامل صاحبها، فقد فصل في غير هذا المحل، وهذه حال مؤسسة وهو ظاهر، وجوز فيها أن تكون مؤكدة، كهذا أبوك، عطوفا لدلالة ناقة الله على كونها آية، وأن يكون العامل معنى التنبيه أيضاً. قوله: (ولكم حال منها تقدّمت عليها لتنكيرها) قيل: عليه أنّ مجيء الحال من الحال لم يقل به أحد من النحاة لأن الحال تبين هيئة الفاعل أو المفعول، وليست الحال شيئا منهما، وأجيب عنه بأنها مفعول للإشارة في المعنى لأنها مشار إليها ولا يرد عليه أن المشار إليه الناقة لا الآية لأن المراد من الآية الناقة وقول الزمخشري: بعدما جعلها حالاً من آية أنها متعلقة بها أراد التعلق المعنوي لا النحوي، فلا يرد عليه ما قيل عليه إنه تناقض لأنها إذا تعلقت بها تكون ظرفا لغواً لا حالاً، وقيل: لكم حال من ناقة الله، وآية حال من الضمير فيه، فهي متداخلة وهي نافعة لهم ومختصة بهم هي ومنافعها فلا يرد عليه أنه لا اختصاص لدّات الناقة بالمخاطبين، وإنما المختص بهم كونها آية لهم، وقيل لكم حال من الضمير في آية لأنها بمعنى معلمة، والأظهر كون لكم بيان من هي آية له كما ذكر في الأعراف، وقد مر فيها أيضا تجويز كون ناقة الله بدلاً أو عطف بيان من اسم الإشارة، ولكم خبره، وآية حال من الضمير المستتر فيه. قوله: (ترع نباتها وتشرب ماءها (بالجزم بدل من تأكل مفسر له، وذكر الشرب لدلالة المقام ففيه اكتفاء أو جعل الأكل مجازاً عن التغذي مطلقاً، والقول بأن المجاز يحتاج إلى قرينة مشترك الإلزام لأن التقدير كذلك. قوله: (ولا تمسوها بسوء) مر تحقيقه في الأعراف، وأن النهي عن المس الذي هو مقدمة الاصابة بالسوء مبالغة كما في قوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ} [سورة الأنعام، الآية: 152] وقد مر الكلام عليه ثمة، وقوله: عاجل إشارة إلى أنه بمعنى السرعة لأنّ القرب كثر استعماله في المكان، وقوله: عيشوا تفسير له لأنّ التمتع والاستمتاع انتفاع ممتد الوقت، والمراد بالدار المنزل أو الدنيا لأنها تطلق عليهما، وقوله: ثم تهلكون لأنّ بيان مذة الحياة يستلزم بيان الهلاك بعدها والعقر قطع عضو يؤثر في النفس، والعاقر لها برضاهم شخص اسمه قدار كهمام بالدال المهملة. قوله: (أي غير مكذوب فيه الخ) يعني أنّ المكذوب وصف الإنسان لا الوعد، لأنه يقال: كذب زيد عمراً في مقالته، فزيد كاذب وعمرو مكذب، والمقال مكذوب فيه فدفعه بثلاثة أوجه إنه على الحذف والايصال كمشترك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 لما حذف الحرف صار المجرور مفعولاً على التوسع، لأن الضمير لا يجوز نصبه على الظرفية، والجار لا يعمل بعد حذفه كما تقرّر في النحو، أو جعل الوعد مكذوبا على طريق الاستعارة المكنية والتخييلية، وهو معنى قول المصنف رحمه الله على المجاز، وقيل: معناه أن مكذوب بمعنى باطل ومتخلف مجازاً، أو مكذوب مصدر على وزن مفعول كمفتول ومجلود بمعنى قتل وجلد، فإنه سمع منهم ذلك وإن كان نادراً، وقوله: ويوم شهدناه سليماً وعامرا تمامه: قليل سوى الطعن النهال نوافله فشهد بمعنى حضر متعدّ لواحد، وهو سليما وعامرا وهما اسما قبيلتين صرفا باعتبار الحيّ، وسليم مصغر فشهدناه أصله فشهدنا فيه، وقليل صفة يوم المجرور بعد واو رب، ونوافله فاعله جمع نافلة وهي العطية لغير عوض، ونهال جمع ناهل بمعنى عطشان، ويكون بمعنى مرتو فهو من الأضداد، أو هو جمع نهل اسم جمع لناهل كطلب وطالب، ويروى الدراك أي المتابعة، أي ليس في ذلك اليوم عطايا سوى الطعان فهو كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع قوله (أي ونجيناهم من خزي الخ) يعني المعمول لا يعطف على عامله، فهو متعلق بمحذوف هو المعطوف، ولا يكون تكراراً للوجهين السابقين، وقيل: الواو زائدة، وفسر الخزي بالهلاك لأنه ورد بمعناه، وان كان المعنى الآخر هو المشهور. قوله: (أو ذلهم وفضيحتهم الخ) اعترض عليه أبو حيان رحمه الله بأنه لم يتقدم للقيامة ذكر، والمذكور جاء أمرنا الخ فالتقدير يوم إذ جاء أمرنا وهو الوجه الأوّل، فيتعين والدفع بأن القرينة قد تكون غير لفظية كما هنا فيه نظر، وقيل: القرينة قوله: {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} السابق فإن المراد به القيامة. قوله: (على اكتساب المضاف) وهو يوم البناء من إذ فإنه أحد ما يكتسب بالإضافة كما بين في النحو، وقوله: القادر على كل شيء العموم من صيغة المبالغة، وحذف المتعلق والتخصيص لعدم الاعتداد بقدرة غيره وغلبته، أو المراد في ذلك اليوم فيقدر على انجاء بعض واهلاك آخرين، وسبق تفسير ذلك في قصة صالح ثمة. قوله: (نوت أبو بكر ههنا الخ) وقع في نسخة قبل هذا قرأ حمزة وحفص ثمود هنا وفي الفرقان والعنكبوت بفتح الدال من غير تنوين، ونونه الكسائي بخفض الدال في قوله قعالى: {أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ} ذهاباً إلى الحيّ، قالوا وهو الموافق لما في كتب القرا آت لا ما في الأخرى، وهي قوله: نونه أبو بكر أي شعبة في ألا أن ثمود، ألا بعدا لثمود، لا في والى ثمود أخاهم، ونونه في النجم أيضاً، أي لا في العنكبوت والفرقان، وقوله: والكسائي في جميع القرآن أي في المواضع الثلاثة في هذه السورة، وفي السور الثلاث أيضا، وقوله: وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو، في قوله: ألا بعدا لثمود لا في الموضعين الآخرين منها، ولا في باقي السور. قوله: (ذهاباً إلى الحني (لأنّ أسماء القبائل يجوز فيها الصرف وعدمه نظراً إلى الحيّ والقبيلة، كما هو معروف في النحو، وقوله أو الأب ا! بر يعني أن يكون المراد به الأب الأوّل، وهو مصروف فيقدر مضاف كنسل وأولاد ونحوه، أو المراد به صسرف نظر الأوّل وضعه فتأمّل، وقوله: كانوا تسعة، وقيل: أحد عشر، وقيل: اثني عشر. قوله: (ببشارة الولد وقيل الخ) في الكشاف الظاهر الأوّل، قال في الكشف لأنه الظاهر من ألاطلاق، ولقوله: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [سورة الذاريات، الآية: 28] وان كان يحتمل أن ثمة بشارتين، وأن يحمل في كل موضمع على واحدة منهما، والتبشير يهلاك الكافرين، لأنه أجل نعمة على المؤمنين، ومرضمه المصنف رحمه الله تعالى لما سمعته. قوله: (سلمنا عليك سلاماً الخ) أي إنه منصوب بفعل محذوف، والجملة مقول القول، أو هو منصوب بنفس القول لما فيه من معنى الذكر، ووجه كون الجواب أحسن أنه جملة اسمية دالة على الدوام والثبات، فهي أبلغ، والسلام معناه السلامة مما يضر، وهو أمان لهم، واليه يشير قوله أمركم. قوله: (وقرأ حمزة الكسائي سلم) بدون ألف مع كسر السين وسكون اللام وهو بمعنى التسليم، وفسعر بالصلح ولا يناسب المقام إلا أن يكون عبارة عن التحية أيضا لأنها كانت كلمة أمان، كما في الكشف، وقيل: إنهم لما امتنعوا من تناول طعامه وخاف منهم قاله: أي أنا مسالم لا محارب لأنهم كانوا لا يأكلون طعام من بينهم وبينه حرب، وهذا يدل على أن قوله هذا بعد تقديم الطعام، وقوله تعالى: {فَمَا لَبِثَ} الخ صريح في خلافه، وهذه القراءة في سلام الثاني، كما يدل عليه كلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 المصنف رحمه الله، ووقع في الكشاف فيهما، فلا تكون قراءة حمزة الكسائيّ بل غيرهما لأنهما لم يقرآ بها، فيهما لمخالفته للمنقول في علم القرا آت، وعلى قراءة الرفع إما مبتدأ محذوف الخبر أي عليكم سلام، أو خبر محذوف المبتدأ أي أمركم سلام، قيل: والأول أوجه لأنه يكون داخلاً في جملة إكرامهم، وأما تقدير أمركم فمحمول على أن معناه سلمني منكم وسلمكم مني لأنه كلمة أمان. قوله:) فما أبطأ مجيئه) يعني لبث هنا بمعنى أبطأ وتأخر، وأن جاء فامحله أو فاعله ضمير إبراهيم، وأن جاء مقدر بحرف جز متعلق به، أي ما أبطأ في أن جاء أو عن أن جاء، وحذف الجار قبل ا! ، وأن مطرد على القولين المشهورين في محله، والباء في بعجل للتعدية أو الملابسة، لكن في قوله مقدر أو محذوف، نظر، لأنه إذا كان محذوفاً كان مقدراً فلا فرق بينهما، وقيل في توجيهه إنه إشارة إلى القولين في محله بعد الحذف، هل هو الجرّ فيكون مقدراً لأن المقدر في قوة المذكور فيبقى عمله، والمحذوف يكون متروكاً فلا يبقى أثره فيكون في محل نصب، وقيل: إنه راجع إلى في فقط، وأته على ملاحظ معناها إمّا أن يكون في محل جرّ بحذفها، أو منصوبا على الظرفية بعد تقديرها، ولا يخفى ما فيه من التكلف، مع أن نصب المصدر المؤوّل من أن، والفعل على الظرفية، كالصريح في نحو آتيك خفوق النجم غير مسلم عند النحاة، والرضف براء مهملة مفتوحة وضاد ساكنة معجمة، وفاء حجارة تحمى ويلقى عليها اللحم ليشوى بها، والودك بفتح حروفه المهملة الدسم، والجلال بكسر الجيم جمع جل بضمها وتفتح، وهو ما يدثر به الخيل وتصان، وعلى الأخير بمعنى سمين تشبيها لودكه بالجلال عليه، أو ما يسيل منها بعرق الدابة المجللة للعرق، وعرّقته هيأته للعرق بالدثار. قوله: الا يمذّون إليه أيديهم) رأى أن كانت بصرية فجملة لا تصل حال، وأن كانت علمية فمفعول ثان، وتفسير عدم الوصول بعدم المدّ على جعله كناية عنه، لأنه لازم له فلما كان الوصول ممكنا فسره بما ذكر، ويلزمه عدم اكل، فما قيل إنه لو جعله كناية عن لا يأكلون كان أولى لا وجه له، وقيل: روي أنهم كانوا ينكتون اللحم بقداح في أيديهم، فلذا قيل لا تصل الخ، فليس كناية عن عدم الوصول كما ذكره المصنف رحمه الله، وفيه نظر. قوله: (أنكر ذلك منهم وخاف الخ) يعني لظنه أنهم بشر وكان بمعزل عن الناس، والضيف إذا هم بفتك لا يأكل من الطعام في عادتهم، ونكر كالمؤيد في المعنى، وقيل: بينهما فرق لكن الكثير في الاستعمال هو المزيد، ولما فسر الإيجاس بالادراك أو الإضمار ورد أنه لا يطلع عليه، فكيف قالوا له لا تخف دفعه بأنهم رأوا عليه أش الخوف كما يظهر ذلك في الوجه ونحوه، ويجوز أن يعلمهم الله به، وأمّا قوله في آية أخرى: {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 52، فلا ينافي هذا لأنّ هذا كان في أوّل الأمر، وذاك بعده لاختلاف الأحوال والأطوار فقوله في الحجر: {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 52] لا ينافي قول المصنف رحمه الله هنا أحسوا منه أثر الخوف، حتى يقال: إنه غفلة منه لجواز أن يشاهدوا منه أثر الخوف 4 فبقولون: لا تخف فلا يطمئن لقولهم، ويقول بل أنا خائف لأنّ أحوالكم ليست كسائر الضيفان. قوله: (إنا ملائكة مرسلة إليهم العذاب الخ) يعني أن علمه بملكيتهم من خبرهم هذا لما خافهم لظن أنهم بشر طرقوه بشر قالوا له إنا ملائكة، ولذا لم نأكل من طعامك، ولما لم يكف هذا لدفع الخوف لاحتمال أنهم ملائكة أرسلوا بما يخشا. فيه أو قومه ذكروا له ما أرسلوا له، وهو الموافق لما ذكره في غير هذه السورة، والزمخشري رجح أنه عرفهم قبل ذلك، وإنما خشي نزولهم لما يكره، لأن ظاهر النظم يدل عليه، لكن قيل: عليه تقديمه الطعام وتهيئته ينافيه، وأجيب بأنه عرفهم لكن بعد ذلك، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وأن السياق هنا وفي الحجر يدل على ما ذكره فتأمّلة، فانه يمكن التوفيق بين ذلك، وقوله:) وامرأته قائمة) جملة حالية أو مستأنفة للإخبار، وهي بنت عمه سارة بنت هاران. قوله: (وراء الستر تسمع محاورتهم (بالحاء المهملة أي تكالمهم، قيل: ومدار الوجهين على أن تستر النساء كان لازما أو لا، والظاهر الثاني لتأخر نزول آية الحجاب. قوله: (فضحكت سرورا الخ) الضحك إما حقيقة، أو المراد التبسم وطلاقة الوجه، وطلبها لوطا عليه السلام لأنه كان أخاها، وقيل ابن أخيه، قيل وأو ليست لمنع الجمع، وإنما هي للإشارة إلى صلاحية كل منها للعلية. قوله: (فضحكت فحاضت) قيل: يبعده قوله: (لألد وأنا عجوز) ولو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 كان الحيض قبلى البشارة لم تنكر الحمل والولاد، لأنّ الحيض معيارها، ودفع بأن الحيض في غير أوانه مؤكد للتعجب أيضا، ولأنه يجوز أن تظن أن دمها ليس بحيض بل استحاضة، فلذا تعجبت، وقوله: وعهدي بسلمى ضاحكافي لبابة ولم تعدحقاثديها أن تحلما معناه إنه قريب العهد بها طفلة يصف صغر سنها، فعهدي مبتدأ وخبره محذوف أي قريب، وقوله: ضماحكا لم يؤنثه لاختصاصه بالنساء كحائض وطامث، ولبابة بباءين موحدتين في النسمخ، ولم يضبطوه لكن منهم من فسره بثوب يغطي به، ومنهم من فسره بجماعة النساء، وقيا! : إنه اسم موضع، ولم يعد أي يجاوز، وحقا تثنية حق وبه يشبه الثدي في الصغر، وتحلما أصله تتحلما أي يظهر حلمته وتكبر، وهي رأس الثدي، وفي نسخة تحلبا بالباء كأنّ معناه خروج لبنهما. قوله: (وقرئ بفتح الحاء) قرأها محمد بن زياد الأعرابي، وقيل: إنه معروف في اللغة، وقيل: إنه مخصوص بضحك بمعنى حاض. قوله: (نصبه ابن عامر وحمزة وحفص! بفعل يفسره ما دل عليه الكلام) هذه القراءة بفتح الباء فتحتمل النصب والجرّ بالفتحة لعدم صرفه، فاختلف القائلون بالنصمب فقيل: إنه معطوف على بإسحق، على توهم نصبه لأنه في معنى ووهبنا له إسحق فيكون كقوله: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولاناعب إلا ببين غرابها فهو من عطف التوهم كما توهم الشاعر وجود الباء، فهذا عكسه لكن هذا غير مقيس، وقيل: إنه منصوب بفعل مقدر، أي وهبنا يعقوب، ورجحه الفارسي رحمه الله، إلا أنه قيل عليه إنه على هذا غير داخل تحت البشارة، ودفع بأن ذكر هبة الولد قبل وجوده بشارة معنى، وقيل هو منصوب عطفا على محل بإسحق لأنه في محل نصب، والفرق بينه وبين عطف التوهم ظاهر، وذكر المصنف رحمه الله وجهين، وترك الأول المذكور في الكشاف إشارة إلى أنه شاذ لا ينبغي التخريج عليه مع وجود غيره. قوله: (أو على لفظ إسحق وفتحته للجرّ فإنه غير مصروف اللعلمية والعجمة وعلى هذا هو داخل في البشارة، وقوله: ورذ الخ، في الدر المصون إن هذا رذ للوجهين المحكيين بقيل، وسياق المصنف هـ حمه الله ظاهر فيه، ولذا فسره به المحشي رحمه الله، لكنه قيل عليه إنه رذ للثاني فقط، يعني يرذه الفصل بين المعطوف وهو يعقوب والمعطوف عليه وهو إسحق بالظرف، وهو من وراء إلص! حق لوجود الفصل بينهما، لكن لا من حيث إنه فصل بين المتعاطفين، بل للفصل بين العاطف النائب مناب العامل، وهو حرف الجرّ هنا فكما لا يجوز الفصل بينه وبين مجروره لا يجوز الفصل بين المجرور وما قام مقام الجار، فلا بد من تقديم المجرور أو إعادة الجار، وهذا المحذور في الجرّ لا في العطف على المحل وفيه نظر، وأورد على العطف على المحل إنه إنما يتأتى إذا جاز ظهور المحل في فصيح الكلام كقوله: ولسنا بالجبال ولا الحديدا وبشر لا يسقط باؤه من المبشر به في فصيح الكلام، وقوله: ما عطف عليه بالبناء للفاعل، يعني الواو فلا يرد أن الفصل بينه وبين المعطوف عليه غير ممتنع. قوله: (وقرأ الباقون بالرفع الخ) وخرّجت قراءة الرفع على وجوه، على أنه مبتدأ خبره الظرف ومتعلقه مولود، أو موجود كما قدّره، وقدره غيره كائن والجملة حالية أو مستأنفة، وقيل إنه فاعل للظرف وهذا على مذهب الأخفش كما قاله المعرب، وقيل: إنه على مذهب الجمهور لاعتماده على ذي الحال، وهو وهم لأنّ الجار والمجرور إذا كان حالاً لا يجوز اقترانه بالواو فتأمّل، وقيل: إنه مرفوع بيحدث مقدرا. قوله: (وقيل الوراء ولد الولد الخ) قال الراغب رحمه الله: يقال وراء زيد كذا لمن خلفه، نحو قوله: {وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} فمن فسره بهذا أراد أنه يخلفه ويكون من جهته والا لم يكن وراءه فهو مجارّ ظاهر فلا يرد عليه قول الإمام إنه تعسف لا دلالة للفظ عليه، وهو معنى قول المصنف رحمه الله وفيه نظر، وان أراد أن الوراء مطلقاً بمعنى ولد الولد فاللغة تأباه، فحصل معناه أنه ولد ولد إبراهيم من جهة إسحق لا من جهة إسماعيل عليهم الصلاة والسلام وتبشيرها به إشارة إلى أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها. قوله: (ليس من حيث أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه) يعني على هذا التفسير لأنه ليس ولد ولد إسحق، بل ولد ولد إبراهيم عليهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 الصلاة والسلام، وقوله: وفيه نظر عندي أنه راجع إلى هذا، يعني أنه وراء إسحق لأنه خلفه وولده، وكونه ولد الولد إنما يؤخذ من إضافته إليه فتأثل. قوله: (والاسمان يحتمل وقوعهما في البثارة) كما في قوله: {نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [سورة مريم، الآية: 7] وهو الأظهر، ويحتمل أنها بشرت بولد وولد ولد من غير تسمية، ثم سميا بعد الولادة، وقوله: وتوجيه البشارة إليها دون أن يبشر بذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما وقع في آية أخرى، وكونه منها يعني بالواسطة، وحينئذ يحتاج عدم إضافته إليها لنكتة، وقوله: ولأنها كانت عقيمة حريصة الخ، وكان لإبراهيم ولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. قوله: (يا عجبي الخ) يعني المراد بها هنا التعجب، لا معنى الويل لأنه لا يناسب المقام، ويدل عليه الاسنفهام، وقوله: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} وهذه الكلمة جارية على الألسنة في مثله، وقوله فأطلق على كل أمر فظيع الفظيع بمعنى الثنغ، يعني أنه إذا استعمل مطلقا من غير تقييد وقرينة دل على الثناعة والفظاعة بخلاف ما نحن فيه، أو إذا أطلق في الاستعمال الأصلي فلا يرد عليه، أن الأولى أن يقال أصله للدعاء بالويل، ونحوه في جزع التفجع لشدة مكروه يدهم النفس، ثم استعمل في التعجب، ولا حاجة إلى ما قيل إن فيه تشنيعا للمواقعة في سن الهرم، وقوله: وقرئ بالياء على الأصل في نسخة إيذانا على الأصل بتضمينه معنى الدلالة، فالألف بدل من الياء، ولذا أمالوها، وبهذا يلغز فيقال: ما ألف هي ضمير مفرد متكلم، وقيل: إنها للندبة، ولذا لحقتها الهاء، وكونها ابنة تسعين رواية ابن إسحق رحمه الله، والأخرى رواية مجاهد رحمه الله. قوله: (وأصله القائم بالأمر) فأطلق على الزوج لأنه يقوم بأمر الزوجة، وهذا مخالف لكلام الراغب فإنه قال: البعل هو الذكر من الزوجين، وجمعه بعولة كفحل وفحولة، ولما تصوّروا من الرجل استعلاءه على المرأة وقيامه عليها، شبه كل مستعل وقائم به فتأمّل. قوله: (ونصبه على الحال الخ) قيل: مثل هذه الحال من غوامض العربية إذ لا تجوز إلا حيث يعرف الخبر، ففي قولك: هذا زيد قائما لا يقال إلا لمن يعرفه فيفيده قيامه، ولو لم يكن كذلك لزم أن لا يكون زيد عند عدم القيام، وليس بصحيح، فهنا بعليته معروفة والمقصود بيان شيخوخته، والا لزم أن لا يكون بعلها قبل الشيخوخة، ولذا ذهب الكوفيون إلى أن هذا يعمل عمل كان وشيخا خبره، وسموه تقريبا، وفيه نظر لأنه إنما يتوجه إذا لم تكن الحال لازمة غير منفكة، إما في نحو هذا أبوك عطوفا فلا يلزم المحذور، والحال هاهنا مبينة هيئة الفاعل أو المفعول، لأنّ العامل فيها ما في معنى هذا من معنى الإشارة أو التنبيه، وبذلك التأويل يتحد عامل الحال وذيها، وقوله: وبعلى بدل، وجوّز كونه عطف بيان، وكون شيخ تابعاً لبعلي أيضاً، وقوله: خبر محذوف بالإضافة. قوله: (يعني الولد من الهرمين) بكسر الراء وهو الضعيف لكبر سنه جدّاً، فالإشارة إلى ما ذكر وهو ولادة الولد والبشارة به، وقوله: من حيث للتعليل، وفي قوله: ولذلك قالوا فيه صنعة من البديع سماها في شرح المفتاح التجاذب، لأنه جعل قالوا الواقع في النظم كأنه من كلامه بطريق الاقتباس والتقدير، ولذلك ورد قولهم قالوا: لكته طواه. قوله: (منكرين عليها) يريد أنه إنكار لتعجبها من حيث العادة لا من حيث القدرة، لأنّ بيت النبوّة ومهبط الوحي محل الخوارق، فلا ينبغي تعجب من نشأ فيه مما خالف العادة، ولو صدر من غيرهم لم ينكر، وقوله فإن خوارق الخ، بيان لوجه إنكارهم، وقوله: ليس ببدع بكسر الباء وسكون الدال والعين المهملتين، أي ليس بمستغرب مستبدع، وقوله: ولا حقيق الخ عطف تفسير له، وتذكير خبر الخوارق لإرادة الجنس، وقوله: بأن يستغربه عاقل مستفاد من المقام، وتخصيصهم بمزيد النعم من قوله رحمة الله وجملة رحمة الله الخ، دعائية أو خبرية، وملاحظة الآيات مشاهدتها. قوله: (وأهل البيت نصب على الماخ الخ) قال المعرب: في نصبه وجهان أحدهما أنه منادى، والثاني أنه منصوب على المدح، وقيل على الاختصاص وبين النصبين فرق، وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن لوصفه المدح، كما أنّ ما للذم، كذلك وفي الاختصاص يقصد المدح أو الذم، لكته ليس بحسب اللفظ كقوله: بنا تميما يكشف الضباب كذا نقل عن سيبويه وفيه نظر، ومعنى نصبه على المدح أنّ نصبه بتقدير امدح ونحوه، فهو مفعول به، أو هو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 منصوب على الاختصاص فيفيد المدح أيضاً وباب الاختصاص منقول من النداء فجعله منه باعتبار الأصل، ولم يجعله نداء أصليا كما في الكشاف لفوات معنى المدح المناسب للمقام، ولأن مثل هذا التركيب شاع استعماله لقصد الاختصاص وباب الاختصاص وأحكامه مفصلة في كتب النحو فانظره. قوله: (فاعل ما يستوجب به الحمد) فحميد فعيل بمعنى مفعول أي مستوجب للحمد مستحق له لما وهبه من جلائل النعم فلا يبعد أن يعطي الولد بعد الكبر، وهو تذييل حسن لبيان أنّ مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده إذ شرفها بما شرّف. قوله: (كثير الخير والإحسان (هذا أحد معانيه من مجدت الإبل رعت حتى شبعت ويكون بمعنى الشرف وهو قريب منه، وقوله أي ما أوجس من الخيفة لأنّ الروع هو الخوف الواقع في القلب، وأما الروع بالضم فهو النفس لأنها محل الروع ففرق بين الحال والمحل، وفي الحديث: " إن روح القدس نفث في روعي " واطمأن قلبه بيان لذهاب الروع، وقوله بعرفانهم أي اطمئنانه بسبب عرفان أنهم ملائكة أتوا لما ذكر، وقوله بدل الروع أي إنه تبدل خوفه بالسرور والبشارة. قوله: (يجادل رسلنا الخ) يعني أنّ مجادلة الرسل نزلت منزلة مجادلة الله فهو مجاز في الإسناد، وحمله عليه للتصريح به في سورة العنكبوت، وأنّ المجادلة وان كان المراد بها السؤال لا يناسب نسبتها إلى الله، ومجادلته فسروها بقوله أن فيها لوطا عليه الصلاة والسلام، وهو من المؤمنين فكيف يحل بهم ذلك وللقصة تفصيل في الكشاف اقتصر منها المصنف رحمه الله على المتيقن الواقع في النظم، وعذ هذا مجادلة لأنّ ماكه كيف يهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب، ولذا أجابوه بقولهم لننجينه الخ. قوله:) وهو إما جواب لما (دفع لأن لما لما مضى فذكر المضارع بعدها ما وجهه فوجهه بأنه ماض عبر عنه بالمضارع لحكاية الحال، وأصله جادلنا أو أنّ لما كلو تقلب المضارع ماضيا كما أن إن تقلب الماضي مستقبلاً، وقوله أو لأنه ضميره ليجادلنا، أو الجواب محذوف كما تذره وهذه جملة مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانياً تدل عليه، وقوله أو دليل عطف على قوله جواب لما. قوله: (أو متعلق به أقيم مقامه) وفي نسخة مقام مقامه الخ وهذا الوجه آثره الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجها واحداً لاً نه قال إنّ الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ أو أقبل لأنك إذا قلت قام زيد دل على فعل ماض، وإذا قلت أخذ زيد دل على حالة ممتدة بذكر أخذ أو أقبل وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للكشاف هما وجهان وتحقيقه كما في الكشف أنه إذا أريد بما ذكر استمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج، وان أريد التصوير المجرّد فلا يكون وجهاً آخر ويجادلنا على هذا حال من فاعل الجواب المحذوف. قوله: (غير عجول على الانتقام من المسيء إليه) وصفه بما ذكر من الصفات بيانا لأنه كان رقيق القلب شفوقا فلذا أحب ترك نزول العذاب عليهم رجاء لرجوعهم، ولما كان الحلم لا يتصور في إساءة الغير قيده بقوله إليه ولا يضره كون السياق في إساءة قوم لوط عليه الصلاة والسلام كما توهم حتى قيل الأولى تركه لأنّ هذه الصفات عبارة عن الشفقة ورقة القلب كما ذكره المصنف رحمه الله، ورجاء توبتهم لا ينافيه إخبار الملائكة عليهم الصلاة والسلام بتحتم تعذيبهم لأنه كان قبل بيان ذلك لكن كون ذلك لكون لوط فيهم أولى، وقوله من الذنوب ذكره لبيان حقيقة الحال، وقوله راجع إلى الله أي في كل ما يحبه ويرضاه ولذا سأله دفع العذاب ودلالة الكلام على ما ذكر أما حليم وأوّاه فظاهر، وأما منيب فإن كان بمعنى رجوعه إلى الله في دفع العذاب فكذلك، وإلا فلأنّ شأن التائب ذلك. قوله: (على إرادة القول) وتقديره ليرتبط، وقيل إن المراد اعتبار معناه دون تقديره في النظم لا وجه له. قوله تعالى: ( {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} ) أي قدره المقضي، ومجيء القدر المقدر عليهم لا يقتضي وقوعه، وقيل أراد به المشارفة أي شارف المجيء والا لم يجىء بعد وفسر الأمر بما ذكر، ولم يفسره بالعذاب أو بالأمر به كما فسره في قوله ولما جاء أمرنا نجينا هوداً لئلا يتكرر مع قوله آتيهم عذاب غير مردود كذا قيل، وأورد عليه أنه مشترك الإلزام لأنّ مجيء القدر بالعذاب يغني عنه أيضا والتكرار مدفوع بأنه توطئة لذكر كونه غير مردود، وعلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 ما ذكرناه، وكذا على جعله للمشارفة لا يتأتى هذا لأنه إذا قيل شارفهم العذاب، ثم وقع بهم لم يكن مكرراً وقوله وهو أعلم بحالهم من استحقاقهم محقة العذاب وعدم توبتهم. قوله: (قدره بمقتضى قضائه الخ) قال المصنف رحمه الله في شرح المصابيح القضاء الإرادة الأزلية والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على- ترتيب خاص، والقدر تعلق تلك الإرادة بالأشياء في أوقاتها يعني أنّ لصفة الإرادة الإلهية تعلقا قديماً بوجود الأشياء في وقتها المخصوص فيما لا يزال، وتعلقا حادثا بها في وقت وجودها بالفعل، والقضاء هو التعلق القديم، ولذا وصف المصنف رحمه الله بالأزلي، والقدر التعلق الحادث لا إنّ القضاء هو نفس الإرادة كما يوهمه ظاهر كلامه والكلام على تحقيقه في الكلام. قوله تعالى: ( {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} ) يقال ساءه سوءاً ومساءة فعل به ما يكره فاستاء والسوء بالضم الاسم منه، والضمير فيه للوط عليه الصلاة والسلام أي أحدث له مجيئهم المساءة ومجيئهم هو الفاعل في الأصل، قيل: الباء للمفعول كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو فاعل حقيقة لغوية كما بين في كتب المعاني فإن حمل على أن مراده أن باء بهم للسببية والسبب لا يلزم أن يكون فاعلا فليس مما ذكر في شيء، ووقع في بعض النسخ وقرأ نافع وابن عامر والكسائي سيىء وسيئت بإشمام السين الضم، وفي العنكبوت والملك والباقون باختلاس حركة السين، اهـ وقيل: عليه إنّ فيه نقصا وتصحيفاً أما النقص! فلأنه لا بدّ أن يكون الأصل هنا وفي العنكبوت، والملك إذ ليس في هذه السورة سيئت، وأما التصحيف فلأن الصحيح المطابق لكتب القراآت بإخلاص كسر السين فقوله باختلاس تصحيف أي تحريف (قلت) أما الثاني فوار وأما الأوّل فليس بشيء لأنّ المراد أنه قرئ في هذه المواضع مع قطع النظر عن خصوص لفظه فوكله إلى القارئ لظهوره 4 واعلم أنه وقع في البحر لأبي حيان وفي المغني لابن هشام رحمه الله، وتبعه بعض المفسرين كلام مختل أفردناه بتعليقة حاصلة اًن أن زيدت في قصة لوط عليه الصلاة والسلام دون قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأنّ الإساءة وقعت في الأولى بلا مهلة دون الثانية، ونقل مثله عن الشلوبين فرده أبو حيان رحمه الله تعالى بأنّ الزائد لا يفيد غير التوكيد، وما ذكروه لا يعرفه النحاة وفي قوله الإساءة لحن لأنّ الواقع في التنزيل ثلاثي، ورده ابن هثام بأنه ليس في الكشاف ما ذكر من الفرق لا في العنكبوت، ولا هنا وهذا كله لا وجه له وسيأتي تفصيله. قوله: (وضاق بمكانهم صدره الخ) ذرعا تمييز وهو في الأصل مصدر ذرع البعير بيديه يذرع في سير. إذا سار ما خطوه من الذرع، ثم توسع فيه فوضع موضع الطاقة والجهد فقيل ضاق ذرعه أي طاقته، وقد وقع الذراع موقعه في قوله: إليك إليك ضاق به ذراعا وذلك أن اليد كما تجعل مجازاً عن القوة فالذراع الذي هو من المرفق كذلك. فقيل: إنه كناية عن ضيق الصدر، وإليه ذهب المصنف رحمه الله وقوله بمكانهم إشارة إلى أن ضيق صدره ليس بصنع منهم، وإنما هو لمكانهم أي لأمرهم وحالهم لخوفه عليهم كما قال في العنكبوت صار شأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته فأشار هنا إلى أنه المراد هنا، وأن الذرع كما يجعل كناية عن الصدر والقلب يجعل كناية عن الطاقة. قوله: (وهو كناية عن شدّة الانقباض! (أي الذرع عبارة عن الصدر وضيقه عبارة عما ذكر فهو كناية متفرعة على كناية أخرى مشهورة، وقيل إنه مجاز لأن الحقيقة غير مرادة هنا، والاحتيال فيه أي في المدافعة وذكره لتأويله بالدفع أو هو للمكروه وهو مجرور معطوف على المدافعة. قوله:) شديد (لأنه لكثرة شده كاً نه عصب بعضه ببعض والتف به، ويهرعون جملة حالية والعامة على قراءته مبنيا للمفعول، والإهراع الإسراع، وقال الهروي: هرع وأهرع استحث وقرأه جماعة يهرعون بفتح الياء مبنيا للفاعل من هرع وأصله من الهرع، وهو الدم الشديد السيلان كأن بعضه يدفع بعضا فالمعنى على القراءتين يسوقون أي يسوق بعضهم بعضا أو يساقون بمعنى يسوقهم كبيرهم فتفسيره بيسرعون بيان للمراد منه عليهما، وقوله: كأنهم يدفعون على المجهول إشارة إلى أنه استعارة، وقوله لطلب الفاحشة أي لأجل إرادتها تعليل للمجيء لا للإسراع أو الدفع ولا مانع من عوده لهما. قوله: (فتمرّنوا بها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 لم الخ (يعني أن المراد من ذكر عملهم السيئات قبل ذلك أنهم اعتادوا ذلك فلم يستحيوا فلذلك أسرعوا لطلب الفاحشة من ضيوفه مظهرين لذلك فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها، وقيل: إنه بيان لوجه ضيق صدره لما عرف من عادتهم. قوله: (فدى بهق أضيانه الخ) هذا على الوجوه الثلاثة الأول وبقوله فتزوجوهن اندفع ما قيل كيف يعرضهن عليهم، وهو تحريض على الزنا وكيف ذلك مع نزاهة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبناتهم، وبقوله وكانوا يطلبونهن أنه لا طائل في العرض على من لا يقبل، وأما قولهم ما لنا في بناتك من حق فمرادهم دفعهم به عما أراد فلا ينافي الطلب السابق. قوله: (لا لحرمة المسلمات على الكفار الخ (فلا حاجة إلى أن يقال بشرط الإسلام أو أنه كان جائزاً في شريعتهم ونسخ في شريعتنا، وقد اختلف في جوازه في شريعتنا هل كان في بدء الإسلام، ثم نسخ أم لا وذهب الزمخشري إلى أنه كان جائزا، ثم نسخ وأدلته مفصلة في المفصلات وقال الزمخشري: بالأوّل لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم زوّج ابنتيه من عتبة بن أبي لهب وأبي العاص بن وائل قبل الوحي وهما كافران، وقال الطيبي: الصواب أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وفي جامع الأصول هو أبو العاص بن الربيع فقوله ابن وائل خطأ رواية وزوجته زينب رضي الله عنها، وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم فلما أسر زوجها يوم بدر وفدى نفسه أخدّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً أن يعيدها إليه إذا عاد لمكة ففعل فهاجرت إلى المدينة فلما أسلم أبو العاص وهاجر ردّها صلى الله عليه وسلم إليه بغير تجديد نكاح لأنه لم يفرّق بينهما إلى أن ماتت بالمدينة سنة ثمان وفيه خلاف، وكلام كثير في شرح التقربب للعراقي. قوله: (أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه الخ) عطف على قوله كرما وهذا هو الوجه الذي أشار إليه الزمخشري بقوله ويجوز أن يكون عرض البنات عليهم مبالغة في تواضعه لهم، واظهار الشدّة امتعاضه مما أوردوا عليه طمعا في أن يستحيوا منه ويرقوا له إذا سمعوا ذلك فيتركوا له ضيوفه مع ظهور الأمر، واستقرار العلم عنده وعندهم أن لا مناكحة بينه وبينهم، ومن ثمّ قالوا لقد علمت مستشهدين بعلمه مالنا في بناتك من حق لأنك لا ترى مناكحتنا، وما هو إلا عرض سابري، قال صاحب الفرائد، وهو بعيد عن الصواب لوجهين أحدهما أن منكوحته كانت كافرة فكيف يقول لا ترى مناكحتنا، وثانيهما أنه تحريض على الزنا إذا لم تجز المناكحة فالوجه هو الأوّل، وردّ با! قوله لا ترى مناكحتنا عام أريد به خاص أي لا ترى جواز نكاحنا للمسلمات لا عكسه كما هو عندنا، ومراده الدفع لعلمه بعد القبول فلا تحريض فيه على الزنا وهو معنى عرض السابري، وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يكن له إلا بنتان، ولذا قال: في الكشف أنه كان له ربيبتان فعرضهما عليهم إذ البنتان لا تكفي جمعا كثيراً فأمر سهل لأنّ إطلاق الجمع على الاثنين كثير جداً، واعلم أنّ عرض السابري وهو الثوب الرقيق نسبة إلى سابور، وهو معرّب مغير صيغته وهو الدرع الأنيق صنعتها مثل للعرض الذي لا يبالغ فيه لأن الشيء النفيس يرغب فيه بأدنى عرض! أو يقصد به العرض! له من غير إرادة البذل، وإنما يكون لتطييب نفس أو نحوه، وما قيل إنه بكسر العين وسكون الراء أي عرضك عرض رقيق والمقصود تحقيره، والاستهانة به فخلاف الرواية والدراية وقوله لشدة امتعاضه من المعض، وهو الغضب لما يشق عليه ويكرهه منه. قوله:) المراد بالبنات نساؤهم) فالإشارة لتنزيلهم منزلة الحاض! ر عنده، والإضافة لما ذكره من الملابسة لأن كل نبيّ أب لأمته كما يشهد له قراءة ابن مسعود رضي الله عنه في تلك الآية بزيادة وهو أب لهم. قوله: (أنظف قعلاَ) ناظر إلى الوجوه كلها، واشارة إلى ما في اللواطة من الأذى والخبث الذي هو سبب الحرمة، وقوله وأقل فحشا أي قبحاً ناظر إلى الوجه الثاني، وهو ما إذا لم يكن بطريق التزوج فإنه فيه فحش أيضا إشارة إلى أن المراد بالطهارة الطهارة المعنوية وهو التنزه عن الفحش، والإثم كما أن الطيب بمعنى الحل وليس ذلك موجوداً في كل من الجانبين لكنه جعل الأقل فحشا بالنسبة إلى الأكثر كأنه سالم منه وفضل على الآخر على فرض اتصافه بذلك كما أنّ الميتة والمغصوب لا حل فيهما، ولكنه جعل الميتة لعدم تعلق حق الغير أحل منه فالصيغة مجار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 فيه فتأمله فإنه دقيق جدّأ وهذا استعمال لأفعل قريب من نمط الخل أحلى من العسل. قوله: (وقرئ أطهر بالنصب على الحال على أن من خبر بناتي الخ) هؤلاء بناتي جملة برأسها، وهن أطهر لكم جملة أخرى ويجوز أن يكون هؤلاء مبتدأ وبناتي بدل أو عطف بيان أو مبتدأ ثان وأطهر إما خبر لهؤلاء، واما لبناتي والجملة خبر الأوّل وقرأ الحسن وزيد بن عليّ وسعيد بن جبير وعيسى بن عمرو السدوسي أطهر بالنصب وخرّجت على الحال فقيل هؤلاء مبتدأ وبناتي هن جملة في محل خبره، وأطهر حال عاملها إما التنبيه أو الإشارة أو هن ضمير فصل بين الحال وصاحبها بناء على أنه وقع بين الحال وصاحبها شذوذا، كقولهم: أكثر أكلي التفاحة هي نضيجة ومنعه سيبويه رحمه الله ونقل عن أبي عمرو أنه خطأ من قرأها وقال إنه احتبى في لحنه وروي تربع في لحنه يعني أنه أخطأ خطأ فاحشا يجعله كأنه تمكن في الخطأ كالمحتبي أي العاقد للحبوة أو المتربع فهو استعارة تصريحية، أو تمثيلية أو مكنية وتخييلية بجعل اللحن كالمكان له الذي استقرّ فيه، ومن أباه خروجه على أن لكم خبرهن فلزمه تقديم الحال على عاملها المعنوي، وخرج المثال المذكور على إضمار كان وخرجه غيره على الوجه الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (على أن من خبر بناتي) أي وهؤلاء إما مبتدأ خبره هذه الجملة أو منصوب بفعل محذوف أي خذ هؤلاء، ومثاله ظاهر في الأوّل، وقيل: هؤلاء مبتدأ وبناتي بدل منه أو عطف بيان وهن خبره وقس عليه المثال، وما قيل إنه لا طائل فيه معنى يدفع بأن المقصود بالإفادة الحال كقولك هذا أبوك عطوفا. قوله: الا فصل الما عرفت أنه لا يتوسط بين الحال وصاحبها، وإنما يكون بين المسند والمسند إليه كما بينه النحاة، وفي المغني أنّ الأخفش رحمه الله تعالى أجازه كجاء زيد هو ضاحكا وجعل منه هذه الآية ولحن أبو عمرو من قرأها، وقد خرجت على أن هؤلاء بناتي جملة وهن إما تأكيد لضمير مستتر في الخبر أو مبتدأ، ولكم الخبر وعليهما فأطهر حال قال: وفيهما نظر أما الأوّل فلأن بناتي جامد لا يتحمل ضميرا عند البصريين، وأما الثاني فلأنّ الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم وأجيب عنهما بأنها مؤوّلة بمولود أتى أو على مذهب الكوفيين فتأمل. قوله:) بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم (الثاني ناظر إلى الوجه الأوّل في هؤلاء بناتي والأوّل للوجوه كلها، ولا تخزون نهي مجزوم بحذف النون والياء محذوفة اكتفاء بالكسرة وقرئ بإثباتها على الأصل، وخزي لحقه انكسار إما من نفسه، وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية ورجل خزيان وامرأة خزيي وجمعه خزايا، وأما من غيره وهو الاستخفاف والتفضيح ومصدره الخزي كذا قال الراغب وإليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (يهدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح) يرعوي بمعنى ينكف يعني ليس فيكم من يكف الغير ولا يكف نفسه إن كانت النسخة يهدي فإن كانت- يهتدي فالمعنى ليس منكم من يفعل الحسن، ويترك القبيح وهي المصححة في النسخ وهذا الاستفهام للتعجب وحمله على الحقيقة لا يناسب المقام. قوله: (من حاجة) الحق يطلق على خلاف الباطل وعلى أخذ الحقوق لفهو إن كان بالمعنى الأوّل فالمراد به النكاح أي مالنا في بناتك نكاح حق لأنك لا ترى مناكحتنا أو النكاج الحق عندنا نكاح الذكران، وان كان الثاني فالمراد به قضاء الشهوة وهو الذي عناه المصنف رحمه الله تعالى بقوله حاجة ويجوز أن يكونوا قالوه على وجه الطنز والخلاعة، ولم يرتض المصنف رحمه الله بالوجه الأوّل لبعده لا لأنه لا يناسب المعنى كما توهم لأنّ مناسبته للمعاني إلا خروجه لذكره، ولذا تعرّض له الزمخشريّ، وقوله وهو إتجان الذكران ومنهم الضيفان. قوله: (لو أنّ لي بكم قوّة) إي لو ثبت أنّ لي قوة ملتبسة بكم بالفقاومة على دفعكم وفسره بقوّته في نفسه، وان كان مطلقا لدلالة مقابله لأنّ استناده واعتماده على الركن ليدفع به، وقوله: " رحم الله أخي لوطاً صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه والمرادة بالأخوّة إخوّة النبوّة وهو استغراب له لأنه لا أشد من ركنه: إذا كان غير الله للمرء عدة أتته الرزايا من وجوه الفوائد وقوله شبهه الخ إشارة إلى أنه استعارة شبه المعين بركن الجبل يعني جانبه. قوله: (وقرئ أو آوى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 بالنصب الخ الو هنا شرطية جوابها محذوف أي لدفعتكم، وليست للتمني ولا مانع منه، وقراءة النصب في آوى على أنه معطوف على قوّة كقوله: للبس عباءة وتقرّ عيني وأويا بضم الهمزة وكسر الواو وتشديد الياء مصدر أوى وأصله على ورن فعول فأعل، ونقل فيه كسر الهمزة وقد يعطف في قراءة الرفع على قوّة أيضاً بأن يكون أن آوى فلما حذفت أخرجه البخاري 3272- 4537- 4694 ومسلم 1 5 1- 238 وابن ماجه 06 42 واحمد 2 / 326 والطبري في جامع البيان 5974- 0 1940 والبغوي 63 في شرح السنة كلهم من حديث أبي هريرة. أي ارتفع، وقيل: أو بمعنى بل ولم يجعل بمعنى إلى لأنه غير مناسب معنى لأنه على التنزل من قوّة نفسه إلى نصرة الغير. قوله: (فتسوّروا الجدار) أي علوه ونزلوا منه، والكرب الحزن والخوف وجعل قوله قالوا في النظم مقدراً في كلامه للاقتباس كما مرّ وقوله لن يصلوا إلى إضرارك الخ فسر. به لأنه مقتضى المقام، وقوله: فضرب جبريل عليه السلام بجناحه أي فعاد إلى صورته الملكية فضرب الخأ ا (فالفاء فصيحة، وقيل إنه مسح بيده وجوههم فعموا من غير عود إلى صورته الأصلية، وقوله: وأعماهم عطف تفسيري، وقوله: النجاء النجاء أي انجوا بأنفسكم وهو مصدر منصوب بفعل مضمر وتكراره للتأكيد، وهو ممدود ومقصور. قوله: (بالقطع من الإسراء) وقراءة نافع وابن كثير بهمزة الوصل والباقين بالقطع فإنه يقال سرى وأسرى وهما بمعنى واحد وهو قول أبي عبيد، وقيل أسرى لأوّل الليل وسرى لآخره، وهو قول الليث وسار قيل إنه مخصوص بالنهار، وليس مقلوب سرى والسرى بضم السين مصدر سري، وباء بأهلك للملابسة أو التعدية، وفسر القطع بطائفة من الليل، وقيل من ظلمته وقيل في آخر.. قوله: (ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه (بالمعنى الثاني هو المشهور الحقيقي، وأما الأوّل فلأنه يقال لفته عن الأمر إذا صرفته عنه فالتفت أي انصرف، والتخلف انصراف عن المسير قال تعالى: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} أي تصرفنا كذا قاله الراغب: وفي الأساس إنه معنى مجازي. قوله: (والنهي في اللفظ لآحد الخ) هذا منقول عن المبرد يعني أن معناه لا تدع أحداً منهم يلتفت كقولك لخادمك لا يقم أحد النهي لأحد، وهو في الحقيقة للخادم أن لا يدع أحدا يقوم فالمعنى لا تدع أحدا يلتفت إلا امرأتك فدعها تلتفت، وبهذا تمت المناسبة بينه وبين المعطوف عليه لأنه لأمره، وهذا لنهيه، وهو دفع لما أورده أبو عبيد من أنه يلزم أنهم نهوا عن الالتفات إلا أمر أنه فإنها لم تنه عنه وهو لا يستقيم، ولو كانت نافية والفعل مرفوعا استقام قيل وفيه إنّ المحذور وارد على هذا هو أو ما يقرب مته، وفيه نظر فإنه لا محذور هنا حتى يحتاج إلى دفعه فتأمّل، ومن لم يقف على هذا قال لو قال والنهي للوط صلى الله عليه وسلم ومن معه كان أولى (وهاهنا لطيفة) وهو أنّ المتأخرين من أهل البديع اخترعوا نوعا من البديع سموه تسمية النوع، وهو أن يؤتى بشيء من البديع ويذكر اسمه على سبيل التورية كقوله في البديعية في الاستخدام: واستخدموا العين مني فهي جارية وكم سمحت بها في يوم بينهم وتبجحوا باختراعه (وأنا بمن الله أقول) أنه وقع في القرآن في هذه الآية لأنّ قوله فأسر بأهلك بقطع من الليل، ولا يلتفت منكم أحد وقع فيه ضمير منكم للأهل فهو التفات فقوله لا يلتفت من تسمية النوع، وهذا من بديع النكات ثم إني وجدت منه قوله تعالى: {مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [سررة يوسف، الآية: 75] وفي سورة يوسف فإنّ فهو جزاؤ. جزاء من الشرطية، وقد ذكر أنه جزاء ومنه قوله تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [سورة الرعد، الآية: 17] إلى قوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ} [سورة الرعد، الآية: 117. قوله: (استثناء من قوله فأسر بأهلك ويدل عليه الخ) هذا ردّ لقول الزمخشري في توجيه قراءتي الرفع والنصب بأنه استثناها من قوله فأسر بأهلك، والدليل عليه قراءة عبد الذ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك، ويجوز أن ينتصب عن لا يلتفت على أصل الاستثناء، وإن كان الفصيح هو البدل أعني قراءة من قرأ بالرفع فأبدلها من أحد، وفي إخراجها مع أهله روايتان روي أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي فلما سمعت عذة العذاب التفتت، وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها، وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإنّ هواها إليهم فلم يسر بها واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين، اهـ ورده ابن الحاجب بأنه باطل لأنّ القراءتين ثابتتان قطعاً فيمتنع حملهما على وجهين أحدهما باطل قطعا، والقصة واحدة فهو إمّا أن يسري بها أو لا فان كان قد سرى بها فليس مستثنى إلا من قوله ولا يلتفت، وان كان ما سرى بها فهو مستثنى من قوله فأسر بأهلك فقد ثبت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 إن أحد التأويلين باطل قطعاً فلا يصار إليه في إحدى القراءتين الثابتتين فالأولى أن يكون إلا امرأتك في الرفع، والنصب مثل ما فعلوه إلا قليل منهم، ولا يبعد أن يكون بعض القرّاء على الوجه الأقوى، وأكثرهم على وجه مرجوح بل جوّز بعضم أن يتفق القرّاء على القراءة بغير الأقوى، وأجاب عنه بعض فضلاء المغرب بأنه يمكن حمله على أنه لا تخالف بين الروايتين بأن يكون ما سرى بها، وخلفها لكنها سرت بنفسها وتبعتهم فعلى تقدير صحة هذا لا تدخل في المخاطبين بقوله، ولا يلتفت منكم لكن ابن مالك نقل هذا في توضيحه، وقال: إنه تكلف ولا شبهة فيه، وإن استحسنه المعربون وغيرهم وارتضاه أبو شامة وقال إن فيه اختصارا وأصله فإن خرجت معكم، وتبعتكم من غير أن تكون أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصاب قومها ضكانت قراءة النصب دالة على مجموع المعنى المراد، وارتضاه الشارح المدقق في الكشف، وتممه بدفع ما يرد على الكشاف من أنه يلزم من قوله واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين الشك في كلام لا ريب فيه من رب العالمين بأنّ معناه أنّ اختلاف القراءتين جالب، وسبب لاختلاف الروايتين كما تقول السلاج للغزو أي أداة وصالح، ونحوهما ولم يرد أنّ اختلاف القراءتين قد حصل، ولا شك أنّ كل رواية تناسب قراءة وهذا ما أمكنني في تصحيحه، وأورد عليه أنه مع بعده فيه أنه تنقلب حينئذ الرواية دراية لاتحادهما من ظاهر القراءة وأيضاً فيه التزام استلزام اختلاف الروايتين أمراً محذوراً هو الجمع بين متنافيين، وكلاهما غير وارد فتأمّل، وقال في المغني الذي أجزم به أنّ قراءة الأكثرين ليست مرجوحة، وأنّ الاستثناء على القراءتين من أسر بدليل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، وأن الاستثناء منقطع بدليل سقوط، ولا يلتفت في سورة الحجر والمراد بالأهل المؤمنون وان لم يكونوا من أهل بيته كما في قوله لنوج صلى الله عليه وسلم إنه ليس من أهلك ووجه الرفع أنه مبتدأ أو الجملة بعده خبره كقوله: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ} [سورة الغاشية، الآية: 23] إلا أنه جعل النصب على اللغة الحجازية والرفع على التميمية، ولم يجعل المستثنى جملة، وهو أولى ليكون الرفع على اللغتين لضعف اللغة التميمية والمعنى أسر بالمؤمنين لكن امرأتك مصيبها ما أصابهم، وهو وجه حسن وذهب الرضي إلى أنّ الاستثناء متصل ولا تناقض قال: لما تقرّر أن الاتباع هو الوجه مع الشرائط المذكورة ولما كان أكثر القرّار على النصب هنا تكلف الزمخشري له ما مرّ فاعترض عليه ابن الحاجب بما قرّرناه، والجواب أن الإسراء وان كان مطلقاً في الظاهر إلا أنه مقيد في المعنى بعدم الالتفات فمآله أسر بأهلك إسراء لا التفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراء مع الالتفات فاستثن على هذا إن شئت من أسر أو لا يلتفت، ولا تناقض، وهذا كما تقول امش ولا تتبختر أي امش مشيا لا تتبختر فيه فكأنه قيل ولا يلتفت منكم أحد في الإسراء وكذا امش ولا تتبختر في المشي فحذف الجاز والمجرور للعلم به، وقد ذكر مثله بعينه الفاضل اليمني، وفي شرح المغني أنه كثير إما يأخذ كلام الرضي بعبارته كما يعرفه من تتبع كلامه وقد أورد عليه السيد قدس سرّه في حواشيه أنّ الاستثناء إذا رجع إلى القيد كان المعنى فأسر بجميع أهلك إسراء لا التفات فيه إلا من امرأتك فيكون الإسراء بها داخلا في المأمور به وإذا رجع إلى المقيد لم يكن الإسراء داخلاً في المأمور به فيكون المحذور باقيا بحاله ولا دفع له إلا بأن تناول العامّ إياها ليس قطعياً لجواز أن يكون مخصوصا فلا يلزم من رجوع الاستثناء إلى قوله فلا يلتفت كونه مأمورأ بالإسراء بها، وحينئذ يوجه الاستثناء بما ذكر من أنها تبعتهم أو أسري بها مع كونه غير مأمور بذلك إذ لا يلزم من عدم الأمر به النهي عنه فتأمّل اهـ (وفيه بحث) لأنّ قوله وإذا رجع إلى المقيد الخ إن أراد به أنه ر* يكون داخلآ في المأمور به مطلقا فليس بصحيح لتقيده بالقيد المذكور وان أراد لا يدخل في الصأمور به المقيد فلا ضرر فيه لأنه إذا أمر بالإسراء مع التفاتهم، وأخرجت المرأة من مجموع الإسراء فالالتفات لا ينافي ذلك الأمر بالإسراء بها من غير التفات فتأمّله فإنه غير وارد مع أن احتمال التخصيص من غير دليل لا وجه له ومراده بالتقييد إنه ذكر شيآن متعاطفان فالظاهر أن المراد الجمع بينهما لا إن الجملة حالية فلا يرد عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 أنّ الحمل على التقييد مع أنّ الواو للنسق ممنوع وكذا جعلها للحال مع لا الناهية وأيضا القراءة بإسقاطها تدل على عدم اعتب ر ذلك التقييد فتأمل فقول المصنف رحمه الله تعالى استثناء من قوله فأسر أي على سبيل الجواز لا القطع لما سيأتي، وقوله ويدل عليه الخ فإنه متعين في هذه وهو تأسيس للاستثناء من الأبعد مع وجود الأقرب، وقوله ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو هذا هو الصحيح، وما وقع في نسخة ونافع سهو فإنه لم يقرأ إلا بالنصب والمناقضة للزوم كون المرأة مسرى بها وغير مسري، وهو إشارة إلى اعتراض ابن الحاجب، وقد مز الكلام فيه وقوله لا يجوز حمل القوأءتين الخ ردّ للزمخشري كما مرّ وقوله ولا يبعد جواب عن سؤال مرّ دفعه، وغير الأفصح هو النصب في كلام غير موجب، وقوله ولا يلزم الخ أي لا يلزم من استثنائها من لا يلتفت أمرها بالالتفات، وهو رذ لقول جار الله وأمر أن لا يلتفت أحد منهم إلا هي وقد أجاب عنه في الكشف بأنه نقل للرواية لا تفسير للفظ القرآن، وإنما الكائن منه استثناؤها عن النهي وقوله استصلاحاً تعليل للنهي أي نهيها وغيرها ممن ينهي لطلب صلاحه بعدم الهلاك، وقوله: ولذلك علله إفادت للتعليل مر بيانها مرارا وذلك إشارة إلى عدم النهي لا لأمرها بالالتفات فإنه لا يصلح له وقوله علله أي علل استثناء امرأته. قوله: (ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعاً على قراءة الرفع) قيل إنه إشارة إلى الرذ على من دفع المنافاة بجعل الاستثناء منقطعاً بتقدير لكن امرأتك يجري لها كيت وكيت إذ لا يبقى حينئذ ارتباط لقوله إنه مصيبها ما أصابهم، وأمّا على تقدير الاتصال فيكون تعليلا له على طريقة الاستئناف، وهو سهو لما قرّرناه ولما ستراه، واعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأنه لا مانع من جعله منقطعا على لغة تميم كما مرّ عن أبي شامة أو على غيرها كما في المغني، وأمّا قول أبي حيان في رده بأنه إذا لم يقصد إخراجها عن المنهيين عن الالتفات، وكان المعنى لكن امرأتك يجري عليها كذا وكذا كان من الاستثناء الذي لا يتوجه إليه العامل، ويجب نصبه بالإجماع، وإنما الخلاف في المنقطع الذي يمكن توجه العامل إليه فقد ردّ بأنّ ابن مالك قال في التوضيح حق المستثنى بالأمن كلام تامّ موجب مفرداً كان أو مكملا معنى بما بعده كقوله تعالى: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [سورة الحجر، الآية: 60] النصب ولا يعرف أكثر المتأخريت من البصحريين في هذا إلا النصب، وقد غفلوا عن ورود مرفوعاً بالابتداء ثابت الخبر محذوفه فالأوّل كقول أبي قتادة رضي الله عنه أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم قالا بمعنى لكن وما بعده مبتدأ وخبر، ومن الثاني لا تدري نفس بأقي أرض تموت إلا الله أي لكن الله يعلم اهـ، وما نحن فيه من هذا القبيل، وقد رذ كلام أبي حيان رحمه الله تعالى أيضا بأن ما ذكره النحاة في نحو قولهم ما زاد المال إلا ما نقص، وهو مسألة أخرى. قوله: (كأنه علة الأمر بالإسراء (هذا يناسب تفسيره بالسرى في أوّل الليل روي أنه سألهم عن وقت هلاكهم فقالوا موعده الصبح فقال أريد أسرع من ذلك فقالوا له أليس الصبح بقريب، وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله جواب لاستعجال لوط عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أنه ذكر ليتعجل في السير. قوله: (عذابنا أو أمرنا به) على الأوّل الأمر واحد الأمور وعلى الثاني واحد الأوامر، ونسبة المجيء إلى الأمر بالمعنيين مجازية والمراد لما حان وقوعه، ولا حاجة إلى تقدير الوقت مع دلالة لما عليه وقيل إنه يقدر على الثاني أي جاء وقت أمرنا لأن الأمر نفسه ورد قبله والمأمور به قوله: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} وأمّا اذعاء تكرار الأمر بأن يقال افعلوا الآن فنحن في غنى عنه. قوله:) ويؤيده الأصل (يعني يؤيد أنّ المراد بالأمر ضد النهي أنه الأصل فيه لأنه مصدر أمره، وأفا كونه بمعنى العذاب فيخرجه عن المصدرية الأصلية، وعن معناه المشهور والأصل يستعمل في كلامهم بمعنى الكثير الأغلب فلا يرد عليه أنه يقتضي أنه في المعنى الآخر ليس بحقيقة وجعل التعذيب معطوف على الأصل فإنه نفس إيقاع العذاب فلا يحسن جعله مسببآ عنه بل العكس أولى إلا أن يؤوّل المجيء بإرادته، وقوله فإنه جواب لما تعليل للسببية وقوله وكان حقه الخ كلام آخر. قوله: (فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب) بكسر الباء اسم فاعل أي موجد الأسباب وخالقها فالإسناد إليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 مجاز باعتبار اللغة وإن كان هو الفاعل الحقيقي وكونه مسبباً شامل لكونه أمرآ أيضا، وبين نكتة الإسناد إليه بأنّ تعظيم ذلك الأمر، وتهويله لا! ما يتولاه العظيم من الأمور فهو عظيم، ويقوي هذا ضمير العظمة أيضا. قوله:) فإنه روي الخ) 11 (تعليل لقوله، وكان حقه الخ والديكة بكسر الدال المهملة وفتح الياء جمع ديك، وفسر الضمير المؤنث بالمدن لأنها معلومة من السياق، وقوله أو على شذاذها بضم الشين المعجمة والذالين المعجمتين المشددة أولاهما جمع شاذ وهو المنفرد، والمراد من كان خارج المدن منهم لأنه روي أنّ رجلاً منهم كان في الحرم فبقي حجره معلقا بالهواء حتى خرج منه فوقع عليه، وأهلكه وتأنيث الضمير لأنه بمعنى الطائفة الشاذة يريد أن الأمطار إمّا على المدن أو على من خرج منها منهم. قوله: (من طين متحجر) أي ياب! مكتنز كالحجارة لقوله في الآية حجارة من طين، والقرآن يفسر بعضه بعضاً ويتعين إرجاع بعضه لبعض في قصة واحدة، وهو معزب فارسيته سنككل أي حجارة ووقع في بعض النسخ سنكيل فإن لم يكن غير قبل التعريب فهو تحريف. قوله: (وقيل إنه من اسجله إذا أرسله الخ (إن كان المراد بالإرسال مطلق الإنزال والإطلاق فلا يحتاج إلى من في النظم ولا في مثل في عبارة المصنف رحمه الله تعالى وان كان المراد به صب الماء، والمطر كما فسر به الراغب كقوله: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء} [سورة الأنعام، الآية: 60] أو إدلاء الدلو في البئر كما في بعض التفاسير فهو ظاهر، والمعنى حجارة كائنة من مثل ذلك، وهو مراد المصنف رحمه الله تعالى وعلى كونه بمعنى العطية فهو تهكم كبشرناهم بعذاب، وقوله السجل بتشديد اللام، وهو الصك ومعنى كونه من السجل أنه كتب عليهم العذاب، وقيل إنه كتب عليه أسماؤهم. قوله: (وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت لامه نوناً (كذا وقع في النسخ، وكان الظاهر أبدلت نونه لاما وادّعاء القلب فيه ركيك فلذا قيل إن نونا منصوب بنزع الخافض، وأصله أبدلت لامه من النون، وهو من عناية القاضي، ووقع في نسخة على الأصل وسجين جهنم، وقيل إنه واد فيها. قوله: (نضد معدّاً لعذابهم) أي وضع بعضه على بعض معداً ومهيأ لعذابهم، والمراد الكثرة أو تتابع كالخرز المنظوم أو الصق حتى صار كالحجارة، وقوله معلمة بزنة المفعول من الإعلام وهو وضع العلامة قال السدي: كان عليها مثال ختم كالطين المختوم، وقوله: وقيل معلمة ببياض وحمرة منقول عن الحسن رحمه الله تعالى والسيما مقصور العلامة وذكر ضميره وكان الظاهر تأنيثه لتأويله بشيء يتميز به، ومنضود نعت سجيل وجوّز كونه وصف حجارة وهو تكلف، وقوله: في خزائنه أي فيما غيبه عنا. قوله: (حقيق بأن تمطر عليهم) أفرد حقيقا لكونه على وزن فعيل أو لأن أن تمطر فاعله والباء زائدة فيه، وقوله: وفيه وعيد لكل ظالم لاشتراكهم في سبب نزول العذاب فهي عامّة، وعلى ما ذكر في الحديث خاص بهذه الأمة وعلى الوجه الأخير خاص بقوم لوط عليه الصلاة والسلام فالوجوه ثلاثة، وقوله يعني الضمير دئه، وقوله وهو بعرض! حجر بضم العين المهملة وسكون الراء المهملة والضاد المعجمة أي مستعد ومعرّض له من قولهم هو عرضة للوائم، وقوله وقيل الضمير للقرى أي هي وعلى ما قبله هو للحجارة يعني أنّ القرى بمنظر منهم فليعتبروا بها والحديث المذكور قال العراقي رحمه الله تعالى: ذكره الثعلبي ولم أقف له على إسناد. قوله: (وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان) هذا ناظر إلى الوجهين في مرجع الضمير فإن كان للحجارة فتذكيره لأنها بمعنى الحجر، المراد به الجنس، وان كان للقرى فبتأويل مكان بعيد. قوله: (أراد أولاد مدين) يعني أنّ مدين إمّا اسم القوم المرسل إليهم شعيب عليه الصلاة والسلام سموا باسم أبيهم كمضر وتميم أو اسم مدينة فيقدر مضاف أي أهل مدين على الوجه الثاني دون الأوّل، وان احتمل تقديره وهو أولاده. قوله: (أمرهم بالتوحيد أوّلاً الخ) وهكذا جرت القصص بالأمر بالتوحيد أوّلاً ثم النهي عما عرف فيهم والتوحيد من قوله اعبدوا الله كما مرّ فإن عبادته تستلزم توحيده، إذ لا يعتد بها مع الشرك، أو من قوله حالكم من إله غيره وكان قومه مشركين، وقوله ما لكم من إله غيره تعليل للأمر بالعبادة، وقوله عما اعتادوه يعني ليس تهيأ قبل الوقوع، فإنّ النهي عن الشيء لا يقتضي وجوده، والتعاوض! تفاعل من العوض، وحكمة التعارض إيصال الحقوق لأصحابها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 قوله: (بسعة تغنيكم عن البخس!) السعة بكسر السين وفتحها اتساع الرزق والغنى، والبخس النقص والهضم فالمراد بالخير الغنى الذي لا يحتاج معه إلى تنقيص الحقوق أو النعمة التي ينبغي شكرها، ومن جملة الشكر التفضل على الغير وأجل شكر النعم الإحسان فبخس الحقوق تعكيس لمقتضى النعم، وقوله وهو في الجملة أي على الوجوه الثلاثة والخير له معنيان والثالث كالأول لكن المقصود منه يختلف. قوله: (لا يشذ منه أحد) أي لا يخرج منه ويسلم لأنّ إحاطة اليوم تكون بإحاطة ما فيه، وشموله أو هو استعارة للإهلاك كما مرّ وسيأتي. قوله: (وتوصيف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب الخ) يعني أنّ المراد في الحقيقة إحاطة العذاب، وشموله فهو صفة له ولذا جعله بعضهم صفة عذاب لكنه جرّ للمجاورة فوصف به اليوم لاشتماله عليه بوقوعه فيه فهو مجاز في الإسناد كنهاره صائم، وفي الكشاف إنّ وصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب بها لأنّ اليوم زمان يشتمل على الحوادث فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه، قال العلامة: يعني أنّ اليوم زمان جميع الحوادث فيوم العذاب زمان جميع أنواع العذاب الواقعة فيه فإذا كان محيطاً بالمعذب فقد اجتمع أنواع العذاب له كما جمع الشاعر الأوصأف: في قبة ضربت على ابن الحشرج فوقوع العذاب في اليوم كوجود الأوصاف في القبة وجعله اليوم محيطاً بالمعذب كضرب القبة على الممدوج فكما أنّ هذا كناية عن ثبوت الأوصاف له كذلك ذاك كناية عن ثبوت أنواع العذاب للمعذب، وأمّا وصف العذاب بالإحاطة فهو استعارة الإحاطة لاشتماله على المعذب فكما أن المحيط لا يفوته شيء من أجزاء المحاط لا يفوت العذاب شيء من أجزاء المعذب فهذه استعارة تفيد أن العذاب لكل المعذب، وتلك كناية تفيد أن كل العذاب له فهي أبلغ والمصنف رحمه الله تعالى كلامه مخالف له، ولك أن تتكلف تنزيله عليه. قوله: (صرّح بالأمر بالإيفاء الخ (يعني أنّ النهي عن النقصان أمر بالإيفاء فما الداعي لذكره ووجهه أنه لا يتحقق الانتهاء المطلوب دون الإيفاء فيكون مطلوبا تبعا، وهذا مسلم على المذاهب جعل النهي عن الشيء عين الأمر بالضد أو مستلزماً له ضمنا، أو التزاماً وذلك لأن خلافهم في مقتضى اللفظ لا أنّ التحريم أو الوجوب ينفك عن مقابلة الضدّ وذكر في الكشاف لذكره فوائد كالنعي بما كانوا عليه من القبيح مبالغة في الكف، ثم الأمر بالضد مبالغة في الترغيب واشعاراً بأنه مطلوب أصالة، وتبعاً مع الإشعار بتبعية الكف عكسأ وتقييده بالقسط قصراً على ما هو الواجب، ثيم إدماج إنّ المطلوب من الإيفاء القسط، ولهذا قد يكون الفضل محزما في الربويات، وما قيل إن النهي عن نقص حجم المكيال وصفحات الميزان والأمر بإيفاء المكيال، والميزان حقهما بأن لا ينقص في الكيل أو الوزن وهذا الأمر بعد مساواة المكيال، والميزان للمعهود فلا تكرار كيف، ولو كان تكريراً للتأكيد والمبالغة لم يكن موضع الواو لكمال الاتصال بين الجملتين فليس بوارد، أمّا الأوّل فلأنّ المكيال والميزان شاع فيما يكال ويوزن به حتى صار كالحقيقة مع أنّ اللفظ واحد فيهما فحمله في أحد الموضعين على أحد معنيين متغايرين خلاف الظاهر، وأمّا التكرار الذي هرب منه ففي ضمنه من الفوائد ما جعله أقوى من التأسيس، وأمّا العطف فيه فلأنه لاختلاف المقاصد فيهما جعلا كالمتغايرين فحسن العطف وقد صرّج به أهل المعاني في قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 50] . قوله: (مبالغة) أي في الترغيب، والزيادة التي لا يتأتى الإيفاء بدونها لازمة لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به واجب فلا ينافي قوله من غير زيادة ولا نقصان، وقوله فإنّ الازدياد إيفاء أي زيادة على الوفاء المأمور به، وكان عليه أن يعبر بما هو أظهر منه، وقوله وقد يكون محظوراً أي ممنوعا كما في الربويات. قوله: (تعميم بعد تخصيص) أي بعد ما ذكر المكيل والموزون أتى بهذا تذييلا، وتتميما له لشموله الجودة والرداءة وغير المكيل والموزون، وقوله فإنّ العثو يعمّ تنقيص الحقوق وغيره بالنصب على تنقيص لأنه مطلق الفساد، وفعله من باب رمي وسعي ورضي. قوله: (وقيل المراد الخ (عطف على قوله تعميم بعد تخصيص فإنه حينئذ لا يكون كذلك، وقوله: كأخذ العشور عاي المخالف للشرع، وكذا أخذ السمسار ما لا يرضى به، وقوله والعثو بالرفع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 عطف على قوله المراد داخل تحت القيل أو مجرور معطوف على البخس، قيل: وجعله واويا وجار الله جعله يائيا، وكتب اللغة تساعده (قلت أليس كما قال: فإنه واوي، ويائيّ قال الراغب: في مفرداته العثي والعيث يتقاربان كالجذب والجبذ إلا أن العيث أكثر في الفساد الذي يحس، ويقال عثى يعثي عثياً وعثا يعثو عثواً انتهى، والغارة النهب. قوله: (وفائدة الحال) يعني فائدة قوله مفسدين على الوجهين فهي حال مؤسسة، وما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام قتل الغلام وخرق السفينة. قوله: (وقيل معناه) عطف بحسب المعنى على قوله، وفائدة لأنه مبنيّ على اتحاد العثو والإفساد، وتأويله بما مرّ وهذا مبنيئ على تغايرهما فإن العثو في الأرض، والأموال والإفساد للدين والآخرة، ومآله إلى تعليل النهي أي لا تفسدوا في الأرض! فإنه مفسد لدينكم، وآخرتكم وتفسير البقية والخيرية بما ذكره لمقتضى المقام. قوله: (فإنّ خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة) عن النار والخلود فيها يعني أنه لا بقية باجتنابهم ما نهوا عنه إن لم يؤمنوا لعدم سلامتهم من العذاب فلا يرد أنّ الكفرة يسلمون بانتهائهم عن تبعة ما نهوا عنه، ولذا حمل الإيمان على التصديق بما قاله لكنه يقتضي انتفاء الثواب على ما فعله من اعتقد أنه لا ثواب له فيه، وجزاء الشرط مقدر يدل عليه ما قبله على الصحيح، وإذا فسرت البقية بالأعمال فاشتراط الإيمان فيها ظاهر وقراءة تقية بالتاء المثناة الفوقية قراءة الحسن رحمه الله تعالى. قوله:) أحفظكم عن القبائح الخ) المقصود بيان أنه بالغ في نصحهم، وقوله لست بحافظ يناسب المعنى الثالث في أراكم بخير. قوله: (أجابوا به أمرهم) هو مصدر مضاف للمفعول، وهذا هو الصحيح المناسب لقوله، وهو جواب النهي، وفي نسخة أجابوا به بعد أمرهم، وهي بمعناها لأنّ الجواب بعد كلام يكون له أيضا. قوله: (على الاستهزاء والتهكم الخ (الصلاة، وان جاز أن يكون أمرها على طريق المجاز لكنهم قصدوا الحقيقة تهكماً، وأنه لا يأمر بمثله العقلاء وأمّا في مثله في غير هذا فيجوز أن يكون إسناداً مجازيا لأنها سبب لترك المنهيات فكأنها محصلة لها أو على الاستعارة المكنية كأنها شخص آمرناه. قوله: (والإشعار بأنّ مثله لا يدعو إليه داع عقلئ (عطف على التهكم لبيان وجه التهكم، وقوله: من جنس قيل إنه بتقدير مضاف أي جنس داعي ما يواظب عليه لأنّ الوساوس ليست من جنسها، وقيل إنه أطلق الوسوسة على أثرها لخفائها، وظهوره وهو كثير شائع والمواظبة مأخوذة من جمع الصلاة، والإضافة إليه، ثم الإخبار بالمضارع ليدل على العموم بحسب الأزمان كذا في شرح الكشاف، وجعل المصنف المواظبة وكثرة الصلاة مستفادة من الخارج، وجعله نكتة للجمع والتخصيص! بالذكر. قوله: (بتكليف أن نترك قحذف المضاف الخ (أي حذف المضاف، وهو تكليف وأصله تكليفك أن نترك فلما حذف دخل الجارّ على أن وحذفه قبلها مطرد فلذا لم يذكره، والمعنى أن صلاته كأنها تقول له كلفهم تركها، والتكليف فعله فقد أمرته بفعله لا بفعل غيره لأنه لا يقدر عليه حتى يؤمر به والترك فعل الكفار، وقوله بفعل غيره إشارة إلى أنّ المراد بالترك كف النفس، وهو فعل لا عدم فإنه لا يدخل تحت التكليف، فما قيل إنه من حذف الجارّ مع مجروره، وهو تكلف لا وجه له، وكذا قوله في الانتصاف إنه رمز خفيّ إلى الاعتزال لأنّ التكاليف كلها بما خلقه الله، وفعله فهو مكلف بفعل غيره لأن التقدير ليس بناء على القاعدة المذكورة بل لأنّ عرف التخاطب في مثله يقتضي ذلك كما اعترف هو به، وقيل: إنه قد لا يقدر المضاف لنكتة، وهو المبالغة بادعاء أنه مأمور بأفعالهم فتأمّل. قوله: (عطف على ما) سواء كانت موصولة أو مصدرية ولم يجعله على قراءة النون معطوفا على أن نترك لاستحالة المعنى إذ يصير معناه تأمرك بفعلنا في أموالنا ما نشاء، وهم منهيون عنه لا مأمورون بخلافه على قراءة التاء، وقوله وأن نترك إشارة إلى أنّ أو بمعنى الواو لأنها للتنويع واختيرت على الواو لتقابل الفعل، والترك في الجملة وقوله وقرئ بالتاء فيهما أي في نفعل ونشاء، وإذا عطف على أن نترك لا يحتاج إلى تقدير مضاف لأنه فعله والعطف في الحقيقة على المضاف المحذوف لكن لما كان غير مذكور، وهذا قائم مقامه جعل العطف عليه كما سيأتي نظيره، وقوله وهو جواب النهي أي قوله أن نفعل على القراءتين جواب معنويّ عن النهي السابق: في قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 ولا تنقصوا الخ، وقوله وقيل الخ أي هو قص أطرافها والقطع منها كما وقع في زماننا هذا ولم يرضه لعدم مناسبة السياق، وما يدل عليه والحاصل أنّ فيها ثلاث قرا آت بالنون في الجميع، وبتاء في الأخيرين وبنون وتاء فيهما وما عدا الأولى شاذ ففي الأوّل هو معطوف على مفعول نترك، وهو ما موصولة أو مصدرية والتقدير أصل! اتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو نترك أن نفعل في أموالنا تطفيفا ونحوه ولا يصح أن يعطف على غيره وعلى قراءة التاء معطوف على مفعول نترك أو تأمر، ومن قرأ بنون وتاء فهو معطوف على مفعول تأمر. قوله: (تهكموا به) فيكون المراد ضد معناه على طريقة الاستعارة التهكمية أو المراد به ظاهره، وهو علة للإنكار السابق المأخوذ من الاستفهام بأنه كان موصوفاً عندهم بالحلم، والرشد المانع من صدور مثل ذلك كما مرّ في قصة صالح عليه الصلاة والسلام من قولهم له: {قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} [سورة هود، الآية: 62] بدليل أنه عقيب بمثل ما عقب به ذلك من قوله: {أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً} الخ ولذا رجح هذا الوجه على الأوّل وان كان الأوّل أنسب بما قبله لأنه تهكم أيضا. قوله:) إشارة إلى ما آتاه الله من العلم الخ) قد مرّ تفسير البينة بالحجة والبرهان والنبوّة أيضا، وحملها هنا على العلم والنبوّة والمراد بالعلم علمه بالله وتوحيده وفسرت بالحجة الواضحة واليقين، وفسر الرزق الحسن بالمالط الحلال، وجوّرّ الزمخشري أن يراد به النبوّة والحكمة لتفسيره البينة بما مرّ والفرق بينهما أمر يسير، وقوله المال الحلال المكتسب بلا بخس، وتطفيف كما في الكشاف وهو مناسب للمقام. قوله: (وجواب الشرط محذوف الخ (قال أبو حيان: الذي قاله النحاة في أمثاله أنه يقدر الجملة الاستفهامية على أنها مفعول ثان لأرأيتم المضمنة معنى أخبروني المتعذية لمفعولين، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية نحو أرأيتك ما صنعت، وجواب الئرط ما يدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها، والتقدير إن كنت على بينة من ربي فأخبروني هل يسع الخ ولزوم هذا التقدير محل كلام. قوله: (مع هذا الآنعام الجامع للسعادات الروحانية (وهي العلم والجسمانية الرزق الحلال، والخيانة في الوحي عدم تبليغه، وقوله وأخالفه في بعض النسخ فأخالفه بدخول الفاء على السبب، وقوله وبإعانته تفسير لكونه من عنده إذ كل رزق منه. قوله:) وما أريد أن آني ما أنهاكم عنه الخ) أي لا يقع مني إرادة لما نهيتكم عنه ولا استقلال به كما هو شأن بعض الناس في المنع من بعض الأمور فالمراد نفي المعلل والعلة، ولذا ظهر تفريع ما بعده عليه، وما ذكره من الفرق بين خالفته إليه وعنه معنى بديع أفاده الزمخشري، وضمير قصدته وعنه راجع لكذا وضمير هو لزيد. قوله:) ما أريد إلا أن أصلحكم الخ (يشير إلى أنّ أن هنا نافية وما مصدرية ظرفية في محل نصب متعلقة با الإصلاح، وهو أحد الوجوه في إعرابها وأظهرها، وقوله ولهذه الأجوبة الثلاثة أي أجوبة شعيب عليه السلام يعني من قوله أرأيتم إلى هنا لأنها جواب عما أنكروه وكونها أجوبة يقتضي أن يعطف قوله إن أريد الخ، لكنه ترك عطفه لكونه مؤكدا لما قبله، ومقرّراً له لأنه لو أراد الاستئثار بما نهى عنه لم يكن مريدا للإصلاح، وكونه مؤكداً لا ينافي تضمنه لجواب آخر، والأوّل هو قوله إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسناً، فإنه بيان لحق الله عليه من شكر نعمته والاجتهاد في خدمته والثاني قوله ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه فإنه بيان لحق نفسه من كفها عما ينبغي أن ينتهي عنه غيره، والثالث قوله إن أريد إلا الإصلاج الخ فإنّ حق الغير عليه إصلاحه وارشاده، ووجه ترتيبها ظاهر وقوله، وكل ذلك يقتضي الخ قيل لا بد فيه من تقدير القول أي فقال شعيب عليه الصلاة والسلام الخ لأن مقتضى الظاهر أن يقال يأمرهم، وقيل لا حاجة إليه لأنّ الأجوبة، وما تضمنته صادرة من شعيب عليه الصلاة والسلام فلذا جرى على مقتضاه، ولك أن تقول إنه التفات لعوده إلى أمر شعيب عليه الصلاة والسلام، واقتضاء الأوّل والأخير ظاهر، وأمّا اقتضاء حق النفس له فلأنّ إصلاح الغير وارشاده فيه نفع نفسه أيضا لما فيه من الثواب فتأمّل. قوله: (وما مصدرية واقعة موقع الظرف الخ) إما بجعل المصدر ظرفا أو تقدير حين قبله وسده مسده، وعبارة المصنف رحمه الله تعالى تحتملهما، وهذا هو الوجه، وأمّا إذا كان بدلأ سواء قدر المضاف أو لا فهو بدل بعض، أو كل لأنّ المتبادر من الإصلاح ما يقدر عليه، وقيل إنه بدل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 اشتمال، وعلى هذا والأوّل يقدر ضمير أي منه لأنه لا بد منه، وأراد بالخبرية الموصولة، وهم يطلقون ذلك عليها وحذف المضاف على الثاني لأنه على الأوّل بمعنى مقدار من الإصلاج وترك كونها مفعولاً به للمصدر المذكور في الكشاف لضعف أعمال المصدر المعرّف عند النحاة، والمراد بالمقدار مقدار من الإصلاح فهو بدل بعض. قوله: (وما توفيقي لإصابة الحق والصواب إلا بهدايته الخ) المصدر هنا من المبنيّ للمفعول أي، وما كوني موفقا أي وما جنس توفيقي أو وما كل فرد منه لأنّ المصدر المضاف من صيغ العموم والمآل و! د لأنّ انحصار الجنس يقتضي انحصار أفراده لكنه على الأوّل بطريق المفهوم وعلى الثاني بطريق المنطوق فلا وجه لرذ الأوّل، وتقدير بهدايته ومعونته قيل إنه لدفع ما يرد عليه من أن فاعل التوفيق هو الله تعالى، وأهل العربية يستقبحون نسبة الفعل إلى الفاعل بالباء لأنها تدخل على الآلة فلا يحسن ضربي بزيد، وإنما يقال من زيد فالاستعمال الفصيح، وما توفيقي إلا من الله، وبتقدير المضاف الذي ذكره يتوجه دخول الباء، ويندفع الإشكال، وأيضاً التوفيق وهو كون فعل العبد موافقأ لما يحبه الله ويرضاه لا يكون إلا بدلالة الله عليه، ومجرّد الدلالة لا يجدي بدون المعونة منه. قوله: (فإنه القادر المتمكن الخ) تعليل للقصر المستفاد من تقديم المتعلق، وقوله في حد ذاته إشارة إلى أن قدرة العبد لسكونها بإيجاد الله كلا قدرة لأنه لو شاء لم يوجدها، ثم ترقى عن ذلك إلى أنه معدوم سد الاحتمال أن عجزه عن الاستقلال لا عن أصل الفعل لأنّ الوجود الإمكاني مع وجود الواجب عدم كما قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص، الآية: 88] ولذا قال بعض العارفين لما سمع كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان عليه فافهم وقوله أقصى مراتب العلم بالمبدأ إشارة إلى أنّ من عرف نفسعه بالعجز والفناء عرف خالقه بالقدرة والبقاء ولولا ذكر المعاد بعده صح حمل المبدأ على الله لأنّ الحكماء يطلقون عليه المبدأ الفياض فتدبر كلامه هنا فإنه دقيق، ولا حاجة إلى ما! قيل المراد بالتوحيد في كلامه توحيد الأفعال بأن يعلم أنه لا فاعل لشيء سواه لأنّ التوحيد الحقيقي علم الذات، وجميع الصفات الثبوتية، والسلبية، وتوحيد الأفعال يكون بعده. قوله: (وهو أيضاً يفيد الحصر) أي الحصر بتقديم متعلقه كما أفاده ما قبله أو معنى قوله أيضا كما يفيد معرفة المعاد يفيد الحصر وقوله على الله وقع هنا نسخ مختلفة ففي أخرى على ضمير الله، وفي أخرى على أنيب وفي أخرى على الفعل فقيل إنها على الأوليين يعلق الجارّ فيها بالحصر، وعلى الآخريين بتقديم، وفي الأوّل خفاء والباس. قوله:) وفي هذه الكلمات طلب التوفيق الخ) أي في قوله، وما توفيقي إلا بالثه إلى هذه المعاني أمّا طلب التوفيق فمن قوله إلا بالله لأنها إنشائية للطلب كالحمد لله أو لأنها إخبار عن نعمة التوفيق، وشكر لها والاعتراف والشكر استجلاب للمزيد، وقوله فيما يأتيه ويذره مأخوذ من عموم التوفيق أو إطلاقه المقتضى له، والاستعانة عطف على طلب، ويصح أخذه من تفويض التوفيق إليه، ومن التوكل ومجامع أمره ما يجمعها، والمراد جميعها، وقوله والإقبال معطوف عليه أيضا مأخوذ من التوكل عليه، وشراشره بمعنى كليته، وأصله الجسد والنفس أو الأثقال، وقال كراع رحمه الله تعالى: ألقى عليه شراشره أي نفسه وقيل بل هي محبة نفسه الواحد شرشر قال: وكائن ترى من رشده في كريهة ومن غيه تلقى عليه الشراشر انتهى وقال الجوهرفي واحده شرشرة وقوله وحسم أطماع الكفار وما بعده معطوف عليه أيضاً وهذا من قوله عليه توكلت كقول نوح عليه الصلاة والسلام: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [سورة يونس، الآية: 71] وهذا على الوجهين في {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} أمّا على الثاني فظاهر، وأمّا على الأوّل فلأنهم تهكموا به ليرتدع فقال حسماً لما عنوه إن اعتمادي على الله لا أطلب تحقيق رجاء غيره، ولا ارتدع بتقريعه، واظهار الفراغ، وعدم المبالاة من التوكل أيضاً لأنه الكافي المعين، وقد جعل هذا وجهاً للتهديد أيضاً، ووجه المصنف رحمه الله تعالى لتهديد بأنه من الرجوع إلى الله فإنه يكنى به عن الجزاء، وهو وان كان هنا مخصوصاً به لكنه لا فرق فيه بينه، وبين غيره وإنما خص! لاقتضاء المقام له، وقوله شقاقي مصدر مضاف للمفعول أي معاداتكم إياي. قوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 (وأن بصلتها ثاني مفعولي جرم الخ) وشقاقي فاعله، وعلى قراءة الضم من الأفعال، وهمزته لنقله من التعدية إلى واحد إلى اثنين، ونهى الشقاق مجازاً وكناية عن نهيهم عنه، وفيه مبالغة لأنه إذا نهى، وهو لا يعقل علم نهي المتشاقين بالطريق الأولى. قوله: (والآوّل أفصح) أي جرم أفصح من أجرم، وقوله فإن أجرم أقل دورانا الخ. إشارة إلى أنّ الفصاحة هنا ليست بمصطلح أهل البيان بل بمعنى كثرة الاستعمال وأهل اللغة حيث ذكروه إنما يريدون هذا المعنى قال في الكشاف والمراد بالفصاحة أنه على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور، وهم له أكثر استعمالاً فلا يتوهم اشتمال القرآن على لفظ غير فصحيح. قوله:) وقرئ مثل بالفتح لإضافتة إلى المبنئ الأن مثل، وغير مع ما وأن المخففة، والمشدّدة جوّزوا بناءهما على الفتح كالظروف المضافة للمبنيئ كما بين في النحو، وقيل إنه منصوب صفة مصدر محذوف أي إصابة مثل إصابة قوم نوح عليه الصلاة والسلام، وفاعل يصيب ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق، وهو تكلف وعلى الأوّل مثل هو الفاعل. قوله: (لم يمنع الخ) هذا من قصيدة لبعض العرب اختلف فيه فقيل هو أبو قيس بن رفاعة الأنصارفي، وقيل إنه رجل من كنانة وقيل إنه للشماخ ومنها: ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا فيها فصرت إلى وجناء شملال تعطيك مشيا وارقالاً ودأدأة إذا تسربلت الآكام بالآل لم يمنع الشرب منها غيرأن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال وضمير منها راجع لوجناء، وهي الناقة، والا وقال جمع وقل وهي الحجارة أو شجرة المقل أو ثمره، والمراد أن سماعها صوت الحمامة على بعد لشدة حسها يفزعها فيمنعها من الشرب أو يطربها فيلهيها عنه لأنّ الإبل شديدة الحنين إلى الأصوات المغرّدة، وقيل إنّ فيه قلبا أي لم يمنعها من الشرب، وكذا في غصون ذات أو قال في بعض معانيه، والشاهد في غير فإنه مبنيّ على الفتح. قوله:) زماناً أو مكاناً الخ (أي المراد بالبعد المنفيّ الزماني أو المكاني أي لا يمنعكم من الاعتبار قدم عهد، ولا بعد مكان فإنهم بمرأى، ومسمع منكم أو البعد معنوقي أي ليس ما اتصفوا به بعيداً من صفاتكم فاحذروا أي يحل بكم ما حل بهم من العذاب كما قال بعض المتأخرين: فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم! ط قوم لوط منكم ببعيد وجعل زمانا، ومكانا تمييزاً، ولم يجعله كما في الكشاف في تقدير بزمان أو مكان بعيد فقيل هربا من الأخبار بالزمان عن الجثة الذي أورد عليه أنه إذا أفاد جاز الإخبار كما صرّحوا به، وهو مقيس هنا فليس ببعيد قال في الألفية: ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة وإن يفد فأخبرا قوله: (د إفراد البعيد الخ) يعني أنّ الأخبار ببعيد غير مطابق له لا لفظاً ولا معنى أمّا لفظا فلأنه اسم جمع وهو جميعه مؤنث على ما اختاره الزمخشريّ لأنّ قوم إذا صغر يقال فيه قويمة ومعناه الجمع فالقياس ببعيدة أو ببعداء وقال الجوهرفي والقوم يذكر ويؤنث لأنّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر، وقوم قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [سورة الأنعام، الآية: 66] فذكر، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [سورة الشعراء، الآية: 05 ا] فأنث وان صغرت لم تدخل فيها الهاء، وقلت نفير وقويم ورهيط وإنما يلحق التأنيث فعله وتدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل إبل وغنم لأنّ التأنيث لازم له وبين الكلامين بون بعيد وعليه فلا حاجة له إلى التأويل هنا من تقدير في الأوّل كإهلاك أو في الثاني كشيء أو مكان أو زمان أو أنّ فعيل المصدر يستوي فيه المذكر، والمؤنث فأجرى هذا مجراه. قوله: (عظيم الرحمة للتائبين الخ) العظيم مأخوذ من صيغة المبالغة، ولم يفسره بكثير الرحمة باعتبار المرحومين أو أنواع الرحمة لأنّ هذا أبلغ إذ عظم الرحمة لكل أحد منهم مستلزم للكثرة، وقوله فاعل بهم الخ إشارة إلى أنه مجاز باعتبار غايته لأنّ الموذة بمعنى الميل القلبيّ لا يصح وصفه تعالى بها، ويجوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي، ولا يناسب تفسيره بمودود، وان كان حقيقة لعدم المبالغة فيه، وقيل رحيم ناظر إلى الاستغفار لأنه لكرمه يرحم من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 يطلب منه المغفرة، وودود ناظر إلى التوبة ترغيبا بأنه يودّ من يرجع إليه، وهو وجه حسن، والوعيد على الإصرار يعلم من تعذيب قوم لوط. قوله: (ما ئفهم) لأنّ الفقه هو العلم في الأصل، وقولهم كثيراً فراراً من المكابرة، ولا يصح أن يراد به الكل، وان ورد في اللغة لأنّ قوله مما تقول يأباه، وقوله وما ذكرت دليلا كقوله: {مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [سورة الأعراف، الآية: 85] وقوله إني أخاف الخ. أي لم يفهموا دعواه، ولا دليلها وقوله لقصور عقولهم أي نفيهم لذلك لغباوتهم أو لاستهانتهم كما يقول الرجل لمن لا يعبأ به لا أدري ما تقول، وترك ما في الكشاف من أنه كناية عن عدم القبول لأنّ قوله كثيراً يأباه، وجعلهم كلامه هذيانا لأنه يرجع للاستهانة أو أنه كان ألثغ لأنه لم يصح عنده لأنّ جعله خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلايم ينافيه ظاهراً، وقوله فتمتنع منصوب في جواب النفي وفي نسخة فتمنع فمفعوله محذوف يدل عليه قوله بعده إن أردنا بك سواء ومهينا بفتح المييم بمعنى ذليلا فقوله لأعز لك صفة كاشفة، والمراد بالقوّة المنفية قوّة الجسم، وما بعدها الذل. قوله: (وقيل أعمى بلغة حمير) يعني أن الضعيف في لغة أهل اليمن كالضرير بمعنى أعمى، وهو كناية كما يقال له بصبر على الاستعارة تمليحاً ووجه عدم مناسبته أنّ التقييد بقوله فينا يصير لغواً لأنّ من كان أعمى يكون أعمى فيهم، وفي غيرهم، وأمّا إرادة لازمه، وهو الضعف بين من يبصره، ويعادبه فلا يخفى تكلفه. توله: (ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى) قال الإمام رحمه الله تعالى: جوّز بعض أصحابنا العمى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنه هنا لا يحسن الحمل عليه لما مرّ، وأمّا المعتزلة فاختلفوا فيه فمنهم من قال: إنه لا يجوز لكونه منفر العدم احترازه عن النجاسات، ولأنه يخل بالقضاء، والشهادة فهذا أولى، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى، ولأنه يأباه مقام الدعوة، والاستنابة فيه غير ظاهرة، وقوله والفرق بين لأنّ القاضي يحتاج إلى تمييز الخصمين، والنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يحتاج لتمييز من يدعوه، وفيه نظر مع أنه معصوم فلا يخطىء كالقاضي الأعمى، والذي صححوه أنه ليس فيهم أعمى، ولم يذكروا تفصيلاً بين الأصلي، والعارض! ، وقد ورد في روايات عمى شعيب عليه الصلاة والسلام، وسيأتي في القصص. قوله: (قومك وعزتهم) بيان للمعنى، ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير مضاف وقوله لكونهم على ملتنا تأويل للعزة، والشوكة القوّة، وقوله فإن الرهط الخ تعليل لعدم الخوف إذ القليل غير غالب في الأكثر، وقوله أو بأصعب وجه فيكون الرجم كناية عن نكاية القتل، وقوله: {وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} صيغة المبالغة، وأفعل التفضيل على التفسير الآني يقتضي أن له عزة عندهم فقوله فتمنعنا عزتك يعني به عزتك المؤثرة عندنا بجعل الاضافة للعهد أو لفهمه من السياق فلا ينافي ما مرّ فلا يرد عليه أنه لا يناسب السياق تفسيره بما ذكر أو يقال إنّ ذاك يشعر بثبوت عزة له بقومه، وهذا ينفيها عنه في ذاته على زعمهم وهو الظاهر لمن تأمّل ما سيأتي أو أنها عندهم غير معتد بها فتأمّل. قوله: (وفي إيلاء ضميره حرف النفي الخ (إشارة إلى أنّ التقديم يفيد التخصيص، وأنه قصر قلب أو قصر إفراد، والظاهر الأوّل، وقد تبع فيه صاحب الكشاف، وقال صاحب الإيضاح: فيه نظر لأنا لا نسلم إفادة التقديم الحصر إذا لم ###### الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 ###### صريحاً، ولوّح إلى الآخر، وعلى طريقة المصنف رحمه الله تعالى هما مذكوران، والكلام شامل لهما، وهو أحسن لما قيل عليه إنه فرق بين ما هنا لاقتضاء سباقه، وسياقه لذكرهما، وما نظر به ليس كذلك، والمسلك الثالث أنهما مذكوران تفصيلاً، وهو مختار الزمخشري كما ستراه ففي الآية ثلاث طرق، وكل ما ذكر في القرآن بالفاء إلا هذه. قوله: (وقيل كان قياسه ومن هو صادق الخ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 هذا ما في االكشاف من أن اعملوا على مكانتكم إني عامل ذكر فيه الكاذب والصادق، وكذا في هذا لأن المراد من قوله من هو كاذب الصادق لكن جرى في ذكره على ما اعتادو. في تسميته كاذباً تجهيلاً لهم، وليس المراد ستعلمون أنه كاذب في زعمكم حتى يرد عليه ما توهم من أنّ كذبه في زعمهم واقع معلوم لهم الآن فلا معنى لتعليق علمه على المستقبل بل المعنى ستعلمون حالكم، وحال الصادق الذي سميتموه كاذبا، وقوله من يأتيه، ومن هو كاذب جوّز فيه أن تكون من موصولة، وأن تكون استفهامية، وكلام المصنف أنسب بالأؤل، وكذا كلام الكشاف فإنّ قوله ومن هو كاذب على زعمهم في جريه على الاستفهام تأمّل. قوله: (وانتظروا ما أقول لكم الخ (وهو حلول ما أوعد صم به، وظهور صدقه فالمنتظر من الطرفين أمر واحد وقيل المعنى انتظروأ العذاب إني منتظر للنصرة والرحمة، وذكر لفعيل ثلاثة معان كما في الكشاف لكن كونه بمعنى مرتقب أنسب بقوله ارتقبوا، وان كان مجيء فعيل بمعنى اسم الفاعل المزيد غير كثير كالصريم بمعنى صارح من الصرم بمعنى القطع، والعشير بمعنى معاشر، والرفيع بمعنى المرتفع. قوله: ( {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} الخ) أخبر بتنجية المؤمنين دون هلاك الكافرين لأنه مفروغ منه، وإنما المقصود تنجية هؤلاء لجواز أن يلحقهم ما لحق أولئك بشؤمهم، وقوله إنما ذكره بالواو جواب عن السؤال أنّ في قصة عاد ومدين، ولما جاء أمرنا، وفي قصة ثمود ولوط فلما جاء فما الحكمة فيه بأنه ذكر في هاتين القصتين الوعد وقوله فلما جاء أمرنا مرتب عليه فجيء بالفاء وأمّا في الآخريين فذكر مجيء العذاب على أنه قصة بنفسه وما قبله قصة أخرى لكنهما متعلقان بقوم فهما مشتركان من وجه مفترقان من آخر، وهو مقام الواو كذا قرّر في الكشاف وشروحه، وقيل في كلام شعيب صلى الله عليه وسلم ذكر الوعد أيضا، وهو قوله يا قوم اعملوا على مكانتكم إلى قوله رقيب غاية الأمر أنه لم يذكر بلفظ الوعد ومثله لا يكفي للدفع كما توهم، وما قيل في جوابه إن ما ذكر محمول على العذاب الدنيوفي أو أنه ذكر الفاء في الموضعين لقرب عذاب قوم صالح ولوط للوعد المذكور من غير فصل بعيد فلا يخفى ما فيه، وقوله يجري مجرى السبب لأنّ الوعيد لاقتضائه وقوع الموعود به كالسبب لا سبب لأنّ السبب كفرهم ونحوه وقوله وأخذت الذين ظلموا الصيحة قد سبق في الأعراف فأخذتهم الرجفة أي الزلزلة، وأنها كانت من مباديها فلا منافاة بينهما {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي صاروا جاثمين أو دخلوا في الصباح حالة كومحهم جاصمين وكأن لم الخ خبر بعد خبر أو حال بعد حال وألا بعد ادعاء عليهم بعد هلاكهم بيانا لاستحقاقهم له كما مز، ولمدين مرّ تفسيره فتذكره. قوله: (ميتين الخ (أصل معنى الجثوم من جثم ال! طائر إذا لصق بالأرض بطنه، ولذا خص الجثمان بشخص الإنسان قاعدآ ثم توسعوا فيه فاستعملوه بمعنى الاقامة واستعير من هذا للميت لأنه لا يبرج مكانه فلذ فسره به المصنف رحمه الله تعالى، وأشار إلى حقيقته، ويغنوا بمعنى يقيموا، ومنه المغني لمنزل الإقامة. قوله: (شبههم بهم (فيه تسمح أي شبه هلاكهم بهلاكهم لاتحاد نوعه، وقوله غير انّ صيحتهم الخ. هذا هو المروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما نقله القرطبيّ رحمه الله، وما مرّ في الأعراف من أنه أتتهم صيحة من السماء فرواية أخرى ذكرها هناك فلا تعارض بين كلاميه كما قيل. قوله: (وقرىء بعدت بالضم الخ) العامّة على كسر العين من بعد يبعد بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع بمعنى هلك قال: يقولون لا تبعدوهم يدفنونه ولا بعد إلا ما توارى الصفائح أرادت العرب الفرق بين المعنيين بتغيير البناء فقالوا بعد بالضم في ضد القرب، وبعد بالكسر في ضدّ السلامة، والمصدر البعد بفتح العين، وقرأ السلمي وأبو حيوة بعدت بالضم أخذاه من ضد القرب لأنهم إذا هلكوا فقد بعدوا كما قال الشاعرة من كان بينك في التراب وبينه شبرفذا في غاية البعد وقال النحاس المعروف: الفرق بينهما وقل ابن الأنباري: من العرب من يسؤقي بين الهلاك، والبعد الذي هو ضد القرب، وبهذا علمت اختلاف أهل اللغة فيه وبه يوفق لين ذلإم المصنف هنا، وقوله في قصة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 نوج عليه الصلاة والسلام أنه استعير للهلاك، وما سيأتي في سورة المؤمنين. قوله: (بالتوراة او المعجزات) فالمراد بالآيات آيات الكتاب أو المعجزات، وقد اعترض على الوجه الأوّل بأن التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون، وملئه كما سيصرح به في سورة المؤمنين فكيف يستقيم أنه أرسل موسى عليه الصلاة والسلام بالتوراة إلى فرعون، وملئه بل أراد بها الآيات التسع العصا، وا أسيد البيضاء، والطوفان والجراد، والقمل والضفاح، والدم ونقص من الثمرات، والأنفس، ومنهم من أبدل النقص من الثمرات، والأنفس بأظلال الغمام، وفلق البحر، وتبعه بعض المتأخرين، والكل مأخوذ من كلام أبي حيان في تفسيره، وقيل في دفعه أنه يمكن تصحيحه أما أوّلاً فبما صرّحوا به من جواز ارجاع الضمير، وتعلق الجارّ والمجرور، ونحوه بالمطلق الذي في ضمن المقيد فقوله إلى فرعون يجوز أن يتعلق بالارسال المطلق لا المقيد بكونه بالتوراة، وأمّا ثانيا فلأن موسى عليه الصلاة والسلام كما أرسل إلى الفرعنة أرسل إلى بني إسرائيل فيجب أن يحمل ملأ فرعون على ما يشملهم فيجيء الكلام على التوزيع على معنى أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، والى ملته بالتوراة فيكون لفا ونشراً غير مرتب (قلت) هذا عذر أقبح من الذنب، ومثل هذه التعسفات مما ينزه عنه ساحة التنزيل، وشمول الملا لبني إسرائيل مما لا يمكن هنا مع الإضافة إليه، وجعلهم من أهل النار، ولو جعل قوله إلى فرعون متعلقاً بسلطان مبين لفظا أو معنى على تقدير، وسلطان مرسل به إلى فرعون لم يبعد مع المناسبة بيته وبين السلطان فتأمّل. قوله: (وهو المعجزات الظاهرة) أمّا على التفسير الأوّل فهو ظاهر، وأمّا على الثاني فالعطف لأنها صفات متغايرة، وقيل إنه تجريد نحو مررت بالرجل الكريم، والنسمة المباركة كأنه جرد من الآيات الحجة، وجعلها غيرها، وعطفها عليها أو هي هي، وكلام المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل لقوله ويجوز أن يراد بهما واحد الخ، وقوله وافرادها أي العصا لأنها مؤنث سمافي، وأبهرها بمعنى أعجبها، وقوله ويجوز الخ. جار على الوجهين، وقوله وسلطانا له أي دليلا، وأبان اللازم بمعنى تبين، والمتعدي بمعنى بين وأظهر وقوله: والفرق بينهما أي بين الآيات والسلطان وفي نسخة بينها أي بين الآيات والسلطان، والمبين كما يدلّ عليه ما بعده، وعلى الأوّل ذكره للتتميم استطراداً ويخص بالبناء للفاعل لا مجهول كما قيل. قوله: (فاتبعوا أمره بالكفر الخ) بالكفر متعلق بالأمر بمعناه المشهور، وقوله أو فما اتبعوا الخ يؤخذ من السياق لأنه بعد ما ذكر ارسال موسى إليهم، ولم يتعرّض له بل خص اتباع فرعون علم أنهم لم يتبعوه، ولا ينبغي تخصيص هذا بالوجه الثاني، وهو ما إذا كان الأمر واحد الأمور، وهو الشأن والطريقة، والمسكة بالضم ما يتمسك به ويقال ماله مسكة من كذا أي قليل، وهو المراد هنا، وما ذكره بيان للواقع لا من حاق النظم. قوله: (مرشد أو ذي رشد) يعني وصف الأمر بمعنييه بكونه رشيدا لأنه فعيل بمعنى مفعل أو للنسب، والمراد ذو رشد للملابسة بينه وبينه أو بيان لأنه مجاز لأنّ الرشيد صاحبه لا هو، وليس هذا الغاء لمعنى الأمر فإنه لا قرينة معينة له وسيأتي له تفسير آخر. قوله: (يقال قدم بمعنى ؤقدّم) يعني كنصر ينصر يقال قدمه يقدمه إذا تقدمه، وقوله ونزل لهم النار منزل الماء الخ. يعني أنّ النار استعارة مكنية تهكمية للضد وهو الماء، واثبات الورود لها تخييل، ومورد في كلام المصنف رحمه الله تعالى مصدر ميمي بمعنى الورود لكن قوله فسمي اتيانها موردا يقتضي أن الايراد مستعاراً استعارة تبعية لسوقهم إلى النار فيكون التخييل مستعملا في معنى مجازي على حد قوله ينقضون عهد الله، والمذكور في الكشاف أنه شبه فرعون بالفارط، وهو الذي يتقدم القوم للماء ففيه استعارة مكنية، وجعل أتباعه واردة، واثبات الورود لهم تخييل، ويجوز جعل المجموع تمثيلا. قوله: (أي بئس المورد الذي وردوه الخ) الورد يكون مصدراً بمعنى الورود، ويكون صفة بمعنى المورود أي النصيب من الماء كالذبح، ويطلق على الوارد، وعلى هذا لا بد من مضاف محذوف تقديره بئس مكان الورد المورود للزوم تصادق فاعل بئسى، ومخصوصها فالمورود هو المخصوص بالذمّ، وقيل المورود صفة الورد والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره بئس الورد المورود النار، وقيل التقدير بئس انلحوم المورود بهم هم، والورود اسم جمع بمعنى الواردين، والمورود صفة لهم، والمخصوص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 بالذمّ الضمير المحذوف فهو ذم للواردين لا لمحلهم، وهذا بناء على جواز تذكيره كما مرّ فلا يرد عليه شيء وظاهر قول المصنف رحمه الله تعالى بئس المورد الذي وردوه أن جعلى الورد نصيب الماء، والذي نعت للمورد، وأن اختلف فيه النحاة فالمخصوص بالذتم محذوف، وهو النار ويجوز أن يكون هو المورود، وان كان ظاهره أنه نعته، والا لقال مورود أو المورود الذي وردوه، وكلامه يحتمل الوجوه السابقة، وقوله والنار بالضد إشارة إلى أنه استعارة تهكمية. قوله: (والآية كالدليل على قوله وما أمر فرعون) المراد بالاية قوله يقدم قومه الخ، وجعله دليلاً على التفسير السابق لرشيد أي ليس برشيد لأنه أهلك نفسه، ومن اتبعه فالجملة مستأنفة جوابا بالسؤال تقديره لم لم يكن رشيدا، ويجوز أن يكون المعنى ما أمره بصالح محمود العاقبة فالرشد على الأوّل حقيقة لأنه مقابل الغيئ، ولذا قال إنما هو عيّ محض، وضلال صريح، وعلى هذا مجاز عن العاقبة الحميدة لأنّ الرشد يستعمل لكل ما يحمد، ويرتضي كما في الكشاف فالمعنى أنّ أمر فرعون مذموم سيىء الخاتمة فجاء قوله يقدم قومه الخ. مفسراً له، وقوله ما يكون أي الأمر الذي يكون كذلك، وما موصولة، ويجوز كونها مصدرية، وقوله على أن المراد الرشد، وفي نسخة بالرشد، وكلاهما بمعنى. قوله:) أي يلعنون في الدنيا والآخرة (إشارة إلى أن يوم القيامة معطوف على محل في هذه لا ابتداء كلام أي، ويوم القيامة بئس رفدهم فاللعنة واحدة كما قيل لأن معمول بئس لا يتقدمها. قوله: (بض العون المعان الخ (الرفد يكون بمعنى العون، وبمعنى العطية، وإليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى، وأصله ما يضاف إلى غيره أي يستند إليه ليعمده أي يقيمه من قولهم عمده، وأعمده إذا أقامه بعماد، وهو والعمود بمعنى، وسميت اللعنة عونا إما لأن الثانية منضمة إلى الأولى كالعون لها فهي استعارة أو على طريق التهكم لأنها خذلان عظيم، وكذا جعلها عطاء وجعل العون معانا والرفد مرفوداً على الإسناد المجازفي كجذ جده، وقيل إنّ لعنة الدنيا مدد للعنة الآخرة حقيقة، وفيه نظر. قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى} الاية يجوز أن يكون نقصه خبراً ومن أنباء حال، والعكس أو خبر بعد خبر، وضمير ظلمناهم لأهل القرى لأن معه مضافا مقدراً أي أهل القرى وقيل القرى على ظاهرها، وإسناد الأنباء إليها مجاز، وضمير منها لها، وضمير ظلمناهم للأهل المفهوم منها، وعلى الأوّل الضمائر منها ما يعود للمضاف، ومنها ما يعود للمضاف إليه، وقيل القرى مجاز عن أهلها، وضمير منها لها باعتبار الحقيقة وظلمناهم باعتبار المجاز فهو استخدام ورجح هذا على جعلها حقيقة وضمير ظلمناهم لأهلها استخداما لأن القرى لم يسبق ذكر هلاكها في غير قوم لوط على الصلاة والسلام مع أن الغرض ذكر هلاكهم لاهلاكها، وقوله مقصوص إشارة إلى أنه خبر، وأنه غير منظور فيه إلى الحال أو الاستقبال إذ لا فائدة فيه، ويحتمل من أنباء أن يكون حالاً من مفعول نقصه كما مز. قوله: (كالزرع القائم (إشارة إلى أنه استعارة بقرينة مقابلته بحصيد والمراد باق، وقوله عافى الأثر من عفا أثره إذا اندرس وفنى، وأعاد منها إشارة إلى أنه مبتدأ خبره محذوف مقدر قبله لكونه نكرة لا معطوف على الأوّل لفساد المعنى، وليس منها مبتدأ وقائم وحصيد خبر لأنّ المعنى على الاخبار عن بعض منها بأنه كذا، وبعض كذا لا الاخبار عن القائم والحصيد بأنه بعض منها لعدم الفائدة ونظيره تقدم في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ} [سورة البقرة، الآية: 80، في البقرة وقد تقدم رذه هناك فتذكره. قوله: (والجملة مستأنفة الا محل لها وهو استئناف نحويّ للتحريض على النظر فيها، والاعتبار بها أو بياني كأنه سأل لما ذكرت ما حالها، وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: إنها حال من مفعول نقصه وردّه المصنف رحمه الله تعالى بخلوها من الواو، والضمير، ووجه بأنّ المقصود من الضمير الربط، وهو حاصل لارتباطه بمتعلق ذي الحال، وهو القرى فالمعنى نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحال تشاهدون فعل الله بها قال أبو حيان رحمه الله تعالى: والحل أبلغ في التخويف، وضرب المثل للحاضرين، وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: يجوز أن يكون حالاً من القرى قال في الكشف جعل الجملة حالاً من ضمير نقصه فاسد لفظاً، ومعنى ومن القرى كذلك قيل وقد نبه على اندفاع الفساد اللفظي وأمّا الفساد المعنوي فلم يبينه حتى يتكلم عليه، وقد علمت أنه أبلغ في التخويف (أقول) أراد بالفساد اللفظي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 في الأوّل ما مرّ، وفي الثاني مجيء الحال من المضاف إليه في غير الصور المعهودة، وأراد بالفساد المعنوي أنه يقتضي أنه ليس من المقصوص بل هو حال حالة عليها، وليس بمراد ولا يسوغ جعل ما بعده ابتداء المقصوص، وفيه فساد لفظيّ أيضا، وأمّا الاكتفاء في الربط بما ذكر فمع خفائه فهو مذهب تفرّد به الأخفش ولم يذكره في الحال، وإنما ذكره في خبر المبتدأ كما مرّ تحقيقه في البقرة في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [سررة البقرة، الآية: 228] وما ذكره عن أبي حيان رحمه الله تعالى لا يجدي مع ما قررناه نفعا، ومن لم يتفطن لهذا قال أراد بالفساد اللفظي في الأوّل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وفي الثاني ضعف وقوع الجملة الاسمية حالأ بالضمير وحده وأراد بالمعنوي تخصيص كونها مقصودة بتلك الحالة فإنّ المقصوصية ثابتة لها، وللنبا وقت عدم قيام بعضها أيضا ويوجه كلام أبي البقاء بأن يقال مراده أنّ الجارّ والمجرور حال، والمرفوع فاعل لاعتماده، وقوله بأن عزضوها له أي للهلاك. قوله:) فما نفعتهم، ولا قدرت أن تدفع عنهم (يشير إلى أن ما نافية لا استفهامية وأنّ تعلق عن به لما فيه من معنى الدفع فمن في من شيء زائدة، ومجرورها مفعول مطلق أو مفعول به للدفع، وفسر أمر الله بعذابه كما مز، والنقمة بالكسر، والفتح المكافأة بالعقوبة، وقوله هلاك أو تخسير كان الظاهر إهلاك، وتخسير أو هلاك، وخسارة، والأوّلى أولى لا! تب بمعنى هلك، وتبب غيره بمعنى أهلكه، وكأنه أشار بهما إلى جواز جعله مصدر المبنيّ للفاعل أو المفعول. قوله: (ومثل ذلك الأخذ الخ (كلامه محتمل لأن يكون المشار إليه الأخذ المذكور بعده كما مرّ تحقيقه في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سررة البقرة، الآية: 143، في البقرة وأن يكون لأخذ القرى السابقة وكذلك خبر سواء كانت الكاف اسمية أو حرفية وكلامه صريح في الثاني وعلى قراءة الفعل فهي سادة مسد المصدر النوعي، ولا مانع من تقدّمه على فعله، وقوله أي أهلها شامل للمجاز في القرى، والإسناد وتقدير المضاف كما مز وقوله لأن المعنى على المضيّ بالنسبة إلى القرى المأخوذة والاستقبال بالنظر للموعود بأخذه. قوله: (حال من القرى) والظلم صفة أهلها فوصفت به مجازاً ولذا أنث الضمير، وظالمة وأفا جعله حالاً من المضاف المقدّر، وتأنيثه مكتسب من المضاف إليه فتكلف وقوله، وفائدتها أي فائدة هذه الإشارة إلى سبب أخذهم لإفادة المشتق عليه الاشتقاق، والإنذار لجعل الظلم مستوجبا للهلاك فينبغي أن يحذره من له عقل، ومن وخامة العاقبة متعلق بالإنذار، وقوله ظلم نفسه أو غيره لإطلاق الظلم، ووجيع تفسير لأليم، وغير مرجوّ الخلاص لشديد، وقوله لعبرة لأن الاية العلامة الدالة، ويلزمها هنا العبرة. قوله: (يعتبر به عظة الخ (يعني أنّ من يقز بالآخرة، وما فيها إذا رأى ما وقع في الدنيا من العذاب الأليم اعتبر به لأنه عصا من عصبة، وقليل من كثير، وقوله أو ينزجر معطوف على يعتبر أن ينكف، ويترك ما يوجبه كالكفر، والظلم، وقوله لعلمه الخ لأن الكلام في العالم بالآخرة، ويلزمه العلم بربها، وقوله فإنّ الخ. بيان لوجه ذكر قوله لمن خاف عذاب الآخرة لأنّ نحو الدهريّ لا يعتبر، ولا ينزجر لظنه الفاسد بأنها لأسباب فلكية، واقترانات نجومية لا لما اتصفوا به، وأقام من خاف عذاب الآخرة مقام من صذق بها للزومه له، ولأن الاعتبار إنما ينشأ من الخوف، وترتب تلك الحوادث على مجيء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودعائهم، ونحو مشاهد صدق على بطلان ما ذكر مع أنه مفروغ عنه. قوله: (1 شارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة (أي إلى المجموع لأنه المراد من اليوم لا إلى كل واحد لأن عذاب الآخرة مذكور فلا يناسبه قوله دذ الخ. وقوله يجمع إشارة إلى أن لفظ مجموع أريد به المستقبل لعلمه. قوله:) والتغيير للدلالة الخ (أي العدول عن يجمع إلى مجموع، ومخالفة الظاهر للدلالة على بيان معنى الجمع له إمّا باعتبار أنّ أصل الاسم الدلالة على الثبوت، ودلالة اسم الفاعل، والمفعول على الحدوث عارضة بخلاف الفعل أو لأنه يتبادر منه الحال حتى قيل إنه حقيقة فيه، والحال يقتضي الوقوع فأريد به الثبوت والتحقق، والتعبير بأنهم مجموعون له كما تقيده اللام يقتضي عدم الانفكاك عنه لإثبات المجموعية له على وجه الثبات فهو أبلغ من التعبير بالفعل، والجمع لما فيه من الجزاء فجعل الجمع له يقتضي عدم انفكاكه عنه، ويؤيد النكتة المذكورة. قوله: (مشهود فيه أهل السماوات والأرضين فاثسع فيه الخ (أي أصله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 مشهود فيه فحذف الجار، وجعل الضمير مفعولاً توسعا فأقيم مقام الفاعل واستتر، وليس المراد أنّ اليوم نفسه مشهود لأنّ سائر الأيام كذلك بل مشهود فيه جميع الخلائق، والاعتراض على الفرق بين المشهود والمشهود فيه بأن سائر الأيام مشهود فيها كما أنها مشهودة فاسد لأنه لا يقال يوم مشهود فيه إلا ليوم شهد فيه الخلائق من كل فج لأمر له شأن، وخطب يهمهم كيوم عرفة، ويومي العيد، والجمعة، ولا يلزم أن يكون كل يوم كذلك، وبه يندفع أيضا ما قيل الشهود الحضور، واجتماع الناس حضورهم فمشهود بعد مجموع مكرر، واليه يشير قول المصنف رحمه الله تعالى أهل السماوات والأرضين، وقوله في معنى البيت كثير شاهدوه. قوله: (كقوله الخ (هذا من شعر لام قيس الضبية، وذكر الضمير باعتباو الشخص ومن يقول الشعر، ومثله كثير والشعر هو هذا: من للخصوم إذا جد الضجاج بهم بعد ابن سعد ومن للضمر القود ومشهد قدكفيت الغائبين به في محفل من نواصي الناس مشهود فرجته بلسان غيرملتبس عند الحفاظ وقلب غيرمردود إذا تناة امرئ أرّري بها خور هز ابن سعد قناة صلبة العود ومشهد مجرور معطوف على الخصوم أي، ومن لمشهد وناد كنت تكفي في مهماته عمن غاب، ونواصي الناس ورواه في الحماسة نواصي الخيل فسرت برؤوس الفرسان كما يعبر عنهم بالذؤابة، والرأس لعلوّهم، وقوله ولو جعل اليوم مشهوداً مز تفسيره، وقوله أي اليوم لم يفسره بالجزاء كما سيأتي لأن ما بعده من نفي المتكلم هناك قرينة عليه، وليس هنا قرينة، وفيه نظر لأنّ تلك قرينة قريبة أيضا، ولذا فسر به هنا أيضاً، وهو المناسب. قوله: 11 لا الانتهاء مدّة معدودة متناهية (يعني العد هنا كناية عن التناهي كما يجعل كناية عن القلة، والأجل يطلق على المدة المعينة لشيء كلها، وعلى نهايتها ومنع المصنف رحمه الله تعالى من إرادة الثاني هنا لأنه لا يوصف بالعد، وأفا أنه تجوّز إن قلنا با! الكناية لا يشترط فيها إمكان المعنى الأصلي فعدول عن الظاهر من غير داع إليه وتقدير المضاف أسهل منه، وإرادة بالجرّ على العطف على حذف، وفي نسخة وأراد بصيغة الفعل، ولام لأجل للتوقيت. قوله: (أي الجزاء أو اليوم الخ (يعني الضمير للجزاء لدلالة الكلام أو لليوم لنسبة الإتيان إلى الزمان في القرآن، وليس المراد باليوم المذكور هنا لأنّ الجملة المضاف إليها الظرف لا يعود منها ضمير إليه كما قرّره النحاة بل السابق، وفي ناصب هذا الظرف وجوه أظهرها أنه تكلم، والمعنى لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم، وقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ} [سررة البقرة، الآية: 210] بيان له بورود نظيره وان كان مؤولاً بإتيان حكم ونحوه ويشهد له أيضاً قراءة يؤخره، بالياء. قوله: (على أن يوم بمعنى حين) أي هنا لئلا يلزم عند تغاير اليومين أن يكون للزمان زمان لأن إتيان الزمان وجوده وأن يتعين الشيء بنفسه لأنّ تعين المضاف بالمضاف إليه وتعين الفعل بفاعله، وهو اليوم فإذا فسر بالحين سواء كان مطلق الوقت الشامل له، ولغيره أو جزأه الأوّل أو غيره، والكل يجعل ظرفا للجزء حقيقة عرفية كالساعة في اليوم فلا يرد ما ذكر، ولا محذور في تخصيص نفي التكلم بجزئه لاختلاف الأحوال في الموقف أو لأن جزء ذلك اليوم هو زمان الموقف كله. قوله: (وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة يأت بحذف الياء الخ (كان الأصل إثباتها لأنها لام الكلمة، ولا جازم والمعهود حذفها في الفواصل، والقوافي لأنها محل الوقف لكنه سمع من العرب لا أدر ولا أبال، وهي لغة لهذيل، وقوله اجتزاء أي اكتفاء بالكسرة الدالة عليها من قوله يجزيه كذا أي يكفيه، والقول بأنه اتباع لرسم المصحف لا ينبغي لأنه يوهم أنّ القراءة تكون بدون نقل متواتر، لكنها رسمت في المصاحف العثمانية بالوجهين على القراءتين، واللغتين وللقراء هنا ثلاثة وجوه حذفها مطلقاً، وإثباتها مطلقا، وحذفها في الوقف دون الوصل، وقراءة ابن عامر وحمزة بالحذف مطلقاً. قوله:) وهو الناصب للظرف (يعني يوم، وهذا أظهر الوجوه، ولذا قدمه، والانتهاء المحذوف هو الذي قدره في قوله لأجل، وقول الزمخشري ينتهي لأجل تصوير للمعنى لا تقدير فعل لا حاجة إليه، وعلى تقدير اذكر يكون مفعولاً به لتصرّفه، وجملة تكلم حال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 من ضمير اليوم، وأما جعله نعتا له فيقتضي أن إضافته لا تفيد تعريفا، وهو ممنوع. قوله: (1 لا بإذن الله كقوله الخ (استشط بها لأنّ القرآن يفسر نجعضه بعضاً، وقوله وهذا في موقف الغ. دفع لما يتوهم من تعارض الآيات كقوله: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ} [سورة المرسلات، الآية: 35] وكذا قوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} [سورة النحل، الآية: 111، وقوله والممنوع عنه الخ قيل عليه كيف يتاً تى هذا مع قوله تعالى حكاية عنهم يوم القيامة {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 123 فلا بد من اعتبار تعذد الوقت ورذ بأن هذا ليس من قبيل الإعذار إنما هو إسناد الذنب إلى كبرائهم، وأنهم أضلوهم، وليس بشيء لأن المراد به ما يقابل الكلام الحق، وليس هذا منه، وقد مرّ الاختلاف في جواز الكذب يوم القيامة وقد أجيب أيضاً بأنّ مراده دفع التعارض بين الآيتين اللتين تلاهما المصنف لا مطلق ما يعارض ذلك ودفع التعارض أيضاً بأنّ النفس عامّة لكونها نكهرة في سياق النفي، وهذه في شاًن المؤمن، وقوله لا ينطقون في شأن الكافر. قوله تعالى:) {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} الآية (اعلم أن في الآية صيغة الجمع مع التفريق، والتقسيم أفا الجمع ففي قوله يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فإن النفس عامّة لكونها نكرة في سياق النفي كما يقرّر، والتفريق في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، وأفا التقسيم ففي قوله فأقا الذين شقوا الخ كما في قول الشريف القيرواني: لمختلفي الحاجات جمع ببابه فهذا له فن وهذا له فن فللخامل العليا وللمعدم الغنى وللمذنب العتبي وللخائب الأمن قوله: (الزفير إخراج النفس الخ (ليس المراد أنه إخراج النفس مطلقا بل إخراجه مع صوت ممدود، وأصله من الزفر وهو الحمل الثقيل، ولما كان صاحبه يعلو نفسه غالبا أطلق عليه، وقوله واستعمالهما الخ ظاهره أنه لا يستعمل إلا في هذين مع أنّ المعنيين مذكوران في كتب اللغة فلعل هذا غلب في الاستعمال ثم إنّ أوّل النهيق يحصل بإخراج النفس، وآخره بإدخاله، وكني به عن الغمّ، والكرب لأنه يعلو معه النفس غالبا. قوله:) وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه الخ) يجوز فيه الرفع عطفا على الدلالة والجز عطفاً على شدة، والفرق بين الوجهين أنه على الأوّل استعارة تمثيلية، وعلى الثاني استعارة تصريحية وقوله، وقرئ شقوا بالضم الجمهور على فتح الشين لأنه من شقي، وهو فعل قاصر، وقرأ الحسن رحمه الله تعالى بضمهما فاستعمله متعديا لأنه يقال شقاه الله كما يقال أشقاه الله، وقرأ الإخوان أيضا سعدوا بضم السين والباقودت بفتحها فالأولى من قولهم سعده الله أي أسعده، وحكى الفرّاء عن هذيل أنهم يقولون سعده الله بمعنى أسعده، وقال الجوهريّ: سعد الرجل بالكسر فهو سعيد كسلم فهو سليم، وسعد بالضم فهو مسعود قال القشيريّ: ورد سعده الله فهو مسعود، وأسعده فهو مسعد، وقيل يقال سعده فأسعده فهو مسعود واستغنوا باسم مفعول الثلاثيّ، وقال الكسائيئ أنهما لغتان بمعنى، وكذا قال أبو عمرو رحمه الله تعالى وقيل من قرأ سعدوا حمله على مسعود وهو شاذ قليل، وقيل أصله مسعود فيه، وقيل مسعود مأخوذ من أسعده بحذف الزوائد ولا يقال سعده وسيأتي هذا، وإنما ذكرناه هنا لاتحاد الكلام فيهما فلذا آثرت تلقي الركبان فيه. قوله: اليس لارياط دوامهم الخ) يعني أنّ الخلود لا يتناهى، ودوام السماوات متناه، وكلاهما بالنص الثابت قلو علق الأوّل بالثاني لزم بطلان أحد الأمرين فدفع بأمور منها أنه تمثيل للدوام كما بقال مارساً ثبير فيشبه طول مكثه بالدوام في مطلق الامتداد، وقيل إنه كناية، وقوله على سبيل التمثيل أراد ضرب المثل، والمثل قد يكون حقيقة، وقد يكون مجازاً فإن ما ذكره، وأشباهه كناية عى الدوام، وبه صرّج النحرير في المختصر، وفيه نظر لأنه لا سموات، ولا أرضين في ذلك اليوم فضلاً عن دوامهما فكيف يكون كناية على القول المشهور فالظاهر أن كلام المصنف رحمه الله تعالى على ظاهره. قوله:) ولو كان للارتباط الخ الا يخفى أنه لا مجال للارتباط لأنّ طيّ السماء كطيّ السجل قبل دخولهم النار إلا أن يراد ما يشمل عذاب القبر لكن هذا أمر فرضيّ لا يضره ما ذكر، وحاصله أنّ المربوط مدة دوام العذاب بدوامهما فلا يلزم من العدم العدم إلا بطريق المفهوم، وهذا لا يعارض النص الدالّ على خلودهم، وأيضا لا يلزم من عدم الملزوم عدم اللازم لجواز كونه لازماً أعنم فكيف ما هو كاللازم. توله: (وقيل المراد سموات الخ) يعني المراد بالأرض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 المقل، وبالسماء المظل، ولا بد في الجنة منهما فالمراد بالسعماء والأرض سماء الآخرة، وأرضها لا هذه المعهودة عندنا، وقوله ويدل! عليهما أي على السماوات، والأرض الأخروية، وفي نسخة عليه أي تحقق السماوات والأرض! الأخروية أو هو راجع للمراد أو لما ذكر، والدليل الأوّل نقليّ، والثاني عقليّ، والمظل أي ما يعلو عليهم كالظلة، وهو العرس. قوله: (وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف الخ) قيل إنه يعني أنّ في الكلام تشبيهاً ضمنيا لدوامهم بدوامهما، وإن كان بحسب الإعراب ظرفا لخالدين، ولا بد أن يكون المشبه به أعرف ليفيد التشبيه، ويحصل الغرض منه، وهذا ليس كذلك، وقوله فإنما يعرفه الخ أي بالوحي، وكلام الرسل عليهم الصلاة والسلام لا بخصوص الدليل الدال على دوام الثواب والعقاب، وما قيل في الجواب عنه بأنه إذا أريد ما يظلهم، وما يقلهم سقط هذا لأنه معلوم لكل عاقل، وأما الدوام فليس مستفادا من دليل دوام الثواب، والعقاب بل مما يدل على دوام الجنة، والنار سواء عرف أنهما دار الثواب، والعقاب وأنّ أهلهما السعداء والأشقياء أولاً على أنه ليس من تشبيه ما يعرف بما لا يعرف بل الأمر بالعكس قيل عليه أنّ قوله لأنه معلوم لكل عاقل غير صحيح فإنه لا يعترف به إلا المؤمنون بالآخرة، وقوله الدوام مستفاد مما يدل على دوام الجنة، والنار لا يدفع ما ذكره كمصن! رحمه الله تعالى من أنّ المشبه به ليس أعرف من المشبه لا عند المتدين لأنه يعرفهما من قبل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس فيه ما يوجب أجمرفية دوام سموات الآخرة، وأرضها وليس مراده أنّ دوامهما مستفاد من خصوص الدليل الدال على دوام الثواب والعقاب بعينه فإنه لا يهم ليمنع، ولا عند غير المتدين فإنه لا يعرف ذلك، ولا يعترف به وقوله إنه ليس من تشبيه ما يعرف الخ يدفع بأنّ مراده التشبيه الضمني لا ما ذكره من تشبيه تلك الدار بهذه الدار، وقيل عليه مراده أنّ كل عاقل من المعترفين بالآخرة يعرف وجود هذا القدر لا منهم ولا من غيرهم وأنّ فساد ما ذكره من تعريف الشيء بما لا يعرف لا مما ذكره المجيب، ولزوم الأعرفية في التشبيه الصريح دون الضمني ولو سلم فهو فساد آخر غير ما ذكره المجيب (أقول) كل هذا تعسف، وخروج عن السنن والحق ما ذكره المجيب إذا نظرت بعين الإنصاف لأنّ هذا التشبيه لا بد من أن يؤخذ من المعترف بالخلود في الآخرة، ويلزمه الاعتراف بها، والمعترف بدوامه فيها لا بد من أن يعترف أنّ له مقلاً، ومظلاً ودوامه يستلزم دوام جنس ذلك، ولا شك أنّ ثبوت الحيز أعرف من ثبوت ما تحيز فيه بديهة فليس المشبه فيه سواء كان ضمنيا أو صريحا أعرف من المشبه به قطعا أمّا الأوّل فلأنه شبه قراره في تلك الدار بقرار حيزه هو من حيث هو حيز دوامه، وقراره أقرب إلى الذهن من دوام ما فيه، وأئا الصريح فظاهر لأنه شبه مظل الآخرة، ومقلها بسماء الدنيا، وأرضحها فأطلق عليهما اسمهما فلا وجه للاعتراض، ولا للجواب مع التأمل الصادق، ثم إنّ كون المشبه به أعرف في كل تشبيه غير مسلم عند الناظر في المعاني بقي هنا وجه آخر لو حمل عليه هذا لكان أحسن، وأظهر كما في تفسير ابن كثير، وهو أن يراد الجنس الشامل لما في الدنيا، والآخرة وهو بمعنى مقل ومظل في كل دار الدنيا، ودار الآخرة، ثم إنّ قول ابن جرير أن هذا جار على ما تعارفه العرب إذا أرادوا التأبيد أن ي! قولوا ما اختلف الليل والنهار ومثله كثير يعرفه الخاص، والعامّ بدفع ما أوردوه، واحتاجوا للجواب عنه، وفيه وجوه أخر في الدرر والغرر للرضي. قوله: (استثناء من الخلود في النار الخ (ذكر في هذا الاستثناء أربعة عشر وجها ومم هو، وهل ما على ظاهرها أو بمعنى من أحدها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من أنه استثناء متصل من قوله خالدين، وما بمعنى من لكونها للوصف كقوله: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى} [سورة النساء، الاية: 3] الخ وأن عصاة المسلمين داخلون في المستثنى منه والاستثناء لإخراجهم، وزوال الحكم، وهو الخلود يكفي فيه زواله عن البعض، وأنهم المرادون بالاستثناء الثاني أنّ مدّة مكثهم في النار نقصت من مدة خلودهم في الجنة فلا وجه لمن تمسك بها لخروج الكفار من النار، ولا وجه لذكره هنا. قوله: (ظ نّ التأبيد من مبدأ معين الخ) دفع لأنّ الاستثناء باعتبار الآخر لا الأوّل بأنه يصح أن يكون من أوّله، ومن آخره فإنك إذا قلت إذا مكثت يوم الخميس في البستان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذللى الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوّله ومن آخره، وأورد عليه أنّ الخلود إنما هو بعد الدخول فكيف ينتقض بما سبق على الدخول كيف، وقد تقدم قوله في الجنة فلذا استصوب حمل الأؤل على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والثاني على ما لأهل الجنة من غير نعيمها مما هو أكبر منه، ولذا عقب بقوله عطاء غير مجذوذ، وهو كالقرينة على أنه أريد به خلاف ظاهره فلا يختل النظم باختلاف الاستثناءين، والمبدأ المعين هنا دخول أهل النار في النار، ودخول أهل الجنة في الجنة وهو معلوم من السياق، والمقام فلا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه ليس هنا مبدأ معين أو هو من قوله يوم يأتي. قوله:) وهؤلاء وإن شقوا الخ (إشارة إلى أنهم داخلون في الفريقين باعتبار الصفتين فصح إرادتهما بالاستثناءين فلا يقال الثاني في السعداء، وهم ليسوا منهم، ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر. قوله:) ولا يقال فعلى هذا لم يكن الخ) جواب عما ورد من أنّ العصاة دخلوا في القسمين، والاستثناء فيهما راجع إليهم باعتبار الابتداء، والانتهاء على ما ذكرت فكيف يصح هذا التقسيم مع عدم التمانع فدفعه بأنّ التقسيم لمنع الخلوّ فقط، وأن أهل الموقف لا يخلون من القسمين، وليس لمنع الجمع، والانفصال الحقيقي حتى يرد ما ذكر، وتقابل الحكمين لا يدل على تقابل القسمين نعم هو الظاهر منه. قوله: (أو لأنّ أهل النار) معطوف على قوله لأنّ بعضهم، وهذا ما اختاره الزمخشري من أن الاستثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة بناء على مذهبه من تخليد العصاة، وهو في أهل النار ظاهر لأنهم ينقلون من حرّ النار إلى برد الزمهرير وردّ بأنّ النار عبارة عن دار العقاب كما غلبت الجنة على دإر الثواب، وقال بعض المفسرين: ليس في هذا نقل عن أحد من المفسرين، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وأجيب عنه بأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليبا أمّا دعوى الغلبة حتى يهجر الأصل فلا ألا ترى إلى قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [سورة الليل، الآية: 114 نارا {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة البفرة، الآية: 24، وكم وكم وأفا رضوان الله تعالى عن أهل الجنة، وهم فيها فيأبى الاستثناء كيف، وقوله خالدين فيها لا يدل بظاهره على أنهم ينعمون فيها فضلا عن انفرادهم بتنعمهم بها إلا أن تخص الجنة بجنة الثواب وهو تخصيص من غير دليل، وأورد عليه أن عدم هجر الأصل علم من الوصف بالتلظي، والوقود في الآيتين والتقابل في النار هنا يعضد أنه هجر فلا يرد ما ذكر نقضاً. قوله: (أو من أصل الحكم الخ) عطف على قول في الخلود في أوّل كلامه المراد بأصل الحكم قوله في النار، والأصلية مقابلة للفرعية التي للمستثنى منه في الأوّل، وهو الحال أعني خالدين أوّ لأنّ الخلود فرع الدخول، والاستثناء في هذا الوجه مفرّغ من أعمّ الأوقات المحذوف، وما على أصلها لما لا يعقل، وهو الزمان، والمعنى فأمّا الذين شقوا ففي النار في كل زمان بعد إتيان ذلك اليوم إلا زمانا شاء الله فيه عدم كونهم فيها، وهو زمان موقف الحساب، وأورد عليه أنّ عصاة المؤمنين الداخلين النار إمّا سعداء فيلزم أن يخلدوا في الجنة فيما سوى الزمان المستثنى، وليس كذلك أو أشقياء فيلزم أن يخلدوا في النار، وهو خلاف مذهب أهلى السنة، وأيضا تأخيره عن الحال على هذا لا يتضح إذ لا تعلق للاستثناء به، وقد يدفع بأن القائل بهذا يخص الأشقياء بالكفار، وبالسعداء بالأتقياء، وبكون العصاة مسكوتا عنهم هنا فلا يرد عليه شيء إن كان من أهل السنة فإن كان من المعتزلة فقد وافق سنن طبعه، وسيأتي جواب آخر للمعترض، وأمر التقديم سهل. قوله:) أو مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ الخ (معطوف على قوله زمان توقفهم أي المستثنى المفرّغ من أعمّ الأوقات هذه المدة إن لم يقيد الحكم بقوله يوم يأتي، وهو يوم الجزاء فإنه متعلق بتكلم، والحكم المذكور متفرّع عليه فيتقيد به معنى، وعلى هذا يقطع النظر عنه فالمعنى هم في النار جميع أزمان وجودهم إلا زمانا شاء الله لبثهم في الدنيا، والبرزخ، والمراد مع زمان الموقف لأنهم ليسوا في زمانه في النار إلا أن يراد بالنار العذاب فظاهر مطلقا لكنهم معذبون في البرزخ أيضا إلا أن يقال لا يعتد به لأنه عذاب غير تاتم لعدم تمام حياتهم فيه وما على هذا أيضا عبارة عن الزمان فهي لغير العقلاء، وأورد عليه ما أورد على ما قبله، وأجيب بأنه إنما يرد لو كان المستثنى في الاستثناء الثاني هو ذلك الزمان المستثنى في الاستثناء الأوّل، وهو غير مسلم فليكن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 المستثنى منه زمان لبثهم في النار مع ذلك الاستثناء أربعة عشر وجها ومم هو، وهل ما على ظاهرها أو بمعنى من أحدها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من أنه استثناء متصل من قوله خالدين، وما بمعنى من لكونها للوصف كقوله: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى} [سورة النساء، الآية: 3] الخ وأن عصاة المسلمين داخلون في المستثنى منه والاستثناء لإخراجهم، وزوال الحكم، وهو الخلود يكفي فيه زواله عن البعض، وأنهم المرادون بالاستثناء الثاني أنّ مدة مكثهم في النار نقصت من مدة خلودهم في الجنة فلا وجه لمن تمسك بها لخروج الكفار من النار، ولا وجه لذكره هنا. قوله: (فإنّ التأبيد من مبدأ معين الخ) دفع لأنّ الاستثناء باعتبار الآخر لا الأوّل بأنه يصح أن يكون من أوّله، ومن آخره فإنك إذا قلت إذا مكثت يوم الخميس في البستان إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذللى الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوّله ومن آخره، وأورد عليه أنّ الخلود إنما هو بعد الدخول فكيف ينتقض بما سبق على الدخول كيف، وقد تقدم قوله في الجنة فلذا استصوب حمل الأوّل على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والثاني على ما لأهل الجنة من غير نعيمها مما هو أكبر منه، ولذا عقب بقوله عطاء غير مجذوذ، وهو كالقرينة على أنه أريد به خلاف ظاهره فلا يختل النظم باختلاف الاستثناءين، والمبدأ المعين هنا دخول أهل النار في النار، ودخول أهل الجنة في الجنة وهو معلوم من السياق، والمقام فلا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه ليس هنا مبدأ معين أو هو من قوله يوم يأتي. قوله: (وهؤلاء وإن شقوا الخ (إشارة إلى أنهم داخلون في الفريقين باعتبار الصفتين فصح إرادتهما بالاستثناءين فلا يقال الثاني في السعداء، وهم ليسوا منهم، ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر. قوله:) ولا يقال فعلى هذا لم يكن الخ) جواب عما ورد من أن العصاة دخلوا في القسمين، والاستثناء فيهما راجع إليهم باعتبار الابتداء، والانتهاء على ما ذكرت فكيف يصح هذا التقسيم مع عدم التمانع فدفعه بأن التقسيم لمنع الخلوّ فقط، وأن أهل الموقف لا يخلون من القسمين، وليس لمنع الجمع، والانفصال الحقيقي حتى يرد ما ذكر، وتقابل الحكمين لا يدل على تقابل القسمين نعم هو الظاهر منه. قوله:) أو لأنّ أهل النار (معطوف على قوله لأنّ بعضهم، وهذا ما اختاره الزمخشريّ من أن الاستثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم الجنة بناء على مذهبه من تخليد العصاة، وهو في أهل النار ظاهر لأنهم ينقلون من حرّ النار إلى برد الزمهرير ورذ بأنّ النار عبارة عن دار العقاب كما غلبت الجنة على دار الثواب، وقال بعض المفسرين: ليس في هذا نقل عن أحد من المفسرين، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وأجيب عنه بأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليبا أفا دعوى الغلبة حتى يهجر الأصل فلا ألا ترى إلى قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [سورة الليل، الآية: 14] ناراً {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة البقرة، الآية: 24] وكم وكم وأما رضوان الله تعالى عن أهل الجنة، وهم فيها فيأبى الاستثناء كيف، وقوله خالدين فيها لا يدل بظاهره على أنهم ينعمون فيها فضلا عن انفرادهم بتنعمهم بها إلا أن تخص الجنة بجنة الثواب وهو تخصيص من غير دليل، وأورد عليه أن عدم هجر الأصل علم من الوصف بالتلظي، والوقود في الآيتين والتقابل في النار هنا يعضد أنه هجر فلا يرد ما ذكر نقضا. قوله: (أو من أصل الحكم الخ) عطف على قول في الخلود في أوّل كلامه المراد بأصل الحكم قوله في النار، والأصلية مقابلة للفرعية التي للمستثنى منه في الأوّل، وهو الحال أعني خالدين أوّ لأنّ الخلود فرع الدخول، والاستثناء في هذا الوجه مفرّغ من أعمّ الأوقات المحذوف، وما على أصلها لما لا يعقل، وهو الزمان، والمعنى فأمّا الذين شقوا ففي النار في كل زمان بعد إتيان ذلك أليوم إلا زمانا شاء الله فيه عدم كونهم فيها، وهو زمان موقف الحساب، وأورد عليه أن عصاة المؤمنين الداخلين النار إما سعداء فيلزم أن يخلدوا في الجنة فيما سوى الزمان المستثنى، وليس كذلك أو أشقياء فيلزم أن يخلدوا في النار، وهو خلاف مذهب أهل السنة، وأيضاً تأخيره عن الحال على هذا لا يتضح إذ لا تعلق للاستثناء به، وقد يدفع بأن القائل بهذا يخص الأشقياء بالكفار، وبالسعداء بالأتقياء، ويكون العصاة مسكوتاً عنهم هنا فلا يرد عليه شيء إن كان من أهل السنة فإن كان من المعتزلة فقد وافق سنن طبعه، وسيأتي جواب آخر للمعترض، وأمر التقديم سهل. قوله: (أو مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ الخ (معطوف على قوله زمان توقفهم أي المستثنى المفرّغ من أعمّ الأوقات هذه المذة إن لم يقيد الحكم بقوله يوم يأتي، وهو يوم الجزاء فإنه متعلق بتكلم، والحكم المذكور متفزع عليه فيتقيد به معنى، وعلى هذا يقطع النظر عنه فالمعنى هم في النار جميع أزمان وجودهم إلا زماناً شاء الله لبثهم في الدنيا، والبرزخ، والمراد مع زمان الموقف لأنهم ليسوا في زمانه في النار إلا أن يراد بالنار العذاب فظاهر مطلقاً لكنهم معذبون في البرزخ أيضاً إلا أن يقال لا يعتذ به لأنه عذاب غير تاثم لعدم تمام حياتهم فيه وما على هذا أيضا عبارة عن الزمان فهي لغير العقلاء، وأورد عليه ما أورد على ما قبله، وأجيب بأنه إنما يرد لو كان المستثنى في الاستثناء الثاني هو ذلك الزمان المستثنى في الاستثناء الأوّل، وهو غير مسلم فليكن المستثنى منه زمان لبثهم في النار مع ذلك الزمان المستثنى في الآية الأولى فإن المستثنى ليس فيه ما يدل على زمان معين حتى لا يمكن الزيادة عليه، وفيه بحث. قوله: (وعلى هذا يحتمل التأويل أن يكون الاستثناء من الخلود الخ) الإشارة إلى كونه مستثنى من أصل الحكم يعني إذا كان مستثنى من أصل الحكم صح استثناؤه أيضا من الخلود لأنّ من لم يكن في النار لم يكن في حال خلودها، وحاصله أنّ الاستثناء على هذا يرجع لجميع ما تبله فإنّ الاستثناء يجوز كونه من أمور متعددة كما صرّح به النحاة، ولا يرد عليه أنّ الخلود يقتضي سبق الدخول كما مز. قوله: (وقيل هو من قوله لهم فيها زفير وشهيق (وأورد على هذا في الكشف أن المقابل لا يجري فيه هذا، ولا يرد لأنّ المراد ذكر ما تحتمله الآية والاطراد ليس بلازم. قوله: (وقيل إلا هنا بمعنى سوى الخ) يعني أنه استثناء منقطع كما في المثال، وهذا القول اختاره الفرّاء، ويحتمل أن يريد أن إلا هنا بمعنى غير صفة لما قبلها والمعنى يخلدون فيها مقدار مذة السماوات، والأرض سوى ما شاء الله مما لا يتناهى قال في الكشف بعد نقله وهو ضعيف، ويلزم عليه حمل السماوات والأرض على هذين الجسمين المعروفين من غير نظر إلى معنى التأبيد، وهو فاسد ثم إنه اختار أنّ الوجه أن يكون من باب {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سورة الأعراف، الآية: 40] و {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] وهو منقول عن الزجاج رحمه الله تعالى وارتضاه الطيبي رحمه الله تعالى فيكون المراد بالأشقياء الكفار وبالسعداء أهل التوحيد، والمعنى أنهم خالدون فيها إلا وقت مشيئة الله عدم خلودهم، وقد ثبت بالنصوص القاطعة أن لا وجود لذلك فيقدر الخلود ولا يتوهم جواز التعارض بين هذه، وبين النصوص الدالة على عدم الخلود لأن المحتمل لا يعارض القطعي وقيل إلا بمعنى الواو العاطفة، وهو قول مردود عند النحاة. قوله: (وهو تصريح بأنّ الثواب لا ينقطع (أي قوله عطاء غير مجذوذ لبيان أنّ ثواب أهل الجنة، وهو إمّا نفس الدخول أو ما هو كاللازم البين له لا ينقطع فيعلم منه أن ألاستثناء ليس للدلالة على الانقطاع كما في العقاب بل للدلالة على ترادف نعم ورضوان من الله أو لبيان النقص من جانب المبدأ، ولهذا فرق في النظم بين التأبيد بما تممه إذ قال في الأوّل {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} للدلالة على أنه ينعم من يعذبه، ويبقى غيره كما يشار ويختار، وفي الثاني عطاء غير مجذوذ بيانا لأنّ إحسانه لا ينقطع. قوله: (ولأجله فرق) أي لأجل القيد الدالّ على عدم انقطاع ثواب أهل الجنة فرق أهل السنة بين ثوابهم، وعقابهم بالتأبيد في الأوّل دون الثاني لدلالته على أنّ العقاب على ما مرّ قبل دخولهم الجنة فلا يتأبد، وقوله من سعده قد مرّ تفصيله، وقوله نصب على المصدر فيكون بمعنى الإعطاء أو على حد {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الاية: 17] وقوله أو الحال بالجز عطف على المصدر، وما نقله ابن عطية رحمه الله تعالى من أنه على طريق الاستثناء الذي ندبه الشارع في نحو: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ} [سورة الفتح، الآية: 27] فهو في محل الشرط وليس متصلا ولا منقطعاً تكلف لا حاجة إليه. تنبيه: وقع لبعضهم هنا أنّ النار ينقطع عذابها بالكلية بخلاف نعيم أهل الجنة وأورد فيه حديثاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: " يأتي على جهنم يوم ما فيها من ابن آدم أحد تصفق أبوابها كأنها أبواب الموحدين " وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى إنه موضوع، وأشار لنحو منه الزمخشريّ إلا أنه تكلم في عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كلاماً لا ينبغي ذكره (وأقول) إن قوله كأنها أبواب الموحدين بيان لأنّ المراد بأبوابها ما يخص عصاة الموحدين فلا ينافي ما عليه الإجماع ولا عبرة بمن خالفه. قوله: (شك بعدما أنزل عليك ما مآل أمره الناس) الشك تفسير للمرثة كما مرّ، وقوله بعدما أنزل مأخوذ من تعقيب الفاه، ومآل الأمر إمّا حال الأشقياء العذاب الأليم، والسعداء النعيم المقيم، ومن لبيان ما أنزل. قوله تعالى: ( {مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء} ) من فيه إمّا بمعنى في أو ابتدائية، وما مصدرية أو موصولة، واليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى، وعلى الثاني يقدر مضاف أي حال هؤلاء لأنه لا معنى للمرية في أنفسهم، وقوله يضرّ، ولا ينفع في نسخة لا يضرّ، ولا ينفع. قوله: (استئناف) أي بيانيّ جواب لم نهى عن الشك فقيل لأنهم كانوا كآبائهم في الشرك فسيحل بهم ما حل بهم، وأشار إلى أنّ ما إن كانت مصدرلة فالاستثناء من مصدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 مقدر، وإن كانت موصولة فمن مفعول محذوف، وما عبارة عن الأوثان، ومن ذلك بمعنى من أجل ذلك متعلق بلحق، والمراد بالأسباب الأسباب العادية، وتقدير كان لا! مقتضى الظاهر كما عبد لقوله من قبل وعدل عنه مع أنه أخصر، وأظهر للدلالة على أنه كان عادة مستمرة لهم. قوله:) حظهم من العذاب (وفيه تهكم لأن الحظ، والنصيب ما يطلب فإذا كان الرزق قعلى ظاهره، وقوله فيكون عذراً أي إنما أخر ما استوجبوه لأن لهم رزقاً مقدراً ما لم يتم لا يهلكون، ومع ما فيه من بيان سببه فيه كرم، وفضل منه حيث لم يقطع رزقهم مع ما هم عليه من عبادة غيره، وعليه فالحال مؤسسة كما قيل، وفيه نظر، وقوله ولو مجاز اتبع فيه الزمخشري، ولو أسقط ولو لكان أولى لئلا يرد عليه ما أورد من أن التوفية الإتمام لما وقع مفعولاً كلا أو بعضأ فهي على كل حال حال مؤكدة كوليتم مدبرين، وفائدتها دفع توهم التجوز، ولا يرد عليه أنه إذا لم تكن القرينة قائمة لم يبق احتمال للمجاز مع أنه اشتهر في معنى الإعطاء مطلقا، وكفى بالشهرة قرينة فتأمل. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} (يحتمل عود الضمير إلى موسى، والى الكتاب، والظاهر الثاني من كلام المصنف رحمه الله لقوله كما اختلف هؤلاء في القرآن، وقوله لقضى بينهم أي بين قوم موسى عليه الصلاة والسلام أو قومك كما في الكشاف ويحتمل التعميم لهما لكن قوله، وان كلا ظاهر في التعميم بعد التخصيص، وقوله بإنزال ما يستحقه المبطل أي عذاب الاستئصال فلا ينافيه ما نزل باليهود، ولا بالمشركين في بدر ونحوه، وقوله ليتميز به إشارة إلى ما في معنى القضاء من الفصل، والتمييز، واعلم أنهم اختلفوا في الكلمة التي سبقت فقال ابن جرير رحمه الله هي تأخيره العذاب إلى الأجل المعلوم أي القيامة، وعليه اعتمد المصنف فقول الفاضل المحشي الأظهر أن لا يقيده بيوم القيامة ليشمل ما في الدنيا غفلة عما ذكر، ولو فسرها بقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء، الآية: 5 أ] كما قاله ابن كثير اتجه ما قاله. قوله:) وإنّ كفار قومك (أي أكثرهم، وإلا فمنهم من تيقنه، وقوله موقع في الريبة، ويجوز أن يكون من أراب صار ذا ريبة كما مرّ تحقيقه، وسيأتي في سورة سبأ. قوله:) وإن كل المختلفين الخ (قدر المضاف إليه المحذوف جمعاً لعود ضمير الجمع إليه فليس التقدير كل واحد، وكل إذا نوّنت تنوينها عوض! عن المضاف إليه المعلوم من الكلام عند قوم من النحاة، وقيل إنه تنوين تمكين لكنه لا يمنع تقدير المضاف إليه أيضا، وقوله بالتخفيف مع الأعمال هو أحد المذهبين، والآخر أنّ المكسورة إذا خففت بطل عملها، والآية حجة عليه، واعتبار الأصل في العمل لشبه الفعل فلا يبطل مقتضاه بزوال صورة الشبه اللفظي، وكون اللام الأولى موطئة للقسم أحد ما قيل هنا، وهو منقول عن الفارسيّ رحمه الله تعالى، وتبعه الزمخشريّ، والمصنف رحمهما الله تعالى، وهو مخالف لما اشتهر عن النحاة من أنها الداخلة على شرط مقدم على جواب قسم تقدم لفظا أو تقديرا لتؤذن بأن الجوأب له نحو والله لئن أكرمتني لألزمنك، وليس ما دخلت عليه جواب القسم بل ما يأتي بعدها، وليس هذا بمتفق عليه فإن أبا علي في الحجة جعلها هنا موطئة فاللام الموطئة لا يجب دخولها على الشرط، وإنما هي ما دلت على أنّ ما بعدها صالح لأن يكون جوابا للقسم وقال الأزهري أنه مذهب الأخفش كما في الكشف، ومن لم يرتض بالمخالفة فيه قال إنها لام التأكيد الداخلة على خبر أن لا الفارقة لأنها الداخلة في خبر أن المخففة إذا أهملت لتفرق بينها، وبين النافية، وهي عاملة هنا، واحتمال إهمالها، ونصب كلا بفعل مقدر أي، وأن أرى كلا خلاف الظاهر وإن ذكره ابن الحاجب ولام ليوفينهم لام جواب القسم وما زائدة للفصل بين اللامين أو موصولة أو موصوفة واقعة على من يعقل، والقسم وجوابه صلة أو صفة والمعنى، وإن كلا للذي أو لخلق موفى جزاء عمله، ورجح هذا كثير من المفسرين. قوله:) والثانية للتأكيد أو بالعكس الخ (أراد بقوله للتأكيد أنها جواب القسم وعبر به لأنها تفيد التأكيد، وليتأتى قوله بالعكس فإنه إذا كانت الثانية موطئة كانت الأولى مؤكدة لا جوابية، وهي لام الابتداء، واعترض عليه بأنّ لام ليوفينهم لا يمكن أن تكون إلا لام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 جواب القسم لا موطئة على ما لا يخفى على من عرف معناها، والجواب عنه بأنّ الموطئة إذا لم يشترط دخولها عى شرط قبله قسم كما مز كان معنى التوطئة دلالتها على أن في الكلام قسماً مقدراً مدخولها جوابه ليس بشيء لأنه اصطلاج جديد فيه إطلاق الموطئة على لام الجواب، ولم يقل به أحد فلا يندفع بمثله الاعتراض. قوله: (بالتشديد على أنّ أصله لمن ما الخ (في مغني اللبيب أنه ضمعيف لأنّ حذف هذه الميم استثقالاً لم يثبت، وقال ابن الحاجب: إنها لما الجازمة التي بمعنى لم، والفعل المجزوم بها محذوف تقديره لما يهملوا، والأحسن لما يوفوا أعمالهم إلى الان، وسيوفونها لقوّة دليله وقربه، ومن هنا جوّز فيها فتح الميم على أنها موصولة، وما زائدة وكسرها على أنها الجارة، وما موصولة أو موصوفة أي لمن الذين والله ليوفينهم قاله الفراء، وجماعة وعلى الوجهين الإعلال ما ذكر، وكلام المصنف رحمه الله محمول على الثاني رواية ودراية، وحمله على الأوّل تكلف إذ حمل قوله لمن الذين على فتح الميم، وجعل الذين بدل من قبل الصلة، وهو سخيف إن سلم صحته، وقوله في التقدير لمن الذين يوفينهم بإسقاط اللام القسمية إشارة إلى أنّ الصلة في الحقيقة جواب القسم لأن القسم إنشاء لا يصلح للوصل به، ولو أبرزها كان أظهر. قوله:) وقرئ لما بالتنوين أي جميعا الخ) قال ابن جني على أنه مصدر كما في قوله تعالى: {كَلَّا لَمَّا} [سورة الفجر، الآية: 19] أي أكلا جامعاً لإجزاء المأكول، وكذا تقدير هذا {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} أي توفية جامعة لأعمالهم جميعاً، ومحصلة لأعمالهم تحصيلا كقولك قياماً لأقومن، والمصنف رحمه الله كالزمخشري ذهب إلى أنها للتوكيد بمعنى جميعا، وقول أبي البقاء رحمة الله إنها حال من مفعول ليوفينهم ضعفه المعرب. قوله: (وإن كل لما) أي بالكسر وتشديد الميم على أنّ إن نافية، ولما بمعنى إلا وأخر هذا القول لما فيه لأنّ أبا عبيد أنكر مجيء لما بمعنى إلا وقالوا إنها لغة لهذيل لكنها لم تسمع إلا بعد القسم، وفيه كلام في الدرّ المصون، وقوله وان كل الخ معطوف على نائب فاعل قرئ قبله. قوله: (فاستقم كما أمرت) المراد منه دم على الاستقامة أنت، ومن معك وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه، وقوله كما أمرت يقتضي سبق أمره عليه الصلاة والسلام بوحي آخر، ولو غير متلوّ وقد وقع في سوة الشورى فاستقم كما أمرت، ولا تتبع أهواءهم. قوله: (لما بين أمر المختلفين في التوحيد الخ (بيان لترتب هذه الآية وارتباطها بما قبلها، وما ذكره معلوم مما مرّ بالتأمّل فيه، وقوله مثل ما أمر بها أي بوحي آخر، وفي نسخة أمروا بها، والأولى أولى، وقوله وهي أي الاستقامة، والتوسط بين التشبيه، والتعطيل أي للصفات هو مذهب أهل الحق، والأعمال بالجرّ عطف على العقائد، والقيام معطوف على تبليغ، وكذا ونحوها والتفريط التقصير، والإفراد الزيادة، ومفوت صفة لهما، والمراد بالحقوق حقوق نفسه، وحقوق غيره وتفويت التفريط ظاهر، وتفويت الإفراط لأنه يؤذي إلى الملل والترك، وقوله وهي في غاية العسر أي الاستقامة يعسر على كل أحد التزامها في جميع الأمور كما قال الإمام: إنها كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل، ولا شك أنّ البقاء على الاستقامة الحقيقية مشكل جذاً، والاستقامة في جميع أبواب العبودية أوّلها معرفة الله كما يليق بجلاله، وكذا سائر المقامات، وسائر الأخلاق على هذا فالقوّة الغضبية، والشهوانية لكل منهما طرفا إفراط، وتفريط مذمومان، والفاضل هو المتوسط بينهما بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، والوقوف عليه صعب، والعمل به أصعب، وقس على هذا سائرها كالشجاعة والسخاء والعفة، وهو لا يحصل إلا بالافتقار إلى الله، ونفي الحول، والقوّة بالكلية، ولذا قيل لا يطيق هذا إلا من أيد بالمشاهدات القوية، والأنوار السنية، والآثار الصادقة، ثم عصم بالتشبث بالحق، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا. قوله: (ولذلك قال عليه الصلاة واللام شيبتني سورة هود) هذا الحديث أخرجه الترمذيّ رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما وحسنه قال قال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله قد شبت فقال عليه الصلاة والسلام: " شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعتم يتساءلون وإذا الشسى كوّرت " اهـ قال الطيبي: صح هود في الحديث غير منصرف لأنه اسم السورة لا النبيّ صلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 الله عليه وسلم ففيه العلمية، والعجمة والتأنيث فهو كماه وجور اسمي بلدتين، واضافة سورة إلى هود ليس كإضافة إنسان إلى زيد بل السورة لها اسمان هود، وسورة هود وفي هذا الاسم الثاني هود اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم أضيفت إليه لذكر تفصيل قصته فيها فليس من القبيل المذكور على أنّ استقباح ذلك إذا لم يكن له فائدة كما في المثال المذكور فإن أفاد حسن، وهنا هو لدفع الاشتراك فاعرفه، وقد مرّ تحقيقه، وفي الكشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية وعن بعض الصلحاء أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له روي عنك يا رسول الله أنك قلت شيبتني هود فقال: نعم فقال ما الذي شيبك منها أقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهلاك الأمم قال: لا، ولكن قوله فاستقم كما أمرت، وقد روي هذا الحديث من طرق اختلف فيها ما ضم إليها كما في الجامع الصغير، وفي الكشف التخصيص لهود بهذه الآية غير لائح إذ ليس في الأخوات ذكر الاستقامة، وفي قوت القلوب أنه لما كان القريب الحبيب شيبه ذكر البعد، وأهله ولعل الأظهر أنه شيبه ذكر أهوال القيامة لذكرها في كلها فكأنه شاهد منها يوما يجعل الولدان شيباً، وأورد عليه أنّ ما وقع لبعض الصلحاء في الرؤية يكون وجها للتخصيص " فإنّ الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم " ومعنى شيبتني ليس إلا أن يكون لها دخل في الشيب لا أن تكون مستقلة فيه فلا ممانعة (قلت الم يقع في طرقه المروية في حديث الاقتصار على هود بل ذكر أخواتها معها على اختلاف فيها، وحيحئذ يشكل أنه ليس في تلك السور الأمر المذكور مع أنه وقع في غيرها من الحواميم كما مرّ فلا يصح نسبة ذلك إليها كما لا يتضح اقتصار المصنف رحمه الله كغيره على ذكرها (وقد لاج لي (بحمد الله دفع هذا الإشكال ببركته صلى الله عليه وسلم فاعلم أنك إذا أجدت التأمّل استبان كما بينه المدقق في الكشف أن مبني هذه السورة الكريمة على إرشاده تعالى كبرياؤه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى كيفية الدعوة من مفتتحها إلى مختتمها، والى ما يعتري من تصدي لهذه المرتبة السنية من الشدائد، واحتماله لما يترتب عليها في الدارين من الفوائد لا على تسليته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يطابق المقام فانظر إلى الخاتمة الجامعة أعني قوله واليه يرجع الأمر كله فاعبده، وتوكل عليه تقض من ذلك العجب فلما كانت هذه السورة جامعة لإرشاده من أوّل أمره إلى آخره، وهذه الآية فذلكة لها فحين إذ نزلت هذه السورة هاله ما فيها من الشدائد، وخاف من عدم القيام بأعبائها حتى إذا ألقى الله في يوم الجزاء ربما مسه نصب من السؤال عنها فذكر القيامة في تلك السور يخوّفه هولها لاحتمال تفريطه فيما أرشده الله له في هذه، وهذا لا ينافي عصمته، وقربه لكونه إلا علم بالله، والا خوف منه فالخوف منها يذكره بما تضمنتة هذه السورة فكأنها هي المشيبة له مجشحر من بينها، ولذا بدئ بها في جميع الروايات ولما كانت تلك الآية فذلكة لها كانت هي المشيبة في الحقيقة فلا منافاة بين نسبة التشييب لتلك السورة، ولا لهذه السورة وحدها كما فعله المصنف رحمه الله، ولا لتلك الآية كما وقع في رؤية ذلك العبد الصالح فالحمد لله على التوفيق لما ألهم من هذا التحقيق، وقوله كما أمرت الكاف فيه إئا للتشبيه أو بمعنى على كما في قولهم كن كما أنت عليه أي على ما أنت عليه، وقال أبو حيان في تذكرته إن قلت كيف جاء هذا التشبيه للاستقامة بالأمر قلت هو على حذف مضاف تقديره مثل مطلوب الأمر أي مدلوله فإن قلت الاستقامة المأمور بها هي مطلوب الأمر فكيف يكون مثلاً لها قلت مطلوب الأمر كليّ والمأمور جزئي فحصلت المغايرة، وصح التشبيه كقولك صل ركعتين كما أمرت اهـ، وفيه تأمل فتدبر. قوله تعالى: ( {وَمَن تَابَ مَعَكَ} (قال أبو البقاء رحمه الله أنه منصوب على أنه مفعول معه، والمعنى استقم مصاحبا لمن تاب قيل، وفيه نبوّ عن ظاهر اللفظ يعني التصريح بالمعية لكنه في المعنى أتتم، ولذا اختاره وقال غيره أنه مرفوع معطوف على الضمير المستتر في الأمر، وأغنى الفصل بالجاز، والمجرور عن تأكيده بضمير منفصل لحصول الغرض! به فهو من عطف المفردات، وقد تقدم في البقرة في قوله: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [سورة البقرة، الآية: 35، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 أن كثيرا من النحاة اختاروا في مثله أنه مرفوع بفعل محذوف أي، وليسكن زوجك فالتقدير هنا، وليستقم من الخ لأنّ الأمر لا يرفع الظاهر فهو من عطف الجمل، والمصنف رحمه الله ذهب إلى الأوّل لعدم احتياجه إلى التقدير، وما ذكروا من المحذور مدفوع بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وهو تغليب لحكم الخطاب على الغيبة في لفظ الأمر لكن التغليب فيه محتاج إلى دقة نظر وقيل من مبتدأ محذوف الخبر أي فليستقم، ولو قيل معك خبر لم يبعد. قوله:) أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك (لما فسر التوبة بالتوبة عن الكفر ذكر لازمها ورديفها، وهو الإيمان ليتعلق به المصاحبة إذ المعنى حينئذ على ذكر مصاحبتهم له في الإيمان مطلقا من غير نظر إلى ما تقدمه، وغيره، وقد قيل في توجيه المعية أيضا يكفي الاشتراك، والمعية في التوبة مع قطع النظر عن المتوب عنه، " وقد كان! ك! يستغفر الله في كل يوم أكثر من سبعين مرّة ". قوله: (ولا تخرجوا عما حدّ لكم) أي ما بين وشرع من حدود الله فإنّ الطغيان الخروج عن الحد. قوله: (وهو في معنى التعليل للأمر والنهي) فكأنه قيل استقيموا، ولا تطغوا لأن الله ناظر لأعمالكم مجازيكم عليها، والله ينظر إلى قلوبكم لا إلى صوركم، وقيل إنه تتميم لقوله فاستقم أي حق الاستقامة فإنه بصير لا يخفى عليه سرّكم، وعلانيتكم وما سلكه المصنف رحمه الله أحسن، وأتنم فائدة. قوله: (وفي الآية دليل على وجوب اتباع النصوص الخ (ليس فيه إنكار للقياس، والاستحسان كما توهم فإن المصنف رحمه الله ليس من مذهبه إنكاره، وإنما أراد أنه لا يجوز ذلك مع وجود النصوص الصريحة التي لا احتمال فيها لغير ظاهرها لأنه أمره باتباع أوامره، وعدم تجاوزها إلى غيرها على طريق التشهي، وأعمال العقل الصرف كما نراه من بعض المؤوّلين للنصوص زاعمين أنّ لها معاني غير ما دلت عليه. قوله: (ولا تميلوا إليهم) لأنّ الركون إذا تعذى بإلى كان بمعنى الميل، ومنه الركن المستند إليه غيره لكنه ليس مطلق الميل بل الميل اليسير وأدنى الميل مفسر بما ذكره، وقوله بركونكم الباء فيه للسببية، وهو مأخوذ من الفاء الواقعة في جواب النهي لأنها تفيد تسببه عن المنهي عنه، وقوله ما يسمى ظلما إشارة إلى أنّ العدول عن الظالمين إلى هذا لدلالة الفعل على الحدوث دون الثبوت الدال عليه الوصف باعتبار أصل وضحعه، وقوله الموسومين بالظلم أي المعروفين به، وإنما يكون ذلك بكثرته ودوامه منهم، وما ذكره من المراتب إشارة إلى ما في الاية من المبالغة، ولذا قال الحسن رضي الله عنه جمع الدين بين لاءين يشير إلى هذا كما نقل عنه جمع الزهد بين لاءين في قوله تعالى: {لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سورة الحديد، الآية: 23، ولذا قال إنها أبلغ آية في معناها. قوله:) وخطاب الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت الخ) يعني أنه أمرهم أوّلاً بالاستقامة الجامعة، ثم نهاهم عن الطغيان، وتجاوز الحدود المأمور بها، والميل إلى من تجاوزها للتثبيت عليه، والا فقد تضمن معنى هذا النهي ما سبق من الأمر فلا يكون تكراراً فإن كان المراد بالأمر الأوّل الثبات، والدوام كما مز يكون هذا تأكيداً له، وقوله فإنه أي الزوال تكرير لأنّ السابقة للتأكيد على حد قوله فلا تحسبنهم فقوله ظلم خبر أن الأولى، ويحتمل أنه خبر الثانية، وقوله بالميل خبر الأولى، وهو أظهر، وقوله في نفسه أي بقطع النظر عن كونه على نفسه أو غيره لأنه وضع الشيء في غير محله مطلقا. قوله: (وقرئ تركنوا فتمسكم الخ) أي بكسر حرف المضارعة على لغة تركنوا، وعلى البناء للمفعول من أركنه جعله مائلا أي لا يملكم إليهم أغراضكم الفاسدة. قوله: (من أنصار يمنعون العذاب عنكم) فسره به لأنّ الوليّ له معان منها الناصر، وفسره الزمخشريّ بنفي القدرة على المنع، وهو أبلغ ولا يرد على المصنف رحمه الله تعالى أنه يفهم من نفي المنع عن غير الله إثباته له بخلاف نفي القدرة الذي في الكشاف لأن قوله ثم لا تنصرون يدفعه فعلى ما ذكره يكون الكلام أفيد وأحسن مقابلة، وقد أشار إليه المصنف بقوله، ثم لا ينصركم الله فخص النصرة المنفية فيه بالله لأنّ انتفاء نصرة غيره علمت مما قبله وقوله، ولا يبقى عليكم أي لا يرحمكم من أبقى عليه إذا رحمه وعذى بعلى لما فيه من معنى الشفقة. قوله:) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 وثم لاستبعاد نصره إياهم الخ) قال الزمخشري: معناها الاستبعاد لأنّ النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب، واقتضاء حكمته له، واعترض عليه بأنّ أثر الحرف إنما هو في مدخوله، ومدخول ثم عدم النصرة، وليس بمستبعد وإنما المستبعد نصرة الله لهم فالظاهر أنها للتراخي في الرتبة لأنّ عدم نصرة الله أشد وأفظع من عدم نصرة غيره، وأجيب عنه بأنه لا يبعد أن يقال فيه مضاف مقدر، والمعنى لاستبعاد ترك نصره إياهم مع الإيعاد بالعذاب، والإيجاب، وظاهر أنّ للحرف مدخلاً في بعد ترك النصر عما قبله ولا يخفى بعده، وتكلفه فالظاهر ما قيل إن ثم كما تكون لاستبعاد ما دخلت عليه تكون لاستبعاد ما تضمنه، د! ان لم يتصل به، والمعنى على أنه فكيف ينصرهم، وما ذكره المعترض! أقرب من هذا. قوله: (ويجوز أن يكون منزلاً منزلة الفاء) أي أنه على الأوّل المقام مقام الواو، وعدل عنها لما ذكر وعلى هذا كان الظاهر أن يؤتى بالفاء التفريعية المقارنة للنتائج إذ المعنى أنّ الله أوجب عليكم عذابه ولا مانع لكم منه فاذن أنتم لا تنصرون فعدل عنه إلى العطف بثم الاستبعادية على الوجه السابق واستبعاد الوقوع يقتضي النفي والعدم الحاصل الآن فهو مناسب لمعنى تسبب النفي فاندفع ما قيل عليه إن الداخل على النتائج هي الفاء السببية لا الاستبعادية فتأمّل، والفرق بين الوجهين أنّ المنفيّ على الوجه الأوّل نصرة الله لهم، وعلى هذا مطلق النصرة كما أشار إليه بقوله لا ينصرون أصلاً. قوله: (غدوة وعشي الخ) النهار من طلوع الشمس إلى غروبها أو من طلوع الفجر إلى الغروب، وسيأتي وجه ذلك وقوله لأنه مضاف إليه أي إلى الظرف فيكتمسب الظرفية منه، وينتصب انتصابه كما يقال أتيت أوّل النهار وآخره، وهو ظرف لأقم، ويضعف كونه للصلاة. قوله:) وساعات منه قريبة من النهار الخ) اعلم أن العامّة قرؤوا زلفاً بضم الزاي وفتح اللام جمع زلفة كظلمة، وظلم، وقرىء بضمهما إما على أنه جمع زلفة أيضا، ولكن ضمت عينه اتباعاً لفائه أو على أنه اسم مفرد كعنق أو جمع زليف بمعنى زلفة كرغيف ورغف، وقرأ مجاهد وابن محيصن باسكان اللام إمّا بالتخفيف فيكون فيها ما تقدم أو على أنّ السكون على أصله فهو كبسرة وبسر من غير اتباع، وقرىء زلفى كحبلى بمعنى قريبة أو على إبدال الألف من التنوين اجراء للوصل مجرى الوقف، ونصبه إما على الظرفية بعطفه على طرفي النهار لأنّ المراد به الساعات أو على عطفه على الصلاة فهو مفعول به، والزلفة عند ثعلب أوّل ساعات الليل، وقال الأخفش: مطلق ساعات الليل، وأصل معناه القرب يقال ازدلف أي اقترب، ومن الليل صفة زلفا، وقوله وهو جمع زلفة أي على قراءة الجمهور بضم الزاي، وفتح اللام، وقوله قريبة من النهار إشارة إلى حذف صلته، ومن في من الليل تبعيضية، وقوله فإنه تعليل لتفسيره بما ذكره. قوله: (وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها الخ) شروع في تفسير الصلاة في الطرفين، والزلف بعدما بين أن طرفيه أوّله، وآخره الداخلان فيه فإن كانا غير داخلين فيه ملاصقين لأوّله وآخره فاطلاق الطرف مجاز لمجاورته له فالمراد بما وقع في طرفه الثاني صلاة العصر ولما لم يقع في طرفه الأوّل صلاة حملت على الصبح لقربها منه فيكون ما وقع في الطرفين ليس على وتيرة واحدة، وهو قول قتاد والضحاك، وعليه كلام المصنف رحمه الله وقال ابن عباس رضي الله عنهما صلاة الطرفين الصبح والمغرب فهما على وتيرة واحدة، وقال أبو حيان رحمه الله: طرف الشيء لا بد أن يكون منه فالذي يظهر أنها الصبح والعصر فجعل أوّاط النهار الفجر. قوله: (وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشئ الخ (هذا قول مجاهد رحمه الله فالمراد بما في طرفه الثاني صلاة الظهر، والعصر لأنّ ما بعد الزوال عشيّ، وطرفا النهار الغدوّ والعشيّ قيل، ومرضه المصنف رحمه الله لأنه لا يلزم من اطلاق العشيّ على ما بعد الزوال أن يكون الظهر في طرف النهار فإنّ الأمر بالإقامة في ظرفيه لا في الغداة، والعشي ورذ بأنه لما فسر طرفي النهار بالغدوّ والعشيّ دخل الظهر في العشيّ بلا شبهة إذ معنى طرفي النهار حينئذ قسماه فالسؤال إنما هو على تفسيره لا على دخول الظهر في الثاني، وارتضى بعضهم تفسير طرفي النهار بالصبح والمغرب كما رجحه الطبرقي، وزلف الليل بالعشاء، والتهجد فإنه كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم فهو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [سورة الإسراء، الآية: 79، أو الوتر على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله أو مجموع العشاء، والوتر والتهجد كما يقتضيه جمع زلفا، وفسرها المصنف رحمه الله بالمغرب والعشاء فإن قلت زلف جمع فكيف يطلق على صلاتين قلت كل ركعة منهما قربة، وصلاة فيصدق عليهما أنها قرب وصلوات، وقوله كبسر وبسر يعني أنه جمع زلفة، وقياسه الفتح، ولكن ضم للاتباع وتسكينه للتخفيف، وقد مرّ تفصيله، وقوله وزلفى أي قرىء زلفى بألف، وقد قدمناه. قوله وفي الحديث: " إنّ الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما الخ " هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهق ما اجتنبت الكبائر " واستشكله القرطبي رحمه الله، وقال إن حديث مسلم يقتضيه تخصيصه بالصغائر فيحمل المطلق عليه لكن في شرح الأحكام أنه يرد عليه اشكال قويّ، وهو أنّ الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر بالنص يعني قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس، وأجاب عنه البلقيني رحمه الله بأنه غير وارد لأنّ المراد أن تجتنبوا في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت التكليف أو الإيمان إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم فلا تعارض بين الآية، والحديث قال ابن حجر رحمه الله تعالى، وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه سهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس فمن لم يفعلها لم يعذ مجتنبا للكبائر لأن تركها من الكبائر فيتوقف التكفير على فعلها فتأمل فيه، وقوله يكفرنها فسره به لأنها تذهب المؤاخذة عليها لأنفسها لأنها أعراض! وجدت، وانعدمت وحمل الحسنات على الصلوات المفروضة بقرينة سبب النزول فالتعريف للعهد، وقيل المراد مطلق الفرائض لرواية الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، والأحاديث في المكفرات كثيرة، وقد صنف فيها بعض المتأخرين تصنيفاً جمع فيه بين الروايات، ووفق بينها ولولا خوف الاطالة أوردت لك زبدة ما قاله فعليك بالنظر في الكتب المفصلة في علم الحديث. قوله: (وفي سبب النزول أنّ رجلاَ أتى النبتي صلى الله عليه وسلم الخ (رواه الشيخان وهو أنّ: " رجلاَ أتى النبئ صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت من امرأة غير أتي لم آتها " أا (يريد أنه قبلها وهو مروقي عن ابن مسعود رضي الله عنه، والحاكم والبيهقيّ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، والرجل هو أبو اليسر بفتح الياء والسين المهملة، ثم راء مهملة واسمه عمرو بن غزية بفتح الغين المعجمة، وكسر الزاي الضعجمة وتشديد الياء، وهو أنصارفي صحابيئ رضي الله عنه، وقيل اسمه كعب بن مالك، وقيل كعب بن عمرو. قوله: (إشارة إلى قوله فاستقم وما بعده (بتأويل المذكور، وقيل إلى الصلاة لقربها أي إقامتها في هذه الأوقات سبب عظة وتذكرة، وقيل إلى ما في هذه السورة من الأوامر، والنواهي، وقوله للذاكرين خصهم لأنهم المنتفعون بها. قوله: (عدول عن المضمر الخ) أي لم يقل أجرهم ونحوه، والأوامر بأفعال الخير أفردت للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وإن ك! انت عامّة في المعنى، وفي المنهيات جمعت للأمة، وهو من البلاغة القرآنية، وقوله كالبرهان أي اللميّ أي سبب عدم إضاعة أجرهم الإحسان، وقوله كالبرهان لأنه لم يورد بصورة الدليل أو لأنه لا علية، ولا سببية لشيء عندنا في الحقيقية، وما عدّ منه فهو من الأسباب العادية ووجه الإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص أنّ إحسان ذلك إخلاص. لقوله صلى الله عليه وسلم: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ". قوله: (فهلا كان الخ (يشير إلى أنّ لولا هنا للتحضيض، ودخلها معنى التندّم، والتفجع عليهم مجازا، وحكي عن الخليل رحمه الله تعالى أن كل لولا في القرآن فمعناها هلا إلا التي في الصافات قال الزمخشري: وهذه الرواية تصح عنه لوقوعها في غيرها في موأضع. قوله: (من الرأي والعقل (فالبقية بمعنى الباقية، والتأنيث لمعنى الخصلة أو القطعة، وقوله أو أولو فضل فالبقية بمعنى الفضيلة أو التاء للنقل إلى الاسمية كالذبيحة وأولو بمعنى ذوو جمع ذو من غير لفظه، ولا واحد له ويرسم بواو زائدة بعد الهمزة للفرق بينه، وبين إلى الجارّة، وقوله وإنما سمي أي الفضل أطلق عليه بقية استعارة من البقية التي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 يصطفيها المرء لنفسه، ويدخرها مما ينفقه فإنه يفعل ذلك بأنفسها، ولذا قيل في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا، وقوله أفضل ما يخرجه بخاء معجمة، وجيم كما في بعض النسخ، والحواشي والمراد ما ينفقه، ويصرفه لأنّ الخرج يستعمل بهذا المعنى، وفي بعضها يجرحه بجيم وحاء مهملة أي يكتسبه، وارتضى هذه بعضهم والأولى أظهر. قوله: (ويجورّ أن يكون مصدرا كالتقية الخ الأنه فعيل وفعيل يكون مصدراً، وقيل إنه اسم مصدو وهو بمعنى الابقاء أي ذوو إبقاء لأنفسهم بمعنى صيانتها عن سخط الله، ويؤيد المصدرية أنه قرىء بقية بزنة المرّة، وهو مصدر بقاء يبقيه كرماه يرميه بمعنى انتظره، وراقبه كما قاله الراغب رحمه الله تعالى وفي الحديث: " بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي انتظرناه وأما الذي من البقاء ضد الفناء ففعله بقي يبقى كرضي يرضى، والمعنى على هذه القراءة أصحاب مراقبة لخشية الله، وانتقامه. قوله: (ينهون عن الفساد في الأرض) الظاهر أن كان تامة، وأولو بقية فاعلها، وجملة ينهون صفته ومن القرون حال مقدمة عليه ومن تبعيضية، ومن قبلكم حال من القرون، والمعنى هلا وجد أولو بقية ناهون حال كونهم من قبلكم لا ناقصة، وخبرها ينهون لأنه يقتضي انفكاك النهي عن أولي البقية، وهو فاسد لأنهم لا يكونون إلا ناهين إلا أن يجعل من قبيل: ولا ترى الفسب بها ينجحر كذا قيل وقوله لأنهم كانوا كذلك أي ناهين عن الفساد يقتضي أنه جعلها ناقصة لا تامة كما ذكره، وسيأتي ما فيه. قوله: (لكن قليلأ منهم أنجيناهم الخ) جعله سيبويه رحمه الله كقوله في سورة يونس: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ} [سورة يون! ، الآية: 98] وقال السيرافي في شرحه لا يجوز فيه البدل وفي لو فعلت ذلك لكان أصلح لك وهذه الأشياء تجري مجرى الأمر وفعل الشرط، ولا يجوز في شيء من ذلك البدل لو قلت ليقم القوم إلا زيد لم يجز كان قام إلا زيد، وليس فيه الاستثناء الذي هو إخراج جزء من جملة هو منها. لأنّ القصد إلى قوم أطبقوا على الكفر، ولم يكن فيهم مؤمنون فقبح فعلهم، ثم ذكر قوما مؤمنين باينوا طريقتهم فمدحهم، ويجوز الرفع في قوم يونس على أن إلا بمعنى غير صفة، وكان الزجاج يجيز رفعه على البدل على لغة أهل الحجاز بتقدير فهلا كان قوم نبيّ آمنوا إلا قوم يونس عليه الصلاة والسلام وعلى لغة تميم، وان لم يكن من جنسه، ولعله جوّزه لأنّ المعنى ما آمنت قرية إلا قوم يونس عليه الصلاة والسلام، ولما كان التحضيض إذا دخل على ماض مشتملاً على التنديم، والنفي كان له اعتباران التحضيض والنفي فإن اعتبر التحضيض لا يكون الاستثناء متصلاً بل منقطعا لأنّ المتصل يسلب ما للمستثنى منه عن المستثنى أو يثبت له ما ليس له ففي جاءني القوم إلا زيدا المعنى أنه ما جاءني، وفي ما جاءني أحد إلا زيدا المعنى أنه جاءني، والتحضيض معناه لم ما نهوا ولا يجوز أن يقال إلا قليلاً فإنهم لا يقال لهم لم ما نهوا لفساد المعنى لأنّ القليل ناهون لأنّ معنى هذه كما في الآية الأخرى أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب هذا محصل كلامهم في منع الاتصال، وأورد عليه أنّ صحة السلب أو الاثبات بحسب اللفظ لازم في الخبر، وأما الطلب فيكون بحسب المعنى فإنك إذا قلت اضرب القوم إلا زيدا ليس المعنى على أنه ليس اضرب بل على أن القوم مأمور بضربهم إلا زيدا فإنه غير مأمور به فكذا هنا يجوز أن يقال أولو بقية محضوضون على النهي إلا قليلا فإنهم ليسوا محضوضين عليه لأنهم نهوا فالاستثناء متصل قطعا كما ذهب إليه بعض السلف فإن اعتبر معنى النفي كان متصلا وهو ظاهر لأنه يفيد أنّ القليل الناجين ناهون، وحينئذ يجورّ فيه الرفع على البدل، وهو الأفصح، والنصب على الاستثناء، وقد يدفع ما أورده با! مقتضى الاستثناء أنهم غير محضوضين، وذلك إما لكونهم نهوا أو لكونهم لا يحضون عليه لعدم توقعه منهم فأما أن يكونوا جعلوا احتمال الفساد فساداً أو ادعوا أنه هو المفهوم من السياق، ثم إن المدقق قال إن تقدير الزمخشري يشعر بأنّ ينهون خبر كان، ومن القرون خبر آخر أو حال قدمت لأنّ تحضيض أولي البقية على النهي على ذلك التقدير حتى لو جعل صفة ومن القرون خبراً كان المعنى على تنديم أولي القرون على أن لم يكن فيهم أولو بقية ناهون وإذا جعل خبراً لا يكون معنى الاستثناء ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا بل المعنى ما كان منهم أولو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 بقية ناهين إلا قليلا فإنهم نهوا، وهو فاسد والانقطاع على ما آثره أيضاً يفسد لما يلزمه من أن يكون أولو البقية غير ناهين لأن في التحضيض، والتنديم دلالة على نفيه عنهم فالوجه أن يؤوّل بأنّ المقصود من ذكر الاسم التمهيد للخبر فكأنه قيل لولا كان من القرون من قبلكم ناهون إلا قليلاً وفي كلامه إشارة إلى أنه لا يختلف نفي الناهين، وأولو البقية، وإنما عدل عن هذا مبالغة لأنّ أصحاب فضلهم، وبقاياهم إذا حضضوا على النهي، وندموا على تركه فهم أولى بالتحضيض، والتنديم، وفيه دلالة على أنّ أولي البقية لا يكونون إلا ناهين فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم فهو كقولك: ولا ترى الضبّ بها ينجحر وقولك: ما كان شجعانهم يحمون الحقائق في الذمّ تريد أنه لا شجاع ولا حماية وهذا هو الوجه الكريم الذي توجه إليه نظر الحكيم وهو المطابق لبلاغة القرآن العظيم اهـ ومن هذا عرفت وجه جعل كان ناقصة لا تامّة لأنه ليس التحضيض على وجودهم فيهم، وليس المنفيّ ذلك أيضا بل هو على النهي فإن قلت هو صفة، والتحضيض والنفي متوجه إليها فيكون مطابقا للمرام فقد زدت في الطنبور نغمة من غير طرب، ومثله نصب. قوله: (لكن قليلاً منهم أنجيناهم الخ (قدر الانجاء بعده لمقتضى قوله ممن أنجينا، وقدره الزمخشري نهوا لتلازمهما، ولا فرق بينهما وهو نظر إلى ما قبله، والمصنف لما بعده لظهوره في الانقطاع. قوله: (ولا يصح اتصاله الخ الفساد المعنى كما سمعته مع ماله وما عليه، وقوله إلا إذا جعل استثناء من النفي قيل المعنى ما وجد منهم أولو بقية ينهون إلا قليلا ممن أنجيناهم، وهم أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو ما كانوا ينهون إلا قليلاً منهم والثاني فاسد، وقد أوّله في الشكف بما مرّ، وحمل كان على التامة مغن عن هذه التكلفات، ومصحح للمراد اهـ، وقد عرفت أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، وأنه ناشىء من قلة التدبر ومن بيانية أو تبعيضية. قوله: (ما أنعموا فيه من الشهوات الخ (أي ما صاروا منعمين فيه لأنّ حقيقة الترف التنعم، وتفسيره بطغوا فيه من أترفته النعم إذا أطغته ففي إما سببية أو ظرفية مجازية خلاف المشهور وان صح هنا لكن الأوّل أولى، وأشمل وجعل اتباعه كناية عن الاهتمام به، وترك غيره لأنه دأب التابع للأمر. قوله: (وكانوا مجرمين كافرين) فسره به لأن الكفر أعظم الإجرام، ولأنه الذي يحصل به الفائدة مع ما قبله، وفشو الظلم شيوعه مأخوذ من إسناد الظلم إلى الجميع، واتباع الهوى هو اتباع ما أترفوا فيه، وترك النهي عن المنكرات مأخوذ من مقابلتهم للناهين، والكفر من الأجرام لتفسيره به. قوله: (واتبع معطوف على مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى فلم ينهوا عن الفساد واتبع الخ (المضمر بمعنى المقدر، وهو ما أشار إليه بقوله لم ينهوا فعليه يكون بيانا لحال من ترك النهي بعد ذكر الناهين، وعدل عن تقديره نهوا كما في الكشاف، وان لم يرد عليه ما ورد عليه كما توهم لأنه نثأ من جعله خبرا على الانقطاع، والمنصف رحمه الله لم يقدره بل قدر أنجيناهم كما سمعته، ولا وجه لما قيل إنه على تقديره لا يرتبط الكلام بما قبله، ولذا عدل عنه لأنه على تقديره المعنى لكن قليلا نهوا عنه فهم نهوا، وغيرهم انهمك في هواه، وترك ما سواه فلذا عذبوا وأفي ارتباط أحسن من هذا، أو إنما اختاره لأنه أكثر فائدة وأحسن مقابلة، والذي ورد على الكشاف أنه قدر نهوا خبر لكن فلا يصح عطفه عليه لخلوّه من الربط ودفع بما فصل في شروحه، وليس لنا به حاجة لترك المصنف رحمه الله له. قوله:) وكانوا مجرمين عطف على على اتبع الخ) مع المغايرة بينهما، وليس العطف تفسيريا والمعنى، وكانوا مجرمين بذلك الاتباع كما في الكشاف لتكلفه، ولذا ترك عطفه على أترفوا المذكور فيه، وجعله اعتراضاً بناء على أنه يكون في آخر الكلام عند أهل المعاني. قوله:) وقرىء وأتبع الخ) هي قراءة أبي عمرو رحمه الله في رواية وأبي جعفر أي بضم الهمزة المقطوعة وسكون التاء وكسر الباء على البناء للمفعول من الأتباع، ولا بد حينئذ من تقدير مضاف أي أتبعوا جزاء ما أترفوا فيه وما موصولة بمعنى الذي وهو الظاهر لعود الضمير في فيه إليه، ويجوز أن تكون مصدربة أي جزاء أترافهم فالضمير للظلم المعلوم منه، وقوله فتكون الواو للحال إذا جعل حالاً يكون المعنى إلا قليلاً أنجيناهم، وقد هلك سائرهم، وقد كانوا مجرمين، ولا يحسن جعله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 قيداً للإنجاء إلا من حيث إنه يجري مجرى العلة لا هلاك السائر فيكون اعتراضا أو حالاً من الذين ظلموا والأوّل حال من مفعول أنجينا المقدر أما لو جعل عطفاً على مقدر فحسن، ولا يخفى أنه يجوز كون الواو عاطفة على لم ينهوا المقدر، وإذا فسرت به المشهورة فقيل فاعل اتبع ما أترفوا، والكلام على القلب ثم الواو وللعطف أو للحال أيضا. قوله: (ويعضده تقدّم الانجاء (لأنّ تقدم الانجاء للناهين يناسب أن يبين هلاك الذين لم ينهوا كأنه قيل، وأنجينا القليل، واتبع الذين ظلموا جزاءهم فهلكوا فيحسن التقابل حينئذ لكون وصول الجزاء إلى الكثير في مقابلة انجاء القليل، ولا يفتقر إلى تقدير معطوف عليه حينئذ لأنّ الواو حالية. قوله: (بشرك (فسر الظلم به لوروده بهذا المعنى في القرآن، ولاقتضاء المقام، ولذا ترك ابقاءه على ظاهره المذكور في الكشاف، والباء للسببية. قوله: الا يضمون إلى شركهم التفسير الظلم به والتباغي تفاعل من البغي، وقوله وذلك إشارة إلى ما ذكر من عدم اهلاكهم بكفرهم، وقوله ومن ذلك أي من أجل مسامحة الله في حقوقه قال الفقهاء إنه إذا اجتمع حق الله وحق العبد في شيء قدم حق العبد على حق الله، وهو مبين في الفقه، وقوله وقبل معطوف على قدم، وهو ظاهر. قوله: (قدم الفقهاء) أي لأجل أن الله مسامح في حقه كالشرك هنا إذ لم يعجل عقوبته، ولم يسامح في حقوق العباد كظلم بعضهم لبعض قدم الفقهاء الخ. والمراد أنهم قدموها في الجملة عليه ما لم يمنع منه مانع فلا يرد عليه أنهم قالوا إذا اجتمع حق الله كالزكاة ودين الناس على حيّ غير محجور عليه يقدم حق الله لقوله صلى الله عليه وسلم: " دين الله أحق أن يقضى " وهو متفق عليه، وإن كان محجوراً قدم دين إلا دميّ على حقه تعالى ما دام حياً، وكذا إذا اجتمعا في تركة ميت كما بين في أوّل الفرائض. قوله تعالى: ( {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} (قيل إنّ الآية ترجع إلى قياس استثنائي استثنى فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدم، وهو مركب من مقدمتين طويت الثانية منهما، وقوله: وأنّ ما أراده يجب وقوعه هو مفهوم المقدّمة المذكورة، وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد نتيجة القياس، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه، وقوله على أن الأمر غير الإرادة لازم النتيجة بعد ضم مقدمة أخرى هي أنّ الكل مأمور بالإيمان، وكل منهما ناع على المعتزلة المخالفين في ذلك، ولما رأوها ظاهرة في رذ ما قالوه جعلوا الارادة قسمين الجائي قسرية، وغيرها فحملوا المنفية على الأولى فتدبره. قوله:) مسلمين كلهم (يعني أنّ الوحدة المراد بها وحدة في الدين بمقتضى المقام وقوله، ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، وقوله مسلمين كلهم تفسير للأمّة الواحدة بدل أو عطف بيان وكلهم تأكيد للضمير المستتر فيه، وليس المراد بالإسلام ما يخص هذه الأمّة. قوله:) وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الارادة (أما الأوّل فلأنه أمر الكل بالإسلام، وقال هنا أنه لم يرده، ولو أراده لوقع، والمعتزلة يقولون إنّ الأمر هو الإرادة بعينها عند بعضهم، وانّ الارادة تتخلف عن المراد فأوّلوا هذه الارادة بإرادة القسر كما في الكشاف، وأما الآخران فظاهران، وهذه الآية لا تخالف قوله، وما كان الناس إلا أمّة واحدة لما مرّ في تفسيرهما، ولأنه ليس المراد هنا لجعل كل فرق منهم فتأمّل. قوله: (بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل) حمل الاختلاف على ما يشمل اختلاف العقائد، والفروع وغيرهما من أمور الدين لعدم ما يدل على الخصوص في النظم فالاستثناء منقطع حيث لم يخرج من رحمه الله من المختلفين لاختلافهم في غير العقائد فلو قال لكن ناسأ هداهم الله من فضله اتفقوا كان أظهر في مراده، ولو حمل الاختلاف على ما يخص الأصول كان الاستثناء متصلا، وقوله مطلقا يأبى حمله عليه فمن قال لا وجه للانقطاع لم يقف على الداعي له، وقوله: على ما هو أصول دين الحق حمله عليه لأنّ اختلاف الفروع للمجتهدين لا يمنع الرحمة بل هو رحمة. قوله: (إن كان الضمير للناس فالإشارة إلى الاختلاف) في المشار إليه أقوال كثيرة أظهرها أنه للاختلاف الداذ عليه مختلفين فالضمير حينئذ للناس أي لثمرة الاختلاف من كون فريق في الجنة، وفريق في السعير خلقهم، واللام لام العاقبة، والصيرورة لأنّ حكمة خلقهم ليس هذا لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] ولأنه لو خلقهم له لم يعذبهم عليه أو الاشارة له وللرحمة المفهومة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 من رحم لتأويلها بأن، والفعل أو كونها بمعنى الخير، وتكون الاشارة لاثنين كما في قوله: {عَوَانٌ بَيْنَ} [سورة البقرة، الآية: 68] ذلك والمراد لاختلاف الجميع، ورحمة بعضهم خلقهم، وهذا معزوّ إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وان كان الضمير لمن فالإشارة للرحمة بالتأويل السابق. قوله: (وعيد) وفي نسخة وعيده فيكون بيانا لأنها مجاز عن الوعيد وإن قيل إنه يجوز أنه حقيقة بإرادة الكلمة الملقاة للملائكة عليهم الصلاة والسلام، والكلمة بمعناها اللغويّ، وهو الكلام. قوله: (من عصاتهما أجمعين أو منهما أجمعين لا من أحدهما) إشارة إلى دفع ما يسأل عنه في هذه الآية، وآية السجدة: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة السجدة، الآية: 13] كما قال بعض المتأخرين إنّ ظاهرها يقتضي دخول جميع الفريقين جهنم، وخلافه متفق عليه قال وأجاب عنه بعض المفسرين بأن ذلك لا يقتضي دخول الكل بل بقدر ما تملأ به جهنم كما إذا قلت ملأت الكيس من الدراهم لا يقتضي دخول جميع الدراهم في الكيس، ولا يخفى ما فيه فإنه نظير أن تقول ملأت الكيس من جميع الدراهم، وهو يقتضي دخول جميع الدراهم فيه، والسؤال عليه كما في الآية باق بحاله، والحق في الجواب أن يقال المراد بلفظ أجمعين تعميم الأصناف، وذلك لا يقتضي دخول جميع الأفراد كما إذا قلت ملأت الجراب من جميع أصناف الطعام فإنه لا يقتضي ذلك إلا أن يكون فيه شيء من كل صنف من الأصناف لا أن يكون فيه جميع أفراد الطعام كقولك امتلأ المجلس من جميع أصناف الناس لا يقتضي أن يكون في المجلس جميع أفراد الناس بل يكون فيه من كل صنف فرد، وهو ظاهر، وعلى هذا تظهر فائدة لفظ أجمعين إذ فيه ردّ على اليهود، وغيرهم ممن زعم أنه لا يدخل النار اهـ، وإنما أوردت هذا مع طول ذيله لتعلم، وجازة كلام المصنف رحمه الله تعالى، ودقته إذ جمع سؤاله، وجوابه في كلمتين، وقد اعتنى بهذا البحث فضلاء العجم حتى إنّ بعضهم كتب عليه ما لو أوردته لقضيت منه العجب، وحاصل كلام المصنف رحمه الله تعالى أنّ المراد بالجنة، والناس أمّا عصاتهما على أنّ التعريف للعهد، والقرينة عقلية لما علم من الشرع أنّ العذاب مخصوص بهم، وأنّ الوعيد ليس إلا لهم، ولا حاجة إلى تقدير مضاف كما قيل فأجمعين حينئذ ظاهر فإن لم يحمل على العهد، وأبقى على إطلاقه ففائدة التأكيد بيان أنّ ملء جهنم من الصنفين لا من أحدهما فقط، ويكون الداخلوها منهما مسكوتا عنه موكولاً إلى علمه تعالى، وما ذكره المجيب وجه آخر لكن دخول كل صنف غير معلوم، وكذا المراد بالصنف، وهو إما مجاز في اللفظ أو بالنقص وعلى كل حال فأجمعين لا يلائمه وأمّا قول النحاة أنّ أجمعين لا يجوز أن يكون تأكيداً للمثنى فهو إذا كان مثنى حقيقة لا إذا كان كل فرد منه جمعا فانه حينئذ تأكيد للجمع في الحقيقة فلا يرد عليه ما ذكر كما قيل، ولذا قيل إنه لتأكيد النوعين لئلا يختص الحكم بأحدهما، ولا يلزم دخول جميع العصاة فيها إذ ما من عام إلا وقد خص فهو مقيد بقيد مقدر، وهو مما قدر الله أن يدخلها فتأمّل. قوله: (وكل نبا) إشارة إلى أنّ التنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف وقوله تخبرك به تفسير له، وأشارة إلى أنّ كلا مفعول به، ومن أنباء الرسل صفة للمضاف إليه المحذوف لا لكلا لأنها لا توصف في الفصيح كما في إيضاح المفصل، ومن تبعيضية، وقيل بيانية. قوله: (بيان لكلا) أي عطف بيان فالمعنى هو ما نثبت الخ. أو بدل كل أو بعض، وقوله أو مفعول أي ما مفعول به لنقص وكلا منصوب حينئذ على المصدرية أي كل نوع من أنواع الاقتصاص أي اقتصاصا متنوّعا، وجعله عطف بيان تبعا للزمخشري في عدم اشتراط توافقهما تعريفا وتنكيراً فلا يرد عليه الاعتراض به حتى يتكلف له ويقال مراده أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ما نثبت والجملة مفسرة فالبيان البيان المعنوي لا النحوي. قوله: (ما هو حق) أوله بما ذكر ليتناسب المعطوف، والمعطوف عليه، وقيل جعلها اسماً موصولأ لا حرف تعريف ليحصل الانتظام بينه وبين معطوفيه، وفيه نظر، ولا بدّ من بيان وجه يفسره بما ذكره ونكتة للاختلاف تعريفا وتنكيراً فالظاهر أن يقال إنما عرفه لأنّ المراد منه ما يختص بالنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارشاده وتسليته بما هو معروف معهود عنده فلذا عرف بحرف التعريف، وأمّا الموعظة والتذكر فأمر عامّ لم ينظر فيه لخصوصية ففرق بين الوصفين للفرق بين موصوفاتهما، وفي كلام المصنف رحمه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 الله تعالى إشارة إليه، ويشهد له تخصيصه بهذه السورة لأنّ مبناها على إرشاده كما مرّ فما قيل أن تخصيصها للتشريف لأنه جاءه في غيرها فيه نظر، وقوله على حالكم قد مز تحقيقه في تفسير المكانة، وقوله الدوائر أي وقوع الدوائر، وهي ما يخاف ويكره كقوله: {نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} [سورة المائدة، الآية: 52،. قوله: (خاصة لا يخفى عليه خافية) هو بيان لمعنى اللام والاختصاص المستفاد منها ومن التقديم، وكونه لا يخفى عليه خافية من عموم المصدر المضاف فإنه من طرق العموم فأفاد أنه يعلم كا! غيب، وأنه لا يعلم ذلك سواه، وقيا! إنه إذا علم غيبا علم ما سواه إذ لأفاوق، وقوله مما فيهما قيل إشه إشارة إلى أن الاضافة على معنى في. قوله:) فيرجع لا محالة الخ (فهي كلمة جامعة دخا فيها تسليته صلى الله عليه وسلم وتهديد الكفار بالانتقام منهم دخولاً أوليا. قوله: (وفي تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على أنه) أي التوكل إنما ينفع العابد لأنّ تقدّمه في الذكر يشعر بتقدمه في الرتبة أو الوقوع. قوله: (أنت وهم) قيل هو ظاهر في بيان إنّ الاية! ت قبيل التغليب فيكون تفسيره مبنيا على قراءة تعملون بتاء الخطاب الفوقية فلا يناسبه قوله، وقرأ نافع، وابن عامر وحفص الخ الموجود في بعض النسخ، ولذا قيل إنّ الأصح إسقاطه، وليس بشيء لأنه فسره على القراءة المختارة ثم ذكر أنها قرنت بالوجهين فأفي محذور في التصريح بما علم ضمناً. قوله: (من قرأ سورة هود الخ) قد مرّ أنّ هود ممنوع من الصرف في اسم السورة، وأنّ الرواية عليه وهذا الحديث رواه ابن مردويه، والواحدي عن أبيّ رضي الله عنه، وهو موضوع كما ذكره ابن الجوزي في موضوعاته (إلى هنا انتهى) ما أردنا تعليقه على سورة هود بمن من بيده الكرم والجود يسر الله تعالى اتمام ما أردناه، ووفقنا لفهم معاني كلامه على ما يحبه ويرضاه، وأفضل صلاة وسلام على أفضل أنبيائه وعلى آله وأصحابه وأحبائه ما مشت الأقلام على الطروس لخدمة كتابه وسمع صريرها طربا بلذيذ خطابه آمين. سورة يوسف عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) وقيل إلا ثلاث آيات من أوّلها، ولما ختمت السورة التي قبلها بقوله: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ} ذكرت هذه بعدها لأنها من أنبائهم، وقد ذكر أوّلاً ما لقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قومهم، وذكر في هذه ما لقي يوسف من اخوته ليعلم ما قاسوه من أذى الأجانب والأقارب فبينهما أتمّ المناسبة، والمقصود تسلية النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لاقاه من أذى القريب والبعيد. قوله: (مائة وإحدى عشرة) قال الداني بالاتفاق. قوله: (تلك إشارة إلى آيات السورة وهي المراثة بالكتاب (لم يتعرّض للمراد بالر اعتمادا على ما فصله في أوّل البقرة مع ما فيه من الإشارة إلى أنها حروف مسرودة على نمط التعديد لأنها لو كانت أسماء للسورة لصرّج بأنها المشار إليها وحينئذ فالاشارة إلى ما بعده لتنزيله لكونه مترقباً منزلة المتقدم أو جعل حضوره في الذهن بمنزلة الوجود الخارجي كما في قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [سورة الكهف، الآية: 78] والاشارة إلى ما في اللوج بعيد، والاشارة بما يشار به للبعيد أمّا على الثاني فلأنه لما لم يكن محسوسا نزل منزلة البعيد لبعده عن حيز الاشارة أو لعظمه، وبعد مرتبته، وعلى غيره لذلك أو لأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه صار كالمتباعد، وقد مرّ تفصيله: والحر تكفيه الاشارة وقوله وهي المرادة بالكتاب أي المراد به السورة لأنه بمعنى المكتوب فيطلق عليها، ولم يذكر أنّ المراد بها القرآن كما في سورة الرعد اكتفاء بالظاهر، ولايهامه أنها جميع آياته، وليس القصد إليه مبالغة، والقرينة لا تدفع الايهام ولا ينافيه تلك آيات القرآن في النمل لأنّ القرآن يطلق على بعضه كما صرّح به المصنف رحمه الله تعالى فالاعتراض به غفلة عنه، ثم إن فائدة الأخبار حينئذ تقييدها بالصفة المذكورة بعدها، وهي المبين كما أشار له بقوله الظاهر الخ فتأمّل. قوله: أالظاهر أمرها في الاعجاز) بشير إلى أنّ المبين من أبان، وهو يكون لازماً بمعنى ظهر، ومتعدياً بمعنى أظهر فعلى أخذه من الأوّل المراد الظاهر أمرها واعجازها فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع، واستتر وعلى الثاني المفعول لمبين مقدر، وهو أنها من عند الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 أو ما سأله عنه أليهود، وقيل إنه على الأوّل من الاسناد المجازي، ولا تقدير فيه لما يلزمه من حذف الفاعل وهو وهم لأن مثله لا يعد حذفا لوجود ما قام مقامه، وعلى الثاني الاسناد المجازي، وتبيينها أنها من عند الله لأنها تحمل من تدبرها على ذلك أفلا يتدبرون القرآن فالوجوه أربعة، ووجه ترتبها أنّ المقصود اعجازه فلذا قدم الأوّل من وجهي اللزوم والتعدّي وان دلّ الآخر عليه بالأخبار عن الغيب، وقوله في الاعجاز قيل إنه أصاب حيث لم يضف الاعجاز إلى العرب كما في الكشاف، ولا يخفى أن المتحدي هم، والاعجاز بالنسبة إليهم فلا محذور في الاضافة. قوله: (أي الكتاب) السابق ذكره وقيل خبر يوسف عليه الصلاة والسلام، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أظهر، وقوله سمي البعض قراناً أي أطلق على البعض، وهو هذه السورة القرآن الذي هو عبارة عن مجموع السور بحسب الظاهر المتبادر لأنّ القرآن اسم جنس يشمل القليل، والكثير فكما يطلق على الكل يطلق على البعض لكنه غلب على الكل عند الاطلاق معرفا لتبادره منه، وهل وصل بالغلبة إلى حذ العلمية أو لا ذهب المصنف رحمه الله تعالى إلى الأوّل فيلزمه الألف، واللام ومع ذلك لم يهجر المعنى الأؤل، وما وقع في كتب الأصل من أنه وضع تارة للكل خاصة، وتارة لما يعمّ الكل والبعض أعني الكلام المنقول في المصحف تواتراً فافيه نظر لأن الغلبة ليس لها وضع ثان، وإنما هي تخصيص لبعض أفراد الموضوع له، ولذا لزمته اللام أو الإضافة إلا أن يدعي أن فيها وضعا تقديريا. قوله: (ونصبه على الحال الخ) محصله أنه إما حال بعده حال أو قرآنا بمعنى مقروء فيه ضمير مستتر، وعربياً حال من الضمير المستتر فهي متداخلة أو قرآنا حال، وعربياً صفته، وحينئذ فهي إما موطئة أو غير موطئة لأنها إن أبقيت على جمودها من غير تأويل بالمشتق موطئة لأن المقصود بالحالية وصفها إذ هي لا تبين هيئة، وان أوّلت به فغير موطئة لأن معنى التوطئة أنها تبين أن ما بعدها هو المقصود بالحالية لا أنها حال موصوفة لعدم دلالتها على الهيئة، ولذا عرف النحاة الحال الموطئة بأنها الجامدة الموصوفة نحو: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [سورة مريم، الآية: 17] ومعنى قوله في نفسه بقطع النظر عما بعده، وعن تأويله بالمشتق، وقوله بمعنى مفعول أي مقروء ومجموع وقيل قرآنا بدل من الضمير وعربيأ صفته. قوله:) علة لائزاله بهذه الصفة الخ (أي حكمة له بمنزلة العلة لأنّ أفعاله لا تعلل بالأغراض أو مستعملأ استعمال العلة لأنّ لعل تستعمل بمعنى لام التعليل على طريق الاستعارة التبعية كما مرّ في البقرة، وجعلها للرجاء من جانبهم لا يناسب المقام، وان كان جائزاً كما قيل، وقوله مجموعا أو مقروء بيان لمحصل المعنى، ويتحمل أن يكون إشارة إلى ترجيح جعله قرآنا حالاً غير موطئة، وقوله كي تفهموه، وتحيطوا بمعانيه منالسب لتفسير المبين الثاني، والرابع وتستعملوا فيه عقولكم ملائم للثالث، ولكنه لا يختص! بشيء منها حتى يكون تأكيدا وقوله اقتصاصه أي الكتاب كذلك معجزة من معجزاته بئ لاخباره بالمغيبات. قوله:) أحسن الاقتصاص الخ (فيه وجهان أحدهما أن يكون مفعولاً به لنقص إن كان القصص مصدرا بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق أو صف مشبهة على فعل كقبض، ونقض بمعنى مقبوض ومنقوض! أي نقص عليك أحسن الأشياء المقصوصة، والثاني أن يكون منصوبا على المصدر لاضافته إلى المصدر أو لكونه في الأصل صفة مصدر أي قصصا أحسن القصص، ومفعوله محذوف أي نقص ما سيذكر أحسن قصص! أو هذا القرآن، والى الوجهين أشار المصنف رحمه الله تعالى لكنه ترك احتمال كونه مصدرا بمعنى مفعول قيل، وقوله أحسن ما يقص إشارة إلى أنّ اللام حينئذ موصولة ليصح وقوعه مضافا إليه فتأقل. قوله: الاشتماله على العجائب الخ) يعني أنه أحسن في بابه لأنه ليس أحسن من قصة النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه أحسن في سمته لاشتماله على سير الملوك والمماليك، ومكر النساء، والصبر على أذى الأقارب والعفو بعد الاقتدار، وغير ذلك مما يعرفه من وقف على معاني السورة، وأصل معنى القص اتباع الأثر، ومنه قص الحديث لأنه يذكره ويتبع ما وقع فيه ومعانيه دائرة عليه ومثله التلاوة أصلها الاتباع وقوله بايحائنا إشارة إلى أنّ ما مصدرية، والباء سببية. قوله: (ويجورّ أن يجعل هذا مفعول نقصى الخ) أي كما يجوز جعله مفعول أوحينا على أنّ مفعول نقص أحسن القصص أو محذوف بناء على المذهبين في التنازع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 إذ هذا منه إذا لم يكن أحسن القصص! مفعولأ واخضار أعمال الثاني ترجيحا للقول به، ولأنّ تعلق الوحي به أظهر من تعلق القصص باعتبار ما اشتمل عليه، ويجوز تنزيل أحد الفعلين منزلة اللازم. قوله: (لم تخطر بيالك الخ) أسقط تفسير الزمسخثرفي له بقوله من الجاهلين به لأنه دمان كان مراداً وقد عبر الله بالغافلين توقير النبي صلى الله عليه وسلم بل لم يسمه غافلا بل نسب الغفلة إلى من هو بين أظهرهم فما بال مثله يترك الأدب، والتبرّك بأخلاق الله لكن لكل جواد كبوة، وليس لنا حاجة إلى ذكر ما اعتذر به فإنه يكفيك من شرّ سماعه. قوله: (وهو تعليل لكونه موحى) أي أوحي إليك لأنه لم يخطر ببالك، ولم يطرق سمعك الكريم تفصيله لكن الأكثر فيما يرد للتعليل ترك العطف. قوله: (بدل من أحسن القصص الخ) فهو بدل اشتمال لاشتمال المظرف على المظروف، ولم يجوّز البدلية على المصدرية لأنّ المقصوص هو الواقع في ذلك الوقت لا الاقتصاص على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر فالمانع فيه عدم صحة المعنى، وقيل المانع بحسب العربي لأنّ أحسن الاقتصاص مصدر فلو كان بدلاً، وهو المقصود بالنسبة لكان مصدراً أيضاً، وهو غير جائز لعدم صحة تأويله بالفعل، وأورد على التعليل الأوّل أنه وان لم يشتمل الوقت على الاقتصاص فهو مشتمل على المقصوص فلم لم تجز البدلية لهذه الملابسة ورذ بأن مطلق الملابسة لا يصحح الابدال، والا لصح إبدال كل شيء بل المراد بالملابسة أن يكون البدل صفة للمبدل منه كأعجبني زيد حسنه أو يحصل بحسبه صفة له كسلب زيد ثوبه، وأعجبني عمر، وسلطانه لحصول صفة المالكية، والملابسة والوقت لا ملابسة فيه للاقتصاص بهذا المعنى اهـ، والذي حزره النحاة بعد الخلاف في أنّ المشتمل الأوّل أو الثاني أو العامل أنه لا يكتفي بهذا القدر بل التحقيق ما قاله نجم الأئمة الرضي أنّ الاشتمال ليس كاشتمال الظرف على المظروف بل لكونه دالاً عليه إجمالاً ومتقاضيا له بوجه ما بحيث تبقى النفس عند ذكر الأوّل متشوّقة إلى الثاني منتظرة له فيجيء الثاني مبيناً لما أحمل فيه فإن لم يكن كذلك يكن بدل غلط فالوجه أن يقال في عدم صحته أنّ النفس إنما نتشوّق لذكر وقت الشيء لا لذكر وقت لازمه فلذا لم يصح جعله بدلاً من الاقتصاص لأنّ الملابسة بينه وبين وقته، وهذا ليس وقتا له فلو أبدل منه فسد المعنى، وأمّا توجيهه بأنه لو أبدل لكان مصدراً فليس بصحيح أيضاً لأنّ المصدر كما يكون ظرفاً نحو أتيتك طلوع الشمس يكون الظرف أيضا مصدراً ومفعولاً مطلقاً لسدّه مسد المصدر كما في قوله: ألم تغتمض عيناك ليل أرمدا فانهم صرّحوا كما في التسهيل وشروحه أنّ ليلة مفعول مطلق أي اغتماض ليلة أرمد فما ذكره من حديث الفعل من الأوهام الفارغة نعم إذا ناب عن المصدر ففي كونه بدل اشتماله شبهة، وهو شيء آخر غير ما ذكر. قوله: (وبقي هنا بحث) في كلام الرضي لعل النوبة تفضي إليه. قوله: (بدل الاشتمال) زاد في الكشاف لأن الوقت مشتمل على القصص، وهو المقصوص فإذا قص وقته فقد قص فقيل إنه جوإب سؤال وهو أنه إذا كان بدلاً من المفعول به يكون الوقت مقصوصا، ولا معنى له فأجاب بأن المراد لازمه وهو اقتصاص قول يوسف عليه الصلاة والسلام فإن اقتصاص وقت القول ملزوم لاقتصاص القول لكنه أورد عليه أن يكون بدل بعض أو كل لا اشتمال وليس كما قال وإنما يلزم ما ذكر لو كان الوقت بمعنى القول وهو إمّا عبن المقصوص أو بعضه أمّا لو بقي على معناه وجعل مقصوصا باعتبار ما فيه فلا يرد ما ذكره فتأئل، وقوله منصوب بناء على تصرّفه، وذكر الوقت كناية عن ذكر ما حدث فيه وقيل إنه منصوب يقال يا بنيّ. قوله: (ويوسف عبريّ الخ) أي أنه علم أعجمي إذ العجمة ما عدا العربية ولو لم يكن عبرانياً انصرف لأنه ليس فيه غير العلمية، وليس فيه وزن الفعل للقراءة المشهورة، وهي ضم الياء والسين فإنها تأباه إذ ليس لنا فعل مضارع مضموم الأوّل، والثالث ومثله يون! ، والتلعب كثرة التغيير فيه شبه بالكرة ونحوها مما يلعب به فتتداوله الأيدي ولذا قالوا: أعجمي فالعب به ما شئتا وقوله من آسف بالمد أصله " سف فأبدلت المدة الثانية ألفاً يعني أنه يكون من الأفعال لضم الياء، وهذا على تسليم عربيته لشبهة أنه يتأسف عليه لقوله يا أسفا على يوسف، وفي الصحاح يقفر بضم الياء علم ينصرف لأنه قد زال عنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 شبه الفعل اهـ، وهو مذهب سيبويه، وخالفه الأخفش فيه فمنع صرفه لعروض الضم للاتباع كذا قال النحاة: فإن قلت فما بالهم لم يجروا هذا الخلاف في يونس، ويوسف، وهو مثل يعفر قلت قالوا إنه لم يجر فيهما لتحقق منع صرفهما للعلمية، والعجمة، ولو كان عربياً لجرى فيه الخلاف فكلام المصنف رحمه الله على مذهب سيبويه رحمه الله تعالى ويوسف ويونس مثلثا السين، والنون وبها قرىء شذوذاً. قوله:) وعنه عليه الصلاة والسلام) هو حديث صحيح رواه البخاري، والكريم مرفوع مبتدأ أو ابن الأوّل مرفوع صفته، والثاني والثالث مجروران صفة الكريم، وكذا يوسف مرفوع خبره، وابن الأوّل صفته، والثاني والثالث مجروران صفة للاسمين المجرورين بالفتح لمنع الصحرف، والمراد بالكرم كرم النسب لتوالي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في نسبه. قوله: (أصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث الخ (هذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: التاء للتأنيث، وياء الاضافة مقدرة بعدها، ويأباه فتحها، وعدم سماع أبتي في السعة، وقوله لتناسبهما في الزيادة أي في كون كل منهما من حروف الزوائد وفي كون كل منهما يضم إلى الاسم في آخره وقيل إن الياء أبدلت تاء لأنها تدل على المبالغة، والتعظيم في نحو علامة والأب والأمّ مظنة التعظيم، وقوله ولذلك قلبها هاء الخ دليل لكونها تاء تأنيث لا للعوضية لأنّ دليلها ما ذكرناه، وخطىء في نسبة الوقف بالهاء إلى أبي عمر ولأنّ الواقف بها ابن كثير وابن عامر والباقون وقفوا بالتاء وقوله، وكسرها لأنها عوض حرف يناسبها مبتدأ وخبر أي كسر التاء لأنها عوض عن الياء التي هي أخت الكسرة فحرّكت بحركة تناسب أصلها لا لتدل على الياء حتى يكون كالجمع بين عوضين أو بين العوض والمعوّض، وجعل الزمخشري هذه الكسرة كسرة الياء زحلقت إلى التاء لما فتح ما قبلها للزوم فتح ما قبل تاء التأنيث. قوله: (وفتحها ابن عامر في كل القرآن الخ) أي لأنّ أصلها، وهو الياء إذا حرّك حرك بالفتح، وان اختلف في أصلها هل هو البناء على السكون لأنه الأصل في كل مبني أو الفتح لأنه أصل ما كان على حرف واحد وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما، وقوله أو لأنه يعني أصلها أي أصل هذه الكلمة يا أبتا بأن قلبت الياء ألفا، ثم حذفت، وأبقيت فتحتها دليلا عليها، وكون أصلها هذا ضعيف عند النحاة لأنّ يا أبتا ليس بفصيح حتى قيل إنه يختص بالضرورة مثل يا أبتي كقوله: يا أبتا علك أو عساكا وقيل لأنّ الألف خفيفة لا تحذف، وكونها ألف ندبة أو زائدة ضعيف، وقوله جمع بين العوض! ، والمعوّضى بخلاف يا أبتا فإنه جمع بين عوضين وقوله، وقرىء بالضم هي ضعيفة رواية ودراية لأنّ ضم المنادي المضاف شاذ، وقوله وإنما لم تسكن أي التاء مع أنّ الياء المعوّض عنها تسكن لأنّ الياء حرف معتل تنقل حركته في الجملة، ولذا لم يسكن من الضمائر غير الياء، وقوله منزل منزلة الاسم لأنها عوضى عن اسم، وليست اسما، وجعلها الزمخشري اسما مسامحة فأشار المصنف به إلى مراد من سماها اسماً، ومن قال به جعلها بدلاً من الياء لا عوضاً، والاسم إذا كان على حرف واحد وأبدل لا يخرج عن الاسمية. قوله: (من الرؤيا لا من الرؤية لقوله {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ} الخ (يعني كلاهما مصدر لرأي لكن فرق بين كونها بصرية بجعل مصدرها رؤية، وحلمية بجعله رؤيا والدليل على أنّ الفعل هنا فعل الحلمية تصريحه بمصدره فيما سيأتي، وهذا بناء على المشهور من أنّ الرؤيا لا تكون إلا مصدراً لحلمية، ولذا خطىء المتنبي في قوله: ورؤياك أحلى في العيون من الغمض وذهب السهيلي وبعض علماء اللغة إلى أنّ الرؤيا سمعت من العرب بمعنى الرؤية ليلا أو مطلقا، وكلام المصنف رحمه الله تعالى مخالف له، وترك ما في الكشاف، وغيره من أنه لو كان حقيقة، وهو أمر خارق للعادة لشاع وعد معجزة ليعقوب عليه الصلاة والسلام أو ارهاصا ليوسف عليه الصلاة والسلام لجواز أن يكون ليلا والناس غافلون في زمن يسير والصحيح أنها منام، والبحث في مثله لا طائل تحته. قوله: (روي عن جابر رضي الله تعالى عنه الخ) هذا الحديث اً خرجه جماعة كابن أبي حاتم، والحاكم، وجماعة من المفسرين واختلف في صحته فقال أبو زرعة، وابن الجوزي أنه منكر موضوع، وقال الحاكم: إنه صحيح على شرط مسلم، وذكروا أنّ اسم اليهودي سنان، وتعيين هذه الكواكب وضبط أسمائها لم يتعرّضوا له هنا، ولم أره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 في كلام من يوثق به، وجريان بفتح الجيم، وكسر الراء المهملة، وتشديد الياء منقول من اسم طوق القميص والطارق معلوم ما يطلع ليلاً، والذيال من ذوات الأذناب وقابس بقاف وموحد وسين مقتبس النار وعمودان تثنية عمود، والفليق نجم منفرد، والمصبح وما يطلع قبيل الفجر، والفرغ بفاء وراء مهملة ساكنة وغين معجمة نجم عند الدلو ووثاب بتشديد المثلثة سريع الحركة، وذو الكتفين تثنية كتف نجم كبير، وهذه نجوم غير مرصودة خصت بالرؤيا لغيتهم عنه، وكان بين رؤياه ومسير إخوته إليه أربعون سنة، وقيل ثلاثون سنة، وفي الكشاف أخر الشمس والقمر ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص بيانا لفضلهما واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع كما أخر جبريل وميكائيل عن الملائكة ثم عطفهما عليها لذلك، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع أي رأيت الكواكب مع الشمس والقمر، وتركه المصنف رحمه الله لأنه قيل عليه إنّ أحد عشر كوكبا يتناول الشمس، والقمر فليس من القبيل المذكور وانّ النحاة اتفقوا على أنّ عمرا في نحو ضربت زيدا وعمرا لا يصح أن يكون مفعولاً معه لظهور العطف الذي هو الأصل من غير مانع منه، وأجيب بانّ التناول غير لازم لأنّ إفادته المبالغة من العطف الدال على المغايرة، والتنبيه على أنهما من جنس أشرف، وقد كان يمكنه أن يقول ثلاثة عشر كوكبا فلما عطف دل على فرط اختصاص واهتمام بشأنهما لزيادة الفائدة لاخراجهما عن ذلك الجنس، وجعلهما متغايرين بالعطف، والعدول عن مقتضى الظاهر كما في المستشهد به، وإن كان الوجه مختلفا، وفي بعض الحواشي، وتخصيصهما بالذكر، وعدم الادراج في عموم الكواكب لاختصاصهما بالثرف، وتأخيرهما لأنّ سجودهما أبلغ وأعلى كعباً فهو من باب لا يعرفه فلان ولا أهل بلده، وقيل إنه رشح معنى الاختصاص بالمبالغة في التغاير كأنهما جنسان لا فاضل بينهما ولا مفضول، وهو وجه حسن أيضاً وإنما لم يرد على أسلوب غيره لأنّ ذكر العدد لأمر مقصود يفوت بتركه لأنه به تطابق الرؤيا، والتعبير، وأمّا أمر المعية فغير مسلم، ولو سلم فواو العطف تدل على المعية، وهو أصل معناها ولذا صرّح به في قوله: {أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ} [سورة المائدة، الآية: 36] وفيه تأمّل. قوله:) استئناف لبيان حالهم الخ (جعله بعضهم تأكيداً للأولى تطرية لطول العهد كما في قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 35] وبه يسلم من أن رأي الحلمية كالعلمية تتعدى لمفعولين، ولا يحذف ثانيهما اقتصارا، وعلى الوجه الأوّل يلزم حذفه من رأيت الأولى، واختار المصنف رحمه الله تبعا للزمخشريّ أنه جواب سؤال مقدر فيكون تأسيسا وهو أولى من التأكيد، وأفا الاعتراض! عليه بما مرّ فلعله لا يراه متعديا لمفعولين، وساجدين عنده حال أو يقول بجواز ما منعوه فيها. قوله: (وإنما أجريت مجرى العقلاء) يعني في ضميرهم، وجمع صفتهم جمع مذكر سالم، وصفات العقلاء هي السجود، وهو إتا استعارة مكنية بتشبيههم بقوم عقلاء مصلين والضمير، والسجود قرينة أو أحدهما قرينة تخييلية، والآخر ترشيح أو استعارة تصريحية، والتصغير هنا يدل على الشفقة ولذا سماه النحاة تصغير التحبيب كما قال بعض المتأخرين: قد صغر الجوهر في ثغره لكنه تصغير تحبيب. قوله: (فيحتالوا لإهلاكك حيلة الخ (إشارة إلى أنّ كاد متعدّ بنفسه كما في قوله فكيدوني، وجعل اللام زائدة كجعله مما يتعدى بنفسه، وبالحرف خلاف الظاهر فلذا حمله على تضمين ما يتعدى بها، وهو الاحتيال فيقيد معنى الفعلين معاً فيكون هذا توطئة لما سيأتي، ويحتمل أن يريد أن الكيد والحيلة متقاربان فحمل على مناسبه في التعدية، وهو وجه آخر لكن الظاهر الأوّل، ويكيدوا منصوب في جواب النهي، وكيداً مصدر مؤكد، وقيل إنه مفعول به، ومعناه يصنعون لك كيداً، وهو ما يكاد به فلك حال أو اللام للتعليل، وفهم يعقوب عليه الصلاة والسلام ذلك لعلمه بالتعبير، ولدلالة خضوع الإجرام العلوية له على ذلك، وقوله أن الله يصطفيه لرسالته أي لنبوّته لأنه لم ينقل له شريعة مستقلة فكونه فوق إخوته إفا بالملك أو لتفاوت مراتب النبوّة، وخوفه حسدهم إما لعلمهم بالتأويل أو لاحتمال تعب بينهم لذلك. قوله: (والرؤيا كالرؤية (ليس المراد التشبيه في تمام المعنى، وجميع الوجوه بل في كونها مصدر رأي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 إلا أن الرؤية مصدر رأي البصرية الدالة على إدراك مخصوص، والرؤيا مصدر رأي الحلمية الدالة على ما يقع في النوم سواء كان مرئيا أو لا وهو قول تقدم ما يخالفه فلا يرد عليه شيء كما توهم ففرق بين مصدر المعنيين بالتأنيثين كالقربة للتقزب المعنوي بعبادة ونحوها، والقربى للنسبي. توله: (وهي (أي الرؤيا انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة الخ. قيل عليه لا يلزم في الرؤيا الانحدار من المتخيلة لأن الإنسان إذا أدرك شيئأ وبقيت صورة ذلك المدرك في الخيال فبعد النوم ترتسم في الحس المشترك تلك الصورة التي بقيت مخزونة في الخيال، وهي من أقسام الرؤيا مع أنه لا يصدق التعريف المذكور عليها ولا مجال لأن يقال التعريف للصادقة منها لمكان قوله، والصادقة منها الخ. ثم إن ما ذكره مبنيئ على أصول الفلسفة، وقول المتكلمين في الرؤيا غير ذلك (قلت (هذا غير وارد كما بينه النفيسي في شرح الأسباب والعلامات حيث قال إذا ضعف الخيال بالنوم لم يحفظ الصور في اليقظة على المجرى الطبيعي حتى تتصزف فيها القوّة المتخيلة، وتلقيها على الحس المشترك فتنعكس إليه منه ثانيا فيتذكر عند اليقظة وتفصيل الحواس، وبيان معانيها مفصل في محله فإن قلت المنقول عن المتكلمين إن النوم مضاذ للإدراك وأن الرؤيا خيالات باطلة، وكيف يصح هذا القول مع شهادة الكتاب، والسنة بصحة الرؤيا قلت دفع هذا بأن مرادهم أن كون ما يتخيله النائم إدراكاً بالبصر رؤية وكون ما يتخيله إدراكا بالسمع سمع باطل فلا ينافي حقيته بمعنى كونه أمارة لبعض الأشياء لذلك الشيء بنفسه أو ما يضاهيه، ويحاكيه فتأمل والانطباع مجاز مشهور في الارتسام في القوى الباطنة، وأفق المتخيلة استعارة لتلك القوّة، والملكوت عالم الملكوت، والتناسب هو التجزد، وعند فراغها متعلق باتصال، وقوله أدنى فراغ لعدم قطع العلاقة كما في الموت، وقوله فتتصوّر أي يحصل لها صورة، وإدراك وتحاكيه بمعنى تحكيه أو تشابهه بصورة أخرى وقوله، ثم إن كانت أي تلك الصورة، وقوله بالكلية أي في المبادي، والجزئية في الحس المشترك، واستغناؤه عن التعبير في الأغلب ألا ترى إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه لما رأى ذبح ابنه عبر له بالقربان مع شدة مناسبته، ولذا أراد ذبحه بناء على أغلب حاله فتأمّل. قوله: (وإنما عدى كاد باللام) قد مرّ تقريره، وقوله تأكيدا يعني أن التضمين لتأكيد المعنى بإفادة معنى الفعلين جميعا، وقوله ولذلك أي لكون القصد التأكيد والمقام مقامه، وقوله وعلله الخ لأن بيان علة الشيء تفيد نوع تقرير له. قوله: (ظاهر العداوة) بيان لأن مبين من أبان اللازم، وقوله فلا يألو جهداً الخ. بيان لكونه تعليلا لما قبله وقوله، وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الخ هذا جرى على ما سلف من تغاير المشبه والمشبه به، والزمخشري يجعل المشبه، والمشبه به مصدر الفعل المذكور، وكذلك في محل نصب صفة لمصدر مقدر، وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، وقوله أو لأمور عظام فيكون المعنى أعمّ مما قبله، ويشمل إغناء أهله ودفع القحط ببركته، ويجتبى بمعنى يختار من الجباية لأنه إنما يجتبى ما يطلب، ويختار. قوله: (كلام مبتدأ الخ (أي مستأنف، وقوله وهو يعلمك على عادتهم في تقدير المبتدأ فيما يستأنف، ولذا قيل إنه يحتمل الحالية بتقدير المبتدأ أيضاً لأنّ الجملة المضارعية لا تقترن بالواو. قوله: (خارج عن التشبيه) قيل لأنّ الظاهر أن يشبه الاجتباء بالاجتباء، والتعليم غير الاجتباء فلا يشبه به، وفيه نظر لأنّ التعليم نوع من الاجتباء، والنوع يشبه بالنوع، وقيل إنه يصير المعنى، ويعلمك تعليما مثل الاجتباء بمثل هذه الرؤية ولا يخفى سماجته فإن الاجتباء وجه الشبه، ولم يلاحظ في التعليم ذلك) قلت (ولا مانع من جعله داخلا فيه على أنّ المعنيّ بذلك الإكرام بتلك الرؤيا أي كما أكرمك بهذه المبشرات يكرمك بالاجتباء، والتعليم ولا تكلف فيه بجعله تشبيهيا، وتقدير كذلك والرأي بضم الراء وفتح الهمزة وألف مقصور جمع رؤيا ووقوع في نسخة الرؤيا لأنها مصدر يصدق على الكثير. قوله: (لآنها أحاديث الملك إن كانت صادقة الخ (هذا مذهب المحدثين فيها، وما مرّ مذهب الحكماء، وهذا تعليل لإطلاق الأحاديث على المنامات وأحاديث النفس، والشيطان مجاز عن الوسوسة، والخيالات، ولذا سموها دعابة الشيطان، وعلى التفسير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 الآخر فالأحاديث على ظاهرها. قوله:) وهو اسم جمع للحديث الخ) ولا ينافي هذا قوله في سورة المؤمنين في تفسير قوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سورة المؤمنون، الآية: 44] إنه اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة إذا تأمّلت الفرق بينهما، وهذا مبنيّ على قول الفراء أن الأحدوثة تكون للمضحكات، والخرافات بخلاف الحديث فلا يناسب هنا، ولا في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون جمع أحدوثة، ولذا قال ابن هثام رحمه الله الأحدوثة من الحديث ما يتحدث به ولا يستعمل إلا في الشرّ، وقال المبرد إنها ترد في الخير وأنشد قول جميل: وكنت إذا ما جئت سعدى أزورها أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها من الخفرات البيض ودّ جليسها إذا ما انقضت أحدوثة لو يعيدها ولما نقل كلام الفراء السهيليّ تعجب منه، وقال كيف لم يذكر هذا الشعر وهو مما سار وغار فإن قلت كيف يكون اسم جمع على تسليم كلام الفراء وقد شرط النحاة في اسم الجمع أن لا يكون على وزن يختص بالجموع كمفاعيل وأفعال وهذا مما اتفق عليه قلت سيأتي عن صاحب الكشف أنّ الزمخشريّ كفيره يطلق اسم الجمع على الجمع المخالف للقياس كليال، وأهال فلا يخالف كلام الكشاف هنا قوله في المفصل قد يجيء الجمع مبنيا على غير واحده كأباطيل، وأحاديث كما قيل، وقيل إنهم جمعوا حديثا على أحدوثة ثم جمعوا الجمع على أحاديث كقطيع، وأقطعة وأقاطيع. قوله: (بالنبوّة الخ) هذا ناظر إلى الوجه الثاني في جمع اجتبائه لعظائم الأمور لئلا يتكرر وعلى تفسير تمام النعمة بإيصال نعم الآخرة ظاهر والتأويل من الأول، وهو الرجوع إلى الأصل، والردّ إلى الغاية المرادة منه قولاً أو فعلا إما بتفسيره أو بوقوعه فمن الأوّل قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} ومن الثاني يوم يأتي تأويله، وقوله: وللنوى قبل يوم البين تأويل كذا حققه الراغب. قوله: (ولعله استدلّ على نبوّتهم بضوء الكواكب) يعني بمقتضى تعبير الرؤيا، وما عنده من علمها، وهذا بناء على تفسيره الإتمام بالنبوّة، وليس هذا استدلالاً عقليا حتى يقال تمثيلهم بالكواكب إنما يدل على كونهم هادين للناس، وقوله أو نسله بالنصب عطف على سائر أي ذزيته، وهو شامل لأولاد أولاده، وقوله بالرسالة إشارة إلى أنّ الأبوين بمعنى الأب، والجد أو الجد وحده، وكون الذبيح إسحق عليه الصلاة والسلام على رواية، والمشهور أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قوله: (عليم بمن يستحق (قيل إنّ هذا مبنيّ على مذهب الحكماء من أنّ النبوّة، والرسالة من الأمور المكتسبة بالتصفية والتكميل، وليس مذهب أهل السنة، ولا وجه لما قاله فإنه ظاهر في خلافه، وسيأتي ما في قوله الأجسام متماثلة في سورة الإسراء، وقد مرّ الكلام عليه في سورة الأنعام في تفسير قوله: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سورة الأنعام، الآية: 124] . قوله: (دلائل قدرة الله تعالى وحكمته الخ) أي المراد ما وقع في تلك القصة أو أن في ذلك علامات على نبوّة النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لمن سأل عن قصتهم الخ أي وعرفها متعلق بالوجهين ويجوز أن يجعلا وجها واحدا كما قال أبو حيان رحمه الله تعالى: الذي يظهر أنّ الآيات هي الدلالات على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أظهره الله تعالى في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام من عواقب البغي، وصدق رؤياه، وتأويله وضبط نفسه، وقهرها، وقيامه بالأمانة، وحدوث السرور بعد اليأس وبه يظهر معنى الجمع، وعلى الوجه الثاني الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى يكون وجهه إخباره بما طابق الكتب من غير سماع، ولا قراءة كتب مع ما فيما قصه من الإعجاز لفظاً، ومعنى، وقيل جمع لاشتماله السور على قصص أخر. قوله: (والمراد بإخوته علانه العشرة الخ) قيل عليه فيه أن العلات هم الأخوة لأب كما أنّ الأعيان الأخوة لأب وأمّ، والأخياف لام والعلات على ما عده أحد عشر، وقد وقع في بعض النسخ الإحدى عشرة لكن المشهور أنهم عشرة، وليس فيهم من اسمه دينة، وقيل كانت دينة أخت يوسف عليه الصلاة والسلام، وقوله هم عبارة عن مطلق علاته لا مقيدة بكونهم عشرة، والعلات يتناول الإناث أيضا، ولا محصل له فدفعه أنّ الأخوة جمع أخ فهو مخصوص بالذكور فلا يضر ذكر أخته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 وكونهم بها أحد عشر، وعلى النسخة الأخرى هو من التغليب فلا غبار في كلامه، وقوله من بنت خالته أي خالة يعقوب عليه الصلاة والسلام، وقوله: تزوّج أختها أي أخت ليا أو بنيامين، المشهور فيه كسر الباء، وصححه بعضهم بضمها، وقوله رّلفة وبلهة اسم السريتين، وقوله: وتخصيصه بالإضافة الخ. يعني أنّ الجميع إخوته، لكن الإخوّة من الجانبين الأب والأم أقوى، فلذا خص به ولم يذكره باسمه إشعارا بأنّ محبة يعقوب عليه الصلاة والسلام له لأجل شقيقه يوسف، ولهذا لم يتعرضوا له بشيء مما وقع بيوسف. قوله: (وحده الخ) أي أتى به مفرداً، وهو فعل ماض مشدد الحاء إشارة إلى القاعدة المشهورة في النحو، وكونه جائزاً في المضاف إذا أريد تفضيله على المضاف إليه، فإذا أريد تفضيله مطلقاً فالفرق لازم، وأحب أفعل تفضيل من المبنيّ للمفعول شذوذاً، وأفعل من الحب والبغض يعذى إلى الفاعل معنى بإلى وإلى المفعول باللام، وفي تقول زيد أحبّ إليّ من بكر إذا كنت تكثر محبته، ولي وفيّ إذا كان يحبك أكثر من غيره. قوله: (والحال أنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة) إشارة إلى أنّ الجملة حالية، وقوله أقوياء إشارة إلى أنّ العصبة ليس المراد بها مجرد العدد، بل الدلالة على القوّة ليكون أدخل في الإنكار لأنهم قادرون على خدمته، والجذ في منفعته فكيف يؤثر عليهم من لا يقدر على ذلك، وفي عدد العصبة خلاف لأهل اللغة، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أحد الأقوال فيها وقوله: لأنّ الأمور تعصب بهم أي تشذ فتقوى، وقوله: لتفضيله المفضول يشير إلى أنّ مرادهم بالضلال خطأ الرأي وعدم الاهتداء إلى طريق الصواب، لا ما يتبادر منه فيكون سوء أدب، ونسبة النبيّ المعصوم إلى ما لا يليق به، والجملة الاسمية المؤكدة، وجعل الضلال ظرفا له لتمكنه فيه، ووصفه بالمبين إشارة إلى أنه غير مناسب له ذلك، والمخايل بالياء لا بالهمزة جمع مخيلة وهي الإمارة، والعلامة من خال بمعنى ظن أي زيادة محبته له، لأنّ فيه مظنة لعلوه مقامه لا لما توهمه إخوته من أنه مجرّد ميل بلا سبب، كما هو المعتاد في زيادة الميل لأصغر البنين، وضمير ضاعف ليعقوب عليه الصلاة والسلام، وله ليوسف صلى الله عليه وسلم، والتعرّض له ما فعلوه به. قوله: (من جملة المحكي بعد قوله إذا قالوا الخ) إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وليس التقدير، وقال رجل غيرهم شاوروه في ذلك، كما قيل وقوله كأنهم اتفقوا توجيه لإسناده إلى الكل، وقوله إلا من قال إشارة إلى أنّ الإسناد بالنظر إلى ا! ر وأنه في حكم المستثنى، وقوله: وقيل إنما قاله شمعون أحد الأخوة، وقيل: دان وهو أحدهم أيضا كما مز، وقوله ورضي به الآخرون توجيه لنسبة القول الصادر من واحد إليهم، لأنهم لما رضوه فكأنهم قائلون كما مرّ. قوله: (منكورة بعيدة من العمران الخ (منكورة بمعنى مجهولة لا يهتدي إليها، ولذا نكرت ولم توصف فترك الوصف، والتنوين في قوّة الوصف بما ذكر، واختلف في نصبه فقيل على نزع الخافض كقوله كما عسل الطريق الثعلب، وقيل على الظرفية، واختاره المصنف تبعاً للزمخشري ورده ابن عطية وغيره بأنّ ما ينتصب على الظرفية المكانية لا يكون إلا مبهما، ودفع بأنه مبهم إذ المبهم ما لا حدود له والأرض! المبهمة كذلك، وفيه نظر يعرفه من وقف على معنى المبهم عند النحاة، وقيل إنه مفعول به لأنّ المراد أنزلوه فهو كقوله: {أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا} [سورة المؤمنون، الآية: 29] والمراد إن تأثمتم من قتله فغرّبوه فان التغريب كالقتل في حصول المقصود مع السلامة من إثم القتلى، وقوله وهو معنى تنكيرها أي لا أيّ أرض! كانت. قوله:) والمعنى يصف لكم وجه أبيكم الخ) يصف بمعنى يخلص، والوجه الجارحة المعروفة، ويعبر به عن الذات أيضاً فلذا ذكر فيه وجهان في الكشف أحدهما أنه كناية عن خلوص محبته لهم لأنه يدل على إقباله عليهم إذ الإقبال يكون بالوجه، والإقبال على الشيء لازم لخلوص المحبة له ففيه انتقال من اللازم إلى الملزوم بمرتبتين فالوجه بمعناه المعروف، والكناية تلويحية، والى هذا أشار بقوله يصف الخ، وإذا كان الوجه بمعنى الذات كان الانتقال بمرتبة فهو كناية إيمائية، وإليه أشار بقوله بكليته، والثاني أنه كناية عن التوجه، والتقيد بنظم أحوالهم، وتدبير أمورهم، وذلك لأنّ خلوه لهم يدل على فراغه عن شغل يوسف عليه الصلاة والسلام فيشتغل بهم، وينظم أمورهم، والوجه على هذا بمعنى الذات، واليه أشار بقوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 ولا ينازعه في محبته أحد أي لا يشغله شاغل عنكم، وقيل إنه اختار أنّ الوجه بمعنى الجارحة مطلقا وفيه نظر. قوله:) أو نصب بإضمار ان) يعني يجوز فيه الجزم عطفا على جواب الأمر، والنصب بعد الواو الصارفة بإضمار أن أي يجتمع لكم خلو وجهه والصلاج، وقوله من بعد يوسف عليه الصلاة والسلام والفراغ من أمره، وفي نسخة أو الفراغ فعلى الأولى الضمير ليوسف عليه الصلاة والسلام، ومعنى كونه بعده بعد الفراغ من الاشتغال فالعطف فيه بالواو لتفسيره إذ لا معنى للبعدية عن ذاته وعطف الوجهين بأو عليه إشارة إلى رجوع الضمير إلى أحد المصدرين المفهومين من الفعلين، ورجحت هذه النسخة فالوجوه ثلاثة، وعلى الأخرى الوجوه أربعة فالضمير ليوسف عليه الصلاة والسلام، ومعنى كونه بعده بعد مفارقته ولظهوره لم يفسره أو للفراغ المفهوم من قوله يخل لكم على ما مرّ من تفسيره. قوله: (تائبين إلى الله ثعالى عما جنيتا أو صالحين مع أبيكم الخ) قيل الصلاج إما ديني أو دنيوقي، والدينيّ إفا بينهم، وبين الله بالتوبة أو بينهم، وبين أبيهم بالعذر، وهو وان كان مخالفا للدين لكونه كذبا فموافق له من جهة أنهم يرجون عفوه وصفحه ليخلصوا من العقوق، والدنيوفي بصلاح أمورهم، وهو ظاهر فلا يرد عليه أنه كيف يكون الكذب دينيا، وقوله، وكان أحسنهم فيه رأيا إذ لم ير القتل له، ولا طرحه في أرض خالية قفراء بل في بئر يحتاج إليها السابلة، وتشرب من مائها فإنه أقرب لخلاصه، وقوله وكان أي يهوذاً أو المشير بذلك، وقوله: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} يتضمن النهي عن إلقائه في الأرض الخالية بعد النهي عن قتله صريحا، وفيه من حسن الرأي ما لا يخفى ووقوع هذا منهم قبل النبوّة إن قيل به، وليس بصغيرة كما قيل، وفي قوله قائل دون التعيين بأسمائهم إذ لم يسم مخهم غير يوسف عليه الصلاة والسلام، وإنما ذكروا بعنوان إخوته، والإضافة إليه تشريف له في مقابلة ما ناله من الأذى، وستر على المسيء بعدم ذكره باسمه لما فيه من التفضيح، وأمّا القول بأنه كان على هذا ينبغي للمصنف رحمه الله تعالى أن لا يعينه فليس بشيء لأنه مقام تفسير، والقول بأنه يهوذا هو الصحيح كما يشعر به كلام المصنف رحمه الله تعالى. قوله:) في قعره سمي به لغيبوبتة الخ (الجب البئر التي لا حجارة فيها من الجب، وهو القطع، وغيابتها حفرتها، وقرارها كما قال: إذا أنا يوما غيبتني غيابتي يعني القبر وسميت الحفرة غيابة لغيبتها عن النظر، وقرئ بالإفراد، وهو ظاهر وبالجمع لأن كل جانب منها غيابة فهو يدل على سعتها، وقوله وقرئ غيبة أي بسكون الياء على أنه مصدر أريد به الغائب منه، وقرئ أيضا غيبة بفتحات على أنه مصدر كغلبة أو جمع غائب كصانع، وصنعة فتكون كقراءة الجمع، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتملهما، وأما قراءة الجمع بتشديد الياء التحتية فعلى أنه صيغة مبالغة، ووزنه فعالات كحمامات أو فيعالات كشيطانة، وشيطانات، وقوله وألقوه في غيابة الجبّ يعني لا تقتلوه، ولا تطرحوه في أرض قفرة بعيدة لما فيه من المشقة عليكم، والتسبب إلى الهلاك الذي فررتم منه، وتقدم أنه من حسن رأيه فيه. قوله: (بمشورتي أو إن كنتم على أن تفعلوا) أي إن كان فعلكم بمشورتي، ورأص! فألقوه الخ. أو إن كنتم عازمين مصرّين على أن تفعلوا به ما يفرق بينه، وبين أبيه، والفرق بين الوجهين أن كان باق على مضيه في الثاني دون الأوّل بناء على أنّ أن لا تقلب مضيها والأوّل محتاج إلى تقدير فلذا قيل بترجيح الثاني عليه. قوله: (لم تخافنا عليه الم يفسره به لأنّ الأمن لا يتعذى بعلى لأنّ الاستعمال على خلافه يقال ائتمنه على ماله ونفسه، وسيأتي كما أمنتكم على أخيه بل لأنهم فهموا منه الخوف، وعدم الأمن لا يستلزم الخوف ألا ترى أنّ من لم يأتمن أحداً على وديعة لم يأتمنه، ولم يخفه، ويلتقطه بمعنى يأخذه، ومنه اللقطة، والسيارة الجماعة السائرة. قوله: (ونحن نشفق عليه الخ) كأنه جعل النصح بمعنى الشفقة، واختيار الأحسن بحاله كناية لأنه المناسب للمقام، واستنزاله عن رأيه أي تبديل رأي يعقوب عليه الصلاة والسلام في خوفه عليه منهم، وفيه استعارة، ولما تنسم متعلق بحفظه، وأصل التنسم تلقي النسيم للتروّج، وشمه فهو استعارة للإحساس أي لإحساسه بحسدهم، وما مصدرية. قوله: (والمشهور تأمناً بالإدغام الخ) قراءة العاقة لا تأمنا بالإخفاء، وهو اختلاس الحركة الضعيفة، وقرأها بعضهم بالإشمام أي ضمّ الشفتين مع انفراج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 بينهما إشارة إلى الحركة مع الإدغام الصريح كما يكون في الوقف، وهو المعروف عندهم، وفيه عسر هنا قالوا، وهذه الإشارة بعد الإدغام أو قبله، وفي الثاني تأقل، وبطلق الإشمام على إشراب الكسرة شيئا من الضمة في نحو قيل، وعلى إشمام أحد حرفين شيئا من حرف آخر كما مرّ في الصراط، وقرأ الحسن رحمه الله تعالى بالإظهار لكونه من كلمتين محافظة على حركة الإعراب، وقرئ بنقل ضمة النون إلى الميم، وقرئ بكسر حرف المضارعة مع الهمزة، وتسهيلها. قوله: (نتسع في أكل الفواكه) أصل معنى الرتع أن تأكل، وتشرب ما تشاء في خصب وسعة، ولذا أطلقت الرتعة بسكون التاء، وفتحها على الخصب بكسر أوّله ضد الجدب. قوله: (بالاستباق والانتضال) أي رمي السهام يعني أنّ لعبهم ليس لعب لهو، والا لم يقرّهم عليه يعقوب عليه الصلاة والسلام، ولم يصدر منهم بل هو مباج يحسن لتمرّنهم به على الحرب، وهو المسابقة، ورمي السهام، وهو مطلوب لما فيه من إحمام النفس، وإنعاش قوّة العمل. قوله: (وقرأ ابن كثير نرتع بكسر العين الخ) فيها أربع عشرة قراءة من السبعة، وغيرها فقرأ نافع بالياء التحتية، وكسر العين، وقرأ البزفي نرتع، ونلعب بالنون وسكون العين، وقرأ قنبل بثبوت الياء بعد العين وصلا، ووقفا وفي رواية عنه إثباتها في الوقف دون الوصل وهو المروقي عن البزقي، وقرأ أبو عمرو وابن عامر بالنون فيهما، وسكون العين، والباء والكوفيون بالياء التحتية فيهما، وسكون آخرهما، وقرأ جعفر بن محمد بالنون في نرتع، والياء في يلعب أي يوسف عليه الصلاة والسلام لمناسبة اللعب له لصغر سنه، ويروى عن ابن كثير رحمه الله تعالى، وقرأ ابن سيابة بالياء فيهما وكسر العين، وضم الباء على أنه مستأنف، وقرأ مجاهد وقتادة بضم النون، وسكون العين والباء، وقرأها أبو رجاء كذلك إلا أنه بالياء التحتية فيهما والنخعيّ، ويعقوب برفع النون، ويلعب بالياء، والفعلان في هذه كلها مبنيان للفاعل، وقرأ زيد بن عليّ بالياء فيهما، والبناء للمفعول، وقرأ نرتعي، ونلعب بثبوت الياء، ورفع الباء، وقرأ ابن أبي عبلة يرعى، ويلعب فهذه أربع عشرة قراءة ست منها في السبعة، وما عداها شاذة وتوجيهها ظاهر، ونرتعي من الرعي أي ترعى مواشينا فأسند إليهم مجازاً أي تجوّز عن أكلهم بالرعي، وكسر العين لأنه مجزوم بحذف آخره، وقوله أن يناله مكروه على تقدير الجار من أو عن. قوله: ( {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} ) أن قلنا اللام لا تخلص المضارع للحال فظاهر، وان قلنا إنها تخلصه كما هو مذهب الجمهور قيل عليه إنّ الذهاب هنا مستقبل فيلزم تقدم الفعل على فاعله، وهو غير جائز لأنه أثره فلذا قيل إنّ التقدير قصد أن تذهبوا أو توقع أن تذهبوا بتقدير المضاف، وهو الفاعل وهو حال، وقيل يجوز أن يكون الذهاب يحزنه باعتبار تصوّره كما قيل نظيره في العلة الغائية، وقد قيل إن اللام فيه جرّدت للتأكيد مسلوبة الدلالة عن التخليص للحال (قلت) كذا قالوا: وأنا أظن ذلك مغلطة لا أصل لها فإنّ لزوم كون الفاعل موجوداً عند وجود الفعل إنما هو في الفاعل الحقيقيّ لا النحوقي، واللغويّ فإن الفعل يكون قبله سواء كان حالاً كما فيما نحن فيه أو ماضيا كما أنه يصح أن يكون الفاعل في مثله أمراً معدوماً كما في قوله: ومن سرّه أن لايرى مايسوءه فلايتخذ شيئايخاف له فقدا ولم يقل أحد في مثله أنه محتاج للتأويل فإن الحزن والغمّ كالسرور، والفرح يكون بالشيء قبل وقوعه وقد صرّج به ابن هلال في فروته، ولا حاجة إلى تأويل أو تقديرأ، وتنزيل للوجود الذهنيّ منزلة الخارجي على القول به أو الاكتفاء به فإنّ مثله لا يعرفه أهل العربية، واللسان فإن أبيت إلا اللجاج فيه فليكن من التجوّز في النسبة إلى ما يستقبل لكونه سببا للحزن الآن، والذي في شرح الكتاب للسيرافي أنّ اللام الداخلة على المضارع فيها أقوال ثلاثة أحدها أنها في خبر أنّ مقصورة على الحال، وهو ظاهر كلام سيبويه رحمه الله الثاني أنها تكون للحال، وغيره واستدلوا بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة النحل، الآية: 124] الثالث أنها للحال إن خلت عن قرينة، ومعها تكون لغيره كالآية المذكورة ا! ، واعلم أنّ من ذهب إلى الأوّل قدره بقصد أن تذهبوا، ونحوه، ولا يلزمه حذف الفاعل لأنه إنما يمتنع إذا لم يسد مسده شيء سواء كان مضافا أو غيره فتقدير قصدكم صحيح أيضا خلافا لمن خطأه فيه لظنه أنه لا يقوم إلا المضاف إليه مع أنه يجوز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 أنه بيان للمعنى لا تقدير إعراب فاعرفه. قوله تعالى: ( {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} ) وقع هذا من يعقوب عليه الصلاة والسلام تلقينا للجواب من غير قصد، وهو على أسلوب قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [سورة الانفطار، الآية: 6] والبلاء موكل بالمنطق، وروى الدارمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا تلقنوا الناس فيكذبوا فإنّ بني يعقوب عليهم الصلاة والسلام لم يعلموا أنّ الذئب يأكل الناس فلما لقنهم إني أخاف أن يأكله الذئب قالوا أكله الذئب كذا في الجامع الكبير، ومذأبة بفتح الميم أي كثيرة الذئاب، ومفعلة يصاغ لهذا المعنى كثيراً كمقثأة وقوله، وقيل رأى في المنام الخ. يحذره من الحذر أو التحذير، وإنما حذره لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لمناسبتهم التامّة بعالم الملكوت تكون وقائعهم بعينها واقعة، والا فالذئب في النوم يؤوّل بالعدوّ، وشد بمعنى وثب، وحمل والذئب عينه همزة فمن قرأ بها أتى به على أصله، ومن أبدلها ياء لسكونها وانكسار ما قبلها أتى به على القياس، ومن خصه بالوقف فلأن التقاء الساكنين في الوقف جائز لكن إذا كان الأوّل حرف مذ يكون أحسن، وقوله من تذاءبت بالمذ من باب التفاعل كما في الأساس، والذي نقله أهل اللغة عن الأصمعيّ عكس ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعا للزمخشري لأنهم جعلوا تذاءبت الريح مأخوذ من الذئب لأنها أتت كما يأتي، وهو أنسب، ولذا عده من المجاز في الأساب لكنه عدل عنه لأن أخذ الفعلى من الأسماء الجامدة كإبل قليل مخالف للقياس، وقوله لاشتغالكم هذا ما عند الأخوة والثاني ما في نفس يعقوب منهم. قوله: (اللام موطئة للقسم) تقدم تفسيرها، وهل يشترط أن تدخل على شرط مسبوق يقسم لفظا أو تقديراً لتوطئ الجواب المذكور بعدها، وتؤذن به، ولهذا تسمى مؤذنة أم لا، وقوله وجوابه بالجز معطوف على القسم، وهو المقصود بالذكر أي لتوطى الجواب للقسم. قوله:) ضعفاء منبونون الخ) خاسرون هنا إمّا من الخسار بمعنى الهلاك أو من خسران التجارة، وكلاهما غير مراد فهو إمّا مجاز عن الضعف، والعجز لأنه يشبهه أو سببه كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} أي عاجزون أو المراد به استحقاقهم له أو أن يدعي عليهم به، وأشار إلى أنه يجوز أخذ ذلك من عدم الربح في التجارة بقوله مغبونون، والوجوه في الكشاف أربعة هما لكون ضعفاً وعجزا أو مستحقون للهلاك لعدم غنائهم أو مستحقون لأن يدعي عليهم بالخسار، والدمار فيقال خسرهم الله، ودمّرهم إذ أكل الذئب أخاهم، وهم معه أو أنهم إذا لم يقدروا على حفظ بعضهم هلكت مواشيهم وخسروا، والمقصود إدراجها في وجهين كما يعرف بالتأقل الصادق، ولما ذكر يعقوب عليه الصلاة والسلام لهم في وجه عدم مفارقته أمرين حزنه لمفارقته، وخوفه عليه من ذئب أجابوا عن الثاني دون الأوّل لكراهتهم له لأنه سبب حسدهم له فلذا أعاروه أذنا صماء أو لترك ذكر ما يحزنه، وكأنه غير واقع لسرعة عودهم أو أنه إنما حزن لذهابه للخوف عليه فنفي الثاني يدلّ على نفي الأوّل. قوله:) وعزموا على إلقائه فيها الخ) إشارة إلى أن أصل معنى الإجماع العزم المصمم، وأنه على حذف الجارّ من متعلقه، والأردنّ بضم الهمزة، وسكون الراء وضم الدال المهملة، وتشديد النون، وقوله في القاموس، وتشديد الدال من طغيان القلم (أقول) هكذا في النسخ كما ذكره الفاضل المحشي، وفي نسخة الشريف المعتمد عليها بديارنا بتشديد النون، ولا أدري هو إصلاج منه أو من المصنف رحمه الله تعالى، ومدين تقدّم بيانها، والقول الأخير هو الراجح، ولا وجه لما قيل إنّ الخلاف لفظيّ لإمكان التوفيق بينها. قوله: (وجواب لما محذوف الخ) وهو ما ذكره، ومنهم من قدره عظمت فتنتهم، ومنهم من قدره وضعوه فيها، وقيل الجواب أوحينا، والواو زاثدة، وقوله ليلطخوه أي بدم سخلة ذبحوها، وقوله أتواري به أي استتر وقولهم اح الأحد عشر تهكم به. قوله: (وأوحينا إليه) أي أعلمناه بإرسال ملك، والموحى إليه ما ذكر بعده لا الإيحاء المعروف بإبلاغ الشرائع حتى يتكلف له بأنه أعلمه بالتبليغ بعد زمان تأنيسا، وتسلية له، ونزول الوحي من أوائل النبوّة، ولما كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نبئوا في سن الأربعين أشار إلى جوابه بأنه الأغلب، وقيل إنه بمعنى الإلهام وقيل الإلقاء في مبشرات المنام وقوله وفي القصص أي كتب قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 وهو إمّا جمع أو مفرد، وقوله علقها بيوسف كان الظاهر على يوسف، وقوله لعلوّ شأنك، وما بعده بيان لوجه عدم شعورهم، وهو ظاهر، والحلي بالضم، والقصر جمع حلية بالكسر هيئة الشخص، وقوله وذلك أي قوله لتنبئهم بأمرهم هذا، وهو إشارة لما سيأتي في النظم القرآني، وقوله بشره تفسير لقوله وأوحينا أي أرسلنا جبريل عليه الصلاة والسلام لتبشير. الخ. ومرّض القول بكون هذه الجملة الحالية متعلقة بأوحينا لبعده وقلة جدواه، وفي الكشاف، ويجوز أن يتعلق وهم لا يشعرون على قراءة تنبئنهم بالتاء بقوله، وأوحينا على معنى آنسناه بالوحي، وأزلنا وحشته، وهم لا يشعرون بذلك، وبحسبون أنه مستوحش لا أني! له، وقرئ لتنبئنهم بالنون على أنه وعيد لهم فقوله لا يشعرن متعلق بأوحينا لا غير، ونظر فيه بأنه يجوز أن يتعلق بقوله لننبئنهم، وأن يراد بأنباء الله إيصال جزاء فعلهم به، وهم لا يشعرون بذلك، ودفع بأنه بناء على الظاهر، وأنه لا يجتمع أنباء الله مع عدم شعورهم بما أنبأهم به إلا بتأويل كتقدير لنعلمنهم بعظيم ما ارتكبوه قبل، وهم لا يشعرون بما فيه. قوله: (آخر النهار الخ) قال الراغب العشي من زوال الشمس إلى الصباح، والعشاء من صلاة المغرب إلى العتمة، والعشاآن المغرب، والعتمة والعشا ظلمة تعرض في العين، ورجل أعشى، وامرأة عشواء، ومنه يخبط خبط عشواء، وعشى عمى وعشوت النار قصدتها ليلاً، ومنه العشوة بالضمّ، وهي الشعلة فلا تسامح في كلامه كما توهم، والذي غرّه قوله في القاموس العشاء أوّل الظلام، وكلام الكشاف مطابق لما قاله المصنف رحمه الله تعالى وهو إمام اللغة. قوله: (وقرئ عشياً) بضم العين، وفتح الشين، وتشديد الياء منوّنا وهو تصغير عشى وقد مز تفسيره. قوله: (وعشى بالضم والقصر جمع أعشى) وقيل إنه جمع عاش، وأصله عشاة كماس ومشاة فحذفت الهاء تخفيفاً، وأورد عليها أنه لا جواز لمثل هذا الحذف، وأنه لا يجمع أفعل فعلاء على فعل بضم الفاء وفتح العين بل على فعل بسكون العين، ولذا قيل كان أصله عشواً فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها لكونه حرفا صحيحا ساكنا، ثم حذفت بعد قلبها ألفا لالتقاء الساكنين، وأن قدر ما بكوا به في ذلك اليوم لا يعشو منه الإنسان قيل، والأظهر أنه جمع عشوة مثلث العين، وهي ركوب أمر على غير بصيرة يقال أوطأه عشوة أي أمراً ملتبساً يوقعه في حيرة وبلية فيكون تأكيداً لكذبهم، وهو إمّا تمييز أو مفعول له أو يكون جمع عشوة بالضئم بمعنى شعلة النار عبارة عن سرعتهم لابتهاجهم بما فعلوا من العظيمة، وافتعلوا من العضيهة، وقوله أي عشوا من البكا إشارة إلى أنّ قياسه أن يكون على فعل كحمر، وأمّا ما مرّ من أنه بقدر هذا البكا لا يكون عشو فدفعه ظاهر لأنّ المقصود المبالغة في شدّة البكا والنحيب لا حقيقته أي كاد أن يضعف بصرهم لكثرة البكا. قوله: (متباكين) أي مظهرين بتكلف لأنه ليس عن حزن وقوله يشترك الافتعال والتفاعل أي يكونان بمعانى كنستبق بمعنى نتسابق، وفسر الإيمان بالتصديق، وهو معناه اللغوقي، ولذا عدى باللام، وأمّا في معناه الشرعيّ فيتعدى بالباء، وقوله لسوء ظنك تعليل لكونه غير مصدق لهم، وقوله ولو كنا صادقين قيل معناه ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة، ولا بد من هذا التأويل إذ لو كان المعنى، ولو كنا صادقين في نفس الأمر لكان تقديره فكيف إذا كنا كاذبين فيه فيلزم اعترافهم بكذبهم، وفيه نظر. قوله: (وفرط محبتك) فإنها داعية إلى اعتقاد عدم هلاكه، وأن لا يطمئن قلبه لما قالوه، وقوله أي ذي كذب الخ بيان لأنه وصف بالمصدر كرجل عدل فإمّا أن يكون بتقدير مضاف أو أنه وصف بالمصدر مبالغة، وقراءة النصب لزيد بن عليّ رضي الله تعالى عنهما على أنه مفعول له أو حال لكنه من النكرة على خلاف القياس لو كان من دم بمعنى مكذوباً فيه، والأحسن جعله من فاعل جاؤوا بتأويله بكاذبين، وعليه اقتصر المصنف رحمه الله تعالى، وما قيل إنّ المصدر يجيء بمعنى المفعول به، والمفعول له فلا حاجة إلى تقدير، وهم لأنه ليس بحقيقة، وهو تأويل كالتقدير لكن الثاني هو المشهور فيه فلذا اختاره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (وكدب بالدال غير المعجمة الخ) هذه قراءة عائشة رضي الله تعالى عنها، وليس من قلب الذال دالاً بل هو لغة أخرى بمعنى كدر أو طريّ أو ياب! فهو من الأضداد وكدر مثلثة الدال نقيض صفا، وقوله وقيل أصله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 أي أصل الكدب بالدال المهملة، ومصدره الكدب بالفتح، وهو البياض في أظفار الأحداث فشبه به الدم في القميص لمخالفة لونه لون ما هو فيه فهو استعارة أو تشبيه بليغ. قوله: (وعلى قميصه في موضعالنصب على الظرف أي فوق قميصه) قيل عليه الأصح جعله ظرفا للمجيء يعني أنه العامل فيه فيقتضي أنّ الفوقية ظرف للجائين ورد بأنّ الظرفية ليست باعتبار الفاعل بل باعتبار المفعول كقوله جاء على جماله بأحمال فالظرفية كما تصح باعتبار المفعول الصريح كرميت الصيد في الحرم تكون باعتبار المتعلق أيضا، وهو مما استفدناه من هذا المقام، وقيل إنه أراد أنّ على على حقيقته، وهو ظرف لغو وفي بعض الحواشي الأولى أن يقال إنه حال من جاؤوا بتضمينه معنى الاستيلاء أي جاؤوا مستولين على قميصه، وقوله بدم حال من القميص لكن الظاهر استولوا على القميص ملتبسا بدم جائين، وهذا أولى من جاؤوا مستولين لما مرّ في التضمين، والأمر فيه سهل فإن جعل المضمن أصلاً، والمذكور حالاً كل منهما جائز وإذا اقتضى المقام أحدهما رجح، والأظهر أنه ظرف للمجيء المتعدي، ومعناه أتوا به فوق قميصه، ولا يخفى استقامته. قوله: (أو على الحال من الدم إن جؤز تقديمها على المجرور) قال السفاقسيّ وهو الحق لكثرته في لسانهم، وقال في الكشف أنّ الخلاف في غير الظرف قال في اللباب ولا تتقدم على صاحبها المجرور على الأصح نحو مررت جالسة بهند إلا أن يكون الحال ظرفا على أنّ الحق ما اختاره ابن مالك من جوازها مطلقا. قوله: (وقال ما رأيت كاليوم ذئباً الخ) هذا مثل قول العرب ما رأيت كاليوم رجلا قال المبرد في المقتضب: المعنى ما رأيت مثل رجل أراه اليوم رجلاً أي ما رأيت مثله في الرجال ولكنه حذف لكثرة استعمالهم له، وانّ فيه دليلاً عليه انتهى فتقديره على هذا ما رأيت كذئب أراه اليوم ذئبا أي ما رأيت مثله في الذئاب ففيه حذف لما بعد الكاف، ولعامل الظرف، وهو أراه وذئبا تمييز كما أنّ رجلا في ذلك التركيب تمييز كما صرّحوا به، وأحلم صفته والمقصود منه التعجب منه إذ أكله، ولم يمزق ثيابه هذا ما صرّج به أهل العربية، وقيل أصله ما رأيت ذئبأ كالذئب الذي رأيته اليوم أي مثل الذئب فقدم الكاف على المضاف إليه فصار كذئب اليوم فحذف المضاف إليه، وهو ذئب، وقدم كاليوم على ذئباً فصار حالاً وأحلم صفة ذئبا، وقوله من هذا إشارة إلى ما في الذهن من الذئب الذي أكل يوسف، وقوله أكل بيان لقوله ما رأيت، ولا يخفى ما فيه. قوله: (ولذلك {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ} الخ (يعني لما جعلوا الدم علامة لصدقهم وسلامة القميص دالة على كذبهم علم يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه ليس الأمر كما قالوا مع وثوقه بالرؤيا الدالة على بلوغه مرتبة علية، وإنما حزن لما خشي عليه من المكروه، والشدائد غير الموت، والتسويل تزيين النفس للمرء ما يحرص عليه، وتصوير القبيح بصورة الحسن، وأصل اشتقاقه من السول بفتحتين، وهو استرخاء في العصب، ونحوه فكأن المسؤول بذله فيما حرص عليه، وأرخاه له بتزيينه. قوله:) فأمري صبر جميل الخ (يعني أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر، وهذا الخبر، أو المبتدأ مع المصدر الذي هو بدل قيل حذفه واجب، وقيل إنه جائز. قوله:) وفي الحديث الخ) هو حديث مرسل أخرجه ابن جرير وقيده بقوله إلى الخلق لقوله بعده {أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} ولذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن سبب سقوط حاجبيه على عينيه فقال: " طول الزمان وكثرة الأحزان " أوحى الله إليه أتشكو إلى غيري فقال خطيئة فاغفر لي. قوله: (على احتمال ما تصفونه الخ) أي يحمل ذلك بالصبر عليه حتى يسلو ويظهر خلافه، وقوله وهذه الجريمة أي الذنب العظيم جواب عن أنهم أنبياء عليهم الصلاة والسلام فكيف صدر هذا منهم، وقوله إن صح إشارة إلى أنّ فيه اختلافاً. قوله: (قريباً من الجب (قال في القاموس، والجب بالضم البئر أو الكثيرة الماء البعيدة القعر أو الجيدة الموضع من الكلأ أو التي لم تطو أو مما وجد لا مما حفره الناس وجب يوسف على اثني عشر ميلا من طبرية أو بين سنجل ونابلس، وقوله بعد ثلاث أي ثلاث ليال مضت من زمان إلقائه. قوله: (الذي يرد الماء ويستقي) عطف تفسير له، وإدلاء الدلو إرسالها لإخراج الماء يقال أدلاها إذا أرسلها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 في البئر ودلاها إذا أخرجها ملأى، ولذا قال فتدلى بها يوسف عليه الصلاة والسلام أي تعلق للخروج وخرج، والدلو مؤنثة سماعية. قوله: (نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه) فيه وجهان أحدهما أنه نادى البشرى كما في قوله: {يَا حَسْرَتَى} كأنه نزلها منزلة شخص فناداه فهو استعارة مكنية وتخييلية واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله هذا أوان حضورك، وقيل المنادى محذوف كما في قوله يا ليت أي يا قومي انظروا أو اسمعوا بشراي، وأمّا جعل بشرى اسم صاحب له فضعيف لأن العلم لا تحسن إضافته في لغة العرب وقيل إنّ هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء، والبشارة إمّا لنفسه أو لقومه ورفقته. قوله: (وهو لنة (هي لغة هذيل يقلبون الألف قبل ياء المتكلم ياء ويدغمونها فيها فيقولون في هواي هوقي، ويا سيدي وموليّ لأنهم لما لم يقدروا على كسر ما قبل الياء أتوا بالياء لأنها أخت الكسرة وأمّا من قراها بالسكون في الوصل مع التقاء الساكنين فيه على غير حدّه فلنية الوقف أجرى الوصل مجراه أو لأنّ الألف لمدها تقوم مقام الحركة، وعلى كل حال ففيها ضعف من جهة العربية فلذا لم يقرأ بها السبعة هنا لكنهم رووها عن قالون وورش في سورة الأنعام، ورويت هنا في بعض التفاسير واستضعفها أبو عليّ رحمه الله تعالى ورد بإجراء. الوصل مجرى الوقف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، ونظائره كثيرة في القرآن وغيره، وقرئ بكسر ياء الإضافة لأجل الياء المقدرة " قبلها كما سيأتي في مصرخي، وقرئ يا بشرى بغير ياء، ويقدر على ألفه ضمة إن كان نكرة مقصودة أو فتحة. قوله: (أي الواود وأصحابه من سائر الرفقة الخ) يعني أخفوا يوسف عليه الصلاة والسلام حتى لا تراه الرفقة فيطمعوا فيه، وعلى القول الثاني لم يخفوه، وإنما أخفوا أمره، وكونه وجد في البئر وهذا لا يلائمه قوله يا بشراي على أنه ناداهم إلا أن تكون البشارة لمنفسه أو يكون المراد الإخفاء عن غيررفقته من أهل القافلة فتأمّل. قوله: (وقيل الضمير لآخوة يوسف) عليه الصلاة والسلام، وهو مرويّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قيل وهو المناسب لإفراد قال وجمع ضمير أسروا وللوعيد بقوله والله عليم بما يعملون، وليس فيه اختلال في النظم كما قيل فتأمّل. قوله:) ونصب على الحال الخ) أي أخفوه حال كونه متاعا للتجارة، وفي الفرائد أنه ضمن أسرّوه وجعلوه أي جعلوه بضاعة مسرّين فهو مفعول به، وقال ابن حاجب: يحتمل أن يكون مفعولاً له أي لأجل التجارة، وليس شرطه مفقودا لاتحاد فاعلهما إذ معنا. كتموه لأجل تحصيل المال به، ولا يجوز أن يكون تمييزا والبضاعة من البضع، وهو القطع لأنه قطعة وافرة من المال تقتني لتجارة، ومنه البضع بالكمسحر كما قاله الراغب. قوله: (لم يخف عليه أسرارهم الخ) الأوّل على أنّ المسرّين من السيارة والثاني على أنهم الأخوة فهو وعيد لهم. قوله: (وبامحوه) شرى من الأضداد إذ يكون بمعنى اشترى، وباع فإن عاً د ضمير شروه على الأخوة كالن شرى بمعنى باع، وان عاد على السيارة كان بمعنى اشترى كذا في الدرّ المصون، والمصنف رحمه الله تعالى جوّز الوجهين على تقدير كونه بمعنى باع أمّا إذا كان للأخوة فظاهر وأمّ إذا كان للرفقة فبناء على أنهم باعوه لما التقطوه من بعضهم بثمن قليل، والمشتري باعه مرة أخرى بوزنه، وفي قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنّ إخوة يوسف نظروا إلى القافلة، واجتماعها على الجب فاتوهم، وكانوا يظنون أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام مات فرأوه أخرج حياً فضربو.، وشتمو.، وقالوا هذا عبد أبق منا فإن أردتم بعناه منكم، ثم قالوا له بالعبرانية لا تنكر العبودية فنقتلك فأقرّ بها فاشتراه عالك بن ذعراء منهم بثمن بخس ا! ، وأمّا إذا كان بمعنى اشترى تعين عود الضمير إلى السيارة فتعريف الوجهين للعهد أي الوجهان السابقان في أسرّوه. قوله: (مبخوص لزيف أو نقصان) وفي نسخة لزيفه أو نقصانه بالإضافة، والبخس بمعنى النقص مصدر والمراد به هنا المبخوس، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تفسير للبخس لا للمراد به هنا فإنّ قوله معدودة، وتفسيره يدلّ على أنّ بخسه هنا بمعنى نقصحانه فقط، والمعدود كناية عن معنى القليل لأنّ الكثير يوزن عندهم، وهو ظاهر، والزهد فيه والرغبة عنه بمعنى، وزهدهم لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقيل لعدم علمهم بمنزلته، ولأنّ الله صرفهم عن النظر لحسنه صيانة له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 قوله: (والضمير في وكانوا إن كان للإخوة الخ (يعني إن كان ضمير كانوا للوارد، وأصحابه وهم بائعون، وهو الظاهر فزهدهم فيه لأنهم التقطوه، ويحتمل أن يكون الضمير لغيرهم من الرفقة باعوه بعد أن اشتروه من الرفقة، وقوله وإن كانوا مبتاعين الخ. أي إن كان الضمير للرفقة، وكانوا مبتاعين بأن اشتروه من بعضهم أو من الأخوة كما مرّ فزهدهم لأنه أبق والآبق لا يغالي في ثمنه فقد علم أن البيع وقع مرّتين. قوله: (وفيه متعلق بالزاهدين الخ (فيه اختلاف هنا فقال ابن مالك أنه متعلق بمحذوف دلت عليه الصلة، ومنهم من قدر أعني، وليس بجيد فعلى الأوّل يقدر زاهدين فيه من الزاهدين، وحينئذ فهل من الزاهدين صفة لزاهدين مؤكدة كما تقول عالم من العلماء أو صفة مبينة أي زاهدين بلغ بهم الزهد إلى أن يعدوا في الزاهدين لأنّ الزاهد قد لا يكون عريقاً في الزاهدين حتى يعد فيهم إذا عدوا أو يكون خبرآ ثانيا كل ذلك محتمل، وليس بدلاً من المحذوف لوجود من معه، وقال ابن الحاجب: في أماليه أنه متعلق بالصلة، والمعنى عليه بلا شبهة، وإنما فروا منه لما فهموا من أنّ صلة الموصول لا تعمل فيما قبل ا! موصول مطلقا، وبين صلة أل، وغيرها فرق فإنّ هذه على صورة الحرف المنزل منزلة جزء من الكلمة فلا يمتنع تقويم معمرلها عليها فلا حاجة إلى القول بأنه على مذهب المازني الذي جعلها حرفا للتعريف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقوله متعلق بمحذوف إشارة إلى ما قاله ابن مالك، وليس هذا من الاشتغال في شيء، وفيه مانع آخر لم يذكره، وهو أنّ معمول المجرور لا يتقدم عليه فكأنه لم يره مانعا، والا لم يتم بما ذكره ارتفاع المانع، وأمّا لزوم عمل اسم الفاعل من غير اعتماد فساقط لأن محل الخلاف عمله في الفاعل، والمفعول به الصريح لا في الجاز، والمجرور الذي يكفيه رائحة الفعل فإن قلنا إنه يجوز في الجارّ، والمجرور التقدم لأنه يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره اندفع السؤال أيضا، وما قيل على تقدير تعلقه بمحذوف يبينه الزاهدين أنه إن أراد أنه من قبيل الإضمار على شريطة التفسير ففيه أنه ليس منه لعدم الاشتغال عنه بضميره، وان أراد أنه جواب سؤال كأنه قيل في أفي شيء زهدوا كما في الكشاف فهو تقدير سؤال في غير أوانه فغير وأراد لما نقلناه لك عن القوم. قوله: (وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر الخ) فالعزيز وزير والذي باعه له مالك بن ذعراء، وغيره من الرفقة وقوله، وقيل كان فرعون الصحيح أنه من أولاده، وتوله والآية أي قول مؤمن من آل فرعون، ولقد جاءكم يوسف فالمعنى لقد جاء قومكم، وآباءكم أو جعل ما جاء آباءهم كأنه جاءهم، وقوله ولبث في منزل الخ. قيل هذا إمّا تغليب على مذة السجن أو السجن كان في بيته أو هو مجاز بمعنى عبوديته. قوله:) من جعل شراءه غير الآوّل) أي من جعل شراء العزيز المذكور في قوله الذي اشتراه غير الشراء المذكور سابقا في قوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} على أنّ الأوّل شراؤهم من الأخوة أو شراء بعضهم من بعض، وهو الأصح وفيه إشارة إلى أنه قيل باتحادهما، وإنه ضعيف لقوله من مصر فإنه يصير ضائعا، واختلف بصيغة المعلوم ومن فاعله، والقول الثاني لا يتأتى على القول باتحادهما، وقوله ملؤوه فضة، وقيل ذهبا كذا في النسخ فقيل المراد وزنه كما صزج به في بعض الروايات، وفي نسخة مثله، وهي أظهر والمراد به ذلك أيضاً، وكونه استوزره وهو ابن ثلاثين، وأوتي الحكمة، وهو ابن ثلاث وثلاثين هو الموافق لما في التفاسير، والمشهور في النسخ وفي بعضها استوزره، وهو ابن ثلاث وثلاثين فقط، وهي الموافقة لما مرّ من أنه أوحى إليه في صغره فتأمّله. قوله: (راعيل أو زليخا (الأوّل بمهملات بوزن هابيل، والثاني بفتح الزاي، وكسر اللام، والخاء المعجمة وفي آخره ألف، وهو المشهور وقيل إنه بضم أوّله على هيئة المصغر، وقيل أحدهما لقبها، والآخر اسمها. قوله: (اجعلي مقامه عندنا كريماً (المراد بكونه كريمأ أن يكون حسناً مرضيا، والمثوق محل الثواء وهو الإقامة، واكرام مثواه كناية عن إكرامه على أبلغ وجه، وأتمه لأن من أكرم المحل بإحسان الأسرة واتخاذ الفراش، ونحوه فقد أكرم ضيفه بسائر ما يكرم به أو المقام مقحم كما يقال المجلس العالي، والمقام لسامي، ولذا قال والمعنى أحسني تعهده أي النظر فيما عهد له من لوازم إكرام الضيف. قوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 (في ضياعنا) بكسر الضاد جمع ضيعة، وهي القرية، ونستظهر بمعنى نستعين به، وقوله نتبناه تفعل من البنوّة أي نجعله بمنزلة الولد لأنه كان عقيمأ، وقوله لما تفرس علة لما فهم منه أي تبناه لما تفرس أي فهمه منه بالفراسة، والأمور الثلاثة معروفة، وقوله: " أفرس الناس ثلافة الخ " أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة، والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه، ثم إنّ الفراسة على ما سيأتي في الحجر علم ما هو مغيب، ولو كان بأمارات بل هو الغالب فيه، والحذق والفراسة هو الانتقال منه إلى ذلك وإنما كان هؤلاء أفرس لأنّ ما تفرسوه وقع على أتم الوجوه والذي تفرسه العزيز منه أن يكون له شأن ونفع عظيم، وكذلك ابنة شعيب عليه الصلاة والسلام، والذي تفرّسه في عمر رضي الله عنه ما يكون في أيام خلافته من الصلاح، والسداد فما قاله القرطبيّ وغير. من أنه جرّبه في الأعمال، ومواظبة الصحبة وابنة شعيب عليه الصلاة والسلام كانت معها علامات ظاهرة، والعزيز عرفه لما أعلمه بنسبة ليس بشيء لأنه لا ينافي الفراسة لما يقع في المستقبل مما لا يعلمه إلا الله. قوله: (وكما مكنا محبته ني تلب العزيز الخ (أي أثبتناها فيه يعني أنّ المشبه به ما علم مما قبله، وهو إمّا تمكين محبته في قلبه أو تمكينه في منزله، ومثواه وأنجاؤه، وعطف قلب مالكه عليه والمشبه تمكينه في الأرض يتصرّف فيها على ما أراده الله تعالى له، وقوله وعطفنا يجوز تشديده، وتخفيفه، ولا وجه لما قيل هنا من أنّ المصنف رحمه الله تعالى، والزمخشريّ جعلا قوله، ويعلمك من تأويل الأحاديث كلاما مبتدأ لكونه غير معنون بعنوات الاجتباء، وهذا التفسير منهما مناف لما أسلفتاه فإنهما لم يجعلا قوله، ولنعلمه داخلاً في حيز التشبيه بل علة للمشبه فلو قلت زيد كالأسد لأنه أغار على قبيلة كذا لا يرد أنه لا دخل للإغارة في التشبيه، وهذا منه غريب، والاشتغال بدفعه أغرب منه مع أن ما سبق ليس بمسلم. قوله: (أي كان القصد في إنجائه وتمكينه إلى أن يقيم العدل الخ) إلى متعلق بالقصد، واقامة العدل، والتدبير مأخوذ من المعطوف عليه المقدر، وقد طوى في كلامه الإشارة إلى الوجوه الثلاثة السابقة في قوله كذلك لكنه لم يأت بها على الترتيب فإنجاؤه إشارة إلى الثالث، وتمكينه إلى الأوّلين لاً نه شامل لتمكينه بالمحبة في قلبه، ولتمكينه في منزله، ومن لم يتنبه لهذا قال إنه يشير إلى اختياره للوجه الثالث منها، وقوله كما فعل بسنيه بكسر السين، والنون، وتشديد الياء جمع سنة بمعنى القحط أو بمعنى العام، والإضافة إليه لأدنى ملابسة وقوله أحكامه أي أحكام الله، وتعبير معطوف على معاني وفي نسخة يعبر فهو معطوف على يعلم. قوله: (لا يردّه شيء ولا ينارّعه فيما يشاء الخ) يعني ضمير أمره إمّا لله فالمعنى أنه لا يمنع عما يشاء، ولا ينازع فيما يريد أو ليوسف عليه الصلاة والسلام، والمعنى أنه يدبره ولا يكله إلى غيره فلا ينفذ فيه كيد إخوته، ولا كيد امرأة العزيز، ولا غيرهم كما قص في قصته، وقوله أراد به إخوة يوسف الخ. أتى به على طريقة التمثيل، ولذا أظهر في محل الإضمار. قوله: (إنّ الآمر كله بيده الخ) هذا ناظر إلى التفسير الأوّل في أمره، والعموم مأخوذ من إضافة المصدر لأنّ المصدر المضاف من طرق العموم، وقوله أو لطائف صنعه ناظر إلى الثاني، واقتصر الزمخشري بعد ذكر الوجهين على قوله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنّ الأمر كله بيد الله لشموله لتدبير أمر يوسف عليه الصلاة والسلام، وغيره فلا يرد عليه أنه لا يظهر تعلق الاستدراك بهذا المعنى بقوله: {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} كما توهم. قوله: (منتهى اشتداد جسمه وقؤته وهو سن الوقوف) يعني الوقوف عن النموّ لأنّ الإنسان ينمو جسمه في ابتداء أمره إلى تمام الشباب، وبعده يقف عن النمو، والانحطاط إلى زمان الشيخوخة، وسن الانحطاط والهرم، والأشد بفتح الهمزة، وقد تضم فيه قولان فقيل هو سن الوقوف وقيل سن النموّ، واختلف فيه على أقوال هل هو مفرد على بناء ندر في المفردات أو جمع لا واحد له أو له واحد، وهو شدة كنعمة، وأنعم أو شد كضل، وأضل أو شد بالفتح ككلب، وأكلب، وهذا المفرد تقديريّ أيضاً لأنه لم يستعمل بهذا المعنى، وكما أنّ سن الوقوف يقف فيه البدن تقف فيه القوى، والشمائل والأخلاق، ولذا قيل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 إذا المرء وفي الأربعين ولم يكن له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى وان جرّأسباب الحياة له العمر وقوله منتهى بمعنى زمان انتهائه إن كان أشد بمعنى الزمان، وإن كان بمعنى الانتهاء فهو مصدر، وفي الآية مضاف مقدر أي زمان أشده، وما بين الخ عطف بيان أو بدل من سن، وقوله ومبدؤه بلوغ الحلم، وهو والاحتلام بمعنى البلوغ المعروف عرفا. قوله: (حكمة الخ ( الحكم يكون بمعنى الحكمة، وهو في لسان الشرع العلم النافع لكن بشرط العمل، ولذا قال المصنف رحمه الله المؤيد ولم يقل العلم، والعمل لأنها بدونه لا يعتد بها، ومن عمل بخلاف علمه يسمى سفيهاً لا حكيما، وقوله يعني علم تأويل الأحاديث المراد بالأحاديث كما مرّ الرؤيا أو الكتب الإلهية فخص بالذكر لأنه غير داخل فيما قبله أو أفرد بالذكر لأنه مما له شأن وليوسف به اختصاص تامّ، وعلى تفسير الحكم بالحكومة فهو ظاهر، ولذا فسر الزمخشري علم هذا بعلم الدين. قوله: (تنبيه على أنه تعالى إنما آثاه ذلك جزاء الخ) كونه جزاء الإحسان لأن التعليق بالمشتق يقتضي عليه مأخذ الاشتقاق، وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالإحسان الإحسان في العلم، والعمل لا يقال إحسان العمل لا يكون إلا بعد العلم به فلو كان العلم المؤيد بالعمل للإحسان في العمل لزم الدور لأنه قيل إحسان العمل يمكن بطريق آخر كالتقليد، والتوفيق الإلهي فيكون سبباً للعلم به عن دليل عقليئ أو سمعي أو المراد تحسين الأعمال الغير المتوقفة على السمع فهو السبب للعلم بما شرع له من لأعمال والظاهر تغاير العلمين كما في الأثر من عمل بما علم يسر الله له علم ما لم يعلم. قوله: (طلبت منه وتمحلت أن يواقعها الخ (التمحل الطلب بحيلة، وتكلف والفعلان تنازعا في أن يواقعها، والمواقعة المجامعة، وهو مأخوذ من راد إذا جاء، وذهب في طلب، وهو يدل على الجذ في الطلب فلذا ذكر أخذه منه، ومن راد الرائد، وهو الذي يرسل لطلب الماء، والكلا، والإرادة مأخوذة منه أيضا، وقوله التي هي في بيتها دون امرأة العزيز مع أنه أخصر، وأظهر لأنه أنسب في الدلالة على الداعي لها. قوله.) قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير) يعني أنه للتكثير في المفعول إن قلنا بتعذدها فإن التفعيل يكون لتكثير الفاعل، والمفعول فإن لم نقل به فهو لتكثير الفعل فكأنه غلق مرّة بعد مرة أو بمغلاق بعد مغلاق، وجمع الأبواب حينئذ إفا لجعل كل جزء منه كأنه باب أو لجعل تعذد أغلاقه بمنزلة تعدده، وما قيل إن التشديد للتعدية لا! غلقت الباب لغة رديئة كما في الصحاح، وجعله للتكثير أو للمبالغة في الإيثاق، وهم رذ بأنّ إفادة التعدية لا تنافي إفادة التكثير معها، ولذا قال الجوهري: إنها للتكثير، ولم يتنبه الراذ لأن ما نقله عليه لا له لأن الرديء الذي ذكره اللغويون إنما هو استعمال الثلاثيّ منه لا أن له ثلاثيا لازما حتى يتعين كون التفعيل للتعدية فتعذيه لازم في الثلاثي، وغيره سواء أكان رديئأ أو فصيحا فتعين أنه للتكثير، وقد سبق المصنف رحمه الله غيره فيما ذكر فالواهم ابن أخت خالته فتدبر. قوله:) {هَيْتَ لَكَ} (قال صاحب النشر قرأ المدنيان، وابن ذكوان بكسر الهاء، وفتح التاء من غير همز، وعن هشام بالهمز، وقال الداني رحمه الله تعالى إنه وهم لكونه فعلاَ من التهيؤ فلا بد من ضم تائه حينئذ، وقد تبع في هذا الفارسيّ في الحجة حيث قال إنه وهم من الراوي لأن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يتهيأ لها بدليل قوله وراودته الخ. وتبعه جماعة، وهي صحيحة، ومعناها تهيا إليّ أمرك لأنها لم تتيسر لها الخلوة قبل ذلك أو حسنت هيأتك، ولك بيان أن أقول لك، وهي صحيحة نقلاً مروية عن هشام رحمه الله من طرق، وعنه أيضا بكسر الهاء، والهمزة وضم التاء، وانفرد الهذلي عن هشام بعدم الهمزة، وقرأ ابن كثير رحمه الله بفتح الهاء وضم التاء بغير همز، والباقون بفتح الهاء، والتاء من غير همز وورد فيها كسر الهاء، وضم التاء من غير همز، وفتح الهاء، وكسر التاء من غير همز قراءة الحسن ورويت عن ابن عباس رضي الله عنهما، والصواب أنّ هذه السبع قراآت كلها لغات فيها، وهي اسم فعل بمعنى هلم، وليست التاء ضميراً وقال الفراء والكسائي هي لغة أهل الحجاز ومعناها تعال، وقال أبو حيان لا يبعد أن يكون مشتقا من اسم كحمدل، ولا يبرز ضميره بل يبين بالضمير المجرور باللام، ويختلف بحسبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 اهـ، وقد اختلفوا في هذه الكلمة هل هي عربية أم معرّبة، وهل معناها تعال ولذا قال مجاهد رحمه الله أنها كلمة حث، وإقبال أو غير ذلك وهل هي اسم أو فعل، وقيل إنه في بعض اللغات يتعين اسميتها، وفي بعضها فعليتها، وقد رويت القراءة فيها على أنحاء كثيرة منها ما هو في السبعة، ومنها شواذ، والمعتمد لك ما مرّ والمصنف رحمه الله قدم القراءة المشهورة، وجعله فيها اسم فعل، وذلك الفعل إمّا إنشائيّ كبادر، وأقبل لأنها تدل على الحث كما مرّ أو خبري كهيهات بمعنى بعد، وليس تفسيره بتهيأت على أنّ الدال على التكلم التاء التي من بنية الكلمة بل لأنها لما بينت التهيؤ بأنه له لزم كونها هي المتهيئة كما إذا قيل لك قرّبني منك فقلت هيهات فإنه يدل على معنى بعدت بالقرينة فلا يرد عليه ما قيل إنها إذا كانت بمعنى تهيأت لا تكون اسم فعل بل فعلأ مسنداً إلى ضمير المتكلم، ولو كان كذلك لم يصح تفسيره به على قراءة الفتح. قوله: (واللام للتبيين كالتي في سقيا لك) كأنه قيل لمن التهيؤ فقيل لك فهو متعلق بمحذوف أي هو كائن لك أو يقدر السؤال لمن تقولين فقيل أقول لك، ولم يجعل على كونه بمعنى تهيأت متعلقا بهيت لأنّ اسم الفعل لا يتعلق به الجارّ، وعيط بكسر العين المهملة، وسكون الياء، وفتح الطاء المهملة اسم صوت من العياط، وهي كلمة تقولها الصبيان، ويتصايحون بها في اللعب، وجير بمعنى نعم مبنيّ على الكسر، وأوّله مفتوح. قوله: (وهئت كجئت الخ (تقدم أنّ هذه القراءة مروبة عن هشام، وما أورده أبو علي في الحجة عليه ورذ صاحب النشر له فتذكره: فما بالعهد من قدم وقوله، وعلى هذا الإشارة إلى القراءتين على حد {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 68] وسقط من بعض النسخ قوله، وقرئ هيئت، وهو ظاهر واعلم أنه قال في المغني هيت لك من قرأ بهاء مفتوحة، وياء ساكنة، وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة اسم فعل ماض أي تهيات واللام متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرّج به، وقيل مسماه فعل أمر بمعنى أقبل، واللام للتبيين أي إرادتي لك أو أقول لك! من قرأ هئت مثل جئت فهو فعل بمعنى تهيأت، واللام متعلقة به، ومن قرأ كذلك، وجعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها في اسم الفعل، ومعنى تهيؤه تيسر انفرادها به لا أنه قصدها بدليل قوله، وراودته فلا وجه لإنكار الفارسيّ مذه القراءة مع ثبوتها، وظهور وجهها، وهيا بكسر الهماء، وفتحها وتشديد التاء المثناة التحتية، وهي لغة بمعنى هيت. ضلمه ش (أعوذ بالله معاذا) إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف، وأنّ أصله التكثير، وأحسن مثواي تقدّم تفسيره، والرب على الأوّل بمعنى الس! يد، وموله والضمير لله والرب عليه بمعنى الخالق، والضمير عنى الأوّل للشأن، ويجوز جعله ضمير شأن على هذا كما في الكشاف فالجملة خبر، وإذا كان لله فأحسن خبر آخر، ولذا عطفه المصنف رحمه الله با! لواو والمحسن لمثواه زليخا فإسناده لقطفير لأنه الآمر به، ولله لأنه مسبب الأسباب بعطف قلبه عليه. قوله: (المجازون الحسن بالسيئ الأنه وضمع للشيء في غير موضعه، والحسن إكرامه، والسيئ قصد أهله بسوء، وإذا فسر الظالمون بالزناة فظلمه ما ذكر والمزني اسم مفعول، وضمير بأهله يعود على أل الموصولة. قوله: (قصدت مخالطته وقصد مخالطتها الخ) الهمّ بمعنى الإرادة، والقصد مطلقاً، وهو لا يتعلق بالذوإت فلذا قدر ما ذكر، وهو على ما قاله محيي السنة رحمه الله همان همّ ثابت معه عزم، وعقد ورضا كهم زليخا، وهو مذموم مؤاخذ به، وهمّ بمعنى خاطر، وحديث نفس من غير تصميم، ولا اختيار، وهو غير مذموم، ولا معاقبة عليه كهم يوسف عليه الصلاة والسلام، ويؤلده حديث الصحيحين " إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به النفس ما لم يعملوا أو يتكلموا " (1) وقال الإمام الصراد بالهمّ في الآية خطور الشيء بالبال أو ميل الطبع كالصائم في الصيف يرى الماء البارد فتحمله نفسه على الميل إليه، وطلب شربه، ولكن يمنعه دينه عنه وكالمرأة الفائقة حسنا، وجمالاً تتهيؤ للشاب النامي القوي فتقع بين الشهوة، والعفة وبين النفس، والعقل مجاذبة، ومنازعة فالهم هنا عبارة عن جواذب الطبيعة، ورؤية البرهان جواذب الحكمة، وهذا لا يدل على حصول الذنب بل كلما كانت هذه الحال أشد كانت القوّة على لوازم العبودية أكمل إذا عرفت هذا فالمختار أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام إن كان ما نسب إليه من الهنم واقعا بناء على أنه لا يقدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 على دفعه، ونظيره جواب لولا فهو بهذا المعنى الذي لا يعدّ سيئة بل حسنة كما سمعت، ولذا غاير بين العبارة في الهمين، ولم يقل هما وأكد الأوّل دون الثاني وأن لم يكن واقعاً كما اختاره في البحر، وقال لم يقع منه همّ البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول لقد قارفت الإثم لولا أنّ الله عصمك، ولا تقول إنّ جواب لولا يتقدم عليها، وان لم يقم دليل على امتناعه بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف فيها حتى ذهب الكوفيون، وأعلام البصريين إلى جواز ققدّمه بل تقول هو محذوف لدلالة ما قبله عليه لأنّ المحذوف في الشرط يقدّر من جنس ما قبله، والبرهان ما عنده من العلم الدال على تحريم ما همت به وأنه لا يمكن الهمّ فضلا عن الوقوع فيه هذا هو الذي يجب اعتقاد.، والحمل عليه، وكلام المصنف رحمه الله راجع إليه كما ستراه فقوله، والهمّ بالشيء قصده، والعزم الخ بناء على أنه ليس مطلق القصد، وان هذا أصله فهو في حقها على حقيقته، وأمّا في حقه فبمعنى آخر، وقوله أمضاه أي فعله. قوله: (والمر! بهمه ميل الطبع الخ) مبني على الطريقة الأولى المثبتة للهم له وجعله بمعنى الميل الطييعى كميل الصائم للماء البارد وما فسر به الهم فبله إن كان حقيقة كما هو الظاهر من كلامه فإطلاقه على هذا استعارة أو مشاكلة أو من مجاز المشارفة. قوله: (أو مشارفة الهم كقولك كعلتة لو لم أخف الله) هذا على إثبات الهم له وتاويله بالقرب من الهم كما في المثال المذكور إذا قصد بقتلته شارفت قتله بضرب أو نحوه، وقد مرّ له جواب آخر فلا يرد عليه ما قيل إنه ما الموجب لإخراج قتلته عن حقيقته فإنه دليل الجواب إذ لم نجوّز تقديمه ولو للامتناع فالمعنى امتناع القتل لامتناع عدم الخوف منه تعالى، وهو معنى صحيح إذ المناقشة في التمثيل ليست دأب أرباب التحصيل، وقيل معنى همت به، وهمّ بها أنها اشتهته، واشتهاها، وإنه أحسن الوجوه. قوله: (في قبح الزنا وسوء مغبته الخ) المغبة بفتح الميم، والغبن العاقبة، وقوله لخالطها هو الجواب المقدر للولا بدلالة ما قبله لأنّ الهم من لوازم المخالطة، والشبق، والغلمة بالضم شد الشهوة، وهذا منفي عنه لدخوله في حيز لولا لكن كان التعبير بغيره أولى، وأنسب بسلوك طريق الأدب، والظاهر أنّ مراده لشبق غلمة زليخا ومبالغتها في مراودته التي تدعو إلى مخالطته لولا أن رأى برهان ربه، وهو ما علمه من تحريمه لما ذكر، وقوله ولا يجوز تقدم أنّ النحاة أكثرهم جوّزه، وقوله في حكم أدوات الشرط أي الجازمة. قوله: (بل الجواب محذوف يدل عليه) وهو قوله لخالطها كما قررناه لك لا إنه مقدر بغير المذكور كما توهم حتى يرد عليه ما قيل عليه إنه حينئذ لا يحتاج إلى تقدير خالطها في مقام الجواب، ولا يحتاج إلى إخراج الهم عن معناه وارتكاب المجاز كما اختاره. أو تقدير الكلام على هذا لولا أن رأي برهان ربه لقصد مخالطتها وعزم عليها، والمذكور قبل الشرط إنما أتى به ليكون دليلا على الجواب المحذوف لا أنه مقصود بالإفادة في الكلام. قوله: (وقيل وأى جبريل عليه الصلاة والسلام الخ) هذا مع ما في القصص ونحوه مما لا يليق ذكره، وتركه أحسن منه كله مما لا أصل له والنص ناطق بخلافه. قوله: (أي مثل ذلك التثبيث الخ) يعني أنه في محل نصب صفة مصدر فعل محذوف، وذلك إشارة إلى المصدر أو خبر مبتدأ مقدر وفيه وجوه أخر، وقوله إنه من عبادنا المخلصين قيل فيه إنّ كل من له دخل في هذه القصة شهد ببراءته فشهد الله تعالى بقوله لنصرف الخ. وشهد هو على نفسه بقوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي} ونحوه، وشهدت زليخا بقولها: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ} وسيدها بقوله: {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} وابليس بقوله: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فتضمن إخباره بأنه لم يغوه ومع هذا كله لم يبرئه أهل القصص فكان كما قيل: وكنت فتى من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي وقوله إذا كان في أوّله الألف واللام هذا التخصيص ينافي ما ذكره في سورة مريم في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا اً} [سورة مريم، الآية: 51] وهو المصرح به في القرا آت، وأخلصهم الله لطاعته أي اختارهم. قوله: (تسابقاً إلى الباب) أي قصد كل سبق الآخر إلى الباب فيوسف عليه الصلاة والسلام ليخرج، وهي لتمنعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 من الخروج، ووحد الباب هنا مع جمعه أوّلاً لأنّ المراد الباب البرّاني فإن قلت كيف يستبقان إلى البراني ودونه أبواب جوّانية قلت أشار الزمخشريّ إلى دفعه بما روي أنّ أقفالها كانت تتناثر إذا قرب يوسف عليه الصلاة والسلام إليها وتنفتح، وقوله فانقذ قميصه قالوا من جيبه، وأعلاه، والاجتذاب افتعال من الجذب، والفرق بين القذ والقط مذكور في كتب اللغة ومنه قط القلم، وقيل القذ مطلق الشق، ويؤيده أنه قرئ وقطت، وقال يعقوب القط في الجلد، والثوب الصحيحين. قوله:) وصادفا زوجها الخ) الذي في كتب اللغة أنّ الفي بمعنى وجد، وهو قريب مما ذكر، والمراد بالسيد الزوج لأنهم كانوا يستعملونه بهذا المعنى لملكه التصرف فيها، ولذا لم يقل سيدهما، وقيل لأنه لم يكن مالكا له حقيقة لحرّيته، وقوله إيهاماً مفعول له لقالت أي قالت ما ذكر لذا، وتغييره بالغين المعجمة معطوف على إيهاما أي لتغيير زوجها، واعتقاده فيه والمفعول له يكون معرفة ونكرة، وقوله إلا السجن بفتح السين مصدر سجنه إذا حبسه، وقوله أو عذاب أو للتنويع عطفت المصدر الصريح على المؤوّل، وقرئ بالنصب بتقدير فعل، وعلى جعل ما استفهامية فجزاؤه مبتدأ أو خبر ومن موصولة أو موصوفة. قوله:) طالبتني بالمواتاة الخ (يعني قال هذا لدفع الضرر عن نفسه لا لتفضيحها، ولذا قال هي، ولم يقل هذه مشافها لها بما تكر.، وقوله دفعاً لما عرضته التعريض في قولها ما جزاء من أراد بأهلك سواء إلا أن يسجن حيث لم تقل هذا أراد بأهلك السوء، وجزاؤه السجن بل قصدت العموم، وأجملت حياء، وحشمة لبعلها وكبت بالسوء عن الفاحشة كما قالت ابن شعيب عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [سورة القصص، الآية: 26] ولم تقل إنه قوقي أمين حياء من أبيها فجعل ذلك كناية عما ذكر وتعريضاً به، وقوله ولو لم تكذب عليه لما قاله هذا لا ينافي قوله دفعاً للضرر لأنه يقتضي أنه قاله لكذبها عليه فينافي الحصر الذي قاله لأنّ القصر الأوّل إضافيّ أي قاله لدفع الضرر لا للتفضيح فلا ينافي كونه لكذبها، وأيضاً معنى قوله لكذبها الدفع كذبها، وما يترتب عليه لو صدقت فهو داخل في الدفع المذكور فتنبه. قوله: (قيل ابن عم لها الخ (صبياً راجع إلى ابن العم، وابن الخال، وقيل إنه قيد للثاني، وترك كون الشاهد حكيماً كان عنده المذكور في الكشاف، وقوله ومن النبني صلى الله عليه وسلم تكلم أربعة الخ اعترض! عليه الطيبي بأنه يرد على الحصر ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لم يتكلم في المهد إلا عيى ابن مريم علبه الصلاة والسلام وصاحب جريج وساق قصته وبينا صيئ يرضع أمّه مو رجل على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمّه اللهمّ اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي، وقال اللهتم لا تجعلني مثله " (1) يعني أنّ الحصر في الثلاثة المذكورة أخرج الماشطة وشاهد يوسف من الحكم، وأثبت بدلهما الرضيع المذكور، وسيأتي سادس في سووة البروج، وما وفق به من أنه يجعل قوله في المهد قيداً، وتأكيدا لكونه في مبادي الصبا، وفي هذه الرواية يحمل على الإطلاق أي سواء كان في المبادي أو بعيدها بحيث يكون تكلمه من الخوارق لا يخفى بعده، وقيل على الطيبيّ أنّ هذا على عادته من عدم الاطلاع على الأحاديث فإنّ الحديث الذي أووده المصنف رحمه الله تعالى صحيح أخرجه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال إنه على شرط الشيخين فصاروا خمسة، وهم أكثر ففي صحيح مسلم تكلم الطفل في قصة الأخدود أيضا، وقد جمعها السيوطي فبلغت أحد عشر ونظمها في قوله: قكلم في المهد النبيّ محمد ويحيى وعيسى والخليل ومريم ومبري جريج ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم وطفل عليه مربالأمة التي يقال لهاتزني ولاتتكلم وماشطة في عهد فرعون طفلها وفي زمن الهادي المبارك يختم (قك الم يرد الطيبي الطعن على الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله كما توهم، وانما أراد أنّ الحصر في الأحاديث متعارض يحتاج إلى التوفيق، وهو كما قال. قوله: (ابن ماشطة فرعون) قال ابن الجوزي: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 ماشطة إبنة فرعون لما أسلمت أخبرته ابنته بإسلامها فأمر بإلقائها وأولادها في البقرة التي اتخذها من نحاس تحمى، ويعذب بها من أسلم فلما بلغت النوبة آخر أولادها، وكان مرضعاً قال اصبري يا أمّاه فإنك على الحق (2) فقوله ماشطة فرعون الإضافة لأدنى ملابسة. قوله: (وصاحب جريج) بجيمين مصغر كان عابدا يعبد الله في صومعة فقالت بغيّ منهم أنا أفتنه فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فمكنت من نفسها راعي غنم كان يأوي إلى صومعته فلما ولدت منه غلاما قالت هو من جريج فضربوه، وهدموا صومعته فصلى ودعا وانصرف إلى الغلام فوكزه، وقال له بالله يا غلائم سير! أبوك فقال أنا ابن الراعي. قوله: (وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها الخ) تعبيره بإلقاء الشهادة لكونه صبياً لا يتعمدها فما قيل إنّ الأولى أن يذكره بعد قوله ابن عمها لاختصاصه بشهادة الرجل فإنّ شهادة الصبيّ حجة قاطعة لا فرق فيها بين الأقارب وغيرهم بخلاف الرجل فإنّ ظاهر القريب الشهادة لقريبه لا عليه، ولا يخفى ما فيه، وهو مبنيّ على جعك القيد للثاني، والقريب مطلقاً أقوى بلا شبهة فتدبر. قوله: (لأنه يدل على أتها قذّت الخ) وفي الكشاف دلالة قد الدبر على كذبها لأنها تبعته، وجذبت ثوبه فقدته، ودلالة قد القبل على صدقها من وجهين إنه تبعها، وهي دافعته عن نفسها فقدت قميصه من قدامه بالدفع أو أنه أسرع خلفها ليلحقها فتعثر في مقادم قميصه فشقه، واعترض عليه بأنه يمكن مثله في اتباعها له بل هذا أظهر لأنّ الموجب للقد غالباً الجذب لا الدفع، وقيل إنه من قبيل المسامحة في أحد شقي الكلام لتعين الآخر بتنزيل المحتمل منزلة الظاهر لأنّ الشق بالجذب في هذا الشق أيضاً محتمل، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى غفلة عنه، وقيل أيضا في دلالة الإمارتين على ذلك نظر إمّ دلالة قد القميص! من دبره على كذبها فلجواز أنه قصدها فغضبت عليه وأرادت ضربه ففرّ منها فتبعته، وجذبته للضرب فقدّت قميصه من دبر، وهي صادقة، وأمّا قد القيل فمعارض بمثله لأنّ الخرق بالدفع معارض! بالخرق يالجذب من خلف جذبا عنيفا ينخرق به من قذامه، ولأنه ربما تعثر في الفرار فانقد قميصه من قذامه فالعثار في الاتباع معارض بالعثار في الفرار، ودفع بأن هذه الاحتمالات لا تضرّ في شهادة الشاهد على براءته لأنه متعين الصدق في نفسه، ومجرّد الاحتمال غير قادح فيه وكان ما علم من نزاهته، وحالها دافعاً لهذه الاحتمالات، وقيل الحق أنّ الشاهد إن كان صبيا في المهد فالبراءة بمجزد كلامه، وتعيين ما عينه من غير نظر في الإمارة المذكورة تذعن لحاله، وان كان رجلا من أهلها أو من غيرهم كالحكيم فمراده تصديق يوسف عليه الصلاة والسلام، وتكذيبها لما شاهده لكن لم يرد فضاحتها بذا، والحاصل أنه لو شهد من غير ذكر إمارة، وقال رأيته فرّ منها، وهي تبعته، وجذبت قميصه فانقدّ من دبره لصدق لكنه ذكر امارات تلويحا لما رآه ستراً عليها فتأمّله. قوله: (والشرطية محكية على إرادة القول الخ) يعني أن الشرطية مضمونها هو المشهود به، ولكنها في اللفظ كيف تتعلق به فقال إنه على تقدير القول أي فشهد فقال أو قائلا إن كان الخ. أو الشهادة لما كانت في معنى القول جاز أن تعمل في الجمل، وهو جار في كل ما شابهه، هما قولان لنحاة البصرة، والكوفة، وقوله وتسميتها شهادة لأنها أدّت مؤدّاها دفع لما يقال إنه أمر معلق على شرط، وليس تعيينا حتى يكون شهادة به بأنه دل على صدقه فكان في معنى الشهادة له. قوله: (والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم الخ) هذا مبنيّ على إن كان قوية في الدلالة على الزمان فحرف الشرط لا يقلب ماضيها مستقبلا، والا فكل ماض! دخل عليه الشرط قلبه مستقبلا من غير حاجة إلى التأويل نحو إن قام زيد قام عمر، وفعلى هذا القول كونه كذلك، وكذلك جعله إمارة صدقها أو كذبها، والجزأن على كونه كذلك، والمعلق عليه من الصدق والكذب واقعان فأوّل بمعنى حدوث العلم أي أن يعلم أو يظهر أنه كذلك فقد ظهر الصدق أو الكذب قال في الكشف، وهذا بين، وفيه إنك جعلت ما لا يعرف كونه كأنه ليس بكائن، وفيه دقة فكأنه يريد أنه ليس من باب التقدير لتكلفه، ولا التجوّز في كان يجعلها بمعنى علم لأنه يعود على المدعي بالنقض بل يبقى على حاله وينزل استقبال علمه منزلة استقباله لما بينهما من التلازم كما قيل أي شيء يخفى فقيل ما لا يكون فتدبره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 قوله: (ونظيره قوله إن أحسنت إلئي اليوم فقد أحسنت إليك من قبل) ووجه التنظير أنه ليس مستقبلا لتقييده بما ذكر بل هو لتعليق الأخبار على سبيل الامتنان بمثله فيؤول إلى ما ذكره، وتمنن من المن أو الامتنان، وقيل كان بمعنى ثبت، والثبوت ليس بحاص! ، قبله. قوله:) وقرئ من قبل ومن دبر بالضم الخ (أشار أوّلاً إلى قراءة العامّة بضم الباءين مع جره، وتنوينه لأنه بمعنى خلق يوسف عليه الصلاة والسلام أو الفميص وقدامه، وقرأ الحسن وأبو عمرو، في رواية عنه بتسكين العين تخفيفا وتنوينه، وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحق، والعطاردي، والجارود بثلاث ضمات، وروي أيضا بضم الآخر مع السكون، ووجه بأنهم بنوهما على الضم كقبل، وبعد إذا قطعا عن الإضافة، وتال أبو حاتم أنه ضعيف في العربية لأنه مخصوص بأسماء الظروف، وقرأ ابن إسحق بفتحهما، ووجه بأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما من الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار الجهة، وكأنه علم جنس، وفيه نظر. قوله:) آن قولك ما جزاء من أراد الخ) أي الضمير راجع إلى ما قبله من القول أو السوء لكنه قيل إنّ السوء ليس نفسه حيلة، ولكنه يلازمها ففيه مجاز، وهو لهذا الأمر وهو طمعها في يوسف علبه الصلاة والسلام وقد القميص وجعله من الحيلة مجاز كالذي قبله والمكر، والكيد، والحيلة متقاربان، ولذا فسره به. قوله:) والخطاب لها ولآمثالها) يعني بالخطاب ضمير النسوة في كيدكت، ولسائر النساء عطف على لأمثالها، وقال الزمخشريّ لها ولأمّتها أي جماعتها أي من جواريها، وهو أولى. قوله:) فإن كيد النساء ألطف وأعلق الخ) يعني ألطف من كيد الرجال، وأعلق أي أكثر علاقة بالقلب منهم، وأكثر من ذلك، وأشد تأثيراً منهم، وكيد الشيطان ضمعيف بالنسبة لكيدهن أيضا، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله لأنهن يواجهن به، والشيطان كيده وسوسته، ومسارقته، ولذا قال بعض العلماء إني أخاف من النساء أكثر من الشيطان لأنّ الله يقول إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا، وقال في كيدهن أنه عظيم، وقيل عليه إنّ ضعف كيد الشيطان في مقابلة كيد الله، وعظم كيدهن بالنسبة للرجال، وهو ليس بشيء لأنه استدل بظاهر إطلاقهما، ومثله مما تنقبض له النفس، وتنبسط يكفي فيه ذلك القدر، وكذا ما قيل إنه محكيّ عن قطفير لأنه قص من غير نكير. قوله: (حذف منه حرف النداء الخ) يعني ذكريا إمّا لبعده حقيقة أو حكماً ككونه غافلا أو غير فطن، وكلاهما منتف هنا فحذفه لهذه النكتة من الإيجاز الحسن، وقرئ بفتح الفاء من غير تنوين فقيل إنها غير ثابتة، وقيل إنها حركة إعراب فهو منصوب وقيل أجرى الوقف مجرى الوصل، ونقل له حركة الهمزة، وقرئ أعرض ماضيا وكلها شاذة، وقوله اكتمه قيل إنه يدل على عدم الغيرة، وهي لطف من الله تعالى بيوسف عليه الصلاة والسلام، وقال أبو حيان إنه مقتضى تربة مصر. قوله: (من خطئ إذا أذنب متعمداً والتذكير للتنليب) يقال خطئ يخطأ خطأ وخطأ إذا تعمد خلاف الصواب، وأخطأ إذا فعله من غير تعمد، ولهذا يقال أصاب الخطأ، وأخطأ الصواب وأصاب الصواب، وتغليبه كما مرّ تحقيقه في قوله من القانتين، وهو أبلغ من إنك خاطئة. قوله: (هي اسم لجمع امرأة) المشهور أنه جمع تكسير كصبية وغلمة، وقيل إنه اسم جمع وعلى كل فتأنيثه غير حقيقيّ، ولذا لم يؤنث فعله وليس له واحد من لفظه بل من معناه، وهو امرأة والمشهور كسر نونه وقد تضم وهو اسم جمع حينئذ بلا خلاف، ويكسر على نساء، ونسوان، وفي المدينة صفته، وهو الظاهر، وتعلقه بقال خلاف الظاهر ولذا أوّله المصنف رحمه الله تعالى بأنّ معنى كون قولهن فيها إشاعته وافشاؤه وقوله بهذا الاعتبار أي باعتبار الجمعية لأنّ الجمع، واسمه من حيث هو كذلك، وان نظر لمفرده فهو مؤنث حقيقي، ولم ينظر إليه لأنّ التأنيث المجازي لطروه أزال الحكم الحقيقيّ كما أزال التذكير وفيه نظر، وبالضم قرأ المفضل، والأعمش والسلمي كما قال القرطبيّ رحمه الله: فلا عبرة بمن أنكرها، وكونهن خمساً رواية مقاتل رحمه الله ورواية الكلبي أنهن كن أربعا بإسقاط امرأة الحاجب. قوله: (تطلب مواقعة غلامهاللاها) تقدم أنّ المراودة الطلب بتمحل، وحيلة، وأنه يتعلق بالمعاني لا بالذوات، + وفالى غلامها لأنه كان يخدمها، وقيل إنّ زوجها وهبه لها، وقوله العزيز بلسان العرب الملك،، فيلبته على أهل مملكتة، وقيل إنه غلب على ملك مصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 والإسكندرية لكنه فيل عليه إنّ مارزكزه صتنافي ما مر من أنّ قطفير كان على خزائن "! صز، ومككها الريان وفنى يائيّ بدليل تث! نيته! لأنها تردّ الأشياء لأصولها فالفتوة على هذا شاذة، وقيل إنه يائيّ وواوي ككنوت وكنيت، وله نظائر كثيرة. قوله: (شق شغاف قلبها الخ) الشغاف بوزن سحاب حجاب القلب، وقيل سويداؤه، والفؤاد القلب، وقوله لصرف الفعل عنه أي محوّل عن الفاعل، والأصل شغفها حبه، وهنأه بالهمزة بمعنى طلاه بالقطران، ومعنى إحراقه أنه أثر في جلده، وهذا أصله، والشغف والشعف تاثير الحب وهما متقاربان، وقد فرق بينهما. قوله: (باغتيابهق وإنما سماه مكرا الخ) يعني أنّ المكر استعير للغيبة لشبهها له في الإخفاء كما أشار إليه، وعلى الوجه الثاني هو حقيقة، وكذا على الأخير لأنهت مكرن بها في إظهار كتمان السرّ حتى أطلعن على أمرها، وقوله لتريهن أي زليخا، وفي نسخة ليرين أي النسوة من الثلاثيّ. قوله: (تدعوهن) أي للضيافة مكرا بهن لما سيأتي، ويبهتن مجهول أي يتحيرن، وأما بهته فبمعنى افترى عليه، ويقطعنها أي الأيدي من قطع الثلاثيّ، وكونه من الأفعال بمعنى يجعلنها قاطعة لها ركيك ويجوز أن يكون من التفعيل، ويبكتن من التبكيت، وهو الغلبة أي يغلبن بالحجة التي لها مما له من الجمال الذي لا يمكن صبر النساء معه ويهاب عطف على يبهتن أي يخاف يوسف عليه الصلاة والسلام فينقاد لها وهو مناف للمقام، ولذا لم يجعله في الكشاف وجها، وجمع بين المكرين. قوله: (متكأ طعاماً) هو على الثاني اسم مكان أو ا-لة بمعنى الوسادة، وهو مستعمل في حقيقته، وقوله فإنهم كانوا يتكؤون الخ بيان لوجه إطلاقه عليهما، وعلى الأوّل هو اسم للطعام، وهو اسم مفعول أو مصدر جعل كناية أو مجازا عنه، والظاهر الثاني أي اتكاء أو متكأ له، واستشهد بالبيت للأوّل، وأنه لو فعل لأنه المحتاج للإثبات، وأما الثاني فهو اسم مكان لا حاجة لإثباته، والتترف كالترفه التنعم، وقوله ولذلك، أي لكونه فعل المترفين المتكبرين نهى عنه في الحديث الذي رواه ابن أبي شيبة عن جابر رض! ي الله تعالى عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " نهى أن يثل الرجل بشماله وأن يثل متكئاً) (11 لكن الواقع! في الحديبن النهي عن اكل، والنهي عن الهشرب ثبت بدلالة القياس، ولذا صرّحوا به قال العلافمه في قوله، وآتت كك، وإحدة- تف! يره " اعتدف لهرهـ متكأ فجئن و! دن وآتت كل واحدة الخ، ولا يبعد أن تسمى هذه الواو فصيحة فاحفظه. قوله: (قال جميل) هو من شعراء العرب الإسلامية، وهو مشهور، والبيت من قصيدة له من يحر الخفيف، وعروضها مختلف، وأوّلها: رسا.! اروقفت في طلمله كخدت أقضي الصيا؟ غ مثن جلله موحشاً ما ترى به أحداً تنسج الترب ريح معتدله ومنها: فظللنابنعمة واتكأفا وشربنا الحلال من قلله قال ابن قتيبة معنى اتكأنا أكلنا، وطعمنا والقلل جمع قلة، وهي الجرّة، والحلال أراد به النبيذ. قوله: (وقيل المتكأ طحم. يحزحزا) بألحاء المهملة أي يقطع، وكونه بالجيم جوّزه بعضهم لأنّ معنا. قريب منه والأوّل أولى لأنه المعروف، وأمّا الجز فأستعماله في قطع / الصوف، ونحو.، وهذا مخالف للأوّل لأنه مطلق الظ! ط بخ! ، وهذا مخصوص باللخم.،. ونن! هـ. قوله: (وقرئ متكاً بحذف الهمزة) أي وضم الميم، وتشديد التاء مفتعا من أوكيت القربة إذا شددت فاها بالوكاء، والمعنى اعتدت شيئا يستندن عليه بالاتكاء أو بالقطع، وقرئ بالمدّ على أنه إشباع كما قالوا في منتزح، وهو البعيد، منتق اح، وقرئ متكا بضم! الميم، وسكون التاء والتنوين، وروي فيه الضم، والفتح، وهو الأترج بضم الهمزة، والراء المهملة، وبينهما تاء ساكنة وفي آخره جيم مشددة، ويقال اترنج وترنج، وهو ثمر معروف، وقيل ما يقطع من المأكولات من متكه، وهو وبتكه بمعنى قطعه، والباء والميم تتعاقب كثيرا كلازم ولازب، وقيل إنه طعام يقالط له زما ورد وقرئ متكأ بفتح فسكون، وفي آخره همزة من تكىء بمعنى اتكأ، ومعناه كمعنى متكأ. قوله: (عظمته الخ) فأكبر. بمعنى كبره أي عظمه، وقيل أكبرن بمعنى حضن، والإكبار يكون بمعنى الحيض، وأنشدوا عليه بيتاً قيل إنه مصنوع، وسمي الحيض إكباراً لكون البلوغ يعرف به كأنه يدخلهم سن الكبر فيكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 في الأصل كناية أو مجازاً، وهذا منقول عن قتادة والسديّ. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه ابن جرير، والحاكم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وقوله والهاء ضمير للمصدر فكأنه قيل أكبرن إكباراً، والحامل عليه أنه غير متعد أو هو ليوسف عليه الصلاة والسلام على إسقاط حرف الجرّ أي حضن لأجله، وترك القول بأنها هاء سكت لأنه ردّ بأنها لا تحرّك، ولا تثبت في الوصل، واجراء الوصل مجرى الوقف، وتحريكها تشبيهاً لها بالضمير كما في قوله: وأحرّ قلباه ممن قلبه شبم على تسليم صحتة ضعيف في العربية، ونزع الخافض، والتأكيد بضمير المصدر أقرب، والقول بأن الأوّل يختص بالصفات، والظروف، والصلات، والثاني لا يصح ممنوع. قوله: (كما تال المتنبي) هو من قصيدة مدح بها الحسين بن إسحق التنوخي أوّلها: هو البين حتى ما تأنى الحزائق ويا قلب حتى أنت ممن أفارق ومنها: خف الله واسترذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العواتق قال الواحدي روي ذابت أي من شوقها إليك، وروي حاضت لأنّ المرأة إذا اشتدت شهوتها حاضت والعواتق جمع عاتق، وهي المرأة الشابة، وذا الجمال بنصب الجمال نعت ذا اسم الإشارة، وجوّز فيه أن يكون ذا بمعنى صاحب، والجمال مجرور بالإضافة، والمراد بذي الجمال الوجه، والأوّل أولى رواية، ودراية والخدور جمع خدر بالكسر، وهو ستر يمد في جانب البيت للنساء، وقوله جرحنها يعني أنّ القطع ليس بمعنى الإبانة كما قيل لأنه خلاف الظاهر، وهذا معنى حقيقيّ له أيضا، وقال صاحب الكشف الأصح أنه مجاز. قوله: (تنزيهاً له من صفات العجز الخ) تعليل لقولهن هذا لا تفسير له، وسيأتي تفسيره، وفي شرح التسهيل الاستعمال على أنهم إذا أرادوا تبرئة أحد من سوء ابتدؤوا بتنزيه الله سبحانه، وتعالى من السوء ثم يبرؤون من أرادوا تبرئته على معنى أنّ الله منزه عن أن لا يطهره مما يضيمه فيكون آكد وأبلغ كما في هذه الآية وقوله في الدرج فيه مخالفة للكشاف، واشارة إلى أنّ في كلامه قصوراً. قوله: (وهو حرف يفيد معنى التنقله) وفي نسخة التبرئة، المعنى فيهما واحد يعني أنه حرف وضع للاستثناء، والتبرئة معا ثم بعد ذلك اقتصر فيه على معنى التبرئة فاستعمل له في غير الاستثناء كما هنا، وقال النحاة إنه أداة متردّدة بين الحرفية، والفعلية فإن جرّت فهي حرف وان نصبت فهي فعل، وهي من أدوات الاستثناء، ولم ير سيبويه رحمه الله تعالى فعليتها، وذكر الزمخشريّ رحمه الله تعالى أنها تفيد في الاستثناء التنزيه أيضا، وأنها حرف جرّ وضع موضع التنزيه ورده أبو حيان رحمه الله بأنّ إفادتها التنزيه في الاستثناء غير معروف، ولا فرق بين قولك قام القوم إلا زيداً وحاشا زيداً، وعدم ذكر النحاة له لا يدل على ما ذكره لأنه وظيفة اللغويين لا وظيفتهم وقال المبرد يتعين فعليتها إذا وقع بعدها حرف جرّ كما هنا ففاعله ضمير يوسف عليه الصلاة والسلام بدليل مجيء المضارع منها في قوله: ولا أحاشي من الأقوام من أحد قوله: (فوضع موضع التنزيه) أي جرد له ووضع موضعه فيما لا يكون فيه استثناء فجعل اسما بمعنى التنزيه بعد أن كان حرف استثناء، ولم ينوّن مراعاة لأصله المنقول عنه، وهو يقتضي أنه نقل من الحرفية إلى الاسمية، واعترض عليه بأنّ الحرف لا يكون اسماً إلا إذ! نقل، وسمي به، وجعل علما، وحينئذ يجوز فيه الحكاية، والإعراب، ولذا جعله ابن الحاجب رحمه الله تعالى اسم فعل، وكون المعنى على المصدرية لا يرد عليه لأنه قيل إن أسماء الأفعال موضوعة لمعاني المصادر، وهو منقول عن الزجاج رحمه الله تعالى، وقوله واللام للبيان فهي متعلقة بمحذوف، ومن جعلها مصدراً أو فعلاً جعلها متعلقة به. قوله: (وقرئ حاشا الله بغير لام الخ) قرأ بها أبيّ وعبد الله على الإضافة كسبحان الله لنقله إلى الاسمية، وقال الفارسي إنها حرف جرّ مراد به الاستئناء ورد بإفه لم يتقدّمه- ما يستثنى منه، والتنوين لنقله إلى الاسمية، وفيه ما مرّ. قوله: (وقيل حاشى فاعل) بفتح العين أي فعل كقاتل من المحاشاة، وهو مذهب المبرد، ومعناه صار في ناحية الله، والمرأد بعده عما اتهم؟ مه روتبزيهه عنه لما رؤي فيه من آثار العصمة، وأبهة النبوّة عليه الصلاة+ والسلام. قوله: (لأن هذا الجمال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 غير معهود؟ للبشر الخ) يعني نفي البشرية عنه لأنّ جماله لم ير مثله فيهم، واثبات الملكية له لذلك مع الكمال، ولذا وصف بالكرم، ومشاركة ما لليس في نفي الحال هو المشهور، وقال الرضي: إنّ ليس ترد لنفي الماضي، والمستقبل فالمشاركة في مطلق النفي، وقراءة بشرى بالباء الجارة مخالفية صلرسم المصحف لأنه لم يكتب بالياء فيه، ومخالفة لمقتضى المقام لمقابلته بالملك إلا أنّ ابن عادل رحمه الله تعالى قال من قرأ بها قرأ ملك بكسر اللام فيتناسب الكلام حينثذ، وقول المصنف رحمه الله تعالى أي بعبد مثتري لئيم إشارة إلى وجه المقابلة بينهما على هذه القراءة، وقوله ولا يفوقه في نسخة لا يفوقه بدون واو فالضيير ليوسف عليه الصلاة والسلام واسنفادة فائقية الملك من كمونه مشبها به. تنبيه: أنكر بعضهم هذه القراءة لأنها لا تناسب ما بعدها من قوله إن هذا إلا ملك كريم ورد بأنها صحيحة رواية، ودراية أمّا الأوّل فلأنها رواها في المبهج عن عبد الوارث بسند صحيح، وأما الثاني فلأنّ من قرأ بهذه قرأ ملك بكسر اللام فتصح المقابلة أي ما هذا عبد لئيم يملك بل سيد كريم مالك، وكان على اللمصنف أن يذكر هذا إلا أنه أشار بقوله لئيم إلى ذلك وإن احتمل أنه أثبت المقابلة بوجه بينه، وبين وصفه بطريق برهانيّ ففيه خفاء افتأمّل. قوله: (فهو ذلك العبد الكنعاتى الذي لمتنني الخ) يعني ذلك خبركلمبتدأ محذوف دخلت الفاء عليه بعد حذفه، والذي صفة اسم، الإشارة، وعلى الوجه الثاني ذلك مبتدأ، والذي خبره، وتنزيله لعلوّ منزلته منزلة البعيد ظاهر كلامه أنه على الوجه الثاني فقط، ولذا عبر عنه بهذا فيه دون الأوّل لأنّ يوسف عليه الصلاة والسلام في وقت اللوم كان غير حاضر، وهو الآن حاضر فإن جعلت الإشارة إليه باعتبار الزمان الأوّل كانت على أصلها، وجعله خبرا عن ضمير الغائب يقتضيه، وإن لوحظ الثاني كان قريباً، واحتمال أنه عليه الصلاة والسلام أبعد عنهن لثلا يزددن دهشة، وفتنة، ولذا أشير إليه بذلك بعيدا، والكنعاني منسوب إلى بلاد كنعان، وهي نواحي القدس، وفي الافتتان متعلق بلمتنني، وقوله ولو صوّرتنه يعني لو تصوّرتنه قبل المشاهدة. قوله: (فامتنع طباً للعصمة الخ) قيل عليه إنّ الامتناع للعصمة، وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى يلزم أن لا تكون العصمة حاصلة وقت ألامتناع فإنه لا يطلب الحاصل إلا أن يراد بالعصمة زيادتها أو الثبات عليها، وفي البحر الذي ذكر. التصريفيون في استعصم أنه بمعنى اعتصم، والظاهر أنّ العصمة لغة بمعنى الامتناع مطلقاً، وفي العرف ما أودعه الله فيه مما يمنع عن الميل للمعاصي كما للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومرادها الأوّل، وتعني به فراره منها فهو امتنع منها أوّلاً بالمقال، ثم لما لم يفده طلب ما يمنعه منها بالفرار فلا يرد عليه شيء، ويعاونها بتشديد النون ضمير النسوة كقولهم له أطعها، وافعل ما أمرتك به، والأنة العريكة تحويله عن الآباء، وهو مجاز معروف فيه كما يقال موطؤ ا! ناف، وأصل العريكة السنام. قوله: (ما آمر به فحذف الجاز الخ) يعني أنّ ما موصولة، والضمير عائد عليها، وأصله الذي آمر به فحذف الجارّ، واتصل الضمير، ولما كان هذا شائعاً في أمر كقوله: أمرتك الخير فافعل ما ائتمرت به وحينئذ فإمّا أن يكون ترك المفعول لأنّ مقصودها لزوم امتثال ما أمرت به مطلقاً أو لأن يفعل يدل عليه ويغني عنه، ولو جعل الضمير ليوسف عليه الصلاة والسلام، والعائد محذوف، وهو به جاز أيضاً بالحذف التدريجي لكنه اختار هذا لما مرّ قال ابن المنير في تفسيره والعائد على الموصول محذوف مثل: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [سورة الفرقان، الآية: 41] لا يقالى ضمير المأمور به حينئذ مجرور به، ولا يحسن حذف العائد المجرور لأنا نقول هذا الجارّ مما أنس حذفه فلا يقدر العائد إلا منصوبا مفصولاً كانه قال آمر يوسف إيا. لتعذر اتصال ضميرين من جنس واحد فما عينه الزمخشريّ غير متعين، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، ومن قال في قوله فيكون الضمير ليوسف عليه الصلاة والسلام أي حتما لم يصب وأن كانت مصدرية فالضمير ليوسف عليه الصلاة والسلام، وفعل الأمر بمعنى فعل موجبه بالفتح على الإسناد المجازي أو تقدير المضاف. قوله: (وهو) أي الصاغر بمعنى الذليل فعله صغر كفرح، ومصدره صغر بفتحتين، وصغر بضم فسكون وصغار بالفتح هذا في القدر، وأما في الجثة والجرم ففعله ككرم، ومصدره صغر كعنب، وفي القاموس جعل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 صغاراً مصدراً لهذا، والمشهور ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وأكدت ليسجنن بالنون الشديدة لتحققه وما بعده بالنون الخفيفة لأنه غير محقق، وقرئ بالتشديد فيهما، وهو يخالف رسم المصحف بالألف كقوله: ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا فترسم بها وشبهها بالتنوين لفظا لكونه نونا ساكنة مفردة تلحق الاخر فلذا حملت في الرسم عليه، وقراءة يعقوب السجن بالفتح على أنه مصدر سجنه، وبالكسر اسم المحبس. قوله: (آ " لر عندي من مؤاتاتها رنا الخ) إنما فسره به لأنه لا محبة له لما دعون له، ولا للسجن، وكذا آثر من الإيثار أفعل تفضيل، ولا إيثار له للمؤاتاة إلا على سبيل الفرض! ، وإنما هوى السجن لكونه أهون الشرّين وقد مرّ أن فاعل أحبّ يجر بإلى، ومفعوله باللام أوفى، والمؤاتاة بمعنى المطاوعة، وزنا تمييزاً، ومنصوب بنزع الخافض، وقوله نظراً إلى العاتبة فمحبة السجن لذلك. قوله: (وإسناد الدعوة الخ) فهو على الحقيقة فيما روي أنّ كلاً منهن طلبت الخلوة لنصيحته فلما خلت به دعته إلى نفسها، وقوله إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا أي أنا أختار السجن، ولو لم يختره، ودعا الله بخلاصه من الأمرين معا سهل الله له الخلاص منهما فلا يرد عليه ما قيل إن يوسف عليه الصلاة والسلام، إنما أجاب بهذا قولها لئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن، والتقدير إذا كان لا بد من أحد الأمرين الزنا أو السجن فهذا أولى، وما ذكر مأثوراً وروي أنه لما قال السجن أحب إليّ أوحى الله يا يوسف أنت جنيت على نفسك، ولو قلت العافية أحبّ إليّ عوفيت ذكره القرطبي، وقوله: ولذلك رد الخ. إشارة إلى ما رواه الترمذي عن معاذ رضي الله عنه عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه سمع رجلاَ وهو يقول اللهم إني أسألك الصبر فقال سألت الله البلاء فأسأله العافية " وقوله وإن لم إشارة إلى أنّ إلا مركبة من أن، ولا النافية وقوله في تحبيب ذلك أي السجن. قوله: (أمل إلى جانبهق أو إلى أنفسهن الخ (مضارع مجزوم الأوّل ناظر إلى أنّ دعوتهن لاطاعتها فالميل إليهن كناية عن قبول ما قلن، وفي نسخة إجابتهن فهو بمؤاتاتها، والثاني ناظر إلى أنهن دعوته لأنفسهن فالميل لهن كناية عن المؤاتاة، وقوله بطبعي راجع إليهما، وقيل إنه متعلق بالثاني، والميل الأوّل اختياري، والثاني طبعي، وفيه أنه لا يلائم أكن من الجاهلين فتأمّل، وقرئ أصب من صببته كعلمته بمعنى عشقته فهو مضمن معنى الميل أيضا ليتعدى بإلى. قوله: (من السفهاء بارتكاب ما يدعونني الخ الما كان عدم الصرف لا يترتب عليه الجهل بمعناه المعروف أشار إلى أنّ الجهل هنا بمعنى فعل ما لا يليق، وهو أحد معنييه كقوله: ونجهل فوق جهل الجاهلينا واطلاق الجهل عليه لأنه لا يفعله الحكيم العالم بل السفيه فالجهل بمعنى السفاهة لا ضد العلم بل ضد الحكمة وعلى الوجه الثاني جعل عدم العمل أو العمل بخلاف ما يعلم جهلا لأنّ العلم حينئذ بمنزلة العدم. قوله: (الذي تضمنه قوله وإلا تصرف الأنه في قوّة قوله رب اصرفه عني، وقوله فثبته بالعصمة يحتمل التفسير والتفريع أي ثبته بسبب عصمته له عن الميل إلى الشهوات حتى وطن نفسه أي ثبتها كما يثبت الشيء في وطته على تحمل مشقة السجن، وايثار تلك المشقة على اللذات المتضمنة للمعاصي. قوله: (ثم بدا لهم من بعد الخ) قيل إنّ القطع، والاستعصام ليسا من الشواهد الدالة على البراءة في شيء، وأجيب بأق الاستعصام عنهن بدعوتهن لاً نفسهن إمارة دالة على براءته مما ادّعته راعيل، والعزيز، وأهله سمعوا ذلك وتيقنوه حتى صار كالمشاهد لهم، وفيه نظر إما دلالة الاستعصام المعلوم لهم، وهو امتناعه، واباؤه فظاهرة وأمّا دلالة القطع فلأنّ حسنهءلمجف الفاتن للنساء في مجلس واحد، وفي أوّل نظرة يدل على فتنتها بالطريق الأولى، وأنّ الطلب منها لا منه، وما قيل من أنه نشأ من فرط الدهثة مما شاهدن من نور النبوّة، وأبهة الملك لا مدخل له في ذلك قطعا. قوله:) وفاعل بدا مضمر يفسره) وفي نسخة تفسيره ليسجننه الخ قال بعض النحاة: إنّ الجملة قد تكون فاعلاً نحو يعجبني يقوم زيد وبدا له ليفعلن كذا، والصحيح خلافه فقال المازني: فاعله مضمر في الفعل والمعنى، ثم بدا لهم بداء فأضمر لدلالة الفعل عليه وحسن، وان لم يحسن ظهر لي ظهور لأنّ بداء قد استعمل في غير المصدر فقالوا بدا له بداء أي ظهر له رأي، ويدلّ عليه قوله: لعلك والموعود حق لقاؤه بدالك في تلك القلوص بداء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 وجملة ليسجننه تحتمل ثلاثة أوجه أن تكون مفعولاً لقول مضمر، والتقدير قالوا ليسجننه، واليه ذهب المبرد، وأن تكون مفسرة للضمير المستتر في بدا فلا موضع لها، وهو الذي ذكره المصنف، والضمير إما للبدأء بمعناه المصدري أو بمعنى الرأي أو للسجن بالفتح المفهوم من الكلام، وأن تكون جواباً لبدا لأنّ بدا من أفعال القلوب، والعرب تجريها مجرى القسم، وتتلقاها بما يتلقى به ففي الفاعل له أقوال، واختار أبو حيان رحمه الله تعالى أنه للسجن، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله أي ظهر لهم سجنه، وقوله لأنها خدعت الخ روي أنها لما أيست منه قالت للعزيز إنّ الغلام فضحني فاحبسه، وقصدها أن يطول السجن لعله ي! اعد ما على ما أرادت، وهو معنى قوله حتى تبصر. قوله: (أي أدخل يوسف السجن واتفق ثخ) اضار بقوله اتفق إلى أنّ الدخول ليس باختيار لهم، وبقوله حينئذ إلى أنّ مع تدل على! صحبه، والمقارنة لفاعل الفعل في ابتداء تلبسه بالفعل، ونقض هذا بقوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} إذ ليس إسلامها مقارناً لابتداء إسلام سليمان، وأجيب بأنّ ذلك يحمل على التخصيص للصارف الدال عليه، ولذا قال الزمخشريّ في قوله تعالى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أنه لا يصح تعلقه ببلغ لاقتضائه بلوغهما معا حدّ السعي، ولا بالسعي لأنّ صلة المصدر لا قتقدّم عليه فبقي أن يكون بياناً كأنه لما قال فلما بلغ السعي أي الحد الذي يقدر فيه على السعي عيل مع من فقال مع أبيه فمع هاهنا جار على الحقيقة حال من فاعل دخل، وفيد للفعل فيكون حكرثها مع حدوث الفعل، ويحمل على الحقيقة إذ لا صارف عنها، وقيل عليه أنه لا تتعين المعية في الفعل للفاعل فجاز أن يراد أسلمت لله، ولرسوله وتقديم مع للإشعار بأنها كانت تظن أنها كانت على دين في عبادة الشمس، وان حمل على معية الفاعل لم يكن بد من محذوف نحو صع بلوغ دعوته أو إظهار معجزته لأنّ الفرق بين المعية ومطلق الجمع معلوم بالضرورة، وتابعه على ذلك الفأضل المحشي، والفرق بين الفعل الممتدّ كالإسلام، وغيره كالدخول بانّ الأوّل لا يقتضي مقارنتهما في ابتدائه بخلاف الثاني راجع إلى الجمع، وليس من المعية في شيء على أنه حينئذ لا يحتاج إلى تأويل في السعي فتأمّل، وشرابيه منسوب إلى الشراب أي ساقيه، ويسمانه بمعنى يجعلان السم في طعامه، وشرابه، وقوله حكاية حاله ماضية، وأصله رأيت في المنام، وكون العنب يؤول إلى كونه خمرا ظاهر لكن الذي يؤول إليه ماؤه لا جرمه، ومثله لا يضر لأنه المقصود منه فما عداه غير منظور إليه فليس فيه تجوزان بالنظر إلى المتعارف فيه، وقيل العنب يسمى خمراً في لغة، وقوله تنهس فيه بالمهملة والمعجمة أي تأخذ منه، وتقضم بمقدم الفم، وفعله على مثال مغ كما في التحبير، وقوله من عبيد الملك أي الملك الأعظم وهو الريان حكى أنّ بعض أهل مصر ضمن لهما مالاً على أن يسماه في طعامه، وشرابه فأجاباه، ثم إنّ الساقي لم يفعله، وفعله الخباز فلما حضر الطعام قال الساقي للملك لا تأكل منه فإنه مسموم فقال الخباز لا تشرب فإنّ شاربه مسموم فقال الملك للساقرلأ اشرب فشرب، ولم يضره، وقال للخباز كل فأبى فجرّب في داية فهلكت فأمر بسجنهما. قوله- (من الذين يحسنون قأويل الرؤيا العلمهم بذلك إذ عبر لبعضهم رؤياه أو المراد من العالمين كما في قولهم قيمة المرء ما يحسن أي يعلم أو المراد بالإحسان إلى أهل السجن لأنه كان يعود المريض منهم، ويجمع للمحتاج ما يقوم به منهم، وقوله إن كنت تعرفه لأنّ قولهما نراك من المحسنين فراسة فتناسب التعليق بالشرط لأنهما لم يتيقناه. قوله: (أي بتأويل ما قصصتما علئ الخ) فالمراد بالتأويل تعبير الرؤيا لكنه يقتضي أن يكون الطعام المرزوق ما رأياه في النوم، ولا يخفى ما فيه ولذا لم يتعرّض لهذا في الكشاف فتامّله. قوله: (بيان ماهيته وكيفيتة فإنه يشبه تفسير المشكل الخ) فالمراد بالطعام ما يبعث إلى أهل السجن، وتأويله ذكر ما هو بأن يقول يأتيكما طعام كيت، وكيت فيجدانه كذلك، وقوله فانه يشبه الخ. إشارة إلى أنّ حقيقة التأويل تفسير الألفاظ المراد منها خلاف ظاهرها ببيان المراد فإطلاقه على تعيين ما سيأتي من الطعام مجاز ففيه استعارة، ومشاكلة محسنة لها. قوله: (كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد الخ) بيان لارتباط الجواب بالسؤال فإنهما سألاه تعبير رؤياهما فذكر لهما إخباره بالمغيبات، وما ذهب إليه من التوحيد، وعرضه عليهما، ثم أتى بالجواب فكان غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 مطابق ظاهرا فبين أنه أراد أن يعرض عليهما التوحيد لاقتراضه عليه، وجعل العلم بما ذكر مقدّمة له ووسيلة لتخليصه لما أراد كالتخلصات المعروفة عندهم أي كأنّ يوسف عليه الصلاة والسلام أراد بقوله هذا الذي قدّمه على جواب سؤالهما. قوله: (أن يسعف إلى ما سألاه) أي يساعد، وهو يتعدى بالباء فعداه بإلى لتضمينه معنى التوجه، والقصد إليه. قوله: (أي ذلك التأويل) المراد بالتأوبل كشفه عن الطعام قبل مجيته لأنه لما ذكره لهما قالا له هذا كهانة أي سحراً وتنجيم أي استخراج له بما علم من علم النجوم فقال لا بل هو مما علمني الله بوحيه، والهامه. قوله: (تعليل لما قبله الخ) أي هذه الجملة مسوقة لبيان علة تعليم الله له بالوحي، والإلهام أي خصني بذلك لترك الكفر، وسلوك طريق آبائي المرسلين، وقوله أو كلام مبتدأ أي مستأنف أي الجملة الأولى ذكرت تمهيداً للدعوة، والثانية إظهاراً لما ذكر لتقوى الرغبة فيه، وقوله والوثوق عليه ضمنه معنى الاعتماد، ولذا عداه بعلى دون الباء أي الاعتماد عليه. قوله: (وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم) أي تكريرهم مع إمكان أداء المعنى بقوله، وبالآخرة كافرون أو الاكتفاء بذكره مرّة واحدة يريد أنّ ضمير الفصل، وهو الثاني بناء على مذهب الزمخشري من عدم اشتراط تعريف الخبر معه لتخصيص الكفر بهم دون الكنعانيين، والأوّل لتأكيد كفرهم بتكرر الإسناد، وقال أبو حيان للدلالة على أنهم خصوصآ كافرون بالآخرة وغيرهم مؤمنون بها، وليست هم عندنا تدل على الخصوص قال المعرب لم يقل الزمخشري إن هم تدل على الخصوص، وإنما قال التكرير يدل على الخصوص، وهو معنى حسن عند أهل البيان اهـ (أقول) هذا عجيب منهما فإنّ هم إذا لم تفد تخصيصا عند أبي حيان فكيف قال إنهم خصوصاً كافرون، والتكرار إنما يفيد التأكيد فمن أين ما يفيد التخصيص فالصواب أنه من ضمير الفصل، والتقديم فإن قلت قول القاضي تعليل أو كلام مبتدأ وقول المعرب إنه على الوجهين لا محل للجملة ما وجهه قلت التعليل استئناف بيانيّ إلا أنّ عبارة المصنف رحمه الله تعالى مغلقة فاعرفه، وقوله إني تركت أي أظهرت الترك فلا يلزم اتصافه بذلك. قوله: (ما صح لنا معشر الأنبياء (خصه بهم مع أنه لا يصح من غيرهم أيضا لأنه يثبت بالطريق الأولى أو المراد نفي الوقوع منهم لعصمتهم، وقوله أيّ شيء كان يعني أنّ من زائدة في المفعول به لتأكيد العموم أي لا نشرك به شيئا من الأشياء قليلا أو حقيراً صنماً أو ملكا أو جنيا أو غير ذلك. قوله: (ذلك أي التوحيد) جعل المشار إليه التوحيد المأخوذ من نفي صحة الشرك لقربه قال الزمخشري: ذلك التوحيد من فضل الله علينا، وعلى الناس أي على الرسل، وعلى المرسل إليهم لأنهم نبهوهم عليه، وأرشدوهيم إليه ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون فضل الله فيشركون، ولا يتنبهون، وقيل إن ذلك من فضل الله علينا لأنه نصب لنا الأدلة التي ننظر فيها ونستدلّ بها، وقد نصب مثل تلك الأدلة لسائر الناس من غير تفاوت، ولكن أكثر الناس لا ينظرون، ولا يستدلون اتباعا لإهوائهم فيبقون كافرين غير شاكرين ففضل الله على هذا عقليّ، وعلى الأوّل سمعي، وحاصله أنّ ذلك المراد به التوحيد، وكونه مبتدأ من فضل الله لأن من ابتدائية على أنّ المراد به إمّا الوحي بأقسامه أو نصب الدلائل العقلية، وانزال المعجزات الملزمة عقلاً فعلى الأوّل معنى كون أكثر المبعوث إليهم غير شاكرين أنهم غير متبعين لهم، وعلى الثاني أنهم غير ناظرين للأدلة، ولا مصدقين بالمعجزات الباهرة فتضمن ذلك جعل بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لإرشاد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، ونصب الدلائل، واقامة المعجزة نعمة مسوقة لهم، وعدم الاتباع كفرانا بها بعد ما حق عليهم شكرها، واليه أشار المصنف بقوله كمن يكفر الخ فلا مخالفة بين كلام الشيخين فلا غبار عليه كما توهم بعض الناظرين فأثار العجاج دون قتال، ولا غنيمة. قوله: (يا ساكنيه أو صاحبئ فيه الخ) يعني جعلهما صاحبي السجن، وصاحبه الملك أو السجان إمّا على أنّ الصحبة بمعنى السكنى كما يقال أصحاب النار لملازمتهم لها أو المراد صاحبيّ فيه فجعل الظرف توسعاً مفعولاً به كسارق الليل ولما ذكر ما هو عليه من الدين القويم تلطف في الاستدلال على بطلان ما عليه قومهما من عبادة الأصنام فوصفهما بالصحبة الضرورية المقتضية للموذة، وبذل النصيحة، وان كانت تلك الصحبة كما قلت: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 ماصحبة الغارياخليلي كصحبة ال! سجن والسفينة وليس في الإضافة على الأوّل اتساع، وقيل إنها على الاتساع، وأنه أضافهما إلى السجن دونه لكونهما كافرين، وانّ قوله أهل الدار مفعول سارق، والأصل متاع أهل الدار أو مفعول لمحذوف بتقدير احذر أهل الدار وهو وهم كما مرّ تقريره في الفاتحة. قوله: (شتى متعدّدة متساوية الأقدا،) حمل التفرّق على معنى التعدد، وقيل المراد مختلفة الأجناس، والطبائع ففيه إشارة إلى عدم صلاحيتها للربوبية، وأمّا قوله متساوية أي في عدم النفع، واللياقة لذلك فقيل إنه بيان للواقع إذ لا دلالة للكلام عليه، وقيل إنه ماخوذ من قوله القهار، ولو قيل إنه ماخوذ من قوله ما تعبدون من دونه إلا أسماء كان أظهر، وقوله المتوحد بالألوهية حمله عليه لقوله الله فيكون توصيفه به مفيداً. قوله: (أي إلا أشياء باعتبار أسام أطلقتم الخ) قيل إنه إشارة إلى أنّ -؟ لتسمية بمعنى الإطلاق لا وضع الاسم، وانّ الأسماء عبارة عما يطلق عليها إلا أنّ قوله فكأنكم الخ. ظاهر في أنه بمعناه المتبادر منه، وإنه استعارة إلا أن يجعل الأوّل بياناً لحاصل المعنى، وفيه نظر وقوله أطلقتم عليها أي على الأشياء، وقوله من غير حجة لأنه لا يدل عليه عقل، ولا نقل فإن الإله وضع لمستحق العبادة، وما سموه ا-لهة لا دليل على استحقاقها لها، وقوله في أمر العبادة أي شأنها، وصحتها فلا تكون إلا للإله أو لمن يأمر بعبادته، وهو لا يأمر بذلك، ولا يجعله لغيره لأنه أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، وقوله الذي بدل من الضمير. قوله: (الحق وأنتم لا تميزون هخ) إشارة إلى أنّ القيم كالمستقيم بمعنى الحق، والصواب، وقوله وأنتم لا تميزون مأخوذ من الحصر أي هو المس! كيم لا غيره مما أنتم عليه، وفوله على طريق الخطابة بفتح الخاء يعني قوله تعدّد الآلهة، وتشعبها خير أم وحدتها أمر خطابيّ لا برهاني، وقوله برهن أي استدل قال في الأساس برهن مولد، وأثبته بعض أهل اللغة، وقوله فإن استحقاق العبادة بناء على أنّ العبادة، والإلهية متحدان أو متلازمان، وقوله الذي لا يقتضي العقل غيره لأنّ معنى القويم كما قاله أبو حيان الثابت الذي دلت عليه البراهين فهم الذين ليسوا بعقلاء، ولا عقيدتهم بعلم، وقوله فيخبطون في جهالاتهم من قولهم خبط خبط عشواء. قوله: (كما كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عنيص) من منزلته عند الملك فلا تكرار فيه وقوله فقالا كذبنا بناء على أنهما قصدا تجربته، وليست رؤيا حقيقة، وقيل رأي الشرابي، والآخر تحالم. ترله.: (ولذلك وحده) أي لكونه بمفى ما يؤول إليه أمركما فإنه المقصود من االمسؤول عنه، وليسا المراد ما اتهما به من التسميم كما في الكشل!؟ فيحتاج إلى تقدير مضماف، برهو عاقبة، وقال أمركما بالخطاب جرياً على ما وقع في النظم، وقوله قطع الأمر قيل إنه مخصوص به لأنه علم بالوحي، ؤالمشهور أن الرؤيا تقع كما تعبر وسيأتي، ولذا قيل الرؤيا علي جناج طائر إذا! ى وقع، وقوله لكنهما أراد استبانة عاقبة ما لمزل بهما لا يخالف قوله كذبنا لأنهما قالاه له، ههو يكفي للنكتة مع احتمال الكذب في قولمهما " كذبنا. قوله: (الظانّ يوصف عليه الصلاة والسلام إن ذكر ذلك عن اجتهاد) بمقتضى علم التعبير، وقيل عليه أنّ قوله قضي الأمر ينافيه إلا أن يؤول بأنّ المراد أنه مقتضى علمي، وما عندي خلافه، والعلم عند الله أو يكو) حلى أالظن مستعملاً بمعنى اليقين فإنه ورد بمعنا. كثيراً، والتعبير به إرخاء " ل! ل! نان، وتأدّب مع الله، وقوله فهو ضمير يحود إلى الظانّ أي فالظانّ هو الفتى الناجي لا يوسف عليه الصلاة والسلام إلا إذا جعل الظن بمعنى اليقين، وهو المناسب للسياق، وقولها لذكر حالي أي صفتي، وعلمي بالرؤيا، وما جرى عليّ. قوله:: (فأنسى الشرابئ أن يذكره لربه الخ) قدمه لأنه المناسب لقوله الآتي، وا! ير بعد أمّة، ولأنه المناسب لذكر الفاء، ومقتضى الظاهر على الثاني العكس فإضافة ذكر للمذكور له للملابسة أو هو مضاف للمفعول بتقدير مضاف. قوله: (أو أنسى يوسف عليه الصلاة والسلام الخ) وانساء الشيطان ليس من الإغواء في شيء بل ترك الأولى بالنسبة لمقام الخواص الرافعين للأسباب من البين، وتأييد الحديث له بحسب ظلبره فلا يرد عليه أنه كلا تأييد فيه لإ، رجاع الضمير ليوسف عليه الصلاة والسلام فإنه لو عاد على الشرابيّ لكان صمدق " الحديث على حاله إذ يكون المعنى لومخليبم يقل أذكرني عند ربك ما لبث في السجن بضع سنين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 بمانساء الشرابيّ ذكر ربه. قوله: (رحم الله أخي يوسف الخ) (1) هذا الحديث أخرجه المنذري، وابن أبي حاتم، وابن مردويه بلفظ ما لبث في السجن طول ما لبث، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى يدلّ على أن لبثه في السجن اثنتا عشرة سنة، وقوله تعالى فلبث في السجن بضع سنين حينئذ لا ينافيه لأنه يكون بيانا للبثه بعد قوله للشرابيّ لا للمدة كلها لكن الذي صححوه أنّ مدة لبثه كلها سبع سنين، ولبثه بعد القول سنتان وعلى هذه الرواية قوله في قوله ليسجننه أنه مكث سبع سنين فلا منافاة بينهما كما قيل. قوله: (والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد الخ (إشارة إلى أنه كيف أنكر على يوسف الاستعانة بغير الله مع قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [سررة المائدة، الآية: 2] وغيره مما وقع في الأحاديث، والآيات فأشار إلى أنه أمر محمود أيضا، ولكن اللائق بخصوص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تركه. قوله: (لما دنا فرجه الخ) يعني أنّ رؤيا الملك الأعظم وهو الريان لهذه الرؤيا جعلها الله سببا لتخليصه وعلوّ منزلته الذي قدره له في علمه الأزلي، والسمان جمع سمينة، وهي الممتلئة لحما وشحماً وضدها العجاف جمع عجفاء بمعنى مهزولة، وقوله قد انعقد حبها لأن الخضرة قد تكون قبل الانعقاد، وهو غير مناسب للمقام. قوله:) وسبعاً أخر يابسات) تصريح بكونها سبعأ كالخضر فيكون العدد محذوفا لقيام القرينة عليه قال في الكشاف فإن قلت هل في الآية دليل على أنّ السنبلات اليابسة كانت سبعاً كالخضر قلت الكلام مبنيّ على انصبابه إلى هذا العدد في البفرات السمان والعجاف، والسنابل الخضر فوجب أن يتناول معنى الآخر السبع، ويكون قوله، وأخر يابسات بمعنى وسبعا أخر فإن قلت هل يجوز أن يعطف قوله، وأخر يابسات على سنبلات خضر فيكون مجرور المحل قلت يؤذي إلى تدافع، وهو أنّ عطفها على سنبلات خضر يقتضي أن تدخل في حكمها فتكون معها مميزاً للسبع المذكورة، ولفظ الآخر يقتضي أن تكون غير السبع بيانه أنك تقول عندي سبعة رجال قيام، وقعود بالجرّ فيصح لأنك ميزت السبعة برجال موصوفين بالقيام، والقعود على أنّ بعضهم قيام، وبعضهم قعود فلو قلت عنده سبعة رجال قيام وآخرين قعود تدافع ففسد، وهو كلام حسن، وتوضيحه أمّا الأوّل فلأنه يلزم من وصف التمييز وصف المميز، ولا يلزم من وصف المميز وصف التمييز فإذا قلت عندي أربعة رجال حسان بالجرّ معناه أربعة من الرجال الحسان فيلزم حسن الأربعة لأنهم بعض الرجال الحسان فإن رفعت حسان فمعناه أربعة من الرجال حسان فليس فيه وصف الرجال بالحسن، والثاني معناه أنّ أسماء العدد لا تضاف إلى الصفات إلا في الضرورة، وإنما يجاء بها تابعة لأسماء العدد وورد عليه أصحاب، وفرسان فأجاب عنه بأنهما جريا مجرى الجوامد، والثالث أنه إنما امتنع ضخام ونحوه لأنه لا يعلم موصوفه بخلاف ما في الآية الكريمة، ولذا لم يصرّح به والرابع أنه وصف سبع بعجاف ولم يضف إليه لأن العدد لا يضاف للصفة كما تقدم. قوله: (قد أدركت) أي نضجت، وقوله فالتوت أي التفت عليها حتى علين عليها أي عصرنها حتى أذهبنها ولم يبق منها شيء كما أكلت السمان العجاف، واليه أشار بقوله، وإنما استغنى عن بيان حالها أي من عددها، واذهابها للخضر لأنه يعلم من البقرات، وحالها لأنها نظيرتها. قوله: (وأجرى السمان على المميز الخ) المميز الأوّل بلفظ اسم الفاعل، والثاني بوزن اسم المفعول، وحاصله أنه جعل الوصف للتمييز دون العدد المميز فلم يقل سمانا بالنصب لأنّ وصف تمييزه وصف له معنى لكن الفارق المرجح لما في النظم مع تساويهما في المعنى أنه إذا وصف التمييز به كان التمييز بالنوع، وأذا وصف المميز به كان التمييز بالجنس ولا شك أنّ الأوّل أولى، وأبلغ لاشتمال النوع على الجنس فهو أزيد في رفع الإبهام المقصود من التمييز وقوله لأنّ التمييز بها أي لأنّ كمال التمييز حاصل بها. قوله: (ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التمييز بها مجرّدا عن الموصوف فإنه لبيان الجنس) يعني لم يقل سبع عجاف بالإضافة، وجعله صفة للتمييز المقدر على قياس ما قبله لأنّ التمييز لبيان الجنس، والحقيقة والوصف لا يدل عليه بلى على شيء ماله حال وصفة فلذا ذكروا أنّ التمييز يكون باسم الجنس الجامد، ولا يكون بالوصف المشتق في فصيح الكلام فتقول عندي ثلاثة قرشيون، ولا تقول قرشيين بالإضافة، واعترض! عليه بأنّ الأصل في العدد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 التمييز بالإضافة فإذا وصف السبع فلا بد من تقدير المضاف إليه وكل واحد من الوصف وتقدير المضاف إليه خلاف الأصل أمّا إذا أضيف كانت الصفة قائمة مقام الموصوف فقولنا سبع عجاف في قوّة قولنا سبع بقرات عجاف فالتمييز المطلوب حاصل بالإضافة إلى الصفة لقيامها مقام الموصوف ولا يجوز سبع بقرات عجاف، ويجوز سبع عجاف، وإنما لم يضف لأنه قائم مقام البقرات، وهي موصوفة بعجاف فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة، وهو غير فصيح، وقيل هب أنّ الأصل في العدد التمييز بالإضافة لكن لما سبق ذكر سبع بقرات سمان تبين أنّ السبع العجاف بقرات فهذا السبع مميز بما تقدم فقد حصل التمييز بالإضافة فلو أضيف إلى العجاف لكان العجاف قائما مقام البقرات في التمييز فيكون التمييز بالوصف، وهو خلاف الأصل وافا أنّ السبع قائم مقام البقرات فإنما يكون إذا وصف بالعجاف أما إذا أضيف بكون العجاف قائمة مقام البقرات فلا يلزم إضافة الموصوف إلى الصفة، وفيه تأمّل فقوله وصف السبع يعني لم يضف إليه، وقوله مجرّدا عن الموصوف، وهو بقرات للاستغناء عنه وقوله فإنه لبيان الجنس مر تقييد.. قوله: (وقياسه صف الخ) أي القياس فيه ذلك كحمراء، وحمر لكنه حمل على سمان لأئه نقيضه، ومن دأبهم حمل ا! نقيض كما يحمل النظير على النظير، والعجف شذة الهزال. قوله: " ن كنتم عالمين بعبارة الوؤيا) أي بتفسيرها، وت! ويلها، ومنه إطلاق العبارة على اللفظ لدلالته على المعنى، وتفسيره له، وقوله عبروها بالتشديد جرى على المشهور، وان كان الفصيح خلافه كما سياتي، ولما كان! من العبور، وهو المجاوزة بين المناسبة بينهما بأنّ فيها انتقالاً، وعبوراً من الصور الخيالية الى المعاتي النفسانية كما مرّ تحقيقه قال الراغب: أصل العبر تجاوز صن حال إلى حال، وأمّا العبور فصختص بتجاوز الماء إمّا بسباحة أو في سفينة أو على بعير أو قنطرة، ومنه عبر النهر لجانبه، وقيل عابر سبيل، وأمّا العبارة فهي مختصة بالكلام العابر من لسان المتكلم إلى سمع السامع. قوله: (وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عيرتها تعبيرا) يعني ال! تخفيف أقوى، وأعرف عند أهل اللغة من التشديد، وكذا المعروف عابر لا معبر ق! ل الزحخشريّ عبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الإثبات، ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد، والتعبير، والمعبر وقد حرت على بيت أنشده المبرد في كتاب الكامل لبعض الإعراب، وهو: رأيت رؤيا ثم عبرتها وكنت للأحلام عبارا قال هما لغتان جمعهما الشاعر، ونقله المبرد فعلم منه أنه يقال عبر بالتخفيف وعبر بالتشديد فلا عبرة بمن أنكر التشديد لكن التخفيف لغة القرآن الفصيحة، وقل من ذكر. من أهل اللغة. قوله: (واللام للبيان أو لتقوية العامل الخ الما كان عبر متعدياً بنفسه، 1 وقد اقترن هنا باللام أوّله بثلاثة أوجه الأوّل أنه ليس صلة له بل هو متعلق بمحذوف، والمقصود به البيان كأنه لما قيل تعبرون قيل لأيّ شيء قاك للرّؤيا كما في سقيا لك لكن تقديم البيان على المبين لا يخلو من شيء، والثاني أنه لتقدمه ضعف عامله فزيدت فيه لام التقوية وهي تدخل على المعمول إذا تقدم وعلى معمول غير الفعل إذا تأخر كما قرّره النحاة أو ضمن معنى فعل قاصر، والانتداب افتعال من ندبه للأمر، إذا دعاه فافتدب له أي أجاب فهو مطاوع له. قوله: (أي هذه أضغاث أحلام الخ) ني الكشاف أضغاث أحلام تخاليطها، وأبطيلها، وما يكبرن منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان، وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم الواحد ضغث فاستعيرت لذلك والإضافة بمعنى من أي أضغاث من أحلام، والمعنى هي أضغاث أحلام، وأوردوا عليه أنّ الأضغاث إذا استعيرت للأحلام الباطلة، والأحلام مذكرة، ولفظ هي المقدر عبارة عن رؤيا مخصوصة فقد ذكر المستعار له، والمستعار وهو مانع من الاستعارة على الصحيح عندهم، ولنا في تقريره وجهان الأوّل أنه يريد أنّ حقيقة الأضغاث أخلاط النبات فشبه به التخاليط، والأباطيل مطلقاً سواء كانت أحلاما أو غيرها ويشهد له قول الصحاح، والأساس وضغث الحديث خلطه، ثم أريد هنا بواسطة الإضافة أباطيل مخصوصة فطرفا الاستعارة أخلاط النبات، والأباطيل الملفقات فالأحلام، رؤيا الملك خارجان عنهما فلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 يضرّ ذكرهما كما إذا قلت رأيت أسد قريش فهو قرينة أو تجريد فقوله تخاليطها تفسير له بعد التخصيص وقوله فاستعيرت لذلك إشارة إلى التخاليط الثاني أنّ الأضغاث استعيرت للتخاليط الواقعة في الرؤيا الواحدة فهو أجزاؤها لا عينها فالمستعار منه حزم النبات، والمستعار له أجزاء الرؤيا فهذا كما إذا استعرت الورد للخدّ ثم قلت شممت ورد هند مثلاً فلا يقال إنه ذكر فيه الطرفان قال في الفرائد: أضغاث الأحلام مستعارة لما ذكر، وهي تخاليطها، وأباطيلها، وهي قد تحقق في رؤيا واحدة، وقد وقع للشراح، وأرباب الحواشي هنا أجوبة غير منتجة منها أنّ المراد بالاستعارة معناها اللغوي فلا يضرّ كونه من قبيل لجين الماء، وهو مع تعسفه: يردّه قوله في الأساس، ومن المجاز أضغاث أحلام، وهو ما التبس منها، وضغث الحديث خلطه لأنّ المتبادر منه المجاز المتعارف وإن كان يطلقه على غيره فيه، ومنها أنّ الأحلام وان تخصصت بالباطلة فالمراد بها هنا مطلق المنامات والمستعار له الأحلام الباطلة، وهي مخصوصة، والمذكور هنا المطلق وليس أحد طرفيها قال العلامة فإن قلت شرط الاستعارة أن لا يكون المشبه مذكورا، ولا في حكم المذكور، والتقدير كما ذكرت هي أضغاث أحلام فلا يكون استعارة قلت هذه والاستعارة ليست استعارة أضغاث الأحلام للمنامات بل استعارة الأضغاث لأباطيل المنامات، وتخاليطها، وهي غير مذكورة، والحلم بضم اللام، وسكونها والرؤيا بمعنى واحد، وهو ما يراه النائم في النوم هذا بحسب الأمر الأعمّ كما في أضغاث أحلام فإنّ المراد بها المنامات أعم من أن تكون باطلة أولا إذ الأضغاث هي الأباطيل مضافة إلى الأحلام بمعنى من، وقد تخصص! الرؤيا بالمنام الحق، والحلم بالمنام الباطل اهـ، وهذا وان سلم أنّ ذكر المشبه بأمر أعم لا ينافي الاستعارة لا تسلم صحته هنا لأنّ المبتدأ المقدّر رؤيا مخصوصة فقد وقع فيما فرّ منه على أنّ إضافة ة العام إلى الخاص لا تخلو من الكدر، إذ المعهود عكسها فإن أراد أنّ الضمير راجع إلى الرؤيا من غير اعتبار كونها مخلطة، وباطلة كما قالوه في نهاره صائم إذا جعلا مجازا من أنّ ذكر الطرفين مطلقاً لا ينافي الاستعارة بل إذا كان على وجه ينبئ عن التشبيه سواء كان بالحمل كزيد أسد أو الإضمافة كلجين الماء على أنّ المشبه هنا هو شخص صائم مطلقا، والضمير لفلان من غير اعتبار كونه صائماً وهو محل كلام لكن العلامة في تفسير قوله في مقام أمين في سورة الدخان أشار إلى أنّ ذكر الأعم لا ينافي الاستعارة فانظره، وقد أورد على المصنف رحمه الله ما أورد على الزمخشري، وأجاب عنه المحشي بما ذكر ففيه ما فيه. قوله: (وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان (في الكشاف أنه كما يقال فلان يركب الخيل، ويلبس عمائم الخز لمن لا يركب إلا فرسا واحداً، وما له إلا عمامة فردة تزيدا في الوصف فهؤلاء أيضاً تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان فجعلوه أضغاث أحلام، وأباطيل، وفي الفرائد لما كانت أضغاث الأحلام مستعارة لما ذكر، وهي تخاليطها وأباطيلها، وهي قد تتحقق في رؤيا واحدة إذا كانت مركبة من أشياء كل واحد منها حلم فكانت أحلاما فلا افتقار إلى ما ذكره من التكلف، وهو كلام واه وان استحسنه الشارح الطيبي نعم ليس هذا من إطلاق الجمع على الواحد لوجود ذلك في هذا الجنس إذ الإضافة على معنى من، وقد أشار إليه صاحب الكشف في سورة آل عمران، واعلم أنّ الرضي قال في شرح الشافية إن جمع القلة ليس بأصل في الجمع لأنه لا يذكر إلا حيث يراد بيان القلة فلا يستعمل لمجرّد الجمعية، والجنسية كما يستعمل له جمع الكثرة يقال فلان حسن الثياب في معنى حسن الثوب، ولا يحسن حسن الأثواب، وكم عندك من الثوب أو من الثياب، ولا يحسن من الأثواب أص، وقد ذكره الشريف رحمه الله في شرح المفتاح، وهو مخالف لما ذكروه هنا فتأمّله، وقوله أو لتضمنه أشياء مختلفة يعني أنّ الأضغاث بمعنى التخاليط، وهي تقع في الرؤيا الواحدة، وأضافها للأحلام لا على أنها أحلام حتى يلزم إطلاق الجمع على الواحد بل على أنها من جنسها، وهذا ما ذكره صاحب الفرائد. قوله: (يريدون بالأحلام المنامات الباطلة) الرؤيا، والحلم عبارة عما يراه النائم لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشيء الحسن وغلب الحلم على خلافه كما في الآية " وفي الحديث الرؤبا من الله والحلم من الشيطان " قال التوربشتي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا، والتفريق من الاصطلاحات التي ستها الشارع للفصل بين الحق، والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله، وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأنّ أصل الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة مما لا حقيقة له وفي كتاب الأحكام للجصاص هذه الرؤيا كانت صحيحة لا أضغاثاً لتعبير يوسف عليه الصلاة والسلام لها بالخصب، والجدب، وهذا يبطل قول من يقول إن الرؤيا تقع على أوّل ما تعبر به لأنهم قالوا إنها أضغاث أحلام، ولم تكن كذلك فدل على فساد القول بأنها على جناح طائر إذا فسرت وقعت اهـ، وفيه نظر لما رواه أبو داود، وابن ماجه عن أبي رزين: " الرؤيا على جناج طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ولا تقصها إلا على واذ أو ذي رأي " اهـ فتفسيره بما ذكر لأنه مخصوص به في عرف الشرع، وقيل لما كان المناسب لما تقدم في الجواب أن يقال، وما نحن بتأويل الأضغاث بعالمين حتى يكون عذراً لهم في جهلهم بتأويلها كأنه قيل هذه رؤيا باطلة، وكل رؤيا كذلك لا يعلم تأويلها أي لا تأويل لها حتى نعلمه على حذ قوله: علي لا حب لا يهتدي بمناره حمل تعريف الأحلام على العهد، وقوله كأنه مقدمة أي كبرى للقياس الذي ذكرناه، ولم يجعله للجنس كما في الكشاف حتى يكون المعنى على نفي علمهم بتأويل المنامات لئلا يضيع قوله أضغاث أحلام إذ لا دخل له في ألعذر إلا أن يقال المقصود إزالة خوف الملك من تلك الرؤيا وقد يجعل هذا جوابا مستقلاً، والحاصل أنه يحتمل أن يكون نفيا للعلم بالرؤيا مطلقأ، وأن يكون نفيا للعلم بتأويل الأضغاث منها خاصة. قوله: (وتذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد جماعة من الزمان الخ (يعني أنّ أمة بلفظها المعروف بمعنى مذة، وطائفة من الزمان، وان غلب استعماله في الناس، وقرأ العقيلي أمة بكسر الهمزة، وتشديد الميم، ومعناها نعمة بعد نعمة، وهو خلاصه من القتل، والسجن، وانعام ملكه عليه كقوله: ثم بعدالفلاح والملك والأفة وارتهم هناك القبور وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره أمه بفتح الهمزة والميم المخففة وهاء منونة من الأمة، وهو النسيان وروي عن مجاهد وعكرمة في هذه سكون الميم فلا عبرة بمن أنكرها. قوله:. (والجملة اعتراض) أقي / جمملة وادّكر أي تذكر، وهذا هو الظاهر، وجوّز فيها الحالية بتقدير قد والعطف على الصلة، وتذكره ليوسف عليه الصلاة والصلام تذكر علمه بالرؤيا أو ما وصاه به من قوله اذكرني عند ربك، وقيل إنه لم يذكره مخافة عليه لدينه، وهو مخالف للظاهر، وهذا مناسب لأحد الوجهين في قوله فأنساه الشيطان كما مرّ. قوله: (أنا أنبئكم بتأويله) أي / أخبركم بمن عنده تأويله أو أثلكم عليه أو أخبركم إذا سألته عنه، وقوله وعرف صدقه هذا يدل على أنهما لم يكذبا على يوسف في منامهما، وأنهما كذبا في قولهما كذبنا إن ثبت، ولا يقال صديق إلا لمن شوهد منه الصدق مراراً لأنه صيغة مبالغة، وقوله أفتنا في سبع الخ. لم يغير لفظ الملك لأنّ التعبير يكون على وفقه كما بينوه، وقوله إذ قيل الخ تعليل للوجه الثاني، وقوله تأويلها الخ الأوّل يناسب الوجه الأوّل في تفسير تذكره، والثاني الثاني، ومكانك مجاز بمعنى قدرك،، ورفعتك عند الله. قوله:) وإنما لم يبت الكلام) أي لم يقطع به بل قال لعلي، ولعلهم لما ذكر، واخترم بصيغة المجهول من اخترمه الموت إذا قطع عمره مفاجأة، وقوله جازماً من الرجوع أي واثقا منه، وقيل إنه لما رأى عجز الناس خاف عجزه أيضاً وعدم وثوقه بعلمهم إمّا لعدم فهمهم أو لعدم اعتمادهم. قوله: (أي على عادتكم المستمرّة الخ) أصل معنى الدأب التعب، ويكنى به عن العادة المستمرّة لأنها تنشأ من مدإومة العمل اللازم له التعب فهو إمّ حال بمعنى دائبين أو ذوي دأب، وأفرد لأنّ المصدر الأصل فيه الأفراد أو مفعول مطلق لفعل مقدر، وجملته حالية أيضا. قوله: (وقيل تزرعون أمر الخ) وفي نسخة قيل بدون الواو، والظاهر الأوّل لأنه عطف على ما قبله بحمسب المعنى لأنه في قوّة، وهو خبر، وعلى هذه فهو مستأنف، ولا بعد فيه أيضا، والدال على أنه خبر لفظا، ومعنى قوله على عادتكم الخ فإن المعتاد لا يحتاج إلى الأمر به، وقائله الزمخشريّ، ووجه المبالغة فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 أنه بولغ في إيجاب إيجاده حتى كأنه وقع وأخبر عنه، وأيده بأنّ قوله فذروه يناسب كون الأوّل أمراً مثله قيل يعني أنّ الفاء جوابية فينبعي أن يكون تزرعونلأ في! معنى الأمر حتى يكون خما، حصدتم جواباً له، وه! ووهم منه لأنّ عبارة الكشاف، والدليل على كونه في معنى الأمر قوله فذروه، وما حصدتم جمله شرطية لا يصح أن تكون جوابا للأمر، وكون الأمر الغير الصريح يكون له جوإب مصدر بالفاء لا وجه له، ووجه تمريضه أنه لا يناسب المقام، وكونه تعبيرا للرّؤيا الدالة على وقوع الخصب بالزراعة، والأمر بتركه في سنبله لا يدل على أنّ تزرعون بمعنى ازرعوا ابل تزرعون إخبار بالغيب عما يكون منهم من توالي الزرع سبع ستين، وأمّا ذروه فأمر لهم بما ينبغي أدط يفعلوه، وهم يزرعون على عادتهم من غير حاجة إلى الأمر بخلاف تركه في سنبله فإنه غير معتاد. قوله: (وهو على الأوّل نصيحة خارجة عن العباوة) أي على كونه خبرا هو زائد على تأويله للرّؤيا لنصحهم، وبيان ما يليق بهم، وفيه إشارة إلى دخع ما تمسك به الزمخشريّ من. أنه لو لم يؤوّل بالأمر لزم عطف الإنشاء على الخبر لأنّ ما إمّا شرطية أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط، وعلى كل حال فلكون الجزاء أمراً تكون الجملة إنثائية معطوفة على الخبرية بأنها ليست من جملة التعبير بل جملة مستانفة لنصحهم أو هي جواب شرط مقدر أي إن زرعتم فما حصدتم الخ. مع احتماله للعكس بأن يكون ذروه بمعنى تذرونه، وأبرز في صورة الأمر لأنه بإرشاده فكأنه أمرهم به مع أنه يعارضه قوله، ثم يأتي فإنه يقتضي عدم تأويله، وفيه نظر لأنه يقتضي أنّ الشرطية التي جوابها إنشائيّ إنشائية، وهو غير مسلم. قوله: (خارجة الخ) قيل، وعلى الثاني؟ غير خارجة عنها فإنّ أكل السبع العجاف السبع السمان، وغلبة السنبلات اليابسات الخضر دال على أنهم يأكلون في السنين المجدية ما حصل في السنين المخصبة، وطريق بقائه تعلموه من يوسف عليه الصلاة والسلام فبقي لهم في تلك المدّة، وقيل إنه على التقدير الثاني قوله تزرعون بمعنى ازرعوا خارج عن العبارة أيضا، والتحقيق ما في الكشف من أن تزرعون على ظاهره لأنه تاويل للمنام بدليل قوله يأتي، وقوله فما حصدتم فذروه اعترإض اهتماما منه بشأنهم قبل تتميم التأويل وفيه ما يؤكد السابق، واللاحق فهو يامرهم بما فيه صلاحهم، وهذا هو الذي يلائم النظم المعجز اهـ. قوله: (فأسند إليهق على المجاز تطبيقا الخ) يعني لما عبر البقرات بالسنين نسب اكل إلى السنين كما رأى في الواقعة البقرات ياكلن حتى يحصل التطابق بين المعبر، وهو المرئيّ في المنام، والمعبر به، وهو تأويله ولا يتعين المجاز لأنه يؤكل فيها فيكون كقوله: {النَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67] الجواز أن يكون مشاكلة حينئذ، وقوله سبع شداد أي سبع سنين حذف التمييز لدلالة الأوّل عليه. قوله: (تحرزون لبذور الزراعة (البزر بالزاي، والبذر بالذال بمعنى كما في العين، وهو الحب الذي يجعل في الأرض لينبت وفرق ابن دريد بينهما على ما في المجمل فقال البذر في البقول والبزر خلافه وجمعه بزور. قوله: (يمطرون (بصيغة المجهول من الثلاثي أو المزيد وكون المزيد في العذاب ليس بكليّ، وقوله من الغيث فهو ثلاثيّ يائيّ، ومنه قول الإعرابية غثنا ما شئنا وقول بعضهم أذى البراغيث إذا البراغيث، وإذا كان من الغوث فهو واويّ ربافي. قوله: (ما يعصر كالعنب والزيتون الخ) يعني أنه من العصر بمعناه المعروف فهو إمّا عصر الثمار التي من شأنها أن تعصر وترك مفعوله يدلط على شموله، وعمومه، ولذا قدّر المصنف رحمه الله مفعوله بقوله ما يعصر أو هو بمعنى الحلب لأنّ فيه عصر الضرع ليخرج الدز، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي لأنه الذي خاطبه وما عداه غيب وكذا ما قبله من قوله يغاث الناس فكان الظاهر تعصر، ولم يذكر الالتفات في قوله تزرعون مع أنّ الظاهر أنه التفات أيضا لكنه جرى على أنه ليس التفاتا لأنه لما أشركهم معه في التكلم في قوله أفتنا جعلهم حاضرين فجرى الخطاب على ظاهره من غير التفات، وهو المناسب. قوله: (وقرئ على بناء المفعول من عصره إذا أنجاه (أي ينجيهم الله والعصر يرد بمعنى النجاة ومنه قوله: لوبغيرالماءحلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري واذا كان المبنيّ للفاعل منه فهو بمعنى ينجي بعضهم بعضاً، ومنه خبريكون لا المبني على أنّ اسمها ضمير راجع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 إلى يعصرون لما فيه من التكلف، وقوله يغيثهم الله معنى يغاث الناس، ويغيث بعضهم بعضاً معنى، وفيه يعصرون على البناء للفاعل فيكون كل منهما للإغاثة، والتغاير بينهما بما ذكر، ويحتمل أن يكون الأوّل من الغيث بفتح ياء يغيثهم في عبارته، وقيل يغيثهم الله تفسير للمبنيّ للمفعول، وما بعده تفسير للمبنيّ للفاعل. قوله:) أو من أعصرت السحابة عليهم) أي حان وقت عصر الرياج لها لتمطر فعلى صلتها كما في عصرت الليمون على الطعام فحذفت على، وأوصل الفعل بنفسه أو تضمن معنى مطر فيتعدّى، وقد ذكره الجوهرقي في معنى عصر، وظاهره أنه موضوع له فلا يحتاج إلى التضمين عليه، وقوله معنى المطر بسكون الطاء مصدر مطره. قوله: (ولعله علم ذلك بالوحي ( إنما ذكر هذا لأنّ الرؤياً تدل على سبع مخصبة، وسبع مجدبة ولا دلالة فيها على العام الثامن، وإنما قدم كونه بالوحي لرجحانه لأنّ تفصيل ما فيه يقتضي ذلك، ولو كان جاريا على العادة أو السنة الإلهية أجمله، وحصر الجدب يقتضي تغيره بعدها بخصب ما لا على ما ذكره خصوصا إغاثة بعضهم لبعض لأنها لا تعلم إلا بالوحي، ولذلك اقتصر عليه في الكشاف. قوله: (تأنى في الخروج) أي توقف، وهو تفعل من أنى الشيء إذا جاء أوانه وزمانه، وحقيقته انتظار حينه، وأوانه وقوله لتظهر براءة ساحتة أي قبل اتصاله بالملك الداعي للحسد فلذلك اهتم بتقديمه فلا يقال هو يحصل بتأخيره أيضا. قوله: (وفيه دليل على أنه ينبغي الخ) الأوّل من صريح النظم لأنّ المبادرة إليه وتقديمه على خلاصه اجتهاد فيه، والثاني لازم له، وقال ينبغي لأنه دلالة على الوجوب فيها، ومواقعها بالعين أو الفاء. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هذا الحديث أخرجه الطبراني، وابن راهويه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود رضي الله عنه، ووقع في الصحيحين مختصرا، وأوّله لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف، والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى اشترطت أن يخرجوني، ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة، وبادرتهم الباب، ولما ابتغيت العذر إن كان حليماً ذا أناة قال البغوفي وصفه بالأناة، والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه الرسول بالعفو عنه مع طول سجنه بل قال ارجع الخ إقامة للحجة على ظلمه، وإنما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا منه لا أنه لو كان مكانه بادر، وعجل، والا فحلمه صلى الله عليه وسلم، وتحمله معلوم، وقوله والله يغفر له لتوقيره، وتوقير حرمته كما يقال عفا الله عنك ما جوابك في كذا، وقيل إنه إشارة إلى ترك العزيمة بالرخصة، وهو تقديم حق نفسه على تبليغ التوحيد، وقيل إنّ ما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام صبر عظيم، وما رآه النبي صلى الله عليه وسلم رأى آخر، وهو الأخذ بالحزم، وانتهاز الفرصة فإنه ربما عن أمر منع من إخراجه فهذا تعليم للناس. قوله: (وإنما قال فاسأله ما بال النسوة الخ) يعني أنّ السؤال عن شيء ما يهج الإنسان، ويحرّكه لاليحث عنه لأنه يأنف من جهله، وعدم علمه به، ولو قال سله ب! ن ايقتش لكان تهييجا عن الفحص عنه، وفيه جراءة عليه فربما امتنع منه، ولم يلعخت إليه، وقوله وتحقيق الحال إشارة إلى أنّ البال بمعنى الأقى، والحال، وترك ذكر امرأة العزيز تأدّباً، وتكرّماً، ولتا حملها ذلك على الاعتراف بتزامته، وبراءة ساحته، وضمّ نون النسوة تقدّم بيانه، واعلم أنّ من جرّ إليه هذا شبع الخمس النسوة، والعزيز، وامرأته، وأنّ المرتي في الوافعة سبعة أشياء، وحبسه في: السجن سبع سنين على الصحيح فكانت سنو الجدب سبعاً جزاء على سني مكثه في السجن فتنبه لذلك. قوله: (وفيه تعظيم كيدمن) قال الزمخشريّ أراد أنه كيد عظيم لا يعلمه إلا الله لبعد غوره أو استشهد بعلبم-يمثه عالى أنهن كدنه، وأنه بريء مما قرف به أو أراد الوعيد لهن أي هو عليم بكيدهن فيجازيهن عليه فذكر وجوهاً ثلانة، والحصر من تخصيصه بالذكر لصلوحه لإفادت عند بعضهم أو من اقتضاء المقام لأنه حمله على المسمؤال، ثم أضاف علمه إلى أالله فدلّ علي عظمه، هأنّ كنهه غير مأمول الوصو! إليه لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وهذا هو الوجه، وفيه تشويق وبعث على معرفته فهو تتميم لقوله اسأله الخ. والكيد علي هذا ما كدنه به، وعلى االماني محو الاستشهاد بالله على أنهن كدنه، وأنه بريء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 فيكون تذييلاً لمما حمله على التعرف ل! ميين نله ألبراءة فإنّ الله يعلم ذلك وأنه كيد منهت فيكون بريئا لا محالة و! يد يمعنى الجدل فكأنه كأنه قال الله شاهد، وعلى الثالث يحتملهما، والمراد حث الملك على ألغضب والانتقام له لي! لاعم االكلام لكنه لا يطابق كرمه فالوجه هو الأوّل، ثم الثاني كذا حقق في الكشف، وهذا مراد المصنف رحمه الله تعالى لكن الواو فيه بمعنى أو أو على ظاهرها. قوله: (قال الملك الخ) الخطب الأمر العظيم لأنه مخاطب به أو يخطب له كما في الدرّ المصون، والمراودة وحلاص لله تقدّم تحقيقهحا، وقوله تنزيه له ويلزمه تنزبه يوسف عليه الصلاة والسلام كما مرّ قحقيقه مما نقلناه عن شرح التسهيل. قوله: (ثبت واستقر الخ) الآدط صتعلق بحصحص، وحصحص معناه ظهر بعد خفاء كما قاله الخليل، وهو من الحصة أي لجانت حصة الحق من حصة الباطل، والمراد تميز، وقيل معناه ثبت من حصحص البعير إذا برك، وحص وحصحص ككف، وكفكف وحصه قطعه، ومنه الحصة، والقطع إمّا بالمباشرة أو الحكم، والمبارك بفتح الميم جمع مبرك، وهو ما يبرك به، ويلصق بالأرض، وقوله ليناخ من قولهم أنخت الجمل أبركته، ويقال أيضا أناخ الجمل نفسه أي برك، وقال ابن الأعرابي يقال أناخ، ولا يقال ناخ، وكذا قال في الأفعال. قوله: (فحصحص في صتم الصفاثفناته وناءبسلمى نوأة ثم صمما) هو من قصيدة لحميد بن ثور الهلالي، والضمير المستتر في حصحص للبعير، وثفناته مباركة الخمس المعروفة وصمّ الصفا جمع أصمّ، وهو الصلب من الحجارة، والصفا الحجارة لا اسم موضع كما توهم، وقد وقع في نسخة الحصا، وناء بمعنى أثقل ونهض، والتصميم المضي في الأمر يعني أنها ركبت عليه، وقام بها ومضى في سبيله، وألف صمم للإطلاق، والإشباع والمراد تحزنه على فراق محبوبته. قوله تعالى: ( {أَنَاْ رَاوَدتُّهُ} الخ (قالته بعد اعترافها تأكيدا لنزاهته، وقولها إنه لمن الصادقين اعترفت به قبل السؤال توخيا لمقابلة الاعتراف بالعفو، وقيل إنها لما تناهت في حبه لم تنال بانتهاك سترها وظهور سرّها، وقوله في قوله متعلق بمقدر أي صادق في قوله بعد جعله من الصادقين فهو إثبات له بطريق برهانيئ، ولا يتعلق بالصادقين لفساده. قوله: (قاله يوسف عليه الصلاة والسلام لما عاد إليه الرسول الخ) أي أنه من قول يوسف عليه الصلاة والسلام لا من قول امرأة العزيز، وذلك إشارة إلى التثبت، وما تلاه من القصة أجمع، ولذلك جمع الخائنين أي ذلك التثبت لظهور البراءة فتعين أنه من كلامه، وأنه فذلكة لما مرّ من طهارة ذيله، وبراءة ساحته، وفيه إيجاز أي فرجع فأنهى مقاله عليه الصلاة والسلام فأحضرهن سائلاً ما خطبكن، ورجع إليه الرسول قائلا فتش الملك عن كنه الأمر فبان له جلية الحال من عصمتك فقال عليه الصلاة والسلام " ذلك ليعلم " الخ. أي لم يكن مني خيانة، وفيه من كثرة التقدير ما يبعده، وقوله لما عاد ردّ لأنه من كلامه متصل بقوله فاسأله، وقيل إنه من قول امرأة العزيز داخل تحت قوله قالت بدليل الاتصال الصوري لا قوله إذ لم يكن حاضرا وقت سؤال الملك النسوة، وهو الذي وجهه الزمخشري. قوله: اليعلم العزيز) أي ليظهر علمه بذلك إذ كان علمه حين شهد شاهد من أهله وقيل الضمير للملك أي ليعلم الملك أني لم أخن العزيز أو لم أخن الملك لأن خيانة وزيره خيانة له. قوله:) بظهر الغيب الخ (هذا تفسير له على الوجوه، وظهر الغيب استعارة، والباء إمّا للملابسة أو للظرفية، وعلى الأوّل هو إمّا حال من الفاعل أي وأنا غائب عنه أو من المفعول أي، وهو غائب عني، وهما متلازمان، وجوّز ابن المنير كونه حالاً منهما وفيه نظر وعلى الظرفية فهو ظرف لغو ويحتمل الحالية أيضاً. قوله: (لا ينفذه ولا يسدّده الخ) فهداية الكيد مجاز عن تنفيذه، وعلى الوجه الثاني المراد لا يهدي الخائنين بسبب كيدهم فأوقع الهداية المنفية على الكيد، وهي واقعة عليهم تجوّزاً للمبالغة لأنه إذا لم يهد السبب علم منه عدم هداية مسببه بالطريق الأولى، والمراد بالفعل الهداية لأنها وان كانت منفية لكن النفي يقتضي تصوّر الإثبات، وتقديره فلا يرد أنه ليس فيه إيقاع بل نفي، وقوله بكيدهم متعلق بيهدي، وتعليل لنفي الهداية، وجوّز تعلقه بالخائنين وأنّ فيه تنبيهاً على أنه يهدي كيد من لم يقصد به الخيانة ككيد يوسف بإخوته عليهم الصلاة والسلام. قوله: (وفيه تعريض براعيل في خيانتها (أي لو كنت خائنا ما نفذ كيدي، وسدده، وأراد بكيده فحصه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 عن الحال، وسماه كيداً مشاكلة كما في الكشف، وفيه نظر، وقوله وتوكيد لأمانته الخ بالواو دون أو إذ لا مانع من اجتماع التعريض، والتوكيد، وقوله تنبيها على أنه الخ وقيل فيه إشارة إلى أن عدم التعرّض لم يكن لعدم الميل الطبيعي بل لخوف الله. قوله: ( {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي} ) أي أزكيها فمعنى لم أخنه أي بفعل قبيح. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله عنهما (ذكر هذا في كثير من التفاسير فإمّا أن يراد الميل الطبيعي كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بعده أو أنه صغيرة تجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل النبوّة، وقوله قال له جبريل عليه الصلاة والسلام أو ملك آخر. قوله: (من حيث إنها بالطبع مائلة الخ (يعني الأمر مجاز عن الهمّ أي القصد، والعزم الذي يتبعه استعمال القوى، والجوارج غالبا، وهو إشارة لوجه الشبه فإنّ في الأمر استعمالاً لها بالقول، وفي الهمّ استعمال لها بالحمل عليه، وكونه في كل الأوقات مأخوذ من صيغة المبالغة. قوله: (كل الأوقات) إشارة إلى أنه استثناء من أعنم الأوقات، وما ظرفية مصدرية زمانية فهو منصوب على الظرفية لا على الاستثناء كما توهم لكن فيه التفريغ في الإثبات أي هي أمّارة بالسوء في كل الأوقات إلا في وقت مخصوص، وهو وقت رحمة الله. قوله: (أو إلا ما رحمه الله) فالاستثناء من النفس أو من الضمير المستتر في إمارة أو من مفعوله المحذوف أي أمّ رة صاحبها إلا ما رحمه الله، وفيه وقوع ما على ما يعقل، وهو خلاف الظاهر، ولذا أخره وقوله من النفوس ظاهر في الأوّل، وأورد على الوجه الأوّل أن المعنى حينئذ كل نفس أمّارة بالسوء في كل الأوقات إلا وقت رحمته، والمقصود إخراج نفس يوسف، وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى هذا يلزم دخولها في أكثر الأوقات إلا أن يحمل على ما قبل النبوّة بناء على جوازه قبلها أو المراد جنس النفس لا كل واحدة (قلث (أمّا الأخير فغير ظاهر لأنّ الاستثناء معيار العموم، ولا يرد ما ذكر رأساً لأنّ المراد هضم النوع البشري اعترافاً بالعجز لولا العصمة على أن وقت الرحمة قد يعم العمر كله لبعضهم فتأقله. قوله:) ولكن رحمة ربي الخ) فكل نفس آمرة بالسوء أي تهمّ به سواء كان مع العزم والتصميم كما في أكثر الناس أو بدونه كما في المعصومين، وقد أشرنا لتحقيق ذلك قبيله. قوله: (والمستثنى نفس يوسف عليه الصلاة والسلام (هذا من جملة المحكي، وهو على المعنى الثاني، وأمّا على الأوّل فنفس راعيل، والمراد الوقت الذي تابت فيه، وقوله عن ابن كثير في رواية البزي، ونافع في رواية قالون. قوله: (يغفر هنم النفس (أي إن كان ذنبا وهو ناظر إلى كونه من كلام يوسف عليه الصلاة والسلام، وكذا قوله يرحم من يشاء بالعصمة، وفيه إشارة إلى أنها محض لطف من الله تعالى، وقوله أو يغفر للمستغفر ناظر لكونه من قول راعيل أو عام للأقوال. قوله:) وقال الملك ائتوني الخ) قال أوّلاً ائتوني به لأجل الرؤيا فلما تبين حاله طلب أن يجعله خالصا لنفسه مختصاً به فلما كلمه أكرمه بقوله إنك اليوم لدينا مكين أمين، وفاعل كلمه ضمير الملك أو يوسف عليه الصلاة والسلام، وقوله فلما أتوا الخ يشير إلى أن في الكلام إيجازاً لاقتضائه ما ذكر، والدهاء بفتح الدال المهملة، والمد كثرة العقل وجودة سرعة الرأي، وجددا بضمتين جمع جديد كسرير، وسرور وقوله من خيره أي خير الملك، وقوله سلم عليه قيل إنه سلم عليه بالعبرية فقال له ما ذكر، وقوله فكلمه بها أي بالسبعين، وقوله فأجلسه أي بعد قص الرؤيا، وتأويلها وقيل كان قبله، وأمّا جعله على خزائن الأرض فقيل كان بعد سنة إذ لم يعلقه بمشيئة الله، وقوله وقيل توفي الخ، وعلى الأوّل ظاهره أنه جعله ملكاً مكانه وقيل عزل قطفير، وجعله مكانه، ولما كان من أذى جاره أورثه الله داره أورثه الله منصبه، وزوجته، وتزوّج راعيل على الفور بناء على أنه لم تكن العدة من دينهم، وقال القرطبي: إنه بعد مدة طويلة. قوله: (وقيل توفي قطفير الخ) قال ابن المنير في تفسيره وكان قطفير عنيناً وجمالها فاتنا فكان يصانعها على عنته مع جمالها الفاتن، ومن العجب ما رواه القصاص أنها كانت عذراء، وكذا وجدها يوسف عليه الصلاة والسلام عندما أعيد إليها شبابها وتزوّجها بسابقة الكتاب انتهى، وفيه إشارة إلى رد قول إنها عادت شابة بكرأ إكراما له بعدما كانت ثيباً. قوله:) ولني أمرها) إشارة إلى أن على متعلقة بمسؤول مقدر قيل إنه لما كلمه، وعبر رؤياه قال له ما ترى أيها الصديق قال تزرع في سني الخصب زرعا كثيرأ فإنك لو زرعت فيها على حجر نبت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 وتبنى الخزائن، وتجمع فيها الطعام فإذا جاءت السنون بعتها فيحصل مال عظيم فقال له من لي بهذا قال اجعلني على خزائن الأرض، وتحل بكسر الجيم بمعنى تعظم، وقوله إذا علم قيد لطلب التولية، والتولي من الكافر، ومثله السلطان الجائر جائز، وهو المذكور في كتب الفقه، وقوله وعن مجاهد فلا يكون فيه دليل على ذلك. قوله: (وكذلك مكنا الخ (التمكين إمّا من المكنة بمعنى القدرة أو من المكان يقال مكنه ومكن له، والمعنى مثل ذلك التمكين، والأقدار في نفس الملك أو السلطنة أعطيناه القدرة في أرض! مصر أو كما جعلنا لمحبته مكاناً في طلب الملك جعلنا له مقرّآ فيها أو ومثل ذلك الأنعام بتقريبه، وانجائه وجملة يتبوّأ حال من يوسف عليه الصلاة والسلام، ومنها متعلق بيتبوّأ وحيث ظرف له، وقيل مفعول به، وقيل حال وضمير يشاء ليوسف عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن يكون لله ففيه التفات، وعلى قراءة ابن كثير لله. قوله: (في الدنيا والآخرة) عممه، وهو الظاهر لقول سفيان المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا، والآخرة والكافر يعجل له الخير في الدنيا، وتلا هذه الآية كذا قيل، ولا دلالة في كلام سفيان رحمه الله عليه لأنه مأخوذ من مجموع الآية، ولذا ذكره الزمخشريّ أيضا، وكذا عمم في الدّي بعده بقوله عاجلا، وآجلا والزمخشريّ خصه بالدنيا ليكون ما بعده مصرحا فيه بأجر الآخرة فيكون تأسيساً، وأمّا ذكر المتقين فتخصيصهم بالخيرية لا بالأجر مطلقا، وقيل التخصيص بالذكر لا يقتضي الاختصاص فما قيل إنه لا داعي له لا داعي له، وقوله لعظمه، ودوامه متعلق بقوله خير، وقوله برقابهم بأن يملكهم، وهو مما كان يصح في شرعهم وقوله فأعتقهم، والحكمة إظهار قدرته وكرمه، وانقيادهم بعد ذلك لأمره حتى يخلص إيمانهم، ويتبعوه فيما يأمرهم به فلا يقال ما الفائدة في تحصيل ذلك المال العظيم، ثم إضاعته، والميرة بكسر الميم، وسكون الياء التحتية، والراء المهملة طعام يمتاره الإنسان أي يجلبه من بلد إلى بلد أخرى، وكنعان بلاد معروفة سميت باسم بانيها، وهو من أولاد نوح عليه الصلاة والسلام كما مرّ في سورة هود وذكره توطئة لما بعده من تفسير الآية. قوله: (أي عرفهم يوسف عليه الصلاة والسلام ولم يعرفوه لطول العهد) أي إنّ يوسف يرو عرفهم من غير تعرف لعدم المانع منه كما كان لهم لأنهم لم يعرفوه لهذه الأمور، وقال الحسن رحمه الله ما عرفهم يوسف حتى تعرّفوا له، وقد كان كثير الفحص عنهم، وهم لم يعرفوه لأنه عليه الصلاة والسلام أوقفهم موقف ذي الحاجات بعيداً منه، وكلمهم بالواسطة، ولم يكتف بطول العهد لاشتراكه معهم فيه، وقوله ونسيانهم إياه قيل الأظهر أن يقول، ولم يعرفوه لنسيانهم إياه بطول العهد، ويجعل النسيان معللاً بطول العهد وما عطف عليه، والأمر فيه سهل. قوله: (أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لآجله (قال الراغب: الجهاز ما يعد من متاع وغيره والتجهيز حمل ذلك وبعثه، وضرب البعير بجهازه إذ ألقاه في رحله، والركائب جمع ركاب أو ركوبة، وهي الإبل المعذة للحمل، والركوب، والوقر بالكسر الحمل الثقيل، والجهاز الذي جاؤوا له الطعام والميرة، والجهاز بالفتح، والكسر للميت، والعروس، والمشافر ما يحتاج إليه. قوله: (ائتوني بأخ لكم (لم يقل بأخيكم تنكراً منهم فكأنه لا يعرفه، ولو أضافه اقتضى معرفته لإشعار الإضافة به، وقوله روي الخ. قيل يضعفه بهت إخوته بجعلهم جواسيس فلعله بوحي، والعيون جمع عين وهو الجاسوس، وقوله فاقترعوا أي فعلوا القرعة ليتعين من خرجت له لكونه رهينة، ولم يقل في شمعون، وكان أحسنهم رأيا كما في الكشاف لأنه ينافي قوله سابقا إن يهوذا أحسنهم رأيا، وان وفق بينهما، ومراده من ذكر الرواية بيان سبب طلبه لأخيه منهم، وما فسر به ائتوني بأخ الآية تغ فيه الزمخشري وغيره، وقال ابن المنير رحمه الله تعالى إنه غير صحيح لأنه إذا ظنهم جواسيس كيف يطلب منهم واحداً من إخوتهم، وما في النظم يخالفه، وأطال فيه، وليس بشيء لأنهم لما قالوا له أنهم أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام طلب أخاهم، وبه يتضح الحال. قوله:) ألا ترون الخ) تحريض لهم على الإتيان به وقوله فلا كيل أي في المرة الأخرى إيعاد لهم على عدم الإتيان به، وللضيف متعلق بالمنزلين والنزل الضيافة، وقوله ولا تقربوني إشارة إلى أن الياء محذوفة، والنون نون الوقاية، وأنّ المراد منه عدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 دخول دياره، وقوله معطوف على الجزاء يحتمل عوده إلى الثاني فعلى الأوّل يكون مستأنفا لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر، ويحتمل عوده إليهما، والعطف مغتفر فيه لأنّ النهي يقع جزاء، وأمّا كونه نفيا بمعنى النهي فخلاف الظاهر، ولا داعي حينئذ لحذف نونه فلذا لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى، وان ذكره في الكشاف وقوله سنجتهد الخ لما مرّ بيانه. قوله:) ذلك لا نتوانى قيه) يعني مفعوله ذلك، وهو إشارة إلى المراودة المفهومة من الفعلى أو الإتيان به فيكون ترقيا إلى الوعد بتحصيله بعد المراودة، وعبروا بالفاعل الدالّ على تحققه لأنه كما في الكشاف فسر بأنا لقادرون عليه لا نتعايا به أو إنا لفاعلون ذلك لا محالة لا نفزط فيه ولا نتوانى يعني أنه إفا للحال فيكون بمعنى القدرة لأنهم ليسوا بمراودين في الحال، ولا نتعايا بمعنى لا نعجز، وامّا بمعنى الاستفبال فيكون تأكيدأ للوعد، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتملهما، ومنهم من خصه بالثاني، وقيل إن قوله وقال لفتيته قبل تجهيزهم ففيه تقديم، وتأخير ولا حاجة إليه، وقوله جمع فتى أي جمع قلة، وقد مرّ أنه قيل إنه اسم جمع. قوله: اليوافق قوله اجعلوا الخ) لأنّ الرحال جمع كثرة، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فينبغي أن يكون مقابله صيغة جمع الكثرة، وهم كانوا أحد عشر أو اثني عشر وعلى القراءة الأولى يستعار أحد الجمعين للاخر، وأدما بضم الهمزة، وفتحها جمع أدم، وهو الجلد المدبوغ. قوله: (وإنما فعل ذلك ثوسيعاً الخ) أي جعل بضاعتهم في رحالهم لما ذكر، وقيل لأنّ ديانتهم تحملهم على العود ليعطوا ثمن ما أخذوه أوّلاً لاحتمال أنه لم يقع قصداً أو قصدا للتجربة، ويؤيده ما بعده. قوله: (لعلهم يعرفون حق ردّها) يعني إن أبقى لعل على ظاهرها ففي الكلام مضاف مقدر، وهو حق ردّها بخلاف ما إذا جعل بمعنى لكي فإنه حينئذ لا يحتاج إلى تقدير فإنّ المقصود من وضعها في الرحال أن يعرفوها ويعودوا لردّها. قوله: (لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع) إشارة إلى أنّ هذا مسبب عما قبله وأنّ رجوعهم بسبب معرفتها أو معرفة حق رذها، وأنه وكل ذلك إلى فهم السامع، وقيل رجع هنا متعد والمعنى يرجعونها أي يردّونها. قوله: (حكم بمنعه بعد هذا الخ الما رجعوا إلى أبيهم بادروا إلى الشروع في طلب إرسال أخيهم معهم، وأوّل منع بحكم مجازا لا كناية لأنه لم يقع، والحكم بقوله لا كيل لكم، وقيل إنه على حقيقته، وأنّ المراد منع من أن يكال لأخيهم الغائب حمل آخر ورد بعيره غير محمل بناء على رواية أنه لم يعط له، وسقا بدليل قراءة يكتل بالتحتية. قوله: (نرفع المانع من الكيل ونكتل الخ) قيل إنه يريد أنه جاء بآخر الجزاءين مرتبا دلالة على أوّلهما مبالغة، وقيل إن هذا جواب الأمر فوضع موضع نكتل لأنه لما علق المنع على الكيل بعدم إتيان أخيهم كان إرساله رفعا لذلك المانع فوضعه موضع نكتل لأنه المقصود، ووزن نكتل نفتل، وأصله نكتيل بوزن نفتعل، ولذا خطئ المازني رحمه الله لما سئل عنه فقال وزنه نفعل. قوله: (على إسناده إلى الأخ الني) في الكشاف قرئ يكتل بمعنى يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا أو يكن سببا للاكتيال فإن امتناعه بسببه يعني أنه يحتمل أن يراد اكتيال الأخ فيكون حقيقة، وأن يراد مطلق الاكتيال فيكون إسناده إلى الأخ مجازاً لأنه سببه كذا قال الشارح العلامة رحمه الله تعالى وتبعه من أرجع عبارة المصنف رحمه الله تعالى إلى الوجهين، وكأنّ نسخته أو يكتل بعطفه بأو الفاصلة لا بأي التفسيرية، وعلى النسخة الثانية قيل إن كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى الردّ على من قال المراد على هذه القراءة اكتيال الأخ فقط لأنّ اكتيالهم ملحوظ أيضاً كيف لا وقد قال يوسف عليه الصلاة والسلام فلا كيل لكم، وقالوا لأييهم عليه الصلاة والسلام منع منا الكيل ولم يذكر ما في الكشاف من المجاز لأت- يلزمه ترك ذكر اكتياله لنفسه، وأمّا على قراءة النون فيدخل ذلك فيه، وليس بشيء لأنه سبب لتمام الكيل أو لمجموعه فيدخل فيه على كل حال، وقد عرفت من أين نثأ كلامه فتأمّل. قوله: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم) حال اً ونعت مصدر محذوف شبه ائتمانه على هذا بائتمانه على ذاك، وآمنكم بالمد، وفتح الميم ورنجع النون مضارع من باب علم وآمنه، وأتمنه بمعنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 والاستفهام إنكاري في معنى النفي، ولذا وقع بعده الاستثناء المفرغ، ولم يصرّح بالمنع لما فيه من المصلحة بل فوّض! أمره إلى الله، ولذا روي أنّ الله تعالى قال: وعزتي وجلالي لآرذهما عليك إذ توكلت علئ وقوله: وقد قلتم يحتمل دخوله في التشبيه لأنهم قالوا ذلك له في حقهما. قوله:) وانتصاب حفظا على التمييز الخ) حافظا مبتدأ، ونصبه على الحكاية، ويحتمله أي التمييز خبره، والحال بالنصب معطوف على مفعول يحتمل وقوله كقوله مثال للتمييز، واعترض على الحالية بأنّ فيه تقييد الخبرية بهذه الحال ورد بأنها حال لازمة مؤكدة لا مبينة، ومثلها كثير مع أنه قول بالمفهوم، وهو غير معتبر، ولو اعتبر ورد على التمييز، وفيه نظر وقراءة خير حافظ بالإضافة قراءة الأعمش، وقراءة رذت بكسر الراء بنقل حركة الدال إليها كما في قيل ونحوه من المعتل وقوله ماذا نطلب فما استفهامية مفعول مقدم لنبغي وقوله هل من مزيد إشارة إلى أن الاستفهام في معنى النفي أي لا مزيد على ما فعل لأنه أكرمنا، وأحسن مثوانا بإنزالنا عنده ورذ الثمن علينا والقصد إلى استنزاله عن رأيه. قوله: (أو لا نطلب وراء ذلك الخ) يعني ما إما استفهامية، ونبغي بمعنى نريد ونطلب أو نافية، ونبغي بهذا المعنى أيضاً ومفعوله محذوف، وقوله وراء بمعنى غير مجازاً أو هو من البغي بمعنى مجاوزة الحدّ، وبقال بغى عليه إذا كذب، والمراد لا نكذب، وقيل المعنى ما نطلب بضاعة أخرى. قوله: (ولا نتزيد فيما حكينا لك) مضارع من التزيد على وزن التفعل، وفي نسخة لا نزيد على أنه مصدر منه مبنيّ مع لا، والمعنى لا نكذب قال أبو علي يقال تزيد في الحديث إذا كذب فما قيل إنه لا احتمال لكذبهم رأسا، ولذا نفي الزيادة لا وجه له، وقوله أي شيء فما استفهامية، وجوّز فيها أن تكون تامّة على هذه القراءة أيضا. قوله:) استئناف موضح لقوله ما نبغي) أي على جميع المعاني السابقة في قوله ما نبغي، وإنما الكلام فيما بعده. قوله: (معطوف على محذوف الخ (أي هو، وما بعده لا على جملة ما نبغي لاختلافهما خبرية، وانشائية مع عدم الجامع، والمعطوف عليه تقديره هذه بضاعتنا نستظهر بها أي نستعين، ونتقوّى بها على معاشنا، وقيل عليه أنّ الاستفهام هنا راجع إلى النفي، واجتماع هذين القولين في الوجود واتحاد القائل، والغرض، وهو استنزال يعقوب عليه الصلاة والسلام عن رأيه يكفي للجامعية، ووسق بفتح فسكون بمعنى ما يحمله، وعن الخليل رحمه الله الوسق حمل البعير والوقر حمل البغل والحمار، ولعله أغلبيّ، وقوله باستصحاب أخينا لأنه كان يعطي لكل واحد وسقاً كما مرّ. قوله: (هـ! ذا إذا كانت) أي ما استفهامية، وهذا إشارة إلى تعين العطف على محذوف، وقوله احتمل ذلك أي العطف على محذوف وهو جار فيما إذا كان البغي بمعنى الطلب أو الكذب، وقوله لا نبغي فيما نقول الخ يعني اجتمع أسباب الأذن في الإرسال، وما ينبغي كالتمهيد والمقدمة للبواقي، والتناسب من حيث تشارك الكل في توقف المطلوب عليها بوجه ما مصحح للعطف مع أن الاجتماع في القولية كاف، واعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأن كلامه يشعر باختصاص العطف على ما نبغي بكونه بمعنى الكذب، ولا وجه له، وعلى كونه بمعنى الكذب جملة، وغير تذييلية اعتراضية كقوله فلان ينطق بالحق، والحق أبلج هذا محصل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقرّره من كتب عليه، والذي في الكشاف فإن قلت هذا إذا فسرت البغي بالطلب، وأما إذا فسرته بالكذب، والتزيد في القول كانت الجملة الأولى، وهي قوله هذه بضاعتنا الخ بيانا لصدقهم، وانتفاء التزيد عن قيلهم فما تصنع بالجمل البواقي قلت أعطفها على قوله ما نبغي على معنى لا نبغي فيما نقول،. وغير أهلنا، ونفعل كيت وكيت، ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ كقولك وينبغي أن نمير أهلنا كما تقول سعيت في حاجة فلان، واجتهدت في تحصيل غرضه، ويجب أن أسعى، وينبغي لي أن لا أقصر، ويجوز أن يراد ما نبغي وما ننطق إلا بالصواب فيما نشير به عليك من تجهيرنا مع أخينا، ثم قالوا هذه بضاعتنا نستظهر بها، وغير أهلنا ونفعل، ونصنع بيانا لأنهم لا يبغون في رأيهم، وأنهم مصيبون فيه، وهو وجه حسن واضح اهـ وهو دائر على جعله بمعنى الطلب والكذب، وكون هذه الجمل بيانا أو غير بيان، ولا تعلق له بالنفي والاستفهام الذي ذكر. المصنف، ولذا قال العلامة في شرحه: تقدير السؤال إن قوله ما نبغي إذا فسر بلا نطلب شيئا زائداً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 على ما حصل لنا فمن الظاهر أنّ الجمل المذكورة بعده بيان له، وأفا قوله: {نَمِيرُ أَهْلَنَا} الخ. فما موقعها فأجاب بثلاثة أجوبة، وتحرير الجواب الأخير أنهم كما تكلموا في فضل الملك، واحسانة تكلموا في تجهيزهم مع أخيهم وتلك الجمل إنما لا تصلح أن تكون بيانا لقولهم ما نبغي بمعنى لا نكذب لو كان المراد به الصدق في فضل الملك أمّا إذا أريد به الصدق في التجهيز صحت لبيانه، وهو ظاهر اهـ فبين الكلامين بون بعيد، والشراح لم يوضحوه وهو محل نظر، وتأمّل فتدبره. قوله: (استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك الخ) يعني أنه من كلام الأخوة لاتصاله بما حكي عنهم، والكيل مصدر بمعنى المكيل، والمراد به ما كيل لهم أوّلاً أي أنه غير كاف لنا فلا بد لنا من الرجوع مرة أخرى، وأخذ مثل ذلك مع زيادة، ولا يكون ذلك بدون استصحاب أخينا أو الإشارة إلى كيل البعير الزائد على مكيلهم، وأنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لا يأباه أو هو من كلام يعقوب عليه الصلاة والسلام، وذلك إشارة إلى الكيل الزائد كما مرّ نظيره في قوله ذلك ليعلم لكن على هذا كان الظاهر تقديمه، وذكره مع مقوله أو تأخيره عن قوله قال ولكونه خلاف الظاهر أخره المصنف رحمه الله تعالى قيل، ولو قال ويزدادوا بالواو ليكون مع ما قبله وجها واحداً كان أحسن واستقلال عشرة أحمال، وتكثيرها بحمل واحد بعيد، وليس بشيء، وقوله جواب القسم أي الذي تضمنه الكلام ولداً قرن باللام قوله: (حتى تعطوني ما أتوثق به من عند الله) يعني أنّ الموثق مصدر ميمي بمعنى المفعول، وقوله عهداً الخ يعني الحلف بالله بدليل قوله لتأتنني به فإنه جواب قسم مضمر أي تحلفون به وتقولون، والله لنأتينك به. قوله: (1 لا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك الخ (يعني أنه استعارة كقولهم أحيط بفلان إذا قرب هلاكه، وأصله من أحاط به العدوّ إذا سذ عليه مسالك النجاة، ودنا هلاكه فقيل كل من هلك أو غلب أحيط به، وأوفى كلام المصنف للتقسيم، والتنويع أي إلا أن لا تقدروا على الدفع، وذلك إمّا بالغلبة التامّة أو الهلاك، والأوّل تفسير قتادة، والثاني تفسير مجاهد، والمصنف رحمه الله تعالى جمع بينهما لأنّ المراد منهما عدم القدرة على الدفع فلا يرد عليه أنه يلزم على الثاني كونهم خائنين إذ لم يأتوا به من غير أن يهلكوا جميعاً، وأنه لا وجه للقسم بهذا مع احتمال أن يغلبوا فلا يأتوا به، وان لم يهلكوا فالوجه هو الأول. قوله: (وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال الخ (قال أبو البقاء وردّ بأنّ المصدر من أن والفعل لا يقع موقع الحال كالمصدر الصريح فيجوز جئتك ركضاً أي راكضا ولا يجوز جئتك أن أركض وان كان في تأويله لأنّ الحال يلزمها التنكير، وأن مع ما في حيزها معرفة في رتبة المضمر ورد بأنه ليس مراده بالحال الحال المصطلح يعني أنه أراد في كل حال إلا في حال الإتيان وهذا أيضا مبنيئ على جواز نصب المصدر المؤوّل على الظرفية كالصريح في نحو أتيتك خفوق النجم، وصياج الديك، وللنحاة فيه خلاف فهو أهون الشرّين، وفيه تأمّل. قوله: (أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به في تأويل النفي الخ (أورد عليه أن ظاهره أنّ الاستثناء إذا كان من أعمّ الأحوال لا يحتاج إلى تأويله بالنفي مع أنه استثناء مفرغ، وهو لا يكون في الإثبات أيضا إلا إذا صح، وظهر إرادة العموم في الإثبات نحو قرأت إلا يوم الجمعة لا مكان القراءة في كل يوم غير الجمعة، وهو هنا غير صحيح لأنه لا يمكن لإخوة يوسف عليه الصلاة والسلام أن يأتوا ببنيامين في كل وقت وعلى كل حال سوى وقت الإحاطة بهم لظهور أنهم لا يأتون به له، وهو في الطريق أو في مصر وقد دفع بما لا يجدي، وقد يقال إنه من هذا القبيل، وأن العموم والاستغراق فيه عرفيئ أي في كل حال يتصوّر الإتيان فيها أو يقال إنّ قوله في تأويل النفي قيد لما قبله من الوجهين، وتصويره في الوجه الأخير لقربه لا لاختصاصه به فذكر أحدهما ليقاس عليه الآخر. قوله:) كقولهم أقسمت بالله إلا فعلت) قال ابن هشام إذا وقع بعد الأفعل تصيد من لفظه اسم يكون هو المستثنى في المعنى فقال سيبويه مصدر، وقال المبرد اسم مشتق والأوّل أولى لقوّة دلالة الفعل على مصدره بالاشتقاق فإن كان قبل إلا نفي ظاهر فالكلام على ظاهره، وإن كان إثباتا أوّل بالنفي لأنه استثناء مفرغ من متعلق الفعل العامّ إمّا من مفعوله العائم أو من أحواله المقدّرة، والمفرغ لا يكون إلا بعد النفي ليفيد مثال الأوّل ما يقوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 زيد إلا ضحك، وما يقوم إلا بكى تقديره عند سيبويه رحمه الله ما يقوم على حال إلا الضحك، وعند المبرد ما يقوم إلا ضاحكا والمعنى عليهما واحد، ومثال الثاني نشدتك الله إلا فعلت، وأقسمت عليك إلا فعلت أي ما أطلب إلا فعلك، وما أسألك إلا فعلك لأن نشد بمعنى سأل وطلب، ومثله في تأويله بالنفي لتأتنني به إلا أن يحاط بكم أي لا تمتنعن من الإتيان به لعلة من العلل إلا لعلة الإحاطة أو في كل زمان إلا زمان الإحاطة فهو استثناء من عام إمّ عام في العلل أو الأزمان أو الأحوال، والاستثناء الذي هو كذلك لا يكون إلا في النفي لفظاً أو حكما، وقال ابن يعيش إنما جاز وتوع فعلت في قولك أنشدك الله إلا فعلت من حيث كان دالاً على مصدره كأنهم قالوا ما أسألك إلا فعلك، ونظيره قوله: وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إذ أوقع الفعل موقع المصدر لدلالته عليه، وعلل الأخفش وقوع الفعل بعدا لا بأنه كلام في معنى الشرط فأشبه الشرط فلذا وقع بعده الفعل ألا ترى أنّ معنى لا يصيبهم ظمأ إلا كتب لهم إن أصابهم ذلك كتب لهم. قوله: (رقيب مطلع) فسره به لأنّ الموكل بالأمر يراقبه، ويحفظ، والمراد مجاز عليه، وقوله لأنهم الخ تعليل للنهي وبيان لحكمته، والأبهة بضم الهمزة، وتشديد الباء المفتوحة بمعنى المهابة، والرواء ولا يناسب تفسيرها بالكبر هنا، وإنما ضم اشتهارهم لذلك توطئة لما سيأتي من تخصيص التوصية بالمرّة الثانية، وكوكبة بمعنى جماعة أي مجتمعين، ويعانوا مجهول من عانه إذا أصابه بالعين كركبه إذا أصاب ركبته. قوله: (ولعله لم يوصهم في الكرّة الأولى لأنهم كانوا مجهولين الخ) قيل عليه إن تعبيره بلعل يقتضي أنه من بنات أفكاره مع أنه مسبوق بالوجه الأوّل، وكونه بالنظر إلى الوجه الثاني بعيد، ومن تتبع كلامه وجده يعبر بلعل كثيرا فيما سبق إليه، وإنما يعبر به فيما يكون تأويلا غير منقول عن السلف تأدبا لئلا يجزم بأنه مراد الله. قوله: (وللنفس آثار منها العين الخ الو استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: " العين حق " فإنه حديث متفق عليه لكان أولى، وفيه أيضاً العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا وأخذ الجمهور بظاهره، وأنكره بعض المبتدعة وزعم بعض أهل الطبائع أنه تنبعث من عينه قوّة سمية تؤثر فيما نظره، وهل هو مجرّد تلك القوّة حتى يرد بأنّ العرض! لا يؤثر أو بأجزاء سمية لطيفة تنفصل من عينه لكنها لا ترى أو بخلق الله تعالى ذلك عند نظره من غير انفصال، واختلف هل يجب على العائن أن يغتسل بماء، ثم يعطي الماء للمعيون ليغتسل به كما فصله في نهاية الحديث فقال المأزري يجب، ويجير عليه لظاهر الحديث، ولأنه جرّب وعلم أنّ البرأ به ففيه تخليص من الهلاك كإطعام المضطر، وفي شرح مسلم عن القاضي أنه ينبغي للإمام منعه من مخالطة الناس، ولزوم بيته فإن كان فقيراً رزقه من بيت المال ما يكفيه، وله تفصيل في كتاب الروح، وقوله منها العين الخ العين هنا بالمعنى المصدري، وهو مصدر عانه يعينه عيناً إذا أصابه بنظره، وقال الإمام تأثير النفس مبنيّ على قواعد الفلسفة فإنهم قالوا ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة من الحرارة، والرطوبة، وضدهما بل قد يكون التأثير نفسانيا محضا ألا ترى الإنسان يمشي على خشبة غير عريضة فإذا ارتفعت لا يقدر على ذلك، وأنه إذا غضب أو خاف سخن بدنه فإذا جاز أن يتأثر بدنه لم يبعد تعدي أثره للغير، وقال الجاحظ: إنّ العين بانفصال أجزاء سمية من عينه تتصل بما استحسنه لأنه يطلب إزالة ما يستحسن به كما قاله البلخي: قيل وهو منظور فيه، والحق عند أهل السنة أنه لا تأثير للعين حقيقة بل المؤثر إنما هو الله عند رؤية ذلك المستحسن، ولا مانع من كون فعل الله مبنياً على أسباب خلقها في العين فقوله إنّ المصنف رحمه الله تعالى تبع الفلاسفة غير مسلم. قوله:) في عوذته الخ) العوذة بضم العين، وبالذال المعجمة كالرقية لفظاً، ومعنى وهذا الحديث رواه البخاري وأصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: " أعيذكما بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لائة، ويقول إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل، واسحق عليهم الصلاة والسلام " قال ابن الأثير: الهافة واحدة الهوامّ وهي الحيات، وكل ذي سمّ يقتل، وما لا يقتل، وشممّ هو السوامّ جمع سامة كالزنبور، وتطلق الهوامّ على كل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 ما يدب من الحيوان، واللامة ذات اللمم وهو الضرر من ألم، ولم يقل ملمة للازدواج، والمشاكلة بهامة ويجوز أن يكون على ظاهره من لمه بمعنى جمعه أي جامعة للشرّ على المعيون. قوله: (مما قضى عليكم الخ) تفسير لقوله من الله ففيه مضاف مقدر أي قضاء الله، وقوله بما أشرت يعني قوله: ادخلوا من أبواب الخ وهو متعلق بأغنى، وقوله فإنّ الحذر هو من حديث رواه أحمد والحاكم والبزار " لا يغني حذر من قدر ". قوله:) يصيبكم لا محالة إن قضى عليكم سوءا (فاعل يصيبكم ضميريعود إلى قوله ما قضى عليكم، ويصلح أن يعود على سوءأ على التنازع فيه، وقوله ولا ينفعكم ذلك أي ما وصيتكم به فحينئذ فائدة التوصية احتمال أنه قضاء غير مبرم بل معلق بشرط ولهذا يسعى العبد، ويجتهد مع العلم بأن المقدر كائن، ويحتمل أن الأوّل جار على هذا، وقوله إن الحكم إلا لله إشارة إلى مرتبة الخواص في التفويض التام. قوله:) جمع بين الحرفين (يعني الواو والفاء، وقوله لتقدم الصلة بيان لمصحح الجمع، وقوله للاختصاص علة للتقدّم يعني إنّ قصد الاختصاص أوجب تقديم الصلة عليه، وقد دخل عليها العاطف فلما قصد تسبب توكلهم على توكله لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقتدى بهم وجب دخول الفاء لبيان التسبب لا للعطف ولو قيل فعليه لتتوكلوا أفاد تسبب الاختصاص لا أصل التوكل، وهو المقصود وفيه نظر، وقوله كأنّ الواو الخ. اعتذار عنه بعدم توالي عاطفين في جملة، وبيان لفائدة اجتماع الحرفين، ولم يجزم به لاحتمال أن يعطف على مقدر أو أن يكون جواب شرط مقدر أو متوهم، ولا بد من القول بزيادة الفاء وافادتها السببية، ويلتزم أنّ الزائد قد يدل على معنى غير التوكيد، وفيه ما فيه. قوله: (أي من أبواب متفرّقة) فحيث للمكان، ويلزمه كونهم متفرّقين فلذا فسره الزمخشري به لا أنه جعله بمعنى الجهة كما قيل وقوله، واتباعهم له هو دخولهم متفرّقين المذكور قبله، ولذا زاده هنا ولم يذكره أوّلاً، وقد قيل إنّ العين دفعت عنهم، وهو المراد من رأيه لدفع عين الكمال فكيف قيل إنه لم يغن عنهم شيئاً، وأجيب بأنه أراد بدفع العين أنه لا يمسهم سوء ما وإنما خصت إصابة العين لظهورها، وأما ادعاء أنّ هذا من العين أيضا فقد تخلف ما أراده عن تدبيره فتكلف، والظاهر أنّ المراد أنه خشي عليهم شر العين فأصابهم شز آخر لم يخطر بباله فلم يفد دفع ما خافه شيئاً كما في المثل قد أخاف عليه لآخر، واستدل بهذه الآية على أنّ لما حرف جواب إذ لو كانت ظرفاً عمل فيها جوابها، وهو ما كان، وما النافية لا يتقدم معمول ما في حيزها عليها، ولذا قيل إنّ جوابها محذوف كامتثلوا وقضوا حاجة أبيهم، وقيل آوى جواب للما الأولى، والثانية ومن في من شيء زائدة في الفاعل أو المفعول، وسرّقوا مجهول مشذد بمعنى نسبوا للسرقة. قوله: (اسثشاء منقطع الخ) وذكر الطيبي أنه يجوز أن يكون متصلاً على حد قوله: ولا عيب فيهم غيرأنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب أي ما أغنى عنهم ما وصاهم به يعقوب عليه الصلاة والسلام شيئا إلا شفقته التي في نفسه عليهم، والشفقة لا تغني شيئا مع ما قدره الله، وجملة قضاها صفة حاجة على هذا وعلى كونه منقطعاً، ويجوز أن يكون خبر إلا لأنها بمعنى لكن وهي يكون لها اسم، وخبر فإذا أوّلت بها قد يقدر خبرها، وقد يصرح به كما نقله الطيبي رحمه الله عن ابن الحاجب وفيه إنّ عمل الا بمعنى لكن عملها لم يقله أهل العربية، والشفقة الترحم ورقة القلب ولذا صرح باسم يعقوب عليه الصلاة والسلام لاشتهاره بالحزن، والحرازة بفتح الحاء، والراء المهملة والزاي المعجمة بمعنى الاحتراز وفسر قضاها بالإظهار والتوصية لأنه الواقع فقط. قوله: (على الطعام أو في المنزل (هما روايتان عن السلف، ولذا عطف بأو مع عدم المانع عن الجمع بينهما كما صرح به في الرواية المذكورة، وقوله أتحب الخ لم يذكر أنه صرّح به بأنه أخوه حقيقة كما روي لاختلافهم فيه فاقتصر على المتفق هنا، وقوله مثنى مثنى كما وقع في الحديث صلاة الليلى مثنى مثنى، وقد قيل فيه إنّ مثنى بمعنى اثنين وقيل بمعنى اثنين اثنين فيكون الثاني تأكيدا، وكون بنيامين وحيد الأجل أن يضمه إليه، وقوله أن أكون أخاك أراد الأخوة الحقيقية، وبنيامين حملها على غيرها لعدم علمه به، وقوله افتعال من البؤس قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 الراغب البؤس والبأس، والبأساء الثدة، والمكروه لكن البؤس كثر في الفقر والحزن، والمراد الثاني كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله:) في حقنا الخ (أي من الحسد، وصرف وجه أبينا وتفسير تبتئس بتخف الحسد بإقبالي عليك يأباه كان ظاهراً، والمشربة بكسر الميم ما يشرب به الماء، وأما المشربة بفتح الميم فهو بمعنى الغرفة كما في شرح الكشاف، وهو القياس، وقد نقل في الأوّل الفتح لكونه محلا للماء المشروب، وقوله صاعاً أي مكيالاً والصاع يطلق عليه وعلى ما فيه، وقوله على حذف جواب فلما وقيل الواو زائدة. قوله: (ثم اذن مؤذن نادى مناد) تبع فيه الزمخشري، وأورد عليه أنّ النحاة قالوا لا يقال قام قائم لأنه لا فائدة فيه، وأجيب بأنهم أرادوا أن ذلك المنادي من شأنه الأعلام بهذا بمعنى أنه موصوف بصفة مقدرة تتم بها الفائدة أي أذن رجل معين للأذان فتأمل. قوله: (لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام (يعني نسبة السرقة إليهم غير واقعة فهي كذب لا تليق بيوسف عليه الصلاة والسلام، ولا بالنبوة والملك، والتعبية جعل شيء في أثقاله وأحماله، وكونه برضا بنيامين قيل عليه أنه لا يدفع ارتكاب الكذب، وإنما يدفع تأذي أخيه منه إلا أن يقال إذا تضمن لكذب مصلحة رخص فيه وأمّا سرقة يوسف عليه الصلاة والسلام لخى التأويل أي أخذتم يوسف عليه الصلاة والسلام من أبيه على وجه الخيانة كالسرّاق، واختير هذا على وجه التورية، وقيل المعنى على الاستفهام أي أئنكم لسارقون، ولا يخفى بعده فهو في عبارة المصنف رحمه الله أئنكم بهمزتين، ومن لم يعرفه اعترض بأنه مكرر لعلمه مما قبله. قوله:) والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال (وأصل معنى قافلة راجعة أي طائفة راجعة من السفر فأطلقت على الذاهبة تفاؤلاً، والعير من عار بمعنى تردد اًي جاء وذهب، وهو اسم جمع للإبل لا واحد له فأطلق على أصحابها. قوله:) كقوله عليه الصلاة والسلام: " يا خيل الله اركبي " (وهو من أحسن المجاز وألطقه كما في الآية، والخيل في الأصل الإفراس، وششعمل للفرسان، والحديث الصحيح مروقي عن سعيد بن جبير وضي الله عنه وروي في سيرة ابن عائذ عن قتادة رضي الله عنه أن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديا ينادي يوم الأحزاب يا خيلى الله اركبي، وأخرجه العسكركما في الأمثال عن أن! بن حارثة بن النعمان أنه قال للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله لي بالشهادة فدعا له فنودي يا خيل الله اركبي فكان أوّل راكب وأؤل فارس استشهد رضي الله عنه، وفي الآية، والحديث مجاز أو تقدير لكن في الآية نظر إلى المعنى المراد بقوله: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} ولم ينظر إليه في الحديث إذ قيل اركبي دون اركبوا. قوله: (وقيل جمع عير (بفتح العين وسكون الياء، وهو الحمار، وعلى هذا أصله عير بضم العين، والياء فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم كسرت العين لثقل الياء بعد الضمة كما فعل في بيض جمع أبيض، وقوله تجوّز به لقافلة الحمير مخالف لما في الكشاف حيث قال وقيل هي قافلة الحمير، ثم كثر حتى قيل لكل قافلة عير فتأمله. قوله: (أيّ شيء ضاع منكم والفقد غيبة الشيء الخ) إشارة إلى أنّ ماذا في محل نصب بتفقدون قال الراغب: الفقد عدم الشيء بعد وجوده فهو أخص من العدم فإنه يقال له، ولما لم يوجد أصلا، والتفقد والتعهد بمعنى لكن حقيقة التفقد تعزف فقدان الشيء، والتعهد تعرف العهد المقدم، وما ذكره حاصل المعتى، وماذا تقدم الكلام فيها، وقوله والفقد غيبة الشيء مخالف لما ذكرناه لكنه فسره به لأنه المناسب للحال، وجعله بمعنى الغيبة على أنه مصدر المجهول أو أريد به الحاصل بالمصدر فلا يرد عليه أنّ الفقد العدم أو طلب ما غاب، وما ذكره المصنف رحمه الله ليس بشيء منهما، وقوله إذا وجدته فقيداً فالأفعال للوجدان، وهو أحد معانيه، وجملة أقبلوا حالية بتقدير قد. قوله: (وفرئ صاع وصوع بالفتح والضم الخ) والعين يذكر ويؤنث، وقراءة العامة، وهي التي بنى عليها المصنف رحمه ألله كلاه أوّلاً صواع بوزن غراب والعين المهملة، وقراءة ابن جبير والحسن كذلك إلا أنهما أعجماه، وقرئ صواع بكسر الصاد، وقرئ صاع ففيه ثمان قرا آت، والمتواتر منها واحدة، وهي الأولى، وقوله وصواغ من الصياغة أي قرئ بالألف والضم، والإعجام، وكذا القرا آت على الأعجام كلها من الصياغة، وعلى قراءة صوغ بالفتح فهو مصدر أريد به الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 المصوغ. قوله:) جعلا له (الجعل بالضم ما يعطى للشخص في مقابلة عمله، والجعالة بتثليث الجيم الشيء الذي يعطى، ومعنى لمن جاء به من دل على سارقه، وفضحه أو من أتى به مطلقا، ولو كان السارق نفسه، ويناسبه قول المصنف رحمه الله أؤذيه إلى من رذه، وهو بمهمزتين بمعنى أعطيه من الأداء، وليس فيه أنّ الرّاد له هو من علم أنه سرقة حتى يقال إنه دفع لما قيل إنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئاً على رذ السرقة فلعله جائز في ديتهم. قوله:) وفيه دليل على جوارّ الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل (استدل بهذه الآية عاقة مشايخنا رحمهم الله على جواز تعليق الكفالة بالشروط كما في الهداية، وشروحها لأنّ مناديه علق الالتزام بالكفالة بسبب وجوب المال، وهو المجيء بصواع الملك، ونداؤه بأمر يوسف، وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا مضت من غير إنكار، وأورد عليه أمران أحدهما ما قاله بعض الشافعية من أن هذه الآية محمولة على الجعالة لمن يأتي به لا لبيان الكفالة قهو كقول من أبق عبده من جاء به فله عشرة دراهم فلا يكون كفالة لأن الكفالة إنما تكون إذا التزم عن غيره، وهنا قد التزم عن نفسه الثاني أنّ الآية متروكة الظاهر لأنّ فيها جهالة المكفول له، وهي تبطل الكفالة، وأجيب عن الأؤل بأنّ الزعم حقيقة في الكفالة، العمل بها مهما أمكن واجب فكان معناه قول المنادي للغير أنّ الملك قال لمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم فيكون ضامنا عن الملك لا عن نفسه فتتحقق حقيقة الكفالة، وعن الثاني بأنّ في الآية ذكر أمرين الكفالة مع الجهالة للمكفول له، واضافتها إلى سبب الوجوب، وعدم جواز أحدهما بدليل لا يستلزم عدم جواز الآخر، وقال السكاكي إنه كان مستأجراً والمستأجر ضامن الأجرة سواء كان أصلا أم كفيلاً، وإذا كان ضامنا عن نفسه بحكم عقد الإجارة لا يكون كفيلا إذ الكفيل معناه من يكون ضامنا عن الغير فمعنى قوله أنا به زعيم أنا ضامن الأجر بحكم الإجارة لا بحكم الكفالة، وكذا قال الجصاص في كتاب الأحكام روي عن عطاء الخراساني زعيم بمعنى كفيل فظن بعض الناس أنّ ذلك كفالة إنسان، وليس كذلك، وذلك لأنّ قائله جعل حمل بعير أجرة لمن جاء بالصاع وأكده بقوله، وأنا به زعيم أي ضامن فألزم نفسه ضمان الأجرة لرذ الصاع، وهذا أصل في جواز قول القائل من حمل هذا المتاع لموضع كذا فله درهم، وإنه إجارة جائزة وان لم يشارط رجلا بعينه، وكذا قال محمد بن الحسن في السير الكبير وفيه دلالة على صحة هذه الإجارة وان لم يقاوله باللسان، وكان حمل البعير قدراً معلوما فلا يقال إن الإجارة لا تصح إلا بأجر معلوم فإن قلت هذا يدل على الالتزام دون اللزوم، والنزاع إنما هو فيه قلت لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى اللزوم في الجعالة بل الجواز فيها، وفي الضمان أيضاً فإن دل الضمان على لزوم ما ضمنه فهو مصرّح به في النظم لأنّ زعيم بمعنى كفيل، والكفالة ضمان فتأمّل، وفيه رذ على من قال الكفالة قبل لزوم الحق غير صحيحة. قوله: (قسم فيه معنى التعجب) أي تعجبوا من رميهم بما ذكر مع ما شاهدوه من حالهم، والتاء بدل من الباء والمشهور أنها بدل من الواو وقيل إنها أصلية، وقال الزمخشري: في غير هذا المحل الواو بدل من الباء، والتاء بدل من الواو، ويكثر استعمالها في التعجب نحو تالله تفتؤ، واختصاصها بالجلالة غير مسلم لدخولها على رلت مطلقا أو مضافا للكعبة وعلى الرحمن، وقالوا تحياتك فلعله باعتبار المقيس، واكثر. قوله: (اسش! هدوا بعلمهم على براءة أنفسهم الخ) يعني أن الكلام ليس على ظاهره باًن يحلفوا على علمهم بذلك لأنه غير معلوم لهم بل المراد بذكر علمهم الاستشهاد، وتأكيد الكلام، ولذا أجرته العرب مجرى القسم كقوله: ولقدعلمت لتأتين منيتي إنّ المنايالاتطيش سهامها وأنّ قوله ما كنا سارقين هو الجواب للقسم في الحقيقة لأنّ الظاهر أن حلفهم على فعلهم لا على علم الغير وفعله فيكونون أقسموا على شيئين نفي الفساد ونفي السرقة، وقوله ما جئنا يجوز أن يكون متعلق العلم وأن يكون جواب القسم أو جواب العلم لتضمته معناه كما ذكرنا، وكعم بفتح الكاف، وسكون العين المهملة ربط فمها لئلا تعض أو تأكل وقريب منه العكم للشد، ومنه العكام وكانوا يفعلون ذلك إذا دخلوا المدينة والسرق بفتح السين المهملة، وفتح الراء وكسرها، وسكونها مصدر بمعنى السرقة. قوله:) فما جزاء السارق) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 جوّز في مرجع الضمير ثلاثة أوجه، وأشار إلى أنه إذا رجع للصواع، وهو الظاهر لاتحاد الضمير يحتاج إلى تقدير مضاف كسرقه، وأخذه، وإذا رجع إلى السارق لا يحتاج إلى تقدير لأنّ جزاء السارق بمعنى جزاء سرقته لأنّ الجزاء يضاف إلى الجناية، والى صاحبها مجازاً فلا وجه لما قيل إن التخصيص بالأخير لا يظهر له وجه فتأمّل. قوله: (أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله (تفسير له على الوجو. السابقة، وقوله أخذ الخ إشارة إلى أنه لا بد من تقدير مضاف قبل من لأنّ المصدر لا يكون خبراً عن الذات، ولأنّ نفس ذاته ليست جزاء في الحقيقة، والمضاف المقدر إمّا أخذه أو استرقاقه أي جعله رقيقا، والمصنف رحمه الله تعالى جمع بينهما، وجعل الثاني تفسيراً للأوّل لأنه المراد بالأخذ إذ الأخذ بمجرّده ليس جزاء. قوله: (واسترقاقه) وفي نسخة سبيه كما في الكشاف هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام، وكان دين الملك أن يأخذ ضعف ما سرقه بعد ضربه، وقوله أو خبر من عطف على قوله تقرير للحكم، وقوله هكذا بمعنى أنه استمرّ شرعه على هذا كما في قوله: هكذايذهب الزمان ويفنى الى صلم فيه ويدرس الأثر وتيل إنه كقولهم مثلك لا يبخل، وهو مبتدأ واسم كان ضميره، وشرع خبرها أو هو مرفوع اسمها، وهكذا خبرها، ولذا سألوهم ليلزموهم بشريعتهم. قوله: (خبر من والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها الخ (يعني جزاؤه الأوّل مبتدأ، ومن إن كانت موصولة فهي مع صلتها خبره وقوله فهو جزاؤه لتقرير ذلك الحكم والزامه أي هو جزاؤه لا غيره كقولك حق زيد أن يكسى، وينعم عليه فذلك حقه أو فهو حقه لتقرّر ما ذكر من حقه، وذكر الفاء فيه لتفرّعه على ما قبله ادعاء، وإلا فكان الظاهر تركها لأنه تأكيد، ومنه يعلم أنّ الجملة المؤكدة قد تعطف لنكتة، وان لم يذكره أهل المعاني أو جملة هو جزاؤه خبرها، ودخلته الفاء لتضمه معنى الشرط، والجملة خبر جزاؤه أو من شرطية، والجملة المقترنة بالفاء جزاؤها، والشرط وجزاؤه خبره أيضاً وذكر في الكشاف وجها آخر هو أنّ جزاءه خبر مبتدأ محذوف تقديره المسؤول عنه جزاؤه ثم أفتوا بقوله من وجد في رحله فهو جزاؤه، ولخفائه تركه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (كما هي) أي كما كانت في الموصولية وقوله على إقامة الظاهر، وهو جزاء الثاني مقام الضمير العائد إلى جزاء الأوّل الواقع مبتدأ، وهو دفع لما أورد عليه من أنه يلزم عليه خلوّ الجملة الخبرية عن عائد إلى المبتدأ لأنّ الضمير المذكور لمن لا له فلذا جعل الاسم الظاهر، وهو الجزاء الثاني قائما مقام الضمير لأن الربط كما يكون بالضمير يكون بالاسم الظاهر وقد قال الزجاج: إنّ الإظهار هنا أحسن من الإضمار لئلا يقع اللبس، ويتوهم أنه تأكيد أو عائد إلى غيره والعرب إذا فخمت شيئاً أعادت لفظه بعينه، وهذا المقام مقام التفخيم، والتهويل فلا يرد عليه ما في البحر من أنه لا يناسب لأنه إنما يفصح إذا كان المقام مقام تعظيم كما قاله سيبويه رحمه الله، وقوله كأنه قيل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو كما تقول لصاحبك من أخو زيد فتقول أخوه من يقعد إلى جنبه فهو هو يرجع الضمير الأوّل إلى من، والثاني إلى الأخ، وهكذا ما نحن فيه، وقوله بالسرقة متعلق بالظالمين لا بنجزي. قوله: (فبدأ المؤذن الخ) بأوعيتهم متعلق ببدأ أي بتفتيشها ففيه تقدير مضاف، وكون الضمير للمؤذن ظاهر، وعليه فالتفتيش حيث وجدوا قبل الرذ إلى مصر، وعلى الثاني الضمير المستتر ليوسف عليه الصلاة والسلام، ولكن الظاهر أن إسناد التفتيش له مجازي، ويرجح رجوعه للمؤذن قرب سبق ذكره، ويدل على الثاني مقاولة يوسف فإنها تقتضي وقوع ذلك بعد رذه ظاهراً، وقوله وبقلبها همزة أي على الكسر فإن إبدال الوأو المكسورة همزة مطرد في لغة هذيل كوشاح وأشاج، وهذه قراءة ابن جبير وقوله مثل ذلك للإشارة إلى أنّ الإشارة لما بعده، وقد مر تحقيقه، وأنه ليس القصد فيه إلى التشبيه، وقوله نفياً للتهمة أي لتهمة أنهم دسوه فيه إذ لو بدؤوا به ربما ظن، ولا ينافي ذلك كون تأخيره عن البعض كافيا فيه، والصواع يذكر، ويؤنث، وفي الكشاف وجه آخر تركه المصنف رحمه الله تعالى لابتنائه على تعين ضمير بدأ، واستخرج ليوسف عليه الصلاة والسلام، وفيه نظر. قوله: (بان علمناه إياه وأوحينا به إليه) يعني أنّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 المكر، والكيد، والخديعة إن توهم غيرك خلاف ما تخفيه، وتريده، وهو على الله تعالى محال فهو محمول على التمثيل كان صورة صنع الله في تعليمه يوسف عليه الصلاة والسلام أن لا يحكم بحكم الملك، ويجري على سنتهم في استعباد السارق صورة الكيد إذ المقصود ليس 4ظاهره بل إيواء أخيه إليه، وهو لا يتم إلا بهذا ولما كان قوله ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك هو عين ذلك الكيد جعله تفسيراً له مع ما بعده، وقيل إنّ في الكيد إسنادين بالفحوى إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، وبالتصريح إلى الله تعالى، والأوّل حقيقيّ والثاني مجازيّ، والمعنى فعلنا كيد يوسف أو يحتمل أن يكون مجازا لغويا، والمعنى علمناه الكيد أو دبرناه أو صنعناه له. قوله: (أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك (بأن تدين بدين يعقوب عليه الصلاة والسلام، والمراد ما كانوا يتدينون به بكون الله أذن له فيما ذكر لا بجعله من دين الملك كما توهم، ولعله كان يوحى إليه ما يطابق دينهم وإلا فالنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يجوز له العمل بما يدين به الكافر، ولذا قيل إلا أن يشاء الله المراد به التأبيد أي ما كان ليأخذه في دين الملك أبداً لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجل من الاتصاف بالحكم بدين الكفار فهذا كقوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ} [سورة الأعراف، الآية: 89] . قوله: (فالاستثناء من أعئم الآحوال) أي ما كان ليأخذه في حال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله وقد تقدم الكلام فيه قريبا، وتحقيقه فتذكره. قوله: (ويجوز أن يكون منقطعا) أي لكن أخذه له بمشيئة الله وإذنه، وان لم يكن على دين الملك إذ لم يخالفه فيه أحد لتخييره لهم، وعلى الأوّل فهو متصل، ومن قال يمكن اتصاله على هذا فقد وهم فتدبر، وقوله كما رفعنا درجته أي درجة يوسف عليه الصلاة والسلام، ومرتبته على إخوته، وقوله أرفع درجة منه أي أعلم مأخوذ من قوله فوق وصيغة عليم. قوله:) واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته) أي لا بصفة علم زائدة على الذات، وهم المعتزلة ومن حذا حذوهم في أنّ الصفات عين الذات كما بين في الأصول، وحاصل استدلالهم أنه لو كان له صفة علم زائدة على ذاته كان ذا علم أي صاحب علم لاتصافه به، وكل ذي علم فوقه عليم فيلزم أن يكون فوقه، واعلم منه عليم آخر، وهو باطل والجواب عنه بمنع الملازمة وأنّ المراد بكل ذي علم المخلوقات ذوي العلم العقلاء لأن الكلام في الخلق لا في الله وهذا إثبات لسند المنع وقوله ولأنّ العليم هو الله يعني أنه صيغة مبالغة معناها أعلم من كل ذي علم فتعين أنّ المراد به الله تعالى فما يقابله يلزم كونه من الخلائق لئلا يدخل فيما يقابله. قوله: (ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص (وجه آخر للتخصيص، وفيه جواب بطريق النقض بأنه لو صح ما ذكره المستدل لم يكن الله عالما لاتفاقهم معنا في صحة هذا المثال فيلزم على تسليم دليله إذا كان الله عالما أن يكون نرقه من هو أعلم منه فإن أجابوا بتخصيصه فالاية مثله، وهذا إنما يتم إذا كان هذا المثال مسلما عندهم كذا قيل، ويدفعه أنّ الزمخشري فسره بهذا، وذهب إلى ما ذكر فألزمه بهذا. قوله:) أن يسرق فقد سرق أخ له (أتوا بكلمة أن لعدم تحققهم له بمجرّد خروج السقاية من رحله، وقد وجدوا بضاعتهم قبل في رحالهم، ولم يكونوا سارقين، وأمّا قولهم إن ابنك سرق فبناء على الظاهر، ومدعي القوم، ويسرق لحكاية الحال الماضية، والمعنى إن كان سرق فليس ببدع لسبق مثله من أخيه، والعرق نزاع، وقيل إنهم جزموا بذلك، وان لمجرّد الشرط، وقوله من أبيها يعني إسحق عليه الصلاة والسلام، والمنطقة بكسر الميم ما يتنطق به أي يشذ في الوسط، وتحضن بمعنى أنه في حضانتها عندها، ومحزومة بالحاء المهملة، والزاي المعجمة أي مشدودة، وشب بمعنى كبر وصار شاباً مستغنياً عن الحضانة، والعناق بفتح العين المهملة أنثى المعز وألقاه في الجيف أي على المزبلة، وقيل إنّ ما أعطاه السائل بيضة، وقوله فأعطى السائل أي أعطاها له، واعلم أن ما ذكر في تفسير أن يسرق تبع فيه غيره، وفي البحر لابن المنير رحمه الله أنه تكلف لا يسوغ نسبة مثله إلى بيت النبوّة بل ولا إلى أحد من الأشراف فالواجب تركه، واليه ذهب مكيّ، وفسره بعضهم بأن يسرق فقد سرق مثله من بني آدم، وذكر له نظائر في الحديث، وهو كلام حقيق بالقبول. قوله:) والضمير للإجابة أو المقالة الخ (يعني الضمير المنصوب المؤنث إمّا للمقالة أو للإجابة أي أضمر إجابتهم أو مقالتهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 في نفسه فلم يجبهم عنها، والوجهان متقاربان، والمقالة بمعنى القول أي المقول، وقيل إنه للحزازة التي حصلت له وكونه لنسبة السرقة ظاهر، والحاصل أنه راجع لما فهم من الكلام والمقام أو لما بعده، وقوله أنها أنثه باعتبار الخبر والكناية بمعنى الضمير لأنها تطلق عليه، ولو قيل المقصود أن لفظها صح لكنه رسم متصلا في النسخ، وقوله يفسرها قوله قال أنتم شرّ مكانا في الكشاف أنتم شرّ مكانا بدون قال، وبينهما فرق مع أنه على كلام الزمخشري لا يصح فيه البدلية إذ هو مقول القول، وتأنيثه باعتبار أنه كلمة وجملة، وكذا على كلام المصنف رحمه الله تعالى أيضا لأن قال ليس المراد به لفظه قطعاً فيكون جملة، دمابدال الجملة من الضمير غير صحيح، وإن كان في الإبدال من الضمير المنصوب خلاف فكلام الشيخين فلا يخلو من الخلل فكان الصواب الاقتصار على أنه ضمير مفسر بما بعده، ولولا قوله على شريطة التفسير حمل كلامه على أن جملة قال بدل من أسرّها، وقد سبق إلى هذا الزجاج وهو كلام مشوش، ولذا حكاه المصنف رحمه الله تعالى بقيل وقوله منزلة في السرقة يشير إلى أن المكان بمعنى المنزلة أي أثبت في الاتصاف بهذا الوصف، وأقوى فيه. قوله: (والمعنى قال في نفسه (فلا يكون هذا القول خطابا لهم بخلافه على الأوّل، وهو الأظهر، وقوله لسرقتكم أخاكم أي لخيانتكم في حقه المشبهة بالسرقة أي لا سرقة ثمة، وسوء الصنيع عقوق الوالد والكذب. قوله:) وفيه نظر (إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضميراً لشأن قيل ليس هذا من التفسر بالجمل في شيء حتى يعترض بأنه من خواص ضمير الشأن الواجب التصدير،! انما هو نظير: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ} [سورة البقرة، الآية: 132] قيل وفي جعل المصنف رحمه الله تعالى قال بدلاً من أسرّ إثبات للكلام النفسيّ وليس بذاك، وهذا أيضا غير صحيح لأنه ليس وزانه وزان هذه الآية لأنّ في تلك تفسير جملة بجملة، وهذه فيها تفسير ضمير بجملة لكن ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من اختصاصه بضمير الشأن ليس بمسلم. قوله:) وهو يعلأ أنّ الآمر ليس كما تصفون (فيه إشارة إلى أنّ أعلم ليس المراد به التفضيل، وقال أبو حيان رحمه الله معناه أعلم بما تصفون به منكم لأنه عالم بحقائق الأمور، وكيف كانت سرقة أخيه الذي أحلتم سرقته عليه فهو على ظاهره فإن قيل لم يكن فيهم علم، والتفضيل يقتضي الشركة قيل تكفي الشركة بحسب زعمهم فإنهم كانوا يدعون العلم لأنفسهم ألا ترى قولهم فقد سرق أخ له من قبل جزما. قوله:) في السن أو القدر ذكروا له حاله استعطافا (أي لأجل استعطافه وهو علة لهما لا للثاني وعطفهما بأو لأنهما معنيان متغايران وقوله ثكلان على أخيه أي حزين لفقده والثكلان بالمثلثة الحزين لفقد ولده مؤنثه ثكلى وتسميته هالكا بناء على ظنهم ذلك. قوله:) من المحسنين إلينا فأتمم إحسانك أو من المتعؤدين بالإحسان فلا تغير عادتك (قيل الفرق بين الوجهين بتخصيص الإحسان أو توجيهه إلى أصل الفعل وعلى الأوّل كأنهم قالوا أنت من المحسنين إلينا وما الأنعام إلا بالإتمام، وعلى الثاني كأنهم قالوا قد عم إحسانك الورى فلن يعدونا، ونحن إخوته ولكل ترجيح من وجه وهما حسنان، والحمل على أن الأوّل استئناف لبيان الموجب، والثاني اعتراض! لإثبات إحسانه على لعموم لا يلائم تقديرهم فتفوت المبالغة المشار إليها، وتوله فأتمم في الأوّل، وأجر في الثاني صريح في أنهما من أسلوب واحد، والتفاوت ما هديت إليه فهو اعتراض! عليهما، وهذا! ان تلقوه بالقبول فالظاهر خلافه لأن مقتضى الظاهر أنه إذا أريد بالإحسان الإحسان إليهم يكون مستأنفا لبيان ما قبله إذ أخذ البدل إحسان إليهم، وأمّا إذا أريد أن عموم ذلك من دأبك، وعادتك يكون مؤكداً لما قبله فذكر أمر عائم على سبيل التذييل، والاعتراض أنسب به فما ذكروه غير متجه. قوله:) فإن أخذ غيره ظلم الخ (لأنه على ما أفتوا به من شريعتهم يؤخذ السارق فأخذ غيره ولو برضاه ظلم، وقوله فلو أخذت الخ قدره لاقتضاء السياق له، ولأن إذا حرف جواب، وجزاء وإنما قيد الظلم بمذهبهم وشرعهم لأنه لكونه برضا منه لا ظلم فيه. قوله:) أو أنّ مراده إنّ الله أذن الخ) يعني كونه ظلما لأنّ الله أذن في خلافه لمصلحته، ورضا الله عليه فيكون ظلما في نفس الأمر وظن بعضهم أنّ هذا ابتداء كلام لا إشارة إلى المذهب لوقوع الواو في نسخته بدل أو فحرف لفظا، وتكلف ما لا معنى له، وقوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 كنت ظالما أي لنفسي، وعلى الأؤل الظلم للغير فتأمّل. قوله: (يئسوا من يوسف الخ (أي استفعل بمعنى فعل وزيدت السين، والتاء للمبالغة أي يئسوا يأسا كاملا لأنّ المطلوب المرغوب يبالغ في تحصيله، والضمير المجرور ليوسف عليه الصلاة والسلام، وقوله واجابته إشارة إلى أن المراد باليأس منه اليأس من إجابته ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير مضاف في الكلام، ولم يجعل الضمير لبنيامين كما قيل لأنهم لم ييأسوا منه بدليل تخلف كبيرهم لأجله، وقوله انفردوا إشارة إلى أنّ الخلوص من الناس عبارة عن الانفراد عنهم، وقول الزجاج انفرد بعضهم عن بعض فيه نظر. قوله:) متناجين (وإنما وحده لأنه مصدر كالتناجي بمعنى المشاورة، والتدبير فيما يقولون لأبيهم عليه الصلاة والسلام، وكان الظاهر جمعه لأنه حال من ضمير الجمع فوجهه بأنه مصدر بحسب الأصل أطلق على المتناجين مبالغة أو لتأويله بالمشتق، والمصدر، ولو بحسب الأصل يشمل القليل، والكثير أو لكونه على زنة المصدر لأنّ فعيلا من أبنية المصادر، وهو فعيل بمعنى مفاعل كجليس بمعنى مجال! أي مناج بعضهم لبعض فيكونون متناجين، وقوله وجمعه أنجية ذكره لأنه على خلاف القياس إذ قياسه في الوصف أفعلاء كغنيئ، وأغنياء لكنهم جمعوه على ذلك كقوله: إني إذا ما القوم كانوا أنجيه وهو يقوي كونه جامداً كرغيف وأرغفة وقوله وهو شمعون وقيل يهوذا، والثاني هو الذي صرّح به في أوّل السورة ففيه اختلاف أشار إليه هنا، وقوله جعل حلفهم إشارة إلى أن المراد بالموثق اليمين لأنه يوثق به، وكونه من الله إمّا لأنه بإذنه فكأنه صدر منه أو هو من جهته فمن ابتدائية، ومن قيل هذا إشارة إلى أن قبل من الغايات المبنية على الضم لحذف المضاف إليه وهو هذا، وقوله قصرتم بمعنى فرطتم وفيه إشارة إلى المعنى المراد من التقصير فيه، وهو التقصير في أمره وشأنه أو أن فيه مضافاً مقدراً، وإذا كانت ما مزيدة فمن قبل متعلق بالفعل بعده، والجملة حالية، وقدمه لأنه أحسن الوجوه، وأسلمها. قوله: (ويجوز أن تكون مصدرية) أي ما مصدرية، والمصدر في محل نصب لعطفه على مفعول تعلموا، وهو أنّ أباكم، وأورد عليه أمران الفصل بين حرف العطف، والمعطوف بالظرف وتقديم معمول صلة الموصول الحرفي عليه، وفي جوازهما خلاف للنحاة، والصحيح الجواز خصوصا بالظرف المتوسع فيه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى في الأول، ولم يتعرّض للثاني، وقوله أو على اسم أن فيحشاج حينئذ إلى خبر لأن الخبر الأوّل لا يصح أن يكون خبراً له فلذا ذكره، ولا يخفى أنّ المقصود الإخبار بوقوع التفريط في يوسف عليه الصلاة والسلام من قبل لا كونه واقعا فيه أو من قبل، وفيه أيضا المحذوران المسابقان. قوله:) وفيه نظر لأنّ قبل الخ (هذا الرذ ذكره أبو البقاء رحمه الله، وتبعه أبو حيان فاعترض به على الزمخشريّ، وابن عطية فقال إنّ الهغايات لا تقع صلة، ولا صفة، ولا حالاً، ولا خبرا، وهذا متفق عليه وقد صرّج به سيبويه سواء جرت أو لم تجر فتقول ي! وسم السبست يوم مبارك، والسفر بعده-، ولا تقول والسفر بعد وأجاب عنه في الدرّ المصون بأنه إنما امتنع ذلك لعدم الفائدة، وعدم الفائدة لعدم العلم بالمضاف إليه المحذوف فينبغي إذا كان المضاف إليه معلوماً مدلولاً عليه أن يقع ذلك الظرف المضاف إلى ذلك المحذوف خبرا وصلة، وصفة وحالاً، والآية الكريمة من هذا القبيل، وردّ بأنّ جواز حذف المضاف إليه في الغايات مشروط بقيام القرينة على تعيين ذلمك المحذوف على ما صرّج به! الرضي فدل ذلك على أنّ الامتناع ليس معللا بهذا (قلت) ما ذكروه لميس متفقا عليه، وقد قال الإمام المرزوقي في شرح الحماسة: إنها تقع أخباراً وصفات وصلات، وأحوالاً، وضل هذا الإعراب المذكور هنا عن الرمانيّ، وغيره واستشهد له بما يثبته من كلام العرب، وفي تعريفها بالإضافة باعتار تقدير المضاف إليه ععرفة يعينه الكلام السابق عليها اختلاف فالمشهور انها معارف، وقال بعضهم أنها! كرات، وأنّ التقدير من قبل شيء كما في شرح التسهيل، والفاضل سلك مسلكا حسناً،. وهو أن المضاف إليه إذا كان معلوما مدلولاً عليه بأن يكعون مخصوصا معيناً صح الإخبار لحصول الفائدة فإن لم يتعين بأن قامت قرينة العموم دون الخصوص، وقدر ومن قبل شيء لم يصح الإخبار، ونحوه إذ ما من شيء إلا، وهوس قبل شيء ما فلا. فائدة في الأخبار فحينئذ يكون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 معرفة، ونكرة، ولا مخالفة بين كلامه، وكلام الرضي مع أنّ كلام الرضي غير متفق عليه فتأقله فإنه تحقيق حقيق بأن يرسم في دفاتر الأذهان، ويعلق في حقائب الحفظ والجنان، وقوله وفيه نظر أي في كون من قبل خيراً سواء هذا الوجه، وما سبق، وبه اندفع الإشكال بأنه قبل ليس خبرا بل من قبل، وهو الجارّ والمجرور، وقوله حتى لا ينقص أي يكون ناقصاً غير صالح للخبرية، وقد أورد على أنها لا تكون صلة قوله تعالى: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ} [سورة الروم، الآية: 42] ودفع بأنّ الصلة قوله كان أكثرهم مشركين، ومن قبل ظرف لغو متعلق بخبر كان لامستقرّصلة. قوله: (وأن تكون موصولة) معطوف على أن تكون مصدرية وعلى هذا الوجه التفريط بمعنى التقديم من الفرط، وعلى الوجوه الأول بمعنى التقصير، وأورد عليه أنه يكون قوله من قبل تكراراً فان جعل خبراً يكون الكلام غير مفيد، وإن جعل متعلقا بالصلة يلزم مع التكرار تقديم مثعلق الصلة على الموصول، وهو غير جائز كما مرّ، وقوله ومحله ما تقدم أي في الإعراب من الرفع، والنصب وعائد الموصول محذوف، وأعلم أن السيرافي رحمه الله قال في شرح الكتاب قبل، وبعد مبنيان على الضمّ وفي حال الإضافة يجرّان، وينصبان فأعطيا حركة لم تسكن لهما حال التمكن، وهي الضمة فحرّكتا بأقوى الحركات لما حذف المضاف إليه، وتضمنا معنى الإضافة، وحرفها لتكون عوضا عما ذهب، وعلة أخرى، وهو أنه أشبه المنادي المفرد الذي إذا نكر أو أضيف أعرب، وإذا أفرد أو كان معرفة بني، وكذا قبل، وبعد إذا حذف المضاف إليه، وكان معرفة فإن نكرا أعربا كقوله: فساغ لي الشراب وكنت قبلا وأنما بنيا لأنهما صارا كبعض اسم آخره الجزء الثاني، ولذا سميتا غاية لأنهما صارتا آخراً، ومثلهما غيرهما من الظروف، وما أشبهها كقوله: ولم يكن لقاؤك إلا من وراء وراء اص. وإنما نقلناه لما فيه من الفوائد منها أنّ الغايات معارف لا يقدر ما حذف إلا معرفة فلا يقدر نكرة كما تقدم عن بعض الحواشي فإنه ناشئ من عدم المعرفة. قوله: (فلن أفارق أرض مصر) يعني أنّ أبرح تامّة ضمنت معنى فارق، والأرض مفعوله لا ناقصة لأنّ الأرض لا يصح أن تكون خبراً عن المتكلم هنا، وليس منصوباً على الظرفية، ولا بنزع الخافض وقوله في الرجوع لأنه المستحيي منه، وقوله بخلاص أخي أي بسبب من الأسباب فذكر ثلاثة أوجه أحدها خاص، وهو إذن أبيه في الانصراف، والآخر عام، وهو حكم الله فكأنه رجع عن الأسباب وفوض! الأمر إلى الله، وقوله قفت بتشديد الفاء من قف شعره يقف إذا قام من غضب أو فزع، وفي نسخة ووقفت بواوين من الوقوف، والمراد بهما متحد، وقوله فمسه أمر في الأوّل ماض في الثاني، وقوله لنوراً من نور يعقوب يريد أحداً من نسله صلى الله عليه وسلم بدليل أنه وقع في نسخة لبذرا من بذر يعقوب عليه الصلاة والسلام، وهو استعارة تصريحية فيهما، وقوله لأنّ حكمه لا يكون إلا بالحق بخلاف حكم غيره قد تقدم تحقيق معنى هذه الآية. قوله: (على ما شاهدناه من ظاهر الآمر) وهو خروج الصواع من رحله وكذا علمهم أيضاً مبني عليه لأنه يحتمل أن يدس عليه، ويدل على هذا قراءة سرق بالتشديد المنسوبة إلى الكسائيّ فإنها بمعنى نسب للسرقة فتتحد القراءتان، وقد استحسنت قراءة التشديد لما فيها من تنزيه بيت النبؤة عن السرقة، وقوله بأن رأينا متعلق بعلمنا أو بدل تفسيري من قوله بما، والوعاء هنا بمعنى الغرارة ونحوها، وقوله ودس عطف على سرق بالتشديد، وهو عطف تفسيري، وحافظين على الوجهين بمعنى عالمين لأنّ العلم حفظ للشيء في الذهن، ولأنه سبب للعلم أو منشؤه فصح التجوّز به عنه، ولام للغيب للتقوية، وقوله وما كنا للعواقب اعتذار لأبيهم بأنّ ما أصاب بنيامين لم يكن داخلا في الميثاق وما حلفنا عليه. قوله: (يعنون مصر) بناء على ما مر من أن المفتش لهم يوسف عليه الصلاة والسلام أو المؤذن، وقوله يعنون أي الأخوة، وفي نسخة يعني أي كبيرهم القائل له ذلك، وقوله أرسل الخ يعني أنّ فيه طيا للإيجاز، وسؤال القرية عبارة عن سؤال أهلها إمّا مجازا في القرية لإطلاقها على أهلها بعلاقة أو في النسبة أو يقدر فيه مضاف، وأمّا جواز أن يسأل القرية نفسها فتنطق على خرق العادة لأنه نبيّ جمفه، فليس مراداً ولا يقتضيه المقام لأنه ليس بصدد إظهار المعجزة، وقوله عن القصة إشارة إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 حذف متعلقه للعلم به. قوله: (وأصحاب العير (بيان لمحصل المعنى فيحتمل تقدير المضاف، وجعله مجازأ كما مرّ في " يا خيل الله اركبي " وقيل إنه رجح المجاز هناك لاقتضاء النداء له، ورجح هنا التقدير، وقوله التي توجهنا فيهم إشارة إلى كثرتهم وأنهم كانوا مغمورين بينهم، وقوله وكنا كالتعليل له. قوله:) تثيد في محل القسم (يعني ليس المراد إثبات صدقهم بما ذكر حتى يكون مصادرة لإثبات الشيء بنفسه بل تأكيد صدقهم بما يفيد ذلك من الاسمية وأن واللام، ويحتمل أن يريد أن هنا قسما مقدراً. قوله:) فلما رجعوا إلى أبيهم الخ (بيان لاتصال الكلام بما قبله وار- تباطه بما طوى لأن اسأل القرية قول بعض بنيه وبل سوّلت قول أبيهم عليه الصلاة والسلام ردّاً لعذرهم فلا بد من تقدير لمحصل المعنى، وبيان لأنّ فيه إيجازاً والتسويل تقدم بيانه، وقوله والا فما أدري الملك الخ يعني أنّ منشأ ظنه بهم في هذه القصة أخذه بسرقته فإنه ليس دينهم فقام ذلك عنده مقام القرينة، وأورثه شبهة لاتهامهم بقصد السوء لأخيهم فما قيل كون هذا من التسويل محل نظر من قلة التدبر، وقوله فأمري الخ يعني هو إمّا خبر أو مبتدأ كما مرّ تحقيقه، وقوله عسى الله الخ لأنه كان عرف اًنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لم يمت لما سأل عنه ملك الموت عليه الصلاة والسلام هل قبضت روحه فقال لا ولأنه علم من تناهي الشدة أنّ بعدها فرجا عظيماً وقوله لما صادف أي لقي منهم في أمر يوسف وأخيه. قوله: (أي يا أسفي ثعال الخ) إشارة إلى ما مرّ من نداء ما لا يعقل أي ما حل به من الأسف وتوطين نفسه له حتى كأنه يطلب إقباله والأسف أشد الحزن أي على ما فات لا مطلقاً، وقوله والألف بدل من ياء المتكلم للتخفيف، وقيل هي ألف الندبة، والهاء محذوفة، وقوله رزؤهما بضم الراء المهملة، وسكون الزاي المعجمة والهمزة وهي المصيبة، وقوله لأن رزأه أي مصيبة يوصف كانت قاعدة ومبني لجميع مصيباته فكلما عرضت له مصيبة ذكرته بمصيبة يوسف عليه الصلاة والسلام لأنها في كل زمان غضة أي طرية لم تزل عن فكره أبداً، وكل جديد يذكر بالقديم، وقوله دون حياته قيل إنه ينافي ما سيأتي في تفسير قوله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، ويحتمل أنّ علمه بعد هذا، وفي أسفا ويوسف تجنيس نفيس وقع من غير تكلف. قوله: (وفي الحديث " لم تعط أمّة من الأمم! الخ (رواه الطبرانيّ وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أي أنهم لم يعلموه، ولم يوفقوا له عند نزول المصيبة بهم. قوله: (لكثرة بكائه) يعني أنه جعل الحزن في الآية سبب ابيضاض عينه لأنه سبب للبكاء الذي بيضها فأقيم سبب السبب مقامه لظهوره، وقوله كأق العبرة بفتح العين أي الدموع محقت سوادهما يعني أن ظاهره أنه نزلت عينه غشاوة بيضتها، والقول الثاني إنه كناية عن العمى لأنه لازم لذهاب سوادها فلا وجه لما قيل إنه كان حق التعبير فقيل بالفاء لأنه ليس مقابلا لما قبله بل تفصيل له والقول الأخير قيل هو الظاهر لقوله فارتذ بصيراً، وقد مز الكلام في جواز العمى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله الحزن أي بفتحتين. قوله: (وفيه دليل على جواز التأسف) أي الحزن عند التفجع أي المصيبة، وهو كذلك وإنما المنهيّ عنه النياحة واللطم، وقوله: " بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث صحيح أخرجه الشيخان عن أن! رضي الله عنه، وقوله مملوء من الغيظ، وقيل من الحزن فهو فعيل بمعنى مفعول فكأنه مملوء بالغيظ ففيه استعارة مكنية وتخييلية، وقوله على ملئه أي ملآنا أو هو بمعنى فاعل أي شديد التجرّع للغيظ أو الحزن لأنه لم يشكه إلى أحد قط والجرّة بكسر الجيم، وتشديد الراء ما يجتره البعير أي يخرجه من جوفه مما أكله أوّلاً ليلوكه فكأنه يرده لجوفه مرّة بعد أخرى من غير أن يطلع أحدا عليه وهو استعارة بليغة. قوله: (لا تفتأ ولا تزال تذكره تفجعا عليه (القائلون إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقيل غيرهم من أتباعه واستدل به على جواز الحلف بغلبة الظن، وقيل إنهم علموه منه لكنهم نزلوه منزلة المنكر فلذا أكدوه، وقوله ولا تزال تذكره عطف تفسيرقي مع الإشارة إلى حذف لا وقيل إنه فسره بلا تزال دون لا تفتر كما روي عن مجاهد، وأوّله الزمخشري بأنه جعل الفتوء، والفتور أخوين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 أي متلازمين لا أنه بمعناه يعني أن فثأ بمعنى فتر وسكن ليس بالمثناة بل هو فثأ بالمثلثة كما في الصحاح من فثأت القدر إذا سكنت غليانها، والرجل إذا سكنت غضبه، وهو كما قال أبو حيان تصحيف، وخطأ ابن مالك فيه وليس كما قال فإن ابن مالك نقله عن الفزاء، وقد صرح به السرقسطي في أفعاله، ولا يمتنع اتفاق مادتين في معنى، وهو كثير وقد جمعه ابن مالك رحمه الله تعالى في كتاب سماه ما اختلف إعجامه، واتفق إفهامه، ونقله عنه صاحب القاموس. قوله:) فقلت الخ) شاهد على حذف لا في جواب القسم، وهو من قصيدة مشهورة لامرئ القيس أوّلها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي ومنها: فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ويمين الله يروى بالرفع والنصب على أنه مبتدأ خبره محذوف، والأوصال جمع وصل بكسر الواو وسكون الصاد المهملة وهي الأعضاء، وقيل المفاصل، وقيل ملتقى كل عظمين في الجسد. قوله: (لأنه لا يلتبس بالإثبات) أي لأن القسم إذا لم يكن معه علامة الإثبات كان على النفي وعلامة الإثبات هي اللام ونون التأكيد، وهما يلزمان جواب القسم المثبت فإذا لم يذكرا دلّ على أنه منفي لأن المنفيّ لا يقارنهما فلو كان مثبتاً قيل لتفتأنّ، وقوله كان على النفي أي كان المعنى على النفي أو كان الكلام مبنيا على النفي. توله 0 (مريضا مشفيا على الهلاك) أي مشرفا عليه وقريبا منه، وقيل الحرض معطوت على ما قبله بحسب المعنى ومعنى أذابه جعله مهزولاً نحيفا، وهو مصدر فلذا لا يؤنث، ولا يجمع ولا يثنى وجه ذلك أنّ المصدر يطلق على القليل، والكثير والنعت أي الصفة حرض بكسر الراء كدنف لفظأ، ومعنى وبضمتين صفة مشبهة أيضا. قوله:) أو تكون من الهالكين) أو يحتمل أن تكون بمعنى بل أو بمعنى إلى أن فلا يرد عليه أنّ حقه التقديم على قوله حتى تكون حرضا فإن كانت للترديد فهي بمعنى الخلوّ، وقدم على ترتيب الوجود كما قيل في قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [سورة البقرة، الآية. أو لأنه أكثر وقوعاً، وما قيل إنه مقيد بعدم بلوغه إلى الهلاك سهو لأنه يتكرّر مع ما قبله. قوله:) همي الذي لا أقدر الصبر عليه (ضمن أقدر معنى أطيق فعداه بنفسه كأنّ همه ثقل يحمله فلا يطيق حمله وحده فيفرقه على من بعينه كقوله: إذا الحمل الثقيل توزعته أكف القوم هان على الرقاب فالبث استعارة تصريحية، وهو مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول والظاهر الثاني. قوله: (من صنعه ورحمتة الخ (ففيه حذف مضاف، ومن بيانية قدمت على المبين، وهو ما وقد جوّزه النحاة، وعلى الثاني هي ابتدائية، وقوله وأنه لا يخيب داعيه تفسير للصخ، وقوله رأى ملك الموت الخ بيان للإلهام، وقوله علم من رؤيا يوسف وجه آخر، ويحتمل أنه أيضاً من الإلهام، واعترض! على قوله في المنام بأنه باطل رواية ودراية لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يرى الملائكة يقظة فلا حاجة إلى جعله مناما، وقد أخرج ابن أبي حاتم من النضر رضي الله عنه أنه قال بلغني أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام مكث أربعة وعشرين عاماً لا يدري أيوسف عليه الصلاة والسلام حيئ أم ميت حتى تمثل له ملك الموت عليه الصلاة والسلام فقال له: من أنت قال: أنا ملك الموت فقال: أنشدك بإله يعقوب هل قبضت روج يوسف قال لا فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، وفيه نظر لأنّ مثله إنما يكون برواية. قوله: (فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما الخ) الشحسس تفعل من الحس، وهو الإدراك بالحاسة وقريب منه المجسس بالجيم، وقيل إنه بالحاء في الخير وبالجيم في الشر وردّ بأنه قرئ بهما هنا، وقوله التحسس طلب الإحساس هو أصل معناه والمراد لازمه، وهو التعرّف، وذكر التفحص أي التفتيش لأنه طريقه وقيل التحسس طلب الإدراك بالحس مرّة بعد أخرى، وإنما أمرهم يعقوب عليه الصلاة والسلام بالتحسس لما رأى في منامه أو أخبره به الملك أو لما تفرس من ذكر إكرامه لهم، وما هو عليه من أنه ليس من الفراعنة. قوله:) ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه (الروح بالفتح أصل معناه النفس كما قاله الراغب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 ثم استعير للفرج كما قيل له تنفيس من النفس، وقرئ روج الله بالضم، وفسر بالرحمة على أنه استعارة من معناها المعروف لأنّ الرحمة سبب الحياة كالروح واضافتها إلى الله تعالى لأنها منه، وقال ابن عطية رحمه الله تعالى معناه لا تياسوا من حيّ معه روح الله الذي وهبه فإنّ كل من بقيت روحه يرجى وفي غير من قد وارت الأرض مطمع. قوله: (بالله وصفاته) لأنّ سبب اليأس عدم التصديق بالصانع وصفاته الكمالية، وليس فيه دليل على أنّ اليأس كفر بل هو ثابت بدليل آخر، وقوله بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية بيان له بحسب الواقع، وقوله شدة الجوع هذا أحسن من تفسير الزمخشري له بالهزال، وهذا إشارة إلى مسالة أصولية وهي إلا من مكر الله، والياس من رحمته كبيرة أو كفر قولان مشهوران، وفي جمع الجوامع وشروحه كلام مفصل فيها. قوله: (رديئة أو قليلة) يعني أصل معنى التزجية الدفع والرمي فكني بها عن القليل والرديء لأنه لعدم الاعتناء به يرمي ويطرج، والمراد أنّ ما أتوا به غير صالح لأن يكون ثمنا بدون محاباة وتزجية الزمان دفعه بالأمر القليل والصبر عليه حتى ينقضي كما قيل: درّج الأيام تندرج وبيوت الهمّ لاتلج وقد فسر الآية بهذا الزجاج فقال أي إنا جئنا ببضاعة الأيام مزجاة بها، والمصنف رحمه الله سكت عنه، ولم يفسر به ثم إنه شرع في بيان كونها رديئة أو قليلة بقوله قيل الخ والصنوبر معروف والحبة الخضراء أيضا معروفة وليست الفستق كما قاله أبو حيان رحمه الله تعالى، والمقل هو الذي يسمونه دوماً، وهو بضم الميم وسكون القاف. قوله:) فأتم لنا الكيل) أي لا تنقصه لقلة بضاعتنا أو رداءتها، واختلف في حرمة أخذ الصدقه هل هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو تعم جميع الأنبياء عليهم الصلاة والس! لام فذهب سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى إلى اختصاص ذلك بنبينا تخرر استدلالاً بظاهر هذه الآية، ومن ذهب إلى العموم، وأنّ هؤلاء أنبياء أو آل نبيّ والصدقة لا تحل لهم فسر الآية بردّ الأخ، ونحوه مما ليس بصدقة حقيقة أو يقول المحرم إنما هو الصدقة المفروضة مع أنّ الصدقة تكون بمعنى التفضل، ومنه تصدق الله على فلان بكذا، وأمّا قول الحسن رحمه الله تعالى لمن سمعه يقول اللهثم تصدّق عليّ إنّ الله لا يتصدق إنما يتصدق من يبغي الثواب قل اللهئم أعطني أو تفضل عليّ فقد ردّ بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وأجيب عنه بأنه مجاز أو مشاكلة، وإنما رذ الحسن رحمه الله تعالى على القائل لأنه لم يكن بليغا كما في قصة المتوفى، وقوله أحسن الجزاء إشارة إلى أنه حث على الإحسان فإنه يجزي أحسن جزاء من الله وان لم يجزه المحسن إليه، وقوله في القصر أي في شأن القصر أي قصر صلاة المسافر والحديث في صحيح البخارقي رحمه الله تعالى. قوله: (أي هل علمتم قبحه فثبتم) إشارة إلى المراد منه كناية أو بتقدير مضاف لأن الفعل الصادر بالاختيار لا ينفك عن العلم به والشعور، ولذا قيل إنهم عالمون بقبحه أيضاً لأنه لا يخفى على مثلهم، وإنما ذكره حثالهم على التوبة لأنّ العاقل إذا اتضح له قبح فعله لا يتوقف في الرجوع عنه، ولذا رتب عليه قوله فتبتم، وقوله إذ أنتم جاهلون قبحه متعلق بفعلتم على هذا التقدير لأنه لا يصح هل علمتم قبحه إذ جهلتموه بل المعنى هل علمتم قبحه بعدما فعلتموه جاهلين به، وهو تلقين للعذر كما في قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ! سورة ألانفطار، الآية: 6] وتخفيف للأمر عليهم، والمراد بعاقبته ما آل إليه أمر يوسف عليه الصحلاة والسلام والتنصيح بذل النصح تديناً لهم، وقوله لا معاتبة وتثريبا كما قيل إنه استعفام لما ارتكبوه لمخالفته لقوله لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم. قوله: (وقيل أعطوه كتاب يعقوب عليه الصلاة والسلام) وصورته كما في الكشاف من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أمّا بعد فإئا أهل بيت موكل بنا البلاء أمّا جدي فشذت يداه ورجلاه، ورمى به في النار ليحرق فنجاه الله وجعلت النار عليه برداً وسلاما، وأمّا أبيئ فوضع السكين على قفاه ليقتل ففداه الله، وأمّا أنا فكان لي ابن، وكان أحبّ أولادي إليّ فذهب به إخوته إلى البرية ثم أتوني بقميصه ملطخاً بالدم، وقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناي من بكائي عليه، ثم كان لي ابن وكان أخاه من أمّه وكنت أتسلى به فذهبوا به، ثم رجعوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 وقالوا: إنه سرق وإنك حبسته لذلك، وأنا أهل بيت لا نسرق، ولا نلد سارقا فإن رددته عليّ وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام. قوله: (أو لأنهم كانوا حينئذ صبياناً طياشين (الطيش) الخفة ورد هذا بأنه غير مطابق للواقع ولقوله، ونحن عصبة، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (استفهام تقرير الخ) ولذلك أكد لأنّ التأكيد يقتضي التحقق المنافي للاستفهام، وقوله صلى الله عليه وسلم أنا يوسف تصديق لهم، وقراءة ابن كثير بحذف الهمزة والمراد بالإيجاب ما يقابل الاستفهام كما يقال له إثبات، وقيل إنّ الهمزة محذوفة على هذه القراءة، وقوله بروائه أي برؤية منظره لأنه لم يدنهم قبل ذلك وقيل إنه كان يكلمهم من وراء حجاب وكان الظاهر أن يقول وبكلامه بلسان العبرية لقوله كلمهم به، وقوله ثناياه أي مقدم أسنانه لحسنها وانتظامها كالدر، وقوله بقرنه أي جانب رأسه، وقوله وكانت أي العلامة ولسارة ويعقوب مثلها جملة خبر كان أو اسم كان مثل وأنث لإضافته إلى المؤنث، ويجوز نصب مثلها، وقوله ذكره تعريفا لنفسه جواب سؤال وهو أنّ السؤال عنه فلم ذكر أخاه. قوله: (أي يتق الله) أبقى التقوى على ظاهرها، وعدل عن تفسير الزمخشري له بيخف الله وعقابه لأنه اعترض عليه بأنه مجاز من غير داع ولا قرينة فالوجه تفسير التقوى بالاحتراز عن ترك المأمورات، وارتكاب المنهيات، والصبر بالصبر على المحن والبلايا، وقد أجيب عنه بأنّ هذه الجملة تعليل لقوله قد من الله علينا، وتعريض لإخوته بأنهم لم يخافوا عقابه، ولم يصبروا على طاعة الله وطاعة أبيهم، وعن المعصية إذ فعلوا ما فعلوا فيكون المراد بالاتقاء الخوف وبالصبر الصبر على الطاعة، وعن المعصية ورد بأنّ التعريض حاصل في التفسير الآخر أيضا فكأنه فسره به لئلا يتكرّر مع الصبر، وفيه نظر وقرئ بإثبات ياء يتقي فقيل إنه على لغة من يجزمه بحذف الحركة المقدرة وقيل شبهت من الشرطية بالموصولة، وقوله من جمع الخ فيكون الإحسان مجموعهما. قوله: (اختارك الخ) الإيثار الاختيار، ويكون بمعنى التفضيل أيضاً، وقوله بحسن الصورة قيل المناسب للمقام ما في الكشاف بالتقوى، والصبر وسيرة المحسنين بخلاف ما نحن عليه فإنا لم نصبر على تفضيل أبينا لك، ولم نحسن حالنا وسيرتنا معك، ومع أخيك وقيل آثرك بالملك أو بالعلم. قوله: (والحال إن شأننا إنا كنا مذنبين الخ) يشير إلى أنّ الواو حالية، وان مخففة واسمها ضمير شأن وأنّ الخاطئ من تعمد الذنب، وأنّ اللام مزحلقة عن محلها. قوله: (لا تأنيب الخ) التأنيب، والتقريع اللوم بعنف، ولما لم يستعمل من هذه المادّة غير الثرب، وهو الشحم الرقيق في الجوف، وعلى الكرس جعلوه منه، وجعلوا التفعيل للسلب كالتجليد بمعنى إزالة الجلد فاستعير للوم لأنّ بإزالة الشحم يبدو الهزال، وما لا يرضى كما أنه باللوم تظهر العيوب فالجامع بينهما طريان النقص بعد الكمال أو إزالة ما به الكمال والجمال، وكذا التقريع أصله إزالة القرع، وهي البثور، وقوله يمزق العرض ويذهب ماء الوجه تفسير له بما يناسب معناه أي التثريب الذي أصله إزالة الثرب استعير لتمزيق العرض، واذهاب ماء الوجه الدّي هو إزالة الخير والوجاهة. قوله: (متعلق بالتثريب الخ) تغ فيه الكشاف، وأورد عليه أنه يكون حينئذ شبيهاً بالمضاف نحو لا ضاوبا زيدا فيتعين نصبه بل هو خبر كقوله: لا نسب اليوم ولا خلة أي لا تثريب كائن في اليوم، ولذا قال أبو البقاء خبر لا عليكم أو اليوم وعليكم متعلق بالظرف أو بمتعلقه، وهو الاستقرار، ولا يجوز أن يتعلق بتثريب، وإلا لنصب لأنّ اسم لا كالمنادى إذا عمل نوّن وقال أبو حيان رحمه الله لا يجوز تعلق اليوم بتثريب لأنه مصدر فصل بينه وبين معموله بعليكم، وهو لا يجوز سواء كان خبراً أو صفة لأنّ معمول المصدر من تمامه وأيضا لو تعلق به لم يجز بناؤه لشبهه بالمضاف، ولو قيل الخبر محذوف وعليكم واليوم متعلق به أي لا تثريب كائن عليكم اليوم لكان قوياً (أقول) اتفق على هذا كلمتهم هنا وهو غريب منهم فإنه صرّح في متون النحو بأن شبيه المضاف سمع فيه عدم التنوين نحو لا طالع جبلاً ووقع في الحديث: " لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت " باتفاق الرواة فيه، وإنما الخلاف فيه هل هو مبنيّ أو معرب ترك تنوينه، وأمّا الفصل بين المصدر ومعموله فقد ردّه المعترض على نفسه من حيث لا يشعر لأنه إذا سلم جعل معمولاً لمقدر، والجملة معترضة، وبالاعتراض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 سقط الاعتراض، وأمّا ما قيل إنه متعلق الظرف لا شبيه المضاف فمخالف لتصريح أهل العربية، وكذا كون الظرف متعلقا بالنفي لا بالمنفيّ، وا! المراد بتعلقه به تعلقه بالخبرية، وأنه لما فصل بينه، وبين متعلقه جاز البناء وكل هذا مما لا حاجة إليم 4، وإنما هو ضغث على إبالة لأنه كلام ناشئ من قلة الاطلاع، ولبعض الناس هنا كلمات مضطمة تركناها لافتضاح المصباح بطلوع الصباح. قوله: (والمعنى) يعني على كلا التقديرين لا أثزبكم اليوم يعني أنّ تعبيره باليوم ليس لوقوع التثريب في غيره لأنه إذا لم يثرب أول لقائه، واست حال ناره فبعده بطريق الأولى وقال الشريف المرتضى في الدرر والغرر أن اليوم موضوع موضع الزمان كله كقوله: اليوم يرحمنا من كان يغبطنا واليوم نتبع من كانوالنا تبعا أي بعد اليوم. قوله: (أو بقوله يففر الله) قال الشريف في الدرر ضعف قوم هذا الجواب من جهة أنّ الدعاء لا ينصب ما قبله، ولم أر من صرّج به غيره قيل، وفي كلام المصنف إشارة إلى دفعه بجعله خبر الادعاء وقال ابن المنير رحمه الله تعالى الصحيح تعلقه بتثريب أو بالمقدر في عليكم فإنه لو كان متعلقاً بيغفر لقطعوا بالمغفرة بإخبار الصديق ولم يكن كذلك لقولهم يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا فأجيب بأنّ ستر الذنب، وعدم المؤاخذة به إنما يكون في القيامة، والحاصل قبله هو الأعلام به، وطلب ما يعلم حصوله غير ممتنع بل الممتنع طلب الحاصل على أنه يجوز أن يكون هضما للنفس كما في استغفار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا فرق بين الدعاء والاً خبار هنا. قوله: (لآنه صفح عن جريمتهم حينئذ الخ) قيل إنه إشارة إلى أنه أخبار لادعاء وتعليل لفظه بغفران الله بأنه عفا عنهم، وتابوا كما أشار إلى الأوّل بقوله صفح عن جريمتهم والى الثاني بقوله واعترفوا بها فلا محالة غفروا مما يتعلق به، وبالله بمقتضى، وعد الله بقبول توبة العباد لا مما يتعلق بأبيهم إذ هو المطلوب بقولهم يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا حتى يرد أنه قطع بمغفرتهم لإخبار الصادق فيجاب بما مرّ في القولة قبل هذا، وقيل قطع بالمغفرة فيما يرجع إلى حقه دون أخيه، وفيه بحث، وقوله وهو أرحم الراحمين تحقيق لحصول المغفرة لأنه عفا عنهم فالله أولى بالعفو والرحمة لهم فإن كانت الجملة دعائية فهو بيان للوثوق بإجابة الدعاء، وقد مرّ تحقيق التفصيل فيه، وقوله فإنه يغفر الصغائر والكبائر أو لا! رحمة البشر برحمته أيضا وهي جزء من مائة جزء من رحمته قيل، ولو علله بهذا كان أولى، وقوله والكبائر أي التي لا يغفرها غيره، وتفضله على التائب بمقتضى وعده بخلاف رخماء الناس قد يقبلون التوبة، وقد لا يقبلونها ودلالة ما ذكره على الكرم إذ جعل مجيئهم إليه ليس لأجل إكرامهم بل لإكرامه هو فالمنة لهم في ذلك وحفدة جمع حفيد أو حافد، وهو ولد الولد. قوله: (القميص الذي كان عليه الخ) يجوز رفع القميص بتقدير هو، ونصبه بتقدير أعني، وضعف القول الثاني لأنّ قوله أجد ريح يوسف يدل على أنه كان لابسا له لا في تعويذته كما تشهد به الإضافة إلى ضميره، وقيل إنه القميص الذي قدمن دبر أرسله ليعلم براءته من الزنا ولا يخفى بعده، وباء بقميصي للملابسة أو للمصاحبة أو للتعدية، والتعويذ التميمة التي تعلق للحفظ من لعين ونحوها. قوله: (يرجع بصيرا أي ذا بصر (أصل معنى الإتيان المجيء فإن كان على حقيقته يكون بصيراً حالاً وان تجوّز به عن معنى الصيرورة يكون خبرها وترك الوجه الأوّل لأنه المناسب لقوله ارتد بصيراً وهو يدل على أنه ذهب بصره وفي نسخة يصر بصيراً، ومجيئه له يدل عليه قوله، وائتوني بأهلكم كما صرّح به المصنف ولو حمل على ظاهره احتاج إلى تكلف. قوله: (أنتم وأبي) إشارة إلى ما فيه من التغليب وما قيل إنه لا حاجة إليه لأنه كان شيخا كبيراً عاجزاً فهو داخل في الأهل غير حسن لأنه متبوع لا تابع وما ذكر. وا. جدا، وقوله فصلت العير أي خرجت من قولهم فصل القوم عن المكان، وانفصلوا بمعنى فارقو.، وقوله لمن حضره أي من ولد ولده. قوله: (أوجده الله ريح ما عبق بقميصه) أي جعله الله واجدا لريحه أي رائحته وعبق يعبق كفرح يفرح بمعنى التصق، وتسامحوا فيه فجعلوه بمعنى فاح منه الرائحة، ويخص بالرائحة الطيبة والرائحة لعرقه لا للبدن نفسه ففيه تجوز واضافته لأدنى ملابسة. قوله: (تنسبوني إلى الفند) بفتحتين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 وهو ضعف الرأي، والعقل من الهرم، وكبر السن وفنده نسبه إلى الفند وهو مأخوذ من الفند، وهو الحجر والصخرة كأنه جعل حجر القلة فهمه كماقال: إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ~ فكن حجرا من يابس الصخر جلدا ثم اتسع فيه فقيل فندد إذا ضعف رأيه ولامه على ما فعله، ولذا لم يقل للمرأة مفندة لأنها لا رأي لها حتى تضعف كذا في الكشاف والأساس، وقال الشمني إنه غريب ولا وجه لاستغرابه فإنه منقول عن أهل اللغة كما في القاموس، ولعل وجهه أنّ لها عقلاً وان كان ناقصا يسدّ نقصه بكسر السين فتأمّل، وقوله ذاني أي غير عارض لهرم ونحو.، وقوله لصدقتموني أو لأخبرتكم خبره لأنه مصذق، ولكن ظنوا ما قاله من وساوس الشيخوخة، وقوله أو لقلت أنه أي يوسف قريب مكانه أو لقاؤه. قوله: الفي ذهابك عن الصواب الخ) يعني أنّ الضلال بمعنى عدم الصواب، وجعله فيه لتمكنه، ودوامه عليه، ولا يليق تفسيره بجنونك القديم وإنما قالوا هذا لظنهم أنه مات، وقوله قدما بكسر القاف وسكون الدال المهملة بمعنى قديماً كما في قوله: ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد مكراً وقدماكان ذلك من فعلي كذا في النبراس وهذا مما أهمله بعض أهل اللغة كصاحب القاموس، وأمّا القدم بالضم فبمعنى التقدم كما في مثلثات البطليوسي. قوله: (روي أنه قال كما أحزنته الخ الأنه الذي حمل إليه ذلك القميص قيل الظاهر أن تطرح الفاء أو كما من العبارة، وقوله طرج البشير ففاعله ضمير البشير وهو الظاهر من قوله فألقوه على وجه أبي أو فاعله ضمير يعقوب عليه الصلاة والسلام قيل وهو الأنسب للأدب. قوله: (عاد بصيرا) فبصيرا خبرها، ومن أنكر مجيئها بمعنى صار جعله حالاً، وانتعش بمعنى تحرّك وقوي حتى قوي قلبه، وحرارته الغريزية فأوصل نوره إلى الدماغ وأذاه إلى البصر فأبصر فلا يرد عليه أنّ الصواب أن يقال إنه معجزة ليعقوب عليه الصلاة والسلام لأن قؤة البدن لا تفيد قوّة البصر، وقوله والمقول لا تيأسوا أي إن كان الخطاب لأولاده أو أني لأجد إن كان مع من حضر، وقوله ومن حق المعترف الخ لأن قوله: {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} تعليل لما قبله فلا وجه لما قيل إنّ المناسب لقوله يا أبانا إذ نادوه بما يقتضي العطف والشفقة أن يقال، ومن حق شفقتك علينا أن تستغفر لنا فإنه لولا ذلك لكنا هالكين لتعمد الإثم فمن ذا يرحمنا إذا لم ترحمنا، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو المناسب للسياق والسباق. قوله: (أخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة (قيل يأبى هذه الاحتمالات الثلاثة سوف لأنها أبلغ من السين في التنفيس فكان حقه على ما ذكر السين ورد بما في المغني من أنّ ما ذكره مذهب البصريين، وغيرهم يسوي بينهما، وهذا غير وارد حتى يحتاج إلى الدفع لأنّ التنفيس التأخير مطلقا، ولو أقل من ساعة فتأخيره إلى السحر، ومضى ذلك اليوم محل للتنفيس بسوف وإنما أخر لما ذكر لأنها أوقات الإجابة كما وردت به الأحاديث، وفي الكشاف وجه آخر، وهو أن يراد الدوام على الاستغفار قيل وهو مبنيّ على أن السين، وسوف تدل على الاستمرار في المستقبل، وفيه كلام في مغني اللبيب، وقد مرّ تحقيقه في قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} [سورة البقرة، الآبة: 142] . قوله:) أو إلى أن يستحل لهم من يوسف (عليه الصلاة والسلام أن يجعلهم في حل منه بالعفو عنهم الأوّل مبنيّ على ظن أنه لم يعف عنهم، والثاني على أنه عفا، ولكن أراد تيقنه بسماعه مته، وهذا على أن ما طلبوه عفو يوسف عليه الصلاة والسلام عما فعلوه به وعفو المظلوم شرط المغفرة فيجب على الظالم أن يتحلل منه، وهل يجب تعيين المظلمة له وقدرها لأنها إذا علمت قد لا تطيب نفسه بالعفو أو يكفي ذكرها إجمالاً فيه اختلاف للفقهاء، وقوله ولدك بضمّ فسكون جمع ولد، وقوله وعقد مواثيقهم أي عهد على نفسه أن يعطيهم النبوّة من قولهم عقاد الألوية، وفي النهاية هلك أهل العقد يعني أصحاب الولاية على الأمصار ثم تجوز بالعقد، والحل عن فصل الأمور إثباتا ونفياً وأصله في اللواء كما عرفت، وقوله إن صح إشارة إلى الاختلاف في نبوّتهم فعلى القول بها يكون ما صدر عنهم قبل النبوّة بدليل هذه الرواية. قوله: (وجه إليه) أي إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام وقوله واستقبله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 يوسف والملك يقتضي أنه لم يكن ملكاً، وإنما كان على خزائنه كالعزيز، وكأنّ الرواية مختلفة فيه فإنه قيل إنه تسلطن، وهو المشهور، والتجهيز حمله، وما معه، وفي قوله فلما دخلوا على يوسف إيجاز تقديره فرحل يعقوب عليه الصلاة والسلام بأهله أجمعين، وساروا حتى أتوا يوسف عليه الصلاة والسلام فلما دخلوا الخ. قيل وكان دخولهم يوم عاشوراء. قوله: (بضعة وسبعين رجلاَ) في الصحاح إذا جاوز العدد العشرة ذهب البضع فلا يقال بضع وعشرون لكن في المغرب ما يخالفه، وقد وقع في الحديث الصحيح في البخاريّ، وغيره: " الإيمان بضع وسبعون شعبة " ورأيت بضعة وثلاثين ملكاً، ولهذا قال الكرماني رحمه الله تعالى بعدما نقل كلام الجوهرفي أنه خطأ منه لأنّ أفصح الفصحاء تكلم به وكأنّ منشأ الغلط أنهم قالوا إنه لا يطلق على العشرة، وإنما يطلق على كسورها سواء كانت قبل العشرة أو بعدها فظن أنها لا تستعمل فيما بعدها فتأمّل، والهرمى جمع هرم. قوله: (ضم إليه أباه وخالته واعتنقهما نزلها منزلة الأمّ الخ) تنزيل منصوب على أنه مصدر تشبيهي أي نزل الخالة منزلة الأمّ كما نزل العم منزلة الأب بقطع النظر عن كونها زوجة يعقوب عليه الصلاة والسلام، وعلى الوجه الثاني أنه لما تزوّجها بعد أمّه صارت راية له فنزلت منزلة الأم لكونها مثلها في زوجية الأب، وقيامها مقامها، والرابة امرأة الأب غير الأم كما أنّ الولد من غيرها يسمى ربيبا واسم الخالة ليا، وقيل راحيل وقيل إنّ أمة كانت في الحياة، وما قيل إنّ الله أحياها لم يثبت، ولو ثبت مثله لاشتهر. قوله: (والمشيئة متعلقة بالدخول المكيف بالأمن (قال صاحب التيسير الاستثناء داخل في الأمن لا في الأمر بالدخول لأنه أمر بالدخول، ووعد بالأمن والاستثناء يدخل في الوعد لا في الأمر وقال في الكشاف، إنّ المشيئة تعلقت بالدخول مكيفا بالأمن لأنّ القصد إلى اتصافهم بالأمن في دخولهم فكأنه قيل أسلموا وآمنوا في دخولكم إن شاء الله، ونظيره قولك للغازي ارجع سالما فإنما إن شاء الله فلا تعلق المشيئة بالرجوع مطلقاً، ولكن مقيداً بالسلامة والغنيمة مكيفاً بهما فقيل إنه إشارة إلى أنّ الكيفية مقصودة بالأمر كما إذا قلت ادخل ساجداً كنت آمراً بهما وليس إشارة إلى أنّ التركيب فيه معنى الدعاء إذ ليس المعنى على ذلك، وفيه نظر. قوله: (والدخول الآوّل كان في موضع خارج البلد حين استقبلهم) توفيق لما يترا أى من منافاة الأمر بالدخول للبلد بعد ذكر أنهم دخلوا عليه إذ الدخول عليه المتبادر منه أنه فيها بانّ الدخول الأوّل كان عليه في موضع الاستقبال خارج مصر فهو متقدّم على الثاني، وفي الكشاف يجوز أن يكون قد خرج في قبة من قباب الملوك التي تحمل على البغال فأمر أن يرفع إليه أبواه فدخل عليه القبة فآواهما إليه بالضمّ، والاعتناق، وقرّبهما منه، وقال بعد ذلك ادخلوا مصر، وليس فيه مخالفة للنظم كما توهم لأن قوله رفع أبويه المراد به رفعهما على سريره في مجلسه وهو شيء آخر. قوله: (تحية وتكرمة له) فإنّ السجود كان عندهم يجري مجراها دفع به السؤال بأنّ السجود لا يجوز لغير الله بأنه في غير شريعتنا، وقد كان جائزاً للتكرمة فنسخ وامّ أنه كان الأليق حينئذ سجود يوسف ليعقوب عليهما الصلاة والسلام فدفع بأنه تحقيق لرؤياه لحكمة خفية، وبأنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام إنما فعله لتتبعه الأخوة فيه لأنّ الأنفة ربما حملتهم على الأنفة منه فيجر إلى ظهور الأحقاد الكامنة، وعدم عفو يوسف عليه الصلاة والسلام. قوله: (وقيل معناه خرّوا لآجله سجدا) قال الإمام إنه قول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو الأقرب، وفي الكشاف إن في الكلام نبوة عنه فقيل لأنه جعله تأويل رؤياه من قبل، وقد ذكر فيها رأيتهم لي ساجدين، ودفع بأنّ القائل به يجعل اللام للتعليل فيهما كما صرحوا به أو بمعنى إلى ما في صلى للكعبة أي اتخذوني قبلة وسجدوا إليّ أي إلى جهتي وكون ضمير له لله مثله في المغني وإنما المخالفة بينهما في مرجع الضمير هل هو ليوسف عليه الصلاة والسلام والمعنى خرّوا ليوسف سجداً لله أو خرّوا لله سجدا شكرا على ما لقوا من يوسف عليه الصلاة والسلام، وقوله والواو أي ضمير خروا للأبوين، والأخوة وقيل إنه للأخوة فقط أولهم، ولمن هنأه بهم، والقائل فرّ من سجود يعقوب ليوسف عليهما الصلاة والسلام إذ اللائق العكس، وقد مر توجيهه، وهذا لا يناسب تأويل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 الرؤيا. قوله: (والرفع مؤخر عن الخرور إن قدم لفظاً (لأن الواو لا تدلّ على الترتيب، وهذا دفع لقول الإمام تقوية للوجه الثاني بأنّ قوله رفع أبويه وخرّوا يدل على أنهم صعدوا ثم سجدوا ولو كان السجود ليوسف عليه الصلاة والسلام كان قبل الصعود يعني لأنه يكون تحية والمعتاد فعلها حين الدخول لا بعد الصعود والجلوس بخلاف سجدة الشكر، ومخالفة لفظه ظاهر الترتيب ظاهر المخالفة للظاهر فما قيل إن الملازمة غير بينة ولا مبينة ساقط. قوله:) رأيتها أيام الصبا) إشارة إلى أن من قبل متعلق برؤياي، وجوّز تعلقه بتأويل لأنها أوّلت بهذا قبل وقوعها، وجوّز أبو البقاء كون من قبل حالاً من رؤياي، وكون الغايات لا تكون حالاً تقدم ردّه، وقوله صدقا إشارة إلى أنّ الحق بمعنى الصدق، والرؤيا توصف به ولو مجازاً وليس في كلامه إشارة إلى أنّ جعل يتعدّى لاثنين إذ يجوز في حقاً أن يكون مصدراً لفعل محذوف كما يجوز أن يكون بمعنى ثابتاً أي حق ذلك المرئي حقاً وثبت ئبوتا. قوله تعالى:) {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي} (أحسن أصله أن يتعدى بإلى أو باللام كقوله: وأحسن كما أحسن الله إليك فقيل ضمن معنى لطف فتعدى بالباء كقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وقول كثير عزة: أسيئي بنا أوأحسني لاملومة لدينا ولامقلية إن تقلت وقيل بل تتعدى بها أيضا وقيل هي بمعتى إلى، وقيل المفعول محذوف أي أحسن صنعه بي فالباء متعلقة بالمفعول المحذوف، وفيه حذف المصدر دمابقاء معموله، وهو ممنوع عند البصريين، وإذ منصوب بأحسن أو بالمصدر المحذوف وفيه النظر المتقدّم، وإذا كانت تعليلية فالإحسان هو الإخراج، والإتيان أو ظرفية فهو غيرهما، وقيل إن تعدية لطف بالباء غير مسلمة بل تعديته باللام يقال لطف الله له أي أوصل إليه مراده بلطف، وهذا ما في القاموس لكن المعروف في الاستعمال تعديه بالباء وبه صرح في الأساس وعليه المعوّل، وسترى تحقيقه عن قريب. قوله:) ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريباً عليهم) ولأنّ الإحسان إنما تم بعد خروجه من السجن لوصوله للملك وخلوصه من الرق والتهمة والبادية والبدو والبداء بمعنى قيل سميت به لأنّ ما فيها يبدو للناظر لعدم ما يواريه، وقوله أهل البدو قيل إنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام تحوّل إلى البادية بعد النبوّة لأن الله لم يبعث نبيأ من البادية. قوله: (أفسد بيننا وحرّض الخ) الإفساد فعل الفساد، وأسنده إلى الشيطان مجازاً لأنه بوسوسته والقائه، وفيه تفاد عن تثريبهم أيضا والنزع كالنخس وهو معروف ثم استعمل مجازاً في الدخول للإفساد، وذكره لأنّ النعمة بعد البلاء أحسن موقعاً، وقوله الرابض بالراء المهملة، والباء الموحدة، والضاد المعجمة من ربض الدابة إذا رتع بها وكونه بالهمزة من الرياضة، وان صح غير مناسب. قوله: (لطيف التدبير له) يعني اللطيف هنا بمعنى العالم بخفايا الأمور المدبر لها، والمسهل لصعابها، ولنفوذ مشيئته فإذا أراد شيئا سهل أسبابه أطلق عليه اللطيف لأنّ ما يلطف يسهل نفوذه قال الراغب اللطيف ضد الكثيف، ويعبر اللطف عن الحركة الخفيفة، وتعاطي الأمور الدقيقة فوصف الله به لعلمه بدقائق الأمور ورفقه بالعباد فقوله لما يشاء متعلق بلطيف لأنّ المراد مدبر لما يشاء لا أنه يتعدى باللام كما صرّح به في الدر المصون وقال الطيبي رحمه الله تعالى أنّ المعنى لأجل ما يشاء فليس متعديا باللام كما قيل يعني إن هذا الاجتماع ثم طيب العيش، وفراغ البال بتسهيل الله له بعد صعوبته، وقوله إنه هو العليم الحكيم أي كونه المدبر في أفعاله لكونه عليما بجميع الاعتبارات الممكنة فيسهل صعابها، ويحكم بمقتضى الحكمة، وعن قتادة رحمه الله تعالى لطف بيوسف عليه الصلاة والسلام إذ أخرجه من السجن، وأتى بأهله من البدو ونزع نزغ الشيطان مما بينهم، وما أعقك بمعنى ما أعظم عقوقك وقيل المعنى ما جعلك عاقالي بترك الصلة بالمكتوب، وعندك هذه القراطيس، وقوله أنت أبسط مني إليه أي أقرب مني وأدلّ عليه من التبسط في الملاقاة، وقوله فهلا خفتني كان الظاهر فهلا خافني لكنه خاطبه تنزيلاً له منزلة الحاضمر، وهكذا المعتاد في ذكر جناية الجاني أن يؤتى فيها بالخطاب. قوله: (بعض الملك وهو ملك مصر) الضمير إما للمضاف أو للمضاف إليه، والاحتمال الثاني لا ينافي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 قوله مكنا ليوسف في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء لأنه لم يكن مستقلاً فيه، وان كان ممكنا في جميع أرضها فتأمل. قوله: (الكتب أو الرؤي) جمع رؤيا، وقوله أيضا أي كالتي قبلها، وقوله لأنه لم يؤت كل التأويل أي تأويل الكتب أو الرؤي لأنه لا يمكن أن يؤتى جميعها وإن كانت له ملكة ما لم يؤت، وقوله فاطر السماوات نعت لقوله رب أو بدل أو بيان أو نداء ثان أو منصوب بأعني، وقوله برأسه أي مستقل. قوله: (ناصري أو متولي أمري الخ) يعني الوليئ إما من الموالاة فهو بمعنى الناصر أو من الولاية فمعناه متكفل بأمره أو بمعنى المولى كالمعطى لفظاً ومعنى أي معطي نعم الدنيا والآخرة، وقوله أقبضني لأنّ التوفي استيفاء الشيء بقبضه وأخذه فلذا أطلق على الموت قيل، وفي تفسيره بهذا ذهاب إلى أنه تمنى الموت ولذا قيل إنه لم يتمن الموت نبيّ قبله ولا بعده وقيل إنه لم يتمن الموت وإنما عدد نعم الله عليه ثم دعا بأن تدوم تلك النعم في باقي عمره حتى إذا حان أجله قبضه على الإسلام وألحقه بالصالحين والحاصل أنه بمعنى الموافاة على الإسلام لا الموت ولا يرد عليه أنّ من المعلوم أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يموتون إلا مسلمين إما لأنّ الإسلام هنا بمعنى الاستسلام لكل ما قضاه الله أو بيان لأنه، وان لم يتخلف ليس إلا بإرادة الله، ومشيئته وهو ظاهر، والحاصل أنهم اختلفوا في قوله توفني مسلما هل هو تمني الموت أو لا فكثير من المفسرين على أنه طلب الموت وبعضهم قالوا إنه طلب الوفاة في حال الإسلام وليس فيه دلالة على طلب الوفاة كقوله: {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 132] طلب موتهم في حال الإسلام لا موتهم. قوله: (في الرتبة والكرامة) قيل يوسف عليه الصلاة والسلام من كبار الأنبياء والصلاح أوّل درجات المؤمنين فكيف يليق به أن يطلب اللحاق بمن هو في البداية وأجيب بأنه طلبه هضما لنفسه فسبيله سبيل استغفار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذ قوله في الرتبة والكرامة راجع إلى قوله آبائي وفيه بعد ودفع بأن عامة الصالحين داخل فيهم أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو يريد من الله أن ينال كرامتهم فلا يرد السؤال حتى يحتاج إلى ما ذكر من الجواب، ولا يخفى ما فيه فإن عامة الصالحين إن أريد به الأنبياء منهم فلا دلالة للفظ عليه، وان أبقى على ظاهره عاد السؤال فالحق هو الجواب الأوّل فتأمل. قوله: (ثم تاقت نفسه إلى الملك المخلد (أي اشتاقت نفسه إلى الملك المخلد وهو الآخرة رغبة وزهادة في ملك الدنيا وقوله فتمنى الموت أي بقوله توفني، وهو على أحد القولين، وقوله فتخاصم أهل مصر أي طلب كل أن يدفن في محلته والمدفن محل الدفن والصندوق بضم الصاد على الأفصح. قوله: (شرعا فيه) بفتحات بمعنى سواء كقوله: مجدي أخير أو مجدي أوّلاً شرع وفي شرح الفصيح قال ابن درستويه قولهم أنتم فيه شرع أي سواء كأنه جمع شارع كخدم في جمع خادم أي كلكم يشرع فيه شروعاً ويستوي فيه المذكر والمفرد وغيره، وأجاز كراع والقزاز تسكين رائه، وأنكر. يعقوب في الإصلاح، وقال إنما شرع بالسكون بمعنى حسب اهـ، وقوله ثم نقله موسى عليه الصلاة والسلام إلى مدفن آباً ئه ببيت المقدس بعد أربعمائة سنة قيل، وأخرجه من صندوق المرمر لثقله، وجعله في تابوت من خشب، وعمره مائة وعشرون سنة نقله في اللباب عن التوراة، وقيل مائة وسبع سنين ففيه اختلاف، وقوله وهو جد يوشع عليه الصلاة والسلام الضمير لا فراثيم فكان ينبغي ذكره بجنبه ورحمة عطف عى إفراثيم وقوله ذلك إشارة وجوز فيه أن يكون اسما موصولاً، وهو مذهب مرجوج في كل اسم إشارة كما بينه النحاة. قوله: (خبران له) أي لذلك ويجوز في جملة نوحيه أن تكون حالاً، وقوله كالدليل عليهما أي على الخبرين، وهو خبر مبتدأ محذوف، وقوله حين عزموا عزمهم همهم بإلقائه في الجب أو مكرهم بيوسف إذ حثوه على الخروج معهم وبأبيهم في استئذانه. قوله: (فتعلمتة منه) وفي نسخة فتعلمه وأصله فتتعلمه، وقوله وإنما حذف هذا الشق الخ يعني أن الدال على أنه إخبار بالغيب مجموع أمرين عدم مشاهدته للقصة، وأصحابه وعدم ملاقاة من يعلمه ذلك فحذف الثاني لعلمه من ذكره في آية أخرى، وفي الكشاف وجه آخر، وهو أنه تهكم بهم إذ جعل المشكوك فيه كونه حاضرا معهم مشاهدأ لمكرهم فنفاه بقوله: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} الخ فلما جعل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 المشكوك فيه ما لا ريب فيه دل على أنّ كونه لم يتعلم كفلق الصبح فجاء التهكم البالغ إذ حاصله أنكم أيها المكابرون علمتم أنه لم يشاهد من مضى من القرون الخالية وانكاركم لما أخبر به يفضي إلى أن تكابروا في عدم مشاهدته لهم وهذا كقوله: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ} [سورة الأنعام، الآية: 144، بهذا، ومنه ظهر وجه العدول عن أسلوب قوله ما كنت تعلمها أنت ولا قومك في سورة هود إلى هذا الأسلوب، وهذا أبلغ مما ذكره المصنف رحمه الله، وذكر لتركه نكتة أخرى، وهي أن المذكور مكرهم، وما دبروه، وهو مما أخفو. حتى لا يعلمه غيرهم فلا يمكن تعلمه من الغير، ولذا ترك الثاني، وهو وجه حسن. قوله: (وأما كثر الناس ولو حرصت الخ (حرص من باب علم، وضرب وكلاهما لغة فصيحة، وجملة ولو حرصت معترضة بين المبتدأ والخبر وقوله على الأنبياء بكسر الهمزة مصدر وتعريفه للعهد أي هذا الأنباء أو للجنس، والضمير عليه عائد على ما يفهم مما قبله، وكذا إذا عاد على القرآن ومعنى عليه على تبليغه والجعل الأجرة وحملة جمع حامل وحامل الخبر من يقصه ويحكيه مجاز مشهور. قوله: (إن هو إلا ذكر عظة) إن نافية، والذكر بمعنى التذكير والموعظة، وهو كالتعليل لما قبله لأن الوعظ العام ينافي أخذ الأجر من البعض لأنه لا يختص بهم وقوله وكم يشير إلى أن كأين بمعنى كم التكثيرية الخبرية هنا وان وردت للاستفهام، والكلام عليها مفصل في النحو، وقوله وكأيّ عدد شئته وفي نسخة شئت إشارة إلى أنّ تمييزها مجرور بمن دائما أو أكثرياً وهي زائدة أو مبينة للتمييز المقدر، والآية هنا بمعنى الدليل الدال على ما ذكر وهي وإن كانت مفردة بمعنى الآيات لدلالة كأين على كثرتها ولذا فسرها بالجمع وقوله في السماوات والأرض صفة آية وجملة يمرّون خبر كأين وجوز العكس فيه، وعلى رفع الأرض! يكون في السماوات خبر كأين، وقوله ويشاهدونها لأنه ليس القصد إلى مجزد المرور بل مع المشاهدة وعدم الاعتبار بها، وقوله فيكون لها الضمير في عليها الأولى أن يقول فيكون الضمير في عليها لها أي للأرض! لا للآيات كما في القراءة الأخرى. قوله:) وبالنصب على ويطؤون (أي قرئ الأرض! بالنصب بفعل محذوف تقديره ويطؤون الأرض، وقوله يمرّون عليها تفسير لها فهو من الاشتغال المفسر بما يوافقه في المعنى، وجوز فيه كون يمزون حالاً من ضمير يطؤون أو من الأرض، وقوله يتردّدون أي يذهبون ويجيئون، وهذا تفسير له على القرا آت الثلاث لا على القراءة الأخيرة أو هو لها ويعلم منه حال القراءتين بالقياس، ولا مانع منه، وقوله فيرون الآثار الأمم الهالكة وقريب منه ما قيل فيشاهدون ما فيها من الآيات وليس بينهما فرق كبير كما قيل. قوله: (في إقرارهم) قيل لا يظهر لإقحام لفظ الإقرار فائدة، وقيل فائدته أنها نزلت في المشركين، والمعلوم إقرارهم لا مواطأة قلوبهم، وفيه نظر وكأنه إشارة إلى أنه إيمان لساني إذ لا اعتداد به مع الشرك، وقوله بعبادة غيره بناء على أنها في مطلق المشركين، واتخاذ الأحبار أربابا لأهل الكتاب لأنهم اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله، والتبني أي اتخاذ الابن لله بقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله، والقول بالنور الخالق للخير، والظلمة الخالقة للشرّ الذاهب إليه المانوية، والمجوس من الثنوية، وقوله النظر إلى الأسباب كالمال، والكسب، ونحو ذلك كالاعتماد على الخلق، وهو بيان للشرك الخفي المعنوي،، كذا نسبه الآثار إلى الكواكب، وقولهم: " مطرنا بنوء كذا " كما وقع في الحديث، وقلما ينجو من النظر إلى الأسباب أحد، ولذا قال في الحكم كلك شرك خفيّ. قوله: (وقيل الآية في مشركي مكة) أي على الاحتمال الأوّل، ولو قال فقيل كان أظهر، وكذا على الثاني يرجع إليه أيضاً، وقوله وقيل في أهل الكتاب على الاحتمال الثاني، وعلى الاحتمال الثالث فهو في الثنوية وعلى الرابع عام. قوله: (عقوبة تفشاهم وتشملهم) فسر الغاشية بالعقوبة ليظهر تأنيثها، وبالمضارع إشارة إلى دلالة اسم الفاعل محلى الاستقبال، وقوله تشملهم تفسير لتغشاهم، وأنه من الغشاوة الدالة على الشمول والإحاطة لا من الغشيان بمعنى الإتيان لتكرره، وقلة جدواه، والعقوبة نعم الدنيوية والأخروية، وفجاة بضم الفاء والمد أو بالفتح، والقصر بمعنى المفاجأة والبغتة، وقوله من غير سابقة علامة من إضافة الصفة للموصوف أو سابقة مصدر بمعنى سبق، وهو قليل وقوله غير مستعدين بالنصب إشارة إلى أنّ عدم الشعور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 عبارة عن عدم الاستعداد بتوبة، ونحوها فيفيد مع قوله بغتة، ولا حاجة إلى جعله تأكيداً لها كما قيل والجملة حالية كما أشار إليه بتأويلها بغير مستعدين. قوله: (يعني الدعوة إلى التوحيد الخ (فهذه إشارة إلى الدعوة ولذا أنث، وان صح تأنيثه باعتبار السبيل أيضا لأنها مؤنثة في الأكثر كالطريق ودعوته إلى التوحيد معلومة من قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ} لدلالته على أنّ كونه ذكراً لهم لاشتماله على التوحيد لكنهم لا يرفعون له رأسا ودعوتهم للإيمان معلومة من حرصه على إيمانهم فإنه بدعوتهم له، والإعداد للمعاد من التخويف من مفاجأته من غير استعداد وجعل أدعو إلى الله مفسر الماء ذكر أما بالنسبة إلى التوحيد واما بالنسبة للإعداد فكأنه من قوله على بصيرة لأن من كان على بصيرة استعد، وحمل غيره على الاستعداد أو هو تفسير للأهم المقصود بالذات منه، ومعنى أدعو إلى الله إلى معرفته بصفات كماله ونعوت جلاله ومن جملتها التوحيد والبعث. قوله: (وقيل هو حال من الياء (وعلى الأوّل الجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب وتمريضه لأن الحال من المضاف إليه في مثله مخالفة للقواعد ظاهراً، ولذا تكلف بعضهم فقال إنه حينئذ مفعول مصدر مقدّر أي سلوك سبيلي لا لأنها تقييد للشيء نفسه لأن تقييدها بكونها على بصيرة يدفعه. قوله: (واضحة غير عمياء) قد مرّ تحقيقه فتذكره، وقوله أو في على بصيرة أي أو للضمير المستتر في على بصيرة لأنه حال فيستتر فيه ضمير المتكلم وكذا إذا كان خبراً، وقوله عطف عليه أي على أنا في الوجه الأخير ولم يذكر عطفه على المستتر في الوجه الآخر لظهوره، وإذا عطف على المستتر ففيه تغليب كما مرّ تحقيقه في قوله: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [سورة البقرة، الآية: 35] ومنهم من قدر في مثله فعلا عاملا في المعطوف، وقيل معنى قوله عطف عليه على المستتر لتأكده بالمنفصل، ولا يصح عطفه على أنا لكونه تأكيداً، ولا يصح في المعطوف كونه تأكيداً كالمعطوف عليه فتأمّل، وقوله أو مبتدأ عطف على قوله تأكيد، وقوله وأنزهه تنزيهاً إشارة إلى أنه منصوب. على المصدرية بفعل محذوف هو المعطوف، وقوله من الشركاء خصه به لدلالة السياق والسباق عليه. قوله:) رذ لقولهم لو شاء ربنا لأنزل ملانكة الخ) أي نفي له كما مز في سورة الأنعام، وقيل معناه نفى استنباء النساء، وفيه اختلاف أيضاً كما مرّ وهذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وأمّا كونه نزل في سجاج بنت المنذر المتنبئة فلا صحة له، وإنما هو غلط من عبارة الزمخشري لأنّ ادّعاءها النبوّة كان بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم وكونه إخباراً بالغيب لا قرينة عليه وهي التي قيل فيها: أضحت نبيتنا أنثى نطوف بها ولم تزل أنبياء الله ذكرانا وتزوّجها مسيلمة لعنه الله ثم أسلمت بعده، وحسن إسلامها وقصتها معروفة في التواريخ. قوله: (وقرأ حفص! نوحي) بالنون وهو مناسب لقوله أرسلنا، وقوله في كل القرآن يعني هنا، وفي النحل والأوّل من الأنبياء كما في النشر وكون أهل القرى أعلم من أهل البادية وأحلم مما لا شبهة فيه، ولذا يقال لأهل البادية أهل الجفاء، ونقل عن الحسن رحمه الله أنه قال ل! يبعث رسول من أهل البادية، ولا من النساء ولا من الجن، وأما قوله تعالى: {وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ} فقد مر أنهم ليسوا أهله، وإنما كانوا يخرجون إليه بمواشيهم، وكان مجيئهم إذ ذاك منه. قوله:) من المكذبين بالرسل والآيات الخ (المشغوفين بالغين المعجمة ويجوز إهمالها، وقوله فيقلعوا أي يكفوا يقال أقلع عن الأمر إذا كف عنه، وفي نسخة ينقلعوا والصحيح الأولى. قوله:) ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة) إشارة إلى المذهب المختار في مثله فإن فيه مذهبين أحدهما أنه من إضافة الموصوف للصفة، والآخر أنه يقدر للصفة موصوف كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وهو خلاف مشهور بين الكوفيين، والبصريين في مثل بقلة الحمقاء، ومسجد الجامع. قوله:) يستعملون عقولهم ليعرفوا) وفي نسخة فيستعملون عقولهم بالفاء التفسيرية، وأما في النظم فسببية مزحلقة. قوله: (حملاَ على قوله قل هذه سبيلي أي قل لهم أفلا تعقلون (أي أنه من مقول قل أي قل لهم مخاطبا أفلا تعقلون فالخطاب على ظاهره، وقوله وما أرسلنا إلى من قبلهم أو اتقوا اعتراض بين مقول القول، ولا ينافي الثاني كون تفسيره لقوله أفلا تعقلون على القراءتين كما توهم ولو جعل هذا التفاتا كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 أظهر. قوله: (غاية محذوف دل عليه الكلام الخ (لما لم يكن في الكلام شيء تكون حتى غاية له اقتضى ذلك تقدير أمر يكون مغيي بها، واختلفوا في تقديره، وما قدره المصنف رحمه الله تعالى مأخوذ من محصل الكلام الذي قبله، وقوله أيس إشارة إلى أنّ الاستفعال بمعنى المجرد هتا، وقوله من غير وازع بزاي معجمة وعين مهملة أي مانع وكاف. قوله: (وظنوا أنهم قد كذبوا) في هذه الآية قراآت فقرأ الكوفيون كذبوا بالتخفيف، والباقون بالتثقيل فعلى التخفيف ضطرب الناس فيها فمنهم من أنكرها، وهو مروقي عن عائشة رضي الله عنها قالوا، والظاهر أنه غير صحيح عنها فإنها قراءة متواترة، وقد وجهت بوجوه منها أنّ ضمير ظنوا عائد على المرسل إليهم لعلمهم مما قبله ولأنّ ذكر الرسل يستلزم ذكر المرسل إليهم، وضمير أنهم، وكذبوا للرّسل أي ظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوا أي كذبوا فيما أرسلوا إليه بالوحي في نصرهم عليهم، ومنها أنّ الضمائر الثلاثة عائدة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، والتقدير كما في الكشاف حتى إذا استيأسوا من النصر، وظنوا أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم أنهم ينصرون أو رجاؤهم لأنه يقال للرّجاء صادق وكاذب والمعنى إنّ مدة التكذيب والعداوة من الكفار، وانتظار النصر من الله وتأميله تطاولت حتى استشعروا القنوط، وتوهموا أنه لا نصر لهم في الدنيا فجاءهم نصرنا قال الحلبيّ رحمه الله فجعل الفاعل المقدر إمّا أنفسهم أو رجاءهم، وجعل الظن بمعنى التوهم لا بمعناه الأصلي، ولا بالمعنى المجازي وهو اليقين، ومنها أنّ الضمائر كلها للرّسل عليهم الصلاة والسلام والظن بمعناه واليه نحا ابن عباس رضي الله عنهما، وابن مسعود وابن جبير قالوا الرسل ضعفوا وساء ظنهم، قيل ولا ينبغي أن يصح هذا عنهم فإنه لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذا نقل عن عائشة رضي الله عنها إنكار هذا التأويل، وقال الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى إن صح هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال، ويهجس في القلب من شبه الوسوسة، وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأما الظن فلا يليق بآحاد المسلمين فضلاً عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قال السمين ولا يجوز أيضاً أن يقال خطر بب لهم شبه الوسوسة فإنها من الشيطان، وهم معصومون عنها فإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل الذين وعد الله أممهم على لسانهم أنهم قد كذبوا فقد أتى بأمر عظيم لا يجوز نسبته إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل إلى صالحي الأمّة، وكذا ما أسند إلى ابن عباس فإن الله لا يخلف الميعاد، ولا مبذل لكلماته، ومنها أنّ الضمائر كلها للمرسل إليهم أي ظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوّة وفيما وعدوا به من لم يؤمن من العقاب، وهو المشهور عن ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قالوا لا يجوز عود الضمير على الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم معصومون، وحكي أنّ ابن جبير سئل عن معناها فقال معناها إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فقال الضحاك وكان حاضراً لو رحلت في هذا لليمن كان قليلا، وأمّا قراءة التشديد فالضمائر فيها للزسل عليهم الصلاة والسلام أي ظن الرسل أنهم قد كذبهم أممهم فيما جاؤوا به لطول البلاء عليهم فجاءهم نصر الله عند ذلك " وهو تفسير عائشة رضي الله عنها المتقول عنها في البخاري " فيتحد معنى القراءتين، والظن على هذا بمعناه أو بمعنى اليقين أو التوهم، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك، ومجاهد كذبوا مخففاً مبنيا للفاعل فضمير ظنوا للأمم، وأنهم قد كذبوا للزسل أي ظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبوهم فيما وعدوهم به من النصر أو العقاب، ويجوز عود ضمير ظنوا للرسل، وأنهم وكذبوا للمرسل إليهم أي ظن الرسل عليهم الصلاة والسلام أن الأمم كذبتهم فيما وعدوهم به من أنهم يؤمنون بهم والظن الظاهر أنه بمعنى اليقين وقال أبو البقاء أنه قرئ مشدّدا مبنياً للفاعل، وأوّله بأن الرسل عليهم الصلاة والسلام ظنوا أن الأمم قد كذبوهم في وعدهم، ولم يقف الزمخشري على أنها قراءة فقال لو قرئ بها صح هذا خلاصة ما قالوه في هذه الآية فلنرجع إلى كلام المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون) الضمائر في هذا الوجه وفي الثاني للرسل، ولذا قابلهما الثالث، وجعله شراج الكشاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 على هذا من باب التجريد وفيه نظر، وقوله بأنهم ينصرون ناظر إلى قوله فيما قبيله من النصر عليهم، وقوله في الثاني بوعد الإيمان ناظر إلى قوله أو عن إيمانهم، وقيل عليه إنّ تحديث أنفسهم بالنصر بوعد من الله كما سيأتي عن ابن عباس رضي الله عنهما فظن كذب أنفسهم ظن بكذب وعده تعالى، وليس بلازم أن يكون بوعد من الله إذ يجوز تحديثها لهم بأمر لم يوعدوا به كما أشار إليه في الكشف، وأمّا تحديثها ب! يمانهم فظاهر، ولا حاجة فيه إلى جعل الظن بمعنى اليقين حتى يرد عليه ما قيل إن الظن لا يستعمل بمعنى اليقين والعلم فيما يكون محسوساً فلا يقال أظنني إنسانا، ولا أظنني حيا. قوله: (وقيل الضمير للمرسل إليهم) أي الضمائر الثلاثة، وتقدم توجيه عوده إلى المرسل، والدعوة قوله إني مبعوث إليكم وأمرهم بالتوحيد. قوله: (وقيل الأول للمرسل إليهم والثاني للرّسل عليهم الصلاة والسلام الخ) المراد بالثاني ضمير أنهم ولم يذكر الثالث لعلمه من كون الثاني للرسل، والا لزم خلو جملة الخبر من العائد، وقوله وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما الخ إن صح كذا في الكشاف، ولا وجه لقوله إن صح مع أنه مروفي في البخاري والجواب بأنّ روايته فيه لا تقتضي تواتره ليس بشيء، وقوله على طريق الوسوسة اعترض! عليه بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن وسوسة الشيطان كما مرّ، وأجيب بأنه لم يقل إنه وسوسة بل على طريق الوسوسة، ومثالها من حديث النفس، وهو غير الوسوسة. قوله:) هذا وانّ المراد الخ) أي الأمر هدّا أو مضى هذا وهو توجيه آخر لكلام ابن عباس رضي الله عنهما بأنّ المراد بظنهم كذب النفس في حديثها المبالغة في التراخي، وطول المدة على طريق التمثيل أي الاسنعارة التمثيلية بأن شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب باعتبار استلزام كل منهما لعدم ترتب المطلوب فاستعمل ما لأحدهما للآخر. قوله: (وقرأ غير الكوفيين بالشديد (في هذا الوجه الضمائر للرسل، وما في ما أو عدوهم مصدرية أي في إيعاد الرسل المرسل إليهم، وقوله عند قومهم متعلق بحدثوا، وقيل تنازع فيه كذبوا وحدثوا، وقد ذكر الزمخشريّ في هذه القراءة ثلاثة أوجه اختار المصنف رحمه الله ثانيها لاستبعاد أوّلها ورجع الثالث إلى الثاني في المبني للمفعول. قوله:) النبي والمؤمنين) بالنصب على أنه عطف بيان لمن أو بتقدير يعني وننجي قرأها ابن عامر، وعاصم بنون واحدة، وجيم مشذدة وياء مفتوحة على أنه ماض مبني للمفعول ومن نائب الفاعل، والباقون بنونين ثانيهما ساكنة والجيم خفيفة، والياء ساكنة مضارع أنجى، ومن مفعوله، والفاعل ضمير المتكلم المعظم نفسه، وقرأها الحسن، ومجاهد في آخرين كعاصم إلا أنهم سكنوا الياء والأجود تحريكها وتسكينها للتخفيف، ومثله كثير، وقيل الأصل ننجي بنونين فأدغم النون في الجيم ورذ بأنها لا تدغم فيها، وقد ذهب بعضهم إلى جواز إدغامها وقرأها جماعة كالباقين إلا أنهم فتحوا الياء ورويت عن عاصم، وليست بغلط كما توهم لأنه مضارع منصوب، وقرأ الحسن ننجي بنونين وجيم مشذدة وياء ساكنة مضارع نجى المشذد، وقرأ نصر وأبو حيوة نجا ماضياً مخففا، ومن فاعله وقرأها ابن محيصن كذلك إلا أنه شدد الجيم، والفاعل ضمير النصر ومن مفعوله، وقد رجحت قراءة عاصم بأن المصاحف اتفقت على رسمها بنون واحدة وقال مكيّ أكثر المصاحف عليه فأشعر بوقوع خلاف في الرسم، وأما على الأخرى فلا خفاء بها ورسمت بنون واحدة تشبيها للإخفاء بالإدغام فكما حذف في الإدغام حذف فيه بل هو أولى، وقوله وإنما لم يعينهم الخ أي أنه ظاهر غير محتاج إلى التعيين لأنهم هم المستحقون للنجاة وقيل للإشارة إلى أنه بمجزد مشيئة الله من غير استحقاق له لأحد وقوله وفيه بيان المشيئين أي من شاء الله نجاتهم لأنه يعلم من المقابلة أنهم من ليسوا بمجرمين وهم المؤمنون، ومشيئين جمع مشيء كمريء اسم مفعول من شاء فهو شاء، والآخر مشيء كراء فهو راء وذاك مريء، وقيد عدم رذ البأس بالنزول لأنه قبل النزول قد يدفع ويردّ وهو ظاهر. قوله:) في قصص الآنبياء الخ) القصة ما يجري بين الناس بعضهم مع بعض كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع الأمم ويوسف مع إخوته ورجح الزمخشري التفسير الأوّل بقراءة قصصهم بكسر القاف جمع قصة، والمفتوج مصدر بمعنى المفعول وردّ بأنّ قصة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 يوسف عليه الصلاة والسلام وأبيه واخوته مشتملة على قصص، وأخبار مختلفة، وقد يطلق الجمع على الواحد كما مز في أضغاث أحلام، وهو كما قيل إلا أنه خلاف المتبادر المعتاد فإنه يقال في مثله قصة لا قصص. قوله: الذوي العقول المبرأة عن شوائب الألف والركون إلى الحس (فسره به لأن اللب وان كان بمعنى العقل لكن أصله للخالص من الشيء فلذا يقال لكل شيء خالص إنه لب كذا فاعتبر خلوص العقل عن الأوهام الناشئة عن الألف والحس، ولم يقف عليه قال إن المصنف رحمه الله تعالى حمله على العقل بالفعل فلذا قيده به، ولا حاجة إليه. قوله: (ما كان القرآن حديثاً مفتري) يعني اسم كان ضمير راجع للقرآن المفهوم من القصص إذا قرئ بالكسر ولا يعود لها لأنه كان يلزم تأنيث ضميره وإذا قرئ بفتح القاف يجوز أن يعود إلى القصص والى القرآن لكنه فسره بما يجري على القراءتين، وعوده إلى القصص بالفتح في القراءة به، واليه في ضمن المكسور، وتذكيره باعتبار الخبر، وان جوز لا حاجة إليه. قوله تعالى: ( {وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} ) العامة على نصب تصديق على عطفه على خبر كان، وقرأ غيرهم تصديق بالرفع وقد سمع من العرب فيه الرفع والنصب والمراد بما بين يديه ما تقدمه من الكتب الإلهية. قوله: (وتفصيل كل شيء يحتاج إليه في الدين الخ) قيل عبارة كل للتكثير، والتفخيم لا للإحاطة والتعميم كما في قوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [سورة النمل، الآية: 23] ومن لم يتنبه لهذا احتاج إلى تخصيص الشيء بالذي يتعلق بالدين، ثم تكلف في بيانه فقال إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط، ولم يدر أن عبارة التفصيل لا تتحمل هذا التأويل ورد بأنه متى أمكن حمل كلمة كل على الاستغراق الحقيقي لا تحمل على غيره، والعجب أن هذا القائل قال في تفسير قوله تعالى، وتفصيلا لكل شيء يحتاج إليه في الدين ففيه دلالة على أنه لا اجتهاد في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام لأنه فرع الإجمال في بعض الأمور الدينية فبين كلاميه مناقضة ظاهرة والمنصوص عليه في التوراة ستمائة حكم، وشيء والوقائع غير متناهية فكيف لا يكون في شرعه اجتهاد والتفصيل هنا بمعنى التبيين كما صرح به في اللغة فلا ينافي الإجمال، والفرع الذي ذكر. من كونه لا اجتهاد في الشرائع السابقة مما لم يتعرّضوا له في الأصول لأنه لا يترتب عليه حكم الآن، والظاهر أنه غير صحيح لما ذكره المجيب. قوله: (يصدّقونه) قيل حمل الإيمان على معناه اللغوي فقدر له مفعولاً، والأولى أن يحمل على المصطلح عليه كي لا يدخل فيه من يصدق بقلبه، ويجحد به عناداً، ولا يخفى أن من هذا حالاً لا يعتد بتصديقه، ولا يسمى مؤمناً فالمراد تصديقه تصديقا متعارفا، وهو ما طابق فيه اللسان الجنان. قوله: (وعن النبي صلى الله عليه وسلم " علموا أرقاءكم سورة يوسف " (الأرقاء بالمد جمع رقيق، ولعل تهوين سكرات الموت لدعائه صلى الله عليه وسلم بقوله توفني مسلما وألحقني بالصالحين، وأما عدم الحسد فلاعتباره بما وقع بسبب حسد يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته وان كان سبباً لرفعته في الدنيا والآخرة كما قال: عداي لهم فضل عليّ ومنة فلا قطع الرحمن عني إلاعاديا وهذا الحديث رواه الثعلبي والواحدي وابن مردويه عن أبيّ رضي الله عنه، وهو موضوع، وقال ابن كثير أنه منكر من جميع طرقه وهو من الحديث المشهور الذي ذكر فيه فضائل جميع السور، وقد اتفقوا على أنه موضوع تمت السورة والحمد لله على جميع آلائه، والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وخاتم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه ما دعى الله بأسمائه اللهم يسر لنا خدمة كلامك ووفقنا لفهم معانيه بإلهامك إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير. سورة الرعد بسم الله الرحمن الرحيم قوله:) سورة الرعد (خبر مبتدأ محذوف ومدنية خبر آخر أو هو مبتدأ وخبر. قوله: (مدنية وتيل مكية) قال الداني في كتاب العدد وكونها مكية قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وقال قتادة هي مدنية إلا قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة، وروي من أوّلها إلى آخر ولو أن قرأنا الآية نإنه مدنيّ وباقيها مكي، وهي ثلاث وأربعون في الكوفي، وأربع في المدني، والمكي وخمس في البصري، وسبع في الشامي. قوله: (قيل معناه أنا الله أعلم وأرى) هذا بناء على أنها حروف مقتطعة من كلمات، وهو أحد الأقوال السابقة، وتخصيصه هنا هذا الوجه لأنه مأثور روي عن مجاهد كما في الدرّ المنثور فما قيل من أنه لا وجه له لا وجه له. قوله: (يعني بالكتاب السورة الخ (ليس من باب إطلاق اسم الكل على البعض لأنّ الكتاب بمعنى المكتوب صادق على السورة فلا داعي إلى التجوّز من غير قرينة، والحامل على ذلك ما ستراه في تصحيح الحمل، وقوله وتلك إشارة إلى آياتها باعتبار أنها التلاوة بعضها والبعض الآخر في معرض! التلاوة صارت كالحاضرة أو لثبوتها في اللوج أو مع الملك، وهذا على جعل تلك مبتدأ، وآيات الكتاب خبره، وقيل إشارة إلى أنباء الرسل عليهم الصلاة والسلام المذكورة في آخر السورة المتقدمة، وأمّا إعراب المر فكما مز في البقرة. قوله:) اي تلك الآيات آيات السورة الكاملة (قيل في بيانه إن خبر المبتدأ إذا عرف بلام الجنس أفاد المبالغة وأنّ هذا المحكوم عليه اكتسب من الفضيلة ما يوجب جعله نفس الجنس، وإنه ليس نوعاً من أنواعه وهو في الظاهر كالممتنع، ولذا قال الزمخشري: الكاملة العجيبة في بابها فيحمل على الاستغراق لمقتضى المقام مبالغة في الكمال إذا أريد بكل كتاب السورة أو على الحقيقة فيدعي اتحاد مفهوم الكتاب بالسورة، ولذا قيل الكتاب دون السورة، وقيل الكمال مستفاد من إطلاق الكتاب الذي هو مجموع المنزل على بعضه فكأنه الكل في الكمال كأنه المستأهل لأن يسمى كتاباً دون غيره، وليس هذا من قبيل قوله تعالى ذلك الكتاب المفيد لحصر جن! الكتاب في المشار إليه فيفيد أنه الكامل دون ما عداه من الكتب إذ المسند هنا ليس معرّفا باللام حتى يفيد حصره في المسند إليه بل المضاف إلى المعرف، وقيل إنّ الكمال مستفاد من حمل اللام على الاستغراق أو الحقيقة للمبالغة في الكمال لا لأنّ مدخول اللام ليس بمسند فإن مدار الإفادة هو كون اللام لأحد المعنيين المذكورين ليس إلا وليس بمخصوص بالمسند ومن ادعى ذلك فعليه البيان قيل لأنّ ذلك إنما ينتظم أن لو كانت السورة من أفراد الكتاب كما أنّ زيداً في قولك زيد هو الرجل من أفراد الرجال، وما قالوه في ذلك الكتاب لأمر غير ما نحن فيه، ثم إنه إنما اعتبر هذا المعنى هاهنا ليفيد الحكم ولم يعتبر في سورة يوسف لوصفه بالمبين، ولا يخفى عليك أنه إذا أريد بالكتاب السورة فالآيات إتا أن يراد بها جميع آياتها أولاً، والمراد الأوّل وجميع الايات هو السورة فتكون الإضافة بيانية، ويؤول المعنى إلى أنّ تلك آيات هي الكتاب، ومعناه معنى ذلك الكتاب، والمآل أنها سورة كاملة عجيبة ولا بد للقائل من الاعتراف بهذا أيضا، وما أورده من الشبهة قد عرفت دفعه، وقد علم من هذا فائدة، وهي أن الخبر إذا كان مضافا إضافة بيانية إلى المعرف باللام الجنسية يفيد الحصر، وما ذكره شراح الكشاف خال من التكلف والمجاز. قوله: (أو القرآن (بالنصب عطف على السورة فالمعنى آيات هذه السورة آيات القرآن، ولا يلزم منه كون آيات السورة جميع آيات القرآن لعدم الفائدة فيه، وإنما جوّزه في سورة يونس لوصفه بالحكيم. قوله: (هو القرآن كله) تفسير للذي أنزل، ولم يفسره أحد ببعض القرآن هنا، وإذا كان في محل جرّ عطفاً على الكتاب فالحق خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق أو ذلك الحق. قوله: (عطف العام على الخاص) قيل عليه أن الكتاب إمّا بمعنى السورة أو القرآن كما مر وليس أعمّ لأنه إمّا من عطف الكل على الجزء أو من عطف أحد المترادفين على الآخر، وكذا ما قيل إنّ هذا الوجه على إرادة السورة من الكتاب وليس هذا بوارد لأنّ التفسير المذكور للمراد منه في النظم والعموم، والخصوص باعتبار مفهوم الكتاب بمعنى المكتوب من القرآن المتلو الصادق على الكل، والجزء والمراد منه أحد ما صدقاته، والذي أنزل ما أنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من ذلك بل من القرآن فتدبر. قوله:) أو إحدى الصفتين على الأخرى) قيل هذا إذا أريد بالكتاب القرآن قيل، وفيه رذ على أبي البقاء رحمه الله إذ جعله نعتا للكتاب بزيادة الواو في الصفة كقوله أتاني كتاب أبي حفص والفاروق، ويرد عليه أنّ الذي ذكره في زيادة الواو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 للإلصاق خصه صاحب المغني بما إذا كان النعت جملة، ولم نر من ذكره في المفرد في غير هذا المحل، وعلى ما ذكره المصنف هو كقوله: هو الملك القرم وابن الهمام قوله: (والجملة كالحجة على الجملة الأولى (يعني على هذا الوجه، وهو ما إذا كان مبتدأ وخبراً، وعلى ما قبله الحق خبر مبتدأ محذوف، وفي الكشاف بعد ما فسر الكتاب بالسورة هو الحق الذي لا مزيد عليه لا هذه السورة وحدها وفي أسلوب هذا الكلام قول الإنمار؟ لآ هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها تريد الكملة، والإنمارية هي فاطمة بنت الخرشب ولدت لزياد العبسي ربيعا الكامل، وعمارة الوهاب وقي! الحفاظ، وأن! الفوارس، وكاتت العرب تسميهم الكملة قال في الكشف، وهو تغليب كالعمرين إن جعل الكامل لقبا وإن جعل وصفا غالباً فأظهر، وفيه نظر لأنه لا يكون تغليبا إلا إذا كان لقباً، وجعل الجمع له أمّا إذا كان وصفا فلا تغليب فيه إلا باذعاء الاختصاص فكيف يكون أظهر مع أنه لقب بلا شبهة، وفيه كلام في حواشي المطوّل، وكانت قيل لها أفي بنيك أفضل فقالت ربيع بل عمارة بل قيس بل أنس ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، والله أنهم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها، ووجه الشبه عقلي مركب في حكم الواحد، وهو امتناع تعين أحد المتقابلين فيهما أعني الفاضل والمفضول في المشبه والطرف، والوسط في المشبه به فكما أنها نفت التفاضل آخراً بإثبات الكمال لكل واحد وأتت بالإجمال بعد التفصيل للدلالة على أن كمال كل واحد منهم لا يحيط به الوصف كذلك هنا لما أثبت لهذه السورة بخصوصها الكمال استدرك عليه بأنّ كل المنز! كذلك فلا تختص سورة دون أخرى بالكمال للدلالة المذكورة، وهذا وجه بليغ ومعنى بديع، وما ذكره المصنف وحمه تعالى شيء آخر وهو أن هذه الجملة لتقرير ما قبلها والاستدلال عليه لأنه إذا كان كل منزل عليه حقا كان الكتاب النازل عليه كلاً وبعضاً حقا فهو كامل لأنه لا أكمل من الحق والصدق، وإنما قال كالحجة، ولم يقل إنه حجة لأنه لا يلزم من الحقية الكمال ولأنه فيه شائبة إثبات الشيء بنفسه فتأقله. قوله: (وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكوئه حقاً (إشارة إلى رذ دليل النافين للقياس فإنهم قالوا الحكم المستنبط بالقياس غير منزل من عند الله وإلا لكان من لم يحكم به كافرآ لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سورة المائدة، الآية: 44] وكل ما ليس منزلاً من عند الله ليس بحق لهذه الآية لدلالتها على أن لا حق إلا ما أنزله فأشار إلى إبطال المقدمة الثانية بأن المراد بالمنزل من عند الله ما يشمل الصريح، وغيره فيدخل فيه القياس لاندراجه في حكم المقيس عليه المنزل من عنده وأمرنا بالقياس في قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} الدال على حسن اتباعه كما بين في الأصول وسكت عن إبطال المقدمة الأخرى لأنّ إبطال إحدى مقدمتي الدليل كاف في عدم صحته، واستقامة الاستدلال به مع أنه علم مما مرّ في المائدة أن المراد بعدم الحكم ليس هو الحكيم بغيره مما ذكر بل الاستهانة به وإنكاره، وقد قيل إنّ المراد من لم يحكم بشيء أصلا مما أنزله، ولا شك أنه من شأن الكفرة أو أن المراد بما أنزله الله هنا التوراة بقرينة ما قبله ونحن غير متعبدين بها فتختص باليهود، ويكون المراد الحكم بكفرهم، إذ لم يحكموا بكتابهم، ونحن نقول بموجبه كما بين في شرح المواقف، ولا قصور في كلام المصنف وحمه الله تعالى كما قيل ثم إنه قيل لمانع أن يمنع دلالة هذه الآية على القصر بل هي دالة على كمال الحقية في المنزل لعدم الاعتداد بحقية غيره لقصوره عن مرتبة الكمال كما أشار إليه الزمخشري، وبه يندفع ما يتوهم من أنّ الحكم بكمال السورة يشعر بأنّ غيرها ليس كذلك، ولو سلم أنه حقيقيّ فهو بالإضافة إلى غيره من الكتب المنزلة لتحريفها ونسخا فقوله وغيره أي السنة والإجماع، وفيه إشارة إلى انتقاض دليلهم بهما والجواب الجواب وما نطق المنزل الخ إشارة إلى ما مر وقوله وما آتاكم الرسول فخذوه وكنتم خير أفة ونحوه مما يثبت حقية ذلك، ثم إنّ ما ذكروه من كونه إشارة إلى الدليل المذكور في شرح المواقف حتى يعتذر عن عدم تعرضه للمقدمة الأخرى بما مر غير لازم لجواز أن يريد أن حصر الحقية في المنزل من الله يقتضي عدم حقية القياس لأنه من تصزف المجتهدين فيدفع بما ذكر من غير حاجة إلى تكلف ما ذكر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 الداعي إلى ما مرّ من القصور فتأمل. قوله: (مبتدأ وخبر الخ) رجح هذا في الكشف بأن قوله، وهو الذي مد الأرض عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات، والسفليات، وفي المقابل الخبرية متعينة فكذا هذا ليتوأفقا، ولدلالته على أن كونه كذلك مقصود بالحكم لا أنه ذريعة إلى تحقيق الخبر، وتعظيمه كما هو مقتضى الوجه الآتي، وهو على هذا جملة مقزرة لقوله، والذي أنزل إليك من ربك الحق، وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة الكريمة لترشيح التقرير كأنه قيل كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق، وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها لا سيما، وقد جعل صلة للموصول، وهذا أشدّ مناسبة للمقام من جعله وصفا مفيداً لتحقيق كونه مدبراً مفصلاً مع التعظيم لشأنهما كما في قول الفرزدق: إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول ولا تنافي بين الوجهين باعتبار أن الوصفية تقتضي معلوميتها، والخبرية تقتضي خلافها لأنها معلومة عليهما، والمقصود بالإفادة قوله لعلكم بلقاء ربكم توقنون فالمعنى أنه فعلها كلها لذلك، وعلى الثاني فعل الأخيرين لذلك مع أن الكل لذلك، وهذا مما يرجح الوجه الأوّل أيضا كما يرجحه أن ذكر تدبير الآيات، وهي الرفع والاستواء، والتسخير فإنه ذكرها ليستدلّ بها على قدرته، وعلمه ولا يستدل بها إلا إذا كانت معلومة فيقتضي كونها صفة فإن قلت لا بد في الصلة أن تكون معلومة سواء كان الموصول صفة أو خبرا قلت إذا كان صفة دل على انتساب الآيات إلى الله تعالى وإذا كان خبراً دلّ على انتسابها إلى موجود مبهم وهو غير كاف في الاستدلال. قوله: (والخبر يدبر الآمر) ويفصل خبر بعد خبر وعلى الأوّل هما مستأنفان أو يدبر حال من فاعل سخر ويفصل حال من فاعل يدبر أو هما حالان من ضمير استوى وسخر من تتمته لأنه تقرير لمعنى الاستواء، وتبيين له أو جملة مفسرة. قوله: (أساطين) جمع أسطوانة، وهي السارية معربة أستون ووزنها أفعوالة أو فعلوانة كما في القاموس ووقع في بعض نسخة أفعوانة من غلط الكاتب والصحيح ما قاله في المصباح من أنه بضم الهمزة، والطاء السارية، والنون عند الخليل أصل فوزنها أفعوالة وعند بعضهم زائدة والواو أصل فوزنها أفعلانة، وجمعه أساطين وأسطوانات اهـ. قوله: (جمع عماد كإهاب وأهب او عمود) بالجرّ عطف على عماد وقال ابن مالك في التسهيل إنه جمع لفاعل، وذكروا له أمثلة في كلامهم بلغت اثني عشر مثالاً كما في شرح التسهيل، والمزهر وما قيل إنه جمع العماد كأديم، وأدم واهاب وأهب وأفيق وأفق ولا خامس لها مردود، وكونه جمع عمود لأنّ فعيلاً وفعولاً يشتركان في كثير من الأحكام، وهو مخالف لما في التسهيل من وجهين لأنهم جعلوه جمعا، وهو اسم جمع ولأنه ذكر أنه اسم جمع لفاعل، وهم جعلوه لفعيل أو فعول أو فعال والأمر فيه سهل ورجح كونه اسم جمع برجوع ضمير ترونه في قراءة أبيئ إليه، وقيل إنه راجع لرفع السماوات بغير عمد. قوله: (صفة لعمد أو استئناف (على كونها صفة يصح توجه النفي للصفة فيكون لها عمد لكونها غير مرئية، والمراد بها قدرة الله فيكون العمد على هذا استعارة، ويصح أن يكون لنفي الصفة والموصوف على منوال قوله: ولا ترى الضب بها ينحجر لأنها لو كان لها عمد كانت مرئية، وهذا في المعنى كالاستئناف لأنها حينئذ تكون جملة مستأنفة لبيان موجب أنّ السماوات رفعت بغير عمد كأنه لما قيل رفعها بغير عمد قيل ما الدليل عليه فقيل رؤية الناس لها بغير عمد واليه أشار بقوله للاستشهاد فهو كقول القائل: أنا بلا سيف ولا رمح تراني ويحتمل أن يكون استئنافاً بدون تقدير سؤال وجواب، وما قيل إنّ المراد بالعمد الغير المرئية جبل قاف غير مناسب رواية ودراية. قوله: (وهو دليل على وجود الصانع الحكيم الخ (كونها متساوية في الجرمية أمر مقزر مثبت في الكلام فما قيل إنه لا دليل عليه عقلا ونقلاً ناشئ عن عدم الاطلاع، وكذا احتمال كونها مركبة من أجزاء مختلفة الحقائق بعضها يقتضي الارتفاع وبعضها يقتضي التسفل، وانّ هذا دليل ظني فتدبر، وقوله ليس بجسم، ولا جسماني أي فيه خواص الأجسام كالتحيز إذ لو لم يكن كذلك لزم التسلسل، وقوله ما ذكر من الآيات أي من تسخير الشمس واخواته، وقوله بالحفظ، والتدبير إشارة إلى أنه ليس المراد بالاستواء ظاهره بل هو استعارة تمثيلية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 لما ذكر كما مرّ تقريره، وقوله كالحركة المستمرّة أي في هذه النشأة، وقوله ينفع أي يجري العادة على ما أراده الله فليس ذهابا إلى تأثير العلويات. قوله: المدّة معينة يتم فيها) وفي نسخة بها أدواره أو لغاية الخ إشارة إلى أنّ الأجل كما يطلق على مدّة الشيء يطلق على غايتها كما مرّ، وأنّ التسخير لمنافع العباد في هذه الدار وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل منهما يجري إلى وقت معين فإنّ الشمس تقطع الفلك في سنة، والقمر في شهر لا يختلف جري واحد منهما كما في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [سورة ي! ، الآية: 38، قيل وهذا هو الحق في تفسير الآية، وأمّا قول المصنف رحمه الله تعالى أو لغاية مضروبة الخ فلا يناسب الفصل به بين التسخير والتدبير، ثم إنّ غايتهما المذكورة متحدة، والتعبير بكل يجري صريح في التعذد، وما للغاية إلى دون اللام وما رذ به من أنه إن أراد أنّ التعبير به صريح في تعذد ذوي الغاية فمسلم لكن لا يجديه نفعاً وان أراد صراحته في تعدد الغاية فغير مسلم واللام تجيء بمعنى إلى كما في المغني وغيره، وهو إنما يقتضي صحته لا مناسبته للظاهر ولما بعده وهو الذي ذكره المرجح لتفسير ابن عباس رضي الله عنهما على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى فتأمّل، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [سورة التكوير، الآية؟ أ] عبارة عن فناء العالم، وقيام الساعة كما سيأتي، وقوله أمر ملكوته أي ما يجري في ملكه. قوله: (ينزلها ويبينها مفصلة الخ) فالمراد بالآيات آيات الكتاب المنزلة وهو المناسب لما قبله أو المراد بالآيات الدلائل لأنه المناسب لما بعده، والمراد بالدلائل رفع السماوات بغير عمد الخ، وتفصيلها بمعنى إحداثها وقال غيره بمعنى تبيينها، والمراد بالدلائل ما يدل على وجود الصانع وصفاته وألوهيته، وحكمته وقدرته، ويلزم من معرفة ذلك العلم بصحة القول بالحشر والنشر والجزاء كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله أنّ من قدر الخ. قوله: (بسطها طولاً وعرضاً (استدل به بعضهم على تسطيح الأرض وأنها غير كرية بالفعل، وأن من أثبته أراد به أنه مقتضى طبعها كما بين في محله ورد بأنه ثبت كريتها بأدلة عقلية لكنه لعظم جرمها يشاهد كل قطعة، وقطر منها كأنه مسطح، وهكذا كل دائرة عظيمة، ولا يعلم كريتها إلا الله. قوله: (جمع راسية الخ (اعترض عليه بأنّ أئمة العربية كابن مالك وابن الحاجب، وأبي حيان صرّحوا بأن فواعل يجمع عليه فاعلة مطلقا، وفاعل إذا كان صفة مؤنث كحائض أو صفة ما لا يعقل مذكراً كجمل بازل وبوازل أو اسما جامداً أو ما جرى مجراه كحائط وحوائط، وأمّا صفة المذكر العاقل فلا تجمع عليه إلا شذوذاً كهالك وهوالك، ومن ظن أن فاعلاً المذكر لا يجمع عليه مطلقاً فقد غلط كما صرّج به ابن مالك في كافيته وشرحها، وهو مما لا شبهة فيه، وقد تبع المصنف رحمه الله تعالى المشهور بينهم فأورد عليه ما أورد عليهم ثم إنّ ما ذكره لا يخلو من شيء لأنّ تاء المبالغة في فاعله غير مطردة، ولأن رواسي إذا كان صفة فموصوفه إمّا جبال أو أجبل والثاني غير مراد، ولأنه جمع جبل فيلزم كون مفرد رواسي راسيا والأوّل مفرده أيضا جبل لا أجبل لأنه ليس بجمع الجمع كما صرح به أهل اللغة، وأمّا قول أبي حيان رحمه الله تعالى بأنه غلب على الجبال وصفها بالرواسي، ولما استغنوا بالصفة عن الموصوف جمع جمع الاسم كحائط، وحوائط فلا حاجة إليه، وما أورد من أن الغلبة تكون بكثرة الاستعمال، والكلام في صحته من أوّل الأمر ففيما ذكره دور فيه نظر لأنّ كثرة استعمال الرواسي غير جار على موصوف تكفي لمدّعاه فتأمّل، وكذا ما قيل إنه جمع راسية صفة جبل مؤنث باعتبار البقعة. قوله: (على أنها صفة جبل الخ (لما كانت صيغة جمع الكثرة للفظ تنتظم أضعاف عدد جمع القلة لذلك اللفظ، وان أريد بجمع القلة غاية ما يصح أن يطلق عليه فلذا قيل أجبل راسية، وجبال رواس ورد عليه ما قيل من أنه إما أن يرأد بالجبال إلا جبلات جمع الجمع فلا يخطر ببال أحد، ولا يتوقف تحقيق مراد المصنف عليه فمن أورد على المصنف أنه لا حاجة إلى جعل مفردها صفة لجمع القلة، وهو أجبل بأن يعتبر في جمع الكثرة انتظامه لطوائف من جموع القلة ينزل كل منها منزلة مفرده فقد ألزمه ما لم يلزمه وإذا صح إطلاق أجبل راسية على جبال قطر مثلأ صح إطلاق الجبال على جبال جميع الأقطار من غير إرادة جعل الجبال جمع أجبلات، وبما ذكرنا تبين أيضا فساد ما قيل إنه لا مجال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 لما ذكر فإن جمعية كل من صيغتي الجمعين إنما هي لشمول الأفراد لا باعتبار شمول جمع القلة للأفراد وجمع الكثرة لجموع القلة فكل منهما جمع جبل لا أنّ جبالاً جمع أجبل فتدبر. قوله:) وعلق بهما فعلاَ واحدأ (من حيث إن الجبال أسباب لتولدها هذا بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من أن الجبال لتركبها من أحجار صلبة إذا تصاعدت إليها الأبخرة احتبست فيها، وتكاملت فتنقلب مياها، وربما خرقتها فخرجت منها والذي تدل عليه الآثار أنها تنزل من السماء، ولما كان نزولها عليها أكثر كانت كثيرا ما يخرج منها، ويكفي هذا لتشريكهما في عامل، وجعلهما جملة واحدة. قوله: (أي وجعل فيها من جميع أنواع الثمرات الخ) يعني أنّ معنى كون الثمرات زوجين زوجين أنّ كل ثمر مختلف بما ذكر وترك تفسيره بأن حين مدّ الأرض جعل كل صنف منها زوجين لأنه كما في الكشف دعوى بلا دليل، والزوج يطلق على الشيئين المزدوجين، وعلى كل واحد منهما فإن أريد الأول فاثنين مؤكد وإن أريد الثاني فمبين. قوله: (يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعدما كان مضيئا) غشيه بمعنى ستره، وغشاه بكذا جعله ساترأ له، ومنه غاشية السرج، والنهار زمان ظهور الشمس، وانتشار الضوء، والليل زمان غيبوبتها فليس أحدهما مسئوراً بالآخر فلذا جعلوه بمعنى غشيان مكان النهار واظلاله له، وذلك بمنزلة غشيانه نفسه، فالتجوّز في الإسناد بإسناد ما لمكان الشيء إليه، ويجوز فيه أن يكون استعارة كقوله: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [سورة الزمر، الآية: 5] يجعله مغشيا للنهار ملفوفا عليه كاللباس على الملبوس والأوّل أوجه وأبلغ ومكانه هو الجوّ وفي جعله مكاناً له تجوز لأنّ الزمان لا مكان له، والمكان للضوء الذي هو لازمه، واكتفى بذكر تغشية الليل النهار مع تحقق عكسه للعلم به منه مع أنّ اللفظ يحتملهما لأنّ التغشية بمعنى الستر، وهي أنسب بالليل من النهار. قوله: (فإنّ تكوّنها وتخصصها بوجه دون وجه الخ) قال الإمام الأكثر في الآيات إذا ذكر فيها الدلائل الموجودة في العالم السفلي أن يجعل مقطعها إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وما يقرب منه وسببه أنّ الفلاسفة يسندون حوادث العالم السفلي إلى الاختلافات الواقعة في الأشكال الكوكبية فردّه الله تعالى بقوله لقوم يتفكرون لأنّ من تفكر فيها علم أنه لا يجوز أن يكون حدوث الحوادث من الاتصالات الفلكية ولذا عقبه بقوله: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ} الخ ومن تأمّل هذه اللطائف علم اشتمال القرآن على علوم الأوّلين والآخرين ثم بين كيفية الاستدلال بما لخصه منه المصنف في قوله بعضها طيبة وبعضها سبخة الخ. قوله: (لاشتراك تلك القطع الخ) ، وأمّا اشتراكها في الطبيعة الأرضية فظاهر لأنها بسيطة متحدة المادّة، وما يعرض لها بالعين المهملة على الصحيح، وفي بعض النسخ يفرض بالفاء أي ما يقدر لها وبينه بالأسباب السماوية، وقوله من حيث إنها متضامّة تعليل للاشتراك، وقوله متشاركة في النسب أي في نسب العلويات، وأوضاعها في الاقترانات ونحوها. قوله: (وبساتين فيها أنواع الأشجار والزروع) بساتين جمع بستان وهو الحديقة معرب بوستان، وفي الكشاف وفي بعض المصاحف قطعا متجاورات على معنى وجعل، وقرئ وجنات بالنصب للعطف على زوجين أو بالجرّ على كل الثمرات، وقرئ وزرع ونخيل بالجز عطفاً على أعناب أو جنات اهـ وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى الظاهر أنه على رفع جنات عطفا على قطع، وقرئ بنصبه عطفا على زوجين مفعول جعل، ومن كل الثمرات حالاً مقدّما لا صلة جعل لفساد المعنى عليه أي جعلنا فيها زوجين حال كونهما من كل الثمرات، وجنات من أعناب، ولا يجب تقييد المعطوف بقيد المعطوف عليه فإن قلت إنهم قالوا في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 25] إنه لازم قلت قال في الكشف مرادهم ثمة إنه الظاهر الذي لا يخالف إلا لقرينة وهاهنا القرينة قائمة وقرئ بجرّه عطفا على كل الثمرات على أن يكون هو مفعولاً بزيادة من في الإثبات وزوجين اثنين حالاً منه، والتقدير وجعل فيها من كل الثمرأت حالة كونها صنفين صنفين، وقوله وتوحيد الزرع يعني لم يقل زروعاً لأنه مصدر في أصله وفي نسخة في الأصل مصدر زرع يزرع زرعا فالمصدر شامل للقليل والكثير. قوله: (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص وزرع ونخيل صنوان بالرفع عطفاً على وجنات) فيه تسمح بذكر صنوان كما في نسخة وفي نسخة إسقاطها، وهي ظاهرة لأنه ليس معطوفا بل تابع للمعطوف، وكذا في قوله وجنات بالواو كما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 في النسخ، فإنّ المعطوف عليه جنات، ثم إنه إذا عطف على جنات فهو واضح، وأئا إذا عطف على أعناب والزروع لا تعد حدائق فجعله في الكشف نحو متقلداً سيفا ورمحا أو المراد إنّ في الجنات فرجا مزروعة بين الأشجار، وهو أحسن منظراً وأنزه. قوله: (وقرأ حفص! بالضتم وهو لغة بني تميم كقنوان في جمع قنو) على قراءة الجمهور بالكسر هو مما اتحد فيه مثناه، وجمعه قال ابن خالويه في كتابه ليس، ولم يأت منه إلا ثلاثة أسماء صنو، وصنوان، وقنو وقنوان وزيد بمعنى مثل وزيدان، وحكى سيبويه شقد وشقدان وحش وحشان للبستان، وكون هذه مروية عن حفص نقله الجعيرقي رحمه الله تعالى في شرح الشاطبية فقال روى اللؤلؤي عن أبي عمرو القواس عن حفص ضمّ صاد صنوان فسقط ما قيل إنّ المصنف رحمه الله تعالى تبع فيه الإمام، ولكن لم تقع هذه القراءة منسوبة إلى حفص في كتب القرا آت المشهورة بل عزوها إلى ابن مصرف والسلمي، وزيد بن عليّ، وسبب اختلافهم أن القرا آت السبع لها طرق متواترة، وقد ينقل عنهم من طرق أخر قراءة فتكون شاذة، وقارئها أحد السبعة فأعرفه فإنه ينبني عليه أمور يعترض بها على الناقل كما هنا. قوله: (في الثمر (الأكل بضم الهمزة، والكاف وتسكن ما يؤكل، وهو هنا الثمر، والحب ففي كلام المصنف رحمه الله تعالى تغليب، والأصول هي العناصر، والأسباب ما ينمو به كالسقي، وحز الشمس، ونحوه مما جعله الله سببا لذلك، وقوله ليطابق قوله يدبر الأمر ليس المراد أنّ القراءة بالرأي لأجل هذا كما توهم بل كان وجه نزولها كذلك في تلك، وهذا هو الظاهر، وقوله يستعملون عقولهم إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم. قوله: (وإن تعجب يا محمد من إنكارهم الخ) هكذا قرّره الزمخشريّ، واعترض عليه بأنّ هذا ليس مدلول اللفظ لأنه جعل متعلق عجبه ىسييه هو قولهم في إنكار البعث وجواب الشرط هو ذلك القول فيتحد الشرط، والجزاء إذ تقديره إن تعجب من إنكارهم البعث فأعجب من قولهم في إنكار البعث وهو غير صحيح، وإنما المعنى أن يقع منك عجب فليكن من قولهم أئذا متنا الخ. وما ذكره وجه حسن بجعل تعجب منزلاً منزلة اللازم، والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمّا اعتراضه فغير صحيح لأنّ مرادهم بعد جعل الخطاب للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الشرط، والجزاء متحدان صورة ومتغايران حقيقة كقوله: " من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرقه إلى الله ورسوله " وقوله من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى وهو أبلغ في الكلام لأن معناه أنه أمر لا يكتنه كنهه ولا تدرك حقيقته وأنه أمر عظيم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله حقيق بأن يتعجب منه، وقيل الخطاب عام أي وإن تعجب يا من نظر في هذه الايات، وعلم قدرة من هذه أفعاله فازدد تعجباً ممن ينكر مع هذا قدرته على البعث، وهو أهون شيء عليه، وقيل المعنى إن تجدد منك التعجب لإنكارهم البعث فاستمرّ عليه فإن إنكارهم ذلك من الأعاجيب كما تدل عليه الاسمية. قوله:) فإنّ من قدر على إنشاء ما قصى عليك الخ (يعني ما ذكر سابقاً من الأمور العجيبة التي تدلّ على قدرة يصغر عندها كل عظيم، ودلالة ما ذكر على المبدأ ظاهرة، وكذا قبول موادها التصرّفات بنموها، واخراجها الثمر، وغير ذلك. قوله: (بدل من قولهم (قال أبو حيان رحمه الله تعالى هذا إعراب متكلف، والوجه هو الثاني من أنه مقول القول، والقرا آت في أئذا وأئنا مسطورة في فنها، وقوله والعامل في إذا محذوف دل عليه أئنا لفي خلق جديد، وهو نبعث قال أبو البقاء رحمه الله تعالى، ولا يجوز أن يعمل فيه ما بعد أن، والاستفهام لأنّ معمول ما بعدهما لا يجوز تقدمه عليهما، ولا كنا لأنّ إذا مضافة إليه وردّ الثاني في المغني بأنّ إذا عند من يقول بأنّ العامل فيها شرطها، وهو المشهور غير مضافة كما يقوله الجميع إذا جزمت كقوله: واذا تصبك خصاصة فتحمل قيل فالوجه في ردّه أنّ عمله فيها موقوف على تعيين مدلولها، وتعيينه ليس إلا بشرطها فيدور، وفيه نظر لأنها عندهم بمنزلة متى، وايان غير معينة بل مبهمة كما في ذكره القائلون به، وصرّج به في المغني. قوله: (لآنهم كفروا بقدوته على البعث) كما يدل عليه ما قبله من إنكارهم له، وهو كفر بالله لأنّ من أنكر قدرته فقد أنكره لأنّ الإله لا يكون عاجزاً، ولأنه تكذيب لله، ولرسله عليهم الصلاة والسلام المتفقون عليه. قوله: (مقيدون بالضلالة لا يرجى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 خلاصهم الخ) يعني هذه الجملة إن نظر إلى ما قبلها، وجعلت وصفا لهم بامتناعهم من الإيمان، واصرارهم على الكفر فهي تشبيه، وتمثيل لحالهم في الدنيا في الإصرار، وعدم الالتفات إلى الحق بحال طائفة في أعناقهم أغلال لا يمكنهم الالتفات كقوله: كيف الرشاد وقد خلفت في نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد وان نظر إلى ما بعدها تكون لوصف حالهم في الآخرة إمّا حقيقة، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى وامّا تشبيهاً لحالهم بحال من يقدم للسياسة. قوله: (وتوسيط الفصل لتخصيص! الخلود بالكفار) يعني أنّ الخلود هنا على ظاهره لا بمعنى المكث الطويل فالمراد بأصحاب النار الكفار، والخلود مقصور عليهم ولذا وسط الضمير، وأورد عليه أنه ليس ضمير فصل لأنّ شرطه أن يقع بين مبتدأ، وخبر ويكون اسما معرفة أو مثل المعرفة في أنه لا يقبل حرف التعريف كأفعل التفضيل، وهذا ليس كذلك، وقيل في جوابه مراد. بضمير الفصل الضمير المنفصل، وأنه أتى به وجعل الخبر جملة مع أنّ الأصل فيه الإفراد لقصد التخصيص، والحصر كما في هو عارف، ولا يخفى أنه من عناية القاضي، ولو قيل إنّ الزمخشريّ لا يتبع النحاة في اشتراط ما ذكر كما أنّ الجرجاني والسهيلي جوّزاه إذا كان الخبر فعلاً مضارعا واسم الفاعل مثله وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى لكان أقرب. قوله: (بالعقوبة قبل العافية) يعني أنّ المراد بالسيئة العقوبة التي هدّدوا بها والمراد بالحسنة السلامة منها، والخلاص منها، والمراد بكونها قبل العافية أنّ سؤالها قبل سؤالها أو أنّ سؤالها قبل انقضاء الزمان المقدر لها. قوله تعالى: ( {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ} الخ) الجملة حالية، ويجوز أن تكون مستأنفة، والمثلات قراءة العامّة فيها فتح الميم وضمّ الثاء جمع مثلة كسمرة وسمرات، وهي العقوبة الفاضحة، وفسرها ابن عباس رضي الله عنهما بالعقوبة المستأصلة للعضو كقطع الأذن، ونحوه سميت بها لما بين العقاب، والمعاقب عليه من المماثلة كقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الثررى، الآية: 40] أو هي مأخوذة من المثال بمعنى القصاص يقال أمثلته وأقصصته بمعنى واحد أو هي من المثل المضروب لعظمها، وقرأ ابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء، وهي لغة أهل الحجاز، وقرأ ابن وثاب بضم الميم وسكون الثاء، وهي لغة تميم، وقرأ الأعمش ومجاهد بفتحهما، وعيسى بن عمر وأبو بكر بضمهما إفا الضم، والإسكان فهي لغة أصلية أو مخففة من مضموم العين، وأفا ضمهما فلغة أصلية، ويحتمل أنه اتبع فيه العين للفاء، وقوله عقوبات أمثالهم العقوبات تفسير للمثلات كما مرّ، وأمثالهم مأخوذ من قوله، وقد خلت من قبلهم، وقوله المثلة بفتح الثاء، وضمها يعني كلاهما لغة فيها، وقوله لأنها مثل المعاقب عليه أي الذنب، وقوله إذا قصصته أي اقتصصت منه، وقوله وقرئ المثلات بالتخفيف أي تسكين الثاء بعد فتح الميم، وهو في الأصل مضموم العين أو مفتوحها أو هي لغة كما مز، وقوله والمثلات أي بضمتين، والثانية أصلية أو حركة اتباع، وقوله اتباع الفاء العين مصدو مضاف لفاعله أو مفعوله، وقوله والمثلات بالتخفيف بعد الاتباع أي بضم الميم، وسكون الثاء تخفيف المثلات بضمتين، ولم يجعله أصليا لأنّ قياسه بالفتح كحجرة، وحجرات، وقوله والمثلات أي بضم الميم وفتح الثاء كركبة وركبات. قوله: (مع ظلمهم أنفسهم ومحله النصب الخ) أي الجارّ والمجرور حال من الناس والعامل فيها هو العامل في صاحبه وهو المغفرة وهذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة وهو جواز مغقرة الكبائر، والصغائر بدون توبة لأنه ذكر المغفرة مع الظلم أي الذنب، ولا يكون معه إلا قبل التوبة لأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهم يؤولونها بأنّ المراد مغفرة الصغائر لمجتنب الكبائر أو مغفرتها لمن تاب أو المراد بالمغفرة معناها اللغوي، وهو الستر بالإمهال، وتأخير عقابها إلى الآخرة، ولا يرد عليه أنه تخصيص للعام من غير دليل لأنّ الكفر خص منها بالإجماع فيسري التخصيص إلى ذلك لأنه لو حمل على ظاهره لكان حثا على ارتكابها، وفيه نظر نعم التأويل الأخير في غاية البعد لأنه كما قال الإمام! لا يسمى مثله مغفرة، هالا لصح أن يقال إنّ الكفار مغفورون يعني أنه مخالف للظاهر، ولاستعمال القرآن فلا يتوجه عليه أنّ المغفرة حقيقتها في اللغة الستر، وكونهم مغفورين بمعنى مؤخر عذابهم إلى الآخرة لا محذور فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 وهو المناسب لاستعجالهم العذاب. قوله: (لشديد العقاب للكفار (التخصيص لأنّ ما قبله في شأنهم، والتعميم هو المتاسب لقوأ، للناس قبله، والحديث المذكور أحض جه ابن أبي حاتم والثعلبي، والواحدي من حديث سعي! 3بئ المسيب مرسلا، وقوله: " لما هنأ " بالهمزة أي ما التذ وتهنأ به، وقوله: " لا تكل كل أحد " أي اعتمد على عفو الله وكرمه فترك العمل. قوله: (لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة الخ (يعني قولهم هذا يقتضي عدم النزول، وهو مخالف للواقع فإمّا أن يكون لعدم الاعتداد بما أنزل علي! أو المراد آية مما كان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قبله كالعصا واحياء الموتى وتنوين آية للتعظيم، ويجوز أن يكون للوحدة، والفرق بين الوجهين في كلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر. قوله: (مرسل للإنذار كغيرك من الرسل عليهم الصلاة والسلام الخ) يعني لما لم يعتدوا بالآيات المنزلة، ولم يجعلوها من دلائل النبوّة بل ما اقترحوه تعنت قيل إنما أنت منذر لا منصوب لإجابتهم في مقترحاتهم، ولك أسوة بسائر الرسل المنذرين الذين لم ينتصبوا لإجابة المقترحين، وجملة الله يعلم على هذا استئنافية جواب سؤال، وهو لماذا لم يجابوا لمقترحهم فتنقطع حجتهم فلعلهم يهتدن بأنه آمر مدبر عليم نافذ القدرة فعال لما تقتضيه حكمته البالغة دون آرائهم السخيفة فهاد عبارة عن الداعي إلى الحق المرشد بالآية التي تناسب كل نبيئ، والتنكير للإبهام، والحصر إضافيّ أي إنما عليك البلاغ لا إجابة المقترحات، والوجه الثاني أنهم لما أنكروا الآيات عناداً لكفرهم الناشئ عن التقليد، ولم يتدبروا الآيات قيل إنما أنت منذر لا هاد مثبت للإيمان في صدورهم صاذ لهم عن جحودهم فإنه إلى الله وحده فالهادي هو الله والتنكير للتعظيم، وقوله الله أعلم تفسير لقوله هاد أو جملة مقرّرة مؤكدة لذلك والحصر إضافيّ أي عليك الإنذار لا هدايتهم، وأيصالهم إلى الإيمان، وقوله نبيّ مخصوص بمعجزات تليق به وبرماته كما أن موسى عليه الصلاة والسلام لما كان في عصره السحر جعلت آياته قلب العصا، وخوها، وعيسى عليه الصلاة والسلام لما غلب على قومه الطب أبرأ ا! مه، وأتى بما أتى، ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، لما بعث بين أظهر قوم بلغاء جعل أشهر آياته، وأعظمها القرآن مع ما ضمّ إلى ذلك مما فإن معجزة كل نبيّ، وهذه جملة مستأنفة، ويجوز عطف هاد على منذور جعل المتعلق مقدّما عليه للفاصلة لكن الأولى خلافه لما فيه من الفصل بين العطف، والمعطوف بالجارّ، والمجرور المختلف فيه عند النحاة إلا أنّ هذا يدل على عموم رسالته وشمول دعوته وقد يجعل خبر مبتدأ مقدر أي وهو هاد أو وأنت هاد وعلى الأوّل فيه التفات. قوله: (أو قادر على هدايتهم) عطف على قوله نبيّ وتنوينه للتعظيم والتفخيم كما مز، وفي الكشاف إنّ هذا ناظر إلى الوجه الآخر في تفسير قوله لولا أنزل عليه، وقوله تنبيها على أنه تعالى قادر الخ ناظر إلى قوله على كمال علمه وقدرته وجار على تفسير الهادي وقيل إنه مخصوص بتفسيره بالنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وفيه نظر. قوله: (وإنما لم ينزل لعلمه الخ) إشارة إلى أنّ قوله الله يعلم الخ جواب سؤال مقدّر كما بيناه وقوله لعلمه بأنّ اتتراحهم للعناد فلا يفيد أو يستوجب الاستئصال، وقوله وأنه قادر على هدايتهم عطف على أنه تعالى قادر وناظر إلى قوله، وشمول قضائه، وقدره، وإلى الثاني من معنى الهادي. قوله: (وإنما لم يهدهم لسبق قضائه عليهم بالكفر (قيل إنه لا يقطع السؤال فالأولى أن يقال لحكمة لا يعلمها إلا الله ورد بأنّ المراد أنه سبق قضاؤه به لعلمه بأنهم يختارون الكفر فلا يلزم الجبر وينقطع السؤال على هذا الوجه الآية جواب سؤال أي لم لم يهدهم وأقيم الظاهر فيها مقام المضمر. قوله: (أي حملها أو ما تحمله) يعني ما إمّا مصدرية أو موصولة، والعائد محذوف ويجوز أن تكون موصوفة وعلى الأوّل الحمل بمعنى المحمول، وعلم قيل إنها متعدية إلى واحط هنا فهي عرفانية ونظر فيه بأنّ المعرفة لا يصح استعمالها في علم الله، وقد مرّ الكلام فيه مفصلا، وقوله وأنه عطف تفسير وفي أكثر النسخ إنه بدون عاطف فهو بدل اشتمال لا مفعول ثان لعلم لأنه لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي باب علم، وفيه كلام في العربية، وجوّز في ما أن تكون استفهامية معلقة لعلم، والجملة سادة مسذ المفعولين، وما مبتدأ أو مفعول مقدم، وهو خلاف الظاهر المتبادر ففيها ثلاثة وجوه تجري فيما بعدها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 قوله:) وما تنقصه وما تزداده (يقال غاض الشيء وغاضه غيره كنقص، ونقصه غيره فيكون متعديا ولازما كذا ازداد، وفسر الزيادة، والنقص بأن تكون في الجثة أو في مدة الحمل أو في عدده لإطلاقه واحتماله لما ذكر، والخلاف في أكثر مدة الحمل، وأقلها مفصل في كتب الفروع، وهرم بوزن كتف وحيان بالمثناة التحتية بالصرف وعدمه وما نقله عن الشافعي رضي الله تعالى عنه من وضع خمسة أولاد في بطن واحد من النوادر وقد وقع مثله في هذا العصر لكن ما زاد على اثنين لضعفه لا يعيش إلا نادراً. قوله:) وقيل المراد نقصان دم الحيض الخ (فيجعل الدم في الرحم كالماء في الأرض يظهر تارة، ويغيض أخرى وتعدى هذين ولزومهما متفق عليه بين أهل اللغة، وقوله تعين ما أن تكون مصدرية، وفي نسخة تعين أن تكون ما مصدرية، وهي أحسن، وتعين المصدرية لعدم العائد، وعلى التعذي يحتمل الوجهين، وقوله واسنادهما إلى الأرحام يعني على وجهي التعدي، واللزوم، وقوله فإنهما لله يعني على التعذي أو لما فيها على اللزوم ففيه لف، ونشر تقديري. قوله:) بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه الخ) أي مما كان وما هو كائن موجوداً أو معدوما إن شملهما الشيء، والا فهو معلوم بالدلالة، وعنده صفة كل أو شيء، وقوله وهيأ له أسباباً أي لوجوده وبقائه حسبما جرت به العادة الإلهية، وقوله وقرأ ابن كثير هاد ووال الخ أي كل منقوص غير منصوب اختلف فيه القراء في إثبات الياء وحذفها وصلا ووقفاً كما فصل في علم القرا آت. قوله:) الغائب عن الحس (مرّ تحقيقه في البقرة، والشهادة الحاضر له أي للحس، وقوله الكبير العظيم الشأن يعني أن الكبر في حقه تعالى لتنزهه عن صفات الأجسام عبارة عن عظم الشأن، وقال الطيبي أن معنى الكبير المتعال بالنظر لما وقع بعده، وهو عالم الغيب والشهادة هو العظيم الشأن الذي يكبر عن صفات المخلوقين ليضمّ مع العلم العظمة، والقدرة بالنظر إلى ما سبق من قوله ما تحماى كل أنثى الخ مع إفادته التنزيه عما يزعم النصارى، وألمشركون وعالم الغيب خبر مبتف أمحدوف أو هو مبتدأ والكبير خبره أو خبر بعد خبر، وقوله الذي لا يرج أي لا يزول، وفي نسخة لا يخرج وصفه به بقرينة ما سبقه من قوله عالم الغيب، والشها إة. قوله: (أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه (معطوف على قوله العظيم الشآن لا على قوله الذي لاب-ء لأنه تفمص جر آخر للكبير المتعال فمعناه على الأوّل العظيم الشأن المستعلب على كل شيء في ث اته، ويهلما / وسائر صفاته، وعلى هذا معناه الكبير الذي يجل عما نعته به الخلق، ويتعالى عن! ذالأوّل-خزب؟ ء له في ذاته وصفاته عن مداناة شيء منه، وعلى هذا معناه-:! يهه عما وصفه الىءصفرد به فهـ، رذ لهم كقوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 91] . قوله: (سواء منكم من اسرّ القولي ومن جهر به الخ) فيه وجهان أحدهما أنّ سواء خبر مقدم، ومن مبتدأه مؤخر، ولم يثن الخبر لأنه مصدر في الأصل، وهو الآن بمعنى مستو منكم حال من الضمير المستتر فيه لا في أسرّ، وجهر لأنّ ما في حيز الصلة، والصفة لا يتقدم على الموصول والموصوف، وقيل سواء مبتدأ لوصفه بمنكم، ونقل عن سيبويه، وفيه الأخبار عن النكرة بالمعرفة، ومعنى أسرّ القول أخفاه في نفسه، ولم يتلفظ به، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو أبلغ، وقيل تلفظ به بحيث يسمع نفسه دون غيره، والجهر ما يقابل السرّ بالمعنيين لكن على هذا ينبغي تفسير الجهر بما لم يضمر في النفس والمصنف رحمه الله تعالى فسره بمعناه المتبادر لأنه أبلغ لدلالته على استواء الكلام النفسي والكلام الذي يسمعه الغير عنده فتنبه. قوله: (طالب للخفاء في مختبا بالليل (أي محل الاختباء، وهو الاختفاء، وينبغي أن يكون قوله في مختبأ صفة طالب ليفيد الاختفاء إذ مجرّد الطلب له غير كاف هنا والسارب اسم فاعل من سرب إذا ذهب في سربه أي طريقه، ويكون بمعنى تصرّف كيف شاء، وأريد به هنا لازم معناه، وهو بارز وظاهر لوقوعه في مقابلة مستخف والمصنف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنّ سرب حقيقة بمعنى برز، وهو ظاهر. قوله: (وهو عطف على من أو مستخف) أي سارب يعني إن سواء بمعنى الاستواء يقتضي ذكر شيئين، وهنا إذا كان سارب معطوفا على جزء الصلة أو الصفة يكون شيئا واحداً فدفع بوجهين أحدهما أن سارب معطوف على من هو الخ لا على ما في حيزه كأنه قيل سواء منكم إنسان هو مستخف وآخر هو سارب قال في الكشف، والنكتة في زيادة هو في الأوّل أنه الدال على كمال العلم فناسب زيادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 تحقيق، وهو النكتة في حذف الموصوف عن سارب أيضاً، وهو الوجه في تقديم أسرّ وأعماله في صريح القول، وأعمال جهر في ضميره، والثاني أنه متعدد المعنى كأنه قيل سواء منكم اثنان هما مستخف وسارب وعلى الوجهين من موصوفة لا موصولة فيحمل الأولان على ذلك ليتوافق الكل، وايثارها على الموصولة دلالة على أنّ المقصود الوصف فإنه متعلق العلم، ولو قيل الذي أسرّ الخ وأريد الجنس كما في قوله: ولقد أمز على اللئيم يسبني فهو والأوّل سواء لكن الأوّل نص وان أريد المعهود حقيقة أو تقديراً لزم إيهام خلاف المقصود كما مز، وأمّا الحمل على حذف الموصوف بتقدير ومن هو سارب كقوله: فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب وقول حسان رضي الله تعالى عنه: ومن يهجورسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء على ما نقل في الحواشي فضعيف جداً لما فيه من حذف الموصول، وصدر الصلة فإنه، وإن ذكر النحاة جواز كل منهما لكن اجتماعهما منكر بخلاف ما في البيتين، وما قيل المقصود استواء الحالتين سواء كانا لواحد أو لاثنين، والمعنى سواء استخفاؤه وسروبه بالنسبة إلى علم الله فلا حاجة إلى التوجيه بما مرّ وكذا حال ما تقدمه فعبر بأسلوبين والمقصود واحد لا تساعده العربية لأنّ من لا تكون مصدرية، ولا سابك في الكلام فكيف يتأتى ما ذكره. قوله: (كقوله الخ) هو للفرزدق من شعر مشهور ذكر فيه ذئبا لقيه بفلاة فصحبه وأضافه ومنه: فقلت له لماتكشرضاحكا وقائم سيفي من يدي بمكان تعش فإن عاهدتني لاتخونني نكن مثل من ياذئب يصطحبان والشاهد فيه إطلاق من على متعدد ومراعاة معناه بتثنية الضمير، وقوله وقائم سيفي أي وأنا قابض على سيفي متمكن منه يظهر تجلده وشجاعته وكشر بمعنى أبدى أسنانه ضاحكا لي، وهذا عكس قول المتنبي: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أنّ الليث مبتسم ولكل وجهة وقوله يا ذئب معترض! ببن أجزاء الصلة. قوله: (والآية متصلة بما قبلها مقررة لكمال علمه وشموله) أي جملة سواء الخ متصلة بقوله عالم الغيب والشهادة الخ اتصالاً معنويا لأنها مؤكدة له، ولذا لم تعطف عليه وضمير شموله للعلم، وقوله سواء منكم اثنان اثنان معنى من واسقط هو للاستغناء عنه في بيان المعنى، واعتبره في الكشأف فقال اثنان هما مستخف وسارب فإفراد الضمير للفظ من وتقسيمه لاعتبار معناه وفي البيت اعتبر معناه فقط. قوله: (لمن أسرّ أو جهر الخ) يعني أنّ الضمير المفرد المذكر لما مرّ باعتبار تأويله بالمذكور واجرائه مجرى اسم الإشارة، وكذا المذكور بعده، وجعل ضمير له لله وما بعده لمن تفكيك للضمائر من غير داع، وقيل الضمير لمن الأخير، وقيل للنبي لأنه معلوم من السياق. قوله: (ملانكة تعتقب في حفظه (يعني أنه جمع معقبة من عقب مبالغة في عقب فالتفعيل للمبالغة والزيادة في التعقيب فهو تكثير للفعل أو الفاعل لا للتعدية لأنّ ثلاثيه متعد بنفسه، وقوله إذا جاء على عقبه أصل معنى العقب مؤخر الرجل، ثم تجؤز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة كان أحدهم يطأ عقب الآخر قال الراغب عقب إذا تلاه نحو دبره وقفاه. قوله: (كان بعضهم يعقب بعضاً (أي يطأ عقبه وهو مؤخر رجله، وإنما قال كأنّ لأنه لا وطء ولا عقب ثمة وان أتى أحدهما بعد الآخر ومن لم يتنبه لمراده قال الظاهر أن يقول فإنّ ولعل وجه ما في الكتاب هو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام إنه قال: كما في البخاري " ثتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر " يعني أنّ اجتماعهم يقتضي عدم التعاقب فلذا قال كأنّ لأنه لا تعاقب في الحقيقة، وكذا ما قيل إنه عبر به لعدم جزمه به فإنه كيف يظن بالمصنف رحمه الله تعالى عدم الجزم بما صرّح به في الصحيحين، ولك أن تقول إنما لم يجزم بأنه مراد من الآية لأنّ له ملائكة كتبة وحفظة والظاهر تغايرهما. قوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 (أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله) أي يتبعونها ومنه تعقب فلان كلام فلان، والمراد من التتبع الحفظ بالكتابة، ولذا عطف عليه قوله فيكتبونه وكان الظاهر فيكتبونها ولكنه أراد ما يصدر منه وما ذكر وهذا معطوف على ما قبله بحسب المعنى. قوله: (أو اعتقب) أي هو من باب الافتعال، وقوله فأدغمت التاء في القاف تبع فيه الكشاف، وقد اتفقوا على ردّه بأنّ التاء لا تدغم في القاف من كلمة، أو كلمتين وقد قال أهل التصريف أن القاف والكاف كل منهما يدغم في الآخر، ولا يدغمان في غيرهما. قوله: (والتاء للمبالغة) أي تاء معقبة لأنّ المراد به الملائكة، وهي غير مؤنثة فتاؤه للمبالغة كما في علامة أو هي صفة جماعة، ولذا أنثت فمعقبات جمع معقبة مراد به الطائفة منهم. فوله:) وقرئ معاقيب جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من إحدى القافين) وفي نسخة من حذف إحدى القافين في التكسير لأنه جمع معقب أو معقبة بتشديد القاف فيهما، وقال ابن جني إنه تكسير معقب كمطعم ومطاعيم فجمع على معاقبة، ثم حذفت الهاء من الجمع وعوضت الياء عنها وهذا أظهر وأنسب بالقواعد مما تكلفوه. قوله:) من جوانبه أو من الأعمال ما قدّم وأخر) قال المعرب من بين يديه متعلق بمحذوف على أنه صفة معقبات، ويجوز أن يتعلق بمعقبات ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبرا والكلام على هذه الأوجه تمّ عند قوله ومن خلفه فإذا تعلق بمعقبات فالمعنى أنها تحفظ ما قدم وأخر من الأعمال، وهو عبارة عن حفظ جميع أعماله وهو الوجه، وان كان صفة أو حالاً فالمعنى أنّ المعقبات محيطة بجميع جوانبه. قوله: (من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له الخ) فمن على هذا متعلقة بيحفظون صلة له، وكذا على توله يحفظونه من المضارّ، وكذا قوله بالاستمهال أو الاستغفار أي يحفظونه باستدعائهم من الله أن يمهله ويؤخر عقابه ليتوب فيغفر له أو يطلبون من الله أن يغفر له ولا يعذبه أصلا. قوله: (أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى) إياهم، وقد قرئ به أي يحفظونه لأمر الله لهم بحفظه فمن ثعليلية والقراءة باللام لم يذكرها الزمخشري،، -انما ذكر القراءة بالباء السببية، ولا فرق بين العلة والسبب عند النحاة وان فرق بينهما أهل المعقول فقوله، وقيل من بمعنى الباء محل نظر. قوله: (وقيل من أمر الله صفة ثانية الا صلة كالوجه المتقدم، والصفة الأولى يحفظونه فإن كان من بين يديه صفة أيضا فهي ثالثة، ويجوز أن يريد بالثانية من بين يديه على أن جملة يحفظونه مستأنفة أو حالية. قوله: (وقيل المعقبات الحرس والجلاوزة) جمع جلواز وهو الشرطي من الجلوزة، وهي سرعة الذهاب والمجيء والحرس حرس السلطان والواحد حرسيّ، وهو وان كان جمع حارس لكنه صار اسم جنس لهؤلاء بالغلبة كالأنصار فلهذا نسب إليه وان كان القياس حارسيّ بردّ الجمع إلى واحدة في النسبة. قوله: (يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى) يعني لا راذ لما قضى ولا حافظ منه إلا هو ومن جعله حافظا كالحفظة فجعل الحرس حفاظا إن كان على زعمه وتوهمه فهو حقيقة، وان لم يعتبر ذلك فهو استعارة تهكمية كبشرهم بعذاب أليم فهو مستعار لضده، ولذا قيل المعنى لا يحفظونه. قوله: (من الآحوال الجميلة بالآحوال القبيحة) فالمراد بما في أنفسهم ما أتصفت به ذواتهم من ذلك لا ما أضمرو. ونووه والمراد بالتغيير تبديله بخلافه لا مجرّد تركه، وليس المراد أنه لا يصيب أحد إلا بتقدم ذنب منه حتى يقال إنه قد يصاب بذنب غيره كقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] وإنه قد يستدرح المذنب بتركه إذ المراد إنه عادة الله في الأكثر، وأنها جارية بهذا إذا اتفقوا عليه وأصروا فلا ينافي غيره كما توهمه، ولك أن تقول إن قوله: {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} [سورة الرعد، الآية: 11] تتميم لتدارك ما ذكر. قوله: (فلا رذ له) يثير إلى أن مردّ مصدر ميمي، وقوله فالعامل في إذا ما دل عليه الجواب لأنّ ما بعد الفاء ومعمول المصدر لا يتقدم عليه على الصحيح، والتقدير لم يرذ أو وقع ونحوه، وقوله فيدفع عنهم السوء ليس هذا مكرراً مع ما قبله، ولا قوله يدفع مصحف يرفع بالراء ليكون الأوّل دفعا، وهذا رفعا كما توهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 لأنّ هذا عام بعد خاص أي لا يلي جميع أمورهم غير الله من خير ونفع فلا يضر اندراج الدفع فيه ودخوله دخولاً أولياً لأنه مقتضى السياق. قوله:) وفيه دليل على أنّ خلاف مراد الله تعالى محال (فإن قلت الآية إنما تدل على أنه إذا أراد الله بقوم سوءاً وجب وقوعه، ولا تدل على أن كل مراد له كذلك، ولا على استحالة خلافه بل على عدم وقوعه قلت لا فرق بين إرادة السوء به وإرادة غيره فإذا امتنع رد السوء فغيره كذلك، والمراد بالاستحالة عدم الإمكان الوقوعي لا الذاتي كذا قيل، وفيه تأمل. قوله: (خوفاً من أذا وطمعاً في النيث) المراد بالأذى الصواعق ونحوها والطمع في غيثه فالخائف والطامع واحد والقول الآتي بالعكس. قوله:) وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف (إذا كان مفعولاً له وأشترط اتحاد فاعل العلة، والفعل المعلل احتاج هذا للتأويل لأن فاعل الإراءة هو الله، وفاعل الطمع والخوف غيره فأمّا أن يقدر فيه مضاف، وهو إرادة أي إراءتهم ذلك لإرادة أن يخافوا وأن يطمعوا فالمفعول له المضاف المقدر وفاعلهما واحد أو الخوف والطمع موضوع موضع الإخافة، والإطماع كما وضع النبات موضع الإنبات في قوله: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوح، الآية: 17 م فإنّ المصادر ينوب بعضها عن بعض أو هو مصدر محذوف الزوائد كما في شرح التسهيل على أذ 4 قد ذهب جماعة من النحاة كابن خروف إلى أن اتحاد الفاعل ليس بشرط، وقيل إنه مفعول له باعتبار أن المخاطبين رائين لأن إراءتهم متضمنة لرؤيتهم والخوف والطمع من أفعالهم فهم فعلوا الفعل المعلل به، وهو الرؤية فيرجع إلى معنى قعدت عن الحرب جبنا ورد بأنه لا سبيل إليه لأنّ ما وقع في معرض! العلة الغائية لا سيما الخوف لا يصلح علة لرؤيتهم، وهو كلام واه لأن القائل صرح بأنه من قبيل قعدت عن الحرب جبنا يريد أن المفعول له حامل على الفعل وليس من قبيل ضربته تأديبا فلا وجه للرد المذكور، وقيل التعليل هنا مثله في لام العاقبة لا أن ذلك من قبيل قعدت عن الحرب جبناً كما ظن لأنّ الجبن باعث على القعود دونهما للرؤية، وهو غير وارد لأنه باعث بلا شبهة، وما قيل عليه من أنّ اللام المقدرة في المفعول له لم يقل أحد بأنها تكون لام العاقبة ولا يساعده الاستعمال ليس بشيء كيف، وقد قال النحاة: كما في الدرّ أنه كقول النابغة الذبيا ني: وحلت بيوتي في يفاع ممنع تخال به راعي الحمولة طائرا حذارأعلى أن لا تنال مقادتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا ثم إن قوله ليس ما نحن فيه مثل قعدت عن الحرب جبنا لا! الخوف والطمع ليسا مقدمين على الرؤية كالجبن، وإنما يحصلان في حال الرؤية إلا أن يراد بهما الملكة النفسانية فيكون إراءة الله لهم لما جبلوا عليه عند رؤيتهم من الخوف، والطمع لا يخفى ما فيه من التعسف، وقد علمت أنه غير وارد وسيأتي لهذا تتمة في سورة الروم. قوله: (أو الحال من البرق أو المخاطبين (معطوف على العلة، وقوله على إضمار ذو في نسخة ذا وفي أخرى ذوي فالمراد تقدير مضاف من هذا النوع أو جعل المصدر حالاً مبالغة أو تأويله باسم فاعل أو مفعول، وقوله بمعنى المفعول أو الفاعل، لف ونشر مرتب، وقوله وقيل الخ تقدم الفرق بينه وبين الوجه السابق وهو ظاهر، وقوله من يضره كالمسافر ونحوه وقوله المنسحب في الهواء أي المنجر فيه إشارة إلى وجه تسميته سحابا. قوله: (وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب الخ (أي لأنه اسم جنس في معنى الجمع فكأنه جمع سحابة ثقيلة لا أنه جمع أو اسم جنس جمعيّ لإطلاقه على الواحد وغيره. قوله: (ويسبح سامعوه (فهو على حذف مضاف، أو إسناد مجازفي للحامل والسبب، وقوله ملتبسين إشارة إلى أن الباء للملابسة وأن الجار والمجرور حال، وقوله فيضجون بالضاد المعجمة والجيم وفي نسخة يصيحون من الصياج، ومعناهما متقارب يشير إلى أنه على ظاهره بمعنى قول ذلك. قوله: (أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله) فالإسناد على حقيقته، والتجوّز في التسبيح والتحميد إذ شبه دلالته بنفسه على تنزيهه عن الشرك والعجز بالتسبيح والتنزيه اللفظي، ودلالته على فضله ورحمته بحمد الحامد لما فيها من الدلالة على صفات الكمال، وقيل إنه مجاز مرسل استعمل في لازمه والأوّل أولى فهو على حد قوله وإن من شيء إلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 يسبح بحمده. قوله:) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخ) أخرجه الترمذيّ وصححه النسائي والمخاريق جمع مخراق وهو ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً إذا لعبوا ويطلق على السيف مجازاً فالمراد أنه آلة تسوق بها الملائكة السحاب فالرعد اسم لملك، ولذلك الصوت أيضا ولا تجوّز فيه حينئذ وقوله من خوف الله إشارة إلى أنه مصدر، وليس المراد به النوع، وقوله فيصيب إما تفريع أو تفسير ومن مفعول يصيب، والباء للتعدية ومفعول يشاء محذوف مع العائد أي من يشاء إصابته، وعن ابن عباس رضي الله عنهما من سمع صوت الرعد فقال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير إن أصابته صاعقة فعليّ ديته، وعنه أيضا إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يضرّ ذاكرا. قوله: (حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يصفه به الخ) فالمراد بالمجادلة في الله المجادلة في شأنه، وما أخبر به عنه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، والجدال أشد الخصومة من الجدل بالسكون، وهو فتل الحبل ونحوه لأنه يقوي به ويشتد طاقاته. قوله: (والواو إمّ لعطف الجملة على الجملة) أي هم يجادلون معطوف على قوله، ويقول الذين كفروا لولا أنزل المعطوف على يستعجلونك، والعدول إلى الاسمية للدلالة على أنهم ما ازدادوا بعد الآيات إلا عنادا، وأمّا الذين كفروا فزادتهم رجساً إلى رجسهم وجاز عطفها على قوله هو الذي يريكم، على معنى هو الذي يريكم الآيات الباهرة الدالة على القدرة والرحمة وأنتم تجادلون فيه، وهذا أقرب مأخذاً والأوّل أكثر فائدة كذا في الكشف ولا يعطف على يرسل الصواعق لعدم اتساقه، والحالية من مفعول يصيب أي يصيب بها من يشاء في حال جداله أو من مفعول يشاء، وقوله فإنه روي راجع إلى قوله فإنهم يكذبون، وبيان له بسبب النزول روى محيي السنة عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل، واربد بن ربيعة وهما عامريان أقبلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في نفر من أصحابه في المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور إلا أنه من أجمل الناس فقال رجل: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: " دعه إن يرد الله به خيراً يهده (فأقبل حتى قام عنده فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت فقال: " لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم! قال: تجعل لي الأمر من بعدك قال: " ليس ذلك إليّ هو دلّه عز وجل يجعله حيث شاء! قال: تجعلني على الوبر وأنت على المدر قال: " لا "، قال: فما تجعل لي قال: " أجعلك على أعنة الخيل تغزو عليها، قال: أوليس ذلك لي اليوم، ثم قال قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أوصى اربد بأنه إذا خاصمه أن يضر به بالسيف فجعل يخاصم النبيّ صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار اربد خلفه ليضربه فاخترط سيفه فحبسه الله ولم يقدر على سله فجعل عامر يومع إليه فالتفت رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى صنيع اربد " فقال اللهم اكفنيهما بما شئت لا فأرسل الله على اربد صاعقة في يوم صحو ياقظ فأحرقته وولى عامر هاربا، وقال: يا محمد دعوت على اربد فقتله ربك فوالله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يمنعك الله من ذلك وابنا قيلة " يعني الأنصار فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فلما أصبح وقد تغير لونه وأصابه الطاعون جعل يركض في الصحراء بعدما ضم سلاحه عليه، ويقول واللات لئن أضحى إليّ محمد وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي فأرسل الله له ملكاً فلطمه فخرّ ميتاً " أا (والطفيل مصغر، واربد بوزن افعل بالباء الموحدة أخو لبيد العامري لأمّه، واختلف في اسم أبيه فقيل ربيعة وقيل قيس، وظاهر قوله فأرسل الله على اربد أنه كان في حين ملاقاته النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعض الكتب أنه كان بعد انصرافه عنه، وهو الصحيح فالفاء إشارة إلى عدم تطاول الزمان، وقوله فمات في بيت سلولية يشير إلى ما تقدم في الرواية، وفي رواية أنه ركب فرسه وبرز في الصحراء فمات بها وهذه تنافيها إلا أن يراد أنه حصل له سبب الموت، وهو الطاعون. قوله: (وكان يقول غدة كغدّة البعير وموت في بيت سلولية) فأرسلها مثلاً، وهو كما قال الميداني: يضرب في خصلتين كل منهما شرّ من الأخرى، والغدة طاعون يكون في الإبل وقلما تسلم منه يقال أغد البعير فهو مغداً إذا صار ذا غدّة، وهو مرفوع ويروى أغدّة وموتا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 بالنصب أي أغذ غذة وأموت موتا وسلولية امرأة من سلول، وهي التي نزل عندها وسلول من أخس قبائل العرب كباهلة، وقوله فنزلت وهي إحدى الروايات في سبب النزول، وفيه روايات أخر، والذي في البخاري عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالدا رضي الله عنه في سبعين راكباً إلى قومه " وهو مخالف لما هنا. قوله: (المماحلة والمكايدة) المماحلة بالجز عطف بيان للمحال بكسر الميم إشارة إلى أنهما مصدران كالقتال، والمقاتلة والمكايدة عطف تفسير للممالحة، ومحل بالتخقيف، وقوله تكلف لأنّ التفعيل يكون للتكلف وكونه من المحل بمعنى القحط، والميم أصلية ذكره الراغب فعذه معنى آخر في القاموس لا ينافيه كما توهم، وقوله فعال من المحل بمعنى القؤة أي اسم لا مصدر، وا) صحل بمعنى القوّة فمعناه شديد. قوله:) وقيل مفعل من الحول (بمعنى القوّة أو من الحيلة المعروفة والميم زائدة على هذا، وقوله أعل على غير قياس إذ كان القياس فيه صحة الواو كمحور ومرود ومقود، وقوله ويعضده أي يعضد زيادة الميم لكنه على هذا من الحيلة، وإنما عضده أي قوّاه لأنّ الأصل توافق القراءتين. قوله: (ويجوز أن يكون بمعنى الفقار) وهو عمود الظهر وسلسلة العظم التي فيه مركباً بعضها ببعض، وبها قوام البدن فيكون مثلا في القوّة أي استعارة ومجازا فيها، قال في الأساس يقال فرس قوفي المحال، وهو الفقار الواحدة محالة والميم أصلية والفقار بفتح الفاء واحده فقارة ويجمع على فقارات. قوله: (فساعد الله أشدّ وموساه أحد) هو حديث صحيح، وفي نهاية ابن الأثير رحمه الله تعالى في حديث البحيرة فساعد الله أشدّ، وموساه أحد أي لو أراد الله تحريمها بشق أذنها لخلقها كذلك فإنه تعالى يقول لما أراد كن فيكون فلذا قيل كان ينبغي للمصنف رحمه الله أن يقول كقول النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وموسى بضم الميم وسكون الواو والسين المهملة وألف مقصورة آلة الحلق المعروفة، ووزنها فعلى من أوساه بمعنى حلقه وقطعه، وأما موسى علم النبي صلى الله عليه وسلم فمعرّب. قوله: (الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد الخ) يعني أنّ الدعوة بمعنى الدعاء أي لطلب الإقبال، والمراد به العبادة لأنه يطلق عليها لاشتمالها عليه، وكلامه بيان لحاصل المعنى وتصوير له با! إضافته إلى الحق لاختصاص عبادته به دون عبادة غيره، وقيل إنه ذهب إلى المذهب المرجوج في جواز إضافة الموصوف للصفة لعدم تكلفه هنا لكن يأباه جعل إضافته للملابسة، فإنّ المتبادر منها خلاف ما ذكر وعلى هذا تجعل الملابسة شاملة للملابسة الجارية بين الموصوف وصفته، وهو الذي صرحوا به كما ستراه. قوله: (الذي يحق أن يعبد ويدعي الخ) وفي نسخة أو بأو الفاصلة فقيل إنه يثير إلى أن المراد بالدعاء العبادة كما مر وأنّ تقديم له لإفادة الاختصاص، وقيل إنه على نسخة الواو بيان لأنّ الدعوة المتعدية بإلى بمعنى الدعاء على ظاهرها وأنّ المدعوّ إليه هو العبادة لله لا أنها بمعناها، وقوله دون غيره ناظر إلى يدعي لا إلى يحق لأنه المناسب للحصر، وعلى نسخة أو بيان لأنّ الدعوة إمّا بمعنى العبادة أو بمعنى الدعوة إليها وعليه دون غيره تنازع فيه الفعلان، وقوله الذي يحق تفسير للاستحقاق المستفاد من اللام، وبيان لأنّ الحصر ناظر إلى المعنى الأوّل لا تفسير للحق، وفي هذه النسخة بحث فإنّ الوجوه حينئذ تكون ثلاثة لأنّ الدعاء إما بمعنى العبادة أو دعوة الخلق إلى العبادة أو بمعنى التضرّع فالذي يناسب كلامه أن تجعل النسختان بمعنى، وأنّ دعوة الحق بمعنى الدعوة إلى عبادته، وإذا كانت الدعوة إلى عبادته حقاً لزم كون عبادته حقا فإذا أريد أحدهما لزم الآخر فالعطف بأو ترديد في المراد أوّلاً من اللفظ فتأمّل. قوله:) أو له الدعوة المجابة الخ (هذا وجه آخر معطوف على ما قبله فيه الدعوة بمعنى التضرع، والطلب المشهور وقوله فإن من دعاه أجابه بيان لأنّ الدعوة دعاء الخلق دته، ومعنى أن دعاء الخلق له أن له إجابته دون غيره ولم يقل فإنه المجيب لمن دعاه دون غيره بيانا للحصر المستفاد من الكلام كما في الوجه الأوّل إمّا لظهوره بالقياس إليه، أو لأنه لا حاجة إلى استفادته من التقديم لدلالة قوله بعده لا يستجيبون على حصر الإجابة فيه لكنه بالنسبة إلى آلهتهم فقط، والذي يفيده التقديم الحصر فيه مطلقاً فلو ذكره كان أظهر، وقوله ويؤيده ما بعده فإنّ ذكر الاستجابة دليل على أنّ الدعاء بهذا المعنى، وان صح كونه بمعنى يعبدون، أو يدعون إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 العبادة. قوله: (والحق على الوجهين ما يناقض الباطل) أي على وجهي تفسير الدعاء السابقين، وقوله واضافة الدعوة أي إلى الحق المقابل للباطل عليهما لما بين الدعوة بالمعنيين، وبين الحق بهذا المعنى من الملابسة لأنّ عبادة الله، والدعوة إليها ودعاء الله يتصف بالحقية، واضافة الصفة إلى الموصوف عند من لا يؤوّلها بتقدير موصوف هو المضاف إليه لأدنى ملابسة كما في شرح التسهيل، والى الوجه الثاني أشار بقوله تأويل دعوة المدعوّ الحق أي دعوة المدعوّ إليه غير الباطل، والمدعوّ إليه العبادة لا الله فحذف الموصوف وأقيصت صفته مقامه، وليس فيه ردّ على الزمخشري حيث قدر المدعوّ إذا أريد بالحق الله لأنه كلام آخر فلا منافاة بينهما كما توهم، وبهدّا التقرير اندفع ما قيل عليه إنه لو كان الحق مصدراً كالصدق ظهر صحة ما قاله لكنه صفة يصح حمله مواطأة على الدعوة لما فسره به. قوله: (وقيل الحق هو الله وكل دعاء إليه دعوة الحق الما كان لكلام مسوقا لاختصاصه تعالى بأن يدعي، ويعبد ردّاً لمن يجادل في الله ويشرك به الأنداد فلا بدّ أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق مقابل الباطل فهو ظاهر، وان جعل اسما له تعالى فالأصل دعوة الله تأكيداً للاختصاص باللام والإضافة، ثم زيد ذلك بإتامة الظاهر مقام الضمير معاداً بوصف ينبئ عن اختصاصها به أشذ اختصاص، فقيل له دعوة المدعوّ الحق، والحق من أسمائه تعالى يدل على أنه الثابت بالحقيقة، وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيق الله له، وبهذا سقط ما قيل إن مآل الكلام على هذا لله دعوة الله فهو كما تقول لزيد دعوة زيد، وهو غير صحيح ولا حاجة إلى تأويله بأنّ المراد دلّه الدعوة التي تليق أن تنسب، وتضاف إلى ذاته فإنه قليل الجدوى. قوله: (والمراد بالجملتين) يعني وهو شديد المحال وله دعوة الحق، وهذا بيان لمناسبتهما لما قبلهما واتصالهما به فإن كان سبب نزول الأوّل قصة اربد وعامر فظاهر لأنّ إصابته بالصاعقة من حيث لا يشعر من مكر الله به ودعوة الحق دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله: " احبسهما عني بما شئت " فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق فإن لم يكن الأوّل في قصتهما فهو وعيد للكفرة على مجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم، واجابة دعائه إن دعا عليهم واتصاله ظاهر أيضا، وقوله محال من الله أي كيد على طريق التمثيل، واجابة لدعوة رسوله، وهي قوله صلى الله عليه وسلم فيهما احبسهما عني بما شئت وفيه لف ونشر للجملتين المذكورتين، وقوله: أو دلالة على أنه الحق لأنه ناظر إلى تفسير الدعوة بالعبادة، أو الدعاء إليها أي الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك، وقوله وعيد الخ بيان لمعنى الجملة الأولى على معنى الدعوة الثانية، وتهديدهم معطوف عليه بيان للثانية عليه أيضاً ناظر إلى تفسير الدعوة الثاني، وقوله أو بيان ضلالهم الخ ناظر إلى تفسير الدعوة الأوّل، وضلالهم وفسادهم كونهم على الباطل في عبادة غيره تعالى. قوله: (والذين يدعون الخ) أي الذين إمّا عبارة عن المشركين ومفعول يدعون محذوف لدلالة من دونه عليه لأنّ معناه متجاوزين له، وتجاوزه بعبادتها ولاستدعاء الدعوة ومدعوّآ له أو الأصنام فعائد الموصول محذوف أي يدعونهم، وقدر ضمير العقلاء لمناسبة صيغة الذين ففيه تنزيله منزلة أولي العلم بناء على زعمهم، وقوله عليه متعلق بدلالة، وقوله من الطلبات بيان لشيء وهو جمع طلبة بمعنى مطلوب. قوله: (1 لا استجابة كاستجبابة من بسط كفيه الخ (يعني الغرض! نفي الاستجابة على القطع بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مضطرّ إليه فضلا عن مجرّد الحاجة، والحاصل أنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمه بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلا عن الاستطاعة للاستجابة، وبقائهم لذلك في الخسران بحال ماء بمر أي من عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة، واشارة فهو لذلك في زيادة ظمأ وشدة خسران، والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل أبرز في معرض! التهكم حيث أثبت للماء استجابة زيادة في التخسير والتحسير فالاستثناء مفرغ من أعمّ عام المصدر أي لا يستجيبون شيئا من الاستجابة، وأمّا إذا شبه الداعون بمن أراد أن يغرف الماء بيديه فبسطهما ناشراً أصابعه في أنهما لا يحصلان على طائل، وقوله في قلة جدوى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 دعائ! أراد عدم الجدوى لكه بالغ بذكر القلة، وارادة العدم دلالة على تحقيق الحق، وايثار الصدق لإشمام طرف من التهكم فهو من تشبيه المفرد المقيد كقولك لمن لا يحصل من سعيه على شيء كالراقم على الماء فإنّ المشبه هو الساعي مقيداً بكون سعيه كذلك، والمشبه به هو الراقم مقيداً بكونه على الماء، وكذلك فيما نحن فيه، وليس من المركب العقلي في شيء على ما توهم نعم وجه الشبه عقلي اعتباري، والاستثناء مفرغ من أعم عام الأحوال أي لا تستجيب الآلهة لهؤلاء الكفرة الداعين إلا مشبهين، أعني الداعين بمن بسط كفيه ولم يقبضهما، وأخرجهما كذلك فلم يحصل على شيء لأنّ الماء يحصل بالقبض لا بالبسط، وقوله يطلب منه أن يبلغه فاعل يطلب الباسط، وضمير منه ويبلغه للماء أو فاعل يبلغ للماء ومفعوله للفم، وقوله وما هو يبالغه ضمير هو للماء وبالغه للفم، وقيل الأوّل للباسط، والثاني للماء وهو لا يناسب نفي الاستجابة وفيه نظر. قوله:) فيبسط كفيه) بسط الكف نشر الأصابع ممدودة كما في قوله: تعؤد بسط الكف حتى لوأنه أراد انقباضا لم تطعه أنامله وقوله ليشربه هو في هذا الوجه وفي الأوّل بسط يديه للدعاء والإشارة إليه كما مز وما نقل عن عليّ رضي الله عنه من أنه في عطشان على شفير بئر بلا رشاء فلا يبلغ قعر البئر، ولا الماء يرتفع إليه راجع إلى الوجه الأوّل، وليس مغايراً له كما قيل والاستثناء في قوله إلا كباسط على حد قوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم قوله:) في ضياع وخسار وباطل) قيل إمّا ضياع دعائهم لآلهتهم فظاهر لكنه فهم مما سبق، رأمّا ضياع دعائهم لله لكفرهم وبعدهم عن حيز الإجابة فيرد عليه أنّ المصرح به في كتب الفتاوى أنّ دعاء الكافر قد يستجاب إلا أن يحمل على الأوّل ويجعل مكرّراً للتأكيد، أو على الثاني ويقيد بما يتعلق بالآخرة، ولك أن تجعله مطلقاً شاملا لهما ولا يعتذ بما أجيب منه. قوله:) يحتمل أن يكون السجود على حقيقته الخ (ويؤيده من المخصوصة بالعقلاء لكن قيل إنه يأباه تشريك الظلال معهم والمعنى الثاني على عكس هذا كما لا يخفى، وقيل إنه يقدو له فعل أو خبر أو يكون هو مجازاً ولا يضرّ الحقيقة لكونه بالتبعية والعرض! فتأمل هذا كله من عدم تأقل كلام المصنف رحمه الله تعالى فإنّ مراده بالحقيقة ليس ما يقابل المجاز بل ما يقابل ألانقياد فيئ ألمعنى وان كان مجازياً والحقيقة المذكورة إن كانت في مقابلته فقط فهي شاملة لما كان بال!. ض أما على مذهب المصنف رحمه الله في جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز فظاهر أو يراد به الوقوع على الأرض! بطريق عموم المجاز فيشمل سجود الظلال أيضأ وضمير ظلالهم ينبغي أن يرجع لمن في الأرض! لأنّ من في السماء لا ظل له إلا أن يحمل على التغليب أو التجوّز. قوله: (طوعا حالتي الشدّة والرخاء) فالطوع بالنسبة إلى الملائكة والمؤمنين، وهو على حقيقته، والكره بالنسبة إلى الكفار في حالة الشدّة والمراد به الاضطرار والإلجاء فيشمل المنافقين المصلين خيفة السيف، والظاهر أنه بمنزلة الكره لا كره حقيقي، وقيل إنّ قوله في حالتي الشدة والرخاء إشارة إلى أنهما مجازان عن الحالتين، والمقصود استواء حالتيهم في أمر السجود، والانقياد بخلاف الكفرة وفيه نظر، وقال أبو حيان رحمه الله الساجدون كرهاهم الذين ضمهم السيف إلى الإسلام قال قتادة فيسجد كرهاً فإثا نفاقاً أو يكون الكره، أوّل حاله فتستمز عليه الصفة وان صح إيمانه بعد، وقوله بالعرض! أي بالتبع، وهو مقابل للحقيقة أو مندرج فيه كما مز. قوله:) وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده الخ (يعني سجود من ذكر إفا استعارة للانقياد المذكور أو مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه لأنّ الانقياد مطلقاً لأزم للسجود، وشاؤوا بمعنى رضوا ولم يكرهوا، وتقلص الظل ارتفاعه ونقصه. قوله. (وانتصاب طوعاً وكرهاً بالحال أو العلة (أفا الأوّل فإن قلنا بوقوع المصدر حالاً من غير تأويل فهو ظاهر هالا فهو بتأويل طائعين، وكارهين وإذا كان علة أي مفعولاً لأجله فالكره بمعنى الإكراه، وهو مصدر من المبني للمفعول ليتحد فأعلاهما كما مرّ تحقيقه، وعلى قول ابن خروف فهو على ظاهره، وما قيل عليه من أنّ اعتبار العلية في الكره غير ظاهر فإنّ الكره الذي يقابل الطوع، وهو الإباء لا يعقل كونه علة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 للسجود قد مز دفعه في قوله خوفاً وطمعا فإنّ العلة ما يحمل على الفعل، أو ما يترتب عليه لا ما يكون غرضا له فتذكره. قوله:) ظرف ليسجد (فالباء بمعنى في وهو كثير والمراد بهما الدوام لأنه يذكر مثله للتأبيد فلا يقال لم خصا به، وإذا كان حالاً من الظلال فيصح فيه ذلك أيضا، أو يقال التخصيص لأنّ امتدادها وتقلصها فيهما أظهر، وقيل المراد إنّ الامتداد في الآصال أظهر، والتقلص في الغدوّ أظهر أمّا الأوّل فلأن في الأصيل يزيد الظل في زمان قصير كثيراً، وأمّا الثاني فلأن نقصانه في زمان قليل كثير. قوله: (والغدوّ جمع غداة كقنى جمع قناة) بقاف، ونون وهي الرمح ومجرى الماء، والآصال جمع أصيل وأصله أأصال بهمزتين فقلبت الثانية ألفا، وقراءة الإيصال بكسر الهمزة على أنه مصدر آصلنا بالمد أي دخلنا في وقت الأصيل كما قاله ابن جني، وهي قراءة لابن مجلز شاذة، وقد اقتصر على الوجه الثاني في سورة النور وسيأتي الكلام عليه هناك، وقوله خالقهما ومتولي أمرهما لأن الرب يكون بمعنى الخالق، أو بمعنى المربي الذي يتولى أمر من رباه واليهما أشار المصنف رحمه الله. قوله: (أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه الخ) قد مرّ الكلام في هذا ونكتة مبادرة السائل إلى الجواب، والجواب عن الخصم، وقد وجهه المصنف رحمه الله هنا بأنه لتعينه للجواب، ولأنه لا نزاع فيه للمسؤول منه، والفرق بينهما أنه على الأوّل متعين عقلا سواء كان بينا أو لا، وعلى الثاني أنه أمر مسلم ظاهر لكل أحد بقطع النظر عن تعينه، ولهذه المغايرة عطفه فلا وجه لما قيل الأولى ترك العطف ليكون علة للأوّل، وعلى الأخير لقنهم الجواب ليتبين لهم ما هم عليه من مخالفتهم لما علموه وقيل إنه حكاية لاعترافهم، والسياق يأباه. قوله: (ثم ألزمهم بذلك الخ) مترتب على الجواب أي أنه لقنهم الجواب ليلزمهم ويقول لهم إذا علمتم أنه الخالق المتولي للأمور فكيف اتخذتم أولياء غيره وفيه إشارة إلى أنّ الاستفهام للإنكار، وأنّ إنكار ذلك مترتب على ما قبله مسبب عنه، وإنما أتى المصنف رحمه الله بثم في التفسير إشارة إلى أنه تعكيس، وإلى أنه لا ينبغي أن يترتب على ذلك الاعتراف هذا بل عكسه، وليس إشارة إلى أنه لو عطف لكان حقه أن يعطف بثم، كما قيل وكذا كونه إشارة إلى أن الفاء للبعد فإنه لم يقله غيره، وإنما هو إشارة إلى استبعاد التعقيب كما يدل عليه إنكاره فتأمّل. قوله: (لأنّ اتخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل) يعني أنه لإنكار التعقيب فالتعقيب واقع منهم وإليه الإشارة وإنكاره استبعاد لصدوره من العقلاء كما أشار إليه بقوله، ثم فتعقيبهم ذلك الاعتراف بالاتخاذ عكس قضية العقل، والسببية مقتضى أفعالهم، ولذا كان إلزاما لهم فلا وجه لما قيل إنها للتعقيب لا للسببية، ولو جعلت لسببية الجواب لإنكار الاتخاذ لم يبعد. قوله: (لا يقدرون أن يجلبوا إليها نفعاً الخ) الملك التصرّف، ويطلق على التمكن منه والقدرة كما ذكره الراغب وأشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله يجلبوا إليها أي إلى أنفسهم. قوله: (فكيف يستطيعون إيقاع الخير ودفع الضرّ عنهم) كذا في أصح النسخ هنا، والإيقاع أفعال من الوقوع وضمير عنهم للذين يدعون، ولا إشكال على هذه النسخة، وفي نسخة أخرى إنفاع الغير ودفع الضر عنه، واعترض عليه بأن لفظ الإنفاع من النفع لم يذكر في كتب اللغة، ولم يسمع من العرب، وقد استعمله المصنف رحمه الله في غير هذا المحل كسورة الجن وهو خطأ وفي أخرى إنفاع الغير، ودفع الضرّ عنهم بضمير الجمع باعتبار معنى الغير ولا بعد فيه كما قيل وقيل إن هاتين النسختين من تصحيف الكتاب. قوله: (وهو دليل ثان على ضلالهم) قيل الدليل الأوّل هو ما يفهم من قوله: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء} [سورة الرعد، الآية: 16] وقيل إنه ما يفهم من قوله والذين يدعون من دونه الخ وهذا أظهر، وان كان الأوّل أقرب من كلام المصنف رحمه الله، ولا خطأ فيه كما توهم. قوله:) المشرك الجاهل بحقيقة العبادة الخ) هذا المراد منه فهو استعارة تصريحية كما في القول بأنّ المراد الجاهل بمثل هذه الحجة، والعالم بها وقيل إنه تشبيه، والمعنى لا يستوي المؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير فهو حقيقة، وليس المراد على الأوّل بالعمى والبصر القلبيين فتأنل. قوله: (المعبود النافل عنكم الخ) هذا من إرخاء العنان والا فلا إدراك لها أصلا حتى تتصف بالغفلة، ويصح أن يطلقه لمقابلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 قوله المطلع على أنه من المشاكلة على حذ قوله من طالت لحيته تكوسج عقله، وقوله الشرك والتوحيد إنما وحد التوحيد لأنه واحد كاسمه وجمع الشرك لتعدّد أنواعه كشرك النصارى، وشرك المجوس وغيرهم، وقوله بل أجعلوا والهمزة الخ يعني أم هنا منقطعة مقدرة ببلى، والهمزة المقدّرة للاستفهام الإنكاري، ومعنى الإنكار لم يكن لأحد الخلق. قوله: (صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار) يعني أنّ تعكيسهم ذلك لما لم يكن عن حجة كان حكايته أدخل في ذمّهم، وفيه تهكم لأنّ من لا يملك لنفسه شيئا من النفع، والضرّ أبعد من أن يفيدهم ذلك، وكيف يتوهم فيه أنه خالق، وأن يشتبه على ذي عقل فالآية ناعية عليهم متهكمة بهم، وليس المقصود بالإنكار والنفي القيد، وهو قوله كخلقه بل المقيد، وقيده كما أشار إليه المصنف بقوله اتخذوا شركاء عاجزين الخ، وقوله حتى يتشابه إشارة إلى معنى فتثابه، وأنه منفي لترتبه على المنفي. قوله: الا خالق غيره فشاركه في العبادة الخ) إشارة إلى أن خلقه لكل شيء يستلزم أن لا خالق سواء لاستحالة التوراد، وأنه المقصود إذ نفي الخلق عن غيره يدل على نفي استحقاقه للعبادة، والألوهية وهو المقصود ولذا قال ثم نفاه عمن سواه، وكونه موجبا للعبادة ولازما لاستحقاقها لأنه ذكره بعد إنكار التشريك فيها فيدل على ذلك. قوله: (ليدل على قوله وهو الواحد الخ) وجه الدلالة ظاهر فهو كالنتيجة لما قبله، وقوله وهو الواحد الخ يحتمل أن يكون من مقول الفول، وأن يكون جملة مستأنفة، وقوله الغالب على كل شيء فما سواه مما هو مغلوب له كيف يكون شريكا، وقوله من السحاب الخ إمّ لأنّ السحاب سماه حقيقة لأنها ما علا وارتفع أو مجاز بتشبيهها بها في الارتفاع، وقوله أو من جانب ففيه مجاز أو تقدير أو المراد بالسماء معناها الظاهر، والتجوّز في لفظ من لأن مبادي الماء لما كانت من السماء جعل نفسه من السماء ففيه استعارة تبعية حرفية، وضمير منه للسماء بتأويله بالفلك، ونحوه وإلا فهي مؤنثة وكون مباديه منها لكونه بتأثير الإجرام الفلكية في البخار كما في كتب الحكمة، وسيأتي تحقيقه. قوله: (جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه) وبه سميت الفرجة بين الجبلين، وجمعه أودية كناد وأندية وناج وأنجية قيل، ولا رابع لها وفي شرح التسهيل ما يخالفه، والوادي يطلق على الطريقة يقال فلان في واد غير واديك ذكره الراغب فإطلاقه على الماء الجاري إمّا مجاز لغوقي بإطلاق اسم المحل على الحال، أو عقلي والتجوّز في الإسناد، والمصنف رحمه الله ذهب إلى الأوّل ويحتمل تقدير مضاف أي مياهها. قوله:) وتنكيرها لأنّ المطرياتي على مناوب بين البقاع) قيل إنه دفع لما يتوهم من أنّ الأودية كلها تسيل وان كان ذلك في أزمنة مختلفة فالظاهر تعريفها بلام الاستغراق، والتعريف هو الأصل والجواب أنه أريد التنبيه على تناوب الأودية في ذلك أي وقوعها نوبة في أودية، ونوبة أخرى في أخرى ووقع في نسخة تفاوت بالفاء، وهما بمعنى فلو عرّف فات ذلك التنبيه، وتفسيره للوادي بالموضعالذي يسيل فيه المال لا ينافي ما مرّ في آخر سورة التوبة من أنه منفرج ينفذ فيه السيل، وإنه اسم فاعل من ودى إذا سال ثم شاع في الأرض لما مرّ من أنه حقيقته المهجورة، وهذا حقيقته في عرف اللغة فلا حاجة إلى دفعه بأنّ هذا قول الجمهور وذاك قول شمر من أهل اللغة. قوله: (بمقدارها الذي علم الله الخ) فالقدر بمعنى المقدار، والضمير راجع إلى الأودية بالمعنى السابق فلا استخدام فيه كما في الوجه الثاني فإنه يعود عليها باعتبار معنى المواضع، وقوله نافع غير ضار إشارة إلى ما في الكشاف أنه فيما سيأتي لما ضرب المطر مثلاً للحق وجب أن يكون مطرا خالصاً للنفع خاليا من المضرّة ولا يكون كبعض الأمطار، والسيول الجواحف وقوله في الصغر والكبر أي يسيل بقدر صغر الأودية، وكبرها لأنّ النافع ذلك، وبقدرها إمّا صفة أودية أو متعلق بسالت أو أنزل. قوله: (رفعه والزبد وضر الغليان (الوضر بفتحتين، وبالضاد المعجمة والراء المهملة وسخ الدسم ونحوه وهو مجاز عما يعلو الماء من الغثاء، وإنما خصه بالغليان وهو اضمطراب الماء وشدة حركته لأن الغشاء يحصل مع ذلك في الغالب بل لا يكون منشؤه إلا من ذلك، ولذا قال في الدر المصون إنه ما يطرحه الوادي إذا جاس ماؤه فما قيل إنه تفسير بالأخص! إذ ليس من لازم الزبد الغليان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 ولا وجود غالبا معه لا وجه له، واحتمل بمعنى حمل، وقال أبو حيان عرّف السيل لأنه عنى به ما فهم من الفعل، والذي يتضمنه الفعل من المصدر! ان كان نكرة إلا أنه إذا عاد في الظاهر كان معرفة كما كان لو صرّج به نكرة، وكذا يضمر إذا عاد على ما دل عليه الفعل من المصدر نحو من كذب كان شرّاً له أي الكذب، ولو جاء هنا مضمراً لكان جائزا عائدأ على المصدر المفهوم من فسالت، وأورد عليه إنه كيف يجوز أن يعنى به ما فهم من الفعل، وهو حدث والمذكور المعرّف عين فإنّ المراد به الماء السائل، وأجيب بأنه بطريق الاستخدام وهو غير صحيح لا تكلف كما قيل لأن الاستخدام أن يذكر لفظ بمعنى، ويعاد عليه ضمير بمعنى آخر سواء كان حقيقياً أو مجازيا، وهذا ليس كذلك لأنّ الأوّل مصدر أي حدث في ضمن الفعل، وهذا اسم عين ظاهر يتصف بذلك الحدث فكيف يتصوّر فيه الاستخدام نعم ما ذكروه أغلبيّ لا مختص بما ذكر فإن مثل الضمير اسم الإشارة، وكذا الاسم الظاهر كما في قول بعض أهل العصر. أخت الغزالة إشراقا وملتفتا وقد فصلناه في محل آخر فالحق أنه إنما عرّف لكونه معهوداً مذكوراً بقوله أودية، وانما لم يجمع لأنه مصدر بحسب الأصل. قوله: (ومما توقدون عليه في النار) هذه جملة أخرى معطوفة على الجملة الأولى لضرب مثلى آخر كما سيذكره المصنف رحمه الله، والفلز بكسر الفاء، واللام وفي آخره زاء معجمة مشددة ما يخرج من الأرض من الجواهر المعدنية التي تنطبع بالمطرقة كالذهب والفضة والنحاس والرصاص، وبقية الأجساد السبعة وتطلق على ما يتطاير منها وينفصل عند التطريق، وهذا هو المشهور وهو المراد وفيه لغات، وله معان قال في القاموس الفلز بكسر الفاء واللام، وتشديد الزاي وكهجف وعتل نحاس أبيض يجعل منه القدور المفرغة أو خبث الحديد أو الحجارة أو جواهر الأرض كلها أو ما ينفيه الكير من كل ما يذاب منها، وقوله يعم أي لفظه شامل لها. قوله: (على وجه التهاون) هو تفاعل من الهوان وهو التذلل والجار والمجرور حال من فاعل يعم، واستفادة التهاون من عدم ذكرها بأسمائها والعدول إلى وصفها بالإيقاد والضرب بالمطارق الذي الإيقاد لأجله ونحوه، وقوله إظهاراً لكبريائه أي لعظمته علة للتهاون بها بما مرّ لأن أشرف الجواهر خسيس عنده تعالى إذ عبر عن سبكه بإيقاد النار به المشعر بأنه كالحطب الخسيس، وصوره بحالة هي أحط حالاته وهذا لا ينافي كونه ضرب مثلا للحق لأن مقام الكبرياء يقتضي التهاون به مع الإشارة إلى كونه مرغوباً فيه منتفعاً به بقوله ابتغاء حلية أو متاع فوفى كلاً من المقامين حقه فما قيل إن الحمل على التهاون لا يناسب المقام لأن المقصود تمثيلى الحق بها وتحقيرها لا يناسبه ساقط، وابتغاء مفعول له أو حال، وقوله طلب حلي يشير إلى أنه مفعول له وحلي بوزن رمى أو بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء ما يتحلى ويتزين به، والأواني جمع آنية وهي معروفة، وقوله ومما توقدون الخ إشارة إلى أن الجار والمجرور خبر مقدم وزبد مبتدأ والمراد بالزبد الثاني خبث الجواهر المذكورة ومن في مما للابتداء أي نشأ منه أو هو بعضه، وقوله مثل الحق والباطل إشارة إلى أنّ في الكلام مضافاً مقدرا وفي نسخة بمثل والقرينة على المقدر قوله كذلك يضرب الله الأمثال، وقوله في النار صفة مؤسسة لأنّ الموقد عليه يكون في النار وملاصقا لها وقيل إنها مؤكدة. قوله:) فإنه) أي الله تعالى مثل الحق بتشديد الثاء أي أتى به على طريق التمثيل المركب، إذ شبه الحق وثباته للنفع والباطل وعدم ثباته، وقوله في منافعه بالنون والقاف والعين جمع منقع، وهو مجتمع الماء كالغدران وفي نسخة منابعه بالباء الموحدة بدل القاف جمع منغ والأولى أظهر لأنه الذي يناسب السلوك بعده وقوله وبالفلز عطف على قوله بالماء إشارة إلى أنه تمثيل آخر، وبين ذلك أي وجه الشبه في المذكور بقوله فأمّا الزبد الخ تبدأ بالزبد في البيان، وهو متأخر في الكلام السابق وفي التقسيم يبدأ بالمؤخر كما في قوله يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الذين اسودّت الخ وقد راعى الترتيب فيه، ولك أن تقول النكتة فيه أنّ الزبد هو الظاهر المنظور أوّلاً وغيره باق متأخر في الوجود لاستمراره، والاية من الجمع والتقسيم على ما فصله الطيبيّ. قوله: (يجفأ به أي يرمي به السيل الخ) يقال جفأ الوادي بالسيل، والماء بالزبد إذا قذفه ورمى به فالباء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 للتعدية، وقيل إنه كرماه ورمى به وجفاء حال لأنه بمعنى مرمياً والجفال باللام بمعنى الجفاء بالهمز، وهو الزبد المرمى به، وهذه القراءة لرؤبة وكان أبو حاتم رحمه الله لا يقبل قراءته، وقوله للمؤمنين الذين استجابوا ليس تقديراً للموصوف بل بيان لحاصل المعنى، وقوله الاستجابة الحسنى تقدير للموصوف. فوله:) على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين الخ (شأن الفريقين هو صفتهما وحالهما، وهو الحق والباطل ولهما أي لأهل الحق والباطل، وهم المستجيبون وغيرهم فاللام داخلة على الممثل له لا على المضروب له المثل ولو كان كذلك لقيل للناس أو لقوم يعقلون ولم يفصل هذا التفصيل، قيل: ولك أن تعكس فتجعل المعنى ضرب مثل أهل الحق والباطل ضرب المثل للمؤمنين والكفار على أن يكون المراد بالفريقين أهل الحق والباطل بحذف المضاف، والمضاف إليه كقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآبة: 19، أي كمثل ذوي صيب فلفظ الشان ليس إلا لأن ضرب المثل يكون للشؤون دون الذوات، ويجوز أن يكون قوله ضرب المثل لهما على معنى كضرب المثل لهما ونصبه بنزع الخافض، وفيه تأمّل. فوله: (وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى الخ) في البحر هذا التفسير أولى لأنّ فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين كما وقع في غير هذه الآية، والله قد ضرب الأمثال في غيرهما، ولأن فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف الأوّل ولأنّ تقدير الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة، ومقابلها بنفي الاستجابة الحسنى لا نفي الاستجابة مطلقا، ولأنه على الأوّل يكون قوله لو أنّ لهم ما في الأرض! كلاماً مفلتا، أو كالفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين لو أنّ لهم إلى آخره، وأيضاً إنه يوهم الاشتراك في الضمير، وان كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما ورذ هذا مع الاعتراف بأنّ هذا الوجه أرجح كما اتفق عليه شراج الكشاف بأنه لا مقتضى للتفسير الأوّل لتقييد الأمثال عموما بمثل هذين ألا ترى قوله تعالى كذلك، ثم إنه يفهم من الأوّل ثواب المستجيبين أيضا ألا ترى القصر المستفاد من تقديم الظرف في قوله لهيم، والإشارة بأولئك إلى علية أوصافهم الخبيثة، وأيضا قوله الحسنى صفة كاشفة لا مفهوم لها فإن الاستجابة لله لا تكون إلا حسنى وكيف يكون قوله لو أن لهم الخ كلاما مفلتا، وقد قالوا إنه استئناف بياني لحال غير المستجيبين، وكيف يتوهم الاشتراك في الضمير مع أنّ اختصاصه بالكافرين معلوم (قلت (ما ذكروه متوجه بحسب بادئ الرأي، والنظرة الأولى أمّا إذا نظر بعين الإنصاف بعد تسليم أنه أحسن، وأقوى علم أنّ ما ذكره وارد فإنّ قوله كذلك يقتضي أنّ هذا شأنه، وعادته في ضرب الأمثال فيقتضي إن ما جرت به العادة القرآنية مقيد بهؤلاء، وليس كذلك وما ذكره ولو سلم فهو خلاف الظاهر، وأمّا قوله إنّ ثواب المستجيبين معلوم مما ذكره ففرق بين العلم ضمنا، والعلم صراحة، وأمّا أنّ الصفة مؤكدة أولاً مفهوم لها فخلاف الأصل أيضا، وكون الجملة غير مرتبطة بما قبلها ظاهر، والسؤال عن حال أحد الفريقين مع ذكرهما ملبس وعود الضمير على ما قبله مطلقاً هو المتبادر وما ذكر يدفع الإيهام، وفي شرح الطيبي ما يؤيده فتأمّل، وقوله بأن يحاسب تفسير لمناقشة الحساب المذكور في حديث من نوقش الحساب عذب، وقوله والمخصوص بالذمّ محذوف أي مهادهم أو جهنم. قوله:) قيستجيب) بالرفع ويستجيب الثاني منصوب في جواب النفي وقوله لا يستبصر أي لا يدرك ما ذكر وفيه إشارة إلى تشبيه الجاهل بالأعمى الذي لا يأمن العثار والوقوع في المهاوي، وتشبيه ضدّه بضده. قوله: (والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما الخ) أشار بقوله بعدما ضرب الخ إلى أنّ الفاء للتعقيب في الذكر فالهمزة لإنكار التعقيب أو لتفريعه عليه ويصح أن تكون لتعقيب الإنكار لأنها مقدمة من تأخير، والتشابه لأن تشبيه شيء بشيء يقتضي شبه الآخر به لا المصطلح. قوله: (المبرأة عن مثايعة (وفي نسخة متابعة، وهي بمعناها وفيه إشارة إلى الفرق بين اللب والعقل كما ذكره الراغب وغيره فإن لب كل شيء خالصه وخلوص العقل أن لا يتبع ما ألفه ولا وهمه من غير تأقل قال الطيبيّ رحمه الله ولذا علق الله الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب، وقيل إنهما مترادفان والقصد بما ذكر دفع ما يتوهم من أنّ الكفار عقلاء مع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 أنهم غير متذكرين ولو نزلوا منزلة المجانين حسن. قوله:) الذي عقدوه (وفي نسخة ما عقدوه فالعهد عهد ألست، والمصدر مضاف لفاعله ولو جعل العهد على هذا ما عقده الله لهم إذ ذاك صح، وكان مضافا لفاعله أيضا كما في الوجه الثاني، وفي قوله في كتبه إشارة إلى أنّ المراد من الذين ما يشمل جميع الأمم وما في كتبه الأحكام والأوامر والنواهي. قوله: (ما وثقوه من المواثيق الخ (ما بينهم وبين الله النذور ونحوها مما بين في كتب الأحكام وما بينهم وبين العباد هو العقود وما ضاهاها، وكونه تعميما بعد تخصيص على كلا تفسيري العهد، وقيل إنه على التفسير الأوّل لعهد الله وإلا فعلى الثاني تخصيص بعد تعميم، وليس كذلك لأن نقض الميثاق على تفسيره، وهو إبطال ما تقدم من العهود الإلهية وما يجري بينهم وبين غيرهم من الخلق شاماى لما عهد في عالم الأزل من التوحيد وغيره، كما أنه شامل لما عهد الله على خلقه في كتبه وغيره مما لم يذكر فيها. قوله. (من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان (مفعول أمر محذوف تقديره أمرهم به وان يوصل بدل من الضمير المجرور، وقول المصنف رحمه الله من الرحم بيان لما الموصولة قيل والموالاة والإيمان لا يستقيم جعله بياناً لما لأنه وصل لا موصول، ودفعه بأنّ المراد به الحاصل بالمصدر لا يجدي والأمر فيه سهل لأنّ مراده والمؤمنين بموالاتهم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإيمان بهم، والناس بمراعاة حقوقهم بل سائر الحيوانات بما يطلب في حقها، وجوبا أو ندبا كما في الكشاف ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان، إنما المؤمنون إخوة بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم والذب عنهم والشفقة عليهم والنصيحة لهم وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم، وافشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهيم، ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر وكل ما تعلق منهم بسبب حتى الهرّة والدجاجة انتهى، ومن توهم إنه خارج عما أمر الله بوصله فقد وهم وهو ظاهر. قوله: (وعيده عموماً) في فروق العسكري الخوف متعلق بالمكرو.، ومنزل المكروه تقول خفت زيدا وخفت المرضى. والخشية تتعلق بمنزل المكروه دون المكروه نفسه، ولذا قال غعالى: {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} [سورة الوعد، الآية: 21] قيل وبه يظهر ما في كلام المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري وليس هذا بمسلم لقوله خشية إملاق، وقوله لمن خشي العنت منكم وقد فرق الراغب رحمه الله كي عفرداته بينهما بفرق آخر فقال الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم ولذلك خص العلماء بها في قوله ئعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ومثله من الفروق أغلبي لا كليّ وضعي فلذا لم يفرق بينهما المصنف رحمه الله باعتبارهما، وإنما فرق بينهما باعتبار المتعلق، وقوله وعيده بيان لمتعلق الخشية لأنّ الذات من حيث هي لا تخشى أو إشارة إلى تقدير مضاف فيه وذكر الخاص بعد العام للاهتمام به وكونه خاصا فيه تسمح لأنّ الوعيد من قبل ما يذكر والسوء فعل مغاير له لكنه لكونه حموعودا مندرج فيه في الجملة، وقوله-قجحاسبون أنفسهم إشارة إلى ما ورد في! لحديهث: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " (1) . قوله: (علي ما! قكرهه / النفس) وفي عسخة لمنفوس بالجمع وما تكرهه هو المصاضب البدنية والمالية وما يخالصه الهوى أي هوى " النفس كالانتقام، ونحوه، ويدخل فيما ذكر التكاليف. وقوله طلبا لزضاه إضارة إلئ أنه مفجول له وكجوز أن- يكون حالاً. قوله: (لا تحوزا وسنعة) أي لا يكون صبره لأجل ا! الئحرّز والصيائة! ق! هـ " أو ماله بل بنية حسشة فهو بالحاء والراء المهملتين والزاء المعجمة كما في نسخة، ووخع 1 في. نسخة أخزى تحوّزاً بالواو بدل الراء الم! هملة، وفسرت بالحماية عن الخوزة وهي بيضة الملك، واعترض عليه بأنه لهم يسمع لكن ابن تيمية قال إنه يقال تحوّز وتحيز وهو ثقة، والسمعة الرياء، وقوله المفروضنة-لمو أبقاه على إطلاقه كان أولى ومثله سهل، وقوله بعضه بيان لمعنى من التبعيضية والواجب التفقة على المماليك والعيال، واخراج الزكاة ونخوها، وقوله كمن- لا يعرف الخ بالكاف وفي ذمدشة باللام وكونه لا يعرف بالمال بيان للأولى لأنّ من لا يعرف لو أظهر الإنفاق لأنهم ومن عرف به لو أظهره ربما دخله الرياء والخيلاء، ولو حمل السز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 على صدقة السز والعلانية على ما ينبغي إظهاره كالزكاة أو أبقى على إرادة العموم منه لكان له وجه. قوله:) فيجارّون الإساءة بالإحسان الخ (أي يقابلونها بها مع القدرة على غيرها، وهذا كما فسر بدفع الشرّ بالخير وفي الوجه الثاني يكون كقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سورة هود، الآية: 114] وهو مخصوص بالصغائر أو بدفع الذنب بالتوبة. قوله: (عاقبة الدنيا (يعني تعريف الدار للعهد والمراد بها دار الدنيا وعاقبتها الجنة لأن العاقبة المطلقة هي الجنة قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 28 ا] وترك قوله في الكشاف لأنها هي التي أراد الله لأنه مبنيّ على الاعتزال للتفادي عن نسبة دار الشرّ إليه كما لا ينسب الشرّ إليه عندهم وتبعية الإمام له في ذلك غفلة عما أراد أو أنه لم ينظر إلى مفهومه، وإنما قال مآل أهلها ليشمل الفاسق المعذب فإنه يؤول أمره إليها لأنه موصوف بهذه الصفات في الجملة فإن كان خارجا منها فالمراد مالهم من غير تخلل لدخول النار. قوله: (إن رفعت بالابتداء) وهو الأوجه لما في الكشف من رعاية التقابل بين الطائفتين، وحسن العطف في قوله ولا ينقضون وجريهما على استئناف الوصف للعالم، ومن هو كالأعمى والاستئناف نحويّ أو بيانيّ في جواب ما بال الموصوفين بهذه الصفات، وقوله بدل أي بدل كل من كل. قوله: (أو مبتدأ خبره يدخلونها (قيل إنه بعيد عن المقام والأولى أن يقال خبر مبتدأ محذوف، ولا وجه له لأنّ الجملة بيان لقوله: {عُقْبَى الدَّارِ} فهو مناسب للمقام، وبطنان الجنة وسطها فيكون بدل بعض وقوله للفصل بالضمير أي المنصوب الذي هو مفعول، وقوله أو مفعول معه اعترض عليه بأنها لا تدخل إلا على المتبوع، ورد بأنه إنما ذكر في مع لا في واو المعية وفيه نظر. قوله: (وهو دليل على انّ الدرجة تعلو بالشفاعة الخ) قيل إنه لا دلالة على ما ذكر خصوصاً إذا كان ومن صلح مفعولاً معه وأجيب عنه بأنه إذا جاز أن تعلو بمجرّد التبعية للكاملين في الإيمان تعظيما لشأنهم فالعلوّ بشفاعتهم معلوم بالطريق الأولى (أقول الما كانوا بصلاحهم مستحقين لدخول الجنة كان جعلهم في درجتهم يقتضي طلبهم لذلك، وشفاعتهم لهم بمقتضى الإضافة فتأمّل. قوله:) أو أنّ الموصوفين بتلك الصفات الخ) على هذا الوجه لا دلالة فيه على أنّ دخولهما بالتبعية بل إنهم بعد الدخول يجمع بينهم، وبين أهلهم تأنيساً لهم وجمعا لشملهم ودلالته على عدم نفع النسب في الآخرة من توصيفهم بالصلاح دون أن يقال وآباؤهم الخ وظاهر كلامه أنّ من قرن بهم يكون موصوفا بتلك الصفات أيضا، فما قيل في قوله يقرن بعضهم ببعض إنه إذا قرن بهم من هو أدنى منهم فلأن يقرن من هو مثلهم في تلك الصفات أولى فيه بحث. قوله: (أو من أبواب الفتوح والتحف) الفتوح جمع فتح، وهر الرزق الذي يفتح الله به عليهم مما لم يكن على بال من الأرزاق وليس التحف عطف تفسير له، وقيل المراد بالباب النوع ومن للتعليل والمعنى يدخلون لاتحافهم بأنواع من التحف، وفي كون الباب بمعنى النوع كالبابة نظر فإن ظاهر كلام الأساس وغيره أنه معنى الثاني فالظاهر أنه مجاز أو كتابة عما ذكر لأنّ الدار التي لها أبواب إذا أتاها الجم الغفير يدخلونها من كل باب فأريد به دخول الأرزاق الكثيرة عليهم وأنها تأتيهم من كل جهة وتعدد الجهات يشعر بتعدّد المأتيات فإنّ لكل جهة تحفة. قوله: (قائلين سلام عليكم (أي هو حال بتقدير القول قيل، ولم يقل أو مسلمين كما في الكشاف لابتنائه على أنه إنشاء للتسليم وقد جعله المصنف رحمه الله للإخبار لأنه المناسب للمقام بدلالة قوله بشارة بدوام السلامة والدوام مستفاد من الجملة الاسمية، وفيه نظر لأنّ الجملة الإنشائية لا تقع حالاً فالظاهر أنّ مراده أنها مفعول قائلين المقدر الواقع حالاً من فاعل يدخلون أو هو حال من غير تقدير لأنها فعلية في الأصل أي يسلمون سلاما. قوله: (متعلق بعليكا) أي بما تعلق به عليكم أو به نفسه لأنه نائب عن متعلقه، وقد مغ هذا السفاقسي لا بسلام لأنه لا يفصل بين المصدر ومعموله بالخبر لأنه أجنبيّ قاله أبو البقاء، وجوّزه غير أبي البقاء قال في الدر المصون وجهه أنّ المنع إنما هو في المصدر المؤوّل بحرف مصدرقي وفعل وهذا ليس منه والمصنف رحمه الله تبع فيه أبا البقاء، وقد علمت جوابه مع أنّ الرضي جؤزه مع التأويل أيضاً، وقال لا أراه مانعاً لأنّ كل مؤول بشيء لا يثبت له جميع أحكامه، وقال صاحب الكشف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 إنّ عليكم بحسب أصله ليس بأجنبي فلذا جاز الفصل به، أو هو خبر مبتدأ محذوف متعلق بكائن أو مستقرّ المحذوف، وتقديره هذا أي الثواب الجزيل بما صبرتم، وما مصدرية أي بصبركم أي بسببه أو بدل منه فإنّ الباء تكون للبدلية كما ذكره النحاة، وقوله وقرئ الخ أي قراءة الجمهور بالكسر والسكون وغيرها شاذة وهي لغات فيها، وقوله وبغيره أي بغير النقل وابقائها مفتوحة على الأصل، والمخصوص بالمدح محذوف أي الجنة. قوله:) من بعدما أوثقوه به من الإقرار والقبول (جعل الميثاق اسم آلة وهو ما يوثق به الشيء فعهد الله قوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 172] وميثاقه الاعتراف بقوله بلى، وقد يسمى العهد من الطرفين ميثاقا لتوثيقه ما بين المتعاهدين، وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله أوّلاً في قوله ما وثقوه بينهم وبين الله فلا تنافي بين كلاميه لأنّ التوثيق حصل بالمجموع، وهو في الحقيقة بالجواب، وقوله بالظلم أي لأنفسهم وغيرهم وتهييج الفتن بمخالفة دعوة الحق واثارة الحرب على المسلمين. قوله: (عذاب جهنم) يعني المراد بالدار جهنم وسوءها عذابها، أو سوء عاقبة الدنيا فالدار هي الدنيا وسوءها عاقبتها السيئة، وهي عذاب جهنم أو جهنم نفسها، ولم يقل سوء عاقبة الدار لأنّ العاقبة إذا أطلقت يراد بها الجنة كما مرّ وهذا الوجه أحسن كما أشار إليه المصنف رحمه الله لرعاية تقابل عقبى الدار إذ المراد بها ثمة الدنيا أيضاً، ولأنه المتبادر من الدار بقرينة ما قابله وهو الحاضر في أذهانهم. قوله: (يوسعه ويضيقه) ترك قول الزمخشري الله وحده هو يبسط الرزق لأن مثله لا يفيد الحصر عند صاحب المفتاح، والزمخشريّ يرى أنه قد يرد له لأنه لا مانع من الجمع بين التقوى، والتخصيص عنده وبسط الرزق توسعته، وأئا قول المصنف رحمه الله تعالى ويضيقه فليس من مدلوله بل لازم له لأنه إذا وسعه إذا شاء لزم منه تضييقه إذا لم يشأ، وهذا وان كان عاما نزل في حق أهل مكة كأنه دفع لما يتوهم من أنه كيف يكونون مع ما هم عليه من الضلال موسعا رزقهم فبين أنّ توسعة رزقهم ليس تكريماً لهم كما أنّ تضييق رزق بعض المؤمنين ليس إهانة لهم بل ذلك لحكم الهبة، ثم إنه تعالى استأنف النعي على قبح أفعالهم مع ما وسعه عليهم فقال، وفرحوا الخ والمراد بالرزق الدنيوي لا ما يعمّ الأخروي كما قيل لأنه غير مناسب للسياق، وقوله بما بسط لهم في الدنيا لأن فرحهم ليس بنفس الدنيا فنسبة الفرح إليها مجازية أو بتقدير أي ببسطه الحياة وكذا إسناد المتاع إليها أو الحياة الدنيا مجاز عما فيها، وفسر ضمير فرحوا بأهل مكة مع عدم سبق ذكرهم وهم المراد بالذين كفروا بعده ولم يعكس للعلم به في الأوّل، وتسجيل الكفر عليهم في الثاني، وليس فيها تقديم وتأخير كما قيل ومحله بعد يفسدون لاختلافهما عموما وخصوصا واستقبالاً ومضيا. قوله:) في جنب الآخرة (يعني أنّ الجاز والمجرور حال أي، وما الحياة القريبة كائنة في جنب الآخرة وليس متعلقا بالحياة ولا بالدنيا لأنهما ليسا فيها، وفي هذه معناها المقايسة، وهي كثيرة في الكلام كما يقال الذنب في رحمة الله كقطرة في بحر، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وهي الظرفية المجازية لأنّ ما يقاس بشيء يوضع بجنبه، وقيل معنى الآية كالخبر الدنيا مزرعة الآخرة يعني كان ينبغي أن يكون ما بسط لهم في الدنيا وسيلة إلى الآخرة كمتاع تاجر يبيعه بما يهمه، وينفقه في مقاصده لا أن يفرحوا بها ويعدونها مقاصد بالذات، والأوّل أولى وأنسب. قوله:) الآمتعة لا تدوم كعجالة الراكب الخ) المتعة ضم الميم وكسرها الزاد القليل كما يعطي لمن هو على جناج سفر وهو راكب على دابته من غير إعداد له فإنه يكون أمراً قليلا كتمرات أو شربة سويق وقوله أشروا الأشر الفرج بطراً وكفراً بالنعمة، وهو المذموم لا مطلق الفرح وقوله ولم يصرفوه الخ إشارة إلى أن وضع النعمة في موضعها، وصرفها في محلها مما يستوجب به الثراب شكراً لها واداء لحقها. قوله: (باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات) إنما فسره وقيده بما ذكر لأنه المناسب للجواب عن اقتراحها فلا وجه لحذفه حتى يشمل ما قبله من الضلال كما قيل وقوله أقبل إلى الحق إشارة إلى أنّ الإنابة بمعنى التوبة ولما كان حقيقته كما في الكشاف دخل في نوبة الخير، وهو الإقبال على الحق فسره به لأنّ أصل معناه الرجوع، ومن لوازم الرجوع عن شيء الإقبال على خلافه كما قيل. قوله: (وهو جواب يجري مجرى التعجب من تولهم الخ) يعني أن قولهم لولا أنزل عليه آية من ربه من باب العناد، والاقتراج ورد الآيات الباهرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 المتكاثرة، وإنما يستحق هذا الكلام بحسب مقتضى الظاهر أن يقابل بأن يقال ما أعظم كفركم وأشد عنادكم ونحوه، فوضع هذا موضعه إشارة إلى أنّ المتعجب منه يقول إن الله يضل من يشاء الخ، وقوله ممن بيان لمن يشاء، وقوله كل آية أي مما اقترحوه وغيره، وقوله بما جئت به متعلق بيهدي، وقوله بدل من من أقي بدل كل من كل أو عطف بيان عليه أو منصوب بأعني ونحوه مقدراً وقيل إنه مبتدأ والموصول الثاني بدل منه، وطوبى لهم خبره فيتم التقابل، وهو أولى من جعل الموصول الثاني خبراً وألا بذكر الله اعتراضا وطوبى لهم دعاء. قوله تعالى: ( {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم} (عبر بالمضارع لأنّ الطمأنينة تتجدد بعد الإيمان حينا بعد حين، وقوله أنسابه واعتمادا عليه أي لا تضطرب للمكاره لأنسها بالله، واعتمادها عليه في الإزالة اً والثبوت عليها والضمائر كلها لله، وهذه الآية لا تنافي قوله تعالى: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 2، إذ المراد هناك وجلت من هيبته واستعظامه، وهو لا ينافي اطمئنان الاعتداد والرجاء. قوله:) او بذكر رحمته (ففي الكلام مضاف مقدر وهذا مناسب للإنابة إليه تعالى وقوله أو بذكر دلائله فيه أيضا إشارة إلى التقدير، وهذا يناسب ذكر الكفر ووقوعه في مقابلته فالمصدر مضاف للمفعول، والضمائر كلها لله والاطمئنان على الأوّل من مكروه العذاب، وعلى الثاني عن قلق الشك والتردّد، وقوله أو بكلامه الخ لا حاجة في هذا إلى تقدير ألمضاف لأنّ القرآن يسمى ذكراً وهذا يناسب قوله: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} [سورة يونس، الآية: 20، أي هؤلاء ينكرون كونه آية والمؤمنون يعلمون أنه أعظم آية تطمئن لها قلوبهم ببرد اليقين، وهو أنسب الوجوه والمصدر فيه بمعنى المفعول، وقوله تسكن إليه أي إلى الله تستأنس بسبب ذكره أو إلى ذكره فهو معنى غير ما تقدم، وليس تكريراً معه وتطمئن بمعنى اطمأنت معطوفة على الصلة، أو هي جملة معترضة فتدبر. قوله: (فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا) كموسر وموقن، وقيل إنها جمع طيبة كضوقي في ضيقة ورد بأنّ فعلى ليست من أبنية الجموع فلعله أراد أنه اسم جمع، وقيل إنها اسم شجرة في الجنة، وهي مرفوعة بالابتداء، وان كانت نكرة لأنها للدعاء أو للتعجب كسلام لك وولل له، وقال ابن مالك إنها لا تكون إلا مبتدأ ولا تنصرف، وخالفه غيره فجوّز نصبها ويدل عليه عطف المنصوب عليها في قراءة، وأجاب عنه السفاقسيّ بأنه يجوز نصبه بمقدر أي رزقهم حسن مآب، وهو بعيد، وقرئ طيبي بالياء في الشواذ وعلى الرفع الجملة الدعائية خبر للمبتدأ بتأويل يقول لهم أو هي خبرية، والمعنى لهم خير كثير وإذا نصبت فناصبها فعل مقدّر أي طاب، وهو الخبر واللام للبيان كما فني سقيا له، ومنهم من قدر جعل طوبى لهم، وقوله ولذلك قرئ وحسن ماب بالنصب، وأمّا الرفع فلا حاجة إلى دليل لأنه متفق عليه، وهو قراءة الجمهور. قوله: (مثل ذلك) يعني إرسال الرسل قبلك فشبه إرساله صلى الله عليه وسلم بإرسال من قبله وان لم يجر لهم ذكر لدلالة قوله قد خلت عليهم، والزمخشري على عادته في مثله يجعل الإشارة إلى إرساله والإشارة بالبعيد للتفخيم كما مز تحقيقه في سورة البقرة أي أرسلناك إرسالاً له شأن، وفي في قوله في أمم بمعنى إلى كما في قوله فردّوا أيدهم في أفواههم، وقوله يعني إرسال الخ تفسير لذلك فلا يرد ما قيل الأحسن أن يقول مثل إرسال الخ، وقيل في إشارة إلى أنه من جملتهم وناشئ بينهم فلا ينكر لا بمعنى إلى إذ لا حاجة لبيان من أرسل إليهم وفيه نظر. قوله: (أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليها) هذا بناء على تفسيره للتشبيه وأفا على تفسير الزمخشريّ فقيل إنه لا يكون لقوله قد خلت كثير مساس هنا، وتأويله بقوله فهي آخر الأمم الخ منظور فيه إذ لا يلزم من تقدم أمم كثيرة قبله أن لا يكون أمّة يرسل إليها بعده حتى يلزم أن يكون خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيه بحث لأنّ المراد بكون إرساله عجيبا أنّ رسالته أعظم من كل رسالة فهي جامعة لكل ما يحتاج إليه فيلزم أن لا نسخ إذ النسخ إنما يكون للتكميل، والكامل أتتم كمال غير محتاج لتكميل كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 3] . قوله: (لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك) بيان لمحصل المعنى لا لتقدير موصوف للذي، وان جاز وفي إبهامه وذكر نون العظمة تفخيم له لا يخفى، وضمير عليهم للأمّة باعتبار معناها كما روعي في الذي قبلها لفظها. قوله: (وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الخ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 إشارة إلى أنّ هذه حال من فاعل أرسلنا لا من ضمير عليهم إذ الإرسال ليس للتلاوة عليهم حال كفرهم ومنهم من جوّزه وأنّ التلاوة عليهم في حال الكفر ليتفقوا على إعجازه فيصدّقوا به لعلمهم بأفانين الفصاحة، ولا ينافي تلاوته عليهم بعد إسلامهم، ويجوز في الجملة أن تكون مستأنفة لكنه مخالف لظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقوله بالبليغ الرحمة إشارة إلى فائدة الالتفات عن بنا إلى الظاهر، دمايثار هذا الاسم الدال على ما ذكر والمبالغة في الرحمة من صيغة الرحمن، وفسرها لشمولها للكل بقوله وسعت كل شيء رحمته، وقوله فلم يشكروا نعمه الخ يعني أنهم فابلوا رحمته العامّة، ونعمه بالكفر ومقتضى العقل عكسه بأن يشكروها ويعرفوا المنعم بها فيوحدوه، وفسر الرحمة بالنعمة تنبيها على أنهما بمعنى هنا، وقوله الدنياوية بالألف على ما بين في الصرف من أنه يقال دنيوية ودنياوية، وما في ما أنعم مصدرية، وقوله بإرسالك فإنه رحمة للعالمين. قوله: (وقيل نزلت الخ (وقيل نزلت في الحديبية حين كتب بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا الرحمن لا نعرفه، وقيل نزلت حين سمعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا الله يا رحمن فقالوا: إنه يدعو الهين، وهذه كلها غير مناسبة، ولهذا مرضه المصنف رحمه الله تعالى لأنه يقتضي أنهم يكفرون بهذا الاسم، واطلاقه عليه تعالى، والظاهر أنّ كفرهم بمسماه، وقوله حين قيل لهم الخ لا حين كفروا به ولم يوحدوه كما في الوجه الأوّل وهذه الآية في سورة الفرقان قيل، وهو يقتضي تقدم نزول تلك الآية فالمناسب الجواب بهو ربي فيها أيضا أو هو ربكم وفيه نظر. قوله: (قل هو ريي الخ) فسره بما ذكر لما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالأخبار بتخصيص توكله عليه أو لإنشاء ذلك وأمر أولاً بأن يقول هو ربي توطئة لقوله عليه توكلت ولما لم يلزم من قوله هو ربي توحده بالألوهية ضم إليه قوله لا إله إلا هو وهو داخل في حيز قل سواء كان صفة أو خبرا بعد خبر، وفيه تنبيه على أنّ التوكل عليه لا على غيره، وما قيل إنّ المقصود الإخبار بأنّ التوحيد بهو ربي لا الإخبار بأنه هو متوحد ابالألوهية فيه فتأمّل. قوله: (مرجعي ومرجعكم) فيرحمني ويتتقم منكم، والانتقام من الرحمن أشدّ كما قيل أعوذ بالله من غضب الحليم قيل، وعلى كلام المصنف رحمه الله تعالى متاب مبتدأ نكرة مخصص بتقد! م خبره عليه، وهو مخالف لما في الكشأف ورد بانّ التقديم للتخصيص أي إليه لا إلى غيره، والمبتدأ معرفة بالإضافة والمضاف إليه محذوف تقديره متابنا، وقوله مرجعي ومرجعكم تفصيل له والظاهر ما في الكشاف إذ تقدير ضمير المتكلم مع الغير لا يناسب ما قبله، وكلام المصنف رحمه الله تعالى قد يحمل عليه بأن يكون اكتفاء والتقدير متابي ومتابكم وان الكلام داذ عليه التزاما فتاقل. قوله: (شرط حذف جوابه) أي إن قلنا إنه يحتاج إلى جواب، وان جعلت وصلية لا ج! واب لها والجملة حالية أو معطوفة على مكدر لم يقدر شيء والجواب على هذا ذكره المصنف رحمه الله تعالى فيما سيأتي بقولمه لكان هذا القرآن الخ، وقوله والمراد منه تعظيم شأن 11 لقرآن مبنيّ على التقدير الأوّل، وقوله أو المبالغة الخ مبنيّ على الثافي، وقوله لو أن كتابا بيان لأنّ قراناً بمعنى الكتاب المقروء مطلقاً فهو بمعناه اللغوي لا العرفي لأنه المراد وبه يتم الارقباط، وزعزعت بزاءين معجمتين وعيين مهملتين بمعنى حركت وقلعت من مكانها إلى آخر، ومقارّها بتشديد الراء جمع مقرّ أي محك- قوله: (تصدّع من خشية الله الخ) أي المراد بتقطعها تقطع وجهها وتفرقه وذلك إمّا لخشية الله أو لتجري منها " الأنهار وتنفجر العيون والظاهر أنه حقيقة على سبيل الفرض كقوله: ولو طار ذو حافر قبلها على كلا الديرية في الجواب، وجعله تمثيلاً كقوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [سورة الحشر، الآية: 21] لا وجه له وأمّا تمثيل الزمخشري بتلك الآية فليس يريد به أنها تمثيل مثلها بل بيان لأنّ القرآن يقتضي غاية الخشية، وقوله وعيوناً في نسخة أو يخونا وهما بمعنى. قوله: (فتقرأه أو فتسمع وتجيب عند قراءته) الباء على الأوّل صلة كلم وعلى الثاني للسببية أي لو كلم أحد بقرآن الموتى لكان هذا أو لو كلم الموتى بأن أسمعهم فأجابوا بسبب سماعه بما يدل عبى حقيته، وقوله النهاية في التذكير والإنذار ناظر إلى قوله تصدّعت من خشية الله، وقوله كقوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا} يعني هذه الآية تشهد لتقدير الجواب الثاني. قوله: (وقيل إن قريثاً قالوا يا محمد إن سرّك الخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 (بيان لسبب النزول، وهو تأييد لتقدير الجواب الثاني، وليس فيه مغايرد لما سبق إلا في جعل التقطيع من قطع الأرض بمعنى سيرها، وقطائع جمع قطيعة وهي الأرض التي تزرع ومنه إقطاع الجند، وقوله تشع أي مكة مجزوم في جواب الأمر وتسخير الريح ليركبوها فيذهبوا ويأتوا في زمان يسير فيستغنون عن رحلة الثتاء والصيف، وابعث لنا أي أحيه لنا لنكلمه فيخبرنا بصحة نبوّتك. قوله: (وقيل الجواب مقدم الخ) معطوف على قوله حذف جوابه، وهذا منقول عن الفراء وغيره ممن يجوز تقديم جواب الشرط عليه ولا يخفى أنّ في اللفظ نبوة عنه لكونها اسمية مقترنة بالواو، ولذا أشار السمين رحمه الله تعالى إلى أن مراده أنها دليل الجواب لكنه يكون لا فرق يينه وبين تقدير لما آمنوا في المعنى وقوله خاصة أي دون ب! ميرت وقطعت لأنه جمع ميت، والميت منه مذكر فنظر إليه تغليبا. قوله: (بل دلّه القدرة على كل شيء الخ (قال في الكشاف إنه على معنيين أحدهما بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ألا إنّ علمه بأن إظهارها مفسدة يصرفه، والثاني بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان وهو قادر على الإلجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار، ويعضده قوله أفلم ييأس الذين الخ ولما كان الثاني مبنياً على مذهبه كما بينه شرّاح الكشاف تركه المصنف رحمه الله تعالى واقتصره على الأوّل وهذا جار على وجوه تقدير الجواب إمّا على الأخير فظاهر، وأمّا على الأوّل فلأن إرادة تعظيم شأن القرآن لا تنافي الردّ على المقترحين وقوله عن إيمانهم فمتعلق اليأس محذوف تقديره ما ذكر لا أن لو يشاء واليأس على هذا بمعنى القنوط وقدمه لأنه المعروف من معناه، وقو! هـ إضراب عما تضمنته لو الخ أي لا يكون تسيير الب ل وما ذكر بقرآن بل يكون بقيره مما أهـ اده الله فإنّ الأمر له جميعاً فلا يرد عليه شيء حتى يتوهم أنّ الأحسن عطفه على مقدر أي ليس لك من الأمر شيء بل الأمر لله جميعاً. قوله: (وذهب كثوهم) أي المفسرين إلى أنّ معناه أفلم يعلم فاليأس بمعنى العلم، والتبين ويشهد له القراءة المذكورة، وقوله وهو تفسير. أي تفسيره بمعنى يدل على أنّ المراد منه ذلك لا أنهم قرؤوا بها للتفسير من غير أن يسمعوها من النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه غير صحيح. قوله: (وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه) أي اليأس مسبب عن العلم فإنّ الميؤوس عنه لا يكون إلا معلوما، وقد اختلفوا في أن استعمال اليأس بمعنى العلم هل هو حقيقة لأنه لغة قوم من اليمن يسمون النخع أو مجاز لأنّ اليأس متضمن للعلم فإنّ اليائ! عن الشيء عالم بأنه لا يكون فإن قلت اليأس حينئذ يقتضي حصول العلم بالعدم، وهو مستعمل في العلم بالوجود قلت أجيب بأنه لما تضمن العلم بالعدم تضمن مطلق العلم فاستعمل فيه فقول المصنف رحمه الله تعالى لا يكون إلا معلوما إمّا على ظاهره لأنّ ما يتطلبه الشخص، ثم ييأس منه لا بد له من علمه لأنه لا يطلب ما لا يعلم، ولا حاجة إلى حمله على العلم بوجوده أو عدمه حتى يتكلف له ما مرّ وقيل المراد به أنه معلوم الانتفاء، وقوله فإن بالفاء، وفي نسخة بأنّ بالباء الموحدة والأولى أولى وفي نسخة لا يكون بدون قوله إلا معلوما فهي كان التامّة، وهذه تؤيد ما قيل إنّ المعنى معلوماً انتفاؤه. قوله: (ولذلك علقه بقوله أن لو يشاء الله الخ) أي لكون اليأس بمعنى العلم، والمراد بتعلقه به جعله معلولاً له بحسب المعنى سادّاً مسذ مفعوليه كما ذكره المعرب رحمه الله تعالى، وأن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشان محذوف، والجملة الامتناعية خبرها، وقوله فإنّ معناه نفي هدى بعض الناس لتصحيح المعنى فإنّ نفي تعلق المشيئة بهداية الجميع صادق بأن لا يهدي أحداً، وبأن لا يهدي بعضهم، ويهدي بعضاً آخرين، والأوّل غير واقع، وغير معلوم فكونه معلوما باعتبار ما صدقه الثاني، وليس هذا من التعليق المصطلح في شيء فإنه يتعدّى بعن وأمّا التعليق بمعنى جعله متعلقا به، ومعمولاً له فهو يتعدى بالباء، وأمّا ما قيل إنه من التعليق الاصطلاحي ولذا جعله بمعنى النفي ليكون فيه ما يقتضي التعليق، وانّ هذا معنى كلامه، وما عداه من خرافات الأوهام فليس بشيء، وإلى ما ذكرناه أوّلاً أشار بعض الفضلاء، والآية فيل إنها لإنكار سؤال المؤمنين على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم سألوا نزول الآيات المقترحة طمعا في إيمان قريش مع علمهم بانتفاء هدى بعض الناس لعدم تعلق مشيئة الله بذلك كما فيمن مات على إصراره فإنه يعلم منه أنّ اقتراحهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 بالآيات بعد صدور معجزات قاهرة دالة على صحة النبوّة قطعا ليس إلا لعدم تعلق مشيئة الله بإيمانهم فتأمّل. قوله: (وهو على الأوّل متعلق بمحذوف تقديره الخ) ضمير عن إيمانهم للكفار، والضمير في علماً منهم للمؤمنين، وعلماً منصوب على أنه مفعول له، وأن لو يشاء الله مفعول به لعلما المحذوف، ولم يقصر المسافة بتقدير لأن لو يشاء الله لأنه لا يصلح للعلية وإنما العلة علمهم بذلك ولم يجعله تضمينا لبعده. قوله: (أو بآمنوا) معطوف على قوله بمحذوف فإن لو يشاء معمول لآمنوا بتقدير الباء أي لم ييأس الذين آمنوا بمضمون هذه القضية عن إيمان هؤلاء الكفرة فإن قلت تعلقه به، وتخصيص إيمانهم بذلك بالذكر يقتضي أنّ لهذه دخلا في اليأس عن إيمانهم، والأمر بالعكس لأن قدرة الله على هداية جميع الناس تقتضي رجاء إيمانهم لا اليأس منه قلت وجه تخصيص الإيمان بذلك أنّ إيمان هؤلاء الكفرة المصممين كأنه محال متعلق بما لا يكون لتوقفه على مشيئة الله تعالى هداية جميع الناس، ذلك مما لا يكون بالاتفاق وذكر أبو حيان هنا وجهاً آخر، وهو أنّ الكلام قد تم عند قوله أفلم ييأس الذين آمنوا تقرير اليأس المؤمنين من إيمان هؤلاء المعاندين، وأن لو يشاء الله جواب قسم مقدّر أي أقسم لو يشاء الله لهدى الناس جميعا، وأن رابطة لجواب القسم كاللام الجوابية، وقد ذكر سيبويه رحمه الله، وابن عصفور أنها تكون كذلك في كلام العرب كقوله: أما والله إن لو كنت حرّاً ومابالحرأنت ولا العتيق وأمثا له. تنبيه: قوله أفلم ييأس كما تقدم في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام استيأسوا، وهي خمس قرأها البزي عن ابن كثير رحمه الله بخلاف عنه بألف بعدها ياء، والباقون على الأصل يئس فاؤها ياء وعينها همزة، وهي لغة والأولى على القلب بتقديم الهمزة على الياء بقلب حروفها ويدل عليه أمران الأوّل المصدر، وهو اليأس، والثاني أنه لولا أنه مقلوب لقلبت ياؤه ألفاً لتحرّكها، وانفتاج ما قبلها لأنها كانت في محل لا يقبل المل ب، وهو الفاء فكذلك ما وقع موقعه، وقال أبو شامة رحمه الله: بعدما ذكر قراءة البزي في الخمس كلمات، ولذا رسمت في المصحف كما قرأها البزي بألف مكان الياء، وياء مكان الهمزة، وقال أبو عبد الله: اختلف في هذه الكلمات في الرسم فرسم ييأس، ولا تيأسوا بألف ورسم الباقي بغير ألف (قلت) هذا هو الصواب، وكأنها غفلة من أبي شامة انتهى من الدر المصون (أقول) ما ذكره من اتفاقهم على رسمه كما ذكر مقرّر، وتخطئة أبي شامة خطأ منه لعدم فهم كلامه فإنه ذكر أنها رسصت بألف، ولم يقل في الخمسة ولا في الجميع، ثم نقل تخصيص رسم الألف بموضعين فيكون كلامه المطلق أوّلاً محمولاً على المقيد ومفسراً لما أبهم أوّلاً فالمخطئ له هو المخطئ فاعرفه. قوله: (داهية تقرعهم وتقلعهم (القارعة من القرع، وأصله ضرب شيء بشيء كما قاله الراغب، واستعملت مجازا في الداهية المهلكة نحو قوله: {الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ} [سورة القارعة، الآية: أ] وقوله تقلعهم أي تهلكهم وتستأصلهم وقوله تحل بمعنى تنزل، وقوله يتطاير إليهم شررها الشرر واحده شرارة وهي ما يتطاير من النار يشير إلى أن المراد بحلولها بقربهم إشرافهم على الهلاك، وظهور أماراته بتطاير شرره وتواتر شروره. قوله: (وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالون مصابين الخ (هو على الأوّل للجنس من الكفرة، ولا يلزم منه حلول القارعة بجميعهم، وعلى هذا للكفرة المعهودين، والسرايا جمع سرية وهي قطعة من الجيش، ويغير من أغار على العدوّ، وحوأليهم بفتح اللام، والياء ظرف بمعنى حوله وفي جوانبه، ومواشيهم أي دواب أهل مكة، وأنعامهم، وقوله وعلى هذا أي اختصاصه بأهل مكة، والوجه هو الأوّل، وقصة الحديبية معروفة، وقوله الموت أو القيامة هو على التفسير الأوّل، وما بعده على ما بعده وقوله لامتناع الكذب في كلامه هذا بناء على أنّ الوعد خبر يتصف بالصدق، والكذب. قوله: (وعيد للمستهزئين والمقترحين عليه الخ) أدخل الاقتراح في الاستهزاء لأنّ عدم الاعتداد بآياته، واقتراح غيرها في المعنى استهزاء وباندراجه فيه ارتبط بما قبله أشد ارتباط ولذا صرّج به فما قيل إنّ اقتراحهم تسيير الجبال، وأخويه على سبيل الاستهزاء فهما شيء واحد لا وجه له، وملاوة وملوة بتثليث الميم فيهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 بمعنى حين وبرهة من الزمن ومنه الملوان، والحكمة في الإملاء ليؤمن من قدر ألله إيمانه، وششدرج غيره والدعة بفتح الدال الراحة، وقوله فكيف كان عقاب أصله عقابي، والياء تحذف في الفواصل في أمثاله وهو المطرد، ومثله متاب فيما مضى فلا وجه لما مرّ من أن يقدر متابنا، والمعنى كيف رأيت ما صنعت بهم فكذا أصنع بمشركي مكة إن شئت، وفي كيف كان تفخيم للعقاب، وتهويل له. قوله: (رقيب عليه (أي مراقب لأحوالها، ومشاهد لها فهو مجاز لأنّ القائم عند الشيء عالم به، ولذا يقال وقف عليه إذا علمه فلم يخف عليه شيء من أحواله، وتذكير ضمير عليه بتأويله بالشخص، والإنسان وكان الظاهر تأنيثه، وقوله ولا يفوت عنده شيء من جزائهم عطف كالتفسير لأن اطلاع الله على أعمال العباد إذا ذكر فالمراد مجازاتهم عليها. قوله: (والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك (أو تقدير الخبر لم يوحدوه أي من مبتدأ خبره محذوف، وتقديره ما ذكر، وجملة وجعلوا على هذا مستأنفة أو معطوفة على جملة أفمن هو قائم كمن ليس كذلك لأنّ الاستفهام إنكاريّ بمعنى النفي فهي خبرية معنى، وعلى الثاني جملة، وجعلوا معطوفة على الخبر المقدر، ولما قرّره في المغني قال الشارح رحمه الله لم يظهر لي وجه اختصاص العطف على الخبر بهذا الوجه الثاني فقيل إنه لاح لي بفضل الله وجهه، وهو حصول المناسبة بين المعطوف، والمعطوف عليه التي هي شرط قبول العطف بالواو في التقدير الثاني، وعدمها في الأوّل، ولذا قال أهل المعاني زيد يكتب ويشعر مقبول دون يعطي ويشعر انتهى. وهذا من قلة التدبر فإن مرادهم إنه على التقدير الأوّل يكون الاستفهام إنكاريا بمعنى لم يكن نفياً للتشابه على طريق الإنكار فإنّ عطف جعلهم شركاء عليه يقتضي أنه لم يكن وليس بصحيح، وعلى التقدير الثاني الاستفهام توبيخيّ، والإنكار فيه بمعنى لم كان وعدم التوحيد وجعل الشركاء واقع موبخ عليه منكر فيظهر عطفه على الخبر، وأمّا ما ذكره من حديث التناسب فغفلة لأنّ المناسبة بين تشبيه الله بغيره، والتشريك تامّة، وعلى الوجه الثاني عدم التوحيد عين الإشراك فليس محلا للعطف عند أهل المعاني على ما ذكره فهو محتاج إلى توجيه آخر، والمعنى أفالله الذي هو قائم كمن ليس كذلك من الأصنام، والهمزة لإنكار مضمون الجملة، والفاء قيل إنها للتعقيب الذكري أي بعدما ذكر أقول هذا الأمر المنكر، والذي في الكشف أنه تعقيب حقيقي للترقي في الإنكار يعني لا عجب من إنكارهم لآياتك الباهرة مع ظهورها، وإنما العجب كل العجب من جعلهم القادر على إنزالها المجازي لهم على إعراضهم عن تدبر معانيها كغيره ممن لا يقدر على شيء، ولا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضرّاً، وله تفصيل طويل فيه وقوله من خير أو شرّ بيان لما الموصولة. قوله: (استئناف أو عطف على كسبت الاخ) يعني أنه استخبار عن سوء صنيعهم، وما تحتمل الموصولية، والمصدرية وعلى الأوّل فالعائد مقدر وعلى المصدرية يجوز عطفه عليه، وليس هذا مخصوصا بكون المقدر كمن ليس كذلك، ولا يلزم اجتماعهما حتى تختص كل نفس بالمشركين، وقوله أو لم يوحدوه عطف على من ليس كذلك، وأخره لأنّ الخبر فيه ليس مقابلا للمبتدأ، واكثر في التقدير ذلك لأنه ورد مصرحا به كقوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [سورة النحل، الآية: 7 ا] وقوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [سورة الرعد، الآية: 9 أ] لكن لا بأس به لدلالة قوله وجعلوا عليه، وأقيم فيه الظاهر مقام الضمير للدلالة على أن الألوهية موجبة لاستحقاق التوحيد والعبادة وللنداء على سخافة عقولهم إذ جعلوا الجمادات مشاركة للذات المستجمعة لسائر الكمالات، وقيل إنه معطوف على قوله استهزئ، وقيل إنها حالية. قوله: (ويكون لظاهر فيه موضع الضمير) موضع منصوب على الظرفية وهو خبر يكون أو التقدير وضع موضع الضمير، وهذا إذا عطفت على الخبر لاحتياجه إلى العائد، وان كان عطفه على كسبت ظاهراً بخلاف الاستئناف، وقيل إنه جار على التقادير الثلاثة وقوله للتنبيه الخ لأنّ الجلالة أصلها الإله وهو المعبود بالحق المستجمع لجميع الصفات الكمالية. قوله: (تنبيه على أنّ هؤلاء الخ) وفي بعضها تنبيهاً بالنصب فلفظ قوله، وتنبيها معطوف على اسم كان، وخبرها أي إنه كالدليل على عدم استحقاقهم العبادة، وأنما عبر بالتنبيه لكون ذلك معلوماً لكل من له أدنى مسكة، وأشار إلى وجه التنبيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 بقوله، والمعنى الخ فإنه ليس فيهم ما يستحقون به ذلك. قوله: (والمعنى صفوهم وانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة (فسر التسمية بالوصف فالمعنى اذكروا صفاتهم هل فيها ما يقتضي الاستحقاق، وفي الكشاف أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبؤه بأسمائهم فذهب إلى أن المراد به ذكر أسمائهم، وليس فيه خلط كما توهم، ويعرف ذلك من نظر في شروحه، وقوله بل أتنبؤنه إشارة إلى أنّ أم منقطعة بتقدير بل، والهمزة، وقوله بالتخفيف أي من باب الأفعال، والضمير لله. قوله: (بشركاء يستحقون العبادة) يعني ما عبارة عن نفس الشركاء، وقوله أو بصفات معطوف على قوله بشركاء فعلى هذا ما عبارة عن صفات الشركاء، وضمير يستحقونها للعبادة، وضممير لأجلها للصفات، وقوله لا يعلمها أي الشركاء أو الصفات، وإذا كان لا يعلمها، وهو عالم بكل شيء مما كان، وما يكون فهي لا حقيقة لها فهو نفي لها بنفي لازمها على طريق الكناية قيل، وتفسيرها بالشركاء يناسب تفسير سموهم بذكر أسمائهم على ما في الكشاف، والمناسب لتفسيره هو الثاني، وفيه بحث. قوله: (أم تسمونهم شركاء (إن كان المعنى أم تصفونهم بأنهم شركاء فهو عين ما تقدم، وإلا فهو غيره، وقوله من غير حقيقة أي معنى متحقق في نفس الأمر لفرط الجهل، وسخافة العقل، وقوله كتسمية الزنجي كافورأ كممدوح المتنبي المعروف، وكأنه إشارة إلى ذلك. قوله: (وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجارّ) أي لما كان قوله أفمن هو قائم على كل نفس كافيا في هدم قاعدة الإشراك مع السابق، واللاحق، وما ضمن من زيادات النكت، وكان إبطالاً من طريق حق مذيلاً بإبطال من طرف النقيض على معنى ليتهم إذا شركوا بمن لا يجوز أن يشرك به أشركوا من يتوهم فيه ذلك أدنى توهم، وروعي فيه أنه لا أسماء للشركاء، لا حقيقة لها فضلا عن المسمى على الكناية الإيمائية، ثم بولغ بأنها لا تستأهل أن يسئل عنها على الكناية التلويحية استدلالاً بنفي العلم عن نفي المعلوم، ثم منه إلى عدم الاستئهال مع التوبيخ، وتقدير أنهم يريدون أن بنبؤوا عالم السرّ، والخفيات بما لا يعلمه، وهو محال على محال، وفي جعل اتخاذهم شركاء، ومجادلة الرسول عليه الصلاة والسلام إنباء له تعالى نكتة بل نكت سرية، ثم أضرب عن ذلك، وقيل: قد بين الشمس! لذي عينين وما تلك التسمية إلا بظاهر القول لا طائل تحته بل هو صوت فارغ فمن تأمّل حق التأمّل اعترف بأنه كلام خالق القوى، والقدر الذي تقف دون أستار أسراره أفهام البشر، وقوله أم بظاهر أم منقطعة وقيل متصلة وقيل الظاهر بمعنى الباطل كقوله: وذلك عاريا ابن ريطة ظاهر قوله: (تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها) قوله بل زين إضراب عن الاحتجاج عليهم فكأنه قيل ح ذا فإنه لا فائدة فيه لأنهم زين لهم ما هم عليه من المكر، والتمويه من قولهم موّه الآنية إذا طلا النحاس منها بفضة أو ذهب ليظن أنها ذهب أو فضة، وليست به فأطلق على التلبيس بالمكر، والخديعة ولذا عطف أحدهما على الآخر، وقوله فتخيلوا أباطيل أي تكلفوا الإيقاع ذلك في الخيال من غير حقيقة، ثم بعد ذلك ظنوها شيئاً لتماديهم في الضلال ويحتمل أنّ المتخيل أوّل من أسسها، ومن خالها من قلدهم من بعدهم فأسند فيهما ما للكل إلى البعض لوقوعه بينهم، ورضاهم به، وحذف أحد مفعولي خال لأنه يجوز إذا قامت عليه قرينة، وان كان اكثر خلافه، وتمويههم ومكرهم مضاف إلى الفاعل ويجوز أن يكون مضافاً إلى المفعول، وقوله أو كيدهم للإسلام بشركهم فعلى الأوّل المراد به مكرهم بأنفسهم، وعلى هذا بغيرهم من الإسلام، وأهله. قوله: (سبيل الحق) فتعريفه للعهد أو ما عداه كأنه غير سبيل، وفاعل الصد إما مكرهم، ونحوه أو الله بختمه على قلوبهم، وعلى قراءة الفتح للمعلوم مفعوله محذوف، وأمّا قراءة الكسر فشاذة، وهو مجهول نقلت فيه حركة العين إلى الفاء إجراء له مجرى الأجوف، وهو قوله وصد بالتنوين أي وقركأ صد، وهو معطوف على مكرهم في النظم، وعلى كونه معلوماً مفعوله محذوف كما ذكره يناسب التقسير الثاني لمكرهم ولذلك قدّم القراءة المناسبة للتفسير الأوّل، ولم يجعل صذوا منزلاً منزلة اللازم لعدم ملايمته للتفسيرين وفيه نظر لأنه يلائم التفسير الأوّل. قوله:) بخذلانه) وفي نسخة يخذله، وهما بمعنى، وليس هذا مبنياً لحى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 مذهب المعتزلة كما يتوهم في بادئ الرأي، ولو فسرا بخلق الضلال، والاهتداء كان أظهر، وأوفق بمذهبنا وقوله يوفقه للهدي إشارة إلى أنّ الهداية بمعنى الدلالة موجودة، لرانما المنفي الإيصال، وتوفيقه بجعل أفعاله على وفق ما يرضاه الله، وقوله بالقتل، والأسر عقوبة من الله بكفرهم، وأمّا وقوع مثله للمؤمن فعلى طريق الثواب، ورفع الدرجات فلا غبار في كلامه، وكذا سائر المصائب. قوله: (من عذابه أو من رحمته (من الثانية زائدة للتأكيد، والأولى على تقدير من عذابه سواء كان معناه أو قدر فيه مضاف فلا يلزم تقديم معمول المجرور عليه لأنّ الزائد لا حكم له، وعلى الثاني من الله ظرف مستقر حال من واق وصلته محذوفة، والمعنى ما لهم واق، وحافظ من عذاب الله حال كون ذلك الواقي من جهة الله، ورحمته ومن في من الله للابتداء على الأوّل وللتبيين على الثاني، ومن رحمته على الأوّل يكون من كلام المصنف رحمه الله لبيان ذلك الواقي فتأئل. قوله: (صفتها التي هي مثل في الغرابة الخ) قال العلامة قد مرّ في البقرة أن المثل له معنى لغوي، وهو الشبيه، ومعنى في عرف اللغة، وهو القول السائر المعروف، ومعنى مجازي، وهو الصفة الغريبة مأخوذا من المعنى العرفي بعلاقة الغرابة لأنّ المثل إنما يسير بين الناس لغرابته، وقال أبو علي في الإغفال تفسير المثل بالصفة غير مستقيم لغة، ولم يوجد فيها، وأكثر المفسرين على خلافه لكنه يحتاج إلى إثبات من كلام العرب ولم يذكروه فمثل الجنة هنا إمّا أن يراد به المعنى أو غيره، وعلى هذا التفسير المراد به معناه المجازي، وحينئذ هو عند سيبويه مبتدأ، وخبره محذوف أي فيما يقص، ويتلى عليكم صفة الجنة، وقوله تجري من تحتها الأنهار جملة مفسرة كخلقه من تراب في قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الآية: 59] أو مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال كما سيأتي، وهذا هو الوجه السالم من التكلف مع ما فيه من الإيجاز والإجمال والتفصيل واليه ذهب أيضاً في قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} كما سيأتي تفصيله في سورة النور، وقدر الخبر فيه مقدما لطول ذيل المبتدأ أو لئلا يفصل به بينه، وبين ما يفسره أو ما هو كالمفسر له. قوله: (وقيل خبره تجري من تحتها الأنهار) على طريقة قولك صفة زيد أسمر الخ فالمثل بالمعنى المجازي، وهذا قول الزجاج واعترض عليه بأنّ المثل بمعنى الصفة لم يثبت وهو وارد على القول الأوّل أيضاً وبأنه غير مستقيم معنى لأنه يقتضي أنّ الأنهار في صفة الجنة، وهي فيها لا في صفتها مع تأنيث الضمير العائد على المثل حملاً على المعنى وأمر التذكير والتأنيث سهل، وأمّا دفع الأوّل بأنه على تأويل أنها تجري فالمعنى مثل الجنة جرياًن الأنهار، وكدّا صفة زيد أسمر المراد السمرة، وأنّ الجملة في تأويل المفرد فلا يعود منها ضمير للمبتدأ أو المراد بالصفة ما يقال فيه هذا إذا وصف فلا حاجة إلى الضمير كما في خبر ضمير الشان وكذا ما قيل إنّ تأنيث الضمير لكونه راجعا إلى الجنة لا إلى المثل، وإنما جاز ذلك لأنّ المقصود من المضاف عين المضاف إليه وذكره توطئة له وليس نحو غلام زيد فكله كلام ساقط متعسف لأنّ تأويل الجملة بالمصدر من غير حرف سابك شاذ كما في المثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وكذا التأويل بأنه أريد بالصفة لفظها الموصوف به، وليس في الكلام ما يدل عليه، وهو تجوّز على تجوّز ولا يخفى تكلفه، وقياسه على ضمير الشأن قياس مع الفارق، وأنا عود الضمير على المضاف إليه دون المبتدأ فأضعف من بيت العنكبوت ولا أدري ما الداعي إلى ارتكاب مثله. قوله: (أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار (اعترض على هذا أبو علي الفارسي بأق المثل الشبه، وهو حدث فلا يجوز الإخبار عنه بالجثة، وهي الجنة ورد بأنّ المثل بمعنى المثيل، والشبيه فهو جثة أخبر عنها بمثلها، وقيل إنه غير وارد رأسا، ولا حاجة إلى جعله بمعنى الشبيه لأنّ التشبيه هنا تمثيلي، ووجهه منتزع من عدة أمور من أحوال الجنان المشاهدة من جريان أنهارها، ونضارة أغصانها، والتفاف أفنانها، ونحوه، وهو مراد الزجاج بقوله إنه تعالى عرفنا أمر الجنة التي لم نرها بما شاهدناه في أمور الدنيا، وعايناه، ولذا أتى الزمخشريّ فيه بلفظ التمثيل، ويكون قوله: {كُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} بياناً لفضل تلك الجنان، وتميزها عن هذه الجنان المشاهدة وقيل إنّ هذه بيان لحال جنان الدنيا على سبيل الفرض، وانّ فيما ذكره انتشارا واكتفاء في النظير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 بمجرّد جريان الأنهار، وهو لا يناسب البلاغة القرآنية، والغرض المذكور لا قرينة عليه، والفصل بينهما أحسن منه، ولا تكلف فيها من جهة العربية. قوله: (أو على زيادة المثل) بمعناه اللغوي، وهو الشبه لأنه ورد زيادته في نحو ليس كمثله شيء فقد عهد زيادته بهذا المعنى بخلافه بمعنى الصفة فلا يرد عليه ما قيل إنّ الأسماء لا يجوز إقحامها فإنه في كلامهم كثير كاسم السلام، ولا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومقام الذئب في بيت الشماخ. قوله: (حال من العائد الخ (لأن تقديره التي وعدها ويحتمل التفسير والاسنئناف البياني كما مرّ وقوله: لا ينقطع ثمرها قيل خصه بالثمر لأنه ليس في جنة الدنيا غيره، وان كان في الموعودة غير ذلك من الأطعمة والظاهر أنه إنما فسره به لإضافته إلى ضميرها، وأمّا الأطعمة فلا يقال فيها أكل الجنة وقوله: {وِظِلُّهَا} كذلك أي هو مبتدأ محذوف الخبر، والجملة معطوفة على الجملة، وقوله كما ينسخ في الدنيا لعدم الشمس أو لكونها في طرف منها فتأمّل. قوله: (وعقبى الكافرين النار لا غير) الحصر من تعريف الخبر والمراد بالذين اتقوا من اتقى الكفر بدليل المقابلة بالكافر فيدخل فيه العصاة لأنّ عاقبتهم الجنة دمان عذبوا، ولو أريد المتقين عن المعاصي لأنّ المقام مقام ترغيب صح، ويكون العصاة مسكوتا عنهم وقوله ترتيب النظمين أي ذكر الجملتين المذكورتين بعدما سبق، وهما تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار لأنّ النظم يطلق على اللفظ القرآني المركب، ووجه الأطماع، والإقناط ظاهر، والمراد إن ذكرها فيما بعدهما لما ذكر فلا تكرار فيه. قوله: (يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام رضي الله تعالى عنه الخ) فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وجوّز أن يراد به القرآن، وبالذين مطلق المسلمين، ومعنى يفرحون استمرار فرحهم وزيادته، وقوله كابن سلام بتخفيف اللام هو من اليهود، وقوله وثمانية باليمن زاده على الكشاف لأنهم بهم يتم العدد، وهذا بحسب المشهور فلا ينافيه إسلام بحيرا، وتميم الداري ونحوهما والحبشة بفتحتين الجماعة من الحبش، وهم طائفة من السودان معروفون. قوله: (أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم) فالمراد بما أنزل بعضه، وهو ما وافق كتبهم، وقيل عليه إنه يأباه مقابلة قوله ومن الأحزاب من ينكر بعضه لأن إنكار البعض مشترك بينهم، وأجيب بأنّ المراد من الأحزاب من حظه إنكار بعضه فحسب، ولا نصيب له من الفرح ببعض منه لشذة بغضه، وعداوته، وأولئك يفرحون ببعضه الموافق لكتبهم، وهو تكلف فالظاهر أنّ المعنى أن منهم من يفرج ببعضه إذا وافق كتبهم، وبعضهم لا يفرج بذلك البعض بل يغتم به، وإن وافقها، وينكر الموافقة لئلا يتبع أحد منهم شريعته كما في قصة الرجم، وأشار بقوله أو ما يخالف ما حزفوه منها، ومع ذلك فهو مخالف للظاهر، ولذا أخره المصنف رحمه الله وتركه الزمخشريّ. قوله: (يعني كفرتهم الذين تخربوا على رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) فالأحزاب جمع حزب بكسر فسكون، وهو الطائفة المتحزبة أي المجتمعة لأمر ما كعداوة، وحرب، وغيره على ما أفاده الراغب، وغيره من أهل اللغة، وأمّا الأحزاب المذكور في قوله تعالى، ولما رأى المؤمنون الأحزاب فطوائف من الكفرة مخصوصة بواسطة تعريف العهد فما ذكره المصنف رحمه الله تفسير لبعض الأحزاب ولا ينافي كون بعض الأحزاب أحزاباً لاندراجهم في معناه اللغوي كما توهمه من تعسف هنا بما لا طائل تحته والسيد والعاقب علمان لا سقفي نجران وأشياعهما اتباعهما. قوله: (وهو ما يخالف شرائعهم (هو على تفسير الذين يفرحون بمسلميهم، والمنكرين بكفرتهم، وقوله أو ما يخالف ما حرّفوه، وفي نسخة أو ما يوافق ما حرفوه على تفسير الفرحين بعامتهم من الكفرة فإن منهم من يفرج بما وافقها، ومنهم من ينكره لعناده وتشييد فساده، وانكارهم لمخالفة المحرف بالقول دون القلب لعلمهم به أو هو بالنسبة لمن لم يحرفه فمن قال الأولى ترك هذا اكتفاء بالأوّل لاختصاص الجواب بإنما أمرت بذلك لم يأت بشيء يعتد به كما ستراه. قوله: (جواب للمنكرين اي قل لهم إنما أمرت الخ) يعني أنه تعالى لما حكى عن بعض أهل الكتاب إنكار بعض ما عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من إثبات الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا وب بماذا أجيبهم إذن) فقيل له قل لهم إن ما أتيت به من إثبات الإسلام، والنبوّة يوجب عبادة الله تعالى واثبات التوحيد ونفي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 الشرك وأنّ المرجع إليه. قوله: (وإنما تنكرون ما يخالف شرائعكا) وفي نسخة، وأمّا ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم، وهما بمعنى، وما في لما يخالف مصدرية، وقوله فليس ببدع جواب أما، وهذا على التوجيه الأوّل، وسكت عن بيانه على الثاني لمرجوحيته مع أنه يعلم بالمقايسة، ويمكن إدراجه فيما ذكر لأنه مخالف لشرائعهم على زعمهم، وقوله ولا سبيل لكم إلى إنكاره أورد عليه أنّ النصارى المثلثة من أهل الكتاب وهم ينكرونه، وعدم الاعتداد بإنكارهم لا يناسب المقام، وقوله على الاستئناف أي، وأنا لا أشرك، وقيل على الحال قيل، وهو أولى لخلو الأوّل عن دلالة الكلام على أنّ الماً مور به تخصيص العبادة به تعالى. قوله: (واليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره الخ) قيل عليه أن يقول ومرجعكم كما ذكره في تفسير قوله لماليه متاب مع أنّ هذا المقام أنسب بالتعميم ليدل على ثبوت الحشر عموماً (قلت) قول الزمخشري إليه لا إلى غيره مرجعي، وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لإنكارهم اهـ فيه بيان لنكتة التخصيص إنهم ينكرون حقيقة أو حكما فلا حاجة إلى ما يقال لا حاجة لذكره هنا لدلالة قوله تلك: {عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [سورة الرعد، الآية: 35] عليه وقوله، وهذا القدر أي إثبات التوحيد، والمبدأ والمعاد، وفيه إشارة إلى حكمة النسخ، وأنه ليس ببداء كما تزعمه اليهود بل من انتهاء الشيء بانتهاء زمانه. قوله: (ومثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها) يحتمل أن يكون المراد بالإنزال المشبه به في كلامه إنزال المأمور به مما هو في الكتب السالفة ويحتمل أن يكون إنزال القرآن على الأسلوب المشهور في أمثاله وكذلك صفة مصدر محذوف أي إنزالاً كذلك، وليس التشبيه على الأوّل في جميع الأحوال حتى يتوهم أنه ينافيه قوله حكمأ عربيأ. قوله: (يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة (إسناد يحكم إلى القرآن إسناد مجازيّ لأنه يحكم به، وإنما فسره به لأنه بمعنى حاكمأ كما سيأتي، وهو بيان لما اشتمل عليه الإنزال من الأحكام الفرعية، والأصلية، وقوله بما تقتضيه الحكمة إشارة إلى وجه اختلاف أحكام الشرائع، ووقوع النسخ فيها كما مرّ، وقوله ليسهل لهم فهمه وحفظه بالنسبة للعرب، وبالنسبة لغيرهم يكون داعيا لتعلم العلوم التي يتوقف عليها ذلك، وقوله مترجما أي معبرا عنه به، وهو مجاز وأصل الترجمة تفسير لسان بلسان آخر وقد تطلق على تبليغ الكلام مطلقاً كما مرّ في قوله: قد أحوجت سمعي إلى ترجمان قوله: (وانتصابه على الحال الخ) أي انتصاب عربيا على أنه حال من ضمير أنزلناه فهو حال مترادفة لأنّ حكما حال بمعنى حاكما أو من المستتر فيه لتأويله بالمشتق فهي متداخلة، ويصح أن يكون صفة لحكما الحال أو هي موطئة، وهي الاسم الجامد الواقع حالاً لوصفه بمشتق هو الحال في الحقيقة، والأوّل أولى لأنّ حكما مقصود بالحالية والحال الموطئة لا تقصد بالذات. قوله: (التي يدعونك إليها كتقرير دينهم الخ) أي بترك دعوتهم إلى الإسلام، وعدم بيان أنه منسوخ، وقوله بنسخ ذلك كقوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 68] إشارة إلى الدين، والقبلة وقوله ينصرك ويمنع العقاب عنك لف ونشر مرتب، وفيه حسن أدب إذ لم يقل غير ذلك، وقوله حسم أي قطع بالحاء المهملة، وتهييج للمؤمنين لا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه بمكان لا يحتاج فيه إلى باعث أو مهيج. قوله: (بشراً مثلك) أي رسلا مثلك في البشرية قيده به لما ذكر بعده مما يقتضي ذلك، وهو الازدواج والاستيلاد وقوله وما صح له إشارة بتفسيره بما ذكر إلى انه يستعمل بهذا المعنى لعدم الفائدة في نفيه، ثم بينه بقوله ولم يكن في وسعه إشارة إلى أنه ليس المراد الصحة الشرعية. قوله: (بآية تقترح عليه وحكم يلتمس منه) قوله تقترج إذا أريد بالآية المعجزة، وحكم يلتمس منه إذا أريد بها الآية القرآنية النازلة بالحكم على وفق مرادهم فهو من استعمال اللفظ في معنييه، وهو جائز. عند المصنف رحمه الله، ومن لا يجوؤه يجعله من عموم المجاز بمعنى دال مطلقا، وعبر بالالتماس في الثاني تفنناً، ولأنه ليس مقترحا كالأوّل. قوله: (1 لا بإذن الله فإنه الملني بذلك) إذن الله عبارة عن تسهيله وتيسيره أو إرادته استعارة أو مجازاً مرسلا والمليّ هنا بمعنى القوي القادر عليه، وفي نسخة المالك لذلك، والإشارة إلى ما اقترحوه والتمسوه. قوله: (ينسخ ما يستصوب نسخه) وفي نسخة ما يستصوب نسخه بدون ينسخ فما فيها، وكذا في ما تقتضيه حكمته تفسير، وبيان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 لما يشاء أو بدل منه ويصح في ما الثانية أن تكون مفعول يثبت، وما تقتضيه مما جعل مكان المنسوخ أو إثبات ما لم يرد نسخه، وقوله يمحو سيئات التائب الخ لقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان، الآية: 70] . قوله: (ما لا يتعلق به جزاء) يعني المباح وطعن فيه الأصم بأنه تعالى وصف الكتاب بأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأجيب بأنّ المراد بالصغيرة، والكبيرة الذنوب وهذا ليس بوارد رأسا لأنّ المراد هنا الكتابة في صحائف الحفظة، والمحو منها، وما في تلك الآية ما في اللوح المحفوظ أزلاً، ولو سلم اتحادهما فلا تعارض أيضاً فتأمل. قوله: (أو يثبت ما رآه وحده الخ) معطوف على يترك أي يثبت ما رآه الله وحده من غير اطلاع الملك عليه مما صمم عليه العبد في قلبه، واثباته في صحائفه، وقيل إنّ الله تعالى جعل للملائكة علامة يعرفون بها ما في قلبه كذكر القلب كما صححه النووي، وقيل إنه لا يكتب لأنه لا يطلع عليه غيره تعالى، ويجوز أن يراد بما ذكر العقائد، وقوله الفاسدات المراد ما أراد عدمه. قوله: (أصل الكتب الخ) يعني أنه سمي أتا لأنه أصل، والكتاب للجنس شامل للكثير، ولذا فسره بالجمع، وقوله إذ ما من كائن تعليل لكونه أصلاً، والمراد بالكتب صحائف الأعمال. قوله: (وكيفما دارت الحال أريناك الخ) دوران الحال تقلب الزمان به حياة وموتاً، وقوله أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك بيان للأحوال الدائرة أي على كل حال إنا فاعلون بهم العقاب فلا تحتفل، وقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ} الخ ساد مسد الجواب لاما وهو فلا تحتفل الخ كما أشار إليه المصنف رحمه الله أو الجواب مقدر، وهذا دليله. توله: (، نما عليك البلاغ لا غير) فالمقصور عليه البلاغ، ولذا قدم الخبر، وهذا الحصر مستفاد من إنما لا من التقديم، هالا انعكس المعنى. قوله: (وعلينا الحساب للمجازاة لا عليك (قيل هذه الجملة معطوفة على جملة إنما عليك البلاغ لا على مدخول إنما كي لا يفيد الحصر غير المقصود، وفي دلائل الإعجاز ما نصه، وإن أردت أن تزداد وضوحا فانظر إلى قوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} فإنك ترى الأمر ظاهرا في أنّ الاختصاص في المبتدأ، وهو البلاغ، والحساب دون الخبر الذي هو عليك وعلينا اهـ وقوله في الكشاف فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب، وعلينا لا عليك حسابهم، وجزاؤهم على أعمالهم اهـ، وتبعه المصنف هو مخالف لما في الدلائل لكنا نقول إن عطف علينا الحساب على ما بعد إنما كان الوجه ما قاله الشيخ، وان عطف على إنما عليك البلاغ كان الوجه ما قاله الزمخشري، وهو الظاهر ترجيحاً للمنطوق على المفهوم إذا اجتمع دليلاً حصر وهذا مما يجب التنبيه عليه فاعرفه. قوله: (فلا تحتفل بإعراضهم الخ) أي لا تبال وفيه لف ونشر والواقع من الشرطين هو الأوّل كما في بدر قيل، ولم يوضح جواب الشرطين، وقال أبو حيان جواب الأوّل فذلك شافيك، والثاني فلا لوم عليك، وقوله فإنما عليك الخ دليل عليهما، وقوله وهذا طلائعه جمع طليعة، وهي المقدمة من الجيش أي ما تراه الآن من الفتوح مقدمة لما وعدت به، وقوله أو لم يروا أنا نأني الأرض الخ مرتبط بما قبله يعني لم يؤخر عذابهم لإهمالهم بل لوقته المقدر أو ما ترى نقص ما في أيديهم من البلاد، وزبادة ما لأهل الإسلام، ولم يخاطب النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم به تعظيماً له، وخاطبهم تهويلاً وتنبيهاً عن سنة الغفلة، ومعنى نأتي الأرض! يأتيها أمرنا، وعذابنا. قوله: (لا راد له الخ) العقب مؤخر الرجل ومنه التعقيب، وهو أن تأتي بشيء بعد آخر، ولذا قيل للبحث عن الشيء تعقب، ولما كان الباحث عن الشيء يقصد رده أطلق على الراد للحكم أي لا يقدر أحد على ردّ ما حكم به، وجوز الراغب فيه أن يكون بمعنى البحث بأن يكون نهياً للناس أن يخوضوا في البحث عن حكمه، وحكمته إذا خفيا، وقوله وحقيقته الخ يشير إلى ما قررناه لك. قوله: (ومنه قيل لصاحب الحق) أي الذي يطلب حقاً من آخر يسمى معقباً لأنه يعقب غريمه، ويتبعه كما قال طلب المعقب حقه المظلوم والاقتضاء الطلب كالتقاضي. قوله: (والمعنى أنه حكم للأسلام بالإقبال الخ) جعل متعلق قوله يحكم إعزاز الإسلام، واذلال الكفر بقرينة السياق، والسباق ولو أبقى على عمومه صح، ودخل فيه ما ذكر، وذلك إشارة لحكمه بما ذكره، وقوله لا يمكن تغييره هو معنى قوله لا معقب الخ. وقوله نافذاً حكمه إشارة إلى تأويل الجملة الاسمية بالمفرد لأنّ تجرّدها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 من الواو غير فصيح عنده، وقد مر تفصيله في الأعراف، ولو جعلت معترضة لسلمت من هذا، وكانت عامة لجميع الأوقات لا مخصوصة بزمان الحكم. قوله: (فيحاسبهم عما قليل في الآخرة الخ) عن بمعنى بعد كما في قوله {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 40، وما عبارة عن الزمان أي بعد زمان قليل، وفسره به لمناسبته للمقام أي لا تستبطئ عقابهم فإنه آت لا محالة، وكل آت قريب، ولذا لم يحمله على سرعة الحساب في الآخرة، ولا تكلف فيه كما قيل. قوله: (لا يؤبه) أي لا يعتد به، وما هو المقصود منه إصابة المكروه، وهو قادر عليه بالذات، وغيره إن قدر عليه فهو بتمكين الله منه فالكل راجع إليه، وقيل المعنى فلله جزاء المكر، وقوله فيعدّ جزاءها أي يهيئه ويقدره في الدنيا، والآخرة، وقوله من الحزبين أي حزب المؤمنين، وحزب الكافرين تفسير قوله لمن وقوله حيثما المراد به الزمان كما جوّزه الأخفش، وكونه كالتفسير لما في قوله يعلم الخ من الوعيد بإتيان العذاب من حيث لا يشعرون كما أن الماكر يخفي ما يريده حتى يقع به من حيث لا يحتسب. قوله: (واللام تدل الخ الكونها للنفع كما أنّ على للمضرة وقال الراغب العقب والعقبى، والعاقبة تختص بالثواب، وضدّها العقوبة والمعاقبة، وقد يستعمل مضافا لغيره كقوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى السوأى} [سورة الروم، الآية ة 0 ا] ونحوه، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله المراد الخ، وقوله مع ما في الإضافة إلى الدار يعني أنها أيضاً تدل على أنها محمودة كما عرفته سابقا في قوله أولئك لهم عقبى الدار، وقد قيل إنّ المراد سيعلم الكفار من يملك الدنيا آخراً فاللام للملك، وقوله وسيعلم أي قرئ سيعلم من مجهول الإعلام لكنهم قالوا من قرأ بهذه قرأ بإفراد الكافر فكان عليه أن يبينه ففي كلامه إجمال محل. قوله: (فإنه أظهر من الآدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها (جعل إظهار المعجزات الدالة على رسالته شهادة، وهو فعل، والشهادة قول فأشار إلى أنه استعارة لأنه يغني غنى الشهادة بل هو أقوى منها. قوله: (علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز الخ) ويؤيده الفراءة الثانية فإنّ المراد بالكتاب فيها القرآن، وفيه دلالة على أنّ الإعجاز بالنظم، والاشتمال على المزايا، والخواص المعجزة للبشر، والشهادة إن أريد بها تحمل الشهادة فالأمر ظاهر وان أريد أداؤها فالمراد بهم من ترك العناد، وآمن، وفي الكشف أي كفى هذا العالم شهيداً بيني، وبينكم ولا يلزم من كفايته في الشهادة أن يؤذيها فمن أداها فهو شاهد أمين، ومن لم يؤدّ فهو خائن، وفيه تعريض بليغ بأنهم لو أنصفوا شهدوا، وقوله التوراة، وكذا الإنجيل فإن قلت المنكرون من البلغاء عندهم علم ما ألف عليه القرآن من النظم البليغ، ولا يشهدون قلت لا نسلم أن عندهم علما فإن عين البغض تمنع من التأمل في جمال القرآن حتى يدركوا ذلك، ومن أدركه، وجحده فعلمه كلا علم لعدم ثمرته. قوله: (وهو ابن سلام رضي الله تعالى عنه وأضرا به) اعترض عليه أبو حيان رحمه الله بأنه لا يستقيم إلا أن تكون الاية مدنية، والجمهور على أنها مكية، وقيل إنه لا ينافي كون الآية مكية، وهي إخبار عما سيشهدوا به أو أنهم قيل لهم لستم بأهل كتاب فاسألوا اهله فإنهم في جواركم فتأمل. قوله: (أو علم اللوج المحفوظ وهو الله تعالى الخ) يعني المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، ومن عبارة عنه تعالى لكنه يلزم عليه عطف الشيء على نفسه بدون تفسير، ولا توضيح لأن الأوّل أظهر في الدلالة على الذات فلذا أوّل اسم الذات بما يدل عليه من الصفات، وهو المستحق للعبادة، وأوّل من بالذي ليكون من تعاطف الصفات لأنّ من لا تقع صفة فصار بالتأويل الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله كفى بالذي الخ كقوله: إلى الملك القرم وابن الهمام وأشار بإعادة الجار إلى أن من في محل جر معطوفة على الله، ويؤيده أنه قرئ بإعادة الباء في الشوأذ وقيل إنه في محل رفع بالعطف على محل الجلالة لأنّ الباء زائدة، وقيل هو ميتدأ خير. محذوف كأعلم وأمضى قولاً. قوله: (وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو) الحصر إمّا من الخارج لأنّ علمه مخصوص بالله أو لاختياره أنّ الظرف خبر مقدم فيفيد الحصر، وقوله فيخزي من الخزي بالخاء والزاي المعجمتين أو بالجيم من الجزاء قيل إنه حمل الشهادة على غايتها، وهي خزيهم، وتفضيحهم لا على حقيقتها لعدم كون الكلام حينئذ حجة عليهم، وليس بشيء لأنه ينافيه ما مر في تفسير الشهادة، وقوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 ويؤيده لأنّ ضمير عنده عليه رأجع لله كما في الأولى على هذا التأويل، والأصل توافق القراءتين. قوله: (وعلى الأوّل) أي على الوجه الأوّل، وقوله ويجوز إشارة إلى أنّ الراجح أعمال الظرف إذا اعتمد، وقوله وهو متعين أي كون الظرف خبراً مقدما متعين للقراءة الثانية بمن الجارة، وقوله على الحرف أي من الجارة والبناء للمفعول أي علم فعل ماض مبني للمجهول، ومعناها أمره بالاحتجاج بشهادة الله على رسالته صلى الله عليه وسلم، وأنّ علم القرآن، وما هو محتو عليه لا يكون إلا منه. قوله: (من قرأ سورة الرعد الخ) هذا الحديث مروي عن أبيئ رضي الله عنه، وهو موضوع، واعلم أنّ هذه السورة مدارها كما في الكشف على بيان حقية الكتاب المجيد، واشتماله على ما فيه صلاج الدارين، وأنّ السعيد من تمسك بحبله والشقي من أعرض عنه إلى آخر ما فصله اللهم اجعلنا ممن تمسك بعروته الوثقى، واهتدى بهداه حتى لا يضل ولا يشقى ببركة من أنزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وأصحا به، وأزوا جه، وذزيته أجمعين. سورة إبراهيم عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) يعني كلها عند الجمهور، وفي رواية هي مكية إلا قوله ألم تر إلى الذين بدلوا إلى قوله النار وقال الإمام إذا لم يكن في السورة ما يتصل بالأحكام فنزولها بمكة، والمدينة سواء إذ لا يختلف الغرض فيه إلا أن يكون فيها ناسخ، ومنسوخ فتظهر فائدته يعني أنه لا يختلف الحال، وتظهر ثمرته إلا بما ذكر فإن لم يكن ذلك فليس فيه إلا ضبط زمان النزول، وكفى به فائدة. قوله: (وهي إحدى وخمسون آية) وقال الداني خمسون في البصري، واثنتان في الكوفي، وأربع في المدني، وخمس في الشامي. قوله: (اي هو كتاب) إشارة إلى إختيار أنّ الراسم للسورة لما مر في البقرة من أن كون التقدير هذه لم أرسخ عرقا في البلاغة وكون ذلك الكتاب مقرّرا للأوّل شاداً من عضده فكذلك ما نحن فيه كذا في الكشف إذ قدره الزمخشري هكذا، وقيل ينتظم الاحتمالات الثلاثة كون الر تعديداً للحروف، وكتاب خبر مبتدأ محذوف، وكونه اسم السورة، وهو خبر مبتدأ محذوف، وكذا كتاب، وأن يكون كتاب خبر الر، وهو كناية عنه وذكر باعتبار الخبر، واستبعد هذا الأخير فهو إما للسورة أو للقرآن الذي هذه السورة منه. قوله:) بدعائك إياهم إلى ما تضمنه (أي بدعوتك الناس إلى اتباع ما تضمنه الكتاب من التوحيد، وغيره وانزاله ليكون حجة لرسالته بإعجازه، وقوله من أنواع الضلال إشارة إلى أنّ الظلمة مستعارة للضلال كما أنّ النور مستعار للهدى، وان جمعه لأنّ الضلال أنواع كعبادة الأصنام، والملائكة، والكواكب وغير ذلك والحق واحد مؤسس على التوحيد فلذا وحده. قوله: (بتوفيقه وتسهيله مستعار من الإذن الخ) في قوله الإذن الذي هو تسهيل الحجاب مسامحة أي الذي يوجب تسهيله، وهو استعارة مصرحة شبه توفيق الله وتسهيله بالإذن لرفع المانع، وإن صح أن يكون مجازاً مرسلا بعلاقة اللزوم فإذن الله توفيقه، وقال محيي السنة أمره، وقيل علمه، وقيل إرادته، وهي متقاربة ففيه ثلاث استعارات للظلمة والنور والإذن، وقيل إنه يحتمل أن تكون كلها استعارة مركبة تمثيلية بتصوير الهدى بالنور، والضلال بالظلمة، والمكلف المنغمس في ظلمة الكفر بحيث لا يتسهل له الخروج إلى نور الإيمان إلا بتفضل الله بإرسال رسول بكتاب يسهل ذلك عليه بمن وقع في تيه مظلم ليس منه خلاص فبعث ملك توقيعا لبعض خواصه في استخلاصه، وضمن تسهيل ذلك على نفسه، ثم استعمل هنا ما كان مستعملاً هناك فقيل كتاب أنزلناه الخ، وهدّا مع بلاغته وحسنه لا يخلو من بعد. قوله: (أو حال من فاعله أو مفعوله) أي آذنا لهم أو مأذوناً لهم، وقيل كونه حالاً من الفاعل يأباه إضافة الرب إليهم دونه، ورد بأنّ فيه نكتة، وهي الإشارة إلى أن أذنه له بإخراجهم لكونهم عبادة الذين رباهم (قلت) هذا غريب منه فإنه إنما أباه لأنه مضاف لفاعله، وإذا كان حالاً من الفاعل يكون آذنا فينبغي أن يقدر متعلقه خاصا أي مخرجاً لهم بإذن ربهم، وما ذكره لا يفيده شيئاً. قوله: (بدل من قوله إلى النور الخ) يعني صراط بدل من النور وأعيد عامله، وكرر لفظا، والا فكل بدل على نية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 تكرار العامل ليدل على البدلية، ولو جعل الجار، والمجرور بدلاً من الجار والمجرور كان أظهر، وفي هذا كلام في الرضي، وغيره ولا يضر الفصل بين البدل، والمبدل منه بما قبله لأنه غير أجنبيّ إذ هو من معمولات العامل في المبدل منه، والوجه الثاني أنه متعلق بمحذوف على أنه جواب سائل إلى أيّ نور فقيل إلى صراط الخ. قوله: (وإضافة الصراط إلى الله إما لأنه مقصده) أي محل قصده، واسم إنّ ضمير الله، وضمير مقصده وله للصراط، وفي نسخة مقصوده بصيغة اسم المفعول. قوله: (وتخصيص الوصفين) أي العزيز الحميد، وكونه لا يذل سالكه لأنّ من سلك طريق العزيز فهو عزيز لا يذل وكذا عدم خيبة من سلكه أو سأل فيه لأنّ المحمود سبيله محمود موصل لكن مقصود، وسابله بالباء الموحدة بمعنى سالك سبيله، وفي نسخة سائله بالهمزة من السؤال، والإضافة بمعنى في أي السائل فيه، ولو عاد الضمير إلى الله لأنه معلوم من السياق لم يبعد، وقيل في وجه التخصيص أنه لما ذكر قبله إنزاله تعالى لهذا الكتاب، واخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة، والغلبة لإنزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا يقدر عليه سواه وصفة الحمد لإنعامه بأعظم النعم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. قوله: (على قراءة نافع) أي بالرفع فهو مبتدأ، والذي خبره أو خبر مبتدأ محذوف، والذي صفته، وعلى قراءة الباقين بالجر هو عطف بيان أو بدل من العزيز الحميد، ومن جوز تقديم الصفة على الموصوف يقول إنه صفة مقدّمة لكنه قول ضعيف. قوله: (لآنه كالعلم لاختصاصه بالمعبود الخ الم يجعله علماً على ما ارتضاه في الفاتحة، وليس جعله كالعلم بالغلبة كالثريا بناء على أنه يراها شرطا في عطف البيان حتى ينافي ما ذكره في البيت الحبرام من أنه عطف بيان كما توهم بل لأن عطف البيان شرطه إفادة زيادة إيضاح لمتبوعه، وهي هنا بكونه كالعلم في اختصاصه بالمعبود بحق، وقد خرج عن الوصفية بالغلبة فليس صفة كالعزيز الحميد وفي قوله على الحق ركاكة، والظاهر بحق، وقوله بالكتاب بيان لارتباطه بما قبله. قوله: (والويل نقيض الوأل وهو النجاة) الوأل بالهمز معناه النجاة، ونقيضه الويل فهو الهلاك، وعدم النجاة فمن بيانية، والجار والمجرور حال أو صفة لويل قالا الراغب: قبوج، وقد تستعمل للتحسر ووشى استصغار وويح ترحم، ومن قال ويل واد في جهنم لم يرد أنه اسم له بل أن من قال الله له ذلك فقد استحق، وثبت له مقر من النار، وفي الكشاف أنه اسم محنى كالهلاك إلا أنه لا يشتق منه فعل إنما يقال ويلا له فينصب نصب المصادر، ثم يرفع رفعها لإفادة معنى الثبات فيقال ويل له كسلام عليك ولما ذكر الخارجين من الظلمات إلى النور توعد الكافرين بالويل، واتصل قوله من عذاب بالويل لأنّ المعنى أنهم يولولون من عذاب شديد، ويضجون منه ويقولون يا ويلاه قال المدقق: يعني أنّ الويل من الذنوب لا من العذاب ألا ترى قوله فويل لهم مما كتبت أيديهم، وأمثاله فأشار إلى أن الاتصال معنوي لا من ذلك الوجه فإنه هناك جعل الويل نفس العذاب وهنا جعله تلفظهم بكلمة التلهف من شدة العذاب، وكلاهما صحيح، ولم يرد أن هناك فصلاَ بالخبر لقرب ما مرّ في قوله سلام عليكم بما صبرتم، واعترض عليه بأنه لا حاجة لما ذكر من التكلف لأنّ اتصاله به ظاهر لا يحتاج إلى صرفه للتلفظ بتلك الكلمة، ومن بيانية كما مرّ لا ابتدائية كما ذكره حتى يرتكب ما ذكر ورد بأن الويل حينئذ عدم النجاة فالإضافة معتبرة في مفهومه، والمضاف إليه خارج فاتصاله به باعتبار المضاف إليه لا يمكن، وهذا خبط فإنّ من إن كانت ابتدائية عنده كما في شرح العلامة فابتداء عدم النجاة متصل بالعذاب، وناشىء عنه، وأن كانت بيانية فهو بمعنى الهلاك فيصح بيانه به، ويتصل به اتصال المبين بالمبين فالحق ورود ما ذكر عليه فتأمل فيه. قوله: (يختارونها عليها فإنّ المختار للشيء الخ) هو بيان لأنه مجاز، وأنّ العلاقة فيه اللزوم في الجملة فلا يضر وجود أحدهما بدون الآخر كاختيار المريض الدواء المر لنفعه وترك ما يحبه، ويشتهيه من الأطعمة اللذيذة فهو مجاز مرسل، ولذا تعدى بعلى، ولو جعل تضمينا صح، وقوله يطلب الخ معنى السين. قوله: (بتعويق الناس عن الإيمان الخ) إشارة إلى أنّ سبيل الله كالصراط المستقيم مجاز عن دينه، وتنكب بمعنى عدل، وحاد عنها، وقوله وليس فصيحا أي بالنسبة إلى اللغة الأخرى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 والقراءة الأخرى، ولا محذور في كون القراءة المتواترة أفصح من غيرها، وليس هذا مبنياً على مذهب الزمخشريّ من أن القراءة تكون برأي واجتهاد دون سماع منه صلى الله عليه وسلم، كما قيل وقوله لأنّ في صده مندوحة أي سعة عن التعدية بالهمزة، وجعله من صد صدود اللازم لأنّ تعدية صد بنفسه فصيحة كثيرة في الاستعمال مع أنّ هذه القراءة شاذة، وهي قراءة الحسن كما قاله المعرب. قوله: (ويبغون لها زيغاً الخ) قد فسره المصنف رحمه الله في أوّل هود بقوله يصفونها بالانحراف عن الحق، والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة وهذا وجه آخر، وهو أنهم يطلبون أن يروا فيها ما يكون عوجا قادحا فيها كقول من لم يصل إلى العنقود وليسوا بواجدين ذلك فلذا عقبه! وله أولئك في ضلال بعيد، والنكوب الانحراف والعدول، وقد أعرب الموصول بوجوه ظاهرة، وقد رذ أبو حيان رحمه الله كونه صفة للكافرين بالفصل بين الصفة والموصوف بأجنبيّ، وهو قوله من عذاب شديد وأنه يصير كقولك الدار لزيد الحسنة القرشي والتركيب الصحيح فيه أن يقال الدار الحسنة لزيد القرشي، وهو مبنيّ على أنّ قوله من عذاب شديد صفة وبل، وهو لم يذكره فهو إلزام له بما لا يلتزمه فيجوز أن يكون على هذا خبر مبتدأ محذوف، والجملة اعتراضية فلا يضر الفصل بها فتأمّل، وإذا كان مرفوعا على الذمّ فهو خبر مبتدأ أيضا، والفرق بينه، وبين الوجه الذي بعده أنه يعتبر أنه كان نعتاً فقطع بخلافه على الآخر، ولا يقدر فيه بئس الذين الخ كما توهم. قوله: (أي ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل) يعني أنّ الضلال معنويّ بمعنى البعد عن الحق شبه بمن ضل في طريقه وبعد عن مقصده وبعيد ترشيح له، ولما كان من وضحع البعد على أن يوصف به المكان أو المكاني، وقد وصف به هنا الفعل نفسه بين المراد منه، وقوله في الحقيقة للضال بالنسبة إلى الضلال فلا ينافي أنه يوصف به المكان أيضاً وفعله يعني صفته، وهي الضلال، والمبالغة بجعل الضلال نفسه ضالاً فقد أسند فيه إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازاً كجن جنونه وجد جذه، ولا يخفى ما فيه من المبالغة إلا أنّ الفرق بين ما نحن فيه وجد جذه أنه مصدر غير المسند وذاك مصدره، وليس بينا وقوله أو للأمر الذي به الضلال الباء للسببية أو الملابسة أي أمر بسببه أو ملابسته حصل الضلال يعني أنّ البعد في الحقيقة صفة للشخص باعتبار بعد مكانه عن مقصده وسبب بعده ضلاله لأنه لو لم يضل لم يبعد عنه فأسند ما للشخص إلى سبب اتصافه بما وصف به فيكون كقولك قتل فلانا عصيانه، والإسناد مجازيّ، وفيه المبالغة المذكورة أيضا، والمعنى بعد الضلال لكنه اعتبر في الثاني بيان سبب البعد دون الأوّل، وفي الكشاف هو من الإسناد المجازي والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق فوصف به فعله كما تقول جدّ جده، ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد أو فيه بعد لأنّ الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريباً أو بعيدا قال المدقق: الإسناد المجازي على جعل البعد لصاحب الضلال لأنّ الضال الذي يتباعد عن طريق الصواب فوصف ضلاله بوصفه مبالغة، وليس معناه إبعادهم في الضلال، وتعمقهم فيه وأما قوله، ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد فعلى هذا البعد صفة للضلال حقيقة بمعنى بعد غوره، وأنه هاوية لا نهاية لها، وقوله أو فيه بعد على جعل الضلال مستقراً للبعد بمنزلة مكان بعيد عن الجادة، وهو معنى بعده في نفسه عن الحق لتضادهما، واليه الإشارة بقوله لأنّ الضال قد يضل عن الطريق مكانا بعيداً أو قريبا، والغرض بيان غاية التضاد، وأنه بعد لا يوازن وزانه، وعلى جميع التقادير البعد مستعار من البعد المسافي إلى تفاوت ما بين الحق، والباطل أو ما بين أهلهما، وذكر في سورة الحج أنه استعير الضلال البعيد من ضلال من أبعد في التيه ضالاً فطالت وبعدت مسافة ضلاله، ثم في قوله أولئك في ضلال دون ضالون ضلالاً بعيدا دلالة على تمكنهم فيه فاشتماله عليهم اشتمال المحيط على المحاط ليكون كناية بالغة في إثبات وصف الضلال فافهم. قوله: (الذي هو منهم وبعث فيهم) إشارة إلى أنّ اللسان ليس بمعنى العضو بل بمعنى اللغة فإنه يستعمل لكل منهما، ولا ينتقض الحصر بلوط عليه الصلاة والسلام فإنه تزوّج منهم، وسكن معهم، ولا بيونس عليه الصلاة والسلام فإنه من قومه الذين أرسل إليهم كما تالوه فلا حاجة إلى أنه هنا باعتبار الأكثر الأغلب، ولا يلزم من كون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 لغته لغتهم اختصاص بعثته بالعرب، وقوله ما أمروا به إشارة إلى مفعوله المقدر واليسر بمعنى السهولة عليهم. قوله: (ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم (أي ينقلوا ما أمروا به، ويترجموه بلغة أخرى إن بعث ذلك الرسول إلى غير قومه ممن لهم لسان آخر، وقوله فإنهم أولى الناس أي أقربهم إليه تعليل لعدم تعكيس الأمر، وانذار عشيرته لقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 214] وقوله، ولو نزل الخ إشارة إلى سؤال وهو نبينا صلى الله عليه وسلم بعث لجميع الأمم فلو كان له كتب معجزة بجميع الألسنة كانت أدل على النبوّة فدفعه بأنه يؤذي إلى اختلاف الكلمة لاختلاف الكتب المتمسك بها المؤدّي إلى التنازع، وعدم الانقياد واضاعة فضل الاجتهاد أي بذل الجهد في فهم معانيه، واتقان لغاته وعلومه، والقرب جمع قربة. قوله: (وقرئ بلسن) كذكر، وهي لغة في لسان لكنه لا يطلق على الجارحة، وقوله وقيل الضمير في قومه لمحمد صلى الله عليه وسلم الخ الضمير على الأوّل لرسول وعلى هذا لنبينا صلى الله عليه وسلم المفهوم من السياق وهذا قول لبعض المفسرين نسب فيه إلى الغلط كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله ويرده إلى آخره لأنه إذا لم يقع التبيين إلا بعد الترجمة فات الغرض مما ذكر، وضمير لهم للقوم بلا خلاف، وهم المبين لهم بالترجمة فقول المصنف رحمه الله لم تنزل لتبين للعرب فيه نظر لأنّ القائل لم يقل إنه تبين للعرب، ولم يكلفوا بالعمل بما فيها حتى تبين لهم، وقوله وقيل الخ. قال في الكشف دفعه الطيبي بأنه راجع إلى كل قوم بدلالة السياق والجواب أنه لا يدفع الإيهام على خلاف مقتضى المقام، وقوله فيخذله الخ قد مر تحقيقه وكذا مرّ تحقيق تفسير انهداية بالتوفيق، وقوله فلا يغلب شيء على مشيئته بيان لارتباطه، وكذا ما بعده وقوله، ولقد أرسلنا موسى أي كما أرسلناك كذا قال النسفي، وبه يرتبط النظم أتم ارتباط، وفي المرشد لأبي شامة رحمه الله قال السجستاني المراد بقومه العرب كلهم لقوله صلى الله عليه وسلم: " أنزل القرآن على سبعة أحرف " الحديث، وقال ابن قتيبة هم قريش لأنّ القرآن أنزل بلغتهم، ولا يجوز أن يكون فيه ما يخالفها فالقول الأوّل عظيم من قائله إلا أن يريد ما يوافق لغتهم من غيرهم اص. قوله:) أي أخرج لأنّ في الإرسال معنى القول أو بأن أخرج الخ) يعني أن إما مفسرة، وهي تفسير لمفعول مقدر فيه معنى القول دون حروفه، وهذا شرط كما بينه أهل العربية، واليه أشار المصنف رحمه الله أو مصحدرية حذف قبلها حرف الجر لأنّ أرسل يتعدى بالباء، والجار يطرد حذفه قبل أنّ، وأن وقوله فانّ صيغ الأفعال الخ إشارة إلى توجيه اتصالها بالأمر كما مرّ تحقيقه، وقوله أن الناصبة أي المصدرية لشهرة النصب بها. قوله: (بوتاثعه التي وقعت على الأمم الدارجة (أي الخالية الماضية يعني الأيام بمعنى الحروب والوقائع كما في قولهم أيام العرب فإنه مشهور بهذا المعنى كقوله: وأيامنا مشهورة في عدوّنا وهذا هو المناسب للتذكير، ولذا قدمه أو المراد بأيام الله نعمه ونقمه كقوله: وأيام لنا غرر طوال عضضنا الملك فيها اًن يدينا وذكرهم معطوف على أخرج أو مستأنفه، وهذا أنسب بقوله لكل صبار شكور، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أياًم الله نعماؤه، وهو مثل الأوّل في عدم المناسبة لما بعده مع عدم المناسبة لما قبله أيضا وفيه نظر. قوله: (يصير على بلائه ويشكر لنعمائه فإنه إذا سمع الخ (هو جار على الوجهين في تفسير الأيام أما على الثاني فظاهر، وأمّا على الأوّل فالصبر على البلاء من التذكير بالوقائع، والشكر على النعم من الإخراج من الظلمات إلى النور فإنه تدبيل لمجموع الآية لا لقولهم ذكرهم فقط، واليه أشار بقوله فإنه الخ وقيل إنه إشارة إلى ترجيح الثاني عكس ما فهم من صيغة التمريض، ومناسبته على تفسيره بالوقائع أنها تتضمن النعم، والنقم بالنسبة إلى قوم، وقوم كقوله: مصائب قوم عند قوم فوائد وهو تكلف لا حاجة إليه. قوله: (وقيل المراد لكل مؤمن) فعلى الأوّل يكون الصبار، والشكور عبارتين لمعنيين، وعلى هذا عبارة عن معنى واحد على طريق الكناية كحيّ مستوي القامة بادي البشرة في الكناية عن الإنسان، وقوله عنوان المؤمن استعارة حسنة أي الظاهر من حاله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 الدال على ما في باطنه من الإيمان كقولهم البشر عنوان الكرم. قوله: (أي اذكروا نعمته وقت إنجائه إياكم) يعني أنّ النعمة مصدر بمعنى الأنعام، واذ متعلقة به أو بكلمة عليكم إذا كانت حالاً لا ظرفا لغوا للنعمة لأنّ الظرف المستقر لنيابته عن عامله يجوز أن يعمل عمله أو هو على هذا معمول لمتعلقه، والنعمة على هذا يجوز كونها بمعنى العطية المنعم بها، ولا يتعين كما هو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أو إذ يدل من نعمة بدل اشتمال. قوله: (أحوال الخ) وجوّز في سورة البقرة أن يكون حالأ منهما جميعا لوجود ما يربطه بهما، وتركه هنا قيل لما فيه من نوع تزاحم الاعتبارين معا ومن شائبة اختلاف العامل، وان أمكن تأويله بأنّ العامل في آل فرعون، وان كان لفظ من في الظاهر لكنه لفظ أنجاكم في الحقيقة، وهذا الإشكال مع حله يتمشى في الأوّل، ولا يخفى سماجته فإنّ التركيب في السورتين واحد فهذا لو كان محذوراً تركه ثمت أيضاً فلا وجه! لما تكلفه، وضمير المخاطبين مفعول أفجاكم. قوله: (والمراد بالعذاب هاهنا غير المراد به في سورة البقرة الخ) جواب عما يسئل عنه وهو أنه لم عطف ويذبحون هنا ولم يعطف هو في البقرة ويقتلون في الأعراف والقصة واحدة فأشار إلى أنه حيث طرح الواو قصد تفسير العذاب، وبيانه فلم يعطف لما بينهما من كمال الاتصال، وحيث عطف كما نحن فيه لم- يقصد ذلك، والعذاب إن كان المراد منه الجنس فالتذبيح لكونه أشد أنواعه عطف عليه عطف جبريل على الملائكة عليهم الصلاة والسلام تنبيها على أنه لشدته كأنه ليس من ذلك الجنس، وان كان المراد به غيره كاسترقاقهم، واستعمالهم في الأعمال الشاقة فهما متغايران، والمحل محل العطف، وقد جوّز أهل المعاني أن يكون بمعنى، وتفسيرا فيها، وترك عطفه في تينك السورتين ظاهر، وعطفه هنا لعد التفسير لكونه أوفى بالمراد وأظهر بمنزله المغاير فلذا عطف كما في المطول وهو وجه حسن أيضا، وقوله بالتذبيح والقتل لف، ونشر لما في السورتين، ولو قال التقتيل كان أنسب، وثمة إشارة إلى الموضعين، وقوله وععطوف عليه التذبيح، وفي نسخة الذبح، وفي أخرى معطوف عليه التذبيح فهو خبر سببي، وهو ظاهر، ورابطه ضمير عليه حينئذ. قوله: (من حيث إنه بأقدار الله إياهم وإمهالهم فيه) تبع فيه الزمخشريّ وهو إنما فسره به بناء على مذهبه فلو قال من حيث إنه يخلئ الله، وايجاده، وان كان بكسبهم كان أوفى بمذهب أهل السنة، والإشارة على هذا إلى فعل م ل فرعموق بهم، وإنما عدل عنه لأنه مناسب لإمهالهم فتنبه له. قوله: (ابتلاء منه) إمّا كون قتل الأبناء ابتلاء فظاهر، وأمّا استحياء النساء، وهت البنات أي استبقاؤهم فلأنهم كانوا يستخدمونهن، ويفرّقون بينهن، وبين الأزواج أو لأنّ بقاءهن دون البنين رزية في نفسه كما قيل: ومن أعظم الرز فيما أرى بقاء البنات وموت البنينا قوله: (ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء والمراد بالبلاء النعمة) فإنّ البلاء هو الابتلاء سواء كان بالنعمة أو المحنة قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة الأنبياء، الآية: 35] ولذا جوّز أن تكون الإشارة إلى جميع ما مرّ الشامل للنعمة، والنقمة، وجعله إشارة لما ذكر هربا من إسناد ما فعلوا إلى الله على مذهب المعتزلة، ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (من كلام موسى صلى الله عليه وسلم) فهو! ، من مقول القول لا كلام مبتدأ وهو معطوف على نعمة الله أو على إذ أنجاكم في محل نصب جار على جميع الوجوه السابقة، والإعلام بمزيد النعمة لمن شكر نعمه، واحسانه منه أيضاً، وتأذن بمعنى آذن، وهو أعلم بوعده بذلك، والتفعل أبلغ من البلاغة أو المبالغة لأنّ صيغة التفعل للتكلف كتحلم، وما يتكلف فيه يكثر إظهاره، ويبالغ فيه فلهذا يستعمل في لازم معناه فيدل على ما ذكر كما وصف الله بالمتوحد فقوله، والمبالغة معطوف على التكلف لبيان المراد منه دفعا لما يتوهم من أنه غير مناسب للمقام. قوله: (بالإيمان الا بد من تأويله بالثبات على الإيمان أو إخلاصه لأنهم كانوا مؤمنين، ولذا قيل لو صزح به كان أظهر وقيل إنه ذكر توطئة للعمل الصالح لأنه أساسه وفيه نظر وقوله نعمة إلى نعمة يفهم من زيادة النعم سبق نعم أخر فلذا فسر بما ذكر، وأيضا لفظ الشكر الدال على سبق النعم فليس الزيادة لمجرّد الأحداث فافهم. قوله: (فلعلي أعذبكم على الكفران) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 فكفرتم من كفران النعم لمقابلته للشكر لا من الكفر مقابل الإيمان، وجوّز حمله عليه، وهو بعيد، وقوله ومن عادة أكرم الأكرمين الخ تصريح الوعد بقوله لأزيدنكم ظاهر، والتعريض بقوله: {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] دون أعذبكم أو عذابي لكم، وقيل إنه جار على عادته تعالى أيضاً في إسناده الخير للذات المقدس دون الشر وفيه نظر لأنّ عذابي مصدر مضاف لفاعله، والفرق بينه وبين صريح الإسناد محل نظر، وأكرم الأكرمين المراد به الله تعالى عبر به إشارة إلى أنّ التصريح، والتلويح المذكورين كرم منه تعالى، وليس المراد به كل من كان أكرم بناء على جواز إطلاقه على غير الله كما جوّزه بعضهم لبعده، وتكلفه، وكذا قوله فلعلي أعذبكم بصيغة الترجي الدالة على عدم القطع لمناسبته لكرمه، ورحمته لأنّ كفران النعم غير مستوجب للعذاب كغيره في عادته تعالى. قوله: (والجملة) أي قوله لئن شكرتم الخ إمّا مفعول قول مقدر منصوب على الحال سادّ معموله مسده أي قائلا أو مفعول تأذن لأنه في معنى القول على المذهبين المشهورين لنحاة البصرة والكوفة في أمثاله، وقوله من الثقلين خص العموم المستفاد من جميعا بهم لأنه غير متصوّر فيهم. قوله: (فما ضررثم بالكفران إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام) وفي نسخة عريتموها مزيد الأنعام وكان الظاهر من مزيد لكنه ضمنه معنى حرمتموها فهما بمعنى، وهذا هو جواب الشرط في الحقيقة وما ذكر في النظم دليله، وقيل إنما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لدفع توهم عود فائدة الشكر عليه والجواب تقديره لم يتضرر أو لم ينقص منه شيء، وما ذكر دليله فقول المصنف رحمه الله تعالى فما الخ تفريع على هذه الآية، وما قبلها لا تقدير للجواب لأنّ ضرر الكفران مستفاد مما تقدم، وانحصاره فيهم مفهوم من هذه الآية، ولا يخفى أن ما ذكره، وما قدره المعترض واحد لأنّ معنى ما ضررتم إلا أنفسكم أنّ نفعه، وضره عائد عليكم فلا يتضرر به الله فلا وجه لاعتراضه غير تكثير السواد بما لا محصل له. قوله: (من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله) فعلى الأوّل هو من مقول القول، وهو تذكير لبني إسرائيل بأحوال من تقدّمهم ليعتبروا بهم، وعلى الثاني هو ابتداء كلام من الله غير محكي مخاطبا به أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما ذكر إرساله تخي! بالقرآن، وقص عليهم بعضا من قصص موسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (جملة وقعت اعتراضا) أي جملة بتمامها من المبتدأ والخبر وقعت أعتراضا في الكلام تيل عليه ليس جملة اعتراضية لأنّ الاعتراض لا يكون إلا بين جزأين يطلب أحدهما الآخر، وكذا قوله لا يعلمهم إلا الله اعتراض يرد عليه ما ذكر، ومنع بأنّ بينهما ارتباطا يطلب به أحدهما الآخر لأنه يجوز أن تكون جملة جاءتهم حالاً بتقدير قد، والاعتراض يقع بين الحال، وصاحبها فليس ما ذكر مخالفا لكلام النحاة، ولو سلم أنها ليست بحالية فما ذكروه هنا على مصطلح أهل المعاني فإنهم لا يشترطون الشرط المذكور حتى جوّزوا أن يكون في آخر الكلام كما صرّج به ابن هشام في المغني مع أنّ جملة جاءتهم رسلهم الخ مفسرة للجملة الأولى فهي مرتبطة بها معنى، واشتراط الارتباط الإعرابي عند النحاة غير مسلم أيضاً فتأمل. قوله: (أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله) يعني الموصول أو قوم نوج، وذكر مع دخوله في الذين من قبلكم لتفسيره بقوم نوج الخ، والثاني أوفق بالمعنى، والأوّل أوفق باللفظ، وقال الطيبي: هذا أحسن لحسن موقع الاعتراض إذ حسنه أن يؤكد ما اعترض! فيه وليس في الأوّل رائحة ذلك. قوله: (والمعنى أنهم لكثرتهم الخ) أي على الوجهين لكنه يختلف عليهما مرجع الضمير في أنهم ولكثرتهم، وعددهم فهو الموصول الثاني على الأوّل، ومجموع الموصولين على الثاني، ومعنى الاعتراض على الثاني ألم يأتكم أنباء الجم الغفير الذي لا يحصى كثرة فتعتبروا بها إنّ في ذلك لمعتبرا، وعلى الأوّل فهو ترق، ومعناه ألم يأتكم نبأ هؤلاء، ومن لا يحصى بعدهم كأنه يقول دع التفصيل فإنه لا مطمع فيه، وفيه لطف لإيهام الجمع بين الإجمال، والتفصيل، ولذا قدمه جار الله، وأيده بقول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم فإنه فيه أظهر. قوله:) ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كذب النسابون الأنهم يدعون علم الأنساب، وقد نفى الله علمها عن العباد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 وعن ابن عباس رضي الله عنهما بين عدنان، واسماعيل عليه الصلاة والسلام ثلاثون أبا لا يعرفون وفي الجامع اختلف في نسب النبيّ صلى الله عليه وسلم، بعد اتفاقهم أنه من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وأنه من ولد معد بن عدنان، وإنما الاختلاف في الأسماء التي قبل عدنان، ولا يكاد يصح لأحد من الرواة رواية، ولا ضبط للأسماء، واتصال هذه الآية بما قبلها أنه بعد ذكر ما مرّ من قصة موسى عليه الصلاة والسلام، وما معه عقبه توبيخاً، وتهديداً كما ذكره الطيبي. قوله: (فعضوها غيظاً مما جاءت به الرصل عليهم الصلاة والسلام الخ) في معنى رد الأيدي في الأفواه وجوه الأوّل إرجاع ضميري أيديهم وأفواههم إلى الكفار، وهو على أربعة احتمالات أحدها أنهم عضوها غيظا من شذة نفرتهم من رؤية الرسل عليهم الصلاة والسلام، واستماع كلامهم، وثانيها أنهم لما سمعوا كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، تعجبوا منه، ووضعوا أيديهم على أفواههم ضحكا، واستهزاء كمن غلبه الضحك، وثالثها أنهم أشاروا بأيديهم إلى جوابهم، وهو قولهم إنا كفرنا أي هذا جوابنا الذي نقوله بأفواهنا، والمراد إشارتهم إلى كلامهم كما يقع في كلام المتخاطبين أنهم يشيرون إلى أنّ هذا هو الجواب، ثم يقرّرونه أو يقرّرون، ثم يشيرون بأيديهم إلى أنّ هذا هو الجواب، وهو الوجه القوي لأنهم لما حاولوا الإنكار على الرسل كل الإنكار جمعوا في الإنكار بين الفعل والقول، ولذا أتى بالفاء تنبيهاً على أنهم لم يمهلوا بل عقبوا دعوتهم بالتكذيب، وصدروا الجملة بأنّ ورابعها أنهم وضعوها على أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يكفوا عن هذا الكلام، وشسكتوا والوجه الثاني أن يرجع الضمير في أيديهم إلى الكفار وفي أفواههم إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيه احتمالان الأوّل أنهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل عليهم الصلاة والسلام، أن اسكتوا، والآخر بأنهم وضعوا أيديهم على أفواه الرسل عليهم الصلاة والسلام منعا لهم من الكلام والوجه الثالث أن يعود الضمير إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام ويكون المراد بالأيدي نعمهم من مواعظهم ونصائحهم، والأيدي بمعنى الأيادي كما سيحققه أو يكون ردّها إلى أفواههم مثلاً لرذها، وتكذيبها بأن شبه ردّ الكفار مواعظ الرسل عليهم الصلاة والسلام بردّ الكلام الخارج من الفم فقيل رذوا أيديهم أي مواعظهم في أفواههم، والمراد عدم قبولها، وفي هذا الوجه احتمال آخر، وهو أنّ الكفار أخذوا أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام، ووضعوها على أفواههم ليقطعوا كلامهم فحينئذ اليد، والفم على حقيقتهما وعلى الأوّل مجازان هذا حاصل ما ذكره الزمخشريّ على ما قرّره الشارح العلامة فقول المصنف رحمه الله تعالى فعضوها غيظا بناء على إرجاع الضميرين للكفار فاليد والفم على حقيقتهما، والرد كناية عن العض ولا ينافي الحقيقة كون المعضوض الأنامل كما في الآية الأخرى فان من عض موضعاً من اليد يقال حقيقة إنه عض اليد فلا يتوهم من ردها أنه مجاز كقوله: {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} [سورة البقرة، الآية: 19] فتأمّل. قوله: (أو وضعوها عليها تعجباً الخ) فالضميران للكفار أيضا، واليد والفم على حقيقتهما، ووضعها على الفم لغلبة الضحك من الاستهزاء أو التعجب، ولا ملازمة بين الاستهزاء، والتعجب فلذا عطفه باو، وقيل الاستهزاء وان استلزم التعجب لكن التعجب لا يستلزمه فصحت المقابلة. قوله: (أو إسكاتاً للأنبياء عليهاً الصلاة والسلام) هذا كالوجه السابق في مرجع الضمير، والحقيقة، وكذا إذا كان أمر بالإطباق. قوله: (أو أشاروا بها إلى ألسنتهاً الخ) هذا هو التوجيه الراجح فاليد حقيقة، والردّ مجاز، والإشارة تقارن قولهم إنا كفرنا مع احتمال التقدم والتأخر. قوله: (أو ردوها في أفواه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ (فهما على حقيقتهما والضمير الأوّل للقوم والثاني للأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ وفيه معنى آخر، وهو أنه يحتمل أنهم أشاروا إلى أفواه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالسكوت، وفي بمعنى إلى كما في أدب الكاتب. قوله: (وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلاَ) أي استعارة تمثيلية بأن يراد بردّ أيدي القوم إلى أفواه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعدم قبول كلامهم، واستماعه مشبها بوضع اليد على فم المتكلم لإسكانه فاليد، والفم على حقيقتهما وهذا التمثيل يجري في كون الضميرين للرسل أيضاً، ويحتمل إبقاؤه على حقيقته كما قرّرناه. قوله: (وقيل الأيدي بمعنى الأيادي) أي النعم، والمراد بالنعم نعم النصائح، والحكم، والشرائع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 فإنها من أعظم النعم، وضعفه لأنّ الأيدي بمعنى النعم قليل في الاستعمال حتى أنكره بعض أهل اللغة، وان كان الصحيح خلافه، ولأنّ الرذ والأفواه يناسب إرادة الجارحة، وقوله بمعنى الأيادي إشارة إلى أنه المعروف في الاستعمال بمعنى النعم كقوله: أيادي لم تمنن وان هي جلت وهو جمع أيد جمع يد فهو جمع الجمع لا جمع يدكما توهم. قوله: (أي ردوا أيادي الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام، وقوله فكأنهم إشارة إلى أنه تمثيل على هذا، وأنّ الضميرين راجعان إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو الوجه الثالث، والأيادي وحدها مجاز لا الأفواه، وقيل إنه مجاز أيضا، وفيه نظر. قوله: (على زعمكم (لأنهم لا يسلمون إرسالهم فلا تنافي بين كفرهم، وذكر رسالتهم، وما أرسلوا به الكتب، والشرائع. قوله تعالى: ( {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا} ) فإن قلت أنا كفرنا جزم بالكفر لا سيما، وقد أكد بأنّ فقولهم إنا لفي شك ينافيه قلت أجيب بأنّ الواو بمعنى أو أي أحد الأمرين لازم، وهو إنا كفرنا جزما فإن لم نجزم فلا أقل من أن نكون شاكين فيه، وأياما كان فلا سبيل إلى الإقرار، وقيل إنّ الكفر عدم الإيمان عمن هو من شأنه فكفرنا بمعنى لم نصدق، وذلك لا ينافي الشك أو متعلق الكفر الكتب، والشرائع، ومتعلق الشك ما يدعونهم إليه من التوحيد مثلاً، والشك في الثاني لا ينافي القطع في الأوّل، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إشارة إليه. قوله: (من الإيمان) أي المؤمن به أو في صحته إذ لا يظهر الشك في نفس الإيمان، وقوله بالإدغام أي إدغام نون الرفع في نون الضمير، وقوله موقع في الريبة فهو من أرانبي بمعنى أوقعني في الريبة، والثاني من أراب بمعنى صار ذا ريبة وهي صفة مؤكدة، وقد مز تحقيقه. قوله: (أدخلت همزة الإنكار على الظرف الخ) قيل المعنى أفي الله وحده شك لأنهم لم يكونوا دهرية منكرين للصانع بل عبدة أوثان فقوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} إشارة إلى برهان التمانع وقيل إنه يعم الشك في وجوده، ووحدته لأنّ فيهم دهرية، ومشركين، وقوله فاطر السماوات إشارة إلى الدليل عليهما، وتقديم في الله ليس بقصر بل للاهتمام بالمنكر المشكوك فيه لأنّ المنكر كونه تعالى محل الشك لا نفس الشك فإنه غير منكر، وقيل عليه إن تعليله يقتضي جواز التأخير لولا هذا القصد، وليس كذلك، وهو خطأ لأنّ وقوع النكرة بعد الاستفهام مسوغ للابتداء بها نحو هل رجل في الدار كما ذكره ابن مالك، وغيره فما قيل في جوابه أن المراد لم جعل هذا التركيب هكذا، وإن كان وجوبأ لا وجه له مع تعسفه، وقوله وهو لا يحتمل الشك أي احتمالاً ناشئا عن تأمل. قوله: (وشك مرتفع بالظرف الاعتماده على الاستفهام مع جواز كونه مبتدأ، ورجحه لأنّ فيه عدم الفصل بين التابع، ومتبوعه بأجنبي وهو المبتدأ بخلاف الفاعل فإنهم لم يعدوه أجنبيا لكونه كالجزء من عامله. قوله:) يدعوكم إلى الإيمان ببعثه إيانا (فعلى هذا المدعوّ له غير المغفرة، وهو الإيمان بقرينة إنا كفرنا، وعلى الوجه الثاني المدعوّ إليه المغفرة لا لأنّ اللام بمعنى إلى فإنه من ضيق العطن بل لأنّ معنى الاختصاص، ومعنى الانتهاء كلاهما واقعان في حاق الموقع فكأنه قيل يدعوكم إلى المغفرة لأجلها لا لغرض آخر، وحقيقته أنّ الأغراض آخر غايات مقصودة تفيد معنى الانتهاء، وزيادة كذا إفادة المدقق في الكشف، والحاصل أنّ المدعوّ إليه في الأوّل الإيمان، وليغفر لكم تعليل قصدا، وفي الثاني المدعو إليه المغفرة، والتعليل لازم لكن من غير قصد، وقد قيل في الفرق بين الوجهين أن ليغفر لكم سبب غائيّ على الأوّل فتقدير المدعو إليه، وهو الإيمان لأنّ المغفرة ليست غاية لمطلق الدعوة بل للدعوة إلى الإيمان، وسبب حامل على الثاني فلا يحتاج إلى المدعو إليه، ولا يخفى أنّ العبادة تأباه. قوله: (بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبيته الخ) المراد بما بينهم، وبين الله حقوق الله الخالصة له، وان كان هذا التعبير يستعمل فبما خفي منها لكنه غير مراد هنا وهذا بناء على أنّ الإسلام لا يرفع المظالم، والذي صححه المحدّثون في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " أنّ الإسلام يهدم ما قبله " أنه يرفع ما قبله مطلقا حتى المظالم، وحقوق العباد وفيه تأمّل، والتوفيق بين الآيات الواقع فيها من وغيرها محتاج إليه لأنّ من التبعيضية مدلولها البعضية المجرّدة من الكلية لا الأعمّ منه الشامل لما هو في ضمنها، ولما تجرّد عنها كما صرّح به في التلويح، وما قيل عليه إنه محل نظر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 لأنّ الرضي صرّح بعدم المنافاة بينهما مبنيّ على قول غير مرضيّ عند المحققين، وكذا ما قيل بزيادة من للتوفيق بينهما فإنه على قول الأخفش بزيادة من في الإثبات، وهو غير مقبول، ثم إنّ كلام المصنف رحمه الله تعالى هنا ينافي قوله في سورة نوح عليه الصلاة والسلام في تفسير من ذنوبكم ببعض ذنوبكم، وهو ما سبق فإنّ الإسلام يجبه لا يؤاخذكم به في الآخرة حيث أخذ ما يجبه الإسلام عامّا لنوعي الذنوب فاضطرّ في توجيه البعضية إلى أن اعتبره بالنسبة لما قبل الإسلام، وما بعده من جنس الذنوب، وقوله يجبه بالجيم والموحدة أي يقطعه، ويرفع إثمه. قوله: (وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن الخ) هذا هو مختاره في الكشاف عكس ما قاله المصنف رحمه الله تعالى حيث قال ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين دون المؤمنين، وذكر آيات استشهد بها عليه، وأحاله على الاستقراء، ثم قالط وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد، واعترض عليه، وعلى قول المصنف رحمه الله تعالى في جميع القرآن، وقوله المعنى فيه أنّ المغفرة في خطاب الكفرة مرتبة على الإيمان، وفي خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة، وتجنب المعاصي، ونحوه فيتناول الخروج عن المظالم بأنه إنما يتم لو لم يجىء الخطاب للكفرة على العموم، وقد جاء ذلك كقوله في سورة الأنفال: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [مورة الأنفال، الآية: 38] وقال الكلبي كتب وحشيّ قاتل حمزة رضي الله عنه، وأصحابه إنا ندمنا وسمعناك تقرأ والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر الآية، وقد فعلنا كل ذلك فنزلت إلا من تاب فقال هذا شرط لعلي لا أقدر عليه فنزلت أنّ الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [سورة الزمر، الآية: 53] فأقبلوا مسلمين رضي الله عنهم، وقال المصنف رحمه الله تعالى وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء، الآية: 48] والتعليل بقوله أته هو الغفور الرحيم، وليس هذا بوارد لأنّ مراده أنه باق على العموم مع ذكر من وحذفها لأنّ الدلالة على أن بعضا آخر لا يغفر من قبيل دلالة اللقب، ولا اعتذاد بها كيف وللتخصيص فائدة أخرى، وهي التفرقة بين الخطابين بالتصريح بمغفرة الكل، وءابقاء البعض في حق الكفرة مسكوتا عنه لئلا يتكلوا على الإيمان، وهذا معنى حسن لا تكلف فيه كما ذكره صاحب الك! شف، وأمّا توجيه المصنف رحمه الله تعالى فستعرف ما فيه، وأمّا الاعتراض بهذه الآيات فغير وارد لأنّ المراد ما ذكر فيه صيغة يغفر، وذنوب لا مطلق ما كان بمعناه، ولذا قال الزمخشريّ: إنه معلوم بالاستقراء، ومثله لا يخفى عليه ما أوردوه، ولا يلزم رعاية هذه النكتة في جميع الموادّ. قوله: (ولعل المعنى فيه) أي في التفرقة بين الخطابين أنها لما ترتبت في خطاب الكفرة على الإيمان لزم فهي من التبعيضية لإخراج المظالم لأنها غير مغفورة عنه، وأمّا في خطاب الصؤمنين فلما ترتبت على الطاعة، هـ اجتناب ال! معاصي التي من جملتها المظالم لم يحتج إلى ألتبعيضية لإخراجها لأنها خرجت بما رتبت عليه، وأورد عليه قوله تعالى {يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} حيث ذكرت من مع ترتبه على الطاعة واجتناب المعاصي الذي أفاده اتقوا، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} [سورة الصف، الآية: 0 ا] الآية لعدم ذكر من مع ترتبه على الإيمان فهذا يدل على أن وجه التفرقة ما في الكشاف لا ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى فتأمّل، وأمّا ما قيل في دفع ما ذكر فإنه غير ضارّ إذ يكفيه ترتبه في بعض المواد فيحمل مثله على أنّ القصد إلى ترتبه على الإيمان وحده بقرينة الآيات الأخر، وما ذكره يحمل على أن الأمر به بعد الإيمان فتكلف ما لا طائل تحته، وقوله إلى وقت سماه لا يلزم منه تعدد الأجل كما ذهب إليه المعتزلة كما مرّ تفصيله في قوله صلى الله عليه وسلم: " الصدقة تزيد في العمر " ونحوه. قوله: (لا فضل لكم علينا) أي لستم من جنس! آخر له فضل على جنسنا والفضيلة في بعض الجنس على بعض لا تقتضي الوصول إلى النبوّة بزعمهم الفاسد وقوله من جن! أفضل مطلقا أو المراد الملائكة في اعتقادهم أو أفضليتهم باعتبار التجرّد، وعدم القوّة الشهوانية، وعلى كل حال فلا يلزم تفضيلهم على البشر بما ذكر حتى يكون كلامه مخالفاً لمذهب جمهور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 أهل السنة، وقوله أو على صحة دعائكم قيل هذا أولى مما قبله، ولهذا اقتصر عليه في قوله الآتي حتى يأتي بما اقترحوه. قوله: (وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبؤة الخ) هذا هو مذهب أهل السنة، وليس يلزم منه نفي الفضيلة والمزية، وأنها غير لازمة للنبوّة بل أنها غير موجبة لذلك، وان كانوا جميعا لهم مزايا وخواص مرجحة لهم على غيرهم كما مرّ تحقيقه في قوله الله أعلم حيث يجعل رسالته، وقوله ليس لنا الإتيان بالآيات أي ليس مقدوراً لنا، وقوله ولا تستبده استطاعتنا أي لا تستقل به، وكان الظاهر أن يقول تستبد به، وقد تقدم تحقيقه، وقوله حتى نأتي بما اقترحتموه إشارة إلى ترجيح الوجه الثاني كما أشرنا إله. قوله: (فلنتوكل عليه في الصبر الخ (إشارة إلى دخولهم في المأمورين بالتوكل لدلالة ما بعده عليه حيث ذكر بصيغة المتكلم مع الغير، وان اختلف في دخول المتكلم في عموم كلامه كما بي في الأصول لأنّ محل الخلاف ما لم يعلم دخوله فيه بالطريق الأولى أو تقم عليه قرينة كما هنا، وقوله عمموا الأمر أي بالتوكل لأن موجبه الإيمان، وهو عام فيعمّ ما يستوجبه، وايمانهم أقوى فيقتضي أن توكلهم أعظم من توكل غيرهم، وقوله وقصدوا به أنفسهم لما مرّ فليس القصد أمر غيرهم فقط، واحتمال أن يراد بالمؤمنين أنفسهم، وما لنا التفات لا التفات إليه، والجمع بين الفاء، والواو تقدم تحقيقه في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقوله أي عذر الخ إشارة إلى أنّ ما استفهامية للسؤال عن السبب، والعذر، وأن لا نتوكل بتقديو في. قوله:) التي بها نعرفه (يعني أنّ السبل بمعنى الطرق إلى معرفة الله التي هدى الباس إليها، وقوله بالتخفيف أي بسكون الباء، وقراءة غيره بضمها، وهو الأصل فيه، وقوله أكدوا به الخ، لأنه فسر التوكل على الله بالاعتماد عليه في أمرهم بالصبر ليكون معناهما واحداً بحسب المآل. قوله: (فليثبت المتوكلون) فسره به لأنه أسند إلى المتوكل فيقتضي سبق توكله كما مرّ في نحو السلاح عصمة للمعتصم، وقوله هدى للمتقين لأنه لو لم يرد هذا كان المتوكل بمعنى مريد التوكل مجازا، وحينئذ يتكرر مع ما مرّ فلذا رجح التجوّز في المسند دفعا للتكرار إذ لا بد من التجوّز في أحد الطرفين فمن أعترض على ذكر المرجح بأنّ التكرار للاهتمام غير منكر فتأويله إنما هو لئلا يكون المتوكل بمعنى مريد التوكل فقد وهم. قوله: (حلفوا على أن يكون أحد الأمرين الخ) إشارة إلى أنّ قوله لنخرجنكم جواب القسم، ورفع لأنّ العود ليس فعل القسم فكيف يقسم على فعل الغير، وليس في وسعه لأنّ أحد الأمرين في وسعه، وقوله وهو بمعنى الصيرورة، وهي الانتقال من حال إلى أخرى إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ العود يقتضي أنهم كانوا في ملة الكفر قبله، وليس كذلك فدفعه أوّلاً بأن عاد بمعنى صار وهو كثير الاستعمال بهذا المعنى فلا يقتضي ماذكر، واعترض على هذا في الفرائد بأنه لو كان عاد بمعنى صار لقيل إلى ملتنا فتعديته بفي تقتضي أنه ضمن معنى الدخول المتعدي بها أي لتدخلن في ملتنا ورد بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان في ملتنا صلة عاد أمّا إذا جعل خبراً لها لأنها بمعنى صار وهي من أخوات كان فلا يرد ما ذكر كما في نحو صار زيد في الدار نعم مما ذكره يفعهم وجه آخر، وهو جعله مجازأ بمعنى تدخلن لا تضمينا لأنه يقصد فيه المعنيان فلا يدفع المحذور، وهنا جواب آخر، وهو أنه على ظنهم، وزعمهم أنهم كانوا من أهل ملتهم قبل إظهار الدعوة كقول فرعون لموسى صلى الله عليه وسلم: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 19] . قوله: (ويجوز ان يكون الخطاب لكل رسول ولمن آمن معه الخ) عطف بحسب المعنى على قوله بمعنى الصيرورة يعني أنّ الخطاب ليس للرسل عليهم الصلاة والسلام بل لهم، ولقومهم فغلبوا عليهم في نسبة العود إلميهم فإن كانوا حاضرين فظاهر، والا ففيه تغليب آخر في الخطاب كما مرّ في قصة شعيب كليه الصلاة والسلام. قوله:) على إضمار القول) أي فعل الإيحاء لا يلائم لنهلكن، وأوحى لا مفعول له أو هو مفعوله لكونه في معنى القول على المذهبين المشهورين في أمثاله، والمراد بالظالمين المشركون لقوله تعالى إن الشرك لظلم عظيم، وهم لما أرادوا إخراجهم من ديارهم أخرجهم الله من دار الدنيا، وأورثهم أرضهم وديارهم كما في الحديث " من أذى جاره أورثه الله داره " وقوله أرضهم إشارة إلى أنّ التعريف للعهد لا عوض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 عن المضاف إليه، وقوله وقرئ ليهلكن أي بالغيبة من الأفعال، وقوله ليخرجن بفتح الياء من الثلاثي، وقد تقدم تقرير هذه المسألة النحوية فيما يجوز في الفعل المذكور بعد القسم، وقوله إشارة إلى الموحى به توجيه لأفراد الضمير، وتذكيره مع أنّ المشار إليه اثنان فلا حاجة إلى جعله من قبيل {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 68] وان صح. قوله: (موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد الخ) يعني مقام إمّا بمعنى موقف الحساب فهو اسم مكان، واضافته إلى الله لكونه بين يديه أو مصدر ميمي بمعنى حفظي لأعمالهم ليجازوا عليها، وقيل قيامهم على القبور إذا بعثوا أو لفظ مقام مقحم أي مزيد فإنه سمع إقحامه في قوله يغيب عنه مقام الذنب لأنّ الخوف من الله. قوله: (أي وعيدي بالعذاب) فياء المتكلم محذوفة للاكتفاء بالكسرة عنها في غير الوقف، ومتعلقه محذوف أو هو بمعنى الموعود به، وقوله الموعود إشارة إلى هذا، وأنه مصدر من الوعد على وزن فعيل فيكون الوعد مستعاراً للإيعاد. قوله: (سألوا من الله تعالى الفتح على أعدائهم الخ) يعني أنّ السين للطلب، والفتح بمعنى القضاء لأنه يكون بمعناه لغة كما مرّ فقوله، والقضاء عطف تفسير، وهذا استنجاز للوعد السابق بإهلاكهم إن كان متأخراً عنه، والضمير للرسل عليهم الصلاة والسلام، وأتباعهم لأن الواو، لا تقتضي ترتيبا، وقوله لأنّ كلهم، وفي نسخة فإنّ كلهم تعليل للقولين الأخيرين، وإذا كان للكفرة فهو معطوف على قال الذين كفروا. قوله: (وقرئ بلفظ الأمر) وكسر التاء، وعطفه على لنهلكن والواو من الحكاية دون المحكي أو ما قبله لإنشاء الوعد فلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر مع أنّ مذهب النحاة تجويزه، وقوله ففتح يعني أنه من قبيل إيجاز الحذف بحذف الفاء الفصيحة، والمعطوف عليه، وقوله فأفلح المؤمنون لازم الفتح، وذكر. لتظهر مقابلة الخيبة له لا أنه محذوف أيضا، ولو قدر لم يمنع منه مانع وعات اسم فاعل من العتوّ، وهو التجبر، وقوله معاند إشارة إلى أنّ عنيد فعيل بمعنى مفاعل كخليط بمعنى مخالط، ورضيع بمعنى مراضع، وهو كثير فصيح، وما قيل إنه يعني أنه بمعنى عاند، ولكنه فسره بمعاند لأنه اشتهر مما لا داعي له، وقوله أوقع أي أحسن لحصول ضد ما أفلوه لهم، ومطلوبهم لأعدائهم مع هلاكهم، وأمّا على الوجه الآخر فلأنّ الفتح مطلوب لهم، وان لم يستفتحوا. قوله: (من بين يدبه) يعني أن وراء هنا بمعنى قدام لأنها تطلق عليه لكونها من الأضداد أو لأنّ معناها ما توارى عنك سواء كان خلفاً أو قداما. قوله: (فإنه مرصد بها (بفتح الميم، وبالباء أي مراقب مشارف يقال رصد به إذا قعد على طريقه يترقبه، وفي نسخة مرصد لها بضم الميم، وباللام أي معدلها يقال أرصدت له العقوبة إذا هيأتها، وأعددتها، وحقيقته جعلها على طريقه كالمترقبة له، وفي نسخة مترصد بصيغة اسم الفاعل من التفعل، وبالباء، وقوله من وراء حياته أي أنه على تقدير مضاف، وهو الحياة أي بعد انقضاء عمره وما وقع في نسخة خيوبه بالخاء المعجمة من الخيبة من تحريف الناسخ، وقوله واقف على شفيرها على كونه بمعنى أمام إشارة إلى أنهم لخسرانهم بضلالهم، وان طالت أعمارهم متقاربون منها حتى كأنها حاضرة بلا فاصل، ووراء مراد به الزمان استعارة، وفي قوله واقف ومرصد إشارة إلى التجوّز فيه، وهذا على اعتبار أنها وراءهم في الدنيا فإن قدر المضاف كان بعدها فلا يلاحظ فيه ما ذكر، وقيل إنه إشارة إلى أنّ وراء بمعنى خلف. قوله: (وحقيقته ما توارى الخ) فليس من الأضداد كما قاله أبو عبيدة بل هو موضوع لأمر عام صادق عليهما، وقد مرّ تفصيله فتذكره، وقوله عطف على محذوف، وقيل على متعلق من ووائه المقدر. قوله:) عطف بيان لماء) إن جوّز وقوعه في النكرات، ومن أبا. يقول هو نعت له لأنه في الأصل صادر عن شربه أو بدل منه إن كان جامداً، ثم إطلاق الماء عليه إمّا حقيقة إن كان على التشبيه به أو مجاز لأنه بدله. قوله: (يتكلف جرعه الخ) أي تفعل دال على التكلف كتحلم، وقيل مطاوع جرّعه الماء فتجرّعه، وقيل إنه للمهلة، والتدريج كفهمته الكتاب، وعلمته أي شيئأ بعد شيء لمرارته لكن قوله فيطول عذابه يشعر بأنه لتطويل الله تعذيبه فلذا حمل على أنه متفرع عليه في الواقع، وقوله يسيغه بضم الياء لأنه يقال ساغ الشراب كقال فأساغه غيره، وهو الفصيح، وان ورد ثلاثيه متعدّيا أيضاً على ما ذكره أهل اللغة. قوله: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 (أسبابه من الشدائد) يعني أنّ المحيط به، والآتي من كل مكان له أسبابه فهو مجاز عنه أو بتقدير مضاف أو المراد بالمكان الأعضاء فإنها مكان مجازاً لذلك فليس بمعنى الجهة. قوله: (حتى من أصول شعره الخ) أي حتى يأتيه ففيه مقدر، والمراد به التعميم، وفسر ميت بمستريح لأنّ من مات استراج من ألم كان في جسده كما قيل: ليس من مات فاستراح بميت قوله: (ومن بين يدبه عذاب غليظ البئ) يعني أنه لما هو أمامه كما مرّ، ولا يحتاج إلى تقدير من وراء عذابه، وقوله يستقبله في كل وقت ليس تفسيراً للوراء بالزمان، وإنما هو لازم كون الوراء بمعنى الإمام لأنك إذا قلت قدامه عذاب دلّ على أنه بصدده وأنه يستقبله، وأمّا التعميم، والتأكيد فلأنّ كل وقت من أوقات تعذيبه بالصديد، وإتيان الموت من كل جانب يصدق عليه فيه أن قدّامه عذابا غليظاً هو يستقبله فلا يزال يتجدد له عذاب هو أغلظ من سابقه، والا لزم الخلف في خبر الصادق، وحبس الأنفاس أي لا يمكنه أن يتنفس لإطباق اللهب، والدخان عليه. قوله: (وقيل الآية متقطعة عن قصة الرسل عليهم الصلاة والسلام نارّلة في أهل مكة الخ) يعني قوله، واستفتحوا إلى هنا، والواو حينئذ عاطفة أمّ على قوله: {وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سورة إبراهيم، الآية: 2] أو على خبر قوله أولئك في ضلال بعيد لقربه لفظا ومعنى، وإنما ضعفه المصنف رحمه الله تعالى لعدم القرينة، وبعد العهد، وقيل الواو للاستئناف، وما أصاب قريشا من القحط بدعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة معروف في السير، وقوله وأوعد إشارة إلى توجيهه على هذا التفسير، وقوله بدل إشارة إلى ما مرّ من أنه مجاز. قوله: (مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم الخ) هذا مذهب سيبويه رحمه الله تعالى كما مرّ، وهو أظهر الوجوه، وقوله صفتهم إشارة إلى أنّ المثل بمعنى الصفة الغريبة، وقد مرّ تحقيقه أيضاً، وقوله التي هي مثل أي كمثل إشارة إلى أنه مأخوذ منه لا من المثل بمعنى الشبه أو الشبيه. قوله: (أو قوله {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} الخ) قيل عليه أنه غير جائز لأنّ الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ الذي هو مثل عارية عن رابط يعود على المبتدأ، وليست نفس المبتدأ في المعنى حتى يكون المعنى مثلهم هذه الجملة، وأجاب عنه السمين بأنه نفس المبتدا لأنّ معناه في تأويل مثل الذين أي ما يقال فيهم، ويوصفون به إذا وصفوا فلا حاجة إلى الرابط كقوله صفة زيد عرضه مصون، وماله مبذول، ولا يخفى حسنه إلا أنّ المثل عليه بمعنى الصفة، والمراد بالصفة اللفظ الموصوف به كما يقال صفة زيد أسمر أي اللفظ الذي يوصف به هو هذا كقوله هجير أبي بكر لا إله إلا الله، وهذا وان كان مجازاً على مجاز لكنه يغتفر لأنّ الأوّل ملحق بالحقيقة لشهرته وليس من الاكتفاء بعود الضمير على المضاف إليه لأنّ المضاف ذكر توطئة له كما مرّ وقد قيل إن المثل مقحم والاعتراض عليه بأنّ الأسماء لا تزاد مرّ ردّه فتذكره: فما بالعهد من قدم قوله: (وقيل أعمالهم بدل من المثل) هي على هذا بدل اشتمال وقوله كرماد خبر كقوله: ما للجمال مشيها وئيدا كذا قاله السمين، وفيه نظر وقال صاحب الكشاف أنه بدل بتقدير مثل في المبدل أي مثل أعمالهم فقال في الكشف أنه بدل كل من كل حينئذ وذلك لأنّ مثلهم ومثل أعمالهم متحدان بالذات وفيه تفخيم وقيل إنه عليه أيضا بدل اشتمال لأنّ مثل أعمالهم كونها كرماد ومثلهم كون أعمالهم كرماد فلا اتحاد لكن الأوّل سبب للثاني فتأمّل. قوله: (حملته وأسرعت الذهاب به) فاشتد من شد بمعنى عدأ، والباء للتعدية أو للملابسة، وقيل إنه يحتمل أن يكون من الشدة بمعنى القوّة أي قويت بملابسة حمله، وقوله اشتداد الريح أي قوّة هبوبها. قوله: (وصف ب زمانه للمبالغة الما كان معنى العصف الشدة لأنه من عصف الزرع بمعنى هشمه، وكسره كان صفة للريح لا لزمان هبوبها فوصفه به على الإسناد المجازي كنهاره صائم للمبالغة فيه ولم يحمله على الجرّ الجواري لأن شرطه أن يصح وصف الأوّل به، وهو لا يصح هنا لاختلافهما تعريفا وتنكيراً، وكون أصله عاصف الريح والتنوين عوض عن المضاف إليه ضعيف. قوله: (شبه صنائعهم الخ) الصنائع جمع صنيعة، وهي الإحسان يقال اصطنع إليّ زيد إذا أحسن فالتشبيه إما لأعمالهم الحسنة التي عملوها في الكفر للرياء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 والسمعة من غير إخلاص لله، لأنها ضائعة لا ثواب لها أو ما عملوه لأصنامهم من القرب في زعمهم وقوله:) من معرفة الله (أي توحيده إذ المشرك لا يعرفه حق معرفته، لأنه لو عرفه لم يشرك به، والتوجه إليه بمعنى الإخلاص وقوله: (أو أعمالهم الخ) عطف على قوله صنائعهم ولا مانع من التعميم لما يشملهما وقوله طيرته الريح مجاز عن تفريقه وقوله فذلكة التمثيل أي المقصود منه ومحصل وجهه. قوله: (إشارة إلى ضلالهم) وفي نسخة أي ضلالهم بأي التفسيرية وهما بمعنى والمراد بالضلال الكفر وما عملوه رياء وسمعة وحسبانهم أي ظنهم إحسانهم لجهلهم المركب وتزيين الشيطان وقوله: (فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق) إذ لا يمكنهم العود إليه لظنهم أنهم على شيء واسناد البعد إلى الضلال مرّ تحقيقه. قوله: (خطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته) إنما حمله على أنّ الخطاب له صلى الله عليه وسلم شامل له، ولأمنه لقوله إن يشأ يذهبكم والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة وقوله: (على التلوين الخ) التلوين تغيير أسلوب الكلام إلى أسلوب آخر، وهو أعم من الالتفات، وأصل معناه تقديم الأنواع من الطعام للتفكه والتلذذ وإنما عبر به لأنّ فيه غير الالتفات، وهو الإفراد بعد الجمع وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب. قوله ة (بالحكمة والوجه الذي يحق أن يخلق عليه) فالباء للملابسة وهو حال من المفعول أي ملتبسة بالحق والمراد بالحق الحكمة والمراد بالحكمة ما يحق لها أن تكون عليه فقوله والوجه عطف تفسير لها وقرأ حمزة خالق باسم الفاعل والإضافة وجر الأرض. قوله: (يعدمكم ويخلق خلقاً آخر مكانكم (إما من جنس البشر أو من غيره على ما مرّ في سورة النساء وقوله: (يعدمكم) من الإعدام إشارة إلى أن الإذهاب ليس المراد به النقل من عالم، أو مكان إلى آخر بقرينة ما بعده من قوله: {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} . قوله: (رتب ذلك) أي أورده عقيبه وكونه إثباتا له ودليلا عليه يفيد تأكيده وتقريره، فلذا لم يعطف عليه لا يقال الاستدلال طلب الدليل أو تحصيل العلم بطريق الاكتساب، وذلك لا يسند له تعالى، فلا يكون مفعولاً له لاشتراط اتحادهما فاعلا على الرأجح، ولذا عدل عنه بعضهم إلى قوله إرشادا إلى طريق الاستدلال لأنا نقول استفعل يكون لغير الطلب كالصيرورة نحو استعبده أي صيره عبداً وحاصله إقامة الدليل واثباته وما ذكر من العدول لبيان المراد، والإرشاد أو هو مجاز عما ذكر وقوله: (خلق أصولهم) أي الأرض وما فيها من العناصر وما يكون فيها من الأغذية وما يتوقف عليه تخليقهم في عادة الله بمقتضى حكمته وهو السماوات والكواكب وأوضاعها، والا فلا علية ولا شرطية بين الممكنات في الحقيقة، وتبديل الصور بجعل الغذاء- ف! ة ثم وثم وقوله بمتعذر أو متعسر أصل العزيز ما يعز ويندر وجوده والمراد ما ذكر وقوله:) فإنه قادر لذاته) أي قدرته ليست باستعانة وواسطة لا أنها عين ذاته وقوله: (لا اختصاص الخ) تفريع على القدرة الذاتية وقوله ومن كان هذا شأنه فذلكة الدليل السابق والآية. قوله: (أي يبررّون من قبورهم يوم القيامة لآمر الله الما كان معنى البروز الظهور لله الذي لا يخفى عليه خافية فسره بالبروز والخروج من القبور يوم القيامة وجعل اللام للتعليل بتقدير مضاف، وهو أمره وحسابه، فاللام ليست صلة للفعل أو صلة له بناء على زعمهم الناشئ عن جهلهم وقوله: (على ظنهم) أي في الدنيا، وأمّا في الآخرة فهو متعين، فلا غبار في كلامه كما توهم وقوله انكشفوا الخ كان الظاهر انكشفت أي الفواحش، لكنه ذكره لإسناده في النظم إليهم وبانكشافهم، وانكشاف قبائحهم ظهر أنّ الله كان مطلعاً عليهم. قوله: (الاتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي الخ) يعني إطلاق الضعفاء على اتباعهم لضعف رأيهم، فهو تفسير واحد لا اثنان كما توهم، وقفخيم الألف إمالتها إلى مخرج الواو لا ما يقابل الإمالة المعروفة ولا ضدّ الترقيق وقوله: (فيميلها) تفسير له وكتابتها بالواو هو الرسم العثماني. واعلم أنّ المصنف رحمه الله تبع الزمخشري في قوله إنّ الألف تفخم، فتجعل كالواو وقد ردّه الجعبريّ رحمه الله وقال إنه ليس من لغة العرب فلا حاجة للتوجيه به لأنّ الرسم سنة متبعة وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة فلو وجهه بأنه اتباع للفظه في الوقف بوقف حمزة كان حسنا صحيحا. قوله: (لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستنووهم) يعني انّ شأن رؤسائهم أن يجعلوهم تبعا لهم، ويحملوهم على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 الغواية وهذا توطئة لقوله: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} وتقديم لكم للحصر أي تبعاً لكم لا لغيركم، وما قيل المعنى أنا تبع لكم لا لرأينا ولذا سماهم الله ضعفاء ولا يلزم منه كون الرؤساء أقوياء الرأي حيث ضلوا وأضلوا ولو حمل الضعف على كونهم تحت أيديهم، وتابعين لهم كان أحسن ليس بشيء يعتد به. قوله: (وهو جمع الخ) يعني أنه جمع فيه فاعل على فعل كخادم، وخدم، وهو من صيغ الجمع أو هو اسم جمع أو هو مصدر نعت به مبالغة بتأويل، أو بتقدير مضاف أي تابعين أو ذوي تبع وقوله: (دافعون عنا) يشير إلى أنه من الغناء وهو الفائدة وضمن معنى الدفع، فلذا عذى بعن. قوله:) من الأولى للبيان واقعة موقع الحال الخ) إنما كان حالاً لأنه لو تأخر كان صفة، وصفة النكرة إذا قدمت أعربت حالاً، وقول أبي حيان إن من البيانية لا تتقدم على ما تبينه منعه غيره من النحاة تبعاً لمن جوّزه ففيه اختلاف والأصح جوازه، وإنما يفوت. بتقديمه كونه صفة لا بياناً وإنما تقدم الحال على صاحبها المجرور، وان منعه بعض النحاة فقد جوّزه كثير كابن كيسان، وغيره فيكفي مثله سنداً، وأما كونه حالاً عما سذ من شيء مسده، وهو بعض لا من المجرور فبعيد معنى، وصناعة مع أنّ قول المصنف رحمه الله بعض الشيء الخ لا يلائمه لأنه جعله بيانا للمضاف إليه فيكون حالاً من المجرور، وإن ص! ء تطبيقه عليه لأن بيان الشيء بيان لبعضه فمحصل المعنى هل يدفعون عنا بعض شيء، وهو العذاب. قوله: (ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء وبعض عذاب الله) ضمير هو عائد على شيء، وقيل إنه للبعض دون شيء حتى يكون المعنى بعض شيء هو أي ذلك الشيء بعض عذاب الله كما في الكشاف، ولا معنى لقوله هل أنتم مغنون عنا بعض بعض عذاب الله، وعلى هذا يكون من عذاب الله حالاً مما سد مسذه من شيء من غير خلل وفيه نظو لإنّ قوله لا معنى الخ مردود بأنه يفيد المبالخة في عدم الغناء كقولهم أقل من القليل. قوله:) والإعراب ما سبق الخ (أي الجار والمجرور الأوّل واقع موقع الحال، والثاني واقع موقع المفعول، والكلام فيه ما تقدم، وقيل إنه بدل ويأباه اللفظ والمعنى كما في الكشف، وأورد على الأوّل أنّ المحقق السعد قال في قوله تعالى: {كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً} [سررة. البقرة، الآية: 168] في البقرة إن كون التبعيضية ظرفا مستقرّاً، وكون اللغو حالاً مما يأبا. النحاة، وأن كلام المصنف رحمه الله يخالفه ومخالفته ظاهرة إلا أنه محل بحث. قوله: (ويحتمل أن تكون الأولى مفعوفي! و، لمانية مصدرا) كون الثانية مصدراً بمعنى أنها.، صفة مصدر سادّ مسده، وشيء عبارة عن إغناء مّا، ويلزم منه أن يتعلق حرفان من جنس واحد بمتعلق! واحد دون ملابسة بينهما تصحح النسبة، وفيه نظر لأنه لكون أحدهما في تأويل المفعول به والآخر في تأويل المفعول المطلق صع العمل، ولم يكونا من جنى واحداً، وتقييده بالثاني بعد اعتبار تقييله بالأول على حد ثئما. رزقوا منها من ثمرة ررّقا} [سورة البقرة، الآية: 25] وقيل إنّ من الثانية على هذا مزيدة في الإثبات والأصل إغناء شيئا والبعضية مستفادة من شيء المنكر لا لأنّ من تبعيضية، ولا يخفى ما فيه، وقوله في الإثبات لا وجه له لأن أفي ستفهام هنا في معنى النفي، ومن تزاد بعده. قوله: (جواباً عن معاكبة الاتباع) يشير إلى أنّ قولهم هل أنتم مغنون للتبكيت فينطبق عليه جوابهم، وقوله اخترنا لكم الخ يعني أنّ هذا هو النصح لكنا قصرنا في رأينا لا أنهم أحالوا ضلالهم، واضلالهم على الله كما ذهب إليه الزمخشريّ، وقوله سدد تفعيل من السذ لا من السداد. قوله: (مستويان علينا الجزع والصبر) يعني أجزعنا أم صبرنا في تأويل مصدر هو مبتدأ، وسواء بمعنى مستو خبره، وأفرد لأنه مصدر في الأصل كما مرّ تفصيله، وتحقيقه في سورة البقرة وما لنا من محيص جملة مفسرة لما قبلها، والجزع حزن يصرف عما يراد فهو أبلغ من الحزن، وضمير علينا وجزعنا، وصبرنا للمتكلم منهم أو للمستكبرين أو لهم، وللضعفاء معا كما سيصرح به، وهو بيان لاتصاله بما قبله كما فصله في الكشاف، واتصاله على الأخيرين ظاهر، وعلى الآخر بالنظر إلى أوّل الكلام لأنّ قولهم هل أنتم مغنون عنا جزع منهم، وكذا جوابهم باعترافهم بالضلال. قوله: (منجا ومهرب من العذاب الخ (معنى حاص جاء وفرّ فالمحيص إمّا اسم مكان أي ليس لنا محل ننجو فيه من عذابه، والمعنى لا نجاة على الكناية فهو، والمصدر الميمي بمعنى، ورجح كونه من كلام الفريقين لشدّة اتصاله بما قبله عليه، وأيده بالرواية المذكورة ووجه التأييد ظاهر لأنّ احتمال كونه كلام أحد الفريقين بعيد، وعلى تفسيره الأوّل فهو من كلام القادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 فقط، واتصاله ظاهر، وسكت عن كونه من كلام الاتباع المذكور في الكشاف للفاصل بينهما، وأن وجهه بأنّ عتابهم لهم جزع فمن ادّعى أنّ الوجوه الثلاثة مندرجة في كلامه لا حجة له، وفيه ردّ على الزمخشري إذ جعل الأثر مؤيداً لكونه من كلام كبرائهم ووجهه أنه جنح إلى أنهم الآمرون لهم، وجزعهم رجاء لرحمة الله وكذا صبرهم. قوله: (وقال الشيطان) وهو خطيب جهنم روى القرطبيّ رحمه الله تعالى أنهم يقولون له اشفع لنا فإنك أضللتنا فيقوم خطيبا فيهم، ويقول إنّ الله وعدكم وعد الحق الخ. وقوله وعدا من حقه الخ إشارة إلى أنه من إضافة الصفة إلى موصوفها بالتأويل المشهور، وقوله أو وعدا أنجزه فهو بمعناه المصدري وقيل مراده أنّ الوعد لا يتصف بالحق إلا وقت إنجاز.، وعلى الأوّل يتصف به وقت صدوره، وكلا المعنيين يناسب معناه اللغوي، والثاني أنسب به، وقيل إنه على الثاني مقابلة فأخلقتكم، وعلى الأوّل مقابفه محذوف بقرينة الكلام الثاني أي فوفى، وأنجز كما أنّ مقابل وعد الحق محذوف من الثاني لقرينة الأوّل وهو من الإيجاز البليغ فتأمل، وقيل الأوّل باعتبار استحقاقه للإنجاز، والثاني لاتصافه بالإنجاز بالفعل. قوله: (وعد الباطل) فسره به لدلالة مقابله، ودلالة قوله فأخلفتكم عليه، وقوله جعل تبين خلف وعده يعني أنه استعير الإخلاف لعدم تحقق ما أخبر به وكذبه، ولو جعل مشاكلة لصح أيضا، وقوله تسلط فهو مصدر وهو تبرّ منهم، ومنهم من فسره بالحجة، وهو حسن. قوله: (وهو ليس من جنس السلطان) أي حقيقة ولكته من جنسه ادعاء فلذا كان الاستثناء متصلا من تأكيد الشيء بضد. كقوله: وخيل قددلفت لهابخيل تحية بينهم ضرب وجيع وهو من التهكم، وكونه استعارة أو تشبيهاً أو غيرهما غير صحيح كما تقدم تحقيقه في سورة البقرة فإن لم يعتبر فيه التهكم والادعاء يكون الاستثناء منقطعا على حد قوله: وبلدة ليس بها أنيسى إلا اليعافير والا العيسى قوله:) أسرعتم إجابتي) مستفادة من الفاء، وقيل من السين لأنها، وان كانت بمعنى الإجابة لكنه عد من التجريد، وأنهم كأنهم طلبوا ذلك من أنفسهم فيقتضي ذلك السرعة، وهو بعيد، وقوله صرح العداوة الخ. صرح يكون لازما، ومتعديا يقال صرح الشيء، وصرح هو أي انكشف قاله المرزوقيّ في قوله: فلما صرّج السرّ فأس! ى وهوعريان وتصريحه بقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [سورة الأعراف، ألاية: 16] وقوله بأمثال ذلك أي لا يلام بالوسوسة بعد تبين أنه عدوّ لهم، وإنما اللوم عليهم في اتباع عدوّهم، وترك سيدهم، وخالقهم المنعم عليهم كما بينه بقوله ولوموا أنفسكم. قوله: (واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله (وكونها مخلوقة له، والجواب ما ذكره المصنف رحمه الله لا أنه من- جملام الشيطان فلا يكون- حجة لأنه ذكر من كير إنكار، وان كان عدم الإنكار لا يدل على القبول أيضا. قوله: (بمغيثكم من العذاب) إشارة إلى أنّ المصرخ من الصراخ، وهو مدّ الصوت بمعنى المغيث يقال استصرخته فأصرخني أي أغاثني، والهمزة للسلب يعني أزال صراخي والصارخ هو المستغيث قال: فلاتصرخوا إني لكم غيرمصرخ وليس لكم عندي غناء ولانصر قوله: (وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين) بيع أصله مصرخين ليس فأضيف، وحذفت نون الجمع للإضافة فللثقت ياء الجمع الساكنة، وياء / المتكلم، والأصل فيها السكون فكسرت لالتقاء الساكنين وأدغمت، وقد طعن في هذه القراءة الزجاج رحمه الله، واستضعفها تبعاً للفراء، وتبعه الزمخشري، والمصنف رحمه الله والإمام، وهو وهم منهم فإنها قراءة متواترة عن السلف، والخلف فلا يجوز أن يقا-ل إنها خطا أو قبيحة، وقد وجهت بأنها لغة بني يربوع كما نقله قطرب، وأبو عمرو ونحاة الكوفة فإنهم يكسرون ياء المتكلم إذا كان قبلها ياء أخرى، ويوصلونها، يياء كعلمى ولدحي، وقد يكتفون بالكسرة قال الأغلب العجلي: أقبل في ثوب معافرقي عنداختلاط الليل والعشيّ ماض إذا ما همّ بالمضيّ قال لهاهل لك ياتافيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 أي يا هذه فلا عبرة بمن أنكرها، وقال إنّ الشعر مجهول لا يعرف قائله، وقوله فإذا لم ئكسر، وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر، وقبلها ياء عين قول الزمخشريّ لأنّ ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث جاء قبلها ألف فما بالها، وقبلها ياء فإنه ردّ بأنه روي سكون الياءلجعد الألف، وقرأ به القراء في محياي، وما ذكره أيضا قياس مع الفارق فإنه لا يلزم من كسرها مع الياء لمجانستها كسرها مع الألف الغير المجانسة للكسرة ولذا فتحت لمجانستها وقوله مع أنّ حركة ص ياء الإضافة الفتح إن أراد أنه الأصل مطلقاً أو في كل محل فممنوع لأنّ أصل المبنيّ أن يبنى على السكون ومع الياء أجرى على الأصل، وقوله فإذا لم تكسر الخ علمت ما فيه، وقوله إجراء لها الخ لكونها ضميرا مفردا فقد علمت من هذا صحة هذه القراءة، وأنها لغة فصيحة، وقد تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بدء اللوحي فلا وجه لإنكارها، ولا لما قاله المصنف رحمه الله تبعا للزمخشري، وقد علصت ردّه. قوله: (ما إمّا مصدرية ومن متعلقة الخ) المعنى على المصدرية كفرت بإشراككم إياي لله في الطاعة لأنهم كانوا يطيعونه في أعمال الشر كما يطاع الله في أعمال الخير فالإشراك استعارة بتشبيه الطاعة به، وتنزيلها منزلته أو لأنهم لما أشركوا الأصنام، ونحوها بإيقاعه لهم في ذلك فكأنهم أشركوه، وقوله كفرت اليوم لأنه حمله على إنشاء التبري منهم في يوم القيامة لأنه الظاهر، وقد جوز فيه النسفيّ رحمه الله أن يكون إخباراً عن أنه تبرّ منهم في الدنيا فيكون من قبل متعلقاً بكفرت أو متنازعا فيه، وقوله بمعنى تبرأت منه فالكفر مجاز عن التبري منه مما هم عليه. قوله: (أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم الخ) يعني ما موصولة بمعنى من إذا وقعت على ذوي العلم كما في المثاو / المذكور إذ هي واقعة عليه تعالى بحسب الظاهر، وان جوّز فيها أن تكون مصدرية بتقدير مضاف أي سبحان موجد أو ميسر تسخيركن لنا، والضمير للنساء، وسبحان للتعجب تعجب من تسخير الله النساء للرجال مع مكرهن وكيدهن، وفي قوله نحو ما لطف إذ يحتمل لفظها، والموصولية، وقال الطيبي رحمه الله ما لا تستعمل في ذوي العلم إلا باعتبار الوصفية فيه، وتعظيم شأنه كما في هذا المثال أي سبحان الذي سخركن أي قادكن وأمثالكن لنا أو خلقكق لأجلنا. قوله: (اي كفرت بالذي أشركتمونيه) فالعائد مقدر فعلى هذا يكون ذلك من إبليس إقراراً بتقدم كفره، وانّ خطيئته سابقة عليهم فلا إغاثة لهم منه، وعلى الأوّل نفي لامتنانهم عليه باتباعه في الضلال، وقوله منقول من شركت زيداً للتعدية تعليل للنقل، وأنّ همزته للتعدية للمفعول الثاني، وقوله أو ابتداء كلام يؤيده قراءة أدخل بصيغة المتكلم، ووجه الإيقاظ، التدبر ظاهر إذ لم يفدهم ولم ينفعهم غير الله. قوله: (بإذن الله تعالى وأمره) عطف أمره عليه عطف تفسيريّ لأنه المراد منه على طريق الاستعارة كما تقدم تحقيقه في هذه السورة، وقوله ب! ذن ربهم متعلقاً بقوله تحيتهم لم يعلقه بأدخل مع أنه سالم من الاعتراض، ومع أنه يشتمل حينئذ على الالتفات أو الخريد، وهو من المحسنات لأنّ قولك أدخلته بإذني كلام ركيك لا يناسب بلاغة التنزيل، والالتفات، والتجريد حاصل إذا علق بما بعده أيضا وتعلقه بخالدين لا يدفع الركاكة كما في الكشف لأنّ الإذن إنما يكون للدخول لا للاستمرار بحسب الظاهر فمن قال لا محذور فيه لم يأت بشيء، وكون المراد بمشيئتي، وتيسيري لا يدفعه عند التأمل الصادق، وقد اعترض أبو حيان على هذا بأنّ فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدريّ، وفعل عليه، وهو غير جائز ورد بأنه غير منحل إليهما هنا لأنه ليس المعنى المقصود منه أن يحيوا فيها بسلام فالظاهر أنه غير منحل ولو سلم فمراده التعلق المعنوي فالعامل فيه فعل مقدر يدل عليه تحيتهم أي يحيون بإذن ربهم، وفي قول المصنف رحمه الله أي تحييهم الملائكة إشارة إليه. قوله: (كيف اعتمله ووضعه) وفي نسخة اعتمده بالدال وقد سبق في سورة البقرة أنّ ضرب المثل اعتماله من ضرب الخاتم، وأصل الضرب وقع شيء على آخر، وقد مرّ هناك تحقيقه بما لا مزيد عليه فإن أردته فراجع ما قدمناه ثمة وقوله ووضعه عطف تفسيريّ لاعتمله. قوله: (أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة الخ) فكلمة على هذا منصوبة بفعل مضمر، وهو جعل، والجملة تفسير لقوله ضرب الله مثلاً كقولك شرّف الأمير زيداً كساه حلة، وقيل فيه تكلف إضمار لا داعي له وردّ بأنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 محتاج إليه في أداء هذا المعنى، وفيه تأمّل فالمثل بمعنى التشبيه التمثيلي لا الاستعارة. قوله: (ويجوز أن تكون كلمة بدلاً من مثلاَ) قيل عليه أنه لا معنى لقولك ضرب الله كلمة طيبة إلا بضم مثلا إليه فمثلاً هو المقصود بالنسبة فكيف يبدل منه غيره، وهذا بناء على ظاهر قول النحاة إن المبدل منه في نية الطرح، وهو غير مسلم، وهذا الوجه مبنيّ على تعدي ضرب إلى مفعول واحد، والبدل قيل إنه بدل اشتمال، ولو جعل بدل كل من كل لم يبعد، وقوله وأن تكون أوّل مفعولي ضرب الخ بناء على أنها تتعدى إلى مفعولين كما مرّ تفصيله إمّا لكونه بمعنى جعل، واتخذ أو لتضمنه معناه، ولا يرد عليه بأنّ المعنى أنه تعالى ضرب لكلمة طيبة مثلا لا كلمة طيبة مثلاً لأنّ المثل عليه بمعنى الممثل به، والتقدير ذات مثل أولها مثلاً. قوله: (وقد قرئت) أي كلمة بالرفع على الابتداء لكونها نكرة موصوفة، والخبر كشجرة، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف أيضا وكشجرة صفة أخرى، والجملة خبر لمبتدأ مقدّر، وهي تفسير لقوله ضرب الله مثلاً عليهما، وقوله ضارب بعروقه فيها تفسير للأصل بالعروق الداخلة في الأرض فضارب من ضرب في الأرض إذا سار فيها تجوز به عن الدخول، وقوله وأعلاها تفسيره بالأعلى لتفرّعه على الأصل من قولهم فرع الجبل إذا علاه وتوجيه لإفراد. مع أنّ كل شجرة لها فروع بأنه أفرد لأنه أريد به الأعلى أو المراد به الفروع لأنه مضاف والإضافة حيث لا عهد ترد للاستغراق فاكتفى بالواحد أو لأنه مصدر بحسب الأصل، واضافته تفيد العموم، وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما، وأفنان جمع فنن بفتحتين، وهو الغصن، والشعبة من الشجر والسماء بمعنى جهة العلو لا المظلة. قوله: (والأوّل على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني أبلغ) كون الأوّل على الأصل الأقوى لإثباته لمن هو له قال ابن جني رحمه الله لأنك إذا قلت ثابت أصلها فقد أجريت الصفة على غير ما هي له، وهو الشجرة إذ الثبات إنما هو للأصل، والصفة إذا كانت في المعنى لما هو من سببه قد تجري عليه لكنها أخص بما هي له لفظا، ومعنى فالأحسن تقديم الأصل عناية به مع ما فيه من حسن التقابل، والتقسيم، وقولك مررت برجل أبوه قائم أقوى من قولك قائم أبوه لأنّ المخبر عنه بالقيام إنما هو الأب لا الرجل مع ما فيه من تكرّر الإسناد، وكون الثاني أبلغ أي أكثر مبالغة لجعل الشجرة بثبات أصولها ثابتة بجميع أغصانها، وقوله تعطي ثمرها تفسير له، ونسبة الإعطاء إليها مجازية. قوله: (وقتة الله تعالى لإلمارها) وفيه نسخة أقته بالهمزة، وهما بمعنى قيل إذا كان المراد من الشجرة النخلة على ما روي فكلها الطلع، والبسر والرطب، والتمر وهو دائم لا ينقطع فلا حاجة إلى التقييد بهذا القيد، ولا يخفى أنه تقييد للإيتاء لا ل! ل فلا بد من تخصيصه بما ذكر، وقوله بإرادة خالقها، وتكوينه مر تحقيقه. قوله: (لأن في ضربها زيادة إفهام وتذكير الخ الأن المعاني العقلية المحضة لا يقبلها الحس، والخيال، والوهم فإذا ذكر ما يلائمها من المحسوسات ترك الحس، والخيال المنازعة، وانطبق المعقول على المحسوس فحصل به الفهم التام، وقد مرّ تفصيله. قوله: (كمثل شجرة) يعني فيه مضاف مقدر، والمثل بمعنى الصفة القريبة وقوله استؤصلت بالهمزة، وتبدل واواً أي قلعت من أصلها، واجتثت مأخوذ من الجثة، وهي البدن يقال اجم! مت الشيء بمعنى اقتلعته فهو افتعال من الجثة كما أشار إليه المصنف رحمه الله قال لقيط الأيادي: هو الجلاء الذي يجتث أصلكم فمن رأى مثل ذا آت ومن سمعا وقوله بالكلية إشارة إلى أنه عبارة عن ذلك، وقوله لأنّ عروقها قريبة منه أي من الفوق فكأنها فوق بدليل ما بعده، وقوله ما أعرب أي دل وأظهر، وقوله فالكلمة أي على تعميمها المراد بها ما ذكر، وقوله وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة فيكون المقصود تشبيه الكلام الحق بها كما شبه بها (المؤمن) في الحديث ووجه الشبه ثباتها، وعدم تغيرها بحسب الفصول، وطيب ثمرتها. قوله: (وروي ذلك مرفوعاً الخ) قال الحافظ في الدر المنثور أخرجه الترمذقي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال: " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة حتى بلغ ثؤتي كلها كل حين بإذن ربها قال هي النخلة، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة حتى بلغ ما لها من قرار قال هي الحنظلة، والكشوت " بالفتح، وتضم والأكشوث بالكاب، والشين المعجمة، والثاء المثلثة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 نبت متعلق بالأغصان له عرق في الأرض، وقال الخليل بن أحمد أنه من كلام أهل السواد وليس بعربيّ محض، وتشبيه الكلمة الخبيثة به لعدم ثباتها، ونفعها، ولذا يشبه به الرجل الذي لا حسب له، ولا نسب كما قال الشاعر: فهوالكشوث فلا أصل ولا ورق ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر واطلاق الشجر على الحنظل، والكشوث للمشاكلة إذ هو نجم لا شجر، وقوله وبشجرة في الجنة معطوف على قوله بالنخلة، وهذا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أنسب بقوله تؤتي أكلها كل حين، وكذا تفسيرها بالحنظل مروفي عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرّ. قوله: (الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم) بالقول جوّزوا تعلقه بيثبت، وآمنوا وفي الحياة متعلق بيثبت أو بالثابت فإذا تعلق بآمنوا فالباء سببية، والمعنى آمنوا بالتوحيد الخالص فوجدو.، ونزهوه عما لا يليق بجنابه فإذا تعلق بيثبت فالمعنى ثبتهم بالبقاء على ذلك أو ثبتهم في سؤال القبر به، وقوله فلا يزالون أي يتحوّلون عما هم عليه إذا قيض لهم من يقيهم، ويحاول زللهم عنه، وزكريا ويحى معروفان وجرجيس من الحوارفي من أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام علمه الله الاسم الأعظم الذي يحيي به الموتى، وكان بالموصل وبها ملك جبار كافر فدعاه جرجيس إلى عبادة الله ونهاه عن عبادة الأصنام فأمر به فشد يداه، ورجلا. ومشط بأمشاط من حديد ثم صب عليه ماء الملح فصبره الله على ذلك، ثم سمر عينيه وأذنيه بمسامير من حديد فصبر عليه، ثم دعا بحوض نحاس فأحمى، ثم ألقي فيه وأطبق رأسه عليه فجعله الله عليه برداً وسلاماً، وزاده حسناً وجمالاً، ثم قطع إربا إربا فأحياه الله، ثم دعاهم إلى الله، وأحيا الموتى فلم يؤمن الملك فأمره الله بأن يعتزلهم، ثم خسف بهم الأرض وشمعون كان من زهاد النصارى، وكان يحارب عبدة الأصنام من الروم فاحتالوا بأنواع الحيل عليه فلم يقدروا على قتله إلى أن خدعته امرأته بوعدها بأموال كثيرة، ونحوها فسألته في خلوة له كيف يغلب عليه فقال إن أشد بشعري إذا لم أكن طاهرا فإني لا أقدر على حله فأخبرتهم ففعلوا به ذلك، وألقوه من مكان عال فهلك، وقوله والذين فتنهم أصحاب الأخدود معطوف على زكريا، وستأتي قصرتهم في سورة البروج، وتلعثم بمعنى تأخر وتوقف عن الإجابة. قوله: (وروي أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن الخ) (1) هذا الحديث أخرجه أبو داود والحاكم عن البواء بن عازب رضي الله عنه وصححوه، وهذا الحديث يدلّ على أنّ المراد من الآخرة القبر لأنه أول منزل من منازلها، وقد سماه بعض الأدباء دهليز باب الآخرة، واعادة الروح في القبر عند السؤال كما في حال. الحياة، وقيل كحال النوم، ولعل المنادي من السماء ملك مأمور بذلك، وقوله بالاقتصار على التقليد أي تقليد أهل الضلال بقرينة المقام لا مطلق التقليد بدليل ما فرع عليه. قوله: (أي شكر نعمته كفرا بأن وضعوه مكانه الخ) فعلى الأوّل التبديل التغيير في الوصف، وهو على تقدير مضاف، والتبديل لغويّ، وعلى الثاني التبديل في الذات إذا زالت النعمة، وحل في محلها الكفر، وقوله فصاروا تاركين لها فالتبديل بين نفس النعمة وكفرانها، وقوله فقحطوا أي أصابهم القحط والغلاء، وقحطوا كسمعوا، ويقال قحطوا وأقحطوا بضمهما على قلة، وقوله إلا فجران أي الحيان إلا فجران وقوله فمتعوا إلى حين أي بقوا ولم يفنوا. قوله: (الذين شايعوهم) أي تابعوهم في الكفر، وهو صفة للقوم وضمير شايعوا لهم وهم للذين، وهم صناديد مكة، ودار الهلاك جهنم وحملهم على الكفر كونهم دعوهم له. قوله: (داخلين فيها مقاسين لحرّها) تفسير له على الوجهين وقيده بمقاسين لتتم الفائدة لأنّ الدخول فهم من قوله أحلوا ولو اقتصر على الثاني كان أحسن، وأفيد فإن صلى النار معناه قاسى حرّها، وقوله وبئس المقر جهنم إشارة إلى أنّ المخصوص بالذم محذوف. قوله: (وليس الضلال ولا الاضلال الخ) يعني أنه من الاستعارة التبعية كما في قوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [سورة القصص، الآية: 8] شبه ما يترتب على فعل الشخص بالعلة الباعثة فاستعمل له حرفه، وقد قيل عليه إنّ كون الضلال نتيجة للجعل لله أندادا غير ظاهر إذ هو متحد معه أو لازم لا ينفك عنه إلا أن يراد الحكم به الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 أو دوامه وردّ بأنهم مشركون لا يعتقدون أنه ضلال بل يزعمون أنه اهتداء فقد ترتب على اعتقادهم ضده على أنّ المراد بالنتيجة ما يترتب على الشيء أعمّ من أن يكون من لوازمه أولاً، وقوله جعل كالغرض أي أدخل عليه اللام التي تدخل عليه، وقد مرّ تفصيله في سورة الأنعام، ولا يخفى أنّ ما يترتب على الشيء يكون متأخرا عنه في الوجود، وهذا ليس كذلك فلا بد من التأويل المذكور، وما ذكره مكابرة. قوله: (بشهويكم أو بعبادة الأوثان الخ) يعني معموله مقدر، والمراد بالشهوات الشهوات المعروفة في المآكل والملابس، والمساكن والمناكح، ونحوها أو المراد بها عبادة الأوثان لأنهم لضلالهم يتلذذون بها لعنادهم فشبهت بالمشتهيات المعروفة لأنّ التمتع لا يكون إلا بها. قوله: (وفي التهديد بصبغة الأمر لىلذان بأنّ المهدد الخ) في الكشاف تمتعوا إيذان بأنهم لانغماسهم في التمتع بالحاضر، وأنهم لا يعرفون غيره، ولا يريدونه مأمورون به قد أمرهم آمر مطاع لا يسعهم أن يخالفوه، ولا يملكون لأنفسهم أمرا دونه، وهو أمر الشهوة، والمعنى إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لأمر الشهوة فإنّ مصيركم إلى النار، ويجوز أن يراد الخذلان والتخلية، والوجهان مشتركان في التهديد، وسيأتي له تفصيل في سورة العنكبوت، وهكذا كقول الطبيب لمريض يأمره بالاجتماء فلا يحتمي كل ما تريد فإنّ مص! يرك إلى الموت وهو استعارة، وقوله لإفضائه أي لإيصال المهدد عليه، وهو التمتع إلى المهدد به، وهو النار، وأنّ الأمرين أي التمتع ومصيرهنم إلى النار كائنان لا محالة فلذا استعمل له صيغة الأمر تشبيها له بآمر مطاع لمأمور مطيع في تحقيق ذلك فهذا وجه الشبه بينهما كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله ولذلك علله أي الإنذار المذكور فقوله فإنّ مصيركم تعليل لما قبله، وهو قريب من جعله جواب شرط مقدر أي إن دمتم على ما أنتم عليه فإنّ الخ ومصير مصدر صار بمعنى رجع، والى النار خبره. قوله: (خصهم بالإضافة ئنويهاً لهم) أي رفعاً لهم وتشريفا، والا فالأمر شامل لهم، ولغيرهم بناء على أنّ الكفار مخاطبون بالفروع، ولما هدد الكفار بأنهماكهم في اللذة الفانية أمر خلص عباده بالعبادة المالية، والبدنية وخصهما لأنهما أمّ العبادات. قوله: (ومفعول قل محذوف دلّ عليه جوابه الخ) وفي نسخة مقول قل وجوابه يقيموا الخ وقوله فيكون إيذانا الخ اسم كان ضمير مستتر عائد إلى جعل يقيموا أو ينفقوا جواباً للأمر، وفي جزمه على الجوابية قولان أحدهما أنه جواب قل، وهو قول الأخفش، والمبرد، وأورد عليه أنه لا يلزم من قوله أقيموا وأنفقوا أن يفعلوا وكم مرّة يخلف أمره، ورد بأنّ المراد بالعباد خلص المؤمنين، ولذا أضافهم إليه تشريفا وهم متى أمروا اتثلوا، وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله لفرط مطاوعتهم، ومنه يعلم نكتة حذف المقول إيهاما لأثهم يفعلون بدون أمر مع أنّ مبناه على أنه يشترط في السببية التامة، وقد منع فقوله جوايه الضمير لقل لا للمقول حتى يكون هو القول الآخر الثاني أنه مجزوم في جواب الأمر المقول المحذوف، والتقدير قل لعبادي أقيموا، وأنفقوا يقيموا، وينفقوا وعزى هذا للمبرد أيضاً، وقيل عليه إنه فاسد لوجهين أحدهما أنّ جواب الشرط لا بد أن يخالف فعل الشرط إمّا في الفعل أو في الفاعل أو فيهما فإذا اتحدا لا يصح كقولك قم يقم إذ التقدير أن يقيموا يقيموا، والثاني أنّ الأمر المقدّر للمواجهة وهذا للغيبة، وهو خطأ إذا كان الفاعل واحداً قيل أمّا الأوّل فقريب، وأمّا الثاني فليس بشيء لأنه يجوز أن يقول قل لعبدك أطعني يطعك، وان كان للغيبة بعد المواجهة باعتبار حكاية الحال، وقيل إنه فيه شرط مقدر، وهذا مجزوم في جوابه، وقيل يقيموا خبر في معنى الأمر وردّ بحذف النون، وان وجه بتوجيهات ضعيفة، وقيل مقول القول الله الذي الخ، ولا يخفى ما فيه، وقوله لا ينفك فعلهم عن أمره الأمر هنا مصدر بمعنى قوله أقيموا، وأنفقوا. قوله:) ويجورّ أن يقدرا بلام الأمر الخ) هذا معطوف على ما قبله بحسب المعنى أن يجعل جزمهما بلام أمر مقدرة اي ليقيموا، وينفقوا كما في البيت المذكور، ويكون هو مقول القول قالوا، وأنما جاز حذف اللام هنا لأنّ الأمر الذي قبله، وهو قل عوض عنه، ودال عليه، ولو قيل يقيموا، وينفقوا ابتداء بحذف اللام لم يجز، وقد جعل ابن مالك حذف هذه اللام على أضرب قليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 وكثير، ومتوسط فالكثير أن يكون قبله قول بصيغة الأمر كما هنا والمتوسط ما تقدمه قول غير أمر كقوله: قلت لبواب لديه دارها تيذن فإني حمؤها وجارها والقليل ما سواه، وقوله ليصح تعلق القول بهما أي يكونان مقولاً له لا أنّ مفعوله محذوف كما في الإعراب الأوّل، وقوله وإنما حسن الخ قد علمت وجهه مما نقلناه عن ابن مالك رحمه الله. قوله: (محمدتفدنفسك كل نفس إذاماخفت من أمرتبالا ( تيل إنه للأعشى من قصيدة مدح بها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومحمد منادى حذف حرف النداء وأراد لتقد فحذف لام الأمر، والتبات والتبال بفتح أوّلهما متقاربان قال الجوهريّ: تبلهم وأتبلهم بمعنى أهلكهم، والمعنى لتفد نفسك يا رسول الله كل نفس أي تكن فداء لها فإذا خفت هلاكا من شيء فليصب غيرك. قوله: (وقيل هما جواباً أقيموا الخ) تفدم أنه قول لبعض النحاة، وأنه عزى للمبرد رحمه الله، وقوله مقامين مقامهما بضم الميمين، والأوّل اسم مفعول! هـ والثاني اسم مكان فيكونان داخلين في مقول قل، وقوله لأنه لا بد من مخالفة الخ. يعني لا بد من تخالفهما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما كما مرّ تحقيقه نحو ائتني أكرمك، وأسلم تدخل الجنة، وقم أقم، وقيل عليه لم لا يجوز أن يكون من قبيل: (من كانت هجرقه إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) (1) أي أن يقيموا يقيموا إقامة مقبولة نافعة ولا يخفى أنّ هذا إذا ذكر أو قامت عليه قرينة، وهنا ليس كذلك فهو دعوى بلا شهود، والعقل قاض بخلافها. قوله: (ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا) إنما قيده باتحاد الفاعل لانه عند الاخلاف يجوز نحو أقيموا يقيموا، وقد سمعت قوله في الدرّ المصون أنه يجوز وإن اتحدا كما مرّ، ولذا قيل إنه إن أراد أنه إذا كان محكيا بالقول فغير مسلم فإنه يجوز فيه تلوين الخطاب نظراً للأمر، والمأمور وان أراد بدونه كلا يفيد. قوله: (منتصبان عنى المصدر) أي أصله إنفاق سر فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه أو هو صفة له قامت مقامه، وإذا كان حالاً فيؤول بالمشتق أو يقدر له مضاف أو منصوب على الظرفية أي في السرّ، والعلانية، وبينه! بمانّ نفقة السرّ في التطوّع، والعلانية في الواجب كالزكاة. قوله: (ولا مخالة الخ) يعني الخلال مصدر بمعنى المخالة، وهي المصاحبة، والمصادمة يقال خاللته مخالة، وخلالاً قال: ولست بمقلي الخلال ولا قالي وقيل إنه جمع خلة كبرمة وبرام، وقوله قبل هذا فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه إشارة إلى أنه متعلق بقوله ينفقوا، وقيل إنه متعلق بالأمر المقدر لعدم الفائدة في تعلقه بينفقوا، وليس بشيء لأنّ المحنى ينفقوا نفقة مطلوبة لهم مفيدة مثمرة فإنّ القصد منه الحث على الإنفاق لوجه الله من قبل أن يأتي يوم ينتفع المنفقون بإنفاقهم، ولا ينفع الندم لمن أمسك والعدول إلى قوله: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} ليفيد الحصر، وانّ ذلك هو المنتفع به، ولفيد المضادّة بين ما ينفع عاجلا، وآجلا، وقد مرّ في قوله: {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ} [سورة البقرة، الآية: 254] أنّ المعنى من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع فيه حتى يبتاع ما ينفق، ولا أخلاء يبذلون ما ينفق لهم، وفرق صاحب الكشف بينهما، وبين وجه اختصاص كل من التفسيرين بمحله، وقوله ولا مخالة معناه، ولا مخالة نافعة بذاتها في تدارك ما فات فلا ينافي قوله تعالى {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} لأنه أثبت فيه المخالة، وعدم العداوة تبين المتقين، ولم يذكر فيها أنهم يتداركون لهم ما فاتهم فما قيل في التوفيق بينهما أنّ المراد لا مخالة بحسب ميل الطبع، ورغبة النفس وتلك المخالة في الله مع أنّ الاستثناء من الإثبات لا يلزمه النفي، وان سلم لزومه فنفي العداوة لا يلزم منه وجود المخالة. قوله: (أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى} على الوجه الأوّل المنفي البيع، والخلال في الآخرة، والمعنى لا يجد في ذلك اليوم ما يبتاع ليتدارك به ما فرط فيه، ولا خليلا يبذل ذلك، وعلى هذا المراد نفي البيع، والخلة اللذين كانا في الدنيا بمعنى نفي الانتفاع بهما من حيث ذاتهما، والانتفاع بما كان منهما لوجه الله ففيه ظرف للانتفاع المقدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 والبيع، والخلال في الآخرة للمتقين، والمراد باليوم يوم القيامة، وقوله على النفي العام إشارة إلى أنه يفيد استغراق النفي فانه نص فيه بخلاف ما إذا رفع على ما مرّ تحقيقه، وفيه ليس متعلقا به والا لزم نصبه فتدبر. قوله: (تعيشون) أي تنتفعون به في المعاس، وهذا مأخوذ من اللام، وقوله وهو يشمل الخ إشارة إلى أنه بمعناه اللغوي وهو كل ما ينتفع به، وقوله ومن الثمرات بيان له بناء على جواز تقدّم من البيانية على ما تبينه ما مرّ أنه ذهب إليه كثير من النحاة فلا يرد عليه ما قيل إنّ من البيانية إنما تأتي بعد المبهم الذي تبينه، ولا حاجة إلى دفعه بأنه بيان بحسب المعنى لا الإعراب. قوله: (ويحتمل عكس ذلك) أي تكون من بمعنى بعض مقول أخرج ورزقا بيان للمراد من بعض الثمر لأنّ منها ما ينتفع به فهو مرزوق، ومنها ما ليس كذلك، وهو على هذا حال منها بمعنى المرزوق، وفي الوجهين الأخيرين هو مصمدر فهما منصوبان على أنه مفعول له أي أخرجها لأجل الرزق، والانتفاع بها أو مفعول مطلق لأخرج لأنّ أخرج الثمرات في معنى رزق فيكون مثل قعدت جلوسا. قوله: ( {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} الخ) الفلك يكون واحداً وجمعاً، والمراد به الجمع هنا بدليل تأنيث تجري، واندرج في تسخيرها تسخير البحار والرياح، وقوله بمشيئتة تفسير للأمر وفسره في الكشاف بقوله كن، ولا يناسبه تفسيره بالتكوين بناء على مذهبنا لأنه المراد من التسخير، وقوله إلى حيث توجهتم قيده به ليظهر معنى التعليل فيه، وجرّ حيث بإلى مسموع في كلام العرب كقوله: إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم وقوله لانتفاعكم أي بالشرب منها والتصرف فيها بإخراجها للسائلين ونحوه، وقوله تسخير هذه الأشياء أي الفلك والأنهار وتعليم كيفية اتخاذها بإلهامهم، واقدارهم وتمكينهم من صنعة السفن، واجراء المياه بالسواقي، والقنى وما يترتب عليه. قوله: (يدأبان في سيرهما وإنارتهما الخ) إن كان دائبين بمعنى دائمين في الحركة فهو حقيقة، وان كان بمعنى مجدين تعبين فهو على التشبيه، والاستعارة، والدأب العادة المستمرة، وقوله لسباتكم أو سكونكم، وانقطاعكم عن العمل، ومنه السبت، واصلاح ما يصلحانه كالثمار بإنضاجها وتلوينها. قوله: (بعض جميع ما سألتموه الخ) يعني من كل مفعول ثان لآتي بمعنى أعطى ومن تبعيضية وقيل عليه كل للتكثير، والتفخيم لا للإحاطة، والتعميم كما في قوله تعالى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الأنعام، الآية: 44، وحمل من على التبعيض لا ابتداء الغاية يفضي إلى إخلاء لفظ كل عن فائدة زائدة لأنّ ما نص في العموم بل يوهم إيتاء البعض من كل فرد متعلق به السؤال، ولا وجه له، ودفع بأنه بعد تسليم كون ما نصا في العموم هنا عمومان عموم الأفراد، وعموم الأصناف بمعنى كل صنف صنف، وهما مقصودان هنا والى الأوّل أشار المصنف بلفظ الجميع، والى الثاني بقوله كل صنف صنف والمعنى من جميع أفراد كل صنف سألتموه فإنّ الاحتياح بالذات إلى النوع، والصنف لا لفرد بخصوصه. قوله: (يعني من كل شيء سألتموه شيئاً) بيان لأصل المعنى لا ل! عراب أي من كل أفراد شيء سألتموه شيئا أو من أفراد كل شيء سالتموه شيئا فقوله شيئاً هو المستفاد من كلمة التبعيض، ومن في من كل شيء في عبارة المصنف لابتداء الغاية. قوله: (فإنّ الموجود من كل صنف بعض ما في قدرة الله تعالى) يعني أنّ من التبعيضية دالة على أنّ كل ما يحتاجون إليه، ويطلبونه فيعطيهم بفضله بعض مما في قدرته لأنه يقدر على إفراد أخر منه إلى غير النهاية فما قيل إنه أتى في تعليله بما لا يناسب المعلل لأنّ الكلام في أنّ الحاصل بعض المسؤول فكونه بعض المقدور لا يجدي نفعا في بيانه ليس بشيء لأنّ بعض المسؤول هو بعض المقدور، وأحدهما مستلزم للأخر فليس بينهما فرق كبير كما ظنه المعترض، والمراد الامتنان، وبيان أنّ في القدرة ما هو أكثر مما أنعم به فهو بعض من كل، وقليل من كثير فما قيل إنه ليس فيه كثير معنى، وهم. قوله: (ولعل المراد بما سألتموه ما كان حقيقاً الخ) يعني المراد بالمسؤول ما من شأنه أن يسئل فهو بمعنى المحتاج إليه وهو لا ينفي إيتاء ما لا حاجة إليه مما لا يخطر بالبال، وقيل إنه جواب عق سؤال مقدر، وهو أنّ الإنسان قد يسأل شيئا فيعطيه الله ذلك الشيء بعينه فكيف هذا مع من التبعيضية فأشار إلى أنّ المراد الصنف الذي يحتاج إليه لا فرد منه. قوله: (وما يحتمل الخ) على المصدرية ضمير سألتموه لله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 والمصدر بمعنى المفعول أي مسؤولكم، وقوله من كل شيء إشارة إلى أنّ التنولن عوض عن المضاف، وقوله سألتموه بلسان الحال هو ما يحتاج إليه، وهو إشارة إلى المعنى السابق، وقوله ويجوز أي على هذه القراءة أن تكون ما نافية إشارة إلى أنه لا يجوز على الإضافة، وعبر بالجواز إشارة إلى مرجوحيته لأنه خلاف الظاهر، ووجهه أنها تخالف القراءة الأولى، والأصل توافق القراءتين، وان فهم منها إيتاء ما سألتموه بطريق الأولى. قوله: (لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلاَ عن أفرادها الخ) أوّل الإحصاء بالحصر، وأصل معناه العد بالحصا كما كان عادة العرب ولذا قال الأعشى: ولست باكثرمنهم حصى وان! ما العزة للكاثر فاستعمل لمطلق العد لئلا يتنافى الشرط، والجزاء إذ أثبت في الشرط العدّ، ونفي في الجزاء، ولو تأوّل إن تعدوا بمعنى أن تريدوا العد اندفع السؤال أيضا، وقال بعض الفضلاء المعنى أن تشرعوا في عدّ أفراد نعمة من نعمه تعالى لا تطيقوا عدها، وإنما أتى بأن، وعدم العد مقطوع به نظراً إلى توهم أنه يطاق، وفيه مخالفة لكلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو أدق منه إذ فيه إشارة إلمى أنّ النعمة الواحدة لا يمكن عد تفاصيلها فتدبر. قوله: (وفيه دليل على أنّ المفرد الخ) أورد عليه أنّ الاستغراق ليس ماخوذاً من الإضافة بل من الحكم بعدم العد والإحصاء، وفيه نظر لأنّ الحكم المذكور يقتضي صحة إرادته منه ولولاه تنافيا. قوله تعالى: ( {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ) قيل إنه تعليل لعدم تناهي النعم، ولذا أتى بصيغتي المبالغة فيه، والظاهر أنه جواب سؤال مقدّر، وتقديره لم لم يراعوا حقها أو لم حرمها بعضهم، ولذا فسره المصنف رحمه الله تعالى بما ذكره لأنه المناسب لما قبله، وقوله يعرضها أي النفس للحرمان بترك الشكر وقوله يجمع، ويمنع أي يجمع المال، ويمنعه من مستحقه فذاك كالحد جامع مانع. قوله: (بلد مكة) فتعريفه للعهد، وقوله ذا أمن إشارة إلى أنّ الآمن أهل البلدة لا هي فجعله من باب النسب كلابن وتامر، ويجوز أن يكون الإسناد فيه مجازيا من إسناد ما للحالّ إلى المحل كنهر جار. قوله: (والفرق بينه وبين قوله {اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} ، الضى) جواب سؤال مقدر، وهو أنه لم عرّف البلد هنا، ونكر كي البقرة، وكي الكشاف أنه سال! في الأوّل أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها، ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدّها من الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمنا، وتحقيقه إنك إذا قلت اجعل هذا خاتما حسناً فقد أشرت إلى المادّة أن يسبك منها خاتم حسن، وإذا قلت اصل الخاتم حسناً فقد فصدت الحسن دون الخاتمية، وذلك لأنّ محط الفائدة هو المفعول الثاني لأنه بمنزلة الخبر، وفيه أنّ الزمخشريّ قدره في البقرة هذا البلد بلداً آمنا فلا فرق بينهما، وأجيب بأنّ المسؤول البلدية مع الأمن وما قدره إشارة إلى الحاضر في الذهن لا في الخارج بخلاف ما نحن فيه، واستشكل هذا التفسير بأنه يقتضي أن يكون سؤال الب! لدية سابقاً على االسؤال المحكي في هذه السورة، وأنه يلزم أن تك! ون الدعوة الأولى غير مستجابة، ودفع بأدط المسؤول أولاً صلوحه للسكنى بأن يؤمن فيه في أكثر الأحوال كما هو شأن البلاد، وثانياً إزالة! وف عرض كما يعترض البلاد أحياناً أو يحمل على الاستدامة أو بتنزيله منزلة العاري عنه مبالغة أو أحدهما من الدنيا، والآخر من الآخرة أو يقال الدعاء الثأني صدر قبل استجابه الأوّل، وذكر بهذه العبارة إيماء إلى أن المسؤول الحقيقي هو الأمن، والبلدية توطئة لا أنه بعد الاستجابة عراه خوف، وقد بني الكلام على الترقي فطلب أولاً أن يكون بلداً آمناً من جملة البلاد التي هي كذلك، ثم لتأكيد الطلب جعله مخوفا حقيقة فطلب الأمن لأنّ دعاء! المضطر أقرب إلى الإجابة، ولذا ذيله بقوله: {إِنِّي أَسْكَنتُ} [سورة إبراهيم، الآية: 37] الخ وهذا مبنيّ على تعدد السؤال، وهو الظاهر من تغاير التعبير في المحلين، وان قيل باتحادهما لججعل الإشارة في هذه السورة إلى ما في الذهن بعد تحقق البلدية أو قبلها، وجعل هذا بلدا آمناً مثل كن رجلاً صالحا قيل، وهو الملائم لقوله: {إِنِّي أَسْكَنتُ} [سورة إبراهيم، الآية: 37] الخ إلا أنه لا يخفى ما فيه، والحاصل أنه دعا أولاً بأن يكون بلداً وتكون آمنة، - وكانياً دعا للبلد بالأمن لتحقق بلديتها ويشهد له تنكيرها، وتعريفها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 قوله: (بعدتي وإياهم الخ) أصل التخنب أن يكون الرجل في جافب غير ما عليه غيره، ثم استعمل بمعنى البعد وفيه ثلاث لغات جنبه، وأجنبه وجنبه، وهي بمعنى، وقوله وقرئ، وأجنبي أي بقطع الهمزة بوزن أكرمني والمراد طلب الثبات، والدوام على ذلك، وقوله فيقولون جنبني أي من التفعيل، وقوله وفيه دليل الخ لأنه لو كان بغير ذلك أي بأمر طبيعيّ لم يفد طلبه. قوله: (وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذزيته) المراد بالأحفاد أولاد الأولاد حتى لا يكون من نسله من عبدها كما قاله ابن عيينة لأنّ الواقع بخلافه فقوله، وجميع ذرّيته عطف تفسيريّ، وإنما كان كذلك لأنّ المتبادر من بنيه من كان من صلبه فلا يتوهم أنّ الله لم يستجب دعاءه حتى يجاب بانّ المراد من كان منهم في زمنه أو أنّ دعاءه استجيب في بعض دون بعض، ولا نقص! فيه. قوله: (وزعم ابن عيينة رحمه الله تعالى أنّ أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام لم يعبدوا الصنا محتجاً به) أي بهذا النص وقيل عليه إنّ ظاهر الآية أنه أراد بنيه من غير واسطة ولو سلم فأين دليل الإجابة حتى يستدل بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} مع أنّ قوله: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فيه دليل على أنّ فيهم من هو كذلك، وكذلك قوله: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ} [سورة البفرة، الآية: 26 ا] مع أنه تعالى حكى عن قريش عبادتهم الأصنام في مواضع جمة فهو يدل على أنه المراد من كفرهم لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً فلا يرد عليه أنّ كفرهم لا يستلزم عبادة الأصنام مع أنه في الواقع كذلك. قوله: (ويسمونها الدوار) هو بضم الدال، وفتحها وتخفيف الواو، وتشديدها قال ابن الأنباري رحمه الله تعالى هي حجارة كانوا يدورون حولها تشبيهاً بالطائفين بالكعبة شرفها الله، ولذا كره الزمخشري أن يقال دار بالبيت بل يقال طاف به، وهو من الآداب فلا ينافي وروده في بعض الآثار كما قاله النوويّ رحمه الله تعالى. قوله: (باعتبار السببية) يعني أنّ إسناد الأضلال إلى الأصنام مجازيّ، والمضل في الحقيقة هو الله، وقيل إنهم ضلوا بانفسهم، وليس كل مجاز له حقيقة، وفيه نظر، وقوله أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين يعني أنّ من تبعيضية على التشبيه أي كبعضي في عدم الانفكاك، ويجوز حملها على الاتصالية، ولا ينافيه التصريح بالبعضية كقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} وبه جزم الطيبي رحمه الله تعالى. قوله: (وفيه دليل على أن كل ذشب الخ) أي يجوز عقلا كما تقرّر في الأصول أن يغفر كل ذنب حتى الشرك لكن الدليل السمعي منع من مغفرة الكفر لقوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 48] الآية، وقيل إنّ معنى غفور بستره عليه، ورحيم بعدم معاجلته بالعذاب كقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [سورة الرعد، الآية: 6] فلا دليل فيه على ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مع أنه لم يدر أنه بالترديد الذي ذكره قد هدم مبنى الدلالة، ولا يدفعه أنّ الدلالة في احتمال أن تكون المغفرة ابتداء كما قيل، وقيل إنّ أو للتنويع، والتعميم لا للترديد يعني أنه مطلق يتناول الوجهين والعصيان ففيه دليل على جواز مغفرة الشرك لكن الوعيد دلّ على عدم وقوعه، وهذا هو المناسب للمقام، وقد مرّ تحقيقه في آخر المائدة، وقال النوويّ في شرح مسلم أنّ مغفرة الشرك كانت في الشرائع المتقدمة جائزة في أممهم، وإنما امتنعت في شرعنا، ولا ينافيه كلام المصنف رحمه الله تعالى لأنّ الوعيد جاء في القرآن ووجه الدلالة قوله غفور رحيم لأنه في حق الكفرة رجاء منه. قوله: (أي بعض ذريتي أو زية من ذزيتي الخ) أي من بمعنى بعض، وهي في تأويل المفعول به أو المفعول به محذوف، ومن ذريتي صفته سدت مسدّه ومن يحتمل التبعيض، والتبيين، وقوله وهم إسماعيل ومن ولد منه على الوجهين، وقوله ولد منه عممه لقوله ليقيموا الخ، والإسكان له حقيقة ولأولاده مجاز فهو من عموم المجاز، وقوله فإنها حجرية أي كثيرة الحجارة، وقليلة المياه، وهذا باعتبار الأكثر الأغلب فيها، وقوله غير ذي زرع كقوله: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} يفيد المبالغة في أنه لا يوجد فيه ذلك لأنّ معناه ليس صالحا للزرع، وليس صالحاً للعوج فلذا عدل عن مزروع، وأعوج مع أنه أخصر، وهذا مما ينبغي التنبه له، وأشار إليه في الكشاف، وشروحه. قوله: (الذي حرّمت التعرّض له الخ) قال الزمخشري وقيل للبيت المحرم لأنّ الله حرّم التعرض له، والتهاون به وجعل ما حوله حرما لمكانه أو لأنه لم يزل ممنعا عزيزاً يهابه كل جبار كالشيء المحزم الذي حقه أن يجتنب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكها أو لأنه حرم على الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقا فذكر في وجه تسميته به أربعة وجوه بناء على أنّ الحرمة التعظيم أو الحرمة الشرعية، وأنه حقيقة فيه أو باعتبار أمر آخر، والمصنف رحمه الله تعالى لما رأى تقاربها أدرجه فيما ذكر، وقوله ولذلك سمي عتيقاً أي لأنه أعتق من الطوفان، وقيل لقدمه. قوله: (ولو دعا بهذا الدعاء الخ) جواب لو قوله فلعله بناء على أنه قد يقترن بالفاء أي إن ثبت أنه دعا الخ فلعله، وفي نسخة ودعا بدون لو وهي ظاهرة، والمقصود توجيه قوله صلى الله عليه وسلم عند بيتك المحرم فإنه إنما بني بعد ذلك فلا يكون الإسكان عنده، وحاصله أنّ الإسكان عند موضعه وكونه موضعا إما باعتبار ما كان لأنه كان مبنياً قبله لكنه رفع وقت الطوفان أو باعتبار ما سيؤول إليه لأنه بناه بعد ذلك في مكانه الآن. قوله: (روي أن هاجر الخ) هو بفتح الجيم اسم أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وقوله كانت لسارة أي ملكاً، وجارية لها، وسارة امرأة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقوله فغارت بالغين المعجمة من الغيرة، وهي معروفة، وقوله فناشدته أي أقسصت عليه أو طلبت منه الحلف على ذلك فحلف لها، واخراجها كان يوحي من الله لا بمجرّد رعايتها، وجرهم بضم الجيم والهاء، وسكون الراء المهملة حيّ من اليمن، وهم أصهار إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وكانوا خرجوا من ديارهم لقحط أو وباء، وقصتهم وقصة زمزم مفصلة في أوّل سيرة ابن هشام، وهذا مرويّ كأ البخاري بمعناه أيضا. قرله: (وهي متعلقة بأسكنت أي ما أسكت! هم بهذا الوادي الخ) أي الجار والمجرور، متعلق بأسكنت المذكور بدليل قوله، وتوسيطه الخ وعلى هذا فالحصر مستفاد من السياق لأنه لما قال بواد غير ذي زرع نفى أن يكون إسكانهم لأجل الزراعة، ولما قال عند بيتك المحرم أثبت أنه مكان عبادة فلما قال ليقيموا أثبت أنّ الإقامة عنده عبادة، وقد نفى كونها للكسب فجاء الحصر مع ما في تكرير ربنا من الإشارة إلى أنه هو المقصسود، وهذا معنى لطيف، ولا ينافيه الفصل بقوله ربنا لأنه اعتراض لتأكيد الأوّل، وتذكيره فهو كالمنبه عليه فلا حاجة إلى ما قيل إنه متعلق بأسكنت مؤخر مقدر غير الأوّل، وأنّ الحصر مستفاد من تقديره مؤخراً كما رجحه بعض الشراج، وعند مالك رحمه الله تعالى أنّ التعليل يفيد الحصر فانه استدل بقوله لتركبوها على حرمة أكلها كما بين في أصولهم، والبلقع القفر الذي لا شيء فيه، وقوله من كل مرتفق ومرتزق متعلق بالبلقع لتضمنه معنى الخالي، وهما يحتملان المكان، والمصدرية، والارتفاق الانتفاع كما يقال بكرمك أثق، وعلى سوددك أرتفق، ومرافق الدار المتؤضأ والمطبخ. قوله: (وقكلرير النداء وتوسيطه الخ) اعتذار عن إعادته، والفصل الذي تمسك به من قدر له متعلقا آخر إشارة إلى أنّ النداء لتأكيد الأوّل فلا يمنع التعلق، ولا يرد ذلك أنّ النداء له صدر الكلام فكيف تعلق ما بعده بما قبله، ولا بد من تكرر النداء للإشعار بما ذكره فإنه لو توسط من غير أن يذكر أولاً لم يشعر بأنها المقصودة من الدعاء السابق، وكذا لو لم يتوسط. قوله: (وقيل لام الأمر الخ) هي على الأوّل جارة، والفعل منصوب بأن المقدرة بعدها، وعلى هذا هي لام الأمر الجازمة، والأمر للدعاء، وقوله كأنه طلب منهم الإقامة إنما قاله لأنه شامل لغير الموجودين كما في سائر الأمور، وأيضا المدعوّ هو الله فكان الظاهر إسناده له، والسؤال من الله مأخوذ من قوله ربنا فكأنه قال يا ربنا وفقهم لإقامة الصلاة، وخصها لأنها عمود الدين. قوله: (أي أفئدة من أفئدة الناس ومن للتبعيض) قدم هذا لأنه أظهر، وقدر من أفئدة الناس ليدل على عدم العموم المذكور بعده لأنّ جميع الأفئدة بعض الناس لا بعض أفئدة الناس وقوله لازدحمت بناء على الظاهر من إجابة دعائه، وكون الجمع المضاف يفيد الاستغراق. قوله: (أو للابتداء كقولك القلب مني سقياً) أي المعنى نشأ سقم هذا العضو من جهتي، وقيل عليه إنه لا يظهر كونها للابتداء لأنه لا فعل هنا مبتدأ منه لغاية ينتهي إليها إذ لا يصح ابتداء جعل الأفئدة من الناس ورد بأنّ فعل الهوى للأفئدة مبتدأ به لغاية ينتهي إليها ألا ترى إلى قوله إليهم، وإن لم يتعين كون من في الآية، والمثال لاحتمال التبعيض احتمالاً ظاهراً، وأورد عليه أنّ الابتداء في من الابتدائية إنما هو من متعلقها إلا مطلقا، وان جعلناها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 متعلقة بتهوي لا يظهر لتأخيره، ولتوسيط الجار فائدة، واعلم أنه قال في الإيضاح أنه قد يكون القصد إلى الابتداء دون أن يقصد انتهاء مخصوص إذا كان المعنى لا يقتضي إلا المبتدأ كأعوذ بالله من الشيطان وزيد أفضل من عمرو، وقد قيل إنّ جميع معاني من دائرة على الابتداء، والتبعيض هنا لا يظهر فيه فائدة كما في قوله: {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [سورة مريم، الآية: 4] فإن كون قلب الشخص، وعظمه بعض منه معنى مكشوف غير مقصود بالإفادة فلذا جعلت للابتداء، والظرف مستقر للتفخيم كأنّ ميل القلب نشأ من جملته مع أنّ ميل جملة كل شخص من جهة قلبه كما أنّ سقم قلب العاشق نشأ منه مع أنه إذا صلح صلح البدن كله، والى هذا نحل المحققون من شراح الكشاف لكنه معنى غامض فتدبره، وقوله أفئدة ناس نكرة إشارة إلى أنّ تعريفه للجنس فهو في معنى نكرة، والمعين لذلك تنكير أفئدة. قوله: (وقرأ هشام أفئدة بخلف عنه) بضم الخاء، وسكون اللام أي باختلاف الرواية عنه، وقراءة العامة أفئدة بالهمزة المكسورة جمع فؤاد كغراب، وأغربة وهي ظاهرة، وقرأ هشام عن ابن عامر بياء بعد الهمزة فقيل إنها إشباع كقوله: أعوذ بالله من العقراب الشائلات عقد الأذناب فقال بعضهم أنّ الإشباع مخصوص بضرورة الشعر فكيف يقرأ به في أفصح الكلام، وزعم أنه قرأ بتسهيل الهمزة بين بين فظنها الراوي زيادة ياء بعد الهمزة، وليس بشيء فإنّ الرواية أجل من هذا. قوله: (وقرئ آفدة) أي بهمزة ممدودة بعدها فاء مكسورة بوزن ضاربة، وهي محتملة أن تكون قدمت فيها الهمزة على الفاء فاجتمع همزتان ثانيتهما ساكنة فقلبت ألفاً فوزنها أعفلة كما قيل في أدور جمع دار قلبت فيه الواو المضمومة همزة، ثم قدمت وقلبت ألفاً فصار آدرا أو هي اسم فاعل من أفد يأفد بمعنى قرب، ودنا ويكون بمعنى عجل، وهو صفة جسماعة أي جماعة آفدة، وقوله أفدت الرحلة أي الارتحال، وعجلت مبني للمجهول. قوله: (وأفدة) أي بفتح الهمزة من غير مد، وكسر الفاء بعدها دال، وهو إمّا صفة من أفد بوزن خشنة فيكون بمعنى آفدة في القراءة الأخرى أو أصله أفئدة فنقلت حركة الهمزة لما قبلها، ثم طرحت. قوله: (وإن كان الوجه فيه إخراجها بين بين الخ) تبع فيه الزمخشريّ، وقد قيل إنه مخالف لأهل الصرف والقرا آت أما الأوّل فلأنهم قالوا إذا تحركت الهمزة بعد ساكن صحيح تبقى أو تنقل حركتها إلى ما قبلها وتحذف، ولا يجوز جعلها بين بين لما فيه من شبه التقاء الساكنين، وأمّا الثاني فلقوله في النشر الهمزة المتحركة بعد حرف صحيح ساكن كمسؤولاً، وأفثدة وقرآن، وظمآن فيها وجه واحد، وهو النقل وحكي فيه وجه ثان، وهو بين بين، وهو ضمعيف جداً وكذا قاله غيره. قوله: (تسرع إليهم شوتاً وودادا الخ) تهوي هو المفعول الثاني لأجعل، ومعناه تسرع، وتعديته باللام، وإنما عدى لإلى لتضمته معنى تميل، وهو معنى النزوع أي الميل، وهو متعد وفيه نظر لأنّ مصدره النزاع قال الصولي نزعت عن الأمر نزوعاً إذا كففت ونزعت الشيء نزعا إذا أخرجته، ونزعت إلى أهلي نزاعا إذا اشتقت وملت، ولذا عيب على أبي نواس قوله: وإذانزعت عن الغواية فليكن لله ذاك النزع لا للناس وقوله مع سكناهم الخ إشارة إلى أنّ المقصود جلبها من غير بلادهم. تنبيه: في هذه الآية بلاغة عجيبة حيث جعل القلوب نفسها تهوي، وفي معناه قلت: كل امرئ يبذل إنعامه يمشي إليه القلب قبل القدم قوله: (تعلم سرنا كما تعلم أعلتنا) يشير إلى أنّ ما مصدرية وأنّ ذكر العلن بعد علم السر ليس بمستدرك لأنّ المراد استواؤهما في علمه تعالى كما مرّ تحقيقه غير مرّة، وهذا معنى قول الزمخشري تعلم السر كما تعلم العلن علما لا تفاوت فيه لأنّ غيبا من الغيوب لا يحجب عنك لا خلاف بينهما كما توهم، وقوله والمعنى أي المقصود من فحوى النظم هذا، وقوله مناصلة أعلم لا ناقد نغفل، وقد لا تعرف المصلحة، وكونه مطلعاً على أحوالنا يقتضي عدم الحاجة إلى الطلب لأنّ ظهور الحال يغني عن السؤال كما قال السهروردي: ويمنعني الشكوى إلى الناس أنني عليل ومن أشكو إليه عليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 ويمنعني الشكوى إلى الله أنه عليم بما أشكوه قبل أقول قوله: (وقيل ما نخفي من وجد الفرقة الخ) فما موصولة، والعائد محذوف، والوجد بفتح فسكون الحزن والغمّ، وقوله والتوكل أي ذكره أو أثره لأنه بمعناه لا يحسن، واللجأ بفتح اللام، والجيم، والهمز مقصور بمعنى الالتجاء وقوله تعالى: {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ} الخ ما اعتراض من كلامه تعالى أو من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الالتفات، وهو كالدليل على ما قبله أي لا يخفى عليه كل معلوم فيعلم السر، والعلن، وقوله بعلم ذاتي فلا يتفاوت بالنسبة إليه معلوم دون معلوم كالبشر والملك. قوله: (أي وهب لي وأنا كبير) يشير إلى أنّ على بمعنى مع وأنّ الجار والمجرور حال كقوله: إني على ماترين من كبر أعرف من أين يؤكل الكتف ويصح جعل على بمعناها الأصلي، والاستعلاء مجازفي كما قاله أبو حيان وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله، ومعنى استعلائه على الكبر أنه وصل غايته فكأنه تجاوزه، وعلا ظهره كما يقال على رأس السنة أي في آخرها فلا يرد عليه أنّ الأنسب حيئذ جعل الكبر مستعلياً عليه كعليّ دين، وذنب لظهور أثره في الرأس باشتعال شيبه، ويصح إبقاؤها على معناها بمعنى مستمرا متمكناً عليه، وقوله لما فيها في نسخة فيه أي الكبر، وقوله آلائه أي نعمه، والضمير المضاف إليه لله وقوله روي الخ هو وواية، وقيل لأربع وستين وايسحق عليه الصلاة والسلام لسبعين، وقيل لم يولد له إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة. قوله: (أي لمجيبه) فهو مجاز كما في سمع الله لمن حمده فإن السمع بمعنى القبول، والإجابة، وقوله وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل هذا مذهب سيبوبه رحمه الله تعالى إذ جعل أمثلة المبالغة تعمل عمل امسم الفاعل وخالفه كثير من االنحاة فيه فهو مضاف لمفعوله إن أريد به المستقبل، وقيل إنه غير عامل لأنه قصد به الماضي أو الاستمرار وجوّز الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى أن يكون مضافاً لفاعله المجازي فأصله سميع دعاؤه بجعل الدعاء نفسه سامعا، والمراد أنّ المدعو، وهو الله سامع قيل، وهو بعيد لاستلزامه أن تصاغ الصفة المشبهة من الفعل المتعدّي، وهو قول للفارسي لكنه شرط في إضافتها إلى الفاعل عدم اللبس نحو زيد ظالم العبيد إذ! علم أنّ له عبيداً ظالمين، وهنا فيه الإلباس منتف لأنّ المعنى على الإسناد المجازي، وهو كلام واه لأنّ المجاز خلاف الظاهر فاللبس فيه أشدّ، وكذا ما قيل إنّ عدم اللبس إنما يشترط في إضافته إلى فاعله على القطع، وهو ضعيف جدا، وقوله وفيه إشعار أي في قوله سميع الدعاء بمعنى مجيبه وذلك قوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} في آية أخرى وذكر حمده بيان لأنه كان من الشاكرين، وقوله ليكون متعلق بقوله وهب، وتعليل لكونه بعد اليأس. قوله: (معدلاً لها) يكون مجازاً من أقصت العود إذا قوّمته، ومواظباً من قامت السوق إذ أنفقت فأقمتها كما مرّ في سورة البقرة، ولذا قيل لو عطفه بأو كان أولى ورد بأنه جعله قيدا للمعنى الأوّل مأخوذا من صيغة الاسم، والعدول عن الفعل كما أنّ الأوّل من موضوعه فلا يلزم استعمال اللفظ في معنيين مجازيين. قوله: (عطف على المنصوب) أي مفعول اجعل الأوّل، وهو في الحقيقة صفة للمعطوف أي بعضاً من ذريتي، ولولا هذا التقدير كان ركيكاً وقوله تقبل عبادتي فالدعاء بمعنى العبادة لكنه كان الأنسب أن يقال فيه دعاءنا حيمثذ. قوله: (وقد تقدم عنر استغفاره لهما الخ) قد مرّ تفصيله في آخر التوبة لكنه قيل عليه أنّ الذي مرّ استغفار. لأبيه فقط، وقد قال الحسن رحمه الله تعالى إنّ أمّه كانت مؤمنة فلا يحتاج الاستغفار لها إلى عذر، وقيل إنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يثبت عنده ذلك وأنّ مراده أنّ عذر استغفاره لهما هنا علم مما مرّ في العذر عن استغفاره لأبيه، وكون المراد بوالديه آدم، وحوّاء في غاية البعد فإنه النسب الواسع. قوله: (يثبت الخ) أي القيام مجاز عن التحقق، والثبوت إمّا مرسل أو استعارة من قام السوق، والحرب ونحوه أو شبه الحساب برجل قائم على الاستعارة المكنية، وأثبت له القيام على التخييل أو المراد يقوم أهل الحساب فحذف المضاف أو أسند إليه ما لأهله مجازا، وقوله وأسند إليه كذا وقع في النسخ، والظاهر أن يقول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 أو أسند لأنه إذا اعتبر الحذف لا يكون المجاز في الإسناد أو الواو بمعنى أو ووقع في نسخة أو، وهي ظاهرة. قوله: (خطاب لرسول الله الخ) ذكر في هذا الخطاب وجهين الأوّل أن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم وقدمه لأنه الأصل المتبادر لكن لما كان عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بالله فهو لا يتصوّر منه جواز الغفلة أوّله الزمخشري بوجهين، وهي في الحقيقة ثلاثة أوّلهما أنّ المواد به تثبيته على ما هو عليه من عدم ظن أنّ الغفلة تصدر من الله كقوله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [سورة القصص، الآية: 88] أي دم على ذلك، وهو مجاز كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة، الآية: 04 ا] ولا يخفى ما فيه لأنه لا يتوهم منه عدم الدوام عليه، ولذا قال المدقق في الكشف: إنّ فيه ركاكة يصان التنزيل عنها، وثانيهما اًن المراد منه على طريق الكناية أو المجاز بمرتبتين الوعيد، والتهديد والمعنى لا تحسبن الله يترك عقابهم للطفه، وكرمه بل هو معاقبهم على القليل، والكثير أو هو استعارة تمثيلية أي لا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون فإنه يعاملهم معاملة الرقيب المحاسب على النقير والقطمير فقوله، والوعيد الخ. هو الوجه الثاني فإما أن تكون الواو فيه بمعنى أو كما قيل أو تبقى على ظاهرها بناء على أنه لاحظ ركاكة الوجه الأوّل في الكشاف لعدم مناسبته لمقام النبوّة فجعله مع الوجه الثاني وجهاً واحدا ليتم بأن تجوز بلا تحسبن عن دم على عدم الحساب، ثم جعله كناية عن الوعيد لأنه لا ينهي عما لا يتصوّر منه كما ذكره بعض المتأخرين وهو الأحسن. قوله: (من أنه مطلع الخ) بيان لما أي من تيقن أنه مطلع وقوله بأنه معاقبهم إشارة إلى ما مرّ، وقوله لا محالة مأخوذ من التأكيد بالنون المشدّدة. قوله: (أو لكل من توهم غفلته) عطف على قوله لرسول الله أي الخطاب ليس للرسول صلى الله عليه وسلم بل لكل من يتوهم ذلك فهو لغير معين، ولا يحتاج حيحئذ إلى تأويل الغفلة لجريها على ما في أنفسهم، وقوله وقيل إنه تسلية للمظلوم، وتهديد للظالم فالخطاب أيضاً لغير معين لأنّ الناس بين ظالم، ومظلوم فإذا سمع المظلوم أنه تعالى عالم يفعل الظالم منتقم منه تسلى بذلك، وإذا سمعه الظالم ارتاع عما هو فيه، وفي الكشف أنه تأييد للوجه الثاني، ويجوز جريانه على الأوجه إذ تقدير اختصاص الخطاب به عليه الصلاة والسلام أيضاً لا يخلو من التسلية، والتهديد للفريقين وفيه بحث، وقوله يؤخر عذابهم أي إيقاع التأخير مجاز، أو هو بتقدير مضاف. قوله: (تشخص فيه أبصارهم الخ) يعني أنّ الألف، واللام للعهد لا عوض عن المضاف قيل ولو حمله على العموم كان أبلغ في التهويل، وأسلم من التكرير ووجهه أنّ قواسه لا يرتدّ إليهم طرفهم على تفسيره بمعناه فإذا جعل الأوّل لبيان حال الناس كلهم، والثاني لبيان حال هؤلاء خاصة كان في ذكره فائدة وان كان لا يسلم من التكرار رأسا وكان المصنف رحمه الله تعالى اختاره لأنه المناسب لما بعده، وأنّ التكرير للتأكيد لازم عليهما كما قيل، وسيأتي ما يردّه. قوله: (فلا نقر في أماكنها من هول ما ترى) الظاهر أنه جعله مأخوذاً من شخص الرجل من بلده إذا خرج منها، وهو أحد معانيه المذكورة في اللغة فإنه يلزمه عدم القرار فيها أومن شخص بفلان إذا ورد عليه أمر يقلقه كما في الأساس فما ذكره بعده من كونها لا تطرف المقتضي لقرارها يكون بيانا لحال آخر، وأنهم لدهشتهم تارة لا تقرّ أعينهم، وتارة يبهتون فلا تطرف أبصارهم، وجعل تلك الحالتين المتنافيتين لعدم الفاصل كأنهما في حال واحد كقول امرئ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معا ~ كجلمود صخر حطه السيل من عل كما بين في شرحه فاندفع ما قيل إنّ الظاهر أنّ القرار ضد الحركة فيكون منافياً للحاق مع أنّ أهل اللغة لم يفسروا الشخوص به، وبهذا اندفع التكرار، وعلم ما أراد. المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (مسرعين إلى الداعي أو مقبلين بأبصارهم الخ) أي بذلة كالأسير الخائف ومهطعين، ومقنعي حالان إما من مضاف محذوف أي أصحاب الأبصار بناء على أنه يقال شخص زيد بصره أو الأبصار تدل على أصحابها فجاءت الحال من المدلول عليه قالهما أبو البقاء رحمه الله تعالى، وقيل مهطعين منصوب بفعل مقدر أي تبصرهم مهطعين ويجوز في مقنعي أن يكون حالاً من المستتر فيه فهي حال متداخلة، ومقنعي إضافته غير حقيقية فلذا وقع حالاً، وقيل الأولى أنها حال مقدرة من مفعول يؤخرهم، وقوله تشخص الخ. بيان حال عموم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 الخلائق وأوثرت الفعلية لعدم استمراره فلا يرد عليه توهم التكرار، وقد مرّ ما يعلم منه ما فيه والإهطاع معنا. الإسراع في الشيء قال: إذا دعانا فاهطعنا لدعوته واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله مسرعين إلى الداعي، وقيل معناه الإقبال بالنظر كما ذكره الراغب، واليه أشار بقوله أو مقبلين الخ وقال الأخفش رحمه الله تعالى أنه الإقبال على الاستماع لقوله: ندخله مهطعين إلى السماع وسمع فيه أهطع وهطع وكل معانيه تدور على الإقبال كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لأنه لا ينفك عنه. قوله: (رافعيها) هذا هو المشهور، وقيل إنه من الأضداد فيكون بمعنى رفع رأسه، وطأطأها، وقوله بل بقيت عيونهم شاخصة لا تطرف الخ. الطرف في الأصل تحريك الجفن، ثم تجوّز به عن النظر والعين نفسها، ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف وصف برد الطرف، والطرف بالارتداد كما سيأتي في سورة النمل فعدم ارتداد الطرف إما عدم ارتداد تحريك الجفن فالطرف بمعناه الحقيقي، وهو كناية عن بقاء العين مفتوحة على حالها أو بمعنى عدم ارتداد النظر إلى أنفسهم فهو بالمعنى المجازي. قوله تعالى: ( {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} ) يعني بالهواء الخالي، وهو مصدر ولذا أفرد والمراد انهم لدهشتهم خلت قلوبهم من العقل، والفهم كما يقال هواء لقلب الجبان لخلوّه من الرأي، والقوة وتفسيره المصدر باسم الفاعل بيان للمعنى المراد منه المصحح للحمل فلا ينافي المبالغة في جعله عين الخلاء. قوله: (من الظلمان جؤجؤه هواء) هو من قصيدة لزهير وأوّله: كأنّ الرحل منها فوق صعل يصف ناقته بالسرعة في السير وتشبيهها بالنعام، وهو يوصف بالجبن والخوف، وسرعة المشي فإذا خاف كان أسرع، وأجد في السير، وقيل إنه يصفها بعدم القوّة، والظلمان بالظاء المعجمة كغلمان جمع ظليم ويضم وهو ذكر النعام وجؤجؤ بجيمين مضمومتين، وهمزتين أو واوين الصدر، والصعل بالصاد والعين المهملة الصغير الرأس، وهو من صفة النعام، ورحل الناقة، وقول! وقيل الخ مرّضه لأنّ الأوّل أنسب بمقام الحيرة، والدهشة. قوله: (وهو مفعول ثان) أي هو له، وما فيه فالإيقاع عليه مجازيّ أو هو بتقدير مضاف وقوله بالشرك لأنّ الشرك ظلم عظيم، والتكذيب هو تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام وقوله أخر العذاب يشي أنه تجوز في النسبة أو فيه تقدير مضاف، وهو ناظر إلى كون المراد باليوم يوم القيامة، وقوله ورذنا إشارة إلى أنه تضمن معنى الردّ وأنّ المراد بالأجل مقدار من زمن الحياة في الدنيا وقوله، وأمهلنا الخ عطف تفسير عليه، وقوله أو أخر آجالنا ناظر إلى أن المراد يوم الموت، وقوله ونظير. أي في المعنى لا في الإعراب. قوله: (على إرادة القول) أي على تقدير القول، والمعطوف عليه بالواو، وقبل قوله أو لم لا قبل ما لكم كما يتوهم، والتقدير فيقال لهم أطلبتم الآن هذا، ولم تطلبو. إذ أقسمتم، والقائل هو الله أو الملائكة توبيخا لهم، والقول بأنهم أقسموا إئا على ظاهره لأنهم قالوه من الجهل، والغرور أو هو بلسان الحال، ودلالة الأفعال كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله وما لكم جواب القسم وقيل هو ابتداء كلام من الله جواباً لقولهم ربنا أخرنا أي ما لكم من زوال عن هذه الحال، وجواب القسم لا يبعث الله من يموت، وقوله دل الخ فلا قسم حقيقة، وقوله وقيل الخ فيكونون دهرية منكرين للبعث والزوال المراد به الزوال عما بعد الموت لا عن الدنيا كما في الأوّل، وقوله على المطابقة الخ أي أتى بالخطاب في لكم لمطابقة الحكاية وقوله أقسمتم، ولو روعي المحكي لقيل ما لنا وهما جائزان. قوله: (وأصل سكن أن يعدى بفي الخ (أي أصل معناه قرّ، وثبت من السكون فيتعدى بفي لكنه نقل إلى سكون خاص فتصرف فيه وجعل متعديا بنفسه كتبوّأ الدار، واستوطنها وغنى كعلم بمعنى أقام، ومنه المغني فقوله وأقام عطف تفسير له. قوله: (وتبين لكم كيف فعلنا بهم (تبين فاعله مضمر يعود على ما دل عليه الكلام أي حالهم أو خبرهم، ونحوه وكيف في محل نصب بفعلنا، وجملة الاستفهام ليست معمولة لتبين لأنه لا يطق وقيل الجملة فاعل تبين بناء على جواز كونه جملة، وهو قول ضعيف للكوفيين، وقد مز في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [سورة يوسف، الآية: 35] وقوله من أحوالهم أي بينا لكم من أحوال الأمثال فالأمثال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 جمع مثل بمعنى الشبيه، وهو تشبيه للحال بالحال، والمقصود تشبيه ذويها بذويها، وقوله أو صفات الخ فالأمثال جمع مثل بمعنى الصفة الغريبة العجيبة كما مرّ وقوله فعلوا، وفعل بهم أي في الدنيا. قوله: (المستفرغ قيه جهدهم (يقال استفرغ جهده إذا بذل طاقته، ومقدوره فهو استعارة، ومكرهم منصوب على أنه مفعول مطلق لأنه لازم فدلالته على المبالغة لقوله: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ} الخ لا لأن إضافة المصدر تفيد العموم أي أظهروا كل مكر لهم أو لأنّ إضافة كلا إضافته، وأصل التنكير لإفادة أنهم معروفون بذلك وقوله لإبطال الحق لأنّ المكر لا يكون في الخبر. قوله: (فهو مجارّيهم) لأنّ ذكر علم الله، ونحوه من كتابة الأفعال، وغيرها يكنى به عن المجازاة، وقوله ما يمكرهم فهو مصدر مضاف للمفعول لكن أبو حيان رحمه الله تعالى اعترض عليه باًن مكر لازم لم يسمع متعدّيا، وقد صرّح أهل اللغة بأنه إنما يتعدى بالباء بخلاف الكيد فإنه متعد بنفسه، وقد يقال إنه متجوّز به أو مضمن معنى الكيد أو الجزاء، واطلاق المكر على الله حينئذ إمّا مشاكلة أو استعارة لجزائهم من حيث لا يشعرون، وقوله وابطالاً له لم يجعله وجها آخر لإمكان إرادتهما معا فتأمّل. قوله: (مسوّي لإزالة الجبال) وفي نسخة، ومعداً لذلك اعلم أنّ العامّة قرؤوا بكسر اللام، ونصب تزول، والكسائيّ بفتحها، ورفع تزول فالكسر إمّا لأنّ أن نافية واللام لام الجحود الواقعة بعد كان المنفية، وكان إمّا تامّة، والمعنى تحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع التي هي كالجبال في الثبات، والقوّة ويؤيده قراءة ما كان مكرهم أو ناقصة وخبرها محذوف أو الجارّ، والمجرور على الخلاف فيه أو أن مخففة من الثقيلة، وقيل إنها شرطية وجوابها محذوف أي إن كان مكرهم معدّاً لإزالة الجبال فإنه مجازيهم عليه ومبطله، وأمّا الفتح ففيه وجهان الأوّل أنّ إن مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، والثاني أنها نافية، واللام بمعنى إلا، وقرئ كاد بالدال، وقرئ لتزول بفتح اللامين، وخرجت على لغة جاءت في فتح لام كي هذا حاصل ما ذكره المعربون هنا فقوله مسوّي اسم مفعول من سواه بمعنى صنعه، وأصل معناه جعله سواء إشارة إلى أنّ كان ناقصة محذوفة الخبر، والجاز، والمجرور متعلق به، وقد مرّ جواز كونها تامّة، والظاهر أنّ أن عنده شرطية وصلية على الاختلاف في واوها وتقدير جوابها، وغيره ذهب إلى أنها مخففة من الثقيلة، والمعنى أنه عظم مكرهم، واشتد فضرب زوال! الجبال منه مثلاً لشدته أي، وان كان مكرهم معداً لذلك كما في الكشاف، وفال ابن عطية رحمه الله تعالى يحتمل عندي أن يكون معنى هذه القراءة تعظيم مكرهم أي وان كان شديداً يفعل لتذهب به عظام الأمور فإن عندهما مخففة من الثقيلة كما في الدرّ المصون، واللام مؤكدة للنفي فهي لام الجحود كما أشار إليه بالآية المذكورة، وقوله ونحو. أي من الشرائع، والتوحيد وزوال الجبال مثل أي استعارة تمثيلية تنبيه على أنه في الرسوخ، والثبات كالجبال الراسية، وعلى الأوّل الجبال بمعناها المعروف فالجبال استعارة، وقوله وقرأ الكسائيّ أي بفتح اللام الأولى، ورفع الثانية فالجبال على حقيقتها، وقوله الفاصلة أي الفارقة بين أن المخففة، والنافية كما بين في النحو. قوله: (ومعناه تعظيم مكرهم الخ) كما في الشرطية، وقد مرّ تقريره وبقية كلامه ظاهر مما قرّرناه لك فإن قلت كونها نافية ينافي قراءة الكسائيّ المثبتة لدلالتها على عظم مكرهم، ودلالة كونها نافية على حقارته قلت أجيب عنه بأنّ الجبال في قراءة الكسائيّ يشار بها إلى ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم من الحق وفي غيره على حقيقتها فلا تعارض إذ لم يتوارد على محل واحد نفياً، وإثباتا ورد بأنه إذا جعل آيات الله شبيهة بالجبال في الثبات كانت مثلها بل أدون منها فإذا نفى إزالته إياها انتفى إزالته جبال الدنيا بالطريق الأولى فتنافي إزالته إياها الثابتة بقراءة الكسائيّ فالإشكال باق بحاله (قك) هذا غير وارد لأنّ المشبه لا يلزم أن يكون أدون من المشبه به في وجه الشبه بل قد يكون بخلافه لكون المشبه به أعرق بوجه الشبه، وهنا كذلك لأنّ ثبوت الجبل يعرفه الغبيّ، والذكيّ بخلاف الحق، ولو سلم فقد يقدر على إزالة الأقوى دون الآخر لمانع كالشجاع يقدر على قتل أسد، ولا يقدر على قتل رجل مشبه به لامتناعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 بعدة أو حصن، ولا أحصن، وأحمى من تأييد الله للحق بحيث تزول الجبال يوم تنسف نسفا، ولا يزول وهذا ظاهر لكل ذي بصيرة. قوله: (مثل قوله إنا لننصر وسلنا الخ) بيان لتحقق الوعد ووروده، وقيل المراد بالوعد السابق في قوله، وعند الله مكرهم إذ معناه المجازاة عليه كما مرّ. قوله: (لىلذافاً بأنه لا يخلف الوعد أصلاَ كقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [سورة الرعد، الآية: 31] ) كذا في الكشاف، وقيل عليه إن الفعل إذا تقيد بمفعول انقطع احتمال إطلاقه، وهو هنا كذلك فليس تقديم الوعد دالاً على إطلاق الوعد بل على العناية والاهتمام به لأنّ الآية سيقت لتهديد الظالمين بما وعد الله على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، فالمهمّ ذكر الوعد، وكونه على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يتوقف عليه التهديد، والتخويف، وقيل إنه قوفي لكن ما ردّه هو القاعدة عند أهل البيان كما قال عبد القاهر في قوله: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ} [سورة الأنعام، الآية: 100] إنه قدم شركاء للإيذان بأنه لا ينبغي أن يتخذ لله شركاء مطلقا، ثم ذكر الجن تحقيراً فإذا لم يتخذ من غير الجن فالجن أحق بأن لا يتخذوا، وهذا لا يدفع السؤال بل يؤيده، وكذا ما ذكره الشارح الطيبي رحمه الله تعالى فإنه مع تطويله لم يأت بطائل فالوجه ما في الكشف من أنّ تقديمه يقتضي الاعتناء به، وأنه المقصود بالإفادة، وما ذكره ممن وقع الوعد على لسانه إنما ذكر بطريق التبع للإيضاح، والتفصيل بعد الإجمال، وهو من أسلوب الترقي كما في قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [سورة طه، الآية: 25] وقد أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله فكيف يخلف رسله وتوهم صاحب الانتصاف هنا كتوهم صاحب التقريب هناك فتدبر؟ وقوله غالب لا يماكر الخ بيان لارتباط الخاتمة بالفاتحة، وكذا ما بعده. قوله: (بدل من يوم يأتيهم) بدل كل من كل أو عامله مقدر باذكر أو لا يخلف وعده بقرينة مخلف وعده، وقوله ولا يجوز الخ تبع فيه أبا البقاء رحمه الله تعالى إذ منع كونه معمول مخلف أو وعده لما ذكر ورد بأنّ الجملة اعتراضية فلا تعذ فاصلا والعجب فإنه إذا كان بدلاً يكون العامل فيه أنذر فيلزم عليه عمل ما قبل إن فيما بعدها فكأنه ذهب إلى أنّ البدل له عامل مقدر، وهو ضعيف قال أبو حيان رحمه الله تعالى والظاهر أنه استئناف. قوله: (والتبديل يكون في الذات كقولك بدلت الدراهم بالدنانير الخ) كون التبديل شاملاً للقسمين مما لا كلام فيه كما فصله في الكشف إلا أنه ذكر في قوله: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [سورة النساء، الآية: 56] أن المعنى خلق جلوداً أخر غير الأولى لأنه المتبادر من قوله غيرها، ولا يلزمه تعذيب غير المجرم فإنه مع كونه غير ممتنع غير وارد لأنّ المعذب الروح، والبدن ا-لة لها، وقد اختار في سورة النساء أنه من تبديل الصفة بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صفة أخرى كتبديل الخاتم قرطاً أو بأن يزال عنه أثر الإحراق ليقوي إحساسه للعذاب، ولكل وجهة. قوله: (وعليه قوله {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} ) هذا بناء على ما سيأتي في الفرقان من أنّ المعنى أنه يثبت لهم بدل كل عقاب ثواباً جزاء لما عملوه من مآثر الجاهلية سمعة، ورياء بعدما أسلموا فهي حسنات باقية بعينها بعدما أزيل عنها صفة السوء، وهي الرياء، وسيأتي فيها وجوه أخر منها ما هو على أنه تبديل في الذات، وقوله والآية تحتملهما سيأتي تفصيله فما روي عن عليّ كرّم الله وجهه يدلّ على أنه تبديل في الذات، " وكذا ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ظاهر فيه وما روي عن ابن عباص رضي الله تعالى عنهما " (1) صريح في تبديل الصفة، والأديم الجلد والعكاظي منسوب إلى عكاظ، وهو محل معروف كان يعمل فيه أو يباع فيه كذلك. قوله: (ارضاً وسماء على الحقيقة) أي من أفراد ذلك الجنس حقيقة كما أنه يجوز أن يكون غيره، وقوله ولا يبعد على الثاني أي تبديل الصفة قيل بل هو بعيد لأنه يلزم أن تكون الجنة، والنار غير مخلوقتين الآن، والثابت في الكلام، والحديث خلافه، وأجيب بأنّ الثابت خلقهما مطلقا لا خلق كليهما فيجوز أن يكون الموجود الآن بعضهما، ثم تصير السماوات والأرض! بعضا منهما، وهذا وان صححه لا يقر به، ووجه دلالة الآيتين أنهما في جهة علو، وسفل وتعبير. بأشعر يقتضي أنه خفيّ مع أنّ وجه الإشعار فيه نظر، وأغرب منه جعل الإمام هذا دليلاَ عليه، وقوله لمحاسبته يعني أنه على تقدير مضاف لظهورهم له قبل ذلك. قوله: (للدلالة على أن الآمر في غاية الصعوبة) أي أمر يوم الحساب، والجزاء لأنهم إذا كانوا واقفين عند ملك عظيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 قهار لا يشاركه في الأمر غيره كانوا على خطر إذ لا مقاوم له، ومجبر ولا مغيث سواء، وشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكونها بإذنه منه أيضاً فلا ينافي ما ذكر ثبوت شفاعتهم للعصاة. قوله: (مقزنين) هو حال إن كانت رأي بصرية، ومفعول ثان إن كانت علمية، وفي الأصفاد متعلق به أو بمحذوف على أنه حال أو صفة له، والمقرّن من جمع في قرن، وهو بفتحتين الوثاق الذي يربط به، وقوله قرن بعضهم بالتشديد والتخفيف، وقوله بحسب مشاركتهم في العقائد أي بضم كل لمشاركه في كفره وعمله كما في المثال: إنّ الطيور على أشباهها تقع وقوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [سورة التكوير، الآية: 7] فمعناه قرنت مع نوعها زوجا زوجا وسيأتي لها تفسير آخر، وقوله أو قرنوا مع الشياطين لقوله فوربك لنحشرنهم والشياطين، وقوله مع ما اكتسبوا أي مع جزائه أو كتابه أو أعماله تجسم، وتقرن بهم كما قيل به أو هو تمثيل بأن شبه جزاء ما اكتسبته جوارحهم باقترانهم، وتلبسهم بها وذكر الأيدي، والأرجل مضمومة للرقاب وارد في الأثر فإذا ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله:) متعلق بمقرّنين (فهو ظرف لغو وهذا لكونهم مقرنين مع غيرهم وكونه حالاً مستقرّ ناظر إلى كون أيديهم، وأرجلهم قرنت برقابهم ففيه لف، ونشر. قوله: (والصفد القيد (أي الذي يوضع في الرجل، والغل بالضم هو ما في اليد، والعنق وما يضم به اليد، والرجل إلى العنق، ويسمى جامعة، وهو المذكور في الشعر فمن قال في تفسيره إنّ قوله يعض خبر زيد بعد خبر أو صفة صفادا، وحال من ضمير لاقى أي زيد يعض على ساعده تارة، وعلى ساقه أخرى ليتخلص من الوثاق فلا شاهد فيه حينئذ لم يصب إذ المراد أن الغل جمعهما جمعا مثبتا حتى كأنه يؤلمه بعض ساعده، وساقه، وزيد الخيل زيد بن مهلهل الطائي أضيف إلى الخيل لفروسيته، وهو صحابيئ رضي الله تعالى عنه " قدم على النبتي صلى الله عليه وسلم فسماه زيد الخير وقال له ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته إلا دون صفته غيرك " ومن هذا أخذ الشاعر قوله: حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأطيب مما قدرأي بصري وقد وقع للزمخشريّ، والشريف ابن الشجري فييته قصة مذكورة في طبقات النحاة. قوله:) وجاء قطران وقطران) استغنى عن ضبط قراءة العامّة التي ابتدأ بها على عادته، وهي بفتح القاف، وكسر الطاء لأنّ شهرتها قراءة ولغة تغني عن التصريح بها ثم ثنى بفتح القاف، وسكون الطاء بوزن يى محران وثلث بكسر القاف وسكون الطاء بوزن سرحان، وقوله وجاء أي في اللغة إذ لو أراد غيره لقال قرئ على عادته فلا يرد عليه أنّ الأخيرة لم يقرأ بها كما في الدر المصون، ولا ألغاز في كلامه كما قيل. قوله: (وهو ما يتحلب من الأبهل) أي يتقاطر منه كالصمغ، والأبهل بضم الهمزة، والهاء وباء ساكنة بينهما اسم شجر قيل هو العرعر وقيل غيره، والزفت نوع منه كما شاهدناه في الديار التي يصنع فيها، وقوله فتهنأ بضم التاء الفوقية، وسكون الهاء، وفتح النون وفي آخر. همزة مقصورة من الهناء كالطلاء لفظا ومعنى، ومنه المثل يضع الهناء مواضع النقب لمن يضع الشيء في محله، وهو معروف، وقوله كالقميص إشارة إلى أنّ سرابيلهم من التشبيه البليغ وقيل إنه استعارة هنا، وفيه نظر، وقوله ووحشة لونه أي قباحته، وهو استعمال عامّي يقولون فلان وحش أي قبيح كما قال بعض المتأخرين رحمه الله تعالى عليهم: ووحشة بيننما يحرّكها مرّالنوى فهي دائما وحشة وكذا ما في قوله من الهيئات الوحشة بكسر الحاء صفة منه، وأصل معنى الوحشة الانفراد، والهمّ من الوحش، وهو القفر، وقوله التفاوت بين القطرانين أي قطران الدنيا، والآخرة. قوله: (ويحتمل أن يكون تمثيلاَ لما يحيط بجوهر النفس الخ) فشبه النفس المتلبسة بالملكات الرديئة كالكفر، والجهل، والعناد والغباوة بشخص لبس ثيابا من زفت، وقطران، ووجه الشبه تحلى كل منهما بأمر قبيح مؤذ لصاحبه يستنكره عند مشاهدته، ويستعار لفظ أحدهما للآخر استعارة تمثيلية مركبة، وقوله فيجلب الخ إشارة لوجه الشبه. قوله:) وعن يعقوب) أي روي عن يعقوب رحمه الله تعالى، وهو أحد القرّاء المعروفين أنه قرأ من قطران على أنهما كلمتان منونتان أولاهما قطر بفتح القاف، وكسر الطاء كما في الدرّ المصون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 وهو النحاس مطلقا أو المذاب منه، وآن بوزن عان بمعنى شديد الحرارة كقوله: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [سورة الرحمن، الآية: 44] ويقال فيه قطر بكسر فسكون، والصفر بضم الصاد المهملة، وسكون الفاء نوع من النحاس. قوله: (والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في مقزنين) أي جملة سرابيلهم من قطران حال ثانية من المجرمين، والحال الأولى مقرّنين، وهذا إذا كان في الأصفاد متعلق بمقرّنين، وألا فهي ثالثة أو هي حال من الضمير المستتر في مقرّنين فهي حال متداخلة، وجوّز فيها أن تكون مستأنفة، وحالاً من نفس مقزنين، وكونها حالاً، وهي اسمية غير مقترنة بالواو بناء على غير مختاره أو على تأويلها بمفرد أي متسربلين، وقد أشبعنا الكلام فيه في سورة الأعراف، وما ذكرناه هو ما ذكره المعربون، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر فيه، وقيل إنه يعين أنها حال ثانية من ضمير مقرّنين، والأولى في الأصفاد أو حال ابتدائية مته، وفي الأصفاد ظرف لغو متعلق به فقوله من الضمير تنازع فيه حال، وحال. قوله: (وتتغشاها) عطف تفسير، وفي نسخة أي، وذكر وجه النص على تعذيبها لأنها لم تسجد لله، ولم تعمل الحواس في معرفتة، وقوله كما تطلع على أفئدتهم هو أحد التفاسير فيه كما سيأتي في سورة الهمزة. قوله: (يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة) يعني أنّ متعلق الجارّ، والمجرور يقدر كما ذكر، والنفس مخصوصة بالنفس المجرمة بقرينة المقام أو عامّ لأنه إذا خص المجرمين بالعقاب علم اختصاص غيرهم بالثواب مع أنّ عقاب المجرمين، وهم أعداؤهم جزاء للمطيعين أيضا كماقيل: من عاس بعد عدوّه يومافقدبلغ المنى وعلى هذا يجوز تعلقه بقوله، وبرزوا ويكون ما بينهما اعتراضاً فلا اعتراض، وأورد عليه أمران الأوّل أنه لا حاجة لما تكلفه بقوله لأنه الخ. لأنه إذا أبقى على عمومه يدخل فيه المجرمون دخولاً أوليا الثاني أنّ الظاهر أنّ فاعل برزوا ضمير المعاندين للرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو المناسب لمقام الوعيد، وهو متعين إذا فسر البروز بأنه على زعمهم كما مرّ فكيف يتعين التعميم على تعلقه به، ولا ورود لهما أمّا الأوّل فلأنّ ما قدره بقرينة ما قبله إنما هو فعل العذاب لا الجزاء مطلقا فلا بد من ذكره وأمّا الثاني فلأنّ ظاهر تفسيره السابق للبروز من القبور إنه شامل لجميع الخلائق كما صرّح به بعض المفسرين، وجعل الجملة حالية، ويجوز تعلقه بتري، وما ذكر يحتمله. قوله: (لأنه لا يشغله حساب عن حساب) فاللام للاستغراق، وقال بعض المتأخرين لأنه لا يشغله فيه تأمّل، وتتبع، ولا يمنعه حساب عن حساب حتى يستريح بعضهم عند الاشتغال بمحاسبة الآخرين فيتأخر عنهم العذاب، وبهذا التفصيل تبين إصابة هذا التذييل محزه. قوله: (إشأرة إلى القرآن أو السورة) والتذكير باعتبار الخبر وقوله أو ما فيه إشارة إلى توجيه الأفراد، والتذكير على هذا، وقوله من قوله من ابتدائية أي إلى هنا، وقوله كفاية أصل معنى البلاغ التبليغ، ويطلق على الكفاية كما هنا صرّح به الراغب. قوله: (عطف على محطوف الخ) ذكروا في إعرابه وجوهاً منها أنه معطوف على علة أخرى متعلقة بقوله بلاغ محذوفة ومنها أنّ له متعلقاً هو المعطوف، ومنها أنّ الواو زائدة، وقيل اللام لام أمر قيل، وهو حسن لولا قوله، وليذكر وتعلقه بمحذوف تكلف. قوله: (وقرئ بفتح الياء من نذر به إدّا علم به واستعدّ له) وهذه قراءة السلمي، وغيره من نذر بمعنى علم واستعد فالوا، ولم يسمع لنذر بمعنى علم مصدر فهي كعسى، وغيرها من الأفعال التي لا مصادر لها، وقيل إنهم استفنوا بأن، والفعل عن صريح المصدر، وفي القاموس نذر بالشيء كفرح علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا ونذراً ويضم، وبضمتين ونذيرا أعلمه وحذره، وقوله يحظيهم بالظاء المعجمة أي ينيلهم الحظوة، وهي قبول الفضل والمحاسن، وقوله تكميل بالنصب، وكذا ما بعده بدل من ثلاث، ومرفوع خبر الحكم، وهو بيان لما قبله من الثلاث أيضا، وتكميل الرسل عليهم الصلاة والسلام بالإنذار، واستكمالهم من قوله، وليعلموا الخ والاستصلاج من قوله، وليذكر وقوله منتهى كمالها التوحيد المراد بالتوحيد ما يتعلق بمعرفة الله مطلقاً، ولذا يسمى الكلام علم التوحيد فلا يرد عليه ما قيل إنّ التوحيد أوّل مراتب الإيمان، ومنتهاها معرفة الصفات الإلهية، والآيات المبينة في الآفاق، والأنفس. قوله: (وعن النبني صلى الله عليه وسلم الخ (هذا الحديث رواه ابن مردويه والثعلبيّ والواحدقي، وهو موضوع أيضا كما ذكره العراقي رحمه الله تعالى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 سورة الحجر بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (تسع الخ) قال الدانيّ رحمه الله تعالى لا خلاف فيها. قوله:) الإشارة إلى آيات السورة والكتاب هو السورة الخ) جعل الإشارة إلى آيات السورة وجوّز كون الإشارة إلى ما في اللوج المحفوظ منها أو إلى جميع آيات القرآن، وأمر الحروف ما مرّ، وذكر أنّ المراد بالكتاب السورة، وقيل هو اللوح، وتركه هنا لأنّ قوله المبين يقتضي خلافه، وقوله وكذا القرآن أي المراد به السورة لأنه بمعنى المقروء مطلقا الشامل للكل والجزء فلا حاجة لجعله مجازاً بإطلاق اسم الكل على الجزء، وقوله وتنكيره للتفخيم كما أن تعريف الكتاب لذلك كما أشار إليه بقوله كتابا كاملا، وبيانا غريباً، وفيه إشارة إلى التغاير بين المتعاطفين، وأنهما مقصودان بالذات فلذا عطف أحدهما على الآخر فالمقصود الوصفان، وقدم الكتاب هنا باعتبار الوجود وأخره في النمل باعتبار تعلق علمنا به لأنا إنما نعلم ثبوته في اللوح من القرآن، ووجود القراءة بعد الكتابة كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هناك، وقوله يبين الرشد من الغي يناسب إرادة السورة لأنها كذلك، والمبين من أبان المتعدّي، ويجوز أخذه من اللازم أي الظاهر معانيه أو أمر إعجازه. قوله: (حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر الخ (أمّا ودادتهم عند حلول النصر فظاهرة، وحلول الموت معطوف على نزول النصر وجوّز عطفه على عاينوا، والأوّل أقرب، ومعاينتهم عند حلول الموت أن تكشف لهم، وخامة الكفر فيعلموا منه حال أهل الإسلام حتى كأنها مشاهدة لهم، وترك كونه عند خروج العصاة من النار، وكأنه تبع الزمخشريّ فيه إذ لم يرضه بناء على مذهبه لكنه قول أكثر مفسري السلف كابن عباس، ومجاهد رضي الله تعالى عنهم، وهو مأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية روى الترمذفي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في تفسير هذه الآية قال: (إذا خرج أهل التوحيد من النار، وأدخلوا الجنة وذ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) وورد من طرق أخر. قوله: (وقرأ نافع وعاصم ربما بالتخفيف (أي بضم الراء، وفتح الباء المخففة، وغيره من الباقين بالتشديد، وما عدا القراءتين شاذ، وأشار إلى أنه اختار في النظم الضم، والتشديد لكونها قراءة اكثر، وقرئ بالتاء أيضاً في الشواذ، وقوله وفيه ثمان لغات قال في المغني إنها ست عشرة لغة ضم الراء، وفتحها مع ضم الباء وفتحها، وسكونها مع التخفيف، والتشديد في المحرك، ومع تاء التأنيث ساكنة ومتحرّكة، والتجرّد منها، وإذا ضممت إليه الاتصال بما، والتجرّد منها بلغت نيفأ وثلاثين، وقوله فيجوز دخوله على الفعل أي بعد الكف، وقبله مختصة بالأسماء كسائر حروف الجرّ. قوله: (وحقه أن يدخل الماضي الو قال على الماضي كان أحسن قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى لأنها موضوعة لتقليل محقق أو لتقليل ما تحقق كما نقل عن المبرّد فهي بالماضي أحق وأجدر، وخالف في هذا أبو حيان رحمه الله تعالى فقال تدخل عليهما لكنه في الماضي أكثر، واختاره صاحب اللب. قوله: (لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى الخ) هو جواب عن تمسك القائلين بدخولها على المضارع بهذه الآية، ولذا قيل إنّ فيه كان مقدرة أي ربما كان يودّ وهو تكلف، وحاصله أنّ المضارع في أخبار الله المستقبلة محقق كتحقق الماضي فلذا وقع في موقعه، وقيل هو مؤوّل بالماضي كقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [سورة الكهف، الآية: 99] فقال ابن هشام في المغني، وفيه تكلف لاقتضائه أنّ الفعل المستقبل عبر به عن ماضي متجوّز به عن المستقبل، وهو وارد على المفتاح، والتلخيص في نحو ولو ترى فقوله أجرى مجراه أي وقع في موقعه لا أنه متأوّل به كما يتوهم. قوله: (وقيل ما نكرة موصوفة) والجملة صفتها والعائد محذوف أي يودّه كما أنّ عود ضمير له على ما في البيت يدل على اسميتها وان احتمل كونها كافة ومن الأمر متعلق بتكره، ومن تبعيضية، والضمير لبعض أو للأمر فإنه مع أنه مناقشة في المثال خلاف الظاهر، وعلى هذا لا تكون ما خارجة عما هو حقها. قوله: (ربما الخ) وروي بدل تكره تجزه، وهو من شعر لأمية بن أبي الصلت، وقيل لحنيف بن عمير اليشكري، وقيل للبهر ابن أخت مسيلمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 الكذاب وهو: يا قليل العزاء في الأهوال وكثير الهموم والأوجال صبرالنفس عندكل مسلم إنّ في الصبرحيلة المحتال لا تضيقن بالأمور فقد ت! صثمف لأواؤها بغير احتيال ربماتجزع النفوس من الأهـ ص له فرجة كحل العقال قديصاب الجبان في آخرالصف وينجو مقارع الأبطال وأخرج ابن عساكر رحمه الله تعالى عن الأصمعي قال لما قرأ أبو عمرو رحمه الله تعالى إلا من اغترف غرفة قال له الحجاح ائتني بنظير لها من كلام العرب والا ضربت عنقك فهرب منه فبينما هو مهموم إذ سمع أعرابياً ينشد هذه الأبيات فقال له ما وراءك يا أعرابيّ قال مات الحجاج قال فلا أدري بأيهما أفرح بموت الحجاج أو بقوله فرجة لأني كنت أطلب شاهد الاختيار هذه القراءة ومنه تعلم أنّ الرواية فيه ضم الفاء. قوله: (ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودّون الإسلام الخ) جواب عن سؤال مقدّر وهو أنّ الظاهر أنّ الودادة وقعت منهم كثيراً والسؤال إنما يرد بناء على أنها موضوعة للتقليل وقيل إنها موضوعة للتكثير وقيل إنها مشتركة بينهما والمصنف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنها موضوعة للتقليل وأنّ مقتضى المقام التكثير ولكن عدل عنه لما ذكر وهو بعينه ما في الكشاف وذهب المدقق في الكشف إلى أنه من استعارة أحد الضدين للآخر للمبالغة وهي لا تختص بالتهكم والتمليح على ما يوهمه ظاهر كلام المفتاح كالمفازة للتفاؤل ثم إنه قد يختص موقعها بفائدة زائدة كما ذكر وليس استفادة ما ذكر بطريق الكناية الإيمائية كما توهم بل هو من فوائد الاستعارة على ما سيفصل في سورة التكوير وتبعه بعضهم في شرح كلام المصنف رحمه الله تعالى ورد بأنّ مراده أنّ التقليل ليس مقصودا حقيقة بل مجرّد الإخبار بوقوع الودادة وفائدة صيغة التقليل ما ذكره من النكتة وليس استعارة ولك أن تقول التقليل إنما هو بالنسبة إلى إظهار الودادة لا إلى نفس الودادة وليس بشيء لأنه لم يبين كيفية دلالته على المعاني المذكورة ولعله من قبيل الكناية الإيمائية وايضاحها ما أشار إليه في الانتصاف بقوله إنّ العرب تعبر عن المعنى بما يؤدّي عكس مقصوده كثيراً كقوله تعالى {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وقد اختلف توجيه علماء البيان لذلك فمنهم من وجهه بما ذكره الزمخشري من التنبيه بالأدنى على الأعلى ومنهم من وجهه بأنّ المقصود في ذلك الإيذان بأنّ المعنى قد بلغ الغاية حتى كاد أن يرجع إلى الضدّ وذلك شأن كل ما بلغ نهايته أن يعود إلى عكسه وقد أفصح عنه أبو الطيب بقوله: ولجدت حتى كدت تبخل حائلاَ للمنتهى ومن السروربكاء وكلا الوجهين يحمل الكلام على المبالغة بنوع من الإيقاظ إليها والعمدة في ذلك على سياق الكلام لأنه إن اقتضى تكثيراً قد خلت عنه العبارة وفيه عبارة يشعر ظاهرها بالتقليل استيقظ السامع لأنّ المراد المبالغة على إحدى الطريقتين المذكورتين وللكلام في تحقيقه محال ولعل النوبة تفضي إليه فقد تلخص منه أنه إمّ استعارة ضدية أو كناية إيمائية والوجه الآتي يبقيه على حقيقته كما ستراه ففي مثله ثلاثة أوجه وفي المطول فيه كلام لولا خوف الإطالة أوردناه وقوله فبالحريّ بالحاء المهملة وتشديد الياء كحقيق وزنا ومعنى وأن يسارعوا مبتدأ وبالحريّ خبره وهو مصدر والباء غير زائدة بل للملابسة أي المسارعة ثابتة بالوجه الحق فإن كان صفة مشبهة فالباء زائدة في المبتدأ وأن يسارعوا خبره كقولك بحسب زيد درهم كذا أعربه الطيبي رحمه الله تعالى والجملة جواب لو الشرطية لكونها بمعنى إن فلذا اقترنت بالفاء. قوله: (وقيل تدهشهم أهوال القيامة نإن كانت الخ (وفي نسخة حانت بالحاء المهملة والنون أي جاء حينها وأوانها فعلى هذا التقليل على ظاهره غير محتاج إلى التأويل. قوله: (والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك حلف بالله ليفعلن) اختار المصنف رحمه الله تعالى أن لو للتمني والكلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 فيها مبسوط في المغني، وقيل إنها مصدرية فهي في تأويل مفرد هو مفعول يوذ، وعلى الأوّل محذوت تقديره النجاة، ولا ينبغي تقدير الإسلام لأنه يصير تقديره يوذون الإسلام لو كانوا مسلمين، وهو حشو، وقيل إنها امتناعية شرطية، والجواب محذوف تقديره لفازوا، ومفعول يوذ مقدر كما مرّ وقوله، والغيبة الخ إشارة إلى ما قاله النحاة كما في البديع إنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه أحدها أن تكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كأن تقول استحلفته ليقومن الثاني أن تأتي بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له فتقول استحلفته لتقومن كأنك قلت له لتقومن الثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن، ومنه قوله تعالى {تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ} ، وأهله بالنون والتاء والياء، ولو كان تقاسموا أمراً لم يجز فيه الياء لأنه ليس بغائب انتهى. وقد سيق الكلام فيه في هذه الآية، وإذا لم يكن لو كانوا الخ. مفعولاً يقدر قبله قول أي يودّون قائلين لو كنا الخ لكته أتى بالغيبة لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقول صاحب الفرائد أنه منزل منزلة المفعول غير ظاهر إذ ليس مما يعمل في الجمل إلا أن يكون بمعنى ذكروا التمني ويجري مجرى القول على مذهب بعض النحاة، وتعليل إيثار الغيبة بقلة الحذف ليس بشيء كما في الكشف. قوله: (دعهم (تفسير لذر بمعنى ح، واترك لكنهما أميت ماضيهما في المشهور، والمراد من الأمر التخلية بينهم وبين شهواتهم إذ لم تنفعهم النصيحة، والإنذار ويفهم من كلامهم هنا أنه اً مر لهم بالأكل، والتمتع واللهو لا لتقدير لام الأ! ر قيل يأكلوأ كما ظن بل لما أفاده في الكشف من أنه جعل أكلهم، وتمتعهم الغاية المطلوبة من الأمر بالتخلية، والغايات المطلوبة إن صح تعلق الأمر بها كانت مأمورا بها بنفس الأمر وأبلغ من صريحه فإذا فلت لازم سدة العالم لتتعلم منه ما ينجيك في الآخرة كان أبلغ من قولك لازم، وتعلم لأنك جعلت الأمر وسيلة للثاني فهو أشدّ مطلوبية، وان لم يصح جعلت مأمورا بها مجازاً كأسلم تدخل الجنة، وما نحن فيه لما جعل غاية للأمر على التجوّز صار مأمورا به على ما أرشدت إليه، وهذا من نفائسه وكم مثله فيه جزاه الله خيراً وقوله ويشغلهم بالجزم عطف على جوإب الأمر وقوله سوء صنيعهم إشارة إلى تقدير مفعوله، وقوله والغرض أي الحكمة فيه المشابهة للغرض لأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض كما مرّ غير مرّة. وارعواؤهم بمعنى انزجارهم، وانكفافهم عن القبيح. قوله:) وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان الخ (إشارة إلى أنّ الأمر ليس على حقيقته بل للتخلية بينهم، وبين ما هم عليه لأنهم مخذولون مأيوس منهم والزام الحجة لأنّ من أنذر فقد أعذر، وقوله أجل مقدّر إشارة إلى أنّ الكتاب بمعنى لأجل المكتوب، ولذا قال بعده ما تسبق من أمّة أجلها دون كتابها. قوله: (والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية الخ) اختلف في إعراب هذا، ونحوه فمنهم من أعربه حالاً، ولا يلزم تقدمها لكون صاحبها نكرة لأنها واقعة بعد النفي وهو مسوغ لمجيء الحال منها لأنه في معنى الوصف، ولأن التفريغ يقع في الحال عند أهل العربية، وأمّا في الصفة فذهب أكثرهم إلى منعه، وإلى هذا ذهب أكثر النحويين، وأهل المعاني، وذهب الزمخشري، وأبو البقاء، وتبعهم المصنف رحمه الله تعالى إلى أنّ هذه الجملة صفة، وأنها يجوز أن تقترن بالواو كالحال لأنها في معناها فتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وقال أبو حيان رحمه الله تعالى أنه لم يسبقه إليه أحد من النحويين حتى جعله السكاكيئ سهوا منه، وليس كما قال: فإنه كما في الدرّ المصون سبقه إليه ابن جنيّ، وناهيك به من مقتدى بل جعله في الكشف مذهب الكوفيين فإنهم يجوّزون زيادة الواو مطلقاً ويؤيده أنّ ابن أبي عبلة قرأ بإسقاطها، وقوله إلا لها منذرون الخ منذرون إمّا فاعل الظرف أو مبتدأ مؤخر، وعلى الأوّل لا يقترن بالواو، ومثل بعضهم له بهذه الآية، وهو سهو منه. قوله: (من امّة أجلها) من مزيدة في سياق النفي، وقد روعي في ضمير أقة لفظها أوّلاً في قوله أجلها ثم روعي معناها لأنها في معنى الجمع، وضمير أمّة في لفظ يستأخرون. قوله:) نادوا به النبتيءلجي! ر على التهكم الخ الأنهم لا يعتقدون إنزال الذكر عليه فإذا كان النداء منهم فلا بد من حمله على التهكم، وأمّا إذا كان من كلام الله تعالى تبرئة له عما نسبوه إليه من أوّل الأمر لم يكن تهكما لكنه قيل إنه لا يناسب قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 إنا نحن نزلنا الذكر فإنه رذ لإنكارهم، واستهزائهم ىلمجب! ، ولعل من يراه يجعل الاستهزاء من قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [سورة الحجر، الآية: 6] لا من هذا فتأمل. قوله: (والمعنى أنك لتقول قول المجانين (إشارة إلى أن تشبيهه بما ذكر لأجل قوله المذكور لا لما يظهر عليه من شبه الغشي حين ينزل عليه الوحي لأنّ هذا هو المناسب للمقام وقوله لمعنيين أي على طريق البدل لا معا، والمعنى لأحد معنيين، وقد بينا في النحو. قوله: (بالياء ونصب الملائكة على أن الضمير لله) وفي نسخة بالياء مسنداً إلى ضمير اسم الله فاسم مقحم كما في قوله: {إِلَى الْحَوْلِ} [سورة البقرة، الآية: 240] ثم اسم السلام عليكما وأورد عليه أنّ قراءة الياء لم يقرأ بها أحد من العشرة، ولم توجد في الشواذ أيضا والمصنف رحمه الله تعالى بنى تفسيره عليها، وحكى قراءة السبعة بصيغة التمريض، وفوله تنزل الخ أي أصله تتنزل بتاءين، ورفع الملائكة فحذفت إحداهما تخفيفاً، وفي نسخة بمعنى نزل أي بمعنى الثلاثيّ ولو حمل على ظاهره كان أولى. قوله: (1 لا تنزيلاَ ملتبساً بالحق الخ) يعني أنّ الباء للملابسة، والجار والمجرور صفة مصدر محذوف مستثنى استثناء مفرغا، وجوّز فيه الحالية من الفاعل، والمفعول وفسير الحق بمقتضى الحكمة، وهو أن لا يشاهدوا ليكون إيمانا بالغيب، وقوله فإنه لا يزيدكم إلا لبساً أي كونهم يشاهدونه بصورة البشر لأنّ البشر لا يقوى على رؤية الملك بصورته فإن تمثل بشراً التبس عليهم أيضا كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 9] وعدل عن قوله في الكشاف ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا تشاهدونهم، ويشهدون لكم بصدق النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار لأنّ ما ذكره أوفق بالآية الأخرى وما ذكره الزمخشريّ مبنيّ على النزول بصورهم الحقيقية، وهذا على التمثيل بالصورة البشرية، ولا منافاة بينهما، وفي وجه الحكمة إشارة إليه على ما قرّرناه فليس في كلامه ردّ عليه كما توهم. قوله: (ولا في معاجلتكم) معطوف على قوله في أن تأتيكم، وهذا ناظر لقوله للعقاب كما أنّ الذي قبله ناظر لقوله فيكون معه نذيراً وهذا مما زاده على الكشاف كما أنّ الوجهين المذكورين بقيل ناظران لهما على اللف، والنشر أيضاً. قوله: (جواب لهم وجزاءا لأنّ وضعها لذلك، وبين كونها جزاء بتقدير الشرط لأنها ظاهرة في جواب طلب نزول الملائكة التسليمي ومعنى الأنظار إمهالهم، وتأخير عذابهم. قوله: (ولذلك كده من وجوه) هي أنّ، والجملة الاسمية، وتقديم الضمير ويزيده قوّة ضممير العظمة، وقوله والنقص أي نقص الكلمات لا السور فإنه لا يخل بالإعجاز كما لا يخفى وقوله أو نفي تطرّق الخلل الخ عطف على ما قبله بحسب المعنى أي حفظ بنفي التحريف الخ أو نفي تطرق الخلل الخ والفرق بين الوجهين أنّ الأوّل بالنظر إلى أوائل نزوله، وهذا إلى أواخره، والأوّل ناشئ من الإعجاز وهذا ناشئ من كونه ليس من كلام البشر كما أشار إليه بقوله بأنه المنزل له، وقوله أن يطعن فيه أي طعنا معتدّا به مسلما، ويحتمل حفظه مما يشينه من تناقض، واختلاف لا يخلو منه الكلام المفتري كقوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [سورة النساء، الآية: 82] وفي قوله بأنه المنزل له إشارة إلى أنّ الجملة الثانية مقرّرة للأولى لأنها كالدليل عليها لكن لتضمنها معنى زائداً عطفت عليها فتدبر، وكون الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم خلاف الظاهر فلذا مرضه. قوله: (في شيع الأوّلين (أي شيع الأمم الأوّلين، وقيل إنه من إضافة الصفة للموصوف، وقوله من شاعه أي هو مأخوذ من المتعدّي لأنه الذي يدلّ على التبعية وأمّا شاع الحديث اللازم فهو بمعنى انتشر واشتهر، والشياع بكسر الشين، وفتحها صغار الحطب فالشيعة بمعنى الاتباع أو الأعوان مأخوذ منه هنا لأنهم في الأصل أصغر ممن يتبعونه أو يعينونه فمن قال الاشتقاق من الشياع لا يناسب أحد المعنيين لم يأت بشيء، واطلاقه على الفرقة المتفقة لأن بعضهم يشايع بعضا، ويتابعه. قوله: (والمعنى نبأنا رجالاً فيهم وجعلناهم رسلاَ فيما بينهم) أشار بقوله نبأنا إلى أن المراد بالرسل عليهم الصلاة والسلام المعنى العامّ الشامل للأنبياء غير الرسل فإنه يطلق على ذلك، وفيه أيضا بيان لمفعوله المقدّر، وقيل إنه توجيه لتعدي الإرسال بفي والأصل تعديه بإلى بتوجيهين الأوّل تضمينه معنى التنبئة، والثاني تضمينه معنى الجعل قالوا وبمعنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 أو ويجوز أن يكون الثاني تفسيراً للأوّل، ولا يخفى ما فيه فإنّ من في الظرفية تتعلق بكل فعل من غير حاجة إلى التضمين فإن أراد التعدية بها فلا وجه له لأنّ أنبأ يتعدى بالباء، وإنما هذا صفة للمفعول المقدّر أو حال ولا وجه لجعل الواو بمعنى أو فإنه تكلف لا داعي له، وقيل إنه بيان لأنه عدل عن إلى إلى في للأعلام بمزيد التمكن فيهم فدل قوله نبأناه فيهم على معنى أعطيناه المعجزة، وقوله وجعلنا. رسولاً فيما بينهم على معنى صيرناه صاحب كتاب وشريعة، ولا يخفى ما فيه أيضا فتدبر. قوله: (وما للحال الخ) هذا بناء على ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنها مع المضارع لنفي الحال، ومع الماضي لنفي الماضي القريب من الحال، وهو أكثريّ لا كليّ فإنها جاءت لنفي المضارع في المستقبل كقوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} [سورة يونس، الآية: 5 ا] فما نحن فيه من القسم الأوّل بالتأويل المذكور، وقوله والسلك بفتح السين مصدر بمعنى الإدخال، والمخيط بكسر الميم آلة الخياطة، ويقال سلك السنان في المطعون وعدّه في الأساس من الحقيقة، وقوله والضمير للاستهزاء أي ضمير نسلكه المفعول وأرجعه إليه لقربه، وقوله كالخيط مثال للشيء، وقيل تقديره كإدخال الخيط، ولا حاجة إليه. قوله: (وفيه دليل على أنه تعالى الخ) هذا ردّ على المعتزلة في قولهم أنه قبيح فلا يصدر عنه تعالى، ولكن مع الاحتمال لا يخفى حال الاستدلال كما مرّ، ولذلك أيد ما ارتضاه الزمخشريّ من الوجه الثاني بما سيأتي الكلام عليه. قوله:) فإنّ الضمير الآخر في قوله لا يؤمنون به له (أي الضمير المجرور للذكر، وهدّه الجملة حال من الضمير الذي هو مفعول نسلكه فيتعين كونه للذكر، ولا يصح كونه للاستهزاء وقوله مثل ذلك السلك إشارة إلى أنّ المشار إليه مصدر الفعل المذكور كما مرّ تحقيقه في البقرة، وكذلك صفة مصدر محذوف في محل نصب أو خبر مبتدأ في محل رفع ونسلكه جملة مستأنفة، وقوله مكذباً بيان لمعنى الحالية، وتوضيح لها، والمراد أنّ الإلقاء وقع بعده التكذيب من غير توقف فهما في زمان واحد عرفا فلا حاجة إلى القول بأنها حال مقدرة كما ذكره صاحب الكشف، وما ذكره من الحالية غير متعين لاحتمال الاستئناف، واعترض على هذا بوجهين الأوّل أنّ نون العظمة لا تناسب إرجاع الضمير للذكر فإنها إنما تحسن إذا كان فعل المعظم نفسه فعلاً ظهر له أثر قويّ، وليس كذلك هنا فإنه تدافع وتنازع فيه، وأجيب بأنّ المقام إذا كان للتوبيخ يحسن ذلك لأنّ العظمة قد تكون باعتبار اللطف، والإحسان، ولا يجب كونها باعتبار القهر والغلبة،. ولا يخفى أنه باعتبار القهر، والغلبة يقتضي أنه يؤثر ذلك في قلوبهم، وليس كذلك لعدم إيمانهم به وكذا باعتبار اللطف، والإحسان يقتضي أن يكون سلكه في قلوبهم إنعاماً عليهم، وإذا لم يؤمنوا به فأيّ إنعام عليهم بما يقتضي الغضب فلا وجه لما ذكر الثاني أنّ ضمير به لا يتعين عوده على الذكر حتى يلتزم إرجاع الأوّل إليه أيضا لأنّ الأصل توافق الضمائر فيما ترجع إليه لجواز أن يكون للاستهزاء أيضاً والباء للسببية، وإنما يتعين لو كانت الباء صلة يؤمنون، ولا يخفى ركاكته وبعده يغني عن رذه، وقوله إذ لا يلزم الخ القائل لا يدعي لزومه بل أنه أولى، وهو لا يمكن إنكاره فلا يعدل عنه لغير مقتض، وقوله أو بيان للجملة المتضمنة له أي للذكر أو لهذا المعنى فكأنه قيل أي لا يؤمنون به. قوله: (لجواز أن تكون حالاً من المجرمين) أي لا يلزم كونها حالاً من الضمير حتى يتعين عوده على الذكر قيل، وهذا لا يضرّ القائل إذ المعنى نسلك الذكر في قلوب المجرمين في تلك الحال، وبه يحصل توافق الضميرين أيضاً، ولا يخفى أنه ادّعى تعين عوده على الذكر لكونها حالاً منه فإذا لم تتعين الحالية لا يتعين ما ادّعاه وهذا في غاية الظهور، وكونه من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه، ولم يجعله من القلوب لعدم العائد إليها فمن قال الأولى جعله حالاً من القلوب لم يصب. قوله: (ولا ينافي كونها مفسرة) أي عود الضمير على الاستهزاء لا ينافي كون هذه الجملة مبينة، ومفسرة لها إذ عدم الإيمان بالذكر أنسب بتمكن الاستهزاء في قلوبهم، وكون القائل مراده بيان الإعراب لا دعوى المنافاة غير ظاهر من سياقه في صدد الاستدلال. قوله: (أي سنة الله فيهم) إشارة إلى أنّ الإضافة لأدنى ملابسة لأنّ السنة بمعنى العادة ليست لهم لا أنّ الإضافة على معنى في، وقوله بأن خذلهم، وسلك الكفر في قلوبهم الخ هذا ناظر إلى عود ضمير نسلكه إلى الاستهزاء لأنّ الاستهزاء كفر، وقدمه لأنه تفسير أهل السنة، وقوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 أو بإهلاك الخ جار على التفسيرين يعني المراد بسنة الله في الأوّلين إهلاك المكذبين منهم، وهو وان لم يسبق له ذكر لكن السياق منبئ عته، ولذا قدم الأوّل لأنّ ما قبله دال عليه، وعلى التفسير الأوّل هو تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني وعيد لأهل مكة لأنه إذا أهلك هؤلاء لكفرهم دل على أنّ هؤلاء على شرف الهلاك. قوله: (يصعدون إليها ويرون عجائبها الخ) فالضمير للكفرة، وقوله طول نهارهم من قوله ظلوا لأنه يقال ظل يعمل كذا إذا فعله في النهار حيث يكون للشخص ظل، وأمّا وروده بمعنى صار فعلى خلاف الأصل ومعنى مستوضحين يرونه واضحا ظاهراً لكونه نهاراً، وقوله أو تصعد الملائكة فضمير ظلوا، ويعرجون للملائكة، وقوله وهم يشاهدونهم أي يشاهدون صعود الملائكة من عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى السماء، ومشاهدتهم لهم لفرض وقوعها نهارا كما مرّ، وتشكيكهم إيقاع غيرهم في الشك. قوله: (سدّت عن الأبصار بالسحر الخ (قال الراغب السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل في الشراب المسكر، وقد يكون من الغضب، والعشق قال الشاعر: سكران سكر هوى وسكرمدامة أنى يفيق فتى به سكران والسكر بفتحتين ما يسكر، والسكر بالسكون حب! الماء بالسد، والسكر بالكسر الموضع المسدود، ولذا يطلق على الجسر فسكرت هنا قيل إنه من السكر بالضم، وقيل من السكر بالكسر والفتح، وقال ابن السيد السكر بالفتح سد الباب، والنهر وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال الرفاء رحمه الله تعالى: غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير فقوله ب! دت الخ إشارة إلى القول بأنه من السكر بالفتح، والكسر بمعنى السد بالمعنيين بيان للاشتقاق أي سدت أبصارنا بسحر النبيّ صلى الله عليه وسلم على زعمهم، وقوله عن الأبصار بكسر الهمزة متعلق بسدت أي منعت من الأبصار حقيقة، وما نراه تخيل لا حقيقة له، وقوله ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أي والباقون بالتشديد، ووجه الدلالة عليه أنّ سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد، وقوله أو حيرت بالبناء للمجهول إشارة إلى القول الثاني بأنه من السكر ضد الصحو، والتشديد فيه للتعدية لأنّ سكر لازم في الأشهر وقد حكي تعديه فيكون للتكثير، والمبالغة، ووجه دلالة قراءة سكرت كفرحت عليه أنّ الثلاثيّ اللازم مشهور فيه، ولأنّ سكر بمعنى سدّ المعروف فيه فتح الكاف، وعلى هذا فسكرت أبصارنا استعارة، وأمّا على الأوّل فالظاهر أنه حقيقة، وقيل إنه استعارة أيضاً. قوله: (قد سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك) أي بسكر أبصارنا أو بما نراه فالباء للسببية أو للملابسة. قوله: (وفي كلمتي الحصر والإضراب الخ) بين الزمخشريّ الحصر بقوله يبتون القول بأنّ ذلك ليس إلا تسكيرا وتبعه بعض المتأخرين، وأورد عليه العلامة أنّ إنما تفيد الحصر في المذكور آخراً فيكون الحصر في الأبصار لا في التسكير فكأنهم قالوا سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن، وان تخيلنا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا إنّ الحال بخلافه، ثم أضربوا عن الحصر في الأبصار وقالوا بل تجاوز ذلك إلى عقولنا، وكذا قال الإمام أيضاً: وهذا مبنيّ على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم، وخلافه ممتنع، وقد قال المحقق في شرح التلخيص إنه يجوز إذا كان نفس التقديم مفيداً للقصر كما في قولنا إنما زيدا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد قال أبو الطيب: أساميالم تزده معرفة وإنما لذة ذكرناها أي ما ذكرناها إلا للذة، وأجاب بأنّ الكلام فيما إذا كان القصر مستفاداً من إنما، وهذا ليس كذلك وجوابه غير مسلم فإنه قال في عروس الأفراح إنّ هذا الحكم غير مسلم فإنّ قولك إنما قصت معناه لم يقع إلا القيام فهو لحصر الفعل، وليس بأخير، ولو قصد حصر الفاعل لانفصل، ثم أورد أمثلة متعدّدة من كلام المفسرين تدل على خلاف ما قاله أهل المعاني في هذه المسألة فالظاهر أنّ الزمخشري لا يرى ما قالوه مطرداً، وهم قد غفلوا عن مراده هنا، وقيل إنه يجوز أن يعتبر الحصر بعد اعتبار إسناد التسكير إلى الأبصار فيكون من قبيل قصر الموصوف على الصفة قصراً إضافيا أي الواقع تسكير أبصارنا لا أنه كذلك حقيقة، وهذا لا محصل له، ومعنى الإضراب جعل الأوّل في حكم المسكوت عنه دون النفي، ويحتمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 الثاني فالإضراب لأنّ هذا ليس بواقع في نفس الأمر بل بطريق السحر، أو هو باعتبار ما تفيده الجملة من الاستمرار الذي دلت عليه الاسمية أي مسحوريتنا لا تختص بهذه الحالة بل نحن مستمرّون عليها في كل ما يرينا من الآيات، وقوله على البت بالتاء المثناة الفوقية أي القطع، وغير ما في الكشاف لما سمعته. قوله:) اثني عشر مختلفة الهيئات الخ) يعني الحمل وما بعده، واختلاف الخواص لاختصاص بعضها بالربيع، وبعضها بالصيف، وبعضها بالخريف، وبعضها بالشتاء، وتفاوت الهواء حرارة، وبرودة، ونحوه وقوله مع بساطة السماء أي كونها متماثلة في الصورة، والحقيقة، واختلاف الخواص مع التماثل يدل على خالق قدير حكيم، وتفسير البروج بما ذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المشهور وسيأتي في سورة البروج تفسيرها بالكواكب العظام، وما دل عليه الرصد راجع إلى الهيئات، والتجربة راجع إلى الخواص والرصد بمعناه المعروف عند أهل الهيئة، وبساطتها مما اتفق عليه الحكماء، وأصحاب الرياضات. قوله: (بالأشكال والهيئات البهية) جعل الضمير راجعا إلى السماء لئلا تنتشر الضمائر، وقيل إنه للبروج، وقوله المعتبرين جعل النظر بمعنى الأبصار لأنه المناسب للتزيين، ثم أشار إلى أنه كناية عن الاعتبار، والاستدلال بالأثر على المؤثر ومنهم من فسره بالمستدلين، ويناسبه ما وقع في بعض النسخ للمعتبرين باللام الجارة، ولو أسقط قوله يوسوس أهلها، ويتصرّف في أمرها كان أولى. قوله: (بدل من كل شيطان) أي بدل بعض من كل فإن قلت لا بد مع بدل البعض من ضمير يربطه، والبدل يشارك المبدل منه في معنى العامل، وهما هنا مختلفان نفيا، واثباتاً قلت أجاب عن هذا أهل العربية بأن إلا رابطة، وإذا ظهر الربط استغني عن الضمير، وبأن اختلاف التابع، والمتبوع بما ذكر لا ينافي التبعية كما في مررت برجل لا ظريف، ثم إنه اعترض على البدلية بأنها يشترط فيها أن تكون في كلام غير موجب، وهذا مثبت، ودفع بأنه في تأويل المنفي كما أشار إليه المصنف رحمه الله بتفسير حفظنا بلا يقدرون، وأورد عليه أمران الأوّل أنّ تأويل المثبت بالمنفي في غير أبي ومتصرفاته غيره مقيس، ولا حسن فلا يقال مات القوم إلا زيد بمعنى لم يعيشوا، وقد يدفع بأنّ المصنف رحمه الله تعالى لا يسلم ذلك، ويدل عليه قول النحاة بعد نفي صريح أو مؤوّل مع أنّ المصنف رحمه الله مسبوق به فالعهدة فيه على قائله الثاني أنه على هذا يكون الاستثناء متصلاً فيقتضي أنهم أي المسترقين يوسوسون لأهلها ويتصرفون فيها، وتقدير حفظناها من قرب كل شيطان كما قيل لا يطابق كلام المصنف رحمه الله فالوجه جعله استثناء منقطعا، وقد يدفع بأنه يكفي للاتصال دخوله في كل شيطان، وكونه غير محفوظ عنه في الجملة كما يشهد له تفسير الاستراق، والتصريح بالخطفة في آية أخرى على أنّ الواو في قوله ويوسوس وما بعده بمعنى أو فتأمل. قوله:) واستراق السمع اختلاسه سرا الخ) وهو المراد بالخطفة في الآية الأخرى وقوله شبه إشارة إلى أنه استعارة، وقطان جمع قاطن، وهو الساكن والمراد باً لسمع المسموع، وقوله لما بينهم من المناسبة في الجوهر أي في جشسه لا نوعه لأنّ الملائكة عليهم الصلاة والسلام من نور، والشياطين من نار على ما حققه المصنف رحمه الله في سورة البقرة ولاختلاف النوع لا يقدرون على الاستماع، وتلقي الوحي، وإنما يخطفون خطفات يخلطون فيها فلا ينافي هذا قوله تعالى {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} في الشعراء، وقول المصنف رحمه الله هناك أنّ السمع مشروط بمشاركتهم في صفات الذات، وقبول فيضان الحق، والانتقاس بالصور الملكوتية، ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك، وأمّا كون المراد بالسمع ثمة سمع القرآن، وهو مشروط بما ذكر فلا حاجة إليه لا! الشرط المذكور ينافيه، وقوله هنا الجوهر، وثمة صفات الذات صريح فيما قرّرناه لكن الكلام في أنّ الاستراق يقتضي مناسبة الجواهر، والسمع التامّ يقتضي المشاركة المذكورة فإنه لا يتمشى على أصول الشرع، وكأنها من همزات الفلاسفة، وأما كون تلقيهم ما ذكر من الأوضاع الفلكية فمخالف لصريح النظم والأحاديث مع أنه يقتضي أن يكون قطان السماء بمعنى الكواكب، وشموله لشياطين الأنس من المنجمين. قوله: (ولا يقإج فيه تكونها قبل المولد (أي لا يقدح في كلام ابن عباس رضي الله عنهما بكون الشهب قبل مولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ومشاهدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 انقضاضها لأنه يجوز أن يكون لأسباب أخر، وهو دفع لما قاله بعض الطاعنين في التنزيل. قوله: (وقيل الاستثناء منقطع الخ) فمن في محل رفع بالابتداء، وخبره جملة فأتبعه الخ، ودخول الفاء لأن من إمّا شرطية أو موصولة مشبهة بها كما قاله أبو البقاء رحمه الله وعلى إلاتصال فهي عاطفة، وقيل عليه إنّ الإبدال يقتضي التجانس، والانقطاع يقتضي خلافه فبينهما تناف وردّ بأن إثبات حكم آخر لبعض المستثنى منه من غير إخراجه عن الحكم السابق انقطاع في الاستثناء فقوله، والانقطاع يقتضي خلافه غير مسلم. قوله: (فأتبعه فتبعه) فليست الهمزة فيه للتعدية، والشهاب من الشهبة، وهي بياض مختلط بسواد وليست البياض الصافي كما يغلط فيه العامة فيقولون فرس أشهب كالقرطاس، وقوله ولحقه يشير إلى أن أتبعه أخص من تبعه قال الجوهريّ رحمه الله تبعت القوم تبعا، وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، وقال الأخفش رحمه الله أنّ تبعه، وأتبعه بمعنى كردفته، وأردفته، والمصنف رحمف الله تعالى مشى على الفرق بينهما، وهو أحسن. قوله: (ظاهر للمبصرين) إشارة إلى أنه من أبان بمعنى ظهر اللازم، وقوله وقد يطلق للكوكب أي يستعمل له، ولذا عداه باللام دون على، وقوله في الأرض، وهي إمّا شاملة للجبال لأنها تعد من الأرض أو خاصة بغيرها لأنّ أكثر النبات وأحسنه فيها، وقوله أو فيها، وفي الجبال أي فالضمير إما لما قبله مطلقاً بالتأويل، وامّا عائد على الأرض! بمعنى ما يقابل السماء على طريق الاستخدام، وأمّا عوده على الرواسي لقربها، والمراد بالإنبات إخراج المعادن فبعيد. قوله: (مقدّر بمقدار معين) فهو مجاز مستعمل في لازم معناه أو كناية أو من استعمال المقيد في المطلق، وأمّا إذا كان بمعنى مستحسن فهو مجاز عما يوزن من الجواهر، وقد ذكر الشريف الرضي في الدرر إنّ العرب استعملته بهذا المعنى كقول عمرو بن أبي ربيعة: وحديث ألذه وهو مما تشتهيه النفوس يوزن وزنا وهو شائع في كلام العجم، وتبعهم المولدون كثيرا فيقولون قوام موزون أي معتدل، وقد علمت أنه سمع من العرب، وقوله أوله وزن أي قدر ووقع فتجوّز بالوزن كما تجوز بالقدر، وقوله أو ما يوزن، ويقدر هو إمّا مجاز كما مر فعطف قوله، ويقدر تفسيري، والفرق بينه، وبين الأوّل أنّ تقدير الأوّل جعله على مقدار تقتضيه الحكمة، وفي هذا جعله على مقدار يقدره الناس، وقيل إنه حقيقة، وإنه مناسب لكون الضمير للجبال، وإنّ قوله له وزن معناه أنّ له قدرا واعتبارا. قوله: (على التشبيه بشمائل) هي رواية للأعرج وخارجة عن نافع يعني أنّ الياء فيه عين الكلمة، والقياس في مثله أن لا تبدل منه همزة لأنها إنما تبدل من الياء الزائدة كياء شمائل، وخبائث لكنها لمشابهتها لها في وقوعها بعد مدة زائدة في الجمع عوملت معاملتها على خلاف القياس. قوله: (عطف على معايش أو على محل لكم الخ الا على المجرور لأنه بدون إعادة الجار شاذ، وقوله ويريد الخ أي المراد بمن الخدم، والعيال، وذكر بهذا العنوان لظن بعض الجهلة أنهم يرتزقون منهم أو الامتنان بأنه استخدامهم من تكفل بنفقته، وقوله وفذلكة الآية أي محصلها واجمالها، والاستدلال خبره، وعلى كمال قدرته متعلق به، والامتنان معطوف عليه، وقوله ممدودة لا ينافي كريتها كما مر واختلاف الشكل، والأجزاء مستفاده من جعل الرواسي فيها، وأنواع النبات من قوله، وأنبتنا فيها والحيوان مأخوذ من قوله معايش، ومن مدلول الكلام، وتناهي حكمته بلوغها النهاية، والغاية فيها. قوله: (أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه) يشير إلى أنّ أن نافية، والخزائن جمع خزانة، ولا تفتح، وهي اسم المكان الذي يخزن فيه الشيء، ويحفظ شبه اقتداره على كل شيء، وايجاده بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدّة لإخراج ما يشاء منها وما يخرجه إلا بقدر معلوم فهو استعارة تمثيلية قيل، والأنسب أنه مثل لعلمه بكل معلوم، وأنه لم يوجد شيء منها إلا بقدر معلوم، ووجهه أنه يبقى شيء على عمومه لشموله الممكن، والواجب بخلاف القدرة، ولأنّ عند أنسب بالعلم لأنّ المقدور ليس عنده إلا بعد الوجود، وقيل عليه إنّ كون المقدورات في خزائن القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، والفاء في قوله فضرب تفسيرية كما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 في قوله: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} [سورة هود، الآية: 45] فقال الخ وهو تفسير لقوله بالغ لما في التمثيل من المبالغة كما بينه، وقوله ما من شيء أي من الأنواع أو الإفراد التي لم تخلق، وعممه ليكون كالدليل على ما قبله، وخصصه الزمخشريّ بما ينتفع به بقرينة السياق، وهو من الاستعارة التمثيلية على الأوّل، ومن المكنية، والتخييلية على الثاني. قوله: (من يفاع القدرة (بفتح الياء بمعنى المرتفع ضد الحضيض، وهو استعاوة لعظمة قدرته أو هو كلجين الماء فالمراد بالتنزيل الإيجاد، والإنشاء. قوله: (حدّه الحكمة) بلفظ الماضي أي جعلت له حذاً، وقوله لا بد له من مخصص حكيم إشارة إلى كون الآية دليلاً على الألوهية. قوله: (حوامل شبه الريح الخ) يعني أنه جمع لاقح بمعنى حامل يقال ناقة لاقح بمعنى حامل فهو من التشبيه البليغ شبهت الريح التي تأتي بالسحب الماطرة بالناقة الحامل لأنها حاملة للسحاب الماطر أو للماء الذي فيه، وقال الفراء: إنها جمع لاقح على النسب كلابن، وتامر أي ذات لقاح، وحمل وهي التي تجيء بالسحب الممطرة، ويقال لضدّها ريح عقيم. قوله: (أو ملقحات للشجر أو السحاب) عطف على قوله حوامل، وهو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه قيها لتحمل فاستعير لصب المطر في السحاب أو الشجر، وإسناده إليها على الأوّل حقيقة، وعلى الثاني مجاز إذ الملقي في الشجر السحاب لا الريح، وهو حينئذ جمع ملقح بحذف الزوائد كالطوائح أو هو جمع لاقح على النسب أو هو مجاز وكلام المصنف رحمه الله تعالى صريح في الأوّل، ولقح الشجر تنميته ليثمر، ويزهو أو أن يجري الماء فيه. قوله: (ومختبط مما تطيح الطوائح) صدره: ليبك يزيد ضارع لخصومة وهو من شعر في رثاء يزيد النهشلي واختلف في قائله فقيل لبيد وقيل نهشل بن حرب، وقيل الحرث بن نهيك النهشلي، وقيل الحرث بن ضرار النهشلي، وقيل مزرد كما في شرح أبيات الكتاب، والمختبط طالب العرف المحتاج، وأصله من تخبط ورق الأشجار لتأكلها الدواب، وإنما يفعل ذلك في الجدب، وشدّة الاحتياج، وتطيح بمعنى ترمي، والطوائح جمع المطيحة بمعنى السنين أو الجوائح الرامية له أو جمع طائحة على التجوّز، وقوله على تأويل الجنس الخ أي أنها وإن كانت مفردة على هذه القراءة لكن دخول الألف، واللام الجنسية عليها صيرها في معنى الجمع فلذا صح جعل لواقح حالاً منها فالمعنى جنس الريح نحو أهلك الناس الدينار الصغر فإن قلت هذه القراءة تخالف ما قالوه في حديث اللهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحا من أنّ الرياج تستعمل للخير، والريح للشرّ قلت هذا ليس من الوضع، وإنما هو من الاستعمال، وهو أمر أغلبيّ لا كليّ فقد استعملت الريح في الخير أيضا نحو قوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [سورة يونس، الآية: 22] أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة والحال، وأمّا كون المراد به الدعاء بطول العمر ليرى رياحا كثيرة فلا وجه له، وقوله سقيا كبشرى بمعنى تسقي به الأراضي، والمواشي فليس أسقاه بمعنى سقاه، وان ورد بهذا المعنى أيضاً. قوله: (قادرين متمكنين من إخراجه) أي من العدم لأن الخزن اتخاذ الخزائن، وهو يستعار للقدرة كما مرّ وأشار إليه بقوله نفي عنهم ما أثبته لنفسه أي في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} أو في قوله وأنزلنا الخ ووجه دلالته على إثباته لنفسه هنا كما صرّح به أوّلاً أنه من باب، وما أنت علينا بعزيز فيفيد تقديمه القصر ولا حاجة إليه مع دلالة ما مرّ، وهذا على الحصر فيه. قوله: (أو حافظين في الندران) فالخزن مجاز عن مطلق الحفظ في مجاريه مع أنه لو خلي وطبعه لفار، وقوله وذلك أي الحفظ فيما ذكر، وقوله أيضا أي كإنزاله من السماء أو إيجاده، وقوله كما تدلّ حركة الهواء يشير إليه قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ} الخ، وقوله فإنّ طبيعة الماء الخ. بيان لدلالة حفظ الماء على ما ذكر، وقوله دون حده أي حد الغور أو حد الماء وطبعه، والغور ذهاب الماء في الأرض!. قوله: (وقد أوّل الحياة بما يعم الخ) فهو من عموم المجاز بمعنى يعطي لكل شيء قوّة النماء ونحوه، وقوله وتكرير الضمير أي في قوله نحن نحي، ونحن الوارثون قيل إنه جعل الضمير للفصل، وهو يفيد القصر، وقد رذه أبو البقاء رحمه الله تعالى بوجهين أحدهما أنه لا يدخل على الخبر الفعلي، وأنّ اللام لا تدخل عليه قال في الدرّ المصون والثاني غلط فإنه ورد دخولها عليه كقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [سورة آل عمران، الآية: 62] وهذا مبنيّ على مذهب الجرجاني، وبعض النحاة إذ جوزوا دخوله على المضارع كقوله: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [سورة البروج، الآية: 13] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 والعجب من أبي البقاء فإنه ردّه هنا وجوّزه في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [سورة فاطر، الآية: 0 ا] كما نقله في المغني. قوله: (الباقون إذا مات الخلائق كلها) فهو استعارة كما وقع في الحديث: " اجعله الوارث منا " أ1) وقوله من استقدم ولادة وموتا استقدم، واستأخر بمعنى تقدم وتأخر، ولا حاجة إلى جعل الواو بمعنى أو لأنهما معلومان له تعالى وقوله بعد أي إلى الآن. قوله: إ وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته) بما مرّ كما صرّح به في تفسير قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} وقوله فإنّ ما يدل على قدرته دليل على علمه بيان لوجه تعقيبه لأنّ القادر على كل شيء لا بدّ له من علمه بما يصنعه، وكونه بياناً لكمال علمه على هذا الوجه، وأمّا على الوجهين الأخيرين فالمعنى يجزيهم على قدر نياتهم كما أشار إليه بقوله يحشرهم لا محالة للجزاء. قوله: (وقيل رغب رسولي الله صلى الله عليه وسلم في الصف الخ) قال السيوطيئ: لم أقف عليه، وقوله: أنّ امرأة حسناء (1) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (وتوسيط الضمير للدّلالة الخ) جعل الضمير للحصر، وقد مرّ الكلام عليه، وقيل عليه إنه في مثله يكون الفعل مسلم الثبوت، والنزاع في الفاعل، وهاهنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى، وهذا في القصر الحقيقي غير مسلم كما صرّح به المطوّل. قوله: (وتصدير الجملة بأنّ لتحقيق الوعد والتنبيه الخ) كما نبه عليه بقوله لا محالة، وفائدة الإعادة بناء قوله، والتنبيه الخ. عليه والمراد بالوعد وعدهم بالحشر، والجزاء، وقوله يدل على صحة الحكم أي بالحشر، وقوله كما صرّح به أي بالدلالة على كمال قدرته، وعلمه، وذكره لأنّ تأنيث المصدر غير معتبر، وقوله أنه حكيم الخ. جملة مستأنفة لتعليل ما قبله، وباهر الحكمة أي عالم بالأشياء على ما هي عليه وفاعل لها كما ينبغي، وقوله متقن في أفعاله تأكيد له باعتبار جزء معناه. قوله: (طين يابر يصلصل) أي يصوّت إذا نقر كذا نقله في الدرّ المصون عن أبي عبيدة رحمه الله تعالى، وهو محصل ما في الكشاف وناهيك بهما إمامان في اللغة، وكذا فسره الراغب فمن قال إني لم أجده في اللغة لم يصب، واشتقاق الصلصلة كالصريح فيه. قوله: (وقيل هو من صلصل إذا أننن تضعيف صل) وصلصال بفتح أوّله، وكسره، وفي هذا ونحوه مما تكررت عينه، وفاؤه خلاف فقيل وزنه فعفع كررت الفاء، والعين ولا لام نقل عن الفرّاء رحمه الله تعالى قال في الدر المصون وهو غلط لأنّ أقل الأصول ثلاثة فاء، وعين ولام، وقيل وزنه فعفل، وهو المشهور عن الفرّاء، وقيل فعل بتشديد العين، وأصله صلل فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس الفاء، وهو مذهب الكوفيين، وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث نحو لملم، وكبكب فإنك تقول لمّ وكبّ فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو سمسم فلا خلاف في أصالة الجميع، وقال اليمني ليس معنى أنه أصله أنه زيد فيه صاد بل هو رباعي كزلزل، والاشتراك في أصل المعنى لا يقتضي أن يكون منه إذ الدليل دالّ على أنّ الفاء لا تزاد لكن زيادة الحرف تدل على زيادة المعنى. قوله: (طين تغير واسوذا لما خمرت طينته بالماء، وكون الجارّ، والمجرور صفة لوقوعه بعد النكرة، ويجوز أن يكون بدلاً من الجارّ والمجرور قبله، ومسنون صفته، ولا ضير في تقديم الصفة الغير الصريحة على الصريحة فإنه جائز، والنكتة فيه مناسبته لما قبله في أنّ كلا منهما من جنس المادّة قال الرضي إذا وصفت النكرة بمفرد، وظرف أو جملة قدم المفرد في الأغلب، وليس بواجب خلافا لبعضهم، والدليل عليه قوله، وهذا كتاب أنزلناه مبارك لكنه يحتاج إلى نكتة في كلام الله لأنه لا يعدل عن الأصل لغير مقتض، وقد بيناها. قوله: (من سنة الوجه (أي صورته، وقوله أو مصبوب أي معنى مسنون مصبوب من سنه بمعنى صبه، وقريب منه شن الماء بالمعجمة إذا وشه، وقوله لييبس بياءين مفتوحة، وساكنة وبعدهما باء موحدة، وسين من اليبس ضد الرطوبة، وقوله ويتصور بالعطف عليه، والواو لا تقتضي ترتيباً أي صبه، وهو رطب لأجل التصوير، واليبس لتثبت الصورة فيه، وفي نسخة بدل الواو أي التفسيرية، ومعناه لتبقى صورته لأنّ ما لم ييبس لا يبقى، وقيل إنه من تحريف الناسخ، والصواب ليسن، وفي أخرى أو مصبوب مصوّر، وهي ظاهرة وقوله تمثال بكسر التاء الفوقية بمعنى مثال، وفي نسخة بمثال بالباء الموحدة، وقوله طوراً بعد طور أي صار جسدا ولحما، وذا روح وخلقه من تراب سابق على كونه صلصالاً، وقوله إذا نقر صلصل أي صدم بجسم آخر سمع له صوت يشير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 إلى أنّ من في من حمأ مسنون ابتدائية فتكون ماذة سابقة على كونه صلصالاً، وليس فيه تمثيل كما توهم فإنه تخيل لا وجه له بل كناية عن كاية تجفيفه، وقوله من سننت الحجر الخ، ومنه المسن المعروف، ونتنه تغير رائحته كما نشاهده في طين الآجام، والسنين بفتح السين المتغير ريحه. قوله: (أبا الجق وقيل إبليس الخ) يعني الجانّ بمعنى الجن أو هولهم كادم للبشر، وأبو الجن إبليس كما في الدرّ المصون، وقوله لأن تشعب الجنس الخ إشارة إلى أنّ خلقهم من النار إذا كان بمعنى الجنس لا ينافي أنّ المخلوق منها إنما هو أبوهم لأنّ الخلق منها شامل لما يكون بواسطة، وبدونها فقوله من نار لا يعين التفسير الأؤل كخلق الإنسان من تراب، وطين. قوله: (من نار الحر الشديد) أراد بالحرّ الريح الحارة فإنه يطلق في العرف بهذا المعنى، وقال الإمام السموم في اللغة الريح الحارة، وهي فيها نار، وقيل سميت سموما لأنها بلطفها تنفذ في مسام البدن قيل فالأولى أن يقول المصنف من نار الريح الشديد الحر ليوافق كلام أهل اللغة، وهو تسمح سهل كما عرفت والمسام منافذ البدن، وهو جمع لا واحد له، وهو إشارة لاشتقاقه. قوله: (ولا يمتنع خلق الحياة في الإجرام البسيطة الخ) جواب عما يقال كيف تخلق الحياة في النار، وهي يسيطة، والحياة كالمزاج لا تكون إلا في المركبات، وقد اشترط الحكماء فيها البنية المركبة فما ذكره رد عليهم فأجاب بمنعه لأنها إذا خلقت في المجردات كالملائكة عليهم الصلاة والسلام فبالطريق الأولى البسائط مع أنّ هذا غير وارد رأساً لأنّ معنى كونها من نار أنه الجزء الأعظم الغالب عليي كالتراب في الإنسان، ولذا مال بالطبع إلى أسفل فليست بسيطة كما هو محصل آخر كلامه لكنه لم يرتبه على مقتضى المناظرة، والمراد بالبسيط ما لم يتركب من أجزاء مختلفة الطبع فإنه أحد معنييه، والآخر ما لا جزء له، وقيل أراد بالمجردة الأجزاء الفردة كما وقع في بعض النسخ ففيه رد على المعتزلة في اشتراط البنية المركبة من الجواهر الفردة، وقوله فإنها أقبل لها لأنها غير مضادّة لها بل مقوية لها، وقوله باعتبار الغالب مرّ تقريره، وجزم به هنا، وصدره في سورة الأجمراف بلعل، ولا منافاة بينهما. قوله: (فهو للتنبيه على المقدمة الثانية الخ) إشارة إلى ما استدل به المليون على إمكانه من أنه كلما كان جمع الأجزاء، وتأليفها على ما كانت عليه، واعادة الحياة فيها أمرا ممكناً، وثبت أنه تعالى عالم بتلك الأجزاء قادر على جمعها وتأليفها، واحيائها ثبت إمكان الحشر لكن المقدم حق فالتالي مثله فإمكان الحشر يتوقف على أمرين قابلية الأجزاء للجمع، والأحياء، وعلمه تعالى بها، وقدرته على جمعها، واحيائها ففي الآية دليل على كلا الأمرين كما أشار إليه لكنه أطلق المقدمة الثانية على قبول الأجزاء للجمع والأحياء تقديماً لشمول العلم، وعموم القدرة في النظر، والاعتبار لكونه الأصل، وجعل كمال قدرته مقدمة أولى مع أنه لا بد من عموم علمه أيضاً لانطوائه فيه، واسنلزامه كما نبه عليه أيضا بقوله ما يدل على كمال قدرته دليل على عموم علمه كذا قرّره الفاضل المحشي، وقيل إنه تكلف لا حاجة إليه فإنه إمّا قياس استثنائي اسنثنى فيه عين المقدّم هكذا كلما أمكن جمع الأجزاء على ما كانت عليه، واعادة الحياة فيها أمكن الحشر أو اقتراني هكذا أجزاء الموتى تقبل الجمع، والحياة، وكل ما كان شأنه ذلك أمكن حشره فالمنبه عليه المقدمة الأولى دون الثانية، والمطلوب إمكان الحشر لا وقوعه، وقوله وهو قبول الخ الضمير للمقدمة وذكر باعتبار الخبر أو لتأويلها بجزء الدليل. قوله: (حتى جرى آثاره) فجعل الروح منفوخا فيه مجاز عن جريان أثره فإنها مجردة، وتجاويف جمع تجويف، والمراد به المجوّف، وقوله إجراء الريح أي من الفم أو غيره، وهذا معنى عرفي لا لغويّ، وقوله ولما كان الروح أي النفس الناطقة، وهذا كلام الفلاسفة، وكثيراً ما يعوّل عليه والبخار اللطيف يسمى روحا عند الأطباء، وهو في أحد تجويفي القلب فإنّ له تجويفاً في جانبه الأيسر ينجذب إليه دم لطيف يحصل منه بخار لطيف في الجانب الآخر بواسطة حرارته، وهذا البخار تتعلق به النفس الناطقة أوّلاً، وقوله المنبعث أي الخارج منه إلى الدماغ، وغير. وضمير وتفيض للروح، وقوله حاملاً لها لتلك القوّة، وفي تجاويف متعلق بيسرى، والشرايين العروق النابضة حينئذ جمع شريان، وغيرها تسمى أوردة. قوله: الما مرّ في النساءا لأنه خلقها من غير واسطة تجري مجرى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 الأصل، والمادّة أو الإضافة للتشريف فتخصيص الروح الإنسانية لا يحتاج إلى مخصص كما قيل. قوله: (أمر من وقع يقع) كان الظاهر تقديمه على ساجدين، واعتذر بأن السجود لما كان بياناً لكيفية الوقوع هنا قدّمه عليه. قوله: (كد بتثيدين الخ) في التسهيل لا تعرض في أجمعين إلى اتحاد الوقت بل هو ككل في إفادة المعموم مطلقا خلافا للفراء فإنه زعم أنه يفيد مع التأكيد الاجتماع في وقت واحد، وليس كذلك عند البصريين، واستدلوا بقوله عز وجل: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة ص، الآية: 82] فإنّ إغواءهم لم يكن في وقت واحد ورده المدقق في الكشف بأنّ الاشتقاق من الجمع يقتضيه لأنه ينصرف إلى أكملى الأحوال فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر، وهو كل لم يكن بد من كونه في وقت واحد، والا كان لغوا والردّ بالآية منشؤه عذم تصور وجه الدلالة، ومنه تعلم انّ ما قاله المبرّد هو الحق الموافق لبلاغة التنزيل، وقوله ومنع مجرور معطوف على التعميم. قوله: (1 ن جعل منقطعاً اتصل به قوله أبي الخ) وجه الانقطاع ظاهر لأنّ المشهور أنه ليس من جنس الملائكة، والانقطاع يتحقق بأحد أمرين عدم دخوله في المستثنى منه أو في حكمه، وما قيل إنه لو كان منقطعا لم يكن مأموراً بالسجود فلا يذم، والاعتذار عنه بأنهم كانوا مأمورين، واستغنى بذكر الملائكة عليهم الصلاة والسلام عنهم، وإنه معنى الانقطاع، وتوجه اللوم من ضيق العطن كما مرّ تفصيله. قوله: (أي ولكن إبليس الخ) فإلا بمعنى لكن وابليس اسمها، وجملة أبي خبرها كذا في شرح الكشاف وسيأتي ما فيه، وقوله وان جعل متصلاً إمّا بأن يكون ملكاً أو الجن من جنس الملائكة أو غيرهم، ولكنه داخل فيهم على طريق التغليب كما مرّ، وجملة أبي حينئذ مستأنفة استئنافاً بيانياً، وقوله أفي غرض لك في أن الخ أي هو على تقدير حرف الجرّ، والغرضية من اللام، وقوله اللام لتأكيد النفي كما قرّرناه في لام الجحود، وتفسير نفي كان بنفي الصحة هو أحد استعمالاته، ومن قال إنه لزمه لا لأنّ نفي السجدة كناية عن نفي الصحة بناء على عدم صلوحه للجواب بل بيان لأنّ الجواب لم أكن مع ما بعده لا وجه له، وقوله وخلقتني من نار إشارة إلى مراده بدليل بيان ماذة آدم، وقوله قبله من نار السموم، وقوله وأناملك إشارة إلى وجه الاتصال على قول. قوله: (باعتبار النوع والأصل الخ) يعني قوله بشر، ومن صلصال ومرّ في الأعراف أنّ إبليس مخطئ فإنه رأى الفضل كله باعتبار العنصر، وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص، الآية: 75] أي بغير واسطة، وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله، ونفخت فيه من روحي، وباعتبار الغاية، وهو ملاكه. قوله: (من السماء) هذا هو الظاهر، ولذا قدمه، وقوله أو الجنة قيل لقوله:!! كن أنت ورّوجك الجنة} [سورة البقرة، الآية: 35] ولوقوع الوسوسة فيها وردّ بأنّ وقوعها كان بعد الأمر بالخروح من السماء أو من زمر الملائكة عليهم الصلاة والسلام، ويلزم منه خروجه من السماء إذ كونه بانزوائه عنهم في جانب لا يعدّ خروجا في المتبادو، وكفى به قرينة. قوله: (مطرود من الخير والكرامة الخ) إشارة إلى أنه كناية عن الطرد لكونه لازما للرّجم، وكونه بمعنى المرجوم بإلشهب يقتضي أنه للاستقبال، وتقدير موصونه بشيطان لأنه هو المرجوم بها لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [سورة الملك، الآية: 5] ولذا قيل إنه كناية عنه، وقوله وهو وعيد أي بالرجم بها، وما شضمنه من الخزي وتضمف للجواب عن شبهته لأنه تضمن شقاوته، وسوء خاتمته، وبعده عن الخير فهو الذ ي منعه عن السجود لا شرف عنصره، وفيه لطيفة أخرى، وهو أنه لما افتخر بالنار في الدنيا عدّب بها كالمجوس فكب فيها على وجهه وقيل قضمنه للجواب بالسكوت كما قيل جواب ما لا يرتضي السكوت، وقيل لأنه علم منه أنّ الشرف بتشريف الله، وتكريمه فبطل ما ادّعاه من رجحانه إذ أبعده، وأهانه، وقرّب آدم عليه الصلاة والسلام، وكرمه. قوله: (فإنه منتهى امد اللعن فإنه يناسب أيام التكليف (الضمير الأوّل ليوم الدين، ومنتهى اسم زمان النهاية جواب عن سؤال، وهو أنّ إلى لانتهاء الغاية فيلزم زوال اللعن، والطرد عن رحمة الله عندها فأجاب أنه أريد به وقت جمع الخلائق، وهو اليوم المعلوم لأنه لا يعلمه إلا الله فجعله غاية للعنة لانقطاع التكليف به، وقوله فإنه أي اللعن ينايسب أيام التكليف فالمراد لعن الخلق له، وألا فإبعاده عن الرحمة ثابت له إلى الأبد، ولا يلزم منه تكليف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 العباد إذ المراد منه الثوأب، وتد يؤوّل بالطرد عن رحمة الله المجرّد عن الجزاء والعذاب، وفي نسخة لا يناسب فالضمير راجع إلى يوم الدين. قوله: (ومنه زمان الجزاء) وتع في النسخ هنا اختلاف فأشهرها هذه، وقد قيل فيها إنّ منه اسم فاعل من أنهى فهو منه، وزمان منصوب على أنه مفعوله أو مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر ومنه خبر مقدم أي يوم الدين قاطع لزمان الجزاء، والتكليف، ومنهم من جعل منه جارا، ومجرورا خبرا مقدما وزمان الجزاء مبتدأ مؤخرأ، ومن ابتداء أي زمان الجزاء مبتدأ من يوم الدين، وهو الظاهر، ويشهد له أنه وقع في نسخة أخرى، ومن اليوم! زمان الجزاء. قوله: (وما في قوله فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله الخ (جواب عن سؤال، وهو أنه كيف يكون منتهى أمد اللعنة، وقد أثبته الله فيه في هذه الآية فأجاب بأنها بمعنى آخر أي اليوم الذي تنسى عنده هذه اللعنة لغاية فظاعة اللعنة المذكورة كما يعلم من تفسيرها. قوله: (وقيل إنما حدّ اللعن الخ) هذان جوابان آخران يخي المراد به التأبيد، ويوم الدين بمعنى يوم القيامة لأنه أبعد غاية تضربها الناس أو المراد أنّ اللعن في يوم القيامة كالزأئل لإذهال شدة العذاب عنه. قوله:) أو لأنه يعذب) هذا هو الوجه الثاني، والظاهر أنه عليه حقيقة، وإنه غاية لأهون الشرّين، وقيل إنه استعارة مكنية بتشبيه المنسيّ بالزائل وتخييلية هي إثبات التحديد بالوقت له أو إلى استعارة تبعية. قوله: (والفاء متعلقة بمحذوف) أي إن أخرجتني فأنظرني. قوله: (أراد أن يجد فسحة في الإغواء) وفي نسخة بالإغواء قال العلامة فإبليس لما سأل الأنظار إلى يوم البعث كان غرضه أن لا يموت أصلا إذ لا موت بعد البعث فمنعه الله عن هذا الأنظار وأنظره إلى آخر زمان التكليف، وقد أعطاه الله تعالى مسؤوله 0 قوله: (المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور (أي يوم النفخة الأولى ومقابل قول الجمهور القول الأوّل، وهو وقت علم الله انتهاء أجله فيه. قوله: (ويجوز أن يكون المراد بالآيام الثلاثة يوم القيامة) أي يوم الدين، ويوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، وقوله فعبر إمّا مبنيّ للمفعول أو للفاعل والضمير دلّه، وقوله لما عرفته من أنّ الدين بمعنى الجزاء ومنه ابتدئ بزمان الجزاء. قوله: (وثانياً بيوم البعث) مع أنّ البعث قبله، ومراد إبليس بحده على أنّ المراد يوم القيامة 11 نمسحة في الإغواء لا النجاة من الموت بناء على أنه عالم بموته قبله فلا يسأل ما يعلم أنه لا يجىاب إليه كما في الكشف، وقيل عليه إنه ليس ببين ولا مبين، وكونه على غالب الظن لا ي! ت! ي في مثله، ثم اعترض على المصنف رحمه الله في توجيه يوم يبعثون بما ذكره بأنه لا مناسبة له مع تلك التسمية فالأولى أن يقال في وجهه أنّ الخلائق يبعثون فيه أو لأجله، وفيه تأمل، وقوله واليأس عن التضليل أي يأس إبليس عن الإغواء. قوله: (وثالثاً بالمعلوم لوقوعه في الكلامين) أي لسبق ذكره أو لأنه لا يعلمه إلا الله 0 قوله: (ولا يلزم من ذلك أن لا يموت الخ (جواب عن سؤال مقدر، وهو أنه إذا أنظر فأمهل إلى يوم القيامة يلزم عدم موته إذ لا موت بعده، والنص بخلافه فأجاب بأنّ أيام القيامة ليست كأيام الدنيا بل بمقدار سنين فيجوز أن يموت في أوّله، ويكون البعث بعد ذلك في أثنائه، ومنهم من حمل يوم يبعثون على ما يكون قريبا منه، وهو وقت موت كل المكلفين قريباً من يوم البعث فرجع الكلام إلى أنّ مسؤوله الأنظار إلى آخر أيام التكليف فيكون أعطى مسؤوله، وهو القول الآخر كما مرّ، وما قيل إنه ليس في القيامة يوم، ولا ليل فيوم البعث بمعنى وقت البعث فألمحذور باق ليس بشيء لأنّ المراد باليوم وقت معين فلا محذور فيه. قوله: (وهذه المخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على منصب إبليس) أي شرفه لأنه في الأصل بمعنى الأصل ويستعار للشرف قال أبو تمام: ومنصب نماه ووالدسما به أي إنما تدل على ذلك لو لم تكن للإهانة وهي كذلك هنا، وقوله وان لم معطوف على مقدر أي إن كانت بواسطة، وان لم تكن لا تدل على الشرف، وطوى الأوّل لظهوره على قاعدة أن الوصلية فمن قال الأولى حذف الواو لم يصب وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها بواسطة ملك. قوله: (الباء للقسم الخ) اختار الوجه الآتي في الأعراف، ومرض القسمية، وعكس! هنا، والقصة واحدة فالفرق بين المحلين تكلف لا حاجة إليه وكم في هذا الكتاب مثله، وضمير لهم للذرية المفهوم من السياق، وان لم يجر له ذكر للتصريح في آية أخرى به كقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [سورة الإسراء، الآية: 62] وقوله لأزينن لهم المعاصي إشارة إلى مفعوله المقدو، وقوله في الدنيا إشارة إلى أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 المراد على هذا الوجه بالأرض معناها العرفي، وهي دار الدنيا، وما فيها من الشهوات الفانية، وقد مر تفسيرها وذكرت بهذا اللفظ تحقيراً لها، وترك الوجه الآخر المذكور في الكشاف، وهو تنزيل الفعل منزلة اللازم ثم تعديته، وأنّ المراد لأحسنن الأرض، وأزينيا لهم حتى يشتغلوا بها عن الآخرة كما بين في شروحه. قوله: (وفي انعقاد القسم بأفعال الله تعالى خلاف) وقع في كتب الشافعية والحنفية، والنزاع في أنه يمين يترتب عليها أحكامها من الكفارة، وغير ذلك، ولا خلاف في أنّ الحلف والقسم في عرف العرب يقع عليه، وهو متعارف عندهم، ولهذا ورد النهي عن الحلف بالآباء، وعدّه الأصحاب هـ صحروهاً فلذا قيل إنّ! ذكره المصنف رحمه الله لا مساس له بالمقام، وليس بشيء لأنه استطراد الكلام الفقهاء إلا أنّ الصفة إذا لم تشعر بتعظيم ويتعارف منها ليست بيمين عندهم، وكلام المصنف رحمه الله موهم بأنّ الخلاف فيها مطلقاً، وكذا ما قيل إنّ أقسام إبليس بإغوائه بلا إنكار من الله يصلح دليلا للقائلين بجواز الحلف الشرعي بفعل من أفعاله تعالى فمساسه للمقام ظاهر فإنه كيف يصلح دليلا، وليس محلاً للنزاع عندنا، وعندهم فتأمّل. قوله: (وقيل للسببية) قيل إنه أولى لأنه وقع في مكان آخر فبعزتك، والقصة واحدة، والحمل على محاورتين لا موجب له، ولأنّ القسم بالإغواء غير متعارف، ولعله لذلك رجح السببية في الأعراف، وفيه نظر لأنّ قوله فبعزتك يحتمل القسمية، وقد صرّج الطيبي رحمه الله بأنّ مذهب الشافعية أنّ القسم بالعزة، والجلال يمين شرعاً فكيف تكون تلك الآية مؤيدة لمذعاه، وهي عليه لا له. قوله: (والمعتزلة أوّلوا الإغواء بالنسبة إلى الغيئ) أي المراد من الإغواء نسبته إلى الغيّ كفسقته نسبته إلى الفسق لا فعلته أو أنّ المراد فعل به فعلاً حسنا أفضى به لخبثه إلى الغيّ كأمره بالسجود على ما في الكشاف، وقد ذكره المصنف رحمه الله في الأعراف، وفسر به الآية ثمة فلذا قيل إنه ذكره على أنه أحد محتملات النظم من غير التزام له، وانكار لجواز نسبة مسببه إليه، والإضلال عن طريق الجنة ترك هدايته اللطف به فليس فيه نسبة القبيح إلى الله حتى يلزمهم الوقوع فيما فرّوا منه. قوله: (واعتذروا عن إمهال الله له الخ) أي المعتزلة اعتذروا عن أنظار إبليس وهو لإفضائه إلى الإغواء قبيح إذ الإعانة على القبيح مثله لا مطلق العلماء فإنّ أهل السنة ذكروه على أنه حكمة لا لأنهم لم يذكروه على وجه الاعتذار إذ لا حاجة إليه عندهم، وقوله بأنّ الله متعلق باعتذاو. قوله: (وضعف ذلك لا يخفى على فوي الألباب (لأنه مع أن مثله ينبغي أن يفوّض إلى الله فإنه لا يسئل عما يفعل لا يناسب أصولهم أيضاً في وجوب رعاية الأصلح فإنه يقتضي أن لا يمكن مما هو سبب الغيّ، وأن لا يسلطه على بني آدم فيزيد غيهم المقتضى لشدّة تعذيبهم، وما التجؤوا إليه من قولهم أن في إمهاله تعريضاً الخ يعني أنّ إمهاله ليس لما ذكر بل لتعريض بني آدم للثواب، ولا يرد عليه إنه معارض! بالمثل فإنّ فيه تعريضاً لمتبعيه بخلافه. قوله: (ولأحملنهم أجمعين على الغواية الخ) أوّله ردّا على المعتزلة في تمسكهم به لأنّ الإغواء القبيح فعل الشيطان لا فعل الله، ولذا نسب له، وحاصله أنه لا متمسك لهم فيه لأنّ المراد الحمل عليه لا إيجاده لقوله سابقا بما أغويتني حيث أسند الإغواء إليه فإنّ أوّلوا الأوّل فليس تأويل أولى من تأويل. قوله: (أخلصتهم لطاعتك (تفسير له على فتح اللام وأنه اسم مفعول، وعلى الكسر معناه ما ذكره، وقال! في سورة يوسف أخلصوا دينهم لقوله: {مخلصين له الدين مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة الأعراف، الآية: 29] وقوله وطهرتهم من الشوائب أي من كل ما ينافي الإخلاص وقوله فلا يعمل فيهم كيدي إشارة إلى أنه من ذكر السبب وارادة مسبيه، ولازمه على طريق الكناية لينتظم اللحاق بالسباق فإنه كان الظاهر أنّ منهم من لا أغويه لكن الإخلاص، والتمحض دئه يستلزمه فذكر ليثبت ما ذكر بدليل فهو ابلغ من التصريح به قوله: (حق على ان اراعيه) كذا فسره في الكشاف بناء على مذهبه في الأصلح على الله وكلمة على تستعمل للوجوب، وما ذكره المصنف رحمه الله ليس متابعة له بل هو على اصل اهل السنة، والجماعة كقوله: ( {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ) [سورة الروم، الآية: 47] من أنه، وان كان تفضلاَ منه إلا أنه شبه بالحق الواجب لتأكد ثبوته، وتحقق وقوعه بمقتضى وعده، وعلى الوجه الآتي هو كقولهم طريقك عليّ، وايثار حرف الاستعلاء دون إلى التشبيه الثبوت بتمكن الاستعلاء، والا فهو منزه عن استعلاء شيء عليه تعالى الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 عن ذلك علواً كبيرا. قوله: (لا انحراف عنه) أي لا يجوز العدول عنه إلى غيره، وجعل الإشارة إلى ما تضمنه، وهو تخلصهم منه، وأنه مما التزمه تكرّما بوعده، وهذا على قراءة فتح اللام أنسب، وقوله أو الإخلاص بالجرّ معطوف على ما تضمنه، وهو على قراءة الكسر، وقوله أنه طريق عليّ الخ هذا تفسير آخر على جعل الإشارة إلى الإخلاص لقوله عليّ، وهو تمثيل كما مرّ، وليست على فيه بمعنى إلى، وهو متعلق بيمر مقدّراً وطريق متضمن له فيتعلق به، وقوله من غير اعوجاج تفسير لمستقيم، وضلال عطف تفسير على اعوجاج. قوله: (تصديق لإبليس الخ) فهو كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين، ولذا لم يعطف على ما قبله، وقوله وتغيير الوضع أي التعبير بعبارة أخرى بجعل المستثنى مستثنى منه، وتقديم عبادة المشزفين بالإضافة في الذكر، ولا تراد الإضافة لسبقها، وان كان بين الإضافتين فرق، والتعظيم من جعلهم متبوعين محكوما عليهم وعبادي للجنس فإذا أخرج منهم الغاوون بقي المخلصون، وكان يحتمل أن تكون الإضافة للعهد لكن يكون الاستثناء منقطعاً، وظاهر كلامه الآتي أنه على هذا الوجه يكون متصلاً، وحمل قوله يكون الاستثناء منقطعا على أنه متعين الانقطاع خلاف الظاهر، وقال في المغني: المراد بالعباد المخلصون، والاستثناء منقطع بدليل سقوطه في سورة الإسراء. توله: (ولأن المقصود) أي من الكلام فلذا صدر بقوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان مؤكدا بأن بخلاف الأوّل فإنّ المقصود فيه فعل الشيطان، وقوله مخالب الشيطان أي كيده، ومكره فهو استعارة. قوله:) أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا) أي تسلطاً، وقهراً فإنّ غاية قدرته أن يغرّهم ولا يقدر على جبرهم لاتباعه كما في الآية المذكورة، وإنما جعله إيهاما لأنّ استثناء المخلصين لإخلاصهم يقتضي أنّ من لا إخلاص له تحت تصرف غوايته، وتفسير أغوينهم السابق لا ينافي هذا الإيهام لأنه بحسب ظاهر الكلام فهو يؤيد كونه إيهاما غير محقق، والسلطان المنفي هنا غير المثبت له فلا تنافي أيضا، وقوله فانّ منتهى تزيينه، وفي نسخة منة، وهو بضم الميم بمعنى قوّته، وقدرته. قوله: (وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً (بخلافه على الوجه الأوّل فإنه متصل كما سمعته، وتعين انقطاعه لعدم دخولهم في الحكم إذ المعنى أنّ من اتبعك ليس لك عليهم سلطان بل هم أطاعوك في الإغواء لا غير، ولا يضرّ دخولهم في العباد لأنّ المعتبر في الاتصال، والانقطاع الحكم. قوله: (وعلى الآوّل يدفع قول من شرط أن يكون المستثنى أقل من الباقي الخ الأنه جعل الغاوين مستثنى هنا فيكونون أقل، وقد كانوا مستثنى منهم في قوله إلا عبادك فيكونون أكثر، ويتناقض الكلام فيهما أي يستلزم أمرين متنافيين، وهو ظاهر وخصه بالأوّل لأنّ من قال به إنما قاله في الاستثناء المتصل لا المنقطع لأنه لا إخراج فيه، وصاحب هذا المذهب أبو بكر الباقلاني من الأصوليين، وقيل إن كان المستثنى منه عدداً صريحاً يمتنع فيه استثناء الأكبر، والنصف مثله في الخلاف، وان كان غير صريح لا يمتنعان، واستدلوا عليه في غير العدد بهذه الآية، وتفصيله في الأصول وقد قيل عليه أنّ التصديق في صريح الاستثناء لا ينافي التكذيب في جعل الإخلاص علة للخلاص على ما يشير إليه كلامه فانّ الصبيان، والمجانين خلصوا من إغوائه مع فقد هذه العلة، والظاهر أنّ من مات قبل أن يكلف من العباد أكثر من المكلفين خصوصاً إذا انضم إليهم المخلصون فظهر لتغيير الوضع فائدة أخرى على أنّ الكثرة الادّعائية تكفي في صحة شرطهم، والمخلصون كثيرون، وان قلوا والغاون بالعكس كما في آخر قسم الاستدلال من المفتاح، ولذا لا تقول لفلان عليّ ألف إلا تسعمائة، وتسعين إلا وأنت تنزل ذلك الواحد منزلة الألف بجهة من الجهات الخطابية أن مع أنّ السكاكي يشترط كون المستثنى أقل من الباقي، وما ذكره من حديث الادّعاء يرفع الخلاف، وليس بمسلم عند المعترض فإنّ ظاهر كلام الأصوليين ينافيه. قوله: (أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا) اشترط النحويون في مجيء الحال من المضاف إليه كون المضاف جزأه أو كجزئه أو أن يكون مما يعمل عمل الفعل ليتحد عامل الحال، وصاحبها حقيقة أو حكماً فإن كان الموعد على الحالية مصدرا ميمياً فقد وجد الشرط لكنه يقدّر قبله مضاف لأنّ جهنم ليست عين الموعد بل محله فيقدر محل وعدهم أو مكانه فإذا كان اسم مكان لم يحتج إلى تقدير لكنه لا يوجد شرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 الحال، ولا يمكن عمل المضاف لأنّ اسم المكان لا يعمل عمل فعله كما حقق في النحو فلذا جعل العامل معنى الإضافة، وهو الاختصاص على القول بأنه هو الجارّ للمضاف، وهذا غير صحيح عند المحققين من أهل العربية لأنّ الإضافة من المعاني لا تنصب الحال، وفد سبق فيه تفصيل، والمصنف رحمه الله تبع في هذا أبا البقاء، ولو تركه كان أحسن، وفي جعل جهنم موعدا لهم تهكم، واستعارة فكأنهم كانوا على ميعاد. قوله: (يدخلون فيها لكثرتهم) ظاهره أنه على تعدد الأبواب دون الطبقات، ولا محذور فيه إذ لا ينافي تعدد الطبقات إذ المراد بيان كثرة الداخلين فيها فلا وجه لخلط التفسير الثاني بالأوّل، ولا حاجة إليه، والحكمة في تعدّدها سرعة تعذيبهم، وعدم تأخير عذاب بعض منهم كما أن تعدّد أبواب الجنة لسرعة تنعمهم، وعدم انتظارهم. قوله: (أو طبقات) وهو المشهور المأثور، ويدل عليه أفراد كل فرقة بباب فإنه يدل على تمايز مقرّهم، وقوله وهي جهنم الخ في ترتيبها وتعيين أهلها اختلاف في الروايات، وفي الدر المنثور أنه خرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى هذا ينبني التغليب الآتي في سورة تبارك لكن قال الإمام السهيلي في كتاب الأعلام وقع في كتب الرقائق أسماء هذه الأبواب، ولم ترد في أثر صحيح، وظاهر القرآن، والحديث يدل على أنها أوصاف النار نحو السعير والجحيم، والحطمة والهاوية، ومنها ما هو علم للنار كلها نحو جهنم، وسقر ولظى فلذا أضربنا عن ذكرها. قوله: (ولعل تخصيص العدد الخ) أي حكمة ذلك انحصار مجامع المهلكات الموجبات لدخولها في الركون، والميل إلى زخارف الدنيا، ولذاتها المدركة بالحواس الخمس، واتباع القوّة الشهوانية والغضبية فصارت سبعة أو أصول الفرق الداخلين فيها سبعة، وهي المذكورة في هذه الآية، وقوله أفرز لها أي فصل، وميز يقال أفرزت الشيء عن الشيء إذا ميزته، وأمّ قول أبي نواس في وصف ما في الرياض: وكأنها البرك الملاء يحفها أنواع ذاك الروض بالزهر بسط من الديباج بيض فروزت أطرافها بفرا وزخضر فقيل إنه معرّب برواز، وقيل إنه فعلال من فرزت الشيء إذا عزلته فيكون عربياً، وقوله والثاني في ترتيب ما بعد الفرقة الأولى اختلاف في الرواية، وجعل المنافقين في الدرك الأسفل لأنّ حالهم أشد من الكفار كما مر في البقرة وقوله جزء بالتثقيل أي بزاي مضمومة بعدها همزة، والتخفيف تسكينها، وقوله ثم الوقف عليه بالتشديد لأنه لعة كما بين في النحو. قوله: (ومنهم حال منه) أي من جزء، وجاء من النكرة لتقدمه، ووصفها والظرف المراد به الجارّ، والمجرور الواقع خبرا، ولم يجعله صفة باب لأنه يقتضي أن يقال منها، وتنزيلها منزلة العقلاء لا وجه له هنا، ولذا فسر المصنف رحمه الله الضمير بالاتباع أي أتباع الشيطان الذين أغواهم، وقوله لأنّ الصفة أي مقسوم لأنه صفة جزء، ولو كان حالاً من ضميره عمل في الحال لأنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها. قوله: (من أتباعه في الكفر والفواحش فإنّ غيرها مكفرة) الجارّ، والمجرور متعلق بالمتقين والاتباع مصدر من الافتعال، وفي الكفر متعلق به، وأنث خبر غير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه فالمراد بالفواحش الكبائر، وغيرها الصغائر لأنها تكفر باجتناب الكبائر، وتبع في هذا التفسير الزمخشريّ، ولم يحمله على المتقين عن الكفر فقط، ولم يلتفت إلى اعتراض الإمام عليه، وغيره بأنه على مذهب المعتزلة في تخليد أصحاب الكبائر، وتفسيرها بما ذكر مخالف لتفسير الجمهور المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، والمتقي من اتصف بتقوى واحدة، ولا يلزم اتصافه بجميع أنواعها كالضارب لا يفهم منه فعل جميع أنواع الضرب لأنّ السياق يدل على أن المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [سورة الحجر، الآية: 42] وهو معنى التقوى شرعا، وأمّ إخراج العصاة من النار فثابت بنصوص أخر، وكذا إدخال التائبين الجنة بل غيرهم كما هو مذهبنا فإن قلت كيف قلت إنّ غيرها من الصغائر يكفر حتى لا يكون صاحبها من الأجزاء المقسومة للنار إذا اجتنبت الكبائر، وقد قال أهل الكلام أنه يجوز العقاب على الصغائر، وأن اجتنبت الكبائر، وما وجه التوفيق قلت هو وارد في الحديث الصحيح، وهو غني عن التوفيق لأنّ كلام أهل الكلام في تجويزه لتجويز عقاب المطيع، وما في الحديث يدل على أنه لا يقع التفضل من الله إلا بعفوه، ولا حاجة إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 حمله على صغيرة لم تقع بين الصلوات الخمس كما إذا صدرت عقب البلوغ فإنه تكلف مستغنى عنه مع أنّ الصغيرة قد يعرض لها ما يصيرها كبيرة. قوله: (لكل واحد جنة وعين أو لكل عدّة منهما) الأوّل بناء على قاعدة تقابل الجمع بالجمع فالاستغراق مجموقي، وعلى الثاني الاستغراق افراديّ فيكون لكل واحد جنات، وعيون،. وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 46، وما بعده وان ذكر فيه الجنة فقط لكن بفهم منها العيون لأنها لا تكون بدون الماء في الغالب إلا أنه قيل إنه يدل على أنه له اثنان منهما لا جنات، وعيون إلا أن يبني على إطلاق الجمع على اثنين، وكذا قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} [صورة محمد، الآية: 5 أ] الآية فإنه دال على تعدد الأنهار دون تعدد العيون لكل أحد فتأمّل، وضم العيون هو الأصل، وكسرها لمناسبة الياء. قوله: {ادْخُلُوهَا} ذكر بعد الحكم بأنّ لهم جنات، وعيوناً قيل لأنهم لما سكنوا جنات كثيرة كانوا كلما خرجوا من جنة إلى أخرى قيل لهم ادخلوها سالمين من الآفات، وهذا إنما يجري على تفسيره الثاني وقيل لأنه لما اعتنى بحال المؤمنين أخبر أنهم في جنات وعيون، وجعلوا كأنهم مستقرّون فيها في الدنيا فلذا جاء ادخلوها بالأمر لأنّ من استقرّ في الشيء لا يقال له ادخل فيه فيكون قوله في جنات المراد به أنهم الآن فيها، وهذا على تفسيره الأوّل بأن يكون لكل جنة، وفيه تأمّلى. قوله: (على إرادة القول اليرتبط بما قبله، ولا يكون أجنبياً، وهو إمّا حال بتقدير، وقد قيل لهم ادخلوها فلا يرد أنه بعد الحكم بأنهم في الجنة كيف يقال ادخلوها كما مز أو يقدر مقولاً لهم ذلك، والمقارنة عرفية لاتصالهما أو يقدر يقال لهم فيكون مستأنفا، وقرئ بقطع الهمزة، وضمها وكسر الخاء فلا يكسر التنوين لعدم التقاء الساكنين كما في القراءة الأخرى، وعلى هذه القراءة لا حاجة إلى تقدير القول وكونه على القراءة بمجهول الأفعال لا يكسر باعتبار المشهور الجاري على أصل القياس، وقرأ الحسن رحمه الله، ويعقوب أيضا ماضياً مبنيا للمفعول إلا أنّ يعقوب ضمّ التنوين بإلقاء حركة همزة القطع عليه كما ألقى حركة المفتوحة في قراءته الأخرى، والحسن كسره على أصل التقاء الساكنين إجراء لهمزة القطع مجرى همزة الوصف في الإسقاط. قوله: (سالمين أو مسلماً عليكم الخ (ولا يتكرر على التفسير الأوّل مع قوله آمنين على ما فسره به لأنّ معناه سالمين من الآفة، والزوال في الحال، وآمنين من طروّها في الاستقبال فلا حاجة إلى تخصيص السلامة بما يكون جسمانيا، والأمن بغيره، وتفسيره بمسلما عليكم كقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [سورة الزمر، الآية: 73] . قوله: (والزوال) إن كان المراد زوال ما هم عليه من النعيم، والسرور والصحة لا يتكرّر مع قوله: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وإن أريد ظاهره من زوالهم عن الجنة، وانتقالهم منها قيل يلزم عليه التكرار ودفع بأنّ إلا من من الشيء لا يستلزم عدم وقوعه كأمن من الكفرة من مكر الله مثلا، ويجوز أن يكون المراد زوال أنفسهم بالموت لا الزوال عن الجنة، والثاني في غاية البعد فإنه لا يقال للميت إنه فيها، وان دفن بها كالأوّل فإنّ الله إذا بثرهم بالأمن منه كيف يتوهم عدم وقوعه فالجواب ما ذكرناه أوّلاً مع الاعتراف بالتكرار للاعتناء به، والتأكيد أحسن من هذا. قوله: (من حقد كان في الدنيا) قال الراغب أنه من الغلالة، وهو ما يلبس تحت الثوب فيقال لمن تدرّع ثوب العداوة، والضغن، والحقد، وكون النزع في الدنيا لما روي أنه كان بين أحياء العرب ضغائن، وعداوة في الجاهلية فلما جاء الإسلام ألف الله بين قلوبهم وصفى بواطنهم، وسرائرهم من ذلك، وأما كونه في الجنة فلما روي عنه صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الجنة يدخلون الجنة بما في صدورهم من الشحناء فإذا تقابلوا نزع الله ما في صدورهم " (1) فذلك قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم} . قوله: (أو من التحاسد) قيل الغل الحقد الكائن في القلب من انغل في جوفه، وتغلغل فلا وجه لتفسيره بما ذكر ورد بأنّ المعنى نزعنا ما يفضي إلى الحقد، وهو التحاسد، وليس كما ذكر لأنّ الغل ما يضمر في القلب مطلقا كما يشهد به الاستعمال، واللغة. قوله: (حال من الضمير في جنات الخ) أي من الضمير المستتر في قوله في جنات ففي كلامه تساهل، وهي حال مترادفة إن جعل ادخلوها حالاً منها أيضا، وإذا كان حالاً من فاعل ادخلوها فهي مقدرة إن كان النزع في الجنة، وكذا إذا كان حالاً من ضمير آمنين، وقوله أو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 الضمير المضاف إليه في صدورهم، وجاز لأنه بعضه كما مرّ، وهي مقدّرة أيضا، وقوله وكذا قوله: {عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [سورة الصافات، الآية: 44] أي كل منهما حال على هذه الوجو. الثلاث، وقوله أو حالين أي مترادفين أو متداخلين، وقوله من ضميره أي الضمير المستتر فيه لأنه في معنى مشتق، وقوله من المستقرّ في على سرر سواء كان حالاً أو صفة، والتصافي خلوص المحبة تشبيها لها بالماء الصافي كما قيل: والخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر قوله: (استئناف) أي نحوي أو بياني، وقوله أو حال بعد حال أي من الضمير في قوله في جنات أو من ضمير إخوانا، وقوله بعد حال أي على أحد الوجهين، وكونه حالاً من الضمير في متقابلين على الوجوه السابقة او من الضمير في قوله على سرر. قوله تعالى: ( {نَبِّىءْ عِبَادِي} الخ) هو إجمال لما سبق من الوعد، والوعيد، وتأكيد لهما، وأنا إمّا مبتدأ أو تأكيد أو فصل، وهو إمّا مبتدأ أو فصل، وقوله دليل الخ. إذ لو أريد ذلك لم يكن لذكر المغفرة موقع، وقد قيل إنه لو حمل المتقين على مجتنبي جميع الذنوب، ويكون ذكره للمغفرة لدفع توهم أنّ غيرهم لا يكون في الجنة بأنه يدخلها إذا تاب، وان لم يتب لأنه الغفور الرحيم فله وجه. قوله: (وفي توصيف ذاته بالغفران والحرمة دون التعذيب الخ) إذ لم يقل في مقابله، وأني أنا المعذب المؤلم، والإضافة لا تقتضي حصول المضاف إليه بالفعل كما إذا قيل ضربي شديد أي إذا وقع، والإضافة لأدنى ملابسة. قوله: (وفي عطف ونبئهم الخ) أي لما تضمن ما قبله ذكر الوعد والوعيد عطفت هذه القصة عليه لتحقيقه فإنها تتضمن ذلك لما فيها من البشرى، واهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام، ولما فيها من الاعتبار، وزيادة قصة خاصة عطفت على ما قبلها، وقيل إنها تفصيل لقوله: {أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [سورة الحجر، الآية: 50] فضمير لهما للوعد والوعيد، وما يعتبرون به قصة إبراهيم وقوم لوط عليهما الصلاة والسلام، وهذا أحسن من قصره على الوعيد الواقع في الكشاف، وفي تقديم الغفور، وبشرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام إشارة لسبق رحمته غضبه. قوله: (نسلم عليك الخ أجعله منصوباً بفعل مقدر مضارع أو ماض، وجوّز فيه النصب بقالوا أي ذكروا سلاماً، ولم يذكر ردّ السلام ولا بقية القصة اختصاراً لسبقها، ولأنّ المقصود هنا الترغيب، والترهيب فاقتصر على مقدار الحاجة منه وظاهر. أنه ذكر لهم أنه خائف لهم، وقد مرّ في سورة هود أنهم شاهدوا منه أثر الخوف فيكون قوله هنا: {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 152 قولاً بالقوّة لا بالفعل لظهور علاماته أو صرّح به بعد إيجاس الخيفة. قوله: (لآنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت الخ) أي في وقت لا يطرق في مثله أو امتنعوا عن الأكل، وكان الطارق إذا لم يأكل من زادهم ناويا لهم شرا، والموافق لما في هود هذا، ولهذا قيل لو كان الوجه هو الأوّل قاله عند دخولهم، وليس كذلك إنما قاله عند امتناعهم من اكل فالوجه هو هذا، وسيأتي في الذاريات أنه وقع في نفسه عليه الصلاة والسلام أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب، وقد جعل البشارة هنا لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي أخرى لامرأته، ولكل وجهة فتدبر، وقراءة لا تأجل بالألف بقلب الواو ألفا، وقوله ولا توجل ولا تواجل بالمجهول، والثاني من المفاعلة، وقراءة حمزة بفتح النون من الثلاثيئ بمعنى المزيد، وقوله إذا بلغ قيده به لأن تمام العلم الذي تفيده صيغة المبالغة به، وقد فسر عليم بنبيّ فالتقييد عليه ظاهر. قوله: (تعجب من أن يولد له مع مس الكبر) إشارة إلى أنّ الاستفهام للتعجب، وعلى بمعنى مع وقوله أو إنكار فالاستفهام للإنكار بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون، وإنما أوّله لأنّ البشارة واقعة فلا يتأتى فهي الاستفهام الحقيقي. قوله:) فبأي أعجوبة تبشروني أو فبأي شيء تبشروني) الأوّل على أنّ الاستفهام للتعجب، وعلى بمعنى مع، والثاني على أنه للإنكار ففيه لف ونشر، وقوله في كل القرآن قيل إنه سهو فإنه لم يقع تبشرون في غير هذه الآية، واعتذر بأنه قراءة في أمثاله لا في عين هذه الكلمة، وليس بشيء، وقوله على حذف نون الجمع استثقالاً الخ كأنه اختاره لأنّ فيه إعلالاً واحداً، وهو الحذف، ولو حذفت نون الوقاية احتيج إلى كسر نون الجمع فيكون فيه إعلالان فلا يرد عليه أنّ المذكور في النحو وهو القياس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 أن المحذوف نون الوقاية مع أن المذكور هو مذهب سيبويه رحمه الله تعالى، وكونه خلاف القياس لأن نون الرفع حذفت مع الجازم معارض بما مز، وأما احتمال هذه القراءة لعدم الحذف بأن يكون اكتفى بكسر نون الجمع من أوّل الأمر فخلاف المنقول في كتب النحو، والتصريف وان ذهب إليه بعضهم، وأجاب به عما أورد على قراءة نافع بحذف الياء من أنّ حذف الحرفين لا يجوز. قوله:) ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء) اعترض أبو حاتم على هذه القراءة بانّ مثله لا يكون إلا في الشعر وتجرأ على غلطه فيها وقال وكسر نون الرفع قبيح، وهذا مما لا يلتفت إليه لأنّ حذف الياء في مثله اجتزاء بالكسرة كثير فصيح، وقد قرئ به في مواضع عديدة. قوله: (بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه الخ) على الوجهين الأخيرين اقتصر الزمخشري، والفرق بينهما أن الباء إمّا للتعدية كما في بشرته بقدوم زيد أو للآلة كضربه بالسوط فهي على الأوّلين للتعدية إلا أن الأوّل مبنيّ على أن الاستفهام للتعجب أي المبشر به أمر لا بدّ من وقوعه فكيف يتعجب منه، والثاني على أنه للإنكار أي أنّ المبشر به أمر محقق متيقن فكيف ينكر والثالث على أنّ الباء للألة أي بطريق، وأمر من له الأمر القادر على خلق الولد من غير أبوين فكيف بإيجاده من شيخ، وعجوز فانيين، وقيل إنّ الثاني ناظر إلى إطلاق الحق على الحكم المطابق بفتح الباء للواقع فيكون المبشر به هو ذلك الحكم وعلى الأوّل الغلام نفسه، وعلى الثالث بم تبشرون سؤال عن الوجه والطريقة يعني بأي طريقة تبشرونني به، ولا طريق في العادة فالباء للملابسة لا صلة أي تبشرونني ملتبسين بأيّ طريقة. قوله: (باعتباو العادة دون القدرة الخ) أي تعجبه مته لكونه مخالفا للعادة لا لقدرة الله تعالى إذ مقام النبوّة أجل من توهم مثله فمعنى قولهم لا تكن من القانطين الآيسين من خرق العادة لك فإنّ ظهور الخوارق على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثير حتى يعد بالنسبة إليهم غير مخالف للعادة فلذا أجابهم باعترافه بذلك، والتصريح برحمة الله تعالى في أحسن مواقعه، وأنّ سؤاله عنه للاستكشاف، وتعجبه جريا على عادة الناس لا بالقياس إليه، وقوله المخطئون طريق المعرفة الخ. يعني الكفار لا الأعم كما في الكشاف. قوله: (وقرأ أبو عمرو والكسائتي يقنط بالكسر الخ) والباقون بالفتح، وهو مختارة في النظم، والضئم شاذ وهي قراءة الأشهب كما قاله ابن جنيّ رحمه الله تعالى ففيه ثلاث قراآت، وماضيه محرك بحركات ثلاث أيضاً وورد من باب نصر، وضرب وفرح إلا أنه لم يقرأ إلا بواحدة منها، وهي الفتح في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [سورة الشورى، الآية: 28] فقوله وماضيهما بالفتح أي في القراءة المأثورة إذ هو في اللغة مثلث كما سمعتة. قوله: (كما قال تعالى: {لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ) تقدّم الكلام على هذه الآية، وهي مسألة مفصلة في الأصلين حاصلها أنّ اليأس من رحمة الله تعالى استعظاما للذنب، والأمن من مكره بالاسترسال في المعاصي اتكالاً على عفو الله اختلفوا فيهما فقال الحنفية أنهما كفر بناء على ظاهر الآية، وقال الشافعية أنهما من الكبائر لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى ضنه الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من الكبائر الإشراك بالله واليأس من روج الله والأمن من مكر الله " والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقال ابن أبي شريف رحمه الله تعالى عطفه على الإشراك بمعنى مطلق الكفر يقتضي المغايرة فإن أريد باليأس إنكار سعة الرحمة الذنوب، وبالأمن اعتقاد أنه لا مكر فكل منهما كفر اتفاقا لأنه ردّ للقرآن وان أريد استعظام الذنوب، واستبعاد العفو عنها استبعاداً يدخل في حد اليأس، وغلبة الرجاء المدخل له في حد الأمن فهو كبيرة اتفاقا اهـ. قوله: (فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة) إشارة إلى أنّ الخطب، والشأن والأمر بمعنى لكن الخطب يختص بما له عظم، وقوله والبشارة لا تحتاج إلى العدد قيل، ولا التعذيب ألا ترى أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام قلب مدائنهم بأحد جناحيه، وأورد على قوله، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم أنّ قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [سورة آل عمران، الآية: 39] يدل على أنّ المبشرين جميع الملائكة، وأمّا مريم إنما جاءها لنفخ الروح والهبة كما يدل عليه قوله تعالى: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا} ، وقوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [سورة التحريم، الآية: 12] وأمّا التبشير فلازم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 لتلك الهبة، وفي ضمنها وليست مقصودة بالذات فلا دلالة فيهما على أنّ الأصل في البشارة أن تكون بواحد ويدفع بأنّ المعنى أنّ العادة الجارية بين الناس ذلك فيرسل الواحد للبشارة، والجمع لغيرها من حرب وأخذ ونحوه والله تعالى يجري الأمور للناس على ما اعتادوه فلا ترد قصة جبريل عليه الصلاة والسلام في ذلك وان قيل المراد من الملائكة في تلك الآية جبرائيل كما ذكره المفسرون كقولهم يركب الخيل، ويلبس الثياب أي الجنس من ذلك الصادق بالواحد كما مرّ تحقيقه في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وعلى ما ذكرناه لا حاجة إلى ما ذكره فإنه يعلم منه عدم وروده، وأما كون بشارة الواحد توجد في ضمن بشارة الجمع فلا تنافي فمما لا يليق التفوّه به. قوله: (ولو كانت تمام القصة لابتدؤوا بها) قيل يخدشه قصة مريم قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [سورة مريم، الآية: 18] قال إنما رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فيجوز أن يكون قوله تعالى لا توجل تمهيدا للبشارة، ولا يخفى عدم وروده فإنها لنزاهة شأنها أوّل ما أبصرته تمثلاً عاجلته بالاستعاذة فلم تدعه يبتدىء بالبشارة بخلاف ما نحن فيه، وهذا ظاهر لمن تدبره. قوله: (إن كان استثناء من قوم كان منقطعاً إذ القوم مقيد الخ) كذا في الكشاف أيضاً لأنه مستثنى من موصوف مقيد بتلك الصفة فلو أدخلوا فيه لكانوا متصفين بالإجرام، وليس كذلك فتعين انقطاعه، وأمّا احتمال تغليبهم على غير المجرمين فليس مقتضى المقام ولو سلم، فالكلام بناء على كونه حقيقة، ولا ينافي صحة الاتصال على تقدير آخر، والعجب من بعض أرباب الحواشي أنه نقل عن بعض فضلاء عصره هنا اشكالاً اذعى أنه رفع إلى ابن الهمام، ولم يجب عنه فنقله على أنه وارد غير مندفع مع اشكالات أخر يتعجب منها، وهو أنّ الضمير في الصفة هو عين الموصوف المقيد بالصفة فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، وأطال فيه من غير طائل، وأظن ابن الهمام إنما سكت عن جوابه لوضوج اندفاعه، وإنه لا ينبغي أن يصدر عمن تحلى بجلية الفضل، ولكن ذلك من آفة الفهم: وما آفة الاخبار إلا رواتها ثم إنه قيل جعله على استثنائه من قوم مجرمين منقطعا أولى وأمكن، وذلك أنّ في استثنائهم من الضمير العائد على قوم منكرين بعداً من حيث إنّ موقع الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل المستثنى في حكم الأوّل، وهنا الدخول متعذر مع التكير، ولذلك فلما تجد النكرة يستثنى منها إلا في سياق نفي لأنها حينئذ تعمّ فيتحقق الدخول لولا الاستثناء، ومن ثمة لم يحسن رأيت قوما إلا زيدا، وحسن ما رأيت أحد إلا زيداً، ورد بأنه ليس نظير رأيت قوما إلا زيدا بل من قبل رأيت قوماً أساؤوا إلا زيداً فالوصف يعينهم فيجعلهم كالمحصورين على أنّ المراد بالقوم أهل القرية كما صرّح به في آية أخرى فهم معنى محصورون، ونقل المدقق عن السكاكيّ أنّ الاستثناء من جمع غير محصور جائز على المجاز. قوله:) وإن كان استثناء من الضمير في مجرمين كان متصلاَ (لأنه يعود على القوم بدون وصفهم بالاجرام، ولو عاد عليه مع وصفه لم يتأت إسناده إليه، وقد مرّ تحقيقه نقضا وابراما فإن قلت فلا يكون إلا امرأته مستثنى من آل لوط إذا استثنى من الضمير، وجعل قوله إنا لمنجوهم اعتراضاً قلت جعل الدلالة على ذلك كفعله فتأمّل. قوله: (والقوم والارسال شاملين للمجرمين الخ) أي على الاتصال يكون القوم شاملا للمجرمين وغيرهم بقطع النظر عن الصفة، وكذا الارسال بمعناه المطلق شامل لهما بخلاف على الأوّل فإنّ الارسال يختص بالقوم المجرمين لإخراج آل لوط منهم بالاستثناء فالمراد بالارسال أحد أنواعه، وهو ما كان لتعذيب، واهلاك لا انّ الارسال بمعنى الإهلاك كما توهمه بعض شرّاح الكشاف، وقوله لنهلك الخ إشارة إلى عموم الارسال وشموله لهما كما مرّ، وقوله مما يعذب به القوم قيل لم يقل من العذاب لأن الانجاء منه لا يحتاج إلى فعل فاعل لأنه على الأصل بخلاف انجائهم مما عذب به هؤلا من الخسف فإنه يفعل الله، واخراجه، وفيه نظر. قوله:) وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء (لثمام الكلام عنده والاستئناف بياني كأنه قيل ما بالهم، وقوله جار مجرى خبر لكن الخ أي إذا كان استثناء منقطعا وجب نصبه إذ لا يمكن توجيه العامل إليه لأنهم لم يرسلوا إليهم كما مرّ إنما أرسلوا إلى المجرمين خاصة فيكون قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} جاريا مجرى لكن في اتصاله معنى بآل لوط الواقع اسما للسكن فيكون في موضع رفع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 التقدير إلا بلكن كذا قرّره أبو حيان والزمخشري، وفي كون إلا الاستثنائية تعمل عمل لكن خفاء من جهة العربية، وقد قرّره المعرب، وقال إنه إذا لم يذكر له خبر يقدر والظاهر أنّ المراد أنه في معنى ذلك، وقولهم يجري مجرى الخبر إشارة إلى أنه ليس خبراً في الحقيقة لأن ما بعد إلا منصوب في الحقيقة على الاستثناء، ومن لم يتنبه لهذا قال إنما قاله لأن الخبر محذوف تقديره ما أرسلنا إليهم، وهذا دليله لتلازمهما ولذا لم يجعله نفس الخبر بل جار مجراه. قوله: (وعلى هذا جاز أن يكون قوله إلا امرأته استثناء من أن لوط) فيفيد أنها غير ناجية، وفيه ردّ على الزمخشري إذا لم يجوّز إلا الوجه الثاني، وسنحققه لك. قوله:) أو من ضميرهم) بكسر الهاء أي ضمير الآل أو بضمها أي من ضمير هو لفظ هم في قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} والمقصود فيهما واحد، وكذا قوله من ضميرهم المذكور بعده. قوله: (وعلى الأوّل لا يكون إلا من ضميرهم (أي على الاتصال لأنه ذكر أوّلاً هنا وان كان ثانيا فيما تقدم فيتعين على هذا كونه مستثنى من ضمير لمنجوهم فتكون امرأته مجرمة، ولا ينافيه ظاهر قول آل لوط لعمومه لأن المراد بآل لوط عليه الصلاة والسلام المؤمنون به كما مرّ في كلامه مع أنّ تقديرها في الغابرين، واخراجها من الناجين دال على تخصيصه بغيرها، وما ذكره مبنيئ على أن تخلل جملة بين المستثنى، والمستثنى منه منقطعة عنهما كالمستأنفة مانع من جواز الاستثناء، وقد صرّح به الرضي، وشراج الكشاف. قوله: (لاختلاف الحكمين الخ (أي لا! آل لوط متعلق بأرسلنا والا امرأته متعلق بمنجوهم فأنى يكون استثناء من اسنثناء كما في الكشاف، وهو مراد المصنف رحمه الله، وفي التقريب قد يتوهم أنّ الارسال إذا كان بمعنى الاهلاك فلا اختلاف إذ التقدير إلا آل لوط لم نهلكهم فهو بمعنى منجوهم، وجوابه أنّ الاستثناء من الاستثناء شرطه أيضاً أن لا يتخلل لفظ بين الاستثناءين متعدد يصلح مستثنى مته، وههنا تخلل إنا لمنجوهم فلو قال إلا آل لوط إلا امرأته لجاز ذلك، وارتضاه الشارح الطيبي رحمه الله وهذا لا يدفع الشبهة لأنّ السبب حينئذ في امتناعه وجود الفاصل لا اختلاف الحكمين فلا وجه للتعبير به عنه، وما قيل في تأويله إنّ هنا حكمين الإجرام، والإنجاء فيجرّ الثاني الاستثناء إلى نفسه كيلا يلزم الفصل إلا إذا جعل اعتراضا فإنّ فيه سعة حتى يتخلل بين الصفة، وموصوفها فيجوز أن يكون استثناء من آل لوط ولذا جوّر الرضي أن يقال أكرم القوم، والنحاة بصريون إلا زيداً لا يخفى أنه مقرّر إلا أنه لا يغني شيئآ في دفع ما أورد على كلام التقريب، ومن ارتضاه. قوله:) اللهنم إلا أن يجعل إنا لمنجوهم اعتراضا) قيل إنه استعان بالله لضعفه لأنّ الاعتراض بماله تعلق بالطرفين بعيد، ولا وجه له لأنه لتقرير الكلام الواقع فيه وتعلقه بهما أقوى في ذلك. فإن قلت لم لا يرجع إليهما قلت لأنّ الاستثناء متعلق بالجملة المستفلة والخلاف في رجوعه إلى الجملتين فصاعدا لا إلى جملة، وبعض جملة سابقة هذا، والمعنى مختلف في ذلك ومحل الخلاف الجمل المتعاطفة لا المنقطع بعضها عن بعض كذا في الكشف، واعلم أن تحقيق هذا المقام أنّ الزمخشريّ جوّز في استثناء إلا آل لوط أن يكون من قوم منقطعا بملاحظة الصفة لأنهم ليسوا قوما مجرمين أو من الضمير المستتر في مجرمين فيكون متصلا لرجوع الضمير إلى القوم فقط فبخرجون من حكم الإجرام، وعلى الانقطاع وهم مخرجون من حكم الإرسال المراد به إرسال خاص، وهو ما كان للإهلاك لا مطلق البعث لاقتضاء المعنى له، وعلى الاتصال هم مخرجون من حكم المستثنى منه، وهو الاجرام داخلون في حكم الارسال بمعنى البعث مطلقا، وجملة: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} في المعنى خبر لكن المؤوّل بها، وليس خبراً حقيقياً كما صرح به النحاة وأشير إليه هنا، وعلى الاتصال هي مستأنفة، والا امرأته مستثنى من ضمير منجوهم المضاف إليه وليس مستثنى من المستثنى سواء كان متصلاً أو لا لاختلاف الحكمين أي الحكم المخرج منه المستثنى الأوّل والمخرج منه الثاني لأنّ المخرج منه على الانقطاع الحكم بالارسال بمعنى الاهلاك، ولو أخرجت امرأته منه لكانت غير مهلكة، وليس كذلك وعلى الاتصال الاجرام، ولو أخرجت منه كانت غير مجرمة، وليس كذلك فتعين إخرأجها من حكم الإنجاء هذا تقرير كلامه، وقال القاض! ي: إنه على الانقطاع يجوز أن يجعل إلا امرأته مستثنى من آل لوط أو من ضمير منجوهم، وعلى الاتصال يتعين الثاني لاختلاف الحكمين إلا إذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 جعلت جملة ة {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} معترضة فخالفه من وجهين حيث جوّز الاستثناء من الاستثناء في الانقطاع، ومنعه الزمخشري فيهما، وحيث جعل اختلاف الحكمين في الاتصال وأثبته الزمخشري فيهما، فإن قلت المراد بالحكم في الكشاف معلوم، وبتقريره علم ثبوت الخلاف في كلا الوجهين فما مراد القاضي به حيث أثبته تارة ونفاه أخرى، وما معنى انتفاء الاختلاف على الاعترأض قلت كأنه أراد أنه على الانقطاع، وكون إلا بمعنى لكن {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} في معنى الخبر يكون في هذه الجملة حكم آخر وهو أن الإنجاء إلا امرأته مخرجا منه ولا يختلف حكماهما، وكذا إذا كان اعتراضا فإنه يكون لبيان حكمه فهو في المعنى كالأوّل فيصح الإخراج منه بخلاف ما إذا كان استئنافاً فإنه يكون منقطعا عنه، ويكون جوابا لسؤال مقدر، ولا يتم الجواب بدون الاستثناء، وهو ظاهر فإن قلت هل أحد المسلكين حق أحق أن يتبع أم لكل وجهة. قلت الذي ظهر لي أنّ الحق ما ذهب إليه الزمخشريّ دراية ورواية أمّا الأوّل فلأنّ الحكم المقصود بالإخراج منه هو الحكم المخرج منه الأوّل، والثاني حكم طارىء من تأويل إلا بلكن، وهو أمر تقديريّ، وأمّا الثاني فلما ذكر في التسهيل من أنه إذا تعدّد الاستثناء فالحكم المخرج منه حكم الأوّل، ومما يدل عليه أنه لو كان الاستثناء مفرغاً في هذه الصورة كما إذا قلت لم يبق في الدار إلا اليعافير أنها أبقاها الزمان إلا يعفور صيد فيها فإنه يتعين إعرابه بحسب العامل الأوّل كقولك ما عندي إلا عشرة إلا ثلاثة، ثم إنّ كلامه مبنيّ على أمر، ومانع معنويّ لا على عدم جواز تخلل كلام منقطع بين المستثنى، والمستثنى منه كما قيل، وان كان مانعا أيضا كما صرح به الرضي فتدبر. قوله: (الباقين مع الكفرة الخ) إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنه من الغبرة، وهي بقية اللبن في الضرع ومعناه الماكث بعد من مضى، وقيل معناه من بقي، ولم يسر مع قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقيل فيمن بقي في العذاب. قوله: (وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم) يعني علق عن العمل في قوله إنها الخ. إذا لم يصح لوجود لام الابتداء التي لها صدر الكلام، والتضمين الظاهر أنّ المراد به المصطلح، وقيل المراد به التجوّز عن معناه الذي كأنه في ضمته لأنه لا يقدر إلا ما يعلمه، وهو جائز وإذا أجرى مجرى القول لكون التقدير، والقضاء يقتضي قولاً يجوز أن يعمل عمله من غير تضمين. قوله:) وإسنادهم إياه إلى أنفسهم) يعني إذا كان من كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإن كان من كلام الله تعالى كما قيل به لا يحتاج إلى تأويل، وهذا يدل على أنّ المراد التضمين المصطلح إذ لو كان المراد به العلم مجازاً لم يحتج إلى تأويل أيضاً بحسب الظاهر، وقوله لما لهم من القرب توجيه للإسناد المجازي فإنهم لقربهم من الله كقرب خاصة الملك به يجوز أن يسندوا لهم ما أسند إليه كما تقول حاشية السلطان أمرنا ورسمنا بكذا، والآمر هو في الحقيقة. قوله: (تنكركم نفسي وتنفر عنكا الما كان ظاهر قوله منكرون أنه لا يعرفهم وجوابهم بقولهم بل جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه، والاضراب لا يوافقه، ويطابقه جعله كناية عن أنكم قوم أخاف شركم لأن من أنكر شيئا نفر عنه، وخاف منه فلذا أضربوا عنه بما ذكر أي ما جئناك لايصال شرّ إليك بل لتمشية أمرك، وتعذيب أعدائك بما توعدتهم به، وتوله ما جئناك بما تنكرنا لأجله فهو اضراب عن هذا المقدر وباء بما يسرك للملابسة أو التعدية، وقوله ويشفي لك أي يشفي ما بصدرك، وقوله الذي توعدتهم به لو قال كنت توعدتهم به كان أولى، ويمترون بمعنى يشكون أو يجادلون. قوله: (باليقين من عذابهم) يعني أنّ الحق بمعنى المتيقن المحقق، والباء للملابسة أي ملتبسين بحق أو ملتبسا أنت به لابصاره، ولو حمل على الخبر اليقين كان قوله: وإنا لصادقون مكرّراً. قوله: (فاذهب بهم في الليل) لأنّ الإسراء سير الليل خاصة وكذا السرى وفي ترادفهما والفرق بينهما كلام سيأتي في الإسراء، وقوله بقطع من الليل مؤكد له وعلى قراءة فسر تأسيس أو الإسراء مجرد عن جزء معناه لمطلق السير أو القيد لبيان وقوعه في بعض دون استغراقه فيكون لتقليل المدّة. قوله: (افتحي الباب وانظري الخ) يحتمل أن يكون استطال الليل فأمر جليسه لينظر في النجوم ليرى هل قرب الصبح أم لا، ويحتمل أنه كان يحب طوله فأمر بالنظم ليعلم ما بقي من الليل قال صاحبنا الموصلي في شرح شواهد الكشاف: أي كم بقي علينا يخاطب ضجيعته مستقصر الزمن الوصال أو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 مستطيلا ليل الهجر لما عنده من الملال، وهذا الشعر لم أطلع على قائله، وهو شاهد على إطلاق القطع على طائفة من الليل. قيل: ولا شاهد فيه لاحتمال أنه بمعنى القطعة مطلقا، وتخصيصه هنا بالإضافة. قوله: (وكن على أثرهم) بفتح الهمزة، والثاء أو بكسر فسكون بمعنى عقبهم وخلفهم، وقوله تذودهم الخ بذال معجمة بمعنى تسوقهم بيان الحكمة أمره بأن يكون خلفهم، وترك ما في الكشاف من أن خروجه مهاجراً سالما يقتضي الاجتهاد في الشكر، وفراغ البال للذكر فلم يكن قدامهم لئلا يشتغل عن ذلك بتفقد من خلفه لعدم تبادره. قوله: (لينظر ما وراءه فيرى من الهول الخ) فيكون لا يلتفت على ظاهره لأنّ الالتفات إنما هو للنظر وإذا كان بمعنى لا ينصرف، ويتخلف فهو مجاز لأن الالتفات إلى الشيء يقتضي محبته، وعدم مفارقته فيتخلف عنده فهؤ من لفته بمعنى ثناه وصرفه. قوله:) وقبل نهوا عن الالتفات ليوطنوا نفوسهم على المهاجرة (وتطبيب قلوبهم بمفارقة منازلهم لأنّ من هو كذلك لا يلتفت لما خلفه تحسراً على فراقه. قوله: (فعدى وامضوا إلى حيث وتؤمرون إلى ضميره الخ) كذا في الكشاف فقيل حيث ظرف مبهم فعلى تقدير نصبه على الظرفية لا يحتاج إلا في لأنه مبهم، والظرف المبهم منصوب، والمؤقت حكمه حكم ما ليس بظرف فيحتاج إلى في، وكذلك الضمير في تؤمرونه مبهم نظراً إلى تقديره، وهو راجع إلى حيث، ولو كان مؤقتاً لقيل تؤمرون فيه ورذ بأنه لم يرد ما ذكر فإن قلت هو مسلم في تعدية تؤمرون إلى ضمير حيث فإنّ صلنه، وهي الباء محذوفة إذ أصله تؤمرون به أي بمضيه فأوصل بنفسه، وأمّا تعدية امضوا إلى حيث فلا اتساع فيه كما سمعته إلا أن يجعل تغليبا قلت تعليق حيث بالفعل هنا ليس تعلق الظرفية ليتجه تعدية الفعل إليه بنفسه بكونه من الظروف المبهمة فإنه مفعول به غير صريح نحو سرت إلى الكوفة، وقد نص النحاة على أنه قد يتصرف فيه فالمحذوف ليس في بل إلى كما أشار إليه الزمخشريّ، والمصنف رحمه الله فلا اشكال قلت، وإن دفع به اشكال التعدي لكنه غير صحيح لأنهم صرحوا بأنّ الجمل المضاف إليها لا يعود منها ضمير إلى المضاف. قال نجم الأئمة: اعلم أنّ الظرف المضاف إلى الجملة لما كان ظرفا للمصدر الذي تضمنته الجملة على ما مر لم يجز أن يعود من الجملة إليه ضمير فلا يقال يوم قدم زيد فيه لأنّ الربط الذي يطلب حصوله حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفا لمضمونها فيكون كأنك قلت يوم قدوم زيد فيه اهـ، وحيث تلزم الإضافة لجمله فكيف يقدر الضمير في تؤمرون عائداً عليه، وأغرب منه أنّ بعض المتأخرين صبه في قالبه مع أنه قال في بعض كتبه: إنّ حيث لا يصح عود الضمير عليها، واعترض به على صاحب التوضيح، وقد أتى من مأمنه فحرّره. قوله: (أوحينا إليه مقضياً ولذلك عدى بالى) يعني أنّ قضي لا يتعدّى بإلى لكنه ضمن هنا معنى أوحى فعدى تعديته، وقوله مقضيا بالنصب على الحال من ذلك إشارة إلى أحد وجهي التضمين، وهو جعل المضمن فيه حالاً، ولذ أخره ليظهر تعلق الجار به، والا فلا يلزم تأخره، وقوله ولذلك عدي بإلى أي لكونه بمعنى أوحينا. قوله: (يفسره أنّ دابر هؤلاء الخ) كونه تفسيرا ليس مخصوصا بقراءة الفتح، وقوله وفي ذلك أي في التفسير بعد الإبهام تفخيم للأمر حيث أبهم ثم فسر اعتناء بثأنه وأتى بلفظ ذلك الموضوع للبعيد وفي نسخة، وذلك بدون في، والأولى أولى وفي لفظ ذلك، والأمر حسن تعبير لايهامه معنيين، وقوله والمعنى الخ يعني أنّ الدابر الآخر، وليس المراد قطع آخرهم بل جملتهم، وقوله عن آخرهم مرّ تحقيقه، وهو واقع في محزه هنا، وقوله على الاستئناف أي في جواب وما ذلك الأمر، ونحوه والبدلية على الكسر لأنّ في الوحي معنى القول. قوله: (داخلين في الصبح) لأنّ الأفعال يكون للدخول في الشيء نحو أتهم، وأنجد وهو بيان لأنها تامّة هنا، وجعله حالاً من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه فهو مما يجوز فيه ذلك، وليس العامل معنى الإضافة، ولا يتوهم كونه اسم الإشارة لأنّ الحال لم يقل أحد أنّ صاحبها يعمل فيها فهذا من سقط القول، وقوله وجمعه توجيه لكونه حالأ من الدابر مع جمعه بأنه في معنى الجمع لأنّ دابر بمعنى المدبرين من هؤلاء. قوله: (سذوم) بفتح السين على وزن فعول بفتح الفاء، وذاله معجمة وروي إهمالها، وقيل إنه خطأ، وهو أعلى ما قال الطبرفي رحمه الله اسم ملك من بقايا اليونان كان غشوما ظالما، وكان بمدينة سرمين من أرض قنسرين، وباسمه تسمى البلد كما في المثل أجود من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 قاضي سذوم، وقال الميداني رحمه الله: سذوم مدينة من مدائن قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وفي الصحاح بفتح السين، والدال غير معجمة وهو معرّب، ولذا قيل إنه بالاعجام بعد التعريب وبالإهمال قبله، والاستبشار السرور وفرحهم به إذ قيل لهم أن عنده ضيوفا مردا في غاية الحسن، والجمال فطمعوا فيهم، والضيف يطلق على الواحد والجمع لأنه في الأصل مصدر ضافه فلذا كان خبرا لقوله هؤلاء، وقوله أسيء مبنيّ للمجهول من أساء إليه ضد أحسن، وقوله لفضيحة ضيفي باللام والباء لأنّ فضيحتهم تورث فضيحة له، وركوب الفاحشة فعلها كارتكابها. قوله: (ولا تذلوني بسببهم (أي بسبب محبتهم فإنه لولاه لم يكن قصدهم الشنيع أو بسبب اخزائهم، وقوله تخجلوني من التخجيل، وهو فعل ما يورث خجلا وحياء، وهو إشارة إلى معنيي الخزي المختلفين باختلاف مصدريهما كما مر، وهو معطوف على الأمر بما يوجب الانتهاء أو على النهي، وهو مؤكد ومقرّر له. قوله: (عن أن تجبر منهم أحدا الخ (يعني أنّ المراد منه ذلك أو هو على تقدير مضاف أي إجارة العالمين أو ضيافتهم وقوله، وتمنع الخ. عطف تفسير، وقوله يمنعهم عنه أي عن التعرّض، وهم ينهون عنه بالوعيد بالرجم ونحوه. قوله: (إن كنتم فاعلين قضاء الوطر (قال في الكشاف شك في فبولهم لقؤله كأن قال إن فعلتم ما أقول لكم، وما أظنكم تفعلون، وقيل إن كنتم تريدون قضاء الشهوة، وهو المراد من الوطر في كلام المصنف رحمه الله، وقدّم الزمخشري الأوّل لأنه أنسب بالشك، وقدم المصنف رحمه الله تعالى الثاني لتبادره من الفعل وهو تقدير لمفعوله على الوجهين، ويجوز تنزيله منزلة اللازم، وجواب الشرط محذوف أي فاقضوا الوطر بما قلته لكم أو فهو خير لكم، وكون النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب! الذى ر بمنزلة البنين، والنساء بمنزلة البنات بالنسبة له صلى الله عليه وسلم فقط. قولى: (قسم بحياة المخاطب الخ) عمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوبا وتقديره قسمي أو يميني، والعمر بالفتح، والضم البقاء، والحياة إلا أنهم التزموا الفتح في القسم لكثرة دوره فناسب التخفيف، وإذا دخلت اللام التزم فيه الفتح، وحذف الخبر وهو صريح في القسم، وبدون اللام يجوز فيه النصب والرفع، وهو مصدر مضاف للفاعل أو المفعول وسمع فيه دخول الباء، وذكر الخبر قليلأ، وقيل شاذا ورعمك بالقلب، وهي قراءة شاذة وكون المقسم به حياة النبي صلى الله عليه وسلم هو قول جمهور المفسرين ولذا ورد في الأثر أنه تعالى لم يقسم بحياة أحد غير نبينا-لمجؤ تكريما له وتعظيماً أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه فيعمهون حينئذ على حكاية الحال الماضية، وأمّا كونه خطابا للوط عليه الصلاة والسلام فيحتاج إلى تقدير القول أي قالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام لعمرك الخ. ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى عكس ما في الكشاف لأنه مع مخالفته للرواية محتاج للتقدير، وهو خلاف الأصل، وان كان سياق القصة شاهداً له، وقرينة عليه فلا يرد عليه ما قيل إنه تقدير من غير ضرورة، ولو ارتكب مثله لأمكن اخراج كل نص عن معناه بتقدير شيء فيرتفع الوثوق بمعاني النص، وقوله قالت الملائكة الخ. إشارة لما ذكرنا إذ لو كان كلام لوط عليه الصلاة والسلام لقال لعمري، وقوله يختص به القسم على القلب أو تضمين معنى التمييز أو التجوّز به، وهو أكثري. قوله: (لفي غوايتهم أو شدّة غلمثهم الخ) الغلمة بالضم الشبق، واشتهاء الغلمان يشير إلى أنّ السكرة مستعارة لما ذكر، وقوله التي أزالت عقولهم إشارة لوجه الشبه وهو قيد للغواية، والشدّة ووصف لهما على البدل، وقوله الذي يشار به صفة للصواب، وما أشار به هو الكف عن القبيح، والاكتفاء بالحلال الطيب من نكاح البنات، وقوله يتحيرون تفسير للعمه لأنه عمى البصيرة المورث للحيرة كما مرّ، واستبعد كونه لقريش لعدم مناسبة السياق، والسباق ولذ جعل اعتراضاً. قوله: (يعني صيحة هائلة مهلكة) من غير تعيين لمن صاح بهم، وفي القول الآخر تعيين له، وأمّا قوله مهلكة فمستفاد من الأخذ لأنه في الأصل بمعنى القهر، والغلبة واشتهر في الإهلاك، والاستئصال، والتعريف على الأوّل للجنس وعلى الثاني للعهد. قوله: (داخلين في وقت شروق الشمس) وأمّا الجمع بين قوله مشرقين، ومصبحين فباعتبار الابتداء والانتهاء وأخذ الصيحة قهرها إياهم، وتمكنها منهم ومنه الأخيذ للأسير، ولك أن تقول مقطوع بمعنى يقطع عما قريب كذا في الكشف، وقيل مشرقين حال مقدّرة. قوله: (عالي المدينة أو عالي قراهم) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 المراد بعاليها وجه الأرض وما عليها، وقوله وأمطرنا عليهم وفي هود عليها أي المدينة أو القرى، والمآل واحد والسجيل تقدم أنه معرّب سنك كل، وكونه من السجل، وهو الكتاب أو الصك لأنها كتب عليها أسماؤهم أو لأنها مما كتب الله تعذيبهم بها، وقد مر الكلام عليه في سورة هود. قوله: (للمتوسمين) صفة آيات أو متعلق به، والتوسم تفعل من الوسم، وفسر بالتثبت والتفكر، وفسره ثعلب بالنظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف قال: بعثوا إليّ عريفهم يتوسم وتوسمت فيه خيرا أي ظهرت علاماته لي منه قال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه: إني توسمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أني ثابت البصر وتوسم طلب عشب المطر الوسمي، وقوله المدينة أو القرى، وقيل الضمير للصيحة أو الحجارة أو الآيات وقوله للمؤمنين خصهم لأنّ غيرهم يظنها من الاقترانات، ونحوه. قوله: (وإن كان أصحاب الآيكة) أن مخففة من الثقيلة، واللام فارقة، والأيكة أصلها الشجرة الملتفة واحدة الأيك، وسيأتي أنه يقال فيها ليكة، وتحقيقه والغيضة بالضاد المعجمة البقعة الكثيفة الأشجار، وفيه إشارة لوجه تسميتهم بذلك وقيل الأيكة اسم بلدة، والظلة بالضم سحابة أظلتهم فأرسل الله عليهم منها ناراً أحرقتهم كما مرّ والتكاثف كثرة الأشجار والتفافها، وقوله والأيكة الشجرة المتكاثفة أي الملتفة الأغصان، وهذا بيان لمعناها الحقيقيّ، وأمّا المراد بها هنا فقد علم مما قبله، وهو أنه الغيضة أو البلدة بطريق النقل أو تسمية للمحل باسم الحالّ فيه، ثم غلب عليه حتى صار علماً فلا وجه لما قيل عليه أنه كان عليه أن يبدل الشجرة بالغيضة، ولا يحتاج إلى تكلف أنّ المراد الجماعة الواحدة من الشجر أو نوع منه. قوله: (يعني سذوم والأيكة الخ) يعني محل قوم لوط وقوم شعيب عليهما الصلاة والسلام، وقيل هما راجع إلى الأيكة والى مدين ومدين، وان لم يذكر هنا لكن ذكر أحدهما يدلّ على الآخر لإرساله إلى أهلهما. قوله: (فسمي به الطريق واللوح (يعني اللوج المحفوظ أو مطلق اللوج المعد للقراءة كما سمي به مصحف عثمان رضمي الله تعالى عنه، وحيث أطلق في القرا آت فهو المراد والمطمر بكسر الميم كالمطمار خيط البنائين الذي يقدرون به البناء، وهو المسمى زيجاً وبه سمي الزيج المعروف عند أهل الهيئة، وهو معرب زيه بمعنى الخيط وفي نسخة سمي به اللوح، ومطمر البناء بدون ذكر الطريق لأنه علم تسميتها به من تفسير الآية فكأنه معناه الأصلي، وهذا منقول مأي سمي به اللوح، والمطمر كما سمي به الطريق فلا غبار في كلامه. قوله: (ومن كذب واحدا من الرسل فكأنما كذب الجميع الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ أصحاب الحجر كذبوا صالحاً صلى الله عليه وسلم فقط فكيف قيل كذبوا المرسلين فأجاب بأنّ من كذب واحدا فقد كذب جميع الرسل لاتفاق كلمتهم على التوحيد، ودعوة الحق فجعل اتحاد المكذب فيه بمنزلة اتحاد المكذب، ولذا قال قكأنما لأنهم لم يواجهوهم بذلك حتى يك! ونوا مكذبين لهم حقيقة. قوله: (ويجوز أن يكون المراد الخ) على التغليب، وجعل الاتباع مرسلين كقوله: قدني من نصر الخبيبين قدي وقوله يسكنونها راجع للحجر أو الوادي، وأنث باعتبار البقعة. قوله: (يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم) أورد عليه أنّ صالحاً صلى الله عليه وسلم ليس له كتاب ماثور إلا أن يقال الكتاب لا يلزم أن ينزل عليه بل يكفي كونه معه، وإن نزل على غيره لأنه أنزل على من قبله، والظاهر هو التفسير الثاني، وسقبها بفتح السين المهملة، وسكون القاف، والباء الموحدة، ولد الناقة وفصيلها وتفصيله مرّ في هود، وقوله أو ما نصب لهم من الأدلة أي ما أظهره الله من الأدلة ألعقلية الدالة عليه الميثوئة في الأنفس، والآفاق. قوله: (من الانهدام ونقب اللصوص الخ) فالحال مقدرة، وقوله أو من العذاب الخ الظاهر أنّ المراد عذاب الآخرة فظنهم أنها تحميهم منه من غاية الحماقة إذ لا وجه له، ولو أريد الأعمّ منه، ومن عذاب الاسنئصال في الدنيا كان التعليل بما ذكر أظهر، ويؤيده تفريع ما بعده عليه، والحسبان بكسر الحاء الظن. قوله: (فأخذتهم الصيحة) في الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [سورة الأعراف، الآية: 78] ووفق بينهما بانّ الصيحة تفضي إلى الرجفة أو هي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 مجاز عنها قيل، وفوله تعالى: {مُّصْبِحِينَ} يردّ ما مرّ في الأعراف من قوله فلما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر، وتكفنوا بالأنطاع فاتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فإنه يقتضي أنّ أخذ الصيحة إياهم بعد الضحوة لا مصبحين ورد بأنه يحمل قوله مصبحين على كون الصيحة في النهار دون الليل أو أطلق الصبح على زمان ممتذ إلى الضحوة لنص ظفر به دال عليه) قلت) هذا كله غفلة عن قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} هنا وقد مرّ الكلام عليه فتدبر. قوله: (ولذلك اقتضت الحكمة الخ) فهذه الآية لبيان هلاكهم في الدنيا، وما بعدها لبيان عذابهم في الآخرة، وهو أولى من قصره على الثاني كما في الكشاف، وقوله فينتقم الله الخ بيان لأن المراد من الإخبار بإتيانها، وقوله فاصفح يشير إلى أنه قادر على الانتقام منهم. قوله: (وعاملهم معاملة الصفوح الحليم) يعني المراد إمّا أمره بمخالقتهم بخلق رضا، وحلم وتأن بأن ينذرهم، ويدعوهم إلى الله قبل القتال، ثم يقاتلهم بعد ذلك فليست الآية منسوخة، وان كان المراد مداراتهم، وترك القتال تكون منسوخة بآية السيف في سورة براءة 0 قوله: (فهو حقيق بأن تكل ذلك إلبه ليحكم بينكم) أي في الآخرة، وهذا ناظر إلى كون الآية غير منسوخة كما أنّ ما بعده ناظر لنسخها، وقوله وعلم الأصلح أي وان لم يجب عليه فعله، وإنما يفعله تفضلاً منه فليس مخالفا لمذهب أهل السنة، وقوله وفي مصحف عثمان وأبي رضي الله تعالى عنهما قيل يلزم عليه أن لا تكون هذه القراءة شاذة لوجود شروطها، وفيه نظر. قوله: (وهي الفاتحة الخ) قيل هذا أصح الأقوال وهو المصرح به في صحيح البخاري نقلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ونحوه من الأحاديث المروية من طرق. قوله: (وقيل سبع سور وهي الطوال) المعدود على التفسير الأوّلط آيات، وعلى هذا سور، وحينئذ فيها قولان، والطوال كصغار جمع طويلة والذي ورد في الحديث الطول بوزن كبر جمع طولى، وفي سابعتها اختلاف، ولو قال في التعليل فإنهما سورة واحدة كان أظهر لكنه أقحم حكم إشارة إلى القول الآخر، وهذا القول ورد في الحديث أيضاً، وقد قيل بإنكاره لأن هذه السورة مكية، والسبع الطول مدنية، وأجيب بأنّ المراد من إيتائها إنزالها إلى السماء الدنيا، ولا فرق بين المدنيّ والمكيّ فيه، واعترض بأنّ آتيناك يأباه، وقيل إنه تنزيل للمتوقع منزلة الواقع في الامتنان، ومثله كثير. قوله: (وقيل التوية الخ (معطوف على الأنفال، ومرضه لما فيه من الفصل بينها وهو خلاف الظاهر، وكذا قوله الحواميم، وهو مبنيّ على جواز أن يقال حواميم في جمع حم، وهو الصحيح لوروده في الحديث الصحيح، والشعر الفصيح كما بيناه في شرح الدزة فلا عبرة بقول بعض أهل اللغة أنه خطأ، والصواب آل حميم. قوله: (وقيل سبع صحائف وهي الآسباع (الظاهر أن المراد بالصحائف الصحف النازلة على الأنبياء عليهكل الصلاة والسلام، وأنه أنزل عليه سبع منها، والمراد ما يتضمنها، وان لم يكن بلفظها فتأمّل. قوله: (والمثاني من التثنية أو الثناء (يعني أنه جمع مثنى على وزن مفعل، وهو إمّا من التثنية أي من الثني بمعنى التثنية أو الثناء، وهو مصدر سمي به المفعول أو اسم مكان سمي به مبالغة أيضاً، وقوله فإنّ كل ذلك مثنى بيان لكونه من التثنية، وقوله تكرّر قراءته لم يقل في الصلاة ليشمل الوجوه، وقوله قصصه ومواعظه هو مخصوص بغير الفاتحة، وقوله مثنى عليه بالبلاغة بيان لكونه من الثناء، وقوله فتكون من للتبعيض قيل إنه في غير الوجه الذي يفسر فيه بالإسباع، والقرآن فإن من فيه بيانية أيضأ. قوله: (فمن عطف الكل على البعض (بناء على أن يراد بالقرآن مجموع ما بين الدفتين، والعام على الخاص إذا أريد به المعنى المشترك بين الكل، والبعض وفيه دلالة على امتياز الخاص حتى كأنه غيره كما في عكسه حتى لا يعد تكرارا. قوله: (لا تطمح ببصرك) الباء للتعدية، وطمح بمعنى ارتفع، وقوله طموح راغب قيد به لأنه المنهيّ عنه، وقوله مطلوب بالذات لا إنه آلة لغيره، وان أفضى إلى اللذات. قوله: (وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخ (قال العراقي: الحديث مرويّ لكن لم أقف على روايته عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في شيء من كتب الحديث، وأذوعات بفتح الراء وكسرها بلد بالشام قيل وهذا لم يعرف أيضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 ولم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام فالظاهر ما وقع في غيره من التفاسير أنه وافت من بصرى وأذرعات سبع قوافل الخ، وقوله سبع آيات يعني الفاتحة، وفي الكشاف يقول لرسوله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتيت النعمة الكبرى التي كل نعمة، وان كبرت وعظمت فهي إليها حقيرة فعليك أن تستغني به عن متاع الدنيا، ومنه الحديث: " ليس منا من لم ينغق بالقرآن " (1) قال في الانتصاف: هذا هو الصواب في معنى الحديث، وقد حمله كثير على تحسين الصوت، وإنما ينهي عن تمطيط الصوت المخرج له عن حده، وقال إنه لا يبني يتغنى إلا من الغناء الممدود لا من الغنى المقصور، وقد وجدت بناء يتغنى من المقصور في حديث الخيل فرجل ربطها تغنياً، وتعففاً فقد ورد منهما جميعا على خلاف ما ادّعاه المخالف، وهو كلام حسن. قوله: (أنهم لم يؤمنوا) بفتح الهمزة بدل اشتمال من الضمير المجرور، ويجوز أن يكون على تقدير اللام أي لأنهم لم يؤمنوأ، وكذا قوله أنهم الممتعون به. قوله: (وتواضع لهم وأرفق بهم) فخفض الجناح مجاز عن التواضع أو تمثيل بتشبيهه بالطائر. قوله: (أنذركم ببيان وبرهان) سيأتي بيان وجه جعله في قوّة الفعل وقوله: مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم فما موصولة والعائد محذوف وقوله فهو وصف لمفعول الخ أي نذير عذابا كالعذاب الذي نزل الخ، واعترض! بأنّ أعمال اسم الفاعل، والصفة المشبهة إذا وصفت غير جائز وكونه في قوة أنذركم لا فائدة فيه كما توهم، وأجيب بأق المراد بالمفعول المفعول الغير الصريح، وتقديره بعذاب وهو لا يمنع الوصف من العمل فيه، وأيضا أنه لا يصلح أن يكون من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله أنزلنا وإذا كان صفة مفعول يكون من مقول القول، واعتذر له بأنه كما يقول بعض خواص الملك أمرنا بكذا أو حكاية لقول الله عليه ولا يخفى ما فيه، وقوله الاثنا عثر، وقيل كانوا ستة عشر أرسلهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ليقفوا على رأس طرق مكة لما ذكر، وقوله فأهلكهم الله تعالى يوم بدر في الكشاف وقتلهم بآفات. قوله:) أو الرهط الذين اقتسموا أي تقاسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه الصلاة والسلام الخ) فيكون تفاعلاً من القسم، وهو في الوجه الأخير من الانقسام على مفارق الطرق، وهو على هذا صفة مفعول النذير كما في الوجه الذي قبله، وترك كون المراد بالمقتسمين اليهود، وبما أنزل عليهم ما جرى على بني قريظة، والنضير لأنّ المشبه به يكون معلوما حال النزول، وهذا ليس كذلك فيلغوا التشبيه. قوله: (وقيل هو صفة مصدر محذوف الخ) قائله جار الله، وآتينا بمعنى أنزلنا فكأنه قيل أنزلنا إنزالاً كما أنزل الخ والمقتسمون على هذا الذين قسموا القرآن عناداً لما ذكر: {وهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أيضا كما في الوجه الذي بعده، وأنما الفرق بينهما تقسيمهم له إلى ما يؤمنون به، وما يكفرون، وأنّ المراد بالقرآن معناه اللغوي وهو المقروء من كتبهم، وعلى هذا الدّين صفة المقتسمين، وعلى الأوّل مبتدأ خبره فوربك الخ، وكان الظاهر أن يقول، والمقتسمون هم أهل الكتاب، وما اقتسموه إمّا القرآن حيث قالوا الخ. أو ما يقرؤونه من كتبهم. قوله: (فيكون ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أي على هذا الوجه الأخير المقصود منه تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله ممداً لها أي للتسلية، والمراد أنه مؤكد مقولها، وعبر به لموافقة النظم. قوله: (أجزاء جمع عضة الخ) عضوة بكسر العين، وفتح الضاد بمعنى جزء فهو معتل اللام من عضاه بالتشديد جعله أعضاء، وأجزاء وجعله أجزاء يتناول التقسيم إلى الشعر، والسحر، والكهانة وتقسيمه إلى حق، وباطل دمايمانهم ببعض، وكفرهم ببعض منه. قوله: (وقيل فعلة من عضهته (كذا في نسخة مصححة أي على وزن فعلة بوزن الهيئة، وأمّا في الوجه الأول فهو بفتح الضاد كما ذكره الطيبيّ ونقله السيوطيّ رحمه الله تعالى، وقيل إنه على الاحتمال الأوّل بوزن فعلة أيضاً، وأراد بفعلة بناء النوع فإنه علم وليس الأوّل، وان وافق زنة بهذا المعنى فلهذا خصه بهذا، وفيه نظر، وفي بعضها، وقيل أسحاراً جمع سحر تفسير لعضين، وإذا كان من عضهته، فاللام المحذوفة هاء كشفة على القول بأنّ أصلها شفهة، وقوله إذا بهته أي افتريت عليه لكن الواقع في الحديث (1) بمعنى الساحرة، والمستسحرة أي المستعملة لسحر غيرها كما ذكره ابن الأثير فكان أصل معناه البهتان بما لا أصل له فأطلق على السحر لأنه تخييل أمر لا حقيقة له فلذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 جمع بينهما المصنف رحمه الله تعالى لكن فيه إجمال، وهذا الحديث رواه ابن عدفي في الكامل، وأبو يعلى في مسنده كما قاله العراقي. قوله:) وإنما جمع جمع السلامة الخ) إشارة إلى ما ذكروه من أنّ ما حذف منه حرف يجمع جمع السلامة جبرا لما فات منه كعزين، وسنين وهو كثير مطرد والا فحقه أن لا يجمع جمع السلامة المذكر لكونه غير عاقل، ولتغيير مفرده، وهذه المسألة مفصلة في شرح التسهيل، وقوله والموصول الخ. ترك كونه منصوبا بالنذير الذي في الكشاف لبعده، وأعمال المصدر الموصوف فيه. قوله: (من التقسيم) ناظر إلى قوله أجزاء، وقوله أو النسبة إلى السحر ناظر إلى قوله، وقيل أسحارا أو إلى تفسيره على الواقع في بعضها إذ معنى بهتهم القرآن جعله سحراً. قوله: (فيجارّيهم عليه) بصيغة المتكلم أو الغيبة، والفاء تفسيرية أو عاطفة، وعلى الأوّل فالسؤال مجاز عن المجازاة لأنه سببها فلا يرد أنه ينافي قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [سورة الرحمن، الآية: 39] وعلى الثاني المراد سؤال التقريع بلم فعلتم لا الاستفهام لعلمه بجميع ما كان وما يكون، وأورد عليه الإمام أنه لا وجه لتخصيص نفيه بيوم القيامة، وأجيب بأنه بناء على زعمهم كقوله: {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا} [سورة إبراهيم، الآية: 21] فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام، وقيل المراد لا سؤال يومئذ من الله، ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها ورد بأن قوله لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم يأباه، ثم إنّ الإمام ارتضى في سورة الرحمن ما ردّه هنا، وسيأتي الكلام فيه، وأنه باعتبار المواقف، والعموم نظرأ إلى ظاهر ما وقوله أنا النذير المبين. قوله:) فاجهر به) فاصدع أمر من الصدع بمعنى الإظهار، والجهر من انصداع الفجر أو من صدع الزجاجة، ونحوها، وهو تفريق أجزائها فالمعنى افرق بين الحق، والباطل، وقوله وأصله الخ إشارة إلى أنه مستعار منه، والباء في الأوّل صلته، وفي الثاني سببية. قوله: (وما مصدرلة أو موصولة الخ) رد أبو حيان رحمه الله تعالى المصدرية بأنه جار على مذهب من يجوّز أن يراد بالمصدر أن، والفعل المبنيّ للمفعول، والصحيح عدم جوازه وردّ بأنّ الاختلاف في المصدر الصريح هل يجوز انحلاله إلى حرف مصدري، وفعل مجهول أم لا إمّ أنّ الفعل المجهول هل يوصل به حرف مصدري فليس محل النزاع فإن كان اعتراضه على الزمخشريّ في تفسيره بالأمر، وأنه كان ينبغي أن يقول بالمأمور به فشيء آخر سهل، وقوله بما تؤمر به من الشرائع فالمأمور به الشرائع نفسها لا الأمر بها حتى يتكلف، ويقال أصله تؤمر بالصدع به فحذف تدريجاً إذ لا داعي له، وقوله فلا تلتفت الخ. يشير إلى أنه ليس أمراً بترك القتال حتى يكون منسوخاً بآية السيف. قوله: (كانوا خمسة الخ) كونهم خمسة قول وفي شرح البخارفي أنهم سبعة، وفي بعض أسمائهم اختلاف مفصمل في كتب الحديث، والعاص بضم الصاد واجراء الإعراب عليها، وليس منقوصا كالقاضي فإنه علم آخر كذا قيل، ولا أصل له، وقوله عدفي بن قيس كذا في نسخة وصوابه الحرث بن قيس ونبال بفتح النون، وتشديد الباء الموحدة من يصنع النبال أي السهام، وقوله لأخذه متعلق بينعطف، وقوله كالرحى في رواية كعنق البعير، وقوله فامتخط أي خرج قيح من أنفه بدل مخاطه. تنبيه: في المستهزئين خلاف فقال الكرمانيّ في شرح البخاريّ هم السبعة الذين ألقوا الأذى على رأسه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كما في البخاريّ فهم عمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد وفي الأعلام للسهيلي أنهم قذفوا بقليب بدر وعدهم بخلاف ما ذكر. قوله: (عاقبة (إشارة إلى مفعوله، وقوله في الدارين متعلق به، وقوله فافزع الفزع هنا بمعنى الالتجاء، وقوله بالتسبيح، والتحميد بمعنى أنه بمعناه العرفي، وهو قول سبحان الله والحمد لله، وما بعده إشارة إلى أنه بمعناه اللغويّ، وما نابك بمعنى ما نزل بك، وقوله من المصلين فهو من إطلاق الجزء على الكل، وقوله حزبه بالباء الموحدة، والنون أيضا وقد مرّ ضبطه وشرحه، وقوله فزع إلى الصلاة أي قام إليها واشتغل بها، وقوله الموت فاليقين بمعنى المتيقن، والمراد مدة حياته صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد به تعذيب هؤلاء، وأن ينزل بهم ما وعده وتخل من الخلل والتقصير، وقوله من " ترأ سورة الحجر الخ) (1) هو حديث موضوع كما في كثر ما ذكر في أواخر السور. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 سورة النحل بسم الله الرحمن الرحبم قوله: (مكية غير ثلاث آيات) وقيل مكية كلها، وقيل غير ذلك. قوله: (مائة الخ) الذي ذكره الداني في كتاب العدد أنها تسعون، وثلاث، وقيل أربع، وقيل خمس في سائر المصاحف، وتسمى سورة النعم جمع نعمة لما ذكر فيها مما أنعم " الله به على الإنسان من الماكل، والمركب وغير. كما ستراه، ولما ذكر في آخر السورة السابقة المستهزئين المكذبين له ابتدأ هنا بقوله: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} المناسب له على ما ذكر في معناه، وسبب نزوله. قوله: (كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم) الاستعجال طلب الشيء قبل زمانه ولذا قيل من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وقوله دماهلاك الله، وفي نسخة أو بدل الواو، وهما بيان للوعيد، وقوله تشفع لنا ناظر للساعة، وتخلصنا للإهلاك فليس قوله إن صح ما يقوله الخ. ظاهرا في إرادة قيام الساعة كما توهم، وقوله استهزاء، وتكذيباً تعليل لقوله يستعجلون فليس استعجالهم على حقيقته بل هو في صورة الاستعجال، والمراد به ما ذكر، ويقولون معطوف على يستعجلون. قوله: (والمعنى أنّ الأمر الموعود به) يشير إلى أنّ أتى بمعنى يأتي على طريق الاستعارة بتشبيه المستقبل المحقق بالماضي في تحقق الوقوع، والقرينة عليه قوله فلا تستعجلوه فإنه لو وقع ما استعجل، وقوله من حيث إنه تعليل لما قبله، وانّ بالكسر على ما ارتضاه ابن هشام رحمه الله تعالى، وجوّز ابن إياز فتحها لأنها قد تضاف للمفرد لكنه شاذ فالكسر أولى، وقوله فلا تستعجلوا وقوعه تفريع على وجوب الوقوع فإنّ ما هو كذلك لا يخاف فواته حتى يستعجل فإنّ الاستعجال إنما هو في الاكثر لذلك، ثم علل النهي بأنه لا خير في الوقوع، ولا بد منه فضمير فيه وعنه للوقوع، ولا غبار على كلامه. قوله: (تبرّأ وجل عن أن يكون له شريك الف ونشر فتبرأ تفسير سبحان وجل تفسير تعالى، وعن أن الخ تنازع فيه تبرّأ وجل، وما تحتمل الموصولية، والمصدرية لكنها ظاهرة في الثاني، وإليه أشار بقوله عن أن إذ فسرها بان المصدوية مع احتماله للوجه الآخر، ولما كان التنزيه إنما يكون عن صفة العين لا عن الذوات، وصفات الغير فلا يظهر التنزبه عن الشريك أشار بقوله أن يكون له إلى أنه صفة سببية سلبية، وأيضاً لما كان التنزيه منه تعالى لنفسه آل إلى معنى التبري فلذا فسره به، وقوله فيدفع ما أراد بهم بيان لارتباطه بما قبله، ومناسبته له، ويدفع بالنصب أي تنزه سبحانه، وثعالى عن أن يحوم العجز اللازم لتكذيبهم حول سرادقات كبريائه فيكون له شريك فضلاً عن شركاء حتى يكون ما زعمتم من دفعهم عنكم،،. هم أحجار، ومخلوقات لا تملك لأنفسها ضرّا ولا نفعا. قوله: (بالياء على تلوين الخطاب (الواقع في قوله فلا تستعجلوه فإنه للكفرة فإذا قرئ يشركون بالغيبة حينئذ كان التفاتا، والمراد بتلوين الخطاب الالتفات من الخطاب للكفرة إلى الغيبة، والخطاب الكلام المخاطب به، وعليه إذا قرى بالتاء لا التفات فيه، وكذا إذا كان الخطاب الأوّل للمؤمنين أولهم، ولغيرهم فإنه لا يتحد معنى الضميرين حتى يكون التفاتاً أو هما متحدان لكنه فيه تغليبان فغلب المؤمنون على غيرهم في الخطاب وغيرهم عليهم في نسبة الشرك على قراءة تشركون بالتاء، ولا التفات فيه أيضاً، وعلى قراءة الياء لا التفات، ولا تغليب أصلا. فمن قال ليس المراد بتلوين الخطاب الالتفات بل المعنى الأعم منه لوجوده أيضا إذا كان الخطاب لهم ولغيرهم فلا تصح المقابلة على الإطلاق لم يصب. قوله: (لما روي أنه لما نزلت الخ ((1) اعترض عليه بأنه ليس في هذه الرواية استعجال المؤمنين، وقد قيل في آية أخرى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فالظاهر أنهم لما سمعوا أوّل الآية اضطربوا الظن أنه وقع فلما سمعوا خطاب الكفار بقوله فلا تستعجلوه اطمأنت قلوبهم وردّ بأنه ليس المراد بالاستعجال حقيقته بل اضطرابهم، وتهيؤهم لها المنزل منزلته، وليس هو الاستعجال الواقع من الكفرة في تلك الآية لأنه استعجال تكذيب كما في الوجه الآخر، وبه اندفع الاعتراض بلزوم الجميع بين الحقيقة، والمجاز إذا كان الخطاب للمؤمنين وغيرهم فإن قلت إذا كان الخطاب للمؤمنين لا يتصل قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 سبحانه وتعالى عما يشركون بما قبله بخلافه على العموم والاختصاص بالكفرة (قلت) كذا توهمه بعضهم وليس كذلك، فانه لما نهاهم عن الاستعجال ذكر ما يتضمن أنّ إنذاره، واخباره للتخويف، والإرشاد وأنّ قوله إنّ الساعة آتية إنما هو لذلك، فليستعد كل أحد لمعاده، ويشتغل قبل السفر بتهيئة زاده فلذا عقب بذلك دون عطف، وقد أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى ارفإطه باعتبار ما بعده، فيكون ما ذكر مقدمة واستفتاحاً له، وأيضا فإنّ قوله تعالى أتى أمر الله تنبيه وايقاظ لما يرد بعده من أدلة التوحيد فتدبر. قوله: (بالوحي أو القرآن فإنه يحبا به القلوب الخ) في الكشاف الروح استعارة للوحي الذي هو سبب الهداية ومن أمره بيان له فشبه الوحي مطلقا أو بعضه بالروح فإن كان بالنظر إلى الموحى إليهم فلأنه بتخليصهم من الجهالة والضلالة المشبهة بالموت كما قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [سورة الأنعام، الآية: 22 ا] فيه حياة لهم وان كان بالنظر إلى الدين فلأنه به قيامة، وقوامه كما تقوم الروح بالبدن فهو استعاوة مصرحة محققة لكنها تلزمها مكنية وتخييلية، وهي تشبيه الجهل والضلال بالموت، وضده بالحياة أو تشبيه الدين بإنسان ذي جسد وروج، كما إذا قلت رأيت بحراً يغترف الناس منه وشمساً يستضيؤون بها فإنه يتضمن تشبيه علمه بماء عذب ونور ساطع لكنه جاء من عرض فليس كاظفار المنية، وليس غير كونه استعارة مصرّحة كما توهم، وقد مرّ مثله في البقرة. (فإن قلت) قوله من أمره يخرج الروح من الاستعارة إلى التشبيه كما في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة، الآية: 187] (قلت) قالوا إنّ بينهما بونا بعيدا لأنّ نفس الفجر عين المشبه شبه بخيط، وليس مطلق الأمر بمعنى الشأن مشبها به، ولذا بينت به الروح الحقيقية في قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ} كما تبين به المجازية، ولو قيل: يلقي أمره الذي هو الروح لم يخرج عن الاستعارة فليس وزان من أمره وزان قوله من الفجر، وليس كل بيان مانعاً من الاستعارة، كما يتوهم من كلام المحقق في شرح التلخيص، فعليك بالتفقنزا له فإنه مما تزل فيه الأقدام، ولم يلتفتوا إلى جعل الروج هنا بمعنى جبرائيل الواقع في بعض التفاسير، وقوله: (فإنه الخ) إشارة إلى وجه الشبه على ما حققناه، وقرينة الاستعارة إبدال أن أنذروا منه. قوله: (وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به الخ) هو على وجوه الخطاب، وازاحة معطوف على قوله إشارة وقوله بالعلم الباء دخلت فيه على المقصور وقد مرّ بيانه، وقوله: وعته تنزل أصله تتنزل فحذفت إحدى التاءين. قوله: (بأمره أو من أجله) يعني من إما سببية أو تعليلية، والأمر واحد الأوامر ومن جعله واحد الأمور جعلها تبيينية وقد صرح به شراج الكشاف رحمهم الله تعالى أخذاً من كلامه فلا عبرة لمن أنكره، وقوله أن يتخذه رسولاً بيان لمفعول يشاء المقدر وقوله: {أَنْ أَنذِرُواْ} تفسير له بما يجري على بعض الوجوه وهو كون أن مصدرية منصوبة المحل بعد حذف الجار أو مجرورة وكونه بدلاً من الروج، وكونها مخففة من الثقيلة لا تفسيرية وإذا كانت مخففة فاسمها ضمير شأن مقدر، والخبر أنذروا ولا يحتاج فيه إلى تقدير قول لأن خبر ضمير الشأن يكون أمراً من غير تأويل لأنه عينه كقولك كلامي اضرب كما حققه في الكشف. قوله: (من نذرت بكذا إذا علمته) تقدم تحقيقه وأنه ليس له مصدر صريح، وإذا دخلت عليه همزة التعدية صار بمعنى أعلمت ثم خص بإعلام ما يخاف منه، فوقع في مقابلة التبشير ومحصله حينئذ التخويف، فإما أن يكون على أصل معناه لتعلقه بقوله لا إله إلا أنا ولا تخويف فيه بحسب الظاهر أو يكون بمعنى التخويف، ولذا قيل إنه يدلّ على أنهم أثبتوا له تعالى شركاء، وهو يقتضي الانتقام منهم لا منا وهم نسبوا إليه ما لا يليق بجلاله فمن قال: الثابت في اللغة أن نذر بالشيء كفرح به علمه، فحذره وأنذره إذا أعلمه بما يحذره، وليس فيها مجيئه بمعنى التخويف، فأصله للاعلام مع التخويف فاستعملوه في كل من جزأي معنييه لم يأت بشيء يعتد به. قوله: (إنّ الشأن الخ (فالضمير للشأن وهو مفعول أنذروا بمعنى أعلموا دون تقدير جارّ فيه بخلاف ما إذا كان بمعنى التخويف، ومفعوله الأوّل عام فلذا لم يقدره، وعلى الثاني خاص بأهل الكفر والمعاصي محذوف كما أشار إليه، وهو يتعدى إلى الثاني بالباء فلذا قال بأنه. قوله: (وقوله فاتقون رجوع إلى مخاطبتهم) قيل: إنه لا يظهر لتخصيص كون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 الانذار بمعنى التخويف بكون اتقون رجوعا إلى مخاطبتهم وجه بل ذلك في كونه بمعنى الاعلام أولى فإنّ قوله فاتقون إنذار وتخويف، فابقاؤه في حيز خوفوا هو الظاهر، وردّ بأنّ المراد أنه رجع إلى مخاطبة قريش بالانذار وليس في كلامه ما يدل على اختصاص هذا بالمعنى الثاني لأنذروا كما ظنه، ئم قال فإن قلت هذا على تقدير أن لا يكون {فَاتَّقُونِ} من جملة الموحى به، وهو الظاهر لجريانه على جميع الوجوه فهل لك أن تجعله منها، والمعنى أعلموهم قولي إنّ الشأن كذا فاتقون أو خوّفوهم بذلك قلت: لا والا لقيل إنّ بالكسردلا بالفتح، ثم وجه تفريع قونه فاتقون على التوحيد أنه إذا كان واحداً لم يتصوّر تخليص أحد! لأحد من عذابه (قلت) إذا كان بمعنى التخويف، فالظاهر دخول قوله: (فاتقون) في المنذر به لأنه هو المنذر به في الحقيقة فمقتضاه أن يقال أنذروهم بأنه المنفرد بالألوهية الذي يجب عليهم أن يتقوه ويخشوا عذابه لأنه المقصود ذكره للانذار فالعدول عنه لذلك، وإذا كان بمعنى الاعلام فالمقصود بالاعلام هو الجه لمة الأولى وهذا متفرّع عليها على طريق الالتفات فتأمّل، وأمّا الكسر الذي ذكره، فغير وارد فانه ليس بعد قول صريح ملفوظ، أو مقدّر إنما ذكروه لتصوير المعنى. قوله: (وأن مفسرة) فلا محل لها مع الجملة الداخلة عليها، وهي تفسير للروح بمعنى الوحي، وقوله الدال على القول بيان لوجود شر،، أن المفسرة وقد وقعت بعد فعل يتضمن معنى القول، وهو قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ} فليس شرطها مفقوداً هنا كما توهم، دمانما صزح بتأويل الروح به لأنه المفسر في الحقيقة، ولولاه لم تدلّ الجملة على ذلك. قوله: (أو مصدرية) على مذهب سيبويه المجوز لوصلها بالأمر والنهي وفوات معناه بالسبك، كفوات المضيّ مع أنه غير مسلم كما مرّ تحقيقه، وإذا كانت مخففة من الثقيلة، فهل يحتاج إلى تقدير القول معها أم لا تقدم الكلام فيه، والنصب بنزع الخافض بتقدير الباء السببية معه. قوله: (والآية تدل على أنّ نزول الوحي بواسطة الملائكة الخ) دلالة الآية على ذلك ظاهرة وليس فيها دلالة على أنه لا يكون إلا بذلك حتى يرد عليه أنه لا دلالة فيها على الحصر مع أنه غير منحصر في ذلك، وقوله: (منتهى كمال القؤة العلمية) يعني أنه أشرف المطالب اليقينية، وكون النبوّة عطائية هو مذهب أهل الحق خلافاً للحكماء، وقد مرّ تحقيقه في سورة الأنعام وقوله: (لأصول العالم) يعني به السماوات والأرض، وقوله: (على وفق الحكمة) هو معنى قوله بالحق وقوله فيلزم التمانع إشارة إلى برهان التمانع المذكور في علم الكلام، وقوله وفروجمه! يعني به ما في خلق الإنسان الخ. قوله: (أوجدهما على مقدار وشكل الخ) هو يؤخذ من موله تعالى بالحق لأنّ معناه ما يحق لها بمقتضى الحكمة لتدلّ على صانع مختار منفرد بالألوهية والا لوقع التمانع لاجتماع مؤثرين على أثر واحد ولذا عقبه بقوله: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقيل: معنى قوله بالحق بحكمة الحق وقوله: (منها) وفي نسخة منهما واليهما والمعنى واحد وقيده بما ذكر ليرتبط بما قبله ولأنه الواقع. قوله: (على أنه تعالى ليس من قبيل الإجرام) أي ليس بجسم كما يقوله المجسمة، ووجه الدلالة أنه يدلّ على احتياح الإجرام إلى خالق، فهو لا يجانسها والا لاحتاج إليه فلا يكون خالقاً أنّ كل ما هو جرم فهو منهما وخالقهما، وما فيهما هو الله فليس منهما حتى يرد عليه أنه إنما يدلّ على أنه ليس من السماوات والأرض، فجاز أن يكون جسما من غيرها إلا أن يراد بالسماوات والأرض جهة العلو والسفل كما قيل. قوله: (منطيق مجادل) منطيق بكسر الميم صيغة مبالغة كمنحار، فهو دليل آخر على خالقيته، وقدرته وهذا هو الوجه كما في شرح الكشاف ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى، ووجه الاستدلال أنه كان نطفة سيالة لا يستقرّ ولا يحفظ شكلا فانتقلت إلى أطوار مختلفة حتى صارت تدفع عن نفسها وتخاصم وتحاج من حاجها، وهذا ليس مما تقتضيه الطبيعة بل هو بخلق فاعل حكيم مختار. قوله: (أو خصيم مكافح الخ) هذا هو الوجه الثاني وأخره لما مرّ وأصل الكفاح في القتال، وأراد به مطلق الدفع أو الدفع بالحجة على التشبيه لها بالسيف، ونحوه على طريق الكناية والتخييل وهو لبيان جراءة من كفر على الله وعدم استحيائه منه، ووقاحته بتمادبه في الكفر قيل ويؤيد هذا الوجه قوله في سورة يس بعدما ذكر مثله قال: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [سورة ي! ، الآية: 78] فإنه نص في هذا فصدر الآية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 للاستدلال، وعجزها لتقرير الوقاحة وليس بشيء لأنّ مدار ما قبلها في تلك السورة على الحشر والنشر ومكابرتهم فيه بخلاف هذه، ولكل مقام مقال، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى هناك، وأمّا كون الآية مسوقة لتقرير وقاحة الإنسان لانتفاء التنافي بين الاستدلال على الوحدانية والقدرة وتقرير وقاحة المنكرين، ولذا جعل تتميما لقوله تعالى: {عَمَّا يُشْرِكُونَ} فعدم المنافي لا يقتضي وجود المناسب ووجه التعقيب وإذا الفجائية مع أنّ كونه خصيماً مبينا لم يعقب خلقه من نطفة إذ بينهما وسايط أنه بيان لأطوار. إلى كمال عقله فالتعقيب باعتبار أخرها فلا وجه لتقدير الوسايط ولا للقول بأنه من باب التعبير عن حال الشيء بما يؤول إليه وخصيم صيغة مبالغة أو بمعنى مخاصم، وترى بضثم التاء بمح! ى تزعم وتظن ورم بمعنى صار رميماً. قوله: (روي أنّ أبئ بن خلف الخ) الرميم البالي الفاني وفي هذه الاية دليل الشافعيّ رضي الله تعالى عنه على أنّ العظم والشعر ينجس بالموت، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى خالف في ذلك وقال لو أن فيه حياة ما لبث بعد الموت وتأويفه بما سياتي في سورة يس يأباه أنّ دخول صورة السبب لازم. قوله: (ألا بل الخ) سيأتي تحقيقه والغنم شامل للضأن والمعز كشمول البقر للجاموس وهذه هي الأزواج الثمانية والزوج ما معه غيره وقد يراد به المجموع، وفي نصب الأنعام أوجه نصب على الاشتغال وهو أرجح من الرفع لتقدم الفعلية أو بالعطف على الإنسان فعلى الأوّل قوله خلقها مفسر، وعلى هذا مبين مؤكد وهو مستأنف جواب سؤال مقدر وقرىء بالرفع في الشواذ. قوله:) بيان ما خلق لأجله (وفي نسخة ما خلقت لأجله والتذكير في الأولى بتأويل ما ذكر أو يكون لأجل نائب الفاعل وجوّز فيه أن يكون مبنيا للفاعل وفي الكشاف ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جن! الإنسان فقيل الحصر مأخوذ من لام الاختصاص بناء على أنه معنى اختصاها على أحد الاحتمالين، وقوله: يا جنس الإنسان إشارة إلى أنه التفات من الغيبة إلى الخطاب والكلام تم عند قوله خلقها، ويجوز أن يتم عند قوله لكم متعلقة بخلقها والأوّل أولى لعطف قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} عليه وعليه فالحصر مستفاد من التقديم وعلى الأوّل من اللام أو الفحوى والمقام وخالفه المدقق، فجعل الأولى تعلق لكم بخلق قيل: وهو الذي أراده رحمه الله تعالى ولذا لم يذكر حديث الحصر لأنّ اللام لا تدلّ عليه كما مرّ تفصيله، والمقابلة غير متعينة هنا وفيه أن قوله هنا لأجله صريح في أن اللام تعليلية لا اختصاصية غير دالة على الحصر وان قيل: إنّ التعليل قد يفيد ذلك فتأمّل وقوله فيقي البرد أي يكون وقاية دافعة بجعله لباسا أو بيتاً كما في آية أخرى ومن أصوافها الخ. والدفء اسم لما يدفىء أي يسخن وقرأ زيد بنقل حركة الهمزة إلى الفاء والزهريّ كذلك إلا أنه شدد الفاء كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف وفي اللوامح منهم من عوّض! من الهمزة تشديد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا، واعترض عليه المعرب بأنّ التشديد وقفاً لغة مستقلة، وان لم يكن ثمة حذف من الكلمة الموقوف عليها، ويدفع بأنه إنما يكون ذلك إذا وقف على آخر حرف منها أمّا إذا وقف على ما قبل الآخر كقاض فلا. قوله: (نسلها ودرها وظهورها) أي وركوب ظهورها، وقوله وأنما عبر عنها أي عما ذكر من النسل وما ذكر معه والمراد بعوضها ثمنها ويلحق به الأجرة، وقوله أي تأكلون ما يؤكل إشارة إلى أنّ من تبعيضية، ويجوز أن تكون ابتدائية، وقوله:) والألبان) إشارة إلى أنّ الكل هنا بمعنى التناول الشامل للشرب، وقوله:) أو لأن الأكل منها هو المعتاد) بيان لوجه آخر للتقديم، وهو الحصر وأنه إضافيّ بالنسبة إلى اللحوم المعتادة، ونحوها، فلا يرد لحم الطيور والخبز والبقول والحبوب، والاعتياد مأخوذ من المضارع الدال على الاستمرار. قوله: (تردّونها من مراعيها إلى مراحها) بضمّ الميم وهو مقرها في دور أهلها وفيه إشارة إلى أنّ ضمير المفعول محذوف من الفعلين، والأفنية جمع فناء الدار بالكسر والمد وهو ما حولها من الفضاء، ويجل بكسر الجيم بمعنى يعظم، وملأى بفتح الميم وسكون اللام تأنيث ملآن كعطشان وعطشى، وحافلة بمعنى ممتلئة باللبن وحاضرة لأهلها أي موجودة في أفنيتهم، وقوله: {تُرِيحُونَ} فيه إشارة إلى حذف العائد من الجملة الواقعة صفة، والتسريح بمعنى الارسال، وأصله في الشعر والمراد به هنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 ارسال المواشي للرعي وتقييد الأوّل بالعشيّ. والثاني بالغداة بناء على المعتاد، والحظائر جمع حظيرة، وهي مبيتها، والأحمال جمع حمل بالكسر معروف.! قوله: (وتقديم الإراحة الخ) أي مع تاخرها في الوجود لما ذكر والواو وإن لم تقتض ترتيبا لكن مخالفة الظاهر لا بد له من نكتة. قوله: (إن لم تكن الخ) بتشديد النون المدغمة في نون ضمير الإناث العائد على الأنعام ويجوز تحقيقه، وفاعله ضمير هي المقدر للافعام، وفي نسخة إن لم تكن الأنعام وكان تامّة، ويجوز أن تكون ناقصة، والخبر محذوف وهذا إشارة إلى السؤالين المذكورين في الكشاف، ودفع ما يتوهم من أنّ الموافق للسياق لم تكونوا حامليها إليه وأن طباقه من حيث إنّ معناه تحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة فضلا أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم، وترك الوجه الثاني وهو أنّ المعنى لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس وحذف بها لأنّ المسافر لا بد له من الأثقال لأنّ الأوّل أبلغ وعن عكرمة رضي الله تعالى عنه أنّ البلد مكة. قوله: " لا بكلفة ومشقة) هذا بيان المعنى المراد منه وما بعده بيان لأصل معناه وانّ اطلاقه إمّا لكونه يكسر النفس أو يذهب نصفها كما تقول لن تبلغ كذا إلا بقطعة من كبدك، وقوله لانفاعكم الموجود في اللغة النفع لا الإنفاع، وقد استعمله المصنف رحمه الله تعالى في مواضع من كتابه، وخطىء فيه كما سيأتي في سورة الجن، وقوله وتيسير الأمر عليكم من قوله وؤوف. قوله: (ولتتزينوا بها زينة) فهي مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على لتركبوا أو هو مفعول به لفعل مقدر هو حال أي، وقد جعلها لكم زينة كما هو أحد الوجو. في إعرابه، وقوله: (وتغيير النظم) أي بإظهار اللام في الأوّل دون الثاني لأنّ الأوّل مختلف فاعله، فلا يصح نصبه على أنه مفعول له لفقد شرطه على ما عرف في النحو بخلاف الزينة بمعنى التزيين، واعترض عليه بفقد الشرط الآخر وهو المقارنة في الوجود فإن خلقها متقدّم على الزينة ورذ بأنها في حال خلقها زينة في نفسها، وفيه نظر وفي شرح المفصل للسخاوندي أنه لا بد من كون المصدر واقعا بعد الفعل يعني أنه لا يشترط فيه المقارنة، ودفع أيضا بأنّ المراد بالمقارنة عدم التقدم، لأنه يقال شربت الدواء اصلاحا للبدن كما قيل عليه أنه مخالف للمشهور بين النحاة وما ذكر محمول على الحال المقدرة، والذي يحسم ماذة الاشكال التأويل، كما أوّل التأديب بإرادته في ضربته تأديباً، ولذا قيل إنه علة بحسب الوجود الذهني معلول بحسب الوجود الخارجي لاعتماده عليه، وقوله:) معطوفة على محل لتركبوها) فهي مفعول له. قوله: (ولأنّ المقصود من خلقها الركوب) فصرّح فيه بحرف العلة إشارة إلى أن الخلق في الأصل لأجله، وهذا لا يعارضه ما مرّ من أن نصبه لوجود شرط النصب فيه، لأنّ النكات لا تتزاحم، وقوله فحاصل بالعرض! لأنّ العقلاء لا تنظر إلى زينة الحياة الدنيا، فإنها عرض زائل فلذا أخره، وغير الأسلوب فيه قيل وهذا هو الوجه. قوله: (وقرىء بغير واو) وهي قراءة شاذة لابن عباس رضي الله عنهما، وفي إعرابه الوجوه السابقة ويزيد عليها كونه مفعولاً له لتركبوها وهو بمعنى التزين، فلا يرد عليه اختلافهما، ولا حاجة إلى الجواب بأنه على القول بجوازه، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إيماء إليه، وأما لزوم تخصيص الركوب المطلوب بكونه لأجل الزينة، وكون الحكمة في خلقها ذلك، وكرن ذلك هو المقصود الأصلي لنا فلا ضير فيه لأن التجمل بالملابس، والمراكب لا مانع منه شرعاً كما مز في قوله ولكم فيها جمال وهو لا ينافي أن يكون لخلقها حكما أهم عند العقلاء كالجهاد عليها وسفر الطاعات وإنما خص لمناسبته مقام الامتنان مع أن الزينة على ما قال الراغب ما لا يشين في الدنيا ولا في الآخرة، وأما ما يزينه في حالة دون أخرى فهو من وجه شين، ولذا قال تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [سورة الحجرات، الآية: 7] وقوله: (متزينين) على الحالية من ضمير الفاعل ومتزينا بها على كونه حالاً من ضمير المفعول. قوله: (واستدلّ به على حرمة لحومها (هو أحد قولي الحنفية في كراهتها هل هي تحريمية أم لا وإلى الأوّل ذهب صاحب الهداية وحمه الله تعالى، وذكر في وجه الاستدلال أنّ الآية واردة في مورد الامتنان والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم، ويمن بأدناها، ونقله في كتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 الأحكام عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى الجواب عنه بأنّ كونه أدنى النعمتين غير مسلم، واًن ذكر بعض المنافع لا ينافي غيرهما، والآية وردت للامتنان عليهم بما ألفوه واعتادوه، وهو الركوب والتزين بها لا اكل بخلاف النعم فذكر أغلب المنفعتين عندهم وترك الأخرى اكتفاء بذكره أوّلاً كيف وحرمة لحوم الحمر الأهلية إنما وقعت عام خيبر عند أكثر المحدثين، وهذه الآية مكية فلو علم منها ذلك كان ثابتا قبله (وفيه بحث (لأنّ السورة وان كانت مكية يجوز كون هذه الآية مدنية، ويؤيده ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فتأمّل فإن الاستدلال بها لا يخلو من الكدر، وقوله: (على أن الحمر الأهلية الخ (يعني ولو كانت الآية دالة على حرمة لحوم الخيل لدلت على حرمة لحوم الحمر أيضاً لكونهما على سنن واحد في النظم، وهو إشارة إلى ما في مسلم وغيره " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الآهلية " (1) . قوله: (لما فصل الحيوانات الخ) إشارة إلى تفاوت مراتب الاحتياج وأن منها ما هو ضرورفي، وما هو غير ضروريّ، وقوله أجمل غيرها إشارة إلى أن قوله ويخلق ما لا تعلمون بمعنى ويخلق غير ذلك، والتعبير عنه بذلك لأن مجموعها غير معلوم، وقوله: (ويجوز الخ) فما لا تعلمون على ظاهره، وأنه مما لا يحتاج إليه، وأن يراد معطوف على أن يكون، وهو مخصوص بما في الجنة، وكونه غير معلوم لنا، وقوله: (ما لم يخطر (إشارة إلى الحديث المشهور. قوله: (بيان مستقيم الطريق الخ (ليس القصد هنا مصدر قصدته بمعنى أتيته بل هو بمعنى تعديلها وهو مصدر وصف به فهو بمعنى قاصد يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك، ولا يعدل عنه فهو نحو نهر جار وطريق سائر ولما كان على للوجوب ولا وجوب على الله عندنا كما ذكره الزمخشري كان معناه أنه لتحتمه وتعينه بطريق الوعد به تفضلاً كالواجب اللازم عليه كما أشار إليه بقوله رحمة الخ واللازم ليس هو مستقيم الطريق بل الهداية إليه وبيانه للعباد فلذا قدروا فيه مضافا، وهو البيان كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى أو الهداية كما في الكشاف لقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [سورة الليل، الآية: 12] أو هو مصدر بمعنى الإقامة، والتعديل أي اظهاره بالحجج والبراهين وارسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وانزال الكتب ولا حاجة إلى تقدير المضاف على هذا والموصل صفة مستقيم لا صفة الطريق، لأن كل طريق موصل إلى الحق مستقيم، وإنما قيل إن عليه بيان الطريق المستقيم دون ضده، لأنه ما عدأه فيعلم من بيانه بيانه وترك ذكره لعدم الاعتداد به، وإيهام أنه غير محتاج إلى البيان، وقد علم مما مرّ الفرق بين الوجهين باختلاف معنى القصد فيهما، والاحتياج إلى التقدير وعدمه وقيل الأوّل مبنيّ على ملاحظة وجود الطريق المستقيم، وتحققها وكونها مفروغا عنها دون الثاني. قوله: (أو عليه قصد السبيل الخ) يعني أن على ليست للوجوب واللزوم، والمعنى أن قصد السبيل ومستقيمه موصل إليه، ومارّ عليه فشبه ما يدلّ على الله بطريق مستقيم شأنه ذلك، وقوله: (والمراد بالسبيل الجنس الخ) أي هو شامل للمستقيم، وغيره فإضافة القصد بمعنى المستقيم إليه من إضافة الخاص إلى العامّ لا من إضافة الصفة إلى الموصوف، واليه أشار بقوله ولذلك الخ فإن إضافة الصفة إلى الموصوف خلاف الظاهر فلذا استدلّ به عليه وكذا استدل بقوله منها فإن الجائر ليس منها بل قسميها، وأمّا عود الضمير على المطلق الذي في ضمن المقيد فخلاف الظاهر، ونحن في غنى عنه بقصد السبيل. قوله: (حائد عن القصد الخ) حائد بالحاء والدال المهملتين اسم فاعل من حاد بمعنى عدل، وفي نسخة مائل، والوجه الأول ناظر إلى تفسير القصد بالقاصد والإقامة والتعديل، والثاني إلى الأخير. قوله: (وتغيير الأسلوب لآنه ليس بحق الخ (الجور العدل عن الاستقامة وطريق جائر غير مستقيم قال: ومن الطريق جائر وهدى قصد ال! سبيل ومنه ذودخل فكان الظاهر، وعلى الله قصد السبيل، وعليه جائرها فعدل عن ذلك لأن الضلال لا يضاف إلى الله إما لأنه غير خالقه كما هو مذهب المعتزلة كما في الكشاف، وقد جعلوا الاية حجة لهم أو لأنه لا يليق أن يضاف إليه تأدبا هو كقوله: {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} [سورة الفاتحة، الآية: 7] والمصنف رحمه الله تعالى أشار إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 دفع استدلالهم تبعا للإمام بأن المراد على الله بحسب الفضل والكرم بيان الدين الحق، والمذهب الصحيح فأمّا بيان كيفية الاغواء والاضلال فغير واجب وفيه بحث فإنه كما أن بيان الهداية، وطريقها متحتم فكذا ضده، وليس إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب إلا لذلك فالحق أن المعنى على الله بيان طريق الهداية ليهتدوا بها، وبيان غيرها ليحذروه، وإنما اكتفى بأحدهما للزوم الآخر له، ولذا قال محي السنة رحمه الله تعالى المعنى بيان طريق الهدى من الضلالة: وبضدها تتبين الأشياء وقوله: (أو لأن المقصود الخ (هذا جواب آخر بناء على أن بيانهما لازم، ولكنه اقتصر على بيان الأوّل، لأنه المقصود بالذات والآخر إنما يبين ليجتنب كما قيل: عرفت الشز لا للشرّ لكن لتوقيه ولما كان مقتضى هذا ترك ذكره بالكلية أشار إلى أنّ ذكر انقسام السبيل إليهما وقع بالعرض كالاستطراد وقراءة ومنكم بالواو قراءة ابن أبيّ وقراءة على فمنكم بالفاء. قوله: (أي ولو شاء هدايتكم الخ) قدر مفعوله من مضمون الجواب كما هو المطرد فيه كما مرّ تحقيقه، وأجمعين قيد المنفي لا النفي فهي لسلب العموم لا لعموم السلب، وقوله هداية مستلزمة للاهتداء قيد به لأنه هو المنفي إذ الهداية بمعنى مطلق الدلالة واقعة للجميع لما لم يكن تعلق مشيئة الله بشيء موجبة لوجود. عند المعتزلة والآية منادية على خلاف ما زعموه جعلوا المشيئة قسمين مشيئة قسر والجاء وغيرها، والأولى موجبة بخلاف الثانية وفسروا المشيئة هنا بالقسرية كما في الكشاف. قوله: (من السحاب أو من جانب السماءا لما كان المطر ينزل من الغيم دون السماء نفسها جعلها بمعنى السحاب إمّا استعارة، أو مجازاً مرسلاً على أنها بمعنى ما علا مطلقاً أو في الكلام مضاف مقدر وهو جانب أو جهة، وقوله صلة أنزل فمنه شراب مبتدأ وخبر أو منه صفة وشراب فاعله وقوله: (ومن تبعيضية) أي في قوله منه والجملة صفة، وأمّا من في قوله: {مِّنَ السَّمَاء} فابتدائية. قوله: (وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه) أشار بقوله يوهم إلى أنه ليس بمراد لأنّ التقديم لا يلزمه ذلك ولذا قال ولا بأس به أي لا ضرر في قصد الحصر المتبادر منه فإنّ جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما بينه والآبار جمع بئر على القلب والتقديم إذا لم يكن صلة أنزل، وهو ظاهر وقوله فسلكه ينابيع دلالته على ما ذكره بحسب الظاهر إذ لا يأبى كون بعضها ليس منه، وكذا ما بعده. قوله: (ومنه يكون شجر) بيان لحاصل المعنى لا للإعراب، لأن منه خبر مقدم أي كائن منه شجر، وقوله: (يعني الشجر الذي ترعاه المواشي (فيه إبقاء الشجر على حقيقته لأنه ما كان له ساق وقيده بما يرعى لقوله فيه تسيمون، والإبل والبقر تأكل من أوراقه طرية وتخبط لها يابسة، وقوله: (وقيل كل ما ينبت) فهو مجاز شامل، وهو أنسب بكونه مرعياً واستدل عليه بالبيت إشارة إلى استعماله بهذا المعنى كما ورد في الحديث: (لا تكلوا ثمن الشجر) يعني الكلا كما في النهاية. قوله: جدبوا، وقيل المراد باللحم الضرع، والمراد سقيها اللبن، وعز بمعنى قل والشجر هنا بمعنى الكلأ لأنه هو الذي يعلف، وكون ذلك فيه ضرر، لأنه لا يغني غناء غيره. قوله:) ترعون من سامت الماشية واسامها الخ) والقراءة المشهورة بضم التاء من الأسامة وقرئ شاذآ بفتحها بتقدير لتسيم مواشيكم والسومة بضم السين كالسمة بكسرها بمعنى العلامة، وقوله لأنها تؤثر بالرعي علامات يعني أن المواشي تؤثر علامات في الأرض والأماكن التي ترعاها فلذا سميت أسامة. قوله تعالى:) {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ} ) يحتمل أن تكون صفة أخرى لماء أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل، وهل له منافع أخر، وقوله على التفخيم لأنه يستعمله المعظم نفسه، ولذا سماها النحاة نون العظمة. قوله:) وبعض كلها) فمن تبعيضية وصرّح بها لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أنبت في الأرض! بعض من كل ليتذكر باقيها كما في الكشاف والمصنف رحمه الله تعالى ذكر وجهاً آخر، وهو أنها بعض مما في يفاع الإمكان من ثمر القدرة الذي لم تجنه راحة الوجود وهو أظهر وأشمل، وأنسب بما تقدم، لأنه كما عقب ذكر الحيوان المنتفع بها على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 التفصيل بقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عقب ذكر الثمرات المنتفع بها بمثله. قوله: (ولعل تقديم ما يسام الخ (يعني كان الظاهر تقديم غذاء الإنسان الأشرف فأشار إلى أن ما قدم منه غذاء له بواسطة أيضا، وهذا لا يدفع السؤال لأنه كان ينبغي تقديم ما كان غذاء بغير واسطة فالنكتة أنه قدّم النعم التي لا دخل للخلائق فيها ببذر، وغرس وقدم الزرع لمناسبته للكلأ المرعى، وقوله ومن هذا أي من هذا القبيل أو لأجل هذا صرّج بالأنواع الثلاثة لما فيها من الغذائية، وغيرها من الثمار للتفكه، وقدم الزيتون لأنه أعرف وثنى بالنخل لأنه أقوى غذاء من العنب، وقال الإمام قدم ذلك للتنبيه على مكارم الأخلاق، وأن يكون اهتمام الإنسان بمن تحت يده أقوى من اهتمامه بنفسه، وقوله: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [سورة طه، الآية: 54، إيذان بأنه ليس بلازم وان كان من الأخلاق الحميدة ولك أن تقول لما سبق ذكر الحيوانات المأكولة، والمركوبة ناسب تعقيبها بذكر مشربها ومأكلها لأنه أقوى في الامتنان بها إذ خلقها ومعاشها لأجلهم فإن من وهب دابة مع علفها كان أحسن كما قيل من الظرف هبة الهدية مع الظرف. قوله: (على وجود الصانع وحكمتة فإن من تأمّل الخ (الظاهر أنه متعلق بآية، وقيل إنه علق على بيتفكرون لتضمينه معنى يستدلون قيل كان المناسب لما سبق من قوله في تفسير قوله أنه لا إله إلا أنا فاتقون، والآيات بعدها دليل على وحدانيته وما سيقوله من قوله مقدّس عن منازعة الأضداد، والأنداد أن يقول على وحدانيته فلعل مراده على وجوب الصانع الواحد بقرينة كلامه السابق، واللاحق (أفول) الظاهر أنّ وجود الصانع الحكيم يدل على انتفاء غيره ووحدانيته بطريق التمانع كما أشار إليه بقوله فيما مرّ أنها تدلّ على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم، وفروعه على وفق الحكمة، والمصلحة فلو كان له شريك لقدر على ذلك فيلزم التمانع وبهذا يرتبط الشرط والجزاء ويأخذ الكلام بعضه بحجر بعض، وقوله علم خبران. قوله: (ولعل فصل الآية به لذلك الخ) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها إسقاط لفظ به، والمراد بالفصل وقوعه فاصلة خاتمة لها على المعتاد في تتميم الآيات، وتذييلها ومعناه أنّ هذه ختمت بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الزمر، الآية: 42] وما بعدها بقوله إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون لأنّ إنبات السنبلة أو الشجرة من الحبة بعد انشقاقها برطوبة مودعة في الأرض الخ أمر خفيّ يحتاج إلى التفكر، والتدبر لمن له نظر سديد يستدل به على قدرته، وحكمته، ولذا أفرد الآية لأنه معنى واحد والمختلف فروعه، وثمرته بخلاف أمر الليل، والنهار والشمس، والقمر والنجوم فإنه مختلف مع أنه أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة على الكبرياء، والعظمة، ولذلك جمعت الآيات على ما أشار إليه في الكشاف، وأمّا فصل جملة ينبت الخ فلأنها مستأنفة أو نعت هكذا ينبغي تحقيق كلامه فما قيل في تفسيره أنه فصل قوله ينبت لكم به الزرع بقوله إنّ في ذلك لآية الخ. للعلم بما ذكره، وانّ فيه ما فيه وليس في بعض النسخ لفظ به فيكون المراد بالفصل ترك العاطف في تنبت، وهو معنى جيد لا غبار عليه ناشئ من عدم التفكر مع أنه غير ملائم لما قدمه في بيان أعرابها، ولا يصلح وجها للفصل، وكيف يتأتى ما ذكر مع تصريح المصنف رحمه الله تعالى بما ذكرناه في خاتمة الآية التالية. قوله: (بأن هيأها لمنافعكم (لما كان التسخير بمعنى السوق قهراً كما ذكره الراغب، وهو غير مراد هنا أشار بأنه مجاز عن الإعداد والتهيئة لما يراد منه، وهو الانتفاع به. قوله: (حال من الجميع أن نفعكم بها حال كونها مسخرات الما كان الحمل على الظاهر دالاً على أن التسخير في حال التسخير بأمره، وليس كذلك لتأخر الأوّل أوّلوه بأن المعنى جعلها مسخرات لأن في التسخير معنى الجعل فصحت مقارنته على أنه تجريد أو على أن التسخير لهم نفع خاص فمعناه نفعكم حال كونها مسخرات لما خلقت له مما هو طريق لنفعكم فسخر بمعنى نفع على الاستعارة أو المجاز المرسل لأن النفع من لوازم التسخير أو كلى أنّ مسخرات مصدر ميمي منصوب على أنه مفعول مطلق، وسخرها مسخرات على منوال ضربته ضربات أو يجعل قوله مسخرات بأمره بمعنى مستمرة على التسخير بأمره الإيجادي لأن الأحداث لا يدلّ على الاستمرار، وسيأتي تحقيقه. قوله: (أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره الخ) هذا وما قبله تفسير لقوله بأمر. فالأوّل على أن أمره شامل للإيجاد، والتدبير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 ابتداء، وبقاء فالمعنى أنها مسخرات لله منقادة في البروز من العدم إلى الوجود، وفي البقاء للانتفاع بها فإنها محتاجة إلى الفاعل في الحالين عند التحقيق فالأمر واحد الأمور، والمراد به الخلق، والتدبير الجاري على وفق مثيئته، وليس بيانا لمعنى التسخير لعدم تصوّر حقيقة التسخير، وهي القهر، والغلبة في الجمادات إذ لا حاجة إليه بعد ما فسره بالإعداد، والتهيئة وبين أنه بمعنى الجعل أو النفع أو الأمر واحد الأوامر، وهو تكوينيّ كقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة ي! ، الآية: 82] فالمعنى أنها مسخرة لما خلقت له بقدرته، وايجاده أو بحكمه عليها كما أراد فأوفى قوله أو بحكمه للتخيير في التفسير، وفي نسخة لحكمه باللام، والمشهور الباء. قوله: (وفيه للذان بالجواب عما عسى يقال الخ (عسى هنا مقحمة بين الصلة والموصول كما مر تفصيله يعني كون ذلك بأمره على التفاسير فيه ينفي تأثير العلويات، والطبائع بالذات لأن تخصيص بعضها ببعض الأحوال لا بدّ له من مخصص فإن كان ذلك حادثا دار أو تسلسل، وان كان واجباً ثبت المراد، وقوله فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه بناء على أنّ النجوم شاملة للشمس، والقمر. قوله: (لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة الخ) فيه لف، ونشر مرتب فقوله تدل الخ. بيان لنكتة الجمع وغير محوجة لذكر العقل يعني أنه لما ذكر الآثار السفلية أفرد الآية وذكر التفكر، وحين ذكر العلوية جمع الآية، وذكر العقل لظهور دلالتها على القدرة، والعظمة فكأنها مدركة ببديهة العقل، وكل منها دليل مستقل بخلاف الآثار السفلية فإنها خفية الدلالة لاحتمال استنادها إلى العلويات فلا بد من التفكر فيها، ومن ضمّ بعضها إلى بعض ليظهر المطلوب فهي بمنزلة آية واحدة، وكذلك الاستدلال باختلاف ألوان ما ذرأ فاحتاج إلى تذكر حال الآثار السفلية فيه فلذا قال إن في ذلك لاية لقوم يذكرون كذا قرّره العلامة في شرح الكشاف، والاستدلال بالدور والتسلسل إنما هو بعد التفكر في بدء أمرها وما نشأ منه من اختلاف أحوالها فلا وجه لما قيل إنه إذا انجرّ الكلام إلى إبطال التسلسل على ما قرّره لا تكون الدلالة محوجة إلى استيفاء فكر، وإنّ المقام غير محتاج إلى ذلك لأنه للرذ على عبدة الأوثان المعترفين بأنه خلق كل شيء، وأمّا التعكيس بجعل الاستدلال بالآثار العلوية أدق من الاستدلال بالسفلية لأنّ اختلاف أحوال النبات، ونحوه مشاهد بخلاف العلوية لاحتياجها إلى تدقيقات حكمية وهندسية فهو وان كان له وجه غير ملائم للمقام، ولما في الفاصلتين من الختام فتدبر. قوله:) عطف على الليل الخ) ذرأ بمعنى خلق ومنه الذزية على قول قيل عليه إنّ فيه شبه التكرار لأن اللام في ذرأ لكم للنفع، وقد جعل سخر لكم بمعنى نفعكم فمآل المعنى نفعكم بما خلق لنفعكم فالأولى جعله في محل نصب بفعل محذوف أي خلق أو أنبت كما قاله أبو البقاء رحمه الله، وما قيل من أن الخلق للإنسان لا يستلزم التسخير لزوما عقليا فإنّ الغرض! قد يتخلف مع أنّ الإعادة لطول العهد لا تنكر رذ بأنه غفلة عن كون المعنى نفعكم، وما ذكره علاوة مبنيئ على كون لكم متعلقا بسخر أيضا، وهو عند المصنف رحمه الله متعلق بذرأ وهذا ليس بشيء لأن التكرار لما ذكر، وللتأكيد أمر سهل، وكون المعنى نفعكم لا يأباه مع أن هذه الآية سيقت كالفذلكة لما قبلها، ولذا ختمت بالتذكر وقوله أصنافه إشارة إلى أنه مجاز عما ذكر كما يقال ألوان الطعام، وهو مجاز معروف في العربية، وغيرها قال الراغب الألوان يعبر بها عن الأجناس، والأنواع يقال فلان أتى بألوان من الحديث، والطعام. قوله:) أنّ اختلافها في الطباع (أي اختلاف طبائعها، وهيئاتها، وأشكالها مع اتحاد مذتها يدل على الفاعل الحكيم المختار كما مرّ تقريره، وقيل المراد بالطباع الصفات التي تتميز بها الأجسام المتماثلة كما هو مذهب المتكلمين القائلين بتماثل الأجسام فلا يرد أن الماهيات ليست بجعل جاعل، ولا داعي لما ذكره، ولا قرينة على أنه المراد منه. قوله:) ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم (، والرطوبة مستعدة للتغير فلذا كان سريع الفساد والاستحالة، وقوله فيسارع إلى أكله إشارة إلى أنه ينبغي تناوله طريا من ساعته، وقد قال الأطباء إن تناوله بعد طراوته من أضمز الأشياء ففيه إدماج لحكم طبيّ، وهذا لا ينافي تقديده، وأكله مخللاً كما توهم، ومنه متعلق بتأكلون أو حال، ومن ابتدائية أو تبعيضية، وطرقي فعيل مت طرو يطرو طراوة أو طرأ يطرأ، ويقال طراوة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 وطراء كشقاوة، وشقاء والطراوة ضد اليبوسة. قوله: (وأجيب عنه بأن مبني الإيمان على العرف) أي على ما يتفاهمه الناس في عرفهم لا على الحقيقة اللغوية، ولا على استعمال القرآن، ولذا لما أفتى الثوري بالحنث بأكل السمك لمن حلف لا يأكل لحماً لهذه الآية، وبلغ أبا حنيفة قال للسائل ارجع، واسأله عمن حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض هل يحنث لقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [سورة نوج، الآية: 9 أ] فقال له كأنك السائل أمس قال نعم فقال لا تحنث في هذا، ولا في ذاك، ورجع عما أفتى به أوّلاً قال ابن الهمام فظهر أنّ متمسك أبي حنيفة العرت لا ما في الهداية من أنّ القياس الحنث، ووجه الاستحسان أن التسمية القرآنية مجازية لأن منشأ اللحم الدم، ولا دم فيه لسكونه الماء مع انتقاضه بالألية فإنها تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها، وقيل عليه إنه يجوز أن يكون في المسألة دليلان ليس بينهما تناف، وما ذكره من النقض مدفوع بأن المذكور كل لحم ينشأ من الدم، ولا يلزم عكسه الكلي، ولا يخفى ما فيه فإن إطلاق اللحم على السمك لغة لا شبهة فيه فينقض الطرد والعكس فمراد المدقق الرذ عليه بزيادة في الإلزام نعم قد يقال مراده بالمجاز المذكور أنه مجاز عرفي كالدابة إنما أطلقت على الإنسان فيرجع كلامه إلى ما قاله أبو حنيفة رحمه الله، وحينئذ لا غبار عليه، وما ذكره بيان لوجه الاستعمال العرفيئ فلا يرد عليه شيء فتأمل، وكون السمك عذباً تسمح، والزعاق بضم الزاي، والعين المهملة المز الذي لا يشرب، وفي الكشاف إذا قال الرجل لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار، وتعقب بأن الإنكار إنما جاء من ندرة اشتراء مثله لأنه غير متعارف، وفيما نحن فيه اشتراء السمك، ولحمه متعارف فمحل الإنكار إطلاق اللحم عليه. قوله: (كاللؤلؤ المرجان (في تهذيب الأسماء المرجان فسره الواحدي بعظام اللؤلؤ، وقال أبو الهيثم صغاره، وقال آخرون: هو جوهر أحمر يسمى النسيد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه، وهو المشهور في عرف الناس. قوله: (فأسند إليهم لآنهن من جملتهم الخ (لما كان الحلي من لبس النساء دون الرجال وجهه بأنه أسند إلى الرجال لاختلاطهم بالنساء، وكونهم متبوعين أو لأنهم سبب لتزينهن فإنهت يتزين ليحسن في أعينهم أو هو من المجاز في الطرف فمعنى تلبسون تتمتعون وتلتذون على طريق الاستعارة أو المجاز، ولو جعل من مجاز البعض لصح أن تلبسها نساؤكم، وأمّا كونه تغليبا، أو من إسناد ما للبعض إلى الكل فلا وجه له أمّا الأوّل فلعدم التلبس بالمسند، وهو اللبس، وأمّا الثاني فلأنه لا يتئم بدون الفجاز في الطرف، واستدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بهذه الآية على أن اللؤلؤ يسمى حليآ حتى لو حلف لا يلبس حلياً فلبسه حنث، وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يحنث لأنّ اللؤلؤ وحده لا يسمى حليا في العرف، وبائعه لا يقال له بائع الحلي كذا في أحكام الجصاص، وأمّا ما قيل إنه لا مانع من تزين الرجال باللؤلؤ فلا حاجة لما تكلفه المصنف رحمه الله فبعد تسليم أنه لا مانع منه شرعا مخالف للعادة المستمرة، ويأباه لفظ المضارع الدال على خلافه فإن قلت الظاهر أن يقال تحلونهن أو تقلدونهن كما قال: نزوع حصاة حالية العذارى فيلمس جانب العقد النظيم وهي للنساء دون الرجال قلت أمّا الأوّل فسهل لأنّ المراد لازمه أي تحملونهن، والثاني على فرض! تسليمه هم يتمتعون بزينة النساء فكأنهم لابسون، وإذا لم يكن تغليبا فهو مجاز بمعنى تجعلونها لباسا لبناتكم ونسائكم، ونكتة العدول أنّ النساء مأمورون بالحجاب، واخفاء الزينة عن غير المحارم فأخفى التصريح به ليكون اللفظ كالمعنى. قوله: (جواري فيه) فهو جمع ماخره بمعنى جارية، وأصل معنى المخر الشق فسميت به لأنها تشق الماء بمقدمها، وهو المراد بالحيزوم بالحاء المهملة، والزاي المعجمة لأنه أعلى الصدر مما اكتنفه الحلقوم، وله معان أخر أو المخر الصوت سميت به لأنها يسمع لها صوت إذا جرت. قوله:) من سعة رزقه بركوبها للتجارة) في إعراب لتبتغوا ثلاثة أوجه أحدها أنه معطوف على لتأكلوا، وما بينهما اعتراض وثانيها أنه معطوف على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا، وقيل إنه متعلق بفعل محذوف أي وفعل ذلك لتبتغوا، وهو تكلف لا حاجة إليه وفسر الفضل بتوسيع الرزق، وقيده بما يكتسب من تجارة البحر لاقتضاء المقام. قوله: (أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها (ذكر المعرفة لأنه لا يشكر النعمة من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 لا يعرفها فهو لازم معناه المتقدم عليه، والقيام بحقها هو معنى الشكر، وهو شامل لما كان باللسان، والأركان والجنان. قوله: (ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام) إذ ركوب البحر مظنة الهلاك لأنهم كما قال عمرو رضي الله عنه دود على عود، وهو من كمال النعمة لقطع المسافة البعيدة في زمن يسير قريب مع عدم الاحتياج إلى الحل، والترحال كما في البر والحركة مع الاستراحة والسكون، ولله در القائل: وأنا لفي الدنيا كركب سفينة نظن وقوفا والزمان بنا يسري وقد تقدم تحقيق الرواسي. قوله: (كراهة أن تميل بكم وتضطرب الخ) تقدم نظيره، وأنه بتقدير مضاف أي ككراهة وخوف أو بتقدير لئلا تميد. قوله: (وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة) قيل لا وجه لهذا على مذهب أهل الحق، ولا على مذهب الفلاسفة أمّا الأوّل فلأنّ ذات الشيء لا تقتضي تحزكه، وإنما ذلك بإرادة الله تعالى، وأما الثاني فلأنّ الفلاسفة لم يقولوا إنّ حق الأرض أن تتحرّك بالاستدارة لأنّ في الأرض ميلاً مستقيماً، وما هو كذلك لا يكون فيه صيد وميل مستدير على ما ذكروا ير العلم الطبيعي، وأورد أيضاً على منع الجبال لها من الحركة أنه قد ثبت في الهندسة أنّ نسبة أعظم جبل في الأرض، وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث فرسخ إلى جميع الأرض نسبة خمس سبع عرض! شعيرة إلى كرة قطرها ذراع، ولا ريب في أنّ ذلك القدر من الشعيرة لا يخرج تلك الكرة عن الاستدارة بحيث يمنعها عن الحركة، وكذا حال الجبال بالنسبة إلى كرة الأرض فالصحيح أن يقال خلق الله الأرض مضطربة لحكمة لا يعلمها إلا هو، ثم أرساها بالجبال على جريان عادته في جعل الأشياء منوطة بالأسباب، وفيه أنه يرد عليه ما أورده، واعلم أنّ من أصحاب العلوم الرياضية من ذهب إلى أنّ الأرض متحرّكة على ما فصله في نهاية الإدراك مع ردّه، وأمّا كون الأرض ذات ميد وميل مستقيم فيمتنع أن تتحرّك على الاستدارة بالطبع فهو مبرهن في محله لكن قال الإمام الجمهور على أنه تعالى لما خلق الأرضى على وجه الماء اضطربت فخلق عليها هذه الجبال الثقال فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل هذه الجبال كما أنّ السفينة إذا ألقيت على وجه الماء تميل من جانب إلى جانب فإذا وضعت فيها الإجرام الثقيلة استوت على وجه الماء، واستقرّت، وهذا مشكل لأنه سطح الماء إن كان حيز الأرض الطبيعي وجب سكونها، واسنقرارها وان لم يكن حيزها الطبيعي، وهي أثقل من الماء فلا بد من غوصها في الماء فلم تبق على وجه الأرض مضطربة، وأجاب بأنّ الأرض كرة من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالفلك أو تتحرك بأدنى سبب فلما خلقت عليها الجبال توجهت نحو مركز العالم بثقلها العظيم فكانت جارية مجرى الأوتاد التي منعت الأرض عن الاستدارة فمنعها الأرض عن الميد والاضطراب هو الذي منعها من الحركة المستديرة، وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى على عادته، وأنت إذا تأملته علمت أنّ ما اعترضوا به غيروا رد لأنها من حيث هي كريتها تقتضي الحركة المستديرة بالذات والميل المستقيم عارض! لها بالثقل فلا منافاة بينه وبين ما تقرّر في الطبيعي، وليس هذا محلاً يسع تحقيقه، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله: (ما هي بمقرّ أحد على ظهرها) مقرّ بفثح الميم اسم مكان من القرار والباء زائدة، وقيل إنّ الظاهر أنه يضمها اسم فاعل من الإقرار بمعنى جعل الشيء قاراً والتذكير باعتبار المكان، ولا داعي له. قوله: (وجعل فيها أنهار الخ الما كان الإلقاء بمعنى الطرح لا تتصف به الأنهار أشار إلى تسلطه عليه باعتبار ما فيه من معنى الجعل والخلق أو تضمينه إياه ويجوز أن يقدر له فعل لأنه على حدّ قوله: علفتها تبناً وماء باردا وقد جوّزوا فيه ذلك لكن المصنف رحمه الله تعالى اختار هذا لأن التقرير خلاف الظاهر. قوله: (لمقاصدكم) هذا بناء على الظاهر من أنه تعليل لقوله سبلاً، وقوله أو إلى معرفة الله على أنه تعليل لجميع ما قبله لأنّ تلك الآثار العظام تدل على فاعل حكيم عظيم ففي قوله تهتدون تورية حينئذ. قوله: (معالم) جمع معلم، وهو ما يستدل به على شيء والسابلة الفرقة التي تسلك سبيلاً، وتطلق على الطريق نفسها وليس! بمراد هنا، وقوله وريح هو إشارة إلى ما في التفسير الكبير من أنّ من الناس من يشمّ التراب فيعرف يشمه الطريق، وأنها مسلوكة أو غير مسلوكة، ولذا سميت المسافة مسافة لأنها من السوف بمعنى الشتم فالريح بمعنى الرائحة. قوله: (بالليل في البراري (جمع برّية، وهي معروفة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وقوله والمراد بالنجم الخنس أراد بالجنس السيارة منها، وقد تطلق على النجوم كلها وعلى زحل، والمشتري والمرّيخ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع هذا إن كان الخنس بخاء معجمة مضمومة، ونون مشددة مفتوحة وسين مهملة، وفي نسخة الجنس بجيم مكسورة ونون ساكنة، وسين مهملة أي تجنس النجوم، وهي أظهر عندي. قوله: (ويدل عليه قراءة الخ) إمّا على أنه جمع نجم كسقف، وسقف ورهن ورهن، وتسكينه للتخفيف أو على أنّ أصله نجوم فخفف بترك الواو، وأورد عليه أنه لا اختصاص له بهذا التفسير بل هو مؤيد للوجه الثاني أيضا إذ فيه معنى الجمعية، وكونه مؤيداً {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} [سورة الغاشية، الآية: 7] فالوجه أنّ مراده أن النجم غلب على الثريا وأصله العموم فذكر أنه باق على أصله بدليل هذا القراءة فالدليل نسبيّ شامل لهما، وخصه بما ذكر لأنه الأصح عنده والثريا والفرقدان نجوم معروفة، وقوله وبنات النعش كذا وقع في النسخ بالألف، واللام والصواب إسقاطها لأنه علم، وأحكام العلمية تراعي في الجزء الثاني في مثله كما هو مقرّر عندهم قال الجوهري: اتفق سيبويه، والفراء على ترك صرف نعش للمعرفة، والتأنيث قال البدر الدماميني: الظاهر أن المراد ترك الصرف جوازاً لا وجوبأ لأنه ثلاثيّ ساكن الوسط كهند فيجوز فيه الأمران، والجدي نجم عند القطب تعرف به القبلة، والمنجمون يقولون له جدفي بالتصغير فرقاً بينه، وبين اسم البرج المعروف فيصح قراءته في عبارة المصنف رحمه الله تعالى مصغراً ومكبراً. قوله: (ولعل الضمير لقريش الخ الما كان ما قبله على سنن الخطاب، وقد أخرج هذا إلى الغيبة، وخصص هؤلاء الغائبون بالاهتداء دون غيرهم لتقديمهم على يهتدون وخصص اهتداؤهم بالنجم دون غيره حيث قدم بالنجم على عامله، وهو يهتدون جعل المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري الخطاب في الآيات السابقة لجميع الناس، والمراد بهؤلاء قريش، ولما امتازوا من بينهم بالاهتداء بالنجوم لكونهم أصحاب رحلة وسفر خص بهم، وعدل عن سنن الخطاب إلى الغيبة وعبر بكلمة التوقع لاحتمال عموم الضمير لكل عارف بسلوك البر والبحر، وتغيير التعبير للالتفات واحتمال تقديم بالنجم للفاصلة وتقديم الضمير للتقوّى. قوله:) انكار بعد إقامة الدلائل) إشارة إلى معنى الهمزة، وأنه استفهام إنكارقي وأنّ معنى الفاء التعقيب والتفريع للمستدل عليه على الدليل، والدلائل المذكورة ما ذكره من أوّل السورة إلى هذه الآية، وقوله لأن يساوبه متعلقة بانكار يعني أنّ المساواة بعد ما ذكر منكرة قطعاً والانكار بمعنى النفي للمساواة، وليس لانكار تسوية الكفار حتى يكون بمعنى عدم الابتغاء، وان لزمه ذلك. قوله: (والتفرّد بخلق ما عدّد من مبدعاته الخ (إشارة إلى أنّ مفعول بخلق محذوف استغناء عنه بما مر أي أفمن يخلق ما ذكر من المخلوقات البديعة، وقوله ما لا يقدر على خلق شيء إشارة إلى أن مفعول لا يخلق مقدر أيضا لكنه عام أي كمن لا يخلق شيئاً ما جليلاً أو حقيراً، وبجوز أن يكون العموم فيه مأخوذاً من تنزيله منزلة اللازم وهو يفيد العموم في المنفي أيضا، ومن هذا علم أنه لا يتوجه الاحتجاج بالاية على المعتزلة في إبطال قولهم بخلق العباد لأفعالهم كما وقع في كتب الكلام لأنّ السلب الكليّ لا ينافي الإيجاب الجزئي وقوله لأن يساويه وقع في نسخة لأن يساوي بدون الضمير فما لا يقدر مفعول يساوي أو المشاركة تنازعا فيه وفاعلهما ضير الله، وعلى النسخة الأولى ما فاعل يساوي أو يستحق على التنازع أيضاً. قوله: (وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق الخ) أي حقه هذا بحسب الظاهر في بادىء النظر لأنّ المقصود إلزام عبدة الأصنام، وسموها آلهة تشبيهأ بالله، وهم جعلوا غير الخالق مثله فكان حقه أفمن لا يخلق كم يخلق ووجه الجواب أنّ وجه التشبيه إذا قرن بين المشبه والمشبه به رجع التشبيه إلى التشابه فيقال وجه الخلفية كالقمر والقمر كوجه الخليفة، والمشركون لما عاملوا الأصنام معاملة الإله الخالق إذ سموها آلهة، وعبدوها فلم يبقى عندهم فرق بينها وبينه تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا فحصل التشابه فلذا عبر بما ذكر أو هو من التشبيه المقلوب إذ من حق المشبه أن يكون أحط من المشبه به فيما وقع في المشبه فإذا عكس كان فيه مزيد تقريع وتجهيل، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمل هذين الوجهين. قوله: (والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله الما كان الظاهر ما لا يخلق لأنّ الكلام في الأصنام، وهي لا تعقل دفعه بأنه ليس مخصوصا بها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 بل المراد كل ما عبد فيشمل الملائكة، وعيسى من أولي العلم، وأتى بمن تغليباً لذوي العلم على غيرهم. قوله: (أو الآصنام وأجراها) في نسخة، واجراؤها بصيغة المصدر يعني أنّ المراد الأصنام، ولما عبدوها والمعبود لا يكون إلا من ذوي العلم عبر به بناء على ما عندهم فهو حقيقة أو هو جار على نهج المشاكلة لمن يخلق. قوله: (أو للميالغة وكأنه قيل إن من يخلق ليس كمن لا يخلق الخ) قال الزمخشري: في تقرير هذا الوجه أو يكون المعنى أفمن يخلق من أولي العلم كمن لا يخلق منهم فكيف من غيرهم كقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 195] يعني أن الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل، وأيدو أعضاء سالمة لأنّ هؤلاء أحياء وهم أموات فكيف تصح لهم العبادة لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا فقيل عليه أنه يحوم على أن العباد يخلقون أفعالهم، وأنّ المراد إظهار التفاوت بين من يخلق منهم، ومن لا يخلق كالعاجزين، والزمنى حتى يثبت التفاوت بين من يخلق منهم، وبين من لا يخلق من الأصنام بالطريق الأولى، ولقد تمكن منه الطمع حتى اعتقد أنه يثبت خلق العبد لأفعاله بتنزيله الآية على هذا التأويل، وتمنى لو تمّ له ذلك. وما كل ما يتمنى المرء يدركه وتبه بعض الشراج ورد بأنه غلط، وغفلة عن كلامه إذ المراد بمن لا يخلق جميع أولي العلم، وهذا هو الوجه الذي عزاه صاحب المفتاح لنفسه إذ توهم ما توهموا، وغفل كما غفلوا فقول المصنف رحمه الله تعالى للمبالغة معطوف على قوله للمشاكلة فيكون من فروع كون المراد بمن لا يخلق الأصنام على فرض! أنها من أولي العلم يعني لو كانوا من أولي العلم وهم ليسوا بخالقين لا يستحقون المساواة والشركة للعالم الخالق فكيف يشبه بهم ولا علم فيهم أو هو معطوف بحسب المعنى على قوله، والمراد بمن لا يخلق أي أو الكلام للمبالغة فالمراد به لا يخلق العالم القادر من الخلق دون الأصخام فلفظ من على حقيقته، والمقصود انكار تشبيه الأصنام بالله على أبلغ وجه لأنه إذا لم يصح تشبيه الحيّ القادر به تعالى من الخلق فكيف الجمادات وهذا هو الموافق لما في الكشاف والمفتاح فإن حمل عليه كلام المصنف رحمه الله تعالى فبها والا فذاك وجه آخر لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى كذا قرّره بعض أرباب الحواشي فتدبر. قوله: (فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر) الموصول صفة الحاصل، ولما كان التذكر يستعمل فيما تصوّر أوّلاً ثم حصل الذهول عنه بحيث يحضر ثانيا بأدنى تنبيه، وهذا الحضور الثاني هو التذكر، ولم يسبق نفي المساواة حتى يتصوّر ويذهل عنه جعله لظهوره بمنزلة ما سبق تصوّر. فعبر بما ذكر فالتذكر استعارة للعلم بما ذكر تصريحية، وقيل هي مكنية باعتبار أن التقدير يتذكرون عدم المساواة، والمداناة فالكناية في ذلك المفعول المقدر، واثبات التذكر تخييل، فلا يرد عليه شيء لكن الأوّل أظهر، وقوله بأدنى تذكر قيل الأظهر بأدنى توجه، وليس بشيء لأنّ التذكر أدنى مراتب التفكر لأنه شامل له ولأعمال الفكر والتعمق وهذا مما لا شبهة فيه. قوله: (لا تضبطوا عددها) أصل معنى الإحصاء العد بالحصى. وكان ذلك عادتهم قال الأعشى: ولست بالأكثرمنهم حصى وإنما العزة للكاثر ثم كنى به عن مطلق العذ واشتهر حتى صار حقيقة فيه، وزاد قيد الضبط بمعنى الحصر لئلا يتحد الشرط، والجزاء فيخلو عن الفائدة فلذا أوّل الجزاء بما ذكر، ولو أوّل الشرط بأن أردتم عدها اندفع المحذور أيضا لكن ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أولى، وقوله فضلا الخ اعتبره في معنى الآية ليلتثم السياق والسباق، وقوله أتبع ذلك الإشارة إلى قوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} والنعم المراد بها ما مرّ من أوّل السورة إلى هنا. أو من قوله وهو الذي سخر البحر، وقوله ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها أي إن كان بترك الواجبات. قوله:) وهو وعيد) إنما كان وعيداً لأنّ علم الملك القادر بمخالفة عبده يقتضي مجازاته على ذلك، وقد مرّ مراراً أن ذكر علم الله، وقدرته يراد به ذلك، وهو ظاهر. قوله: (وتزييف للشرك (أي رذ وابطال له وأصل معنى التزييف في نقد الدراهم، وتمييز الزائف من الرائج، وقوله باعتبار العلم يعني أنه أبطل شركهم للاصنام أوّلاً بقوله فمن يخلق كمن لا يخلق الخ كما مرّ تقريره، وأبطله ثانيا بقوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} بناء على أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 تقديم المسند إليه يفيد الحصر كزيد غرق في إفادة التخصيص يعني أنه تعالى عالم بذلك دون ما يشركون به فإنه لا يعلم ذلك بل لا يعلم شيئآ أصلا فكيف يعذ شريكا لعالم السرّ والخفيات. قوله: (والآلهة الذين تعبدونهم (إشارة إلى أن الدعاء بمعنى العبادة كما مرّ تحقيقه، وقوله: وقرأ أبو بكر الخ. قال المعرب: قرأ العامة تسرّون وتعلنون بتاء الخطاب، وأبو جعفر وشعبة بالياء التحتية، وقرأ عاصم وحده بالياء، والباقون بالتاء من فوق، وقرىء يدعون مبنيا للمفعول، وهو واضح فما وقع في النسخ تبعا للإمام، وقرأ أبو بكر يدعون الياء، وقرى حفص ثلاثتها بالياء مخالف لما في كتب القرا آت فلعلها رواية شاذة عنه، وفي بعض النسخ قرأ عاصم ويعقوب يدعون بالياء، وهو الصحيح الموافق للنقل وما وقع في بعضها من الجمع بين النسختين لا وجه له فالظاهر أنّ النسخة الثانية إصلاج من المصنف رحمه الله تعالى.) أقول (هذا ما قالوه بأسرهم وهو من قصور الباع وقلة الاطلاع فإنّ الثلاثة قرأت بالمثناة التحتية في رواية عن أبي عمرو وحمزة من طريق إلا اً نهما لم يقرآ بها وفي كتاب الزوائد المفيدة في الزيادة على القصيدة للأربلي وعن حفص أيضا قراءة الثلاثة بتاء الخطاب. قوله: (لما نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئاً) المشاركة مأخوذة من التشبيه وهذا دفع للتكرار وبيان لأنه ذكر للاستدلال على نفي التشابه والمشاركة لأنه في قوّة هم لا يخلقون شيئا ومن يخلق لا يشارك من لا يخلق فينتج من الثالث من يخلق لا يشاركهم ويعكس، وقيل عليه أنه مبنيّ على أن من يخلق ومن لا يخلق مجرى على غير تعيين، وقد بناه فيما سبق على كون الأوّل هو الله تعالى، والثاني الأصنام، وتقريره هناك يقتضي عدم الحاجة إلى هذه المقدمة للعلم بها، وكونها مفروغا عنها فإنما كرر لمزاوجة قوله، وهم يخلقون، ولا يخفى أن من لا يخلق عامّ، وكذا من يخلق كما صزح به هنا، وأما تخصيصه بما مرّ كما يقتضيه التعبير بالموصول فلأن من يخلق عندنا مخصوص به تعالى في الخارج اختصاص الكوكب النهاري بالمشمس وإن عمّ باعتبار مفهومه ومن لا يخلق وان عتم ذهناً وخارجاً فتفسيره بمن عبد لاقتضاء المقام له مع أنه في الوجه السابق لا يختص بذلك وأفا توله أنه لا يحتاج إلى هذه المقدمة فليس كما ذكره، وإنما مقتضاه أنها في غاية الظهور بحيث لا تحتاج إلى إثبات، وهو مصحح لكونها جزءاً من الدليل، وإذا ظهر المراد بطل الإيراد. قوله: (لآنها ذوات ممكنة الخ) إشارة إلى أن علة الاحتياج هي الامكان، وقوله ينبغي من المجاراة إذ لا بد من ذلك عقلا. قوله: (هم أموات لا تعتريهم الحياة الخ) بيان لفائدة قوله غير أحياء بعد ذكر أنهم أموات، وان قيل إنه تأكيد لأن التأسيس هو الأصل مع الإشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله، وغير أحياء صفة أموات أو خبر بعد خبر فقوله لا تعتريهم الحياة أي لا تعرض لهم بناء على أن المراد الأصنام فهو بيان لأنهم غير متصفين بالحياة حالاً، ومآلا لعدم القابلية لها كما تقبلها النطفة، ونحوها فهم أموات حالاً، وغير أحياء بمعنى غير قابلة للحياة مآلاً فهو تأسيس في الجملة، وهذا بناء على أن المراد بالأحياء الأجسام غير ذوي العلم بمعنى الأصنام. قوله: (أو أموات حالاً أو مآلاً) هو جواب آخر، وأو في قوله أو أموات للتنويع لا للترديد ومنع الجمع، وهو على هذا متناول لجميع معبوداتهم ففي لفظ أموات عموم المجاز فالمراد ما لا حياة له سواء كان له حياة، ثم مات كعزير أو سيموت كعيسى، والملائكة عليهم الصلاة والسلام أو ليس من شأنه الحياة كالأصنام فهو شامل لذوي العلم وغيرهم، والذي في الكشاف وجوه ثلاثة ثالثها أن يراد بالذين تدعون الملائكة عليهم الصلاة والسلام وكان ناس منهم يعبدونهم، وأنهم أموات أي لا بد لهم من الموت غير أحياء أي غير تامّة حياتهم فليس بعام وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له. قوله: (غير أحياء بالذات) فالمراد به نفي الحياة الذاتية فليس مستغنى عنه، وقوله ليتناول تعليل له لبيان فائدته إذ لولاه لم يتناول عيسى، والملائكة عليهم الصلاة والسلام ممن عبدوه. قوله: (ولا يعلمون وقت بعثهم الخ) فسر يشعرون بيعلمون، ومنهم من فرق بين العلم والشعور، وهو سهل إلا أنّ ظاهر قوله وقت بعثهم أن إيان خرجت عن موضوعها، وهو الشرط أو الاستفهام إلى محض الظرفية بمعنى وقت مضاف إلى الجملة بعده كقولك وقت يذهب عمرو كما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 أورده المعرب على من جعل إيان ظرفا لقوله: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فالظاهر تفسيره بمتى يبعثون كما في الكشاف، وغيره لكنه تسمح في العبارة، وما ذكره حاصل المعنى، والضميران في تفسيره الأوّل للذين تدعون وفي قوله أو بعث عبدتهم الضمير الأوّل للذين، والثاني لعبدتهم، وقوله فكيف الخ جار على الوجهين. قوله: (وف! يه تنبيه على أنّ البعث من توابع التكليف) أي مما يلزمه لأنّ البعث للجزاء، والجزاء للتكليف فلزمه كون البعث للتكليف، ولذا قيل تكليف العبادة لغرض مّا جزاء، وإذا ليس في هذه الدار جزاء فلا بد من دار جزاء ومن العلم بوقته لمن يجازي. قوله: (تكرير للمدّعي بعد- إقامة الحجج (يعني أنه ذكره أوّلاً بقوله لا إله إلا أنا، وذكر ما يدلّ عليه، ويبطل الشرك ثم أعاده. لأنه نتيجة لما تقدمه فأعاده كما تعاد النتيجة بعد ذكرها غير مبرهن عليها، ولما كان المدعي مذكور بالقوّة في ضمن الدلائل لم يعد بعيدا فلا مخالفة بينه، وبين ما في الكشاف من أنه لما أثبت بالدلائل المتقدمة الدالة على إبطال الشريك أن الإله واحد لا شريك له فكان الوإجب أن يخصص بالعبادة، ولا يشرك فيها، وهؤلاء عكسوا، واستمرّوا على الشرك فالفاء في قوله فالذين لا يؤمنون فاء القذلكة، والنتيجة لأنه كالتفسير لها، والمراد بالمستكبرين من استكبر عن التوحيد فهو مظهر وضع موضع ضمير المشركين أو من استكبر عن الحق مطلقاً فهو عاتم متناول لهم كما قرّره العلامة. قوله: (بيان لما اتتضى اصرارهم الخ) يعني قوله فالذين الخ صدر بالفاء لأنه سبب لاصرارهم فالفاء للسببية كما قول أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إليّ، ولما بين السبب، والمسبص من الارتباط كان هذا كالنتيجة، وقوله وذلك أي ما اقتضى اصرارهم هو أمور ثلاثة عدم الإيمان، والإنكار، والاستكبار، وقوله فإن المؤمن بها أي بالآخرة، ولو تقليداً، وقوله للدلائل أي دلائل التوحيد ليسلم في الآخرة وانكار قلوبهم معطوف على عدم إيمانهم، واتباعا علة ل! ركار، وقوله فمانه أي ما ذكر، والاستكبار معطوف عليه أيضاً وقوله، والأوّل هو العمدة يعني قول الذين لا يؤمنون بالآخرة، والأخيرين انكار قلوبهم واستكبارهم وترتيبه عليه بجعله خبراً للوصول المفيد لعلية الصلة للخبر على ما قرّر في المعاني. قوله: (لا جرم حقاً الخ) في هذه الفظة خلاف بين النحاة فذهب الخليل رحمه الله تعالى وسيبوبه والجمهور إلى أن لا جرم اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعل، وهو حق، وما بعدها مرتفع بالفاعلية لمجموع لا جرم لتأويله بالفعل أو بمصدر قائم مقامه، وهو حقا على ما ذ! هـ أبو البقاء رحمه الله تعالى، وقيل هو مركب أيضا كلا رجل، وما بعدها خبر، ومعناها لا محالة، ولا بد وقيل إنه على تقدير جارّ أي في أن الله الخ. وقيل لا نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله لا أقسم على وجه، وما بعده جملة فعلية، وجرم فعل ماض معناه كسب، وفاعله مستتر يعود إلى ما فهم من السياق، وأن وما معها في محل نصب لأنّ ك! سب متعد فيوقف على لا، و! ذا قول الزجاج، وقيل معناها لا صذ ولا منع وجرم اسم لا بمعنى القطع، وأنّ وما بعدها خبر حذف منه الجار، وفيها لغات كما مرّ فقوله حقا تفسير له على مذهب الجمهور على مسلك أبي البقاء فيه، وقوله فيجازيهم مرّ تحقيقه مراراً، وقوله أو فعل يحتمل جرم وحده فعل، وهو الظاهر من لفظه لكن على هذا القول هو مفعول لا فاعل إلا أن يكون بمعنى ثبت، ووجب كما ذكره بعض المعربين، وهو قول فيه، ويحتمل أنّ مجموع لا جرم فعل تأويلا لأنه بمعنى حق، وهو الموافق لكلامهم كما أشار إليه بعض الفضلاء فما قيل أن شرط عمل المصدر أن لا لمجون مفعولاً مطلقا كما في الكافية وحقا مفعول مطلق من قلة التدبر على ما عرفته. قولى:) فضلاَ عن الذين الخ) فيه إشارة إلى أنه باق على عمومه، ويدخل فيه من مر ممن استكبر عن التوحيد دخولاً أوّلياً، وهو الوجه الثاني في الكشاف، والأوّل أن يراد به من استكبر عن التوحيد وتركه لأن هذا أتمّ وأنسب بالتذييل، وقد جوّز كونه عاما مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلبه فضلا عمن اتصف به. قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} في الكشاف ماذا منصوب بأنزل بمعنى أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع بالابتداء بمعنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 أي شيء أنزله ربكم فإذا نصبت فمعنى أساطير الأوّلين ما تدعون نزوله أساطير الأولين، وإذا رفعت فالمعنى المنزل أساطير الأولين كقوله: {مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [سورة البقرة، الآية: 219] فيمن رفع اهـ، وقد خفي تغاير التقديرين والفرق بين الوجهين على بعض النحاة تبعا لصاحب التقريب حيث قال: إنه لا يتعين للتقدير في أحدهما بما فيه صورة فعل، وهو ما تدعون، وفي الآخر بالمنزل، وأيضاً لم خالف بين لفظي الدعوى، والإنزال في التقديرين مع أنه حمل الإنزال على السخرية، ثم ذكر جوابا لم يرضوه، ونسبه بعضهم في هذا الكلام إلى ارتكاب هجنة لا تليق بالمقام ولم يلتفت شراحه إلى نقله لأنه غث، وسمين نشأ من عدم تحقيق مرامه إذا سمعت هذا: فاعلم أنّ ماذا فيه وجهان أحدهما: أن يكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وتقديره أيّ شيء الذي الخ والمطابق حيئذ في جوابه الرفع ليطابق الجواب السؤال في كون كل منهما جملة اسمية. والثاني: أن يكون ماذا اسما واحدا مركبا للاستفهام بمعنى أيّ شيء محله النصب فينصب جوابه ليطابقه في الجملة الفعلية، ولذا قيل إنه كان مرفوعا هنا وجب تقديره بالذي لأنه لو قدر بأفي شيء وجب نصبه لعدم العائد، والأصل عدم التقدير فهو حينئذ مفعول لا محالة، وقوله وعلى هذا لا بد من إرادة الذي في كلامه حتى يكون التقدير أيّ شيء الذي أنزله ربكم كأنه من سهو الناسخ. وإذا قيل للكفار أي شيء أنزله ربكم لم يكن جوابهم إلا ما أنزل من شيء، وما تدعون إنزاله أساطير الأوّلين لأنهم لا يقرّون بإنزاله من الله، ولذا لم يقرأ أساطير بالنصب في المشهور، وإن قرىء به شاذاً كما ذكره العرب فلا وجه لإنكاره أما إذا قيل لهم أفي شيء الذي أنزل ربكم فالإنزال لما جعل صلة كان ثابتا عند السامع فجوابهم المنزل أساطير الأولين لكن إثباتهم الإنزال لا يكون إلا على سبيل السخرية كما سيأتي، وهذا هو الذي أوجب اختلاف التقدير في الجواب بحسب الإعراب، وقد ارتكبوا هنا تعسفات تنبىء عن سبق، وهم أو سوء فهم، ولا يخفى أن هذا لا يدفع السؤال فالظاهر أن الذي يرفع نقاب الشبهة هنا قول المدتق طيب الله ثراه إن ما ذكر إيضاج، والا فالمعنى ما الذي كما هو متفق عليه، والفرق بين التقديرين أنّ المنصوب وإن دلّ على ثبوت أصل الفعل، وإن السؤال إنما هو عن المفعول متقاعد عن دلالة المرفوع لأن الصلة من حقها أن تكون معلومة للمخاطب، وأنّ الحكم معلوم عنده، وعلى التقديرين لم يطابق الجواب كما أشار إليه فيما سيأتي، وإنما قدر ما يدعون في النصب لأنّ السائل لم يعتقد علمهم بالإنزال بل سأل عما سمع نزوله في الجملة، فيكفي في رذه إلى الصواب ادعاء نزول الأساطير. وأمّا على تقدير الرفع فلما دل على تحقق الإنزال فإنه مسلم عندهم، وإنما السؤال عن تعيين المنزل أجيب بأنّ ذللة المحقق عندك أساطير تهكما إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في ردّه بالتهكم به، وان بت الحكم في غير موضعه، فأراد عدم المطابقة مبالغاً في رذه، ويشبه أن يكون الأول جوابا للسؤال فيما بينهم أو بينهم، وبين الوافدين من الحجاج، والثاني جواباً عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الاحتمالين لا العكس كما ظن، وهذا هو الموافق لما بعده، وجعل ما هنالك وجهاً ثالثا وأنه لم يقصد به الجواب هنا، وتوجيه اختلاف التقديرين بغير ذلك تكلف مستغنى عنه. هذا غاية ما يمكن في كلامه، وإنما بسطناه لأنه من مشكلات الكشاف، وليس الريّ عن التشاف فانظر فيه بعين الإنصاف وأساطير جمع أسطار جمع سطر فهو جمع الجمع، وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة، وأراجيح أي مما كتبه الأولون فهو كقوله: {اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [سورة الفرقان، الآية: 5] . قوله:) القائل بعضهم على التهكم الخ) يعني أنه إذا كان السؤال من بعضهم لبعض، فهو تهكم لأنهم لا يعتقدون أنه منزل لا إن كان من الوافدين عليهم الذين سمعوا به صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل عليه أو من المسلمين لهم ليعلموا ما عندهم فليس الأولى حذفه مع أنه قول للمفسرين مسبوق به. قوله: (أي ما تدّعون الخ) قد مرّ تحقيقه، وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وهو على الوجوه السابقة. قوله:) وإنما سموه منزلاً الخ) يعني على تقدير المنزل أساطير الأولين، وليس توجيها لقوله: (ماذا أنزل التقدم توجيهه فإن الأساطير لا تكون منزلة، وقوله: (أو على الفرض) والتسليم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 ليردّوه كقوله: {هَذَا رَبِّي} [سورة الأنعام، الآية: 177 أو على التقدير أي قدروه منزلاً مجاراة ومشاكلة. قوله: الا تحقيق فيه) تفسير للأساطير وقوله والقائلون له أي للجواب المذكور، والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين، وقد مرّ تفسيره. قوله: (أي قالوا ذلك إضلالاً للناس الخ (يشير إلى أن اللام لام العاقبة لأن ما ذكر مترتب على فعلهم، وليس باعثا ولا غرضا لهم كما بينه بقوله فحملوا لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين لأجل أن يحملوا الأوزار لكن عاقبتهم ذلك إمّا مجازاً، وامّا حقيقة على معنى أنه قدر صدوره منهم ليحملوا، وقد قيل أيضاً أنها للتعليل وإنها لام أمر جازمة، والمعنى أنّ ذلك متحتم عليهم فيتمّ الكلام عند قوله أساطير الأوّلين، وقوله إضلالاً يبين أن حمل أوزارهم ليس علة، وهم يعتقدون أنهم محقون لا ضالون مضلون فإنه غير مسلم، ولو سلم فالمراد قصدوا ما يصدق عليه إنه إضلال لا مفهوم الإضلال، وفيه نظر. قوله:) فإنّ إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال) توجيه للوصف بالكمال، وقوله: (وبعض أوزاو ضلال من يضلونهم الخ (يشير إلى أن من تبعيضية لأنّ مقابلته لقوله كاملة يعينه، والمعنى مثل بعض أوزارهم فلا وجه لجعل من زائدة، ولا يرد عليه ما ورد في الحديث كما قيل وهو: " من سق سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص! ذلك من أوزارهم شيئاً لأنّ للتابعين أوزارا غير ذلك ". قوله: (خصة التسبب) لأنّ ضلال من أضلوه من حيث المباشرة على المباشر ومن حيث التسبب على المضل من غير نقص، وفاعل يضلونهم ضمير القائلين ومفعوله ضمير الوافدين. قوله:) حال من المفعول الخ (أي أنهم يضلونهم حال كونهم جاهلين، وفيه تنبيه على أنهم إنما يضلون الجهلة الأغبياء، ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل أي يضلونهم جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال، وكونه محدثاً عنه يعارضه القرب فلا يصلح مرجحا وإن رجحه الواحدي وقد رذه في الكشف، وكونه حالاً منهما كما نقل عن ابن جنيّ خلاف الظاهر، وقوله بض شيئا قد مر تحقيقه، وان ساء من باب بئس. قوله: (سووا منصوبات الخ) سوى بمعنى صنع، والمنصوبة كما نقل عن الزمخشري الحيلة يقال سوى فلان منصوبة، وهي في الأصل صفة للشبكة، والحبالة فجرت مجرى الاسم كالدابة، والعجوز ومنه المنصوبة في لعب الشطرنج، وقوله: ليمكروا بها رسل الله أي ليخدعوا، ولما كان بمعناه عداه تعديته، ولما كان المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، وما بعده يدل على أنهم لم يصرفوهم أشار إلى أنه مجاز هنا عن مباشرة أسباب المكر، وترتيب مقدماته ولو جعل تجريداً صح، وما قيل إنه أخرج مكر عن ظاهره فاحتاج إلى تقدير معنى ليناسب كونه تمثيلاً مع ما فيه من الإشارة إلى عدم وقوع المكر منهم حقيقة بل مقدماته، والا لغلبوا على الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يخفى ما فيه من التطويل من غير طائل. قوله: (فأتاه أمره) حقيقة الإتيان المجيء بسهولة كما قاله الراغب ولما كان هذا معناه الأصلي حمله المصنف رحمه الله تعالى عليه فاحتاج إلى تقدير مضاف، وهو الأمر، ولو جعل من قبيل أتى عليه الدهر بمعنى أهلكه، وأفناه على ما في الكشاف لم يحتج إليه وضمير أتاه بالتذكير كما في بعض النسخ للبنيان لأنه اسم مفرد مذكر قاًل تعالى {كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ، وفي أكثرها فأتاها بالتأنيث بناء على ما نقله الراغب عن بعض أهل اللغة من أنه جمع بنيانة على حد نخلة، ونخل وهذا، ونحوه يصح تذكيره، وتأنيثه. قوله: (من جهة العمد) بضم العين، والميم وجوز تسكينها أو بفتحهما جمع عمود، وهو والقاعدة بمعنى الدعامة، وضعضعت بالبناء للمفعول بمعنى هدمت ومنه ضعضعه الدهر إذا أذله وتضعضع بمعنى استكان قال: إني لريب الدهر لا أتضعضع وقوله من جهة الخ إشارة إلى أنّ من ابتدائية وقوله: (وصار سبب هلاكهم (وفي نسخة فصار بالفاء أي ما صنعوه ليكون سببا لبقائهم صار سببا لهلاكهم وفنائهم وانعكاس رجائهم وهو غاية الخيبة والحسرة عليهم وقوله: {مِن فَوْقِهِمْ} متعلق بخرّ ومن لابتداء الغاية أو متعلق بمحذوف على أنه حال من السقف مؤكدة وقيل إنه ليس بتأكيد لأنّ العرب تقول خبر علينا سقف، ووقع علينا حائط إذا انهدم في ملكه، وان لم يقع عليه، دماليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله صار سبب هلاكهم. قوله: الا يحتسبون ولا يتوقعون (التوقع ترقب الوقوع، وهو في موقعه هنا، وقيل فسر عدم الشعور به لأنه أفحش منه لاجتماع عدم الشعور مع العلم بأصل الوقوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وفيه نظر. قوله: (وهو على سبيل التمثيل (يعني أن قوله: {أَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم} الخ استعارة تمثيلية لأنّ ما نصبوه وتخيلوه سبباً للاستيلاء صار سببا للبوار، والعفاء فالأساطين كالمنصوبات، وانقلابها عليهم مهلكة كانعكاس مكايدهم عليهم، ووجه الشبه أن ما عدوه سبب بقائهم عاد سبب استئصالهم، وفنائهم كقولهم من حفر لأخيه جبا، وقع فيه منكبا. قوله: (وقيل المراد به نمرود) هو بضم النون، وفي آخره دال مهملة، وهو اسم جبار معروف وكنعان في حواشي الكشاف الأفصح فيه كسر الكاف، والفتح مروي فيه، وهو المعروف وفي التهذيب مقيد بالفتح، وعن الليث أن كنعان بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، واليه ينسب الكنعانيون، ولغتهم العربية الذي في كتب التواريخ، أنّ كنعان بن كوس من أولاد حام بن نوج والصرح القصر وكل بناء عال وبابل اسم ناحية معروفة وسمكه بمعنى ارتفاعه، وعلوّه، وقوله ليترصد أمر السماء أي ليعرف أمر السماء، ويقاتل أهلها وقوله: (فخرّ عليه وعلى قومه فهلكوا) يقتضي أن هلاك نمرود إذ ذاك بما ذكر والمعروف أنه عاش بعده، وأهلكه الله ببعوضة وصلت لدماغه إظهار الكمال خستة، وعجزه وجازاه من جن! عمله لأنه صعد إلى جهة السماء بالنسور فأهلكه الله بأخس الطيور، وعلى هذا لا يكون تمثيلا بل حقيقة، وأخره لأنه لا دليل عليه. قوله: (يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله الخ) قد مر أنّ المصنف رحمه الله تبعاً للراغب فسر الخزي بذل يستحيا منه، ولتضمينه لهذين المعنيين استعمل في الذل تارة نحو عليه الخزي، وأخرى في الاستحياء واعترض عليه بأنه ليس كما ذكر فإنه مشترك بين المعنيين المذكورين، ويدل عليه اختلاف مصدريهما فإنه يقال خزي بالكسر يخزي خزياً إذا ذل وهان، وخزاية إذا استحيا كما قاله الجوهري، وقد مر تحقيقه والمراد به هنا الذل مطلقاً أو فرده الكامل، وهو التعذيب بالنار، واستدل عليه بأنه ورد في القرآن بهذا المعنى والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والآية المستشهد بها قد مر الكلام عليها، وأنها من قبيل من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى، وقد حقق ثمة بما لا مزيد عليه، وقيل إنه في الوجه الثاني كناية عن التعذيب بالنار أيضا، وأشار إلى وجهها بقوله كقوده الخ فإنه يدل على أنّ الاخزاء من روادف التعذيب بالنار، وقيل عليه إن قوله أين شركائي يأباه لأنه قبل دخولهم النار فالمراد أصل معناه، وهو الاذلال، ولا ورود له لأنّ معنى لهم الخزي أي العذاب أنه يبين استحقاقهم له لما ظهر من الأحوال، ومشاهدة الأهوال مع أنّ الواو لا تقتضي الترتيب، ونقله بصيغة التمريض مغن عن الإيراد، والجواب فإنه يشير إلى أنه غير مرضي عنده فتأمّل. قوله: (أضاف إلى نفسه الخ) يعني في النظم تقريع، وتوبيخ بالقول، واستهزاء بهم إذ أضاف الشركاء إلى نفسه لأدنى ملابسة بناء على زعمهم مع الإهانة بالفعل المدلول عليها بقوله يخزيهم أي ما لهم لا يحضرونكم ليدفعوا عنكم لأنهم كانوا يقولون إن صح ما تقول فالأصنام تشفع لنا فهو كقوله: {أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 22] وقوله أو حكاية الظاهر رفعه عطفا بحسب المعنى على قوله أضحاف كأنه قال مضاف أو حكاية، وأضاف أو حكى ويجوز نصبه عطفاً على استهزاء أي حكى عن المشركين زيادة في توبيخهم إذ لو قيل أين أصنامكم كان فيه توبيخ أيضاً، وقراءة العامة شركائي بالمد ومنهم من سكن الياء فتحذف وصلا لالتقاء الساكنين وقرأ البزيّ بخلاف عنه بقصره مفتوج الياء، وقد أنكر. جماعة وزعموا أنّ هذه القراءة غير مأخوذ بها لأنّ قصر الممدود لا يجوز إلا ضرورة وليس كما قالوا فإنه يجوز في السعة، وقد يوجه بأنّ الهمزة المكسورة قبل الياء حذفت للتخفيف، وليس كقصر الممدود مطلقا مع أنه قد روي عن ابن كثير قصر التي في القصص وروي عنه أيضاً قصر ورائي في مريم، وعن قنبل قصر أن رآه استغنى في العلق فكيف يعدّ ذلك ضرورة فأعرفه فإنّ كثيرا من النحاة غفلوا عنه. قوله: (تعادون) المشاقة المعاداة، والمخاصمة من شق العصا أو لكون كل منهما في شق، وقوله المؤمنين إشارة إلى أنّ مفعوله محذوف، وقوله فيهم بمعنى في شأتهم من العبادة وغيرها والأولى أن يفسر تشاقون بتخاصمون وتنازعون ليظهر تعلق فيهم به كما في الكشاف، ويحتمل أن تكون في للسببية، وفي نسخة قبل قوله الذين كنتم تشاقون فيهم، وقرأ البزيّ بخلاف عنه أين شركاي بغير الهمزة، والباقون بالهمزة، وقد مرّ تحقيقه، والذين يحتمل الرفع، والنصب. قوله: (وقرأ نافع بكسر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 النون الخ) أي وأصله تشاقونني بنونين حذفت إحداهما تخفيفا، ثم حذفت الياء اكتفاء بالكسرة عنها، وقرئ بتشديد النون المكسورة، وحذف إلياء، وبسطه في علم القراآت، وقد مر نظيره. قوله:) فإنّ مشاقة المؤمنين كمشاقة الله) أمّا إذا كانت المشاقة بمعنى المخاصمة فظاهر أنهم لم يخاصموا الله، وأمّا إذا كانت بمعنى العداوة فلأنهم لا يعتقدون أنهم أعداء الله، وأمّا قوله تعالى {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} فمؤوّل أيضا بغير شبهة فلا وجه لما قيل ليت شعري ما الداعي لإخراج الكلام عن ظاهره فإنّ المشركين أعداء الله " قال تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [سورة الممتحنة، الآية: ا] . قوله: (أو الملافكة) وعلى هذا فليسوا ملائكة الموت فلذا صرح بهم بعده فما قيل في رده إنّ الواجب حينئذ يتوفونهم مكان تتوفاهم الملائكة وان يلزم منه الإبهام في موضع التعيين والتعيين في موضع الإبهام في غاية السقوط. قوله: (الذلة والعذاب (الواو بمعنى أو لما مر أنهما معنيان متغايران أو على بابها بأن يراد ما يشملهما هذا إن جعلا معنى الخزي والسوء تأكيد له، وان جعلا لفاً ونشرا مرتبا فهو ظاهر وهو الأولى، وقوله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو العلماء الخ إشارة إلى أنّا لمراد بالذين أوتوا العلم الذين انتفعوا به في سبيل النجاة، وأن علم الكفار هو الجهل الذي هو سبب كل رذيلة، وقصر الخزي والسوء على الكافرين ادعائي بجعل ما لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من جنسه فلا دليل فيها للمرجئة ولا للخوارج، وقوله وفائدة الخ أي ليجمع لهم الله الإهانة قولاً وفعلا، وحكايته مرفوع، وقوله لأن يكون خبره، وهو يتضمن فائدة حكاينه وجره بالعطف على لفظ قولهم لا يخلو عن سماجة للتصريح باللام، ولو لم تكن كان معطوفا عليه. قوله: (وقرأ حمزة الخ) وجه قراءته ظاهر لأنه غير مؤنث حقيقي فيجوز تذكيره، وأمّ إدغام التاء في التاء فيجتلب له همزة وصل في الابتداء، وتسقط في الدرج، وإن لم يعهد همزة وصل في أوّل فعل مضارع على ما بين في كتب النحو، والأوجه الثلاثة الجرّ على أنه صفة الكافرين أو بدل أو بيان له، والنصب والرفع على القطع للذم، وأفا كونه مبتدأ خبره قوله فألقوا السلم كما قاله ابن عطية فقيل إنه لا يتأتى إلا على مذهب الأخفش في إجازته زيادة الفاء في الخبر مطلقاً نحو زيد فقام أي قام، ولا يتوهم أنها الفاء الداخلة مع الموصول المتضمن معنى الشرط لأنه لو صرح بهذا الفعل مع أداة الشوط لم يجز دخول الفاء عليه فما ضمن معناه أولى بالمنع، وكونه أولى بالمنع كير مسلم لأن امتناع الفاء معه لأنه لقوّته لا يحتاج لرابط إذا صح مباشرته للفحلى، وما تضمن معناه ليس كذلك. قوله تعالى:) {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} ) وقد مر إعرابه وهو يصح فيه أن يكون مقولاً للقول وغير مندرج تحته، والقول إن كان في الدنيا فالمضارع على ظاهره، وان كان يوم القيامة فهو على حكاية الحال الماضية. قوله: (فسالموا) أي انقادوا، وأخبتوا بخاء معجمة، وباء موحدة ومثناة فوقية من قولهم أخيت لله بمعنى ذل، وتواضع، وأصله الإلقاء في الأجسام فاستعمل في إظهارهم الانقياد إشعاراً بغاية خضوعهم واستكانتهم، وجعل ذلك الشيء الملقى بين يدي القاهر الغالب على الاستعارة، وقوله عرّضوها للعذاب المخلد من التعريض، وهو جعل الشيء عرضة لكذا إذا كان معدّاً له مهيأ، وظلمهم ونفسهم وضعها في غير موضعها من الآباء عن طاعة الخالق الجبار، وقوله فألقوا فيه وجوه منها أنه خبر الموصول، وقد تقدم ما فيه أو هو عطف على قال الذين أو مستأنف والكلام تم عند قوله أنفسهم ثم عاد بقوله فألقوا إلى حكاية حال المشركين فقوله قال الذين الخ جملة اعتراضية أو هو معطوف على تتوفاهم كما قاله أبو البقاء وهو إنما يتمشى على كون تتوفاهم بمعنى الماضي قيل، وقول المصنف رحمه الله حين عاينوا الموت مبنيّ عليه إلا أنه لا يلائمه السياق، والسباق، وأنّ الظاهر أنّ هذه المسالمة حين عاينوا العذاب في يوم القيامة، وفيه بحث. قوله: (قائلين ما كنا نعمل من سوء الخ (يعني أنه منصوب بقول مضمر، وذلك القول حال ومن سوء مفعول نعمل، ومن زائدة أو جواب لما كنا نعمل إيجاب له. أو هو تفسير للسلم الذي ألقوه لأنه بمعنى القول بدليل الآية الأخرى فألقوا إليهم القول، وليس هذا على مذهب الكوفيين كما توهم لأنّ الجملة تفسيرية ل! محل لها، وليست معمولة له، وإنما أوّلها بالقول ليتطابق المفسر والمفسر، وهذا كقوله تعالى: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] ومن قال ليت شعري ما معنى هذا الاشتراط لأن كونه تفسيراً للسلم لا يقتضي كونه نفسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 بل يكفي كونه بهذا اللفظ دون غيره فقد غفل عن المراد فبادر للإيراد. قوله: (فهو يجازيكم) فلا يفيد الإنكار والكذب على الأنفس، وقوله استئناف، ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة أي ليس معطوفا على قوله تتوفاهم كما مر، ومي البحر فيكون قوله قال الذين إلى قوله فألقوا اعتراضا بين الأخبار بأحوال الكفار قيل والظاهر أنّ الاعتراض بجملة الذين تتوفاهم الملائكة على احتمال النصب، والرفع دون الجرّ، ولا يخفى أنه لا مانع من الاعتراض الأوّلى. قوله: (وعلى هذا أوّل من لم يجوّرّ الكذب يومئذ الخ) أي على احتمال الاستئناف، وأنه بيان لحالهم في الآخرة لزم وقوع الكذب يوم القيامة فإن قلنا بوقوعه كما مر تفصيله فلا إشكال، والط لم نقل به فلا بد أن يؤوّل هذا القول، هو ما كنا نعمل من سوء بأنّ المراد ما كنا عاملين السوء في اعتقادنا إن كان اعتقادنا أن عملنا غير سيئ، وليس هذا مبنياً على انّ الكذب ما لا يطابق الاعتقاد، وهذا كما أوّلوا قولهم، والله ما كنا مشركين، وقد مر أنّ المصنف رحمه الله ردّ هذا في سورة الأنعام بأنّ هذا التأويل لا يوافق قوله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [سورة الأنعام، الآية: 24] أي بنفي الشرك عن أنفسهم وكذا لا يلائمه الردّ عليهم هنا لقوله بلى إنّ الله الخ لظهور أنه لإبطال النفي، ولا يقال الردّ على من جحد واستيقنت نفسه لأنه يكون كذباً أيضا فلا يفيد التأويل، ولذا مرض هذا القول وأخره وما كنا الخ مفعول لقول المصنف رحمه الله أوّل. قوله: (واخمل أن يكون الراذ (عطف على قوله أوّل وهو من فروع الاستئناف، وقوله هو الله أو أولو العلم يعني الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو العلماء يعني أنه يحتملهما أيضا لا أن يكون الراد منحصرا فيهما بخلاف الوجه الأوّل فإنّ الراد فيه الملائكة. قوله: (كل صنف (على معنى أنّ الخطاب لكل صنف لا لكل فرد حتى يلزم دخول فرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم أبواب بعددهم، وليس أمر المخاطب هنا بمعنى أمر الغائب أي ليدخل كل صنف كما توهم، وبابها إتا بمعنى المنفذ أو الطبقة كما مر، وفي الوجه الآخر الباب بمعنى الصنف كما يقال نظر في باب من العلم، والخطاب لكل فرد. قوله تعالى: ( {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ) أدخل اللام في بثس، ولم يدخلها في الزمر، والمؤمن لما كان الكلام أحوج إلى التأكيد من حيث كان سياق الآية في التابع والمتبوع جميعا باللام إلا تراه قال: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة النحل، الآية: 125 وتال بعده ولدار الآخرة فأدخل اللام ليطابق اللام بعده، وقوله جهنم يحتمل أنه تفسير للمثوى، وتقدير للمخصوص بالذم، وهو الظاهر والفاء عاطفة، وفي قوله المتكبرين إشارة إلى أن استحقاقهم النار للتكبر عن طاعة الله ورسوله. قوله:) أي أنزل خيراً وفي نصبه الخ) يقال! تلعثم الرجل إذا توقف في الكلام، والمراد بالموسم موسم الحج من الوسم بمعنى العلامة، والإحياء جمع حيّ وهي القبيلة، وقوله أنزل خيراً إشارة إلى أنّ ماذا في محل نصب لا مبتدأ وخبر على أحد الوجهين ليطابقه الجواب، واختير كونها فعلية هنا دون ما مر في قوله أساطير الأوّلين حيث رفع من غير نظر إلى احتمال ماذا الخ للفعلية لأن الإنزال يناسب الفعل لتجدده بخلاف كونه أساطير فإنه على زعمهم الفاسد أمر متقدّم ثابت فلذا غاير بينهما كما مر تحقيقه، وقوله على خلاف الكفرة لأنّ أنه أساطير الأوّلين أنه غير منزل، وإنما سموه منزلاً على طريق المجاز وتطبيق ما ذكر من سبب النزول على تقديره ظاهر، ووجه دلالة النصب على ما ذكر أنه كقوله الهلال، والله بحذف العامل للمبادرة. قوله: (مكافأة في الدنيا (إشارة إلى أنّ قوله في هذه الدنيا متعلق بحسنه كتعلقه بأحسنوا، والحسنة التي في الدنيا الظفر، وحسن السيرة، وغير ذلك وقوله ولثوابهم في الآخرة إشارة إلى تقدير مضاف أو بيان لجهة خيريتها، وقوله وهو عدة أي قوله للذين أحسنوا فهو المحمود عليه. قوله: (ويجوز أن يكون بما بعده (أي قوله للذين أحسنوا مع ما بعده، وهو على الأوّل أعني قوله عدة كلام مستأنف فيكون في الوعد هنا نظير قوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} [سورة النحل، الآية: 25] في الوعيد هناك، وهو الوجه ولذا قدمه، وحينثذ هو مقول القول، وعلى هذا قوله خيرأ من كلام الله تعالى سماه خيراً ثم حكى مقولهم كما تقول قال فلان جميلاً من قصدنا وجب- قه علينا، ودلالته على ما مر لشهادة الله بخيريته فخيراً مفعول قالوا وعمل فيه لأنه في معنى الجملة كقال قصيدة أو صفة مصدر أي قولاً خيراً، وهذه الجملة بدل منه فمحلها النصب أو مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وهذا بيان لوجه آخر يحتمله النظم فلا يقال لم لم يجعل منصوباً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 بأنزل على هذا الاحتمال، وما قيل من أنه لم يجعله منصوباً بأنزل لأنّ هذا القول ليس منزلاً من الله، وفيه تفوت المطابقة حينئذ كلام ناشئ من عدم التدبر، وقوله دار الآخرة إشارة لتقدير المخصوص بالمدح على المذاهب المعروفة فيه، والقرينة عليه لفظية وهي تقدمه في الذكر كما ذكره، وعلى الوجه الآخر فهو مذكور، وقوله خبر مبتدأ أي هي أو الخبر محذوف، وهو لهم وتجري الخ جملة حالية أو صفة إن لم يكن جنات علماً. قوله: (وفي تقديم الظرف) يعني فيها تقدمه يفيد الحصر، والموصول هنا للعموم بقرينة المقام فيدل على ما ذكر، وقوله مثل هذا الجزاء نجزيهم مر تحقيقه. قوله: (وهو يؤيد الوجه الآؤل) يعني كون قوله للذين أحسنوا عدة فإنّ جعله جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله، وإذا كان مقول القول لا يكون من كلام الله حتى يكون وعداً منه تعالى، وقيل إنّ المراد بالوجه الأوّل كون جنات عدن خبر مبتدأ محذوف لأنه إذا كان مخصوصا بالمدح يكون كالصريح في أن جنات عدن الخ جزاء للمتقين فيكون قوله كذلك الخ تأكيداً بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحا أنّ جنات عدن جزاء للمتقين، وفيه نظر وقوله الذين تتوفاهم الملائكة يحتمل الرفع والنصب، وأن يكون مبتدأ خبره يقولون. قوله: (طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي الخ) مقتضى المفابلة أن يفسر طيبين بالطاهرين عن الكفر فقط فإنّ ظالمي أنفسهم صفة الكافرين، وقد قال المصنف رحمه الله تعالى هناك في تفسيره عرّضوها للعذاب المخلد لكن وصفهم بأنهم متقون موعودون بالجنة في مقابلة الأعمال يقتضي ما ذكر، وذكر الطهارة عن الكفر وحده لا فائدة فيه بعد وصفهم بالتقوى، وقال الطيبي رحمه الله تعالى أمّا المعاصي فإنّ قوله ظالمي أنفسهم مجاب بقولهم ما كنا نعمل من سوء فتأقل. قوله: (وقيل فرحين ببشارة الملافكة الخ) فالمراد بالطيب طيب النفس، وهو عبارة عن القبول مع انشراح الصدر، وقوله إلى حضرة القدس حضرة مقحم للتعظيم كما يقحم المقام، والمجلس لذلك، وفي نسخة حظيرة بالظاء المشالة، وهي ظاهرة، وقوله لا يحيقكم أي لا يلحقكم، وبعد مبنيّ على الضمّ، والمكروه كل ما تكرهه النفس. قوله: (حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم الخ) حين متعلق بقوله يقولون لا بادخلوا فإنّ الدخول ليس في حين البعث بل بعده، والأمر لا يقتضي الفور حتى يحتاج إلى أن يقال إنها حال مقدرة، والمتبادر من الدخول دخول الأرواح في الأبدان لا دخول الأرواج فقط حتى يقال إنه لا حاجة إلى ما ذكر من التأويل، ودخول الأرواج هو المراد في حديث: " إن القبر روضة من رياض الجنة " وكذا قوله أغرقوا فأدخلوا ناراً نعم لو أريد ذلك صح وكان وجها آخر. قوله: (على أعمالكم) على سببية كما في قوله: {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 185] وقد حملت الباء على المقابلة دفعا للتعارض! بين الآية، وحديث: " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " وقد ثبت في الأصول أنّ العمل غير موجب للجنة، وقد دفع أيضاً بحمل الحديث على السببية الحقيقية الموجبة، والآية وأمثالها على السببية الحاضرة، وقريب منه أن الله سبب الأسباب، وقد جعلها سببا بمقتضى، وعده تكرّماً منه. قوله: الي قيل هذا التوفي وفاة الحشر) فالمراد بها غير المعنى المتعارف، وهو الذي في قوله ووفيت كل نفس ما كسبت أعني تسليم أجسادهم، وايصالها إلى موقف الحشر من توفي الشيء إذا أخذوه وافياً، وقوله ما ينتظر الكفار قد مرّ في الأنعام أنّ الانتظار مجار لأنهم شبهوا بالمنتظرين للحوقه لهم لحوق ما ينتظر فكأنهم لفعلهم ما يوجب العذاب منتظرون له فهو استعارة. قوله: (لقبض أرواحهم) يعني أنهم لا يرتدعون عن كفرهم بما شاهدوه، وسمعوه من البيان حتى يصير الأمر عيانا فيصدقوا حيث لا ينفع التصديق لأنّ الإيمان برهاني، وقيل المعنى هل ينتظرون في تصديقك إلا أن تنزل ملائكة تشهد بنبوّتك فهو كقوله لولا أنزل عليه ملك، وأو في قوله أو يأتي أمر ربك لمنع الجمع على هذا التفسير، وكذا على التفسير الآخر أما إذا فسر بالقيامة فقد أورد عليه أنه يجامعها فليس محلالاً والفاصلة ورذ بأنها لمنع الخلو، وفيه بحث. قوله: (من الشرك والتكذيب (يعني المشار إليه بذلك ما دلت عليه الآيات السابقة من الشرك والتكذيب لأنه سبب لإصابة السيئات، وما بينهما اعتراض واقع في حاق موقعه، وجعله راجعا إلى المفهوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 من قوله هل ينظرون أي كذلك كان من قبلهم مكذبين لزمتهم الحجة منتظرين فأصابهم ما كانوا ينتظرونه سديد حسن إلا أن هذا أقرب مأخذاً، ودلالة فعل عليه أظهر، وهذا فذلكة ما قابلوا به تلك النعم، وأدمج فيه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه أنهم كانوا ينتظرون حقيقة، وأنه لا يلائم قوله فأصابهم سيئات ما عملوا. قوله: (فأصابهم ما أصابهم (أي مثل ما أصابهم، وفي نسخة مثل ما أصابوا أي لقوا ووجدوا، وليس هذا تقديراً في النظم بل مبادرة إلى إظهار معنى المعطوف للإشارة إلى أن قوله وما ظلمهم الله الخ اعتراض، وقيل إنه مفهوم مما سبق أي كذلك كان من قبلهم مكذبين فأصابهم ما ينتظرونه وقوله فأصابهم سيئات الخ بيان لنتيجة ظلمهم أنفسهم فعلى هذا لا اعتراض! ، وقوله بتدميرهم أي إهلاكهم. قوله:) أي جزاء سيئات اعمالهم (يعني هو بظاهره يدلّ على أنّ ما أصابهم سيئة، وليس بها فإفا أن يقدر المضاف أو يجعل من المشاكلة كما في الكشاف أو من إطلاق اسم السبب على المسبب على ما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فمن قال إن المشاكلة لا تصح هنا، ديمانه ليس في كلام جار الله ما يدل عليها لم يصب فتأمل. قوله: (وأحاط بهم جزاؤه) يعني أن ما مصدرية، وفي الكلام مضاف مقدر وبه متعلق بيستهزؤون قدم للفاصلة، والضمير للرسول عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن تكون موصولة عامة للرسول صلى الله عليه وسلم وغيره وضمير به عائد عليها. قوله: (والحيق الخ) يعني أن أصل معناه الإحاطة مطلقا لكنه خص في الاستعمال بإحاطة الشر فلا يقال حاقت به النعمة بل النقمة، ومن الأولى بيانية، والثانية زائدة لتأكيد الاستغراق، وكذا الثانية ونحن لتأكيد ضميو عبدنا لا لتصحيح العطف لوجود الفواصل، وان كان محسنا له. قوله: (إنما قالوا ذلك استهزاء ومنعا للبعثة والتكليف) يعني أنهم لم يقولوا ذلك اعتقاداً حتى يكون ذمهم عليهم حجة للمعتزلة في القول بخلق الأفعال، وبخلق الإرادة لكن لما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قالوا ذلك استهزاء بهم فذكر ذلك نعيا عليهم في الضلال أو إثباتا لمنعهم الباطل. قوله:) متمسكين بأن ما شاء الله يجب الخ الما مرّ، وهو حق أريد به باطل فلا حجة فيه للمعتزلة كما زعمه الزمخشريّ، وتخصيص الإشراك والتحريم بالذكر لأنهما أعظم، وأشهر ما هم عليه فلا يرد عليه أنه لا يلائم تقريره كما قيل. قوله: (أو إنكارأ لقبح ما أنكر عليهم الخ (فذكره ليس لأنه منكر في نفسه عندنا بل لرذ ما زعموه من أنه غير قبيح، وهذا الوجه هو مرتضى المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام، وقوله فما الفائدة فيهما أي في البعثة والتكليف بعد ما شاء إشراك بعض، ودخوله النار، وايمان يعض، ودخوله الجنة. قوله: (محتجين بأنها الخ) الضمائر عائدة على ما وتأنيثها مراعاة للمعنى، ولو راعى لفظها لذكر، وضمير خلافه وإليه للصدور، ويجوز عود الضمير على الثلاثة المذكورة في البيان، وضمير ونحوها للبحائر، والآية وإن دلت على تجويزهم مشيئة الله لإيمانهم فإنها تستلزم تعلقها بكفرهم أيضا لعدم القائل بخلافه، وقوله لا اعتذارا عطف على إنكاراً أو على قوله استهزاء، ولو كان اعتذاراً كان دليلا للمعتزلة في عدم جواز تعلق إرادة الله بالكفر والمعاصي، وقد مرّ ما قاله الفاضل المحشي في الأنعام إنه لا ينتهض ذمهم به دليلاً على أهل السنة لمكان الكسب فانظره ثمة، وقوله ملجئا إليه حال مؤكدة، وفي العطف بلا بعد صريح الحصر كلام في المعاني وقد مرّ تفصيله. قوله: (إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم (قيل عليه فرض القبح يكفي للاعتذار يعني لو سلمنا القبح في هذه الأعمال فهي بمشيئة الله لا بقدرتنا، واختيارنا إلا أن يقال إنه سند لمنع كون قولهم ذلك على سبي!! الاعتذار فلا يرد عليه ما ذكر، وفيه أن فرض القبح لا يلائم مقام الإنكار، والاحتجاج المذكور فتأمّل وقوله تنبيه على الجواب الخ سيأتي بيانه، وقوله ورذوا رسله عليهم الصلاة والسلام يؤخذ مما ذكر لأنه يلزمه. قوله: " لا الإبلاع الموضح الخ (إشارة إلى أنّ البلاغ مصدر بمعنى الإبلاغ، وأنّ المبين من أبان المتعذي، وقوله مؤد إليه على سبيل التوسط أي توسط أسباب أخر قدرها، وهذا هو الجواب عن الشبهة الأولى لأنه علم منه أن ما شاء الله، وجوده أو عدمه لا يجب ولا يمتنع مطلقا، وقوله قدرها له أي توقف عليها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 تعلق إرادته تعالى فرشد النبيّ صلى الله عليه وسلم إليها، وقوله ثم بين وفي نسخة تبين هو معنى قوله، ولقد بعثنا الخ وقوله سببا لهدى ايخ إشارة إلى معنى الفاء في قوله فمنهم من هدى الله الخ، وقوله وزيادة لضلال إشارة إلى أن الناس لا تخلو عن ضلال ما لم يبعث فيهم نبيّ، وقوله بقوله متعلق بين، وقوله بعبادة الله الخ إشارة إلى أن أن مصدربة لا تفسيرية، وقيل إنه يحتملهما وقوله وفقهم الخ إشارة إلى أن الهداية هنا موصلة لا دلالة مطلقة. قوله:) وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية الخ) الشبهة الثانية هي أنها لو كانت مستقبحة ما شاء الله صدورها عنهم يعني أنه لما وقع قسيما للهداية، وهي بإرادته اقتضى ذلك أن يكون بإرادته أيضاً وأما أنّ إرادة القبيح قبيحه فلا يجوز اتصافه تعالى به فظاهر الفساد لأنّ القبيح كسبه، والاتصاف به لا خلقه وايجاده على ما تقرر في الكلام، وقوله في الآية الأخرى يعني قوله فإنّ الله لا يهدي من يضل، وقوله يا معشر خصهم لأنهم المخاطبون، وفي الفاء إشعار بوجوب المبادرة إلى النظر، والاستدلال المنقذين من الضلال، وقوله لعلكم تعتبرون إشارة إلى جواب الأمر المقدر، وأنّ المقصود مما ذكر الاعتبار. قوله: (من يريد) كذا في نسختنا، وفي أخرى من يرد بالجزم، والأصح الأولى، وان أمكن توجيهها بتكلف أنه إشارة إلى أنه معنى الشرط أي من يرد الله إضلاله فلا هادممب له، ولا داعي له، وهو معنى من حقت عليه الضلالة فإنه المراد. قوله: (وهو أبلغ) فإنه يدل على أنّ من أضله الله، وخذله لا تمكن هدايته لكل هاد بخلاف القراءة الأولى فإنها تدل على نفي هداية الله فقط، وان كان من لم يهد الله فلا هادي له، والعائد محذوف أي من يضله، وضمير الفاعل لله قيل، والأبلغية مبنية على انّ يهدي في القراءة الأخرى متعد أما إذا كان لازما بمعنى يهتدي فهما بمعنى إلا أن الأولى صريحة في عموم الفاعل بخلاف هذه مع أنّ التعدي هو الأكثر، وقرئ لا يهدي بضم الياء، وكسر الدال قال ابن عطية: وهي ضعيفة يعني لعدم اشتهار أهدى المزيد فلا يرد عليه أنه إذا ثبت هدى لازما بمعنى اهتدى لم تكن ضعيفة كما قيل، وقوله وما لهم من ناصرين تتميم له بإبطال ظن أنّ الآلهة تشفع لهم. قوله: (لميذاناً بأنها كما أنكروا التوحيد الخ) يعني وهما أمران عظيمان من الكفر، والجهل فلذا حسن العطف فيه فلا يرد عليه أنّ ما ذكر مستفاد من العطف فكان عليه أن يذكر ما ذكره في الكشاف لأنه المحتاج للبيان، وقوله زيادة مفعول لقوله مقسمين والبت بمعنى القطع يتعدى بالباء لكنه ضمنه معنى النص، وقوله يبعثهم إشارة إلى أن بلى لا يجاب النفي وضمير فساده للبعث، وهو إمّا إعادة المعدوم أو جمع المتفرق كما بين في محله. قوله: (مصدر مؤكد لنفسه) قال النحاة ضابطه أنه إذا تقدمت جملة على المصدر لها دلالة عليه فإن احتملت غيره فهو توكيد لغيره، وان لم تحتمل في المعنى غيره فهو توكيد لنفسه، وسمي توكيداً لغيره لأنه جيء به لأجل غيره ليرفع احتماله، وسمي الثاني توكيدا لنفسه لأنه لا معنى له غيره فلم يبق سواه إذ مدلوله مدلول الأوّل، وهنا قوله يبعثهم الذي دل عليه بلى لا معنى له غير الوعد بالبعث، والإخبار عنه كما بينه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله أبلغ رد حيث أثبت ما نفوه وأكده ثلاث مرّات، وقوله إنجاز. إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ الإسناد مجازي لأنه الذي عليه لا وعده والجارّ والمجرور صفة كما أشار إليه بقوله صفة أخرى فالصفة الأخرى مؤكدة إن كان بمعنى ثابتاً متحققاً ومؤسسة إن كان بمعنى غير باطل. قوله: (إنهم يبعثون الخ) أو أنه وعد على الله كما في الكشاف ولكون هذا أنسب بالسياق اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه تركه لأن مآلهما واحد، ولما فيه من نزغة اعتزالية وأمفا أنّ السياق يدذ على أن معناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك الوعد الحق، والقول الصدق لقوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} ففيه نظر، وكونه من مواجب الحكمة قد مز من المصنف رحمه الله تعالى بيانه بيانأ شافياً. قوله: (لقصوو نظرهم بالمألوف (أي بسببه، وعدم تجاوزه حصل لهم قصور النظر، وليس القصور بمعنى القصر للنظر عليه، وأن آل إليه ومعناه أنهم لا تتجاوز عقولهم المحسوسات، ولا يرى فيها معدوم عاد بعينه أو أنهم يرون بقاء كل نوع ببقاء إفراده. قوله: (فيتوهمون امتناعه (أي امتناع البعث، ويجوّزون عدم وقوعه لعرائه عن الفائدة، وتجويز مثله كفر لوجوب الجزم بالبعث في الإيمان قيل فلا يرد عليه أن على م الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 العلم به لا يستلزم العلم بعدمه فضلاً عن العلم بالامتناع لما عرفت أنه ليس لهم العلم بعدم البعث بل مجرد الاحتمال له، ولا وجه للجواب عن هذا بأن عدم العلم هاهنا في ضمنه العلم بالعدم، ولا لتنويره بأقسامهم بأن الله لا يبعث من يموت لأن المقسمين هم القسم الأوّل من الذين لا يؤمنون بالبعث، ولا يخفى أنه كلام ناشئ من عدم الوقوف على مراد المعترض فإنه ذكر أوّلاً جزمهم بعدم البعث، وبتهم بفساده، كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قبيله، وجعل ما بعده دل! لاً عليه فأورده عليه لأنه لا تلازم بين الدليل والمدلول، وأن ما قزره لا تتجاوب أطرافه، وهو ظاهر لمن تلرلره، فالحق أن يقال إنه إنما ذكر عدم العلم الشامل لعلم العدم لأنه إذا أبطل توهمه علم منه إبطال الجزم به بالطريق الأولى ولعل هذا مبنيّ على قول المصنف رحمه الله تعالى قبل رذ الله تعالى عليهم أبلغ ردّ فتأمّل. قوله:) أي يبعثهم ليبين لهم (إشارة إلى ما في الكشاف من أنه متعلق بما دل عليه بلى، وهو يبعثهم، والضمير لمن يموت الشامل للمؤمنين، والكافرين، وجوّز فيه أيضا تعلقه بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً، [سورة النحل، الآية: 136 أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب. قوله:) وهو الحق (ضمير هو للمختلف فيه وبيانه إظهار حقيته وقوله فيما يزعمون، وفي نسخة فيما كانوا يزعمون وهما بمعنى، وهو عام للبعث وغيره، ويجوز تخصيصه به وقوله، وهو إشارة أي قوله ليبين الخ، وقوله من حيث الحكمة كقوله من حيث لي العمائم، وقوله وهو الميز الخ الضمير راجع للسبب والميز مصدر مازه بمعنى ميزه وقوله بالثواب، والعقاب متعلق بالمصدر إشارة إلى أنه المقصود من الميز كما قال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [سورة يس، الآية: 59،. قوله:) وهو بيان إمكانه (أي مع سهولة، وفي النسخ هنا اختلاف لفظي وأوضحها ما وقع في بعضها، وهو وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته، ومشيئته لا توقف له على سبق الموادّ، والمدد وإلا لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادّة، ومثال أمكن الخ وكان هنا تامة، وفي الكشاف أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له احدث فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف، وهذا مثل لأنّ مراده لا يمتنع عليه، وأنّ وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع المتمثل، ولا قول ثمة، والمعنى أن إيجاد كل مقدور عليه تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات فسقط ما قيل إن كن إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال، وان كان مع الموجود كان إيجاداً للموجود، وهو محال أيضا، وقوله أمكن أي لسبق المثال، وظاهر قوله أنه بإعادة المعدوم وهو مقرّر في محله، وأنّ منهم من قال إنه جمع الأجزاء المتفرّقة، وهو ظاهر النصوص، وأنّ قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} استعارة تمثيلية كما جزم به الزمخشري، ويحتمل أنه على حقيقته وأنه جرت به العادة الآلهية، وقد مز تفصيله. قوله: (عطفاً على نقول أو جواباً للأمر) قراءة النصب لابن عامر، والكسائيئ، وقراءة الرفع للباقين، وهو هكذا في نسخة صحيحة فما وقع في نسخة من ذكر أبي عمرو بدل ابن عامر من سهو الناسخ قال الزجاج الرفع على تقدير فهو يكون أي ما أراد الله فهو يكون، والنصب إمّا على العطف على نقول أي فإن يكون أو على أنه جواب كن وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، وقد ردّ الرضي وغيره نصبه في جواب الأمر بأنه مشروط بسببية مصدر الأول للثاني، وهو لا يمكن هنا لاتحادهما فلا يستقيم، ولذا تركه الزمخشري واقتصر على الأوّل، ووجه بأنّ مراده أنه نصب لأنه مشابه لجواب الأمر لمجيئه بعده، وليس بجواب له من حيث المعنى لأنه لا معنى لقولك قلت لزيد اضرب تضرب، ولا يخفى ضعفه، وأنه يقتضي إلغاء الشرط المذكور، والظاهر أن يوجه بأنه إذا صدر مثله عن البليغ على قصد التمثيل لسرعة التأثير بسرعة مبادرة المأمور إلى الامتثال يكون المعنى إن أقل لك تضرب تسرع إلى الامتثال فيكون المصدر المسبب عنه مسبوكا من الهيئة لا من الماذة، ومصدر الثاني من المادّة أو من محصل المعنى، وبه يحصل التغاير بين المصدرين وتتضح السببية والمسببية، وقد مرّ نظيره للمدقق في الكشف في الجواب عن دخول أن المصدرية على صيغة الأمر فتدبر. قوله: (هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخ) الحبشة اسم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 جمع بمعنى الحبش، وهم جيل معروف، ويطلق على بلادهم، وهو المراد هنا وكأنه مجاز، والمهاجرون من الحبشة إلى المدينة يقال لهم ذوو الهجرتين والمحبوسون ممن هاجر إلى المدينة أيضا، وقوله أو المحبوسون الخ معطوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأمر هؤلاء معروف في السير، ثم في أسماء هؤلاء المحبوسين اختلاف في التفاسير ففي بعضها جبير وما وقع في بعضها بدل أبو جندل بن جندل فخطأ من الناسخ لكنه أورد عليه أنه على القولين تكون الآية مدنية فيخالف قوله في أوّل السورة إنها مكية، إلا ثلاث آيات في آخرها، وإذا كان هذا التفسير مأثورا فلا بد من الذهاب إلى أنّ فيها مدنيا غير ذلك، وأن ما ذكره تبع فيه المشهور اللهمّ إلا أن يراد بالمكي ما نزل في حق أهل مكة أو ما نزل بغير المدينة أو يكون أخبر به قبل وقوعه، وكله خلاف الظاهر، وفيه أن هجرة الحبشة كانت قبل هجرة المدنية فلا مانع من كونها مكية بالمعنى المشهور على القول الأوّل الأصح، ولا ينافيه قوله، ثم إلى المدينة لأنه بيان للواقع لا للهجرة المذكورة في النظم فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (في حقه ولوجهه (أي الذين هاجروا مخلصين لوجه الله لا لأمر دنيويّ، وهو إشارة إلى أن في على ظاهرها، وأنها هجرة متمكنة تمكن الظرف في مظروفه فهي ظرفئة مجازية أو للتعليل كقوله لمجح: " إنّ امرأة دخلت النار في هرة " وقيل إنه إشارة إلى أنها ظرفية مجازية، وقوله لوجهه بيان لحاصل المعنى، ولو كان إشارة إلى كون في للتعليل لقال في الله أي لوجهه. قوله: (مباءة حسنة الخ (المباءة بالمد المنزل من بوّأه بمعنى أنزله، وإنما قدر مباءة ليكون تقديره أظهر لدلالة الفعل عليه، وليس تقدير دارأ أحسن منه إلا أنه مأثور هنا عن الحسن لأنّ المراد به المدينة موافقة لقوله تعالى: {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [سورة الحشر، الآية: 9] فهو إما صفة أو مفعول به إن ضمن الفعل معنى نعطيهم وإذا قدر تبوئة فهو صفة مصدر محذوف، وقوله ولأجر الآخرة أي المعدّ لهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله مما يعجل لهم في الدنيا، وقوله وعن عمر الخ روي هذا عنه ابن جرير وابن المنذر. قوله: (لوافقوهم) أي فيما هم عليه! من الإسلام وغيره، وقوله أو للمهاجرين قيل عليه إنه قال في معالم التنزيل إن الضمير للمشركين لا للمهاجرين لأنهم كانوا يعلمون ذلك، ودفع بأن المراد علم المشاهدة فإنّ الخبر ليس كالعيان أو المراد العلم التفصيلي، ويجوز أن يكون الضمير للمتخلفين عن الهجرة يعني لو علم المتخلفون عن الهجرة للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم، وقوله ومحله النصب أي بتقدير أعني أو الرفع بتقديرهم، ويجوز أن يكون تابعاً للذين هاجروا بدلاً أو بياناً أو نعتا. قوله: (مفوّضين إليه الأمر كله (الكلية مأخوذة من تعميم التوكل بحذف متعلقه أو من تقديم الجار والمجرور إذ معناه على ربهم وحده، وكونه لرعاية الفواصل ليس بمتعين كما قيل، وحينئذ فالتعبير بالمضارع، إما للاستمرار أو لاستحضار تلك الصورة البديعة، وقوله منقطعين حال مؤكدة. قوله: (رذ لقول قريثس الخ (أي ردّ لمقالهم هذا الذي جعلوه شبهة في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله إلا بشرى أي لا ملكا واحترز بقوله للدعوة العامة عن بعث الملائكة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام للتبليغ أو لغيره كإرسالهم لمريم للبشارة،! ما قيل من أنه المراد العموم لكافة الناس لأنه مخصوص بنبينا ىسييه بل المراد العموم لكثير من الناس لا صحة له مع ما فيه من الخلل لفظاً ومعنى، وقوله على ألسنة الملائكة عليهم الصلاة والسلام جمعه لتعددهم، وليس هذا مخالفا لقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [سورة الثورى، الآية: 51] وغيره من أقسام الوحي لأنه ليس المقصود به التخصيص، وإنما اقتصر عليه لأنه الأغلب وقوله قد ذكرت في سورة الأنعام أي في قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} وقد مر تحقيقه. قوله: (فإن شككتم فيه الخ (ليس بيانا لأنه جواب شرط مقذو بل بيان لحاصل المعنى فلا يرد عليه أن للنحاة في مثله قولين إمّا أنه جواب مقدم أو دليل الجواب وهذا مخالف للقولين، وهذا جار على الوجوه الآتية في إعراب قوله بالبينات إلا الأخير كما ستراه، وقوله أهل الكتاب إشارة إلى أن الذكر بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر، والعظة كقوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} [سورة يس، الآية: 69، وقوله أو علماء الأحبار أي أحبار الأمم السالفة فالذكر بمعنى الحفظ. قوله: (وفي الآية دليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 على أئه تعالى لم يرسل امرأة ولا صبياً (ولا ينافيه نبوّة عيسى عليه الصلاة والسلام في المهد فإن النبوّة أعثم من الرسالة، ولا يقتضي صحة القول بنبوة مريم أيضا، وقد ذهب إليه جماعة، وصححه ابن السيد، وقوله إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا للدعوة العامة، وهو المدعي، والرسول على الأوّل بمعناه المصطلح، وعلى الثاني بمعناه اللغوقي، وفي نسخة ولا ملكا مكان قوله ولا صبيا. قوله: (ورذ بما روي الخ) القائل هو الجبائيّ والردّ المذكور وارد على الحصر المقتضي للعموم فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما روي على رؤية من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام على صورته مع أنه إذا ثبت ذلك للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مانع من ثبوته لغيره أيضاً، وقد نقل الإمام عن القاضي أنّ مراد الجبائي أنهم لم يبعثوا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحضرة أممهم ورؤيته على صورته لم تكن بمحضر منهم وقوله وعلى وجوب الخ معطوف على قوله على أنه تعالى الخ، والوجوب مستفاد من الأمر. قوله: (أي أرسلناهم بالبينات والزبر الخ) يعني أنه متعلق بمقدر يدذ عليه ما قبله، وهو مستأنف استئنافا بيانيا ولدا عطف عليه، ويجوز الخ وإنما قدمه لأنه المختار السالم من الاعتراض! ، وفسر البينات، والزبر بما ذكر وقوله، ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء فيه تسمح لأنه متعلق بأرسلنا فقط، ودخوله في الاستثناء، والحصر بناء على ما جوّزه بعض النحاة. من جواز أن يستثنى بأداة واحدة شيآن دون عطف فيقال ما أعطى أحد شيئأ إلا زيد درهما، وأنه يجري في الاستثناء المفرع أيضا لكن أكثر النحاة على منعه كما صزج به صاحب التسهيل، وغيره وأنا تعلقه به من غير دخوله في الاستثناء على أنّ أصله ما أرسلنا بالبينات، والزبر إلا رجالاً فخلاف ظاهر الكلام، واخراج له عن سنن الانتظام وأيضاً فيه عمل ما قبل إلا فيما بعدها من غير داع، وهو ممنوع أيضا عند أكثر النحاة. قوله:) أو صفة لهم (أي للرجال لا حالاً عنه لتنكره، وتقدمه وهو معطوف على داخلا لأنه متعلق معنى بأرسلنا، وكونه مفعولاً ليوحي بواسطة الباء، ومثله يسمى مفعولاً أيضا، والحالية من ضمير الرجال في قولهم إليهم أي نوحي إليهم ملتبسين بالبينات، وقوله فاسألوا اعتراض أي {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} بتمامها جملة معترضة لأنها شرطية أو في قوتها، وهو جار على الوجوه المتقدمة أو غير الأوّل، وتصدير الجملة المعترضة بالفاء صزج به في التسهيل وغيره، وما نقل من منعه ليس يثبت كما في الكشف، ثم إذا كان اعتراضا بين مقصوري حرف الاستثناء فمعناه: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل، الآية: 43] أنهم رجال ملتبسون بالبينات، وعلى هذا يقدر الاعتراض مناسبا لما تخلل بينهما وأشبه الوجوه أن يكون على كلامين ليقع الاعتراض موقعه اللائق به لفظا، ومعنى كذا أفاده المدقق في الكشف، وقوله من القائم مقام فاعله، وهو إليهم على القراءة المشهورة. قوله: (على أنّ الشرط للتبكيت والإلزام) كقول الأجير إن كنت عملت لك فأعطني حقي فإنّ الأجير لا يشك في أنه عمل، وانما أخرج الكلام مخرج الشك لأن ما يعامل به من التسويف معاملة من يظن بأجيره أنه لم يعمل فهو يلزمه بما علم، ويبكته بالتقصير مجهلا له فكذا هنا لا يشك في أن قريشا المخاطبين بهذا لم يكونوا عالمين بالكتب فيقول إن كون الرسل كذلك أمر مكشوف لا شبهة فيه: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل، الآية: 43] إن لم تكونوا من أهله يبين لكم أن إنكاركم وأنتم لا تعلمون ليس بسديد وانما السديد السؤال منهم لا الإنكار وقد جوّز أن لا يخص أهل الذكر بأهل الكتاب ليشمل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولو خص بهم جاز لأنهم موافقون لهم، وانكارهم إنكارهم ومنه يعلم وجه تخصيص التبكيت، والإلزام بتعلقه بتعلمون على أن الباء سببية لا زائدة، والمفعول محذوف فلا يتجه إنه يمكن اعتباره في الوجوه المتقدمة أيضا فتدبر. قوله: (وإنما سمي ذكراً لأنه موعظة وتنبيه) أي لأن فيه ذلك فالذكر من التذكير إما بمعنى الوعظ أو بمعنى الإيقاظ من سنة الغفلة، ولاشتماله على ما ذكر أطلق عليه أو لأنه سبب له، وقوله في الذكر الخ بيان لأنّ إنزاله ليس بالذات بل بالواسطة، وقوله مما أمروا بيان فما نزل وقوله كالقياس يدخل فيه إشارة النص، ودلالته، وما يستنبط منه من العقائد، والحقائق. قوله: (وإرادة أن يتأملوا فيه) قيل عليه إنّ الإرادة لا ينفك عنها المراد على المذهب الحق يعني، وهم كلهم لم يتأملوا، ويتنبهوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 فيلزم الانفكاك فهو مناسب لمذهب المعتزلة، إلا أن يراد بها مطلق الطلب أو يراد تعلق الإرادة بالبعض لا بالكل إذ ليس فيه نص على كلية، وجزئية. قوله: (المكرات السيئات) لما كان مكر لازماً جعل صفة للمصدر فهو مفعول مطلق، ويجوز أن يكون مفعولاً به لتضمينه معنى فعل أو لا من بتقدير مضاف أو تجوّز أي عقاب السيئات أو على أنّ السيئات بمعنى العقوبات التي تسوءهم، وأن يخسف بدل منه، وعلى ذينك الوجهين هو مفعول أمن، والاستفهام إنكاريّ، ومعناه النفي وعدم وقوع الأمن على الأوّل، وعدم الانبغاء على الثاني، والباء في يخسف بهم للتعدية أو للملابسة وسيأتي تفصيله في سورة الملك. قوله: (بغتة من جانب السماء) كون ما لا يشعر به بغتة ظاهر وأمّا كونه من جانب السماء فإنه أراد به ظاهره فالتخصيص به لأنه لا يشعر به غالبا بخلاف ما يأتي من الأرض فإنه محسوس في الأكثر، وان أراد به ما لا يكون على يد مخلوق سواء نشأ من الأرض أو السماء كماقيل: دعها سماوية تجري على قدر فيكون مجازا لكنه لا يلائم قوله كما فقل بقوم لوط عليه الصلاة والسلام وإن كان المثال لا يخصص، وأمّا ما قيل الظاهر أنّ هذه الآية، وما بعدها معناهما معنى قوله: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} فالمراد من هذه اتيانه حال نومهم وسكونهم ولا يلزم أن يكون من جانب السماء، والثانية حال يقظتهم، وتصرفهم فمع كونه لا قرينة عليه لا يناسب ما استشهد به. قوله: (متقلبين الخ) يشير إلى أنّ قوله في تقلبهم حال، ويصح أن يكون لغوأ وما ذكر بيان لحاصل المعنى، والتقلب الحركة اقبالاً وادباراً. قوله: (على مخافة بأن يهلك قوماً الخ) فالتخوّف تفعل من الخوف، والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول كما قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى: والظاهر أنه من المفعول، وقوله أو على تنقصى شيئا بعد شيء فيكون المراد مما قبله عذاب الاستئصال، ومنه الأخذ شيئا فشيئاً من قوله تخوّفه، وتخونه إذا انتقصه، وقال الراغب: تخوّفناهم تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه، وقول عمر رضي الله تعالى عنه ما تقولون فيها أي في معنى هذه الآية، والمقصود السؤال عن معنى التخوف، وأبو كبير بالباء الموحدة شاعر هذلي معروف، والبيت من فصيدة له مذكورة في شعر هذيل، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إصلاج لما في الكشاف من نسبة البيت لزهير مع أنه ليس له، وهو مناقض لما نقله من قول الهذلي شاعرنا فإن زهيراً ليس بهذلي. قوله: (تخوّف الرحل البيت) الرحل بالحاء المهملة رحل الناقة، وهو معروف والتامك بالمثناة الفوقية السنام المشرف، والقرد بمتح القاف، وكسر الراء المهملة، وبالدال المهملة يقال صوف قرد أي متلبد وسحاب قرد أي ركب بعضه بعضا، والتبع شجر يتخذ منه القسى، والسفن بفتح السين المهملة، وفتح الفاء والنون، هو المبرد والقدوم يصف ناقة أثر الرحل في سنامها فأكله، وانتقصه كما ينتقص المبرد العود والديوان الجريدة من دوّن الكتب إذا جمعها لأنه قطع من القراطي! مجموعة، ولا تضلوا مجزوم لأنه جواب الأمر، وهو عليكم لأنه اسم فعل أمر وفي نسخة من الكشاف لا يضل وعود النبعة من إضافة العام للخاص، وقيل المسمى للاسم. قوله:) حيث لا يعاجلكم بالعقوبةأ فإن عدم المعاجلة لرحمته بعباده، وإسهالهم ليرجعوا عما هم عليه فهذا سبب أمنهم فهو كالتعليل للمستفهم عنه فتأمل. قوله:) أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع الخ (أي رأوا هذه الصتائع، وأمثالها فليس الأمثال مقحماً وليس من قبيل مثلك لا يبخل، والصنائع هي المذكورة من هنا إلى قوله الهين اثنين، والرؤية بصرية مؤدية إلى التفكر كما أشار إليه بقوله فما بالهم لم يتفكروا، وهو المقصود من ذكر الرؤية، وقراءة التاء على الالتفات أو تقدير قل أو الخطاب فيه عام. قوله:) وما موصولة مبهمة بيانها يتفيؤوا الخ (الذي في الكشاف أن من شيء بيان، وهو الظاهر، ولكن لما كان كونها شيئا أمراً غنيا عن البيان، وإنما ذكر توطئة لصفته لأنها المبينة في الحقيقة عدل عنه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر لأن البيان في الحقيقة إنما هو بالصفة، وقيل من ابتدائية لا بيانية، والمراد بما خلق عالم الأجسام المقابل لعالم الأرواج، والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمركن كما قال: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [سررة الأعراف، الآية 540، ولا يخفى بعده وأمّا ما أورد عليه من أن السماوات، والجن من عالم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 الأجسام والخلق، ولا ظل لها، ومقتضى عموم ما أنه لا يخلو شيء منها عنه بخلاف ما إذا جعلت من بيانية ويتفيؤوا صفة شيء مخصصة له فقد رذ بأن جملة يتفيؤوا حينئذ ليس صفة لشيء إذ المراد إثبات ذلك لما خلق من شيء لا له، وليس صفة لما لتخالفهما تعريفاً وتنكيراً بل هي مستأنفة لإثبات أنّ له ظلالاً متفيئة، وعموم ما لا يوجب أن المعنى لكل منه هذه الصفة، ولا يخفى أنه إن أراد أنه لا يقتضي العموم ظاهراً فممنوع، وان أراد أنه يحتمله فلا يرد ردّاً لأنه مبنيّ على الظاهر المتبادر. قوله:) عن إيمانها وعن شمائلها الخ (إشارة إلى أنه كان الظاهر تطابقهما إفراداً وجمعا، وسيأتي وجه العدول عنه، وأن المعرف باللام في معنى المضاف إلى الضمير، والتفيؤ تفعل من فاء يفيء إذا رجع وفاء لازم فإذا أريد تعديته عدي بالهمزة أو التضعيف كأفاءه الله وفيأه فتفيأ، وتفيأ مطاوع له لازم، وقد وقع في قول أبي تمام: وتفيأت ظله ممدوداً متعذياً، والكلام في الفيء والظل، والفرق بينهما معروف في اللغة. قوله:) أي عن جأنبي كل واحد منها الخ (إشارة إلى الجواب عن سؤال مقدر، وهو أن انبساط الظل، وانقباضه وإنما هو عن جانبي المشرق، والمغرب باعتبار ما قبل الزوال وما بعده فأشار إلى أنّ المراد بهما جانبا الشيء استعارة أو مجازاً من إطلاق المقيد على المطلق لا جانبأ لفلك على الوجهين اللذين ذكرهما الإمام الأوّل، وهو أن المراد بهما المشرق والمغرب فشبها بيمين الإنسان، وشماله فإن الحركة اليومية آخذة من المشرق، وهو أقوى الجانبين إذا طلعت الشمس يقع الاظلال في جانب المغرب إلى انتهاء الشمس إلى وسط الفلك، ثم بعده يقع في جانب المشرق إلى الغروب فهو المراد من تفيؤ الظلال من اليميق إلى الشمال، وعكسه وسيذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله: وقيل الخ، وترك جوابه، والثاني وهو أن البلد إذا كان عرضه أفل من الميل ففي الصيف يكون الظل في يمين البلد، وفي الشتاء في شماله لاختصاصه بقطر مخصوص، والكلام ظاهره العموم. قوله:) ولعل توحيد اليمين وجمع الخ (هذه النكتة مصححة لا مرجحة فإنه يقال لم روعي في أحدهما اللفظ، وفي الآخر المعنى، وقد وجهه ابن الصائغ بأنه نظر إلى الغاية فيهما لأنّ ظل الغداة يضمحل بحيث لا يبقى منه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة، وهو في العشيّ على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان هذا من جهة المعنى، وأما من جهة اللفظ فجمع ليطابق سجدآ المجاور له كما أفرد الأوّل لمجاورة ضمير ظلاله، وقدم الأفراد لأنه أصل أخف، ولك أن تحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه، وتجعل قوله كقوله الخ إشارة إليه فتأمل، وعن اليمين متعلق بيتفيؤ، وقيل: إنه حال. قوله:) وهما حالان الخ (فهما حالان مترادفتان إن قلنا الواو حالية لجواز تعذد الحال، ومن لم يجوزه جعلها بدل اشتمال أو بدل كل من كل كما فصله السمين، وجاز من المضاف إليه لأنه كالجزء كقوله تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [سورة البقرة، الآية: 13، كما مز تحقيقه أو هي عاطفة وهو ظاهر فلا تكون حالاً مترادفة بل متعاطفة، وقدم هذا لأنه واضح إذ جعل الحال الأولى من شيء، والأخرى من آخر خلاف الظاهر فلا يطالب بأنه لم لم يجعلها متداخلين كما في الوجه الآتي مع أن الآني ليس من التداخل في شيء فهو غفلة على غفلة،. قوله:) والمراد من السجود الاستسلام الخ (جواب عما يقال إنه إذا كان حالاً من الضمير الشامل للعقلاء، وغيرهم وسجود المكلفين غير سجود غيرهم فكيف عبر عنهما بلفظ واحد، ودفعه بأن السجود بمعنى الانقياد سواء كان بالطبع أو بالقسر أو بالإرادة فلذا جاز أن يشمله لفظ أحد على طريقة عموم المجاز. قوله: (أو سجدا حال من الظلال وهم داخرون حال من الضمير) المراد من الضمير الضمير الأوّل على نهج إعادة المعرفة، وهو المضاف إليه الضلال، وهو في معنى الجمع لعوده على ما خلق من الإجرام التي لها ظلال وهذا هو الوجه المختار في الكشاف، ورجح في الكشف بأن انقيادهما مطلوب ألا ترى قوله: {وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [سورة الرعد، الآية: 15] وفيه تكميل حسن لوصف الظلال بالسجود، وأصحابها بالدخور الذي هو أبلغ، ولم يجعل حالاً من الضمير الراجع إلى الموصول في خلق لأن المعنى ليس عليه، والعامل في الحال الثانية يتفيؤ أيضا كما مرّ. قوله:) والمعنى ترجع الظلال بارتفاع الشمس الخ (يعني أن المراد من سجودها انفيادها لأمر الله بتفيوئها من جانب إلى آخر فالسجود بمعناه المتقدم، وقوله بارتفاع الشمس، وانحدارها بتناقص الظل إلى الزوال، ثم تزايده وانبساطه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 في جانب الشرق، وقوله باختلاف مشارقها ومغاربها فالتفيؤ انتقال الظلال من جانب إلى آخر، وقوله أو واقعة على الأرض! الخ فهو استعارة لابتنائه على التشبيه، وقيل إنه تشبيه بليغ، وقوله والإجرام في أنفسها أيضاً إشارة إلى أن قوله: {وَهُمْ دَاخِرُونَ} حال من الضمير المضاف إليه فلا صحة لما قيل في تفسيره إنهما حينئذ حالان متداخلان، وإنه يطالب أنه لم لم يجعلهما مترادفين كما في الوجه الأوّل، ولم يذكر كون الأوّل حالاً من الظلال، والثاني من الضمير كما اختار. جار الله، ولم يذكر عكسه أحد لبعده اهـ. قوله:) وجمع داخرون بالواو الخ (يعني أنه إما تغليب أو استعارة، وكذا ضميرهم أيضأ لأنه مخصوص بالعقلاء فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه، ويجعل ما بعده جارياً على المشاكلة، وكان عليه بيان ذلك إذ لا وجه لعدم ملاحظة ما ذكر فيه، وقيل على الثاني الدخور استعارة، والجمع ترشيح، وفيه نظر. قوله: (وقيل المراد باليمين والشمائل يمين الفلك الخ (هو معطوف على قوله عن أيمانها، وعن شمائلها الخ، وقد مرّ بيانه أيضاً، وقوله لأن الكواكب بيان لوجه مشابهة المشرق باليمين المستعار له لمشابهته لأقوى جانبي الإنسان الظاهر منه أقوى حركاته، وقوله الربع الغربي جعله ربعا لأنّ الظاهر منها في حكم النصف فنصفه ربع الكرة. قوله: (يعم الانقياد لإرادته وتأثيره طبعاً الخ (لم يقل كرها أو قسراً ليقابل قوله طوعا لأنّ المراد عموم الانقياد لغير ذوي العقول مما ينقاد لإرادة الله، وأفعاله بحسب طبعه، وللعقلاء المنقادين طوعاً للأوامر والنواهي، وأمّا خروج انقيادهم قسراً فلا يضر لأنه لا يمدح به. قوله: اليصح إسناده) أي فسر بمطلق الانقياد المار ليصح إسناده من غير جمع بين الحقيقة والمجاز، وما قيل من أنه لو أريد الانقياد لإرادته طبعاً عمّ الجميع أيضاً مردود لأن إرادة الثاني منه متعينة لأنّ الآية آية سجدة فلا بد من دلالتها على السجود المتعارف، ولو ضمنا فاندفع ما قيل كونها آية سجدة يدل على أنّ المراد المنسوب للمكلفين فيها، وهو الفعل الخاص المتعارف شرعاً الذي يكون ذكره سببا لفعله سنة معتادة في عزائم السجود لا القدر الأعنم المشترك. قوله:) بيان لهما لأنّ الدبيب هو الحركة الجسمانية الخ (يعني أنه بيان لما في السماء، والأرض! لأن معنى الدبيب ما ذكر فيشمل من في السماء من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بناء على أنهم غير مجزدين، وتقييد الدبيب بكونه على وجه الأرض لظهوره أو لأنه أصل معناه، وهو عامّ بقرينة المبين، وقيل إنه لو قال على أن الدبيب هي الحركة الجسمانية بطريق المجاز كان أولى، والأولى ترك مثله لقلة جدواه. قوله:) عطف على المبين به (القراءة برفع الملائكة والمبين به الدابة فعلى هذا هو معطوف على محل الجار والمجرور، وهو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنّ من البيانية لا تكون ظرفا لغواً، وعلى الوجه الآخر هو معطوف على الفاعل وهو ما، وقوله عطف جبريل عليه السلام على الملائكة يعني أنه من عطف الخاص على العام لاذعاء أنه لكونه أكمل الأفراد صار جنسا آخر وهذا وجه إفادته التعظيم، وقوله أو عطف المجردات منصوب معطوف على عطف جبريل فيكون المراد بما في السماوات الجسمانيات، ولا تدخل الملائكة عليهم الصلاة والسلام في ما في السماوات لأنّ المجردات ليست في حيز وجهة ووجه الاستدلال به أنّ ما في السماوات وما في الأرض بين أحدهما بالدابة والآخر بالملائكة، والتقابل الأصل فيه التغاير، والدابة المتحرّكة حركة جسمانية فلا يكون مقابلها من الأجسام لأنّ الجسم لا بد له من حركة جسمانية، وهذا دليل اقناعي فلا يرد عليه احتمال كونه تخصيصا بعد تعميم كما مرّ. قوله:) أو بيان لما في الأرض (عطف على قوله بيان لهما فتكون الدابة ما يدب على الأرض، والملائكة تعيين لما في السماء بتكرير ذكرهم تعظيماً لهم أو هما بيان لما في الأرض! ، والمراد بالملائكة ملائكة تكون فيها كالحفظة، والكرام الكاتبين فتكون الدابة غير شاملة لهم. قوله: (وما لما استعمل للعقلاء الخ) هذا بناء على أن وضع ما أن يستعمل في غير العقلاء، وفيما يعم العقلاء، وغيرهم كالشبح المرئي الذي لا يعرف أنه عاقل أو لا فإنه يطلق عليه ما حقيقة، وكونه أولى لأنه غير محتاج إلى تغليب، وتجوّز ولا ينافيه ما ذكره في غير هذا المحل كقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 98] من أنّ ما يختص بغير العقلاء لأنه مبنيّ على قول آخر، وقوله أولى من اطلاق من تغليبا عدل فيه عن قول الكشاف لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 التغليب لأنه معترض! بأن قرائن العموم كقوله من دابة دليل عليه، وان وجه بأنه لا دليل في اللفظ، وقرينة العموم في السابق لا تكفي لجواز تخصيصمهم من البين بعد التعميم على أنّ اقتضاء المقام العموم، وما في التغليب من توهم الخصوص الذي يؤيده السجود كاف في العدول فتأمّل. قوله: (عن عبادته) يشير إلى أنّ الضمير للملائكة عليهم الصلاة والسلام لا لما لاختصاصه بأولي العلم، وليس المقام مقام التغليب وقوله أن يرسل الخ يعني أن قوله من فوقهم إفا متعلق بيخافون، وخوف ربهم كناية عن خوف عذابه أو هو على تقدير مضاف، وقوله أن يرسل بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب أو هو حال من ربهم أي كائناً من فوقهم، ومعنى كونه فوقهم قهره وغلبته كما مرّ تحقيقه في الأنعام، وقوله أو بيان له أي لقوله لا يستكبرون كما قرّره بقوله لأنّ الخ، وإذا كان حالاً فهي حالاً غير منتقلة. قوله: (وفيه دليل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام مكلفون) لأنّ الأمر تكليف فلا خفاء فيه كما توهم، وكون أمرهم دائراً بين الخوف والرجاء أمّا الخوف فمن حاق النظم، وأمّا الرجاء فلاستلزام الخوف له ولأنه بمقتضى الكلام إذ من خدم أكرم الاكرمين كان من الرجاء في مكان مكين فلا يرد عليه أنه لا ذكر للرجال في الآية حتى يناقش في الدلالة. فوله: (ذكر العدد مع أنّ المعدود يدل عليه) يعني المقصود النهي عن الإشراك مطلقا، ولذا قال إنما هو إله واحد وتخصيص هذا العدد لأنه الأقل فيعلم انتفاء ما فوقه بالدلالة، واثبات الوحدة لله ولضميره مع أن المسمى المعين لا يتعدد بمعنى أنه لا مشارك له في صفاته، وألوهيته فلشى الحمل لغواً، ولا حاجة إلى جعل الضمير للمعبود بحق المراد من الجلالة على طريق الاستخدام، وسيأتي تحقيقه في سورة الإخلاص، وقوله تعالى، وقال الله معطوف على قوله. ولله يسجد أو على قوله، وأنزلنا إليك الذكر، وقيل إنه معطوف على ما خلق الله على أسلوب: علفتها تبنا وماء بارداً أي أو لم يروا إلى ما خلق الله ولم يسمعوا ما قال الله، ولا يخفى تكلفه، ودلالة تعليل لقوله ذكر، وقوله إليه يعني لا إلى الجنسية. قوله: (أو إيماء بأنّ الاثنينية الخ (حاصل هذا، وما قبله دفع لأن الواحد، والمثنى نص في معناهما لا يحتاج معهما إلى ذكر العدد كما يذكر مع الجمع بأنه يدل على أمرين الجنسية، والعدد المخصوص فلما أريد الثاني صرّح به للدلالة على أنه المقصود الذي سيق له الكلام، وتوجه له النهي دون غيره فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو نعم الرجل زيد وكذا المثنى كقوله: فإن النار بالعودين تذكى وان الحرب أوّلها الكلام وقوله أو إيماء الخ وجه آخر لذكره، وهو أنه في معنى قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة ايلانبياء، الآية: 22] والفرق بيته وبين الأوّل أنه ذكر في الأوّل لدفع إرادة الجنسية، والتأكيد وفي هذا للدلالة على منافاتها للألوهية فلذا صزج بها وعقبت بذكر الوحدة التي هي من لوازم الألوهية، ومنافي اللازم منافي الملزوم فلا يرد عليه أنه ليس محلاً للعطف بأو لأنه متفرع على الدلالة على كونه مساق النهي، وكذا قوله أو للتنبيه ولا حاجة إلى الاعتذار بأنه يصلح وجها مستقلاَ فلذا عطف بأو. فوله: (أو للتنبيه (على أن الوحدة من لوازم الإلهية وهذا عكس الوجه الأوّل حيث يكون نفي التعدد لمنافاته للازم الألوهية فهو توطئة له فتدبر. قوله: (نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب (يعني أنه التفت عن الغيبة في إنما هو إله واحد، وهو أبلغ لأن تخويف الحاضر مواجهة أبلغ من ترهيب الغائب سيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة، والقدرة التائة على الانتقام، وأمّا الايقاظ وتطرية الاصغاء فنكتة عامّة لكل التفات والفاء في فإياي جواب شرط مقدر أي إن رهبتم شيئا فإياي ارهبوا، وقوله فارهبون دال على عامل إياي مفسر له، وانفصل الضمير لتقدمه على عامله لإفادة التخصيص كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله فارهبون لا غير قال الزمخشري عوض عن الشرط المحذوف تقديم المفعول مع إفادة تقديمه الاختصاص، وأمّا عطف المفسر على المفسر بالفاء فلأن المراد رهبة بعد رهبة أو لأن المفسر حقه أن يذكر عقب المفسر، ولنا فيه تفصيل سيأتي، وقد مر نبذ منه. قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 معطوف على قوله إنما هو إله واحد أو على الخبر اً ومستأنف، وقوله خلقا وملكا منصوب على التمييز للنسبة وبيان لجهة الاختصاص فيه، وفسر الدين بالطاعة وسيأتي تفسيره بالجزاء وهما أحد ما له من المعاني، وفسر واصباً بمعنى لازما على أنه حال من ضمير الدين المستكن في الظرف، والظرف عامل فيه، والوصب ورد في كلامهم بمعنى اللزوم والدوام، ولذا قيل للعليل وصب لمداومة السقم له. قوله: (من أنه الاله وحده) هو معنى قوله إنما هو إله واحد، وقوله والحقيق بأن يرهب منه معنى قوله فإياي فارهبون ولم يقل الواجب أن يرهب مع أنه مدلول الأمر وأقوى بحسب الظاهر المتبادر لأن ما ذكره مؤدي النظم وهو إن كنتم راهبين فارهبون إذ معناه أنه لا تليق الرهبة، وتحق إلا لي، وهو أبلغ من الوجوب إذ قد يجب شيء والحقيق غيره، وأوفق بالواقع وأنسب الاختصاص. قوله: (وقيل واصباً من الوصسب (كالتعب لفظا ومعنى، وفاعل حينئذ للنسب كلابن وتامر لأنّ فيه تكاليف، ومشاق متعبة للعباد، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ذا كلفة، وإذا كان الدين بمعنى الجزاء كان واصبا بمعنى دائما، وثوابه فاعل ينقطع أو مبتدأ خبره لمن الخ، وخص العقاب بالكفرة دون فسقة المؤمنين لأنه الدائم، وما سواه منقطع ولو عمم، واعتبر الدوام بالنظير للجميع جازو لكن لا حاجة تدعو له. قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ} الفاء للتعقيب، والهمزة للإنكار أي أبعد ما تقرّر من توحيده وكونه المالك الخالق لا غير فتتقون غيره والمنكر تقوى غير الله لا مطلق التقوى، ولذا تدم الغير وأولى الهمزة لا للاختصاص حتى يرد أنّ انكار تخصيص التقوى بغيره لا ينافي جوازها، ولو اعتبر الاختصاص بالإنكار لصح فيكون التقديم لاختصاص الإنكار لا لإنكار الاختصاص فتأمّل. قوله: (ولا ضاز سواه كما لا نافع غيره (إذا كان لا ضار سواه علم منه لا ينبغي أن يتقي غيره، وقد أشار بقوله كما لا نافع غيره إلى ارتباط قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} فإنه كان الظاهر وما يصيبكم سوء إلا منه فكيف يتقي غيره فأشار إلى أنه ذكر النفع لأنه الضار النافع، وأنه اقتصر عليه اكتفاء بسبق رحمته وعمومها، وقوله وأفي شيء اتصل بكم أشار بأي إلى عموم ما على تقديري الموصولية والشرطية، وبقوله اتصل إلى أن الباء للالصاق، وأنه شامل للاتصاف وغير.، وفي الكشاف حل بكم أو اتصل بكم، وأشار به إلى تعميم متعلق الظرف. توله ة (وما شرطية او موصولة (إذا كانت موصولة فهي مبتدأ والخبر قوله من الله والفاء زائدة في الخبر لتضمنه معنى الشرص، ومن نعمة بيان للموصول، والجار والمجرور صلة وإذا كانت شرطية ففعل الشرط مقدر بعدها كما ذكره الفراء، وتبعه الحوفي، وأبو البقاء وتقديره ما يكن بكم من نعمة الخ، واعترض بأنه لا يحذف فعل الشرط إلا بعد أن خاصة في موضعين باب الاشتغال نحوه وأن أحد من المشركين الخ، وأن تكون أن الشرطية متلوة بلا النافية، وقد دل على الشرط ما قبله كقوله: فطلقهافلست لهابكفء وألايعل مفرقك الحسام وما عدا ذلك ضرورة والجواب أنّ الفراء لا يسلم هذا والوجه المذكور مبني على مذهبه. قوله: (متضمنة معنى الشرط باعتبار الأخبار) إشارة إلى ما ذكره النحاة. قال في إيضاح المفصل في هذه الآية إشكال من حيث إن الشرط وما شبه به يكون الأوّل فيه سبباً للثاني تقول أسلم تدخل الجنة فالإسلام سبب لدخول الجنة وهنا على العكس وهو أنّ الأوّل استقرار النعمة بالمخاطبين والثاني كونها من الله تعالى فلا يستقيم أن يكون الأوّل فيه سببا للثاني من جهة كونه فرعا عنه، وتأويله أن الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أو شكوا فيه فاستقرارها مشكوكة أو مجهولة سبب للأخبار بكونها من الله عز وجل فيتحقق أنّ الشرط، والمشروط على بابه وأن ذلك صح من حيث إنّ جواب الشرط لا يكون إلا جملة، ويكون معنى الشرط فيها إما مضمونها، دماما الخطاب بها فمثال المضمون قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سورة البقرة، الآية: 274] الآية، ومثال الخطاب بها قولك إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، والمعنى بالمضمون معنى نسبة الجملة كقوله: {فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فثبوت الأجر لهم هو مضمون الجملة، وهو مسبب عن الإنفاق، والمعنى بالخطاب بها أن يكون نفس الإعلام بها هو المشروط لا مضمونها ألا ترى أنك لو جعلت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 مضمون قوله فمن الله هو المشروط لكان المعنى أنّ استقرارها سبب لحصولها من الله فيصير الشرط سببأ للمشروط، ومن ثمة وهم من قال: إن الشرط قد يكون مسببا، وإذا جعلنا الخطاب أو الإخبار بنفس الجملة هو الشرط ارتفع الإشكال، وفي الكشف أنّ المقصود منه تذكيرهم وتعريفهم فالاتصال سبب للعلم بكونها من الله وهذا أولى مما قدره ابن الحاجب من أنه سبب للاعلام بكونها منه لأن قوله ثم إذا مسكم الضر الخ، يدل على أنهم عالمون بأنه المنعم، ولكن يضطرون إليه عند الالجاء ويكفرون بعد الانجاء، ويدفع بأن علمهم نزل علدم الاعتداد به منزلة الجهل فاخبروا بذلك كما تقول لمن توبخه ما أعطيتك كذا أما، وأما. قوله: (فما تتضرعون إلا إليه) الحصر مأخوذ من تقديم الجار والمجرور، والفاء جواب إذا، والجؤار رفع الصوت يقال جأر إذا أفرط في الدعاء، والتضرع وأصله صياج الوحش، وقوله بربهم يشركون أي يتجذد إشراكهم بعبادة غيره، وفي الآية وجهان أحدهما أن يكون الخطاب في قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} الخ عاما فالفريق منهم الكفرة، ومن للتبعيض، وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وهم كفاركم الخ والباء في قوله بعبادة غيره سببية، والثاني أن يخص المشركين فمن للبيان على سبيل التجريد ليحسن والا فليس من مواقعه، والمعنى إذا فريق هم أنتم مشركون ويجوز على اعتبار الخصوص أيضاً كون من تبعيضية لأن من المشركين من يرجع عن شركه إذا شاهد تلك الأهوال كما صزج به في تلك الآية، والقرآن يفسر بعضه بعضا ولم تدل تلك الآية على تعين هذا لأنّ الاقتصار فيها يحتمل معنى آخر، رهو عدم الغلوّ في الكفر لا التوحيد وقوله على أن يعتبر بعضهم بالبناء للفاعل، ورفع بعضهم أي بناء على اعتبار بعضهم بما رآه فيرجع عن شركه. قوله: (كأنهم قصدوا بشركهم الخ (لما كان في موقع اللام التعليلية هنا خفاء لأنه كتعليل الشيء بنفسه وجه بأنها لام العاقبة والصيرورة، وهي استعارة تبعية والكفر بمعنى كفران النعم أو جحودها لأنه لما لم ينتج كفرهم وشركهم غير كفران ما أنعم به عليهم، وانكاره جعل كأنه علة غائبة له مقصودة منه، وقوله أو إنكار فالكفر بمعنى الجحود، وعلى الأوّل كفران النعمة، وهما متقاربان، وقوله أمر تهديد هو أحد معاني الأمر المجازية كما يقول السيد لعبده افعل ما تريد، وقوله فسوف تعلمون أغلظ وعيده إذ يفهم منه أنه إنما يعلم بالمشاهدة، ولا يمكن وصفه فلذا أبهم. قوله: (وقرئ فيمتعوا) قرأها أبو العالية ورواها مكحول عن أبي رافع مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم بضم الياء التحتية ساكن الميم مفتوج التاء مضارع متع مبنيا للمفعول كذا في البحر والإعراب فلا يلتفت إلى ما قيل إنه صحح في بعض النسخ المعتمدة بضم الياء وفتح الميم، وتشديد التاء من التفعيل فإن القراءة أمر نقلي لا يعوّل فيه على النسخ. قوله: (وعلى هذا) أي على قراءته مضارعا يجوز كون لام ليكفروا لام الأمر، والمقصود من الأمر التهديد بتخليتهم، وما هم فيه لخذلانهم إذ الكفر لا يؤمر به، وعلى الأمر فالفاء واقعة في جواب الأمر وما بعدها منصوب بإسقاط النون ويجوز جزمه بالعطف أيضاً كما جاز نصبه بالعطف إذا كانت اللام جارة. قوله:) أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد الخ) فما عبارة عن الآلهة، وضمير يعلمون عائد عليه، ومفعول يعلمون متروك لقصد العموم أي لا يعلمون شيئا أو لتنزيله منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم أو الضمير للمشركين والعائد محذوف كما أشار إليه بقوله أو التي لا يعلمونها. قوله: (فيعتقدون فيها جهالاث مثل أنها تنفعهم الخ) تفسير لعدم علمها لأنها معلومة لهم فالمراد بعدم علمها عدم علم أحوالها وجهالات منصوب على المصدرية أي اعتقادات هي جهالات مركبة، وقوله أو لجهلهم فما مصدرية، واللام تعليلية لأصلة الجعل، وصلته محذوفة والتقدير يجعلون لآلهتهم نصيبا لأجل جهلهم. قوله: (من الزروع والأنعام (مرّ تفصيله في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} [سورة الأنعام، الآية: 136] الآية، وقوله من أنها الخ بيان لما وزاد حقيقة ليكون افتراء، وظاهر قوله بالتقرب أنّ الافتراء هنا ليس على ظاهره وليس بمراد وتحقيق الافتراء، والفرق بينه، وبين الكذب مبسوط في محله. قوله: (يقولون الملاءلكة بنات الله) يحتمل أنهم لجهلهم زعموا تأنيثها، وبنوّتها ويحتمل كما قاله الإمام أنهم سموها بنات لاستتارها كالنساء، ولا يرد عليه أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 الجن كذلك لأنه لا يلزم في مثله الاطراد، وأمّا عدم التوالد فلا يناسب ذلك. قوله: (تنزيه له من قولهم) فهو حقيقة، وقوله وتعجب منه، وفي نسخة أو بدل الواو وفي أخرى تعجيب من التفعيل، وأحسنها أو تعجيب لأنه معنى مجازي، والأوّل حقيقي، والتعجب لا يوصف الله به كما مرّ تحقيقه إلا أن يؤوّل بأنه راجع، إلى العباد أو يكون المراد منه التوبيخ فإنّ المتعجب منه مستقبح يوبخ به فاعله فتأمل. قوله: (الرفع بالابتداء) والخبر لهم والجعل كناية حينئذ عن الاختيار لأن من جعل قمسما لغيره، وقسماً لنفسه فقد اختاره، وقوله وهو- وان أفضى الخ دفع لما أورده الزجاج، وغيره من أنه مخالف للقاعدة النحوية، وهو أنه لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل المرفوع بالفاعلية، وكذا الظاهر إلى ضميره المتصل سواء كان تعديه بنفسه أو بحرف الجر إلا في باب ظت وما ألحق به من فقد، وعدم فلا يجوز زيد ضربه بمعنى ضرب نفسه، ولا زيد- عرّ به أي مرّ هو بنفسه، ويجوز زيد ظنه قائماً وزيد فقده وعدمه وكذا لا يجوز زيدا ضبربه فلو كان مكان الضمير اسم ظاهر كالنفس أو ضمير منفصل نحو زيد ما ضرب إلا إياه، وما ضرب زيداً إلا إياه جاز فإذا عطفت ما على البنات موصولة أو مصدرية أدّى إلى تعدية فعل المضمر المتصل، وهو واو ويجعلون إلى ضميره المتصل، وهو هم المجرور باللام في غير ما استثنى وهو ممنوع عند البصريين ضعيف عند غيرهم فكان حقه أن يقال لأنفسهم، وقد اعترض أبهو حيان طى هذه القاعدة بقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [سورة مريم، الآية: 35] {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [سورة القصص، الآية: 32] والعجب أن منهم من ن! سب هذا لنفسه، وأجيب عنه بأنّ الممتنع إنما هو تعدي الفعل بمعنى وقوعه عليه أو على ما جر بالحرف نحو زيد مرّ به فإنّ المرور واقع بزيد وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فإنّ الجعل ليس واقعا بالجاعلين بل بما يشتهون، ومحصله المنع في المتعذي بنفسه مطلقاً، والتفصيل في المتعدي بالحرف بين ما قصد الإيقاع عليه، وغيره فيمتنع في الأوّل دون الثاني لعدم ألف إيقاع المرء بنفسه، وهذا تفصيل حسن غفل عنه المعترض! ، ومن تبعه، والمصنف رحمه الله تعالى دفعه بطريق آخر، وهو أن امتناعه إنما هو إذا تعذى أوّلاً لا ثانيا، وتبعاً فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقد أيد ذلك بأنه يجوز إذا انفصل الضمير كزيد ضرب أباه، وفصل العطف ليس بأقل منه وفيه نظر ظاهر، ومنهم من خصه بالمتعذي بنفسه، وجوّزه في المتعدّي بالحرف، وارتضاه الشاطبي في شرح الألفية وهو قوقي عندي. قوله:) أخبر بولادتها الما كانت البشارة الأخبار بما يسرّ وولادة الأنثى تسوءهم أشار إلى أن البشارة هنا بمعنى مطلق الأخبار وفيه مضاف مقدر، ويحتمل أنه بشارة باعتبار الولادة بقطع النظر عن كونها أنثى وكلامه يحتمله، وقيل إنه حقيقة بالنظر إلى حال المبشر به في نفس الأمر. قوله: (صار أو دام النهار كله) يعني أن أصل معناه دوام على الفعل في النهار فإمّا أن يكون على أصل معناه لأنّ أكثر الوضع يكون ليلا فيبشر به في يوم ليلته فيظل نهاره مغتما أو أنه بمعنى صار كما يستعمل أصبح وأمسى وبات بمعنى الصيرورة، وقوله النهار منصوب على الظرفية أي دام على فعله في النهار كله، ويجوز رفعه على الإسناد المجازي. قوله: (من الكآبة والحياء من الناس الخ (الكآبة بسكون الهمزة، وفتحها ممدودة الغمّ، وسوء الحال والانكسار من حزن. قوله:) واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير) سواد الوجه وبياضه يعبر به عن المساءة، والمسرّة وجعله كناية لا مجازا باعتبار أن من يغتم قد يلاحظ فيه سواد وجهه كما يسوذ وجه المخنوق لكن الظاهر أنه مجاز والتشوير من شور به إذا فعل به فعلاً يستحيا منه فتشوّر من الشوار، وهو الفرج والعرب تقول في الشتم أبدى الله شواره، والمراد به هنا الاستحياء والمعنى أنه الاغتمام أو الافتضاح القوفي. قوله:) مملوء غيظاً من المرأة (يشير إلى أن أصل الكظم مخرج النفس يقال أخذ بكظمه، ومنه كظم الغيظ لإخفائه وحبسه عن الوصول إلى مخرجه، ويقال كظم السقاء إذا مده بعد ملئه لمنعه عن خروج ما فيه، وكظيم بمعنى مشتد الغيظ مأخوذ من هذا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقد مر تفصيله في سورة يوسف. قوله: (من سوء المبشر به عرفاً الخ (عرفا قيد لسوء ويجوز كونه قيداً للمبشر به لأنهم كانوا لا يبشرون بها وإنما أطلقت البشارة لأنها مما يبشر به عرفا لكونه ولداً، ووجهه اسم ظل أو بدل من الضمير المستتر فيه وكظيم فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في الثاني، والجملة حال من الضمير في ظل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 أو من وجهه أو من ضمير مسوداً ولو رفع مسودّأ صح لكنه لم يقوأ به هنا، وجملة يتوارى مستأنفة أو حال على الوجوه إلا كونه من وجهه، ومن القوم ومن سوء متعلقان به لاختلاف معني من لأنّ الأولى ابتدائية والثانية تعليلية. قرله:) محدّثاً نفسه متفكرا في أن يتركه على هون (إشارة إلى أن الجملة الاستفهامية معمولة لمحذوف معلق عليها وعنها، والعامل حال من فاعل يتوارى، وقول أبي البقاء إن جملة أيمسكه حال إما أن يريد هذا أو جوّز وفوع الطلبية حالاً لتأويلها بمتردد، ونحوه فلا يرد عليه شيء، والهون بضم الهاء الهوان والذل، وبفتحها بمعناه، ويكون بمعنى الرفق واللين، وليس مراداً في القراءة به، وعلى هون حال من الفاعل، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه أيمسكه مع رضاه هوان نفسه، وعلى رغم أنفه أو من المفعولى أي أيمسكها ذليلة مهانة، والدس إخفاء الشيء، وهو هنا عبارة عن الوأد ويثده كيعده مضارع، وأده وأدا وقراءة التأنيث للجحدري، وقوله حيث الخ تعليل لسوء حكمهم وقباحته لأنّ قيد اأحيثية يذكر للتعليل، وقوله ما هذا محله أي ما هو مرذول محقور عندهم كما سيذكره بعيده. قوله: (صفة السوءا لأنّ المثل يكون بمعنى الصفة العجيبة كما مر تحقيقه، وقوله المنادية بالموت من النداء، وجعل الحاجة إلى الولد منادية بالموت لكون الموت يعقبها بغير شبهة كأنه ينادي بها كماقيل: لدوا للموت وابنوا للخراب ولأنّ حاجة الوالد إلى الولد لأن يخلفه والخليفة متوقف على موته، وقوله واشتهاء الذكور بالرفع معطوف على الحاجة وكذا ما بعده ووقع في نسخة استبقاء الذكور استفعال من البقاء، وهي ظاهرة ومعناهما متقارب، والوجوب الذاتي في مقابلة الحاجة إلى الولد والغنى المطلق في مقابلة الاستظهار، والجود الفائق في مقابلة خشية الإملاق الذي هو بخل في الحقيقة، والنزاهة عن صفات المخلوقين بيان لكونه أعلى من صفات غيره على المعاني السابقة وقال الطيبي الغنى مقابل الحاجة للأولاد، والنزاهة عن صفات المخلوقين مقابل الوأد خثية الإملاق والجواد الكريم مقابل لإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ، وكلها نتيجة قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ} [سورة النحل، الآية: 57، الخ، وقوله المنفرد الحصر من تعريف الطرفين وحمله على الكمال لأنه المختص به ولاقتضاء صيغة المبالغة. قوله تعالى:) {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ} الخ (المؤاخذة مفاعلة من فاعل بمعنى فعل أو هي مجاؤ كأنّ العبد يأخذ حق الله بمعصيته والله يأخذ منه بمعاقبته وكذا الحال في الخلق ودلالة الناس لأنهم سكان الأرض، وكذا الدابة لأنها ما تدلث على الأرض وان جوّز المصنف رحمه الله تعالى قبل هذا تعميمها لما في السماء، وعمم الظلم للكفر والمعاصي لأنه فعل ما لا ينبغي ووضعه في غير موضعه، وقد يخص بالكفر وبالتعذي على غيره. قوله: (قط بثؤم ظلمهم) يعني أنه شامل لكل إنسان ظالما كان أو لا أمّا الظالم فبظلمه وأمّا غيره فبشآمته كقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] وشامل أيضاً لغيره كما نقله عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولأنّ الدواب خلقت لانتفاع الإنسان بها فإذا هلك لم تبق لعدم الفائدة والجعل بضم الجيم وفتح العين المهملة واللام دويبة منتنة معروفة، وخص لأنه أخس الحشرات والحجر بضم الجيم وسكون الحاء، والراء المهملة مأوى الحشرات، والبهائم. قوله: (أو من دابة ظالمة) فتنكيرها للنوع وهو مخصوص بالكفار، والعصاة على هذا بخلافه على الأؤل فإنه الجنس مطلقا، ويجوز تعميمه لغير الإنسان فيشمل بعض الدواب إذا ضرّ غيره، وقيل إن الظلم فيه الكفر فيخص الكفرة، وقوله وقيل الخ قائله الجبائي لأنه ما من أحد إلا وفي آبائه من ظلم فإذا هلكوا لزم فناء النوع بل الدواب المخلوقة لمنافع العباد على ما نقل عنه في اللباب لكن على هذا الفرق بينه، وبين القول الأوّل قليل. قوله: (سماه (أي عينه لأعمارهم أي مذة بقائهم أو عينه، وقتا لعذابهم وهو ما بعد حياتهم لإهلاكهم في الدنيا، وهما متقاربان، ولذا جعل علتهما واحدة، وقد مر الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 34] في الأعراف، وأنه هل هو مستأنف أو معطوف على الجملة الشرطية لا على الجزاء حتى يرد عليه ما ورد، وقوله بل هلكوا أو عذبوا لف ونشر على التفسيرين قبله. قوله: (ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم الخ (جواب عما استدل به بعض من ذهب إلى عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ظاهر الاية حتى احتاج بعضهم إلى تخصيص الناس بالمشركين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 لأن الكلام فيهم وهو خلاف الظاهر، وقوله ما شاع فيهم إشارة إلى أنه من إسناد ما للكل إلى البعض كما يقال بنو تميم قتلوا قتيلا لتظاهر الأدلة والنصوص على عصمتهم فلا يقال الأصل الحمل على الحقيقة، وقوله ما يكرهونه إشارة إلى أن ما موصولة عائدها محذوف، وقوله الشركاء في الرياسة فلا يرضى أحدهم أن يشرك في ذلك مع اذعاء التشريك لله، وقوله والاستخفاف بالرسل عليهم الصلاة والسلام فهم يغضبون لو استخف برسول لهم أرسلوه في أمر لغيرهم مع استخفافهم برسل الله المرسلين لهم، وأراذل الأموال معطوف على البنات وهو إشارة إلى ما مرّ في الأنعام من أنهم كانوا إذا رأوا ما عينوه لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإذا رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها. قوله: (وتصف ألسنتهم الكذب) هذا من بليغ الكلام وبديعه كقولهم عينها تصف السحر أي ساحرة وقذها يصف الهيف أي هيفاء قال أبو العلاء المعري: سرى برق المعرّة بعدوهن فبات برامة يصف الكلالا وقد بيناه في محل آخر، وقوله مع ذلك أي مع ذلك الجعل، والكذب مفعول لتصف، وعلى القراءة الآتية صفة الألسنة، وأنّ لهم الحسنى بدل منه على الأولى أو بتقدير بأن لهم وعلى الثانية مفعول لتصف، وقوله وهو أنّ لهم الحسنى الخ بيان لحاصل المعنى لا للإعراب وان جاز أيضا، والمراد بالحسنى الجنة بناء على أنّ منهم من يقرّ بالبعث وهذا بالنسبة لهم أو أنه على الفرض والتقدير كما روي أنهم قالوا إن كان محمد صادقا في البعث فلنا الجنة بما نحن عليه، وهو المناسب لقوله لا جرم أنّ لهم النار لدلالته على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة فلا يرد أنهم كيف قالوا هذا وهم منكرون للبعث. قوله: (وقرئ الكذب جمع كذوب صفة للألسنة) وهو بضمتين مرفوع على أنه جمع كذوب كصبر وصبور وهو مقيس، وقيل جمع كاذب نحو شارف وشرف وهو غير مقيس، ولهذا اقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل. قوله:) رذ لكلامهم وإثبات لضده) الرذ بكلمة لا والإئبات بجرم بمعنى كسب أي كسب ما صدر منهم أنّ لهم النار فأنّ لهم الخ في محل نصب على المفعولية وهذا قول الزجاج، وقيل في محل رفع وجرم بمعنى وجب، وثبت وهو قول قطرب، وقيل لا جرم بمعنى حقا وأن لهم النار في محل رفع فاعل حق المحذوف، وتفصيله في المطوّلات وقد مر طرف منه. قوله: (مقدّمون إلى النار الخ (قرأ نافع مفرطون بكسر الراء اسم فاعل من أفرط إذا تجاوز أي متجاوز والحد في معاصي الله وأفعل قاصر، والباقون بفتحها اسم مفعول من أفرطته بمعنى تركته ونسيته على ما حكاه الفراء أي هم منسيون متروكون في النار أو من أفرطته بمعنى قدمته من فرط إلى كذا بمعنى تقدم، وقال معناه مفرطون إلى النار يتعجلون إليها من أفرطته، وفرطته إذا قدمته، ومنه الفرط للمتقدم، وقرأ أبو جعفر مفرّطون بتشديد الراء المكسورة من فزط في كذا إذا قصر وفي رواية عنه بالفتح والتضعيف، وقرئ أن بالكسر فيهما على أنها جواب قسم أغنت عنه لا جرم. قوله:) فأصروا على قبائحها الخ (هو إفا تفسير لما زينه الشيطان لهم أو تفريع عليه. قوله: (أي في الدنيا وعبر باليوم عن زمانها الخ (أي موالاته لهم في مدة الدنيا ومآربها ولما كان اليوم يستعمل معرّفا لزمان الحاًل كالآن وليس الشيطان وليا للامم الماضية في زمان الحال وجه بان ضمير وهو وليهم إن عاد إلى الأمم الماضية فزمان تزيين الشيطان لهم أعمالهم، وان كان ماضيا صوّر بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة، ويتعجب منها وسموه حكاية الحال الماضية وليست الحكاية المتعارفة، وهو استعارة من الحضور الخارجي للحضور الذهني أو المراد باليوم مدة الدنيا لأنها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة، وقد ورد إطلاق اليوم على مدتها كثيراً فهو مجاز متعارف، وليس فيه حكاية لما مضى، وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما، والوليّ على هذين الوجهين بمعنى القرين أو المتولي لإغوائهم، وصرفهم عن الحق أو المراد باليوم يوم القيامة الذي فيه عذابهم لكنه صوره بصورة الحال استحضاراً له فهو حكاية لما سيأتي، وليس من مجاز الأول أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم إلا هو لا بمعنى المتولي للإغواء إذ لا إغواء ثمة، ولا بمعنى القرين لأنه في الدرك الأسفل وهو نفي للناصر على أبلغ وجه على حدّ قوله: وبلدة ليس بها أنيس! إلا اليعافير وإلا العيس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 أو ضمير وليهم لكفار مكة أي زين الشيطان للأمم الماضية أعمالهم فهو الآن وليّ هؤلاء لاتصالهم بهم في الكفر أو هو بتقدير مضاف. قوله: (وعبر باليوم عن زمانها) أي من جميع أزمنتها إشارة إلى وجه التجوّز وتنزيله منزلة الحال لما مر. قوله:) أو فهو وليهم حين كان الخ (عطف بحسب المعنى على ما قبله أي فهو وليهم في الدنيا أو فهو وليهم وقت تزيينه للأمم الماضية الذي هو لاستحضاره كالحال الحاضر، وهو مجاز آخر، وقوله أو يوم القيامة لتنزيله منزلة الحاضر باستحضاره لكنه في الوجه الثاني حكاية حال ماضية، وهذا حكاية حال آتية كما أشار إليه بطريق اللف بقوله على أنه الخ ولا حاجة في الوجه الأوّل إلى تأويل، وان كانت الجملة الاسمية يقترن مضمونها بزمان اأيحال لأن جعل المجموع حالاً في العرف، وقد قارنه جزء منه في الحقيقة يكفي لذلك فلا يرد عليه شيء كما قيل. قوله:) ويجوز أن يكون الضمير لقريش (أي ضمير وليهم المضاف إليه لا لمن تقدمهم كما في الوجوه السابقة، واليوم بمعنى الزمان الذي وقع فيه الخطاب، وقيل فيه بعد لاختلاف الضمائر من غير داع إليه، والى تقدير المضاف في الوجه الآتي ورذ بأن لفظ اليوم داع له، ولذا قيل إن هذا الوجه هو المناسب للقسم بعد الإنكار، وتعداد القبائح لأنه تسلية للنبيئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أمته على وتيرة من قبلهم، وقد تبع في هذا الشارح الطيبي رحمه الله وصاحب الكشف لم يرتضه حيث قال لا ترجيح لهذا الوجه من حيث التسلي إذ الكل مفيد لذلك على وجه بين وإنما الترجيح للوجه الصائر إلى استحضار الحال لما فيه من مزيد التشفي وكون ما ذكر ليس بظاهر ظإهر، والقرينة المذكورة مصححة لا مرجحة، وإذا قدر المضاف فالضمير ليس لقريش لكن المراد بأمثال من مضى من قريش، ولذا جعل المصنف رحمه الله تعالى هذين الوجهين في قرن واحد. قوله: (والولئ القرين أو الناصر الخ (الذي في الكشاف أنه إذا كان المراد باليوم يوم القيامة كان الولي بمعنى الناصر إذ لا مقارنة ولا إغواء وجعله ناصراً فيه مع أنهم لا ينصرون مبالغة في نفيه وتهكم على حذ عتابه السيف كما مر تحقيقه، وتفصيله فإن كان قوله القرين أو الناصر على التوزيع رجع إلى ما في الكشاف لكنه فيه إجمال خفي، وقيل إنه جار على الوجوه وهو السرّ في تأخره. قوله: (وفيه بحث) فتأقل، وقوله على أبلغ الوجوه من المبالغة أو البلاغة وهو ظاهر، وقوله في القيامة جار على التفاسير السابقة وقوله للناس عممه لعدم اختصاصه بقريش، وعدم تأتيه لمن قبلهم، وقوله وأحكام الأفعال المراد بها ما لا يتعلق بالاعتقاد كرجم الزاني ونحوه معطوفان على محل لتبين الخ يعني أنهما انتصبا مفعولاً له والناصب أنزلنا ولما اتحد الفاعل في العلة والمعلول وصل الفعل لهما بنفسه ولما لم يتحد في لتبين لأنّ فاعل الإنزال هو الله وفاعل التبيين الرسول صلى الله عليه وسلم وصلت العلة بالحرف قال في الكشاف هدى ورحمة معطوفان على محل لتبين إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعولان لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب، ودخل اللام على لتبين لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل، وإنما ينتصب مفعولاً له ما كان فعل فاعل الفعل المعلل به اهـ ما قاله الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، وقال أبو حيان هذا ليس بصحيح قال المعرب قلت الزمخشري لم يجعل الصب للعطف على المحل إنما جعله بوصول الفعل إليهما لاتحاد الفاعل كما صرح به الخ ما فصله (قلت (هو مبني على أمرين أحدهما أن شرط نصبه اتحاد الفاعل، والزمان فإذا عدما جرّ باللام، ولا كلام فيه إنما الكلام فيما إذا ذكر ما فيه الئرط ونصب هل يجوز عطفه عليه أم لا فجوّزه العلامة، والمصنف رحمه الله تعالى، ومنعه أبو حيان، وبقي أمر آخر وهو أنه إذا جر ما فيه مانع آخر هل يصح أم لا كالمصدر المؤوّل بأن، والفعل فإنه لا يقع مفعولاً له نحو زرتك أن أكرمك وزرتك إكراما لك وهو محل يمتنع فيه حذف الجار مع أن فاعرفه فإنه لم يحرره الشراج كلهم فاحفظه، ومعنى كونه في محل نصب إنه في محل لو خلا من اأصموانع ظهو نصبه وهو هنا كذلك لمن تأمل هذا هو التحقيق، وما عداه تطويل بلا طائل، وقوله فإنهما الخ تعليل لظهور النصب فيهما دون المعطوف عليه فهو تعليل لما يفهم من السب ق. قوله: إ أنبت فيها الخ) يعني أن الإحياء والموت هنا استعارة لما ذكر، وليس المراد إعادة اليابس بل إنبات مثله، وقوله سماع تدبر، وانصاف خصه بما ذكر لاقتضاء المقام له أو لتنزيل غيره منزلة العدم، وقال خاتمة المفسرين أراد بالسمع القبول كما في سمع الله لمن حمده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 أي لقوم يتأملون فيها، ويعقلون وجه دلالتها، ويقبلون مدلولها، وإنما خص كونها آية بهم لأن غيرهم لا ينتفع بها وهذا كالتخصيص في قوله هدى ورحمة لقوم يؤمنون وبما قرّرناه تبين وجه العدول عن يبصرون إلى يسمعون (قلت) ما ذكره الشيخان هو اللائبئ بالمقام، وبيانه أنه تعالى لما ذكر أنه أرسل إلى الأمم السالفة رسلا وكتبا فكفروا بها فكان لهم خزي في الدنيا، والآخرة عقبه بأنه أرسله صلى الله عليه وسلم بسيد الكتب فكان عين الهدى، والرحمة لمن أرسل له إشارة إلى مخالفة أمته لمن قبلهم من سعادة الدارين، وتبشيراً له ع! ييه بكثرة متابعيه وقلة مناويه، وأنهم سيدخلون في دينه أفواجا أفوأجاً ثم أقبع ذلك على طريق التمثيل لإنزاله تلك الرحمة التي أحيت من موتة الضلال إنزال الأمطار التي أحيت موات الأراضي وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ولولأ هذا لكان قوله، والله أنزل من السماء ماء كالأجنبي، عما قبله وبعده، وقوله إن في ذلك لآية لقوم يسمعون تتميم لقولنا وما أنزلنا الخ وللمقصود! بالذات منه فالمناسب يسمعون لا يبصرون ولو كان مفهماً لما لاصقه ص الإنبات لم يكن ليسمعون بمعنى يقبلون مناسبة أيضا ومن لم يقف على محط نظرهم قال في جوالجه يمكن أن يحمل على يسمعون قول الله أنزل من السماء الخ فإنه مذكر وحامل على تأمّل مدلو له " مد بر. قوله: (دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم) أصل معنى العبر والعبور التجاوز من محل إلى آخر، وقال الراغب: العبور مختص بتجاوز الماء بسباحة ونحوها والمشهور عمومه فاطلاق العبرة على ما يعتبر به لما ذكر لكنه صار حقيقة في عرف اللغة فالعبرة بمعنى المعبر بكسر الميم، ولا حاجة إلى جعل الدلالة بمعنى الدليل. قوله: (استئناف لبيان العبرة) أي استثناف بياني كأنه قيل كيف العبرة فيها فقيل نسقيكم الخ ومنهم من قدر هنا مبتدأ وهو هي نسقيكم، ولا حاجة إليه. قوله: (وإنما ذكر الضمير الخ) يعني أنه ذكر ضميره تارة، وأنث أخرى لأنه اسم جمع لا جمع إذ بناء أفعال يكون في المفردات كبرمة أعشار وثوب أسمال، وما كان كذلك فهو اسم جمع، واسم الجمع كرهط، وقوم يجوز تذكيره وافراده باعتبار لفظه وتأنيثه، وجمعه باعتبار معناه فلذا ورد بالوجهين في القرآن وكلام العرب هذا ما أراده المصنف رحمه الله تعالى، وستسمع تحقيقه، وبيان الحق فيه عن كثب. قوله: (ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال الخ) اعلم أنّ كلام سيبويه في كتابه تناقض في هذا، وأنه قال في موانع الصرف في صيغة منتهى الجموع، وكونها من الموانع دون غيرها ما نصه، وأئا أفعال فقد يقع للواحد، ومن العرب من يقول هو الأنعام وقال عز وجل: {نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وقال أبو الخطاب: سمعت العرب تقول هذا ثوب أكياش وقال في باب الزوائد ليس في الكلام أفعال إلا أن يكسر عليه اسم اهـ وقد اضطرب الناس في توجيهه والتوفيق بين كلاميه فذهب أبو حيان رحمه الله تعالى إلى تاويل ما في باب الموانع، وابقاء الثاني على ظاهره وأنّ أفعالاً لا يكون من أبنية المفرد أصلاَ، وأمّا قوله، وأما أفعال فقد يقع للواحد فمراده أنه يستعمل مجازآ بمعنى النعم فيعامل معاملته بأفراد الضمير وتذكيره لا أنه مفرد صيغة ووضعاً بدليل ما صرّج به في المحل الآخر من أنه لا يكون إلا جمعا، واعترض عليه بأنّ مقصود سيبويه رحمه الله تعالى ما ذكر في باب ما لا ينصرف الفرق بين صيغة منتهى الجموع، وأفعال وفعول حيث منع الصرف للأوّل دون الثاني لوجوه منها أن الأوّلين لا يقعان على الواحد بخلاف الآخرين كما أوضحه بما لا شبهة فيه فلو لم يكن وقوع أفعال على الواحد بالوضع لم يحصل الفرق فلا يتم مقصود سيبويه نعم كلام في تدافع كلاميه، وأيضا لو كان كذلك لم يختص ببعضهم وأيضآ أن التجوّز بالجمع عن الواحد يصح في كل جمع حتى صيغة منتهى الجموع، والحق في دفعه أنه لا تعارض بين كلاميه فإنه فرق بين مفاعل، ومفاعيل وأفعال، وفعول بأنّ منتهى الجموع لا يجمع وغيره يجمع فأشبه الآحاد ثم قواه بأنّ قوما من العرب تجعله مفرداً حقيقة في لغتهم وأشار إلى أنها لغة نادرة وما ذكره في الباب الآخر بناء على اللغة المتداولة، وقوله فرق بينهما بوجوه لا وجه له كما يعرفه حملة الكتاب وبهذا عرفت ما في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وأما ما قيل إنّ كون بناء أفعال منه ما هو مفرد لا يلزم منه أن الأنعام كذلك فلا تنافي بين كلاميه فمن قلة التدبر، وفي الكشاف يجوز أن يفال في الأنعام وجهان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 أحدهما أن يكون تكسير نعم كأجبال في جبل، وأن يكون اسما مفرداً مقتضيا لمعنى الجمع كنعم فإذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله: في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه واذا أنث ففيه وجهان أنه تكسير نعم وأنه في معنى الجمع ولا يخفى ما فيه فإنه إذا وقع مفرد ألا يكون جمعاً بل اسم جمع والاستدلال عليه بنعم لا يتم لأنه من أوزان المفردات. قوله: (كأخلاق) جمع خلق ضد جديد، وهو فيما سمع من قولهم ثوب أخلاق وثوب أكياش بياء تحتية بعد الكاف وشين ومعجمة، وهو ثوب غزل مرّتين وفي الأزهري أنه ضرب من برود اليمن ونقل فيه ضبطه بباء موحدة بدل التحتية، وروي فيه أكراش أيضا فكلها بمعنى، وقد ورد أفعال صفة للمفرد في ألفاظ منقولة في المطوّلات. قوله: (ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض الخ (فإن قلت كيف يكون جمع نعم، والنعم تختص بالإبل والأنعام يقال للإبلى والبقر والغنم مع أنه لو اختص كان مساوياً له قلت من يراه جمعاً له يخص الأنعام أو يعمم النعم ويجعل التفرقة ناشئة من الاستعمال ويجعل الجمع للدلالة على تعدد الأنواع، وكون الضمير للبعض إمّا أنه يعود على البعض المقدّر أي بعض الأنعام أو على الأنعام باعتبار بعضها، وهو الإناث التي يكون اللبن منها أو على البعض المفهوم منها. قوله: (أو لواحده) كما في قول ابن الحاجب: المرفوعات هو ما اشتمل على علم الفاعلية، وقوله على المعنى لأنّ الألف، واللام لجنسية تسوي بين المفرد والجمع في المعنى فيجوز عود ضمير كل منهما على الآخر كما في تفسير النيسابوري أو الضمير له باعتبار ما ذكر. قوله: (نسقيكم بالفتح هنا وقي المؤمنين (والباقون بضمها فيهما واختلف فيه هل سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد أم بينهما فرق فقيل هما بمعنى، وقيل بينهما فرق فسقى للشفة وأسة ى للأر ض، والشجر وقيل سقاه بمعنى رواه بالماء، وأسقاه بمعنى جعله شربا معدا له وفيه تفصيل في اللغة. قوله: (فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد الخ) بين يقتضي متعددا، وهو هنا الفرث أي الروث ما دام في الكرس والدم فيكون مقتضى النظم توسط اللبن بينهما كما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فالبينية على حقيقتها، وظاهرها لكن ما ذهب إليه الحكماء يخالفه لأن الدم، واللبن عندهم لا يتولدان في الكرش لأنّ الحيوان إذا ذبح لم يوجد في كرشه دم، ولا لبن ولأنّ الدم لو كان في الكرش خرج بالقيء فلذا أوّل بأنّ المراد أنّ اللبن ينشأ من بين أجزاء الفرث، ثم من بين أجزاء الدم فإذا ورد الغذاء الكرس انطبخ فيه وتميزت منه أجزاء لطيفة تنجذب إلى الكبد فينطبخ فيها ويحصل الدم فتسري أجزاء منه إلى الضرع، ويستحيل لبنا فاللبن إنما يحصل بين أجزاء الفرث، ثم من بين أجزاء الدم فالنسبة، والبينية مجازية كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فقوله وهو الأشياء المأكولة، وفي نسخة بعض الأشياء الخ، وضمير هو للفرث، وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رواه الكلبيّ عن أبي صالح رضي الله تعالى عنهما، ولا ينافي هذا قوله فيما سيأتي، ويبقى ثفله وهو الفرث أمّا على النسخة الثانية فظاهر، أما على الأولى فكذلك لأنه لا يزول الاسم بزوال بعض الأجزاء فإن الرجل مثلاً يسمى رجلا، وان قطعت يده، والبينية على ما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مكانية حقيقية بحسب الظاهر، والمصنف رحمه الله تعالى أوّله بما ذكر فهي مجازية أيضاً، والداعي ما مرّ من كلام الحكماء وقوله لأنهما لا يتكوّنان تعليل لكون المراد ما ذكر، وصفاوة الطعام كصفوته ما صفا منه وخلص وقوله يمسكها أي يمسك الكبد الصفاوة وريثما يهضمها بمعنى مقدأر زمان هضمها، وهو منصوب على الظرفية كما مرّ وهذا هو الهضم الثاني الذي تحصل منه الأخلاط الأربعة ثم تذهب الصفراء إلى المرارة والسوداء إلى الطحال والماء إلى الكلية ومنها إلى المثانة، والمرّتين تثنية مرّة بكسر الميم، وتشديد الراء، والمراد بهما السوداء والصفراء تغليبا والأخلاط جمع خلط بالكسر، وهو معروف. قوله:) ثم يوزع الباقي) أي بعد الدخول في الأوردة، وهي العروق الثابتة في الكبد وهناك يحصل هضم ثالث كما فصل في مض لمه وزيادة أخلاط الأنثى لغلبة البرودة، والرطوبة على مزاجها، وقوله لأجل الجنين أي ليكون ثديه وتغذيته، والضروع جمع ضرع وهو الثدي، وانصبابه ليتغذى به الطفل بعد فصاله. قوله. لأومن الأولى تبعيضية (متعلقة بنسقيكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 أيضا، ولا يضره اتحاد متعلقهما لاختلاف معناهما على ما عرف في النحو، ويجوز كون الأولى ابتدائية أيضا فتكون الثانية، ومجرورها بدلاً منها بدل اشتمال. قوله: (لأن بين الفرث والدم المحل) إن لم تكن بين لازمة الظرفية كما سيجيء تحقيقه في العنكبوت يصح رفع المحل خبراً لأن ولا إشكال في نصبه، وقوله لتنكيره علة لتقديمه، وكذا ما بعده، وكونه موضع العبرة ظاهر، وهو مرجح الحالية على الوصفية. قوله: (صافياً) قيل الصحيح هو التفسير الثاني لابتناء هذا على أن محل اللبن بين الفرث والدم وهو وهم ورد بأنه يكفي لصحته كون أصل اللبن الأجزاء اللطيفة في الفرث ولا يضره بعد مكان تصوّره بصورة اللبن عن محل الفرث كما لا يخفى مع أنّ عد ما ذكر مع كونه ظاهر النظم، وتفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهما لا يليق وليس المصنف رحمه الله تعالى غافلا عنه بعدما فصله قبيل هذا، وكونه سهل المرور لدهنيته، وقد قيل إنّ أحداً لم يشرق بلبن قط، وهو مرويّ عن السلف. قوله: (متعلق بمحذوف الخ (في إعرابه وجوه أظهرها وهو هذا أنه متعلق بمحذوف تقديره نسقيكم، وهو من عطف جملة على أخرى وهو أولى من تقدير خلق أو جعل بهما ذكره أبو البقاء لدلالة نسقيكم المتقدم عليه وأما الاستغناء عن التقدير بعطفه على قوله مما في بطونه فيكون من عطف بعض متعلقات الفعل على بعض كقولك سقيته من اللبن ومن العسل فلم يذكر مع أنه أقرب لأن نسقيكم الملفوظ به وقع تفسير العبرة الأنعام فلا يليق تعلق هذا به لأنه لا تعلق له بتلك العبرة وكذا جعله متعلقا بما في الاسقاء من معنى الإطعام أي نطعمكم منها فينتظم المأكول منها، والمشروب المتخذ من عصيرهما، وأما إذعاء أنه ليس ببيان فخلاف الظاهر، ومخل بالانتظام، ومن عصيرهما بيان للمعنى المراد، وتقدير المضاف اللازم على هذا الوجه، والجائز على الوجه الثاني كما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى وكون التعليق ثمة على التوزيع ليس بسديد، ولما كان اللبن نعمة عظيمة لا دخل لفعل الخلق فيه إضافة لنفسه بقوله نسقيكم بخلاف اتخاذ السكر فلذا أضافه لهم، وقوله لبيان الاسقاء أي المقدر لا الملفوظ. قوله: (أو بتتخذون ومنه تكرير للظرف الخ (أخره لأنه مخالف للظاهر لتقدم المتعلق، ولتكرير الظرف للتأكيد كما تقول بئ يد مررت به، وسيأتي تفسيره في سورة النور، وفي مرجع ضميره أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من عوده على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤوّل بالثمر لأنه جمع معرف أريد به الجنس، وأما على الثالث فعلى ثمر المقدر، وحذف الموصوف بالجملة إذا كان بعضاً من مجرور من أو في المقدم عليه مطرد نحو منا ظعن وفينا أقام. قوله: (والسكر مصدر سمي به الخمر (فهو بمعنى السكر كالرشد، والرشد وقوله كالثمر، والزبيب دخوله في الرزق إذا لم يقدر المضاف ظاهر فإن قدر يحتاج إلى جعله معمولاً لعامل آخر مقدر، ويتم البيان عند قوله سكرأ، وهو بعيد والدبس بكسر الدال المهملة، وسكون الباء الموحدة، والسين المهملة عسل التمر، وهو عربي فصيح. قوله: (والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر الخ) قيل كيف لا تكون سابقة، وهذه السورة مكية إلا ثلاث آيات من آخرها إلا أن يكون فيه اختلاف، وهذا على قول آخر مع أنه سقط من بعض النسخ ما ذكر أو هذا جار على مجرد الاحتمال، وأفا الدلالة على كراهتها فقيل من كونها وقعت في مقابلة الحسن المقتضي لقبحها، وقيل عليه إنهما ليسا طرفي نقيض فيجورّ ثبوت الواسطة بالإباحة وفي أنّ السياق للامتنان بالنعم، ولا مقتضى للعدول، وفيه نظر والطعم بالضمّ، ثم السكون المطعوم المتفكه به كالنقل، ووجه الاستشهاد في البيت ظاهر، وعلى الوجه الآخر هو بمعنى المأكول مطلقاً، وقوله من السكر بفتح فسكون، ويجوز كسره أيضاً قال ابن السيد في مثلثاته السكر بالفتح سد النهر، والباب ونحوه ومنه سكرت أبصارنا وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال السري: غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير وقيل إنّ البيت المذكور كون السكر فيه بمعنى الخمر أشبه منه بالطعام، والمعنى أنه لشغفه بالغيبة وتمزيق الأعراض جرى ذلك عنده مجرى الخمر المسكرة، وفيه أن المعروف في الغيبة جعلها نقلأ، ولذا قيل الغيبة فاكهة القرّاء. قوله: (وإلا فجامعة بين العتاب والمنة الخ (فقوله سكراً عتاب، ورزقاً حسناً امتنان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 ولذا وصف بالحسن دون السكر كأنه وبخهم بالجمع بين السكر والرزق الحسن وقوله، وقيل السكر النبيذ عطف على قوله السكر مصدر سمي به الخمر ففيه ثلاثة أقوال وعلى القول الأوّل هي منسوخة والمراد المطبوخ من ماء العنب والزبيب، والتمر الذي يحل منه ما دون المسكر وهو المثلث، وقوله يستعملون عقولهم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم. قوله:) ألهمها وقذف في قلوبها الخ (فسره غيره بسخرها لهذا الفعل والمراد بالإلهام هدايتها لما ذكر والا فالإلهام حقيقة إنما يكون للعقلاء والنحل منه ما يكون في الجبال والعياض واليه الإشارة بقوله: (اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر) وما يكون مع الناس يتعهدونه، وهو المراد بقوله ومما يعرشون) وقرىء إلى النحل بفتحتين) هذه قراءة ابن وثاب رحمه الله تعالى، وهو يحتمل أن يكون لغة وأن يكون اتباعا لحركة النون كما قاله المعرب. قوله: (بأن اتخذي الخ) فإن مصدرية بتقدير الجار، وهو باء الملابسة أو هي مفسرة للإيحاء إليها لأنّ فيه معنى القول دون حروفه، ولا ينافيه كونه بمعنى الإلهام لأنّ معنى القول فيه باعتبار معناه المشهور على أن من ألهم شيئاً يتكلم به ومثله كاف لاعتبار معنى القول فالاعتراض غير وارد. قوله:) وتأنيث الضمير (أي ضمير اتخذي وكلي، وقوله على المعنى يعني به أنه اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء، ومثله يجوز تذكيره باعتبار لفظه وتأنيثه باعتبار معناه، وهو أنه طائفة منه وجماعة وتأنيث لغة أهل الحجاز، وعليها ورد التنزيل هنا كما في قوله نخل خاوية، وورد تذكيره في قوله أعجاز نحل منقعر لكن قوله فإنّ النحل مذكر يقتضي أنّ الأصل فيه التذكير، وتأنيثه بالتأويل وهو مذهب الزمخشري، وغيره من النحاة يخالفه كما نقلناه فمن ادّعى موافقة كلامه لهم فقد تعسف. قوله: (ذكر بحرف التبعيض) وهو من وفيه من البديع مع قوله من كل الثمرات صنعة الطباق وقوله كل ما يعرس من كرم أي يتخذ كالعرس من الكروم بهذا فسره السلف، وقوله أو سقف هو تفسير الطبري، وقوله ولا في كل مكان منها إشارة إلى أنّ التبعيض شامل للتبعيض بحسب الأفراد وبحسب الأجزاء، ومن تستعمل لكل منهما ولا مانع من شموله لهما، وفيه كلام أفرد. بعض الفضلاء بالتاليف فإن أردت تفصيله فانظره ولا حاجة إلى جعله كلاماً مستأنفا لبيان الواقع لا من مدلول من فتأمل. قوله: (وقوله لتعسل فيه) تفعيل من العسل أي تضع العسل فيه وفوله مشبها ببناء الإنسان يعني أنه استعارة لأن البيت مأوى الإنسان، ومأوى غيره عش، ووكر وحجر ونحوه، وقوله وصحة القسمة لأنه مسدس متساوي الأضلاع، ولو كان غير مسدس بقي بينها فرج ضائعة ومثله يوضع بآلات كالبيركار وذكر البيوت واستعارتها لمأواها للتنبيه على ما ذكر، وجمع فعل على فعول بالضم فكسره لمناسبة الياء، وقوله بضم الراء هذا هو الموجوب في الن! تت الصحيحة، ووقع في نسخة بكسر الراء، وهو من تحريف النساخ. قوله: (من كل ثمرة الخ) إشارة إلى أنّ استغراق الجمع، والمفرد بمعنى، وليس الثاني أشمل على ما عرف في محله، والثمر حمل الشجرة، ويطلق على الشجرة نفسها قيل، وهو المناسب هنا إذ التخصيص بحمل الشجرة خلاف الواقع لعموم أكلها للأوراق والأزهار والثمار، ولا يخفى أنّ إطلاق الثمرة على الشجرة مجاز غير معروف، وكونها تأكل من غيرها غير معلوم، وغير مناف للاقتصار على أكل ما ينبت فيها، وقوله تشهيتها بكسر التاء لخطاب المؤنث إشارة إلى أنّ العموم عرفي، وقيل كل هنا للتكثير، وقيل إنه إشارة إلى أنه عام مخصوص بالعادة ولو أبقى على ظاهره أيضا جاز لأنه لا يلزم من الأمر بالأكل من جميع الثمرات اكل منها لأنّ الأمر للتخلية والإباحة. قوله:) فاسلكي ما أكلت الخ) سلك يكون متعداً بمعنى دخل كسلكت الخيط في الإبرة سلكا ولازما بمعنى دخل كسلك في الطريق سلوكا فإن كان متعديا فمفعوله محذوف، وهو ما أكلت، ولذا قدره المصنف رحمه الله تعالى والسبل جمع سبيل وهي الطريق، وهي تحتمل أن يكون طريقا مجازية، وهي طريق عمل العسل أو طريق إحالة الغذاء، وهي الأجواف أو حقيقية، وهي طريق المجيء والذهاب وعلى الأخير كلي بمعنى اقصدي ا! ل فالوجوه أربعة أو ثمانية فأشار بقوله في مسالكه إلى أن نصب سبل على الظرفية، وبقوله التي يحيل أي يغير من الإحالة إلى أنّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 السبل مجاز بمعني البطون، وأشار بقوله بقدرته إلى معنى إضافة السبل إلى الرب، وأشار بقوله أو فاسلكي الطرق الخ إلى وجه لزومه، والسبل مجاز عن طرق العمل وأنواعها، وقوله أو فاسلكي راجع إلى كون السبل على حقيقتها مع اللزوم فاختار من الوجوه ثلاثة وترك باقيها، وقوله من أجوافك بيان للمسالك والنور بفتح النون الزهر، وقيل على الوجه الذي اختاره إنّ النحل لا دخل لها في السلك في تلك المسالك المحيلة حتى تؤمر به فالأمر تكوبنيّ، وليس بشيء لأنّ الإدخال باختيارها فلا يضرّه كون الإحالة المترتبة عليه ليست اختيارية وهو ظاهر فليس كما زعم. قوله: (لا تتوعر عليك ولا تلتبس) بالرفع حال من سبل ربك فإن كان تفسيراً لقوله ذللاً مقدما عليه فلا ضير فيه إذ كثيراً ما يقدم التفسير على طريق التوطئة والتمهيد فلا يقال في مثله الأولى تأخيره أو يقال إنه بيان لمعنى إضافتها إليه فإنه مع كونه تنبيهاً سابقاً يصير قوله ذللا تأكيداً والأصل التأسيس، وقوله أي مذللة تفنن في التعبير إذ أفرد وأنث هنا لأنّ الجمع يوصف بالمفرد المؤنث كما يقال جبال راسية، وجمع في قوله وأنث ذلل إشارة إلى أنّ ذا الحال، وان كان ضمير المؤنثة المخاطبة لكته عبارة عن النحل المؤنث معنى كما مرّ فهو مطابق له فما قيل إنه اكتفى بحرف التأنيث مع كون ذللا جمعا لكون دمها، وهو السبل جامداً بخلاف النحل، وهم على وهم. قوله: (عدل به) أي بهذا القول، والباء للتعدية أو الملابسة عن خطاب النحل في اتخذي، وما بعده إلى خطاب الناس في قوله يخرج الخ ففيه التفات إذ لم يقل من بطونك، والمراد بخطاب الناس الكلام معهم بما ألقى إليهم فلا يرد أنه لا خطاب لهم هنا حتى يقال إنه باعتبار أنّ المعنى يخرج لكم أيها الناس شراب الخ، ولو قيل الخطاب في قوله إنّ في ذلك لم يبعد، وقوله لأنه محل الأنعام عليهم أي لأنّ هذا المحل بسياقه، وسباقه بيان لنعم الله على الناس، وأنهم المقصودون من خلق النحل والهامه، والمقصود معطوف على الأنعام، ولا يخلو عن ركاكة، والهامه مفعوله محذوف أي ما ذكر من الاتخاذ ونحوه وقوله لأنه مما يشرب أي مع الماء وغيره. قوله: (واحتج به) أي بهذا الكلام على هذا القول فإنهم اختلفوا فيه على أقوال المشهووة منها هذان القولان فقيل إنها تأكل ما ذكر فإذا استحال في جوفها فاءته وادخرته للشتاء، وهو المشهور وعن عليّ كزم الله تعالى وجهه في تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرف شرابه رجيع نحل ومن ذهب إلى القول الآخر قال إنه على طريق التمثيل والنظم ظاهر في هذا، ولذا قيل: تقول هذا مجاج النحل تمدحه وان ترد ذمّه قيء الزنابير قوله: (ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها الخ) وهذا مذهب أكثر الأطباء ورجحه الإمام، والمصنف رحمه الله تعالى رجح الأوّل لكونه ظاهر النظم والآثار معه ولأنه يحتاج إلى تأويل البطون بالأفواه لأنها تطلق على كل مجوّف كما يقال بطون الدماغ، وفي الكشف ليت شعري ما يصنع هؤلاء بقوله تعالى ثم كلي من كل الثمرات، ولا يخفى أنّ تفسير الأكل بالالتقاط وان دفع الفساد لا يدفع الاستبعاد، والتقاطها عند هؤلاء بعد الأكل والاغتذاء والطلية بتشديد اللام نسبة للطل والمراد به أجزاء صغيرة رشية من الندى وقوله كان العسل أي بنوع تغير لا إلى حدّ الاستحالة كما في القول الأوّل. قوله: (بحسب اختلاف سن النحل) فالأبيض لفتيها والأصفر لكهلها والأحمر لمسنها ولا يخفى أنه مما لا دليل عليه، وقيل اختلافه باختلاف ما يؤكل من النور. قوله: (إمّا بنفسه) جواب عما توهم من أنه كيف يكون شفاء للناس مع ضرره بالمحرورين وتهييجه المرّة ونحوها يعني أنه شفاء بنفسه وله دخل في أكثر ما به الشفاء من المعاجين والتراكيب فالتنوين للتعظيم فيحمل على بعض الأمراض أو هو للتبعيض فلا يقتضي إنّ كل شفاء به، ولا إن كل أحد يستشفي به فلا يرد عليه منع الكلية، وقوله إلا والعسل جزء منه أي فيكون له دخل في الشفاء وقال أبو حيان رضي الله تعالى عنه وأمّا السكر فمع اختصاصه ببعض البلاد محدث مصنوع للبشر، وفي شرح الشمائل أنه عليه الصلاة والسلام لم يأكل السكر (1) وقد قيل على هذا إن جعله جزءا منه لا يقتضي انّ له دخلاً في الشقاء بل عدم ضرره إذ قيل إنّ إدخاله في التراكيب لحفظها، ولذا ناب عنه السكر في ذلك. قوله: (وعن قتادة رضي الله تعالى عنه الخ (هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 الحديث رواه البخارفي ومسلم والترمذيّ عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مع تفسير فيه، وليس في آخره كأنما نشط من عقال، وسيأتي بيانه وما فعله النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من معجزاته الدالة على علمه بدقائق الطب من غير تعليم. قال: (في طبقات الآطباء المسمى بالآنباء (مرض ثمامة العبسيّ من خواص المأمون بالإسهال فكان يقوم في اليوم، والليلة مائة مزة، وعجز الأطباء عن علاجه فعالجه يزيد بن يوحنا طبيب المامون، وأعطاه مسهلا فلما تناوله اتفق الأطباء على أنه لا يبقى لغد فقام إلى الزوال خمسين مرّة، ومن الزوال إلى الغروب عثرين مرّة، ثم إلى طلوع الشمس ثلاث مرات، وانقطع إسهاله ونام، وكان لا ينام قبله، ثم أصلح له طعاما فتناوله، وأفاق فسأله المأمون فقال هذا رجل في جوفه كيموس فاسد فلا يدخله غذاء، ولا دواء إلا أفسده ذلك الكيموس فعلمت أنه لا علاج له إلا قلع ذلك الكيموس بالإسهال، وان كان مخاطرة لأنه أيس منه قال: وهذه الحكاية كما روي عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول الله إن أخي غلب عليه الجوف وداويناه فلم ينقطع عنه بشيء فقال صلى الله عليه وسلم: " أطعمه عسل النحل فأطعمه للاه فزاد إسهاله لآنه مسهل فراجع النبتي صلى الله عليه وسلم فقال: أطعمه العسل فأطعمه فزاد إسهاله فشكى إليه عليه الصلاة والسلام فقال اطعمه العسل فأطعمه في اليوم الثالث فتقاصر إسهاله حتى انقطع بالكلية فأخبر النبني صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صدق الله وكذب بطن أخيك! وإنما قال ذلك لأته علم أنّ في معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مرّ به شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال فلما تناول العسل جلا تلك الرطوبات، وأحدرها فكثر الإسهال أوّلاً بخروجها، وتوالى ذلك حتى نفدت الرطوبة بأسرها فانقطع إسهاله وبرئ فقوله صدق الله يعني بالعلم الذي عرف نبيه صلى الله عليه وسلم به، وقوله كذب بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال، وكثرته بطريق العرض! ، وليس هو إسهالاً ومرضا حقيقيا فكأنّ بطنه كاذبة في ذلك انتهى ففسر صدق الله في الحديث بما علمه في ذلك وفسره غيره بجعل العسل شفاء ودواء في الآية، وجعل كذب بطنه استعارة مبنية على تشبيهها بالكاذب في كون ما ظهر من إسهالها ليس بأمر حقيقي وإنما هو لما عرض لها، ولذا سمي مثله الأطباء زحيراً كاذبا، وفرقوا بينه، وبين الزحير الصادق بما هو معروف في علم الطب وهو وجه حسن، وغير. ذهب إلى أن قوله كذب بطن أخيك من المشاكلة الضدية كقوله: من طالت لحيته تكوسج عقله، وهي مما حققه المدقق في الكشف وغيره فمن قال إنها ليست بمعروفة وإنه إنما عبر به لأن بطنه كأنه كذب قول الله بلسان حاله لم يصب، وقوله يشتكي بطنه يصح رفعه ونصبه، وقوله فبرأ من البرء، وفي نسخة برئ كفرح، وهي لغة أيضا. قوله: (فكأنما أنشط من عقال) بالبناء للمجهول شبهه بالبعير الذي حل عقاله فأسرع الحركة، والقيام قال في النهاية أنشط حل يقال نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها، وكثيراً ما يجيء كأنما نشط من عقال بغير همزة، وليس بصحيح لما ذكرنا. قوله:) وقيل الضمير للقرآن الخ) مرضه لبعده ولدلالة الحديث، والتفسير المأثور على خلافه وقوله باًجال مختلفة منها ما هو في سن الطفولية ومنها ما هو فيما بعده، وهذا بيان للواقع، وللمراد من النظم بقرينة قوله ومنكم من يرذ إلى أرذل العمر فإنه صريح فيه، ولذا قيل إن قوله ومنكم الخ معطوف على مقدر أي فمنكم من تعجل وفاته ومنكم الخ ويمكن حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه والخطاب إن كان للموجودين وقت النزول فالتعبير بالماضي، والمستقبل فيه ظاهر، وان كان عاما فالمضي بالنسبة إلى وقت وجودهم والاستقبال بالنسبة للخلق. قوله: (يعني الهرم الذي يشابه الطفولية الخ) وصفه بكونه مشابها لحال صغره، وبدء أمره ليتضح معنى قوله يرد فإنه لم يكن قبل ذلك حتى يتصور الرد أما إذا لوحظ نقص القوي تصوّر ذلك لأنه يرذ. لما يشبه حاله الأولى كأنه ردّ إليها، وهذا كقوله: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [سورة يس، الآية: 68] ففيه مجاز، وعلى هذا أرذل العمر الهرم مطلقا، وعلى ما يعده مقيد بذلك السن، وهو مرويّ عن السلف وإنما مرضه لأنه يختلف باختلاف الأمزجة فرب معمر لم يهرم، ورب هرم لم يبلغ ذلك السن فهو مبنيّ على الأغلب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 وقوله خمس وسبعون في بعض النسخ خمس وتسعون. قوله: (ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم) أشار بقوله ليصير إلى أنّ اللام هنا للصيرورة والعاقبة، وهي في الأص! للتعليل، وكي مصدرية ناصبة للفعل، والمصدر المسبوك منهما مجرور باللام على المذهب الصحيح عند النحاة والجار والمجرور متعلق بيرذ، وقوله في النسيان وسوء الفهم إشارة إلى أنّ كونه غير عالم بعد علمه كناية عن النسيان لأنّ الناسي يعلم الشيء ثم ينساه فلا يعلم بعد ما علم، وهذه صفة الأطفال أو العلم بمعنى الإدراك والتعقل، والمعنى لا يترقى في إدراك عقله وفهمه لأنّ الشالت في الترقي، والشيخ في التوقف، والنقصان، وفي الكشاف ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه، وقيل لئلا يعقل بعد عقله الأوّل شيئاً، وقيل لئلا يعلم زيادة علم على علمه الأوّل، وتحقيقه ينظر في شروحه وشيئا منصوب على المصدرية أو المفعولية، وجوّز فيه التنازع بين يعلم وعلم، وكون مفعول علم محذوفا لقصد العموم أي لا يعلم شيئا ما بعد علم أشياء كثيرة. قوله: (بمقادير أعمارهم الخ) في نسخة أعماركم، وهي ظاهرة وأما هذه فلكونه تفسيراً لا تقديرا له في كلام الله حتى يجري على مقتضاه مع أنه حينئذ يكون التفاتا، وليس لمراعاة لفظ من كما توهم لأنّ الضمير ليس له بل هو عام للمخلوقين ومنهم من فسره بأنه مستمر على العلم الكامل لا يتغير علمه بمرور الأزمان فالاستمرار تقيده اسمية الجملة، والكمال من صيغة المبالغة، وقال إنه أنسب وأحسن، وكذا الكلام في قدير، ومقتضى السياق ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى كما يعرفه من يدري أساليب القرآن، ووصف الشاب بالنشط كحذر لأنه شأنه، والهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم الشيخ المسن كالهمة ويقال فإن لفناء قواه. قوله: (وفيه تنبيه على أنّ تفاوت آجال الناس الخ) الحصر مأخوذ من السياق فيعلم منه أنه لا تأثير لغير القدرة في ذلك ولأنه لو كان ذلك بمقتضى ألطبيعة النوعية لم يتفاوت الإفراد فيه فتأمّل. قوله: (ومنكم موال) أي سادات لأنّ المولى يطلق على السيد والعبد، وقوله يتولون الخ إشارة لوجه إطلاقه على السيد، وهو إشارة إلى أنّ تفاوتهم فيه في الكم والكيف، وقوله حالهم على خلاف ذلك أي يتولى رزقهم غيرهم، وقوله بمعطي رزقهم أي بمعطين فحذفت نونه للإضافة أي لا يعطون رزقهم للمماليك بل ما ناله المماليك رزق أنفسهم لكنه أجراه على أيديهم من غير نقص لما قدر لهم كما بينه بقوله فإن ما يدرّون الخ وفاعل يدرّون ضمير الذين والضمير المضاف إليه في أيديهم للموالي، وضمير عليهم ورزقهم للمماليك ويدرّون بالدال المهملة، والراء المشددة من إدرار الرزق، وهو إيصاله على التوالي. قوله: (فالموالي والمماليك الخ) يعني أن ضميرهم راجع لجملة ما قبله من الذين فضلوا وما ملكت أيمانهم، والمعنى أنهم مستوون في تقدير الرزق، وان كان بعضهم واسطة لبعض، والمراد باستوائهم استواؤهم في أنّ كلا مرزوق يناله ما قدّر له من غير زيادة، ولا نقص فاندفع ما يتوهم من أن الاستواء ينافي تفضيل الموالي المتقدم، وقوله في أنّ الله رزقهم أي الكل، وقوله لازمة للجملة المنفية فالفاء تفريعية، وعلى الوجه الآخر إن أريد بالتقرير التقرير ببيان وجهها فالفاء تعليلية، وإن أريد أنها مؤكدة لها لكون مدلوليها لشيء واحد فالفاء هي الأولى بعينها أعيدت للتأكيد، ولتغاير هذين الوجهين فيما ذكر أتى بأو فليس عطفه بالواو أولى كما توهم. قوله:) ويجورّ أن تكون واقعة موقع الجواب الخ) يعني أنها واقعة موقع فعل منصوب في جواب النفي تقديره فما الذين فضلوا براذي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا، وهو في تأويل شرط وجزاء، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله فيستووا حيث أتى به فعلاً منصوبا، وقال واقعة موقع الجواب لأنها ليست فعلية، ولهذا أوّلها بالفعل، وقد جوّز فيه أيضا أن يكون في تأويل فعل مرفوع معطوف على قوله برادّي أي لا يردون فلا يستوون نحو ما تأتينا فتحدثنا، وضمير يستووا للكل، وعلى أنه متعلق بتكون وضمير لا يرضون للمشركين، وعلى هذا فالتساوي منفيّ، وعلى الأوّل مثبت لهم. قوله: (فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته) في الكشاف أن المعنى أنه جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم، واخوانكم فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس، والمطعم كما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 يحكى عن أبي ذرّ رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت أفبنعمة الله يجحدون فجعل ذلك من جملة جحود النعمة، وقيل هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسوّون بينكم، وبين عبيدكم فيما أنعصت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء، وقيل المعنى أنّ الموالي، والمماليك أنا رازقهم جميعاً فهم في رزقي سواء فلا يحسبن الموالي أنهم يردّون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم قال الشارح رحمه الله تعالى وتبعه غيره فسر الآية بوجوه أحدها بين فيها حسن الملكة وثانيها أن يكون تمثيلاً والممثل به ما تعورف بين الناس من أحوال السادات مع المماليك فذكر لتوبيخ المشركين، وثالثها أنها بيان للجميع لأن جميع النعم المعدودة من أوّل السورة إلى هنا واصل منه تعالى للعبد سواء الحرّ وغيره لئلا يمن أحد على أحد، ووجه كونه تمثيلا بأنّ القرينة عليه كون الآية تخلصاً إلى بيان قبائح الكفار وكفرانهم النعم في قوله، ويعبدون من دون الله الخ وقوله أفبنعمة الله يجحدون تنبيه على القرينة، وفيه بحث فإن معناه الحقيقي مراد منه بلا شبهة فلا يصح أن يكون تمثيلا بالمعنى المتعارف فالظاهر أنه كناية عما ذكر إلا أن يريد بالتمثيل كونه مثالاً، ونظيراً له والقرينة المذكورة لإرادة التمثيل بالمعنى المذكور ما ذكر وهذا كما قاله في سورة الروم: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} [سورة الروم، الآية: 28] وقيل الفرق بين الأقاويل أن نعمته تعالى في القول الأوّل والثالث هي الرزق وفي القول الثاني نعمة الله مطلقا هذا والجحود في القول مجارّ عن الكفران لأنّ جحود النعمة ملزوم له واطلاق الملزوم على اللازم مجاز وفي الثالث استعارة شبه منع الرزق من المماليك بالجحود وفيه تأمل والى الوجه الثاني أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله ردّ وإنكار الخ، وكذا قوله يتخذون له شركاء وقوله فإنه يقتضي بيان لإطلاق الجحد على الشرك، وقوله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بيان لأنّ المراد من نعمة الله ما أنعم به من إقامة الحجج، وإيضاح السبل وارسال الرسل ولا نعمة أجل منها، وهو معطوف على قوله حيث يتخذون ولما كان الجحود يتعدى بنفسه فعدى بالباء كما في قوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4 ا] أشار إلى أنّ تعديه بالباء لتضمنه معنى الكفر أو لما فيه من معناه، وقريب منه ما قيل إنه من حمل النظير على النظير فالتضمن اصطلاحيئ أو لغوي. قوله: (وقرأ أبو بكر تجعدون بالتاء) أبو بكر رحمه الله تعالى أحد القراء السبعة والباقون قرؤوا بالياء التحتية لسبق الخطاب في قوله بعضكم، والغيبة في قوله فما الذين الخ فروعيا فيهما. قوله:) أي من جنسكم الخ الما كانت النفس لها معان كالذات، وهو أشهرها، ولا يستقيم هنا كغيره فسرها بالجنس وهو مجازاً ما في المفرد أو الجمع لأنّ الذوات مجموعها جنس واحد فتدبر، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تحريم نكاح الجن. قوله: (وقيل هو خلق حوّاء من آدم) قيل عليه لا يلائمه جمع الأنفس، والأزواج وحمله على التعظيم تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما البعض أي بعض الأنفس وبعض الأزواج وكأنه وجه تمريضه، والذاهب إليه رأى أن حوّاء خلقت من نفس آدم عليه الصلاة والسلام كما مرّ فهو أنسب بالنظم مما قبله. قوله: (وحفدة) الحفدة جمع حافد ككاتب وكتبة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو من قولهم حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفدانا إذا أسرع في الخدمة والطاعة وفي الحديث: " إليك نسعى ونحفد " وقد ورد لازما ومتعدياً وقيل أحفد أيضا، وقيل أصل معناه سرعة القطع وقيل مقاربة الخطو وفي معناه اختلاف فقيل هو ولد الولد وكونهم من الأزواج حينئذ يكون بالواسطة وإذا كان بمعنى البنات فلا واسطة، وقوله فإن الحافد الخ بيان لوجه تخصيص الحافد ومعناه الخادم من الأقارب أو مطلقا بهن واختيار التعبير به لتعارفهن بالخدمة التامة لشفقمتهن على الآباء، والأمهات والأختان الأصهار، وقوله على البنات وقيده به ليخرج أزواج القرائب ممن يطلق الصهر عليه، ولما كان القيد إذا تقدم تعلق بالمتعاطفين، والأصهار ليسوا من الأزوأج جعلوا حفدة على هذا منصموبا بمقدر أي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 وجعل لكم حفدة ولذا مرضه لأنه لا قرينة على تقدير ما هو خلاف الظاهر، وكذا تفسيره بالربائب جمع ربيبة وهي ابنة امرأة الرجل من غيره لأنّ السياق للامتنان ولا يمتن بها، وان قيل إنه باعتبار الخدمة. قوله: (وبجوز أن يراد بها البنون الخ) ، ولما كان الظاهر ترك العطف حيسئذ لاتحادهما بين أنه للتنبيه على تغاير الوصفين المنزل منزلة تغاير الذات وهما البنوّة والحفدة فهو كقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [سورة الأنفال، الآية: 49] وقوله: إلى الملك القرم وابن الهمام ومثله كثير فصحيح فيكون امتنانا باعطاء الجامع لهذين الوصفين الجليلين فكأنه قيل وجعل لكم منهن أولادا هم بنون، وهم حافدون أي جامعون بين هذين الأمرين. قوله: (من اللذائذ أو الحلالات) إشارة إلى أنّ الطيب إمّا بمعناه اللغوي وهو ما يستلذ أو ما هو متعارف في لسان الشرع وهو الحلال ولو قال الحلال بدل الحلالات كان أحسن لركاكته، ولا يرد على الثاني أنّ المخاطب بهذا الكفار، وهم لا شرع لهم فلا يناسب تفسيرها بها كما توهم لأنهم مأمورون ومكلفون بها كما بين في الأصول، وأيضاً فهم مرزوقون بكثير من الحلال الذي أكلوا بعضه وحرموا بعضه، ولا يلزم اعتقادهم للحل ونحوه. قوله: (ومن للتبعيض الخ (المرزوق بمعنى ما رزقه الإنسان ووصل إليه، وهو بعض من كل الطيبات في الدنيا أو في الآخرة لأنّ هذا كالأنموذج لها إذ " فيها ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت " وأنموذج كنموذج بالفتح المثال معرّف نموذه، وقد مرّ تحقيقه، وضمير منها إمّا للطيبات مطلقا أو للتي في الدنيا لأنّ منها كثيراً لم يصل إليهم أو التي في الآخرة بقرينة قوله أنموذج وقوله الدنيا وهو المصرح به في الكشاف ففي عبارته الغاز. قوله: (وهو أنّ الآصنام تنفعهم الخ) يعني المراد بالباطل نفع الأصنام بشفاعتها، ونحوه وتحريم ما ذكر وفسر كفران النعم بإضافتها إلى غيره تعالى أو تحريم ما أحل منها لأنه إنكار وجحود لها في الحقيقة لأنهم إذا أضافوها لغيره فقد أنكروا كونه منعمأ بها وإذا حرموها فقد أنكروها، ثم إنه وقع في هذه الآية كما ترى وفي العنكبوت: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [سورة العنكبوت، الآية: 67] بدون ضمير لأنه لما سبق في هذه السورة قوله أفبنعمة الله يجحدون أي يكفرون كما مرّ فلو ذكرت بدونه هنا لكانت تكراراً بحسب الظاهر فأتى بالضمير الدال على المبالغة، والتأكيد ليكون ترقياً في الذم بعيداً عن اللغوية، وقيل إنه أجرى على عادة العباد إذا أخبروا عن أحد بمنكر يجدون موجدة فيخبرون عن حاله الأخرى بكلام آكد من الأوّل، ولا يخفى أنه فرق بلا فارق، وقيل آيات العنكبوت أنكرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب، وتخصيص هذه بالزيادة دون أفبالباطل لئلا تزيد الفاصلة الأولى على الثانية، ولا يخفى أنه لا مقتضى للزوم الغيبة، ولا لبس لو ترك الضمير فتأمّله، وقوله أو حرموا الخ أي كما حللوا ما حرّم الله كالميتة. قوله: (وتقديم الصلة على الفعل الخ) أي في الفاصلتين لا في هذه فقط ولا فيهما، والأولى تعلم بالقياس، وإن صح لقوله في العنكبوت، وتقديم الصلتين الخ ثم إنه ذكر للتقديم نكتتين الاهتمام لأنّ الأهئم المقدم، والأهمية لأن المقصود بالإنكار الذي سيق له الكلام تعلق كفرانهم بنعمة الله، واعتقادهم للباطل لا مطلق الإيمان والكفران، وايهام التخصيص، وأقحم الإيهام قيل لأنّ المقام ليس بمقام تخصيص حقيقة إذ لا اختصاص لإيمانهم بالباطل، ولا لكفرانهم بنعم الله لكنه مخالف لقوله في العنكبوت وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة وهو المصرج به في الكشاف هنا لأنهم إذا آمنوا بالباطل كان إيمانهم بغيره بمنزلة العدم، ولأنّ النعم كلها من الله بالذات أو بالواسطة فكفرانهم ليس إلا لنعمه كما قيل: لا يشكر الله من لا يشكر الناسا ولا منافاة بينهما لأنه إذا نظر للواقع لا حصر فيه، وان لوحظ ما ذكر يكون حصراً ادعائيا وهو معنى الإيهام للمبالغة فلا تخالف بين الكلامين كما ظن، ولا حاجة إلى أن يقال يجوز قصد التخصيص بالنسبة إلى بعض ما عداهما على منوال القصر الإضافي، وهو الذي أراده الزمخشري. قوله: (من مطر ونبات الخ) بيان لرزقا على اللف، والنشر، وقيل إنه بيان لشيئا بإعرابيه. قوله: (ورزقاً إن جعلته مصدرا الخ) قال المعرب في نصب شيئاً وجوه أحدها أنه على المصدرية ليملك أي شيئاً من الملك، والثاني أنه منصوب برزقا، وهو منقول عن الفارسي رحمه الله فإن كان الرزق يكون مصدراً كالعلم كما صرح به بعض النحاة، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فلا غبار عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وان استعمل بمعنى المرزوق كرعي بمعنى مرعى وكان اسم مصدر ففي علمه عمل المصدر خلاف فقد منعه البصريون، وأجازه غيرهم فالنصب على مذهب أهل الكوفة والثالث أنه بدل من رزقا أي لا يملك لهم شيئا وأورد عليه أنه غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق من الأشياء، والبدل يأتي لأحد شيئين البيان أو التأكيد وليسا بموجودين هنا، وفي الكشاف ما يدفعه، وهو أن تنوين شيئا للتقليل، والتحقير فإن كان تنوين رزقا كذلك فهو مؤكد، والا فمبين وحينئذ فيصح فيه أن يكون بدل بعض أو كل ولا إشكال، وقوله دهالا أي وإن لم يكن مصدراً بل اسماً بمعنى المرزوق، وقوله تعالى: {مِّنَ السَّمَاوَاتِ} جؤزوا فيه تعلقه بيملك ورزقا على المصدرية، وأن يكون صفة لرزقا. قوله:) ولا يستطيعون أن يتملكوه الخ (جؤزوا في جملة لا يستطيعون وجهين العطف على صلة ما والاستئناف، واستطاع متعذ فمفعوله محذوف أشار المصنف رحمه الله تعالى إليه بقوله أن يتملكوه أو هو اشارة إلى أن مفعوله ضمير محذوف راجع لملك الرزق وعلى هذا لا يكون نفي الاستطاعة بعد نفي ملك الرزق لغوا غير محتاج إليه فإن عاد الضمير المحذوف إلى الرزق نفسه كما في الكشاف يكون نفي الاستطاعة تأكيدا لنفي الملك أو يراد أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى لهم ذلك ولا يستقيم فهو تأسيس وهو الأولى لئلا يرد عليه ما قيل إن التأكيد يمنع من دخول العاطف لما بين المؤكد، والمؤكد من كمال الاتصال كما قزر في المعاني، وان كان مدفوعاً بأنه غير مسلم عند النحاة، وليس مطلقا عند أهل المعاني ألا ترى قوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [سورة النبأ، الآيتان: 4- 5] وقوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 149 وأمّا ما قيل إنه في غير التأكيد المصطلح فهو ممنوع وأنه يجوز أن يحمل الأوّل على الحال، والثاني على الاستقبال فليس بشيء للتصريح بخلافه فهو منع للنقل ونقل لمحل النزاع فتدبر. قوله:) أو لا استطاعة لهم أصلاَ) دفع لتوهم التكرار بوجه آخر، وهو أنه منزل منزلة اللازم لا تقدير فيه، والمعنى نفي الاستطاعة عنهم مطلقاً على حذ يعطي ويمنع فالمعنى أنهم أموات لا قدرة لهم أصلا فيكون تذييلاً للكلام السابق. قوله: (وجمع الضمير فيه وتوحيده في لا يملك (، والعود على المعنى بعد الحمل على اللفظ فصيح وارد في أفصح الكلام وان أنكره بعضهم لما يلزمه من الإجمال بعد البيان المخالف للبلاغة، وهو مردود كما فصل في غير هذا المحل، وقوله ويجوز أن يعود ضمير يستطيعون الخ هذا جواب آخر وعليه فجملة لا يستطيعون جملة معترضة لتأكيد نفي الملك عن الآلهة والمفعول محذوف كما أشار إليه بقوله شيئا وهذا وان كان خلاف الظاهر كما يشعر به التعبير بالجواز لكنه سالم عن مخالفة المشهور في العود على المعنى بعد مراعاة اللفظ فلا يرد عليه شيء. قوله: (فلا تجعلوا له مثلأ تشركونه به الخ (المثل في عبارته بوزن العلم الشبه، وليس واحد الأمثال الواقع في النظم بل بيان لحاصل المعنى فهو كما في الكشاف تمثيل للإشراك بالئه قال المدقق في الكشف أي إنّ الله تعالى جعل المشرك به الذي يشبهه بخلقه بمنزلة ضارب المثل فإن المشبه المخذول يشبه صفة بصفة وذاتاً بذات كما أن ضارب المثل كذلك فكأنه قيل ولا تشركوا وعدل عنه لما ذكر دلالة على التعميم في النهي عن التشبيه وصفاً وذاتا وفي لفظ الأمثال لمن لا مثال له نعي عظيم على سوء فعلهم وفيه إدماج لأن الأسماء توقيفية، وهذا هو الظاهر لدلالة الفاء، وعدم ذكر المثل منهم سابقا اهـ، ويجوز عندي أن يريد أن تضربوا بمعنى تجعلوا لأن الضرب للمثل فيه معنى الجعل كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في سورة البقرة فيكون كقوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [سورة البقرة، الآية: 22] على أن الأمثال جمع مثل فيكون وجهاً غير المذكور في الكشاف، وبه يظهر مغايرة ما بعده وعطفه بأو وهذا مع ظهوره لم يعرج عليه أحد من أرباب الحواشي، ولبعض الشراح هنا كلام مختل تركناه خوف الإطالة. قوله: (أو تقيسونه عليه الخ) هذا معطوف على تشركون به فهو صفة مثلا أيضاً، وضمير عليه للمثل لا لله والفرق بينه وبين ما قبله على الوجه الثاني ظاهر لفظاً ومعنى، وأمّا على الأوّل فمعنى ضرب المثل فيما قبله الإشراك بالله على أنه استعارة تمثيلية كما حقق في شروح الكشاف، ومعناه على هذا النهي عن قياس الله على غيره فضرب المثل استعارة للقياس فإن القياس إلحاق شيء بشيء، وهو عند التحقيق تشبيه مركب بمركب فأو على ظاهرها، وليست للتنويع كما توهم، وقوله فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال تعليل لهذا فقط على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 الوجه الأوّل، وتعليل لهما أو للثاني، ويعلم منه حال الأوّل على غيره. قوله:) فساد ما يعوّلون عليه) من التعويل بالعين المهملة، وهو الاعتماد ومن القياس بيان لما هو المعول عليه، ووقع في بعضها بالقاف بحذف إحدى التاءين من التقول، وهو الافتراء، ولا يخفى بجدها لفظا ومعنى لأن القياس ليس من الافتراء في شيء، وقوله على أنّ الخ صلة القياس لأنه يتعذى بعلى كما يتعدى بالباء وإلى قال أبو نواس: من قاس غيركم بكم قاس الثماد إلى البحار وجوّز فيه أن يتعلق بشيء مقدر على أنّ صلة القياس محذوفة أي بناء على أن عبادة الخ وقوله وعظم جرمكم بالنصب عطف على فساد وهو مفعول ليعلم مقدر وقوله وأنتم لا تعلمون ذلك الإشارة إلى فساد ما تعولون عليه وعظم جرمكم على حد قوله عوان بين ذلك وذلك مفعول تعلمون، وقوله لما جرأتم عليه بالتخفيف والتشديد للرّاء يقال جرأتك على فلان حتى جرأت عليه والجراءة الإقدام والشجاعة. قوله: (فهو تعليل للنهي (قيل إنه جار على جميع الوجوه فالظاهر تأخيره، واعتذر له بأنه قدم للاهتمام، واقتضاء التفسير الأوّل له ولو أخر لم يخل من ركاكة، والظاهر أن وجه التعليل خفيّ في الأوّل فلذا احتاج إلى التصريح به، وأشار بالفاء في قوله فإنه الخ إلى اشتراكهما فيه وتقريره أنه كأنه قيل لا تشركوا به فأنتم قوم جهلة فلذا صدر عنكم ما صدر فتأمّل. قوله: (أو أنه يعلم كنه الأشياء (أي حقائقها هذا ناظر إلى قوله أو يقيسون عليه الخ. قوله:) ويجورّ أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال الخ (فعلى هذا المنهي عنه ضرب الأمثال له تعالى حقيقة والمراد النهي مبالغة عن الإلحاد في أسمائه وصفاته لأنه إذا لم يجوز ضرب المثل له، وهو استعارة يكفي لها شبه ما فعدم إطلاق الأسماء والإثبات الصفات من غير توقيف أولى ثم ضرب مثلاً دل به على أنهم ليسوا بأهل ضرب الأمثال لأنهم على هذا الحد من المعرفة، والتقليد أو المكابرة فليس لهم إلى ضرب الأمثال المستدعي لشدة الذكاء سبيل فهذا وجه التئام ما بعده به على هذا الوجه عند صاحب الكشف، وعند المصنف رحمه الله تعالى ما أشار إليه بقوله ثم علمهم الخ وأما على الأوّل فإنه تعالى لما نهاهم عن ضرب المثل الفعلي، وهو الإشراك عقبه بالكشف لذي البصيرة عن حالهم في تلك الغفلة، وحال من تابعهم بقوله ضرب الله مثلا عبداً مملوكا الآية. قوله: (فضرب مثلاَ لنفسه ولمن عبد دونه) هذا باعتبار المعنى المراد من التمثيل والتثبيه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ولا يضره كونه إخباراً عما في اللوح أو العلم لأنّ إشراكهم وضربهم الأمثال من غير تطبيق لمفاصلها ثابت فيه أيضا مع أنه لا يتعين فيه المضي ولا الإخبار فتدبر. قوله: (الذي رزقه الله مالاً كثيرا) الكثرة تؤخذ من كونه حسنا فإنّ القلة التي هي أخت العدم لا حسن في ذاتها أو هو من قوله سراً وجهراً الدالين على كمال التصرّف وسعة المتصرف فيه. قوله: (واحتج بامتناع الإشراك والتسوية) هو عطف تفسير للإشراك، واحتج معطوف على مثل يعني المقصود من التمثيل ما ذكر من الاحتجاج وترك لأنه يعلم بالطريق الأولى ولإيهام أنه لا يليق بعاقل توهمه. قوله: (وقيل هو تمثيل للكافر المخذول الخ) يعني شبه الكافر المخذول بمملوك لا تصرف له لأنه لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأفعاله وأتباعه لهواه كالعبد المنقاد الملحق بالبهائم بخلاف المؤمن الموفق فلا لغوية في التمثيل كما قيل، وأشار بتمريضه إلى ضعفه لبعده. قوله: (وجعله قسيماً للمالك المتصرف يدل الخ) الدال على المالكية قوله ومن رزقناه لأنّ من رزق شيئا ملكه ولوقوعه في مقابلة المملوك، والتصرف من قوله ينفق منه سر الخ الواقع في مقابلة عدم القدرة على شيء من التصرفات فإن قلت جعله قسيما للمالك المتصرف إنما يلزم منه أن لا يكون مالكاً كما ذكر فإنّ المالك قد لا يكون متصرفا كالصبي والمجنون قلت هذا بناء على أنّ الملك يلزمه صحة التصرف بالذات، وأنّ قوله لا يقدر على شيء صفة كاشفة لا تقييدية، ولا يضره خروج المكاتب، والمأذون له وفيه نظر، وأفا عدم تصرف الصبيّ والمجنون فلعارض، وفقد شرط فتأمّل وهذا رذ على من قال إنّ الآية تدل لمذهب مالك رحمه الله الذاهب لصحة ملك العبد لأنّ الأصل في الصفة أن تكون مقيدة فتدبر. قوله: (والأظهر أنّ من نكرة موصوفة ليطابق عبدا) فيكون تقديره، وحرا رزقناه الخ وكل منهما نكرة موصوفة، وقوله وجمع الضمير وان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 تقدمه اثنان فالظاهر يستويان. قوله: (كل الحمد له) رجح كون التعريف استغراقيا واللام استحقاقية والمراد الاستحقاق الذاتيئ، وقد مر تفصيله في فاتحة الكتاب فلا يرد عليه أنه قد يحمد غير الله تعالى، ونفي الاستحقاق عن غيره لإفادة الاستغراق للحصر كما مرّ، وقوله لأنه مولى النعم كلها المراد بالنعم ما يشمل الفضائل والفواضل فلا يرد عليه أنّ الحمد أعمّ من الشكر أو أنه حمل الحمد على معنى الشكر بقرينة المقام، وقوله فضلا عن العبادة بيان لارتباطه بما قبله، ولذا قيل في تفسيره إنّ المراد الحمد لله على قوّة هذه الحجة، وظهور الحجة بل أكثرهم لا يعلمون ذلك، وقوله لا يعلمون حذف معموله اختصاراً أو اقتصاراً، وقوله فيضيفون الخ ربط له بما قبله. قوله: (ولد أخرس الخ) الخرس عدم النطق والبكم الخرس المقارن لخلقته لا العارض! ، ويلزمه الصمم فكونه لا يفهم لعدم السمع، وكونه لا يفهم غيره بالتشديد لعدم نطقه والإشارة لا يعتد بها لعدم تفهيمها حق التفهيم لكل أحد، وقوله من الصنائع، والتدابير خصه به لأنّ له قدرة على بعض الأشياء كما يشاهد منه لنقصان عقله المكتسب لأن قوّته بسلامة الحواس الظاهرة التي هي آلة له، وأمّا اكتسابه بعض الصنائع بالنظر كما تراه فلعل دفعه أنّ الصنائع ليس المراد بها الاستغراق، وفيه نظر. قوله: (عيال (في التكملة عيال جمع عيل كجياد جمع جيد، ويكون اسماً للواحد وعليه استعمال المصنف رحمه الله تعالى، وكذا استعمله صاحب المقامات كما نبه عليه الإمام المطرزي، وثقل بكسر فسكون بمعنى ثقيل، ومن يلي أمره تفسير لمولاه، وله معان أخر. قوله: (حيثما يرسله (بالجزم إشارة إلى أنها شرطية، وأنّ فاعل يوجه ضمير المولى، ومفعوله ضمير الأبكم وقوله على البناء للمفعول أي مع حذف الضمير، وهي قراءة علقمة وطلحة. قوله: (ويوجه (أي وقرئ يوجه بالبناء للفاعل والجزم، وحذف هاء الضمير فهو معطوف على قوله يوجه على البناء للمفعول، وقوله بمعنى يتوجه يعني أنه على هذه القراءة المعزية لابن مسعود رضي الله عنه، وابن وئاب وجه فيها لازم بمعنى توجه، وفاعله ضميرا لا بكم كما ورد كذلك في المثل المذكور وغيره فأوجه في المثل المذكور بكسر الجيم معلوم لا بفتحها مجهول كما ضبط بقلم بعض النساخ فهو تحريف منه وقيل إنه على هذه متعد والفاعل ضمير الباري ومفعوله محذوف تقديره كقراءة العامّة. قوله: (أينما أوجه ألق سعدا) هذا مثل لمن يتلقاه الشر أينما سلك أو لمن يفرّ من مكروه فيقع في آخر وسعدا هنا اسم قبيلة لا اسم رجل شرير كما غلط في تفسيره به العلامة، وأصله أنّ الأضبط بن قريع السعدي كان سيد قومه فأصابه منهم جفوة فارتحل عنهم إلى قوم آخرين فرآهم يصنعون بساداتهم مثل صنيع قومه فقال أينما أوجه ألق سعدا أي قوما مثلهم في الجفوة، وقوله وتوجه الخ أي وقرئ توجه ماضياً من التفعل وفاعله ضمير الأبكم، وقوله بنجح بضم النون وسكون الجيم، والحاء المهملة هو الظفر والفوز وكفاية المهم كفاية غيره فيما يهمه ويعتني به وذكره تمثيلاً لا تخصيصاً، وهو مأخوذ من السياق. قوله: (ومن هو فهم) بكسر الهاء صفة كحذر ومنطيق بكسر الميم صيغة مبالغة في النطق قيل هو مأخوذ من الاستمرار التجدّدي الدال عليه يأمر بالعدل، وقيل إنه إشارة إلى اعتبار معنى النطق بكل ما فيه نفع للناس لا حصره في الأمر بالعدل لأنّ مقابل أبكم ناطق بكل خير ومن أخذ. من الاستمرار التجددي في المضارع جعله بمنزلة تفسير يأمر بالعدل، وليس كذلك ولا يخفى ما فيه فإنّ مقابل أبكم ناطق مطلقاً لا ما ذكر وما ذكر إن جعل تفسير المنطوق يأمر بالعدل فلا شبهة في بطلانه، وان جعل تفسيراً له باعتبار لوازمه ومدلول هيئته فلا محذور فيه كما ستسمعه عن قريب، وقوله ذو كفاية أي يكفي الناس في مهماتهم ويبلغ من مراداتهم كما يقال للوزير كافي الكفاة. قوله: (وهو على صراط مستقيم) جملة حالية مبينة لكماله في نفسه ولما كان ذلك مقدما على تكميل الغير أتى بها اسمية فإنها تشعر بذلك مع الثبوت إلى مقارنة ذي الحال فلا يقال الأنسب تقديمها في النظم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله، وهو في نفسه الخ. قوله: (لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي (وأسهله لأن كل طريقين موصلين المستقيم منهما أقرب بديهة كما يظهر في الشكل المثلث. قوله: (وإنما قابل تلك الصفات) أي كونه أبكم، لا قدرة له ثقل على غيره لآيات بخير بهذين الوصفين يعني أمره بالعدل، وكونه على الطريق القويم لأنهما كمال مقابله، ونهايته لأنه اختير آخر صفات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 الكمال المستدعية لما ذكر وأزيد حيث جعله هاديا مهديا، وتحقيق ما ذكر في ضرب المثل بوجهيه يعلم بالقياس على المثل السابق. قوله: (يختص به علمه لا يعلمه غيره (الضمير الأوّل إن كان لله، والثاني للغيب أي يختص بالله علم الغيب فالباء داخلة على المقصور عليه، وقوله لا يعلمه غيره مستفاد من تقديم الخبر لا من اللام ولو عكس حال الضمير كانت داخلة على المقصور والاختصاص بمعنى التمييز أو على القلب كما مز تفصيله وأشار بقوله علمه إلى تقدير المضاف أو هو بيان لحاصل المعنى. قوله:) بأن لم يكن محسوساً ولم يدل عليه محسوس) بتعريفه للغيب بما ذكر خرج ما أثبته أهل الهيئة من أحكام النجوم فإنّ حركات النجوم المرصودة المحسوسة دالة عليه وقوله غائب عن أهل السماوات قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف، ولا حاجة إليه. قوله: (وما أمر قيام الساعة) فيه إشارة إلى تقدير مضاف، والسرعة والسهولة عليه تعالى مأخوذة من تشبيهه بلمح البصر، والطرف مصدر في الأصل ويطلق على الجفن الأعلى وهو المراد هنا، وقوله أو أمرها بيان لأنّ ضمير هو راجع لأمر الساعة، وضمير منه للمح البصر، وهو بيان لأنّ متعلق أقرب محذوف للعلم به، وتلك الحركة أي حركة الطرف، وقوله كان في آن أي أيّ جزء من الزمان غير منقسم، وهذا مما تغ في استعماله الحكماء والمولدين والمذكور في كتب اللغة، والنحو أنّ الآن هو الزمان الذي تقع فيه الحركة، والسكون قولاً وفعلا، وقد وقع آن في أوّل أحواله بالألف واللام معرفة، وأنه ليس له نكرة، ولا يقال آن منكراً ولذا بني، وفيه كلام طويل في شرح أدب الكاتب. قوله:) وأو للتخيير الخ (هذا بناء على ما ذهب إليه ابن مالك من أنّ التخيير مدلول أو وأنه غير مختص بالوقوع بعد الطلب بل يقع في الخبر ويكثر في التشبيه حتى خصه بعضهم به في الخبر كقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [سورة البقرة، الآيات: 17- 19] وفي شرح الهادي اعلم أنّ التخيير والإباحة مختصان بالأمر إذ لا معنى لهما في الخبر كما أن الشك والإيهام مختصان بالخبر وقد جاءت الإباحة في غير الأمر كقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} إلى قوله {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 74] أي بأقي هذين شبهت فأنت مصيب وكذا إن شبهت بهما جميعاً ومثله في الشعر كثير فما قيل إن التخيير إنما يكون في المحظور كخذ من مالي دينارا أو درهما أو في التكليفات كالكفارات غير وارد، وكذا ما توهم أن المراد تخيير المخاطب بعد فرض! الطلب، والسؤال فلا حاجة إلى البناء على ما ذكر، وأنه مشكل من جهة أخرى، وهو أن أحد الأمرين من كون قدره قدر لمح البصر أو أقرب غير مطابق للواقع فكيف يخير الله بين ما لا يطابقه، وهذا كله من ضيق العطن فإن كون أحدهما بل كليهما غير واقع لا ضير فيه فإنه مشبه به، ولم يقل أحد بأن عدم الوقوع فيه لازم بل قد يستحسن فيه عدم الوقوع كما في قوله: إعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد والبعرة تدلّ على البعير، وقد مر تحقيق هذا في قوله {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} . قوله: (أو بمعنى بل) هذا مرويّ عن الفراء، وقد ردّه أبو حيان رحمه الله تعالى بأنّ الإضراب بقسميه لا يصح هنا أما الإبطاليّ فلأن إبطال ما قبله من الإسناد يؤول إلى أنه إسناد غير مطابق، ولا يصح، وأما الانتقالي فيلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر، وكونه أقرب منه فلا يمكن صدقهما معا، وأجيب باختيار الثاني، ولا تنافي بين تشبيهه في سرعة تحققه وسهولته بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه، وبين كون تحققه في الواقع فيما هو أقرب منه، وهذا بنا على أن الغرض من التشبيه بيان تحققه، وسرعته لا بيان مقدار زمان وقوعه، وتحديده فلا يرد عليه أنّ المعنى على تشبيه أمر قيام الساعة في قدر زمانه لا في حال آخر من أحواله فالمنافاة بحالها، وأجيب بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس بمعنى أن أمرها إذا سألتم عنه أن يقال فيه هو كلمح البصر، ثم يضرب عنه إلى ما هو أقرب كما قرره في الكشاف، وبينه المصنف رحمه الله تعالى بقوله الذي يقولون فيه الخ وفي قوله أيضاً مبالغة ما يشير إلى دفع السؤال رأساً فلا محذور، وقال الزجاج أو للإبهام يعني أنه يستبهم على من يشاهد سرعتها هل هي كلمح البصر أو أقل إنه لا فائدة في الإبهام هنا فتدبر، واستقرابه عده قريباً، وهو بعيد عند الناس. قوله: (فيقدر أن يحيي الخلانق الخ) أي لبعثهم إذا قامت الساعة، وذكر أمر قيام الساعة بعد غيب السماوات كذكر جبريل عليه الصلاة والسلام بعد الملائكة، وقوله إن الله على كل شيء قدير تعليل له، وعقبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 بقوله والله أخرجكم الخ. معطوفا بالواو إيذاناً بأنّ مقدوراته تعالى لا نهاية لها، والمذكور بعض منها، واليه أشار بقوله ثم دل على قدرته الخ. قوله: (امهاتكم) القرا آت وتوجيهها مفصل في محله ووزن أمّ فعل لقولهم الأمومة، والهاء فيه مزيدة والأكثر زيادتها في الجمع وورد بدونها، وقل زيادتها في المفرد، وقيل الأمّات للبهائم،،! الأمهات للأناسي، وأمّا زيادة الهاء في الفعل فنادرة. قوله:) والهاء مزيدة مثلها في إهراق الخ) هذا رذ لما قاله بعض أهل اللغة أنها أصلية، وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب هو غلط والصحيح أنهما فعلان رباعيان أأمت والهاء بدل من همزة أفعلت، وفي أهرقت عوض من ذهاب حركة عين الفعل عنها، ونقلها إلى الفاء وأصله أريقت أو أروقت على اختلاف فيه، ثم نقلت حركة الياء أو الواو إلى الراء فانقلبت ألفاً لتحرّكها وانفتاج ما قبلها الآن، وحذفت لالتقاء الساكنين، والدليل عليه أنها لو كانت فاء الفعل لزم أن يجري هرق مجرى ضرب من الأفعال الثلاثية، وأهرقت مجرى أكرمت من الرباعي الصحيح، ولم تقله العرب. وإنما قالوا أهرقت إهريق بفتح الهاء، وكذا تفتح في اسم الفاعل، والمفعول مهريق، ومهراق بالفتح لها أو بدل من همزة لو ثبتت في تصريف الفعل فتحت فلو أبقوا تصريفه على أصله قلت في مضارعه يؤريق، وفي اسم فاعله مؤرق، ومفعوله مؤرق بفتح الهمزة فيها، ومصدره هراقة كإراقة، وإذا صرفوا أهرقت فمضارعه إهرق ومصدره إهراق، واسم فاعله مهرق، ومفعوله مهرق بسكون الهاء في جميعها فهذا يدلّ على أنه رباعيّ معتل، والهاء بدل من الهمزة أو عوض! من الحركة اص. قوله: (جهالاً الخ) يشير إلى أن الجملة حالية، وقوله مستصحبين الخ صفة كاشفة له، وتفسير للا تعلمون، وشيئاً منصوب على المصدرية أو مفعول تعلمون، والنفي منصب عليه أي لا تعلمون شيئا أصلاً من حق المنعم وغيره، وجهل الجمادية ما كانوا عليه قبل نفخ الروج. قوله:) أداة تتعلمون بها فتحسون الخ) الأداة الآلة، وجملة وجعل لكم السمع ابتدائية أو معطوفة على ما قبلها، والواو لا تقتضي الترتيب، ونكتة تأخيره أنّ السمع، ونحوه من آلات الإدراك إنما يعتذ به إذا أجس وأدرك، وذلك بعد الإخراج، وجعل أن تعذى لواحد فلكم متعلق به، وهو بمعنى خلق، وان تعدّى لاثنين بمعنى صير فهو مفعوله الثاني، وفي قوله مشاعر إشارة إلى أن السمع، والبصر عبارة عن الحواس الظاهرة أو اكتفى به عن غيره إذ لكل منها مدخل في الإدراك، وقوله أداة الخ تفسير لحاصل معنى جعلها لهم، وأفرد لاتحادها في سببية الإدراك، ولو جمع كان أظهر، وكأنه تركه لئلا يتوهم دخول الأفئدة فيها وفاء فتحسون تفصيل، وتفسير لما قبله، ومشاعر جمع مشعر بفتح الميم، وكسرها محل الشعور أو آلته، والمراد الحواس الظاهرة. قوله: (فتدركونها) ترتيبه على ما قبله إمّا لأنّ تحسون بمعنى تقصدون الحس ولإدراك أو تستعملون الحواس أو بناء على تغايرهما فإنّ الإدراك للحس المشترك أو للعقل والإحساس للحواس الظاهرة، وأمّا كونه تكريراً، وتوكيداً فلا وجه له. قوله:) وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية) كان الظاهر أن يقول العلوم الكسبية لأنّ المعالم جمع معلم الشيء، وهو مظنته وما يستدلّ به عليه، وليس هذا محله، وأمّا كونه جمع معلوم أو معلومة أي قضية معلومة فتكلف لا يساعده اللفظ والاستعمال فالظاهر أنه جمع علم والمراد به الأمر الكلي الذي سيتعلق به العلم لأنه محل للعلم في الجملة وعبر به دون معلوم لأنه ليس معلوما بالفعل للزوم تحصيل الحاصل أو استعمل مفعل بمعنى مفعول مجازاً كمركب بمعنى مركوب كما في شرح المفصل، وبالنظر متعلق بتتمكنوا أو بتحصيل، والتمكن بترتيب ما عنده من المعلومات، والمشاركات تقتضي الحكم إيجابا والمباينات سلبا، ومحصله ما ذهب إليه الحكماء من أنّ النفس في أوّل أمرها خالية عن العلوم فإذا استعملت الحواس الظاهرة أدركت أموراً جزئية بمشاركات ومباينات جزئية بينها فاستعذت لأن يفيد عليها المبدأ الفياض المشاركات الكلية، وأهل السنة لا يقولون بهذا، ويقولون النفس تدرك الكلي، والجزئي باستعمال المشاعر، وبدونه كما فصل في محله. قوله: (ير تعرفوا ما أنعم تعالى عليكم) ذكر المعرفة لأنّ مجرّد ما ذكر قبله لا يقتضي الشكر ما لم يحرف كونه نعمة منه تعالى، وتفسير لعل بكى مز تحقيقه في البقرة. قوله: (على أئه خطاب للعامة) أي جميع الخلق المخاطبين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 قبله في قوله أخرجكم لا على أنّ المخاطب من وقع في قوله {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ} بتلوين الخطاب لأنه التناسب للاستفهام الإنكاري في ألم يروا، ولذا جعل قراءة الغيبة باعتبار غيبة يعبدون، ولم يجعلوه التفاتاً وحينئذ فالإنكار باعتبار اندراجهم في العامة، ولما فيه من الخفاء نص عليه فسقط ما قيل إنّ الخطاب وجهه ظاهر لأن ما قبله، وما بعده كذلك، والمحتاج إلى التوجيه قراءة الغيبة، وأمّا ما قيل إنّ مصاحف دياره بالياء التحتية فلذا احتاج لتوجيه الخطاب فتلفيق وتلزيق لأنّ النقط، والشكل ليس في المصاحف العثمانية وإنما كان بعد ذلك. قوله:) بما خلق لها من الأجنحة الخ (المؤاتية بمعنى الموافقة، وترد بمعنى المساعدة تقول آتيته على كذا مؤاتاة إذا وافقته وطاوعته، والعامة تقول، وأتيته كما تقول واسيته، وهو خطأ عند بعضهم وصوابه الهمز، وصححه بعض أهل اللغة أيضا، وفسر الزمخشري الجوّ مطلقا بالهواء المتباعد من الأرض ووقع في بعض كتب اللغة تفسيره بالهواء مطلقا فإمّا أن يكون المصنف رحمه الله تعالى تبعه فيه أو هو تفسير للجوّ المضاف للسماء، وعن كعب أن الطير لا يرتفع أكثر من اثني عشر ميلا، والعلاقة بكسر العين ما يعلق به والدعامة بكسر الدال المهملة، والعين المهملة ما يدعم به الشيء أي يجعل تحته لئلا يقع كالعمود، وجملة ما يمسكهن حال من ضمير مسخرات أو من الطير أو مستأنفة. قوله: (تسخير الطير للطيران (مجرور عطف بيان لذلك، وتفسير للمشار إليه، ويصح رفعه، ونصبه ويجوز أن يدرج في معنى اسم الإشارة ما قبله من قوله، والله أخرجكم فيظهر معتى الجمعية في آيات، وقوله الطيران فيه أي في الجوّ، وفي بعض النسخ فيها أي في الأهوية وقيل إنه على تأنيث الجوّ باعتبار الجوّة التي هي لغة فيه، وقوله على خلاف طبعها يعني الهوفي لجهة السفل كما هو شأن الأجسام والإجرام، وقوله بحيث يمكن لطيران لخفته، والهامه التحرك كالسابح في الماء إلى غير ذلك، وقوله لأنهم المنتفعون بها بيان لوجه التخصيص مع ظهور الآيات لغيرهم، وفيه إشارة إلى أنّ لام الاختصاص يفههم منها النفع. قوله: (موضعاً تسكنون فيه) وحده لأنه بمعنى ما يسكن أي المسكون فيه لأن فعلا بمعنى مفعول أو لأنه في الأصل مصدر، ومن بيانية الجار والمجرور حال، والمدر بفتح الدال المهملة الطين اليابس، والقباب جمع قبة، وهو ما يرفع للدخول فيه، ولا يختص بالبناء كما في العرف، وفي لفظ الاتخاذ ما يشعر به لأنه لا يشترط في التسمية السكنى بالفعل، والأدم بفتحتين جمع أديم، وهو الجلد المدبحوغ أو اسم جمع له. قوله: (ويجورّ أن يتناول المتخذة من الوبر) وهو شعر الإبل، والصوف للغنم، والشعر لغيرهما وتخصيص المصنف رحمه الله تعالى له بالمعر فيما سيأتي باعتبار ما ذكر من الأنعام، وهو المراد هنا أيضا، ولا يرد عليه أنه على كونه بمعنى الأدم من تبعيضية، وإذا أريد الوبر ونحوه فهي ابتدائية فإذا عمم لزم استعمال المشترك في معنييه لأنّ المصنف رحمه الله تعالى ممن يجوزه، وقيل الجلود مجاز عن المجموع، وقوله تجدونها إشارة إلى أنّ السين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محموداً. قوله: (وقت ترحالكم) كذا في أكثر النسخ، وهو ظاهر وفي بعضها يوم وقت ترحالكم، وكان وجهها أنه تفسير لليوم بمعنى الوقت، ومطلق الزمان فوقت بدل من يوم أو مرفوع خبره والأولى أولى ولما كانت خفتها في السفر أعظم منه قدمت ولذا وجه خفة الحضر بأنها يخف ضربها، ونقلها فيه إذ قد تضرب في الحضر، وتنقل لداع لذلك كما سيأتي وقوله ووضعها أي على الأرض، وهو مرفوع عطف على حملها، وكذا ضربها وأو للتقسيم. قوله: (أو النزول) هذا هو التفسير الثاني، وهو أنّ المراد بالظجن ترحال المسافر وبالإقامة نزوله في متأهله، ومراحله، وعلى الأوّل الظعن السفر، والإقامة الحضر قيل، والثاني أولى إذ ظهور المنة في خفتها في السفر أقوى إذ لا يهم المقيم أمرها، وقيل ينبغي أن يكون الأول! أولى لشموله حالي السفر والحضر، ولأنّ حالي الترحل والنزول اندرجا في الظعن مقابل الحصر والخفة فيهما نعمة وقد تنقل في الحضر لداع يقتضي ذلك كما قيل: تنقل فلذات الهوى في التنقل والاندراج المذكور غير ظاهر لأنّ من ذهب إلى التالي لا يجعل الطعن مقابل الحضر بل مقابل النزول ففيه نظر، وقوله بالفتح هما لغتان فيه، والفتح كما في المعالم أجزل اللغتين وقيل الأصل الفتح، والسكون تخفيف لأجل حرف الحلق كالشعر والشعر، وقوله الضائنة الضائن خلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 الماعز وجمعه ضأن، وهي ضائنة فالمناسب الضأن لمقابله، وقد تقدم تفسير الأنعام، وشموله للأزواج الثمانية بخلاف النعم فإنه يختص بالإبل، والمعز بفتح العين معروف يشمل ذكر. وأنثاه. قوله: (ما يليس ويفرس) فالفرق بينه، وبين المتاج أنّ الأوّل ما يتخذ للاستعمال، والثاني للتجارة، وقيل هما بمعنى وعطفا لجعل تغاير اللفظ بمنزلة تغاير المعنى كما في قوله: وألفى قولها كذبا ومينا والأول أولى، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى، وأثاثا منصوب بالعطف على بيوتا مفعول جعل فيكون مما عطف فيه جار ومجرور مقدم، ومنصوب على مثلهما نحو ضربت في الدار زيداً، وفي الحجرة عمرا وهو جائز أو هو حال فيكون من عطف الجارّ والمجرور فقط على مثله والتقدير {وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [سورة النحل، الآية: 80] حال! كونها أثاثا وليس المعنى على هذا كما قاله السمين رحمه الله تعالى، وهو ظاهر. قوله: (أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم (أي حاجاتكم من الانتفاع بها، والفرق بين هذا وما قبله أنّ المعنى على الأوّل أنّ التمتع به ممتد لا كالثمار والمأكولات، وعلى الثاني بيان لمدة امتداده، وهي زمان حياتهم، وعلى هذا زمان الاحتياح إليه، وهي متقاربة، وقيل إنّ الأخير عام متناول لما قبله وتوله والجبل المناسب والجبال، ومعنى تتفيؤون تستظلون من الفيء، وتستكنودط تستترون من الكن، والكهوف جمع كهف، وهو المغارة هنا، والكن السترة من أكنه وكنه أي ستره وجمعه أكنان، وأكنة. قوله: (خصه بالذكر الخ) فهو على هذا من الاكتفاء بهذا دون ذاك لما سيذكر، وترك قول الزمخشريّ أو لأن ما يقي من الحرّ يقي من البرد لأنه خلاف المعروف إذ وقاية الحرّ رقيق القمصان، ورفيعها ووقاية البرد ضده، وكون وقاية الحر أهمّ لشدته بأكثر بلادهم قيل يبعده ذكر وقاية البرد سابقاً في قوله لكم فيها دفء، وهو وجه الاقتصار على الحرّ هنا لتقدم ذكر خلافه ثمة فتأمّل. قوله: (والجواشن) جمع جوشن وهو الدرع أيضاً، وقوله كذلك لتشبيه إتمام النعم في الماضي بإتمامها في المستقبل: كما أحسن الله فيمامضى كذلك يحسن فيمابقي أو هو تشبيه لهذا الإتمام به كما مرّ غير مرّة. قوله: (أي تنظرون في نعمه فتؤمنون به) يعني أنّ الإسلام إمّا بمعناه المعروف فهو رديف الإيمان أو بمعناه اللغويّ، وهو الاستسلام والانقياد، وعلى كل حال فهو موضوع موضع سببه، وهو النظر، والتفكر في مصنوعاته أو مكنى به عنه. قوله: (وقرئ تسلمون من السلامة) هي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقدّر تشكرون لأنّ مجزد إتمام النعمة ليس مؤذياً للسلامة بدونه وكذا تقدير تنظرون، ولو فسر بالسلامة من الآفات مطلقاً ليشمل آفة الحرّ، والبرد تمت النعمة. قوله تعالى: ( {فَإِن تَوَلَّوْاْ} ) في التعبير بالفعل إشارة إلى أن الأصل فطرة الإسلام، وخلافها عارض متجذد، وقوله أعرضوا إشارة إلى أنّ تولوا ماض غائب ففيه التفات للإعراض عن المعرض، ويصح أن يكون مضارعا حذفت إحدى تائيه، وأصله تتولوا فهو على الظاهر إلا أنه قيل عليه أنه لا يظهر حينئذ ارتباط الجزاء بالشرط إلا بتكلف ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى، ومعنى إن تولوا إن داموا على التولي أو ثبتوا عليه لظهور توليهم. قوله: (فلا يضرّك فإنما عليك البلاغ) إشارة إلى نتيجة سبب الجزاء الذي أقيم مقامه عكس لعلكم تسلمون، وقوله يعرف المشركون في نسخة يعرفون المشركون على لغة أكلوني البراغيث، وقوله حيث يعترفون بها الخ فسره به لأنه ليس المراد معرفتها في ذاتها فهو توطئة لاستبعاد الإنكار. قوله: (بعبادتهم غير المنعم بها) وعبادة غيره إمّا فقط، وهو ظاهر في الكفران المنزل منزلة الإنكار، وأما مع عبادته فعبادته مع الشرك لا اعتداد بها كما مر لأنها محبطة فسقط ما قيل عليه إن مجرد هذا لا يوجب إنكار النعمة إلا أن يعتبر معه عدم عبادتهم له تعالى، وليس في كلامه ما يفيده نعم لو جعل قولهم إنها بشفاعة ا-لهتنا دليل الإنكار لكفي لكنه ذكر لبيان وجه عبادتهم لغير الله، وهو آلهتهم، وما ادّعى أنه دليل الإنكار عليه لا له فتأمّل. قوله: (أو بسبب كذا) عطف على قوله بشفاعة آلهتنا يعني إذا لم يعتقد أنها من الله أجراها عليه بواسطة ذلك كما صرّح به الزمخشري فسقط ما قيل إنه لا يصلح وجها لعبادة غير الله تعالى، وقوله أو بإعراضهم عطف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 على قوله بعبادتهم الخ، وهذا منزل منزلة الإنكار أيضا فأعرفه. قوله: (الجاحدون عنادا (هذا هو المشهور، وفي نسخة المجاهرون أي بالإنكار، وعلى النسخة المعروفة هو تفسير له ولما كان الكفر منه ما يكون ناشئا عن جهل أو تقليد فسره بفرده الكامل، وهو من كفر عناداً لأن الجحد كفر، ولا حاجة إلى جعله للإشارة إلى أنه بمعناه اللغوي لأنّ الجحد ستر للحق، وهذا مراد من قال إنه يشير إلى انصرافه للفرد الكامل. قوله: (وذكر الأكثر إما لأنّ الخ (يعني لم يقل، وهم الكافرون إما لأنّ المراد الجاحدون عناداً لأن منهم من كفر لنقصان عقله، وعدم اهتدائه للحق لا عناداً أو لعدم نظره في أدلة الوحدانية نظراً يؤذي إلى المطلوب أو لأنه لم تقم عليه الحجة لكونه لم يصل إلى حد المكلفين لصغر ونحوه، وعلى هذا لا يبقى الكافرون على إطلاقه لا إن المراد من المنكر من لم يعرفها، وإن لم ينكر لأنّ الإنكار ليس على ظاهره كما مرّ فيدخل فيه من هو غير كافر فالكفرة أكثرهم لا كلهم حتى يحتاج إلى أن يقال اكثر بمعنى الكل ونحوه كما أنه يجوز أن يكون ذكر ذلك لأنه تعالى علم أن منهم من سيؤمن كما مرّ وهذا مع ظهوره خفي على من رذ هذا بأنه يلزمه إطلاق الكافر على من لم يبلغ حذ التكليف ومن بلغ ذلك ممن يعرف نعم الله، وينكر وهو في حيز المنع. قوله: (في الاعتذار) يشير إلى أنّ مفعول الإذن، ومتعلقه محذوف تقديره ما ذكر وقوله إذ لا عذر لهم أما أراد أنهم لا استئذان منهم، ولا إذن إذ لا حجة لهم حتى تذكر، ولا عذر لهم حتى يعتذروا أو أنهم يستأذنون فلا يؤذن لهم، وهو الظاهر، وتفسير الشهيد بالأنبياء للتصريح به في قوله: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} الآية. قوله:) وثم لزيادة ما يحيق بهم (أي هي للتراخي الرتبي وأن ما بعدها لكونه أشذ مما قبله كأنه بعيد منه زمانأ، وقوله من شدة المنع بيان لما يحيق، وفي نسخة من شذة ما يمنع وما مصدرية، وقوله لما فيه الخ تعليل لشذة أو لزيادة، وعلى في قوله على ما يمنون متعلق بزيادة وهو مجهول مناه يمنوه، ويمنيه بالتخفيف بمعنى ابتلاه. قوله: (ولا هم يسترضون (أي يطلب رضاهم وقوله من العتبى، وهي الرضا أي أراد رضاهم في أنفسهم بالتطلف بهم فهو من استعتبه كأعتبه إذا أعطاه العتبى والرضا، وان أراد رضا غيرهم أن الله بالعمل فهو كقول الزمخشري لا يقال لهم أرضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل، والعتبى مصدر أعتبه فإن قلت الاستفعال للطلب فيكون معناه طلب العتب لا الرضا قلت قال الكرماني رحمه الله الاستفعال قد جاء أيضا لطلب المزيد فيه كما هنا فإن الاستعتاب ليس لطلب العتب بل لطلب الأعتاب بمعنى العتبى أي إزالة العتب، وهو بالرضا، والهمزة فيه للسلب وله نظائر وهذا ما أشار إليه في الكشف بقوله لا تطلب منهم العتبى أي إزالة عتب ربهم، وغضبه فافهم، وقيل استعتب بمعنى أعتب واستفعل بمعنى أفعل كثير. قوله: (وكذا قوله وإذا رأى الذين الخ) أي هو منصوب بمقدر هو أحد الأفعال الثلاثة التي ذكرها فعلى الأوّلين هو مفعول به بمعنى وقت، وقوله فلا يخفف مستأنف، وعلى الثالث هو ظرف شرطي والعامل فيه يحيق على ما بين في النحو وهو جوابه وقوله فلا يخفف مستأنف أيضا، وقد يجعل جوابها بتقدير فهو لا يخفف لأن المضارع مثبتا كان أو منفيآ إذا وقع جواب إذا لا يقترن بالفاء إلا أنّ التقدير مع كونه خلاف الأصل مناف للغرض في تغاير الجملتين في النظم، وهو أن التخفيف واقع بعد رؤية العذاب فلذا لم يؤت بجملة اسمية بخلاف عدم الإمهال فإنه ثابت لهم في تلك الحالة، وقوله التي دعوها شركاء إشارة إلى معنى إضافة الشركاء إلى ضميرهم، وهو ورد أيضا مضافا إليه في غير هذه الآية ودعوا بمعنى سموا، وخص الشركاء بالأوثان عن هذا التوجيه قيل ولو عمم على أن القائل بعضهم وهو من يعقل أوكلهم بإنطاق الأصنام كما سيذكره المصنف رحمه الله كان أولى. قوله:) أو الثياطين الذين شاركوهم (أي كفروا مثل كفرهم فكونهم شركاءهم على ظاهره فهذا توجيه آخر للإضافة أو المراد حينئذ بشركتهم لهم شركتهم في وباله لحملهم لهم عليه، وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله نعبدهم أو نطيعهم لف ونشر للأوثان والشياطين الحاملين لهم على الكفر. قوله: (هو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين (وهو يؤخذ من السياق، وقوله أن يشطر بالتشديد أي ينصف بأن يطرج عنهم نصفه لتشريكهم دئه في العبادة التي تستحق عدم العذاب أو يلقي نصفه على من عبدوه، والأوّل لا يناسب قوله من دونك كما أن الثاني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 لا يناسب تفسيرهم بالأصنام فتأقل. قوله:) أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله (الجار والمجرور متعلق بالتكذيب واً نهم عبدوهم معطوف على أنهم شركاء الله فهو مما كذبوا به، وهذا ناظر إلى أن الشركاء الأوثان ويلائم ما بين به الإضافة، وقوله أو في أنهم حملوهم الخ ناظر إلى أنهم الشياطين وأورد عليه أنهم لم يقولوا هم ألزمونا الكفر حتى &@&@يكذبوا فيه فيكفي للتكذيب دعوتهم لذلك، وحين كذبوهم الخ متعلق بقوله ضاع. قوله تعالى:) {الَّذِينَ كَفَرُوا} ) قال المعرب يجوز أن يكون مبتدأ والخبر زدناهم، وجوّز ابن عطية أن يكون الذين كفروا بدلاً من فاعل يفترون، ويكون زدناهم مستأنفا، ويجوز أن يكون الذين كفروا نصبا على الذم أو رفعا عليه فيضمر الناصب، والمبتدأ وجوبا، وقوله زدناهم عدّابا أي أمّا بالشدة أو بنوع آخر منه، وهو المروي عن السلف رحمهم الله وهي حيات وعقارب كالبخاتي رواه ابن أبي حاتم. قوله: (بكونهم مفسدين بصدّهم الما فسر الصد أي المنع عن سبيل الله بوجهين أعني كونه باقياً على ظاهره لأنهم كانوا يتعرّضون لمن يريد الإسلام فيمنعونه أو لأنهم كانوا يحملون غيرهم ممن استخفوه على الكفر وفي ذلك مغ لهم فهم ضالون مضلون فسر الفساد بالصد بوجهيه، ولم يحمله على الكفر لأنه بيان لسبب الزيادة فتأمّل، وقوله فإن نبي كل أمّة يبعث منهم بيان لمعنى من أنفسهم وأنّ المراد به أنه من جنسهم كما مرّ تحقيقه، ولم يذكر هذا القيد في قوله قبله، ويوم نبعث من كل أمّة شهيداً لإفادة من له لا الشهادة، ولا يرد لوط عليه الصلاة والسلام فانه لما تأهل فيهم، وسكن معهم عد منهم. قوله:) على أمتك (قيل المراد بهؤلاء شهداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعلمه بعقائدهم واستجماع شرعه لقواعدهم لا الأمة لأن كونه شهيدا على أمّته علم مما تقدم فالآية مسوقة لشهادته على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فتخلو عن التكرار وردّ بأنّ المراد بشهادته هنا على أمته تزكيته، وتعديله لهم، وقد شهدوا على تبليغ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهذا لم يعلم مما مز وهو الوارد في الحديث كما فصله المصنف رحمه الله في سورة البقرة في قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سورة البقرة، الآية: 143] ولذا ترك التصريح بالمراد بالشهادة هنا تعويلا على ما مرّ وأما على ما هنا فلا مضرّة فيها كما بينه ثمة مع أنه مشترك الورود وبهذا ينتظم ما بعده أشذ انتظام. قوله: (استئناف أو حال بإضمار قد) قيل إن كان قوله وجئنا بك كلاما مبتدأ لا معطوفا على قوله نبعث، وشهيدا حال مقدرة فلا إشكال في الحالية وان عطف عليه فالتعبير بالماضي لتحققه فمضمون الجملة الحالية متقدم بكثير فلا يفيد ما ذكر في كون الماضي حالاً هنا ففي صحته كلام إلا أن يبنى على عدم جريان الزمان عليه تعالى، وليس بشيء لأنّ بيانه لكل شيء داخل فيه تلك العقائد والقواعد بالدخول الأوّلى وهو مستمرّ إلى البعث وما بعده وأما أنّ المعنى بحيث أو بحال إنا كنا نزلنا عليك الكتاب، وتلك الحيثية ثابتة له تعالى إلى الأبد فمما لا حاجة إليه. قوله: (بياناً بليناً) المبالغة من كون هذه الصيغة تدل على التكثير كالتطواف، والتحوال، ولم يرد بالكسر إلا في تبيان، وتلقاء على المشهور، وقال ابن عطية رحمه الله أنّ التبيان اسم، وليس بمصدر، والمعروف خلافه. قوله: (على التفصيل أو الإجمال) اختاره لبقاء كل على معناها الحقيقي لكنه خص عموم شيء بقيد أو وصف مقدر بقرينة المقام وأنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي لبيان الدين ولذا قال عليه الصلاة والسلام أنتم أعلم بأمور دنياكم ولذا أجيبوا عن سؤال الأهلة بما أجيبوا، وقيل كل للتكثير والتفخيم كما في قوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سررة الأحقاف، الآية: 25، إذ ما في الإحاطة والتعميم ما في التبيان من المبالغة في البيان وأن قوله من أمور الدين تخصيص لا يقتضيه المقام، وقد علمت ردّ الثاني، وأما الأوّل فقد ردّ بأنّ ذلك بحسب الكمية لا الكيفية فلكل وجهة والمرجح للأول إبقاء كل على حقيقتها في الجملة. قوله: (بالإحالة إلى السنة أو القياس) الظاهر على بدل إلى لكنه تسمح فيه أو ضمنه معنى الصرف، وهو دفع لأنّ الإجمال ينافي البيان البليغ بأنه لما بينتة السنة أو علم بالقياس كان معلوما منه مبنيا به، واختير في بعضه ذلك للإيجاز وابتلاء الراسخين، وتمييز العالمين، وترك الإجماع اكتفاء بذكرهما فإن قلت من أمور الدين ما ثبت بالسنة ابتداء فإن دفع بأنه قليل بالنسبة لغيره رجع الأمر بالآخرة للتكثير قلت المراد بالإحالة على السنة كما في الكشاف أنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 أمر باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته، وقيل وما ينطق عن الهوى، وحث على الإجماع في قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين، وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد اجتهدوا، وقاسوا ووطؤوا طريق القياس، والاجتهاد فكانت السنة، والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب وفيه تأمل. قوله: (للجميع) بقرنية قوله وما أرسلناك إلا رحمة ولذا جعل قوله للمسلمين قيدا للأخير، ولو صرف للجميع لأنهم المنتفعون بذلك أو لأنّ الهداية الدلالة الموصلة والرحمة الرحمة التامة كان صحيحاً، وقوله وحرمان الخ دفع لسؤال مقدر وبيان لشمول الرحمة. قوله: (بالتوسط في الأمور اعتقاد الخ) فسر التعطيل بالتعطيل عن الأفعال كما هو مذهب الفلاسفة، وغيرهم من المعطلة، وقال أهل السنة القول بنفي الصفات عنه تعالى تعطيل، والقول بإثبات المكان والأعضاء تشبيه والعدل إثبات صفات الكمال ونفي غيرها، وأيضاً نفي لصفات تعطيل، واثبات الصفات الحادثة تشبيه والعدل إثبات الصفات القديمة والظاهر أنّ المراد بالتعطيل نفي الصانع كما تقول الدهرية، والمراد بالتشريك إثبات الشريك، ولا حاجة لتفسيره بالتشبيه فإنه تكلف لا داعي له وما ذكره المصنف رحمه الله ملخص من تفسير الإمام ولم يرتض ما في الكشاف من تفسير العدل بالواجب لما فيه من إخراجه عن ظاهر مع أنه قيل إنّ فيه اعتزالاً وان نوزع فيه. قوله: (والقول بالكسب الخ) الجبر إسناد فعل العبد له تعالى من غير مدخل له فيه كما هو مذهب الجبرية والقدر إسناد الأفعال إلى العبد وقدره فهو بضم القاف جمع قدرة، ونفي خلق الله لفعله كما هو مذهب المعتزلة، وكذا القول بعدم المؤاخذة بالذنوب أصلا مع الإيمان وتخليد الفساق فالعدل في الحقيقة ما ذهب إليه أهل السنة رضي الله عنهم، وأن زعمت المعتزلة أنهم العدلية. قوله: (بين البطالة والترهب) قال الإمام المرزوقي في شرح الفصيح يقال رجل بطال إذ! اشتغل بما لا يعنيه، وتبطل إذا تعاطى ذلك ومصدره البطالة بالفتح وحكى الأحمر فيه الكسر انتهى وفي شرح المعلقات لابن النحاس أنّ الأفصح فتحه ويجوز كسره فالجزم بالكسر وأنّ وزنه وإن اختص بما فيه صناعة، ومعالجة كالحياكة لكنه مما حمل فيه النقيض على النقيفى قصور، والبطالة ترك لعمل لعدم فائدته إذ الشقي والسعيد متعين في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب المبالغة في التزهد بترك المباحات تشبيها بالرهبان لأنه لا رهبانية في الدين، وليس إخلاص الزهد منه وقوله وخلقا بضم الخاء والبخل والتبذير معروفان، وكان بين ذلك قواما وسيأتي تحقيقه في سورة الإسراء. قوله: (إحسان الطاعات الخ) الإحسان يتعدى بنفسه، وبإلى فيقال أحسنه، وأحسن إليه، وهو هنا يحتمل أن يكون من الثاني والمراد الإحسان إلى الناس فهو أمر بمكارم الأخلاق كما روي وأن يكون من الأوّل والمراد إحسان الأعمال واليه الإشارة في الحديث الصحيح (1) المذكور والمصنف رحمه الله اقتصر على الثاني لوروده في الحديث المذكور ولذا رجحه المصنف رحمه الله على غيره، والحديث صحيح رواه البخاري والإحسان فيه بمعنى اتقان الأعمال، والعبادة بالخشوع، وفراغ البال لمراقبة المعبود حتى كأنه يراه بعينه واليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله كأنك تراه ويستحضر أنه مطلع على أعماله، واليه أشار بقوله فإنه يراك وهاتان الحالتان تثمرإن معرفة الله وخشيته، وقال النوويّ رحمه الله معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك وهذا الحديث من أصول الدين وجوامع الكلم وعد التنفل إحسانا لأنه زيادة في العمل، وجبراً لما في الواجبات من النقص الذي لا تخلو عنه الأعمال على ما حققه في الكشاف. قوله: (وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه) أتى بمعنى جاء وآتاه بمعنى أعطاه، وهو مما تغير معناه بعد النقل كما سيأتي تحقيقه في سورة مريم والتخصيص بعد التعميم لدخوله في العدل على تفسيره، وقيل في توجيهه بأنه يدخل في الإحسان التعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه، وأعظمها صلة الرحم فتأمل، وقوله ما يحتاجون إليه إشارة إلى مفعوله المقدّر، والمبالغة لجعله للاعتناء به كأنه جنس آخر. قوله: (عن الإفراط الخ) هذا مأخوذ من مقابلته للعدل بمعنى التوسط كما مر، وقوله كالزنا تمثيل لا تخصيص وأمّا توله فإنه فضميره عائد على الإفراط لا على الزنا كما قيل. قوله: (ما ينكر على متعاطيه الخ) في إثارة متعلق بينكر أي يحصل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 وقت إثارتها أو بسبب إثارتها أي تحريكها كالانتقام، وغيره مما لا يوافق الشرع، وقوله صارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله عنه بالظاء المعجمة صحابي معروف أي صار نزول هذه الآية سبباً لإخلاص إسلامه لأنه أسلم أوّلاً، ولم يطمئن قلبه للإسلام كما ورد تفصيله في الآثار، وكون الأظهر أن يقول كانت بدله أمر سهل، ولم يقل ما تنكره العقول كما في الكشاف للتعميم، ولدفع إيهام القبح العقلي الذي ذهب إليه المعتزلة. قوله: (والبغي الخ) أصل معنى البغي الطلب، ثم اختص بطلب التطاول بالظلم والعدوان، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله والاستعلاء الخ. وقوله فانها الشيطنة الضمير راجع للأمور المذكورة من الاستعلاء والاستيلاء والتجبر أو للبغي وأنث باعتبار الخبر، والشيطنة مصدر شيطن بمعنى فعل فعل الشياطين في الخيانة كتشيطن، والقوى الثلاث الشهوانية والغضبية، والوهمية وهي من القوى الباطنة التي سمتها الفلاسفة قوة حيوانية والأطباء قوّة نفسانية، وقسموها إلى مدركة، ومحركة فمن المدركة القوّة الوهمية، وهي التي تدرك المعاني الجزئية غير المحسوسة كالعداوة المخصوصة وضدها، وهي تقتضي ما ذكر لترتبه عليها، ومن المحركة الباعثة، وتسمى شهوانية إن كانت حاملة على جلب أمر محبوب وغضبية إن كانت حاملة على دفع مكروه على ما فصلى في الحكمة، واعلم أنه قابل في النظم الأمر بالنهي مع مقابلة ثلاثة لثلائة، وكما دخل إيتاء ذي القربى فيما قبله دخل البغي في المنكر أيضاً ولما كان بنو أمية يسبون علياً كرم الله وجهه في خطبهم وآلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أسقط ذلك منها وأقام هذه الآية مقامه وهو من أعظم مآثره والذي خصها بذلك ما فيها من العدل والإحسان إلى ذوي القربى، ودفع البغي وقد سمى النبيّ صلى الله عليه وسلم من عادى عليا رضعي الله عنه وكرّم الله وجهه فئة باغية وقال: " اللهنم وال من والاه وعاد من عاداه " وكونها أجمع آية لاندراج ما ذكر فيها. قوله: (ولو لم يكن الخ) بيان لوجه مناسبة الآية لما قبلها وارتباطها بها ووجه التنبيه أنه إذا جمعت هذه الآية ما ذكر مع وجازتها أيقظت عيون البصائر وحركتها للنظر فيما عداها، والميز مصدر مازه بمعنى ميزه والخير والشر لف ونشر للأمر والنهي، وقوله تتعظون إشارة إلى أن التذكير بمعنى الوعظ هنا. قوله:) يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تفسير للعهد بالبيعة وان عمّ كل موثق لأنه روي في سبب النزول أنها نزلت فيمن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فهو قرينة على أنه أريد به موثق خاص وأورد عليه أنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فحكمها عام كما صرح به البغوي، وفيه نظر لأن ما قبله من قوله إنّ الذين كفروا الخ قرينة مخصصة له فتأمل. قوله: القوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} ) قيل إنه تعليل لإطلاق عهد الله على عهد رسوله صلى الله عليه وسلم وتصحيح له فالمعلل منوي مقدر، ولا تعليل لكون المراد لعهد البيعة له، ولا بيان لأنّ الآية واردة في تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان لعدم انتهاضه، ولأن السورة مكية نزلت في المستضعفين فهي البيعة الأولى لا هذه وفيه نظر. قوله: (وقيل كل أمر يجب الوقاء به) بنصب كل وكذا النذر والإيمان ويجوز رفعها بتقدير ضمير العهد أو البيعة، وقوله ولا يلائمه الخ وجه عدم الملاءمة بأنه قد يجب الوفاء بأمر من غير سبق عهد لعموم الخطاب فيمن أسند إليه في الموضعين، وأورد عليه أنّ مراد القائل كل أمر سبق الوعد به يجب الوفاء به وهذا مما لا مزية فيه لأنّ الوفاء يقتضي سبق ما ذكر وأما التوجيه بأنّ ما يجب الوفاء به أعمّ مما وقع العهد به في الماضي والمستقبل، وقوله إذا عاهدتم مختص بالثاني فليس بشيء. قوله:) وقيل الآيمان بالله) بفتح الهمزة جمع يمين وهو إما يمين البيعة أو المطلق فقوله: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ} تكرير للتوكيد على هذا ثم الظاهر أنّ المراد بالإيمان في النظم المحلوف عليه كما في الحديث: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يميته " لأنه لو كان المراد به ذكر اسم الله كان عين التأكيد لا المؤكد فلم يكن محل ذكر العاطف كما تقزر في المعاني، وهذا إذا لم يرد به يمين مخصوصة كما مر وإذا حمل على مطلق الإيمان فهو عام للحديث السابق لا خاص كما ذهب إليه الإمام لأنّ الخطر لو لم يكن باقيا ما احتيج إلى الكفارة الساترة للذنب كذا قيل ورد بأنّ المراد به العقد لا المحلوف عليه لأنّ النقض إنما يلائم العقد، ولا ي! نافيه قوله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 بعد توكيدها كما توهم لأنّ المراد كون العقد مؤكداً بذكر الله لا بذكر غيره كما يفعله العامة فالمعنى إنّ ذلك النهي لما ذكر لا عن نقض الحلف بغير الله، ثم إن النهي عن نقضه عام مخصوص بالحديث السابق، ووجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الإيمان الانعقاد، ولو محظورة فلا ينافي لزوم موجبها، وقد يقال إنه للإقدام على الحلف بالله في غير محله فليتأمل. قوله: (بقلب الواو همزة) هذا مذهب الزجاج وغيره من النحاة، وذهب غيرهم إلى أنهما لغتان أصليتان كأرخت وورخت لأنّ الاستعمالين في الماذتين متساويان فلا يحسن القول بأنّ الواو بدل من الهمزة كما في الدر المصون. قوله: (شاهداً الخ (يعني أنّ الكفيل هنا ليس بمعناه المتبادر منه بل بمعنى الشاهد إما على التشبيه فهو استعارة أو باستعماله في لازم معناه فهو مجاز مرسل، والعبارة محتملة لهما، والظاهر أن جعلهم مجاز أيضاً لأنهم لما فعلوا ذلك، والله مطلع عليهم فكأنهم جعلوه شاهداً، ولو أبقى الكفيل على ظاهره، وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله كما يقال من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغا جداً فتأمله، وقوله إنّ الله يعلم كالتفسير لما قبله، وهذه الجملة حالية إمّا من فاعل تنقضوا أو من فاعل المصدر وان كان محذوفا، وقوله إبرام بالباء الموحدة والراء المهملة أصل معناه تقوية فتل الخيط والحبل ونحوه ولذا تجوّز به عن الإلحاح فقوله وأحكام عطف تفسير، وهما مصدران من المبنيّ للمجهول. قوله: (ما غزلتة مصدر بمعنى المفعول الم يكتف بأحدهما، وان كان قد يغني عن الآخر للتوضيح إذ ما تحتمل المصدرية والموصولية ولأن الثلاثيّ أعمّ من الأوّل فينطبق على الوجه الثاني كما سننقله عن الكشاف، وقيل إنه لم يكتف بقوله مصدر بمعنى المفعول لأنّ مغزولها قد يكون بغزل الأجانب والإضافة إليها للملك، ونقض ما غزلته بنفسها أدل على شدة حمقها لكنه لو اكتفى بقوله ما غزلته كان أخصر وفيه ما فيه، وقوله متعلق بنقضت أي على أنه ظرف لقوله نقضت لا حال، ومن زائدة مطردة في مثله. قوله: (طاقات نكث فتلها الخ) جمع طاقة وهي ما فتل وعطف من الخيوط والحبال ونحوها كطاقات الأبنية والنكث والنقض بمعنى، وهو حل ما فتل أو بني في الأصل نقل مجازاً إلى إبطال العهود والإيمان ففي نقض الإيمان استعارة بها يتمّ الارتباط بين المشبه والمشبه به وقد مر تفصيلها في سورة البقرة، وقوله جمع نكث أي بكسر النون وسكون الكاف بمعنى منكوث كنقض بمعنى منقوض. قوله: (وانتصابه على الحال الخ) فهي حال مؤكدة وفي إعرابه وجوه أحدها هذا، والثاني أنه منصوب على أنه مفعول لنقضت لتضمنه معنى صيرت أو لتقديره أو لجعله مجازاً عنه كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قيل، والأوّل أولى، ونقضت فيه مجاز أيضا بمعنى أرادت النقض على حذ قوله إذا قمتم إلى الصلاة لما فيه من الجمع بين القصد، والفعل ليدل على حماقتها واستحقاقها اللوم بذلك فإنّ نقضها لو كان من غير قصد لم تستحق ذلك ولأنّ التشبيه كلما كان أكثر تفصيلاً كان أحسن، وفي هذا التمثيل إشارة إلى أنّ ناقض يمينه خارج من الرجال الكمل داخل في زمرة النساء بل في أدناهن، وهي الخرقاء، وكأنّ المصنف رحمه الله تعالى عدل عنه لما فيه من التجوّز مرّتين طيا للمسافة لا اغتراراً بقوله جار الله فجعلته إنكاراً كما توهم، وجوّز الزجاج فيه وجهاً ثالثاً، وهو النصب على المصدرية لأنّ نقضت بمعنى نكثت فهو ملاق لعامله في المعنى، وقوله والمراد به تشبيه الناقض بالضاد المعجمة أي من غير تعيين كما في الوجه الآخر إذ التشبيه لا يقتضي وجود المشبه به بل يكفي فرضه. قوله: (وقيل هي ريطة) وفي نسخة بريطة بباء جر داخلة على ريطة أي المراد تشبيه الناقض بريطة بفتح الراء المهملة وسكون المثناة التحتية، وفتح الطاء المهملة، وهو علم لامرأة معروفة منقول من الريطة بمعنى الأزار، والملاءة ذات اللفقين فالمشبه به معين كما تشهد له الموصولية قال جار الله إنها اتخذت مغزلاً قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عطيمة على قدرها فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن، والخرقاء بخاء معجمة، وراء مهملة وقاف، ومد الحمقاء أو ذات الجنون، والوسوسة. قوله:) حال من الضمير في ولا تكونوا (إن كان الدخل بمعنى الدغل، وهو الفساد ففائدة الحال الإشارة إلى وجه الشبه و الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 قوله متخذي جار على الوجهين، وجوّز فيه أن تكون جملة تتخذون خبر كان وكالتي نقضت حال، وقوله أصل الدخل الخ يعني أنّ هذا أصل معناه ثم كني به عن الفساد كما ذكره الراغب في مفرداته. قوله: (لأن تكون جماعة كثر عددا الخ (إشارة إلى أن المصدر المؤول بتقدير الجار المطرد حذفه معه، وقدر باللام كما سيشير إليه أو مخافة أو تكون، وجوّز في كان أن تكون تامة وناقصة، وفي هي أن تكون مبتدأ وعماداً وقوله والمعنى الخ قيل هذا لا يناسب السباق، واللحاق، وليس بشيء لأنه لما ذكر نقض عهودهم وأيمانهم في البيعة أردفه بذكر سببه ثم بحكمة الابتلاء بما ذكر وأفي مناسبة أتم من هذه وهذا مما لا خفاء فيه، وقوله لكثرة منابذيهم أصله منابذين أي معادين بصيغة الجمع فحذفت نونه للإضافة، وأما كونه بالتاء الفوقية مصدراً كالمقابلة كما في بعض النسخ فتحريف وفي بعضها منابذهم بصيغة المفرد والشوكة القوة مستعار لها من الشوكة بمعنى السلاح المشبه بشوك الشجر، وقوله نقضوا عهدهم ضمير الجمع للحلفاء وهو ظاهر. قوله:) الضمير لأن تكون أمّة الخ) يعني أنّ الضمير في النظم إمّا عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أو للمصدر المنفهم من أربى بمعنى أزيد، وهو الربو بمعنى الزيادة، وقيل إنه لا ربى لتأويله بالكثير، وفي نسخة لا ربى وفي أخرى للربو، وقوله وقيل للأمر بالوفاء المدلول عليه بقوله، وأوفوا الخ، ولا حاجة إلى جعله منفهما من النهي عن الغدر بالعهد كما قيل، وقوله بحبل الوفاء بعهد الله استعارة مبنية على الاستعارة في قوله، ولا تنقضوا. قوله:) إذا جارّاكم الخ) الظرف بدل من يوم القيامة بدل بعض من كل لبيان الجزاء الواقع فيه البيان وتفسير البيان بالمجازاة لأنها سبب لعلم ما هم عليه من الرأي الفاسد، والتوفيق ضدّ الخذلان وفسر الإضلال والهداية بهما ولو أبقاهما على ظاهرهما صح، وترك ما في الكشاف لابتنائه على مذهبه. قوله: (سؤال تبكيت ومجازاة (لا سؤال استفسار وتفهم، وهو المنفي في غير هذه الآية كما مر تفصيله. قوله: (تصريح بالنهي عنه الخ (لما كان اتخاذهم الإيمان دخلا قيداً للمنهي عنه كان منهياً عنه ضمنا فصرج به لما ذكر، وهذا معنى قول الزمخشري ثم كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيداً عليهم، واظهار العظم ما ارتكب ولا مخالفة بينهما كما توهم، وقد اعترض عليه أبو حيان بأنه لم يتكرر النهي إذ ذكر أولأ على طريق الأخبار عنهم بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بأمر خاص، وجاء النهي المستأنف الإنشائي عن اتخاذ الإيمان دخلا على العموم ليشمل ما عداه من الحقوق المالية وغيرها، ورذ بأنّ قيد المنهي عنه منهي عنه فليس إخباراً صرفا ولا عموم في الثاني لأن قوله فتزل الخ إشارة إلى العلة السابقة إجمالأ لتقدم ذكرها كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى على أنه قد يقال إنّ الخاص مذكور في ضمن العام أيضاً فلا محيص عن التكرار أيضا، ولو سلم ما ذكره فتأمّل، وقوله في قبح المنهي أي المنهيّ عنه والمراد به القبح الشرعي. قوله: (والمراد إقدامهم الخ (فتزل قدم منصوب بإضمار إن في جواب النهي لبيان ما يترتب عليه، ويقتضيه وإذا كان زلل قدم واحدة قبيحا منكر فسوه أشذ، وهذه نكتة سرية، وأما ما ذهب إليه في البحر من أن الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع فيؤتى بما هو له مجموعا، وتارة يلاحظ فيه كل فرد فرد فيفرد ماله كقوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [سورة يوسف، الآية: 31] أي لكل واحدة منهن متكأ ولما كان المعنى لا يفعل هذا كل واحد منكم أفرد قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال وتذوقوا مراعاة للفظ الجمع فهو توجيه للإفرأد من جهة العربية، وهو لا ينافي النكتة فلا وجه لرذه به ومتابعة غيره له. قوله: (بصدودكم عن الوفاء الخ (يعني أن صد يكون لازماً بمعنى أعرض، ومصدره الصدود لأنّ فعولاً يغلب في المصادر اللازمة ومتعدياً بمعنى منع ومصدره الصد والفعل هنا يحتملهما، وقوله فإنّ من نقض البيعة الخ جواب سؤال مقدر يرد على الوجه الثاني، وهو أنّ نقض العهود فيه صدود عن الوفاء لا صد للغير عنه فكيف ترتبه على ما قبله فأشار إلى أنهم بذلك سنوا سنة سيئة اتبعها من بعدهم من أهل الشقاء والإعراض عن الحق فكان صدودهم عن محجة الإسلام. قوله: (ولا تستبدلوا عهد الله الخ) إشارة إلى أنّ الاشتراء هنا مجاز عن الاستبدال لأن الثمن مشترى به لا مشتري كما مر تحقيقه، وفي كلامه اختصار وطيّ لما علم، والعرض بالراء المهملة، والضاد المعجمة ما لا ثبات له قال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} ولهذا استعارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 المتكلمون لما يقابل الجوهر، وفي بعضها عوض بالواو وهو ظاهر، وقوله إن كنتم من أهل العلم إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم لا أن مفعوله محذوف، وهو فضل ما بين العوضين لأنّ هذا أبلغ ومستغن عن التقدير. قوله:) ينقضي ويفني) مبتدأ وخبر من النفاد بالدال المهملة بمعنى الفناء، والذهاب يقال نفد بكسر العين ينفد بفتحتها نفاداً ونفوداً، وأما نفذ بالذال المعجمة ففعله نفذ بالفتح ينفذ بالضم، وسيأتي تحقيقه، وقوله من خزائن رحمته أي من رحمته المخزونة عنده، وفيه استعارة مكنية لتشبيه رحمته بالجواهر والنفائس التي تخزن وكونه تعليلا لكون ما عنده خيراً ظاهر، وكونه دليلا على بقاء نعيم الجنة بمعنى بقاء نوعه بناء على أنّ المراد بما عنده ما أعذه لهم في الآخرة. قوله: (على الفاقة (أي الفقر، وقوله على مشاق التكاليف فيعئم جميع المؤمنين وقوله بالنون أي بنون العظمة في أؤل المضارع على الالتفات من الغيبة إلى التكلم. قوله: (بما ترجح فعله الخ (لما كان ظاهر النظم أنهم لا يجازون على الحسن منها أؤله بأنّ المراد بالأحسن ما ترجح فعله على تركه فيشمل الواجب والمندوب، والحسن هو المباج فإنه لا يثاب عليه، والمراد بالأعمال ما يشمل الأعمال القلبية ككف النف! س عن المحزمات والمكروهات والعزم على فعل الخيرات، وقوله أو بجزاء أحسن من أعمالهم فأحسن صفة الجزاء، وكونه أحسن لمضاعفته، وهذا جواب آخر بأنّ الإضافة على معنى من التفضيلية، والإضافة إلى جنسه، والباء على هذا صلة نجزين وعلى الأول سببية، وقيل أحسن بمعنى حسن وأما الجواب بأنه إذا جازى على الأحسن علمت مجازاته على الحسن بالطريق الأولى فغيره مسلم. قوله:) بينه بالنوعين (أي الذكر والأنثى دفعأ لتوهم تخصيصه بالذكور لتبادره من ظاهر لفظ من فإنه مذكر وان شملهما بدون تغليب ولأنّ النساء لا يدخلن في اً كثر الأحكام والمحاورات لا سيما وقد عاد عليه ضمير مذكر. قوله:) إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة الخ (معنى قوله، وهو مؤمن، وهو ثابت على إيمانه إلى أن يموت كما تفيده الجملة الاسمية، وجعل حياته طيبة كلها فلا حاجة إلى قيد آخر ليخرج من ارتد خصوصا، والمصنف ممن يعتبر الموافاة. قوله:) وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب (قيل إنما عبر بالمتوقع لتعارض الأدلة، والنصوص في تخفيف عذاب الكفرة بسبب أعمالهم الحسنة كقوله: {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} [سورة النحل، الآية: 85] وقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [سورة الزلزلة، الآية: 7] وحديث أبي طالب أنه: " أخف الناس عذاباً " ورذ بأنّ هذا الحديث لا يدل إلا على تفاوت عذاب الكفرة بحسب تفاوت شرورهم زيادة ونقصانا ولا نزاع فيه، وليس بشيء لأنه لا شيء أشد من الكفر المستحق صاحبه للعذاب الأليم، وقد ورد في حق أبي طالب إنه لمحبته وحمايته للنبيّ صلى الله عليه وسلم خفف عذابه، وفي البخارقي ما معناه " إنه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه " فقال الإمام الكرماني في شرحه فإن قلت أعمال الكفار كلها هباء منثوراً يوم القيامة فكيف انتفع أبو طالب بعمله حتى شفع له صلى الله عليه وسلم قلت ليس هذا جزاء لعمله بل أو هو لرجاء غيره أو هو من خصائص نبينا مجتي! وبه يظهر التوفيق وسيأتي له تفصيل إن شاء الله تعالى. قوله: (كان يطيب عيثه بالقناعة والرضا بالقسمة (أي بما قسم الله له وقدره، والأجر العظيم في الآخرة على تخلف بعض مراداته عنه وضنك عيشه وهذه الأمور لا بد من وجود بعضها في المؤمن والأخير عام شامل لكل مؤمن فلا يرد عليه أن هذا لا يوجد في كل من عمل صالحاً حتى يؤول المؤمن بمن كمل إيمانه أو يقال المراد من كان جميع عمله صالحاً، وتوقع الأجر العظيم إما على صبره على العسر أو على عمله الصالح، وأن يتهنأ بالهمزة في آخره، وقد تبدل ألفا، وهو مفعول يدع أي يترك وقوله وقيل في الآخرة معطوف على قوله في الدنيا، وقوله من الطاعة مر بيانه. قوله: (1 ذا اردت قراءته (يعني أنه مجاز مرسل كما في الآية المذكورة كما تشهد له فاء السببية والحديث المشهور عن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل القراءة: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وغيره مما استفاض! رواية وعملا وتفصيله في كتب الآداب، وهذا مذهب الجمهور من القراء والفقهاء، وقد أخذ بظاهر الآية بعض الأئمة كأبي هريرة رضي الله تعالى عنه وابن سيرين، وقيل إنّ الفاء لا دلالة فيها على ما ذكر وأنّ إجماعهم على صحة هذا المجاز يدل على أنّ القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ليس بشرط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 فيه، وليس بشيء لأنّ طلب الاستعاذة من الوسوسة في القراءة المؤدّية إلى خلل ما بحسب الظاهر يكون قبل الشروع فيها ومثله يكفي قرينة قيل، والذي غره أنه لا فرق بين هذه الآية وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنّ ثمة دليلا قائما على المجاز وترك الظاهر بخلاف ما نحن فيه، وقد أشار إلى رذه في الكشف حيث قال أجمع القراء وجمهور الفقهاء على أنّ الاستعاذة حال الشروع في القراءة، ودل الحديث على أنّ التفديم هو السنة فتبقى سببية القراءة لها، والقاء في فاستعذ تدل عليها فتقدر الإرادة ليصح وأيضاً الفراغ عن العمل لا يناسب الاستعاذة من العدوّ، وإنما يناسبها الشروع فيها فتقدر الإرادة ليكونا أي القراءة، والاستعاذة مسببين عن سبب واحد، ولا يكون بينهما مجرد الصحبة الاتفاقية التي تنافيها الفاء وأشار إليه في المفتاح بقوله بقرينة الفاء والسنة المستفيضة فتأمل. قوله: (فاسأل الله) بيان لأنّ السين للطلب، وقوله من وساوسه بيان للمراد أو لتقدير المضاف بقرينة المقام، وقوله والجمهور على أنه للاستحباب لما روي من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها وقال عطاء إنها واجبة لظاهر الأمر. قوله: (وفيه دليل الخ) المراد بالحكم ما دلّ عليه الأمر، وقد اختلف فيه هل يقتضي التكرار أولاً على ما فصل في الأصول فقيل الأمر المعلق على شرط أو صفة للتكرار لا المطلق وهو مذهب بعض الحنفية والشافعية واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى هنا في الشرط لأنه سبب أو علة، والشيء يتكرر سببه وعلته كما في قوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنه يدل على وجوب الغسل لكل جنابة، وهذا معنى قوله قياسا أي قياساً لما وقع في الصلاة على ما وقع خارجها وقيل معناه قياسا على ما وقع ابتداء للاشتراك في العلة. قوله: (يستعيذ في كل ركعة) وهذا مذهب ابن سيرين والنخعيّ وأحد قولي الشافعي، وفي قول آخر له كأبي حنيفة يتعوّذ في الركعة الأولى لأنّ قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمة الله تعالى لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة، ويراه في غيرها كقيام رمضان. قوله: (بأنّ الاستعا " عند القراءة من هذا القبيل (أي قبيل العمل الصالح المطلوب من الذكور والإناث المورث لطيب حياة الدارين وإنما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على فضل هذا العمل، وأن غيره تابع له فيه بحسب الذات والزمان، وتأكيداً للحث عليه لأنه إذا أمر بالاستعاذة المعصوم فغيره أولى. قوله:) هكذا أقرأنيه جبريل عليه الصلاة والسلام عن القلم عن اللوح المحفوظ (هكذا رواه الثعلبيئ، والواحدي ولم يتعقبه العراقي في تخريجه وفي الكشف كذا وجدته في كتب القرا آت، ولا يريد بالقلم القلم الأعلى فإنه مقدم الرتبة على اللوج بالنص وإنما أراد القلم الذي نسخ به من اللوج، ونزل به جبريل عليه الصلاة والسلام دفعة إلى السماء الدنيا فافهم ففيه نظر فإنه لا داعي للعدول عن الظاهر إذ المراد أنه مشروع كذلك في الأزل فتأمل وكأنه وقع في نسخة عن اللوج عن القلم كما في بعض التفاسير، والذي في نسخ القاضي، والكشاف خلافه مع أن التأخير الذكري لا يقتضي التأخر الرتبي لا سيما بدون أداة ترتيب وفي كتب الكلام القلم العقل الأوّل، واللوج العقل الثاني. قوله:) تسلط وولاية) إشارة إلى أنّ السلطان هنا مصدر بمعنى التسلط، وهو الاستيلاء، والتمكن من القهر فعطف الولاية عليه للتفسير ثم أطلق على الحجة وعلى صاحب ذلك وقوله على أولياء الله أخذه من قوله الذين آمنوا لقوله تعالى: و {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة البقرة، الآية: 257] أو من التوكل لأن من فوض أمره لله وولاه جميع أموره كان وليا له ويدل عليه مقابلته بقوله يتولونه، وقوله المؤمنين به والمتوكلين عليه إشارة إلى أنّ الأصل في الصفة الإفراد، وقوله فإنهم الخ دفع لسؤال، وهو أنه إذا لم يكن له عليهم تسلط لم أمروا بالاستعاذة منه بأنه للاحتياط د! ان كان صدوره نادراً اعتناء بحفظهم، ولذأ جعل الخطاب له صلى الله عليه وسلم كما مرّ فالمنفي ما عظم منه، والاستعاذة عن محقراته، وقيل نفي التسلط بعد الاستعاذة، وفي الكشف إن هذه الآية جارية مجرى البيان للاستعاذة المأمور بها، وأنه لا يكفي فيها مجرد القول الفارغ عن اللج إلى الله تعالى وأن اللج إليه إنما هو بالإيمان أوّلاً والتوكل ثانيا، وعلى الوجهين ظهر وجه ترك العطف. قوله: (يحبونه ويطيعونه (إشارة إلى أن تولاه بمعنى جعله والياً عليه، ومن جعل غيره واليا عليه فقد أحبه وأطاعه كقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 23] الخ، وقوله بالله الخ إشارة إلى أن الضمير راجع لربهم، والباء للتعدية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 أو للشيطان والباء للسببية ورجح باتحاد الضمائر فيه. قوله:) بالنسخ فجعلنا الآية الخ (إشارة إلى أن بذلنا مضمن معنى جعلنا لأن المبدل نفسها لإمكانها، وذكر هذا عقب الاستعاذة لأنه مما يدخل فيه الشيطان الوسوسة على الناقضين بالبداء ونحوه، وقوله لفظآ أو حكما إشارة إلى قسمي النسخ كما فصل في محله وأو لمنع الخلو فإنهما قد ينسخان معاً، وقوله بالتخفيف أي بتخفيف الزاي وسكون النون. قوله: (من المصالح (بيان لما ينزل والباء للسببية، ولو جعلت صلة العلم صح وما ذكر بيان لحكمة النسخ ورذ الطعن بالبداء أو فائدة التبديل فإنّ الطبيب الحاذق قد يأمر المريض بشربة ثم بعد ذلك ينهاه عنها ويأمره بضدها، وقوله تأمر بشيء ثم يبدو لك إشارة إلى وجه الطعن بالبداء، ولم يقولوا يأمر الله، وينهي بناء على زعمهم في أنه افتراء. قوله: (اعتراض) قدم الاعتراض لأن الحالية لا تخلو من الاعتراض، وفيه التفات، والسند قولهم يأمر بشيء ثم ينهي عنه فإنه لجهلهم يقتضي البداء الذي لا يليق بالحكيم، ويعني بهذا أنه منزل من عندي لا تقوّل عليئ، وقوله حكمة الأحكام أي في تبدلها. قوله: (كقولهم حاتم الجود) قيل المراد حاتم الجواد فأضيف للمبالغة في كثرة ملابسته له ورذ بأنه قال في الكشف في الصافات في رب العزة أنه أضيف لاختصاصه بها كحاتم الجود وسحبان الفصاحة وليس الإضافة فيه، ولا في نحو رجل صدق من إضافة الموصوف للصفة على جعله نفس الصدق مبالغة وذكر ثمة وجهاً آخر لا يناسب هنا (قلت (ما ارتضاه الفاضل وجه وجيه، وليس هو أبا عذرته قال الرضي في باب النعت هم كثيرا ما يضيفون الموصوف إلى مصدر الصفة نحو خبر السوء أي الخبر السيىء ورجل صدق أي صادق اهـ، وقوله بالتخفيف أي بسكون الدال. قوله: (تنبيه على أن إنزاله مدرجاً الخ (قوله مدرجا بصيغة المفعول أي بالتدريج، وهو مقابل الدفعي وهو إشارة إلى الفرق بين الإنزال والتنزيل، وقد مر تفصيله يعني أنه لم ينزل دفعة واحدة بل دفعات على حسب المصالح الدينية، والمصالح تختلف باختلاف الأزمان فكم من شيء يلزم في وقت ويمتنع في آخر فكونه كذلك مما يؤيد صحة النسخ وحسنه فلذلك اختار صيغة نزل هنا دون أنزل لمناسبته لمقتضى المقام فقوله على حسب المصالح خبر أن وبما يقتضي بدل منه أو حال من الضمير المستتر في مدرّجاً وبما الخ خبر، وقوله بما بالباء السببية، وفي نسخة مما وليس الإنزال التدريجي هنا مخصوصاً بالناسخ والمنسوخ كما قيل بل شامل له، وقوله ملتبسا الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وأنّ الحق بمعنى الحكمة والصواب المقتضي للتبديل. قوله: (ليثبت الله الذين آمنوا الم يؤوّله بقوله ليبين الله ثباتهم كما أوّله به غيره لأنه لا حاجة إليه إذ التثبيت بعد النسخ لم يكن قبله فإن نظر إلى مطلق الإيمان صح، وقوله وأنهم عطف تفسيري وفي نسخة فإنهم بالفاء وهي أولى، وقوله المنقادين تفسير للمسلمين بمعناه اللغوي ليفيد بعد توصيفهم بالإيمان. قوله: (وهما معطوفان على محل ليثبت) وجوّز المعرب العطف على لفظه لأنه مصدر تأويلا وقد مر نظيره في قوله لتركبوها وزينة على القراءة المشهورة مع وجوه أخر فيه لكن المصنف رحمه الله حكاه بقيل هناك مضعفاً له وهنا ساقه على وجه يقتضي ارتضاءه له فبين كلاميه تناف، ويدفع بالفرق بينهما فإن ثمة اختلافاً في الفاعل مجوّزاً للصراحة في أحدهما دون الآخر فهو نظير زرتك لتكرمني، واجلالاً لك وهذا نظير زرتك لأحدّثك، واجلالاً لك فالتضعيف راجع إلى التوجيه، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي تثبيتا وهداية، وبشارة فهو راجع إلى اتحاد فاعل الفعل المعلل وعدمه نعم يبقى الكلام على الاتحاد في وجه ترك اللام في المعطوف دون المعطوف عليه، ويوجه بأن المصدر المسبوك معرفة على ما تقرر في العربية والمفعول له الصريح، وان لم يجب تنكيره كما عزى للرياشي فخلافه قليل كقوله: وأغفر عوراء الكريم ادّخاره ففرق بينهما تفننا وجريا على الأفصح فيهما، والنكتة فيه أنّ التثبيت أمر عارض! بعد حصول المثبت عليه فاختير فيه صيغة الحدوث مع ذكر الفاعل إشارة إلى أنه فعل لله مختص به بخلاف الهداية، والبشارة فإنها تكون بالواسطة، وأمّا الدفع بأن وجود الشرط مجوّز لا موجب والاختيار مرجح ما فيه من فائدة بيان جواز الوجهين فلا يصح وجها عند التحقيق. قوله: (وفيه تعريض بحصول أضداد دّلك لغيرهم) في الكشف إن هذا لأنّ فوله نزله الخ، جواب لقولهم إنما أنت مفتر فيكفي فيه قل نزله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 روج القدس فالزيادة لمكان التعريض، وأفاد سلمه الله أنّ قوله نزله روح القدس من ربك بدل أنزله الله فيه زيادة تصوير على جواب الطعن بأحسن وجه فإن الحكمة تقتضي التبديل فهو من الأسلوب الحكيم، وفيه نظر. قوله: (يعنون جبراً الرومي الخ) جبر بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة، والراء المهملة، وهذه الرواية أنسب بإفراد الذي، والحضرمي بالضاد المعجمة نسبة إلى حضرموت واسمه على ما ذكره السهيلي في الإعلام عبد القه بن عماد وله من الأولاد العلاء وعمر وعامر والعلاء أسلم وصحب النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على القول بأنهما " غلامان روميان جبر ويسار " كضد اليمين فالذي للجنس، وقوله كانا يصنعان السيف الأولى السيوف كما في الكشاف وعائش بدون هاء مذكر عائشة اسم الغلام المذكور، وقيل اسمه يعيش، وحويطب بالحاء والطاء المهملتين تصغير حاطب وهو جامع الحطب، وقوله وكان صاحب كتب أي كان له دراسة وعلم بالكتب القديمة كالإنجيل. قوله: (وقيل سلمان الفارسي) ضعفه لما في حواشي الكشاف من أنّ هذه الآية مكية وسلمان أسلم بالمدينة وكونها إخباراً بأمر مغيب لا يناسب السياق ورواية أنه أسلم بمكة، واشتراه أبو بكر رضي الله عنه وأعتقه بها ضعيفة لا يعوّل عليها كاحتمال أن هذه الآية مدنية. قوله: (لغة الرجل الخ) إشارة إلى أنّ اللسان هنا بمعنى التكلم مجازاً لا الجارحة المعروفة، وهو مجاز مشهور وقوله يميلون قولهم عن الاستقامة إليه أي ينسبون إليه التعليم، وفيه إشارة إلى أنّ مفعوله محذوف، وأصل معنى لحد وألحد أمال ومنه لحد القبر لأنه حفرة مائلة عن وسطه ولحد القبر حفره كذلك وألحده جعل له لحداً ولحد بلسانه إلى كذا مال، وقوله من لحد القبر بصيغة الماضي أو المصدر ووجه الأخذ ما مر، ولحده وألحده لغتان فصيحتان مشهورتان وليستا كصذه وأصده لأنّ أصده غير مشهورة الاستعمال فليس فيما مر في سورة إبراهيم من أن قراءة الحسن يصدون من أصده منقولاً من صد صدوداً غير فصيحة لأنّ في صده مندوحة عن تكلف التعدية ما يقتضي أنّ قراءة غير حمزة والكسائي ليست بفصيحة كما توهم، وقولهم لسان أعجمي يعني أنه صفة موصوف مقدر، وقوله غير بين تفسير لأعجمي لمقابلته بقوله مبين، وقوله ذو بيان وفصاحة الفصاحة تؤخذ من ذكر هذا الوصف بعد توصيفه بالعربية فإنه يقتضي أنه قوي البيان لا تعقيد فيه، ولا لكنه فتأمل. قوله: (والجملتان مستانفتان الخ) استئناف نحوي أو بياني فلا محل لهما من الإعراب، وفي البحر أنهما حال من فاعل يقولون أي يقولون هذا، والحال أنّ علمهم بأعجمية هذا البشر، وعربية هذا القرآن كان ينبغي أن يمنعهم عن مثل هذه المقالة كقوله أتشتم فلانا، وقد أحسن إليك، وإنما ذهب الزمخشري إلى الاستئناف لأنّ مجيء الاسمية حالاً بدون واو شاذ عنده، وهو مذهب مرجوح تبع فيه الفراء وقد مر تفصيله. قوله: (وتقريره (أي تقرير النظم أو تقرير إبطال الطعن، وقوله بأدنى تأمل من قوله مبين، وتلقفه بالفاء أي أخذ.، وتناوله منه، وما اسم يكون ومنه خبرها أي مأخوذاً منه وقيل اسم يكون ضمير القرآن وما خبر له وضمير منه للبشر وقوله هب أنه أي قدر ذلك الوصف وأفرضه، وهذا التركيب كما في الحديث: " هب أن أبانا كان حمارا) وقد بيناه في شرح الدرة وحاصلهما مغ تعلمه منه مع سنده، ثم تسليمه باعتبار المعنى إذ لفظه مغاير للفظ ذلك البشر بديهة فيكفي دليلاً له ما أتى به من اللفظ المعجز، وقوله في بعض أوقات مروره استبعاد لتعلم مثل هذا الأمر الجليل في وقت قليل بلفظ يسير عجمي لا سيما مع احتمال أنّ السامع والمتكلم لا يعرفان معنى ذلك فهذا مما يكذبه العقل السليم وقوله معجز باعتبار المعنى لاشتماله على المغيبات. قوله: (لا يصدقون أنها من عند الله) فسره به بقرينة قوله إنما أنت مفتر، وقوله إلى الحق الظاهر أنه تقدير للمتعلق إمّا عامّا شاملا لما هو منج لهم، ولغيره فإنّ من الحق ما لا ينجيهم كالإقرار ببعفالرسل والشرائع القديمة السابقة أو خاصاً كالإيمان بمحمد! يهشي! ونحوه أو الجنة فالتغاير بين التفاسير المأثورة ظاهر فليست أو للتخيير في التفسير لأنّ الحق هو الصراط المستقيم الذي من سلكه نجا كما قيل، ومعنى لا يهديهم أن سبب عدم إيمانهم هو أنه تعالى لا يهديهم لختمه على قلوبهم أو عدم هدايتهم مجازا لعدم إيمانهم بأنّ تلك الآيات من عنده تعالى، وقيل الحق ما هو حق عند الله وهو الإيمان، والنجاة هي النجاة عن العقاب، وفيه تنبيه على أنّ الهداية كما تضاف إلى نفس الحق تضاف إلى طريقه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 والأولى أن يقول أو إلى سبيل الحق لكنه أضاف السبيل إلى لازمه، وهو النجاة، ولا يخفى أنه تعسف نحن في غنى عنه بما سمعته فتأمل. قوله: (إلى الجنة) قيل هو تفسير للمعتزلة مناسب لأصولهم، وفيه نظر وقوله هددهم التهديد بما ذكره في هذه الآية وإماطة الشبهة قد مر في قوله لسان الذي الخ وقوله قلب الأمر عليهم إشارة إلى أنّ في الآية قصر قلب والمعنى إنما يفتري هؤلاء لا هو وقوله لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم لعدم تصديقهم بوعيده ومن لا يخاف العقاب يجترئ على الكذب. قوله: (إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش (أما كونه إلى الكافرين مطلقاً فلسبقهم في قوله الذين لا يؤمنون ويدخل فيهم قريش دخولاً أوّليا، وأمّا كونه لقريش فلأن السياق فيهم، وهم القائلون إنما أنت مفتر كأنه بعد تمهيد مقدمة كلية هي إن الذين يفترون كاذبون صرح بما هو كالنتيجة له، وهو أنّ قريشا كاذبون فلا استدراك في الكلام على هذا فاقا إذا كان إشارة إلى الذين كفروا فيدفع الاستدراك بأنّ المراد بالكاذبين الكاملون في الكذب، والتعريف جنسيئ على ما مر تحقيقه في أولئك هم المفلحون أو المستمرّون على الكذب أو يقيد اأممذب فهذه الوجوه الثلاثة إذا كان أولئك إشارة إلى الذين لا يؤمنون على ما حققه الشارح العلامة. قوله:) أي الكاذبون على الحقيقة الخ (شروع في دفع الاستدراك، والتكرار وتوجيه للحصر المستفاد من الضمير وتعريف الطرفين ومعنى قوله على الحقيقة أي الكاذبون حقيقة، وفي نفس الأمر لا بحسب الزعم والإسناد الواقع منهم في قولهم إنما أنت مفتر ومآله إلى الحصر الإضافي، وهذا على عموم المشار إليه على ما صرح به شراج الكشاف وجوز إرجاعه إلى كون الإشارة لقريش أو إليهما والإشكال بأنّ أحد الحصرين مناف للآخر مدفوع بأن معنى حصره في الكفرة عدم تجاوزه عنهم إلى غيرهم، وهو لا يقتضي وجوده في كلهم والفائدة في ضم قريش الموصوفين به، والحكم على الكل الإشارة إلى أنّ منشأ التكذيب الكفر المشترك بينهم، وأن من لم يكذبه منهم في قوة المكذب مستحق لما يستحقه مع أنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال لا ورود له رأساً لأن الحصر على الوجوه الأربعة غير حقيقي فلا ينافي آخر مثله فتأمل. قوله:) أو الكاملون في الكذب (هذا هو ثاني الوجوه الأربعة، والتعريف للجنس الادعائي بجعل ما عداه كأنه ليس بكذب بالنسبة إليه على ما مر، وهذا أبلغ من جعله للعهد كما مر، وقوله أو اللذين عادتهم الكذب كما تدل عليه الاسمية، ولذا عطف على الفعلية وبه اندفع الاستدراك لأنه كقولك كذبت يا زيد وأنت كاذب يعني أنّ عادتهم الكذب فلذلك اجترؤوا على تكذيب آيات الله لأنه لا يصدر مثله إلا ممن عرف بالكذب، وفيه قلب حسن لأنه إشارة إلى أنّ قريشا لما كان عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله ومن أتى بها حتى نسبوا من شهد له بالأمانة، والصدق إلى الافتراء وقوله أو الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر فهو تقييد للكذب. قوله: (بدل من الذين لا يؤمنون الخ) أي بدل من الذين لا يؤمنون بآيات الله في قوله إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وقوله وأولئك هم الكاذبون اعتراض أي بين البدل والمبدل منه كما في الكشاف، واعترض عليه أبو حيان وغيره من المعربين بأنه يقتضي أنه لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقأ، وهم أكثر المفترين وأيضا البدل هو المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار في أصلهم وأجيب تارة بأنّ المراد بعد تمكنهم من الإيمان كقوله: {اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: 16] كما مر تحقيقه وردّ بأنّ قوله إلا من كره يأباه ودفع بأنّ التمكن منه أعم من التمكن من إحداثه وابقائه ولا يخفى ما فيه من التكلف وتارة بأن المعنى من وجد الكفر فيما بينهم بعد الإيمان تعييرأ على الارتداد أيضاً بجعله كأنه صدر! هم لارتضائهم له كبنو فلان فتلوا قتيلأ وتارة بأنّ المراد من بعد تصديقه بآيات أدئه وأيد بأنه مناسب للمبدل منه، وكون المشار إليه أهل مكة الذين جحدوا بها واستيقنتها أقسهم، ولا يخفى ما في هذا كله، وأنه غير ملائم لسبب النزول، ولك أن تقول أقرب من هذا كله أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف، وأنّ هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال إن الشمس غير طالعة في يوم صالح هذا ليس بكذب لأنّ الكذب يصدر فيما قد تقبله العقول، ويكون هذا على الوجه الأوّل، وهو قوله لا يهديهم إلى الحق فالته تعالى لما لم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 يهدهم إلى الحق والصدق، وخثم على حوأسهم نزلوا منزلة من لم يعرفه حتى يساعده لسانه على النطق به فقبح إنكارهم له أبئ من أن يسمى كذباً، دمانما يكذب من تعمد ذلك ونطق به مرة فتكون الآية للردّ على قريش صريحأ والأخرى دلالة على أبلغ وجه فتأمّل، وقوله أو من أولئك أو من الكاذبون يرد عليه ما ورد على ما قبله والكلام السابق يجري فيه برمته، وقيل إنّ هذا على أن يكون المشار إليه قريشاً فلا يرد اعتراض أبي حيان بناء على أنّ الإشارة إلى الذين لا يؤمنون إذ هو يقتضي حصر افتراء الكذب في المرتدين، والواقع خلافه على أنه قد عرف المخلص منه، وإذا كان بدلاً من الكاذبون يكون المعنى قريش هم الكاذبون بعد إيمانهم، ولا يخفى (نّ جملتهم ليسوأ كذلك، وجوابه ما مر وفيه بحث. قوله:) أو مبتدأ خبره محذوف الخ) أي من مبتدأ خبره محذوف، وهو عليه غضب الله بقرينة ما ذكره ومن موصولة على هذا، وقوله بالذم أي كلام مقطوع عما قبله قصد الذثم بتقدير أعني أو أذم والقطع للمدح والذم، وان تعورف في النعت ومن لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل، وقد نص عليه سيبويه، والجواب المحذوف تقديره فعليه كضب الله كما مر! أذا كانت شرطية فهي مبتدأ أيضاً، والكلام في خبرها شهور. قوله: (دل عليه قوله إلا من كره) كذا في بعض النسخ، وهو ساقط في أكثرها، وقد قيل في توجيه هذه النسخة مع أنّ الدالّ عليه بحسب الظاهر قوله فعليهم غضب كما أنه هو الدال على الخبر أيضأ أن مبناها على أعتبار تقديم تقدير الجواب على الاستثناء كما في الكشاف ليكون الحكم المخرج عنه المستثى ما تضمنه الجواب أعني الغضب لا ما تفمنه الشرط أي الكفر والفرق بينهما (نه يلزم على الأوّل أن يكون إجراء كلمة الكفر على اللسان مكرهاً محظورا مرخصأ لكن لم يترتب عليه حكمه، وهو العذاب وألمحضب، وعلى الثاني لم يكن محظورا حيث لم يكن كفراً والأول هو المحختار لكن قوله صلى الله عليه وسلم كلا إنّ عمارا رضي الله عنه ملىء إيمانا يؤيد الثاني إلا أن يؤوّل الرح بعدم إصراره ثم إنه لا فرق بين الجواب، والخبر في هذا إلا أنه ذكر لكل منهما دليلاً تنبيهاً على جريان كل من الدليلين في كل منهما كذا قيل، ولا يخفى ما فيه من التعسف إذ ليس في كلامه ما يدل على تقديره مقدما أو مؤخرا، وما تثبتوا به أو هن من بيت العنكبوت وما ذكره من الفرق غير مسلم كما ستسمعه عن قريب فالظاهر أن هذه النسخة على تقدير صحتها المراد منها أن ما ذكر إلى آخر الآية دليل للجواب لتضمته له، ومثله من التسمح كثير لم! هل أو ضمير عليه يعود على كونه شرطاً فإنه صريح في العموم بخلاف الموصول فانه يحتمله كما يحتمل العهد والاستثناء معيار العموم. قوله: (على الافتراء أو كلمة الكفر) تقدير لما يدل عليه الكلام وقيل إنّ الأوّل مبنيّ على أن من كفر بدل من الذين لا يؤمنون، وقوله استثناء متصل لأن الكفر التلفظ بما يدل عليه سواء طابق القلب أو لا فيدخل فيه ما ذكروا العقد بمعنى اعتقاد القلب لأن أصل معناه الربط، ثم استعمل في التصميم واعتقاد القلب الجازم، وقال لغة تبعا للإمام الراغب إمام أهل اللغة فإنه قال في مفرداته كفر فلان إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وان لم يعتقده اهـ، وأمّا إطلاقه شرعا على من تلفظ به مع القرينة الدالة على أنه لم يعتقده كالإكراه فغير مسلم فمن قال الأولى ترك قوله لغة فإن من تكلم بكلمة الكفر يجعل شرعاً كافراً فقدوهم، وظاهره أنه مستثنى من قوله إلا من كفر، وقيل إنه مستثنى مقدم من قوله فعليهم غضب، وقيل من الجزاء والجواب المقدر ولذا قدره في الكشاف قبل الاستثناء، وكلام المصنف رحمه الله محتمل له أيضاً. قوله: (لم تتغير عقيدته) أصل معنى الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد هنا السكون والثبات على ما كان عليه بعد انزعاج الإكراه، وقوله وفيه دليل الخ حيث أطلق الإيمان على مجرد ما في القلب في قوله بالإيمان، وأورد عليه أنه لا يلزم منه كون ذلك حقيقة الإيمان لأن من جعل الإقرار ركنا قال إنه ركن يحتمل السقوط إذا منع منه مانع من خرس أو إكراه (قلت) هذا اختلاف لفظي لأنه إذا لم يعتبر إذا وجد المانع كان التصديق وحد. إيماناً حينئذ فتأمل. قوله تعالى: ( {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا0020} ) الاستدراك على الإكراه لأنه ربما يتوهم أنه مطلق وقوله: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} لا يدفعه فتامل ومن إما شرطية أو موصولة لكن إذا جعلت شرطية قال أبو حيان وحمه الله تعالى: لا بد من تقدير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 مبتدأ بعدها لأنّ لكن لا تليها الجمل الشرطية وردّه المعرب ويؤيده قوله: ولكن متى يسترفد القوم أرفد والتقدير فيه غير لازم وتوله إذ لا أعظم من جرمه الغ، وهو التصميم على قبول الكفر، وأما أنه أعظم منه كفر يضم إليه منكر آخر كالصد عن سبيل الله فليس بشيء لأنّ الأعظمية بالنسبة لغيره وحده لا معه فلا وجه لما قيل الأظهر أن يقول بعظم جرمه، والمراد أنّ عظم عذابه لعظم جرمه فجوزي من جن! عمله. قوله: (روي أنّ قريشاً الخ) خرج هذا الحديث ابن حجر رحمه الله تعالى على اختلاف في طرقه وألفاظه وسمية بالتصغير أم عمار رضي الله تعالى عنهما وقوله بين بعيرين أي شجوها بينهما، وقوله وجيء بضم الواو، وكسر الجيم ثم همزة مبنيّ للمجهول من وجأه بمعنى طعنه والجار والمجرور نائب الفاعل، وروي أن الذي قتلها أبو جهل لعنه الله وقوله من أجل الرجال أي رغبة في جماعهم فلذا طعنت في قبلها لزعمهم الفاجر، وقوله أعطاهم الخ فيه مجاز لطيف كأنه فداء له، وقوله ما لك أي ما لك تبكي وتجزع من ذلك. قوله: (فعدلهم بما قلت) (2) ذكره في الهداية بلفظ فعدلهم دون قوله بما قلت، ويؤيد ما رواه المصنف رحمه الله تعالى ما رواه الحاكم، وغيره وصححه من أنه قال له فقل لهم، وفسره في الهداية بأنّ معناه عد إلى طمأنينة القلب لا إلى إجراء كلمة الكفر والطمأنينة معاً لأن أدنى درجات الأمر الإباحة فيكون إجراء كلمة الكفر مباحا، وليس كذلك لأنّ ألكفر مما لا تزول حرمته كما بين في الأصول، وقال الرازي: إنّ الأمر للإباحة، وقولهم الكفر مما لا تنكشف حرمته صحيح لكن الكلام في إجراء كلمة الكفر مكرها لا في الكفر نفسه، وتعقب في حواشي الهداية بأنّ إجراء كلمة الكفر كفر وان كان مكرهاً غايته أنه لا يترتب عليه حكم الكفر وأورد على قولهم أدنى درجات الأمر الإباحة بأنّ الإمام النسفيّ رحمه الله تعالى صزح بأن أدنى درجاته الترخيص، وهو لا يقتضي الإباحة كالحنث في اليمين على ما هو خير، وأورد على تأويل الهداية أنه لا معنى لأمره بالعود إلى الطمأنينة، وهي لم تزل، وليس بشيء لأن المراد الثبات عليها والعود إلى جعلها نصب عينه قال الجصاص: الإكراه المبيح أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل مع أخطاره بباله أنه لا يريده فإن لم يخطر بباله كفر، وقوله لما روي تعليل لأفضلية التجنب ومسيلمة بكسر اللام لوقوعها بعد ياء التصغير والفتح غلط، وقوله أخذ برخصة الله دليل لما مرّ عن النسفي، وقوله صدع بالحق أي صرّح به وأظهره استعارة من الصدع يعني الشق كقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [سورة الحجر، الآية: 194 وليس هذا إلقاء للتهلكة بل هو كالقتل في الغز، وكما صرّح به. قوله: (أو الوعيد) وهو قوله فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم فوحد الإشارة على هذا لأنها لا يشار بها إلى متعدد أو لتأويله بما ذكر أو بالوعيد كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى وقوله آثروها بالمد أي اختاروها وقدّموها وفسره به إشارة إلى تعدي الاستحباب بعلى لتضمنه معنى الإيثار. قوله: (الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان (إلى متعلق بيه! ي والقيد الأوّل ظاهر لأنّ من لم يعلم بقاءه على الكفر يهديه والثاني ليدخل فيه من ارتد ودام على ذلك وبه يرتبط النظم أتم ارتباط، وتحقيق الطبع قد تقدم، وقوله الكاملون في الغفلة فسرح له لتتم فائدته بعد ذكر الطبع، وقوله إذ أغفلتهم أي أوقعتهم في الغفلة الحالة الراهنة أي الحالة الراهنة عندهم مما هم عليه من زخرف الدنيا قال السمين في مفرداته أصل معنى الرهن الحبس، ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة الموجودة اهـ، ومنه قول الفقهاء والحالة الراهنة هذه وهو استعمال فصيح سائغ، وفي بعض النسخ الواهنة وهو من تحريف جهلة النساخ. قوله: الا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون (وقال في آية أخرى الأخسرون لاقتضاء المقام أو لأنه وقع في الفواصل هنا أعتماد الألف كالكاذبين، والكافرين فعبر به لرعاية ذلك، وهو أمر سهل، وقوله ضيعوا أعمارهم جعل الأعمال بمنزلة رأس المال على طريق الكناية بقرينة الضياع والخسران كما قال الشاعر: إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب ومن غفل عن هذا قال الأولى أن يقول ضيعوا رؤوس أموالهم. قوله: (عذبوا) يشير إلى انّ أصل الفتنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 في اللغة إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته كما قال الراغب، ثم تجوّز به عن البلاء، وتعذيب الإنسان، وقوله بالولاية والنصر تفسير لمعنى اللام الداخلة على النفع، ومتعلق بها أو بما تدل عليه وفيه إشارة إلى أنّ قوله للذين هاجروا خبر أنّ أي هو كائن لهم لا عليهم، وقيل إنه متعلق بالخبر على نية التقديم والتأخير والخبر لأنّ الأولى والثانية مكرّرة للتأكيد أو للثانية، وخبر الأولى مقدر، وقوله وثم لتباعد حال هؤلاء يعني أنها للتفاوت والتباعد في الرتبة مجازا لا للتراخي الحقيقي إذ أمرهم في الآخرة مؤخر فمقتضى الظاهر العكس، وقوله من بعدما عذبوا مرّ بيانه، وفسر فتنوا على هذه بوقعوا في الفتنة فإنه ورد لازماً ومتعديا. قوله: (على الجهاد الخ) يعني متعلقه إمّا خاص بقرينة أو عام، وقوله من بعد الهجرة والجهاد، والصبر يعني أنّ الضمير راجع لما قبله وأنث باعتبار المذكورات، ولو زاد الفتن كان أظهر وتركه لدخوله في الصبر، وقوله منصوب برحيم أي على الظرفية، ولا يضرّ تقييد الرحمة بذلك اليوم لأن الرحمة في غيره تثبت بالطريق الأولى، وهذا أحسن لارتباط النظم به ومقابلته لقوله: {فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} . قوله: (تجادل عن ذاتها) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أن الضمير للنفس فيكون تقديره نفس النفس، وفيه إضافة الشيء لنفسه قال في الكشف النفس الأولى هي الدّات، والجملة أي الشخص بإجزائه كما في قولك نفس كريمة، والثانية ما يؤكد به ويدلّ على حقيقة الشيء وهويته والفرق بينهما أنّ الإجزاء ملاحظة في الأوّل دون الثاني، والأصل هو الثاني لكن لعدم المغايرة بين الذات وصاحبها استعمل بمعنى الصاحب ثم أضيف الذات إليه فوزان كل نفس وزان كل أحد، وفي الفرائد المغايرة شرط بين المضاف، والمضاف إليه لامتناع النسبة بين منتسبين فلذا قالوا يمتنع إضافة الشيء لنفسه إلا أنّ المغايرة قبل الإضافة كافية، وهي محققة هنا لأنه لا يلزم من مطلق النفس نفسك، ويلزم من نفسك مطلق النفس فلذا صحت الإضافة، وان اتحدا بعدها ولذا جاز عين الشيء وكله ونفسه بخلاف أسد الليث وحيس المنع فتأمل. قوله: (وتسعى في خلاصها) بيان للمراد من المجادلة، والاعتذار بنحو هؤلاء أضلونا وما كنا مشركين، وقوله فتقول نفسي نفسي معمول لمقدر كنج، وهو بيان لعدم الاهتمام بشأن غيرها إذ لم يقلى ولدي وأبي وأمي ونحوه لا للمجادلة وهو ظاهر، وهذه العبارة وردت بعينها في الحديث (1) وقوله جزاء ما عملت يعني أنه تجوّز يجعل الجزاء كأنه عين العمل أو فيه مضاف مقدر. قوله: (لا ينقصون أجرهم) إن أريد بجزاء ما عملت العقاب، وبهذا الثواب فلا تكرار فيه، ت وإن كان الأوّل أعم يكون هذا تكراراً للتأكيد، ولذا قيل الأولى تفسيره بأنهم لا يظلمون بزيادة العقاب أو بالعقاب بغير ذنب إلا أن يقال هذا أولى لأنه لما ذكر مجازاة ذنبها توهم إحباط عملها فدفع بهذا أي توفي جزاء عملها كله من خير وشرّ. قوله: (جعلها مثلاَ) أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا، والمراد أهلها مجازاً أو بتقدير مضاف فضمن ضرب معنى جعل وقرية مفعول أوّل ومثلاً مفعول ثان، وقد مرّ تفصيله، وقوله لكل قوم أي هذا المثل ضرب لكل قوم كانوا بهذه الصفة من غير تعيين أو لقوم مخصوصين وهم أهل مكة كما أشار إليه بقوله أو لمكة أي لأهلها والقرية إمّا مقدّرة بهذه الصفة غير معينة إذ لا يلزم وجود المشبه به أو معينة من قرى الأوّلين، وقوله من نواحيها بيان لمكان. قوله: (جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاءا لأنّ المطرد جمع فعل على أفعل لا فعلة، ونعم بضم النون بمعنى النعمة أو اسم جمع للنعمة كما قاله الفاضل اليمني. قوله: (استعار الذوق الخ الما كان المتبادر أنّ الإذاقة واللباس هنا استعارتان إذ معناهما الحقيقي غير مرأد وفي إيقاع إحداهما على الأخرى خفاء ذهب الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر، وحاصله على ما قرره في الكشف أنّ الإذاقة استعيرت للإصابة وأوثرت للدلالة على شدة التأثير التي تفوت لو استعملت الإصابة وبين العلاقة بأنّ المدرك من أثر الضرر شبه بالمدرك من طعم المر البشع، ووجه الشبه بينهما الكراهة، والنفرة فهو من باب استعارة المحسوس للمعقول، وإنما قدم الزمخشريّ أنها جرت مجرى الحقيقة ليفرع عليه أنّ إيقاعها على اللباس تجريد فلا فرق بين إذاقها إياه، وأصابها به على ما حقق من أنّ التجريد إنما يحسن أو يصح بالحقيقة أو ما ألحق بها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 من المجاز الشائع فكان على المصنف رحمه الله تعالى أن لا يهمله، وأمّا الاعتراض عليه بأنه لولاه لم يظهر كونه ملائما للمستعار له لأنّ حدوث الاستعارة في هدّا يستدعي أن يكون لباس الجوع قرينة الاستعارة لعدم ما يصلح قرينة لها غيره فكيف يتأتى التجريد فمدفوع بأنه مبنيّ على أنّ التجريد لا يكون قرينة مع أنه حينئذ يجعل القرينة إيقاعه على اللباس واللباس استعير لما غئيه من أثر الجوع والخوف، وهو ضررهما والغاشي هو الضرر لا الجوع، والخوف والا كان لباس الجوع كلجين الماء، وحينئذ تبين وجه إيقاع الإذاقة على اللباس إذ المعنى فأذاقهم ما غشيهم من ضرر الجوع والخوف، وظهر وجه إيثار التجريد على الترشيح لأنّ الإذاقة تفيد ما لا تفيده الكسوة من التأثير والإدراك وأوثر اللباس على الطعم للدلالة على الشمول والإذاقة على الكسوة للدلالة على التاثير والتأثر الموجب لقوة الإدراك، وهذا أولى مما في المفتاح من حمل اللباس على رثاثة الهيئة، وتغير اللون اللازمين للجوع، والخوف إذ لا يحسن موقع الإذاقة وتكون الإصابة أبلغ موقعا يعني أنه حينئذ اسنعارة محسوس لمثله فتفوت المبالغة التي اختير لأجلها الإذاقة إيهاما للعلة، وقال المحقق في شرح التلخيص الذي يلوج من كلام القوم إنّ في هذه الآية استعارتين إحداهما تصريحية، والأخرى مكنية فإنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر من حيث الاشتمال باللباس فاستعير له اسمه، ومن حيث الكراهية بالطعم المرّ البشع فيكون استعارة مصرّحة نظرا إلى الأوّل ومكنية نظراً إلى الثاني، وتكون الإذاقة تخييلاً، وتحقيق ذلك أنّ الاستعارة بالكناية إن كانت تشبيها مضمراً في النفس فلا مانع من كون المشبه في التشبيه مذكوراً مجازاً، وان كانت المشبه به المرموز إليه المستعار للمشبه فلا مانع أيضاً في ذلك من ذكر المشبه مجازاً وان كانت المشبه المستعار للمشبه به كما هو مذهب السكاكيّ فصحته تدور على صحة الاستعارة من المستعار فإن صحت صح والا فلا ولذا قال المدقق في الكشف أنّ الحمل على التخييل ضعيف لا يلائم بلاغة التنزيل فكونه منزع القوم هنا لا يخلو من التأمل كيف، وقد ذهب شيخنا الصناعة إلى خلافه، وقوله من الجوع، والخوف من هنا ابتدائية أو سببية أي ما غشيهم ناشئ من ذلك أو حاصل بسببه لا بيانية والا كان لباس الجوع تشبيها كلجين الماء كما مر، وقد جوّزه شرّأح المفتاح في النظم، واعلم أنّ السكاكيّ جعل هذه الاستعارة من الاستعارات المحتملة للتحقيق والتخييل فقال الذي يظهر من لفظ اللباس عند الأصحاب بتأملهم فيه هو الحمل على التخييل بأنه يشبه الجوع في التأثير بذي لباس قاصد للتأثير مبالغ فيه فيخترع له صورة كاللباس ويطلق عليها اسمه الموضوع لما هو متحقق، ويحتمل عندي أن يحمل على التحقيق، وذلك بأن يستعار لما يحيط بالإنسان عند جوعه من تغير لونه، ورثاثة هيئته فيكون استعارة المحسوس للمحسوس، واعترض بأنّ الحمل على التخييل لا يلائم بلاغة القرآن لأن الجوع إذا شبه بالمؤثر القاصد الكامل فيما تولاه ناسب أن يخترع له صورة ما يكون آلة للتأثير لا صورة اللباس، وهذا الاعتراض! أورده الشريف في شرح المفتاح، وتبعه الفاضل المحشي ظانا أنه وارد غير مندفع، ولا يخفى أن السكاكي ترى أن التخييلة مستعملة في أمر وهمي توهمه المتكلم شبيها بمعناه الحقيقي على ما حقق في محله فاللباس إذا كان تخييلاً يجوز أن يكون المراد به أمراً مشتملاً على الجوع اشتمال اللباس كالقحط، ومشتملاً على الخوف كإحاطة العدوّ، ونحوه فلا وجه لقوله صورة اللباس مما لا مدخل له في التأثير، وما ادّعاه من أنه لا يناسب مع الفاعل إلا ذكر الآلة للتأثير لم يصرح به أحد من القوم ولا يتأتى التزامه في كل مكنية ألا تراك لو قلت إنّ مسافة القصر القريض ما زال يطويها حتى نزل ببابه على تشبيه المدح بمسافر أثبت له المسافة تخييلاً وما بعده ترشيحاً كانت استعارة حسنة، وليست قرينتها آلة لذلك الفاعل بل أمر من لوازمه، ولو تتبعت كلام البلغاء وجدت مثله يفوت العد، ويخرق سياج الحد مع أنه لو سلم ورد على ما اختاره فمانّ الإذاقة لا تناسب اللباس ظاهراً فتأمل. قوله: (كقول ك! ير: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال) هذا البيت من شواهد العربية، وهو من قصيدة لكثير عزة مدح بها عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 عنه يقول إنه جواد لأنّ الغمر من الغمرة، وهي في الأصل معظم الماء وكثرته فاستعيرت للشدة والعطاء الكثير بل لكل كثير فالمعنى أنه كثير العطاء، وقيل كثير الدين لكثرة عطائه فوضع الرداء موضع الدين الذي يغمر الذمّة لأنّ كلا منهما كذلك أما الرداء فيغمر اللابس، وأما الدين فيغمر الذمة ومنه قول حكيم العرب من أراد الغنى فليخفف الردا أي ثقل الدين، وإذا تبسم ضاحكاً قيل معناه شارعاً في الضحك، وقال الفاضل اليمني معناه إذا ضحك تبسم أي إن ضحكه كله تبسم، وهو من أخلاق الكرام، والمعنى أنه إذا تبسم في وجه راجيه وجبت لهم رقاب ماله صارت لهم بمنزلة الرهن إذا غلق عند مرتهنه بأن استحقه وصار له إذا عجز الراهن عن تخليصه، وكان هذا معروفاً في الجاهلية، وإن لم يتعاقدا عليه كما في بيع الوفاء ففيه استعارة تبعية، وقال السيرافيّ معناه أنه إذا ضحك وهب ماله والمال عام لكل متموّل ويختص بالإبل في إطلاق كلامهم لأنها أكثر أموالهم فرقاب الأموال الإبل نفسها كقوله من أعتق رقبة أي عبداً، والغلق هنا بالغين المعجمة ضد الفتح، والمعروف الإحسان هنا. قوله: (النمر الذي هو وصف المعروف والنوال) نظراً إلى المستعار له كذا في الكشاف واعترض عليه بأنّ أهل اللغة نصوا على أنه يوصف به الثوب أيضاً كما يوصف به المنوال وكلاهما مجاز، وقد صرّح به في الأساس فبين كلاميه تدافع، وأجيب بأنه شاع في النوال وإن كان مجازاً فلا ينافيه استعماله في اللباس مجازا أيضاً وهذا لا يحسم مادّة الاشكال كرله إذا وصف به الثوب وأضيف إليه لم يكن تجريداً قال الفاضل اليمني بعدما قرر كلام الزمخشريّ قلت فيه عدول عن الظاهر لأنّ الغمر ليس صفة حقيقية للنوال، والمعروف بل هو وصف للبحر المستعار أولاً للمعروف يقال غمره الماء يغمر. غمرا أي علا.، والغمر الماء الكثير فهو هاهنا تجريد للاسنعارة بعد أن كان ترشيحا وهذا المثال المستشهد به يشبه ما- في الآية في أنّ التجريد ليس تجريداً محضا انتهى وهذا هو تحقيق المقام بما تندفع به الأوهام، ونظيره من بعثنا من مرقدنا فتدبر. قوله: (ينارّعني ردائي عبد عمرو الخ) أراد بالرداء سيفه لأنه يتوشح به كما يتوشح بالرداء كما في الأساس وفي الإيضاح أنه أريد به السيف لأنه يصون صاحبه صون الرداء، والأوّل أظهر وسأل بعض الملاحدة ابن الأعرابي فقال أللتقوى لباس فقال نعم للتقوى لباس ولاباس، وإذا رحم الله الناس فلا رحم هذا الراس هب أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا ألم يكن عربياً، والاعتجار لف العمامة من غير إدارة تحت الحنك يقول يجاذبني سيفي الشخص المس! مى بعبد عمرو ويريد أن يأخذ. مني فقلت له رويدك أي تمهل فلي النصف الأعلى منه وهو ما كان منه بيمينه فخذ أنت النصف الآخر منه فلفه على رأسك ومعناه أنه يضر به، ومثله قول الآخر: نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها فالاعتجار ترشيح لاستعارة الرداء، وهو معنى قوله نظرا إلى المستعار والشطر النصف، والبعض من الشيء وقوله بصنيعهم أي مصنوعهم إشارة إلى أنّ ما موصولة والعائد محذوف أي يصنعونه، ويجوز أن تكون مصدرية، والباء سببية والضميران عائدان على المضاف المقدر في قوله ضرب الله مثلا قرية إذ تقديره قصة أهل قرية بعدما عاد إلى لفظها، وقيل إنه عائد على القرية مرادا بها أهلها فهو كقوله: {أَوْهُمْ قَالُوا} بعد قوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} . قوله: (عاد إلى ذكرهم) بعدما ذكر مثلهم هذا مبنيّ على المختار في تفسير قوله ضرب الله مثلا قرية من أنّ القرية ليست مكة بل قرية مفروضة ضرب بها الصثل فإنها ذكرت تمثيلاً لهم بما يشبه حالهم، ثم انتقل من التمثيل لهم للتصريح بحالهم الداخلة في التمثيل فلا وجه لقول أبي حيان رحمه الله تعالى أنه يتعين أن يراد بالقرية مكة لقوله: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ} وإذا أريد بها مكة فهو ظاهر المناسبة، والارتباط بما قبله. قوله: (أي حال اتجاسهأ بالظلم) بيان لأنّ الجملة الحالية ققتفي قلبسهم! وقو! ععتى--أثعامل فيها، وهو لا لنافي الاستمرار الذي لحفيل! الاسميه بل تقتضيه فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر أن يقول حال استمرارهم على الظلم، وقوله ما أصابهم من الجدب أي بمكة لأن السورة مكية أو وقعة بدر لتبادر القتل من العذاب، وهو لم يقع بمكة فيكون إخباراً بالغيب ولا ينافيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 كون الماضي مجازاً عن المستقبل المتحقق وقوعه كما توهم. قوله: (أمرهم بكل ما أحل الله لهم الخ) أمر وأحل تنازعا قوله الله، وما أحل من قوله حلالاً وهو حال من مالا مما دلت عليه من التبعيضية لتكلف الحال من الحرف بلا مقتض، وخصه لأنه لا يأمر بأكل الحرام، والطيب ما يستلذ، وقد يكون بمعنى الحلال في غير هذا، ومن ابتدائية أو تبعيضية والمقصود بهذا بيان ارتباطه بما قبله بالفاء، وقوله صذاً مفعول لأجله من قوله أمرهم أي صدا لهم عن فعله بعد ذلك أو عن الاستمرار عليه، وقوله وشكر ما أنعم توطئة لما بعده وقوله حل بهم مبنيّ على التفسير الأوّل. قوله: (تطيعون الخ (يعني أن هذه مرتبطة بما قبلها، ومؤكدة له فإعا أن تحمل على الطاعة لتطابق الأمر أو تجري على حقيقتها بناء على زعمهم الكاذب من أن الآلهة مقربة لله وشفعاء عنده فعبادتها عبادة له لأنه المستحق للعبادة وما عداه ذريعة له، وإنما أوّلت بهذا لأنهم لم يكونوا يخصون الله بالعبادة. قوله تعالى: ( {إِنَّمَا حَرَّمَ} الخ (مرّ تفسيره وقوله فمن اضطر أي دعته ضرورة المخمصة إلى تناول شيء من ذلك غير باغ على مضطر آخر ولا عاد متعد قدر الضرورة وسد الرمق فالته لا يؤاخذه بذلك، وقوله ليعلم مجهول علم أو معلوم أعلم، وقوله ما عداها حل لهم بكسر الحاء بمعنى حلال، وهذا بناء على أن الأصل الإباحة، والحرمة متوقفة على الدليل، وقوله ثم أكد الخ توطئة لما بعده وإنما كان تأكيداً لأنّ الحصر يفيد أنّ المحرتم والمحلل ما حرّمه الله، وأحله فغيره كذب منهي فالتصريح بالنهي عن الكذب يؤكده ولا ينافيه العطف كما مرّ مرارأ، وقوله كما قالوا الخ مر تفسيره في الأنعام. قوله: (ومقتضى سياق الكلام) وهو النهي عن التحليل، والتحريم بعد تعديد المحرمات والحصر، وليس هذا من السكوت في موضع البيان حتى يكون بيانا لأنه نفي لما عدا ما ذكر. قوله: (1 لا ما ضم) بصيغة المعلوم أي ضمه إليها دلي! آخر من السنة، وهو استثناء من مقدر متفرّع على ما قبله أي فتنحصر المحزمات فيما ذكر إلا ما ضمه الدليل وسكت عن الخيل للاختلاف في حرمتها كما فصل في الفقه، والحمر بضمتين جمع حمار، والأهلية هي الحمر المركوبة لا الوحشية فإن قلت كيف يضم إليها ما ذكر مع الحصر المنافي له قلت هو لا ينافيه لأنه حصر إضافيّ بالنسبة إلى ما حرموه ولأنّ المذكورات لم تحرم في الماضي فتأمّل. قوله: (وانتصاب الكذب الخ) هذا توجيه لقراءة الجمهور بكسر الذال ونصب الباء، وقد وجهت بوجوه منها هذا، وهو أنه مفعول به، وقوله هذا حلال الخ بدل منه بدل كل، وقيل إنه مفعول مطلق فلا يكون هذا بدلاً منه لأنه مقول القول، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون بدل اشتمال، وهذا من إبدال الجملة من المفرد قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى، وهذا بناء على أنّ القول هل هو متعد أو لا، وما على هذا موصولة والعائد محذوف، والمعنى لا تقولوا هذا حلالط، وهذا حرام لما تصفه ألسنتكم بالحل، والحرمة فقدم الكذب عليه وأبدل منه، واللام صلة للقول كما يقال لا تقل للنبيذ أنه حلال أي في شأنه وحقه فهي للاختصاص، وسيأتي لها تفسير آخر، وفيه إشارة إلى أنه مجرد قول باللسان لا حكم مصمم عليه. قوله: (أو متعلق بتصف (أي بيان وتفسير له على إرادة القول أي تقديره بعده ليكون قوله هذا حلال وهذا حرام مقولاً ومعمولاً له والجملة مبينة ومفسرة لقوله تصف الخ لتصديرها بالفاء التفصيلية كما في قوله: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سررة البقرة، الآية: 54] كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى بلا تقدير وقيل إنه بتضمين القول أي قائلين ذلك واللام بحالها وقوله فتقولوا جواب النهي ولا تعقيد فيه كما في بيت الفرزدق كما توهم إذ لا تقديم ولا تأخير فيه وقوله لما تصفه إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف. قوله: (أو مفعول لا تقربوا) أي قوله هذا حلال وهذا حرام مقول القول، والكذب مفعول به لتصف فهو معطوف على قوله، وهذا حلال وهذا حرام بدل منه، وهي معطوفة على الاسمية قبلها لا حالط حتى يتوجه ما قيل إنه عطف على قوله أو متعلق لكنه مع ما عطف عليه كان تفصيلا متعلقا بقوله، وانتصماب الكذب بلا تقولوا وهذا ليس كذلك فالوجه عطفه على جملة، وانتصاب الكذب بلا تقولوا الخ بتقدير مبتدأ أي، وهو مفعول لا تقولوا ولا يتكلف توجيهه مع أنه ظاهر، وتردّد المعرب في جواز كون الكذب تنازع فيه تقولوا وتصف، واللام على هذا للتعليل، وبيان أنه فول لم ينشأ عن حجة ودليل كما أشار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 إليه المصنف رحمه الله تعالى، وليس بتكرار مع قوله لتفتروا على الله الكذب لأنّ هذا لإثبات الكذب مطلقاً، وذلك لإثبات الكذب على الله فهو إشارة إلى أنهم لتمرنهم على الكذب اجترؤوا على الكذب على الله فنسبوا ما حللوه وحرّموه إليه. قوله: (ووصف ألسنتهم الكذب مبالنة الخ) هذا على جعل الكذب مفعول تصف ففيه مبالغة لجعله عين الكذب ترقي عنها إلى أن خيل أنّ ماهية الكذب كانت مجهولة حتى كشف كلامهم عن ماهية الكذب، وأوضحها كما أشار إليه الرازي فتصف بمعنى توضح فهو بمنزلة الحد، والتعريف الكاشف عن ماهية الكذب فالتعريف في الكذب للجنس كأنّ ألسنتهم إذا نطقت كشفت عن حقيقته وعليه قول المعرّي: سرى برق المعرّة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا ونحوه نهاره صائم إذا وصف اليوم بما يوصف به الشخص لكثرة وقوع ذلك الفعل فيه، وكذلك وجهها يصف الجمال لأنّ وجهها لما كان موصوفا بالجمال الفائق صار كأنه حقيقة الجمال ومنبعه الذي يعرف منه حتى كأنه يصفه ويعرفه كقوله: أضحت يمينك من جودمصوّرة لابل يمينك منها صوّرالجود فهو من الإسناد المجازي أو نقول إنّ وجهها يصف الجمال بلسان الحال فهو استعارة مكنية، وعليه اقتصر في الكشف كأنه يقول ما بي هو الجمال بعينه ومثله وارد في كلام العرب والعجم هذا زبدة ما في شروح الكشاف وما في الآية أبلغ من المثال المذكور لما سمعت. قوله: (وقرئ الكذب بالجر الخ) تبع فيه أبا البقاء رحمه الله تعالى لكنه تسمح في قوله من ما إذ المبدل منه هي مع مدخولها، وفيه ردّ على الزمخشريّ إذ جعله نعتا لما المصدرية مع صلتها لأنّ المصدر المسبوك من أن، وما المصدرية مع الفعل معرفة كالمضمر لا يجوز نعته، وكذا أخواتهما فلا يقال أعجبني أن تقوم السريع بمعنى قيامك السريع. قوله: (والكذب (معطوف على ما قبله أي وقرئ الكذب بضم الكاف، والذال المخففة جمع كذوب كصبور وصبر أو جمع كذاب بكسر الكاف، وتخفيف الذال مصدر كالقتال وصف به مبالغة، وجمع على فعل ككتاب وكتب، وقيل إنه جمع كاذب كشارف وشرف، وقوله وبالنصب هي قراءة مسلمة بن محارب كما نقله ابن عطية رحمه الله تعالى وخرجت على وجوه أحدها أنها منصوبة على الشتم والذم، وهي نعت للألسنة مقطوع، والثاني أن يكون بمعنى الكلم الكواذب يعني أنها مفعول بها والعامل فيها إمّا تصف أو القول أي لا تقولوا الكلم الكواذب، والثالث أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لتصف من معناه على أنه جمع كذاب المصدر ولبعده تركه المصنف رحمه الله تعالى وأعرب هذا حلال الخ. على ما مر ولا إشكال في إبداله لأنه كلم باعتبار مواده وكلامان ظاهراً. قوله: (تعليل لا يتضمن معنى النرض) يعني أنها لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية كما مر تحقيقه إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر، وقال المعرب يجوز أن تكون للتعليل ولا يبعد قصدهم لذلك، وهو بدل من لما تصف لأنّ وصفهم الكذب هو افتراء على الله أو متضمن له كما مر قاله أبو حيان رحمه الله تعالى، وهو على تقدير جعل ما مصدرية إمّا إذا كانت بمعنى الذي فاللام ليست للتعليل فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنما هي متعلقة بلا تقولوا على حدها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام أي لا تسموه بهذا الاسم وقد مر لها توجيه آخر قريب من هذا قيل، ولا مانع من إرادة التعليل على الموصولية أيضا. قوله: (لما كان المفتري) اسم فاعل أي الكاذب وقوله نفى عنهم الفلاح أي الظفر، والفوز بمطلوب يعتد به، وأمّا ما قصدوه فأمر قليل منقطع مفض إلى الخسران، والعذاب المخلد فلا عبرة به كما سيصرج، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله وبينه الخ. قوله: (أي ما يفترون لأجله) يشير إلى أنّ قوله متاع خبر مبتدأ محذوف تقديره ما ذكر لا متاع مبتدأ، وقليل خبره لأنّ النكرة لا يخبر عنها بدون مسوغ، وتأويله بمتاعها ونحوه بعيد، وقوله منفعة الخ تفسير لقوله متاع. قوله: (أي في سورة الأنعام) قيل، وفي هذه الآية دليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 على تقدم آية سورة الأنعام في النزول لا على لهقدم سورة الأنعام بتمامها كما ظن قلت هذا غفلة عما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام من أنها أنزلت جملة واحدة فالقائل بنى كلامه على مدعي المصنف رحمه الله تعالى، وقد تقدم منا كلام فيه. قوله: (متعلق بقصصنا أو بحرمنا) بتقدير مضاف تقديره على الأوّل من قبل نزول هذه الآية، وكذا على الثاني ويحتمل أن يقدر فيه من قبل تحريم ما حرّم على أمّتك وهو أولى، ويجوز فيه التنازع، وقوله عوقبوا به أي بالتحريم عليه أي على ما عوقبوا به فالضمير الأوّل للتحريم، والثاني للموصول، والفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم أنّ هذه الأمّة لم يحرم عليها إلا ما فيه مضرة لها وغيرهم قد يحرم عليهم ما لا ضرر فيه عقوبة لهم بالمنع كاليهود قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا} الاية. قوله: (بسببها) فالباء للسببية والمراد بالجهالة السبب الحامل لهم على العمل كالغيرة الجاهلية الحاملة على القتل وغير ذلك، وقوله أو ملتبسين فهي للملابسة وقوله لتعم الجهل بالله وعقابه متعلق بتقدير ملتبسين تعليل له يعني أنه فسره بما ذكر فشمل الجاهل بما ذكر إذا عمل سوءاً لغلبة شهوته فسببه غلبة الشهوة، ويصدق! عليه أنه ملتبس بالجهالة المذكورة وعدم التدبر بالنصب معطوف على الجهل، ولغلبة الشهوة متعلق بملتبسين، وقيل بقوله عملوا السوء وغيره منصوب معطوف على الافتراء. قوله: (من بعد التوبة الم يذكر الإصلاج كما في بعض التفاسير لأنه مندرج في التوبة وتكميل لها وليس شيئا آخر ثم نظم هذه الآية واعرابها كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ} [سورة النحل، الآية: 110] فلذا ترك التعرّض له لقرب العهد، وقوله يثيب على الإنابة وهي التوبة أي تفضلاً منه فإنّ مقتضاها العفو لا الإثابة. قوله: (لكماله واستجماعه فضائل الخ) أي الأمّة أصل معناها الجماعة الكثيرة فأطلقت عليه لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد في واحد بل في أمة من الأمم واستشهد عليها استشهاداً معنويا بالبيت المذكور، وهو لأبي نواس الشاعر المشهور من شعر يمدح به الفضل بن الربغ الوزير وهو: قولاً لهرون إمام الهدى عند احتفال المجلس الحاشد نصيحة الفضل واشفاقه أخلى له وجهك من حاسد بصادق الطاعة ديانها وواحد الغائب والشاهد أنت على مابك من قدرة فلست مثل الفضل بالواجد أوجده الله فما مثله لطالب ذاك ولا ناشد وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد وقوله وليس لله روي ليس من الله كما في نسخ هذا الكتاب، والمشهور في الكتب الأدبية ليس على الله ومستنكر بمعنى مستغرب فلا يقال الأحسن أن يقول ليس من الله بمستبدع، والبيت ظاهر غير محتاج للتفسير وقد تبعه كثير من الشعراء في هذا المعنى، وقوله وهو أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئي! الموحدين أي في عصره، وقوله قدوة المحققين لأنه أؤل من نصب أدلة التوحيد فقوله الذي الخ بيان له والزائغة المائلة عن السداد وقوله بالحجج الدامغة أي التي تلزم الخصم بحيث لا يقدر على الجواب مجاز من دمغه إذا شجه شجة بلغت دماغه. قوله: (ولذلك عقب ذكره بتزييف (في نسخة بالباء وفي أخرى بدونها وعلى الثانية فهو بالتشديد من قولهم عقبه إذا خلفه ثم تعدى بالتضعيف إلى مفعولين، ويجوز رفع ذكره فإنه يقال عقبه تعقيبا إذا جاء بعقبه أي بعده فمن قال إنّ هذا مبنيّ على ترك الباء في تزييف، ولم أجده في النسخ لا يلتفت إليه لأنه موجود في نسخ مصححه عندنا، وعلى الأولى قيل إنه من القلب والأصل عقب تزييف مذاهب المشركين بذكره، وهو تكلف يؤيد أن تلك النسخة هي الصحيحة والتزييف الرد والإبطال مستعار من زيف الدراهم إذ جعلها زيوفا لا تروج، وهذا إشارة إلى ما مرّ في سورة الأنعام، وقوله من الشرك الخ إشارة إلى ما سبق في النظم. قوله: (أو لأنه كان وحده مؤمناً الخ الأنه عليه الصلاة والسلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 قال لسارة: " ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك " كما في البخاري، ومن معاني الأمة كما في القاموس من هو على الحق مخالف لسائر الأديان، وهذا التفسير مرويّ عن مجاهد والظاهر أنه مجاز بجعله كأنه جميع أهل ذلك العصر لأنّ الكفرة بمنزلة العدم. قوله: (وقيل هي فعلة الخ) الرحلة بضم الراء، وسكون الحاء المهملتين، وهو الشريف ونحوه مما يرحل إليه فهو بمعنى مرحول إليه، والنخبة بضم النون، والخاء المعجمة والباء الموحدة المنتخب المختار فهو على هذا بمعنى مأموم أي مقصود أو مؤتم به بمعنى مقتدي به في سيرته والآية ظاهرة في الثاني، وقيل إنها تحتملهما قال في الانتصاف ويقوي هذا الثاني قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [سورة النحل، الآية: 23 ا] أي كان أمة يؤمه الناس ليقتبسوا منه الخيرات، ويقتفوا بآثاره المباركة حتى أنت على جلالة قدرك قد أوحينا إليك أن اتبع ملته واقف سيرته اهـ. قوله: (مائلاَ عن الباطل) أصل معنى الحنف الميل الحسي، ونقل إلى المعنوفي وهو يتعدى بالى إلى الجانب المرضي المأخوذ وبعن إلى المتروك، وأحدهما مستلزم للآخر، ولذا فسر. في الكشاف بالمائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنها، وما فسره به المصنف رحمه الله تعالى غير مخالف له لأنّ من مال عن الباطل وأعظمه الكفر مال إلى الحق وأعلاه الإسلام، والعقائد الحقة وإنما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لئلا يتكرر مع ما قبله فمن قال تفسير الزمخشريّ هو الموافق للغة لم يأت بشيء. قوله: (كما زعموا الخ) تنبيه على أنّ فائدته الرد على هؤلاء وإلا لم يفد ذكره، وقوله للتنبيه الخ إشارة إلى أنه عبر به لأنه يعلم منه غيره بالطريق الأولى فلا حاجة إلى استعارة جمع القلة للكثرة، وهذا الجار والمجرور يتعلق بشاكراً ويجوز تعلقه باجتباه، واجتباه إمّا حال وإمّا خبر آخر لكان والى صراط يجوز تعلقه باجتباه، وهداه على التنازع واجتباه بمعنى اصطفاه، واختاره، وقوله في الدعوة إلى الله تعالى في الكشاف في الدعوة إلى ملة الإسلام قيل، وما فعله المصنف رحمه الله تعالى خال من الإعادة فتأمله. قوله: (بأن حببه إلى الناس الخ) أي جعله محببا في قلوبهم فهم يتولونه أي يجعلونه والياً أي مقتدى به في هديه، وسيرته فحسنة بمعنى سيرة حسنة، وعلى ما بعده فالمعنى عطية، ونعمة حسنة وقوله لمن أهل الجنة أي المستحقين لها، ولمقاماتها العلية فعلى هذا قوله ألحقني بالصالحين أي احشرني مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدرجات العلى فلا يقال وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا يعد مدحا، ولذا قيل المراد بالصالحين الكاملون في الصلاج كما في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة البقرة، الآية: 5] . قوله: (وثم إمّا لتعظيمه الخ) يعني أنّ ثم إمّا للتراخي في الرتبة فتكون دالة على التعظيم، وقد صرح صاحب الانتصاف أنها لتعظيم المعطوف فلينظر هل تكون لتعظيم المعطوف عليه أيضا، وتحقيقه كما قال المدقق في الكشف إن فيه تعظيما لا يدرك كنهه إما للإيذان بأنّ أشرف ما أوتي خليل الله صلى الله عليه وسلم أتباعه له لدلالة ثم على تباين هذا المؤتي، وسائر ما أوتي من الرتب والمآثر، وأما تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إن الخليل عليه الصلاة والسلام مع علو مقامه أجل ما أونيه اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم له ثم الأمر باتباع الملة دون اتباع الخليل عليه الصلاة والسلام إشارة إلى استقلاله في الأخذ عمن أخذ عنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا من بدائعه رضي الله تعالى عنه، ثم إنّ تخصيص إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام صريح في جلالته بكل وجه، فلا يرد عليه أنه تفوت الدلالة على جلالة المؤتى في الوجه الثاني كما قيل، وقوله أو لتراخي أيامه فهي على حقيقتها، وقدّم الأوّل لأنه أبلغ، وأنسب بالمقام. قوله: (في التوحيد والدعوة الخ) أي لا في الشراثع، والأحكام فإنه لم يؤمر بذلك قيل الدين والملة، والشريعة متحدة بالذات مختلفة بالاعتبار كما بين في محله فكون ما ذكر بعد التوحيد من الملة محل بحث، وجهة أنه ليس داخلاً في مفهومها ما ذكر من إيراد الدلائل، ونحوه على تفسيرهم ولا بأس في تسمية ما يتوقف عليه تبليغ التوحيد توحيداً كما يسمى الكلام علم التوحيد مع ما فيه من الأدلة، ومثله سهل. قوله:) تعظيم السبت أو التخلي فيه للعبادة الما كان استعمال جعل في كلام العرب على وجهين فتارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 يتعدى إلى مفعولين وأخرى إلى واحدة فتعديه، إلى الثاني بعلى غير متعارف أوّلت الآية بوجهين الأوّل تقدير مضاف، وهو وبال السبت والوبال عاتم أو هو المسخ أي جعل الله، وبال السبت كائنا أو واقعأ على هؤلاء فهي متعدية لمفعولين، وأتى بعلى لاقتضاء الأوّل لها، وقيل إنّ الحال على هذا متعلق بالمضاف المقدر والثاني أن يضمن جعل معنى فرض وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله تعظيم الخ. والأظهر أن يقول كما في الكشاف فرض عليهم تعظيمه، وترك الاصطياد، والتخلي للعبادة لأن التعظيم والتخلي لا يتعديان بعلى وليس في كلامه ما يقتضي أن السبت في الآية مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها، وان كان ورد بهذا المعنى وبمعنى اليوم المخصوص. قوله: (على ئبيهم وهم اليهود) الجار والمجرور متعلق باختلفوا، وفيه مخالفة للزمخشري بجعل ما اختاره مرجوحا، وقد أورد عليه بحث، وهو أن السبت فرض على المختلفين على نبيهم وعلى غير المختلفين عليه أيضأ، والقول بأنهم كلهم اختلفوا ممنوع، والمثبت مقدم على النافي، وفي بعض نسخ القاضي هنا إلا طائفة منهم، وهي تقتضي أنهم لم يختلفوا كلهم (أقول (إن المصنف رحمه الله تعالى تبع الإمام فيما ذكره، وتحقيقه على ما في شروح الكشاف إن الاختلاف إفا أن يقع بينهم بأن يكون فرقة منهم محرمة للسبت، وأخرى محللة له أو يقع من جميعهم بأن يكونوا جميعاً محرمين تارة، ومحللين أخرى لأن الاختلاف كما يقع بين المتنازعين، وهو المعروف الذي فسر به قوله ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فإنه المتبادر يقع بين الفعلين، وإن لم يقع بين قومين بل وقع من الجميع باعتبار زمانين، وهو المراد هنا على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لأنه مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال معنى اختلفوا فيه اختلفوا على نبيهم في ذلك حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت لأنّ اختلافهم في السبت كان اختلافهم على نبيهم في ذلك اليوم، وأيده الطيبي رحمه الله بما روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون الشابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتبناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فهدانا الله له فالناس لنا تبع فيه اليهود غدا والنصارى بعد غد " فلما أمر الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتابعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد اختار الجمعة قبل فلما اختار اليهود السبت فقيل إنما جعل السبت الخ فمعنى اختلفوا فيه خالفوا جميعهم نبيهم فهو اختلاف بينهم، وبين نبيهم فإذا كان هذا تفسير رئيس المفسرين المروي من طرق صحيحة عن أفضل النبيين صلى الله عليه وسلم علم أنّ منعه لا يسمع، وأنّ النسخة المشهورة هي الصحيحة، والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله بقوله أمرهم. قوله:) فرغ فيه من خلق السماوات الأرض! (يعني أنه تعالى لما خلق العالم في ستة أيام بدأ الخلق في يوم الأحد، وأتمه في يوم الجمعة فكان يوم السبت يوم الفراغ، وقالت اليهود نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال في السبت، وقالت النصارى يوم الأحد مبدأ الخلق فنجعله عيداً لنا، وقلنا نحن يوم الجمعة يوم التمام، والكمال فهو أحق بالسرور والتعظيم كما روي وقوله فألزمهم الله السبت هو مصدو بمعنى تعظيم ذلك اليوم، وقوله وشدد الأمر عليهم بوجوب ترك العمل والاصطياد فيه عليهم لمخالفة نبيهم في الجمعة كما مر ولا حاجة إلى أن يقال إنّ البلوى عمت لغير المختلفين كما قيل. قوله: (وقيل معناه إنما جعل وبال السبت الخ) قد مر بيان إعرابه، وقوله وهو المسخ تفسير للوبال أي، وبال ترك السبت فالمعنى على أنه مصدر سبتت اليهود إذا عظمت ذلك اليوم أو وبال ترك تعظيم السبت على أنه اسم اليوم، ويؤيده قوله فأحلوا الصيد فيه أي في يوم السبت إلا أن يحمل على الاستخدام، وهو خلاف الظاهر هنا، ولذا اختاره الفاضل المحشي فلا وجه لرذه وعلى هذا للمضرة، وهذا رد على الزمخشري فيما اختاره، وقد عرفت وجهه، والحيل جمع حيلة، وقد مرت مفصلة في البقرة. قوله:) وذكرهم (يعني اليهود وما وقع منهم في أمر السبت على وجه التمثيل للمشركين والتهديد لهم بما في مخالفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الوبال كما ذكرت القرية التي كفرت بأنعم الله تمثيلا وهذا على القول الثاني لذكر الوبال فيه تقديراً، وأمّا على الأوّل فلما مر من أنه جواب عما يقال من طرفهم من أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان مأموراً باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما باله لم يعظم السبت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 وهو من ملته على زعمهم كما صرح به الإمام. قوله: (بالمجازاة على الاختلاف الخ (قد مر أن الاختلاف هنا على وجهين، وأنّ الاختلاف السابق غير الاختلاف الذي هنا، وان كان الظاهر جعلهما على نسق واحد فتدبر فالمجاز بإثابة من لم يختلف، وعقاب غيره، وبين كلامه وكلام الزمخشري هنا مخالفة لما عرفت. قوله: (ادع من بعثت إليهم (، وفي نسخة إليه رعاية للفظ من وفيه إشارة إلى أنّ المفعول محذوف للدلالة على التعميم لعموم بعثته فلا يناسب المقام تنزيله منزلة اللازم كما لا يناسب قوله وجادلهم، وكون الإسلام سبيل الله ظاهر لأنه الطريق المستقيم. قوله: (بالمقالة المحكمة) أي الحجة القطعية المزيحة للشبهة، وقريب منه أن الحكمة هي الكلام الصواب الواقع من النفس أجمل موقع، وقوله وهو الدليل ذكر فيه ضمير المقالة رعاية للخبر أو لعدم اعتبار تأنيث المصدر لتأويله بمصدر مذكر أو بأن والفعل، والمزيح بالزاي المعجمة بمعنى المزيل والخطابات بفتح الخاء المعجمة جمع خطابة بفتحها على ما صرح به في القاموس، وغيره ويجوز فيه الكسر والخطابة هي إيراد الكلام في الدعاء إلى الاغراض، ونصر ما يقصده في المحافل العامّة، وهي كالخطبة، والمقنعة من الإقناع، وهو إيراد ما يقنع به المخاطب، وان لم يكن ملزماً كالمقدمات الإقناعية، ولذا خص الأوّل بالخواص، والثاني بالعوام كما في الأثر خاطبوا الناس على قدر عقولهم، وقوله وجادل معانديهم قدر فيه المضاف لأنّ الجدار إنما يحتاج إليه المعاند، وقوله التي هي أشهر فهي لشهرتها تكون مسلمة عندهم لا يمكن إنكارها بخلاف المقدمات المموهة الباطلة فإنّ الجدل بها ديدن المبطلين. قوله: (وتبيين شغبهم (الشغب بفتح الغين المعجمة، وتسكن، وهو الأكثر ولا عبرة بمن أنكر الفتح كالحريري في الدرة، وغيره وهو تهييج الشر والمراد به هنا الشرّ، والفساد. قوله: ( {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} الآية) هو ضمير فصل للتقوية أو للتخصيص، والثاني هو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله تعالى وان احتمل غيره، وقوله وهو أعلم عطف على جملة أن أو على خبرها وايثار الفعلية في الضلال، والاسمية في مقابلته إشارة إلى أنهم غيروا الفطرة بإحداث الضلال، ومقابلوهم استمرّوا عليها، وتقديم أهل الضلال لأنّ الكلام فيهم. قوله:) أي إنما عليك البلاغ الخ) قيل إنه يعني فلا تلح عليهم إن أبوا بعد الإبلاغ مرة أو مرتين مثلا {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} فمن كان فيه خير كفته النصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل كما في الكشاف لا أنّ المعنى فلا تعرض! فما عليك باس من إيمانهم فاندفع كما قيل إنّ دلالة الآية على الثاني، وهو المجازاة مسلمة وأفا إنّ حصول الضلالة، والهداية ليس إليه فالآية لا تدل عليه نفياً، واثباتاً لأنه إنما نشأ من تفسيره بما ذكر اهـ، ولا يخفى أنّ ما فسره به هذا القائل أحسن مما في الكشاف فإنّ قوله وجادلهم ناطق بخلافه، وأمّا ما أورده عليه فغيروا رد لأنه إذا انحصر علم الهداية والضلال فيه تعالى علم أنه لا يكون لغيره علمها فكيف يكون له حصولها وهو في غاية الظهور فلا يصح عدم دلالة الآية على ما ذكر، وقوله لا إليك معناه فلا يفوّض إليك فحذف المنفي لدلالة متعلقه بقرينة السياق عليه، وقوله وهو المجازي لهم يعلم من علم الله به كما مر مراراً فلا تغفل ولذا أدرج فيه قوله، والمجازاة بالجرّ عطفاً على المضاف إليه أو بالرفع عطفاً على المضاف. قوله: ( {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) } المفاعلة ليست هنا للمشاركة والعقاب في العرف مطلق العذاب، ولو ابتداء، وفي أصل اللغة المجازاة على عذاب سابق لأنها ما يقع عقب مثله فإن اعتبر الثاني فهو مشاكلة، وسماها الزمخشري مزاوجة، وهي خلاف ما اصطلح عليه في البديع، وان اعتبر الأوّل فلا ماكلة فيه، ولذا لم يذكرها المصنف رحمه الله تعالى فمن قال لا وجه للمشاكلة لم يصب. قوله: (لما أمره بالدعوة وبين له طرقها الخ (قال الإمام هذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه ليرتبط بما قبله، وأما الوجه الآتي فبعيد جداً لما فيه من عدم الارتباط المنزه عنه كلام رب العزة، وعلى هذا تكون هذه الآية مكية كما قاله ابن النحاس، وعلى الثاني تكون مدنية كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في قوله في أوّل السورة إنها مكية إلا ثلاث آيات في آخرها فهي مدنية (أقول) كون هذه الآية مدنية كما صرح به المصنف، وكون سبب نزولها قصة حمزة رضي الله عنه مصرح به في كتب الحديث، والتفسير ومروي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم كما في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، وقال القرطبي: أطبق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 أهل التفسير على أنّ هذه الآية مدنية نزلت في شأن حمزة رضي الله عنه والتمثيل به، ووقع ذلك في صحيح البخاري فلا وجه لما ذكره الإمام، وأما ما ذكره من سوء الترتيب، وعدم الارتباط فليس بشيء فإنّ ذكر هذه القصة للتنبيه على أنّ الدعوة لا تخلو من مثله، وأنّ المجادلة تجر إلى المجادلة فإذا وقعت فاللائق ما ذكر فلا فرق بينه وبين الوجه الأوّل بحسب المآل، وخصوص السبب لا ينافي عموم المعنى، وتفسيره بما مر، وقوله شايعه بالشين المعجمة، والعين المهملة أي من اتبعه وعد من شيعته، وفي نسخة تابعه بالمثناة، وهي بمعناها يعني أنّ الله تعالى أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بما ذكر، وقوله المخالقة ضبط بالخاء المعجمة والقاف أي التخلق والاتصاف به في معاملة الخلق، ولو قرئت بالفاء كان له وجه، وقوله يناصبهم بالصاد المهملة بمعنى يعاديهم ويحاربهم، وقد يخص النصب في العرف بعداوة علي، وبغضه رضي الله عنه ومنه الناصبة، وقوله من حيث إنها أي الدعوة، ورفض وفي نسخة رفع بمعنى ترك أي تتضمن التكليف بذلك، وقوله والقدح أي الطعن في دين أسلافهم في الجاهلية وهو معطوف على المقدر قبل رفض أو هو معطوف عليه. قوله: (وقيل الخ) تبع في تضعيفه الإمام وقد عرفت أنه لا وجه له كما مر، وقوله قد مثل به مجهول مشدد من المثلة وهي القتل بما يخالف المعتاد أو فعل مثله بعد القتل، وقد شق بطن حمزة رضي الله عنه وأخرج قلبه، وقوله بسبعين حذف مميزه وهو رجلاً للقرينة عليه، وقوله مكانك خطاب لحمزة رضي الله عنه لتنزيله منزلة الحي لكونه سيد الشهداء وقوله فكفر عن يمينه إن قيل بتجويز الكفارة قبل الحنث فظاهر، والا فالفاء فصيحة أي فأظفره الله بهم فكفر الخ. قوله: (وفيه دليل على أنّ الخ) المقتص اسم فاعل القصاص، ومماثلة الجاني أن يفعل به مثل ما فعل في الجنس والقدر، وأمّا اتحاد الآلة بأن يقتل بحجر من قتل به وبسيف من قتل به فذهب إليه بعض الأئمة ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا قود إلا بالسيف فإن قلت هذه الآية صريحة في خلاف مذهبه فما معناها عندهم قلت القتل بالحجر، ونحوه لا يمكن مماثلة مقدأره شدة، وضعفاً فاعتبرت مماثلته في القتل، وازهاق الروج والأصل فيه السيف كما ذكره الرازي في أحكامه، وقد اختلف في هذه الاية فأخذ الشافعي بظاهرها وأجاب الحنفية بأن المماثلة في العدد بأن يقتل بالواحد واحد لقول النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأمثلن بسبعين منهم لما قتل حمزة " فنزلت هذه الآية فلا دليل فيها، وقال الواحدي أنها منسوخة كغيرها من المثلة وفيه كلام في شرح الهداية، وقهوله يجاوزه معناه يزيد في مقداره. قوله: (وحث على العفو تعريضاً الما في أن الشرطية من الدلالة على عدم الجزم بوقوع ما في حيزها فكأنه قا أط لا تعاقبوا وان عاقبتم الخ كقول طبيب! لمريض ساله عن أكل الفاكهة إن كنت تأكل الفاكهة فكل الكمثري، وقوله على الوجه الآكد بالمد أفعل تفضيل أي اكثر توكيداً لما فيه من القسم المقدر والجواب بالاسمية والتنصيص على الخبرية وفي الأوّل توكيد لما في كلمة الشرط من جعله مما يشك في وقوعه مع التعريض الذي قد يكون أبلغ من التصمريح وان عاقبتم بمعنى إن أردتم العقاب، وقوله للصبر إشارة إلى أنه من باب اعدلوا هو أقرب للتقوى، وفي نسخة أي الصبر. قوله: (للصابرين) في الكشاف المراد بهم المخاطبون فالتعريف للعهد وضع فيه الظاهر موضع المضمر، والصبر الراجع إليه الضمير صبرهم أيضاً ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون في الشدائد فالصبر من شيمهم فلا يتركونه إذن في هذه القضية، ونحوها أو وصفهم بالصفة التي تحصل لهم إذا صبروا على المعاقبة فهو على حد من قتل قتيلاً أو الضمير لجنس الصبر الدال عليه صبرتم، والمراد بالصابرين جنسهم فيدخل هؤلاء دخولاً أوليا قيل، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في هذا، واختاره لما فيه من العموم، وفيه نظر. قوله: (صرح الأمر به) متعلق بالأمر، واستعمل صرح متعدياً بنفسه لأنه يقال صرح الأمر، وصرح به إذا كشفه، وبينه متعديا ولازما كما صرح به أهل اللغة أي خص! الرسول صلى الله عليه وسلم دون من معه بالتصريح بالأمر بالصبر وعلم أمر غيره به ضمنأ من قوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} الخ، وفي قوله علمه بالله ما يدل على أنه يصح أن يقال علمت الله كعرفت الله، وقد بيناه في محل آخر، وقوله وثوقه عليه أي اعتماده عليه، ولذا عداه بعلى وان كان الظاهر به وقوله بتوفيقه يعني أنه فيه مضاف مقدر لاقتضاء المعنى له، وقوله على الكافرين أي على كفرهم، وعدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 هدايتهم، وقيل على أزاهم. قوله: (في ضيق صدر الخ (فيه استعارة تبعية في أداة الظرفية كما يقال زيد في نقمة لجعله النقم، ونحوها من الغموم لشدته كأنه لباس أو مكان محيط به، وقيل إنه من القلب الذي شجع عليه أمن اللبس لأن ضيق الصدر وصف في الإنسان، وليس الإنسان فيه، وقد تضمن من اللطف ما حسته، وهو أن الضيق عظم حتى صار كالشيء المحيط به من جميع الجوانب، وهو في المعنى كالأوّل إلا أنه لا داعي إلى ارتكاب القلب مع الاستغناء عنه بما مر، وقوله من مكرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية، وقوله وهما لغتان أي الفتح الذي هو مشهور، والكسر المقروء به فهما مصدران كالضرب، والكبر والقول والقيل، وقوله هنا متعلق بقرأ أو هو صفة، وأصله ضيق مخفف كميت، وميت أي في أمر ضيق ورده الفارسي بأنّ الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يجوز ادعاء الحذف ولذلك جاز مررت بكاتب وامتنع باكل، وهو ممنوع لأنه إذا كانت الصفة عامة وقدر موصوف عام فلا مانع منه، وقوله المعاصي بيان لمفعوله المقدر، وسيأتي له تقدير آخر، ويدخل فيها زيادة العقاب ويجوز تنزيله منزلة اللازم. قوله: (في أعمالهم الخ) يعني أن ما قبله تخلية وهذا تحلية، وقوله بالولاية أي يتولى أمورهم، وكفايتها والفضل الإحسان، والجار والمجرور متعلق بما تعلق به مع بيان المعية وفيه لف ونشر، وقوله أو مع الذين اتقوا الله أي خافوه، والمعنى خافوا عقابه، وأشفقوا منه فشفقوا على خلقه بعدم الإسراف في المعاقبة، وهذا التفسير مناسب لما قبله أتم مناسبة والإحسان على الأوّل بمعنى جعل الشيء حسنا، وعلى الثاني ترك الإساءة كما قيل: ترك الإساءة إحسان وإجمال والحديث المذكور وقع في التفاسير مرويا عن أبيئ بن كعب رضي الله تعالى عنه، وهو موضوع كما قاله العراقي تصت هذه السورة بحمد الله وعونه. تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس أوّله سورة الإسراء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 بسم الله الرحمن الرحيم سورة الإسراء كونها بتمامها مكية قول الجمهور، والقول الآخر مروي عن قتادة رضي الله عنه، وهذا القول فيه نظر سيأتي في تفسير قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [سورة الإسراء، الآية: 85] ولم يحك الداني رحمه الله في كونها مكية خلافاً وفي عددها خلاف يسير فقيل: مائة وإحدى عشرة. قوله: (سبحان اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه الخ (أي مصدر غير علم هنا، وهو مصدر سبح تسبيحا بمعنى نزه تنزيها، ويكون التسبيح مصدر سبح إذا قال: سبحان الله أيضا، حتى أنّ بعضهم ظن أنه مخصوص بالمعنى الثاني وليس كذلك، وقد ذهب إلى هذا صاحب القاموس رحمه الله في شرح ديباجة الكشاف وجعل سبحان مصدر سبح مخففاً، وقال الزمخشري: إن سبحان علم للتسبيح دائما وهو علم جنس لأن علم الجنس كما يوضع للذوات يوضع للمعاني، وخالفه المصنف رحمه الله تبعا لابن الحاجب ففصل فيه فقال إنه إذا أضيف ليس بعلم لأن الأعلام لا تضاف إلا شذوذا وإذا لم يضف فق ص علم لأنه سمع ممنوعا من الصرف كما سيأتي، وقوله اسم أي اسم جنس لا علم وهو رث على الزمخشري فلا ينافي كونه مصدرا كما قال في البقرة إنه مصدر كالغفران أو أراد أنه اسم مصدر لأن قياس مصدره التسبيح، فمن قال إنه يريد أنه اسم لا مصدر وادعى تأويل كلامه في سورة البقرة لم يصب، وقوله: التنزيه احتراز عن التسبيح بمعنى قول سبحان الله فإنه غير مراد هنا، وما ذكر في الكشف من أن الوجه ما ذهب إليه الزمخشري لأنه إذا ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها وليس من باب زيد المعارك بل من باب حاتم طيىء، ولذا لم يضف إلا لأسمائه تعالى لدلالته على تنزيه بليغ يليق بكبريائه فيرد عليه أن من منع إضافة العلم قياساً لم يفرق بين إضافة وإضافة فإن ادعى أن بعض الأعلام اشتهرت بمعنى كحاتم بالكرم فيجوز في نحوه الإضافة لقصد التخصيص ودفع العموم الطارئ فما نحن فيه ليس من هذا القبيل، كما لا يخفى ثم إنه قيل إن قوله: بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه المراد منه لا الذي بمعنى التعجب كما إذا قطع عن الإضافة أو استعمل بمن كما في البيت وهو تفسير لكلامه بما لم يرده لما مر من معناه، ولما حققه المدقق قدس سره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 من أن المعنى ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص، فلا يكون اصطفاؤه لعبده المخصوص به إلا حكمة وصواباً، فالتنزيه لا ينافي التعجب كما توهم والتعجب هاهنا تبع بخلافه في قوله: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور، الآية: 16] فافهم، ومن هذا ظهر مناسبة أوّل هذه السورة لخاتمة السورة التي قبلها وارتباطها بها وأن في سبحان ثلاثة مذاهب أنه علم جنس دائما وأنه علم إذا لم يضف غير علم إذا أضيف وأنه ليس بعلم أصلا كما سيأتي. قوله: (وقد يستعمل علماً له (أي للتنزيه فيقطع عن الإضافة لأن الأعلام لا تضاف قياسا، ويمنع من الصرف للعلمية والزيادتين، قال الرضي: ولا دليل على علميته لأنه أكثر ما يستعمل مضافا فلا يكون علما وإذا قطع فقد جاء منوّنا في الشعر كقوله: سبحانه ثم سبحانا نحوذ به وقبلنا سبحات الجود والحمد ... وقد جاء باللام كقوله: سبحانك اللهم ذا السبحان قالوا ودليل علميته قوله: سبحان من علقمة الفاخر ولا منع من أن يقال: حذت المضاف إليه وهو مراد للعلم به وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله أي التجزد عن التنوين كقوله: خالط من سلمى خياشيم وفا قوله: (قد قلت لما جاءني فخره الخ (هو من قصيدة طويلة للأعثى، أولها: شاقتك من قبله أطلاقا بالشط فالجزع إلى حاجر ... وسببها أنه لما تنازع الشرف ودعوى الكرم علقمة بن علاثة وابن عمه عامر بن الطفيل العامريان على ما جرت به عادتهم في الجاهلية، وكان علقمة كريما رئيسا وعامر عاهراً سفيهاً وساقا إبلا كثيرة لتنحر لمن قرّ له أي الفضل هاب حكام العرب أن يحكموا بينهما فأتوا هرم بن سنان، فقال لهما: أنتما كركبتي البعير تقعان على الأرض معاً وتنهضان معا قالا فأينا اليمين قال: كلا كما يمين فمكثا سنة لم يحكم أحد بينهما، فأتى الأعشى علقمة مستجيراً به فقال: أجيرك من الأسود والأحمر فقأل له: ومن الموت قال لا، فأتى عامراً فقال له: مثله فقال له: ومن الموت قال: نعم، قال: وكيف قال إن مت في جواري وديتك، فلما بلغ ذلك علقمة قال: لو علمت مراده لهان عليّ فقال الأعشى: يهجو علقمة، ويفضل عليه عامراً بقصيدته هذه ومنها قوله: إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والناظر ... ما جعل الحد الظنون الذي خيب صوب اللحب الماطر ... مثل الفرأتيّ إذا ما جرى يقذف بالبوصي والماهر ... أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر ... علقم لا تسفه ولا تجعلن عرضك للوارد والصادر ... والشاهد في قوله: (سبحان من علقمة الخ (لمنعه من الصرف، والمراد التعجب من فخره على عامر كما يقولون سبحان الله من كذا أي أعجب منه، وقال الراغب: إنه تهكم ومن زائدة، وهو مضاف لعلقمة، وقيل: أصله سبحان الله فحذف المضاف إليه فلا شاهد فيه، وعلقمة المذكور صحابيّ قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو شيخ واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حوران فمات بها، وفي الاستيعاب أنه كان من المؤلفة، وقوله: يفعل متروك إظهاره أي لم يسمع من العرب إظهاره وهو سبح مشدداً بمعنى نزه لا مخففا كما مر تحقيقه، وقوله للتنزيه عن العجز، ولا ينافي قصد التعجب كما قدمناه، وقوله عما ذكر بعده وهو الإسراء المذكور، وعدل عن قول الزمخشري: إنه للتنزيه البليغ عن جميع القبائح التي تضيفها إليه أعداء الله لأنه يأباه المقام كما قاله الطيبي، لكن الذي دعا الزمخشري إلى التفسير به مع أنه شامل لما ذكر أنه تفسير مأثور. قال في الإعراب المسمى بالعقد الفريد عن طلحة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله فقال: تنزيهه من كل سوء فتأمّل. قوله: (واسرى وسرى بمعنى) هذا قول أبي عبيدة رحمه الله وهو سير الليل أو أكثره وليست همزة أسرى للتعدية بل هما بمعنى ويشير إليه ما ذكره بعده، وقيلى: الهمزة للتعدية ومفعوله محذوف تقديره أسرى ملائكته بعبده، وقيل: أسرى لأوّل الليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 وسرى لآخره، وهو قول الليث وعليه فهو مختص بالليل، وأما سار فعاثم، وقيل: إنه مختص بالنهار، وليس مقلوبا من سرى. قوله: (وفائدته الدلالة بتنكيره الخ) أي مع أق السرى والإسراء لا يكون إلا ليلا فلا حاجة لذكره معه كما أشار إليه ولا فائدة في ادّعاء أنه للتأكيد أو تجريد الإسراء أو استعماله في مطلق السير مع ذكره بعده، وقوله: بقليل المدة أي مدة الإسراء كذا في الكشاف وتبعه المصنف رحمه الله كغيره واعترض عليه بأن البعضية المستفادة من من التبعيضية هي البعضية في الأجزاء والبعضية المستفادة من التنكير في الأفراد والجزئيات فكيف يستفاد من التنكير أن الإسراء كان في بعض من أجزاء الليل فالصواب أنّ تنكيره لدفع توهم أن الإسراء كان في ليال أو لإفادة تعظيمه كما هو المناسب للسياق والسباق، وأجيب بوجهين: الأوّل أن التبعيض في الأجزاء مقارب لتقليل الأفراد فيستعمل ما لأحدهما في الآخر بأن يراد من ليلا بعضه وهو أبلغ وأدل على المعجزة، الثاني: أن ليلاً وإن كان اسما لمجموع الليلة إلا أنه أريد منه بعضها مجازاً، والمعنى المجازي له أفراد متفاوتة قلة وكثرة فنوّن حينئذ للتقليل، وهذ وجه حسن انتهى، ولا يخفى ما فيه من السماجة فإن التجوز في التنوين بدون التجوّز في الصيغة هنا غير متصوّر، فالجواب الأوّل بدون ملاحظة الثاني غير صحيح، وأمّا الثاني فلا وجه له كما ستراه عن قريب إذا عرفت هذا فالاعتراض لا يرد ابتداء لأن ما ذكر في الكشاف نص عليه الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز، فما ذكر من الفرق عمن رووه والذي تمسك به بعض المتأخرين من كلام الرضي لا دليل فيه لمن تأمّله بنظر صادق وليس هذا محل رذه، وقد كتبناه في حواشيه وتحقيق ما ذكره الشيخان على ما صرح به الفاضل اليمني نقلا عن ابن مالك وسيبويه أن الليل والنهار إذا عزفا كانا معيارا للتعميم وظرفا محدودا فلا تقول صحبته الليلة وأنت تريد ساعة منها إلا أن تقصد المبالغة كما تقول: أتاني أهل الدنيا لناس منهم بخلاف المنكر فإنه لا يفيد ذلاث، فلما عدل عن تعريفه هنا علم أنه لم يقصد استغراق السرى له، وهذا هو المراد من البعضية المذكورة، ولا حاجة إلى جعل الليل مجازا عن بعضه، كما أنك إذا قلت: جلست في السوق وجلوسك في بعض أماكنه لا يكون فيه السوق مجازاً كما لا يخفى، وهذا ما أشار إليه المدقق في الكشف أيضا، وقيل: المراد بتنكيره أنه وقع في وسطه ومعظمه كما يقال: جاء فلان بليل أي في معظم ظلمته فيفيد البعضية أيضا، وينافيه ما سيأتي في الحديث، وقوله: قرئ من الليل هي قراءة عبد الفه وحذيفة، وقوله: ومن الليل فتهجد سيأتي وجه تخصيص البعض فيه. قوله: الما روي أنه عليه الصلاة والسلام (الرواية الأولى متفق عليها من حديث مالك بن صعصعة مطوّلاً، وما سيأتي من أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقمق القصة على أئم هانئ الحديث رواه النسائي باختصار عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأورده ابن سعد وأبو يعلى والطبراني من حديث أم هانئ رضي الله عنها مطوّلاً كذا في تخريج العراقي، وهذا مما يؤيد أنّ الإسراء كان مرّتين مرّة بروحه قبل البعثة، ومرة بجسده بعدها، وبهذا يجمع بين ما في الروايات من الاختلاف مع صحتها ثم إنه لكون رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تقع بعينها وتجيء كفلق الصبح أسرى به بعد ذلك حقيقة وكان الإسراء الروحانيّ تقدمة لهذا وتعليما لطريق الدخول في حظائر القدس فافهم، والحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء المهملة ما يلي الميزاب من المحوطة المعروفة المفرزة من البيت بحائط قصير. قوله: (بين النائم واليقظان) اليقظان بسكون القاف صفة من اليقظة بفتحها ولا تسكن إلا في ضرورة الشعر كقوله: فالعمرنوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري ... والمراد بكونه بينهما أنه قد عرضت له سنة وفتور يعتري قبل النوم على ما هو عادته صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي وهو مستيقظ حقيقة، والبراق بضم الباء من دوالت الجنة سمي به لشدة سرعته كالبرق الخاطف. قوله: (أو من الحرم) عطف على قوله: من المسجد الحرام بمعنييه فعلى الأوّل هو من نفس المسجد وعلى هذا ليس منه نفسه، وقوله: وسماه الخ أي أطلقه عليه توجيه لإطلاق المسجد الحرام على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 الحرم فالأوّل على أنه حقيقة لغوية لأنه كله محل للسجود وحرام محترم ليس بحل، والثاني على أن المراد به معناه المتعارف وهو مجاز بعلاقة المجاورة الحسية والإحاطة، وقوله: ليطابق الخ توجيه للإطلاق المذكور وبيان لنكتة فيه وهو أنه لما كان المنتهى مسجداً عبر عن المبدأ به لتتم مناسبته له لا أنه سمي بذلك ليتطابقا فإن المبدأ ليس عين المسجد كالمنتهى كما توهم، وفسره بعضهم بما يتعجل منه مع ظهوره وهذا تعليل للعلة مع المعلل لبيان مرجح المجاز، فلا يلزم تعلق حرفي جز بمعنى بمتعلق واحد، وقوله: لما روي الخ تعليل لقوله من الحرم، وأمّ هانئ بالهمز بنت أبي طالب الصحابية رضي الله عنها، وقوله: مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصليت بهم مجهول من التمثيل وهو إظهار المثال والصورة فهو إفا روحاني أو بالبدن المثالي الذي أثبته الحكماء والصوفية والظاهر أنه بالبدن الحقيقي لأنهم عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم، وهو الذي يقتضيه قوله أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ولذا قيل إن مثل مخفف بوزن ظرف أي انتصب ولا حاجة إليه لأن المشدد بمعناه، قال الراغب في مفرداته: يقال مثل الشيء أي انتصب ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " من أحب أن يتمثل له الناس قياماً " وقد ذكر في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم دخل بيت المقدس ووجد فيه نفراً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصلى بهم وفي حديث عند الترمذي كما في الروض الأنف أنه أنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى بهم وقال: ما زايل ظهر البراق حتى رأى ما رأى والمثبت مقدم على النافي، وقوله استحالة مفعول له لقوله: تعجبوا وفي نسخة واستحالوه أي عدوه محالاً، وقوله: فتعجبوا منه أي من إخباره بمثله من المحال إذ ليس له تحقق عندهم حتى يتعجب منه، وسعى بمعنى مضى وأسرع أو من السعاية وهي نقل الخبر على وجه الإفساد وإنما سعوا إليه رجاء أن يرجع عما هو عليه. قوله: (فسمي الصدّيق الخ) الصذيق صيغة مبالغة كسكيت فإن كانت من الصدق لأن المعروف أخذها من الثلاثي فالمراد شدة صدقه فيما أجابهم به وان كانت من التصديق على خلاف القياس فالمراد كثرة تصديقه له، أو هو من الصداقة، واستنعته أي طلب منه نعته، وقوله: بيت المقدس بالإضافة بوزن مجلس اسم مكان أو مصدر ميمي من القدس وهو الطهر أي المكان الذي يطهر فيه العابد من الذنوب أو يطهر من عبادة الأصنام وجاء فيه ضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة وقد تكسر ويقال البيت المقدس بالتوصيف والأشهر الإضافة، وجلى مجهول مثذد أي أظهره الله له حتى شاهده فنعته، والعير بكسر العين الجمال وتعيين قدومها وما معه بإعلام الله له، وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأخباره بالغيب فيه، والأورق من الجمال الأبيض الماثل للسواد وليس بمحمود فيها وإن طاب لحمه لهم، وقوله: يقدم الأوّل من القدوم وهو من باب علم والثاني من قدم يقدم كنصر ينصر بمعنى تقدّم ويجوز كونه ماضيا من التفعل، وقوله: يشتدون بمعنى يسرعون في المشي من قولهم: شد عليه إذا حمل عليه جملة أو هو من الشدة وأصله يشتد جريهم، والثنية مكان مرتفع في جبل يكون طريقا والمراد بها ثنية مخصوصة بمكة يدخل القادم من الشام منها وهي معروفة، وإلى متعلق بيشتدون أو يخرجوا، وكونه قبل الهجرة بسنة قول وقيل: بستة عشر شهراً وقيل: كان قبل البعثة وقد علمت أنه وقع مرّتين كما مر، وقولهم: ما هذا إلا سحر مبين أي ما ذكر لأن السحرة في زعمهم تطلع على بعض المغيبات. قوله: (واختلف في أنه كان في المنام الخ (فعن عائشة رضي الله عنها كانت رؤيا حق وقالت: لم نفقد بدنه وإنما عرج بروحه صلى الله عليه وسلم واحتج لهذا القول بقوله تعالى ة {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} اسورة الإسراء، الآية: 160 لأن الرؤيا تختص بالنوم لغة وكذا وقع في البخاري، وذهب الجمهور إلى أنها يقظة والرؤيا تكون بمعنى الرؤية في اليقظة كما في قول الراعي يصف صائداً: وكبر للرؤيا وهش فؤاده وبشر قلباكان جما بلابله ... وقال الواحدي: إنها رؤية اليقظة ليلا فقط واحتجوا بما سيأتي، قال السهيلي في الروض: وذهبت طائفة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 ثالثة منهم القاضي أبو بكر إلى تصديق المقالتين وتصحيح الحديثين بأن الإسراء كان مرتين إحداهما في نومه قبل النبوة بروحه توطئة وتيسيراً لما بعده مما يضعف عنه قوى البشر فيما شاهده بعدها وعاناه بجسده، وحكي هذا القول عن طائفة من العلماء، وبه جمع بين ما وقع في طرق الحديث من الاختلاف على ما فصله، وحكى المأزري في شرح مسلم قولاً رابعا جمع به بين القولين فقال: كان الإسراء بجسده في اليقظة إلى بيت المقدس فكانت رؤية عين ثم أسري بروحه جمحيه منه إلى ما فوقه فكانت رؤيا قلب ولذا شنع الكفار عليه قوله عليه الصلاة والسلام: أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه ولم يشنعوا عليه قوله: فيما سوى ذلك وكلام المصنف رحمه الله فيه إيهام لهذا القول، قيل والمراد بالمنام هنا ما يشمل ما بين حالي النائم واليقظان كما مر في الرواية الأولى ولا حاجة إليه لأن تلك الحالة كانت عند مجيء جبريل عليه الصلاة والسلام بالبراق لا وقت العروج فتأمل. قوله: (بروحه أو بجسده (الظاهر أنه لف ونشر فقوله: بروحه راجع للمنام وبجسده لليقظة والمراد روحه فقط وكون المراد بروحه أو بجسده في اليقظة خلاف الظاهر. قوله: (ولذلك تعجب قريش واستحالوه) لأن النائم قد يرى نفسه في السماء ويذهب من المشرق إلى المغرب ولا يستبعده أحد، وأمّا كون العروج بروحه يقظة خارقا للعادة ومحلاً للتعجب أيضا والجواب بأنه غير منكر كالانسلاخ الذي ذهب إليه الصوفية والحكماء، فأمر لا تعرفه العرب ولم يذهب إليه أحد من السلف. قوله: (والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة الخ (دليل عقلي على صحته ورد لاستحالته، والثانية في اصطلاح المتجمعين جزء من ستين جزءاً من الدقيقة والدقيقة جزء من ستين جزءاً من الدرجة وهي جزء من خمسة عشر جزءا من الساعة المقدر بها الليل والنهار، قال أستاذ عصرنا الفيلسوف في العلوم الرياضة: المولى عبد الوهاب هذا غير سديد من وجوه، منها أن علم الهندسة ليس مظنة للبحث عما ذكر ولو قال بالهندسة لهان الأمر لأن براهين الهيئة تعلم من الهندسة كما هو معروف عند من له معرفة بتلك الفنون، ومنها أن ما بين طرفي قرص الشمس وهو قطرها خمسة ونصف بما يكون به قطر الأرض واحداً على ما بين في مباحث الأبعاد والإجرام من التذكرة وغيرها وأمّا ما كان مائة ونيفا وستين مرة فهو جرم الشمس بالنسبة إلى كرة الأرض إذ بين ثمّ إن نسبة كرة الأرض كنسبة مائة وستة وستين وربع وثمن هو الشمس إلى الواحد بناء على ما أثبتوه ثمة من أنّ نسبة كرة إلى كرة كنسبة مكعب قطر الأولى إلى مكعب قطر الأخرى، ومنها أن قطر الشمس الذي هو كالواقع في مأخذ حركة مركزها بالحركة الأولى يصل طرفه المتأخر إلى موضع طرفه المتقدم وهو المراد بوصول طرفها الأسفل إلى موضع طرفها الأعلى على أن الطرف المتقدم أعلى من الطرف المتأخر، وكذا المتأخر أعلى من الطرف المتقدم في الارتفاعات الشرقية والانحطاطات الشرقية في جميع ما يتعين فيه الشرق والغرب من الآفاق مع أن الطرف المتقدم أعلى من جميع جوانب الشمس والمتأخر أسفل جميع جوانبها عند طلوع مركزها في أفق الاستواء فلا غبار في ذلك الوصول لكن كون زمانه أقل من ثانية ممنوع بناء على ما بين في محله من أن قطر الشمس، وجد في أكثر أحوال بعدها مساويا في النظر لقطر القمر في بعده الأبعد وقد بين أيضا أنّ قطر القمر في بعده الأبعد إحدى وثلاثون دقيقة وثلث دقيقة فكيف يتصوّر أن يقطع مركز الشمس مقدار قطرها في أقل من ثانية فيقع فيه ذلك لوصول سواء كانت الثانية ثانية الدرجة أو الساعة أو اليوم إذ اللازم مما ذكر أن يكون زمان الوصول المذكور إحدى وثلاثين دقيقة من دقائق الدرجة أو دقيقتين من دقائق الساعة أو خمس ثوان من ثواني اليوم بالتقريب والذي يقطعه مركز الشمس في أقل من ثانية هو مقدار قطر الأرض على أن تكون الثانية ثانية اليوم ولو اكتفى بذلك القدر من سرعة حركته ولم يلتزم بيان ما هو أزيد منه لتم إثبات المقصود وهو جواز أن يقطع جسم مسافة بعيدة في زمان قليل أو يحزر تحريراً تاما فليتأمل هذا مرة بعد أخرى فإن دقائقه لا تصل إلى درجة منها بنظرة أولى ولا ثانية وهذا ملخص ما ذكره فمن أراده فعليه بالنظر فيه وهو مما لا شبهة في وروده إلا أن ما أورده أوّلا أمر سهل وقد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 أشار هو إلى دفعه فتدبر، والنيف مشدداً بوزن كيف ويخفف ما زاد على العقد إلى أن يبلغه. تنبيه: عبد الوهاب المذكور من موالي الروم له يد طولى وتأليف العلوم الرياضية توفي بعد عشر وألف قاضياً بالمدينة المنوّرة رأيته مدرساً بسليمية إردنه وكان زاهداً فاضلا ويعرف بقواله إلى زاده. قوله: (وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الإعراض الخ (أقول أنّ المصنف رحمه الله تبعاً للإمام أراد أن يثبت صحة الإسراء بدليل عقلي فذكر له أوّلاً: دليلا من علم الهيئة، وثانياً: من علم الحكمة أخذه من كلام الرازي في المسائل الأربعين وهو أن الأجسام لما كانت متسارية في الذوات والحقائق وجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على غيره لأن قابلية ذلك العرض إن كانت من لوازم تلك الماهية فأينما حصلت لزم حصول تلك القابلية فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على كل منها وان لم تكن من لوازمها كانت من عوارضها فيعود الكلام فإن سلم والا دار أو تسلسل وهذا بناء على تركبها من الجواهر الفردة، وهذا مما أجمعوا عليه غير النظام ورده القرافي في حواشيه، وصاحب لباب الفصول وبينوه وأنه لا وجه له وليس باب المعجزات محتاجا لمثل هذه الترهات، والمراد بالإعراض ما يعرض لها كالأمراض والحركات وما يحمله هو البراق قيل: والأولى الواو بدل أو لأن المعراج إنما كان بالبراق وليس بشيء. قوله: (والتعجب من لوازم المعجزات (لما دفع الاستحالة ورد حينئذ أنه أمر ممكن فلا ينبغي التعجب منه فدفع بأن المعجزات أمور خارقة للعادة فيتعجب منها وان كانت ممكنة لأن التعجب يلزم ما خالف العادة لا الاستحالة والمراد باللوازم المذكورة إنكار الأمم لها فإنه يتعجب حينئذ منه مع إمكانه وشمول القدرة له. قوله: الأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد (وجه لتسميته بالأقصى بمعنى الأبعد فهو أبعد بالنسبة إلى من بالحجاز، وفي تاريخ القدس أنه سمي به لأنه أبعد المساجد التي تزار من المسجد، وقيل: لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث. قوله: (ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام (لا يخفى أنه بناه داود وأتمه سليمان عليه الصلاة والسلام فكان متعبداً قبل موسى عليه الصلاة والسلام أيضا ففيما ذكره نظر وكأنه أراد أنه قبلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو أراد أنه بعد تخريبه، وقوله ومحفوف بالأنهار تفسير لقوله: حوله، وقوله: في برهة بضم الموحدة وتفتح وسكون الراء المهملة بمعنى مدة كما فسره الراغب فالمعنى في مدّة وقطعة من الليل من غير نظر إلى طول وقصر لأنه علم مما مر فلا وجه لما قيل إن المناسب أن يذكر ما يدل على القلة، وقوله: (كذهابه الخ (بيان لتلك الآيات وقوله: ومشاهدته بيت المقدس لما انجلى وظهر له لينعته لهم بمكة كما مرّ، وتمثل الأنبياء صلى الله عليهم وسلم له حين اجتمع بهم عليه الصلاة والسلام وصلى بهم، وقوله: ووقوفه على مقاماتهم إذ رأى كلاً منهم في سماء على تفاوت رتبهم على ما فصل في حديث المعراج، ولا حاجة إلى تقدير ثم إلى السماء بعد قوله إلى المسجد الأقصى كما قيل لأنه المراد بقوله: لنريه من آياتنا إذ معناه لنرفعه إلى السماء حتى يرى ما رأى. قوله: (وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم ئعظيم تلك البركات والآيات (أي صرف من الغيبة التي في قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [سورة الإسراء، الآية: 1] ، إلى صيغة المتكلم المعظم في باركنا وما بعده لتعظيم ما ذكر لأنها كمما تدل على تعظيم مدلول الضمير تدل على عظم ما أضيف إليه وصدر عنه كما قيل: إنما يفعل العظيم العظيما فهو التفات ونكتته أن قوله الذي أسرى بعبده يدل على مسيره من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فهو بالغيبة أنسب، وقوله باركنا حوله لإنزال البركات فيناسب تعظيم المنزل والتعبير بضمير العظمة، وأيضا هو من عالم الشهادة وقوله: لنريه يفيد الاتصال وعز الحضور فيناسب التكلم معه وأما الغيبة فلكونه ليس من عالم الشهادة ولذا قيل: إنّ الغيبة أليق وآياتنا يناسب التعظيم كما مرّ، وقوله: إنه هو السميع البصير بالغيبة لأنه مقام محو الوجود في غيبة الشهود، فإن قلت الالتفات لا يكون إلا في أوّل ما غير وعدل فيه من الكلام، وهو قوله: باركنا وأما قوله لنريه: وآياتنا فليس فيهما التفات لجريهما على نسق ما قبلهما كما لا يخفى، قلت: مراده أنّ الالتفات في الأوّل وأجرى الكلام عليه دون أن يرجع إلى النمط الأوّل لهذه النكتة أما على قراءة ليريه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 بياء الغيبة وهي قراءة الحسن ففيه التفاتات أربعة كما في الكشات، وقوله لتعظيم تلك البركات والآيات قيل إئه إشارة إلى دفع ما يقال إن الخليل عليه الصلاة والسلام أري ملكوت السموات والأرض وأري نبينا صلى الله عليه وسلم بعضها فمعراج إبراهيم عليه الصلاة والسلام أفضل لأن بعض الآيات المضافة إليه تعالى أشرف وأعظم من ملكوت السموات والأرض كلها قال تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [سورة النجم، الآية: 18] ولا يخفى أنّ السؤال غير وارد لأن ما رآه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما فيها من الدلائل والحجج وليس ذلك مقاوما للمعراج فتأمّل. قوله: الأقوال محمد صلى الله عليه وسلم الخ) فضمير أنه وهو دلّه وأتى به على الغيبة ليطابق قوله: بعبده ويرشح ذلك الاختصاص بما يوقع هنا الالتفات في أحسن مواقعه وينطبق عليه التعليل أتمّ انطباق إذ المعنى قربه وخصه بهذه الكرامة لأنه مطلع على أحواله عالم باستحقاقه لهذا المقام، قال الطيبي: إنه هو السميع لأقوال ذلك العبد البصير بأفعاله العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الهوى مقرونة بالصدق والصفا، مستأهلة للقرب والزلفى ولا بعد في أن يرجع الضمير إلى العبد كما نقله أبو البقاء انتهى وتبعه فيه بعض المحشين ولا يرد عليه شيء ولا يمتنع إطلاق السميع والبصير على غيره تعالى، كما توهم لا مطلقاً ولا مقيداً نعم الأوّل أظهر ولداً ذهب إليه الأكثر، ثم قال: ولعل السر في مجيء الضمير محتملا للأمرين الإشارة إلى أنهءسز إنما رأى ربه كما في حديث كنت سمعه وبصره فافهم تسمع وتبصر، ويكرمه من التكريم أو الإكرام، وقوله: على حسب ذلك أي أقواله وأفعاله أو سمعه ورؤيته لما صدر منه. قوله تعالى: ( {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الآية) عقبت آية الإسراء بهذه استطرادا بجامع أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطي التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه لأنه منح ثمة التكليم وشرف باسم الكليم وطلب الرؤية مدمجا فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه د ان شئت فوازن بين أسرى بعبده وآتينا موسى وبين هدى لبني إسرائيل ويهدي للتي هي أقوم، والواو استئنافية أو عاطفة على جملة سبحان الذي أسرى الخ لا على أسرى لعبده وتكلفه، وضمير وجعلناه المنصوب لموسى أو للكتاب ولبني إسرائيل متعلق بهدي أو بجعلناه وهي تعليلية. قوله: (على أن لا تتخذوا الخ (وفي نسخة على أي لا تتخذوا فهي بيان لأن أن تفسيرية بمعنى أي وهو الموافق لما في الكشاف ولا على هذا ناهية جازمة وهي تفسير لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي، والكتاب المكتوب وان كان في الأصل مصدرا وتفسيره بكتابة شيء هو أن لا الخ سيأتي ما فيه وعلى الأولى فالمعنى على أن يكون إلا بمعنى أن لا وهي مفسرة أيضا وليس المراد أنه بمعنى لئلا بحذف الجار كما في قراءة يتخذوا بالغيبة. قوله: (بالياء على لأن لا يتخذوا (وفي نسخة على أن لا يتخذوا أي تقديره كذا ومعناه على الأولى أن أق ناصبة لا مفسرة وقبلها حرف جر مقدر كما خرجت عليه القراءة الأولى أيضا، وعلى الثانية المعنى أيضا هذا ولكنه لا يناسب النسخة السابقة ولا تظهر المغايرة بينهما والحاصل أن أبا عمرو رحمه الله قرأ بالتحتية والباقون بالفوقية قال أبو البقاء: تقديره على الغيبة جعلناه هدى أو أتينا موسى الخ لئلا يتخذوا وعلى غيرها فيه وجهان أن أن التفسيرية لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي أو لا زائدة والتقدير مخافة أن يتخذوا ولا يخفى أن تفسير الكتاب بمعنى المكتوب وهو التوراة غير ظاهر ولذا قيل إنه مصدر والمعنى كتابة شيء هو أن لا يتخذوا الخ وهو أيضا خلات الظاهر فتأمله، وجوز على المصدرية أن يكون أن لا يتخذوا بدلاً من الكتاب. قوله: (ربا تكلون إليه أموركم غيري (إشارة إلى أن وكيلا فعيل بمعنى مفعول وهو الموكول إليه أي المفوّض إليه الأمور وهو الرب وأن دون بمعنى غير ومن زائدة ويجوز أن تكون تبعيضية ومن دوني وكيلا مفعولاً لتتخذوا وكون دون بمعنى غير مصرج به في كتب اللغة والعربية ولها معان أخر وحاصله النهي عن الإشراك. قوله: (نصب على الاختصاص الخ (هذا توجيه لقراءة النصب وهي المشهورة ولذا بدأ بتوجيهها وعلى الاختصاص هو مفعول لا خص أو أعني مقدراً وليس بنداء وإن كان على صورته على ما حقق في النحو وعلى النداء فيا محذوفة فيه والتقدير يا ذرية من الخ وجوز فيه أيضا البدلية من وكيلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 لأن المبدل منه ليس في حكم الطرج من كل الوجوه أي لا تتخذوا من دوني ذرية من حملنا، وأما كونه بدلاً من موسى كما ذكره أبو البقاء فبعيد جدا. قوله: (إن قرئ أن لا تتخذوا بالتاء (أي بالتاء الفوقية للخطاب وهذا قيد للنداء وخصه به تبعا لغيره كمكي فإنه قال: من قرأيتخذوا بالياء التحتية يبعد معه النداء لأن الياء للغيبة والنداء للخطاب فلا يجتمعان إلا على بعد، قيل: وليس كما زعم إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصاً ويخبر عن آخر فيقول: يا زيد ينطلق بكر وفعلت كذا يا زيد ليفعل عمرو كيت وكيت، وهذا إن سلمت صحته لا يدفع البعد الذي قاله وهو لا ينكر. قوله: (أو على أنه أحد مفعولي لا تتخذوا الخ (عطف على قوله: على الاختصاص، وجملة ومن دوني حال حالية أو اعتراضية أو معطوفة على اسم أن وخبرها يعني أنه ليس أحد مفعولي اتخذ كما في الوجهين السابقين ومن على هذا يجوز فيها أن تكون ابتدائية ووكيلاً مفعول ثان على التقديم والتأخير وهو بمعنى وكلاء لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد المذكر وغيره فلا يرد عليه أن المفعول الثاني خبر معنى وهو غير مطابق هنا. قوله: (فيكون كقوله الخ (أي مثله في المعنى لأن الوكيل بمعنى الوكلاء والمراد الأرباب كما مر فهو إشارة إلى عدم انتهائهم لاتخاذهم عزيرا وعيسى عليهما الصلاة والسلام ربا. قوله: (على أنه خبر مبتدأ محذوف (تقديره هو ذرية ولا بعد فيه كما توهم وقوله: أو بدل من واو يتخذوا قال ابن عطية: ولا يجوز هذا في القراءة بالتاء الفوقية لأنّ ضمير المخاطب لا يبدل منه الاسم الظاهر، ورد بأنه يجوز في بدل البعض والاشتمال والكل إذا أفاد الإحاطة والشمول نحو جئتم كبيركم وصغيركم مع أنه جوّزه الأخفش والكوفيون فلذا أطلقه المصنف رحمه الله ولم يقيده بقراءة. قوله: (وذرية بكسر الذال (أي القراءة المشهورة بالضم وقرئ بالكسر أيضاً وهو معطوف على قوله: بالرفع لا على المستتر في قرئ وهذا من تغييرات النسب، قال الراغب الذرية أصلها الأولاد الصغار وإن كان يقع على الصغار والكبار، وششعمل للواحد والجمع وأصله الجمع وفيه أقوال، قيل هو من ذرا الله الخلق فترك الهمز فيه كما في برية وأصله ذروية وقيل: هو فعلية كقمرية وقيل إنه من الذر وتحقيقه في المفصلات وليس هذا محله. قوله: (وفيه تذكير بأنعام الله تعالى (إشارة إلى مناسبة ما ذكر هنا وأنه أيما إلى علة النهي كأنه قيل: لا تشركوا به فإنه المنعم عليكم والمنجي لكم من الشدائد وإنهم ضعفاء محتاجون إلى لطفه وفي التعبير بالذرية الغالب إطلاقها على الأطفال والنساء مناسبة تاقة لما ذكر وذكر حملهم في السفينة للإشارة إلى أنه لم يكن لهم حينئذ وكيل يتكلون عليه سواه، وقوله: يحمد الله الخ المراد بمجامع حالاته جميع حالاته والباء ظرفية وهذا من صيغة المبالغة في شكور، وفسر الشكر بالحمد الواقع في مقابلة النعمة لأنه رديفه، ووجه الإيماء أنه مسوق على وجه التعليل لما قبله وفيه أيضا حث لهم على الاقتداء، وقيل: إنه استطراد. قوله: (وأوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتاً (المبتوت المقطوع به لأن القضاء بمعنى الحتم كما يدل عليه قوله في الكتاب، ولما كان قضى يتعدى بعلى وقد تعدى هنا بإلى ذهب بعضهم إلى أن إلى بمعنى على، وأما المتعدي بنفسه في قوله: قضى زيد منها وطرأ فبمعنى آخر، وذهب المصنف كغيره إلى أنه ضمن معنى الإيحاء فعدى بها وجعل المضمن أصلاً والمضمن فيه تابعاً صفة لمصدره لا حالاً كما اشتهر من عكسه لما مر من تحقيقه وقول الراغب: القضاء يكون بفصل الأمر قولاً أو فعلاً وكل منهما إمّا إلهي أو غيره فمن القول الإلهي وقضينا إلى بني إسرائيل فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما ليس فيه ما يقتضي عدم التضمين كما قيل، والوحي إليهم الإعلام ولو بواسطة النبيّ صلى الله عليه وسلم والكتاب، فلا وجه لما توهم من أنه لا معنى للوحي إليهم، وفسر الكتاب بالتوراة وقيل إنه اللوح المحفوظ على أنّ إلى بمعنى على. قوله: (جوإب قسم محذوف أو قضينا (أي أو جواب قضينا فهو معطوف على قسم يعني أنه إفا جواب قسم تقديره والله لتفسدن الخ بقرينة اللام وهو مؤكد لتعلق القضاء أو جواب قوله: قضينا لتضمنه معنى القضاء وإجرائه مجراه في تلقيه بما يتلقى به كما قال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 العرب: قضاء الله لأفعلن كذا. قوله: (1 فسادتين (إشارة إلى أن مرتين منصوب على أنه مصدر لتفسدن من غير لفظه وعدل عنه لأن تثنية المصدر وجمعه ليس بمطرد والفعلة المرة الواحدة. قوله: (مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء الخ (شعياء نبي بعث بعد موسى عليهما الصلاة والسلام قيل: لما بلغهم الوحي أرادوا قتله فهرب ودخل شجرة انفلقت له فنشروها وهو في وسطها فقتلوه، كذا قال ابن إسحق رحمه الله، ووقع في نسخة وقيل ارمياء فقيل إنه مرضه لأنه لم يثبت قتله والذي وقع في الكشاف حبسه، وقيل إنه الخضر عليه الصلاة والسلام وان نظر فيه فإنه صاحب موسى عليه الصلاة والسلام كما سيأتي، وفي الكشف أن أرميا بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها وفي القاموس أنه نبي وقوله: قتل زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام في تفسير القرطبي أن زكريا مات بأجله ولم يقتل فلذا قيل: الأولى الاقتصار على يحيى، وذكر في الكشاف قتل زكريا بما وقع في المرة الأولى وضم إليه حبس أرميا وذكر قتل يحيى في المرة الثانية فقال في الكشف هذا فيمن جعل هلاك زكريا قبل يحيى وأرميا كان في زمن بختنصر، وبينه وبين زكريا أكثر من مائتي سنة. قوله: (ولتستكبرنّ عن طاعة الله الخ (أصل معنى العلوّ الارتفاع وهو ضد السفل فتجوز به عن التكبر والاستيلاء على وجه الظلم هنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: وعد عقاب أولاهما ضمير أولاهما للمزتين قبله، والوعد هنا بمعنى الوعيد وفيه مضاف مقدر وهو عقاب وقيل: الوعد بمعنى الموعد اسم الوقت أو هو مقدر معه وفي نسخة بدل وعد وعيد وهي أظهر. قوله: (يختنصر (بضم الباء وسكون الخاء المعجمة والتاء المثناة معزب بوخت بالعبرانية معناه ابن، ونصر بفتح النون وتشديد الصاد المهملة وبالراء المهملة اسم صنم وهو علم أعجميئ مركب قال في القاموس: كان وجد عند الصنم ولم يعرت له أب فنسب إليه قيل إنه ملك الأقاليم، وقال ابن قتيبة: لا أصل لملكه لها، وعليه قول المصنف رحمه الله عامل لهراسف وهو ملك ذلك العصر، وبابل مملكة معروفة وعن ابن إسحق رحمه الله إنه لما عظم فساد بني إسرائيل استحلوا المحارم وقتلوا شعياء عليه الصلاة والسلام فجاءهم بختنصر ودخل بجنده بيت المقدس فقتلهم حتى أفناهم، وقوله: وص ده بالنصب عطف على بختنصر. قوله: (وقيل جالوت الجزري (بالجيم والزاي المعجمة نسبة إلى جزيرة بابل المعروفة الآن بالجزيرة المعمرية أي وقيل: الذي غزاهم جالوت يعني مع جنوده، وكذا ما بعده ولم يذكره اكتفاء، وقيل الخزري بخاء معجمة وزاي مفتوحتين نسبة للخزر وهو ضيق العين وصغرها وجيل من الناس، وسنجاريب يروى بالجيم وهو المعروف، وروي بالحاء المهملة وهو اسم ملك، ونينوى بكسر النون ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم نون مضمومة وواو مفتوحة بعدها ألف قرية بقرب الموصل منها بعث يونس عليه الصلاة والسلام، وفي الأعلام للسهيلي أن المبعوث لهم هم أهل بابل وكان عليهم بختنصر في المرّة الأولى حين كذبوا إرميا وجرحوه وحبسوه، وأمّا في المرّة الآخرة فاختلف في المبعوث عليهم وأن ذلك كان بسبب قتل يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام، وكان قتله ملك من بني إسرائيل والحامل على قتله امرأة اسمها ازبيد قتلت سبعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فبقي دم يحيى يغلي حتى قتل منهم سبعون ألفاً فسكن وقيل إن المبعوث عليهم بختنصر وهذا لا يصح لأنّ قتل يحيى عليه الصلاة والسلام كان بعد رفع عيسى صلى الله عليه وسلم وبختنصر كان قبل عيسى بزمن طويل وقبل الاسكندر وبين الاسكندر وعيسى عليه الصلاة والسلام نحو ثلثمائة سنة ولكنه إن أراد بالمرّة الأخرى حين قتلوا شعياء صح فقد كان بختنصر، حيا إذ ذاك فهو الذي قتلهم وخزب بيت المقدس واتبعهم إلى مصر وأخرجهم وبعض هذا عن الطبري. قوله: (بأس شديد (قال الراغب: البؤس والبأس وإلبأساء الشدة والمكروه، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأساء في النكاية ولذا قيل أن وصفه بالشديد للمبالغة كأنه قيل ذو شدة كظل ظليل ولا بأس فيه، وقيل إنه تجريد وهو صحيح أيضاً، وقوله في الحرب لما مرّ عن الراغب. قوله: (ترددوا لطلبكم الخ (قال الراغب: جاسوا الديار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 توسطوها، وترددوا بينها ويقاربها حاسوا وداسوا وقيل: الحوس طلب الشيء بالاستقصاء، وقوله: وقرئ بالحاء المهملة هي قراءة طلحة وأبو السماك وقرئ أيضا تحوسوا بزنة تكسروا وهما شاذان، وقوله: وهما أخوان أي متقاربان لفظا ومعنى. قوله: (وسطها (يعني أن خلال اسم مفرد بمعنى وسط ولذا قرىء خلل الديار، وقيل إنه جمع خلل أي وسط كجبال في جبل، وقوله: للقتل والغارة بالغين المعجمة بمعنى النهب هذا يقتضي أن قوله: لطبكم من معنى الحوس كما مر تفسيره به وان احتمل خلافه، وحرقوا بالقاف من الحريق، وخزبوا بالخاء المعجمة من التخريب. قوله: (والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر الخ (بناء على مسألة القبح العقلي فلا يسند مثله إلى الله فجعلوه مجازاً عن عدم المنع ولا قبح فيه وتارة قالوا: لا قبح في نفس البعث وإنما القبح في التخريب والتحريق المسند إليهم وتفصيله في الكشاف وشروحه. قوله: (وكان وعد عقابهم لا بدّ أن يفعل (يعني اسم كان ضمير الوعد السابق ومعنى مفعولاً متحتم إلفعل والألم يفد الحمل وقيل الضمير للجوس، وقيل إنه حمله على كونه مفعولاً قبل وقت الوعد فاحتاج إلى التأويل ولك أن تحمله على أنه كان قبل وقت النزول فلا حاجة إليه فتأمل. قوله: (أي الدولة والغلبة) أصل معنى الكز العطف، والرجوع ومنه الكز والفرّ في الحرب وغيره، قال امرؤ القيس: مكز مفرّ مقبل مدبر معا ولذا سمي الفتل به والحبل المفتول أيضاً والكزة مصدره ثم أطلقت على الدولة والغلبة مجازاً شائعاً كما يقال: تراجع الأمر، ولام لكم للتعدية، وقيل إنها للتعليل وعليهم متعلق بالكزة لما فيها من معنى الغلبة أو هو حال منها وجوّز تعلقه برددنا وشفقة مفعول ألقى، والأسرى جمع أسير وردهم إلى الشام من أرض بابل بعد قتل بختنصر ونقل باقيهم إليها، وقوله: من اتباع بختنصر جعل جار الله قتل بختنصر من آثار هذه الكرّة وهذا ناظر إلى أن المبعوث قتل بختنصر وما بعده ناظر إلى أنه جالوت، وفي اللباب أن معرفة هؤلاء الأقوام بأعيانهم لا يتعلق بها كبير غرض إذ المقصود أنهم لما كثرت معاصيهم سلط الله عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى. قوله: (أو بأن سلط داود عليه الصلاة والسلام على جالوت ققتله (قيل إنه يرذه قوله: وليدخلوا المسجد الخ فإن المسجد الأقصى هو المراد به أوّل من بناه داود ثم أكمله سليمان عليه الصلاة والسلام فلم يكن قبل داود مسجد حتى يدخلوه أوّل مرّة إلا أن يرتكب المجاز فيه، ودفع بأن حقيقة المسجد الأرض لا البناء أو بحمل قوله دخلوه على الاستخدام ولا يخفى أن المعترض أشار إلى ما ذكره هذا القائك مع ما فيه من التلطف، والأولى ما أشار إليه العلامة في شرح الكشاف من أن المبعوثين في المرة الآخرة لا يتعين كونهم المبعوثين أوّلاً فتدبر. قوله: (مما كنتم (بيان للمفضل عليه المقدر وقيل تقديره من أعدائكم، وقوله: من ينفر أي يذهب معه من قومه وصحح السهيلي أنه اسم جمع لغلبته في المفردات وعدم اطراد مفرده. قوله: الأنّ ثوابه (أيمما الإحسان لها أي للأنفس يعني أن اللام هنا للنفع كقوله: لها ما كسبت واللام في التفسير لتعليل كونه نافعاً لها وكذا قوله: فإن وبالها الخ وفي قوله: عليها إشارة إلى أنّ اللام الثانية بمعنى على وعبر بها لمشاكلة ما قبلها والازدواج افتعال من المزاوجة والمراد به المشاكلة لا ما اصطلح عليه أهل البديع، وقيل: اللام بمعنى إلى أي إساءتها راجعة إليها، وقيل إنه تهكم وقيل إنها بمعنى على كما في قوله: فخرّ صريعاً لليدين وللفم وقيل إنها للاستحقاق كما في قوله: لهم عذاب، وفي الكشاف أنها للاختصاص قيل: وهو مخالف في الآثار من تعدى ضرر الإساءة إلى غير المذنب إلا أن يقال: إنّ ضرر هؤلاء القوم من بني إسرائل لم يتعدهم ولا حاجة لمثله من التكلف لأن الثواب والعقاب الأخرويين لا يتعذيان وهما المراد هنا، والإحسان والإساءة بمعنى الأنعام وضده وإحسان العمل وما يخالفه قيل والمراد هنا الثاني لا الأعئم الشامل لهما وهو فعل ما يستحسن له أو لغيره والألم يلائمه كلام علي كرّم الله وجهه المنقول في الكشاف والظاهر أن المراد هو الأعمّ إذ هو أنسب وأتم، ولذا قيل إن تكرير الإحسان في النظم دون الإساءة إذ قيل فلها دون فإساءتكم لها إشارة إلى أن جانب الإحسان أغلب وأنه إذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 فعل. ينبغي تكراره بخلاف ضده فتأمل. قوله: (بعثناهم ليسؤوا (إشارة إلى أنه متعلق بجواب إذا المحذوف لدلالة ما قبله عليه كما صرّج به في قوله: فحذف الخ، وقوله: بادية آثار المساءة فيها بنصب بادية منونا ورفع آثار به يعني أنه عدى المساءة إلى الوجوه وإن كانت عليهم لأنّ آثار الأعراض النفسانية إنما تظهر في الوجه كنضارة الوجه واشراقه بالفرج وكلوحه وسواده بالخوف والحزن، فالوجه عبارة عن الذات لظهور الآثار فيه فهو مجاز مرسل وقيل إنه استعارة تبعية، وقيل: الوجوه بمعنى الرؤساء وهو تكلف واختير هذا على ليسوؤكم مع أنه أخصر وأظهر إشارة إلى أنه جمع عليهم ألم النفس والبدن المدلول عليه بقوله وليتبروا، وقوله: للوعد أي بمجيء وقت العقوبة أو للبعث المدلول عليه بما مرّ والإسناد مجازي بخلافه في الوجه الأخير، وقوله: بالنون أي في أوّل المضارع وهذه القراءة مناسبة لقوله: بعثنا وما معه والضمير في القراءة المشهورة للعباد والقراآت على ما في شرح الشاطبية محصلها أن الحرميين وأبا عمرو وحفصا قرؤوا بالياء وضم الهمزة وواو ممدودة، وابن عامر وشعبة وحمزة بالياء وفتحها والكسائي بالنون والفتح أما على قراءة النون فاللام لام الأمر دخلت على المتكلم كما في قوله: (ولنحمل خطاياكم (وجواب إذا هو الجملة الإنشائية على تقدير الفاء وكذا إذا كان بالياء، وقيل: اللام على هذه القراءة يجوز أن تكون لام الأمر، وقوله: على الأوجه الأربعة أي النون والياء في أوّله مع التثقيل والتخفيف، وقوله على أنه جواب إذا أي والفاء محذوفة لأن الجمل الإنشائية لا تقع جواباً بدونها والضمير للعباد على حذ عندي درهم ونصفه والمراد به في الأخيرة أنه في معنى الجواب لأنّ اللام المفتوحة قسمية وجواب القسم ساذ مسذ جواب إذا وهذا يحتمل عوده إلى الأخير وإلى ما قبله من قوله: وقرىء لنسوأن بالنون، فتأمّل. قوله: (متعلق بمحذوف هو بعثناهم (هذا على الوجه الأخير كما أنه كذلك إذا كانت اللام لام الأمر لكنه حينئذ يحتمل أن تكون هذه اللام لام أمر أيضا وهذه الجملة معطوفة على جملة قبلها ومن جعل الأولى لام كي وهذه مثلها فالجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور وهو متعلق ببعثناهم المحذوف أيضا فعبارة المصنف رحمه الله يمكن أن تشملهما أو متعلقه مقدر وهو من عطف جملة على أخرى وكما دخلوه نعت لمصدر محذوف أو حال أي دخولاً كما دخلوه أو كائنين كما دخلوه، وأوّل منصوب على الظرفية الزمانية والتتبير الهلاك كما فسره المصنف رحمه الله به. قوله: (ما غلبوه واستولوا عليه (يعني أن ما موصولة والعائد محذوف وهو إما مفعول أو مجرور أو مصدرية ظرفية أي ليهلكوهم ما داموا غالبين عليهم قاهرين لهم وأسماء الملوك المذكورة غير مضبوطة عندنا واهدأ وهدأ مهموز الآخر بمعنى سكن، وقوله: نوبة بالنون والباء الموحدة بمعنى مرة. قوله: (عدنا موّة ثالثة (قال الراغب: العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إفا انصرافا بالذات أو بالقول أو العزيمة فقوله: مرّة ثالثة إن تعلق بالعقوبة على أنّ المعنى عاقبناكم عقوبة ثالثة فلا خفاء فيه لتقدم العقوبة بتسليط أعدائهم عليهم مرتين، وإن تعلق بالعود فمعناه عودة ثالثة، والعود إنما يكون بعد الترك المسبوق بالفعل فالمرّة الأولى لا عود فيها بل في الثانية فتكون هذه عودة ثانية لا ثالثة، ولذا أورد عليه أن العود مرّتين والأوّل بدء لا عود ويدفع بأن العود قد يطلق على الفعل، وإن لم يسبق مثله كما ذكر في قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سورة الأعراف، الآية: 88، وأما القول بأن أوّل المرات كونهم تحت أيدي القبط فتكلف ظاهر، وأما الكلام في أن عبارة الكشاف مثل هذه أو لا فمن الفضول هنا ومن دفعه بأن المراد بالعود الرجوع فقد وقع فيما فز منه. قوله: (هذا لهبم في الدنيا (هذا توطئة لما بعده وبيان لأن ما ذكر جامع لعذابهم في الدنيا والآخرة وقوله: محبسا أي مكانا للحبس المعروف فإن كان اسما للمكان فهو جامد لا يلزم تذكيره وتأنيثه وإن كان بمعنى حاصراً أي محيطا بهم وفعيل بمعنى فاعل يلزم مطابقته، فإقا لأنه على النسب كلابن وتامر أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول أو لأنّ تأنيث جهنم غير حقيقي أو لتأويلها بمذكر، وقوله: أبد الآباد بالمد جمع أبد وليس مولداً كما قيل ومعنى أبد الآباد دائماً. قال في الأساس: يقال لا أفعله أبد الآباد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 وأبد الأبيد وأبد الآبدين، وقوله بساطا كما يبسط الحصير كقوله لهم: من جهنم مهاد فهو تشبيه بليغ والحصير بهذا المعنى بمعنى محصور لحصر بعض طاقاته على بعض كما قاله الراغب. قوله: اللحالة أو الطريقة (يعني أنه صفة لموصوف حذف اختصارأ لتذهب النفس كل مذهب فلذا كان أبلغ من ذكره كما في الكشاف وتعدية هدى بنفسه وباللام وإلى تقدمت ولم يذكر تقديره بالملة كما في الكشاف والقراءة بالتخفيف ضد التشديد لأنه يقال: بشرته وبشرته وأبشرته كما مرّ. قوله: (عطف على أنّ لهم أجرا الخ (يعني أنه إما معطوف على أن الأول فهو مبشر به أيضا لأنّ مصيبة العدوّ سرور، أو البشارة مجاز مرسل بمعنى مطلق الأخبار الشامل لهما فلا يلزم الجمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة والمجاز حتى يقال إنه من عموم المجاز وإن كان راجعا لهذا، أو أنه مفعول يخبر مقدر فهو من عطف الجملة على الجملة، وأخره لأن التقدير خلاف الظاهر. قوله: (ويدعو الله (أي يدعو الإنسان الله عند غضبه بالشر فالباء فيهما صلة الدعاء، ووقوع ذلك عند الغضب على نفسه أو غيره كما سيأتي مشاهد يعني أنّ الإنسان إذا ضجر دعا بالشر وألح فيه كما يدعو بالخير ويلح فيه، وقيل: الباء بمعنى في يعني أنه يدعو في حالة الشر والضر كما كان يدعو في الخير فالمدعو به ليس الشر والخير، وقيل إنها للسببية وتركهما المصنف رحمه الله لمخالفتها الظاهر وقوله: أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر فلا يدعو في الدعاء به بناء على زعمه وظنه سواء كان خيريته وشريته لنفسه أو لغيره وهذا غير مقيد مجال الغضب وهو ظاهر، وقوله: مثل دعائه الخ يعني أنه مصدر تشبيهي وأصله دعاء كدعائه فحذف الموصوف وحرف التشبيه فانتصب وليس المراد أن فيه مضافا مقدراً أي مثل، وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام يعني أن المراد على الأول جنس الإنسان وقيل إن المراد من الإنسان الثاني آدم عليه الصلاة والسلام ووجه ارتباطه بما قبله إفادته أن عجلته بالدعاء لضجره أو لعدم تأمله من شأنه وأنه موروث له من أصله: شنشنة أعرفها من أخزم فهو اعتراض تذييلي وكلام تعليلي، ولينهض بمعنى ليقوم كما روي أنه لما وصلت الروج لعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت جوفه اشتهاها فوثب عجلا إليها فسقط فأول بلاء وقع على الإنسان من بطنه، وهذا روأه القرطبي فالعهدة فيه عليه. قوله: (روي أثه عليه اللام الخ (سودة أئم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وزمعة بفتح الزإي المعجمة وفتح الميم والعين المهملة أبوها وهي في الأصل زوائد خلف الأرساغ وبها سمي، وكتافه بكسر الكاف والتاء المثناة الفوقية والفاء اسم حبل تشد به اليدان وفي نسخة أكتافه جمع كتف، وقوله: فدعا عليها بقطع اليد أي قال: اللهمّ اقطع يديها لكونها حلت يده، ورواه الزمخشري أيضا قريبا من هذا لكن قال ابن حجر أنه: لم يوجد كذا في كتب الحديث والذي رواه الواقدي في المغازي عن ذكوان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل لها بأسير، وقال لها: احتفظي به قالت فهرب مع امرأة فخرج ولم تشعر فدخل فسأل عنه فقلت والله لا أدري فقال: قطع الله يدك وذكر نحواً من هذا، وقوله: فاجعل دعائي رحمة يعني أنه جمر رجا من الله أن يجعل الدعاء على أحد من أفته عند الغضب لله رحمة له بأن لا يؤثر فيه دعاؤه، وهذا من شفقته كصز بأفته ورأفته بهم، وقوله فاجعل دعائي الخ هذا وقع في مسلم في معاوية لما دعاه فقيل إنه يأكل. قوله: (وبجوز أن يريد بالإنسان الكافر الخ (يعني المراد بالدعاء على هذا ما هو على صورته لقصد الاستعجال فهو مجاز محتمل للحقيقة، والنضر معروف من كفار قريش، وقوله: خير الحزبين يعني حزبي المسلمين والمشركين، وقوله: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك (الآية وتمامها فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنصر الله حزب رسول الله لأنهم خير محض وابتلى هو بالعذاب فقتل، وقوله: صبراً أيمما مصبوراً محبوسا يقال صبرته أي حبسته ويقال قتل صبراً إذا أمسك وحب حتى يقتل بخلاف من قتل في حرب أو على غفلة منه وصبرا منصوب على المصدرية أي قتلا صبراً ورجح الإمام هذا الوجه فقال إنه تعالى لما شرح ماض به نبيه صلى الله عليه وسلم الإسراء وايتاء موسى عليه الصلاة والسلام التوراة وما فعله بالعصاة المتمردين من تسليط البلاء عليهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 كان ذلك تنبيهاً على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته توجب كل بلية وغرامة لا جرم قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [سورة الإسراء، الآية: 9] ثم عطف عليه {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [سورة الإسراء، الآية: 12، الخ بجامع دليلي العقل والسمع أو نعمتي الدين والدنيا، وأما اتصال قوله: ويلأع الإنسان بالشر الخ فهو أنه تعالى لما وصف القرآن حتى بلغ به الدرجة القصوى في الهداية أتى بذكر من أفرط في كفران هذا النعمة العظمى قائلا اللهمّ إن كان هذا هو الحق الخ فظهر أنّ هذا الوجه كما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو المذهب. قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} قال المعرب: الجعل بمعنى التصيير متعد لاثنين، أو بمعنى الخلق متعد لواحد وآيتين حال مقدرة واستشكل الأوّل بأنه يستدعي أن يكون الليل والنهار موجودين على حالة ثم انتقلا عنها إلى أخرى وليس كذلك ويدفع بأنه من باب ضيق فم الركية وهو مجاز معروف، وقوله: تدلان على القادر الحكيم الدلالة من نفس الآية لأنها العلامة الدالة على شيء وهما دليلان بتغيرهما على وجود فاعل مختار قادر لما في ذلك من القدرة الباهرة، حكيم لما فيه من الحكمة الظاهرة ويستلزم هذا وحدته أيضا. قوله: (بتعافبهما على نسق واحد (فالتعاقب دليل القدرة والنسق الواحد دليلى الحكمة فلذا قيده بقوله: بامكان غيره، والضمير للتعاقب أو للنسق والباء فيه للمصاحبة وفي قوله: بتعاقبهما للسببية فلا محذور في تعلقهما بالدلالة مع اختلاف معناهما، ومن أرجع ضمير غيره للقادر الحكيم وإن استبعد جعل باءه للسببية أيضاً كأنه أبدله من الظرف الأوّل لأن تعاقبهما يشتمل على الحدوث والإمكان المقتضي للاستناد إلى واجب الوجود فلا محذور فيه فافهم، ولبعض الناس هنا خبط تركناه خوت الملل. قوله: (أي الآية التي هي الليل بالإشراق (الجاز والمجرور متعلق بمحونا فمحوه إزالة ظلمته بالضوء، وعدل عما في الكشاف وغيره من تفسيره بجعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلماً لا يستبين فيه شيء كما لا يستبين ما في اللوح الممحوّ فقيل في وجهه أن المحو إزالة الشيء الثابت وليس فيما ذكره الكشات ذلك فلا وجه للعدول عن الحقيقة بلا ضرورة ثمّ تعقب بأنه يكفي ما بعده قرينة على تلك الإرادة فإن محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً وعلى ما ذكر المصنف رحمه الله قد لا يتعلق بمحو الليل فائدة زائدة على ما بعده وقيل عليه أن الظلمة هي الأصل والنور طارىء فيكون الليل مخلوقاً مطموس الضوء مفروغ عنه فالمراد بيان أنه تعالى خلق الزمان ليلاً مظلما ثم جعل بعضه نهاراً بإحداث الإشراق لفائدة ذكرها وكون محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً لا يوجب حمله على المجاز لفائدة بيان إبقاء بعض الزمان على إطلاقه وجعل بعضه مضيئا ولا يخفى ما فيه من التكلف، وأن المقام لا يلائمه فإن السياق لتفصيل الآيتين وعلى هذا المصرج به إحداهما فتاقل، وقوله: والإضافة فيها للتبيين أي على هذا الإضافة بيانية على تقدير من لصحة الحمل فيها بخلافها على الوجه الآتي وإضافة العدد كأربع نسوة مثلا وهي بيانية أيضا. قوله: (مضيئة) فهو مجاز بعلاقة السببية أو هو من الإسناد المجازي كقولك: نهاره صائم أي مبصر من هو فيه أو هو للنسب أي ذات أبصار، وقوله أو مبصرة للناس يعني أنه من أبصره المتعذي من بصر فأبصره غيره أي جعله مبصمراً ناظراً والإسناد إلى النهار مجازي من الإسناد إلى سببه العادي والفاعل الحقيقي هو الله، وقوله: أو مبصراً أهله برفعه وهو مروي عن أبي عبيدة من باب أفعل المراد به غير من أسند إليه كأضعف الرجل إذا ضعفت ماشيته وأجبن من الجبن ضد الشجاعة إذا كان قومه جبناء بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وبالنون والمد جمع جبان، فأبصرت الآية بمعنى صار أهلها بصراء وهو معنى وضعي لا مجازي. قوله: (وقيل الآيتان القمر والشمس (فالإضافة لامية ويحتاج حينئذ في قوله: وجعلنا الليل والنهار إلى تقدير مضاف في الأوّل أو الثاني كما ذكره المصنف رحمه الله إن جعلناه متعديا إلى مفعولين والليل والنهار هو المفعول الأوّل وآيتين الثاني فإن عكس كما في البحر وجعل الليل والنهار منه وبين على الظرفية في موضمع المفعول الثاني أي جعلنا في الليل والنهار آيتين وهما النيران لا يحتاج إلى تقدير كما إذا كان متعذيا لواحد بمعنى خلقنا والليل والنهار منصوبان على الظرفية كما جوّزه المعربون. قوله: (ومحو آية الليل التي هي القمر الخ (فمعنى محوها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 خلقها كمدة غير مشرقة بالذات لأن ضوءها مكتسب من الشمس على ما ذكره أهل الهيئة فالمحو ليس بمعنى إزالة ما ثبت بل خلقها كذلك كما مر عن الزمخشري، وعلى الثاني هو على ظاهره لأنه تنقيص نورها المكتسب شيئا فشيئا حتى يزول في آخر الشهر والنقص المذكور بحسب الرؤية والإحساس واذ ما قابل الشمس مضيء دائماً، وقوله: إلى المحاق أي إلى أن ينمحق ضوءه ويذهب لقيبته في آخر الشهر والمحاق يطلق على ثلاث ليال من آخره ات لك، وقوله: تبصر الأشياء بضوئها إشارة إلى أنّ فيه إسناداً مجازيا إلى السبب العادي أو تجوّزاً بعلاقة السبب كما مر. قوله: (لتطلبوا في بياض الئهار (يعني أن معنى الابتغاء الطلب وقوله: لتبتغوا متعلق بقوله: وجعلنا آية النهار مبصرة، وفيه مقدر أي لتبتغوا فيه ليرتبط معنى به، وقوله: بياض النهار فيه تسمح استعملته العرب أي في النهار الأبيض ووصفه باللون تجوز أيضاً، والمعاش مصدر ميميئ وضمير به لبياض النهار واستبانة الأعمال ظهور ما يفعل فيه، وقوله: باختلافهما أي تعاقبهما على نسق راجع إلى المعنى الأوّل وهو أن الآيتين نفس الليل والنهار، وقوله: أو بحركاتهما راجع إلى الثاني وهو أنهما النيران، قيل: والظاهر المناسب أن يقال: المراد لتعلموا بالليل فإن عدد السنين الشرعية والحساب الشرعي يعلم به غالباً أو بالقمر لقوله تعالى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سورة البقرة، الاية: 189] أو المراد باختلافهما اختلافهما مع ما فيهما من النيرين كما قيل وهذا مع كونه خلطا لأحد القولين بالآخر مما لا حاجة إليه فإن السنين شمسية وقمرية وبكل منهما العمل فلو قيل أن هذه مبينة لأحدهما وتلك للآخر لا محذور فيه وكون الشرع معوّلاً على أحدهما لا يضرنا. قوله: (وجنس الحساب) أي الحساب الجاري في المعاملات كالإجارات والبيوع المؤجلة وغير ذلك، وقيل: المراد به الحساب للشهور والأيام والساعات، وقوله تفتقرون تخصيص له ليخرج ما استأثر الله به ونحوه، وفي نصب كل وجهان: أحدهما أنه منصوب عيى الاشتغال ورجح نصبه لتقدم جملة فعلية وكذا وكل إنسان ألزمناه، والثاني أنه معطوف على الحساب وجملة فصلناه صفة شيء وهو بعيد معنى. قوله: (بيناه بيانا غير ملتبس) بيان لمعتى التفصيل لأنه من الفصل بمعهنى القطع فهو يقتضي الإبانة التافة فتأكيده بالمضدر يفيد ما ذكره وليس هذا إشارة إلى أنه مصدر نوعي كما توهم. قوله: (عمله وما قدّر له كأنه طير إليه من فش الغيب ووكر القدر) إشارة إلى ما ذكره الزمخشري في سورة النمل من أنهم كانوا يتفاءلون بالطير ويسمونه زجرا فإذا سافروا ومرّ بهم طير زجروه فإن مرّ بهم سانحا تيمنوا وان مرّ بارحا تشاءموا ولذا سمي تطيرا، والسانح والبارج مفصل في كتب اللغة والأدب فلما نسبوا الخير والشز إلى الطائر استعير استعارة تصريحية لما يشبههما من قدر الله وعمل العبد لأنه سبب للخير والشرّ ومنه طائراً لله لا طائرك أي قدر الله الغالب الذي ينسب إليه الخير والشر لا طائرك الذي تتشاءم به وتتيمن، وفي كلامه ما يشعر بأن فيه استعارة تصريحية كالمكنية التي يلزمها التخييلية بتشبيه الغيب والقضاء والقدر بوكر وعش وهو مقر الطائر الذي يختفي فيه ولا يخفى ما فيه من اللطف. قوله: (لما كانوا يتيمنون الخ) قد مرّ تقريره بما يغني عن الإعادة، والسنوح المرور من جهة اليسار إلى اليمين والبروح عكسه ومنه السانح والبارح، وللعرب فيه مذهبان أشهرهما هذا، والثاني عكسه وقلت في الأمثال السسماة بالسانح والبارج: كم سانح وبارح من الغير لغافل يطيرمن وكرالقدر ... وقوله: من قدر الله تعالى، وعمل العبد بيان لما الموصولة فإن كان قدر الله بمعنى مقدره فلا إشكال فيه بأنه مخالف لتفسيره الطائر بما قدره الله، وان أبقى على ظاهره فهو بيان لما يستعار للعمل لأنه سبب الخير والشر كما يستعار للقدر لأنه السبب الأصلي أو سبب السبب وهو سبب واما استعارته للاعتقاد الفاسد في قوله: طائركم معكهم فهو راجع إلى العمل وملحق به إذ هو عمل قلبي وان تبادر من العمل- عمل الجوإرح وكون من تعليلية يأباه عطف العمل عليه إذ الظاهر أنه في كلامه أولاً وآخراً بمعنى واحد فتأويله يكسب العبد هنا خلاف الظاهر. قوله: (لزوم الطوق في عتقه) الظاهر أن يقول: كما في الكشاف القلادة أو الغل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 لأنه كما في الكشف إشارة إلى وجه تخصيص العنق لظهور ما عليه من زائن، كالقلادة والطوق أو شائن كالغل ولأنه العضو الذي يبقى مكشوفا وينسب إليه التقدم والشرف ويعبر به عن الجملة وسيد القوم فهو لشبيه للعملى اللازم لصاحبه خيراً أو شراً لا للزوم الذي في ضمن الإلزام بالطوق أو الغل في اللزوم والظهور الشائن أو الزائن فتأمّل. قوله: (أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله) فكتابه عبارة عن نفسه وصور الأعمال المتمثلة فيها كالكتابة ونشره وقراءته عبارة عن ظهوره له ولغيره وهذا منزع صوفي حكمي بعيد من الظهور قريب من البطون ولذا قيل في بيانه إن ما يصدر عن الإنسان خيراً أو شرّا يحصل منه في الروج أثر مخصوص وهو خفيّ ما دامت متعلقة بالبدن مشتغلة بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقته قامت قيامته لانكشاف الغطاء باتصالها بالعالم العلوي فيظهر في لوح النفس كل ما عمله في عمره وهو معنى الكتابة والقراءة وليس في هذا ما يخالف النقل، وقد حمل عليه ما روي عن قتادة رحمه الله من أنه يقرأ في ذلك اليوم من لم يكن قارئا ولا وجه لعده مؤيداً له، والقيامة على هذا الوجه القيامة الصغرى. قوله: (فإن الأفعال الاختيارية الخ) تعليل وبيان لانتقاس النفس بالآثار أي حصول كيفية لها من عملها وتلك الكيفية قبل رسوخها فيها تسمى حالاً وبعده تسمى ملكة عندهم، وهي قد تحدث عن كثرة العمل وتكرّره فشبه تلك الصور بنقوس الكتابة. قوله: (وهو ضمير الطائر) وفي نسخة هو بدون واو أي المفعول المحذوف هو ضمير عائد إلى طائره تقديره يخرجه له حال كونه كتابا. قوله: (ويعضده قراءة يعقوب) أي يعضد كونه حالاً فإن الأصل توافق القراءتين فإنه قرأه مبنيا للفاعل من خرج يخرج وفاعله ضمير الطائر وغيره وهو أبو جعفر بن القعقاع قرأه مجهولاً ففيه ضمير مستتر هو ضمير الطائر وقد كان مفعولاً، فإن قلت هذه القراءة يحتمل أن يكون له فيها نائب الفاعل فلا تعضده، قلت إقامة غير المفعول مع وجوده مقامه ضعيفه، وليس ثمة ما يكون حالاً منه فتعين ما ذكره كما قاله ابن يعيش في شرح المفصل، وقوله: وغيره بالجرّ معطوف على يعقوب، ويخرج بصيغة المجهول من الأفعال ووقع في نسخة إسقاط لفظ غيره بعطف يخرج مراداً به لفظه على يعقوب على قوله يخرج والنسخة الأولى أشهر وأظهر ولا إشكال فيها، وقوله وقرىء ويخرج أي بالغيبة على الالتفات. قوله: (لكشف الغطاء (هو ظاهر في المعنى الثاني للكتاب والظاهر أنه اختاره لانطباقه على الوجهين ولو فسره بكونه غير مطوفي كان على الأوّل فقط، وقراءة ابن عامر من التفعيل كقوله: وما يلقاها إلا الصابرون عليهما أي يلقى إليه من جانب الله، وعلى كونهما صفتين فيه تقدم الوصف بالجملة على الوصف المفرد وهو خلاف الظاهر، والقول: المضمر قبل اقرأ تقديره يقال: اقرأ وهذه الجملة إما صفة أو حال كالتي قبلها كما ذكره المعرب أو مستأنفة وجملة: كفى بنفسك الظاهر أنها من مقول القول المقدر أيضا. قوله: (أي كفى نفسك (يعني أن كفى فعل ماض فاعله نفسك والياء زائدة كما في بحسبك درهم وذكر وإن كان مثله يؤنث كقوله: ما آمنت قبلهم من قرية لأن تأنيثه مجازي والقول بأنه اسم فعل أو فاعله ضمير الاكتفاء غير مرضي كما مر وقوله: وحسيباً تمييز كقوله: حسن أولئك رفيقاً ودلّه دره فارساً وقيل إنه حال وعذه بعض شراح الكشاف تجريد أي جرد من نفسك شاهدا هو هي فقيل إنه غلط فاحش وفيه بحث فإن الشاهد يغاير المشهود عليه فإن اعتبر كونه في تلك الحالة كأنه شخص آخر كان تجريدا لكنه لا يتعلق به هنا غرض فتدبر. قوله: (وعلى صلته لأنه الخ (قدم لرعاية الفواصل وعدى بعلى لأنه بمعنى الحاسب والعاذ وهو يتعدى بعلى، كما تقول: عدد عليه قبائحه واستشهد بضريب وصريم لأن مجيء فعيل الصفة من فعل يفعل بكسر العين في المضارع قليل، والصارم القاطع والهاجر. قوله: (أو بمعنى الكافي الخ (يعني أنه تجوز به عن معنى الشهيد فعدى بعلى كما يعدى بها الشهيد، وقوله لأنه يكفي الخ، بيان لعلاقة المجاز وأما كونه بمعنى الكافي من غير تجوّز لكنه عدى تعدية الشهيد للزوم معناه له كما في أسد عليّ فتكلف بارد. قوله: (وتذكيره (أي حسيباً وهو فعيل بمعنى فاعل لأنه مما يغلب في الرجال فأجرى على أغلب أحواله أو النفس مؤؤلة بالشخص، أو محمول على فعيل بمعنى مفعول، وقوله على أن الحساب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 أي مبني أو يبنى على أن الخ وقوله: لا ينجي اهتداؤه غيره الخ أي في الآخرة لأنه قد يتعدى حكمه في الدنيا أو في الدارين بمعنى أنه لا يوجب ذلك بالذات إيجابا مطرداً، ويردى بالمهملة أي يهلك ويضر. قوله: ( {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (مؤكد لما قبعها للاهتمام به، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الوليد بن المغيرة لما قال: كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلي أوزاركم، ولذا خص نفي التحمل بالوازرة، فتأمل. قوله: (يبين الحجج ويمهد الشرائع) بيان للمقصود من البعثة وليس المراد أن ثمة صفة مقدرة في النظم وقوله: وفي دليل على أن لا وجوب قبل الشرع هذا رد لما في الكشاف مع ما في كلامه مما يعلم من شروحه أي لا يجب علينا شيء من الأحكام قبله كما ذهب إليه غير أهل السنة لأنه لو كان لشيء وجوب علينا قبله لعذبنا بتركه قبله والتالي باطل لهذه الآية فكذا المقدم، ولما كانت هذه الملازمة غير مسلمة عند الأشاعرة لأنهم لا يقولون بلزوم تعذيب العاصي عليه تعالى كما بين في الكلام والقائلون بلزوم ووجوبه على الله هم المعتزلة فالملازمة مسلمة عندهم لا عندنا قيل إنه دليل إلزاميّ والا فارتكاب المعاصي لا يوجب التعذيب عند أهل السنة يعني أنّ هذا الدليل تامّ عندهم لأنّ هذه المقدمة مسلمة عندهم فيكفي ذلك في الرد عليهم، وما قيل في رذه أنّ مراد المصنف رحمه الله أنه لا وجوب لشيء علينا من الأحكام التكليفية قبل أن تشرع والا عذبنا بتركه قبله لا أنه لا يجب تعذيبنا عليه تعالى بالمعصية قبل شرع حتى يرد عليه أنّ المذهب عدم وجوب الإثابة والعقوبة على الله فيحتاج إلى ذلك التأويل انتهى ناشىء من عدم التدبر وأنه لا محصل له فإنّ قوله: والا عذبنا مقدمة غير صحيحة عند الأشاعرة فإن بناها على مدعي الخصم رجع بالآخرة إلى ما قاله من رد عليه بعينه، ثم إن وجوب تعذيب العاصي عند القائلين به من المعتزلة وجوب شرعي لا عقلي قال في شرح التجريد: اتفق الأئة على أن الله تعالى يعفو عن الصغائر مطلقا وعن الكبائر بعد التوبة، واختلفوا في جواز العفو عن الكبائر بدون التوبة فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنه جائز عقلا غير جائز سمعاً، وذهب الباقون إلى وقوعه عقلاً وسمعاً اهـ. (أقول) هذا ما قاله أصحاب الحواشي وفي شرح المحصول للأصفهاني لا دليل في الاية على ما ذكر لاحتمال أن يكون المراد بالرسول العقل وأن يكون المنفي عذاب المباشرة وليس فيها نفي التعذيب عن جميع الذنوب ولا يلزم من نفيه نفي الاستحقاق، وأجاب بأنّ الأصل الحقيقة والمنفي إيقاع العذاب مطلقا بمباشرة أم لا، وفي تفسير الإمام الاستدلال بالآية ضعيف لأنه لو لم يثبت العقلي لم يثبت الشرعي وهو باطل وبيان الملازمة أنه إذا جاء نبيّ بشرع ومعجزة فهل يلزم قبول ما جاء به أم لا فإن قلنا بلزومه فهل هو بشرعه أو بشرع غيره فإن كان بشرعه لزم إثبات الشيء بنفسه وإن كان بشرع غيره دار أو تسلسل فلزم الرجوع إلى الوجوب العقلي ورذه شيخنا في الآيات البينات بما يطول شرحه فانظره. قوله: (وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لانفاذ قضائنا الخ (لما كان ظاهر الآية أنه تعالى يريد إهلاك قوم ابتداء فيتوسل إليه بأن يأمرهم فيفسقوا فيدمرهم وارادة ضرر الغير ابتداء من غير استحقاق الأضرار مما ينزه عنه تعالى لمنافاته للحكمة وما ربك بظلام للعبيد دفع بوجوه، منها ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: وإذا تعلقت الخ يعني أنه إذا تعلقت الإرادة بإهلاكهم لما سبق من القضاء والعلم بأنهم من ذوي المعاصي المهلكين وقع منهم العصيان فأهلكوا، وقد رد هذا في الكشف بأنه في زمان تعلق الإرادة يجب الفعل فالتفسير بهذا دون الرجوع إلى التأويل الثاني غير مجد، ولهذا اقتصر عليه في الكشاف، وقيل أنّ مراده إذا قرب تعلقها وأنه من مجاز المشارفة لكنه لا يدفع ما ذكر وان دفع السؤال الأوّل كما قرّرناه فالحق أن يقال: إنّ الإرادة لها تعلقان: قديم وهو المتحقق في علمه بأنه سيقع في وقته المعين له وحادث وهو المتعلق به إذا وجد، والمراد هنا هو الثاني لأن إذا معلقة على فسقهم مقارنة له كقوله: إذا كبر الإمام فكبروا، والواقع معه في زمانه الممتذ هو التعلق الثاني لا الأوّل القديم السابق عليه القضاء سبقا ذاتيا على أنّ المراد بإنفاده انفاذه في وقته المقدر له كما توهم فإنه لا يدفع السؤال إلا بتكلف وان ذهب إليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 بعضهم فتأمّل. قوله: (أو دنا وقته المقدّر كقولهم إذا اراد المريض الخ) على هذا اقتصر في الكشاف وهو مبني على أصولهم كما في الكشف وعلى نهج قوله: جدارا يريد أن ينقض كما سيأتي تحقيقه فهو مجاز للتنبيه على عاقبة أمرهم فيجري مجرى قولهم: إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جهة وجاءه الخسران من كل طريق وقولهم: إذا أراد العليل أن يموت خلط في أكله وشرع في أكل ما تتوق إليه نفسه لما كان المعلوم من حال هذا الخسران ومن حال هذا الهلاك حسن هذا الكلام كما في الدرر الشريفة يعني أق دلالة أمر على وقوع شيء عقبه ينزل منزلة الإرادة لذلك الشيء لما بينهما من اللزوم أو المشابهة فتدبر، وقوله: قوم إشارة إلى أنّ المراد بقرية أهلها. قوله: (أمرنا مترفيها متنعميها بالطاعة (لما كان المتبادر منه أن التقدير أمرناهم بالفسق كقوله: أمرته فقام إذ تقديره أمرته بالقيام كما سيأتي تحقيقه وهو غير صحيح لأن الله لا يأمر بالفحشاء إلا بارتكاب التأويل الآتي قدر له هذا المتعلق ولم يلتفت إلى رذه الآتي لأنه مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير كما نقله المفسرون وقوله: متنعميها بصيغة الجمع المضافة وقوله: على لسان رسول بيان للواقع المقدر بقرينة قوله: تحى نبعث رسولاً. قوله: (ويدل على ذلك ما قبله وما بعده الخ (ردّ على الزمخشري كما سيأتي تفصيله مقتدياً بالإمام فيه يعني أن ما زعمه من أنه لا دليل على تقدير ما ذكر ممنوع بل الدليل عليه ظاهر فإن فسق وعصى متقاربان بحسب اللغة وإن خص في الشرع بمعصية خاصة، وذكر الضد يدل على الضد، كما أنّ النظير يدل على نظيره فذكر الفسق والمعصية دال على تقدير الطاعة كما في قوله: سرابيل تقيكم الحرّ فيكون كقوله أمرته فأساء إليّ أي أمرته بالإحسان بقرينة المقابلة بينهما المقتضية بالعقل الدال على أنه لا يؤمر بالإساءة كما لا يؤمر بالفسق والنقل أنّ الله لا يأمر بالفحشاء والتعجب من جعل المصنف ما ذكر دليلا على تقديره مع أنّ الزمخشري جعله دليلاً على خلافه مما يتعجب منه ثم إنّ المدقق في الكشف رد ما ذكره المصنف رحمه الله كغيره بأن الزمخشري لم يمنع هذا التقدير من هذا المسلك بل المانع عنده أنّ تخصيص المترفين حينئذ يبقى غير بين الوجه وكذلك التقييد بزمان إرادة الإهلاك ولظهوره لم يتعرض له، وأيضاً شهرة الفسق في أحد معنييه تمنع من عده مقابلاً بمعنى العصيان على أنّ ما ذكر من نبوّ المقام عن الإطلاق قائم في التقييد بالطاعة، فافهم ولا تغتر بما أثره الإمام وشنع بأنه لا فرق بين أمرته ففسق وأمرته فعصاني، وأيده غيره بأنّ الفسق الخروج عن الأمر فذلك من عدم تدبر ما أورده جار الله على ما يجب انتهى يعني أن الى، مر بالطاعة واقع من الله في كل زمان ولكل أحد فلا وجه للتقييد حينئذ وأن هذا هو الداعي لاختيار الزمخشري ما ذكر ولما ورد عليه أنه ليس في كلامه ما يدل عليه تلافاه بأنه تركه لظهوره ولا يخفى أنه قول بسلامة الأمير ونظر بعين الرضا إذا أدخل في الكلام ما ليس فيه، وأما التقييد المذكور فظاهر لأنهم أئمة الكفر ورؤساء الضلال وما وقع من سواهم باتباعهم ولو لم يلاحظ هذا لم يكن للتقييد وجه في سائر الوجوه فتدبر. قوله: (وقيل أمرناهم الخ (هذا ما ارتضاه الزمخشري وملخصه أن المراد أمرناهم ففعلوا، والأمر مجاز لأن حقيقته أن يقول لهم: افسقوا وهو لا يتأتى لما مر فالوجه أنه أفاض النعم عليهم ليشكروا فعكسوا ذلك وجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة له فلما آثروا الفسوق أهلكهم، وهذا هو الوجه لأنّ المستفيض حذف ما يدل عليه، ونظيره لو شاء لأحسن إليك أي لو شاء الإحسان فلو أضمرت خلافه لم تكن على سداد، وكأنك تروم من مخاطبك علم الغيب فهو إفا استعارة تمثيلية أو تصريحية تبعية لا مجاز مرسل كما يوهمه لفظ التسبب، فافهم. قوله: (على أنّ الأمر مجارّ من الحمل عليه أو التسبب له (متعلق بقوله قيل الخ ومن متعلقه بمقدر أي ناشىء من الحمل لأنه وجه الشبه فإنه شبه إفاضة النعم وصبها على أهل الأهواء بأمرهم بالفسق والجامع مع ما ذكر أو شبه حالهم في تقلبهم في النعم مع عصيانهم وبطرهم بحال من أمر بفساد فبادر إليه، هذا ما في شروح الكشاف فقوله: بأن بيان للمستعار له، فما قيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 من أنّ الأولى إبدال من بفي فيكون الأمر مستعملاً في معنى الحمل والتسبب مجازاً مرسلا وصحة كلام المصنف بأن يراد بالحمل والتسبب الصب فإنه حمل وتسبب مخصوص ويجعل الأمر مستعملاً في الصب وما أفضى إلى الفسق فعلاقته المشابهة في الحمل والتسبب فالتعبير عن الصبّ بالحمل والتسبب للإشارة إلى وجه الشبه على أنه استعارة تبعية تعسف من غير داع وتطويل من غير طائل، وقيل: أمرنا استعارة لحملنا وتسببنا لاشتراكهما في الافضاء إلى الشيء، وقوله: بأن صب الخ بيان للحامل من جانبه تعالى، وكونه استعارة للصب وان صح ليس بمراد فيه، وفيه ما فيه فتدبر. قوله: (ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي الخ (يعني أنه ينزل منزلة اللازم كما في المثال المذكور لأن القرينة قائمة على أنه ليس بتقدير أمرته بالعصيان ولا قرينة على تقدير شيء آخر، ودلالة الضد على ضده خفية فلا يقدر بالطاعة فيكون المعنى وجهنا الأمر فوجد منه العصيان أو الفسق، وقد نفى جار الله هذا الاحتمال وذكر أن ما نحن فيه ليس كما ذكر في المثال والمصنف رحمه الله لم يلتفت إلى رذه تبعا للإمام وقد ضعفه في الكشاف فإن أردت التفصيل فراجعه وقد مرّت زبدته. قوله: (وقيل معناه كثرنا الخ) أمرت بفتح الميم وأمر بكسرها مطاوعه لازم والأوّل متعدّ فيختلف لزومه وتعديه باختلاف حركته، وقد قيل إنّ المكسور يكون متعدّيا وأنه قرىء به، وقوله: آمرنا بالمد يعني أنه يتعدى بنفسه وبالهمزة أيضاً، وأصله أمرنا فأبدل منه وهذا ذهب إليه أبو عبيدة والفارسي وغيرهما، واستدلوا بالحديث الآتي، وقوله: خير المال الخ هو حديث صحيح ذكر المخرّج سنده والسكة النخل المصفوف ومأبورة بالباء الموحذة والراء المهملة من تأبر النخل تلقح وتثمر وهو معروف، والمهرة أنثى الخيل ومأمورة بمعنى كثيرة الحمل والنتاج ومعناه خير المال زرع أو نتاج. قوله: (وهو أيضا مجاز من معنى الطلب (أي هو في الحديث مجاز كما في الآية كان الله تعالى قال لها: (كوني كثيرة النتاج فكانت) فهي إذا مأمورة غير منهية، وهذا من فائق اللغة بعينه، ومثله معنى ما قيل: ومهفهف قال الإله لحسنه كن فتنة للعالمين فكانه ... فلا يتم الاستدلال بالحديث كما ذكروه وقيل أصله مؤمرة فعدل عنه للمشاكلة كما في مأزورات غير مأجورات. قوله: (ويؤيده) أي يؤيد القول بأنه من أمر بمعنى: كثر قراءة يعقوب رحمه الله آمرنا بالمذ من الأفعال وما روي عن أبي عمر ومن قراءة أمرنا بالتضعيف فإنه ليس من الأمر ضد النهي فيكون من أمر بمعنى كثر فهو يدل على وجوده لو لم يحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم إذا صار أميراً لأنه معروف فيه، وفعل المضموم مخصوص بهذا المعنى بخلاف غيره من المعاني فلذا قيده به ليتعين فلا يرد عليه أنه مثلث كما في كتب اللغة فلا وجه لتقييده مع أن شهرته تكفي فيه، وضمه لالحاقه بالسجايا، وقوله: وتخصيص المترفين الخ دفع للسؤال الذي مرّ تقريره في الكشف. قوله: (يعني كلمة العذاب السابقة) بالتأنيث كما في بعض النسخ وفي بعضها السابق بدون تاء على أنه صفة الكلمة لتأويلها بالقول، وقوله: بحلوله الضمير للعذاب والباء للملابسة أو السببية متعلقة بحق، وكذا هي فيما عطف عليه والكلمة هنا بمعنى الكلام وهو الوعيد السابق والفاء للتعقيب. قوله: (بإهلاك أهلها (إشارة إلى التقدير أو بيان المراد من التدمير، وهو الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء كما في البحر. قوله: (وكثيراً الخ) إشارة إلى أن كم خبرية، وقوله: وتمييز له أي مجرور بمن البيانية لا زائدة فقوله: من بعد نوج من فيه لابتداء الغاية فلذا جاز اتحادها مع ما قبلها متعلقا وخصه بالذكر ولم يقل من بعد آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أوّل رسول أذاه قومه فاستأصلهم العذاب، ففيه تهديد وانذار للمشركين، وقوله: يدرك الخ تفسير لهما على اللف والنشر المرتب. قوله: (وتقديم الخبير (أي لفظاً على بصير التقدم متعلقه وهو المعلوم منه تقدما وجوديا على الأمر الظاهري لأنه ينشأ عنه غالبا، وقيل إنه تقدم رتبي لأنّ العبرة به، كما في الحديث أنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ونحوه، ثم إنه قال في الكشاف إذ نبه بقوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 وكفى بربك بذنوب عباده الخ على أنّ الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير، والمصنف رحمه تركه لخفائه وقد بينوه بأنه لما عقب إهلاكهم بعلمه بالذنوب علماً أتم دل على أنه جازاهم بها، وإلا لم ينتظم الكلام وأمّا الحصر فلانّ غيرها لو كان له مدخل كان الظاهر ذكره في معرض الوعيد ثم لا يكون السبب تاضا ويكون الكلام ناقصاً عن أداء المقصمود فلزم الحصر، وهو المطلوب، ومنه يعلم ما قيل متعلقه بذنوب عباده ويرد عليه أنه متعلق ببصيراً أيضا على التنازع. قوله: (مقصورا عليها همه (في الكشاف كالكفرة وأكثر الفسقة، وأسقطه المصنف رحمه الله لابتنائه على مذهبه، والقصر مأخوذ من المقابلة فإنه جعله قسيم من أراد الآخرة فلو أرادهما لم يصح التقسيم وإنما قال: كالكفرة وأكثر الفسقة لأنه اعتبر في المقابل الإيمان والسعي لها حق السعي كذا في الكشف وفيه نظر، وقيل إنه مأخوذ من كان فإنها تدل في مثله على الاستمرار ولأنه قسيم والقسمة تنافي الشركة، ولقوله جعلنا له جهنم الخ فإنّ مريدهما ليس كذلك وهو ملحق بالقسم الثاني، ولا يخفى أنّ إلحاقه بالثاني ينبو عنه قوله حقها من السعي فلذا قيل إنه سكوت عنه ولا ضير فيه، وقيل إنه مأخوذ من الإرادة لأنها عقد القلب وتمحض النية وهو بعيد. قوله: (قيد المعجل) في قوله: ما نشاء، والمعجل له في قوله: لمن نريد، وذكر المشيئة في أحدهما والإرادة في الآخر إن قيل بتراذفهه- أت! ت، رقوله: وليعلم أق الأمر بالمشيئة والهتم فضل يحتمل أن الهتم مسس ور معطوف على المشيئة والمراد به إرادة العبد وعزمه على ما يريد يعني وجود أمر بعد مشيئة العبد وعزمه فضل من الله تعالى لتوقفه على إرادته، وقيل هو مرفوع خبره فضل وخبر أن بالمشيئة وليس الهتم منصوبا معطوفاً على اسم أن والمعنى أنه لا بد في حصول كل أمر منها وإنما التأثير لها لا اللهتم فإنه فضل من الله موقوف عليها أيضا، وقوله: لأنه لا يجد الخ تعليل على اللف والنشر الغير المرتب أي لا يجد بعقمن يتمنى ما تمنى أصلا وبعض من وجد يجد بعضه لأكله. قوله: (ولمن نريد بدل من له بدل البعض (يعني الجار والمجرور من الجار والمجرور فلا يحتاج إلى رابعل لأنه في بدل المفردإت أو المجرور بدل من الضمير المجرور بإعادة العامل وتقديره لمن نريد تعجيله اط منهم. قوله: (وقرىء ما يشاء (بضمير الغيبة وقوله: والضمير فيه دلّه تعالى أي ضمير الغائب ليطابق المشهورة والضمير فييا لله أيضاً لكن الظاهر هو الوجه الثاني فإنه حينئذ يكون التفاتا، ووقوع الالتفات في جملة واحدة إن لم يكن ممنوعا فغير مستحسن كما فصله في عروس الأفراح، وقوله: مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك يعني كنمروذ وفرعون ممن ساعده الله على ما أراد استدراجا له، وقوله: وقيل الخ هذا أيضا على كون ضمير الغيبة لمن ولا عموم للموصولين فيه أيضا لكن المراد بالأول المنافق والمرائي والمراد بما يشاء جزاء ما أعده وسيلة للدنيا مما هو من أعما أط الآخرة فيها، والمساهمة المشاركة في السهام والانصباء الحاصلة من الغنائم ولا يخفى موقعها هنا مع الغرض من اللطف، وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى وقيل: المقابلة بينه وبين ما قبله باعتبار العموم والخصوص أو المنافاة فإن المنافقين أرادوا بعمل الآخرة الدنيا فتأضله. قوله: (حقها من السعي (من إفا تبعيضية أو بيانية وكون سعيها سواء كان مفعولاً به على أن المعنى عمل عملها أو مصدرا مفعولاً مطلقاً بمعنى ما يحق ويليق بها مأخوذ من الإضافة الاختصاصية فيخرج من يتعبد من الكفرة ويزعم أنه سعى لها واليه أشار بقوله: بما يخترعون بآرائثم جمع رأي، وقوله: اعتباهـ الخية 6 / / م 3 والإخلاص أي دلّه في عمله سواء كانت للأجل أو للاختصاص، وقوله: فإنه العمدة إشارة إلى وجه تفسيره بما ذكر فإن ما عداه لا يعد مؤمناً وقوله الجامعون الخ إشارة إلى ألإشارة راجعة إلى جميع ما قبله كما مرّ في قوله: أولئك هم المفلحون، وقوله: من الله من ابتدائية أي من جانبه ومثابا تفسير لمشكوراً ومقبولاً من لوازم الإثابة، وقوله: بدل من المضاف إليه أي عوض، وهذا بناء على أنّ تنوين كل وبعض تنوين عوض عن الاسم المفرد كما يكون عوضا عن الحرف في جوار وغواس وعن الجملة في يومئذ وهو قول للنحاة، وقيل إنه تنوين تمكين، وكلا مفعول نمدّ مقدم عليه. قوله: (نمدّ بالعطاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 مرّة بعد أخرى (فسره به لأنه يشعر بالتكرار كما مد الماء ونحوه، قال تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [سورة لقمان، الآية: 27] وقوله: ونجعل آنفة مدد السالفة إن كان آنفة بتاء الوحدة منونا فمددا منون ولسالفة بلام الجر وتاء الوحدة أيضا، وإن كان مضافا لضمير العطاء الغالب فلسالفه، ذلك والسالف ما سبق منه والآنف بالمد ما استؤنف مرة بعد مرّة أخرى، وقوله: من معطاه إشارة إلى أنّ العطاء اسم مصدر واقع موقع المفعول وقوله: ممنوعا لأنه من الحظر بمعنى المنع من الحظيرة، وقوله: في الرزق قيده به لدلالة السياق أو المراد به اللغوي فيتناول الشرف ونحوه كما يقال: السعادة أرزاق أو هو تمثيل. قوله: (بدل من كلا (أي بدل كل من كل لكنه قدره فيما مضى بكل واحد من الفريقين تبعا للزمخشري فورد عليه ما أورده عليه أبو حيان والمعربون وتبعهم المحشي من أنه لا يصح على هذا التقدير لأنه يكون بدل كل من بعض كقوله: رحم الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات 0.. وهو مردود كما بين في النحو فالظاهر أن يقدر كل الفريقين ومن لم يفهم مراده قال في تقريره: أي نمذ هذا الفريق وذاك الفريق لا كل فرد منهما ولذا قال: كل واحد دون أحد وفرد، والعجب من أبي حيان أنه خالف النحاة في أن كلا إذا أضيفت إلى نكرة قد ترد للكل المجموعي لا بمعنى: كل فرد فرد مستدلاً بقول عنترة: جادت عليه كل عين ثرّة فتركن كل حديقة كالدرهم ... وعليه قول الأصوليين كل رجل يشيل الصخرة العظمية وإن نازعه السبكي فيه في رسالة كل وعلى ما ذكر لا يرد عليه شيء عند النظر الصحيح وكأنه أشار إليه بقوله: الأولى فتأمّل. قوده:) وانتصاب كبف الخ (أي أنها في محل نصب لأنها مبنية على الفتح قال نجم: الأئمة إنما عد كيف في الظروف لأنه بمعنى على أي حال والجار والمجرور والظرف متقاربان، وكون كيف ظرفا مذهب الأخفش، وعند سيبويه هو اسم بدليل إبدال الاسم منه نحو كيف أنت أصحيح أم سقيم ولو كان ظرفا لأبدل منه الظرف نحو متى جئت أيوم الخميس أم يوم الجمعة فإن جاء بعد كيف ما يستغنى به فكيف منصوب المحل على الحال فتأمّل، وناصبه ما بعده من الفعل وليس مضافاً للجملة كما توهم والجملة بتمامها في محل نصب بقوله: انظر وهو معلق هنا كما بين في محله، والمعنى انظر إلى هذه الكيفية العجيبة. قوله تعالى: {أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} درجات وتفضيلاً منصوبان على التمييز والمفضل عليه محذوف تقديره من درجات الدنيا وتفضيلها وقوله: بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها عمم الدرجات ليشمل الدركات فللتفضيل بمعنى التفاوت فاعتبر التفاوت بين أهل الجنة والنار وبين أبعاض الفريقين. قوله: (الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) إنما جعل المراد به أقته على حذ قوله: إياك أعني وسمعي يا جاره أو المراد به العموم على حذ قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار وهو معنى ما قيل إن الخطاب للإنسان لأن ما بعده ليس مما يصف به نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم ولو على طريق الفرض والتقدير. قوله: (فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة (شحذ بمعنى سن وحدد والشفرة السكين الكبيرة وكل نصل عريض وقعد بمعنى صار ويلحق به في العمل، قال الرضي: من الملحقات بصار قعد في قول إعرابي: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت وقال: إنما تعمل قعد هذا العمل في هذا المثل فلا يقال قعد كاتبا لكونه مثله ولذا قيل: إن تفسيره بتصير هنا غير جيد وهذا غير مسلم لأن الفراء ذهب إلى إطراد قعد بمعنى صار، ومنه قول الراجز: من دون أن تلتقي الأركاب ويقعد الاير له لعاب ... وحكى الكسائي قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها فما ذكر مبنيئ على قول الفراء: وعلى قول الأصحاب: مذموما مخذولاً حال، وعلى قول الزمخشري خبر يقعد. قوله: (أو فتعجز من قولهم قعد الخ) بمعنى العاجز عن القيام ثم تجوّز به عن مطلق العجز، وقيل القعود كناية عن العجز فإن من أراد أخذ شيء يقوم له ومن عجز قعد، وأما القعود بمعنى الزمانة فحقيقة والإقعاد مجاز كأنّ مرضه أقعده والقعود اللبث مطلقا قائما أو قاعدا أو هو حقيقة أيضا وفيه نظر إلا أن يريد أنه حقيقة عرفية لا لغوية لأنه ضد القيام. قوله: (جامعا على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 نفسك الخ (يشير إلى أنهما خبران على الأوّل وحالان مترادفان على الثاني لا متداخلان ولا من قبيل حلو حامض كما قيل وقوله: ومفهومه الخ ومثله من المفاهيم معتبر مقصود هنا فتأمل. قوله: (وأمر أمراً مقطوعا به (كذا في الكشاف فقيل: إنه مجاز، وقيل: إنه ضمن معنى الأمر لكونه جامعا للمعنيين الأمر والقضاء الذي هو القطع وليست ضرورة داعية إلى هذا التضمين ورد بأن الداعي إليه أن المقضي يجب وقوعه ولم يقع التوحيد من بعض المخاطبين وقيل إنه أراد أنه مجاز عن الأمر المبتوت الذي لا يحتمل النسخ ولو كان تضمينا لكان متعلق القضاء حينئذ الأمر دون المأمور به والا لزم أن لا يعبد أحد غير الله فيحتاج إلى تخصيص الخطاب بالمؤمنين فيرد عليه بأن جميع أوامر الله بقضائه فلا وجه للتخصيص والأمر هنا لمطلق الطلب ليتناول طلب ترك العبادة لغيره تعالى، وأنت خبير بأنّ ما ذكره متوجه لو أريد بالقضاء أخو القدر أما لو أريد به معناه اللغوي الذي أشار إليه فلا يرد ما ذكره والتضمين عليه هنا شراح الكشاف والداعي إليه أنه لو كان مجازا لكان بمعنى أمر فقط ولم يلاحظ فيه معنى القطع الحقيقي له، فتأمل وأما التجوز في الإيمان بما ذكر فيغني عنه أن معنى لا تعبدوا غيره بمعنى اعبدوه وحده فهو أمر باعتبار لازمه وإنما اختير هذا للإشارة إلى أنّ التخلية بترك ما سواه مقدمة مهمة هنا. قوله: (بأن لا تعبدوا (إشارة إلى أن أن مصدرية والجارّ مقدر قبلها ولا نافية ويجوز أن تكون ناهيه كما مر ولا ينافيه كونها في تأويل المصدر كما أسلفناه، وأما كونه أخبارا عن إنثائه الماضي فتعسف وغاية التعظيم العبادة وهي لا تحق وتليق إلا لمن كان في غاية العظمة منعما بالنعم العظام وهذا لا يوجد في غيره فلذا أمروا بأن لا يعبدوا غيره. قوله: (وهو كالتفصيل (أي هذا وما عطف عليه من الأعمال الحسنة كالتفصيل لأنه لا يشمل جميع مساعيها ولذا عطف بالواو، وقوله ويجوز أن تكون أن مفسرة لتقدم ما تضمن معنى القول: دون حروفه وهذا معطوف بحسب المعنى على قوله: بأن لا تعبدوا لأنه في معنى وأن مصدرية كما مرّ وقوله ولا ناهية، وقيل إنها مخففة واسمها ضمير شان محذوف ولا ناهية، وقيل مصدرية ولا زائدة ويأباه الاستثناء. قوله: (وبأن تحسنوا (وفي نسخة وأن تحسنوا بعطف المقدر على أنها مصدرية ولا نافية، وقوله: أو وأحسنوا على أن أن تفسيرية ولا ناهية وهو معطوف على لا تعبدوا. قوله: (لآنّ صلته لا تتقدّم عليه) وجعله الواحدي صلة له فقيل إن كان المصدر منحلا بأن والفعل فالوجه ما ذكره المصنف تبعاً للكشاف، وان جعل نائبا عن أحسنوا فالوجه ما قاله الواحديّ وهذا كله إن لبم نغتفر ذلك في الظرف مطلقاً لتسامحهم فيه كما ذهب إليه كثير من النحاة. قوله: (ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل (تبع فيه الزمخشري، وهو المذهب المشهور من أنه لا يؤكد بها الفعل بعد إد الشرطية إلا إذا زيدت عليها ما واختلف فيه فقيل إنه واجب وقيل إنه لا يجب وعليه قوله ابن أفا ترى رأسي حاكى لونه طزة صبح تحت أذيال الدجى ... فلا يرد ما اعترض به أبو حيان من أنه مخالف لقول سيبويه رحمه الله: وإن شثت أفحمت النون كما أنك إن شئت لم تجىء بها مع أنه قيل إن سيبويه إنما نص على أن نون التوكيد لا يجب الإتيان بها بعد أما وان كان أبو إسحاق قال بوجوبه وليس كلامه نصا فيما زعمه. قوله: (أو يدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف يبلغان الخ (لا فاعل والألف علامذ التثنية على لغة أكلوني البراغيث وكلاهما عطف عليه فإن رد بأنه مثروط بأن يسند للمثنى نحو قاما أخواك مثنى أو مفرقا بالعطف بالواو خاصة على خلاف فيه نحو قاما زيد وعمرو وهنا ليس كذلك، واستشكلت البدلية بأن أحدهما عليه بدل بعض من كل لا كل من كل لأنه ليس عينه وكلاهما معطوف عليه فيكون بدل كل من كل لكنه خال عن الفائدة، على أنا نقول أن عطف بدل الكل على غيره مما لم نجده، وقد أجيب عنه بأنا نسلم أنه لم يفد البدل زيادة على المبدل منه لكنه لا يضر لأنه شأن التوكيد ولو سلم أنه لا بد منها ففيه فائدة لأنه بدل مقسم كما قاله ابن عطية فهو كقوله: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة وأخرى رمى فيها الزمان فشلت. 00 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 إلا أنه تعقب بأنه ليس من البدل المذكور لأن شرطه العطف بالواو وأن لا يصدق المبدل منه على أحد قسميه وهنا قد صدق على أحدهما وهذا محتاج إلى التحرير فانظره. قوله. (وكلاهما عطف على أحدهما فاعلاَ أو بدلا (قد علمت ما في البدلية من القيل والقال، واختار في البحر أن يكون أحدهما بدلاً من الضمير وكلاهما فاعل فعل مقدر تقديره أو يبلغ كلاهما وهو من عطف الجمل، وقوله: ولذلك لم يجز أن يكون تأكيداً للألف أي ضمير التثنية لأن التأكيد لا يعطف على البدل كما لا يعطف على كيره ولأن أحدهما لا يصلح توكيدا للمثنى ولا غيره فكذا ما عطف عليه ولأنّ بين إبدال بدل البعض منه وتأكيده تدافعا لأن التوكيد يدفع إرادة البعض منه وهذا القول منقول عن أبي علي الفارسي رحمه الله، قال في الدر المصون: ولا بد من إصلاحه بأن يجعل أحدهما بدل بعض من كل وبضمر بعده فعل رافع لضمير تثنية وكلاهما توكيد له والتقدير أو يبلغان كلاهما وهو من عطف الجمل حينئذ لكن فيه حذف المؤكد وإبقاء توكيده وقد منعه بعض النحاة، وفيه كلام في مفصلات العربية، وقوله: أن يكونا في كنفه أي في منزله وكفالته أي في حال يلزمه القيام بأمرهما في المعيشة، كقوله: وكفلها زكريا ومنه الكفالة المعروفة وذلك لكبر سنهما وعجزهما عن الكسب وغيره. قوله: (فلا تتضجر مما يستقدر منهما (هذا بيان لمحصل معناه ومؤن بضم الميم وفتح الهمزة جمع مؤونة وهي معروفة وأف اسم فعل بمعنى أتضجر وذكروا فيها أربعين لغة لا حاجة إلى تفصيلها والوارد منها في القرا آت سبع ثلاث متواترة وأربع شاذة فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين، وابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين، والباقون بالكسر دون تنوين ولا خلاف بينهم في تشديد الفاء، وقرأ نافع في رواية عنه بالرفع والتنوين، وأبو السماك بالضم من غير تنوين وزيد بن علي بالنصب والتنوين، وابن عباس رضي الله عنهما بالسكون، واسم الفعل بمعنى الماضي والمضارع قليل والكثير فيه الأوامر وقوله: وهو صوت وهو هذا اللفظ الذي يقوله: المتضجر كأخ الذي يقوله المتوجع وقوله وقيل هو اسم الفعل الذي هو أتضجر كأوّه بمعنى أتوجع وهو قليل كما مر، وقوله لالتقاء الساكنين لأنه الأصل في التخلص منه والساكنان الفا آن، وقوله: للتنكير فالمعنى أتضجر تضجر أما وإذا لم ينون فهو تضجر مخصوص، وقوله: على التخفيف ليس المراد به ترك التشديد فإنهم لم يقرؤوا به بل تخفيف الفتح لأنه أخف من الكسر، وقيل المراد به ترك التنوين، وقوله: وقرىء به أي بالفتح وهي قراءة زيد وبالضم معطوف على قوله به، والاتباع للهمزة وهي رواية عن نافع كما مر. قوله: (قياساً (أي قياساً جليا لأنه يفهم بطريق الأولى وشممى مفهوم الموافقة ودلالة النص وفحوى الخطاب ولا خلاف فيه بين الحنفية والثافعية على أنه مفهوم كما تقرّر في الأصول وقوله: وقيل عرفا يعني أنه يدل على ذلك حقيقة ومنطوقا في عرف اللغة كما في المثال المذكور فإنه يدل على أنه لا يملك شيئاً قلبلا أو كثيرآ، والنقير نقرة في ظهر النواة والقطمير شق النواة أو قشرة رقيقة عليها. قوله: (ولذلك (أي لدلالة النص على ما ذكر منع الخ، وقال ابن حجر حديث حذيفة رضي الله عنه وأنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، وهو في صف المشركين فقال: دعه بل غيرك كما في الكشاف لم أجده مرويا في كتب الحديث ولم يصح عن والد حذيفة أنه كان في صف المشركين فإنه استشهد بأحد مع المسلمين كما في صحيح البخاري لكن نحو القصة المذكورة وقعت لاً بي عبيدة بن الجراج، وقوله: نهى عما يؤذيهما الخ بيان لمحصل معنى الآية من توله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 23] إلى هنا، لا بقوله: {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 23] كما قيل، وقوله: بإغلاظ متعلق بتنهرهما أو تزجرهما، وقوله: أخوات أي متقاربة في المعنى أمّا النهي والنهر وهو الزجر فظاهر وأمّا النهم بسكون الهاء والميم فلأنه يكون بمعنى الزجر أيضا كما يكون بالفتح بمعنى شدة شهوة الطعام، وقوله: بدل التأفيف والنهر معلوم مما قبله لا أنه مقدر في الكلام وقوله جميلا أي حسنا لأنه يرد بهذا المعنى في مثله لا بمعنى- كثرة العطاء- والشراسة بفتح الثين المعجمة والراء والسين المهملتين بينهما ألف الصعوبة ومخالفة الطباع اللينة وسوء الخلق، وقوله تذلل لهما وتواضع هو بيان لمحصل معنى الكلام، وقوله فيهما، كأنه معناه في حقهما وفي معاملتهما. قوله: (جعل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 للذل جناحاً كما جعل الخ (يعني أن فيه استعارة مكنية وتخييلية كما في بيت لبيد المذكور وهو من معلقته المشهورة فشبه الذل بطائر منحط من علو تشبيهاً مضمراً وأثبت له الجناج تخييلا والخفض ترشيحاً لأن الطائر إذا أراد الطيران والعلوّ نشر جناحيه ورفعهما ليرتفع فإذا ترك ذلك خفضهما وأيضاً هو إذا رأى جارحا يخافه لصق بالأرض وألصق جناحيه وهي غاية خوفه وتذلله، وقيل: المراد بخفضهما ما يفعله إذا ضم فراخه للتربية وأنه أنسب بالمقام. قوله: (وغداة ريح البيت (غداة مجرورة على إضمار رب والغدة أول النهار خصها لشدة بردها، وقرة بفتح القاف وقيل إنها مكسورة البرد الشديد وهو معطوف على ريح أو غداة، وقوله كشفت بصيغة المتكلم أي أزلت ضررها بكن الضيوف وإطعامهم وإيقاد النار لهم، ومن زعم أنه روي مجهولاً مع تاء التأنيث فقد أخطأ لأنه مختل الوزن ولا رواية فيه وأصبحت ناقصة واسمها ضمير مستتر للغداة أو الريح أو القرة وبيد الشمال زمامها من الخبر والمبتدأ خبرها كذا في شرح المعلقات، والمعنى أن تلك الغداة أو الريح الباردة أو القرة حصلت في ذلك الوقت وأتت بسبب هبوب الشمال وهي ريح معروفة بالبرودة فكأنها قائدة لها كما تقاد الإبل بأزمتها وهذا محل الشاهد ولا تكلف فيه كما توهم أن اسم أصبحت زمامها وأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه والجارّ والمجرور خبرها، وأوهن منه ما قيل إن أصبحت تامّة بمعنى دخلت في وقت الصباج وأنها مسندة لضمير القزة وزمامها فاعل الظرف وجملته حالية وقوله للشمال بفتح الشين وفيه لغات أخر ففيه استعارتان مكنيتان بتشبيه الشمال برجل قائد والقرة بناقة منقادة وتخييليتان في الزمام واليد وقوله: وأمره بصيغة الفعل معطوف على جعل ومبالغة مفعول له أو اسم مرفوع خبره مبالغة ووجه المبالغة ما فيه من الترشيح لأنه أبلغ من التجريد لا الإيجاب لأنه يفهم من تواضع وتذلل أيضا. قوله: (أو أراد جناحه (ففيه استعارة تصريحية تحقيقية مرشحة أو تمثيلية ويحتمل المكنية أيضاً على بعد، ووقع في بعض النسخ بالواو بدل أو وهو من سهو الناسخ، والجناح الجانب كما يقال: جناحا العسكر وخفضه مجاز كما يقال: لين الجانب ومنخفض الجانب، وقوله: للبيان لأنه صفة مبينة لأن المراد من خفض الجناج التذلل والمبالغة لأنه وصف بالمصدر كما مرّ تحقيقه والكلام عليه فكأنه جعل الجناج بمنزلة عين الذل وأما أنه يفيد أنه خلق منه كما قيل فلا وجه له، وتحقيقه في الكشف أن فيه وجهين وجناح الذل في الوجه الأوّد بل خفض الجناج تمثيل في التواضمع كما أشار إليه في سورة الشعراء وجاز أن يكون استعارة في المفرد، وهو الجناج ويكون الخفض ترشيحا تبعيا أو مستقلاً كما مرّ في قوله واعتصموا بحبل الله ولما كان الأوّل أبلغ وأظهر اكتفى به في الشعراء، وفي الوجه الثاني استعارة بالكناية ناشئة من جعل الجناج للذل ثم المجموع كما هو مثل في غاية التواضع، ولما أثبت لذله جناحا أمره بخفضه تكميلا، وما عسى أن يختلج في بعض الخواطر من أنه لما أثبت لذله جناحا فالأمر برفع ذلك الجناج أبلغ في تقوية الذل من الأمر بخفضه لأنّ كمال الطائر عند رفعه فهو ظاهر السقوط إذا جعل المجموع تمثيلا لأن الغرض تصوير الذل كأنه مشاهد محسوس وأما على الترشيح فهو وهم لأن جعل الجناج المخفوض للذل بدل على التواضع وأمّا جعل الجناج وحده فليس بشيء ولهذا جعل تكميلا والأوّل أبلغ وأوفق بنظره في القرآن فافهم فإنه من بدائعه والذل بالكسر في الدوالث ومعناه سهولة الانقياد وبالضم في الإنسان ضد العز والنعت منه ذليل ومن الأوّل ذلول. قوله: (من فرط رحمتك الخ (قال في الكشف: إق هذا إشارة إلى أنّ من ابتدائية على سبيل التعليل ولا تحتمل البيان حتى يقال لو كان كذا لرجعت الاستعارة إلى التشبيه إذ جناج الذل ليس من الرحمة أبداً بل خفض جناح الذل جائز أن يقال إنه رحمة وهذا بين اهـ. يعني أنه لو كان بيانا لكان على سبيل التجريد وهو من أقسام التشبيه وهم قد صرحوا بأنه استعارة، ثم إنه بعد التنزل لا مجال له هنا فتدبر، وفرط الرحمة زيادتها والمبالغة فيها وهو مأخوذ من جعل جنس الرحمة مبدأ للتذلل فإنه لا ينشأ إلا عن رحمة تامّة لا من كون التعريف للاستغراق كما قيل. قوله: الافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله تعالى إليهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 (تعليل لاحتياجهما إلى أشد الرحمة لأن احتياج المرء إلى من كان محتاجا له غاية الضراعة والمسكنة فيرحم أشد رحمة كما قلت: يا من أتى يسأل عن فاقتي ~ ما حال من يسأل من سائله ما ذلة السلطان إلا إذا ~ أصبح محتاجاً إلى عامله قوله: (وداع الله تعالى أن يرحمهما برحمتة الباقية (الخطاب للولد، ورحمته الفانية هي ما تضمنها الأمر والنهي السالفان، والرحمة الباقية هي رحمة الآخرة وخصها لأنها الأعظم المناسب طلبه من العظيم ولأنّ رحمة الدنيا حاصلة عموما لكل أحد، ولا تكتف نهي معطوف على الأمر قبله وهذه الرحمة التي في الدعاء قيل إنها مخصوصة بالأبوين المسلمين، وقيل عامة منسوخة بآية النهي عن الاستغفار، والمصنف رحمه الله ذهب إلى أنها عامة غير منسوخة لأن تلك الآية بعد الموت وهذه قبله ومن رحمة الله لهما أن يهديهما للإيمان فالدعاء بها مستلزم للدعاء به ولا ضير فيه، فيجوز الدعاء لهما بالرحمة على هذا الوجه فإن كان المراد رحمة الدنيا فهي دعاء بالزيادة. قوله: (رحمة مثل رحمتهما (فالكاف للتشبيه لا للتعليل كما ذهب إليه بعضهم لأنه مخالف لمعناها المشهور مع أن هذا يفيد ما أفاده التعليل، كما أشار إليه المصنف رحمه الله والجار والمجرور صفة مصدر مقدر أي رحمة مثل رحمتهما لي في صغري، وقال الطيبي رحمه الله: إن الكات لتأكيد الوجود كأنه قيل رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيها، كقوله: مثل ما أنكم تنطقون قال في الكشف وهو وجه حسن، وأما الحمل على أنّ ما المصدرلة حينية والمعنى ارحمهما وقت أحوج ما يكون إلى الرحمة، كوقت رحمتهما لي وأنا لحم على وضم وليس ذلك إلا في القيامة والرحمة الجنة لأنها الرحمة الباقية فتعسف لا يساعده اللفظ والمعنى، وقوله وفاء بوعدك إشارة إلى ما ورد من نحو الراحمون يرحمهم الرحمن وغيره، وقوله روي تبع فيه الزمخشري وقال ابن حجر رحمه الله: إنه لا يوجد في كتب الحديث، وقوله: فهل قضيتهما أي حقهما كما صزج به في الكشاف، وفي إيراده إشارة إلى فائدة طلب الرحمة لهما من الله فإنه لا يفي بحقهما وإنما يوفيه الله عنه وهو أيضا توطئة لما بعده وفيه تهديد ووعيد لمن خالفه في ذلك، والظاهر أنه وعد لمن أضمر البر ووعيد لغيره. قوله: (قاصدين للصلاح (أي بما صدر في حقهما أي مع صدوره حال اليإ درة والحدة فلذا فسره بالقصد، والأوبة الرجوع وهي التوبة هنا لأنها رجوع عن الذنب، وحرج الصدر ضيقه، وقوله: وفيه تشديد عظيم على الأولاد في حق أبويهم ووجهه كما في الكشف أنه شرط في البادرة النادرة قصد الصلاج وعبر عنه بنفس الصلاج، ولم يصرح بصدورها بل رمز إليه بقوله فإنه كان للأوّابين الخ لدلالة المغفرة والتوبة على الذنب، فشرط قصد الصلاج والتوبة وهو استئناف يقتضيه مقام التأكيد والتشديد، كأنه قيل: كيف يقوم بحقهما وقد تبدر بوادر فقيل إذا بنيتم الأمر على الأساس وكان المستمر ذلك ثم اتفقت بادرة من غير قصد إلى المساءة فلطف الله يحجز دون عذابه. قوله: (ويجوز أن يكون عاقاً الخ (عطف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة أن يقال ورد في حق هؤلاء، وقوله: أوليا صفة مصدر مقدر أي اندراجا وقد وقع مصرحا به في بعض النسخ، وقوله لوروده على أثره أي لوقوعه بعده وهو تعليل للاندراج، وقيل إنه سقط من بعض النسخ، قوله ويندرج الخ فيشكل التعليل حينئذ إلا أن يراد أن يكون عاقا لغيره، وهو تعسف لا حاجة إليه فإنه إنما سقط من قلم الناسخ. قوله: (من صلة الرحم وحسن المعاشرة (هذا متفق عليه وذكره توطئة لمذهبه من أنه لا تجب النفقة على غير أصل وفرع خلافا لأبي حنيفة على ما فصل في الفروع لكنه قيل عليه إن عطف المسكين وابن السبيل عليه مما يدل على أن المراد الحقوق وذا القربى ظاهر في العموم لا يختص بالقرابة الولادية، وقوله في النظم حقه يشعر باستحقاقه ذلك لاحتياجه فلا يرد قوله في الكشف الحق أن إيتاء الحق عام والمقام يقتضي الشمول فيتناول الحق المالي وغيره فلا ينهض دليلا على إيجاب نفقة المحارم مع أنه إذا عم دخل فيه المالي وغيره فكيف لا ينهض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 وقوله: إذا كانوا محارم فقرأ اقتصر عليه لأنه محل الخلاف ولفهم منه أنهم إذا لم يكونوا كذلك حقهم صلتهم بالموذة والزيارة ونحوهما، وأقارب الرسول صلى الله عليه وسلم حقهم توقيرهم ومحبتهم وإعطاؤهم الخمس، ومزضه لأنه لا قرينة على التخصيص وفيه أن الخطاب قرينة وهو مروي أيضا. قوله: (بصرف المال فيما لا يضبفي (إشارة إلى أن التبذير المثتق من تفريق البذر في الأرض المراد منه ما ذكر وهو شامل للإسراف في عرف اللغة ويراد منه حقيقته وإن فرق بينهما على ما نقل في الكشف بأن الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق والتبذير تجاوز في موقع الحق وهو جهل بالكيفية وبمواقعها وكلاهما مذموم، والثاني أدخل في الذم، وأما قوله فيه أنه يتناوله في الآية بطريق الدلالة إذ لا يفترقان في الأحكام لا سيما وقد عقبه بالاقتصاد المناسب للكمية المرشد إلى إرادته ففيه نظر غفل عنه من أورده من عنده فإنه إذا كان التبذير أقوى وأدخل في الذم كيف يدل على ما دونه بطريق الدلالة فتأمل، والمسكين وابن السبيل يعطى من الزكاة كما بين في محله، ثم إنه قيل أن الإسراف منهيئ عنه ولو في وجوه الخير وأن ما أورده الزمخشري من قول القائل: لا سرف في الخير لا عبرة به وفيه نظر. قوله: (وعن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (رواه أحمد بن حنبل رحمه الله عن ابن عمرو رضي الله عنهما وغيره وهو حديث صحيح. قوله: (أمثالهم في الشرارة (بفتح الشين مصدر كالطهارة أي في كونهم شراً وهو إشارة إلى أنّ الأخوان جمع أخ وهو بمعنى المثل والمشابه في الصفة مجازاً واستعارة كما وقع في الحديث بكلماته بأخي السرار أي كلام يشبه المساز به وكذا قولهم للخير أخو الشز فالأخ المماثل حقيقة أو ضدا كما يسمى المتقابلان زوجين، ولذا أرلد به الأصدقاء أو الاتباع فهو مجاز تشبيها لقران الصحبة والتبعية بقران القرابة فظهر أن الكل على الاستعارة وإن كان الوجه مختلف وقوله لأنهم كانوا يطيعونهم في الإسراف بيان لوجه جعلهم أصدقاء وأتباعاً بإطاعتهم لهم كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه وكأنه مجاز على مجاز لشهرة الأول التي ألحقته بالحقيقة فتأمل. قوله: (روي أنهم (أي الكفرة وهذا مما عرف في الجاهلية، والتياسر تفاعل من يسر إذا ضرب قداح الميسر على جزور ينحر ويقسم على سهام الميسر كما مر بيانه وعداه بعلى لتضمينه معنى يتزاحمون أو يتراهنون أو يجتمعون، وقوله في السمعة بضم فسكون وهي الرياء الذي يشتهر ويسمعه الناس، وقوله في القربات جمع قربة وهي ما يتقرب به إلى الله وقوله مبالغا من صيغة فعول، وأشار بقوله في الكفر إلى أنه يجوز أن يكون من الكفر ضد الإيمان، وقوله بنعماء بالمد بمعنى النعمة إشارة إلى أنه من كفران النعمة والمقصود زجرهم عن اتباعه. قوله: (وإن اعترضت عن ذي القربى الخ (إشارة إلى ارتباطه بما قبله ولذا خص ضمير عنهم بهم وإن احتمل العموم والخطاب عام وقيل معنى أن أعرضت أردت الإعراض فقل لهم قولاً ميسوراً ولا تعرض وقيل المعنى إن ثبت وتحقق في المستقبل أنك أعرضت عنهم في الماضي فقل الخ والمراد سببية الثبوت للأمر بهذا القول فهذا وجه تفسيره المضارع بالماضي، وان كانت أن تخلصه للاستقبال وفيه نظر. قوله: (حياء من الرد (أي من رد مت سأل صريحا منهم وفي الحديث كان عليه الصلاة والسلام إذا سأل شيئا ليس عنده أعرض وسكت وفيه إشارة إلى أن هذا علة الإعراض لانتظار الرزق، وكونه كناية عن عدم النفع وترك الإعطاء لأن هذا شأن من لم يعط فهو لازم عرفاً وما وقع في نسخة ينفقهم بالقاف من تحريف الناسخ وليس ما ذكر علة له بل عدم حصول ما يعطيه. قوله: الانتظار رزق من الله (في الكشاف أن قوله ابتغاء رحمة أما أن يتعلق بجواب الشرط مقدما عليه أي فقل لهم قولاسهلا ليناً وعدهم وعداً جميلا رحمة لهم وتطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك أي ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم وأما أن يتعلق بالشرط أي وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمي الرزق رحمة فرذهم رذاً جميلا فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسببا عنه فوضع المسبب موضع السبب والمصنف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 رحمه الله لم يرد أنه علة لما قبله وقد أشار إليه فيما تقدم، لكنه أجمل ما في الكشاف فلا وجه لما قيل، كون انتظار الرزق علة للإعراض ممنوع وكذا عدم النفع بل هو معلل بالخيار كما ذكره، وقيل: إنه يعني أن إعراضك عنهم بترك الجواب المورث لليأس لانتظار ما ذكر لكن ما ذكره من تعلقه بالجواب أورد عليه أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها في غير باب أما وما يلحق بها فإفا أن يكون جرى فيه على المذهب الكوفي المجوّز له مطلقا أو أراد التعلق المعنوي فيضمر ما ينصبه، ويجري هذا مجرى تفسيره وأن يأتيك بدل من الضمير بدل اشتمال. قوله: (أو منتظرين له (إشارة إلى أنّ المصدر حال مؤؤل باسم الفاعل وجمعه باعتبار المعنى لأنّ الخطاب لغير معين عام ففيه معنى الجمع، وكونه للتعظيم لا يناسب المقام وفي نسخة منتظراً وهي ظاهرة، وحمله في الأولى على انتظار السائلين بعيد، ولا وجه للتقييد به وهي حال مؤكدة، وقوله: ويجوز أن يتعلق بالجواب مر تفصيله. قوله: (وقيل معناه لفقد رزق من ربك (عطف على ما قبله من تفسير الابتغاء بالانتظار، قال في الكشف: ابتغاء الرزق أقيم مقام فقدانه وفيه لطف فكان ذلك الإعراض لأجل السعي لهم وهو من وضع المسبب موضع السبب كما مر وإذا جعل الإعراض كناية عن عدم نفعهم فالابتغاء مجاز عن عدم الاستطاعة متعلق بالشرط لا يخفى جريانه على التعليق بالجزاء أيضا، وقوله: لينا تفسير لميسوراً، والإجمال القول الجميل الحسن. قوله: (والميسور من يسر الآمر مثل سعد الرجل ونحس (اليسر السهولة واليسير والميسور السهل وتيسر تسهل وتهيا كاستيسر، وقوله من يسر أي المجهول وكذا ما بعده فكأنه لم يسمع إلا مجهولاً إذا تعدى كما في الكشاف والميسور اسم مفعول منه، أو المراد بالقول الميسور الدعاء لهم باليسر مثل أغناكم الله ونحوه كيسر لكم الرزق فعلى هذا يكون الميسور مصدراً بتقدير مضاف، كما في الكشاف، أي قولاً ذا ميسور أي يسر قال العلامة: وفيه نظر لأن الميسور معناه ذا يسر ولهذا وقع صفة لقولا فأي ضرورة في أن يجعل مصدراً ثم يؤوّل بذا ميسور وما قيل إن قول المصنف وهو اليسر يشير إلى أن الميسور مصدر، وقول ميسور من باب رجل عدل فاندفع ما ذكره العلامة لا يسمن ولا يغني من جوع فالحق في دفعه أنه إذا أريد به قولا يشتمل على الدعاء لا يكون القول حينئذ ميسوراً بل ميسرا لما أرادوه وميسور ومعسور مصدرين مما ثبت في اللغة من غير تكلف فجعله صفة مبالغة أو بتقدير مضاف له وجه وجيه، فتأمل. قوله: (تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر (يعني أنهما استعارتان تمثيليتان شبه في الأولى فعل الشحيح في منعه بمن يده مغلولة لعنقه بحيث لا يقدر على مذها وفي الثانية شبه السرف ببسط اليد بحيث لا تحفظ شيئا وهو ظاهر، وقوله: أمر بالاقتصاد بدل من نهي بدل اشتمال على ما وقع من ترك الواو في نسختنا، وقوله: الذي هو الكرم أي الجود الممدوج لأنه يختص به في العرف فلا وجه لما قيل الأولى: أن يقول هو الجود إذ لا اختصاص للكرم بالبذل المالي، وقوله: عند الله لأنه غير مرضيّ وعند الناس لأن من لا يحتاج إليه يطعن فيه بعدم تداركه لأحواله ومن يحتاج بذفته بإعطاء غيره أو تنقيصه نجل عند نفسه أيضاً كما سيذكره. قوله: (بالإسراف وسوء التدبير (قيل: الأولى أن يعتبر فيه التوزيع فتقعد منصوب في جواب النهيين والملوم راجع قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [سورة الإسراء، الآية: 129 كما قيل: إن البخيل ملوم حيثما كانا والمحسور راجع إلى قوله: {وَلاَ تَبْسُطْهَا} [سورة الإسراء، الآية: 129. قوله: (نادماً (فهو من الحسرة وهي كما قال الراغب: الغتم والندم على ما فات كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو المحسرات أي انكشفت قواه عنه أو أدركه إعياء عن تدارك ما فاته فلذا قيل: محسوراً دون حاسر لأنه أبلغ. قوله: (أو منقطعا بك (ضبط بفتح الطاء على صيغة المفعول لأنه من انقطع بالمسافة مبينا للمفعول إذا عطبت دابته ونفد زاده فانقطع، وقوله: لا شيء عندك تفسير له، وقوله: من حسره السفر أي أعياه، وأقفه حتى انقطع عن رفقته فهو حاسر ومحسور أمّا الحاسر فتصوّر أنه قد حسر نفسه، وأما المحسور فتصوّر أن التعب قد حسره، وقوله: إذا بلغ منه أي إذا بلغ السفر منه الجهد كمن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 بلغ منه المرض إذا أثر فيه فهو استعارة. قوله: (وعن جابر الخ (هذا الحديث ذكره في الكشاف هكذا بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذا أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعا فقال: من ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا فذهب إلى أقه فقالت له قل له: إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل صلى الله عليه وسلم داره، ونزع قميصه وأعطاه له وقعد عرياناً وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة قال العراقي إنه لم يجده في شيء من كتب الحديث وقوله: تستكسيك أي تطلب منك كسوة لها والدرع هنا القميص، وقوله: من ساعة إلى ساعة تركيب مشهور في الألسنة ومعناه ما في المثل من العمود إلى العمود فرج إلى أخر سؤالك من ساعة إلى ساعة أخرى يظهر لك مرادك وتظفر به، فإنا نترقب حصوله ونرجوه وقوله: فأنزل الله ذلك وهو لا ينافي كونه عاما، وقوله: يوسعه تفسير للبسط ويضيقه تفسير ليقدر فإن يقدر، ويقتر مترادفان. قوله.) فليس ما يرهقك (أي يغشاك ويعرض لك في بعض الأحيان والإضافة أفعال بمعنى تضييق الحال ومن تعليلية وجوز في يرهقك أن يكون أفعالاً من الإرهاق فمن بيانية والا ظهر الأوّل. قوله: (يعلم سرّهم وعلنهم (لف ونشر مرتب كما مر وقوله فيعلم من مصالحهم الخ إشارة إلى أن المراد من علم الظاهر والباطن أنه أعلم بمصالحهم فيقدرها على وفق حكمته فهو تسلية له، وقوله: ويجوز أن يريد الخ فيكون ذكر أن القبض والبسط موكول إليه لعلمه بجميع أحوال عباده عبارة عن أنهم ينبغي لهم الاقتصاد في أمورهم أي الاعتدال والتوسط في الاعطاء والانفاق لأن الزيادة عنه والنقصان إنما هو الله، وقوله: (او أنه الخ (فيكون تعليما لهم وحثا لهم على التخلق بآخلاق الله حسبما يقتضيه الحال، وقوله: (وأن يكون تمهيدا الخ (لأنه إذا كان القبض والبسط دثه لا ينبغي أن يخشى الفقر الحامل على ذلك، وقوله: وأدهم بناتهم أي دفنها حية كما كانوا يفعلونه في الجاهلية. قوله: (كاثم إثما (أي لفظا ومعنى، ويكون بمعنى تعمد الكذب وليس بمراد هنا وقرأ ابن ذكوان بفتح الخاء والطاء من غير مد وخرجها الزجاج على وجهين، أحدهما: أن يكون اسماً أي اسم مصدر لأخطا يخطىء إذا لم يصب واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: اسم أو هو مصدر خطىء بمعنى أخطأ كما في قوله: والناس يلمون الأمير إذا هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد ... وقوله: وقيل لغة فيه إشارة إلى هذا يعني أنه مصدر خطىء خطأ وخطاً والمعنى أن قتلهم غير صواب كما صرح به الراغب وقد استشكلوا هذه القراءة لأن الخطأ ما لم يتعمد وليس هذا محله ورد بأنهم لم يقفوا على ما مرّ عن أهل اللغة والتفسير. قوله: (وقرأ ابن كثير خطاء (بوزن قتال والباقون بكسر فسكون وهي التي فسر عليها أوّلاً وهو مصدر خاطأ يخاطىء خطاء كقاتل يقاتل قتالاً، قال أبو علي الفارسي: وان كنا لم نجد خاطىء لكنه وجد تخاطأ مطاوعه فدلنا عليه وأنشد عليه شعرا للعرب كما أشار إليه المصنف رحمه الله فلا عبرة بقول أبي حاتم أنّ هذه القراءة غلط، وقوله: وهو أي الخطاء إفا لغة أي في مصدره ديان لم يكن من المفاعلة كقام قياماً أو هو من المفاعلة، وقوله: وهو مبني عليه أي التفاعل مبنيّ على المفاعلة لأنه مطاوعه فب ل عليه كما مر، والقناص بالتشديد الصائد، والخرطوم الفم ومنقع بفتح الميم محل اجتماع الماء، وراسب بمعنى داخل يصف صيدا ظفر به وهو يثرب. قوله: (وقرىء خطاء بالفتح والمدّ (وهذه قراءة للحسن شاذة وهي اسم مصدر لأخطأ كأعطى وقرىء أيضاً خطا بفتح الخاء والطاء وألف في آخره مبدلة من الهمزة كعصا واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: وخطا بحذف الهمزة مفتوحا لكن عبارته توهم أنه من قصر الممدود وليس كذلك لأنه ضرورة لا داعي إليها، وقوله: ومكسورا أي مكسور الخاء مع ألف في آخره وهذه قراءة أبي رجاء، وقرىء خطأ بفتح فسكون وهمزة في آخره وهي مروية عن ابن عامر، وقرىء في الشواذ خشية بكسر الخاء. قوله: (بالعزم والإتيان بالمقدّمات (فهو نهي عنه على أبلغ وجه سواء كان كناية أو دلالة وفيه إشارة إلى تحريم العزم على المحزمات إذا صمم عليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 وقوله: فعلة بفتح الفاء إشارة إلى وجه تأنيثه وهو خبر لمذكر أو إلى تقدير موصوف مؤنث، وقوله: ظاهرة القبح تفسير لفاحشة. قوله: (وبئس طريقا طريقه (إشارة إلى أق ساء بمعنى بض وحكمها حكمها وسبيلا بمعنى طريقا تمييز، وقد اعترض عليه أبو حيان بأن الفاعل في بابه ضمير التمييز فلا يصح تقديره طريقه وسبيله لأنه ليس بمضمر ولا اسم جنس فالظاهر تقديره بئس السبيل سبيلآبلا إضافة وقيل الإضافة فيه بيانية أي بئس طريقا الطريق الذي هو الزنا فإنه طريق لقطع الأنساب وهيج الفتن كما ذكره المصنف رحمه الله فإن جعلت لامية وطريقه العزم والإتيان بمقدماته احتاج حينئذ إلى تقدير مضاف وهو الغصب أي طريق الغصب فتأمل. قوله: (وهو الغصب (بالمهملة على ايإبضاع بالكسر والمعجمة أي الإكراه على المجامعة والتصرّف في البضع بغير حق واستيلاء اليد األمبطلة على حق الله، وتأديته إلى قطع الأنساب، أما في نفس الأمر أو بحسب الشرع إذا لم يكن لها بعل أو كان ولو عنت ونحوه، وهيج الفتن تحريكها وهو ظاهر. قوله: (إلا بالحق (قال المعرب أي إلا بسبب الحق فيتعلق بلا تقتلوا، ويجوز أن يكون حالا من فاعل لا تقتلوا، أو من مفعوله، أي لا تقتلوا إلا ملتبسين بالحق وأما تعلقه بحزم الله فبعيد وان صح ومعنى تحريمها تحريم قتلها فالمعنى حزم قتلها إلا بحق فمن قال: لا محصل له لم يصب، قال الضحاك: وهي أوّل آية نزلت في شأن القتل، وقوله: إلا بإحدى الخ تفسير لقوله بالحق بالحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود " لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لديته المفارق للجماعة " وفي الكشف أنه ينتقض حصره بدفع الصائل فإنه ربما أدى إلى القتل ودفعه بأن المراد ما يكون بنفسه مقصوداً به القتل وهذا المقصود به الدفع لكنه قد يفضي إليه، وقوله: كفر بعد إيمان قد عرفت أن هذا بعينه نص الحديث والحصر فيه ليس بحقيقي فلا يرد النقض بالكفر الأصلي كما في الجهاد، وقوله: وقتل مؤمن قيل قيده به بناء على مذهبه من أن قاتل الذي لا يقتص منه لكنه ينتقض بما إذا كان قاتله ذمّيا أيضا فتأمل. قوله: (غير مستوجب للقتل (يتناول العمد والخطأ على التفسير الأول لقوله سلطانا وقوله: وهو الوارث بناء على الأغلب ولو أبقاه على عمومه كان أولى، وقوله: تسلطا إشارة إلى أنه مصدر كالغفران، والمؤاخذة أعئم من أخذ المال والقصاص، وبمقتضى يتعلق بالمؤاخذة وعلى من متعلق بتسلطا، ومن عليه بتقدير من هو عليه، والضمير المحذوف للمقتضي والمجرور بعلى لمن، وقوله: أو بالقصاص أي فقط عطف على قوله بالمؤاخذة، وقوله: لا يسمى أي لا يطلق عليه أنه ظلم في نفسه وكذا لا إثم فيه أيضا وان قيل إنه يأثم فيه ولذا شرعت الكفارة فيه فإنها لعدم التثبت واجتناب ما يؤذي إليه، ولذا ورد في الحديث) رفع عن أمّتي الخطأ (فلا حاجة إلى أن يقال المراد أنه لا يسمى ظلما في العرف والا فهو يتضمن الإثم، ولذلك وجبت كفارة على أنه ناشىء من عدم الفرق بين الإثم والظلم واهمال لقوله يسمى فتدبر. قوله: (أي القاتل (أي مريد القتل ومباشره ابتداء، ويرد على هذا التفسير أنه تأباه عبارة الإسراف فإن حقه النهي عن القتل مطلقاً فإن دفع بأنه فسر الإسراف بالقتل بغير حق ولا أباء فيه ورد عليه أنه يصير بمعنى قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} [سورة الأنعام، الآية: 151، فلا وجه لتفريعه عليه، وإن كان تأكيداً فالوجه هو الثاني، وقوله: ما يعود عليه بالهلاك يعني القصاص إشارة إلى أنه نصح لهم ببيان ما ينفعهم. قوله: (أو الولتي بالمثلة (بالمقتول وهي معروفة، وقتل غير القاتل سواء كان وحده أو معه وسواء كان القاتل واحدا أو متعددا. قوله: (ويؤيد الأوّل قراءة أبتي (لأن القاتل متعدد في النظم في قوله ولا تقتلوا، والأصل توافق القراءتين ولم يجعلها معينة لأن الولي عام هنا فهو في معنى الأولياء فيجوز جمع ضميره بهذا الاعتبار ويكون التفاتاً وتوافق القراءتين ليس بلازم، وقوله: على خطاب أحدهما أي القاتل أو الولي التفاتا أي يجوز فيه الوجهان. قوله: (علة النهي على الاستئناف (أي البياني، وقوله إما للمقتول أي أوّلا والتعليل للنهي عن الإسرات هـ سواء كان النهي والضمير فيه للقاتل أو الولي وكذا إذا عاد الضمير للوليّ قوله: للذي يقتله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 الوليّ إسرافا والنهي وضميره حينئذ للولي فقط، والتعزير في المثلة بالمقتص منه، والوزر أي الإثم في الكل ويدخل به ما إذا كان فاعل المثلة سلطانا. قوله: (فضلاَ أن تتصرّفوا فيه (بتقدير الجاز أي عن أن تتصرّفوا فيه يعني أنه نهى عن القرب منه فيعلم منه النهي عن التصزف فيه بالطريق الأولى ودلالة النص، وهو كناية فلا ينافي إرادة المعنى الأصليئ منها، فالاستثناء دال أيضا على جواز القربان والتصرّف بالتي هي أحسن، ولم يتعرض المصنف رحمه الله له ثمة لأنه معلوم بالطريق الأولى أيضا فلا يتوهم أن الاستثناء يدل على جواز القربان بالتي هي أحسن لا التصرّف فيه، وقوله: بالطريقة التي الخ بيان لتقدير موصوف مؤنث بقرينة صفته وتلك الطريقة كحفظه وهي معروفة، وقوله: بما عاهدكم الله بحذف العائد أي عليه إن كانت ما موصولة والعهد بمعنى المعهود، وعهد الله ما كلفهم به وأما عهد العباد فشامل لما عاهدوا الله عليه من التزام تكاليفه وعاهدوا العباد عليه، ويدخل فيه العقود وغيره منصوب معطوف على ضمير المفعول. قوله: (مطلوبا يطلب من المعاهد الئي (فالمسؤول من سألته كذا إذا طلبته فمسؤول بمعنى مطلوب، وقوله: يطلب الخ إشارة إلى أن المطلوب عدم إضاعته والثبات عليه فالإسناد مجازي أو فيه مضاف مقدر بعد حذفه ارتفع الضمير واستتر، وأصله مطلوب عدم إضاعته ومثله من الحذف والإيصال شائع، فلا تعسف فيه من جهة اللفظ كما قيل ولا من جهة المعنى أيضا لأن الجملة الاستئنافية التعليلية مساوية للمعلل بها فيكون تعليلا للشيء بنفسه إذ طلب عدم إضاعته عين طلب الوفاء به فإنّ مآله إلى أن يقال: أوفوا بالعهد فإن عدم إضاعته لم تزل مطلوبة من كل أحد فتطلب منكم أيضا كما أفاده الفاضل المحشي، وقوله: من المعاهد صيغة الفاعل شامل للمعاهد بزنة المفعول لأن باب المفاعلة فيه كل جانب فاعل ومفعول فلا يرد ما قيل إن هذا الوجه يختص بما إذا فسر العهد بما عاهدتموه ولو قال: من المعاهد أو المعهود له كان جارياً على التفسيرين كما في الوجوه الآتية سوى الأخير إلا أن يفسر صاحب العهد بما يعم غير المعاهد أعني المعهود له فإنه يجري على التفسيرين أيضا، وقوله أو مسؤولاً عنه أي على الحذف والإيصال، وقوله: يسأل الخ، بيان للمسؤول عنه. قوله: (أو يسأل العهد الخ ( {بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} مجهول بكسر التاء على خطاب المؤنث أو بسكونها على حكاية ما وقع في القرآن، والاستشهاد به بناء على أنه لا سؤال ثمة وإنما القصد التوبيخ كما في هذا الوجه، وقيل إنه استشهاد لمجرّد السؤال لأن سؤالها بعد إحيائها يوم القيامة وهو سؤال حقيقي فتأمّله. قوله: (فيكون تخييلا (التخييل له استعمالات كما ذكره الشريف في حواشي شرح المفتاح حيث قال: إنه يطلق على التمثيل بالأمور المفروضة وعلى فرض المعاني الحقيقية وعلى قرينة الاستعارة المكنية وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى فالمراد بالتخييل التمثيل بالاستعارة التصريحية للأمر المفروض فإن جعل العهد مسؤولا كذلك ويصح أن يراد معناه الاصطلاحي بأن يشبه العهد بشخص تصدر عنه أمور ويجعل كونه مسؤولاً عنها على التخييل قرينة لتلك المكنية وهذا مما لا خفاء فيه فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر أن يقول فيكون تمثيلا أي يجعل العهد متمثلا على هيئة من يتوجه إليه السؤال كما تجسيم الحسنات والسيئات لتوزن إذ الظاهر أن الواقع ليس تخييلاً خاليا عن الحقيقة وكذا ما قيل إن مراده التخييلية المجرّدة عن المكنية لعدم ظهور وجه الشبه بين العهد والمسؤول عنه وقوله: لم نكثت بالخطاب معلوما ومجهولآ، والتبكيت التوبيخ والتقريع، وهذا كما ورد في الحديث من وقوف الرحم بين يدي الرحمن وسؤالها عمن وصلها وقطعها. قوله: (ويجوز أن يراد أنّ صاحب العهد الخ (أي يقدر مضاف قبل العهد كما ذكره، وقوله: ولا تبخسوا أي ولا تنقصوا فيه، وقوله: لسوفي أي المساوي بلا نقص فيه. قوله: (وهو رومتي (أي معرب من لغة الروم لفقد مادته في العربية وقيل: إنه عربيّ، وقيل إنه مأخوذ من القسط وفيه نظر، وقوله: ولا يقدج ذلك في عربية القرآن المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سورة يوسف، الآية: 12 لأنه بعد التعريب والسماع في فصيح الكلام يصير عربيا فلا حاجة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 إلى إنكار تعريبه أو ادعاء التغليب كما هو مشهور. قوله: (وأحسن عاقبة (إشارة إلى أنه هنا بمعنى العاقبة لا بمعنى التفسير لأنه يطلق عليهما، إذ هو من الأول وهو الرجوع إلى الغاية المرادة منه علما أو فعلاً فالعلم كما في قوله: (وما يعلم تاويله إلا الله (، والفعل كقول ابن تيمية: وللنوى قبل يوم البين تأويل وقوله: يوم يأتي تأويله كما حققه الراغب، من ظن أنه لا يكون إلا بهذا المعنى فقد وهم فاحفظه. قوله: (ولا تتبع (بالتشديد والتخفيف أصل معنى قفاه اتبع قفاه، ثم استعمل في مطلق الإتباع وصار حقيقة فيه، وقات أثره إذا قصه واتبعه ومنه القيافة وأصل معناها ما يعلم من الأقدام وأثرها وهو أص معروف عند العرب وقيل إن قاف مقلوب قفا، كجذب وجبذ والصحيح خلافه، والقافة كسادة جمع قائف أو اسم جميع له بمعنى متتبع الأثر ليعلم منه شيئا، وقراءة الجمهور بسكون القاف وضم الفاء وحذف حرف العلة الأخير وهو الواو للجازم وقرىء بإثباتها في الشواذ كقوله: من هجو زبان لم تهجو ولم تدع وهو معروف في النحو، والقراءة الثانية بضم القاف وسكون الفاء كتقل على أنه أجوف مجزوم. قوله: (ما لم يتعلق به علمك تقليد الخ (تقليداً منصوب على أنه مفعول له متعلق بقوله: ولا تتغ المفسر لقوله: ولا تقف وهو قيد للمنفيّ لا للنفي فيكون نفيا للتقليد الصرف، كما كان يفعل الكفرة من قولهم إنا وجدنا آباءنا فعلوا كذا، وأما تقليد المجتهدين فسيأتي بيانه، وقوله: أو رجما بالغيب أو فيه للترديد في التفسير أو لتقسيم ما كان بغير علم والرجم بالغيب استعارة للمتوهم لا من غير سند. قوله: (واحتج به من منع اتباع الظن (وكذا من منع العمل بالقياس من الظاهرية، وكذا العمل بالأدلة الظنية مطلقا، وقوله: وهو الاعتقاد الراجح الخ فخرج المرجوح والمتساوي الطرفين لأنه ليس العمل بالأدلة الظنية مطلقا، وقوله: هو الاعتقاد الراجح الخ فخرج المرجوج والمتساوي الطرفين لأنه ليس بعلم ولا ظن، وظاهره أن الظن يسمى علما حقيقة وهو مخالف للمشهور، قال في شرح المواقف: الظن والتقليد لا يسمى علما لا لغة ولا شرعا ولا عرفا، فقوله: واستعماله بهذا المعنى شائع كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سورة الممتحنة، الآية: 10، إشارة إلى دفع ما ذكر، وقيل إن الشرع أجرى الظن وان لم يكن علما مجرى العلم، وأمرنا بالعمل به للإجماع على وجوب العمل بالشهادة والاجتهاد في القبلة وغير ذلك، مما لا يحصى من الأحكام الفرعية، وقوله: المستفاد من سند أي ما يسند إليه ظنه من دليل أو أمارة فيدخل فيه التقليد، لأن له سندأ وهو حسن فإنه بالمجتهد أو سند المجتهد سند له في الحقيقة لعلمه بأنه لا يقول من غير دليل. قوله: (وقيل إنه مخصوص بالعقائد (أي ما ذكر من النهي عن اتباع ما ليس بعلم قطعي مخصوص بما ذكر فلا ينهض حجة لمن مغ العمل بالظن مطلقا حتى في القياس والتقليد في الفروع ونحوه والمخصص له أمر خارج عن الظن وهو عمل الناس والآثار الشاهدة بخلافه، وقوله: وقيل بالرمي أي القذف والذمّ بما لم يتحققه أو الشهادة بخلاف ما يعلمه أو بما لم يعلمه، وتخصيصه بما ذكر يدفع الاستدلال به على ما مرّ أيضا، وأما القول بأن المراد به مطلق الشهادة فباطل ولا سند فيما ظنه القائل به سنداً وهو ظاهر. قوله: (ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام (أي يؤيد كون المراد به الرمي والقذف وشهادة الزور لأنهما سواء في أنهما نسبة ما لا أصل له إلى غيره فدليل أحدهما دليل للآخر، وقيل: إنه مؤيد للرمي وحده، فكان عليه أن يقدم شهادة الزور عليه أو يؤخرها عن الدليل، والحديث المذكور رواه الطبراني وغيره، بمعناه مع مخالفة فا في لفظه حتى قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ بعينه مرفوعا ولا ضير فيه، والردغة بفتح الراء المهملة وسكون الدال المهملة وفتحها والغين المعجمة أصلها في اللغة الوحل الشديد، والخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة أصله الفساد في العقل ونحوه، وأما ردغة الخبال الواردة في الحديث ومثلها طينة الخبال الواردة في حديث من شرب الخصر كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال ففسرت في كتب الحديث بما يخرج من أبدان أهل النار من القيح والدم والصديد ونحوه، وهو تفسير مأثور وقوله: قفا بمعنى اغتاب وقذف. قوله: (حتى يأتي بالمخرج (المخرج بفتح فسكون المعروف في معناه أنه ما يخرجه عن عهدته ولما كان هذا غاية لحبسه في النار الواقع في الآخرة ولا مخرج له ثمة عن عهدة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 ما صدر منه لأنّ المتبادر إثبات ما اذعاه ونحوه أوّلوه بأنّ المراد بالمخرج ما يخرجه من حبسه في النار وهو أن يحمل عليه من ذنوب المغتاب ما يعذب به على مقداره ثم يخرج منها فالإتيان به مجاز عن تحمل ما يعذب به لأنه مسبب عما أتى به أوّلاً، وقيل إنه على حذ قوله حتى يلج الجمل في سمّ الخياط فهو كناية عن أنه لا إتيان له بدافع ولا خروج له عن عهدته لتعليقه على ما لا يكون فيفيد ما ذكر على أبلغ وجه وآكده وأما تفسيره بحتى يتوب فلا وجه له لما مر إلا أن يؤوّل حبسه بفعل ما يستوجب حبسه، ولا يخفى بعده. قوله: (وقول الكميت (بالتضمير شاعر إسلاي معروف وهم ثلاثة هذا أصغرهم والبيت من قصيدة له هجا بها نساء كليب، وقوله: بغير ذنب تأكيد لكونه بريا وأقفو بمعنى أقذف كما مر، والحواصن بالحاء والصاد المهملتين بمعنى المحصنات من النساء جمع حاصنة بمعنى محصنة أي عفيفة، وان قفينا بصيغة المجهول أي قذفهن غيري، والنون ضمير الإناث والألف لاطلاق القافية إشباعا للفتحة. قوله: (فأجراها مجرى العقلاء (هذا بناء على أن أولئك هل يختص بالعقلاء أو يغلب فيهم كما قيل أو هي عاقة لهم ولغيرهم فعلى الأوّل تكون تلك الأعضاء منزلة منزلة العقلاء لصدور أفعالهم أو ما يشبهها منهم ففيه استعارة بقرينة الإشارة بما يشار به إلى العقلاء وهو أولئك وعلى غيره لا حاجة إليه واليه أشار بقوله: هذا الخ أي الأمر هذا أو خذ هذا، وكون ها بمعنى خذ بعيد، وقوله لما بفتح اللام وتشديد الميم جوابها محذوف بقرينة ما هو مقدّم عليها مما مر هو بمعناه أو بكسر اللام التعليلية وتخفيف الميم وما مصدرية وقوله: اسم جمع لذا أي اسم جمع لا مفرد له من لفظه وإنما له مفرد من معناه كرهط. قوله: (كقوله (أي قول الشاعر وهو جرير في قصيدته المشهورة وأوّله: ذم المنازل بعد منزلة اللوى وقال ابن عطية الرواية: بعد أولئك الأتوام فلا شاهد فيه، وما وقع للمصنف رحمه الله كالزمخشري مسطور في الكتب المعتبرة فلا يلتفت إلى ردّه ومعناه أنه يخاطب صاحبه ويقوله له: اذمم كل منزل وكل حياة بعد تلك المنازل وأيامها الخالية فيها واللوى موضع معروف. قوله: (في ثلاثتها ضمير كل (أي في كان وعنه ومسؤولاً ضمير مفرد عائد إلى كل أولئك بتأويل كل واحد منها مع أنه يجوز الإفراد وان لم يؤوّل بذلك لأن كلا المضافة إلى نكرة يطابق الضمير العائد إليها المضات إليه إفراداً وجمعاً وهل هو لازم أو لا فيه كلام فإن كان المضات إليه معرفة كما هنا جاز فيه الإفراد وغيره مراعاة للفظ أو المعنى ولذا لم يقل: كانت عنها مسؤولة لأن كل عبارة عما أضيف إليها وهو جمع معنى. قوله: (عن ئفسه (بيان لمعنى النظم وأنّ السؤال عن نفسه لا عن غيره، وقوله عما فعل به صاحبه ما مصدرية أو موصولة بحذف العائد أي فعله به، والباء للتعدية أو للسببية أي هل استعمله لما خلق له أم لا، وقوله ويجوز الخ معطوف بحسب المعنى على ما قبله وقوله المصدر لا تقف فيه تسمح لأنه مصدر تقف. قوله: (أو لصاحب السمع والبصر (وهو القافي وقد جوّز هذا في ضمير كان ففيه التف ت لأن الظاهر كنت حينئذ. قوله: (وقيل مسؤولا مسندا إلى عنه (على أنه نائب الفاعل وقائله الزمخشري وهذا رد عليه تبعا لأبي البقاء وغيره لأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله قال المعرب رحمه الله: وليس لقائل أن يقول إنه على رأي الكوفيين في تجويزهم تقديم الفاعل لأنّ ابن النحاس حكى الإجماع على عدم جوارّ تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جازاً ومجروراً فليس هو نظير غير المغضوب عليهم إلا أن ينازع فيه، وفي شرح المفتاح أنه مرتفع بمضمر يفسره الظاهر وجوّز إخلاء المفسر عن المسند إليه إذا لم يكن فعلا لالحاقه بالجوامد لعدم أصالته في العمل وهو مخالف للقياس والنقل، قال في الكشف فالوجه أنه حذف منه الجارّ فاستتر فيه الضمير ولو علل جواز تقديمه بأنّ المجرور بالحرف لا يلتبس بالمبتدأ لكان له وجه كما في التقريب، وجوز أن يكون مسؤولاً مسنداً إلى المصدر المدلول عليه ولكنه لا يصلح تصحيحا لكلام الكشاف. قوله: (مؤاخذ بعزمه) إذا صمم عليه بخلاف مجرد الخاطر كما فصله في الإحياء وقد قيل عليه إنه يجوز أن يكون ما يسأل عنه الفؤاد العقائد لا الهتم بأمر ولا حجة للمحتمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 فتأمله. قوله: (وقرىء والفواد الخ (أي قرأ بعضهم وهو الجزاح العقيلي بفتح الفاء وابدال الهمزة واو وتوجيهها أنه أبدل الهمزة واواً لوقوعها بعد ضمة في المشهور ثم فتح الفاء تخفيفا وهي لغة فيه ولا عبرة بإنكار أبي حاتم لها. قوله: (ذا مرح) المرج شدة الفرح والسرور كذا فسره المعرب وفسره المصنف كغيره بالاختيال وهو افتعال من الخيلاء وهي العجب والكبر وهو أنسب أي لا تمش مشية المعجب المتكبر وفي انتصابه وجوه فقيل إنه مفعول به وقيل إنه مصدر وقع موقع الحال مبالغة فهو إما مؤوّل بمرج بكسر الراء بصفة الشبهة كما قرىء به أو مقدر فيه مضاف كما هو معروف في مثله وإليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (وهو باعتبار الحكم أبلغ (يعني القراءة بالوصف هنا أبلغ من قراءة المصدر المفيد للمبالغة بجعله عين المرج كما يقال رجل عدل لأنه واقع في حيز النهي الذي هو في معنى النفي ونفي أصل الاتصاف أبلغ من نفي زيادته ومبالغته لأنه ربما يشعر ببقاء أصله في الجملة وجعله المبالغة راجعة إلى النفي دون المنفيئ بعيد هنا كما لا يخفى، هذا ما عناه المصنف رحمه الله وهو تعقب لما في الكشاف فإنه قال: مرحاً حال أي ذا مرج وقرىء مرحا وفضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد اهـ فرده بأن المصدر آكد لما مر لكنه في الإثبات لا في النفي وما في حكمه، وقال الطيبي رحمه الله: إن القراءة باسم الفاعل شاذة وفي كلامه تسامح لأنه قال وفضل الأخفش الخ بعدما أوّله بذي مرج وإنما يكون المصدر أبلغ إذا ترك مجاله، ولا يرد ما ذكره لأن أوّل كلامه إشارة إلى دفع ما ذكره الأخفش حتى لا تفضل إحدى القراءتين على الأخرى أو هو ماش معه على تفضيل المتواترة على الشاذة أو ما ذكر أولا أراد به تصوير المعنى لا تقدير المضاف ولو سلم فهو مبنيّ على ظاهر التركيب فإن العدول عن التصريح يشعر به على أنّ جعله صاحب مرج أبلغ لجعله ملازما له كأنه مالك حائز له، فإن قلت مرج صفة مشبهة تدل على الثبوت ونفيه لا يقتضي نفي أصله أيضا، قلت هذه مغالطة نشأت من عدم معرفة معنى الثبوت فيها فإن المراد به أنها لا تدل على تجدد وحدوث لا أنها تدل على الدوام كما ذكره النحاة، ثم إن ما ورد على الزمخشري أورده بعضهم على المصنف رحمه الله من عنده وقد عرفت دفعه، نعم يرد عليه أن ما ذكره فيه تفضيل القراءة الشاذة على المتواترة ولا وجه له، فتدبر. قوله: (لن تجعل فيها خرقا (فسره به إشارة إلى أنه ليس المراد به النفوذ من جانب إلى آخر كما يتبادر منه، وقوله: بتطاولك أيمما بتكلفك الطول بمد قامتك كما يفعله المختال تكلفا وهذا بيانا لحاصل المعنى فلا ينافي كونه تمييزاً أو مفعولاً له، وقيل إنه إشارة إلى أنه منصوب على نزع الخافض وأن الطول بمعنى التطاول وكونه إشارة إلى أنه مفعول له لما بين اللام والباء من الملابسة تكلف لا داعي له، وقوله: وتعليل لأن مآله إلى أن لا فائدة فيه والجدوى بالجيم والدال المهملة الفائدة. قوله: (إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين الخ (وذكره لتأويله بالمذكور ونحوه، وأولها {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [سورة الإسراء، الآية: 22، وهي النهي عن اعتقاد أن له شريكا، وثانيها وثالثها قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [سورة الإسراء، الآية: 23، إذ هي أمر بعبادة الله ونهي عن عبادة غيره ورابعها {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 23] وخامسها {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} [سورة الإسراء، 1 لآية: 23، وسادسها {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 23، وسا بعها {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [سورة الإسراء، الآية: 23] وثامنها {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [سورة الإسراء، الآية: 24] وتاسعها {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 24، وعا شرها {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [سورة الإسراء، الآية: 26، وحادي عشرها {وَالْمِسْكِينَ} [سورة الإسراء، 1 لآية: 126 وثاني عشرها {وَابْنَ السَّبِيلِ} [سورة الإسراء، الآية: 26، وثالث عثرها {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} اسورة الإسراء، الآية: 26] ورابع عشرها {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} [سورة الإسراء، الآية: 28، وخامس عشرها {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [سورة الإسراء، الآية: 29] وسادس عشرها {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [سورة الإسراء، الآية: 29، وسابع عشرها {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [سورة الإسراء، الآية: 31، وثامن عشرها {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ} [سورة الإسراء، الآية: 31، وتاسع عشرها {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 33] وعشروها {فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} [سورة الإسراء، الآية: 33، وحادي عشريها {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} [سورة الإسراء، الآية: 134 وثاني عشريها {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ} [سورة الإسراء، الآية: 35، وثالث عشريها {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [سورة الإسرأء، الآية: 35] ورابع عشريها {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [سورة الإسراء، الآية: 36، وخامس عشريها {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [سورة الإسراء، الآية: 137 وكلها تكليفات. قوله: (يعني المنهي عته الخ) في هذه الآية قراءتان فقرأ الكوفيون وابن عامر سيئه برفعه على أنه اسم كان واضافته إلى ضمير الغائب المذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 وهي التي فسرها المصنف رحمه الله أوّلاً، وقرأه الباقون مؤنثا منصوبا وعلى الأولى اختلف المفسرون في تفسيرها فذهب المصنف كغيره إلى أن كل ذلك شامل لجميع ما مرّ من الأوامر والنواهي وهو مبتدأ والجملة بعده خبره وسيئه المنهيات منه، فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل، وذهب آخرون إلى أن الإضافة بيانية وأن كل ذلك سيىء أما النواهي فظاهرة وأما الأوامر فلأنها نهي عن أضدادها فهي دالة عليه في الجملة أو الإشارة الى ما نهى عنه كما في الوجه الآتي والأوّل أظهر ومناه جمع منهي وفيه شيء. قوله: (إشارة إلى ما نهى عنه خاصة (بطريق التصريح ويجوز التعميم على أنّ الإشارة إلى ما نهى عنه صريحا أو ضمنا كما مرّ وقوله: بدل من سيئة أو صفة لها أي مكروها، وعند ربك متعلق به مقدم من تأخير وقوله محمولة على المعنى لتذكيره على الوصفية لا على البدلية فإنه لا يعتبر فيها المطابقة، وقل: إنّ السيئة بمعنى الذنب جرت مجرى الجوامد، وضعف البدل بأنّ بدل المشتق قليل، وقيل: إنه خبر كان لجواز تعدد خبرها وقوله على أنه صفة سيئة فيستتر فيه ضميرها والحال حينئذ مؤكدة. قوله: (والمراد به المبغوض (أي المراد بالمكروه هنا وهو جواب عن قول المعتزلة أنّ القبائح لا تتعلق بها الإرادة هالا اجتمع الضدان الإرادة المرادفة أو الملازمة للرضا عندهم والكراهة ونحن لا نقول بذلك لما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: لقيام القاطع الخ دفع لقولهم لا يعدل عن الظاهر بلا دليل ولا ضرورة، وقوله: إشارة الخ بتأويل المذكور كما مرّ وهي من قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} الخ. قوله تعالى: ( {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ} الخ (أي كائن منا أوحي ومعلوم به وقوله: من الحكمة جوز فيه المعرب أن يكون حالاً من الموصول أو من عائده المحذوف أو متعلقاً بأوحى، ومن تبعيضية أو ابتدائية أو متعلقا بمحذوف ومن بيانية أو الجار والمجرور بدل مما أوحى. قوله: (التي هي معرفة الحق لذاته الخ) تفسير للحكمة وهي إما نظرية وأجلها معرفة الله ولذا اقتصر المصنف رحمه الله عليها وقيل إن أريد بالحكمة ما سبق ذكره فهو ظاهر ويأباه التعميم في قسميها وإما عملية واليها أشار بقوله والخير الخ. قوله: (فإن من لا قصد له بطل عمله الخ (قيل إنه لا دلالة على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه وهو غير متوجه إذ مراده كما نطق به كلامه أن فائدة الأعمال متوقفة على التوحيد فإن من عمل عملا من غير قصد أصلا عمله باطل لا يثاب عليه ومن قصد به غير الله كالأصنام أو الرياء كان سعيه ضائعا إذ لا يفيده شيئاً فبقي أن يقصد به وجه الله لا غير لينفعه وهذا متوقف على معرفة الله تعالى وتوحيده، ومن الناص من رده وتردد فيه من غير محصل لكلامه. قوله: (وإنه راس الحكمة وملاكها (معطوف على قوله أن التوحيد الخ الرأس معروف ويطلق على الأول والأشرف والمراد الثاني لأن الأوّل بمعنى المبدأ وقد تقدم ذكره والملاك بكسر الميم ما به البقاء فالمراد أنه أشرف الأمور وبه يكون بقاؤها وثباتها لأنه علم أنه من الحكمة بدخوله فيها ثم لما أعاد ذكره تأكيدا علم منه أنه مما يعتني به لما ذكر. قوله: (ورتب عليه الخ (يعني قوله مذموما مخذولاً وقوله: فتلقى في جهنم الخ، وقوله: تلوم نفسك لأنه في القيامة يشتغل كل أحد بنفسه فلا يتفرغ للوم غيره ولو سلم فيعلم منه لوم غيره بالطريق الأولى. قوله: (والهمزة للأنكار الخ (بمعنى أنه لم يكن ذلك من الله ولا يليق صدور اعتقاده بعاقل وهي مقدمة من تأخير أو داخلة على مقدر على ما تقرر والفاء على الأول لسببية الإنكار لا لإنكار السببية، وقوله: أفخصكم تفسير لأصفاكم لأنه من كونه صافيا أي خالصاً والباء داخلة على المقصور والكلام فيه معروف، وقوله: بناتا لنفسه أي لتكون أولاداً له لا للتزوّج، وعبر بالإناث إظهارا لخستهن وقوله: خلاف ما عليه عقولكم يعني من ترك الأشرف مع القدرة عليه وعادتهم من قبل ترك البنات بوأدهن واضافة الأولاد نسبتها وفي نسخة هن بدل هي باعتبار البنات والصحيح الأولى، وقوله لسرعة زوالها فيحتاج إلى بقاء النوع بالتوالد وأنت ضمير زوالها العائد للبعض لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه أو لتأويله بالمتوالدة ويصح رجوعه للأجسام وقال بعض: لأنّ منها ما لا يتوالد كالفلكيات وقوله: بتفضيل معطوف على قوله: بإضافة الأولاد وكذا ما بعده، وما تكرهون هو البنات وأدونهم الإناث. قوله: إكررنا هذا المعنى) يشير إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 أنّ التصريف تكرير الشيء من حال إلى حال والمراد به التعبير عنه بعبارات، ومفعوله محذوف أي صرفناه. قوله: (في مواضع منه (إشارة إلى أن القرآن المراد منه المجموع، وقوله: ويجوز أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافة البنات الخ، لا يعني به أنه أطلق القرآن وأراد به الإبطال من باب إطلاق اسم الحاذ على المحل بل المراد أق هذا القرآن إشارة إلى البعض المشتمل على الإبطال ويؤيده قوله ولقد صرفنا القول في هذا المعنى كما أفاده في الكشف، وصرفنا متعد مفعوله القول المقدر وايقاع القرآن على المعنى وجعله ظرفا للقول إما بإطلاق اسم المحل على الحال لما اشتهر أنّ الألفاظ قوالب للمعاني أو بالعكس كما يقال الباب الفلاني في كذا، وهذه الآية في تحريم كذا أي في بيانه وكلا الاستعمالين شائع، وقوله: أو أوقعنا الخ على تنزيله منزلة اللازم وتعديته بفي كما في قوله: تجرج في عراقيبها نصلي، وفي نسخة بالواو بدل أو فيكون مع ما قبله وجهاً واحدا ويكون قوله على تقديره ولقد صرفنا القول بيانا لحاصل المعنى لا لتقدير المفعول لكنه خلاف الظاهر. قوله: اليتذكروا (إشارة إلى أصك لفظه وأنه من التذكر بمعنى العظة وأما قراءة التخفيف فمن الذكر بمعنى التذكر ضد النسيان والغفلة، ثم إن الزمخشري أشار إلى نكتة هنا وهو أنه قال أي كرّرناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم فإن التكرار يقتضي الإذعان واطمئنان النفس به فيكون قوله: وما يزيدهم تعكيسا وهو معنى لطيف تركه المصنف رحمه الله، وقوله: وقلة طمأنينة إليه قيل: القلة بمعنى العدم أو كناية عنه ويجوز ابقاؤها على ظاهرها لأنهم ربما اطمأنوا لبعضه ظاهرا، وقوله وفيما بعده هو عما يقولون، وقوله: على أن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه إذا أمر أحد بتبليغ كلام لأحد فالمبلغ له في حال تكلم الآمر غائب ويصير مخاطبا عند التبليغ فإذا لوحظ الأوّل فحقه الغيبة وإذا لوحظ الثاني فحقه الخطاب كما في قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 12] وقد قرىء بالوجهين وقيل إنه يريد أنه ليس من جملة القول المأمور به بل كلام الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم معترضاً بين الشرط والجزاء، وعلى قراءة الخطاب هو متعلق بالشرط وفيه نظر. قوله: (مما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الخ (أي باعتبار حاله عنده مكالمتهم لا باعتبار حاله مع الله، وقوله مما نزه به نفسه أي ابتداء من غير أمر للرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وقولي عن قولهم وهو أن مع الله آلهة وقوله وجزاء للو لاقترانها بإذا واللام وقوله لطلبوا الخ فقوله إلى ذي العرس بمعنى إلى مقابلته ومغالبته والمعازة بالزاي المعجمة مفاعلة من العز ومعناها المقاومة والمغالبة من عزه إذا غلبه وهذه الآية، كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة الأنبياء، الآية: 22] ففيها إشارة إلى برهان التمانع بتصوير قياس استثنائي استثنى فيه نقيض التالي كما سيأتي تقريره ثمة. قوله: (أو بالتقرب إليه والطاعة (فالسبيل بمعنى الوسيلة الموصلة إليه وضمير ابتغوا فيهما للآلهة قالوا إنه إشارة إلى قياس اقتراني والمراد بالآلهة من عبد من أولي العلم كعيسى والعزير عليهما الصلاة والسلام وتقريره هكذا لو كان كما زعمتم آلهة لتقربوا إليه وكل من كان كذلك ليس إلها فهم ليسوا بآلهة ولو على الأول امتناعية وعلى هذا شرطية والقياس مركب من مقدمتين شرطية اتفاقية وحملية. قوله: (ينزه تنزيهاً (يشير إلى أنّ سبحان مصدر سبح بمعنى نزه وبرأ لا بمعنى قال سبحان الله كما م تقريره، وينزه بالياء في أوّله مجهول مضارع نزه تنزيها كما في النسخ الصحيحة لا بالتاء ماضي تنزهاً كما ظنه بعضهم فحبط إذ قال قدر فعله من التفعل لا من التفعيل ليناسب قوله تعالى ولم يقل تنزها لما مر أن سبحان من التسبيح الذي هو التنزه وقوله تعاليا إشارة إلى أن علوّاً مصدر من غير فعله كقوله أنبتكم من الأرض نباتا. قوله: (متباعداً غاية البعد) إشارة إلى أن الكبر من صفات الأجسام فإذا وصفت به المعاني فسر بما يليق بها وهو ما ذكره هنا، وذكر العلوّ بعد عنوانه بذي العرش في أعلى مراتب البلاغة، وقوله: ما يمتنع بقاؤه أي عادة لا بالذات ولذا توالد وتناسل لبقاء نوعه في الجملة. قوله: (ينزهه عما هو من لوازم الإمكان) يعني أن في قوله تسبح الخ استعارة تمثيلية أو تبعية كنطقت الحال فإنه استعير فيه التسبيح للدلالة على وجود فاعل قادر حكيم واجب الوجود منزه عن الإمكان وما يستلزمه كما يدل الأئر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 على مؤثره فجعلت تلك الدلالة الحالية كأنها تنزيه له عما يخالفه: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد..0 فلوازم الإمكان الأمور الموجبة والمستلزمة له وقوله: حيث الخ إشارة إلى أنها محتاجة إلى الفاعل في الوجود والبقاء لأنّ سببه الإمكان والحدوث على ما اختاره المحققون من أهل الكلام وبهذا ظهر وجه الشبه وان الدلالة مشبهة بالتنزيه لا أنها مفروغ منها كما توهم. قوله: (أيها المشركون (إشارة إلى جواب سؤال مقدر وهو أنه إذا كان التسبيح بمعنى الدلالة الظاهرة المشبهة بالتنزيه كيف قيل إن الناس لا يفهمون ذلك وكثير من العقلاء فهمه ولهذا ذهب بعض الظاهرية وارتضاه الراغب أنه تسبيح حقيقي ولكنا لا ندركه لحكمة ولا يستغرب هذا وقد سبح الحصى في كف نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام وسلمت عليه الحجارة فدفعه بأن الخطاب للمشركين والكفرة بقرينة ما قبله فإنه مسوق لهم وهم لو فقهوه ما أشركوا وسيأتي ما يرد عليه ودفعه وأن السؤال مدفوع على عموم الخطاب أيضا. قوله: (ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك الخ (معطوف على ما قبله بحسب المعنى أي يجوز أن يراد به الدلالة على تنزيه الباري عما ذكر مطلقا سواء كانت حالية أو مقالية على أنه من عموم المجاز أو بالجمع بينهما على رأي من جوزه، وعبر بالجواز رداً على ما يفهم من ظاهر كلام الكشاف من منعه وإشارة إلى أنه مرجوج عنده لأنه مع بعده لا يلائمه قوله لا تفقهون لأن منه ما يفقهه المشركون وغيرهم وهو التسبيح اللفظي وأن أجيب عنه بأنهم لعدم تدبرهم له وانتفاعهم به كان فهمهم بمنزلة العدم أو أنهم لعدم فهمهم لبعضه جعلوا كمن لا يفهم الجميع تغليباً وهذا وان حسم السؤال لكنه ضغث على إتالة، وقوله وعليهما عطف على قوله على المشترك أي على اللفظ والدلالة الحالية معاً، وقوله على معنييه أي الحقيقيّ والمجازي كما يحمل على الحقيقيين والمجازيين. قوله: (وقرأ ابن كثير الخ (قرأ أبو عمرو والأخوان وحفص بالتاء الفوقية تسبح له السموات، والباقون بالتحتية لأن التأنيث مجازي مع الفصل، وقال ابن عطية أنه أعيد على السموات والأرض ضمير العقلاء لإسناد ما هو من أفعالهم لها، ورده المعرب بأنه ظن أن ضميرهت يخص العاقلات وليس كذلك. قوله: (حين لم يعاجلكم الخ (إشارة إلى دفع ما قيل جعل الخطاب للمشركين لا يناسب قوله أنه كان حليما غفوراً فالظاهر أنه للمؤمنين وأن قوله لا تفقهون إشارة إلى ما عليه الأكثر من الغفلة وعدم العمل بمقتضاه، ورد بأنه لا يلتئم مع ما قبله من الإنكار على المشركين لما أسندوه إليه فلما نزهه عنه قال هذ التنزيه مما شهد به حتى الجماد، وأما التذييل بقوله أنه كان حليما الخ، فوجهه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أنه لا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وقصورهم في النظر ولو تابوا لغفر لهم ما صدر منهم فكأنه قيل ما أحلم الله وأكرمه وهذا في غاية البلاغة والانتظام. قوله: (يحجبهم عن فهم ما تقرؤه (قيل عليه إنه وان روي عن قتادة واختاره الزجاج وغيره لا يلائم قوله: بينك وبين الذين الخ إلا بتقدير حذف مضافين أي جعلنا بين فهم قراءتك وأيضا هو على هذا مكرر مع ما بعده من غير فائدة جديدة فالأولى أن يحمل على ما روي من أنها نزلت في أبي سفيان وأبي جهل والنضر وأئم جميل إذ كانوا يؤذونه إذا قرأه فحجب الله أبصارهم عنه فكانوا يمزون ولا يرونه، ومن الناس من يرد عليه بأنه سهل من غير بيان لوجه ألسهولة وكان السكوت عنه خيرا له بل الظاهر أنه لا يقدر فيه وإنما يلزم لو كان حقيقة وهذا تمثيل لهم في عدم استماع الحق بمن كان وراء جدار وحجب كما أن الأكنة كذلك وأما الإعادة من غير إفادة التي اذعاها فقد كفانا المصنف رحمه الله شرها فإن قوله: تسبح له السموات الخ نفي لفهمهم للأدلة الآفاقية والنفسية ثم عقبها بما هو أبلغ وهو أنهم لا يفهمون فصيح المقال فضلا عن دلالة الحال ثم صرح بما اقتضاه من كونهم مطبوعين على الضلال وأي فائدة بعد هذا أجل لمن كان ذا بال وقد تتبعنا كلام الكشاف والمصنف فرأيناهما إذا اقتصرا على تفسير أو قدماه فهو مأثور عن السلف ما لم يدع داع إلى سواه. قوله: (ذا ستر كقوله تعالى: {وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} (لما كان الحجاب ساترا لا مستورا ذهبوا في تأويله إلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 وجوه، منها ما ذكره من أنه للنسب كلابن وتامر، وهو وأن اشتهر في فاعل فقد جاء في مفعول أيضا كما نبهوا عليه وله نظائر كرجل مرطوب ومكان مهول وجارية مغنوجة، ولا يقال رطبته وهلته وغنجته وعليه يخرّج كل ما جاء على مفعول من اللازم فاحفظه، ومنه وعدا مأتيا أي ذا إتيان لأنه آت وكذا سيل مفعم بالفتح فإنه مفعم بالكسر من أفعمت الإناء إذا ملأته وأهل المعاني مثلوا به للإسناد المجازي وهو جائز فيه كما يجوز في النظم هنا كما في شروح الكشاف ولكل وجهة لكن صاحب الكشاف رجح النسبة على التجوز في الإسناد في هذا المثال بأنه لو قيل أفعم السيل الوادي كان التجوّز بحاله وفيه نظر لكن المثال لا يتحمل القيل والقال. قوله: (أو مستورا عن الحس) فيكون بيانا لأنه حجاب معنوي لا حسيّ فهو على ظاهره حقيقة، وقيل إنه على الحذف والإيصال والأصل مستوراً به الرسول صلى الله عليه وسلم عن رؤيتهم أو فهم ما يقرؤوه وادراكه، وقوله: أو بحجاب آخر فيكون عبارة عن تعدّد الحجب، وقوله: لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون بيان لتعدد الحجب المجازية فالحجاب الأوّل: عبارة عن عدم الفهم، والثاني: عدم فهم عدم الفهم، وعن الأخفش أن مفعولاً يرد بمعنى فاعل، كميمون ومشؤوم بمعنى يأمن وشائم كما أن فاعلا يرد بمعنى مفعول كماء دافق فإن أراد أنه حقيقة فقريب، وقوله: نفي عنهم تفصيل لمعنى هذه الآية مع ما قبلها وما بعدها وبيان لارتباطها، وقوله: النفقة للدلالات ضمنه معنى التفطن والتدبر فعداه باللام، وقوله: مطبوعين أي مجبولين ومخلوقين وكلامه ظاهر، وقوله: تكنها يقال كنه وأكنه إذا ستره. قوله: (كراهة أن يفقهوه (يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف أو هو مفعول به لفعل مقدر مفهوم من الجملة أو من أكنة وأما جعله من التضمين كما قيل فغيرظاهر فإنه لا يظهر تضمين جعلنا أو أكنة أو الجملة بتمامها كما ذهب إليه بعض الشراح. قوله: (يمنعهم عن استماعه) أي عن حق استماعه، وكذا قوله فهم المعنى وإدراك اللفظ أي كما ينبغي ويليق به فإنهم كانوا يسمعون اللفظ من غير تدبر فلا يدركون إعجازه فقد منعوا عن إدراكه على ما ينبغي وكذا حال المعنى فلا يرد أن فهم المعنى موقوف على إدراك اللفظ فالجعل الثاني على تقدير كونه حقيقة كاف في الأمرين كما قيل: وهذا لو سلم لا يرد على المصنف رحمه الله ولو حمل على ظاهره لأنه ترق فكأنه لما قال لا يفهمون المعنى قال: بل لا يدركون لفظه فضلا عنه ولا محذور فيه حتى يتكلف له ما ذكر. قوله: (واحدا غير مشفوع به الخ (أي مقرون بذكره ذكر شيء من الآلهة، كما كانوا يقولون بالله واللات مثلا وعدم اقترانهم به صادق بنفيهم فلا يرد ما قيل إن المتبادر من هذا كونه غير مشفوع به في الذكر، وقوله: بعده هربا من استماع التوحيد يقتضي أنه غير مشفوع به في الألوهية، وقوله: مصدر وقع موقع الحال في الدرّ المصون أنّ فيه وجهين أحدهما أنه منصوب على الحال وإن كان معرفة لفظا فإنه في قوّة النكرة إذ هو في معنى منفردا وهل هو مصدر أو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال فوحده موضوع موضع اتحاد، واتحاد وضع موضع متوحد، وهذا مذهب سيبويه رحمه الله أو هو مصدر أوحد على حذف الزوائد وأصله اتحاد أو هو بنفسه مصدر وحده فعلا ثلاثيا، يقال: وحده يحده وحدا وحدة كوعد أو عدة، وقال الزمخشري: إنه مصدر الثلاثي سادا مسذ الحال بمعنى واحدا كجهدك، وهذا ليس بمذهب سيبويه، والئاني: أنه منصوب على الظرفية وهذا مذهب يونس، وعلى الحالية إذا وقعت بعد قاعل ومفعول كقوله: وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده جاز كونها حالا من كل منهما أي موحداً له أو موحداً بالذكر فقول المصنف رحمه الله واقع موقع الحال أي لا منصوب على الظرفية ولا على المصدرية بفعل هو الحال في الحقيقة وهذا معنى قوله وحده أي هو حال وحده لا مع عامله ولا مع متعلقه. قوله: (هرباً (يعني أنه مفعول له أو مفعول مطلق لقوله ولوا فهو منصوب بولوا لتقارب معناهما، أو جمع نافر فهو حال، وقوله: بسببه ولأجله يعني أنه متعلق بيستمعون والضمير لما والباء سببية في به لا بمعنى اللام إلا أنه وقع في نسخة أو بدل الواو وعليها يتعين ذلك، وقد تجعل الباء للملابسة أي يستمعون بقلوبهم أو بظاهر أسماعهم والأوّل أولى واما باء بما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 فمتعلقة بأعلم لأن أفعل للتعجب أو التفضيل في الجهل والعلم يتعدى بالباء وما سواهما باللام تقول هو أعلم بحاله وأكسى للفقراء، وقوله: من الهزء الخ بيان لما وقوله ظرف لأعلم أي متعلق به أي نحن أعلم بما هم عليه في هذا الوقت، وليس المراد تقييد علمه بل الوعيد لهم وقيل إنه متعلق بيستمعون الأولى، وقوله: بغرضهم من الاستماع وهو الهزء السابق، وقوله: مضمرون أي مخفون لغرضهم وهو يعلم من الاقتصار على الاستماع المقابل بالنجوى، وقوله ذوو نجوى إشارة إلى تقدير المضاف على المصدرية وإذا كان جمع نجيّ فهو كقتيل وقتلى. قوله: (على وضع الظالمين (أي وضع الظاهر موضع الضمير إذ الظاهر إذ يقولون لكنه عبر به للإشارة إلى أنهم بهذا متصفون بالظلم له أو لأنفسهم وقوله للدلالة متعلق بقوله بدل لبيان فائدة الإبدال وبقولهم خبر إن. قوله: (هو الذي سحر به فزال عقله (فهو كقولهم أن هو إلا رجل مجنون، وبه متعلق بسحر لتضمينه معنى فعل السحر به، وقوله: الذي له سحر بسكون الحاء وسينه مثلثة، كما في الدرر والغرر وقد تفتح حاؤه، والرئة مهموز آلة للنفس معروفة في الجوف، وقوله: يتنفس الخ إشارة إلى أنّ مسحوراً بمعنى ذا سحر وهو كناية عن كونه بشراً مثلهم لا يمتاز عنهم بشيء يقتضي اتباعه على زعمهم الفاسد، يقال: رجل مسحور ومسحر أي يأكل ويشرب ومنه سحور الصائم أو هو من وقت السحر لأنه زمانه وهذا تفسير أبي عبيدة وقيل إنه بعيد لفظاً ومعنى لأنه لا يناسب ما بعده من كونه ضرب مثلا ولذا أخره المصنف رحمه الله ومرضه. قوله: (مثلوك بالشاعر الخ) أي قالوا تارة هذا وتارة هذا مع علمهم بخلافه فإنما قصدوا تشبيه حالك فيما قلته ونطقت به من القرآن بحال هؤلاء فتكون مثلوك بمعنى شبهوك إما على أن الأمثال جمع مثل بفتحتين أو مثل بكسر فسكون، وفي الكشف الأظهر أن تفسير ضربوا لك الأمثال بمعنى بينوا لك الأمثال كما ذكر في غير هذا المحل بقوله وقالوا أئذا كنا الخ المقالات الثلاث ألا ترى قوله: واضرب لهم مثلا فتفسيره بمثلوك غير ظاهر إذ الظاهر حينئذ مثلوا للى وبه ياهـ تبط الكلام أتم ارتباط فلما ذكر استهزاءهم بالقرآن عجبه من استهزائهم بمضمونه من البعث دلالة على أنه أدخل في التعجب لمخالفته العقل وأما على هذا التفسير فيكون وقالوا معطوفاً على فضلوا لأنه من الضلال أو على مقدر تقديره مثلوك بما ذكر، وقالوا: وأورد عليه أنه لا يظهر كون المقالتين الأخيرتين من ضرب المثل فالأولى الاقتصار على الأولى كما في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [سورة ياسين، الآية: 78] الآية وسميت أمثالا للتعبير عنها بعبارات شتى أو باعتبار تعدد القائل (قلت (ليس التعبير عنها بالأمثال لما ذكر بأقرب من جعل ما يتعلق بالمثل مثلاً على التغليب ثم إنه على ما اختاره في الكشف يكون قوله قالوا معطوفاً على ضربوا عطفا تفسيريا، والظاهر فيه الفاء، وعلى ما ذكره المصنف أيضا ولا حاجة لما تكلفه ولا وجه لعطفه على ضلوا والارتباط عليه تام أيضا لأنه لما تعجب من ضربهم الأمثال بما ذكر عطف عليه أمراً آخر أعجب منه، فلا داعي لما ذكره أصلاً كما أنه لا وجه لما اعترض به على هذا التفسير بأنهم ما مثلوه صلى الله عليه وسلم بما ذكر بل قالوا تارة أنه ساحر وأخرى أنه شاعر الخ، وأيضا كان الظاهر أن يقال فيك لا لك فإن ما ذكروه على طريق التشبيه لتفريقه بين الأقرباء والأصدقاء وعجزهم عن معارضته صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب واشتماله على المحال بزعمهم، ولك أظهر من فيك لأنه الممثل له وتفسير ضربوا ببينوا هنا لا حاجة إليه بل لا يناسب فتأمل. قوله: (إلى طعن موجه (أي له وجه يقبل به، وقوله: يتهافتون بمعنى يقعون لضعف ما يتمسكون به ويختص في الاستعمال بالوقوع في الشر، وقوله: أو إلى الرشاد بيان لمتعلقه بوجه آخر، والرفات ما يلي فتفتت وقيل إنه التراب والحطام ما تكسر من اليبس وهما متقاربان، وصيغة فعال تكون لما تفزق كدقاق وفتات، وقوله على الإنكار أي قالوا هذا قولاً مبنياً على الإنكار وهو إشارة إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى أنه لا يكون هذاً وغضاضته طراوته ورطوبته، ولذا قابلها بيبوسة الرميم أي البالي لأن اليبوسة تقتضي التفرّق والفناء أأسمنافي للحياة والرطوبة تقتضي الاتصال المقتضي للبقاء والحياة كما يعلم من علم الحكماء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 فسقط ما قيل إنّ الأولى أن يقال لما بين العظام والأجزاء المتفتة المنتشرة والبدن المجتمع من الأجزاء التي فيها الحياة والقوى الحيوانية من التباعد والتنافر. قوله: (والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون) وهو نبعث مقدراً بفرينة ما ذكر وأن الاستفهام بالفعل أولى لا نفسه لأنّ أنّ لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها كما بينه النحاة وكذا الاستفهام مانع أيضا كما ذكروه وان كان تأكيداً وليس عدم ذكره لأنه غير مانع لهذا كما توهم، وهدّا على القول بأن العامل في إذا الشرطية الجواب أو ما في حيزه، وأما على القول بأن العامل الشرط فلا حاجة إلى التقدير وهو خلاف المشهور عند النحاة، وفي الدرّ المصون إذا هنا متمحضة للظرفية، ويجوز أن تكون شرطية فالعامل فيها جوابها المقدر أي أئذا كنا عظاماً ورفاتاً نبعث أو نحوه كنعاد، وهذا المحذوف جواب الشرط عند سيبويه والذي انصب عليه الاسنفهام عند يونس، قيل وعلى كونها شرطية والعامل الشرط يرد أن عمله فيها يوجب كونها ظرفا له وذلك لا يكون إلا بعد تعين مدلولها وهو لا يكون إلا بشرطها وهو تخيل واه لأنّ المعنى حينئذ أنبعث وقد كنا رفاتا في وقت فدعوى ادّعاء التعين لا يتعين وهو ظاهر. قوله: (وخلقا الخ (أي نصبه إمّا على أنه مفعول مطلق من غير لفظ فعله أو حال بمعنى مخلوقين، ووحد لاستواء الواحد وغيره في المصدر. قوله: (كونوا حجارة) قالط الزمخشري: أي لمشاكلة قولهم كنا وأما الأمر فقيل إنه للاستهانة أو الإهانة وقال الطيبي أنه أمر تسخير كقوله: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [سورة البقرة، الآية: 65] لكونه على الفرض وإلا لزم أن يكونوا حجارة قال في الكشف وهو غير ظاهر لأنه لا معنى للتسخير الفرضيّ ولو جعل من قبيل كن فلانا كقوله: كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك عماذكرت من نسب ... على معنى أنت فلان باستعمال الطلب في معنى الخبر أي أنتم حجارة ولستم عظاما ومع ذلك تبعثون لا محالة لكان وجهاً قويما وفيه بحث لأنه كيف يقال أنتم حجارة على أنه خبر وهو غير مطابق للواقبم فلا بد من قصد الإهانة وعدم المبالاة وجعل لأمر مجازاً عن الخبر والخبر خبر فرضي وليس فيه ما يدل على الفرض كان ولو الشرطية، وهو مما لا يخفى بعده وليس بأقرب مما استبعده فالصواب أنه للإهانة كما جنح إليه في الإيضاج فتدبر. قوله: (أي مما يكبر الخ (يشير إلى أنّ الكبر في الأصل للمحسوسات ويوصف به المعاني كالعظيم ثم شاع فيما يستبعد وقوعه وهو المراد هنا، وقوله فإن قدرته تعالى الخ جواب عن إنكارهم البعث بعد كونهم عظاماً بالية بأنه أمر هين عليه تعالى ولو كنتم أجساماً لم تتصف بالحياة كالحديد والحجارة فإنه يقدر على خلق الحياة فيها لتساوي الأجساد في قبول الأعراض فضلا عما كان متصفا بها فمن قال إنه تصوير لمعنى النظم إلى قوله فسينغضون لأن هنا إنكارين إنكار للبعث وانكار لمن يقدر عليه وهذان جواب عن الثاني والكلام في الأوّل لم يصب وهذا إنما يحتاج إليه في كلام الكشاف كما في الكشف، وهو الذي غره لعدم التدبر. قوله: ( {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ} (مبتدأ خبره يعيدكم أو فاعل به أو خبر مبتدأ مقدر على اختلاف في الأولى كما فصل في محله، وقوله: وهو أبعد منه من الحياة وفي نسخة وما هو أبعد الخ ومن فيهما متعلقة بأبعد، والثانية: صلته والأولى: تفضيلية وضمير منه لما ذكر من العظام والرفات ومرفوتة بمعنى مفتتة، وقوله فسيحزكونها تفسير لقوله: فسينغضون إليك فإنه بمعنى إلى جانبك وتحريك الرأس لذلك معروف. قوله: (فإن كل ما هو آت (أي محقق إتيانه قريب ولم يعين زمانه لأنه من المغيبات التي لا يطلع عليها غيره تعالى فبعد تحقق الوقوع القريب والبعيد سواء وقيل إنه قريب لأن ما بقي من زمان الدنيا أقل مما مضى منه. قوله: (وانتصابه على الخبر الخ) أي على أنه وصف منصوب على أنه خبر يكون الناقصة واسمها ضمير يعود على البعث المفهوم مما قبله أو العود أو هو منصوب على الظرفية وأصله زماناً قريبا فحذت الموصوف وأقيمت صفته مقامه فانتصب انتصابه، ويكون على هذا تامّة فاعلها ضممير العود أي عسى أن يقع العود في زمان قريب، وقوله: وأن يكون اسم عسى يعني عسى يجوز أن تكون تافة وناقصة فعلى الأوّل أن يكون مرفوع بها ولا خبر لها أي قرب كونه في وقت قريب أو كونه قريباً على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 وجهي يكون وقريباً وهو الوجه الأوّل في كلام المصنف رحمه الله لكنه تسمح في تسمية مرفوعها اسما فإنه مخصوص بالناقصة، وأما التاتة فمرفوعها فاعل، وعلى الثاني ف اسمها مضمر راجع إلى العود كما مرّ فإن قلت إذا كان المعنى على التمام قرب أن يكون البعث قريبا لم يكن فيه فائدة، قلت: قال نجم الأئمة أنه لم يثبت معنى المقاربة في عسى لا وضعا ولا استعمالاً ويدل لما ذكره التصريح بقريبا بعده في هذه الآية فلا حاجة إلى القول بأنها جردت عنه، كما قيل فالمعنى يرجى ويتوقع قربه. قوله: (أي يوم يبعثكم فتنبعثون (بالبناء للفاعل فيهما، والأوّل من البعث الثلاثي والثاني من الانفعال المطاوع له وقوله استعار لهما أي للبعث والانبعاث ولا دعاء ولا استجابة فهو كقوله: (كن فيكون (فشبههما بذلك في السرعة والسهولة عليه، أما الأوّل فلأن قول قم يا فلان أو كن أمر سريع لا بطء فيه وكذا الثاني لأن مجرّد ندائه ليس كمزاولة إيجاده بالنسبة إلينا، فمن قال إنه ظاهر في الاستعارة الثانية وأما الأولى فباعتبار ترتب سرعة الأستجابة والانبعاث على الدعاء والبعث لم يأت بشيء، وقيل إنه حقيقة كما في قوله: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} وقيل إنه كناية عن البعث والانبعاث لعدم المانع من إرادة حقيقتهما، فتدبر ثم إن قوله يوم يدعوكم فيه وجوه للمعربين ككونه بدلاً من قريبا على أنه ظرف أو منصوب بيكون أو منصوب بضمير المصدر المستتر في يكون العائد على العود بناء على جواز أعمال الضمير أو منصوب بمقدر كاذكر أو تبعثون، وأما أنه بدل من الضمير المستتر في يكون بدل اشتمال ولم يرفع لأنه إذا أضيف إلى الجملة قد يبنى على الفتح فتكلف وادعاء ظهوره ولا يسمع فإنه مكابرة وكذا القول بأنه لا وجه له إلا برفع يوم، ولا رواية له. قوله: (وأنّ المقصود الخ الأن الدعوة والنداء إنما يكون لأمر ودعوة السيد لعبده إنما تكون لاستخدامه أو للتفحص عن أمره والأوّل منتف لأنّ الآخرة لا تكليف فيها فتعين الأخير، فلا يقال إنه لا دلالة فيه على الإحضار لما ذكر بعده حتى يقال إنه تبرع من المصنف رحمه الله لبيان الواقع وكيف يتأتى هذا وقد أدخله المصنف في وجه الشبه وما قيل إنّ الدعوة تشعر بالإحضار والاستجابة بالسؤال المشعر بالحساب والجزاء لأنّ السؤال يكون له فليس بشيء كما لا يخفى. قوله: (حال منهم (أي من ضمير المخاطبين أي تستجيبون حامدين أو منقادين وقيل إنه متعلق بيدعوكم وفيه بعد وإذا كان بمعنى حامدين فهو حقيقة والباء للملابسة وقد أيده بما ذكر من الأثر وينفضون بالفاء والنفض معروف وإذا كان بمعنى منقادين فهو مجاز لأن من رضي فعلا وحمده انقاد له، وقوله: كالذي مرّ على قرية إشارة إلى الآية التي مرت، وقوله: لما ترون من الهول لأنهم يذهلون به. قوله: (يعني المؤمنين (يعني أن الإضافة هنا للتشريف فيختص بالمؤمنين اختصاص بيت الله بالكعبة وان كانت البيوت كلها لله والمقول لهم هم العباد المشركون، وقل أمر مقدر مقوله بقرينة جوابه وهو يقولوا أي قل لهم قولوا التي الخ أو يقولوا بتقدير لام الأمر أي ليقولوا وهو إرشاد لهم أن لا يقولوا إلا بأمره، وقد مر تفصيله. قوله: (الكلمة التي هي أحسن (بيان لتأنيث التي إما بتقدير موصوف لها مؤنث أو بكونها عبارة عن الكلمة المؤنثة، والمراد بالكلمة معناها اللغوي الشامل للكلام وقوله ولا تخاشنوا المشركين بالغيبة والخطاب أي تغلظوا القول لهم وهذا قبل الأمر بالقتال ونزول آية السيف. قوله: (يهيج بينهم المراء والشر (المراء المجادلة والمخاصمة وضمير بينهم للمؤمنين والمشركين، والمراد أنّ المخاشنة تفضي إلى تحريك الشيطان لهم على هذا فتؤدّي إلى عنادهم واصرارهم على الكفر وايذاء المؤمنين فيتزايد الفساد ويفوت المقصود وقوله ظاهر العداوة إشارة إلى أنّ مبينا من أبان اللازم كما مرّ. قوله: (تفسير للتي هي أحسن الخ) فالخطاب هنا للمشركين والمعنى أن يشأ يعذبكم بإبقائكم على الكفر وان يشأ يرحمكم بتوفيقكم للإيمان، وقيل إنه استئناف وليس تفسيرا للكلمة والخطاب للمؤمنين وهو مروي عن الكلبيّ والمعنى أنه إن يشأ يرحمكم أيها المؤمنون في الدنيا بإنجائكم من الكفرة ونصركم عليهم وإن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم فالتي هي أحسن المجادلة الحسنة، وقوله: ولا تصرحوا الخ أي بل علقوا أمرهم على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 مشيئة الله كما في الآية. قوله: (مع أن ختام أمرهم (في العذاب والرحمة غيب أي غائب علمه ومخفيئ من غير الله فلا ينبغي القطع بأنهم من أهل النار حتى أن المؤمن إذا صرح بذلك ينوي تعليقه على الإرادة أيضا فمن قال لا وجه لهذه العلاوة لم يصب. قوله: (موكولاً الخ) أي مفوّضاً إليك، وهذا قبل آية السيف، وقوله بالاحتمال أي باحتمال أذيتهم، وقوله: فنزلت أي آية قل لعبادي إلى ما هنا، وهذا وجه آخر معطوف على ما قبله بحسب المعنى وهو مروفي وهو مخالف للأول في الخطاب ومعنى الرحمة والعذاب فتذكره. توله: (وقيل شتم عمر رضي الله عته رجل الخ (هذا سبب آخر للنزول، وعليه يختلف المعنى ويكون الخطاب في ربكم الخ للمؤمنين، والمراد بالتي هي أحسن الكلمة الحسنة التي لا شتم فيها ولا سبّ كأن يقول له عفا الله عنك وهداك ونحوه، وقوله فهمّ به أي قصد سبه أو ضربه أو نحوه مما يكون جزاء له، وقوله: وما أرسلناك عليهم وكيلا تعريض لهم أي فكيف بأصحابك وأتباعك، فإن قلت ما فسر به وكيلا لا يظهر له وجه فما معناه، قلت قوله تقسرهم على الإيمان معناه أنّ الوكيل يتصرّف في أمور موكله فتجوّز به عن إلجائه إلى الإيمان لأنه من جملة أحواله فوجهه ظاهر، وكذا قوله أنّ المشركين الخ معناه أنك لا تصرّف لك في أمورهم حتى تأمرهم بترك الأذية نعم ما ذكر عن عمر رضي الله عنه لا وجه له إلا جعله نظيراً لما قبله فتأمله. قوله: (يتيم أبي طالب (هو النبيّ صلى الله عليه وسلم وعبر بهذه العبارة حكاية عن الكفار في حال استبعادهم والا فهذه العبارة لا يجوز إطلاقها على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أفتى المالكية بقتل قائلها كما في الشفاء فكان ينبغي للمصنف رحمه الله تركها، والجوع بضم الجيم وتشديد الواو جمع جائع والعراة جمع عار واستبعادهم ذلك لجهلهم وظنهم أنّ النبوّة تتوقف على قوّة صاحبها بالمال ونحوه وكون اتباعه أغنياء أشد، ولذا خص الله داود عليه الصلاة والسلام بالذكر هنا إشارة إلى أنه لم يفضل بالملك وإنما فضل بالوحي كما سيذكره المصنف رحمه الله. قوله: (بالفضائل النفسانية (ليس هذا مبنيا على مذهب الحكماء كما مر تحقيقه في سورة الأنعام، والتبرئ مهموز وقد تبدل همزته ياء لكسر ما قبلها كالتوضي وليس كثرة زوجاته صلى الله عليه وسلم من العلائق الجسمانية كما يتوهمه من لا يتأمّل قوله " حبب إليئ من دنياكم النساء " وقد ذكر علماء الحديث أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الزيادة على الأربع دون أتته وكان ذلك جائزا في الملل السالفة كما ذكر في قصة سليمان عليه الصلاة والسلام وحكمته أن يقفن على ما يتعلق بالنساء من الشرع كأمور الحيض ونحوها مما يتحاشى الرجال عن ذكره، وقد قالوا إن عائشة رضي الله عنها أخذ عنها ربع العلم، وليس في كلامه إشارة إلى أن المراد ببعض النبيين داود عليه الصلاة والسلام كما توهم، وقوله: حتى داود عليه الصلاة والسلام توطئة لما بعده وإشارة إلى وجه تخصيصه كما مرّ. قوله: (قيل هو (أي ما ذكر هنا ومرّضه لبعده فإنه على ما قيل تلميح إلى ما وقع في الزبور من وصفه بما ذكر فيه حتى شبه بقصة المنصور وقد وعد الهذليّ بعدة فنسيها فلما حجا وأتيا المدينة قال له يوماً وهو يسايره: يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص: يا بيت عاتكة الذي أتغزل فتفطن لمراده وعلم أنه يشير إلى قوله في هذه القصيدة: وأراك تفعل ما تقول وبعفهم مذق اللسان يقول ما لا يفعل فأنجز عدته، وقوله: تنبيه أي قوله وآتينا الخ تنبيه على وجه تفضيله عليه الصلاة والسلام. قوله: (وتنكيره هاهنا الخ (المعنى أنه في الأصل وصف أو مصدر ولما كان فعول بالفتح في المصادر نادراً والمعروف فيه الضم نظره وأيده بقراءة الضم، فمن قال إنه تأييد لكونه وصفا أو مصدراً لا علماً لم يصب فيبعد جعله علما دخلت عليه أل للمح أصله الوصفي، كالعباس أو المصدر كالفضل، وهذا للمعنيين فلا يفيد نكتة لعدم دخولها هنا لأنه على الأصل، وقوله بعضر الزبر فهو نكرة غير علم ونكر ليفيد أنه بعضا من الكتب الإلهية أو من مطلق الكتب ولا إشكال حينئذ في دخول اللام عليه كما في الوجه السابق والتعريف على هذا عهدي وعلى ما بعده يفيد أنه جزء من الكتاب المخصوص، وقد مرّ الكلام على إفادة التنكير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 لمثله في أوّل هذه السورة في قوله: ليلا، فالزبور كالقرآن يطلق على مجموعه وعلى أجزائه. قوله: (قراءة حمزة بالضم (هي مؤيدة للمصدرية، كما بينا ومن قال: فإنه جمع زبر بكسر الزاي بمعنى المزبور، والأصل توافق القراءتين لم يصب، وحاصله أنه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن زبور أعلم ولذا لم تدخله أل هنا لئل يجتمع تعريفان فلم دخلت عليه في آية أخرى، فأجاب بأنّ دخولها لا ينافي العلمية، لأنها للمح أو أنا لا نسلم أنه علم لأنه نكرة بمعنى كتاب مطلقاً وعلى تقدير اختصاصه بكتاب داود عليه الصلاة والسلام أيضا فليس يعلم لإطلاقه على ما يشمل كله وبعضه فهو من غلبة اسم الجنس لا العلم فمن قال اللائق بقانون المناظرة تقديم الجواب الثاني ثم الثالث إلا أنه قدم ما حقه التأخير اهتماما بشأنه لم يصب. قوله: (إئها آلهة (إشارة إلى تقدير متعلق لزعمتم قائم مقام مفعوليه لأنّ حذفهما معا أو حذف ما يسذ مسذهما جائز، وإنما الخلاف في حذف أحدهما وأنث الضمير إشارة إلى أنها بمنزلة الأصنام غير العفلاء في عدم القدرة على ما ذكر والداذ على هذا المقدر قوله من دونه، وقوله. كالملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام لأنّ بعض الكفار عبد بعض هذه وبعضهم الآخر، وقوله: ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم ممن لم يعبده، وقيل المراد بالتحويل تحويله من بعض إلى آخرين أو تبديله بمرض آخر، وهذا أظهر. قوله: (هؤلاء الآلهة الخ (هذا هو الداعي إلى جعل الآلهة قبله عبارة عن المسيح وغيره من العقلاء لا الأصنام وإن كان الكلام مع المشركين وأولئك مبتدأ وجملة يبتغون خبره والموصول نعت أو بيان والإشارة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المعبودين دون الله، والواو ضمير عبادهم والعائد محذوف أي يدعونهم ا-لهة، أو يدعونهم لكشف الضرّ عنهم أو الذين خبره، ويبتغون حال أو بدل من الصلة وقرئ يدعون بالغيبة والخطاب. قوله: (بدل من واو يبتغون الا من واو يدعون كما قيل وهو بدل بعض من كل وأي موصولة كما أشار إليه المصنف رحمه الله وهي مبنية على الضم لحذف صدر صلتها والتقدير أيهم هو أقرب فجملة هو أقرب صلتها، وقيل إنها استفهامية فهي مبتدأ وأقرب خبرها فليست بدلاً حينئذ بل جملتها في محل نصب بيدعون أو يبتغون، - وأورد عليه أثه يلزمه تعليق غير أفعال القلوب، ولذا قدر بعضهم قبله ينظرون بمعنى يكفرون، ويمكن أن يقال: إنه يتضمن معنى فعل قلبي فيجري التعليق فيه وكله تكلف فلذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله ومذهب يوئش عدم اختصاص التعليق بأقعال القلوب وهو مذهب مرجوح نحن في غنى عنه. قوله: (أي يبتغي من هو أقرب منهم) ولا ينافيه جمع يرجون ويخافون لعدم اختصاصه بالأقرب أو لكون الأقرب متعددا كالملائكة، وقوله فكيف تزعمون نتيجة ما تقدم كله من الابتغاء والرجاء والخوف، وقيل إنه نتيجة الرجاء والخوف ونتيجة الابتغاء- اسشعاد عدم ابتغاء من ليس بأقرب، ويلزم نفي كونهم، آلهة فيتحدان بحسب المال، وقوله: حقيقا الخ أوّل به لأن من العصاة والكفرة من لم يحذره، وقوله: بالموت أي حتف أنفه لذكر القتل بعده، وفيه إشارة إلى دخول أهلها في ذلك، قال ابن فارس والأزهري: لم يسمع للحتف فعل، وحكى ابن القوطية فعلا له من باب ضرب وقيل أوّل من تكلم به النبيّ صلى الله عليه وسلم ورد بأنه سمع في الجاهلية قال السموأل: وما مات منا سيد حتف أنفه ومعناه أن روحه تخرج منه وهو يتنفس لا بغتة بضرب سيف. قوله: (وما صرفنا عن إرسال الآيات الخ) قيل عليه أن المنع حقيقة صرف الغير له عن فعله والصرف والمنع محال في حق الفاعل المختار كما ذكره الطيبي فلا يفيد تأويل أحدهما بالآخر فكان عليه أن يجعله مجازاً عن الترك كما في الكشاف وغيره، ومن الناس من منعه منعاً مجرّداً لا يسمع مثله ومنهم من سلمه واعترض على المعترض فقال: ليس مراد المصنف رحمه الله تأويل المنع بالصرف بل توضيح معناه وبيان حقيقته ثم تفسيره بتركنا لا يلائم إلا منعنا بسكون العين والإسناد للمتكلم، والذي في النظم بفتحها على الغيبة نعم يجوز أن يكون معنى الآية ما ذكره لكن لا على أن يكون المنع مستعارا للترك كما صرّج به بل على أن يكون مجازاً مرسلاً بعلاقة اللزوم فيكون منعنا مجازاً عن تركنا على التكلم لا على الغيبة لعدم جريان التبع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 في المجاز المرسل على المشهور اص. وعبارة الزمخشري استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة اهـ، فقال الشارح العلامة في شرحه المنع كالغير كن فعل يريد أن يفعله وذلك في حقه تعالى محال فهو ليس حقيقة في معناه بل مستعار للصرف عن إرسال الآيات فإنه إذا صرفه عن الإرسال فكأنه منعه عنه، واليعنى وما صرفنا عن إرسال الآيات المقترحة إلا تكذيب الأوّلين فإنه مؤذ إلى تكذيب الآخرين المقترحين اتباعا لهم، وتكذيبهم يتضمن تعجيل العذاب بحكم عادة الله تعالى والحكمة تقتضي تأخيره لبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم فتكون الحكمة صارفة عن إرسالها وحاصله أنا تركنا إرسال الآيات فبمانه لو أريد ظاهره والمنع مسند إلى تبهذيب الأوّلين يلزم أن يكون ترك إرسال الآيات مسنداً إلى التكذيب لكن التارك هو الله تعالى (أقول (هذا تحقيق لكلام الكشاف بلا مزيد عليه وهو بعينه كلام المصنف رحمه الله، وقد صرّح به في الكشاف بعده حيث قال: والمعنى وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه، وتقريره أنه مبنيّ على مقدّمة وهي الفرق بين المنع والصرف والترك بأن المنع يقتضي القسر ويكون من فاعل آخر هو المانع، وأمّا عد الأمور المعنوية مانعا فاصطلاج أو عرف طار على أصل اللغة، وكون فاعل آخر قاسر الله محال منزه عنه والصرف يكون في المعاني ولغير القاسر لإشعاره بوصوله إليه وتمكنه منه ثم إنه متصرف عنه والترك أعمّ لأنه عدم الفعل سواء كان لصارف أو لا فيجوز أن يكون المنع هنا مجازاً عن الصرف أو الترك لكن الثاني لا يتأتى هنا لأنه لو كان منع مجازا عن الترك والتارك هو الله لكان ضمير الله فاعلاً وان كذب مفعولاً عكس ما في النظم والقلب لا يليق هنا إلا أنّ ما ادّعاه من لزوم اتحاد الفاعل في المعنى الحقيقي والمستعار له مما لم يقم عليه دليل بل الظاهر خلافه ولذا صرّج الطيبي بأنه مستعار للترك ولم يلتفت لهذا، وما يدل عليه ما ذكره المدقق في الكشف في أول سورة البقرة في قولهم شجاع يفترس الأقران بعد ما قرّر أن فيه استعارة مكنية وتخييلية أنه يجوز أيضا جعل الافتراس استعارة تصريحية بعد أن تعرف أنّ المقصود هو التنبيه على أنه أسد كي يجيء الافتراس وسائر ما للأسد اهـ، ولا شك أنه بمعنى يقتل وفاعله الشجاع والصشبه به الافتراس وفاعله الأسد فتأمّلى، ء والصعترض لم يصب لعدم وقوفه على مرادهم والمجيب أخطأ خطأ على خطا وزاد في الطنبور نغمة لفرقه بين الاستعارة والمجاز المرشل بسلامة الأمير فرحم الله امرأ نطق فغنم أو سكت فسلم، وقوله: تكذيب إشارة إلى أن أن مصدرية، وقوله: في الطبع أي في كونهم مطبوعا على قلوبهم، وقوله: مضت به سنتنا يعني أنه عادة الله في مثله. قوله: (لأنّ منهم من يؤمن الخ (أو لمنع الخلو في البعض لا الجمع، لأنّ منهم من آمن بعد ذلك وولد من آمن كأبي سفيان رضي الله عنه والمجموع تعليل واحد، ومن أفادت أن منهم من ليس كذلك لكنه ترك استئصاله لكونه لم يقدر له ذلك، فلا يرد عليه انّ هذا التعليل غير مانع من استئصال المعاندين خاصة، على أنه غفلة عن معنى الاستئصال. قوله: (ذات أبصار أو بصائر (لما كان المقام يقتضي أن الغير يراها ظاهرة بينة فكان الظاهر مبصرة على صيغة المفعول أوّلوه بما ذكر يعني أنّ الصيغة للنسب يعني أنها ذات أبصار أو ذات بصيرة يبصرها الغير ويتبصر بها والتاء للمبالغة لا للتأنيث بتقديره موصوف مؤنث كما توهم لأنّ صيغة النسب يستوي فيها المذكر والمؤنث كما فصله الرضي وفيه بحث ذكرناه في حواشيه، وقوله أو جاعلتهم ذوي بصائر على أنه اسم فاعل من أبصره صيره ذا بصيرة وادراك فيؤمنون به والهمزة للتعدية فيفيد الجعل المذكور، وقوله: وترئ بالفتح أي بفتح الميم والصاد أي محل أبصار بجعل الحامل على الشيء بمنزلة محله كقولهم: الولد مجبنة مبخلة وهذه قراءة قتادة أو بفتح الصاد مع ضم الميم اسم مفعول على الحقيقة وبها قرئ أيضا وهي منصوبة على الحالية وقرئ بالرفع على إضمار مبتدأ، وقوله: فكفروا بها إشارة إلى أن الباء صلة لكونه بمعنى الكفر، إذ الكفر ظلم عظيم، وقوله: وظلموا الخ وجه ثان بإبقاء الظلم على ظاهره، وحذف مفعوله وجعل الباء سببية بتقديره مضاف أو هو بيان لوجه السببية ولو أتى بدل الواو بأو كان أظهر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 قوله: (أو بغير المقترحة) يعني أن الآيات إمّا المقترحة فالتخويف بالاستئصال لإنذارها به في عادة الله أو غيرها فالتخويف بعذاب الآخرة لا عذاب الدنيا، كالاستئصال فالحصر إضافيّ فلا ينافي كون نزولها لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤمنوا به. قوله: (والباء مزيدة (في المفعول أو للملابسة والمفعول محذوف أي نرسل نبيا ملتبسا بها، وقيل إنها للتعدية وإن أرسل يتعدى بنفسه وبالباء ورد بأنه لم ينقل عن أحد من الثقات، ولا حجة في قول كثير: لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسز ولا أرسلتهم برسول ... لاحتمال الزيادة فيه أيضاً مع أن الرسول فيه بمعنى الرسالة فهو مفعول مطلق والكلام في دخولها على المفعول به فتأمل. قوله: (واذكر) إشارة إلى متعلق إذ وأن القول بواسطة الوحي، وقوله: في قبضة قدرته فالناس عاتم، والإحاطة مجاز عن شمول قدرته وقبضة قدرته استعارة أو تشبيه كما سيأتي تحقيقه في سورة الملك، والمعنى أنّ له التصرّت فيهم كيفما يشاء، وهو وعيد لهم بأنه لا يعجزه شيء عما أراد وقوله أحاط بقريش فتعريف الناس للعهد والإحاطة مجاز عن الإهلاك من أحاط بهم العدوّ إذا أخذ بجوانبهم لإهلاكهم كقوله: وأحيط بثمره كما سيأتي، وقوله: فهي بشارة أي على هذا التفسير الثاني. قوله: (وتعلق به (أي بما ذكر بناء على تفسيره بما ذكر وكون الرؤيا مخصوصة بالمنام ومن قال الخ هو إشارة إلى ضعفه لأن قوله إلا فتنة للناس يرذه، ولذا قيل إن بعضهم قال له صلى الله عليه وسلم: لما قص عليهم الإسراء لعله شيء رأيته في منامك، وقوله: فسر الرؤيا بالرؤية يعني أن الرؤيا في اللغة بمعنى الرؤية مطلقا وهو معنى حقيقيّ لها، وقيل إنها حقيقة رؤيا المنام أو رؤيا اليقظة ليلاً، وقد ذكر السهيلي أنه ورد في كلام العرب بهذا المعنى وأنه كالقربى والقربة، وقيل إنه مجاز إمّا مشاكلة لتسميتهم له رؤيا أو جار على زعمهم أو على التشبيه بها لما فيها من خرق العادة أو لوقوعها ليلا أو لسرعتها. قوله: (أو عام الحديبية (معطوف على قوله ليلة المعراج يعني أو الرؤيا التي وقعت في عام الحديبية إذ رأى صلى الله عليه وسلم فيه أنه دخل مكة وسيأتي تفصيله في سورة الفتح. قوله: (وفيه أنّ الآية مكية (وقصة الحديبية بعد الهجرة وأمّا كونها مكية وأخبر فيها عما سيراه وعبر بالماضي لتحققه فبعيد لقلة جدواه كالقول بأن الحديبية من الحرم المكي، وقوله إلا أن يقال الخ يعني أنه رأى تلك الرؤية بمكة ونزلت عليه هذه الآية ولكنه ذكرها عام الحديبية لأنه كان إذ ذاك بمكة فعلم أنه دخوله بعد خروجه منها، والفتنة واقعة حين الحكاية حين صدّه المشركون حتى قال عمر رضي الله عنه ما قال كما سيأتي، والحديبية بالتخفيف وقد يشدد بئر أو شجرة حدباء، ولا يخفى ما في هذا من التكلف أيضا. قوله: (ولعله (أي لعل المراد بما ذكر في هذه الآية أي رأى وقعة بدر بعينها في مكة ورأى من قتل بها وموضع قتله، وقوله في وقعة بدر أي في شأنها وشأن ما وقع فيها فلا يرد عليه ما مر من أنها مكية فيحتاج إلى الجواب بما مر وتكون الرؤيا على ظاهرها، والفتنة فيها أظهر، وقوله لقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ} [سورة الأنفال، الآية: 43، الخ، قيل: إنه تعليل لكونه وقع له رؤيا في وقعة بدر لا ليكون المراد بهذه الآية تلك الرؤيا بعينها إذ لا دلالة فيها على ذلك، وكذا ما روي على ما فيه، وقوله: لكأني الخ اللام في جواب قسم مقدر للتأكيد والمصارع جمع مصرع وهو محل صرع فيه القتيل ووقع، قيل: ولا دلالة في هذا على أنه كان رؤيا منام لجواز كونه بوحي وكأن لملاحظة المصرع بوصف المصرعية ولا يخفى أنه لو كان بوحي عين فيه تلك المضارع لقال: إني أعلمها ويؤيده أنه روي أنه صرّج بكونها رؤيا منام، وقوله ماءه أي ماء بدر وذكر باعتبار المكان، وما ذكره من السخرية هو المراد بالفتنة على هذا، وهذا الحديث وان لم يوجد بعينه كما قاله ابن حجر لكنه بمعناه في مسلم. قوله: (فتسامعت به قريش) أي سمعوه فالتسامع ليس على أصله، وقيل إنّ بعضهم أسمع بعضاً وفيه نظر لأنه لا يكون على حقيقته أيضا وقوله: يرقون بالقاف أي يصعدون، وقوله: ينزون بالزاي المعجمة أي يثبون عليه، والقردة جمع قرد، وقوله وعلى هذا الخ ففيه مضاف مقدر أي جعلنا تعبير الرؤيا أو الرؤيا مجاز عنه باعتبار ما كان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 قوله: (لما سمع المشركون ذكرها الخ) هو ما سيأتي من أنها شجرة في جهنم، والسمندل باللام طائر مشهور وهو باللام عند الأزهري وبالراء عند غيره وظاهر كلام القاموس أنهما متغايران فإنه قال السمندر والسميدر دابة، وقال في اللام: السمندل طائر بالهند لا يحترق بالنار، وفي حياة الحيوان: أنّ بعض أهل اللغة سماه سندل بغير ميم، وسماه ابن خلكان سمند بغير لام وقال القزويني: إنه حيوان كالفار ولك أن تقول أنه فارسيّ بالراء كما وقع في أشعارهم وعزب باللام وهو طائر فيهما أو دولبة فلا يغرّك ما وقع لهم فيه والحمر بالمهملة جمع حمراء. قوله: (ولعنها في القرآن لعن طاعمها (فوصفت به على أنه مجاز في الإسناد ووجه المبالغة أنه بسبب كونها شديدة اللعنة سرت اللعنة إلى غذائها هذا إن أريد باللعنة معناها المتعارف فإن أريد معناها اللغوفي وهو البعد فهو لكونها في أبعد مكان من الرحمة لكونها في أصل الجحيم أي قعرها، واللاعن الواصف باللعن والداعي به، والملعون بمعنى المؤذي لأنها تغلي في البطون كغلي الحميم وهو إفا مجاز مرسل أو استعارة، وتأويلها بمن ذكر على الاستعارة كأنهم شجر جهنم يأباه قوله: طلعها كأنه رؤوس الشياطين وما معه من الأوصاف كما سيأتي لكنه ورد في حديث مسند عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشجرة الملعونة أبوك وجدك فقوله طلعها الخ من جملة المشبه به. وروي أيضاً أنّ الله تبارك وتعالى أنزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد هذه الرؤيا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر، الآية، ا] تسلية له صلى الله عليه وسلم بأنه أعطاه بعدد ملكهم لأن مذتهم ألف شهر ولا يرد عليه أنه لم يكن له منبر كما لا يخفى وأما كون أبي جهل ومن بعده لم يلعنوا في القرآن بخصوصهم فمن فسره به لا يسلمه، وقوله بأنواع التخويف أخذه من حذف متعلقه المفيد للعموم والعتو تفسير للطغيان وتجاوز الحد تفسير لكبير وكونه من مفهوم الطغيان أو العتوّ في اللغة لا يضر لا سيما مع تفاوت مراتب التجاوز فتأمل. قوله: (فنصب بنزع الخافض (ويؤيده التصريح به في آية أخرى، وقوله ويجوز أن يكون حالا أشار بالجواز إلى أنه خلاف الظاهر لكونه جامداً ولذا أوّله بعضهم بمتأصلاً، وقوله: وهو طين إشارة إلى أن الطينة مقدمة على خلقه إنساناً مقارنة لابتداء تعلقه به كما يقال جاءني زيد وهو راكب فإنه لا يضرّه نزوله بعده، وقيل إنه لتحصيل الهيئة وقوله: أو منه أي هو حال من الموصول نفسه لا من الضمير الراجع إليه، وقوله: أي أأسجد بيان لكونه المعنيّ منه في الثاني يعني أن معنى قوله وهو طين أن أصله ذلك إذ ظاهر التركيب يقتضي السجود له في حال الطينية فلذا أول بما ذكر، وفيه نظر لأنّ المضيئ بالنظر إلى زمان الحكم فيقتضي تقدم طينته على السجود وذكر الخلق مع أنه يكفي في المقصود أن يقال لمن كان من طين أدخل في المقصود مع أنّ فيه إيماء إلى علة أخرى، وهي أنه مخلوق والسجود إنما هو للخالق، فما قيل إنه لم يقل هنا وهو طين كما في الوجه الأوّل لأنه لم يكن طينا وقت السجدة بل أصله طين وكان طينا وقت الخلق لا وجه له وكذا ما أورد عليه من أنه حينئذ يضيع قوله خلقته ولا معنى للجواب بأق الموصول اقتضاه لا محالة وأنه لو قيل لم لم يقل لمن أصله من طين لم يسمع لأنه تعيين للطريق فتدبر. قوله: (الكاف لتثيد الخطاب الخ (أي حرت خطاب على ما بين مؤكد لمعنى التاء قبله وليس تاكيداً اصطلاحيا ولذا قال لا محل له من الإعراب لأنه لو كان تابعا كان له محل كمتبوعه. قوله: (وهذا مفعول أوّل الخ (هذا بناء على أن رأى فيه علمية تتعدى إلى مفعولين كما ذهب إليه بعض النحاة لا بصرية متعدية لواحد كما ذهب إليه آخرون واختاره الرضي وقد مر تفصيله في سورة الأنعام وجعل المفعول اسم إشارة للتحقير وقوله والمفعول الثاني محذوف وهو ما تضمنه الاستفهام الذي أشار إليه بقوله لم كرمته عليئ، والمعنى أعلمت هذا مكزما عليه ومن جعله متعديا لواحد جعل الجملة الاستفهامية مستأنفة، وقوله والمعنى أخبرني بعني أنه إنشاء مجاز عن إنشاء آخر وهو ما ذكر لأن الرؤية أو العلم سبب للإخبار لازم له، وقوله كلام مبتدأ أي مستأنف لا محل له وجوابه أي القسم. قوله: (لاستأصلتهم بالإغواء (أي لأهلكنهم أو لأعمنهم به جميعا وعلى الأوّل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 وهو الظاهر هو إهلاك معنوفي، كما أشار إليه بقوله بالإغواء وهو من حنك الجراد الأرض إذا أهلك نباتها من الحنك وهو الفم والمنقار فهو اشتقاق من اسم عين، وقوله: جرد ما عليها أي أكله وأفناه إشارة إلى وجه تسميته جراداً، وقيل المعنى لأسوقنهم وأقودنهم حيث شئت من حنك الدابة إذا جعل الرسن في حنكها، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه بقوله: لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، والمعنى لا أقدر على تسخيرهم حتى ينقادوا إلي. قوله: (وإنما علم أنّ ذلك الخ (أي كونه متيسر له اغواؤهم حتى ذكره مؤكداً قبل وقوعه، وقوله: مع التقرير أي مع تقرير الله لقول الملائكة إذ لم يرده عليهم بل قال: إني أعلم ما لا تعلمون وقوله: أو تفرسا أى علمه بالفراسة لما رأى فيه من القوى الشهوانية المقتضية لذلك كشهوة الطعام والجماع وشهوة الانتقام للغضب والوهم الذي يحسن له ما يحمله على اتباعه حتى يمنعه العقل عنه. قوله: (وهو طرد وتخلية الخ (يعني ليس المراد به حقيقته وهو الأمر بالذهاب ضد المجيء بل المراد به تخليته، وما أراد كما تقول لمن يخالفك افعل ما تريد وينبغي أن يحمل قوله طرد على أنه إهانة له، لأنه المقصود من التخلية لكن إن بقي على ظاهره فيه جمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز عند المصنف رحمه الله وما سوّلته له نفسه الإغواء. قوله: (ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين (في قوله ومن تبعك على الالتفات من غيبة المظهر إلى الخطاب وهذا الوجه ذكره الزمخشري وتبعه المعربون وقال ابن هشام في تذكرته: عندي أنه فاسد لخلو الجواب أو الخبر عن الرابط لأن الضمير ليس عائدا على لفظه إنما هو مفسر بالحضور انتهى وتبعه بعض أرباب الحواشي وهذا بناء على أن ضمير الخطاب لا يكون رابطا فلا يصح زيد يقوم أبوك ولو أوّل بالغائب في الالتفات ومن لم يشعر بوجهه، قال: المعنى فإن جهنم جزاؤكم يا أتباعه حتى يحصل الربط وقد أجيب بأنه مؤوّل بتقدير فيقال لهم إن جهنم جزاؤكم ورد بأنه يخرجه من الالتفات وهو غير مسلم وفي حواشي الجاربردي يجوز أن يكون من الذهاب ضد المجيء، فمعناه كمعنى قوله اخرج منها فإنك رجيم، واعلم أن ضمير الخطاب إن سلم أنه لا يكون عائد إلا نسلم أنه إذا أريد به الغائب التفاتاً لا يربط لأنه ليس بأبعد من الربط بالاسم الظاهر، وهذا هو الذي ارتضاه الزمخشري ففيه قولان ينبغي التنبه لهما. قوله: (من قولهم فر) كعد من وفر المتعدي ويكون لازما ومعناه كمل وكثر وقوله: بإضمار فعله أي تقديره بتجزون أو تجاوزون لأنهما بمعنى وهذا المصدر لهما فلا يقال الأظهر أن يقول المصنف تجزون وقوله: أو بما في جزاؤكم الخ يعني أنه منصوب بالمصدر لتأويله بالفعل، وفيه نظر إذ هو حال موطئة لصفتها التي هي حال في الحقيقة ولذا جاءت جامدة، كقوله: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سورة يوسف، الآية: 2] ولا حاجة لتقدير ذوي فيه حينئذ وصاحب الحال مفعول تجزون، وقيل إنه حال من الفاعل بتقدير ذوي جزاء، وقيل إنها مؤكدة لمضمون الجملة نحو هو حاتم جواداً، وقيل إنه تمييز وقوله: واستخف يقال استفزه إذا استخفه فخدعه وأصل معنى الفز القطع، ويقال: للخفيف فز أيضا ولذا سمي به ولد البقرة الوحشية ومن موصولة، وقيل إنها استفهامية وهو تكلف بعيد، وقوله: أن تستفزه بيان لمفعوله المقدر بقرينة ما قبله وعبر عن الدعاء بالصوت تحقيرا له حتى كأنه لا معنى له. قوله: (وصح) وقيل معناه اجمع والباء زائدة كما في تقرآن بالسور، والجلبة بفتحات. قوله: (بأعوانك (يتناول جند الشياطين ومن يتبعه من أهل الفساد كما في الكشاف فلو خص بالأوّل فالظاهر أن الخيل والرجل كناية عن الأعوان والأتباع من غير ملاحظة لكون بعضهم راكبا وبعضهم ماشيا وهذا غير التمثيل الآتي لأنه في المجموع كما سيأتي بيانه، وقد يقال في تفسيره بالأعوان إشارة فا إليه فتأمل. قوله: (والخيل الخيالة (أصل معنى الخيل الأفراس ولا واحد له من لفظه، وقيل إنّ واحده خائل لاختياله في مشيه وقد يطلق على فرسانها وهو مجاز في الأصل والخيالة بفتح الخاء وتشديد الياء ركبان الخيل وأصحابها، وقوله صلى الله عليه وسلم يا خيل الله اركبي من بليغ الكلام قاله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وقد استنفر أصحابه رضي الله عنهم كما وقع في الأحاديث الصحيحة من طرق. قوله: (والرجل اسم جمع للراجل الخ (لا جمع لغلبة وزنه في المفردات والراجل خلاف الفارس، وقوله: ويجوز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 أن يكون تمثيلاً الخ الظاهر، أنه يريد أنه استعارة تمثيلية مركبة استعير فيه المجموع والهيئة للمجموع والهيئة، وهذا لا ينافي أن يكون في الوجه الأوّل تجوزا في المفردات كأن يراد بالصوت الوسوسة أو كناية لأنه ليس على طريق التمثيل المشهور، ومن قال إنه تمثيل من غير أن يلاحظ فيه شيء يشبه الصوت وآخر يشبه الخيل والرجل بخلافه على الوجه الأوّل فإنه لوحظ فيه ذلك لأنه لا تمثيل على الأول لم يصب والذي غزه كلام صاحب الكشف هنا وهو محل بحث، وقوله لتسلطه وفي نسخة لتسليطه بيان لذلك المجموع ووجهه ما ذكره من استئصالهم واهلاكهم أو غلبته وتسخيره لهم والمغوار بالكسر الكثير الغارة وهي الحرب والنهب، وقوله: فاستفزهم من أماكنهم أي أزعجهم. قوله: (وقرأ حفص ورجلك بالكسر) أي بكسر الجيم مع فتح الراء وهو صفة كحذر بمعنى راجل، وقوله: بالضم أي بضم الجيم مع فتح الراء أيضا وقد جاءت ألفاظ من الصفة المشبهة على فعل وفعل كسرا وضما كندس وهو الحاذق الفطن. قوله: (ومعناه وجمعك الرجل الخ) يريد توجيه القراءتين فإنه مفرد، والمناسب للمقام وما عطف عليه الجمعية فأشار إلى أنه مفرد أريد به الجمع أي وأجلب عليهم بجمعك الرجل أي الرجال والرجل مفعول جمعك لأنه مصدر، ومن العجيب أن بعضهم قال إنه مضاف إليه ولم يجعل الكاف في جمعك مانعا للإضافة لجعلها في حكم كلمة واحدة. قوله: (وقرئ ورجالك ورجالك (رجال في الأوّل ككفار جمع كافر والثاني بالكسر كنبال وكلاهما جمع رجلان وراجل كما في الكشف، وفي بعض نسخ الكشاف رجال بالفتح والتشديد على أن أصله رجالة فحذفت تاؤه تخفيفآ، وقوله: بحملهم على كسبها الخ يعني أنّ المشاركة فيها مجاز عما ذكر وكذا ما بعده وتسميتهم عبد العزى وعبد الحرث بنسبتها إلى غير الله كأنه شركة فيها والاتكال على كرامة الآباء فإنه يعدهم بأنها تنفعهم، وقوله: اعتراض أي بين ما خاطب به الشيطان وان لم يكن بين كلامين متطالبين، ولذا قيل إنه اعتراض بياني. قوله: (وتعظيم الإضافة الخ (يعني أنّ الإضافة هنا للتعظيم فتدل عل تخصيص المضاف إليه بالمخلصين منهيم كما وقع التصريح به في الآية الأخرى ولقرينة كون الله وكيلاً لهم يحميهم عن شز الشيطان فإن من هو كذلك لا يكون إلا عبداً مكرما مخلصا فلا يرد عليه أنه وقع هذا أي تعظيم الإضافة للكل من غير تخصيص في قوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} [سورة الزمر، الآية: 53] مع أن الإضافة هناك قرينة على أنّ الإضافة ليست للتعظيم بل للترحم والتقييد في الآية الأخرى وإن وقع من الشيطان فهو مع أنّ الله تعالى قرره أدل دليل على ما ذكر لكون الخصم معترفاً بأن من حماه الله منه عبد مخلص، وقوله: قدرة تفسير لسلطان على أنه مصدر بمعنى التمكن من التسلط بالقدرة وعلى إغوائهم متعلق به. قوله: (يتوكلون عليه في الاستعاذة الخ (يعني المراد بالوكيل الملجأ إليه، وقوله هو الذي يجري إشارة إلى أن الذي خبره بكم لا صفته، وأن الخبر يزجي وأصل معناه يسوق والمراد به يجري هنا، وقوله: إلا متعة التي لا تكون عندكم قيده به لأنه الداعي إلى مثله من السفر غالبا وما تعسر من أسبابه هو سفر البحر. قوله: (ذهب عن خواطركم الخ (يعني اًق المراد بضلالهم غيبتهم عن الفكر لا عن النظر والحس، لأنه معلوم من قولهم ضل عنه كذا إذا نسيه ولا حاجة إلى جعله من ضمل بمعنى ضاع أو غاب وإن كان أصل معناه لغة على ما حققه في الكشف، ومن إن كانت عبارة عن المدعوّين مطلقا فالاستثناء متصل وان كانت عبارة عن آلهتهم فقط فهو منقطع بقرينة قوله فلما نجاكم إلى البر أعرضتم فإنه يدل على أنهم في السزاء كانوا يدعون آلهتهم وحدها كما اختاره في الكشف، وقوله: لكشفه أي لإزالة الضر. قوله: (أو ضل كل من تعبدونه الخ (إغاثتكم إفا بالغين المعجمة والثاء المثلثة أو بالمهملة والنون وهو ظاهر والضلال على هذا بمعنى الغيبة أو بمعنى عدم الاهتداء إلى طريق الإغاثة والدعوة بمعنى العبادة لا بمعناها الظاهر كما في الوجه الأوّل وعلى هذا الوجه الاستثناء يحتمل الاتصال والانقطاع أيضا بناء على تقييد من واطلاقه وأما ما قيل من أنه لا داعي لجعل الاستثناء منقطعا على هذا كما في الكشاف وحققه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 بأنّ عبادتهم مخصوصة بآلهتهم فيقتضي ذلك كونه منقطعا لا محالة فسد لباب الاحتمال واختصاص العبادة ممنوع كيف وقد قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فهو المعبود الحقيقي عندهم فتأمّل. قوله: (عن التوحيد (هذا على الوجهين وهو على الثاني أظهر فإنه يقتضي اختصاص ما ذكر، وقوله: اتسعتم يعني أنه من العرض مقابل الطول وهو كناية عن التوغل في التوسع في كفران النعم بقرينة ما بعده، ولما كان هذا غير مشهور ذكر بيت ذي الرمّة شاهداً عليه ومعناه أنه لتمكنه في المعالي له عطاء جم، ومكارم عريضة طويلة وهذا استعارة لأنّ الطول والعرض مخصوص بالأجسام وذكر العرض يغني عن الطول في الآية للزومه له، وقوله: كالتعليل للإعراض يعني بمعنييه لكنه على الأوّل يصح أن يكون من الكفر والكفران، وعلى الثاني من الكفران لا غير، ولم يجعله تعليلاً لإعراضهم لأنه غير مخصوص بهم وفيه لطف حيث أعرض عن خطابهم بخصوصهم وذكر أنّ جنس الإنسان مجبول على هذا فلما أعرضوا أعرض الله عنهم. قوله: (الهمزة فيه لإنكار (بمعنى أنه لا ينبغي الأمن وعطف الفاء في مثله على مقدر أحد المذهبين المشهورين فيه والمذهب الآخر أنها مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة واختار المصنف رحمه الله هذا لأنه لا يظهر تسبب الإنكار للأمن على ما قبله لترتبه على النجاة منه كما أشار إليه وقوله فحملكم الخ إشارة إلى أن الفاء تفيد سببيته لما قبله كما تقول: تأهب للشتاء فقد دنا وقته فهو معطوف عليه والجملة معترضة، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه الإنكار وتوطئة لما بعده. قوله: (أن يقلبه (تفسير للخسف، وقوله: وأنتم عليه من قوله بكم على أنها للمصاحبة والجارّ والمجرور حال أي مصحوبا بكم، وقوله: أو يقلبه بسببكم فهي متعلقة بالفعل قيل ولا يلزم من خسفه بسببهم أن يكونوا مهلكين مخسوفا بهم، كما في الأوّل وأجيب بأنّ المعنى جانب البرّ الذي أنتم فيه فيلزم من خسفه هلاكهم ولولا هذا لم يكن في التوعد به فائدة، فقوله فيكم الخ لف ونشر مرتب كذا في الدرّ المصون وفيه جانب البرّ منصوب على الظرفية، وعليه فيجوز كون الباء للتعدية بمعنى بغيبكم فيه كما فسره به في القاموس والأربعة نرسل ونعيدكم، وفنرسل وفنغرقكم، وقوله: وفي ذكر الجانب الخ لأنّ العدول عن البر الأحصر لا بد له من نكتة، وهي ما ذكر فالمراد به طرفه مما يلي البحر وهو الساحل لا ما يشمل جميع جوانبه، وقوله: كما وصلوا أي أوّل وصولهم، وهذه الكاف تسمى كاف المفاجأة والقرآن، وقوله: وان الجوانب الخ على تعميمه وكان الظاهر أو بدل الواو أي ليس جانب من جوانبه وإن بعد عن البحر مانعاً، وعاصما مما يريده والمعقل بكسر القاف الحصن أي المانع والملجأ، وقوله: ترمي بالحصباء وهي الحجارة الصغار وهو عبارة عن شدتها وذكرها إشارة إلى أنهم خافوا إهلاك الريح في البحر فقال إن شاء أهلككم بالريح في البر أيضاً وقوله يحفظكم الخ إشارة إلى أنّ الوكيل هنا الموكل بالأمور الحافظ لها، وقوله: فيه أي بركوب الفلك وليس الضمير للفلك لأنها مؤنثة. قوله: (بخلق دواعي الخ (وهو بيان لسبب العود ولا ينافي كون العود أيضا بخلقه، وفعله كما قيل إنّ الزمخشري قصده بهذا التفسير بناء على أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم فلذا خص الخلق بالدواعي فلا اعتراض على المصنف رحمه الله لحمله على الصلاج، وقوله: فتركبوه أتى به لقوله فيه، وقوله: لا تمز الخ كناية عن شدتها، وقوله: بسبب إشراككم يعني أن الباء سببية وما مصدرية والكفر إمّا بمعناه المعروف أو بمعنى كفران النعمة وفي نسخة وكفرانكم بالواو والأولى أظهر في التقسيم، وقوله: مطالبا ففعيل بمعنى مفاعل أو تابعا وغريما فهو بمعنى فاعل كما ذكره أهل اللغة، وقوله يتبعنا أي يطالبنا بإنجائهم لانتصاره لهم أو لصرفنا وردنا عما أردناه والثاني قبل الإغراق والأوّل بعده. قوله: (بحسن الصورة الخ (الإشارة والخط معطوفان على النطق والتهدي تفعل من الهداية بمعنى الاهتداء معطوف على الإفهام والتسلط على ما في الأرض كتسخير الحيوانات والأسباب العلوية كالشمس والقمر والأمطار والمسببات كالسحاب والرياج والعلوية والسفلية راجع إليهما لا لف ونشر ومما يقف الحصر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 استعارة لطيفة. قوله: (ومن ذلك ما ذكره ابن عباس (رضي الله عنهما قيل عليه أنه ينتقض بالقردة فإنها كذلك فلا يكون هذا كرامة ولا خاصة للإنسان وندفعه بعد القول بأنه بالنظر للأغلب بأنه لكونه من ذوات الأربع يده في حكم الرجل فلا كرامة في أكله بها والأمر في مثله سهل على طرف الأنامل. قوله: (على الدواب والسفن (فهو من حملته على كذا إذا أعطيته ما يركبه ويحمله فالمحمول عليه مقدر بقرينة المقام كما في قولهم حملته إذا جعلت له ما يركبه، وحملا بفتح الحاء وسكون الميم أو المراد حملهم على البر والبحر بجعلهم قازين فيهما بواسطة أو دونها، كما في السباحة في الماء وأصل معنى الحمل فيهما واحد. قوله: (والمستثنى جنس الملاتكة عليهم الصلاة والسلام الخ (المراد بالاستثناء هنا معناه اللغوي وهو الإخراج بما يقتضيه مفهوم تخصيص الكثير بالذكر فإنه يقتضي أن غيرهم لم يفضل عليه وإلا لم يكن للتخصيص وجه والمراد به الملائكة هاهنا إما جنسهم أو الخواص منهم على المذهبين المذكورين في الأصول إذ لم يذهب أحد إلى أنهم الجن أو غيرهم. قوله: (ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس الخ (جواب لسؤال واعتراض على الزمخشري، كغيره ممن قال إق ظاهر الآية يدل على تفضيل الملك على البشر وهو مخالف للمشهور من مذهب أهل السنة فدفعه بأن تفضيل جنس على جنس آخر لا يقتضي تفضيل كل فرد منه على كل فرد من الآخر، فالمراد بالجنس في كلامه الاستغراق أي اللازم من النظم عدم تفضيل جنس البشر بمعنى: كل فرد فرد منه على جنس الملك إذ بني آدم عام وليست إضافته للعهد فكذا ضميره أو على الخواص منهم فلا ينافي ذلك تفضيل بعض أفراد البشر على كل الملك أو على بعضه على المذهبين في المسألة، ثم المسألة مختلف فيها بين أهل السنة فمنهم من ذهب إلى تفضيل الملائكة عليهم الصلاة والسلام مطلقا ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الزجاج ومنهم من فصل فقال الرسل من البشر أفضل مطلقا ثم الرسل من الملائكة على من سواهم من البشر والملائكة ثم عموم الملائكة على عموم البثر وعليه أكثر الحنفية والأشعرية ومنهم من عمم تفضيل الكمل من نوع الإنسان نبيا كان أو وليا ومنهم من فضل الكروبين من الملائكة مطلقاً ثم الرسل من البشر ثم الكمل منهم ثم عموم البشر على عموم الملائكة واليه ذهب الرازي والغزالي. قوله: (والمسألة موضع نظر (مراده ما ذكره في الكشف من أنّ هذه المسألة لا تستند إلى دليل قطعي ولا يخلو دليل من أدلتها عن الطعن، ولذا لم يضلل أحد من أصحاب الأقوال فيها ولم ينسب إلى بدعة لعدم إخلاله بتعظيم الفريقين، فمن قال معنى كونها موضعنظر أنه مختلف فيها لم يأت بشيء. قوله: (وقد أوّل الكثير بالكل (كما أنّ القليل يكون بمعنى العدم وفيه تعسف لأنه لم يرد في القرآن ولا في كلام الفصحاء بهذا المعنى وعلى تسليمه لا فائدة لذكره حينئذ كذا قيل لكن المصنف تبع في هذا الزمخشري مع أنه قيل إنه فسر الاكثر في قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا} بالجميع فكأنه أراد أنه تعسف هنا لأن من التبعيضية تنادي على خلافه وكونها بيانية خلاف الظاهر وإذا كان التفضيل في الغلبة والاستيلاء لا يكون دليلا على المذعي لأنّ التفضيل المختلف فيه كونهم أقرب منزلة عند الله وأكثر ثوابا. قوله: (نصب بإضمار الخ (على أنه مفعول به لأنه من الظروف المتصرّفة لا على الظرفية كما في الوجه الآتي بعده فهو يخالفه من وجهين ولم يجعله معمولاً ليظلمون المذكور مع أن التقدير خلاف الظاهر لأن الفاء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وإلا لما دل عليه يقرؤون لأنهم لا يقرؤون كتابهم حين الدعوة فلا وجه لتعلقه به ولأن نفي الظلم يومئذ أهتم من إثبات القراءة فيه إن سلم صحته، وفيه أعاريب أخر مفصلة في الدر المصون، وقوله: يدعو أي بالياء أي الله أو الملك ويدعى مجهولاً. قوله: (ويدعو على قلب الألف واوا) أي بضم الياء وفتح العين بعدها واو وهي منقولة عن الحسن رحمه الله ولما كان الظاهر حينئذ يدعون بإثبات النون التي هي علامة الرفع خرجوها على وجهين، الأوّل: ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله على قلب الألف واوا الخ يعني ليست الواو ضمير الجمع حتى يرد ما ذكر بل هي منقلبة من الألف وأصله يدعي كما في القراءة الأخرى فجيء به كذا على لغة من يقلب الألف في الآخر واواً فيقول في أفعى وهي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 الحية أفعو لكن هذه تكون في الوقف وهذه في الوصل، أما إجراء له مجرى الوقف وأما لأنها لا تختص به كما نقل عن سيبويه، والثاني: ما أشار إليه بقوله أو على أن الواو الخ يعني أن الواو ليست ضميراً بل حرف أتى به علامة للجمع وليست فاعلا بل الفاعل كل أناس وحينئذ ليس حذف النون شاذا على حد قوله: أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي 0.. لقلة المبالاة بها كما سيأتي ولا يجوز أن يقال إنه للضرورة لوقوعه في هذه القراءة وفي الحديث لا تؤمنوا حتى تحابوا فكيف يقال إنه من ضرورة الشعر فتأمّل، ولا وجه لما أورد على هذا من أنه إما أن يقول إنها بدل من الألف فيرجع لما قبله أو زائدة فيلزم حذت لام الفعل من غير سبب لاختيار الثاني وأنها حذفت لسبب وهو التقاء الساكنين الواو التي هي لام حذفت ضمتها للاستثقال والواو التي هي علامة الجمع، وقوله أو ضميره فهي فاعلة وكل بدل كل منه بخلافه على الأوّل. قوله: (والنون محذوفة لقلة المبالاة بها (ظاهره أنه جار على الوجهين وأن النون لما كانت علامة إعراب عوملت معاملة حركته في إظهارها تارة وتقديرها أخرى وخالف الزمخشري في جعل هذا توجيها له على كونها علامة إعراب لأن النون إنما تلزم وتكون علامة إعراب بعد ضمير الجمع لا بعد علامته فإنه لا يجب فيه ذلك ورفعه حينئذ بحركات مقدرة كما في يدعي المفرد لأنه مفرد مثله، وأما على الوجه الثاني: فحذفها مخصوص بالضرورة فلا تقل المبالاة بها هنا وقد رذه صاحب التقريب بأنها علامة رفع فيهما من غير فرق بينهما وهو الحق ومن قال إن قوله والنون محذوفة الخ على أن تكون الواو ضميراً، وإلا فعلى كونها علامة جمع لا يقال النون محذوفة إذ الكلمة مفردة ألحقت بها علامة الجمع والرفع تقديري فهو مقدر كما في يدعي والنون غير مقدرة إذ لا موجب للحذف هنا كما في البيت السابق الذي حذفت فيه النون ضرورة فقد خبط خبطا عجيبا، ومن أمثلة كونها علامة يتعاقبون فيكم ملائكة ورفعه بالنون بلا خلاف ومنه تعلم أن الإعراب بالحروف يكون ملفوظاً ومقدراً، فلا حاجة إلى تصويره بمسلميئ الجمع المضاف للياء. قوله: (من نبتي الخ (يعني المراد كل متبع عاقلا أو لا، وعلى الوجه الآخر المراد به كتاب الأعمال فقط، وقوله التي قدموها صفة أعمالهم توجيه لإطلاق الإمام عليه، وقوله تنقطع علقة الأنساب الخ يعني على هذا التفسير وما قبله لأنه لا يدعي بابن فلان وإنما ينادي يا صاحب هذا الكتاب الفلاني أو الدين الفلاني أو أتباع فلان. قوله: (بالقوي (كالعصب والعصبية فيقال: يا أصحاب العصبية والجاهلية ولأتباعهم لها جعلت إماماً ولا يخفى بعده ولذا مرضه. قوله: (وقيل بأمّهاتهم جمع أمّ الخ (ضعفه لأن المعروف في جمع أم أقهات ولما في تعليله من الدخل مع ما فيه كما ستراه، وقوله: والحكمة في ذلك أي في النداء بالأمّهات نحو يا ابن فلانة أما تعظيم المسيح صلى الله عليه وسلم للإشارة بأنه لا أب له وأنه روج الله ولو نودي الناس بآبائهم ونودي بأمه لربما يشعر ذلك بنقص وكذا تعظيم الحسن والحسين رضي الله عنهما ببيان نسبهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو نسبا إلى أبيهما لم يفهم هذا لا لأن أتهما رضي الله عنها أفضل من عليّ رضي الله عنه أو سترا على خلقه حتى لا يفتضح أولاد الزنا فإنه لو نودي الناس بآبائهم ونودوا هم بأمّهاتهم علم أنهم لا نسبة لهم إلى آباء يدعون بهم وفيه تشهير لهم ولو نودوا بآباء لم يعرفوا بهم في الدنيا ولم ينسبوا لهم شرعا كان كذلك، فما قيل إنّ رعاية حق عيسى عليه الصلاة والسلام في امتيازه بالدعاء بالأم كرامة له عليه الصلاة والسلام لا غض فيه ليجبر بجعل الناس أسوة له في الانتساب إلى الأمّهات وإظهار شرت السبطين رضي الله عنهما بدون ذلك أتم، فإن أباهما خير من أمّهما رضي الله عنهما مع أنّ أهل العباء كالحلقة المفرغة، وأما أولاد الزنا فلا فضيحة إلا لأنهاتهم وهي حاصلة دير غيرهم أو لم يدع مع أنهم لا ذنب لهم يترتب عليه الافتضاح ظاهر السقوط بما قرّرناه، وقوله: كالحلقة المفرغة جواب تسليمي، أي عليئ رضي الله عنه لكونه أحد الخلفاء الأربعة الذين ظاهر كلام أهل السنة أنهم أفضل من غيرهم من الصحابة مطلقا أفضل ولو سلم فلكل منهما أفضلية وشرف من جهة، ككون فاطمة رضي الله عنها بضعة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 أشرف الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليّ رضي الله عنه هو ما هو في صفات الكمال واعتبار أحد الجهتين لا ينافي اعتبار الأخرى فلا يرد عليه أنّ بين كلاميه تنافياً وكيف يتوهم أنه يريد تساوي أهل الكساء من كل وجه وفيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: أدنى شيء تفسير لفتيلاً فإنه ما في شق النواة وهو حقير جذاً. قوله: (وتعليق القراءة الخ (يعني بقوله: ما يحبس ألسنتهم عن القراءة القراءة الكاملة بالإفصاج كما في الكشاف للتصريح بقراءتهم في غير هذه الآية، وهذا يؤخذ من مفهوم الشرط، وقوله: ولذلك لم يذكرهم أي بوصف القراءة، وقوله: مشعر بذلك أي بكون قراءتهم كالعدم لأنّ الأعمى لا يقرأ وإنما جعله مشعراً لأنه من عمي البصيرة لكنه لكونه مستعارا من عمي البصر أشعر به. قوله: (والمعنى ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب الخ (يعني أن العمي هنا من عمي البصيرة فقوله: لا يبصر رشده بمعنى ليس له بصيرة تهديه إلى ما يرشده لفقد النظر الصواب، وقوله: لا يرى طريق النجاة يريد أنه استعارة لعدم النجاة لأنه لا طريق له إليها حتى يراء إذ طريقها الإيمان والعمل وهما لا يفيدان يوم القيامة فرأى في كلامه بصرية على الاستعارة وقيل إنها قلبية والمراد نفي النجاة إذ لا طريق لها بعده أو المراد نفي إدراك ما هو طريق النجاة لو كان في الدنيا أي الإيمان وهو المناسب لما سيأتي فتأمّل، وقوله: منه في الدنيا يعني أنه مفضل على نفسه باعتبارين، وقوله: لزوال الاستعداد أي استعداده لعمل ما ينجيه وفقدان الآلة كأن المراد بها العمل لأنه لا يمكنه والمهلة معطوفة على الآلة وهي ظاهرة. قوله: (وقيل لأنّ الاهتداء بعد) أي بعد الدنيا لا ينفعه، يعني أق الأعمى فاقد حاسة البصر استعير في الأوّل لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة في الدنيا لفقدان النظر أي الفكر وفي الثاني لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة في الآخرة لعدم انتفاعه بها فيها، وهذا ما في الكشاف وقد فسره المصنف رحمه الله بأنه لا طريق له إلى النجاة كما مرّ، وقوله: والأعمى مستعار من فاقد الحاسة يعني على المسلكين إذ الخلاف إنما هو في المراد منه، فتأئل. قوله: (وقيل الثاني للتفضيل (بناء على أق العمى كما يكون للبصر يكون للبصيرة وعلى الثاني، فهو من العيوب الباطنة التي يجوز أن يصاغ منها كالأحمق والأبله فإن كان حقيقة فيهما فلا إشكال، وان كان مجازاً فيجوز إلحاقه بما وضع لذلك وقد منعه بعضهم لأن العلة فيه وهي الإلباس بالوصف موجودة فيه، وقوله ولذلك أي لكونه أفعل تفضيل غير معرف باللام ولا مضافا وهو لا يستعمل بدون من الجارّة للمفضل عليه ملفوظة، أو مقدرة وهو معها في حكم الكلمة الواحدة فتكون ألفه كأنها في وسط الكلمة كألف أعمال والألف المتوسطة لا يحسن ويكثر إمالتها، كالمتطرفة فلذا أمال بعض القراء إحداهما دون الأخرى وبهذا صرح أبو عليئ رحمه الله في الحجة، وهذا الكلام مأخوذ منه فلا يرد عليه إمالة أدنى من ذلك والكافرين وقراءة بعض القراء بإمالتها حتى يقال: إنّ من أمالهما لا يراه اسم تفضيل أو هو للمشاكلة مع أنه لا يحسم مادة السؤال فإنه إذا أميل مع من وفي الوسط الحقيقيّ لا يتأتى ما قالوه هنا، والجواب أنه لما ذكر ما يحسن إمالته مقارنا لما لا يحسن حسن عدم الإمالة للفرق بينهما فلا يرد عليه ما ذكر فتدبر، وقوله: معرضة للإمالة أي صالحة لها وقوله: من حيث إنها تصيرياء في التثنية يعني وافعل من لا يثني ولا يجمع كما تقرر في النحو والإمالة تقرب من الياء، وقوله: بين بين بالتركيب أي بين الألف والياء. قوله: (نزلت في ثقيف (اسم قبيلة معروفة. وقوله: لا ندخل في أمرك أي لا نسلم، وقوله: لا نعشر مجهول من التعشير وهو أخذ العشر لأنّ زكاة المعشرات كانت بالمدينة كما في الكشف، وقيل: المراد لا تؤخذ صدقة أموالنا على التغليب، وقوله: نحشر مجهول أيضاً أي لا 1 فبعث ونساق إلى غزاة وجهاد ونجبي بضم النون وفتح الجيم وكسر الباء الموحدة والياء آخر الحروف من التجبية وهي وضع اليدين على الركبتين أو على. الأرض أو انكباب على الوجه فهي كناية عن الرجوع أو السجود والمراد لا نصلي لكن إن ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم لا خبر في صلاة ليس فيها ركوع فالمراد الأوّل، وكذا قول المصنف رحمه الله في صلاتنا يقتضي أنّ الأخير غير مراد فمن خمسره به لم يصب، وقوله: موضوع عنا أي مرفوع عنا فلا يؤخذ منا، وقيل: معنى كل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 ربا لنا أي كمال الغنيمة وكل ربا علينا أي ما يؤخذ من الواجبات وغيره ولا وجه له، وقوله: وان تمتعنا الخ أي تترك ذلك الصنم لنا ولا تبطله، قالوا: حتى نأخذ ما يقرب لها، وواديهم واد بالطائف ويسمى وجا، وقال العراقي: هذا الحديث لم نجده في كتبه، والثعلبيّ رواه عن ابن عباس زضيا قه عنهما من غير سند وفيه زيادة في الكشاف، واستلام الحجر تقبيله وفي كونه سبباً للنزول ما جقتضمي أنه أبدى لهم لينا ليؤففهم وهذا بالوضع أشبه،. وقرله: الفارقة أي بين المخففة وغيرها كما بين في النحو، وقوله: إنّ الشأن إشارة إلى أن اسمها ضمير شأن مقدر، وقوله: قاربوا حعنى كادوا، وقوله: بمبالغتهم من أن والتأكيد باللام، وقوله: بالاستنزال إشارة إلى أنه مضمن معنى- هذا ليتعدى بجن، وقوله: غير ما أوحينا إليك مما مرّ ذكره. قوله: (بريئاً من ولايتي) يعني أنه يكون بينه وبينهم مخالة ومخالة عدوّ الله تقتضي عدم مخالفته كما قيل: إذا صافى خليلك من تعادي فقد عاداك وانفصل الكلام ... لا أن في النظم ما يدل على الحصر، وقوله: تثبيتنا إشارة إلى أن أق مصدرية، وقوله: إن تميل تفسير للركون وأصل معناه الميل إلى الركن، وقوله: وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ أي قصد وعزم لا أنه همّ فمنعه نزول هذه الآية كما قيل، وقوله: ودليل على أن العصمة أي عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم على أنّ التعريف للعهد أو عصمة كل أحد لأنه يعلم منه بالطريق الأولى، وقوله: لو قاربت قدره لأن إذا حرف جواب وجزاء فيقدر شرط دل عليه ما قبله. قوله: (أي عذاب الدنيا (ففي الكلام مضاف مقدر وقد كان موصوفا وعذاب الآخرة يتناول عذاب القبر لأنه دهليز الآخرة وقد عدوه منها، ويعذب مجهول وغيرك نائب فاعله، وقوله: لأنّ خطأ الخ إشارة إلى وجه التضعيف والتعبير بالخطأ حسن جدا، وكونه عذاب غيره على الفرض، وفيه تنزيه واجلال لقدره فإنّ مثل الركون والهئم موضوع عنا ما لم يقارنه غيره فإذا ضوعف جزاؤه ووعيده عليه علم نزاهته عنه. قوله: (وكان أصل الكلام ايخ) والإضافة فيه على معنى في ويقدر حينئذ ضعف عذاب الحياة ولو قدر ابتداء هكذا، كان أسهل وتكون الإضافة لامية ولا داعي لهذه الاعتبارات، والقرينة على تقدير العذاب هنا قوله: أذف ك، وقوله: وقيل الضعف من أسماء العذاب هذا القائل عني أنه عبر به عنه لكثرة وصف العذاب به كقوله: عذاباً ضعفا من النار وقوله وقيل المراد الخ يعني أنهم في الآخرة لا يموتون فلهم فيها حياة مضاعفة وموتهم في القبور أضعاف موتهم قبله، وقوله: يدفع العذاب الدفع أسهل من الرفع فلا يجد من يرفعه بطريق الأولى. قوله: (أرض مكة ليخرجوك الخ (قيل عليه كاد للمقاربة لا للحصول وقد حصل الخروج كما قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [سورة محمد، الآية: 13] وأجيب بأنهم إنما هفوا بإخراجه صلى الله عليه وسلم ولم يخرجوه كما في حديث دار الندوة ولكنه صلى الله عليه وسلم خرج بنفسه مهاجراً إلى ربه بأمره والإخراج المذكور في الآية مجاز عن إرادته وتسببه ولذا قال المصنف رحمه الله: ولو خرجت ولم يقل أخرجت ولو بمعنى أن فيه أو الآية نزلت قبل إخراجه وقد قرب ذلك لأنها مكية والقول بأنها مدنية غير مرضي وان ذهب إليه بعضهم كما يدل عليه إذا والسباق، وقيل الأرض أرض العرب وعليه فلا إشكال. قوله: (إلا زماناً قليلاَ) يجوز أن يكون التقدير إلا لبثا قليلاً لكنه اختاره لأنّ التوسع بإقامة الوصف مقام الموصوف بالظرف انسب والمراد بعدم لبثهم إهلاكهم سواء كان بالاستئصال أولاً وعلى تفسير الأرض بأرض العرب المراد به الاستئصال وأشار إلى أن المراد به ذلك بقوله: وقد كان ذلك الخ وقوله: وقيل إنّ المراد بالأرض أرض المدينة، وقوله: ثم قتل الخ بيان لعدم اللبث على هذا التفسير، وقوله: بقليل يكفي في التراخي المدلول عليه بثتم أو هو تراخ في الأخبار. قوله: (وقرئ لا يلبثوا منصوبا (شرط عمل إذن النصب استقبال ما بعدها وكونها في أوّل جملة، كما ذكره النحاة فلهذا وفقوا بين القراءتين بأنها على الأولى معطوفة على قوله: يستفزونك وهو خبر كاد فتكون متوسطة في الكلام لكون الجملة الداخلة عليها خبر كاد، وعلى الثانية: هي معطوفة على جملة وان كادوا فلا يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 كذلك فتعمل ولا يخرجها العطف عن ذلك، وإليه أشار بقوله فإن إذا الخ، وما بعدها فاعل معتمدا لكونه معتمداً، وقوله: وهو لغة فيه أي في خلف المقابل لقدام لا مصدر خالف خلافا. قوله: (عفت الديار الخ) يصف دروس ديار الأحباب بعدهم فخلافهم فيه بمعنى بعدهم وخلفهم، وعفت بمعنى درست وخربت، وبسط بمعنى مد وفرش، والشواطب جمع شاطبة وهي التي تشطب خوص النخل وتشقه لتنسج منه حصيراً يعني أنها غير مكنوسة، والحصير ما يبسط على الأرض مما عمل من الخوص ونحوه. قوله: (نصب على المصدرا لفعل مقدر وقيل إنه منصوب على نزع الخافض أي كسنة فلا يوقف على قوله: قليلا، كما في الدر المصون فالمراد تشبيه حاله بحال من قبله لا تشبيه الفرد بفرد من ذلك النوع، والمعنى على هذا وعلى ما قبله أن هذا ليس ببدع بل سنة جرت قبلك. قوله: (فالسنة لله) يعني أنه لم يضف إلى من سنه كما هو المشهور في مثله فأضيف إلى من سن لهم إضافة اختصاصية بدليل ما بعده كما أشار إليه بقوله، ويدل عليه أي على أن السنة دلّه. قوله: الزوالها (تفسير للدلوك لغة وقدمه لأنه الأشهر وللتصريح به في الحديث المذكور الذي رواه البيهقيئ، وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقوله: وقيل لغروبها إشارة إلى القول الآخر في معنى الدلوك، وقوله: وأصل التركيب أي المادّة المركبة من دلك يدلّ على معنى الانتقال لوجوده في جميع معانيها ففي الزوال انتقال من وسط السماء إلى ما يليه، وفي الغروب انتقال مما يقابل الأرض إلى ما تحته وفي الدلك المعروف انتقال اليد من محل إلى آخر بل ما كان أوّله دال ولام بقطع النظر عن آخره يدل على ذلك كدلج بالجيم من الدلجة وهي سير الليل، والانتقال فيه من مكان إلى آخر، أو من قولهم دلج بالدلو إذا مشى بها من رأس البئر للصمث، ودلح بالحاء المهملة إذا مشى مشياً متثاقلا، ودلع بالعين المهملة إذا أخرج لسانه ويكون متعذيا ولازماً، ودلف بالفاء إذا مشى مشي المقيد أو بالقاف لإخراج المائع من مقرّه، ودله إذا ذهب عقله ففيه انتقال معنوي، وقوله: وقيل الدلوك من الدلك بمعناه المعروف فيه فهو مصدر مزيد مأخوذ من المصدر المجرد لأنه الأصل، كما قالوه في الطهارة وسموه اشتقاقا وبه صزج الزمخشري فمن قال: إن هذا يدل على أن الدلوك ليس بمصدر لم يصب، وتعليله بأن المصدر لا يشتق غفلة عن هذه القاعدة المقرّرة عندهم، وهذا على القول بأنه الزوال لكن يكون دلوك الشمس تجوزاً في نسبة الإضافة عن دلوك ناظرها بحسب الأصل، ومن قال إنه ليس بمشتق منه لأن الأوّل مصدر دلكت الشمس دلوكا بأحد معانيه والثاني مصدر دلكه دلكا إذا غمزه ووعكه لم يأت بشيء. قوله: (واللام للتأقيت الخ) أي لبيان الوقت بمعنى بعد وتكون بمعنى عند أيضاً وقيل إنها للتعليل، لأن دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة، وقوله: ليدفع شعاعها أي ليدفع ما يلحق العين من شعاعها، وقوله لثلاث إشارة إلى أنه شاع استعمالها في التاريخ، كما بين في النحو وقوله إلى ظلمته بيان لمعنى الغسق وهو الظلمة وقال ابن شميل هو دخول أوّل الليل. قوله: (وصلاة الصبح (عطف تفسيرفي وفي نسخة، وهو صلاة الصبح وهما بمعنى، وقوله سميت قرآنا يعني أنه من تسمية الكل باسم جزئه لأنه ركنها فيدل على وجوب القراءة فيها صريحا وفي غيرها بدلالة النص والقياس، وقوله ولا دليل الخ رد على من استدلّ بها من الحنفية، كما في الكشاف على وجوب القراءة فيها بأنه يجوز أن يكون التجوّز به لوقوعه فيها على سبيل الندب كما سميت تسبيحا، وهو ليس مما يجب فيها ورد بأنّ العلاقة المذكورة علاقة الجزئية والكلية بدليل ما نظر به من الركوع والسجود فجعله ركنا كنظائره وجيه مع أن الندبية لا تصلح علاقة معتبرة إلا بتكلف، والتسبيح ليس بمعنى قول سبحان الله بل بمعنى التنزيه البليغ الحاصل بقراءة الفاتحة بل بالتكبير الواجب بالاتفاق وبالفعل الشامل لجميع الأركان، وأورد عليه أنّ قراءة الفاتحة والتكبير ليسا بركنين عند مخالف المصنف والوجوب لا يستلزم الركنية فلا يدفع النقض والتسبيح فعلاً أمر مبهم لا بد من بيانه حتى يتكلم عليه (اقول (ما ذكره المصنف رحمه الله ليس انتصار المذهب الشافعي حتى يرد عليه بما ذكر، وكذا ما وقع في الكشاف فإنه رد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 على ابن علية والأصم القائلين بندبية القراءة والاكتفاء بما ذكر من العلاقة لا تكلف فيه لأنه من الصلاة الكاملة فهو كنظائره بلا ضرر ولا ضير، ومذهبهما في التكبير غير معلوم فدعوى الاتفاق غير مسلمة منه ولو كان كما ذكره لكان الوجوب كافياً في علاقة أخرى وهي اللزوم، وأمّا التنزيه الفعليّ في الصلاة كلها لأنها عبادة وهي عبارة عن التعظيم، والتنزيه فليس بأمر مبهم بل هو أظهر من الشمس نعم هو أمر معنوي لا يظهر عذه ركناً، ومن رذه بأن القراءة والتكبيرة من أركان الصلاة عند الشافعي رحمه الله كما في الهداية فكيف لا يدفع النقض فقد شرحه بما لا يوافق المشروح فتدبر. قوله: (نعم لو فسر الخ (يعني أنها إذا جعلت مجازاً عن الصلاة دل على وجوبها للأجمر بها لا على القراءة ووجوبها وإن كان علاقة التجوّز وقوعها فيها أما إذا أبقى على حقيقته دل على ما ذكر وهو الذي اختاره الإمام وفي أحكام الجصاص تقديره أقم قرآن الفجر وفيه دلالة على وجوب القراءة في صلاة الفجر لأن الأمر للوجوب ولا قراءة في ذلك الوقت واجبة إلا في الصلاة، فإن قيل معناه صلوا الفجر قيل له هذا غلط من وجهين، أحدهما: أنه صرف عن الحقيقة بغير دليل، والثاني: أن قوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك يأباه فإنه لا معنى للتهجد بصلاة الفجر اهـ، وما قال إنه غلط لا وجه له لأن الدليل قائم وهو قوله: أقم لاشتهار أقم الصلاة دون أقم القراءة، وضمير به راجع إلى القرآن بمعناه الحقيقي استخداما فتدبره. قوله: (تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار (أي الكتبة والحفظة لنزول ملائكة النهار في ذلك الوقت وبعده تصعد ملائكة النهار فتلتقي الطائفتان في وقتي الصبح والعصر كما في الكشاف وغيره. قوله: (أو شواهد القدرة) أي تشهد وتحضر فيه شواهد وأدلة على قدرته تعالى، وقوله بالانتباه أي الذي هو أخو الحياة، وقوله أو من حقه لو قال إذ من حقه لكان أظهر. قوله: (والآية جامعة للصلوات الخ (بدخول الغاية تحت المغيا المبين بالسنة، وفعل الرسول ل صلى الله عليه وسلم لأنها تدل على أن فيه أوقات صلوات إجمالاً بينها الله بوحي آخر، وغسق الليل ممتدّ إلى الفجر لا أن كل وقت منه وقت صلاة إذ لا صلاة في وقت الكراهة، كما بعد العصر فلا يقال إنّ هذا لا يجري على مذهب المصنف رحمه الله لأن بين المغرب والعشاء وقتا مهملاً على أحد قولين وليست الآية حجة عليه كما قيل، وقوله: ولصلاة الليل وحدها هذا مبنيّ على أن مبدأ النهار طلوع الشمس كما هو في العرف ومصطلح المنجمين، وأهل الشرع على أنّ مبدأه الفجر الصادق وقد ورد بهذا المعنى في حديث صلاة النهار عجماء أي سرية فإنه أدخل الفجر في الليل فليس مجرّد اصطلاج كما توهم والحاصل أنّ الظهر والعصر يخرص ن على هذا فلا يرد عليه شيء. قوله: (وقيل المراد بالصلاة (في قوله أقم الصلاة صلاة المغرب وحدها فيكون في الآية صلاتان، وقوله: بيان لمبدأ الوقت ومنتهاه، فالغاية خارجة على هذا القول الضعيف عنده لأنّ بينهما وقتا مهملاً على القول الجديد عند الشافعي وهو ما قاله بعد خروجه من بغداد فلا تنافي بين كلاميه كما توهم، وقوله: على أنّ الوقت أي وقت المغرب على هذا التفسير وعلى غيرهـ لا يمتد كما مرّ، وهو مذهب الحنفية في الامتداد. قوله: (وبعض الليل ((إشارة إلى أن من تبعيضية وأنه لا يستغرق الليل به كما في الحديث لبدنك عليك حق وقوله فاترك الهجود بيان لأن الهجود بالضم أصل معناه النوم والتفعل للسلب كتأثم بمعنى ترك الإثم ومعناه صل ليلاً ولذا فسره ابن فارس به، وقوله: والضمير للقرآن أي استخداما أو هو على ظاهره كما مرّ وقيل الهجود من الأضداد يكون بمعنى اليقظة والنوم وان تهجد يكون بمعنى صل في الليل حقيقة ومن الليل في محل نصب، والفاء عاطفة على مقدر أي قم فتهجد أو هو على نسق واياي فارهبون فهي مفسرة. قوله: (فريضه (فهي بمعناها اللغوي وهي زائدة، ولذا سميت النافلة نافلة لزيادتها على الفرض وهذا بناء على أن قيام الليل كان واجبا عليه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة أمر بقيام الليل، وكتب عليه دون أمّته لكن صحح النووي أنه نسخ عنه فرضية التهجد ونقله أبو حامد من الشافعية وقال إنه الصحيح، وفي مسلم ما يدل عليه أو المراد بالنافلة الفضيلة إمّا لأنه فضل على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 أمّته بوجوبها عليه ليزداد ثوابا أو هو فضيلة له لا مكفرة لذنوبه لكونه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما فصل في شروح البخاري. قوله: (يحمده القائم فيه) أي الموجود في ذلك المقام وهو كل من بالمحشر وقوله: وهو أي المقام المحمود معناه المتبادر منه ما ذكر لكن المشهور أنه مقام الشفاعة مطلقا، وهو كما في شرح الكرماني مقام يحمده فيه الأوّلون والآخرون حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه ئ صلى الله عليه وسلم وهو مقام الشفاعة العظمى حيث اعترف الجميع بعجزهم، وقيل له اشفع تشفع فيشفع لجميع الخلائق في تخليصهم من هول الموقف وهذه هي الشفاعة العامّة، ثم يشفع بعد ذلك لعصاة أمّته والشفاعتان كلاهما في موقف الحشر فلا منافاة بين ما في الحديث من الشفاعة لأمّته صلى الله عليه وسلم في الذنوب والشفاعة لجميع أهل الموقف من الخلاص من هوله ودهشة الانتظار، فلا يرد على ما في الحديث أنّ ظاهره أنّ المراد به مقام الشفاعة الخاصة بأمّته والمشهور أنه مقام الشفاعة العامّة لأهل المحشر وبه يجمع بين الروايتين فإن كلا منهما ورد في حديث صحيح، وقوله: سابقا وكل من عرفه لدخوله في الشفاعة الأولى فلا وجه لما قيل إنّ ذلك ليس لوصول نفعه إليهم بل لاستحقاقه لذلك. قوله: (ولإشعاره بأن الناس يحمدونه الخ (وجه الإشعار أنّ مقامه محل قيامه في الأصل ثم شاع في مطلق المحل وحمد المقام من حيث هو مقاه م يقتضي أن يكم ن ذلك القيام مقاما محموداً أيضا، ولا معنى لكونه قياماً عظيما بعد البعث إلا كونه للشفاعة إذ أيتصوّر كونه للعبادة ولا للخطابة إذ لا يكون مثله بعد البعث ومجرّد القيام لا يحمد ولذانسر- به في الأحاديث، وعبر عف بالإشعار لخفائه ودفته فلا وجه لما قيل إنه لا مانع في ظالر اللفظ من إرادة مقامه في الجنة مثلا فوجه الإشعار غير واضح إلا على مذهحب من يقول إن الحمد قد يكون في مقابلة الأنعام وليس المصنف رحمه الله منهم كما مرّ مع أنّ ما ذكره بعيد عن البعث ولا يناسب عسى فإنه محقق وان كانت عسى من الله إيجاباً لأنّ الكئريم لا يطمع فيها لا يفعل كما صرّج به المفسرون وقد حاول بعضهم دفعه بما لا طائل تحته. قتوله: (وانتصابه إلى الظرف الني) إشارة إلى دفع ما يقال إنّ النحاة ذكروا أنّ اسم المكان الذي عدلى مفعل ونحو لا ينتصب مطلقا إلا المبهم منه، وأمّا ما كان محلا للحدث المشتق كمقعد ومعكان، فلا يجوزفيه ذلك إلا إذا كان العامل فيه من لفظه نحو جلست مجلس زيد، ولا يجوز أكلت مجلس! بد إلا على خلاف القياس خلافاً للكسائي فلذا أضمر له فعلاً من لفظه، وجوّ ز أن يكون ناصمه يبعثك لتضمنه معنى فعله وهذا بناء على أن التضمين ليس بتقدير ليغاير ما قبله وقوله معط إ، أي يقيمك أو نصبه ليس على الظرفية حتى يرد ما ذكر فهو إمّا حال بتقديرر مضاف كما ذلره المصنف أو مفعول به ليبعثك لكونه مضمناً معنى يعطيك، وقوله: أو الحا ال معطوف على قوله على الظرف. قوله: (أي في القبر) حمله عليه بقرينة ذكره بعد البعث، أوقوله: مرضهيا أي مبرا مما لا يرضى عند الله من السيئات تفسير لصدق لأنه نظ! ير رجل صد- ق أي رجل ط رق بمعنى جيد مرضي والإضافة لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي يستحق أن يقال فيه أنه إدخال مرضيئ لا يرى فيه ما يكره لأنه في مقابلة مدخل سوء، قال الفاضل اليمبني الصدق من و! ف العقلاء فإذا وصف به غيرهم كان دالاً على أنه مرضيّ وقوله عند البعث بقنرينة ذكره عقبه اوقوله: ملقى بالكرامة أي بإكرام الله والملائكة عليهم الصلاة والسلام، وقوله ا: وقيل المراد إرخال المدينة الخ ويدل عليه قوله وان كادوا ليستفزونك الآية وهذا يدل على أنهها مكية وقوله: وقيل إدخاله مكة، وهذا يدل على أنها مدنية وفي الكشاف أنها نزلت في يوم الفمتح قال في الكشف أنه يدل على أن بعض السورة نزل بعد الهجرة وقد ذكر في قوله وإذا لا يلبثمثون وجها يدل كللى أن الأرضى أرض المدينة وهو يدل بظاهره على أنّ بعضها مدني وإن كان مررجوحاً. قوله: (وقيل إدخاله فيما حمله من أعباء الرسالة) جمع عبء كحمل وأحمال، وزنا ومعنى وآخره مهموز وهو استعارة أو من قبيل لجين الماء، وضمير منه وحقه لما الموصولة، وقوله إدخاله في كل ما يلابسه في الكشف أنه الوجه الموافق لظاهر اللفظ المطابق لمقتضى النظم وسابقه ولاحقه لا يختص بمكان، وكفاك قوله واجعل لي من لدنك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 سلطانا نصيرا شاهد صدق على إيثاره، وقوله: وقرئ الخ هي قراءة شاذة، وقوله: فأدخل فأخرج قدر فعلا ثلاثيا ليناسب مخرجا سواء أكان مصدراً أم اسم مكان، وقيل إنه يحتمل أن يكون على حذف الزوائد على حد قوله أنبتكم من الأرض نباتاً، وفيه نظر. قوله: (ملكاً بصيئة المصدر) أي قهراً وعزاً كما في الكشاف، وقوله: فاستجاب له أي هذه الدعوة، لأن قوله اجعل لي جملة دعائية فلا حاجة إلى جعل الفاء فصيحة بتقدير فأمره الله بالدعاء فدعا فاستجاب، ولم يذكر ما في الكشاف من قوله: والله يعصمك من الناس لعدم مناسبته للنصرة ظاهراً. قوله: ( {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ} ) قيل إنه يحتمل أن يكون من مقول القول الأوّل لما فيه من الدلالة على الاستجابة ولا يخفى بعده وفسر الحق بالإسلام وقريب منه تفسير الحق بعبادة الله والباطل بعبادة الأصنام، وقوله: وهلك أي فني واضمحل والشرك مطلق الكفر لاستعماله بهذا المعنى أو بمعناه المشهور لكون هؤلاء كذلك، وقوله: من زهق روحه يعني أنه استعارة منه، وقوله: غير ثابت الآن وفيما بعد أو مطلقا لكونه كأن لم يكن. قوله: (عن ابن مسعود رضي الله عنه الخ) وقع في الكشاف مع زيادة فيه، وقال ابن حجر: إنه لم يجده بلفظه وذكر ما يقرب مما رواه المصنف رحمه الله عن علي رضي الله عنه ونقله عن النسائي والحاكم وقوله: دخل مكة يوم الخ في الكشاف ولما نزلت هذه الآية وقال ابن حجر أنه لم يجده فلذا تركه المصنف رحمه الله، وقوله: ينكت بالتاء المثناة الفوقية أي يدس والمحضرة بكسر الميم والخاء المعجمة والصاد والراء المهملتين عصا ونحوها سميت بها لأنها قد توضمع تحت الخاصرة، وقوله: فينكبّ أي يسقط والضمير لواحد الأصنام، وقوله: وبقي الخ لأنه لم تصل إليه العصا لارتفاعه، وقوله: وكان من صفر في الكشاف من قوارير صفر، والصفر على ما هنا النحاس وخزاعة قبيلة معروفة، وقوله: فصعد أي عليّ رضي الله عنه ولم يقل كما في الكشاف أنه صعد على النبيّ صلى الله عليه وسلم تأدباً وفي مسند ابن حنبل عن عليّ رضي الله عنه قال: كان على الكعبة أصنام فذهبت لأحمل النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم أستطع فحملني فجعلت أطعنها ولو شئت لنلت السماء ة وفيه معجزة له صلى الله عليه وسلم إذا وقعت مع تمكنها بمجرّد نخسه، ولذا قالوا انظروا سحر محمد. قوله: (ما هو في تقديم دينهم الخ) فالشفاء استعارة تصريحية أو تخييلية بتشبيه الكفر بالمرض وقيل إنه تشبيه لذكر الطرفين وفيه نظر ظاهر. قوله: (ومن للبيان) بناء على جواز تقدم البيان على المبين وهو ما فلا يسمع ردّ أبي حيان له وعلى هذا يكون القرآن كله شفاء. قوله: (إنه) أي من وذكره باعتبار أنه حرف، ويجوز تأنيثه باعتبار الكلمة وحمل الشفاء على معناه لا يناسب على المعنى الأول إذ كله شاف كما مرّ تقريره وفي شرح الكشاف أنه يجوز أن يكون بالمعنى الأوّل، والمراد تنزل ما هو شفاء منه أي ندرج نزوله شيئاً فشيئا وليس المراد أن منه ما هو شفاء وما ليس بشفاء والمنزل الأوّل، وإنما المعنى أن ما لم ينزل بعد ليس شفاء لعدم الاطلاع عليه وما نزل شفاء لداء خاص فانزل كله دواء كفواً لكل داء فالمراد بالشفاء ما هو شفاء بالفعل ولبعده عدل عنه المصنف رحمه الله لما ذكره. قوله: (وآيات الشفاء) هي ست، ولشف صدور قوم مؤمنين، وشفاء لما في الصدور فيه شفاء للناس، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وإذا مرضحت فهو يشفين، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، قال السبكي: وقد جرّبت كثيرا وعن القشيريّ أنه مرض له ولد يئس من حياته فرأى الله في منامه فشكا له ذلك فقال له: اجمع آيات الشفاء واترأها عليه أو اكتبها في إناء واسقه فيه ما محيت به ففعل فشفاه الله والأطباء معترفون بأن من الأمور والرقي ما يشفى بخاصة روحانية كما فصله الأندلسي في مفرداته، ومن ينكره لا يعبا به، وقوله لتكذيبهم وكفرهم به فيزيد الخسار بزيادة أسبابه. قوله: (لوى عطفه الخ) أصل معنى نأى بعد من النأي فمعنى بعده بجانبه أما صرفه عما يقابله لأنه يبعده عن جانب إلى آخر، أو المراد بجانبه نفسه، كما يقال: جاء من جانب فلان كذا أي منه، وهو كناية أيضاً كما يعبر بالمقام والمجلس عن صاحبه وتبعيد نفسه عن الله أو ذكره عبارة عزم نسيانه مجازا ومستبدّ بمعنى مستقل لا يحتاج إلى ربه، وقوله: ويجوز الخ، هو في الأوّل أيضاً كناية لكن عن الترك ويجوز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 أن يكون مجازاً عنه، وقوله على القلب: أي قلب العين إلى محل اللام أو هو بمعنى نهض أي أسرع بتقدير مضاف أي أسرع بصرف جانبه، ومعنى الجانب على ما مرّ أو معناه تثاقل عن أداء الشكر وفي الكشاف أنّ قوله: ونأى بجانبه تأكيد للأعراض، فاورد عليه أنه ينبغي ترك العاطف لكمال الاتصال إلا أن يراد أنه كالتأكيد أو هو تفسير كما قيل، وإذا كان بمعنى الاستكبار لا يكون تأكيدا، ولا يخفى أن قوله ونأى بجانبه لكونه تصويراً لأعراضه كما في الكشف أوفى بتأدية المراد ومثله يجوز عطفه لإيهام المغايرة بينهما وهو أبلغ من ترك العطف كما قرّره في المطول في قوله: ويذبحون أت اءكم مع أنّ ما ذكره أهل المعاني غير مسلم كما سيأتي ومعنى الاستكبار مبين في قوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرُوا} الآية، وقوله: من روح الله بفتح الراء بمعنى رحمته وشدة يأسه، لأنه لم يعامله في الرخاء حتى يرجو فضله في الشدة. قوله: (كل أحد) إشارة إلى تقدير المضاف وأن التنوين عوض! عنه، وقوله: على طريقته تفسير للمشاكلة بطريقته أي مذهبه لأنّ أصل الشواكل الطرق المتشعبة لتشاكلها أي تشابهها في الشكل، فسميت عادة المرء بها لأنها تشاكل حاله في الهدى والضلال، وهذا أنسب مما بعده ولذا قدمه. قوله: (أو جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه) فالشاكلة الروج، فالمعنى حينئذ أن كل أحد يعمل على وفق روحه فإن كانت روحه ذات شقاوة عمل عمل الأشقياء وان كانت سعيدة عمل عمل السعداء أو عملاً عائدا على روحه خيرا وشرّاً، واختلف في الأرواح والنفوس الناطقة الإنسانية هل هي مختلفة الماهية واختلاف أفعالها لاختلاف ماهيتها أولاً، واختلاف الأحوال لاختلاف الأمزجة، قيل: وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى المذهبين والأوّل هو المختار الموافق لظواهر النصوص وفيه نظر. قوله: (أسدّ طريقاً (فكثرة الهداية أو قوّتها بشدة سدادها وصوابها، والمنهج الطريق، وتفسيرها بالطبيعة لأنها من الشكال الذي يقيد به لأنّ سلطان السجية قاهر للإنسان وضابط له، ولذا قال: كل ميسر لما خلق له ولذا أطلقها على العادة والدين لعدم خروج الإنسان منهما فهو كالمقيد. قوله: (من الإبداعيات الكائنة بكن) الإبداعيات ما خلق من غير مادة، فقوله: الكائنة تفسير وتعريف لها لأنهم فرقوا بين الخلق والإبداع بما ذكر كما فصله في شرح الإشارات، وقوله: كأعضاء جسده مثال للمنفيّ وهو ما خلق من مادّة فالمراد بالأمر على هذا التفسير قول كن، ولذا قالوا لمثله عالم الأمر، والسؤال على هذا عن حقيقتها والجواب إجماليئ بأنها من المبدعات من غير مادة، ولذا قيل إنه من الأسلوب الحكيم كما في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} إشارة إلى أن حقيقتها لا تعلم وإنما يعلم منها هذا المقدار. قوله: (أو وجد بأمره (أي بفعله وخلفه أو بقوله: {كُن فَيَكُونُ} الأمر بالمعنى السابق والفرق بتغاير المسؤول عنه، ودلالته على الحدوث على الأوّل ظاهرة وعلى الثاني لتوقف الأمر على الإرادة بنص قوله إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن فيكون وأذا كان السؤال عن القدم والحدوث فالجواب مطابق له، وبيان لحدوثه، كما أشار إليه بقوله بتكوينه فإنّ التكوين يقتضي حدوث ما تعلق به وان قيل بأنه صفة قديمة على ما فصل في الكلام وقوله: استأثر الله بعلمه أي اختص به وفي نسخة استأثره بتعديته لتضمينه معنى خصه وقد مرّ مثله، فالأمر على هذا بمعنى الشأن واحد الأمور، ومن تبعيضية ويكون نهياً لهم عن السؤال عنها وتركا للبيان. قوله: (روي انّ اليهود قالوا لقريش الما التمسوا منهم لكونهم أهل كتاب أن يذكروا لهم أموراً يمتحنون بها النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في السير قال: بعثت قريش النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد فإنهم أهل كتاب عندهم من العلم ما ليس عندنا فخرجا حتى قدما المدينة، فسألاهم فقالوا لهما: ما ذكره المصنف إلا أنه ملخص مما فصلوه وهذا كان والنبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة، فتكون هذه الآية مكية لا مدنية كما ذكره المصنف رحمه الله في أوّل هذه السورة، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ثبت في الصحيحين أنّ اليهود سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة عن الروح فتلا عليهم هذه الآية ولذا كان من العلماء من قال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 إنها نزلت مرّة ثانية بالمدينة ومنهم من قال: إنما ذكر بها جوابها وان كان نزولها متقدما ومن قال إنها نزلت بالمدينة واستثناها ففي قوله نظر، اهـ يعني أنه غير صحيح لمخالفته ما مرّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه يعلم ما في كلام المصنف رحمه الله فتدبر، وقوله: فإن أجاب عنها أي عن جميعها أو سكت عن جميعها فليس بنبيّ أمّا الأوّل فلأنّ بعضها وهو أمر الروح مما لم يبينه الله وأمّا الثاني فظاهر، وقوله: وهو مبهم أي غير مبين في التوراة يشير إلى أنّ عدم بيانه لا ينافي النبوّة. قوله: (وقيل الروح جبريل) عليه الصلاة والسلام فيكون السؤال عنه لذكره أنه منزل عليه فأجيبوا بأنه مخلوق من مخلوقاته وكذا في الوجه الذي بعده ولكن المصنف مرضه لقلة جدواه، فما قيل إنه لا يظهر لقوله من أمر ربي يعني على هذا لا وجه له. قوله: (تستفيدونه) أي العلم وكون النظري مستفادا من الضروري مبرهن في محله وأمّا كون الضروريات كلها مستفادة من الإحساس فأكثرقي، وهو كاف لإثبات المقصود فلا ينافي كون التجربة والحدس والوجدان قد تكون مبدأ لاكتساب بعض النظريات، وقوله: من فقد حسا الخ أي فقد العلم المستفاد منه وهو ظاهر. قوله: (ولعل كثر الآشياء لا يدركه الحس الكونه غير محسوس أو محسوساً منع مانع عن إحساسه كالغيبة ونحوها، فيكون غير المعلوم أكثر من المعلوم كما نطق به النظم، وقول: لا شيئا من أحواله المعرفة لذاته المعرفة صفة للأحوال، والتعريف شامل للجدّ والرسم والأحوال العرضيات فالمراد أنّ الحس قد لا يدرك عرضيات يرسم شيئاً بها فضلاً عن أن ينتقل منها الفكر بواسطتها إلى ذاتياته فيقف على حقيقته لتعسر الوقوف على حقائق الأشياء فلا وجه لما قيل عليه إنا لا نسلم أنّ بالحس! يحصل التمييز بين الذاتيات والعرضيات وأنّ مقتضى ما ذكره أنّ التعريف بغير الذاتيات لا يفيد العلم أصلاً وليس كذلك، وأغرب منه تجويزه أن يكون قوله المعرفة مفعولاً مطلقا ليدرك من غير لفظه، وقوله: وهو إشارة الخ أي قوله: وما أوتيتم من العلم الخ فإنّ ذكره بعده رمز إلى أنه مما لا يعلم بكنهه بل بعوارضه ككونه مخلوقا لله، وقوله: فلذلك أي لكونه لا يمكن معرفة ذاته اقتصر في بيان السؤال عن حقيقته بناء على أنّ السؤال عنها على ما ذكر من الجواب دون شرح الماهية إذ قال: من أمر ربي على معنى أنه من إبداعياته وقوله: كن، وقوله: كما اقتصر موسى الخ إلا أنّ الفرق أنّ بيان كنه الروح ممكن بخلاف كنه الذات العلية. قوله: (فقالوا ما أعجب شأنك الخ) تفريع للإنكار على عدم الاختصاص، فإنه إذا عتم الخطاب يلزم التناقض فإنه قد حكم على أنّ كل من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا أي علما كثيرا وقد حكم بانهم لم يعطوا عموما من العلم إلا قليلاً وسيأتي دفعه فلا وجه لما تيل إن الفاء للتعقيب دون السببية ولك أن تجعلها لها باعتبار الجزء الثاني من الجواب، وإنما أنكروه لأنهم أهمهم السؤال عن الاختصاص بالخطاب، لكن قراءة الأعمش وما أوتوا من العلم إلا قليلاً تقتضي اختصاصهم وأنّ هذه الرواية غير صحيحة، كما قاله العراقي، وقوله: ساعة متعلق بتقول والجملة تفسير لقوله ما أعجب شأنك. قوله: (وما قالوه) من ظن التناقض بين القلة والكثرة المذكورتين لأن القلة والكثرة من الأمور الإضافية فالشيء الواحد يكون قليلاً بالنسبة لما فوقه وكثيراً بالنسبة لما تحته، وقوله: ما تسعه القوّة وفي نسخة الطاقه أي لا كل معلوم ولا كلى ما يمكن أن يعلم وقوله: بل ما ينتظم به معاشه ومعاده للإضراب عن الأوّل بتفسير الجملة بتفسير أخص من الأوّل، وقوله: بالإضافة إليه كثير أي بالإضافة إلى الإنسان المعلوم من السياق أو إلى خير الدارين أو إلى ما ذكر من كونه ينال به ذلك، وقوله: النائب مناب الخ فهو يغني عن تقديره وليس جوابا لأن لدخول اللام عليه وهو ظاهر، وقوله: ذهبنا بالقرآن المراد بالقرآن هنا عين صورته سواء كانت في نقوس الكتابة أو في الصور التي في القوّة الحافظة فليس فيه عموم المجاز كما قيل، إلا أن يقال: إنّ إطلاقه على نقوش الخط حقيقة عرفية ولا حاجة إليه. قوله: (من يتوكل علينا استرداده (أي من يتعهد ويلتزم استرداده بعد رفعه كما يلتزم الوكيل ذلك فيما يتوكل عليه حال كونه متوقعا أن يكون محفوظا في السطور والصدور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 فهو مجاز عما ذكر كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (فإنها إن نالتك فلعلها تسترذه الخ) عبر بلعل لأنّ المعنى لى* تجد وكيلاً باسترداده إلا الرحمة فإنك تجدها مستردّة ولا يلزم من وجود المستردّ الاسترداد مع أنّ إثبات خلاف حكم المستثنى منه للمستثنى غير متعين على ما فصل في الأصول، وقيل إنه أجرى على عادة الله لأنه تقدير لكلامه، ثم إنه وصاحب الكشاف جعلا الاستثناء على هذا متصلاً إذ قابلاه بالمنقطع مع أنه غير داخل فيما قبله لأنّ من يتوكل لذوي العلم فلعلهم أرادوا ما يشمل الرحمة والتعبير بمن على طريق التغليب ولو فسره بالرادّ لكان أظهر، والظاهر أنه منقطع مفسر بلكن أو بل على الوجهين فيه، وأنه على حد قوله: ولا عيب فيهم غيرأنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ... والمستدرك عليه قوله ولئن شئنا لنذهبن. قوله: (فيكون امتناناً بإبقائه) على تقدير كونه منقطعاً كما يدلّ عليه قوله تركته، وأمّ على الاتصمال فيدلّ على أنه بعد الذهاب به لعلها تستردّه فهي دالة على عدم الإبقاء، والمنة في تنزيله من قوله: وتنزل من القرآن ما هو شفاء، وقوله: كإرساله تمثيل للفضل المأخوذ من الآيات السابقة، وقوله: إبقائه في حفظه أي في حفظ الله كما قال: وانا له لحافظون وهذا من قوله ولو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك كما تدل عليه لو الامتناعية، وقيل المراد حفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم وخص به مع عموم المصاحف والمصدر السابق لأنه في بيان تفضله عليه وكون هذا مراداً بالفضل يستفاد من سوق الآية، وذكر إرساله وانزال الكتاب من حيث إنه يستتبعهما حفظ الوحي ولا يخفى ما فيه. قوله: (وفيهم العرب العرياء) أي الخلص من أهل اللسان النازل به، ونص على دخولهم في العموم لأنّ التحدي إنما وقع لهم، وأرباب البيان عطف تفسير، وقوله: ولولا هي أي اللام الموطئة لأنّ معها يتعين الجواب له كما فصل في النحو، وقوله: بلا جزم دفع لما يتوهم من أنه لا يصلح له لكونه مرفوعا بثبوت النون لأنّ الشرط إذا كان ماضيا قد لا يعمل في الجزاء لأنه إذا لم يؤثر في الشرط ظاهراً مع قربه جاز أن لا يؤثر في الجواب، والبيت المذكور لزهير من قصيدة في مدح هرم بن سنان ومعناه إذا أتاه خليل أي صاحب أو فقير على أنه من الخلة، وهي الحاجة ويوم مسألة أي يوما يسأل الناس فيه لقحطهم وفي رواية مسغبة أي جوع، ويقول مرفوع وهو محل الشاهد أي لا يمنعه لتعلله بعدم حضور ماله ولا يحرمه بردّه، وحرم كحذر صفة من الحرمان، وتظاهروا بمعنى اجتمعوا وتعاونوا. قوله: (ولعله لم يذكر الملائكة لآنّ إتيانهم الخ) قيل عليه لا اشتباه في كون القرآن معجزاً للملك أيضا بدليل قوله: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فإنه صريح في عجز غير الله عنه وإنما لم يذكروا لأنّ التحدّي ليس معهم والتصدي لمعارضته لا يليق بشأنهم لأنهم معصومون لا يفعلون إلا ما يؤمرون، فلا يناسب أن ينسب ذلك إليهم، وأجيب عنه بأنه ليس معناه أنّ الملائكة عليهم الصلاة والسلام يقدرون على ذلك، بل مبناه على الفرض والتقدير لأنه مبعوث للثقلين فيكون التحدي معهم والأولى الاقتصار على أن التحدي كان معهم لأنه قيل بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم للملك أيضا فيقال: لم يذكر الملك لأنّ التحدي لم يقع معهم فيكفي في كونه معجزا عجز من تحداه به، وهو مراده وما قيل إنه يلزم من هذا الفرض وهو كونه من الملك لا من الله عدم ثبوت الرسالة مدفوع بأنّ الملك لا يأتي بمعجزة لمفتر، وفيه نظر لأنه يلزم أن يكون مفتريا في قوله إنه من عند الله فتأئل، وقوله ولأنهم، كانوا وسايط فلا يلائمه قوله: لا يأتون بمثله بحسب الظاهر إذ معناه لا يأتون به من عندهم، فمن قال لا يصح قوله لا يأتون بمثله لم يصب، وجمع الوسايط مع أن الواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام فقط لأن ما جاز أن يكون لواحد من جنس يجوز أن يكون لباقيه. قوله: (ويجوز أن تكون الآية تقريرا الخ) لأنّ عدم قدرة الثقلين على ردّه بعد إذهابه مساو لعدم قدرتهم على مثله لأنّ ردّ. بعينه غير ممكن لعدم وصولهم إلى الله فلم يبق إلا رده بمثله فصرّح بنفيه تقريراً له، فاندفع ما قيل إنه لا يصح لأنّ القدرة على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 الإتيان بمثله أصعب من القدرة على استرداد عينه ونفي الشيء إنما يقرّر بنفي ما دونه لا بنفي ما فوقه وإن ردّ بعدم تسليم الأصعبية، وأمّا القول بأنّ لفظ المثل مقحم للتأكيد وأنّ القصر الذي في كلامه ممنوع فإنه يحصل بالمساواة أيضا فليس بشيء لأنّ الإقحام خلاف الظاهر وأمّ القصر فإضافيّ، وترك ما في الكشاف من أنّ إعجاز القرآن يدل على حدوثه لأنه لا وجه له كما بينه شرّاحه. قوله: (كررنا بوجوه مختلفة) يعني أنّ أصل معنى التصريف التحويل والتغيير فالمراد به هنا تغيير الأساليب والعبارات في بعض المعاني ليزداد تقريره ورسوخه في النفوس وبيانه وما ذاك إلا ليزدادوا تدبراً وإذعانا فكان حالهم على العكس، إذ لم يزدادوا إلا كفراً كما تزيد الفواكه المريض مرضاً، وقوله: هو كالمثل في غرابته الخ يعني أنّ المثل ليس بمعناه المعروف بل هو مستعار لكل أمر عجيب حسن الموقع كأنه بكر معن سار في مثل وهو مجاز مشهور أيضا كما مرّ، وقوله: موقعها أي موقع الأمثال المفهومة من السياق ويجوز عوده على الغرابة. قوله: (وإنما جاز ذلك ولم يجز الخ) يعني أنّ الاستثناء المفريخ مشروط بالنفي فكيف جاز هنا في الإثبات وقد منعوا مثله كما في المثال المذكور، فأجاب بأن أبي ونحوه قريب من معنى النفي فهو مؤول به إذ معناه لم يرضوا أو ما فعلوا ونحوه، وإنما امتنع لفساد المعنى إذ لا قرينة على تقدير أمر خاص ولا يصح العموم، إذ لا يمكن أن يضرب رجل كل أحد غير زيد مثلا فإن صح جاز كصليت إلا يوم كذا إذ يجوز أن يصلي كل يوم غيره، فإن قيل إنّ المعنى هنا كذلك بتقدير أبوا كل شيء فيما اقترحوه إلا جحوده صح وكان وجها آخر، ولا فرق بين كلام الله وغيره في هذا كما توهم، وقوله: تعنتاً الخ تعليل لقالوا، وقوله: بالتخفيف من باب نصر المتعدي، والتفجير إسالة الماء بانشقاق الأرض! ، والتفعيل هنا لتكثير الماء أو الينابيع والأرض أرض! مكة لقلة مياهها فالتعريف عهدي، وقوله: لا ينضب بالضاد المعجمة والباء الموحدة من باب نصر بمعنى ينقطع، وقوله: يفعول فالياء زائدة وهي صيغة مبالغة، واليعبوب الماء الكثير الجاري والفرس الشديد العدو وزخر بمعنى كثر موجه، ومنه البحر الزاخر. قوله: (أو يكون لك (أي خاصة بستان حديقة تشتمل على ذلك المذكور من الأشجار والأنهار قيل إنهم قالوا له: أرض مكة ضيقة فسير جبالها لتتسع وفجر ينابيع نزرع بها فقال: لا أقدر فقيل له إن كنت لا تستطيع الخير لنا فاستطع الشرّ وأرسل السماء كما زعمت الخ، وقوله: وهو كقطع يعني أنه بكسر الكاف وفتح السين كقطعة وقطع لفظا ومعنى أي ترمي قطعاً من جرم السماء علينا وعلى قراءة السكون مع الكسر فهو إمّا مخفف من المفتوح لأنّ السكون أخف من الحركة مطلقا فلا يرد عليه أنّ الفتحة خفيفة مع أنّ خفتها بعد الكسرة غير مسلمة أو هو فعل صفة بمعنى مفعول أي مقطوع، وأورد على قوله: فيما عدا الطور أنّ في النشر أنهم اتفقوا على إسكان السين في الطور إلا أني تتبعت كتب القرا آت فوجدت في إيضاح الأنباري أنّ ما ذكر رواية وفيه إشارة إلى أنّ فيه رواية أخرى شاذة والمصنف ثقة. قوله: (كفيلاَ بما تدّعيه ((يعني أنه من القبالة وهي الكفالة والمراد أن تشهد لك بصحة ما قلته، وتضمن ما يترتب عليه، والدرك بفتحتين التبعة وضمان الدرك معروف في الفقه أو القبيل بمعنى مفاعل كرضيع بمعنى مراضع، وقوله: وهو حال أي على الوجهين وحال الملائكة محذوفة أي قبلاء بمعنى كفلاء وقوله: فإني وقيار بها لغريب الشعر لضابىء الرجمي قاله وقد حبسه عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته بالمدينة، وأوّله: ومن يك أمسى بالمدينة رحله وقيار اسم فرس أو جمل له والشاهد فيه أنّ قوله: لغريب خبر إن وخبر قيار محذوف كما حذف الحال في الآية وفيه كلام آخر في كتب العربية، وقوله: أو جماعة يعني قبيلاً بمعنى جماعة كقبيلة فيكون حالاً من الملائكة لأنها جماعة أيضاً فيتطابقان، وفي الكشف جعله حالا من الملائكة لقرب اللفظ وسداد المعنى لأن المعنى تأتي بالله وجماعة من الملائكة لا تأتي بهما جماعة ليكون حالاً على الجمع إذ لا يراه المعية معه تعالى ألا ترى إلى قوله حكاية عنهم أو نرى ربنا والقرآن يفسر بعضه بعضا اهـ. قوله: (من ذهب) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 إشارة إلى أنّ أصل معناه الزينة وأطلق على الذهب لأنّ الزينة به، وقوله: في معارجها المعارج المصاعد كالسلم إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً، وقوله: لرقيك إمّا صلة نؤمن أو اللام لام التعليل وكلاهما جائز في كلامه، وقوله: وحده قدره لئلا يناقض ما قبله من قولهم: لن نؤمن لك إلا أن ترقى في السماء فإنه يقتضي إيمانهم للرقيّ، فلو أطلق هذا نافاه فلا وجه لما قيل إنه يدل على أنّ المصنف حملها على لام الأجل فلا يجوز الحمل على غيره عنده، أي لن نؤمن بنبوّتك لأجل رقيك وحده حتى تنزل الخ، وقوله: كتابا نقرؤه بلغتنا على أسلوب كلامنا، وقوله: وكان فيه تصديقك لأنّ نزوله كما أرادوا لا يدل على ظهور نبوّته المطلوب لهم إذ يجوز أن يكون أخذه من غيره. قوله: (تعجباً) يعني المراد من التسبيح التعجب كما مر تحقيقه، أو المراد به تنزيه الله عما ذكر، وقوله: من أن يأتي أي بما اقترحوه، وقوله: أو يتحكم عليه إشارة إلى أنّ مرادهم إما طلب أن يأتي بذلك بقدرة الله تعالى فيلزم التحكم عليه أو بقدرته نفسه فيلزم أن يشاركه في قدرته وكلاهما غير صحيح. قوله: (هل كنت إلا بشراً رسولاً) في الكشاف هل كنت إلا رسولاً كسائر الرسل بشراً مثلهم قال في الكشف قدم رسولاً في التفسير ليدلّ به على أنّ الوصف معتمد الكلام وأنّ كونه بشراً توطئة لذلك رداً لما أنكروه من جواز كونه بشرا، ودلالة على أنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام من تبل كانوا كذلك لا إنه يحتمل أن يكون حالاً انتهى، ورجح الوصفية على الحالية في بشراً من النكرة لتقدمه وقد جوّزها المعرب ولم يتعرّض! لكونهما خبرين كما ذكره بعضهم، وادّعى أنه مراد الزمخشريّ والمصنف وأنّ ما ذكر يحتمله إذ المراد بالوصف معناه اللغوفي لا النعت النحوي ولا يخفى بعده، وقوله: توطئة يأباه وليس في كلام المصنف ما يشهد له، وكونهما خبرين غير متوجه لأنه يقتضي استقلالهما وأنهم أنكروا كلا منهما حتى ردّ عليهم بذلك ولم ينكر أحد بشريته ولذا لم يذكره المعربون، وكذا الحالية ركيكة لأنه يقتضي أن له حالاً آخر غير البشرية. قوله: (على ما يلائم حال قومهم) من مجيء، كل رسول بمعجزة تناسب زمانه وأهله وهذا يعلم من قوله: كسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام إذ هو وجه الشبه بقرينة الاقتراح لا أنه زيادة بيان من المصنف رحمه الله كما قيل ولم يكن معطوفا على لا يأتون عطفا تفسيريا أي أنهم لم يأتوا إلا بما أمرهم الله به وأظهره على أيديهم من غير تفويض إليهم فيه ولا تحكم منهم عليه في طلب آيات أخر منه، وقوله: حتى يتخيروها منصوب بإسقاط النون وهو ظاهر والتخيير طلب ما هو خبر من غيره وهو قريب من الاختيار والضمير للآيات والضمير المرفوع للرسل إن قرئ بالغيبة وللمخاطبين من قومه إن كان بالتاء الفوقية، وفي نسخة يتخيرونها بإثبات النون لأنه غير مستقبل. قوله: (إلا قولهم هذا) وفي التعبير به إشارة إلى أنه مجرّد قول تعنتا إذ هم لم ينكروا إرسال غيره، وقوله إلا إنكارهم إشارة إلى أنّ المانع لهم معنى ذلك القول وهو لا ينافي ما مرّ من النكتة، وقوله كما يمشي بنو آدم وما بعده بيان لوجه ذكره وعدم الاكتفاء بقوله في الأرض إذ ملائكة السماء قد تكون فيها كالحفظة والكتاب وهو معنى قول الزمخشريّ: لا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه، وقوله: ساكنين فسره به لئلا يتوهم أنه من الاطمئنان المقابل للانزعاج، وقوله: لنمكنهم الخ، مضارع بالنون من التمكين ويجوز أن يكون مصدراً، وفي نسخة ليمكنهم الاجتماع بدون من من الإمكان والمراد الإمكان العادي، وقوله: فعامتهم هم من عدا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وبعض الخاصة على ما قيل: وعماة بالضم بمعنى عمي جمع أعمى وهو مجاز أي لا يرونهم، والتلقف الأخذ هنا وعدل عما في الكشاف لابتنائه على الاعتزال كما في شرحه، وقوله: فانّ ذلك أي رؤيته والتلقي منه مشروط بما ذكر فيما جرت به عادة الله وان أمكن خلافه والتناسب والتجانس في القوى القدسية والصفات الروحانية المطهرة من دنس القوى الشهوانية كما للأنبياء صلى الله وسلم عليهم، ولذا لم ير النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الأصلية إلا نادراً، فإن قالوا: فليأتنا الرسول من الملائكة على صورتنا ليكون التجانس، فقد بين الله ما فيه، بقوله: ولو جعلناه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 ملكاً لجعلناه رجلاَ وللبسنا عليهم ما يلبسون فتدبر. قوله: (وكذلك بشرا) أي في قوله: أبعث الله بشراً رسولاً لا في قوله هل كنت إلا بشراً رسولاً كما في الكشف، وقوله: أوفق بمعنى أكثر موافقة للمقام وأنسب، ووجهه على ما ذكره الشارح العلامة وصاحب التقريب أنه على الحالية يفيد المقصود بمنطوقه، وعلى الوصفية يفيد خلاف المقصود بمفهومه أمّا الأوّل: فلأن منطوقه أبعث الله رسولاً حال كونه بشراً لا ملكا ولنزلنا عليهم رسولاً حال كونه ملكاً لا بشراً وهو المقصود، وأمّا الثاني: فلأن التقييد بالصفة بفيد أبعث بشراً مرسلاً لا بشراً غير مرسل، ولنزلنا عليهم ملكاً مرسلا لا ملكا غير مرسل وهو خلاف المقصود، وقال في الكشف: تبعا لشيخه وجهه أنّ التقديم عن موضعه الأصليّ دلّ على أنه مصت الإنكار في الأوّل أعني قوله: أبعث الله بشراً رسولاً فيدلّ على أنّ البشرية منافية لهذا الثابت أعني الرسالة كما تقول أضربت قائماً زيداً، ولو قلت أضربت زيداً قائما أو القائم لم يفد تلك الفائدة لأنّ الأول يفيد أن المنكر ضربه قائماً لا مطلقا والثاني يفيد أنّ المنكر ضربه لاتصافه بصفة مانعة ولا يفيد أنّ أصل الضرب حسن مسلم، والجهة منكرة هذا إن جعل التقديم للحصر، فإن جعل للاهتمام دلّ على أنه مصب الإنكار وان لم يدل على ثبوت مقابله، وعلى التقديرين فائدة التقديم ظاهرة. قوله: (على أني رسول الله إليكم الخ) إشارة إلى أنهم لما استبعدوا أن يكون الرسول بشراً رد عليهم بوجوه، وهي أنّ الملك لو ادعى الرسالة لم يكن له بد من دليل بالمعجزة فما يدلّ على نبوّة الملك يدل على نبوّة البشر فلا وجه للتخصيص واليه أشار بقوله: إذ جاءهم الهدى أي المعجز الهادي إلى التصديق وأنه لو كان أهل الأرض ملائكة، وجب أن يكون رسلهم كذلك، لأنّ الجنس إلى الجنس أميل فلما كانوا بشراً كان المناسب أن يكون رسلهم من جنسهم ولذلك امتن الله عليهم، بقوله: لقد جاءكم رسول من أنفسكم وأيضا أنه لما أظهر المعجزة على وفق دعواه كان ذلك شهادة منه كافية في صدق المدعي، وهذا الجواب الأخير هو معنى هذه الآية كما قرّره المصنف رحمه الله تبعا للإمام وهو أوفق بالسياق فلذا رجحه. قوله: (أو على أني بلغت ما أرسلت به الخ (اقتصر في الكشاف عليه وأخره المصنف لما سمعته وأمّا كونه أوفق بقوله إنه كان بعباده الخ كما قيل فلا وجه له لأنّ معناه التهديد والوعيد بأنه يعلم ظواهرهم وبواطنهم وأنهم إنما ذكروا هذه أشبه للحسد وحب الرياسة والاستنكاف عن الانقياد للحق، كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (الباطنة الخ الف ونشر على الترتيب، وقوله: فيجازيهم إشارة إلى أنّ علم الله عبارة عن المجازاة كما مرّ، وقوله: وتهديد للكفار إشارة إلى ما مر، وضمير منها للأحوال، قوله: اثبتا الياء أي ياء المهتدي، وغيرهما حذفها. قوله تعالى: ( {وَمَن يَهْدِ اللهُ} الخ (قال الفاضل المحشي: الظاهر أنه ابتداء أخبار منه تعالى لا مندرج تحت قوله: قل لأن قوله ونحشرهم يأباه ويحتمل اندراجه تحته ونحشرهم حكاية لما قاله الله له أو التفات، وقوله: فلن تجدلهم من الحمل على المعنى بعد الحمل على اللفظ وحمل قوله: ومن يهد الله الخ على اللفظ إفراداً لأنّ طريق التوحيد واحدة بخلاف طرق الضلالة، فإنها متشعبة فلذا حمل فيها الجمع على المعنى، وهذا مما حمل فيه على المعنى ابتداء من غير تقدم حمل على اللفظ وهو قليل، وقال أولياء: مبالغة لأن الأولياء إذا لم تنفعهم فكيف الوليّ الواحد (قلت) تبع فيه أبا حيان ولا وجه له فإنه حمل فيه على اللفظ أولاً إذ في قوله يضلل ضممير مفرد محذوف إذ تقديره يضلله على الأصل وهو راجع إلى لفظ من فلا يقال إنه لم يتقدهه حمل على اللفظ، وأغرب منه ما قيل إنه قد يقال: إن الحمل على اللفظ قد تقدمه في قوله: من يهد الله وإن كان في جملة أخرى، وقوله: روي الخ حديث صحيح ووقع في البخاري بمعناه عن أنس رضي الله عنه، والمشي على الوجه هو الزحف منكباً ومعنى سحبهم عليها جرّ الملائكة لهم منكبين عليها، كقوله: يوم يسحبون في النار على وجوههم ولم يذكر المصنف هذه الآية ويجعلها مفسرة لهذه لأنّ هذا في الحشر وذاك بعد دخول النار وهما وجهان متغايران بتغاير المتعلق، ومن قال: إق في كلامه ألغاز أو أنه يحتمل أن يكون وجها واحداً فقط خبط خبط عشواء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 وأطال بما لا طائل فيه. قوله: الا يبصرون الخ) يعني أنه نزل ما أبصروه وقالوه وسمعوه منزلة العدم لعدم الانتفاع به فهو مجاز، وقيل على قوله: ولا ينطقون بما يقبل منهم أنّ توله اليوم نختم على أفواههم يقتضي نفي القدرة عنهم مطلقاً، وأجيب بأنّ هذا في ابتداء الحشر وذاك بعده، وأخره مع تقدمه في النظم رعاية للواقع، وقوله: كأنهم الخ إشارة إلى أنّ جزاءهم من جنس عملهم. قوله: (ويجورّ الخ) فالحشر بمعنى جمعهم منساقين إلى النار وهو في الأوّل بمعنى جمعهم في الموقف والصفات على هذا على الحقيقة وعلى الأوّل مجاز، ومؤفي القوى صيغة جمع مضافة، وقيل إنّ ذلك عند قيامهم من قبورهم ثم تردّ لهم الحواس فيرون النار ويسمعون زفيرها، وينطقون إذا سئلوا. قوله: (سكن لهبها) وفي نسخة لهبها أي اشتعالها، وقوله: بأن الخ إشارة إلى أنّ قلة تسعرها بفناء أجسادهم لأنها وقودها، كما قال: وقودها الناس، وإنما فسره بهذا لأنه كان الظاهر أن يقال، زدناها سعيراً، وعلى ما ذكره يتجاوب النظم فتدبر، وقوله: توقداً إشارة إلى أنّ سعيراً مصدر أو مؤوّل به هنا. قوله: (بأن نبدّل جلودهم الخ) فهي كلما أكلت وفنيت بدلت بجلود أخر تتقد بها النار وتتلهب، واستشكل بأق قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [سورة النساء، الآية: 56] يدلّ على أنّ النار لا تتجاوز عن إنضاجهم إلى إحراقهم وافنائهم فيعارض ما ذكر وأجيب بأنه يجوز أن يحصل لجلودهم تارة النضج وتارة الإفناء أو كل منهما في حق قوم على أنه لا سدّ لباب المجاز بأن يجعل النضج عبارة عن مطلق تأثير النار إذ لا يحصل في ابتداء الدخول غير الإحراق دون النضج وأورد على الجواب الأوّل أن كلمة كلما تنافيه، وتبديل جلودهم على ما سيأتي إمّا بأن تعود لها صورة أخرى حتى لا يلزم إعادة المعدوم بعينه، أو بإزالة أثر الحريق وعود إحساسها بالعذاب، أو بخلق جلود أخر ولا محذور فيه لأنّ العذاب إنما هو للروح المتعلقة بها فلا يلزم تعذيب غير العاصي مع أنه جائز أيضا، وقوله: كأنهم الخ معنى حسن جداً والإفناء في كلامهم شامل لإفناء الحياة والبدن فلا يرد ا! مقولهم هنا إنما هو أئذا كنا عظاما الخ، وفوله: لأنّ الإشارة أي بقوله: ذلك هنا وهو علة لقوله: واليه أشار الخ يعني أنّ لفظ ذلك إشارة إلى عذابهم المفهوم من قوله: زدناهم ومعناه إعادة جلودهم كلما فنيت وقوله: أو لم يعلموا إشارة إلى أن رأى هنا علمية لأنه المناسب. قوله: (فإنهم ليسوا الخ) يعني أنه إثبات للإعادة بطريق برهاني وهو أنّ من خلق هذه الإجرام العظيمة وأبدعها من غير مادّة قادر على خلق مثلكم بلا شبهة، ومن قدر على ذلك كيف لا يقدر على إعادتكم وهي أهون عليه، ولا حاجة إلى جعل مثل هنا كناية عنهم، كقوله: مثلك لا يبخل مع أنه صحيح أيضا ولو جعل خلق مثلهم عبارة عن الإعادة كان أحسن وكأنه مراد.. قوله: (هو الموت) قدّمه لأنه المعروف إذ هو يطلق على مدة الحياة وعلى آخرها وعلى الموت للمجاورة له، وقوله: أو القيامة فالمراد به مدة يكون فيها حشرهم وحياتهم وهو ميقات إعادتهم، وهذه الجملة معطوفة على جملة أو لم يرو الأنهار وان كانت إنشائية فهي مؤوّلة بخبرية كما في شرح الكشاف، إذ معناها قد علموا بدلالة العقل أنه قادر على البعث والإعادة وجعل لهم أي لإعادتهم أجلاً وهو يوم القيامة يعني أنهم علموا إمكانها واخبار الصادق بها وضربه لها أجلاً، فيجب التصديق به أو جعل لهم أجلاً وهو الموت والانسلاخ عن الحياة ولا يخفى على عاقل إنه لم يخلق عبثاً فلا بد أن يجزي بما عمله في هذه الدار فلا معنى للإنكار فظهر ارتباط المتعاطفين لفظا ومعنى، ولا ريب فيه ظاهر على الثاني وعلى الأوّل معناه لا ينبغي إنكاره لمن تدبر، وقيل إنها معطوفة على قوله: يخلق ورجحه بعضهم وقوله: خزائن رزقه الخ فالرحمة عبارة عن النعم مجازاً والخزائن استعارة خقيقية أو تخييلية، وقدر الفعل لأن لو أداة شرط تختص بالدخول على الأفعال. قوله: (كقول حاتم الخ) هو مثل يضرب لمن أهانه من لم يكن أهلاً لإهانته، قاله وقد أسر فلطمته جارية والسوار إنما يكون للحرائر عندهم أي لو لطمتني حرة لهان ذلك عليّ، وقصته مشهورة ورواه بعضهم لو غير ذات سوار أي لو لطمني رجل والمشهور الأوّل والتقدير لو لطمتني ذات سوار، وهنا كان تقديره لو تملكون فلما حذف الفعل انفصل الضمير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 قوله: (وفائدة هذا الحذف الخ) أمّا الإيجاز فلأنه بعد قصد التوكيد للتقويه لو قيل: تملكون تملكون لكان أطنابا وتكرارا بحسب الظاهر، وأمّا المبالغة فقيل إنها من تكرير الإسناد، وقيل: إنها من تكرير الشرط فإنها تقتضي تكرّر ترتب الجزاء عليه فتأمل. قوله: (والدلالة على الاختصاص) تبع فيه الزمخشريّ وقد قيل عليه إنه وإن كان في صورة المبتدأ والخبر لكنه إنما يفيده لو كان معنى كذلك حتى يقدر فيه التقديم والتأخير المفيد لما ذكر وهذا فاعل لفعل مقدر فكما لا يفيد ذلك إذا ذكر لا يفيده بعد حذفه، وأجيب بأن أنتم بعينه ضمير تملكون المؤخر، فهو في المعنى فاعل مقدم وتقديم الفاعل المعنوي يفيد الاختصاص إذا ناسب المقام، قيل: فأفاد ترتب الإمساك على تملك الخزائن منهم دون غيرهم وهو الله، وقيل عليه: أن الظاهر أنّ المعنى ترتب الإمساك على اختصاص التملك بالمخاطبين حتى لو اشترك غيرهم فيه لم يوجد منهم الإمساك لما ذكر، يعني أنه قصر إفراد لا قلب، ولا وجه له فإن ما ذكره القائل أبلغ وأنسب لأنهم إذا أمسكوا حين تفردهم بملكها فمع الاشتراك بالطريق الأولى. قوله: (لبخلتم (يعني أن الإمساك كناية عن البخل سواء كان لازما أو متعذيا حذف مفعوله أو نزل منزلة اللازم، وقال في الكشاف: إنه لا يقدر له مفعول لأنه بمعنى بخلتم فمنهم من حمله على التنزيل منزلة اللازم، ومنهم من جوّز فيه التضمين، والظاهر أنه أراد أنه مجاز فيه ومنه تعلم فائدة وهو أنّ المتعذي إذا جعل مجازا عن معنى فعل لازم يجوز أن يكون لازما مثله وهذا مما ينبغي التنبه له، وقوله: مخافة النفاد بالإنفاق إشارة إلى أن الإنفاق بمعناه المعروف وهو صرف المال وفي الكلام مقدر أي نفاده أو عاقبته أو هو مجاز عن لازمه، وقال الراغب: إن الإنفاق بمعنى الافتقار يقال: أنفق فلان إذا افتقر فهو كالإملاق في الآية الأخرى فلا يحتاج إلى تقدير، وهو قول أبي عبيدة، وقيل إنه مراد المصنف لا التقدير وهو خلاف ظاهر العبارة. قوله: (1 ذ لا أحد إلا ويختار الخ (هذا إشارة إلى توجيه معنى الآية إذ الخطاب فيها عام فيقتضي أنّ كل واحد من الناس بخيل، كما يدلّ عليه ما بعده فأشار أوّلاً إلى إجرائه على ظاهره، وأنه بالنسبة إلى الجواد الحقيقي والفياض المطلق فإنه إما ممسك أو منفق والثاني لا يكون إلا لغرض للعاقل إمّا دنيوقي، كعوض! مالي أو معنوفي، كثناء جميل أو خدمة واستمتاع كما في النفقة على الأهل، وما كان لعوض ماليّ، كان مبادلة لا مباذلة أو هو بالنظر إلى الأغلب وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل: عذنا في زماننا عن حديث المكارم ... من كفى الناس شرّه فهوفي جودحاتم ... ولا وجه لما قيل عليه: إنّ تعليله يدل على أن مطلق الإمساك من سجية الإنسان لا على أن الإمساك خشية الإنفاق كذلك إذ الإنفاق ضدّ الإمساك فمن كان طبعه التخلق بصفة كان يكره ضدها ويخشاه ولا معنى لما قيل في دفعه: أن المطلوب ليس إلا بترتب الإمساك خشية الإنفاق على تملكهم خزائن الله لا ما ذكره وفي دلالة هذا عليه كلام. قوله: (هي العصا الخ (القول الأوّل لابن عباس رضي الله عنهما والثاني للحسن وفي بعض التفاسير أنها كما في التوراة العصائم الدم ثم الضفادع ثم القمل ثم موت البهائم ثم برد كنار أنزله الله مع نار مضرمة أهلكت ما مرت به من نبات وحيوان ثم جراد ثم ظلمة ثم موت عم كبار الآدميين وجميع الحيوان وأنه لم يذكر اليد فيها لأنها لا ضرر فيها عليهم فإن قلت الثلاثة الأخيرة فيما نقله المصنف أوّلاً: ليست مما أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام بعد هلاك فرعون، وهي انفجار الماء من الحجر ونتق الطور وانفلاق البحر، وقوله: ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض! يقتضي أن الآيات التسع المشار إليها في حياته حين تجاوزه فالرواية الصحيحة هي الثانية، فلا ينبغي تأخيرها وتمريضها كما فعله المصنف إذ لا إشكال فيها كما توهم، قلت: أجابوا عنه بأنه ليس في هذه الآية دلالة على أن الكل لفرعون، وأمّا قوله في آية أخرى في تسع آيات إلى فرعون وقومه، فيجوز أن يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 بعض تلك غير بعض هذه مع أنه لا يتعين أن تكون الإشارة بهؤلاء إلى كلها ومثله كثير، ولا يخفى ما فيه وقول المصنف رحمه الله يعني الآيات مناد على خلافه فتأمّل. قوله: (وعن صفوان) هو ابن عسال رضي الله عنه، وقوله: أن لا تشركوا خبر مبتدأ مقدر أي هي أن لا الخ، وقوله: ولا تمشوا المراد نهيهم عن السعاية في حق البريء من أمر إلى صاحب تسلط وقهر حتى يقتله أو يضره، والباء للتعدية أو السببية وتقبيله لعلمه بأنه رسول لموافقة ما ذكره لكتابهم، فقوله: فعلى هذا أي فعلى هذه الرواية وأنها المراد هنا لا ما وقع في الحديث أن اليهوديّ سأله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات المذكورة في هذه كما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وأحمد واسحق وأبو يعلى والطبرانيّ كلهم من رواية عبد القه بن سلمة عن صفوان كما ذكره المخرّج فهذا هو التفسير الصحيح وسيدفع ما يرد عليه، وعلى متعلقة بالمراد مقدمة من تأخير والأحكام خبر المراد، والعامة والثابتة بالرفع صفة لها، وقوله: سميت بذلك أي بالآيات وذكر باعتبار أنه لفظ وهو جواب عما يرد عليه من أنّ هذه ليست بآيات أي معجزات بل أحكام وليست تسعا بل عشرا فدفع الأوّل بأنها آيات بمعنى علامات على السعادة لمن امتثلها والشقاوة لغيره ودفع الثاني بأنّ الأخير ليس منها ولذا غير أسلوبه لنسخه واختصاصه بهم، فهو تذييل للكلام وتتميم له بالزيادة عما سألوه، وليس من الأسلوب الحكيم، كما قيل: وقوله: متعلقها بصيغة المفعول المراد به ما يتعلق بها من الارتكاب أو الانتهاء. قوله: (فقلنا له الخ) إشارة إلى ما ذكروه من أنّ المأمور يجوز أن يكون موسى وأن يكون نبينا عليهما الصلاة والسلام، والسؤال إما بمعنى الطلب أو بمعناه المعروف فإذا كان بمعنى الطلب والمأمور موسى عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى تقدير أي فقلنا لموسى سلهم أي لطلب بني إسرائيل من فرعون لأنهم كانوا كالأسرى له وللقبط وإليه أشار بقوله فقلنا الخ، وقدّره ليصح العطف ويظهر الارتباط، وقوله: ليرسلهم إما بالجزم على أنها لام أمر للغائب كفل لزيد ليفعل كذا أو بالنصب على أنها لام تعليل وهو الظاهر، أو السؤال بمعناه المشهور، والقول: مقدر أيضا، والمراد سلهم عن دينهم وفي الكشاف جواز كون المسؤول عنه معاضدتهم لفرعون وتركه المصنف رحمه الله، أو المراد بالسؤال هل هم ثابتون عليه أو اتبعوا فرعون وهو يدل على هذا واليه أشار بقوله: أو سلهم من حال دينهم، وكان عليه أن يأتي بعن بدل من للفرق بين المسؤول عنه ومنه وقد وقع في بعض النسخ عن وهي أصح، وقوله: ويؤيده أي يؤيد أنّ الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام بوجهيه قراءة المضيئ لتعين عود ضميره لموسى والأصل توافق القراءتين وبني مفعول على الوجهين لا منصوب بنزع الخافض. قوله: (وهو لنة قريش) أي يقولون سال، كقال معتلاً عندهم إذ إبدال الهمزة المتحرّكة لا يكون في القياس، وقوله: وإذ متعلق بقلنا المقدر أو سال الماضي، كما في القراءة الشاذة لا بالأمر إذ لا يناسبه إذ جاءهم، وليس محل الالتفات والسؤال على ما مرّ. قوله: (أو فاسأل يا محمد الخ (يعني الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والسؤال بمعناه المشهور والمسؤول عنه ما ذكر وهو معطوف على ما قبله معنى وهذه الجملة معترضة والفاء تكون للاعتراضى كالواو كما ذكره النحاة في قوله: واعلم فعلم المرءينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا ... فمن قال إنها لسببية الأخبار عما قبله لا للتعقيب لم يصب ولم يدر أنه ينافي كونه اعتراضا، وقوله: أو عن الآيات أي التسع وهو معطوف على قوله عما جرى، وقوله: ليظهر الخ متعلق باسأل وهو إشارة إلى أنّ السؤال وإن كان حقيقة ليس المراد به استعلام ما لم يعلم لأنّ الظاهر أنه كان عالما بها وقت النزول، وقوله: للمشركين لأنّ السؤال كان بمحضر منهم أو لأنه يبلغهم، وقوله: أو لتتسلى نفسك إن كان عائداً على المعنى الأوّل على اللف والنشر المشوّس فهو ظاهر، والا فوجهه أنه تسلية لما فيه مما نزل بمن عاند الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أظهر، وقوله: لتعلم بالخطاب أو بالغائب المجهول ولا يلزم، كما قيل على الأوّل أن السؤال عما لم يعلمه لأنّ هذا مترتب على المسؤول عنه وليس بمسؤول عنه، وتظاهر الأدلة تقوّيها بتكرار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 ما يدل عليها. قوله: (وعلى هذا) أي كون الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه يصح حينئذ تعلقه باسأل إذ ليس سؤاله في هدّا الوقت وعلى تعلقه بآتينا المعنى ظاهر وما بينهما اعتراض كما مرّ والمسؤول منهم مؤمنو بني إسرائيل في زمنه كعبد الذ بن سلام فلذا قدروه إذ جاء آباءهم كما في الكشاف، وقيل: إق المصنف رحمه الله لم يتعرض! له لأنه جعله استخداما، وليس في كلامه ما يقتضيه فلعله حمله على النوع فتدبر. قوله: (أو لإضمار يخبروك (من إضافة المصدر لمفعوله إذ المراد به لفظه وجعله الإضمار ناصبا تسمح أو هو من إضافة الصفة للموصوف أي يخبروك المضمر ولا يخفى أنّ الإخبار ليس واقعا في وقت المجيء ودفعه بأنه مفعول به لا ظرف، كما قيل فيه إن أخبر يتعدى بالباء أو عن لا بنفسه، وقوله: على أنه جواب بيان لارتباطه وجزمه وأورد عليه أنّ السؤال عن الآيات وبيانها والجواب بالإخبار عن وقت المجيء لا يلائمه اللهم إلا أن يقال: إنّ المراد يخبروك بذلك الواقع في وقت مجيئه لهم، وهو تكلف فتأمل، وقوله: أو بإضمار اذكر على أنه مفعول به لا ظرف لأن الذكر ليس في ذلك الوقت، وقيل إنه يجوز تعلقه باسأل على أنّ إذ للتعليلى أي سلهم لأنه جاء آباءهم فهم يعلمون أحواله، وكذا إذا تعلق بيخبروك يجوز فيه هذا. قوله: (فقال له فرعون) الفاء فصيحة أي فذهب إلى فرعون وأظهر آيات ومعجزات ودعاه للإيمان فقال الخ، وقوله: سحرت فهو على ظاهره وتخبط العقل اختلاله فلهذا اختل كلامه على زعمه وقيل المسحور بمعنى الساحر على النسب أو حقيقة كما مرّ في حجابا مستوراً وهو يناسب قلب العصا ثعبانا ونحوه وعلى الأوّل هو كقوله: إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قوله: (على إخباره عن نفسه) وهو على القراءتين ردّ لقوله: أظنك على تفسيريه والجملة المنفية معلق عنها ساذة مسد مفعوليه والمعنى أنّ علمي أو علمك بأن هذه الآيات من الله إذ لا يقدر عليها سواه يقتضي أني ل! ست بمسحور ولا ساحر وأن كلامي غير مختل لكن حب الرياسة حملك على العناد وقوله يعني الآيات أي التسع أو بعضها أو ما أظهره من المعجزات وقوله بينات أي لا سحر ولا تخيل، كما زعم فهي جمع بصيرة بمعنى مبصرة أي بينة كما مرّ تحقيقه في قوله: وآتينا ثمود الناقة مبصرة أو المراد الحجج بجعلها كأنها بصائر العقول وتكون بمعنى عبرة كما ذكره الراغب، وقوله: نبصرك صدقي إشارة إلى علاقة التجوّز فيه. قوله: (وانتصابه على الحال) فإن قلنا ما قبل إلا يجوز علمه فيما بعده وان لم يكن مستثنى ولا تابعا له فعامله أنزل المذكور وصاحبها هؤلاء وإليه ذهب أبو البقاء والحوفي وابن عطية والا فالعامل مقدر تقديره أنزلها. قوله: (مصروفاً عن الخبر (من الثبر بمعنى الصرف مطلقاً، وقدّر متعلقه مخصوصاً بقرينة المقام وكونه مطبوعا على الشر من لوازمه وقوله: هالكا فهو من ثبر اللازم بمعنى هلك ومفعول فيه للنسب بناء على أنه يأتي له من اللازم والمتعدي، وفسره المعرب بمهلكا وهو ظاهر وفي شرح شعر هذيل في قوله: بنعمان لم يحلف شنيقا مثبرا إن في الحديث ما ثبر الناس أي عجل الدنيا وأخر الآخرة، وقال أبو عمر ومثبر: لا يصيب خيراً، وقيل ضعيف وبه فسرت الآية. قوله: (قاوع ظنه بظنه) أي قابله به لدفعه، كما يتقابل المتقارعان بالرماح فهو استعارة، وقوله: كذب بحت بالباء الموحدة والحاء المهملة والتاء الفوقية أي خالص لا يطابق واقعا ولا اعتقاداً ولا إمارة عليه وإنما سمي ظنا لتعبيره به أو لأنه وقع منه الظن لفساد عقله، وما ذكر بالنسبة للواقع في العقول السليمة وأخالك بمعنى أظنك بكسر الهمزة في الفصيح وقد تفتح. قوله: (أن يستخف الخ (هذا أصل معناه أي يزعجهم فكني به عن إخراجهم من أرضهم وهي مصر إن ثبت أنهم دخلوها، فإن لم يثبت فالمراد ذريثهم أو يراد بالأرض! الأرض المقدسة والتعريف للعهد أو من جميع الأرض! والتعريف للجنس ويلزمه قتلهم واستئصالهم وهو المراد به. قوله: (فعكسنا عليه مكره (أي أراد ذلك لهم دونه فكان له دونهم والتعكيس على الثاني ظاهر فإن خص به فأظهر وإلا فهو على الأوّل لأنه أراد إخراجهم منها فأخرج هو أشدّ إخراج بالهلاك إذ الزيادة لا تضر في التعكيس بل تؤيده ولذا زاد قوله: بالإغراق. قوله: (الكرّة الخ) بيان لتقدير موصوف على الوجوه وقوله: يعني قيام القيامة على جميعها، وقوله: إياكم واياهم كان الظاهر أنتم وهم وهو منصوب بمقدر أي أعني، وقيل: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 إنه تفسير لضمير بكم مع الإشارة إلى أن فيه تغليبا للمخاطبين على الغائبين وأتى بالضمير المنصوب لأنّ المجرور في محل نصب لكن كان الظاهر تقديمه حينئذ، وقوله: واللفيف الخ فهو إما اسم جمع كالجميع ولا واحد له أو هو مصدر شامل للقليل والكثير لأنه يقال: لف لفا ولفيفا. قوله: (أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق) يشير إلى أنّ الباء للملابسة وانّ تقديم الجار والمجرور على عامله للحصر هنا والضمير للقرآن والجارّ والمجرور حال من ضمير المفعول، وفيه وجوه أخر، وغاير بين وصفي الحق إشارة إلى تغايرهما هربا من التكرار ظاهراً، وان كفى تغاير متعلقهما وهو الإنزال والنزول وبه لا يكون الثاني تأكيداً للأوّل حتى يتوهم أنّ المحل حينئذ ليس محل العطف لكمال الاتصال لأن العطف للجملتين لا للمتعلقين والحق فيهما ضد الباطل لكن المراد في الأوّل الحكمة الإلهية المقتضية لإنزاله وفي الثاني ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها، وقيل: الباء الأولى للسببية والثانية للملابسة وقيل: هي للسببية فيهما فتتعلق بأنزلنا. قوله: (وقيل الخ) أي قيل إنّ معنى كونه منزلاً ونازلاً بالحق ما ذكر وهو التفسير الثاني في الكشاف وفسره الشارح الطيبي بأنّ الحق فيه مقابل الباطل، وقوله: محفوظا بالرصد توضيح له وبيان لأنه منصوب على الحال يعني هو محفوظ بالرصد لا يأتيه الباطل من بين. يديه ولا من خلفه كقوله: وأحاط بما لديهم واليه أشار المصنف بقوله: ولعله الخ يعني أن هذا القائل أراد أنه ثابت على الحقية فالحق فيهما بمعنى واحد بخلافه على تفسير المصنف، وإنما عبر بلعل لأنّ الحفظ لا يلزمه ذلك إلا بالتأويل كما مرّ والرصد جمع راصد كحرس وحارس لفظاً ومعنى فقوله: من الملائكة بيان له والاعتراء بالعين والراء المهملتين بينهما مثناة فوقية وبالمد الإصابة، وأوّل الأمر وآخره منصوب على الظرفية، والمراد بالأوّل حال إنزاله وبالآخر النزول وما بعده إذ لو حمل النزول على ظاهره الملازم للإنزال لم يكن لذكره فائدة، وبه يندفع ما يتوهم من التكرار على اتحاد معنى الحق فيهما، وقوله: من تخليط الشياطين متعلق بمحفوظ الثاني لا أنهما على التنازع لأنّ احتمال التخليط إنما هو بعد النزول فمن قال إنّ قوله: ولعله الخ معنى آخر حاصله جعل أوّل الزمان للإنزال وآخره للنزول فليس فيه شبه تكرار أوارد لعل هذا القائل أو الله تعالى على هذا القول نفي اعتراء البطلان الخ، يعني أنه تعالى لما أخبر بأنه محفوظ من التخليط زمان إنزاله من السماء الدنيا ومعلوم أنه محفوظ أيضا في زمان إنزاله من اللوح إلى السماء الدنيا، فلذا قال! المصنف رحمه الله: من السماء ولم يقل إلى السماء الدنيا ليحصل التغاير بينهما فأفادت الآية أنه محفوظ أوّلا وآخراً اهـ، فقد خبط خبط عشواء لما سمعته من بيان مراده. قوله: (للمطيع (قدره لدلالة المقام عليه وقوله: فلا عليك أي لا يجب عليك إلا هذا لا هدايتهم للإيمان فالقصر إضافي والوجوب من لفظ عليك، ويجوز أن يقدر لا بأس عليك بحذف اسم لا فإنه مسموع مقيس، وقوله: نزلناه مفرّقا منجما تفسير له على قراءة التخفيف وإشارة إلى أنه بحسب المآل بمعنى المشدد، وقوله: فرقنا فيه بيان لأنّ الضمير للظرفية للفرق بين الحق والباطل، وهو القرآن وبعد حذف الجار انتصب مجروره على أنه مفعول به على التوسع لأنّ الضمير لا ينتصب على الظرفية، وقرآنا منصوب بفرقنا على الاشتغال فالاستشهاد بالبيت من وجهين وفي نصبه أقوال أخر هذا أقربها، وقوله: ويوما الخ من بيت هو: ويوما شهدناه سليما وعامرا مزيداً على الطعن النهال نوافله ... وسليم وعامر اسما قبيلتين من قيس، ونوافله غنائمه فاعل مزيد، والنهال بكسر النون جمع ناهل بمعنى عطشان والمراد بها الرماح أي لا غنائم فيه إلا الطعن وهو تمثيل ومحل الاستشهاد فيه ظاهر. قوله: (لكثرة نجومه الخ) يعني أن التفعيل فيه للتكثير في الفعل وهو التفريق وقيل: فرق بالتخفيف يدل على فصل متقارب وبالتشديد على فصل متباعد، ومنجماً مفرّقا من قولهم نجمت المال إذا وزعته كأنك فرضت أن تدفعه عند طلوع كل نجم ثم أطلق النجم على وقته ثم على ما يقع فيه فما كان في نجوم كان مفرقاً ومنجما، ولما كان قوله: على مكث دالاً على كثرة نجومه كانت القراءتان بمعنى، فلا يرد عليه أن الدلالة على التكثير أنسب بالمقام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 كما قيل، وقوله: في تضاعيف عشرين سنة أي فيها وهو من المجاز يقال: تضاعيف كذا وفي إضعافه أي في إثباته كما في الأساس، وتؤدة بضم التاء وفتح الهمزة والدال المهملة هي التأني والتمهل في الفعل وقوله: فإنه أيسر للحفظ أي التأني في القراءة، وفي قوله: على مكث احتمالات منها تعلقه بفرقناه وهو الظاهر لأنّ تعلق على الناس بتقرأه يقتضي أن لا يتعلق به، لأنّ تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد خلاف الظاهر ولو بالتأويل، أو هو متعلق بمحذوف أي تفريقا على مكث أو قراءة على مكث منك بمكث تنزيله فما ذكر من كونه أيسر وأعون تعليل لتدريج النزول أو للتأني في القراءة ولا ترجيح لإحدى القراءتين كما يعلم مما قرّرناه وقوله: وقرئ بالفتح أي بفتح الميم فإنها مثلثة إلا أنّ الكسر قليلى ولم يقرأ به. قوله: (على حسب الحوادث) وفي نسخة المصالح وهما بمعنى وفسره به ليقيد معنى قوله: فرقناه فإن الأوّل دال على تدريج نزوله ليسهل حفظه وفهمه من غير نظر إلى مقتضى لذلك وهذا أخص منه فإنه دال على تدريجه بحسب الاقتضاء فلا وجه لما قيل إنه للتنصيص على معناه ولولاه لكان مكرّرا، وقوله: آمنوا به أو لا تؤمنوا للتسوية لما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (تعليل له) أي لقوله: لا تؤمنوا وهو الظاهر أو لما قبله وهو داخل في حيز قل لما ذكر والتعليل صادر من الله على لسان نبيه غيب، وقوله: فقد آمن به بتقدير فلا بأس فقد الخ، وقوله: قرؤوا الخ بيان لسبب إيمانهم، وبيان لطريق إتيانهم العلم بحقيقته وهو أنهم لمعرفتهم بالوحي وامارته عرفوا أنه وحي وأنك نبيّ، وقوله: أو رأوا نعتك الخ بيان لسبب آخر لإيمانهم وهو كونه مذكوراً في كتبهم وهو معطوف على قوله عرفوا، وعلى كونه تعليلا لقل لا يكون داخلا في مقوله وحيزه. قوله: (يسقطون على وجوههم (هذا بيان لحاصل المعنى وتفسير له لأنّ معنى الخرور السقوط والسجود وهو يكون على الوجه فلا يغاير قوله: الآتي وذكر الذقن الخ، وقيل: يحتمل أنه إشارة إلى وجه آخر وهو أن اللام بمعنى على هنا كما ذكره المعرب وأن الذقن مراد به الوجه تعبيرا بالجزء عن الكل لأن حقيقته مجتمع اللحيين لا ما ينبت عليه من الشعر وان شاع فيه مجازاً قيل: وهو أولى، وقوله: تعظيما مفعول له تعليل لما قبله، وليس تفسيراً لسجدا الواقع حالاً، وقوله: أو شكراً معطوف عليه وهو أوفق بالتفسير الثاني لقوله: أوتوا العلم، وانزال القرآن بالجز عطف على إنجاز أو على بعثة محمد ع! يلى وهو أولى لقربه ولإفادته أنه موعود به أيضاً وقوله: عن خلف الموعد متعلق بسبحان بمعنى التنزه وهذا ناظر إلى التفسير الثاني، ويصح على الأوّل بأن تكون المعرفة بأمارات قبل التأمل فيما يتلى، وهذا بعده، وقوله: إنه الخ إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن وقوله: لا محالة من التأكيد بالاسمية وأن واللام. قوله: (كرّره) أي قوله يخرّون للأذقان لاختلاف الحال وهو أنّ الأوّل عند إنجاز الوعد، وهذا بعده أو الأوّل في حال التعظيم وهذا في حال البكاء والخوف والسبب هو الشكر في الأوّل وتأثير الموعظة في الثاني. قوله: (وذكر الذقن لآنه أوّل ما يلقى الأرض الخ) كذا في الكشاف واعترض! عليه في التقريب بأنّ أوّل ما يلقى الأرض من وجه الساجد الجبهة أو الأنف، وأجاب عنه الشراح بأنه في ابتداء الخرور أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض هو الذقن أو أنه أريد به المبالغة في الخضوع لأنه بتعفير اللحى في التراب والأذقان عبارة عنها، أو أنه ربما خرّ على الذقن كالمغشيّ عليه ومنهم من قال: لعل سجودهم كان هكذا غير ما عرفناه (قلت (لا يخفى ما في هذه الوجوه كلها مع أن هذا الاستعمال وارد مع الخرور، ولو في غير السجود في كلام العرب قديماً قال الثاعر: فخروا لأذقان الوجوه تنوث! هم سباع من الطير العوادي وتنتف فالظاهر أنه غفلة عن معنى لقي قال الراغب: اللقاء مقابلة الشيء ولا شك أن أوّل مقابل الأرض من الساقط الساجد والواقع هو الذقن، وهم ظنوه بمعنى الإلصاق فتكلفوا له ما ذكر، والحاصل أنّ هذا إنما يرد لو أريد به ظاهره وحقيقته، أما إذا أريد به المبالغة كأنه لشدة تحامله ألصق ذقنه بالأرض! أو جعله كناية أو تمثيلاً فلا إشكال. قوله: (واللام فيه لاختصاص الخرور به) أي بالذتن، اعترض عليه بأنه بعد ورود ما تقدّم عليه مخالف لقوله: لأنّ أوّل ما يلقى الأرض الخ لاقتضائه أن في الوجه ما يتصف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 بالخرور وغيره، إلا أن يقال تقديره لاختصاص أوّل الخرور به أو يقال: لاختصاص هنا متعذ، والمعنى لتخصيصهم الخرور به، ويكون هذا طريق سجدتهم كما مرّ (قلت (هذا مبنيّ على أنّ الاختصاص الذي يدلّ عليه اللام بمعنى الحصر وليس كذلك وإنما هو بمعنى تعلق خاص، ولو سلم فمعنى الاختصاص به الاختصاص بجهته، ومحاذيه وهو جهة السفل ولا شك في اختصاصه به إذ هو لا يكون لغيره فمعنى يخزون للأذقان يقعون على الأرض عند التحقيق، والمراد تصوير تلك الحالة كما في قوله: فخز صريعا لليدين وللفم قوله: (أو قالت اليهود) بيان سبب آخر، وفي نسخة بالواو وهذه أصح لما في الثانية من إيهام أنه من تتمة ما قبله وليس بمراد كما صرّج به، وقوله: هو التسوية بين اللفظين الاستواء هو معنى أو التخييرية، كما في قوله: سواء عليّ أقمت أو قعدت، فهي إشارة إلى أنهما متساويان في الدلالة على ذات واحدة، وإن اختلف مفهوماهما، كما هو مشهور وبه يتم الجواب كما لا يخفى فسقط ما قيل: إن الجواب ليس إلا بأنهما يطلقان على ذات واحدة لا بالتسوية لإشعاره بأنّ إطلاقهما على ذات واحدة مفروغ عنه، مع أنّ ما ذكره من المحذور نور على نور، وقوله: ذات واحدة وقع في نسخة واحد إشارة إلى أنه انسلخ عنها معنى التأنيث لما أطلقت على الله، وعلى الثاني أي السبب الثاني للنزول: وهو قول اليهود الاستواء في حسن الإطلاق كما يفهم من توصيف الأسماء بالحسنى لأنهم فهموا أحسنية الرحمن لكثرة ذكره في كتابهم، وكأنّ حكمته أنّ موسى عليه الصلاة والسلام كان غضوبا كما دلت عليه الآثار فأكثر من ذلك، ليعامل أمّنه بذلك لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متخلقون بأخلاق الله. قوله: (وهو أجود) أي أكثر جودة وفي نسخة أخرى أي أنسب، وفي النسخ الصحيحة أجوب من الجواب بالجيم والباء الموحدة فاللام تعليلية أيضاً أي أشد إجابة، والمعنى أليق بالجواب لما قالوا، قال في الكشف: في غير هذا المحل وقد عبر به الزمخشري، قال الأزهريّ عن ابن عمر أن رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أي الليل أجوب دعوة فقال: " جوف الليل الغابر "، قال: أي أسرع إجابة كما يقال أطوع من الطاعة والأصلى جاب يجوب مثل طاع يطوع بمعنى أنه من الثلاثي لا من المزيد لمخالفته القياس بلا حاجة ولو كان منه لصح إسماعه، ووجه الأجوبية أنه يدل على أنهم ظنوا أنه أحسن لكونه أحبّ إلى الله إذ أكثر من ذكره لا أنهم ظنوا تغايرهما كما زعم المشركون وأمّا ما أورد عليه من منع الأجوبية لأنّ تقديم الخبر في قوله فله الأسماء الحسنى يقتضي أجوبية الأوّل، إذ معناه هذه الأسماء لله لا لغيره كما زعم المشركون إلا أن يقال أو للتخيير وهو غير مسلم فيدفع بأنّ المعنى لله أسماء متفقة في الحسن لأنها لا يختلف مدلولها بالذات بخلاف غير.، فإنّ أسماءه تختلف فالقصر ناظر إلى الوصف لا الأسماء وهذا لا يتوقف على تسليم التخيير مع أنه سيأتي ما فيه، وقال في الكشف أيضاً على الوجهين التسوية بين اللفظين في الحسن والاختلاف إنما هو بأنّ الاستواء في الحسن ردّ لليهود بأنّ الإتيان بأحد الحسنين كاف أو لمن قال إنه يدعو اتها آخر بأنّ الاختلاف بين اللفظين الدالين على كماله تعالى لا بين كاملين فالأجوبية ممنوعة، ولرذه أنّ التوصيف بالحسنى أنسب بما ذكر كما قرّرناه. قوله: (والدعاء الخ) في الكشف لأنه لو حمل على الحقيقة المشهورة يلزم إما الإشراك إن تغاير مدلولا الاسمين أو عطف الشيء على نفسه إن اتحدا، وفيه بحث لأنا نختار الثاني ولا يلزم عطف الشيء على نفسه بأو وهو إنما يجوز بالواو كما في قوله: وألقى قولها كذبا ومينا لأنه قصد به لفظه كما تقول: بأن النبيّ محمد أو أحمد مع أنّ اختلاف مفهوميهما يكفي لصحته وقد جوّزه المعرب وغيره وسبب النزول الأول مؤيد له فتأمل، وقوله في الآية إشارة إلى أنه بهذا المعنى في الموضعين وأنه يكون بمعنى آخر في غير هذه الآية، وقوله: حذف أوّلهما وهو الضمير المقدر بتدعوه، والثاني أيا. قوله: (وأو للتخيير) قيل عليه الصواب أن يقول للإباحة لأنّ الفرق بينهما كما ذكره الرضي وغيره أنّ في الإباحة يجوز الجمع بين المتعاطفين والاقتصار على أحدهما وفي التخيير لا يجوز الجمع وهو جائز هنا (قلت) ما ذكره اصطلاح للنحاة في التخيير إذا قوبل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 بالإباحة ومراد المصنف به التسوية بينهما في الدلالة على ذات واحدة كما صرّح به أوّلاً، وسواء فيه الإفراد والجمع، قال: في التلويح وفي التخيير قد يجوز الجمع بحكم الإباحة الأصلية وهذا يسمى التخيير على سبيل الإباحة ا! ، مع أنه لو سلم أنه لا وجه لمخالفة الاصطلاح المشهور فالآية أو فيها للتخيير بمعناه المعروف، لأنّ أيا لأحد الشيئين استفهاما كانت أو شرطا فإذا قلت لأحد أي الأمرين تأخذه فخذ لم تأمره بأخذهما بل بأحدهما، وأمّا الدلالة على جواز الجمع فمن خارج النظم، ودلالة العقل لأنهما إذا لم يتنافيا جاز الجمع بينهما فتدبر. قوله: (والتنوين الخ) أي أيا اسم شرط جازم منصوب بتدعوا وجازم له فهو عامل ومعمول من جهتين والمضاف إليه محذوف يعوّض عنه التنوين، وتقديره أيّ هذين الاسمين وما حرف مزيد للتاكيد، وقيل إنها اسم شرط مؤكد به وجملة فله الأسماء الخ، جواب الشرط، وقوله: والضمير الخ أي هو عائد على المسمى المفهوم من الكلام والقرينة عقلية، وهي أنّ الأسماء تكون للمسمى لا للأسماء. قوله: (وكان أصل الكلام اياما تدعوا فهو حسن) هدّا على الوجه الثاني وهو يتضمن وجه أجوبيته كما مرّ ويعلم منه تقديره على الآخر وهو فمدلوله واحد ونحوه، وقوله: فوضع موضعه أي موضع هذا الجواب، والمبالغة بجعلها كلها حسنى وهو يدلّ على حسن كل منهما بطريق برهانيّ فأقيم فيه دليل الجواب مقامه وهو أبلغ، وقوله: لدلالتها الخ مبنيّ على أنّ الله بمعنى المعبود وصفات الجلال ما يدل على العظمة كجليل وكبير وصفات الإكرام كرحيم ورحمن، وقال الكرماني: صفات الجلال هي العدمية كلا شريك له، وصفات الإكرام الوجودية فتأمّل. قوله: (بقراءة صلانك) أي بتقدير مضاف أو بتسمية القراءة التي هي منهابها كما تسمى ركعة وقد مرّ تفصيله، وقوله: حتى تسمع بالخطاب للنبيّ في من الأفعال والمشركين مفعوله والسب سب القرآن أو منزله أو النبيّ صلى الله عليه وسلم واللغو رفع أصواتهم وتصفيقهم حتى يخلطوا عليه القراءة كما كانوا يفعلون، وقوله: فإن ذلك تعليل للنهي، وقوله: لا تسمع بخطاب الإسماع أو بغيبة سمع، وقوله: سبيلاً وسطا تقدير للصفة أو بيان كون المراد بالسبيل ذلك، وأنه يفهم من بين والاقتصاد التوسط والاعتدال وأصله سلوك طريق مقصودة، وقوله: فإنّ الخ تعليل لابتغاء الوسط فلا حاجة لما قيل حقه، ولأنّ الاقتصاد لسبق علة النهي، وقوله: روي حديث صحيح رواه الترمذيّ وغيره وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سألهما عن ذلك وخفت من باب ضرب بمعنى أسرّ وأخفى يقال: خفت يخفت خفتا وخفوتا وخافت مخافته بمعنى، وقوله: روي بدون عطف بيان لسبب النزول ولكونه غير مخالف لما فسره به أوّلاً لم يعطفه عليه كما في الكشاف ولم يسبق ذكر سبب آخر يعطف عليه كما توهم، وما ذكر من قوله أناجي ربي الخ حكمة السرّ والجهر. قوله: (وقيل الخ) فهو على الأوّل أمر بالاعتدال في الجهر أيضا، وعلى هذا يتغايران والحكمة فيه ما مر من سب المشركين ولغوهم فإنهم يسمعون نهارا لا ليلاً ثم استمرّ الشرع على ذلك وقوله: بالإخفات قيل عليه أنه لم يوجد في كتب اللغة أفعال من الخفت فلعله من تحريف الناسخ وهو إخفاء بالمدّ فظن المدة صورة التاء فانظره. قوله: (في الآلوهية (جعل نفي الشريك له في ملكه لسائر الموجودات كناية عن نفي الشركة في الألوهية لأنه لو كان إله آخر لتصرف فيها، فاندفع ما قيل إنه الأولى أن يقول: في الخالقية. قوله: (ولئ يواليه من أجل مذلة به) يشير إلى أن من هنا تعليلية، كما هو أحد الوجوه فيها وقوله: يواليه تفسير للوليّ بأنه من يواليه أي يجعله مولى يلتجىء إليه وفاعله ضمير الله المستتر ومفعوله ضمير الوليّ، فأمّا أولياؤه من المؤمنين فليس الولاية فيه بهذا المعنى بل بمعنى من يتولى أمره لمحبته له تفضلاً منه ورحمة، وقوله: ليدفعها أي ليمنعها عنه قبل لحوقها أو بعده. قوله: (نفى عته أن يكون له ما يشاركه الخ) المشارك من الجنس الولد واختياره أن يكون من غير حاجة إليه والاضطرار خلافه ومن غير جنسه هو الشريك غير الولد سواء جعله شريكاً باختياره أو شاركه قسراً فاختياراً واضطراراً راجع لهما ويصح أن يكون على اللف والنشر، وما يعاونه هو الولي المحتاج إليه كما مرّ وهو عطف على قوله: شريك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 قوله: (ورتب الحمد عليه) أي على النفي لهذه بأن جعله محموداً عليه وهو دفع لسؤال كما في الكشاف وهو أنّ الحمد يكون على الجميل الاختياري وبه وما ذكر من الصفات العدمية ليس كذلك فالمقام مقام التنزبه لا مقام الحمد، وقوله: لأنه كامل الذات الخ بيان لدفعه وحاصله أنه يدل على نفي الإمكان المقتضي للاحتياج واثبات أنه الواجب الوجود لذاته الغنيّ عما سواه المحتاج إليه ما عداه فهو الجواد المعطى لكل قابل ما يستحق فهو المستحق للحمد دون غيره، وقيل: نفي هذه الصفات التي هي ذرائع لمنع المعروف لأنّ الولد مبخلة، والشريك مانع من التصرّف كيف شاء والاحتياج إلى المعين أظهر رديف لإثبات أضمدادها على الكناية وهو وجه حسن ولو حمل الكلام على ظاهره لكان له وجه لأنّ قول القائل الحمد لله ينبئ عن أنّ الألوهية تقتضي الحمد، فإذا قلت الحمد لله المنزه عن النقائص مثلا يكون مقويا لمعنى الألوهية المفهومة من الجلالة فيكون وصفاً مؤيداً لاستحقاقه الحمد من غير نظر إلى مدخلية الوصف في الحمد اسنقلالاً وهذا معنى مكشوف لكنهم حاولوا الدلالة على مكان الفائدة الزائدة يعني أنه دال على الاستحقاق الذاتيّ، وأفاد الطيبي رحمه الله أنّ في الآية تقسيما حاصراً لأنّ المانع من الإيتاء إمّا فوقه أو دونه أو مثله فنفى الكل على الترقي، وهو معنى بديع فقول المصنف: لأنه كامل الذات معلوم من الجلالة وكونه لا ولد له ولا معين فهو تنبيه على الاستحقاق الذاتي، وقوله: المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق من كونه لا شريك له في الملك فهو الموجد له المتصرّف فيه فكل ما فيه من نعمة ومنعم عليه، فهو له وهو الفياض! المطلق بلا عوض! ولا غرض إذ لا احتياج له وهذا يفهم منه بطريق الكناية، وقد قصد معناه الحقيقي أيضا إذ هي لا تنافيه فهذا إشارة إلى الاستحقاق الثاني، وقوله: مملوك نعمة من إضافة الصفة للموصوف أي ما عداه ناقص لأنه إمّا نفس النعمة المملوكة له المسندة إليه أو منعم عليه، وقوله: ولذلك، أي لكونه كاملاً وما عداه ناقص استحق التكبير أي التعظيم فلذا عطف عليه قوله: وكبره تكبيراً. قوله: (وفيه) أي في قوله: وكبره تكبيراً أمراً له بتعظيم الله أي تعظيما مؤكداً بالمصدر المنكر من غير تعيين لما يعظمه به إشارة إلى أنه مما لا تسعه العبارة، ولا تفي به القوّة البشرية، دمان بالغ في التنزيه بما مرّ والتحميد بحمده، واجتهد في العبادة المفهومة من ذكر الصلاة قبله فلم يبق إلا الوقوف بأقدام المذلة في حضيض القصور. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ) الآية هي قوله: الحمد دلّه الخ وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما، وقوله: أفصح أي أنطق لسانه بالكلام وفهم ما يلقى إليه، وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع، وقوله: فرق قلبه أي حزن عليهما وتأسف، وقوله: كان له قنطار أي من الثواب، وقوله: والقنطار الخ هو من جملة الحديث، وذكره الواحديّ دون قوله: ومائتا أوقية وفيه الأوقية منها خير من الدنيا وما فيها والله أعلم، تمت السورة بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. سورة الكهف بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية وقيل إلا قوله الخ (وفي الإتقان أنها مدنية من أوّلها إلى قوله: جرزا، وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [سورة الكهف، الآية: 28] الآية {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إلى آخر السورة، واختار الداني أنها مكية كلها وفي عددها خلاف عند الداني فقيل مائة وعشرة وقيل إحدى عشرة ولما ختم السورة التي قبلها بما هو ظاهر في الحمد الذاتي على ما مر عن صاحب الكشف افتتح هذه بما يدلّ على الحمد واستحقاقه له الغير الذاتيئ تتميماً للاستحقاقين وفسر الكتاب بالقرآن إشارة إلى أن تعريفه للعهد. قوله: (رتب استحقاق الحمد) إشارة إلى أن اللام هنا للاستحقاق وهو أحد معانيها كما ذكره النحاة قاطبة ووجه ترتبه عليه وان كان مؤخراً في الذكر أن الوصف بشيء بعد إثبات حكم يقتضي عليته ويقتضي تقدمه في التصوّر والرتبة وقد مر مثله. قوله: (تنبيهاً على أنه أعظم نعمائه (أعظميته باعتبار ما ذكره من أنه الهادي الخ ولا شيء في معناه أعظم منه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 والكلام هنا في إرشاد العباد، وبيان طرق السداد، فاقتضى تخصيصه بالذكر ولكل مقام مقال فلا حاجة بعد ما بين المصنف رحمه الله مراده إلى أن يقال: إن المعنى أنه من أعظم نعمائه أو أنه أفضل من وجه فإنّ إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وخلق الاهتداء كذلك والا لزم ترجيح أحد المتساويين أو ترجيح المرجوج، وما قيل إنّ المعنى أنه كذلك في نفسه لا أنه أعظم من غيره من النعم فيتعارض مع ما يترتب على الحمد سواه في السور الأخر وأنّ نعمة الإنزال تتضمن نعمة الإسلام وارسال الرسول صلى الله عليه وسلم من ضيق العطن، وفي ذكره بعنوان العبودية تنبيه على عظمة المنزل والمنزل عليه، كما يدلّ عليه الإضافة الاختصاصية، وقد سبق تحقيقه في سورة الإسراء. قوله: (شيئاً من العوج (أي عوجا ما وهو مأخوذ من وقوع النكرة في سياق النفي، والعوج هنا معنوي وهو إمّا في اللفظ أو في المعنى وعوج اللفظ اختلاله في الإعراب ومخالفة الفصاحة، والمعنى تناقضه وكونه مشتملا على ما ليس بحق أو داعيا لغير الله، وفي تعبيره بالانحراف مبالغة إذ لم ينحرف إليه فضلا عن الاشتمال عليه. قوله: (وهو (أي العوج بكسر العين وفتح الواو لأنه المذكور في النظم الذي فسره وهو مبتدأ خبره قوله: كالعوج أي بفتحتين ولذا أظهره، وفي المعاني وفي الأعيان حالان أو قوله: في المعاني خبره يعني أنّ المكسور يكون فيما لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة والمفتوج فيما يدرك به ولا يرد عليه قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} [سورة طه، الآية: 07 ا] أي في الأرض، مع أن عوجها يدرك بالبصر، ولذا ذهب ابن السكيت إلى أنّ المكسور أعم من المفتوج كما سيأتي تفصيله ثمة لأنّ عوج الأرض الواسعة لما كان يعرف بالمساحة كان مدركا بالبصيرة فلذا أطلق عليه. قوله: (مستقيماً) تفسير له بحسب اللغة، وقوله: معتدلاً لا إفراط فيه، ولا تفريط أي في الكتاب الموصوف به وفسره به ليغاير ما قبله إذ معناه لا خلل في لفظه ولا في معناه، وبعد كون معناه حقا صحيحا لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بإهماله ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر، كما قال: ما فرّطنا في الكتاب من شيء، ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وعدل عما في الكشاف من أنه توكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو عن أدنى عوج عند السبر والتصفح لأنه مع كون التأسيس أولى أو رد عليه أنّ ما ذكره إنما يصحح ذكر النفي عقب الإثبات حتى يزيل ما يتوهم من بقاء شيء منه وأمّا على تفسيره فلا حاجة إلى ذكره دون العكس فكان عليه أن يقتصر على أنّ فائدته التوكيد، ودفع بأنّ فائدته أن لا يتوهم أن له عوجا ذاتيا لا بالجعل بأن تنفر عنه الطباع السليمة لصفة ذاتية، ورد بأنه حينئذ يكون تأسيسا لا توكيداً وقال بعض فضلاء العصر أنّ الإيراد ناشئ من عدم فهم المراد، فإن مراد العلامة أنّ نفي العوج وذكر الاستقامة والجمع بينهما وهما كالمترادفين كما يدلّ عليه كلامه عند التأمّل يفيد التاكيد لا أن أحدهما بعينه مفيد له وليس مراده أنّ نفي العوج يؤكد الاستقامة حتى يرد ما ذكر وليس بشيء لأنّ مراده أنّ نفي شيء ما من العوج هو المؤكد للاستقامة المزيل للتوهم فكان ينبغي تأخيره وانكاره مكابرة لكنه مدفوع بما ستراه إن شاء الله تعالى. قوله: (أو قيماً بمصالح العباد الخ (عطف على قوله: مستقيما وأعاد قيما ليظهر تعلق الجار والمجرور المقدر في النظم به، ولم يعده فيما بعده لظهوره، والقيام يتعدى بالباء كقولهم: فلان قيم بهذا الأمر وبعلى كما في قوله: أفمن هو قائم على كل نفس واليهما أشار المصنف في الوجهين ومعنى قيامه بمصالحهم تكفله بها وبيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاس والمعاد فهو وصف له بأنه مكمل لهم بعد وصفه بأنه كامل في نفسه بقوله: ولم يجعل له عوجا على ما مرّ من تفسير. وقوله: أو على الكتب الخ فهو بمعنى شاهد بصحتها، والحاصل أنه ذكر لقيماً ثلاثة معان في الأوّل منها: ليس له متعلق مقدّر وعلى الأخيرين له متعلق مقدّر إمّا بالباء أو بعلى وهو على الكل تأسيس لا تأكيد كما مرّ. قوله: (ثقديره جعله قيماً) على أنه جملة مستأنفة ولم يقدره وجعله بالعطف على ما قبله كما قيل لأنّ حذف حرف العطف مع المعطوف تكلف وقوله أو على الحال من الضمير في له هذا ما اختاره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 أبو البقاء وفيه وجوه أخر مفصلة في الدر المصون ولا يرد عليه ما في الكشف من أنه ركيك إذ المعنى حينئذ ولم يجعل له عوجاً حال كونه مستقيما بناء على ما فسره به المصنف رحمه الله، إذ محصله أنه صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه لا إفراط فيه ولا تفريط وقس عليه الوجهين الآخرين، نعم: ما في الكشف بناء على ما فسره الزمخشري فدفعه كما في الدر المصون أنه حال مؤكدة كما في قوله: وليتم مدبرين وتبعه بعض المتأخرين، فلا وجه لما قيل إنه لا حاجة إليه، وقد قيل عليه أيضا أن التأكيد يفيد أصل الصحة، وأمّا دفع الركاكة بالكلية فالإنصاف أنه لا يفيده إذ الذوق يشهد بأن قولك: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} إسورة الكهف، الآية: ا] حالة كونه مستقيما ركيك والتأكيد لا يكسوه حسنا يليق بالبلاغة القرآنية، وفيه بحث. قوله: (على أنّ الواو في ولم يجعل للحال) يعني على تقدير كونه حالاً من الكتاب لما يلزمه من الفصل بين أبعاض المعطوف عليه بالمعطوف لأنّ الحال على هذا بمنزلة جزء منها، وقريب منه ما قيل إنه عطف على الصلة قبل تمامها وفي المغني أنّ قياس قول الفارسي في الخبر أنه لا يتعدد مختلفا بالإفراد والجملة أن يكون الحال كذلك فعلى هذا ينبغي أن الواو للاعتراض وهو غير وارد إذ ما ذكره الفارسيّ خلاف مذهب الجمهور مع أنه قياس مع الفارق، فلا يسمع وجعل الواو بعضاً منها لأنه قيد لها من متمماتها ولم يقل إبعاض! الصلة كما في الكشاف إشارة إلى عدم الاختصاص بها. قوله: (ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير) من جعله في نية التأخير كالواحدي وابن عطية والطبريّ جعل قوله: ولم يجعل له عوجا اعتراضا لا حالاً كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله وارتضاه في البحر، ورواه الطبرفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن قلت إذا كان هذا منقولاً عن ابن عباس وناهيك به جلالة ومعرفة بدقائق اللسان فما وجهه، قلت: ذكر السمين في غير هذه السورة أن ابن عباس حيث وقعت جملة معترضة في النظم بجعلها مقدمة من تأخير، ووجهه أنها وقعت بين لفظين مرتبطين فهي في قوّة الخروج من بينهما فلما كان قيما يفيد استقامة ذاتية أو تابعة لكونه صفة مشبهة أو صيغة مبالغة وما من شيء كذلك إلا وقد يتوهم فيه أدنى عوج ذكر قوله: ولم يجعل الخ للاحتراس وقدم للاهتمام كما في قوله: ألا يا أسلمي يا دارميّ على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر فالدعاء لها بالسلامة من عيب الغيث أو لا أحسن من قوله: فسقي ديارك غيرمفسدها صوب الحياء وديمة تهمي ... كما أفاده العسكريّ من متقدّمي علماء البلاغة، فلا يرد قول الرأزي: ولم يجعل له عوجا يدل على كونه مكملاً في ذاته، وقوله: قيما يدل على كونه مكملاً لغيره فثبت بالبرهان العقلي أنّ الترتيب الصحيح كما ذكره الله تعالى، وان ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل من الذهاب إليه. قوله: (وقرئ قيماً) أي بكسر القاف وفتح الياء المخففة وهي قراءة أبان بن تغلب وقد تقدم تفصيل الكلام فيها، وقوله: فحذف المفعول الأوّل اكتفاء بدلالة القرينة أي بمقابلته بالذين آمنوا، وأورد عليه أنّ مقابلته بالمؤمنين الصالحين يقتضي شموله للعصاة، لكن كون المراد من البأس الشديد العذاب الذي بلغ الغاية يقتضي تخصيصه بالكافرين وتبعه بعض المتأخرين لكنه قال: لا اقتضاء لما ذكر للتخصيص إذ كل عذاب دلّه شديد، وتعقبه بعضهم بأن المراد بالبأس الشديد العذاب البالغ إلى الغاية وهو مخصوصى جالكظ ر وهو مصادرة) وعندي) أنّ هذا من عدم الوقوف على مراده فإنه ليس في كلامه ما يدل على أنه أشد العذاب فالظاهر أن الث! يخين إنما اختارا هذا بناء على أن المهتم من نزول الكتاب هو الإنذار بعذاب الله بقطع النظر عن المنذر وأنه لتحقق عذابه وهلاكه ليس بشيء يذكر، ولذا قال: اقتصاراً دون اختصاراً وأن المراد بالقرينة التصريح بإنذار المشركين المنكرين للكتاب وانزاله كما صرّج به في الكشاف لا ما يقابلهم كما فهموه، فلا يكون تكرارا بل احتباكا بديعا، ولذا حسن عطفه فإن ذكرهم بعد الامتنان بإنزال القرآن يقتضي ذكر من آمن به ومن لم يؤمن تنصيصا وانّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات صفة مادحة لهم فتدبر. قوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 (صادرا من عنده (إشارة إلى أنه صفة وأن لدن بمعنى عند وان فرق بينهما، وقوله: إسكان الباء من سبع بالنصب على المصدرية أي كإسكان الباء المضمومة من سبع للتخفيف كما يسكن ما كان على فعل كذلك كعضد وهو مطرد. قوله: (مع الإشمام ليدل على أصله) أي مع إشمام الدال فقط ولذا أخره عن المثال فمن قال فيهما لم يصب، وهذا ما قرّره القراء لكن استشكله في الدر المصون وغيره بأنّ الإشمام وهو الإشارة إلى الحركة بضم الشفتين مع انفراج بينهما إنما يتحقق في الوقف على الآخر، كما قرّره النحاة وكونه في الوسط كما هنا لا يتصوّر، ولذا قيل: إنه يؤتى به هنا بعد الوقف على الهاء، ودفع الاعتراض! بأنه لا يدل حينئذ على حركة الدال بأنه متعين إذ ليس في الكلمة ما يصلح أن يشار إلى حركته غيرها ولا يخفى ما فيه والذي يحسم مادة الأشكال ما مر في سورة يوسف من أن الإشمام له معان أربعة: منها تضعيف الصوت بالحركة الفاصلة بين الحرفين فهو إخفاء لها، وقال الداني أنه هو المراد هنا، وهو الصواب وبه صرّج ابن جني في المحتسب، والعجب من المعرب أنه بعد ما نقله ثمة قال هنا ما قال، وهو مراد شراح الشاطبية كالجعبرفي وغيره، فمن قال إنها قراءة متواترة نقلها الجعبري وغيره فلا وجه لإنكارها لم يأت بشيء مع أن التحقيق أن الأداء غير متواتر وهذا مما لا مرية فيه، وبهذا علم ما في كلام المصنف رحمه الله فتدبر. قوله: (وكسر النون) بالجز معطوف على إسكان الدال وكذا ما بعده، والحاصل أنّ أبا بكر عن عاصم قرأ بسكون الدال والإشمام كما مرّ تحقيقه، والباقون بضم الدال ويسكنون ويضمون الهاء على تواعدهم فيها فابن كثير يصلها بواو وغيره لا يصلها، ووجه قراءة أبي بكر أنه كسر النون لالتقاء شبه الساكنين. قوله: (هو الجنة) إنما فسره بها لقوله: ماكثين فيه ولوقوعه في مقابلة العذاب ولما فيها من ال! نعيم ااصقيم والثواب العظيم، ولكون ذكرها في قوّة ذكره اقتصر عليها ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم للإعرابيّ: حولها ندندن فلا- جة إلى ضمه لها كما أنه لا وجه لتفسيره به بناء على ما توهم من أنّ الإيمان يكفي في التبشير بها وقوله في الأجر أي الجنة. قوله: (خصهم بالذكر) الظاهر أن مراده أن ما ذكر عبارة عن مطلق الكفرة الذي قدر مفعولاً للأوّل بقرينة ما بعده من قوله: لعلك الخ لأنّ هؤلاء غير قائلين بالتبني، ووجه التخصيص استعظام كفر هؤلاء، وقيل المراد أنه ذكره مرّة أخرى متعلقا بالمثبتين للولد منهم لا على العموم كما في الأوّل فخصهم بالإندّار بعدما عممه للجميع استعظاماً لكفرهم لكونه تخصيصا بعد تعميم فتدبر. قوله: (أي بالولد الخ) ذكر وجوها في مرجع الضمير المجرور بالباء فالأوّل أنه راجع للولد وقدمه لظهوره ومعنى عدم علمهم به أنه محال ليس مما يعلم، والثاني أنه راجع إلى الاتخاذ الذي في ضمن الفعل كقوله: اعدلوا هو في نسخة بالواو وبدل أو فيكون مع ما قبله وجها واحدا وقوله بالقول المفهوم من قالوا أي ليس قولهم هذا ناشئا عن علم وتفكر ونظر فيما يجوز عليه تعالى وما يمتنع، وقوله: والمعنى أنهم يقولونه الخ ناظر إلى الأوّلين، وقوله: أو تقليد ناظر إلى الثالث، وفي بعض النسخ والمعنى لأنهم يقولونه الخ يعني أنّ مالهم به الخ في معنى التعليل، وعلى الأوّل هو في موضع الحال أي قالوه جاهلين بما ذكر أو باستحالته، وقوله: من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فإنهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر، والأثر وكان ذلك من لغتهم أو جائزاً في شرعهم، وقوله: أو بالله عطف على قوله: بالولد، وفوله: إذ لو علموا الخ تعليل للأخير أو للجميع، وقوله: لما جوّزوا الخ إشارة إلى استحالته وأنه المراد من نفي العلم لا الصورة الذهنية. قوله: (الذين تقوّلوه بمعنى التبني (أي الذين افتروه مريدين به التبني أي اتخاذه الابن لا أوائلهم الذين عنوا المؤثر والإثر، والتقؤل في كلامه تفعل من القول ماض لا مضارع. قوله: (عظمت مقالتهم الخ (بيان لحاصل المعنى وقوله: لما الخ بيان لوجه عظمها والتشبيه لأنّ الولد يشبه أباه ماهية ونوعا والشريك لأنه لا بد من مشاركته في أكثر أمور أبيه، واحتياجه إلى الولد إعانة وخلفا ظاهر، وزاد فيه الإيهام لأنه ليس بلازم في الولد لذلك فكم من ولد لا يعين ولا يخلف، وغير ذلك كالجسمية والحدوث. قوله: (وكلمة نصب على التمييز) في الكشاف وفيه معنى التعجب كأنه تيل ما أكبرها كلمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 والضمير في كبرت يرجع إلى قوله: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} يعني كما بينه النحاة إن فعل موضوعا على الضم، كظرف أو محوّلاً إليه من فعل أو فعل يلحق بباب نعم وبئس في الأحكام كما هو مذهب الفارسيّ، وكثير من أهل العربية فيثبت له جميع أحكامه كسكون فاعله معرّفا بأل أو مضافا إلى معرف بها أو ضميراً يعود على نكرة هي تمييز وذهب الأخفش والمبرد إلى أنها ملحقة، بباب التعجب فلا يلزم ما ذكر، ويجوز أن يضمر فاعلها على وفق ما قبله فتقول زيد كرم وهند كرمت والزيدان كرما على ما فصله في الارتشاف والبحر، وعلى مذهب الأخفش والمبرد مشى الزمخشريّ كما ينادى عليه تصريحه بمعنى التعجب، وجعل الفاعل ضمير ما قبله فاعتراض الثارح العلامة عليه بأنه لا يتحقق حينثذ فيه الإيهام حتى يكون كلمة تمييزا، وجوابه بأنّ المراد بمرجع الضمير مآله وهو المخصوص بالذمّ وجواب بعض الأفاضل بعدم تسليم عدم الإبهام مستنداً باحتمال أن لا يكون كبرها من حيث إنها كلمة تخرج من أفواههم، لا وجه له لما عرفت ومن لم يتنبه لما فيه قال إنّ هذا الجواب هو الصمواب لكنه ليس من نتائج طبعه بل مأخوذ من كلام الواحدفي، ولا يجوز حمل قول المصنف رحمه الله عظمت مقالتهم على أنه يريد أن الضمير في قوله: كبرت لقولهم: اتخذ الله ولداً بتأويل المقالة ليرجع إلى ما في الكشاف فير-ت القيل والقال ويكون الفرق بين كلاميهما أن عظمها ملزوم الكفر لها عند المصنف، ومن جهة اجترائهم على إخراج تلك الكلمة من أفواههم عند الزمخشري، ومن حيث إنّ قوله تخرج الخ فائدة أو لا بد منه في تمام التمييز كما قيل لآنه لا يصح مع قوله إنه من باب نعم وبئس فإنه مذهب آخر وهو الفارق كما سمعته إلا أن يكون من جملة الممزض وهذا مبنيّ على الفرق بينهما. قوله: (صفة لها الخ (أي للكلمة مفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم لأنّ المعنى كبر خروجها أي عظمت بشاعته وقباحته بمجرّد التفوّه فما بالك باعتقاده ولا ضير في وصف التمييز في باب نعم وبض. تنبيه: في الارتشاف أنّ فعل المحوّل ذهب الفارسيّ، وأكثر النحويين إلى إلحاقه بباب نعم وبئس فقط وإجراء أحكامهما عليه وذهب الأخفش والمبرد إلى إلحاقه بباب التعجب، وحكى الأخفش الاستعمالين عن العرب ويجوز فيه ضم العين وتسكينها ونقل حركتها إلى الفاء اهـ، وظاهره تغاير المذهبين، وفي التسهيل أنه من باب نعم وبئس وفيه معنى التعجب، وهو يقتضي أنه لا تغاير بينهما واليه يميل كلام الشيخين، وقوله: والخارج بالذات هو الهواء، قيل إنه رد على النظام في تمسكه بهذه الآية على أن الكلام جسم لوصفه بالخروج الذي هو من خواص الأجسام، وحاصله أن الخارج حقيقة هو الهواء الحامل له واسناده إلى الكلام الذي هو كيفية مجاز وفيه أن القائل بأنه جسم يقول: هو الهواء المتكيف لا الكيفية فاستدلاله بناء على أنّ الأصل هو الحقيقة والخلاف لفظيئ لا ثمرة له، وفي نسخة بعد قوله: بالرفع على الفاعلية والأوّل أبلغ وأدل فيكون أوقع في النفس يعني لما اشتمل عليه من التفسير بعد الإبهام والنفس لمثله أشوق ولما فيه من الإجمال والتفصيل يكون أبلغ دلالة وأوكد كذا قيل: وأورد بعض فضلاء العصر أنه إيضاح لا تفصيل لأنّ الكلمة عين الضمير وهو على طرف الثمام لأن الكلمة بمعنى الكلام السابق تفصيله مع أنه لا ضير في جعل التفصيل بمعنى التفسير والتعيين. قوله: (وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم (المعروف حاله في النحو، والأوّل تمييز وكبرت بمعنى بئست، وإنما مرضه لأنه خلاف الظاهر وقوله: بالسكون أي سكون الباء وكون الإشمام في وسط الكلمة مرّ معناه وما فيه، وقوله: إلا كذبا أي قولاً كذبا. قيل: إنه يبطل القول بأن الكذب ما لا يطابق الاعتقاد. قوله تعالى: ( {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} (لعل للترجي وهو الطمع في الوقوع أو الإشفاق منه وهي هنا استعارة أي وصلت إلى حالة يتوقع منك الناس ذلك لما يشاهد من تأسفك على عدم إيمانهم، وباخع فسر بقاتل واختاره لأنه التفسير المروي عن قتادة كما في شرح البخاري ومهلك نفسه غما وهو من بخع الأرض أي ضعفها بالزراعة، فأصله مضعفها حتى يهلكها وسيأتي قول المصنف في الشعراء تبعا للزمخشري أنّ معناه أن يبلغ الذبح البخاع بالباء وهو عرق مستبطن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 الفقار وقد رذه ابن الأثير في النهاية وغيره بأنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة والشرع لكن الزمخشري ثقة واسع الاطلاع وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وقوله إذا ولوا عن الإيمان فسره به لأن الأثر إنما يكون بعد التولي والذهاب لكنه هنا ذهاب معنوي لا حقيقي بجعل من لم يتبع كالغائب وليس هذا لأجل التعدية كما توهم. قوله: (شبهه لما يداخله من الوجد (أي الحزن على فوت ما يحب يعني أن قوله: {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} على آثارهم فيه إشارة إلى أن فيه استعارة تمثيلية بتشبيه حاله معهم وقد تولوا وهو أسف من عدم هدايتهم بحال من فارقته أحبته فهتم بقتل نفسه أو كاد يهلك وجداً فقوله: لما يداخله الخ داخل في المشبه وليس المشبه هو فقط كما توهمه العبارة حتى ينافي التمثيل، وقيل إن كلامه يحتمل أن يكون إشارة إلى وجه آخر غير المذكور في الكشاف وهو أن لا تكون تمثيلية بلى تشبيهاً لذكر طرفيه وهما النبيّ صلى الله عليه وسلم وباخع وتقديره كباخع نفسك بأن يشبه لشدة تهالكه على الأمر بمن يريد قتل نفسه لفوت أمر وله وجه إلا أنه خلاف الظاهر، وقوله: بمن فارقته الخ يشير إلى أن توقع البخع لعدم إيمانهم في الماضي، وقوله: بهذا القرآن قيل إنه يدل على حدوثه ولو سلم فلا بأس به لأن الألفاظ حادثة عند المصنف، وقوله: للتأسف الخ، يشير إلى أنّ نصبه إما على أنه مفعول لأجله أو حال بتأويله بمتأسفا لأن الأصل في الحال الاشتقاق وقد جوّز فيه أن ينتصب على أنه مصدر فعل مقدر أي تأسف أسفا. قوله: (والأسف فرط الحزن والغضب (قيل إنهم فرقوا بين الأسف والغضب بأنّ الأسف الحزن لفعل يخالفه مع عدم القدرة على الانتقام والغضب ممن يقدر عليه، قال ابن عطية وهو مطرد في استعمال العرب وأورد عليه أنه مخالف لقوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [سورة الأعراف، الآية: 50 ا] إذ جمع بينهما في شيء واحد فلا يقتضي تخالف معناهما، ودفع بأن كلا منهما بالنسبة إلى بعض من القوم، كهارون وغيره (قلت (ما ذكره المعترض! والمجيب غير مسلم أمّا الأوّل فلأنّ كتب اللغة لا تساعده، وأما الثاني فلأنه لا مجال له في قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سورة الزخرف، الآية: 55، وقد قال الإمام الراغب وهو قدوة المصنف في اللغة الأسف الحزن والغضب معاً وقد يقال لكل منهما على الانفراد، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من هو دونه انتشر فصار غضباً ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ولذلك سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف اهـ، فقوله: والغضب بالجرّ عطف على الحزن لا مرفوعا عطفا على فرط كما توهم وليس مشتركا حتى يكون من استعمال المشترك في معنييه فلا يغرّنك ما وقع لبعضهم هنا من التطويل بغير طائل، والقراءة المشهورة بأن الشرطية والقراءة بأن المفتوحة المصدرية على تقدير الجار كما ذكره المصنف. قوله: (فلا يجوز إعمال باخع الخ (يعني أنه اسم فاعل وعمله مشروط بكونه للحال أو الاستقبال ولا يعمل وهو للمضي وإن الشرطية تقلب الماضي بواسطة لم وغيره إلى الاستقبال بخلاف أن المصدرية فإنها تدخل على الماضي الباقي على مضيه كما هو مقرّر عندهم، ورد بأنه لا يلزم من مضيئ ما كان عليه الشيء مضيه فكم من حزن مستقبل على أمر ماض سواء استمر أو لا فإذا استمر فهو أولى لأنه أشد نكاية فلا حاجة إلى حمله على حكاية الحال وأما توجيه صاحب الكشف له بأنه إذا كان علة البخع عدم الإيمان فإن كانت العلة مضت فالمعلول كذلك وإن كانت بعد فهو مثلها وفي العدول عن المضيّ إلى الحال دلالة على استحضارها واستمرارها اهـ، فغير مسلم لأنّ هذه ليست علة تامّة حقيقة حتى يلزم ما ذكر، وإنما هي منشأ وباعث فلا يضر تقدمها وكذا اذعاء أنه تفوت الفبالغة حينئذ في وجده على توليهم لعدم كون البخع عقبه بل بعده بمدة بخلاف ما إذا كان للحكاية فإنه لا وجه له بل المبالغة في هذا أقوى لأنه إذا صدر منه لأمر مضى فكيف لو استمرّ أو تجدد فتدبر. قوله: (زينة لها ولأهلها (ليس المراد تقدير انمضاف بل بيان لأن زينة الأرض شامل لزينة أهلها ودال عليهم بقرينة ضمير لنبلوهم والأمان صلة زينة وليست ثانية تعليلية، وقوله: في تعاطيه أي تناوله وضمير لما عليها. قوله: (وهو (أي الأحسن عملا من زهد وقنع منه بزاد المسافر وبعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 مرتبتان حسن وهو من استكثر من حلاله وصرفه في وجوهه وتبيح وهو من احتطب حلاله وحرامه وأنفقه في شهواته فلا وجه لما قيل إنّ ما ذكره يفيد الحصر ولا لما قيل إنّ الأحسن هنا بمعنى الحسن فإنه من قلة التدبر، وقوله: يزجي به أيامه أي يسوقها والمراد يقطعها به كما قيل: درّج الأيام تندرج قوله: (وهو تسكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي نسخة وفيه تسكين أي تسكين لأسفه وحزنه بأنه مختبر لأعمال العباد مجازيهم عليها فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم لا تحزن فإنه منتقم لك لا أنه بمعنى ما عليك إلا البلاغ فإنه غير مناسب هنا. قوله: (تزهيد فيه (التزهيد في الشيء وعنه ضد الترغيب وضمير فيه لما على الأرض، وقوله: والجرز الخ، قطع النبات بإفنائه وأكله وغير ذلك، وقوله: لنعيد الإعادة ليست من منطوقه: بل هو في الواقع كذلك لأنه خلق من تراب ثم عاد إلى أصله وليس فيه مقدمة مطوية كما توهم، وقوله: مستويا بيان للمراد من قوله: جرزا هنا وأن المراد أنه إذا عاد ما عليها ترابا واقعا فيها تساوى به سطحها، وصارت كأنها من بدئها كانت صعيداً أملس لا شيء فيه يختلف ربا ووهاداً. قوله: (بل أحسبت) يشير إلى أن أم هنا منقطعة مقدرة ببل الإضرابية الانتقالية لا الإبطالية، والهمزة الاستفهامية وقد يقدر بدونها كما فصل في غير هذا المحل، وأنّ أصحاب الخ ساذ مسد مفعولي حسبت وقوله: في إبقاء حياتهم أي المراد بهذا شأنهم المذكور، وقوله: متخالفة أي متداولة ومتعاقبة باختلاف السنين والأعوام والليالي والأيام، وقصتهم الخ بيان لارتباط هذه القصة بما قبلها وهو مبتدأ خبره ليس بعجيب والواو للحال وبالإضافة متعلق بعجيب مقدم من تأخير ومن الأجناس بيان لما والأنواع معطوف عليه والفائتة صفة لهما، وعلى طبائع متعلق بخلق وكذا من مادة، وردها بالجرّ عطف على أو لوح رصاصيّ أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعلت على باب الكهف وقيل: أصحاب الرقيم قوم آخرون، كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه فقال أحدهم: اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته فقال أحدهم: استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته مثل أجرهم فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت، ثم مرّ بي بقر فاشتريت به فصيلا فبلغت ما شاء الله فرجع إليّ بعد حين شيخاً ضعيفا لا أعرفه، وقال إنّ لي عندك حقاً وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعاً اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وقال آخر: كان فيّ فضل وأصابت الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً فقلت: والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها فقال: أجيبي له وأغيثي عيالك فأتت وسلصت إليئ نفسها خلق وضميرها للأجناس والأنواع أو لما لأنها عبارة عنها وضمير إليها للماذة أي خلقها من مادّة وهي التراب ثم ردّها لأصلها، كما مرّ، وقوله: ليس بعجيب إشارة إلى أنّ الاستفهام المقدر إنكاريّ في معنى النفي، وقوله: مع أنه أي ما ذكر من خلق ما على الأرض وما بعده، وقوله: من آيات الله أي دلائك قدرته وألوهيته وهو بيان للنزر الحقير مقدم عليه للاهتمام به، والنزر بالزاي المعجمة بمعنى القليل فما ذكر قليل حقير بالنسبة للقدرة الإلهية وإن كان عظيما بالنسبة لهذه القصة فكيف يتعجب منه لأمنها ولكن الإنسان من شأنه العجب مما لم يعرفه. قوله: (والكهف النار الواسع) فالغار أعم لا مخصوص بغير الواسع كما توهم وذكر للرقيم معاني منها الكلب، ولغرابته أثبته بشعر أمية بن أبي الصلت. قوله: (أمية بن أبي الصلت) هو شاعر جاهليّ، وكان تزهد في الجاهلية وترك عبادة الأصنام، والبيت صريح في أن المراد الكلب لأنه الذي كان عند الوصيد أي باب الغار، ووصيد همو منصوب مفعول مجاورا وهو مضاف إلى ضمير الجماعة لكن ميمه ضمت ووصل بها الواو وهي لغة فيه وبها قرئ في القرآن، والمراد من القوم أهل الكهف وهجد جمع هاجد كرإقد لفظا ومعنى وفي نسخة همد بمعنى وقوع أو بمعنى موتي على التشبيه وا أصبيت يدلّ على أن قصة أهل الكهف كانت معلومة للعرب وان لم يكن ذلك على وجهها كما في الكشف وقوله: رقمت فيه أسماؤهم قيل: وأنسابهم ودينهم وهو إشارة إلى أنه عربيّ، وفعيل بمعنى مفعول، وقوله: جعلت أنث اللوح باعتبار أنه صحيفة. قوله: (وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون (غير أصحاب الكهف ومرضه لبعده عن السياق، والرقيم على هذا بمعنى الجبل أو محل فيه كما مرّ، وقيل إنه بمعنى الصخرة ويكون غير مقصود بالذات هنا لكنه ذكر تلميحا إلى قصتهم واشارة إلى أنه لا يضيع عمل أحد خيراً أو شرّا وهذه القصة مذكورة في الصحيحين وأنها وقعت في زمن بني إسرائيل مع اختلاف في بعض ألفاظها، وقوله: يرتادون لأهلهم- بالراء والدال المهملتين أي يطلبون معاشهم، وقوله: فاخذتهم السماء أي أدركهم مطر شديد والكهف هنا بمعنى الغار وانحطت بمعنى وقعت، وقوله: اذكروا الخ المراد بالحسنة الأمر الحسن الذي يثاب عليه ليجازوا بإحسان من الله في مقابلته، وإجراء بالمد جمع أجير بمعنى مستأجر للعمل، وذات يوم بمعنى يوماً كما بين في اللغة والنحو، وقوله: مثل عملهم أي مقداره وغضب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 أحدهم لظنه أنه زاد في أجره وأنه لم يعمل كعملهم لمجيئه بعدهم، والفصيل في الأصل ولد الناقة الصغير سمي به لانفصاله عن أف والمراد به هنا ولد البقرة مجازاً، وقوله: فبلغت ما شاء الله أي حصل منها نتاج كثير ولم يعينه، لأنه لا يتعلق به غرض هنا، وقوله: بعد حين أي زمان طويل، وقوله: لا أعرفه لتغيره بالشيخوخة، وذكره بالتخفيف أي ذكر حقه وقيل: إنه بالتشديد فهو التفات، وقوله: لوجهك أي مخلصا لله وقوله: فأفرج، كأخرج أي فرج عنا وافتح لنا وانصدع بمعنى انفتح بتزحزح الصخرة عن مكانها، وقوله: فضل أي زيادة في الرزق والمال، والشدة هنا بمعنى القحط والمراد بالناس غيره أو ما يشمله، ومعروفا بمعنى عطاء، وما هو أي إعطاء ما طلبته دون نفسك، أي لا يكون بدون تمكينك من نفسك بالجماع، وقوله: أجيبي له من الجواب أي ساعديه على ما أراد وأغيثي من الغوث أو العون، وقوله: فتركتها أي تركت مباشرتها، وقوله: أن فعلته أي إن كنت فعلته لمضيه، وقوله: تعارفوا أي عرف بعضهم بعضاً لغلبة الضياء، وقوله: همان تثنية همّ بكسر الهاء وتشديد الميم أي مسنان، وقوله: فحبسني ذات يوم غيث أي منعني من المجيء إليهما مطر وفي نسخة الكلأ، وهو النبت أي طلبه، والمحلب بكسر الميم وعاء يحلب فيه اللبن، وقوله: أيقظهما الصبح من المجاز في الإسناد، وقوله: ففرج الله بالتخفيف والتشديد، وقوله: رفع ذلك الخ أي رواه بسند متصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو من الحديث المرفوع وهو معروف. قوله تعالى: ( {إِذْ أَوَى} الخ) إذ منتصب بعجبا أو بكانوا أو باذكر مقدر إلا بحسبت، لأنّ حسبانه لم يكن في ذلك الوقت، وقوله: أرادهم دقيانوس هو اسم الملك، وقوله: على الشرك علقه بأراد لتضمنه معنى الحمل وقيل: إن فيه مضافاً مقدراً أي أراد إهلاكهم. قوله: (توجب لنا المغفرة والرزق (فسرها في الكشاف بنفس ما ذكر لأنه يسمى رحمة وال! صنف جعلها أمرا مقتضيا له بفضله لا بالوجوب بمعناه الظاهر منه وهو معنى قوله: من لدنك ولكل وجهة وخص الرزق لبعدهم عن أسبابه بالاعتزال عن الناس وأما ذكر الأمن فهو ظاهر. قوله: (من الأمر الذي نحن عليه الخ (تفسير للأمر واحد الأمور، وبيان لأنّ إضافته اختصاصية ومن ابتدائية أو للأجل، ومفارقة الكفار إما على ظاهرها أو مخالفتهم لهم قيل: وهو الظاهر الذي صاروا به مهتدين، وقوله: نصير بسببه راشدين السببية مستفادة من من لأنها إن كانت ابتدائية فهي منشؤه وإن كانت للأجل فهو ظاهر. قوله: (أو اجعل أمرنا كله رشداً) فمن على هذا تجريدية واختلف فيها هل هي بيانية أو ابتدائية كما مرّ تفصيله والتجريد أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة كأنه بلغ إلى مرتبة من الكمال حتى يمكن أن يؤخذ منه آخر وهو مفصل في علم البديع، وقوله: وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء وهي الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسة أو معقولة ثم استعمل في إحضار الشيء وتيسيره. قوله: (أي ضربنا عليها حجاباً يمنع السماع (فمفعوله محذوف وهو حجابا وهو مستعار استعارة تبعية لمعتى أنمناهم إنامة لا ينتبه منها بالصياج لأنّ النائم ينتبه من جهة سمعه، وهو إمّا من ضربت القفل على الباب أو ضربت الخباء على ساكنه شبه لاستغراقه في نومه حتى لا ينتبه باستماع النداء بمن كان خلف حجب مانعة من وصول الأصوات إليه، وقيل: إنه استعارة تمثيلية، وقيل إنه كناية كما في المثال، وقيل: إنه سهو لأن البناء على المرأة أثر الدخول عليها بخلاف ضرب الحجاب على الآذان فإنه ليس من أثر الأنامة أي لا تلازم بينهما فإنه يضرب الحجاب على من لم ينم وينام من لا حجاب عليه، ويدفع بأن بينهما تلازعا بواسطة وهو أنه يلزم من ضرب الحجاب عدم السماع ومنه النوم، ومن ظنه اعتراضا على عدم جعل هذا المثال منها دفعه بأن الدخول عليها بعد البناء مع أن الكناية ليس من لوازمها الانتقال من اللازم إلى الملزوم وليس بشيء، وقولهم: بنى على امرأته أصله بنى قبة أو بيتا فحذف مفعوله وجعل كناية عن الدخول ومما مر علم وجه تخصيص الآذان. قوله: (ظرفان لضربنا (ولا مانع منه خصوصاً إذا تغايرا بالمكانية والزمانية، وقوله: ذوات عدد إشارة إلى أنه مصدر وصف به بالتأويل المعروف للمبالغة بحسب الظاهر، وقيل: إنه صفة بمعنى معدود، وقيلى: إنه مصدر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 فعل مقدر أي يعد عددا، وقوله: يحتمل التكثير والتقليل إشارة إلى ما فصله أهل اللغة كالراغب وصاحب المحكم من أنّ العدد قد يراد به التكثير لأنّ القليل لا يحتاج إلى العدد غالبا كما في قوله: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أي قليلة وقد يذكر للتقليل في مقابلة ما لا يحصى كثرة، كما يقال: بغير حساب ولما كانت الكثرة في أوقات السنين وأيامها ظاهرة قدمه، ولم يبينه وبين القلة بقوله: فإنّ مدة الخ يعني أن القلة بالنسبة إلى ما عند الله فلا منافاة بين كلامه وما مرّ منه في سورة البقرة ويوسف، فإن القلة والكثرة من الأمور الإضافية فتفسر في كل مقام بما يناسبه. قوله: (أيقظناهم (سيأتي تحقيق معنى البعث في سورة يس، وقوله: ليتعلق علمنا الخ دفع به ما قيل: كيف يكون علمه تعالى بما ذكر غاية لبعثهم ولم يزل عالماً به لقدم علمه، وأيضاً حدوثه يوجب جهلا سابقا تعالى الله عنه وحاصله أنّ الحادث هو تعلق علمه لحدوث متعلقه، وهو وقوع الإحصاء بالفعل وله تعلق آخر قديم، وهو بأنه سيقع قبل وقوعه فاستمرّ علمه بتعلقين على وجهين ولا يلزم منه محذور لكنه أورد عليه إن جعل التعلق الحالي غرضاً لبعثهم وأنه أمر عظيم لا وجه له، فالوجه ما في الكشاف من أنّ المقصود ليس كذلك بل ظهور أمرهم ليزدادوا إيماناً فيكون لطفا بمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره وليس هذا بشيء فإنّ مراد المصنف دفع ما يتوهم من أن صيغة الفعل المستقبل تدلّ على التجذد والحدوث وعلم الله قديم وأمّا كون علمه يتعلق بكل شيء بعد حدوثه فما الفائدة في ذكره وجعله غاية لبعثهم، فاً مر مسكوت عنه والطريقة المسلوكة في ذكر علم الله بالأشياء حيث وقع في القرآن أن يجعل كناية عن بعض ذكر لوازمه المناسبة لموقعه، فقد يجعل كناية عن المجازاة كما في قوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) أي لنجازي المتبع بالثواب والمنقلب بالعقاب، وهنا جعل كناية عن ظهور أمرهم لتطمئن بازدياد الإيمان قلوب المؤمنين وتنقطع حجة المنكرين كما بينه الزمخشري ولو صرّح به المصنف لكان أحسن ولكنه تركه اعتمادا على ما فصله في سورة البقرة ليعلم بالمقايسة عليه وكثيرا ما يفعله، وإنما علق العلم بالاختلاف في أمده لأنه ادعى لإظهاره وأتوى لانتشاره، وأمّا من لم يرتض هذا وقال: إنه محمول على التمثيل المبنيّ على جعل العلم عبارة عن الاختبار مجازاً بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به عن المخبر قطعاً بل قد يكون لإظهار عجزه عنه على سنن التكاليف العجزية، كقوله: فأت بها من المغرب فالمراد هنا بعثناهم لنعاملهم معاملة مختبرهم فمع تكلفه، وقلة جدواه غير مستقيم لأن الاختبار الحقيقي لا يصدر ممن أحاط علمه بكل شيء فحيث وقع جعلوه مجازا عن العلم أو ما ترتب عليه فلزمه بالآخرة الرجوع إلى ما أنكره وما أقرب ما ينسى ما قدمت يداه في تفسير قوله: لنبلوهم، والعجب من بعض المتصلفين أنه ظنه معنى دقيقا ومسلكاً أنيقاً ولولا خوف الإطالة لذكرناه ولكن البعرة تدل على البعير، وقوله: منهم أي من أصحاب الكهف، وقوله: أو من غيرهم إشارة إلى أنّ المختلفين هم ملوك تلك الديار وحواشيهم. قوله: (ضبط الخ (إشارة إلى أن أحصى فعل ماض! بمعنى ضبطه بالعذ، وفيه تنبيه على إعرابه الآتي وأن ما مصدرية وجعل المصدر للحين، وعلق بصيغة المعلوم فاعله ضمير ما، وقوله: حال من أي من أمدا النكرة وجاز لتقدمه وقوله: أو مفعول له فاللام للتعليل لازمة لكونه غير مصدر صريح وغير مقارن أيضا وما مصدرية غير وقتية. قوله: (وقيل الخ (مرضه لأنّ اللام لا تزاد في مثله وما موصولة بمعنى الوقت والعائد محذوف أي فيه وجوّز فيها على هذا المصدرية وهو بعيد. قوله: (وأمدا تمييز (على هذا قال الراغب: الأمد مدة لها حذ، والفرق بينه وبين الزمان أن الأمد يقال: باعتبار الغاية بخلاف الزمان يلاحظ فيه دخول الغاية لا أنه اسم للغاية حتى يكون إطلاقه على المدة مجازاً، كما أطلقت الغاية عليها في قولهم: ابتداء الغاية وانتهاؤها كما قيل: والتمييز هنا للنسبة مفسر لما في نسبة المفعول من الإبهام محؤل عن المفعول وأصله أحصى أمد الزمان الذي لبثوا فيه لأنه يشترط فيه أن يكون محوّلاً عن الفاعل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 كتسبب زيد عرقا أو عن المفعول كفجرنا الأرض عيونا أي فجرنا عيونها على ما حقق في شرح التسهيل وغيره من المعتمدات، وليس مميزاً لما إذ لو كان كذلك كان تمييز لمفرد ولم يقل أحد باشتراط التحويل فيه وأما كون التحويل عن الفاعل دائما فلم يقولوا به وما توهمه لا عبرة به، وفي كلام بعضهم هنا ما يشبه الخبط فتنبه له. قوله: (من الإحصاء بحذف الزوائد الخ (اختلف في أفعل التفضيل والتعجب هل يبنى من الأفعال أم لا فجوّزه سيبويه مطلقاً وفصل فيه ابن عصفور، ومنعه الجمهور قياساً، وحذف الزوائد ليمكن بناؤه منه، وأحصى أي أكثر جمعا له وظاهر كلام المصنف إنه مسموع وقد صزج ابن عصفور بخلافه، وأفلس من ابن المذلق بالذال معجمة ومهملة وهو رجل من بني عبد شمس لم يملك هو ولا آباؤه قوتا فضرب بهم المثل في الإفلاس يقال: أفلس من المذلق ومن ابن المذلق، وقوله: وأمدا نصب بفعل دل عليه أحصى، لا به لأنه لا ينصبه إلا على قول ضعيف استدل له بالشعر المذكور، وقد أشار المصنف رحمه الله إلى أنه مؤوّل بما ذكر لا ضرورة كما قيل: وضعفه لأنه لا حاجة إلى مخالفة المعروف في اللغة والعدول عن الفعل ثم تقديره كما أشار إليه الزمخشري، وأمّا كونه منصوبا بلبثوا فغير ظاهر وقد قال في الكشف أنه غير سديد لأنّ الضبط لمدة اللبث واً مده لا للبث في الأمد وفيه بحث، وقيل إنه منصوب على التمييز، وفيه كلام طويل الذيل في الكشف وغيره لا بأس بتركه لعدم تعرّض! المصنف له. قوله: (وأضرب الخ (هو من شعر لعباس بن مرداس السلمي وقد أغار على بني زيد مع قومه، فتقاتلوا وهو من قصيدة وقبله: فلم أرمثل الحيّ حيامصبحما ولامثلنا لما التقينافوارسا ... أكرّ وأحمى للحقيقة ص! وأضرب منا بالسيوف القوانسا ... وهو من الكلام المنصف، والقوانس جمع قونس وهو أعلى بيضة الحديد، وقيل أعلى الرأس، وقوله: بالحق أي ملتبسا به وفسره بالصدق لأنه أحد معانيه وهو المناسب هنا. قوله: (جمع فتتي كصبتي (وأصله فتوى أعل بإعلاله المعروف وهو بمعنى صغير السن كفتى أيضا ولم يجعلوه جمعاً له مع شهرته كما في شرح توضيح ابن هشام أنه جمع له كولد وولدة لكثرته في مثله: كصبيّ وصبية وخصيئ وخصية وما ذكر من أنه أنسب بالمقام دعوى من غير دليل فتأمل، وفي قوله: بربهم بعد نحن التفات وكذا في زدناهم لا ربطنا والإيمان به توحيده وهو ظاهر، وقوله: بالتثبت على الإيمان فهي زيادة في الكيفية ولو حمل على زيادة الكمية كان له وجه. قوله: (وقيناها بالصبر الخ) هو مجاز من الربط بمعنى الشد المعروف كما في الأساس أي استعارة منه، كما يقال رابط الجأش، لأن القلق والخوف ينزعج به القلب من محله كما قال تعالى: {بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [سورة الأحزاب، الآية: 110 فشبه القلب المطمئن لأمر بالحيوان المربوط في محل، وعدى ربط بعلى وهو متعد بنفسه لتنزيله منزلة اللازم كقوله: تجرج في عراقيبها نصلي ودقيانوس بكسر الدال اسم ملك، وضمير بين يديه راجع له وإذ متعلقة بربطنا. قوله: (والله لقد (يشير إلى أن في الكلام قسماً مقدراً وتقديره لدلالة الكلام عليه، وقوله: إذا دال على شرط مقدر تقديره أن دعونا غيركم والله لقد الخ وفيه دلالة على أنهم لما قاموا بين يديه دعاهم لعبادة الأصنام ولا مهم على تركها، وقوله: قولاً ذا شطط إشارة إلى أنه صفة مصدر للفعل المذكور حذف وأقيمت مقامه والوصف بالمصدر مؤؤل بتقدير المضاف المذكور، ويجوز إبقاؤه على ظاهره للمبالغة، وقوله: ذا بعد تفسير له، لأنه من شط بمعنى بعد وقوله مفرط من الإفراط مجرور صفة لبعد وتفسير له للإشارة إلى أنه ليس ببعد حقيقي والظلم محمول على ظاهره أو بمعنى الكفر، وقوله: عطف بيان أي عطف بيان لهؤلاء المجترئة لتحقيرهم لا خبر لعدم إفادته ولا صفة لعدم شرطها، واتخذوا إفا بمعنى عملوا أو نحتوا آلهة لهم فيفيد أنهم عبدوها ولا حاجة إلى تقديره بناء على أن مجرد العمل غير كاف في المقصود، أو بمعنى صيروا وأحد مفعوليه محذوف أو من دونه هو الثاني فتأمل. قوله: (وهو إخبار في معنى إنكار (بقرينة ما بعده ولأنّ فائدة الخبر هنا معلومة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 وقوله: هلا إشارة إلى أن لولا هنا للتحضيض على وجه الإنكار، وعليهم بتقدير مضاف أي على عبادتهم أو اتخاذهم لها آلهة، قيل: وهو أنمسب مما ذكره المصنف لأنّ إقامة الدليل على نفس العبادة غير مناسب وفيه نظر. قوله: (وفيه دليل على أنّ ما لا دليل عليه من الديانات الخ (المراد بالديانات أما الأمور الاعتقادية المتعلقة بالدين ولا قدج في إيمان المقلد تبعا لمن قال: بعدم صحته لوجود الدليل على ما قلد فيه كما يشعر به كلامه، ويجوز أن يراد بها ما يشمل الأصول والفروع لأن قول من قلده دليل له، فتأمل. قوله: (ومن أظلم (أي لا مساوي له في الظلم والكفر وخطاب بعضهم لبعض للأمر المذكور لأنه ليس من غيرهم وإن احتمله، وقوله: عطف أي لما الموصولة آو المصدرية على مفعول اعتزل، وهو ضحمير القوم وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أن الاستثناء متصل لا منقطع بناء على تخصيصهم العبارة بغير الله كما يشعر به قوله: من دون الله لتأويله، وقد جوّزه في الكشات وعلى المصدرية يقدر فيه مضاف ليكون من جنس المستثنى منه، واً قا تقدير المستثنى منه أي عبادتهم لمعبوديهم ونحوه فتكلف. قوله: (وأن تكون (أي ما نافية والجملة عليه معترضة والاستثناء مفرغ، وقوله: بالتوحيد لأنهم إذا خصوه بالعبادة المستحقة للإله فقد وحدوه بالألوهية، وقيل: إنما قاله لأن تخصيص عبادتهم بالته لا تحقق اعتزالهم عن معتقدات القوم وفيه ما فيه وفي بعض النسخ على أن يكون إخباراً من الله فرفع قوله: معترض ملى أنه خبر مبتدأ محذوف، والنسخة الأخرى أصح، وقوله: معترض! بين إذ وجوابه فيه أنّ إذ بدون ما لا تقع شرطية، كإذا فهي هنا ظرفية أو تعليلية وقد وقع مثله في أواخر شرح المفتاح السيد وقد نقل في همع الهوامع أنه قول ضعيف لبعض النحاة أو هو تسمح لأنها بمعناه، وكونه لتحقيق اعتزالهم لأنّ مخالفتهم لهم والاشتغال بالعبادة تقتضيه، وقوله: يبسط تفسير لينشر، وكذا يوسع، والرزق إشارة إلى مفعوله المقدر وقد تقدم تفسير قوله يهيئ. قوله: (ما ترتفقون به) فهو اسم آلة من الرفق من قولهم ارتفقت به بمعنى انتفعت به كما قاله أبو عبيدة، وفيه قراءتان ولغتان كما أشار إليه المصنف، واختلفوا هل هما بمعنى أو متغايران فقيل هما بمعنى وهو ما يرتفق به وليس بمصدر، وقيلى: المفتوج الميم المكسور الفاء مصدر على خلاف القياس كما بين في الصرف واختلف في مرفق الإنسان المعروف هل فيه اللغتان أم لا، والمحيض بالضاد المعجمة مصدر بمعنى الحيض، وقوله: لو رأيتهم إشارة إلى أنه فرضيئ على الوجهين، وقوله: كل أحد ممن يصلح له وهو للمبالغة في ظهوره بحيث لا يختص به راء، وقوله: لنصوع بضم النون والصاد المهملة وفي آخره عين مهملة أي خلوص من قولهم: أبيض ناصع أي لا يشوبه شيء آخر، ولم يلتفت إلى أنه بإخبار نبي في عصرهم أو أن أحدهم كان نبيا لأنه مجرّد احتمال من غير داع، وقوله: فيؤذيهم أي الشعاع وهو منصوب في جواب النفي، وقوله: جنوبيا أي في جانب الجنوب، وهو لا يقع عليه شعاع الشمس لعدم مقابلته لها، وقوله: زوّرها لهم بالتشديد أي صرفها وامالها عنهم كرامة لهم لا بسبب عادي ولهذا رجح هذا التفسير على الأوّل لأنه المناسب لقوله: ذلك من آيات الله، وقوله: فأدغمت أي تاؤها وقلبت زاء فيكون بفتح التاء وتشديد الزاء وعلى قراءة الكوفيين هو من التفاعل بحذف تاء المضارعة تخفيفا وقراءة تزوز كتحمرّ وهو إفعلال من غير العيوب والألوان كما أنّ ما بعده إفعلال من غيرهما أيضا وهو نادر ولهما أخوات والزور بمعنى الميل بفتحتين مخففة. قوله: (جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين (يعني أنه من إضافة المسمى إلى الاسم وليست ذات مقحمة إذ المعنى يميناً وشمالاً وهو منصوب على الظرفية، قال المبرد في المقتضب: ذات اليمين وذات الشمال من الظروف المتصزفة كيمينا وشمالاً اهـ، قيل: واللام في الجهة للعهد الذهني وهو في معنى النكرة، فلا يرد أن وضع ذو للتوصل أي جعل اسم الجنس صفة للنكرة أهـ، وهو سهو منه لظنه أن ذا وذات لا يوصف به إلا النكرات وقد تبعه غيره فاقتدى به ولو تنبه له سجد للسهو والذي أوقعهم فيه قول النحاة ذو يتوصل بها للوصف باسم الجنس لأن اسم الجنس يطلق على النكرة وعلى ما يقابل الصفة المشتقة من الجوافد فأوقعهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 الاشتراك في الوهم وتبعهم ابن حجر في شرح قول المنهاج: يحرم على ذي الجمعة، وأجاب بما أجاب به المحشي وفيه خطأ من وجوه كما فصله الدماميني في شرح التسهيل وقال: وقع فيه بعض شرّاح الحديث وغاب عنه قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ و {ذِي الطَّوْلِ} و {ذُو الْجَلَالِ} وأيضاً هذه خرجت عن وضعها وصارت ظرفا والصفة متعلقها لا هي وتأويله غير صحيح لأنّ المراد به لفظه أي سمي بهذا الاسم، وهو وهم غريب من الله عليّ بالهداية إليه فاحفظه فإنه نفيس جدّاً. قوله: (تقرضهم تقطعهم وتصرم عنهم (يعني أنه من القرض بمعنى القطع والمعنى أنها تتجاوزهم، وتصرم بالصاد والراء المهملتين بمعنى تبعد فالقطع مجازي، كتسمية الهجر قطعا وقطيعة فهو فطع الاتصال بهم لئلا تغير أبدانهم، وقول الفارسي: أنه من قرض! الدراهم، والمعنى أنها تعطيهم من تسخينها شيئا ثم يزول بسرعة، كالقرض! المسترد مردود بأنه لم يسمع له ثلاثي، وفي الروض! الأنف تقرضهم كناية عن تعدل بهم، وقيل: تتجاوزهم شيئا من القرض! وهو القطع أي تقطع ما هنالك من الأرض ا!. قوله: (وهم في متسع (تفسير الفجوة لأنها الساحة الواسعة، وقوله: منه يدل على أن اليمين والشمال يمينه وشماله كما أشار إليه بقوله: لقوله الخ ثم بين أنّ المراد وسطه لأنه أوسعه، وقوله: بحيث الخ تعليل لجعلهم في وسطه وتنالهم بمعنى ئصل إليهم، والروح بفتح الراء المهملة نسيمه ونفسه وكرب الغار بمعنى ثقله وركود هوائه لو كانوا في جانب منه أو في آخره، وحرّ الشمس لو كانوا قريبا من الباب. قوله: (وذلك لأنّ باب! هف الخ) أي ما ذكر من وقوع الشمس بجانبه لأنه وقع بحيث لا يقابل الشمس في وقتي الشروق والغروب في جميع اختلاف المطالع فتدخله ويقع شعاعها عليهم، وبنات نعش بدون ألف ولام فالأولى تركها لأنها علم لكواكب معروفة في السماء، ويقال: بنات نعش الكبرى وبنات نعش الصغرى، وأصحاب النجوم يسمون الكبرى الرب اكبر والصغرى الرب الأصغر رالكبرى سبعة كواكب أربعة منها النعش وثلاثة منها البنات، والصغرى مثلها والجدي الذي! عرف به القبلة، وما ذكره المصنف يعلم تحقيقه من مفصلات كتب الهيئة وليس هذا محله، وقوله: مداره أي مدار رأس السرطان وهذا بناء على تفسيره الأوّل الذي ارتضاه، وقوله: مائلة منه أي عن الكهف لمقابلتها لجانبه الأيمن وسمي الذي يلي المغرب يمينا لأنه عن يمين! توجه لبابه، وقوله: ويحلل عفونته أي عفونة الغار بوقوعها على جانبيه وتعديل هوائه لأنها لو بعدت عنه غلبت عليه البرودة وايذاء أجسادهم وابتلاء ثيابهم مجزها مع احتباس هوائه ويؤذي ويبلي بالنصب في جواب النفي. قوله: (شأنهم (بيان للمشار إليه على الوجهين، وقوله: أو إيواؤهم الخ بيان له بناء على أنه سبب عادي وقوله أو إخبارك قصتهم منصوب بنزع الخافض أي بها أو عنها أو بتضمين الإخبار معنى الإعلا وهو جار على الوجهين فلو قدمه كان أولى، وقوله: أو ازورار الشمس! هذا على الوجه الثاني وهو أن تزاورها مع إمكان وقوع شعاعها عليهم لصرف الله لها عنهم تكريما ولذا أخره وقوله: من آيات الله أي من علامات قدرته الباهرة التي هي أظهر من الشمس. قوله: (بالتوفيق (أي بجعل أعماله موافقة لما يرضاه ويحبه وهذا موافق لتفسير الهداية بالدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنه لا يترتب عليه الاهتداء المذكور في الآية إلا أنّ يراد أنه يضم إلى الدلالة المذكورة التوفيق حتى يصح الترتب كما توهم، وقوله: الذي أصاب الفلاج لأن كل مهتد مفلح أي فائز بخطه في الدارين وفسره به ليكون أتئم فائدة، وقوله: والمراد به أي بقوله من يهد الله الخ أما الثناء عليهم أي على أصحاب الكهف فهم المراد بمن لكونهم مهتدين، وعلى الوجه الآخر لا يختص بهم وإن دخلوا فيه. قوله: (يخذله) فسره به لوقوعه في مقابلة التوفيق ولاقتضاء قوله: لن تجد له وليا فإن الخذلان كما قاله الراغب: عدم موالاة الوليّ، ونصرته وهو تفسير جار على المذهبين لأنّ من خلق الله فيه الضلالة فهو مخذول فلا يرد عليه أنه مبني على الاعتزال بناء على أن الضلال قبيح ليس بخلق الله، وإنما المخلوق له دواعيه وهي الخذلان، ومنهم من فسر الخذلان بخلق القدرة على العصيان على قاعدة أهل الحق، وفي الآية من البديع الاحتباك. وقوله: من يليه أي يلي أمره بالنصرة والهداية فيخلصه من الضلال ويرشده. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 قوله: (وتحسبهم (أي تظنهم بكسر السين وتفتح، وأيقاظ جمع يقظ بضم القاف كأعضاد كما في الدرّ المصون أو بكسرها كإنكاد ونكد كما في الكشاف وهو ضد الراقد، وقوله: أو لكثرة تقلبهم قاله الزجاج والكثرة مأخوذة من قوله: نقلبهم بالتثقيل والمضارع الدال على الاستمرار التجددي، وأما ما قيل إنه كان في كل عام مرتين أو مرة في عاشوراء فلا يكون كثيراً فقد قال الإمام: إنه لم يصح رواية ودراية. قوله: (نيام (يشير إلى أنه جمع راقد وما قيل إنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود لأن فاعلا لا يجمع على فعول مردود لأنه نص عليه النحاة كما صزج به في المفصل والتسهيل وقوله: في رقدتهم ماً خوذ من السياق. قوله: (كي لا تأكل الآرض ما يليها من أبدانهم (إنما فعل بهم ذلك جريا على العادة وإلا فلا مانع من قدرة الله تعالى على حفظ أجسادهم من غير تقليب لها فلا وجه لتعجب الإمام منه وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما أنّ ازورار الشمس كان بسببه بناء على أحد التفسيرين وتقلبهم بالنصب تخريجه ما ث كره المصنف رحمه الله، وروي رفعه بالابتداء أيضا وخبره ما بعده أو مقدر أي آية عظيمة، ووجه دلالة الحسبان عليه أنّ الظن ينشأ من رؤيتهم بحال المستيقظ، وقوله والضمير دلّه، وقيل للملك. قوله: (هو كلب مروا به فتبعهم الخ (أي لا أنهم اقتنوه للنهي عنه إلا لمقتض كالصيد وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد أو ماشية نقص كل يوم من عمله قيراطان، وفي رواية قيراط وجمع بأنه باختلافه في أذاه وعدمه وتفاوته أو بأن القيراطين في المدن والقيراط في خارجها، أو أنه لمجين ذكر القيراط أولاً ثم زاد في تغليظه بعد العلم للنهي عنه وأحباء بالمد جمع حبيب كتقيّ وأتقياء، وقوله: فناموا أمر لهم، وضمير به للراعي وكذا ضمير تبعه وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعليه الأكثر فهم لم يقتنوه أبدا وقراءة كالب أي صاحب كلب على النسب كتامر ولابن وهي مروية عن جعفر الصادق وروي عن الزاهد، كالئهم بهمزة مضمومة بدل الباء أي حارسهم وكأنها تفسير أو تحريف، وقيل: إنه اسم جمع للكلب كجامل، والفناء بالكسر والمذ الرحبة التي يرتفق بها عند الدار ونحوها والمراد بالباب محل العبور والعتبة ما يحاذيه من الأرض لا المتعارف حتى يرد أن الكهف لا باب له ولا عتبة مع أنه لا مانع منه قال السهيليئ: والحكمة في كونه خارجا أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لا تدخل بيتاً فيه كلب وقوله: أعمل اسم الفاعل لأنه لا يعمل بمعنى الماضي وأجازه الكسائيّ، واستدل بهذه الآية فأشار إلى دفعه بما ذكر. قوله: (فنظرت إليهم) تفسير له لأنّ الاطلاع الوقوف على الأمر بالحس، وقيل إنه تفريع عليه لأنّ الاطلاع مجرّد الإشرات وللنظر فيه مجال، وقوله: لهربت تفسير لوليت منهم فرارا وإذا نصب على المصدرية، فهو كجلست قعودا وإذا كان مفعولا له فالتولي بمعنى الرجوع وعلى الحالية هو كقوله: فتبسم ضاحكا، ويجوز أن يكون مصدرا لفررت محذوفا وعلى الحالية بمعنى فاز، وفيها نوع تأكيد وخطاب اطلعت إن كان لغير معين فظاهر وان كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم اقتضى وجودهم على هذه الحالة الآن، وقد قال السهيليّ: إنّ فيه خلافا وابن عباس رضي الله عنهما أنكره، وآخرون قالوا به، وقوله: بضم الواو أي بضم واو لو تشبيهاً لها بواو الضمير فإنها قد تضم إذا لقيها ساكن نحو رموا السهام وهي مروية عن نافع وغيره. قوله: (خوفاً يملأ صدرك (إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل وكون المهابة والخوف يملآن الصدر والقلب مجاز في عظمهما مشهور في كلام العرب كما يقال في الحسن: أنه يملأ العيون والباس الهيبة استعارة مكنية وتخييلية لعظم أجرامهم خلقة كما في بعض الأمم السالفة وفي نسخة أجوافهم وهو إما خلقة أو بالانتفاخ، وسكت عن قول الزمخشري: لطول شعورهم وأظفارهم قيل لأنه يرذه قوله: لبثنا يوما أو بعض يوم، وليس بشيء لأنه لا يبعد عدم تيقظهم له، والقائم من النوم قد يذهل عن كثير من أموره لا سيما إذا كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا مانع من حدوثه بعد انتباههم أوّلاً، وأيضا يجوز أن لا يطلعوا عليه ابتداء حين قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم ثم لما تنبهوا له الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 قالوا: ربكم أعلم الخ، فما قيل: من أن هذين القولين يعني، كونه لعظم أجرامهم وانفتاج عيونهم أو لوحثة المكان ليسا بشيء لأنهم لو كانوا بتلك الصفة أنكروا أحوالهم ولم يقولوا يوما أو بعض يوم ولأن المرسل للمدينة إنما أنكر معالمها لا حال نفسه ولأنهم بحالة حسنة بحيث ظنوا نياما وهم في فجو ة موصوفة بما مر فكيف يكون موحشا غير وارد لما عرفت، وأما لأن وحشة المكان لبعده وكونه بعيد الغور وتغيره بمرور الزمان فلا منافاة بينه وبين ما مر بوجه من الوجوه، وإنكار الرسول للمعالم لا ينافي إنكار الناس لحاله أو كونه على حالة منكرة لم يتنبه لها، وقوله: وعن معاوية رضي الله عنه الخ هذا يشهد لكونه بطرسوس ويضعف ما قاله أبو حيان: من أنه بأندلس لأن معاوية رضي الله عنه لم يدخلها،. وقوله: لو كثف جواب لو محذوف أي لكان حسنا ونحوه أو هي لتمني ذلك ولا ينافي كشفه بعد ذلك ومنع الله يفهم من لو الامتناعية ولا حاجة إلى القول بأنه منع من النظر إليهم نظر استقصاء، وهو الذي طلبه معاوية رضي الله عنه وإنما لم يطاوعه ظنا لتغير حالهم عما كانوا عليه أو طلبا له مهما أمكن، وقوله: فأحرقتهم في نسخة أخرجتهم، وفي أخرى أهلكتهم والمراد بالتثقيل ضم العين لثقله بالنسبة للسكون. قوله: (زكما أنمناهم الخ (أي كما أنمناهم هذه الإنامة الطويلة أيقظ! اهم فالمشبه الإيقاظ والمشبه به الإنامة المفهومة من قوله: وهم رقود ووجه الشبه كون كل منهما آية على قدرته الباهرة كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (فيتعرّفوا حالهم الخ (قيل تعرّف الحال لم يترتب على التساؤل كما يدل عليه الفاء بل على البعث إلى المدينة، وأجيب بأن التساؤل أدّى إلى البعث المرتب عليه فهو سبب بعيد أو سبب السبف وهو سبب يكفي لمثله، وبه تبين أنّ البعث علة للتساؤل وأنه لا حاجة إلى جعل اللام للعاقبة وفيه نظر لأن من قال إنها للعاقبة وهو الظاهر لاحظ أن الغرض من فعله تعالى إظهار كمال قدرته لا ما ذكر وقوله: ويستبصروا في أمر البعث أي يكونوا على بصيرة فيه، فإن قلت هم مؤمنون وهذا يقتضي شكهم في البعث وهو كفر، قلت: هم متيقنون له وإنما اختلفوا في كونه روحانيا أو لا وفي كيفيته كما روي عن عكرمة من طرق أنهم كانوا أولاد ملوك اعتزلوا قومهم في كهف فاختلفوا في بعث الروج والجسد فقال قائل: يبعثان وقائل: تبعث الروج فقط، وأما الجسد فتاً كله الأرض فأماتهم الله ثم أحياهم الخ كما في شرح البخاري، وما أنعم الله به عليهم إيواؤهم إلى الكهف وزيادة يقينهم وغيره مما وقع لهم. قوله: (بناء على غالب ظنهم الخ (فلا يكون كذبا بناء على أن مرجع الصدق والكذب اعتقاد المخبر فإن رجع إلى مطابقة الواقع وعدمها فلا شك في أنه كذب، كذا قيل وليس بشيء لأنه لا كذب فيه على المذهبين أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلأنه مجاز عن لازمه، وهو لم يتحقق مقداره كما ذكره أهل المعاني في قول النبي صلى الله عليه وسلم لذي اليدين رضي الله عنه: كل ذلك لم يكن وهو هنا أظهر لكون أو للشك كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: فإنّ النائم لا يحصي مدة نومه الخ، وكونه بناء على ظنهم الغالب قيل معناه من غير نظر إلى القرائن الخارجية كقرب الشمس من الغروب أم لا، ثم لما نظروها بعيدة منه قالوا أو بعض يوم فلا يرد الاعتراض بأنهم إن كان نومهم في ذلك ليوم فهو بعض يوم، وأن كان في اليوم الذي قبله فهو يوم وبعض يوم فلا يتوجه ما في النظم، وهذا يقتضي أن أو فيه للإضراب، وإذا قلنا إنها للشك وإنه مجاز عن إنا لم نتحقق مقداره كما مر لم يرد عليه شيء، نعم على كلام المصنف رحمه الله معناه أن غالب الظن أنه زمن قليل، وأما ما قيل في الجواب إنهم لما ظنوا أنهم في اليوم الذي بعده أرادوا أن يقولوا يوماً وبعض يوم فلما قالوا: يوما اعترض عليهم احتمال أنهم في يومهم فقالوا: قبل أن يتموه أو بعض يوم فمع أنه مما لا وجه له لو كان كما زعمه، لقال: أو وبعض يوم بالعطف، كما لا يخفى على من له معرفة بأساليب الكلام. قوله: الآن النائم لا يحصي مدّة نومه الخ (قيل عليه إنّ النائم وإن كان لا يحصي مدة نومه حال نومه لكنه يعلم يقينا عند انتباهه مذته استدلالاً بالشمس مثلا، كما إذا نام وقت طلوعها وانتبه وقت الزوال ونحوه، وقد مرّ إنّ معناه أنه بعد الانتباه وقبل النظر في الإمارات لا يحصيها مع أن الظاهر أن هذا كله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 تكلف وأن المعنى أنا لا ندري أن مدة ذلك هل هي مقدار مدة يوم أو مقدار مدة بعض منه لأن وقت كلامهم يجوز أن يكون ليلا وأن يكون نهاراً، وهم في جوف الغار لا ينظرون إلى الشمس أو ناموا في النهار وانتبهوا فيه، كما ذكره المصنف رحمه الله فذهلوا عن مقداره ولوثة النوم لم تذهب من بصرهم وبصيرتهم، وكم مثله فلا حاجة إلى هذه التكلفات، وقوله: ولذلك أحالوا الخ بناء على أنهم كلهم قالوا ذلك فيتحد قائل القولين، وقوله: ويجوز أن يكون ذلك أي القول الأوّل، وهذا هو القول الثاني فيكون القائل اثنين. قوله: (وقيل إنهم دخلوا الكهف الخ (غدوة علم جنس غير مصروف ولا يثبت كون ظهيرة مثله إلا بنقل فإن علم الجنس سماعي وقد سمع تنكير غدوة أيضاً كما مر، والقائل على هذا واحد أيضا إلا أن فيه زيادة تعيين زمانه، وسببه. قوله: (وظنوا أنهم في يومهم الخ (أي ترددوا في ذلك وقوله: قالوا ذلك الخ أي ترددوا في ذلك، وقوله: قالوا ذلك الخ كان الظاهر فقالوا: ذلك أو لما ظنوا الخ فكأنه جعل قوله: قالوا الخ بدل اشتمال من قوله: ظنوا، وأورد عليه ما مر من أنهم إن ظنوا أنهم في يومهم هذا يكون لبثهم بعض يوم وان ظنوا أنه في اليوم الذي قبله يكون يوما وبعض يوم بلا مرية وقد مر الجواب عنه وما فيه، وقوله: قالوا ذلك أي لبثنا يوماً أو بعض يوم وربكم أعلم بما لبثتم. قوله: (فلما نظروا إلى طول أظفارهم واشعارهم الخ (قد مر اعتراض أبي حيان عليه وجوابه، وارتضى بعض المفسرين أن الله لم يغير حالهم وهيئتهم ليكون آية بينة. قوله: (والورق الفضة الخ (هذا قول لأهل اللغة استدلالا بما وقع في حديث عرفجة من إطلاقه على غير المضروب، أو إطلاقه على غيره مجاز باعتبار ما يكون عليه أو من استعمال المقيد في المطلق، ويجوز في رائه الفتح والكسر والتسكين، والتخفيف تسكين الراء والتثقيل كسرها مع فتح الواو فيها، وقوله: وغير مدغم لم يذكره جار الله، وأمّا التثقيل وكسر الواو فلم يقرأ به. قوله: (ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حدّه (وهو أن يكون في الوقف أو في الوصف وأحدهما حرف لين، والآخر مدغم كما فصل في الصرف وهي شاذة قرأها رجاء وابن محيصن، وقد رد هذا الرد بأنه وقع مثله في كلام العرب، وقرئ نعماً بسكون العين والإدغام ووجهه الجعبري بأنه مغتفر لعروضه في الوقف، وكذا قرئ بالإدغام في قوله: في المهد صبياً، فظهر منه أنه جائز وإن ما قيل إنه لا يمكن التلفظ به سهوا لا أن يفرق بين حرف الحلق، وغيره بأنه يشبه اللين فتدبر 0 قوله: (وحملهم له (أي حمل الفتية للورق دليل على أن التزؤد أي التأهب لأمر المعاش لمن خرج من منزله بحمل الزاد والنفقة ونحوها وهو لا يمنع التوكل كما في الحديث المشهور اعقلها وتوكل، وإن قال بعض الصوفية أن توكل الخواص رفع الأشياء من البين وتوكلهم دل عليه قوله تعالى: {يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} [سورة الكهف، الآية: 16، وقيل: المراد أنّ حمل الدراهم يدل على أنّ حمل الزاد مثله لا أنّ الزاد أطلق على ثمنه لأنه سببه وان صح أيضا وطرسوس بلد إسلامية معروفة، وفي القاموس أنها كحلزون. قوله: (أيّ أهلها (يعني أنه بتقدير مضاف وهذا أحسن من جعل الضمير للمدينة مراداً بها أهلها مجازا فهو استخدام أو جعل طعاماً تمييزاً وأصله طعامها أزكى طعاماً أو جعل الضمير للأطعمة التي في الذهن، كزيد طيب أبا على أن الأب هو زيد لما فيه من التكلف. قوله: (أحل وأطيب (أصل معنى الزكاة النمو والزيادة ثم إن الزيادة قد تكون معنوية وأخروية، وقد تكون حسية ودنيوية فالحلال فيه زيادة معنوية أخرولة لما في توخيه من الثواب وحسن العاقبة، وكان في عصرهم مجوس لا تحل ذبائحهم وأمور مغصوبة لكثرة الظلم فأمروه بالاجتناب عنها، وقوله: وأطيب إن كان بمعنى أحل لأنه يطلق عليه فهما شيء واحد وإن كان بمعناه المتبادر فهو إشارة إلى المعنوية الدنيوية، وقوله: او أكثر وأرخص إشارة إلى الزيادة الحسية الدنيوية فتأمل، وقوله: وليتكلف اللطف يعني أن التفعيل هنا لإظهار أمر وتكلفه وبين وجه إظهاره بأمرين وقوله: يرزق منه إن كان الضمير للطعام فمن لابتداء الغاية أو للتبعيض وإن كان للورق فللبدل. قوله: (ولا يفعلن ما يؤذي إلى الشعور (قيل إنه من باب قولهم لا أرينك ههنا، ولذا قال: ولا يفعلق الخ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 ورد بأنه لا مانع من حمل النهي هنا على ظاهره بخلاف ما ذكر، ولو كان النظم لا يشعر أحد من الثلاثي برفع أحد كان منه ولا يخفى أنه إن أريد به لا يخبرنّ أحدا، ما فسره به الإمام فهو على ظاهره وان لم يرد ذلك كما ذهب إليه الشيخان فالمراد على طريق الكناية لا يفعلن ما يقتضي الشعور بنا، فهو مثل المثال المذكور في إرادة لازمه وان كان بينهما فرق فلا وجه لهذا الإيراد. قوله: (يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم (أصل معنى ظهر صار على ظهر الأرض! ، وما كان عليه يشاهد ويتمكن منه فلذا استعمل تارة في الاطلاع وأخرى في الظفر والغلبة وعدى بعلى كما أشار إليه المصنف، وقوله: يقتلوكم بالرجم فليس المراد به مطلق الرجم بل ما يؤذي إلى القتل، وقد كان ذلك عادتهم فيمن خالف دينهم. توله:) أو يصيروكم الخ (لما كان العود يطلق على الرجوع إلى ما كان عليه وهو يقتضي أنهم كانوا على دينهم أوّله بالصيرورة لأنه ورد بمعناها كثيراً، ثم جوّز كونه على ظاهره، وقوله: إن دخلتم إشارة إلى دفع سؤال وهو أن نفي الفلاج كيف يترتب على إعادتهم إلى الكفر إكراهاً والإكراه عليه لا يضرّ فيؤذي إلى عدم الفلاج مع اطمئنان القلب بالإيمان فلذا قدر إن دخلتم فيه أي حقيقة لا ظاهراً، ووجه ارتباطه بما قبله أن الإكراه قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسان ذللث والاستمرار عليه فسقط ما قيل من أن إظهار الكفر بالإكراه مع ابطان الإيمان معفوّ في جميع الأزمان فكيف رتب عليه عدم الفلاح أبدأ، ولا حاجة إلى القول بأنه كان غير جائز عندهم ولا إلى حمل يعيدوكم على يميلوكم إلى دينهم بالإكراه وغيره وأمّا حمل كلام المصنف عليه فتكلف مستغنى عنه. قوله: (وكما أنمناهم وبعثناهم) يعني أنّ الإشارة إلى الإنامة والبعث والإفراد باعتبار ما ذكر أو ما مر ونحوه، وقوله: أطلعنا عليهم قال المرزوقي في شرح الفصيح: عثر سقط لوجهه عثوراً وعثارا، وفي المثل أن الجواد ليكاد يعثر، وقولهم: من سلك الجدد أمن العثار، ومنه تعثر في فضول يثابه وفضول كلامه وعثرت بكذا إذا اعترض! لك فيما نطلبه وأعثرته عليه أطلعته فعثر عثوراً وعثراً وفي القرآن وكذلك أعثرنا عليهم ويقال: أعثر به عند السلطان أي قدج فيه اص. وقال الإمام المطرزي: لما كان كل عاثر ينظر إلى موضمع عثرته ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان، وقال القوري: عثرت على الشيء إذا اطلعت على أمر كان خفيا اهـ، فهو مجاز مشهور بعلاقة السببية عند أهل اللغة، كما أشار إليه الفاضل المحشي ومن لم يقف على منشئه قال في رذه أنه ليس كذلك فإنه أمر تقريبي ومفعوله الأوّل محذوف لقصد العموم كما أشار إليه بقوله: الذين أطلعناهم على حالهم أي كائناً من كان. قوله: (بالبعث الخ (يعني أن الوعد إمّا بمعناه المصدري ومتعلقه مقدر، وهو بالبعث أو هبر مؤوّل باسم مفعول هو ما ذكر، وقوله: لأنّ نومهم أي الطويل المخالف للمعتاد والا فكل نوم كذلك كما أشار إليه بقيده، وقوله: وأنّ القيامة تفسير للساعة لأنها في اللغة مقدار من الزمان وفي لسان الشرع عبارة عن يوم القيامة وفي عرف المعدلين عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الليل والنهار، وحق بمعنى متحقق، وقوله: في إمكانها تفسير لمعناه، أو إشارة إلى تقدير مضاف في النظم والداعي إلى ذلك قوله: آتية، وقيل عليه أنه يتوجه عليه أنه بعد ذكر تحقق البعث والقيامة لا حاجة إلى ذكر إمكان البعث بعده بل حق النظم أن يقال: أوّلا لا ريب في إمكانه ثم يذكر أنه متحقق ولذا فسره بعضهم بقوله: لا ريب في وقوعها، وقيل إنّ الظاهر أن يفسر قوله: وعد الله حق بكل ما وعد. لأن من قدر على بعثهم من رقدتهم هذه في غاية القدرة فكل ما وعده متحقق، ويكون قوله بعده لا ريب في تحقق الساعة تخصيصاً بعد تعميم وهذا لا يفيد دفع ما ذكره بل هو تفسير آخر، ويدفع بأن تحقق الموعود أو الوعد إنما يقتضي الوقوع في المستقبل وهو معنى قوله: آتية فبعد ما ذكره مؤكدا مكرّراً، قال إنه مما لا ينبغي أن يرتاب الآن في إمكان وقوعه لما شاهدتم من هذه القصة وهي أنموذج له وعنوان إمكانه وإنما يلغو ذكر الإمكان بعد الوقوع لا نفي الشبهة عنه كما إذا قلت سيهب لك هذا الكريم ألوفا ولا شبهة في هذا لأحد، ألا تراك لو قلت لا شبهة في أنّ هذا سيهب لك ألوفا وذكرت بعده الجملة الأولى كان لغواً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 من الكلام فتأمّل. قوله: (فإنّ من توفى نفوسهم وأمسكها الخ (هذا لا ينافي ما مر من أنه إنامة لا موت لأنّ المراد بالتوفي هنا النوع! ايضا كما في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الآية. وأورد عليه أن البعث من النوم ليس كإعادة الروج إلى البدن الفاني بل بينهما بون بعيد فلا يدلّ الأوّل على الثاني، وكون نومهم الطويل وانتباههم كالموت والبعث غير مسلم إلا أن يقال إنّ الله جعل الاطلاع على الأوّل سببا للعلم بالثاني بطريق الحدس، أو الإلهام لا أنه دليل على تحققه وتيقنه لأنّ حفظ الأبدان في هذه المدة الطويلة عن التحلل من غير تفتت يحوج إلى وجود بدل عما يتحلل بأكل وشرب يدل على القدرة على ما ذكر بطريق الحدس والعادة، وفيه نظر. قوله: (قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس الخ (المراد بالتوفي هنا معناه المشهور لا المعنى السابق والا لم يثبت المطلوب لكن فيه أن المطلوب إعادتها بعد تفزق أجزائها لا بعد طول حفظها إلا أن يقال: إنه يعلم بالطريق الأولى وهو غير مسلم، أو يقال: إنها وإن تفزقت أجزاؤها الصغار محفوظة بناء على أنها تعاد بعينها فتأمل، وقوله: أبدانهم في نسخة أبدانها أي النفوس. قوله: (ظرف لا عثرنا) أو ليعلموا أو لحق أو لوعد على قول، وقيل إنه لم يعلقه بيعلموا لأنّ نزاعهم كان قبل العلم فإنه ارتفع به، وفيه نظر، وقوله: أمر دينهم إشارة إلى أنّ التنازع في أمر دينيّ، وهو حقيقة البعث لا في شأن الفتية كما في القول الآخر، فالضمير للمطلعين عليهم، والإضافة اختصاصية أي الأمر الواقع بينهم، وقوله: وكان بعضهم يقول الخ بيان للمتنازع فيه، وقوله: مجرّدة أي عن الأبدان وكونهما يبعثان معاً هو المذهب الحق عند المليين وقوله: ليرتفع الخلاف متعلق بأعثرنا، وقوله: ويتين أي بطريق الحدس كما مر. قوله: (أو أمر الفتية (فالضمير لهم وأمرهم بمعنى شأنهم وحالهم، وقوله: حين أماتهم الله ثانياً المراد بالإماتة سلب الإحساس أعم من أن يكون بالنوم أو بالموت فهو من عموم المجاز أو من الجمع بين الحقيقة والمجاز بناء على جوازه عند الشافعية ولذا قيل: إن الأظهر أن يقول حين توفاهم فإنّ التوفي أشهر فيه كما في الآية السابقة إذ الأولى إنامة لا إماتة، وأما القول بأنه بناء على أنها إماتة فغير صحيح لمخالفته لكلامه، ولصريح النظم وقوله: قرية أي بلدا معموراً، وليس بالباء الموحدة كما حرف بعض النساخ وكونه مسجداً يدل على جواز البناء على قبور الصلحاء ونحوهم كما أشار إليه في الكشاف وجواز الصلاة في ذلك البناء، وقوله: كما قال تعالى قيل إشارة إلى تأييد هذا الوجه والفاء في فقالوا على الوجهين الأوّلين فصيحة وعلى الآخر للتعقيب. قوله: (ربهم أعلم اعتراض (أي على كل الوجوه وعلى كونه من الله فيه التفات على أحد المذهبين وقوله: من أولئك المتنازعين بكسر الزاي والعين أي في عهدهم، وقوله: أو من المتنازعين عطف على قوله: من الله، وقوله: للرد إلى الله أي تفويض أمرهم والعلم به إليه، وكوله: وكان عليها اسم دقيانوس أي مكة مضروبة باسمه، وقوله: نستودعك الله يقال عند الوداع وقوله: لما انتهوا أي الناس الذين مع المبحوث وقوله: مكانكم اسم فعل أي قفوا والزموا، أو هو متعلق به مقدرا، وقوله: فعمي بمعنى خفي من العمي فقد البصر، والمدخل محل الدخول وثم بالفتح بمعنى هناك وعلى هذا فوقوفهم على ما يطلع به على البعث بإخبار الفتى وقد اعتمدوا صدقه، والإعثار علمهم بذلك لإخباره، واستدلّ بهذه الآية بعض الفقهاء على جواز المناهدة. قوله: (أي الخائضون في قصتهم االخ) يعني أن الضمير لهؤلاء ومن في قوله: من أهل الكتاب تبعيضية لا بيانية على نهج بنو فلان قتلوا قتيلا إذ لا داعي له. قوله: (أي هم ثلانة رجال يربعهم كلبهم (قيل عليه أنه ينبغي أن يقول ثلاثة أشخاص لأنّ رابع اسم فاعل صيغ من العدد وهو يضاف إلى ما هو بعض منه، والمعنى أنه يجعلهم أربعة ولا تصير الثلاثة رجال بكلبهم أربعة لاختلاف الجنسين وهو الموافق لما ذكره النحاة للاستعمال الشائع فلا عبرة بما قيل له إنه لا يجب اتحاد الجنس وأمّا القول بأنه بشرف صحبتهم ألحق بالعقلاء فتخيل شعري، وقوله: قيل هو قول اليهود وقع في ئسخة وقيل بالعطف والنسخة الأولى أصح لأنّ الظاهر تركه أو إبدال الواو فاء تفصيلية. قوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 / (قول السيد الخ) الصيد علم رئيس من رؤسائهم، ونجران علم موضع كان به قوم من نصارى العرب وفدوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: وكان يعقوبيا النصارى ثلاث فرق يعقوبية ونسطورية وملكانية، وتفصيل مذاهبهم وما قالوه في الأقانيم مذكور في الملل والنحل. قوله: (وكان ئسطورياً الخ) في الملل والنحلل نسطور رأس هذه الفرقة كان في زمن الماً مون، وهذا مما خطأه فيه المؤرّخون بل هو قديم قبله كما في الكامل ولما سلمه صاحب الكشف ورأى ما يرد على هذا من أن نصارى نجران في هذه القصة قبل خلق الثأمون أوّله بأنّ المراد أنه كان على مذهب قديم أظهره نسطور ونصره فنسب إليه الآن فالتسمية متأخرة ومسماها متقدم، ولا حاجة إليه لما عرفت. قوله: (يرمون رمياً بالخبر) إشارة إلى أنه منصوب على المصدر بفعل مقدّر وأنّ الرجم بمعنى الرمي وهي الحجارة وهو استعارة للتكلم بما لم يطلع عليه لخفائه عنه تشبيهاً له بالرمي بالحجارة التي لا تنفذ ولا تصيب غرضا، ومرمي كالسهام ولذا لم يقل رمياً وهو من تشبيه المفعول بالمحسوس بل المحسوس بالمحسوس والخبر الخفيّ تفسير للغيب بمعنى الغائب عنهم، ومطلع مصدر ميميّ أو اسم مكان، وجوّز في نصبه أن يكون على الحالية أو مفعولاً له أو منصوبا بيقولون لأنه بمعناه، وقوله: واتيانا به أي بالخبر معطوف على رميا تفسير للمراد به. قوله: (أو ظناً بالغيب من قولهم رجم الخ (يجوز في ظنا أن يعطف على رمياً وهو الظاهر، وهو عليه أيضاً منصوب على المصدرية لمقدر واستعارة لكنه في الأوّل للتكلم من غير علم وملاحظة، وعلى هذا للظن ويجوز عطفه على إتيانا به، بيانا لأنه مستعار لا يراد الخبر من غير علم أو للظن، وقوله: من قولهم رجم بالظن إذا ظن يعني أنه شبه ذكر أمر من غير علم يقينيّ واطمئنان قلب بقذف الحجر الذي لا فائدة في قذفه ولا يصيب مرماه ثم استعير له ثم وضع الرجم موضع الظن حتى صار حقيقة عرفية فيه كما قال زهير: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو وما هو عنها بالحديث المرجم ... أي المقول بالظن، والظن في قوله: رجم بالظن بمعنى المظنون كما قاله الطيبي وغيره: والباء فيه للتعدية على تشبيه الظن بالحجر المرميّ على طريق الكناية وليس بوهم بناء على أنها للسببية، كما قيل: وإن كان له وجه. قوله: (وإنما لم يذكر بالسين) أي في يقولون كما ذكرها أوّلاً لأنه بدونها يستعمل للاستقبال وما قبله قرينة على إرادته فاكتفى به، وأما عطفه على مدخول السين فتكلف. قوله: (إنما قاله المسبمون بأخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام الخ) أي لا رجما بالغيب كما يدل عليه التقابل والسياق والسباق كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ومن لم يفهم مراده قال إنّ الظاهر حذف إنما، وقوله: وايماء الله الخ بالجر عطف على إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون قولهم: بعد نزول الآية كما تدل عليه السين، وفيه بحث. قوله: (بأن اتبعه قوله قل الخ (يعني أنه خالف بين خاتمة الأقوال، فأتغ الأوّلين ما يدل على عدم حقيتهما والثالث ما يدلّ على صدقه فإنّ إثبات الأعلمية مشعر بالعالمية ولذا ذكر بعده قوله ما يعلمهم إلا قليل وقال ابن عباس رضي الله عنهما أنا من ذلك القليل، وقوله: أعلم أي أقوى وأقدم في العلم ممن علمه من المسلمين لا من الطائفتين الأوليين إذ لا علم لهم والمثبت في قوله: ما يعلمهم الخ العالمية فلا يعارض كون إلا علمية لله تعالى، وقوله: وأتبع معص! أبئ على أتبعه والأوّلين مثنى أي الفريقين أو القائلين الأوّلين. قوله: (وبأن أثبت العلم بهم لطائفة الخ) بيان لبعض وجوه الإيماء المذكور وهو معطوف على قوله: بأن أتبعه وأعاد الباء إشارة إلى أنه وجه آخر لا يتوقف على الاتباع، وكون العلم لطائفة أي من البشر بقرينة المقام، وقوله: فإنّ عدم إيراد رابع تعليل للحصر، وقوله: في نحو هذا المحل أي محل البيان لما قيل فيهم، وقوله: دليل العدم لأنه لو وجد أورد، وليس محلا للسكوت عنه، وقوله: مع أنّ الأصل وهو أنّ العدم أصل في الأشياء حتى يثبت خلافه بدليل فيؤيد نفيه هنا، وقوله: ثم رد بصيغة الماضي معطوف على حصر، وقيل إنه مصدر مجرور معطوف على ما حصر وما مصدرية. قوله: (وبأن ادخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة الخ (كون الواو تدخل على الجملة إذا كانت صفة لنكرة لإفادة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 اللصوق وشدة الاتصال والارتباط كما تدخل على الجملة الحالية مما اختاره الزمخشريّ، وتبعه المصنف والكلام فيه رذاً وقبولاً وعلى ما شنع عليه من خالفه كالسكاكيّ مبسوط في المطوّلات وعلى تسليمه فيه إيماء إلى أن القول الأخير وهو المطابق للواقع للدلالة على أنّ الاتصاف أمر ثابت لأنه لا يلتصق به إلا إذا تحقق في الخارج، كما أشار إليه المصنف رحمه الله إلا أنه أورد عليه أنّ الواو من المحكي لا من الحكاية فيدل على ثبوته عند القائل لا عند الله ولا يكون من الإيماء في شيء، وأجيب بأنه تعالى لصا حكى قولهم قبل أن يقولوه هكذا لقنهم أن يقولوه إذا أخبروا عنه بهذه العبارة مع أن الثبوت عند هؤلاء القائلين: كاف لأنهم لا يقولونه رجما بالغيب ولا مانع من كونها من الحكاية، ثم إنه قيل إنّ هذه الجملة لا تتعين للوصفية لجواز كونها حالاً من النكرة لأنّ اقترانها بالواو مسوّغ، كما في المغني ويجورّ أن يكون خبراً عن المبتدأ المحذوف لأنه يجوز في مثله إيراد الواو وتركها، وإذا قيل إن إيراد الواو في مثله يدل على الاهتمام يتم الآن المرام، وقوله: تشبيها لها الخ بيان لوجه دخولها لأنّ الحال صفة لذيها معنى والصفة تكون حالا إذا تقدّمت، وقوله: لتأكيد لصوق الصفة كالواو الحالية والاعتراضية لا للعطف حتى يقال: بعطف الصفة على موصوفها، وقوله: تأكيد الخ لكونه أمراً ئابتا، وأسماؤهم المذكورة لكونها غير عربية لم ينقلوا ضبطها وقد ذكر لكتابتها خواصر لا حاجة إلى ذكرها هنا، وأفسوس بضم الهمزة محصمكون الفاء كما قاله النيسابوري: وهذا يخالف قوله: أوّلا أنها طرسوس، وفي الكشف أنّ المدينة التي كانوا فيها غير المدينة التي بعثوا إليها لشراء الطعام أو أفسوس من أعمال طرسوس وهي ناحية أو هما قولان، وما قيل من أنهما اسمان لمدينة واحدة أحدهما قديم والآخر محدث خلاف الظاهر ومحتاج إلى النقل عن الثقات، وكون هذه الواو واو الثمانية الكلام عليه مبسوط في المغني وشروحه وشروح الكشاف، واختار السهيلي فيه أنه عطف تلقيني وأنه معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما لما جاءت الواو انقطعت العدة وهو وجه لطيف به يتضح الإيماء المذكور (واعلم (أنّ الشارح الطيبي رحمه الله قال هنا: نكتة لا بد من إظهارها، وذلك أنّ قصة الكهف ملمحة لقصة الغار ومشابهة لها من حيث اشتمالها على حكم بديع الثأن روينا في الصحيحين أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدمي! لأبصرنا فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما يعني لست مثل كل اثنين اصطحبا لما خصصت به من شرف صحبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم والتجأت بسببه إلى حريم كنف الله ما قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التوبة، الآية: 40] فالتربيع والتسديس في قصة الكهف ناظر إلى التثليث في قصة الغار لكن نظراً كلا ولا فعلى هذا يجب أن يجعل رابعهم كلبهم وسادسهم كلبهم تابعين لئلاثة وخمسة والضمائر الأربعة راجعة فيهما إليهما لا إلى المبتدأ ومن ثمة استغنى الله عنه بالحذف والا كان الظاهر أن يقال: هم ثلاثة وكلب فلما أريد اختصاصها بحكم بديع الشأن عدل إلى ما هو عليه لينبه بالنعت الدال على التفضلة والتمييز على أن أولئك الفتية ليسوا مثل كل ثلاثة أو خمسة أو سبعة اصطحبوا، ومن ثمة قرن الله في كتابه العزيز أخس الحيوان ببركة صحبتهم بزمرة المتبتلين إلى الله المعتكفين في جوار الله (أقول) أشار رحمه الله تعالى إلى دقيقة تتعلق بالمعاني من نتائج فكره وهي أنه إذا ذكرت صفة في مقام المدح والافتخار ولم يكن لها اختصاص به حتى يتأتى ما قصد من الإطراء وصدر ذلك ممن يعرف أساليب البلاغة لا بد من القصد إلى معنى فيها يجعلها مختصة به مما يلوح به المقام وينظر إليه الحال بطرف خفيّ كما هنا فإنّ كون الله ثالث اثنين ليس مخصوصاً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله تعالى عنه كما قال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ونحوه وبهذا طعنت الرافضة في عده من خصائص أبي بكر رضي الله تعالى عنه كما في التفسير الكبير فيراد بها هنا أنه تعالى معهما بالحفظ الإلهي والاتصال المعنوي الذي رفعهما مرر حضيض الغار وحجبهما بسرادق حفظ لا تصل إليه أقدام الأفكار، فما بالك بأقدام الكفار، ومثله ما نحن فيه فإق كون طائفة مع كلب ليس مما يخص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 هؤلاء فيمدحوا به لكثرته في رعاء الشاء فيلاحظ فيه معنى وهو أنّ أخس الحيوانات تصذي لحفظهم وبذل نفسه في ملازمة أعتابهم حتى التحق بهم وعد معهم وتشرف بذكر الله له، ولذا قال خالد بن معدان: ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أهل الكهف وناقة صالح وحمار العزير، وقال بعضهم: من أحب أهل الخير نال بركتهم ... كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله معهم في القرآن، فالتنظير في مجرد ذكر أمر عام يلوّح إلى أمر خاص هو المقصود منه والداعي إلى ذكره وبهذا يتعين كونه صفة في الآية والحديث لأنه الأصل في الجمل المادحة فهو نظيره مع قطع النظر عن الصفتين والموصوفين، ولذا قال: كلا ولا ولم يذكر التثمين لاحتماله التلقين كما مرّ، قال: في قوانين البلاغة من محاسن الكلام نوع يقالى له التتبيع وهو أن يتجاوز عن المذكور إلى معنى آخر، كقوله: نؤم الضحا لم تنتطق عن تفضل أراد أنها مترفة مخدومة من بنات ذوي النعم والا فلا مدح فيه، وهذا ما أشار إليه قدّس سره وإنما أطلنا ذيول الكلام فيه للحمية العلمية فإن بعض أهل العصر لم يفهمه فشنع عليه قائلا أنه سوء أدب يؤذي إلى الافتضاح في يوم تشخص فيه الأبصار حيث قابل جناب رب العالمين بأخس مخلوقاته وكفره بهذا ونسب إليه ما لا يصدر عن عاقل فضلا عمن كان في عصره صدر الأفاضل، وكتابه المذكور يقرأ وينسخ على صفحات الدهور. قوله: (فلا تجادل في شأن الفتية الخ) فسر المماراة بالمجادلة وقد فرق بينهما الراغب بأن المجادلة المحاجة مطلقا والممارة المحاجة فيما فيه مرية أي تردد لأنها من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب، وقوله: من غير تجهيل لهم أي تصريح بذلك وان كان في قص ما يخالفهم ذلك، وقوله: ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم الخ لأنّ السؤال إما للاسترشاد أو للتعنت وكلاهما غير لائق بمقامه تخيب، كما أشار إليه، وأمّا كونه لتطييب خواطرهم أو ليظهر عدم علمهم فيرشدهم إليه كما يسأل الأستاذ تلميذه عن مسألة ثم يدّكرها له فلا مغ منه إن اقتضته الحال، والمندوحة السعة والمراد بها هنا الغني عنه، والتزييف بيان زيف الدراهم أي مغشوشها وهو هنا بمعنى الردّ استعارة منه. قوله: (نهى تأديب) أي المقصود تعليمه ذلك كما سيبينه وقوله: حين قالت الخ ظرف قوله: نهى تأديب، وقوله: فسألوه فقال في نسخة فقال بدون فسألوه فالفاء فصيحة. قوله: (ولم يستثن) أي لم يقل إن شاء الله فإن الاستثناء يطلق على التقييد بالثرط في اللغة والاستعمال كما نص عليه السيرافيّ في شرح الكتاب، قال الراغب: الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما في قوله: قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو رفع ما يوجبه اللفظ كقوله: امرأته طالق إن شاء الله اهـ، وفي الحديث من حلف على شيء فقال: إن شاء الله فقد استثنى فما قيل إن كلمة إن شاء الله تسمى استثناء لأنه عبر عنها هنا بقوله: إلا أن يشاء الله ليس بسديد، وكذا ما قيل إنها أشبهت الاستثناء في التخصيص فأطلق عليها اسمه، وقوله: بضعة عشر يوما في السير أنه في قول ابن إسحق: خمسة عشر يوما وفي سير النعمى أنه أبطأ عنه ثلاثة أيام، وقوله: وكذبته أي شنعت في تكذيبه واستمرت عليه. قوله: (والاستثناء من النهي أي ولا تقولق لأجل شيء) يعني أن اللام لام الأجل والتعليل لا لام التبليغ، وقوله: تعزم عليه تخصيص للشيء بقرينة المقام، وقوله: فيما يستقبل إشارة إلى أن اسم الفاعل مراد به الاستقبال لأنه حقيقة فيه والى أنّ الغد ليس المراد به اليوم الذي يلي يومك بعينه بل ما استقبلك مطلقا قيل ولا مانع من إرادة ذلك، وقوله: إلا بأن يشاء الله إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال المقدرة بعده وفيه باء ملابسة مقدرة قبل أن أي لا تقولن إني فاعل شيئا غداً ملتبساً بحال من الأحوال إلا ملتبسا بحال مشيئة الله أي بأن تذكرها فتقول إني فاعله إن شاء الله، فقوله: ملتبسا إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال، وقوله: قائلاً تفسير لمعنى الملابسة بينه وبين المشيئة، وقيل إنه إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدرا أي بذكر مشيئة الله، قال في الكشف لأن التباس القول بحقيقة المشيئة محال، ورد بأن معنى التباسه بها تعلقها على مذهب أهل الحق لا الالتباس الحسي فالصواب أن يقال: إنه لو أريد الالتباس بحقيقة المشيئة لم يبق للنهي معنى إذ كل موجود كذلك، وفيه أنّ ما ذكره ليس من التباس حقيقة المشيئة في شيء بل هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 التباس متعلقها وفرق بينهما، مع أنه أيضا غير صحيح لما ذكره فهو تأييد له لا رد عليه فتدبر. قوله: (أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله (فهو أيضا استثناء مفرّغ من النهي والمستثنى منه أعم الآوقات لا من أعم الآلات والأسباب كما توهم، أي لا تقل ذلك في وقت من الأوقات إلا في وقت تذكر فيه مشيئة الله فالمصدر المؤول مقدر بالزمان وفسر المشيئة على هذا الوجه بالإذن من الله لأن وقت مشيئة الله لشيء لا تعلم إلا بإعلامه به وإذنه فيه، وعلى هذا فمعنى الآية كقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3 و 4] ويكون هذا مخصوصا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مناسب لقول المصنف: تأديب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه سبب النزول وعلى الأوّل هو تأديب للأمة كما أشار إليه الطيبي وعدم الاختصماص به يعلم بطريق الدلالة، وأمّا القول بأنه لا يلزم ذلك من المنع في غد لاحتمال المانع عنه فيما بعده لأنّ الزمان باتساعه قد ترتفع الموانع فيه أو تخف، فلا تتأتى الدلالة فليس بشيء لأنه مجرّد احتمال لم ينشأ من دليل والمانع عام شامل للموت واحتماله في الزمن البعيد أقوى، فمن قال إنه تضييق على الناس لم يقف على مرادهم وكذا ما قيل إنه على مذهب المعتزلة من أنّ الأمر عين الإرادة أو يستلزمها ولذا أخره المصنف رحمه الله وقدمه الزمخشريّ، وإنما أخره المصنف لأن المتبادر منه الأوّل فتدبر. قوله: (ولا يجوز تعليقه بفاعل الخ الما بين أنه مستثنى من مدخول النهي على الوجهين كما بينه أشار إلى أنه لا يجوز أن يكون مستثنى من قوله: إني فاعل أي مما في حيزه استثناء مفرغا من أعم الأحوال، أو الأوقات لفساد معناه لأنه يصير تقديره إني فاعل بكل حال أو في كلى وقت إلا في حال أو وقت مشيئة الله ومآله النهي عن أن يقول إني فاعل إن شاء الله وهذا لا يقوله أحد كما قاله ابن الحاجب رحمه الله، وأمّا ما قيل عليه أنه صحيح ومعناه النهي عن أن يذهب مذهب الاعتزال في خلق الأعمال فيضيفها لنفسه قائلا إن لم تقترن مشيئة الله بالفعل فأنا فاعله استقلالاً فإن اقترنت فلا فمع ما فيه من التعسف الذي لم يقع مثله في القرآن ولذا لم يعرج عليه أحد من المفسرين مع ما في الآية من التأويلات لأن المستثنى إما عدم ذلك الفعل أو وجوده، أمّا على الأوّل فلأنه يصير المعنى إني فاعل في كل حال إلا إذا شاء الله عدم فعلى وهذا لا يصح النهي عنه أما على مذهب أهل السنة فظاهر وأمّا على مذهب المعتزلة فلأنهم لا ينكرون أنّ مشيئة الله لعدم فعل العبد الاختباري إذا عرضت دونه بإيجاد ما يعوق عنه، كموت ونحوه منعت عنه وإن لم يكن ذلك بإيجاده واعدامه، ولذا قال في الكشف: إنّ ما ظنه صاحب الانتصاف من أنه مخالف لأصولهم كلام نشأ عن عدم التدبر، وهو مأخذ هذا القائل ولم يسلمه أحد من شراح الكشاف، وأما على الثاني فلا يصح النهي أيضا لأنّ فعل ما شاء الله وجوده لا ينهى عنه عندنا ولا عندهم فتأمل، وقيل إنه على الاستثناء من النهي منقطع والمقصود منه التأبيد أي لا تقله أبداً، كقوله: خالدين فيها إلا ما شاء الله والمعنى لا تقولن فيما يتعلق بالوحي إني أخبركم به إلا أن يشاء الله والله تعالى لا يشاء أن يقوله من عنده فهو لا يقوله أبداً فهو على حد قوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى. قوله: (واستثناء اعتراضها) أي مشيئة الله دونه أي الفعل لا يناسب النهي لما عرفت من أنه معنى صحيح لا ينهى عنه وأما كونه ردّ المذهب المعتزلة فقد عرفت رذه. قوله: (مشيئة ربك وقل إن شاء الله (يعني أنه على حذف مضاف أي مشيئة ربك لا إنه حذف منه كلمتان أي بمشيئته كما قيل: وقل إن شاء الله بيان لكيفية ذكر المشيئة وفسره بما ذكر لدلالة ما كبله عليه وذكر الحديث لدلالته على هذا التفسير، وهو ظاهر، وقوله: ثم تذكرف قيد لا بدّ منه لأنه ما دام ناسيا لا يؤمر بذكزه، وقوله: ما لم يحنث لأنّ عدم الحنث يستلزم تذكر اليمين وهو في قوّة ذكره فكأنه متصل به، وقوله: وعامة الفقهاء أي أكثرهم إذ فيه خلاف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومن تابعه وهو رواية عن أحمد والشافعيّ، موافق للجمهور ولا وجه لما قيل إنه مع ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل إنه يصح ما لم يقتم من مجلسه، وقوله: لم يتقرر إقرار ولا طلاق الخ، أي لم يثبت لأنّ للحالف أن يقول استثنيت بعد ذلك أو أستثني، وفي نسخة لم يتصؤر أي لم يتصوّر بقاؤه وتقرره والأولى أصح وأظهر. تنبيه: فيما قاله المصنف رحمه الله تعالى بحث فإنّ الإمام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 الخيفري، قال في ى ب الخصائص أنّ من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان له أن يستثني بعد حين بخلاف غيره لما روى الطبرانيّ في الكبير بسند متصل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: واذكر ربك إذا نسيت، قال إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. اهـ وهو مذهب الشافعية ومنهم المصنف فيجوز الفصل للنبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره وكان عليه تفصيله فإن كلامه يوهم خلافه، وليس هذا قول ابن عباس ففي المسألة ثلاثة أقوال منع الفصل مطلقاً وجوازه مطلقا والتفصيل بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره. قوله: (ولم يعلم صدق ولا كذب) في الإخبار عن الأمور المستقبلة دون الماضي والحال فإنه لا يجري فيه التعليق فإذا قال فعلت كذا إن وقع فصدق والا فهو كذب وعدم ظهور الكذب ظاهر، إذا قال افعل كذا، ولم يفعل لاحتمال تعليقه بالمشيئة بعده ولكونه غير متحقق لم يعلم صدقه أيضا ولذا لا يصدق في القضاء إذا قال: نويته فما قيل إنّ عدم العلم بالكذب ظاهر في الصدق لأنه إذا قال أحد افعل كذا وفعل علم صدقه، ليس بشيء لأنه إذا تردد في نقيض شيء لزم التردّد فيه وإلا فهو قطعي وهذا غنيئ عن البيان فلا حاجة إلى التثبت بأجوبة واهية ذكرها بعض أرباب الحواشي. قوله: (وليس في الآية والخبر الخ (جواب عما تمسك به من جوز تأخيره من الآية على تفسيره الأمر فيها بالمشيئة بعد أيام والحديث المذكور فيه أنه قال: إن شاء الله بعد نزولها فهو دال أيضا على ذلك فدفعه بأن المشيئة المذكورة فيهما ليست مقيدة لقوله: أخبركم غداً السابق في القصة حتى يقوم دليل على ما قلتم بل هو استثناء من أمر مقدر فيه والتقدير كلما نسيت ذكر الله اذكر حين التذكر إن شاء الله، وما في الحديث تقديره لا أنسى المشيئة بعد اليوم ولا أتركها إن شاء الله أو أقول إن شاء الله إذا قلت إني فاعل أمراً فيما بعد، وقوله: ويجوز الخ جواب آخر بأن الآية لا يتعين فيها التأويل السابق الذي تشبثتم به، وقوله: مبالغة في الحث عليه أما دلالة التسبب ح عليه فلأنه يستعمل للتعجب والتعجب من تركه يقتضي أنه لا ينبغي الترك ويشعر بأنه ذنب مع أنّ الخطأ والنسيان معفوّ، واعتراك بمعنى عرض لك، وقوله: إذا نسيت الاستثناء يعني ثم تذكرته وقيل إن هذين القولين ليس فيهما شديد ارتباط بما سبق، وقوله: ليذكرك المنسيّ دليل على أن المراد نسيان شيء من الأشياء والمنسيّ اسم مفعول لنسي أصله منسوي أو من التفعيل بفتح السين والقصر وقوله وعقابه عطف تفسير للمراد بذكره أو إشارة إلى تقدير مضاف، وقوله: ما أمرك به شامل لأمر الإيجاب والندب، وقوله: وأظهر دلالة فأقرب بمعنى أظهر والرشد الدلالة، وقوله: من نبا صلة أفعل المقدرة، وقوله: إلى قيام الساعة متعلق بالنازلة أو المستقبلة أو هما تنازعا فيه وتقييده بذاك لا ينافي الإخبار عما بعدها مع أن التقييد بها لأنه الدال على نبوّته. قوله: (أو أدنى خيراً من المنستي) فأقرب بمعناه الحقيقي ورشداً بمعنى خيرا وهذا معنى آخر للآية ولما جعل اليهود بيان قصة أصحاب الكهف دليلاً على نبوّته صلى الله عليه وسلم هوّن الله أمرها بقوله: قل عسى الخ كما هوّنه في الأوّل بقوله: أم حسبت الخ. قوله: (وهو بيان لما أجمله (من مدة لبثهم أوّلاً في قوله سنين عدداً إلا أنه حينئذ يحتاج إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلثمائة وتسع سنين مع أنه أخصر، وأظهر فقيل للإشارة إلى أنها ثلثمائة بحساب أهل الكتاب بالأيام واعتبار السنة الشمسية وثلثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار القمرية بياناً للتفاوت بينهما وقد نقله بعضهم عن عليّ رضي الله عنه، واعترض! عليه بأنّ دلالة اللفظ عليه غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الإمام، ولذا قيل إنّ روايته عن عليئ كرّم الله وجهه لم تثبت وفيه بحث فإن وجه الدلالة فيه ظاهر لأنّ المعنى لبثوا ثلثمائة سنة وتسعا زائدة على حساب غيرنا والعدول عن الظاهر يشعر به والتفاوت ما ذكر كما بينوه لكنه تقريبيّ كما بين في محله، وقال الطيبي رحمه الله: وجهه أنهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قربوا من الانتباه، ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين، وقيل إنهم انتبهوا قليلا ثم رذوا إلى حالتهم الأولى فلذا ذكر إلازدياد اوفيه نظر. قوله: (وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب الخ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 (فيكون من مقول سيقولون السابق وما بينهما اعتراض، ويؤيده أنه قرئ وقالوا: ويكون ضمير وازدادوا لأهل الكتاب، وهو في الأول لأهل الكهف ويظهر فيه وجه العدول لأنّ بعضهم قال: ثلثمائة وبعضهم قال إنه أزيد بتسعة. قوله: (بالإضافة على وضع الجمع موضع الواحد (إشارة إلى أنّ الأصل في تمييز المائة أن يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وأمّا نصبه فشاذ كقوله: إذا عاش الفتى مائتين عاما وأمّا على قراءة التنوين هنا فليس تمييزاً كما سيأتى بيانه، فلذا قال إنّ الجمع فيه وضع س ضع الواحد الذي هو الأصل، وقد تبع فيه الزمخشري، وهو مخالف لقول ابن الحاجب أنّ الأصل في التمييز مطلقاً هو الجمع لكنه يعدل عنه لغرض، ولك أن تجمع بينهما بأن الجمع أصل بحسب الوضع الأصلي والقياس والأفراد أصل بحسب الاستعمال لغلبته فيه بلا شبهة ولولا هذا الاعتبار لكان قوله: هذا مخالفا لقوله، والأصل في العدد إضافته إلى الجمع وتوله: إنّ علامة الجمع فيه جبر أي ليست متمحضة للجمعية لأنّ أصل هذا الجمع أن يكون للمذكر العاقل السالم، وهذا ليس كذلك ولكنهم قد خالفوه فيما حذف منه حرف كسنين وثبين وعضين جبرا له، فلكونها كالعوض أجرى مجرى ما لا علامة جمع فيه، وأصل سنة سنهة أو سنوة على الخلاف فيه وما قيل من أن كلامه هذا يشعر بأن الوضع المذكور صحيح في نفسه والأمران محسنان وليس كذلك، فالأولى أن يجعل ثانيهما مصححا والأوّل محسنا ليس بشيء لأنه لا شك في صحته في نفسه كما صرّح به في التسهيل. قوله: (ومن لم يضف أبدل السنين من ثلاث) أو جعله عطف بيان وهو أولى وجوّز فيه الجرّ على أنه نعت لثلثمائة ولم يجعله تمييزاً لما مرّ، وقال الزجاج: لو كان تمييزاً لزم أن يكونوا لبثوا تسعمائة سنة، قال ابن الحاجب: ووجهه أنه فهم من لغتهم أنّ مميزا لمائة واحد من مائة كما إذا قلت: مائة رجل، فإنّ كل واحد من المائة رجل، ولو كان كل واحد من الثلثمائة سنين وأقلها ثلاثة كانت تسعمائة سنة، ورد بأنّ هذا الذي ذكره مخصوص بالتمييز المفرد وأمّا إذا كان جمعا كثلاثة أثواب فلا، بل هو كتقابل الجمع بالجمع ولا وجه لتخصيص هذا الإشكال بنصب سنين تمييزاً كما في شروح الكشاف بل هو وارد على الإضافة أيضاً وقد نقله الرضي عن ابن الحاجب فقال: وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائيّ بالإضافة، فتدبر. قوله: اله ما غاب فيها وخفي) يعني أنّ غيب مصدر بمعنى الغائب والخفي جعل عينه مبالغة فيه ومن أحوالها بيان لما، وقوله: فلا خلق أي مخلوق من الأجسام ونحوها يخفى عليه لأن من علم خفي الأحوال ومغيبها علم غيرها بالطريق الأولى ولذا أتى بالفاء التفريعية، وعلما تمييز. قوله: (للدلالة على أنّ أمره ني الإدراك الخ) قيل يعني ليس المراد حقيقة التعجب لاستحالته عليه تعالى، فالمراد أنه أمر عظيم من شأنه أن يتعجب من أمثاله) أقول (التعجب من العجب وهو ما يعرض عنه استعظام الأشياء التي تجهل أسبابها وتقل، وصدوره من الله بلفظ العجب أو ما يدل عليه لا يجوز كما صرّج به في الكشاف في محل آخر وذكره عامة النحاة ولذا أوّلوا ما ورد في الحديث من قوله جمييه: " عجب ربكم، ونحوه وأما صدوره من الناس بأن يتعجبوا من بعض صفات الله أو أفعاله، كقولهم: ما أعظم الله، وفي الحديث ما أحملك عمن عصاك وأقربك ممن دعاك وأعطفك على من سألك وقال الشاعر: ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره صول. 00 وهو كثير في كلامهم فقد ارتضى أكثر أهل العربية كالمبزد والفارسي أنه جائز، وسئل ابن هشام عنه فكتب رسالة في جوازه وما نحن فيه من القبيل الثاني لاندراجه تحت القول، وقد جوّزوا فيه أن يكون حقيقة فما ذكروه ناشئ من عدم الفرق بين المقامين وليس هذا محل تفصيله، فإن قلت بعدما بين الله مدة لبثهم بقوله: {ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [سورة الكهف، الآية: 25] ما وجه ذكر: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [سورة الكهف، الآية: 26] قلت أما على الوجه الثاني وهو أنه حكاية عن تردد أهل الكتاب في أنه ثلثمائة وتسع فظاهر وأما على الأوّل فالمراد أنّ الله أعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 بحقيقة ذلك وكيفيته وهو بعد الإخبار عنه إشارة إلى أنه بإخبار الله وإعلامه لا من عنده وأمّا احتمال أن السنين شمسية أو قمرية والتسع سنين أو شهوراً فليس بشيء. قوله: (والهاء تعود إلى الله (أي في قوله به وهذان المذهبان في إعراب هذه مشهوران مبسوطان في العربية، وقوله: صار ذا بصر يعني أن الهمزة للصيرورة لا للتعف. يئ كأغذ البعير أي صار ذا غدة ونقله إلى صورة الأمر ليدل على أنه قصد به معنى إنشائي لتعيينه فيه بخلاف الماضي فإنه خبر في اكثر وقد يرد للإنشاء كنعم وبئس، وقوله: لياق وفي نسخة لياقة بفتح اللام بمعنى مناسبة صيغة الأمر له بحسب الظاهر لأنه ضمير غائب وفاعل الأمر أبداً ضمير مخاطب مستتر فأبرز لذلك وله محلان رفع وجر ومثله كثيراً، ولدخول الباء الزائدة عليه، وتصييره مجروراً وهو لا يستتر إذ المستتر لا يكون الأمر فرعا ولذا حذف من قوله: أسمع مع أنّ الفاعل لا يجوز حذفه لكنه لما صار فضله أعطى حكمه كما صرّج به الرضي وغيره، وقوله: نقل إلى صيغة الأمر أي حوّل إليها فصار في صورة الأمر وليس المراد به ذلك بل إنشاء التعجب، وما قيل إنّ المراد أنه لم يشتق من الفعل كغيره من الأوامر بل سكن آخره فلا يرد عليه أن كون الأمر بمعنى الماضي غير معروف بل عكسه لا وجه له فإنه ليس أمراً بل إنشاء كبعت واشتريت، وليت شعري ما يقول في كسر صاده ومثل هذا من التعسف البارد وكون الماضي لا يرد بمعنى الأمر غير مسلم ألا ترى أن كفى به بمعنى اكتف به عند الزجاج، كما سيأتي وفي الحديث اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه كما ذكره ابن مالك وله نظائر وان كان عكسه أشهر، وقوله: عند سيبويه أي مذهبه أنه فاعل فحذف اكتفاء بما قبله والباء مزيدة فيه ليتصوّر التلفظ به، وقال الزجاج: إن الباء في كفى به دخلت لأنه بمعنى اكتف به وهو حسن. قوله: (والنصب على المفعولية) معطوف على قوله: الرفع على الفاعلية وما عزاه إلى الأخفش كغيره عزاه الرضي إلى الفرّاء، وقوله: والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد لأنّ المراد أنه لظهوره يؤمر كل أحد لا على التعيين بوصفه بما ذكر ولذا لم يثن، ويؤنث ويجمع لأنه غير متصرف وثمرة الخلاف تظهر فيما اضطرّ إلى حذف الباء فعلى الأوّل يلزم رفعه وعلى هذا يلزم نصبه ويرجح كون الهمزة للتعدية كونها أكثر وكونها للصيرورة لأن الأصل عدم الزيادة. قوله: (الضمير لآهل السموات والأرض (المعلوم من ذكر السموات والأرض قبله، وقيل لأصحاب الكهف أي مالهم من يتولى أمرهم ويحفظهم غيره، وقيل: للمختلفين في شانهم أي لا يتولى أمرهم غير الله فهم لا يقدرون بغير أقداره فكيف يعلمون ذلك بغير إعلامه ولا يخفى بعده، وفسر الحكم بالقضاء لأنّ به تنفيذ ما قدره. قوله: (مثهم) أي من أهل السموات والأرض، وقوله: على نهي كل أحد لا نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لا يتصور منه ذلك ولو جعل له صلى الله عليه وسلم لكان تعريضا بغيره كقولي: إياك أعني فاسمعي يا جاره فيكون مآله إلى هذا ويحتمل أن يكون المعنى لا تسأل إحداهما لا تعرفه من قصة أهل الكهف ولبثهم واقتصر على ما يأتيك من الوحي وهذا أشدّ مناسبة لقوله: واتل الخ وهو موافق للمعنى على الغيبة. قوله: (ثم لما دلّ اشتمال القرآن على قصة الخ) على الأولى متعلقة باشتمال والثانية بدلّ، وقوله: من حيث تعليل للدلالة على إعجازه، وقوله: بالإضافة الخ لإخراج بعض أهل الكتاب وإعجازه بذلك لا ينافي كونه معجزا ببلاغته فليس مبنيا على القول المرجوح، وقوله: أمره جواب لما فإن قلت دلالته على ما ذكر تستلزم الأمر بملازمة الدراسة في الجملة لا ما عطف عليه، قلت الظاهر أنها قضية اتفاقية مسوقة لبيان ارتباط هذه الآية بما قبلها كما تقول لما قدم زيد طلعت الشمس ولا ملازمة فيها عقلا ولا عادة فلا يرد عليه شيء حتى يدفع بأنّ المعطوف بمنزلة التفسير، لأنّ المراد من درس الوحي تلاوته على أصحابه من غير التفات لمن طلب تبديله إذ هو كاف للموحد، وهذا مبنيّ على أن اتل بمعنى اقرأ، ويحتمل أنه من التلوّ بمعنى اتبع ما أوحي إليك من ربك وألزم العمل به. قوله: (لا أحد يقدر على تبديلها الخ) دفع لما يرد على ظاهره من أنّ التبديل واقع لقوله: هاذا بدلنا آية الخ بأنّ المنفي تبديل غيره تعالى له، وأمّا هو فقدرته شاملة لكل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 شيء يمحو الله ما يشاء ويثبت، ومنهم من خص الكلمات بالخبر لأنّ المقام للإخبار عن قصة أهل الكهف وهو لا يبدل أي ينسخ وكون المنسوخ ثابتا إلى وقت النسخ لا ينافي كونه تبديلاً كما توهم، ونفي القدرة لأنه في الواقع كذلك ونفيها يستلزم نفي التبديل بالفعل. قوله: (ملجأ تعدل إليه (اللحد والإلحاد حقيقته الميل والعدول والملتجئ إلى شيء يعدل عن غيره إليه فلذا ورد بمعنى الملجأ، وقوله: إن هممت إشارة إلى أنه على الفرض والتقدير إذ هو صلى الله عليه وسلم بل خلص أمته لم يلتجؤوا لغير الله. قوله: (احبسها وثبتها) يشير إلى أنّ أصل معنى الصبر الحبس ومنه صبرت الدابة حبستها لتعلف، ثم توسع فيه فاستعمل في الثبات على الأمر وتحمله ومنه الصبر بمعناه المعروف ولم يجعله منه هنا لتعذيه ولزوم الآخر قيل وهذه الآية أبلغ من قوله في سورة الأنعام {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} [سورة الأنعام، الآية: 52] الآية وقد مرّ. قوله: (في مجامع أوقاتهم) هذه العبارة تستعمل للدوام كما يقال: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وهو محتمل هنا وقد فسره به المصنف رحمه الله في سورة الأنعام فمجامع في كلامه إن كان جمع مجمع كمقعد ومنزل اسم مكان كما هو المشهور فيه، فإضافته للأوقات بتقدير مضاف أي مجامع صلوات أوقاتهم الخمس، أو مجامع أوقات صلاتهم الخمسة، كما روي عن مجاهد وغيره وان كان اسم زمان فإضافته بيانية، والمراد أوقاتهم الجامعة لهم وهي تلك الأوقات أيضاً، وان كان مصدرا فإنّ مجمعاً يكون بمعنى الجمع كما في المصباح وأريد به المجموع فهو بمعنى الدوام وأمّا كونه جمع مجموع فلا وجه له، وعلى الثاني فأخذه من النظم لأنّ هذه العبارة شائعة فيه وأمّا على الأوّل فلأنّ اجتماعهم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأكثر لذلك وعبارة المصنف لا تخلو من الركاكة، وبما قرّرناه سقط ما قيل من أنّ الأولى أن يفسر بالدوإم لأنه المعروف وليس في الآية ما يدلّ على دعائهم مجتمعين في أوقات الصلوات، ثم الظاهر أن يفسر مجامع أوقاتهم بمحال اجتماعهم للذكر والدعاء مطلقا، وهو مما يدلّ عليه تعميمهم للدعاء لأنّ سبب النزول قول المؤلفة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لو جلست في صدر المجلس ونحيت هؤلاء وأرواح خيلهم جلسنا إليك وأخذنا عنك فنزلت هذه الآية فالتمسهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في مؤخر المسجد يذكرون الله على ما روي في أسباب النزول وهو مما لا غبار عليه، وقوله: أو في طرفي النهار فهو على ظاهره وخصهما لأنهما محل الغفلة والاشتغال بأمورهم، ويحتمل أن يريد به الدوام أيضاً. قوله: (وفيه أن غدوة علم في الأكثر (يعني أنّ اكثر في استعمال العرب له أن يستعمل علم جنس ممنوعا من الصرف فلا تدخل عليه ألف ولام لأنه لا يجتمع في كلمة تعريفان وهذا هو اكثر لكن سيبويه والخليل ذكراً أن بعض العرب ينكرها فيقول: جاء زيد غدوة بالتنوين وعلى هذه اللغة خرجت هذه القراءة وقد قال الرضي أنه يجوز استعمالها، كذلك اتفاقاً فقوله على تأويل التنكير جواب عن سؤال مقدر بأنه نكر كما ينكر العلم الشخصي في قولهم: حاتم طيئ وزيد المعارك إلا أن الجواب السابق أحسن دراية ورواية لأنّ التنكير في العلم الشخصي ظاهر وأما في الجنسي ففيه خفاء لأنه شائع في أفراده قبل تنكير. فتنكيره إنما يتصوّر بترك حضوره في الذهن الفارق بينه وبين النكرة، وهو خفيّ فلذا أنكره الفناري في حواشيه على التلويح في تنكير رجب علم الشهر فتدبر. قوله: (رضا الله وطاعته) قيل إته يريد أن الوجه بمعنى الذات وفيه مضاف مقدر) أقول (الأحسن أن مراده ما قاله الإمام السهيلي في الروض من أنّ الوجه إذا أضيف إلى الله يراد به الرضا والطاعة المرضية مجازاً لأنّ من رضي على من أطاعه يقبل عليه، ومن غضب يعرض! عنه، وأمّا ما قيل من أنه يشير إلى أنّ الوجه بمعنى الذات ولو أسقط لفظ الرضا كان أبلغ فإذا أراد الرضا فقط فلا وجه له، وان أراد مع ما عطف عليه فله وجه على ما قرّره، وجملة يريدون حال من فاعل يدعون. قوله: (لا تجاوزهم نظرك الخ (إشارة إلى أن عدا حقيقة معناه تجاوز كما صرّج به الراغب ولما كان التجاوز لا يتعدّى بعن إلا إذا كان بمعنى العفو كما صرّحوا به أيضا وقد أشار إليه بقوله لا تجاوزهم الخ احتاجوا إلى التضمين فما قيل إنه بمعنى تصرف وهو يتعدى بعن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 من غير تضمين لا يسمع في مقابلة النقل الصحيح، وقوله: لا تجاوزهم بضم التاء من المفاعلة، وهو مجزوم وفاعله ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومفعوله نظرك وعبر بالنظر لأنه المتجاوز في الحقيقة ويحتمل أن يكون إشارة إلى تقدير مضاف في النظم، وما قيل إنه يعني أنّ العين مجاز عن النظر يأباه التثنية وقوله: إنّ تجاوز أصله تتجاوز بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا وفاعله نظرك وأنث لتأويله بالعين وهي النظر مجازاً، وهو كناية عن نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم على حذ قوله لا أرينك ههنا، تكلف وتعسف لا داعي إليه. قوله: (لتضميته معنى نبا (أي معنى فعل متعد بعن أي معنى فعل متعد من نبا ينبو نبوّاً بمعنى علا وبعد المتعدي بعن وأمّا كونه بمعنى الصرف المتعذي بها دون تضمين فليس بمسلم عند الشيخين وكلام القاموس ليس بحجة عليهما، وكون اختياره لما في التضمين من إفادة معنيين فهو أبلغ لا يتأتى إلا إذا سلم أن حقيقته الصرف كما توهم، وقوله: وقرئ ولا تعد أي بضم التاء وسكون العين وكسر الدال المخففة من أعداه وهي قراءة الحسن وتعد بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال المكسورة من عداه يعديه وهي قراءة الأعمش والهمزة والتضعيف فيهما ليسا للتعدية كما في الكشاف، بل هما مما وافق معنى الثلاثي فيجري فيه التضمين السابق والا لتعدّى بنفسه كما في البحر رذاً على الزمخشري ولذا تركه المصنف. قوله: (والمراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) أي على جميع القرا آت، وقوله: أن يزدري بفقراء المؤمنين أي يحقرهم وهو يتعدى بالباء كما قاله الراغب فلا حاجة إلى القول بأنّ الباء زائدة أو أنه مضمن معنى الاستخفاف، وقوله: تعلو عينه والعلوّ يتعدى بعن قال تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [سورة الإسراء، الآية: 43] وبه صرّح الراغب وعلوّ العين عنه أن لا ينظر إليه وينظر لما فوقه حساً أو معنى وهو يقتضي تجاوزها فلذا قيل إن تعد مضمن معنى تعل واليه أشار المصنف رحمه الله، ومن لم يفهمه قال إنه عدى عدا بعن لتضمينه معنى التجاوز أو عن بمعنى من الأجلية، والرثاثة بلا الثياب ونحوها، والزفي بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة والمراد به اللباس وطموحا بمعنى ارتفاعاً وانصرافا وهو مفعوله له أو حال والى متعلق به، وطراوة في مقابلة الرثاثة مجاز عن كونه جديداً غير بال، والأغنياء جمع غنيّ ضدّ الفقير. قوله: (حال من الكاف في المشهورة) أي في القراءة الأولى المشهورة في السبعة المتواترة وهو حال من كاف عيناك وجازت الحال منه لأنه جزء المضاف إليه، فلا غبار عليه كما توهم ولا حاجة إلى إقحام العين. وأمّا على القراءتين الأخيرتين: فهو حال من فاعله المستتر وأمّا كونه حالاً من عيناك، والقول بأن أفراد الضمير لكونهما في حكم عضو واحد أو للاكتفاء واسناد الإرادة إلى العين مجاز كما في قولهم: استلذته عيني واستملحته فهو د! ان صح عدول عن الظاهر من غير داع. قوله: (جعلنا قلبه غافلاَ (يعني أن همزته لتعدية غفل بمعنى صار ذا غفلة خلقها الله فيه عن ذكر الله لاشتغاله بحطام الدنيا عن ذكره فضلاً عن معرفته ومعرفة من تقرب إليه وما أشار إليه مرّ في الأنعام، وحلية النفس ما تتحلى وتتزين به من المعارف الإلهية وزينة الجسد اللباس، وقوله: وأنه لو الخ معطوف على أن الداعي، وقوله: كان مثله في الغباوة أي عدم الفطنة وكان الأليق بالأدب أن يترك هذه العبارة ويتأدب بآداب الله في مقام شرف نبيه صلى الله عليه وسلم. قوله: (والمعتزلة لما غاظهم) هذا هو الصحيح من النسخ أي أوقعهم في الغيظ للحمية الجاهلية لمذهبهم في عدم نسبة الأفعال القبيحة إلى الله وانكار أنها بخلقه لظهور هذه الآية في مخالفتهم وفي نسخة غلظهم باللام المشددة أي أوقعهم في الغلظة والعصبية. قوله: (قالوا إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك) أي جبانا والوجدان على أمر يقتضي أنه ليس بفعله وايجاده وكذا نسبته إليه أي وصفه كفسقته أي نسبته إلى الفسق. قوله: (أو من أغفل إبله إذا تركها) غفلاً من غير سمة وعلامة بكيّ، ونحوه ومنه إغفال الخط والكتاب لعدم إعجامه فهو استعارة لجعل ذكر الله الدال على الإيمان به كالسمة لأنه علامة لسعادة الدارين كما جعل ثبوت الإيمان في القلب بمنزلة الكتابة فمعنى تركهم غير موسومين بالإيمان تمكينهم من الكفر لا خلقه عندهم. قوله: (واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 من كون الإغفال فعل الله بقوله: واتبع هواه حيث أسند اتباع الهوى إلى العبد الدال على أنه فعله لا فعل الله، ولو كان فعل الله والإسناد مجازيّ لقيل: فاتغ بالفاء السببية لتفرّعه عليه. قوله: (وجوابه ما مرّ غير مرّة) أي من أنّ فعل العبد لكونه بكسبه وقدرته وخلق الله يجوز إسناده إليه بالاعتبار الأوّل والى الله بالاعتبار الثاني، والتنصيص على التفريع ليس بلازم فقد يترك لنكتة، كالقصد إلى الإخبارية استقلالاً لأنه أدخل في الذم وتفويضاً إلى السامع في فهمه، ولا حاجة إلى تقدير فقيل واتبع هواه الخ. قوله: (وقرئ أغفلنا بإسناد الفعل إلى القلب) وجعله فاعلا له هذه القراءة شاذة لابن فائد، والأسواري. وهي من أغفله إذا وجده غافلاً، والمعنى ظننا وحسبنا غافلين عن ذكرنا له ولصنيعه بالمؤاخذة بجعله ذكر الله لعلمه كناية عن مجازاته كما مرّ مراراً. قوله: (مقدّماً على الحق ونبذا له وراء ظهره) فرط بفتح الراء يكون اسما بمعنى متقدم ومصدراً بمعنى التقدم كما ذكره المعرب وغيره ولذا وقع في نسخة تقدما بالمصدر وعليه فنبذا بمعنى رميا على ظاهره على الأولى، كذلك أو بمعنى نابذا، ونبذه ورميه وراء ظهره مجاز عن تركه، وهو تفسير لقوله: مقدما على الحق، وفرس فرط أي سابق لغيره، وقوله: ومنه الفرط بسكون الراء مصدر، أي مجاوزة الحد أو بفتحتين بمعنى التضييع. قوله: (الحق ما يكون من جهة الله! تفسير لمقول القول على أن الحق مبتدأ ومن ربكم خبره، وفيه إشارة إلى أنّ تعريف الحق للجنس وأنّ التركيب يفيد القصر، كقوله: الكرم في العرب وأن القصر فيه إضافيئ بالنسبة إلى مقتضى الهوى وأن معنى كونه من الرب كونه من جهته بوحي وتوقيف ونحوه ومن ابتدائية وهو رد على أمية فيما دعا إليه، وقوله: خبر مبتدأ محذوف أي الموحى إليك ونحوه والجار والمجرور حال مؤكدة من الحق أو خبر بعد خبر، وفيل: إنه فاعل جاء مقدّراً كما صزج به في آية أخرى. قوله: (لا أبالي لإيمان من آمن ولا كفر من كفر (يعني أنّ الأمر والتخيير ليس على حقيقته فهو مجاز عن عدم المبالاة والاعتناء به والأمر بالكفر غير مراد فهو استعارة للخذلان والتخلية بتشبيه حال من هو كذلك بحال المأمور بالمخالفة ووجه الشبه عدم المبالاة والاعتناء به فيهما وهذا كقوله: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة كما فصل في غير هذه الآية وهذا رد عليهم في دعائهم إلى طرد الفقراء المؤمنين ليجالسوه ويتبعوه فقيل لهم: إيمانكم إنما يعود نفعه عليكم فلا نبالي به حتى نطردهم لذلك بعدما تبين الحق وظهر، وبهذا ظهر ارتباطه بقوله: وقل الحق من ربكم عل! الوجوه. قوله (وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله الما استدل المعتزلة بهذه الآية على أن العبد مستقل في أفعاله موجد لها لأنه علق فيها تحقق الإيمان والكفر على محض مشيئته لأنّ المتبادر من الشرط أنه علة تامة للجزاء فدلّ على أنه مستقل في إيجادهما ولا فرق بين فعل وفعل فهو الموجد لكل أفعاله أشار إلى دفعه، بأن مشيئته ليست بمشيئة أخرى له د الا لدار أو تسلسل فهي بمشيئة الله لقوله: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [سورة الإنسان، الآية: 130 فلا يكون مستقلاً فيه لتوقف ارادته على إرادة الله، وأورد عليه أنه لا يلزم من توقف مشيئته على مشيئة الله لها، كون ذلك الفعل بخلق الله وايجاده فكان عليه أن يقول: فمشيئته ليست بموجدة له، وإنما الموجد مشيئة الله وقدرته، ومشيئة العبد مقارنة للفعل لا غير كما هو مذهب الأشعركما وأجيب بأنه سلك طريق المبالغة في إلزامهم يعني تنزلنا وفرضنا أن مشيئة العبد مؤثرة وموجدة للأفعال فمشيئته بمشيئة الله لما مرّ فانتفى استقلاله فيها كما فصله في التفسير الكبير، وأورد عليه أن لهم أن يقولوا: تعلق القدرة والإرادة يستقل به العبد عند حصول الدواعي وحصول الدواعي ليس بموجب للتعلق مع أن لزوم التسلسل في التعلقات لا يختص بإرادة العبد بل يعتم إرادة الله، والجواب أنّ توقف مشيئته على مشيئة الله وتمكينه ثابت بالنص بلا نزاع وإرادة إرادة اليم كإرادته بلا فرق والتوقف عليها مقرّر فلزم عدم استقلاله في الفعل وأن لإرادة الله مدخلا فيه وهو يهدم قاعدتهم، ولا حاجة إلى ذكر حديث التسلسل هنا، وأمّا قوله: يعم إرادة الله فقد قيل إنّ بينهما فرقاً ومن أراد تفصيله فليرجع إلى شرح المقاصد والمواقف وحواشيه فإن السؤال وجوابه مسطور ثمة. قوله: (فسطاطها (الفسطاط الخيمة وقوله: شبه به الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 ما يحيط بهم من النار يحتمل أنه تشبيه للنار بالسرادق في الإحاطة ويكون مما ذكر فيه الطرفان ووجه الشبه، ويحتمل أن يكون استعارة مصرّحة لتشبيهه لهب النار المنتشر منها في الجهات بالسرادق ويكون قوله: أحاط ترشيحا، ويحتمل المكنية والتخييلية، والسرادق معرب سرابرده أو سراطاق، وقوله: الحجزة بالزاي المعجمة أي ما يحجز ويمنع من الوصول إليه من خندق ونحوه، أو بالمهملة أي الحظيرة التي تجعل حوله، وإطلاقه على الدخان وما بعده الظاهر أنه مجاز على التشبيه وان كان كلام القاموس يوهم خلافه، وقوله: من العطش قدر لقرينة قوله: بعده بماء. قوله: (كالجسد المذاب) إن أراد بالجسد ما يتبادر منه وهو جسد الحيوان فالمراد أنه لغلظه كأنه لحم مذاب بالطبخ، وإن أراد به مطلق الجرم فهو بمعناه ويحتمل أن يريد به جرم المعدنيات فإن أهك الكيمياء اصطلحت على تسميته جسداً فيكون بمعنى ما وقع في نسخة أخرى، وهو كالنحاس، وفي الكاف إشارة إلى أنه لا يخصه لشموله سائر المعدنيان المذابة كما في القاموس وغيره، وهذا هو الموافق للكشاف وكتب اللغة، ودردقي الزيت عكره وما يرسب منه في قعر الإناء. قوله: (وهو على طريقة قوله فأعتبوا بالصيلم (وقولهم: عتابك السيف: وتحية بينهم ضرب وجيع والمقصود منه آلهتكم بجعل خلاف ما يرجى مكانه وهل هو استعارة أو تشبيه أو نوع آخر تقدم تحقيقه في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وأن هذا من قصيدة لبشر بن أبي حازم أوّلها: لمن الديار غشيتها بالأنعم تبدو معارفها كلون الأرقم ومنها: غضبت حنيفة أن تقتل عامر يوم النسارفأعتبوا بالصيلم وحنيفة وعامر قبيلتان من العرب ويوم النسار بكسر النون والسين والراء المهملتين يوم معروف وقعت فيه حرب بينهم، والصيلم كفيصل الداهية وفسره في شرح المفصليات بالسلاج، وأعتبوا بمعنى أزيل عتبهم وفي رواية أعقبوا أي جعل ذلك عاقبة أمرهم فلا شاهد فيه. قوله: (يشوي الوجوه (أي يحرقها وينضجها، وقوله: من فرط حرارته تعليل للشيئ، وقوله: صفة ثانية إشارة إلى أنّ قوله: كالمهل صفة أولى، وقوله: أو من الضمير في الكاف أي المستتر لأنها اسم بمعنى مشابه فيستتر الضمير فيها كما يستتر فيه وهذا مما ذكره غير المصنف كالمعرب وفسروه بما ذكر ولا يخفى ما فيه من التكلف لأنه ليس صفة مشتقة حتى يستتر فيه الضمير ولم يعهد مشتق على حرف واحد وكنت توقفت في صحته كما ذكره بعضهم حتى رأيت أبا عليّ الفارسيّ قال في شرح الشواهد في شرح قوله: رأتني كافحوص القطاة ذؤابتي إن قلت: اجعل الكاف بمنزلة مثل فأرفع بها ذؤابتي كما رفع بمثل، قلت: ليس بالسهل، لأنها ليست على ألفاظ الصفات اهـ، فحمدت الله تعالى على الظفر بهذه المسألة، ولو قيل في كلامه تسمح وأنّ المراد بالكاف الجاز والمجرور كان أسهل من هذا وجوّز فيه أن يكون حالاً من ماء لوصفه، وقوله: المهل بيان للمخصوص بالذم المقدر والمهل المقدر استعارة للماء الحارّ وعبر به، لأنه أقوى في الذم لبيان أنه ذم لما فيه من تلك الصفات لا من حيث كونه ماء، ولذا قدّره الزمخشري بذلك فلا وجه لما تيل: إنّ الكلام مسوق لتقبيح حال المشبه دون المشبه به فالظاهر أن يقول: بئس الشراب الماء الموصوف بما ذكر، وقوله: وساءت النار إشارة إلى أنها متصرّفة وفاعلها ضمير النار. قوله: (متكأ الخ (يعني أنه اسم مكان وقع تمييزاً، وأصله مر تفقها والمراد ذتم شرابهم واقامتهم وقيل معناه المنزل أو المراد أنه مصدر ميمي بمعنى الارتفاق والاتكاء وهو المناسب لما بعده والمرفق من اليذ معروف، وقوله: وهو لمقابلة الخ يعني أنه للمشاكلة وقد تقدم على المعنى الحقيقي المشاكل له كما في قوله: نحرتني الأعداء إن لم تنحر وإن كان الأكثر خلافه. قوله: (وإلا فلا ارتفاق لآهل النار (أي ارتفاق استراحة وأما وضحع اليد تحت الخذ للتحزن والتحسر فالظاهر أن العذاب يشغلهم عنه فلا يتأتى منهم حتى يكون هذا حقيقة لا مشاكلة فلذا لم يعزجوا عليه لكنه يجوز أن يكون تهكما أو كناية عن عدم اسنراحتهم. قوله: (خبر إنّ الأولى هي الثانية الخ (ولما خلت من العائد تذره بما ذكر أو الرابط من أمّا لأنه عامّ شامل لاسم أنّ الأولى لتعريف الأعمال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 الصالحة في صلة الأول وتنكير عملا هنا وهذا بالنظر إلى الظاهر، وما بعده بحسب التحقيق، ومثله يكون رابطاً أو لأنه عينه لتساويهما كما ذكر، أو خبرها أولئك الخ هذا محصل ما ذكره المعربون ولا يرد على الأوّل أنه يقتضي أن منهم من يحسن العمل ومن لا يحسنه لأنه إنما يرد لو كانت من تبعيضية، وليس بمتعين لجواز كونها بيانية، ولو سلم فلا بأس فيه فإنّ الإحسان زيادة الإخلاص الوارد في حديث الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، وأمّا كونه مشروطا بحسن الخاتمة فلا وجه له هنا، وقوله: نعم الرجل زيد على القول بأن زيد مبتدأ، ونعم الرجل خبره، والرابط عموم الرجل وهو قول فيه. قوله: (فإنّ من أحسن عملاَ على الحقيقة الخ (لا يأباه تنكير عملا بناء على أنه للتقليل لعدم تعينه فيه إذ النكرة قد تعم في الإثبات ومقام المدح شاهد صدق، وأمّا كون التنوين للتعظيم فلا يجدي هنا مع أنه يرد على ما قبله لأنه لا يعم حينئذ إلا بتأويل وأما كون من أحسن عملا ولم يعمل الصالحات لا يعد ممن أحسن عملاً في الغرف وان صح بحسب الوضع، ولذا قال المصنف رحمه الله: لا يحسن، ولم يقل لا يصح فعلى تسليم التقليل لا وجه له. قوله: (من الأولى للابتداء الخ) هذا هو الظاهر، وقيل إنها بيانية، وقيل تبعيضية، وقيل زائدة في المفعول وعلى ما قبله المفعول محذوف أو الفعل منزل منزلة اللازم بالنظر للثاني، وفي من الثانية أيضاً وجوه أخر وقوله: عن الإحاطة به، متعلق بتعظيم لتضمينه معنى التبعيد أي كأنه أمر عظيم لا يمكن الإحاطة بمعرفته ولا يخفى مناسبة الإحاطة للسوار. قوله: (وهو جمع إسورة الخ (سوار معروت وقد قيل إنه معزب في الأصل ولما رأوا أنّ أفعالاً لا يجمع على أفاعل في القياس جعلوه جمع الجمع فقيل إنه جمع إسورة كحمائر وأحمرة وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: جمع إسورة، وقيل: هو جمع إسوار، وأصله أساوير فخفف بحذف يائه، وقوله: في جمع سوار راجع إليهما. قوله: (لأنّ الخضرة الخ أليس في النظم ما يدل على حصر لباسهم فيما ذكر فيكون وجه تخصيصه ما ذكر ويحتمل الاختصاص به وإن كان فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين لأنهم لا يريدون غيره، والطراوة الظاهر أن المراد بها كونه أكثر بهجة كالنبات الخضر فهو استعارة، وقوله: جمع بين النوعين أي لم يكتف بالرقيق ويقتصر على أحسنه لأنّ ما غلظ قد يراد ويشتهي لغرض! ، والمراد بالجمع الجمع في الذكر وأن عدم الاقتصار على أحد النوعين فيه إشعار بما ذكر فلا يرد ما قيل إنه إن أراد أنه يدل على حصول كل مشتهى فلا وجه له وإن أراد بعضه فيكفي في ذلك الاقتصار على أحدهما، فإن قلت: لم قال يحلون مجهولاً ويلبسون، قلت قيل إنه إشارة إلى أن التحلية تفضل من الله واللبس بحسب استحقاقهم قيل: وهو نزغة اعتزالية، وقيل: لأن اللبس لا بد منه احترازا عن الانكشاف بخلاف التحلية فتأمل. قوله: (على السرر (بضمتين جمع سرير، وقوله: كما هو هيئة المتنعمين إشارة إلى أنّ ما ذكر كناية عن التنعم والترفه، وقوله: الجنة ونعيمها بيان للمخصوص وقال: ونعيمها، ولم يقل مع نعيمها إشارة إلى استقلالها بالمدح، وقوله: حال رجلين بيان لمضاف مقدر أو للمعنى المراد لأن المضروب به المثل حال هؤلاء وسيأتي فيه وجه آخر، وقوله: للكافر والمؤمن في نسخة للكافرين والمؤمنين يعني ضعفاء المؤمنين وصناديد الكفرة الذين طلبوا طردهم وبه ظهر ارتباط هذا بما قبله وضرب المثل تقدم تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: رجلين الخ يحتمل الاستعارة التمثيلية والتشبيه وأن يكون المثل مستعاراً للحال الغريبة بتقدير اضرب مثلاً مثل رجلين الخ من غير تشبيه واستعارة كما قيل وكلام المصنف رحمه الله يحتمله أيضا فتدبر. قوله: (هما أخوان الخ) وقوله لصاحبه لا ينافيه كما ظنه أبو حيان نعم هو يؤيد التفسير الآخر لأنّ المراد معناه اللغوي لا المتعارف، وهذا بناء على أنهما كانا موجودين وكذا ما بعده والأوّل على فرضهما لأن التمثيل بشيء لا يقتضي وجوده ومثله كثير وقوله: فطروس بضم الفاء أو القاف، كما في شروح الكشاف وبعده طاء وراء وواو وسين مهملات ويهوذا بذال معجمة أو مهملة بعدها ألف وتشاطرا بمعنى تقاسماها شطرين اًي نصفين وبقية أمرهما مفصل في الكشاف. قوله: (من بني مخزوم) هم بطن من قريش، وعبد الأشد بالشين المعجمة وفي الاستيعاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 ضبطه بالمهملة، وأم سلمة بفتحات أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وقوله: من الكروم تفسير لقوله: من أعناب والكرم شجر العنب فإقا أن يكون المراد به شجره مجازا، أو يقدر فيه مضاف أي أشجار أعناب لأنه المراد وقوله: بيان التمثيل أي جملة جعلنا الخ تفسيرية فلا محل لها، أو صفة رجلين فهي في محل نصب لا جز باعتبار المضاف المقدر، ورجلين إفا مفعول اضرب إن قيل يتعدى لاثنين، أو بدل من مثلا بتقدير مضاف وهو مثل رجلين. قوله: (مؤزراً بها كرومهما (مؤزر بالهمز ووزن اسم المفعول يكون بمعنى مقوّي ومنه النصر المؤزر، وهو هنا اسم مفعول من الإزار فمعناه: ملفوف ومحفوف فالتأزير بمعنى التغطية وهو منصوب عطف بيان لقوله: محيطة مفسر به وكرومهما بالرفع به وقد جوّز في مؤزراً كسر الزاي والرفع على أن الجملة حالية والا ظهر هو الأوّل، وقوله: أطافوا به، يقال: أطاف به إذا استدار حوله، وفي نسخة طافوا بدون همزة وكونه بالقاف من الطوق خطأ من الناسخ، وقوله: فتزيده الباء يعني أنها للتعدية إلى المفعول الثاني، كما أنّ غشي لازم يعدى بالتضعيف إلى مفعول وبالباء إلى ثان. قوله: (وسطهما (سكون السين على ما قاله الحريرفي وغيره من أهل اللغة: ظرف مكان يحل محل بين وبالفتح اسم يتعاقب عليه الإعراب وتحقيقه في محله، وقوله: ليكون كل منهما أي من الجنتين جامعاً للأقوات الحاصلة بالزروع والفواكه الحاصلة من الشجر والجامعية لأن ما بينهما منهما بطريق التبعية والتتميم، وقوله: متواصل العمارة المراد به ليس فيه مكان خال من الأشجار والزروع، وحسن الشكل والترتيب بجعل الكروم محفوفة بالأشجار وما بينهما زرع زاه حسن المنظر والمخبر. قوله: (وإفراد الضمير لإفراد كلتا (لأنه مفرد اللفظ مثنى المعنى على المشهور، وقد قيل إنه مثنى حقيقة على ما فصل في كتب النحو وعلى الأوّل يجوز مراعاة لفظه ومعناه كما قال: آتت ثم قال: خلا لهما. قوله: (شيئاً يعهد في سائر البساتين الخ (إن كان تنقص المفسر به تظلم لازما فشيئا منصموب على المصدرية أي شيئا من النقص قيل: وهو المناسب لما بعده من قوله فإن الخ، وإن كان متعذيا فهو مفعول به ويكون ما بعده نظر المال المعنى لأنها إذا نقصتها نقصت في نفسها، وتفسير تظلم بتنقص هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (ليدوم شربهما الخ) بكسر الشين ويجوز فيه الضم والفتح، وقوله فإنه الأصل أي في بقائهما وإيتائهما الثمار، ويزيد معطوف على يدوم، وبهاؤهما حسن منظرهما وفي نسخة نماؤهما. قوله: (وفجرنا بالتخفيف (وهي ظاهرة على الأصل وأما التشديد فللمبالغة في سعة التفجير والعامة على فتح هاء النهر وسكنت أيضا. قوله: (وكان له ثمر (بضم الثاء والميم وفسره ابن عباس رضي الله عنهما بجميع المال من ذهب وفضة وحيوان وغيره وقيل: هو الذهب والفضة وقرئ بفتف الثاء والميم كما روي عن حفص وهو بمعنى المضموم أيضا كما في القاموس وغيره لا حمل الشجر كما قيل لعدم مناسبته للنظم هنا والحشم بفتحتين الخدم، وقوله: وقيل أولاداً ذكوراً ويدلّ عليه مقابلته بقوله: أقل منك مالاً وولدا ولما كان لا دليل فيه على تخصيصهم أشار إلى وجهه بقوله: لأنهم الذين ينفرون معه لمصالحه ومعاونته وهو ظاهر لا غبار عليه. قوله: (بصاحبه (أي مع أخيه كما يدل عليه السياق ومحاورته له، وقوله: وأفراد الجنة أي هنا مع أنّ له جنتين كما مرّ لنكتة وهي أن الإضافة تأتي لمعنى اللام فالمراد بها العموم والاستغراق أي كل ما هو جنة له يتمتع بها فيفيد ما أفادته التثنية مع زيادة وهي الإشارة إلى أنه لا جنة له غير هذه ولذا عبر بالموصول الدال على العموم فيما هو معهود، وزاد قوله: متع إشارة إلى أنه ليس منها إلا التمتع الفاني والملك لله الواحد القهار، وقدم هذا لخلوّ الوجهين الأخيرين عن هذه النكتة البليغة ولذا لم يذكر العلامة غيره كما نبه عليه صاحب الكشف فلا يرد عليه أنّ اللام تفيد الاختصاص لا القصر ومعنى اختصاص الجنة به أنها له لا لغيره فمن أين يفهم منه أنه لا جنة له غيرها، وقيل: المراد أن الجنة ليس المقصود بها البستان بخصوصه بل ما يعمه وغيره فلا يناسب التثنية والمدخول من أفراد ذلك العام ولا يخفى عليك أنه مدخول، فتأمّل. وقوله: تنبيها مرّ وجهه وأنه ليس من الاختصاص الإضافي كما توهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 وقوله: أو لاتصال الخ، فيكونان كجنة واحدة وليس المقام مقام بيان العدد بل بيان ما قاله حينئذ، وقد علمت خلوه عن النكتة المقتضي لتأخيره، وقوله: في واحدة واحدة أي لا يمكن إلا الدخول في واحدة وهذا كقوله: قرأت الكتاب بابا بابا وإعرابه وتحقيقه مذكور في النحو. قوله: (ضارّ لها بعجبه وكفره (فظلمه لها إمّا بمعنى تنقيصها وضررها لتعريض نعمته للزوال ونفسه للهلاك، أو بمعنى وضع الشيء في غير موضعه لأن مقتضى ما شاهده التواضع المبكي لا العجب بها وظنها أنها لا تبيد أبدا والكفر بإنكار البعث كما يدل عليه قوله: قال الخ. قوله: (تفنى هذه الجنة (لأن باد بمعنى فنى وهلك، وقوله ة لطول أمله الخ يحتمل أن يريد أن التأبيد ليس بمعناه المتبادر بل طول المكث وأن يريد أنه على ظاهره لأنه لجهله وإنكاره قيام الساعة ظن عدم فناء نوعها، وما قيل إنه لا يظنه عاقل، ليس بشيء لأنه لا يلزم عقل هذا القائل، وتمادى غفلته استمرارها وامتداد مداها، وقوله: كائنة إشارة إلى أن القيام الذي هو من صفات الأجسام المراد به التحقق والوقوع مجازاً جرى في العرف مجرى الحقيقة، وقوله: كما زعمت إشارة إلى شكه فيه كما يدل عليه أن، وقوله مرجعا إشارة إلى أنه تمييز وهو اسم مكان من الانقلاب بمعنى الرجوع كقوله: انقلب إلى أهله وأنّ المراد عاقبة المآل لأنّ خيريته تتحقق بذلك. قوله: (لأنها فانية وتلك باقية (نسبة للفناء إليها إن كان المراد بالأبد المكث الطويل فلا إشكال فيها وان كان المراد به ظاهره فهو بناء على اعتقاد صاحبه كما أشار إليه بقوله: كما زعمت فلا ينافيه أيضا، كما لا ينافي إنكاره للبعث أو شكه فيه. قوله: (وإنما أقسم (كما يدل عليه اللام الموطئة للقسم وهو دفع لأنّ التأكيد بالقسم يقتضي عدم تردده في البعث والمذكور خلافه بأن التأكيد لوجدانه الخير، لو وقع ما فرض لأنه مستحق له استحقاقا ذاتياً لا يتخلف عنه لو وقع وهو لا ينافي كون وقوعه غير معلوم، وقوله: وهو معه أي الاستحقاق المذكور والظاهر أن معنى قوله أينما يلقاه أينما كان يلقاه فيلقي ما يترتب عليه والضمير للاستحقاق أيضا لا لله، كما قيل. قوله: (لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك (لأن مادته النطفة وهي من الأغذية المتكوّنة من التراب، فهو أصل لها، وكونه مادة أصله لأن أباه آدم عليه الصلاة والسلام خلق منه فعلى الأوّل إسناد الخلق إليه منه حقيقي لأنّ المخلوق من المخلوق من شيء مخلوق منه إذ لم يتعين إرادة المبدأ القريب حتى يكون مجازاً، وكونه مبنياً على صحة قياس المساواة خيال واه، وعلى الثاني مجاز من إسناد ما للسبب إلى المسبب وفي كلامه حسن تعبير كقوله: عادات السادات سادات العادات. قوله: (ثم عدّلك وكملك (أصل معنى التسوية جعل الشيء سواء مستوياً كما في تسوّى بهم الأرض! ثم إنه استعمل تارة بمعنى الخلق والإيجاد كقوله: ونفس وما سوّها فإذا قرن بالخلق ونحوه فالمراد به خلقها على أتمّ حال وأعد له مما تقتضيه الحكمة بدون إفراط ولا تفريط كما يؤخذ من كلام الراغب وغيره فلا يرد عليه قوله تعالى فسوّاك فعدلك إذ العطف يقتضي التغاير والتفسير الاتحاد. قوله: (جعل كفره بالبعث كفرا بالله (أورد عليه أمران، الأوّل: أن هذا وإن كان عليه الأكثر لكن الظاهر أنه كان مشركا كما يدل عليه قول صاحبه تعريضا به ولا أشرك بربي أحداً، وقوله: يا ليتني لم أشرك بربي أحدا وليس في قوله: إن رددت إلى ربي ما ينافيه لأنه على زعم صاحبه كما مرّ الثاني أنه لا يلزم من الشك في البعث أو إنكاره الشك في كمال القدرة الإلهية أو إنكاره لجوإز وجود كمال القدرة على ذلك ولكنه لا يفعله لأمر اقتضته حكمته أو لغير ذلك، وجوابه أن ما ذكر هو مقتضى السياق لأنه وقع رذاً لقوله ما أظن الساعة قائمة، ولذا قال في الكشاف جعله كافرا بالله جاحداً لأنعمه لشكه في البعث، كما يكون المكذب بالرسول كافرا، ثم إن كونه منكراً للبعث مقزا بربوبية الله لا ينافي كونه مشركا عابدا للصنم ونحوه كما قالوا: ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله وأنكروا البعث أيضا وأما إن من عجز الله عن البعث سوّاه بخلقه في العجز وهو شرك فتكلف لا حاجة إليه فأما كونه لحكمة أخرى فمخالف للواقع والنص لأنّ مقتضى الحكم إثابة المطيع وعقاب العاصي أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأسقط قوله في الكشاف جاحدا لا نعمة لأنه يقتضي أو يوهم استعمال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 المشترك في معنييه ولو فسر الكفر هنا بالشرك لم يقع الاستدراك بعده في موقعه وهو ظاهر. قوله: (لأنّ منشأه الشك لأنّ عدم البعث إتا للعجز عن الإعادة وهو باطل لأنّ من قدر على البدء قدر على الإعادة بالطريق الأولى كما بين في غير هذه الآية أو لأمر آخر وهو مستلزم للبعث المنافي للحكمة وهي وان لم تناف القدرة تنافي كمالها والشك في صفة من صفاته المعلومة من الدين ضرورة كفر، وقوله: ولذلك رتب الإنكار أي ذكر ما يدل عليه من الاستفهام الانكاري بعده، وعلى متعلق برتب، وقوله: فإنّ الخ بيان لوجه الانكار وتعليل له. قوله: (أصله لكن أنا الخ) وجه النقل أنه يكون الحذف قياسا فلا يقال إنه عبث لأنها بعد نقلها تحذف للإدغام كما توهم وإذا حذفت ابتداء بدون نقل، كان الحذف على خلاف القياس، وقوله: فكان الإدغام أي وجد، وعلى الأوّل الإدغام بعد حذف الحركة، وعلى الثاني بدونه وهو ظاهر، وقوله: على الأصل أي بإثبات الألف في آخره، ولما كانت تثبت في الوقف وإثباتها في الوصل غير فصيح لكنه هنا حسن لمشابهة أنا بعد حذف همزته لضميرنا المتصل ولأن الألف جعل عوضا عن الهمزة المحذوفة فيه أو لأنه أجرى فيه الوصل مجرى الوقف وأثبت لدفع اللبس بلكن المشددة. قوله: (وهو بالجملة الواقعة خبرا الخ (أي لفظ هو مع الجملة الواقعة خبراً له وهي الله ربي والرابط ضممير المتكلم وأمّا خبر الشأن فعين المبتدأ، وقوله: والاستدراك الخ يعني استدراك عن قوله: أكفرت والهمزة فيه للتقرير على سبيل الإنكار فهو في معنى أنت كافر، وهذه الجملة في معنى أنا مؤمن موحد فهما متغايران ولكن يقع بين كلامين كذلك كما تقول: زيد غائب لكن عمرا حاضر، ومآله كما قيل إني لا أرى الفقر والغنى إلا منه والكافر لما اغتنى بدنياه وأضاف ذلك لنفسه كان كأنه أشرك فتدبر، وقوله: ولكن أنا لا إله إلا هو ربي الرابط ضمير ربي، وقيل: تقديره أقول لا إله الخ. قوله: (وهلا قلت عند دخولها (إشارة إلى أن لولا هنا توبيخية لدخولها على الماضي وأنّ إذ متعلقة بقلت مقدمة من تأخير لتوسعهم في الظروف، وتوله: الأمر الخ يعني ما موصولة خبر مبتدأ أو مبتدأ خبره محذوف والأمر تعريفه للاستغراق، والجملة على هذا تفيد الحصر ولذا قدم هذا على غيره، وقوله: إقراراً منصوب على أنه مفعول له أو مصدر أو حال وكذا قوله: اعترافا وكونه يفيد ما ذكر على الأوّل، وأمّا على غيره فلأنّ معنى ما شاء الله كان ما لم يشأه لم يكن لأنّ ما الموصولة في معنى الشرط والشرط وما بمعناه يفيد توقف الوجود على مشيئته فيفيد عدمه عند عدمها لا سيما عند من اعتبر مفهومه، ومنهم المصنف فلا يتوهم أنه ليس فيهما ما يدل على أنّ جميع الأمور بمشيئة الله حتى يشملها وما فيها، ولا يقال إنّ المراد أنه يقدر على أنه مبتدأ ما شاء الله هو الكائن حتي يفيد ما ذكر فإنه من قلة التدبر، و " ني دها بمعنى أفناها وأهلكها، وقوله: وقلت الخ إشارة إلى أنه من مقول القول أيضا، وعلى نفسك متعلق باعترافا لكونه بمعنى الإقرار، وقوله: وعن النبي صلى الله عليه وسلم رواه القرطبيّ عن أنس رضي الله عنه وفيه لم يضرّه عين به يظهر معناه والشيء أعتم مما له أو لغيره فإذا قاله لم تصمبه عين الإعجاب، فمعنى قوله لم يضرّه أي بنظره. قوله: (يحتمل أن يكون أنا فصلاَ) أي يجوز فيه أن يكون فصلاً بين مفعولي رأى وهي علمية عنده لا بصرية لأنه يكون أقل حالاً فيتعين أن يكون تأكيدا وأقيم فيه ضمير الرفع مقام ضمير النصب لا فصلاً لأنه إنما يقع بين مبتدأ وخبر في الحال أو في الأصل وعلى قراءة عيسى بن عمر أقل بالرفع يكون أنا مبتدأ والجملة مفعول ثان أو حال ومالاً وولداً تمييز، وقوله: فعسى الخ جواب الشرط. قوله: (دليل لمن فسر النفر بالأولاد (لم يقل الذكور كما مر لأنه لا يعلم من هذا وإنما يعلم من كونهم ينفرون معه كما بينه أولا، وقوله: وهو جواب الشرط أي قائم مقامه أي فلا بأس عسى ربي الخ. قوله: (مرامي جمع حسبانة الخ (المرامي جمع مرماة وهي ما يرمى به كالسهام وكذا الصواعق ولذا فسره بها وليس المراد أنها مثل الصواعق فهو مما يفرق بينه ويئ واحده بالتاء وما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه الزمخشري وهو إمام في اللغة ولا عبرة بما في القاموس من تفسيره بالصاعقة حتى يعترض! بأنه لا يليق تفسيره بالجمع وأنه إذا كان جمعأ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 بمعنى السهام، فيجعل تفسيره به على طريق التشبيه لأنه تكلف ما لا حاجة إليه وقد ورد بمعنى البلاء وغيره. قوله: (وقيل هو مصدر (كالغفران بمعنى الحساب والمراد به المحسوب، والمقدر من تخريبها وإبادتها أو ما يحاسب عليه فيجازى به ويحتمل أنه باق، على مصدريته واطلاق الحساب على تقدير الله وحكمه بتخريبها على الاستعارة أو على عذاب الله ومجازاته بسيىء أعمالهم لترتبه عليه، وهذا أشبه بكلام المصنف رحمه الله، فقوله: وقيل الخ معطوف على قوله: مرامي الخ، وعذاب معطوف على التقدير وهو ظاهر. قوله: (أرضاً ملساء (أي ليس فيها شجر ونبات كما بينه، وأصل معنى الزلق الزلل في المشي لوحل ونحوه، ولما كان ذلك فيما لا يكون فيه نبت ونحوه مما يمنع منه تجوّز به أو كنى عنه وعبر بالمصدر عن المزلقة مبالغة كما في قوله: غورا فالباء في قوله: باستئصال أي إفناء سببية لما عرفت أو للملابسة ولا تكلف في الأوّل كما توهم، وقيل: الزلق من زلق رأسه بمعنى حلقه على التشبيه وهو بعيد، وقوله: وصف به كما يقال: عدل بمعنى عادل، والمراد الوصف اللغوي وهو أعم من الوصف النحوي فيشمله كما في زلقا فإنه وصف نحوي أيضا. قوله: اللماء الغائر (يعني أن الضمير للغور بمعنى الماء الغائر، وقوله: ترددا تفسير لقوله: طلبا فإن معنى طلب الماء الغائر التردد أي التحزك والعمل في رذه أي إخراجه من غوره والمراد نفي استطاعة الوصول إليه فعبر عنه بنفي الطلب إشارة إلى أنه غير ممكن، والعاقل لا يطلب مثله. قوله: (وأهلك أمواله (قيل: المراد أمواله المعهودة التي هي جنتاه وما حوتاه لا جميع أمواله لأنه يأباه قوله: حسبما توقعه فإنّ متوقعه أن تصبح جنته صعيدا زلقا إلا أن يريد بجنته ما متع به في الدنيا كما مر والضمير للبستان استخداما، وليس هذا غفلة عما مر من تفسير ثمره بمال كثير غير جنتيه كما توهمه بعضهم نعم من قال إنه لا يعلم لهما مال غيرهما فقدوهم لأنّ التفسير المذكور لابن عباس رضي الله عنهما وهو في قوّة المرفوع. قوله: (حسبما توقعه صاحبه (من استئصال نباتها وأشجارها عاجلا أو آجلا والأوّل إنما يكون بافة سماوية والثاني بذهاب ما به نماؤها وهو الماء، وقد دلت الآية على وقوع الأوّل صريحا لقوله فأصبح بالفاء التعقيبية، وتحيره وتحسره) نما يكون لما وقع بغتة، والثاني إنما يتوقع إذا لم يتوتع الأوّل فلا وجه لما قيل إن ما توقعه من إصباحها صعيداً زلقا بإرسال الحسبان أو غور مائها ليس هنا ما يدل عليه بل كونها خاوية الخ يدل على خلافه إلا أن يقال: إنه تمثيل بحال رجلين موجودين وما ذكر معلوم من شيء آخر، ولا للجواب عنه بأن ما توقعه مطلق هلاك جنته. قوله: (وهو مأخوذ من أحاط به العدوّ الخ ( يعني أنه استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم بجيش عدوّ أحاط بهم، وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم كما أن قوله: أتى عليهم بمعنى أهلكهم استعارة أيضا من إتيان عدوّ غالب مستعل عليهم بالقهر ولذا عدى بعلى، كما أشار إلى المصنف رحمه الله، ويحتمل أن تكون تبعية وليست تمثيلية تبعية إلا على رأي كما مرّ. قوله: (ظهرا لبطن تلهفاً وتحسرا (انتصاب ظهراً على أنه مفعول مطلق ليقلب أي تقليبا كتقليب النادمين فهو إشارة إلى أنّ التقليب كناية عن التلهف وهو بمعنى التحسر أي الحزن على ما فات، وليست اللام بمعنى بعد إذ المراد أنه يقلب ظهر إحداهما نحو بطن الأخرى ولجهتها فهي بمعناها الحقيقي أو بمعنى على وليس هذا من قولهم: قلبت الأمر ظهراً لبطن كما في قوله: وضربنا الحديث ظهرألبطن وأتينا من أمرنا ما اشتهينا كما في شروح الكشاف فإنه مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض. قوله: (لأن تقليب الكفين كناية عن الندم (وهو يتعدى بعلى فيكون ظرفا لغوا، ومنه تعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدّى بصلة المعنى الحقيقي كما في بني عليها وبصلة الكنائي كما في بنى بها وما هنا من الثاني، ويجوز أن يكون ظرفا مستقرّاً متعلقه خاص وهو حال أي متحسراً، والتحسر الحزن وهو أخص من الندم لأنه كما قال الراغب الغم على ما فات أو ليس هذا من التضمين في شيء كما توهم، فقوله: حال معطوف على قوله: متعلق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 وما ذكره أوّلاً من قوله: تلهفا وتحسراً تفسير معنى على الوجهين لا إعراب فلا غبار على كلامه ولا تشويش فيه كما توهم، وقوله: ساقطة بيان للمعنى المراد منه بقرينة صلته وأصل معنى خوى خلا يقال: خوى بطنه من الطعام أي جاع، والعروس جمع عرس وهو ما يصنع ليوضع عليه فإذا سقط سقط ما عليه وقوله: أو حال من ضمميره المستتر فيه بتقدير وهو يقول: لأنّ المضارع المثبت لا يقترن بالواو الحالية إلا شذوذاً كما في قولهم: قت وأصك وجهه. قوله: (كأئه تذكر موعظة أخيه (في قوله: أكفرت وأشعاره بتذكر الموعظة لتمني وقوعه قبل ذلك حين وعظه، وقوله: أتى مجهول وأصله أتاه هلاك ماله من جهة شركه وكفره، وقوله: ويحتمل أن يكون توبة من الشرك فيكون تجديداً للإيمان لأن ندمه على كفره فيما مضى يشعر بأنه آمن في الحال فكأنه قال: آمنت بالله الآن وليت ذلك كان أوّلاً، وعبر بالاحتمال إشارة إلى أن مجرد الندم على الكفر لا يكون إيماناً وان كان الندم على المعصية قد يكون توبة إذا عزم على أن لا يعود، وكان الندم عليها من حيث كونها معصية كما هو المتبادر صرّج به في المواقف لأنّ الإيمان لا يكفي فيه ذلك مع أنّ ندمه عليه ليس من حيث هو كفر بل بسبب هلاك جنتيه، وأيضا لا بد من توبته مما كفر به، وهو إنكار البعث وخلوصه فيه وعدم نصرة الله له الآتي يقتضي خلافه وأنا قول الإمام أنه إذا تاب عن الشرك يصير مؤمنا فكيف قال الزمخشري: بعده إنه لم ينصره لصارف وجوابه أنّ توبته لما كانت لطلب الدنيا أو عند مشاهدة البأس لم تكن مقبولة فقد قيل عليه: إن كونه لم ينصره فيما مضى لصارف قبل التوبة لا ينافي قبولها إذا صدرت منه وكون الإيمان بعد مشاهدة هلاك ماله إذ أنذر به إيمان بأس غير مقبول غير مسلم لبقاء الاختيار الذي هو مناط التكليف، فتأمل. قوله: (وقرأ حمزة والكسائتي بالياء (أي في يكن لنقدم الفعل عليه ولو تأخر وكان عاملا في ضمير الغيبة لزم تأنيثه، وقوله: يقدرون على نصره أوّل النصر بالقدرة عليه لأنه لو أبقي على ظاهره اقتضى نصر الله وليس بمراد لأنه إذا قيل لا ينصر زيداً أحد دون بكر قهم منه نصر بكر له في العرف وأمّا على ما ذكر فالمعنى لا يقدر على نصره إلا الله القدير فاستعمل النصر مجازا في لازم، وهو القدر عليه وقوله: وحده يؤخذ من نفيه عن غيره، وقوله: ممتنعا إشارة إلى أنّ النصرة عما حل به من الله بمعنى امتناعه وحفظه منه وهو ظاهر، وقوله: أو رد المهلك بفتح اللام أي ردّه بعينه إن قيل بجواز إعادة المعدوم بعينه أو بمثله إن لم نقل به، وإنما حصره في الثلاثة لأن نصر من أريد أخذ ماله إما بدفع الأخذ قبل وقوعه أو برده بعينه بعده أو برد مثله كليه فلا وجه لما قيل أنّ الإتيان بالمثل ليس من النصر في شيء. قوله: (في ذلك المقام وتلك الحال) حاصله أنّ الإشارة إفا إلى ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك أو إلى الدار الآخرة، وعلى التقدير الأوّل الولاية إفا مطلقة أو مقيدة والولاية المطلقة، إمّا بمعنى النصرة أو السلطنة، والمقيدة إمّا بالنسبة إلى غير المضطرين أو إليهم وسترى بيانه وجوّز في هنالك تعلقه بمنتصرا وكونه ظرفا مستقرا خبرا أو فضلة وهو الظاهر وعليه مشى المصنف رحمه الله وقرئت الولاية بالفتح والكسر وعلى الأول ما ذكر هنا فقوله: النصرة له وحده إشارة إلى أنه بالفتح بمعنى النصرة وأنه مبتدأ ولله خبره وأنّ الجملة تدل على الحصر لتعريف المسند إليه واقتران الخبر بلام الاختصاص كما مر تقريره في قوله: الحمد دته رب العالمين وأن النصرة بمعنى القدرة عليها كما مر لأنه لم ينصره فيكون مؤكدا ومقرراً لقوله ة ولم تكن له فيئة ينصرونه الخ لما عرفت أنها بمعناها. قوله: (أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة (ضمير فيها لتلك الحالة، وهذا وجه ثان فيه الولاية بمعنى النصرة أيضا لكنها مطلقة في الأوّل أو مقيدة بالمضطز ومن وقع به الهلاك، وفي هذا مقيدة بغير المضطرّ، وفيما فعل متعلق بنصر وبالكافر متعلق بفعل وأخاه مفعول نصر، ونصرته عليه إذ خرب جنته وحقق ظنه فيه، وعبر بالاسمية أوّلاً ثم بالفعلية لأن القدرة على النصر أمر ثابت ونصرة المؤمنين متجذدة، وقوله: ويعضده أي يعضد أن المراد نصرة المؤمنين لأنها هي التي تكون خيراً، وهو ظاهر كما أشار إليه بقوله لأولياثه فإن تمام الآية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 حالى الأولياء فالمناسب في ابتدائها ذلك، وقوله: ومعناها، أي معنى الولاية بالكسر، وفي نسخة معناه باعتبار اللفظ، والسلطان هنا مصدر بمعنى التسلط بالملك وقيل: هما بمعنى، وقوله: هنالك أي في تلك الحالة وهي حالة وقوع الهلاك، وقوله: لا يغلب الغ بيان للسلطان بمعنى الملك والتسلط، ولا يعبد إفا على ظاهره أو بمعنى يدعي تفسيره ما بعده. قوله: (فيكون تنبيهاً الخ (يعني أن إثبات القهر والتسلط لله يقتضي عجز غيره واضطراره وأنه إنما قال: ما ذكر اضطرارا وجزعا لا توبة وندما، وقوله: مما دهاه بالدال المهملة بمعنى أصابه أمر عظيم، ومنه الداهية وايمان المضطز كالمكر 8 لا ينفعه في الآخرة والظاهر أن هذا هو المراد بإيمان اليأس السابق في كلام الإمام فلا يرد عليه ما مر، فتدبر. قوله: (وقيل هنالك إشارة إلى الآخرة (ويناسبه قوله: خير ثوابا وخير عقبا ويكون كقوله: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، وقوله: وقرىء بالنصب على المصدر المؤكد بكسر الكاف أي المصدر المؤكد لمضمون الجملة المنصوب بعامل مقدر كما تقول: هذا عبد الله حقا أي الحق لا الباطل، وهذه قراءة يعقوب وقراءة غيره بالرفع صفة الولاية وبالجز صفة الجلالة، وقوله: يالسكون أي سكون القاف والباقون بضمها وهما بمعنى كالعشر والعشر، وقوله: وقرىء عقبى، كبشرى مصدر والمعنى على الكل عافية. قوله: (اذكر لهم (إشارة إلى أحد القولين في ضرب المثل وهو أنه متعد لواحد بمعنى اذكر، وأن المثل بمعناه المعروف وهو الكلام المشبه به والمشبه على هذا هو الحياة الدنيا وحالها في زهرتها أي نضارتها وبهجتها وسرعة زوالها وفنائها، وليس هذا من المجاز كما توهم لأنه حقيقة عرفية فيه، وقوله: صفتها الغريبة إشارة إلى أن الضرب بمعنى الذكر أيضا لكن المثل فيه بمعنى اأصفة الغريبة، وهو يستعمل بهذا المعنى كما فصله المصنف رحمه الله في سورة البقرة كما في قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} . قوله: (هو كماء ( أي المثل بمعنى المشبه به أو الوصف الغريب جملة قوله: كماء الخ وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر ولم يقل هي لأن الحياة وحدها ليست مشبهة كما أشار إليه قبله ومن قدر هي تسمح فيه، فما قيل إن الظاهر أن يقول هي لأن المشبه هو الحياة كما ذكره فقد غفل عن مراده. قوله: (ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً لا ضرب على أنه بمعنى صير (وهذا هو القول الثاني فيه للنحاة وهو أنه ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وهل يشترط أن يكون أحدهما لفظ المثل أو لا فيه خلاف مذكور مع أدلته في مفصلات العربية وليس هذا مجازاً بعلاقة اللزوم كما قيل، وما توهم من أنّ الكاف تنبو عنه إلا أن تكون مقحمة مما لا وجه له لأن المعنى صير المثل هذا اللفظ فالمثل بمعنى الكلام الواقع به التمثيل، وقد تبع فيه من قال إنّ المعنى على هذا ما يشبه الحياة الدنيا كماء الخ وليس بمنتظم ثم ذكر كلاما مختلا جوابه السكوت عنه. قوله: (فالتف بسببه وخالط بعضه بعضا) يعني أنّ النبات لكثرته بسبب كثرة سقيه التف بعضه ببعض ففاعل التف ضمير النبات، وتكاثفه بمعنى غلظه وكثرة أوراقه، ونجع بمعنى دخل كما وقع في نسخة أخرى من النجعة وهي الارتحال والحركة كما قال: سمعت الناس ينتجعون غيثا فمن فسره هنا بمعنى نفع من قولهم: نجع فيه الدواء إذا نفعه لم يصب واذ دخل فيه فقد خالط أجزاءه حقيقة، وقيل: إنّ لفظ الاختلاط مجاز من ذكر السبب وإرادة المسبب وفيه نظر وروي كرضي أي تمّ شربه، ورف بمعنى تحزك بلطف لرطوبته ونضرته كما قال: وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها قوله: (وعلى هذا كان حقه الما كان الاختلاط اجتماع شيئين متداخلين سواء كانا مائعين أو لا فإن كانا مائعين سمي مزجا وصدق بحسب الوضع على كل منهما أنه مختلط ومختلط به لكن في عرف اللغة والاستعمال تدخل الباء على الكثير الغير الطارىء فلذا جعل هذا من القلب ولما كان القلب مقبولاً إذا كان فيه نكتة أشار إلى نكتته بعدما بين المصحح له وهو أن كلا منهما مختلط ومختلط به، وهي المبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير، وقوله: موصوفا بصفة صاحبه أي بصفته الخاصة به الراجعة إلى مقامه وهي كونه مختلطاً أو مختلطا به لا بجميع صفاته لظهور وعدم صحته وإرادته هنا، والمراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 بالعكس في كلامه القلب لأنه يستعمل بمعناه، وقد عرفت أنّ قوله: لما الخ بيان للمصحح، وقوله: للمبالغة بيان للمرجح فلا وجه لما قيل إنه لا فائدة في الجمع بينهما وهو ظاهر غنيّ عن البيان. قوله: (مهشوماً) أي هو فعيل بمعنى مفعول لا جمع هشيمة كما في الكشات، وقوله: تفرقه بيان للمراد منه والشائع أنه بمعنى تفريق الحب من قشره، وأذرى وذرى وذزي متقاربة، وقوله: والمشبه به الخ، دفع لما يتوهم من دخول الكاف عليه وليس مشبها به، ولا حالاً من أحواله مذكوراً في الجملة أولا حتى يتوهم فيه تقدير مضاف أي كحال ماء لأنه تشبيه تمثيليئ وحاله معروف في المعاني، وقوله: المنبت من أنبته إنباتا ونباتا وقوله: رافا أي مهتزاً لطراوته، وفي نسخة وارفا وهو بمعناه، وقوله: ثم هشيما عبر بئم إشارة إلى تراخي تفتته وتهشمه عن ريه بالماء، وإنما وقع بالفاء في النظم لاتصال أوّله بآخر ما قبله، والنكتة فيه الإشعار بسرعة زواله كما أشار إليه بقوله: كأن لم يكن فلا يرد عليه أنّ المناسب للنظم فتكون لتحصل الدلالة على سرعة الزوال المقصودة بالإفاد في هذا المقام، وقيل: الفاء فصيحة والتقدير فزها ومكث فأصبح الخ، وقوله: كأن لم يكن بالتخفيف أصله كأنه لم يكن، وقوله: من الإنشاء والإفناء قدره لمناسبة المقام ولو أبقاه على عمومه صح، وقوله: قادراً لو قال: كامل القدرة كما تدل عليه الصيغة لكان أظهر. قوله: (وتفنى عنه (أي تزول عن الإنسان بزواله، أو بزوالها بسرعة وعن بمعنى بعد وما زائدة لتأكيد قربه وشدة سرعته، وهذا كقوله عما قيل ليصبحن نادمين، وما ذكر من فناء الدنيا وسرعة زوالها من البين المعلوم والزينة مصدر بمعنى ما يتزين به ولذا أخبر به عنهما والقصد للمبالغة والإضافة اختصاصية لأن زينتها مخصوصة بالدنيا إليه يشير كلامه وليس مراده أنّ إضافته على معنى في وإن جاز. قوله: (وأعمال الخيرات الخ (يعني أنها صفة لأعمال مقدرة واسناد الباقيات مجاز أي الباقي ثمرتها وثوابها بقرينة ما بعده فهي صفة جرت على غير من هي له بحسب الأصل أو فيه مضاف مقدر واستتر الضمير المجرور وارتفع بعد حذفه، وقوله: تبقى له أي للإنسان، وقوله: ويندرج الخ إشارة إلى أن ما وقع من السلف من تفسيرها بما ذكر على طريق التمثيل، وقوله: عائدة أي ما يعود عليه من النفع فسر الثواب به على أنه مجاز وهو ما يجازى به على فعله من الأجر وإن كان في الأصل مطلق الجزاء كما في الغريبين ليكون معنى مشتركا بين زينة الدنيا والعمل الصالح يتأتى به تفضيل أحدهما على الآخر حقيقة، وقوله: ينال به ذكر ضمير الباقيات الصالحات المؤنثة لتأويلها بما ذكر أو بالخبر ونحوه أو للنظر للخبر ويأمل بالتخفيف من باب ينصر يؤقل بخلاف أمور الدنيا فإنّ الأمل يخيب فيها كثيراً وكون ثوابها أبد الآباد لا ينافي كونها بعشرة أمثالها ولا يدفعه قوله: والله يضاعف لمن يشاء لأنّ أضعاف المتناهي متناهية، لأنّ المراد أنها أمثال لها في القدر والحسن وهو لا ينافي الدوام هكذا في بعض الحواشي، وفيه بحث. قوله: (واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجوّ (يعني ليس المراد نسيرها في الأرض أو بالأرض بلى قلعها منها وتسييرها في الهواء وفيه إشارة إلى أن يوم منصوب باذكر مقدراً قبله، وسيأتي في عامله وجه آخر. قوله: (أو نذهب بها فنجعلها هباء) أي كالهباء، ومنبثا بمعنى متفرّقا وهو بالثاء المثلثة وهذا تأويل بجعل تسييرها بمعنى إذهابها وأفنائها بذكر السبب وارادة المسبب فيكون كقوله: وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثاً. قوله: (ويجوز الخ) فيكون متعلقاً بخير، وأشار بقوله: ويوم القيامة، إلى أنه المراد بيوم نسير الجبال، لأنه يوم تضمحل فيه أمور الدنيا لأنه إذا زال ما ظاهره الثبات فغيره أولى، وعلى الوجه الأوّل المراد به ظاهره. قوله: (بادية) أي ظاهرة ولا يخفى حسن ما فيه من الإبهام، ولذا فسره بقوله: برزت الخ، يعني أنها لزوال الجبال ظهرت كلها لزوال ما يسترها، ثم أشار بقوله: ليس عليها ما يسترها إلى أنه ليس المراد من بروزها زوال الجبال فقط، بل زوال ما عليها من الجبال والعمران والأشجار والبحار، وإنما ذكر الأوّل لاقتضاء ما قبله له فليس بيانا لما قبله لأنّ البروز الظهور بعد الخفاء كما قيل: وترى على بناء المجهول نائب فاعله الأرض، وقوله: وجمعناهم إلى الموقف بيان لمعناه وأنه يتعدى بإلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 لا بمعنى السوق كما تيل. قوله: (لتحقق الحشر) الدال عليه التعبير بالماضي مجازا وإذا كان للدلالة على أنّ الحشر قبل التسيير والرؤية فهو حقيقة لأنّ المضيّ والاستقبال بالنظر إلى الحكم المقارن له لا بالنسبة لزمان التكلم، وقوله: ليعاينوا الخ علة لتقدمه، والوعد في كلامه بمعنى الوعيد أو هو على ظاهره. توله: (وعلى هذا تكون الواو للحال (وصاحبها على القراءتين فاعل نسير الملفوظ أو القائم مقام المحذوف والرابط الواو فقط حينئذ، قيل إنما جعلت للحال على هذا لأنها لو كانت عاطفة لم يكن مضيّ الحشر بالنسبة إلى التسيير والبروز بل إلى زمان التكلم فيحتاج إلى التأويل الأوّل وتحقيقه أنّ صيغ الأفعال موضوعة لأزمنة التكلم إذا كانت مطلقة فإذا جعلت قيوداً لما يدلّ على زمان كان مضيها وغيره بالنسبة إلى زمانه فما في الكشف وغيره من أنّ هذا الغرض حاصل سواء كان الجملة حالية أو معطوفة ليس بشيء، ثم تعليله بقوله: لأنّ السؤال عن فائدة العدول مع إمكان التوافق لا يستلزم ما علله اهـ ولا يخفى أنه وقع في الكشاف ذكر هذه النكتة من غير تعرّض! للحالية والعطف، ففهم المصنف رحمه الله أنه مطلق في محل التقييد، وفهم شرّاحه أنه جار عليهما فوجهوه بما ذكر وما ذكره هذا القائل غير مسلم فإن الجمل المتعاطفة يجوز فيها التوافق والتخالف في الزمان، فاذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء فيه وان لم يكن فلا بد للعدول من وجه فإن كان أحدهما فيداً للآخر وهو ماض بالنسبة إليه فهو حقيقة ووجهه ما ذكر ولا تكون معطوفة حينئذ فان عطفت وجعل المضيّ بالنسب لأحد المتعاطفين فلا مانع منه ونظيره كما في شروح الكشاف {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} وهل هو حقيقة أو مجاز محل تردد فسقط ما أورده بلا شبهة) ومن العجب هنا (قول بعض المؤلفين المتصلفين: أنه إذا كان مضيّ الحشر بالنسبة إلى زمان التكلم يلزم تقدّمه على التسيير والبروز أيضاً إذ هما متأخران عن زمان التكلم والمتقدم على المتقدم متقدم على ذلك الشيء لكن تقدم الحشر على زمان التكلم إذعائيّ لا حقيقي، فلا يلزم تقدمه عليهما حقيقة وهو المقصود. قوله: (يقال فادره وأغدره (بهمزة التعدية والغدير نهر صغير سمي به لأنه بقي من السيل فكأنه تركه فهو فعيل بمعنى مفاعل أو مفعل أو فاعل والقراءة بالياء التحتية على أنّ الضمير لله على طريق الالتفات، وقرىء بالفوقانية أيضا والضمير للأرض، وعبارة المصنف رحمه الله تحتمله. توله: (تشبيه حالهم بحال الجند الخ (الظاهر أنه استعارة تمثيلية شبهت حالهم في حشرهم بحال جند عرضوا على مالكهم ولا عرض بمعناه المعروف ولا اصطفاف، وقيل إنها ثبعية بتشبيه حشرهم بعرض هؤلاء، وقوله: ليعرفهم مضارع عرف منصوب أو مصدر من التعرّف مبم ور بيان لأن العرض! قد يكون لتعرّف السلطان جنده، وقد يكون لتنفيذ أمره والمقصمود التشبيه بالاعتبار الثاني، وقوله: على ربك إشارة إلى غضب الله عليهم، وطردهم عن ديوان القبول لعدم جريهم على مقتضى معرفتهم بربوبيته. قوله: (مصطفين لا يحجب أحد احدا) إن كانت الاستعارة تمثيلية وهذا داخل فيها فهو ظاهر ولا يلزم أن يكون المشبه صفا واحداً وكذا إذا كان ترشيحا، كما في شروح الكشاف وان قيل إنه ليس بشيء يعني أنه لتصوّر معناه في الطرفين ليس بصالح للترشيح والتجريد، ولا يخفى أنه على كل حال أعرق في المشبه به وهو كاف في جعله ترشيحا وحينئذ يلزم أن يكونوا صفا واحداً إذ لا تعرّض للوحدة في المشبه حتى يرد عليه ما قيل إنه مفرد مراد به الجمع لكونه مصدراً أي صفوفاً لما ورد في الحديث الصحيح أنه يجمع الأوّلون والآخرون في صعيد واحد صفوفا، ولا حاج إلى أخرجه الحاكم 4 / 573، والطبراني كما في المجمع 0 1 / 377 وابن أبي عاصم في السنة 789 عن أبي حذيفة. وأخرجه موتوفاً الطيالسى 414 وذكر الهيثمي عن حذيفة موقوفاً ئم تال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في تخربج السنة: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو وان كان موتوفاً= تكلف أنهم يعرضون ثلاث عرضات فلعلهم يعرضون تارة صفا وتارة صفوفا لأنه لا مدخل للرأي فيه مع أنّ هذا كله غفلة عن تفسير الشيخين لمصطفين بأنّ مجموعهم يرى جملة وتفصيلاً إذ لا يحجب شيء عن رؤيته، وأمّا القول بأن أصله صفا صفا فبعيد مع أن ما يدلّ على التعدد بالتكرار كصفا صفاً وبابابابا لا يجوز حذفه كما سيأتي، وقوله: مصطفين إشارة إلى أنه حال. قوله: (على إضمار القول على وجه يكون حالاً) بتقدير قائلين أو نقول إن كان حالاً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 من فاعل حشرنا أو قائلا أو يقول: إن كان من ربك أو مقولاً لهم إن كان حالا من ضمير عرضوا أو يقدر فعل، كقلنا أو نقول لا محل لجملته ويوم متعلق به لا بمقدر كما مر، وإنما لم يعمل في الظرف على تقدير كونه حالاً لأنه يصير كغلام زيد ضاربا على أنّ ضاربا حال من زيد ناصبا لغلام ومثله تعقيد غير جائز لأنّ ذلك قبل الحشر وهذا بعده، ولا لأنّ معمول الحال لا يتقدم عليها كما توهم فتدبر، وأمّا ما أورد على الثاني من أنه يلزم منه أنّ هذا القول هو المقصود أصالة فتخيل غنيّ عن الرد إذ لا محذور فيه. قوله: (عراة لا شيء معكم الخ) جوّز في قوله: كما خلقناكم أن يكون حالا أي كائنين كما خلقناكم والتشبيه فيما ذكر من كونهم عراة الخ وأن يكون صفة مصدر أي مجيئا كما كنتم، وقدم هذا الوجه إما لمناسبته لما قبله من زوال الدينا وفنائها أو لأنّ الثاني مرتبط بما بعده فأخره ليتبين ارتباطه به كما أشار إليه بقوله: لقوله فالمتقدم متعلق بما تقدم والمتأخر متعلق بما تاخر فالوضع على وفق الطبع. قوله: (أو أحياء كخلقتكم الأولى (هذا يحتمل الوجهين السابقين في إعرابه، وإنما يخالفه في وجه التشبيه، وقوله: وقتا إشارة إلى أنّ موعداً اسم زمان، وجعل هنا متعدية لواحد أو لاثنين وأن مخففة من الثقيلة، وقوله: وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذبوكم به، الظاهر أنه معطوف على إنجاز بتقدير مضاف أي وابطال الخ وكذب مخفف والباء للسببية أو بمعئى في، وقوله: وبل للخروج الخ أي الإضراب فيها انتقاليّ لا إبطاليّ، والمراد بالقصة الأولى جملة لقد جئتمونا الخ. قوله: (صحائف الآعمال في الأيمان (بفتح الهمزة جمع يمين بمعنى اليد كالشمائل جمع شمال، وهو بيان وفيه إشارة إلى أن تعريف الكتاب للجنس كما في الكشاف، والمراد بالجنس فيه الاستغراق كما في شرحه، وقوله: وقيل هو كناية عن وضع الحساب أي إبراز محاسبتهم وسؤالهم كما أنه إذا أريد محاسبة العمال جيء بالدفاتر ووضعت-يئ أيديهم فأريد به لازمه كناية، وقوله: خائفين لأن حقيقة الإشفاف الخوف من وقوع المكروه، وضمير فيه للكتاب ومن الذنوب بيان لما. قوله: (ينادون هلكتهم) بفتحات مصدر بمعنى الهلاك والهلكات جمعها، وقوله: هلكوها الضمير للمصدر، وفي نسخة هلكوا بها والأولى أصح ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل: يا هلاك أقبل فهذا أوانك، ففيه استعارة مكنية تخييلية وفيه تقريع لهم وإشارة إلى أنه لا صاحب لهم غير الهلاك أو طلبوا هلاكهم لئلا يروا ما هم فيه، وأمّا تقدير المنادي أي يا من بحضرتنا وملتنا ففيه حذف وتقدير لما تفوت به تلك النكتة، والويل والويلة الهلاك. قوله: (تعجباً من شأنه (يعني أنّ ما استفهامية والاستفهام مجاز عن التعجب، وقال البقاعي: إق لام الجرّ رسمت مفصولة يعني في الرسم العثماني إشارة إلى أنهم لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة، وفي لطائف الإشارات وقف على ما أبو عمرو والكسائيئ ويعقوب والباقون على اللام، والأصح الوقف على ما لأنها كلمة مستقلة وأكثرهم لم يذكر فيها شيئا (قلت (اتباع الرسم يأبى ما قاله البقاقي، وهذا مما أشكل علينا القراءة وان كان مشايخنا قرؤوا به، وقوله: هنة بفتح الهاء والنون الخصلة السيئة، وقوله: عذها لأن الإحصاء منحصر في العد وان كان أصله العد بالحصى وقوله: وأحاط بها تفسير لعدها، واشارة إلى أن عذها مجاز عن الإحاطة بها كما يحيط الكتاب، ولا تجوّز في إسناده كما قيل وإنما جعل كناية عن الإحاطة، كما يقال: ما أعطاني قليلاً ولا كثيراً لأنه لو حمل على ظاهره لكان ذكر عدم ترك الكبيرة كالمستدرك، وترك ما في الكشاف من أن المراد ما كان عندهم صغائر وكبائر وقيل: لم يجتنبوا الكبائر فكتبت عليهم الصغائر وهي المناقشة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة لما فيه من النزغة الاعتزالية فإن قلت ما معنى هذا الأثر المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن بعض الفضلاء استشكل كون التبسم صغيرة والقهقهة كبيرة ولم يبينه شرّاحه قلت: المرد التبسم والضحك استهزاء بالناس وهو يؤذيهم وكل أذية حرام كما بينه الإمام الغزالي في الإحياء وذكر أنّ لفظ ابن عباس في تفسير هذه الآية الصغيرة التبسم استهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك وهو إشارة إلى أن الضحك على الناس من الذنوب والآثام، وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 أنه سمع النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب ويعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال علام يضحك أحدكم مما يفعل فإن قلت الترقي في الإثبات يكون من الأدنى إلى الأعلى وفي النفي عكسه لأنه لا يلزم من فعل الأدنى فعل الأعلى بخلاف النفي، قلت: هذا إذا كان على ظاهره فإن كان كناية عن العموم كما هنا جاز كما فصله في المثل السائر فاحفظه فإنه من المهمات. قوله: (فيكتب عليه ما لم يفعل) أي يعذبه بما لم يعمله أو يزيد في جزائه، قيل: وهذا يلائم مذهب الاعتزال وأمّا عن مذهب أهل السنة فلا ينسب إليه تعالى الظلم بتعذيبه بلا ذنب فإنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وأجيب بأنه تعالى أراد بقوله: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سورة الكهف، الآية: 49] أنه لا يفعل بأحد ما يكون ظلما لو صدر عن العباد إذ العمل بدون الأجر أو على النقصان فيه ظلم لو صدر عنا فظهر أق ما ذكر على طريق التمثيل لا الحصر، وهذا السؤال والجواب لم يصادفا محزهما أما الأوّل فلأنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة في ثوابه وتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وذكر أنه لا يخلف الميعاد واتفق المعتزلة وأهل السنة على عدم وقوع الخلف وإنما الخلاف في امتناعه عقلا فذهب إليه المعتزلة بناء على القبح، والحسن العقليين وخالفهم فيه غيرهم فقالوا إنه ممتنع سمعا لا عقلاً وما ذكره المصنف موافق لكلامهم، وأما الثاني فلأن تسمية خلاف ما وعد به وجرت عليه السنة الإلهية ظلما الظاهر أنه حقيقة لا تمثيل لأنّ حقيقتة، كما قاله الراغب وغيره: وضع الشيء في غير موضعه بزيادة أو نقص، فلذا أطلق على تجاوز الحد والحق فهو حقيقة في مثل قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} أي لا يتجاوز الحد الذي حذه لهم في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه عقلاً فالحصر على ظاهره بلا تمثيل، نعم هذه كلمة حق أريد بها باطل فافهم. قوله: (كرّره في مواضع الخ (أي كرّر هذا المذكور من قصه إبليس بحسب الظاهر وليس مكرّرة في الحقيقة لأنها تتضمن أغراضا فذكرت في كل محل لغرض وفائدة تناسب ذلك المقام، وقوله: لكونه مقدمة بكسر الدال المشدّدة ومعناها لغة معروف واصطلاحا تطلق على أمور كمقدمة العلم، ومقدمة الكتاب ومقدمة الدليل، وهي قضية جعلت جزءاً منه أو تتوقف صحته عليها، والمراد بها هنا ما له تعلق بالأمر المقصود بيانه لا ما يتوقف عليه صحة الدليل كما قيل، وقوله: في تلك المحال أي محال تكرير القصة، وقوله: لما شنع أي ذكر شناعة أمرهم ووخامة عاقبتهم والمراد بالمفتخرين من ذكر في قوله: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} الخ ويجوز أن يراد المفتخر بجنته وزينة دنياه المشار إليه بالمثل المضروب، وقوله: قرّر ذلك أي التشنيع أي أكده وبينه، وقوله: بأنه أي الافتخار. قوله: (أو لما بين حال المغرور الخ) وجه آخر لذكر القصة هنا والمغرور والمعرض إما صاحب الجنتين وأخوه، أو ما تضمنه قوله: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وزهدهم جواب لما والتزهيد ضد الترغيب، وعرضة الزوال بضم العين وسكون الراء والضاد المعجمة معناه معرضة ومتهيئة له، والمراد بأنفسها أكثرها نفاسة، وأعلاها أشرفها والمراد به الحال والبنون والمذهب المراد به طريقته المعروفة فيه. قوله: (حال بإضمار قد (أي حال من المستثنى والرابط الضمير وعلى الاستئناف فهو استئناف بياني ويفهم منه التعليل، كما قرره. قوله: (فخرج عن أمره بترك السجود (جواب عما يتوهم من أنّ الفسق ترك الطاعة بالعصيان فكيف عدى بعن كما في قوله: فواسقا عن قصدها جوائزأ ثم خص بالخروج عن طاعة الله، وجوّز فيه أن تكون عن للسببية كما في قوله: ينهون عن أكل وشرب والمراد بالأمر في كلام المصنف قوله: اسجدوا وخروجه عنه مخالفته وفي الكشاف أنه بمعنى المأمور به وهو السجود وعدم اتصافه بالسجود الذي عم الملائكة خروج عنه، قيل: وهو أنسب باستثناء إبليس من حكم السجود، وقيل: مسلك المصنف أولى لإبقائه على حقيقته ولكل وجهة والأمر فيه سهل. قوله: (والفاء للتسبب البيان تسبب فسقه عن كونه من الجن إذ شأنهم التمزد وإن كان منهم من أطاع وآمن كما سيأتي في سورة الجن أو عن سجود غيره وتخلفه عن السجود فهي عاطفة إما على سجد الملائكة إلا إبليس، أو على كان من الجن كما في الأعراف، وقيل إنها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 هنا غير عاطفة إذ لا يصح تعليل ترك سجوده بفسقه عن أمر ربه، قال الرضي: والفاء التي لغير العطف وهي التي تسمى فاء السببية لا تخلو أيضا من معنى الترتيب وتختص بالجمل وتدخل على ما هو جزاء مع تقدم كلمة الشرط وبدونها وليس بشيء لأنه يكفي صحة ترتيب الثاني بسببية، كما في قوله: فوكزه موسى فقضى عليه أو بدونها كما في ذهب زيد فجاء عمرو كما صرح به في التسهيل، وقوله: وفي دليل الخ لأنه رتب فسقه على كونه من الجن وكونه ملكا أو لأمر تحقيقه في البقرة. قوله: (أعقيب الخ (تبع فيه الكشاف وقد قيل: عليه إنّ اتخاذهم هذا ليس عقيب ما وجد منه بل بعده بمدة طويلة فالأظهر أن الفاء هنا لمجرّد الاستبعاد فإن اتخاذهم أولياء بعد ما وجد منه ما وجد مستبعد وكذا أن المعنى أعقيب علمكم بتلك القبائح تتخذونه الخ، وقيل ما ذكر من الاستبعاد معنى الهمزة كالإنكار والتعجب، فإن كان مراده أنّ الفاء لمجرّد البعد فهو مما لم يثبت، وما أورده مدفوع بأن مراده أعقيب إعلامي بذلك الخ تعجباً من بقاء من اتخذه على ذلك ومن اتخاذ من اتخذه بعد ما عرفه انتهى، وما ذكره من التأويل ليس في الكلام ما يدل عليه، وكون الفاء لمجرد الترتب والبعدية مع مهلة من مسائل المتون كما في التسهيل ولا يخفى أنه على مذهب الجمهور الفاء تفيد تعقيب الإنكار لا الاتخاذ فتأمل، وكون الهمزة للإنكار والتعجب معاً مر تحقيقه. قوله: (أولاده أو أتباعه (وقع في نسخة بالواو فالمراد بكونه مجازاً أنه تغليب وفي نسخة أو فالمجاز حينئذ استعارة بتشبيه الاتباع بالأولاد وهذا مما لا خفاء فيه وقد تعسف هنا بعضهم فجعل اتباعه على النسخة الأولى عطف تفسير وأطال آخر بلا طائل وزعم أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز ثم خرجه على أن الولد بمعنى المربي. قوله: (وتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي (الاستبدال من قوله: من دوني فانّ معناه المجاوزة وهي تكون بالترك أو مجرّد المجاوزة فحمله على الأوّل لأنه أبلغ في الذمّ ولدلالة قوله: بدلاً بعده على أنه المراد فلا يرد عليه أنه لا يستلزمه، ثم لما كان الواقع منهم ليس استبدال الثياطين بل ترك طاعة الله لا طاعتهم فيما سوّلوه عطف قوله: فتطيعونهم الخ عليه عطفا تفسيريا فالبدلية ليست على حقيقتها، وقوله: ست الله بيان لمتعلق بدلاً، وقوله: إبليس وذزيته بيان للمخصوص بالذمّ المقدر، وفاعل بئس مستتر يفسره التمييز وهو بدلا، فقوله: إحضار تفسير للإشهاد وقوله: واحضار بعضهم خلق بعض تفسير لقوله: ولا خلق أنفسهم كما مر تحقيقه في قوله: فاقتلوا أنفسكم وقوله: في ذلك أي في خلق ما ذكره، وقوله: كما صرّح به أي بنفي الاعتضاد، وقوله: أعوانا إشارة إلى أن العضد وهو ما بين المرفق إلى الكتف مستعار للمعين كاليد وأفرد لعمومه في سياق النفي فلذا فسره بالجمع. قوله: (رداً لالخاذهم أولياء الخ) علة لقوله: نفي الخ بعد ما علل نفي إحضارهم أو تقديمه بقوله ليدل الخ وأولياء مفعول أول للاتخاذ وشركاه مفعوله الثاني وفي العبادة متعلق به. قوله: (فإن استحقاق العبادة الخ) بيان لوجه الرد يعني أنهم عبدوا هؤلاء والعبادة غاية التواضع لا تليق بغير الخالق فمن عبد غيره كأنه أقرّ له بالخلق وإذا أقرّ له بالخلق لزمه توحيده واتخاذه بدلاً لأنّ الإله الخالق لا يمكن تعدده فلذا جعلهم بدلاً باعتبار ما لزم من فعلهم وشركاء باعتبار ظاهر حالهم وزعمهم، وأما جعل إبليس وذزيته معبودين فلأنهم الحاملون على عبادة غير الله فكأنهم مبدوهم كما قال ىسمر لابن الزبعري بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم كما سيأتي في سورة الأنبياء فسقط ما قيل إنّ قوله شركاء لا يلائم قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ} [سورة الكهف، الآية: 50] بدلاً ولا تفسيره السابق لقوله: من دوني فالأولى أن يقول المصنف رحمه الله: رذأ لاتخاذهم أولياء لله بأبلغ وجه فإنهم إذا لم يصلحوا الشركة العبادة لا يصلحون للبدلية بالطريق الأولى وكأنه لم يتنبه لأنه عين ما في النظم وأنه هو المحتاج للتأويل، وحاول بعضهم الرد بما هو غنيّ عن الردّ، وقوله: موضع الضمير أي متخذهم، ووجه الاستبعاد أنه لا وجه للاعتضاد أي الاستعانة بالمضل. قوله: (وقيل الضمير) أي ضمير أشهدتهم وأنفسهم، وهو على الأوّل لإبليس وذزيته، والمشركون هم الذين مرّوا في قوله: ولا تطع من أغفلنا الخ، وقوله: والمعنى أي على هذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 الوجه، وقيل: عليه أنّ انفهام تخصيصهم بعلوم لا يفهم من نفي إشهادهم خلقها والاعتضاد بهم قطعاً وهو ظاهر، وأما كونه إشارة إلى أنّ الشرف واستحقاق المتبوعية إنما يتحقق بالعلم فلا يجدي هنا، ويدفع بأنّ إحضار أحد عند مباشرة أمر عظيم والاستعانة به فيه إنما يكون لمن له من العلم والقدرة ما ليس لغيره والا فلا وجه لإحضاره دون غير فنفيه يقتضي نفي ذلك وهو ظاهر، وحتى لو آمنوا غاية لما قبله من الأمرين، والناس ما عدا المشركين، وضمير قولهيم للمشركين، وطمعا تعليل للالتفات المنهيّ عنه، وقوله: لا ينبغي تفسير لقوله: ما كنت فإن معنى ما كان لك كذا لا ينبغي وهو إشارة لتفسيره وارتباطه على هذا الوجه والمراد منه حينئذ أنه لا يحتاج في نصرة الدين إلى أحد، فسواء اتباعهم وعدمه، وقوله: لديني متعلق بأعتضد، فلا وجه لما قيل إنّ الاعتضاد إنما هو بإيمانهم بعد زوال ضلالهم فلا وجه لنفي الانبغاء فالأولى أن يقال: لا حاجة إلى إيمانهم لأني أعتضد لديني بغيره. قوله: (ويعضده قراءة من قرأ الخ) والمعنى لا ينبغي لك ذلك فهو نهي له معنى، ووجه التأييد ظاهر، وقوله: على الأصل أي من أعمال اسم الفاعل وتنوينه، والتخفيف التسكين والاتباع بضم العين لاتباع الضاد وبفتحتين، وقوله: جمع عاضد من عضده بمعنى قوا. وأعانه فلا يكون استعارة. قوله: (وإضافة الشركاء الخ) أي على هذ الوجه وهو الظاهر فإضافة مبتدأ وعلى زعمهم خبره وللتوبيخ تعليل لانتساب الخبر للمبتدأ، وهدّا بناء على ما في بعض النسخ من أو شفعاءكم وفي بعضها بالواو بدل أو وعليه فإذا جعل هذا كلاما عاماً للوجهين فإعرابه كذلك على هذا الوجه وأمّا على الوجه الأوّل فقوله: للتوبيخ خبر وعلى زعمهم قيد للمبتدأ لعدم الحاجة إلى إفادة أنّ الإضافة على زعمهم للتصريح به في النظم حينئذ، كذا قيل: ولا يخفى ما فيه من الخلل وأنّ الظاهر أنه بيان للوجه الثاني، وأنه يجوز فيه أن يكون على زعمهم خبرا، وقوله: للتوبيخ قيد له، ويجوز أن يكون على زعمهم قيداً للمبتدأ وللتوبيخ خبره، ولو جعل راجعا لهما جاز فيه ذلك أيضا وإذا جعل خبراً فالإفادة فيه باعتبار قيده لأنه محط الفائدة فلا وجه لما ذكر. قوله: (والمراد) أي بالشركاء ما عبد من دون الله وعلى هذا يعم المسيح وعزيرا والملائكة عليهم الصلاة والسلام فيحتاج إلى إخراجهم ص قوله: وجعلنا بينهم موبقا أو تأويله بأنّ الموبق حائل بينهم وإن لم يكونوا فيه جميعا وسيأتي ما يلائم هذا فلا يرد عليه أن التفسير الثاني أولى لاستغنائه عما ذكر فكان ينبغي تقديمه، وقوله: للإعانة بالنون ويجوز كونه بالمثلثة. قوله: (مهلكاً يشتركون فيه) مهلكا بفتح الميم ويجوز كسر اللام وفتحها لأنّ فعله كضرب وعلم ومنع شذوذاً اسم مكان من الهلاك على أن وبق بمعنى هلك، وقال الثعالبي في فقه اللغة: إنه بمعنى البرزخ البعيد فوبق بمعنى هلك أيضا إذ المعنى جعلنا أمداً بعيداً يهلك فيه بالأشواط لفرط بعده، وعلى هذا فيجوز شموله للملائكة وعيسى وعزير عليهم الصلاة والسلام لأنهم في أعلى الجنان وأولئك في قعر جهنم، كما في الشكاف وقيل: معناه محبس وموعد وبين ظرف، وقوله: يشتركون فيه إشارة إلى أنّ معنى كونه بينهم أنهم مشتركون في الحلول فيه كما يقال: جعلت المال بين زيد وعمرو فكأنه ضمن معنى قسمت، وقوله: وهو النار أي جهنم لأنها تطلق على مكانها إطلاقاً شائعا وقيل إنه واد فيها. قوله: (أو عداوة) بالنصب عطف على مهلكا فالموبق مصدر أطلق على سبب الهلاك مجازا وهو العداوة، كما أطلق التلف على البغض المؤدّي إليه لا على البغض مطلقاً حتى يتوهم أنه ليس بمجازاً لا معنى لقولك لا يكن بغضك بغضا والكلف مصدر كلف به إذا أولع به والمعنى لا يكن حبك حبا مفرطا يؤدّي إلى الولع والهيام، وبغضك بغضا مفرطا يجر إلى التلف، وقوله: اسم مكان أو مصدر لف ونشر مرتب ويجوز جعل الفوبق بمعنى الهلاك ومعنى كونه بينهم شموله لهم. قوله: (من وبق يوبق) في ال! قاموس وبق كوعد ووجل وورث وبوقا ومويقا هلك، ومنه تعلم وجه ثبوت الواو في مضارعه، وقوله: وقيل الخ قائله الفراء والسيرافي والبين على هذا اسم بمعنى الوصلى كما يكون بمعنى الفراق لأنه من الأضداد وعلى هذا فهو مفعول أوّل لجعلنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 وموبقا مصدر بمعنى هلاك مفعول ثان له، وعلى الأوّل هو ظرف مفعول ثان لجعل إن كان بمعنى التصيير وان كان بمعنى الخلق، فهو ظرف متعلق بجعلنا أو صفة لمفعوله قدم عليه لرعاية الفاصلة، فتحوّل حالاً، ومعنى كونه هلاكا أنه مؤذ إليه. قوله: (فأيقنوا) جعل الظن مجازاً عن اليقين لداسل قوله: ولم يجدوا عنها مصرفا، وقيل: إنه على ظاهره لعدم يأسهم من رحمة الله قبل دخولها، وقيل: باعتبار أنهم ظنوا أنهم تخطفهم في الحال لأنّ اسم الفاعل موضوع له (قلت) إنما اقتصر عليه لأنه مأثور عن قتادة كما أسنده في الدر المنثور وقوله: رأى قرينة ظاهرة، وقوله: مخالطوها مأخوذ من مفاعلة اأس قوع لأنها تقتضيه، وقوله: واقعون فيها بيان للمراد منه، وقوله: مصرفا الخ إشارة إلى أنه يجوز فيه أن يكون مصدراً واسم مكان وقيل إنه يجوز فيه أن يكون اسم زمان وما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه أبا البقاء وفي الدر المصون أنه سهو فانه جعل مفعلا بكسر العين مصدرا من صحيح مضارعه يفعل بالكسر وقد نصوا على أنّ مصدره مفتوج العين لا غير واسم زمانه ومكانه مكسورها نحو المصرف والمضرب، وقرأ زيد مصرفا بفتح الراء فليته ذكر هذه القراءة ووجهها بما ذكر. قوله: (من كل جنس يحثاجون إليه) يعني أن المثل إما بمعناه المشهور أو بمعنى الصفة الغريبة ولم يصرح به لأنه مر تفصحيله ومن إما زائدة على رأي أو تقديره مثلا من كل مثل ولما كان ظاهره أنه ذكر فيه جميع الأمثال أشار إلى تأويله بأنّ المراد منه أنه نوع ضرب الأمثال وذكر الصفات العجيبة لهم فذكر من كل جنس محتاج إليه مثلا لا أنه ذكرت لهم جميع أفرادها فليس المراد أنّ المثل بمعنى الجنس هنا كما يتوهم ولا أن تنوين جنس عوض عن المضاف إليه، ومفعول صرفنا موصوف الجار والمجرور أي مثلاً من كل مثل وقيل: مضمون من كل مثل أي بعض كل جنس مثل والبعض بمعنى الجزئي منه. قوله: (يتأتى منه الجدل الما كان الجدل إنما صدر من الإنسان دون غيره من ذوي العلم، كالملك والجن والتفضيل يقتضي الاشتراك فسر المجادل بمن يتأتى منه ذلك ليشمل هؤلاء ويجري التفضيل على ظاهره. قوله: (خصومة بالباطل) قيده به لأنه الأكثر في الاستعمال والأليق بالمقام وإلا فالجدل مطلق المنازعة بمفاوضة القول كما ذكره الراغب وغيره من أهل اللغة ولا دلالة لقوله: ويجادل الذين كفروا بالباطل ولا لقوله: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} على تخصيصه بأحد الشقين حتى يتجوّز في الآخر أو يدعي التجريد، وقوله: من الإيمان إشارة إلى أن أن مصدرية مقدر قبلها الجار، وقوله: وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فأطلق عليه الهدى مبالغة لأنه هاد ولا يحمل على ظاهره لأنه لو كان كذلك آمنوا وعطفه بالواو ولمجيئهما لهم أو هي بمعنى أو والاستغفار من الذنوب بالتوبة عنها وهي شاملة للكفر وعممه ليفيد ذكره بعد الإيمان، ولا يضره كونه يجب ما قبله فتأمّل. قوله: (إلا طلب أو انتظار أو تقدير (أي تقدير الله لوقوع ذلك لهم وقدر المضاف المذكور قبل إتيان سنة الأوّلين واتيان العذاب كما في الكشاف، لأنه لو كان المانع من إيمانهم واستغفارهم نفس الهلاك: كانوا معذورين ولأنّ عذاب الاخرة منتظر قطعاً، وقيل: لأنّ زمان إتيان العذاب متأخر عن الزمان الذي اعتبر لإيمانهم واستغفارهم فلا يتأتى ما يغيثهم منه، فإن قلت طلبهم سنة الأوّلين لعدم إيمانهم وهو لمنعهم عن الإيمان فلو كان منعهم للطلب لزوم الدور، قلت: دفع هذا بأنّ المراد بالطلب سببه وهو تعنتهم وعنادهم الذي جعلهم طالبين للعذاب بأمثال قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الخ، وقيل: الطلب بمعنى الاستحقاق والاستعداد وكونهم معاندين مما لا شبهة فيه وان كان فيهم من ينكر حقية الإسلام فلا وجه لما قيل: إن طلبهم ليس إلا لعدم اعتقادهم حقية الإسلام، ثم قال: الحق أنّ الآية على تقدير الطلب من قولك: لمن يعصيك أنت تريد ضربي أي بتنزيل استحقاقه منزلة طلبه كما مرّ، فإن قلت عدم الإيمان متقدم على الطلب مستمرّ فلا يكون الطلب مانعا قلت المتقدّم على الطلب هو عدمه السابق وليس بمانع منه والمانع ما وجد بعد الطلب لكن لا يظهر وجه كون الطلب مانعا منه كما قيل، ووجهه ظاهر لأنه إنما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 يكون ناشئاً عن اعتقاد عدم حقية أو عناد فتأمل. وعذاب الآخرة هو المعد للكفار. قوله: (عياناً (هذا معناه على القراءة المشهورة بكسر القاف وفتح الباء، وقوله: بمعنى أنواع أي القبيل النوع والقبل الأنواع وأصله من المقابل فلذا دل على المعاينة وإذا كان حالاً من الضمير المفعول فمعناه معاينين له بكسر الياء أو بفتحها أي معاينين للناس ليفتضحوا وإذا كان من العذاب فمعناه معاينا لهم أو للناس. قوله: (للمؤمنين والكافرين (يحتمل اللف والنشر بناء على الأصل وعودهما لكل منهما وهذا أعمّ من تقدير للمطيعين والعاصين وأنسب بالمقام أو هما بمعنى، وقوله: بالباطل خصه لعموم الجدل كما مرّ بياناً للمذموم ولقوله: بعده ليدحضوا به الحق، وقيل: لأنهم قد يجادلون بالحق في الأمور الدنيوية. قوله: (باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات (فالمراد بالجدال معناه اللغوي وهو المنازعة لا ترتيب المقدمات وان كان مما صدق عليه، وليس معنى اصطلاحيا كما توهم، وتسمية السؤال عن قصة أهل الكهف جدلاً لأنه تعنت لإظهار تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم فالسؤال بالجرّ معطوف على اقتراج وتعنتا تعليل له أوله مع ما قبله، وقوله: ليزيلوا إشارة إلى أنه مجاز من زلل القدم المحسوس لإزالة الحق المعقول، وقوله: ويبطلوه تفسير ليدحضوا ولك أن تقول فيه تشبيه كلامهم بالوحل المستكره كم قلت: أتانا بوحل لإنكاره ليزلق أقادم هدى الحبم وقوله: (وذلك قولهم للرسل ما أنتم إلا بثر مثلنا) قيل عليه أنه مخالف لقوله باقتراج الآيات والسؤال عن أصحاب الكهف وانّ المراد بالجدل في هذا معناه المصطلح وهو ترتيب المقدمات الفاسدة للإلزام، وقيل: إنّ هذا القائل ظن أنّ ذلك إشارة للجدل وليس كذلك بل هو إشارة للإدحاض الدال عليه ليدحضوا، والمعنى يجادلون بالاقتراح والسؤال ليعجزوا الرسل ويكون ذلك سببا لإدحاض الحق أي الرسالة بقولهم: {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} الخ فتأمّل. وقوله: عن مقرّة أي تحققه وثباته، وقوله: وإنذارهم الخ أي ما مصدر أو موصولة والعائد مقدر. قوله: (استهزاء) أي هو مصدر وصف به مبالغة وهو ما يستهزأ به، وظاهره أنه يكون صفة وقيل: عليه إنه لم يوجد في كتب اللغة إلا مصدرا وهو بعد التسليم قد يقال: إن مراده أنه مصدر مؤوّل بما ذكر، وقوله: ومن أظلم استفهام إنكارفي في قوّة النفي وهو يدل على نفي المساواة كما مرّ، وقوله: فلم يتدبرها أي يتأمّلها، ويتذكر بمعنى يتعظ والباء صلته أو سببية والمراد أنّ الإعراض مراد منه ما ذكر بطريق الكناية، وقوله: فلم يتفكر في عاقبتهما أي هذا هو المراد منه كناية. قوله: (تعليل لإعراضهم الخ) إفادته التعليل لأنه جواب عن السؤال عن العلة فيفيد ما ذكر، ومطبوع بمعنى مختوم عليها، وقوله: كراهة الخ يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف كما عرف في أمثاله، وقوله: وتذكير الضمير أي الراجع للآيات نظرا لمعناه وتأوّلاً له به وهو أنه وحي وقرآن كما أشار إليه أولا، وقوله: حق استماعه وهو التدبر والإذعان إشارة إلى أنه ليس وقراً حقيقياً، وقوله: تحقيقا وفي نسخة لا تحقيقا واكتفى بانفهام النفي مما قبله، وما بعده ولا يفقهون ناظر للتحقيق ولا يسمعون للتقليد فهو لف ونشر. قوله: (وإذا كما عرف جزاء وجواب الخ) كذا في عامّة كتب النحو، وللنحاة فيه كلام فقال الفارسيّ إن المراد أنها تارة تكون كذا وتارة كذا فالأوّل نحو أن يقال آتيك غدا فتقول إذن أظنك صادقا إذ لا جزاء فيها هنا والثاني نحو آتيك غدا فتقول إذن أكرمك، وقال الدمامينيّ في شرح التسهيل: الصواب أن يقال: كونها جواباً لا ينفك عنها بخلاف الجزائية فإنها قد تنفك، ومعنى كونها جوابا أنها لا تقع إلا في كلام مجاب به كلام آخر إما محقق أو مقدر، ومعنى كونها جزاء أنه يجازي بها أمر وقع وليس المراد بالجواب والجزاء معناهما الاصطلاحي حتى يكونا بمعنى واحد فيرد عليه ما أورده ابن هشام كما فصله الدماميني في شرح التسهيل، ولذا قال المصنف: كما عرفت إشارة إلى ما ذكره النحاة وأشار إلى أنها جواب لكلام مقدر وأن الجواب هو مجموع الشرط وجوابه، وفي الكشاف وإذا جزاء وجواب فدلّ على انتفاء اهتدائهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله: ما لي لا أدعوهم حرصا على إسلامهم فقيل: {وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [سورة الكهف، الآية: 57] انتهى وللشراح فيه كلام واقف في أعراف الرد والقبول، والذي سلكه المدقق في الكشف أنّ دلالة النظم على ما ذكر صريحة لأن تخلل إذا يدل على ذلك لأنّ المعنى إذن لا دعوت وهو من التعكيس بلا تعسف وأما أنه جواب على الوجه المذكور فمعناه أنه نزل منزلة السائل مبالغة في عدم الاهتداء المرتب على كونهم مطبوعا على قلوبهم فلا ينافي ما أقرّوه من أنه على تقدير سؤال لم لم يهتدوا فإنّ السؤال على هذا الوجه أوقع اهـ، وإذا تأمّلته انكشف الغطاء، وقد طلع الصباج ولم يحتج إلى ما قيل من أنّ وجهه أنه جعل الفاء في فلن يهتدوا استعارة كاللام في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} الخ وان كان من تصرّفاته البديعة، ومن لم يعرف ما ذكر خبط خبط عشواء فقال: المراد أنها جزاء الشرط الذي هو مدلول إذا لا الشرط المذكور وأمّا كونه جواب سؤال مقدر فليس بمعروف فالأولى أن لا يذكر قوله كما عرفت كما تركه جار الله، وصرفه لقوله: جزاء فقط لا يخلو عن بشاعة. قوله: (على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم) قيل تقدير هذا يقتضي أنه منع من دعوتهم فكأنه أخذ من مثل قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [سورة النجم، الآية: 29] فقيل بل هو مفهوم من قوله: إن تدعهم الخ وما ذكر بعيد جدّاً، كحمل المقدر على أنه لم لا أدعوهم مع قوله: إن يهتدوا إذا أبدا، وقيل: إنّ الصواب أنه مأخوذ من قوله: على قلوبهم أكنة وأنت بعدما أوضحناه لك في غنية عنه فتأمّل. قوله: (فانّ حرصه صلى الله عليه وسلم على إسلامهم يدل عليه) أي على ذلك التقدير وان ذكر له أن قلوبهم في أكنة رجاء أن تكشف تلك اكنة وتمزق بيد الدعوة فينكشف الغطاء فليس سؤاله المقدر دالاً على المنع عن مطلق الدعوة كما مرّ فإنه من قلة التدبر. قوله: (البليغ المنفرة) كما يدل عليه صيغته وقال الإمام: إنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة دون الرحمة لأنّ المغفرة ترك الإضرار والرحمة إيصال النفع وقدرة الله تعالى تتعلق بالأوّل لأنه ترك مضار لا نهاية لها، ولا تتعلق بالثاني لأنّ فعل ما لا نهاية له محال وقد قال النيسابوري: هذا فرق دقيق لو ساعده النقل، على أنّ قوله: ذو الرحمة لا يخلو عن مبالغة وفي القرآن غفور رحيم بالمبالغة في الجانبين كثيراً، وفي تعلق القدرة بترك غير المتناهي دون فعله نظر لأنّ مقدور أنه تعالى غير متناهية لا فرق بين المتروك وغيره، وقيل عليه أنهم فسروا الغفار بمريد إزالة العقوبة عن مستحقها والرحيم بمريد الأنعام على الخلق وقصد المبالغة من جهة في مقام لا ينافي تركها في آخر لعدم اقتضائه لها وقد صرحوا بأن مقدوراته تعالى غير متناهية وما دخل منها في الوجود متناه ببرهان التطبيق، وهذا كلام حسن اندفع به ما أورد على الإمام إلا أنه كان عليه أن يبين النكتة هنا وهي ظاهرة لأن المذكور بعده عدم مؤاخذتهم بما كسبوه من الجرم العظيم، وهو مغفرة عظيمة وترك التعجيل رحمة منه سابقة على غضبه لكنه تعالى لم يرد إتمام رحمته عليهم وبلوغها الغاية إذ لو أراد ذلك لهداهم وسلمهم من العذاب رأسا وقوله: الموصوف بالرحمة إشارة إلى أنّ معنى كونه صاحبها اتصافه بها، وقيل إنه إشارة إلى كونه في حكم المعرف في إفادة الحصر فإن قلت ما ذكره الإمام يقتضي عدم تناهي المتعلقات في كل ما نسب إليه تعالى بصيغ المبالغة، وليس بلازم إذ يمكن أن تعتبر المبالغة في المتناهى بزيادة الكمية وقوّة الكيفية ولو سلم ما ذكر لزم عدم صحة صيغ المبالغة في الأمور الثبوتية كرحيم ورحمن ولا وجه له، قلت: هذه نكتة لوقوع التفرقة بينهما هنا بأنه اعتبرت المبالغة في جانب الترك دون مقابله لأن الترك عدميّ يجوز فيه عدم التناهي بخلاف الآخر ألا ترى أنّ ترك عذابهم دال على ترك جميع أنواع العقوبات في العاجل وان كانت غير متناهية فتدبر. قوله: (استشهاد على ذلك (أي على كونه غفور إذا رحمة والمراد بالاستشهاد هنا ذكر شاهد من أفعاله تعالى يثبت به ما ذكر، وقوله: وهو يوم بدر إشارة إلى أن موعداً اسم مكان وقيل إنه جهنم، وقوله: من دونه أي من دون الله أو العذاب والثاني أولى وأبلغ لدلالته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 على أنهم لا ملجأ ولا منجا لهم فإن من يكون ملجؤه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة، وقوله: منجا لم يقلى وملجأ لأنهما بمعنى والفرق إنما هو في التعدية بإلى وعدمه، وقيل إنه عائد على الموعد والمبالغة المذكورة باقية أيضا. قوله: (يعني قرى عاد وثمود وأضرابهم) أي أشباههم في الهلاك والإشارة لتنزيلهم لعلمه بهم منزلة المحسوس، وقوله: خبره أهلكناهم أو القرى، والجملة حالية كما في البحر والقرى صفة والوصف بالجامد في باب الإشارة مشهور، والوصف جار على الإعرابين، وفوله: مفعول مضمر بالإضافة أي مقدر، وقوله: في أحدهما أي قبل تلك أو القرى ولا ركاكة في الثاني كما قيل: لأنّ تلك يشار بها للمؤنث من العقلاء وغيرهم ويجوز أن تكون القرى عبارة عن أهلها مجازاً، وقوله: كقريش ذكر أنهم نظيرهم في الظلم إشارة إلى أنّ ما ذكر إنذار وتهديد لهم والمراء الجدال وذكره لسبقه. قوله: الإهلاكهم وقتاً معلوماً الما جاز في كل من المهلك على القرا آت والموعد هنا أن يكون زمانا ومصدراً لكن إذا كان أحدهما زمانا لا بد من جعل الآخر مصدراً لئلا يكون للزمان زمان أشار إلى أنّ الأوّل مصدر، والثاني اسم زمان ولم يعكسه لركاكته، وقال: وقتا معلوما لأنّ الموعد لا يكون إلا كذلك والا فاسم الزمان مبهم، وقوله: ولا يستقدمون لم يذكره في الكشاف وذكره أولى وتفسيره الأوّل على ضم الميم وفتح اللام، وقوله: حملاً على ما شذ الظاهر أن يقول: لأنه ورد شاذاً إذ الشاذ لا يحمل عليه والقراءة ليست بالقياس، إذ هي منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولو شذوذا والشاذ هو مجيء المصدر الميميّ مكسوراً فيما عين مضارعه مكسورة وفي دعوى الشذوذ نظرا لما في القاموس من أنّ هلك جاء من باب ضرب ومنع وعلم والمحيض بالضاد المعجمة مصحدر بمعنى الحيض وذكره إشارة إلى أنّ الشذوذ لا يختص بالصحيح. قوله ة) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى} ) هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام على الصحيح وقال: أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدثين والمؤرّخين أنه هنا موسى بن ميشا بالمعجمة بن يوسف بن يعقوب وهو موسى الأوّل وإنما أنكره أهل الكتاب لإنكارهم ئعلم النبيّ من غيره، وقال: الكرمانيّ لا غضاضة في تعلم نبيّ من نبيّ آخر واذ على تقدير اذكر مفعول لا ظرف لأنّ ذكره للوقت لا في الوقت ومعناه قل لا تذكر، وقوله فإنه كان يخدمه ويتبعه قدمه لأنه الأصح ولذا أضافه إليه والعرب تسمى الخادم فتى لأنّ الغالب استخدام من هو في سن الفتوة. قوله: (وقيل لعبده) فالإضافة للملك وأطلق عليه فنى لما ورد في الحديث الصحيح ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي وهو من آداب الشريعة وليس إطلاق زلك بمكروه لكنه خلاف الأولى ولم يرتض هذا القول المصنف رحمه الله كما في الكشاف لأنه مخالف للمشهور. قوله: الا أزال) فهي ناقصة من أخوات كان وحذف الخبر فيها قليل كما ذكره الرضي خلافا لأبي حيان وغيره ممن زعم أنه ضرورة والخبر المحذوف هنا ثقديره أسير ونحوه لدلالة الحال والغاية عليه إذ لا بد لها من مغيي، والمناسب له هنا السير والسفر ومما ول ل على هذا المقدر قوله: فلما بلغا مجمع بينهما فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في النظم مليه، وقوله: من حيث للتعليل إن قيد الحيثية قد يذكر للتعليل وقد يذكر للتقييد وقد يذكر للاطلاق كما مرّ، وفي نسخة من حيث إنها والضمير لحتى من حيث إنها كلمة أو غاية وهو مان لوجه الدلالة وضميران لذلك القول، وقوله: وعليه متعلق بدلالة والضمير راجع إلى الخبر " نّ الوصول إلى المكان لا يكون إلا بعد السير. قوله: (ويجورّ أن يكون أصله لا يبرح مسيري (فحتى مع مجرورها خبر والخبر في الحقيقة، متعلقه فحذف منه المضاف إليه وهو مسير بمعنى السير فانقلب الضمير من البروز والجرّ إلى الرفع والاستتار وانقلب الفعل من الغيبة إلى التكلم وكذا الفعل الواقع في الخبر وهو أبلغ كان أصله يبلغ ليحصل الربط، واعترض عليه بأنه حينئذ يحلو الخبر من الرابط إلا أن يقدر حتى أبلغ به أو يقال: إن الضمير المستتر في كائن يكفي للربط أو أنّ وجود الربط بعد التغيير صورة يكفي فيه وإن كان المقدر في قوّة المذكور. قوله: (وأن يكون لا أبرج بمعنى لا أرّول) فهي تامّة لا تحتاج إلى خبر لكن لا بد من تقدير متعلق له ليتم المعنى كما أشار إليه بقوله: عما أنا عليه الخ ومضارع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 هذه يزول وتلك يزال، كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (ملتقى بحري فارس والروم الخ) قيل إنهما لا يلتقيان إلا في البحر الميحط فلعل المراد به مكان يقرب فيه التقاؤهما وأمّا كون فارس محرفا فمن فاس وهي بلدة معروفة بالغرب فلا وجه له إذ لم يذهب إليه أحد وسيأتي كلام- نجي هذا في سورة الرحمن. قوله: (وقيل البحران موسى وخضر الخ) عده في الكشاف من بدع التفاسير فيكون البحر عليه بمعنى الكثير العلم على الاستعارة والمراد بمجمعهما مكان يتفق اجتماعهما فيه ولا يخفى نبوّ السياق عنه وقوله: حتى أبلغ ولذا مرضه إذ الظاهر عليه أن يقال: حتى يجتمع البحران مثلاً، وقوله: على الشذوذ أي قراءة وقياسا وهي قراءة ابن يسار وقياس اسم الزمان والمكان من فعل يفعل بفتح العين فيهما الفتح كمذهب فقوله: من يفعل بفتح العين، وقوله: كالمشرق والمطلع نظير له في شذوذ الكسر وان اختلف فعلهما وفعله كما لا يخفى. قوله: (أسير) هو معنى أمضى من مضى بمعنى تعدى وسار وزمانا طويلا معنى حقبا كما سيأتي، ومضيّ الحقب خلوها وليس مصدر مضى والمراد مضيها بدون بلوغ المجمع بقرينة التقابل وأو على هذا عاطفة لأحد الشيئين وقوله: إلا أن أمضى زماناً أي في مسيري فأو بمعنى إلا والفعل منصوب بعدها بأن مقدرة، والاستثناء مفرع من أعمّ الأحوال ولم يجعلها بمعنى إلى أن لأنه يقتضي جزمه ببلوغ المجمع بعد سيره حقبا وليس بمراد، وقوله: والحقب الدهر الخ وهو اسم مفرد كحقبة وجمعه حقب وأحقاب. قوله: (روي أنّ موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله ودخوله مصربم قال ابن عطية: لم يعرف أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أنزل قومه مصر ولا أراه يصح وفيه نظر، وقوله: فأعجب بها على بناء الفاعل من قولهم: أعجبني كذا إذ راقني أو على بناء المجهول، وقوله: فقال لا أي لا أعلم أحدا أعلم مني والمراد أنا أعلم لأنه رسول ذلك الزمان فلا مخالفة فيه لما في الكشاف ولا لما سيأتي، كما توهم وقوله: الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد وتسكن وتكسر خاؤه أيضا ودخول أل عليه للمح الوصفية أو لتأويله بالمسمى به، وقوله: في أيام افريدون بكسر الهمزة وهو ملك مشهور قيل إنه ذو القرنين اكبر كما في شرح البخاريّ، وفيه أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أدرك زمنه ومقدمة بفتح الدال وكسرها مقدمة الجيش وهي معروفة وتفصيله في تاريخ ابن الأثير وذو القرنين الأكبر هو ابن سام بن نوح قيل إنه كان في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الذي طاف الدنيا وبنى سد يأجوج ومأجوج والخضر عليه الصلاة والسلام كان أميرا على مقدمة جيشه والأصغر من اليونان، وهو الذي قتل دارا وأخذ ملكه وطلب عين الحياة فلم يجدها وقوله: وبقي إلى أيام موسى معطوف على كان وهو ردّ على من قال: إنه مات قبله وخلفه الخضر على مقدمة جيشه فانظر تفصيله وتصحيحه من كتب التواريخ، وقوله: الذي يذكرني يجوز أن يكون واحدا وجماعة، وقوله: الذي يبتغي ضحمنه معنى يضم أو تجوّز به عنه فلذا عداه بإلى، وقوله: عسى ترج على لسانه، وقوله: عن ردى الردى الهلاك والمراد عما يوقعه في الهلاك، وقوله: كيف لي به أي كيف السبيل لي بلقائه أو كيف يتيسر لي الظفر به، والحوت قيل إنه كان مملحا وقيل: مشويا وهل هو نصف أو كامل قولان، والمكتل بكسر الميم وفتح التاء الفتوقانية الزنبيل كما في شرح البخاري، وليس المراد به كيلا كما قيل، وقوله: فحيث فقدته أي الحوت. قوله: (أي مجمع البحرين (أي الضمير لهما ومجمع بينهما مجمعهما، وقوله: أضيف إليه على الاتساع في الظرف وهو إخراجه عن نصبه على الظرفية بنصبه على المفعولية أو جرّه بالإضافة كما هنا أو رفعه، ومجمع اسم مكان والإضافة بيانية أو لامية وجوّز فيه المصدرية والمجمع إمّا مكان الاجتماع حقيقه أو ما يقرب منه كما مرّ، وقيل: المراد مجمع في وسط البحرين فيكون كالتفصيل لمجمع البحرين وهذا يناسب تفسير المجمع بطنجة أو إفريقية إذ يراد بالمجمع متشعبا بحري فارس والروم من المحيط وهو هناك. قوله: (أو بمعنى الوصل الما مرّ أنه يكون اسما بمعنى الوص! والافتراق وهو من الأضداد وأخره المصنف، ولم يذكره الزمخشري لما فيه من الركاكة إذ لا حسن في قولك مجمع وصلهما كما قيل، وقيل إنّ فيه مزيد تأكيد كقولهم: جد جده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 وجوّز فيه أن يكون بمعنى الافتراق أي موضع اجتماع البحرين المفترقين، وعليه يحتمل عود الضمير لموسى والخضر عليهما الصلاة والسلام أي وصلا إلى موضع وعد اجتماع شملهما فيه وكذ إذا كان بمعنى الوصل. قوله: (نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله) أي يطلب من يوشع الحوت ليتعزف حاله لأنه جعل أمارة للظفر، وفيه إشارة إلى أن في النظم مضافا مقدرا لأنهما لم ينسيا الحوت وإنما نسيا حاله لكن الحال التي نسيها موسى عليه الصلاة والسلام كونه باقيا في المكتل أو مفقوداً، والحال التي نسيها يوشع ما رأى من حياته ووقوعه في البحر، واعترض! عليه بأنّ نسيان يوشع كان قبل وقوعه في البحر كما يدل عليه قوله: فاتخذ سبيله في البحر سربا حيث عقبه بالفاء، فلا يصح إدخال الوقوع المذكور في الحال المنسية، وأجيب بأن فاء فاتخذ فصيحة كما ذكره المعترض! ولا يلزم أن يكون المعطوف عليه الذي تفصح عنه الفاء معطوفا على نسيا بالفاء التعقيبية حتى يلزم المحذور المذكور، وان كان المعروف فيها ذلك كما قدروا في قوله: فانفجرت فضرب فانفجرت بل يقدر بالواو هكذا وجيء بالحوت فسقط في البحر فاتخذ الخ وهذا مع تكلفه ومخالفته للمألوف في الفاء الفصيحة مخالف للنظم ولما سيأتي تفصيله في قوله: وما إنسانيه إلا الشيطان، ؤهو غير وارد لأنّ سلوكه ومشيه في طريق أمر ممتذ بعد الوقوع في الماء مغاير له مترتب عليه ولا تعلق للنسيان به في النظم نفيا واثباتا بل لا يصح ما ذكره لأنّ السقوط الذي قدره عين الوقوع فقد وقع فيما فرّ منه فتأمّل. قوله: (معجزة (المراد الأمر الخارق للعادة الذي يظهر مثله على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا المعنى المشهور لأنه مشروط بالتحدي ولا تحذي هنا، وقوله: وقيل نسياً الخ أي المراد أنهما نسيا ترصد حال الحوت في ذلك الوقت وان ينتظرا منه ما يكون علامة على المطلوب وهو ملاقاة الخضر عليه الصلاة والسلام قيل إنه لم يرتض هذا لأنّ الأوّل أنسب بالمقام وفيه بحث لأن الفرق بين هذا وبين ما ارتضاه أولاً يسير جدا لأنه ذكر في الأوّل أن موسى عليه الصلاة نسي تعزف حاله وهو عين نسيان تفقده هنا ويوشع إذ نسي مامرّ فهو لم يتفقده أيضاً وكذا ما قيل إن المراد أنّ موسى عليه الصلاة والسلام نسي تفقده لأمره، وبوشع نسي ما يكون أمارة أي ذهل عن الاستدلال بهذه الحالة المخصوصة على الظفر بالمطلوب فتأمّل. قوله: (مسلكاً) أي كالمسلك وقوله: من قوله وسارب بالنهار قيل: السرب أصله ما يسلك فيه كالحجر فأريد به هنا المسلك أي الطريق كما ذكره إلا أنّ الآية المذكورة بمعزل عنه فإنّ السارب فيها بمعنى الظاهر بدليل مقابلته بقوله مستخف بالليل وقد فسره المصنف به هناك من غير ذكر معنى آخر له فكلامه هنا مخالف له ولا يخفى أنّ الذهاب في الأرض يلزمه البروز والظهور فجعل ثمة كناية عنه بقرينة المقابل فالتنظير به هنا باعتبار معناه الحقيقي، وما ذكره بيان للمراد منه فلا مخالف بينهما وما قيل في دفعه أن ما ذكره هنا على بعض التفاسير وإلا فالمصنف رحمه الله فسره ببارز في سورة الرعد مع مخالفته للظاهر لا حاجة إليه ويشهد لما مر قول الأزهرقي: العرب تقول سربت الإبل إذا مضت في الأرض ظاهرة فإنه جمع بينهما. قوله: (وقيل أمسك الله جرية الماء) بكسر الجيم فصار أي الماء كالطاق وليس المراد بالطاق الكوّة بل البناء المقوس كالقنطرة فالسرب كالنفق لا مقابله كما قيل، وقوله: ونصبه على المفعول الثاني، وقيل: في البحر مفعوله وسربا حال، وقوله: مجمع البحرين إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: لم ينصب بفتح الصاد أي يعي ويتعب لأنه قبله لرجاء الظفر في نشاط الإبل، وقوله: في سفر بالتنوين وجز غيره لأنه صفته، ووجه دلالة اسم الإشارة على ما ذكر من التخصيص النحوي والتخصيص بالذكر لا لأنه أشير به إلى السفر من كل وجه فإنه لا وجه له. قوله: (ما دهاتي إذ أوينا) دهاني بالدال المهملة بمعنى أصابني إصابة شقت عليّ كالداهية قال: ناظر الجيش في شرح التسهيل جاءت أرأيت ليس بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما في هذه الآية فزعم أبو الحسن أنها أخرجت عن بابها وضمنت معنى أمّا أو تنبه أي أمّا إذا أوينا أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب إذ لأنها لا تجازي إلا مقرونة بما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 وقال أبو حيان: يمكن أن يكون مما حذف منه المفعولان اختصاراً أو التقدير أرأيت أمرنا إذ أوينا ما عاقبته وما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري حسن غير أنه لم يتعرّض! لذكر المفعول الأوّل، وإنما ذكر الجملة الاستفهامية التي هي موضع المفعول الثاني بناء على أن ما استفهامية فيه، ويجوز أن تكون موصولة أيضا، أو يكون جعل رأي فيه بصرية دخلت عليها همزة الاستفهام والمعنى 11 بصرت حالنا إذ أوينا الخ، فحذف لدلالة الكلام عليه وأرأيت بمعنى أخبرني وقد مر تحقيقه، ونهر الزيت اسم نهر معين سمي به لكثرة ما حوله من شجر الزيتون كما في شرح الكشاف وكون الصخرة دونه بمعنى عنده قريبة منه ومدانية له. قوله: (فقدته أو نسيت ذكره) يعني أنّ النسيان إمّا مجاز عن الفقد بعلاقة السببية أو على حقيقته بتقدير مضاف فيه، وقوله: بما رأيت منه الباء للملابسة وهو حال من الضمير المضاف إليه. قوله: (لأن أن أذكره) وفي نسخة فإنّ وهما بمعنى وهو تعليل لأنه المراد إذ البدل هو المقصود بالنسبة وهو بدل اشتمال وأن أذكر له من التذكير وهو بدل أيضاً وقوله: وهو اعتذار رأي على القراءتين وقوله: لما ضرى بالضد المعجمة والراء المهملة معتل الآخر معناه هنا اعتاد وهذا بيان لأنّ مثله من الأمور الخارقة إذا شوهدت لا تذهب عن الخاطر. قوله: (ولعله ئسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار الخ) أي أنّ شدة توجهه إلى الله أذهلته عما ذكر وان كان مثله لا ينسى وشراشره بمعنى نفسه أو جملته فإنه من جملة معانيه، وعراه بمعنى غشيه وعرض له. قوله: (وإنما نسبه إلى الشيطان الخ (قيل عليه أنه يلزمه على كلا الوجهين الكذب وهو لا يناسب يوشع ولا ضرورة إلى التكلف بإثبات التجوز ولو كان كما ذكره المصنف كان المناسب أن يقال: بدله لم أستطع تذكره فإن فيه هضم نفسه مع الاختصار ولا يخفى أنّ ما ذكره توجيه له على ما اختاره بقوله: ولعله فإنه إذا كان ذهوله لانجذابه لحضرة القدس كان أمره فيه رحمانيا لا شيطانياً فإسناد إلا نساء إليه وفاعله الحقيقي هو الله والمجازي هو الجذبات المذكورة هضما لنفسه بجعل تلك الجذبات لشغلها عن التيقظ للموعد الذي ضربه الله بمنزلة الوساوس، ففيه تجوّز باستعارة الشيطان لمطلق الشاغل، وهذا كحديث أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرّة أو هو مجاز عن النقصان لكونه سببه ونقصانه بترك المجاهدات والتصفية حتى لا تشغله تلك الجذبات عن الأمور الخارجية فأفي كذب في هذا يتطرّق إليه القيل والقال وهذا مما بنبهك على حسن سلوك المصنف: ومن الناس من لم يقف على مراده فأورد ما ذكر من عنده وقال: إنه كذب إلا أن يكون مجازاً عن إني مقصر في أموري أو كأنني إنساني الشيطان لعدم كمالي وكذا ما قيل في دفعه أنه كناية أو مجاز عن عدم الاغترار، والافتحار. قوله: (سبيلاَ عجباً) قيل إنه يتعين التقدير الآخر وأمّا هذا ففيه أنّ أكثر العجب ليس بحال السبيل وأيضاً لو كان المعنى هذا القيل واتخذ في البحر سبيلاً عجباً، ورد بأنه لم يذع ما ذكر أحد وأنّ كون حال السبيل عجبا يكفي لصحته وانّ أداء المعنى باللفظ المذكور في النظم أو في لحق البلاغة لأن في ذكر السبيل ثم إضافته إلى ضمير الحوت ثم جعل في البحر حالاً من المضاف تنبيها إجمالياً على أنّ المفعول الثاني من جنس الأمور الغريبة، وفيه تشويق للمفعول الثاني وتكرير للتأكيد المناسب للمقام، وقيل: عليه أن مراد المعترض أنه يلزم حينئذ أن لا يتعرض كثرها لا عدم صحة الكلام، وقوله: وهو أي العجب، وقوله: كالسرب إشارة إلى أنّ جعله سرباً على التشبيه، وهذا من العجب فإنّ ما ذكره وارد على الثاني أيضا فإنّ أعظم العجب في الحوت لا في الاتخاذ. قوله: (أو اتخاذا عجباً (فهو صفة مصدر محذوف وكان على الوجه الآخر مفعولاً ثانيا والأوّل سبيله وعلى هذا التقدير قيل إنما كان عجبا لخروجه من المكتل وحياته بعد الشيّ وأكل بعضه وامساك الجرية عليه، وقيل عليه أنّ ما سوى الأخير ليس من حال اتخاذ السبيل لكونه قبله، وكونه من لوازمه وان سبقه ليس في الكلام ما يدل عليه، وقوله: والمفعول الثاني هو الظرف أي على هذا الوجه، وقوله: مصدر فعله أي فعل التعجب المضمر فيكون مفعولاً مطلقا له والمفعول الثاني لاتخذ عليه أيضاً قوله: في البحر أي عجبت عجبا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وقوله: أي قال: يعني يوشع في آخر كلامه فالتقدير وعجبت عجبا، وهي جملة مستأنفة، وقوله: أو موسى معطوف على فاعل قال: المستتر لوجود الفصل أو قبله فعل مقدر وهو بعيد، إذ لو كان تقديره أو قال موسى: عجبا لقيل وقال ذلك ما كنا نبغ الخ بالعطف على المقدر، وو! وأمّا كونه لو كان من كلامه لتأخر عن قوله: قال ففيه نظر وقوله تعجبا راجع لهما أي قول يوشع أو موسى عجبا لأجل التعجب من تلك الحال. قوله: (وقيل الفعل (أي اتخذ لموسى عليه الصلاة والسلام أي مسندا له، والاتخاذ فيه صادر عنه وهو على ما قبله كان للحوت وعجبا حينئذ مفعول ثان ولا ركاكة في تأخير قال عنه حينئذ لأنه استئناف لبيان ما صدر منه بعده، وقوله: أمارة المطلوب أي لقاء الخضر عليه الصلاة والسلام فليس معنى قوله: نبغ أنه كأ! مطلوب بالذات كما يتبادر منه، وقوله: فرجعا هو معنى ارتدا والذي جا افيه يعلم منه كونه على أثر الأوّل. قوله: (يقصان قصصاً) يعني أنه من قص أثره إذا تبعه أو من قص الخبر إذا أعلمه والظاهر الأوّل، وهو مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه أو حال مؤوّل باسم أي مقتصين بصيغة المثنى وقوله: حتى أتيا الصخرة إن كان من كلامه بيانا لغاية كونهما مقتصين فظاهر وإن كان تقديرا له النظم فهو إشارة إلى أن الفاء في قوله: فوجدا فصيحة. قوله: (واسمه بليا بن ملكان (وقيل: ارميا وقال: السدي رحمه الله الياس أخوه، وبليا بباء موحدة مفتوحة ولام ساكنة وياء! ؤ مثناة تحتية وفي آخره ألف وروي ابليا بزيادة همزة كما في شرح البخاري، وهو من نسل لوق عليه الصلاة والسلام وكان أبوه من الملوك ولقب به لأنه إذا جلس أو صلى على أرض اخضرت، وقيل لإشراقه وحسنه. قوله: (هي الوحي والنبوّة) لأن الرحمة أطلقت عليهما في مواضع من القرآن، والأكثرون على نبوّته عتحلى وقيل إنه وليّ، وقيل إنه ملك والاختلاف في حياته الآن معروف، وقوله: مما يختص الاختصاص يفهم من فحوى كونه من عنده أو من تقديم من لدنا على علما، وقوله: بتوفيقنا بتقديم الفاء على القاف وعكسه والثاني أنسب بالغيب، وقوله: على شرط أن تعلمني بناء على أنّ على تأني للشرطية وتعليق ما بعدها على ما قبلها نحو آتيك على أن تأتيني كما ذكر في أصول الفقه وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له، وقد تردّد السبكيّ في وروده في كلام العرب، وهذه الآية تؤيد أنه استعما أط صحيح لكن الظاهر أنه مجاز بتشبيه لزوم الشرط بالاستعلاء الحسيّ، كما يقال: وجب عليه كذا وتحقيقه في الأصول وكونه حالاً لأنه في معنى باذلاً تعليمي. قوله: (علماً ذ رشد (يعني أنّ نصمبه على أن صفة للمفعول قائما مقامه ووصف به مبالغة، فقوله: وهو مفعول أي بعد أن كان صفة، وقوله: العائد أي الضمير العائد على ما الموصولة إذ لا بد منه، وجوّز فيه أن يكون مما علمت مفعوله ورشداً بدل منه والظاهر الأوّل وقوله: وكلاهما أي تعلمني وعلمت منقولان أي مأخوذان منه ومنقولان إلى التفعيل ليتعديا إلى اثنين ولذا جعل علم متعذيا لواحد وهو أحد استعماليه ليكون للنقل فائدة فيه. قوله: (ويجورّ أن يكون) أي رشداً علة لاتبعك فيكون مفعولاً له لوجود شرطه فيه ومفعول تعلمني مما علمت لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمته، وقوله: أو مصدراً بإضمار فعله أي أرشد رشداً، والجملة استئنافية. قوله: (ولا ينافي الخ) جواب عما قيل إنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه ولذا ذهب بعضهم إلى أنّ موسى هذا ليس هو ابن عمران لأنّ اللازم فيه أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقا ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم فقوله: من غيره أعمّ من النبيّ وغيره، وقوله: ممن أرسل إليه إشارة إلى جواب آخر وهو أنّ اللازم كونه أعلم من أمّته والخضر عليه الصلاة والسلام نبيّ لم يرسل إليه فلا ينكر تفزده !! بما لم يعلمه غيره، وقوله: لا مطلقاً ناظر إليه، وقوله: صاحب شريعة إشارة إلى أنّ النبي المتبع لرسول آخر كيوشع يتعلم منه مطلقا من غير إنكار، وقوله: ما لم يكن شرطاً ما موصولة مفعول يتعلم لا دوامية. قوله: (وقد راعى في ذلك الخ) استجهال نفسه لطلبه التعلم وإنما يكون فيما لم يعلمه، وقوله: نفى عنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 استطاعة الصبر، وجوه التأكيد أن والنفي بلن فإنّ نفيها آكد من نفي غيرها وعدوله عن قوله: لن تصبرا لي لن تستطيع كما أشار إليه بقوله: كأنها الخ فإنّ المراد من نفي الاستطاعة نفي الصبر لأن الثاني لازم الأوّل فهو إثبات له بطريق برهانيّ على طريق الكناية، كما يدل عليه قوله: وكيف تصبر وتنكير وصبرا في سياق النفي أي شيئا ما من الصبر، فلا وجه لما قيل إنّ التأكيد هنا بأن ولن فأطلق الجمع على اثنين أو يقال: اسمية الجمل التي خبرها جملة من وجوه التأكيد، وأمّا قوله: إن فيه دليلاً على أن الاستطاعة مع الفعل فغير ظاهر لأن الاستطاعة مما يتوقف عليه الفعل فيلزم من نفيه نفيه سواء تقدّمت عليه أو تأخرت فمن غفل عن هذا قال ليس المراد هنا أنه ثعالى أراد بنفي استطاعة الصبر نفي الصبر ولا يدلّ عليه قوله: وكيف الخ وليس في كلامه ولا في الآية دليل على أنّ الاستطاعة مع الفعل بل بنى كلامه عليه وإنما قلنا ليس في الآية ذلك مع أنّ نفي الاستطاعة إذا كانت قبل الفعل كما قاله المعتزلة: لا يصح، لأن صبره معه ليس بمحال لأن لهم أن يقولوا: أراد الخضر عليه الصلاة والسلام بنفيها نفي الصبر فكأنه لا يصح ويحتمل أنه مراد جار الله والمصنف تبعه فيه. قوله: (على ما أتولى (أي أباشره ومناكير أي منكرات بحسب الظاهر وقوله: لم يحط بها خبرك إشارة إلى أن التمييز محوّل عن الفعل ولذا عقبه ببيان نصبه وإذا كان مصدراً فناصبه تحط لأنه يلاقيه في المعنى لأن الإحاطة تطلق إطلاقا شائعا، وتخبره بضم الباء من خبر الثلاثي من باب نصر وخلم ومعناه عرف، وقوله: لم تحط به أي بما أتولى وفي نسخة بها وهي ظاهرة، وعلى متعلقة بتصبر. قوله: (عطف على صابراً (لأن الفعل يعطف على المفرد المشتق كما في قوله: صافات ويقبضن بتاً ويل أحدهما بالآخر كما أشار إليه بقوله: وغير عاص فجملته في محل نصب وإذا عطف على ستجدني فهي أيضا في محل نصب على أنها مقول القول ومفعول له أيضاً وما وقع في الكشاف من أنها لا محل لها حينئذ مشكل ولذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه لأنّ مقوله هو المجموع فلا يكون لأجزائه محلا باعتبار الأصل وقيل: مراده أنه ليس مؤوّلاً بمفرد كما في الأوّل وهو بعيد، وقيل: مراده بيان حال العطف في القول المحكيّ عن موسى عليه الصلاة والسلام لأنه الذي يهمه هنا إذ التقييد بالمشيئة في الحكاية، وقيل: إنه مبني على أنّ مقول القول محذوف وهذه الجملة مفسرة له وغير عاص بالعطف ظاهر، وفي بعض النسخ تركه إشارة إلى أنه كالقيد والتفسير لما قبله. قوله: (للتيمن (أي للتبرّك لا للتعليق وإن كان كل يفعل بمشيئة الله فلا يقال إنه لا حاجة إلى التصريح به وفيه نظر، وقوله: فلا خلف يعني إذا أريد التعليق فهو متفرع على الوجه الثاني، وقوله: وفيه دليل الخ ردّ على المعتزلة، ووجهه أنه إذا صدر بعض الأفعال بمشيئته لزم صدور الكل بها إذ لا تائل بالفرق وهو متفرع أيضاً على الوجه الثاني لأنه إذا كان للتيمن لا يدل على ما ذكر وبه أجاب المعتزلة ولك أن تقول إنه جار عليهما لأنه لا وجه للتيمن بما لا حقيقة له فتأمل. قوله: (فإن مشاهدة الفساد) أي الأمور الفاسدة شرعا بحسب الظاهر كقتل الغلام، والصبر على خلاف المعتاد كإقامة الجدار لمن لم يقم بإطعامه، وأرود عليه أن هذا التعليل إنما يستقيم أن لو كان هذا الاستثناء بعدما رأى من الخضر عليه الصلاة والسلام ما رأى وليس كذلك فكأنه فهم من كلامه أنه ستصدر عنه أمور منكرة إجمالاً ولا يخفى أنّ معنى قوله: {لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [سورة الكهف، الآيات: 73- 76، أنك لن تصبر على ما يصدر مني وعدم صبره عليه وإقراره على ما يفعله لبس إلا لمخالفته بقضية شريعته وهو ظاهر ولعله صرح له بذلك لكنه أجمل في النظم لتفصيله بعده. قوله: (فلا خلف (أي في وعده له بالصبر حتى يلزم الكذب في كلامه، وهو غير لائق بمقام النبوّة وفي نسخ وخلفه ناسياً لا يقدح في عصمته وهو جواب عما مر، وأورد عليه أن النسيان في المرة الأولى، كما يفهم من سياق النظم ولذا ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت المرّة الأولى من موسى عليه الصلاة والسلام نسياناً وبهذا تعين أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة، وأنّ المصنف رجع عن الثانية، ولا يخفى أن السؤال إنما يرد لو كان خلف الوعد كذبا وهو كخلف الوعيد ليس بكذب عند المحققين كما بين في الأصول إتا لأنه إنشاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 لا يحتمل الصدق والكذب، أو لأنه مقيد بقيد يعلم بقرينة المقام كان أردت أو إن لم يمنع مانع شرقي أو غيره وهذا على تسليم الخبرية وعدم إرادة القيد، وأمّا ما قيل إن ما صدر من موسى عليه الصلاة والسلام في المرّتين الأخيرتين نسيان أيضاً وانّ ما في الحديث الآخر لا يخالفه فإثا لا نقول بالمفهوم فباطل فإنه هكذا في البخاري وشرحه لابن حجر، وكانت الأولى نسيانا والثانية شرطاً والثالثة عمداً وفي رواية والثانية عمدا والثالثة فراقا ولك أن تقول إنه لما وقع الخلف بالأولى لم تكن الأخيرتان خلفا ليبين بعض ما وعده به لكن الأولى معفوّة لكونها لم تقع عن عمد فتأمل. قوله: (فلا تفاتحني (أي تبتدئني به وهو بيان للمعنى المراد منه، كما يدل عليه ما بعده لا تقييد للنهي، وقوله: حتى أبتدئك ببيانه بيان للمراد أيضاً لأنه معنى أحدث والغاية مضروبة لما يفهم من الكلام كأنه قيل: لا تنكر عليئ ما أفعل حتى أبينه لك أو هي للتأبيد فإنه لا ينبغي السؤال بعد البيان بالطريق الأولى وقد ذكر مثله الكرماني رحمه الله في حديث: إنّ الله لا يمل حتى تملوا أي لا يتصؤر منه الملال أبدا وليست للتعليل، وقيل: فائدة الغاية إعلامه أنه سيبينه له بعد ذلك وفيه نظر. قوله: (أخذ الخضر فأسا الخ (كذا في صحيح البخاري إلا أنّ فيه فنزع لوحا وفيه أنه وتده أي جعل فيه وتداً مكانه، وقوله: فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها يشير إلى أن إسناد التفريق إليه مجازي ودل على أنه حمل اللام فيه على لام العاقبة دون التعليل لحسن ظنه به ولو حملت على التعليل كان أنسب بمقام الإنكار وليس فيه سوء أدب كما توهم، وقوله: للتكثير كما في بعض النسخ المراد به تكثير المفعول. قوله: (أتيت أمرا عظيما (مأخوذ من أمر بمعنى عظم، وقيل: أصل معناه كثر فأريد به عظم واشتد، قال ابن جني في سز الصناعة: العرب تصف الدواهي بالكثرة والعموم وقال الكسائيّ: معنى أمرا داهيا منكر من أمر بمعنى كثر قيل ولم يقل أمرا أمراً مع ما فيه من التجنيس لأنه تكلف لا يلتفت إلى مثله في الكلام البليغ وأمر بوزن علم، وذكره بالتخفيف. قوله: (بالذي ئسيته أو بشيء نسيته (يعني ما يجوز فيها أن تكون موصولة وموصوفة أو مصدرية، وقوله: يعني وصيته تفسير لما على الوجهين والباء صلة لأنه يتعدى بها لا للسببية وهو إمّا سبب للنهي عن المؤاخذة أولها بتقدير مضات أي ترك ما نسيته من عدم العمل بالوصية أو هو على ظاهره لأنه لولا النسيان لم يكن الترك فهو سبب بعيد، وقوله: بأن لا يعترض تفسير لعدم المؤاخذة، وقوله: أو بنسياني إياها فما مصدرية وفصله لأن المؤاخذ به المنسي لا النسيان وعلى هذا فالباء للسببية كما مر أو للملابسة وقيل: الثاني متعين فتأمل. قوله: (وهو اعتذار بالنسيان (إن كان راجعا لجميع ما تقدم فهو لذكره صريحا في الثاني ولتعبيره عن الوصية بالمنسيّ في الأوّل وإن رجع للثاني كما هو المتبادر من فصله عنه فلأنّ النسيان لا يؤاخذ به لأنه ليس بمقدور له بالذات دمان كان يؤاخذ بالمنسي لا من حيث إنه منسيئ فيكون المراد به أنا غير مؤاخذ، ولكنه أبرزه في صورة النهي والمراد التماس عدم المؤاخذة لقيام المانع فتدبر، أو المرإد الترك لأنه يكون مجازاً عنه كما في الأساس ومرضه وما بعده لمخالفته للمشهور ولما في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنّ المرة الأولى كانت نسياناً كما مرّ، وقوله: أوّل مرة قيد لما مر، ولأنه الذي يصح النهي عنه وبهذا علمت ما في قوله أوّلاً وخلفه ناسياً لا يقدج في عصمته فتدبر. قوله: (وقيل إنه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسيه (المعاريض جمع معراض وهو الناحية والتعريض والمراد به هنا التورية وإيهام خلاف المراد لأنه أبرزه في صورة النهي وليس بمراد، قال في الكشف: فعلى الأوّل كان موسى عليه الصلاة والسلام قد نسي وصيته حقيقة وكلى هذا نهاه عن مؤاخذته بالنسيان موهما أنّ ما صدر منه عن نسيان ولم يكن وإنما صار إليه لأن المؤاخذة به لا تصدر عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا يحتاج إلى النهي وعلى الأوّل وجهه أنه نهى عن مؤاخذته بقلة التحفظ حتى ينسى قيل: والتعريض وإن حصل بقوله: نسيت إلا أنه أبرزه في صورة النهي تفادياً عن الكذب فالمراد بما نسيه شيء آخر غير الوصية لكنه أوهم أنها المنسية. قوله ة (ولا تفشني (بالغين المعجمة من غشيه كذا إذا عرض له الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 وهو تفسير للإرهاق، وقوله: بعدما خرجا بيان للمعنى المراد أو إشارة إلى أن الفاء فيه فصيحة. قوله: (فتل عنقه) من القتل بالفاء والتاء الفوقية وهو الليّ والإدارة ورد ذلك كله في الآثار وقد جمع بينها بأنه ضرب رأسه بالحائط، ثم أضجعه وذبحه ثم فتل عنقه وقلعه، وقوله: ضرب برأسه الحائط إفا من القلب أو تجوز أي رمى برأسه إلى جانب الحائط. قوله: (والفاء للدلالة على أنه كما لقيه تتله (الكاف كاف القران وتسمى كاف المفاجأة أيضا وقد مرّ تحقيقها يعني أن قتله وقع عقب لقائه فلذا قرن بالفاء التعقيبية بخلاف خرق السفينة فإنه لم يتعقب الركوب كما في الكشاف، وهذه نكتة لتغيير اننظم أيضا كما سيأتي لكنه أورد عليه أنّ الجزاء يتعقب الشرط أيضا كما يتعقب ما بعد الفاء فكيف يصح وقوع خرقها جزاء حينئذ، وليس هذا بوارد وان ظن بعضهم أنه وارد غير مندفع لأنّ دلالة الفاء على صريح التعقيب وضعا مما لا شبهة فيه ووقوعه عقب الملاقاة كما يدل عليه النظم وبينه المصنف كذلك، وأمّا جزاء الشرط فاللازم فيه تسببه عن مضمون الجملة، ووقوعه بعده لا تعقيبه به وان صح ألا تراك تقول إذا خرج زيد على السلطان قتله، وإذا أعطيت السلطان قصيدة أعطاك جائزة ولا يلزم قتله عقب خروجه ولا تعقب إلا عطاء الثاني للأوّل، ولا حاجة إلى ما قيل: إن للركوب وقت حدوث ووقت بقاء وثبات والخرق متعقب لحدوثه ومتحقق وقت بقائه وذلك كاف في اعتقاد الشرطية، فإن قلت إذا ظرفية دالة على وقوع الشرط والجزاء في زمان واحد مستقبل فإن لم يتحد ألزم تعقب أحدهما للآخر، قلت: هذا غير مسلم عند أهل العربية فإنه يصح إذا جئتني اليوم أكرمك غداً لأنها لما صا إت شرطية صارت دالة على مجرّد السببية، وقد صرّج به ابن الحاجب في قوله: أئذا ما مت لسوف أخرج حياً ومن التزمه كالرضى جعل الزمان المدلول عليه بإذا ممتدا وقدر في مثل الآية إذا مت وصرت رميما وعليه أيضاً لا يلزم تعقيب الجزاء على ما وقع شرطا صحيحا بل تسببه عنه ولزومه له، وعلى هذا انبنى الخلاف في عامل إذا الشرطية هل هو الشرط أو الجزاء وستسمع قريبا تتمة لهذا فتدبر، وما قيل: من أنه لو قيل حتى إذا ركبا في السفينة ثم خرقها قال الخ، ولقيا غلاما فقتله حصل المقصود ليس بشيء لأنه لا يتغير الطريق وهذه نكتة بعد الوقوع، والتروّي التأني والتمهل. قوله: (ولذلك الخ (أي لكون القتل بلا مهلة ونظر في حالة قال: الخ إذ لو مضى زمان بين الملاقاة والقتل أمكن اطلاع الخضر فيه من حاله على ما لم يطلع عليه موسى عليه الصلاة والسلام، فلا يعترض! عليه فاندفع ما قيل إن مبني اعتراضه على عدم ظهور سبب القتل سواء تأخر عن اللقاء أم لا لأن موسى عليه الصلاة والسلام جازم بعدم استحقاقه للقتل لوصفه النفس بأنها زكية مقتولة من غير سبب فلو تأخر القتل أمكن ظهور سبب للخضر دونه كما قيل وجزمه بعدم الاستحقاق بحسب الظاهر فلا ينافي أنه يعلم أن الخضر لا يصدر عنه مثله ولو لم يرده تناقض كلامه، وتعليق اطلاع الخضرعلى مضيّ الزمان بناء على المعتاد فلا يتوهم أنّ اطلاعه بالغيب وهو لا يتوقف على ذلك فإنه من ضيق العطن، أو قلة الفطن. قوله: (والأوّل أبلغ (لأنه صف مشبهة دالة على الثبوت وفعيل من صيغ المبالغة أيضا، وفرق أبي عمرو بين زاكية وزكية غير ظاهر لأنّ أصل معنى الزكاة النموّ والزيادة فلذا وردت للزيادة المعنوية وأطلقت على الطهارة من الآثام ولو بحسب الخلقة والابتداء كما في قوله: لأهب لك غلاماً زكيا فمن أين جاءت هذه الدلالة فكأنها لكون زاكية من زكي اللازم وهو يقتضي أنه ليس بفعل آخر وأنه ثابت له في نفسه وزكية بمعنى مزكاة، فإن فعيلا قد يكون من غير الثلاثي كرضيع بمعنى مرضمع وتطهير غيره له من ذنوبه إنما يكون بالمغفرة وقد فهمه من كلام العرب فإنه إمام العربي واللغة فتكون بهذا الاعتبار زاكية أبلغ وأنسب بالمقام لأنه صغير لم يبلغ عنده ولذا اختار القراءة به وان كان كل منهما متواتراً منقولاً عنه صلى الله عليه وسلم وهذا لا ينافي كون زكية أبلغ لأنها تدل على الرفع وهو أقوى من الدفع ومن لم يدر هذا قال: كان يجب على أبي عمرو القراءة بالزكية على مقتضى فرقه المذكور بينها وبين زاكية بالألف فيكون المعنى أنه اختار الأوّل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 مع عدم تجويزه القراءة بالثاني انتهى. قوله: (فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الخ (الحلم بضم اللام وسكونها والمعنى لم تبلغ زمان الحلم أي الادراك بالسن لما وقع في الحديث إنه كان صغيراً لم يبلغ الحنث، وقيل: إنه كان بالغا بدليل قوله بغير نفس أي بغير حق قصاص إذ الصبي لا قصاص عليه وأجاب عنه الكرماني في شرح البخاري بأن المراد التنبيه على أنه قتله بغير حق أو أق شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبيّ انتهى. وقد نقل المحذثون كالبيهقي أنه كان في شرعنا، كذلك قبل الهجرة، وقال السبكيّ: قبل أحد ثم نسخ وعلى هذا بنى المصنف رحمه الله قوله: فتقاد بها كما سيأتي. قوله: (أو أنه (وفي نسخة وأنه معطوف على قوله: فإنه الخ يعني أنها إمّا صغيرة غير مكلفة أو كبيرة بالغة وعلم إنها لم تذنب قط، وهو وما قبله تعليل لاختيار أبي عمرو وهو الظاهر، وجوّز فيه أن لا يكون تعليلا له بل بيان لطهارتها من الذنوب، وقوله: فتقاد الخ مبنيّ على أنها كبيرة لم تذنب، وعلى الوجهين فيوجه بما سرّ ومن قصره على أحدهما فقد قصر، وقوله: نبه أي موسى صلى الله عليه وسلم، وكلا معطوف على القتل وكونه منتف بناء على ظاهر الحال عنده. قوله: (ولعل تغيير النظم) في قصة خرق السفينة وقتل الغلام بأن جعل الخرق جزاء لإذا الشرطية، ولذا لم يقرنه بالفاء لأنه ماض غير مقترن بقد، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام، قوله: قال أخرقتها الخ وقتله من جملة الشرط في الثانية لكونه معطوفا بالفاء عليه ولا يصح كونه جزاء لكونه ماضيا وتقدير قد فيه لا حاجة إليه، وقوله: لأنّ القتل أقبح لكونه إهلاكا بالمباشرة لنفس زكية لم تبلغ وخرق السفينة ليس كذلك مع أن تداركه ممكن وقد وقع، وأما كون القتل لنفس واحدة وذلك إهلاك ج! اعة فلا لأن قتل طفل أقبح ومن يقتلها فكأنما قتل الناس جميعا وقوله والاعتراض! عليه أدخل أي أحق، وقوله: فكان أي الاعتراض لا القتل لأن العمدة جزاؤه لا جزؤه، فإن قلت الاعتراض بالقتل كما وقع جزاء هنا وقع جزاء ثمة، وكما وقعت النفس هنا موصوفة علل الفعل ثمة، قلت ليس العمدية بوقوعه جزاء فقط بل بها على سبيل الاعتراض! فتأمّل، وقيل: إن النكتة جعل ما صدر عن الخضر من الشرط وابراز ما صدر عن موسى عليه الصلاة والسلام في معرض الجزاء المقصود مع أنّ الحقيق بذلك ما صدر عن الخضر من الخوارق لاستشراف النفس إلى ورود ما حيرها لقلة وقوعه وندرته في الذهن ولذلك روعيت هذه النكتة في الشرطية الأولى لما أنّ الخوارق لوقوعها أوّل مرة خرجت مخرج العادة فانصرفت النفس عن ترقبه إلى ترقب أحوال موسى عليه الصلاة والسلام هل يعترض أو يصبر، وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فلا يدفع الشبهة بل يؤيدها لأن كون القتل أقبح لقلة صدوره عن المؤمن وندرة سماعه، وهذا يستدعي جعله مقصوداً وكون الاعتراض! أدخل من موجبات صدوره عن كل عاقل وذلك مما لا يقتضي جعله كذلك، وليس بشيء أمّا ما ذكره من النكتة فعلى تسليمه لا يضرّنا، وأمّا اعتراضه فقوله: يستدعي جعل القتل مقصوداً إن أراد أنه مقصود في نفسه فليس بصحيح وان أراد أنه مقصود بأن يعترض عليه ويمتنع منه فهذا يقتضي جعل الاعتراض جزاء كما ذكره المصنف رحمه الله وأمّا كونه من موجبات صدوره عن كل عاقل فمقتض الاهتمام بالاعتراض! عليه، ثم إنه قيل على المصنف أيضا إنّ مبني كلامه على أن الحكم في الكلام الشرطي هو الجزاء والشرط قيد له كما فصل في محله وليس بمسلم فإنا وإن قلنا الكلام هو المجموع فهو عمدة أيضا كأحد المسندين مع أنه لا محذور فيه فإنه مذهب المحققين وان خالفهم الشريف في حواشي المطوّل، وأورد على تعقيب القتل دون الخرق أنه ورد في الحديث الصحيح، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر عليه الصلاة والسلام قد قلع لوحا الخ، وهو يدل على ئعقيب الخرق للركوب وأيضا جعل غاية انطلاقهما مضمون الجملة الشرطية يقتضي ذلك إذ لو كان الخرق متراخيا عن الركوب لم تكن غاية الانطلاق مضمون الجملة لعدم انتهائه به، وأمّا ما ذكره من الحديث فقد روى القرطبي في تفسيره ما يخالفه لكن القول ما قالت حذام إلا أنه يمكن أن يؤوّل للجمع بين كلامهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 بأن المبادرة المذكورة فيه عرفية بمعنى أنه لم تمض أيام ونحوه، فيكون فيه تراخ بالنسبة للقتل، وأمّا كونه مانعا من كون حتى غائية فليس بشيء لأنه لا مانع من يرن الغاية أمراً ممتداً ويكون انتهاء المغمرو بابتدائه كقولك: ملك فلان حتى كانت سنة كذا، ثم إن بعضهم ذكر هنا نكتة أخرى وهي أن لقاء الغلام سبب للرفق والشفقة لا للقتل، فلذا لم يحسن جعله جزاء وعطف على الشرط وركوب السفينة قد يؤذي لخرقها فلذا جعل جزاء. قوله: (ولذلك فصله الخ) أي أوقع آخر الفاصلة هنا نكرا تصريحا بأنه منكر لقباحته، وقال في الفاصلة الأولى أمرا لأنه يمكن تلافيه بالسذ وان كان الأمر بمعنى الداهية العظيمة لأن هذا صريح في كونه منكراً ولذا فسر بأمراً نكراً كما مرّ، وقيل إنه تنزل وإنه دون الأمر بدليل قصة الجدار، ورده في الكشف بأنه لا يترقى فيه، ولا تنزل وإنما هو مرتب على حسب ما وقع. قوله: (زاد فيه لك مكافحة) المكافحة المكالمة شفاها أي زيادة في مكافحة العقاب على رفض الوصية مرة بعد مرّة والوسم بعدم الصبر وهذا كما لو أتى إنسان بما نهيته عنه فلمته وعنفته، ثم أتى به مرة أخرى فإنك تزيد في تعنيفه وكذا هنا فإنه قيل: أوّلاً ألم أقل إنك ثم قيل ثانيأ: ألم أقل لك إنك، قال في المثل السائر: وهذا موضع تدق عن العثور عليه مبادرة النظر، وقوله: ووسما أي وصفا له بما يؤثر فيه، كالسمسة، والاشمئزاز الاستنكاف والاستكراه، ويرعو بمعنى يرتدع وينته، وقوله: حتى زاد أي قوله لك. قوله: (وإن سألت صحبتك (أي فلا تتابعني على ذلك وإن وصلية، قال بعض الشراح: هو تصحيح لمعنى المصاحبة ببيان حصول الصحبة من الجانبين وقيل إنما اعتبر هذا لأن عدم الصحبة في لا تصاحبني لا يصلح أن يكون جزاء للشرط زجرا له عن اعتراضه إلا بعد كونها مسؤولة منه ومراد له وفيه بحث، وقوله: تصحبني بفتح التاء من صحبه يصحبه، وأورد عليه أن قوله: لا تجعلني لا يناسب قراءة يعقوب بل قراءة غيره بضم التاء من الأفعال، كما وقع في الكشاف إلا أن يكون ذلك رواية عن يعقوب فيكون بضم التاء في كلامه وليس بشيء لأنّ كل متعد فيه معنى الجعل، فقولك قتلت زيداً بمعنى جعلته قتيلا ولا غبار عليه حتى يحتاج لما تكلفه. قوله: (وجدت عذرا من قبلي (إشارة إلى أنّ البلوغ بمعنى الوجود لا المشارفة فإنه يرد بهذا المعنى، كما في قوله: بلغن أجلهن، وقوله: من قبلي تفسير لقوله: مني والثلاث هي المدة المضروبة لابلاء الأعذار ولذا لو قال: الخصم لي بينة يمهل ثلاثة فقط كما في شرح الهداية، وقوله: لما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف والحديث المذكور صحيح، وقوله: لو لبث الخ أي لو لم يقل ذلك ومكث مع الخضر عليهما الصلاة والسلام، وقوله: والاكتفاء بها عن نون الدعامة أي حذف نون الوقاية، وأبقى النون الأصلية المكسورة، وقيل إنه يحتمل أن تكون لد فإنها لغة في لدن والمذكور نون الوقاية ولا حذف أصلا وقد قال المعرب: إنه لا يصح لوجهين أحدهما أق نون الوقاية إنما هي في المبنيّ على السكون لتقيه الكسر ولد بدون نون مضمومة لا سكون فيها، والثاني أنّ سيبويه رحمه الله منع أن يقال لدني بالتخفيف وفيه نظر لأنّ القراءة حجة عليه كما ذكره هو ولا مانع أن يقال: إنها وقيته من زوال الضم. قوله: (قدئي من نصر الخبيبين قدي) الشاهد في قوله: قدي فإنّ أصله قدني فحذف منه نون الوقاية وقد بمعنى. حسب مبنية على السكون، ولذا لحقتها النون حال الإضافة وفيها تفصيل في كتب النحو، وتمامه ليس الإمام بالشحيح الملحد وهو من شعر لحميد بن الأرقط في عبد الملك بن مروان وتباعده عن نصرة ابن الزبير وأصحابه رضي الله عنهم، وخبيب بخاء معجمة، وياءين موحدتين مصغر أحد أبناء عبد الله بن الزبير والخبيبين مثنى خبيب وأبيه على التغليب، ويروى بكسر الباء على صيغة الجمع على تغليبه على أبيه وقومه والشحيح البخيل والملحد المائل عن الحق، وقوله: إسكان الضاد الخ أي شبه به وزنا فخفف تخفيفه وان لم تكن النون من الكلمة. قوله: (قرية أنطاكية الخ) قال ابن حجر في شرح البخاري: الخلاف هنا كالخلاف في مجمع البحرين ولا يوثق بشيء منه، وأنطاكية بتخفيف الياء معروفة، وأبله بالهمز والباء الموحدة واللام المشددة أحد منتزهات الدنيا معروفة وفي بعض نسخ الكشاف ايكة بالكاف دون ذكر البصرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وأرمينية بلاد أرمن، وياؤها مخففة أيضا، وبأجر وان بباء موحدة مفتوحة وألف وجيم مفتوحة وراء مهملة ساكنة، وواو وألف ونون من أعمال أرمينية ذكرها في معجم البلدان، وكذا ضبطها ابن خلكان، وقال: هي بلدة من أعمال الرقة واسم مدينة بنواحي أرمينية من أعمال شروان، قيل بها: عين الحياة التي وجدها الخضر وأبو عبيدة منها، وقيل: هي القرية التي استطعم موسى عليه الصلاة والسلام أهلها اهـ، والمصنف أضافها لأرمينية لتعددها، كما عرفته فهو كقوله: على زيدنا يوم النقا رأس زيدكم وجروان بدون با بلدة بمصر معروفة قوله: (وقرىء يضيفوهما (أي بضم الياء والتخفيف من الإضافة وهي أخص! من الإطعام لأنها إطعام في المنزل على وجه الإكرام، وقوله: من إضافة يقال: ضافه إذا نزل به فالضيافة من الضيف لا بمعنى الإضافة كما يستعمله الناس لكنها وردت بمعناه أيضا إفا حقيقة أو مجازاً فلا خطأ فيه كما يتوهم، وأنزله تفسير لضيفه وأصل معناه الميل لميل الضيف نحو جانب المضيف. قوله تعالى: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} في إعادة لفظ الأهل هنا سؤال مشهور وقد نظمه بعض الأدباء سائلاً عنه الإمام السبكي رحمه الله تعالى في قصيدة منها: رأيت كتاب الله أعظم معجز لا فضل من يهدي به الثقلان ... ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز ألفاظ وبسط معان ... ولكنني في الكهف أبصرت آية بها الفكر في طول الزمان عثاني ... وما هي إلا استطعما أهلهافقد نرى استطعماهم مثله ببيان ... يعني أنه عدل عن الظاهر بإعادة لفظ أهل ولم يقل استطعماها لأنه صف القرية، أو استطعماهم لأنه صف أهل فلا بد له من وجه، وقد أجابوا عنه بأجوبة مطؤلة نظما ونثراً، والذي تحرّر فيه أنه ذكر الأهل أوّلاً ولم يحذف إيجازا سواء قدر أو تجوّز في القرية، كقوله: واسأل القرية لأنّ الإتيان ينسب للمكان نحو أتيت عرفات، ولمن فيه نحو أتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه التباس مخل فليس ما هنا نظير تلك الآية لامتناع سؤال نفس القرية فلا يستعمل استعمالها، وأمّا الأهل الثاني فأعيد لأنه غير الأوّل وليست كل معرفة أعيدت عيناً كما بينوه لأن المراد به بعضهم إذ سؤالهم فرداً فرداً مستبعد فلو لم يذكر فهم غير المراد، أمّا لو قيل استطعماهم فظاهر وأما لو قيل: استطعماها فلأنّ النسبة إلى المحل تفيد الاستيعاب كما أثبتوه في محله، وأمّا إتيان جميع القرية فهو حقيقة في الوصول إلى بعض منها كما يقال: زيد في البلد أو في الدار، وقيل إنّ الأهل أعيد للتأكيد كقوله: ليت الغراب غداة ينعب بيننا كان الغراب مقطع الأوداج أو لكراهة اجتماع ضميرين متصلين لبشاعته واستطالته كذا قال النيسابوري: ثم نقل عن أبي حيان نحوا مما ذكرناه وذكر أنه مروي عن الشافعيّ رحمه الله، لكنه مخالف لما في الأصولي من أنه إذا أعيد المذكور أوّلاً معرفة كان الثاني عين الأوّل وليس بشيء لما مر، وقد قيل إن المراد توصيف القرية بالجملة، وهو يقتضي كون التركيب هكذا والا خلت الصفة عن ضمير الموصوف وفيه أنه لو ترك ذكر الأهل حصل المقصود فما الداعي لذكره هناك وقد ذكرنا فيما مر ما يعلم منه وجهه بقي هنا كلام طويل من غيرطائل في كون الجملة صفة أو جوابا تركناه لقلة جدواه. قوله: (تدانى أن يسقط (أي قرب من السقوط وهو بيان لحاصل معناه، وقوله: فاستعيرت الإرادة للمشارفة أي قربه من الوقوع، والاستعارة إما لغوية فهو مجاز مرسل بعلاقة تسبب الإرادة لقرب الوقوع أو اصطلاحية بأن يشبه قرب السقوط بالإرادة لما فيهما من الميل أو مكنية وتخييلية وهكذا استعارة الهمّ بمعنى القصد والعزم، وهذا ردّ على من أنكر المجاز في القرآن وقال: إن الضمير للخضر عليه الصلاة والسلام أو الله تعالى خلق في الجدار حياة هارادة فإنه تكلف وتعسف تفسد به بلاغة الكلام. قوله: (يريد الرمح (أي يقرب من طعن صدره، وأبى براء بفتح الباء اسم رجل، ويعدل بمعنى يصد وينثني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 وفي رواية ويرغب وهي أنسب، وبني عقيل بفتح العين قبيلة معروفة، والشاهد في قوله: يريد الرمح وفيه الوجوه السابقة، وأما حمله على الإسناد المجازي إلى الآلة فهو يفوت به الاستشهاد، ولم يجنحوا إليه لأن الأوّل أبلغ وألطف فلا وجه لما قيل إن هذا أولى، وقوله: إن دهراً الخ من قصيد لحسان رضي الله عنه ويلئم بمعنى يجمع وفي نسخة يلف، والشمل من الأضداد بمعنى الاجتماع والافتراق، وجمل بضم الجيم وسكون الميم اسم محبوبته، وفي نسخة بسعدي، وقوله: يهم بالإحسان أى يقصد.، وهو محل الشاهد والمراد أن زماناً فعل م! ل هذا يلوح عليه أمارات الإحسان فيقا غداه فاندفع ما قيل إنّ حمل الهمّ فيه على المشارفة مجازاً فيه بعد، فإنّ جمع شمله بمحبوبته عين الإحسان. قوله: (وانقمق انفعل من قضضته إذا كسرته) يعني أن انفعل بزيادة النون من قضضته بمعنى كسرته، ولما كان المنكسر يتساقط قيل لسقوط الطير والكوكب انقضاض فلذا قال المصنف رحمه الله: ومنه لأنه ماخوذ منه وليس مرادفاً له والهوى بضم الهاء وتشديد الياء السقوط، وقوله: وكزىء الخ هي قراءة عليّ وعكرفة، وهو انفعال أيضاً والصاد المهملة مخففة فيهما والأوّل ثلاثيّ مجرّد مشهور ومعناه. ما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: أو اقعل فحطوف على قوله: انفعل وهو بتشديد اللام فالنون فيه أصلية لأنه من النقض فهو من باب احمرّ، وهذا ما ذكره أبو عليّ في الإيضاح لكن قال السهيليّ في الروض إنه غلط، وليس هذا محل البحث فيه، وقوله: بعمارته أي ترميمه وإصلاحه. قوله: (وقيل مسحه بيده ققام) وهي معج! زة أو كرامة قيل: إنه غير ملائم لقوله: لو شئت لتخذت عليه أجرا إذ لا يستحق بمثله الأجر، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وردّ بأنه قول سعيد بن جبير، وقد قال القرطبيّ: إنه هو الصحيح وهو أشبه بأحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعدم استحقاق الأجر مع حصول الغرض غير مسلم ولا يضرّه سهولته على الفاعل. قوله: (وقيل نقضه وبناه) مرّضه لأنه لا يساعده قوله أقامه مع أنه مخالف لما في رواية البخاريّ الصحيحة ولا عبرة بما وقع في العرائس مما يخالفه. قوله: (تحريضاً) بالضاد المعجمة أي هذا الكلام وقع من موسى عليه الصلاة والسلام لتحريض الخضر عليه الصلاة والسلام أي حثه وتحريكه على أخذ الجعل والأجر على فعله ليحصل لهما به الانتعاش أي التقوى بالمعاش فهو سؤال له لم لم تأخذه واعتراض على تركه وهذا لأنّ المراد منه لازم فائدة الخبر إذ لا فائدة في الإخبار بفعله، وقوله: أو تعريضا بأنه فضول أي فعل لما لم يطلب منه تبرّعا من غير فائدة واستحقاق لمن فعل له مع كمال الاحتياج إلى خلافه، والفرق بينه وبين الأوّل أنه ليس فيه حث على أخذ الأجر، وقوله: لما في لو من النفي تضمنها النفي ظاهر وهو راجع إلى الوجهين أي أنها تدل على عدم أخذ الأجر فلذا حث عليه أو عرّض له بأنه عبث، وقيل: إنه راجع للثاني، فقط والأوّل أولى. قوله: (كأنه لما رأى الحرمان الخ (كأن هنا للظن وعبر به تأذبا وتعظيما لمقام موسى صلى الله عليه وسلم، ومساس! عطوف على الحرمان أو مفعول معه، وقوله: لم يتمالك بالغيبة ونصب نفسه ويجوز رفعه وهو جواب لما، والجملة خبر كان أو هي خبر وهو بيان لسبب اعتراض موسى صلى الله عليه وسلم بعد النهي. قوله: (واتخذ افتعل) يعني أنّ فيه اختلافا بين أهل اللغة والتصريف فقيل إنّ التاء الأولى أصلية والثانية تاء الافتعال أدغصت فيها الأولى ومادّته تخذلاً أخذ وإن كان بمعناه لأنّ فاء الكلمة لا تبدل تاء إذا كانت همزة أو ياء مبدلة منها، ولذا قالوا: إن اتزر خطأ أو شاذ وهذا سائغ في فصيح الكلام وأيضا إبدالها في الافتعال لو سلم لم يكن لقولهم تخذ وجه ومن خالفهم فيه لا يسلمه ويقول: المدة العارضة تبدل تاء أيضاً ولكثرة استعماله هنا أجروه مجرى الأصلي، وقالوا: تخذ ثلاثيا جريا عليه، وتخذ كعلم وليست تاؤه بدلاً من واو على مختار المصنف رحمه الله فمن ذكره هنا فقدمها. قوله: (بيني وبينك (أعاد بين وان كانت لا تضاف إلا لمتعدد لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، وليس لمحض التأكيد كما قيل، وقوله: الإشارة إلى الفراق الموعود يعني أنه إشارة لما فهم من مفارقته المدلول عليها بقوله: فلا تصماحبني قبله فلتصوّرها وحضورها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 في الذهن نزلت منزلة المحسوس المشاهد كما يقول المصنفون: هذا كتاب قبل تأليفه، وهذا أخوك لتصوّره وحضوره في ذهنه، وأورد عليه في شرح الكشاف أنه فرق بين ما ذكر وما في الآية بأنّ المشار إليه ثمة مفهوم الكتاب وذات الأخ فيفيد الإخبار بمفهوم الأخ، ومفهوم الكتاب المخصوص، وما في الآية ليس كذلك فلا يفيد الإخبار عنه بالفراق، والجواب عنه أنّ المخبر عنه الفراق باعتبار كونه في الذهن والخبر باعتبار أنه في الخارج فيتغايران ويفيد الحمل، ولذا قال المعترض: ويمكن أن يجاب عنه وظنه بعضهم غير مندفع، ومن أراد تحقيق هذا فلينظر ما كتب في حواشي شرح التهذيب. قوله: (أو إلى الاعتراض الثالث (قيل: وجه التخصيص أنه حرّم عليه الصحبة بعده لأنّ نهيه وهو صاحب شريعة للتحريم، وقيل: عليه الظاهر أنه للترخيص وهو الظاهر في حال موسى معه، ولا يوافقه تول المصنف في آخر القصة: وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه، وقد روي عن ابن عباس في وجهه، أنّ قول موسى عليه الصلاة والسلام في السفينة: والغلام لله وفي هذا لنفسه لطلب الدنيا فكان سبب الفراق (قلت) الظاهر أنه للتحريم وأنّ المراد به معناه، وهو الجزم بالترك والمفارقة كما كان كذلك في الواقع وصرّح به في الحديث السابق وهو رحم الله أخي موسى الخ، وأمّا ما ذكره في آخر القصة فلا علاقة له به لأنّ العفو عن الجرم لا ينافي المفارقة، وأما ما روي عن ابن عباس فقد رذه في الكشف وطعن في روايته بأنه لا يليق بجلالة موسى والخضر، وقيل في وجهه: إنه آخر جزء يتتم به السبب ولا وجه له فإن قوله في النظم: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني صريح في أن السؤال الأخير هو سبب المفارقة لا ما كان قبله، وقال الشارح العلامة: إنه سبب الفراق دون الأوّلين لأنّ ظاهرهما منكر فكان معذوراً بخلاف هذا فإنه لا ينكر الإحسان للمسيء بل يحمد، وهذه زهرة لا تحتمل هذا الفرك، وقوله: وقته إشارة إلى أنه على هذا لا بد من تقدير مضاف في الخبر ليصح الحمل، وقوله: على الاتساع كما في مكر الليل بجعل البين كأنه مفارق، وابن الحاجب يجعل الإضافة في مثله على معنى في وقوله: على الأصل أي بتنوين فراق ونصب على الظرفية. قوله: (بالخبر الباطن (إشارة إلى أن معنى التأويل إظهار ما كان باطنا ببيان وجهه وحكمته، وهو راجع إلى معناه اللغوقي، وهو ما يؤول إليه الشيء، وقوله: الصبر عليه إشارة إلى أن صبراً مفعول بتستطع وعليه متعلق به قدم عليه رعاية للفاصلة. وقوله: لمحاويج جمع لمحتاج على خلاف القياس. قوله: (وفيه دليل على أنّ المسكين يطلق الخ) الخلاف في الفرق بين الفقير والمسكين لغة مفصل في كتاب الزكاة وما ذكره مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وهو ردّ على من قال المسكين من لا شيء له أصلاً، والفقير من له أدنى شيء وقد أجيب عنه بأنها لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو كانت معهم عارية أو قيل لهم: مساكين ترحماً واللام للاختصاص لا للملك، وقوله: وقيل سموا مساكين الخ فيكون المسكين بمعنى الذليل العاجز لأمر في نفسه أو بدنه بقطع النظر عن المال وعدمه، وهو معنى آخر غير ما اختلف فيه الفقهاء، وإليه يشير قولهم إنه ذكر ترحما، وقوله: أو لزمانتهم وجه آخر لكونهم مساكين بالمعنى الثاني فاو فيه ليست بمعنى الواو وفي نسخة بالواو وهي بمعنى أو واطلاقه عليهم تغليب لأنّ بعضهم مساكين ولأنهم جميعا لم يعملوا أي عاجزين وهم الزمنى، وقوله: كانت لعشرة صريح في الشركة فلا وجه للتردّد فيها. قوله: (قدّامهم أو خلفهم الأن وراء يطلق عليهما لأنه من الأضداد وكل ما توارى عنك ورجح الأوّل وإن كان الثاني هو المشهور في معنى وراء لأنه المروي كما في البخاري، ويؤيده أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، وقوله: وكان رجوعهم عليه راجع للثاني لدفع توهم أنه إذا كان خلفهم سلموا منه، ولك أن تقول بل الظاهر أنّ المراد على الثاني، وهو مدرك لهم مارّ بهم، وقوله: اسمه أيمما الملك وجلندي بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال المهملة، ثم ألف مقصورة، وقيل: هو منولة بن الجلند بن سعيد الأزدي وكان بجزيرة الأندلى، وقيل: فيه وفي اسمه غير ذلك والأزد قبيلة معروفة. قوله: (وكان حق النظم) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 أي الترتيب أو لفظ النظم القرآني وإنما كان حقه ذلك لأنّ سبب تعييبها غصب الملك للسفن السليمة وهم فقراء لا معاس لهم بغيرها، وبتعييبها من غير إغراق يسلمون من ذلك فدفعه بأنه قدم للعناية أي للاعتناء والاهتمام به لأنه الذي حصل به رد اعتراضه بأن خرقها مفسدة مؤذية للإغراق إذ معناه ما أردت إلا جعلها معيبة لا إغراق من بها، وهذا على تسليم أن السبب ما بعده وأنه قدم عليه لما ذكر وقوله: أو لأنّ السبب لما كان مجموع الأمرين مبنيّ على منعه وأنّ السبب ليس ما بعده فقط بل مجموعهما ولكن قدم أحد الجزأين لكونه أقوى وأدعى أي أكثر دعوة له وحملا على فعله، ووسط المسبب بينهما توسط زيد ظني مقيم، وهذا بعينه ما في الكشاف، وقوله: على سبيل التقييد المراد تقييد مسكنتهم بمقارنة غصب الملك لأنها لا تكون وحدها سبباً والتتميم بذكر الجزء الأخير من السبب لتتم سببيته لكن هذا لا يتمّ به وجه تغيير النظم من كل وجه، ولهذا لم يرتضه صاحب الانتصاف والطيبي وجعل كونها للمساكين هو السبب لأنّ ترتيب إرادة التعييب على كونها القوم مساكين عجزة يشعر بأن ذلك الفعل إعانة لهم على ما يخافونه ويعجزون عن دفعه، ولما كان ذلك خفياً عقبه ببيانه بعد تمام ذكر السبب والمسبب ولولاه لم تكن الفاء في محلها، وهو وجه حسن مع غموضه، ومما يرفع برقع الخفاء عن هذا الوجه الحسن أن قوله: كان يدل على أنّ هذا كان دأبه وأنه مشهور عنه فكأنه غنيّ عن الذكر كما ذكره المحدثون في كان عبم يفعل كذا بأنه يدل على أنه هجيراه وعادته فتأمل. وقوله: والمعنى عليها أي على هذه القراءة وان لم يقرأ بها وأنّ المراد بالسفينة الصالحة إذ لو أبقى على عمومه لم يكن للتعييب فائدة، وقوله: أن يغشيهما بالغين المعجمة من الأفعال أو التفعيل أي يعرض لهما منه ذلك. قوله: (لنعمتهما بعقوقة) فالمراد بالكفر كفران النعمة التي له منهما بتربيته وكونهما سبب وجوده، والباء سببية متعلقة بكفرا وقوله: فيلحقهما شزاً من الإلحاق أي لعقوقه يلحقهما شرّ وأمر قبيح، وهو تفريع أو تفسير لقوله: أن يغشيهما، وقوله: أو يقرن بفتح الياء عطف على يغشيهما وتفسير آخر له، وطغيانه وكفره مفعوله، وقوله: فيجتمع تفسير لغشيانه وبيان لمضرّته، وقوله: أو يعديهما من أعداه بمرضه، وعلته كفره ومرض قلبه وقوله: بعلته متعلق بيعدي والممالأة بالهمز، وقد تبدل الفا مفاعلة بمعنى المعاونة ومنه قول عليّ رضي الله عنه: ما مالأت قتله عثمان رضي الله عنه وأصل معناه صرت في ملئه كشايعته صرت من شيعته وهو معطوف على قوله: بإضلاله وعطفه على قوله: بعلته فيما بعد، وحباً تعليل له، وقوله: أعلمه أي بوقوع ما ذكر إن لم يقتل. قوله: (وعن ابن عباس الخ (الحروري من الحرورية وهم قوم من الخوارج خرجوا على عليئ رضي الله عنه نسبة إلى حروراء بفتح الحاء وهي قرية بالكوفة، قال الإمام السبكيّ رحمه الله: " ما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام من قتل الغلام لكونه طبع كافرا مخصوص به لأنه أوحي إليه أن يعمل بالباطن وخلاف الظاهر الموافق للحكمة فلا إشكال فيه وان علم من الشريعة أنه لا يجوز قتل صغير لا سيما بين أبوين مؤمنين ولو فرضنا أنّ الله أطلع بعض أوليائه كما أطلع الخضر عليه الصلاة والسلام لم يجز له ذلك، وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما قصد به المحاجة والإحالة على ما لم يمكن قطعا لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر عليه الصلاة والسلام وليس مقصوده أنه إن حصل ذلك يجوز لأنه لا تقتضيه الشريعة وكيف يقتل بسبب لم يحصل والمولود لا يوصف بكفر حقيقيّ ولا إيمان حقيقيّ وقصة الخضر تحمل على أنه كان شرعا مستقلا به وهو نبي وليس في شريعة موسى أيضا ولذا أنكره اهـ، وبهذا ارتفع الإشكال الوارد على قصة الخضر عليه الصلاة والسلام من مخالفتها لظاهر الشرع فإنّ أعظم ما يشكل فيها قتل الغلام، أمّا إقامة الجدار فلا إشكل فيه لأنها إحسان للمسيء، وهو من مكارم الأخلاق، وكذا نقض لوح السفينة لتسلم من غصب الظالم ثم يعاد من غير ضرورة، كما في رواية مسلم أنه جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة ثم جاوزها فأصلحها كما في شرح البخاريّ، وقوله: الولدان دون ولد مع أنه الواقع في القصة ليعمه وغيره ممن يكون مثله، وقوله: إن تقتل أي يقع منك القتل، مطلقا لولد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 أو لولدين. قوله: (كراهة من خاف سوء عاقبة) أي ككراهته إشارة إلى أنه استعارة إذ الخوف لا يليق بجنابه تعالى، وقيل إنّ الخوف مجاز مرسل عن لازمه وهو الكراهة، وقوله: ويجوز أن يكون قوله: فخشينا الخ، عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل ة وقوله خشينا من كلايم الخضر عليه السلام أي محكيّ عنه ويجوز أن يكون الخ، وإنما أخره عن قوله: وقرىء لأن الخشية فيه بمعنى الكراهة مجازاً كما مر ولما مرّ، ويكون التقدير أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فقال الله: {خَشِينَا} الخ والفاء من الحكاية ولا يخفى بعده مع أنه لا يلائمه قوله: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} إلا أن يجعل التفاتا. قوله: (خيراً منه (قيل أفعل فيه ليس للتفضيل لأنه لا زكاة فيه ولا رحمة ورد لأنه زكيا طاهرا من الذنوب إن كان صغيراً وبحسب الظاهر إن كان بالغا فلذا قال موسى صلى الله عليه وسلم: نفسا زكية وهذا في مقابلته فخير منه زكاة من هو زكيّ في الحال والمآل بحسب الظاهر والباطن، ولو سلم فالاشتراك التقديرفي يكفي في صحة التفضيل، وقوله: لا رحمة قول بلا دليل ولا يخفى أن الجواب الصحيح هنا أن يكتفي بالاشتراك التقديري لأنه كان عالماً بالباطن فهو يعلم أنه لا زكاة فيه ولا رحمة، فقوله: إنه لا دليل عليه لا وجه له إلا أن ما ذكره من كون خيرا ليس للتفضيل لا يتأتى في قوله أقرب. قوله: (رحماً بالتثقيل) أي بالتحريك بالضم في الحاء، وفي نسخة بالتخفيف ولا وجه له وكثيراً ما يطلق التثقيل على التحريك والتخفيف على التسكين وهو ظاهر وإنما بيناه لأنّ بعض الجهلة ظنه في قوله في سورة تبارك: {سُحْقًا} [سورة تبارك، الآية: اا] بالتثقيل أنه بتشديد القاف حتى قرأ به فقال فيه العلامة ابن الحنبلي الحلبي رحمه الله تعالى: وجاهل زاد جهلاً وظل يظهر حمقا فقال لي اقرأسحقاً سحقاً له ثم سحقا وقوله: والعامل اسم التفضيل لأنه ينصب التمييز دون المفعول به كما نص عليه النحاة ومثله زكاة وأصرم وصريم مصغراً بالصاد المهملة، وجيسور بجيم مفتوحة، وروي بحاء مهملة ثم ياء مثناة تحتية ثم سين مهملة مضمومة وواو ثم واء مهملة، وروي بنون، وقوله: مرفوعا أي في حديث مرفوع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (والذم على كنزهما الخ (أي الذهب والفضة وهذا جواب ما يتوهم من أنّ الظاهر أنّ الكانز له أبوهما لقوله: لهما فإنه لا يكون لهما إلا إذا كان ارثاً أو كانا قد استخرجاه والثاني منتف فتعين الأوّل، وقد وصف بالصلاج، فهو معارض لذم الكانز في تلك الآية فدفعه بأنّ المذموم هناك ليس مجرد الكنز لقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله كما بينه المصنف رحمه الله فلا يرد عليه ما قيل لا دلالة في النظم على أنه كان للأب الصالح حتى يعتذر عنه بما ذكر ولا وجه لما قيل في جوابه بأن قصد المصنف رحمه الله بيان حال الكنز في الحل والحرمة بمناسبة ذكره هنا، وفيه أيضاً إشارة إلى ردّ ما أورده الإمام أنّ الكنز كان علماً لا مالاً لمنافاته الصلاح، والحقوق كأداء الدين ونحوه، وقوله: من كتب العلم معطوف على قوله من ذهب وفضة وقوله كان لوح وقع في النسخ مرفوعاً وكان الظاهر نصبه فأما أن تكرن كان زائدة ولوج خبر مبتدأ مقدر أو هو اسمها والخبر مقدّر، أي فيه أو هي تامة، ويحزن بالحاء المهملة من الحزن، وما وقع في بعضها يخزن بالخاء المعجمة الظاهر أنه تحريف، وتقلبها بالنصب معطوف مع الدنيا أو مفعول معه، وقوله: " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته لعلم الأمم السالفة بأنه سيكون رسولاً، وسعيه أي الخضر عليه الصلاة والسلام وذلك بدل منه وبينهما أي الولدين. قوله: (حفظا فيه (أي حفاظا لأجله ففي سببية كما في حديث أنّ امرأة دخلت النار في هزة وقوله: الحلم وكمال الرأي تفسير الأشد وهل هو مفرد أو جمع ومفرده ماذا مفصل في كتب اللغة والنحو، وقيل: الأولى الاقتصار على كمال الرأي لأنّ أهل اللغة فسروه بقوّته من ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين فهو بعد الحلم وليس ما ذكره مسلماً كما يعرفه من تتبع اللغة وذكروا في قصة الجدار أنّ اليتيمين كانا غير عالمين بالكنز ولهما وصيّ يعرفه لكنه غائب فلو سقط الجدار بما ضاع الكنز وتوله مرحومين إشارة إلى أنه حال من ضمير الفاعل فيؤؤل باسم المفعول لأنّ الأصل في الحال أن يكون صفة وإذا كان علة فهو مفعول له لقوله أراد ربك لا من فاعل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 يستخرجا لكون فاعلهما مختلفا فأما جعله منه على القول بجوازه أو هو مصدر من المبين للمفعول فلا حاجة إليه والظاهر في مقام الضمير، وأورد عليه أنه إذا كان مصدر أراد ربك بمعنى رحم كانت الرحمة من الرب لا محالة فأي فائدة في ذكر قوله: من ربك وكذا إذا كان مفعولاً له فإمّا على تقدير فعلت ما فعلت فهو منصوب بنزع الخافض أي برحمة ربك، أو هو مفعول له بتقدير إرادة أو رجاء رحمة ربك لما مر أو المراد بالرحمة الوحي. قوله: (ولعل إسناد الإرادة الخ (هذا مما اتتدى فيه بالإمام في بيان نكتة تغاير الأسلوب فأسنده أوّلاً لنفسه لأنّ خرق السفينة وتعييبها بفعله، وثانياً إلى الله تعالى والى نفسه لأنّ ضمير أردنا لهما لأنّ إهلاك الغلام فعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو بمحض فعل الله وقدرته، فلما تضمن الفعلين أتى بضمير مشترك بينهما وهو ظاهر إلا أنه اعترض عليه بأن اجتماع المخلوق مع الله في ضمير واحد لا سيما ضمير المتكلم فيه ترك أدب منهيئ عنه شرعاً، ولذا قال صلى الله عليه وسلم لخطيب قال في خطبته بعد ذكر الله ورسوله ومن يعصهما فقد غوى بئس خطيب القوم أنت، كما هو مقرر في كتب الحديث فالوجه أنه تفنن في التعبير والمراد هو فأفرد أوّلاً لأنّ مرتبة الإفراد مقدمة على غيرها، ثم أتى بضمير العظمة إشارة إلى علو مرتبته في معرفة الحكم إذ لا يقدم على ذلك القتل إلا من هو كذلك بخلاف التعييب، والأحسن ما في الانتصاف من أنه من باب قول خوأص الملك أمرنا بكذا يعنون أمر الملك العظيم، وأسند الإبدال إلى الله إشارة إلى استقلاله بالفعل وأنّ الحاصل للعبد مجرّد مقارنة إرادة الفعل دون تأثير فيه كما هو المذهب الحق، وقيل: في وجه اختلافه في إضافة الفعل إلى نفسه قصور في الأدب لا يرتكب إلا لعلة وهي موجودة في الأوّل مفقودة في الثاني لكون العيب لا يسند إليه تعالى تأذبا فأسنده إلى نفسه بخلاف ما بعده ولا مجال للإضافة إلى نفسه في الثالث، وأورد عليه أنه على تقدير تسليم ما ذكره من المقصود في مراعاة الأدب ففي جمع نفسه مع رب العزة في ضمير خلاف أدب أشد مما ذكره كما مر وما فيل إنّ ما ذكر ليس من قبيل ما وقع في الحديث فإنّ التسوية ليست في مجرّد الجمع في الضمير كما لا يخفى فليس بشيء لما سنذكره (أدول (أصل هذا أنّ ثابت بن قيس بن شماس وكان خطيب النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه كان يخطب في مجلسه صلى الله عليه وسلم إذا وردت وفود العرب وهذه الخطبة خطبها عنده لما قدم وفد تميم وقام خطيبهم فذكر مفاخرهم ومآثرهم فلما أتم خطته قام ثابت وخطب خطبة قال فيها: إ من يطع الله عز وجل ورسوله! فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى " فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: بض خطيب القوم أنت قم، قال الخطابي كرهءشسلا منه ما فيه من التسوية أي في الضمير مع تسوية العطف فالكراهة تنزيهية لا تحريمية على الصحيح وأن أفهم كلام الغزالي خلافه وذهب غيره إلى إنه لا كراهة فيه أصلا وإنما كره صلى الله عليه وسلم منه أنه! وقف على قوله: يعصهما وهذا ضعفه صاحب الشفاء فقد وقع في الأحاديث والآيات ما يخالفه كما في حديث الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} هل ضمير يصلون لله والملائكة أم لا فأجازه قوم ومنعه آخرون لعلة التشريك المذكورة والظاهر على أنّ الكراهة تنزيهية أنها غير مطردة فقد تكره في مقام دون مقام فلما كان ذلك مقام خطابة وأطناب وهو بحضرة قوم مشركين والإسلام غض طرقي كره فيه، وأما مثل هذا المقام الذي القائل فيه والمخاطب من عرفت وقصد فيه نكتة وهو عدم استقلاله فلا كراهة فيه خصوصا، وقد قال بعض من ذهب إلى الكراهة: " إنه مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاز للنبي صلى الله عليه وسلم فهو في كلام الله وما حكاه بالطريق الأولى فالحق أنه لا كراهة فيه في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أشير إليه في شروح البخاري وأما في حق البشر فقيل لا كراهة فيه أصلاً وقيل: فيه كراهة تنزيه مطلقا أو في بعض المواضع وبهذا عرفت ما في كلامهم هنا وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لأني لم أر من حققها ولعلنا نحتاج إليها في محل آخر. قوله: (الأوّل في نفسه شر) فلا يليق إسناده إلى الله وأن كان هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 الفاعل، والثالث خير فأفرد إسناده إلى الله، والثاني ممتزج خيره وهو تبديله بخير منه وشره وهو القتل فأسنده إلى الله والى نفسه نظرا لهما، وقوله: أو لاختلات حال العارف أي بالله فإنه في ابتداء أمره يرى نفسه مؤثرة فلذا أسند الإرادة أولا إلى نفسه ثم تنبه إلى أنه لا يستقل بالفعل بدون الله فلذا أسنده لهما ثم يرى أنه لا دخل له وأن المؤثر والمريد إنما هو الله قلذا أسنده إليه فقط وهو مقام الفناء ومقام كأن الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان. قوله: (عن رأيي) يعني أن الأمر هنا واحد الأمور والمراد به الرأي لا أنه بمعنى الرأي وظاهر كلام الراغب أنّ الأمر يطلق على الرأي وما يخطر بالبال كان نفسه تأمره به ولذا تسمى أمارة كما في قوله: سوّلت لكم أنفسكم أمرا وهو أنسب بمقابلته بأمر الله. قوله: (ومبني ذلك (أي ما فعله الخضر على ما عرفت من تفصيله، وقوله: الشرائع في تفاصيله مختلفة إشارة إلى أنّ بعضا من جزئيات هذه قد يجوز في شريعة دون أخرى، كقتل الغلام فإنه في شريعة الخضر عليه الصلاة والسلام لما مرّ دون شريعتنا وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام لأنه من علم الباطن المأمور به هو دون غيره ونظيره أنه يجوز قطع عضو متآكل إذا تحقق سريانه إلى النفس وهذه قاعدة قرّرها الفقهاء وعليها مبني قصة الحديبية. قوله: (فحذف التاء تخفيفاً (أصله تستطع فحذفت تاء الاستفعال، وقيل: المحذوف الطاء الأصلية ثم أبدلت التاء طاء لوقوعها بعد السين وهو تكلف وقيل السين عوض قلب الواو ألفا والأصل أطاع وإنما خص هذا بالتخفيف لأنه لما تكرّر في القصة ناسب تخفيف الأخير منه وأما كونه للإشارة إلى أنه خف على موسى صلى الله عليه وسلم ما لقيه ببيان سببه فيبعده أنه في الحكاية لا المحكي. قوله: (ومن فوائد هذه القصة الخ (عدم عجب المرء بعلمه يعلم من أن سبب ما جرى له قوله ليسى في الأرض أعلم مني لا أنه بادر إلى الإنكار فظهر خلافه كما قيل، وعدم المبادرة إلى الإنكار هي سؤاله في الأمور الثلاثة والسر المذكور ما ذكره في الجواب، وأدبه في المقال قوله: تعلمني مما علمت رشدا وتنبيه المجرم على جرمه بقوله: (لن تستطيع معي صبرا) وعفوه عنه عدم مبالاته بإنكاره كما يدل عليه قوله: سأنبئك الخ وتحقق إصراره بقاؤه على إنكار ما خالف ظاهر الشريعة، والمهاجرة قوله: (هذا فراق بيني وبينك (والتذلل قوله: (لا تؤاخذني!. قوله: (يعني اسكندر الرومي (لصحة ذلك عند المؤرخين ووروده في بعض الأحاديث وهو المختلف في نبوّته على الصحيح لا اليوناني كما ذكره الإمام حتى يعترض عليه أنه تلميذ أرسطو ومذهبه ليس بحق فيحتاج إلى الجواب بأنه لا يلزم من تلمذته موافقته في جميع مقالاته كمحمد وأبيب حنيفة رحمهم الله ومثله لا يحتمل البحث. قوله: (ولذلك سمي ذا القرنين) أي لملكه المشرق والمغرب اللذين هما قرنا الدنيا أي جانباها والقرن من الناس أهل عصر وقد اختلف في مقدار مذته والضفيرة تسمى قرنا حقيقة، وقرنا التاج ما ارتفع من أعلاه على التشبيه وتوله: كما يقال الكبش للشجاع فإنه شائع في كلامهم على طريق الاستعارة والتشبيه وقوله: كأنه ينطح أقرانه أي بتشبيه طعن الأقران وضربها بالنطح وهو إشارة إلى وجه الشبه بينهما والعلاقة. قوله: (والهاء لذي القرنين وقيل لله (تعالى إذا كان الضمير لذي القرنين فالمعنى من أخباره وقصصه ومن تبعيضية والجار والمجرور صفة ذكراً قدم عليه فصار حالاً، وإذا كان دلّه فمن ابتدائية ورجوعه إلى الله بقرينة قوله: بعده إنا مكنا له الخ، ومحكن تقدم تحقيقه فإنه يتعدى بنفسه واللام كنصحت وشكرت وحذف المفعول لقصد التعميم، وقوله: من التصرف بيان لأمره أي أعطيناه التصرف فيها. فوله:) وآتيناه من كل شيء سبباً) قيل: المراد من أسباب كل شيء والداعي لتقديره أن الظاهران من بيانية والمبين قوله سببا، وقوله: أراده وتوجه إليه صفة شيء مخصصة له لأنه لم يؤت أسباب كل شيء وليس فيه منافاة لتقدير المضاف المذكور كما قيل إنه يأباه لأنّ من جملة أسباب مراده تعلق إرادة الله وفدرته مثلاً وليس مما أعطيه ولا يبعد أن تكون من تعليلية والشيء وأن تأخر حصولاً مقدم تصوّراً لأن المراد بالأسباب الأسباب العادية فلا يدخل فيها ما ذكر وهي معلومة من كون المعطي هو الله إذ إيتاؤه يقتضي تقديره وارادته وما اختاره تكلف لا حاجة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 إليه وما قيل إنه المعوّل عليه وانه يلزم على ذلك التقدير أن يكون لكل شيء أسباب لا سبب وسببان ليس بشيء لتأمل. قوله: (فأراد بلوغ المنرب) إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة وإنما قدره لقوله حتى إذا بلغ مغرب الشمس، وقرأ نافع وابن كثير فاتبع وثم اتبع في المواضع الثلاثة بهمزة الوصل وتشديد التاء والباقون بقطع الهمزة وسكون التاء فقيل: هما بمعنى ويتعديان لمفعول واحد وقيل: أتبع بالقطع يتعدى لاثنين والتقدير فأتبع سببا سببا آخر أو فاتبع أمره سبباً كقوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، وقال أبو عبيدة: أتبع بالوصل في السير وأتبع بالقطيم معناه اللحاق، كقوله: فأتبعه شهاب ثاقب، وقال يونس: أتبع بالقطع للجدّ الحثيث في الطلب وبالوصل مجرد الانتقال قاله المعرب. قوله: (ذات حمأة) المراد بالعين عين الماء والحمأ، بالهمزة بمعنى الطين والوحل الرايسب في الماء، وحامية بالياء من الحمى وهو الحرارة فمعناها حازة ولما قرئ بهما مع اختلاف معناهما أشار إلى أنه لا تعارض بينهما لأنه يجوز في العين أن تكون ذات وحل وماؤها حارّ أو أنّ القراءة بالياء أصلها من المهموز قلبت همزته ياء لانكسار ما قبلها وان كان ذلك إنما! طرد إذا كانت الهمزة ساكنة، فقوله: أو حمئة معطوف على قوله: حارّة وأورد عليه أنه يأبى هذا التوفيق ما جرى بين ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم، وتحكيم كعب الخ كما سيأتي فإنه على هذا التوفيق لا يتمشى الخلاف فقيل تجهيل لمثلهم ورد بأنه بعد تسليم صحة ما ذكر عدم تمشي الخلاف ممنوع فإنّ مبناه السماع ولا يندفع ذلك بإمكان التوفيق لترجيح إحدى القراءتين ورجوع معاوية رضي الله عنه لموافقة قراءته لما في التوراة من غير تأويل فلا يلزم ما ذكر شمامل. قوله: (ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها الخ (إشارة إلى دفع ما يقال من أنّ الشمس في الفلك المحيط بالأرض وجرمها أكبر من الأرض بمرات، كما مر في أوّل سورة الإسراء فكيف يمكن دخولها في عين ماء بالأرض فأوّله بأنه لما بلغ ساحل المحيط من جهة المغرب وهو قوي السخونة كثير الحمأة وجد الشمس، كأنها تغيب في ذلك البحر كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تطلع وتغرب وراء البحر، وعلى هذ التأويل كما قيد ووجد عندها قوما أي عند العين الحمئة وهو مأخوذ من كلام الإمام، وما قيل من أن الوجدان يدل على الوجود ولو كان المراد ما ذكر لقال: رآها ليكون من غلط الحس، مع أن إطلاق العين على البحر المحيط خلاف الظاهر مدفوع بأن وجد يكون بمعنى رأى كما ذكره الراغب فهي مساوية لها يجري فيها ما يجري فيها، وأما كونه لموافقة قوله: وجد عندها قوما فلا يجدي لأنه مؤوّل أيضاً كما عرفت وتسمية البحر المحيط عينا لا محذور فيه خصوصا وهو بالنسبة لعظمة الله كقطرة وإن عظم عندنا، وما ذكره من قصة ابن عباس رضي الله عنهما، أورده القرطبيّ وفيه أنه رجع بعد ذلك عن قراءته وما وقع في التوراة مؤوّل بما مرّ. قوله: (إما أن تعذب الخ) قدمه وخصهم بذاك لكفرهم، وقوله: حسناً أي أمر أو عبر بالمصدر للمبالغة، وقوله: بالإرشاد الخ الداعي لصرفه عن ظاهره الشامل للعفو أنه يبعد جعله مطابقا للتقسيم في الجواب، وكون الأسر حسنا في مقابلة القتل ظاهر، والإرشاد الدعوة للإيمان، وتعليم الشرائع لمن آمن منهم. قوله: (ويؤيد الأول قوله لخ) الظاهر أن وجه التأييد أنه بين أن الحسنى لمن آمن وهو نص فيما ذكر فهو كالتفسير له، وقيل: إنه ظاهر في اختيار الدعوة فلا بد أن يكون أحد شقي التخيير ليحصل الارتباط بين الجواب والسؤال الناشئ مما سبق المقدر وهو أيهما يختار وعلى الثاني يحتاج الارتباط إلى تكلف أنّ محصل الجواب عدم اختيار واحد من الشقين إيثار الحق الله على حق نفسه فدعاهم إلى الإيمان، وقال: أما من ظلم ولا يخفى أنه لا داعي لتقدير السؤال هنا بل إنه لما قال الله له ما ذكر قال هذا وبين ما سيفعله أو يقدر السؤال هكذا فما قال الخ، والمراد بالظل في النظم الكفر قال الشارح العلامة ولا يستراب في أنّ هذا التخيير إنما يكون على تقدير بقائهم على الكفر ولهذا قدم الدعوة وحكم على من أصر على كفره بالتعذيب والمراد بهذا التعذيب أحد الأمرين على الوجه الثاني بخلافه في قوله إما أن تعذب فإنه القتل خاصة وهذا خلاف الظاهر، واعترض! عليه بأن هذ التخيير فيمن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 وجد منهم الكفر حال توجه القتل والأسر، ولا يقتضي ذلك تقديم الدعوة ولا يلائم أن المراد بهذا التعذيب أحد الأمرين بل المراد به القتل فإنه لما كان مخيرا بين القتل والأسر اختار الأوّل في حق من استمرّ على كفره اهـ. (قلت (أمّا قوله: لا يقتضي ذلك تقديم الدعوة فغير صحيح لأنها إذا لم تكن أحد شقي الكلام اقتضى أنها مقدرة ولا بد من ذلك، وأما ادعاؤه التعميم في التعذيب على هذا فلا وجه له كما ذكره المعترض، إلا أن يريد أنه يجوز في هذأ الوجه دون الأوّل فتأمّل، وقوله: فاختار الدعوة أي الشق الثاني وفصل ما أجمل فيه. قوله: (فنعذبه أنا ومن معي) حمله على ظاهره المتبادر منه، وقيل: إنه للمتكلم المعظم نفسه واسناده إليه لأنه السبب الآمر لأنّ صدور القتل منه بالذات بعيد، وقيل: إنه أسنده إلى الله وإلى نفسه باعتبار الخلق والكسب، وعليه فالمعنى أني أنا والله أعذبه في الدنيا ثم الله يعذبه وحده في الآخرة فلا ينبو عنه ما بعده كما قيل: لكنه بعيد مع ما فيه من تشريك الله مع غيره في الضمير، وقد أنكره هذا القائل في فوله: أردنا سابقاً. قوله: (في الدنيا بالقتل) وفي الكشاف وعن قتادة كان يطبخ من كفر بالله في القدور وهو العذاب النكر، وهذا إنما يتأتى إذا كان عذابا نكراً مصدر الأوّل، أو تنازع فيه الفعلان، والمصنف رحمه الله جعله مصدر الثاني بناء على تبادره ولذا لم ينقله وقوله: لم يعهد مثله تفسير لمنكراً، وقوله: فعلته الحسنى بالجرّ وفتح الفاء ويجوز كسرها للنوع وهو إشارة إلى وجه تأنيث الحسنى بتقدير موصوف مؤنث ولذا لو قدر خلاله كان أظهر وأولى، وعلى تنوين جزاء ونصبه الحسنى مبتدأ وله خبر مقدم وهو حال من الضمير المستتر فيه أو من المجرور بمعنى مجزي بها أو مجزيا بها، وحالاً حال من الضمير في المقدر، والتمييز معطوف على الحال، وقوله: منصوبا غير منوّن جار فيه الوجوه وعلى كونه مبتدأ سوغه تقدم الخبر. قوله: (ويجوز أن يكون إما وإفا للتقسيم دون التخيير (يعني في قوله: إمّا أن تعذب وامّا الخ ما مر بناء على أنّ التخيير هو المختار، والفرق بينهما أنه على الأوّل يكون خيره بين القتل ابتداء والدعوة ثم بعدها يقتل المصرّ ويحسن لغيره أو خيره بين القتل والأسر لمن لم يؤمن بعد الدعوة أو بين قتل الجميع وغيره، وعلى التقسيم بين له أيهم مقتول ابتداء ومدعوّ أو مقتول ومأمور قيل: ويأبى هذا إفا فإنها لتفصيل ما أجمل، وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون المجمل في الكلام السابق بل قد يكون في الذهن أو لمقدر في كلام ذي القرنين فتأمل. قوله: (فبإلهام) قيل عليه إزهاق النفس لا يجوز بالإلهام، ومثله لا يكون إلا بالوحي ولو بالواسطة ولا وجه لنقضه بقصة إبراهيم في ذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام بالرؤيا وهي دون الإلهام لأن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والهاماتهم وحي أيضا كما بين في محله والكلام هنا على تقدير عدم نبوّته عليه الصلاة والسلام ولا احتمال للتوزيع كما توهم، وقوله يسرا صفه مصدر محذوف أي قولاً بتأويله بصفة أو بتقدير مضاف، وقوله: يوصله إلى المشرق القرينة على إرادة هذا قوله: بلغ مطلع الشمس. قوله: (يعني الموضع) أي على قراءة الكسر اسم مكان وعلى قراءة الفتح مصدر ميمي لكنه بتقدير مضاف لتتفق القراءتان، ولأنّ البلوغ للمكان ولم يلتفت إلى ما ذكره أهل الصرف من أنه اسم مكان إفا لأنه لم يرد في كلام الفصحاء بالفتح إلا مصدرا فلا حاجة إلى تخريج القرآن على الشاذ لأنه يخل بالفصاحة أو لأنه لا دليل لهم عليه لأنّ ما ورد منه بمعنى المكان بتقدير المضاف كما هنا، فلا وجه لما قيل إنّ الجوهرفي قال إنه اسم مكان أيضا فلا حاجة إلى تقدير المضاف. قوله: (تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض (قيل عليه إنه بيان للواقع والا فلا فائدة في ذكره وليس بشيء لأنّ السماء كرية وكل أفق مطلع للشمس ولكل أرض مطلع فلو لم يفسره بما ذكره لم يدلّ على أنه بلغ غاية الأرض المعمورة وهو المراد. قوله: (من اللباس) فالمراد به المتعارف، أو البناء فالمراد به مطلق الساتر، وكونها لا تمسك الأبنية لرخاوتها، فإن قيل إذا كانت كذلك كيف يكون فيها الإسراب جمع سرب بفتحتين وهو الحجر والحفيرة، قلت: لا مانع منه كما توهم فرب أرض لا تحمل البناء لثقله ويحفر فيها حفر تمكث زمانا كما نثاهده في مواضع كثيرة، وقيل: إنه لا جبال فيها فهي كثيرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 الزلازل لا يستقرّ بناؤها. قوله: (أو أنهم) وفي نسخة أو لأنهم الخ يعني أن عدم البناء لما مر أو لما ذكر واتخاذ الإسراب لا ينافي نفي الستر على العموم لأنّ المراد منه المتعارف من اللباس أو البناء، وهذا لا ينافي العموم وقد وقعت هذه المسألة في أصول الشافعية فإنهم اختلفوا في أنّ ألفاظ العموم هل يلزم تناولها للصور النادرة أم لا، وفرّعوا على ذلك مسائل فقهية، ولم يحضرني الآن ذكرها في أصولنا فجزم الفاضل المحشيئ بما ذكره هنا بناء على أحد القولين فتنبه له. قوله: (أي أمر ذي القرنين كما وصفناه (يشير إلى ما في كذلك من وجوه الإعراب فأحدها أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أمر ذي القرنين كذلك والمشار ما وصفه به قبله من بلوغ المغرب والمشرق وما فعله وفائدته تعظيمه وتعظيم أمره كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: في رفعة المكان الخ، والتعظيم مستفاد من ذلك لدلالة البعد على الرفعة، وقوله: وقد أحطنا بما لديه خبرا تكميلى لذلك كاً نه لعظمته لا يحيط البشر بما لديه. قوله: (أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب الخ) فهو خبر مبتدأ مقدر بأمره في أهل المشرق والكاف للتشبيه والمشار إليه أمر أهل المغرب، والفرق بينه وبين الأوّل من وجهين وليست الكاف زائدة في الأوّل كما توهم. قوله: (ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد (أي وجدها تطلع وجدانا كوجدانها تغرب في عين حمئة فقوله: وقد أحطنا الخ لبيان أنه كذلك في رأي العين، وحقيقته لا يحيط بعلمها غير الله وجوّز فيه أيضاً أن يكون معمول بلغ أي بلغ مغربها كما بلغ مطلعها ولا يحيط بما قاساه غير الله. قوله: (أو نجعل) أي صفة مصدر جعل أي لم نجعل لهم ستراً جعلا كائنا كالجعل الذي لكم فيما تفضلنا به عليكم من الألبسة الفاخرة والأبنية العالية، وفيه بعد وعليه فقوله: وقد أحطنا الخ تذييل للقصة أو القصتين فلا يأباه كما توهم، وجوّز فيه جار الله أن يكون صفة سترا أيضاً وهو بمعنى ما قبله وإذا كان صفة قوم كالجملة التي قبله فوجه التشبيه ما ذكره، وقوله: من الجنود الخ جار على الوجوه لكنه أنسب بالأوّل وفسر السبب هنا وفيما قبله بالطريق مجازا لأنه موصل لما أراده، وقوله: آخذاً من الجنوب إلى الشمال يفهم من قوله: حتى إذا بلغ بين السدين لأنّ ما بينهما في أقاصي جهة الشمال فالظاهر أنه سار من الجنوب إلى الشمال حتى انتهى لأقصاه. قوله: (بين الجبلين المبنئ بينهما سدّه (أي سد ذي القرنين ف! طلاق السذ على الجبل لأنه سدّ في الجملة، وفي القاموس والسد الجبل والحاجز، أو لكونه ملاصقا للسد فهو مجاز بعلاقة المجاورة وأرمينية ضبطه أهل اللغة بتخفيف الياء الثانية وهي بلاد معروفة، والقول الثاني هو المناسب لما قبله، ومنيفان بمعنى مرتفعين، وقوله: وهما لغتان أي الفتح والضم لغتان بمحنى واحد ويشهد له القراءة بهما فإن الأصل توافق القرا آت. قوله: (وقيل المضموم لما خلقه الله الخ الأنه بالضم اسم بمعنى مفعول وبالفتح مصدر سده سداً ولكونه في الأوّل بمعنى مفعول لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعيينه وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله كما مرّ نحوه في يوم مشهود، وأمّا دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فلمناسبته للحدوث وتصويره بأنه ها هوذا يفعل ويشاهد، وهذا يناسب ما للعباد مدخل فيه على أنّ فوات ذلك التفخيم يكفي للتقريب، كذا حقق في شروح الكشاف وعليه ينزل كلام المصنف رحمه الله فالفرق ليس من موضوع اللفظ، ولذا قيل: إن المصدر معناه الحدث وهو يناسب الحدوث والصفة للثبات والدوام فناسب ما لله ولا يخفى ضعف هذا كله وأنّ هذه النكتة إنما تظهر لو تقابلا وأسند أحدهما لله والآخر لغيره، أمّا إذا قرئ بهما على الانفراد فالظاهر توافقهما وكيف يوجه الأوّل بعدم ذكر الفاعل مع أنّ المصدر لم يذكر فاعله أيضا والحدوث مشترك بينهما، فلا يظهر للفرق وجه إلا بتكلف ولذا ذهب بعضهم إلى العكس بناء على أنّ المصدر لم يذكر فاعله والمضموم بمعنى مفعول، والمتبادر منه أنه ما فعله الناس كما يقال: مصنوع وضعفه ظاهر، ألا ترى قوله: وكان أمر الله مفعولاً وأنه يقال مصنوعات الله، وحذف الفاعل له وجوه أخر. قوله: (وبين ههنا مفعول به) على الاتساع وقيل: إنه ظرف والمفعول به محذوف وهو ما أراده أو غرضه. قوله: (لغرابة لغتهم) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 وبعدها عن لغات غيرهم، وعدم مناسبتها لها إذ لو تقاربت فهموها وأفهموا غيرهم فهو تفسير له بلازم معناه كما وقع التفسير به في الأثر واختاره إشارة إلى أن مآل القراءتين واحد ومن لم يقف على مراده قال إنه يناسب القراءة الآتية، إلا أن يقال: أراد لغتهم التي يعرفونها سواء كان لسانهم أو لا، وتكلف ما نحن في غنية عنه، وقولاً عامّ لما عدا أقوالهم ولغاتهم أو أراد به قول اتباع ذي القرنين والقول على ظاهره والزمخشريّ جعله مجازاً عن الفهم مطلقا أو عما من شأنه أن يقال: ليشمل الإشارة ونحوها ففسره بقوله: لا يكادون يفقهونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها لئلا يخالف ما بعده، وفيه نظر لما سياتي من تفسيره، وقوله: وقلة فطنتهم حتى يفهمون ما يراد من القول بالقرائن وحتى يتعلمون لغتنا فإنهم مع عدم المخالطة لا يمكن تعلمها في زمن قليل للفطن والترجمة من آخر ناشئة من قلة الفهم فلا يرد عليه أنّ المترجم كاف في ذلك، وقوله: لتلعثمهم تفعل من اللعثمة بالثاء المثلثة ومعناها التوقف في الكلام وقراءة حمزة من الأفعال كالإفهام أي لا يفهمون ويفصحون بجواهر الحروف فالقول على ظاهره لا مدلوله فإنهم لتلعثمهم لا تتبين حروفهم كما نشاهده في بعض الألسنة. قوله: (قال مترجمهم) الترجمة تفسير لغة بلغة أخرى، وتطلق على التبليغ مطلقا كما في قوله: إنّ الثمانين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان ... وانما قدره كذلك أو جعل الإسناد فيه مجازيا بجعل قول الترجمان بمنزلة قولهم: لقيامه مقامهم واتحادهما في المقصود ليوافق ما قبله من أنهم لا يفهمون ولا يفهمون، وقوله: الذين من دونهم أي القوم الذي تقرب بلادهم من بلادهم فإنهم يعرفون لغتهم ولغة غيرهم لوقوع بلادهم بين بلاد الفريقين فهم واسطة مترجمون بينهم، وهذا يدل على هذا التأوبل ويرجحه على التأويل الآخر، ولذا اقتصر عليه وقد وقعت المخالفة أيضاً بأنّ الله تعالى علّم ذا القرنين لغتهم ولغة غيرهم، كما علّم سليمان عليه الصلاة والسلام منطق الطير، والجيل بكسر الجيم قوم معروفون ولا يبعد أن يقال: قائله قوم غير الذين لا يفهمون قولاً وهم لقربهم يتضرّرون بقربهم، ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه وهو الذي أراده المصنف رحمه الله بإيراده فهو في الحقيقية جواب آخر لكنه لقربه مما قبله لم يصرح بجعله جوابا مستقلا، والذي اختاره الزمخشري: أنّ فيه تقديراً أي لا يكادون يفقهون قولاً إلا بجهد. قوله: (وهما اسمان أعجميان (يعني أنه لا يخلو من كونه أعجمياً أو عربيا فعلى الأوّل منع صرفه للعلمية والعجمية وغلى الثاني للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة فلا يرد عليه، كما توهم أنه يجوز أن يكون للعلمية والتأنيث، وهو مهموز من أج بمعنى أسرع ووزنهما يفعول، كيعفور ومفعول وهو وإن كان لازما فبناء مفعول منه إن كان مرتجلا فظاهر دهان كان منقولاً فلتعديه بحرف الجرّ، والظليم ذكر النعام وفي تذكره أبي علي إن كانا عربيين فيأجوج المهموز يفعول من أج كيربوع وليس من تاجج كما ذكره سيبويه وإن كان في العربية فعلول ومن لم يهمز خفف الهمزة كرأس فهو أيضاً يفعول، ويحتمل أن يكون فاعول من ي ج ج، ومن همزهما جعلهما كالعالم ومنع صرفها للعلمية والتأنيث للقبيلة، كمجوس ومأجوج إذا همز من أج كما أق يأجوج منقول منه فالكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق وعلى العجمة لا يتأتى تصريفه ولا يعتبر وزنه إلا بتقدير كونه عربيا اهـ. قوله: (أي في أرضنا (يشير إلى أنّ تعريفه للعهد والقتل والتخريب تفسير للفساد كالذي بعده ولم يقل أو إتلاف الزروع لعده مع ما قبله وجها واحداً لأنّ المراد بإتلافها قطعها وإحراقها وهو من التخريب، والمحكي بقيل وجه آخر ولا تخريب فيه، ولكن ضرره بأخذ أقواتهم وأكلها حتى يضيقوا عليهم، وقوله: إلا أكلوه استثناء مفرّع وهو من قصر الموصوف على الصفة على حد قوله: ولا عيب فيهم غيرأنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ... فهو إثبات لعدم الترك بدليل، وهل هو استثناء متصل أو منقطع فيه كلام فلا وجه لما قيل إنّ الاستثناء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 فيه مشكل فإن صفة كونه مأكولاً لم يثبت له قبل الأكل فلم يدخل فيما قبله حتى يستثني إلا أن يكتفي بدخولها تصوّراً وفرضا. قوله: (جعلا) أي أجرا تصرفه عليه واختلف فيهما فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما ذكره، وقيل: بينهما فرق كما ذكره، وقيل: الخرج في مقابلة الدخل، وقوله: يحجز أي يمنع إشارة إلى أنّ السذ هنا بمعنى الحاجز، وقوله: ما جعلني فيه مكيناً أي متمكنا قادراً، وقوله: من المال بيان وقوله: ولا حاجة بي إليه يعلم من مكنته، وقوله: على الأصل أي عدم الإدغام فإنه الأصل فيه. قوله: (بقؤة فعله) جمع فاعل، ككاتب وكتبة وهو من يفعل فعلا ما ويختص في الاستعمال بمن يعمل بأجرة أو نحوها في البناء يعني أنّ القوّة بمعنى ما يتقوّى به على المقصود من الناس أو الآلات أو الأعئم منهما وقوله: رد ما أصل معناه كما قاله الراغب: سذ الثلمة بالحجارة ونحوها وكونه أكبر من السد لأنه يفيد ملأها فيكون أعرض من السذ، ولذا أطلق على الرقاع لسدها خرق الثوب، والرقاع جمع رقعة وهي معروفة وقوله: وهو لا ينافي الخ أي طلبه إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئا لأنه إنما ينافيه لو كان الإيتاء بمعنى إعطاء ما هو لهم وليس بمراد بل المراد به مجرّد المناولة والإيصال وان كان ما آتوه له فهو معونة مطلوبة، وعلى قراءة أبي بكر فهو من أتاه بكذا إذا جاء به له فعلى هذه القراءة زبراً منصوب بنزع الخافض وقوله ولأنّ إعطاء الآلة يعني بعد تسليم كون الإيتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة فإعطاء الآلة للعمل لا يلزمه ت! ملكها، ولو تملكها لا يعد ذلك جعلا، فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا فلا وجه لما قيل إنه ضعيف لمنافاته للتمليك. قوله تعالى:) {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} ) أي ساوى السذ الفضاء الذي بينهما فيفهم منه مساواة السد في العلو للجبلين، فالمراد بجانبي الجبل في كلام المصنف جميعهما لا رأسهما كما قيل: وإن وقع ذلك في الأساس إذ لا حاجة إليه، وقوله: بتنضيدها أي بوضع الزبر بعضها على بعض وقوله: منعزل أي مائل منحرف عنه، وهو أصل معنى التصادف ولذا استعمل في الملاقاة، والأكوار جمع كور بالضم آلة للحدادين معروفة، وقوله: كالنار إشارة إلى أنه تشبيه بليغ. قوله: (لآضمر مفعول أفرغ (لأنه إذا أعمل الأوّل ذكر ضميره في الثاني وان جاز حذفه لكونه فضلة لكنه يقع فيه إلباس حينئذ إذ لا يدري أنه مفعول أيهما والمتبادر أنه مفعول الثاني لقربه ووجه الاستدلال أنه أعمل الثاني ولو لم يكن أرجح لزم ورود كلامه تعالى على غير الأفصح بلا ضرورة ونكتة ووصل الهمزة على أنه بمعنى جيؤوا به كما مرّ تحقيقه. قوله: (بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين (في المخرج وهما الطاء والتاء وهذا مجوّز لا موجب له لأنه لا مانع من الإتيان به على الأصل والإدغام إدغام التاء في الطاء لقرب مخرجهما وفيه ما ذكره لأن الحد فيه أن يكون أحدهما حرف لين والآخر مدغما فيه وهنا ليس كذلك وقد تقدم أنه جائز واقع مثله في القرآن كما مرّ في أوّل السورة، وقلب السين صاد المجاورة الطاء. توله:) أن يعلوه بالصعود (فمعنى ظهره صار على ظهره فعلاه، وقيل: إنه من ظهر عليه فحذف الجار وأوصل الفعل بنفسه، والانملاس انفعال من الملامسة وهو تساوي السطح، وقوله: لثخنه أي غلظه وامتداد عرضه، وبلوغ الماء أي بلوغ خروجه بحيث لا يمنع من البناء لسدّه بما يطرج عليه والمراد قرب من بلوغه، وجعله أي الأساس، والبنيان بالنصب عطف على ضمير جعله، ووضع الحطب والفحم بين زبر البنيان لتوقد فتذوب الزبر فتلتحم بما تحتها لا أن الفحم يبقى في البناء كما يوهمه ظاهر العبارة، وقوله: ساوى أعلى الجبلين أي بلغه كما مرّ بيانه، وقوله: بينهما أي الزبر وفي نسخة بينهما أي بين الأساس والبنيان، وقوله: ثم وضع المنافخ في نسخة المنافيخ، وقوله: حتى صارت أي زبر الحديد كالنار لحمرتها، وفعلى ذلك إما بآلات من بعد أو أنه كرامة لذي القرنين حيث أطاقوا القرب منها وصلدا بمعنى أملس صلب، وقوله: في تجاويفها أي في تجاويف وخروق جعلت في الصخور أو في الصخور والكلاليب. قوله: (على عباده (كون السد رحمة على العباد ظاهر، وأمّا الأقدر عليه فهو سبب للرحمة عليهم، وقوله: وقت وعده أي بتقدير مضاف لأنّ الآتي وقته لا هو لتقدمه أو هو إشارة إلى أنّ إسناد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 المجيء إلى الوعد وهو لوقته مجاز في النسبة، ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود وهو وقته أو وقوعه فلا تقدير فيه فيكون مجازاً في الطرف، وفي الكلام مقدر أي وهو يستمرّ إلى آخر الزمان فإذا جاء الخ وقوله: بخروج متعلق بوعد ووقت مجيء الوعد بخروجهم ممتد لمكان وقت جعله دكاً، فلا وجه لما قيل: إنّ وقت خروجهم ليس وقت عين الدك بل متصل به فلا بد من اعتبار المشارفة فيه كما إذا أريد بالموعود قيام الساعة، وقوله: بأن شارف متعلق بجاء، وقوله: أرضا مستوية إشارة إلى أنه على قراءة دكاء بألف التأنيث الممدودة لا بد أن يقدر له موصوف مؤنث وهو إذا كان بمعنى مدكوكاً مدقوقاً فهو مؤوّل بالمفعول أو وصف به مبالغة، وفي الحجة المذ مروي عن حفص عن عاصم على حذف مضاف أي مثل دكاء وهي ناقة لا سنام لها، ولا بد من هذا التقدير لأنّ الجبل مذكر لا يوصف بمؤنث ا!. قوله: (وجعلنا بعض يأجوج) فالترك بمعنى الجعل كما صرّح به النحاة وأهل اللغة فهو من الأضداد، وقوله: مزدحمين إشارة إلى أن التموّج مجاز عن الازدحام، وحين يخرجون إشارة إلى أنّ يوم بمعنى مطلق الوقت وأن التنوين عوض عن جملة معلومة مما قبله وأصله يوم إذ جاء وعدهم ونحوه، كما قدره المصنف رحمه الله وانّ الضمير ليأجوج ومأجوج وامّا عوده على الناس وأنّ المراد أنهم لفزعهم منهم يفرّون مزدحمين أو أنهم بعد إتمام السد ماج بعضهم في بعض للنظر إليه والتعجب منه فبعيد. قوله: (أو الخلق) بالجرّ عطف على يأجوج ومأجوج، فالضمير للخلق وهو حينئذ منقطع عن القصة قبله، وقوله: إنسهم وجنهم بدل من الضمير أو مبتدأ خبره حيارى وهو على الوجه الثاني تفسير الوعد، والتأييد ظاهر إذا كانت الجملة حالية بتقدير قد، وأمّا على العطف فلا وان كانت الواو لا تفيد ترتيبا، وأمّا ما قيل إنه ينافيه فلا وجه له، وقوله: لقيام الساعة شامل للنفخة الأولى والثانية التي لا حياء من في القبور لكن ما بعده يناسب الثاني. قوله: (عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتوحيد والتعظيم) دفع لما يتوهم من أنّ المناسب للذكر أن يقال الذين كانت أسماعهم صماً عن ذكرى بأنّ الذكر مجاز عما يشاهد من الآيات على توحيده المسبب لذكره وتعظيمه بذكر المسبب وارادة السبب، وقيل: إنّ المراد بالأعين البصائر القلبية كما في قوله: ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ويجوز على هذا أن يكون الذكر بمعنى القرآن، وقوله: فأذكر بصيغة المجهول ويجوز رفعه ونصبه. قوله: (استماعاً لذكري وكلامي) إشارة إلى أن المراد بالسمع معناه المصدري لا الجارحة، وعطف كلامي على ذكري للتفسير، فالظاهر أنّ المراد به القرآن لا مطلق الوحي والشرائع الإلهية وإن صح، كما يشير إليه قوله: بعده صممهم عن الحق وليس هذا تقديراً لما ذكر بقرينة الذكر المذكور قبله لأنه مجاز عما مرّ بل بقرينة قوله: سمعا وأنّ الكفرة هذا حالهم، فما قيل: إنه يوهم أنّ الذكر قرينة على أنّ المفعول المحذوف هو الذكر المذكور مع أن المذكور أوّلاً بمعنى وهذا بمعنى آخر لا يتوجه، وقد قال ابن هشام: في المغني إن الدليل اللفظي لا بد من مطابقته للمحذوف معنى فلا يصح زيد ضارب وعمرو أي ضارب على أن الأوّل بمعناه المعروف والثاني بمعنى مسافر ولا حاجة إلى ما تعسف به في توجيهه من أنّ الذكر المحذوف هنا بمعنى الآيات مجاز التحقق الآيات في ضمن الكلام المعجز أو المراد بالآيات الكلام المعجز مجازاً بعد مجاز، ولك أن تقول والله أعلم أن الذكر إذا لم يناسب ما قبله إلا بالتجوّز فما الداعي لذكره وقد كان الظاهر أن يقال: لا يستطيعون سمعا لذكري ابتداء فلا بد له من وجه يليق ببيان التنزيل، فأقول الظاهر ما وقع في النظم عند التأمّل. لأنه لما أفاد قوله: لا يستطيعون سمعاً أنهم كفاقدي حاسة السمع، ومن هو كذلك إنما يعرف الذكر بإشارة أو كتابة أو نحوهما مما يدرك بالنظر ذكر أن أعينهم محجوبة عن النظر فيما يدلّ عليه أيضاً فهم لا سبيل لهم إلى معرفة ذكره أصلاً، وهذا من البلاغة بمكان فتدبره 0 قوله: (فإنّ الأصئم الخ (أي جنس الأصم أو الأصمّ الغير المفرط الصمم، وكلمة قد لا تنافيه، وأصمتت بصيغة المجهول أي جعلت مصمتة لا تجويف لها وبالكلية صفة لمصدره أي إصماتاً بالكلية. قوله: (أفظنوا (مفرّع على ما قبله أي ألم ينظروا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 لآياتي ويسمعوها فظنوا، والإنكار بمعنى أنه ظن فاسد لا أنه لبم يكن، واتخاذهم بيان لأن أن مصدرية والملائكة والمسيح تفسير لعبادي، وهذا على طريق التمثيل فيشمل عزير إبل الأصنام تغليباً، ودون هنا إفا نقيض فوق أو بمعنى غير أي أظنوا من هو في حضيض العبودية معبوداً، كالعليّ الأعلى أو أظنوا غير الله معبودا معه أو دونه فتأمل. وقوله: معبودين تفسير للوليّ هنا بمعنى المعبود، وقوله: نافعهم هو المفعول الثاني لحسب والأوّل اتخاذهم، وقوله: أو لا أعذبهم به أي باتخاذهم هذا هو المفعول الثاني وهو صحيح لأنه يكون جملة، والمعنى أظنوا اتخاذهم سببا لرفع العذاب عنهم فهو وعيد وتهديد لهم، وبهذا تغاير الوجهان، وهذا بناء على تجويز حذف أحد لمفعولين في باب علم كما جوّزه بعض النحاة وقد منعه آخرون، وقوله: كما يحذف الخبر دليله لأنه خبر في الأصل فكما يجوز حذف الخبر يجوز حذفه. قوله: (أو سدّ أن يتخذوا الخ (هذا على القور الآخر فالمعنى أحسبوا أنفسهم متخذي أولياء غيري أي لا ينبغي مثل هذا، قيل: وعلى هذا يجوز أن يكون أولياء بمعنى أنصارا ولا وجه للتخصيص به. قوله: (وقر! الخ) هي قراءة عليئ رضي الله عنه بسكون السين والرفع وهو اسم بمعنى محسب أي كافي وهو مبتدأ وما بعده فاعل سد مسذ خبره أو خبر. قوله: (إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل) اعترض! عليه أبو حيان بأنه مخصوص بالوصف الصريح كاسم الفاعل واسم المفعول ثم أشار إلى جوابه بأنه وقع في كلام سيبويه رحمه الله ما يقتضي أنّ المؤوّل به يعمل عمله ويعطي حكمه كما فصله في الدر المصون وكونه خبرا ظاهر، وقد ذكر في الكشاف وشروحه وجه حسن هذه القراءة وما فيها من المبالغة في ذفهم. قوله: (وفيه تهكم) أي في نزلا استعارة تهكمية إذ جعل ما يعذبون به في جهنم، كالزقوم والغسلين ضيافة لهم ولما كان الضيف لا يستقر في منزل الضيافة وينتقل إلى ما هو أهنأ له في دار إقامته كان فيه تنبيه على أنّ هذا ما لهم في ابتداء أمرهم، وسيذوقون ما هو أشدّ منه في جهنم أيضا، فذكر المحل في قوله: جزاؤهم جهنم شامل لكل ما فيها من النزل وما بعده، فما قيل إنّ أصل إكرام الضيف يكون أعلى حالا بمراتب من نزله، وهو عذاب الحجاب إلا أنّ قوله: ذلك جزاؤهم يأباه فإنّ المصدر المضاف من صيغ العموم مما لا وجه له. قوله: الآنه من اسماء الفاعلين أو لتنؤع أعمالهم) يعني أن أعمالاً تتميز والأصل فيه الإفراد، وأيضا هو مصدر، والمصدر شامل للقليل والكثير، فلذا كان حقه أن لا يجمع كما صرح به النحاة فلذا قالوا: إنّ جمعه على خلاف القياس إلا أن يقصد الأنواع فيجمع ليصزج بشموله لها فجمعه هنا إمّا لتنوّع أعمالهم وقصد شمول الخسران لأنواعه أو لأنّ ما ذكره النحاة إنما هو إذا كان باقيا على مصدريته أمّا إذا كان مؤوّلاً باسم فاعل، فإنه يعامل معاملته فيطرد وهنا عمل بمعنى عامل، والصفة تقع تمييزاً نحو لله درّه فإرسالاً أن أعمالاً جمع عامل فإن جمع فاعل على أفعال نادر، وقد أنكره بعض النحاة في غير ألفاظ مخصوصة كإشهاد جمع شاهد ولا جمع عمل ككتف بمعنى ذي عمل كما في القاموس وفي الدر المصون أعمالاً تمييز للأخسرين وجمع لاختلاف الأنواع وهو مراد المصنف رحمه الله، وقيل: إنه أشار بقوله لأنه من أسماء الفاعلين إلى أنّ الأخسرين بمعنى الخاسرين ولا وجه له لأنّ ضمير لأنه ليس للأخسرين بل لأعمالاً فما ذكره سهو منه، وأجيب عنه بأن مراده أنّ الضمير راجع لقوله: أعمالاً ولما كانت الأعمال أعمال هؤلاء الخاسرين حصلت منه الإشارة المذكورة وهذا لا محصل له وإنما زاد في الطنبور نغمة لا تطرب ولا تضحك، ورب عذر أقبح من الذنب فتدبر. قوله: (ضاع (يعني أنّ الضلال هنا بمعنى الضياع ومنه الضالة فإسناده حقيقي، وقوله: كالرهابنة جمع رهبان وهو يكون واحداً وجمعا كما قاله الراغب: فمن جعله مفردا جمعه على رهابين ورهابنة، وفي الكشاف وعن عليّ رضي الله عنه أنّ ابن الكواء سأله عن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا فقال: منهم أهل حروراء يعني الخوارج تعريضاً له لأنه منهم، واستشكل بأنّ قوله بعده أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه يأباه لأنهم لا ينكرون البعث، وهم غير كفرة، وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون معتقدا لكفرهم والأحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية ومراد المصنف رحمه الله الرهابتة الرهبان من الكفرة ويجوز في الذين الجر نعتا، أو بدلاً أو بيانا والنصب على الذم والرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر، كما في الدر وأشار إليه المصنف بقوله: ومحله الرفع الخ فالجز على البدلية أو الوصفية والنصب بتقدير أذم أو أعني وقوله: فإنه جواب السؤال وهو من هم، وقوله: بالقرآن يجوز أن يراد أيضا مطلق الدلائل السمعية والعقلية فيشملهما. قوله: (بالبعث على ما هو عليه الخ) يعني أنّ لقاء الله كناية عن ألبعث والحشر لتوقفه عليه لا مجاز عنه لأنّ اللقاء الوصول، وهو غير متصوّر، وإنما أوّله الزمخشري لإنكاره الرؤية، وقوله: على ما هو عليه ليشمل أهل الكتاب والقائلين بالمعاد الروحاني، وقوله: أو لقاء عذبه إشارة إلى أنه يجوز أن يكون على تقدير مضاف. قوله: (بكفرهم) أي بسببه كما تدلّ عليه الفاء، وقوله: فلا يثابون بيان لمعنى الحبوط من حبط العمل بكسر الموحدة وقرئ بفتحها شاذاً. قوله: (فنزدري بهم (أي نحتقرم وندّلهم فإنّ الوزن يكون عبارة عن الحسن والاعتبار كما مرّ تحقيقه في كل شيء موزون ويكون عبارة عن ضده، وليس هذا مبنيا على أن الأعمال لا توزن فإنه مخالف لما هو الحق من مذهب الجمهور، فلو أراد التفسير على المذهبين على أق ما بعده إشارة إلى المذهب الآخر كان المناسب تأخيره بل إنما أراد به ما ذكر وقدمه، لأنه بعد حبوطها وجعلها هباء منثورا لا يحتاج لنفي وزنها إلا على وجه التأكيد كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: لإحباطها والتأسيس خير منه، لا يقال حقه على الأوّل أن يعطف بالواو عطف أحد المتفزعين على الآخر لأن منشأ ازدرائهم الكفر لا الحبوط لأتا نقول لم يعطفه لأنهم لو لم تحبط أعمالهم لم يستحقوا الاحتقار. قوله: (الآمر ذلك (أي شأنهم ما مضى فذلك خبر مبتدأ محذوف وذلك إشارة إلى جميع ما قبله من كفرهم، وكون جهنم معدة لهم، وقوله: جزاؤهم جهنم الخ جملة مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وليس المراد بالأمر الجزاء، وبذلك جهنم كما توهم. قوله: (والعائد محذوف الخ (فالإشارة إلى كفرهم وأعمالهم الباطلة، وذكر باعتبار ما ذكر، وهو تكلف لأن العائد المجرور إنما يكثر حذفه إذا جز بتبعيض أو ظرفية أو جز عائد قبله بمثل ما جز به المحذوف كقوله: أصخ فالذي تدعي به أنت مفلح أي به ولذا أخره المصنف رحمه الله. قوله: (أو جزاؤهم بدله (أي بدل اشتمال أو بدل كل من كل إن كانت الإشارة إلى الجزاء الذي في الذهن بقرينة السياق والتذكير وإن كان الخبر مؤنثا لأن المشار إليه الجزاء، ولأن الخبر في الحقيقة للبدل وقوله: أو جزاؤهم خبره فالإشارة إلى جهنم الحاضرة في الذهن والتذكير نظر للخبر. قوله: (فيما سبق من حكم الله (متعلق بكانت بيان لأن المضيّ باعتبار ما ذكر، ويجوز أن يكون لتحققه تزل منزلة الماضي وكون الفردوس معناه ما ذكروا رد في الآثار فلا ينافي كونه في اللغة البستان، كما توهم وفي قوله: أعلى درجات الجنة نظر إذ ليس كلهم في الأعلى لتفاوت مراتبهم ويدفع بأنه من إضافة العام للخاص وسيأتي له تتمة فتدبر. قوله: (حال مقدّرة (قيل لا حاجة إلى التقدير مع تفسيره كانت لهم بقوله: في حكم الله ووعده إذ الخلود حاصل لهم أيضا في حكمه ووعده لأن المقارنة وعدمها إنما تعتبر بالنظر إلى العامل إذ زمانه هو المعتبر لا زمان التكلم فلا يعد فيه مقارناً كما توهم، وأمّا ما قيل إن مراد المصنف رحمه الله أنه حال مقدرة حيث وقع في القرآن لا هنا فقط لأن الخلود الذي هو عدم الخروج أصلاً لا يتحقق بالفعل، ولو كان ذلك بعد الدخول بل هو أمر مقدر في نفوسهم أو في علم الله يعني أن الخلود لما كان زمانه غير منقطع لم يتأت مقارنة جميعه للعامل فلا بد من كونها مقدرة حيثما وردت والمقارنة تعتبر في الخارج لا في الحكم، والعلم وهو غير صحيح لما عرفت مع أنه يجوز استمرار ذي الحال أيضا كما في قوله: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها فإن سعادة الجنة غير منقطعة ولأنه بصدد تفسير هذه الآية لا بيان الحال مطلقاً ولأنه يكفي لعدم التقدير مقارنة الحال بجزء ما وان استمرت بعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 ألا تراك تقول: لقيت زيداً راكباً وان استمرّ ركوبه بعد الملاقاة ولا يعد مثله حالاً مقدرة، كما لو قلت: جاءني والشم! س طالعة) أقول (هذا كلام غير صحيح لأن المعتبر زمان الحكم وهو كونهم في الجنة وهم بعد حصولهم فيها ملابسون الخلود فهم مقارنون له إذ لا آخر له فاعرفه فإنه دقيق جذاً. قوله: (تحؤلاً (يعني هو مصدر كعوداً وعوجاً، وقال الزجاج: معناه الحيلة في الانتقال، وقال ابن عطية: إنه اسم جمع لحوالة وهو بعيد، وقوله: إذ لا يجدون أطيب منها أي لا يجدون أطيب منها بجميعها في الواقع ولا في الوجدان والتصوّر لشمول الوجود للخارجيّ، والذهنيّ فلا يتوهم أنه لو قال: لا يتصوّرون كان أبلغ وبكون المراد بالجنة جميعها اندفع ما قيل: إنّ أهل الجنة بلا شك متفاوتو الدرجات كما ورد في الأحاديث الصحيحة لكن أحدهم لا يبغي غير مرتبته لما خلق الله فيهم من محبة كل لمنزلته حتى لا يطلب منزلة غيره كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فوجدان الأطيب لا يستلزم طلبه وعدم التحوّل لا يدل على أنه لا مزيد عليه فالظاهر أن قوله: لا يبغون عنها حولاً كناية عن كونها أعلى المنازل وأطيب وكلام الكشاف لا يأباه، ومن قال: إن الإشكال مبنيئ على أن الفردوس أعلى الجنة فالظاهر أن المراد به مطلق الجنة لم يطبق المفصل ولم يصب المحز، وقوله: تنازعهم إليه أنفسهم بمعنى تطالبهم وتجاذبهم كما ترى في أحوال الدنيا. قوله: (ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود (عدم ابتغاء التحوّل على ما قبله عبارة عن كونها أطيب المنازل وأعلاها، وهو معنى آخر غير الخلود ولا يستلزمه حتى يؤكده كما قيل، وعلى هذا هو عبارة عن نفي التحوّل والانتقال فإنّ عدم طلب الانتقال مستلزم للبقاء فيؤكده، ويجوز أن يكون على حد قوله: ولا ترى الضبّ بها ينحجر أي لا يتحوّل عنها حتى يبغوه ولما كان طول المكث يورث الملل ذكره لإفادة أنها مع الخلود لا تمل فلذا عطف عليه مع كونه مؤكدا، وقيل في وجه التأكيد إنهم إذا لم يريدوا الانتقال لا ينقلون لعدم الإكراه فيها وعدم إرادة النقلة عنها لم يبق إلا الخلود إذ لا واسطة بينهما كما تيل. قوله: (وهو اسم ما يمدّ به الشيء (لأن فعالاً وضعه لما يفع!! به كالآلة والحبر بالكسر المداد الذي يكتب به والسليط بالإهمال الزيت ودهن كل حب كالسمسم، وقوله: ما يمد به الشيء هذا أصل معناه ثم اختص في عرف اللغة بما ذكر بل بالحبر وحده، وقوله: لكلمات ربي أي معدّا لكتابتها، وقوله: لكلمات علمه وحكمته أي للكلمات التي يعبر بها عن معلوماته وحكمته فالإضافة لامية لا بيانية. قوله: (لنفسد جنس البحر بأسره (يعني أن تعريفه للجنس الاستغراقيّ أي جميع البحار لا بحر واحد، وقوله: لأنّ كل جسم متناه تعليل لنفاده لأنّ كل متناه منفد كما قيل: جبال الكحل تفنيها المراود والتقدير وكتب بذلك المداد لنفد الخ. قوله: (فإنا غير متناهية الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم كما أورده بعض شراح الكشاف من أن مضمون الآية أنه على تقدير أن يكون البحر مدادا لها تنفد لأنه أثبت نفاد البحر قبل نفادها على ذلك التقدير فإذا ثبت نفاد البحر قبل نفاد الكلمات ثبت نفادها بعد نفاد ضرورة استلزام القبلية للبعدية لتقابلهما وتضايفهما لكن قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [سورة لقمان، الآية: 27] يقتضي دم ثبوت النفاد فيتناقضان وأجاب بأنّ ما هنا أبلغ في الدلالة على عدم النفاد لكونه كناية أو مجازاً عنه كما هو المتعارف في المحاورات كما يقال: لا تتناهى أشواقي حتى يتناها الزمان وما في تلك الآية صريح فيه ثم ذكر كلاما طويلاَ لا حاجة إلى إيراده وأصل الكلام وهي باقية لكنه عدل عنه للمشاكلة، وتلك الآية أبلغ من وجه آخر على ما حققه في الكشف، وقوله: كعلمه إشارة إلى دليله يعني أنه كما لا تنفد معلوماته لا ينفد ما دل عليها. قوله: (زيادة ومعونة) تفسير للمدد وهو مفعول له، وبمثله متعلق بجئنا، وقوله: مجموع ما يدخل الخ يعني سواء كان مجتمعاً أو غير مجتمع لأنه إذا ثبت في المجتمع التناهي ثبت في غيره بالطريق الأولى فسقط ما قيل إن ما ذكره يختص بالاجتماع فلو قال: جميع ما يدخل في الوجود على التعاقب أو الاجتماع متناه ببرهان التطبيق كان أولى وأشمل مع أنّ الإبعاد شامل للمتصلة والمنفصلة فتأمّل، وفي قوله: قبل أن ينفد غير المتناهي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 ما مرّ، والإبعاد جمع بعد وهو الطول والعرض والعمق. قوله: (وسبب نزولها أنّ اليهود الخ (وقائله منهم حيي بن أخطب كما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعنون الاعتراض بأنه وقع في كتابكم تناقض بناء على أنّ الحكمة هي العلم وأنّ الخير الكثير هو عين الحكمة لا آثارها وما يترتب عليها لأنّ الشيء الواحد لا يكون قليلا وكثيرا في حالة واحدة وجوابه ما مرّ من أنّ القلة والكثرة من الأمور الإضافية فيجوز أن يكون كثيراً في نفسه وهو قليل بالنسبة إلى شيء آخر كمعلوماته تعالى فنزلت الآية جوابا لهم لأنّ البحر مع عظمته وكثرته خصوصا إذا ضمّ إليه أمثاله قليل بالنسبة إلى معلوماته وهو صريح فيما ذكر، وقوله: الإحاطة على كلماته ضمنه معنى الوقوف فعداه بعلى والا فهو لا يتعدى بها، وقوله: وإنما تميزت عنكم بذلك أي بالوحي وحاصله أنه أورد على الآية أن المراد أنّ كلماته لا تنفد وغيرها ينفد ولو كان مداده البحار فكيف قوله قبل أن تنفد، ودفع بأن القبلية والبعدية لا تقتضي وجود ما أضيف إليه قبل وبعد فجاء زيد قبل عمرو أو بعده لا يقتضي مجيء عمرو، إلا أنه خلاف ما وضع له ولذا قيل: إنه يكفي فرضه، وتوضيحه إنه إنما يقتضيه لو كان قبل وبعد على حقيقته وهو مجاز بمعنى دون وغير أي تحقق نفاد غير كلمات الله واليه أشار في الكشاف بقوله: والكلمات غير نافدة. قوله: (يؤفل حسن لقائه) وفي نسخة يأمل حسن الخ وسقط كله من بعضها أي يؤمّل أن يلقاه بعد البعث وهو راض عنه، ولذا قدر فيه المصنف رحمه الله مضافا لأنه هو المرجوّ لا اللقاء إذ هو محقق، ويجوز أن يجعل اللقاء هو المرجو والمعنى من رجا ذلك يعمل صالحاً فكيف من يتحققه وفسر الرجاء في الكشاف بالخوف لأنه من الأضداد كما ذكره أهل اللغة أي من كان يخاف سوء لقائه وإنما المفتوحة وان كفت بما في تأويل المصدر القائم مقام الفاعل واقتصر على ما ذكر لأنه ملاك الأمر، وعن معاوية رضي الله عنه أنّ قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ} الخ، آخر آية نزلت وفيه كلام. قوله: (بأن يرائيه أو يطلب منه أجرا) ضمير يرائيه لأحد أي يعمل رياء للناس أو يأخذ على عمله أجراً كما تراه الآن وهو يقتضي المنع منه والزجر عليه، وقوله: فإذا اطلع بصيغة المجهول وتشديد الطاء أي اطلع عليه أحد، وقوله: إنّ الله لا يقبل ما شورك فيه جعل سرور العامل باطلاع أحد على عمله إشراكا له بالله وان كان في ابتداء عمله أخلص نيته وهو مشكل لأنّ السرور بالاطلاع عليه بعد الفراغ منه لا يقتضي الحبوط وحمله على ما إذا عمل عملاً مقرونا بالسرور المذكور كما قيل: ينافيه قوله في أوّل الحديث: إني لأعمل العمل لله وإنما يجاب بما أشار إليه في الإحياء من أنّ العمل لا يخلو إذا عمل من أن ينعقد من أوّله إلى آخره على الإخلاص من غير شائبة رياء وهو الذهب المصفى أو ينعقد من أوّله إلى آخره على الرياء وهو شرك محبط أو ينعقد من أوّل أمره على الإخلاص ثم يطرأ عليه الرياء وحينئذ لا يخلو طروّه عليه من أن يكون بعد تمامه أو قبله والأوّل غير محبط لا سيما إذا لم يتكلف إظهاره ولم يتمنه إلا أنه إذا ظهرت له رغبة وسرور تام بظهوره يخشى عليه لكن الظاهر أنه مثاب عليه، والثاني وهو المراد هنا فإن كان باعثا له على العمل ومؤثراً فيه أفسد ما فارنه وأحبطه ثم سرى إلى ما قبله، وهو ظاهر فلا إشكال فيه، فإن قلت هذا الحديث يعارض ما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله: إني أعمل العمل فيطلع عليه فيعجبني، قال: لك أجران أجر السرّ وأجر العلانية قلت هو ما إذا كان ظهور عمله لأحد باعثاً له على عمل مثله والاقتداء به فيه ونحو ذلك، فإعجابه ليس بعمله ولا بظهوره بل بما يترتب عليه من الخير ومثله دفع سوء الظن، ولذا قيل: ينبغي لمن يقتدى به أن يظهر أعماله الحسنة، فمثل هذا له أجران بل أجور فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب كل أحد على حسب حاله، وتسمية الرياء شركا أصغر صح عنه عتيد، وقوله: والإخلاص في الطاعة بناء على ما فسرها به. قوله: (من قرأها في مضجعه الخ) أي في محل نومه، ويتلألأ بالهمز بمعنى يثرق، وقوله: حشو ذلك أي هو مملوء بالملائكة عليهم الصلاة والسلام يدعون له، والبيت المعمور في السماء معروف وقد ذكر العراقي لهذا الحديث سنداً، وقوله: من قرأ سورة الكهف من آخرها قوله: من آخرها يحتمل معنيين أن يكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 المراد به إلى آخرها، ويحتمل أن يكون المراد من قرأ أواخرها لأنه ورد في حديث آخر من قرأ في ليلته من كان ب! جو لقاء ربه الآية كان له نور من عدن أبين إلى مكة، والحديث المذكور قال العراقي رحمه الله: له سند إلا أنه ضعيف ومثله لا يضرّ في فضائل الأعمال) تمت السورة) اللهمّ ببركة كلامك العظيم نوّر بصائرنا وأبصارنا بنور الهداية والتوفيق لما يرضيك، وصل وسلم على أشرف مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين إلى يوم القيامة يا أرحم الراحمين. سورة مريم بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (إلا آية السجدة) والا آية وان منكم إلا واردها كما في الإتقان، وقوله: أمال أبو عمرو الهاء أي لفظ ها ولفظ يا، وقوله: لأنّ ألفات أسماء التهجمي يا آت الخ، أي منقلبة عن الياء والألف تمال لأسباب منها كونها منقلبة عن ياء فتمال تقريباً لها من أصلها، وقدم وجه الإمالة المذكورة لتعينه في لفظ ها بخلاف يا فإن إمالته تحتمل أن تكون لأجل مناسبة الياء المجاورة لها، كما يمال سيال وإن لم تكن ألفه منقلبة وكأنه إيماء إلى أنه أصلها للتصريح بها في كثير منها كميم وجيم وعين وغين وهذا أمر تقديرفي لأنها لا اشتقاق لها لكن هذا مخالف لما ذهب إليه ابن جني في المحتسب وقال: إنه مذهب الخليل والجمهور وهو: أنّ الإمالة وضدها ويسمى تفخيماً وضماً أيضاً وهو من اصطلاحاً تهم هنا وقد عبر به الزمخشري هنا تبعا لهم على عادته هما ضربان من التصرّف، وهذه كالجوامد لا يعرف لها اشتقاق على الصحيح لكنها لما جعلت أسماء متمكنة قويت على التصرّف فحملت الإمالة والتفخيم فمن فخمها على الأصل ومن أمالها قصد بيان أنها تمكنت وقصدت بالتصرّف، وإلا فألفها وإن كانت مجهولة لعدم اشتقاقها لكنها تقدر منقلبة عن واو لأنه الأكثر، قال: وهذا قول جامع فأعرفه وأغن به، ثم إن قراءة أبي عمرو وجهت بعد صحتها نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خص ها لئلا تلتبس بها التي للتنبيه في مثل هؤلاء، ولم يمل يا لأنّ الكسرة مستثقلة على الياء فكذا ما يعرب منها، واعترض! بأنه مع كونه لا يصلح وجها للتخصيص منتقض بإمالتهم نحو السيال، وليس بشيء لأن التخصيص إضافي ورب شيء يخف وحده ويثقلى إذا ضم إليه مثله، وهو ظاهر مع أن اطراد مثله ليس بلازم. قوله: (وابن عامر وحمزة الياء (تنبيها على ما مر أو لمجاورة الألف للياء أو للفرق بينها وبين ما في النداء ولم يلتفت إليه أبو عمرو للفرار من جمع إمالتين، ولأن حرف النداء لا احتمال له هنا لدخوله على ما يبعد نداؤه، فتأمّل. قوله: (خبر ما قبله (من قوله: كهيعص إن جعل اسما للسورة أو القرآن كما مر، وقوله: فإنه أي ما قبله أو كل واحد مما ذكر من السورة أو القرآن، وقوله: مشتمل عليه أي على الذكر فيسند إليه تجوزاً أو بتقدير مضاف أي ذو ذكر رحمة أو بتأويل مذكور فيه رحمة ربك لا بتأويل ذاكر كما قيل، فإنه مجاز أيضا وكذا إذا كان مبتدأ. قوله: (وقرئ ذكر وحمة على الماضي (هذه تحتمل قراءة الحسن ذكر فعلا ماضيا مشدداً ورحمة بالنصب على أنها مفعول ثان مقدم على الأوّل، وهو عبده والفاعل إفا ضمير القرآن، أو ضمير الله لعلمه من السياق ويجوز أن يكون رحمة ربك مفعولاً أوّل على المجاز أي جعل الرحمة ذاكرة له وقيل: أصله برحمة فانتصب على نزع الخافض هذا ما في الكشف، وقرأ الكلبي: ذكر ماضياً مخففاً ونصب رحمة ورفع عبده على الفاعلية وكلام المصنف يحتمله. قوله: (وذكر على الأمر) والتشديد وهما مفعولان كما مرّ ولا يلزم ارتباطه بما قبله لجواز كونه حروفا على نمط التعديد كما مرّ فلا محل لها من الإعراب، ولا يلزم في وجوه القرا آت اتحاد معناها وإنما اللازم عدم تخالفها فإن كان اسما للسورة أو القرآن يقدر له مبتدأ أو خبر وتكون هذه جملة مستأنفة وفاعل ذكر هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ورحمة الظاهر أنه منصوب على نزع الخافض وعبده مفعوله أي ذكر الناس برحمة ربك لعبده زكريا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متصل بما قبله، فالوجه حمل القراآت الأخر عليه ليتوافق ولا داعي للتكلف في دفعه بأنه إن أراد الاتصال المعنوي فهو موجود لجواز كون ضمير ذكر لكهيعص! كما في الماضي وان أريد في الإعراب فليس بلازم مع أنه يجوز جعله خبراً له بالتأويل المشهور في الإنشاء إذا وقع خبراً وكله تعسف مستغنى عته. قوله: (مفعول الرحمة (على أنها مصدر مضاف لفاعله والمصدر وضع هكذا بالتاء لا أنها للوحدة حتى يمنع من العمل لأنّ صيغة الوحدة ليست الصيغة التي اشتق منها الفعل فلا تعمل عمله كما نص عليه النحاة، وقوله: على الاتساع أي التجوّز في النسبة وقوله: بدل أي بدل كل من كل والفرق بينه وبين عطف البيان ظاهر. قوله: الأنّ الإخفاء والجهر عند الله سيان (أصل النداء رفع الصوت وظهوره، وقد يقال لمجرّد الصوت بل لكل ما يدل على شيء وان لم يكن صوتا كما حققه الراغب فلا يرد عليه إنّ النداء يستلزم الرفع والظهور فيلزم الخفاء سواء كان بمعنى المخافتة والسرّ المقابل للجهر كما يشير إليه كلام المصنف أو بمعنى الخفاء على الناس وان كان جهراً في مكان خال عنهم كما يشير إليه قوله: لئلا يلزم الخ قيل: ولدفع هذا الإيراد فسره الحسن بنداء لا رياء فيه فجعل الخفاء مجازاً عن الإخلاص وعدم الرياء والوجه أنه كناية مع أن قوله: وظهوره قد يجعل عطفا تفسيريا للرفع ويكفي في الظهور اطلاع من ناداه عليه وهو يعلم السرّ وأخفى ولذا قيل: يا من ينادي بالضمير في! سمع وأشير إلى كونه خفيا ليس فيه رفع بحذف حرف النداء في قوله: قال رب والإخبات بالخاء المعجمة والباء الموحدة والمثناة الفوقية الخشوع وابان الكبر بكسر الهمزة وتشديد الموحدة وفته وقد مر في آل عمران إنّ سنه كان تسعا وتسعين وسن امرأته ثمانياً وتسعين فهو قول آخر، وقوله: تفسير للنداء أي بيان لكيفيته، فالجملة لا محل لها من الإعراب. قوله: (وتخصيص العظم) أي بالوصف بالضعف دون بقية البدن مع أنه المراد لأنه يدل على ضعف غيره بطريق الكناية، وهي أبلغ من التصريح والدعامة بكسر الدال العمود الذي يوضمع عليه البناء والخباء فهو استعارة تصريحية، أو مكنية والمراد بما وراءه غيره. قوله: (وتوحيده (أي إفراده دون جمعه، قال في الكشاف: ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أنّ هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصداً إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه، ولكن كلها وقال السكاكيّ: إنه ترك جمع العظم إلى افراد لطلب شمول الوهن العظام فرداً فرداً لا حصول وهن المجموع دون كل فرد يعني يصح إسناد الوهن إلى صيغة الجمع نحو وهنت العظام عند حصول الوهن لبعض منها دون كل فرد، ولا يصح ذلك في المفرد، واختلف علماء المعاني في أنه هل بين مسلكيهما فرق أم لا وفي أيهما أرجح على ما فصل في شرح التلخيص والمفتاح وتبعهم شراح الكشاف هنا فذهب السعد إلى الفرق بينهما والى أنّ الحق مسلك الزمخشري تبعا للمدقق في الكشف ولم يرتض ما ذهب إليه الشارح العلامة ومن تبعه فقال الوجه: ما في الكشاف وهو أنّ الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أن الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها يعني لو قيل: وهنت العظام كان المعنى أنّ الذي أصابه الوهن ليس هو بعض العظام بل كلها حتى، كأنه وقع من سامع شك في الشمول والإحاطة لأنّ القيد في الكلام ناظر إلى نفي ما يقابله وهذا غير مناسب للمقام فهذا الكلام صريح في أن وهنت العظام يفيد شمول الوهن لكل من العظام بحيث لا يخرج منه البعض وكلام المفتاح صريح في أنه يصح وهنت العظام باعتبار وهن بعض العظام دون كل فرد فالتنافي بين الكلامين واضح، وتوهم أنه لا منافاة بينهما بناء على أنّ مراد الكشاف أنه لو جمع لكان قصداً إلى أنّ بعض عظامه مما يصيبه الوهن والوهن إنما أصاب الكل من حيث هو هو والبعض بقي في سوء الفهم وقلة التدبر، وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ الجمع المعرّف شامل عمومه لكل فرد فرد، وهو الحق عندهم على ما مرّ تفصيله في سورة البقرة والتعريف هنا محمول على الاستغراق بقرينة الحال فلا يتوهم أنه ! حتمل العهد. (وههنا فائدة (وهي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 أن في قوله: وهن العظم مني كناية عن وهن الجسد كله وهي مبنية على تشبيه مضفر وهو تشبيه العظم بعمود وأساس ففيه تخييل كما ذكره شراح الاكشاف ومنه تعلم الفرق بين التشبيه المكنى والاستعارة المكنية فإنّ الثانية لا تحسن بدون تخييلية بخلاف الأولى فاحفظه وتدبر في الفرق بينهما فإنه من دقائق هذا الكتاب، وقوله: ودرئ الخ يعني عين فعله مثلثة مثل كمل والفتح للسبعة وغيره شاذ، وقال: العظم، مني ولم يقل عظمي مع أنه أخصر لما فيه من التفصيل بعد الإجمال ولأنه أصرج في الدلالة على الجنسية لمقصودة هنا. قوله: (شبه الشيب في بياضه الخ) الظاهر أنّ شبه وأخرج مجهول ويجوز خلافه والشواظ اللهب الذي لا دخان فيه والفشوّ بضم الفاء والشين المعجمة وتشديد الواو الانتشار أيضا وانتشاره معطوف على الشيب وظاهر كلام الشيخين أن فيه استعارتين مبنيتين ىلى تشبيهين أولاهما تصريحية تبعية في اشتعل بتشبيه انتشار المبيض في غيره باشتعال النار كلوله: واشتعل المبيض في مسوذه مثل اشتعال النارفي جزل الغضى ... والثانية مكنية بتشبيه الشيب في بياضه وإنارته باللهب، وهذا بناء على أن المكنية تنفك عن التخييلية كما مرّ، وعليه المحققون من أهل المعاني، وقيل: إنّ الاستعارة هنا تمثيلية فشبه حال الشيب بحال النار في بياضه وانتثاره، وتوحيده ضمير أخرج يؤيده وليس بشيء والداعي إلى هذا التكلف ما لزمه من انفكاك المكنية عن التخييلية ولا محذور فيه مع أنه قيل إن من فسر ااخييلية بإثبات شيء لشيء يجوز له أن يقول: إنها موجودة هنا وإن كان الاشتعال استعارة لأن إثباته للرأس أو الشيب وإن كان مجازاً فيه تخييل أيضا وهو بعيد. قوله: (وأسند الاشتعال إلى الرأس الخ (إشارة إلى أن شيبا تمييز للنسبة محوّل عن الفاعل وأصله اشتعل شيب الرأس وأنّ داندة التحويل المبالغة وافادة الشمول لجميع ما فيها، إذ جعل الرأس نفسها شابت والشائب إنما هر ما فيها من الشعر فإنّ إسناد معنى إلى ظرف ما اتصف به زمانيا أو مكانيا يفيد عموم معناه لثل ما فيه في عرف التخاطب فقولك: اشتعل بيتي ناراً يفيد احترق لجميع ما فيه دون اشتعل ناد بيتي ومنه تعلم أن شربت الكأس على الإسناد المجازي أبلغ منه على التجوّز في الطرف وأنّ ذكر الطرفين في المجاز العقلي ليس بمحذور كما في الاستعارة. قوله: (واكتفى باللام عن الإضافة (أي لم يقل رأسي لأن تعريف العهد المقصود. هنا يفيد ما تفيده كما إذا قلت لمن في الدار أغلق الباب إذا لم يكن فيها غير باب واحد ولما كان تعريف العظم السابق للجنس، كما مر لم يكتف به وزاد قوله مني. قوله: (كلما دعوتك استجبت لي (إشارة إلى أنّ المراد بالشقاء هنا الخيبة وأن قوله: لم أكن تفيد العموم فيما مضى، والمدعو له أي لأجله طلب الولد في الكبر فنبه من يسمعه على سبب طلب غير المعتاد لئلا يلومه فيه، والتوسل بما سلف من عادته يتضمن مبالغة في كرمه كما روي عن معن بن زائدة والكريم أدرى بطرق الكرم أنّ محتاجاً سأله وقال: أنا الذي أحسنت إليّ في وقت كذا فقال: مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته. قوله: (بني عمه الأنه أحد معانيه، وكونهم أشراراً المراد به الشر الديني كما أشار إليه لا لؤم النسب فإنّ كل نبيّ يبعث من خير قومه حسبا كما في صحيح البخاري من حديث هرقل وهو بيان لأنّ طلبه عقبا وولدا ليس لأمر دنيوي، وقوله: بعد موتي إشارة إلى أن وراء بمعنى بعد مجازا، والمراد بعد موته كما في حديث أنهم غيروا بعدك، وأصل معناها خلف أو قدام كما مز. قوله: (وعن ابن كثير بالمذّ والقصر) يعني أنه عنه روايتان المد على الأصل وموافقة الجمهور والقصر للتخفيف، ولا عبرة بقول البصريين إنّ قصر الممدود لا يجوز في السبعة، وقد مرّ فيه كلام وقوله: بفتح الياء أي في قراءته فإنه لولاه اجتمع ساكنان. قوله: (أي خفت فعل الموالي الخ الف ونشر فالمقدر الذي تعلق به المضاف المقدر، وهو لفظ فعل أو هو متعلق بالموالي لكونه بمعنى الذين يلون ومن ولي أي بمعناه السابق وحينئذ لا يصح تعلقه بخفت لأنّ الخوف ثابت له الآن لا بعد موته، ولذا قال: في الكشاف لا يتعلق بخفت- لفساد المعنى، وأمّا كونه يكفي لصحة الظرفية كون المفعول فيه لا يشترط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 كونه ظرفاً للفعل نحو رميت الصيد في الحرم إذا كان الصيد فيه دون رميك فيجوز تعلقه بخفت عليه ولا فساد فيه كما مرّ في سورة الإنعام فلك أن تقول إنّ المراد امتناعه وفساده بناء على الظاهر المتباد منه وأنه إذا كان ظرفا للمفعول هنا آل معناه إلى تعلقه به ضرورة فلا يكون متعلقا بالفعل حينئذ فتدبر، ويجوز أن يكون حالاً مقدرة من الموالي، وقوله: الذين يلون الأمر أي يتولونه ويقومون به بيان لمعنى الولاية فيه الذي تعلق به الظرف باعتباره، فإنه يكفي فيه وجود معنى الفعل في الجملة بل رائحته ولا يشترط فيه أن يكون دالاً على الحدوث كاسم الفاعل والمفعول حتى يتكلف له، ويقال: إنّ اللام على هذا موصولة والظرف متعلق بصلته، كما ذكره المصنف وأن مولى مخفف مولى، كما قالوا نظيره في لفظ معنى فإنه تعسف لا حاجة إليه. قوله: (وقرئ خفت ( بتشديد الفاء من الخفة ضدّ الثقل وهي قراءة عثمان وعليّ بن الحسين، وقوله: قلوا وعجزوا إشارة إلى خفة المؤن بقلتهم فهو مجاز عن لازم معناه بواسطة أو بدونها وأنّ من ورائي على هذا بمعنى من بعدي أيضاً، وقوله: ودرجوا بمعنى مضوا وذهبوا فهو من الخفوف بمعنى السير مجازاً، وورائي عليه بمعنى قدامي وقبلي أي أنه محتاج إلى العقب إما لعجز قومه بعده عن إقامة الدين أو لأنهم ماتوا قبله فبقي محتاجاً لمن يعتضد به في أمره، وقوله: فعلى هذا أي على القراءة المذكورة وتفسيرها بما ذكره على الوجهين كما في بعض الحواشي، أو على التفسير الثاني لهذه القراءة لأنّ عجزهم وقلتهم إن لوحظ أنه سيقع بعده لا أنه واقع وقت دعائه صح تعلقه بالفعل فيهما فإن لم يكن كذلك تعلق بالموالي على التأويل السابق كما في الكشاف وشروحه وعبارة المصنف رحمه الله محتملة لهما فتأمل. قوله: (فإنّ مثله لا يرجى إلا من فضلك (بيان لفائدة ذكر قوله: من لدنك مع أن طلب الهبة إنما هو مما عنده لأنّ معناه أن ما طلبه إنما يكون بفضله وقدرته، وترك قوله في الكشاف إنه تأكيد لكونه ولياً مرضياً بكونه مضافاً إليه تعالى وصادراً من عنده والا فهب لي وليا يرثني كاف لا لأنه نزغة اعتزالية في أنّ القبيح لا يضاف إليه تعالى أصلا ولو ذكره المصنف رحمه الله لكان له وجه لأن القبيح عندنا أيضا لا يضاف إليه تأدّبا وان أوجده لكنه فر من مواضع التهم بل لأنه لا حاجة إليه مع قوله: رضيا والتأكيد المقدم خلاف الظاهر، وقوله: من صلبي بيان لأن المراد بالوليّ هنا الولد. قوله: إ صفتان له) أي لولياً لأنه المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات، واختار السكاكيّ أنها مستأنفة استئنافاً بيانيا لأنه يلزم على ما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للكشاف أن لا يكون قد وهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا عليهما الصلاة والسلام ودفع بأنّ الروايات متعارضة والأكثر على أنه قتل بعده، كما ارتضاه في تفسير قوله: لتفسدنّ في الأرض! مزتين، وأمّا الجواب بأنه لا غضاضة في أنه يستجاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم بعض سؤله دون بعض كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم وسيأتي تفصيله في سورة النور فردّ بأنه ليس المحذور هذا لمانما المحذور تخلف إخبار الله في قوله: فاستجبنا له في آية أخرى فإنها تدل على أنه-لمجرو أعطى جميع ما سأله لا بعضه، ثم إنّ ظاهر هذه الآية يدل على ضعف الرواية الأخرى وأمّا ما أورده على السكاكي من أنّ ما أورده وارد عليه لأنه وصل معنوفي فليس بشيء لأنه وان اتصل به معنى لكنه علة للمسؤول ولا يلزم أن يكون علة المسؤول مسؤولة، وأما الجواب بأن الإرث هنا إرث العلم والحبورة وقتله في حياته لا يضر لحصول الغرض وهو تلقي ما ذكر عته وافاضة الإفادة على غيره بحيث تبقى آثاره بعد زكريا زمانا طويلا فبعيد لأنّ المعروف بقاء ذات الوارث بعد الموروث عنه. قوله: (على أنهما جواب الدعاء) أي في جواب الأمر الذي قصد به الدعاء وعبر به تأدباً أو لأنه كذلك في الواقع، وإذا جزم مثله فهو على تقدير شرط أي أن تهب لي ولياً يرثني، والمراد أنه كذلك في ظني ورجائي فلا يلزم الكذب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكون الأنبياء لا يورثون ثابت بحديث إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ولا يورثون مخفف مجهول أو مشدد معلوم، والحبورة مصدر حبر كقضو إذا صار حبرا، وقوله: أو عمران عطف على زكريا. قوله: (يرثني وارث) بوزن فاعل وأو يرث تصغيره وأصله وويرث بواوين الأولى فاء الكلمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 الأصلية والثانية بدل ألف فاعك لأنها تقلب واوا في التصغير كضويرب، ولما وقعت الواو مضمومة في أوّله قلبت همزة كما تقرر في التصريف، وفوله: لصغره يعني التصغير لأن المراد به أنه غلام صغير على ما فسره الجحدري الذي قرأ بها فهو مأثور فلا يرد على المصنف ما قيل: إنه لا يناسب المقام مع أنه لا وجه له لأنه لما طلبه في كبره علم أنه يرثه في صغر سنه ولو حدسا فصغره لذلك، والتجريد في البديع معلوم فعلم البيان أراد به البديع أو ما يشمل الفنون الثلاثة، والتقدير يرثني وارث منه أو به والوارث هو الوليّ فجرده منه وتحقيقه مرّ في آل عمران، وقوله: ترضاه إشارة إلى أن رضيا فعيل بمعنى مفعول ولو جعل بمعنى فاعل صح ولكن هذا أن! سب. قوله: (ووعد بإجابة دعائه) الوعد يفهم من البشارة به دون أن يقال: أعطينا أو نحوه وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله: في آية أخرى فاستجبنا له لأنه تعقيب عرفيئ، كتزوّج فولد له ولأنّ المراد بالاستجابة الوعد أيضا لأنّ وعد الكريم نقد، وقوله: التسمية بالأسامي الغريبة أي المستغربة النادرة لأنها أقوى في التعيين والشهرة ولأنّ صاحبها لا يحتاج إلى لقب يميزه وهذا أحد الوجوه في تسمية العرب أولادها بمثل كلب وفهد وحجر، وقال: بعض الشعوبية لبعض العرب لم تسمون أولادكم بشر الأسماء، ككلب وحرب وعبيد عليكم بخيرها، كسعد وسعيد فقال: لأنا نلد لأعدائنا ونسترق لأنفسنا، وقيل: لأنهم كانوا إذا ولد لأحدهم خرج من منزله، فأوّل ما يقع بصره عليه يجعله علما فإن رأى كلبا سماه به وتأوّل بالوفاء فهذه ثلاثة أقوال فيه فمن قال: إنّ المراد بالأسماء الغريبة ما لم يكن مستهجنا بقرينة المقام، لم يحم حول المرام ألا ترى استشهاد الزمخشريّ بقوله: سنع الأسامي مسبلي أزر نعم الواقع هنا كذلك والتنويه الرفعة بالشهرة. قوله: (وقيل سميا شبيهاً (هو على الأوّل المشابه في الاسم وعلى هذا بمعنى المشابه مطلقاً، وقيل: إن العلاقة فيه السببية وتشاركهما في الاسم أي في اسم جنس جامع لهما كنظير فهو مثل الاشتراك في العلم وإن كان في أحدهما تعدد الوضحع دون الآخر، وظاهره أنه على هذا المراد به المشابه فيما يطلق عليه من الأسماء العامة وليس بمراد لأن تشابههما في ذلك لا يقتضي تشابههما في المعاني أيضا وهو الفرق بين الوجهين فتدبر، وقوله: هل تعلم له سميا أي مثلاً لأن ترتيب قوله: فاعبده عليه يقتضي عدم النظير لا عدم الشريك في الاسم، وقوله: حيى به رحم أمه إن أريد بالرحم مقر الولد فحياته سلامته من العقر وان أريد القرابة فحياتها اتصال النسب وعلى العربية والعجمة يختلف الوزن والتصغير كما بين في محله. قوله تعالى: ( {بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} (مر في آل عمران بلغني الكبر قال الإمام: وهما بمعنى لأن ما بلغك فقد بلغته يعني إذا كان المبلوغ من المعاني كما هنا، أما إذا كان من الأعيان فبينهما فرق لأنّ البلوغ يسند إلى اللاحق بمن سبقه فيقال إن كان المتأخر زيد بلغ زيد عمراً دون العكس وما ذكره الإمام رحمه الله مبنيئ على أن من ابتدائية وعتيا مفعول، وفيه وجوه أخر وقد جعلت تجريدية وتعليلية وعليه يختلف معناهما من حيث المبالغة في أحدهما دون الآخر إن كان الأصل المعنى متحدا فيحتاج إلى بيان نكتة في اختيار أحدهما في كل مقام فتأمل. قوله: (جساوة (بالجيم والسين المهملة بمعنى يبساً وكذا القحول بالقاف والحاء المهملة يقال: جسا وعتا وعسا بمعنى يبس يبسا شديداً، وظاهر كلامه في الأساس أنه مخصوص بمفاصل الحيوان وإعلاله ظاهر، ومثله عصيا. قوله: (وإنما استعجب الولد) أي عده عجيبا وتعجب منه بقوله: إني لمخالفة العادة لما ذكر لا لإنكاره قدرة الله عليه فإنه كفر وهذا ما اختاره الزمخشري في سورة آل عمران، وقال هنا إن السؤال وإن كان صورته صورة تعجب واستبعاد ولكن الاستبعاد ليس بالنسبة إلى المتكلم بل بالنسبة إلى غيره من المبطلين ليزيل استبعادهم ويردعهم عنه ومثله لا بأس به وقوله: اعترافا علة لقوله: استعجب لأن معناه عذه عجيبا لعدم سببه الظاهر وعدم الأسباب يدل على كمال القدرة، كما لا يخفى وليس بمعنى استبعد كما في عبارة الكشاف حتى يصرف إلى غيره من المبطلين ويرد عليه أن نداءه كان خفيا عنهم كما مرّ فمن المبطلون وهذا إن كان الإخفاء لئلا يسمع فيلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 أما إن كان لكبره ونحوه مما لا ينافي في سماع غيره فلا يرد فإن كان كذلك فقد حمل على أنه جهر به بعد ذلك إظهار النعمة الله عليه وردعا لمن ذكر. قوله: (ولذلك قال (في قال هنا نوع من البديع يسمى التجاذب أي لكون الاستعجاب اعترافا بأنّ المؤثر فيه كمال القدرة الإلهية دون الوسايط والأسباب العادية لا إنكارا أتى بعده بما يفيد تصديقه في الخبر الذي تضمنه كلامه الاستفهامي التعجبي، إذ قال: الأمر كذلك أي كما اعتقدته وقصدته ولو كان الأمر إنكارا ما استحق التصديق، والجملتان أي الأمر كذلك وقال ربك الخ، مقولا القول بدون عطف لأن الثانية كانت مستأنفة فحكيت على صورتها وأتى بقال ثانيا تحقيقا للحكاية ولو تركت صح وأفاد المقصود. قوله: (أي الله تعالى) إن كان القول بلا واسطة أو الملك إن كان بها، ولا ينافي الأوّل قوله: فنادته الملائكة الخ، لجواز وقوع القول مرّتين بواسطة وبدونها، ويرجح الثاني قوله: قال ربك لسلامته حينئذ عن تفكيك النظم. قوله: (ويجوز أن تكون الكاف منصوبة بقال في قال ربك وذلك إشارة إلى مبهم يفسره هو علتي هين) أي القول الأوّل مقوله قال ربك هو عليّ هين وكذلك منصوب بالقول الثاني في موقع مصدر له هو صفته، أي قال لزكريا قال ربك هو عليّ هين قولاً مثل ذلك ولفظ ذلك فيه حينئذ إشارة إلى أمر مبهم مفسر بما يعده وكان فيما قبله إشارة إلى قول وعده زكريا تصديقا له، قال في الكشف: الوجه الثاني المجعول فيه اسم الإشارة مبهما يفسره ما بعده يقدر فيه نصب الكاف بقال الثاني لا الأول والا لكان قال ثانيا تأكيداً لفظيا لئلا يقع الفصل بين المفسر والمفسر باجنبيّ وهو ممتنع إذ لا ينتظم أن يقال: قال رب زكريا قال ربك ويكون الخطاب لزكريا والمخاطب غيره كيف وهذا النوع من الكلام يقع فيه التشبيه متقدّما لا سيما في التنزيل من نحو وكذلك جعلناكم أمة كذلك يفعل الله ما يشاء والتقدير، قال رب زكريا قال ربك قولا مثل ذلك القول الغريب وهو عليّ هين على أن قال الثاني مع ما في صلته مقول القول الأوّل إقحام القول الثاني لما سلف، وقد حقق أن الكاف في مثله مقحمة للتأكيد لا تغفل اهـ، (قلت (هذا من دقائق الكشاف وشروحه التي لا توجد في غيره وقد مرّ فيه كلام في سورة البقرة وقد فصله في الكشاف، وشروحه هنا فقال إن الإشارة إلى مبهم مفسر بما بعده كما في قوله: وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع والتشبيه يقع فيه مقدماً وإنه المطرد في التنزيل، وقد حققه الوزير المغربي في شرح قول زهير: كذلك خيمهم ولكل قوم إذامستهم الضراءخيم ... فقال: قال الجرجاني هي تثبيت للمتأخر وهي نقيض كلا فإنها للنفي، والحاصل أنها متعلقة بما بعدها كضمير الشأن وتستعمل في الأمر العجيب الغريب لتثبيته والظاهر أنه كناية لأن ماله مثل يكون ثابتا محققا لكنه قطع النظر فيها عن التشبيه فلذا قالوا: إنّ الكاف فيه مقحمة فإن نظر إلى أصله كان فيه تشبيه فلذا قيل: إنه من تشبيه الشيء بنفسه، فتدبر. قوله: (وبؤيد الأول قراءة من قرأ وهو علئ هين) وهي قراءة الحسن وإنما كانت مؤيدة لأنّ الواو تمنع من التفسير إذ هي لا تعرض! في مثله ولا يجعل مقول القول المحذوت مفسراً لأن الحذف ينافي التفسير وجعلها مؤيدة لا دالة معينة لأنّ توافق القراءتين ليس بلازم وإنما اللازم عدم تعارضهما وتنافيهما. قوله: (أي الأمر كما قلت) بصيغة الخطاب لزكريا عليه الصلاة والسلام وما قاله هو العقر والكبر فإن كان بصيغة المتكلم أي كما قلت لك في البشارة فالقول المذكور هو المشار إليه بذلك، أو كما وعدت بالبناء للمجهول مع ضمير الخطاب، ويجوز بناؤه للمعلوم مع ضمير المتكلم إذ ما وعده الله هو ما وعده زكريا عليه الصلاة والسلام فلا يتعين الأوّل، كما قيل لكن الداعي لذلك تفسيره بما بعده وستسمع ما فيه وهذا التفسير على الوجه الأوّل والقراءة الثانية، وقوله: وهو على ذلك يهون عليّ فسره بالفعل بناء على أنه مجهول مسند لضمير المخاطب فيكون النظر فيه إلى تنجيز الوعد وهو بالفعل أنسب بخلاف قوله: أو كما وعدت فإنه معلوم مسند لضمير المتكلم وهو الله فلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 يناسب التجذد والحدوث فروعيت المناسبة في الجانبين، وقد أوضحه بعض أهل العصر فقال: كما وعدت على بناء المجهول مسند إلى ضمير الخطاب فحيث كان النظر إلى جانب زكريا عليه الصلاة والسلام قال وهو على ذلك يهون عليّ كأنه قيل الأمر كما وعدت وقد بلغت من الكبر عتياً وكانت امرأتك عاقراً ومع ذلك هو يهون عليّ وان صعب في نظرك، وقوله: أو كما وعدت على صيغة المتكلم المعلوم ولما كان النظر حينئذ إلى جانبه عز وجل قال: وهو عليّ هين أي لا صعوبة فيه بالنسبة إلى قدرتي فإني لا أحتاج فيما أريد أن أفعل أي أمر كان إلى جنس الأسباب بل إنما أمري إذا أردت شيئا أن أقول له: كن فيكون وهذا من جملة ما أريد أن أفعله فلا احتياج لي فيه إلى شيء من الأشياء حتى يتوهم كون العقر والكبر قادحاً فيه هكذا ينبغي أن يلاحظ هذا الكلام، وفي كلام الفاضل المحشي هنا نوع خلل وقصور يعرف بأدنى التفات فإن شئت فراجعه) قلت (قد راجعناه فقل: هذه بضاعتنا ردّت إلينا إذ لا فرق بينه وبين ما ذكر إلا بالأطناب وقيل إن قوله على ذلك معناه أن حصول الولد مع ما ذكر من الكبر والعقر يهون عليّ لكنه يرد عليه أنّ ما ذكر بعده لا يخلو من التكرار، ولذا لم يذكره في الكشاف ودفعه بأن المراد أنه على تقدير أن يكون المعنى إن كان الأمر كما وعدت يمكن أن يفسر قوله: وهو عليئ هين بالتفسير الأول وبالتفسير الثاني أيضا، وأمّا إذا كان المعنى كما قلت يكون معنى قوله تعالى: {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [سورة مريم، الآية: 9] بالمعنى الأوّل ولا محصل له والأوّل أظهر مع أنه لا يخلو من شائبة كدر، فتأمل. قوله: (ومفعول قال الثاني محذوف) أي على قراءة الواو وتقديره قال ربك هو كذلك لا هو عليّ هين وما بعده يفسره وقوله: وهو عليّ هين معطوف على مقول القول المقدّر، والزمخشريّ جعل القول نفسه محذوفا على وجه النصب، وقوله: وفيه دليل الخ، هو مذهب أهل السنة والكلام عليه مفصل في الكلام، والزمخشريّ أشار إلى الجواب بأن المنفيّ شيء خاص وهو العندية كما في قوله: إذا رأى غير شيء ظنه رجلا وتوله: سوفي الخلق أي تام الخلقة وهو حال من فاعل تكلم. قوله: (ما بك من خرس ولا بكم) قالوا: إنّ الآية هي تعذر الكلام عليه لأن مجرّد السكوت مع القدرة على الكلام لا يكون معجزة، ثم اختلفوا في أنه أعتقل لسانه أو امتنع عليه الكلام مع القدرة على ذكر الله وهذا هو المختار لأنّ اعتقال اللسان قد يكون لمرض فلا يكون آية أمّا إذا امتنع عليه كلام الناس مع القدرة على ذكر الله تحققت الآية وهو الظاهر من قوله: ألا تكلم الناس واليه أشار المصنف وحمه الله بقوله: استمرّ الخ فتأمل. قوله: (وإنما ذكر الليالي هنا الخ (يعني أنّ القصة واحدة وقد ذكر فيها مرّة الليالي ومرّة الأيام، فدل ذلك على أنّ المراد الأيام بلياليها لأن العرب تتجوّز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر كما ذكره السيرافي والنكتة في الاكتفاء بالليالي هنا وبالأيام ثمة أن هذه السورة مكية سابقة النزول وتلك مدنية والليالي عندهم سابقة على الأيام لأن شهورهم وسنيهم قمرية إنما تعرف بالأهلة ولذلك اعتبروها في التاريخ كما ذكره النحاة فأعطى السى7 بهق للسابق، والمصلى محل الصلاة، والغرفة المحل المرتفع والمحراب يطلق على كل منهما لغة، وأمّا المحراب المعروف الآن فهو محدث كما ذكره السيوطي، وقوله: فأومأ أي أشار وهو مهموز من الإيماء لكنه ورد في كلامهم منقوصا أيضاً وعليه استعمال المصنف رحمه الله كقوله: أومي إلى الكوفة هذا طارق وقوله لقوله الأرمز فإنّ القصر الإضافي فيه بالنسبة إلى التكلم لا إلى الكتابة فينافية دونها ولأنّ قوله: ألا تكلم الناس يقتضي تعيين تفسيره بما ذكر، والكتابة على الأرض بالخط في التراب وهي تسمى وحيا كما في قوله: لفيه وحيّ في بطون الصحائف قوله: (صلوا) لأنّ ألتسبيح يطلق على الصلاة مجازا لاشتمالها عليه وهذا قول الجمهور ولذا قدمه. قوله: (ولعله كان مأمورا الخ) إنما ذكره لما يرد عليه بحسب الظاهر من أنه منع من كلام الناس أو اعتقل لسانه عن غير الشكر والذكر وتخصيص البكرة والعشيّ فهمه من الإشارة بعيد فإما أن يقال لا بعد فيه أو يقال كان مأموراً بهذا والمنع إنما هو من الكلام العادي الذي لم يؤمر به قيل: والأمر بالتسبيح لأنه يكون للتعجب، وما ذكر من الولد ونحوه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 مما يتعجب منه، وهو لا يناسب تفسيره السابق إلا بتكلف. قوله: (تحتمل أن تكون مصدرية) فتقدر قبلها الباء الجارّة، وقوله: على تقدير القول وكلام آخر تقديره فلما ولد وبلغ سنا يؤمر مثله فيه، قلنا: الخ، وقوله: واستظهار أي حفظ يقال: استظهر الكتاب إذا حفظه، وقوله: وقيل النبوّة هو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحكمة وردت بمعناها كثيراً، وقوله: واستنباه بالهمزة والألف أي جعله نبياً وان كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم ينبأ قبل الأربعين. قوله: (ورحمة منا عليه) أي إيتاؤه ما ذكر بفضل الله ورحمته وعلى تفسيره بالتعطف والشفقة فائدة قوله: من لدنا الإشارة إلى أق ذلك كان مرضيا لله فإنّ منه ما هو غير مقبول، كالذي يؤذي إلى ترك شيء من حقوق الله، كالحدود مثلاً أو هو إشارة إلى أنها زائدة على ما في جبلة غيره لأن ما يهبه العظيم عظيم ولا يرد عليه أنه إفراط وهو مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها لأن مقام المدح يأباه، ورب إفراط يحمد من شخص ويذمّ من آخر فإنّ السلطان يهب الأمور فيمدح ولو وهبها غيره كان إسرافا مذموما، ومن الحنان قيل لله: حنان بمعنى رحيم خلافاً لبعض أهل اللغة إذ منع لطلاقه على الله وهل هو مجاز بمرتبة أو مرتبتين قولان. قوله: (أو صدقة أي تصدّق الله به على أبويه) وهو معطوف على صبياً الحال والمعنى حال كونه متصدّقا به عليهما، وقيل: معنى إيتائه الصدقة كونه صدقة عليهما فهو معطوف على المفعول، ومعنى مكئه أعطاه قدرة وسعة، وعصيا أصله عصويا فهو فعول للمبالغة، وقوله: من أن يناله فاللام بمعنى السلامة والأمان بما ذكر، وقيل: إنه بمعنى التحية والتشريف بها لكونها من الله في حال كمال عجزه، وما ينال به بني آدم هو مسه له حين يصيح كما مرّ تفصيله في سورة آل عمران، واذكر في النظم معطوف على اذكر مقدراً أي اذكر هذا واذكر الخ، وقوله: قصتها فهو بتقدير مضاف أو هو مفهوم من السياق وذكر مريم كما سيذكره المصنف، وانتبذ افتعال من النبذ وأصل معناه الطرح ثم أريد به الاعتزال لقربه منه. قوله: (بدل من مريم يدل الاشتمال (وفيه تفخيم لقصتها العجيبة وإنما جعل بدلاً لأنه لا يصح أن يكون ظرفا لا ذكر وأمّا قوله أبي البقاء: إن انزمان إذا لم يقع حالاً من الجثة ولا خبراً عنها ولا صفة لها لم يكن بدلاً منها فرده المعرب بأنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم صحة البدلية ألا ترى سلب زيد ثوبه فالبدل فيه لا يصح فيه ما ذكر مع صحته بلا شبهة وإنما امتنع هناك لتغايرهما والوصف والخبر والحال لا بد من تصادقهما، فالفرق ظاهر، وقوله: لأنّ الأحيان الخ فالثاني هو المشتمل كسلب زيد ثوبه، وقد يعكس كأعجبني زيد علمه، وقوله: لأنّ المراد بمريم قصتها لأنه ليس المراد بذكر مريم إلا ذكر قصتها، وقوله: وبالظرف لا يخفى بعده، والمضاف المقدّر قصة ونحوه، وكون إذ مصدرية ذكره أبو البقاء وهو قول ضعيف للنحاة، وقوله: لا أكرمتك إذ لم تكرمني أي لعدم إكرامك لي والظاهر أنها ظرفية أو تعليلية إن قلنا به، وقوله: فتكون أي إذا انتبذت على هذا القول وهو بدل اشتمال أيضاً، وكون مشرق الشمس قبلة النصارى مرّ الكلام عليه. قوله تعالى:) {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا} ) مشتق من المثال أي تصوّر وأصله أن يتكلف أن يكون مثالاً لشيء، وبشرا جوّز في إعرابه وجوه الحالية المقدرة والتمييز والمفعولية بتضمينه معنى اتخذ ولهم كلام في كيفية التمثيل هل ما زاد من أجزائه يفنى أو يذهب ثم يعود أو يتداخل ويتصاغر أو يخفيه الله عن النظر والظاهر أنها احتمالات عقلية والأولى التوقف في مثله والمشرقة مثلثة الراء محل شروق الشمس والقعود فيه شتاء. قوله: (متمثلاَ بصورة شابئ أمرد الخ) اعترض عليه بأنّ فيه هجنة ينبغي أن تنزه مريم عنها وأنه مناف لمقتضى المقام وهو إظهار آثار القدرة الخارقة للعادة كما قال: كادم خلقه من تراب الآية ويكذبه قوله: قالت إني أعوذ الخ دمانما وجهه أنها رأته بهيئة صغير السن مأنوس لئلا تنفر عنه ولا تسمع كلامه وقد أريد إعلامها وليظهر للناس عفتها وزهدها إذ لم ترغب في مثله ولأنّ الملك كلما تمثل تمثل بصور بشر جميل كما كان يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة دحية رضي ألله عنه فأمّا كونه خارقا للعادة فلا يرد عليه لأنه ليس من أب ويكفي مثله والولد لا يحصل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 من نطفة واحدة، وأمّا الهجنة فقبيحة ولو تركها كان أولى وكأنه أراد أنه وقع كذلك ليكون مظنة لما ذكر ثم يظهر خلافه فيكون أقوى في نزاهتها فتأمّل. قوله: (بالرحمن) قيل: خصته تذكيرا له بالجزاء لينزجر فإنه يقال يا رحمن الآخرة وليس بشيء لأنه ورد رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما كما مر بل طلبت تذكيره بالرحمة ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه، وتحتفل بمعنى تبالي، والمقصود مما ذكر زجره، وقوله: فتتعظ الظاهر إسقاط الفاء حتى لا يحتاج إلى جعله مرفوعاً بتقدير مبتدأ لأنّ المضارع لا يقترن بالفاء. قوله: (ويجورّ أن تكون للمبالغة الخ (وجه المبالغة أنها إذا استعاذت به في حال تقواه فقد بالغت في الاستعاذة كما لا يخفى والظاهر أنها على هذا إن الوصلية وفي مجيئها بدون الواو كلام وهي جملة حالية المقصود بها الالتجاء إلى الله من شرّه لا حثه على الانزجار وما قيل إنه مقتضى المقام غير مسلم لأنه لا يناسب التقوى، ولو كانت مفروضة والذي استعذت به بكسر تاء الخطاب صفة ربك، وقوله: في الدرع أي القميص إشارة إلى ردّ ما قيل إن النفخ في الفرج فإنه غير صحيح ولا مناسب. قوله: (ويجوز أن يكون حكاية لقوله تعالى) يعني أن الهبة إمّا مجاز عن النفخ الذي هو سببها أو حقيقة بتقدير القول أي الذي قال: أرسلت هذا الملك لأهب لك وجعل قراءة الياء مؤيدة لا دليلاً لأنه لا يلزم توافق القراءتين كما مرّ، وأمّا أنّ أصل ليهب لاهب فقلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها فتعسف من غير داع له، ويعقوب عطف على أبي عمرو لا على نافع إذ لا اختلاف في الرواية عنه، وقوله: طاهر الخ يعني أن الزكاء شامل للزيادة المعنوية كالطهارة والحسية. قوله: (فإق هذه الكنايات إنما تطلق فيه (أي في النكاج الحلال فإنه محل التأدب وفاعله يأنف من التصريح به ومرتكب الزنا لا أدب له ولا حشمة فلا يأنف من مثله، وليس مقامه مقام الكناية بل تطهير اللسان عنه أو التقريع به، وقد راعى المصنف رحمه الله هذا الأدب إذ قال: لم يباشرني دون يجامعني أو ينكحني فهو أحسن مما في الكشاف من النكاج وجمع الكناية، وان كان الواقع هنا واحدة منها إشارة إلى أن لها أخوات كلامستم النساء ودخلتم بهن وبنى بها إلى غير ذلك، وخبث بضم الباء بمعنى عمل ما يكره وهو صريح، وفجر فعلى الفجور مثله وإن كان في الأصل كناية لأنه من الفجر لكنه شاع في الزنا حتى صار صريحآ وحقيقة فيه، ولا يرد عليه ما في سورة آل عمران من قوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [سورة آل عمران، الآية: 147 إذ جعل كناية عنهما فإنه لم يجعل كناية عن الزنا وحده بل عنهما على سبيل التغليب وهو لا يحسن هنا على أنه قيل إنه استوعب الأقسام هنا لأنه مقام البسط واقتصر على نفي النكاج ثمة لعدم التهمة لعلمها أنهم ملائكة لا تتخيل منهم تهمة بخلاف هذه الحالة لمجيء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة غلام أمرد، ولذا تعوّذت منه ولم يسكن روعها حتى صرّح بأنه رسول من الله على أنه قيل إن ما في آل عمران من الاكتفاء وترك الاكتفاء هنا لأنها تقدم نزولها فهي محل التفصيل بخلاف تلك لسبق العلم، وبقي هنا كلام مفصل في شروح الكشاف. قوله: (ويعضده عطف قوله ولم أك بغيا عليه (أي يعضد أن المراد بما قبله الكناية عن مباشرة الحلال عطف ما ذكر عليه لأن الأصل في العطف المغايرة وأما جعله من التخصيص بعد التعميم على طريق التغليب لزيادة الاعتناء بتبرئة ساحتها عن الفحشاء كما ذهب إليه بعضهم، فخلات الظاهر ولهذا الاحتمال لم يقل يدل عليه. قوله: (وهو (أي لفظ بغيئ فعول وأصله بغوي فأعل الإعلال المشهور وأمّا قول ابن جني: لو كان فعولاً لقيل بغوّ كما قيل نهوّ عن المنكر فمردود بأنه شاذ كما صرّح به ابن جني أيضا لمخالفته القاعدة الصرفية، ولذا لم تلحقه التاء لأن فعولاً يستوي فيه المذكر والمؤنث، وان كان بمعنى فاعل كصبور، وأما فعيل بمعنى فاعل فليس كذلك فلذا وجهه المصنف رحمه الله بأنه للمبالغة التي فيه حمل على فعول، كما قيل ملحفة جديد، وإن قيل فيه إنه بمعنى مفعول أي مجدود ومقطوع لأن الثياب الجديدة تقطع، وأورد عليه العلامة في شرح الكشاف أن نفي الأبلغ لا يستلزم نفي أصل الفعل فلا يناسب المقام وأجيب بأن المراد نفي القيد والمقيد وهو دقيق ولا يخفى أنه لا دقة فيه فإنه مع شهرته المتداول خلافه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وإن السؤال وارد على تخريج الجم! ، ر فالأوجه أن يقال: إنها لشدة طهارتها ونزاهة بيتها عدته عظيماً من مثلها وان قل ولذا سمي الزنا فحشا مع تفسيره بما عظم قبحه، فإن قلت البغي أصل معناه تجاوز الحد فهو في الزنا كناية فينافي ما مر، قلت: هو كذلك بحسب أصل اللغة لكن البغيّ شاعت في الزانية فصارت حقيقة صريحة. قوله: (أو للئسب) ومثله يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقيل: ترك تأنيثه لاختصاصه في الاستعمال بالمؤنث وتفصيله في المفصل وشروحه. قوله: (ونفعل ذلك لنجعله الخ الما كان العطف هنا مخالفا للظاهر، لأن العلة لا تعطف على المعلل وقد ورد مثله في أماكن خزج على وجهين أحدهما تقدير معلل معطوف على ما قبله وقدره المصنف مقدما على الأصل والزمخشري قدره مؤخراً لأن ذكره دون متعلقه يقتضي الاعتناء به، فهو بالتقديم التقديري أليق وتركه المصنف رحمه الله لإيهامه الحصر وهو غير مقصود، والآخر أن يكون معطوفا على علة محذوف والضمير عائد على الغلام، وفي الكشف حذف المعلل هنا أولى إذ لو فرض علة أخرى لم يكن بد من معلل محذوف أيضاً إذ ليس قبلها ما يصلح لأن يكون معللا فهو تطويل للمسافة، وهذه الجملة أي العلة ومعلولها معطوفة على قوله: هو عليّ هين وفي إيثار الاسمية في الأولى دلالة على لزوم الهون وازالة الاستبعاد والفعلية في الثاني للدلالة على أنه انتشى ليكون آية متجذدة، فتأمّل. قوله: (وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات (الالتفات فيه على هذه من الغيبة إلى التكلم فهو مخصوص بها، ويحتمل أن يعم القراءتين لكن الالتفات على قراءة لأهب بمعنى آخر مذكور في المطول، فتأمّل. قوله: (وبرهاناً) إشارة إلى أنّ المراد بالعلامة البرهان، لأنه يدل على وجود المبرهن عليه كدلالة العلامة على ما هي أمارة له، وقوله: حقيقا بأن يقضي لما كان الولد لم يعط في ذلك الزمان أوّله بمقدر ومسطر في اللوح أو بأنّ المراد به أنه من الأمور التي لا بد من تحققها لكونه آية ورحمة فعبر عنه بلفظ المفعول تنبيهاً على تحققه، وعليهما فقوله: وكان أمراً مقضيا تذييل لما قبله قيل والأوّل أنسب بمذهبنا، والثاني بمذهب المعتزلة في رعاية الأصلح لكن مراد المصنف رحمه الله أنه حقيق بمقتضى الحكمة والتفضل لا وجوبا على الله فلا يرد عليه شيء، وقوله أنسب إشارة إلى ذلك، وقوله: لكونه آية ورحمة إشارة إلى أنه تذييل لما قبله على الوجه الثاني وعلى ما قبله وهو تذييل لمجموع الكلام. قوله: (ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره (فهو من خواص عيسى عليه الصلاة والسلام عندهم وقد صرّح به أهل التنجيم ونقل النيسابوري له وجهاً يخالف ما ذكره كويشار في دخله ولس هذا محله. قوله: (كما حملته نبذته) أي وضعته وولدته عقيب الحمل من غير مضيّ مدة طويلة وهذه الكاف تسمى كاف المفاجأة وكاف القرآن، وقد نقلها النحاة كصاحب المغني ووقعت في كلام العرب والفقهاء نحو سلم كما تدخل وصل كما يدخل الوقت وهي كاف التشبيه في الأصل كأنه شبه وقت أحد الحدثين المتجاورين بوقت الآخر أو أحدهما بالآخر لوقوعهما في زمن واحد ولكونه خلاف المعروف فيها قال في المغني إنه معنى غريب جذاً. قوله: (وهو في بطنها) يعني أنّ الباء للملابسة والمصاحبة لا للتعدية والجار والمجرور وظرف مستقر وقع حالاً أي مصاحبة وحاملة له كما في الباء الواقعة في البيت المذكور وهو من قصيدة للمتنبي وقبله: كأنّ خيولناكانت قديما تسقي في قحوفهم الحليبا ... فمرّت غير نافرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا ... والقحوف جمع قحف وهو العظم الذي فوق الدماغ، والمراد بالجماجم الرؤوس، والتريب عظم الصدر يقول: كأنّ خيولنا كانت قديما تسقى في قحوف الأعداء اللبن وكانت عادتهم سقيه لكرام خيلهم يعني أنها لاعتيادها لذلك لم تنفر من القتلى وداست رؤوسهم وصدورهم ونحن على ظهورها والدوس الوطء بالرجل ولم يجعلها للتعدية هنا وان صح لأنّ قوله: فأجأها المخاض يقتضي أنها منتبذة بنفسها لا نابذة له. قوله: (وهو في الأصل منقول من جاء الخ (تبع فيه الزمخشري حيث قال: أجاء منقول من جاء إلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء ألا ترى أنك تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول: بلغته وأبلغنيه، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم تقل أتيت المكان وآتانيه فلان. اهـ. وقد رذه في البحر، وقال: إنّ قوله أنّ الاستعمال غيره لم يقله أهل اللغة والإجاءة تشمل المجيء بالاختيار وبالقسر والإلجاء، وقوله: ألا ترى الخ يرذه أن من يرى التعدية بالهمزة قياسية لا يسلمه ومن رآها سماعية قال: إن ما أنكره مسموع من العرب كما في الصحاح وتنظيره بأتى غير صحيح فإنه بناء على أن همزته للتعدية وأصله أتى وليس كذلك بل هو مما بنى على أفعل وليس منقولاً من أتى بمعنى جاء المتعدي لواحد، ولو كان كذلك لكان مفعوله مفعولاً ثانيا وفاعله مفعولاً أوّل على قاعدتهم في مثله وعلى ما ذكره يكون بالعكس إلى آخر ما ذكره وأطال فيه (قلت) ما ذكره غير وارد على الشيخين أمّا قوله: إنه لم يقله أهل اللغة فغير صحيح لأنه قال في مختصر العين وتاج المصادر أجأت الرجل إلى كذا ألجأته إليه ونقله الجوهري عن الفراء فالحق ما قاله السفاقسي: إن الإجاءة مما نقل بالهمزة إلى الإلجاء كما نقل الإيتاء إلى الإعطاء وان احتمل أن يكون مما بني على أفعل لكن الأوّل يرجحه أنّ الأصل اتحاد الماذة والثاني يرجحه أن اختلاف المعنى دليل على اختلافهما، وما ذكره في التعدية إنما يرد على عدم النقل وأمّا عليه فلا لكنه يرد عليه كما في شروح الكشاف وتبعهم الفاضل المحشي أنه يقال: أجأته إذا جئت به كما يقال: بمعنى ألجأته كما في الصحاح وغيره، ويقال: أتاه بمعنى أتى به كما يقال: بمعنى أعطاه ومنه قوله تعالى: {آتِنَا غَدَاءنَا} [سورة الكهف، الآية: 63] أي ائتنا به كما مرّ فكيف ينكر أيضا ما اعترف به أوّلاً، وأمّا كون أجاء لا يتعدى بإلى كما ذكره السفاقسي فغير صحيح، وقال الراغب: يقال جاءه بكذا وأجاءه قال تعالى: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ} [سورة مريم، الآية: 22] وقيل معناه ألجأها، وإنما هو معدّى عن جاء اه. والظاهر عدم وروده أيضا لأنهما لم يريدا بنقله نقله إلى معنى تغايره بالكلية بل أنهما خصا بأحد فرديهما فإنك إذا ألجأته إلى شيء جعلته جائيا إليه حقيقة أو حكماً كما يشهد له تفسيره بجئت به، وكذا أتيت به فإنه بمعنى ناولته والمناولة نوع من الإعطاء ألا ترى أن مآل أجاءها المخاض إلى جذع النخلة نقلها من مكانها إليه ولا فرق بينه وبين الإلجاء فلا مخالفة فيه ولا تناقض فتدبره. قوله: (مصدر مخضت) أي بفتح الخاء وكسرها وأصل المخض تحريك سقاء اللبن وهزه ليجتمع زبده وسمنه فاستعمل لطلق الولادة كما ذكره ثم صار حقيقة عرفية فيه، وقوله: وتعتمد عليه حتى تتكي منتصبة والمراد بالعرق أصلها والغصن رأسها ولا خضرة عطف تفسير لقوله: لا رأس لها وهو معه تفسير لقوله: يابسة وإلا فكل نخلة يابسة، وقوله: وكان الوقت شتاء يعني والنخل لا تثمر فيه ولا تتحمل ثمرتها برده فتترك عليه. قوله: (والتعريف إما للجنس) فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة مدينة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وان لم يعلمها المخاطب بالقرآن، وهو النبي صلى الله عليه وسلم كما إذا قلت أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود، أو يقال إنها معينة له أيضاً بان يكون الله أراها له ليلة المعراج فإن فيه أن جبريل عليه الصلاة والسلام أنزله ببيت لحم وهو محل ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام، فلا يرد عليه ما قيل إنه لا مساغ للعهد هنا فإنه لا بد فيه من علمه للمخاطب وهو مفقود هنا، وقول المصنف رحمه الله: إذ لم يكن ثم عيرها صريح في الجواب الأوّل وما ذكره في العهد غير مسلم مع أنه ليس أبا عذرته والمتعالم بفتح اللام تفاعل من العلم، والخرسة بخاء معجمة مضمومة وراء مهملة ساكنة وسين مهملة ما تأكله النفساء وهو مخصوص بها كالعقيقة لما يذبح عن المولود والوليمة للعرس. قوله: (ولعله الخ) من آياته أي مما خالف العادة فيها وهو إثمارها بدون رأس وفي إثمارها في وقت الشتاء الذي لم يعهد فيه ذلك، وكونها واحدة ليس معها غيرها يلقح طلعها كما هو المعتاد فهو دليل لها على عدم استغراب الولادة منها بلا زوج وسبب وأن القادر على إيجاد رطب جنيّ من خشبة يابسة في غير زمانه قادر على هذا، وخصت النخلة بذلك لشبهها بالإنسان كما ذكروه وفيه إشارة أيضا إلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلوة، وأنه عليه الصلاة والسلام سيحيي الأموات كما أحيا الله بسببه الموات وفيه من اللطف أيضاً ما أشار إليه المصنف رحمه الله وهي أنّ النفساء عقب النفاس تطعم طعاماً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 حلواً لأن كل حلو حارّ فبحرارته يسيل الدم فيخرج بقية دم النفاس التي لو بقيت ضرّت وهو معنى قوله: الموافقة لها، وقيل: إنه لذلك جرت العادة بإطعام ذات النفاس تمراً وتحنيك الطفل به وهو ينفع من عسرت ولادتها. قوله: (وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر مت بضم الميم من مات يموت) كقلت وكسرها من مات يمات كخاف يخاف أو من مات يميت، ووافقهم على الضم يعقوب وهذا الاختلاف جار فيه، حيث وقع في القرآن وكان ينبغي تقديم قراءة الضم لأنها الأشهر وعليها أكثر كما هو عادته وقوله: ما من شأنه أن ينسى فقوله: منسيا تأسيس لا تأكيد حتى يرد عليه أنه مجاز حينئذ والتأكيد ينافيه مع أنه ذكر في الكشاف أن العرب استعملته بهذا المعنى فصار حقيقة عرفية، وقوله ة منسيّ الذكر فسره به ليكون تأسيساً أبلغ مما قبله، وقوله: ينسؤه أهله بالهمزة أو يخلطوه بالماء، وقيل: معناه يدفعه وليس من النسيان، وقوله: على الاتباع أي اتباع الميم للين. توله: (وقيل جبريل عليه الصلاة والسلام الخ) مرّضه لأنه محل اللوث ونظر العورة وكلاهما لا يليق بالملك وكأنه لهذا فسر التحتية بما بعده وتوله: يقبل أي يباشر إخراج الولد كالمقابلة، وروح بفتح الراء علم لأحد القراء، وقوله: على أنّ في نادى ضمير أحدهما أي عيسى أو جبريل عليهما الصلاة والسلام وعلى تلك القراءة من الموصولة فاعل وقوله: الضمير للنخلة، وفي التفسير السابق لمريم، وقوله: أي لا تحزني فأن تفسيرية أو مصدرية مقدر قبلها حرف الجرّ، والجدول النهر الصغير، والسري بهذا المعنى يائيّ لأنه من سرى يسري، وبمعنى السيد واوفي من السرو وهو الرفعة كما أشار إليه المصنف رحمه الله وأما السرو اسم شجر فليس بمراد هنا وقوله: وهو أي السري المراد به على هذا عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (وأميليه إليك الخ) يعني أن الهمز مضمن معنى الإمالة ولذا عداه بالى أو أنه جعل مجازا عنه أو اعتبر في تعديته معنى الميل لأنه جزء معناه لأنه تحريك بجذب ودفع أو تحريك يمينا وشمالاً سواء كان بعنف أو لا فلا مغايرة فيه لقول الراغب: إنه التحريك الشديد كما توهم فيتضمن معنى الإمالة، ولما كان متعديا بنفسه وجه ذكر الباء بأنها مزيدة للتأكيد، أو أنه منزل منزلة اللازم لأنه بمعنى افعلي الهز فالباء للآلة كما في كتبت بالقلم أو مفعوله محذوف وهو على تقدير مضاف أي هزي الثمرة بهزه، ونحوه ما نقل عن المبرد أن مفعوله رطبا على أنه تنازع هو وتساقط فيه لكنه ضعفه في الكشاف لتخلل جواب الأمر بينه وبين معموله وأما قوله: في الكشف إق الهز يقع على الثمرة تبعا للجذع فجعل الأصل تبعا بإدخال باء الاستعانه عليه غير مناسب فرذه بعض شزاح الكشاف بأن الهز دمان وقع بالأصالة على الجذع لكن المقصود منه الثمرة فلهذا النكتة المناسبة جعلت أصلا لأن هز الثمرة ثمرة الهز، وقد تطفل عليه بعضهم فأجاب به من عنده وفيه نظر لأن المفيد لتلك قوله: تساقط عليك رطبا، وهز الثمرة لا يخلو من ركاكة فالوجه ما ذكره في الكشف، وقوله: في القاموص يقال: هزه وهزيه مما لا يلتفت إليه وفي تساقط قرا آت تسع وهي ظاهرة، وقوله: وحذفها أي الثانية. قوله: (فالتاء للنخلة) فيه تسمح أي التأنيث الذي دلت عليه التاء باعتبار النخلة والتذكير باعتبار الجذع وجعل التأنيث باعتباره أيضا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، كما في قوله: يلتقطه بعض السيارة خلاف الظاهر، دمان صح ولذا لم يلتفتوا إليه وكون رطبا تمييزا أو مفعولا أو حالا موطئة بحسب معنى القراآت. قوله: (رطبا جنيا) قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب كان يجب أن يقول جنية إلا أنه أخرج بعض الكلام على التذكير وبعضه على التأنيث، وجاء في القرآن ما هو أغرب من هذا وهو قوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى} [سورة البقرة، الآية: 111] ، فأفرد اسم كان حملا على لفظ من وجمع خبرها حملا على معناه كقولك: لا يدخل الدار إلا من كان عقلاء وهذه مسألة أنكرها كثير من النحويين. قوله: (روي الخ (هذا توطئة لما بعده والخوص بضم الخاء المعجمة والصاد المهملة ورق النخل خاصة، وقوله: وتسليتها الخ إشارة إلى سؤال في الكشات، وهو أن حزنها لم يكن لفقد الطعام والشراب حتى تتسلى بالسري والرطب وجوابه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 بأن تسليتها بهما ليست من هذه الحيثية بل من حيث اشتمالهما على أمور خارقة للعادة دالة على براءة ساحتها، وقدرة الله الباهرة التي يهون عندها كل شيء حتى لا ينكر أمرها فقوله: بذلك أي بقوله: قد جعل ربك تحتك سريا الخ، وقوله: لما فيه من المعجزات قيل إن نسب ذلك لمريم فهو كرامة لا معجزة، ولو قيل بنبؤتها لأن المعجزة الأمر الخارق للعادة الواقع للتحذي ولا تحذي هنا، وإن نسب لعيسى صلى الله عليه وسلم فما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم منه قبل ظهور نبؤته كتظليل الغمام للنبيء صلى الله عليه وسلم فهو إرهاص لا معجزة، وأقرب ما قيل فيه أن المراد بالمعجزة معناها الغوي وهي الأمر المعجز للبشر لكونه خارقا للعادة مطلقا فيصدق على الكرامة والإرهاص أو هي مجاز عرفيي لذلك، وقوله: فجعل الله له ذكر الضمير باعتبار أنها جذع لأنها إنما تكون نخلة إذا كانت تامة هالا فهي جذع من الخشب اليابس والمنبهة معطوفة على الدالة، وعليه حال من مفعول رآها والضمير للشأن، وعلى أن الخ متعلق بالمنبهة وقوله: وأنه أي الحبل من غير فحل، وقوله: مع ما فيه أي فيما ذكر من تهيئة شرابها وطعامها حتى لا تتألم بفقدهما أيضا لكن ذلك ليس مقصودا بالذات. قوله: (ولذلك رتب عليه الأمرين (الإشارة تحتمل أن تكون لما فيه أي لما في الأمر الذي سلاها به من ذكر الطعام والشراب رتب عليه الأمرين يعني المأكول والمشروب يعني بالفاء، ويحتمل أن الإشارة لجميع ما تقدم / أي ولأنه سلاها تسلية أزالت حزنها أمرها بالأكل والشرب لأن الحزين لا يتفرغ لمثله كما نبه عليه بقوله: وقزى عينا، وقدم الماء أولا وأخر الشرب هنا لأن الماء الجاري أظهر في إزالة الحزن، وأصل في النفع عام نفعه للتنظيف ونحوه وحيث ذكره للشرب أخره لأنه إنما يكون بعده ولذا قدم الأكل على الشرب حيث وقع ويحتمل أنه قدم الأكل ليجاور ما يشاكله، وهو الرطب، وقوله: أو من الرطب وعصيره قيل: هو إذا أريد بالسرفي عيسى عليه الصلاة والسلام وليس بمتعين. قوله: (وطيبي نفسك (طيب النفس عبارة عن الاطمئنان وعدم القلق والحزن، فقوله: وارفضي أي اتركي تفسير له يعني أن قزة العين كناية عن السرور ودفع الحزن وهو إفا من القرار والسكون أو من القز بمعنى البرد، ويشهد للأول قوله: تدور أعينهم من الحزن وللثاني قولهم: قرة العين وسخنتها وذكروا في وجه برودة دمعة السرور وسخونة غيرها أن سبب البكاء ارتفاع أبخرة ينعصر بها ما في الدماغ من الرطوبات حتى تسيل وتلك الأبخرة تكون حرارتها في حالة الحزن أشد لعدم انتشارها كما في السرور الظاهر على البشرة، وقوله: وهو لغة نجد أي فإنهم يقولونه بفتح عين الماضي وكسر عين المضارع وغيرهم يكسر عين الماضي ويفتح عين المضارع من القز بمعنى السكون أو البرد، وقوله: لبأت بالحج أصله لبيت من التلبية وهي قولك: لبيك اللهتم لبيك فأبدلت الياء همزة والمؤاخاة بين الهمزة وحرت للين لأنه يبدل منها ولم يقل والياء لأنه لا يختص بها. قوله: (صمتا (فالمراد به الإمساك مطلقا وهو أصل معناه أو هو مجاز عنه والقرينة قوله: فلن أكلم اليوم الخ وعليه يظهر التفريع، وقوله: وكانوا لا يتكلمون في صيامهم وكان ذلك قى بة في دينهم فيصح نذره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فهو منسوخ في شرعنا كما ذكره الجصاص في كتاب الأحكام وقد ورد في الحديث كما رواه أبو داود لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل، وفي شرح البخاري لابن حجر عن ابن قدامة أنه ليس من شريعة الإسلام، وظاهر الإخبار تحريمه فإن نذره لا يلزمه الوفاء به ولا خلاف فيه بين الشافعية والحنفية لما فيه من التضييق، وليس من شرعنا لهان كان قربة في شرع من قبلنا وعليه أيضا فالتفريع ظاهر. قوله: (بعد أن أخبرتكم بنذري (لدفع ما يتوهم من أنها إذا أنذرت عدم الكلام يكون قولها هذا مبطلا له، وحاصله أنها نذرت أن لا تكلم أحدا بغير هذا الإخبار فلا يكون مبطلا له لأنه ليس بمنذور، وقولها: إني نذرت ليس بإنشاء للنذر بل إخبار عن نذر وقع منها ولم تعين زمانه وزمانه كان بعد التكلم بهذا، ويحتمل أن قوله: فلن أكلم اليوم انسيا تفسير للنذر بذكر صيغته فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن هذا الكلام إنشاء للنذر، فما ذكره المصنف لكونه في صورة الخبر أو لتضمنه له وكذا ما قيل إنه من تتمة النذر أو هو مستثنى منه عقلا لأنه ضرورفي، وقوله: أكلم الملائكة من مفهوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 قوله: إنسيا دون أحدا، وقوله: مع ولدها إشارة إلى أن الباء للمصاحبة ولو جعلت للتعدية صح أيضا وقوله: حاملة إياه إشارة إلى أن الجملة حال من ضمير مريم أو عيسى، ولذا فصل الضمير ليتحقق تنكيره بخلاف ما لو قال حاملته. قوله: (بديعأ منكرا من فرى الجلد (يعني أن أصل حقيقة الفرى قطع الأديم والجلد مطلقا، ثم فرق بين قطع الإفساد والإصلاح ثم استعير لفعل ما لم يسبق له، ولذا فسره المصنف بقوله: بديعا وأما كونه منكرا فظيعا فمما فعل، واختار الثلاثي لأن فعيلا إنما يصاغ قياسا منه، ومن لم يحققه قال الأولى أن يقول: من أفرى لما في الصحاح من أن أفراه معناه قطعه على جهة الإفساد وفراه قطعه على جهة الصلاح ثم أجاب تارة بأن فرى يرد للإفساد أيضا، كما في القاموس وأخرى بأن القطع الصالح قد يكون محل تعجب لقلة النظر الصحيح وغلبة الهوى. قوله: (وكانت من أعقاب من كان معه الخ (يعني أنها وصفت بالأخوة لكونها وصف أصلها أو هرون يطلق على نسله كهاشم وتميم، والمراد بالأخت أنها واحدة منهم كما يقال أخا العرب، وقوله: وقيل هو رجل صالح أو طالح فليس المراد هرون موسى بل رجل آخر سمي باسمه، وقوله: شبهوها به لأن الأخ والأخت يستعمل بمعنى المشابه كثيرا والتهكم على أنه صالح والشتم على أنه طالح، وقوله: إن كلموه ليجيبكم يعني أشارت إليه إشارة يفهم منها هذا بدليل قوله: قالوا كيف. قوله: (وكان زائدة الخ (الداعي لما ذكره أنه لو أبقى النظم على ظاهره لم يبق خارقا للعادة ومحلا للتعجب والإنكار فإن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيا قبل زمان تكليمه، فإقا أن تجعل زائدة لمجرد التأكيد من غير دلالة على زمان والمعنى كيف نكلم من هو في المهد الآن حالة كونه صبيا، فصبيا حال مؤكدة لأن كان الزائدة لا عمل لها، ولو لم تكن زائدة كان خبرا وأما على قول من قال: إن كان الزائدة لا تدل على حدث لكنها تدل على زمان ماض مقيد به ما زيدت فيه كالسيرافي فالزيادة لا تدفع السؤال كما في شرح المفصل لابن يعيش، وما وقع هنا في تفسير النيسابوري من أن زيادتها نظرا إلى أصل المعنى وإن كانت تفيد زيادة ارتباط مع رعاية الفاصلة بناء على أنها عاملة في الاسم والخبر كما ذهب إليه الجوهرفي ونقله عنه في شرح التسهيل للدمامينيئ فلا يرد عليه ما قيل إنها غير عاملة فلا دخل لها في انتصاب صبيا في الفاصلة كما قيل نعم المشهور خلافه وهو سهل. قوله: (أو تاقة (بمعنى وجد وصبيا حال مؤكدة أيضا وهي وإن دلت على المضيئ أيضا إلا أن معنى المضيئ هنا تقدمه على زمان التكلم في الجملة، وبقاؤه عليه بحكم الاستصحاب وفيه نظر فإنه على هذا ما الفرق بين التافة والناقصة فتأمل. قوله: (أو دائمة كقوله تعالى: {وكان الله عليما حكيما} ) يعني أنها تدل على الدوام والاستمرار بقطع النظر عن المضيئ، وغيره فهي بمعنى لم يزل ولا يزال، قال في الغرر: والدرر الرضوية وهو فصيح كثير في كلام العرب وهو مجاز ثم بين وجه التجوز فيه، والدوام هنا يكون بمعنى ثبوت الخبر في الماضي من غير انقطاع له كما ذكره ابن الحاجب، ويصح أن يراد به هذا أيضا فيكون أحد الوجهين المذكورين في الكشاف ولا يرد عليه شيء كما توهم دماذا كان بمعنى صار فالمضيئ بالنسبة لما صار منه وهو يدل على البقاء فيما صار إليه كما هو شأن صار، وفي الكشاف إن كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهي هنا لقريبه خاصة بقرينة السياق والتعجب والغرض استمراره على حاله وهو أوكد ممن هو في المهد لأن السابق كالشاهد عليه، ووجه آخر أن يكون نكلم حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا في المهد وقال الزجاج: الأجود أن تكون من شرطية لا موصولة أو موصوفة كما قيل أي من كان في المهد فكيف نكلمه وهذا كما يقال: كيف أعط من لا يعمل بموعظتي والماضي بمعنى المستقبل في باب الجزاء فلا إشكال فيه. قوله: الأنه أول المقامات (أي مقامات السالكين أولها الاعتراف بالعبودية وذلك بتفويض أموره كلها لسيده الذي لا يسئل عما يقعل ومراتب هذا المقام متفاوتة، ووجه الرد أنه لو كان ربا لم يكن عبدا بل مالكا متصرفا فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن يقول على من زعم أنه ابنه وتفسير الكتاب بالإنجيل لأن تعريفه للعهد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 قوله: (نفاعا (أي كثير النفع لإبرائه الأبرص والأكمه، وتعليمه الخير بإرشاده، وإن ضل به أقوام لسوء اختيارهم، وقوله: كالواقع أي في الماضي ولو قال: كالذي وقع كان أظهر لأن المتبادر من اسم الفاعل الحال، وقوله: وقيل الخ فهو على ظاهره من غير تأويل. قوله: (زكاة المال إن ملكته (في شرح الشفاء عن ابن عطاء الله أنه لا زكاة على الأنبياء عليهم انصلاة والسلام، لأن الله تعالى نزههم عن الدنيا فما في أيديهم لنه ولذا لا يورثون أو لأن الزكاة تطهير وكسبهم طاهر، وفي قوله إن ملكته وما بعده إشارة إليه، وقيل إنه أمر له بإيجاب الزكاة على أقته فتأمل، وقوله: وصف به أي مبالغة كرجل عدل، أو بتقدير مضاف أي ذا بز، وهو معطوف على قوله: مباركا، وقوله: بفعل دل عليه أوصاني أي ألزمني أو كلفني لدلالة الوضية عليه، ويجوز عطفه على محل قوله: بالصلاة كما قيل في قراءة وأرجلكم بالنصب مع أن أوصى قد يتعدى للمفعول الثاني بنفسه كما وقع في البخاري أوصيناك دينا واحدا فتأمل وقوله: ويؤيده الخ فإن هذه القراءة تدل على أنه موصى به ففي قراءة النصب ينبغي توافقهما معنى فينصب بما دل عليه الوصية لتعلقها به. قوله: (عند الله من فرط تكبره (عند هنا إن كانت هي الظرفية فالمراد أنه لم يقض له بالشقاوة في علمه الأزليئ وعند الله قد يراد به في علمه وقد يراد به في حكمه كما صرحوا به، فالمراد إق عدم جباريته وشقاوته لا تختص بالماضي كما يفهم من ظاهر النظم بل هي مما لا تتغير لأنها مما قضى وقدر، فلا وجه لما قيل إن الأولى عدم التقييد، ولا لما قيل إق هذا القائل حزف العبارة ولم يقف على مراده يعني أق عند هنا بفتحتين ماض من العناد فإنه خلاف المتبادر من غير ضرورة. قوله: (كما هو على يحى (يعني فيما مر إشارة إلى تفسيره وتوطئة لما بعده من قوله: والتعريف للعهد أي المراد به السلام السابق كما تقول جاءني رجل فأكرمت الرجل أي الذي جاء وجعله غير الأظهر لا لأن المعهود سلام يحيى وعينه لا يكون سلام عيسى عليه الصلاة والسلام لجواز كونه من قبيل هذا الذي رزقنا من قبل أي مثله بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجودا وسردا فيكون معهودا غير سابق لفظا ومعنى مع أن المقام يقتضي التعريض وهو يفوت على ذلك التقدير لأنه إنما نشأ من اختصاص جميع السلام أو جنسه به كذا في الكشف. قوله: (والأظهر أنه للجنس (لما مر من أن العهد غير ظاهر، ولم يقل والصحيح كما في الكشاف لجواز أن يكتفي في العهد به بذكره في الحكاية، والمراد بالجنس ظاهره أو الاستغراق لأنه يحمل عليه إذا تعذر العهد، والتعريض باللعن أي البعد والطرد عن رحمة الله وكرامته لأن السلام دعاء بالسلامة عما يكره واختصاص الجنس به المستلزم لاختصاص جميع الأفراد يفهم منه ذلك بطريق التعريض وأعداؤه اليهود، وكأن القرينة على هذا قوله: بعده ذلك قول الحق الذي فيه يمترون، فيندفع به ما قيل عليه إنا لا نسلم ذلك، وليس في النظم ما يدل عليه لأن أول مقام شاهدوه ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب فلا يدل على مناكرة وعناد وليس فيه دليل على أن الخطاب لليهود، فتأمل. وقوله: فإنه أي عيسى عليه الصلاة والسلام أو الضمير للشأن، وقوله: على نفسه أي أصالة وعلى من اتبعه بالتبعية. قوله: (أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم الخ (يعني أق ذلك إشارة إلى الذات الموصوفة بما تقدم من الصفات وأن التركيب يفيد الحصر أي قصر المبتدأ إفا بناء على ما ذكره الكرماني في شرح البخاري من أن تعريف الطرفين مطلقا يفيد الحصر وإن خصه أهل المعاني بتعريف المسند بالألف واللام أو بإضافته إلى ما فيه الألف واللام نحو تلك آيات الكتاب على ما في بعض شروح الكشاف وأما بناء على أن عيسى ابن مريم مؤؤل به لأنه في تأويل المسمى به، أو أن الحصر مستفاد من فحوى الكلام حيث كان الوصف إشارة إلى نفي ما اذعوه فيه بطريق برهانيئ لأنه إذا تحقق وصفه بالعبودية لخالقه لزم أن لا يكون إلها وابنا دته ونحوه وهذا هو الحق لأن كل علم مؤؤل بما ذكر، وما ذكره الكرماني محل بحث فتأمل. قوله: (فيما يصفونه (أي في وصفهم فما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة، وقوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 والطريق البرهاني بيان لما أراده فلا حاجة إلى تكلف الحصر فيه كما قيل، وقوله: ثم عكس الحكم إن كان المراد بالحكم النسبة التاقة، والقضية الخبرية فالمراد أنهم حكموا بأن ابن الله أو الإله عيسى عليه الصلاة والسلام فأتى بما يدل على خلافه من أنه عبد مخلوق له ب! نفخ روح منه، وإن كان المراد به المحكوم به والخبر فالمراد أنه كان الظاهر أن يقال: عيسى عبد الله ومخلوقه لأنه المتنازع فيه والمقصود بالإفادة فعكس لاذعاء أن ذلك الوصف معلوم مسلم ليكون أبلغ في الرد عليهم، وهو الظاهر كما يدل عليه قوله: حيث جعله الموصوف لأن الأصل أن يجعل ما يدل على الذات موضوعآ، وما يدل على الصفات محمولا، وقوله: والإضافة أي إضافة قول إلى الحق للبيان وليست من إضافة الموصوف إلى الصفة أي القول الحق والمراد بالضمير هو المقدر، والكلام السابق قوله: قال إني عبد الفه الخ، أو قوله: ذلك عيسى ابن مريم لأن الإشارة إلى ما قبله، وقوله: أو لتمام القصة أي لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام بتمامها، وقيل: المراد بتمام القصة آخرها وهو قوله ذلك عيسى ابن مريم، دياذا كان صفة أو بدلا فالمراد بالحق الله وعلى ما قبله بمعنى الصدق، وكلمة الله أطلقت على عيسى عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه خلق بقول: كن من غير أب، وقوله: على أنه مصدر مؤكد أي لمضمون الجملة منصوب بأحق محذوفا وجوبا وشممى مؤكدا لغيره عند النحاة، وقال: وقول بالفتح والضم كما في الكشاف مصدر بمعنى واحد، ويصح نصبه على المدح. قوله: (يشكون (على أنه من المرية وهي الشك أو يتنازعون على أنه من المراء، وهو الجدال والتبكيت إلزام الخصم بالحجة، وبهتوه بمعنى افتروا عليه وعاندوا فيه، ومعنى إيجاده بكن أن إرادته للشيء يتبعها كونه لا محالة من غير توقف فشبه ذلك بأمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور الممتثل على طريق التمثيل كما مر تحقيقه، والنصب على الجواب مر تحقيقه في سورة النحل، وقوله: وإن الله ربي وربكم في قراءة الكسر بتقدير قل يا محمد إن الله ربي وربكم الخ، وعلى تقديره ولأن فهو متعلق باعبدوه دماذا عطف على الصلاة فهو من مقول عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (اليهود والنصارى أو فرق النصارى (الأحزاب الفرق مطلقآ، واختلف المفسرون في المراد بهم هنا فقيل: اليهود والنصارى بادعاء بعضهم له البنوة ونحوها وبعضهم أنه ساحر كذاب، وقيل: المراد فرق النصارى فإنهم اختلفوا بعد رفعه فيه فقال: نسطور هو ابن الله أظهره ثم رفعه، وقال يعقوب: هو الله هبط ثم صعد وقال ملكاء وهو عظيمهم الذي استولى على الروم هو عبد الله ونبيه فنسبت كل فرقه إلى من اعتقدوا معتقده، وقيل: المراد مطلق الكفار فيشمل اليهود والنصارى، والمشركين الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ورجحه الإمام بأنه لا مخصص للكفار ومشهد يوم الجزاء عاتم لهم ولم يذكره المصنف لأن ذكر الاختلاف عقيب قصة عيسى عليه الصلاة والسلام يقتضي تخصيصهم بأهل الكتاب لأنهم المختلفون فيه، وما ذكر من مذاهب الفرق الثلاثة ذكره بعض أهل التفسير هنا وحذا حذوهم المصنف رحمه الله وشراح الكشاف وما نقله في الملل والنحل يخالفه، وهو أن الملكانية قالوا: إن الكلمة يعني أقنوم العلم اتحدت بالمسيح عليه الصلاة والسلام وتدرعت بنا سوته والروح عندهم روح القدس وأقنوم الحياة ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا بل الابن المسيح بعد التدرع، وقال بعضهم إن الكلمة مازجت عيسى عليه الصلاة والسلام كما يمازج الماء اللبن، ثم قالت الملكانية: الجوهر موصوف وهو غير الأقانيم لأنها بمنزلة الصفة له وصرحوا بالتثليث كما نطق به القرآن، وقالت الملكانية أيضا المسيح ناسوت كليئ لا جزئيئ وهو قديم، وقد ولدت مريم إلها قديما أزليا والصلب والقتل وقع على الناسوت واللاهوت معا وأثبتوا الأبؤة والبنوة وهذا مخالف لما ذكره المصنف رحمه الله وغيره هنا بل ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قدمه في سورة المائدة وملكاء بالمذ علم غير عربي والنسبة إليه ملكائية بهمزة بعد الألف الممدودة والجاري على الألسنة وفي نسخ القاضي ملكانية نسبة إلى ملكاء على غير القياس كصنعاني نسبة إلى صنعاء وكل هذا محتاج إلى تصحيح النقل فيه فانظره. قوله: (من شهود يوم عظيم (حاصله أن فيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 ستة أوجه لأنه إما مصدر ميميئ أو اسم زمان أو مكان على كل حال فهو إما من الشهود أي الحضور أو من الشهادة، وإذا فسر بشهود يوم فالإضافة إفا بمعنى في أو على الاتساع وكذلك الشهادة، وقوله: وهو أن يشهد الخ تفسير لهذا الوجه وفيه إشارة إلى أن نسبة الشهادة إلى اليوم مجازية كنهاره صائم وتذكير الضمير باعتبار الخبر دماذا جعل زمانا فالإضافة بمعنى من أو للملابسة، وقوله: هوله وحسابه إشارة إلى أن إسناد العظمة إلى اليوم مجازية أو بتقدير مضاف فتجري الصفة على غير من هي له، وقوله: أو من وقت الشهود وهو بعض ذلك اليوم فلا يلزم أن يكون للزمان زمان مع أنه لا استحالة فيه بناء على أنه متجذد يقدر به متجذد آخر كما بين في محله، وآرابهم أعضاؤهم جمع أرب كعضو وهو القطعة من الشيء وقوله: ما شهدوا به في عيسى عليه الصلاة والسلام وأفه فعظمه لعظم ما فيه أيضا، كقوله: كبرت كلمة تخرج من أفواههم. قوله: (معناه (أي معنى التعجب المراد منه، أن أسماعهم جمع سمع بمعنى المصدر أو القؤة السامعة وأبصارهم جمع بصر بالمعنيين، وجدير أي حقيق ولائق خبر أن وإنما أول التعجب بما ذكر وأنه مصروف للعباد الذين يصدر منهم التعجب لأن صدوره من الله محال إذ هو كيفية نفسانية تنشأ عن استعظام ما لا يدري سببه، ولذا قيل إذا ظهر السبب بطل العجب، والمعنى تعجبوا من سمعهم وأبصارهم حيث لا ينفعهم ذلك كما يشير إليه قوله اليوم في ضلال مبين لإهمالهم النظر والاستماع فهي كقوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [سورة ق، الآية: 22،. قوله: (أو التهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ (فهو على الأول ذكر فيه اللازم وأريد الملزوم وليس بكناية لامتناع إرادة الملزوم والفعلان منزلان منزلة اللازم إذ ليس المراد أنهما متعلقان بالمفعول والتعجب منه بل المراد نفس الأسماع والأبصار، وعلى هذا المراد تعلقهما بالمفعول وهو ما يسوءهم ويصدع قلوبهم وهو على هذا أيضا مجاز عن أن أسماعهم وأبصارهم جدير أن يتعجب منها لكن لا مطلقا بل متعلقين بالمفعول المذكور، وفيه معنى التهديد لكنه أخره كما مرضه في الكشاف لأن قوله لكن الظالمون الخ أنسب بالأول فهو معطوف على قوله: إن أسماعهم لأنه للتعجب فيهما وأما عطفه على قوله: تعجب فبعيد ينبو عنه اللفظ وإن صح أيضا والمعنى أن الأول تعجب مصروف إلى العباد وهذا تعجب مقصود به التهديد والفرق بينهما ما مر، وقيل: إنه على الأول تعجب راجع إلى العباد وعلى الثاني هو كناية عن مجرد التهديد فيكون معطوفا على قوله: تعجب وفيه نظر، وعلى التعجب المراد أسمع بهم وأبصر بهم. قوله: (وقيل أمر (أي النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسمعهم الخ فهو أمر حقيقي غير منقول للتعجب والمأمور هو النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى أسمع الناس وأبصرهم بهم وحذثهم بما يحل بهم من العذاب، وهو منقول عن أبي العالية كما ذكره المعرب فيتعلق الاستدراك بقوله: فويل للذين كفروا، وقوله: والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع يعني على أنه للتعجب سواء أريد به التهديد أو لا، وهذا بناء على القول بأن المجرور في باب التعجب فاعل والباء فيه زائدة على ما فصل في كتب النحو واختاره المصنف، وعلى الثاني أي قول أبي العالية يكون في محل نصب لأنه أمر حقيقي فاعله مستتر وجوبا وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في التعجب أيضا أنه في محل نصب وفاعله ضمير المصدر، وليس مراد المصنف رحمه الله الإشارة إلى هذا القول كما توهم ثم إنه لا يلزمه حذف الفاعل من وأبصر لأن ابن مالك رحمه الله ذهب إلى أن الجاز حذف من وأبصر ثم استتر الضمير في الفعل لدلالة الأول عليه فلا حذف للفاعل، نعم قال سيبويه: إنه لملازمته الجز وكون الفعل قبله في صورة ما فاعله مضمر والجاز والمجرور بعده مفعوله أشبه الفضلة فجاز حذفه اكتفاء بما تقدمه، واحترز بقيد الملازمة عن نحو كفى بالته شهيدا، وما جاءني من رجل فلا يجوز حذفه لعدم الملازمة فيه، ومن لا يقول إنه فاعل فهو ظاهر عنده. قوله: (أوقع الظالمين موقع الضمير (إذ مقتضى الظاهر لكنهم وكون الظلم لأنفسهم مأخوذ من السياق لأن الإغفال إنما يعود ضرره عليهم وقال في الكشاف: أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعارا بأنه لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 الاستماع والنظر حين يجدي عيهم وش! عدهم والمحراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع اهـ. قيل: ولم يتعرض له المصنف رحمه الله لعدم ظهور وجه الإشعار المذكور إلا أن يقال: إطلاق الظالمين المحلى باللام الاستغراقية على الذين كفروا من الأحزاب من بينهم يدل على كمالهم في الظلم وهو ضعيف لا لأن أل هنا موصولة لدخولها على اسم الفاعل إلا على مذهب المازني لأن الموصولة تفيد ما تفيده أل المعزفة كما ذكره النحاة ولا ينافيه العهد الذي في الصلة بل لأن ما ذكره ليس مراده إذ مراده أن الظلم بمعنى الإغفال نوع من الكفر الموصوفين به أولا فأفراده بالذكر، كعطف جبريل على الملائكة، والتسجيل به على ضلالهم دون غيره يقتضي أنه أشدها وأقواها، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه فتدبر. قوله: (حيث أغفلوا (أي تركوه وصاروا غافلين عنه، وقوله: بأنه ضلال مبين وقع في نسخة بين وهما بمعنى، وقوله: يوم تتحسر الناس إشارة إلى أن إضافته إليها لوقوعها فيه، وقوله: فرغ من الحساب إشارة إلى أن تعريف الأمر للعهد وأنه واحد لأمور، وتصادر الفريقان أي صدر كل من موقف الحساب إلى مقزه، فإقا إلى الجنة هافا إلى النار، وقوله: وما بينهما اعتراض أي جملة معترضة لا محل لها من الإعراب والواو اعتراضية. قوله: (أو بأنذرهم (معطوف على قوله: بقوله في ضلال مبين، وقوله: غافلين غير مؤمنين إشارة إلى أنه حال من المفعول، وقوله: فيكون حالا متضمنة للتعليل أي أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار وهي الغفلة والكفر فاندفع به ما قيل على هذا الوجه من أنه غير ملائم لقوله: إنما أنت منذر من يخشاها لأن قوله: وهم لا يؤمنون نفي عنهم الإيمان في جميع الأزمنة على سبيل التأكيد والمبالغة لأن لكل مقام مقالا فهنا المقام مقام احتياجهم للإنذار وذاك مقام بيان من ينفعه الإنذار بتنزيل من لا ينفعه منزلة العدم، وهو لا يقتضي منعه من إنذار غيره إذ ما على الرسول إلا البلاغ فهذه الآية كقوله: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم كافلون، ودلالة قوله: وهم لا يؤمنون على الدوام والاستمرار غير مسلمة. قوله: الا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك (بالكسر والضم ومعنى الأول اختصاص عين المملوك بالمالك بحيث له التصزت فيه والاستقلال بمنافعه، ومعنى الثاني التصزف في المملكة بالأمر والنهي ومنه الملك بكسر اللام فإرث الأرض ومن عليها معناه استقلاله بتملكها ظاهرا وباطنا دون من سواه وانتقال ذلك إليه انتقال ملك الموروث من المورث إلى الوارث ومعناه حينئذ كمعنى قوله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [سورة غافر، الآية: 16] ، وقوله: أو نتوفى الأرض أي نستوفيها ونأخذها، ونقبضها بتشبيه الإفناء بأخذ العين وقبضها وقبض الوارث لما قبضه من مورثه وهو استعارة فيهما، وفي الكشاف يحتمل أنه يميتهم ويخزب ديارهم وأنه يفني أجسادهم ويفني الأرض ويذهب بها يعني أن الآية تحتمل معنيين أحدهما أن يكون المراد بإرث الأرض تخريبها وبإرث من عليها إماتتهم، والثاني أن يكون المراد بإرث من على الأرض إفناء أجسادهم وبإرث الأرض إذهابها، وفي الوجه الأول على الأرض الأحياء والأرض ديارهم لأن الإماتة إنما تكون للأحياء والتخريب للديار العامرة فتعريف الأرض للعهد، وفي الثاني من على الأرض شامل للأحياء والأموات والأرض العامرة والخربة جميعا، وقال الفاضل اليمني: إن معناه أنه يحتمل أن يراد بالوراثة الخاصة، وأن يراد بها العامة والتعريف في الأرض للعهد ولذا قال: يخزب ديارهم وعلى الثاني للجنس والذي قال: يفني الأرض أو يذهب بها والثاني أولى لأن الكلام في شأن القيامة ولأنه في معنى قوله تعالى:) لمن الملك، الخ وعليهما ينزل كلام المصنف رحمه الله، وقوله: يرذون للجزاء بيان لمآل إرجاعهم إليه. قوله: (واذكر في الكتاب الآية (قال في الكشاف: والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله: واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالئه عز وجل هر ذاكره ومورده في تنزيله، وهذا دقيق جدا فتأمله. قوله: (ملازما للصدق (يعني أن صديقا مبالغة كضحيك ونطيق، والمبالغة إفا في الكيف أو في الكم والصيغة إما من الصدق وإما من التصديق، وقال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 لراغب الصديق من كثر منه الصدق أو من لا يكذب قط، وقيل: من لا يتأتى منه الكذب لتعؤده الصدق وقيل: بل من صدق بقوله: واعتقاده وحقق صدقه بفعله والصذيقين في قوله: مع النبيين والصديقين قوم دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي الكشاف الصديق من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والنطيق، والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل أي كان مصدقا بجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبيا في نفسه، كقوله تعالى: {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} [سورة الصافات، الآية: 37] ، أو كان بليغا في الصدق لأن ملاك أمر النبؤة الصدق ومصدق الله بآياته ومعجزاته حرفي أن يكون كذلك، وفي الكشف المبالغة فيه تشمل المبالغة كما وكيفا فحمله أولا على الأول بقوله ت والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به والعطف تفسيرفي لأن من صدق كثيرا يكون كثير الصدق في تصديقه، وثانيا على الثاني بقوله: أو كان بليغا في الصدق ولك أن تجعله جامعا للقسمين لكونه في مقام المدح والمبالغة وقد ألئم به الراغب والأول أعني كونه صذيقا تمهيد للثاني وإثبات له بدليله وترق ولا تكميل على الأول ولا تتميم على الثاني لا سيما وقد قدر ذلك، في صديقا وهو تقدم وأما جعله في الأول راجعا إلى المفعول كما في قطعت الحبال على ما في بعض الحواشي فمن الإغلاط. قوله: (أو كثير! في نسخة وكثير التصديق بالواو بدل أو وفي أخرى كثير التصديق بدون عاطف والأولى ظاهرة لظهور مقابلها باعتبارين لأن الأول من الثلاثي والثاني من المزيد، والأول مبالغة في الكيفية والآخر في الكمية وقد عرفت أن صاحب الكشف لم يرتض التكثير باعتبار المفعول، وأما الثانية فوجهها أيضا ما مر من أنه يجوز قصد المبالغة في الكئم والكيف معا بمقتضى مقام المدح لا لأنه يكون مأخوذا من الثلاثي والمزيد معا لعدم صحته بل لأن أحدهما مدلوله والآخر لازمه لأن من كثر تصديقه كان كثير الصدق في تصديقه ويكون العطف تفسيريا، وذكر الأول تمهيدا للثاني، كما مر أيضا والثالثة مثلها في المعنى وأما كون الواو بمعنى أو فخلاف الظاهر وخص ما ذكر بقوله: من غيوب الله الخ لأنه التصديق المعتبر الذي يمدح به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو الحرفي بالذكر والمصرح به في تلك الآية، وقوله: بدل أي بدل اشتمال كما مز. قوله: (وما بينهما اعتراض (أي جملة أنه كان وقول صاحب الفرائد أق الاعتراض بين المبدل منه، والبدل بدون الواو بعيد عن الطبع لا وجه له وليس الرد والقبول بالتشهي، وقوله: أو بصذيقا نبيا ظاهره أنه معمول لهما معا وتوارد عاملين على معمول واحد غير جائز عند النحاة، وقوله: في الكشاف أي كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات كأنه لجعلهما بتأويل اسم واحد كتأويل حلو حامض بمن ليسلم مما ذكر أو ليكون العامل معناهما ولا يخلو من الكدر، ولو أراد أنه معمول لصديقا لم يكن لذكر نبيأ وجه مع أن الوصف يمنع من العمل عند البصريين، وكذا لو تعلق بنبيا مع أنه يقتضي أنه نبي في وقت هذه المقالة، وأما ما قيل: إن مراده أنه متعلق بصديقا الموصوف بنبيا أو أنه متعلق بصديقا ونبيا على البدل فلا يخفى ما فيه من الخلل، وقوله: لا يقال يا أبتي لما فيه من الجمع بين العوض والمعؤض وهو لا يجوز إلا شذوذا كقوله: يا أبتي أزقني القذان ولما ورد عليه شبهة الجمع في يا أبتا وهو جائز دفعه بأنه جمع بين عوضين كما يجمع صاحب الجبيرة بين المسح والتيمم وهما عوضان عن الغسل، وقيل: المجموع فيه عوض وقيل: الألف للإشباع في مثله وهي علل نحوية بعد الوقوع، وقوله: إنما يذكر للاستعطاف أي لطلب العطف والشفقة لا لمحض النداء، وقوله: فيعرف بالنصب في جواب النفي، وشيئا في النظم يحتمل النصب على المصدر أو المفعولية وعبارة المصنف في تفسيره تحتملهما، وقيل إنها ظاهرة في الأول. قوله: (دعاه إلى الهدى وبين ضلاله الخ (جعله دعوة لأن إنكار عبادة ما لا ينفع في قؤة الأمر بعبادة غيره، وهو إن لم يكن صريحا فهو أخوه وتبيين الضلالة بعبادة ما لا يسمع ولا يبصر، والاحتجاج عليه إذ العبادة لا تصح لمثل هذه الجمادات وأرشقه بالشين المعجمة والقاف بمعنى ألطفه، وقوله: حيث الخ تعليل لما قبله من الأبلغية والألطفية، وطلب العلة بقوله: لم واستخفاف العقل لعدم إدراكه، وفائدته والركون الميل، وقوله: ولا تحق الخ بيان للواقع لا أنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 من النظم وكذا ما بعده، وقوله: ونبه أي بسؤاله المذكور، وقوله: ئم دعاه شروع في تفسير الآية الآتية. قوله: (ولم يسم أباه (من الوسم وهو العلامة والمراد لم يصفه وهو مجاز مشهور بهذا المعنى، وإنما لم يصفه مع أنه كذلك تأذبا ورفقا ولم يذع العلم الفائق تواضعا ولأنه أقرب إلى الإجابة وذلك بقوله: جاءني من العلم أي بعضه، وقوله: بل جعل نفسه كرفيق الخ، يشير إلى أن في النظم تشبيها تمثيليا، وقوله: ثم ثبطه الخ توطئة لتفسير ما بعده، وقوله: المولى للنعم كلها مأخوذ من قوله للرحمن، والمطاوع للعاصي عاص يعني إذا طاوعه في المعاصي، وقوله: حقيق الخ بيان لمناسبة ذكر الرحمن هنا فإنه قد يتوهم أن المناسب ما يدل على غضب ونحوه، وقوله: وما يجر إليه الضمير المستتر لسوء العاقبة والمجرور للموصول وفي نسخة ما يجره والبارز المنصوب لأبيه أي الذي يجر سوء العاقبة أباه إليه ويجوز عود الضمير المستتر لما والمنصوب لسوء العاقبة وعكسه والمجرور لأبيه. قوله: (قرينا (تفسير لقوله: وليا إشارة إلى أن المفهوم من الآية ترتب الولاية على ص العذاب والأمر بالعكس فأشار إلى دفعه بأن فسر الولاية بالمقارنة فيما ذكر أو بالثبات المذكور وقيل إنه من إطلاق السبب هارادة المسبب، وقوله: تليه ويليك إشارة إلى وجه دلالته على ذلك لأنه من الولي وهو القرب وكل من المتقاربين قريب من صاحبه فلا تجوز فيه، وقوله: أو ثابتا في موالاته الثبوت يفهم من المضارع الدال على الاستمرار التجذدي ومن صيغة الصفة المشبهة ولأنه كان وليا له قبل ذلك وهو إشارة إلى تفسير آخر له على أنه من الموالاة وهي المتابعة والمصادقة، فإن قلت كيف يتأتى تفسيره بالثبات على موالاته مع أن قوله تعالى: {الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [سورة الزخرت، الآية: 67] ، قلت قيل إن أريد بالعذاب عذاب الدنيا فلا إشكال وإن أريد عذاب الآخرة فالمراد الثبات على حكم تلك الموالاة وبقاء آثارها من سخط الله فلا منافاة كما توهم والجواب هو الثاني كما يدل عليه قوله في الكشاف دخوله في جملة أشياعه وأوليائه لأن الأول لا مساس له بما نحن فيه ولا يلائم بقية كلام المصنف كما ستعرفه. قوله: (كما أن رضوان الله أكبر من الثواب (وان عظم في نفسه لقوله تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} [سورة التوبة، الآية: 172] فلزم بطريق التعكيس أن يكون سخط الله أكبر من العذاب لأنه منشأ عذابه كما أن الرضوان منشأ الفوز بضده، ولذا رتب عليه وبهذا تعلم أن المراد بموالاته ودخوله في أوليائه كونه مغضوبا عليه غير مرضيئ وأن هذا مبني على التفسير الثاني لا على أي معنى كان للولاية كما قيل. قوله: (وذكر الخوف والمس الخ (أما الأول فلأن الخوف كما قاله الراغب: توقع المكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف فلم يذكر له أنه جازم بمس العذاب له مجاملة له أي معاملة جميلة في ملاقاته لأن ذلك أجمل من القطع بعذابه أو لإظهار أن عاقبة أمره وخيمة فيجوز أن يعذب وأن لا يعذب وأما الثاني: وهو ذكر المس المشعر بالتقليل فأجمل من ذكر كثرة عذابه ولأن عاقبة أمره منكشفة له فاقتصر منها على الأقل لأنه المتيقن فيه فإنه إذا وقع عذاب فإما أن يعذب عذابا قليلا أو كثيرا وعلى الثاني فهو متضمن له تضمن جمل الأعداد للآحاد، وكذا تنكير العذاب إذا كان للتقليل، فسقط ما قيك إن خفاء العاقبة لا يصح أن يكون علة لذكر المس وتنكير العذاب، وأما ما قيل من أن قصد التقليل من عبارة المس لا يناسب المقام ولا يساعده الكلام لأن المقام مقام تخويف فلا يناسبه التخفيف ولأن المس مما يقصد به المبالغة في الإصابة كما في قوله: وقد مسني الكبر لأن المس اتصال الشيء بالبشرة بحيث تتأثر به الحاسة مع أنه مر ما يخالفه في قوله: لن تمسنا النار في سورة البقرة، فرد بأن المقام مقام إظهار الشفقة ورعاية الأدب وحسن المعاملة فيناسب التقليل والمس منبىء عن قلة الإصابة كما صرح به الأئمة الكثير والإصابة ولا ينافيه قوله: لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم فإن عظم العذاب لا يستلزم شدة الإصابة كما قيل، وقوله: وقد مسني الكبر مع الخطا في التلاوة إذ هي على أن مسني الكبر لا ينافيه إذ الكلام فيما إذا لم يوجد في المقام قرينة حالية أو مقالية تدل على أن المراد به مطلق الإصابة وفي الآية الأولى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 وصفه بالعظم قرينة مقالية، وفي الثانية كونه في سن الشيخوخة قرينة حالية، ثم إن الاتصال بالبشرة المذكورة لا يقتضي المبالغة في الإصابة لأن القؤة اللامسة تتأثر بأدنى إصابة فليس فيه نسيان لما قدمه في آية البقرة لأن دعوى اليهود ثتم قلة الإصابة كما وكيفا، والحاصل أن هنا مقامين يمكن اعتبار كل منهما مقام التخويف ومقام إظهار مزيد الشفقة وأدب المعاملة ومقتضى الأول حمل التنكير على التعظيم والمس على مطلق الإصابة ومقتضى الثاني خلافه ولذا قال في المطؤل مما يحتمل التعظيم والتقليل قوله: إني أخاف أن يمسك عذاب الخ أي عذاب هائل أو أفي شيء منه ولا دلالة للفظ المس وإضافة العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثاني كما ذكره بعضهم لقوله تعالى: {لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم} [سورة النور، الآية: 14] ، ولأن العقوبة من الكريم الحليم أشد انتهى، واعترف في بحث الشرط أن لفظ المس ينبئ عن قلة الإصابة وترجيح المصنف اعتبار المقام الثاني لكون بناء الكلام هنا على مراعاته فتدبر) أقول (كون المس بل الإصابة مشعرة بالقلة مما لا شبهة فيه لكنها لكونها مقدمة لما بعدها متقدمة عليه تقدم الذوق على الأكل وتقدم مس النار على إحراقها واذابتيا هافنائها لما تحرقه تكون غير مقصودة بالذات والمقصود ما بعدها فدل على وقوع أمر عظيم بعدها ودلالتها على الكثرة والعظمة باعتبار ما يلزمها ويتبعها لا بالنظر إليها في نفسها فيصح وصفها بكل منهما بل بهما باعتبارين كما أشاروا إليه فلا منافاة بين الآيات ولا دلالة في قوله على أن مسني الكبر على أحدهما بل إبقاؤها على ظاهرها أولى لما فيه من التجلد وعدم التضجر وكون المقام مقام التخفيف لا التخويف مع تصديره بقوله: أخاف غير مسلم بل هو مما روعي فيه مقتضى المقامين وهذا هو المناسب لما مر في تفسير قوله: فتكون للشيطان وليآ، ثم إن المدقق في الكشف ذكر أن الحمل على التفخيم في عذاب كما جوزه في المفتاح يأباه ظاهر المقام لأنه مقام حسن أدبه معه أو أنه مما قيل من الرحمن لقوله: أولا، كان للرحمن عصيا وللدلالة على أنه ليس على وجه الانتقام بل ذلك أيضا رحمة من الله على عباده وتنبيه على سبق الرحمة على الغضب وأن الرحمانية لا تنافي العقاب بل الرحيمية على ما عليه الصوفية رضي الله عنهم، وقيل: إن ذكره الرحمن للتحسر وأنه على حذ قول المتنبي: وما ينفع الحرمان من كف حازم كما ينفع الحرمان من عند رازق ... قوله: (ولعل اقتصاره (في النظم على عصيان الشيطان في قوله: إن الشيطان كان للرحمن عصيآ، وقوله: من جناياته وفي نسخة جنايتيه بالتثنية والجناية الأخرى معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام، وذريته وهو تلميح إلى ما في الآيات الأخر ومن تبعيضة أي وهو بعض جناياته هأنما جمع على ما في النسخة المشهورة مع أن جنايته المذكورة عصيان الرحمن بالاستكبار وعدم امتثال الأمر والمتروكة المعاداة كما صرح به في الكشاف لاشتمال كل منهما على أنواع من القبائح والمعاصي والوساوس التي لا تتناهى، وقوله: لارتقاء همته في الربانية أي لعلو همته في أمور الألوهية حيث لم ينزل لذكر غيرها ولم يعذها جناية معها فلا جرم عنده أعظم من عصيان الله بل لا جرم غيره، وقوله: أو لأنه أي العصيان نتيجة معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام أي لأنه لما عاداه لعدم المناسبة الترابية استكبر عن السجود له فكان عاصيا دثه كافرا فاقتصر على ما ذكره من النتيجة لأنها الأهم ولأنها تنبه على سببها ومقدماتها فتعرف منها مع أن المعاداة إنما عذت جناية لما فيها من معصية الله والحمل عليها فهي مندرجة أو كالمندرجة فيه فتدبر. قوله: (قمابل اسثعطافه ولطفه في الإرشاد (كما مر تفصيله، والفظاظة سوء الخلق وكراهته، وغلظة العناد أي الغلظة الناشئة من العناد أو العناد الغليظ، وجعل مناداته باسمه دليلا على ذلك وهو ظاهر، ويا بنيئ بالتصغير، وأخره أي أخر اللفظ الدال عليه وهو أنت لعدم الاعتناء به والالتفات إليه بعدما تلطف به غاية التلطف وهذا مما يدل على فظاظته وغلظته والقول بأنه لو قدم لكان أشنع وأوقع في الدلالة على ذلك مكابرة. قوله: (وقدم الخبر على المبتدأ الخ (خالف أبا البقاء وابن مالك ممن جعل أنت فاعل الصفة لاعتمادها على حرف الاستفهام وذلك لئلا يلزم الفصل بين راغب ومعموله وهو عت آلهتني بأجنبي وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 المبتدأ لأنه غير معمول له أو يحتاج إلى تقدير عامل آخر له وهو خلاف الأصل لأنه قيل عليه أن المبتدأ ليس أجنبيا من كل وجه لا سيما والمفصول ظرف متوسع فيه والمقدم في نية التأخير والبليغ يلتفت لفت المعنى بعد أن كان لما يرتكبه وجه مساغ، وهذا الأسلوب قريب من ترجيح الاستحسان على القياس لقؤة أثره، د! ان زيادة الإنكار إنما تنشأ من تقديم الخبر كأنه قيل: أراغب أنت عنها لا طالب لها راغب فيها منبها له على الخطأ في ذلك، ولو قيل: أترغب لم يكن من هذا الباب في شيء، فتدبر. قوله: (بلسائي يعني (بالرجم الشتم على طريق الاستعارة، أو المراد الرمي بالحجارة فهو حقيقة، وقوله: حتى تموت الخ بيان للمقصود من الرجم، وقوله: عطف الخ يعني أنه لا يصح أو لا يحسن عطفه على ما قبله لتخالفهما خبرا وإنشاء وجواب القسم غير الاستعطافي لا يكون إنشاء، وقوله: لأرجمنك تهديد وتقريع فيدل على الأمر بالحذر وليست الفاء في قوله: فاحذرني عاطفة حتى يعود المحذور قوله: (زمانا طويلا (فهذا معناه من الملوين الليل والنهار من الملاوة بتثليث الميم الدهر فهو منصوب على الظرفية كقول مهلهل: فبكت عليه المرسلات مليأ وهذا أحد الوجوه فيه، وقوله: أو مليا بالذهاب عني يعني أنه مجاز من قولهم: مليئ أي غنيئ، والمراد سالما أو مطيقا قادرا على الهجر والبعد، وهذا تفسير ابن عباس وعداه بالباء لأنه من تمي بكذا إذ تمتع به كما ذكره الراغب وهو على هذا حال من فاعل اهجرني، وقيل: المعنى هجرا مليا أي طويلا فهو منصوب على المصدرية. قوله: (توديع ومتاركة (السلام أصل معناه السلامة من الآفات ويكون للدعاء بذلك عند الملاقاة وهو ظاهر، وعند المفارقة كما في قوله: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي بسلام ... ومقابلة السيئة وهي الشقاق والتهديد بالحسنة وهي توديعة له ومتاركته لأن ترك اساءة للمسيء إحسان، وقوله: أو لا أصيبك بمكروه أي بأمر تكرهه لكفه عن لومه بالتعريض له بالجهل وغيره مما يؤذيه وعلى كل من الوجهين فهو من السلامة ولا يختص بالثاني، كما قيل: ولما كان ذلك ليأسه منه وكان حينئذ مشعرا بعدم الدعاء له استدرك ذلك بقوله: ولكن. قوله: ) فإن حقيقة الاستغفار للكافر الخ (جواب عن أنه كيف جاز له أن يستغفر للكافر أو يعده ذلك، بأنه ليس استغفارا له مطلقا حتى يرد ما ذكر بل هو مشروط بإيمانه وتوبته عن كفره على حذ كون الكفار مأمورين بالفروع الشرعية وإنما فعله لأنه وعده أن يؤمن لقوله: إلا عن موعدة وعدها إياه ولم يرتض هذا في الكشاف وتبعه بعضهم بناء على أنه لا مانع عقلا من الاستغفار للكفار وإنما منع سمعا فما فعله قبل ورود السمع وهو متعين لقوله: إلا قول إبراهيم لأبيه لأستمغفرن لك إذ لو كان شارطا للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة وأما الوعد المذكور فليس من أبيه بل منه، ورد بأن الآية دلت على المنع من التأسي لا أن ذلك كان منصبه فجاز أن يكون من خواصه قيل: وليس بشيء لأنه لم يذهب إلى أن صا ارتكبه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان منكرا بل أنه منكر علينا لورود السمع وفي التقريب إن نفي اللازم ممنوع لأن الاستثناء عما وجبت فيه الأسوة لقوله: قد كانت لكم الآية ولا دلالة فيها على الوجوب، وأجيب بأن جعله مستنكرا مستثنى يدل على أنه منكر لأن الاستثناء عما وجبت فيه فقط، إنما أتى الاستنكار لأنه مستثنى عن الأسوة الحسنة فلو ائتسى به لكان قبيحا أما الدلالة على الوجوب فمبينة من قوله: آخرا لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر كما تقرر في الأصول والحاصل أن فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدل على أنه ليس منكرا في نفسه وقوله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا الخ يدل على أنه الآن منكر سمعا وأنه كان مستنكرا في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضا بعد ما كان غير منكر ولذا تبرا وأمسك عن الاستغفار، وهو ظاهر إلا أن الزمخشري جعل مدرك الجواز قبل النهي العقل على مذهبه، وهو عندنا السمع لدخوله تحت بز الوالدين والشفقة على أمة الدعوة وتبعه فيما ذكر الفاضل المحشي ثم قال: إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قاله: هناك فراجعه إن شئت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 وما ذكره ثمة في تفسير قوله تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في) براهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، إلى أن قال إلا قول إبراهيم لأبيه فإق استغفاره لأبيه ليس مما ينبغي أن يأتسوا به فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه وكتب عليه فيه بحث لأن المذكور في النظم هو الوعد بالاستغفار لا الاستغفار نفسه إلا أن يقاد: مقصوده الإشارة إلى أنه كناية عن الاستغفار لأن عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وخصوصا إذا كانت بالقسم يلازمها الإنجاز وقوله: فإنه كان الخ مندفع بما قررناه آنفا، وبما عسى أن يقال: المذكور في حيز الاستثناء هو العدة نفسها فكيف يستقيم التعليل) أقول (هذا كله من ضيق العطن فإنه لا تعارض بين هذه الأجوبة فإق محصلها أن استغفاره ىلمجح! إن كان قبل النهي عنه فلا إشكال دمان كان بعده فالنهي والمنع عنه ليس مطلقا بل يجوز أن يستغفر له بشرط إيمانه لأنه كان في حياته إذ لا مغ من أن يقاك: اللهم اغفر لهذا الكافر إن آمن وقد قال الفاضل اليمني: إن الإجماع منعقد على جواز الاستغفار للكافر شرط التوبة من الكفر وكذا استغفاره له إذا وعده الإيمان فإنه في الحقيقة طلب لإيمانه بطريق الاقتضاء إلا أن الاستثناء يخالف الشق الثاني وقد عرفته، وأما كون المذكور في النظم الوعد أو الاستغفار فلا وجه له لأنه إذا امتنع استغفاره امتنع وعده إذ النبي المعصوم لا يعد بما لا يجوز ولذا قال في الكشاف كيف جاز أن يستغفر للكافر أو يعده فلا حاجة إلى ما تكلفه من حديث الكناية، فتأمل. قوله: (بليغا في البر والألطاف (المبالغة من صيغة فعيل والبر من مادته، يقال: حفي به إذا اعتنى بإكرامه كما قاله الراغب والألطاف بفتح الهمزة جمع لطف بمعنى الرأفة أو بكسرها مصدر لطف به إذا بره، وقوله: بالمهاجرة بديني الباء فيه تحتمل التعدية والسببية والمباعدة بالبدن أو بالقلب والاعتقاد والظاهر الأول، وقوله: وإعبده وحده الوحدة تفهم من اجتناب غيره من المعبودات وفسر الدعاء بالعبادة لقوله: وما تعبدون من دون الله ويجوز أن يراد به الدعاء مطلقا أو ما حكاه في سورة الشعراء، وهو قوله: رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين وقوله: مثلكم في دعاء آلهتكم إشارة إلى أن فيه تعريضا بشقاوتهم وهو النكتة في التعبير به، وقوله: وأن ملاك الأمر خاتمته من السعادة والشقاوة وهي غير معلومة وان كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأموني العاقبة، وغيب بمعنى غائب أو مغيب، وقوله: منه أي من إسحق، والشجرة بمعنى الأصل هنا وقوله: أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل الخ، والنكتة لا يلم اطرادها فلا يرد عليه أنهما خصصا حيث لم يذكر إسماعيل في العنكبوت كما قيل، وقوله: منهما أي من إسحاق ويعقوب، أو منهم هما لرابراهيم عليهم الصلاة والسلام وفسر الرحمة بما ذكر لأنه المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما والكلبيئ. قوله: (يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم (يعني المراد باللسان كلام الافتخار والثناء الحسن فأطلق اللسان على ما يوجد به من الكلمات والحروف كما تطلق اليد على العطية بعلاقة السببية، وأحقاء جمع حقيق كأصدقاء وصديق وهو راجع إلى إضافته لأنه لا يكون حقيقا بذلك إلا إذا كان صادقا كما أن ما بعده راجع إلى توصيفه بالعلو على طريق اللف والنشر وإن احتمل رجوعه للأول لأن ما كان صادقا يثيع ويثبت بخلاف الباطل فإنه مضمحل منسيئ، وقوله: لا تخفى الخ إشارة إلى أن العلو مستعار لما ذكر لأن ما ارتفع مكانه ظهر كأنه نار على علم، وقوله: أخلص عبادته إشارة إلى مفعوله المقدر بقرينة ما قبله ليفيد معنى التوحيد وكذا في الوجه الآخر وهو مغاير له معنى لتغاير مفعوليهما، ومعنى كون الله أخلصه أنه خلقه خالصا عما مز. قوله: (أرسله الله تعالى (إشارة إلى أن الرسول بمعنى المرسل، وقوله: فأنبأهم أي أخبرهم إشارة إلى أن النبي بمعنى المنبىء عن الله بالتوحيد والشرائع وأن أصله الهمز فأبدلت في النبي والنبؤة، ولو قيل هنا إنه من النبوة بدليل قوله: مكانا عليا والمعنى رفيع القدر على غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام ليكون بمعنى آخر أخص هنا كان أظهر كما نقله الطيبي عن بعض العلماء، وقوله: ولذلك أي لكونه بمعنى المنبئ عن الله قدم الخ على وفق ما في الواقع وإن كان الرسول أخص منه إذ كل نبي رسول ولا عكس ولذا كان أعلى لاستلزام الرسالة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 النبؤة وذكر العام بعد الخاص لا يفيد ولذا يقال: عالم نحرير دون العكس، ويحتمل أن يريد أن المراد بالرسول والنبي هنا معناهما اللغوي، وهو المرسل من الله والمنبى عن الله وليس كل مرسل ينبئ لأنه قد يرسل بعطية ومكتوب فلذا قدم وإن كان في موضع آخر يراد به معنى أخص من هذا فينبغي تأخيره فلا يرد عليه أن كونه أخص مقتض لتأخيره أو أنه غير تاثم في التعليل فتأمل. قوله: (من ناحيته اليمنى من اليمين الخ (إشارة إلى أنه إذا كان المراد من اليمين المقابل لليسار فالمراد به يمين موسى عليه الصلاة والسلام إذ الجبل لا ميمنة له ولا ميسرة وأما إذا كان من اليمن وهو البركة فظاهر، وهو صفة الجانب وجوز فيه الزمخشري على الثاني أن يكون صفة الجانب أو الطور، وتركه المصنف رحمه الله ليتوافق الوجهان. قوله: (بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة (أي جهة اليمين أو الجهة الميمونة فهو راجع إلى الوجهين وقال: تمثل إشارة إلى أن الكلام اللفظي مثال للكلام النفسي فلا يلزم من حدوث المثال حدوث الممثل كما لا يلزم من تمثيل جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه حدوئه وقت التمثيل، ومن أهل الحق من ذهب إلى أن الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كان الكلام القديم بلا حرف ولا صوت ولا جهة كما قيل: إذا ما بدت ليلى فكلي أعين دمان حذثوا عنها فكلي مسامع ... ولذلك خص باسم الكليم وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه الآتي في سورة طه حيث قال إنه لما نودي قال من المتكلم قال إنني أنا الله فوسوس إليه إبليس لعنه الله لعلك تسمع كلام شيطان فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء فلا يرد عليه أن هذا يعين أق كلامه تعالى لا يختص بجهة كما قيل. قوله: (شبهه بمن قربه الملك لمناجاته (يعني أنه شبه قرب موسى عليه الصلاة والسلام في مناجاته ربه بقرب من قرب لمناجاة عظيم من العظماء، ووجه الشبه كونه كلم بغير واسطة قال بعض شراح الكشاف: وهذا لا ينافي أن يكون مقربا حقيقة، ولهذا قال أبو العالية: قربه حتى سمع صرير الأقلام أو صريف الأقلام بالفاء كما وقع في رواية وهو صوتها في الكتابة، وقوله: مناجيا إشارة إلى أن فعيلا بمعنى مفاعل كجليس لمجالس ونديم لمنادم ورضيع لمراضع، والمناجاة المسارة بالكلام قال الراغب وأصله أن يخلو في نجوة من الأرض ثم استعمل مطلقا، والنجو الارتفاع والنجوة المكان المرتفع وقوله: حتى سمع صرير القلم أي الذي كتبت به التوراة، كما في الكشاف يعني الكتابة الثانية والا فقد وقع في الحديث أنها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة. قوله: (من أجل رحمتنا أو بعض رحمتنا (يعني من يحتمل أن تكون تعليلية وأن تكون تبعيضية، وقوله: معاضدة أخيه وموازرته، يعني على تقدير مضاف فليس معنى وهبناه أوجدناه لأنه كان أكبر منه سنا فوجوده سابق على وجوده ولكن معناه وهبنا له معاضدته أي معاونته بأن جعلناه وزيرا له كما صرح به في رواية أخرى، وإجابة تعليل لقوله وهبنا، وقوله: وهو أي أخاه مفعول لوهبنا إن كانت من تعليلية أو بدل بعض من كل أو كل من كل أو اشتمال وهذا إذا كانت تبعيضية بمعنى بعض وهي مفعول وهبنا ولا يخفى ما فيه لأن كون من اسما لكونها بمعنى بعض خلاف الظاهر، وابدال الاسم من الحرف لا نظير له، ولذا قال في البحر الظاهر أن أخاه مفعول وهبنا ولا يرادف من بعضا حتى يبدل منها، وقيل: التقدير وهبنا له شيئا من رحمتنا فأخاه بدل من شيئا المقدر، إلا أن يقال إنها اسم وليس موجودا في كلامهم، وهرون عطف بيان وجوز فيه البدلية. قوله: (ذكره بذلك (أي وصفه بذلك دهان كان موجودا في كيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فجعله كاللقب له تشريفا وإكراما ولشهرته بذلك ألا تراه وعد أباه الصبر على الذبح فصدق وعده ووفى به، وهذا أعظم ما يتصؤر فيه وناهيك بمعنى يكفيك في صدقه هذا فكيف ومعه أمور أخر. قوله: (يدل على أق الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة (أي مستقلة مأمورا بتبليغها لما ذكر وقد اشتهر خلافه بل اشترط بعضهم فيه أن يكون صاحب كتاب أيضا فهو مبنيئ على الأغلب فيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 لا أنه أمر لام، وما قيل إن المراد بكونه صاحب شريعة أن يكون له شريعة بالنسبة إلى المبعوث إليهم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم، كذلك لأنه بعث إلى جرهم بثريعة أبيه ولم يبعث إبراهيم عليه الصلاة والسلام إليهم لا يخفى أنه لا يتم به الجواب إلا بضميمة أخرى فتأمل. قوله: (اشتغالا بالأهئم (يعني ذكر الأهل ليس للتخصيص بل لأنه الأهم، وقوله: على نفسه أدرجه في الأهل لاستلزام إصلاح الغير لإصلاح النفس أو المراد بالأهل أفة الإجابة لكون النبي بمنزلة الأب لأتته فلا ينافي هذا قوله أنه ليس من أهلك بل يؤيده، والسبط ولد الولد وأخنوخ بضم الهمزة وفتحها. قوله: (واشتقاق إدرش! من الدرس يرذه الخ (لأنه لو كان مشتقا كان عربيا وهو أعجمي لمنع صرفه بالاتفاق وجريان الاشتقاق في غير العربي مما لم يقل به أحد، وقوله: قريبا من ذلك أي من ذلك المعنى لا من إدرشى المشتق من الدراسة، وقوله: يعني شرف النبؤة فالعلؤ معنوفي قيل: والثاني أقرب لأن الرفعة المقترنة بالمكان لا تكون معنوية، وفيه نظر لأنه ورد مثله بل ما هو أظهر منه كقوله: وكن في مكان إذا ما سقطت تقوم ورجلك في عافيه ... والرفع إلى الجنة بجسده بناء على أنه حيئ الآن فيها، وما ذكره من الاختلاف في السماء لاختلاف الرواية في حديث المعراج ورؤية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكن كونه في الرابعة في الصحيحين. قوله: (بيان للموصول (وهو الذين أنعم الله عليهم لأن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منعم عليهم فلو جعلت تبعيضية لزم أن يكون المنعم عليهم بعض الأنبياء وأن لا يكون البعض الآخر منهم منعما عليه، فإن قلت المشار إليه بأولئك الأنبياء المذكورون سابقا عليهم الصلاة والسلام وهم بعض النبيين فالذين أنعم عليهم بعضهم فصح جعل من للتبعيض، قلت هذا إذا كان تعريف الذين للعهد والوجه أنه للجنس والعموم على أن المعنى أولئك بعض المنعم عليهم فلا بد من كونها للبيان لئلا يلزم الفساد كذا قيل، وفيه بحث فإن الظاهر أن يقال: الذين أنعم الله عليهم إن أريد به النعم المعهودة المذكورة هنا فالمحمول والموضوع مخصوص بهؤلاء فهم بعض النبيين فتكون من تبعيضية بدون تقدير كما ذهب إليه البعض ولا يرد عليه أنه تقرر في الميزان أن المحمول يراد به المفهوم ولا شك في عمومه كما قيل لأن عموم المفهوم في نفسه ومن حيث هو في الذهن لا ينافي أن يقصد به أمر خاص في الخارج، صمالا لزم أن لا يصح وقوع المعرف بأل العهدية خبرا كما إذا قلت جاءني رجل فأكرمته وزيد الجائي فهذا غلط أو مغالطة ولا يكون الخبر مساويا نحو الزوج الذي ينقسم بمتساويين وأن لا يقع الجزئي الحقيقي خبرا نحو هذا زيد والجمهور على جوازه والمانعون لا يقولون إنه لا يقع في كلام البلغاء بل العقلاء بل يؤؤلونه بأمر يعم في التصؤر دون الخارج، ثم إن شراح الكشاف قالوا: إن المشار إليه بأولئك الأنبياء المذكورون لا الكل فوجب أن يحمل التعريف في الخبر على الجنس للمبالغة، كقوله: ذلك الكتاب أو يقدر مضاف أي بعض الذين أنعم الخ ورد الأول بأنه يلزمه جعل غيرهم ومن جملتهم نبينا صلى الله عليه وسلم كأنهم لم ينعم عليهم وليسوا بأنبياء وهو باطل، وأورد عليه أن القصر فيه إضافيئ بالنسبة إلى الدولة الدنيوية لا حقيقي فلا محذور فيه وهو مع ما فيه مناف لتفسير المصنف رحمه الله ولكون من بيانية لأن النعم الدنيوية لا تختص بهم مع أن المبتدأ والخبر إذا تعزفا يتحدان في الما صدف وفي إفادته للحصر كلام في المعاني فيتعين أحد التأويلين فالحق في الجواب أن يقال على إطلاق النعم: إن الحصر بالنسبة إلى غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم معروفون بكونهم منعما عليهم فتنزل النعم على غير الأنبياء منزلة العدم ولا يتوهم ما ذكر كما لا يتوهم في ذلك الكتاب عدم كمال غيره من الكتب السماوية أو يقدر بعض، ومن على هذا بيانية فلكل وجهة فتدبر. قوله: (بدل منه بإعادة الجار (يعني ذرية آدم بدل من النبيين بدل بعض من كل لأن المراد ذزيته الأنبياء وهي غير شاملة لآدم عليه الصلاة والسلام ومن بيانية أيضا ولو جعل الجار والمجرور بدلا من الجار والمجرور لم يكن فيه إعادة، وقوله: من فيه للتبعيض الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 أي في من ذرية آدم لأن المنعم عليه أعتم من الأنبياء فالمبين بعض المقدر وأخص من الذرية إذ بينهما عموم وخصوص من وجه لشمول المنعم عليه لآدم والملك ومؤمني الجت، وشمول ذرية آدم إذا أريد به ظاهره غير من أنعم عليه فيجوز الحمل على الإبدال والتبعيض باعتبار الوجهين فتأمل. قوله: (من عدا إدريس (عليه الصلاة والسلام لأنه سبط شيث كما مر، وقوله: فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ هذا متفق عليه فذكر من حملنا تذكيرا لهذه النعمة، وقوله: وفيه دليل الخ لدخول عيسى عليه الصلاة والسلام ولا أب له وجعل إطلاق الذرية، عليه بطريق التغليب خلاف الظاهر. قوله: (ومن جملة من هديناه إلى الحق (إشارة إلى أن من تبعيضية وأنه معطوف على قوله: من ذرية آدم وأما جعله معطوفا على قوله من النبيين أي ممن جمعنا له بين النبؤة والهداية والاجتباء لعدم التغاير فخلاف الظاهر وإن جوزوه، وقوله: لبيان الخ متعلق بالاستئناف، والإخبات الخشوع والتواضع وقوله: وعن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البزار وغيره وقوله: جمع باك وقياسه بكاة كقاض وقضاة لكنه لم يسمع كما قاله المعرب، وهو مخالف لما في القاموس وغيره أو هو مصدر كالقعود والكسر اتباع عليهما، وقوله: لأن التأنيث غير حقيقي ولوجود الفاصل أيضا. قوله: (وجاء بعدهم (تفسير لعقبهم وأصله من وطى عقبهم، والفرق بين خلف بالفتح والسكون باستعمال الأول في الحسن والذرية الصالحة والثاني في ضده هو المشهور في اللغة وقال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع فيه سواء، والخلف البدل ولدا كان أو غريبا، وقال ابن الأعرابي: الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح، وقال النضر بن شميل الخلف بتحريك اللام دماسكانها في القرن السوء أما الطالح فبالتحريك لا غير، وقال ابن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام وفي الذتم بتسكينها وقد يعكس!. قوله: (تركوها (بناء على أن المراد الكفار لأنه من شأنهم أو على أنه عام وما بعده على أنه في المسلمين وأخره لما سيأتي واستحلال نكاح الأخت من الأب ذهب إليه اليهود، ومن بني بالموصول والماضي والمشيد العالي، وفي نسخة الشديد أي المحكم، والمنظور هو المركوب الحسن من فرس أو بغل لم يعد للجهاد بل للتكبر لأنه لحسنه ينظر الناس إليه كما قيل: لا يجمع الطرف المحاسن كلها حتى يكون الطرف من أسرائه ... والمشهور من الثياب الفاخر الزاهي لونه وتسمى الثياب مشتهرة. قوله: (شزا (فسره به لأنه المناسب ولما كان المعروف فيه أنه بمعنى الضلال أثبته بالبيت المذكور والاستدلال به ظاهر لوقوعه فيه مقابلا للخير وقال الفاضل اليمني: يحتمل أن يكون التقابل فيه معنويا كقول المتنبي: لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أوإساءة مجرم ... والبيت لمرقش الأصغر من قصيدة وقبله: تألي جناب حلفة فأطعته فنفسك ول اللوم إن كنت لائما ... قالوا: والمراد بالغي الشز وبالخير المال، ومن يغو أي يفتقر ولا مانع من حمله على ظاهره، وقوله: كقوله تعالى: {يلق أثاما} [سورة الفرقان، الآية: 68] ، أي شرا وعقابا فأطلق عليه كما أطلق الغي على مجازاته المسببة عنه مجازآ، وقوله: أو غيا عن طريق الجنة أي ضلالا فهو بمعناه المشهور واستعاذة الأودية منه عبارة عن كونه فظيعا بالنسبة إليها. قوله: (يدل على أن الآية في الكفرة (وهو قول عليئ رضي الله عنه وقتادة لأن من آمن لا يقال إلا لمن كان كافرا إلا بحسب التغليظ كقوله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن لكنه استشكل وجه الدلالة بأنه يجوز أن يكون المعنى إلا من جمع التوبة مع الإيمان فلو قال: يؤيده كما في الكشات كان أولى وهو سهل لأنه لم يرد بالدلالة الدلالة القطعية بل إنها تدل على ذلك بحسب الظاهر وهو كثير إما يريد به ذلك وقال بعض الفضلاء إنما تدل على عمومها لهم لا على خصوصها فيهم مع أنه قد يراد بالإيمان الإيمان الكامل ثم إنه لا دلالة في الآية لمذهب المعتزلة من أن العمل شرط دخول الجنة فإنه بحسب التفضل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 مع أنه إنما شرط ظاهر العدم نقص شيء من ثواب أعمالهم أو لدخولهم جنة عدن لا مطلق الجنة فتأئل. قوله: (ولا ينقصون شيئا من جزاء اعمالهم (لأنه في الأصل عند بعض أهل اللغة تنقيص الحق من نقصت الأرض إذا حفرتها ثم أريد به التجاوز مطلقآ، وقوله: ولا ينقص أجورهم لأنها إنما تحبط بالكفر وقوله: لاشتمالها عليها أي اشتمال الكل على الجزء فليس في عبارته إيهام أنه بدل إشتمال، وقوله: على أنه خبر الخ أو مبتدأ خبره محذوف. قوله: (وعدن علم لأنه المضاف إليه في العلم الخ (أقول يريد أنه لما شاع في الاستعمال جنة عدن احتمل ثلاثة وجوه، كون عدن وحده علمآ، وكون جنة عدن علما كعبد الله وكونه نكرة، وعلى الأول يلزم إضافة الأعثم مطلقا إلى الأخص وهو لغو قبيح كإنسان زيد بناء على أن المتبادر من الجنة المكان المعروف لا الأشجار والبستان والسعد رحمه الله يرى أن هذه الإضافة تكون قبيحة كما في المثال المذكور، وحسنة كشجر الآراك ومدينة بغداد إذ لا فارق بينهما إلا الذوق كما ذكره الفاضل الليثي، والمصنف رحمه الله ذهب إلى أنه حينئذ علم للإقامة فيكونان متغايرين كما ذكره النحاة في نحو بزة علم للمبزة بمعنى الإحسان علم جنس لأن الذوق غير مضبوط فاندفع المحذور بلا نزاع، ولم يحتج إلى الثالث وإن جوزوه لأمر ما وأنا كون مجموعه علما فلا إشكال فيه لأنه قطع النظر فيه عن المعنى الإضافي فارتفعت مؤنة التوجيه فإن قيل إن العلم هو جنات عدن فلا غبار عليه ديان قيل جنة عدن بالإفراد احتجنا إلى القول بأنه حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه بدليل تعرف المضاف إليه وتوصيفه بالمعرفة التي هي الموصول إنما حسن إقامته مقامه لأن المعتبر علميته في المنقول الإضافي هو الجزء الثاني حتى كأنه نقل وحده بدليل منعه من الصرف في بنات أو بر وابن داية وامتناعهم من إدخال اللام عليه في نحو أبي تراب إلا أن يقارن الوضع أو يكون للمح الصفة وهذه الفاعدة مقررة في النحو مفصلة في شروح المفصل وقد بينها في الكشف في شهر رمضان فقال: إذا كانت التسمية بالمضاف والمضاف إليه جعلوا المضاف إليه في نحوه مقدر العلمية لأن المعهود في كلامهم في هذا الباب الإضافة إلى الإعلام والكنى فإذ أضافوا إلى غيرها أجروه مجراها كأبي تراب ألا ترى أنهم لا يجوزون إدخال اللام في نحو ابن داية وأبى تراب ويوجبونه في نحو امرئ القيس وماء السماء كل ذلك نظرا إلى أنه لا يغير عن حاله كالعلم، وان كان لقائل أن يقول إق التغيير لا يوجب تغيير المجموع ولا نزاع في أنه علم إلا 9 أنه لولا العلمية لم امتنعوا من إدخال اللام فإنهم نظروا إلى المعنى لا إلى التعبير بدليل الحسن وحسن وامتناع ذلك في نحو عمرو اهـ وما فهمه بعضهم من قول المصنف رحمه الله لأنه المضاف إليه في العلم من أن المنقول الإضافي يلزم كون المضاف إليه فيه علما قبل النقل فلما ورد عليه عبد شمس علما اعتذر بأنه كليئ انحصر في فرد في الخارج فأشبه العلم مما لا وجه له وليت شعري بماذا يعتذر عن أبي تراب وأمثاله، وهو ناشئ من قلة التدبر لأن المراد بالعلمية العلمية التقديرية الاعتبارية بعد النقل كما صرحوا به، وهذا مراد القائل أن جنة عدن علم لإحدى الجنان الثمان دون عدن وإلا كانت إضافة جنة إليه ك! ضافة إنسان زيد لكنه قد يحذف المضاف فيقال: عدن كرمضان الخ يعني وجنات بمعنى بساتين لئلا يقع فيما فز منه إلا أنه يفهم من ظاهره أق جزء اأحلم لما قام مقامه أعطى حكمه بخلاف عبد شمس فإنه ليس كذلك وهو تعسف لمخالفته لكلام القوم كما عرفت، وقد جنح بعضهم إلى أن جنات عدن علم لأجنة عدم حتى يذعي الحذف من غير داع له، فلو قيل من أول الأمر جنات عدن علم كبنات أو بر لم يحتج إلى ما تكلفوه، هذا غاية ما يقال هنا فدع عنك القيل والقال. تنبيه: واعلم أن بعض فضلاء العصر قال: إن جنات الجمع المضاف علم لإحدى الجنات الثمان كعلمية بنات أو بر والمضاف فيها يقدر علما فإنهم لما أجروه بعد العلمية مجرى المضاف قدروا الثاني علما على قياس المعارف إذ لا يضاف معرفة إلى نكرة ولذا مغ صرف قزة في ابن قزة، وامتنع في طبق من بنت طبق ونحوه إذ لم يقع على انفراده علما كما في شروح المفصل وغيرها والفاضل المحشي لغفلته تعسف في الكلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 كما رأيت فقال: جنة عدن علم لإحدى الجنان دون عدن دمالا كان كإنسان زيد كما قيل لكنه قد يحذف المضاف ويقام المجموع فيستعمل استعمال الإعلام كما في رمضان وكذا عدن والمعنى جنات جنة عدن فلا يتوجه النقض بمثل عبد شمس، ولا يحتاج إلى الجواب بأق الشمس لانحصارها في فرد بمنزلة العلم اص. ولا يخفى أنه على ما ذكرنا الكلام على ظاهره وليس إضافة جنة إلى عدن كإضافة إنسان زيد ولا نقض بمثل عبد شمس لأن لفظ شمس فيه يقدر علما دران لم يستعمل على انفراده علما، ولا حاجة إلى الجواب بما ذكر فتأمل وتدبر. قوله: (أو علم للعدن بمعنى الإقامة (يعني أنه علم جنس للمعاني مفرد وفيما قبله هو علم شخص للذات ومركب وهذا ما اختاره في الكشاف من أنه علم لمعنى العدن بسكون الدال بمعنى الإقامة كسحر وأمس وفينة وكأنه لما رأى المضاف فيه يجمع ويفرد ويوصف ذهب إلى هذا والمصنف لما رأى الإضافة فيها نوع ركاكة خالفه! ان ما ذكر يقتضي بناءه كما بين في النحو كما مر، وقوله: للعدن يعني أن المجرد من اللام علم للمعزف بها، كسحر علم للسحر وأ!! للأمس وبرة بفتح الباء رمنع الصرف علم للبز والإحسان، وقوله: رلذلك الخ دليل لعلمية عدن لكنه بناء على الظاهر لعدم تعينه إذ لا نسلم العلمية بل نقول هو بدل ولم يذكر ما في الكشاف من الاستدلال على العلمية ب! بداله من الجنة فإن النكرة لا تبدل من المعرفة فإنه غير متفق عليه فقد جوزه كثير من النحاة مطلقا، وبعضهم إذا كان في إبداله فائدة لا تستفاد من المبدل منه مع أنه لا تتعين البدلية لجواز نصبه على المدح كما ذكروه، واعلم أن العلم المنقول من المضاف والمضاف إليه كأبي هريرة تعتبر علميته وأحكامها كمنع الصرف في الجزء الثاني، كما في شروح المفصل والكتاب كما فصلناه في شرح الشفاء وقد غفل عنه بعض علماء المغرب. قوله: (أي وعدها إياهم الخ (يشير إلى أن عائد الموصوف محذوف وأن الباء إفا للملابسة والجار والمجرور إتا حال من العائد بمعنى غائبة أو من عباده بمعنى غائبين عنها، أو للسببية متعلقة بوعد أي وعدها بسبب تصديق الغيب والإيمان به والغيب على هذا بمعنى الغائب، وقوله: إنه أي الله ويجوز أن يكون ضمير الشان. قوله: (كان وعده الذي هو الجنة (فالوعد بمعنى الموعود أو أطلق عليها مبالغة وفسره بها لأن ما قبله يقتضيه، ولأن الإخبار عنه بمأتيا ظاهر لأن الجنة تؤتى كما تؤتى الأمكنة والمساكن، وقوله: لا محالة مأخوذ من التأكيد ومن التعبير عن المستقبل بالماضي المقتضي لتحقق وقوعه ولا دخل لاسم المفعول فيه. قوله: (وقيل هو من أتى إليه إحسانا (أي فعل به ما يعد إحسانا، وجميلا فمعناه على هذا مفعولا كما ذكره بقوله: أي مفعولا، والوعد بالمعنى المصدري وكون الوعد المصدري مفعولا لا طائل تحته إذ كل وعد بل كل فعل كذلك فلذا أشار إلى أن المراد من كونه مفعولا أنه منجز لأن فعل الوعد بعد صدوره أي إيجاده، إنما هو تنجيزه فمنجزا عطف بيان لمفعولا مفسر له. قوله: (ولكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة (أشار بلكن إلى أنه استثناء منقطع كما في الوجه الثاني، والسلام بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص فهو مصدر بمعنى السلامة أريد به ما ذكر إما مبالغة أو بالتأويل المعروف فيه، وعلى ما بعده المراد به معناه المعروف وهو إتا من الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو من بعضهم على بعض والاستثناء عليه منقطع أيضا لأن السلام لا يعد لغوا إلا على الوجه الأخير ولكونه خلاف الظاهر استحق التأويل والتأخير. قوله: (أو على معنى إق التسليم الخ (فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم المذكور في البديع وهو يفيد نفي اللغوية بالطريق البرهاني الأقوى إلا أن ظاهر سياقه كالكشاف أن الاستثناء على هذا الوجه متصل، وقد قال المعرب: إنه بعيد وقد صرح بعض النحاة بأنه من قبيل المنفصل لكن ما ذهب إليه الشيخان من الاتصال إنما هو على طريق الفرض والتقدير ولولا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة، والبيت المذكور للنابغة من قصيدته المعروفة وأولها: كليني لهئم يا أميمة ناصب وليل أقسيه بطيء الكواكب ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 والفلول مصدر أو جمع فل وهو ما ينثلم به حذ السيف والقراع الضرب. قوله: (أو على أن معناه الدعاء بالسلامة الخ (يعني أن السلام المعروف دعاء بالسلامة من الآفات ولا آفة في الجنة فالدعاء بالسلامة منها لا فائدة فيه فيكون لغوا بحسب الظاهر ويصح فيه الاتصال من هذا الوجه،! انما قال ظاهرا لأن هذا! ان كان معناه بحسب وضعه لكن المقصود منه الإكرام داظهار التحالت حتى لو ترك عد إهانة فلذا كان لائقا بأهل الجنة. قوله: (على عادة المتثعمين الخ (بيان لوجه تخصيص البكرة والعشية بأنه الوسط المحمود في التنعم فإن المرة الواحدة في اليوم والليلة تسمى الوجبة وأكلها يوجب زهادة وما عداها رغبة في كثرة الأكل أو كناية عن الدوام بذكر الطرفين والدرور الدوام ومنه رزق داز أي لا ينقطع. قويه) نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه (أشار بقوله: كما إلى أن فيه استعارة تبعية استعير الإيراث للإبقاء ويحتمل التمثيل، وقوله: والوراثة أقوى لفظ أي أقوى الألفاظ إشارة إلى اختيارها على غيرها مما يدل على بقائها كالبيع والهبة ونحوهما لأنها أقوى في الدلالة على المراد وقؤتها بما ذكر كما هو معروف في الكتب الفقهية، وقوله: أقوى لفظ من وصف الدال بصفة مدلوله لأن القؤة صفة معنى الوراثة كما يدل عليه قوله: من حيث الخ وإنما اختاره لأنه لا وراثة هنا وإنما المذكور لفظها المستعار لمعنى آخر فتأئل. قوله: (وقيل يورث المتقون الخ (وهو استعارة أيضا دمانما مزضه لأنه يدل على أن بعض الجنة موروث والنظم يدل على أنها كلها كذلك ولأن الإيراث ينبني على ملك سابق لا على فرضه مع أنه لا داعي للفرض هنا. قوله: (حكاية تول جبريل عليه الصلاة والسلام الخ (وهذا من عطف القصة على القصة فلا يقال إن العطف فيه حزازة لعدم التناسب، والمناسبة بين القصتين ما قيل إنه لما فرغ من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثبتا له وعقبه بما أحدثه الخلف وذكر جزاءهم عقبه بحكاية نزول جبريل عليه الصلاة والسلام بعدما قاله المشركون تسلية له لمجيرو وأن الأمر ليس على ما زعم هؤلاء الخلف وأدمج ما يناسب حديث التقوى من كون الملائكة عليهم الصلاة والسلام مأمورين مطيعين ولذا قال: فاعبده وعطف عليه مقالة الكفار لتباين المقامين، وأما ما قيل إن التقدير هذا وقال جبريل: وما نتنزل الخ وبه يظهر حسن العطف ووجهه فلا محصل له وفي الآية وجوه أخر تركناها لعدم الحاجة إليها، والحديث المذكور رواه أبو نعيم في الدلائل وغيره وفيه تخالف، وسبب الإبطاء عنهءلمجيه أنه وعدهم بأن يخبرهم لانتظاره الوحي ولم يقل إن شاء الله وقد مر، وقوله: ودعه ربه إلى آخره كما سيأتي في سورة والضحى فإن هذا سبب نزولها أيضا، وقوله: ثم نزل أي جبريل عليه الصلاة والسلام معطوف على أبطأ وبيانه مر في النحل والكهف. قوله: (والتنزل النزول على مهل (بفتح الهاء وتسكن أي وقتا بعد وقت والتنزل مطاوع نزل يقال نزلته فتنزل، ونزل يكون بمعنى أنزل الدال على عدم التدريج ويكون بمعنى التدريج فمطاوعه كذلك أو التضعيف للتكثير وهو المناسب هنا وقد تقدم الكلام على نزل وأنزل في أول الكتاب، وقوله: مطلقا أي من غير نظر إلى تدريج وعدمه، وكونه بمعنى أنزل أي دال على عدم التدريج، وقوله: وقتا غب وقت بيان للتدريج وغب بمعنى بعد ومنه قولهم غست السلام وغمت ذا ذكره في المصباح وأهمله في القاموس. قوله: (والضمير للوحي (بقرينة الحال وسبب النزول، وقيل: إنه لجبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله: ما بين أيدينا بإضمار قائلا ولا بد منه على الوجهين كما في الدر المصون والقائل جبريل عليه الصلاة والسلام بدليل ما بعده، وهو ما نحن فيه أي من الزمان وهو الحال وهو تفسير لما بين ذلك على أنه من عموم المجاز شامل للزمان والمكان فما بين أيديهم المستقبل وما خلفهم الماضي وأما في المكان فظاهر والأحايين جمع أحيان جمع حين فهو جمع الجمع، وقوله: من الأماكن الخ بيان للماآت كلها، ويحتمل أن يكون بيانا لما فيما نحن فيه وجمعه باعتبار تعدده وتبذله ويعلم منه بيان لما قبله وفيه تفاسير أخر كما في الكشاف وغيره، وقوله: لا تنتقل الخ يريد أنه كناية عما ذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 لأنه إذا أحاط ملكه وعلمه بكل شيء لا يمكن إقدامهم على ما لم يكن بأمره مما يوافق حكمه وحكمته. قوله: (تاركا الخ (يحتمل أن يبقى النسيان على ظاهره بمعنى أنه تعالى لإحاطة علمه وملكه لا يطرأ عليه الغفلة والنسيان حتى يغفل عنك وعن الإيحاء إليك، وأن يكون مجازا عن الترك واختاره المصنف رحمه الله لأن الأول لا يجوز عليه تعالى فلا حاجة إلى نفيه عنه ولأنه هو الموافق لسبب النزول كما أشار إليه ولذا خالف الزمخشري رحمه الله في ترجيح الأول، وذلك إشارة إلى عدم النزول. قوله: (وقيل أول الآية حكاية قول المتقين الخ (القائل له اختاره ليناسب ما قبله ويظهر عطفه عليه، والتنزل هنا من النزول في المكان أي ما نحلها ونتخذها منازل كما أشار إليه بقوله: تنزل الجنة لكنه خلاف الظاهر، وأيضا مقتضاه بأمر ربنا لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الوجه الأول غير ظاهر إلا أن يكون حكاه الله على المعنى لأن ربهم وربه واحد ولو حكاه على لفظهم لقال ربنا وإنما حكى كذلك ليجعل تمهيدا لما بعده وكذا وما كان ربك نسيا إذ لم يقل ربهم ومرضه لأنه لا يوافق سبب النزول، وأما كون الخطاب من جماعة المتقين لواحد منهم فبعيد، وقوله: ولطفه إشارة إلى أن الأمر هنا أمر تكريم ولطف، كقولك: للمسافر انزل هنا. قوله: (وما كان ربك ناسيا لأعمال العاملين (إشارة إلى أن المنفي أصل النسيان لا زيادته حتى يقتضي ثبوت أصله وإنما المبالغة باعتبار كثرة من فرض تعلقه به كما في وما ربك بظلام للعبيد في أحد الوجوه، وقوله: بيان لامتناع النسيان لأن رلث هذه المخلوقات العظيمة المدبر لأمرها والممسك لها في كل حال لا يمكن أن يجري عليه الغفلة والنسيان على ما مر في قوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض} [سورة البقرة، الآية: 255] . قوله: (وهو خبر محذوف أو بدل من ربك (في قوله: وما كان ربك نسيا وفي الكشاف بدل من ربك ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رلث السموات والأرض) فاعبده (كقوله: وقائله خولان فانكح فتاتهم وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون وما كان ربك نسيا من كلام المتقين وما بعده من كلام رب العزة انتهى وإنما لم يجز على البدل أن يكون من كلامهم لأنه لا يظهر إذ ذاك ترتب قوله: فاعبده الخ عليه لأنه من كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا بلا شك وجعله جواب شرط محذوف على تقدير إذا عرفت أحوال أهل الجنة وأقوالهم فأقبل على العمل لا يلائم فصاحة التنزيل للعدول عن السبب الظاهر إلى الخفيئ كذا في الكشف ولم يذكره المصنف لما فيه من التكلف بل جعله من كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما مر. قوله: (خطاب للرسول الخ (الترتب مأخوذ من الفاء، وقوله: لما الخ إشارة إلى وجه الترتب، وقوله: أو إعمال بالنصب عطف على مفعول ينساك إشارة إلى تفسيره على كونه حكاية قول المتقين، وقوله: فأقبل لم يقل فاستمر لأن الإقبال كان حاصلا قبل لئلا يتكزر مع ما بعده لأن معناه الثبات والاستمرار فلا يتوهم ما ذكر كما قيل. قوله: (وإنما محدى باللام الخ (أي والمعروف تعديته بعلى لما فيه من معنى الثبوت المتعذي بها كأنه فيل اصبر ثابتا على طريق التضمين المعروفة وجعل العبادة بمنزلة القرن إشارة إلى قوله: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد اكبر، وقيل إنه استعارة تبعية ملوحة إلى مكنية بجعل العبادة بمنزلة القرن والصبر والمداومة عليها بمنزلة الثبات له ولو كان تضمينا لم يحتج إلى أن العبادة بمنزلة القرن، رفيه نظر. قوله: (مثلا يستحق أن يسمى إلها الخ (يعني أن أصل السميئ المشارك في الاسم وذلك يقتضي المماثلة خصوصا في أسماء الأجناس فأريد بنفي السمي نفي المثل على طريق الكناية ونفي السمي حينئذ يجوز أن يراد به نفي المشاركة فما يطلق عليه مطلقا كإله لأن الكفرة وان سموا أصنامهم آلهة لكنها تسمية باطلة لا اعتداد بها وأن يراد به نفي المشاركة فيما يختص به، كالته والرحمن كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وأشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: أو أحدا يسمى الله، وقوله: فإن المشركين الخ تعليل للأول أولهما لأن الله أصله الإله كما مر فتأمل، وقوله: لظهور أحديته الذاتية المقتضية للتفرد بأسمائه العلية وتعالى بكسر اللام اسم مصدر مضاف، وقوله: وهو تقرير للأمر أي كونه لا يفعل إلا بإذنه وأمره، وقوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 ولا يستحق العبادة التي هي غاية الخضوع أي لا تليق بغيره المتعددة الأمثال وهذا يعلم من ذكره بعد الأمر بعبادته فلا يرد أن التفزد بالتسمية لا يدل على التفزد بالعبادة. قوله: (المراد به الجنس بأسره الخ (لما كان هذا القول لم يصدر إلا من الكفار المنكرين للبعث اختلف في تفسيره فقيل أل فيه للعهد والمراد شخص معين وهو أبيئ بن خلف لعنه الله أو جماعة معينون وهم هؤلاء الكفرة وقيل إنها للجنس وهو حينئذ مجازا ما في الطرف بأن أطلق جنس الإنسان وأريد بعض أفراده كما يطلق الكل على أجزائه أو في الإسناد بأن يسند إلى الكل ما صدر عن البعض، كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم ولا تجوز في الطرف على هذا ولا منافاة بين كون التعريف للجنس المفيد للعموم دهارادة البعض كما توهم، دمانما الكلام في أنه هل يشترط في مثله لصحته أو لحسنه رضا الباقين به أو مطاوعتهم ومساعدتهم حتى يعد كأنه صدر منهم أم لا فإن قلنا بالأول ورد عليه الاعتراض بأن بقية الناس من المؤمنين لم يرضوه وأيضا صرح المصنف رحمه الله باشتراطه في سورة السجدة فإن لم يقل به هنا تناقض كلامه لمان وفق بينهما بعض أهل العصر بما لا طائل تحته فيحتاج إلى تكلف ما قيل إن الاستغراب مركوز في طبائع الكل قبل النظر في الدليل فالرضا حاصل بالنظر إلى الطبع والجبلة لكن كلام المصنف لا يساعده كما ستراه والحق عدم اشتراط ذلك،! انما يشترط لحسنه نكتة يقتضيها مقام الكلام حتى يعد كأنه صدر عن الجميع فقد تكون الرضا وقد تكون المظاهرة وقد تكون عدم الغوث والمدد ولذا أوجب الشرع القسامة والدية وقد تكون غير ذلك فذكر المصنف رحمه الله وجها في محل لا يقتضي تعينه فكأق النكتة هنا أنه لما وقع بينهم إعلان قول لا ينبغي أن يقال مثله، هاذا قيل لا ينبغي أن يترك قائله بدون منع أو قتل جعل ذلك بمنزلة الرضا حثا لهم على إنكاره قولا وفعلا فتأمل، واعلم أن ما ذكر لا يختصى بالنسبة الإسنادية بل يجري في الإضافة كقوله: فسيف بني عبس وقد ضربوا به كما في الكشاف، وقوله: على الخبر المراد به ما يقابل الإنشاء الذي منه الاستفهام ولبعض الناس هنا كلام مختل لا حاجة إلى إيراده، وقيل إن المراد بكونه على الخبر بحسب الظاهر! الا فالهمزة مقدرة فيه وليس بمتعين كما ذكره المعرب، وقوله: من الأرض فالخروج حقيقي أو من حال الموت فهو مجاز عن الانتقال من حال إلى أخرى. قوله: الأن المنكر كون ما بعد الموت وتت الحياة الخ (يعني أن تقديم الظرف لأن الإخراج إلى الحياة ليس بمنكر مطلقا وإنما المنكر كونه بعد الموت فقدم الظرف لأنه محل الإنكار والأصل في المنكر أن يلي الهمزة ويحتمل أنه أريد إنكار وقته بعينه مبالغة لأنه يفيد إنكاره بطريق برهاني كما ذكره الطيبي ولما كان وقت إخراجه وخروج الروح ليس وقت إخراجه حيا بل بعده بزمان طويل قال الرضي: إن فيه معطوفا محذوفا لقيام القرينة عليه والمعنى أئذا ما مت وصرت رميما أبعث أي مع اجتماع الأمرين كقوله: أئذا متنا وكنا عظاما ما ورفاتا نبعث خلقا جديدا فمن قال إنه لا حاجة إليه لم يصب، اللهم إلا أن يراد بحال الموت زمان ممتذ إلى أول زهوق الروح كما هو المتبادر منه وربما يكون في كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه، أو يقال: إنهم إذا أحالوه في تلك الحال علم إحالته إذا كانوا رفاتا بالطريق الأولى، وفي ثلام الفاضل المحشي هنا شيء فتأمل. قوله: (وانتصابه بفعل دل عليه أخرج (سواء كان من لفظه أو معناه كأبعث ونحوه وعد المانع اللام وحدها دون سوف لأنها لا تمنع على الصحيح خلافا لابن عطية، قيل: إن الرضي ذكر أن كلمة الشرط تدل على لزوم الجزاء والشرط ولتحصيل هذا الغرض عمل في إذا جزاؤه مع كونه بعد حرف لا يعمل ما بعده فيما قبله كالفاء في فسبح دمان في قولك إذا جئتني فإني مكرم ولام الابتداء في قوله: أئذا ما مت لسوف أخرج حيا انتهى، فإن قلت هذا مبناه على أن العامل الجواب، والجمهور على أنه الشرط كما في المغني قلت: ذاك في إذ الشرطية وهذه ظرفية انتهى، ولا يخفى أن كلام الرضي ليس بمتفق عليه كما في كتب العربية، وأما ما ذكره من السؤال والجواب فإنه لا يصح أن يكون على كلام الرضي فإنه مخالف لصريح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 كلامه من جعلها شرطية، ولا من قبل المصنف رحمه الله فإنه لا يعارض كلام الرضي فلا حاجة لإيراده برقته وسياقه يأباه فتدبر. قوله: (وهي ههنا مخلصة الخ (هذا بناء على أن اللام إذا دخلت على المضارع خلصته للحال، وهو قول للنحاة: ومن قال! إنها لا تخلصه يحتج بمثل هذه الآية ولا يحتاج إلى دعوى تجريدها للتوكيد، وقوله: كما خلصت بصيغة المجهول، وهذا أيضا بناء على أن أصله الإله وأل فيه للتعريف والتعويض عن الهمزة المحذوفة فإذا اجتمعت مع حرف النداء جعلت لمحض التعويض لئلا يجتمع تعريفان وهذا أحد الأقوال المشهورة فيه أيضا ولذا قطعت همزته، وقوله: فساغ الخ تعليل لما نحن فيه. قوله: (مع أن الأصل أن تتقدمهما الخ (تبع في هذا الزمخشري حيث قال: ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذاك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر الأخرى، فإن تلك أعجب وأغرب الخ، وهو مخالف للمذهبين في مثله بحسب ألظاهر من أنها مقدمة من تأخير فأصله وألا يذكر الخ أو داخلة على مقدر، وأصله أيقول كذا ولا الخ وأما كونها مؤخرة من تقديم فلم يقله أحد مع أنه قيل عليه إن الهمزة ليست من المعطوف لتقدمها عليه ولا من المعطوف عليه لتأخرها عنه، وكيف يدخل الإنكار على يقول مع تأخر الهمزة عنه وفيه إبطال صدارتها فالأولى أن يقال لا يذكر معطوف على يقرل مقدرا بعد الهمزة لدلالة الأول عليه فيرتفع الإشكال، وقيل: لا يخلو إما أن يعطف لا يذكر على يقول المذكور أو على المقدر، فعلى الأول لا يستقيم تقديره المعنى بقوله: أيقول ذاك ولا يذكر لأن التقدير حينئذ وألا يذكر وعلى الثاني لا يصح قوله: ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف، قيل ويمكن أن يجاب باختيار الأول وقوله: أيقول ذاك ولا يذكر بيان لمحصل المعنى لا لتقدير اللفظ وذلك لأن الهمزة أفادت إنكار الجمع لدخولها على الواو المفيدة له وكأنه قيل: الجمع بين القول وعدم التذكر منكر فصح قوله: أيقول ذاك ولا يذكر وأما السؤال ببطلان صدارة الهمزة فلا وجه له لما ثبت من التوسع فيها خاصة اهـ) أقول (في هذا كله تكلف ما لا حاجة إليه مع خروجه كله عن القانون النحوي، أما الأول فلأن كلامهم غير محتاج لما ذكروه كما ستسمعه عن كتب، وأما الثاني فلمخالفته لما ذهب إليه النحاة من المذهبين لأنه لم يقل أحد أنها مؤخرة من تقديم وأيضا صدارتها إنما هي بالنسبة إلى جملتها بالاتفاق وتقدمها على الواو أتنم فيها كما صرح به في المغني فلا حاجة إلى التوسع المذكور كما أنه لا حاجة إلى ما قيل إن وجوب التصدير إنما هو إذا بقيت على معناها الأصليئ الاستفهامي أما إذا تولد منها معنى آخر كالإنكار والتوبيخ فلا يبقى وجوب التصدير، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: مع أن الأصل الخ إذا عرفت هذا فمعنى كلام الشيخين هنا وهو بيان لمعنى النظم مبنيئ على القول بعدم التقدير د! انه لم أدخل حرف الإنكار على العاطف فتوسط في الكلام مع أن القول المذكور منكر كعدم التذكر فأجابوا بأنه لمان كان أصل المعنى المراد منه هذا ومقتضاه أن يقال أيقول: أئذا الخ إلا أنه عدل عنه للدلالة على أن المنكر بالذات عدم التذكر، والقول إنما نشأ منه، فلا وجه لما قاله المحشي فإنه لو تأمل لم يقله. قوله: (بل كان عدما صرفا الخ (بناء على أن الشيء يختص بالموجود وقد تقدم تفصيله، وقوله: فإنه أي الخلق المفهوم من خلقنا لمانما كان أعجب لأنه لم يسبق له مثال يحذي حذوه ولم تجمع له مادة قبل حتى يعاد على أحد المذهبين المعروفين في المعاد كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: على الأصل أي بدون إدغام فإنه خلافه، والتفخيم لشأنه صلى الله عليه وسلم من الإضافة فإنها للتعظيم كبيت الله، وقوله: لما روي الخ تأييد للمعية للتصريح بها في الحديث، وقوله: مخصوصا بهم أي بالكفرة، وقوله: ساغ بالغين المعجمة أي جاز ونسبته إلى الجنس بأسره نسبة مجازية كما مر، وقوله: فإنهم بيان لوجه التجوز فيه، وقوله: فقد حشروا جميعا معهم فجاز نسبته مجازا لهم، وقوله: ليرى بيان لحكمة حشرهم معهم، والغبطة هنا حسن الحال والمسرة وقوله: وشماتتهم عليهم كان الظاهر أن يقول بهم فكأنه علقه بمقدر أي مغتاظين عليهم، وقوله: يدهمهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 بالدال المهملة أي يفجؤهم وهذا بناء على العموم في الإنسان فالمؤمن يجثو إذا قرب منها والكفار مستمرون على الجثيئ لعدم استطاعة القيام فلا ينافي جمع ضمير نحشرهم أن يراد بالإنسان واحد كما تقدم والعذة بضم العين المهملة ما يعد لما بعده. قوله: (أو لأنه من توابع التواقف (أي من لرازمه والتواقف تفاعل من الوقوف، والتقاول تفاعل من القول، والمفاعلة فيه حفيقة بخلاف أخواته فإنها فيها للمشاكلة يعني أن الجثيئ وهو جلوس المستوفز على ركبه شأن من يجيء لمجلس لغو في حساب أمر، وقوله: قبل التواصل الخ أي قبل الوصول إلى جزاء ما حوسب به، وهذا عام لجميع أهل الموقف كما في الآية المذكورة على أحد تفسيريها لا خاص كما قيل، وإنما الفرق أن المؤمنين يقومون بعد تلك الحالة والكفار يجثون على هيآتهم الأولى فليس في تقريره سوء ترتيب، وقوله: على المعتاد أي في الحساب حال من ضمير جاثون أو متعلق به، وقوله: وإن كان الظاهر الفاء لأنه لف ونشر، وقوله: فلعلهم عبر به لأنه من المغيبات وقوله يتجاثرن أي للهول كما مز. قوله: أعلى أن جثيا حال مقدرة (بخلافه على ما قبله لأن قوله لنحضرنهم حول جهنم جثيا يقتضي أن يكونوا في الإحضار وهو أمر ممتذ كذلك من أوله إلى آخره وهو إنما يصح في الأشقياء لأنهم يسحبون كذلك، فإن أريد العموم لا يكون كذلك لأن منهم السعداء وهم يمشون على أقدامهم فإذا وصلوا إلى شاطىء النار تجاثوا، فإن قلت جثيا حال مقدرة بالنسبة إلى السعداء وغير مقدرة بالنسبة إلى الأشقياء فكيف يصح التقدير وعدمه في حالة واحدة قلت إذا أريد بالجثيئ الجثيئ حول جهنم فهي مقدرة بالنسبة إلى الكل، ويمكن أن يكون من إسناد ما للبعض إلى الكل كما مر، وكل منهما مجاز فتأئل، والقراءة بكسر الجيم للاتباع قرأ حمزة والكسائيئ وحفص جثيا بكسر الجيم اتباعا والباقون بالضم ووقع في النسخ هنا تحريف. قوله: (من كل أمة شايعت دينا (أي تبعت دينا من الأديان وفي نسخة رئيسا فيكون تفسيرا للأشد عتيا مقدما عليه كما سيأتي والأولى هي المشهورة، وهذا بناء على إبقاء الشيعة على معناها المتبادر منها وهي الفرقة والفئة مطلقا فتشمل المؤمنين كما أشار إليه بقوله: ولو خص الخ وبقوله تنبيه، ولم يفسره بما في الكشاف بطائفة تبعت غاويا من الغواة لأن المقام يقتضي التخصيص وإن كان عافا للاتباع بحسب الوضع لكنه أورد عليه أن قوله: أشد عتيا يقتضي اشتراكهم في المعنى بل في أشديته وهو لا يناسب المؤمنين، وأجيب عنه بأنه يكتفي بالتقدير أو يجعل من نسبة ما للبعض إلى الكل وهذا أظهر ولا بعد فيه من جهة العربية لأن التفضيل على طائفة لا يقتضي مشاركة كل فرد فرد كما إذا قلت هو أشجع العرب لا يلزمه وجود الشجاعة في جميع أفرادهم وقوله أعصى إشارة إلى أن العتؤ على هذا بمعنى العصيان لأنه كما فسره الراغب النبؤ عن الطاعة، وبه يهون ما مر ووجه التنبيه على هذا أنه خص العذاب بالأشد معصية ففيه إيماء إلى التجاوز عن كثير منهم فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له عليه، وقوله: ويطرحهم أو يدخل فيه إشارة إلى أق في النظم حذفا دمايجازا وكثيرا منصوب على نزع الخافض وهو عن لا اللام، وقوله: طبقاتها وفي نسخة طبقتها أي النار. قوله: (وأيهم مبنتي على الضم عند سيبويه (أي المشددة تكون موصولة واستفهامية وشرطية واختلف فيها وفي إعرابها هنا فذهب سيبويه إلى أنها موصولة وكان حقها أن تبنى كسائر الموصولات لشبهها بالحرف بافتقارها لما بعدها من الصلة لكنها لما لزمت الإضافة إلى المفرد لفظا نحو أيهم أو تقديرا نحو أيا وهي من خواص الأسماء بعد الشبه فرجعت إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب ولأنها إذا أضيفت إلى نكرة كانت بمعنى كل نحو أفي رجل وإذا أضيفت إلى معرفة كانت بمعنى بعض نحو أفي الرجلين كما ذكره النحاة فحملت في الإعراب على ما هي بمعناه كما ذكره المصنف رحمه الله لكنها إذا حذف صدر صلتها عنده ازداد نقصها المعنوي وهو الإبهام والافتقار للصلة بنقص الصلة التي هي كجزئها فقوي مشابهتها للحرف فعادت إلى ما هو حق الموصول وهو البناء فهي على هذا منصوبة محلا والجملة بعدها المحذوفة المبتدأ لا محل لها من الإعراب والقراءة بالنصب عن طلحة بن مصرف تقتضي أنها مفعول ننزعن، وقد خطئ في هذا بأنه لم يسمع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 مثله وبأنه يقول بإعرابها إذا أفردت عن الإضافة فكيف إذا أضيفت كما في المغني وهو مفصل في محله ومرفوع معطوف على قوله: منصوب المحل. قوله: (والجملة محكية (أي بالقول الذي هو صلة الموصول المحذوف الذي هو مفعول لننزعن، وأفي استفهامية لا موصولة كما بينه وهذا قول الخليل رحمه الله ولما كان لا معنى لجعل النزع لمن يسأل عنه بهذا الاستفهام أوله بعضهم بأنه مجاز عن تقارب أحوالهم وتشابهها في العتو حتى يستحق أن يسأل عنها أو المراد الذين يجاب بهم عن هذا السؤال وهو مع تكلفه فيه حذف الموصول مع بعض الصلة وهو تكلف على تكلف ومثله لا ينقاس، وقوله: أو معلق عنها فالجملة في محل نصب والمعنى لننزعن جواب من يسثل عنه بهذا، ولما كان التعليق عند الجمهور يختص بأفعال القلوب أجاب عنه بأن نزع شيء عن شيء يقتضي إفرازه وتمييزه عنه وهو سبب للعلم به فهو لتضمنه معنى يلزمه العلم عومل معاملته، والأولى أن يقال: إنه مستلزم لعلم من يراهم بذلك ومن لا يرى التعليق مختصا بأفعال القلوب كيونس لا يحتاج إلى التأويل. قوله: (أو مستأئفة) أي استئنافا نحويا أو بيانيا إن كانت أي موصولة كأنه قيل من المنزوعون فقيل: هم الذين هم أشد، وأما إذا كانت استفهامية فالظاهر الأول، ويجوز الثاني على التأويل السابق، وجعل من زائدة على مذهب الأخفش الذي يجوز زيادتها في الإثبات وكونها مفعولا لتأويلها باسم وهو بعض قيل: وهو على تقدير تخصيصه بالكفرة وفيه نظر. قوله: (وأما بشيعة (معطوف على قوله: بالابتداء وهذا منقول عن المبرد في الإعراب، فمن قال إنه لم يقله غير المصنف لم يصب قال أبو البقاء: يعني أن أيهم فاعل لما تضمنه شيعة من معنى الفعل والتقدير لننزعن من كل فريق يشيع أيهم أشد وأفي موصولة بمعنى الذي فتأمل وقيل: أفي هنا شرطية. قوله: (وعلى للبيان الخ (يعني أن الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف أو بمصدر مبين لأن المعنى على من والصليئ بماذا كما في سقيا له ورعيا له كأنه قيل على من عتوا فقال: عتوا على الرحمن وبماذا يصلون فقيل: يصلون بالنار لا بالمصدر المذكور لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه، فمن جوزه مطلقا أو في الجار والمجرور للتوسع فيه جوزه هنا، وكذا من قال: إن عتيا وصليا جمع عات وصال وهو منصوب على الحالية. قوله: النحن أعلم بالذين أولى بالصلتي الخ (قيل: هذا على كون صليا تمييزا عن النسبة بين أولى والمجرور ما بعده على أنه تمييز عن النسبة التي بين المبتدأ والخبر، وقيل: إن الأول على تقدير كونه للبيان، وما بعده على تعلقه بأفعل فتأمل وقوله: وقرأ حمزة الخ وقع في بعض النسخ وقد قرؤوا به في جثيا كما مر، وهو اتباع وكذا في عتيا فالأولى ذكره أيضا، وقوله: ويجوز كان المراد أولا الفرق بأجمعها. قوله: (التفات (أي من الغيبة للحضور وهو جار على التفسيرين في الإنسان بالعموم والخصوص وعلى الثاني الورود بين ويجوز أن يكون خطابأ للناس دون التفات لما مر كما في الكشاف، وقوله: إلا وأصلها الخ يعني أن المراد بالورود إنا دخولهم في حقيقتها لكنها لا تحرقهم بل تصير عليهم بردا وسلاما كنار إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ورد في الحديث وعليه كثير من سلف المفسرين وأهل السنة أو المراد به الجواز على الصراط أو القرب منها أو الجثو حولها ورجحه الشيخان كغيرهم لأنه يلائم قوله: ثم ننجي الذين الخ لأن الظاهر منه أنه تفصيل وتفريق بعدما اشتركوا فيه ويقدر فيه مضاف أيضا أي ونذر الظالمين فيما حولها بقرينة قوله: لنحضرنهم حول جهنم والمراد المرور على الصراط بعده، وأما على التفسير الأول فيحتاج إلى تأويله فتأمله وقوله: خامدة بالخاء المعجمة والجيم والأول أولى أي ساكنة، وتنهار أي تسقط وتقع والمراد أنها تحرقهم وتشعل كما يقال: وقع في البلد حريق وقوله: واجبا أي كالواجب في تحتم وقوعه والمقصود المبالغة إذ لا يجب على الله شيء عند أهل السنة هاليه أشار بقوله: وقضى الخ وهو تفسير مقضيا كما أن ما قبله تفسير حتما. قوله: (وقيل أقسم عليه (أي معنى كان حتما مقضيا كان قسما لازما والمقصود منه إنشاء القسم وقد يقال: إن على ربك لمقصود منه اليمين كما تقول لئه عليئ كذا إذ لا معنى له إلا تأكد اللزوم والقسم لا يذكر إلا لمثله وعلى ورد في كلامهم كثيرا للقسم كقوله: عليئ إذا ما جئت ليلى أزورها زيارة بيت الله رجلان حافيا ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 فإن صيغة النذر قد يراد بها اليمين كما صرحوا به، أو المراد بهذه الجملة القسم كقولهم: عزمت عليك إلا فعلت كذا، وورد في الحديث لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم فقال أبو عبيد وتبعه جماعة من المفسرين: إن المراد بالقسم في الحديث قوله: (وإن منكم إلا واردها، الآية واعترضه الأزهرفي في التهذيب بأنه لا قسم فيها فكيف يكون له تحلة، وقيل: إن أصل معناه ولكن لما كان ما يتحلل به يكون أمرا قليلا إن أريد به إيقاع شيء من المحلوف عليه كتر قسمه أو ذكر ما يمنعه من الحنث وهو قوله: إن شاء الله فعبر به عن القلة، كقول كعب: وقعهق الأرض تحليل قال ابن هشام في شرح بانت سعاد اللهم إلا أن يقال إن قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [سورة مريم، الآية: 171] معطوف على ما أجيب به القسم في قوله: فوربك لنحشرنهم الخ وهذا مراد من قال: إن الواو للقسم وفيه بعد وقال السبكيئ: هذا عجيب فإن القسم مقدر في قوله: دمان منكم، ويدل عليه شيآن أحدهما قوله: كان على ربك حتما مقضيا قال الحسن وقتادة قسما واجبا، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم منه القسم كما مر في الحديث، ولك أن تقول إنه لا تقدير فيه والمعنى ما قررناه كما مر، أو يقال: الجملة معطوفة على جواب القسم أو حال، وحديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل. قوله: (وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو الخ (وجه الدلالة أنه لما ذكر أن الجميع واردون لها ثم قسمهم إلى ناج هالى متروك على حالة في الجثي علم أن مقابله جاث لكنه غير متروك على جثيه فجاء ما ذكر، وهو ظاهر والدليل هو قوله: ونذر الظالمين الخ، وقد بين أيضا بأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين، والتركيب يدل على إنجاء المتقين من الورطة التي يبقى الظالمون فيها للتقابل بينهما فدل على أن تلك الورطة هي الجثؤ حولها وأنهما يشتركان فيها وقد كانا اشتركا في الورود فدل هذا على أن المراد بالورود هو الجثيئ وهذا إنما يتأتى بتقدير مضاف في قوله: فيها أي في حواليها بقرينة الجثؤ كما أشار إليه المصنف رحمه الله فمن قال: إنه لا يجري في كلام المصنف رحمه الله لم يصب لكنه قيل عليه إن الجثو إنما يصلح قرينة إن ثبت أنه لا جثؤ في النار وهو غير مسلم وأيد بأن الظالمين لا يتركون حولها بل يدخلون النار، ورد بأق الجثو حول جهنم علم من الآية السابقة فرد هذا إليها والتفصيل بالمعلوم أولى، وليس المراد بالدلالة الدلالة القطعية حتى يخل بها الاحتمال، وقوله: لا يتركون الخ لا دليل فيه، ولا يخفى أن ما اذعاه من الأولوية الظاهر خلافه لأن جثيا نكرة أعيدت فالظاهر أنها غير الأولى لا سيما وقد وقعت فاصلة، وهي كالقافية لا يحسن تكرارها مع ما فيها من التقدير المخالف للظاهر فتأمل. قوله: (أو ببيان الرسول الخ (أو هنا لمنع الجمع لأن ما هو بين اللفظ والمعنى بنفسه لا يكون مبنيا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كالمجمل ونحوه لا سيما ومبينة على الأول بمعنى متبينة بصيغة اسم الفاعل وهذا بمعنى مبينة بصيغة اسم المفعولى فلا حاجة إلى القول بأنها لمنع الخلو حتى يقال: إن فيه تغليبا إذا أريد بالآيات جميعها ليخرج المتشابهات، وقوله: واضحات الإعجاز فهو من بأن بمعنى ظهر، كالأول فلو قدمه كان أظهر وعلى هذا فالإسناد لها مجاز أو بتقدير مضات، وقوله: لأجلهم فاللام للتعليل وقوله أو معهم فاللام صلة القول كقلت له كذا إذا خاطبته به وما وقع في بعض النسخ منهم تحريف. قوله: (موضع قيام أو مكانا) كان الظاهر أي مكانا لأن أصل معناه الأول ثم استعمل لمطلق المكان كما في الكشاف وما قيل إن أو للتخيير في التعبير والتفسير لا يجدي لأنهما ليسا مترادفين فالظاهر أنه أراد أن المقام محل القيام فإن كان القيام بمعنى المعاش كما ذكره الراغب في قوله: قياما للناس فهو على ظاهره، وإن كان مقابل القعود فهو خاص أريد به عام ففيه زيادة على ما في الكشاف وهو على الأول بمعنى المنزل فتتوافق القراءتان ولا يتكزر مع قوله نديا، ولذا قدمه والندي كالنادي مجتمع لندوة القوم ومحادثتهم، ومنزل إن كان بضم الميم بمعنى النزول فهو عطف على إقامة وإن كان بفتحها فهو عطف على موضع وكان الظاهر نصبه حينئذ. قوله: (والمعنى الخ (ناظر إلى ما مر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 في تفسير بينات، وعلمهم معطوف على الحال، وبظاهر متعلق به لا بقصور حتى يكون الظاهر إبدال الباء بعلى كما قيل، وقوله: أيضا أي كما رد عليهم إنكار الحشر بقوله: أو لا يذكر الخ والتهديد بما فيه من الإشارة لإهلاكهم والنقض هنا لما استدلوا به من حسن حالهم في الدنيا على حسن حالهم في الآخرة لتخلفه فيمن قبلهم من القرون وهو نقض إجماليئ كما فصل وبين في آداب البحث، أو هو بمعناه اللغوي وهو الإبطال وكم خبرية أو استفهامية، وهي على كل حال لها الصدر فلذا قدمت، والقرن أهل كل عصر وقد اختلف في مذته وهو من قرن الحيوان سمي به لتقدمه كما أشار إليه، ومنه قرن الشمس لأول ما يطلع منها. قوله: (وهم أحسن صفة لكم (بناء على أنه يجوز وصفها كما ذكره الزمخشري وتبعه أبو البقاء ورذه أبو حيان بأن النحاة صرحوا بأن كم سواء كانت خبرية أو استفهامية لا توصف ولا يوصف بها، كالضمير وجعله صفة قرن ولا يرد عليه كم من رجل قام وكم من قرية هلكت بناء على أن الجاز والمجرور يتعين تعلقه بمحذوف هو صفة لكم كما ادعى بعضهم أن الرضي أشار إليه لأنه يجوز في الجاز والمجرور أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة مفسرة لا محل لها، فما ادعاه غير مسلم عندهم، والخرثي بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وثاء مثلثة ومثناة تحتية مارت أي قدم وبلي، وقيل: ما لبس، وقيل: أردأ المتاع. قوله: (والزي المنظر فعل من الرؤية الخ (يعني أنه على هذا فعل بمعنى مفعول، وأما على القراءة الأخرى فيحتمل أنه منه أيضا لكن أبدلت همزته ياء وأدغمت، ويحتمل أنه لا إبدال فيه وأنه من روي بالماء يروى ريا ضد عطش ولما كان الرقي به النضارة والحسن استعمل فيه كما يقال: هو ريان من النعيم كما قلت: ريان من ماء النعب! م يلفه ورق الشباب وقوله: أو على أنه من الرقي إن كان بفتح الراء فهو ظاهر لأن الري اسم مأخوذ من ذلك المصدر وإن كان بالكسر كما ضبط بالقلم في أكثرها فهو مصدر، والنعمة بفتح النون ويجوز كسرها التنعم والترفه، فأتى بمن الابتدائية المقتضية لتغايرهما كما في الكشاف مع اتحادهما لفظا ومعنى لأن مدخول من معناه الحقيقي هو الترفه والمراد به على طريق المجاز أو الكناية المنظر الجميل والهيئة الحسنة فما قيل إنه نظر إلى المغايرة باعتبار كونه مذكورا في النظم ومنقولا عن أهل اللغة أو إلى أن الثاني مصدر وما في النظم اسم فإنه كذلك في القاموس وهذا أولى تكلف بارد، وقوله: على القلب أي القلب المكاني بتقديم اللام على العين فوزنه فلع كما يقال: في رأي راء. قوله: (كالطحن (بكسر الطاء وسكون الحاء المهملتين ونون الحب المطحون، والخبر بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وراء مهملة من خبر الأرض إذا زرعها وهو مصدر بمعنى المزارعة وبمعنى ما يزارع عليه أو اسم كالطحن كما ذكره ابن السيد في مثلثاته. قوله: (وقرئ ريا بحذت الهمزة (والقصر وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قرئ أيضا بالمذ ومعناها مرا آة بعضهم بعضا كما في الدر المصون، وأما هذه القراءة فقد خرجت على وجهين أحدهما أن يكون أصلها ريا بتشديد الياء فخففت بحذف إحدى الياءين وهي الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ولأن الآخر محل التغيير، والثاني أن يكون أصلها ريئا بياء ساكنة بعدها همزة فنقلت حركة الهمزة إلى الياء ثم حذفت على القاعدة المعروفة. قوله: (وزيا من الزي الخ (الزفي الثاني بالفتح مصدر زواه بمعنى جمعه لأن الزي بمعنى الهيئة ويكون بمعنى الأثاث أيضا كما ذكره المبرد في قول الثقفي: أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذي الزفي الجميل من الأثاث ... وهو واوي لا يائي، كما في القاموس وقوله: فإنه أي الزفي بالكسر. توله:) ثم بين الخ ( أي بين بعد النقض والجواب عما تمسكوا به، وإنما العيار هو من قولهم: عايرت بين المكيال والميزان إذا امتحنته، وعذاه بعلى لتضمنه معنى الدلالة، والفضل هنا بمعنى الزيادة ولذا قابله بالنقص. قوله: (فيمده يمهله بطول العمر (إشارة إلى أن معنى المد وهو تطويل الحبل ونحوه أريد به تطويل العمر، وقوله: دمانما أخرجه الخ إشارة إلى أن صيغة الأمر مستعارة للخبر كما يستعار الخبر للأمر وقد أشار إليه بقوله: أولا فيمده لأنه لكونه كائنا لا محالة كالمأمور به الممتئل لتنقطع أعذارهم وتقوم عليهم الحجة، كما في الآيتين المذكورتين أو هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 دعاء بامهالهم وتنفيس مدة حياتهم كما في الكشاف. قوله: (فاية المذ (فيه تسمح لأن الغاية إما مجموع الشرط وجوابه إن قلنا إن المجموع هو الكلام أو مفهوم الجواب إن قلنا إنه هو الكلام والشرط قيد له، وعلى القول الثاني فما بينهما اعتراض، ومرضه لبعده وصاحب الكشاف اختار هذا وقدمه. قوله: (تفصيل للموعود (التفصيل مستفاد من أما كما ذكره النحاة ولا كلام فيه دىانما الكلام في قوله: يوم القيامة، فإن قيل إن المذ والقول ينقطعان حين الموت وعند معاينة العذاب ولذلك يؤمن عنده كل كافر فالمراد بالساعة ما يشمله، ومن مات فقد قاصت قيامته، ولا يخفى أن ما ذكره من التأويل لتتصل الغاية بالمغيي لا يناسب ما في النظم لأن الساعة لا تطلق عليه كيوم القيامة وأمر الفاصل سهل لأن أمور هذه الدار لزوالها لا تعد فاصلة لتقضيها، ألا ترى قوله تعالى: إ أفرقوا فأدخلوا نارا، والمناسب وعيدهم بما يشاهدونه في الدارين لأنه الدال على الخزي. قوله: (والجملة محكية بعد حتى (فهي مستأنفة وحتى ليست جارة ولا عاطفة وهكذا هي حيث دخلت على إذا الشرطية عند الجمهور وهي منصوبة بالشرط أو الجزاء على الخلاف المشهور، وذهب ابن مالك إلى أنها جازة كما في المغني، وقوله: محكية إشارة إلى أنها غاية للقول بأحد القولين، فهو جار عليهما فليس هذا على أنه غاية للمد نعم ما بعده صريح فيه. قوله: (أي فئة وأنصارا الخ (وجه التقابل فيه ظاهر فالمراد بالندفي من فيه كما يقال: المجلس العالي للتعظيم فلذا عبر به وبالمقام ثمة، وعبر هنا بالمكان والجند إشارة إلى أن الأول فيه مسرة وحبور بخلاف هذا فإنه مكان شر ومحاربة فتأمل. قوله: (عطف على الشرطية المحكية بعد القول الخ (في هذه الجملة وجوه فقيل إنها مستأنفة لا محل لها، وقيل إنها معطوفة على جواب من وهو قوله: فليمدد الخ، واختاره في الكشاف واعترض بأنه غير مناسب معنى إذ لا يتجه أن يقال: من كان في الضلالة يزيد الله الذين اهتدوا هدى ولا إعرابا سواء كان دعاء أو خبرا في صورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت موصولة وفي موضع الجزاء إن كانت شرطية فهو في حكم الجزاء وعلى كلا التقديرين فهي خالية من ضمير يربط الخبر بالمبتدأ والجواب بالشرط، وأجيب بأن المعنى من كان في الضلالة زيد في ضلالته وزيد في هداية أعدائه لأنه مما يغبطه، ومن شرطية لا موصولة واشتراط ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط غير الظرفيئ ممنوع فإنه غير متفق عليه عند النحاة كما في الدر المصون مع أنه مقدر كما سمعته، وفي كلام المصنف إشارة إليه لكنه لما كان لا يخلو من تكلف لم يختره، والثالث ما اختاره المصنف وهو أنه عطف! لى مجموع الجملة الشرطية ليتم التقابل فإنه! أمر أن يجيبهم فليؤت بذكر القسمين أصالة كما في الأول وهذا أولى كما في الكشف. قوله: (أراد أن يبين الخ (إرادة الخير والتعويض من قوله: والباقيات الصالحات الخ فهذا بدل عن قصور حظوظه الدنيوية التي كانت لغيره للاستدراج وقطع المعاذير، وقوله: وقيل قد علمت وجه تمريضه وقوله: كأنه قيل الخ فلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء ولا عدم الربط المعنوي واللفظي كما مر، وأنه وضع فيه الظاهر موضع الضمير. قوله: (الطاعات التي تبقى عائدتها (أي فائدتها فبقاؤها ببقاء ثوابها وقوله ويدخل إشارة إلى أن المراد بها ما ذكر وأن ما وتع في بعض التفاسير المأثورة من تفسيرها بما ذكر على سبيل التمئيل لا التخصيص والحصر. قوله: (المخدجة (أي الناقصة وقوله: سيما بحذف لا كما أجازه الرضيئ وقال أبو حيان: إنه لم يسمع في كلام العرب، وقوله: كما أشار إليه الخ لأن المرد بمعنى ما يرد إليه والمراد به العاقبة وهي بمعنى المآل وقيل إنها بمعنى النفعة من قولهم: ليس لهذا الأمر مرد وهو قريب منه. قوله: (والخير ههنا إما لمجرد الزيادة الخ (جواب عما قيل كيف فضلوا عليهم في خيرية الثواب والعاقبة والتفضيل يقتضي المشاركة فيهما وهم لا ثواب لهم وعاقبتهم لا خير فيها وهو ظاهر، وقوله: هاهنا أي في هذه الآية في المحلين كما صرح به بعض أرباب الحواشي لا في قوله: خير مردا فقط لأنه لما فسر الثواب بالعائدة الشاملة للعائدة الدنيوية لا بالثواب المتعارف لم يحتج إلى تأويل الخيرية فيه كما قيل: وتأويلها سترى تفصيله فأجاب أولا بأن المقصود مجرد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 الزيادة بقطع النظر عن مفضل عليه مخصوص يشاركه في ذلك وتحقيقه كما ذكره بعض علماء العربية أن لا فعل أربع حالات، إحداها وهي الأصل أن يدل على ثلاثة أمور اتصاف من هوله بالحدث الذي اشتق منه وبهذا كان وصفا ومشاركة مصحوبة في تلك الصفة ومزية موصوفة على مصحوبه فيها وبالأخيرين فارق غيره من الصفات، والثانية: أن يخلع عنه ما امتاز به عن الصفات ويتجزد للمعنى الوصفي، والثالثة: أن تبقى عليه معانيه، الثلاثة: ولكن يخلع عنه المعنى الثاني ويخلقه قيد آخر فإن الاشتراك مقيد بتلك الصفة التي هي المعنى الأول فيصير مقيدا بالثالث وهو الزيادة لكن لا في المشتق منه كقولهم: العسل أحلى من الخل فإن للعسل زيادة في حلاوته وهي أكثر من زيادة الخل في حموضته، قال ابن هشام في شرح التسهيل وهو بديع جدا، والرابعة: أن يخلع عنه المعنى الثاني وهو المشاركة وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى الزيادة مطلقا لا مقيدة، وذلك نحو يوسف أحسن إخوته اهـ. وهذا الأخير هو الذي أراده المصنف رحمه الله بجوابه الأول فالمعنى أن ثوابهم ومرذهم متصف بالزيادة في الخيرية على من اتصف بها بقطع النظر عن هؤلاء المفتخرين بدنياهم فلا يلزم مشاركتهم في الخيرية حتى يرد السؤال. قوله: (أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حزه منه في برده (ثم اختصر وعبر عنه بذلك على طريقة إيجاز الحذف كما في التبيان، وقد أتى في الكشاف هنا بسؤالين جعلهما المصنف شيئا واحدا، وذلك أنه قال إنه لا ثواب لمفاخرتهم حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه وأجاب بأنه جعل النار ثوابا تهكما كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع ثم بني عليه خير ثوابا وهو أغيظ للمتهذد من أن يقال له عقابك النار، ثم سأل عن وجه التفضيل وأجاب بأنه من وجيز كلامهم كالصيف أحز من الشتاء، وحاصله كما قاله الفاضل اليمني إنه سأل عن الاشتراك في الثواب وأجاب بأنه من التهكم فتبين به وجهه، ثم سأل عن وجه التفضيل وأجاب بوجه غير ما لزم من كلامه أولا أي ثواب المؤمنين أبلغ في بابه من عقابهم فلا تكرار ولا استدراك، وفي الفرائد هذا بعيد عن الطبع والاستعمال وليس في كلامهم ما يشهد له وإنما المراد أن خيرية الأعمال في الآخرة خير لهم مما حصل لهم بزعمهم في الدنيا، وفي التقريب الاعتراض بأن كون ثوابهم في بابه أبلغ من عقابهم في بابه غير محقق ولا مناسب للتهديد فالأولى حمله على التهكم، ورد إنكاره له بأن الزجاج ذكره في غير هذه الآية وأن له نظائر وهو محقق وإن لم يقصد التهكم وهو مناسب للتهديد لاستلزامه لثبوت العقاب وزيادة ثواب أعدائهم فإنه مما يغيظهم ففيه تهديد من جهتين، وقيل الذي يقتضيه النظم أن قوله: والباقيات الصالحات خير الخ تتميم لقوله: ويزيد الله الذين اهتدوا هدي المشتمل على تسلية المؤمنين عما افتخروا به، كما أن قوله: من هو شر مكانا وأضعف جندا تتميم لوعيد الكفار وكلاهما تتمة لقوله: فليمدد الخ الواقع جوابا عن قولهم: أفي الفريقين خير، وتحقيقه أن الكفار لما ذكروا الخيرية على زعمهم أتى بها في الجواب مشاكلة مع ما فيه من الوعيد والتهكم بهم فتحصل منه أن التفضيل إما للزيادة المطلقة أو لزيادة الثواب في بابه على العقاب في بابه أو يعد العقاب خيرا تهكما بهم أو الخيرية في المفضل عليه خيرية مالهم في الدنيا في نظرهم القاصر أو هو للمشاكلة فتنبه له واحفظه لتسلم من الخلط والخبط. قوله: إ نزلت في العاص بن وائل الخ (هذا هو الصحيح في كتب الحديث، وقيل: إنها نزلت في الوليد بن المغيرة وخباب بخاء معجمة وباءين موحدتين كشداد صحابيئ معروف ابن الأرت والأرت أفعل من الرتة براء مهملة وتاء مثناة فوقية وهي ثقل في اللسان علم والعاص بن وائل هو أبو عمرو بن العاص وكان من عظماء قريش ولم يوفق للإسلام، وقوله: ولا حين بعثت بفتح التاء خطابا للعاص أي لا أكفر أبدأ لا في حال حياتي ولا في حال مماتي ولا في حال بعثك أيها الكافر وأنت معذب يعني أنه مؤمن بثوابه بعد الموت وعقاب الكفرة بعد البعث ولذا ذكر الموت والبعث وفي نسخة حين تبعث بضم التاء الفوقية. قوله: (ولما كانت الرؤية أقوى إلى آخره (يعني أن رأى هنا بصرية لا علمية كما ذهب إليه بعض النحاة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 وتجوز بها عن المسبب وهو الإخبار فهو مجاز مرسل والاستفهام مجاز عن الأمر به لأن المقصود من نحو قولك: ما فعلت أخبرني فهو إنشاء تجوز به عن إنشاء آخر، كما حققه النحاة وقد مر تفصيله وأنه قد يراد به التعجب ومن لم يقف على هذا قال: إرادة معنى الأمر من هذا لا تخلو عن بعد فلو جعل لإنشاء التعجب لكان أظهر فإنه شائع فيه وأما عطف الإنشاء على الخبر فجائز لأنه من عطف القصة على القصة وقوله: على أصلها أي للتعقيب كما بينه وقوله: بقصة إشارة إلى ما مز. قوله: (ولذا (بضم الواو وسكون اللام ورد في كلام العرب مفردا وجمعا كما ذكره المصنف رحمه الله وكلاهما صحيح هنا، وقرىء بكسر الواو وسكون اللام أيضا وهو بمعناه. قوله: (أقد بلغ من عظمة الخ (في قوله أقد إشارة إلى أنه بفتح الهمزة الاستفهامية وأصله اطلع فحذفت همزة الوصل تخفيفا واطلع متعد بنفسه تقول اطلع الجبل قال المعرب وليس متعديا بعلى كما توهمه بعضهم حتى يكون من الحذف والإيصال لكن في القاموس اطلع عليه فكأنه يتعدى ولا يتعدى، وعظمة الشأن تستفاد من الطلوع لأنه الظهور على وجه العلو والتملك ولذا اختير هذا التعبير كما في الكشاف، وقوله: وتألي أي أتى بألية وهي القسم وهو مستفاد من قوله: لأوتيت لأن اللام واقعة في جواب قسم مقدر وهو يفيد جزمه به، وتحققه ليس من الآلاء بمعنى النعم والمعنى ادعى أنه ينعم عليه كما قيل. قوله: (أو اتخذ من عالم الغيب الخ (أي كأن الله أعطاه عهدا موثوتا على أن يعطيه ذلك، والعلم بوقوع أمر مغيب له إما بعلم الغيب أو بقول الله له إنه كائن لا محالة ولا يرد عليه أنه يجوز أن يكون بواسطة إخبار ملك أو نبي مرسل لأنه لتعظمه وكفره لا يزعمه فلا يرد على الحصر شيء، وإطلاق العهد على ما بعده بينه المصنف رحمه الله والمعنى عليه أعلم الغيب أم عمل عملا يرجو ذلك في مقابلته، وقوله: رح الخ هو مذهب الجمهور وهو أنها حرف ردع وزجر عن أمر ذكر تبل فيفيد ما ذكره من التنبيه. قوله: (سنظهر له أنا كتبنا قوله الخ (لما كانت كتابة الأعمال والأقوال لا تتأخر عن وجودها تأخرا يقتضي أن يقرن بالسين أو سوف كما بينه أوله بأن الفعل أطلق وأريد به ظهوره والعلم به اللازم له إما مجازا أو كناية كما في البيت المذكور فإن لم تلدني جواب إذا وهو مستقبل وعدم الولادة ماض لوقوعه قبل انتسابه أي إذا انتسبنا علمت يا فلانة وتبين أني لست بابن لئيمة، فقوله: لم تلدني عبارة عن تبين عدم ولادتها له لشهرة نسبه فهو نظير ما نحن فيه كما في شروح الكشاف لا أنه مقدر فيه تبين أني حتى يعترض عليه بأنه ليس مما نحن فيه مع أنه لو سلم فهو نظير له في أنه محتاج للتأويل مثله والتأويل إما بالتجوز أو بالتقدير وتمام البيت المذكور: ولم تجدي من أن تقزي به بذآ وإنما ذكر الأئم دون الأب لأنه يعلم بالطريق الأولى لأنهم كانوا لا يزؤجون غير الإكفاء أو خصه لمكان التعريض بلؤم المخاطبة. قوله: (أو سننتقم منه الخ (ظاهره أنه مجاز واستعارة للوعيد بالانتقام قيل: ولو قيل إن السين للتأكيد والمراد نكتب في الحال كما في المغني كان فيه غنية عن هذا التطويل وفيه نظر لأن الذي في المغني منقولا عن الزمخشري أنها لتأكيد الوعد والوعيد هافادة أنه كائن لا محالة يعني في المستقبل إذ لا تؤكد علامة الاستقبال ما يراد به الحال فتأمل. قوله: (فإن نفس الكتبة الخ (الكتبة بكسر الكاف الكتابة وبما قررناه سابقا علم أنه لا يرد عليه أن ما ذكره هنا يعارض ما سيذكره في سورة ق من حديث أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر لأن ما ذكر لقربه في حكم الحال فلا يقال بكلمة السين مع أنه في حق المؤمنين رحمة بهم وما ذكر في الكفرة وسيأتي ثمة بيانه. قوله: القوله تعالى الخ (قيل عليه إنه قال في تفسير هذه الآية ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب فالتردد فيه ينافي الجزم به هنا فالأولى أن يستشهد بقوله تعالى: {ورسلنا لديهم يكتبون} [سورة الزخرف، الآية: 180] وليس بوارد لأنه ليس بتردد في أصل الكتابة بل في تخصيصها بما فيه ثواب أو عقاب مع أن قوله: ما يلفظ عائم. قوله: (ونطؤل له من العذاب ما يستأهله الخ (يعني أن المراد بالمذ تطويل مدة عذابه فالمذ بمعنى الزيادة لا التطويل، وقيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 عليه أنه مخالف لما مر في البقرة في تفسير قوله تعالى: {ونمدهم في طغيانهم يعمهون} [سورة البقرة، الآية: 15] ، أنه من مد الجيش وأمده إذا زاده وليس من المذ في العمر، وهو الإملاء والإمهال لأنه يتعدى بنفسه لا باللام كاملي له ورذه في الكشف بأنه لا يخالفه لأن المدعي هناك أن الذي بمعنى الإمهال لا يستعمل إلا باللام لا إن الذي من المدد لا يجوز أن يستعمل باللام ومعناه يفعل المذ ليكون أبلغ من نمده، وأما كون المذعي غير مسلم لأن في القاموس ما يخالفه فلا يدفع السؤال ولا يصح مقابلا لما قاله. قوله: (ونرثه (أي نسلبه ما ذكر ونأخذه أخذ الوارث أو نزويه ونمنعه، وله معان أخر ستأتي وفي الكشاف فيه وجوه أربعة أحدها: أن معناه نزوي ونحجب عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد ونعطيه من يستحقه وما يقول: بدل من الضمير أو مفعول والمراد مسماه ومدلوله الثاني أنه تمني مالا وولدا في الدنيا بأشعبيته وتألي على الله فقال تعالى: هب أنه أعطيه، أما نرثه ونأخذه منه في العاقبة ويأتينا فردا مجردا عنه فما فائدة تمنيه وتأليه، وثالثها: أن هذا القول يقوله ما دام حيا فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا فردا أي رافضا تاركا لمقاله ورابعها: أنا لا ننسى ما يقول ولا نلغيه بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه، ونعيره فيأتي على فقره ومسكنته فردا من ماله وولده لم يؤت منه غير تبعته وفردا على الأول حال مقدرة هذا محصله وإنما كانت مقدرة على الأول وهو أن يراد مسمى القول من المال والولد في الآخرة دون غيره كما في الشروح لأن المراد بالانفراد الانقطاع عنهما في العاقبة بالكلية بعد البعث لا في حال الإتيان والبعث لأنه لا يختص به لقوله: ولقد جئتمونا فرادى والآية وردت لتهديده ووعيده بأنه ينفرد عما ذكر حيث يجتمع المؤمنون بأهليهم في النعيم المقيم، وقيل: لا حاجة إلى جعل الحال مقدرة في كلام المصنف فإن محل إرضاء الخصوم وأداء الحقوق إنما هو الموقف فإذا أتاه منفردا عن المال والولد تم المقصود، وإنما جعلها الزمخشري مقدرة في الأول فقط لأنه على تفسيره بالزوي عنه والصرف لمستحقه الانفراد عليه يقتضي التفاوت بين الضال والمهتدي، وهو إنما يكون بعد الموقف بخلاف الوجوه الباقية لعدم اقتضائها التفاوت بينهما وكفاية فردية الموقف في صحتها وان كانت مشتركة، وبهذا ظهر اندفاع ما ذكره العلامة في شرحه (أقول) يعني اعتراضه بأن المراد بالفردية في الوجوه المذكورة إما الانفراد عن المال والولد وهو في الوجهين الأولين والرابع، أو الانفراد عن القول وهو الوجه الثالث وأياما كان يجب أن يراد به دوام الانفراد أما على الأول فلما مر وأما على الثاني، فلأن الحيلولة بينه وبين القول لا تتحقق إلا بنفي القول دائما والآخرة زمان يأس الكافر وانكشاف السرائر فامتنع طلب المال والولد فالحال مقدرة على جميع الوجوه ولا وجه للتخصيص بالأول اهـ وفيه بحث لأن المصنف لم يفسر الوراثة بالزوي ولا بالأخذ وكلامه الأول محتمل لوجوه ثلاثة فلا قرينة على ما عينه وأما اندفاع كلام العلامة فقد سبقه إليه الشراح فتأمل. قوله: (ليتعززوا) أي يتقؤوا وينتصروا بهم، وقوله: حيث يكونون الخ للتعليل أي لأنهم يكونون وصلة أي مقربا بزعمهم، كقوله: ما نعبدهم إلا ليقزبونا إلى الله، وقوله: رح أي زجر لهم عما زعموه من التعزز المذكور كما مر تقريره. قوله: (ستجحد الآلهة الخ (جوز فيه أن يكون الضمير الأول للآلهة والثاني للكفرة وعكسه والمعنى على الأول أن الآلهة تنكر عبادتهم وتتبرا منهم فالكفر هنا بمعناه اللغوي وهو الجحد والمراد بالآلهة من عبد من ذوي العلم لإطلاق ضمير العقلاء عليهم ونطقهم أو الأصنام بأن يخلق الله فيهم قؤة النطق فيطلق عليهم ما يطلق على العقلاء أو الأعم منها والمراد بإنكارهم على هذا عدم رضاهم به وإلا فهم قد عبدوهم فيكون كقوله: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله أو هو على ظاهره كقوله: وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون، وعلى الثاني هو على ظاهره قيل: ومواطن القيامة متعددة فهذا في موطن وقولهم: هؤلاء شركاؤنا في موطن آخر فلا تنافي بينهما، وقوله: لم تكن فتنتهم أي عاقبة فتنتهم، وتفسيرها معلوم في محله. قوله: (يؤيد الأول الخ (أي هذا يؤيد التفسير الأول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 الذي جعل فيه الضمير الأول للآلهة والثاني للكفرة لأنه في هذه الاية كذلك بحسب الظاهر المتبادر فينبغي أن يجعل على نسق ليتسق المعنى والنظم، وإنما كان هذا هو المتبادر لأنه في مقابلة الكائنين عزا وهم الآلهة فكذا الضد فالتأييد لفظي ومعنوفي، ولذا قال: إلا إذا فسر الضد بضد العز يعني إذا كان ضدا بمعناه المتبادر والضد لوقوعه في مقابلة العز للآلهة فإذا كانوا هم الضد يكون الجحد المراد من الكفر صفة لهم، فالضمير عبارة عنهم أما إذا كان الضد بمعنى ضد العز وهو الذل أو ضد ما أملوه منهم وهو النفع والتقزب بهم إلى الله لتضررهم وتعذيبهم كما سيأتي بيانه فلا يكون مؤيدا ولو قيل: إق الكفار ينكرون عباك! ة ألهتهم لكونها ذلا أو ضررا لهم انتظم الكلام أحسن انتظام فمن جعل التأييد لاتساق الضمائر فقد قصر ووقع في ابعض النسخ إن فسر الضد الخ والصحيح هو النسخة الأولى. قوله: (أو جعل الواو للكفرة الخ (أن في قوله: يكونون وهذا معطوف على قوله: فسر ووجهه أنه لو لم يحمل على الأول كان تأكيدا وتكريرا والتأسيس خير منه، وقوله: على معنى أنها تكون معونة إشارة إلى أن الضد قبله ضد العز وهو الذل وعلى هذا بمعنى العون فانه يطلق عليه لأنه يضاذهم وينافيهم وعبر به على التهكم، وقوله: أي يكونون كافرين فسره به لأن كونهم ذلا لآلهتهم أو عونا في عذابهم لا يصح في حقهم فتأمل. قوله: (وتوحيده لوحدة المعنى الخ (يعني أنه وحد وحقه أن يجمع لأنه إما عبارة عن الآلهة أو الكفار وهم أضداد لا ضد واحد فإنهم لاتحاد معنى الضدية فيهم كأنهم شيء واحد، وفي القاموس أن الضد يكون واحدا وجمعا وفيه نظر، وقيل: إنه إنما يحتاج إلى التأويل إذا لم يكن بمعنى الذذ فإنه مصدر، وقوله: وهم يد على من سواهم من حديث صحيح رواه النسائي، وأوله المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم أي متفقون في دفع من سواهم وأيديهم كاليد الواحدة وإطلاق اليد على الدافع مجاز اما مرسل أو استعارة وبقية شرحه في كتب الحديث وشروحها وفي الآية مقابلة العز بالذل واللام بعلى. قوله: (وقرئ كلا بالتنوين) هي قراءة شاذة لأبي نهيك ووجهت بوجوه منها أنها حرف وأبدلت ألفها تنوينا لأنه نوى الوقف فصارت الألف كألف الإطلاق وهي الألف التي تزاد في أواخر القوافي والفواصل المحركة وتسمى تلك القافية مطلقة وضدها مفيدة ولم يجعلها ألف) طلاق بل شبهها بها لأنها مخصوصة بالشعر ولم يمثل له بقوله: قواريرا كما في الكشاف لأنه صرف للتناسب فتنوينه تنوين صرف وهذا يسمى التنوين الغالي وهو يلحق الحروف وغيرها ويجتمع مع الألف واللام كقوله: أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن ... قوله: (أو على معنى كل هذا الرأي كلا (فيكون اسما مصدرا منونا بمعنى التعب وهو مجاز عن ضعفه منصوب على المصدرية، وفيل: إنه مفعول به بتقدير حملوا كلأ، وقوله: وكلأ أي وقرئ كلأ بضم الكاف وتشديد اللام وهي منصوبة بفعل يقدر متعذيأ على حذ زيدأ مررت به أي جاوزته فهو من باب الاشتغال كما أشار إليه المصنف بقوله: سيجحدون كلأ أي عبادة كل من الآلهة ففيه مضاف مقدر، وقد لا يقدر. قوله: (بأن سلطناهم (فسره به على التجوز أو التضمين لتعديته بعلى والتسليط بأغوائهم والوسوسة لهم، وقوله: أو قيضنا لهم قرناء أي سخرنا وهيأنا لهم قرناء من الشياطين مسلطين عليهم غالبين عليهم، وقوله: نهزهم وتغريهم تفسير للأز والهز والأز والاستفزاز متقاربة المعاني، وقوله: والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ يعني أن في النظم المذكور من قوله: ويقول الإنسان أئذا ما مت إلى هنا ذكر أمور عجيبة تقتضي تعجبه منها وهذا كالتذييل لما قبله كما بينه شراح الكشاف وأشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: بأن يهلكوا أي بطلب هلاكهم، وفي قوله: وتطهر الأرض مت فسادهم مكنية وتخييلية والأجل في قوله أيام آجالهم بمعنى العمر لأنه يطلق عليه كما يطلق على نهايته وقوله: إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة، يعني أن العد كناية عن القلة كما مر تحقيقه في قوله: دراهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 معدودة، وقلته لتقضيه وفنائه كما قال المأمون: ما كان ذا عدد ... ليس له مدد ... فما أسرع ما نفسد ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة أي يطول لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم وهو قليل باعتبار عاقبته وعند الله، ولله در القائل: إن الحبيب من الأحباب مختلس لايمنع الموت بؤاب ولا حرس ... وكيف يفرح بالدنيا ولذتها فتى يعد عليه اللفظ والنفس ... قوله: (ولعله (أي اختيار اسم الرحمن وتكرار التعبير به في هذه السورة الكريمة كما تراه أي لأنه ذكر فيها نعم جسام والرحمن بمعنى المنعم فكأنه قيل: نحشر المتقين إلى ربهم الذي شملهم رحمته ورأفته قال الطيبي: وفي التقابل بين الوفد والرحمن وبين الورد وجهنم إعلام بتبجيل الوافد وظفره بجلائل النعم وأعظم بوافد على رب رحمن كريم وإشعار بإهانة الوارد وتهكم كما في عتابه السيف وكفى بعطش يكون ورده أعظم النيران، وقوله: وافدين إشارة إلى أنه حال، وأصل الوفود القدوم على العظماء للعطايا والاسترفاد ففيه إشارة إلى تبجيلهم وتعظيمهم المزور والزائر، وقوله: كما تساق البهائم ففيه إشارة إلى تحقيرهم وإهانتهم، وقوله: عطاشا فالورد مجاز عنه لأنه لازمه، كما بينه وعلى ما بعده فالمراد مجرد سوقهم بقطع النظر عن العطش فهو تشبيه والورد الذهاب إلى الماء، ويطلق على الذاهبين إليه، وقوله: المدلول عليها وفي نسخة عليه والتذكير لتأويله بالذي دل عليه وهو سهل، والقسمان هم المتقون والمجرمون المقسم إليهما فجعل عبارة عن جميعهم بقرينة الحشر ويوم القيامة، فإنه يشمل الجميع ولذا قال: وهو الناصب الخ قيل: ولم يجعل الضمير للمتقين والمجرمين المذكورين لأن المجرم لا يشفع ولا يشفع له عند المعتزلة ولا للمتقين لتفكيك النظم ففي كلام المصنف شيء يمكن دفعه. قوله: (الا من تحلى (أي اتصف وقوله: من الإيمان الخ بيان لما ووعد الله هر ما نطقت به الآيات والأحاديث الناطقة بأنه أكرم صلحاء المؤمنين بإذنه لهم في الشفاعة لغيرهم فالمراد بالعهد الإيمان والعمل الصالح تشبيها له به، وقوله: على ما وعد الله حال أي جاربا على مقتضى وعده وقيل: متعلق بيستعذ، وقوله: إلا من اتخذ الخ فالمراد بالعهد الإذن والأمر، قيل: وفي لفظ الاتخاذ إباء عنه لأن المأمور لا يقال له اتخذ الأمر وإن أول بأنه بمعنى قبل وفيه نظر لأن الأمر إذن وكما يقال: أخذت الإذن في كذا يقال: اتخذته فلا محذور فيه. قوله: (ومحله (أي من الموصول الخ قال المعرب: الضميران عاد على المتقين أو العباد أو الفريقين فالاستثناء متصل ومحله إفا رفع ... أو نصب على وجهي الاستثناء، دمان عاد على المجرمين فقط كان منقطعا لازم النصب عند الحجازيين جائزا نصبه وإبداله عند تميم، فإن كان مستثنى ممن الشفاعة بتقدير مضاف وهو شفاعة فهو متصل جاز فيه اللغتان أيضا وقيل: المستئنى منه محذوف والتقدير لا يملكون الشفاعة لأحد إلا لمن اتخذ الخ وقال ابن عطية: الاستثناء متصل دران كان الضمير للمجرمين لشمولهم للكفرة والعصاة، ولا يرد عليه شيء كما قيل والمصنف رحمه الله بعد اختيار عموم الضمير جوز فيه لأنه متصل الرفع على البدلية والنصب على الاستثناء إذا استثنى من الضمير وجوز فيه الاستثناء من الشفاعة وهو حينئذ متعين النصب فذكر ثلاثة وجوه وترك الباقي، وقوله: على تقدير مضاف أي دياقامة المضاف إليه مقامه، وعلى الاستثناء معطوف عليه. قوله: (أي الا شفاعة الخ (والمصدر مضاف لفاعله أو مفعوله أي لا يملك العباد الشفاعة لغيرهم إلا شفاعة من اتخذ الخ ولا تجوز في إسناد ما يصدر من البعض للكل هنا ويحتمل أن المراد شفاعة كيرهم لهم على أنه مصدر المبنيئ للمفعول أي ليس لهم مشفوعية من غيرهم إلا مشفوعية من اتخذ لخ. قوله: (وقيل الضمير للمجرمين الخ (هذا أحد الوجوه السابقة والمراد بالمجرمين ما يشمل العصاة من المؤمنين كما مر والشفاعة شفاعة غيرهم فيهم، وقوله: يحتمل الوجهين أي العود على العباد أو المجرمين، وقوله: لأن الخ تعليل لكونه للعباد إذ الثاني لا يحتاج لتوجيه وفي الوجه الأول أنه لا نكتة في نسبة ما صدر من الكفار إلى الجميع مع أنهم لم يرضوه فتأئله، والالتفات من الغيبة للخطاب، والتسجيل بذكره في مقابلة من لا ينكر والجراءة في نسبة الولد إليه، والمفتوح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 والمكسور بمعنى وقيل: المفتوح مصدر والمكسور اسم. قوله: (يتشققن مرة بعد أخرى (لأنه من الفطر وهو الشق، وقال الراغب: الشق طولا، والتفعل يدل على التكثير في الفعل أو في الفاعل أو المفعول، وقوله: مرة بعد أخرى إشارة إلى أن التكثير في المفعول، لأنها لكونها طبقات يتصؤر وقوع الانفطارات مرتبا ترتبا حقيقيا أو رتبيا كما في غلقت الأبواب يقع في الذهن غلق البراني قبل الجؤاني! ان كان ذلك قد يقع دفعة واحدة فلا يرد ما قيل إن المناسب لعظم هذه الكلمة أن يقال: يتشققن شقوقآكثيرة بمزة واحدة من هولها، ثم توافق القرا آت يقتضي الحمل على تكثير المفعول لا الفعل ولذا اختير الانفعال في تنشق الأرض إذ لا كثرة في المفعول ولذا أول ومن الأرض مثلهت بالأقاليم ونحوه كما سيأتي، وقوله: فعل أي المشدد العين وهو دال على المبالغة أي والمطاوع أثره فيكون فيه مبالغة أيضا، وقوله: مطاوع فعل أي المخفف العين، وقوله: ولأن أصل التفعل للتكلف كتحلم وهو يقتضي التعمل والمبالغة فيما يتكلفه لأنه على خلاف مقتضى الطبع فمجرد للمبالغة ولذا وصف الله تعالى بالمتوحد والمتفرد كما حققوه. قوله: (تهذ هذا ( الهد الهدم وأشار بهذا إلى أنه مفعول مطلق لتهذ مقدرا أو لتخز لأنه بمعناه، وقوله: أو مهدودة إشارة إلى أنه حال مؤؤل باسم المفعول من هذ المتعذي، وقوله: أو لأنها الخ إشارة إلى أنه مفعول له من هذ الحائط اللازم بمعنى انهدم لأنه يرد لازما أيضا وهو هذ يهذ بالكسر بمعنى سقط أثبته المعرب تبعا لشيخه أبي حيان وهو إمام اللغة والنحو فلا عبرة بمن أنكره وهو بمعنى المجهول فلذا فسره به لأن كسر العود بمعنى انكسر أي هو إشارة إلى أنه إذا هذ حصل له الهذ فصح أن يكون مفعولأله أو هو مصدر مجهول فيكون فعل الفاعل الفعل المعلل كما في بعض شروح الكشاف، وتهذ في قوله: تهذ هذا مجهول هذ المتعذي أو معلوم اللازم والمشهور الأول وقول المصنف رحمه الله: مهدودة دون هاذة لأنه الأكثر، وقوله: أو مهدودة إشارة إلى الحالية كما مر بتأويله بالوصف، ويصح فيه بتقدير المضاف أي ذات هذ، وقوله: أو لأنها الخ تقدم بيانه وأما إسناده إلى الجبال على معنى أنها تهذ نفسها من هول هذه الكلمة فتكلف دمان ادعى أنه أنسب بالمقام، وقوله: وهو تقرير الخ أي قوله: تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض الخ لكونه دالا على أنه منكر عجيب صدوره منهم إلا أنه لكونه أبلغ عطف عليه لاذعاء التغاير. قوله: (والمعنى أن هول هذه الكلمة الخ (ذكر الزمخشري في تفسيره وجهين كما ذكره المصنف أيضا أحدهما أن المعنى كدت أن أفعل هذا غضبا على من تفؤه بهذه الكلمة لولا حلمي كقوله: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده أنه كان حليما غفورا، والثاني أنه استعظام لهذه الكلمة وتهويل لفظاعتها وتصوير لأثر! في الدين وهدمها لأركانه وقواعده وإن مثل ذلك لو أصاب هذه الإجرام العظيمة التي هي قوام العالم تهذمت وخربت فعلى الأول ليس خراب العالم المجرد هذه الكلمة بل هو كناية عن غضب الله على قائلها، وأنه لولا حلمه لوقع ذلك وهلك القائل وغيره، كما في قوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [سورة الأنفال، الآية: 125] فلا يرد عليه آية {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ، [سورة الأنعام، الآية: 164] ، كما قيل، وعلى الثاني هو تمثيل لفظاعة هذه الكلمة بأخذ الزبدة والنظر إلى المجموع كقوله: والأرض جميعا قبضته كما قرر في محله وهو من المبالغة المقبولة، كقوله: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وقيل إنما خلقت هذه الإجرام والموجودات لتدل على وجود ذاته وصفاته وعلى تنزهه عن الضد والنذ والتوالد فمن اعتقد خلافه أبطل دلالته فكأنه أبطل وجودها واستجاز عدمها بهذها وتخريبها لنفي دلالتها كما قيل: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ... فهو استعارة واعترض عليه بأن الموجودات إنما تدل على خالق قادر عالم حكيم لدلالة الأثر على المؤثر والقدرة على المقدور واتقان العمل يدل على العلم والحكمة وأما دلالتها على الوحدانية فلا وجه له ولا يثبت مثله بالشعر والجواب عنه أنها دلت على عظم شأنه وأنه لا يشابهه ولا يدانيه شيء فلزم أن لا يكون له شريك ولا ولد لأنه لو كان كذلك لكان نظيرا له ولذا عبر عن هذه الدلالة بالتسبيح والتنزيه فتأمل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 قوله: (يحتمل النصب على العلة لتكاد الخ (لأنه علة للسقوط والخرور فيكون علة لقربه أيضا وقد جوز فيه أن يكون علة لفوله: تخز وهذا فيكون قد علل الخرور بالهذ والهذ بدعاء الولد، وقد قيل: عليه إنه قد علل الخرور للهذ بدعاء الولد قبل بقوله: منه لأن من للتعليل فيفيد أن الانفطار والخرور للهذ من أجل هذه الكلمة وهي قولهم: اتخذ الرحمن ولدا فلا وجه للتعليل به ثانيا، والفاضل المحشي ذكر هذا من عنده فاصطاد من المقلاة، ولا يخفى أن المصنف لم يذع أنه جار على الوجهين، وهو على الأول غير مكزر لأن سببيته لانهدامها ثقله كما في المحسوسات والإجرام الثقيلة التي لا يتحملها البناء القوي والسببية هنا بوجه آخر كإهلاكهم والغضب عليهم بسببه مع أق التمثيل يدفع التكرار فتأئل، ثم إنه قيل عليه إن شرط النصب مففود هنا، وهو اتحاد الفاعل والمفعولط له ورد بأنه على إسقاط الجاز وهو مطرد مع أن وأن ولذا قال المصنف رحمه الله على حذف اللام الخ، والنصب بعد حذف الجار من مثله مذهب سيبويه رحمه الله، وقوله: والجز الخ معطوف على النصب وهو مذهب الخليل والكسائيئ وأيد الأول بأن حرف الجز ضعيف لا يعمل محذوفا ومثله شاذ كقوله: أشارت كليب باكف الأصابع وتفصيله في كتب العربية. قوله: (أو بالإبدال من الهاء الخ (قيل هو ضعيف للفصل بينهما، وقوله: والرفع الخ أورد عليه التكرار الماز وقد عرفت جوابه، وقوله: أو فاعل هذا أي هذها إشارة إلى أنه يقدر مصدرا مبنيا للفاعل لا مبنيا للمفعول كما مر فإنه لا فاعل له ولا تسامح في كلامه كما قيل والمصدر يعمل إن لم يكن أمرا كضربا زيدا أو بعد استفهام نحو أضربا زيدا إذا لم يكن مؤكدا كقوله: وقوفا بها صحبي عليئ مطيهم ! ان كان نادرا فلا وجه للاعتراض عليه. قوله: (وهو من دعا بمعنى سمي (وهو يتعدى لمفعولين بنفسه وقد يتعدى للثاني بالباء، كسمي فحذف المفعول الأول للدلالة على العموم والإحاطة، أو هو متعد لواحد من دعا بعني نسب ومنه الدقي وادعى في النسب بمعنى انتسب. قوله: (ولا يليق به أثخاذ الولد الخ (ينبغي مضارع أنبقى مطاوع بغي بمعنى طلب ولذا فسره المصنف رحمه الله بقوله: ولا ينطلب الخ وأن يتخذ فاعله وعد ابن مالك رحمه الله ينبغي في الأفعال التي لا تتصزف ورد بأنه سمع فيه الماضي قالوا: انبغي ودفع بأن مراده أنه لا يتصزف تصرفا تاما كغيره، وقوله: ولا ينطلب انفعال من الطلب أي لا يحصل، وقوله: لو طلب قيل إنه مجهول وسيأتي ما فيه، وقوله: لأنه مستحيل الضمير لاتخاذ الولد وهو مستحيل في حقه تعالى أما الولادة فظاهر، وأما التبني فلأنه لا يجانسه شيء وأورد عليه بعدما فسر ينبغي بيتأتي أن المحال قد يستلزم المحال فيجوز أن يتطلب على تقدير تحقق الطلب المحال فبالتعليل المذكور لا يتم التقرير ورد بأنه ظن لفظ طلب معلوما إذ المحال طلب نفسه لا طلب غيره كما أثبته الكفرة ولو سلم فإيراده مع لا يضر لأن فيه تسليم المطلوب وهو استحالة الولد واستحالة طلبه وهو تطويل بلا طائل. قوله: (ولعل ترتيب الحكم الخ (الحكم هو عدم الانبغاء المعلق بالمشتق المقتضي لأن مبدأ اشتقاقه علة له، فهو مترتب عليه كما مر تقريره وهذا مبني على اختصاص هذا الاسم به كما صرح به في الكشاف، وقوله: صرح به أي بما ذكر وهو أن ما عداه كذلك لكونه عبدا منعما عليه، وقوله: ما منهم أي أق أن نافية، ومن هنا موصولة أو موصوفة دمان قصره على الثانية في الكشاف، وقوله: على الأصل أي بالتنوين ونصب المفعول وفيه دليل على أن الوالد لا يملك ولده، وأنه يعتق عليه إذا ملكه وقوله: يأوي الخ إشارة إلى أن الإتيان معنوفي يراد به الذهاب بالانقياد والتسليم، وحوزة بمعنى الحيازة والجمع وقبضة تدرته تخييلية ومكنية. قوله: (منفردا عن الإثباع والأنصار (يعني أنه حال من فاعل آتيه المستتر فيه أي ينفرد العابدون عن الآلهة التي زعموا أنها أنصار أو شفعاء والمعبودون عن الاتباع الذين عبدوهم والتفرقة تقتضي عدم النفع ومن لا ي! نفع لا يفيد فكيف يشابه من بيده الضر والنفع ففي هذا إشارة إلى الاستدلال به على ما قبله كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وعن النبئ يك! الخ (حديث متفق عليه رواه أبو هريرة رضي الله عنه وهو مؤيد لتفسيره المذكور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 والمقت البغض! ، وقوله: إذا دجا الإسلام أي قوي وكثر وهو بعد الهجرة وهو من قولهم: ثوب داج أي سابغ مغط للجسد كله فأسلم أكثر الكفرة والمنافقين وألف الله بين قلرب المؤمنين، وفي نسخة إذا جاء الإسلام وهو تحريف من الناسخ، وقيل: إنه بدال وحاء مهملتين بمعنى بسط أو هو في يوم القيامة أو في الجنة إذ يكونون إخوانا على سرر متقابلين والكفار يلعن بعضهم بعضا كما صرح به في غير هذه الآية، وقوله: بلغتك فاللسان بمعنى اللغة وهو مجاز مشهور ونزل كذلك ليتيسر له ولقومه فهمه وحفظه وتبليغه، وقوله: أو على أصله يعني للإلصاق وضمنه معنى أنزل مبينا ميسرا على أحد الطريقين فيه لأنه يتعدى بالباء، وقوله: الصائرين إلى التقوي فهو من مجاز الأول ولو أبقاه على ظاهره صح ولذا جمع ألذ كأحمر وحمر وهو الشديد الخصومة كما بينه المصنف رحمه الله، وقوله: آخذين الخ إشارة إلى أنه من اللديد وهو الجانب ومنه اللدود وهو دواء يجعل في أحد جانبي الفم، وقوله: فبشر الخ معلوم من فحوى الكلام لأنه إذا أنزله الله لذلك فقد أمره به، ووجه التجسير أنهم مهلكون بالفتح لا مهلكون بالكسر. قوله: (وأصل التركيب هو الخفاء (يعني معانيه كلها تدور عليه ولو قلبت حروفه وهذا دأب أهل اللغة في مثله قيل وإنما خص الصوت الخفي لأنه الأصل الأكثر ولأن الأثر الخفيئ إذا زال فزوال غيره بطريق الأولى، وقيل: المعنى لا تسمع لهم ركز الغاية ضعفهم فضلا عن الجهر. قوله: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو موضوع ووجه التكثير وتعديد حسناته بمن ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لذكرهم في هذه السورة كما أشار إليه وذكر الدعاء لوقوعه فيها ولوقوعه في مقابلة من دعا غير الله، تمت السورة بحمد الله وعونه والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، وآله وصحبه أجمعين. سووة طه بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (سورة طه (قيل اتفاق أشمصاحن! على ذكر سورة هنا يمنع احتمال كون طه اسم السورة لأنه يكون كإنسان زيد، وقد حكموا بقبحه وليس كذلك لأنه قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا قال الليثي: ولا فارق إلا الذوق وقد قلنا بالفرق إذ هي تحسن حيث يكون في ذكر العام فائدة ولو الإيضاح، ومنه مدينة بغداد وما نحن فيه ويقبح في خلافه لأنه لغو ولا يقصد به التأكيد لأن الإضافة مبنية على التغاير فتغاير مقام التأكيد كما لا يخفى ألا ترى أنه وقع في القرآن بهيمة الأن! ام لأن الأنعام قد يخص، لإبل بذكر بهيمة يفيد أنها عامة هنا، فاحفظه فإنه فرق لطيف، وقرله: مكية في الإتقان إلا آيتين منها وهما فاصبر على ما يقولون الخ، ولا تمذدق عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم فما ذكره باعتبار اكثر منها. قوله: (وهي مائة الخ (قال الداني رحمه الله: هب مائة وثلاثون واثنان في البصرى وأربع مدنيئ ومكيئ وخمس كوفيئ وأربعون شاميئ. قوله: (فحمها تالون وابن كثير الخ (التفخيم ضد الإمالة هنا ويكون مقابل الترقيق أيضا وليس بمراد هنا وفي نسخة فتحها والفتح يراد به عدم الإمالة أيضا في اصطلاح القراء، وما ذكر عن قالون هو الرواية المشهورة وعنه فتح الطاء وامالة الهاء بين بين وقد سقط ذكر قالون في بعض النسخ كما سقط منها ورش وله وجهان فيها، أحدهما المذكور والآخر فتح الطاء دىامالة الهاء بين بين والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل، ومن أمال قصد التجانس وحروف الاستعلاء الصادر والطاء والخاء والقاف والغين والضاد والظاء، والباقون من القراء السبعة حمزة والكسائيئ وأبو بكر. وقل:) وفخم الطاء وحده (يعلم منه أن قوله: فحمها قبله بمعنى فحم الكلمة ومجموع الحرفين فلا وجه لما قيل صوابه فحمهما كما في الكشاف. قوله: (وقيل معناه يا رجل على لنة عك (بفتح العين وتشديد الكاف وهو ابن عدنان أخو معد سمي باسمه أولاده وقبيلته وهم سكنوا اليمن، وقيل: إنها لغة عكل وهي قبيلة معروفة، وقيل: معناه يا محمد بالحبشية وقيا! : لغة قريش، وقيل: هي نبطية وهو مروفي عن السلف كما في شرح البخاري، وقوله: بالقلب أي قلب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 الباء طاء والاختصار حذف ذا، والبيت الذي استشهدوا به غير معلوم قائله ولذا شكك في صحة 11 لغة مع احتماله التأويل المذكور، والسفاهة كالسفه الحقد والخلائق جمع خليقة وهي الطبيعة ولا قدس الله جملة دعائية أي لا طهرها ولا زكاها، والملاعين جمع ملعون وقد رد أبو حيان ما خزجه عليه بأنه لا نظير له ولم يقل به أحد من النحاة. قوله: (والاستشهاد اللخ (أي أن السفاهة يا هؤلاء في طبائعكم لا يطهرها الله فإنكم ملاعين وفي الكشاف أنه مصنوع لا شاهد فيه مع بعده، واحتماله لغير ما ذكر. قوله: إ أن يكون قسما (أي بالحروت المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلاي "، كقوله: حم لا ينصرون وهو حديث رواه النسائيئ عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب أنه قال إذا بيتكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون أي إذا هجم عليكم العدو ليلا وخفتم أن لا يعرف بعضكم بعضا فيقتله، فليكن التلفظ بهذا اللفظ علامة فيما بينكم يعرف بها المسلم دون غيره، وهذا معروف الآن في العساكر إذ يجعل لكل طائفة لفظة ينادون بها، إذا ضلوا ونحوه، والتشبيه به في القسمية على وجه فيه، وليس في سياق الحديث دليل عليه، وقيل: إنه منصوب بفعل مضمر أي قولوا حم وقوله: لا ينصرون مستأنف في جواب ماذا يكون، وهذا أنسب بأوله ويشهد له قوله: يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم عند التقدم ... قوله: (وقرئ طه (أي بفتح الطاء وسكون الهاء كبل وهي قراءة عكرمة وورش والحسن وكونه أمرا سيأتي بيانه، وقيل: هو بمعنى يا رجل أيضا، وقوله: فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه الخ هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما!! اذكره البزار وغيره في سبب نزول هذه الآية وفي ألفاظهم اختلاف فروي أنه لما نزل {يا أيها المزمل قم الليل} [سورة المزمل، الآية: 2] ، كان يقوم حتى توزمت قدماه فكان يبذل الاعتماد على إحدى رجليه، وقيل: كان يقوم على صدور قدميه، وقيل: إنه قام على رجل واحدة فنزلت، وقوله: فقلبت همزته هاء كما قالوا: في أرقت ولأنك هرقت ولهنك ونحوه، وقوله: أو قلبت أي الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما قالوا في سأل سال وفي هناك هناك فحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر كارم وق، وقوله: بني عليه الأمر أي بني على المضارع وأجرى مجراه بجعل آخره ألفا لأنه مأخوذ منه على المشهور فالهاء أصلية. قوله: الا هناك المرتع (هو دعاء عليه أي لا هناك الله بمحل أنت ترتع فيه، وأصله مهموز فأبدلت همزته ألفا وهو مطرد في الساكنة ويكون لازما، وغير لازم ونادر في المتحزكة ولذا أتى بدليله، وهو من شعر للفرزدق يهجو به عمرو ابن هبيرة الفزاري وقد ولى العواق بدل عبد الملك بن بثر بن مروان وكان على البصرة وعمرو ابن محمد بن الوليد بن عقبة وكان على الكوفة، وأوله: نزع ابن بشر وابن عمرو قبله وأخو هراة! لها يتو! ح ... راحت بمسلمة البغال عشية فارعى فزارة لا هناك المرتع ... وأخو هراة أي صاحبها وحاكمها وهو سعد بن عمرو بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، ومسلمة هو ابن عبد الملك وكان على المغرب وهؤلاء ممدوحو الفرزدق بذلوا وعزلوا، وفزارة منادى حذف منه حرف النداء أي يا فزارة وهم حيئ من غطفان وليس خطاب أرعى لناقته أي اقصدي بني فزارة ومرعاها كما قيل وضتم هاء السكت للأمر إذا كان على حرف واحد خطأ ووقفا لازم ولا تثبت لفظا في الوصل لكنه أجرى هنا مجرى الوقف كما ذكره المعرب. قوله: (وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل طه (أي على تقدير ما روي وتسليمه من أنه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يط الأرض بقدميه فالقراءة المشهورة يحتمل أن أصلها ما ذكروها حينئذ ضمير مؤنث عائد على الأرض، وهو معنى قوله: كناية الأرض لأن الضمير تسميه النحاة كناية كما فصله الرضي، واعترض عليه بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان وكتابته في الرسم على خلافه، ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليست هذه الألف في اسم ولا وسطا كما في الحرث ونحوه لا سيما وفي حذفها لبس، كما فصل في باب الخط من التسهيل فلا وجه لما قيل من أنه لا يرد الرذ، لأن الرسم على حذف الألفات الواقعة في الوسط، وقوله: وكذا التفسير بيا رجل أي يرد عليه ما ذكر وقد علمت ما أورد عليه ودفعه. قوله: (أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما (معطوف على قوله: والألف مبدلة أو أو بمعنى إلا والفعل بعدها منصوب أي يرد هذا إلا أن يقال الخ وهو توجيه للمشهورة على أق أصلها طأها بما لا يرد عليه ما أورد أولا وهو أن يكتفي من طا بطاء متحزكة ومن ها الضمير بهاء ثم يعبر عنهما باسمهما فها ليست ضميرأبل هي كالقاف في قرله: قلت لها قفي قالت قاف وهذا تفسير كلامه بما يندفع عنه الأوهام، وكتابة أسماء حروف التهجي بصورة مسماها مخصوص بها كما مر وفيه نظر لأنه لا يدفع الإيراد إذ لو كان كذلك لانفصل الحرفان في الخط هكذا طه فإن رجع إلى أق خط المصحف لا ينقاس لم يكن لنا حاجة إلى هذا الكلام برفته ومن هذا علم وجه آخر لقراءة الحسن السابقة. قوله: (خبر طه الخ (ظاهر قوله: مؤؤل أنه حروف مقطعة مؤؤلة بالمتحذي به من جنس هذه الحروف لا علم وضع ابتداء لها، هاذا كان خبرا على الوجهين ولا بد له من عائد فقد أقيم فيه الظاهر مقامه للربط لنكتة وهي أن القرآن رحمة يرتاح لها، فكيف يكون نازلا لتشفي والقرآن حينئذ إن كان خاصا بهذه السورة على أن تعريفه عهدقي حضورقي فظاهر إن كان عما فالربط به لشموله للمبتدأ كما في قوله: نعم الرجل زيد فهو جاره على الوجهين، وقوله: ومنادى له أي لأجل أن يذكر له والجملة مستأنفة أيضا لكنها مرتبطة بما قبلها. قوله: (واستئناف ان كانت (أي لفظة طه جملة فعلية على أنها أمر كما مر وهو استئناف نحوفي أو بياني أي لم أطؤها وكذا إذا نصب بمقدر وهو اتل أو جعل مبتدأ محذوف الخبر كما إذا كان خبرا لكن الاستئناف عليه نحوفي فهو في كلامه عائم لهما، وقوله: أو طائفة أي غير مؤؤلة بما مز. قوله: التتعب بفرط تأسفك (أي لتستمر على التعب أو لتتعب بعد نزوله وذكر فيه ثلاثة وجوه لأن الشقاء بمعناه المعروف وهو ضد السعادة لا يليق بمقامه عتيم فإذا كان بمعنى التعب فهو إقا لأمر روحاني كحزنه أو جسماني كرياضته ومجاهدته، وقوله: على ساق هو بالمهملة في أكثر النسخ وفي بعضها بالمعجمة أي المداومة على أمر شاق والأولى أولى. قوله: (والشقاء الخ (كقوله: ذوالعقل يشقى في النعيم بعقله وأخوالجهالة بالشقاءينعم ... وقوله: أشقى من رائض المهر بضم الميم وسكون الهاء الصغير من الخيل، وروى أتعب قال الميداني وهذا كقولهم: لا يعدم الشقيئ مهرا يعني أن رياضة المهارة أي تعليم صغار الخيل شقاوة لما فيها من التعب وقوله: ولعله عدل إليه أي لم يقل لتتعب، والأشعار بطريق الإيهام لأنه نفى عنه الشقاء بمعنى التعب وأوهم نفيه بمعناه المعروف لتبادره منه فيفيد ثبوت ضده، وقوله: وقيل عطف على قوله: والمعنى الخ فهو مشاكلة، وهو في كلام الكفرة يحتمل معناه الحقيقي وهذا هو الوجه الثالث. قوله: الكن تذكيرا (إشارة إلى انقطاعه، وقوله: بدلا من محل لتشقي لأنه في محل نصب، وقوله: لاختلاف الجنسين لأن الاستثناء من غير الموجب يجوز فيه الإبدال لكنه إذا كان متصلا بأن يكون من جنسه وهو رد على الزجاج في تجويزه البدلية فيه بأنه ليس بعضا منه ولا كلأ، وقيل: عليه إن التذكرة تشتمل على التعب فلم لا يجوز أن يكون بدل اشتمال منه وليس كل بدل من جنس المبدل منه ألا ترى قولهم: سلب زيد ثوبه وأيضا لك أن تعتبر التذكرة من جنس الشقاء لاشتمالها عليه فكأنها متحدة معه فتجوز البدلية، وهذا من قلة التدبر فإن اتباع الاستثناء لما قبله كما صرحوا به إنما هو في المتصل بطريق البدلية البعضية، وقيل: إنها بدل كل من كل ولم يقل أحد إنه يكون بدل اشتمال وتقدير الدخول فيه لا يجعله متصلا فهذا كله من ضيق العطن فتدبر، وليس المراد باختلاف الجنسين جنسي الإعراب لأن أحدهما لفظي والآخر محليئ كما توهمه أبو حيان فرد على الزمخشري فيه وما ذكره الشيخان هو ما ذهب إليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 أبو عليئ الفارسي نعم قيل إنه يصح فيه البدلية من القرآن. قوله: (ولا مفعولا له لأنزلنا الخ (هو رد على الكشاف تبع فيه أبا البقاء حيث جوز فيه أن يكون مفعولا له وقال: كل واحد من لتشقى وتذكرة علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل النهعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط، وما علل به الرد ليس بشيء لأنه يجوز أن يعلل الفعل بعلتين، وإنما الرد عليه بأنه لا يعمل عامل واحد في معمولين من جنس الفضلات بدون عطف أو بدلية، كما قيل ولك أن تقول أنه مراده وليس في كلامه ما يأباه ويدفع بما في الكشف من أن المعنى ما أنزلناه عليك لتحتمل مشاقه ومتاعبه إلا ليكون تذكرة، وحاصلة أنه نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا ويرجع المعنى إلى ما أذبتك بالضرب إلا للإشفاق، كذلك المعنى هنا ما أشقيناك بإنزال القرآن، إلا للتذكرة أو إلا حال كونه مذكرا، وما يتوهم أن قوله: لتشقى على هذا ظرف مستقر أي ما أنزلنا القرآن الكائن لشقائك وتعبك إلا للتذكرة مضمحل بما مثلناه، وحاصله حسبك ما حملته من متاعب التبليغ ولا تنهك بدنك ففي ذلك بلاغ اهـ. والحاصل أنه يجوز تعدد العلة بدون عطف وإبدال إذا اختلفت جهة العمل فيهما كما هنا فإن أحدهما جار ومجرور والآخر مفعول له وإن اقتضى كلاها المعرب خلافه فإنه غير مسلم، كما اقتضاه كلامهم في غير هذا المحل، وفي كلام الزمخشري هنا إشارة إليه حيث جعله مفعولا صريحا لا على إسقاط اللام، هاذا اتحدت وكانت إحداهما علة للفعل والأخرى علة له بعد تعليله فيكون تعليلا لمجموعهما نحو أكرمته لكونه غريبا لرجاء الثواب فإن الغريب إكرامه لغربته ورجاء الثواب علة لإكرام الغريب، أو لكون العلة الثانية علة للعلة الأولى نحو لا يعذب الله التائب لمغفرته له لإسلامه إذا تعلقا بالفعل المنفيئ إذ لا يلزم تعلقه بالمغفرة وإن صح فالأولى علة لعدم العذاب والثانية للمغفرة وهما يرجعان إلى تغاير المتعلق تقديرا بالإطلاق والتقييد على القاعدة السابقة في أكلت من بستانك من عنبه، وهذا مراد المدقق فاحفظه فإنه نفيس، وأما ما قيل من أنه ما المانع من جواز تعديته إلى أحدهما باعتبار النفي وإلى الآخر باعتبار الإثبات وقد جوز تعلق الحرفين المتماثلين بأفعل التفضيل باعتبارين ثم لا يجوز أن يكون التعليل الثاني للعلة الأولى لا لنفس الفعل المعلل بأن يكون الفعل المعلل بالشقاء معللا بالتذكرة بطريق الحصر بالنفي والاستثناء، والأولى أن يعلك بفقدان المستثنى منه على هذا الاحتمال إذ لا مجال للتفريغ لمكان لتشقى حتى يندفع الإيراد الأول، فلا وجه له لأنه إذا كان مفعرلا له لا يكون منصوبا على الاستثناء لأنه قسيم له فلا بد أن يكون مفرغا على أن الإنزال تعلق بعلتين إحداهما مثبتة والأخرى عامة منفية استثنى منها أخرى مثبتة وهما الشقاء والتعب وغيره من العلل أي ما أنزلنا عليك القرآن لتحمل مشاق التكليف وتتعب بها لعلة من العلل إلا لهذه العلة أو في حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وما قيل إنه لا شقاء فيه وإن هذا ينافي قوله: فلا يكن في صدرك حرج منه فليس بشيء ألا ترى قوله تعالى: {سنلقي عليك قولآثقيلا} [سورة المزمل، الآية: 5] ، والفرق بين المقامين ظاهر، فتأمل. قوله: (وقيل هو مصدر في موقع الحال (فالاستثناء مفرغ والمصدر مؤؤل بالصفة أو قصد به المبالغة ولقلة وقوع المصدر حالا مزضه، وقوله: متعلق بمحذوف لدفع ما مر من تعذي الفعل الواحد لعلتين وقد دفعه المعرب بوجه آخر ادعى أنه المقصود في الكشاف وهو أنه معمول لتشقى أي لا تتعب لشيء إلا لكونه تذكرة وما ذكره المصنف رحمه الله من أن الظرف مستقر لم يرتضه في الكشف مع أق فيه تقدير متعلقه معرفة، وهو غير معروف وحذف الموصول مع بعض صلته وقد أباه بعض النحاة وكون أل حرف تعريف خلاف الظاهر، وقيل: إنه لو جعل حالالم يلزم شيء من ذلك وفيه نظر. تنبيه: قال الشاطبي: الفعل لا ينصب مصدرين، ولذا قالوا في قول سيبويه رحمه الله: أعلم الله زيدا العلم البين إعلاما إن العلم انتصب بإضمار فعل لا بأعلم لأن الفعل لا يعمل في مصدرين ولا ظرفي زمان ولا ظرفي مكان ولا حالين، ولا تمييزين فإن جاء ما يوهمه حمل على البدل أو إضمار فعل وأجاز ابن الطراوة عمله في مصدرين أحدهما مؤكد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 والآخر مبين ورد بأن الفعل إنما يطلب المؤكد وإذا عمل في المبين فقد عمل في المؤكد لأنه بعض ما يعطيه وزيادة فلا يعمل في المبين إلا عند عدم المؤكد أو يؤتى به وأنا نحو دكا دكا فليس منه. قوله: (فإنه المنتفع به (ذكره لأن القرآن تذكير للخاشي وغيره فأشار إلى أن التخصيص به على الوجهين لتنزيل غيره منزلة العدم والجار والمجرور متعلق بتذكرة أو صفة له وليس فيه إشارة إلى أن اللام للعاقبة، كما قيل: بناء على أن يخشى بمعنى يؤول أمره إلى الخشية كما في هدى للمتقين وكذا ليس المراد من شأنه الخشية فإنه لا يلائم كلامه. قوله: (بإضمار فعله (فهو مفعول مطلق أي نزله تنزيلآ، وقوله: أو بيخشى، والمعنى إلا تذكرة لمن يخشى المنزل الذي هو من قادر قاهر فإن من لم يخش غير مؤمن، فيقدم على الارتياب والتكذيب والنصب على المدح بتقدير أعني والبدل بدل اشتمال، وقوله: أو معنى يعني إذا كان استثناء منقطعا فإنه يفيد التعليل. قوله: الأن الشيء لا يعلل بنفسه (إن كان التنزيل والإنزال، بمعنى بحسب الوضع ولا بنوعه إن كان الإنزال عاما والتنزيل بالتدريجي فإن البدل هو المقصود فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وعلى الحالية فهي حال مؤكدة لا موطئة كما في بعض شروح الكشاف وان وجه بأن مراد قائله أنها كالموطئة لأنه لو اكتفى بقوله: ممن خلق الخ كفى. قوله: (مع ما بعده (خبر مبتدأ محذوف أي هذا مع ما بعده، والتفخيم لشأن المنزل وهو الله جل وعلا أي تعظيمه بذكر مخلوقاته العظيمة ولذا وصف السموات بالعلى وقوله: بعرض الظاهر أنه بضم فسكون بمعنى التعريض به على طريق الكناية كما في بعض الحواشي والباء فيه للمصاحبة أو السببية ومن فسره بإظهار تعظيمه جعله بفتح العين وسكون الراء والظاهر الأول، وقوله: الذي هو عند العقل لأنه يدرك أفعاله أولا ثم يستدل بها على سائر صفاته ولذا قدم الخلق وثنى بالرحمة التي تنال الموجودات قبل كل شيء لأن الخلق منها وليس الترتيب بحسب الوجود فإنه بعكسه ولذا قدم الأرض كما أشار إليه والعليا بضم العين والقصر كالكبرى وقوله: بأن قصد الخ إن كان المعنى بأن ذكر قصده لذلك فهو متعلق بأشار هالا فهو خبر مبتدأ محدوف أي وهو بأن قصد الخ واجراء الكلام والتقادير بناء على أن قوله: على العرش استوى تمثيل لإجرائه ذلك، كالملك إذا جلس على سرير ملكه لتنفيذ أوامره ونواهيه، وقيل: إنه من إطلاق العرش على المحيط تشبيها له بسرير ملك يصدر أمره ونهيه عليه. قوله: اليدل بذلك محلى كمال قدرته الخ (كمال القدرة والإرادة مأخوذ من قصد ما ذكر كما مر بيانه، وقوله: ولما كانت القدرة الخ قيل عليه إنه لا مدخل لتبعية القدرة لإرادة في ترتيب الجزاء على الشرط بل يكفي فيه وجود الإرادة المعلوم مما سبق وكان وجهه أن ما في النظم يدل بصريحه على كمال القدرة كما يدل عليه قوله: أولا حسبما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فتأمل، وقوله: بجليات الأمور وخفياتها إشارة إلى أن قوله: السز وأخفى كناية عما ذكر، وقوله: عقب ذلك أي القول المذكور ببيان إحاطة علمه. قوله: (أي وأن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم الخ (أشار بقوله: فاعلم إلى أن ما ذكر لا يصلح لأن يكون جوابا للشرط لأن علمه للسز، وأخفى ثابت قبل جهره وبعده وبدونه فهو يقام مقام الجواب وهو أمر الله له بعلمه لترتبه عليه والمقصود منه ترك ملازمته له لا فائدة الخبر وسيأتي بيانه وتخصيص القول بذكر الله مع إطلاقه لأن التعريف للعهد بقرينة الجواب فإن استواء الجهر والسز عنده يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه، وهو الدعاء كما لا يخفى. قوله: (وأخفى منه وهو ضمير النفس (فالسز ما أسر به إلى الغير وأخفى منه ما أضمره في نفسه ولم يظهره، وقيل: السز ما أسررته في نفسك وأخفى منه ما ستسره فيها، وأخفى أفعل تفضيل من الخفاء، وقيل: فعل ماض يعني أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه وقد قال الزمخشري: إنه ليس بذاك. قوله: (وفيه تنبيه على أن شرع الذكر الخ (ذكر في الكشاف بعد تقدير الجواب بما مر إنه إتا نهى عن الجهر كقوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} [سورة الأعراف، الآية: 255] ، لماتا تعليم للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله بل لغرض آخر كما ذكره المصنف رحمه الله هنا واختاره لأن الجهر ليس بمنهيئ عنه بل هو لحكمة، وتصوير النفس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 إثباتا صورته ورسوخه فيها، والجواز بضم الجيم وفتح الهمزة والراء المهملة، كالصراخ لفظا ومعنى. قوله: (المستجمع لصفات الألوهية (عداه باللام لأنه لازم يقال: استجمع الليل أي اجتمع، وأما قول الفقهاء مستجمعا شرائط الصحة فليس بثبت كما في المغرب وظاهر كلام الجوهري خلافه فإنه ذكر مما سمع من قولهم: استجمع الفرس جريا واستجمع كل مجمع، وجعل الأول تمييزا والثاني منصوبا على الظرفية غير لازم وكذا في تاج المصادر فما قيل إن الصواب أن يقول المصنف الجامع الخ لا وجه له. قوله: (بين أنه المنفرد بها الخ (تفرده بالألوهية من الحصر وتفرده بمقتضاها هو مدلول له الأسماء الحسنى ولام الاختصاص والتقديم يفيد ذلك، وقوله: صلة أي ظرف لغو متعلق به دماذا كان صفة فهو مستقر. قوله: (والانتقال من التكلم الخ (فهو التفات لأن الظاهر من قبيل الغيبة فهو مثل ضميره، وقيل: إنه من وضع الظاهر موضع المضمر ولذا عبر بالتفنن لأنه أعئم منه، وفي الوجه الآتي لا تفنن فيه، ونسبته أي الإنزال إلى من وصف بهذه الصفات ولذا وضع الظاهر موضع المضمر لتجري عليه الصفات ووجه التنبيه ظاهر، وما ذكره من الحكاية بعيد جدا وفي قوله: ويجوز إشارة إلى ضعفه، وقوله: صفة لمن قيل اللى هر البدلية فإن من وما الموصولة لا توصف، وكأنه أراد الصفة المعنوية، وإن كانت في اللفظ بدلا وفي بعض الحواشي أنهم يطلقون الصفة على كل تابع وكله قصور فإن ما ذكر مذهب الكوفيين ومذهب البصريين أنه يجوز وصفهما كالذي والتي فإنهما يوصفان ويوصف بهما، وكذا ذو الطائية لأكره أبو حيان رحمه الله، وقوله: خبر محذوف تقديره هو كما أن الرحمن إذا رفع على المدح مثله أو هو حينئذ خبر ثان د! افادته المدح لأنه نعت مقطوع لا أنه بتقدير نعم كما توهم وطبقات الأرض سبع طينية وترابية وسيأتي بيانها، قيل: الطبقة الترابية لا تحت لها على القول بكرية الأرض، فالأحسن تفسيرها بالطينية ويشهد له قول أهل اللغة: الثرى الأرض الندية، ولذا قالط الزمخشري: ما تحت الأرضين السبع، ولا يخفى أنه بعد تفسير المصنف لمراده بقوله: وهي آخر طبقاتها لا يرد عليه شيء فإنها متلاصقة لا متداخلة فتأمل، وتأنيث الحسنى لأنها صفة الجمع وكل جمع مؤنث، وقوله: لدلالتها الخ أو لشرف الذات الموصوفة بها. قوله تعالى:) أوهل أتاك " الخ (من عطف القصة فلا يضر تخالفهما خبرا وإنشاء مع أنها قد تؤؤل بالخبر والاستفهام تقريرفي لا إنكاري بناء على أنه أول إتيانه له، وقوله: ففي أي اتبع والمعنى أتى بها عقبها وتمهيد نبؤته بنزول القرآن والوحي عليه كما يدل عليه ما قبله وقوله ليأتثم أي ليقتدي به ويتسلى بقصصه، والأعباء جمع عبء كحمل لفظا ومعنى، والمراد بأعباء النبة مشاق التبليغ فعطفه عليه تفسيري، وقوله: فإن هذه السورة الخ تعليل لمقدر أو لما يفهم مما قبله أي لأنه محتاج إلى التثبيت والإرشاد في أول أمره ونزول هذه السورة، كذلك لأنها من أوائل ما نزل عليه. قوله: الأنه حدث الخ (أي مصدر هنا لأنه يكون اسما للكلام وهو كالجوامد لا يعمل، ومصدر بمعنى التكلم فيعمل ويتعلق به الظرف حينئذ، وفي شروح الكشاف أن القرينة على أنه أريد المعنى المصدري قوله: فقال لأهله امكثوا بخلاف قوله: هل أتاك حديث الغاشية فإنه بمعنى الخبر، وقيل عليه إن الظاهر أن المراد القصة بتمامها والظرف يكفي لتعلقه رائحة الفعل ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث والخبر والنبأ يجوز أعمالها في الظروف خاصة وإن لم يرد بها المعنى المصدري لتضمن معناها الحصول والكون، وحماى عليه بعضهم هنا كلام الشيخين فمعنى لأنه حدث لأنه متضمن معنى حدث وهو الحصول أو التحذث والإخبار ولا يخفى بعده لكن إبقاؤه على ظاهره أظهر لأنه هو المعروف فيه وأن وصف القصة بالإتيان أولى من وصف التحدث به وكونه مفعولا لا ذكر بتقدير فاذكر إذ رأى أي وقته والمراد ما وقع فيه من الأمر الغريب الجدير بأن يذكر، وقوله: وفيه الطور أي عنده، وقوله: شاتية أي باردة برد الشتاء ومثلجة وقع فيها الثلج والتاء فيها للتأنيث لكونها صفة لليلة، ولا حاجة لجعلها للمبالغة ولا إلى ادعاء التجوز في الإسناد على أنها من شتوت بمعنى أقمت شتاء، وقوله: إذ رأى قيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 إنه بتقدير فبينما هو كذلك إذ رأى فإذ فيه فجائية بخلاف ما في التنزيل ولك أن تبقيها على ظاهرها وضم هاء الفمير للاتباع وهر الأصلى فيها عند أهل الحجاز، وهو اتباع لما بعده، وقوله: أقيموا مكانكم أي فيه وفي نسخة بمكانكم. قوله: (أبصرتها (وقد ورد بهذا المعنى في كلام العرب أيضا في أبيات ومنه إنسان العين، وقيل: الوجدان وقيل الإحساس وقيل غير ذلك وكقوله: آنست نبأة وقد راعها الف ضاص يوما وقد دنا الإمساء ... والقبس معناه الشعلة عند أهل اللغة فعل بمعنى مفعول ولذا مرض تفسيره بجمرة ويشهد له قوله تعالى: {بشهاب قبس} ، [سورة النمل، الآية: 7] ، أي شعلة ساطعة تقتبس من نار، وأو في النظم الظاهر أنها لمنع الخلؤ، وقوله: هاديا إشارة إلى أن المصدر مؤؤل باسم الفاعل واقتصر على المفرد ولم يقل: قوما يهدوني كما في الكشاف اكتفاء بما هو المتيقن وأشار إلى أن الهداية تحتمل معنيين الدلالة على الطريق لأنه ضل عنها كما تذمه وهو الظاهر وفي تقديمه ما يدل على ترجيحه لمناسبته للمقال، ولذا قال: فإن الخ لكنه قيل إنه لا يدفع البعد عنه ويعن لهم بمعنى يعرض ويطرأ، وقوله: ولذلك حققه لهم بأن إشارة إلى أن التأكيد قد يكون لإفادة أنه أمر محقق وإن لم يكن ثمة تردد أو إنكار، وما ذكر في المعاني بناء على الأغلب كما صرحوا به. قوله: (ومعنى الاستعلاء الخ (لما كان الاستعلاء عليها بحسب الظاهر غير مراد لأنه يقتضي دخولها أوله بأنه بتقدير مشرفين عليها، والإشراف الاطلاع وهر يتعدى بعلى أو هو مجاز مشهور صار حقيقة عرفية في الاستعلاء على مكان قريب ملاصق لها كما في قوله: وبات على النار الندى والمحلق ونحوه ما نقله عن سيبويه رحمه الله والمراد بأهلها من هو عندها للإصطلاء والانتفاع بها وبياضها بالنور ورؤية النار منها مع خضرتها من أسفلها إلى أعلاها من خوارق العادة، واختلف في تلك الشجرة هل هي من شجر العوسج أو غيره مما لا حاجة إلى تعيينه، وقوله تعالى: " ئودي، في الدر المصون القائم مقام الفاعل ضمير موسى وقيل: ضمير المصدر أي نودي النداء، وقوله: يا موسى تفسير له وهو ضعيف ومنعوا أن يكون القائم مقامه الجملة لأن الجملة لا تكون فاعلا ولا قائما مقامه يعني إلا أن يعتبر تضمينه معنى القول ويقصد بهذا لفظه وحينئذ فلا يظهر وجه منعه فتأمل. قوله: (أي بأني (يعني بحذف الجار وهو مطرد فيه ونادى يتعدى بالباء وقوله بإضمار القول لأنه لا يعمل في الجمل عند البصريين والكوفيون يجرون ما هو في معناه مجراه وإليه أشار بقوله: أو إجراء الخ، وقوله: وتكرير الضمير يعني أنا سواء كان تأكيدا لاسم إن أو مبتدأ أو الجملة خبرها ويحتمل أنه ضمير فصل. قوله: (قيل إنه لما نودي الخ (اعلم أن المتكلمين بين مثبت للكلام وناف له والمثبتون له فرقتان منهم من قال: إنه كلام نفسيئ بلا حرف ولا صوت وتحقيق الكلام النفسي، والفرق بينه وبين العلم مفصل مذلل في الأصول، ومنهم من قال: إنه لفظي واستلزام اللفظ للحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضي بعض آخر إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهي اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعة واحدة، كما يشاهد في الحروف المرسومة بطبع الخاتم دون القلم وهذا ما اختاره الشهرستاني، وموسى كلمه الله تعالى بغير واسطة ولذا اختص باسم الكليم فكلام الله له لمجييه وكونه من جميع الجهات لصدوره عن الذات المنزهة عن الجهة والمكان على مذهب الشهرستاني لا إشكال فيه وإن كنا لا نعرف حقيقته لأن من لم يذق لم يعرف، وأما على مذهب غيره فسماع الكلام النفسي مشكل فلذا حققه المصنف رحمه الله بأنه تلق روحانيئ، كما تتلقى الملائكة كلام الله لا من جارحة، ثم أفاضته الروح بواسطة قؤة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقؤة تصؤره كأنه يسمعه من خارج فشاهده في اليقظة كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم ووقوف الشيطان حيحثذ عليه إفا أن يكون كذلك أو بالتفرس من كونه على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه، وهذا تحقيق لكلامه بما لا مزيد عليه، فقوله: من جميع الجهات وبجميع الأعضاء نفي لكونه صوتا كالأصوات كما ورد في الحديث يمين الله، وكلتا يديه يمين لنفي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 الجارحة كما في الانتصاف دماليه أشار العارف بهلول رحمه الله ونفعنا ببركاته بقوله: إذا ما بدت ليلى فكلي أعين وإن حذثوا عنها فكلي سامع ... فما وقع في شرح الكشاف للفاضل اليمني وتبعه غيره من أن المسموع هو الحرف رالصوت ولا يعقل كون غيره مسموعا، وأن المراد بسماعه من جميع الجهات أنه يسمع من كل جهة مثل ما يسمع من الأخرى لا أنه واحد بعينه فليس بسديد لمن ألقى السمع وهو شهيد، وما ظن من أنه يعارضه قوله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن} [سورة مريم، الآية: 52] ، فإنه صريح في سماعه من جهة واحدة فليس بشيء فإن الظرت حال من المفعول وقيد له لا للفعل ولا للفاعل أي حال كونه قريبا من جانب الطور، ويجوز تعلقه به على حذ رميت الصيد في الحرم، وكذا قوله: نودي من شاطىء الوادي ونحوه، وكذا لا حاجة إلى أن يقال: إنه محمول على ظاهره، وهو تعالى قادر على أن يجعل في كل عضو قؤة سامعة مدركة! لأصوات فلا يختص إدراكه بجهة وقد صرح به بعض العارفين، وقوله: وانتقك إلى الحس المشترك أي انتقلت صورة منه إليه فلا يرد أنه يأباه كونه كلامه تعالى حقيقة إذ هو غير منتقل عنه تعالى. قوله: الأن الحفوة (بكسر الحاء وجوز ضمها وهي المشي بدون نعل، وقوله: فزغ قلبك من الأهل والمال وقيل: من الدنيا والآخرة وفيه بعد ووجهه أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به وغلب على ما سواه تحقيرا ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة فما قيل: إن وجهه ليس بواضح ليس بواضح، وقوله: باحترام البقعة أي تعظيمها لشرفها، وقوله: يحتمل المعنين أي يجري على التفسيرين في النعلين لأن المقدس بمعنى المنزه عن الأمور الدنيوية فيناسب التجزد منها أو المطهر عن الدنس الحسي والمعنوي فيقتضي خلع ما فيه نجاسة، وقيل: المراد بالمعنيين كونه اسم مفعول أو مكان ووجه التعليل ظاهر. قوله: (عطف بيان للوادي (أو بدل فهو مجرور على أن معناه المكان وقيل إنه جبل الطور وعلى الوجه الآخر فهو منصوب على المصدر إما بمقدس أو نودي وعلى عدم تنوينه هو ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث باعتبار البقعة كما في سائر أسماء الأماكن، أو للعدل كعمر، وقيل للعجمة وكذا هو إذا كسرت طاؤه كما قرئ به، وقوله: كثني أي لفظا ومعنى وظاهر أنه مصدر وقال ابن السيد أنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل الشيء طوي أي مزتين فيكون موضوعا موضع المصدر، واخترتك حذف مفعوله الثاني أي من الناس أو من قومك، وقرأ حمزة بفتح هصش ة أنا عطف على أني أنا ربك لأنه قرأه بالفتح أيضا وجوز أبو البقاء رحمه الله أن يكون على تقدير ولأنا اخترناك فاستمع فعلق باستمع والأول أولى كذا في الدر المصون، وقيل: إنه بتقدير فاعلم أنا الخ وهو معطوف على اخلع ولا يجوز عطفه على إني أنا ربك لأن حمزة رحمه الله لم يقرأه بالفتح. قوله: اللذي الخ (يعني أن ما موصولة أو مصدرية، وقوله: واللام الخ أي إن لم تكن زائدة كما في ردف لكم كما قيل، وتعلقه بكل منهما أي على البدل لا على أنه من التنازع كما فهمه أبو حيان حتى يرد الرد بأنه لا يجوز تعليقه باخترتك لأنه يجب إعادة الضمير مع الثاني فيقال: فاستمع له لما يوحي فيجاب عنه بأنه أراد التعليق المعنوي من حيث الصلاحية ومراده ما قدمناه وعبارته تحتمله لا تأباه كما توهم مع أن امتناع الحذف فيه ممنوع، وفاء فاستمع سببية. قوله: (داذ على أنه مقصور الخ (ضمير أنه للوحي لا لئه كما توهم هافادته القصر من البدلية البعضية لأنك إذا قلت أكلت الرغيف ثلثه أفاد أن المأكول ثلثه لا غير، ولا حاجة إلى القول بأنه من التخصيص بالذكر في مقام الاحتياج إلى البيان، وأشار بقوله: الذي هو منتهى العلم والتي هي كمال العمل إلى أن القصر فيه اذعائي بجعل ما عدا النهاية والكمال لكونه كير مقصود بالذات بل بالتبعية والعرض كأنه ليس بوحي فما قيل إنه لا يصح القصر لأن ما بعده إلى قوله: رب اشرح لي صدري الخ مما يوحي إليه لا وجه له، ويلزم من التوحيد معرفة الصفات والأفعال الإلهية. قوله: (خصها بالذكر (أي مع دخولها في العبادة، كما خص جبريل بالذكر بعد الملائكة، وفي جعل إقامة الصلاة لأجل ذكره الله على أنه مضاف للمفعول ما يدل على أنها مخ العبادة وفصها ولذا قدم هذا الوجه لدلالته على ما ذكر بخلاف ما بعده وهو ظاهر، وقيل: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 المراد بقوله: خصها بالذكر بلفظه فيكون ما بعده تأسيسآ، ويجوز كونه تأكيدا وفيه نظر، وقوله: للعلة أي إظهارا للعلة الخ، وهو ضمير العلة وذكره لتذكير الخبر وقوله: وشغل القلب واللسان فالذكر شامل للقلبي واللساني. قوله: (وقيل لذكري (أي معنى لذكري فهو مضاف للفاعل والأمر بها يستفاد من كتابتها في الكتب الإلهية، ومعنى لأن أذكرك بالثناء لأثني عليك أي لأثيبك عليها، وقوله: ولا تشوبها أي لا تخالطها وهو مستفاد من التخصيص بالذكر، وقوله: لأوقات ذكري فاللام وقتية بمعنى عند كما في كتبتها لخمس خلون، وقوله: لذكر صلاتي اللام فيه وقتية أو تعليلية أي عند تذكرها أو لأجل تذكرها. قوله: الما روي الخ (هذا حديث صحيح رواه أصحاب السنن ووقع في البخاري، ولذا قال التوربشتي: ءن الآية تحتمل وجوها ولكن الواجب المصير إلى وجه يوافق الحديث فالمعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا ذكرها فقد ذكر الله أو يقدر فيه مضاف أي لذكر صلاتي، أو وقع ضمير الله موقع ضمير الصلاة لشرفها وخصوصيتها اهـ. وقيل: تبعا لصاحب الكشف وغيره لا نسلم أن الحديث يقتضي تعيين هذا الوجه لصحة إرادة الوجه الأول منه لأن وضع الصلاة إذا كان لتذكر المعبود وهي محله فإذا ذكرها المكلف تبادرت الحكمة في مشروعيتها إلى ذهنه فيكون حاملا على إقامتها، ولذا جعل الزمخشري تأوبل الحديث تمحلا وبهذا اندفع ما قيل: إنه لو أريد هذا القيل أقم الصلاة لذكرها كما في الحديث، والجواب بأن ذكر الصلاة سبب لذكر الله فأطلق المسبب على السبب أو المضاف مقدر، أو المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله لهذه الملابسة تكلف ولا يخفى أنه لا يزيل التكلف بل يزيده، ثم إنه لا وجه لتخصيص الوجه الأول كما سترى والأظهر ما في بعض شروح الكشاف من أنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله وهو حاصل مطلوب في كل وقت فإذا فاته الوقت المحدود له يخبغي المبادرة إليه ما أمكنه فهو من إشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج لما ذكر، ولذا قال في أحكام الجصاص هذا لا ينافي كون المعاني الأخر مرادة من الآية فكأنه قال: أقم الصلاة المنسية لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم أو لأذكرك بالثناء والمدح أو لأنها مكتوبة أو لتخصني بالذكر فيها فتدبر. قوله: (كائنة لا محالة (هذا مستفاد من تأكيدان والجملة الاسمية. قوله: (أريد إخفاء وقتها (لما كان الإخبار بأنها ستأتي تحقيقا إظهارا لها في الجملة ينافي إخفاءها أولوه بما ذكر من أن المراد إخفاء وقتها المعين، ولما كان كونه من المغيبات يناسب أن يقال: أخفيها بدون أكاد فسروا أكاد بأريد وهو أحد معانيها كما نقله ابن جني في المحتسب عن الأخفش رحمه الله تعالى واستدلوا عليه بقوله: كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى ... يعني أرادت وأردت لقوله: وتلك خير إرادة، وقيل: أكاد هنا زائدة اهـ. قوله: (أو أقرب أن أخفيها الخ (يعني أنها بمعناها المعروف من أفعال المقاربة فالمراد إخفاء ذكرها الإجمالي، والمعنى أنه تعالى كاد أن لا يذكرها ولو إجمالا لكونها أخفى المغيبات لكنه ذكرها إجمالا كما في قوله: إن الساعة آتية لحكمة وهي اللطف بالمؤمنين لحثهم على الأعمال الصالحة وعدم المبالاة بأمور الدنيا وقطع أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم ولما بالتشديد ويجوز تخفيفها وضمير به للإتيان. قوله: (أو كاد أظهرها (أي أعين وقتها ومتعلق الإخفاء والإظهار ليس بشيء واحد حتى يتعارض القراءتان، قال أبو عليئ: المعنى أزيل عنها خفاءها والخفاء بالفتح والمذ ما يلف به القربة ونحوها من كساء، وما يجري مجراه وهو الواقع في كلام المصنف أيضا وهو من ألفاظ السلب يقال: أخفيته إذا أزلت عنه خفاءه أي غطاءه، وساتره فيظهر لا محالة، ومنه يعلم كلام المصنف، وأما خفاه فمعناه أظهره لا غير فلذا جعل قراءة الهمزة على أنه مضارع الثلاثي مؤيدة لهذا التفسير، وذهب أكثر المفسرين إلى أن تقديره أكاد أخفيها من نفسي وكذلك هو في مصحف أبيئ وابن مسعود رضي الله عنهما ولم يرتضه الزمخشري، وقال: إنه لا دليل على هذا المحذوف ولا قرينة عليه لأن ما قبله يقتضي أن يقدر أخفى إتيانها، وقيل: إن الدال عليه أنه لا بد له من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 متعلق، وهو من يخفى منه ولا يجوز أن يكون من الخلق لأنه أخفاها عنهم لقوله: إن الله عنده علم الساعة فيتعين ما ذكر، والمراد المبالغة في الإخفاء كما قالوا: كتمت سري عن نفسي، هاثباته في المصاحف قرينة خارجية عليه إذ لا يلزم وجودها في الكلام، وقيل: إنه محال فلا يناسب دخول كاد عليه وقد مر ما يدفعه لكن عدم صحة تقدير من الخلق ممنوع لجواز إرادة إخفاء تفصيلها وتعيينها منهم مع أنه يجوز أن لا يقدر له متعلق والمعنى أوجد إخفاءها ولا أقول إنها آتية كما في بعض شروح الكشاف: ثم إنه قيل: إنه لا مخالفة بين تفسيره بأكاد أظهرها وما قبله لأن المراد من هذا بيان قرب قيامها، كقوله: اقتربت الساعة ونحوه، كظهور إشراطها والمراد من كيدودة إخفائها وسترها إرادة إخفاء وقتها أو القرب من أن لا يخبر بأنها آتية وفيه أنه لا يناسب تعلق لتجزي به كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (متعلق بآتية (وما بينهما اعتراض لا صفة حتى يلزم إعمال اسم الفاعل الموصوف، وقوله: على المعنى الأخير لأنه يصير المعنى أظهرها لأجل الجزاء، وهو صحيح بخلاف أخفيها وأسترها لأجل الجزاء فإنه لا وجه له، وما قيل إنه غير بعيد لأن تعمية وقتها لتنتظر ساعة فساعة فيحترز عن المعصية ويجتهد في الطاعة لا يخفى ما فيه من التكلف الظاهر مع أنه لا صحة له إلا بتقدير لينتظر الجزاء أو لتخاف وتخشى. قوله: (عن تصديق الساعة (أي التصديق بالساعة إذ ليس المراد الصذ عنها نفسها، وقوله: أو عن الصلاة فالضمير لها وفيما قبله للساعة وقوله: نهى الكافر الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أن المراد نهى موسى عليه الصلاة والسلام عن التكذيب باللبعث أو أمره بالتصديق والعبارة لا تؤديه لأنها لنهي من لا يؤمن عن صذه فلذا أوله بوجهين، أحدهما أنه ذكر السبب وهو الصذ وأريد مسببه ولازمه وهو الانصداد أو عدم التصديق مجازا أو كناية كما في لا أرينك ههنا فإنه نهى عن رؤيته، والمراد النهي عن لازمه وسببه وهو مجيئه وكونه هنا لكنه عكس الأول في السببية والمسببية، وإلى هذا أشار بقوله: والمراد الخ والثاني أنه ذكر المسبب وهو الصذ وأريد النهي عن سببه وهو لينه لهم وملايمته حتى يتجزؤوا على صذه فكأنه قيل: كن شديدا عليهم، هاليه أشار بقوله: وأنه ينبغي الخ ولو أخر المثال كما في الكشاف لكان أولى ومن ظنهما وجها واحدا قال: لا يقال على هذا تكون الآية من ذكر المسبب وإرادة السبب فلا يناسب جعله مما يتفزع على ذكر الصذ د ارادة الانصداد لأنا لا نسلمه لظهور أن التنبيه على شيء غير إرادته ولا يستلزمه كما في مستتبعات التراكيب ولا يخفى أنه مخالف لما في الكشاف وشروحه مع بعده ثم إن هذا مبنيئ على إرجاع الضمير إلى الساعة لا إلى الصلاة كما توهم، وقوله: فتردى مرفوع أي فأنت تردى أو منصوب في جواب النهي، والمخدجة بمعنى الناقصة، ووجه التنبيه أنه جعل ذلك بالصذ لا بالفطرة والسليقة ولذا لم يجعل النهي له بحسب الظاهر. قوله: (استفهام (أي تقريري عن الجنس أو الصفة على ما فصل في شروح الكشاف، وقوله: يتضمن استيقاظا يعني المقصود من السؤال تعديد منافعها ليريه ما فيها من العجائب التي هي أعظم مما عنده فما طالبة للوصف وما تلك بمعنى ما منافع تلك، وقوله: حال من معنى الإشارة فيه تسمح والمقصود أنه حال من اسم الإشارة الواقع خبرا أو مبتدأ على القولين، والعامل في الحال ما فيه من معنى الفعل لأنه فيه معنى أشير وتسمية ااخحاة عاملا معنويا كما في قوله: وهذا بعلى شيخا. قوله: (وقيل صله تلك (وهذا على مذهب الكوفيين الذين يقولون: إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا والبصريون لا يقولون به إلا في ذا في ماذا، وما قيل:! ت أن المراد بالصلة أنا " متعلق باسم الإشارة لتضمنه معنى الفعل على أنه لغو لا وجه له. قوله: (على لغة هذيل (وهي قلب الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح، والقطيع العما المجتمعة وقوله: وأخبط الورق يعني أن أهش بفتح الهمزة وضم الهاء بمعنى أخبط ومفعوله محذوف وهو الورق أي اليابس، والمعنى أضربه ليسقط على رؤوس الغنم ويقع عندها فتأكله، وقوله: وقرئ أهش أي بفتح فكسر أو بضم فكسر كما نقل عن النخعيئ وكونه من هش الخبز يلائم الضم، والهشاشة الرخاوة، وزجر الغنم منعها وأنجى عليه بالعصا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 ونحوها رفعها عليه موهما للضرب، وهو بيان للتعذي بعل! اعلى هذا، وفي كتاب السين والشين لصاحب القاموس يقال: هس الشيء وهشه إذا فتنه وكسره، والهسيس مثل الفتيت فهما بمعنى، وأن في أن كان مخففة أو مصدرية هاداوته بكسر الهمزة والدال المهملة هي المطهرة وفي نسخة إدوائه جمع أداة وهي الآلة كالقوس والكنانة وغيرها وعرض بالتخفيف والتشديد، والزندان هما عودان يحك أحدهما بالآخر فتخرج النار والرشاء بالكسر الحبل الذي يستقى به. قوله: (وكأئه لجيور الخ (إشارة إلى نكتة الأطناب وقد كان يكفي عصاي أو عصيئ وقال: كأنه لاحتمال أنه للاستئناس وإزالة ما لحقه من الهيبة، وقوله: يشتعل شعبتاها بالليل، كالشمع قيل هذا ينافي ما مر في تفسير قوله: إذ رأى نارا، وأجيب بأن النار للاستدفاء لا للاستصباح، ورد بأن قوله: مظلمة يدفعه فلعل الله طمس نورها إذ ذاك كما أصلد الزند ليضطره للطلب، وينضب بالضاد المعجمة والموحدة يغور ويغيب، وقوله: علم أن ذلك آيات باهرة جواب إذا وهو يدل على أن هذا بعد الاستنباء دىالا كان إرهاصا أو كرامة، وقوله: فذكر معطوف على فهم وليطابق متعلق به، وحقيقتها إذ قال: هي عصاي، ومنافعها ما بعده، والإجمال في قوله: مآرب أخرى. قوله: (يغلظ العصا ثم تورمت الخ (جواب عما بالخاطر من أنها سميت حية وتارة ثعبانا، وتارة جانا وهي واحدة والحية دىان عمت أصنافها لكن الثعبان العظيم من الحيات، والجان الدقيق منها فبينهما تناف فدفعه بأنه باعتبار أطوارها وحالاتها فإنها في ابتداء الانقلاب كانت دقيقة ثم تورمت وانتفخت فتزايد جرمها في رأي- المحين فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها، أو أن جرمها جرم ثعبان وهي في خفتها وسرعة حركتها وقدرتها على الحركة والانتصاب كالجان فلذا أتى بأداة التشبيه في أية أخرى فلا تنافي، وقيل: على قوله: سماها جانا أنه لم يقع في التنزيل إلا التشبيه به وهو ليس بتسمية، وأجيب بأن كل تشبيه يصح فيه الاستعارة وهي إطلاق وتسمية ولا يخفى تكلفه، والأولى أن التشبيه قد يكون في الجنسية والنوعية فهو إطلاق في الحقيقة كما يقال: هذا الثوب كذا أي في كونه خرأ مثلا كما فصل في محله، وقوله: فإنه تعليل لنهيه عن الخوف المقتضي لوجوده، وقيل لقوله خذها. قوله: (هيئتها (لأن فعلة للهيئة والحالة الواقعة في السير بحسب الوضع، والمتقدمة تفسير للأولى، وقوله: تجوز بها للطريقة والهيئة الهيئة هنا بمعنى الحالة والكيفية وكان معناها الحقيقي هيئة السير فجزدت لمطلق الهيئة، والطريق أيضا بمعناها كما يقال طريقة فلأن كذا أي حاله. قوله: (وانتصابها على نزع الخافض الخ (وأصله إلى سيرتها أو لسيرتها فإنه يتعدى باللام أيضا، كقوله تعالى: {يعودون لما قالوا} [سورة المجادلة، الآية: 3] وهو كثير وإن لم يكن مقيسا وجوز فيه أن يكون بدل اشتمال من الضمير، وقوله: أو على إن أعاد منقول الخ هذا معنى قوله: في الكشاف ويجوز أن يكون إعاد منقولا من عادة بمعنى عاد إليه ومنه بيت زهير: وعادك أن تلاقيها عداء فيتعدى إلى مفعولين اهـ وقد قيل على المث! نف رحمه الله أنه لم يذكره أهل اللغة وما في بيت زهير من نزع الخافض فيتحد مع الأول ولهذا اقتصر الزمخشري على هذا الوجه ولم يذكر الأول) أقول (كيف يصح تفسير كلام الزمخشري بما ذكر ولو كان كذلك لم يكن فيه نقل لأن الخافض يحذف من هذا من غير نظر إلى ثلائيه، وقوله: فيتعدى إلى مفعولين صريح فيما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: لم يذكره أهل اللغة غير صحيح فقد نقل الشارح الطيبي عن الأصمعي أن عادك في البيت متعد بمعنى صيرك فيتعدى بالهمزة إلى مفعولين وكذا نقل الفاضل اليمني وفي المغرب العود الصيرورة ابتداء وثانيا ويتعدى بنفسه وبإلى وعلى وفي واللام، وفي مشارق اللغة للقاضي عياش مثله ونقل الحديث أعدت فتانا يا معاذ. قوله: (أو على الظرف لأنه بمعنى الطريقة والمذهب فهو مجاز عن الظرف المكاني كما أشار إليه المصنف رحمه أدته، واعترض عليه أبو حيان بأن شرط الانتصاب على الظرفية المكانية وهو الإبهام مفقود هنا وتبعه المحشي، وعندي أنه غلط نشأ من تفسيره فإن كون نصب الطريق شاذا وضرورة كما في قوله: ع! سل الطريق الثعلب مردود كما في شرح الكتاب فإن نحاة المغرب كما في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 شرح التسهيل قسموا المبهم إلى أقسام، منها المشتق من الفعل كالمذهب، والمصدر الموضوع موضع الظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره. قوله: (بعد ذهابها (أي ذهاب صورتها وتسير سيرتها إشارة إلى أنه مفعول مطلق والجملة استئنافية أو حالية، وقيل إنها مقدرة وفيه نظر ولحييها تثنية لحي وهو منبت الأسنان وتالوا: إن لحييها كانا شعبتيها. قوله: (إلى جنبك تحت العضد (وهو من المرفق إلى الإبط، وفي الكشاف إلى جنبك تحت العضد دل على ذلك قوله: تخرج وقيل عليه يرذه قوله أدخل يدك في جيبك لأنه صريح في أن المراد الدخول في الجيب والخروج منه يعني أن الدلالة غير مسلمة ولذا تركها المصنف، والجيب ما انفتح من القميص عند النحر وهو بمعناه المعروف صحيح لكنه مولد وتسميه العامة طوقا، والمراد أدخل يدك اليمني من طوقك واجعلها تحت عضد اليسرى عند الإبط فلا منافاة بين الآيتين، ومن لم يفهم مراده رذه بأنه لا منافاة بين الإدخال تحت العضد بعد الإدخال في الجيب وبين الإخراج من الجيب بعد الإخراج من تحت العضد فتأمل. قوله: (استعارة من جناحي الطائر الخ (قيل هي استعارة لغوية كالمرسن للأنف قيل وليس كذلك، والحق معه لأن تشبيه الجنب بجناح الطائر لا حسن فيه بخلاف ما لو أريد به اليد كما فسره به في سورة القصص فإنه وجه آخر والتشبيه فيه حسن فتأمل. قوله: (بجنحهما عند الطيران (أي يميلهما وقوله: تخرج مجزوم في جواب أمر مقدر كأنه كما قال المعرب: اضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف من الأول والثاني وأبقى ما يدل عليه فهو إيجاز يسمى بالاحتباك، وقوله: مشعة بضم الميم وكسر الثين المعجمة وتشديد العين المهملة المفتوحة وتاء التأنيث، وقيل: إنها للمبالغة يقال: أشعث الشمس إذا أخرجت شعاعها. قوله: (من غير سوء (من تعليلية وهو احتراس وهو متعلق بتخرج أو ببيضاء لأنه في تأويل ابيضت، ويجوش أن يكون حالا من الضمير فيها أو صفة لها وقوله: عابه بمعنى عيب، وهو معروف يقال: عابه عيبا وعابة، وعطف القبح عليه تفسيري وقوله: كني به أي لم يصرح به بل أتى بما يشمله وغيره ويصح أن يراد به الكناية المصطلحة، والطبائع جمع طبع كما ذكره ابن السيد ويكون مفردا قيل: البرص غير محتمل في مقام الإعجاز والكرامة فلا وجه للاحتراس عنه فالوجه أن خروج انشيء عن خلقته مما يستقبح فلذا ذكر أنه ليس كذلك، ورد بأن الوهم شيطان فتبادر ذلك إليه يكفي للنكتة ولولا هذا لم يكن لما ذكره وجه، وقوله ة لأن الخ تعليل لقوله: كني وإذا نفرت عنه الطباع مجته الأسماع، وقوله: معجزة ثانية والأولى هي العصا. قوله: (وهي حال من ضمير تخرج الخ (لجواز تعدد الحال على الصحيح، ويجوز أن تكون بدلا من بيضاء، وقوله: أو دونك الذي هو اسم فعل بمعنى خذ بناء على جواز عمله محذوفا كما هو ظاهر كلام سيبويه وإن منعه بعض النحاة لأنه نائب عن الفعل ولا يحذت النائب والمنوب عنه فإنه منقوض بيا الندائية فإنها تحذف مع أنها نائبة عن أدعو، وقال السفاقسي: هو تقدير معنى لا إعراب فلا يرد عليه شيء مما قيل، وقوله: بما دل عليه لأنها علامة دالة فتدل على معنى دللنا، ولم يعلقه بآية لأنها وصفت، وما دل عليه القصة قوله: فعلنا ذلك ففي كلامه لف ونشر، وجوز الحوفي تعلقه باضمم وجوز غيره تعلقه بتخرج وألق وإذا كانت الكبرى صفة فمن تبعيضية ومن آياتنا هو المفعول الثاني. قوله: (أو مفعول نريك الخ (قيل: الأول أولى لدلالته على أن آياته كلها كبرى بخلاف هذا وعلى الثاني لا تكون الكبرى صفة العصا واليد لمالا لقيل الكبر بين مع أن إعجاز العصا أكبر من اليد، إلا أن يقال لاتحاد المقصود جعلا آية واحدة فوصفت بالمفرد كقوله: يكونون عليهم ضدا أو أفرد باعتبار كل واحد، أو يقال: لا حاجة إلى بيان كون العصا كبرى لظهوره بخلاف اليد لاحتمال ذهاب الوهم إلى أمر آخر، وهو مما لا طائل تحته لأنه جوز في المراد بالكبرى أن تكون الأولى والثانية وهما لأن من على هذا تحتمل الابتداء والتبعيض والبيان أيضا بأن يراد الكبرى أو يقدر موصوفها آيات ولا بعد فيه كما ذكره شراح الكشاف. قوله: (بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة (كون الذهاب بهاتين الآيتين علم من تقديمهما، وذهاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 بالمعجزة إنما هو للدعوة فلذا قدر المعطوف الدال عليه ما بعده لكنه جعل المدعؤ إليه العبادة دون الطاعة أو الإيمان مع أنه المتبادر لدلالة، قوله: إنه طغى المسوق للتعليل عليه، فإن تكبره عن عبادة الله ولقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [سورة الذاريات، الآية: 56] . قوله: (بخطب عظيم (هو دعوة فرعون الجبار، وقوله: ويفسح قلبه إشارة إلى أنه ليس المراد بالشرح هنا الشق بل لازمه وهو الفسخة والتوسيع وأن توسيعه عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي لأن القلب هو المدرك، وأعبائه بمعنى مثاقه والتلقي معطوف على تحمل أي يفسح قلبه لتلقي الوحي النازل عليه، ويسهل معطوت على يشرح وبإحداث متعلق به. قوله: (وفائدة الخ (أي ذكر لي مع أن المعنى تام بدون ذكره فذكره أطناب فائدته أنه يحصل بذكره إجمال لأنه لما قال اشرح لي لم يعلم ما المشروح إلا إجمالأ لأنه لا بد له من متعلق، فلما قال صدري علم تعيينا وتفضيلا وفي الإجمال والتفضيل تأكيد لأنه كذكره مزتين ومبالغة بذكر الصدر مع أنه في الحقيقة للقلب الذي فيه، كما أشار إليه بقوله: ويفسح قلبه وقيل عليه إنه كما أن اشرح لي يدل على أن ثمة مشروحا كذلك اشرح وحده يدل عليه لما فيه من الإبها اأيضا، وأجيب بأنه لما كان المطلوب شرح شيء ما له لا على التعيين بخلاف اشرح فإنه لا يدل عليه أتى بذلك وإليه مال في المفتاح، ويمكن أن يقال تقديم الظرف على المفعول به مؤيس عن ذكره فيحصل الإبهام بخلاف اشرح صدري فإنه لا يلتفت الخاطر فيه إلى غيره، وقد يقال: إن هذا هو المراد بالمبالغة وقيل: المبالغة فيئ البيان وهو يرجع إلى التأكيد وقيل: ذكر لي لزيادة الربط كما في قوله: اقترب للناس حسابهم، وفي الانتصاف إن فائدة ذكره الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإنه تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه يسر لي أمري. قوله: (فإنما يحسن التبليغ من البليغ (أي من يقدر على إبلاع كلامه من غير اعتقال لسان، وليس المراد به معناه المصطلح، ورتة بضم الراء المهملة وتشديد المثناة الفوقية حبسة ولكنة في اللسان وكذا كانت في الحسين رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه إنه ورثها من عمه موسى عليه الصلاة والسلام وآسية هي امرأة فرعون، وأحضرا مجهول وضمير التثنية للياقوت والجمرة، وقوله: ولعل تبيض تفعل، وفي نسخة تفعيل أي جعلى الله لها بياضا كما مر، وقوله: كان لذلك أي كان كرامة في مقابلة ذلك أي أخذه بلحيته أو أخذه النار بيده، وقوله: عنه أي عن إبرائها، وقوله: تمسك الخ لأن إيتاء سؤله بإجابة دعائه ومن جملته حل العقدة. قوله: (احتج بقوله هو أفصح مني لسانا الخ (فإن المراد بأفصح أبين فيقتضي نقص بيانه وقيل عليه أن ا! فصاحة اللغوية مقولة بالتشكيك كما يدل عليه صيغة أفعل فيجوز أن تكون فصاحة موسى بزوال الرتة وفصاحة أخيه بقؤة القدرة على الكلام مثلا مع أنه يجوز أن يكون قوله: هو أفصح قبل استجابة دعائه، ووقل فرعون بناء على ما عرفه منه قبل ذلك، والاستدلال به وإن كان من كلام عدوه لتقرير الله له، ثم إن خاتمة المفسرين قالي: إن قوله أفصح شاهد عليه لا له لأن فيه دلالة على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان فصيحا غايته أن فصاحة أخيه كثر، وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله: لسانا اص. ووجه الدلالة بين قال ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا لا يقال لله فصيح، دمان قيل لكلامه فصيح ولذلك لا يسمى إلا لثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتيهما عن إقامة الحروف، وقيل لزيادة الأعجم لذلك اهـ. فلا وجه لما قيل إن منافاة رتة اللسان للفصاحة اللغوية غير بينة ولو صح ما ذكره يكون بين قوله: هو أفصح، وقوله: ولا يكاد يبين منافاة. قوله: (بل عقدة تمنع الإفهام! فلا يقتضي زوالها بكمالها، وقوله: نكرها تنكير تقليل وتنويع ولم يضفها مع أنه أخصر، وجعل يفقهوا جوابا دليل على أن المراد ذلك هاذا كان صفة فمن ابتدائية أي عقدة ناشئة من لساني أو بمعنى في أو تبعيضية والتقدير من عقد لساني. قوله: (يعينئي الخ ((بيان لحاصل المعنى المقصود من طلبه ذلك، وقوله: من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل يثقل به فوزير صفة منه بمعنى صاحب وزر أي حامل لا بمعنى ثقيل لأن من يحمل الثقيل يثقل به، والمراد بالأمير السلطان كما يقال: أمير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 المؤمنين، والوزر بفتحتين أصل معناه الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا وأخذت منه الموازرة بمعنى المعاونة لأن المعين يلجأ إليه فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجأ إليه أو هو للنسب كما يجوز فيما قبله. قوله: (قلبت همزته واوا كقلبها في موازر (يعني أن قلبها في موازر قياسيئ لانضمام ما قبلها وكذا في هذا قلبت لكونها بمعناه فهو من حمل النظير على النظير وهو كثير في كلامهم فلا يخالف القياس. قوله: (ومفعولا اجعل الخ (فالمعنى اجعل هرون وزير إلى ولما كانت الوزارة هي المطلوبة قدمت اهتماما، وهذا ظاهر ومن أاهي على هذا صفة وزيرا أو متعلق باجعل، وقوله: وهرون عطف بيان بناء على ما ذهب إليه الزمخشري، وتبعه الرضيئ من أنه لا يشترط توافقهما تعريفا وتنكيرا خلافا لغيره من النحاة فلا يرد عليه اعتراض المعرب وابن هشام، ولم يجعله بدلا كما ذهب إليه بعض المعربين لأنه يكون هو المقصود بالنسبة وهو غير مناسب للمقام لأن وزارته هي المقصودة بالقصد الأولى هنا ويجوز نصبه بفعل مقدر في جواب مت أجعل أي اجعل هرون. قوله: (أو وزيرا من أهلي (قيل عليه إن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدأت بوزير أو أخبرت عنه بمن أهلي لم يصح إذ لا مسؤغ للابتداء به، وأجيب بأن مرإده أن من أهلي هو المفعول الأول لتأويله ببعض كأنه قيل اجعل بعض أهلي وزيرا فقدم للاهتمام به وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى بعده والأحسن أن يقال: إن الجملة دعائية والنكرة يبتدأ بها فيها نحو سلام على آل ياسين وويل للمطففين كما صرح به النحاة فكذا بعد دخول الناسخ. قوله: (ولي تبيين (كما في سقيا له أي إرادته لي ويجوز فيه الإعراب السابق كما يجوز هذا فيما قبله لكنهم فرقوا بينهما في إعرابه فتأمل، في وجهه وسيأتي فيه كلام في سورة الإخلاصى. قوله: (وأخي على الوجوه بدل من هرون (قيل عليه هو عطف بيان لا بدل لأن إبدال الشيء مما هو أقل منه فاسد لا يتصؤر كما في دلائل الإعجاز، ورد بأن مراد الشيخ رد بدل الكل من البعض كنظرت إلى القمر فلكه الذي ذهب إليه بعض النحاة والنحاة مثلوا له بجاء زيد أخوك من غير نكير قتأمله، وكونه عطف بيان حسن، ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموع كما حقق في المطؤل وحواشيه ولا حاجة إلى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيه، وقوله أو مبتدأ خبره اشدد على التأويل المشهور والجملة استئنافية عليه. قوله: (على لفظ الأمر (إذ المقصود به الدعاء، وقوله: قرأهما أي اشدد وأشرك وليس المراد بالأمر النبؤة لأنه ليس في يده بل أمور الدعوة والأمر هو اجعل، وقوله: فإن التعاون المستفاد من الوزارة والمعنى أنه لتعاونه يقتضي قدرته على التبليغ وأداء خدمته فيؤذي لكفايته مهمه إلى تفزغه للعبادة، ولذا قال في الكشاف بعده وبأن التعاضد مما يصلحنا، وفيه أيضا إشارة إلى أنه تعليلى للمعلل الأول بعد تقييده بالعلة الأولى، وقوله: في وقت إشارة إلى أن مرة ظرف زمان وآخر بمعنى مغاير لهذا الوقت وهو شامل لجميع أوقات النعم وفيه دلالة على أن ما قبله منها!! اذ بدل منه أو تعليل، وذلك عند ولادته والخوف من فرعون. قوله: (بإلهام (قيل إنه بعيد لأنه قال في سورة القصص إنا راذره إليك وجاعلوه من المرسلين ومثله لا يعلم بالإلهام، وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه ما يدل على نبؤته صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى لا يضيعه وإلهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه كشف ألا ترى قول عبد المطلب وقد سمي نبينا كييه محمدا أنه سيحمد في السماء والأرض مع أن كونه داخلا في الملهم ليس بلازم كما سيأتي في قوله: فرجعناك الخ وقوله أو على لسان نبي في وقتها لكثرة أنبياء بني إسرائيل ولا عبرة بقوله: في الكشف أنه خلاف الظاهر المنقول، وقوله: أو ملك بناء على أنه يراه غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو الصحيح لكنه قيل إنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحى إليه ولو قيل من أوحى إليه على وجه النبؤة دار التعريف، ولا ورود له لأن المراد أوحى إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها فتأمل وقوله: لا على وجه النبؤة لاختصاصها بالذكور عند الجمهرر. قوله: (ما لا يعلم إلا بالوحي (فسره به ليفيد فإن مفعول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 الوحي لا يكون إلا بوحي، ويخل بضم الياء وفتح الخاء من أخل الفارس بمركزه إذا ترك موضعه المعين له ولعظم متعلق بينبغي، وقوله: بأن الخ فهي مصدرية قبلها جار مقدر أو تفسيرية لما يوحي، ويجوز على المصدرية كونه بدلا من ما أيضا. قوله: (والقذف يقال للألقاء وللوضع الخ (أصل القذف والرمي بمعنى الإلقاء ولكنه لاستلزامه للوضع قد يطلق عليه وان لم يكن الموضوع محسوسا وهو المراد هنا في الموضعين ويجوز أن يكون بمعنى الوضع في الأول والإلقاء في الثاني أي ألقيه في اليم وهو ظاهر. قوله: (فلام الخ (أي وضع فيه الحسن وتمامه: له سيمياءلاتشق على البصر ويافعا حال واليفع راليافع الصغير السن وهو القريب من العشرين سنة أو الذي لم يبلغ، وهو من شعر عويف القوافي بن معاوية الفزاري الكوفي يمدح به عبد الرحمن بن محمد بن مروان وكان شابا في غاية الجمال أنزله عنده وكفاه مؤنته بما أغدقه عليه، وقد لقيه من غير معرفة بينهما فقال يمدحه: غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياءلاتشق على البصر ... كأن الثريا علقت في جبينه وفي وجهه الشعري وفي خذه القمر ... ولما رأى لمجد استعيرت ثيابه ترذى رداء واسع الذيل واتزر ... إذا قيلت العوراء اغضي كأنه ذليل بلا ذل ولوشاء لانتصر ... دعاني فآساني ولو صذلم ألم على حين لا باد يرجى ولا حضر ... وسمي عويف القوافي لقوله: سأكذب من قد كان يزعم أنني إذا قلت قولالا أجيد القوافيا ... والسيمياء بالمذ والقصر العلامة. قوله: الما كان القاء البحر الخ (إنما قال: لتعلق الإرادة لأنه لا يجب على الله شيء لكن إذا تعلقت الإرادة بشيء فلا بد من وتوعه كالواجب، وقوله: كأنه ذو تمييز إشارة إلى أنه استعارة بالكناية بتشبيه أليم بمأمور منقاد! ماثبات الأمر تخييل، وقيل: إن قوله فليلقه استعارة تصريحية تبعية والمراد بالجواب جواب الأمر، وقوله: والأولى أن يجعل الخ إشارة إلى أن بعض الضمائر يحتمل أن يعود إلى التابوت لأنه المقذوف والملقي لكن فيه تفكيك للنظم لكنه أشار بقوله: الأولى إلى أنه جائز إذا قامت عليه قرينة أو رجحه مرجح كالقرب هنا لو لم يعارضه أن المقصود بيان أحوال موسى عليه الصلاة والسلام وهذا يحتمل أنه رد على الزمخشري إذ قال فيه هجنة لما يؤذي إليه من تنافر النظم. قوله: (فموسى عليه الصلاة والسلام بالعرض (إنما كان بالعرض لأن التابوت خشب يعلو الماء ويدفعه الموج لكنه بإلقائه يلقى ما فيه، والظاهر أنه حقيقة لا مجاز كما قيل، وقوله: جواب لأن القراءة بالجزم ووجه المبالغة في التكرير أنه يدل على أن عداوته كثيرة لا واحدة، ولو قيل: عدو لي وله جاز ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز،! ان كان جائزا عند المصنف رحمه الله لأنه صفة مشبهة دالة على الثبوت الشامل للواقع والمتوقع أو هو عدو لموسى عليه الصلاة والسلام حينئذ في الواقع إذ هو يبغض كل مولود في تلك السنة، وقيل: إنه من عموم المجاز، وقوله: قيرته أي طلته بالقار وهو الزفت لئلا يدخل فيه الماء فيهلك والبركة بكسر الموحدة وسكون الراء المهملة مستنقع الماء من غير بناء، والحوض ما بنى منه في الأكثر وقوله: يشرع أي يدخل فيه، وقوله: فأمر به أي بإخراجه ففيه مضاف مقدر، وأصبح من الصباحة بالموحدة وهي الجمال، وقوله: فأذاه إلى بركة يخالف قوله: بالساحل فإما أن يكون ألقاه أولا إلى الساحل ثم بعد ذلك إلى البركة أو يراد بالساحل الطرف والجانب مطلقا وهو الأولى وإليهما سيشير المصنف رحمه الله. قوله: (أي محبة كائنة مني (فالجار والمجرور صفة لها، وزرعها في القلوب استعارة لإظهارها وايجادها كما قلت: أنبتت حبة الفؤادبقلبي لك حبآماشأنه تبذير ... وعدم الصبر لانجذاب القلوب له، وقوله: أي أحببتك الخ فالمعنى على هذا أن الملقي محبة الله تعالى ومحبة العباد له لأن من أحبه الله أحبه الناس كما ورد في الحديث، وعلى الأول الملقي محبة الناس التي هي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 من الله لأنه ركزها في القلوب حتى أحبه فرعون وكل من أبصره كذا قرروه في الكشاف وشروحه واعترض عليه بأن وجه التخصيص غير ظاهر، فإنه على تقدير الوصفية يجوز أن يكون معناه أحببتك بأن يراد ألقيت عليك محبة كائنة من محباتي، وعلى التعلق بألقيت يكون المعنى ألقيت عليك محبة الناس إلقاء ناشئا مني لا سبب له غير تفضلي وإحساني، وما ذكره وإن تراءى في بادئ النظر لكن الظاهر أنه لا وجه له فإنه إذا كان مستقرا يكون المعنى ألقيت عليك محبة كائنة مني والكائن من الله هو إن كان في غيره إذ لا فائدة في جعل صفته كائنة منه، ولذا احتاج هذا القائل إلى تقدير مضاف وهو من محباتي وهو مع ركاكته لا قرينة عليه، فتعين على هذا أنها محبة العباد، وأما إذا تعلق بألقيت فيفيد أن مبدأ الملقى له اتصال به فيكون صفته وكون الاتصال سبب الاتخاذ لا وجه له، فتعين بحسب الذوق ما ذكر فتدبر. قوله: (وظاهر اللفظ أن أليم (معطوف على مجموع ما قبله من قوله: قيل الخ بيان لتأويل النظم لأنه مخالف لما في تلك الروإية بحسب الظاهر كما مر لأن فيه أنه ألقى بالبركة وما في النظم بالساحل فبين أن المراد بالساحل جنب طرت نهر فرعون مما يليه. قوله: الأن الماء يسحله (أي يقشره ويحفره من سحل الحديد إذا برده فساحل للنسب ومعناه ذو سحل أي مسحول، وقيل: إنه تصؤر منه أنه يسحل الماء أي يفزقه ويضيعه أو هو من السحيل وهو النهيق لأنه يسمع منه صوت، وقوله فالتقط منه أي من الساحل معطوف على ألقاه ولكون الفاء للسببية لم يحتج إلى رابط أو فيه رابط وهو عوده على ما أضيف إلى ضمير أليم كما مر مرارا، وفؤهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهاء مفتوحة بعدها تاء تأنيث كقبرة أعلى النهر والطريق كما في كتب اللغة ويجوز تخفيف واوه ساكنة. قوله: (ولتربي ويحسن إليك وأنا راعيك (لأن تصنع معناه يفعل بك الصنعة ومعناها الإحسان والتربية إحسان وأنا راعيك معنى قوله: على عيني وقرنه بالواو للإشارة إلى أق الجار والمجرور حال من المستتر في تصنع وليس صلته ومعنى راعيك حافظك وأصله من رعي الحيوان وهو حفظه إفا بغذائه الحافظ لحياته أو يذب العدو عنه وكذا راقب معناه حافظ أيضا من المراقبة، وفي نسخة من الكشاف رافيك بالفاء من رفوته إذا سكنت رعيه وعلى عيني هنا استعارة تمثيلية للحفظ والصون لأن المصون يجعل بمرأى وقال الواحدي الصحيح!! معناه لترهـ بي على محبتي وإرادتي لأن جميع الأشياء بمرأى من الله قيل: وليس بذاك لأنه غفوك عن كونه تمثيلا ولا يرد عليه ما ذكر لأنه مراده فتأمل! قيل وعلى بمعنى الباء لأنه بمعنى بمرأى مني في الأصل، وقوله والعطف الخ مثله وقع في مواضع والتأويلان مشهوران فيه وقد مر تفصيله، وقوله: معلل أي بهذه العلة وهي لتصنع. قوله: (وقرئ ولتصنع الخ (وهو معطوف على قوله: فليلقه كما في اللوامح فلا عطف فيه للإنشاء على الخبر وأمر المخاطب باللام شاذ لكونه مجهولا هنا وأصله الغيبة نحو ليصنع زيد وعمرو وهو جائز فيه فلما نقل إلى المجهول للاختصار أبقى على حاله كما في لتعن بحاجتي جاز فيه ذلك، ويحتمل أنها لام كي سكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام وهذا حسن جدا وقوله: ولتصنع أي قرئ به وفيه التأويل السابق، وقوله: على عين مني هو تمثيل كما مز. قوله: (طرف لألقيت أو لتصنع الخ (في الكشف كونه بدلا أوفق لمقام الامتنان لما فيه من تعداد المنة على وجه أبلغ ولما في تخصيص الإلقاء والتربية بزمان مشي الأخت من العدول عن الظاهر فقيل: كان محبوبا محفوظا ثم أولى الوجهين جعله ظرفا لتصنع وأما إضمار اذكر فضعيف وتبع فيه صاحب الانتصاف لأن زمان التربية هو زمان رده إلى أف وأما إلقاء المحبة فقبله، وقد قيل عليه أن آل فرعون كانوا يربونه أيضا بغير الارتضاع من حين الالتقاط فالزمان متسع أيضا فلا غبار عليه فتأمل. قوله: (المراد بها وقت متسع (فيتحدان وتصح البدلية فلا يكون من إبدال أحد المتغايرين الذي لا يقع في فصيح الكلام ويكفله بمعنى يربيه ومتفحصة أي طالبة للوقوف على خبره وتقز عينها بمعنى تسز، وقوله: هي إشارة إلى أن المستتر ضمير الام وقدمه لظهوره إذ حزن الطفل غير ظاهر ولتعيينه في سورة القصص لقوله: بعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 ولتعلم أن وعد الله حق د ان كان النظم لا يأباه هنا فلذا ذكره تكثيرا للفائدة فلا غبار عليه كما توهم نعم توافقهما أولى لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، وقوله: غم قتله أي الغم الناشئ من قتله لما ذكر واقتصاص بالجز عطف على عقاب، وبالمغفرة متعلق بنجيناك ومدين قرية شعيب عليه الصلاة والسلام. قوله: (وابتليناك ابتلاء الخ (ففعول مصدر المتعذي ديان كان اكثر فيه أن يكون مصدر اللازم، وقوله: على ترك الاعتداد لأنها في حكم الانفصال وإنما ذكره لأن فعولا مطرد في جمع فعل دون فعلة فما سمع منه جار على هذا التقدير كحجزة بضم فسكون وزاي معجمة وهي ما يوضع فيه تكة السراويل ونحوها والبدرة مقدار من النقد معروف. قوله: (فخلصناك مرة بعد أخرى (فهو من فتن الذهب بالنار إذا خلصه من غشه بالسبك ولذا يستعمل في الخير والشز كالابتلاء، ولذا يقال: بلاء حسن وإنما فسره به لأن الكلام في ذكر ما امتن الله به عليه، وقوله: مرة بعد أخرى ظاهر على أنه جمع وعلى غيره من السياق والتفعيل، وقوله: وهو أي قوله فتناك فتونا، والآلات جمع آلف بالمذ ككافر وكفار وفي نسخة الألف بمعنى المألوف والمراد الأصحاب الذين ألفهم وعلى حذر أي خوف من فرعون، وقوله: وآجر بالمذ فعل ماض معطوف على ما قبله معنى أي هاجر وآجر، ويصح عطفه على ناله ويجوز أن يكون بصيغة المصدر وغير ذلك كضلاله الطريق ونحوه. قوله: (أو له (أي لما ذكر ولما سبق من وضعه في التابوت والقذف في اليم والقتل ونحوه، قيل إنه يأبى الحمل على هذا عطف فتناك على نجيناك المرتب بالفاء على قتلت نفسا لتقدم ما سبق ذكره على القتل وإن كان أثر سعيد بن جبير يؤيده وهذا غفلة عن قول المصنف رحمه الله كما في الأثر المروي: خلصناك فإن تقدم تلك الأمور لا ينافي تأخر الخلاص عن بقيتها والأمن منها وكيف يتوهم هذا وهو تفسير ابن عباس كما في الكشاف وهو من أهل اللسان الذين لا يخفى عليهم مثله وكذا ما قيل إنه لا يناسب مقام الامتنان ولولا ما ذكر لم يكن بين قوله: خلصناك، وقوله: وهو إجمال التئام أصلا، قال الراغب: الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ثم استعمل في العذاب وما يؤذي إليه وقد يراد به الاختبار كقوله: ولقد فتناك فتونا وجعلت الفتنة كالبلاء للخير والشز، وإن كانت في الثاني أظهر اهـ. محصله فأشار بقوله: ابتليناك إلى أنه بمعنى الاختبار بالإيقاع في شدة إذا صبر عليها خلص عنها فالإجمال باعتبار ما في ضمنه من الشدائد المختبر بها والتعقيب باعتبار النحاة والخلاص ولذا قرنه بالفاء فتدبر. قوله: اليثبت فيهم عشر سنين (وفي أخرى ثمانيا وعشرين قيل: وهو الأوفق بكون سن نبؤته على رأس الأربعين، وقوله: على ثمان مراحل هذا هو المعتمد لا ما وقع في بعضها ثلاث مراحل، وقوله: قدرته إشارة إلى أن القدر بمعنى التقدير والمراد به المقدرة، والمعنى أنك جئت على وفق الوقت المقدر فيه استنباؤك بلا تقدم ولا تأخر عنه وكونه بمعنى المقدار من الزمان ضعيف، ولذا أخره لأن المعروف فيه القدر بالسكون لا التحريك والمراد به رأس الأربعين كما صرحوا به، وقوله: للتنبيه على ذلك أي على ما ذكر أو على الانتهاء. قوله: (واصطفيتك لمحبتي الخ (الاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الصنيعة أي جعله محلا لإكرامه باختياره وتقريبه منه بجعله من خواص نفسه وندماته فاستعير استعارة تمثيلية من ذلك المعنى المشبه به إلى المشبه وهو جعله نبيا مكرمأكليما منعما عليه بجلائل النعم وخؤله بالخاء المعجمة بمعنى أعطاه، وقوله: بمعجزاتي كالعصا وبياض اليد وحل العقدة مع ما استظهره على يده، ولا داعي لحملها على اليد والعصا والقول بأن الجمع أطلق على المثنى أو أن العصا تشتمأن على آيات. قوله: (ولا تفتروا ولا تقصرا الخ (هو مضارع من الونى وهو الفتور والقراءة بكسر التاء لاتباع النون وهو يتعدى بفي وعن، وزعم ابن مالك أنه يكون من أخوات زال وانفك، وقوله: حيثما تقلبتما أي في أي! كان تحزكتما وتثقلتما فيه وهذا يفهم من ذكره بعد الأمر بالذهاب فإنك إذا قلت سر ولا تنس فالمراد في مدة مسيرك ولا وجه لما قيل إنه يفهم من جعل الذكر ظرفا لهما كما لا يخفى، وقوله وقيل في تبليغ ذكرى في الكشاف الذكر يطلق مجازا على العبادة وتبليغ الرسالة من أجلها فلذا أطلق عليه مجازآ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 قيل: وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه على تقدير مضاف، ومنهم من أرجعه إلى ما في الكشاف وهو الظاهر من قوله: والدعاء إليئ وهر المناسب لقوله: وقيل فتدبر. قوله: (أمر به أولا الخ (قيل عليه أنه خطأ وكان حقه أن يذكر عند قوله: اذهب أنت وأخوك، كقوله: ولا تنيا فإنه لم يؤمر وحده فيهما، وأجيب بأن المراد دفع توهم التكرار الناشئ من ذكر من يذهب إليه مع التعليل وإنما هو في قول: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} [سورة طه، الآية: 24] فقوله: أمر به معناه بالذهاب إلى فرعون الطاغي فمحل ذكره هنا لا فيما قبله، ويؤيده قوله: أولا فإن قوله: اذهب أنت وأخوك ثان لا أول ولذا قيل إن الثاني أمر بالذهاب لعموم أهل دعوته وهذا أمر بالذهاب إلى فرعون خاصة وأما كون قوله: ولا تنيا من قبيل قوله دماذ قتلتم نفسا على أن المأمور موسى عليه الصلاة والسلام وحده وذكر هرون لأنه تابع له فجعل الخطاب مع موسى خطابا معه كما نقل عن القفال رحمه الله فلا يخفى بعده، وكذا كون اذهب أنت وأخوك أمرا بذهاب كل منهما على الانفراد متفزقين وهذا بخلافه أو أن الأول يحتمله فدفع الاحتمال بهذا فلا تكرار فيه لأن دلالة التثنية على الاجتماع غير مسلمة. قوله: (إلى هرون (الظاهر أنه وحي حقيقي لا إلهام، وقوله بمقبله بضم الميم وفتح الباء مصدر ميميئ بمعنى الإقبال أو اسم مكان وإقباله من الطور إلى مصر، ويحتمل ذهاب هرون للطور والمقصود بيان اجتماعهما حتى يؤمرا بالذهاب. قوله: (مثل هل لك إلى أن تزكى (سيأتي تفسيره وهذا ظاهر غاية والظهور في اللين ولذا خصه بالذكر، وقوله: مثل إشارة إلى عدم انحصاره فيما ذكر فيشمل قوله: فقولا إنا رسولا ربك الخ قلا وجه لما قيل إنه يرذه توله فقولا الخ مع أنه ذكر في تفسير هذه الآية أنها تفصيل لقوله: فقولا له قولا لينا الخ. قوله: (في صورة عرض (بسكون الراء أي عرض عليه ذلك من غير أمر ليهتدي، ومشورة بفتح الميم وضم الشين وسكون الواو كمثوبة وهو الأفصح، ويجوز سكون الشين صر فتح الواو، ومعناها المشاورة، وقوله: حذرا تعليل لقوله: فقولا له قولا لينا، أو لكونه في صورة العرض لأنه بمعناه وأن يسطو أي يبطش بهما، وقوله أو احتراما أي تعظيما منهما لحقه على موسى بتربيته وعلى هرون بتربية أخيه. قوله: (وقيل كنياه (أي خاطباه بكنيته وهي ما ذكر وزيد فيها أبو الصعب، ومزضه لأن الكنية تدل على التعظيم لا على اللين ولا وجه لتخصيص القول اللين بها، وما قيل إنه لا بد من زيادة قول أو لقباه بفرعون مثلا فإنه لقب كل من ملك مصر أو القبط لأنه المخاطب به في القرآن فيه نظر لأن دلالة اللقب على التعظيم غير مسلمة لقوله: {ولا تنابذوا بالألقاب} [سورة الحجرات، الآية: 11] وقد قيل: ولا ألقبه والسوأة اللقبا كما سيأتي وكيف يعظم بدعوته ملكا من يذعي الربوبية وأما عدم حكايته في القرآن فلا ئدل على عدم وقوعه كما لا يخفى واذعاء أنه يعلم بطريق الدلالة غير مسلم. قوله: (متعلق باذهبا (المراد أنه متعلق به مع ما بعده تعلقا معنويا إذ بمجرد الذهاب لا يحصل له تذكر وخشية وكونهما لهما مهابة يقع بها في قلبه ما ذكر ليس بشيء إلا أنه على هذا ليس بينه وبين ما بعده كبير فرق فلعل المراد بالذهاب الذهاب بالآيات كما يدل عليه ما قبله. قوله: (باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما الخ (إشارة إلى أن الرجاء منهما لا من الله فإنه لا يصح منه، وقد مر تحقيقه، وقوله: أنه الضمير إفا للأمر أو للرجاء أو للشأن ويثمر بمعنى يفيد وقد تنازع هو ويخيب سعيكما وقوله: فإن الراجي الخ يعني أنه أمرهما بما ذكر مع الرجاء ليجتهدا ويجدا فيه لأنه شأن الراجي بخلاف من أيس من شيء فإنه لا يجذ فيه ولا يباشره مباشرة تاقة عن صميم قلب. قوله: (والفائدة في إرسالهما الخ (إرسالهما من قوله: اذهبا الخ والمبالغة من قوله لعله الخ، كما مر وهذا رد على الإمام رحمه الله في قوله: هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله لأنه لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضدا لذلك العلم الذي يمنع إيمانه فيكون سبحانه عالما باستحالة إيمانه فكيف أمر موسى عليه الصلاة والسلام بذلك الرفق وكيف بالغ في الأمر بتلطيف دعوته إلى الله مع علمه بامتناع حصول ذلك منه فلا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض ولا شبهة في أق في أفعاله حكما ومصالح تترتب عليها، وإن العقل طالب الوقوف عليها بقدر الإمكان ولا ضير في عدم الوقوف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 على بعضها، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة وغيرهم فلا وجه لما قيل إنه مناسب لمذهب الاعتزال ولا تخصيص لفرعون بهذا حتى يقال: كم من جبار طاع لم يرسل إليه فإنه من الأوهام الواهية. قوله: (والتذكر للمتحقق الخ (حاصله أن التذكر والخوف داعيان إلى الإيمان إلا أن الأول للراسخين المتحققين صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولذا قدم والخشية لمن يتوهمه فالمعنى باشراه على رجاء تحقق فرعون صدقكما فيتذكر ويتعظ أو يتوهمه فيخشى. قوله: (أن يعجل محلينا الخ (قيل إنه يرذه قوله تعالى: {ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما} [سورة القصص، الآية: 35] فإنه مذكور قبل قولهما هذا وهو يدل على حفظهما عن عقوبته ورد بأنه تفسير مأثور عن كثير من السلف كمجاهد فلا ينبغي المبادرة لرذه ولا تعيين في قوله: فلا يصلون إليكما فيجوز أن يكون معناه فلا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن تقدمه غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب مع أنه قدم في تفسير قوله: فقولا له قولا لينا ما ينافيه والفارط المتقدم للمورد والمنزل وفرس فرط بضمتين معناه ما ذكر وفي القاموس أنه بفتحتين فليحزر وقوله: وقرئ يفرط أي بضم الياء وفتح الراء وفي القراءة الآتية بكسرها، وقوله: أن يزداد طغيانا لأن أن للاستقبال والطغيان صفة له قبل ذلك لق! وله إنه طغى فلا بد من تأويله بما ذكر أو بطغيان مخصوص كما أشار إليه بقوله: فيتجزأ أي يحصل له جراءة وجسارة على الله وفي كلامه إشارة إلى أن فاعل يفرط ضمير فرعون، وقيل هو راجع إلى القول المفهوم من السياق. قوله: (وإطلاقه (بالرفع أي إطلاق يطغى إذ لم يقيد بقوله: عليك أو علينا قيل وجوز جزه عطفا على جراءته أي لكونه غير مقيد بحسن الأدب مع الله أو معنا، ومثله داع إلى التخطي عن حذه والوجه الأول وهو المذكور في الكشاف. قوله: (بالحفظ والنصر (إشارة إلى ما قاله الإمام من أن كونه معهما عبارة عن الحراسة والحفظ كما يقال: الله معك على سبيل الدعاء، وأكد ذلك بقوله: {أسمع وأرى} ، كما أشار إليه المصنف بقوله: فأحدث الخ. قوله: (ما يجري بينكما الخ (عدم ذكر المفعول إفا بتنزيله منزلة اللازم أو لقصد العموا بتقديره عاما لعدم قرينة الخصوص كما تقول الله خالق أي كل شيء أو بحذفه وهو خاص لدلالة القرينة عليه إيجازا فقوله: ما يجري الخ إشارة إلى تقدير مفعول خاص بقرينة السياق أو عام بقدر الحاجة لا من كل الوجوه حتى يقال: تخصيصه بما جرى ينافيه. قوله: (ويجوز أن لا يقدر شيء الخ (إشارة إلى الوجه الثالث وتنزيله منزلة اللازم من غير نظر إلى المفعول لأنه تتميم لما يستقل به الحفظ وليس من باب أن يرى مبصر وشممع واع على ما أظن فتأمل، وقوله: أطلقهم فهو من قولهم: أرسلت الصيد إذا أطلقته. قوله: (وتعقيب الإتيان بذلك الخ (إنما جعله معقبا على الإتيان دون دعوى الرسالة الدال عليه قوله: إنا رسولا ربك مع أنه الظاهر لأنه من جملة- مقول القول المتعقب فيكون متعقبا عليه أيضا وهو المقصود وقوله: إنا الخ في نية التأخير ولو كان متعقبا على ما قبله لكان لمنع القبط لبني إسرائيل عن اتباعه فتأمل. قوله: (تخليص المؤمنين من الكفرة الخ (قيل: تعقيب دعوى الرسالة بإطلالتى بني إسرائيل لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم، وهي أهنم من دعوة القبط فلا دلالة فيه على ما ذكر مع أته تقدم في سورة يوف! أنه ما آمن لموسى عليه الصلاة والسلام إلا ذرية وأولاد من قومه فلا يكون المخلصون مؤمنيمت، ورد بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه وكون ما آمن به أولا إلا الذرية لا ينافي كوشهم مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد قاق المصنف رحمه الله: هناك أق عدء إجابتهم له لخوفهم من فرعون وهو يدل على إيمانهم في الباطن. قوله: (ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة (بأن يأمره بما لا يشق عليه من إطلاق الأسرى ثم يأمره بتبديل اعتقاده أو ليتبعه قومه ثم يتبعه فرعون والقبط. قوله: (قد جئناك الخ) أتى بقد لتحققه وتأكيده فإن قيل إنها تدل على التوقع مع الماضي كما في قد قامت الصلاة قيك: لا مانع منه ولأنه إذا ذكرت الرسالة توقع ذكر ما يدل عليها ويثبتها وفيه كلام في المغني وف وحه، وقوله: جملة مقررة الخ أي مؤكدة ومبينة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 لما في من الكلام الأول من دعوى الرسالة في قوله: إنا رسولا ربك يذكر الدليل المثبت لها وهي جملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل به يعلم ذلك ونحوه والاستئناف لا ينافي ذلك وإنما قال: لما تضمنه لأنها لا تقرر قوله: أرسل الخ، وقوله: من دعوى الرسالة بيان لما كان بيناه، وأما كونه بيانا للكلام السابق وما تضنف، هو المجيء بالآية التي لا تنفك عن الرسالة والتضمن هنا بمعنى الدلالة الالتزامية فتكلف ظاهر فإن قلت إذا كان هذا تقريرا لقوله إنا رسولا ربك، كان ينبغي أذ يقرن به قلت قد أشار المصنف إلى دفعه في قوله: وتعقيب الإتيان الخ فلا حاجة إلى القول بأنه من تتمة دعوى الرسالة. قوله: (معه آيتان (أي العصا واليد بل آيات كما مر يعني مقتضى المقام بعد الدعوى أن يذكر أن له حجة وبرهانا على مذعاه من غير تعرض لوحدته وكثرته فلذا أفرد في هذه الآية ونظائرها ولو ذكر تعدده كان فضولا. قوله: (وسلام الملافكة الخ (في الكشاف يريد وسلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين وتحقيقه كما في بعض الشروح أنه جعل السلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة، وفيه تعريض لغيره! بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السلام بمعنى السلامة، كما في قول عيسى صلى الله عليه وسلم: يوم ولدت الخ لم يفد أن ذلك في العاقبة وما قيل أن الدليل على أنه ليس بتحية أنه ليس ابتداء إلقاء ليس بشيء لأنه لم يجعل تحية موسى عليه الصلاة والسلام بل تحية الملائكة فما قيل إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص مع مخالفته لما مر في قوله: والسلام عليئ يوم ولدت الآية غير مسلم. قوله: (أو السلامة في الدارين لهم (فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وقوله: لهم إشارة إلى أن على بمعنى اللام على هذا الوجه كما ورد عكسه في قوله لهم: اللعنة والحروف كثيرا ما تتقارض، وقد حسنه هنا مقابلة المشاكلة في قوله: على من كذب فلا وجه لاستبعاده. قوله: (إن عذاب المشركين الخ (في عبارته قلق وركاكة وقد اختلفت النسخ وضبطها والمشهور فيها المشركين بثين معجمة وراء مهملة وكاف جمع مشرك والمراد به هنا مطلق الكافر فإنه أحد معنييه ومراده دفع ما يتوهم من حصر العذاب فيهم مع أن غيرهم معذب بأنه إنما يفيده إذا كان التعريف للجنس أو الاستغراق أما إذا كان للعهد والمراد به العذاب المعد للكفرة وهو المخلد فلا يفيده ولو سلم فلا محذور فيه كما إذا جعلته للاستغراق الادعائي مبالغة وهذا معنى قوك الإمام المراد من هذا العذاب العذاب الدائم فكان العذاب المتناهي عنده كلا عذاب وللنظر إلى ظاهرها قال ابن عباس رضي الله عنهما إنها أرجى آية في القرآن، ووقع في بعض النسخ المنزلين بالنون والزاي المعجمة واللام ففي بعض الحواشي بالتثنية وفتح الميم تثنية منزل، والمراد بهما الدنيا والآخرة وجعله مفهوما من مقام التهديد والإطلاق، وهذا يناسب تفسير السلام الثاني وظاهر كلام بعضهم أنه حينئذ منزل بضم الميم أي منزلي العذاب وهم خزنة النار لوقوعه في مقابلة خزنة الجنة وهو بعيد جدا، والمعؤل على النسخة الأولى عندهم، وقواسه: على المكذبين الخ إشارة إلى أن من للعموم ولم يقل والمتولين أول خولهم فيهم. قوله: (ولعل تغيير التظم (إذ كان الظاهر أن ينفي السلام عن غيره، والوعيد هو العذاب والتوكيد بأن وقد، وأول الأمر أي أمر الدعوة أنجع أي أنفع وأوفق وأليق بالواقع لأنه معذب لإصراره على كفره وطغيانه وهذا لا ينافي ما مر في قوله تعالى: {فقولا له قولا لينا} [سورة طه، الآية: 44] ، لأنه لم يوجه بهذا ولم يصرح بأنه له ولذا قدم الترغيب فيه على الترهيب. قوله: (أي بعد ما أتياه وقالا له الخ (خطابهما وجهه ظاهر لأن الكلام معهما وأما كونه لم يقل من ربي فأظهر لأنه لا يعترف بالربوبية في الظاهر، وقوله: لأنه الأصل أي في الدعوة والرسالة ويحتمل أنه لأنه يزعم أنه ربه لتربيته له فهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، ويجوز أنه لتكبره عن أن يخاطب هرون. قوله: (أو لأنه عرف أن له رتة (قيل-: يرده ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حيث البيان القاطع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 لطمعه الفارغ وأما قوله: ولا يكاد يبين فمن غلوه في الخبث والذعاة، وليس بشيء لما مرج من أنها لم تذهب بالكلية عند كثير من المفسرين، وحسن بيانه بقطعية حججه وهو لا ينافي الرتة، ويفحمه بمعنى يسكته وقوله: ويدل عليه أي على أن موسى خص بالخطاب لهذا الوجه وكونه من غلؤه لا ينافيه كما توهم ولا خفاء في وجه الدلالة كما توهم إذ ليس المراد بها الدلالة القطعية بل التأييد له كما هو دأبه. قوله: (من الأنواع (إشارة إلى أن كل لعموم الأنواع لا ل! صموم الأفراد لئلا يلزم الخلف ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له، وفسر خلقه بمعنى مخلوقه بالصورة والشكل وهو الهيئة التي بها تشكله لأن نفس الخلق المصدري ليس بمعطي ولأنه لا بد من تغاير المعطي وهو ما ذكر والمعطى له وهو المادة والضمير لشيء لا لكل، والإضافة اختصاصية اتصالية. قوله: (وأعطى خليقته الخ (أي مخلوقاته فالخلق بمعنى المخلوق والضمير للموصول ويرتفقون بمعنى ينتفعون، وقوله: لأنه المقصود الخ إذ المقصود الامتنان به، وقوله: وقيل أعطى كل حيوان نظيره الخ فيختص بالحيوان بخلاف ما قبله ولذا مزضه لأنه لا يلائم لفظة كل، واعترض عليه بأن من الحيوان ما يحصل بالتولد فلا نظير له ورد بأن كل للتكثير وهو كثير في كلامهم وبأن المصنف لم يرتضه حتى يرد عليه شيء بل هو يؤيد تمريضه وقيل: المراد من الزوج الأنثى لا الإزدواج فالمعنى أنه جعل كل حيوان ذكرا وأنثى والإضافة على هذا من إضافة المشبه للمشبه به. قوله: (وقرئ خلقه الخ (أي بصيغة الماضي المعلوم وكونه صفة لأنه شأن الجملة الواقعة بعد النكرات، وقوله: على شذوذ لأن الشائع في الاستعمال وصف مدخول كل والمفعول الثاني محذوف لقصد التعميم وهو ما يصلحه وجعله الزمخشري من باب يعطي ويمنع والمعنى لم يخله من إعطائه وإنعامه وهذا أبلغ معنى ما ذكره المصنف أحسن صناعة، وموافقة للمقام. قوله: (ثغ عزفه كيف يرتفق بما أعطى (على العموم فيه تجوز لأن كل شيء لا يوصف بالمعرفة وفي جري هذا على الوجه الأول تأمل، وقوله: في غاية البلاغة أي الحسن والفصاحة لأنها تستعمل بهذا المعنى ويصح أن يراد بها معناها المصطلح لمطابقته لمقتضى المقام لما فيه من الإلزام والإفحام دفعة واحدة هاعرابه بمعنى إظهاره ودلالته، وقوله: عن الموجودات بأسرها هو مناسب للوجهين الأولين، وقوله: على مراتبها يفهم من الإضافة. قوله: (ودلالته على أن الغنتي القادر الخ (لأن الإنعام على الكل بالكل منه فيلزم أنه غنيئ قادر منعم على الإطلاق، وقيل: إن الشيء في الآية بمعنى المشيء فلو لم يكن تعالى غنيا قادرا بالذات لكان شيئا بهذا المعنى أيضا ولا شائي إلا هو فتكون قدرته مثلا حادثة بالشيئة وهو باطل لأن القدرة صفة تؤثر على وفق تعلق الإرادة فيلزم وجودها حال فرض عدمها وفيه تأمل. قوله: (في حذ ذاته الخ (لاندراجها تحت الشيء وصفاته على ما دل عليه قوله: خلقه وأفعاله من قوله: هدى وقوله: عن الدخل عليه من قولهم دخل عليه بالبناء للمجهول إذا غلط وصرف الكلام عنه بقوله، قال الخ. قوله: (فما حالهم (البال الفكر يقال: خطر ببالي كذا ثم أطلق على الحال التي يعتني بها وهو مراده ولا يثنى ولا يجمع إلا شذوذا في قولهم بالات، وقوله: من السعادة والشقاوة يعني أن المسؤول عنه حالهم في الآخرة أي تفصيلا درالا فقد سبق إجماله في قوله والسلام على من اتبع الهدى وأن العذاب على من كذب وتولى، ولذا قرنه بالفاء لأنه تفصيل متفزع على ذلك الإجمال. قوله: (أي أنه غيب لا يعلمه إلا الله (يجوز أن يكون الحصر والدلالة على كونه غيبا مستفادا من معنى الكلام لأنه إذا كان عند الله فهو من المغيبات وهي لا يعلمها إلا الله، وأن يكون الغيب من عند الله لأن معناه في حفظه والمحفوظ مصان مغيب والحصر من المصدر المضاف المفيد للعموم، والاستغراق كما قرروه في ضربي زيدا قائما فالمعنى جميع علمها تفصيلا عنده ولو علم شيئا منه غيره لم يكن كذلك. قوله: (مثبت في اللوح المحفوظ (مرفوع تفسير لقوله في كتاب على أنه خبر بعد خبر والمثبت فيه وإن كان النقوش الدالة على الألفاظ الدالة على المعاني بمنزلة إثبات المعاني ولا حاجة إلى جعله حالا من الضمير المستتر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 في قوله: عند ربي لإيهامه أن علمه تعالى بها مخصوص بتلك الحال أو ناشئ منه. قوله: (ويجوز أن يكون تمثيلا (فيشبه علمه تعالى بتفاصيل الأمور علما ثابتا لا يتغير بمن علم شيئا علما متقنا وكتبه في جريدته حتى لا يذهب أصلا فيكون قوله لا يضل ربي ولا ينسى ترشيحا للتمثيل واحتراسا أيضا لأن من يفعل ذلك إنما يفعله لخوف النسيان، والله تعالى منزه عنه دمانما تثبت معلوماته في اللوح المحفوظ ليطلع عليها الملائكة فتعلم أن ما فيه معمول معلوم له فالكتاب على هذا بمعناه اللغوي وهو الدفتر لا اللوح المحفوظ فسقط ما قيل إنه إنما يستحسن هذا إذا لم يوجد اللوح فلا مجال للاستعارة أصلا. قو-له:) ويؤيده لا يضل ربي الخ (وجه التأييد ما عرفت من أنه ترشيح مناسب للمستعار منه، وأيضا عدم الضلال والنسيان يناسب إتقان العلم لا كتابته فإن من يكتب قد يغيب عنه كتابه وينسى ما فيه، وقيل: وجه التأييد أن قوله: لا يضل الخ تذييل لتأكيد الجملة السابقة وعلى الأول هو تكميل لدفع ما يتوهم من أن إثباتها في اللوح لاحتياجه إليه لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى عنه فلا وجه لما قيل إن المصنف رحمه الله لم يتنبه لما قاله فحمله على التمثيل وإنما يظهر عدم تنبيهه لو اقتصر على احتمال التمثيل وليس كذلك ولا تأييد فيما ذكره أصلا كيف وهو على الأول تأسيس وعلى هذا تأكيد كما اعترف به والتأسيس أولى، نعم ما ذكره من الاعتراض ساقط كما عرفت، وقوله: والضلال الخ محصله فقد الشيء وعدم معرفة مكانه وهو حاضر في الذهن، والنسيان أن يغيب عن الذهن وان كان يعلم مكانه وأن تذهب وقع في نسخة وأن تذهب بدله، وقوله: على العالم بالذات أي على من علمه صفة ذاتية لا صورة عارضة قد يذهل عنها وليس المراد أن علمه عين ذاته كما هو مذهب المعتزلة. قوله: (ويجوز أن يكون سؤاله الخ (لما قال أولا ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عطف عليه وجها آخر يغايره بكونه دخلا والفاء في محلها أيضا لتعلقه بجواب موسى عليه الصلاة والسلام هاحاطة القدرة من قوله: أعطى كل شيء كما مر، وتخصيصه معطوف على الأشياء وهو مبنيئ على التفسير الأول، وقوله: بأن ذلك متعلق بقوله دخلا، واستدعاؤه للعلم ظاهر وتمادى المدة تباعدها، وتباعد أطرافهم بمعنى كثرتهم، وقوله: لا يضل أي عنه ولا ينساه، ويصح قراءة ينسى مجهولا وهذا ما في الكشاف بعينه إلا أنه أسقط منه قوله: ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان كما يجوز أن عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل إشارة إلى أن قوله لا يضل الخ على هذا من تتمة الجواب وفيه تعريض به يستلزم إبطال دعواه الربوبية ولذا أقيم الظاهر مقام المضمر وهو أمر حسن كان ينبغي ذكره، وتخصيص القرون الأولى عليه مع أولوية التعميم لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه الصلاة والسلام أن بين أحوالها، وقيل إنه لإلزام موسى كي! وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه الصلاة والسلام بتفصيل علمه تعالى بها فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده فسقط ما قيل إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشية مراده. قوله: (مرفوع صفة لربي أو خبر لمحذوف الخ (قال الإمام معينا لأحد الوجوه لأمر حجا كما قيل يجب الجزم بأنه خبر مبتدأ محذوف إذ لو كان وصفا أو نصبا على المدح لزم أن يكون من كلام موسى عليه الصلاة والسلام، وهو باطل فإن قوله: فأخرجنا حينئذ إفا من كلام موسى أو من كلامه تعالى، ولا سبيل لهما لأن قوله: بعده كلوا وارعوا الخ لا يليق بموسى عليه الصلاة والسلام، والفاء تتعلق بما بعدها فلا يكون من كلام الله وما قبله من كلام موسى عليه الصلاة والسلام فلم يبق إلا أن كلام موسى صلى الله عليه وسلم تتم عند قوله: ولا ينسى وابتداء كلام الله من قوله: الذي جعل لكم الأرض الخ ورد بأنه يحتمل وجهين أحدهما ما ذكره الإمام كأنه تعالى لما حكى كلام موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله: لا يضل ربي ولا ينسى سئل ما أراد موسى بقوله: ربي فقال الذي الخ فهو استئناف بياني خبر مبتدأ محذوف، والثاني أنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وأنه لما سمع هذا من الله أدرجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 بعينه في كلامه اقتباسا وسيأتي مثله في الزخرف أو يكون موسى عليه الصلاة والسلام وصفه تعالى على سبيل الغيبة فلما حكاه تعالى أسنده إلى نفسه لأن الحاكي هو المحكني عنه أو قوله: أخرجنا كقول خواص الملك أمرنا وفعلنا والمراد الملك ولا يخفى أن وقوع الاقتباس في القرآن لا وجه له مع أنه لا يكون إلا بالوجه الأخير فيتحد معه. قوله: (كالمهد (فهو تشبيه بليغ وتقدم له بسط في سورة البقرة، وقوله: سمي به أي جعل اسم جنس لما يمهد للصبي، وهو مفعول جعل الثاني إن كانت بمعنى صير وهو الظاهر أو حال إن كانت بمعنى خلق وجوز فيه الزمخشري بقاءه على مصدريته ونصبه بفعل مقدر من لفظه أي مهدها مهدا بمعنى بسطها ووطأها والجملة حال من الفاعل أو المفعولى، وإذا كان جمعا فهو ككعب وكعاب والمشهور في جمعه مهود، وقوله: كالمهد متعلق بقوله: تتمهدونها مقدم عليه، وقيل: تتمهدونها صفة المهد لأنه معنى نكرة، وقوله: كالفراش أي معنى ووزنا. قوله: التبلغوا منافعها (إشارة إلى وجه ذكرها على سبيل الامتنان ولذا كزر ذكر لكم الدال على الانتفاع المخصوص بالإنسان بخلافه في الأول فانه ذكر لبيان أن المقصود بالذات منها الإنسان وبه يظهر بلاغة ذكر المهد هنا. قوله تعالى:) أفأخرجنا بها (قال بعض المفسرين: إنزاله تعالى دهاخراجه عبارتان من إرادته النزول والخروج لاستحالة مزاولة العمل في شأنه والفاء للتعقيب، فإن ثانية الإرادتين لا تتراخى عن الأولى د ران تراخى ثاني المرادين، وإنما قلنا إنها للتعقيب لأن معنى السببية علم من باثها، وقيل عليه إن الإنزال! والإخراج عبارتان عن صفة التكوين عند الحنفية وهو منهم ولا يلزمه المزاولة كما قال مع أن تعقيب الإرادة الأولى للثانية ممنوع إن أريد بها الصفة الأزلية فإنه لا يعقل ذلك في الأزليات دمان أريد تعلقها التجذدي فهو متراخ بحسب تراخي المرادين فالقول بالسببية والتأكيد أهون، ويمكن أن يحمل على التأسيس بأن يشبه التراخي بالتعقيب في أنه ترتب لا محالة وبعبر عنه بلفظه) أقول (لا خلاف بين الماتريدية والأشعرية في إثبات صفة قديمة هي مبدأ صفات الأفعال وإنما الخلاف في أنها عين القدرة كما اذعت الأشاعرة أو صفة أخرى مغايرة لغيرها من الصفات كما ذهب إليه الحنفية وعلى كل حال فالمقصود هنا الاستدلال عليه بأفعاله تعالى الواقعة في الخارج لا بالصفات الذاتية لأنه لا يعوف الله حتى يعترف بصفاته فلما لم يصح إرادة ذلك كما لا تصح إرادة المزاو-لة لأنه تعالى إنما أمره لشيء إذا أراده أن يقول له: كن فيكون كان إسناد ذلك على معنى أنه تعلقت إرادته بإيجاده، وأما قوله: لا تعقيب بين الإرادتين فليس كذلك لأن لها تعلقات تعلقا أزليا بمعنى أنه أراد وقوعه في زمانه ولا تعقيب بين إرادة دمارادة فيه، وتعلقا قبيل وقوعه بتهيئة أسبابه العادية كالمطر للنبات وبينهما تعقيب كما قيل إذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه ولذا تطلق الإرادة على قرب الوقوع كقوله: جدارا يريد أن ينقض، وتعلقا تنجيزيا مع أن قوله: دمان تراخى ثاني المرادين غير مسلم لأنه تعقيب عرفي إذ ايجاد النبات على أشكال لطيفة في مثل هذه المدة يعد تعقيبا كما ذكروه على أن بين الإرادتين باعتبار المرادين تعقيبا رتيبا مثل ضربته فانكسر ولك أن تقول إن الفاء لسببية الإرادة عن الإنزال والباء لسببية النبات عن الماء فلا تكرار كما في توله تعالى: إ لنحيي به، ولعل هذا أقرب. قوله: (عدل به الخ (عدل فعل مجهول وليس معلوما والضمير لموسى عليه الصلاة والسلام كما قيل وإنما عبر به لأنه يحتمل أن يكون من كلام مرسى ومن كلام الله كما مر تحقيقه ولم يذكر أن فيه التفاتا وافتنانا لأن فيه ترددا فقيل إنه ليس بالتفات لأن الالتفات يكون في كلام متكلم واحد، وقيل إنه التفات، وفي الكشف وجه الالتفات أن المصنف رحمه الله حمله على أن موسى عليه الصلاة والسلا احاك قوله تعالى: إ كما هو والدليل عليه " قوله: الذي جعل لكم دون لنا وحكاه الله لنبينا صلى الله عليه وسلم على ما حكاه موسى، وأما أن الله تعالى لما حكى غير العبارة لأن الحاكي هو المحكي فلا يصح لتوجيه الالتفات وإن ظن فتأئله. قوله: (على الحكاية لكلام الله (يحتمل أن المراد حكاية موسى عليه الصلاة والسلام لكلام الله بعينه ثم إن الله حكى ما حكاه موسى لنبينا صلى الله عليه وسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 فلا يكون فيه التفات عند بعضهم ويكون أدراجا، وأما جعله اقتباسا فلا وجه له كما مر، ويحتمل أنه حكاية الله لكلام موسى عليه الصلاة والسلام بالمعنى وقد عرقت وجهه. قوله: (تنبيها على ظهور ما فيه (وجه التنبيه أنه لما عدل عن ضمير الغيبة إلى ضمير العظمة والتكلم دل على أن ما أسند إليه أمر عظيم وصدور عظام الأمور يدل على كمال القدرة والحكمة وأن حكمه مطاع لا يتخلف شيء عن إرادته فإن مثل هذا التعبير يعبر به الملوك والعظماء النافذ أمرهم ونهيهم، ويقؤي هذا الفاء والماضي الدالان على السرعة والتحقق، واختلات ذلك مع اتحاد المواذ والأسباب الفلكية عند المثبتين لها أدر دليل عليه ومن لم يتنبه لهذا قال إن التنبيه يحصل لو قيل أخرج لأن كمال القدرة يتفزع على الإخراج إذ لم يفم! ق بين كمال القدرة والتنبيه عليه، وقوله: المختلفة من قوله شتى. قوله: (وعلى هذا نظائره الخ (أي ورد على هذا النمط من العدول ما وقع في غير هذه الآية من ذكر الإخراج وما هو بمعضاه كالإنبات لهذه النكتة وإن لم يكن فيه حكاية كما هنا فالتشبيه ليس من كل الوجوه، وقوله: سميت أي أطلق عليها هذا اللفظ وقوله: وكذلك أي هو صفة أيضا كالجاز والمجرور بمن البيانية، والضمير في قوله: فإنه للنبات توجيه لتوصيف المفرد بالجمع بأنه صالح لمعنى الجمعية لما ذكر، وشتى جمع شتيت وألفه للتأنيث، ونقل في شروح الكشاف عن الزمخشري أنه ليسر على هذا الوزن إلا حتى ومتى اسم أبي يونس عليه الصلاة والسلام وهو غير ظاهر لأن فعلي كثير إلا أن يكون أراد أنه ليس على وزن فعلى مما عينه ولامه تاء. قوله: (حال من ضمير الخ (أي من الفاعل وهو أنسب لأنه يدل على بذله المناسب دلامتنان، ويصح أن يكون من المفعول أي مقولا فيها فهي مقول قول هو الحال، وقوله ة آذنين إشارة إلى أن الأمر للإباحة فليست وجها آخر كما توهم. قوله: الذوي العقول الئاهية (لأن م! ت شأن العقل منع صاحبه عما لا يليهت ولذا سمي عقلا من العقال لمنعه أيضا وتخصيصهم لأن معرفة كونها آيات دالة على خالقها مخصوص بالعقلاء، ولذا جعل نفعها عائدا إليهم في الحقيقة فقال: وارعوا فتفطن، والنهية بضم النون العفل ثم إنه ذكر قوله: منها خلقناكم الخ بعد ذكر النبات وما فيه من الآيات لدلالته على قدرته ب! خراج هذه الأجسام اللطيفة من تراب كثيف هاخراجها من صندوق العدم إلى صفة التجلي كما تخرج الأبدان من صناديق القبور إلى سوق النشور فتأمل ما فيه من الحس إن كنت من أولي النهي، وقوله: أصل خلقة أول آبائكم تقدم تقريره، وقوله: بتأليف أجزإئكم على القول بأنه ليس بإعادة للمعدوم كما بين في الأصول. قوله: (ورد الأرواح إليها (أي رذها من مقزها إلى الأبدان المخرجة من الأرض فليس فيه ما يدل على أنها بعد مفارقة الأبدان في الأرض وأنها مخرجة منها حتى يرد عليه شيء كما توهم مع أنه لا مانع منه عقلا وشرعا. قوله: (بصرناه إياها أو عزفناه صحتها (كذا في الكشاف يعني أنه إفا من الرؤية بمعنى الأبصار أو بمعنى المعرفة فهو متعد إلى مفعولين بالهمزة بعدما كان متعذيا لواحد ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم لما يلزمه من حذف المفعول الثالث من الإعلام وهو غير جائز وقدر في الوجه الثاني مضافا وهو الصحة وفي شرح الكشاف للعلامة أنه لا حاجة إليه وتبعه بعضهم هنا وإنما قدره ليكون تكذيبه عنادا وهو أوفق في ذقه وقد صرح بمثله في غير هذه السورة كقوله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا كما أشار إليه الزمخشري (قوله: الشمول الأنواع الخ) لما كان لم يره جميع آيات الله ومعجزاته مطلقا مما كان في عصره وما قبله وظاهر قوله كلها يقتضي ذلك أوله بما ذكر سواء كانت الرؤية بصرية أو قلبية فالمراد على هذا أنه أراه جميع أنواعها أو أجناسها لأن المعجزات كما قاله السخاوندي ترجع إلى إيجاد معدوم أو إعدام موجود أو تغيير موجود كإيجاد الضوء من يده دماعدام حبال السحرة وتغيير العصا إلى الحية وفي انحصارها فيما ذكر وتخصيص البعض بالبعض نظر ظاهر. قوله: (أو لشمول الأفراد (على أن تعريف الإضافة تجري فيه جميع معاني اللام كما صرح به الزمخشري فالمراد به هنا العهد وهي آيات موسى عليه الصلاة والسلام المعهردة وكل لشمول الأفراد المعهودة أيضا فيندفع الاشكال وجوز فيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 أن يكون أيضا للاستغراق العرفي كما في جمع الأمير الصاغة وقوله وهي الآيات التسع وفي نسخة السبع والصحيح هي الأولى رواية وهذه أولى دراية وقد عذها المصنف رحمه الله في سورة النحل رهي العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفاح والدم ونتق الجبل واعترخس عليه بأن الحجر ونتق الجبل جاء بهما موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل بعد هلاك فرعون وأنه لم يكذب بعد فلق البحر ورد بأنه قد كذب إلى أن أدركه الغرق وغرضه من دخوله البحر بعد فلقه أهلاك موسى عليه الصلاة والسلام وأما الأوليان فلعل اراءتهما بمعنى الاخبار بأنهما سيقعان وفيه كلام تقدم. قوله: (أو أنه عليه السلام أراه آياته الخ (فالتعريف للاستغراق والاراءة بالمعنى الثاني، وجوز فيه المعنى الأول بجعل تعدادها له بمنزلة رؤيتها وهو بعيد وقوله: فكذب موسى عليه الصلاة والسلام إشارة إلى مفعوله المقدر وتكذيب موسى عليه الصلاة والسلام يستلزم تكذيبه في نبؤته وآياته فلا وجه لما قيل إلا ظهر تقدير الآيات. قوله: (هذا تعلل وتحير (المراد بالتعلل تكلف علة وحجة لا أصل لها تمويها وتلبيسا على غيره وقد أشار إليه الفارابي كما في المصباح ونقله المحشي عن تاج المصادر، وقوله: فإن ساحرا الخ تعليل لكونه تعللا وما بعده وذكر إخراجهم من أرضهم إغضابا لهم لأنه مما يشق، وذكر الإتيان بمثله استدلالط على كونه سحرا يمكن معارضته لا معجزة، وقوله وعدا إشارة إلى أنه مصدر لا اسم زمان أو مكان كما سيأتي. قوله: (فإن الإخلاف لا يلانم الزمان الخ (بيان لكونه مصدرا يعني موعدا إفا أن يكون اسم مكان أو زمان أو مصدرا والأولان ممتنعان عند الزمخشري غير مناسبين عند المصنف لأن قوله لا نخلفه صفة لموعدا فلزم تعلق الإخلاف بالزمان أو المكان والأخلاف إنما يتعلق بالوعد يقال أخلف وعده لا زمانه ومكانه ولا يجوز عود الضمير إلى الوعد الذي تضمنه على حذ قوله: من صدق كان خيرا له وكذا عوده عليه بمعنى آخر على طريق الاستخدام لأن جملة لا نخلفه صفة لموعدا فلا بد فيه من ضمير يعود على الموصوف بعينه ومن جوزه لا يرى أن الجملة صفة لجواز كونها معترضة ل! ان كان خلاف الظاهر فلا وجه للجزم ببطلان توله: وقد قيل أيضا أنه يجوز جعل المكان مخلفا على التوسع كما في قوله: ويوما شهدناه. قوله: (وانتصاب مكانا الخ (دفع لإشكال أن قوله مكانا يقتضي أن يكون الموعد اسم مكان لا مصدرا فأوله بأنه منصوب بفعل مقدر يدل عليه الموعد أي عد مكانا لأنه إنما يدل على ما ذكر لو كان بدلا أو عطف بيان له وليس منصوبا على الظرفية بالمصدر لأن المصدر إذا تقدم وصفه لا يجوز عمله عندهم بخلاف ما إذا تأخر كقولك إن هجرك إياي المفرط لمهلك فإنه لا ينعت قبل تمامه فالمانع هو عدم تماميته وهو الصحيح المصرح به أر فصل الصفة بينه وبين معموله لا الوصفية كما صرح به في شرح التسهيل وذكره بعضهم هنا ردا على من علل به كما توهمه عبارة المصنف، نعم هي محمولة على ما ذكر فلا وجه للرد عليه والقول بأن ما ارتضاه عين ما رذه وهو رد على تجويز الزمخشري له لكنه مجاب بأنه يجوز في الظرف لتوسعهم فيه مع أن بعض النحاة جوزه مطلقا وهو مذهب الزمخشري كما ذكره المعرب، ويجوز أن يضمن لا نخلفه معنى المجيء والإتيان أو يقدر بقرينته أي آتين وجائين مكانا وقد جوز فيه أيضا أن يكون ظرفا لغوا لأجعل أي اجعل بيننا وبينك في مكان منتصف زمان وعد لا نختلف فيه ولا يرد عليه أن تعين زمان الوعد إنما هو في مكان التكلم لا في مكان سوى وأنه مفقود فيه شرط النصب على الظرفية، كما قيل لأنه بناء على أن الموعد اسم مكان وأن معناه زمان يقع فيه ما وعد لا زمان الوعد نفسه فإنه معنى الوعد والميعاد في كلام العرب إذ المكان يكون لمعناه لا للفظه ألا ترى فوله: قالوا الفراق فقلت موعده غد وهذا منشأ غلطه، وأما قوله: إنه إذا انتصب فهو مفعول به لا ظرف لأن الرضي شرط في عامله أن يكون فيه معنى الاستقرار كقمت وقعدت وتحزكت مكانك بخلاف ما ليس كذلك نحو كتبت الكتاب مكانك وقتلته أو شتمته ففيه بحث لأن ما ذكره الرضي غير مسلم إذ لا يمانع من قولك: لمن أراد التقزب منك ليكلمك تكلم مكانك فإن فيه استقرارا لتبعية، الا ترى قوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي نعم هو لا يطرد حسنه في كل مكان فحزره. وأما قول الشارح العلامة أق مكانا منصوب على أنه مفعول ثان لأجعلى فبناه على تقدير المضاف أي مكان وعد فلا يرد عليه أنه من النواسخ وحمل المكان على الموعد غير صحيح إلا بتكلف ما لا يجدي. قوله: (أو بأنه بدل من موعدا (وقع في نسخة أو به بأنه الخ وفيها مسامحة من جهتين: لأنه بدلا من موعدا بل من مكان مقدر وليس منصوبا به بل بعامل المبدل منه، وجاز الإبدال المغايرة الثاني للأول بالوصف. وقوله على تقدير مكان مضاف إليه بناء على أن الموعد مكان وقوع المرعود به كما تقول رميت الصيد في الحرم فإنه مكان الصيد لا الرمي، كما حققناه، فلا يقال إنه لا بد فيه من تقدير مضافين أي مكان إنجاز الوعد، أو جعل الإضافة لأدنى ملابسة، أو هي من إضافة الصفة، لموصوفها والوعد بمعنى الموعود فإق الوعد في مكان التكلم. قوله: (وعلى هذا (أي على تقدير البدلية ودلالته على المكان التزامية، وهو جواب عن قولهم إنه اسم زمان ليطابق الجواب، وقوله: مشتهر بكسر الهاء ويجوز فتحها. قال المطرزي في شرح المقامات: اشتهر لازم مطاوع، ومتعد فيصح في المشتهر فتح الهاء وكسرها اا هـ وقوله: بإضمار مضاف أو منؤن وهو معطوف على قرله من حيث المعنى قيل والمعنى مكان إنجاز وعدكم. مكان اجتماع يوم الزينة، كما مزي تفصيله. دمالا ظهر تأويل المصدر بالمفعول في الأول وتقدير المضاف في الثاني أي موعودكم مكان يوم الزينة وقد عرفت ما فيه. قوله: (ما هو على الأول (أي كما هو مطابق على الأول إن كان مصدرا ومكانا منصوب بمقدر أو يجعل الموعد هنا مصدرا ويقدر في الثاني مضاف وهو وعد ليصح الحمل وقوله: أو وعدكم، معطوف على قوله كما هو على الأؤد بحسب المعنى لأنه في معنى يطابقه، بحسب المعنى أو يجعل موعد بمعنى وعدكم الخ، أو هو معطوت على مقدر. قوله: (وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر) لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، والمكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث أنا الأول فلأنه لا فائدة فيه، لحصوله في جميع الأزمنة، وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفا لزمان ظرفية حقيقية، لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه. وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لإجزائه، وهي ظرفية مجازية، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، فلا وجه لما قيل إنه لا يدري ما المانع منه. قوله: (ومعنى سوى منتصفا (أي وسطا للطريق، واقعا بين نصفيها، وقوله: يستوي الخ بيان لوجه تخصيصه وقوله: وهو في النعت، كقولهم قوم عدى أي بكسر العين والقصر. قال أهل اللغة: إن هذا الوزن مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدى بمعنى عدو، وزاد هنا الزمخشري سوى وزاد غيره روي بمعنى مرو والنيروز فيعول بفتح أوله والنوروز لغة فيه وهو معزب، اسم لوقت نزول الشمس في أول الحمل والياء أشهر لفقد فوعول في كلام العرب، وقوله: على رؤوس الاشهاد لأنه مجمع عظيم. قوله: (عطف على اليوم الخ (والثاني أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، دماذا جعل الضمير لليوم فالإسناد مجازي، كنهاره صائم، والمراد بالخطاب ما في موعدكم فهو له والتفت وجعل الضمير غائبا تأدبا على عادة الكلام مع الملوك، وجمع ضمير الخطاب لأن الخطاب له ولقومه لا له تعظيما أو الخطاب لقومه، والضمير الغائب له وإن كان حاضرا لما ذكر، وقوله: ما يكاد به يعني أن المصدر بمعنى اسم المفعول أو بتقدير مضاف على ما اشتهر في مثله، وقوله: بالموعد إن كانت الباء بمعنى في فهو اسم مكان أو زمان وإلا فهو مصدر بمعنى الموعود، وقوله: بأن تدعوا الظاهر أنه من الدعوى، ويصح أن يكون من الدعوة وقوله: ويستأصلكم تفسير ليسحتكم ومعناه يهلككم أجمعين، يقال أسحته وسحته بمعنى على اللغتين وقوله: كما خاب فرعون تصديق لقول موسى عليه الصلاة والسلام وقد خاب من افترى لأنه من كلامه لا تفسير له. قوله: (أي تنازعت السحرة الخ (فمرجع الضمير معلوم من قرله كيده، وقوله: في أمر موسى عليه الصلاة والسلام فإضافة الأمر إليه لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به وعلى هذا نجواهم ما ذكر، وقوله: أو تنازعوا على أن الضمير للسحرة، ومخالفته لما قبله بتغاير المتنازع فيه، وكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 الضمير لفرعون وقومه أظهر لسبق ذكرهم ولذا ذهب إليه الآكثر، وقوله: تفسير لأسروا النجوى على القول الأخير أو على الأول، ولا ينافيه قوله: فيه ليس هذا من كلام السحرة لأنه أحد شقي النزاع ولا تفسير النجوى أولا، بقوله: بأن موسى إن غلبنا الخ لأنه بعض ما ذكروه أو هو عليه كلام مستأنف كأنه قيل: فما قالوا للناس بعد تماء التنازع فقيل: قالوا: إن هذان الخ تنفيرا للناس وتقربا لفرعون وأما كونه تفسيرا على الوجه الثاني في رجوع الضمير للسحرة، فإنما يصح إذا كانت المعارضة شاملة للمعارضة القولية لا إذا كان المراد بها السحر الذي قابلوه به فتأمل. قوله: (على لنة بلحارث بن كعب (بفتح الباء وسكون اللام وأصله بني الحرث وهم قبيلة معروفة فخففه بحذف النون بعد حذف النون الجمع للإضافة وحرف العلة لالتقاء الساكنين كما قالوا علماء في على الماء وهو مخالف للقياس لكنه مسموع عن العرب فيهما، وقيل إنها لغة كنانة قال في العباب هذا من شواذ التخفيف لأن النون واللام قريبا المخرج فلما لم يمكنهم الإدغام بسكون اللام حذفوا النون كما قالوا: ظلت ومست وكذلك يفعلون بكل قبيلة يظهر فيها لام التعريف نحر بلعنبر فإذا لم تظهر لم يكن ذلك، وقوله: فإنهم جعلوا الألف الخ، يعني أن هذه اللام عندهم علامة التثنية لا علامة إعراب حتى تتغير كغيرها فأعربوه بحركات مقدرة، كالمقصور وكون اسمها ضمير الشأن غير مرضيئ لأن حذفه مع المشددة ضعيف، وقيل: مخصوص بالشعر وكون اللام لا تدخل الخبر لاختصاصها في الفصيح بالمبتدأ ولذا سميت لام الابتداء وتقدير لهما لتدخل على المبتدأ المقدر فيندفع المحذور وقيل: إنها لام زائدة لا لام الابتداء أو هي دخلت بعد إن بمعنى نعم لشبهها بالمؤكدة لفظا كما زيدت أن بعد ما المصدرية لمشابهتها للنافية ورد الأول بأن زيادتها في الخبر خاصة بالشعر. وقول النيسابوري أن القراءة حجة عليهم استدلال بمحل النزاع مع احتمال غيره لكن دخول اللام المؤكدة المقتضية للاعتناء بما دخلت عليه وحذفه يشعر بخلافه فيه هجنة وأما أن الحذف لا يجوز بدون قرينة ومعها هو مستغن عن التأكيد فليس بشيء لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم وهو للنسبة لا للمحذوف، وأما إنكار بعض القدماء له فلا يسمع كما قيل إنه جمع بين متنافيين وهما الإيجاز والإطناب، وقد ضعف كونها بمعنى نعم بأنه لم يثبت أو هو نادر وعلى تقدير ثبوته ليس قبلها ما يقتضي جوابا حتى تقع نعم في جوابه والقول بأنه يفهم من النجرى لأنها تشعر بأن منهما من قال: هما ساحران فصدق وقيل نعم تكلف. قوله: (وقرأ أبو عمرو أن هذين وهو ظاهر (لفظا ومعنى لكن في الدر المصون أنها استشكلت بأنها مخالفة لرسم عثمان رضي الله عنه فإنه فيه بدون ألف وياء فإثبات الياء زيادة عليه ولذا قال! الزجاج: أنا لا أجيزها رليس بشيء لأنه مشترك الإلزام ولو سلم فكم في القراآت ما خالف رسمه القياس مع أن حذف الألف ليس على القياس أيضا. وأما قول عثمان رضي الله عنه إني أرى في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فكلام مشكل وتفصيله في شرح الرائية للسخاوي، وقواءة ابن كثير وحفص قرأ بها كثير وهي أقوى وأظهر وتشديد النون على خلاف القياس فرقا بين الأسماء المتمكنة وغيرها. قوله: (الدي هو أفضل المذاهب (لأن المثلى تأنيث أمثل بمعنى أفضل كما في قوله ىسيرو إلا مثل فالأمثل، وقوله: ب! ظهار مذهبه متعلق بيذهبا وأفرده لاتحاده فيهما، ولأنه مذهب موسى عليه الصلاة والسلام وغيره تبع له فيه ولموافقة قوله: أخاف أن يبذل دينكم. وقوله: لقوله تعليل لكونه مرادا المفهوم من السياق. قوله: (وفيل أرادوا أهل طريقتكم الخ (فهو على تقدير مضاف ولا ينافيه إضافة طريقتكم الاختصاصية لأن من كان معهم من بني إسرائيل كان على طريقتم ظاهرا وليس لهم طريقة أخرى وإنما جعلهم أهل طريقتهم لعلمهم بها، وقوله: لقول موسى عليه الصلاة والسلام تعليل لإرادة ما ذكر. قوله: (وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم الخ (فلا تقدير فيه وهو مجاز واستعارة لاتباعهم كما يتبع الطريق كما أثار إليه المصنف رحمه الله والوجوه بمعنى الإشراف والأكابر وهم بنو إسرائيل على هذين القولين لأنهم كانوا أكثر منهم عددا وأموالآ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 وعلمآ، كما قيل ولا ينافيه استبعادهم واستخدامهم وقتل أولادهم وسومهم العذاب كما قيل لأنه كم من متبوع مقهور يكون فيه ذلك فتأمل. قوله: (نازمعو. واجعلوه مجمعا عليه (أي متفقا عليه يقال: أزمع الأمر وأزمع على الأمر كأجمع الأمر وأجمع عليه إذا عزم عزما مصمما متفقا عليه من غير اختلاف ولأهل اللغة كلام في الفرق بين جمع وأجمع فصلناه في شرح الدرة، وقوله: فهو قول بعضهم لبعضى هذا على القرل الأول والثاني في تفسير تنازعوا لا على الوجه الثاني كما قيل. قوله: (فاز بالمطلوب من غلب (إشارة الى أن المراد بالفلاح الفوز والظفر بالمطلوب، ولما كان الظفر بالمطلوب لا يكون بمجرد طلب العلؤ المعنوي وهو الغلبة بل بالعلؤ نفسه فسره به فالسين للتأكيد لأن ما حصل بطلب ومزاولة يكون أتم من غيره، وإذا ثبت الفلاح للغالب أفاد بطريق المفهوم أق غيره خائب لكن التعريض لا يتوقف على إرادة الطلب بالسين فمن فسره بظفر وفاز ببغية من طلب العلؤ في أمره وسعى سعيه، وأيده بأن في تفسير غيره إخلالا بمعنى السين وتقصيرا في حق التعريض لم يصب وقد فسر الجوهري وغيره استعلى بعلا فهذا أتم رواية ودراية. وقوله: مصطفين إشارة الى أن المصدر حال بهذا التأويل وقال أبر عبيدة: إن المراد موضع الاجتماع وهو المصلى والظاهر الأول. قوله: (وهو اعتراض (قال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلؤ المذموم وقد يكون لغيره وهو هنا يحتملهما فلذا جاز أن يكون محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على اجتماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله فالمستعلي موسى وهرون ولا تحريض فيه. وقيل: وجه الاعتراض أنه جيء بهذه الجملة أجنبية بين مقولاتهم من كلامه تعالى فهي اعتراض وفيه نظر لأن الظاهر أنها من مقولاتهم قالوا: ذلك تحريضا لقومهم فلا اعتراض اهـ والظاهر أنه لا مانع من الاعتراض على الوجهين، فتأمل. قوله: (أي بعدما أتوا مراعاة للأب (حيث قدموه على أنفسهم ومثله ما تقدم في تفويض جعل الموعد وضربه إليه، وقيل: إنه لإظهار تجلدهم لعلمهم بأنها أعظم من آياته، وقوله: اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا قدر الاختيار بقرينة أو الدالة على التخيير لكن ما ذكره تفسير معنى لا إعراب، وتقدير إعرابه إفا أن تختر الإلقاء أو نختاره وعلى تقديره خبرا الغرض منه العرض وهو يفيد التخيير أيضا، وقال أبو حيان: يجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي إلقاؤك أول بقرينة قوله: وأما أن نكون أول من ألقى وبه تتم المقابلة، ولذا قدر في قوله الأمر إلقاؤك أولا أو إلقاؤنا مبتدئين. قوله: (مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم (أي لما تأدبوا معه كما مر عاملهم بمقتضاه، وهو تقديم فعلهم فليس وعيدا على لسحر كما قيل، كما تقول للعبد العاصي افعل ما أردت وليس فيه تجويز السحر المنهيئ عنه ولا الأمر به بل هو كالأمر بذكر الشبهة لتكشف، وتقديم الباطل ليقذف بالحق عليه فيدمغه بتسليط المعجزة على السحر لتمحقه كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وفي قوله: عدم مبالاة بسحرهم رد لما قيل إن تقديم إسماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفزع لإدراك الحجة بعد ذاك، فتبقى ولا حاجة إلى القول بتقدير شرط وهو ألقوا إن كنتم محقين لأنه يعلم عدم إحقاقهم فيه فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره. قوله: (وإسعافا (أيمما مساعدة على ما أوهموا أي أتوا بكلام فيه إيهام به واحتمال له دون الجزم ببدئهم، وقوله: بذكر متعلق بأوهموا وهو ظاهر، وتغيير النظم إلى وجه أبلغ في شقهم حيث لم يقولوا، وأما أن نلقى أولا إذ أتى بكان الدالة على كون مطلق، ثم كون مخصوص يفيده الخبر كما بينه الرضي وجعلوا المفضل عليه من الموصولة بماض ليفيد التحقق وعموم تقدمهم على كل من يتأتى منه الإلقاء سواء هو أو غيره. قوله: (ولأن يبرزوا ما معهم ويسنفدوا الخ (وجه آخر للجواب عن الأمر مآله أن الأمر في الحقيقة بازالته لا بإثباته ويستنفدوا بالدال المهملة أي يستوفوه حتى ينفد ويفنى، وأما النفاذ بالذال المعجمة فهو من نفذ السهم الرمية إذا خرقها وليس بمناسب هنا. قوله: (فألقوا) إشارة إلى أن الفاء عاطفة على مقدر علم مما تقدم وإذا الفجائية تدل بواسطة نيابتها في الدلالة عن الفعل المقدر على وقوع ما بعدها بغتة، وقوله: والتحقيق أنها ظرفية أي منصوبة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 على الظرفية الزمانية لا المكانية كما ذهب إليه بعض النحاة، وظاهره أنها الآن ظرفية دياليه ذهب بعض النحاة، وقيل إنها كانت كذلك ثم جعلت مفعولا به لفاجأ فما ذكر باعتبار أصلها، وقوله: خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة ولذا أضيفت لها وسميت فجائية، وقوله: والجملة ابتدائية أي اسمية من مبتدأ وخبر، وهذا هو المشهور، وقيل إنه في الأكثر فيجوز إضافتها لفعلية مضرة بقد لمشابهتها الاسمية في دخول واو الحال عليها. قوله: (والجملة ابتدائية (ليس فيه حصر حتى يرد عليه قول أبي حيان أنه يليها الجملة الفعلية المصحوبة بقد كما أورده عليه بعضهم. قوله: (ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم (إيقاع المفاجأة على الوقت توسع لأن المفاجئ إنما هو الحبال والعصيئ مخيلا أنها تسعى وقيل إنه مجاز لأن مفاجأة الوقت تستلزم مفاجأة ما فيه، وكونه استعارة تمثيلية كما في بعض شروح الكشاف بعيد، وقال أبو حيان: هذا مذهب الرياشي إن إذا الفجائية ظرف زمان وهو قول مرجوح. وقوله: ضربت عليها الشمس أي استمرت زمانا من ضربت الخيمة إذا نصبتها. قوله: (على إسناد. إلى ضمير الحبال والعصتي (المؤنث وهو الرابط للخببر ولا يضر الإبدال منه لأنه ليس ساقطا من كل الوجوه، وقوله: قرئ يخيل أي بضم الياء التختية الأولى وكسر الثانية والرابط ما في المفعول من ضمير أنها وتخيل معطوف على تخيل أي قرئ تخيل بالفوقية المفتوحة وفاعله ضمير الحبال والعصيئ وأنها الخ بدل كما مز. قوله: (فأضمر فيها خوفا (الإيجاس هنا الإخفاء في النفس والخيفة الخوف لكن يكون فعله دالا على الهيئة والحالة اللازمة كما ذكره الراغب، ولذا فسره بعضهم هنا بخوف عظيم لأن صيرورته حالا له ربما يشعر بذلك ولذا اختير على الخوف في قوله: والملائكة من خيفته فلا وجه لما قيل إنه يأباه صيغة خيفة، والإيجاس فتأئل. قوله: (أو من أن يخالج الناس شك (أي يعرض لهم ويختلج في خواطرهم شك وشبهة في معجزة العصا لما رأوا من عصيهم دماضمار خوفه من ذلك لئلا تقوي نفوسهم إذا رأوا خوفه ذلك فيؤذي إلى عدم اتباعهم فلا وجه لما قيل إن الخوف منه ليس مما يحتاط في كتمانه فلا وجه للأطناب بذكر الإيجاس والإضمار اهـ وعلى الأول خوفه من مفاجأته لاحتمال عدم إبطاله. قوله: (ما توهمت (من غلبة سحرهم على الأول ومخالجة الشك على الثاني ولا تخف بمعنى لا تخف بعد هذا ولا تستمر على خوفك الأول وليس معناه لا يصدر منك خوف أصلا! ما هو ظاهره لوقوعه بحسب الجبلة كما أشار إليه ولذا قيل: إن النهي خرج عن معناه للتشجيع وتقوية القلب لا للنهي عن الخوف المذكور في قوله: خيفة لأنه ليس اختياريا، ولا يضرنا أق الأمور الاضطرارية تدخل تحت الاختيار والكسب باعتبار البقاء ولذا بين في علم الأخلاق دفع الخصال الذميمة، كما قيل لأنه عين ما اذعاه القائل. قوله: (تعليل للنهي (لأنه في جواب لم لا أخات والغلبة معنى العلؤ فظهورها يجعلها بمنزلة العلؤ المحسوس رالاستئناف بياني وحرف التحقيق أن وقوله وصيغة التفضيل إشارة إلى أنه ليس لمجرد الزيادة لأن السحرة لهم علؤ بالنسبة للعامة ولذلك استرهبوهم وأوجس منهم خيفة أولا وقوله تعالى: {وألق ما في يمينك} [سورة طه، الآية: 69] عطف على قوله: لا تخف ولا حاجة إلى تقدير تثبت وألق من غير حاجة إليه دمان ذكره بعضهم. قوله: (أبهمه ولم يقل عصاك (التحقير والتعظيم من ما الدالة على الإبهام المستعمل تارة للتحقير لأن الحقير لا يعتني به فيعرف وللتعظيم لأن العظيم لعظمته قد لا يحيط به نطاق العلم نحو فغشيهم من أليم ما غشيهم سواء كانت ما موصولة أو موصوفة، رقيل: التحقير على كونها موصولة والتعظيم على كونها موصوفة، وهذا بناء على المتبادر د! الا فلا وجه للتخصيص، كما قيل وهذا لا ينافي أن يكون له نكتة أخرى وهي ما في اليمين من الإشعار باليمن والبركة كما ذكره أبو حيان ولأنه قال في سورة الأعرافا ألق عصاك، والقصة واحدة لأنه لا مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع وحكاية الأول بالمعنى وإنما لم يذهب للعكس د! ان احتمل لأنه تفوت فيه النكتة فلذا آثر هذا، وفيما ذكروه نظر لأنه إنما يتتم إذا كان الخطاب بلفظ عربي أو مرادف له يجري فيه ما يجري فيه والأول خلاف الواقع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 والثاني دونه خرط القتاد فتأمل. قوله: (تلقف (التلقف هو التناول باليد أو بالفم والمراد هنا الثاني. وقوله: والخطاب أي لموسى عليه الصلاة والسلام لأنه تسبب بإلقائها لتلقفها، وقوله: على الحال أي المقدرة من الفاعل بناء على تسببه أو من المفعول وهو ما المراد بها العصا المؤنثة أي متلقفا أو متلقفة، والاستئناف بيانيئ والجزم في جواب الأمر، وقوله: بتشديد التاء أي بإدغام التاء الأولى في الئانية في حالة الوصل لئلا يلزم الابتداء بالساكن على ما بين في علم النحو والقرا آت. قوله: (إن الذي زوروا (إشارة إلى أن ما موصولة وافتعلوا أي كذبوا يقال: افتعل الكذب إذا اختلقه وعلى قراءة الرفع فالعائد محذوف أي صنعوه، وقوله: على المبالغة بجعله عين السحر لكثرة مزاولته له. قوله: اللبيان (ظاهره أنه على معنى من البيانية، والمشهور أنها في العموم والخصوص المطلق لامية لا بيانية لكنه قال في شرح الهادي: إن إضافة العام إلى الخاص في نحو إنسالط زيد بمعنى اللام، وقيل: إنها بمعنى من لأنه يحمل عليه كما يقال في شهر المحرم الشهر المحزم اهـ. وهو ظاهر كلام الشريف في أزل شرح المفتاح في إضافة علم المعاني وشجر الأراك فمن قال: هنا شرط الإضافة البيانية أن يكون المضاف إليه جنسا للمضاف يصح إطلاقه كليه وعلى غيره أي يكون بينهما عموم وخصوص وجهيئ فقد قصر ولم يصب فيما فسر! - ومثله في شرح الكتاب وشرح التسهيل. قوله: الأن المراد به الجنس المطلق (يعني أن المراد كيد هذا الجنس والطائفة ولذا لم يقل لا يفلح السحرة، وقوله: وتنكير الأول لتنكير المضاف يعني أنه إنه إذا كان المراد الجنس فلم لم يعرف الأول فأجاب بأنه قصد منه بمقتضى المقام تنكير المضاف فلذا نكر الثاني لأنه لو عرف كان الأول معرفة بالإضافة، فإن قلت فليكن تعريفه الإضافي للجنس وهو كالنكرة معنى وإنما الفرق بينهما حضوره في الذهن، قلت لا حاجة إلى تعين جنسه فإنه علم مما قبله من قوله: تخيل الخ وإنما الغرض بعد تعينه أن يذكر أنه أمر مموه لا حقيقة له، وهذا مما يعرف بالذوق وأما القصد إلى تحقيره كما قيل فبعد تسليم إفادته من غير تنوين لا يناسب المقام لما عرفت ولأنه يفيد انقسام السحر إلى حقير وعظيم، وليس بمقصود، وأما الاعتراض بأنه ينافي قوله: وجاؤوا بسحر عظيم في آية أخرى وعظم سحره يدل على عظم الساحر وأنه لو قيل: كيد الساحر لدل على أنه ساحر معروف فليس بشيء فإن عظمه من وجه لا ينافي حقارته في نفسه والتعريف الجنسيئ لا يدل على أنه ساحر معين إلا أن يريد أنه يحتمله فتأمل. قوله: (يوم ترى النفوس ما أعدت الخ (هو من قصيدة للعجاج أولها: الحمد لله الذي استقلت بإذنه السماء واطمأنت ب! ذنه الأرض وما تعنت الخ ومنها: يوم ترى النفوس ما أعذت من نزل إذا الأمور رغبت في سعي دنيا طالما قد مذت والمراد بيوم ترى الخ يوم القيامة الذي ترى فيه ما أعذته أي جعلته عذة مما فعلته في سعي دنيوي ومذت دنياه أمهل فيها وغبت أي صارت إلى آخرها، وقوله: في سعي دنيا متعلق بغبت رليس تنكير دنيا ضرورة لأنها تأنيث أدنى أفعل تفضيل وهو لا يؤنث إلا إذا عرف بالألف واللام أو الإضافة لأنها غلبت عليها الاسمية فلذا أثبتت من غير ضرورة كما في حديث البخاري إلى دنيا يصيبها وقول عمر رضي الله عنه: لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، ولذا قلبت واوها ياء فإنه مخصوص بالأسماء، وأما قوله: لمان دعوت إلى جلي ومكرمة فالظاهر أنه ضرورة وتمكنه من أن يقول الجلي فلا يجدي لأن الضرورة ما وقع في الشعر لا ما ليس! عنه مندوحة على ما بين في العربية. قوله: (حيث كان وأين أقبك (يعني أنه ظرف مكان أريد به التعميم لا التعيين، وقوله: إنه أي ما صنعه أو التلقف، وقوله: فألقاهم ذلك على وجوههم فيه إشارة إلى أن تكرير لفظ الإلقاء والعدول عن فسجدوا فيه مع المشاكلة والتناسب إنهم لم يتمالكوا حتى وقعوا سجدا ونسب الإلقاء إلى ذلك وهو التلقف وما صدر منه إسناد مجازي والفاعل الحقيقي هو الله، وتوبة مفعول له لسجد أو إعتابا أي رجوعا عما يعتب فيه من قولهم: أعتبه إذا أزال عتبه والهمزة للسلب كما في المصباح. قوله: (قدم هرون لكبر سنه الخ (لما قدم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 موسى في الأعراف وهو الظاهر لأنه أشرف من هرون والدعوة والرسالة إنما هي له فتقديمه على الأصل لا يحتاج لنكته وإنما المحتاج إليه تأخيره كما هنا فلذا أشار إليه بما ذكره، وهذه النكتة إنما هي في الحكاية لا في المحكي حتى يحتاخ إلى أن يقال إنه كلام فريقين من السحرة أو أنه حكى في أحد الموضعين بالمعنى ليدفع التعارض فتقديمه لكبر سنه أو لرعاية الفاصلة، أو لأنه لو قدم موسى ربما توهم أن المراد بربه من رباه وذكر هرون بطريق التبعية، وأورد على الأخير أن المقام لا يتحمله لأن سجودهم تعظيما يأباه، وتقديمه ثمة يدل على أنه ليس في الترتيب نكتة لا سيما والواو لا تقتضي ترتيبا وليس بشيء لأن التوهم لا يلزم أن يكون منهم بل من غيرهم، والمعظم غير معين عندهم، وتقديمه ثمة على الأصل فلا يحتاج لوجه وكون الواو لا تفيد الترتيب لا يستلزم أنه ليس لتقديمه نكتة إذ مثل الكلام المعجز لا يعدل فيه عن الأصل لغير داع وقد ذكر هذا القائل في سورة الأعراف ما يعارض ما ذكره هنا وما وقع في شرح المفتاح من أن موسى عليه الصلاة والسلام أكبر من هرون سهو، ورؤية منازلهم في الجنة بطريق الكشف بعد رفع غطاء الكفر مروي عن عكرمة رحمه الله. قوله: (أي لموسى (عليه الصلاة والسلام لما كان الإيمان في الأصل متعذيا بنفسه ثم شاع تعديته بالباء لما فيه من معنى التصديق حتى صار حقيقة أول تعديته باللام بتضمينه معنى الانقياد لأنه يقال انقاد له لا التسليم لأنه بمعنى الإيصال وأما الذي بمعنى الانقياد فالمعروف فيه أسلم نحو أسلم أمره دثه وسلم لغة قليلة، كما في المصباح مع ما فيه من كثرة الحذف وأما ما ذكره فغير ظاهر لأن الاتباع متعد بنفسه يقال: اتبعته ولا يقال اتبعت له، وهذا إذا لم تكن اللام تعليلية فإنه حينئذ يكون على أصله والتقدير والذي آمن بالله لأجل موسى عليه الصلاة والسلام وما شاهدتم منه ولذا اختاره بعضهم ولا تفكيك فيه كما توهم لكنه معارض لما تدره في الأعراف وهو بموسى لا بالئه لأن قوله: في الشعراء إنه لكبيركم الذي علمكم السحر لا ينتظمه لهان كان فيه إبقاؤه على أصله أيضا وفيه نظر، وقوله: أو لأستاذكم أي معلمكم لأن الأستاذ يستعمل في العرف بهذا المعنى، وهو معرب لأن السين والذال لم تجتمعا في كلمة عربية ومعناه الماهر، ويطلق على الخصيئ أيضا في العرف والمقصود مما ذكر التوبيخ لا فائدة الخبر أو لازمها. وقوله: إنه لكبيركم استئناف للتعليل، وتواطأتم بمعنى اتفقتم وهذا تلبيس منه لتنفير الناس والا فهم سحرة قبل قدومه ولم يعرف تعلمهم منه. قوله: (اليد اليمنى الخ (يعني معنى ئوله: من خلاف من جهتين مختلفتين وهو تخفيف قصد به التشديد، وقيل: إن في قطعها من وفاق إهلاكا وتفويتا للمنفعة فلا يكون القطع مرة أخرى عقوبة وفيه نظر، وقوله: كأن القطع ابتدئ من مخالفة العضو العضو يعني أن مبدأ القطع من الجانب المخالف لا من الخلاف نفسه لكنه جعله مبتدأ على التجوز وكون الخلاف بمعنى الجانب المخالف مجاز أيضا. قوله: (في حيز النصب على الحال (قيل المناسب لقوله: كأن القطع أن يكون صفة مصدر أي تقطيعا كائنا من خلاف أو قطعا وفيما اختاره تقليل التقدير. قوا! هـ:) شبه تمكن المصلوب الخ (يعني أنه استعارة تبعية بتشبيه شدة حاله بدخول المظروف في ظرفه لشدة تمكنه فيه والياء في قوله: بالجذع بمعنى في أو على والظاهر الئاني كما في مررت به وعليه، أو للإلصاق فلا يرد عليه ما ورد على قول الزمخشري في الجذع بأن الوجه أن يقرل على الجذع لأن المشبه لا ظرفية فيه. قوله: (وهو أول من صلب) ظاهره أنه أوقع بهم الوعيد، ولا يقال مثله بالرأي لكن الإمام قال: إنه لم يثبت في الأخبار ولا ينافيه قوله: أنتما ومن اتبعكما الغالبون وهو ظاهر. قوله: (يريد ئفسه وموسى (تفسير لضمير المتكلم مع غيره فالمراد بالغير على هذا موسى بقرينة تقدم ذكره في قوله: آمنتم له ولاحتمال كون الضمير دنه أشار إلى دفعه بأن الإيمان إذا تعدى باللام فهو بمعنى الانقياد ومجرورها غير الله كما وقع في آيات كثيرة تعليم بالتتغ وقولنا بمعنى الانقياد لم نقل الاتباع لما مر، ورأيته في نسخة فيما مر بمعنى الاتباع بالباء وحينئذ لا يرد عليه ما مز. قوله: (واللام الخ (قيل الحق أنها للتعنيل وليست بصلة للإيمان ولا دلالة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 في قوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} [سورة التربة، الآية: 61] ، عليه إذ معناه ويصدر عنه الإيمان لأجل المؤمنين وموافقتهم ودعوتهم وإلا لقيل يؤمن بالته وللمؤمنين وقوله: وموافقتهم ودعوتهم تفسير لقوله: لأجل المؤمنين إذ ليس المراد من كونه لأجلهم إلا أن إظهاره وقوله: آمنت بالئه لموافقته لهم ودعوتهم إلى التلفظ به وإظهاره لا إحداث الإيمان لأجلهم فإنه لا يخطر ببال أحد، فاندفع عنه ما قيل إنّ ما ذكره في آية التوبة يحتاج إلى الاستغفار والتوبة فإن ضمير يؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم وكيف يجوز أن يقول: تلك العظيمة في حقه اللهم اغفر له نعم لا مانع من جعلها صلة له بمعنى الانقياد، وقد اعترف به القائل ثمة، وأما قوله: وإلا لقيل الخ فيرد عليه أنه جمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة والمجاز فإنه في الأوّل بمعنى التصديق وفي الثاني بمعنى الانقياد ولو كانت اللام للتعليل لترك الفعل والعاطف فالحق ما ذكره المصنف إذ لا حاجة إلى ما ارتكبه من التغلف. قوله: (توضيع موسى (أي إهانته، وقوله: لم يكن من التعذيب في شيء أي لم يكن شارعا في شيء من التعذيب والمراد لا قدرة له عليه حينئذ، وقوله: وقيل رب موسى معطوف على موسى بحسب المعنى أي المراد من الضمير نفسه ورب موسى ووجه ضعفه ما مر من أنّ التعدية باللام لغير الله. قوله: (وأدوم عقابا (وفي نسخة عذابا وهما بمعنى، وأما كونه من البقاء بمعنى العطاء فبعيد وان جمع فيه بين الثواب والعقاب، كقول نمروذ أحيي وأميت، وقوله: ما جاءنا موسى به إشارة إلى تقدير العائد وإنما جعلوا المجيء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون به والعارفون من غير تقليد وقوله ة الضمير فيه أي المستتر الذي كان لموسى عليه الصلاة والسلام فلا حاجة لتقدير العائد والمراد الذي جاءنا مع موسى لأنه المراد ولكونه خلاف الظاهر أخره. قوله: (ما أنت قاضيه الخ (إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف لا مصدرية كما جوّزه أبو البقاء لأنّ دخولها على الاسمية ممتنع أو نادر، وقوله: صانعه إشارة إلى أنه يجوز أن يراد بالقضاء الإيجاد الإبداعي كما في قوله: فقضاهن سبع سموات كما ذكره الراغب، وقوله: أو حاكم به إشارة إلى معناه الآخر المعروف وإليهما أشار أيضاً في قوله: إنما تصنع ما تهواه أو تحكم ما تراه أي بما تراه لأنه يتعدى بالباء وفيه إشارة إلى أن مفعوله محذوف ويجوز أن ينزل منزلة اللازم، وأن تكون ما مصدرية وهذه الحياة المنصوب محلاً على الظرفية خبره، وقوله: في هذه الدنيا إشارة إلى إعرابها لمذكور على الوجه الأوّل. وقوله: صيم يوم الجمعة أي على التوسع بجعل الظرف مفعولا به. وقوله: أكرهتنا أي على تعلمه كما روي وفعله كما مز. قوله: (فإنّ الساحر إذا نام بطل سحره (الإضافة عهدية أي السحر الذي يكون بالتسخير والعزائم لا ما يكون شعبذة وعملا كالزئبق المار ذكره ولا ينافي هذه الرواية قوله: إنا لنحن الغالبون لاحتمال أن يكون قبل ذلك أو تجلداً كما أنّ قوله: إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قبله، وقوله: إلا أن يعارضوه استثناء مفرغ لأن أبي نفى معنى، وقوله: وأبقى فيه ما مرّ، وقوله: أي الأمر إشارة إلى أن الضمير للشأن وهو المراد بالأمر واحد الأمور، وقوله: بأن يموت تفسير لإتيان ربه، وقوله: حياة مهنأة بألهمز دفع للتناقض وقوله: المنازل الرفيعة تفسير له لأنّ المعروف فيها درجة السلم. قوله: (والعامل فيها معنى الإشارة الخ) أي هو حال من الضمير المستتر في لهم والعامل فيه ما في أولئك من معنى أشير والحال مقدرة ومن لم يفهها المراد منه قال إنه لم يظهر وجهه أو معنى الاستقرار في الظرف والآيات الثلاث. قوله: إنه من يأت ربه مجرما الخ، وأن في إن أسر تفسيرية أو مصدرية وإضافة عبادي تشريعية. قوله: (فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما (يعني أن الضرب إما بمعنى الجعل وحينئذ قيل إنه ينصب مفعولين فلهم المفعول الثاني كما يقال ضرب عليهم الخراج وسهماً بمعنى نصيب أو بمعنى اتخذ وقد ورد في كلام العرب بهذين المعنيين وطريقا مفعول به وهو ظرف في الأصل، وقال المعرب أنّ الضرب بمعناه المشهور وأصله اضرب البحر ليصير لهم طريقاً فأوقع الضرب على الطريق اتساعا فهو مجاز عقليئ. قوله: (مصدر وصف به (أي جعل وصفا لقوله: طريقاً مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر، وغيره واليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذحبت والمكان إذا كان فيه ماء فذهب كذا قال الراغب: وفي القاموس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 ما أصله اليبوسة ولم يعهد رطباً فيبس بالتحريك، وأما طريق موسى عليه الصلاة والسلام في البحر فإنه لم يعهد قط طويقا لا رطبا ولا يابسا وهو مخالف له، ويبس من باب علم، وقوله: إفا مخفف أي حذفت حركته للتخفيف فهو مصدرا وهو صفة مشبهة كصعب أو جمع لصاحب وقيل إنه اسم جمع، وهذا الاحتمال ذكره في الفتح أيضاً فيكون كخادم وخدم لكن لندوره لم يذكره المصنف رحمه الله وقوله: مبالغة لجعله في السعة كالطرق أو قدر كل جزء منه طريقا لأنه كان اثني عشر بعدد الإسباط كما سيأتي. قوله: (كان قتود الخ) القتود جمع قتد وهو خشب الرحل ويجمع على أقتاد والرحل ما يوضع على الناقة والمراد به الناقة هنا، والحوالب بالحاء المهملة جمع حالب، والحالبان عرقان يكتنفان السرة، وغرزا جمع غارز بالغين المعجمة وتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة وهي الناقة التي قل لبنها والغرازة ضد الغزارة فعكس اللفظ لعكس المعنى وهو منصوب على الحال، وقيل: صفة حوالب، ومعى واحد الأمعاء وهي معروفة وجياع جمع جائع وصف به المفرد، وضمت بفتح الضاد بمعنى جمعت، وحوالب مفعوله وفاعله ضمير الرحل ولا مضاف فيه مقدر وهو ذات وهو كناية عن هزالها، والبيت من قصيدة للقطامي أوّلها: قفي قبل التفرّق يا ضباعا ولايك موقف منك الوداعا ... وبعد البيت: على وحشية خذلت خلوج وكان لهاطلاطفل فضاعا ... قوله: (من المأمور (وهو فاعل أضرب أو أسر بقطع الهمزة، وقوله: يدرككم المراد موسى وقومه على التغليب والدرك والدرك اللحوق، وقوله: على جواب الأمر يعني أسر، ويحتمل أنه نهى مستأنف كما ذكره الزجاج. قوله: (استئناف (أي على قراءة حمزة وأما على قراءة غيره فهو معطوف، وأما تقدير المبتدأ فهو دأبهم في الاستئناف وقد مر فيه كلام، وقوله: والألف فيه للإطلاق يعني أنه مجزوم بحذف آخره، وهذه ألف زائدة لوقوعه فاصلة وأما كونه مجزوما بحذف الحركة المقدرة كقوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي فضعيف بل ضرورة فلذا تركه المصنف رحمه الله وإذا كانت حالية فاقترانها بالواو للنفيئ إذ لو كان مثبتا لم يقترن بها في الفصيح. قوله: (فاتبعهم الخ (اتبع متعد لاثنين في الأكثر كقوله: أتبعناهم ذرياتهم فلذا قيل إن الثاني مقدر أي عقابه أو رؤساء جيشه وقدره المصنف نفسه ولا محصل له) قلت (بل هو مفيد لأنه كناية عن أنه تبعهم فلا وجه لما ذكر، وقيل إنه جنوده والباء زائدة فيه كما نقل عن الأزهرفي، وقصق أئرهم أي اتبعه، وقوله: ومعه جنوده إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال وأن الباء للمصاحبة، وقيل: إنه قد يتعدى لواحد بمعنى اتبع كما أشار إليه بقوله: وقيل الخ ورجحه على تفسيره بأدركهم كما فسره به يونس لأن تلك القراءة تناسب ما ذكره، وقوله: لا تخاف دركاً ياً باه هنا فمن اعترض عليه غفل عن مرأده، والقراءة بهما تؤيد أنهما بمعنى وإن نقل عن يونس أن اتبع بقطع الهمزة معناه أسرع ووجه، ويوصلها معناه اقتفى وتبع وقوله: والباء للتعدية أي على الثاني. قوله: (والمعنى فأتبعهم جنوده وذادهم خلفهم (بالذال المعجمة بمعنى ساقهم وحثهم وهو تفسير لاتبعهم على كونه متعدياً لاثنين والباء زائدة إشارة إلى أنه كان معهم يحثهم على لحوقهم بهم لأن السائق لا بد من كونه مع المسوق وهذا من منطوقه لأنه معنى الاتباع إذ لم يرد به الإرسال وليس من دليل آخر كما قيل: ولا معارضة بينه وبين قوله: فاتبعهم فرعون وجنوده ولا إيهام فيه لعدم اتباع فرعون بنفسه كما توهم ومن ظنه على الوجه الثاني وأنه بدل من فرعون بدل اشتمال فقدسها، وما وقع في بعض النسخ زادهم بالزاي المعجمة من تحريف الناسخ قوله: (الضمير لجنوده (لقربه وجنئذ لم يذكر فرعون لأنه ألقى بالساحك ولم يتغط بالبحر لقوله: ننجيك ببدنك فوجهه ملاءمته للسباق والسياق فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له وأنه يوهم أمرا باطلا وأما تفسير ما هدى بما نجا فجواب بما لم يقله مع بعده عن المقام، ووجه المبالغة من الإيهام كما أشار إليه بقوله: ولا يعرف كنهه وإذا كان الفاعل ضميرا لله فما مفعول، وإذا كان ما فاعلاً فترك مفعوله لزيادة الإيهام، وقيل: إنه من أليم أي بعض أليم وإذا كان الفاعل ضمير فرعون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 فالإسناد مجازي كما أشار إليه. قوله: (أي أضلهم في الدين (لا في الفريق كما يشير إليه ما قبله وفي قوله: هداهم إشارة إلى أن المفعول حذف للفاصلة وقيام القرينة وهو الظاهر لا تنزيله منزدة اللازم ولا جعله بمعنى اهتدى، وأما توهم تكريره مع أضل وأنه توكيد له فينبغي فيه ترك العاطف فيدفعه أنه قصد التهكم به ففيه فائدة أخرى تقتضي المغايرة فلا وجه لما ذكر، وإذا أريد ما هداهم في وقت ما يفيد ما لم يفده لكنه ليس بلازم لدفع التكرار. قوله: (وهو تهكم به الخ (فإن قلت التهكم أن يؤتى بما قصد به ضده استعاة ونحوها وكونه لم يهد مجرد إخبار عما هو كذلك في الواقع، قلت قا أسا في الأنتصاف وغيره من شروح الكشاف هو كذلك ونكن العرف في مثله يدل على كونه عالماً بطريق الهداية مهتديا في نفسه لكنه لم يهد وفرعون ليس كذلك فلما ذكر كونه مضلاً تعين كون هذا المعنى سواه وهو التهكم، وهذا معنى لطيف فاحفظه، وقيل: ليس المراد الاستعارة التهكمية بل التهكم اللغوي وهو الاستهزاء وفيه بحث ثم قال: إنه كمن ادعى دعوى وبالغ فيها فلما حان وقتها قيل له: لم لم تأت بما ادعيت تهكما واستهزاء، ولا يخفى أن دلالته على ما ذكر بواسطة التلميح. قوله: (في قوله وما أهديكم الخ (يعني أنه من التلميح لما ذكر مما ادّعاه وبما تضمنه من الاستهزاء غاير ما قبله فلا يرد عليه أنّ حقه عدم العطف وقوله: أو أضلهم الخ، فالضلال بمعنى آخر، وقوله بما فعل الخ متعلق بخطاب، وقيل: تقديره امتنانا بما الخ. قوله: (بمناجاة موسى الخ (هو تفسير معنى لا إعراب فإن كان تفسير إعراب فمفعوله مقدر وهو المناجاة، وجانب الطور منصوب على الظرفية لأن جنب وما بمعناه سمع نصبه على الظرفية من العرب كما ذكره الراغب وابن مالك في شرح التسهيل فمن قال إنه محدود لا ينتصب بتقدير في وأن الأولى ما في بعض النسخ لمناجاة باللام وجانب مفعول واعدنا على الاتساع أو بتقدير مضاف أي إتيان جانب الخ لم يصب، والذي غره فيه كلام المعرب، وقوله: للملابسة أي هو مجاز في النسبة بجعلهم كأنهم كلهم مواعدون، وقوله: على التاء أي بضمير المتكلم. قوله: (والأيمن بالجرّ على الجوار) أي قرئ به وهو صفة لجانب بدليل قراءة النصب ولأنّ الموصوف بأنه أيمن جانبه لا هو وما قيل إن الجز الجوارفي شاذ لا ينبغي تخريج القرآن عليه والصحيح أنه صفة للطور من اليمن أي البركة أو لكونه على يمين من يستقبل الجبل رذ بأن شذوذه على تسليمه لا ينافي تخريج قراءة شاذة عليه وقوله: لكونه على يمين الخ، غير ظاهر. قوله: (والتعدي لما حد الله الخ (كان الظاهر عما حد الله لأنه يتعدى بعن لما ترك وباللام لما فعل، ولذا قيل: المراد بما حده المحرّمات وهو مع إخراجه للمشتبهات عن الطغيان غير مناسب في الأولى أنه من المتعدي بنفسه كقوله: ومن يتعد حدود الله واللام زائدة لتقوية المصدر من غير احتياج لما تكلفوه وانبطر عدم القيام بحقوق النعمة. قوله: (فيلزمكم ( أي يتيقن ويتحقق وقوعه وأصله من الحلول وهو في الأجسام فاستعير لغير هائم شاع حتى صار حقيقة فيه، وتردّى هلك من الردا ولذا عطفه عليه للتفسير وأصله كالهوفي الوقوع من علو، وقوله: وقع في الهاوية أي النار فيكون بمعنا. الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه، وقوله: بالضم الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الذي في معنى الوجوب بالكسر والمضموم في معنى النزول، وفي المصباج حل العذاب يحل ويحل حلولاً هذه وحدها بالضم والكسر والباقي بالكسر فقط، وحللت بالبلد من باب قعد إذا نزلت به، وقوله: عن الشرك قيده به لاقتضاء المقام، ولذا فسر آمن بمعنى عام ليفيد ذكره بعده. قوله: (ثم استقام الخ) أي استمرّ عميه وهو تفسير لقوله: ثم اهتدى بما ورد التصريح به في آية أخرى وثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أوّل الاهتداء، أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإنّ المداومة أعظم وأعلى من الشروع كما قيل: لكل إلى شأو العلا حركات ولكن قليل في الرجال ثبات ... وهذا هو المختار في الكشاف وشروحه. قوله: (سؤال عن سبب العجلة (ما الاستفهامية في الأصل للسؤال عن الشيء، وقد تكون للسؤال عن وجهه وسببه، والثاني هو المراد هنا والسؤال يقع من الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 تعالى لكنه ليس لاستدعاء المعرفة من علام الغيوب، بل إما لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه، كما صرح به الراغب في مفرداته وظاهره أنه ليس بمجاز كما يقول التلميذ: سألني الأستاذ عن كذا ليعرف فهمي ونحوه فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، حتى يقال الإنكار مستفاد من السياق، ولا يرد عليه أنّ حقيقة الاستفهام محال عليه تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه فالمعنى ما أعجلك متباعداً عن قومك والإنكار بالذات للبعد عنهم، فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة لأنها وسيلة له فاعتذار موسى عليه الصلاة والسلام بخطئه في اجتهاده لظن هذا المقدار من البعد لا يضر كما جرت به العادة لا سيما والحامل عليه طلب مرضاة الله بالمبادرة لامتثال أمره، فالجواب {هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ} [سورة طه، الآية: 84] الخ تميم كما قيل، ومحصل كلامه تطبيق الجواب على السؤال لما يرى من عدم مطابقته ظاهراً. قوله: (من حبث إنها نقبصة في نفسها (تعليل للإنكار. وقوله: في نفسها أي بقطع النظر عما يقتضي تحسينها في بعض المواضع كخوف الفوات. وكونه مما ينبغي المبادرة له فلا يرد عليه قوله: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم واغفال القوم تركهم، وقوله: وايهام التعظم أي ربما يتوهم أنه يعظم عن صحبتهم. قوله: (أجاب موسى عليه الصلاة والسلام عن الأمرين (أي عن السبب والإنكار وقد عرفت ما يرد على السؤال ودفعه، وقوله: وقدم جواب الإنكار في قوله: هم أولاء على أثري فإن محصله أنهم لم يبعدوا عني وان تقدمي على معتاد الناس وظني أن مثله لا ينكر ويعد نقيصة فاندفع ما قيل إنه لا يدفع الإنكار إلا بما بعده وكذا ما قيل إنه على هذا لا وجه للسؤال والإنكار لأنه تعالى أعلم بمرتبة تقدّمه التي هي غير منكرة ولو جعل هذا جوابا عن عدم إغفاله كان أحسن لكنه يفوت وجه التقديم وأهميته لأنّ السؤال سيق له، وترك ما في الكشاف بأنه للمهابة ذهل عن الترتيب اللائق بالجواب لأنه إنما يلتجأ لمثله عند عدم غيره لأنه آخر الدواء، وقيل: لما فيه من إساءة الأدب بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: السؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه أعجلك المتعدي بعن، وقيل: الجواب إنما هو قوله: وعجلت الخ وما قبله تمهيد له فتأمل. وقوله: بخطا يسيرة من قوله: على أثري، والرفقة جمع رفيق وقوله: ببعض لو سقطت الباء كان أولى، وقوله: توجب مرضحاتك أي رضاك بحسب وعدك. قوله تعالى: ( {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} الآية (استئناف كلام وقصة أخرى ولذا أعاد قال: والفاء للتعقيب من غير تعليل أي أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا الخ، وقيل إنها تعليل لما سبق أي لا ينبغي البعد عن فومك فإنهم لحداثة عهدهم بمكان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإنّ القوم الذين خلفتهم مع أخيك أضلهم السامري فكيف تأمن على هؤلاء، وقوله: ابتليناهم أي أوجدنا وخلقنا فيهم تلك البلية، وقوله: وهم الذين خلفهم إشارة إلى انّ المراد بقوله: قومك غير المراد بما قبله ولذا لم يأت بضميرهم وقد جوّز في الكشف أن يكون عين الأوّل لإعادة المعرفة بعينها لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أوّلاً النقباء وثانياً المتخلفون ومثله كثير فتأمل. وقوله: وقرئ وأضلهم أي بأفعل التفضيل وقوله: أشدهم ضلالاً إشارة إلى أنه من الثلاثي لا من المزيد لكنه يفيده لأنه أشدية ضلاله بالإضلال لأنه ضلال على ضلال. قوله: (فإن صح الخ (وفي نسخة وان صح يعني إن صح ما ذكر مما يقتضي وقوع قصة السامرفي بعد عشرين من ذهابه لجانب الطور وما في الآية من التعبير بالماضي يقتضي وقوعه قبيل خطاب الله له وخطابه له كان عند مقدمه للطور فيتعارض ما ذكر في الرواية وما في النظم فأجاب بأن الخطاب عند مقدمه، وأن ما ذكر وقع بعده لكنه عبر عنه بلفظ الماضي لأنه قريب الوقوع مترقب فهو من مجاز الأوّل لا استعارة، وقوله: إن صح إشارة إلى جواب آخر، وهو إنا لا نسلم صحته وإذا سلم فالجواب ما مرّ، وقوله: أقاموا معناه استمرّوا عليه ولم يتعرّض لكون مقدمه قبل عشرين لظهوره لأن قرب المسافة بينهم معلوم، وقوله: وإن هذا وفي نسخة وهذا الخطاب معطوف على قوله إنهم أقاموا: إشارة إلى التردد في صحته لأن الجمهور على أن المكالمة إنما وقعت بعد الأربعين أو في العشر الأخير ويدل عليه قوله: فرجع موسى إلى قومه غضبان وقوله: كان جواب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 أن الشرطية. قوله: (بلفظ الواقع (أي الماضي لأنه كالعليم فيه، فلا يتوهم أن اسم الفاعل للحال مع أنه لا يضرّنا. وذكر في الكشاف وجها آخر: وهو أن السامري عد ذهابه فرصة فباشر أسباب إضلالهم، فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع من جانبه، والجواب المذكور هنا نظ! هـ فيه إلى جانب إيجاد الخالق. قوله: (فإنّ أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته (أي مبناه ذلك، لأنّ تعلق العلم والمشيئة يقتضي وقوعه لا محالة فلذلك يعبر عنه بالماضي، وهذا تعليل لجري العادة الإلهية به. قوله: (والسامري الخ (وقيل السامرة اسم موضع والعلج الرجل من كفار العجم، وأصله الحمار الوحشي، وبأجر ما بالقصر قرية قريبة من مصر، أو من الموصل، وظفر بفتحتين علم. قوله: (حزيناً بما فعلوا (قال الراغب: الأسف الغضب والحزن معا، وقد يقال: لكل منهما على الانفراد لتقاربهما كما قال: وحزن كل أخي حزن أخو الغضب فلذا فسره هنا بالحزن، لئلا يتكرّر مع قوله غضبان، وفسره بالغضب في الأعراف، ولم يرتض هذا ثمة. قوله: (أفطال (فيه مذهبان مشهوران: فهو إفا معطوت على مقدر، أي أوعدكم فطال، والإنكار للمعطوف أو هي مقدمة من تأخير، لصدارتها والمعطوف عليه لم يعدكم لأنه بمعنى قد وعدكم، والزمان تفسير للعهد لأنه يرد بمعناه، وقوله: زمان مفارقته إشارة إلى أن أل في العهد للعهد، وقوله: يجب عليكم، مرّ تحقيقه، وما هو مثل في الغباوة البقر كما قيل: وما عليئ إذا لم تفهم البقر قوله تعالى:) {أَمْ أَرَدتُّمْ} الخ (أي فعلتم ما يقتضي حلوله لأن مباشرة ما يقتضيه بمنزلة إرادته، وهو من بديع الكلام. وقوله: وعدكم إياي فالمصدر مضاف لمفعوله، وقوله: إذا وجدت الخلف فيه الخ فأفعل للوجدان كما يقال: أحمدته إذا وجدته محمودآ، وقوله: وهو لا يناسب الترتيب أي بالفاء على الترديد أي على كلا شقي الترديد بالهمزة وأم ولا على الأخير لأنه إفا عليهما أو على الأخير منهما وأما ترتبه على الأول وإن احتمل فلا يحسن مع الفاصل بينهما لأن طول العهد ومباشرة ما يقتضي غضب الله لا يترتب عليه وجدان خلفه للعهد وكذا الأخير وكذا قولهم في الجواب بملكنا فتأمل. قوله: (بأن ملكنا أمرنا (ملك الأمر عبارة عن تخليتهم واً نفسهم من غير أمر ورأى آخر وفسره الطيبي بالقدرة ويسوّل بمعنى يزين ولحسن، وقوله: مصدر ملكت الشيء هذا في أصل الوضع وقد يفرق بينها. قوله: (أحمالاً (هذا أصل معناه ولذا سمي به الإثم، وقوله: باسم العرس الباء للسببية واسم إمّا مقحم كما في ثم اسم السلام عليكما، أو المراد بتسمية العرس بأن قالوا لهم: إن لنا عرسا أي جمعية للزواج فأعيروها لنتزين بها فيه وهذا الاستعمال معروف في لساننا تقول أخذته باسم كذا، وقوله مخافة أن يعلمرا به أي بالخروج لورودها لهم وكأن خروجهم كان قبله أو في أثنائه إذ لو كان بعده لم يعلم خروجهم. قوله: (ولعلهم سموها أوزارا الخ (قال بعض أهل العصر عليه أنه مخالف لما ذكره فيئ تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ} [سورة الأعرات، الآية: 148، الخ في الأعراف من أنّ إضافتها إليهم لأنهم ملكوها بعد هلاكهم كما ملكوا غيرها من أملاكهم ألا ترى إلى قوله: كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فإنه يدل على حل مال الغنيمة حينئذ وهو مخالف لما في صحيح البخاري وغيره من أن الغنائم لم تحل لأحد قبل نبينا جمتن ولعله في غير العقار والأراضي لما صرح بهه في الآية المذكورة فما ذكره القاضي ثمة محتاج للجواب بتخصيص الغنائم بما أخذ بالقتال ونحوه من المنقولات، وقوله: وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي أي بغير رضاه كما صرّج به، وهذا مبنيّ على أنّ الأوزار أشهر في الآثام وان كان أصل معناها ما مرّ. قوله: (أو لآنهم كانوا مستأمنين الخ) معطوف على قوله فإن الغنائم الخ والظاهر أنهما راجعان لما تقدم بجملته، وقيل: الأوّل ناظر إلى كون المراد بالأوزار ما ألقاه البحر والثاني إلى كونه ما استعاروه. قوله: (أي ما كان معه منها) أي من الحليّ التي عنده مما أخذه من القبط، وقيل: الذي ألقاه هو تراب أثر فرس جبريل عليه الصلاة والسلام وأيده بعضهم بتغيير الأسلوب إذ لم يعبر بالقذف المتبادر منه أنّ ما رماه جرم مجتمع وفيه نظر، وقد قيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 إنه ألقى الحليّ ومعها ذلك التراب، وكان صنع في الحفرة قالب عجل. وقوله: حسبوا أن العدة أي الوعد بحساب الليالي مع الأيام كما مرّ، ونسجر بالجيم المشددة بمعنى نوقد. توله:) جسداً (بدل من قوله عجلا ليبتليهم الله به فيميز الخبيث من الطيب وإن كان لا يسأل عما يفعل، وقوله صوت العجل هو معناه لغة وفعلل يكثر فيما يدل على صوت. وأوّل ما رآه منصوب على الظرفية بافتتن. وقوله: أي ترك فهو مجاز كما مرّ وليس من مقول القول على هذا بخلافه في الوجه الأول. وقوله: من إظهار الإيمان إشارة إلى ما مرّ من أنه كان منافقا. قوله: (ألا يرجع إليهما الخ) رجع يكون متعديا فقولا مفعوله، ومعنى رد الكلام مخاطبتهم، ولو ابتداء وجعله ردّاً بناء على الاكثر. وقراءة النصب مروية عن إبان وغيره، وضعفها المصنف بأنّ أن الواقعة بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب كما ذكره الرضي وغيره، وهي المخففة من الثقيلة لا لأنها تدخل على المبتدأ والخبر وأن المشددة كذلك وان كنت مؤوّلة بمصدر والمخففة فرعها ولو دخلت على المصدرية لزم الاقتصار على أحد المفعولين لأنه يشاركها في ذلك ظن وأخواتها مطلقا بل لأدق أن الناصبة لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقرّ فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه بخلاف المخففة ولم يجعلها بصرية، كما ذكره المعرب لأن رجع القول ليس بمرئي وقد قيل إنه جعل بمنزلة المرئيئ المحسوس لظهوره، وقيل إنها تقع بعد رأي البصرية أيضاً لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاج المفصل، وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوع الناصبة بعد أفعال العلم، وقوله: أفعال اليقين خصها لأن الظن الغالب بطريق الحمل عليها، والقول بأن القرآن حجة على غيره، هنا مما لا وجه له بعدما سمعت. قوله: (على أنفاعهم وأضرارهم (لم يوجد في كتب اللغة أنفع وقد خطئ فيه المصنف ش حمه الله، وكأنه لمشاكلة الأضرار هنا، وقوله أو قول السامري هو قوله: هذا إلهكم واله موسى. وقوله: توهم اًي تفرس ولو بالظن للقرائن المشاهدة منهم وإنما يكون هذا قبل قوله، وقوله: وبادر تحذيرهم أي إلى تحذيرهم، وقوله لا غير الحصر من تعريف الطرفين. قوله: (وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول (وهو تفسير قوله من قبل بقوله من قبل رجوع موسى، ورد التأييد بأن هذا القول على الوجهين قبل مجيء موسى، فيصح على الوجهىيئ، وأجيب بأن قولهم لن نبرج الخ يدل على عكوفهم حال قوله والعكوف إنما كان بعد قول السامري، وأما احتمال كون القائلين هم الذين افتتنوا به أول ما رأوه فبعيد فتأقك. قوله: (في الفضب الخ (فإنه كان معروفا بذلك. وقوله ولا مزيدة الخ، لأن ما امتنع عنه هو الاتباع لا عدمه، وقيل إنها غير مزيدة، بجعله بمعنى دعاك وحملك بحمل النقيض على النقيض. كما حقق في المفتاح وشروحه ومر تفصيله في سورة الأعراف. وقوله إذا الخ متعلق بمنع، ولا حاجة إلى جعله متعلقا بتتبعن، كما قيل إذ ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها، وإن تكلف الجواب عنه هنا. وقوله: بالصلابة متعلق بأمري. قوله: (استعطافا وترقيقاً (كان وجهه أنّ الأمّ أشفق وأرق قلباً فنسبته إليها تذكير بالرقة البشرية ولذا قالت العرب: ويلمه دون أبيه فإذا أرادوا المدح قالوا لله در أبيه. وقوله: بشعر الخ أصل وضع اللحية والرأس للعضوين النابت عليهما الشعر، ويطلق على شعرهما للمجاورة، وهو شائع في الأوّل والأخذ أنسب بالثاني، فلذا قدر شعر. قوله: (من شدّة غيظه الخ (لما كان غضوبا، وغضب لله لاعتقاده تقصيرا في هرون يستحق به التأديب، عند. فعل به ما فعل، وباشر ذلك بنفسه ولا محذور فيه أصلا ولا مخالفة للشرع، حتى يرد ما توهمه الإمام، فقال: لا يخلو الغضب من أن يزيل عقله، أولاً والأول لا ينبغي اعتقاده، والثاني لا يزيل السؤال، وأجاب بما لا طائل تحته، وقوله: ببعض أي مع بعض منهم، ولم ترقب بمعنى لم تراع والدهماء بالدال المهملة الجماعة الكثيرة وضمن المداراة بمعنى الرفق، ولذا قال بهم، وقوله: فتدارك بالنصب في حذف إحدى التاءين وأصله فتتدارك. قوله: (ما طلبك له وما الذي حملك عليه) هذا أصل معنى الخطب، ثم شاع في معنى الشأن، والأمر العظيم لأنه يطلب ويرغب فيه، والاستفهام هنا عن السبب الباعث لما صدر عنه على وجه الإنكار البليغ، حيث لم يسأله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 عما صدر منه، ولا عن سببه بل عن سبب طلبه، ولذا لم يفسره بالشأن وان كان هو المشهور، وما يكون سؤالاً عن السبب، كما مرّ في قوله: {مَا أَعْجَلَكَ} فلا وجه لما قيل إنّ قوله: ما حملك عطف تفسيري للإشارة إلى تقدير مضاف، أي ما سبب خطبك ومن لم يتنبه له قال ما قال. وقوله: بالتاء أي في يبصروا وهو إمّا على التغليب، أو على أنّ الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام تعظيما له وهذا منقول عن قدماء النحاة. وقد صرّح به الثعالبي في سر العربية فما ذكره الرضي من أن التعظيم إنما يكون في ضمير المتكلم مع الغير كفعلنا مخالف له فلا يلتفت إليه وان اتبعه فيه كثير منهم. قوله: (علمت) إشارة إلى أن بصر بمعنى علم وأبصر، بمعنى نظر ورأى، وقيل إنهما بمعنى، وقوله: روحاني، أي ملك، وقوله محض أي ليس بجنيئ، وقوله: لا يصس أثره شيئا إلا أحياه، وكون الفرس فرس الحياة، تحيي آثارها، مما لا يدرك بالبحث، فإن كان تمويها منه وتدليسا في الحجة فظاهر فلا يقال إنه بعيد لأنه لو كان كذلك لكان الأثر نفسه أولى بالحياة، ألا ترى الإكسير يجعل ما يلقى عليه ذهبا، ولا يكون هو بنفسه ذهبا، مع أنه قال إنه لم أنها فرس الحياة لأنه رأى ما وطئته من التراب يخضر، أو سمعه من موسى عليه الصلاة والسلام فتدبر. قوله: (جاءك على فرس الحياة (لما أتاه ليذهب للميعاد، وقوله: وقيل إنما عرفه الخ الظاهر أنّ المراد إنما عريخه السامري لما ذكر، لا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يناسب السياق ولا بعد فيه، فإق بعض أرباب الحواشي، ذكر أق جبريل عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك بأولاد بني إسرائيل في زمان قتل فرعون لهم، ولا بعد فيه لكن الكلام في صحته، ولذا مرضه المصنف رحمه الله، وقوله: يغذوه أي يأتيه بغذائه وطعامه حتى استقل، أي تمّ مدة رضاعه واستغنى عن الرضاع. قوله: (من تربة موطئة (إشارة إلى أنه لا حاجة إلى تقدير مضاف، أي من أثر فرس الرسول لأنّ أثر فرسه أثره. وقيل إنّ المراد وطئة بنفسه وأنه المناسب للتفسير الأوّل في قوله: بصرت وعلى الثاني فيه مضاف مقدر، وهو فرس ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه به واليه ذهب كثير من المفسرين وموطئه مصدر أي وطئه. قوله: (والقبضة المرّة من القبض فأطلق على المقبوض (في الدر المصون النحاة يقولون إن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء ويقولون هذه حلة نسج اليمن لا نسيجة اليمن ويعترضون بهذه الآية ثم يجيبون بأنّ الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد، لا على مجرّد التأنيث، وهذه لمجرّد التأنيث، وكذلك قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [سورة الزمر، الآية: 67] وفيه نظر لأن لفظ اله زة فيه بعض نبوة عنه فتأمّل. قوله: (والأوّل للأخذ بجميع الكف الخ (يعني أنه مما غير لفظه لمناسبة معناه فإنّ الضاد المعجمة لتفشيها واستطالة مخرجها جعلت فيما يدل على الأكثر وهو القبص، بكل الكف والصاد المهملة لضيق محلها، وخفائه جعلت للقليل المأخوذ بأطراف الأصابع، وكذا الخضم وهو ا! ل بجميع الفم، والقضم بأطراف الأسنان، وهذا مراد من قال إن دلالة الألفاظ طبيعية، وقد تقدم تفصيله. قوله: (لم يعرف أنه جبريل (عليه الصلاة والسلام وإن عرف أنه ملك فلا ينافي أخذه أثر فرسه، وقوله: على الوقت أي تعين زمان قبضه وهو وقت إرساله له لما ذكر لا بعده، ونبذتها أي ألقيتها، وقوله في الحلي المذاب، أي قبل تصويره، وفي الوجه الأخير هو بعده. قوله: (زينته وحسنتة لي (أي أنه فعله لهوى نفسه، فهو اعتذار باعترافه بخطئه، وقوله: من مسك بفتح الميم معطوف على الكاف الواقعة مفعولاً وليس خوفه من مجرد أخذ الحمى لغيره، بلى له ولنفسه مع أنه لا بعد في خوفه من ضرر غيره منه المورث للنفرة عنه فلا غبار عليه، والسرّ في عقوبته على جنايته مما ذكر أنه ضد ما قصده، من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعزروه فكان سببا لبعدهم عنه وتحقيره وهذا أحسن مما قيل إنّ بينهما مناسبة التضاد فإنه أنشأ الفتنة مما كانت ملابسته سببا الحياة الجماد فعوقب بضده، وهو الحمى التي هي من أسباب موت الأحياء. وقوله فتحاصي بالنصب عطف على تقول. قوله: (وقرئ لا مساس كفجار وهو علم للمسة (يعني أنه علم جنس للمعاني مبنيّ على الكسر كفجار عالم للفجرة ولا الداخلة عليه ليست ناصبة لاختصاصها بالنكرات، والمعنى لا يكن منك م! لنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 وعلى قراءة الجمهور هو مصدر ماس كقاتل قتالاً وهو نكرة. قوله تعالى:) {لَّنْ تُخْلَفَهُ} ) هو بالتاء الفوقية المضمومة وكسر اللام في قراءة ابن كثير وأبي عمرو كما ذكره المعرب وابن كثير والبصريين كما ذكره المصنف ولا خلاف بينهما، وبفتح اللام على البناء للمفعول في قراءة الباقين، وعلى الثاني قول المصنف لت يخلفك الله إشارة إلى فاعله المحذوف، والمفعول القائم، مقامه وأنّ الهمزة للتعدية، وعقوبته في الدنيا بما مر وهو ظاهر، وقوله: بكسر اللام على البناء للفاعل، وقوله: لن تخلف الواعد إياه، فالضمير الأوّل للواعد وهو المفعول الأوّل والثاني محذوف، أي لا تقدر أن تجعله مخلفاً لوعده وسيأتيك أي يصل إليك، وفي نسخة ستأتيه: أي ستفعله من أتى إليه إحساناً ومنه كان وعده مأتياً، وقوله: لأن المقصود الخ فلذا خص بالذكر اعتناء به. قوله: (ويجورّ أن يكون الخ (كأجبنته وجدته جباناً، وقوله: على عبادته ففيه مضاف مقدر. واختلف في هذا الحذف فقال سيبويه رحمه الله أنه مخالف للقياس وقال غيره أنه مقيس في المضاعف، واختار المعرب أنه مقيس فيما كانت عينه منه مكسورة أو مضمومة ومثله قرن كما سيأتي، وقوله حركة اللام هي الكسرة، ويؤيده قراءة لنحرقنه بالأفعال فإنه لا يستعمل إلا في النار. قوله: (أو بالمبرد الخ (قال ابن السيد يقال حرقت الحديد حرقاً بفتح الراء إذا بردته لتحرفه، والحرق أيضا صوت الأنياب إذا حك بعضها على بعض، من شدة الغيظ، وقوله قراءة لنحرقنه، أي بفتح النون وضم الراء فإنه مختص بهذا المعنى، قيل ولا بعد في تحريق العجل، على تقدير كونه حياً بالمبرد، إذ يجوز خلق الحياة في الذهب، مع بقائه على الذهبية عندنا، وقال النسفيّ تفريقه بالمبرد، طريق تحريقه بالنار، فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق، وفيه أن النار تذيبه، وتجمعه لا تحرقه، وتفرقه فلعله بانضمام الحيل الإكسيرية ولا يخفى أنّ قوله لا بعد الخ مما لا وجه له وأمّا قول النسفيّ تفريقه الخ فقد مرّ عن ابن السيد مثله ووجهه، أنه إذا جعل أجزاء صغيرة دقيقة يكون أقرب إلى إحراقه، وجعله كالرماد، وقوله لنذرينه بالذال المعجمة من التذرية، وهو جعله كالتراب المرتفع بالهواء، وقوله فلا يصادف، بصيغة المجهول أي يوجد فيؤخذ. قوله: (والمقصود من ذلك الخ (زيادة العقوبة ظاهرة لأنّ الضمير للسامرقي، لرؤية معبوده هكذا، وابطال سعيه، والغباوة لعبادة عجل صار هباء بمرأى منهم، وقوله: إذ لا أحد يماثله ليس هذا من المنطوق بل لازم من انحصار الألوهية. قوله ة (لا العجل) معطوف على الله في قوله: إنما إلهكم الله، وقوله: وان كان حيا في نفسه أي هو لا يصلح للألوهية، ولو كان حيا بحياة أصلية، فكيف بالعارضة وهذا معنى قوله في نفسه، ومن غفل عن مراده، قال إنه يشعر بأنه لم يكن فيه حياة، وفيه مخالفة لما أسلفه آنفا، وقال العلامة: إن إحراقه يدلّ على أنه صار لحما ودما لأن الذهب لا يمكن إحراقه وفيه نظر. قوله: (وقرئ الخ) أي بالتشديد للتعذية، وقوله: في المشهورة أي في القراءة المشهورة وهي قراءة التخفيف. وقوله لكنه فاعل الخ دفع لسؤال وهو أنّ التعدية لا تنقل التمييز إلى المفعولية، وإنما تنفل الفاعل، كما تقول في خاف زيد خوّفت زيداً فأجاب بأنه فاعل في الأصل فلذا صار مفعولاً في هذه القراءة. قوله: (مثل ذلك الاقتصاص) فالمشبه قصص بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بقصة موسى صلى الله عليه وسلم في كونه إخبارا بالغيب معجزا ويصح أن يكون المشار إليه تصدر الفعل، المذكور بعده كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وكذلك أو الكاف في محل نصب صفة مصدر مقدر أي اقتصاصا مثل ذلك، والأمم الدارجة أي السابقة من درج إذا ذهب، وقوله وتكثيرا لمعجزاتك لكثرة الإخبار بالمعجزات لفظا، ومعنى لأخبارها بالغيب وهو وعد له بذلك. قوله: (كتاباً (فالمراد بالذكر القرآن لأنه يطلق عليه لكونه حقيقا بالتذكر والتفكر فيه، ولأنه يذكر فيه أخبار الأوّلين ووصفه بالعظمة لدلالة قوله من لدنا وتقديمه ونون العظمة والتنكير عليه. قوله: (وقيل ذكراً جميلا الخ) فالمراد ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم بنعوته الجميلة ومرضه لعدم ملايمته للسياق، ولذا قيل إنّ ضمير عنه حينئذ للقرآن المفهوم من السياق ولا يخفى ما فيه ولذا فسر ما بعده على الوجه الأوّل دونه، وقوله الجامع لوجوه السعادة والنجاة يفهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 من كونه الإعراض! عنه مؤذياً للإثم والشقاوة الأبدية، وما قيل إنه لا يبعد أن يستفاد من تنوين ذكراً في غاية البعد لأنه إنما غايته الدلالة على تعظيمه. وقوله: وقيل عن الله ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة ولبعده، وكون المقام لا يقتضي الالتفات مرضه. قوله: (عقوبة ثقيلة فادحة) بالفاء والدال والحاء المهملتين بمعنى مثقلة وليس بتكرار لأنه لا يلزم من الثقيل أن يكون مثقلا، وعلى كفره متعلق بعقوبة وذنوبه بالجرّ عطف على كفره، وفي الكشاف أن الوزر يطلق في اللغة على معنيين الحمل الثقيل، والإثم فيجوز أن يقال في وجه تسمية العقوبة بالوزر، شبهت العقوبة بالحمل الثقيل، ثم استعيل استعارة مصرّحة بقرينة ذكر يوم القيامة أو يقال العقوبة جزاء الإثم فهي لازمة له أو مسببة فأطلق الوزر وهو الإثم على العقوبة مجازاً مرسلا، هكذا قرّره الشارح العلامة وغيره ومحصله أنه مجاز عن العقوبة إمّا من الحمل الثقيل على طريق الاستعارة أو من الإثم على طريق المجاز المرسل، ولا يخفى انّ الأوّل هو المناسب لقوله: وساء لهم يوم القيامة حملا لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله في آية أخرى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فلا يخلو عن الكدر لأن قوله أو إثما عظيما المعطوف على قوله عقوبة لا يناسب السياق. والسباق إلا بتكلف أن يراد بالإثم جزاؤه كما قيل أو يقدّر في النظم مضاف على التفسير به، أي جزاء وزر ويفدح وينقض بمعنى يثقل. قوله: (سماها وزرا تشبيهاً الخ) أي استعارة مصرّحة كما قررنا قيل ويجورّ أن يكون من ذكر السبب وارادة المسبب والوزر على الأوّل بمعنى الحمل، وعلى الثاني بمعنى الإثم، ويجوز أن يكون من حذف المضاف أي عقوبة وزر ففي المضاف استعارة بالكناية ولا يخفى ما فيه كما يعلم مما قرّرنا.. قوله: (أو إثماً عظيماً) العظم من التنكير، وقد مرّ ما فيه قيل والمراد حينئذ بضمير الوزر في قوله خالدين فيه العقوبة استخداما إلا أن يقال إق الأوزار تجسم فلا حاجة إلى الاستخدام، ولا إلى جعله استعارة مكنية، وهو تكلف أنت في غنية عنه بما مرّ، وقوله: في الوزر أي بمعنى العقوبة، وقوله: والجمع فيه أي في خالدين بعد توحيد ضميرا عرض المستتر مراعاة للفظ من ومعناها. قوله: (أي بئس لهم الخ) ساء يكون فعلا متصرّفاً بمعنى أحزن ويكون فعل ذم، بمعنى بئس وحينئذ ففاعله مستتر يعود على حملا التمييز لا على الورّر، لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميراً بهما يفسره التمييز العائد إليه وان تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير ساء حملهم حملا وزرهم ولام لهم للبيان كما في سقيا له، وهيت لك متعلقة بمحذوف تقديره يقال لهم كأنه قيل هذا فقيل يقال لهم وفي شأنهم. قوله: (أشكل أمر اللام ونصب حملاَ ولم يفد مزيد معنى) يعني أنه لا يساعده اللفظ ولا المعنى لأنّ ساء بمعنى أحزن متعد بنفسه، وليس المحل محل زيادة اللام ولا داعي للتكلف في توجيهه كما قيل أنّ التقدير أحزنهم الوزر حال كونه حملا لهم، وقد رذه في الكشف بأنه أفي فائدة فيه، والوزر أدل على الثقل من قيده ثم التقييد بلهم وتقديمه وحذف المفعول لا يطابق المقام. وسياق الكلام ولا مبالغة في الوعيد به بعدما تقدمه. وقال الطيبي رحمه الله وتبعه المحشي المعنى أحزنهم حمل الوزر على أنه تمييز واللام للبيان ورده بأنه مفوّت لفخامة المعنى وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وان كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانه، وان كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأنّ المناسب حينئذ وزراً ساء لهم حملا على الوصف لا هكذا. وقيل يجوز أن يكون ساء لازماً بمعنى قبح وحملا تمييز ولهم حال ويوم القيامة متعلق بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملاً لهم في يوم القيامة، وفي ورود ساء بهذا المعنى في كتب اللغة وكلام الفصحاء على أنه معنى حقيقي نظر، وإن ذكره صاحب القاموس فتأمل. قوله: (إلى الآمر به (وهو الله فإسناده إليه تعظيم للفعل وهو النفخ لأنّ ما يصدر عن العظيم عظيم، أو هو تعظيم لإسرافيل النافخ بجعل فعله بمنزلة فعله وهو إنما يقال فيمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل إنه يجوز أن يكون تعظيما لليوم الواقع فيه ويتمشى على هذه القراءة التي تليه أيضاً. قوله: (وقرئ في الصور (بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف والمراد به الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 الجسم المصوّر، وبه فسر أيضا على القراءة المشهورة بسكون الواو وجوّز فيها أن تكون بمعنى القرن الذي ينفخ فيه وهو المشهور، وأورد على كونه جمع صورة أنّ النفخ يتكرر لقوله: ثم نفخ فيه أخرى والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرّر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق والجواب أن من يقرأ به، ويفسره به لا يجعل الثانية مثل الأولى في الإحياء ولا يلزم أن يجعلها في كل موضع بمعنى واحد فتأمّل. قوله: (زرق العيون (فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحور والكحل والحور صفة العين والظاهر أنه مجاز وأسوأ بمعنى أقبح، وقوله: لأن الخ علة لكونها أبغض، وأعدى بمعنى أشد عداوة فأزرق مجاز عن كونه قبيحا مكروهاً لأنه لازم له عندهم ولذا يقال: العدوّ الأزرق وعلى الثاني هو كناية عن العمي لأن الزرقة من لوازمه، والكبد بالباء الموحدة عضو باطني معروف وهم يتوهمون أنّ الحقد والعداوة في الكبد ولذا قالوا للأعداء سود اكباد كما ذكره أهل اللغة، ومن ضبطه الكتد بالمثناة الفوقية وهو مجمع الكتفين فقدسها وأصهب من الصهبة بالصاد المهملة وهي حمرة أو شقرة في الشعر، والسبال بكسر السين المهملة جمع سبلة والمراد بها هنا اللحية أو ما استرسل منها ومن الشارب، وتزراق بتشديد القاف مضارع إزراق كاد لهامّ بمعنى تشتد زرقتها، وقوله: لما يملأ الخ أي أو لضعفهم والخفت قريب من الخفض لفظا ومعنى. قوله تعالى: ( {إِن لَّبِثْتُمْ} الخ (بتقدير حال أي قائلين إن الخ، وقوله: أي في الدنيا. ييان لمرادهم بالعشر ويستقصرون بمعنى يعذونها قصيرة قليلة إمّا لتقضيها كما قاله ابن المعتز كفى بالانتهاء قصراً أو بالنسبة للآخرة أو للتأسف أي الحزن على سرعة تقضيها قبل علمهم بما صاروا إليه وتداركهم لما نالهم فيه كما في قولك: ليت الزمان امتذ حتى يكون كذا وكذا وهو معنى قوله: وعلموا الخ فلا وجه لما قيل إنه لا مدخل له في استقصار مدة لبثهم في الدنيا وما في الكشاف من استقصار أيام السرور أظهر منه. كوله: (أو في القبر لقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} إلى آخر الآيات (معطوف على قوله في الدنيا الخ وظاهره أنّ هذه الآية تعين أن المراد اللبث في القبور رلذا استدل بها تبعا للزمخشري، وأوردوا عليه أنه غير متعين كهذه الآية وقد ذكر الحسن في تفسيرها أن المراد لبثهم في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث فكيف يتأتى الاستدلال بها، وأجيب بأنّ قوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [سورة الروم، الآية: 56] صريح في أنه اللبث في القبور وبه يرجح هذا الوجه في الموضعين واليه أشار المصنف بقوله إلى آخر الآيات وأورد عليه أنه لا صراحة فيها لاحتمال أن يراد به ما قبل البعث الشامل لما في الدنيا ولما في القبر وأنّ المذكور هناك أقسامهم أنهم ما لبثوا غير ساعة، وهنا أنهم ما. لبثوا إلا عشرا والا يوما، في أخرى فكيف يتحد المراد في الموضعين ولا يندفع بأنه لا مخالفة بينهما لاختلافهم في مدة اللبث فقائل عشرا وقائل يوما وقائل ساعة والقائل ساعة أمثلهم طريقة فلذا ذكر هناك، وهذا صلح من غير تراض وهو غريب من قائله فإنه ليس المراد حقيقته ولا الشك في تعيينه بل المراد أنه لسرعة زواله عبر عن قلته بما ذكر فتفنن في الحكاية وأتى في كل مقام بما يليق به، فإن سلم إنه على طريق الشك في تعيينه فالجواب هو ما ذكره، وما قيل إن المراد باليوم معناه اللغوي وهو مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنا قليلا فلا تعارض! فيها، يأباه مقابلته بالعشر فتأمّل. قوله: (وهو مدّة لبثهم) إشارة إلى المراد بما الموصولة، وقله: أعدلهم لأنّ الأمثل الأفضل والمراد به بقرينة المقام ما ذكر، وقوله: استرجاع أي بيان لرجحانه والتقالّ تفاعل من القلة ووجه الرجحان أنه أبلغ في الطريقة المذكورة، وهو جار على الوجوه السابقة ويؤيد ما ذكرناه وسؤال الثقفي عن حالها في القيامة. قوله تعالى: ( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} الخ) قال النسفي وغيره: الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك فقل وهذا بناء على أنه لم يقع السؤال عنه كقصة الروج وغيرها فلذا استؤنف الجواب ثمة بدون فاء وقرن بها هنا لأنّ هناك استشراف النفس للجواب فيسألونك بمعنى سيسألونك واستبعده أبو حيان وكلام المصنف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 يخالفه أيضا فالفاء عند. متمحضة للسببية للدلالة على أنّ أمر قل تسبب عن سؤالهم والظاهر أنه إنما قرن بها هنا، ولم يقرن بها ثمة للإشارة إلى أنه معلوم له قبل ذلك فأمر بالمبادرة إليه بخلاف ذاك. قوله: (يجعلها كالرمل الخ) قال الراغب نسفت الريح الشيء إذا قلعته وأزالته وأنسفته وأصل معناه تطرحه طرح النسافة وهي ما يثور من غبار الأرض اهـ فما ذكره المصنف رحمه الله في تفسيره هنا معناه الحقيقي، وجعله رملاً أو غبارا داخل في معناه فليس تفسيراً باللازم تسامحاً كما قيل، وقوله: فيذرها بالفاء التعقيبية السببية على ظاهره ومن توهم أنّ حق الكلام لو كان معناه ما ذكر وبدرها بالواو الفصيحة لم يأت بشيء يعتد به، وقوله: فيذر مقارّها فالضمير للجبال وفي الكلام مضاف مقدر لا للمقارّ المعلومة منها بدلالة الالتزام أو للأرض التي دلت الجبال عليها كما في الآية المذكورة، وقوله: خاليا أي عن الجبال وكل مرتفع لأن معنى القاع المستوي من الأرض كما ذكره الراغب وهو يستلزم خلوها عما ذكر فلا وجه للاعتراض! على تفسيره بما ذكر، وظاهر كلام القاموس وقوله: والقاع أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام إن كان الخلوّ من منطوقه فدلالته عليه على ما ذكره الراغب بطريق الكناية وعلى ما في القاموس ومن تجريده لجزء معناه كالمشفر ليفيد ذكر قوله: صفصفا بعده على تفسيره. قوله: (اعوجاجاً ولا نتوءا (الإعوجاج ضد الاستقامة والنتوء الارتفاع اليسير، وقوله: إن تأملت التامّل أصله إطالة النظر ويكون بمعنى التفكر فليس فيه إشارة إلى أن رأي هنا علمية كما قيل وان كان قوله بالقياس يميل إلى كونها علمية والخطاب هنا عام لكل من يصح منه الرؤية والتأمل، والقياس الهندسي ما يعرف بالمساحة لأنه أحد فروع الهندسة، وقوله: وثلاثتها وفي نسخة وهو ثلاثتها والأولى أولى وهي قاعا وصفصفا ولا ترى الخ وهو إشارة إلى دفع ما يتوهم من التكرار فيها وهو يعلم مما فسر به وترتبها لأنّ استواءها يترتب على خلؤها عن الجبال والتضاريس، وكونها لا يعلم اعوجاجها بالمقاييس مترتب على الاستواء. قوله: (ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص المعاني) إشارة إلى الفرق بين العوج والعوج المنقول عن أهل اللغة كما في الجمهرة بأنه بالكسر في عدم الاستقامة المعنوية وهو ما لا يدرك بالعين بل بالبصيرة كعوج الدين، وبفتح العين فيما يدرك بها كعوج الحائط والعود، ولما كانت الأرض محسوسة واستقامتها واعوجاجها يدرك بالبصر فكان ينبغي فتح عينه بح! سب الظاهر، وجهه بأنه لما أريد به ما خفي منه حتى احتاج إثباته إلى المساحة الهندسية المدركة بالعقل ألحق بما هو عقليّ صرف فأطلق عليه ذلك لذلك، وما في القاموس من أنّ الاسم منه كعنب أو يقال: لكل منتصب كالحائط والعصا كفرج وفي غيره كعنب وكذا هو عن ابن السكيت لا يخالف ما هنا كما توهم لأن ذكر القائم المنتصب لأنه في رأي العين أظهر، وليس المراد الحصر ولذا جمع بينهما الراغب في مفرداته، واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما قال أبو عمرو يقال في الكل عوج بالكسر وأما العوج بالفتح فمصدر عوج وصح الواو فيه لأنه منقوص من أعوج ولما صح في الفعل صح في المصدر أيضا. قوله: (وقيل لا ترى استئناف مبين للحالين) قبله كأنه قيل إلى أي حذ هي في ذلك فقيل لا ترى الخ ويصح أن تكون صفة لما قبلها، وقوله: على إضافة اليوم إلى وقت من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أنه يكون للزمان ظرف وان كان لا مانع منه عند من عرفه بمتجذد يقدر به متجذد آخر، وقيل إنه من إضافة المسمى إلى الاسم كشهر رمضان وهذا بناء على ما ارتضاه سيبويه من أن العلم رمضان كما مرّ تحقيقه، وعلى هذا فهو متعلق بيتبعون المذكور بعده وقدمه لما في الثاني من الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله وعليه فقوله: ويسألونك الخ استطراد معترض وما بعده استئناف فاندفع ما ذكر عنه، وقوله: بدلاً إشارة إلى أنّ قوله: يوم ينفخ بدل أوّل والعامل ساء حينئذ. قوله: (من كل أوب إلى صوبه (الأوب الجانب والصوب الناحية، كما في قوله: صوب الصواب وقد أهمله في القاموس حتى خفي على بعضهم فجعله استعارة من المطر وفي نسخة صوته بالتاء الفوقية أي دعائه. قوله: (لا يعوج له مدعوّ ولا يعدل عنه (بالبناء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 للمجهول فيهما وفي شروح الكشاف أن هذا كما يقال لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت، كما هو بالفاعل، وفي بعضها وأصله أن المصدر تارة يضاف إلى الفاعل وتارة إلى المفعول يعنون بذلك أن دلالة المصدر على الفعل وعلى كونه مبنياً للمجهول باعتبار أنه يستعمل تارة مضافا إلى فاعله فيدل على المبني للفاعل وتارة مضافاً للمفعول فيدلّ على المجهول لا أن لنا مصدرين أحدهما معلوم والآخر مجهول، كما وقع في عبارتهم وقد خفي مرادهم على بعض، أرباب الحواشي وما ذكرناه مصرّج به في بعض كتب العربية، وضمير له للداعي، وقيل إنه للمصدر أي لا عوج لذلك الاتباع والعبارة تحتملهما، وقيل لا يعدل عنه تفسير لما قبله. قوله: (خفضت لمهابته (تقرير لحاصل المعنى ويحتمل تقدير المضاف، وقيل المراد أصحاب الأصوات ولا حاجة إليه لقرينة ما بعده، وقوله: وقد فسر الخ فهو من الهميس، ولذا قدمه فإن اعتبر فيه الخفاء أيضاً كما في كتب اللغة فهو ظاهر، وتكون الأصوات في النظم شاملة لها فإن لم تشملها فالمراد بخشوعها سكونها وعدم استماعها فيغاير التفسير السابق. قوله: (الاستثناء من الشفاعة (أي مع تقدير مضاف في المستثنى كما أشار إليه ولا يقدر مفعول له لتنزيله منزلة اللازم بخلافه في الثاني وأعتم المفاعيل أحد المحذوف وفيه إشارة إلى أن حذفه لقصد العموم، وله متعلق بمقدر اًي أذن في الشفاعة له كما أشار إليه أو تعليلية والحاصل كما في الدر المصون أنه إفا منصوب على المفعولية لتنفع ومن واقعة على المشفوع له أو في محل رفع بدلآمن الشفاعة بتقدير مضاف أو منصوب على الاستثناء من الشفاعة بتقديره أيضا وهو استثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعا إذا لم يقدر شيء وحينئذ هو إمّا منصوب أو مرفوع على لغة الحجازيين والتميميين والإذن الأول بفتحتين بمعنى الاستماع والمراد به القبول كما في سمع الله لمن حمده واللام تعليلية أي إلا من استمع الرحمن لأجله كلام الشافعين. قوله: (أي ورضي لمكانه عند الله قوله (أي مكان الشافع يعني أنّ اللام للتعليل لا أنه من قبيل حذف المضاف كما توهم، وقوله: لأجله وفي شأنه أي قول الشافع لأجل المشفوع وفي شأنه والفرق بينه وبين ما تقدم أنّ قوله له متعلق برضى على الأوّل ومتعلق بقولاً على الثاني كما قيل، وقيل هو على الثاني حال قدمت على ذيها ومآل المعنيين واحد وضمير قوله للشافع أيضا. وذكر الكواشي أن المعنى رضي قولاً كائنا له وهو كلمة التوحيد فالضمير المضاف إليه للمشفوع، وهو في غيره للشافع، فهو غير ما ذكره المصنف رحمه الله لأن اللام ليست للأجل فيه خلافا لمن توهم أن هو والوجه أنه على الأوّل اللام تعليلية متعلقة برضي والمراد بقوله: شفاعته وكذا هو على الثاني لكن المراد بقوله قوله في شأن المشفوع له أعمّ من الشفاعة كالاعتذار وعلى الثالث هو متعلق بلفظ قولاً وهي متقاربة فتدبر. قوله: (ما تقدّمهم من الأحوال الخ (قال المصنف في سورة البقرة بعدما ذكر هذا أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو عكسه أو ما يحسونه وما يعقلونه أو ما يدركونه وما لا يدركونه، وقد مرّ ما فيه. قوله: (ولا يحيط علمهم بمعلوماته (إشارة إلى أن علما تمييز محوّل عن الفاعل وأنّ في به مضافا مقدراً وقوله بذاته يقتضي صحة أنه يقال علمت الله إذ المنفيئ العلم على طريق الإحاطة وإذا كان الضمير لمجموعهما فهو بتأويل ما ذكر ونحوه. وقوله وهم الأسارى جمع عان بمعنى أسير من العناء والأولى ترك قوله في يد الملك. قوله: (وظاهرها يقتضي العموم (والمراد بالوجوه الذوات لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وعليها يظهر آثار الذل. وقوله وقد خاب الخ ومن يعمل من الصالحات تقسيم له وإذا أريد وجوه المجرمين فهو حقيقة، وقوله: وهو يحتمل الحال الخ ويحتمل الاعتراض! أيضاً وعلى الحالية الرابط الواو فمن قال الرابط اتحاد من حمل بالوجوه أو الرابط محذوف على تقدير العموم أي منهم لم يصب، وقوله: ويؤيده الخ فيه نظر خصوصا في وجه الحالية، وقوله لأن الإيمان بناء على خروجه عنها، وقوله بعض الطاعات إشارة إلى أن من تبعيضية، وقوله: مستحق بالوعد إشارة إلى أن تسميته ظلما مجاز والهضم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 في اللغة النقص ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما، ومنه هضم الطعام لتلاشيه في المعدة والظلم والهضم متقاربان، وقيل الظلم منع جميع الحق، والهضم منع بعضه، وقوله أو جزاء الخ فهو بتقدير مضاف أو المراد بما ذكر جزاؤ. مجازا والمراد أن هذا شأنه لصون الله له عنه ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه. قوله: (مثل ذلك الإنزال) أي إنزال ما مرّ من القصص المشتمل على قصص الأوّلين والوعد والوعيد، وعلى ما بعده هو تشبيه للكل بالجزء والمراد أنه على نمط واحد والوتيرة الطريقة والمراد طريقته في الإعجاز والإخبار بالمغيبات. قوله: (مكرّرين فيه آيات الوعيد) بيان لمعنى التصريف لا إشارة إلى إعرابه، فإنّ الجملة ليست حالية بقرينة ما سيأتي من المعطوف عليها وفي بعض شروح الكشات أنه يدلّ على أنه جعله حالاً قيداً للإنزال وهو محتاج إلى التكلف في عطف قوله: ولقد عهدنا الخ عليه. وقوله: المعاصي بيان لمفعوله المحذوف، وقوله: فتصير التقوى لهم ملكة إشارة إلى معنى لعل كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وأوّل التقوى بما ذكر لئلا يلغو الكلام والملكة تحصل من التكرار، وقوله: عظة فالذكر بمعنى تذكره للاتعاظ، ويثبطهم بمعنى يعوقهم عنها أي عن المعاصي. قوله: (ولهذه النكتة أسند الخ) أي لكون المراد بالتقوى ملكتها وبالذكر العظة الحاصلة من استماعه أسندت التقوى إليهم لأنها ملكة نفسانية تناسب الإسناد لمن قامت به والعظة أمر يتجدّد بسبب استماعه فناسب الإسناد إليه ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الألفاظ المسموعة وليس المراد أنه أسند إليهم تشريفا لهم ولم يسند الذكر لعدم استئهالهم للتشريف بهذا الفعل، ولا مخالفة فيه أيضا لما مرّ في قوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} من أنّ التذكر للمتحقق والخشية للمتوهم كما توهم، وقيل لأنّ الملكة تحصل بالتكرار لا بالقرآن بخلاف العظة فتأمّل. قوله: (في ذاته وصفاته) أخذه من إطلاق التعالي، وأن اسم الذات مستلزم لجميع الصفات، وخص الكلام بالتصريح لذكر القرآن والذكر قبله، ونفوذ الأمر وما بعده من عنوان الملكية لأنه من شأنها. وقوله: يستحقه أي الملكوت وهو مصدر مذكر بمعنى الملك وليس تاؤه للتأنيث ولذا وقف عليها بالتاء، والتفسير الأوّل على جعل الحقية للملك والثاني على جعلها لله وأيضا الأوّل على جعل الحق خلاف الباطل والثاني بمعنى الثابت. قوله: (نهي) وهو مستأنف أو معطوف على تعالى لأنه لإنشاء التعجب ومساوقته بمعنى متابعته قال الأزهري تساوقت الإبل تتابعت كأنّ بعضها يسوق بعضا قال في المصباج واستعماله بمعنى المقارنة لم يوجد في كتب اللغة، وقوله: حتى يتمّ وحيه أي تبليغه للوحي تفسير لقوله من قبل أن يقضي إليك وحيه، وعلى سبيل الاستطراد متعلق بنهي وقوله: وقيل مرضه لعدم ما يدلّ عليه وزيادة العلم في القرآن أو مطلقاً، وكونه بدل الاستعجال يفهم من السياق، وقوله: فإنّ ما الخ تعليل لتبديل الاستعجال فإنّ ما لا بد منه لا حاجة لاستعجاله بخلاف زيادة العلم فإنها مطلوبة، وتقدم بمعنى أمر كناية لأنه قد يقوم ويتقدم، وأوعز بعين مهملة وزاي معجمة بمعنى أمر كوعز. قوله: (وإنما عطف قصة آدم الخ (أي هو من عطف القصة على القصة فلا يضرّ تخالفهما خبراً، وانشاء مع أن المقصود بالعطف جواب القسم وجعله معطوفا على صرّفنا دون أنزلنا وان كان هو المتبادر لتمام المناسبة بينهما إذ ذكر تكرار الوعد والوعيد للتذكر وهم لم يتذكروا كما لم يتذكر أبوهم إشارة إلى أنها شنشنة أخزمية وتتضمن حكمة التكرير وهو النسيان فكأنه قيل: صرّفنا الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما نسي آدم عليه الصلاة والسلام، وقد قيل عليه أنّ فيه غضاضة من مقام آدم لمجر إذ ضربت قصشه مثلاً للجاحدين لآيات الله فهو إتا مستأنف أو معطوف على توله ولا تعجل، وفيه نظر، وقوله عرقهم: أي أصلهم وآدم عليه الصلاة والسلام يقال له عرق الثرى، وقيل إنه مستأنف والنكتة تفهم من تعقيبه له. قوله: (ولم يعن به (أي لم يهتم به ويشغل بحفظه وهو بصيغة المجهول أو المعلوم، قال في المصباج يقال عناني كذا شغلني ولتعن بحاجتي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 أي لتكن حاجتي شاغلة لسزك، وربما قيل عنيت بأمره بالبناء للفاعل فأنا عان، والتعقيب عرفي وليست الفاء فصيحة أي عهدنا فلم يعن فنسي كما قيل، وقوله أو ترك إشارة إلى أن النسيان يجوز أدط يكون مجازاً عن الترك. قوله: (تصميم رأي الخ (هذا يناسب تفسير النسيان بالترك وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقوله: ولعل ذلك كان في بدء أمره كأنه يريد أنه قبل النبوّة فهو اعتذار عما صدر منه، والشرى بفتح المعجمة وسكون الراء المهملة الحنظل والأري العسل وهو إقا استعارة تمثيلية لمزاولة الأمور أو الشرى مستعار للصعب، والأري للسهل استعارة تصريحية ويذوق ترشيح، وهو مثل ضرب للمزاولة، والأحلام العقول جمع حلم والمراد بوزنها مقايستها، والرجحان بمعنى الزيادة هنا يعني أنه مع زيادة عقله قد نسي، ولم يصمم أمره فكيف بغيره. قوله: (وقيل عزما على الذنب (مرضه لعدم تبادره ومناسبته للمقام ولأن محصله أنه نسي فيتكزر مع ما قبله، وقوله: مقدر باذكر قد مرّ تحقيق أمثاله، قيل وهو معطوف حينئذ على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ الخ أو من عطف القصة على القصة وتحقيق الاستثناء واتصاله وانفصاله مر تفصيله. قوله: (وهو الاستكبار (أصل معنى الإباء الامتناع أو شدته وإذا كان لازما فالمراد منه الإباء عن الطاعة وهو إنما يكون في الأكثر من التكبر فجاز دلالته عليه بطريق الكناية أو المجاز حيث لم يذكر معه الاستكبار كما في قوله: أبى واستكبر فإذا جمع بينهما فهو بمعناه الحقيقي فلذا اتتصر تارة على أبي وتارة على استكبر وجمع بينهما أخرى والى هذا أشار القائل: يرشدك إلى هذا قوله في سورة ص استكبر بدل أبى فلا يعارضه قوله: {أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} فإنه يدل على تقدير المفعول، والتكبر أي يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلبه والتشبع به، وقوله: عن الطاعة وقع في نسخة عن المطاوعة. قوله تعالى: ( {عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} ) أعاد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار. وما قيل إنه للدلالة على أن عداوته لها أصالة لا تبعا رد بأنه أمر لازم لما مر فلا يفيد هذه النكتة نعم لو قال عدو لك وعذو لزوجك اتجه ما ذكره ولم يسبق للزوجة ذكر حتى يقال إنه يمكن أن لا يعاد الجار ويقال لكما فتئم الدلالة نعم كونه أمرا لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام، ولذا جعل في المفتاح تنكير التمييز في قوله: اشتعل الراًس شيبا لإفادة المبالغة مع أنّ التنكير لازم للتمييز، وقال الشريف: وكون التنكير لازماً للتمييز لا ينافي قصد التعظيم وافادة المبالغة، وفيه نظر لأن التمييز قد يعرف كما في سفه نفسه على قول وهذه مناقشة في المثال لا تضر في المدعي مع أنه نادر كالعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار كما في تساءلون به والأرحام في وجه. قوله: (فلا يكونن سبباً لإخراجكما (يعني أن الإسناد إلى الشيطان مجازي لأنه سبب والمخرج هو الله، وقوله: والمراد الخ يعني أنه كناية عن نهيهما عن مطاوعتهما له وإتيان ما يقتضي تسببه وتسلطه عليهما على حد قوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} وقوله: بحيث يتسبب الشيطان أي يكونان بمكان وحال يقتضي تسبب الشيطان إلى الإخراج وضمن يتسبب معنى يتوصل فعداه بإلى وفي نسخة ينسب ولا قلب فيها كما توهم. قوله: (قتشقى (منصوب بإضمار أن في جواب النهي وأمّا رفعه على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى فقد استبعده المعرب بأنه ليس المراد الإخبار عنه بالشقاء بل المراد أنه إن وقع الإخراج حصل الشقاء وقوله: قيم عليها أي قائم بأمورها فهي تابعة له في الشقاوة والسعادة وفيه نظر ألا ترى امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون، وقوله: محافظة على الفواصل أي رؤوس الآي المناسب فيها كونها على روقي واحد متناسبة في الإفراد وغيره فلا يرد أنه لو قيل فتشقيا حصلت المحافظة أيضا، ووجه التأييد بهذه الجملة المستأنفة لبيان بعض ما في الجنة تعقيبه بأصول المعاس وإقطابها الأربعة، وهذا لا يلزم منه ترجيحه وتقديمه على الوجه الأوّل لعدم ظهور معنى الشقاء فيه إذ المتبادر خلافه فتأمل. قوله تعالى:) {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} (الآية فيها سرّ بديع من أسرار المعاني وهو الوصل الخفي وسماه في الانتصاف تطع النظير عن النظير وهو أنه كان الظاهر أن يقال لا تجوع فيها ولا تظمأ ولا تعرى ولا تضحى وهذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 كما قال الكندي في قول امرئ القيس: كأني لم أركب جواد اللذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ... ولم أسبأ الزق الروقي ولم أقل لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال. 00 فإنه كان الظاهر عكس صدري البيتين وقد أورد هذا الكندي على المتنبي في مجلس سيف الدولة في قوله: وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم ... تمز بك الأبطال كلمي هزيمة ووجهك وضاج وثغرك باسم ... ووجهه أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أنّ الجوع خلؤ الباطن والعرى خلوّ الظاهر، فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس المورث حرارة الظاهر، فكأنه قيل لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر، وهذا مآل ما ذكره المتنبي كما فصله الواحدي وغيره، وقيل إنه عدل عنه تنبيها على أن الأوّلين أعني الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان فالامتنان على هذا أظهر، ولذا فرق بين القرينتين فقيل إن لك وانك وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة لأن الأوّل يكسو العظام لحماً وأما الظمأ والضحى، فمن واد واحد وهذا الثاني هو ما أشرنا إليه، وقيل إن الغرض تعديد هذه النعم ولو قرن كل بما يشاكله لتوهم المقرونان، نعمة واحدة مع قصد تناسب الفواصل والأحسن ما قلناه وعدم التناسب غير مسلم، وقوله: فإنه الخ بيان لوجه التأييد والمراد بأقطابها أصولها وما عليه مدارها، وقوله: والكن أي المنزل معنى لا تضجي أي لا يبرز للشمس باكتنانه في ظله، يقال ضحى يضحا إذا برز لها، واكتفى بوقاية الحرّ عن وقاية البرد وقرن المصنف الشبع بالرفي، والكسوة بالكن إشارة إلى أنه مقتضى الظاهر وتوجيهه، ما مر والكفاف بفتح الكاف ما أغنى عن الناس، ومستغنيا حال من ضمير له، والاستغناء من قوله إن لك وأغراض في نسخة أعواض! جمع عوض ونقائضها مقابلاتها المفهومة من السلب وبذكر متعلق ببيان وتذكير على التنازع، ويطرق سمعه من باب نصر يصل إليه وهو مجاز مشهور كيقرع سمعه. قوله: (والعاطف وإن ناب الخ (جواب سؤال وهو أنّ الواو نائبة عن العامل وهو أنّ وإن لا تدخل على أن فلا يقال إن أنك منطلق، فكذا نائبها فأجاب بأنها نائبة عن العامل مطلقا لا عن أن بخصوصها والمانع هو الثاني وأجيب أيضاً بأنه إنما يمتنع الدخول بدون فاصل، وقد فصل بينهما ألا تراك تقول أن عندي أنك منطلق وعلى قراءة الكسر لا يرد السؤال لأنه معطوف عليها مع معموليها لا على اسمها ونسب الطيبي هذه القراءة إلى ابن كثير، وهو مخالف لما في كتب القرا آت المشهورة. قوله: الا من حيث إنه حرف تحقيق (أي لا أنه ناب عن أق بخصوصها وعبر عنها بما ذكر لأنه أشهر معانيها فلا يرد عليه أنه يفهم منه أنه لو ناب عنها لا من هذه الحيثية لم يمتنع كما توهم وهو أمر سهل وعلته نحوية. قوله: (فأنهى إليه وسوسته (إشارة إلى أن الوسوسة لازمة منقولة من اسم صوت وتعديتها بإلى لتضمين معنى الانتهاء وقد تتعدى باللام كذا في الكشاف وهو ينافي ما في الأساس من ذكر وسوس إليه في قسم الحقيقة فتأمّل. قوله: (الشجرة التي الخ (جملة قال الخ بيان للوسوسة وتفصيل لها ووقع في الأعراف ما نهاكما الخ وقد مرّ تفسيره، ولا دلالة في النظم على تأخر أحدهما عن الآخر، كما قيل ويبلى معناه يفني أو يصير بالياً خلقا، كما أشار إلى الأوّل بقوله: لا يزول والى الثاني بما بعده، وهو من لوازم الخلود فذكره للتأكيد والترغيب. وقوله: أحض اتفسير لطفقا، لأنها من أفعال الشروع ويلزقان: تفسير يخضعان وكونه ورب التين رواية ذكرها المصنف رحمه الله ممرضة في الأعراف. قوله: (فضل الخ (الضلال معنى الغواية والخيبة من لوازمها، والمطلوب هو الخلد والمأمور به عدم الأكل منها، وقوله وقرئ فغوي أي بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء فالمراد تخمته باكله وبه فسرت القراءة الأخرى ولم يرتضه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 الزمخشري لأنه إنما يخرج على لغة من يقول في بقي بقاء والنعي أصل معناه الأخبار بموت شخص ثم أطلق على إشاعة ما لا يرضى، وقوله بالعصيان متعلق به، والمراد بالعصيان ما كان عن تعمد وقصد لمقابلته للزلة، وهي ما لا يكون كذلك وإن كان قد يطلق كل منهما على الآخر فلا غبار عليه كما توهم ووجه الزجر أنه إذا استعظم الصغير من الكبير فكيف بالكبير من الصغير. قوله: (وأصل معنى الكلمة الجمع (فالمجتبي كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقوله إلى الثبات فسره به ليفيد ذكره. قوله: (أو له ولإبليس) فالأمر بالخروج بعد ما قيل له اخرج منها فإنك رجيم لأنه دخلها ثانيا للوسوسة، أو للدلالة على تأبيد طرده، وقوله: ولما كانا الخ دفع لسؤال أن العداوة بين أولادهما لا بينهما، وهذا إنما يرد على الوجه الأوّل، وفيه توجيه لصيغة الجمع، بعد التثنية أيضاً وهو عكس مخاطبة اليهود لآبائهم من بني إسرائيل، كما مر والتجاذب مجاز عن المخاصمة وخص المعاش لأنه الأصل الأغلب. قوله: (أو لاختلال حال كل من النوعين (يعني بني آدم وابليس وذريته وهذا على التفسير الثاني واختلال بني آدم بوسوسة الشياطين، واختلال أمر الشياطين ببني آدم لأنهم سبب عنائهم ولعنهم وطردهم، وقوله: ويؤيد الأوّل الخ أي يؤيد أن المراد آدم وحؤاء وبتفسير النوع الثاني بالشياطين دون الجن اندفع ما قيل إنّ للجن كتابا ورسولا مع ما فيه. قوله تعالى: ( {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} الخ (في الكشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما الهدى القرآن وخصصه به وعممه في سورة البقرة والقصة واحدة لقيام القرينة عليه وهي قوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} [سورة طه، الآية: 124] وقوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [سورة طه، الآية: 26 ا] ووجه التأييد أن التقسيم لا يستقيم بالنسبة إلى كل من النوعين وإذا أريد به ذرية آدم عليه الصلاة والسلام لا يخدشه دخول النوع الآخر في أحد قسميه مع أن دخوله فيه غير ظاهر لأن قوله من أعرض يقتضي تجدد إعراضه بعد هذه القصة ونوع إبليس ليس كذلك ووصفه بضنك المعيشة غير مراد أيضا فتأمّل. قوله: (فلا يضل في الدنيا الخ (فمره بما ذكر لأنه المتبادر منه مع تقابل القسمين في الترتيب وأمّا العكس بأن يراد فلا يضل طريق الجنة ولا يشقى أي لا يتعب في معيشته وان قدم فيه أمر الآخرة لأنه مطمح نظرهم فتكلف وفسر الذكر بالهدى لوقوعه في مقابلة قوله فمن اتبع هداي وبين بقوله الذاكر كوجه التجوّز فيه بأنّ الهدى سبب ذكره، فأطلق المسبب وأريد سببه ثم بين أن المراد بكونه ذاكرا له أنه داع لعبادته، فهو عطف تفسيري مبين لأن المراد بالذكر العبادة فإنه شاع فيها، وقوله ضيقا إشارة إلى أنه مصدر مؤوّل بالوصف، ولذا أنث في قراءة والتذكير باعتبار أصله، وقوله وذلك أي ضنك معيشته وضيقها لحرصه ومحبته للدنيا يغلب عليه الشح، وتضييق المعيشة بخلاف المؤمن فإنه ينفق ما في يده وشممح به، كما قال تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل، الآية: 97] ، وقوله مع أنه الخ توجيه آخر بإبقائه على ظاهره والمسكنة الفقر أو أشده وقوله: ولو أنهم أقاموا الآية تمامها: {كَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [سورة المائدة، الآية: 66] أي لوسع رزقهم وكذا قوله في الآية التي بعدها: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة الأعراف، الآية: 96، وقال بعض المشايخ لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوّس عليه رزقه وإذا فسر بالضريع ونحوه فهو في الاخرة وأخره مع ما بعده لبعدهما. قوله: (بسكون الهاء على لفظ الوقف (أقحم لفظاً إشارة إلى أنه أجرى فيه الوصل مجرى الوقف، أو هو على لغة من يسكن هاء الضمير وهي قراءة أبان وتسكين الراء إفا لما ذكره أو للتخفيف، وقوله: ويؤيد الأوّل وجه التأييد ظاهر، واحتمال كنت بصيراً بالحجج والحيل لا يضر لأنه خلاف الظاهر وقوله إما لهما أي أمال لفظ أعمى في الموضعين، وأبو عمرو أمال ما وقع فاصلة لما ذكر، وقوله من الياء أي منقلبة منها. تنبيه: تقدم في سورة الإسراء أنه أمال أعمى في الموضعين أبو بكر وحمزة والكسائيّ وخلف لأنهما من ذوات الياء وقرأ ورس فيهما بالفتح وبين اللفظين وقرأ أبو عمرو ويعقوب بإمالة الأوّل لأنه ليس أفعل تفضيل فألفه متطزفة لفظاً وتقديراً والأطراف محل التغيير غالباً لأنها تصير ياء في التثنية وفتحا الثاني لأنه للتفضيل ولذا عطف عليه فألفه في حكم المتوسطة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 لأن من الجارة للمفضول، كالملفوظ بها، وهي شديدة الاتصال باسم التفضيل، فكان الألف حشوا فتحصنت عن التغيير كما قرّره الفارسيئ، وأوردوا عليه أنهم أمالوا أدنى من ذلك مع التصريح بمن فلان يمال أعمى مقدرا معه من أولى، وقرأ الباقون فيهما بالفتح على الأص!! ، وأمّا أعمى بطه فأماله حمزة والكسائيئ وخلف وأماله بين بين أبو عمر وورش والباقون بالفتح ولم يمله أبو بكر هنا وإن أماله هناك جمعا بين الأمرين اتباعا للأثر وفرق بعضهم بان أعمى في طه من عمي البصر وفي الإسراء من البصيرة، ولذا فسر بالجهل، وأميل ولم يمل هنا للفرق بين المعنيين، قال في الدر والسؤال باق إذ يقال لم خصت هذه بالإمالة وقد قدمنا ما فيه شفاء للصدور. قوله: (أي مثل ذلك فعلت (ويحتمل أن الكاف مقحمة وهو أبلغ كما مر تحقيقه، وقيل تقديره الأمر كذلك وقوله: واضحة نيرة كالمكان النير وهو إما بيان للواقع أو لأن الإضافة تدل عليه لأنه شأن الآيات الإلهية وقوله فعميت فسره به بمقتضى السياق. وقوله: غير منظور إليها أي بعين العبرة، وقوله تركك لأن النسيان يتجوّز به عن الترك إذ معناه الحقيقي لا يصح هنا وقوله بالانهماك تفسير للإسراف وقوله: والنار بعد ذلك أي بعد الحشر على العمى، وقوله: من ضنك العيش ناظر إلى التفسير الأوّل وما بعده ناظر إلى الثاني. قوله: (ولعله إذا دخل الئار الخ) جواب عما يقال إنه إذا بقي العمى كيف يكون عذاب الآخرة أبقى مما عداه وهو تأييد للوجه الثاني إذ حينئذ قوله أبقى لا يصح بالنسبة إلى العمى فالمراد النار والتعبير، بلعل تأذبا لعدم الجزم بمراد الله وبالنسبة إلى قوله ليرى الخ لا لعدم الدليل عليه، وأنه يكفي في عدم بقاء الكل عدم بقاء جزئه، فالكل ينتفي بانتفاء جزئه. قوله: (أو مما فعله من ترك الآيات (هذا وجه آخر جار على التفسيرين وقوله من ترك الخ بيان لما فلا وجه بتفسيره بأنهه أزيد في الشدة والبقاء من الشدّة التي لحقت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في الدنيا وأما عطفه على قوله من العمى فمع مخالفته لما في الكشاف خلاف الظاهر من غير مقتض له. قوله تعالى: ( {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} (معناه يبين لهم والمراد ألم يعلموا ومفعوله محذوف أي ألم يبين لهم العير وفعله بمن كذلك أو الجملة بعده كما سيأتي وفي فاعله وجوه أحدها أنه ضمير الله والثاني أنه ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المبين لهم أو هو ضمير الإهلاك المفهوم من قوله كم أهلكنا الخ والجملة مفسرة له ومفعوله محذوف كما مر، وقوله أي إهلاكنا، تفسير لقوله ما دل عليه الخ والإسناد مجازي. قوله: (أو الجملة بمضمونها) بالجرّ معطوف على الله أي الفاعل هو هذا اللفظ باعتبار دلالته على معناه لا بقطع النظر عنه بناء على وأن الجملة تكون فاعلاً كما تقع مفعولاً إما مطلقاً أو بشرط كون الفعل قلبيا ووجود معلق عن العمل الجمهور على خلافه. قوله: (والفعل على الأوّلين معلق يجري مجرى أعلم) وفي نسخة يعلم لأنّ التعليق يكون لأفعال القلوب أو ما تضمن معناها وهذا من الثاني فهي مفعوله أي ألم يبين الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إهلاكهم بخلافه على الأخيرين فإنها فاعل أو مفسرة له وقوله: ويدل عليه القراءة بالنون أي نهد فإنها تدل على أنها ليست فاعلاً لفظاً أو معنى فإن نون العظمة تأباه كما لا يخفى والمعلق كم لأن لها المصدر. قوله: (يمشون الخ) الجملة حالية من القرون أو من مفعول أهلكنا والضمير على هذا للقرون المهلكة والمعنى أهلكناهم بغتة وهم متقلبون في أمورهم، أو من الضمير في لهم فالضمير للمشركين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والعامل يهد والمعنى ما ذكره المصنف فالوجه الثاني مراده، أي فينبغي أن يعتبروا فكني بالمشي عن المشاهدة، وبها عن الاعتبار وليس صفة للقرون، كما توهم. قوله: (لذوي العقول الخ (تفسير للنهي جمع نهية وبيان لوجه التسمية، وقوله التعامي وقع في نسخة المعاصي بدله، وقوله هذه الأتة أي أمة الدعوة الشاملة للكفرة فإنهم يؤخر عنهم عذاب الاستئصال في الدنيا كما وعد الله به في قوله موعدهم الساعة إما إكراماً لنبيه صلى الله عليه وسلم أو لأن من نسلهم من يؤمن به أو لحكمة خفية. قوله: الكان مثل ما نزل بعاد وثمود (يعني أن اسم كان ضمير عائد على إهلاك القرون المفهوم مما قبله وما ذكره بيان للمراد منه فلا يقال إنه لو قال لكان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 الإهلاك كان أظهر وأقصر للمسافة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به مبالغة أو اسم آلة لأنها تبنى عليه كحزام وركاب واسم الآلة يوصف به مبالغة أيضا كقولهم: مسعر حرب ولزاز خصم بمعنى ملح على خصمه من لزم بمعنى ضيق عليه ولزمه وجوّز أبو البقاء فيه كونه جمع لازم كقيام جمع قائم. قوله: (أو لعذابهم الخ) قيل عليه إنه على هذا يتخذ مآله بالكلمة التي سبقت فلا يصح قوله للدلالة على استقلال كل منهما إلا أن يكون هذا إشارة إلى ترجيح الوجه الأوّل ويدفع بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدنيا أن يكون لهم وقت معين لا يتأخر عنه ولا يتخلف عنه فلا مانع من استقلال كل منهما. وأمّا ما ذكره من الجواب فليس بشيء. قوله: (أو بدر (هذا لا ينافي كون الكلمة التي سبقت هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة كما قيل لأن ما سبق هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر. قوله: (ويجوز عطفه على المستكن الخ) أورد عليه أن لزاما إذا كان مصدراً أو جمعاً فلا إشكال فيه أما إذا كان اسم آلة كان يلزم تثنيته فعلى هذا يتعين ما ذكر ليندفع الإشكال واليه أشار المصنف بقوله: لازمين والمراد بالأخذ الهلاك والعذاب وهو بصيغة المصدر. قوله: (فاصبر الخ) أي إذا لم نعذبهم عاجلاً فاصبر فالفاء سببية والمراد بالصبر عدم الاضطراب لما صدر منهم، لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وقوله: وصل تفسير لسبح وقوله: وأنت حامد إشارة إلى أنّ قوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حال وقوله على هدايته وتوفيقه مأخوذ من السياق. قوله: (أو نزهه عن الشرك الخ) هذا رجحه الإمام على الآخر وقيل عليه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر وأجيب بأنّ المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله، ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله: {وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ} [سورة طه، الآية: 26 ا] على أنّ هذه الدلالة يكفيها أن يقال قبل طلوع الشمس وبعد، لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أنّ المراد خصوصية الوقت ولا يخفى أن قوله من آناء الليل له متعلق آخر وهو سبح الثاني فليكن الأوّل للتعميم والثاني لتخصيص بعضه اعتناء به كما أشار إليه المصنف نعم يرد على علاوته أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا أريد به أن يقول سبحان الله مريدا ما ذكر وقيل: إنه على هذا يكون المراد من الحمد الصلاة والظرت متعلق به فتظهر حكمة التخصيص وهو صلح من غير تراضي الخصمين إذ كلام المصنف رحمه الله صريح في خلافه فتأمل. قوله: (على ما ميزك بالهدى (أي ميزك عمن لم يتبع الهدى وهو المحمود عليه وتعيينه نشأ من المقام وقوله: معترفا الخ هو المحمود به ويدل على عموم الجميل إضافة الحمد إلى الله، وعدم ذكر محمود عليه وقوله: (يعني الفجر) أي صلاة الفجر وهذا على التفسير الأوّل والمراد بآخر النهار نصفه الأخير وكون المراد العصر أظهر. توله:) جمع أتي الخ (ذكروا في واحده أنا وأناء بفتح الهمزة وكسرها وأني وأنو بالياء والواو وكسر الهمزة ومثله آلاء بمعنى النعم وفي مفرده هذه اللغات بعينها كما ذكره الواحدي وأما قوله: أناء بالفتح والمد فقيل إنه لم يوجد في كتب اللغة. قلت قال في المصباج آنيته بالفتح والمذ آخرته والاسم إناء بوزن سلام والتاني بمعنى التأخير إلى وقت آت فهو من هذه المادة بعينها. قوله: (وإنما قدّم الزمان فيه (يعني تقديم قوله من آناء الليل على قوله: فسبح الذي تعلق به وقد أخر متعلق سبح السابق للاهتمام به لا للحصر كما توهمه عبارة الاختصاص فإنه لو أريد ذلك ذكر اختصاصه بالتسبيح لا بمزيد الفضل المذكور وأقحم مزيد لما في غيره من الأوقات المذكورة من الفضل وفي هذه الفاء ثلاثة أوجه أنها عاطفة على مقدر أو في جواب شرط مقدر أو متوهم أو زائدة وليس في كلام المصنف رحمه الله تعرض لها أصلاً فمن قال إن المصنف رحمه الله يعني أن الفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها لم يأت بشيء إذ لا حاجة إلية، وهذه الفاء لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة فلا حاجة لدعوى زيادتها هنا كما لا حاجة إلى تقدير الشرط الذي ذكر بعضهم هنا ومزيد الفضل، أما لنفس الوقت إذ لا مانع منه أو لما وقع فيه من الصلاة والتسبيح وقوله: اجمع أي أكثر جمعيه بمعنى جمعية خواطره وتوجهه والإسناد مجازي وقوله: والنفس أميل إلى الاستراحة وجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 الفضيلة فيه ما بعده وأحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق وأقوى، وناشئة الليل الصلاة الناشئة فيه وأشد وطأ أي أشق وأثبت، وقيلا أي قراءة لعدم الشواغل وسيأتي تفسيرها ودلالتها على ما ذكر ظاهرة. قوله: (تكرير لصلائئى الصبح والمغرب (إن قيل: ليت شعري لم لم يذكر العصر بدل المغرب وقد فسر به هو طرفي النهار في هود والعصر لما فيه من مزيد الفضل لأنه المناسب للتكرير. قلت: الطرف ما ينتهي به الشيء منه وهو أوله وآخره وما ينتهي عنده الشيء مما يلاصقهما وهو حقيقة في الأوّل لكنه شائع في الثاني فهو يحتملهما في الآيتين فحملهما هنا على الثاني ليكونا على وتيرة واحدة بناء على أن ابتداء النهار طلوع الشمس لا الفجر وفسرهما هناك بالصبح والعصر وأشار إلى وتت الظهر كما مر وأدخل صلاة الليل في الزلف ليشمل الأوقات وأراد بالطرفين معناهما الأوّل بناء على أن أول النهار الفجر فهما على وتيرة واحدة خلافا لمن توهم خلافه ومزيد فضل العصر لا يستلزم إعادتها لأنه صرح به في آية أخرى {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} بالنصب في قراءة الجمهور معطوف على محل قوله: {مِنْ آنَاء اللَّيْلِ} وقوله: إرادة الاختصاص قيل إنه للعهد أي لبيان إرادة اختصاصهما بمزيد فضل والظاهر أن المراد الاختصاص بالذكر بعد التعميم اهتماما كذكر جبريل بعد الملائكة لضيق وقت المغرب وكون الصبح وقت النوم وبه صرح به الكشاف. قوله: (ومجيئه بلفظ الجمع) مع أنّ المراد اثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان والمرجح مشاكلته لآناء الليل. قوله: (ظهراهما مثل ظهور الترسين (جعله في الكشاف نظيراً والمصنف رحمه الله مثل به بناء على ظاهره إذ جمع في محل التثنية، كما هنا ووجه ما في الكشاف أنّ ذلك الشيء وما نحن فيه شيء آخر فإنه من قبيل ما أضيف فيه مثنى لمثنى هو جزؤه أو كالجزء والعرب لما استثقلوا فيه جمع تثنيتين جوّزوا فيه الأفراد والجمع عند أمن اللبس كما ذكره النحاة كقوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وهو من أرجوزة للعجاج قبله: ومهمهين فدفدين مرتين وبعده: جئتهما بالنعت لا بالنعتين والمهمه المفازة البعيدة والفدفد الأرض المستوية والمرت ما لا نبات ولا ماء فيه وهو المراد بقوله: (ظهراهما (الخ والمراد وصف نفسه بالجراءة على الإسفار وأنه يعرف القفار بوصفها له مرة واحدة ومهمهين مجرور برب مقدرة. قوله: (أو أمر بصلاة الظهر (معطوف على قوله: تكرير أي قوله: {أَطْرَافَ النَّهَارِ} باعتبار أنه معمول سبح أتى به للأمر بصلاة الظهر وقوله: فإنه الخ بيان لوجه إطلاقه عليها إطلاق الزمان على ما فيه وجمعه فإنه نهاية النصف الأوّل وبداية الثاني ففيه بهذين الاعتبارين تعدد فلذا جمع ولا يخفى بعده لأنّ البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة لأنه نهاية باعتبار أنه انتهى عنده وليس منه وبداية باعتبار ابتدائه منه. قوله: (أو لآن النهار جنس (أي تعريفه للجنس الشامل لكل نهار فجمع أطراف باعتبار تعدد النهار وأنّ لكل طرفا وفيه أيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفاً له بل لنصفه فلا وجه لمن قال إنه أوجه وكذا قوله بالتطوّع في أجزاء النهار لما فيه من صرف الأمر عن ظاهره وآخر النهار ليس محل التطوع لما فيه من وقت الكراهة. قوله: (متعلق بسبح (المراد النعلق المعنوي وقوله: طمعا إشارة إلى أن الترجي من المخاطب لا من الله لاستحالته في حقه وما به ترضى نفسك هو الثواب وما يتبعه، وإرضاء الله له إعطاؤه ما يجب ويرضى. قوله: (أي نظر عينيك (إشارة إلى تقدير مضات أو تجوز في النسبة لأنّ المذ تطويل النظر للاستحسان والإعجاب وتمنى مثله فاستحساناً متعلق بلا تمدن أو بالنظر. قوله: (أصنافاً من الكفرة (تفسير لأزواجا واشارة إلى أن من بيانية، وقوله: أن يكون أي أزواجاً والضمير ما في قوله به وقوله: المفعول منهم أي لفظ منهم على أنّ من تبعيضية وتأويلها باسم وهو بعض وقوله وهو أصناف تفسير للحال وبعضهم بالنصب هو المفعول وناساً منهم تفسير له واشارة إلى أنه صفة للمفعول في الأصل وقال: المعرب أزواجا مفعول به أو حال من ضمير به. قوله: (دل عليه متعنا) كجعلنا أو ملكنا أو آتينا لدلالة التمتع عليه وإذا ضمن معنى أعطينا نصب مفعولين وهما أزواجاً وزهرة وقوله: أو بالبدل من محل به وهو النصب وقد ضعفه ابن الحاجب في أماليه لأن إبدال منصوب من محل جار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 ومجرور ضعيف كمررت بزيد أخاك ولأن الإبدال من العائد مختلف فيه وكذا إذا بدل من ما الموصولة وقوله: بتقدير مضاف أي ذا زهرة أو أهل وعدم التقدير يجعلهم نفس الزهرة مبالغة أو على كون أزواجاً حال بمعنى أصناف التمتعات والأوّل ضعيف لأن مثله يجري في النعت لا في البدل لمشابهته لبدل الغلط حينئذ والزهرة النور والبريق منه إلا نجم الزهر وفيه كما قال: المعرب تسعة أوجه منها أنه تمييز وصفة أزواجا وقد رذا لتعريف التمييز وتعريف وصف النكرة. قوله: (أو بالذم (أي أذمّ زهرة الحياة الدنيا قيل يأباه المقام لأن المراد أنّ النفوس مجبولة على النظر إليها والرغبة فيها ولا يلائم تحقيرها ورد بأن في إضافة الزهرة إلى الحياة الدنيا كل ذمّ وما ذكر من الرغبة من شهوة العقول القاصرة التي لم تنظر بعين الهداية ونور التوفيق. قوله: (وهو لغة كالجهرة في الجهرة (قال ابن جني: في المحتسب مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتحة أنه لا يحرك إلا على أنه لغة كنهر ونهر وشعر وشعر ومذهب الكوفيين أنه يطرد تحريك الثاني لكونه حرفا حلقياً وإن لم يسمع ما لم يمنع منه مانع كما في لفظ نحو لأنه لو حرّك قلبت الواو ألفاً، وقوله: أو جمع زاهر ككافر وكفرة وقوله: وصف أي نعت لأزواجاً على هذا الوجه أو حال لأن إضحافته لفظية وفيه تأمل، وزاهر والدنيا أي زاهرون بالدنيا فسقطت نونه للإضافة وزاهرون بمعنى منعمين كما أشار إليه، وبهاء بمعنى حسن وبهجة والزي الهيئة وقوله: {لِنَفْتِنَهُمْ} متعلق بمتعنا وفسره بنختبرهم وهو ظاهر أو بنعذبهم أنه من الفتن وهو إذابة الفضة والذهب كما مرّ وقوله: بسببه أي بسبب ما متعناهم به. قوله: (واصطبر عليها ودوام الخ) فسر الصبر بلازم معناه وفيه إشارة إلى أنّ العبادة في رعايتها حق رعايتها مشقة على النفس. قوله: (ولا أهلك نحن نررّقك واياهم) إشارة إلى أن الحكم عامّ في الموضعين وان كان في صورة الخاص لخصوص الخطاب لأنّ رزقه رزق لأهله وا-دباعه وكفايته كفاية لهم فلذا ذكرهما في الموضعين وإن لم يذكرا في النظم فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له ولا حاجة إليه والمراد بالعموم هنا شمول خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم هنا لأهله كما ذكره المصنف لا لجميع الناس، فمن قال لو كان الحكم عاما لرخص لكل مسلم المداومة على الصلاة وترك الاكتساب وليس كذلك، فالحكم خاص. كالخطاب لم يصب والعاقبة المحمودة أعم من الجنة أو هي المراد هنا وقوله: لذوي التقوى قدره لموافقة قوله: في آية أخرى للمتقين ولو لم يقدر صح وقوله: روي الخ رواه البيهقي والطبري، والضرّ هنا الفقر وأمرهم بالصلاة لإزالته كما مرّ. قوله: (أو! بآية عقترحة) من كل ما اقترحوه لا على التعيين، حتى يقال الت! نكير ينافيه وانكاراً علة لقالوا وقوله: للاعتداد معطوف على لما جاء به وتعنتا وعنادا تعليل للإنكار المعلل به القول وقوله: فألزمهم أي الله توطئة لقوله: {أَوَلَمْ تَأْتِهِم} الخ وما ذكره من كون القرآن أمّ المعجزات أي أصلها وأعظمها وأبقاها ظاهر في نفسه، وأنما الكلام فيما نوره المصنف رحمه الله به. قوله: (لأن حقيقة المعجزة اخكصاص مدّعي الخ) فيه تسمح لأنّ المعجزة هي الخارق نفسه، والمراد اختصاصه دون من تحداه والمبراد بالعلم ما لم يكن بمزاولة الجوارج المعشادة، وكون العلم أصل العمل لأنه ما لم يتصوّر شيء لم يصنع وهذا وجه كونه أما، وعلو قدره وجه لأعظميته وما بعده لبقائه والمراد ببقاء أثره بقاء ما يدل عليه غالباً وهو الألفاظ وقوله: ما كان من هذا القبيل أي آثار العلم والمراد به القرآن فما قيل إنّ بقاء القرآن محسوس لا يحتاج لدليل، وسيما وما ذكره لا يفيده لأنّ بقاء أثر العلم لا يستلزم بقاءه كما نشاهده من الطلسمات الباقية دون علمها، والمدعي بقاء القرآن نفسه وعلوه بضمه إلى الإعجاز أنواع العلوم والمغيبات وهو ظاهر، لكق ليس في كلامه ما يفيد أصالته إلا أن يراد أصالة جنسه وهو مع بعده غير مختص به من قلة التأمل. قوله: (وئبههم الخ (أبين بمعنى أبعد ولذا عداه بعن وفي نسخة من بدلها فهو بمعنى أظهر والمراد بهذا الباب باب الألفاظ الدالة على العلوم أو باب العلم وهو معطوف على قوله: ألزمهم والمراد كونه بينة ومهيمنا على ما تقدمه من الكتب السماوية فإنه انفرد به عما عداه. وقوله: اشتمالها الضمير للبينة والمراد بها القرآن لأنّ آياته مبينة لما ذكر، وضمير فيها للصحف وقيد الأحكام بالكلية والمراد بها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 النصائح المجملة لمخالفته لها في الجزئيات ونسخة لأكثرها. وقوله فإنّ الخ تعليل لكونه أبين وقوله الآتي بها أي بالمعجزة أو البينة على ما هو أبين مما ذكر كونه الآتي بها وحاله في الأمية معلوم، وذكر أنها بينة أي مبينة لما في الكتب مما ذكر وهذا زائد على إعجاز نظمه ومعناه المخبر عن المغيبات. قوله: (وفيه إشعار الخ) أي في جعله بينة ما في الصحف أي مثبتا لها إثبات البرهان لتصريحه بأنها صادقة وموافقته فيما ذكر مع إعجازه الدال على حقيته، فيلزم منه حقيتها أيضا والمراد بالتخفيف التسكين، وكونه من قبل محمد! ي! بقرينة ما بعده من ذكر الرسول، وأمّا الوجه الآخر فهو أظهر لولا تذكير الضمير ووجهه ما ذكر ويجوز عوده على الإتيان المفهوم من الفعل. وقوله بالبناء للمفعول أي في نذلّ ونخزي كما ذكره المعرب. قوله: (وقرئ السواء (هي قراءة أبي مجلز وعمران وهي شاذة وقوله الجيد تفسير للوسط لأنه متجوّز به عنه كما قيل خير الأمور أوسطها وقد مرّ تحقيقه والسوأى بالضم والقصر على وزن فعلى باعتبار أنّ الصراط يذكر ويؤنث وهي قراءة يحيى بن يعمر وغيره وهي شاذة أيضا والسوء بفتح فسكون، وآخره همزة بمعنى الشرّ قراءة ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (والسويّ وهو تصغيره (أي قرئ بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء وهو تصغير سوى بالفتح كما ذكره المصنف رحمه الله. وقيل تصغير سوء بالضم ولا يرد على هذه القراءة أنه لو كان كذلك لثبتت الهمزة فهو تصغير سواء كما قيل في عطاء عطيّ لأن إبدال مثل هذه الهمزة ياء جائز. قوله: (ومن في الموضعين للاستفهام) فهو من عطف الإنشاء على مثله والجملة معلق عنها سادة مسد المفعولين وهو من عطف الجمل لا المفردات، كما توهمه عبارة بعضهم وقوله: لعدم العائد أي المذكور لفظا وحذفه مع عدم طول الصلة في غير أفي ممنوع عند أكثر النحاة ومن قال به جوّزه وقال: يقدر عائد أي من هم من، صحاب الصراط الخ. قوله: (على أنّ العلم بمعنى المعرفة (فيتعدى لواحد ولولاه لزم حذف أحد المفعولين اقتصاراً وهو غير جائز ويجوز تعليق كل فعل تلبيّ، وأجاز بعضهم تعليق أفعال الحواس لكونها طريق العلم وجوّز يون! رحمه الله تعليق جميع الأفعال. قوله: (على أنّ المراد به النبتي صلى الله عليه وسلم الخ) وليس من عطف الصفات على الصفات لاتحاد الذات كما قيل لأنه ليس المراد بالصراط السوى النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن صح. قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم الخ (هو موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور وفي تفسير القرطبي عن ابن مسعود رضي الله عنه الكهف ومريم وطه و الأنبياء من العتاق الأول وهي من تلادى أي من قديم ما حفظته ومن أوّل ما نزل من القرآن كالمال التلاد أي القديم وخص المهاجرين والأنصار لدخولهم في من اهتدى دخولاً أوّلياً تمت السورة بحمد الله ومنه وعونه (وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم (. سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بسم الله الرحمن الرحيم سميت سورة الأنبياء لذكر قصصهم فيها. وقوله أنها مكية، استثنى منها في الإتقان {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} الخ وقوله: واثنتا عشرة آية في التيسير إحدى عشرة آية والأوّل عد الكوفي والثاني عد الباقين كما قاله الداني في كتاب العدد وقد ذكروا عدد حروفها وكلماتها وليس بلازم. قوله: (بالإضافة إلى ما مضى) اقترب افتعل من القرب ضد البعد ويكون في المكان والزمان كما قاله الراغب ثم استعمل في النسب والحظوة والرعاية كقوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} والمراد هنا قرب الزمان، ولما كان دون وقوعها زمان طويل جداً أشاروا إلى تأويله بأنه قرب نسبيّ بالنسبة إلى ما مضى من عمر الدنيا فإنّ الباقي منها كصبابة الإناء ودردقي الوعاء كما ورد في الآثار. قوله: (أو عند الله) توجيه آخر أي المراد قربها عند الله والدليل عليه قوله عز وجل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [سورة الحج ، الآية: 47] وعند الله كما عرفت في استعمالهم إمّا بمعنى في علمه الأزلي أو في حكمه وتقديره فالمراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 بالقرب تحققه في علمه وتقديره ولذا عبر عنه بصيغة الافتعال الماضية من القرب، وأتى بعند الدالة عليه وضعا فما قيل عليه لا عند الله إذ لا نسبة للكائنات إليه بالقرب والبعد غفلة، أو تغافل عن المراد إذ ليس المراد بالعندية الدنوّ والاقتراب المعروف، بل ما ذكرناه ومن لم يفهم ذلك من أهل العصر قال المراد قرب الحساب للناس فإنه المناسب للمقام وتخويف الناس. وأمّا ما قيل في ردّه بأنه منتقض بقوله: {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} وأمناً له وأنه لا يلزم من انتفاء نسبتها إليه بالبعد والقرب لأنه لا يجري عليه زمان أن لا يكون كله حاضراً عنده، وهو المراد بالقرب فلا محصل له وكأنه يريد ما ذكرناه فتأمّل. قوله: (أو لأن كل ما هو آت قريب (هذا أيضاً محصله أنّ المتحقق الوقوع بمنزلة المترقب القريب، لكنه بقطع النظر عن الله والنظر إلى ما في نفس الأمر وعند الناس ولذا قيل: فلا زال ما تهواه أقرب من غد ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس ... وانقرض معناه انقطع والمراد به هنا وقع ومضى. ومن الغريب هنا ما قيل إنّ في إسناد الاقتراب المبنيّ على التوجه نحوهم إلى الحساب مع إمكان العكس، بأن يعتبر التوجه من جهتهم نحوه تفخيما وتهويلاً له لتصويره بصورة مقبل عليهم لا يزال يطلبهم فيصيبهم لا محالة، ومعنى اقترابه دنوّه منهم فإنه في كل ساعة أقرب مما قبلها، وأمّا الاعتذار بما ذكر المصنف رحمه الله فلا تعلق له بما نحن فيه من الاقتراب المستفاد من صيغة الماضي ولا حاجة إليه في تحقيق أصل معناه، نعم قد يفهم منه عرفا كونه قريباً في نفسه أيضاً فيصار إلى التوجيه بالوجه الأوّل دون الأخيرين أمّا الثاني فلا سبيل إلى اعتباره هنا لأنّ قربه بالنسبة إليه تعالى لا يتصوّر فيه التجدد والتفاوت حتما وإنما اعتباره في قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [سورة الورى، الآية: 7 ا] ونحوه مما لا دلالة له فيه على الحدوث وأمّا الثالث فلا دلالة فيه على القرب حقيقة ولو بالنسبة إلى شيء آخر فليت شعري هل أتى بشيء زائد على ما ذكره الشيخان وهل هو الأبسط لأحد الوجوه مع زيادة نكتة في الإسناد وأمّا ما ذكره من التجدد فعلى طرف التمام. قوله: (واللام صلة لاقترب الخ (أي الظرف لغو متعلق بهذا الفعل لذكر المقترب منه بخلافه على الثاني. قال: في الكشف لا تخلو اللام من أن تكون صلة لاقترب على معنى اقترب من الناس لأن معنى الاختصاص وابتداء الغاية كلاهما مستقيم ويحصل به الغرض. وأمّا إذا جعلت تأكيداً للإضافة فالأصل اقترب حساب الناس، لأنّ المقترب منه معلوم واللام مؤكدة للاختصاص الإضافي، فاللام على الأوّل لتعدية القرب المتعدّي في الأكثر بمن وجعل من فيه للابتداء لأنه أشهر معانيها، ولم يجعلها بمعنى إلى كما في الجني الداني وغيره لأنه لا حاجة إليه وإذا كانت لتأكيد إضافة الحساب إليهم كما في قولهم لا أبا لك فالظرف مستقرّ كما في الكشاف والظاهر أنّ المراد منه معناه المشهور أي اقترب حساب كائن للناس. فالجار والمجرور حال مؤكدة وما قيل من أنه على هذا الوجه لغو أيضا، لكنه سماه مستقرّا باعتبار أنه ظرف متعلق بالعامل، فهو من الخاص الذي أريد به العام واستعمل في موضعه مجازاً، وقد أطلق الزمخشري المستقرّ على المعمول وإن لم يكن ظرفا حيث قال في قوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} أنّ قواما مستقر فإطلاقه على هذا غير بعيد منه فتكلف بعيد لا أدري ما دعاهم لارتكابه، وجعل اللام مؤكدة للإضافة وإن كان المعروف أن الثاني تكرير فهو المؤكد لأنّ كل واحد من اللام والإضافة مغن عن الآخر، فإذا جمع بينهما صح أن يقال في كل منهما أنه مؤكد للآخر مع أنه في نية التأخير فهو ثان تقديرا فاندفع ما قيل إنّ التأكيد يكون متأخراً عن المؤكد. وقيل إنه يجوز أن يكون التقدير اقترب لمجازاة الناس حسابهم على أن للناس مفعولاً له. وبقي هنا كلمات طويلة بلا طائل وقد اكتفينا من القلادة بما أحاط بالعنق. قوله: (واصله اقترب حساب الناس) يعني أنه كان حق التعبير عنه بطريق المساواة لهذا على ما عليه مدار تراكيب أوساط الناس ثم قدر أنه عدل عنه لما هو أبلغ منه وهو اقترب للناس الحساب لما فيه من الإجمال والتفصيل والإبهام والتفسير إذ ذكر الحساب ثم بين لمن هو وقدم بيانه للاهتمام به أو ذكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 أمرا مفترياً ثم عيته بالحساب ثم عدل عن هذا عدولاً تقديريا إلى ما في النظم لما في قوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ} من الإجمال ثم البيان للمقترب منهم بأنه الحساب على وجه التأكيد والتصريح بإضافته لضميرهم كما قالوا: أزف للحيّ رحيلهم. وليس هذا بأمر لازم من جهة العربية ولا من جهة تصحيح المعنى وإنما هو بالقياس إلى تراكيب الأوساط والأعالي. قوله: (وخص الناس بالكفار الخ) قيل إنّ قوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} الخ من قبيل نسبة ما للبعض إلى الكل فلا ينافي كون تعريف الناس للجنس كما في قوله: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ} الخ واعترض عليه بأنه نسي ما قدمه في سورة مريم من أنه لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر من البعض إلى الكل إلا إذا صدر عنهم بمظاهرتهم أو رضا منهم، ووجه التخصيص الذي ذكره المصنف رحمه الله أنه مأثور عن ابن عباس كما في الكشاف وغيره، وحاول بعض فضلاء العصر التوفيق بين كلاميه بالفرق بين المقامين بأن ما مر فيما إذا لم يكن من صدر عنه الفعل أو القول كثيراً أو أكثر وما هنا في الكثرة فإنها تعطي حكم الكل بدون شرط إلا أن هذا القائل وقع بين كلاميه في سورة طه وسورة السجدة تدافع حيث قال في تفسير قوله تعالى: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} الآية لا حاجة إلى رضاهم بقوله: في الإسناد إليهم بل يكفي وجود القول منه كقوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} [سورة البقرة، الآية: 72] الآية ورد على المصنف قوله القائل أبيّ بن خلف واسناده إلى جميعهم لرضاهم، وأما حمله على إرادة التنافي بين كلامي المصنف حيث فهم مما ذكره في طه عدم ذلك فلا يساعده سياقه، ثم إن قياس قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا} [سورة السجدة، الآية: 0 ا] على قوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ} غير تام فإن القتل هناك لما وقع بينهم ولم يعلم القاتل حتى احتمله كل واحد منهم أسند إليهم مع رعاية مشاكلة الجميع الواقعة معه ودلالة التقييد بالأوصاف المذكورة على تخصيص! الناس إنما هو على تفسيرها بما لا يشمل عصاة المؤمنين وهو محتمل والحق أنّ اشتراط ما ذكر ليس بلازم، وإنما اللازم وجه ما كتنزيل البعض منزلة الكل حتى يحسن الإسناد له كرضاهم أو كثرتهم أو عدم تعينهم وشيوعه فيهم إلى غير ذلك من المحسنات. قوله: (في غفلة من الحساب (قيده به لمناسبته لما قبله ولأنّ من غفل عن مجازاة لله له المرادة من الحساب صدر عنه كل ضلالة وكل جهالة فلا وجه لما قيل إن الحق أن يعممه لكل غفلة عما لا ينبغي الغفلة عنه، ولما بين الغفلة التي هي عدم التنبه والإعراض! الذي يكون من المتنبه من التنافي قال في الكشاف مشيراً لدفعه وصفهم بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم، أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم، ونفروا وقرّر إعراضهم عن تنبيه المنبه وايقاظ الموقظ بأن الله يجدد لهم الذكر الخ. وحاصله أنه يتضمن دفع ذلك بوجهين، أوّلهما إن غفلتهم عن الحساب وإعراضهم عن التفكر في عاقبتهم، وأمر خاتمتهم مع اقتضاء العقل لخلافه وهذا ما أشار إليه في أوّل كلامه ولما فيه من رائحة الاعتزال بالإيماء إلى الحسن والقبح العقليين غيره المصنف رحمه الله إلى ما ذكره من أن الغفلة عن الحساب والإعراض! عن التفكر فيه، فلم يتواردا على محل واحد ليحصل التنافي وثانيهما أنّ الغفلة عن الحساب في أوّل أمرهم والإعراض بعد قرع عصا الإنذار وهو على وفق ترتيب النظم واليه أشار بقوله وإذا قرعت الخ وهذا لم يذكره المصنف فإن تلت كلامه يدلّ على أنّ حالهم المستمرّة الغفلة والإعراض! إنما يكون إذا قرعت لهم العصا فكيف هذا وهم معرضون اسمية دالة على الثبوت، قلت لما تكرّر منهم الإعراض حسب تكرار المنبه وقرع العصا جعل كالحال المستمرّة، واليه أشار بقوله: وقرر إعراضهم، وأمّا تمكنهم من الغفلة فمن لفظ في غفلتهم الدال على استقرارهم فيها استقرار الظرف في مظروفه، وإن كان في إفادة الاسمية التي خبرها ظرف للثبوت كلام ووقوعه بعد المنبه من الترتيب وقرينة العقل. وقيل إنّ مراد المصنف رحمه الله أنهم معرضون عن النظر إذا نبهوا عن سنة الغفلة، وذكروا بما يؤول إليه المحسن والمسيء فاندفع توهم التنافي بين الخبرين مع أنّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 الغافل عن الشيء المصدق الجازم بعدمه ربما يتفكر فيه فتحصل الطمأنينة وربما يعرض عن التفكر فلا حاجة إلى هذا إلى التقييد بالقيد المذكور لدفع التوهم، ولا يخفى ما في كلامه وكلام المصنف رحمه الله تعالى لأنّ الغافل عن الشيء كيف يتفكر فيه ولو جزم بعدمه لم يكن غافلاً عنه، وأنه لا يجزم بعدمه إلا بعد تصؤره وقد قال المصنف في تفسيره قوله تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [سورة غافر، الآية: 13] أي يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها فإنّ الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه، ولذا جعل أكثرهم كلام الزمخشريّ جوابا واحداً وحمل كلام المصنف عليه فقوله: لا حاجة إلى التقييد غفلة عن هذا فإن حملت الغفلة هنا على الجهلة والحماقة أو الإهمال، وكذا إن حمل الإعراض على الاسترسال في الغفلة ونحوه لم يرد ذلك ولكنه شيء آخر لم ينظروا إليه وربما يقال: إنّ في قوله سنة الغفلة والجهالة إشارة إليه فتأمل. قوله: (ويجوز أن يكون الظرف حالاً الخ (في كلامه إشارة إلى ضعفه كما في الكشف أن فائدة إيراد الآية جملة ظرفية ما في حرف الظرف من الدلالة على التمكن وايراد الثاني وصفا مستقلا دالاً على نوع تجدد ومنه يظهر ضعف الحمل على أنّ الظرف حال قدمت. قوله: (تنزيله ليكرّر على أسماعهم (صرف الحدوث إلى نزوله لأنه المناسب للمقام وذكر التنزيل لموافقته للتكرير، وفيه ردّ على المعتزلة إذ استدلوا بهذه الآية على حدوث القرآن وقوله على المحل لأنه فاعل ومن زائدة وقيل إنها تبعيضية وهو بعيد وقوله: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ} استثناء مفرغ من مفعول ما يأتيهم محله النصب على أنه حال لا صفة واضمار قد وعدمها في مثله مختلف فيه. قوله: (وكذلك لاهية) أي هي حال من الواو فهي مترادفة على ما بعده فهي متداخلة وقوله جامعين الخ الجمعية تفهم من جعلهما حالين من شيء وأحد. والذهول عن التفكر من إسناد اللهو إلى القلوب وأيضاً اللاهية من لها عنه إذا ذهل وغفل، يعني أنهم وان فطنوا فهم في قلة جدوى فطنتهم كأنهم لم يفطنوا أصلا كذا في الكشاف، وهو دفع لما يتوهم من أنّ الغظة المذكورة قد زالت بقرع عصا النذر فهذا ترق لإفادة أنّ تنبههم ب! منزلة العدم فتأمّل. قوله: (بالنوا في إخفائها) يعني أنّ النجوى السرّ وهي ما يسز فلا يفيد ذكر أسرّوا فأجاب: أوّلاً على اختيار كونها اسماً بأنّ معنى أسرّوا بالغوا في إخفاء الخفيّ، كما يقال: كتم كتمانه وثانيا على أنها مصدر بمعنى التناجي، فالمعنى أخفوا تناجيهم بأن لم يتناجوا بمرأى من غيرهم. والفرق بينهما ظاهرم لأنها على الأوّل الاسم وعلى الثاني مصدر ومعنى لأته لا يلزم من مبالغة الإخفاء الخلوّ عن الناس ولا يلزم من الخلوّ المبالغة في الإخفاء فلا يتوهم أنّ أحدهما مغن عن الآخر. قوله: (للإيماء بأنهم ظلموا فيما أسروا به) تقييد الظلم بما ذكر بقرينة السياق وقوله لعلامة الجمع أي حرف دال على الجمعية كواو قائمون وتاء قامت وهذه لغة لبعض العرب، وليست شاذة ولا مستهجنة، وكونه مبتدأ لا ضير فيه ولا لبس بمنع من تأخيره كما في زيد قام. قوله: (وأصله وهؤلاء أسروا النجوى) هكذا في الكشاف مع قوله: ووضع الظاهر موضع الضمير وهو يوهم أنّ هؤلاء ضمير وليس كذلك بل هو اسم إشارة فهو بيان الحاصل المعنى مع نوع تسمح لمشابهة اسم الإشارة للضمير في تعلقه بما قبله، فعبر به للدلالة على أنّ القصد إلى الحكم على المذكورين لا أنّ الموض! ع موضع اسم الإشارة. وقوله: فوضع الخ يعني أنّ الموضع موضع الإضمار وعدل عنه لما ذكر وقوله منصوب على الذم أي بفعل مقدر. قوله: (بأسره) أي هذا الكلام بجملته. وقيل إنه منصوب بالنجوى نفسها لأنها في معنى القول وقيل إنه منصوب بمقدر أي قائلين هل هذا الخ وقوله واستلزموا أي عدوّه لازما لعدم ثبوته. وقوله: فأنكروا حضوره أي الحضور عنده وفي محل ظهر منه ذلك وهو إشارة إلى أن الهمزة للاستفهام الإنكاري وأن تأتون بمعنى تحضرون. وقوله: ما يهدم أمره وفي نسخة من أمره أي يبطله ويزيله. وقوله: عامة أي كلهم لأنه من ألفاظ العموم، بمعنى كافة ذكره ابن مالك. قوله: (فضلاً عما أسروا به) ذكر الشريف أنّ فضلا منصوب بفعل لازم ومتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه بنفي الأدنى واستبعاده على نفي الأعلى، واستحالته ولا بد قبله من نفي صريحا أو ضمنا مقدراً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 أو ملفوظا فحينئذ قوله: جهوا أو سراً بتقدير لا يخفى عليه قوله ش جهرا أو سراً وقيل يعلم بمعنى لا يجهل ولا وجه له وفي شرح المفتاح للعلامة أن أكثر استعماله أن يجيء بعد نفي فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكر وقال أبو حيان: أنه لم يرد هذا التركيب في كلام العرب وفيه كلام طويل في شرح المفتاح ولابن هشام فيه تأليف مستقل. قوله: (وهو اكد من قوله قل أنزله الخ) وجه كونه آكد أن القول شامل للسر والجهر بل لحديث النفس كما ذكره الراغب فيكون أعم فيدخل فيه السر وغيره، فهو من جهة عمومه آكد من ذكر السر في تلك الآية فكأنه قيل السر وما هو أعلى منه وأدنى وقد قيل عليه أنه يلزم من علم السر علم الجهر بطريق الأولى تعويلا على القرينة العقلية فهو كناية وهي أبلغ من الصريح وأيضا تسليم العدول عن الأبلغ في الآية الأخرى، يقتضي نسبة القصور إلى بعض القرآن، ويدفع بأنه لا قصور فيه لأن تلك أبلغ من حيث الإثبات بالطريق المذكور، وهذا أبلغ من حيث العموم الصريح ولكل منهما مقام يقتضيه فهم هنا لما أسروا النجوى. قيل كيف يخفى هذا عن عالم السر والخفيات وغيرها ولذا ختمها بالسميع العليم. فالمقام مقام التعميم. وأمّا تلك فلما تقدم عليها ذكر إنزال القرآن عقبت بأنه من عالم الغيب العالم بكل سر المنزل ما يناسبه مما لا تعلمونه ويخفى عليكم. قوله: (ولذلك اختير ههنا (إشارة إلى ما مر من أنهم لما بالغوا في إخفاء السر ناسبه مقابلته المبالغة في إحاطة علمه بخلاف الآية الأخرى، فإنه ليس فيها ما يقتضي المبالغة المذكورة فاختير فيها مبالغة أخرى والى هذا أشار بقوله وليطابق الخ وكذا قوله فلا يخفى عليه الخ فتأمّل. قوله: (1 ضراب لهم الخ) ذكر في الكشاف وجهين أحدهما أق الإضراب إمّا من الكفرة أو من الله. وزاد المصنف رحمه الله ثالثا كما ستراه وما فيه فأشار إلى الأوّل بقوله إضراب الخ. يعني أنّ الإضراب من كلامهم فحكاه الله عنهم وأورد عليه شزاج الكشاف أنه إنما يصح لو كان النظم قالوا بل الخ فيفيد حكاية إضرابهم ومع تقديمه على قالوا لا يفيد ما ذكر واليه أشار المصنف بقوله: والظاهر الخ. وكونه من القلب وأصله قالوا بل لا يخفى ما فيه وقد أجيب أيضاً بأنه إضراب في مقولهم المحكي بقول تضمنه النجوى أوّلاً أو بالقول المقدر قبل قوله هل هذا الخ وأعيد للفاصل أو لكونه غير مصرّح به وهو تكلف أيضا. وقوله عن قولهم هو سحر يعني المدلول عليه بقوله: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} [سورة الأنبياء، الآية: 3] . قوله: (والظاهر انّ بل الأولى الخ) إشارة إلى ما مرّ وحاصله أنها للابتداء بحكاية ما بعدها فالأولى انتقالية داخلة على جملة القول، ومقوله وهي من كلام الله تعالى. والثانية والثالثة إبطالية من كلامهم شردّدهم في أمره وتحيرهم في تزويرهم وهذا ما اختاره الدماميني في شرح التسهيل، وهو أسهل الرجوه وليممر فيه إلا اختلاف معنى، بل وكون الأولى من الحكاية والثانية من المحكي ولا مانع منه. قوله: (أو للأضراب عن تحاورهم الخ) بالحاء والراء المهملتين تفاعل من المحاورة وهي مراجعة الكلام يعني أنّ الأولى للانتقال عن مكالمتهم في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه إلى المكالمة في القرآن الذي جاء به والثانية والثالثة إبطالية أيضاً وهي من كلامهم، المحكي والأولى من كلام الله أيضاً والفرق بين هذا وبين ما قبله باعتبار أنّ المنتقل عنه ما تقدمه بقطع النظر عن خصوصه، وهذا بالنظر إلى خصوص كونه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو على هذا داخل في النجوى بخلافه على الأوّل. واعلم أن ابن هشام قال في المغني أق بل حرف إضراب فمان تلا جملة كان الإضراب إمّا للإبطال نحو: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 116] وإمّا للانتقال من غرض إلى آخر ووهم ابن مالك في شرح الكافية حيث زعم أنها لا تقع في التنزيل للإبطال واستند في توهمه إلى قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ} الخ وقال الدماميني: فإن قلت الإضراب عن الحكاية لا عن المحكيّ فلا إبطال حينئذ قلت هذا لا يدفع احتمال الإضراب عن المحكي فيكون للإبطال وبه يتمّ المراد) قلت الك أن تقول إنهم لم يقفوا على مراده. فإنّ الإبطال على قسمين إبطال ما صدر عن الغير، وسماه في التسهيل ردّا وابطال ما صدر عنه نفسه وهو لا يتصوّر في حقه تعالى لأنه بداء فمراده القسم الثاني والحمل على الصلاح أصلح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 قوله: (لإضرابهم عن كونه أباطيل) جمع باطل على خلاف القياس أو أبطولة أو إبطالة بكسر الهمزة كما قاله أبو حاتم وهذا معنى أضغاث أحلام، وقد مرّ تفصيله في سورة يوسف وتحقيق استعارته لهذا المعنى وقوله: (خيلت إليه) أي وقعت في خياله في المنام فظنها وحيا واختلقها بالقاف بمعنى اخترعها من عنده وقوله: ثم إلى أنه كلام شعري الخ فالمراد بكونه شاعراً أنّ ما أتى به شعر أي أمر متخيل لا حقيقة له فإن قلت هذا معنى الشعر عند أهل المعقول والميزان لا معنى هـ لغة وعرفا فلذا أنكر بعضهم التفسير به كما سيأتي في سورة يس. قلت ليس الأمر كما زعم فإنهم يستعملونه بهذا المعنى أيضا كما أشار إليه الراغب باعتبار أنّ ما ذكر من لوازمه ولذا قيل أعذبه أكذبه. قوله: (ويجوز أن يكون الكل من الله) أي يجوز أن يكون الإضراب كله في المحال الثلاثة من الله على طريق الترقي من الفاسد إلى الأفسد ثم الأفسد وقوله: تنزيلا لأقوالهم في درج الفساد أي إنزالاً لكل منها في درجته من الفساد ولم يقل ترقياً مع أنه الظاهر إشارة إلى أنّ الترقي في القبح تنزل في الحقيقة. وقوله: لأنّ كونه الخ تعليل للترقي الذي دل عليه ما قبله وقوله لأنه الخ تعليل لكونه أبعد. وقوله: ليس الخ فبينه وبينه بون بعيد وهذا شأن الشعر الغالب عليه لأنه في اكثر أمر متخيل لا حقيقة له، ولذا يستعمل الثاعر بمعنى الكاذب وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [سورة يس، الآية: 69] الخ وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة فلا ينافيه كما توهم لأنه باعتبار ما يندر كما يشهد له التأكيد بأنّ الدالة على التردّد فيه ومن التبعيضية. وضمير وهو راجع لكونه مفتري ومن كونه متعلق بأبعد مقدر ولأنه تعليل له وفوله: ولأنهم الخ عطف على قوله لأنه مشتمل وهو يتضمن نفي كونه شعرا أيضاً والنيف بتشديد الياء وتخفيفها الزيادة، وهذا مقدار ما قبل ظهور نبوّته واعلم أن هذا الكلام فيه غموض ولذا قال الأستاذ خضر شاه إن المصنف رحمه الله يعني أنهم اضربوا والإضراب في كلامهم حكاه الله عنهم كما في الكشاف. وفيه إشكال لأنه إنما يصح هذا لو كان قالوا مقدما على بل فيفيد حكاية إضرابهم، وأما مع تقديم بلى على قالوا فلا ولذا قال المصنف والظاهر والقول بالقلب وأصله قالوا بل بعيد وإن ذهب إليه الطيبي فتأمّل. قوله: (لآنه يجانسه) أقا كون القرآن من الخوارق فباعتبار إعجازه وأخباره عن المغيبات وصدوره م! الأميّ وأمّا كون السحر خارقا فباعتبار الظاهر فلا ينافي كونه تمويها أو لأسباب خفية كما قيل. قوله: (كما أرسل به الأوّلون (الظاهر أنه إشارة إلى أنّ ما موصولة لذكر العائد، وهو به وأن الموصول للعهد والمراد به ما ذكر من الآيات وأنّ العدول عن الظاهر وهو فليأتنا بما أتى به الأوّلون أو بصثل ما أتى! الأوّلون لأن هذا يدل على ما دل عليه مع زيادة كونه مرسلا به من الله لا إتيانه من نفسه والتعبير في حقه بالإتيان والعدول عن الظاهر فيما بعده إيماء إلى أن ما أتى به من عنده وما أتى به الأوّلون من الله، ففيه تعريض مناسب لما قبله من الافتراء وسيأتي بيانه فأقبل إنه إيماء إلى وجه العدول عن أن يقول كما أتى به الأوّلون فإنّ مرادهم اقتراج آية مثل آية موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لا غيرهما لا وجه له. قوله: (وصحة التشبيه الخ (ترك قوله في الكشاف ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول أرسل محمد صلى الله عليه وسلم وبين قولك أتى محمد بالمعجزة لما أورد عليه من أنّ الفرق بينهما واضح فإنّ إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه للخلق للتبليغ والإتيان بالمعجزة أمر آخر وان أجيب عنه بأنه لازم له في الواقع فالمراد أنه كناية عنه وهي أبلغ وان كان مآلهما واحداً. واعترض على المصنف رحمه الله بأن هذا إنما يحتاج إليه إذا لم تكن ما موصولة. وقد اختاره وهذا من عدم الوقوف على مراده وأنه لا مخالفة بينه وبين ما وقع في الكشاف وليس مدار ما ذكروه على الموصولية والمصدرية بل على تشبيه آياته بآياتهم أو إتيانه بالآية بإتيانهم بآياتهم بلا شبهة لا تشبيه إتيانه بإرسالهم على أحد الوجهين فإنه لا بد له من متعلق مقدر. والمرسل به إمّا الشرائع وامّا الآيات واما مجموعها وعلى الأوّل والثالث لا يصح التشبيه لأنه غير مراد فيكون باعتبار ما يستلزمه على الأوّل وباعتبار جزئه الذي في ضمنه على الثالث. وأنا على الثاني فالإرسال فعل الله وليس المقصود التشبيه به الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 بل بلازمه المذكور أيضا. فإن قلت فليكن مصدرا للمجهول ومعناه حينئذ كونه مرسلا من الله بالآيات قلت على تسليم وجود المصدر للمجهول هو أيضا مغاير للإتيان، وإن لم ينفك عنه فلا بد من إرادة ما ذكر. ومن لم يقف على مراده قال إن الواو في قوله وصحة بمعنى أو فبناء الوجه الثاني على المصدرية وهذه عكازة أعمى وتكلف كما لا يخفى. كالقول بأن الأوّل بيان لحاصل المعنى وقيل إنه بناء على اعتبار التشبيه في الإتيان فتأمّل وقوله من أهل قرية قدر فيه مضافا ولم يجعله مجازاً إيجازاً لأنّ قوله أهلكناها يأباه والاستخدام خلاف الظاهر. ومن قال إنه مجاز لقوله أهلكناها دون أهلكناهم بناء على أن إهلاكها كناية عن إهلاك أهلها. لم يأت بشيء مع أنه حينئذ لا مانع من حمل كلام المصنف عليه ولا حاجة إلى ترجيح التقدير على التجوّز بشيوعه كما قيل. وقيل لما جاءتهم أي ولم يؤمنوا بها. قوله: (افهم) أي هؤلاء المقترحون عليك وهم أعتى بالمثناة الفوقية أي أشد عتوّاً وعناداً من أولئك وهذا مأخوذ من العدول عن فهم لا يؤمنون والاستفهام الإنكارفي الاستبعاديّ، إذ يفهم منه بمقتضى السياق أن السابقين لم يؤمنوا لعنادهم فكيف بهؤلاء وهم أرسخ قدما في العناد منهم لأنهم علموا إهلاك المقترحين، ثم اقترحوا فظهر زيادة عتوّهم فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في الكلام على أنهم أعتى فتأمل وقوله للإبقاء عليهم أي للترحم من قولهم أبقى عليه إذا ترحم. قوله: (فأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب) هو المراد من أهل الذكر والذكر يطلق على الكتاب وقوله: والإحالة الخ جواب عما يخطر بالبال من أنه ما فائدة السؤال من الكفرة وقوله: الجم الغفير أي الذي بلغوا حد التواتر واستجمع خبرهم شروطه. قوله: (نفي لما اعتقدوا أنها (أي الرسالة السابق الإشارة إليها في قوله: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} لا لما والتأنيث باعتبار كونها خاصة كما قيل وان المراد بهذه الخاصة الاستغناء عن الأكل وقوله: عن الرسل متعلق بنفي وتحقيقاً مفعول له أي لا إلزاما. وأبشاراً بفتح الهمزة جمع بشر. وهو يشمل القليلى والكثير والذكر والأنثى وجمعه على إبشار نادر. وقوله وقيل الخ قائله الزمخشري ومرضه لعدم ذكره هنا. قوله: (توكيد وتقرير له (لأنّ الخلود مؤكد لعدم اكل ونفيه أو نفي الخلود مؤكد للأكل لما ذكره. وقوله: توابع التحليل أي لوازمه والتابع والرديف يطلق عليه وكونه مؤذياً للفناء بحسب الأصل أو المراد به التحليل المعروف في الدنيا فلا يرد عليه أهل الجنة. قوله: (وتوحيد الجسد الخ (يعني أنه كان الظاهر أن يقال أجساداً فتوحيده، أمّا لتأويله بجنس الجسد الشامل للقليل والكثير أو لأنه في الأصل مصدر جسد الدم يجسد بمعنى التصق، فأطلق على معناه المعروف لأنه مركب من أجزاء ملتصقة والمصدر يطلق على الواحد المذكر وغيره أو هو بتقدير مضاف أي ذوي جسد. قال في التسهيل يستغني بتثنية المضاف وجمعه عن تثنية المضاف إليه وجمعه في الإعلام وكذا ما ليس فيه التباس من أسماء الأجناس كذوات كذا اهـ. وتحقيق المسألة مفصل في العربية. فمن قال إنه لا يحسم مادة السؤال لأنهم ليسوا بذوي جسد واحد فقد غفل عن هذه المسألة أو بتأويل ضمير جعلناهم بجعلنا كل واحد منهم فهو للاستغراق الإفرادي. قوله: (وهو جسم ذو لون (من الإن! والجن والملائكة كما ذكره أهل اللغة. وأورد عليه أنّ الملائكة على تسليم كونهم أجسادا لطيفة لا أزواجا لا يوصفون باللون فكيف يكون هذا نفيا لما اعتقدوا من أنها من خواص الملك، وفيه نظر لأنه يجوز أن لا يعتقدوها أجساما ملوّنة ولو بقبولها للتشكل مع أنّ السالبة لا تستلزم ثبوت الجسدية، أو هذا بحسب أصل وضعه فيجوز تعميمه بعد ذلك وقال الراغب قال الخليل: لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض! ونحوه وأيضا فإن الجسد يقال لما له لون، والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء والماء يتلون بلون إنائه أو ما يقابله لأنه جسم شفاف. وقال الرازي: له لون ولا يحجب ما وراءه وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا} الخ يشهد لما قاله الخليل وباعتبار اللون قيل للزعفران جساد انتهى. قوله: (وقيل جسم ذو تركيب الخ (ظاهره أنه أعثم من الحيوان ومنهم من خصه به. وقوله لجمع الشيء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 لكونه بمعنى الإلصاق كما مرّ وقوله: واشتداده بمعنى شد بعضه ببعض. وثم للتراخي الذكري وهو عطف على قوله: أرسلنا أي أرسلنا رسلاً من البشر وصدقناهم فيما وعدناهم فكذا محمد صلى الله عليه وسلم فاحذروا تكذيبه ومخالفته فالآيات متضمنة للجواب عما مرّ في قولهم هل هذا إلا بثر مع التهديد وقوله: أي في الوعد إشارة إلى أنه تعدى للمفعول الثاني على نزع الخافض. وقيل إنه قد يتعدى لمفعولين وقوله: المؤمنين بهم أي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقوله: حميت العرب خصهم لأنهم الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه وإن كان مثلهم في ذلك جميع أمّة الإجابة والاستئصال إهلاكهم جميعا من أصلهم. قوله: (يا قريش (فالخطاب لهم ويجوز أن يكون لسائر العرب. وقوله صيتكم لصيت مخصوص بالذكر الحسن وان كان في الأصل انتشار الصوت مطلقا أي فيه ما يوجب الثناء عليكم لكونه بلسانكم نازلاً بين أظهركم على رسول منكم واشتهاره سبب لاشتهاركم، وجعل ذلك فيه مبالغة في سببيته له. قوله: (أو موعظتكم (فالذكر بمعنى التذكير مضاف للمفعول وقوله: (أو ما تطلبون (الخ يعني أنه ذكر الذكر والمراد سببه مجازا وهو مكارم الأخلاق ونحوها. وأما كون المراد به قبائحكم ومثالكم مما عاملتم به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما فعل الله بكم لمناسبة الإنكار عليهم في عدم تفكرهم المؤذي إلى التنبه عن سنة الغفلة بقوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} فهو مع كونه قريبا مما قبله غير متجه لأن المعروف في مثل هذا ذكر لك ولقومك الذكر الحسن فتأمّل. قوله: (واردة عن غضب (وفي نسخة من غضب أي هذه الجملة أو هذه الآية واردة عن غضب شديد أي دالة عليه للتعبير فيها بالقصم وهو كسر يفزق الأجزاء ويذهب التئامها. ولذا أتى فيه بالقاف الشديدة بخلاف الفصم بالفاء الرخوة فإنه لما لا إبانة فيه فأتى بتركيب اللفظ على وفق المعنى كما مز. قوله: (صفة لآهلها وصفت بها لما الخ (بكسر اللام وتخفيف الميم، أو بالفتح وتشديدها والمراد أنه على تقدير مضاف لقوله والضمير للأهل المحذوت ولولاه لاحتمل التجوّز في الطرت والإسناد. وذكره هنا دون أن يذكره فيما قبله لأن القرية نفسها توصف بالإهلاك دون الظلم ولأنّ قصم القرية كناية عن قصم أهلها لأنه يلزم من إهلاكها إهلاكهم دون تجوّز وحذف وقوله: (بعد إهلاك (الخ بتقدير مضافين. قوله: (فلما أدركوا شدّة عذابنا (فهو من استعارة المحسوس للمعقول أو من استعمال الإحساس في مطلق الإدراك. لكن قوله إدراك الخ صريح في الأوّل. ويجوز أن تكون الاستعارة في البأس وأحسوا قرينة له أو تخييل. وأمّا ما قيل إنه لا مانع من حمل الكلام على ظاهره فإن شدة العذاب تدرك بالبصر ثانيا وبالعرض فمن أين ثبت أنهم لم يدركوا العذاب ولا شذته ففيه أنّ إدراك الشدة بالبصر محل نظر. وقوله: والضمير للأهل لا لقوم آخرين إذ لا ذنب لهم يركضون منه. وقوله: إذا هم منها إذا فجائية وضمير منها للقرية فمن ابتدائية أو للبأس لأنه في معنى النقمة والبأساء فمن تعليلية. قوله: (يهوبون (يعني أنه كناية عن الهرب وركض من باب قتل بمعنى ضرب الدابة برجله وهو متعد وقد يرد لازما كركض الفرس بمعنى جرى كما قاله أبو زيد: ولا عبرة بمن أنكره. وقوله: أو مشبهين بهم أي بمن يركض الدواب فهو استعارة تبعية ويجوز أن يكون كناية كما في الوجه الأوّل. قوله: (إمّا بلسان الحال أو المقال الخ (أو القائل بعض اتباع بختنصر. قيل ولا يظهر للاستهزاء وجه إذا كان بلسان الحال ولا مانع من فرض القول على طريق الاستهزاء بهم فتأمّل. والترفه التنعم والإبطار الإيقاع في البطر وهو الفرج وهو مضاف لمفعوله وفي ظرفية ويجوز كونها سببية. قوله: (التي كائت لكم (وقيل المراد بمساكنهم النار فيكون المراد بقوله: ارجعوا إلى مساكنكم ادخلوا النار تهكماً إذ ما بعده يناسبه فلا يأباه قوله: ارجعوا كما قيل فإنّ توله: {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} للتعليل أو ترجيهم يقتضيه وإذا أريد بالسؤال العذاب فهو مجاز مرسل بذكر السبب وارادة المسبب. وعليه لا بد من تأويل المساكن بما ذكر، وقوله: التثاور في المهانم والنوازل تفاعل من الشورى والمهامّ جمع مهم، والنوازل جمع نازلة وهي الأمر العظيم النازل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وما في نسخة من التبادر والمنازل من تحريف الناسخ، وهذا هو المناسب لتفسيره للمساكن فكان ينبغي تقديمه. قوله تعالى: ( {يَا وَيْلَنَا} ) نداء الويل كنداء الحسرة في قوله: {يَا حَسْرَتَنَا} وقد تقدم الكلام فيه. وقوله: وجه النحاة أي أمارتها وهو استعارة تصريحية أو مكنية وقوله: فلذلك أي لتحقق العذاب لم تنفعهم مقالتهم هذه لأنها ندم من حيث لا ينفع الندم. قوله: (وقيل إنّ أهل حضور) بالضاد المعجمة وجاء وراء مهملتين بوزن شكور علم محل باليمن والنبيّ المذكور في الكشف هو موسى بن ميشا. وقوله: يا لثأرات الأنبياء اللام مفتوحة فيه للاسنغاثة والثأر أخذ الجاني والانتقام منه ونداؤه مجاز وقيل المراد به التعجب. وقيل إنه على تقدير مضاف أي يا أهل ثاً راتهم والطالبين لدمهم احضروا لتغيثونا. وقيل إنه نداء للقبيلة وأهل حضور للتوبيخ والتقريع والمراد بالأنبياء الجنس فإنه ثأر نبيّ واحد. قوله: (يرددون ذلك) أي قولهم يا ويلنا والمولول اسم فاعل من الولولة وهي الصياح والويل، وكان قياسه ويللة والدعوى هنا بمعنى الدعوة. قوله: (يحتمل الاسمية والخبرية (لزال لأنها من النواسخ. قال أبو حيان النحاة على أن اسم كان وخبرها مشبه بالفاعل والمفعول فكما لا يجوز في الفاعل والمفعول التقدم والتأخر إذا أوقع في اللبس لعدم ظهور إعرابه لا يجوز ذلك في باب كان ولم ينازع فيه إلا أحمد بن الحاج تلميذ الشلويين كما وقع للشيخين) قلت (ما ذكره ابن الحاج في كتاب المدخل إنه ليس فيه التباس وأنه من عدم الفرق بين الالتباس وهو أن يفهم منه خلاف المراد والإجمال، وهو أن لا يتعين فيه أحد الجانبين ولأجل هذا جوّزه وما ذكره محل كلام وتدبر. وفي حواشي الفاضل البهلوان أن هذا في الفاعل والمفعول وفي المبتدأ والخبر إذا انتفى الإعراب والقرينة مسلم مصرّج به وأما في باب كان وأخواتها فغير مسلم. قوله: (مثل الحصيد (يشير إلى أنه تشبيه بليغ مقدر فيه هذا المضات الذي يطلق على الواحد وغيره لأنه مصدر في الأصل فلذا أفرد الحصيد لأنه ليس هو الخبر. في الحقيقة يلزم مطابقته فأفراده دال على هذا التقدير كما قيل. ولا وجه له فإنه هو المحمول في التشبيه البليغ ويلزم مطابقته. فتقول الرجل أسد والرجال أسود بل المراد أنّ فعيلا بمعنى مفعول وهو يستوي فيه الواحد المذكر وغيره فلا حاجة لتأويله بالجنس ونحوه مما سمعته. قوله: (ميتين من خمدت النار (إذ أطفئ لهبها ومنه خمدت الحمى إذا سكنت. وفي شرح المفتاح الشريفي أنّ في هذه الآية استعارتين بالكناية في لفظ واحد أعني لفظة هم في جعلناهم حيث شبهوا بالنبات والنار في الهلاك والزوال وأثبت لقم الحصاد المخصوص بالنبات وجاز أن يجعل حصيدا من باب التشبيه، ففي الكشاف أي جعلناهم مثل الحصيد، كما تقول جعلناهم رمادا أي مثل الرماد ولا يجوز ذلك في خامدين إذ ليس لنا قوم خامدون حتى يشبههم هؤلاء، لكن جاز أن يجعلا من الاستعارة التصريحية التبعية في الصفة بأن يشبه هلاك القويم بحصاد النبت وخمود النار في القطع والاستئصال فقد ذهب المصنف تبعا للزمخشريّ إلى أن حصيدا تشبيه وخامدين استعارة كما في الكشف. وذهب الطيبي والفاضل اليمني إلى أنهما تشبيه وسيأتي ما فيه وذهب السكاكيّ إلى أنهما استعارة فإن قلت إذا كان الطرفان مذكورين هنا وذكرهما مخرج عن حذ الاستعارة ضرورة فكيف جاز للسكاكي جعله استعارة على المذهب الراجح والا فلم ارتكبه الشيخان. وما الفرق بين الحصيد أو خامدين هنا. قلت الذاهب إلى الاستعارة يجعل الطرف القوم المهلكين لا مدلول الضمير، وذكر ما يساوي أحد الطرفين أو يشمله لا يعد مانعا كما في سورة يوسف وحينئذ يرد أن المشبه بالنار الخامدة إن كان هو مدلول الضمير ورد المحذور ولا يفيده صيغة جمع العقلاء، وإن كان غيره لزم كون حصيداً استعارة أيضاً ولا يصح جعله تشبيها آخر فيه وهو ميتون لمنافاة وجه الإعراب له. وقول الشريف إذ ليس لنا قوم خامدون فيه بحث مع أن مدار ما ذكره من كون خامدين لا يحتمل التشبيه لجمعه جمع العقلاء المانع من أن يكون صفة للنار حتى لو قيل خامدة كان تشبيها كما صرّج به في حواشيه، لكنه محل تردّد لأنه كما صح الحمل في التشبيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 ادعاء فلم لا يصح جمعه لذلك ولولاه لما صحت الاستعارة أيضا فتدبر. قوله: (وهو مع حصيدا الخ) دفع لما يتوهم من أنه نصب ثلاثة مفاعيل هنا، وهو ناصب لمفعولين بأنهما بمنزلة شيء واحد كحلو حامض بمعنى مر فحصيداً خامدين بمعنى جامعين لمماثلة الحصيد والخمود في أنهم مستأصلون والخمود معطوف على مماثلة لا على الحصيد لأنه استعارة كما مز. وعليه إن قلنا إنه تشبيه وكونه صفة له أي لحصيدا مع أنه تشبيه أريد به ما لا يعقل يأباه كونه للعقلاء كما مر لا كونه جمعا، كما توهم لأن فعيلايطلق على الجمع. قوله: (وإنما خلقناها الخ (يعني أنها ليست كبناء الناس للزينة واللهو. ويتسلقوا بمعنى يتوصلوا وأصل التسلق النزول إلى الدار من حائطها دون باب. قوله: (ما يتلهى به ويلعب (إشارة إلى أنه مصدر المبني للمفعول وتوطئة لما سيأتي. وتوله من جهة قدرتنا ظاهره أن اتخاذ اللهو داخل تحت القدرة وقد قيل إثه ممتنع عليه تعالى متناعاً ذاتيا والله سبحانه وتعالى غير قادر على الممتنعات. وأجيب بأن صدق الشرطية لا يقتضي صدق الطرفين فهو تعليق على امتناع الإرادة. أو يقال الحكمة غير منافية لاتخاذ ما من شأنه أن يتلهى به وإنما تنافي أن يفعل فعلا يكون هو بنفسه لاهيا به فلا امتناع في الاتخاذ بل في وصفه بأنه لاه. كما هو كذلك في الولد والزوجة كما أشار إليه في الكشف وقوله: أو من عندنا فالمراد بالعندية عالم الملكوت والمجردات، وهذا إطلاق ثالث لعند الله والمقصود الرد على ما سيأتي لا أنه يجوز اتخاذه من المجردات بل لأنّ ذلك أظهر في الاستحالة والتزويق التزيين مأخوذ من الزاووق وهو الزئبق. قوله: (وقيل اللهو الولد الخ (وقيل الزوجة قال الراغب: إنه تخصيص له بما هو من زينة الحياة الدنيا التي جعلت لهوا ولعباً وقوله: والمراد الرد على النصارى في دعوى ما ذكر كما سيصرّج به لكنه غير مناسب هنا كما بينه شراح الكشاف. قوله: (ذلك (أي اللعب وهو بيان لمفعوله المقدر وبيان لأن إن شرطية وجوابها مقدر بقرينة جواب لو الشرطية المتقدّم وسياق الآية لإثبات النبوّة ونفي المطاعن السابقة لأنه تكرّر في القرآن أنّ خلق العالم لعبادة الله ومعرفته ولا يتمّ ذلك إلا بإنزال الكتب وارسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنكاره يستلزم كونه عبثا وهو مناف للحكمة فقوله: إن كنا الخ تكرير لتأكيد امتناعه. وإذا حمل على النفي كما عليه الجمهور يكون تصريحا بنتيجة السابق، واستحسنه في الكشف أي لكنا ما أردنا فما كنا فاعلين لكن أكثر مجيء إن النافية مع اللام الفارقة. قوله: (إضراب عن اتخاذ الخ (يعني أنه إضراب إبطاليّ وكان ينبغي اقتصاره على الثاني، أو تأخير الأوّل لأنه مرجوج عندهم، وكونه شأناً وعادة من المضارع الدال على الاستمرار التجدّدي. وقوله: إن نغلب بتشديد اللام تفسير لحاصل المعنى ونص على الجذ واللهو ليصح ارتباطه بما قبله. وعداد اللهو ما يدخل فيه ويعد منه ويمحقه بمعنى يذهبه ويفنيه. قوله: (استعار لذلك) أي لتغليب الحق حق يمحق الباطل فهو استعارة تصريحية تبعية ويصح أن يكون تمثيلا لغلبة الحق على الباطل حتى يذهبه برمي جرم صلب على رأس دماغها رخو ليشقه وفيه إيماء إلى علوّ الحق وتسفل الباطل وأنّ جانب الأوّل باق والثاني فإن ووجه التصوير أنه استعارة محسوس لمعقول بجعله كأنه مشاهد محسوس. ويجوز أن يكون استعارة مكنية بتشبيه الحق بشيء صلب يجيء من مكان عال والباطل بجرم رخو أجوف سافل، والقذف ترشيح أو بشخص والدمغ تخييل، وأصل معنى يدمغه يشق دماغه ويصيبه. قوله: (وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى (قيل إنه ينافي قوله في سورة طه القذف يقال للإلقاء وللوضع ولا منافاة بينهما لأنّ أحدهما مطلق والآخر مقيد فيحمل عليه، قال الراغب: القذف البعيد ولاعتبار ذلك فيه قيل منزل قذف أي بعيد انتهى، وتصويراً تعليل لقوله: استعارة. قوله: (وقرئ فيدمغه بالنصب الخ (في غير المواضع الستة لأنه بعد خبر مثبت ولذا استبعده المصنف رحمه الله ووجهه بأنه في جواب المضارع المستقبل وهو يشبه التمني في الترقب وهي قراءة عيسى بن عمر وهي شاذة وهذا مراده بالحمل على المعنى لا أن القذف والرمي فيه معنى النفي وهو منصوب بأن مقدرة لا بالفاء خلافا للكوفيين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 والمصدر المؤوّل في محل جز معطوف على الحق. والمعنى بل نقذف بالحق فدمغه على الباطل أي نرمي بالحق فإبطاله به قيل ولو جعل من قبيل: علفتها تبناً وماء باردا صح والأظهر أنه عطف على المعنى أي نفعل القذف والدمغ. قوله: ) سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا ( رام بعضهم تخريجه على النصب في جواب النفي المعنوفي المستفاد من قوله سأترك إذ معناه لا أقيم به، وردّ بأق جواب النفي منفيّ لا ثابت نحو ما جاءني زيد، فأكرمه بالنصب ومراد الشاعر إثبات الاستراحة لا نفيها لكن قيل إنّ استريحا ليس منصوبا بل مرفوع مؤكد بالنون لخفيفة موقوفا عليه بالألف. قوله: (وذكره لترشيح المجازا لأن من رمى فدمغ تزهق روحه فهو من لوازمه، وقوله: مما تصفونه به أي تصفون الله وقوله: وهو أي مما تصحفون حال أمّا من المبتدأ على مذهب بعضهم أو من ضميره المستتر في لكم وقيل إنه متعلق باستقرار محذوف، وقيل بمتعلق لكم وعلى المصدرية قوله: مما تصفونه به بيان لحاصل المعنى على الوجوه وقوله: خلقا وملكا تفصيل لمعنى الاختصاص فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز. قوله: (يعني الملافكة (أي مطلقا وقوله: المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقرّبين الخ إشارة إلى أن عنده فيه استعارة هنا وقوله: وافراده أي بالذكر مع دخولهم في من في السموات وكذا إعادة من الموصولة لتعظيمهم حتى كأنهم شيء آخر مغاير لهم، وقوله: أو لأنه أعمّ منه من وجه في نسخة لوجه والأولى أولى لأنّ من في الأرض يشمل البشر ونحوهم وهذا يشمل الحافين بالعرش دونه، وقوله: عن التبوّؤ أي التمكن والاستقرار وقوله: لا يستكبرون حال أو مستأنف على هذا. قوله: (ولا يعيون فيها (وفي نسخة منها أي لا يتعبون من العبادة وقوله: وإنما جيء الخ يجني أن السين للطلب ولا طلب هنا فيقصد به المبالغة لأنّ المطلوب يبالغ فيه وزيادة البنية تدل على زيادة المعنى. وأمّا قول أهل اللغة أنّ الحسور والاستحسان بمعنى فالمراد اتحادهما في أصل المعنى كما هو دأبهم فلا وجه لما قيل إنه عليه لا حاجة لما ذكر، وأبلغ أي أكثر مبالغة أي في الإثبات. وقوله: تنبيها الخ محصله أنه لعظم ما حملوه لو وقع منه تعب لكان أعظم لأنه على مقدار ما حمل فلا يرد السؤال بأنه لا يلزم من نفي الأعظم نفي أصله فكان الظاهر أن يقال لا يحسرون على نهج ما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [سورة فصدت، الآية: 46] وقوله: حقيقة بمعنى جديرة ومحصله أنه حقيق بالتعب الشديد وقوله: دائماً إشارة إلى أنّ المراد الدوام لا خصوص الليل والنهار. قوله: (حال من الواو في يسبحون) أي قوله: لا يفترون وقوله: وهو أي يسبحون أما مستأنف أو حال من ضمير قبله وهو ضممير يستحسرون وفي نسخة أو هو فيكون بيانا لإعراب قوله لا يفترون بأنه إمّا حال من فاعل يسبحون أو مستأنف أو حال مترادفة من ضمير لا يستحسرون كقوله: يسبحون الخ فلا سهو فيها كما توهم وان كانت النسخة الأولى أظهر كما لا يخفى. وقد استشكل كون الملائكة مطلقاً لا يفترون عن التسبيح ومنهم رسل يبلغون الرسالة فكيف يسبحون حال التبليغ ومنهم من يلعن الكفرة كما ورد في آية أخرى وأجيب بما نقل عن كعب الأحبار بأن التسبيح كالتنفس لهم فلا يمنع من التكلم بشيء آخر، وفيه بعد وقيل إنّ الله تعالى خلق لهم ألسنة، وقيل لعنهم وتبليغهم تسبيح معنى والظاهر أنه إن لم يحمل على بعضهم فالمراد به المبالغة كما تقول فلان لا يفتر عن ثنائك وشكر آلائك. قوله: (بل اتخذوا (بفتح الهمزة المقطوعة، وأصله 11 تخذوا فحذفت الثانية قياسا وهي المرادة بقوله: والهمزة الخ فلا يتوهم أن رسم اتخذوا في النسخ بألف واحدة فأين الهمزة المذكورة وهذا بناء على أن أم المنقطعة تقدر ببل والهمزة ففيها إضراب وإنكار لما بعدها فلا وجه لما قيل إنها هنا للانتقال من أمر إلى آخر، وقوله: صفة لأن الظروف بعد النكرات صفات ويجوز كونها مفعولاً ثانيا لاتخذوا. وقوله: متعلقة بالفعل يعني اتخذوا ومن ابتدائية لأنها مبتدأ اتخاذها من أجزاء الأرض ويجوز كونها تبعيضية. قوله: (وفائدتها) أي الصفة أو الكلمة على الوجهين وهي مفعولة من الأرض لتحقيرها بأنها أرضية سفلية لا لتخصيصها حتى تخرج الملائكة لأن كل ما عبد من دون الله فهو منكر وقيل يجوز أن يراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 تخصيص الإنكار الشديد بها لأن ما هو أرضي مصنوع بأيديهم كيف يذعي ألوهيته. وقوله: الموتى بيان لمفعوله الحذوف. قوله: (وهم وإن لم يصرحوا الخ (جواب سؤال مقدر أي هم لم يصرّحوا بأن آلهتهم تحي الموتى وتنشرها ولم يدعوه لها فكيف قيل هذا سواء كانت الجملة صفة آلهة أو مستأنفة مقدر معها استفهام إنكاري لبيان علة إنكار الاتخاذ وفاعل لزم ضمير الإنشار وادعاءهم مفعوله ولها متعلق به والإلهية مفعول الادعاء. وقوله: فإن من لوازمها أي الإلهية الاقتدار على جميع الممكنات التي من جملتها الإنشار قيل وهذا يقتضي أنّ معنى قوله: ينشرون يقدرون على الإنشار فلا يرد أنه لا يلزم من القدرة على شيء إيجاده. قوله: (والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم (أي المراد بما ذكر من قولهم: {أَمِ اتَّخَذُوا} الخ بيان جهلهم بالألوهية ولوازمها والتهكم بهم لعجز آلهتهم. قوله: (وللمبالنة في ذلك) أي في التجهيل والتهكم زيد الضمير وهو هم المفيد للتقوى لإيهام الحصر حتى كأنه قيل لا ينشر الأهم وهو أبلغ في التهكم، وقال الموهم: رد القول الزمخشركما أن فيه معنى الاختصاص وأنه وجه بأنه بمقتضى المقام لا لأن الضمير للفصل كما اذعاه الطيبي وقوله: الإنشار إشارة إلى أن القراءة المشهورة هنا بضم الياء من المزيد. قوله: (غير الله (إشارة إلى أن إلا هنا اسم، بمعنى غير صفة لما قبلها واعرابها يظهر على ما بعدها لكونها على صورة الحرف ولها شروط مفصلة في محلها ولا يصح كونها استثناء هنا لفساد المعنى كما سنبينه. وقوله: لما تعذر الاستنثاء تعليل لتعين الوصفية. قوله: العدم شمول ما قبلها لما بعدها (وعموم ما قبل الاستثناء حتى يدخل فيه ويحتاج لإخراجه شرط لازم عند الجمهور خلافاً للمبرد وأما احتمالى كونه استثناء منقطعا لعدم دخوله كما في الرضي فلا يصح فإنه لا بد فيه من الجزم بعدم الدخول والجمع في الإثبات ليس له عموم وهذا وجه لامتناعه من جهة العربية. وقوله: ودلالته أي الاستثناء على ملازمة الفساد المفهوم من الشرطية. وقوله: دونه أي دون الله وهذا بيان لوجه امتناعه من جهة المعنى كما بينه لأنه يفهم منه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم يلزم الفساد ولا يخفى ما فيه من الفساد. قوله: (والمراد ملازمته لكونها (أي وجودها مطلقا يعني المقصود ملازمة الفساد لوجود الآلهة مطلقاً وتعددها بما فوق الواحد سواء كان ذلك مع الله أو لا والاستثناء لا يفيد ذلك. قوله: (حملا لها على غير (يعني أنه من التقارض فاستثنى بغير حملا لها على إلا ووصف بألا حملا لها على غير فقوله حملا تعليل لقوله وصف بألا. قوله: (ولا يجوز الرفع على البدل (هذا مانع آخر من الاستثناء وهو أنه لو كان استثناء كان منصوبا لأن إبداله فرع عن كونه استثناء وهو إنما يكون في النفي، وأما كون لو الامتناعية في معنى النفي كما ذكره المبرد فلم يرتضوه مع أن المحذور باق وهو فساد المعنى. قوله: (لبطلتا (يعني أن المراد بالفساد ليس مجرّد التغير بل البطلان والاضمحلال وهو يرد بمعناه في اللغة وان كان الفقهاء فرقوا بينهما، كما هو معروف في محله، وقوله: لما يكون بينهما اًي بين الإلهين وهو إشارة إلى أن المراد بالجمع التعدد وإنما اختير لأنّ لهم آلهة وهو أقوى وأدل على المراد والمراد بالاختلاف تخالفهما ولو بإرادة الاستقلال بالفعل من كل منهما وهو صادق بالتمانع فلذا عطفه بالواو دون أو وفيه احتمالان آخران كما سيأتي، والتمانع تفاعل من المنع وهو منع كل منهما للآخر عما يريده. قوله: (فإنيها (أي الآلهة إن توافقت في المراد بأن يريده كل منهما إرادة مستقلة لزم أن تطرد قدرة كل واحد منهما قدرة الآخر بعد عن عمله لعدم المرجح وان تخالفت بأن أراد أحدهما شيئاً والآخر ضده لزم إقا وجود الضدين أو عجز أحدهما، ولا يصح الأوّل ولا الثاني لمنافاة الألوهية فيلزم التعاوق وهو أن يعوق كل منهما الآخر فلا يقع مقدور أصلاً وهو المراد بالفساد، فإن أريد بالاختلاف التطارد وبالتمانع التعاوق فهو لف ونشر مرتب والا فهو مشوّس والواو بمعنى أو كما قيل. وقيل المعنى لبطلتا لما يكون بينهما من التمانع إذ لا مجال للتوافق في المراد ولا يلزم أن لا تتطارد عليه القدرة ولا يخفى ما في تقرير المصنف رحمه الله من الخلل فتأمّل فقيل عليه إنا تأملنا فوجدنا تقريره خاليا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 من الخلل بل هو في تقريره حيث أخذ التمانع مقرّراً وعلل بامتناع التطارد، مع أنه لا فرق بينهما في الامتناع فليس الأوّل أقرب إلى الوقوع من الثاني. وقال: بعض علماء العصر لا يخفى أن كلام المتأمل مشعر بعدم التأمّل إذ استحالة التوافق أظهر عند العقل وبهذا توجه العلماء إلى بيان التمانع واشتهرت الحجة ببرهان التمانع وعدم الفرق في أصل إلامتناع وانتفاء القرب إلى الإمكان والوقوع لا يوجب انتفاء أظهريته لامتناع ذلك عند العقل لكن يرد على القائل إنه بمجرد كون استحالة التوافق أظهر عند العقل لا يظهر خلل في العبارة غايته أنه أولى. وقيل: إنّ الحجة المستفادة من الآية إقناعية والملازمة عادية لأنه يرد عليها أنه يجوز أن تتفق الآلهة على أن لا يريد كل منهما إلا ما لا يتعلق بأحد طرفيه إرادة شريكه أو وقع اتفاقهما على إيجاد المراد بالاشتراك لا بالاستقلال، وقد رد بأن الحق أنها قطعية ولا يرد عليه ما ذكر لأنه لا يخلو من أن قدرة كل منهما كافية في حدوث العالم أولاً وعلى الأوّل يلزم اجتماع علتين على معلول واحد وعلى الثاني يلزم العجز. لا يقال إنما يلزم العجز لو أراد الاستقلال ولم يحصل لكن يمكن أن يتفقا على الإيجاد بالاشتراك مع القدرة على الاستقلال كالقادرين على حمل خشبة بالانفراد فيحملانها معا. لأنا نقول تعلق إرادة كل واحد إن كان كافيا لزم المحذور الأوّل والإلزام الثاني والمنع مكابرة والمثال لا يصلح للسندية كما بينوه. وذكر التفتازاني أنه يمكن أن يراد بالفساد عدم التكوّن أي لو تعدد الإله لم تكوّن السماء والأرض وينتقل إليه الكلام السابق سؤالاً وجوابا. وللعلامة الدواني في تقريره كلام يطلب تفصيله من أهله وقرّر الدليل بعض أهل العصر بوجه. قال: إنه أوجه مما عداه وهو أنّ الإله المستحق للعبادة لا بد أن يكون واجب الوجود وواجب الوجود وجوده عين ذاته عند أرباب التحقيق إذ لو غايره لكان ممكناً، وهو مبرهن في محله فلو تعدد لزم أن لا يكون وجوداً، فلا تكون الأشياء موجودة لأنّ موجودية الأشياء بارتباطها بالوجود فظهر فساد السماء والأرض بالمعنى الظاهر لا بمعنى عدم التكوّن لأنه تكلف ظاهر وفيه تأمّل. قوله: (فسبحان الله الخ (تعجب ممن عبد هذه المعبودات الخسيسة وعدها شريكا مع وجود المعبود العظيم الخالق لأعظم الأشياء والأجسام شامل للعلوية والسفلية فلا يقال إنّ الأظهر أن يقول الإجرام لأنه الشائع في العلويات وكأنه نتيجة لما قبله من الدليل وقوله: محل التدابير الخ فيه تأمّل وقوله: لعظمته الخ تعليل لعدم السؤال. وقوله: والسلطنة لذاته في نسخة الذاتية وإذا كان الضمير للألهة فإمّا أن يراد بها عزير والمسيح ونحوه أو الأعمّ على تقدير إنطاقهم. قوله: (كزره استعظاماً) الاستعظام عده عظيما والاستفظاع الاستقباج وهذا بناء على أنهما بمعنى لا على أنّ الأوّل مخصوص بالآلهة الأرضية وهذا عام لعموم الدليل السابق وقوله: أو ضما لإنكار ما يكون سنداً الخ هذا بناء على تغايرهما باعتبار تغاير دليليهما فلذا عطف بأو. وذكر السند في النقلي والدليل في العقلي إشارة إليه والسند النقلي من قوله: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} لا قوله هذا ذكر الخ والعقليّ من قوله: هم ينشرون كما أشار إليه بقوله على معنى أوجدوا آلهة ينشرون لموتى لا قوله لو كان فيهما آلهة كما قيل لأنّ كلامه ناطق بخلافه. وقوله: الآمر بوزن فاعل مفعول وجدوا. وقوله: ويعضد ذلك أي ما ذكر من كون أحدهما ناظراً إلى الدليل العقلي والآخر للنقلي وما يدل على فساده عقلاً لو كان فيهما آلهة إلا الله. قوله: (1 ما من العقل أو من النقل الخ (كان الظاهر ترك قوله من العقل إلا أنه وجه بأن بناء على تفسيره الأول وهو قوله كرّره استعظاما الخ وقوله: كيف الخ ترق عن أن قولهم بتعدد الآلهة لا دليل عليه إلى أنه قامت الأدلة على خلافه. قوله: (والتوحيد لما لم يتوقف على صحتة (جواب عن سؤال وهو أنه كيف يثبت التوحيد بالنقل مع لزوم الدور له وسيأتي تحقيقه وتفصيله في أواخر هذه السورة. قوله: (وإضافة الذكر إليهم الخ (فالذكر المراد به الكتب لاشتمالها على التذكير والعظة وهو في الأصل مصدر مضاف إلى المفعول والتنوين وأعمال المصدر في المفعول كقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} [سورة البلد، الآية: 14] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 وقوله: وبه أي قرئ بتنوين ذكر ومن بكسر الميم الجارة وإدخالها على مع وإن كان ظرفا لا يتصرف لأنها هنا بمعنى عند فدخلت عليها كما تقول من عندي. وقيل: من داخلة على موصوفها أي من كتاب معي وكتاب من قبلي ودخول من الجارة عليها دال على اسميتها كتنوينها وأن القول بأنها حرف غير صحيح كما أشار إليه المصنف بقوله: على أنّ مع اسم فهي اسم دال على الصحبة والاجتماع جعلت ظرفا كقبلى وبعد فجاز دخول من عليها كما دخلت عليهما خلافا لمن أنكره. قوله: (على أئه خبر محذوف (أي هو الحق أي عدم علمهم هو الحق وفي الكشاف ويجوز أن يكون المنصوب أيضاً على هذا المعنى كما تقول هذا عبد الفه الحق لا الباطل وهذه الجملة مؤكدة معترضة بين السبب وهو الجهل وعدم العلم والمسبب وهو إعراضهم ولم يؤت بالفاء فيه إيماء إلى ظهوره وتفويضا له إلى العقل وقوله: من أجل ذلك أي عدم العلم بيان للسببية المذكورة. قوله: (تعميم بعد تخصيص (يعني أن الذكر عبارة عن الكتب الثلاثة لما ذكره والوحي شامل لها ولغيرها بل لكل وحي فليس فيه ما يدل على اشتراط الكتاب للرسل كما قيل ومن فسر قوله: هذا ذكر أي وحي وارد على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلها فظاهر جعلهما بمعنى مقرّر لما قبله ولذا عدل عنه المصنف نعم من فسره به ثم ذكر ما ذكره المصنف هنا لا يخلو كلامه من الخلل. قوله: (نزلت في خزاعة (هي قبيلة معروفة والآية شاملة لكل من نسب له ذلك كالنصارى. وقوله: من حيث إنهم مخلوقون فهو ملك والولد ليس يصح تملكه ففيه إشارة إلى أن الخطأ من طرق. وقوله: على مدحض من الدحض وهو الوقوع بما يزلق يعني على أصل خطئهم جعل كأنه مكان زلتهم وغلطهم وهو توهمهم أنهم لقربهم وكرامتهم أولاد الإله. قوله: الا يقولون شيئا حتى يقوله الخ (الديدن العادة. وقوله: وجعل القول محله أي محل السبق وأداته أي آلته التي يسبق بها، وفي نسخة إليه وإليهم بجعله فاعلاً ومفعولأ يعني أنه جعل محله بإيقاعه عليه وأداته إذ عدى بالباء لأنّ المقصود تكلمهم بشيء قبل تكلمه به إذ ليس السبق صفتهم بل صفة قولهم ففي يسبقونه مضات مقدر أو تجوز في السنة. وقيل إنه إشارة إلى أن الباء تحتمل الظرفية والاستعانة ولو كان كذلك لقال أو أداته. قوله: (تنبيها على استهجان الخ) يعني أنه تمثيل وتصوير للهجنة والبشاعة فيما نهوا عنه من الإقدام على ما لم يعلموا من الأمور دون اقتداء بكتاب أو سنة كما في شرح الكشاف، وفيه تعريض بالكفار حيث يفعلون ما هو أشد من السبق فيقولون ما لم يقله أصلاً وهذا التعريض مفقود إذا قيل لا يسبق قولهم قوله إذ لا يكون الفاعل حينئذ مقصود إبل السبق، وأما كونه تعريضا فلعدم دلالة اللفظ عليه. وقوله المعرض صفة الاستهجان. قوله: (وأنيب اللام عن الإضافة) قال المعرب هذا مذهب الكوفيين والضمير محذوف عند البصريين وأصله بقولهم أو بالقول منهم وفيه بحث. والتكرير حينئذ تكرير ضمير الملائكة. وقوله: وقرئ لا يسبقونه الخ أي بضم الباء الموحدة وقراءة العامة بكسرها وهو من باب المغالبة ويلزم فيه ضم عين المضارع ما لم تكن عينه أو لامه ياء كما تقرّر في علم التصريف. قوله: الا يعملون قط ما لم يأمره (الضمير لله وأصله ما لم يأمر به كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به وقط بفتح القاف وتشديد الطاء المضمومة ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان. قال في القاموس ويختص بالنفي ماضيا والعامة تقول لا أفعله قط وهو لحن يعني استعماله في المستقبل كما في عبارة المصنف رحمه الله خطأ مشهور وفي كلامه إشارة إلى أن تقديم الجاز والمجرور للحصر، وقال ابن مالك: أنه ورد استعماله في الإثبات وباب المجاز مضيق واسع. قوله: الا تخفى عليه خافية (يعني أن المقصود به تعميم علمه بأمورهم وخص ما ذكر لمناسبته للسبق السابق، وقوله: مما قدموا وأخروا لف ونشر وقوله وهو كالعلة بيان لانتظام الكلام وأنه ليس بأجنبيّ متخلل بين أحوالهم بل هو كالعلة لما قبله، كأنه قيل إنما لم يبدؤه بكلام ولم يعملوا بدون أمره لأنه عالم بجميع أمورهم وما يليق بهم ولذلك لم يشفعوا بدون رضاه. وقوله: فإنهم لإحاطتهم الخ بيان لوجه كونه تعليلا وتمهيداً وذلك إشارة إلى كونه لا تخفى عليه خافية وهو معلوم من فحوى ما قبله من كونهم لا يقولون ولا يعملون ما لم يقل أو يأمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 لا من دليل آخر ولا تقدير له في النظم كما قيل. قوله: (أن يشفع له مهابة منه (المهابة معلومة مما بعده وفيه إشارة إلى الردّ على تمسك المعتزلة بهذه الآية على أنّ الشفاعة لا تكون لأصحاب الكبائر فإنها لا تدل على أكثر من أنه لا يشفع لمن لا ترتضي، الشفاعة له مع أن عدم شفاعة الملائكة لا تدل على عدم شفاعة غيرهم. وقوله عظمته ومهابته إشارة إلى قول الراغب أنّ الخشية خوف مشوب بتعظيم ومهابة فليس المراد أنها مجاز عن سببها كما قيل، وكيف يتأتى هذا مع تصريح المصنف بما ذكر. وقوله: مرتعدون أي شديد والخوف لأنه يكنى به عن ذلك كما يقال: أرعدت فرائصه خوفا وإلا فالارتعاد لا مناسبة له هنا أصلاً، وقوله: خص بها العلماء إشارة إلى قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28، وما ذكره من الفرق مأخوذ من كلام الراغب وتعدى الخوف بمن ظاهر لأنه يقال خاف منه وأمّا تعدى الاعتناء بعلى فغير ظاهر فكأنه بملاحظة الحنوّ والعطف فكان الظاهر ذكره كما في الأساس. قوله: (من الملانكة) فسره به لتقدم ذكرهم واقتضاء السياق وكونه أبلغ في الرد والتهديد لكنه على سبيل الفرض إذ لم يقع ذلك بل لا يصح صدوره ولا نسبته لهم، ولو تركه كان أولى وإنما ذكره تشديداً في إنكاره وقوله البنوة بتقديم الباء. والدعاء مجرور معطوف عليه ونفي الادعاء من فحوى الشرط وقوله مدعي الربوبية بصيغة المفعول ليلائم ما قبله كما لا يخفى ويجوز كونه على زنة الفاعل. وجعل رأي علمية لأنهم لم يشاهدوا ذلك ولا داعي للمجاز. قوله: (من ظلم الخ (يجوز أن يكون المعنى مثل جزاء المشركين نجزي الظالمين مطلقا. قوله: (ذاتي رتق (يعني أن الإخبار به عن المثنى لأنه مصدر والحمل إما بتقدير مضاف أو بتأويله بمشتق أو لقصد المبالغة والمراد ذاتي رتق. والالتحام جعلهما كشيء واحد متداخل أو المراد بالوحدة وحدة الماهية والفتق الفصل بين المتصلين وهو ضد الرتق. فقوله: بالتنويع والتمييز لف ونشر مشوّس فإن كان رتقها التحامها ففتقها تمييزها بانفصال أجزائها وان كان إيجاد حقيقتها ففتقها جعلها أنواعا متغايرة في الحقيقة فمن جعلهما شيئا واحداً وفسره بضم الأعراض المنوّعة والتعينات المميزة لم يصب. قوله: (أو كانت السموات واحدة الخ (التفسير الأوّل بناء على أق السموات والأرضين طبقات متباعدة متغايرة كما وردت به الآثار وهذا مبنيّ على خلافه، وأنّ السموات كقشور البصلة المتلاصقة وأنّ الأرض واحدة وان كلاً منها متحد الماهية لكنها غير متلاحمة فمعنى رتقها عدم تغايرها هيئة وصفة ومعنى فتقها اختلاف حركاتها وأقاليمها فلا يرد عليه ما قيل إنه كان الظاهر أن يقول بالعوارض! المشخصة لأنها جزء من الماهية المختصة بكل فرد منها بخلاف الحركات، وما ذكر في الأرض! غير ثابت عندنا والقائل به قائل بكونها رتقاً لكونها قديمة عنده. قوله: (وقيل كانتا بحيث الخ (معنى الفتق والرتق عليه ظاهر وقوله لا تمطر ولا تنبت لف ونشر مرتب والفتق والرتق استعارة على هذا. وقوله: سماء الدنيا الخ إما أن يريد جهة العلو منها أو جعلها شاملة للسحاب على الجمع بين الحقيقة والمجاز وقيل المراد بها السحب فإنّ السماء يطلق عليها والمطر منها وجمعها على ما ذكره كثوب أخلاق. قوله: (والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون (وفي نسخة يتمكنون جواب سؤال وهو أنه كيف يستفهم منهم على سبيل التقدير وهم أي الكفرة لا يعلمون ذلك ولم يروه على الوجهين في رأي إن جعلت علمية أو بصرية فأجاب أوّلاً بأنهم لما كانوا عقلاء متمكنين من علم ذلك نزل تمكنهم، وما هو بالقوّة فيهم منزلة ما هو محقق بالفعل فهو قريب من قولهم ضيق فم الركية وقوله: فإق الفتق عارض على الوجوه السابقة وهو بيان لطريق النظر وقيل: إنه على التفسير الأوّل للفتق والرتق فتأمل وقوله: مفتقر إلى مؤثر بيان لما يستدل به عليه من إثبات الصانع. وواجب أي واجب الوجود صفة مؤثر. وقوله ابتداء أو بوسط تقسيم للافتقار إلى المؤثر والصانع القديم وإن جميع الآشياء لا بد لها من أن ينتهي إسنادها إليه سواء كان بالذات كمخلوقات الله أو بالواسطة كالأشياء الصادرة منا. وقيل إن الابتداء على مذهب أهل الحق من أنه لا شرطية ولا علية والواسطة على مذهب غيرهم. وقد قيل عليه إنّ أصالة الرتق وعروض! الفتق مما لا يستقل به الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 العقل وهو غير معلوم ولا تمكن معرفته بالنظر فلا يناسب قوله أو لم يروا، نعم الفتق لإمكانه مفتقر إلى واجب وهو معلوم بأدنى نظر وأيضا الفتق بالتحريك غير معلوم لا بالنظر ولا بالاستفسار والمطالعة. قوله: (أو استفساراً من العلماء (أي علماء أهل الكتاب الذين كانوا يخالطونهكلا. والمراد بالكتب الكتب السماوية قيل ويدخل فيها القرآن وإن لم يقبلوه لكونه معجزة في نفسه. ومطالعة يصح نصبه وجرّه وقيل الرتق القدر والفتق الإيجاد لأنّ العدم نفي محض فليس فيه ذوات متميزة فإذا وجدت الحقائق فقد تميزت وهو الفتق، وهو كلام حسن يبنى التجوّز فيه على وجه آخر. وبعد كل كلام يبقى في المقام ما يحتاج إلى النظر. قوله: (وإنما قال كانتا ولم يقل كن الخ (يعني أنّ مرجعه جمع وهو السموات والأرض سواء كانت واحدة أو بمعنى الأرضين فكيف ثني ضميره فأجاب بأنه وحد كلا منهما باعتبار أنه نوع وطائفة وثني ضميره كما يثنى الجمع نحو لقاحين. قوله: (وجماعة الآرض) قيل إنه لم يذكره لتصحيح عود الضمير لأفراد الأرض! المستغنى عن التأويل لتصحيح الأخبار بكونها رتقا في الماضمي، يعني أن هذه الجماعة كانت رتقة ففتقناها فتأمل. قوله: (وفرئ رتقاً بالفتح (وقد قيل إنه مصدر أيضا فلا إشكال في إفراده وان قيل إنه صفة مشبهة فتوجيهه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من أنه صفة شيء مقدر وهو اسم جنس شامل للقليل والكثير فيصح الإخبار به عن المثنى كالجمع، ويحسنه أنه في حالة الرتقية لا تعد فيه. قوله: (وجعلنا الخ (عطف على أن السموات الخ ولا حاجة إلى تكلف عطفها على فتقنا. وقوله: وخلقنا يعني جعل بمعنى خلق فهو ينصب مفعولاً واحداً وكل شيء بمعنى كل حيوان ومن ابتدائية ويؤيده التصريح به في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ} الخ ولذا ذكرها المصنف رحمه الله وقوله: وذلك الخ توجيه لكونه مبدأ وماذة له وتخصيصه مع أنّ مواذه العناصر الأربعة. وقوله: ولفرط احتياجه إليه يشير به وبعدم عطفه بأو ليظهر التخصيص لأن التراب كذلك ولذا ورد خلقه من تراب وذكره في مقام آخر يقتضيه فلا وجه لما قيل إنّ الأولى أن يقول أو مع أنه وقع أو في بعض النسخ أيضاً وأيضا الخلق منه على طريق التشبيه كأنه خلق منه، وهو عدول إلى المجاز من غير ضرورة. وقوله: بعينه لإخراج التراب فإنه ينتفع بما يحصل منه كالنبات ولفظ بعينه فيه لطف هنا. قوله: (أو صيرنا (وجه ثان بجعل جعل بمعنى صير فينصب مفعولين وهما كل من الماء. وقوله: بسبب من الماء لا يحيا دونه هكذا في الكشاف والباء في قوله بسبب للملابسة والسبب بمعنى الاتصال إذ أصل معناه الحبل، ثم أطلق على كل وصلة ومن في قول المصنف من الماء بيانية والمراد أن من في النظم على هذا اتصالية كما في قوله: أنت مني وأنا منك فالمعنى صيرنا كل شيء حيّ متصلاً بالماء أي مخالطا له غير منفك عنه وإليه أشار بقوله لا يحيا دونه وليس بياناً للسببية إذ ليس المراد به معناه المعروت كما توهم. ومن الغريب هنا ما قيل إن العبارة ينبت مضارع نبت. والمراد بالشيء النامي إذ له نوع حياة وهو ناشئ عن قلة التدبر، والحامل لهم على هذا أنّ الشيء بعد اتصافه بالحياة لا ينشأ من الماء بل قبله فتدبر. قوله: (وقرئ حيا الخ (إذا كان الظرف لغواً فهو متعلق بقوله جعلنا لا بقوله حياً وتخصيصه بالحيوان لأنه الموصوف بالحياة ويجوز تعميمه للنبات لقوله يحيي به الأرض بعد موتها لكنه خلاف الظاهر. وقوله: أفلا يؤمنون متفرّع على ما قبله لأن النظر فيه مقتض للإيمان. قوله: (كراهة أن تميل (قال في الكشف أنه بيان للمعنى لا أن هناك إضمار البتة ولذا كان مذهب الكوفيين خليقا بالرد وما في الانتصاف من أنّ الأولى أنه من باب أعددت الخشبة أن تميل الحائط أي لإدعامه إذا مال فذكر الميل عناية بشأنه ولأنه أنسب للإدعام فلا يخالفه. وما رذه بأن مكروه الله تعالى محال أن يقع والمشاهدة بخلافه فكم من زلزلة أمادت الأرض! فليس بالوجه لأن ميدودة الأرض! غير كائنة وليست الزلزلة في شيء منها، وقيل المراد بقوله تضطرب دوامها على الاضطراب فلا ترد الزلازل فتأمل، وقوله لأمن الإ اجاس أي جاز حذف لا النافية لأمن الإلباس وهو مذهب الكوفيين. قوله: (مسالك (تفسير للسبل وواسعة تفسير للفجاج ولم يقل واسعات لأنه يختار ضمير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 المفرد المؤنث مع جمع الكثرة وضمير الجمع مع القلة فتقول الجذوع انكسرت والإجذاع انكسرت كما في شرح المفصل واعترض على قوله وهو وصف بأنه اسم لا صفة لدلالته على ذات معينة فإنه الطريق الواسع والاسم يوصف ولا يوصف به، ولذا وقع موصوفا في قوله تعالى: {فَجٍّ عَمِيقٍ} [سورة الحج، الآية: 27، والحمل على تجريده عن دلالته على ذات معينة لا قرينة عليه، فالصواب أن سبلاً بدل منه ليدل على أنه مع السعة نافذ مسلوك وفجاجا في سورة نوج بدل أيضا ليدل على أنه مع المسلوكية واسع وستأتي نكتة ذلك ثمة) قلت) هذا ليس بشيء لأن معناه مطلق الواسع، ولذا يقال جرج فج وأما تخصيصه بالطريق فعارض وهو لا يمنع الوصفية، ولو سلم فالمراد أنه في معنى الوصف كما صرح به في الكشاف لأن السبيل الطريق والفج الطريق الواسع فلدلالته على معنى زائد كان كالوصف فإذا قدم يكون ذكر السبيل بعده لغوآ، لو لم يكن حالا كما سنبينه والذي أوقعه فيه قول الفاضل اليمني في المطلع أنّ سبلاً تفسير للفجاج وبيان أن تلك الفجاج نافذة فقد يكون الفج غير نافذ. فإن قلت لم قدم هنا وأخر هناك قلت تلك الآية واردة للامتنان على سبيل الإجمال وهذه للاعتبار والحث على إمعان النظر وذلك يقتضي التفصيل ومن ثمة ذكره عقب قوله: كانتا رتقا الخ انتهى. قوله: (فيدل على أئه حين الخ (يعني أن نكتة تقديمه أن صفة النكرة إذا قدمت صارت حالاً فيدل ذلك على أنه في حال جعلها سبلا كانت واسعة ولو كانت صفة لم تدل على ذلك. وقيل: إنها حال مقدرة فتدل على أنها حين جعلت كانت مستعذة لذلك ولا وجه له، وقوله فيدل ضمناً الخ وجهه أن المقصود بالنسبة هو البدل فيدل على أن خلقها وتوسيعها لأجل السابلة فلا شبهة فيه كما توهم والمبدل منه ليس في حكم السقوط مطلقا حتى يتوهم أنه لا يدل على السعة والتوكيد لأنه كالتكرار أو لأنه على نية تكرير العامل. قوله: (إلى مصالحهم (لا إلى الاستدلال على التوحيد وكمال القدرة والحكمة كما قيل لاً نه في غنى عنه بقوله: {وَهُمْ عَنْ آياتها مُعْرِضُونَ} وخلق السبل لا تظهر دلالته على ما ذكر. قوله ة (عن الوقوع بقدرته (متعلق بمحفوظا وكذا ما بعده باعتبار الوجود وخص الأوّل بالقدرة لأنه أمر موجود تعلقت به القدرة، وذكر فيما بعده المشيئة لأنه مخصوص بوقت والمشيئة والإرادة من شأنها تخصيص المقدور. وأما الثالث فظاهر إلا أنه قيل عليه إنه يكون ذكر السقف لغواً لا يناسب البلاغة فضلا عن الإعجاز. وقيل في وجهه أن المراد أن حفظها ليس كحفظ دور الدنيا فإن السراق ربما تسلقت من سقوفها بخلاف هذه ولك أن تقول إنه للدلالة على أن حفظها عمن تحتها فتأمل. قوله: (أحوالها الدالة (فالآيات الدلائل والأمارات. وقوله: يبحث عن بعضها الخ كان الظاهر تركه وفي قوله وهو الذي التفات وقوله: كل من ذلك مثال لقلوب الكل. قوله: (أي كل واحد منهما (هو ما وقع هنا في الكشاف بعينه وهو لا يخلو من خفاء أو خلل وشراح الكشاف لم يتعرضوا له هنا وتحقيقه أن كلا إذا أضيفت إلى نكرة. قال النحاة يجب مراعاة معناها وافراد الضمير مع المفرد نحو كل رجل قائم ولا يجوز قائمون وخالفهم أبو حيان فيه فجوّز الوجهين مع ما عليه من قيل وقال وقد أفرده السبكي رحمه الله بتأليف قال في المغني فإن قطعت عن الإضافة قال أبو حيان يجوز مرأعاة اللفظ نحو كل يعمل على شاكلته ومراعاة المعنى نحو وكل كانوا ظالمين والصواب أن المقدر يكون مفرداً نكرة فيجب الإفراد كما لو صرّج به، ويكون جمعا معرفا فيجب الجمع وان كان لو ذكر لم يجب ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما فالأوّل نحو كل يعمل على شاكلته إذ التقدير كل أحد والثاني نحو كل له قانتون كل في ذلك يسبحون أي كلهم انتهى وهو مخالف لما ذكره الشيخان إذ قدراه نكرة مفردة والخبر جمع نعم هو موافق لكلام أبي حيان رحمه الله، وكفى به سندا ثم إنّ هذا الاختلاف في الضمير الراجع لكل لا في الاسم الظاهر المذكور بعدها في نحو فرقت المائة فأعطيت لكل رجل درهما فلا يصح، أن يقال دراهم لفساد المعنى ولو سلم فالإفراد لا يحتاج لتأويل لأنّ النكرة هنا للعموم البدلي لا الشمولي بلا شبهة وليس هذا مثل كساهم حلة: شتان بين مشرق ومغرب فالذي يقتضيه حسن الظن بالسلف أن يقال المراد بقولهم المراد بالفلك الجنس الفرد الشائع لا الكلي المؤوّل بالجمع ويكون المثال نظيراً له الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 في ذلك مع قطع النظر عما عداه فمن كتب عليه هنا أن قوله والمراد الخ وجه آخر وان كان حقه أن يقول أو الخ زاد في الطنبور نغمة. وقوله: كساهم الأمير حلة أي كسا كل واحد منهم حلة لا جنس الحلة لأنه لا يكسوهم حلة واحدة. قوله: (منهما (أي من الشمس والقمر وفي نسخة منها وهي غلط من الناسخ فما قيل إنها لليل والنهار والشمس والقمر ويؤيدها قوله يسبحون لا وجه له. قوله: (يسرعون على سطح الفلك الخ) قيل عليه حق التشبيه أن يكون المشبه به أقوى في وجه الشبه وهذا ليس كذلك فلا يليق في أبلغ الكلام وردّ بأنه ليس كذلك فإنّ سرعة الكواكب بحركتها الخاصة غير مشاهدة حتى أنكرها بعضهم بخلاف حركة السابح. يعني أنه لا بد فيه من كونه أقوى أو أعرف وأشهر وهذا من الثاني، لا من الأوّل وقد قيل إنه استعارة تمثيلية. قوله: (وهو (أي لفظ يسبحون خبر كل وقد عرفت ما فيه فقوله في ذلك حال ويجوز العكس وجعل في ذلك متعلقا بيسبحون وجملة كل الخ حالية والرابط الضمير دون واو بناء على جوازه من غير قبح كما مرّ ومن استقبحه جعلها مستأنفة، وعدم اللبس لأنّ الليل والنهار لا يوصفان بالسبح، وان جوّزه بعضهم وقوله جمع باعتبار المطالع كما قيل الشموس والأقمار وواو العقلاء ضميرهم لأنها مختصة بهم. وقوله: لأنّ السباحة فعلهم فيكونون عقلاء ادعاء وينزلون منزلتهم، وإذا كنت تمثيلا لا يحتاج للتأويل. وأورد عليه أنّ كثيراً من الحيوانات يسبح كما نثاهده وإنما المختص بالعقلاء السبح الصناعي المكتسب وهو المراد ويدل عليه قوله السباحة فإن فعالة مخصوصة بالصنائع كما ذكره النحاة. قوله: (فقل الخ (هو من شعر لعروة بن مسيك المرادي الصحابي رضي الله عنه وفي بعض شروح الكشاف عزوه لغيره وقبله: إذا ما الدهر جرّ على أناس كلا كله أناخ يآخرينا ... والكلا كل الصدور يعني أن الدهر لا ينجو أحد من رببه فقل للشامتين تنبهوا لهذا وانتهوا عن الش! اتة فإنه سيحل بكم ما حل بنا، والشامت الذي يفرح بمصيبة غيره. وأفيقوا بمعنى تنبهوا استعارة وقوله: إذا ما الدهر الخ فيه استعارة مكنية وتخييلية. قوله: التعلق الشرط (وفي نسخة لتعليق الشرط أي لجعل الجملة الشرطية متعلقة بما قبلها مترتبة عليها مسببة عنها فليست عاطفة على مقدر كما في قوله قبله وما جعلنا ليشر من صلك الخلد الخ لأنه يلزم من عدم تخليد أحد من البشر إنكار بقائهم، والمراد بالفاء الداخلة على أن لا ما في جواب الشرط قوله لإنكاره أي إنكار مضمون الجملة الثرطية وهي في الحقيقة لإنكار الجزاء وقوله بعدما تقرر بصيغة الماضي وذلك إشارة لما قبله وهو عدم خلود بشر. قوله: (ذائقة مرارة مفارقتها جسدها (إشارة إلى أنّ الموت بمعناه المعروف لا مجاز عن مقدماته وآلامه فإنه قبل وجوده يمتنع إدراكه وبعده هو ميت لا إدراك له وفي قوله مرارة إشارة إلى أنه استعارة مكنية وذائقة تخييلية فتدبر. قوله: (وهو برهان على ما أنكره (أي ما أنكره الله عليهم وهو قوله أفإن مت وهو نفي خلودهم وفي نسخة أنكروه بصيغة الجمع أي جهلوه حتى تشمتوا بمن مات أو جعل شماتتهم كأنها إنكار فلا وجه لما قيل إنه لا وجه لهذه النسخة. قوله: (ونعاملكم الخ (يعني نبلو بمعنى نختبر وهو هنا استعارة تمثيلية، وقدم الشرّ لأنه اللائق بالمنكر عليهم. وقوله: ابتلاء تفسير لفتنة لا مفعول له، وجعله مصدرا من غير لفظه على أنه مفعول مطلق ومن جعله مفعولاً له أو حالاً لم يفسره بالابتلاء حتى يلزم تعليل الشيء أو تقييده بنفسه. وقوله: فنجازيكم الخ إشارة إلى أنه كناية عما ذكر وقوله: وفيه أي في قوله نبلوكم الخ وقوله: بأن الأولى إلى أن وكأنه ضمنه معنى التصريح، وما سبق عدم الخلود وما تضمنه. قوله: (ما يتخذونك (إشارة إلى أن إن نافية والظاهر أن جملتها جواب إذا، وهي إذا وقعت جواب إذا لا يلزم اقترانها بالفاء كما النافية بخلاف غيرها من الشروط فإنه يلزم فيه الفاء. وقوله: مهزؤا به إشارة إلى أنه مفعول ثان لأتخذ مؤؤل بما ذكر ونحوه أو جعلوه عين الهزء مبالغة. وقوله: ويقولون بالواو العاطفة على جملة أن يتخذونك إشارة إلى أنه ليس جواب إذا ولا حالاً بتقدير القول كما قيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 وقوله: وإنما أطلقه أي الذكر مع أن المراد به الذكر بسوء كما قدره لدلالة الحال عليه كما بينه ودلالة همزة أهذا على الإنكار والتعجب المفيدين لما ذكر بالقرينة الحالية أيضاً مع أن قرينة الحال قد دلت على ما ذكر بدونه كما في قوله: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [سورة الأنبجاء، الآية: 60، فالمعوّل عليها لاطرادها فلا وجه للإنكار على المصنف بما ذكر. قوله: (بالتوحيد (يعني أنه مصدر مضاف لمفعوله وذكرهم توحيده وعلى كونه بمعنى إرشاد الخلق هو مضاف للفاعل قيل ويجوز أن يكون للمفعول، وقوله: رحمة عليهم إشارة إلى نكتة اختيار لفظ الرحمن وهو تأييد لهذا الوجه. وقوله: أو بالقرآن تفسير لقوله: بذكر الرحمن وليست الباء فيه متعلقة بذكر كما في الوجهين السابقين والإضافة لامية إلى منزله. وجوّز تعلق الباء بذكر أيضا على أنه بمعضى الموعظة ويجوز عطفه على قوله ببعث الرسل. وقيل مفاه قولهم ما نعرف رحمن إلا مسيلمة وهذه الجملة في موضع الحال من فاعل يتخذونك لا بيقولون كما يشير إليه قوله: فهم أحق الخ وقوله: منكرون الإنكار لا يتعدى بالباء لكنه عدى بها نظر اللفظ الكفر. قوله: (وتكرير الضمير للتكيد والتخصيص) التأكيد من تكريره والتخصيص لكونه فاعل كافرون يعني قدّم عليه بناء على إفادة هو عارف التخصيص، والصلة بقعنى المتعلق وهو بذكر المقك م للفاصلة فأعيد للتذكير به فتأمّل. قوله: (كأنه خلق منه لفرط استعجاله) يعني أنه استعارة إما مكنية بتشبيه العجل لكونه مطبوعاً عليه بمادّته ويجوز أن تكون تصريحية والمراد بالإنسان الجنس أو آدم عليه الصلاة والسلام لسريان ماله لأولاده وقد كظرّف فيه بعض المتأخرين فقال: إنسان عيني بتعجيل السهاد ملي عمري لقدخلق الإنسان من عجل ... وقوله ما طبع عليه أي جعل طبعا وغريزة له والمطبوع عليه بمعنى المخلوق عليه ويجيء الدطبوع بمعنى مقبول الطباع وكونه على القلب ضعيف لأنه قلب غير مقبول لكونه محتاجا للتأويل بأنه جعل من طبائعه وأخلاقه للزومه له والذاهب إليه استدل بأنه قرئ به في الشواذ وقيل العجل الطين بلغة حمير وأنشد عليه أبو عبيدة فقال: النبع في الصخرة الصماءمنبته والنخل منبته في الماءوالعجل ... قال الزمخشري: والله أعلم بصحته وقوله: حين استعجل العذاب وقال: اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من المسماء. قوله: (نقماني (جمع نقمة بمعنى انتقام وفسره به لأنه المناسب للمقام وهي آية لكونها تصديقاً لما وعد به، وقوله: بالإتيان بها أي لا تطلبوا تعجيل الإتيان بها. قوله: (والنهي عما جبلت عليه ففوسهم) وهو الاستعجال كما دلّ عليه أنه مخلوق من العجل وليقعدوها بمعنى ليمنعوها عما تريده النفس الأمّارة بالسوء وليس هذا من التكليف بما لا يطاق لأنّ الله أعطاها من الأسباب ما تستطيع به الكف عن مقتضاها. ومتى في موضمع رفع خبر لهذا والوعد صفته. قوله: (وقت وعد العذاب) وقت الوعد هو وقت وقوع الموعود به وهذا سائغ في الاستعمال فلا حاجة إلى تقدير مضاف وهو الإيجاز أو جعله من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العذاب الموعود به كما قيل. وقوله: عن وجوههم قدمه لأن الدفع عنه أهم من غيره. قوله: (محذوف الجواب) أي جواب لو محذوف وهو قوله لما استعجلوا. وقيل: لو للتمني لا جواب لها وقوله من كل جانب يفهم من ذكر الإحاطة. وقوله: يستعجلون منه كان الظاهر يستعجلونه ولكنه نظر إلى معناه وهو يطلبون منه وأمّا تضمينه معنى الاستعلام فهو ركيك. وقوله: لا يقدرون الخ معنى لا يكفون وترك المفعول لتنزيله منزلة اللازم وقوله: يعلمون بطلان ما عليهم بيان للمقدر كذا في النسخ والظاهر ما هم عليه ولذا قيل إنه قلب وهو استئناف جواب سؤال مقدر وهو متى يعلمون فقيل يعلمون حين لا ينفعهم علمهم والظاهر هو الذين كفروا فذكره لبيان إنّ الذي أوجب لهم ما ذكر كفرهم فإنّ الوصف يشعر بالعلية وقوله العدة في نسخة العذاب وهو تحريف، وقوله: مصدر أي من غير لفظه وفتح غين بغتة لغة وقيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 إنه يجوز في كل ما عينه حرف حلق فإذا كان حالاً فمعناه مفاجأته. وقوله: فتغلبهم معنى كناتي إذ أصل معناه الحيرة والدهشة ويقال للمغلوب مبهوت. وقوله: والضمير الخ جوّز فيه أن يكون للعذاب المعلوم مما مرّ أو للنار لتأويلها به. قوله: (لآن الوعد) أي بمعنى الموعود وهو توجيه لتأنيثه وكونه بمعنى العدة إذا لم يؤوّل والتذكير بإمهالهم من فحوى نفيه عنهها في ذلك الحين. وقوله: تسلية فهو راجع إلى قوله: {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} [سورة الأنبياء، الآية: 36] وقوله: يعني جزاءه إشارة إلى أنه مجاز. وقوله حن بأسه فهو بتقدير مضاف بقرينة الحفظ لأنه إنما يصان عما يكره وقوله: إن أراد بكم فلم تستعجلونه. قوله: (وفي لفظ الرحمن (جواب عن أنه غير مناسب للمقام بأنه تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته وتلقين للجواب. وقيل إنه إيماء إلى شدته كغضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم، وقوله: وانّ اندفاعه أي البأس بسبب الرحمة إنما هو إمهال لا إهمال. وحتى غاية لقوله: يخافوا والمراد إذا جاء وقت الكلاءة. قوله تعالى:) {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} (قيل إنه إضراب عن مقدر أي أنهم غير غافلين عن الله لتوسلهم بآلهتهم له وإنما إعراضهم عن ذكره ليناسب التذكير ويتأتى السؤال وهذا مع وضوحه غفلوا عنه، ورد بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم ذكروا فيما ذكروا بقوله: لا يسمع الصمّ وما ذكر يقتضي عكسه. وقوله: غير غافلين مناف لصريح النظم. قوله: الا يخطرونه ببالهم (يعني أنهم لتوغلهم في عبادة آلهتهم كأنه تعالى لا يخطر ببالهم فلا يرد عليه أنه لا يبقى حينئذ وجه للسؤال وتضيع عبارة الذكر ويخل ذلك بالمقصود وقد مر أن الأمر بالسؤال للتسجيل والتجهيل ولعدم انتفاعهم بالذكر نزلوا منزلة المعرضين عنه كقوله: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء} [سورة الأنبياء، الآية: 45] كما قرره هو ثمة وفي قوله: وصلحوا للسؤال إشارة إلى ما ذكر. قوله: (بل الهم آلهة الخ (يعني أن أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة على المشهور والاستفهام للإنكار أو للتقرير بما هو في زعمهم تهكما وليس في كلام المصنف رحمه الله ما يعين هذا كما توهم. وقوله: تتجاوز منعنا هو معنى قوله من دوننا فهو صفة بعد صفة أو حال من فاعل تمنعهم، وقوله: وإلا ضربان أي ببل وأم. وقوله: فإنه أي السؤال من المعرض المشار إليه بالإضراب الأوّل فالمعرض! جدير بأن لا يسئل منه. وقوله: وعن المعتقد لنقيضه من الإضراب الثاني وهو من قوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فإن منع الآلهة بحفظها لهم وهو مناف لكون الحافظ هو الله وهو المسؤول عنه فما قيل إن مبناه فاسد وأنّ الثاني فرية بلا مرية لا وجه له ولا يلزم في دفعه تعين كون الاستفهام تقريريا كما مر لأنّ إنكاره ليس بمعنى أنه لم يكن منهم زعمه حتى ينافي هذا بل إنه لم كان مثله مما لا حقيقة له، والمراد بالشيء مضمون أن الكالىء هو الله والغفلة عن ذكر الله غفلة عن أنه الحافظ لهم. قوله تعالى: ( {لَا يَسْتَطِيعُونَ} (أي لا تستطيع الآلهة نصر أنفسهم فكيف تنصرهم فهذه الضمائر للألهة بتنزيلهم منزلة العقلاء قيل وفيه تفكيك الضمائر ولو جعل المعنى لا تستطيع الكفار نصر أنفسهم بآلهتهم ولا يصحبهم نصر منا كان أظهر. وقوله: يعجبون أي يجاوزون يقال صحبك الله أي أجارك وسلمك كما في الأساس وقوله: ما اعتقدوه وهو نفع آلهتهم وحفظها. وقوله: ولا يصحبه نصر من الله إشارة إلى أنّ معنى ولاهم منا يصحبون أنهم غير مصحوبين بصاحب مسخر من عنده حفظهم وتأييدهم كما ورد في الحديث اللهئم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل كما مرّ وقيل إنّ الجار والمجرور صفة موصوف محذوف تقديره ولا هم ينصر منا يصحبون. قوله: (إضراب عما توهموا (وهو أنّ تعميرهم وتأخير إهلاكهم نفع من آلهتهم فهو في الحقيقة إضراب عن الإضراب الثاني. قوله: (أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك (أي هو إضراب عما دل على بطلان توهمهم وهو قوله لا يستطيعون فهو إضراب انتقاليّ عن الإبطال إلى بيان سببه. وقوله: وإنه أي الإمهال لا حسبانهم أنهم لا يزالون كذلك، وما هم عليه عبادة آلهتهم وقوله: ولذلك أي للوجه الثاني. قوله: (أرض الكفرة (فالتعريف للعهد. وقوله: تصوير أي لم يقل إنا ننقص الأرضى من أطرافها وزاد قوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 نأتي الأرض لتصوير كيفية نقصها وتخريبها فإنه بإتيان الجيوش ودخولها فأصله تأتي جيوس المؤمنين لكنه أسنده لنفسه تعظيما لهم وإشارة إلى أنه بقدرته ورضاه وفيه تعظيم للجهاد والمجاهدين، ويجريه إمّا من الأفعال أو التفعيل وهذه الآية مدنية نازلة بعد فرض الجهاد كما مرّ فلا يرد أن السورة مكية والجهاد فرض! بعدها حتى يقال إنها أخبار عن المستقبل. قوله: (رسول الله والمؤمنين (بيان لمفعوله المقدر وتعريف الغالبين للجنس أو للعهد وهو كناية عن أنّ الغلبة والعزة للمؤمنين وقوله: بما أوحى إشارة إلى أنّ التعريف للعهد ويصح أن يكون للجنس، وقوله: بالياء من الأفعال وضمير الغيبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم أيضا ووضعه موضع ضميرهم إذ أصله بسمعهم أو لا يسمعون، والتصامّ إظهار الصمم بالتكلف وهو من دلالة الحال لا من اللفظ، وقوله: وعدم انتفاعهم إشارة إلى أنّ عدم سمعهم استعارة له، وقوله: بالدعاء فيه إنّ أعمال المصدر معرفاً قليل، لكن التوسع في الظرف سهله. قوله: (والتقييد به لأنّ الكلام في الإنذار الخ) يعني أنهم لا يسمعون كلامه سواء كان إنذارا أولاً ووصفهم بالصمم يقتضي أنهم لا يسمعون مطلقا فالتقييد به إفا لأن المقام مقام إنذار أو لأن من لا يسمع إذا خوّف كي يسمع في غيره فهو أبلغ. وأمّا أنه إذا أطلق يفيد هذا بطريق برهانيئ فيكون أبلغ لأنه يلزم من عدم سماعهم لشيء ما عدم سماعهم للإنذار كما قيل فلا يفيد التجاسر وعدم الخوف من الانتقام الإلهيّ دمانما يفيد أنه شأنهم فهذا مع أبلغيته من وجه أنسب. قوله: (أدنى شيء (تفسير للنفحة وذكر ما فيه من المبالغات وزاد السكاكي فيها رابعة وهي التنكير واعترض على مبالغة المس بأن المس أقوى من الإصابة لما فيه من الدلالة على تأثر حاسة المحسوس، وقد ذكره المصنف في سورة البقرة. وفيما ذكره هنا منافاة له ولا يخفى أنّ المصنف رحمه الله لم يجعل المبالغة فيه بالنسبة للإصابة بل لوقوعه في هذا المقام دون ذكر النزول وغيره مما يلائم العذاب وأنّ المس صمان كان أبلغ من الإصابة من هذا الوجه فهو لا ينافي كونها أبلغ لما فيها من الدلالة على النفوذ ونحوه ولذا كانت أبلغ من الذوق مع تأثر الحاسة فيه مع أن تأثر الحاسة هنا ضعيف جداً لا يقاوم الإصابة لكون الماس هبوب الريح فالضعف والقوّة فيه بالنظر للماس فتأمّل. قوله ة) من الذين ينذرون) ذكره للدلالة على شدة ارتباطه بما قبله. وقوله: توزن الخ، جواب عما يقال الأعمال أعراض لا توزن مع أنه جوّز أن تجسم وقت الوزن وإرصاد الحساب إظهاره واحضاره، والسوقي بمعنى التاتم وقوله: وافراد القسط جواب عن وصف الموازين به ولذا قيل إنه مفعول له حتى يستغني عن ذلك، وجزاء يوم القيامة بمعنى الجزاء الواقع فيه فاللام للتعليل أو بمعنى في ويصح جعلها للاختصاص كما في المثال المذكور. قوله: ( {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} من حقها أو من الظلم) الأوّل إشارة إلى أنه منصوب على أنه مفعول به والثاني إلى أنه منصوب على المصدرية وقد فسر الظلم هنا بالنقص من الثواب الموعود أو الزيادة في العذاب المعهود، وقيل عليه إنه إذا تعدى لمفعولين كان بمعنى المنع أو النقص ولا يمكن اعتبار واحد منهما في زيادة العذاب. ولا وجه له فإنه يصح تفسيره بما ذكروه ودلالته على عدم الزيادة بطريق إشارة النص واللزوم المتعارف 0 وقيل إن هذا القائل جعل الظلم بمعناه المشهور وانتصاب شيئاً على الحذف والإيصال أي في شيء من حقه كما في قوله: صدقناهم الوعد فيصح اعتباره في زيادة العذاب بمعنى المنع أو النقص، وإلا فلا تشمل الفكرة الواقعة في سياق النفي النفوس الفاجرة- وحبة خردل كناية عن غاية القلة- وقوله: وان كان العمل الخ بيان لأنّ الضمير راجع لشيئا بتفسيريه لكنه عبر عنه بالعمل لأنه المراد من توله حقها توضيحا فلا يقال إنّ الأولى أن يقول وان كان حقها وان شرطية جوابها أتينا ويجوز كونها وصلية وجملة أتينا مستأنفة قيل والمراد بالظلم في قوله: أو الظلم ظلم أنفسهم وغيرهم، وقد يحمل على ما يفعل به من النقص أو الزيادة ربط قوله أتينا بها عليه لا يخلو عن تعسف وفيه تأمّل. قوله: (أحضرناها (هذا معناه على القصر والباء للتعدية وتفسرها القراءة الآتية جئنا بها، وأمّا على قراءة المد فاختلف فيها فقيل هو من الأفعال وأصله أأتينا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 فأبدلت الهمزة الثانية ألفا قال المعرب كذا توهم بعضهم وهو غلط قال ابن عطية تبعا لابن جني ولو كان آتينا بمعنى أعطينا لما تعدّى بحرف جرّ انتهى. والمصنف رحمه الله لما رأى هذا جعلها مجازا عن المجازاة وهي تتعدى بالباء تقول جازيته بكذا فلذا قال إنه قريب من الإعطاء أي يشبهه فمن غفل عنه فسره بالإعطاء. ورد قوله: قريب منه وكذا من قال إنّ الباء للسببية أو للمقابلة والمفعول محذوف أي آتيناها بها. قوله: (أو من المؤاتاة الخ (بالهمزة يعني أنه مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، فهو مجاز والباء للتعدية أيضا فقوله: فإنهم الخ تصحيح لمعنى المفاعلة وبيان لأنها مجاز إذ حقيقته تقتضي اتحاد الطرفين في المأتيئ به وهو قريب من عالج الطبيب المريض كما مرّ تحقيقه في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ} فمن قال إنه لا يصح إلا أن يراد بيان محصل المعنى لا تعيين المفعول لم يصب. ومعنى إتيان الله بأعمالهم مجارّاتهم. قوله: (وجئنا (أي قرئ جئنا. وقوله: والضمير أي ضمير أتينا بها للمثقال لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه وهذا مشكل على قراءة النصب وجعل الضمير الذي هو اسم كان للظلم فإنه الظلم المنفي فلا يصح معنى أن يجعل مأتيا به، وقد مرّ توجيهه بأنه الظلم الصادر من العباد لأنفسهم أو لغيرهم ولا يخفى بعده ولذا قيل إنه مخصوص بإرجاعه للعمل فتأمّل. وقوله: حاسبين تمييز أو حال والإصابة في الحساب تقتضي العلم والعدل. قوله: (أي الكتاب الجامع الخ) يعني انّ المتعاطفات متحدة بالذات متغايرة بتغاير ما تضمنته من الصفات وقد يعد مثل هذا العطف تجريدا نحو مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ولا بعد فيه. وقوله: يستضاء الخ أي يهتدى به فهو استعارة تصريحية متضمنة لتشبيه الحيرة والجهل بالظلمة وقوله: يتعظ الخ إشارة إلى أن الذكر إمّا بمعنى التذكير والعظة أو بمعناه المعروف، ومنهم من فسر الذكر بالشرف كما مر وتخصيصه بالمتقين لأنهم المنتفعون به كما في الوجهين الآخرين. واطلاق الفرقان على النصر لفرقه بين الوليّ والعدوّ والضياء حينئذ أمّا الشريعة أو التوراة أو اليد البيضاء والذكر التذكير أو الوحي وتفسيره بفلق البحر ظاهر لأنّ الفرق والفلق أخوان، والعطف واقع بين المتغايرات بالذات على هذا وعدم العطف يؤيد التفسير الأوّل وقوله صفة للمتقين ويجوز كونه بدلاً. قوله: (حال من الفاعل أو المفعول (أي غائبين عن أعين الناس بقلوبهم أو غائباً عنهم بمعنى غير مرئي في الدنيا وقد مرّ تفصيله في البقرة وقوله: خائفون فسره به لتعديه بمن كما مر تحقيقه، والمبالغة من الجملة الاسمية والتعريض إفا بعدم خوف غيرهم بناء على أنّ مثل هذا التقديم يفيد الحصر، وفيه كلام في المعاني ويجوز أن يكون تقديم من الساعة للتعريض بعدم خوف عذابهم والظاهر أنّ المراد الأوّل وقوله يعني القرآن بقرينة الحال والإشارة بهذا لقرب زمانه أو سهولة تناوله. قوله: (استفهام توبيخ (لأنهم لا ينبغي لهم إنكاره لأنهم أهل لسان عارفون بمزايا إعجازه، وتقديم له للفاصلة أو للحصر لأنهم معترفون بغيره مما في أيدي أهل الكتاب وقوله واضافته الخ لأنه رشد مخصوص به وهو عليه الصلاة والسلام نبيّ عظيم فما يختص به من الرشد لذلك خصوصاً وقد أسند الإيتاء إليه بضمير العظمة. وكونه من قبل موسى وهرون أو محمد عليهم الصلاة والسلام بقرينة ما قبله ولذا مرض! الوجه الأخير وأخر. لعدم ما يدلّ عليه لولا معرفة حاله ووروده. قوله: (علمنا أنه أهل لما آتيناه الخ (والأهلية من جملة ما أعطيناه أيضاً. وقوله أو جامع لمحاسن الأوصاف يعني متعلق العلم إمّا أهليته أو ما فيه من الكمالات الوهبية التي أعطاها له تفضلا منه لقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} [صورة الأنبياء، الآية: 51] على ما فسره به. فسقط ما قيل من أنّ الحوادث تستند إلى الموجب القديم العالم بالذات بواسطة حصول الشرائط والاستعداد على زعم الفلاسفة وقوله: وقرئ رشده أي بفتجتين وعلى كل يفيد أنا إنما آتيناه ما ذكر لما فيه من المزية التي علمناها فلولا علمنا لم نؤته فيدل على كونه باختبار منه وعلى علمه بأحواله الجزئة فثبت ما ذكر إذ لا قائل بالفرق. وكون علمه بالجزئيات على وجه كلي كما قاله الفلاسفة خلاف الظاهر، وأما كون أفعاله مبنية على الحكمة فغنيّ عن البيان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 قوله: (متعلق بآتينا. أو برشده الخ) ويجوز تعلقه بعالمين وهو أظهر في الدلالة على تعلق علمه تعالى بالجزئيات وتعلقه بما ذكر على المفعوليه لفسماد معنى الظرفية.. قوله: (تحقير لشأنها الخ (التحقير من الإشارة بما يشار به للقريب كما بين في المعاني ومن تسميتها تماثيل وهي صورة بلا روح مصنوعة فكيف تعبد والإجلال من العكوف على عبادتها وقوله: لا للتعدية لأنه يتعدى بعلى فهي متعلقة بمحذوف لا للبيان كما في قوله للرؤيا تعبرون أو للتعليل وأمّا جعلها للاختصاص الملكي على أنها خبر وعاكفون خبر بعد خبر فبعيد ويجوز تعلقه به بتأويله بعلى أو يؤوّل العكوف بالعبادة فاللام دعامة لا معدية لتعديه بنفسه ويرجحه ما بعده وقوله: أنتم فاعلون إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم ويجوز تقدير متعلقه أي عاكفون على عبادتها. قوله: (وهو جواب عما لزم الاستفهام الخ (من بيان لما يعني أنه لما سأل عنها وهي مشاهدة معلومة حملوه على السؤال عن سبب عبادتها بقرينة توصيفها بالتي أنتم لها عاكفون والا كان ضائعا وسماه سؤالاً بناء على ظاهره إذ القصد التوبيخ. قوله: (منخرطون في سلك ضلال لا يخفى (تفسير للخبر وهو في ضلال واشارة إلى أنّ في للدلالة على تمكنهم في ضلالهم وأنه ضلال قديم موروث فهو أبلغ من ضمالين على ما مرّ تحقيقه في قوله: من القانطين، ولو قال منخرطين كان أظهر وسلك الضلال استعارة أو من قبيل لجين الماء ولا يخفى تفسير لمبين والفريقين هم وآباؤهم. وقوله: والتقليد أي في الأصول لا في الفروع لأنه جائز بالاتفاق ومن علم بصيغة المجهول هو المقلد بالفتح والعالم هو المقلد أو غيره ولذا قال في الجملة. قوله تعالى: ( {أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} ) أم متصلة كما أشار إليه المصنف رحمه الله ويحتمل أن تكون منقطعة وقوله على وجه الملاعبة ولغلبة ظنهم أتوا بالجملة الاسمية المؤكدة في المعادلة وقالوا من اللاعبين الذي هو أبلغ من لاعب، والجد بالكسر خلاف اللعب. قوله: (إضراب عن كونه لاعبا) كأنه يقدره بل المعبود أو الإله الحق رب السموات والأرض! الخالق لهذه ولغيرها والبرهان ما تضمنه قوله الذي فطرهن على الوجهين وقوله أدخل أي أمكن وأقوى لدلالته صراحة على كونها مخلوقة غير صالحة للألوهية بخلاف الأوّل. قوله: (المذكور) بيان للمشار إليه والتوحيد مما قبله على التقدير المذكور وقوله: فإنّ الشاهد الخ تعليل لما قبله. وقوله: والتاء بدل من الواو كما في تجاه والواو بدل عن الباء أي قائمة مقامها لأنها أصل حروف القسم لكن التاء القسمية تستعمل في مقام التعجب من المقسم عليه كما فهموه من الاستعمال إلا أنه ليس بلازم لها كما يلزم اللام في القسم وذهب كثير من النحاة إلى أنّ كلا من هذه الحروف أصل برأسه والتعجب من إقدامه على أمر فيه مخاطرة، ولا فرق بين كلام الكشاف وما قاله القاضي: خلافاً لمن زعم ذلك. قواله: (لأجتهدن في كسرها) يعني أنّ الكيد في الأصل الاحتيال في إيجاد ما يضرّ مع إظهار خلافه وهو يستلزبم ألاجتهاد فيه فتجوز فيه عنه هنا إمّا استعارة أو استعمالاً له في لازمه وصعوبته للخوف من عاقبته والحيل في إخفاء آلة الكسر ونسبته لغيره. وقوله: إلى عيدكم بتقدير مضاف أي مجمع عيدكم وكونه سرّاً لأنه لو أظهره لم يتركوه. قوله: (قطعاً) جمع قطعة ووقع في نسخة قطاعا وهو تحريف وفيه إشارة إلى أنه وان كان مفرداً إلا أنه يستعمل للواحد والجمع كما ذكره الطيبي، وفاء فجعلهم فصيحة وجذاذاً بالفتح لغة فيه. وقيل مصدر كالحصاد وقال قطرب: هو في لغات كلها مصدر وجذذ بضمتين جمع جذيذ كسرير وسرر. وجذذ بضم ففتح جمع جذة كقبة وقبب. قوله: (للأصنام) وضمير العقلاء على زعمهم وقيل إنّ الضمير للعبدة واختار المصنف رحمه الله هذا لموافقته لقوله فعله كبيرهم وهو الظاهر والكبر إمّا في الجثة واما في المنزلة بزعمهم، وكان من ذهب عيناه جوهرتان مضيئتان، وكان الظاهر أن يقول يسمتبقاه وان كان استقباؤه مترتبا على كسر غيره في الجملة. قوله: (لأنه غلب الخ) هذا الوجه على أنّ ضمير إليه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وتقديم الجار والمجرور للحصر كما أشار إليه بقوله إلا إليه وجملة لعلهم إليه مستأنفة استئنافاً بيانيا أو نحويا لبيان وجه الكسر واستبقاء الكبير. وقوله: بعداوة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 تنازعه التفرّد والاشتهار. وقوله: فيحجهم أي يغلبهم ويلزمهم الحجة. وقوله: إذ تعليل للرجوع إلى الكبير والعقد جمع عقدة وهي مجاز عن الأمر الصعب المشكل، والتعبير بقوله لأنهم إشارة إلى أنّ لعل للتعليل كما مرّ. وقوله: من شأن المعبود لدفع ما توهم من أنهم عالمون بأنّ الأصنام لا تصلح للسؤال والجواب مع أنه غير مسلم عندهم. قوله: (أو إلى الله) وليس قوله إلا كبيراً لهم أجنبيا في البين كما توهم لأنّ استبقاءه حتى يسئل فلا يجيب أظهر في إبطال مدّعاهم الداعي إلى الرجوع إلى الله الحق السميع البصير المجيب وإلى توحيده، ولا حاجة في هذيت الوجهين إلى بيان الحصر لا لأنه يعلم بالقياس على ما قبله ولا لأنّ التقديم لأداء حق الفاصلة بل لأنه غير متعين ولا يتعلق به غرض هنا بخلافه في الأوّل فتأمّل والإعظام والتعظيم بمعنى. قوله: (بجراءته الخ) الظلم في الوجوه بمعنى وضع الشيء في غير موضعه لا بمعنى النقص لكنه في الأخير ظالم لنفسه للألهة، ومن تحتمل الموصولية والاستفهامية. والإفراط يفهم من المبالغة المأخوذة من تعبيره بقوله: من الظالمين دون ظالم كما مرّ أو مما قبله. قوله: (يعيبهم) إن كان بصيغة المضارع كما في أكثر النسخ فهو تفسير له بتخصيصه بأحد محتمليه بقرينة المقام وان كان جارا ومجرورا فهو بيان لمتعلق له خاص بتلك القرينة. وقوله: فلعله فعله إشارة إلى تقدير في النظم بقرينة السؤال عمن فعله فلولا تقديره لم يتمّ الجواب. قوله: (ويذكر ثاني مفعولي سمع) هذا له تفصيل في كتابنا طراز المجالس وحاصله إن سمع حقه أن يتعدى إلى مفعول واحد كما في سائر أفعال الحواس كما فصله الإمام السهيلي وهو يتعدّى إلى واحد بنفسه وقد يتعدّى بإلى أو اللام أو الباء وأمّا تعديه إلى مفعولين فاختلف فيه فذهب الأخفش وأبو عليّ في الإيضاج وابن مالك وغيرهم إلى أنه أن وليه ما يسمع تعدى إلى واحد كسمعت الحديث وان وليه ما لا يسمع تعدّى إلى مفعولين ثانيهما جملة متضمنة لمسموع مصححة لتعلق الفعل به كما ذكره المصنف في الوجه الآخر كسمعت زيداً يقول كذا ولذا لم يجز بعض النحاة سمعت زيداً قائلاً كذا لأنّ قائلا دالّ على ذات لا تسمع وأما قوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 72] فعلى تقدير مضاف أي هل يسمعون دعاءكم. وقيل ما أضيف إليه الظرف مغن عنه وفيه نظر فقول بعضهم إنه ليس بثبت منه وهم، وذهب بعضهم إلى أنه ناصب لواحد بتقدير مضاف مسموع قبل اسم الذات والجملة حالية بعد المعارف صفة بعد النكرات فالتقدير هنا سمعنا كلام فتى ذاكر لعيوبهم لأنّ الجملة لا تكون مفعولاً ثانيا إلا في الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر وليس هذا منها وليس بمسلم لأنها ملحقة برأي العلمية لأنّ السمع طريق للعلم كما في التسهيل وشروحه فقوئه: يصححه بالتحتية خبر بعد نجر ليذكر أو بالفوتية صفة أو خبر بعد خبر لتأويل يذكر بلفظة. قوله: (أو صفة) هذا قول ثالث في المسألة وهو أن يجعل صفة هنا لوقوعه بعد نكرة ولو كان بعد معرفة كان حالاً كما مرّ وقيل إنه بدل اشتمال بتأويل الفعل بالمصدر. ورجحه بعضهم لاستغنائه عن التجوّز والإضمار إذ هو مسموع وهو المقصود بالنسبة فهو كقوله سلب زيد ثوبه إذ ليس زيد بمسلوب ولم يجعلوه محتاجا إلى التأويل وابدال الجملة من المفرد جائز فما مرّ من تأويله بمصدر تصوير للمعنى لا تأويل إعراب حتى يرد عليه أنه سبك بلا سابك كما في شرح المغني ولا تفوت به المبالغة. وتخصيص السماع بمن سمع منه كما توهم لأنه من إيقاعه على الذات. قوله: (وهو أبلغ في نسبة الذكر إليه) الأبلغية من إيقاع الفعل على المسموع منه وجعله بمنزلة المسموع مبالغة في عدم الواسطة فيفيد أنه سمعه بدون واسطة وقد مرّ في سورة آل عمران فما قيل الأبلغية لامتيازه بنسبة الوصفية بعد مشاركته الوجه الأوّل في النسبة إلى الفاعل وفيه تكرير النسبة مع عدم وقوفه على مراده لا طائل تحته وكذا ما قيل يقال سمعت فلانا يقول وإنما المسموع قوله: فكان أصله سمعت من فلان قوله إلا أنه أريد تخصيص القول بمن سمع منه وأوقع الفعل عليه وحذف المسموع ووصف المتكلم الموقع عليه بما سمع منه أو جعل حالاً فسد الحال أو الوصف مسده ففيه تجوّز بحيث ذكر المسموع منه في مقام المسموع ونكتة المجاز ما ذكر لا المبالغة فقد خبط خبط عشواء لما عرفت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 وجملة يقال الخ إمّا صفة أو مستأنفة. قوله: (هو إبراهيم (يعني أنه خبر محذوف لأن مقول القول أصله أن يكون جملة. وقد جوّز فيه وجوه أخر كتقدير هذا إبراهيم تقدير خبر له أي إبرا! + فاعله وتقدير حرف نداء وقوله لأنّ المراد به الاسم يعني المقصود به لفظه. وقد اختلف في ووه المسألة أعني كون مفعول القول مفرداً لا يؤدّي معنى جملة، كقلت قصيدة وخطبة ولا هو مقتطع من جملة كما في الإعراب الأوّل ولا مصدر له أو صفة مصدره كقلت قولاً أو حقا أو باطلا فأجازه جماعة كالزمخشري وابن خروف وابن مالك وغيرهم ومنعه آخرون قيل والقرآن حجة عليهم والأصل عدم التقدير وهو كلام واه لأنه كيف يكون حجة وفيه احتمالات ادعوا تعينها وأيضا هو محل النزاع. قوله: (بمرأى منهم (يقال هو بمرأى منه ومسمع أي يرى ويسمع كلامه فهو اسم مكان من الرؤية ويجوز أن يكون مصدراً ميميا والباء للملابسة والجار والمجرور حال من ضمير به والمعنى مشاهداً معايناً ويجوز أن يكون من الفاعل والمعنى عارضين مشهرين له، وقوله: بحيث تتمكن الخ إشارة إلى أنّ على هنا مستعارة لتمكن الرؤية وانكشافها. وقوله: صورته في أعينهم قيل إنه مبنيّ على أن الرؤية بانطباع صورة المرئي في عين الرائي وهو أحد أقوال ثلاثة ثانيها أنه شعاع يتصل إلى المرئى ومذهب الأشعري إنه بخلق الله لمن قابله. وقوله: بفعله أو قوله بأن يكون أحد منهم رآه أو سمع منه إقراره بكسرها فهو من الشهادة المعروفة والوجه الآخر على أنه من الشهود بمعنى الحضور. وقيل المراد مجموعهما وفيه نظر وقوله: حين أحضروه متعلق بقالوا. قوله: (أسند الفعل إليه تجوزا (يعني أن الفعل لما صدر منه بسبب تعظيمهم له بالعبادة أسنده إسناداً مجازيا عقليا له وأصله فعلته غضبا من تعظيم هذا وقوله زيادة لأنهم عظموا غيره من الأصنام والمخصوص به هذا زيادة التعظيم ولم يكسره وان كان مقتضى غيظه منه ذلك ليظهر عجزه وأنّ تعظيمه لا يليق بعاقل. قوله: (أو تقريرا لنفيه) أي لنفي فعل الصنم الكبير للكسر وهذا بناء على أنّ الفعل دائر بين ذلك الصنم وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإذا دار فعل بين قادر عليه وعاجز عنه وأثبت للعاجز على طريق التهكم لزم منه انحصاره في الآخر كما في المثال المذكور ولا ثالث لهما لأنهم جزموا بأنّ الكاسر إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قالوا أءانت فعلت هذا تقريراً له فاحتمال الثالث كما قيل مندفع وحاصله أنه إثبات لنفيه على الوجه الأبلغ مضمنا فيه الاستهزاء والتضليل على طريق الكناية التعريضية فالوجه الأوّل مبني على التجوّز وهذا على الكناية فتأمل ورشيق بمعنى حسن لطيف وأصله في حسن القد ولطافته. قوله: (أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه (يعني أنهم لما ذهبوا إلى أنه أعظم الآلهة فعظم ألوهيته يقتضي أن لا يعبد غيره معه، ويقتضي إفناء من شاركه في ذلك. والمحكي عنه المقدر إما الكفرة أو أكبر الأصنام فكأنه قيل فعله ذلك الكبير على مقتضى مذهبكم والقضية ممكنة كما أشار إليه بقوله: جوازه ويجوز جعله جواب الشرط في الوجه الآتي وما في ما يلزم موصولة أو مصدرية. قوله: (وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله إن كانوا ينطقون) أي قوله فعله كبيرهم جواب، قوله إن كانوا ينطقون معنى وقوله فاسألوهم جملة معترضة مقترنة بالفاء كما في قوله: فاعلم فعل المرء ينفعه وقد كان في الوجه السابق جوابا في المعنى ولكونه خلاف الظاهر مرضه، فالمعنى إن كانوا ذوي نطق يصلحون للفعل المذكور فاسألوهم فيكون كونه فاعلا مشروطا بكونهم ناطقين ومعلقا به وهذا محال فكذا ما علق عليه وقد كان إيراد الشرط للتبكيت والإلزام وما بينهما قوله فاسألوهم. قوله: (أو إلى ضمير فتى الخ) معطوف على قوله إليه ولا يخفى بعده لأنّ كلا من فتى وابراهيم مذكور في كلام لم يصدر بمحضر من إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى يعود إليه الضمير والإضراب ليس في محله والمناسب في الجواب نعم ولا مقتضى للعدول عن الظاهر هنا كما قيل. وفي الدر المصون إنّ الكلام تمّ عند قوله فعله والفاعل محذوف تقديره فعله من فعله. كذا نقله أبو البقاء وعزاه للكسائيّ وقال إنه بعيد لأنّ حذف الفاعل لا يسوغ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 ولا يرد هذا لأنّ الكسائيّ يقول بجواز حذفه أو أراد بالحذف الإضمار وقيل أصله والفاء عاطفة وعله بمعنى لعله فخفف بحذف لامه، وهذا يعزي للفراء وهو قول مرغوب عنه ولعل الذاهب إلى هذا مع ما فيه مما مر وتفكيك النظم يراه فيه نظراً إلى أنّ المقصود من قوله: أأنت الخ " هنت معبودات عظاما ومن قوله فعله الخ إنها أجسام غير ناطقة ولا قادرة على دفع الضر عنها فكيف تنفع أو تضر غيرها فحاصله " هنت الآلهة العظيمة فقال لا بل كسرت الأجرام الحقيرة فجملة كبيرهم هذا إما معترضة أو حالية فتأمل. قوله: (وما روي الخ) هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو جواب عن سؤال مقدّر على الوجه الأول تقديره إنك أوّلته بما ذكر لئلا يصدر الكذب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم المعصوم وما ورد في الحديث يخالفه. لكنه على هذا كان ينبغي تقديمه على القول الأخير، ويحتمل أنه أخره للإشارة إلى الاعتراض على القول الأخير والمعاريض جمع معراض وهو ما لا يكون المقصود به ظاهره ويذكر تورية وايهاما، ولذا ورد أنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب وقد مرّ الكلام فيه. قوله: (وراجعوا عقولهم) مراجعة العقل مجاز عن التفكر والتدبر فالمراد بالنفس النفس الناطقة والرجوع إليها عبارة عما ذكر وقوله: فقال: بعضهم لبعض إشارة إلى أنّ نسبة القول إلى الجميع مجازية، وقوله: بهذا السؤال أي أأنت فعلت والمقصود به التقرير والتوبيخ والإنكار وقوله: لا من ظلمتموه بالتشديد أي نسبتموه للظلم. وفيه إشارة إلى أنّ أنتم الظالمون يفيد الحصر الإضافي. قوله: (انقلبوا إلى المجادلة الخ) ذكر فيه الكشاف أربعة أوجه مفصلة اعترض! على بعضها بأنه غير مناسب لقوله أفتعبدون الخ ولذا اختار المصنف بعضها وترك باقيها وعبارته أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاؤوا بالفكرة الصالحة ثم انتكسوا، وانقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة وأنّ هؤلاء مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق آلهة معبودة مضازة منهم، أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه الصلاة والسلام مجادلين عنه حين نفوا عنها القدرة على النطق أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة انتهى والتنكيس قلب الشيء بجعل أعلاه أسفله فأما أن يستعار للرجوع عن الفكرة المستقيمة في تظليم أنفسهم إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها مع عجزها فضلا عن كونها في معرض الألوهية، فقوله: لقد علمت معناه لم يخف علينا وعليك أنها كذلك وانا اتخذناها آلهة مع العلم به والدليل عليه قوله: أفتعبدون الخ ولذا اختاره المصنف رحمه الله أو أنه الرجوع عن الجدال الباطل إلى الحق في قولهم لقد علمت لأنه نفي لقدرتها واعتراف بأنها لا تصلح للألوهية وسمي نكسا وإن كان حقاً لأنه ما أفادهم مع الإصرار ولكنه نكس بالنسبة لما كانوا عليه من الباطل، أو النكس مبالغة في إطراقهم خجلا وقولهم لقد علمت لحيرتهم. أتوا بما هو حجة عليهم أو هو مبالغة في الحيرة وانقطاع الحجة واستحسن الأوّل وهذا أو هو رجوع عن الجدال عنه إلى الجدال معه بالباطل وهو قريب من الثاني. قوله: (شبه عودهم إلى الباطل ايخ) قيل عليه أنه يضيع حينئذ قولهم على رؤوسهم. ورد بأنه من التجريد واستعمال اللفظ في جزء معناه أو من التأكيد بذكر بعض مدلوله مع أنّ النكس يستعمل في مطلق قلب الشيء من حال إلى أخرى لغة فذكره للتصوير والتقبيح لما هم عليه وقوله: نكسوا أنفسهم أي رذوها عما كانت عليه والقراءتان شاذتان أولاهما مشددة بصيغة المجهول والثانية مخففة بصيغة المعلوم مفعوله مقدر. قوله: (وهو على إرادة القول) أي قائلين لقد الخ فهو حال من الضمير وقوله فإنه أي هذا الأمر وقوله: إصرارهم بالباطل ضمنه معنى الاعتراف ولذا عداه بالباء. وقوله: صوت المتضجر هذا أصله وهو أن يصوت به إذا تضجر من استقذار شيء كما قاله الراغب: واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: قبحا ونتنا أي رائحة خبيثة مستقدرة ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر وفيه لغات كثيرة كما في كتب اللغة وقوله المتأفف له أي المتضجر له. وقوله أخذا أي شروعا في فعل ما يضره من قولهم أخذ يفعل كذا إذا شرع في فعله وقوله: لما بفتح فتشديد ويجوز الكسر مع التخفيف. قوله: (فإنّ النار أهول) أي أعظم وأشد فاختاروها لأنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 استحق أشد العقاب عندهم وإنما أفاد هذا المعنى اتحاد الشرط والجزاء. كقولهم من أدرك الصمان فقد أدرك أي أدرك مرعى عظيماً عجيبا. توله: (إن كنتم ناصرين) يحتمل أن يريد أنّ مفعوله مقدر أي فاعلين النصر ويحتمل أنّ الفعل المطلق كني به عن النصر أو أريد به فرد من أفراده ولو أبقى على عمومه لكان أبلغ والمعنى إن كنتم فاعلين فعلاً ما فافعلوا النصر، والمؤزر القوي الشديد وهو تحريقه لإهانتها وكان الماضية إشارة إلى أنه ينبغي تحققه منهم ونسبة القول إلى الجميع، والقائل واحد لرضاهم به كما مرّ وقوله: قلنا مجاز عن أردنا لأنّ الإرادة سبب القول في الجملة ولاً بعد في حملة على حقيقته كما قيل وقوله: (ذات برد وسلام) بيان لحاصل المعنى وابردي بضم الراء من باب نصر وكرم. وقوله ة غير ضار لقوله: سلاما ولدّا قال ابن عباس رضي الله عنهما أنه لو لم يقله أهلكه بردها. قوله: (جعل النار المسخرة) أي المنقادة لقدرته وهو إشارة إلى أنّ الأمر مجاز عن التسخير كما في قوله: {كُونُواْ قِرَدَةً} ففيه استعارة بالكناية بتشبيهها بمأمور مطيع وتخييلها الأمر والنداء والتسخير هنا هو التكوين والمجاز إنما هو في جعلها مأمورة. فما قيل إنه لو حمل القول على ظاهره والأمر على التكويني لم يكن استعارة وهم. قوله: (وإقامة كوني ذات برد مقام ابردي (لما فيه من الإجمال بكان والتفصيل بخبرها كما فصله الرضي وافادة دوام بردها لجعلها مكوّنة منه. وقوله: حذف بصيغة المجهول أو المصدر والأوّل أظهر لقوله: أقيم وفي نسخة أقام فيكونان فعلين معلومين أو مصدرين وفيه إشارة إلى أنّ تقدير المضاف لا ينافي المبالغة لما فيه من جعله عينه ظاهراً، ونصب سلاماً بفعل معطوف على قلنا خلاف الظاهر ولذا مرضه. والحظيرة بالظاء المعجمة محوطة معروفة. وكوثي بضم الكاف ومثلثة مقصور قرية بالعراق. وقوله: وجمعوا فيها ناراً أي حطبا وسماه ناراً لأنه يؤول إليها أو سببها أو هو بتقدير مضاف أي ا-لة نار ونحوه والمنجنيق آلة معروفة قيل وهو أوّل ما صنع منه. قوله: (فسله) أي اسأل مرادك وأمرك فالضمير للحاجة بتأويلها بما ذكر وسأل قد ينصب مفعولين وقوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي أي يكفيني ويغنيني عن السؤال فمن بيانية مقدمة وهذا أبلغ كما قيل: علم الكريم بحال السائلين له منه لقاض ملح مبرم الطلب ... فليس يسأل إلا من أساء به ظناً ولم يتدرّع بردة الأدب ... وهذا مقام لا ينافي دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وسؤالهم لإظهار الاحتياج وتعفير جبهة التضرع في تراب المذلة ولذا ورد أنّ الله يحب الملحين في الدعاء ولكل مقام مقال. وقوله: ولم يحترق منه إلا وثاقه الذي ربط به تخليصا له من ضيقه جملة حالية أي بعد دخول النار من غير تأثير فيه سوى ذلك جعلت النار روضة من رياض الجنة، ومن لم يفهم مراده قال: فعلى هذا تكون النار على حالها ولا! صاسب المبالغة في تبريلاها والوثاق بكسر الوإو اسم مفرد ما يشد بهءكالحزام وليس جمع وثيقة كما توهم، وقوله: من الصرح إشارة إلى أنها عظيمة لا يمكن القرب منهاص وإنما تنظر من بعيد وقوله: فقال الخ أي فرآه جالسا مع ملك في رياضها فأمر بإخراجه فلما أتاه أكرمه فقال الخ فالفاء فصيحة: وقوله: ستة عشر الأولى ست عشرة سنة. قوله: (وانقلاب النار الخ) طيبة حال من النار أو صفة هواء لأنه بمعنى الريح وهي مؤنثة وبدع بكسر فسكون بمعنى مستبعد مستغرب لاستحالة بعض العئاصر إلى بعض كانقلاب الماء هواء / وهو كثير وقوله: هكذا أي روضة أنيقة في أسرع وقت خلاف المعتاد وان كان غير مستبعد أيضا بالنسبة للقدرة الإلهية. وجعله معجزة إن كان نبياً حينئذ ظاهر والا فهو إرهاص واطلاق المعجزة عليه كثير شائع لكن الظاهر الأوّل لأنه ظهر على يديه عليه الصلاة والسلام وقد دعاهم إلى إبطال الكفر وعبادة الأصنام فيقتضي أنه عليه الصلاة والسلام نبئ قبل الأربعين. قوله: (وقيل كانت النار الخ) مرضه لمخالفته المرويّ وظاهر النظم وما فيه من المبالغات السالفة وقوله: ويشعر به الخ لأنّ تخصيصه بما ذكر يقتضي أنها ليست على غيره كذلك مع تأييده بأنه مخالف للمعتاد ومخالف ما مرّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 لما روي أنهم قالوا إنه تخييل سحري فرموا فيها شيخا فاحترق ولذا قيل إنه متعلق بسلاماً ليندفع الإشعار ظاهراً وذكر الإشعار لأنه مفهوم لقب غير معتبر. وأما قوله: إنه لم ينقل أنّ البرد أضر بغيره بل النار كما مرّ فغنيّ عن الرد وقد قيل إنه إذا تعلق بسلاما فالإشعار بحاله لكون مؤدّاهما واحدا إذ لم يرد تعميم البرد وتخصيص السلام. وقيل إنه تعالى نزع منها طبيعة الحرّ والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق ولا بعد فيه فإنهما خارجان عن حقيقة النار. قوله: (كما ترى في السمندل) وفي نسخة السمندر بالراء وفي أخرى السمند وهي لغات فيه لتلاعبهم فيه لأنه معرب وهو طائراً ودويبة كالفأر لا تحرقها النار ويجعل من ريشها أو وبرها مناديل ولا تحرقها النار ووقع في الشعر الفارسي سمندر بالراء فهي أعجمية وما عداه تعريب، ووقع في بعض نسخ عين الحياة سندل بدون ميم ولصاحب القاموس رحمه الله تعالى فيه خبط في موادّ ليس هذا محل تفصيله. قال ابن خلكان ومثله السرفوت وهي دويبة تعيش في فرن الزجاح ولابن صابر فيه: نسج داود لم يفد صاحب الفا روكان الفخار للعنكبوت 0.. وبقاءالسمندفي لهب النا رمزيل فضيلة الياقوت.. ء قوله: (عاد سعيهم الخ) بيان وتفسير لكونهم أخسر من كل خاسر ومزيد درجته رفعته في الدنيا والآخرة وهم لخسرانهم لهم أشد العذاب في الدارين. وقوله تعالى إلى الأرض متعلق بنجينا لتضمنه معنى الإيصال أو الإخراج. وعموم البركات من قوله للعالمين ومرض تفسير البركات بالنعم الدنيوية لأن الأوّل أظهر وأنسب بحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يقل باركناها للمبالغة بجعلها محيطة بها، وفلسطين كورة فيها بيت المقدس ولوط عليه الصلاة والسلام ابن أخي إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقيل ابن عمه. قوله: (عطية (لأنه من نفله بمعنى أعطاه وقد قيل إنه مصدر كالعافية منصوب بوهبنا لأنه مصدره معنى ولا لبس للقرينة الحالية المعنوية العقلية لاختصاص معناها به على التفسيرين الأخيرين. قوله: (فصاروا كاملين (يشير إلى أن، ذكر الصلاج الذي خلقوا: عليه لما يلزمه من الكمال اللائق بهم والا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يمدحون بالصلاج ولذا قيل في مثله إنه لمدح الصفة وقوله الناس بيان لمتعلقه المحذوف والضمير في يحثوهم وكمالهم للناس. قوله: (وأصله أن تفعل الخيرات الخ (وإنما كان كذلك لأنّ كل مصدر ذكر له معمول فهو بتأويل أن والفعل وإذا أوّل به عمل عمله فينون ويذكر معموله ثم / يخفف بحذف التنوين ويضاف لمعموله، وأن تفعل بالبناء للمجهول ورفع الخيرات فالمصدر مصدر المجهول والخيرات في قوله فعلا الخيرات مرفوعة أيضا على القيام مقام فاعله وكون المصدر يكون مبنيا للمفعول رافعاً لنائبه مختلف فيه فأجاز ذلك الأخفش قال المعرب: والصحيح منعه فليس ما اختاره الزمخشري كالمصنف بمختار، والذي ذكره المصنف كما في الكشاف بيان لأمر مقرّر في النحو والداعي لذكره هنا أن فعل الخيرات بالمعنى المصدري ليس موحى إنما الموحى أن تفعل ومصدر المبني للمجهول والحاصل بالمصدر كالمترادفين، وأيضاً الموحى عام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممهم فلذا بني للمجهول فما قيل تبعاً لما في البحر في وجهه أنّ فعل الخيرات ليس من الأحكام المختصة بالموحى إليهم بل عام لهم ولأممهم فلذا بني الفعل للمجهول وانه يرد عليه أنّ فاعل المصدر محذوف فيجوز تقديره عاما كفعل المكلفين الخيرات فلا حاجة إلى تطويل المسافة إلا أن يقال قدره به لأنّ أوحى يستعمل مع أن والفعل فالموحى لا يكون نفس الفعل الذي هو معنى صادر عن فاعله بل ألفاظ دالة عليه ذهول عما أراد، وإذا ظهر المراد سقط الإيراد وقوله: للتفضيل كعطف جبريل على الملائكة وقد مرّ بيانه. تنبيه: قال الحلبي: ردّاً على أبي حيان الذي يظهر أنّ الزمخشريّ لم يقدر ما ذكر لما قاله بل لأنّ الفعل لا يوحى وإنما يوحي قول الله: لهم افعلوا الخيرات (قلت) تأويله لا يؤدّي معنى ما قاله فالظاهر أنّ المصدر هنا للأمر كضرب الرقاب كما أشار إليه المصنف بقوله: ليحثوهم فاعرفه. قوله: (وحذف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 تاء الإقامة المعوّضة الخ) قال النحاة مصدر الأفعال والاستفعال من المعتل العين نحو أقام واستقام إقامة واستقامة. أصلهما أقوام واستقوام فأعل بقلب واوه ألفا بعد نقل حركتها لما قبلها وحذف أحد ألفيه لالتقاء الساكنين وهل المحذوف الأولى أو الثانية مذهبان وعوض عنها التاء ومدّهب الفراء جواز ترك التعويضى بشرط الإضافة ليكون المضاف إليه ساداً مسدها كما ذكره المصنف رحمه الله. ومذهب سيبويه الجواز مطلقا والسماع يشهد له لوروده بدون الإضافة والذي حسنه هنا مشاكلة قوله: إئتاء الزكاة. قوله: (وحدين مخلصين الخ) أمّا الإخلاص في العبادة فيفهم من تقديم معمولها عليها وأما التوحيد فلازم له لأنّ من لا يعبد غير الله موحد له أو على إدخال الإيمان في العبادة لأنها رأسها، ولوطا منصوب على الاشتغال وجوّز فيه نصبه باذكر مقدر أو جملة أتيناه جملة مستأنفة وفسر الحكم بالحكمة وهي ما يجب فعله كما في الكشاف، أو بالنبوّة لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حاكم على أمته أو بمعناه المعروف. قوله: (ترية سدوم) هي قرية قوم لوط عليه الصلاة والسلام وقيل قراهم كانت سبعا فعبر عنها ببعضها لأنها أشهرها والمشهور عند أهل اللغة أنه بالدال المهملة وقد روي بالذال المعجمة وقيل: إنه اسمها قبل التعريب فعربت بإبدالها دالاً مهملة وذكر أهل الأخبار أنه اسم ملك سميت به القرية لقوله: لأعظم فجرة من أبي رغال وأجور في الحكومة من سدوم ... قوله: (يعني اللواطة) عينها لأنها أشنع أفعالهم وبها استحقوا الإهلاك ولذا ذهب بعض الفقهاء إلى رمي اللوطي منكساً من مكان عال وطرح الحجارة عليه كما فعلى بهم والجمع باعتبار تعدد المواد وقوله: وصفها أي القرية بصفة أهلها وهو عمل الخبائث لأنهم العاملون لا هي يشير إلى أنه نعت سببيّ. كرجل زنى غلامه ولو جعل الإسناد مجازيا بدون تقدير أو القرية مجازاً عن أهلها جاز أيضا، ولما قام المضاف وهو ضمير مقام الفاعل ارتفع واستتر وجعل قوله: أنهم الخ دليلاً على التقدير غير مسلم لأنه مشترك بين الوجوه فتأمل. قوله: (كالتعليل له) أي لقوله: تعمل الخبائث لا لقوله نجينا كما قيل وقوله في أهل رحمتنا فالإدخال بمعنى جعله في جملتهم وعدادهم فالظرفية مجازية وأما إذا أريد بالرحمة الجنة فالظرفية حقيقية لكن إطلاق الرحمة عليها مجاز كما في حديث الصحيحين <قال الله عز وجل: للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي >قوله: سبقت لهم منا الحسنى أي قدر لهم التوفيق للعمل الصالح، وقوله: ونوحاً أي اذكر قصة نوح عليه الصلاة والسلام واذ يتعلق بالمضاف المقدر أو بدل من نوج بدل اشتمال إن لم يقدر، ودعاء نوج بالطوفان وقوله لا تذر الخ وطلب خلاصه منهم فلذا قال فنجيناه. قوله: (مطاوعه انتصر) أي جعلناه منتصرا وفي نسخة مطاوع انتصر فهو بفتح الواو وكذا وقع في الكشاف تفسيره بما ذكر فقال الشراح يعني إنه عدى بمن كما عدى انتصر بها وفي الأساس نصره الله على عدوّه ومن عدوّه وانتصر منه وفي المطلع معناه منعناه وحميناه منهم بإغراقهم، وتخليصه يعنون أنه إذا تعدّى كمطاوعة بمن دل على وقوع النصر بجعله منتصراً منهم لعدم تخلف مطاوعه عنه لا على مجرّد الإعانة كما إذا تعدى بعلى فما قيل إنه إنما جعل مطاوعه لأنه تعالى أخبر أنه استجاب له دعاءه وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام طلب الانتصار فناسب أن يكون المراد بالنصر هنا ما يطاوعه الانتصار، وقوله: جعلناه الخ فسره من لاقتضاء معنى المطاوعة ذلك لا لتوجيه تعديه بمن كما ظن فلا محصل له. وما ذكره القائلى مما اتفق عليه شراح الكشاف. قوله: (تكذيب الحق) هو معنى قوله كذبوا الخ والانهماك في الشر من قوله قوم سوء والحرث الزرع وأما جعله بمعنى الكرم فلعله مجاز على التشبيه بالزرع وقوله رعته ليلاً تفسير للنفش والهمل رعي النهار وقوله: لحكم الحاكمين مثنى وكذا المتحاكمين أو جمع لقوله: غنم القوم وهذا توجيه لضمير الجمع في قوله لحكمهم وصاحب الحرث وان لم يسبق له ذكر لكنه مفهوم من ذكر الحرث فإن قلت كيف تجوز إضافة المصدر أي الحكم إلى الحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه دفعة واضافة المصدر أما إلى الفاعل أو إلى المفعول، قلت قالوا: إنّ الإضافة اختصاصية بقطع النظر عن العاملية والمعمولية والمعنى الحكم الواقع بينهم أو الحكم هنا بمعنى القضية وليس مصدرا وإنما يرد السؤال إذا كان مصدراً قصد إضافته إلى معموله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 قوله: (الضمير للحكومة أو الفتوى) المفهومين من السياق وقوله أمر وقع " في نسخة حكم قيل ولعل قيمتها كانت مساوية لما نقص من الزرع وقوله: وأوبارها وقع في نسخة أولادها. والقيام على، الزرع بالسقي ونحوه واعلم أنّ الجصاص قال في أحكام القرآن من الناس من ذهب إلى أنها إذا أفسدت زرع رجل ليلا ضمن وان أفسدته نهاراً لم يضمن وأصحابنا لا يرون الضمان مطلقا إذا لم يكن صاحب الغنم هو الذي أرسلها واحتج الأوّلون بهذه القصة لإيجابهما الضمان وبما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أنّ ناقة البراء دخلت حائط رجل فأفسدته فقضى على أهل الأموال أي البساتين بحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي بحفظها بالليل وهو حديث مضطرب. وما في هذه القصة لا يوافق شرعنا فهو منسوخ بحديث جرج العجماء جبار ولا تقييد فيه بليل أو نهار وأسباب الضمان لا تختلف ليلاَ أو نهاراً وأمّا حديث البراء رضي الله عنه فيجوز أن يكون أرسلها كما يجوز في هذه القصة أن يكون كذلك. ومن الناس من قال: حكمها كان نصاً لا اجتهاداً ويكون ما أوحى به لسليمان عليه الصلاة والسلام كان ناسخا لحكم داود عليه الصلاة والسلام. وقوله: ففهمناها سليمان لا يدل على أنه اجتهاد انتهى محصله. وذكر القرافي في قواعده وإبن القيم في المعالم أنّ هذا موافق لشرعنا وهو ظاهر ما في الكشاف وهو حنفي ثقة فلا يرد عليه نقض بما ذكر. قوله: (اجتهادا) وفي نسخة بالاجتهاد وهذا عند من يجوز الاجتهاد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما بين في الأصول وارتضى المصنف رحمه الله لكونه اجتهاداً منهما لأنه لو كان وحيا لما جاز لسليمان عليه الصلاة والسلام مخالفته، وأنّ الظاهر أنّ سليمان عليه الصلاة والسلام لم يكن نبياً في ذلك السن لكن صاحب الكشف رذه بأنّ الحمل على أنهما اجتهدا وكان اجتهاد سليمان عليه الصلاة والسلام أشبه بالصواب أو هو الصواب باطل لأنه نقض لحكم داود عليه الصلاة والسلام والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد فدل على أنهما جميعاً حكما بالوحي، أو كان حكم سليمان عليه الصلاة والسلام بالوحي وحده، وهو غير وارد لأنّ عدم نقض الاجتهاد بالاجتهاد إن أراد به نقضه باجتهاد غيره حتى يلزم تقليده به فليس ما نحن فيه منه وإن أراد باجتهاد نفسه ثانيا وهو عبارة عن تغير اجتهاده لظهور دليل آخر فهو غير باطل بدليل أنّ المجتهد قد ينقل عنه في مسألة، قولان كمذهب الشافعي القديم والجديد، ورجوع الصحابة رضي الله عنهم إلى آراء بعضهم وهم مجتهدون. وأما الجواب بأنه وقع في شريعة غيرنا وردّه بأنه قص من غير إنكار فهو شرع لنا فتعستف لا حاجة له، وأما الجواب باحتمال نقض داود عليه الصلاة والسلام حكمه الاجتهادي بالوحي فقريب منه لأن المعترض إنما اعترض! على كونهما اجتهادين فكيف يجاب بما ذكر. قوله: (والأوّل) أي حكم داود عليه الصلاة والسلام بدفع الغنم لصاحب الزرع يشير إلى ما في الكشاف من قول أبي حنيفة رحمه الله بأنّ العبد إذا جنى على النفس فإنه يلزم المولى دفعه له أو فداؤه. وعند الشافعي رحمه الله يبيعه في ذلك أو يفديه ولعل قيمة الغنم كانت بمقدار نقص الحرث. قوله: (والثاني (أي حكم سليمان عليه الصلاة والسلام بما مر نظيره قول الشافعي رحمه الله فيمن غصب عبداً فأبق عنده فإنه يضمن القيمة للغاصب ينتفع بها لأنه حال بينه وبين الانتفاع بعبده فإذا ظهر ترادا وقوله وحكمه أي حكم ما نحن فيه من إتلاف المواشي ما ذكر. وقد علصت ما فيه مما نقلناه عن الجصاص وما ذكره من الحديث وأن روي في السنن لكنه فيه اضطراب وفي رجال سنده كلام مع أنه محمول على أنه أرسلها كما مر فلا دليل فيه والحائط هنا بمعنى البستان والأموال البستاتين كما مرّ وقوله: جرح العجماء جبار رواه الشيخان والعجماء البهيمة سميت به لعدم نطقها وجبار بمعنى هدر غير مضمون وجرحها جنايتها وبقية الكلام فيه مفصلة في كتب الفقه والحديث. قوله: (دليل على أن خطأ المجتهد لا يقاخ فيه) أي في اجتهاده أو في كونه مجتهدا والدلالة بناء على ما مرّ أما إذا كان بوحي والثاني ناسخ للأوّل فلا دلالة فيه وهذا بناء على أنّ كل مجتهد ليس بمصيب. قوله: (وقيل على أنّ كل مجتهد مصيب) أي قيل إنّ الآية دليل على هذا القيل إذ هي تدل بظاهرها على أنه لا حكم لله في هذه المسألة قبل الاجتهاد وأنّ الحق ليس بواحد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 فكذا غيرها إذ لا قائل بالفصل إذ لو كان له فيها حكم تعين وهذا مذهب المعتزلة، كما بين في الأصول وردّه المصنف رحمه الله بأنّ مفهوم قوله: ففهمناها سليمان لتخصيصه بالفهم دون داود عليه الصلاة والسلام يدل على أنه المصيب للحق عند الله ولولا. لما كان لتخصيصه بالفهم معنى، والمستدلون يقولون إن الله لما لم يخطئه دل على أنّ كلا منهما مصيب وتخصيصه بالتفهيم لا يدل على خطا داود عليه الصلاة والسلام لجواز كون كل مصيبا ولكن هذا أرفق وذاك أوفق بالتحريض على التحفظ عن ضرر الغير فلذلك استدل بهذه الآية كل فكما لم يعلم حكم الله فيها لم يعلم تعين دلالتها، والمصنف ممن يستدل بالمفهوم وأما غيره فيقول إنه قد يستدل به إذا اعتضد بقرائن الأحوال كما هو هنا ولا يرد أنه لا يعمل به إذا عارض المنطوق لأنه ليس في المنطوق تصويب حكم داود عليه الصلاة واللام، فتأمّل. قوله: (ولولا النقل) السابق في تخالف داود وسليمان لاحتمل أنهما اتففا على حكم واحد، ويحمل قوله: ففهمناها سليمان على أنّ تخصيصه بالفهم لإظهار ما تفضل الله به عليه في صغر سنه لا لأن داود لم يفهم بل لأنه أجل من أن يمدح بالفهم. وقوله: ما تفضل بالتاء الفوقية وصيغة المجهول أي ما تفضل الله به عليه. ويحتمل قوله: توافقهما أن يكون معناه توافق المنطوق والمفهوم والظاهر الأوّل. قوله: (يقدّسن الله معه) إشارة إلى ترجيح كون الظرف مقدما من تأخير وكانت معه للتخصيص للإشارة إلى أنه مخصوص به وهو ظاهر على الوجه الأوّل وكأنه إشارة لمرجوحية الأوّل لأنه لا وجه لتقييد تسبيح لسان الحال بتلك المعية ولا بقوله: (بالعشي والإشراق في سورة ص) إن لم يرد به العموم ولا يلائمه قوله الآتي د وإن كان عجيبا عندكم كما لا يخفى وقوله يتمثل أي يظهر له من جانبها وان لم يكن منها وعلى ما بعده هو منها. ومرض القول بكونه بمعنى السير لمخالفته للظاهر والمشدد بهذا المعنى لم يذكره أهل اللغة. وقوله على الابتداء أي وحذف الخبر وهو مسخرات والضعف للعطف على الضمير المستتر دون فاصل. قوله: الأمثاله) يريد أنه تذييل لما قبله كقوله تعالى: إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ومتعلقه عام لا خاص، وقوله فليس ببدع أي عجيب لسبق أمثاله. وعمل الدرع تفسيراً صنعه اللبوس بفتح اللام صفة بمعنى الملبوس كركوب بمعنى مركوب. قوله: (البس لكل حالة لبوسها إمانعيمهاوإمابوسها ( هو من شعر لنهيس وله قصة مذكورة في أمثال الميداني يعني استعدّ لكلى أمر بما يشاكله ويلائمه وقوله كانت أي الدروع. وقوله: فحلقها بالتشديد أي جعلها حلقاً. وسردها إدخال الحلق بعضها في بعض وإذا تعلق لكم بعلم فالمراد أنّ تعليمها لأجل نفعكم. قوله: (بدل منه بدل الاشتمال) سواء تعلق بعلم أو كان صفة لبوس لكنه إذا لم يكن الضمير لها يحتاج لتقديره أي ليحصنكم به والضمير لداود عليه الصلاة والسلام على قراءته بالياء التحتية وكذا على ما بعده والدرع مؤنث سماعي وأبو بكر هو شعبة أحد رواة القرا آت السبعة كروش! بالراء والواو والسين المهملة على صيغة التصغير ووقع في نسخة ورس وهو تحريف من النساخ، والبأس الحرب ويحتمل أن يقدر فيه مضاف أي من آلة بأسكم كالسيف. قوله: (ذلك) هو مفعول شاكرون، وأخرجه بمعنى أتى به، وقوله في صورة الاستفهام لأن المقصود به ما ذكر والاسنفهام الحقيقي غير جائز على الله، وكون الاستفهام للتوبيخ والتقريع ظاهر لما فيه من الإيماء إلى التقصير في الشكر، وأما المبالغة فلدلالة الاستفهام بأنه مستحق للوقوع بدون أمر فسأل عنه هل وقع ذلك الأمر اللازم الوقوع أم لا. لا لأنها تدل على طلب الدوام والثبوت بخلاف صيغة الأمر لأنّ هذا ليس من الاستفهام بل من دخول هل على الاسمية مع اقتضائها للفعل وعبارة المصنف رحمه الله لا تدل عليه لأن ما ذكره نكتة لمطلق الاستفهام، وفي المفتاح هل لطلب الحكم بالثبوت والانتفاء وهما يتوجهان إلى الصفات دون الذوات ولاستدعائه للتخصيص بالاستقبال اقتضى الصفات لأن الذوات لا تختص بزمان لاستوأء نسبتها إلى الجميع وإذا كان لهل مزيد اختصاص بالأفعال كان هل أنتم شاكرون أدخل في الأنباء عن طلب الشكر من أفأنتم شاكرون ومن فهل تشكرون لاقتضاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 المقام لعدم التجذد وكان دخولها على الاسمية التي في حيزها فعل قبيحا. قوله: (وسخرنا له) يشير إلى أنّ متعلقه مقدر بما ذكر وهذا على قراءة نصب الريح وأما على رفعه فهو مبتدأ وخبر وقوله: ولعل اللام فيه أي في قوله سليمان عليه الصلاة والسلام دون الأوّل وهو قوله: مع داود لأنّ كلا ل! ان ى ن معجزا خارقا لكن هذا ونفعه مختص بسليمان عليه الصلاة والسلام فأتى باللام الدالة على النفع والاختصاص وأما تسخير الجبال المسبحة والطير فإنما هو أمر كان مع داود عليه الصلاة والسلام مضافاً إليه وإن لم يكن يختص به ولم يعد عليه نفع ومنه ولا غبار في كلامه كما توهم. قوله: (من حيث إنها الخ (جواب عن أنها وصفت بأنها عاصفة هنا وقد وصفت بأنها رخاء أي طيبة لينة في محل آخر وهما متنافيان فأجاب بأنها رخاء في نفسها عاصفة باعتبار قطعها المسافة كقطع العاصفة فيكون هذا أمرا خارقا أيضا. أو أنه باعتبار حالين وهذا مثل ما مرّ في العصا وسيأتي تفسير رخاء أيضا بمنقادة وهو جواب آخر ولم يذكره لتكرره مع قوله تجري بأمره. وقوله: بمشيئته أي على وفق إرادته أوّله به لأنها لا تؤمر. وقوله ثانية إشارة إلى أنّ عاصفة حال أيضا. وقوله: أو بدل لأنّ الجملة قد تبدل من المفرد. والرواج وقت الزوال وقوله به ذكره باعتبار أن الريح هواء وقوله: فنجزيه الخ إشارة إلى أنه كناية عما ذكر لأنه المناسب للتذييل. قوله: (وهي نكرة م! وصوقة) أي على الوجهين وجمع ما بعدها نظرا للمعنى وحسنه تبيينه بجمع مقدم، ولم يجعلها موصولة لأثه لا عهد هنا وكون الموصولة قد تكون للعهد الذهني خلاف الظاهر. قوله: (ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر) دون بمعنى غير هنا فهي تفيد أنهم تجاوزوا ذلك إلى غيره وقوله أعمال إشارة إلى أن تنوين عملاً للتكثير. والصنائع الغريبة، كالزجاج وغيره من النقوش والتصاوير. قوله: (على ما هو مقتضى جبلتهم (أي خلقتهم وطبيعتهم لأنه سخر له كفرتهم ومردتهم. وقوله: على إضمار القول أي قائلا أني وهذا مذهب للنحاة شائع في أمثاله والمذهب الآخر أن يعمل فيه النداء لتضمنه معنى القول هاليه أشار بقوله أو تضمين الخ. قوله: (وصف ربه بغاية الرحمة) إشارة إلى ما في أمالي ابن عبد السلام من أنه لا مشاركة بين الله وغيره في صفة الرحمة بحسب الحقيقة لأنّ رحمة الخلق انعطاف قلبي ورحمة الله إما الأنعام الحقيقي أو إرادته. فوجهه بأنّ المراد وصفه تعالى بغاية الرحمة وأنه أعظم رحمة من كل من يتصف بها في الجملة وما يوجبها ما به من الضر المقتضي للترحم عليه والمطلوب خلاصه من الضر ولطف السؤال التلطف وعدم الإبرام. قوله: (من أولاد عيص! بن إسحق) بن إبراهيم وفي بعض النسخ إسحق بن يعقوب وهو كما قيل سهو والصواب يعقوب بن إسحق وقيل هو أيوب بن أموص بن رازح بن عيص بن إسحق بن إبراهيم وقوله ما خير وقع في النسخ بخاء معجمة وراء مهملة وفي بعضها ما حين بحاء مهملة ونون. قوله: (أو رحمة الخ (ففي قوله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا} على هذا تورية بديعة ولو في لو دعوت شرطية جوابها محذوف أي استجيب لك أو هي للتمني. وقوله: مدة الرخاء المراد به عدم البلاء. وقوله: ما بلغت أي ساوتها وكانت بمقدارها. وقوله: بالشفاء فالكشف مجاز عنه. قوله: (بأن ولد له ضعف ما كان الخ) فأهله بمعنى مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر وعلى الوجه الثاني هو على ظاهره والنوافل ولد الولد كما مرّ وتذكرة تغمسيو لقوله ذكرى: وللعابدين متعلق به. قوله: (او لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم الخ (إشارة إلى أن رحمة وذكرى تنازعا قوله للعابدين لا أنه متعلق بذكري وحد. كما في الوجه السابق لكن قوله: فإنا بالفاء في أكثر النسخ وهو في الكشاف وبعض النسخ بالواو وهو الظاهر إذ لا وجه للتعليل كما قيل ووجهه أنّ من ذكره الله عنده بالخير علم أنه يجريه على عوائد بره ورحمته فتأمل. قوله: (وقيل زكريا) وجه بأنه سمي به لكفالته مريم أو لما ذكره المصنف رحمه الله لكنه وجه عام للوجوه، وقوله: أو تكفل منه كذا في بعض النسخ أي طلب أن يكفل الله له أموره. وفي نسخة تكفل أمته أي التزم ما يصدر عنهم وظاهر كلام بعضهم أنه بتخفيف الميم أي تسري بأمة وله زوجة فلينظر وجهه. والكفل الكفالة والكفيل والنصيب والضعف كما ذكره المصنف رحمه الله. وقوله: من الصابرين يعلم منه ذكر هؤلاء بعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 أيوب والنوب جمع نائبة وهي المصيبة. قوله: (يعني النبوّة الأنها رحمة له ولأمّته فأطلق المسبب وأريد به السبب، ولم يفسرها في قصة لوط عليه الصلاة والسلام لسبق النبوّة أو ما يشعر بها ولكل مقام مقال. قوله: (وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) ولا يلزم تعليل الشيء بنفسه على التفسير الأوّل كما توهم لأنّ المعلل به كمال الصلاح، وأمّا كونهم أنبياء فهو بيان لمن هم في الواقع ولو سلم فمن للابتداء وبيان أنهم من ذزيتهم فالمعنى جعلناهم أنبياء لأنّ آباءهم كذلك، وقوله: صلاحهم معصوم لا يخفى ما فيه من حسن التعبير والمبالغة في عصمة الصلاح. وقوله: ابن متى الصحيح أنه اسم أبيه وقال ابن الأثير كغيره أنه اسم أمّه ولم ينسب أحد من الأنبياء إلى أمّه غير يونس وعيسى عليهما الصلاة والسلام. قوله: (لما) بتخفيف الميم وتشديدها وبرم بالموحدة والراء المهملة كفرج بمعنى ضجر وسئم ولما متعلقة بذهب أو بمغاضبا، وطول دعوتهم أي لطول مدّة دعوتهم إلى الحق مع شدّة شكيمتهم أي أنفتهم وتأبيهم وأصله حديدة تكون في اللجام فاستعير لما ذكر استعارة مشهورة والمهاجرة الرحلة قبل أن يؤمر من الله بالوحي لبغضه لكفرهم وغضبه لأجل الله، وقوله: لميعادهم أي في وقته ولم يعرف الحال وهو توبتهم أو سبب عدم إتيانه. وقوله: فظن بالبناء للمجهول أي ظن الناس لا هو وقوله وغضب من ذلك أي فعل فعل الغضبان لمفارقته لهم كارها لهم، وذلك إشارة إلى الظن أو عدم الإتيان. قوله: (وهو من بناء المغالبة) أي المفاعلة واختاره لمجانسته المبالغة ولأنّ التفاعل يكون بين اثنين يجهد كل منهما في غلبة الآخر فيقتضي بذل المقدور والتناهي فاستعمل في لازمه للمبالغة دون قصد مفاعلة. وقوله: أو لأنه الخ فالمفاعلة على ظاهرها إذ هو غضب عليهم لكفرهم وهم غضبوا عليه لما ذكر وفي قوله: لخوف ولحوق جناس خطيّ، وقراءة مغضبا بصيغة المفعول لأنه أغضبه حالهم. قوله: (لن نضيق عليه الخ) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولن نقدر الخ خبرها ونقدر بفتح النون وكسر الدال قراءة الأكثر ومعناها لن نضيق عليه في أمر. بحبس ونحو. أو هو من القدر بفتح الدال والمعنى ظن إنا لم نقدّر، ونقض عليه بعقوبة ونحوها وليس من القدرة إذ لا يظن أحد فضلاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عدم قدرة الله على شيء ويؤيد هذا التفسير الثاني قراءة نقدر بالتشديد فإنها من التقدير بمعنى القضاء والحكم لا بمعنى التضييق في المشهور وان وردت بهذا المعنى أيضا كما ذكره الراغب رحمه الله وقوله: من القدر على الوجه الثاني وقيل على الوجهين. قوله: (أو لن نعمل فيه قدرتنا) هذا تفسير آخر على أنه من القدرة لا من القدر بفتحتين وهو مجاز من ذكر السبب وهو القدرة وارادة المسبب وهو إعمالها واظهارها ووقع في نسخة بأي التفسيرية بدل أو وهو من غلط الناسخ. قوله: (وقيل هو تمثيل) على أنه من القدرة أيضا لكنه استعارة تبعية أو تمثيلية ويؤيده عبارة الحال أي فعل فعل من ظن إنا لا نقدر عليه. وقوله: في مراغمته أي معاداته وبعده عنهم. قوله: (أو خطرة شيطانية) أي هاجس وخاطر ورد عليه لوسوسة الشيطان من غير ثبات ولكونه توهما لا ظناً قال سمي ظنا مبالغة لأنّ مثله يسمى وهما لا ظنا ومثله لا يلام عليه لكنه تكلف لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعلى هذا فلا تمثيل فيه. وقوله: وقرئ به أي بالبناء للمفعول أيضاً. قوله: (في الظلمة الشديدة) توجيه للجمع بأنّ الظلمة لشدتها جعلت كأنها ظلمات والمراد أحد المذكورات أو بطن الحوت وعلى الوجه الآخر هو حقيقة وقوله بأنه إشارة إلى أنها مخففة من الثقيلة بتقدير الجار وضمير الشان وجوّز فيها أن تكون تفسيرية لنادى، وقوله: من أن يعجزك شيء أي نزهه عن العجز وقدر. لدلالة ما قبله عليه، والمعنى أنت القادر على تخليصي من هذه الورطة وهو اعتراف بذنبه واظهار لتوبته ليفرّج عنه كربته وقوله ما من مكروب أي واقع في كرب وشدة رواه الحاكم والترمذي وصححا.. قوله تعالى: ( {فَاسْتَجَبْنَا} الخ) قيل عليه لم يقل فنجيناه كما قال في قصة أيوب عليه الصلاة والسلام فكشفنا الخ لأنه دعا بالخلاص من الضرّ فالكشف المذكور يترتب على استجابته ويونس عليه الصلاة والسلام لم يدع فلم يوجد وجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 الترتيب في استجابته. ورد بأن الفاء في قصة أيوب عليه الصلاة والسلام تفسيرية والعطف هنا أيضاً تفسيري والتفنن طريقة مسلوكة في علم البلاغة، ثم لا نسلم أنّ يونس عليه الصلاة والسلام لم يدع بالخلاص كما نبهت عليه، ولو لم يكن دعاء لم تتحقق الاستجابة وهذا لا محصل له وكونه تفسيراً لا يدفع السؤال لأنّ حاصله لم أتى بالفاء ثمة ولم يؤت بها هنا، فالظاهر أن يقال إنّ الأوّل دعاء يكشف الضرّ كما مرّ عن المصنف رحمه الله أنه تلطف في السؤال فلما أجمل في الاستجابة وكان السؤال بطريق الإيماء ناسب أن يؤتى بالفاء التفصيلية، وأمّا هنا فإنه لما هاجر من غير أمر على خلاف معتاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان ذلك ذنبا كما أشار إليه بقوله: من الظالمين فما أومأ إليه هو الدعاء بعدم مؤاخذته بما صدر منه من سيئات الأبرار فالاستجابة عبارة عن قبول توبته وعدم مؤاخذته وليس ما بعده تفسيراً له بل زبادة إحسان على مطلوبه ولذا عطف بالواو هكذا ينبغي أن يفهم النظم فتأمل. وقوله: كان في بطنه قيل إنه صفة أربع ساعات بتقدير العائد أي كان في بطنه فيها. وقوله: في الإمام الإمام اسم للمصحف العثماني ولا يختص بما كان عنده رضي الله عنه وهو شهيد لتعدده كما بينه القرّاء وقوله نجى أي رسم فيه بنون واحدة. وقوله ولذلك لا يخفى ما في هذا التعليل فإنّ القراءة مبنية على صحة الرواية لا مجرّد متابعة للرسم العثماني كما توهمه هذه العبارة فالظاهر أن يؤوّل بأن المراد اختار الجماعة هذا على القرأءة بنونين لكونه أوفق بالرسم العثماني فتأمل. قوله: (فإنها) أي النون تخفى بالبناء للمعلوم والمجهول والإخفاء حالة للحرف بين الإظهار والإدغام وحروف الفم هي الحروف التي مخرجها من فضاء الفم وهي ثلاثة الجيم والشين والضاد وتسمى الأحرف الشجرية، قال أبو علي في الحجة: روي عن أبي عمرو نجى مدغمة ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما أخفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ ومن قال: تدغم فهو غلط لأنّ هذه النون تخفى مع حروف الفم وتبيينها لحن، فلما أخفى ظن السامع أنه مدغم انتهى. قوله: (فحذفت النون الثانية الخ التوالي المثلين والأخرى جيء بها لمعنى والثقل إنما حصل بالثانية ولا يضرّ كونها أصلية كما أشار إليه المصنف رحمه الله وهو ردّ على أبي البقاء رحمه الله وأوقع بمعنى أحسن موقعا بحسب الصناعة وتظاهرون أصله تتظاهرون وقوله: ولا يقدح فيه أي في، الحذف وهو رد على أبي البقاء رحمه الله تعالى إذ ظن أنه إنما يحذف أحد المثلين مع إيحاد الحركة كما في تتظاهرون، ولا وجه له وتعذر الإدغام لما مرّ. وقوله لخوف اللبس أي بالماضي بخلاف ما نحن فيه لأنه لو كان ماضيا لم يسكن آخره وكونه سكن تخفيفا خلاف الظاهر كما سيأتي وأمّا كون تظاهرون ليس فيه لبس بالماضي فظاهر. قوله: (وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر) أي نجى النجاء وسكن آخره تخفيفا كما قرئ في الشواذ ما بقي من الربا بسكون الياء وقوله ورد الخ الرد لأبي عليّ الفارسي في الحجة ولا يمنع النقل فلا يرد عليه أنّ الأخفش وجماعة من النحاة أجازوا قيام المصدر مقام الفاعل ونحوه مع وجود المفعول على أنه يجوز نصب المؤمنين بفعل مقدّر وهي نجى مع أنه قد يقال إنّ مراده أنّ قيام ضمير مصدر الفعل المجهول العائد على ما في ضمنه غير جائز لتكلفه فتأمل، وأما نصب المؤمنين بضمير المصدر فضعيف لضعف عمل الضمير.! قوله: (وحيدا بلا ولد يرثني) فسره به لمناسبته لقوله وأنت خير الوارثين لأنه لو كان المراد ولداً يصاحبه ويعاونه لا يخلفه بعده كما قيل لجعل قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سورة مريم، الآية: 6] كناية عن الولد لأنه من شأنه ذلك وذيل بأنت المعين ونحوه كما لا يخفى إذ المقصود من التناسل بقاء النوع والمعاونة والمصاحبة داخلة فيه فهذا أتم وأنسب والحامل على الكناية المذكورة ليس ما ذكر، بل أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يرثون ولا يورثون فقوله فرداً لا ينافيه بل يؤيده. قوله: (وإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به) يعني أنهءلمجيب سأل ربه أن لا يدعه وحيدا ويرزقه ولداً يرثه ثم سلم أمره إلى الله تأدباً فقال إن لم تجبني فلا أبالي لأنك خير الوارثين. قيل إنّ هذا لا يناسب مقام الدعاء إذ من آداب الداعي أن يدعو بجد واجتهاد وتصميم منه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 فلا ينبغي أن يقول: اللهمّ اغفر لي إن شئت لأنه تعالى يفعل ما يشاء بلا مكره له، كما في صحيح مسلم ليعزم المسألة ولتعظم الرغبة فإنه تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه، نص عليه في الحصن الحصين والظاهر أنه ليس من قبيل ما ذكر فتأمل. قوله: (أي أصلحناها للولادة (هذا بيان لحاصل المعنى وأنّ المعنى إصلاحها له ما ذكر لا لأنّ الضمير للولادة لتأويلها بأن تلد لما فيه من التكلف وتفكيك الضمائر وان كان قوله أو لزكريا ربما يوهمه واللام تعليلية، وقدم يحيى عليه الصلاة والسلام لأنه المطلوب الأعظم فالواو لا تقتضي ترتيبا. قوله: (أو لزكريا بتحسين خلقها (فهو معطوف عل استجبنا لأنه ليس مدعوّاً به ويجوز عطفه على وهبنا وحينئذ يظهر عطفه بالواو لأنه لما فيه من الزيادة على المطلوب لا يعطف بالفاء التفصيلية وعلى الوجه الأوّل فلأنّ المقصود به الامتنان لا التفسير لعدم الاحتياج إليه مع أنه لا يلزم التفسير بالفاء بل قد يكون العطف التفسيري بالواو، وحردة بالحاء والراء والدال المهملات بزنة حذرة بمعنى سيثة الخلق معاندة. قوله: (يعني المتوالدين (بصيغة الجمع من التوالد وهو إن كان بمعنى المتولد وكونه مولوداً ففيه تغليب ليحيى على أمّه وأبيه وان كان بمعنى ذي الولادة سواء أكان مولودا أو والدا فلا تغليب فيه وقوله إنهم الخ جملة مسوقة لتعليل ما يفهم من الكلام من أنّ هؤلاء المذكورين حصل لهم القربى والزلفى ونيل المراتب العالية لما ذكر كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله: بعد والمعنى أنهم نالوا الخ. لا لاستجابة دعواتهم حتى يقال إنه لا يصح عود الضمير على المتوالدين لأنّ يحيى عليه الصلاة والسلام ليس منهم هنا ويتكلف دفعه بأن يقال إنّ الآية استئناف جواب عن سؤال تقديره ما حالهم فتدبر وقوله أو المذكورين الخ. يعني أنّ الضمير راجع للانبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام لا لزكريا عليه الصلاة والسلام ومن معه وهو على هذا ظاهر من غير تكلف. قوله: (يبادرون إلى أبواب الخيرات) أي إلى أنواع الأعمال الحسنة، وأسرع يتعدى بإلى لما فيه من معنى المبادرة وبفي لما فيه من معنى الجد والرغبة يقال أسرع في مشيته، وفي الحديث هم مشاريع في الخير ذكره في المصباح وغيره واليه أشار الزمخشريّ ولظن بعضهم أنه لا يتعدّى إلا بإلى قال: إنه يتضمن معنى الرغبة أو من قبيل تجرح في عراقيبها أو في بمعنى إلى أو للتعليل ولا حاجة إليه. وكذا ما قيل إنه عدل عن إلى إلى في للدلالة على أنهم لا يفترون بل يظهرون الجد في تحصيلها. ولا يرد عليه كما توهم أنّ المسارع إليه غير مذكور وأنه لا دليل على تقديره وله غفلة عما مرّ. قوله: (ذوي رغب الخ) جعل رغباً ورهبا مصدرين بتقدير مضاف أو مؤوّلين باسم الفاعل ويجوز إبقاؤهما على معناهما مبالغة وليس بجمع كخدم جمع خادم لأنه مسموع في ألفاظ نادرة وان جوّز ويجوز كونه مفعولاً له والرهبة ضد الرغبة ولم يقيده في قوله ذوي رغب إشارة إلى جواز تعميمه وشموله للأمور الدنيوية والأخروية وقيده في الثاني بالثواب إشارة إلى جواز كل منهما فإن كان راجعا لهما فالتقييد به لأنه المناسب للمقام، ومدح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يرد أنه تخصيص من غير مخصص وأنّ الظاهر التعميم كما قيل ولجوز تفسير الرغب بالتضرّع والابتهال لكنه خلاف المشهور في اللغة والاستعمال. وقوله خائفين وجهه ما مرّ ومخبتين بمعنى متذللين. قوله: (دائبين الوجل) وفي نسخة دائمين والوجل منصوب به لتضمينه معنى ملازمين ودائب بمعنى دائم من الدأب وهو العادة المستمرّة أو هو منصوب بنزع الخافض أي في الوجل، وأمّا كونه بدلاً من الضمير المستتر بدل اشتمال فخلاف الظاهر وفي نسخة دائمي الوجل بالإضافة وهي ظاهرة. وقوله والمعنى الخ مر بيانه. قوله: (والتي أحصنت فرجها) منصوب لعطفه على ما قبله أو باذكر أو مبتدأ خبره مقدر أي مما يتلى عليكم أو نفخنا والفاء زائدة عند من يجيزه وقوله من الحلال والحرام قيل لا ينبغي ذكر الحلال لأنّ النكاح سنة في الشرائع القديمة فلا يصح جعله منشأ نلفضيلة وليس بشيء لأنّ التبتل والترهب كان في شريعتهم. ثم نسخ ولداً قال: لا رهبانية في الدين ولو سلم فذكره هنا لازم لتكون ولادتها خارقة للعادة والإحصان بمعناه اللغوي وهو المنع مطلقا ونفخ لازم وقد يتعدى كما ذكره المعرب وعليه قول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 الزمخشريّ نفخنا الروح فلا عبرة بإنكار أبي حيان له ويؤيده أنه قرى به في الشواذ كما في الانتصاف. قوله: (أي في عيسى عليه الصلاة والسلام فيها) أي كائنا في بطنها دفع لما يتوهم من أنّ نفخ الروح عبارة عن الأحياء فإذا كان فيها يكون بمعنى أحييناها وليس بمراد لأن ما يكون فيما في الشيء يكون فيه كما يقال نفخت في البيت أي في المزمار في البيت ويجوز أن يكون على تقدير مضاف أي في ابنها. وقوله: فعلنا النفخ فيها ليس على تنزيله منزلة اللازم كما توهم لأنه لازم كما مرّ بل إشارة إلى دفع آخر وهو أنّ ابتداء النفخ في جيب درعها ثم وصل إلى جوفها وبواسطته وصل إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فأحياه فتأمّل. قوله: (من الروح الخ) يعني أنّ الروج مراد به معناه المعروف واضافته إليه لأنه بأمره وايجاده لا بوطء وخلط منيّ أو واسطة على ما تفرد بعلمه أو من ابتدائية والروح جبريل عليه الصلاة والسلام. وقوله: أو حالهما هي الولادة من غير سبب ظاهر وذكرها بقوله: والتي دون اسمها ليبتدئ بالوصف الدال على المدح لا لأنّ التنويه بالاسم من شأن الرجال لأنه يخالف قوله: ومريم ابنة عمران في آية أخرى فتأمّل. قوله: (ولذلك) أي لتقدير المضاف. وقوله: فإنّ من تأمّل الخ بيان لكونهما آية أي دليلاً على قدرة الصانع الحكيم. قوله: (أي أنّ ملة التوحيد أو الإسلام الخ) يعني أنّ الملة هنا بمعنى الدين المجتمع عليه كما في قوله إنا وجدنا آباءنا على أمّة أي على دين يجتمع عليه وظاص كلام الراغب أنه حقيقة في هذا المعنى وان كان الأشهر فيه أنه الناس المجتمعون على أمر أو في زمان وعلى التفسير الثاني هو شامل للعقائد الحقة ولولا تفسير ما بعده لجعله للفروع والخطاب لأمّة نبينا صلى الله عليه وسلم أو للمؤمنين منهم أو لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والوجوب مفهوم من تعريف الطرفين والإشارة إذ يفهم أنها هي لا غير وقوله فكونوا عليها شارة إلى أنّ المقصود بالجملة الخبرية الأمر بالسكون عليها. وقوله غير مختلفة الخ تفسير لكونها واحدة. قوله: (إذ لا مشاركة لنيرها في صحة الاتباع) يعني وحدتها إمّا بمعنى اتفاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عليها فهي كقوله كان الاناس أمّة واحدة أو بمعنى عدم مشاركة غيرها لها وهو الشرك في صحة الاتباع وفي نسخة ولا مشاركة لغيرها بالواو وزعم بعضهم أن هذه النسخة أعني إذ لا معنى لها ووجهها بعضهم بأنها تعليل لتفسيرها بالتوحيد والإسلام وقال المراد بغيرها المسائل الفرعية وما يحذو حذوها ول! وجه له بل الظاهر أنّ المراد بغيرها الشرك والكفر إذ غير التوحيد يصح فيه الاتباع بل هو واقع في الأحكام الفرعية ولا حاجة إلى جعله تعليلا لكونها غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولذا ذهب بعضهم إلى عدم صحة هذه النسخة وأمّا قوله إنه كان الظاهر أن يقول وجوب الاتباع بدل صحة الاتباع لكنه عبر به ليعلم ذلك من طريق الدلالة فلا صحة له فتدبر. قوله: (على أئهما خبران (وقيل الثاني بدل وقيل خبر مبتدأ محذوف وقوله لا إله لكم غيري لم يقل لا رب لكم غيري لأنّ العبادة إنما تترتب على الألوهية وإنما عدل إلى الرب لإفادة الوحدانية لأنّ مملوك زيد لا يكون مملوكاً لعمرو فإذا قيل أنا ربكم علم أنه غير مشارك. وقوله: لا غيري أي لا تعبدوا غيري وفي نسخة لا غير وهي صحيحة أيضاً وليس بلحن أي بناء! غير على الضم بعدلاً كما زعمه بعض النحاة لسماعه في قوله: جواباتنجواعتمدفوربنا لعن عمل أسلفت لاغيرتسئل ... كما قاله ابن مالك في شرح التسهيل. قوله: (صرفه إلى الغيبة التفاتاً) أي صرف الضمير أو الكلام وهذا بناء على أنّ الخطاب قبله للكفار أو شامل لهم وينعي من النعي وهو خبر الموت وتجوز به عن التشهير والإظهار وهو المراد وتقبيح مفعوله. وقوله: موزعة أي مفزقة تفسير لقوله قطعا والى متعلقة بينعي أي عدل للغيبة لتشهيرهم فكأنه يحكي لغيرهم وهذا يناسبه الغيبة وفي نسخة بتقبيح بزيادة الباء أو تضمينه معنى الأخبار. والمتحزبة بحاء مهملة وباء موحدة أي المجتمعة. وقوله: فنجازيهم جعل الرجوع كناية عنه لما مرّ. قوله: (فلا تضييع (الظاهر أنه استعارة تصريحية ويجوز كونها تمثيلية واستعارة الشكر في قولهم شكر الله سعيه وهي مشهورة ومنه قيل لله شكور. قال الطيبي حقيقة الشكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 الثناء على المحسن بما أعطاه، وهو في حق الله تعالى مححال فشبه معاملته مع من أطاعه وعمل صالحاً بثناء من أحسن إليه غيره ثم استعمل! للمشبه ما استعمل للمشبه به. وقوله: ونفى نفي الجنس أي قيل " لا كفران دون لا نكفر لأنّ نفي الجنس مستلزم له وأبلغ لثمومه. قوله: (لا يضيع بوجه مّا) هذا مأخوذ من تأكيدان والاسم وتقديم الجار. وب تظهر فائدة ذكره وارتباطه بما قبله. قوله: (وممتنع على أهلها) يعني أنّ القرية عبارة عن أهلها أو هو بتقدير مضاف وأنّ الحرام استعير للممتنع وجوده بجامع أنّ كل واحد منهما غير مرجوّ الحصول. وقال الراغب: ا! حرام الممتنع إمّ بتسخير إلهيّ وامّا بمنع قسري وامّا بمنع من جهة الصل، أو من جهة الشرع. وقوله: غير متصوّر منهم قيل أي تصوّر مطابقاً للواقع ويحتسل إبقاؤه على ظاهره مبالغة. قوله: (وحرم بكسر الحاء وإسكان الراء) هو لغة فيه بمعنى الحرام أيضاً. وقرئ وحرم لم يضبطه وهو يحتمل أن يكون بالقتح والسكون وحرم وحرّم بالماضي خخففاً ومشدّداً لأنه قرى بها كما في الكشاف إلا أنه صحح الأوّل. قوله: (حكمنا بإهلاكها الخ) يعني أنهم لكفرهم حكم الله بإهلاكهم أو أراده وئدره في الأزل وهذا إن كان قبل وقوعه وتاويله بهذا على تفسير لا. يرجعون الأوّل وهو على أحد الوجوه في إصراب حرام وهو كون حرام خبر مبتدأ محذوف كما سيأتي وفسره في الكشاف، بقوله عزمنا على إهلاكها أو قدرنا إهلاكها، وقوله: أو وجدناها هالكة قيل هذا بناء على أنّ المراد بالهلال الهلاك المعنوي، وهو الكفر والمعصية. وقيل إنه أعم من الهلاك الحسيّ والمعنويّ ولا يخفى ما فيه فإنه إذا أريد بالهلاك الحقيقي الواقع فينبغي إبقاؤه على ظاهره ولا حاجة إلى جعله من باب أحمدته أي وجدته محموداً وان أريد به المعنويّ. فالظاهر تفسيره بجعلناها هالكة وهو لا ينافي كونه بخلق الله حتى يقال إنه مبنيّ على مذهب السعتزلة فلا يظهر لعدوله عن الظاهر المتبادر هنا وجه إلا أنّ بعض معاني الرجوع الآتية تنافي معنى الإهلاك لو حمل على ظاهره كالرجوع للنوبة فلزم تأويله بما يكون به مقدّماً عليه كقدّرنا وأردنا ونحوه مما عرف في أمثاله ولما كان الحرام بمعنى الممتنع غير المتصوّر حتى كأنه محال وقد وقع في مقابلة العمل الصالح، اقتضى حمله على الهلاك المعنويّ بالكفر والمعاصي، وعلى الوجهين الأخيرين لا إشكال فيه فلذا لم يصرّح بتأويله إلا أنّ رجوعهم إلى الحياة! دون تلك الغاية غير مخصوص بهم فينبغي حمله على الرجوع إلى حياة يتلافى فيها ما فرّطوا فيه ؤعلى الأوّل فليس كل من عصى وكفريستحيل رجوعه ما لم يحكم الله عليه بالشقاء الأزلي أو يعلم الله أنه كذلك. ووجد الله بمعنى علم حيث وقع كما صرّح به الراغب والزمخشريّ في الأعراف وبهذا تبين أنهما مبناهما واحد وأنه لا يحتمل الهلاك الحسيّ هنا كما قيل وانه ليس منشؤه المضي وقد قيل إنّ الغاية تقتضي امتداداً واستمرارا والهلاك لا يتصوّر فيه ذلك بخلاف ما فسره به فتدبر. قوله: (رجوعهم إلى التوبة) قيل قدمه لملاءمتة للشرطية التي جعلت غاية لكنه أورد عليه أنّ إيمان ليأس وتوبته مما لا ينكر لثبوته وهو قبل القيامة إلا أن يقال إنه لا يعتد به وليس بشيء لأنّ توية اليأس لا تقبل فيجوز أن يقال إنهم لم يتوبوا مع أنه إذا فتحت يأجوح لا يكون اليأس فتأمّل. قوله: (أو الحياة) بالجرّ عطف على التوبة قيل عليه الأنسب أن يقول بدله الجزاء لأنه مغيي بقيام الساعة ولا شك في امتناع الجزاء قبله وليس بشيء. قوله: (ولا صلة) أي زائدة وهكذا يعبر به تأدّبا فيما زيد في الكلام المجيد وإنما جعلها زائدة لأنّ المحرّم رجوعهم، كما أشار إليه. وقوله: أو عدم رجوعهم للجزاء على أنّ لا غير زائدة. وقوله: وهو مبتدأ قال ابن الحاجب: في أماليه إذا جعل أنهم مبتدأ وحرام خبر مقدم وجب تقديمه لما تقرّر في النحو من أنّ الخبر عن أن يجب تقديمه. قوله: (أو فاعل له سادّ مسدّ خبره) من باب أقائم أخواك لكنه هنا لم يعتمد على نفي أو اسنفهام فهو على مذهب الأخفش فإنه لا يشترطه كذا في الحواشي بناء على ظاهر كلام النجاة وذهب ابن مالك إلى أنه جائز بلا خلاف وإنما الخلاف في الاستحسان وعدمه فسيبويه رحمه الله يقول هو ليس بحسن. والأخفش رحمه الله يقول: هو حسن وكذا الكوفيون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 كما في شرح التسهيل. قوله: (أو دليل عليه) قيل معناه دليل على المبتدأ يعني أنّ حرام خبر والمبتدأ محذوف يدل عليه فاعل الخبر وتقديره توبتهم ورجوعهم إليها حرام. وقيل: ضمير عليه راجع إلى الفاعل أي دليل على الفاعل لا الخبر لأنّ ما قدره معرفة ولا تكون خبراً عن النكرة ولا يخفى فساده لأنه إن عني أنّ فاعله محذوف ففاسد وكذا إن كان ضميراً مستتراً سادّاً مسد الخبر لأنه ممنوع كما تقرّر في النحو فالأوّل أصح وان كان كلام المصنف غير ظاهر فيه فتأمّله. قوله: (أو لأنهم لا يرجعون ولا ينيبون) معطوف على قوله رجوعهم يعني أنه بتقدير اللام وحرام خبر مبتدأ محذوف تقديره ذاك وهو المذكور قبله من العمل الصالح والسعي المشكور ثم علل بأنهم لا يرجعون عن الكفر فكيف لا يمتنع ذلك وكذا المعنى على قراءة الكسر كما بينه الزمخشريّ والمصنف بقوله ويؤيده القراءة بالكسر لأنها جملة مستأنفة للتعليل. قوله: (عزم وموجب عليهم أنهم لا يرجعون (أي عن الشرك لأنه مطبوع على قلوبهم وهذا ما اختاره في الكشاف وهو على جعل حرام مجازاً عن عزم الله على ما ذكر لأنّ ما عزم عليه غير متصوّر خلافه فيمتنع وجوده ومآله إلى تفسيره أوّلاً، لكن الفرق بينهما أنّ حرام على الأوّل بمعنى ممتنع وعلى هذا بمعنى ملزم موجب وفيه بعد ما لأنه من استعارة أحد الضدين للآخر والعزم من الله لأنه ورد استعماله في حقه. قال في التهذيب قال ابن شميل في قوله: عزمة من عزمات الله أي حق من حقوق الله وواجب مما أوجبه الله. قوله: (متعلق بحرام المراد التعلق المعنوفي لأنها ابتدائية لا جارّة والمحذوف ما أشار إليه بقوله: أو الهلاك ويجوز أن يكون يستمرون على حالهم والامتناع امتناعهم عن التوبة والندم فإذا قامت القيامة ندموا أو الحياة لحياتهم بعد قيامها والى متعلقة بيستمرّ. وقوله: وهو كان الظاهر وهي. وقوله سد إشارة إلى تقدير مضاف فيه أو إلى التجوّز في الإسناد وقوله يحكي الكلام بعدها يعني أنها ابتدائية لا جارة كما ذهب إليه بعضهم وجواب الشرط ما سيأتي. ونشز بفتحتين آخره زاي معجمة ما ارتفع من الأرض، وجدت بجيم وثاء مثلثة هو القبر وهذا يؤيد أنّ المراد الناس كلهم والنسلان بفتحتين الإسراع فإن اختص وصفه بالذئب فهو مجاز هنا. قوله: (تسدّ مسدّ الفاء الجزائية (أي في الربط وليست عوضا عنها حتى يلزم الجمع بين العوض! والمعوض إذا ذكرتا وتظاهرت بمعنى تقوت في الربط. وقوله فيتأكد أي يتقوى الوصل بلا محذور وشخوص أبصارهم في القيامة والتعقيب عرفيّ أريد به المبالغة هنا. قوله: (والضمير للقصة الخ) إذا كان لضمير للقصة أو الشأن فشاخصة أبصار الذين كفروا مبتدأ وخبر لأنّ خبره لا يكون إلا جملة. ويجوز كونه مفرداً على رأي لبعض الكوفيين وقوله أو مبهم يفسره الأبصار فيعود على متأخر لفظاً ومعنى يفسره ما في حيز خبره كقوله: هو الجد حتى تفصل العين أختها وهذا جائز عند ابن مالك وغيره كما في ضمير الشأن وقد مر تفصيله في قوله فسوّاهن سبع سموات وذهب الفراء إلى أنّ هي ضمير فصل وعماد يصلح في موضعه هو ونقل عن الكشاف في هو مردود من وجهين أحدهما أنّ ضمير الفصل لا يجوز تقدمه ولا يكون خبره نكرة ليس بأفعل تفضيل. قوله: (واقع موقع الحال (وتقديره يقولون أو قائلين وهو على حد قوله اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ويجوز كونه استئنافا. وقوله لم نعلم أنه حق فالمراد بالغفلة عدم تيقنه مجازا أو هو بتقدير مضاف وهذا إشارة لليوم أو لما ذكر وقوله: بل كنا ظالمين إضراب عن كونهم في غفلة إلى ما تعمدوه وبالنظر متعلق بالإخلال والنذر جمع نذير وهو الرسل أو الآيات. وقوله: لأنهم الخ إشارة إلى تصحيح إطلاق ما يعبدون على هؤلاء. قوله: (لما روي الخ) ذكر ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف أنّ هذا الحديث رواه ابن مردويه والواحدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو حديث طويل ثم قال إنه اشتهر على ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم أنه صلى الله عليه وسلم قال: في هذه القصة لابن الزبعري ما أجهلك بلغة قومك لأني قلت وما تعبدون وما لما لا يعقل ولم أقل ومن تعبدون وهو لا أصل له ولم يوجد في شيء من كتب الحديث مسنداً ولا غيره مسند والوضع عليه ظاهر والعجب ممن نقله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 من المحذثين وقال السهيلي: في الروض! اعتراض ابن الزبعري لا يرد لأنّ الخطاب مخصوص بقريش وما يعبدون من الأصنام، ولذلك أتى بما الواقعة على ما لا يعقل وحديث ابن عباس المتقدّم ينقض عليه التأويل فإنه صريح في أن المراد كل ما يعبدون من دون الله اهـ. وجوابه إن ذلك بتاء على ما فهم ابن الزبعري وجوابه صلى الله عليه وسلم على التنزل والزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الراء المهملة والقصر معناه السيئ الخلق الغليظ وهو لقب والد عبد الله القرشي المذكور وهو شاعر وقد أسلم بعد هذه القصة وصار من كبار الصحابة رضي الله عنهم. وقوله: قد خصمتك أي غلبتك في المخاصمة والمحاجة وبنو مليح بالتصغير قوم من خزاعة. وقوله: بل هم الخ يدلّ على ما ذكره من التأويل وهو إشارة إلى المرجح بعد الإشارة إلى المصحح وقوله فأنزل الله الخ هذا إن كان مخصصاً لعموم الآية يكون جوابا آخر كما أشار إليه المصنف، ويحتمل أنه منع لكونهم ما عبدوهم في الحقيقة فيكون مرجحا لما مرّ أيضاً ويكون معنى قوله: وعلى هذا الخ أي على مقتضى هذه الرواية وأن يراد إبليس وأعوانه ويعم الخطاب غير المشركين فتأمّل. وقوله لما الخ إن تعلق بمقدر فظاهر وكذا إن جعل تعليلا لقوله: في حكم عبدتهم وان تعلق بيحتمل بعد تعلق قوله لأنهم الخ فهو متعلق به بعد تقييده فلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد كما مرّ وقوله أليس الخ استئناف وقوله: يعم الخطاب أي لليهود ومن معهم فإنهم أطاعوا الشياطين في عبادة غيره تعالى. وقوله مؤوّلاً لأنها لما لا يعقل على المشهور فاستعمالها في غيرهم مجاز خلافاً لمن ذهب إلى أنها تطلق عليه حقيقة مطلقا أو إذا أريد الوصف كما مرّ وقوله أو بما يعمه معطوف على قوله بمن وهذا على التغليب لا على أنها حقيقة كما قيل. قوله: (بل لكل من عبد الخ (قيل بين هذين الروايتين تدافع إذ المفهوم منه دخول الأنبياء والأوثان ومن الأوّل عدم دخولها وارادة المعبود الحكمي وجوابه ظاهر مما بعده. قوله: (ويكون قوله: {إِنَّ الَّذِينَ} بيانا للتجوّرّ الخ (التجوّز في كلامه يحتمل أن يكون بجعل ما بمعنى من كما قيل وينافيه العموم فينبغي أن يحمل على التغليب للعقلاء وغيرهم ويحتمل أن يكون بجعل العبادة بمعنى طاعة الآمر وهم الشياطين فيكون عا تعبدون عبارة عن المطاعين فيخرج الأنبياء والملائكة لأنهم لم يأمروهم ولم يطيعوهم والتجوّز إمّا لغوي إن أريد بالعبادة الطاعة للآمر أو عقليّ إن أريد به إيقاع العبادة على من أمر بها للملابسة، كما في بنى الأمير المدينة ووجه كونها بيانا للتجوّز أنها قرينة على خروجهم منها فيقتضي التأويل أو التخصيص ولا خفاء فيه كما قيل. قوله: (أو التخصيص (لما مرّ وهو مجرور معطوف على التجوز وهذا على جعل ما عاما للعقلاء وغيرهم. وقوله: تأخر عن الخطاب إشارة إلى ما استدل به الشافعية على جواز تخصيص العام بالمتراخي كما هنا. وقد أجيب عنه بأن قوله وما تعبدون لم يتناول عيسى وعزير والملائكة حيقة لأن ما لغير العقلاء ولا حاجة إلى إثباته بما روي من قوله ما أجهلك بلغة قومك لعدم صحته. وأما سؤال ابن الزبعري فتعنت منه وجوابهء! ي! تنزل إلزامي فإنه تعالى تولى البيان بجواب شاف بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} الخ فهو بيان تقرير يصح تراخيه عندنا لا بيان تفسير كما قالوه وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: " بل هم عبدوا الشياطين " الخ إن صح فجواب على طريق التسليم والحاصل إن ما تعبدون إمّا محض غير العقلاء على ما هو الحقيقة المتبادرة أو هو عبارة عن الأصنام والشياطين فتأمّل. قوله: (ما يرمى به (فهو صفة مشبهة. وقوله: رماه بالحصباء هي صغار الحجارة وهذا إشارة إلى أنه خاص وضعا عام استعمالاً. وقوله: استئناف أي استئناف نحوي مؤكد لما قبله لا بيانيّ حتى يقال إنه لا يظهر كونه جواب سؤال لم يندفع بما قبله وأنتم تغليب للمخاطبين على معبوداتهم. وقوله: أو بدل أي للجملة من المفرد ولا يضرّ. كونه في حكم النتيجة. قوله: (واللام معوّضة من على الخ) لأنّ الأصل تعديه إلى الثاني بها كما أشار إليه في القاموس بتفسيره بالإشراف على الماء وهو في الاستعمال أكثر من أن يحصى، فما قيل إنه متعد بنفسه كما في قوله وردوها فاللام للتقوية لاحتياجه لها لكون المعمول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 مقدّما والعامل فرعي غفلة. وقوله: والدلالة عطفه بالواو والظاهر أو لأنّ التعليل لا ينافي الاختصاص وليس الاختصاص من التقديم وان صح كما توهم. قوله: (لآن المؤاخذة المعذب) المعذب تفسير للمؤاخذ من قولهم آخذه مؤاخذة وأخذ. الله إذا أهلكه وأخذه بذنبه عاقبه عليه وجعل الورود بمعنى دخول النار لأنه يطلق عليه كما ذكره أهل اللغة. وقوله: حصب جهنم يعينه فلا يرد عليه ما قيل إن ورود النار لا يلزمه العذاب كما يدلّ عليه قوله {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وقد مرّ ما في هذه الآية. وقوله لإخلاص الخ فسره به لأنّ الأصنام لا توصف بالخلود المعروف ولذا قيل إنه يجوز أن يخلق الله للأصنام إحساسا بالعذاب وزفيرا. وقوله: المؤاخذ المعذب يلائمه إلا أن يراد بالعذاب صورته فيكون المراد أن دخولهم جهنم ينافي الألوهية وان لم يكن ثمة تعذيب فلا يرد عليه شيء. قوله: (أنين وتنفس شديد) أصل معنى الزفر كما قاله الراغب ترديد النفس حتى تنتفخ منه الضلوع، والبعض هم العابدون والكل هم وما عبدوه وقوله: للتغليب إن أريد بما تعبدون الأصنام وكذا إن أريد الأعم لكنه خصه لأنّ التغليب فائدته شمول ما لا يعقل وهم خارجون من العموم أو المراد الحامل لهم على عبادة العقلاء فلا لبس فيه وما قيل عليه من أنه لا تغليب فيه بل هو التفات والضمير يرجع إلى المخاطبين في أنكم خاصة ردّ بأنه يوجب تنافر النظم ألا ترى قوله أنتم لها واردون، كيف جمع بينهم تغليباً للمخاطبين، فلو خص لهم فيها زفير لزم التفكيك، وقيل إن فيه تجوّزاً من جهة نسبة فعل البعض إلى الكل وتغليبا من جهة إطلاق هم على العقلاء وغيرهم ولا تأثير للتغليب، في الأوّل ورد بأنهم قرّروا أنّ في قوله أو لتعودنّ في ملتنا تغليبين تغليب الأكثر على الأقل إذ نسب إلى الجميع ما هو منسوب للأكثر وتغليب الخطاب على الغيبة وهذا كذلك إذ غلب الأكثر وهم ألاتباع على الأقل وهم الأصنام في نسبة الزور إلى الجميع وغلب العقلاء على غيرهم والتجوّز لا ينافي التغليب بل التغليب كله مجاز وفيه بحث لأنه يعني أنّ نسبة فعل البعض إلى الكل. كقولهم: بنو فلان قتلوا قتيلاً ليس من التغليب في شيء وكون التغليب يكون بالتجوّز في الطرف والنسبة لا يجدي فتدبر. قوله: (من الهول وشدّة العذاب (أو لصراخهم قيل وهو أنسب بما قبله وأمّا حمله على الصحمم حقيقة فبعيد وان جوّزه بعضهم. وقوله: الخصلة الحسنى أي أو المنزلة وهو توجيه لتأنيثه. وقوله: بالطاعة أي بسبب الطاعة وكان الظاهر للطاعة وقوله: أو البشرى بالجنة فيكون المراد بالذين الخ العشرة المبشرة بالجنة كما سيأتي عن عليّ رضي الله عنه. قوله: (لآنهم يرفعون إلى أعلى عليين) فسره في سورة مريم بأنّ المراد به مبعدون عن عذابها وهو لا ينافي ما ذكره هنا لأنّ المراد بعليين الجنة على أحد التفاسير فيه وهو المراد ولإخفاء في أنّ البعد عن النار بحيث لا يسمع حسيسها يدلّ على دخول الجنة فما قيل إنه أشار في الموضعين إلى وجهين تعسف لا حاجة إليه. وكذا ما قيل إنّ الرفع إلى أعلى عليين مما لا دليل عليه. قوله: (روي انّ علياً رضي الله عنه وكرّم الله وجهه الخ) قال ابن حجر رحمه الله رواه ابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه عن ليث بن أبي سليم عن النعمان بن بشير وكان من سمار عليّ وقوله: كرّم الله وجهه جملة دعائية تختص بعليّ على الألسنة وقد قيل في وجه التخصيص إنه لإسلامه صغيراً بحيث لم يسجد لغير الله أو لم يخل عن السجود لله. قوله: (بدل من مبعدون) قيل الظاهر أنها جملة مؤكدة. وقوله: سيق للمبالغة لأنه يدلّ علي شدة البعد وقد قيل إنّ الأبعاد يكون بعد القرب فيفهم منه أنهم وردوها أوّلاً ولما كان مظنة التأذي بها دفع بقوله لا يسمعون الخ. وقوله: في غاية التنعم يفهم من قوله فيما اشتهت أنفسهم كما لا يخفى ولا منافاة بين هذا وبين قوله في تفسير قوله: مبعدون لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين كما توهم والظرف فيما اشتهت الخ وتقديمه للاختصاص لا ينافي الاهتمام ورعاية الفاصلة. قوله: (النفخة الأخيرة) كذا في الكشاف وفي الكشف إنه لم يرد به النفخة الثانية وإنما أراد الأولى لأنّ الآية المستشهد بها مصرّحة بذلك والوصف بالأخيرة لأنها آخر ما يقع في هذه الدار ولا يخفى بعده. وقد أورد عليه أنّ تمام الآية وهو قوله وتتلقاهم الملائكة الخ يدل على أنّ الفزع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 إلا اكبر من أهوال يوم القيامة وكذا باقي الأقوال في تفسيره يدل على ذلك فلعل الاستشهاد بالآية على أنّ النفخة أطلق عليها الفزع، وفيه نظر. وقوله: أو الانصراف إلى النار أي انصراف المعذبين فالفزع الذهاب بسرعة لما يهول وهو أحد معانيه. وقوله: يطبق على النار في نسخة تطبق النار أي تغلق على من فيها وقوله أو يذبح الموت إشارة إلى ما ورد في الحديث من أنه بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهلى النار فيها يؤتى بالموت على صورة كبش ويذبح. وقوله: يوم ثوابكم بيان للمراد منه أو لتقدير مضاف وتقدير القول أي قائلين فهو حال. قوله: (أو طرف لا يحزنهم الخ الم يذكر احتمال تعلقه بالفزع لأنّ المصدر الموصوف لا يعمل على الصحيح وان كان الظرف يتويع فيه ومن أجازه هنا بناه على قول مرجوح كما مغ أعمال الدعاء في إذا لتعريفه وكلاهما قول ضعيف كما في شرح الشهيل فلا إغراب ولا خطأ فيه كما توهم وتعلقه بتتلقاهم لأنها تتلقاهم في مواطن كما تتلقاهم بأبواب الجنة وقوله حال مقدرة لأنّ يوم ألظيّ بعد الوعد وكونه بدلاً من العائد المحذوف كما قاله أبو اليقاء بدل كل من كل لا اشتمال كما توهم. قوله: (أو المخو) إلى الإفناء والإزالة فالتشبيه باعتبار أنه بطه يخفي ما فيه أو لأنه يرفع بعد الطى فلا يرد أنه لا يصح التشبيه حينئذ، وقوله: فإذا انتقلوا أي إلى الآخرة، وقوّضت بالتشديد بمعنى أزيلت يقال: فوّضت الخيام إذا رفعت وفي نسخة فوضع! ت وهي بمعنى أنزلت وأزيلت عن سقرّها من وضعت السل عن البعير. قوله: (طياً كطئ الطومار للكتابة) وفي نسخة لأجل الكتابة إشارة إلى أنّ كطيّ صفة مصدر مقدر وانّ السجل بمعنى الطومار التي يكتب فيه والكتاب بمعنى الكتابة وطيّ الطومار من إضا. قة المصدر لمفعوله أو هو مصدر مبنيّ للمفعول، والمعنى كطيّ الطومار المعدّ للكتابة المسوّى والمهيأ لها فلا يتوهم أق الطومار لا يطوي للكتابة بل ينشر. وكذا قوله لما يكتب ل! ن الكتاب فيه بمعنى المكتوب والفرق بينه ويين ما بعده ظاهر. وقوله: كتب فيه فهو طيّ بعد الكتابة والكتاب بمعنى المكتوب لا مصدر كما في الوجه الأوّل ولذا جمع وجعل المعاني مكتوبة توسع لأنّ المكتوب ألفاظها. قوله: (وقيل السجل ملك يطوي كتب الآعمال) مرضه لغرابته وعدم حسن التشبيه فيه إذ ليس المشبه به أقوى ولا أشهر وقوله أو كاتب قول واه جداً لأنه لم يعرف أحد من الصحابه اسمه سجل وقيل السجل بلغة الحبشة الرجل فلعله مراده وعلى كل حال فلا حسن للتشبيه لما مرّ. قوله: (أي نعيد ما خلقناه الخ) مبتدأ بصيغة المفعول وضمير نعيده ليس عائدا على أوّل حتى يقال إنّ الإعادة تنافي، وصف الأوّلية، بل على المخلوق المفهوم منه مطلقاً ويصح عوده إليه إن كان إيجاداً بعد عدم لا إعادة بعد تفريق وتبديد على ما عرف من القولين فيه قيل والحق أنه إعادة ما انعدم بخجنه وتأليف ما تفرّق والقياس على الإبداء مفهوم من التشبيه. قوله: (لشمول الإمكان الذاني الخ (أي إنما قيلى بوقوع الإعادة على ما ذكر لشمول القدرة الإلهية لكل الممكنات وكل من إعادة ما انعدم وتأليف ما تفرّف أمر ممكن. أم إمكان تأليف ما تفرّق فظاهر وأمّا إمكان إعادة ما انعدم فلأن الإعادة إحداث كالإبداع الأوّل وغاية طريان العدم على المباع الأوّل تصييره كأنه لم يحدث وقد تعلقت القدرة الإلهية بإيجاده من عدمه الأصلي فكذا من عدمه الطارئ لا أنّ الموجود ثانياً مثله بل هو بعد فناء عينه وهذا لأنّ وجود عينه أوّلاً إنما كان على وفق تعلق العلم به والغرض أنّ الموجودات أيضا بعد طريان العدم عليها ثابتة في العلم متعلقا بإيجادها فافهم. قوله: (وما كافة الها عن العمل فتدخل على الجملة وتكون لتشبيه مضمون ما بعدها بمضمون جملة أخرى ولا متعلق للكاف حينئذ وقوله أو مصدرية فتكون صفة مصدر مقدر كما مز. قوله: (وأوّل مفعول لبدأنا) يعني عد الاحتمالين قيل عليه تعلق البداءة بأوّل الشيء ال! مثهروع فيه ركيك لا يقال بدأت أوّل كذا وإنما يقال بدأت بكذا وذلك لأنّ بداءة الشيء هي الشروع فيه والشروع يلاقي الأوّل لا محالة فيكون ذكره تكراراً. وفيه نظر لأنّ المراد بد أنا ما كان أوّلا سابقاً في الوجود وليس المراد بالأوّل أوّل الأجزاء حتى يتوهم ما ذكره مع أنّ التكرار ليس بباطل. ولذا قيل أيضا أوّل الخلق هو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 المعاد حقيقة وايقاع الخلق عليه فرع عن الإعادة والا فلا أوّلية ودفع بما مرّ من المصنف من أن المراد بالأولية هو أن يكون لوجوده بداية لأنّ الحادث عرف بما لوجوده أوّل لا الأولية المقابلة للثانوية، وقد اعترف به هو نفسه ولو سلم فيكفي في تحقق الفرعية جعل الإعادة عاملا في ضميره وفيه تأمل. قوله: (أو لفعل يفسره ما بعده) يعني نعيد قيل الظاهر تقديره قبل كما بدأنا فيكون من التنازع وأعمال نعيد حينئذ إنما هو على منمب الكوفيين وليس من التنازع في شيء كما لا يخفى. وموصولة عطف على كافة. ق! وله: (والكافة متعلقة بمحذوف يفسره نعيده) فهم بعضهم من ذكر المتعلق هنا إنها إذا كانت كمافة فلا متعلق لها كما صرح به الرضي وهو خلاف الظاهر وفي المغني أن الأخفش وابن عصفور ذهبا إلى أن الكافة الجارة لا متعلق لها لأنها لا تدل على معنى الاستقرار والحق خلافه وكلامه مخالف لقوله الآتي وقرله مثلى الذي بدأنا تفسير معنى لا إشارة إلى أنها اسم حتى يرد عليه أنه خلاف الظاهر حتى ذهب بعض النحاة إلى أنه ضرورة وقوله متعلقة يأباه ظاهرا. قوله: (وأوّل خلق ظرف لبدأنا) لأن ما الموصولة تستدعي عائدا فإذا قدر هنا يكون مفعولاً فيكون أوّل منصوب على الظرفية لأنه يكون كذلك في كلام العرب فالتقدير في أوّل زمان خلق وخلق مصدر. أو هو حال من العائد المحذوف والخلق بمعنى المخلوق قيل: والظاهر أنّ قيد الأوّلية هنا لإخراج المخلوق ثانيا وهو الروج لأن الكلام في إعادة البدل وهو المخلوق أوّلا لقوله ثم أنشأناه خلقاً آخر. ورد بأنّ الاهتمام بإخراج الروج يوهم أنها لا تعاد ولا وجه له وتقدم خلق ألبدن على الروج غير مسلم وما ذكره لا يدل عليه بل على تأخر النفخ كما سيجيء ولا شك أنّ ما ذكره خلاف الظاهر وإن لم يرد عليه ما ذكر لأنّ ما ذكره هو المعروف هاعادة الروج لم يختلف فيها القائلون بالحشر فلا يلتفت إلى ما ذ! 5 من الإبهام وتنكير خلق للدلالة على التفصيل كما بين في الكشاف وشروحه. قوله: (مقدّر بفعله تثيدا لنعيده (فهو مفعول مطلق والجملة مؤكدة لما قبلها أو منصر! ب بنعيد لأن الوعد هو الإعادة معنى. وقوله: علينا إنجازه تفسير معنى لا إعراب ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير مبتدأ خبره الظرف لا أنّ إنجازه فاعل الظرف لاعتماده لأنه لا يجوز حذف الفاعل ولا بدل من الضمير المستتر في الظرف العائد على الوعد بمعنى الإنجاز استخداما لتكلفه. قوله: الا محالة) هو من التأكيد ولم يفسره بقادرين كما في الكشاف لما فيه من أنه خلاف الظاهر كما في الانتصاف لمان كان غير مسلم. قوله: (كتاب داود (بالجرّ عطف بيان للزبور أو مرفوع بمبتدأ محذوف أي هو أو الزبور المذكور كتاب داود واطلاق الذكر على اللوح المحفوظ مجاز وقد وقع في حديث البخاري في قوله: (خلق الله السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء) وكون الأرض أرض الجنة بعيد لكن ذكره بعد الإعادة يقربه والتعريف عليهما للعهد ومعنى أرثها كونهم يتولونها. قوله: (يعني عامة المؤمنين (هو ظاهر إن أريد أرض! الجنة وأما إذا أريد الأرض! المقدسة أو الشام لأنها ليست من الأرض المقدسة فلعله تبشير من الله بأنها لا تستقر في أيدي الكفار أبدا كما شاهدناه. قوله: (أو الذين كانوا يستضعفون) أي يقهرون من بني إسرائيل وهو إشارة إلى قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وقد مرّ في الأعراف أنها أرض الشام وجهاتها الغربية والشرقية ولو ذكره المصنف هنا كان أولى فإنه أحد التفاسير وليست داخلة في الأرض! المقدسة، كما علم ومشارق ومغارب مفعول أورثنا. قوله: (لكفاية) تفسير للبلاغ فإنه بمعنى البلوغ وهو بلوغ النهاية ولما كان فيما يبلغ النهاية كفاية أطلقت عليها. وقوله: أو لسبب الخ إشارة إلى أنه مجاز مرسل كما بينه ويجوز أن يكون من الوصف بالمصدر مبالغة. وقوله: هممهم أي ما يهمهم هو عبادة الله لا ما اعتادوه من أمور الدنيا. قوله: (لأن ما بعثت الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه كيف تكون رسالته صلى الله عليه وسلم مقصورة على الرحمة مع تعذيب من عصاه في الدارين. بأنّ المقصود من بعثته الرحمة لكونه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن خالفه فإنما أتر! من قبله كالعين العذبة يسقي بها ويزرع فمن لم ينتفع بها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 كسلا منه لا يضر في كونها نافعة فإن إلكسلان محنته على نفسه، وهذا ظاهر فلا حاجة إلى تفسير كونه رحمة للكفار بما ذكر ولذا مرضه وفي جعل خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خاتمة لسورة الأنبياء حسن يتضوع منه مسك الختام. توله: (أي ما يوحي إلئ إلا أنه الخ) يعني أنه وقع فيه حصران الأوّل لقصر الصفة على الموصوف والثاني لقصر الموصوف على الصفة فالثاني قصر فيه الله على الوحدانية والأوّل قصر فيه الوحي على الوحدانية والمعنى لا يوحي إليئ إلا اختصاص الله بالوحدانية وقد أورد عليه أمران الأول أنه كيف يقصر الوحي على الوحدانية، وقد أوحى إليه أمور كثيرة غيره كالتكاليف والقصص وغير ذلك، والثاني انّ أداة القصر إنما المكسورة لا المفتوحة كما صرحوا به ودفع الأوّل بوجهين الأوّل أنّ معنى قصره عليه أنه الأصل الأصيل وما عداه راجع إليه أو غير منظور إليه في جنبه فهو قصر ادعائيّ واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وذلك لأن المقصود الخ والثاني أنه قصر قلب بالنسبة إلى الشرك الصادر من الكفار السابق ذكرهم وكذا الكلام في القصر الثاني إذ له تعالى صفات أخر غير توحيده. ودفع الثاني بأنّ إنما المفتوحة ذهب الزمخشريّ إلى أنها مثل إنما المكسورة في ذلك ويؤيده هنا إنها بمعنى المكسورة لوقوعها بعد الوحي الذي هو في معنى القول ولأنها مقول قل في الحقيقة ولا شك في إفادتها التأكيد فإذا اقتضى المقام القصر كما نحن فيه انضم إلى التأكيد، لكنه ليس بالوضع كما في المكسورة. فقد جاء ما لا يحتمله كقوله وظن داود إنما فتناه ولذا فسره الزمخشري بقوله: ابتليناه لا محالة مع تصريحه بالحصر هنا وما كافة تحتمل الموصولية فيهما أو أحدهما والحاصل أنه وقع في إنما المفتوحة خلاف فذهب إلى أنها مثنه الزمخشري والمصنف وأكثر المفسرين وأنكره أبو حيان وذلك لأنها مؤوّلة بمصدر واسم مفرد وليست كالمكسورة المؤوّلة بما والا واليه أشار في الانتصاف، والمعنى لا يأباه وما تمسك به مردود والحق مع الجماعة. قوله: (مخلصون العبادة) أي المراد من الإسلام هنا لازمة وهو ما ذكر والأولى تفسيره بمنقادون لما يوحي من التوحيد. قوله: (وقد عرفت أن التوحبد مما يصح إثباته بالسمع) كما مرّ التصريح به في هذه السورة أي ليس التوحيد كإثبات الواجب الذي لا يثبت بالأدلة السمعية وإنما يثبت بالأدلة العقلية لأنه لو أثبت بالسمع لزم الدور إذ الدليل السمعي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فلو لم يثبت الله لم يثبت كلامه ولا رسوله بخلاف الوحدة فإنها غير موقوف عليها ذلك وهذا مشهور بين المفسرين والمتكلمين لكن صاحب الكشف قال: لأن التعدد يستلزم الإمكان على ما لخص في موضعه وما لم يعرف أنّ الله تعالى واجب الوجود لذاته خارج عن جميع الممكنات لم ينتظم برهان على الرسالة والآية لا تصلح دليلا لهم لأنه إنما يوحي إليه ذلك مبرهنا لا على قانون الخطابة فلعل نزولها. كان مصحوبا بالبرهان وتابعه عليه بعض الشراح، وليس بشيء على ما بين في الكلام من أنه لا تلازم بينا وغير بين بين وجوب الوجود والوحدة ولو سلم فالعلم بوجوبه تعالى لا يتوقف عليه فإنه يثبت بالخروج عن نظام السلسلة لا عن جميع الممكنات لاحتمال تعدد السلسلة كما قيل. وهو مردود بأنه إشارة إلى برهان التمانع وهو قطعيئ لا إقناعي على الصحيح كما برهن عليه في الكلام وتحقيقه كما في شرح المقاصد أنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصدقهم لا يتوقف على الوحدانية فيجوز التمسك بالأدلة السمعية كإجماع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك وكالنصوص القطعية من كتاب الله تعالى على ذلك. وما قيل إن التعدد يستلزم الإمكان لما عرفت من أدلة التوحيد وما لم تعرف أن الله تعالى واجب الوجود خارج عن جميع الممكنات لم يتأت إثبات البعثة والرسالة ليس بشيء لأنّ غايته استلزم الوجوب الوحدة لا استلزام معرفته معرفتها فضلاً عن التوقف وسبب الغلط عدم التفرقة بين ثبوت الشيء والعلم بثبوته انتهى. وتفريع الاستفهام الإنكاري هنا صريح في ثبوته بما ذكر لكن في هذا المقام بحث يعلم مما ذكر في برهان التمانع وقوله: إنما يوحي إليه ذلك مبرهنا الخ للإشارة إليه وقول المصنف على مقتضى الوحي المصدق بالحجة فيه ميل ما إليه لو لم يصرح بعده بما يدل على مراده فتأمل. قوله ة (أعلمتكم الخ (فسره به لأنه أفعال من الأذن بمعنى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 العلم إذ أصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز به عن مطلق العلم وصيغ منه الأفعال وصار عبارة عن الإنذار كقوله: آذنتنا بينها أسماء وهو يتعدى لمفعولين الثاني منهما مقدر وهو ما ذكره المصنف. وقوله مستوين إشارة إلى أنّ الجار والمجرور وقع حالاً من المفعول الأوّل ويجوز أن يكون حالاً من المفعول الثاني. وقوله: مستوين إشارة إلى أنه حال من الفاعل والمفعول معا وقوله في العلم بما أعلمتكم به واستواؤهم في العلم إمّا بما أمر به لإعلامهم به أو بأنه سيقع بينهم الحروب كذلك وهم يعلمون أنه الصادق الأمين وإن كانوا يحجدون بعض ذلك عناداً، فلا وجه لما قيل كيف يصح دعوى الاستواء والفاعل متيقن بخلاف المفعول فإنهم لا يذعنون إلا أن يراد بسبب العلم وهو الخبر الصادق وسائر الدلائل الأنفسية والآفاقية والاستواء فيه من حيث التكليف فإنّ الكل مكلف بما أعلمه ىسييرو. قوله: " يذاناً على سواء) إشارة إلى وجه آخر وهو أنه صفة مصدر مقدر. وقوله: أعلمتكم إني على سواء يعني أنّ الجار والمجرور خبر أن المقدرة وهي مع معموليها سادة مسد المفعول. والنير بمعنى الواضح وفي الكشاف إنّ قوله: آذنتكم استعارة تمثيلية شبه بمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحص بغدرهم فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وأشاعه وآذنهم جميعاً بذلك. قوله: (أو الحشر) أو العذاب وقوله: لكنه كائن لا محالة إشارة إلى أنه لا ينافي تردّده في قرب أمور الآخرة قوله: اقترب في أول السورة لأنه عبارة عن تحققه كما مر والقرب هنا على ظاهره المعروف. والأحقاد عطف تفسيري للأحن وهي الضغائن جمع أحنة وقوله فيجازيكم عليه يعني أنّ العلم بما ذكر كناية عن الوعيد بالجزاء، كما يقول الملك لمن عصاه قد عرفت ما صدر منك. وقوله: لعل تأخير جزائكم يعني به أنّ ضمير لعله لما علم من الكلام. قوله: (استدراج لكم الما كان الإمهال فتنة لهم على التحقيق، وقوله: لعل يفهم منه الشك قال ذلك إشارة إلى أنه إما مجاز عن الاستدراج بذكر السبب وارادة المسبب أو عبارة عن زيادة الفتنة ودوامها أو هو بمعناه الأصلي وهو الامتحان والاختبار من فتن الذهب والفضة بمعنى إذا بهما ليعلم غشهما فهو استعارة مصرحة والتمتيع بمعنى الإبقاء والتأخير. قوله: (اقض بيننا الخ) فالحكم بمعناه المعروف والضمير له ولهم لأنه يعلم من المقام والعدل تفسير للحق والمقتضى صفته لأنّ العدل يقتضي تعجيل عذابهم فهو دعاء بتعجيله لهم فلا يتوهم اللغوية لأن كل قضائه عدل وحق وقد استجيبت بوقعة بدر بعده والتشديد إيقاع العذاب الشديد بهم والقراءة بالضم على أنه منادى مفرد وقد قيل إنّ حذف حرف النداء من اسم الجنس نادر شاذ وقال المعرب إنه ليس منادى مفرد بل هي لغة في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه فيحذف المضاف إليه ويبنى على الضم كقبل وبعد فلا شذوذ فيه. وأحكم أفعل تفضيل أي أنفذ وأعدل حكما أو أعظم حكمة. وقوله: وأحكم من الأحكام أي قرئ به على صيغة الماضي. قوله: (بأنّ الشوكة) أي الغلبة والقوّة وهو تفسير لما يصفونه، وخفق راية الإسلام كناية عن ظهوره والسكون ضمده وأمانيهم بالتشديد والتخفيف جمع أمنية وهي ما يتمنى. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو حديث موضوع واقترب علم لهذه السورة تسمية لها بأولها. وقوله: صافحه وسلم عليه هو في الآخرة كما هو الظاهر ووجهه كونه سورة متضمنة لأحوالهم، تمت السورة اللهم إني أتوسل بسيد الأنبياء والمرسلين وبمن ذكر فيها من سائر النبيين أن تيسر لنا أمور الدنيا والآخرة بمنك وكرمك وألطافك المتواترة. سورة الحج بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) اختلف فيها فقيل إنها مكية وقيل إنها مدنية وقيل مختلطة بعضها مكيّ وبعضها مدني وهو الأصح واختلف في تعيينه على أقوال منها ما ذكره المصنف. قوله: (وهي ثمان وسبعون آية (قال الداني وقيل خمس وقيل ست وقيل سبع. قوله: (تحريكها للأشياء (حقيقة الزلزلة التحريك بعنف وهو المراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 هنا فإضافتها للساعة إن كان للفاعل فهو مجاز في النسبة كقوله مكر الليل لأنّ المحزك هو الله، والمراد بالأشياء الموجودات أو هو من الإضافة إلى الظرف إضافة على معنى في عند من أثبتها كما أشار إليه بقوله: أو تحريك الأشياء فيها الخ لكن في كلامه شيء وهو أن قوله إضافة معنوية يفهم منه أن إضافة المصدر إلى فاعله لفظية. والذي صرح به النحاة أنها معنوية اختصاصية فإن لم يكن هذا على قول ابن برهان الذاهب إلى أنها غير محضة فيكون المختص بهذا الشق مجموع كونها معنوية على معنى في فيفهم منه أن تلك معنوية على معنى حرف آخر. وقوله: على إجرائه مجرى المفعول به توسعا كما في قوله: يا سارق الليلة أهل الدار على مذهب من لم يثبت الإضافة بمعنى في. قوله: (وقيل هي زلزلة الخ) فتكون الزلزلة على معناها الحقيقي ومرضمه لاحتياج إضافته إلى الساعة إلى التأويل كما أشار إليه ولأنه لا يناسب كونه تعليلا لأمر جميع الناس بالتقوى كما لا يخفى. وفي الكشاف أنّ هذه الآية وما يليها نزلتا ليلا في غزوة بني المصطلق وهو صحيح مسند في سنن الترمذي والنسائيّ والحاكم كما ذكره ابن حجر رحمه الله فينافي كونهما مكيتين. واشراط الساعة علاماتها ومقدماتها. قوله: (هائل (هو معنى عظيم النكرة الموصوف به شيء المبهم. والتعليل يستفاد من الجملة المصدرة بأن المستأنفة استئنافا بيانيا على ما قرّر أهل المعاني في نحو إذ ذاك النجاح في التبكير. والتدرع لبس الدرع وهو مجاز عن التحفظ وقوله: فيبقوا يقال أبقى على نفسه إذا حفظها وأبقيت عليه إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه والاسم منه البقية كما في التهاية. وقل: (ويقوها) أي يحفظوها وما في بعض النسخ يتقوها تحريف، وقوله: تصوير الهولها والضمير للزلزلة كذا في بعض االئ! ننخ وسقط من بفص! ها لذكره قبكه- يغني أنّ قوله- تذهل الخ استعارة تمثيلية لبيان شدة الأمر وتفاقمه ولذا قال وما هم بسكارى ولكن عذاب ألله- شديدس وقوله: منصوب بتذهل أو بتعظيم أو بإضمار اذكر أو بدل من الساعة وفتح لبنائه أو- فن زلزلة لا منصوب به للفصل بين المصدر ومعموله بالخبر. قوله: (والذهول) وفي نستخه والذهل والذهول وهما بمعنى كما في الصحاح وان ورد الذهل بمعنى السلوّ لأنه لا يختص به كما توهم وقوله الذهاب وفي نسخة والإياب. قوله: (والمقصود الدلالة على أنّ هولها بحيث إذا دهشت الخ) دهش كفرخ تحير وذهب عقله لذهل أو وله والعائد مخذوف أي دهشت به لمفاجأته لها وكلامه يحتمل وجوها لأنه إن كان قبل قيام الساعة خهي مرضعة. و! ملقمة حقيقة وان كان بعدها وقلنا إن كل أحد يحشر على حاله التي فارق فيها الدنيا فتحشر المرضعة مرضعة والحاملة حاملة كما ورد في بعض الأحاديث فكذلك وان لم نقل به فهو على طريق الفرض والتمثيل كما مرّ. والعبارة تحتمله لأنّ إذا شرطية والشرط يكفي فيه- الفرض! والتقدير والحيثية ظاهرة فيه فلا وجه لما توهم من أنه مخصوص بالقول الأوّل وأنّ المصنف ومن حذا حذوه لم يفرق بين القولين ولا حاجة إلى تكلف الجواب عنه كما قيل. قوله: (التي ألقمت الرضع ثديها) إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها والمرضع بلا تاء هي التي من شأنها أن ترضمع وأن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به الخ. قوله: (كأنهم سكارى الخ) يعني أنه تشبيه كما صرح به الزمخشري، وقد قيل عليه ترى بمعنى نظن أي تظن الناس سكارى فهو حقيقة لا تشبيه وردّ بأنّ الرؤيا بصرية وهو الظاهر كما صرحوا به وسكارى حال من المفعول فلا بد من اعتبار التشبيه حتى يصح الكلام وهذا غريب منه فإنّ أهل المعاني صرحوا بأنه قد يذكر فعل ينبئ عن! التشبيه كما في علمت زيداً أسداً إذا قرب التشبيه وحسبت وظننت ونحوه إن بعده. فما ذكروه موافق لكلام القوم وان كان فيه بحث للسعد مذكور مع جوابه في محله فالتشبيه لا يستلزم كونها بصرية كما زعمه. قوله: (وما هم بسكارى على الحقيقة (قيل: عليه إذا كان معنى قوله ترى الناس سكارى على التشبيه كان قوله وما هم بسكارى على التحقيق مستغنى عنه ولا وجه لجعله تأكيدا لمكان الواو وليس بشيء لأنّ هذه الجملة. حالية والحال المؤكدة! تقترن بالواو لا سيما إذا كانت اسمية وخطاب ترى إما عاثم أو للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد جوّز في سكارى أن يكون استعارة أي خائفين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 مضطربين كالسكارى وتحقيقه في شرح الكشاف. وقوله: فأرهقهم الخ بيان لالتئام الاستدراك بما قبله. قوله: (وقرئ ترى من أريتك الخ) أي هو إما من الثلائي أو المزيد وعلى التقديرين الرفع والنصب وقوله على أنه نائب مناب الفاعل أي نائب منابه على أن ترى في هذه القرأءة بضم التاء مجهول رأيتك قائما فأصله ترى الناس سكارى بفتح التاء ورأى إما ظنية أو بصرية وسكارى حال وقد كالط على الأوّل مفعوفي ثانيا وليس من أريتك كما قيل ففي كلامه لف ونشر مرتب. قوله: (وأفراده (أي أفراد لفظ ترى في ترى الناس بعد جمعه في قوله ترونها. وقوله: كل واحد وفي نسخة أحد إشارة إلى أنّ الخطاب عامّ لكل راء وما ذكره المصنف على الوجه الظاهر الأنسب ولو جمع لصح أيضا. وقوله: إجراء للسكر مجرى العلل يعني أنّ الصفة تجمع على فعلى إذا كانت من الآفات والأمراض كقتلى وموتى وحمقى والسكر ليس منها لكنه أجرى مجراها لما فيه من تعطيل القوى والمشاعر. وقد قرئ بضم السين أيضا وهي مذكورة في الكشاف وشروحه. قوله: (وكان جدلاً) كفرج أي شديد الجدال والخصومة وقوله: وهي تعمه يعني أنّ خصوص السبب لا يخرجها من العموم. وقوله في المجادلة تخصيصه بقرينة ما قبله وتعميمه بناء على الظاهر وقوله متجرد للفساد معرى من الخير لأنه من قولهم شجرة مرداء لا ورق لها ومنه الأمر لتجرّده من الشعر. وقوله العرقي بوزن القويّ. قوله: (على الشيطان (كتب بمعنى قضي وقدر ويجوز أن يكون على ظاهره وفي الكشاف أنه تمثيل أي كأنما كتب عليه ذلك لظهوره ولزومه وجعل الضمير للشيطان لأنه الظاهر مما بعده. ويجوز أن يكون ضمير تولاه وأنه لمن يجادل وفاعل تولا. ضمير من الثانية أي المجادلة بالباطل إمام في الضلالة يقتدى به من أضله الله. وتولاه بمعنى جعله مولى له يتبعه. قوله: (خبر لمن) إن كانت من موصولة والفاء تدخل خبره على التشبيه بالشرط أو جواب له إن كانت شرطية وقوله فشأنه يعني أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز كونه مبتدأ خبره محذوف أي فحق أنه وقوله لا على العطف ردّ على الزمخشريّ في قوله تبعا للزجاج إنه قرئ بالفتح والكسر فمن فتح فلأنّ الأوّل فاعل كتب والثاني عطف عليه فإنه إما أن يعطف مع الخبر أو بدونه ويلزم على الأوّل فقد الجزاء والعطف على أنه قبل تمام صلته وعلى الثاني تخلل العطف بين أجزاء الشرطية والعطف قبل التمام فالظاهر ما مرّ من أنه يقدر بعد الفاء الجزائية مبتدأ أو خبر أي فالأمر أنه يضله أو فحق أنه يضله وقد وجه بأنّ من عليه موصولة أو موصوفة لا جزائية والمعنى يتبع كل شيطان سجل عليه بأنه هو الذي اتخذه بعض الناس وليا وبأنه مضل من اتخذه وليا والأوّل كالتوطئة للثاني أي يتبع شيطاناً مختصا به مكتوبا عليه أنه وليه وأنه مضله فهو لا يألو جهداً في إضلاله وهذا أبلغ من جعلها جزائية. وقيل إنّ المعنى كتب على الشيطان أنّ المجادلة من تولا.. وقوله إنه يضله عطف عليه وهو تعسف. وقيل إنه على نهج قوله ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم من تكرار أن توكيداً وقد مرّ ما فيه وقيل الجزاء محذوف أي كتب عليه أنه من تولاه يهلكه فإنه يضله عن طريق الجنة وثوابها ويهديه إلى طريق السعير وعقابها والفاء تفصيل للإهلاك وكله تعسف مستغنى عنه بما ذكره المصنف. قوله: (وقرئ بالكسر في الموضعين الخ) والمحتاج للتوجيه هي أن الأولى وما ذكره أقوال للنحاة في مثله مبنية على جواز الحكاية بغير القول وقوله: بالحمل الخ إشارة إلى أنّ فيه استعارة تمثيلية تهكمية. قوله: (من إمكانه (لم يفل من وقوعه لأن الدليل المذكور إنما يدل على الإمكان وما وقع في بقعة الإمكان وأحاطت به حظيرة القدرة التامة دال على الوقوع ولذا ذكر بعده قوله وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها فلا يرد عليه أن الظاهر أن يقول من وقوعه فافهم، قلت التحقيق أن يقال إنما ذكر الإمكان هنا لئلا يتكزر مع قوله الآتي وأنّ الله يبعث من في القبور. والبعث بفتح العين لغة إذ هو جائز في كل ما عينه حرف حلق كما مرّ والجلب بالإهمال والإعجام بمعنى المجلوب. قوله: (فانظروا الخ (إشارة إلى أنه وقع جوابا بتأويله بما ذكر لأنه هو المسبب عن الشرط وهو إنما ذكر للنظر فيه بعين الاعتبار فما ذكر دليل الجزاء أو جزاء لتأويله بما ذكر وأما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 تقديراً خبركم وأعلمكم فلا يتم إفادته والتئامه بدون ملاحظة ما ذكر ويزيح بزاي معجمة وحاء مهملة بمعنى يزيل ريبكم وفي نسخة عللكم وفي تنكير ريب وإيراد أن إشارة إلى أنه ليس مما ينبغي الريب فيه. قوله: (إذ خلق آدم الخ) فهو مبدأ بعيد وخلق الأغذية منه لأنه أعظم أجزائه. وقوله: منيئ تفسير لنطفة وهي من النطف بمعنى التقاطر. وقوله: مسوّاة بالتشديد وفسرها بقوله: لا نقص فيها ولا عيب أي في ابتداء خلقها إلا باعتبار المآل. وقوله: أو تامة المراد تامة مدة حملها وليس تحريفا عن ثابتة كما قيل وقوله أو مصوّرة وغير مصوّرة رجحه بعضهم لأنه المشهور فيه. قال الراغب: الخلق والخلق في الأصل واحد كالشرب والشرب لكن خص الخلق بالهيآت والأشكال والصور المدركة بالبصر والخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة فما قيل إنه يأباه ظاهر الآية المشعر بالتقسيم ليس بشيء لأنه لا فرق بينه وبين وما قبله مآلاً فتدبر. قوله: (قدرتئا وحكمتنا (القدرة ثابتة بأصل الخلق والحكمة بالتدريج وقوله: وانّ ما قبل التغير أي من طور إلى آخر والفساد وهو زوال الصورة الأولى والتكوّن مع صورة أخرى قبلها مرة أخرى فلا وجه لإنكار البعث والإحياء لما كان رميما باليا كما زعموه وإلا لانقلب الإمكان الذاني إلى الامتناع الذاتي. وقوله: وأن من قدر الخ إشارة إلى عدم التمانع لعدم تناهي القدرة والمفعول المحذوف مفعول نبين وأن نقره مفعول نشاء وأدناه أقله وأقصاه أكثره وهذا على مذهب الشافعية وعندنا أكثره سنتان- وقوله: وقرئ الخ هو على قراءة الرفع مستأنف- وقوله: مدرجا بصيغة المفعول والفاعل وقوله تبيين القدرة لم يذكر الحكمة لدلالة الغرض عليها لأنه عبارة عن الحكم والمصالح المترتبة على أفعاله إذ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض! بالمعنى المعروف لا للاكتفاء ولا لبيان أن الفقصود الأصلي هنا بيان القدرة. قوله: (مدرجا لغرضين الخ (فيه إشارة إلى دفع ما قاله ابن الحاجب من أنّ فقرّ يتعذر نصبه إذ لو نصب كان معطوفا على نبين فيكون داخلا في تعليل وسببية قوله: خلقناكم الخ وخلقهم من تراب وما تلاه لا يصلح سببا للإقرار في الأرحام. بأن المعنى خلقناكم مدرجين لغرضين الخ والغرض في الحقيقة الأخير كما سيأتي لكن لما كان الإقرار وما يليه من مقدماته أدخل في التعليل ولذا قيل قراءة الرفع مشكلة وقراءة النصب أوضح منها. قوله: (حتى يولدوا (بيان لحكمة قرارهم فيه على ما جرت به العادة الإلهية- وقوله: ونقز بالضم أي قرئ بضم القاف وهذا مأخوذ في الأصل من القرّ وهو البرد قال الراغب: قررت القدر أقرها صببت فيها ماء بارداً واسم ذلك الماء القرارة انتهى. قوله: (أجريت) أي مجرى الجمع لوقوعها موقعه لأنها حال من ضمير المخاطيين الجمع مع أنها مفردة إما بتأويل صاحبها بنخرج كل واحد منكم أو لأنّ المراد به جنسه الصادق على الكثير أو لأنه مصدر فيستوي فيه الواحد وغيره حقيقة كما قاله المبرد أو لأنّ المراد به طفلا طفلا فاختصر كما نقله في الأشباه النحوية وان كان الظاهر أن يقال أطفالاً. قوله: (ثم لتبلغوا أشدكم) أعاد فيه اللام وان صح عطفه على ما قبله على قراءة النصب إشارة إلى أنّ المقصود الأصلي من خلقهم أطواراً البلوغ إلى حد من التكليف ينالون به المفازة وقال الطيبي إن معلله محذوف أي كان ذلك الإقرار والإخراج لتبلغوا إلى هذه الحال التي هي أشرف الأحوال لأنها المقصودة من الإخراج من ظلمات العدم إلى أنوار الوجود وفيه كلام لطيف في الكشف. وثم للتراخي الرتبي أو الزماني وقوله: جمع شدّة في القاموس أشدّه ويضم أوّله. بمعنى قوّة وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه أو جمع شدة بالكسر مع أن فعلة لا تجمع على أفعل أي قياسا فلا يخالفه قوله: إن أنعم جمع نعمة وقد قيل إنه جمع نعم بالضم أيضا أو جمع شد ككلب أو شد كذئب وما هما بمسموعين بل قياس وإذا كان جمعا فهو من مقابلة الجمع بالجمع أو لأنّ ذلك السن فيه قوّة العقل والأعضاء. قوله: (ومنكم من يتوفى عند بلوغ الأشدّ) استيفاء لبيان أقسام الإخراج من الرحم كما استوفى أقسام الأولى وافادة مقارنته لحال الأشد وكونها عنده بجعل هذه الجلة حالية ومن صيغة المضارع وأما كونها قبله أو بعده إلى ما دون أرذل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 العمر فلأنّ الثاني يدخل في كونه عند الأشد لأنه في حكمه لبقاء أثره من القوّة والأوّل يؤخذ من الانحوى والقرائن الخارجية وأنه مسوق لبيان استيفاء الأقسام وضمير قبله لبلوغ الأشد، وقيل إنه لبلوغ أرذل العمر بقرينة ما بعده فتأمل. قوله: (وقرئ يتوفى) أي بفتح الياء وصيغة المعلوم وفاعله ضمير الله ففيه التفات ومفعوله محذوف على ما ذكره المصنف رحمه الله، ويجوز كون الضمير المستتر لمن والمعنى أنه يستوفي مدة عمره وهو كناية عن الموت كما ذكره السكاكي في توجيه قراءة عليّ كما مرّ والأرذل الأردأ والأدنى وفسره بما ذكر لأن أردأ العمر ما لا يتم فيه الإدراك من حيث المعنى وما لا يتم فيه القوى وهو صادق بسن الطفولية والهرم والرد يقتضي أنّ المراد ردّ. إلى الأول أي إلى ما يماثله فيما ذكر كما أشار إليه بقوله ليعود الخ وبه يتأيد الاستدلال والخرف فساد العقل من الكبر وتنكير شيئاً في سياق النفي للاستغراق واذا أنكر ما عرفه ونسي ما علمه فهم أنه لا يعلم غيره فلا يقال إنّ الأولى إبقاؤه على ظاهره واللام هنا لام العاقبة. قوله: (استدلال ثان الخ (يعني قوله ثم نخرجكم طفلا الخ بقرينة قوله: أسنانه جمع سن وهو مقدار مدة العمر بعد الولادة وقوله بعده وتحويله الخ لا من قوله ونقز في الأرحام الخ لأنه توطئة لما بعده فإنّ الظاهر أنه من الدليل الأول، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه الاستدلال بأمور الآفاق التي تشاهد فإنّ الإنسان ينظر ما هو خارج عنه غالباً والأوّلان بأمور الأنفس وقيل إنه للدلالة على امتيازه عنهما فإنّ الأول غير مشاهد والثاني مثاهد لكنه ليس مثل هذا في الظهور وقوله: وكونها مشاهدة ملائم للأوّل وهو صريح في أن رأى بصرية لا علمية كما قيل، وقوله: من همدت النار يشير إلى أنه استعارة ويابسة تفسير لقوله ميتة، وقوله: تحرّكت بالنبات أي تحزكت في رأي العين بسبب حركة النبات ولو قال تحرّك نباتها لأنه إسناد مجازي كان أظهر، وقيل المراد الحركة في الكيف ولا يخفى بعده، وقوله: وانتفخت بالخاء المعجمة تفسير لربت أي علت لما يتداخلها من الماء ويعلو من نباتها، والزوج هنا بمعنى الصنف لا بمعناه المعروف، وقوله: رائق أي حسن المنظر وقوله إلى ما ذكر توجيه لإفراد ذلك ومن الخ بيان لما، والأطوار من قوله من نطفة الخ والأحوال من قوله طفلا الخ، وقوله: وهو أي لفظ ذلك. قوله: (أي بسبب أنه الثابت الخ (يعني أن الباء هنا للسببية وأن الحق بمعنى الثابت المتحقق وإنما قال في نفسه بمعنى أنه واجب الوجود لا يستند إلى شيء بل جميع الأشياء مستندة إليه لأن ضمير الفصل يفيد الحصر وهو إنما يتأتى إذا فسر بما ذكر والظاهر ما ذكره بعض شراح الكشات من أن ذلك إشارة إلى البعث المستدل عليه بما سبق أي البعث الثابت بحقية الله واحيائه لا ما قيل إنّ الأنسب بكون المقصود نفي الريب أن يكون التقدير ذلك المذكور مشعر بأن الله هو الحق المحيي للموتى القدير مطلقا لتكلفه وبعده، وقوله: الذي به تتحقق الأشياء توطئة لما بعده أو أنه لما حصر الوجود الذإتي فيه تعالى علم منه أن غيره لا يتحقق إلا به. قوله: (وأنه يقدر على إحيائها (كذا وقع في بعض النسخ يخما بعده تعليل له وسقط من بعضها فيكون أبقاه على ظاهره ولم يؤوّله بالقدرة عليه كما في الكشاف والموت على تفسيره مجاز شامل للإنبات واخراج الولد من النطفة وإنما عممه ليشتد التئامه بما قبله، وقوله: لأنّ قدرته الخ تعليل لعموم القدرة بأنها ذاتية وذاته نسبة الأشياء إليها على حد سواء فلا تختص قدرته بشيء دون شيء ولما شوهد إحياء بعض الأموات علم قدرته على ما سوى ذلك من الممكنات وإنما خص الأحياء لأنّ الكلام فيه. قوله: (وأن الساعة آتية الخ (في الكشاف بعد ما فسر ذلك بما مرّ تفسيره بأنّ الله هو الحق أي الثابت الموجود وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم لا يخلف ميعاده وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي بما وعد اص. د! انما أوّله بذلك ليتضح التشبيه في هذا، ولذا قيل إن جعل الإشارة إلى المذكور من الخلق وأن حصوله بسبب أن الله هو الحق الثابت الوجود وأنه قادر على إحياء الموتى على كل مقدور فإنه حكيم لا يخلف ميعاده لأن الإتيان بالساعة وبعث من في القبور من روادف الحكمة فأريد به أنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 حكيم لما في الكناية من النكتة لا سيما والكلام للدفع في نحو منكري البعث انتهى. وقيل: إنّ الظاهر من تصذي المصنف لتعليل الجملتين إنه حملهما على ظاهرهما ولم يحتج إلى الكناية لأنّ معناها الوضعي لا يقصد بنفي ولا إثبات ولا يحتمل الكلام الصدق والكذب باعتباره، إذ القصد إلى لازمه، فحينئذ تعين أن الجملتين غير معطوفتين على ما قبلهما بل خبر مبتدأ مقدر أي والأمر والشأن أنّ الساعة الخ إلا أن يعمّ السبب السبب الغائي اص. ولا يخفى أنّ ما ذكره من التقدير ليس في النظم مقتض له ولا في كلام المصنف إشارة إليه ولا يكون مثله بسلامة الأمير والغائية تكون باللام دون الباء ولو سلم فالتعميم أمر غير مستقيم لذي ذوق سليم، وقد أشار في الكشاف إلى التعليل أيضا في الجملة مع أنه محمول على الكناية عندهم وما ذكره في الكناية غير مسلم عند بعض علماء المعاني فالحق أنه لا خلاف بين الشيخين هنا وصاحب الكشاف أيضا لم يجعله كناية! انما ذكر الحكمة لأن أفعاله تعالى كلها لا تنفك عنها ولو كان تغيرهم من حال بعد خلقهم ثم إماتتهم لا يعقبها جزاء ولا إعادة كان ذلك منافيا للحكمة، والداعي إلى هذا التكلف ظن أنّ ما يذكر في حيز السببية لا بد من كونه سبباً أو جزاء منه فإنه قد يذكره معه ما يلائمه أو يترتب عليه كما إذا قلت عاقبت المسيء بجنايته، وقدرتي عليه وعلمي بما يترتب على ما فعلت فقد أزيل استبعادهم بتذكير ابتداء الفطرة، والتنبيه على كمال قدرته وعلمه كما في شرح المقاصد فتدبر. قوله: (فإنّ التغير الخ (الساعة في عرف الشرع يوم القيامة وهي مغايرة للبعث فأشار إلى أنّ دخله في السببية باعتبار أنّ تغير أطوارهم دليل على فنائهم وزوال الدنيا حتى يعقبها القيامة لأن المراد بالساعة هنا فناء العالم بالكلية حتى لا يتكرر مع البعث كما قيل والانصرام الانقطاع والزوال. وقوله: بمقتضى وعده متعلق بالبعث ويحتمل تعليقه بما قبله أيضا. قوله: (تكرير للتكيد) كما كرّر كثير من القصص في القرآن له فالمجادل بغير علم ولا هدى والمجادل المتبع لمن ذكر واحد وكلاهما في النضر كما مرّ في سبب النزول أو أنه لا تكرار وان كان هذا في حقه أيضا لتغاير أوصافه فيهما، أو الأوّل في المقلدين بكسر اللام لقوله: ويتغ الخ فالشيطان شيطان أنسيّ، وهذا في المقلدين بفتحها لقوله: ليضل الخ قال: في الكشف وهو أظهر وأوفق بالمقام. قوله: (والمراد بالعلم العلم الفطري) أي الطبيعي الناشئ من سلامة الفطرة أو الضروري فيكون ما بعده إشارة إلى الكسبي لئلا يلزم التكرار بحسب المآل، وان كان هذا مما لا حاجة إليه لظهور التغاير والاستدلال ناظر إلى الهدي والوحي إلى الكتاب. وقوله: أو معرضا بحسب الظاهر أنه كناية أيضا لأنّ المراد عدم القبول والعطف الجانب. قوله: (على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه الخ) جواب عما يخطر بالبال من أنه لم يكن مهتديا حتى يقال يضل بصيغة المضارع ولم يكن غرضه من الجدال الضلال. فدفع بأنه جعل تمكنه من الهدى كالهدي لكونه هدي بالقوّة، ويجوز أن يراد يخستمم! على الضلال أو ليزيد ضلاله أو يجعل ضلاله الأوّل، كالإضلال وأنه كالغرض! له لكونه مآله فاللام للعاقبة فإن قلت هذا السؤال لا يختص بقراءة الفتح قلت هو عليه أظهر وقد قيل: إنه ليس المراد تخصيصه به وقوله الضلال يشمل ضلال نفسه وضلال غيره وفيه نظر، والمتمكن بصيغة الفاعل أو المفعول وما أصابه يوم بدر القتل- وقوله: أو إرادة القول والجملة حالية واقترف بمعنى اكتسب- وقوله: إنما هو مجاز مأخوذ منه بقرينة ما قبله. قوله: (والميالغة لكثرة العبيد) يعني أن نفي المبالغة لا يقتضي نفي أصل الفعل ومطلق الظلم منفيّ عنه فدفعه بأنه لكثرة العبيد والمخلوقين وفيه نظر لأنه لا يلزم من نفي ظلم كثير من العباد نفي ظلم بعضهم، وقيل إنّ الظلم القليل لو صدر منه كان عظيما كما يقال حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، وقيل: يجوز أن تعتبر المبالغة بعد النفي فيكون مبالغة في النفي لا نفياً للمبالغة وفيه نظر لأنه ليس مثل القيد المنفصل الذي يجوز اعتبار تأخره وتقدمه كما قالوه في القيود الواقعة مع المنفيّ. وجعله قيداً في التقدير لأنه بمعنى ما هو بذي ظلم عظيم تكلف لا نظير له فتدبر. قوله: (على طرف الخ (ظاهر قوله: كالذي الخ أنه استعارة ولذا قيل إن قوله: طرف من الدين بيان للمعنى المجازيمما وقوله: فإن أصابه الخ بيان لوجه الشبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 على طريق التفسير له. وقوله: قرّ بمعنى ثبت على حاله وقوله: لإثبات له فيه أي في الدين تفسير لكونه على طرف دينه وعدم الثبات صادق بالرذة والتشكك لأنه مقابل للاطمئنان فلا مخالفة بينه وبين قوله فإن أصابه الخ كما توهم، ونتجت مجهول بمعنى ولدت، وسويا بمعنى كريما نفيسا وأعاريب جمع إعراب فهو جمع الجمع وسويا بمعنى تام الخلقة واطمأنّ بمعنى ثبت هو أو قلبه، وقوله: أقلني أي من بيعة الإسلام واعفني منه وهذا سبب النزول لكن قال ابن حجر: إنه حديث ضعيف، ومعنى انقلب على وجهه رجع سريعاً إلى جهة أخرى فهو مجاز، وقيل: معناه أسرع مستوليا على الجهة التي تواجهه غير ملتفت وهو كناية عن الهزيمة، وقيل هو هنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة اطمأن. قوله: (خسر الدنيا والآخرة (مستأنف أو بدل من انقلب أو حال مؤكدة من فاعله بتقدير قد، وقوله: بذهاب عصمته وحبوط عمله بيان لخسرانه الدنيوي، ولم يفسره بالمصيبة السابقة كما في الكشاف لتبادره من السياق لأن مصائب الدنيا لا تعد خسرانا لها ما لم تقترن بترك التسليم للقضاء وما ذكره شامل لها لأن ذهاب عصمته في ماله ونفسه. وأهله مع أنه أشد خسرانا فيها فما قيل إن ما في الكشاف هو الأظهر ليس بشيء وما ذكره المصنف رحمه الله هو المناسب للحصر المستفاد من قوله: ذلك هو الخسران فتأمل. قوله: (بالنصب على الحال) لأن إضافته لفظية فهو نكرة، وقوله: على الفاعلية أي لا نقلب وفيه وضع الظاهر موضع المضمر حينئذ لأن مقتضى الظاهر أن يكون فاعله ضمير من فعدل ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه، وقيل إنه من التجريد ففيه مبالغة ولذا قال الزمخشري أنه وجه سن، وقوله: تنصيصا على خسرانه أي على خسران المنقلب، وهو على الفاعلية أظهر فيه وأبلغ فلا يتوهم أته منصوص عليه مطلقآ، وقوله: خبر مبتدأ أي هو، وقوله: يعيد تفسير ليدعو كما مرّ، وقوله: بنفسه إشارة إلى أنه في عبادته ضرر وهو ظاهر بخلاف عدم نفعه ولذا أطلقه. قوله: (عن المقصد) إشارة إلى أنه من ضل في الطريق وتوطئة لما بعده وهو توله: مستعار أي من الضلال بمعنى فقد الطريق الحسيّ والمستعار منه ضلال من أبعد في التيه ضالاً فطالت وبعدت مسافة ضلاله فصح وصفه بالبعد لكنه أسند إليه مجازاً، وهذه استعارة تصريحية، وقيل إنها مكنية. قوله: (بكونه معبودا (أي الضرر المثبت بطريق التسبب والمنفيّ قدرته على الضرر بنفسه، كما أشار إليه بقوله بنفسه أولا، وعبر بما إذ نفى الضرّ والنفع لأنها لا تعقل، وعبر عنها بمن إذ أثبت لها الضرّ لأنه من شأنه أن يصدر عن العقلاء، وقوله لأنه الخ بيان لما تسبب له. قوله: (الذي يتوقع بعبادته وهو الشفاعة (إشارة إلى توجيه ما في النظم من أنه نفي عنه النفع أوّلاً وكون ضرّه أقرب من نفعه يقتضي ثبوت النفع له وهما متنافيان، فدفع التنافي بأن النفي باعتبار ما في نفس الأمر والإثبات باعتبار زعمهم الباطل فلا تنافي. قوله: (واللام معلقة ليدعو الخ (قد ذكر في توجيهه أكثر من عشرة أوجه، منها ما ذكره المصنف والظاهر أنه تسمح في العبارة لأن مراده أنه ضمن معنى يزعم وهي ملحقة بأفعال القلوب لكونها قولاً مع اعتقاد فلذا جاز فيها التعليق وإليه أشار بقوله: والزعم الخ ولا غبار فيه كما توهم، أو أن يدعو لما كان بمعنى يقول حكيت بعدها هذه الجملة، فاللام على الوجهين ابتدائية وقد رد بعضهم هذا بأن الكافر لا يقول هذا ولا يزعمه لأنه لا يعتقد فيها ضررا في الدنيا ولا نفعا في الآخرة، ويرذه أنه عليه خبر من المبتدا مقدر وهو إله أو إلهي، والمنكر عليهم قولهم أو زعمهم أنه إله وذكر أن ضرّه أقرب من نفعه تهكم بهم فلا يأبى كونه بمعنى يقول لفظ أقرب كما قيل، وأمّا توجيهه بأنّ المعنى من نفعه الذي كان متوقعاً كما ذكره المصنف رحمه الله فليس بتاتم لما عرفت، وقوله: بدعاء وصراخ إشارة إلى وجه اختيار الدعاء على القول. قوله: (أو مستأنفة الخ (فيدعو الثانية تأكيد للأولى، وما بينهما اعتراض مؤكد أيضا لكنه بعيد كما في المغني لوجهين الفصل والتأكيد ولبئس جملة قسمية وقعت خبراً لمن الموصولة وهذا على الوجهين الأخيرين وفيه إشارة إلى ما قرره النحاة من أن الخبر معنى هو الجواب لا المجموع فلا تسمح فيه كما قيل وتفصيله في المغني وشروحه، وقوله: مستأنفة بصيغة المفعول وهو إمّا منصوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 معطوف على مقولاً أو هو مرفوع خبر مبتدا محذوف أي أو هي جملة مستأنفة، وأمّا عطفه على معلقة وكونه بصيغة الفاعل على الإسناد المجازي فتكلف بارد. قوله: (من إثابته الموحد الخ) ما ذكره معنى الآية بقرينة ذكر هؤلاء واثابتهم بعد ذكر المشركين وخسرانهم. قوله: (كلام فيه اختصار (وايجاز حذف لأنّ المجادلة والكلام معه وهو كعلم لا يخفى. وإذا فسر الرزق بمعنى النصر من قولهم: أرض! منصورة بمعنى مستقية ممطورة فالمعنى من كان يظن إنه لم يرزق والغرض الحث على الرضا بما قسم الله لا كمن يعبد الله على حرف وهو تحذير المؤمنين عن حال هؤلاء والضمير على الأوّل للرسولءش! وعلى هذا لمن ومرضه لبعده وعدم ملايمته لما بعده. وقوله: من غيظه بقرينة ما بعده لأنّ الاحتيال في ذهاب الغيظ يقتضي سبقه ففيه إيجاز أيضا. قوله: (فليستقص) أي يبالغ لأن المبالغ في أمر يبلغ أقصاه، والجزع التضجر وعدم الصبر وازالة الغيظ على المعنى الأوّل للنصر والجزع على الثاني. والممتلئ غضبا بمعنى الشديد غضبه فهو استعارة وجزعا تمييز. وقوله: سماء بيته أي سقفه والسماء ما ارتفع. وقوله: فيختنق هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله: يقطع ومفعوله محذوف أي نفسه بفتحتين أو أجله كما قدره الراغب ثم إنه ترك نسيا منسياً فصار بمعنى اختنق لازم خنقه وهو أي قطع النفس كناية عن الاختناق. قوله: (إلى سماء الدنيا (فالسماء بمعناها المعروف والقطع بمعنى قطع المسافة سيرا أو صعوداً وعنانه بفتح العين على المشهور وهو المصزج به في الصحاح قال كأنه جمع عنن في الأصل وهو وجه السماء وطرفها والكسر فيه عاقي. وقال: في القاموس إنه بالكسر وفي المصباج عنان كسحاب لفظا ومعنى واحد. عنانة وضمير عنانه للسماء ذكره لتأويله بما علا. قوله: (في دفع نصره الف ونشر على تفسيري النصر. وقوله: بكسر اللام أي لام الأمر وتسكن وبه قرأ غير هؤلاء، وقوله: فليتصوّر في نفسه أي فليتأمّل وأوّله لأنه بعد الاختناق لا يتصوّر منه النظر فيكون هذا سابقا على ما قبله فالتعقيب فيه رتبيئ كما قيل أو في الأخبار ويجوز أن يكون المأمور غيره ممن يصح منه النظر أو هو على التهكم. قوله: (وسماه على الأوّل) من تفسيري فاليقطع بالاختناق لأنّ الكائد إذا كاد أتى بغاية ما يقدر عليه فأطلق على فعله هذا كيدا على التشبيه به أو أنه لما أراد الكيد ولم يقدر عليه وضع هذا موضعه أو على سبيل الاستهزاء والتهكم، وأما على الثاني فلا يظهر وجهه كما في شروح الثشاف فإنما خصه لأنه الراجح عنده لا لأن الكيد فيه حقيقة كما توهم. قوله: (غيظه الخ (يعني ما مصدرية أو موصولة. وقوله: من نصر الله على المعنيين. وقوله: وقيل الخ مرضه لأنّ مثل هذا الظن لا يليق بالمسلمين ظاهرا ولذا قيل إنه حينئذ استعارة تمثيلية والأمر للتخيير وعلى الأوّل كناية عن شدة الغيظ والأمر للإهانة والمعنى من استبطأ نصر الله وطلبه عاجلا فليقتلى نفسه لأن له وقتا له يقع إلا فيه. قوله: (ومثل ذلك الإنزال الخ (الإنزال إمّا إنزال الآيات السابقة أو هو المذكور بعده كما مرّ تحقيقه وقوله: ولأن الله يهدي الخ إشارة إلى حد الوجوه فيه وهو أنه حذف منه اللام وفي محله القولان ومتعلقه محذوف يقدر مؤخراً. كما أشار إليه التقديم للحصر الإضافي، وقيل إنه معطوف على محل مفعول أنزلناه وقيل إنه في محل رفع خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أن الله يهدي من يريد. وقوله: يهدي به أي بالقرآن فمتعلقه مقدر أو المراد يثبت على الهداية كما يفيده استمرار المضارع. وقوله: هدايته أو ثباته على الوجهين. وقوله: المشركين هم عبدة الأوثان وغيرهم كالملائكة ولا وجه لتخصيصه فتأمّل. قوله: (وإظهار المحق) عطف تفسيري لأنه لا خصومة بينهم تفصل. وقوله: ما يليق به الظاهر بما يليق لكنه منه معنى يعطي. وقوله: المحل المعد له إشارة إلى أن الفصل بالأماكن. قوله: (وإنما دخلت الخ) يعني أن إن الثانية واسمها وخبرها خبر الأولى أي أن الذين الخ وأدخلت إن على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التأكيد كقوله: إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم ... قاله المعرب وفيه وجوه أخر. قوله: (يتسخر لقدرته الخ) يعني أن السجود مستعار من معناه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 المتعارف لمطاوعته الأشياء فيما يحدث فيها من أفعاله. ووجه الشبه الحصول على وفق الإرادة من غير امتناع منها فيهما ويجوز أن يكون مجازا مرسلا من استعمال المقيد في المطلق والأوّل أولى وما قيل إنّ الظاهر من تعلق المجوزين لعموم المشترك بهذه الآية كما ذكره الأصوليون كون لفظ السجود حقيقة في معنى التسخير والانقياد أيضا وهذا غفلة عما حققه الراغب وغيره من أهل اللغة من أنّ حقيقته في أصل اللغة التطأمن والتذلل والانقياد، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد، وهو ضربان سجود باختيار يستحق به الثواب وهو مخصوص بالإنسان وسجود تسخير وهو عام له ولغيره ثم اختص في عرف اللغة والشرع بمعناه المعروف فله حقيقة لغوية وعرفية فما في الأصول باعتبار الأوّل وغيره باعتبار الثاني والنظر إليه لتبادره. قوله: (أو يدلّ بذله على عظمة مدبره (معطوف على قوله يتسخر والمراد أنه مجاز عن انقياده له أو عن دلالة لسان حاله بذلة احتياجه وافتقاره على صانعه وعظمته على حذ قوله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) كما مرّ. وقوله ومن الخ أي يجوز إبقاؤه على ظاهره فما عطف عليه مغاير ويجوز تعميمه تغليبا ويكون ما بعده على الأوّل المراد به جميع مخلوقاته وتعبيره بيجوز إشارة إلى أنه خلاف الظاهر لما فيه من المجاز وعطف الخاص على العام واستبعاد تسخيرها أو تذللها بحسب الظاهر في بادئ النظر القاصر. قوله: (وقرئ والدواب الخ (قال ابن جني في المحتسب هي قراءة الزهري ولا أعلم من خففها سواه وهو قليل ضعيف قياسا وسماعا لأن التقاء الساكنين على حده وعذره كراهة التضعيف ولذا قالوا في ظللت ظلت وقالوا: جان بالتخفيف وذكر له نظائر كثيرة. قوله: (عطف عليها (أي على المذكورات قبله وقوله: إن جوّز أعمال الخ المراد بأعماله جعله دالاً على معنييه الحقيقيين أو الحقيقي والمجازي على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كما ذهب إليه بعض أهل الأصول من الشافعية وفي متعلقة بأعمال كما يقال أعملت القدوم في الخشب فهي ظرفية لا سببية كما قيل وإسناده إلى الأوّل باعتبار التسخير أو التذليل وإلى كثير باعتبار سجود الطاعة المعروف. قوله: (فإنّ تخصيص الكثير (يعني لو كان السجود المسند إليه بمعنى التسخير وقرينه وهو عام لجميع الناس كان ذكر كثير لا يليق فلا بد من حمله على معناه الخاص ليقع من كثير منهم دون غيرهم كما هو الظاهر. وما قيل إنه يجوز أن يجعل التخصيص للدلالة على شرفهم والتنويه بهم واحتمال إرادة الانقياد اللائق بهم كما في التوضيح أو إرادة الطاعة للأوامر التكليفية أو التكوينية كما وردت وهو يختلف في العقلاء وغيرهم قيل إنه لا يوجد في جميع الجن مع اندراجه تحت عموم من فكلام واه لأنه كيف يتأتى التنويه وقد قرن به غير العقلاء كالدواب وأمّا التخصيص المذكور فلا قرينة عليه، وكون الجن غير مكلفين خلاف القول الأصح. قوله: (دل عليه خبر) وهو إشارة إلى كثرة الفريقين فلا يتوهم أنه كان ينبغي مقابلته بالقليل. وقوله: سجود طاعة يعني أنّ السجود المقدر غير السجود المذكور فإن قلت هذا يخالف ما في المغني من أن شرط الدليل اللفظي على المحذوف أن يكون طبقه لفظاً ومعنى أو معنى لا لفظاً فقط فلا يجوز زيد ضارب وعمرو على أنّ خبر الثاني محذوف وهو ضارب من الضرب في الأرض! أي مسافر والمذكور بمعناه المعروف وهو الإيلام قلت: هذا غير مسلم لما ذكره النحاة من أنّ المقدر يكون لازما للمذكور نحو زيداً ضربت غلامه، أي أهنت زيداً ولا يكون مشتركا لمثال المذكور إلا أن يكون بينهما ملائمة فيصح إذا اتحدا لفظا وكان من المشترك وبينهما ملازمة تدل على المقدر، ولذا لم يصح المثال المذكور. قوله: (بكفره وآبائه) قدره لدلالة ما قبله عليه. وقوله تكريراً للأوّل لا يخفى ما فيه لأنه إن جعل التكبير للتأكيد مع العاطف وحق خبر الأوّل كما قيل فهو ركيك وان جعل تكريراً لفظا لا معنى كان المراد بالثاني غير المراد بالأوّل ولذا دلّ على كثرة المحقوقين كما قيل فلا تكرار فيه لأنه كقولك أو من قوم وقوم، ويدفع بأن التكرير بحسب اللفظ وهو قد يفيد التكثير والمبالغة كقولك عندي ألف وألف أي ألوف كثير قال: لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 وهو شائع في كلامهم فالخبر عنهما لا عن الأوّل كما توهم كذا. أفاده المعرب والمحقوقين بمعنى المستحقين. قوله: (وأن يعطف به (كان الظاهر ترك قوله: به وإن أوّل بمعنى يؤتى به معطوفاً أو بالواو أي يجعل معطوفا على من والسجود بالمعنيين الأولين على ما مرّ وحينئذ ينبغي تقدير وصف للاوّل بقرينة مقابله أي حق له الثواب ومن الناس صفة أيضا للإشارة إلى أن ما عداهم ليسوا بمثابين فلا يرد عليه أنه لا وجه لذكر قوله: وكثير من الناس وأمّا عطفه على قوله وكثير من الناس للإشارة إلى ما ذكر فهو كقوله: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ما كنا في أصحاب السعير} [سورة الملك، الآية: 0 ا] فمع ابتنائه على قول مرجوح لا يخفى تكلفه. وقوله: بما بعده أي حق الذي كان خبراً وحق بمعنى تقرر وثبت. وقوله: وحقا بإضمار فعله أي حق حقا على أنه مصدر مؤكد لمعنى الجملة. قوله: (بالفتح (أي بفتح الراء على أنه مصدر ميمي لا اسم مفعول بمعنى المضدر كما قيل وقله من الإكرام والإهانة خصهما بمقتضى السياق. وقيل: لأولى تفسيره بمن الأشياء التي من جملتها الإكرام والإهانة لأن ما من ألفاظ العموم ولكل وجهة. قوله: (أي فوجان مختصمان (قيل الخصم في الأصل مصدر ولذا يوحد وينكر غالبا وششوي فيه الواحد المذكر وغيره كقوله تعالى نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب فلما كان كل خصم فريقا يجمع طائفة قال اختصموا بصيغة الجمع كقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات، الآية: 19] فالجمع لمراعاة المعنى وقرأ ابن أبي عبلة. اختصما مراعاة للفظ وقال الزمخشري: الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان مختصمان. وقوله: هذان للفظ واختصموا للمعنى كقوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا، ولو قيل اختصما صح، واعترض بأن إن أراد أنه صفة حقيقة فخطأ لتصريحهم بأن التوصيف به كرجل عدل فإن أراد هذا فليس نظير ما ذكره وليس بشيء عند التحقيق وكلام المصنف رحمه الله محتمل للوجهين. فقوله: ولذلك أي لكون الخصمين بمعنى الفوجين من المؤمنين والكافرين. وقوله: ولو عكس أي قيل هؤلاء خصمان اختصما جاز لأنه عبارة عن الفريقين لا لو قيل خصوم أو خصماء. قوله: (وقيل تخاصمت الخ (مرضه لأن الخصام ليس في الله بل في أيهما أقرب من الله وقيل إنه عام وما ذكر من التخصيص لا دليل عليه ولا يخفى أن خصوص السبب لا ينافي العموم مع أن اسم الإشارة يقتضي عدم عمومه فالظاهر أن تمريضه لأنه لم يصح عنده كونه سبب النزول وما بعده من الجواب غير موافق له إلا بتأويل فتأمّل. قوله: (وهو المعئى (بصيغة المفعول وكونه جوابا كما تدل عليه الفاء لا ينافي قوله يوم القيامة لأنه ظرف لتحققه وظهوره فلا ينافي ذكره في الدنيا كما قيل وفي هذه الآية من البديع الجمع والتقسيم. قوله: (قدّرت لهم على مقادير جثتهم (بالإفراد وهي البدن أو هو جمع جثة بثاءين مثلثتين، وهو أظهر وهذا بيان لحقيقته لأن الثياب الجدد تقطع وتفصل على مقدار بدن من يلبسها واللباس محيط به والتقطيع مجاز بذكر المسبب وهو التقطيع وارادة السبب وهو التقدير والتخمين والظاهر أنه بعد ذلك جعل تقطيعها استعارة تمثيلية تهكمية شبه إعداد النار المحيطة بهم بتفصيل ثياب لهم كما قيل: قوم إذا غسلوا الثياب رأيتهم لبسوا البيوت وزرّروا الأبوابا ... قوله: (نيران تحيط بهم إحاطة الثياب) ظاهره أنه تشبيه بليغ بجعل النيران كالثياب في الإحاطة والتشبيه على طريق التجريد لكنه ينبغي أن يحمل على الاستعارة كما مرّ وجمع الثياب لأن النار لتراكمها عليهم كالثياب الملبوس بعضها فوق بعض وهذا أبلغ من جعله من مقابلة الجمع بالجمع فيكون لكل نار وان احتملهما كلامه. والتعبير بالماضي لأنه بمعنى إعدادها وتهيئتها لهم ولذا لم يقل ألبسوا وهو قد وقع بخلاف ما بعده فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما قيل والحال فيه مقدرة. قوله تعالى: ( {مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} ) هو معطوف على ما قيل وتأخره عنه إمّا لمراعاة الفاصلة أو للإشعار بغاية الحرارة بإيهام أق تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أنه على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 ظاهر غنيئ عن البيان وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما ولذا قدم الباطن لأنه المقصود الأهم فلا يتوهم أن حق النظم تقديم الجلود. قوله: (يؤثر من فرط حرارته الخ (التأثر في الظاهر والباطن مأخوذ من البطون والجلود والإذابة معنى الإصهار كما ذكره أهل اللغة لأنه يقال أصهرت الشحم إذا أنبته والجملة حال أو مستأنفة. وقوله: بالتشديد المراد به تشديد الهاء وضمير لهم للكفرة وكونه للزبانية بعيد واللام للاستحقاق أو للفائدة تهكما بهم والمقمعة بكسر الميم الأولى اسم آلة من القمع. وقوله: من النار إشارة إلى أن كونه للثياب ركيك وان كان مآلهما واحداً. وقوله: من غمومها إشارة إلى عموم النكرة لأنّ التنوين للتكثير وذكر الضمير إشارة إلى أنه مقدر لأنه لا بد منه في البدل. ويجوز كون من تعليلية فيتعلق بيخرجوا وعلى البدلية فهو بدل اشتمال قوله: (فخرجوا أعيدوا (كون الإعادة إلى النار يقتضي الخروج منها لا شبهة فيه فلذا قدره المصنف إذ لا بد من التأويل إفا بالتقدير أو بالتجوّز في أعيدوا بجعله بمعنى ابقوا، وقيل الإرادة مجاز هنا للقرب كقوله يريد أن ينقض كما مر والإعادة إلى حاق النار ومعظمها إذ لا خروج لهم لقوله تعالى: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} ولذا قال فيها دون إليها والا لقيل كلما خرجوا أعيدوا لئلا تضيع الإرادة واعترض! بأنّ ما ذكره احتمال ولا وجه للجزم به مع تكلفه وأما قوله: وما هم بخارجين منها فالمراد لا يستمرّون على الخروج كما تدل عليه الاسمية بمعونة المقام والعود قد يعدى بفي للدلالة على التمكن والاستقرار وذكر الإرادة للدلالة على رغبتهم في الخروج وطلبهم له ولو لم يلاحظ هذا ضاعت الإرادة فيما اختاره أيضا مع ما فيه من التعقيد الذي ترى التقدير أوفق منه وأحسن فإن قلت قد ذكر في ألم السجدة أنّ هنعا عبارة عن خلودهم فيها فحينثذ لا حاجة إلى ارتكاب تقدير الخروج لتصحيح الإعادة، قلت تقدير الخروج إنما هو لأجل أن الإعادة لا تترتب على مجرّد إرادة خروجهم والكناية إنما هي في المجموع. قوله: (وقيل يضربهم الخ (ولعل ذكر الإرادة حينئذ لأنّ ما أرادوه ليس هو هذا الإخراج إذ هو ليس بمنج ولذا قيل الإرادة بمعنى المشارفة وقيل إنما مرضه لأنه لا يناسب التعليق على الإرادة وتقدير قيل قبل ذوقوا ليحسن عطفه وينتظم مع ما قبله وقوله: البالغة لأنّ فعيلا بمعنى مفعل صيغة مبالغة. قوله: (غير الأسلوب) إذ صدره بأنّ ولم يعطفه والإحماد بمعنى تصييرها محمودة وحليت كرضيت مخففة وقراءة التخفيف منه وهي بالبناء للفاعل أو للمفعول إذ بهما قرئ وهو بمعنى المشدد ولذا قال والمعنى واحد. وقوله: صفة مفعول محذوف أي حليا من أساور ومن بيانية وقيل إنها زائدة وأساور مفعوله. وقيل: تبعيضية وما ذكره تبع فيه أبا البقاء وهو يشعر بأن حلي المخفف متعد لولد والمشدد لاثنين أحدهما نائب الفاعل، والثاني موصوف من أساور المقدّر وقد قال أبو حيان إن المخفف لازم والمشدد متعد لواحد لا غير فلا حاجة لتقدير موصوف لأن من ابتدائية متعلقة به إلا أن يضمن معنى الإلباس ويجرّد حتى يتعدى لاثنين ولا داعي له إلى التضمين والحذف وهذا كله ليس بشيء لأنّ تعديتة كذلك صزج بها أبو عليّ الفارسي في كتاب الحجة فمن تبع أبا حيان فيه فقد أساء كما تكلف إذ جعل من تبعيضية واقعة موقع المفعول، وسورة بفتح الهمزة كما بينه. وقوله: بيان له أيمما لأساور وهو صفة أو حال. قوله: (عطف عليها (أي في قراءة الجرّ وقوله لم يعهد الخ أي جعل ما نظم منه سواراً وهذا بناء على الظاهر وان جوّز عطفه عليه في فاطر تكثيرا للوجوه على تأويل أنّ الذهب مرصع باللؤلؤ وأمّا كون المراد به أن الذهب في ضياء اللؤلؤ فتكلف وسيأتي ما فيه وأمّا عطفه على أساور فلا ينافيه كونه في معنى يلبسونها كما قيل لقوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [سورة النحل، الآية: 24] وقوله لم يعهد السوار منه غير مسلم لأنه معهود كما رأيناه. وقوله: عطفا على محلها لأنه صفة للمفعول كما بيناه وقلب الثانية واو الضثم ما قبلها وروي بالعكس أيضا وقد قال في الحجة أنه غلط س رواية وقلب الثانية ياء لأنه ليس في كلام العرب اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة ولذا أعل لول كأدل في جمع دلوا علال قاض. قوله: (غير أسلوب الكلام الخ) أي لم، يقل تلبسون ودلالته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 على الاعتياد من الاسمية الدالة على الاستمرار والصحاطة على الفواصل المؤقوف عليها بكون فا قبلها حرف علة: ولم يذكر فاعل هدوا لعحيثه ولكدم تعلق الغرض به وهو في الآخرة على التفسير الأوّل وفي الدنيا على الثاني، ويجوز فيه التعميم، والعكس وكرّر هدوا تفخيما للهدأية واشارة إلى استقلال كل منهما. قوله: (المحمود نفسه أو عاقبته) هو جار على الوجو لا على التوزيع وان جاز وقوله وهو الجنة فتأخير قولمه وهدوا الخ الثافي على الثاني ظاهر وعلى الأوّل للفواصل وقيل أخر ليتصل قولهم في الجنات ببيان طرف من أفعالهم فيها وفيه نظر وقوله: أو الحق تفسير آخر للحميد ويجوز كونه اسما لله واضافة الصراط إليه إذا أريد به دين الإسلام بيانية. (قوله: لايريد به حالاً ولا استقبالاً) جعل الفعل المضارع دالاً على الدوام كقولهم فلان يحسن إلى الفقراء، إذ المراد به استمرار وجود الإحسان كما في الكشاف وهذا غير الاشتمرار التجددي وغير دلالة الاسمية الخبرية فعلاً على الثبوت لتصريحه به في قوله. تعالى: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ولا وجه لتعليله بأنّ المضارع لما صلح للزمانين جاز أن يستعمل فيهما، لعموم المجاز لا لإعمال المشترك في مفهوميه إذا اقتضاه المقام كما قيل لأنه لا يلائم قوله ولذلك حسن عطفه على الماضي لاشتمال استمراره على المضيّ وقوله استمرا الصدود وفي نسخة الصد وهو المناسب لعطف المسجد الحرام، لكن الأوّل مناسب لتنزيله منزلة اللازم، وجعله حالاً إمّا بتقدير المبتدأ على ما اشتهر أو بدونه أشبه هذه الجملة بالاسمية معنى. قوله: (وخبر أن محذوف الخ) لم يعين محل تقديره فيحتمل تقديره بعد قوله والباد وقدره الزمخشري بعد قوله المسجد الحرام فلعله جعل الذي جعلناه نعتا مقطوعا لئلا يلرم الفصل بين الصفة والموصوف، وقدره في التفسير الكبير نذيقه من عذاب أليم، ولم يرد أنّ جواب الشرط خبراً حتى يلزم توارد عاملين على معمول واحد كما توهم وقوله عطف على اسم الله وقع في نسخة على سبيل الله وكلاهما صحيح. قوله: (وأوّله الحنفية الخ) أي فسروه بمكة لأنّ العاكف بمعنى المقيم لمقابلته بالبادي وهو الطارئ عليه أي غير المقيم فيه والإقامة لا تكون في البيت نفسه بل في منازل مكة، وكذا قوله: ومن يرد فيه الخ فإنّ المتوعد عليه الظلم في الحرم كله، ومكة منه فقوله واستشهدوا أي بإشارة نصه كما قيل إلا أنه قال: في الكشف أيّ مدخل لحديث التمليك وعدمه في هذا المساق والاستدراك بأنّ له مدخلاً على سبيل الإدماج واشارة النص كلام لا طائل تحته وقد فسروا المسجد الحرام بالمطاف والعاكف بالمعتكف للعبادة فيه المعدود ومن أهله لملازمته له والمساواة في إقامة الشعائر وهو أظهر، وأمّا الاستدلال بأنه أريد بالمسجد الحرام في قوله: {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [سورة الإسراء، الآية: ا] مكة بأنّ الإسراء كان منها لأنه كان من بيت أنم هانى فغير مسلم عندهم لما روي في الصحيحين وغيرهما في حديث الإسراء من قوله بيش صا أنا في الحطيم أو في الحجر إذ أتاني آت الحديث كما بيناه وأمّا التعارض! بين الحديثين فمبين في محله. قوله: (على عدم جواز بيع دورها (أي مكة وأجارتها أي الدور وقد ورد في الأحاديث الصحيحة التصريح به كقوله صلى الله عليه وسلم: " مكة حرّمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها " روي من طرق خديدة. وقد نهى عمر رضي الله عنه أهل مكة أن يغلقوا أبواب دورهم دون الحاج. وقال ابن عمر رضي الله عنهما من أكل كراء بيوت مكة فإنما أكل نارا في بطنه لأنّ الناس في الانتفاع به سواء وهذا في الأرض دون البناء. قال في الهداية: لا بأس ببيع بناء مكة ويكره بيع أرضها وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا بأس ببيع أرضها وهو رواية عنه أيضا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وعليه الفتوى والى كل ذهب طائفة من الصحابة كما بين في محله وأمّا كراهة الإجارة فمحل نظر. قوله: (وهو مع ضعفه) وجه الضعف إنّ أرضها إذا لم تملك لم يملك بناؤها ولم يقر عليه لأنه بناء غاصب كما لو بنى رجل بيتا له في جامع لا إق الظاهر أنّ المراد بالمسجد الحرام البيت نفسه والعاكف بمعنى الملازم له وأنّ الاستواء في كونه قبلة ومتعبداً وأنه يجب تعظيمه كما قيل لأنه غير مسلم، كيف وقد اعتضد بالأحاديث الصمحيحة مع أنه تقييد للمطلق بلا دليل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 قوله: (معارض الخ) أي حيث أضاف الديار إليهم وظاهر الإضافة الملكية للبناء والأرض لأنّ الدار اسم لهما كما بين في كتب اللغة. وأمّا جعل الإضافة لتملك البناء والانتفاع فخلاف الأصل وما اشتراه عمر رضي الله عنه هو البناء والنقض ويعينه أنه مذهبه كما روي في الآثار الصحيحة عنه وكانت دور مكة تسمى السوائب في العصر الأوّل. قوله: (وسواء خبر (أي للمبتدأ وهو العاكف وأمّا تجويز أن يكون سواء مبتدأ خبره العاكف فضعيف لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة وقوله مفعول ثان والأوّل الضمير المتصل. قوله: (ويكون للناس حالاً (وفي نسخة فيكون وفي أخرى إن جعل للناس حالاً وهي أظهر لقوله والا المقابل له أي وان لم يكن قوله للناس حالاً بل مفعولا ثانيا أي جعلناه مباحا للناس أو معبداً لهم وهو حال كونهم مستويا فيه هؤلاء ويجوز أن يكون جملة سواء حينئذ تفسيرية لجعله للناس. وقوله ونصبه أي سواء على المفعولية أو الحالية إن كان للناس مفعولاً والعاكف فاعله لأنه بمعنى مستو وان كان في الأصل مصدراً كما سمع في قولهم سواء هو، والعدم والبدلية بدل تفصيل على قراءة النصب في سواء لأنّ النصب في قراءة الجز متعين كما صرّحوا به. قوله: (مما ترك مفعوله (أي من يرد شيثا أو مراد إفا والباء للملابسة. وقيل هي زائدة وإلحاداً مفعوله. وقيل هي للتعدية لتضميته معنى يتلبس وعلى قراءته بفتح الياء من الورود فالباء للملابسة أو للتعدية. والمعنى من أتى فيه بإلحاد أي عدول عن القصد أي الاستقامة المعنوية وهو الميل عن الحق إلى الباطل وقوله: بظلم على الوجوه مؤكد له وقوله: كالإشراك تفسير للظلم لإطلاقه عليه، واقتراف الإثم المتلبس بالخطيئة والذنب. قوله: (جواب لمن) الشرطية والوعيد على الإرادة المقارنة للفعل لا على مجرّد الإرادة لكن في التعبير بها إشارة إلى مضاعفة السيئات فيه والإرادة المصممة مما يؤاخذ عليها أيضاً وان قيل إنها ليست كبيرة ولذا روي عن مالك رحمه الله كراهة المجاورة بمكة. قوله: (واذكر إذ عيناه (يعني أن إذ مفعول اذكر، والمباءة بفتح الميم والمد بمعنى المنزل والمرجع وليس التعيين من معناه الوضعي بل هو لازمه لأنه إذا جعله مكانه فقد عينه له، والتعدية باللام لما فيه من معنى الجعل والتعيين ومكان مفعول به على هذا. قوله: (وقيل اللام رّائدة أليس هذا من محال زيادتها ولذا مرضه ومكان ليس مبهما فلا ينتصب على الظرفية كما قيل وفيه نظر كما يعلم من كتب العربية، وقوله: رفع البيت أي بناؤه الأوّل إذ ليس إبراهيم عليه الصلاة والسلام أوّل من بناه وعلى هذا فبوّأ بمعنى عين وكنست بمعنى أزالت ما عليه من التراب لتظهر آثاره. قوله: (من حيث إئه تضمن الغ الما كانت إن المفسرة لا بد من اتحاد معنى ما بعدها بما قبلها وأن يتقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه والتبوئة بالمعنى الماز ليست كذلك جعل مفسراً له باعتبار ما يلزمه وما أريد منه وهو أمرنا بالعبادة كما أشار إليه بقوله لأنّ التبوئة الخ ولأنّ العبادة تكليف بالأمر والنهي أو بوّأناه بمعنى قلنا له تبوّأ. قوله: (أو مصدرية موصولة بالنهي) ولا يتغير معناه بالسبك كما مرّ فقبلها لام مقدرة وهي توصل بالأمر والنهي فلا تنصب لفظا لأنّ ما بعدها مجزوم، وقول أبي حاتم لا بد من نصب الكاف على هذا رذه في الدرّ المصون. وقال ابن عطية إنها مخففة من الثقيلة وكأنه لتأويله بوّأنا باعلمنا فلا يرد عليه أنه لا بدّ أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح. قوله: (من الأوثان) فالمراد بالطهارة ما يشمل الحسية والمعنوية. وقوله: عبر عن الصلاة بأركانها وهي القيام والركوع والسجود إن لم يكن القائمين بمعنى المقيمين والطائفين بمعنى الطارئين وقوله باقتضاء ذلك أي التطهير أو التبوئة ولم يعطف السجود لأنه من جنس الركوع في الخضوع. وقيل: الركوع نوع من القيام فالعطف لما بعده في الحقيقة. قوله: (ناد فيهم الخ) هو بالتشديد بمعنى ناد وقرأ الحسن وابن محيصن آذن بالمد والتخفيف بمعنى أعلم قيل وكان ينبغي أن يتعدى بنفسه لا بفي ولذا قيل إنه بمعنى أوقع الإيذان كقوله: يجرح في عراقيبها نصلي وقوله: بدعوة الخ متعلق به على التفسيرين وقوله رويا ا (الخ رواه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما مع اختلاف فيه واسماع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 من في الأصلاب والأرحام مجاز تمثيليّ لإلهامهم بعد الوجود أو هو على ظاهره وان لم يعلم كيفيته وأبو قبيس اسم جبل معروف. وقوله: وقيل الخ هو على الأوّل لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومرض هذا لعدم القرينة عليه وعلى الضم كظؤار وهو اسم جمع أو جمع نادر محفوظ في ألفاظ مخصوصة كما مرّ وعجالى بضم العين والقصر جمع عجلان كسكارى فرجالي جمع رجلان أو راجل ويأتوك جواب الأمر وايقاعه على ضميره يجوز لكونه بندائه أي يأتوا بيتك. وقوله: ومثقله جمع راجل كعباد وعابد. قوله: (أي وركباناً) جمع راكب قدر المتعلق خاصا بقرينة مقابله وبعير مهزول تفسير ضامر. وقوله: أتعبه بعد السفر يعلم من صفته فإنه يدلّ على علية مبدأ الاشتقاق وعدل عن ركبانا الأخصر للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة. قوله: (صفة لضامر) أو لكل كما في الكشاف وكل للتكثير لا للإحاطة. وقوله: محمولة على معناه حيث جمع ضميره واللفظ مفرد وما قاله بعض النحاة من أن كلاَ إذا أضيف لنكرة لم يراع معناها إلا قليلا ردّوه بهذه الآية ونظائرها وكذا ما قيل إنه يجوز إذا كانا في جملتين لأنّ هذه جملة واحدة وقول أبي حيان إنّ الضمير شامل لرجال وكل ضامر كما في قراءة يأتون رد بأنه يلزمه تغليب غير العقلاء عليهم وقد صرحوا بمنعه، وقوله أو استئناف عطف على قوله صفة للرجال لا على قوله صفة لضامر كما توهم. قوله: (طريق (جرده عن معنى السعة لأنه لا يناسب هنا بل لا يخلو من الخلل وفسر عميق ببعيد لأنّ معنى العمق المعروف وهو البعد سفلا لا يناسب هنا لكنه يناسب حقيقته وهو كونه بين جبلين وفاصلته ولذا اختير التجوّز وهو مراد من قال ليناسب الغرض! المعتبر في مفهوم الفج وظنه بعضهم العرض مقابل الطول فأطال بلا طائل. قوله: (دينية ودنيوية (هذا تفسر مجاهد وابن عباس ومنافع الدنيا التجارة لأنها جائزة للحاج من غير كراهة إذا لم تكن هي المقصودة من سفره كما مر في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} كما في كتاب الأحكام. واعترض بأنّ نداءهم ودعوتهم لذلك مستبعد وفيه نظر وقوله نوع إشارة إلى أنّ التنكير للتنويع وان لم يكن فيه تنوين، وقوله: بهذه العبادة أي بسببها وقوله: وذبحها كان الظاهر الاقتصار عليه لأنه يقتضي سنية الذكر عند الإعداد بخصوصها. قوله: (كني بالذكر عن النحر (هو ما اختاره الزمخشري وظاهره أنّ ذكر اسم الله وحده كناية لكن شرّاحة قالوا إنّ قوله لأنّ الخ إشارة إلى علاقة الكناية. وهي من الذكر على بهيمة الأنعام لا مطلقاً لأنه إشارة إلى وجه اللزوم العادي فيه وما قيل إنه مرضه لأنّ المتبادر منه الحقيقة فيه نظر فإنّ وجهه أنه يقتضي أنّ ذكر اسم الله ليس بمقصود هنا على ما عرف في الكناية وليس كذلك وقوله تنبيها بيان لفائدة إيرادها يعني المقصود مما يتقرّب به الإخلاص لله بذكره فتأمّل. قوله: (هي عشر ذي الحجة) هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وما بعده مذهب صاحبيه كما بين في الفروع لكن قيل إنّ الأوّل لا يناسب قوله عند إعداد الخ. فالأولى أن يضم إليه وسائر النسك وتدخل أيام النحر والتشريق فيه وفيه نظر. قوله: (علق الفعل الخ) أي لم يقل ابتداء على بهيمة الأنعام لما في هذا من الإجمال والتفصيل أو الإبهام المبين بالبهيمة وليكون قرينة على الكناية باذكروا عن اذبحوا إن قيل بها ولا يلزم من هذا ارتضاؤها ولا كون المجموع كناية كما توهم لما مرّ ومن وفي منها تبعيضية والتحريض من كونه رزقا من الله فينبغي إنفاقه في سبيل الله، والمقتضي بالكسر وهو إعطاء الله. قوله: (و0) زاحة الخ) أي إزالة هو بيان لوجه كونه إباحة الأمر بعد المنع يقتضي الإباحة وفيه إشارة لترجيحه. والندب مذهب أبي حنيفة رحمه الله. وقوله: ومساواتهم أي في أصل اكل منها لا في مقداره حتى يقال لا دلالة فيه على المساواة ويتكلف له بأنه من قوله منها كما توهم وقوله وهذا في المتطوّع الخ. هذا مما اختلفوا فيه فذهب الشافعيّ رحمه الله كغيره إلى أنّ الهدي الواجب كدم التمتع والقران وافساد الحج وفواته وجزاء الصيد وما أوجبه على نفسه بندر لا يجوز الأكل منه كما ذكره المصنف رحمه الله وقال ابن عمر رضي الله عنهما لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل من غيره. وبه قال أحمد رحمه الله وقال مالك رحمه الله: يأكل من دم التمتع وكل هدي وجب عليه الأفدية أذى وجزاء صيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 ومنذور وقال أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه: يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما والبؤس قال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه فالظاهر عطفه بالواو. قوله: (والأمر فيه للوجوب الخ) وعند الحنفية للندب فمن تبع المصنف فيه من الحنفية فقد غفل وسيأتي تفصيله والأوّل هو أكل صاحب الهدي، وقد قيل على قوله: دون الواجب إنه يرد عليه الأضحية فإنها واجبة، والأكل منها جائز بالاتفاق فتأمل. قوله: (ثم ليزيلوا وسخهم) قال الراغب أصل التفت وسخ الظفر ونحوه مما من شأنه أن يزال عن البدن، وقال أعرابيّ: ما أتفثك وأدرنك واليه أشار المصنف رحمه الله فتفسيره بإزالة الوسخ ليس بمعتمد وعلى الأوّل فقضاؤه إزالته كما أشار إليه المصنف رحمه الله لأنّ القضاء في الأصل القطع والفصل فأريد به ذلك مجازاً وقيل إنه عليه لا بد فيه من تقدير مضاف كما أشار إليه الزمخشري بقوله أي ليقضوا إزالة تفثهم والتعبير بالقضاء لأنه لمضي زمان إزالته عد قضاء لما فات، وقوله ونتن الإبط بالنصب معطوف على وسخهم والاستحداد حلق العانة بالحديد والمراد إزالتها مطلقا. قوله: (ما ينذرون الخ) عكس ترتيب الزمخشري لأنّ الأوّل هو المتبادر وقدم الزمخشري الثاني لأنه أنسب بالمقام فهو مجاز على الثاني في الواجب مطلقا كما في الأساس، وليطوّفوا أتى بصيغة التفعيل فيه للمبالغة، وقوله: المعتق بصيغة المفعول أي الذي أعتقه الله أي صانه وحماه، وقوله: فكم من جبار كصاحب الفيل. وقوله: التسلط عليه أي على البيت وقصة الحجاج مع ابن الزبير رضي الله عنهما مشهورة وذكر ههنا جوابا عن سؤال تقديره لم أهلك أصحاب الفيل لما أهموا بهدم البيت ولم يهلك الحجاج لما هنم برمي المنجنيق. قوله: (وهو وأمثاله (أي من أسماء الإشارة كهذه وتلك والمشهور فيه هذا كقوله: هذا وانّ للطاغين لشرّ مآب. واختيار ذلك هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته وهو من الاقتضاب القريب من التخلص لملاءمة ما بعده لما قبله كما هنا فمن قال إنه لا يطرد لم يصب. قوله: (أحكامه الخ) الهتك شق الستارة وتمزيقها ليظهر ما خلفها فالحرمات جمع حرمة وهو ما يحترم شرعاً وتخصيصها ببعض ما ذكر إما لمقتضى لمقام أو غيره فتجوز به هنا عن المخالفة والعصيان كأنه إزالة لستر الشريعة والأحكام ما شرع، والحرم بفتحتين معروف وتخصيصه على هذا بالحرم وأحكام الحج بمفتضى المقام وهو منصوب لأنه عطف بيان لحرمات وكذا ما عطف عليه، وسائر بمعنى باقي أو جميع فالمراد به ما ليس من جنس الأحكام كالحرم أو ما يشملهما واحترام الشهر الحرام بالتعبد فيه أو عدم القتال إن كان هذا قبل نسخه، وقوله: والمحرم أي احترام الشخص المحرم بالحج حتى يحل. قوله: (فالتعظيم (يعني أن الضمير للمصدر المفهوم من يعظم وخير اسم تفضيل حذف متعلقه أي من غيره أو ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقدير وقوله: ثواباً إما تقدير أو تفسير لقوله عند ربه وقوله: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ} [سورة الحج، الآية: 30] أي أكلها أو ذبحها لأنّ ذاتها لا توصف بحل ولا حرمة. قوله: (إلا المتلوّ عليكم تحريمه الخ) يشير إلى أنّ في النظم تقدير مضاف وأن الضمير المجرور بعد حذفه ارتفع واستتر في جعل التحريم متلوّاً تسامح. وقد جوّز في هذا الاستئناء الاتصال بأن يراد بالمتلو ما حرم من بهيمة الأنعام بسبب عارض كالموت ونحوه وإليه أشار المصنف بقوله وهو ما حرم منها الخ والانقطاع إن كان إشارة إلى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} اسورة المائدة، الآبة: 3] الآية لأنه فيها ما ليس من جنس الأنعام. وقوله: كالبحيرة تمثيل لغير ما حرّمه الله وقد مرّ بيان السائبة والبحيرة وتفسير الموصول وصلته بالمتلوّ إشارة إلى أنّ الاستقبال ليس بمراد هنا لسبق تحريمه فحا قيل إنه أوّله لأنّ نفس المتلوّ لا يستثنى من الأنعام لأنه ليس من جنسها والتعبير بالمضارع الدال على الاستمرار التجددي لمناسبة المقام واللائق بالمصنف اتباعه كما في الكشاف غفلة عن مراده. قيل وفي قوله: يتلى إشارة إلى أن التحريم لا يكون إلا من جهة الشارع بنص متلو، والكييد بالنص المتلو لأنّ ما نحن فيه كذالك أو لأنه الأصل الأقوى فلا يرد عليه أنه قد يحرم بالحديث كتحريم الشرب في أواني الذهب والفضة. قوله تعالى: ( {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} الخ) الفاء. قريعية مسببة عما سبق فإن تفرّعت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 على قوله: {ومن يعظم حرمات الله} [سورة الحج، الآية: 30] وهو الظاهر فلما حث على المحافظة على حدوده وترك الشرك وعبادة الأوثان أعظمها تفرّع عنه هذا وان تفرّعت على االمجموع فلا يضر عدم تفزعه على قوله: وأحلت الخ المغدرج تحته وعلى الأوّل فقوله: وأحلت جملة معترضة مقررة لما قبلها فلا يرد عليه أنه يكون أجنبيا في البين كما قيل وأما تفرعه على قوله: {أُحِلَّتْ لَكُم} الخ فقط فإنه نعمة عظيمة تستدعي الشكر لله لا الكفر والإشراك أو أنّ ألمعنى فاجتنبوا الرجس من أجل الأوثان على أن من سببية وهي تخصيص لما أهل به لغير ألله بالذكر فيتسبب عن فوله {إلا ما يتلى} ويؤيده قوله: غير مشركين قإنه إذا حمل على ما حملوه كان تكرارا، فمع كونه تكلفا من غير داع إليه قد رد بأنه لم يصب فيه لأنّ إحلال الأنعام وإن كان من النعم العظام إلا أنه من الأمور الشرعية دون الخارجية التي يعرف بها التوحيد وبطلان الإشراك فلا يحسن اعتبار تسبب اجتناب الأوثان على الإحلال المذكور كما لا يخفى. قوله: (الذي هو الأوثان) إشارة إلى أن من بيانية لا تبعيضية أو ابتدائية كما قيل فإنه تكلف وقوله كما تجتنب الأنجاس إشارة إلى أنه تشبيه بليغ حملى طريق التجريد وغاية المبالغة والتنفير من جغلها نجاسة. وتعريف الرجس بلام الجنس حتى كأنها جنس النجاسة مغ ما فيه من الإبهام والتبيين وقوله: تعميم لشموله جميع أكاذيب الباطلة وكون عبادتها زور الادعاء أنها قتحق العبادة فالزور فطلق الكذب وكونها رأسه أي أعظمه ظاهر وضمير أتبعه للحث أو التعظيم، وذلك إشارة إلى قوله أحلت الخ. قوله: (وقيل شهادة الزور) أي المراد بالزور شهادة الزور لأنّ تلاوة الهيّ صلى الله عليه وسلم لهذه الآية بعد التقريع على شهادة الزور تدل على أنه المراد منها ويؤيده اشتهاره فيها لكنه مرضه لأنّ هذا الحديث وإن وواه الترمذي وغيره لكنه طعن في سنده وقيل إنه ضعيف مع أنها داخلة فيه فيحتمل أنها تليت لشمولها لها وقوله عدلت شهادة الزور الإشراك أي ساوته في الإثم والقبح لجعلها معه في قرن هذه الآية وهو تشديد وتوبيخ، وثلاثاً متعلق بقال أي كرّرها ثلاث مرّات والزور بفتحتين وكذا الإفك، وقوله: الإشراك بالله في نسخة بواو وليس في محله، وقوله حالان من الواو يحتمل الأولى والثانية. قوله: (لأنه سقط من اوج الإيمان الخ) الأوج ضد الهبوط إلا على والمراد به أوج الفلك لمقابلته بالحضيض وهي لفظة هندية معربة كما في بعض كتب الهيئة وأوج الإيمان استعارة وسقوطه منه إن كان في حق المرتد ظاهر وفي حق غيره باعتبار الفطرة وجعل التمكن والقوّة بمنزلة الفعل. قوله: (فإن الأهواء الرديئة الخ (فيه إشارة إلى أنه تشبيه مفرق حيث شبه الإيمان بالسماء لعلوه والكفر بالسقوط منها والإهواء الموزعة المشتتة لأفكاره بطيور جارحة مختطفة والشيطان المضل بريح عاصفة ألقته في مهاو مهلكة. وتوزع مضارع، وزع بمعنى فرق لا ماض! أصله تتوزع كما توهم والرديئة وقع في نسخة بدله المردية أي المهلكة وهما تشبيهان على التفريق والتركيب. وطوّح فعل مشدد بمعنى ألقى وفي نسخة طرح والأولى أولى وقوله وأو للتخيير بناء على أنه لا يشترط فيها سبق الأمر وقد مرّ في البقرة والمعنى أنه مشبه بهذا النوع وبهذا النوع أو أنت مخير في تشبيهه بأيهما شئت وقوله فإن الخ إشارة إلى أن التشبيه الأوّل لمن لا خلاص! له من الكفر كمن توزج لحمه في بطون الجوارج فإنه بعد هلاكه والثاني لمن يرجى خلاصه فإن من رمته الريح في المهاوي يمكنه الخلاص، وقوله: على بعد من قوله مكان سحيق. قوله: (ويجوز أن يكون الخ (فشبه من أضله الله بالكفر وابتلاه بالأفكار الفاسدة بمن وقع من السماء فتقطع قطعاً اختطفتها الطير. أو بمن حملته ريح عاصفة فألقته بمفازة بعيدة ووجه الشبه الهلاك المتيقن أو المظنون. فقوله: تشبيه أحد الهالكين أو الهلاكين كما في نسخة بصيغة التنبيه بيان لحاصل المعنى المقصود منه واقتصار على أقوى أجزاء التشبيه فلا يرد أنه إذا شبه أحد الهالكين كان مفرداً لأمر كبا لكنه من تشبيه مقيد بمقيد نعم النظم يحتمله أيضاً. قوله: (دين الله الخ) الشعائر إما جمع شعارة وهي العلامة كالشعار فشعائر الله علامات اتباعه وهدايته وهي الدين، أو المراد بها فرائض الحج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 ونسكه أي ما فيه من المناسك والعبادة والهدايا جمع هدية وهي كالهدي رالهدي ما يذنجح تقزبأ وهذا قول الجمهور. ومعالم الحج أفعاله التي يعلم بها فقوله لأنها الخ تعليل لتسميتها شعائر سواء كانت جمع شعيرة أو شعارة لأنها من الشعور بمعنى العلم ومعلم الشيء ما يستدل به عليه. قوله: (وهو أوفق الخ) أي تفسيره بالهدايا أكثر موافقة ومناسبة لما بعده من قوله لكم فيها الخ، ولا يبعده قوله والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لأنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف حتى يدعي أن البدن غير الهدايا كما قيل لأنها لم تذكر هناك للإفادة حتى يلغو ذكرها بل ليبني على ذكرها ما بعدها كما إذا قلت زيد كريم وإذا كان كريما غنمت صحبته فاستوص به خيراً وهو ظاهر مع أنّ القاعدة المذكورة فيها كلام ذكرناه في غير هذا المحل. قوله: (وتعظيمها (أي أخذ العظيم منها ثمناً وجسماً وهيئة. وهذا حديث مسند في كتب الحديث والبرة بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة المخففة حلقة تجعل في أنف البعير تزييناً له. وإنما اختار جمل أبي جهل لعنه الله ليغليظ المشركين- وقوله: من ذهب روي من فضة أيضا- وقوله: نجيبة هي الناقة الحسنة وقوله: طلبت أي طلب شراؤها منه وقد سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثفها بدنا فنهاه عن ذلك وقال بل أهدها. قوله: (فإنّ تعظيمها الخ) فيه إشارة إلى مضاف مقدر بعد أنّ أيضا وتقدير العظمة لا وجه له فإنه صفة البدن فلا يكون تقوى إلا بتكلف وتقدير التعظيمة والتعظيمات كما قدره بعضهم ركيك مع أنّ الضمير الراجع إلى المصدر الذي تضمنه الفعل لا يؤنث إلا إذا اشتهر تأنيثه وهذا ليس كذلك، وفيه نظر وأمّا أن الجمع يوهم أن التعظيمة الواحدة ليست من التقوى فليس بشيء لأنه لا اعتبار بالمفهوم ولو سلم فهو من مقابلة الجمع بالجمع وقد جوّز رجوعه إلى الحرمة أو الخصلة أيضا كقوله صلى الله عليه وسلم: فبها ونعمت. قوله: (فحذفت هذه المضافات) وهي تعظيم وأفعال وذوي جمع ذي بمعنى صاحب تبع فيه الزمخشري إذ قال لا يستقيم المعنى بدون هذا إلا أنه لم يقدر منه مع قوله لا بد من عائد من الجزاء لمن واعترض عليه أبو حيان وغيره وقال في الكشف إنه على ما قدره عموم ذوي تقوي فانه بمنزلة الضمير فتقدير المصنف التعظيم منه لتقدير العائد تبعا لأبي البقاء ليس بالوجه. أمّا الحاجة إلى إضمار التعظيم فلا يحتاج إلى البيان وأما إضمار أفعال فلأن المعنى أن التعظيم باب من أعظم أبواب التقوى صادر من ذويها ومنه يظهر أن الحمل على أن التعظيم ناشئ من تقوى القلوب والاعتراض بأنه إنما يستقيم ما ذكر إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي ناشئ من تقوى القلوب والاعتراض بأنه إنما يستقيم ما ذكر إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي على أنه إن قدر من تقوى قلوبهم على المذهب الكوفي أو تقوى القلوب منهم اتسع الخرق ثم أن التقوى إن جعلت شاملة للأفعال والتروك كما في عرف الشرع فالتعظيم بعض البتة وان خصت بالتروك فنشأة التعظيم منها غير لائحة إلا على التجوّز انتهى. واعترض عليه بأن دعواه أن المعنى على الأوّل دون الثاني دعوى بلا شاهد ثم إنه لا تظهر الدلالة على أنه من أعاظم أبواب التقوى كما ذكره وأن قوله إذا كان التعظيم بعضا من التقوى لا يحتاج إلى الإضمار صلح لا يرضى به الخصم. وأيضاً إذا صح الكلام على التجوز لا يستقيم قول الزمخشري: لا يستقيم المعنى إلا بتقديرها وهو غير وارد عليه لأن السياق للتحريض على تعظيمها وهو يقتضي عذه من التقوى بل من أعظمها وكونه ناشئاً من التقوى لا يقتضي كونه منها بل ربما يشعر بخلافه والدلالة على الأعظمية مفهومة من السياق كما إذا قلت هذا من أفعال المتقين والصلح من شيم الكرام والظليم من شيم النفوس كما يشهد به الذوق، وقوله: صلح من غير تراض ليس بسديد لأنه يدعي أن من تبعيضية والرابط العموم أيضا وصحة الكلام بدون تقدير على التجوّز لكونه خفياً في قوّة الخطا لأنه لا قرينة عليه والتبعيض متبادر منه فلا غبار عليه غير قصور النظر. قوله: (والعائد إلى من (لأنها إما مبتدأ إن كانت موصولة دخلت الفاء في خبرها أو شرطية وعلى كل حال لا بد منه وهو قوله منه المقدر كما أشار إليه على ما في أكثر النسخ وفيه إشارة إلى الاعتراض على ما في الكشاف وقد علمت توجيهه وما فيه من الوجوه كما نقلناه عن الكشف وقال الدمامينيّ: الذي يظهر أنّ في تقدير الزمخشريءشارة إلى الراجع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 لا من الجهة التي ذكرها بل من جهة أنّ المصدر من قوله فإن تعظيمها مضاف إلى المفعول ولا بد له من فاعل وإن لم يلزم ذكره وليس إلا ضميراً يعود إلى من والتقدبهـ فإن تعظيمه إياها فالربط على هذا بالضمير وهو أمر مجمع عليه غايته إنه حذف لفهم المعنى، وأضيف المصدر إلى المفعول فلزم الإتيان به متصلا وهذا الأحرج فيه ويظهر أيضا أن من الجارة يحتمل أن تكون للتعليل أي أن تعظيمها لأجل التقوى أو لابتداء الغاية أي تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب وعليهما فلا يحتاج إلى تقدير المضافين المذكورين انتهى. وقيل الجزاء محذوف لدلالة التعليل القائم مقامه عليه وأورد عليه أنّ الحذف خلاف الأصل وما ذكر صالح للجزائية باعتبار الإعلام والأخبار كما عرف في أمثاله وفيه تأمل. قوله: (وذكر القلوب الخ (يعني أن الإضافة إليها مع أنها صفة صاحبها لأن التقوى وضمدها تنشأ منه. ويحتمل أن يريد أنه من إطلاق الجزء على الكل لما ذكر كما في شرح الكشاف ولذا قال تعالى: {آثِمٌ قَلْبُهُ} [سورة البقرة، الآية: 283] وقيل ذكر القلوب لأن المنافق يظهر التقوى وقلبه خال منها وجعلها آمرة مجاز وجملة لكم معترضة. قوله: (درّها) أي لبنها وظهرها بمعنى ركوب ظهرها ونحوه فهو إما مجاز أو فيه مضاف مقدر وترك قول الزمخشريّ إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها وما ذكره من الانتفاع بها بعد أن تصير بدنة مذهب الأئمة استدلالاً بظاهر الآية والحديث وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وعند أبي حنيفة لا يملك منافعها ولا يركبها بدون ضرورة لأنه لا يؤجرها للركوب فلو ملك منافعها ملك عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات وما وقع في بعض تفاسير الحنفية من ذلك محمول على حال الضرورة. قوله: (ثم وقت نحرها) إشارة إلى أن محل اسم زمان ويجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الوجوب من حل الدين إذا وجب كما في الكشاف. وقوله: منتهية إشارة إلى متعلق إلى ويصح تقديره مقربة. وقوله: أي ما يليه إشارة إلى أن البيت مجاز بعلاقة المجاوزة عما قرب منه لأنها لا تنتهي إلى البيت العتيق نفسه والتراخي في الوقت لا ينافي وقوعه عقبه لأنه باعتبار ابتدائه ولذا جعله بعضهم رتيبا. وقوله: وبعده منافع دينية يعني الثواب وهذا لا يستفاد من النظم. قوله: (وهو (أي قوله لكم فيها الخ والأولين أي من تفسير الشعائر بدين ألله أو فرائض الحج. وقوله: إمّا متصل بحديث الإنعام أي متعلق معنى بقوله أحلت لكم بهيمة الأنعام والضمير فيه أي قوله فيها. وعلى الأوّل أي تفسيرها بدين الله والضمائر للشعائر وفسرها بالدينية ليناسبه والمنافع الدينية إقامة الشعائر تعظيم البيت والانتفاع معنى اللام وهو الثواب ومحلها وقت حلولها والموت موت الحاج. وقوله: أو يكون هو وما قبله توجيه لكونه محلها والبيت المعمور معبد الملائكة في السماء كما ورد في الحديث والجنة معطوفة على البيت وفيه لف ونشر فالبيت المعمور إن أريد رفع الأعمال والجنة إن أريد الثواب. وعلى الثاني أي تفسيرها بفرائض الحج، ومواضع نسكه وضمير فيها للشعائر أيضاً والمراجعة الرجوع من السوق. وقوله: وقت الخروج فالمحل من الإحلال وبالإحلال متعلق بالخروج. قوله: (متعبدأ أو قرباناً) وفي نسخة وقربانا فعلى الأول هو اسم مكان من النسك وهو العبادة ويحتمل المصدرية وعلى الثاني هو مصدر باق على أصله أو بمعنى اسم المفعول. وقوله: أي موضع نسك تفسير لقراءة حمزة وقوله: دون غيره التخصيص من السياق والسباق وكونه المقصود من جعله غرضاً. وقوله: عند ذبحها إشارة إلى أن على متعلقة بيذكروا. قوله: (وفيه تنبيه) أي في إظهاره والنعم بفتحتين معروف وليس المراد به الإبل فقط والمراد أنه لا يجوز بالخيل وغيرها. وقوله: أخلصوا التقزب فالإسلام الانقياد المراد به التقرّب والإخلاص من تقديم لكم وتشوبوه بمعنى تحلطوه. قوله: (المتواضعين) هذا أصل معناه لأنّ الإخبات نزول الخبت وهو المكان المنخفض وتفسيره بالإخلاص لأنه لازم للتواضحع والتذلل واليه أشار بقوله فإنّ الإخبات صفتهم ولا يخفى حسن موقع المخبتين هنا من حيث أن نزول الخبت مناسب للحاج، وما فيهم من صفات المتضرّعين كالتجرّد عن اللباس. وكشف الرأس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 والغربة عن الأوطان ولذا وصفهم بالصبر ووجلت من الوجل، وهو الخوف واشراق أشعة الجلال بتذكر الله إذا ذكر اسمه والكلف جمع كلفة وهي التكاليف الدينية وذكر إقامة الصلاة لأنّ السفر مظنة التقصير فيها- وقوله: على الأصل أي إثبات النون ونصب الصلاة- وقوله: في وجوه الخير هو الصدقة ونحوها وخصها لأنه المناسب لمقام المدح. وقوله: فإلهكم الفاء تعليلية لذكر اسمه دون غيره لا سببية كما بعدها. قوله: (وأصله (أي أصل لفظ صيغة الجمع فيه الضم أي ضم عينه وهي الدال هنا وقوله: وإنما سميت الخ إشارة إلى أصلها وأنها من بدن ككرم بدانة أي عظم بدنه وبدانة مصدر كضخامة ولذا كانت في الأصل النجيبة السمينة ثم عمت. قوله: (ولا يلزم من مشاركة البقرة الخ (رد على الحنفية في قولهم البدنة الإبل والبقر واستدلالهم عليه بالحديث المذكور قيل وهو ظاهر الورود لأنّ الحديث لا يدلّ على أنها تطلق على ذلك لغة أو شرعاً بل على خلافه لأنّ العطف يقتضي المغايرة لكنه ثبت بغير ذلك إمّا لغة فلما قاله الأزهري والجوهري وغيرهما من أئمة اللغة إنها تطلق عليها لغة وان كان صاحب البارع قال إنها لا تطلق على البقر كما قاله الشافعي وأما شرعاً فلما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال: هل هي إلا من البدن فقد علمت أنّ فيها خلافا لغة لما سمعت وشرعا للاختلاف بين الحنفية والشافعية حتى لو نذر نحر بدنة هل يجزئه نحر بقرة أم لا وهل يشترط فيه أيضاً أن يكون في الحرم أم لا، وقوله: من أعلام دينه إشارة إلى ما مرّ وفيه إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً وهو دين ويجوز أن يكون مراده أنّ الإضافة للعهد فشعائر الله دينه. وقوله: شرعها الله إظهار في مقام الإضمار والدنيوية ما مر من الدر وما معه وقوله: منك واليك أي هو عطاء منك يتقرّب به إليك. قوله: (تائمات الخ (يعني أنه جمع صافة ومفعوله مقدر وهو أيديهن وأرجلهن وقوله من صفن الفرس إشارة إلى أن إطلاقه على الإبل المذكورة مجاز بطريق التشبيه وقولهم صفن الرجل إذا صف قدميه مجاز أيضا لكنه يجوز أخذه منه فيكون بمعنى صواف وقوله: حافر الرابعة أي الرجل الرابعة وفي نسخة سنبك الرابعة والسنبك طرف مقدم الحافر واطلاقه على السفينة الصغيرة مجاز. وقوله: تعقل إحدى يديها أي تربط قائمة عند الذبح على ما عرف فيه وصواف منصوب على الحال. قوله: (وقرئ صوافياً (أي قرئ صوافياً منوّنا بياء تحتية جمع صافية- وقوله: بإبدال التنوين الخ توجيه لهذه القراءة فإنه ممنوع من الصرف لأنه صيغة منتهى الجموع وقد خرجت على وجهين أحدهما أنه وقف عليه بألف الإطلاق لأنه منصوب ثم نوّن تنوين الترنم لا تنوين الصرف بدلاً من الألف أو هو على لغة من يصرف ما لا ينصرف وهي كثيرة في الجمع، وحرف الإطلاق مفعول إبدال وعند الوقف متعلق بالإبطال أو الإطلاق- وقوله: وصواف أيمما ترئ صواف بالكسر والتخفيف والتنوين وهي على لغة من ينصب المنقوص بحركة مقدرة كقوله: ولو أنّ واش بالمدينة داره وعوض عنها التنوين كما في جوار وغواش كما قرئ صوافي بسكون الياء من غير تنوين إجراء للوصل مجرى لوقف ولو قيل إنه بدل من ضمير عليها سلم من الشذوذ وقوله: مطلقاً أي في حال الرفع والجز والنصب واللغة المشهورة تخصيصه بالأوّلين. توله: (أعط القوس باريها) بسكون الياء والقياس نصبها وهو مثل معناه كما قال الميداني رحمه الله استعن عن عملك بأهل المعرفة والحذق والظاهر أن معناه سلم الأمور لأهلها قال: يا باري القوس برياً ليس يحسنها لا تفسدنها وأعط القوس باريها ... والقوس معروفة وهي مؤنث سماعي والباري من بري القوس والسهم تحته وصنعه وأصل معناه أعطها من صنعها فإنه أعلم بنحتها. قوله تعالى: ( {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} الخ) قال في التيسير أمر كلوا للإباحة ولو لم يأكل جاز وأمر أطعموا للندب ولو صرفه كله لنفسه لم يضمن شيئاً وهذا في كل هدي نسك ليس بكفارة وكذا الأضحية وأمّا الكفارة فعليه التصدّق بجميعها فما أكله أو أهداه لغني ضمنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 وفي الهداية يستحب له أن يأكل من هدي التطوع والمتعة والقران. وكذا يستحب أن يتصدّق على الوجه الذي عرف في الضحايا وهو يدلّ على أنّ كلا الأمرين للندب كذا قيل وفي الأحكام القرآنية إنّ أهل العلم متفقون على أنّ الأكل منها غير واجب وجائز أن يكون مستحبا مندوبا إليه لأكل النبيّ صلى الله عليه وسلم منها فقد عرفت أن الندب غير منصوص عليه في المذهب وهو مؤيد لما ذكره النسفي وما في الهداية هو ظاهر الآية والحديث فلا مخالفة فيه بينهما. قوله: (الراضي بما عنده) يقال قنع يقنع كتعب يتعب قنعا إذا رضي بما عنده من غير سؤال وقنع يقنع كسأل يسأل لفظاً ومعنى قنوعاً قال الشاعر: العبد حرّ إن قنع والحرّعبدإن قنع ... فاقنع ولاتقنع فما شيءيشين سوى الطمع ... ومن كلام الزمخشريّ: يا أبا القأسم اقنع من القناعة لا من القنوع تستغن عن كل معطاء ومنوع فليس من الأضداد كما توهم لاختلاف فعليهما- وقوله: وبؤيده قراءة وفي نسخة أن قرى وفي أخرى أنه قرئ القنع كالحذر صفة مشبهة ووجه التأييد أنّ قنعا لم يرد بمعنى سائل بخلاف قانع فإنه ورد بالمعنيين والأصل توافق القرا آت- وقوله: من قنعت أي بالفتح في العين. قزله: (والمعترض بالسؤال) أو المتعرض بلا سؤال ومقابلته لما قبله على التفسير الأوّل ظاهرة وعلى الثاني لأنّ الأوّل سؤال مع خضوع وتذلل والثاني سؤال بدونه وعرّه وعراه بمعنى اعترض له- وقوله: من نحرها قياماً هو على غير التفسير الأخير، وقوله: سخرناها بمعنى سهلنا انقيادها - ولبات بفتح اللام وتشديد الباء جمع لبة محل النحر من أسفل العنق. وقوله: إنعامنا هو مفعوله المقدر بقرينة المقام وقوله: بالتقرّب إشارة إلى الشكر بالجوارح والإخلاص بالقلب. قوله: (لن يصيب) أي يصادف وفاعله لحومها أي لا يرضى ويقبل وينفع عنده ذلك بدون خلوص النية وموافقة الشريعة وقوله كرّره فهو تأكيد على الوجه الأوّل وتأسيس على الثاني وقوله: فتوحدو. بالكبرياء أي تعتقدوا انفراده بها وإذا كان معناه التكبير فهو قولهم الله أكبر مثتق من لفظه وقوله المصدرية فهو بمعنى لهداية والخبرية بمعنى الموصولة أو الموصوفة لما في الصلة والصفة من الجملة الخبرية الغير المؤوّلة بمفرد. قوله: (وعلى متعلقة بتكبروا لتضمنه معنى الشكرا لأنه يتعدّى بعلى بخلاف التكبير وقيل على بمعنى اللام التعليلية وحسن العدول تعدى هدى باللام وفي الكشاف في محل آخر إنه مضمن معنى الحمد وأورد عليه ابن هشام رحمه الله قول الداعي على الصفا الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والأصل عدم التكرار وعلى الثانية ظاهرة في التعليل فكذا الأولى وليس بشيء لأن ثمة مانع بخلاف ما نحن فيه وقوله المخلصين قد ورد تفسير. بها في حديث الإحسان المشهور. قوله: (غائلة المشركين) أي ضررهم قدره لاقتضاء المقام له ولا سيما وقد عقب بالإذن في القتال فما قيل إنه لم يذكر له مفعول تفخيما لهم ليس بشيء ولا حاجة إلى تأييده بأنّ أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل كما قيل. وقوله: يبالغ إشارة إلى أن صيغة المفاعلة مستعارة للمبالغة، أو مجاز عن لازمها لأنّ من يغالب يجتهد كل الاجتهاد، وصيغة خوّان وكفور لأنه في حق المشركين وهم كذلك لا للإشعار بمحبة الخائن والكافر ولأنّ خيانة أمانة الله وكفران نعمته لا يكون حقيرا بل هو أمر عظيم، ولذا قدر المصنف ما قدر وأشار إليه بقوله: كمن الخ وفي تمثيله إشارة إلى مناسبته لما مرّ من الشعائر فإنه يقتضي ذفهم على ما كانوا يذبحونه للأصنام في زمن الحج. قوله: (رخص! (قال الراغب الإذن في الشيء الإعلام بإجازته والرخصة فيه ويطلق إذن الله على إرادة الله وأمره وعلمه والمأذون فيه القتال وهو في قوّة المذكور لأن قوله: {لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} كالتصريح به لأنك إذا قلت أذنت للضارب علم أنّ المراد في الضرب. وقوله: بفتح التاء أي بصيغة المجهول وهم تفسير للموصول. قوله: (وهي أوّل آية نزلت في القتال) هذه رواية الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن أوّل آية نزلت في القتال {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} وفي الإكليل للحاكم أنّ أوّل آية نزلت في القتال {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} . لكن ما ذكره المصنف رحمه الله مخالف لقوله في أوّل السورة أنها مكية إلا ست آيات إلا أن يقال إنه ترك التنبيه عليه لأن الإذن في القتال لم يكن إلا بعد الهجرة. قوله: (وعد لهم بالنصر) أي على طريق الرمز والكناية كما هو دأب العظماء ودفع أذى الكفار في قوله: أن الله يدفع الخ والذين أخرجوا في محل جز بدل أو صفة للذين قبله ويجوز كونه في محل رفع أو نصب. قوله: (على طريقة قول النابغة الخ) هو من تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو لا يختص بهذا بل كل ما يكون فيه إثبات الشيء بضده فهو من هذا القبيل والبيت من قصيدة معروفة والمعنى كما في الكشاف أخرجوا لله بغير موجب سوى التوحيد الذي يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ومثله هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله والاستثناء إن كان منقطعا فهو مما اتفق على نصبه نحو ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ فلو توجه إليه العامل جاز فيه لغتان النصب وهو لغة أهل الحجاز وأن يكون كالمتصل في النصب والبدل نحو ما فيها أحد إلا حمار وإنما كانت الآية من الذي لا يتوجه إليه العامل لأنك لو قلت الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح فتقديره ولكن أخرجوا بقولهم ربنا الله وإليه أشار المصنف بقوله وقيل منقطع وقيل إنه في محل جرّ بدل من حق لما في غير من معنى النفي فيؤول الكلام إلى نفي النفي وهو الإثبات فحاصل المعنى أخرجوا من ديارهم بأن يقولوا ربنا الله كذا قيل في تقريره وهو رد على أبي حيان إذ رد هذا الوجه بأن البدل لا يجوز إلا من حيث سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي وصح تسلط العامل عليه. ولو قلت أخرج الناس من ديارهم إلا أن يقولوا لا إله إلا الله لم يكن كلاما إلا إذا تخيل أنه بدل من غير وأما إذا كان بدلا من حق فهو في غاية الفساد. لأنه يلي البدل فيه غيرا فيصير التركيب بغير إلا أن يقولوا وهو لا يصح ولو قدر النفي الذي تضمنه الإخراج بغير كما يقدر غيره من النفي لم يصح أيضاً لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم ربنا الله بإضافة غير لغير والزمخشري مثله بغير موجب سوى التوحيد. وهو تمثيل للصفة لا وجه لتفسير إلا بسوى وهو على الصفة صحيح وقد التبس عليه باب الصفة بباب البدل. وما ذكره ليس بوارد على الزمخشري لأن ما ذكره بيان لحاصل المعنى وليس مثله ممن يلتبس عليه باب بباب وهو استثناء لكن ظاهر مقابلته بالمنقطع أنه متصل على هذا وهو ظاهر لدخول المستثنى في الحق إذ تقديره في الحقيقة لا موجب لإخراجهم إلا التوحيد وتقديره بغير لا يتعين ولو تعين لم يدخل على الإبل على ما بعدها لأنه هو البدل. فما ذكره مغالطة لا طائل تحتها مع ما فيه من الاختلال وان تبعه بعضهم) وههنا بحث (وهو أنّ التوحيد داخل في الحق فليست الآية كبيت النابغة فلذا أوّله الزمخشري والمصنف بغير موجب مع أنه لا يخلو من الكدر فإن التوحيد والطعن في آلهتهم موجب للإخراج عندهم فلا بد من ملاحظة كونه موجبا في نفس الأمر. ومن جعل إلا بمعنى غير هنا صفة عند المصنف وقال: وعندي أنّ البدل يصح من المضاف وفي أخرجوا معنى النفي أي لم يقروا في ديارهم إلا بأن يقولوا ربنا الله فيصح التسليط. فقد أخطأ فيهما لأن المصنف رحمه الله أراد الاستثناء كما في بيت النابغة وإذا جعل استثناء من غير فسد المعنى كما لا يخفى فتأمل. قوله: (عل أهل الملل (أي في كل عصر وهو إشارة إلى عمومه فالمراد بالمؤمنين مؤمنو كل أتة وأمّا تخصيصه وجعل حفظ البيع ونحوها لحماية أهل الذفة فيأباه مع بعده ما بعده ودفاع قراءة نافع على أنه مصدر فاعل. والرهابنة جمع رهبان وهو مخصوص بالنصارى القسيسين المختلين فالصوامع خاصة بهؤلاء والبغ عامة فيهم وقوله: كنائس اليهود الكنيسة غير مختصة باليهود على قول لأهل اللغة كما يشعر به كلام المصنف رحمه الله. قوله: (سميت بها الخ (وفي نسخة وسميت فهي جمع صلاة سمي بها محلها مجازاً فتنوينه كمسلمات وقيل هي بمعناها الحقيقي وهذمت بمعنى عطلت أو فيه مضاف مقدر وهي مما ألحق بجمع المؤنث من العلم كأذرعات ولا وجه له لأنه جمع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 لا علم ولذا فسره بالجمع وقوله: صلوثا بفتح الصاد والثا المثلثة والقصر وبه قرئ في الشواذ ومعناه في لغتهم المصلى فلا يكون مجازاً والظاهر أنه اسم جنس لا علم قبل التعريب، وبعده لكن ما روي عن أبي عمرو من عدم تنوينه ومغ صرفه للعلمية والعجمة يقتضي أنه علم جنس إذ كونه اسم موضع بعينه كما قيل بعيد فعليه كان ينبغي مغ صرفه وعدم تنوينه على القراءة المشهورة فلذا قيل إنه صرف لمشابهته للجمع لفظاً فيكون كعرفات والظاهر أنه نكر إذ جعل عاما لما عرّب، وأما القول بأن القائل به لا ينوّنه فتكلف. قوله: (مساجد المسلمين (قيل حضت معابد المسلمين باسم المساجد لاختصاص السجدة في الصلاة بهم وهو مع أنه لا حاجة إليه رد بقوله: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ واركعي مع الراكعين} [سورة آل عمران، الآية: 43] وأخر ذكرها وإن كان الظاهر تقديمها لشرفها قيل إما لأن الترتيب الوجودي كذلك أو ليقع في جوار الصفة المادحة أو للتبعيد عن قرب التهديم، وتأخير صلوات عن معابد النصارى مع مخالفة الترتيب الوجودي له للمناسبة بين الصلاة والمساجد ولا يخفى أنّ الظاهر التوجيه بالتبعيد عن التهديم والاتصال بما بعده من صفات أهلها لأنّ الترتيب الوجودي غير مطرد والصفة المادحة ليست مخصوصة بها، كما فسره المصنف والمناسبة المذكورة لفظية لا معنوية وان كان مثله يتساهل فيه. قوله: (صفة للاربع الخ (وكون الذكر بعد نسيخ الشريعة مما لا يقتضيه المقام ليس بشيء لأن النسخ لا ينافي بقاءها ببركة ذكر الله فيها مع أن معنى الآية عام لما قبل النسخ كما مرّ وبه صرح المفسرون. وقوله: من ينصر دينه إمّا بيان للمعنى أو لتقدير مضاف فيه وقياصرتهم جمع قيصر والضمير للكفرة المفهوم من السياق لأنه لا يكون للعجم إلا بتسمح لا حاجة إليه. قوله: (وصف (لأن الموصول يوصف ويوصف به وقوله ثناء قبل بلاء يعني أن الله أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا وهذا مروي عن عثمان رضي الله عنه هنا. وقوله: وفيه دليل الخ عزاه في الكشاف إلى من قبله من المفسرين لأن دلالته لا تخلو من الخفاء لأنها إنما تتم إذا كان الذين هنا صفة أو بدلاً من الذين الأوّل وكانت إن الشرطية الدالة على الفرض! والتقدير هنا للوقوع كلعل وعسى من العظماء والمراد بالإخراج الهجرة وحقيقة الجمع على ظاهرها فلا وجه للتخصيص بعليئ رضي الله عنه، وقوله: فإن مرجعها الخ بيان لحاصل المعنى أو لتقدير في النظم، وقوله: كذبت بالتأنيث لأنّ القوم اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه لحاصل المعنى أو لتقدير في النظم، وفوله: كذبت بالتأنيث لأن القوم اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه ولا حاجة لتأويله بالأمّة أو تشبيههم بالنساء في قلة العقل واستغنى في عاد وثمود عن ذكره لاشتهارهم بهذا الاسم الأخصر والأصل في التعبير العلم فلذا لم يقل قوم صالح وقوم هود ولا علم لغير هؤلاء. قوله: (وأصحاب مدين الم يقل وقوم شعيب عليه الصلاة والسلام قيل لأن المكذبين له من قومه أصحاب مدين خاصة وكونه مبعوثا إلى أصحاب مدين وأصحاب الأيكة كما يأتي في الشعراء وقومه أصحاب مدين وأصحاب الأيكة أجنبيون وكلاهما كذبوه لا يأباه كما قيل لأن مراده أنّ قومه المكذبين له هم هؤلاء لا غيرهم لأنهم وان كذبوه أجنبيون وتكذيب هؤلاء أسبق وأشد والتخصيص لأنه لتسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه فلا غبار عليه. قوله: (تسلية له الخ (قيل وتعيين لكيفية نصره الموعود به والإذن في الجهاد فليس فيه تصريح بالقتل وبكيفية الاتحاد في القتل والهلاك فيهما فلا يضر تغاير الهلاكين كما توهم وأوحدي بمعنى منفرد وياء النسبة للمبالغة. وقوله: قد كذبوا رسلهم إشارة إلى المفعول المحذوف اختصارا لظهوره لا لتنزيله منزلة اللازم. قوله: (غير فيه النظم الخ) بترك القوم وبنائه للمجهول وتكرير الفعل فيه فقوله لأنّ قومه توجيه لترك لفظ القوم. وقوله: وكان تكذيبه الخ توجيه لبنائه للمجهولى والتكرير بأن قبحه في تكذيبه كائنا من كان المكذب فلذا لم يقل كذبه القبط وقوله: وآياته الخ جملة حالية فإن قلت قوم موسى عليه الصلاة والسلام كذبوه وخالفوه فعبدوا العجل كما ورد في آيات كقوله: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة، الآية: 55] وغيره قلت رذه في الكشف بأنهم لم يكذبوه بأسرهم كالقبط وأقوام غيره فعد تكذيبهم كلا تكذيب مع أنّ أكثرهم تاب وإنما ذكر في محل آخر لبيان أذيتهم له وما قاساه منهم فلا يرد هذا على المصنف كما توهم. قوله: (1 نكاري) إشارة إلى أن النكير مصدر كالنذير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 بمعنى الإنذار وأن ياء الضمير المضاف إليها محذوفة في الفاصلة وأثبتها بعض القراء وقوله بتغير إشارة إلى أنّ الإنكار بمعنى تغيير ما هم عليه من النعمة والحياة وعمارة البلاد وتبديله لضده وهو من نكرت وأنكرت عليه إذا فعلت فعلا يردعه كما قاله الراغب لا بمعنى الإنكار اللساني أو القلبي وفي الأساس نكرته غيرته فلا مخالفة بينه وبين الزمخشري كما قيل إن الباء للملابسة وأنه لردّ ما في الكشاف من تفسيره بالتغيير لأن التغيير ليس عين الإنكار بل أثره. قوله: (فكأين) بمعنى كم التكثيرية والكلام فيها مبسوط في النحو. وقوله بإهلاك أهلها يعني أن نسبة الهلاك إليها مجازية أو فيها مضاف مقدر وقيل الإهلاك استعارة لعذم الانتفاع بها بإهلاك أهلها وأنه مراد المصنف لأنّ الظلم صفة أهلها. وقوله بغير لفظ التعظيم أي أهلكتها. قوله: (ساقطة حيطانها الخ) يعني الخاوي إما بمعنى الساقط من خوي النجم إذا سقط والجار والمجرور لغو متعلق به ولما كان الظاهر ساقطة عليها عروشها أوّله بقوله بأن تعطل الخ. والسقوف تفسير للعروش هنا وأما بمعنى خالية وعلى بمعنى مع كقوله: وآتي المال على حبه واليه أشار بقوله: أو خالية الخ. وقوله: فيكون الجار الخ أي على الوجهين. وما قيل إنّ تعلقه على الثاني معنوي لأنّ الظرف حال خروج عن الظاهر بلا سبب وان صح. وقوله ويجوز أي على كونها بمعنى خالية ومطلة بالطاء المهملة وتشديد اللام بمعنى مشرفة عليها بسبب ميلها بعد سقوط سقوفها إن كان مائلة من الميل. وقيل إنه بالثاء المثلثة من المثول وهو الانتصاب من مثل بين يديه إذا قام ومطل يتعدى بعلى ومظلة بالمعجمة يكون بمعناه لكنه يتعدى بنفسه. قوله: (والجملة معطوفة على أهلكناها الخ (ولما كان المراد بأهلاكها إهلاك أهلها صح ترتبه عليه ولولاه لكان عينه فلا يصح عطفه وأما عطفه على الجملة الحالية فلم يرتضه لأن خواها ليس في حال إهلاك أهلها بل بعده وأما جعلها حالاً مقدرة معطوفة على الحال المقارنة وان ادعى بعضهم صحته وكذا اذعاء مقارنتها بأن يكون هلاكهم بسقوطها عليهم فكلاهما خلاف الظاهر ويجوز عطفه على جملة وكأين الاسمية لترتب الخوا على الهلاك. وقوله: فلا محل لها لأنها جملة مفسرة ولا محل لها كما في المغني وقوله: فمحلها الرفع لعطفها على الخبر. قوله: (وكم بئر عامرة في البوادي (العمارة تفهم من التعطيل لأنه يكون بعدها وكونها في البوادي جمع بادية يفهم من عطفها على القرية وأعطله وعطله بمعنى كما في الكشاف. وقوله: مرفوع تفسير لمشيد من أشاد البناء إذا رفعه أو معناه مبني بالشيد بالكسر يعني وهو الجص وهو يبنى به. وقوله: أخليناه عن ساكنيه صفة مقدرة بقرينة السياق وقوله: معطلة. قوله: (وذلك يقوي الخ (التقوية بحسب المعنى لا بمجرد المناسبة بين خلو القصر وخلو القرية في الخلو عن الانتفاع مع البقاء كما توهم لأنه لر كان كذلك لكان تأكيداً والتأسيس أولى. فلذلك اعترض عليه من لم يتنبه لمراده ووجهه أد القصر في القرية فلو سقط ما فيها من البناء لم يكن القصر مشيدا إلا إذا ادعى أنه خارج عها وأن كونه مشيداً باعتبار ما كان وكلاهما خلاف الظاهر. قوله: (وقيل المراد الخ (وجه تمريضه أن التنكير والتكثير ظاهر في خلافه وأما كون ذلك مراداً بطريق التعريض حتى لا ينافي ذلك فبعيد. وحضرموت بلدة شرقي عدن وهي بفتح الراء والميم يوضمان ويبنى ويضاف وفي الكشاف وإنما سميت بذلك لأنّ صالحا عليه الصلاة والسلام حين حضرها مات وهذه رواية وقيل إن قبره بالشام بعكا وأما كونه مات ثمة ونقل إلى عكا فخلاف الظاهر ومثله يحتاج إلى النقل وسفح الجبل أسفله أو ما قرب منه وهو المشهور وقلة الجبل أعلاه وحنظلة بن صفوان نبي كما ذكره الزمخشري. قوله: (من بقايا قوم صالح (عليه الصلاة والسلام لم يقل أنه نبي لأنه لم يتبين له حاله ولم يصف قومه بالإيمان كما في الكشاف لأن المشهور عدم إيمانهم ولهذا قال المتنبي: أنا في أمّة تداركها الله غريباً كصالح في ثمود ... قوله: (حث لهم على أن يسافروا الخ (يعني أن الاستفهام ليس على حقيقته بل المقصود به الحث على سفرهم للنظر والاعتبار كما تقول لتارك الصلاة ألم تعلم وجوبها فتصلي هذا إن كانوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 لم يسافروا وان كانوا سافروا فهو حث على النظر وذكر السفر لتوقفه عليه لا للحث عليه فما قيل إن المقصود هو الاعتبار والاتعاظ فإذا ترتب ذلك على سفرهم لا تمس الحاجة إلى أن يكون سفرهم لهذا الغرض وينبغي أن يقول: بدله لم لا ترتب على سفرهم ذلك إلا أن تكون اللام في قوله لذلك للعاقبة كلام ناشئ من قلة التدبر ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار أو التقرير فتأمل. قوله: (فتكون (منصوب في جواب الاستفهام أو النفي وقوله ما يجب الخ هو مفعول يعقلون المحذوف لدلالة المقام عليه اختصاراً ومن التوحيد بيان لما وبما متعلق بيعقلون والاستدلال عطف تفسير للاستبصار وما يجب أن يسمع مفعول يسمعون وبحال متعلق بالتذكير ولم يذكر الأعين لأنها لا عبرة بها مع عمي القلب. قوله: (الضمير للقصة (يعني أنه ضمير شأن مفسر بالجملة بعده وأنث باعتبار القصة فإنه يجوز تذكيره وتأنيثه بدليل أنه قرئ فإنه في الشواذ أو هو ضمير مبهم يفسره الأبصار وكان أصله فإنها الأبصار لا تعمى على أنه خبر بعد خبر فلما ترك الخبر الأوّل أقيم الظاهر مقام الضمير لعدم ما يرجع إليه ظاهراً فصار فاعلا مفسراً للضمير. واعترض عليه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن الضمير المفسر بما بعده محصور في أمور ليس هذا منها وهي باب رب ونعم الأعمال والبدل والخبر وضمير الشأن كما صرح به النحاة. فما قيل إنه ليس بمحصور وانه يلزم تأخير المفسر للضرورة وحقه التقديم وهم ورد بأنه من باب المبتدأ والخبر نحو وان هي إلا حياتنا الدنيا ولا يضره دخول الناسخ عليه فهو غفلة كما قيل وفيه نظر. قوله: (عن الاعتبار (متعلق بتعمي والمشاعر الحواس الظاهرة وإيفت بكسر الهمزة والياء التحتية والفاء مجهول آفه إذا أصابه بآفة فهو مؤف وايف كقيل فعله المبني للمفعول. قوله: (وذكر الصدور للتثيد الخ (فهو مثل يقولون بأفواههم وطائر يطير بجناحيه كذا قال الزجاج: وقال الزمخشري إنه لزيادة التصوير والتعريف ليتقرّر أن مكان العمي هو القلوب لا الإبصار كما نقول ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك فقولك الذي بين فكيك تقرير لما ادعيته للسانك وتثبيت لأن محل المضاء هو هو لا غير وكأنك قلت ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً فقال: بعض شراحه التوكيد في يطير بجناحيه لتقرير معنى الحقيقة وأن المراد بالطير المتعارف وفي تعمي القلوب التي في الصدور لتقرير معنى المجاز وأن العمي مكانه القلب البتة. واليه أشار المصنف وظاهره ينافي قول المصنف نفي التجوّز الموافق لكلام الزجاج ولا منافاة بينهما عند التحقيق فإن توصيف القلوب واللسان بما ذكر يدل على أن المراد بها ظاهرها لكن ما وصفت به كالعمي والمضاء ليس حقيقة إلا بطريق الادعاء فهو لنفي التجوّز عن القلوب وتقرير التجوز في الصفة المثبتة له وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وفضل التنبيه الخ ومنه يعلم ما في كلام الشارح فتدبر. قوله: (قيل لما نزل الخ (لعل تمريضه لعدم ثبوته عنده لأنّ ابن أم مكتوم رضي الله عنه لا يخفى عليه مثله لا لأن التخصيص يأباه المقام والسياق لأن خصوص السبب لا يخصص لكنه قيل عليه إنه يقتضي أن يكون المعنى لا تعمي الأبصار في الآخرة. ولكن تعمي القلوب ويرده قوله: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} [سورة طه، الآية: 25 ا] وأجيب بأن كون المعنى ما ذكر يأباه قوله: فإنها الخ ولا يقتضيه ما ذكر من سبب النزول بل هو يقتضي كون المعنى لا تعمي الأبصار في الدنيا فإن عماها ليس بعمي في الحقيقة في جنب عمي القلب فلا اعتبار به، ولكن تعمي القلوب وابن أتم مكتوم رضي الله عنه ليس أعمى القلب فلا يدخل تحته ومن كان في هذه أعمى أي أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى أي أعمى البصر لأن فيها تبلى السرائر. وهذا المعنى لا يأباه قوله لم حشرتني أعمى بل يوافقه ومن لم يتنبه له أجاب عنه بأنه لا يتعين قوله أعمى لإرادة أعمى البصر لما سبق من تفسيره بعمي القلب. وابن أثم مكتوم رضي الله عنه صحابيّ معروف. قوله: (ويستعجلونك! هو خبر لفظا واستفهام وإنشاء معنى وقوله لامتناع الخلف في خبره بناء على أن الوعيد والوعد خبر فلو أخلف لزم الكذب عليه تعالى وهو محال وأما وقوعه في حق العصاة مع قوله لا يبدل القول لدفي فلأن المراد بمثله الأحني ر عن اش! اقه لا عن إيقاعه أو هو مشروط بعدم العفو لقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة طه، الآية: 48] فإن قيل إنه إنشاء فلا إشكال وقوله: فيصيبهم الفاء فيه سببية وقوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 لكنه صبور فليس التأخير للعجز ولا للإهمال. قوله: (بيان لتناهي صبره (يعني أنه لما ذكر استعجالهم وبين أنه لا يتخلف ما استعجلوه وإنما أخر حلما وصبرا منه إشارة إلى تناهي صبره أي بلوغه النهاية لا انتهاؤه ونفاده وهو يرد بهذا المعنى أيضا لأن اليوم ألف سنة عنده فما استطالوه ليس بطويل بالنسبة إليه بل هو أقصر من يوم. فلا يقال إن المناسب حينئذ أن ألف سنة كيوم والقلب لا وجه له هنا والتأني التمهل وعدم العجلة والاسم منه الأناة وههنا فائدة في شروح الكشاف في قوله وهو سبحانه حليم لا يعجل ومن حلمه ووقاره واستقصاره المدد فقال: في الانتصاف الوقار المقرون بالحلم يفهم منه لغة قال: سكون الأعضاء وطمأنينتها فلا يجوز اطلاقه على الله كالتؤدة والتاً ني والأناة وكذا في الانصاف قال: وأما قوله ما لكم لا ترجون الله وقارا فهو بالعظمة ولذا أسقطه المصنف لكنه غفل عن التأني فيلزمه تركه فافهم. قوله: (أيام الشدائد مستطالة (أي تعد طويلة كما قيل: تمتع أيام السرور فإنها قصار وأيام الهموم طوال ... وقوله بالياء أي في قوله: تعدون لموافقة قوله يستعجلونك وعلى المشهورة فيه التفات. قوله: (وأقيم المضاف إليه الخ (أما قيامه مقامه في الإعراب فظاهر وأما في إرجاع الضمائر ففيه نظر لأن الظاهر أنها راجعة للمضاف المقدر وكذا الأحكام فهو يقتضي أن يكون مجازاً إلا أن يقال إنه بناء على الظاهر وأما التعميم فلأن نسبته إلى المحل يقتضي شمول جميع ما فيه والتهويل من جهة لحوق ما ذكر بسبب من فيه لمحله. وأنه يعذب بما نزل بهم الجماد فضلا عنهم. قوله: (وإنما عطف الأولى بالفاء الخ (يعني أن الأولى أبدلت من جملة مقرونة بها فأعيدت معها لتحقيق البدلية وهذه ليست كذلك بل هي جمل متناسفة ولم يقصد ترتب بعضها على بعض فناسب عطفها بالواو وقيل الواو فيها وفيما قبلها اعتراضية والاعتراض لا يخلو من الاعتراض وقيل الجملة الأولى مرتبة على ما قبلها بخلاف هذه وقوله: لعادته وهي الاستدراج والصبر وقوله: كما أمهلتكم ومثلكم إشارة لأنه وعيد بأن يحل بهم ما حصل بهم. قوله: (وإلى حكمي مرجع الجميع) فيه إشارة لمضاف مقدر في إليّ وأن الألف واللام في المصير عوض عن المضاف إليه أو استغراقية. ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى والجميع إما جميع الناس أو جميع أهل القرية وتقديم إلى للحصر والفاصلة. قوله: (أوضح لكم ما أنذركم به (الإيضاج معنى قوله مبين والحصر ليفيد أنه ليس بيده إيقاع ما استعجلوه بل الإنذار به ولذا اقتصر عليه وعموم الخطاب في يا أيها الناس لشموله للكافرين والمؤمنين. وقوله: لأن الخ تعليل للاقتصار، وقوله وإنما ذكر المؤمنين توطئة لما بعده، وقد جوّز تخصيصه بالمشركين والمراد بالمؤمنين من آمن منهم ورجع عن كفره أو ذكرهم استطرادي ويجوز حمل كلام المصنف عليه ولا مانع منه، وقوله زيادة في غيظهم يشير إلى أنه بحسب المآل إنذار وقيل الآية واردة لبيان ما يترتب على الإنذار من انتفاع من قبله وهلاك من رذه كأنه قيل أنذر يا محمد هؤلاء الكفرة وبالغ فيه فمن قبل وآمن فله ثواب عظيم ومن دام على كفره فقد أديت حقك فقاتلهم ليعذبهم الله في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب. وذكر القتل وان لم يكن له ذكر هنا إشارة إلى أن الآيات مرتبطة بقوله: أذن للذين يقاتلون الخ. وان بعد ذكره فلا يرد عليه أنه لا دلالة عليه في النظم مع أنّ عدم ذكر المنذر به للتعميم فيه فيشمل عذاب الدارين. وقيل المنذر به قيام الساعة لأن بعثته من المنذرات كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا النذير العريان " والخطاب عام للمؤمن والكافر ولا مانع منه ما توهم وكون المؤمنين لا ينذرون لا سيما وفيهم الصالح والطالح مما لا وجه له والاشتغال بمثله من الفضول. وقوله: ندر بالنون ودال مهملة أي ظهر وصدر منهم من قولهم ندر فلان من بلده إذا خرج أو المراد صدر على طريق الندور بيان لا غلب حال المؤمنين وهو غلبة حسناتهم على سيئاتهم وإنما ذكره لئلا ينافي قوله عملوا الصالحات لأن من ان عمله كذلك لا ذنب له يغفر. قوله: (هي الجنة (فسره بها لوقوعه بعد المغفرة وتسميتها رزقا لأنه بمعنى عطاء والكريم بمعنى الفائق في صفات غير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 الآدميين كما أشار إليه وقوله بالردّ والإبطال لأنه يقال سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه فيه. قوله: (مسابقين مشاقين (يعني أنه حال من الضمير والمعاجزة بمعنى المسابقة مع المؤمنين على طريق الاستعارة للمشاقة لهم ومعارضتهم فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله كما يقال جاراه في كذا قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} [سورة العنكبوت، الآية: 4، وقوله: فأعجزه وعجزه فهو مطاوعه وقوله: لأن الخ توجيه لتسمية المسابقة معاجزة لا بيان لأنه مجاز فيها كما يعرف من اللغة وقراءة أبي عمرو معجزين بالتشديد والباقون قرؤوا معاجزين، وقوله: على أنه حال مقدّرة أي على قراءة معجزين لأن التعجيز المطاوع بمعنى السبق وهو لم يحصل لهم وإنما قدروه كذا قيل. ورد بأن الحال المقدرة فسرها النحاة كما في المغني بالمستقبلة كادخلوها خالدين والتعجيز لم يقع في المستقبل غايته أنهم قدروه وزعموه ومثله لا يسمى حالاً مقدرة ودفعه يعرف بالتأمل فيه وكذا ما قيل إنه يجوز أن يكون حالاً مبينة بناء على زعمهم ولا يخفى أنه لا يناسب لأن السبق إنما يكون بعد السعي كما قيل: والسبق يعرف آخر الميدان نعم إذا كان بمعنى التثبيط أو النسبة إلى العجز وهو المناسب لقوله: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} لم تكن مقدرة ومن في من قبلك ابتدائية وما بعدها زائدة. قوله: (الرسول من بعثه الله بشريعة مجدّدة الخ (في الفرق بين الرسول والنبيّ أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله وهي ظاهرة وإنما الكلام فيما أورد هنا من الاعتراضات والنقوض منها ما أورد على المصنف رحمه الله أنه قال في سورة مريم أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة فإن أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانوا على شريعته ومنهم رسل. ورد بأنه مشى على قول المرضيئ هنا وذكر ما ذكر ثمة تبعا لغيره مع إشارة ما إلى توجيهه، فإنه يجوز أن يراد برسولاً ثمة معناه العامّ ونبيا بيان له على وجه التأكيد كما أنه مؤكد له إذا أريد به معناه الحاصل أيضا. وقيل الرسول من بعث إلى قوم بشريعة جديدة بالنسبة إليهم وان كانت الشريعة غير جديدة في نفسها كإسماعيل عليه الصلاة والسلام إذ بعث لجرهم أوّلاً لكن حمل كلام المصنف رحمه الله عليه بعيد. وقيل الرسول من له تبليغ في الجملة وإن كان بياناً وتفصيلاً لشريعة سابقة والنبيّ من لا تبليغ له أصلاً وهو قول مشهور وارتضاه كثير من العلماء، وفي هذا المقام كلمات كثيرة أكثرها مضطرب. وقوله: ولذلك شبه الخ أي لكون علماء هذه الأمة مقررين للشرع كانوا كأنبياء بني إسرائيل. قوله: (ويدل عليه (أي على أن النبيّ عائم لا على عمومه بالوجه المذكور فإن قوله الرسل منهم صريح فيه والحديث المذكور قال ابن الجوزي رحمه الله أنه موضوع وليس كما قال فإنه رواه ابن حبان والحاكم كما قاله ابن حجر وفي سنده ضعف خبز بالمتابعة، وتجفا بالمذ والقصر بمعنى كثيراً وتفصيله في باب المصدر من النحو. قوله: (وقيل الرسول من جمع الخ (هو ما ذهب إليه الزمخشري وضعفه لأنّ بينهما تباينا على هذا وصريح الحديث السابق ينافيه وكذا قوله رسولاً نبياً وأيضا عدد الكتب وهو مائة وأربعة كما روي في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه يأباه وتكرار النزول بعيد وأبعد منه الاكتفاء بكونه معه وإن لم ينزل عليه وأقرب منه ما قيل من له كتاب أو نسخ في الجملة وعدم نسخ إسماعيل عليه الصلاة والسلام ممنوع. قوله: (وقيل الرسول يأتيه الملك (يقظة بالوحي قائله الرازي ووجه ضعفه أنه يقتضي التباين كما مرّ. وكون بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يوح إليه إلا مناما بعيد ومثله لا يقال بالرأي وامّا إنّ المنامات واقعة لازمة لنبينا صلى الله عليه وسلم فليس بشيء كما توهم وفي الإنصاف للعراقي إن حديث سئل عن الأنبياء رواه ابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث أبي ذز رضي الله عنه بلفظ أربعة وعشرون ألفا وذكره ابن الجوزي ورواه أحمد واسحق وابن راهويه في مسنديهما من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ أربعة وعشرون ألفاً وقال الرسل ثلثمائة وخمسة عشر. قوله: (إلا إذا تمنى (جملة شرطية وهي إمّا حال أو صفة أو الاستثناء كقوله: {إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ} [سورة الليل، الآية: 6 ا] الخ وأفرد الضمير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 بتأويل كل واحد منهما أو بتقدير كما في قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه كما مرّ وقوله زوّر في نفسه أي هيأه وقدره وليس من الزور بمعناه المعروف كما لا يخفى ووقع في نسخة أزور أي خبئ وهو تحريف وروز بتقديم الراء وهو بمعناه الأوّل وقد ورد في حديث عمر رضي الله عنه المعروف وما يهواه ما يحبه وتشتهيه نفسه وقوله: في تشهيه ظاهره أنها مصدر وقال الراغب الأمنية الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء وما مفعول ألقي مقدر ويجوز أن يكون مفعول تشهيه ويجوز أن يكون المعنى إذا تمنى إيمان قومه وهدايتهم ألقي الشيطان إلى أوليائه شبها فينسخ الله تلك الشبه ويحكم الآيات الدالة على الحقيقة ودفع الشبه. قوله: (إنه ليغان على قلبي الخ) حديث صحيح وأطمشايخ والشراح فيه كلام طويل والغين قريب من الغيم لفظا ومعنى أن يعرض لقلبي ويغشاه بعض أمور من أمور الدنيا والخواطر البشرية مما يلزمه للتبليغ لكنها لإشغالها عن ذكر الله يعدها كالذنوب فيفزع إلى الاستغفار منها وسبعين للتكثير لا للتخصيص. قوله: (ثم يحكم الله الخ) أتى بثم لأنّ الأحكام أعلى رتبة من النسخ وفسر النسخ بإزالة ما وقع في نفسه بسبب أن يعصمه ويرشده والأحكام بتثبيت أمور الآخرة وازالة غيرها وقوله: حدث نفسه بزوال المسكنة ضعفه لأنه لا يلائم قوله: فتنة للذين في قلوبهم مرض. قوله: (وقيل تمنى لحرصه الخ) النادي بمعنى المجلس والمراد مجلس اجتمع فيه المسلمون والمشركون. وقوله: سبق لسانه سهواً هدّا غير صحيح لأنه صلى الله عليه وسلم محفوظ عن السهو بما يخالف الدين والشرع لأنّ التكلم بما هو كفر سهواً أو نسياناً لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإجماع وإذا سهاء! ي! في صلاة ونحوها كان تشريعاً حتى قال بعض المشايخ أنّ سجدة السهو في حقه لمجير سجدة شكر. وأيضا السهو بمثل هذا من كلام مسجع مناسب لسباقه ولحاقه بعيد جدا، وكونه عحير أفصح الناس فلا يقال حاله بغيره لا وجه له هنا، وقوله: ألقى الشيطان في أمنيته يأباه ظاهر الآية ولو كان كذلك قال على لسانه، وقوله: أن قال: تقديره إلى أن قال. قوله: (الغرانيق (جمع غرنوق كزنبور أو فردوس طائر مائيّ أنه معروف أبيض وقيل أسود كالكركي وقيل إنه الكركي ويتجوّز به عن الشاب الناعم والمراد بها هنا الأصنام لأنها لزعمهم أنها تقرّب إلى الله وتشفع شبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع، وشايعوه بمعنى تابعوه ووافقوه فيه. وقوله: في آخرها الضمير السورة النجم، وقوله: فاغتم لذلك أي بسبب ما وقع منه وعزاه بمعنى سلاه. قوله: (وهو مردود عند المحققين وإن صحأ1 () إشارة إلى عدم صحته رواية ودراية أما الأوّل فلما قال القاضي عياض إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة بسند صحيح معتمد عليه وبالغ بعضهم فقال: إنه من وضع الزنادقة وأكثر المحدثين على عدم صحته إلا ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف فإنه ردّ على القاضي عياض وقال إنه صحيح روى من طرق عديدة. وأمّا الثاني فلما مرّ فعلى تقدير صحته يكون خرج مخرج الكلام الوارد على زعمهم أو على الإنكار لا غير أو المراد بالغرانيق الملائكة، واجماله للابتلاء به، وأمّا كونه ابتلاء من الله ليختبر به الناس كما ذكره المصنف رحمه الله فلا يليق لأنه إن كان بسهو فقد علمت أنه محفوظ عن مثله وان كان بتكلم الشيطان واسماعه لهم فكذلك لما يلزمه من عدم الوثوق بالوحي. قوله: (وقيل تمنى قرأ (والظاهر أنه مجاز قال الراغب التمني يكون عن ظن وتخمين وقد يكون عن روية وبناء على أصل ولما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يبادر إلى ما ينزل به الروج الأمين على قلبه حتى قيل لا تعجل بالقرآن سميت تلاوته على ذلك تمنيا 0 ونبه أنّ للشيطان تسلطاً على مثله في أمنيته وذلك من حيث بين أن العجلة من الشيطان والشعر لحسان رضي الله عنه، والرسل والترسل في القراءة الترتيل والقراءة بتؤدة وسكينة من غير سرعة. وضمير تمني لعثمان رضي الله عنه. قوله: (وإلقاء الشيطان فيها) أي في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بناء على تفسير تمني بقرأ وهو بيان لوجه ضعف هذا القول لأنّ إلقاء الشيطان إن كان بتكلمه كما ذكره يرتفع الوثوق بالقرآن وضمن الوثوق معنى الاعتماد فلذا عداه بعلى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 كما أنّ وقوع السهو بمثله مخل به أيضا لأنّ من يسمعه قد لا يستمر على صحبته. حتى يقال إن استمراره على قراءته يدفع أن يكون ما صدر منه سهوا لو جوّز عليه السهو في الموحى به. وقيل معنى إلقاء الشيطان فيها إلقاء الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل وهو المناسب للمقام. ولا يخفى نبوّ ظاهر النظم عنه. قوله: (ولا يندفع بقوله فينسخ الله ما يلقي الشيطان الخ (جواب عما قيل من أنه لا يختل الوثوق بما يلقيه الشيطان لأنه ينبه عليه فينسخ ويزال بأنه إذا لم يوثق بالوحي لا يوثق بقوله فينسخ الله ما يلقي الشيطان فالتوهم باق كما كان. وقوله لأنه أيضاً يحتمله أي كما يحتمل غيره مما يتلوه لو جوّز تكلم الشيطان على لسانه 0 فما قيل إن قوله أيضا تشبيه لهذا القول في المردودية عند أهل الحديث بالقول السابق والا لم يصح التشبيه غفلة عن مراده، وكذا ما قيل إنّ إعجازه إذا انضتم إلى مقدار أقصر سورة يدل على أنه من الله فإنه يحتمل أن يكون الإعجاز للمجموع أو لما انضم إليه. فلا وجه لما قيل إنه ظاهر الورود ولا لقول إن مواظبته صلى الله عليه وسلم على قراءته وتلقى الصحابة عنه يدفع هذا الاحتمال لما مرّ. وقوله: والآية الخ يعني على القولين الأوّلين وفيه نظر لأنك قد عرفت أنّ مثل هذا السهو لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأيضاً هو غير متعين حتى يكون دليلاً فتأمّل. قوله: (ما يلقى الشيطان) ما مصدرية أو موصولة. وقوله: علة لتمكين الشيطان إشارة إلى أنه متعلق بألقى لا بمحذوت دل عليه ألقى لأنه إذا ألقاه فقد تمكن منه، وضمير منه للإلقاء وقيل للرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال إذا لم يقدر تمكن من إلقائه على نبينا صلى الله عليه وسلم يكون الجعل والعلم المذكوران سببين للإلقاء في أمنية الرسول والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والعلم بان القرآن حق وليس كذلك لأنه بالنسبة للأنبياء يكفي لصحة التعليق عموم العلة الأولى وكون الثانية لبعض ما تضمنه. وقوله: أمر ظاهر كما يتعلق به سهواً أو ما يشتهيه باعتبار ما يظهر منه من اشتغاله بأمور الدنيا إذ هو بهذا الاعتبار ظاهر كما أشار إليه لا مجرّد الخواطر وحديث النفس كما مر فإنه لا يفتتن بما لم يطلع عليه، وقيل إنه إشارة إلى ضعف ما اختاره في تفسير ألقى الشيطان في أمنيته واًن الأولى التفسير بإلقاء الشبه كما مز. قوله: (شك ونفاق! قيل هذا هو المناسب لقوله تعارى في المنافقين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وتخصيص المرض! بالقلب دليل عليه لعدم إظهار كفرهم بخلاف الكافر المجاهر. فقول بعضهم من زعم أن المراد بهذا المنافق فكأنه غافل عن أنه أقسى قلبا من الكافر المجاهريرده أنه لو سلم فليس في كلام المصنف رحمه الله ما يمنعه إذ مرضه لا يورث رقة قلب. واعترض عليه بأنّ عدم انجلاء صدأ قلبه بصيقل المخالطة للمؤمنين يرشد إلى أنه أقسى قلبا فاندراج من دونه في القسوة دونه يأباه الذوق السليم وهذا كله من ضيق العطن فإن في مرتبة الشك ليس مثل من هو في مرتبة الجحد وإن كان أشد منه من وجه آخر ولذا قدم هنا كما مرّ في سورة البقرة وقوله: موضع ضميرهم بضم الهاء على أنّ المراد لفظه وكسرها على أنه ضمير الفريقين وقوله: قضاء عليهم بالظلم أي حكما عليهم بأنهم ظالمون أو بالفتنة بسبب ظلمهم. قوله: (عن الحق أو عن الرسول الخ (متعلق ببعيد والبعيد صاحبه فإسناده إليه مجاز كما في ضلال بعيد والشقاق والمشاقة المنافرة والعداوة كأنّ كلاً في شق غير شق الآخر. قوله: (إنّ القرآن هو الحق النازل (قدمه لأنه المناسب لقوله ولا يزال الذين كفروا الخ وكونه علة لتمكين الشيطان من الرسل باعتبار اندراجه فيهم فلا يرد عليه أن التخصيص يأباه قوله: من رسوله ولا نبيّ الدال على الاستغراق. وقوله: بالقرآن أو بالله لف ونشر على التفسيرين. وقوله: يوصلهم هو وجه الشبه بين الصراط المستقيم والنظر الصحيح. قوله: (من القرآن (فمن ابتدائية ومما ألقى من فيه ابتدائية أو تعليلية. وقوله: يقولون بيان لافترائهم فيه والمراد بذكرها أي الأصنام بخير قوله تلك الغرانيق العلا. قوله: (حتى تأتيهم الساعة بغتة (هو مع ما بعده غاية لامتراء الكفار كلهم أو جنسهم على التوزيع. وقوله: القيامة هو على ظاهره لأنه يتبين فيه زوال المرية لكل أحد ويؤيده قوله الملك يومئذ الحق كقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [سورة غافر، الآية: 6 ا] وإذا أريد بها الموت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 فالتعريف للعهد في الساعة واختصاص الملك بالله حينئذ لنفاذ حكمه فيه دون غيره والتقسيم حينئذ باعتبار حالهم من الإيمان أو الكفر وقيل المراد بالساعة الموت فإنه من طلائعها ضرورة أن منهم من لا يبقى إلى قيام الساعة بل تزول مريته بالموت وقيل إذا أريد بها القيامة أو أشراطها فالمراد بالذين كفروا الجنس والآية تتضمن الأخبار عن بقاء الجنس إلى القيامة لكن لا يصح مقابله قوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ} الخ فإنه ليس غاية لزوال مرية الجنس إلا أن يعود الضمير استخداما للكفرة المعهودين كما إذا أريد بها الموت ولا يخفى ما فيه من التكلف. وأمّا إذا أريد الإشراط فهو مجاز أو بتقدير مضاف وقد عرفت ما فيه. قوله: ) سمي به الخ (يعني أنّ حقيقة العقم عدم الولادة لمن هو من شأنه واليوم ليس كذلك فجعله عقيما مجازا ما في الطرف أو الإسناد بأن يراد بالعقم الشكل استعارة وعليه اقتصر المصنف أو مجازاً مرسلا بإرادة عدم الولد مطلقاً وإسناده إلى اليوم مجاز لأنه صفة من هو فيه من النساء وهذا سماه أهل المعاني المجاز الموجه من قولهم: ثوب موجه له وجهان. قوله: (أو لأنّ المقاتلين أبناء الحرب) أي عرف تسميتهم بأبناء الحرب لملازمتهم لها كما يقال ابن السبيل وأبناء الزمان والعقم مجاز عن الثكل أيضا لكنه شبه فيه يوم الحرب بالنساء الثكالى والمقاتلون بأبنائها تشبيها مضمراً في النفس ففيه استعارة مكنية وتخييلية والإسناد مجازي أيضا والتجوّز لا يمنع التخييل لأنه على حد قوله ينقضون عهد الله. قوله: (أو لأنه لا خير لهم فيه (فالاستعارة تبعية في عقيم متفرّعة على مكنية شبه ما لا خير فيه من الزمان بالنساء العقم كما شبهت الريح التي لا تحمل السحاب ولا تنفع الأشجار ببردها حتى تثمر بها بتلك. قوله: (أو لأنه لا مثل له الخ (فالاستعارة تبعية أيضا جعل اليوم لتفزده عن سائر الأيام كالعقيم كأن كل يوم يلد مثله فما لا مثل له عقيم وعلى هذا يصح أن يراد به يوم بدر وتفرده بقتال الملائكة عليهم الصلاة والسلام فيه أو يوم القيامة كما أشار إليه المصنف وتفرّده ظاهر ولا يلزم إفحام الكاف في قوله كيوم بدر أو لأنه كما قال الجوهرفي قيل: ليوم القيامة عقيم لأنه لا يوم بعده كما قال: إنّ النساءبمثله لعقيم قوله: (او يوم القيامة (عطف على قوله يوم حرب وهو مجاز كما في الوجه الثالث والرابع وإنما قال على أنّ المراد بالساعة غيره للعطف باو والظاهر أن غيره الموت أو الإشراط فالمعنى مريتهم مغياة بأحد الأمرين والأوّل بالنسبة لمن يموت قبل يوم القيامة، والثاني بالنسبة لمن بقي له ولو على الفرض إذ المراد عدم زوال شكهم فلا حاجة إلى أن يقال أو لمنع الخلو حتى يتكلف له ما لا داعي له ولا يرد أن عذاب يوم القيامة ليس غاية للمرية. قوله: (أو على وضعه موضع ضميرها للتهويل (أي يجوز أن يراد بالساعة يوم القيامة ويوم عقيم وضع موضع الضمير للتهويل والتخويف منه لأنه بمعنى شديد لا مثل له في شذته وأو في محلها التغاير اليوم وعذابه وهي لمنع الخلو ولا محذور فيه. قوله: (أي يوم تزول مريتهم (تفسير للجملة التي دلت عليها الغاية وقدره الزمخشري يوم يؤمنون لأنه لازم لزوال المرية واختصاص الملك به إن أريد به يوم القيامة ظاهر وكذا أشراطها لأنها في حكمه وكذا إن أريد الموت كما مرّ لكن موله يحكم بينهم ظاهر في الأوّل لأنه يوم الجزاء وكذا ما بعده وقوله يعم المؤمنين والكافرين لذكرهما أولاً وأن كان ذكر الكافرين قبله ربما يوهم تخصيصه بالكافرين وهذه الجملة إمّا حال أو مستأنفة. قوله: (وإدخال الفاء في خبر الثاني الخ) فالثواب محض إحسان وفضل ولا ينافيه قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} وقوله: بما كانوا يعملون لأنها بمقتضى وعده على الإثابة عليها قد تجعل سبباً فلا حاجة إلى جعل الباء في الثاني للمقابلة لمخالفته للظاهر وقوله مسبب عن أعمالهم المستوجبة لعقابهم ولذلك جيء بأولئك للإشارة إلى المتصفين بتلك الصفات وقيل لهم بلام الاستحقاق وكان الظاهر في عذاب مهين كما قيل في جنات النعيم. وقول المصنف هم في عذاب كان الظاهر حذف هم. وقوله: في الجهاد قيده به لأنه هو الممدوح مع أنّ المقام يقتضيه. قوله: (الجنة ونعيمها الخ اليرزقنهم جواب قسم والقسم وجوابه خبر أو مقول قول هو الخبر على خلاف بين النحاة والأصيح الأوّل. وفسر الرزق الحسن بالجنة ونعيمها ولا لجضرّه تكرّره مع ما بعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 إن لم نقل إنه يدل على ما لا يدلّ عليه من كونها مدخلاً مرضيا لأنّ الرضا غير معلوم فيما سبق لأنه بدل منه مقصود به تأكيده أو استئناف مقرّر لمضمونه. وأمّا ما قيل من أنّ المراد بالرزق الحسن ما لهم في البرزخ قبل دخول الجنة لأنّ الرزق الحسن فيها لا اختصاص له بمن هاجر أي خرج من وطنه مجاهدا في سبيل الله من المؤمنين. فقد رد بأنه لو صح ما ذكره لم يصح أن يراد بالمدخل الجنة إذ لا اختصاص فيه أيضا مع أنه ممنوع فإنّ تنكير رزقا ومدخلا يجوز أن يكون للتنويع وذلك النوع مختص بهم وهو مما لا وجه له فإنّ وعد من لا يخلف الميعاد المقترن بالتأكيد المسمى بالجنة ونعيمها ودخولهم على ما يحبون ويرضون فيه من التشريف لهم والتبشير ما لا يخفى. والاختصاص وعدمه مما لا حاجة إلى التعرّض له. ولذا قالءلجرو: " حولها ندندن " والتنويع وادعاء أق المدخل درجاتهم المخصوصة بهم مما لا حاجة إليه كما يشهد به تفضيل المبشرين من الصحابة رضي الله عنهم فافهم. قوله: (سوى بين من قتل (أي في أجر الجهاد وان كانت رتبة الشهادة رتبة علية. وقوله: لاستوائهما في القصد هو نية إعلاء كلمة الله بالجهاد في سبيله وأصل العمل هو الجهاد المذكور المقصود بالمهاجرة. والمدخل اسم مكان أو مصدر ميمي. وقوله: بأحوالهم وأحوال معاهدهم وفي نسخة معاديهم وهي مناسبة لذكر الحليم بعده وهذا مناسب لما قبله. وأمّا حليم فذكره هنا ليأخذ بحجزته ما بعده وما قبله إذ لم يعاقب عاجلا قتلة المجاهدين في سبيله فتأمّل. وقوله: ذلك أتى به للاقتضاب كما مرّ وأشار المصنف إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وأنّ الله إظهار في مقام الإضمار للإشارة إلى أنه من مقتضى الألوهية. قوله: (ولم يزد في الاقتصاص) إشارة إلى أنه ابتداء لا تعلق له بما قبله سوى تضمن كل منهما للقتل ولذلك أتى بذلك ومن موصولة أو شرطية مد جواب القسم مسذ جوابها وباء بمثل آلية لا سببية لئلا يتكزر مع قوله به وقوأ، وإنما سمي الابتداء بالعقاب وهو في الأصل شيء يأتي عقب شيء ولذا اختص بالجزاء فإطلاقه على ما وقع ابتداء للمشاكلة وهي المرادة بالازدواج أو لأن الابتداء لما كان سبباً للجزاء أطلق كليه مجازاً مرسلا بعلاقة السببية. وقوله: لا محالة من تأكيد القسم. قوله: (للمنتصر (إشارة إلى أن لينصرنه في معنى الجزاء والجواب لمن وقوله حيث اتبع هواه إشارة إلى بيان مناسبته لما قبله فإنّ الظاهر أن يقال فإنّ الله ينصر المظلومين. ونحوه لأنه لم يذنب حين اقتص حتى يغفر الله له لأنّ العفو ممدوج مندوب إليه فترك الأولى كأنه ذهب مغفور وقيل إن المماثلة من كل الوجوه متعسرة فيعفى ما وقع ف! يها وقيل إنها نزلت في قوم قاتلهم المشركون في المحرّم فقاتلوهم وقيل: إنّ فيه تقديما وتأخيراً أي من عاقب بمثل ما عوقب به إن الله لعفو غفور فلا يكون على ترك الأفضل ثم إذا بغى على المظلوم ثانيا لينصرنه على من ظلمه ولا حاجة إليه. قوله: (وفيه تعريض بالحث الخ) يعني أنه كناية تعريضية لأنّ الله إذا عفا مع أنه منتقم قدير كان اللائق بعباده ذلك وتعالى بصيغة المصدر وملازمة القدرة وعلوّ الشأن للانتقام ظاهرة فإنّ العاجز لا يقدر على الانتقام والسافل لعدم غيرته قد لا ينتقم ومثل هذه الملازمة تكفي في عرف البلاغة وعادة التخاطب فلا يرد أنه ملازمة وإنّ الظاهر أن يقال إنه تعالى يعفو عمن خلقة ورزقه ورباه وان عصاه فغيره أولى وللحث جعل ترك العفو المندوب كالذنب العظيم كما تلوح إليه صيغة المبالغة في قوله عفؤ غفور فمن قال إنها لا تناسب كونه مندوبا ل! ايصب. قوله: (أي ذلك النصر) يعني أنّ الإشارة إلى المصدر الدال عليه قوله لننصرنه والباء في قوله بأنّ الله سببية وأن السبب ما دلّ عليه قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ} الخ بطريق اللزوم من القدرة على تغليب الأحوال وتغليب بعض على بعض في العادة الإلهية وأما كون النصر بتعاقب الليل والنهار وتناوب الأزمان والأدوار إلى أن يجيء الوقت المقدر للانتصار فلا محصل له ما لم يلاحظ قدرة الفاعل لذلك وفي الكشاف أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ. ومآله إلى أنه تعالى عليم خبير وقد أفاده قوله وإن الله سميع بصير ولذا تركه المصنف رحمه الله وكذا جعل الإشارة للعفو والمغفرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 والسبب أنه لم يؤاخذ الناس بذنوبهم فيجعل الليل والنهار سرمدا فيتعطل المصالح فإنه مع كونه لا يناسب السياق وقوله: وإنّ الله سميع بصير قد قيل عليه إنّ المؤاخذة بالذنوب لا تنحصر في الجعل المذكور فلا يلزم من انتفائه انتفاؤها وأنه كان المناسب أن يقول بدله جعل الليل الخ كقوله أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا وفيه نظر والمداولة تعاقبهما والملوان الليل والنهار مثنى ملا بالقصر وقوله: بأن تفسير للإيلاج فإنه ليس المراد به ظاهره والمراد مقدار ما ينقص منه لا عينه فهو على طريق الاستعارة لأنه بإيلاج شيء في شيء يزيد المولج فيه وينقص الاخر أو يذهب في رأي العين أو بحصول أحدهما في مكان الاخر وقد مرّ تفصيله وتخصيص السمع والبصر بما ذكر بمقتضى المقام ولو أبقى على عمومه صح والمبالغة في الكم والكيف لكثرة متعلقهما وعدم تفاوتهما بالسرّ والجهر والنور والظلمة وعدل عن إيلاج أحد الملوين في الآخر وهو أخصر للدلالة على استقلال كل منهما في الدلالة على كمال القدرة. قوله: (الوصف بكمال القدرة والعلم) يعني الإشارة إلى ما دل عليه الكلام السابق من كمال القدرة الدال عليه قوله: يولج الليل في النهار وكمال العلم الدال عليه قوله: سميع بصير وقوله: الثابت في نفسه أي لا كالممكن الثابت بغيره. وقوله: الواجب لذاته إمّا تفسير له أو تعليل له فإن الواجب يلزم أن يكون وجوده من ذاته. قوله: (وحده (مأخوذ من ضمير الفصل مع تعريف الطرفين وقوله: فإن وجوب وجوده الخ بيان لكون كمال قدرته وعلمه ثبت بوجوبه الذاتي ووحدانيته لأنهما يستلزمان أن يكون هو الموجد لسائر المصنوعات فيدل على القدرة التامّة وأمّا كونه بالإيجاب فقد أبطل في الأصول ومن صدرت عنه جميع المصنوعات البديعة لا بد من علمه بسائر الموجودات على ما بين في الكلام. ووجوب الوجود لا يدل على الوحدة ولا يستلزمها وان كان لا يكون إلا كذلك بالدلائل العقلية والسمعية كما مز وقوله: سواه ليس فيه إشارة إلى أن وجوده عينه لئلا يكون مبدأ لنفسه إذ يجوز أن يكون لا عينا ولا غيراً أو أن يكون غير موجود. قوله: (أو الثابت الإلهية) معطوف على قوله الثابت في نفسه فهو تفسير آخر لقوله هو الحق وقوله: ولا يصلح الخ بيان لإثباته لكمال القدرة والعلم واستلزامه للعلم لما مرّ وقوله: عالما في نسخة بذاته وقوله: يدعون إمّا من الدعاء أو بمعنى يسمون والها مفعوله المقدر. قوله: (على مخاطبة المشركين) وخطاب ذلك لمن يلقى له الكلام أو لكل واحد وقوله: فتكون الواو أي ضمير العقلاء باعتبار معنى ما وأنها آلهة منزلة منزلة العقلاء على زعمهم. وقوله: المعدوم في حدّ ذاته لأنّ ذاته لحدوثها تقتضي العدم لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} . أو المراد بطلان ألوهيته فهو مقابل للحق بتفسيريه والحصر ليس بمراد هنا أو هو باعتبار كمال بطلانه فتأمّل. قوله: الا شيء أعلى منه شأناً (إشارة إلى أنّ الكبر ليس جسمانياً والعلوّ ليس مكانياً ثم إنه على تفسيره يكون المعنى على نفي الأعلى وا! بر والمساوي فإنه يدل على ذلك في العرف كما في قولهم: ليس في البلد أفقه من زيد مثلا. وقد مرّ تحقيقه فلا وجه لتغيير عبارة المصنف بعن أن يساويه شيء فضلاَ عن أن يكون أعلى شأنا وأكبر سلطانا. ولما كان العليّ والكبير صيغة مبالغة فسرها بما يناسبها ولم ينف العلوّ والكبر عن غيره مطلقاً لوجود من له ذلك من مخلوقاته كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وان كان كل علوّ وكبر عنده كالعدم لأنه الموافق لمنطوقه ولنفس الأمر فلا يرد أنّ كلام المصنف يوهم أصل العلوّ والكبر فيما سواه ومدلول الآية حصرهما في الذات الجليلة فالمناسب أن يقول فكل شيء سواه تحت أمره وقهره سافل حقير كما توهم. قوله: (استفهام تقرير ولذلك رفع) إذ لو نصب أعطي ما هو عكس الغرض لأنّ معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار كما تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر إن نصبت فأنت ناف لشكره شاك تفريطه وان رفعته فأنت مثبت للشكر. قال أبو حيان: لم يبينوا كيف يكون النصف نافيا للإخضرار ولا كون المعنى فاسداً وقال سيبوبه: سألت الخليل عنه فقال: هذا واجب كأنك قلت: أتسمع إنزال الله من السماء ماء فكان كذا وكذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 قال ابن خروف قوله: هذا وأجب وقوله: فكان كذا وكذا يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام بأتسمع يريد أنه لا يحصل بالاستفهام لضعف حكم الاستفهام فيه. وفي نسخة الكتاب المشرقية عوض أتسمع أنثبت وفي بعض شروح الكتاب فتصبح لا يمكن نصبه لأنّ الكلام واجب، ألا ترى أنّ المعنى إنّ الله أنزل بأرض هذه حالها. وقال الفراء ألم تر خبر كما تقول في الكلام إن الله يفعل كذا فيكون كذا وقال أبو حيان إنما امتنع النصب جوابا للاستفهام هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وان كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى قوله تعالى: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [سورة الأعراف، الآية: 172] وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب فإذا قلت ما تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى ما تأتينا محذثا إنما تأتينا ولا تحدث ويجوز أن يكون المعنى إنك لا تأتي فكيف تحدّثنا فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته همزة الاستفهام وينتفي الجواب فيلزم من هذا الذي قررناه إثبات الرؤية وانتفاء ألاخضرار وهو خلاف المقصود وأيضا فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء وهنا لا يقدر أن تر انزال المطر تصبح الأرض مخضرّة لأن اخضرارها ليس مترتبا على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال. وقال الحلبي: قوله فإنّ جواب الخ متفرّع من قول أي البقاء إنما رفع الفعل هنا وإن كان قبله استفهام لأمرين أحدهما أنه بمعنى الخبر فلا يكون له جواب الثاني أن ما بعد الفاء ينصب إذا كان المستفهم عنه سببا له ورؤيته لا توجب الاخضرار إنما يجب من الماء هذا زبدة ما في الكتاب والبحر ومنه علم أنّ الرؤية يجوز كونها بصرية وعلمية نظراً للماء المنزل خلافا لمن مغ الأوّل لأنّ إنزال الله لا يرى فمن جوّز النصب بتقدير إن لم يصب وما قيل من أنّ الاستفهام الداخل على النفي نفي فهو إثبات ردّ باقتضائه الاستقبال وهو غير صحيح كما مرّ وكونه مسبباً عن النفي أو مكتفى فيه بما يشبه السبب فما مرّ في الكتاب يأباه. وإذا عطف على أنزل فالعائد مقدر أي بإنزاله أو يقال الفاء سببية لا عاطفة فلا يحتاج إلى العائد كما في أمالي ابن الحاجب لكن هذا لا يصلح توجيهاً لكلام المصنف فالصواب أنها عاطفة مغنية عن الرابط كما صرّح به ابن هشام في المغني والتعقيب فيها حقيقيّ أو عرفيّ أو هي لمحض السبب فلا تعقيب فيها. قوله: (يصل علمه) إشارة إلى ما قاله الراغب من أنّ اللطيف ضد الكثيف وقد يراد به ما لا تدركه الحاسة فيصح أن يكون وصفه تعالى به على هذا الوجه. وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم وفي غير ذلك. قوله: (بالتدابير الخ) هذا بناء على أنه من الخبرة وهي معرفة بواطن الأمور ويلزمه معرفة ظواهرها وقوله خلقا وملكا إشارة إلى أنّ اللام للاختصاص التام فيشملهما فليس فيه جميع بين الحقيقة والمجاز كما يتوهم. وقوله في ذاته إشارة إلى أنّ الحصر باعتبار الغنى الذاتي. وقوله: عطف على ما فجملة تجري حال وإذا عطف على اسم إنّ فهو خبر والواو عطفت الاسم على الاسم والخبر على الخبر وإذا رفع فهو مبتدأ خبره ما بعده والجملة مستأنفة أو حالية واليه أشار بقوله حال منها أو خبر أي على الاحتمالين الأخيرين. قوله: (من أن تقع أو كراهة أن تقع) إشارة إلى أنّ أن تقع على حذف حرف الجرّ وهو من فهو في محل نصب أو جز على القولين أو في محل نصب على أنه مفعول له والبصريون يقدرون في مثله كراهة أن تقع والكوفيون لئلا تقع وجوّز فيه أن يكون في محل نصب على أنه بدل اشتمال من السماء أي ويمنع وقوع السماء ورد بأنّ الإمساك بمعنى اللزوم يتعدى بالباء وبمعنى الكف بعن وكذا بمعنى الحفظ والبخل كما في التاج، وأمّا بمعنى المنع فهو. غير مشهور وليس بشيء لأنه مشهور مصرّج به في كتب اللغة. قال الراغب: يقال أمسكت عنه كذا أي منعته قال تعالى: {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} وكني عن البخل بالإمساك انتهى. وبه صزج المصنف رحمه الله والزمخشري في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا} [سورة فاطر، الآية: 41] فلا وجه لما ذكره. وقوله متداعية أي مقتضية له مجاز من التداعي بمعناه المشهور وهو إشارة إلى أنه ليس بابرلة تحس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 قوله: (إلا بإذئه (الإذن الاعلام بالإجازة وهو في حقه تعالى يكون بمعنى التيسير أو الإرادة كما هنا والاستثناء مفرّغ من أعتم الأحوال والأوقات في الموجب لصحة إرادة العموم أو لكون يمسك فيه معنى النفي وذلك إشارة إلى وقوعها أو إذنه في وقوعها وقوله: وفيه الخ أي رد على من قال إنّ استمساكها لأمر ذاتيّ فيها لا بالاستناد إلى فاعل وممسك وهو قول من ذهب إلى قدم العالم لأن ما كان بالذات لا يزول. قوله: (فإنها الخ (بيان للرد بما برهن عليه في الكلام من أنها مشاركة لسائر الأجسام في الجسمية فتقبل ما تقبلها من الهبوط والوقوع ما لم يمنع منه مانع ولا مانع لما أراد. وقوله: لرؤوف رحيم فيل الرؤوف أبلغ من الرحيم. وقدم للفاصلة كتقديم بالناس واعترض عليه بأنه ينافي ما في التوبة من أن الرحمة أعمّ وما ذكر في تقديم بالناس أيضاً مدخول لأنه يحصل بتوسطه وان كان خلاف الظاهر فالظاهر أنه للاهتمام به لأنه المقصود لا بيان رحمته وقد أشبعنا الكلام عليه في محل آخر فراجعه. وقوله: حيث هيأ الخ إشارة إلى أنّ العقل والنظر به من النعم والى حمة العامة وأسباب الاستدلال إنزال المطر، وفرس بساط الخضر، وتسخير المخلوقات، والفلك الجاريات، وامساك السموات. وعناصر ونطفا عطف بيان لجمادا وقوله: لجحود إشارة إلى أنه من الكفر أن لأنه المناسب للسياق. قوله: (متعبدا) يحتمل المصدر والزمان والمكان وعلى الأخيرين فالتقدير ما يكون فيه، وإذا كان بمعنى الشريعة فتقديره به وأتى بأحيا ماضياً لسبق الحياة الأولى للمخاطبين بخلاف ما بعده. وقوله: أهل دين تخصيص للأمّة بمن لهم ملة وشرع وان نسخ دون المشركين لقوله: جعلنا وإنما ذكر هذا وان مرّ توطئة لما بعده. وقوله: ينسكونه إشارة إلى أنّ المراد به الحال أو الاستمرار. وقوله: سائر أرباب الملل إشارة إلى خروج أهل ملته عنهم بقرينة الحال وقوله: في أمر الدين إشارة إلى أق تعريفه للعهد والنسائك جمع نسيكة وهي ما يتعبد به. قوله: (لآنهم بين جهال وأهل عناد (بين هنا للتقسيم كما يقال هم ما بين كذا وكذا وهذا تعليل للنهي بأنهم إمّا جهلة لا يليق بهم النزاع أو معاندون فيحرم عليهم المنازعة إن قلنا إنهم مخاطبون بالأحكام ولو في حق المؤاخذة أو لأنه أظهر من أن يقبل النزاع إن لم نقل به. قوله: (وقيل المراد نهي الرسول الخ) قيل إنه بطريق الكناية فهو كالوجه الذي بعده فإن عدم الالتفات والتمكين وعدم منازعته يستلزم عدم منازعتهم فالفرق بينهما يسير وهو أنسب بقوله: واح فلا يظهر وجه تمريضه ووجهه ظاهر لأنه خلاف ولا يظهر تعليق قوله في الأمر به والمغايرة بين الكنايتين تكفي لذكرهما إذ الأوّل نهى عن الكينونة على وصف يكون وصلة لمنازعتهم وهذا نهي عن المنازعة بعينها. قوله: (أو عن منازعتهم كقولك لا يضاربنك الخ (هذا أيضا كناية عن أحد الطرفين في باب المفاعلة بذكرهما الاستلزام الكل لجزئه. وقوله: وهذا إنما يجوز في أفعال المغالبة الخ هذا ما ذكره الزجاج في تفسيره بمعنى أنه لا يجوز في مثل لا يضربنك أن تريد لا تضربنه أمّا لو قلت لا تضاربنه جاز بأن يكون نهى أحد الفاعلين عن فعل كناية عن نهي فاعل آخر عن مثله فلا يرد على الحصر ما مرّ في سورة طه في قوله تعالى: {فَلَا يَصُدَّنَّك عَنْهَا} [سورة طه، الآية: 6 ا] أنه نهى الكافر عن الصد والمراد نهيه عن أن ينصذ إذ الانصداد مسبب عن الصذ فتأئل. توله: (وقيل نزلت في كفار خزاعة الخ) ما قتله الله هو المينة فالنزاع قولهم المذكور في النسائك، وما قيل عليه من أنه لا سبيل إليه لاستدعائه أن يكون أكل الميتة وما يدينونه من الأباطيل من المناسك التي جعلها الله تعالى لبعض الأمم لا يرتاب عاقل في بطلانه إذ معناه على هذا لا ينازعنك بعض أهل الكتاب أو من بين أظهرهم من المشركين في أمر النسائك فإن لكك ملة شريعة شرعناها وأعلمناك بها فكيف ينازعون بما ليس له عين ولا أثر منها وهو ظاهر. قوله: (وقرئ فلا يتزعنك الخ) أي بكسر عينه وهي الزاي على أنه من باب المغالبة وهي تقال في كل فعل فاعلته ففعلته أفعله بضم العين ولا تكسر إلا شذوذاً كما في هذا وعن الكسائي أنّ ما كان عينه أو لامه حرف حلق لا يضم بل يترك على ما كان عليه والجمهور على خلافه. وقيل إنهم استغنوا بغلبته عن نزعته في هذه المادّة وعلى هذا يكون كناية عن لازمه وهو لا تقصر في منازعتهم حتى يغلبوك فيها فلذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 كان فيه تهييج ومبالغة في تثبيته كما عرفت في مثل لا يغلبئك فلان في كذا وهو ظاً هر فليس نهيا له عن فعل غيره وكونه مطاوعا لا يدفعه كما توهم وعبر بالتثبيت لمناسبته لأصل معنى النزع وهو ال! قلع وهو مغالبة من منازعة الجدال كما صرح به الزمخشريّ ومن لم يقف على مراده قال إن المبالغة في التثبيت على الدين تناسب معنى القلع وهو المعنى المشهور للنزع لا معنى الغلبة، وقولهم استغنوا بغلبته يعنون في الأشهر كما لا يخفى وقوله: إلى توحيده بيان للمراد منه أو لتقدير مضاف فيه وقوله: طريق الخ إشارة إلى أنّ فيه مكنية وهي تشبيه الهدى بالطريق المستقيم وتخييليتها على ومستقيم أو أحدهما تخييل والآخر ترشيح. قوله: (وقد ظهر الحق ولزمت الحجة) وفي نسخة لزمته بالضمير للمجادل وهو مفهوم من كونه على هدي مستقيم لقوّة دلائله وظهور معجزاته وقوله أعلم بما تعملون كالصريح فيه وهو أن أريد به الكف عنهم فهو منسوخ بآية القتال وذكر المجازاة مرّ وجهه مرارا وقوله: بين المؤمنين الخ يعني أن الخطاب عام للفريقين وليس مخصوصاً بالكفمار كالذي قبله وليس من مقول القول ويصح أن يكون منه على التغليب. وقوله: بالثواب والعقاب لأنهم لانكشاف الحق ملزمون. وقوله: بالحجج أي ثبوت حجج المحق دون المبطل والاختلاف ذهاب كل إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر وقوله ألم تعلم مرّ تحقيقه وذلك إشارة إلى ما في السماء والأرض وكذا ضمير كتبه وقوله: فلا يهمنك يشير إلى أنّ المقصود من ذكر. هنا مع تقدمه تسليته ىتجت. قوله: (أن الإحاطة الخ) يعني أن الإشارة إلى ما قبله وان تعدد لتأوبله بما ذكر ولم يفسره بالإحاطة فقط حتى يقال إق الأولى أن يقول حصره تحت علمه لئلا يحتاج إلى تأوبل الإحاطة بمذكر لتذكير اسم الإشارة مع أنّ تأنيثها غير حقيقي والإشارة إلى معناها وهو ما ذكره بعي! نه ولو قال والحكم بالواو كان أولى. قوله: الأنّ علمه مقتضى ذاته) فإذا كان كذلك لزمه تيسير إثباته وحكمه المترتب عليه لأنه الأصل فيهما فلا يرد أنه يفيد تيسير الإحاطة دون الإثبات في اللوح أو الحكم بينهم إذ لا تعرض في التعليل لهما كما قيل ولا وجه لما قيل: إنه تعليل للتفسير الأوّل لرجحانه. وعدل عن قول الزمخشري لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم لأنه مع قصوره مبنيّ على الاعتزال. وقوله: المتعلق بكل المعلومات إن كان صفة الذات فالمعنى أنّ نسبة الكل إلى ذاته مستوية وعلمه ذاتيئ فيستوي فيه المعلومات أيضاً وان كان صفة علمه فكذلك. وفيه إشارة إلى أن علمه حضوريمما وأنّ الإثبات في اللوح ليس لحاجته إليه وتنكير سلطانا للتقليل وتقديم الدليل النقلي إشارة إلى أنه الأصل في الدين وأعاد النفي للدلالة على استقلال كل منهما في الذم وضمير استدلاله للعقل وقال للظالمين دون لهم تسجيلا عليهم بالظلم. قوله: (يقرّر مذهبهم الخ (يعني المراد نصير في الدنيا والآخرة ففي الدنيا بتقرير مذاهبهم ويلزمه دفع ما يخالفها وفي الآخرة بدفع العذاب عنهم فمن فسره بمعنى بدفع العذاب عنهم لأنّ معنى الدفع معتبر فيه ردّا لما ذكره المصنف رحمه الله لم يأت بطائل إذ ليس في كلامه ما يخالفه. وقوله: الإنكار إشارة إلى أنه مصدر ميمي، ولا يخفى ما في المنكر بعد تعرف من حسن التورية وقوله لفرط تعليل. لظهور أثره في وجوههم أو دليل لحدوث المنكر وآثاره. والأباطيل تعليل للنكير والغيظ وقوله وللإشعار بذلك أي بأنّ الإنكار لفرط نكيرهم أو بأنه منتهى الجهالة لأن الكفر أشد المفاسد فيشعر بما ذكر على قاعدة التعليق بالمشتق. قوله: (أو ما يقصدونه (عطف على الإنكار فالمنكر بمعنى ما يستقبح بمعناه المعروف. والمراد علاماته لأنها التي تعرف في الوجوه كما أشار إليه في الكشاف وقوله يثبون إشارة إلى أنه معتبر فيه بحسب الأصل ثم استعمل للبطش مطلقا وأنبئكم بمعنى أخبركم وقوله: من غيظكم إشارة إلى أنّ الشرّ إما للتالين وما يحصل للكفرة أشدّ منه أو للشياطين وما يحصل بعده أعظم منه. قوله: (كأنه الخ) أي هو استئناف بيانيئ والنصب على الاختصاص بتقدير أخص أو أعني أو هو من باب الاشتغال. وقوله: فتكون الخ أي في وجهي النصب والجر والجملة جملة وعدها الله وقوله: كما إذا وقعت. وفي نسخة رفعت أي حال كون! ها خبر المبتدأ مقدر إذا قد رأى هي النار وهو الوجه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 الأوّل وإذا كانت حالاً قدر معها قد. وقوله: النار هو ال! خصوص بالذم المحذوف وضمير وعدها الظاهر أنه المفعول الثاني أي وعد الذين كفروا بها ويجوز أن يكون الأوّل كأنها وعدت بهم لتاكلهم. قوله: (بين) بصيغة المجهول يشير إلى ما مر من أنّ المثل في الأصل بمعنى المثل ثم خص بما شبه بمورده من الكلام السائر فصار حقيقة فيه ثم استعير لكل حال غريبة أو قصة وجملة من الكلام فصيحة غريبة بديعة متلقاة بالقبول لمشابتهتها له في ذلك وهو المراد هنا فضرب بمعنى بين وإليه أشار المصنف رحمه الله، ورائعة من راعه أس جبه فهو رائع معجب. وقوله: أو جعل لله مثل هذا وجه آخر بحمل المثل على الممثل به فيكون بمعناه الحقيقي وضرب بمعنى جعل أي أنّ ما ذكر جعل مثلاً لاستحاق الله دون غيره للعبادة، ولا بعد في كون ضرب بمعنى جعل كما قيل لأنه ثابت في العربية فتأمل. قوله: (للمثل) إن كان بمعنى الحال أو القصة أو لبيانه إن كان المراد بيان استحقاته للعبادة وقوله استماع تدبر لأنه ليس مجرد استماعه مقصوداً، وقوله على الأوّلين بخلاف الأخير فإنيه ضمير العقلاء على زعمهم. قوله: (لا يقدرون الخ) يعني أنّ منطوقه وان كان نفي الخلق عنهم في المستقبل لكنها لكونها مفيدة لنفي مؤكد دلت على نفي القدرة عنهم واستحالة صدوره عنهم بقرينة السياق فلا يقال إنّ النفي المؤكد لا يدل على الامتناع ودلالتها على التأكيد والتأبيد مذهب الزمخشريّ، وبعض النحاة وإن خالفه غيره والكلام عليه مفصل في شروح المغني وليس هذا محله ولذا قال لا يستنقذوه دون لن يستنقذوه لأن الاستنقاذ ممكن ليس كالخلق لا يتوهم أنه لو صح ما ذكر من المنافاة قيل لن يستنقذوه. قوله: (دالة) أي لن لإفادتها النفي المؤكد على منافاة المنفي وهو الخلق والمنفي عنه الأصنام فيفيد عدم قدرتها عليه ولا ينقص بقوله فلن أكلم اليوم أنسياً لأن الصوم لمنافاته التكلم في شرعهم جعل كأنه محال أو هي دالة ثمة على امتناع مؤكد وهنا على امتناع محال بمقتضى المقام إذ لو أمكن لم يتم الاستبعاد والمبالغة في التجهيل ولكل مقام مقال. قوله: (والذباب من الذب) أي مأخوذ منه والذب الطرد والدفع ولا حاجة إلى جعل المصدر الماخوذ منه مصدر المبنى للمفعول وأما كونه بمعنى الاختلاف أي الذهاب والعود فقول آخر حتى قيل إنه منحوت من ذب آب أي طرد فرجع واذبة وذبان بكسر الذال فيهما كما في القاموس. قوله: (هو بجوابه المقدو في موضع الحال) هذا بناء على أن الواو الداخلة على لو وإن الوصلية حالية وهو قول لبعض النحاة وقيلى إنها عاطفة على مقدر وكون جوابها مقدراً قول أيضا، وقيل إنها لا تحتاج إلى تقدير أصلاً لأنها انسلخت عن معنى الشرطية وتمحضث للدلالة على الفرض والتقدير والمعنى مفروضاً اجتماعهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولا منافاة بينهما لأنّ التقدير باعتبار أصل الوضع إذ لا بد لكل شرط من جواب وعدمه بعد استعماله لما ذكر فتدبر، وقوله: فكيف الخ بيان لأن الوصلة تدل على خلافه بالطريق الأولى. قوله: (جهلهم) أي نسبهم إلى الجهل وشهرهم به وهذا بيان لمعنى الآية كلها وباء بأن سببية وعدى الإشراك لمفعولين لأنه بمعنى جعله شريكا وكان الظاهر أشركوا التماثيل والأصنام للإله لكنه عكسه لأنه وان استلزم أحدهما الآخر لا وجه للعدول عن الظاهر فلذا قيل إن إلها مفعول ثان لا أوّل حتى برد عليه ما ذكر وإنما قدم مسارعة إلى وصفه بما ذكر وتقديما للمعبود بحق على ضده ولأنه يثبت بما وصفه به ما بعده. قوله: (وبين ذلك (أي كونها أعجز الأشياء ودلالة ما ذكر بتمامه على الأعجزية ظاهرة لأنه لا أعجز مما لا يقدر مع التجمع على دفع الذباب الذي يقدر عليه أضعف-، المخلوقات فلا وجه لما قيل إنّ الثابت بذلك العجز لا الأعجزية فكل ما سوى الله كذلك ولا لتأويله بسلب أسباب القدرة كالحياة والإرادة وقوله تعجز الخ هو مأخوذ من سلبه لها فإنها لو ذبت لم تسلب فلا يرد أنه لا دلالة في النظم عليه وان كان كذلك في الواقع ويتكلف أن الاستنقاذ عطف تفسير للذب. قوله: (قيل كانوا يطلونها) أي الأصنام والطيب المراد به الزغفران ونحوه وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما والكوي بكسر الكاف جمع كوة بفتحها وضمها وهي ما يفتح في الحائط. قوله: (عابد الصنم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 ومعبوده (هذا تفسير السدي والضحاك وضمير معبوده للعابد والمعبود الصنم وكونه طالبا لدعائه لها واعتقاده نفعها وكونها مطلوبة ظاهر. قوله: (أو الذباب (هذا هو الوجه الثاني وهو إلى قوله أو يحتمل أن يكون وجها واحداً الطالب فيه الذباب والمطلوب الصنم، وقوله: والصنم الخ إشارة إلى أنّ المطلوب في هذا الوجه بمعنى منه على الحذف والإيصال ويحتمل وجهين هذا واليه أشار بقوله والصنم الخ وآخر وهو أن يكون المطلوب ما يسلبه الذباب ليأكله وعطف عليه بالواو لتقاربهما وهذا مبني على القيل قبله. قوله: (أو الصنم) فهو الطالب وجعله طالبا على الفرض تهكماً والمطلوب الذباب وهو الوجه الثالث أو الرابع وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الزمخشري لما فيه من التهكم وجعل الصنم أضعف من الذباب لأنه مسلوب وجماد وذاك حيوان بخلاف وأخره المصنف لأنّ الأوّل أنسب بالسياق إذ هو لتجهيلهم وتحقيرمعبوداتهم فناسب إرادتهم والأصنام من هذا التذييل وهذه الجملة التذييلية أخبار أو تعجب. قوله: (ما عرفوه حق معرفته (يعني أنه مجاز عن هذا فإن المعرفة تكون بتقدير المقدار وأبعد الأشياء الإضافة ولا حاجة إلى جعلها من الأبعد كما قيل وقوله عن أقلها أي الممكنات والمراد بالأقل الذباب وهو أذلها أيضا ومقهوريتها لأنه مسلوب منها فكيف تعد شريكا له، والاصطفاء الاختيار للصفوة وهي الخيار. وقوله: ومن الناس مقدّم تقديراً أي من الملائكة ومن الناس رسلا فلا حاجة للتقدير فيه، وقوله: يتوسطون إشارة إلى وجه تقديم رسل الملائكة عليهم الصلاة والسلام. قوله: (كأنه لما قرّر وحدانبته الخ (شروع في بيان ارتباط هذه الآية بما قبلها وهو ظاهر وتوله ويتوسل في نسخة بغير واو وهو مستفاد من الاصطفاء. وضمير هوله وقوله: لمن سواه وفي نسخة عداه والضمير لله وتقريراً مفعول له لتعليل بين والتزييف استعارة للإبطال وهو من التخصيص المستفاد من السياق. قوله: (مدرك الخ) يعني أن السمع والبصر كناية عما ذكر بقرينة قوله يعلم الخ لأنه كالتفسير له فسقط ما قيل من أنهما لا يعمان فكيف يكونان كناية عنه وانه حينئذ يكون ما بعده تأكيداً والحمل على التعميم بعد التخصيص أولى وقيل سميع لأقوال الرسل عليهم الصلاة والسلام بصير بأحوال الأمم وقوله عالم بواقعها ومترقبها مما لم يقع لف ونشر لما بين أيديهم وما خلفهم مرتب أو مشوس وقوله بالذات يعني بخلاف غيره فإنه يملك بتمليكه تعالى لها وقوله: لا يسأل الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله لدخوله في عمومه واتصاله. قوله: (في صلاتكم) وفي نسخة صلواتكم بالجمع فالأمر بالركوع والسجود حقيقة على ظاهره وما ذكره من أنه كان في أوّل الإسلام ركوع بلا سجود وتارة سجود بلا ركوع ذكره في البحر أيضا ولم نره في أثر يعتمد عليه وتوقف فيه صاحب المواهب وذكره الفراء رحمه الله بلا سند. قوله: (أو صلوا الخ) يعني أنه مجاز مرسل مركب بعلاقة الجزئية والكلية وقوله: لأنهما أعظم أركانها الأعظمية إما بمعنى الأكثرية أو من جهة الثواب وكون مجموعهما أفضل مما سواهما لا ينافي تفضيل أحدهما على الآخر كما توهم وفي الأذكار ذهب الشافعي إلى أن القيام أفضل من السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة طول القنوت " أي القيام ولأن ذكر القيام القرآن وذكر السجود التسبيح والقرآن أفضل، وذهب بعضهم إلى أن السجود أفضل لحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وقال الطيبي رحمه الله: الركوع مجاز عن الصلاة لاختصاصه بها والسجود على حقيقته لعموم الفائدة. قوله: (أو اخضعوا لله وخرّوا له سجدا) فهذا مطلق وما قبله بالنظر إلى الصلاة والركوع حقيقة لغوية لأن بمعنى الانخفاض أو مجاز والسجود باق على حقيقته. وقوله: بسائر ما تعبدكم به العموم من ترك المتعلق وقيل إنه مخصوص بالفرائض وما بعده تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالنوافل وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار به. قوله: (وتحرّوا ما هو خير وأصلح) أي اقصدوه يقال تحريت الشيء إذا قصدته وتحريت في الأمر أي طلبت أحرى الأمرين وهو أولاهما. ولما كان الفعل يعم ما كان بقصد وغير قصد والمعتبر منه ما كان بنية وقصد وقوله افعلوا الخير معناه افعلوا ما فيه خير لكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 دل على التحرّي بطريق الالتزام لأنه لا يعلمه خيرا له إلا إذا تحزى فيه. قوله: (وأنتم راجون الخ (إشارة إلى أنها جملة حالية وأن الرجاء من العباد لاستحالته على الله وقوله: واثقين عطف بيان المتيقنين وفي نسخة بالعطف عليه. قوله: (والآية آية سجدة عندنا (أي في مذهب الشافعيئ رضي الله عنه والأمر للندب باعتبار سجدة التلاوة لأنها سنة عنده وخالف في السجدة هنا أبو حنيفة ومالك واستدل لمذهبه بظاهر الآية والحديث ولنا كما في شرح الهداية لابن الهمام أنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه أمرا بما هو ركن للصلاة بالاستقراء نحو اسجدي واركعي. وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال. وما روي من الحديث المذكور قال: الترمذي رحمه الله إسناده ليس بالقوي وكذا قال أبو داود وغيره لكن يرد عليه ما في الكشاف أن الحق أنّ السجود حيث ثبت ليس من مقتضى خصوص في تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة البتة بل إنما ذلك بفعل رسول الله في أو قوله: فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة ومع ذلك يشرع السجود عند تلاوتها لما ثبت من الرواية فيه وفيه بحث. قوله: (دلّه ومن أجله أعداء ديته (يعني أق في مستعارة للتعليل والسببية كما في الحديث أن امرأة دخلت النار في هرة ويجوز حملها على ظاهرها بتقدير في سبيل الله وقيل عليه أن حمل الجهاد على ظاهره يأباه ما مر من أن السورة مكية إلا ست آيات فإن الجهاد إنما أمر به بعد الهجرة إلا أن يؤوّل بالأمر بالثبات على مصمابرة الكفار وتحمل مشاق الدعوة وفيه أنه مع كونه خلاف الظاهر يرجع إلى الجهاد اكبر الآتي ولذا قيل إنّ ما ذكر من كونها مكية إلا ست آيات ليس في أكثر النسخ. ومذهب الجمهور أنها مختلطة من غير تعيين وعليه اعتمد المصنف رحمه الله هنا. وقوله الظاهر صفة أعداء والباطنة معطوفة عليها وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه حمل الجهاد على ما يعمهما وليس من الجمع بين الحقيقة والمجاز وان كان جائزاً عند المصنف رحمه الله لأن حقيقته كما قال الراغب استفراغ الوسع والجهد في دفع ما لا يرتضي قال وهو ثلاثة أضرب مجاهدة العدو الظاهر ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} انتهى فمن قصره على بعضها فقد قصر 0 قوله: (وعته عليه الصلاة والسلام الخ (هذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال: وقدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وفي سنده ضعف مغتفر في مثله وتبوك علم لأرض بين الشام والمدينة ممنوع من الصرف وقعت فيها غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي جهادا فيه حقاً) أي في الله في الدر المصون أنه منصوب على المصدرية وعند أبي البقاء أنه نعت لمصدر محذوف أي جهاداً حق جهاده وفيه أنه معرفة فكيف توصف به النكرة. وقال الزمخشري إن إضافته لأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله ويوم شهدناه والمراد بالظرف الجار والمجرور لأنه كان في الأصل حق جهاد فيه. أو جهادكم فيه انتهى وقوله: جهاد إشارة إلى نصبه على المصدر وأنه من إضافة الموصوف لصفته كجرد قطيفة. وقوله: خالصا لوجهه تفسير لقوله: حقا وهو خلاف الباطل وقد فسر بواجبا أيضاً وفيه شيء وقوله فعكس أي غير الترتيب بالتقديم والتأخير فصار حق جهاد بعدما كان جهاداً حقا. قوله: (مبالغة) كما في قوله اتقوا الله حق تقاته فلما عكس وجعل التابع متبوعا وأضيف دثه لإفادة اختصاصه به وقد كان يفيد أن هنا جهاداً واجباً مطلوبا منهم دل بعد الإضافة على إثبات جهاد مختص بالله وأن المطلوب القيام بمواجبه وشرائطه على وجه التمام والكمال بقدر الطاقة فانقلب التبع أصلاً وفيه من المبالغة في شأن النبع ما لا يخفى كما قيل والذي ذكره النحاة كما صرّح به الرضي وغيره أنّ كل وجذ وحق إذا وقعت تابعة لاسم جنس مضافة لمثل متبوعها لفظا ومعنى نحو أنت عالم كل عالم أو جد عالم أو حق عالم أفادت أنه تجمع فيه من الخلال ما تفرّق في الكل وأنّ ما سواه هزل أو باطل وأنه من باب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 جرد قطيفة. وقيل في وجهه أنّ الأمر بالصفة أمر بالموصوف إذ لا غنى لها عنه بخلاف العكس ولا وجه له فتأمّل. قوله: (وأضيف الجهاد إلى الضمير) الراجع دلّه اتساعا قالوا الاتساع لأنه كان أصله حق جهاد فيه فحذف لفظ في وأضيف إليه اتساعا على حذ قوله: ويوما شهدناه سليماً وعامراً وأورد عليه أنه لا يناسب تفسيره في الله بقوله: لله ومن أجله الخ ودفعه يعرف بالتأمّل. قوله: (أو لآنه مختص! بالله (فالإضافة لامية وقد كانت في الأوّل على معنى في نظراً للظاهر. قوله: (اختاركم) هو معنى اجتباكم وكون اختيارهم لما ذكر لأنّ هذه جملة مستأنفة لبيان علة الأمر بالجهاد لأنّ المختار إنما يختار من يقوم بخدمته وهي بما ذكر ولأنّ من قربه العظيم يلزمه دفع أعدائه ومجاهدة نفسه بترك ما لا يرضاه. قوله: (في الدين) أي في جميع أموره فالتعريف فيه للاستغراق ولذا لم يلزم الجهاد الأعمى والحج فاقد الاستطاعة ولم يرد عليه التضييق في بعض أموره لحكمة. وقوله لا مانع لهم عنه أي عن الجهاد يعني أنه بين المقتضي بقوله: هو اجتباكم وأشار بعده بما ذكر إلى رفع المانع وحيث وجد المقتضي وارتفع المانع زال العذر ولم يقل فلا عذر وان كان كالنتيجة لما قبله لإيهامه أنه ليس من إشارة النص. قوله: (أو إلى الرخصة في إغفال) أي ترك ما أمرهم به مما في مشقة وحرج والأوّل يقتضي انتفاء الحرج ابتداء وهذا يقتضي انتفاءه بعد ثبوته بالترخيص في تركه بمقتضى الشرع أيضاً فلذا عطفه بأو الفاصلة. قوله: (وقيل ذلك الخ) الإشارة إلى عدم الحرج وهذا ما اختاره الزمخشريّ والظاهر إنّ وجه ضعفه تعميمه للتوبة والمكفرات والكفارات وان كان ما قبله عاما فيما عداها أيضا لعدم تبادره من اللفظ ومناسبته! سياق إذ الأمر بالطاعة والجهاد قبله وبالصلاة والزكاة بعده وما قارنه لا يشعر بذلك أصلاً بل بخلافه فما قيل من أنه المناسب لعموم من حرج ويدخل فيه الجهاد دخولاً أوّلياً فلا يظهر وجه ضعفه ضعيف جدا لأنّ ما قبله عام أيضا مع أن الحرج لا ينتفي بوجود اهخرج في ا! جلة لأنه عبارة عن الضيق لا عن عدم المخلص! وكون ما هو على شرف الزوال في حكم ما لم يكن تعسف لأنّ كون الذنوب في شرف الزوال بالتوبة مع أن قبولها غير متيقن ممنوع وكون تنوبن حرج للتعظيم والحرج العظيم إنما يكون إذا انتفى المخرج تكلف لا! جة إليه واهضايق! السفر والمرض والاضطرار والظاهر أنّ حق جهاده لما كان متعسرا ذيله بهذا ليبين أنّ المراد ما هو بحسب قدرتهم لا ما يليق به تعالى من كل الوجوه. قوله: (ملة أببكم الخ) في نصبه لاجوه منها ما ذكره المصنف رحمه الله من أنه منصوب على المصدرية بفعل دلّ عليه ما قبلا من نفي الحرج بعد حذف مضاف أي سع دينكم توسيع ملة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة واللام أو النصب على الإغراء بتقدير اتبعوا أو الزموا أو نحوه أو الاختصاص بتقدير أعق بالدين ونحوه ولم يرد ما اصطلح عليه النحاة وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي كملة أ! م وابراهيم منصوب بمقدر أيضاً أو هو بدل أو عطف بيان مما قبله فيكون مجروراً بالفتح. قوله: (كالأب لأمّته) فيه إشارة إلى جواز إطلاق الأب عليه صلى الله عليه وسلم كما أطلقت الأمّهات على زوجاف. ووقل: من حيث تعليل لى ووران لوجه ا! هـ. وقوله: أو لأنّ أكثر العرب إشارة إل! رد ما قيل إنهم جميعهم من ذريته عليه الصلاة والسلام وأنّ أوّل من تكلم بالعربية إسماعيل عليه الصلاة والسلام لضعفه كما بينه المؤرّخون. وقوله: فغلبوا الخ أي غلب أكثر العرب على جميع أهل ملته من العرب وغيرهم. قوله: (هو سماكم) جملة مستأنفة وقيل إنها كالبدل من! دأ: هو اا يهمعنهولذا لم يعطف وقوله: من قبل القرآن أي من قبل نزوله وقراءة الله سماكم قرا! أبيّ رضي وفي قوله: وتسميتهم بمسلمين إشارة إلى أن التسمية تتعدى بنفسها وبالباء دمالى رد ما أورد على جعل ضمير هو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام من أن قوله: وفي هذا أي القرآن ياً باه لأنه لا يلزم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سماهم مسلمين في القرآن النازل بعد، بمدد طوال كما سنبينه. قوله: (كان بسبب تسميته الخ) يعني أنّ قول إ- اهيم عليه الصلاة والسلام ومن ذزيتنا أقة مسلمة لك كان سبباً لتسميتهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 بمسلمين في القرآن لدخول أكثرهم في الذرّية فجعل مسميا لهم مجازا. وقد قيل عليه إنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز ونحن لا نقول به وإنّ في كون التسمية به في القرآن بسبب تسميته شبهة. وكونه مرويا عن الحسن كما في الكشف يدفع الشبهة وأما الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من لا يجوّزه فيدفع بالتقدير أي وسميتكم في هذا القرآن المسلمين كما قال ابن عطية رحمه الله وقال أبو البقاء إنه على هذا المعنى وفي هذا القرآن سبب تسميتهم واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ وضعفه لتكلفه كما في الكشف. تنبيه: قال السيوطيّ رحمه الله التسمية بالمسلمين مخصوص بهذه الأمّة، وفي فتاوى ابن الصلاج أنه غير مختص بهم كما تشهد به الآيات والأحاديث وهو الظاهر فكأنه لم يقف عليه. قوله: (متلعق بسماكم) على الوجهين في الضمير واللام للعاقبة لأنّ التعليل غير ظاهر هنا كما قيل والظاهر أنه لا مانع منه فإنّ تسمية الله أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لهم به حكم بإسلامهم وعدالتهم وهو سبب لقبول شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام الداخل فيهم دخولاً أوّليا وقبول شهادتهم على الأمم. قوله: (فيدلّ) أي هذا القول من الله وقوله: أو بطاعة الخ فالشهادة على ظاهرها وقيل المراد بشهادته بها لهم تزكيته لهم إذ شهدوا على الأمم فأنكروا كما فصل في قوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] الآية ثم العلة والمعلول علة للحكم بإقامة الصلاة وما بعدها وإليه أشار بقوله: لما خصكم والفضل الاجتباء وما بعده. وقوله: فتقزبوا إلى الله تعالى بأنواع الطاعات إشارة إلى أن ما ذكر عبارة عن الجميع لجمع العبادة البدنية والمالية. قوله: (في مجامع أموركم (أي في جميعها وفيه إشارة إلى العموم الذي يفيده حذف المتعلق للاختصار. وقوله: ولا تطلبوا الخ مأخوذ من الجملة الثانية بعده لبيان علته مع تعريف طرفيها وهي قوله: هو مولاكم وهو هو المخصوص بالمدح. قوله: (إذ لا مثل له الخ) فإنّ من تولاه لم يضع ومن نصره لم يخذل. وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث موضوع كما ذكره العراقيئ رحمه الله وركاكة لفظه شاهدة لوضعه وتخصيص أجره بأجر الحج لذكره في هذه السورة. وقوله: كحجة تقديره أجوراً بعدد الخ كل أجر منها كأجر حجة ففيه تقديم وتأخير وتقدير. تمت السورة فالحمد لله والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه وعلى آله وصحبه وخلص أوليائه وأصفيائه. سورة المؤمنون بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية بالاتفاق) واستثنى في الإتقان قوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ} إلى قوله {مُبْلِسُونَ} وكلام المصنف رحمه الله ثم شاهد عليه وأمّا ذكر الزكاة فيها وهي إنما فرضت بالمدينة فبعد تسليم أنّ ما ذكر فيها يدل على فرضيتها فقد قيل إنها كانت واجبة بمكة والمفروض بالمدينة ذات النصب وستسمع ما فيه عن قريب والاختلاف في عدد آيها للاختلاف في قوله {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} والمناسبة بين خاتمة الحج وفاتحتها ظاهرة. قوله: (وهي مائة الخ) الذي في كتاب العدد للداني إنها ثماني عشرة في الكوفي وسبع عشرة آية عند الباقي. قوله: (بأمانيهم) بالتخفيف والتشديد يعني أنّ الفلاح معناه الفوز والظفر بالأماني وهي ما يحب ويتمنى. قوله: (وقد ثبت المتوقع) أي تدل على تحقق أمر متوقع وثبوته سواء أكان ماضياً أم مستقبلاً وهو القول المشهور، وأنكر بعضهم كونها للتوقع في الماضي لأنّ التوقع انتظار الوقوع وهو قد وقع وردّه ابن هشام رحمه الله بأنّ المراد أنها تدل على أنّ الماضي كان قيل الأخبار متوقعاً لا أنه الآن متوقع. وقوله: كما أنّ لما تنفيه أي تنفي ما يتوقع ثبوته. كقوله: بل لما يذوقوا عذاب أي هم لم يذوقوه إلى الان وأن ذوقهم له متوقع فيما بعده. فإن قلت قال ابن هشام في المغني الصحيح أنها لا تفيد التوقع أصلاً أمّا في المضارع فلأنّ قولك يقدم الغائب يفيد التوقع بدون قد إذ الظاهر من حال المخبر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 عن مستقبل أنه متوقع له. وأما في الماضي فلأنه لو صح دلالتها على التوقع لدخولها على متوقع لصح أن يقال في لا رجل في الدار أنّ لا للاستفهام لأنها تدخل في جواب من قال هل من رجل فيها فما بعدها مستفهم عنه ولذا قال ابن مالك إنها تدخل على ماض متوقع ولم يقل إنها تفيده (قلت (أما الملازمة فغير صحيحة كما في شرحه إذ الفرق بين ما نحن فيه وبين ما أورده ظاهر. وما أنكره قد صرّح به الثقات من أهل النحو واللغة ولو لم يكونوا فهموه من كلام العرب لم يذكروه والعجب منه أنه سلمه في لما النافية مع أنّ ما ذكره جار فيها بالطريق الأولى ومحصله أنها تكون حرف جواب للمخاطب عما هو متوقع منتظر له في نفسه كبقية أحرف الجواب وهو مراد ابن مالك من عبارته المذكورة أيضا إذ لو لم يرده يكون لا معنى لها فيه ولم يقل أحد أنها من الزوائد فما ذكره مكابرة ومنع للنقل ومثله لا يسمع. قوله: (وتدل على ثباته (أي ثبات المتوقع في الماضي كما أنها إذا دخلت على المضارع دلت على ثبات أمر متوقع في المستقبل وليس المراد بالثبات الدوام والاستمرار بل الثبوت فلا يرد عليه أنه لم يقل أحد من أهل العربية بدلالتها على الدوام فإنه من التزام ما لا يلزم فتأمّل. قوله: (ولذلك تقرّ به من الحال) أي من أجل دلالتها على ثبات أمر ماض متوقع قربت الماضي من الحال أي دلت على أنّ زمانه ليس ببعيد العهد بل هو قريب من هذا الزمان الذي نحن فيه لأنّ العلم بتوقعه إنما يكون فيما قرب العهد به لأنّ ما بعد ينسى ويترك غالبا وهذا بناء على أنّ التوقع والتقريب من الحال لا يفترقان وقيل إنه قد ينفك أحدهما عن الآخر وعلى القول بعدم الانفكاك اختلف في أيهما الأصل والآخر التبع على قولين وهل هو حقيقة إذا اقتصر على أحدهما أو مجاز احتمال. قوله: (ولما كان المؤمنون المتوقعين الخ) المتوقعين خبر كان وذلك إشارة إلى الفلاج والفوز بالأماني ولما كان الفلاح فلاح الدارين وهم وان فازوا بالهدى عاجلا لكن الفوز الحقيقي لا يثبت إلا في الآخرة فالأخبار به منه تعالى بشارة كما صرح به في شروح الكشاف قال المصنف صدرت بها بشارتهم فلا يقال إنّ المتوقع الفلاج لا البشارة به وحينئذ فقوله: قد أفلح مجاز لكنه محل تأمل. قوله: (بإلقاء حركة الهمزة الخ (فتحذف لالتقاء الساكنين الهمزة الساكنة بعد نقل حركتها والدال الساكنة بحسب الأصل لأنه لا يعتذ بحركتها العارضة كما قاله أبو البقاء وحذفها لفظاً لا خطا ولغة أكلوني البراغيث تجمع الضمير والفاعل الظاهر سميت بها لاشتهار تمثيلها بهذا المثال وتوجيهها مفصل في النحو والواو فيها حرف علامة للجمع وإذا كان على الإبهام والتفسير فهي ضمير والظاهر بدل منها. قوله: (وأفلح اجتزاء) بالجيم والزاي المعجمة أي اكتفاء بما يجزي في الدلالة على الواو وهي الضمة ولم يذكر ما في الكشاف من تشبيهه بقول الشاعر: ولو أق الأطبا كان حولي وكان مع الأطباء الإساة ... بضم نون كان على أن أصله كانوا لأنه اعترض عليه بأنّ الوإو في أفلحوا هنا حذفت لالتقاء الساكنين على القياس وفي البيت ليس كذلك. وهو ضرورة عند بعض النحاة. والجواب عنه بأن التشبيه في مجرّد الحذف للاكتفاء بالضمة الدالة عليها لا في سبب الحذف يأباه سياقه ثم إنه معطوف على نائب فاعل قرئ ولا تغاير بين القراءتين لحذف الواو فيها لفظا لالتقاء الساكنين كما في قوله: سندع الزبانية اللهئم إلا أن يقال إنه أثبت الواو لفظا في القراءة الأولى ولذا قال المعرب إنه ذم في هذه القراءة فما قيل إنّ المراد بحذفها خطاً لا لفظاً لاشتراكهما فيه وأنه يكفي ظهور الفرق بينهما في حال الوقف سهو لأنّ من قرأ بها أثبتها في الرسم كما نقله المعرب عن ابن خالويه وأنه إذا وقف عليه ردّت الواو فيه لأنه لا يوقف على متحرّك فلا يحصل الفرق بينهما فتدبر. قوله: (وأفلح (أي قرئ به على أنه من أفلحه لأنه سمع متعديا على أنّ همزته للتصيير ولازما. وقوله: المؤمنون الخ إشارة إلى سبب الفلاح. قوله: (خائفون من الله متذللون الأن الخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح والمسجد بفتح الميم موضع السجود ومساجد جمعه ورمى البصر مجاز عن توجهه. وقوله: خشع قلب هذا في نسخة بدله خشي وقوله لما بهم من الجد بكسر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 الجيم وهو ضد الهزل. وأورد عليه أنّ اللغو أعم من الهزل لتناوله الفعل فالأولى أن يقول لما هو فيه مما يعنيهم وبهم جار ومجرور وقع صلة لما. وما ذكره هو ما في الكشاف بعينه وإنما فسره بالأخص لعلم غيره بالطريق الأولى ومثله سه!! وقوله أبلغ من المبالغة لإفادته أنه مع عدم لهوهم لا ينظرون إلى جانب اللهو فضلا عن الاتصاف به مع ما ذكره من الاسمية الدالة على الثبات وتقديم الضمير المفيد لتقوّي الحكم بتكرّره وتقديم الصلة المفيد للحصر. وقوله: ليدل متعلق بإقامة وعرض بضم فسكون بمعنى ناحية. قوله: (وكذلك قوله الخ) أي هو مثل ما قبله في العدول لما ذكر لأنه أبلغ من الذين يزكون حيث جعلت الجملة اسمية وبني الحكم على الضمير، وعبر عنه بالاسم هكذا قيل فاقتصر من الوجوه الخمسة على الثلاثة الأول قيل لأنّ الأخيرين لا يجريان هنا لأنه إعراض هنا فلا إقامة ولأنّ التخصيص لا يعتبر هنا مع أنّ المقدم هنا ليس بصلة كيف واللام زائدة لتقوية العمل من وجهين تقديم المعمول وكون العامل اسما ولا يخفى عليك جريان مثلهما حيث قدم مع ضعف عامله لا للتخصيص بل لكونه مصب الفائدة ويجوز فيه اعتبار التخصيص الإضافي أيضا بالنسبة إلى الإنفاق فيما لا يليق ولو قال المصنف وتقديم المعمول لكان أظهر وأقيم الفعل مقام الإيتاء المذكور في مثله في مواضع من التنزيل مبالغة لدلالته على المداومة لأنه يقال هذا فعله أي شأنه ودأبه المداومة عليه، وذلك في قوله وصفهم بذلك إشارة إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ} الخ من الإعراض! عن اللغو وفعل الزكاة وما بعد والطاعات البدنية معلومة من الصلاة والمالية من الزكاة. والتجتب المذكور من الأعراض عن اللغو دلالة ومن قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 5] صراحة ولم يقرن المحرّمات بالطاعات البدنية لتأخر ما يدل عليها فما قيل أنّ حقه التقديم على المالية إلا أنه أخره لاحتياجه إلى نوع تفصيل ولتقع المالية في جواز البدنية فإنهما كثيراً ما يذكران معا لا وجه له. والمروءة معروفة وأصل معناها الرجولية. قوله: (والزكاة الخ (المراد بالعين ما يعطي وفيه إيهام لطيف والمضاف أداء ونحوه ووجه العدول عن الأخصر الأظهر ما مرّ. وفاعلون مفعوله الزكاة واللام للتقوية ولم يلتفت إلى ما آثره الراغب من أنّ المعنى الذين يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله أو ليزكوا أنفسهم على أنه لازم واللام للتعليل قيل لأنّ اقترانه بالصلاة ينادي عليه وسيأتي نظيره في سورة المعارج وقد يقال الفصل بينهما يشعر بما جنح إليه الراغب بخلافه ثمة وأيضا كون السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة يؤيده لئلا يحتاج إلى التأويل بما مرّ فتدبر. قوله: (رّوجاتهم أو سرياتهم الف ونشر وخص ما ملكت بالإناث بقرينة الإجماع وان عتم لفظه وجعل الزمخشري إطلاق ما قرينة على إرادتهن لإجرائهن مجرى غير العقلاء لقلة عقل النساء ولم يذكره المصنف رحمه الله لخفائه. بل ولأنه غير مسلم عنده فلا يغني عن التخصيص كما توهم لا لمعارضة قوله: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [سورة النور، الآية: 33] فكاتبوهم لتناوله العبيد ثمة لأنه قد يقال الضمير المذكور ثمة قرينة على العموم ونكتة الإجراء المملوكية لا الأنوثة كما سيصرّح به المصنف رحمه الله ولا مانع من تعدد النكت. قوله: (من قولك احفظ علئ عنان فرسي) ظاهره أنه متعد بعلى دون تضمين كما في الكشاف وحفظ العنان بمعنى إرساله كما في حواشيه. فما قيل إنه غير متعارف لا يسمع في مقابلة نقل الثقة. وقيل أيضا الوجه أن يقال إنه من قبيل حفظت على الصبيّ ماله إذا ضبطته مقصورا عليه لا يتعداه والأصل حافظون فروجهم على الأزواج لا تتعداهن ثم قيل غير حافظين إلا على الأزواج تأكيداً على تأكيد وقول الزمخشري: أنه متضمن معنى النفي من السياق واستدعاء المفرّغ ذلك. ولم يؤخذ مما في الحفظ من معنى المنع والإمساك لأنّ حرف الاستعلاء يمنعه ولا يخفى أنه تكلف وتعسف إذ لا حاجة إلى التضمين كما مرّ وكون تضمينه ليس بتاويله بما يفيده بل بتقدير مضاف يفيده وهو غير مما يأباه أسلوب العربية. كما قاله أبو حيان رحمه الله: والتأويل المذكور أسهل منه وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: لا يبذلونها ومن لم يقف على المراد قال: إن المصنف ساكت عن تضمينه معنى النفي لكن لا بدّ منه ليصح الاستثناء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 مع أنّ ادعاء اللزوم غير مسلم لصحة العموم هنا فيصح التفريع في الإيجاب لأنها محفوظة عن جميع النساء إلا من ذكر والإمساك يتعدى بعلى كقوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} كما ذكره المعرب فعد حرف الاستعلاء مانعاً غير متوجه. واعلم أن الفاضل العلائيّ قال: في تذكرته عدى حفظ بعلى وإنما يتعدى بعن فقيل على بمعنى عن. وقيل تقديره دالين وهو حال. وقيل فيه حذف دل عليه قوله: غير ملومين أي يلامون الأعلى أزواجهم أو هو متعلق بحافظون من قولهم احفظ عليه عنان فرسه وهو مضمن معنى النفي أي لا تفلته ولا تسلمه لغيرك وفيه خفاء. وقيل من مختص بالعقلاء وما يعم الفريقين فإن قيل إنه مختص بغير العقلاء فإطلاقه على السراري لأنهن يشبهن السلع بيعا وشراء انتهى من خطه. قوله: (أو حال) أي هو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال والظرف مستقر أي الأوالين أو قوّامين عليهن من قولهم كان فلان على فلانة فمات عنها ولذا قيل للزوجة أنها تحته وفراش له. وقوله في كافة الأحوال استعمل كافة مجرورة مضافة كما وقع للزمخشري هنا وفي خطبة المفصل وقد ورد مثله فلا عبرة بمن لحنهم فيه لأنها تلزم النصب على الظرفية كما فصلناه في شرح الدرّة. قوله: (او بفعل دلّ عليه غير ملومين) كأنه قيل يلامون على كل مباشرة إلا على ما أبيح لهم من هذا فإنهم غير ملامين عليه وقد سقط هذا من بعض النسخ لأنه أورد عليه أنّ إثبات اللوم لهم في أثناء المدح غير مناسب مع أنه لا يختص بهم ولا شبهة في عدم مناسبته للسياق ولذا أخر وكونه على فرض! عصيانهم وهو مثل قوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سورة المؤمنون، 1 لآية: 7، المعارج، الآية: 31] لا يدفعه كما توهم. وقوله: إجراء للمماليك لا للإناث كما في الكشاف. وقوله شائع فيه أي في غير العقلاء. وقوله: وإفراد ذلك أي حفظ الفروج وقوله أشهى الملاهي بيان لوجه دخول المباشرة في اللغو بناء على أنّ المراد به الملاهي واللذات وتوجيه لإفراده بالذكر والخطر بمعنى الوقع في النفوس أو الضرر وفد استدل القاسم بن محمد بهذه الآية على تحريم نكاج المتعة. وردّه في الكشاف وفي الكشف فيه كلام دقيق كفاناً مؤنته ترك المصنف رحمه الله له وبسط الكلام فيه في التحقيق. قوله: (أو لمن دل عليه الاستثناء (وهم الباذلوها لأزواجهم وإمائهم. وقوله: (فإن الخ) إشارة إلى أن الفاء في جواب شرط مقدر والمستثنى الزوجات الأربع والسراري مطلقاً. وقوله: الكاملون في العدوان الكمال من الإشارة والتعريف وتوسيط الضمير المفيد لجعلهم جنس العادين أو جميعهم كما مرّ تقريره في أولئك هم المفلحون. قوله: (لما يؤتمنون عليه (يعني أن الإمانة والعهد وان كانا مصدرين في الأصل فالمراد العين هنا ولذا جمعت الأمانة فإن أفردت نظر للأصل لأنّ الحفظ والإصلاج للعين لا للمعنى. وأمن الإلباس لإضافته للجمع. وأمانة الحق شرائعه وتكليفه كما سيأتي في قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ} [سورة الأحزاب، الآية: 72، الآية وأمانة الخلق ظاهرة. قوله: (ولفظ الفعل فيه) أي في النظم أو في هذا المقام أو في يحافظون على أنه من ظرفية الخاص للعام لكونه في ضمنه وقد يعكس أيضا وتقديم الخشوع اهتماما به حتى كأنّ الصلاة لا يعتذ بها بدونه أو لعموم هذا له. وقوله: بأمر الصلاة أي بحالها وهو الخشوع والمواظبة. وقوله: ولذلك جمعه لمناسبة الجمع للتكرّر كما لا يخفى. قوله: (الجامعون لهذه الصفات (هو مأخوذ من كون الإشارة إلى من وصف بالصفات السابقة المتعاطفة بالواو الجامعة. وقوله: الأحقاء الخ الاستحقاق لأنّ أولئك يوجب أنّ ما بعده جدير بما يدل عليه لاتصافه بتلك الصفات السنية وبه اندفع أنّ من لم يجمعها بل من لم يعمل أصلاً يرث الجنة أيضا عندنا فلا يتتم الحصر وأمّا القول بأنه لعظم شأن ما ورثوه بخلاف متاع الدنيا فلا يدفعه ودون الخ إشارة إلى دلالته على الحصر لتعريف الخبر وتوسط ضمير الفصل. قوله: (بيان لما يرثوئه (يحتمل البيان اللغوي وهو التفسير بعد الإبهام فيجوز كونه بدلاً أو صفة كاشفة وهو الأظهر أو عطف بيان. والاصطلاحي فيكون عطف بيان وببيانه لما يرثونه أغنى عن ذكلر مفعوله. وقوله: وتقييد للوراثة بالتنوين قبل اللام الجارّة وفي نسخة ترك اللام فهو مضاف. وتنوينه ونصب الوراثة على المفعولية خلاف الظاهر وان صح وهو معطوف على قوله: بيان. قوله: (تفخيماً لها (الظاهر أنه تعليل للإطلاق لأن ترك المعمول لإشعاره بعدم إحاطة نطاق البيان به الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 يفيده فيكون قوله تأكيداً تعليلاً للتقييد على اللف والنشر المشوّش. وقيل إنه تعليل للمعطوف عليه وتأكيدا تعليل للمعطوف. والتأكيد بتكرير ذكر وراثتهم وقيلى إنه مفعول للتقييد والتفخيم فيه من حيث كونه وراثة الفردوس لا من مجرد البيان. قوله: (وهي مستعارة (يعني أن الوراثة مستعارة لما ذكر كاستعارة فعلها استعارة تبعية للمبالغة في الاستحقاق لأنها أقوى أسباب الملك، كما مرّ تحقيقه في سورة مريم في قوله تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ولظهور قوله يرثني ويرث من آل يعقوب بل قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [سورة مريم، الآية: 40] في الاستعارة إذ الإرث في الآية الأولى غير مراد وفي الثانية غير متصوّر استشهد به الشارح الطيبي فلا غرابة فيه لعدم ذكر المؤمنين والجنة كما توهم. قوله: (وقيل إنهم يرثون الخ) هذا ورد في حديث مسند صححه القرطبي وذكر فيه أنه ىلمجم فسر به هذه الآية فلا وجه لتمريضه ولا معنى للقول بأنه لا يناسب المقام فتأمل. وقوله: للجنة فالتأنيث باعتبارها وعلى ما بعده باعتبار الطبقة والأولى أن يقول العليا بدل الأعلى. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ} الخ (مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أوّلا أحوال السعداء عقبه بذكر مبدئهم ومآل أمرهم أو لما ذكر إرث الجنة عقبه بذكر البعث لتوقفه عليه أو لما حث على الصفات الحميدة عقبه بما يبعث عليه أو لما حث على عبادته وامتثال أوامره عقبه بما يدل على ألوهيته لتوقف العبادة عليه. وقوله: من خلاصة سلمت من بين الكدر بوزن الحذر أي المختلط أو هو بالفتح مبالغة في إطلاقه على المتكدر وهو إشارة إلى أنّ السلالة ما سل واستخرج وصيغة فعالة كما في الديوان لما بقي بعد المصدر فالسلالة لما بقي بعد السل كالقلامة والبراية ولذا قال الزمخشري: إنها تدلّ على القلة. وقوله: متعلق بمحذوف ومن تبعيضية أو ابتدائية ولم يصرّج به لظهوره ولمقابلته بقوله: أو بيانية وان كان فيه ركاكة فلا يرد أنّ من البيانية لا تنافي الوصفية إذ لا مانع منها وإن احتمل البدلية أو البيانية. ولا يتوهم أنّ المراد بالصفة المخصصة لأنّ السلالة أعئم من الطين فهي على البيان كذلك. وكون أو بمعنى الواو والبيان لغوي تعسف بارد وسيأتي تتمة له. وقيل إنه عطف على اسم إنّ وخبره وانه بيان لتعلقها بمحذوف بوجه آخر لأنّ البيانية لا بد من حذف متعلقها وهو تعسف. قوله: (أو بمعنى سلالة) معطوف على قوله بمحذوف فهو متعلق به بلا تقدير. وقوله: كالأولى الظاهر أنّ المراد به من في قوله: من سلالة. وقد جوّز فيه أن يكون المراد به من الثانية في الوجه الأوّل وهو كونها صفة أو بتقدير الطريقة الأولى وأخر ذكرها للاختصار وهو بعيد. قوله: (أو الجنس (أي المراد الجنس كله. وقوله: فإنهم الخ بيان له بأنه مبدأ بعيد فإنهم من النطف الحاصلة من الغذاء الذي هو سلالة الطين وصفوته، وآدم عليه الصلاة والسلام ليس كذلك فإمّا أن يترك بيان حاله لأنه معلوم وتبين حال أولاده أو يكون وصفا للجنس بوصف أكثر أفراده. وقيل إنه جعل الجنس كذلك لأن أوّل أفراده الذي هو أصله كذلك وهذا غير ما ذكره المصنف رحمه الله ولكل وجهة. وقوله بعد أدوار أي بعد سنين لأنّ السنة مقدار دور الفلك. قوله: (وقيل المراد بالطين آدم) عليه الصلاة والسلام فهو من مجاز الكون ولعدم القرينة عليه وعدم تبادر النطفة من السلالة مرّضه والمراد بالإنسان حينئذ الجنس ووصفه بما ذكر باعتبار أكثر أفراده فلا يعد في خروج آدم نفسه منه كما توهم لذكره بعد. وقوله: فحذف المضاف وهو نسل إن لم يحمل على الاستخدام لكنه خلاف الظاهر ولذا لم يلتفتوا له هنا وان كان من المحسنات وقد جوّز تقديره قبل الإنسان أي أصل الإنسان. قوله: (بأن خلقناه منها) إشارة إلى أنّ جعل بمعنى خلق ونطفة منصوب بنزع الخافض وأمّا كونه بمعنى التصيير والإنسان ما سيصير إنسانا على أنه من مجاز الأول فقليل الجدوى مع تكلفه. قوله: (أو ثم جعلنا السلالة الخ) فالجعل بمعنى التصيير والإنسان الجنس أو آدم عليه الصلاة والسلام والسلالة ما يخلق ويصوّر منه كما سيشير إليه وتأويله بالجوهر لا يخلو من كدر. لأنه بهذا المعنى غير معروف عند العرب وفي اللغة حتى يأتي به القرآن وإنما هو اصطلاح للمتكلمين كما صرّحوا به. قوله: (مستقر حصين) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 أصل القرار مصدر قرّ يقر قراراً بمعنى ثبت ثبوتا ثم أطلق على المستقر بالفتح وهو محله مبالغة كقوله: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} ولذا فسره المصنف رحمه الله به والمراد به هنا الرحم والمكين المتمكن ولذا تيل لذي القدرة والمنزلة فهو وصف لذي المكان وهو النطفة هنا فوصف به محلها على أنه مجاز أو كناية عن حصين أو إسناد مجازي أي مكين صاحبه فحصين بيان احاصل معناه فقوله: يعني الرحم تفسير المستقرّ بالفتح. وقوله: وهو يعني به المكين وللمستقر بكسر القاف وهو المتمكن. وقوله مبالغة على الإسناد المجازي كطريق سائر وفي الكشاف وجه آخر وهو أن الرحم نفسها متمكنة فلا تنفصل لثقل حملها أو لا تمج ما فيها فهوكناية عن جعل النطفة محرزة مصونة. وقوله: كما عبر عنه بالقرار التشبيه في مجرّد المبالغة إذ جعل عين القرار كرجل عدل لا في وصف المحل بوصف المستقرّ كما قيل لأنّ القرار من الأمور النسبية. وقوله: علقة حمراء أي قطعة دم متجمدة. قوله: (بأن صلبناها) الخلق هنا بمعنى الإحالة لا الإيجاد المتعارف أو إيجاد صورة أخرى وتغيير التعبير ليس مجرّد تفنن كما قيل لأن إحالة الأولى ظاهرة لتغيير ماهيته ولونه وفي الثاني هو باق على لونه وإنما ازداد تماسكا واكتنازاً فلذا عبر بالتصيير وفي الثالث جعل بعضه صلباً يابسا كبقية العظام. قوله: (فكسونا العظام لحما) أي جعلنا. محيطا بها ساتراً لها كاللباس وذلك اللحم يحتمل أن يكون من لحم المضغة بأن لم تجعل كلها عظاما بل بعضها، وهو الظاهر ولذلك قدمه بقوله: مما بقي الخ ويحتمل أن يكون خلقه الله عليها من دم في الرحم واليه أشار بقوله أو مما أنبتنا الخ. قوله: (واختلاف العواطف الخ (يعني عطف بعضها بثم الدالة على التراخي وبعضها بالفاء التعقيبية مع أنّ الوارد في الحديث من أن مدة كل استحالة أربعين يوما يقتضي أن يعطف الجميع بثم إن نظر لتمام المدة أو لأولها. أو بالفاء إن نظر لآخرها كما قال النحاة إنّ إفادة الفاء الترتيب بلا مهلة لا ينافي كون الثاني المترتب يحصل بتمامه في زمان طويل إذا كان أوّل أجزائه متعقبا لآخر ما قبله وهذا يصحح عطف بعضها على بعض بثم وبعضها بالفاء لكنه لا يتمّ به الجواب كما توهم إذ لا بدّ من المرجح للتخصيص واليه أشار المصنف بقوله لتفاوت الاستحالات يعني أنّ بعضها مستبعد حصوله مما قبله وهو المعطوف بثم فجعل الاستبعاد عقلاً أو رتبة بمنزلة التراخي والبعد الحسيّ لأنّ حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدا. وكذا جعل تلك النطفة البيضاء دماً أحمر بخلاف جعل الدم لحماً مشابها له في اللون والصورة وكذا تثبيتها وتصليبها حتى تصير عظماً لأنه قد يحصل ذلك بالمكث فيما يشاهد وكذا مد لحم المضغة عليه ليستره وهذا ما عناه المصنف فافهم. قوله: (والجمع لاختلافهابم أي جمع العظام دون غيرها مما في الأطوار لأن العظام متغايرة هيئة وصلابة بخلاف غيرها ألا ترى عظم الساق وعظم الأصابع وأطراف الأضلاع. وقوله: اكتفاء باسم الجنس الصادق على القليل والكثير مع عدم اللبس هنا كما في نحو قوله: كلوا في بعض بطنكم تعفوا وفيه مشاكلة لما قبله كما ذكره ابن جني وأفراد أحدهما صادق بأفراد الأوّل وجمع الثاني وعكسه وبهما قرئ. قوله: (هو صورة البدن (أي المراد بهذا الخلق تمييز أعضائه وتصويره وجعله في أحسن تقويم وهو المناسب لقوله: فتبارك أو المراد بالخلق الآخر الروح لأنه مغاير للأوّل وأعظم ورتبته أعلى فلذا عطف بثم ووصف بآخر فمعنى أنشأناه أنشأنا له أو فيه وكذا إذا أريد به القوى الحساسة ونحوها. وقوله: بنفخه فيه ضمير نفخه للروج وذكر لتأويله بمخلوف ونحوه وضمير فيه للبدن أو للإنسان المفهوم منه والجار والمجرور إمّا متعلق بأنشأنا أو بمقدر وهو إما ناظر إلى القوى أو إليها لىالى الروح يعني أن إنشاء الروح نفخها في البدن وانشاء القوى بسبب نفخ الروح فمن قصر فقد قصر ومن قال: يعني نفخ الله الروح أو القوى في البدن فقد تساهل فتدبر. وقوله لما بين الحلقين من التفاوت أي الرتبي أو الزماني. وقيل: المراد الرتبي لا الزماني لتحققه في الجميع بخلاف الرتبي كما مرّ. قوله: (واحتج به أبو حتيفة الخ (أفرخت بمعنى أخرجت فرخها وقد قيل إن في احتجاج الحنفية بهذا نظراً لأن مباينته للأوّل لا تخرجه عن ملكه. ورد بأن بالمباينة يزول الاسم وبزواله يزول الملك عنده كما تقرّر في الفروع. وقيل تضمينه الفرخ لكونه جزءاً من المغصوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 لا لكونه عينه أو مسمى باسمه وفيه بحث. قوله: (قتبارك الله أحسن الخالقين (بدل لكنه يقل في المشتقات أو خبر مبتدأ مقدر ولكن الأصل عدم الإضمار أو صفة قيل وهو الأولى لأن إضافة أفعل من محضة على الأصح وقيل إنها غير محضة وارتضاه أبو البقاء والخلق بمعنى التقدير كما في قوله: ولأنت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري ... لا بمعنى الإيجاد إذ لا خالق غيره إلا أن يكون على الفرض والتقدير واليه أشار المصنف والمميز المحذوف قوله تقديرا وفي الكشاف وروي أن عبد القه بن سعد بن أبي سرج كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب هكذا نزلت " فقال عبد الله: إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليئ فلحق بمكة كافراً ثم أسلم يوم الفتح. وقد أورد عليه أنه مخالف لما قدمه في الأنعام من أنه رجع مسلماً قبل الفتح إلا أن يكون فيه روايتان وأما القول بأنّ الرواية غير صحيحة لأنّ السورة مكية وارتداده بالمدينة كما اعترف به الراوي فجراءة على الحديث بالرد وكونها مكية باعتبار أكثرها وقد مر ما يشير له ولهذا تفصيل في محله. قوله: الصائرون إلى الموت (هذا من قوله بعد ذلك. وقوله: لا محالة من الاسمية وأن واللام وصيغة الثبوت. وقوله: ولذلك أي ولدلالته على أنه لا محالة أي لا بد منه واسم الفاعل مائت الدال على الحدوث وبه قرئ. وزيد تأكيد الجملة الدالة على الموت مع أنه غير منكر دون ما ذكر فيه البعث المتردّد فيه وكان الظاهر العكس لأنّ تأكيد الموت في المعنى عائد إلى توكيد ما هو متوقف عليه من الجزاء ومن ثمة كزر إنكم ونقل من الغيبة إلى الخطاب ولأنّ الموت كالمقدمة للبعث فكان توكيده توكيدا له. وقيل إنه بولغ في القرينة الأولى لتمادي المخاطبين في الغفلة فنزلوا منزلة المنكرين وأخليت الثانية لسطوع براهينها وتكرير حرف التراخي للإيذان بتفاوت المراتب. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} الخ) ارتباطه بما قبله إمّا لأنه استدلال على البعث أو بيان لما يحتاجون إليه في البقاء بعد خلقهم. وقوله: لأنها طورق الخ يعني أنها جمع طريقة بمعنى مطروقة من طرق النعل والحوافر إذا وضع طاقاتها بعضها فوق بعض قيل فعلى هذا لا تكون السماء الدنيا من الطرائق إذ لا سماء تحتها فجعلها منها من باب التغليب ولا يخفى أنّ المعنى وضمع طاق فوق طاق مساو له فيندرج ما تحت الكل لكونه مطارقا أن له نسبة وتعلق بالمطارقة فلا حاجة إلى التغليب. وقوله وكل ما فوقه مثله فهو طريقه قيل: وعلى هذا كل من السبع طريقة فإن فوق السابعة الكرسي، وهو ذلك الثوابت وظاهر أنه مثل ما تحته في أكثر الوجوه فجعله وجها آخر للإطلاق المذكور. وقد قيل: إنه من تتمة قوله لأنها طورق الخ لبيان أنّ مدار إطلاق الطريقة على السماء فوقية مثلها عليها لا فوقيتها على مثلها فهو لتعيين أحد محتملي هذا القول وهذا مع ظهوره خفي على هذا القائل فتأمل. قوله: (أو لآنها) أي السموات طرق الملائكة فالطريقة بمعناها المعروت ولا يأباه كون المقام لبيان ما قاض على المخاطبين من النعم الجسيمة لأنه غير مسلم مع أنّ الملائكة منها ما هو وسايط لما يصل إليهم مع أنّ قوله وما كنا الخ قيل: إنّ معناه أنا خلقنا السماء لأجل منافعهم ولسنا غافلين عن مصالحهم. وقوله: الكواكب معطوف على الملائكة. وقوله: فيها مسيرها بيان لكونها طرقا للكواكب والمسير مصدر ميمي بمعنى السير. وقوله: عن ذلك المخلوق إشارة إلى أنّ الخلق بمعنى المخلوق وأفرد لأنه مصدر في الأصل أو لأنها في حكم شيء واحد فالتعريف على هذا عهدي وعلى ما بعده استغراقي وأفراده لما ذكر أوّلاً والإظهار في مقام الإضمار للاعتناء بشأنها. قوله: (مهملين أمرها (هذا جار على الوجهين وإن كان أوّله ظاهراً في الأوّل. وتوله: من السماء إمّا على ظاهره على ما ورد في الحديث أنّ بعض الأنهار من الجنة أو بمعنى السحاب أو المطر أو جهة العلو. وقوله: بتقدير تفسير لقدر بوجهين متقاربين وهما التقدير والمقدار لكنه على هذا صفة ماء أو حال من الضمير وعلى الثاني صلة أنزلنا. وقوله: يكثر نفعه ويقل ضرره بيان لحكمة تقديره وفي الكشاف يسلمون معه من المضرة وعدل المصنف عنه لأنه قد يضرّ لكن الضرر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 القليل مع الخير الكثير كلا ضرر فمالهما عند التحقيق متحد ولذا اقتصر على الصلاج في الثاني واستقرارها شامل لما في ظاهرها كالأنهار وما في باطنها كالآبار. قوله: (بالإفساد (أي إخراجه عن المائية أو رفعه إلى محل آخر والاستنباط الاستخراج. وقوله: كما كنا قادرين الخ إشارة إلى أنّ هذه الجملة حالية. قوله: (إيماء إلى كثرة طرقه (لعموم النكرة وان كانت في الإثبات. والمبالغة في الإبعاد ناشئة من كثرة الذهاب فلذا كان أبلغ أي أكثر مبالغة من تلك الاية لأنّ فيها ذهاباً واحداً وهو التغوير المشعر ببقائه غائراً ولذا عقب بقوله: {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [سورة الملك، الآية: 30] وذكر في التقريب للأبلغية ثمانية عشر وجهاً لكنها ليست كلها من التنكير واختيرت المبالغة هنا لأن المقام يقتضيها إذ هو لتعداد آيات الآفاق والأنفس على وجه يتضمن الدلالة على القدرة والرحمة مع كمال عظمة ا! متصف بهما ولدّا ابتدئ بضمير العظمة مع التأكيد بخلاف مائة فإنه تتميم للحث على العبادة والترغيب عما هو فإن فلا يتوهم أنه عدل عن الأبلغ ثمة لأنه أبلغ في مقامه كما فصله في الكشف. قوله: (من نخيل وأعناب) قدمهما لكثرتهما وكثرة الانتفاع بهما والمراد بالفواكه ما عداهما وثمارها وزروعها بدل من الجنات إشارة إلى أنّ من ابتدائية لأنّ الزروع ليست بعضاً منها وإنما هي في خلالها وقيل إنها تبعيضية ومضمونها مفعول تكلون وتغذيا تمييز أو منصوب بنزع الخافض. قوله: (أو ترثزقون (يعني أن ا! ل مجاز أو كناية عن التعيش مطلقاً فيشمل غيره ومن ابتدائية أو تبعيضية والأوّل متعين للمثال. وقوله: أنواع توجيه لجمع الفاكهتين باعتبار تعدد أنواعهما وما يحصل منهما. وطعام معطوف على قوله: أنواع يعني أن ثمرتها جامعة للتفكه والغذاء بخلاف بقية الفواكه والدبس بكسر وكسرتين عسل النخل، والعامة تطلقه على عسل الزبيب وكلام المصنف ظاهر فيه وقال المعري العرب تسمي عسل النخل دبساً والحرفة الصنعة. وقوله: في ثمرتها إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ الضمير للثمرة المفهومة منها. قوله: (ومما أنشأنا لكم به شجرة) إشارة إلى الخبر المقدر وقدره مقدما وان كانت النكرة موصوفة لأنه الأولى كما مرّ. والشجرة شجرة الزيتون نسبت إلى الطور لأنه مبدؤها أو لكثرتها فيه وجبل موسى عليه الصلاة والسلام أي جبل عرف به لمناجاته عليه. وأيلة بالفتح محل معروف يسمى اليوم العقبة وهو على مراحل من مصر وفلسطين بكسر الفاء وفتحها بلدة بالشام. وتوله: الطور للجبل أي اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو عربيئ وقيل معرّب. وقوله: كامرئ القيس أي هو مركب إضافيّ جعل علما وفي نسخة وبعلبك أي فيمن أضافه كما في الكشاف وهو لغة فيه وقوله: ومنع صرفه أي صرف سيناء سواء كان اسم البقعة أو جزء العلم الأخير لأنه يعامل معاملة العلم كما مرّ في جنات عدن فما قيل إنّ هذا على الثاني وأمّا على الأوّل فمنع الصرف للعلمية والتركيب إن لم يكن فيه إضافة وإلا فكالثاني لا يخفى ما فيه. قوله: (لا للألف) أي ألف التأنيث الممدودة لما سيذكره من أنه ليس في كلام العرب فعلاء بكسر الفاء والمد وآخره ألف تأنيث كما أشار إليه بقوله إذ لا فعلاء الخ قال المعرب رحمه الله هذا قول البصريين وأمّا الكوفيون فلا يسلمونه ويقولون ألفه للتأنيث وكسر السين لغة كنانة وقوله في نسخة كديماس بالدال والسين المهملتين هو الحمام ووقع في بعض النسخ ديماء وهو تحريف وبقوله فيعال سقط ما أورد على قوله: من السناء بالمدّ من أنه ليس بعربيئ كما نصوا عليه ولو سلم فالمادّتان مختلفتان لأن عين السناء نون وعين سيناء ياء لأنّ عجمته غير متفق عليها وعين سيناء أيضا نون وياؤها مزيدة وهمزتها منقلبة عن واو ووزنه فيعال وهو موجود في كلامهم كقيتال في المصدر ويؤيده ما في بعض النسخ من قوله كديماس. قوله: (أو ملحق بفعلال) فهمزته ليست للتأنيث بل للإلحاق بشمراخ وقرطاس فهو كعلباء بالعين المهملة والباء الموحدة وهي عصبة في العنق وهمزته منقلبة عن واو أو ياء لتطرفها بعد ألف زائدة كرداء وكساء لأنّ الإلحاق يكون بهما. وقال أبو البقاء: إنها أصلية. وقوله: من السين أي من هذه المادّة. قوله: (بخلاف سيناء) أي في القراءة بفتح السين فيجوز كون منع صرفه للألف الممدودة أو للعلمية والتأنيث أو العجمة وكيسان علم لشخص أو لمعنى الغدر. وقوله: إذ ليس في كلامهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 يعني فعلال بالفتح لا يوجد في كلام العرب إلا نادراً كخزعال لطلع الإبل لكن المراد في غير المضاعف فإنه فيه كثير كزلزال وصلصال ووسواس كما صرّج به النحاة ولا يختص بالمصادر كما قيل: وعلى قراءة القصر فألفه للتأنيث كذكري إن لم يكن أعجمياً. قوله: (أي تنبت ملتبساً بالدهن الخ (يعني أنه على القراءة بفتح التاء وضم الباء من الثلاثي اللازم تكون الباء للملابسة والمصاحبة كجاء بثياب سفره والجار والمجرور حال وكان الظاهر أن يقدره ملتبسة لكنه في النسخة التي عندنا ملتبساً فكأنه أوّل بملتبسا ثمرها. لأنه الملابس للدهن في الحقيقة. وقوله: معدية تفسير لقوله: صلة لأنّ الصلة تكون بمعنى الزائدة، ومن توهم أنه المراد هنا اعترض! عليه بأن المعدية لا تكون صلة وبالعكس فالأولى الاكتفاء بكونها معذية فإن المراد أنها متعلقة بالمذكور وأخره لأنّ إنبات الدهن غير معروف في الاستعمال وإنما يضاف الإنبات للثمر ونحوه. قوله: (وهو إمّا من أنبت بمعنى نبت (والهمزة فيه ليست للتعدية عند من أثبت أنبت بمعنى نبت واستشهد عليه ببيت زهير المذكور وأنكره الأصمعي وقال: إنّ الرواية في البيت نبمت لا أنبت مع أنه يحتمل التعدية بتقدير مفعول له. ورأيت بفتح تاء الخطاب بتصحيح الصاغاني وذوي الحاجات الفقراء وتطينا جمع قاطن بمعنى مقيم والقطين الخدم والاتباع أيضا والمعنى رأيت ذوي الحاجات مقيمين حول بيوتهم لقضاء أوطارهم لأنها معاهد الكرم وموارد النعم حتى إذا ظهر الخصب انفضوا من حولها للانتجاع والتعيش وعلى تقدير زيتونها الجارّ والمجرور حال من المفعول المحذوف أو من الضمير المستتر وقيل الباء زائدة كقوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ويحتمل أيضا تعدية أنبت بالباء لمفعول ثان دماسناد الإنبات إلى الشجرة بل وإلى الدهن مجازي. قوله: (وقرئ على البناء للمفعول (على أنه مجهول أنبت وهو كالأوّل معنى وإعرابا بجعل الباء للملابسة لا غير وتثمر معطوف على نائب فاعل قرئ وكذا ما بعده وقيل إنه تفسير ظن قراءة وقرئ تنت من الثلاثيئ بالدهان بكسر الدال وهو جمع دهن كرماج أو مصدر كالدباغ. والدهن بالضم ما يعصر من الدسم وبالفتح مصدر بمعنى العصر. قوله: (عطف أحد وصفي الشيء (منصوب بمعطوف على أنه مفعول مطلق له وهو إشارة إلى أنّ الصبغ هو الإدام من المائعات على الاسنعارة لأنه إذا غمس فيه تلوّن بلونه وأن كان المراد به الدهن أيضا لكن لكونهما وصفين نزل تغاير مفهوميهما منزلة تغاير ذاتيهما فعطف أحدهما على الآخر كقوله: إلى الملك القرم وابن الهمام كما مرّ. وقوله: الجامع هو معنى الواو العاطفة ودبغ بكسر الدال هنا ما يدبغ به وبالفتح مصدر. قوله: (وتستدلون بها) أي بالأنعام أي بحالها وهو عطف تفسيريّ وضمير بطونها للأنعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل لا للإنات منها على الاستخدام لأنّ عموم ما بعده يأباه وقوله: أو من العلف وهو ما تاكله الدوات وهذا ما يحتمله النظم لأنه المناسب لكونه في بطونها إذ اللبن في الضرع لا في البطن ولأنه أليق بالعبرة ولذا جوّزه المصنف وإن كان لا يحتمله ما في سورة النحل. قوله: (في ظهووها وأصوافها وشعورها (إشارة إلى أنّ الأنعام شامل للأزواج الثمانية لا مخصوص بالإبل ولذا لم يذكر الوبر وأدخله في الشعر لأنه يطلق عليه ودخوله فيه غير محتاج للبيان مع الشعور وما ذكر إرشاد لبقية المنافع كالنسل اعتماداً على ما مرّ من أصيله وقوله فتنتفعون بأعيانها إشارة إلى أنّ ما قبله انتفاع بمرافقها وتقديم الظرف للفاصلة أو للحصر الإضافي بالنسبة للحمير ونحوها كما في الكشاف أو الحصر باعتبار ما في تأكلون من الدلالة على العادة المستمرّة ومن تبعيضية لأنّ منها ما لا يؤكل وقوله وعلى الأنعام أي الأزواج الثمانية كما بينه ما بعده وهذا أيضاً من نسبة ما للبعض إلى الكل كما أشار إليه بقوله: منها. وقوله: وقيل: قائله الزمخشريّ لكن كلامه محتمل لتخصيص الأنعام وتخصيص ضميره بالاستخدام والمصنف رحمه الله حمله على الثاني لقوله: فيكون الضمير الخ لأنّ الأوّل بعيد وقيل الأولى عدم تمريضه لأنّ الحمل على البقر ليس بمعتاد عند المخاطبين كما يشير إليه التعبير بالمضارع الدال على الاعتياد والاستمرار وقوله لأنيا هي المحمول عليها أي دون البقر. قوله: (والمناسب للفلك) الظاهر المناسبة والأمر فيه سهل ولم يستدل به الزمخشري لكنه يفهم من سياقه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 فلذا ذكره المصنف رحمه الله والشعر لذي الرمّة من قصيدة مشهورة له وقبله: ألاخيلت ميّ وقدنام صحبتي فمانقرالتهويم إلاسلامها ... طروفا وجلب الرحل مشدودة به سفينة برّ تحت خذي زمامها ... وجعل الإبل سفائن البر معروف مشهور وهي استعارة لطيفة وقد تصرّفوا فيها تصزفات بديعة كقول بعض المتأخرين: لمن شجر قد أثقلتها ثمارها سفائن برّ والسراب بحارها ... قوله: (فيكون الضمير فيه الخ) أي هو مما رجع الضمير فيه إلى بعض أفراد عام مذكور قبله باعتبار بعضه فانّ المذكور في هذه الآية أوّلاً مطلق المطلقات والضمير من بعولتهن راجع إلى بعضهن وهي المطلقات الرجعية لكنه هنا أظهر لأنّ الأنعام بحسب الأصل مخصوص بالإبل فالاستخدام فيه ظاهر قيل وهو اعترا ضعلى الزمخشريّ حيث خص الأنعام بالإبل وهو لا يناسب مقام الامتنان ولا سياق الكلام وما جنح إليه من اقتضاء الحمل إنما يقتضي تخصيص الضمير وله نظائر في القرآن مع اشتماله على نوع من البديع فتأئل. قوله تعالى: ( {تُحْمَلُونَ} ) أي بأنفسكم وأثقالكم وليس مما حذف فيه المضاف فأقيم المضاف إليه مقامه كما قيل وقوله في البر والبحر لف ونشر مرتب وللجمع بينها وبين الفلك في هذه الخاصة الدال على المبالغة في تحملها أخرت في الذكر ولكونها غير عامة أيضاً كما مرّ. قوله: (مسوق الخ) بيان لارتباطه بما قبله وهو ظاهر. وقوله حاقهم ضمنه معنى أصابهم فعداه بنفسه وأصله أن يتعدى بالباء وناداهم وأضافهم له استعطافاً وشفقة. وقوله استئناف أي قوله ما لكم من إله جملة مستأنفة استئنافا بيانياً بتقدير سؤال هو لم أمرتنا بعبادته فكأنه قيل لأنكم لا إله لكم غيره وهي تفيد تخصيصه بالعبادة وما كان علة لتخصيص العبادة كان علة لها أو هو بيان لوجه اختصاص الله بالعبادة لأنّ عبادة الله لا تصح مع التخليط فالعلة تدلّ على الاختصاص كالمعلل فلا حاجة إلى أن يقال المراد بعبادة الله وحده وقوله: على اللفظ إشارة إلى أنّ قراءة الرفع على المحل. قوله: (افلا تخافون) أصل معنى التقوى الوقاية مما يخاف ثم استعملت في الخوف نفسه كما هنا. وقوله: أن يزيل الخ هو مفعوله المقدر بقرينة المقام وقدّره الزمخشريّ أن ترفضوا عبادة الله الذي هو خالقكم ورازقكم أي عاقبة ذلك وهو مآلاً متحد مع ما ذكره المصنف رحمه الله وفسر الملا بالإشراف لأنّ معناه كما قال الراغب جماعة مجتمعون على رأي فيملؤون العيون رواء. والقلوب جلالة وبهاء فيختص بأشراف القوم وان استعمل بمعنى الجماعة مطلقا. قوله: ( {الَّذِينَ كَفَرُوا} ) الظاهر أنّ الوصف ذكر للذم لأنّ تائل هذه المقالة لا يكون مؤمنا ولأنّ أشرافهم لم يتبعوه لقوله ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ويصح أن تكون للتمييز وان لم يؤمن بعض أشرافهم وقت التكلم بهذا الكلام لأنّ من أهله المتبعين له أشرافا وأمّا تلك الآية فعلى زعمهم أو لقلة المتبعين منهم. قوله: (أن يطلب الفضل عليكم ويسودكم) جعل طلب الفضل الدال عليه صيغة التفعل كناية عن السيادة ولذا عطفه عليه عطفا تفسيريا فلا يرد عليه أنّ الإرادة عين الطلب فيكون التقدير يطلب أن يطلب الفضل عليكم والمطلوب هو الفضل لا طلبه حتى يقال إنّ صيغة التفعل مستعارة للكمال فإن ما يتكلف له بكون على أكمل وجه مع أن الطلب ينبعث عن الإرادة لا عينها فتأمل. قوله: (أن يرسل رسولاً) هو مفعول المشيئة المقدر المفهوم من السياق وأمّا القول بأنه إنما يحذف إذا لم يكن أمراً غريناً وكان مضمون الجزاء كما قرّر في المعاني فليس بلازم وان أوهمه كلامهم لأنّ ما ذكروه ض! ابطة للحذف المطرد في فعل المشيئة لا مطلقا فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن مع أنه هنا غير مخالف لكلامهم كما توهم ولذا فسر ملائكة برسلاً وقد مر تفصيله. قوله: (ما سمعنا به أنه نبي) بدل من الضمير المجرور ليتعلق السماع به فإنه لا يكون متعلقه جثة فيكون معنى السماع به السماع بخبر نبؤته وقد جوّزوا فيه أن يكون هذا إشارة إلى الاسم وهو لفظ نوح عليه الصلاة والسلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 والمعنى لو كان نبياً لكان له ذكر في آبائنا الأوّلين وهذا الوجه وما قبله إنما يتأتى من متأخري قومه المولودين بعد بعثته بمدة طويلة فيكون المراد بابائهم من مضى قبلهم في زمنه صلى الله عليه وسلم وهذا القول صدر منهم بعد مضيهم ولا يلزم أن يكون في آخر أمره فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب كما أثبته النحاة. وقوله: ما كلمهم به معطوف على نوحا وعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل. وفي الكشاف أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام أو بمثل هذا الذي يدعي وهو بشر أنه رسول الله وما أعجب شأن الضلال لم يرضوا للنبوّة ببشر، وقد رضوا للإلهية بحجر. وقد قيل إنه قدر المثل إشارة إلى أنه لا بد من تقديره لأن عدم السماع بنوح عليه الصلاة والسلام أو بكلامه المذكور لا يصلح للرد لأن السماع بمثله كاف للقبول كما أفاده بعض المحققين من شرّاحه ومن لم يقف على مراده قال إنه لا حاجة إلى تقديره فإنّ الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات وفي قوله من الحث دون حثه إيماء إليه. نعم هو وجه آخر لا غبار عليه والظاهر أنه ليس إشارة إلى التقدير بل هو تقرير للمعنى فيتحد كلامهما فتدبر. قوله: (وذلك (أي كلامهم المذكور على الوجهين الأخيرين من أنه لم يحث أحد على عبادة الله أو لم يدع بشر النبوّة مع وقوعه إفا إنكار للواقع عناداً أو لكونهم في زمان فترة فلم يسمعوه قبله وما قيل إنه على جميع الوجوه لا وجه له. والتربص التوقف وباؤه للتعدية أو السببية فتفيد الاحتمال أو الانتظار وفاعل قال ضمير نوح عليه الصلاة والسلام. قوله: (بإهلاكهم (لا شك أن إهلاك العدوّ مستلزم لنصرته وسبب له لا عينه وهو معنى قول الزمخشريّ: في نصرته إهلاكهم فكأنه قال أهلكهم. ولو كانا مترادفين لم يقل كأنه فما قيل إنّ الزمخشريّ جعل النصرة عين إهلاكهم ولا وجه لعدول المصنف عنه سهو. قوله: (أو بإنجارّ ما وعدتهم) بقوله: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة الأعراف، الآية: 26] والإهلاك الأوّل غير ما توعدوا به فمن قال الواو أحسن لعدم التنافي بينهما لم يصب والزمخشري جعل هذا معنى قوله: بما كذبون فالباء فيه آلية وعلى ما ذكره المصنف لا يلزم تعلق حر في جرّ بمتعلق واحد لتغايرهما وترك هذا أولى فتدبر. وقوله. بدل تكذيبهم فما مصدرية والباء للبدل كخذ هذا بذاك فنصرته بدل تكذيبهم لأنه جزاء لصبره أو بدل عن تكذيبهم. قوله: (بحفظنا) مرّ في سورة هود أنّ المعنى ملتبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس التي بها يحفظ الشيء ويراعى من الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ، والرعاية على طريق التمثيل وقد سبق تحقيقه. ونزول العذاب مرفوع معطوف على أمرنا أو مجرور معطوف على الركوب في السفينة. والتنور كانون الخبز ووجه الأرض! ومنبع الماء وقوله: ومحله أي محل التنور وباب كندة باب لذلك المسجد معروف وكندة علم لقبيلة. وعين وردة علم بقعة بالشام. وقيل: بالجزيرة كما مرّ في هود وفسر عليّ كرّم الله وجهه فار التنور بطلع الفجر فقيل معناه إنّ فوران التنور كان عند طلوع الفجر وفيه بعد وقيل هو مثل كحمى الوطيس. قوله: (فأدخل (بهمزة قطع وسلك متعد هنا وأمتي الذكر والأنثى بمعنى طائفتيهما والإضافة بيانية. وقوله: واثنين تأكيد أي على هذه القراءة. وواحدين مزدوجين تفسير لزوجين إشارة إلى أنّ المراد فردان لا صنفان. قوله: (وأهل بيتك أو ومن آمن معك) من قومك لا من آمن من أهلك والتفسير هو الثاني لذكرهم معهم في سورة هود والقرآن يفسر بعضه بعضاً والأهل كما يطلق على العشيرة يطلق على أقة الإجابة وهو المراد بالثاني والاستثناء منقطع وإنما ذكر الثاني هنا ولم يذكره في سورة هود للزوم ترك المؤمنين هنا بخلافه ثمة للتصريح بهم فكان ينبغي الاقتصار عليه كما فعله بعض المتأخرين ولا يلزمه الجمع بين معنيي المشترك كما توهم وكونه تفسيراً بما لا يحتمله اللفظ لا يجدي نفعاً فلعله أدخل من آمن به في أهله وفي أهل بيته تغليبا بقرينة ما بعده ولعلمه من التصريح به ثمة، وضمير منهم لأهله بمعنييه لا لقومه كما قيل إذ هو تكلف بلا فائدة فتدبر. قوله: (بإهلاكه للكفرة (وفي نسخة الكفرة. وقوله: الذين ظلموا أقامه مقام الضمير للتنبيه على علة النهي كما أشار إليه بقوله لظلمهم بالإشراك. وقوله: بالدعاء لهم بالإنجاء قدره بقرينة ما بعده ولو عمم لصح ودخل فيه هذا بالطريق الأولى. وقوله لا محالة من التأكيدات. وقوله: إنهم مغرقون استئناف بيانيّ لتعليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 ما قبله. وقوله: لا يشفع له أي لا يخبغي أن يشفع له. وقوله: ولا يشفع فيه بالتشديد. والتشفيع قبول الشفاعة كما ورد الشفيع المشفع في المحشر وقوله: كيف أي كيف يليق أن يشفع له أو يشفع فيه وهلاكه من النعم التي أمره بالحمد عليها. وفي أمره بالحمد على نجاة اتباعه إشارة إلى أنه نعمة عليه، والحمد هنا رديف الشكر ولما كان وقوعه في مقابلة الإهلاك غير متبادر أورد الآية الأخرى تنظيراً له. قوله: (وههنا نكتة (وهي أنّ في هذه الآية إشارة إلى أنه لا ينبغي المسزة بمصيبة أحد ولو عدواً من حيث كونها مصيبة له بل لما تضمنه من السلامة من ضرره أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله ولذا قال: نجانا دون أهلكهم لأمره بالحمد هنا وصزج بقطع دايرهم ثمة فافهم. قوله: (في السفينة) إن كان قبل دخولها أو المراد أدم بركة منزلي فيها أو وفقني للنزول في أبرك منازلها لأنها واسعة إن كان بعده. فلا يقال كان حقه أن يقول اجعل منزلي. وقوله: أو في الأرض إن كان الدعاء بعد قراره في السفينة. وأعاد قل لتعدد الدعاء. والأوّل بدفع ضرر ولذا قدمه وهذا لجلب منفعة. قوله: (يتسبب لمزيد الخير في الدارين (بيان لكونه مباركاً في الدنيا بالسلامة واهلاك العدوّ وفي الآخرة لنصرة دينه وابطال الشرك الذي لم يغسل درنه غيو الطوفان وقال: يتسبب للدلالة على قوّته في السببية حتى كأنه بدون مسبب مع أن قوله ر! ت نداء بمسببه فلا يتوهم أنّ الأولى بسبب. وقوله: وقرأ غير أبي بكر منزلاً أي بضم الميم وفتح الزاي والباقون بفتح فكسر وإنما خالف عادته في جعل ما عليه أكثر القراء أصلا مع أنه المناسب لأنزلني أيضا لأنّ المنزل بالفتح أكثر في الاستعمال فيبادر إليه القارئ والتخريج المذكور جار فيهما. وفي الكشف خص المشهورة بالذكر على خلاف العادة ليفسرها. قوله: (ثناء مطابق الخ) لأنّ خبر المنزلين لا ينزل إلا منزلاً مباركا. وقوله: أمره بأن يشفعه به أي يقرن الدعاء بالثناء أو الثنا بالدعاء. وأشار إلى أنه من مقول قل. وقوله: مبالغة فيه أي في الأمر لأنّ الطلب للخير من المنازل ممن هو خير منزل يقتضي أنه ينزله وان لم يطلب حتى كأنه محقق قبل الطلب وأمّا التوسل فلأنّ الثناء على المحسن يكون مستدعيا لإحسانه وقد قالوا إنّ الثناء على الكريم يغني عن سؤاله. وقوله: أفرده أي نوحاً عليه الصلاة والسلام بالأمر بقوله قل والمعلق به أي الشرط المعلق به الأمر الذي هو جوابه وهو قوله إذا استويت أتت ومن معك. وقوله: إظهاراً لفضله وعلوّ مرتبته بأنه لا يليق غيره منهم للقرب من الله والفوز بعز الحضور في مقام الإحسان، وفيه أيضاً الدلالة على كبريائه إذ لا يخاطب كل أحد من عباده. وقوله: مندوحة أي غنى وأصل معناه السعة والغنى لأنّ المنزل ليس مخصوصاً به ولأنّ ما يصلى إليه من البركة يصل لاتباعه. وقوله: فإنه أي دعاءه محيط بهم أي يشملهم لما ذكرناه. قوله: (فيما فعل بنوح (عليه الصلاة والسلام يعني الإشارة إلى ما ذكر من أوّل قصة نوح عليه الصلاة والسلام إلى هنا. وقوله: لمصيبين إشارة إلى أنّ الابتلاء إمّا من البلية بمعنى المصيبة أو بمعنى الاختبار وان مخففة على الأصح. وقيل نافية واللام بمعنى إلا والجملة حالية. قوله: (هم عاد) أي قوم هود وليس في الآية تعيين لهؤلاء لكن هذا مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وأيده في الكشاف بمجيء قصتهم بعد قصة نوح في سورة الأعراف وهود وغيرهما وعليه أكثر المفسرين ولذا قدمه المصنف رحمه الله ومن ذهب إلى أنهم ثمود قوم صالح استدل بذكر الصيحة لأنهم المهلكون بها كما صرّح به في هذه السورة. قوله: (وإنما جعل القرن موضع الإرسال) جواب عن سؤال وهو أنّ أرسل وما بمعناه كبعث يتعدى بإلى فلم ذكر في هنا فأجاب بأنها ظرفية لبيان ما ذكر. وجعله في الكشاف من قبيل قوله: تجرج في عراقيبها نصلي وفيه نظر. قوله: (تفسير لأرسلنا (يعني أن أن فيه تفسيرية بمعنى أي وشرطها تقدم ما فيه معنى القول دون حروفه وارسال الرسل لما كان للتبليغ كان كذلك. وإليه أشار بقوله: أي قلنا الخ ويجوز كونها مصدرية وقبلها جار مقدر أي بأن الخ ثم إنه قيل إنه قدم من قومه ليتصل البيان بالمبين ويدفع توهم تعلقه بالذين كفروا لو أخر عن تمام الصلة. وهذه النكتة إنما تتأتى إذا لم يكن الذين صفة قومه بل صفة الملا ولا حاجة إلى ارتكابه. قوله: (لعله ذكر بالواو الخ) إشارة إلى نكتة ذكر الفاء في قصة نوح عليه الصلاة والسلام والواو في قصة هود عليه الصلاة والسلام هنا وتركها في هذه القصة في محل آخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 وان كان التفنن كافيا في مثله لكن اللائق بشأن التنزيل أن يكون له نكتة خاصة. وفي الكشف أنه قيل إنما الإشكال في اختصاص كل بموقعه ولم يحم الزمخشري حوله. والجواب أنه بين الفرق على وجه يتضمن دفعه وأشار إليه بقوله: وشتان ما هما كأنه قال هناك يحق الاستئناف لأنه في حكاية المقاولة بين المرسل والمرسل إليه واستدعاء مقام المخاطبة ذلك بين وما نحن فيه حكاية لتفاوت ما بين المقالتين لأنّ المرسل إليهم قالوه بعضهم لبعض. وظاهرا باؤه على الاستئناف فالجواب من الأسلوب الحكيم اهـ. وما ذكره المصنف من عدم الاتصال يفهم من العدول من الفاء إلى الواو مع ما فيه من نكتة التضاد. وكونه جواب سؤال يقتضي عدم العطف لكن اختياره ثمة يحتاج إلى مخصص فالجواب غير تام إلا بملاحظة ما في الكشف وهو لا يخلو من الإشكال فتدبر وقوله على تقدير سؤال هو ما قاله قومه في جوابه. قوله: (بلقاء ما فيها) يعني أنه مضاف إلى الظرف وترك ما يلقونه كجوار مكة أي جوار الله في مكة أو إلى المفعول على أنّ الآخرة عبارة عما فيها كما إذا أريد بالآخرة المعاد أو المراد بالآخرة الحياة الثانية وجملة أترفنا معطوفة أو حالية بتقدير قد وهو أبلغ معنى لإفادته الإشارة إلى من أحسن وهو أقوى في الذم وقوله: والعائد إلى الثاني منصوب محذوف والفاصلة ترجحه. قوله: (وإذا جزاء للشرط) كذا في الكشاف وردّه أبو حيان بأنه ليس واقعا في الجزاء بل بين أنّ وخبرها وجملتها جواب القسم على القاعدة المشهورة ولو كان جوابه صدر بالفاء عند من أجازه. وغاية ما يعتذر له بأنه تسمح في العبارة لظهور المراد فأراد أنه سادّ مسد جواب الشرط كما تسمع في جعل إذا جوابا وإنما الجواب جملة إنكم الخ. وهذا عناية القاضي وسلامة الأمير لكن يوضحه أنّ القسم غير مذكور وتقديره إنما هو للتأكيد. وقوله أيعدكم أنكم أي بأنكم، ويجوز أن لا يقدر فيه حرف كوعدته خيراً وقوله: مجرّدة الخ ما ذكره يفهم من فحوى الكلام. قوله: (وأنكم تكرير للاوّل اللتذكير والتأكيد ولما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف وخبره مخرجون وإذا متعلقة به وإذا كان مبتدأ خبره الظرف فالجملة خبر أنّ الأولى والفعل المقدر وقع. وقوله: جوابا للشرط هو إذا وفي الوجه المتقدم هي ظرفية وهو جار في هذا الوجه أيضا والجملة يعني إذا مع شرطها وجوابها وقوله أي أنكم الخ بيان لما قبله على اللف والنشر المرتب. وقوله: ويجوز الخ وتقديره إنكم تبعثون وإذا متعلقة به وهو اختيار سيبويه وقوله لا أن يكون أي خبر أنكم الظرف لأنّ ظرف الزمان لا يخبر به عن الجثة إلا بتأويل كان يقدّر أنّ بعثكم واخراجكم وهو خلاف الظاهر. قوله: (بعد التصديق أو الصحة) يعني أنّ فاعله ضمير مستتر عائد لما ذكر لفهمه من السياق. ولما توعدون بيان له فهو متعلق بمقدر كسقيا لك أي البعد المذكور كائن لما توعدون وليس متعلقاً بالمستتر لأنه لا يصخ تعلق الجارّ به على الصحيح وكلامه بعد. مصرّح بخلافه فلا يصح حمله عليه تشبثا بتجويز بعض النحاة له كما في المغني ولما كان المبين مفسراً للضمير المستتر فسره بقوله أي بعدما توعدون لأنه مآل معناه لا أنه فاعل واللام فيه زائدة لأنّ سياقه وسباقه يأباه لكنه ذهب إليه بعض المعربين وردّ بأنّ اللام لم يعهد زيادتها في الفاعل. قوله: (كأنهم لما صوّتوا الخ) إشارة إلى ما قاله الزجاج وغيره من النحاة من أنه في الأصل اسم صوت كاف للتضجر وليست مشتقة. وقوله: فما له هذا الاستبعاد أي أيّ شيء له هذا الاستبعاد كقوله تعالى {مَا جِئْتُم} به وهو أمر تقديرفي وما قيل إنّ أصله ما الذي فحذف منه الموصول لا وجه له لارتكابه الحذف من غير ضرورة فيه. قوله: (وقيل هيهات بمعنى البعد) هذا وقل الزجاج رحمه الله وهو على القول بأن أسماء الأفعال لها محل من الإعراب. وقيل: إنّ ما ذكره الزجاج بيان لحاصل المعنى- وفيها أكثر من أربعين لغة- منها ما ذكره المصنف من القراآت. وقوله: منوّناً للتنكير كما في غيره من أسماء الأفعال فإنّ ما نوّن منها نكرة وما لم ينوّن معرفة. وقوله: وبالضم منوّناً على أنه جمع هيهة كبيضة وبيضات وقد قيل: إنه مرفوع على الفاعلية أي وقع بعد وليس بشيء كالقول بنصبه على المصدرية وهذا منقول عن سيبويه وما وقع في بعض النسخ هيهية بياء بعد الهاء الثانية من غلط الناسخ. وقوله: تشبيهاً بقبل أي في مجرّد البناء على الضم. وقوله على الوجهين أي التنوين وعدمه وقوله: بالسكون الخ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 إشارة إلى ما للقراء من الطريقين فيها الوقوف بالتاء كمسلمات وبالهاء تشبيهاً بتاء التأنيث لا اتباعا للرسم كما قيل. قوله: (أصله أن الحياة إلا حياتنا الدنيا) يعني أنّ الضمير ليس للشأن بل للحياة والضمير يعود على متأخر في صور فصلها النحاة منها ذا فسر بالخير كما هنا قال الزمخشريّ هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه وأصله أن الحياة إلا حياتنا الدنيا ثم وضع هي موضع الحياة لأنّ الخبر يدلّ عليها وببينها ومنه: هي النفس تحمل ماحملت وهي العرب تقول ماشاءت قال ابن مالك وهو من جيد كلامهم لكن في تمثيله ضعف لإمكان جعل النفس والعرب بدلين وتحمل وتقول خبرين. وفي المغني أنّ في كلامه أيضاً ضعفاً لإمكان جعله ضمير القصة وأورد على كونه مفسراً بالخبر أنّ الخبر إذا كان مضافاً أو موصوفاً عاد عليه الضمير باعتبار قيده فيصير التقديران حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا فليس مراد الزمخشريّ إنه عائد على الخبر بل على ما دلّ عليه السياق وليس بشيء لأنه في المحكي ابتداء كلام ليس فيه ما يدل عليه غير الخبر ولذا لم يجعل عائداً على ما قبله من قوله: وأترفناهم في الحياة الدنيا والضمير قد يعود على الموصوف بدون صفته وقوله: تعينها لحضورها عندهم إذ لا همّ لهم غيرهم. قوله: (كقوله هي النفس ما حملتها تتحمل) تمامه: وللدهر أيام تجور وتعدل قيل عليه إنه يحتمل أن يكون النفس بدلاً من الضمير والجملة خبر أو هو ضمير الشأن وأمّا على هذا فالخبر مفسر للضمير كما في التسهيل وليس من قبيل شعري شعري كما توهم لأنّ المراد أنّ هذا شانها كقوله: فقلت لهاياعزكل مصيبة إذاوطنت يومالها النفس ذلت ... وهذا معنى قوله: في الكشف ليس المعنى النفس النفس لأنه لا يصلح الثاني حينئذ تفسيرا والجملة بعدها بيان بل الضمير راجع إلى معهود ذهني أشير إليه ثم أخبر بما بعد. كما في نحو هذا أخوك فتأمّل. قوله: (ومعناه لا حياة إلا هذه الحياة) يعني الضمير عائد إلى ما يفهم منها من جنس الحياة ليفيد الحمل ما قصدوه من نفي البعث. ومنه تعلم خطا من قال إنه كشعري شعري. وقوله ويولد بعضنا يعني المراد بالحياة ما ذكر لا حياة أخرى بعد الموت لقوله وما نحن بمبعوثين ولم يجعل الضميرين للجميع على أنّ المراد بالموت العدم قبل الوجود أو الحياة بقاء الأولاد أو على أنهم قائلون بالتناسخ كما سيأتي في الجاثية لبعده وقوله: بمصدقين لأنه معنى الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والمتعذي بالباء. قوله: (بسبب قكذيبهم) يعني ما مصدرية والباء سببية. ويصح أن تكون بدلية أو آلية كما مرّ. وقوله: عن زمان قليل يعني أنّ قليلاً وكثيراً يقع صفة للزمان ويحذف ويستغنى عنه كهقريب وقديم وحديث وعن للمجاوزة بمعنى بعد هنا وصلة بمعنى زائدة لأنّ الزائد لما كان بمعنى الحشو المهمل وهو لا يقع في كلامه تعالى إذ الزائد فيه لا يخلو عن فائدة كالتأكيد وتحسين اللفظ منعوا من إطلاقه عليه إجلالاً لكلامه تعالى عنه وان كان زائداً بالنسبة لأصل المعنى المراد ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا زائد فيه أصلاً ففسروه بوجوه أخر كما جعلت ما هنا تامة وقليل بدل منه أو موصوفة به وإلجار والمجرور متعلق بيصبحن وان كانت اللام للابتداء لتوسعهم في الظروف أو بمقدّر دل عليه الكلام كننصر أو نصبح ويصبح بمعنى يدخل في وقت الصباج ويكون بمعنى يصير وهو المراد هنا. قوله: (واستدلّ به) أي بذكر الصيحة لأنّ المهلك بها قوم صالح لا قوم هود فإنهم أهلكوا بريح عاتية كما صرّح به غير هذه السورة ومن فسره بهم قال إنّ جبريل عليه الصلاة والسلام صاج بهم مع الريح كما روي في بعض الأحاديث أو المراد بالصيحة العقوبة الهائلة كما في قوله: صاج الزمان بأهل برمك صيحة خرّوا لشدتها على الأذقان ... قوله: (بالوجه الثابت) يعني الحق بمعنى الثابت المحقق والمعنى أنه لا دافع له وإذا كان بمعنى الوعد الصدق فهو ضد الباطل ويصح أن يراد الوجوب بمقتضى وعيده إذ لا وجوب على الله عندنا. قوله: (شبههم في دمارهم بغثاء السيل (السيل معروف وغثاؤه حميله أي ما يحمله من الورق والعيدان البالية وغثاء القدر زبده. ويستعار لما يذهب غير معتد به واليه أشار المصنف رحمه الله ويجوز أن يكون تشبيهاً بليغا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 وسال به الوادي إذا هلك استعارة تمثيلية كطارت به العنقاء والدمار بالمهملة! يهالهلاك لفظا ومعنى. قوله: (يحتمل الإخبار والدعاء) البعد ضد القرب والهلاك وفعلهما ككرم وفرح والمتعارف الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني والمصدر يكون بعدا وبعداً كرشد ورشد وهو منصوب بمقدر أي بعدوا بعداً والإخبار ببعدهم من رحمة الله من كل خير أو النجاة والدعاء بذلك والمراد أنهم مستوجبون للعذاب فقوله: بعد بضم العين أو كسرها من في قوله لا يستعمل إظهارها نظر لأنّ وجوب حذف عامله عند سيبويه إنما ذكروه فيما! إذا كان دعائيا كما صرّح به في الدر المصون ففي كلامه إطلاق في محل التقييد وقوله: إظهارها من إضافة الصفة للموصوف أي لا تستعمل مظهرة. قوله: (لبيان من دعى عليه) أو من أخبر ببعده وفي الاقتصار على الدعاء إشارة إلى ترجيحه فهي متعلقة بمحذوف كما في سقيا لك والتعليل بأن إبعادهم لظلمهم كما تقرّر في التعليق بالمشتق وقوله يعني قوم صالح عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى أنّ الدليل على أنّ القرن السابق قوم صالح غير صالح للتعويل وقوله: ومن مزيدة للاستغراق يعني أنها زيدت في الفاعل لتأكيد الاستغراق المستفاد من النكرة الواقعة في سياق النفي وضمير يستأخرون لأنه باعتبار معناه. قوله: (متوا! لرين (أي متتابعين فردا فردا واختلف أهل اللغة في معناه بعد الاختلاف في لفظه هل هو مصدر أو جمع أو اسم جمع فقيل إنه التتابع والتوالي مطلقا وقيل تتابع مع فصل ومهلة كما اختاره الحريري في الدرّة وانتصابه على الحال كما أشار إليه بقوله متواترين وقيل إنه صفة مصدر مقدر أي إرسالاً تترى وقيل مصدر لأرسلنا لأنه بمعنى واترنا وقوله والتاء أي الأولى بدل من الواو كما في تجا. وتجيه وهو كثير والدليل عليه الاشتقاق وكثرة فعلى في الأسماء ومفعول كديجور دون تفعل وتفعول كما في تولج المقرّ الوحش وكناسه لأنه يلج فيه. وتيقور بمعنى الوقار وقوله على أنه مصدر ظاهره أنه في القراءة الأولى ليس بمصدر مع أنه قيل به كما مرّ ونظيره دعوى وألف التأنيث في المصادر كثيرة فتعليله غير تام فالظاهر أن يقول على أن ألفه للإلحاق كارطي لكن ألف الإلحاق في المصادر نادرة وقيل إنها لا توجد فيه وقيل إنه عليه تتر بوزن فعل ورد بأنه لم يسمع إجراء حركات الإعراب على رائه وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وقوله بمعنى المواترة إن أراد أنه حال من ضمير أرسلنا فهو على ظاهره وان كالف حالاً من المفعول ففيه مسامحة ولذا وقع في بعض النسغ المتواترة أي الوسل المتوإترة وهي أظههـ. قوله: (أضاف الرسول) أي في قوله رسلنا ورسولها لما ذكر ولأنّ الإضافة للملابسة والرسول ملابس المرسل والمرسل إليه وقوله لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها بالبناء للمجهول مخفف من السمر وهو حديث الليل يعني أنهم فنوا ولم يبق إلا خبرهم إن خيرا وان شرّا: وانما المرءحديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى ... قيل وهو ردّ على الزمخشريّ في دعوى تعين المعنى الثاني أي كونه جمع أحدوثة للإرادة هنا فإنّ الأوّل صحيح كما لا يخفى ولعله إنما اختاره لأنه أنسب وأقيس كما لا يخفى. قوله: (وهو اسم جمع للحديث) تبع فيه الزمخشريّ وقد مرّ أنّ اصطلاحه أن يطلق اسم الجمع على الجمع الذي ليس بقياسيّ كاسم المصدر للمصدر غير القياسي لا على ما اصطلح عليه النحاة من أنه ما دل على الجمعية ولم يكن على شيء من أوزانها وليس اسم جنس جمعيّ فلا يرد عليه ما قاله أبو حيان من تخطئته بأنّ أفاعيل ليس من أبنية اسم الجمع فالصحواب أنه جمع حديث على غير القياس وأنّ كون الأحدوثة أمراً مستغربا يحدث به للتلهي والإضحاك هو الأكثر وقد ذكر بعض أئمة اللغة أنه ورد بمعنى الحديث كقوله: فيا حبذا أحدوثة لو تعيدها فتذكر وقوله بالآيات التسع مرّ تفصيلها والكلام عليها في سورة بني إسرائيل وهرون بدل أو عطف بيان وتعرّض لإخوّته للإشارة إلى تبعيته له في الرسالة. قوله: (وحجة وا! حة ملزمة للخصم) لأنّ السلطان يطلق عليها فعطفه حينئذ ظاهر وقوله واضحة على أنه من أبان اللازم لأنه يكون لازماً ومتعديا فقوله ملزمة لأنه شأن الواضح ولازمه وفيه إيماء إلى جواز كونه من المتعدي فإن أريد به العصا يكون من ذكر بعض الأفراد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 بعدما يشمله لتفرّده بالمزايا كأنه شيء آخر واليه أشار بقوله وإفرادها وقوله ما أفكته السحرة أي ما لبسته من الخيال وهو من قولهم أفكه عن رأيه إذا صرفه عنه كما في الأساس والمراد بحراستها حراستها لموسى عليه الصلاة والسلام أو غنمه كما مرّ والرشاء بالكسر حبل الدلو وقوله وأن يراد بها المعجزات هو عكس تفسيره الأوّل وإذا أريد بها المعجزات فهو من تعاطف المتحدين في الما صدق لتغاير مدلوليهما كعطف الصفة على الصفة مع اتحاد الذات أو هو من باب قولك مررت بالرجل والنسمة المباركة حيث جرّد من نفس الآيات سلطان مبين وعطف عليه مبالغة وأفراده حينئذ لأنه مصدر في الأصل أو لاتحادهما في المراد وقوله فإنها بيان لإطلاقهما عليها. قوله: (عن الإيمان والمتابعة الأنهما دعوا فرعون وملأه إلى ذلك كما صرّح به في آيات أخر كقوله فقل هل لك إلى أن تزكي وأهديك إلى ربك فتخشى ولا ينافيه أنهما طلبا منه خلاص بني إسرائيل ليذهبوا معه إلى الشام لأنهما ذكراه تدريجاً في الدعوة واهتماما بخلاصهم من الأسر فدعوى أنه هو المراد لا ما ذكره المصنف رحمه الله مكابرة كيف لا والإرسال بالمعجزات لم يكن لذلك. وقوله بعده فكذبوهما تفسير هنا وعدم إجابة سؤاله لا يناسبه الاستكبار ظاهرا. وقوله متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم فالعلوّ معنوفي. قوله: (البشر) يطلق على الواحد وغيره لأنه اسم جنى والمثل في الأصل مصدر وقد ثنيا وجمعا كقوله لبشرين هنا وعباد أمثالكم فلذا ثني بشر وأفرد مثلى وهذا هو المصحح وإنما الكلام في المرجح لتثنية الأوّل وأفراد الثاني وهو الإشارة بالأوّل إلى قلتهما وانفرادهما عن قومهما مع كثرة ملتهم واجتماعهم وشدة تماثلهم حتى كأنهم شيء واحد وهو أدل على ما عنوا. قوله: (بأن قصارى شبه المنكرين) أي غايتها وأعظمها لتكرّره منهم كما سمعته في الآيات المسابقة والحقيقة البشرية والإنسانية وقوله متباينة بمعنى متباعدة والأقدام جمع قدم وهي معروفة وتباين الإقدام كناية عن التفاوت فيما بينها والمراد تفاوتها بجعل الله لا بأمر ذاتيّ كما تدعيه الحكماء كما مرّ وكما ترى متعلق بقوله يمكن وقدم لأنه دليل لما بعده وأغبياء بالموحدة جمع غبيّ وبينه وبين أغنياء تجنيس وعاد عليه بمعنى أفاده والراذة كالمردّة الفائدة كالعائدة وقوله أغنياء عن التعلم لكونها أنفسا قدسية ملهمة محدثة وهذه مرتبة من مراتب النبوّة يعلم من إثباتها إثبات غيرها كتخصيصم بالوحي فلا يتوهم أنّ ما ذكره لا يثبت المدّعي واليه أشار بقوله فيدركون الخ. قوله: (وإليه أشار بقوله الخ الأنه كما قال الراغب تنبيه على أنّ الناس متساوون في البشرية وإنما يتفاضملون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة ولذا قال بعده يوحى إليّ تنبيها على أني بذلك تميزت عنكم. قوله: (خادمون متقادون كالعباد) قيل ففي عابدون استعارة تبعية بناء على أنه مجاز فيه في متعارف اللغة وان صرّح الراغب أن العابد بمعنى الخادم حقيقة وفي الكشاف أنه كان يدعي الإلهية فادّعى للناس العبادة وأنّ طاعتهم له عبادة على الحقيقة. واعترض عليه بأنّ الإسناد إلى ملئه يأباه والتغليب خلاف الظاهر ولذا لم يعرّج المصنف رحمه الله على هذا الاحتمال مع كونه حقيقة ومنهم من وجهه بأنه لم يثبت عند المصنف وقوله أنا ربكم إلا على ليس بقطعيّ فيه وقد ذكر المصنف رحمه الله أنّ بني إسرائيل كانوا مؤمنين والقول بأنه ليس بموجه إذ اذعاء الإلهية صرّج به المصنف وكون بني إسرائيل مؤمنين لا ينافي اذعاءه أنّ طاعتهم له عبادة لا يخفى ضعفه فإنّ هذا القائل لا ينكر ادّعاءه الألوهية وإنما ينكر عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يذعي عبادتهم له. وكونه ليس بثبت مما لا شبهة فيه. قوله: (فكانوا من المهلكين بالغرق في بحر قلزم (التعقيب أمّا لأن المراد محكوم عليهم بالإهلاك أو الفاء لمحض السببية أو هم لما استمرّوا على التكذيب صح التعقيب باعتبار آخره وهذا أولى لعدم التجوّز فيه وقلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة بقرب الطور وإليه يضاف بحر القلزم والمعروف فيه التعريف بأل. قوله: (لعل بني إسرائيل الخ الم يذكر هرون عليه الصلاة والسلام لأنها نزلت بالطور وهو غائب لكونه خليفة في قومه والرجاء بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام وفي الكلام مضاف مقدر أي قوم موسى وضمير لعلهم عائد عليه بقرينة الجمعية وانفهامهم من ذكر موسى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 ولذا فسره المصنف بلعل بني إسرائيل وأمّا كونه أريد بموسى قومه كما يقال تميم وثقيف فيرد عليه أنّ المعروف في مثله إطلاق أبي القبيلة عليهم واطلاق موسى على قومه وفرعون على ملئه ليس من هذا القبيل وان كان لا مانع منه ثم إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما مرّ في سورة هود في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} الآية إذ جوّز فيها إرادة التوراة والقول بأنّ تمام الإرسال ودوامه إرسال فيصح ملابسته للتوراة ولو بعد غرق فرعون وقوله لعلهم يهتدون هنا مانع منه. تكلف وتعسف وأقرب منه أن يقال إن كونه كذلك وجه لهم والمصنف ليس على يقين منه لأنه استشهد في الكشاف على أق نزولها بعد غرقه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} وردّ بأنه لا سبيل إليه ضرورة أنه ليس المراد بالقرون الأولى ما يتناول قوم فرعون بل هم من قبلهم من المهلكين خاصة كقوم نوج وهود وصالح ولوط كما سيأتي في القصص ولا يخفى أنّ تقييد الأخبار بإتيانه التوراة بأنه بعد إهلاك من قبله من الأمم معلوم فلو لم يدخل هؤلاء فيهم لم يكن فيه فائدة. وأمّا ما ذكر ثمة من النكتة فيه فسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى. قوله: " لى المعارف والأحكام) قيل الاهتداء بالعمل بشرائعها ومواعظها لأنّ الاهتداء بالكتب الإلهية إنما يحصل بالعمل بما فيها لا بعلمها وردّ بأنّ المراد بالأحكام الأحكام العملية فتفسيره شامل للعلم والعمل وهو أفيد. وقوله لا بعلمها مما لا وجه له فإنّ فيها ما هو محض اعتقاد وإذعان كالعقائد وما هو عمليّ كالفروع. وكونه من الاقتصار على ما هو الأصل والعمدة وان جاز لا داير له مع تحمل عبارته للتعميم وهو أولى. قوله: (بولادتها إياه) يعني أنه كان المتبادر آيتين فجعلهما آية واحدة لأن الخارق للعادة أمر واحد مشترك بينهما وهو ولادتها من غير زوج هو أب له فافرده لأنه مفرد في الواقع متعدد باعتبار أنه أمر نسبيّ متعدد باعتبار طرفيه أو هو على تقدير مضاف أي حالهما أو ذوي آية أو هو على حذف آية من الأوّل لدلالة الثاني عليه ولم يجعل الحذف من الثاً ني لما فيه من عدم الفصل على هذا وفي الآخر الفصل بين المفعولين وليس هذا من التنازع كما توهم ولك أن تقول إن إفراده لأن الآية إذا كانت بمعنى المعجزة أو الإرهاص فإنما هي لعيسى عليه الصلاة والسلام لنبوّته دون مريم والسؤال إنما يتاتى إذا أريد أنها آية على قدرة الله وقوله بأن تكلم في المهد الخ قيل عليه إنه يدلي على أنّ تكلمه صلى الله عليه وسلم في المهد معجزة له وهو مخالف لجعله قوله في المهد وجعلني نبياً من التعبير بالماضي عما يستقبل الخ وليس بشيء لأنه في المهد لا يتصؤر دعوته صلى الله عليه وسلم للخلق حتى يكون نبيا بالفعل وما صدر منه إرهاص وتسميته معجزة تجوز كما لا يخفى فلا غبار عليه. قوله: (وآويناهما إلى ربوة) لأنّ الملك همّ بقتله ففرّت به والربوة ما ارتفع من الأرض دون الجبل ودمشق علم لولد لنمروذ سميت به المدينة كما قاله أبو عبيدة وقرى مصر كل واحدة منها على ربوة مرتفعة لعموم النيل في زيادته لجميع أرضها كما هو مشاهد، ورباوة بمعنى ربوة وبيت المقدس قيل إنه أرفع بقعة في الأرض! ولذا كان المعراج ورفع عيسى عليه الصلاة والسلام منه وقوله: مستقرّ من الأرض منبسطة يعني به أنّ القرار بمعنى الثبات ويكون بمعنى مستقرّ كما مرّ وكون الربا الهضبات قازة ثابتة معلوم لا فائدة في التوصيف به فالمراد أنها ربوة في واد فسيح تنبسط به نفس من يأوي إليه أو المراد أنها محل صالح لقرار الناس لما فيه من الزروع والثمار وهو المناسب لقوله ومعين فقوله مستقرّ تفسير للمضاف أو المضاف إليه ومنبسطة بمعنى مستوية، ويجوز أن يريد سارة فإنه يستعمل بهذا المعنى. قوله: (وماء معين (إشارة إلى أنه صفة موصوف مقدر وقوله ظاهر جار تفسير له على الوجوه الآتية واختلف في وزنه فقيل الميم أصلية ووزنه فعيل من معن بمعنى جرى ويلزمه الظهور لأن الماء الجاري يكون ظاهر أو المراد اللزوم العرفي الاغلبي فلا يرد عليه إنّ من الماء ما يجري تحت الأرض وأصل معناه الإبعاد ومنه أمعن النظر وقوله أو من الماعون وهو المنفعة أي أو هو ماخوذ من الماعون ومشتق منه بالاشتقاق الكبير وهو المنفعة وله معان أخر فإطلاقه على الماء الجاري لنفعه واليه أشار بقوله لأنه الخ. قوله: (أو مفعول) أي وزنه في الأصل مفعول فأعل إعلال معيب وبابه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 فالميم زائدة وهو من عانه بمعنى أبصره بعينه كرأسه بمعنى أصاب رأسه وركبه ضربه بركبته. قوله: (وصف ماؤها) أي الربوة بذلك أي بالمعين والتنزه المسرّة وانشراح الصدر من النزهة وأصل معناه التباعد ثم استعمل في العرف للخروج للبساتين ونحوها وقيل مكان نزه لما فيه من الرياض والرياحين لأنه يكون غالبا متباعداً عن العمران وليس بخطا كما زعمه الحريري وصاحب القاموس كما فصلناه في شرح الدرة. قوله: (نداء) يعني أنّ النداء والخطاب ليس وضعهما فيه على ظاهرهما لاختلاف أزمنتهم وهو كذلك سواء جوّز خطاب المعدوم أو لا لأنّ تعلق التخيير بالاتفاق لا يجوز فليس نفحة اعتزالية وقد غفل عنها المصنف كما توهم. قوله: (فيدخل تحتة عيسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أوّليا الخ) فالمعنى وكنا نقول لهؤلاء يا أيها الخ وإضمار القول كثير وإنما صرّح بدخول عيسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أوّلياً ليظهر اتصاله بما قبله بخلافه على الحكاية فانه لا يدخل في منطوقه وإنما يدخل التزاما لاقتدائه بهم. قوله: (أو يكون ابتداء كلام الخ) بالعطف بأو الفاصلة أي من غير تقدير فهو استئناف نحويّ أو بياني بتقدير هل هذه التهيئة مخصوصة بعيسى عليه الصلاة والسلام أولاً وهو معطوف على ما قبله في الوجه الأوّل وقوله لم تكن له خاصة أي لعيسى عليه الصلاة والسلام خاصة، وكونها له من قوله آويناها الخ وقوله: واحتجاجا على الرهبانية أي احتجاجاً على تركها أو خلافها والرفض كالترك لفظاً ومعنى. وقوله: إباحة الطيبات إشارة إلى أنّ الأمر للإباحة والترفيه على أنّ المراد بالطيبات ما ذكره المصنف واعترض! عليه بأنه يحتمل أن يراد بالطيب ما حل والأمر تكليفيّ فلا يتمّ الاحتجاج وردّه بأنّ السياق يقتضي الأوّل ويؤيده تعقيبه لقوله وآويناهما كما في الكشاف يعارضه قوله واعملوا صالحا فإنه يرجح ما ذكره المعترضى وفي نسخة وبكون بالواو على أنه ابتداء كلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أي وقلنا يا محمد إنا قلنا للرسل الخ فهو معطوف على ما قبله وهو مع ما قبله كلام واحد أو هو جواب سؤال مقدر كما مرّ قيل وهو الوجه فتأمّل. قوله: (أو حكاية الخ) معطوف على قوله ابتداء كلام وقيل على قوله نداء وفي نسخة بدون أو فهو تتميم لقوله احتجاجا على الرهبانية التي ابتدعتها النصارى والصحيح في النسخ الأولى وهو متصل حينئذ بما قبله لا ابتداء كلام والتقدير آويناهما وقلنا لهما هذا أي أعلمناهما أنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم خوطبوا بهذا فكلا واعملا اقتداء بهم هذا على تقدير وجود العاطف ويحتمل أن يكون حالاً أي يوحى إليهما أو قائلين لهما. وقوله: لما ذكر اللام فيه زائدة للتقوية وهو متعلق بقوله حكاية ولعيسى أيضاً متعلق به ولا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد كما توهم حتى يقال إنّ الجارّ الثاني متعلق بذكر مع أنه أورد عليه أنّ الحكاية لهما لا لمحمد بأن يكون حكاية ما أوحى إليهما ودخول عيسى عليه الصلاة والسلام أولى بطريق الوحي لا الاقتداء فظهر أنّ قوله لعيسى ليس متعلقا بذكر ليكون المعنى حكاية لمحمد ما ذكر لعيسى كما توهم وليقتديا متعلق به أيضا. قوله: (وقيل النداء له) أي لعيسى عليه الصلاة والسلام وهو معطوف على قوله نداء وخطاب لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنّ ضمير الجمع أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم تعظيما بما شرّفه الله به وما وقع في شرح التلخيص تبعا للرضي من أنّ قصد التعظيم بصيغة الجمع في غير ضمير المتكلم لم يقع في الكلام القديم خطأ لكثرته في كلام العرب مطلقاً بل في جميع الألسنة وقد صرّح به الثعالبي في فقه اللغة وكان فيه شبهة عندي لكونه من الأدباء حتى رأيته في كثير من كلام المتقدمين ولولا خوف الملل لأوردت لك من النقول ما لا يحصى. فحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله: (والطيبات ما يستلذ به) فالأمر للإباحة والترفيه وإذا كان الحلال فهو تكليفي كما مرّ وقوله الحلال الخ في الكشاف الرزق حلال وصاف وقوام فالحلال الذي لا يعصى الله فيه والصافي الذي لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل انتهى لأنّ فعالاً اسم آلة فالمراد ما به قوام الإنسانية وهذا تقسيم للرزق أمّا القسم الأوّل منه فظاهر وأمّا الثاني فأخص من الأوّل لأنه حلال لا يمنع عن حقوق العبودية وأمّ الثالث فمقدار الكفاية وهو أخص من الثاني فقوله الصافي القوام صفتان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 للحلال وقوله فأجازيكم عليه لأنّ علم الله يذكر ويراد به الجزاء كما مرّ تحقيقه. قوله: (والمعلل به فاتقون الخ) يعني أنه على قراءة الفتح والتشديد قبله لام تعليل جارة مقدرة فلما حذفت جرى فيه الخلاف المشهور وهذه اللام متعلقة باتقون والكلام في الفاء كالكلام في فاء قوله تعالى {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} وهي للسببية أو للعطف على ما قبله وهو اعملوا والمعنى اتقوني لأنّ العقول متفقة على ربوبيتي والعقائد الحقة الموجبة للتقوى. وقوله أو واعلموا معطوف على قوله ولأنّ أو هو مفعول لأعلموا مقدر معطوف على اعملوا. 587 قوله: (معطوف على ما تعملون (والمعنى إني عليم بما تعملون وبأن هذه أمّتكم أمّة واحدة الخ فهو داخل في حيز المعلوم قيل إنه مرضه لعدم جزالة معناه وقوله على الاستئناف لأنه معطوف على جملة إني المستأنفة والمعطوف على المستأنف مستأنف لا لأنّ الواو ليست بعاطفة كما قيل وهذه إشارة إلى ما بعده أو إلى الملة وقوله بالتخفيف أي بفتح الهمزة وسكون النون مخففة من أنّ الثقيلة. قوله: (ملتكم الخ (أصل معنى الأمّة جماعة تجتمع على أمر ديني أو غيره ثم أطلقت على ما يجتمعون عليه كما أشار إليه الزجاج بتفسيره بالطريقة والى المعنيين أشار المصنف رحمه الله والحال المذكورة مبينة لا مؤكدة وهي من الخبر والعامل معنى الإشارة وخطاب أفتكم للرسل عليهم الصلاة والسلام أو عامّ وقوله فاتقون قيل إنه اختير على قوله فاعبدون الواقع في سورة الأنبياء لأنه أبلغ في التخويف لذكره بعد إهلاك الأمم بخلاف ما ثمة وهذا بناء على أنه تذييل للقصص السابقة أو لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام لا ابتداء كلام فإنه حينئذ لا يفيده إلا أن يراد أنه وقع في الحكاية لهذه المناسبة كما قيل. قوله: (في شق العصا ومخالفة الكلمة) شق العصا العصيان ومخالفة الكلمة مفارقة الدين والجماعة أو هو عطف تفسيري واتحاد الملة سبب لإبقائه وكذا علم الله به فلا ركاكة فيه معنى. قوله: (فتقطعوا أمرهم (يعني أنّ تقطع بمعنى قطع كتقدم بمعنى قدم متعد وفي نسخة فتقطعوا أي تقسموا وقوله جعلوه أديانا تفسير له والمراد بأمرهم أمر دينهم أمّا على تقدير مضاف أو على جعل الإضافة عهدية فالأمر هو الديني وهذا جار على تفسيري الأمّة وليس ناظراً إلى تفسير الأمّة بالملة كما قيل وقوله فتفزقوا على طريق المجاز وجعل التفعل لازما وليس ناظراً إلى تفسير الأمّة بالجماعة وعلى هذا أمرهم منصوب بنزع الخافض أي في أمرهم أو التمييز عند من أجاز تعريفه وهم الكوفيون. قوله: (والضمير لما دل عليه الآمّة (إن كانت بمعنى الملة أولها إن كانت بمعنى جماعة الناس أو بمعنى الملة على الاستخدام ولا يتعين هذا على الثاني كما توهم فتأمّل ولم يجعله للمخاطبين التفاتاً لأنهم أنبياء ولا يصح إسناد التقطع إليهم بالمعنى المذكور بخلاف ما في سورة الأنبياء ولا إلى الناس كما قيل. قوله: (قطعاً جمع زيور الذي بمعنى الفرقة (بضمتين بمعنى قطعاً جمع زبور بمعنى فرتة قال الراغب قوله فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً أي صاروا فيه أحزابا وهو مروفي عن الحسن وذكره في القاموس وقوله ويؤيده أي كونه بمعنى قطعا وفرقا القراءة بضم الزاي وفتح الباء فإنه مشهور ثابت في جمع زبرة بمعنى قطعة وإنما غير المشهور فيه زبور فما قيل إنه رد للزمخشري في جزمه بكون زبرا بضمتين جمع زبور بمعنى الكتاب لا غير إلا أن هذا إنما يتم إذا ثبت ما ذكره عن أئمة اللغة لا وجه لما سمعته وقوله حال من أمرهم أو من الواو أو مفعول ثان على التفسيرين. قوله: (وقيل كتبا (جمع زبور وزبرت بمعنى كتبت وزبور فعول بمعنى مفعول كرسول وقوله مفعولاً ثانياً لتقطعوا المتعذي بمعنى الجعل أو حال على لزومه وقيك إنها حال مقدرة أو بنزع الخافض أي في كتب ومرضه لما فيه من الخفاء لاحتياجه إلى التأويل بأن يراد فرقوها في كتب كتبوها أو يراد بالكتب الأديان أو يقدر مضاف أي مثل الكتب السماوية عندهم أو في اختلافهما فتأمل وقوله من المتحزبين أي المجتمعين لا المنقطعين وقوله معجبون بيان للمراد منه وأصل معناه السرور وانشراح الصدر. قوله: (شبهها بالماء الذي يغمر الخ (لما ذكر توزعهم واقتسامهم ما كان يجب الاتفاق عليه وفرحهم بباطلهم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم دعهم في جهلهم تخلية وخذلانا لعدم فائدة القول لهم وسلاه بالغاية وعلى الثاني لما ذكر فرحهم بالغفلة والغرور جعلهم لاعبين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 والأوّلء أظهر وعلى الوجهين هو استعارة تمثيلية مبنية على التشبيه لكن وجه الشبه مختلف فيهما كذا قرّره شراح الكشاف ويصح أن يكون استعارة تصريحية أو مكنية والجامع الغلبة والاستهلاك فيه وقوله إنّ ما نعطيهم إشارة إلى أنّ ما موصولة لا كافة وقد جوّز فيها أن تكون مصدرية. قوله: (بيان لما (فهو حال وقوله وليس خبرا له أي لما التي هي اسم وإن وليس خبراً لها لأنّ الله أمدهم بالمال والبنين فلا يعاب ولا ينكر عليهم اعتقاد المدد بهما كما يفيده الاستفهام الإنكاري وقد قيل عليه إنه لا يبعد أن يكون المراد ما يجعله مددا نافعاً لهم في الآخرة ليس المال والبنين بل الاعتقاد والعمل الصالح كقوله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ورد بأنه خلاف الظاهر فلا يحمل عليه بدون قرينة وأنه يبعده تعلق الإمداد بهم فإن المناسب أن لا يذكر المفعول على معنى نمد من نمده أو نفعل الإمداد وفيه نظر وقوله فإنه أي الحسبان المتعلق به!. قوله: (والراجع محذوف) أي العائد من الخبر وهو قوله به بقرينة ذكره في الصلة إلا أنّ حذف مثله قليل وقيل الرابط الاسم الظاهر وهو الخيرات وهو مذهب الأخفش واكرامهم مهم عطف تفسير للخير وقوله بل هم كالبهائم حمل قوله لا يشعرون على أنه ليس من شأنهم الشعور لأنه أبلغ والمسارعة في الخير المبادرة إلى ما هو خير لهم وقوله وكذلك أي قرئ وقوله فيهما أي في يسرع ويسارع والممد به المال والبنون وقوله ويسارع أي قرى يسارع. قوله: (من خوف عذابه) إمّا إشارة لتقدير مضاف أو بيان للمراد من خشية الله ومن في المفسر والمفسر تعليلية أو صلة لمشفقون كما ذهب إليه المعرب لكنه لا يلائم تفسير المصنف لأنّ الحذر والخوف ليس من نفس الخوف بل من المخوف إلا أن تجعل إضافة الخوف إلى العذاب والخشية إليه على تقديره من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العذاب المخشى والمخوف وقد تقدّم في سورة الأنبياء الفرق بين الشفقة والخشية وذكرنا ما فيه ثمة وقول ابن عطية هنا أنّ من خشية لبيان جنس الإشفاق يريد أنها صلة له مبينة للمشفق منه فلا قلاقة فيه كما زعمه المعرب. قوله: (بآيات ربهم) أي بعلامات ربوبيته واليه أشار بقوله المنصوبة أو بكلامه واليه أشار بقوله المنزلة وهو متعلق بقوله يؤمنون والباء للملابسة وقوله بتصديق مدلولها بدل منه أو عطف بيان لتفشر الملابسة فيه فلا حاجة إلى جعله متعلقاً به بعد اعتبار تعلق الأوّل لدفع المحذور كما توهم. قوله: (شركا مليا ولا خفياً) كالنفاق وقوله يعطون ما أعطوه تفسير على قراءة اكثر من الإيتاء فيهما بمعنى الإعطاء للصدقات وقراءة غيرهم من الإتيان فيهما وهو الفعل للطاعات وهو المروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم كما أسنده المحدّثون متصلاً وان قيل إنّ في سنده ضعفا واقتصر أبو البقاء على الخلاف في أتوا وليس بجيد قالوا وهي قرأءة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنون أن المحذثين نقلوها عنه ولم يدوّنها القراء من طرقهم والا فجميع القراآت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اصورح للمفسرين كما في التوشيح. قوله: (خائفة) وهو معنى قوله في غير هذه السورة الوجل اضطراب النفس لتوقع ما يكره وهذا التفسير جار على الوجهين وقوله فيؤاخذ به بصيغة المجهول وبه قائم مقام الفاعل أو المعلوم والضمير لله فليس الأظهر أن يقال فيؤاخذوا بالجمع كما قيل وخص الخوف بما ذكر لمناسبته ولو عممه صح. قوله: (لأن مرجعهم) أي رجوعهم إلى الله فهو على تقدير اللام التعليلية أو على تقدير من الابتدائية التي يتعدى بها الخوف في نحو خاف من ألله وليست من السببية حتى يقال أو للتخيير في التعبير والتقدير فإنه خلاف الظاهر وقوله وهو يعلم ما يخفى عليهم أي من عدم القبول أو وقوعه على ما لا يليق فيؤاخذهم به وهو بيان لوجه التعليل فيه وليس هذا ناظرا إلى قوله أن لا يقع على الوجه اللائق فقط كما توهم. قوله: (يرغبون في الطاعات الخ) إشارة إلى أنه ضمن معنى الرغبة أو هو كناية عنها فلذا عدى بفي دون إلى والمبادرة العجلة وهي تتعدى بإلى وبنفسها كما في القاموس ولذا استعمله المصنف بهما والنيل بمعنى الوصول أو الأخذ وبالمبادرة متعلق به أو بيسارعون ولو عمم لهما صح وقوله فيكون إثباتا لهم الخ ففيه مقابلة وطباق للآية المتقدمة ولذا قال في الكشاف إنه أحسن مما قبله وجملة أولئك خبر أنّ. قوله: (لأجلها فاعلون السبق) بمعنى أن سبق المتعدي نزل هنا منزلة اللازم واللام تعليلية لا مقوّية وقوله لأجلها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 أي الخيرات الدنيوية لأنها هي المتصفة بأنهم فاعلون لها فكونه ناظرا إليهما كما قيل خلاف الظاهر فتأمّل وفيه إشارة إلى ترجيح الثاني كما مرّ. قوله: (أو سابقون الناس إلى الطاعة) فهو متعد لمفعولين أحدهما مفعول وهو ما تعدى إليه بنفسه والثاني بواسطة لأنه يتعدى بإلى واللام وقوله أو الثواب بمعناه المعروف وهو أعمّ من الجنة لا الدنيوي. قيل المراد بالخيرات المعنى الأوّل وهو الطاعات والمفعول غاية متأخرة وقد يتوهم أنّ إلى الطاعة وما بعده تفسير ولذا قيل الأظهر المثوبة لتأنيثه فتأمّله وقوله أو الجنة فسبقهم في القيامة وليس وجها آخر كما توهم. قوله: (أو سابقونها) يعني أنه متعد للضمير بنفسه واللام مزيدة حسن زيادتها كون العامل فرعيا وتقديم المعمول المضمر وأعترض عليه في البحر بأنه غير صحيح لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق فكيف يقال هم يسبقون الخيرات وهذا معنى قول بعض شرإح الكشاف فيه أنّ الخيرات على هذا مسبوق إليها لا مسبوقة وفي الدر المصون كلام في ردّه لا طائل تحته وهذا كله غفلة عن قوله ينالونها فإنه أراد به أنّ المراد به حينئذ لازم معناه وهو النيل فلا يتوجه عليه شيء لكنه لا يخلو عن تكلف لما فيه من دعوى التجوّز والزيادة من غير ضرورة وقوله هم لها عاملون أي إياها عاملون كما فيما نحن فيه وفي الكشاف ويجوز أن يكون لها سابقون خبراً بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله: أنت لها أحمد من بين البشر يقال لمن يطلب منه أمر لا يرجى من غيره أنت لها أي أنت معد لفعل مثلها من الأمور العظيمة وهي من بليغ كلامهم وهو معنى الآية على إعرابه خبراً بعد خبر كقوله: مشكلات أعضلت ودهت يارسول الله أنت لها ... قوله: (قدر طافتها) تفسير للوسع والتحريض لأنّ الأعمال الصالحة إذا كانت مقدورة فتركها من قصور الهمم والمراد بصحيفة الأعمال جنسها وقوله لا يوجد فيه الخ إشارة إلى أنّ النطق استعارة هنا وقوله في غفلة إشارة إلى ما مرّ وهؤلاء إشارة إلى الصالحين أو إلى الجميع. قوله: (متجاوزة لما وصفوا الخ) وصفوا بصيغة المجهول والمتجاوز! عنه من الصفات إمّا صفات الكفار بأن يكون لهم صفات أخبث مما وصفوا به أو صفات المؤمنين فهم متجاوزون عما يحمد إلى ما يذم وقوله متخطية بالباء من التخطية للرقاب والصفوف بمعنى التجاوز وفي بعض التفاسير وقيل متخطية لما وصف به المؤمنون من الأعمال الصالحة المذكورة وفيه أنه لا مزية في وصف أعمالهم الخبيثة بالتخطي لأعمال المؤمنين الحسنة وقيل متخطية عما هم عليه من الشرك ولا يخفى بعده لعدم جريان ذكره ولا يخفى سقوطه لأنّ ما وصف به المؤمنون ما في حيز الصلات من عدم الشرك والخوف من الله والطاعة والصدقة وتجاوزهم عنها اتصافهم بأضدادها وأيّ مزية أتمّ من هذا والشرك مستفاد من قوله في غمرة من هذا وهو غنيّ عن البيان. قوله: (معتادون فعلها) هو من جعلها عملاَ كما هو في المتعارف ومن التعبير بالاسم الدال على الثبوت والغاية الدالة على امتداده وقوله: أو الجوع الخ هو وارد في الحديث الححيح عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي تفسير. في سورة الدخان والوطأة المشي لشدة وهي مجاز عن الوقعة المزلة وسني يوسف جمع سنة والمراد بها القحط وهي معروفة بالقحط وقوله فاجؤوا إشارة إلى أنّ إذا فجائية والجؤار الصراخ وخصه بالاستغاثة بقرينة المقام والشرط إذا وقوله والجملة مبتدأة يعني أنّ حتى هنا حرف ابتداء لا عاطفة ولا جازة وقد مرّ تفصيله في سورة الأنعام. قوله: (ويجوز أن يكون الجواب الخ) وقدره بالقول لأن النهي لا يكون جوابا بدون الفاء وحينئذ يكون إذا هم يجأرون قيداً للشرط أو بدلاً من إذا الأولى وعلى الأوّل المعنى أخذنا مترفيهم وقت جؤارهم أو حال مفاجأتهم الجؤار لجواز كون إذا ظرفية أو فجائية حينئذ. قوله: (تعليل للنهي الخ) يعني أن النصر ضصور، معني! المنع أو تجوز به عنه فمن صلته أو هو بمعناه ومن ابتدائية وقيل إنه سمع نصره الله منه أي جعله منتصرا منه بلا تضمين وقوله تعرض! ون مدبرين يعني أنّ النكوص الرجوع فاستعير للإعراض والأدبار والإعقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل والرجوع على عقبيه الرجوع في طريقه الأولى كما يقال رجع عوده على بدئه قاله الراغب وقيل إنه للتاكيد كاً بصرته بعيني. قوله: (الضمير للبيت (أي الكعبة وقريب منه أنه للحرم ولما لم يجر له ذكر هنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 اعتذر عنه بأنه معلوم بقرينة ذكر المشركين وأنّ استكبارهم وافتخارهم به أشهر من أن يذكر واليه أشار بقوله وشهرة الخ وقوّام بالتشديد جمع قائم على الأمر أي معتنون بخدمته وسدإنته والباء فيه سببية وكون لضمير للنكوص كما في البحر ليس فيه كبير فائدة ومستكبرين حال كذا قيل وفيه أنه لا يلزم من النكوص التكذيب به فالتضمين يدفع اللغوية فتأمّل. قوله: (أو لآياتي الخ) والتضمين على هذا فالباء للتعدية أو سببية أو للتالي المعلوم منه وقوله بمعنى مكذبين أي على التضمين والتجوّز ركيك وقوله بذكر القرآن أي الضمير على هذا للقرآن المفهوم من الآيات أو المؤوّلة هي به ولم يذكر تعلقه بتهجرون لبعده لفظا ومعنى لما فيه من الإيهام وقوله تسمرون عبر به دون سامرين لإفادة استمرارهم عليه ولذا قدّم متعلقه. قوله: (وهو في الأصل مصدر الخ الما أريد به الجمع وهو بوزن المفرد هنا وقد ورد كذلك اختلف في توجيهه فذهب بعضم إلى أنه اسم جمع لأنهم يقولون السامر! ماعة الذين يسمرون فهو كالحاج والحاضر والجامل والباقر وهذا أحسن الوجوه والسمر الحديث بالليل وقيل إنه واحد أقيم مقام الجمع وقيل إنه مصدر في الأصل فيشمل القليل والكثير باعتبار أصله لكن مجيء المصدر على وزن فاعل نادر وقرئ سمرا بضم وتشديد وسما بزيادة ألف. قوله: (من الهجرة بالفتح (إقا بمعنى القطيعة أو الهذيان وهو التكلم بما لا يعقل لمرض! ونحوه وفيه أنه قال في الدؤ المصون إنّ الهجر بمعنى القطع والصد بفتح الهاء وسكون الجيم وبمعنى الهذيان بفتح اا! اء والجيم وفعله أهجر فليس مصدرهما واحدا كص ذكره المصنف رحمه الله وأمّا قوله في الكشاف والهجر بالفقح الهذيان فمحتمل لفتع الهاء والجيم إلا أنّ ما ذكره المصنف بعينيه في الصحاح فليحرّر. قوله: (أي تعرضون عن القرآن) هذا على معنى الهجر الأوّل وما بعده على الثاني والفحش التكلم بالقبيح أو نفس الكلام القبيح وقوله ويؤيد الثاني وهو الهذيان تأييده له لما عرفت أنّ فعله مزيد دون الأوّل وسيأتي تحريره وقراءة التشديد تحتمل المعاني الثلاثة وقوله والهجر بالضم لم يعطفه بأو وان كان هو الظاهر كما قيل لقربه من الهذيان وقمد ورد بمعناه في اللغة كما في لسان العرب وبينهما مغايرة على الأوّل هذا على تقدير جرّه عطافا على الهجو بالفتح وأمّا على كونه مرفوعا مبتدأ خبر. الفحش وذكر إشارة إلى فائدة التقييد بالفتح يعني أنّ الفعل من الهجر المفتوح بمعنييه لا من المضموم الذي هو اسم لقبيح الكلام ولا مصدر فلا يرد عليه شيء لكن هذا إنما يتمشى إذا كان لم يسمع منه هجر بل أهجر كما مرّ وهو الظاهر من كلام المصنف كذا قيل ويرد عليه ما في القاموس حيث قال هجره هجراً بالفتح وهجرانا بالكسر صرمه والشيء تركه كأهجره انتهى وقوله في المصباج هجرته هجرا من باب قتل قطعته وهجر المريض في كلامه هذي والهجر بالضم اسم ومصدر بمعنى الفحش من هجر كقتل وفيه لغة أخرى أهجر بالألف انتهى فلا وجه لما ذكر وفوله وبؤيد الثاني أي كونه بمعنى الهذيان لا كونه بمعنى الفحش كما قيل لأنه ثالث إلا أن يعدا وجهاً واحداً ووجه التأييد غير تام إلا أن ينبني على اكثر الأفصح وما ذكره هذا القائل يقتضي أن الفعل المذكور في النظم لا يصح أن يكون من الهجر بالضم مع أنه فسر به أيضا في كتب اللغة وغيرها فتأمّل. قوله: (أفلم يدبزوا القول) الاستفهام إنكاريّ لعدم تدبرهم ويجوز أن يكون تقريرياً انضمّ لمن تدبر وأورد عليه أن دلالة الإعجاز على كونه كلام الله ظاهرة وأمّا دلالة الوضوح فغير واضحة فكم للعرب من كلام واضح ويدفع بأنه على تقدير تسليم دخله في الدلالة فإنه ذكر لتسليم دلالة الإعجاز فإنّ المعجز بما يتوهم لكونه غير معهود لهم صعوبة فهمه لا سيما إذا نصب وضوح على أنه مفعول معه والمراد بالوضوح وضوح خاص وهو كونه على نهج من الفصاحة بحيث يفهمه كل من خوطب به من العوب لعدم تعقيده وكونه على أحسن الوجوه من أوّله إلى آخر. على نسق نير سالكاً طريقا سهلاً محمياً عن سلوك أحد فيه وهو الذي يقول له الأدباء السهل الممتنع فلا حاجة إلى أن يقال المراد وضوح دلالته على كونه ليس من كلام البشر فإنه مصادرة فتأمّل وقوله ليعلموا أي فيصدقوا به وبمن جاء به. قوله: (من الرسول والكتاب) فاستبعدوه فهو كقوله لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم لا مخالفة بينهما حتى يقال الآباء هنا الأوّلون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 وثمة الأقربون لعدم توصيفهم فيها فالمراد بالآباء على هذا الكفرة والاستفهام تقريريّ لا إنكاريّ كما توهم. قوله: (او من الأمن من عذاب الله) أي لهم من الأمن من عذاب الله وخوفه ما ليس لآبائهم الأوّلين والمراد المؤمنون منهم كما صرّج به المصنف وفي الآية المتلوّة آنفا الكفرة وتوصيفهم بالأوّلين لإخراجهم لا للتأكيد كما في الوجه السابق والاستفهام إمّا إنكارفي أو تقريريّ فتأمّل وأعقابه من بعد. من أولاده كعدنان ومضر فإنّ الكفر حدث بعدهم كما يعلم من كتب الآثار وأخره لأنّ إسناد المجيء إليه غير ظاهر ظهوره في الأوّل. قوله: (بالآمانة والصدق) إشارة إلى أنّ الاستفهام إنكارفي لأنهم عرفوه بما ذكر فأم للإضراب عما قبله مع الإنكار. قوله: (فهم له منكرون) الفاء فيه سببية لتسبب الإنكار عن عدم المعرفة فهو داخل في حيز الإنكار وماك! المعنى هم عرفوه بما ذكر فكيف ينكرونه والضمير للرسول صلى الله عليه وسلم واللام فيه للتقوية وتقديمه للتخصيص أو الفاصلة وهو على تقدير مضاف أي منكرون لدعواه وهي الرسالة من الله مع قيام البرهان الشاهد على خلافه مما ذكر واليه أشار بقوله دعواه لأنه لا يمكن إنكار ذاته وهو فيهم. قوله: (لأحد هذه الوجوه) المذكورة تعليل للإنكار بوجوه مذكورة في قوله أفلم يدبروا إلى هنا فإنها وجوه للإنكار ترتب عليها لا وجه له أي للإنكار غيرها إذ إنكار ما جاء به القرآن الدال على مدعي الرسالة من الله إمّا من عدم تدبره والنظر في مدلوله ووجوه إعجازه أو لكونه لم يسبق مثله حتى سمعوه هم وآباؤهم أو لكون من أتى به معروفا بصفات تنافي مدّعاه كعدم علمه وصدقه وقد بين هذا بقوله فإنّ إنكار الشيء الخ وقوله بحسب النوع ناظر إلى قوله أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين وقوله أو الشخص ناظر إلى قوله أفلم يدبروا القول وأقصى ما يمكن فاعل يدل وهو إشارة إلى التدبر لأنه النظر في أدبار الأمور وعواقبها وغاياتها وقوله: قطعا راجع إلى الامتناع بحسب النوع أو الشخص وظناً راجع للبحث وقوله فلم يوجد أي ما يدل على امتناعه فلا وج! لإشكاره هذا تحقيق كلامه وتوضيح مرامه ولأرباب الحواشي هنا كلام يتعجب منه أفلم يدئروا القول ولولا خوف الإطالة لأوردنإه مع بيان ماله وعليه. قوله: (أم يقولون به جنة) إضراب انتقاليّ عما قبله فلذا قاد فلا يبالون لأنّ ما قبله ناشئ من التقليد والمبالاة وقوله وكانوا الخ إشارة إلى أنه ناشئ من حيرتهم في عنادهم لا عن سبب وأثقب استعارة من الثقب بمعنى التنفيذ أو التنوير والمراد أشدهم وأسدّهم نظرا. قوله تعالى: ( {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} ) ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه عين الحق الأوّل على قاعدة إعادة المعرفة وأظهر في مقام الإضمار لأنه أظهر في الذمّ والضمير ربما يتوهم عوده للرسول، وقيل: اللام في الأوّل للعهد وفي الثاني للاستغراق أو للجنس أي كثرهم للحق أيّ حق كان لا لهذا الحق فقط كما ينبئ عته الإظهار وتخصيص أكثرهم بهذا لا يقتضي إلا عدم كراهة الباقين لكل حق وهو لا ينافي كراهتهم لهذا الحق والتعرّض لعدم كراهة بعضهم للحق مع اتفاق الكل على الكفر به لا يساعده المقام وهو وجه آخر مناسب للتذييل لكن ما ردّ به على المصنف غير متجه كيف وهو المناسب للواقع بخلاف ما ذكره فإنه ليس أكثرهم يكره الحق مطلقا وعدم الكراهة من وجه لا ينافي الكفر كما مرّ. قوله: (لآنه يخالف شهواتهم) بيان لسبب كراهته وقوله فلذلك أي لمخالفة طبائعهم الفاسدة أو لكراهته وقوله: وإنما قيد الحكم بالأكثر الخ ويجوز أن يكون الضمير للناس لا لقريش كقوله وما أكثر النار ولو حرصت بمؤمنين ومن المستنكمين أبو طالب ومن قلت فطنته البله منهم والرعاع وقوله لا كراهة للحق من حيث هو حق فلا وجه لما قيل إن من أحب شيئاً كره ضده فإذا أحبوا البقاء على الكفر فقد كرهوا الانتقال إلى الإيمان ضرورة وحمل الأكثر على الكل بعيد. قوله: (بأن كان ني الواقع آلهة شتى (فالمراد بالحق ما يطابق الواقع خلاف الباطل لا الله خالى! الفته وان صح واتباعه موافقته لأهوائهم وعقائدهم الفاسدة فليس بحقيقه كما توهم إذ ليس حقيقة الاتباع الموافقة وان لزمته كما لا يخفى وقوله وقيل لو اتبع الخ فالمراد بالحقي أيضاً ما مرّ والفرق بينه وبين ما قبله أنّ المعنى فيه لو كان الواقع مطابقا لأهوائهم ابتداء وفي هذا لو كان موافقاً بعد مخالفته كما أشار إليه بقوله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 وانقلب والحق في الأوّل مخصوص بالألوهية وكذا في هذا لكن فيه إيماء للعموم وفي الكشاف إنه يدلّ على عظم شأن الحق وأنّ السموات والأرض! ما قامت ولا من فيهن إلا به وفي قوله العالم إيماء إلى أنّ المراد بالسموات والأرض الموجودات بأسرها. قوله: (أو لو اتبع الحق الخ (فتعريف الحق بالمعنى السابق للعهد والإسناد مجازي والاتباع حقيقيّ أي لو اتبع النبيّ صلى الله عليه وسلم أهواءهم فجاءهم بالشرك بدل ما أرسل به لخرّب الله العالم وأقام القيامة لفرط غضبه، وهو فرض محال من تبديله ما أرسل به من عنده. قوله: (أو لو اتبع الله) فالمراد بالحق الله تعالى، وقوله: لخرج عن الألوهية أي لم يكن إلها لأنه لا يأمر بالفحشاء فالآمر بها ليس ب! له وهذا في الكشاف منقول عن قتادة وقال الطيبي: إنه لا يليق نسبته له لما فيه من سوء الأدب ولذا غير المصنف رحمه الله عبارته، وقوله: ولم يقدر الخ لأنه ليس بإله ولا يمسكهما غيره وقوله وهو أي هذا التفسير مبنيّ على أصل المعتزلة المراد بأصلهم هنا إنّ الله لا يوجد الكفر والمعاصي ويخلقها إذ هو ظلم ونقص تعالى الله عنه وأهل السنة لا يقولون بهذا، وفرق بين إنزاله كإنزال الشرائع وايجاده كما تقرّر في الكلام وأشار إليه بعضى الفضلاء هنا فما ذكره الزمخشري هنا حق أريد به باطل وليس مراد المصنف رحمه الله أنه مبنيّ على إيجاب الأصلح وقاعدة الحسن والقبح كما قيل لأنّ عدم جواز هذا مستفاد من الشرع كهذه الآية ونظائرها وقد قام عليه الدليل العقلي لأنّ إنزال الشرك والمعاصي نقص مخالف للواقع يجب تنزيه الله عنه بلا خلاف. قوله: (بل أتيناهم الخ) إضراب عن كراهته أي ليس ما جاءهم به مكروها بل هو عظة لهم لو اتعظوا أو فخرهم أو متمناهم، وفسر الذكر بالوعظ والصيت هو الذكر الجميل والفخر وفي نسخة ووصيتهم والأولى أولى وأصح. وقوله: تمنوه إشارة إلى أنّ لو للتمني لأنه الأنسب هنا وان جاز كونها شرطية، وذكرا بمعنى كتابا. وقوله: عن ذكرهم أعاده تفخيما وإضافة لهم لسبقه وفي سورة، لأنبياء ذكر ربهم لاقتضاء ما قبله له، وقوله: قسيم أي مقابله وغير للخطاب لمناسبة ما بعده وقا له أو ثوابه أو لمنع الخلوّ لأنه يعلم من خيرية كل منهما خيرية المجموع. وقوله ففيه مندو- تة لك عن عطائهم إشارة إلى المفضل عليه. وقوله: بإزاء الدخل أي يستعمل في مقابلته، والضريبة ما يوظف على الأرض، وإشعاره بالكثرة لأنه معتاد في الخراج، واللزوم لأنه يكون في كل سنة ومن جانب الله بفضل وعده وقوله: فيكون أبلغ أي من الخرج، وتوله: عبر به عن عطاء الله أي دون الأجر في هذه القراءة لأن زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى والمزاوجة بمعنى المشاكلة لا ما ذكر في البديع والمشاكلة في القراءتين وإلا فالمناسب ما يدلّ على القلة في جانبه والكثرة في جانب الله لا تساويهما ولا معنى لتعليله بأن طلب الأجر منتف منه قليلا أو كثيراً. قوله: (تقرير لخيرية خراجه (أي تأكيد له لأنّ من كان خير الرازقين يكون رزقه خيراً من رزق غيره، وقوله: يوجب اتهامهم له اللام صلة الاتهام أو تعليلية والضمير للصراط أو للنبيّ بسببه. وقوله: أزاح العلة أي أزال ما يتعللون به في عدم القبول له. قوله: (بأن حصر الخ) أي في قوله: أفلم يدبروا القول إلى قوله فهم له منكرون، كما تشهد له الفاء وقد مرّ تقريره لأنّ الإنكار منهم والاتهام إما لعدم معرفة ما أتى به لعدم فهمه أو لعدم مثله أو لعدم معرفة من أتى به وتبيين انتفائها بالاستفهام الإنكارفي الذي في معنى النفي، وكراهة الحق من قوله: أكثرهم للحق كارهون، وعدم الفطنة من نفي التدبر ولا وجه لما قيل إنه اكتفى بذكرهما عن ذكر الاستنكاف إذ لا ذكر له في النظم ولم يذكر أمر الجنة وطلب الأجر لأنه داخل في معرفته بكمال العلم وحسن الخلق الشامل للكرم وعلوّ الهمة بحيث لا يرجو من غير مولاه الكريم. وقوله الصراط السويّ أي المستقيم إشارة إلى أنّ تعريفه للعهد إلا أنه يفهم من ذكره هنا أنها تمت هنا لأنّ منها الجنة والخرج فينافي قوله: لا وجه له غيرها ودفعه بما مرّ من أنها داخلة في الثلاثة الأول لكنها ذكرت للبسط والتصريح بما صرّحوا به. قوله: (فإنّ خوف الآخرة الخ) إشارة إلى أنّ الصلة علة لما في الخبر من الحكم كما تقرّر في المعاني. وقوله: لثبتوا هذا تفسير للجاج لأنّ التمادي تفاعل من المدى وهو يفيد الاستمرار والثبات، ويحتمل أنه تأويل له لأنّ لجاجهم ثابت قبل الكشف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 ولذا قيل إنّ معناه لعادوا إلى اللجاج وقوله في الكفر مأخوذ مما سبق والعمه الحيرة وعمى البصيرة. قوله: (العلهز) بكسر العين والهاء وبينهما لام ساكنة وفي الفائق هو دم كان يخلط بوبر ويعالج بالنار وقيل كان فيه قراد والقراد الضخم يقال له علهز وقيل هو شيء كأصل البردى أي القصب وقيل دم القراد مع الصوف كأنهم ركبوه من العل وهو القراد واللهز وهو الدق. قوله: (أنشدك الله والرحم) مضارع نشد ينشد بمعنى سأل أي أسألك بالله والله منصوب بنزع الخافض وهو قسم استعطافي وقوله تزعم لغلوّه في الكفر قبل إسلامه وقوله قتلت الخ يعني فكيف تكون رحمة فنزلت هذه الآية جواباً له بأنه يكتب رحمته لن يستحقها وهم لعنادهم لا يرحمون وقوله: فما استكانوا الخ أي ما خضعوا ولا تضرّعوا بعده وقوله أقاموا ليس فيه ترجيح لكونه من الكون كما قيل وقوله: يعني القتل يوم بدر يدلّ على أنّ هذه الآيات من قوله حتى إذا أخذنا مترفيهم مدنية وأمّا كونه إخبارا عن المستقبل بالماضي فبعيد. قوله: (واستكان) هو بمعنى ذل وخضع بلا خلاف فمعنى استكانو! انتقلوا من كون العمه والتحير إلى كون الخضوع وإنما الخلاف في وزنه هل هو استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كاستحال إذا انتقل من حال إلى حال كما في الكشاف وأورد عليه أنه كان عليه أن يمثل باستحجر الطين واستنوق الجمل وأمّا تمثيله باستحال للدلالة على التحوّل فوهم لأنه ليس إفادته للتحوّل من صيغة الاستفعال بل من مادّته كما في تحوّل وحال فاستفعل فيه بمعنى فعل وهو أحد أقسامه وأن استكان وان أفاد انتقاله من كون إلى كون فليس حمله على أنه انتقال من كبر إلى خضوع بأولى من عكسه فلو كان من الكون كان مجملاَ وأجيب بأنها بحسب الوضمع لكن العرف والاستعمال خصها بأحد الاحتمالين بالغلبة فيه وقال جدي إنها من قول العرب كنت لك إذا خضعت وهي لغة هذيلية كما ذكره أبو عبيد في الغريبين وهو أحسن الوجوه وأسلمها فاستفعل فيه بمعنى فعل كقرّ واستقرّ ولا يجوز كون استفعل فيه للمبالغة لأنّ نفي الأبلغ لا يقتضي نفي أصله وهو المراد وقيل إنه من الكين أي لحمة الفرج لذلته وردّ ما أورده أوّلاً في الكشف بان الحول والاستحالة وإن اتحدا في التغير إلا أنّ بينهما فرقا معنى واشتقاقا فالأوّل يلاحظ فيه معنى الانتقال وسبق حالة أخرى وإنما التغير فيه بمرور الحول المبلى لكل جدّة أو بالحول بمعنى الحركة والاستحالة تبذل! من حال إلى حال البتة وما قيل من أنه يدلّ لما في الانتصاف قول الأساس حال الشيء واستحال تغير وحال عن مكانه تحوّل إلا أنه يرد عليه أنه لا مانع من اعتبار كون استفعل من الحول للتحوّل والانتقال فيصح ذكره بهذا الاعتبار للمثال وعلى هذا ينبغي حمل كلام الكشف فلا يمنع قوله يلاحظ فيه معنى الانتقال كلام ناشئ من عدم الفهم. واعلم أنّ قوله في الانتصاف جدي المراد به ابن فارس كما صرّح به وكان رحمه الله دخل بغداد في زمن الناصر فجمعه بالعلماء وسألوه عما ذكر. قوله: (أو افتعل من السكون الخ) اعتر ضعليه بامرين أحدهما أنّ الإشباع كمنتزاج في منتزج مخصوص بضرورة الشعر وبانه لم يعهد أنه يكون في جميع تصاريف الكلمة واستكان كذلك جميع تصاريفه فهو يدلّ على أنه ليس كذلك. قوله: (وليس من عا تهم) معطوف على أقاموا على عتوّهم والأوّل تفسير لاستكانوا وهذا تفسير لقوله وما يتضرّعون والمعنى إنا محناهم بالعذاب الواقع بهم فلم يفد وضمنه الإشارة إلى وجه التعبير في الاستكانة بالماضي وفي التضرّع بالمضارع وأشار بقوله أقاموا الخ إلى أنه يفيد دوام النفي أيضا لأنه إذا لم يعقب المحنة استكانة لم تقع منهم أبدا فأريد به الإقامة على العتوّ بطريق الكناية فليس فيه إشارة إلى ترجيح كونه من الكون كما توهم وقوله وليس من عادتهم التضرّع إشارة إلى أن العدول إلى المضارع للدلالة على الاستمرار وإذا نفى تضرّعهم المستمر ربما يتوهم ثبوته أحيانا فجعله لاستمرار النفي لا لنفي الاستمرار ولو حمل على ظاهره لقوله إذا هم يجأرون سابقاً كان له وجه لكن التضرّع يستعمل فيما إذا كان عن صميم القلب لا باللسان فقط ولذا عبر عن استغاثتهم أولاً بالجؤار الذي هو من أصوات الحيوان فلا منافاة بينهما كما توهم أو المراد نفيه بعده وذاك في أثنائه فسقط السؤال وما قيل إنه لبيان حال المقتولين وهذا لبيان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 حال الباقين أو الجؤار من ألم القتل والعذاب لا يستلزم الاستكانة والتضرع لله فمع مخالفته لكلام المصنف رحمه الله سابقاً في أحد تفسيريه تكلف غير متوجه وقد جوّز فيه تأخر النفي فيدل على استمراره وقوله وهو استشهاد الخ إثبات للثبات على الطغيان والعمه وما قبله ولو رحمناهم الخ. قوله: (فإنه أشدّ من القتل والآسرا لو أبقاه على ظاهره من الدلالة على شدته في نفسه صح لكن ما ذكره يدلّ على ترتيب الحيرة عليه دون ما قبله وأشديته لعمومه واستمراره وفسر الإبلاس بالحيرة واليأس وقيل إنه الحزن الناشئ عن اليأس وهو قريب منه. قوله: (حتى جاءك أعتاهم) أي أشدهم عتوّا وهو أبو سفيان قبل إسلامه رضي الله عنه والاستعطاف ليزول بأسهم بدعائه وهو لا ينافي اليأس أو لأنّ المراد اليأس من غيره ولولاه لما أتوه وهو لا ينافي قوله للجوا وان فسر بالثبات ولو فسر العذاب بعذاب الآخرة لم يرد شيء ولذا رجحه بعضهم. قوله: (لتحسوا بها الخ (يعني المقصود من خلقها ذلك وقدم السمع لكثرة منافعه وافراده لأنه مصدر في الأصل ولم يجمعه الفصحاء في الأكثر وأشار بذكرهما وذكر الأفئدة إلى الدليل الحسيّ والعقليّ ولذا قدم الأوّل لتقدّمه وقوله فيها أي في الآيات. قوله: (تشكرونها شكراً قليلاَ) أي تشكرون نعم الحواس قال في القاموس يقال شكرت نعم الله وبها فالشكر يضاف حقيقة إلى الله وإلى نعمه فلا حاجة إلى جعله من الحذف والإيصال أو التجوّز في النسبة وقوله شكرا قليلاً إشارة إلى أنه صفة مصدر مقدر وقوله لأنّ العمدة أي الأقوى فيه إشارة إلى أنه ليس شكراً لسانيا وأن القلة على ظاهرها لا بمعنى النفي بناء على أنّ الخطاب للمشركين التفاتا لا للناس بتغليب المؤمنين كما اختاره المصنف رحمه الله وما خلقت لأجله إدراك: وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد ... والإذعان لمانحها الانقياد لمعطيها وقوله تجمعون الخ إشارة إلى أن فيه مع الذرء طباقا. قوله: (ويختص به (هو معنى اللام أو تقديم الجار والمجرور أو هما والضمير دثه. واختلافهما تعاقبهمما أي مجيء أحدهما عقب الآخر من قولهم فلان يختلف إلى فلان أي يتردّد عليه بالمجيء والذهاب ولا يقدر عليه غيره تفسير للمراد بالاختصاص ونسبته إلى الشمس أي النهار بطلوعها والليل بذهابها. قوله: (لآمره وقضائه تعاقبهما) هو قريب من الأوّل والاختلاف والضمير فيهما سواء إلا أنّ فيه تقدير مضاف لا أنّ الضمير راجع للأمر وقيل اللام في هذا للتعليل وقوله أو انتقاص الخ فالاختلاف تخالفهما زيادة ونقصا وقوله بالنظر والتأمّل أي الاستدلال بما ذكر على البعث وقد مرّ تقريره. قوله: (على أق الخطاب السابق لتغليب المؤمنين (أي على الكافرين والغيبة في هذا لكونه للكفار فقط ولو كان الخطاب للكفرة كان التفاتا ومن دان بدينهم الذين كفروا وأنكروا البعث من أقوام غيرهم. وقوله: استبعاداً أي لإعادتهم بعد الفناء ولذا أعادوا الاستفهام مؤكدا بأن واللام والاسمية وهو أهون من البدء كما مرّ وهذا إشارة إلى البعث. قوله: (إلا كاذيبهم (فسر الأساطير بالأكاذيب وبينه بأنه جمع أسطورة ووزن أفعولة لا جمعه كما توهم يختص! بما يتلهى ويلعب به قولاً كان أو فعلاً ولذا لم يجوز في أحاديث النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكون جمع أحدوثة كما صرّحوا به. والأعاجيب جمع أعجوبة والأضاحيك جمع أضحوكة وقوله جمع سطر أي بفتح الطاء كفرس وأفراس وسطر المفتوح كالمسكن بمعنى الصف فهو جمع الجمع ولذا مرضه لقلته ولأنه لا يدل حيحئذ على كذبها وهو المقصود. قوله: (إن كنتم من أهل العلم (ومن العقلاء فهو منزل منزلة اللازم وما بعده إشارة لمفعوله المقدر وقوله فيكون استهانة على الوجهين للشك في الأوّل في كونهم عقلاء وفي الثاني في علمهم بالضروريات وهذا لا ينافي كون السؤال عن البديهي استهانة أيضاً إن سلم لأنّ أصل وضعه للاستعلام حتى يقال إنّ الأولى أن يقول زيادة استهانة مع أنه أشار إليه بقوله وتقريرا الخ وزيادة الاستهانة استهانة والمسكة بالضبم القليل من مسكة الطعام والشراب وهو ما يمسك الرمق وقوله: جهلوا مثل هذا الجليّ أي عدوّا جاهلين به على التنزيل وهذا ناظر إلى حذف مفعوله وقوله: إلزاما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 جار على الوجهين وقوله: ولذلك أي لقوله لا يمكن الخ وقوله: لأنّ الخ تعليل لقولهم في الجواب وقوله: خالقها إشارة إلى أنّ لام لله للملك بالخلق وهو لا ينافي جهلهم السابق لأنه إلزاميّ فرضيّ كما مرّ وقوله ليس أهون أي الأمر بالعكس لسبق مثله ووجود مادّته. وقوله: أعظم من ذلك أي الأرض ومن فيها فهو ترق. قوله: (بغير لام) أي سيقولون الله وكذا في الآية الآتية وأمّا في الأولى فلم يقرأ بها أحد وقد وهم فيه أبو حيان في عدم الفرق كما قاله الفاضل المحشي والقراءة بترك اللام على الظاهر وباللام على المعنى لأنّ فولك من رب الدار بمعنى لمن هي وقد وردا في كلامهم كما قال الشاعر: إذا قيل من رلث المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قيل لخالد وقال الآخر في عكسه: وقال السائلون لمن حضرتم فقال المخبرون لهم وزير ... قوله: (فلا تشركوا به بعض مخلوقاته) كالأصنام وهو مترتب على الاتقاء وللترقي في عظم المخلوقات ترقي في التذييل لأنّ هذا أبلغ في الوعيد مما قبله وقوله: ولا يمنع منه قيل إنه جار على عادة عظماء العرب حيث كانوا لا يجير أحدهم جار أحدهم ولو أجاره لم يفد. وقوله: معنى النصرة أو الاستعلاء. قوله: (ملكه غاية ما يمكن) يعني أنّ صيغة الملكوت للمبالغة في الملك فهي ملك أقصى ما يمكن ملكه أو الملكوت بمعنى الخزينة وقيل هي المالكية والمدبرية وقوله: إن كنتم تعلمون تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم لكمال ظهوره وقوله فمن أين تخدعون كون أني بمعنى من أين تقدّم في آل عمران وأشار بقوله: تخدعون إلى أنّ السحر هنا مستعار للخديعة. قوله: (من التوحيد والوعد بالنشور) هو إضراب عن قولهم أساطير الأوّلين فكان الظاهر اقتصار على الثاني لكنه لا حظ فيه معنى ما بعده من التوحيد بنفي الولد أو ما فهم من سياق ما قبله لكون الكلام مع المشركين وهو أولى وقوله حيث أنكروا ذلك وقالوا إنه أساطير الأوّلين وهو تفسير لحاصل المعنى لا أنّ الكذب مجاز عن الإنكار فإنه لا حاجة إليه وقوله: لتقدسه الخ لأنه لو كان له ولدتا تأله ولزم مشاركته في الإلوهية وهو معنى قوله يساهمه أي يقاسمه وفي نسخة يشابهه. قوله: (جواب محاجتهم وجزاء الخ (هذا على مذهب الفراء من أنّ إذن جواب وجزاء دأئما لشرط ملفوظ أو مقدر وقد مرّ تحقيقه والمقدر هنا لو كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله أي لو كان معه آلهة الخ قال الفراء حيث وقعت اللام بعد إذن فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة والمحاجة على زعمهم والا فلا حجة لهم ولا دليل على زعمهم الفاسد. قوله: (واستبدّ به الخ) أي استقل به تصرّفا وملكاً وهو تفسير لقوله ذهب وقوله: وظهر بينهم التحارب وفي نسخة وتع وهو تفسير لقوله لعلا وقوله: كما هو حال ملوك الدنيا يعني أنه أمر عادي لا إلزامي قطعيّ ولذا قيل إنه دليل إقناعي لا قطعيّ وقوله وقيام البرهان صريح فيه لكن صاحب الكشف قدس سرّه خالف في هذا وقال لاج لي أنه برهان غير قطعي كما في قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وأطال فيه هنا وقد مرّ تحقيقه وقوله فلم يكن الني متفرّع على قوله لظهر بينهم التحارب أو على جميع ما قبله لأنه نتيجته فلا وجه لما قيل إن الظاهر عطفه بالواو على ظهر فإنه يترتب على ما يترتب عليه وقوله: وحده قيل الأولى تركه وهو تأكيد لا ضرر فيه. قوله: (واللازم باطل بالإجماع والاستقراء) المراد بالإجماع إجماع المسلمين ومشركي العرب لأنّ المراد إلزامهم فلا يرد إنه إن أراد إجماع المسلمين لم يفد وان أراد إجماع جميع أهل الملل ورد عليه الثنوية والاستقراء لأنه لم يوجد ملكان في مملكة إلا وبينهما ذلك وإذا ان هذا الكلام خطابيا إقناعيا لا يرد عليه ما قيل إنّ الإجماع والاستقراء لا يناسب المقام لأنهما ليسا حجة عقلية مع أنهما غير تامين والبرهان إنما قام على انتهاء سلسلة الموجودات إلى واجب الوجود بالذات ولا يلزم منه عدم تعدده مع تعدد السلاسل وما ذكره إنما يرد على برهان التمانع والبرهان ليس منحصرا فيه وإليه أشار المصنف رحمه الله البرهان لا ما زعمه المعترض! فإنّ برهان الوحدة مقرّر منوّر في الكلام بطرق متعددة فلا وجه لما ذكره أصلا إلا أنّ العرب لا يدعون لآلهتهم الخلق والدليل المذكور لا يدل على نفيها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 إلا بضم مقدمة أخرى تثبت لزوم الخلق لمن كان إلها فتأمّل وقوله إلى واجب الوجود في نسخة واجب واحد بدله. قوله: (من الولد والشريك) إشارة إلى أن ما موصولة ويجوز كونها مصدرية وضمير فساده لما وسبحان للتنزيه وقد مرّ تفسيره وقوله على الصفة لأنه أريد به الثبوت والاستمرار فيتعرّف بالإضافة وقوله وهو دليل آخر أي بضم مقدمة وهي أنّ الإله لا بد أن يعلم كل شيء وليس غيره كذلك وقوله على توافقهم أي المشركين والمسلمين وقوله بالفاء أي التفريعية التي تدخل على النتيجة وقوله ولهذا أي لكونه دليلا. قوله: (إن كان لا بدّ من أن تريني) نزول ما وعدتهم من العذاب العاجل والآجل وكونه لا بد منه من زيادة التأكيد وقوله: قريناً لهم إشارة إلى معنى الظرفية وأنه من وضع الظاهر موضع المضمر لبيان سبب استحقاقهم للعذاب وهضم النفس التواضع بمقتضى مقام العبودية والمراد بمن وراءهم سواهم مجازا والمراد بأقته أمّة الدعوة لا أمّة الإجابة وقيل هو مطلق وقوله لم يطلعه الخ أي أهو في حياته أم بعدها وقوله وتصدير الخ الظاهر أنه تكرار كتكرير جؤار فتركه أولى خصوصا ما في لفظ الجؤار من الهجنة وما توعدون من الإيعاد ويصح أن يكون من الوعد العاتم. قوله: الكنا نؤخره) يعلم من التعبير بقادرون دون فاعلون وقوله لا نعذبهم وأنت فيهم اعترض عليه بأنه لا يلزم ما سبق لأنّ خبره تعالى لا يتخلف فليس العذاب المذكور ما في هذه الآية وإذا كان غيره يكفي لعدم تخلفه وقوعه بعده فتأمّل. قوله: (ولعله) أي ما ذكر في هذه الآية واستعجالهم بالجرّ معطوف على إنكارهم وضمير له للموعود والاستهزاء في قوله إنا لقادرون كما إذا قلت لمن توعدته بالضرب أنا قادر على ضربك وقوله قد أراه مفعوله مقدر أي ذلك وليس هذا وجهاً آخر بل تقرير لما ذكره. قوله: (وهو الصفح عنها والأحسان) الضمائر الثلاثة للتي وتذكير الأوّل والثالث باعتبار الخبر أو لكونها عين الأحسن وتأنيث الثاني لمطابقته المرجع والخبر أو هما باعتبار لفظ أحسن ومعناه وتخصيص الثاني بالثاني لمناسبة الخبر. قوله: (لم يؤد (لو قال لا يؤذي كان أحسن فعلى هذا هي غير منسوخة والوهن الضعف وقوله كلمة التوحيد الخ فالمعنى اذهب شركهم بإعلاء دعوة الدين واعلاء اكمة الله وقوله: هو الأمر بالمعروف هذا هو المشهور وفي تقديم التي هي أحسن من الحسن ما لا يخفى. قوله: (من التنصيص على التفضيل) أي بقوله أحسن فإن دفع السيئة يكون بالصفح فإذا زيد معه الإحسان إلى المسيء كان دفعا بالأحسن وتقريرا بالإحسان كما هو عادة الكرام واليه أشار المصنف بتفسيره أولا وفي التعبير بالموصول وما فيه من الإبهام بلاغة أخرى كقوله يهدي للتي هي أقوم والتفضيل في هذا الوجه المختار على ظاهره لأنّ الصفح مع الإحسان أحسن من الصفح وحده وقيل المفاضلة بين الحسنة والسيئة والمراد أن الحسنة في بابها أزيد من السيئة في بابها وهذا شأن كل مفاضلة بين ضدين كالعسل أحلى من الخل أي هو في الأصناف الحلوة أميز من الخل في الأصناف الحامضة لا أن بينهما اشتراكا خاصا ومن هذا القبيل ما حكي عن أشعث الماجن أنه قال نشأت أنا والأعمش في حجر فلان فما زلنا يعلو وأسفل حتى استوينا يعني أنهما استويا في بلوغ كل منهما الغاية لكن أحدهما في غاية التعلّي والآخر في غاية التدني وهذه فائدة بديعة يعلم منها أن هذا لا يختص بباب التفضيل فاحفظه فإنه نفيس. قوله: (بما يصفونك به (فهو وعيد لهم وتسلية له ىلمجرو ولم يحمله على ما وصفوا الله به لسبقه والنخس بالنون والخاء المعجمة والسين المهملة الطعن والمهماز حديدة تربط على مؤخر رجل الفارس وتسمى مهموز الحث الدابة بنخسها ولذا قيل إن الهمزة بمعنى الحرفة لا تعرفها العرب قديما والراضة كالسادة جمع رائض وهو من يروض الخيل على الجري وذكر نكتة الجمع لدفع ما يقال لم لم يتعوّذ من الهمزة الواحدة وهو أبلغ بأنه في الواقع كذلك فيلزم التعؤذ من كل واحدة منها فتأمل. قوله: (يحوموا حولي) أي يقربوا مني للوسوسة وتخصيص حال الصلاة يعني أنه ورد في بعض الآثار والتفاسير كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما تخصيصها بهذه فلم جعلتها عامّة أجاب بأنهم ليس قصدهم التخصيص! بل ذكر محال يشتد فيها الخوف ويكثر حضور الشياطين فيها ولذا قيل اللهمّ إني أعوذ بك من النزغ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 عند النزع وأحرى بالمهملة بمعنى أحق. قوله: (متعلق بيصفون) أي الثانية كما في الكشاف أو الأولى كما جوّزه بعضهم وهي ابتدائية كما مرّ والمعنى لا يزإلون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما اعتراض أو بقوله إنهم لكاذبون أو بمقدر يدل عليه ما قبله أي فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين وتحضرهم حتى إذا الخ وهذا أقرب عندي وقوله الإغضاء أي الصفح في قوله ادفع بالتي هي أحسن وأصله غض الجفن فجعله كناية عنه وهي مشهورة وما في نسخة من الاعتناء تحريف للنساخ وبالاستعاذة متعلق بالتأكيد وقوله أو بقوله معطوف على قوله بيصفون وما بينهما اعتراض أيضا تحقيقا لكذبهم أيضا. قوله: (تحسراً على ما فرط فيه) الضمير المجرور لما وقوله على الأمر أي في نفس الأمر أو حقيقة الأمر أو الأمر الحق وقوله والواو لتعظيم المخاطب وهو الله عز وجل وقد عرفت أنه يكون في ضمير المتكلم والمخاطب بل والغائب والاسم الظاهر ولا عبرة بمن أنكره اغترارا بكلام الرضي ومن فرّ منه فجعله خطاباً للملائكة بعد الاستغاثة بالله فقد تعسف وأقرب منه تقدير المضاف أي ملائكة ربي وأمّا اعتراض ابن مالك بأنه لا يعرف أحدا يقول رب ارحمون ونحوه لما فيه من إيهام التعدد فمدفوع بأنه لا يلزم من عدم صدوره عنا كذلك أن لا يطلقه الله تعالى على نفسه كما في ضمير المتكلم فتأمّل. قوله: (وقيل لتكرير قوله ارجعني الخ) هذا منقول عن المازني في قفا نبك وأطرقا ونحوه فأصله قف قف على التأكيد وبه فسر قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} لكنه مشكل جدّاً لأنه إذا كان أصل قفا قف قف مثلا لم يكن ضمير التثنية بل تركيبه الذي منه حقيقة فإذا كان مجازاً فمن أي أنواعه وكيف دلالته على المراد وما علاقته والا فهو مما لا وجه له. ومن غريبه أن ضميره كان مفرداً واجب الاستتار فصار غير مفرد واجب الإظهار ولم تزل هذه الشبهة قديما في خاطري والذي خطر لي أنّ لنا استعارة أخرى غير ما ذكر في المعاني ولكونها لا علاقة لها بالمعنى لم تذكر وهي استعارة لفظ مكان لفظ آخر لنكتة بقطع النظر عن معناه وهو كثير في الضمائر كاستعمال الضمير المجرور الظاهر مكان المرفوع المستتر في كفي به حتى لزم انتقاله عن صفة إلى صفة أخرى ومن لفظ إلى آخر وما نحن فيه من هذا القبيل فإنه غير الضميران المستتران إلى ضمير مثنى ظاهر فلزم الاكتفاء بأحد لفظي الفعل وجعل دلالة الضمير المثنى على تكرير الفعل قائما مقامه في التأكيد من غير تجوّز فيه ولابن جني في الخصائص كلام يدل على ما ذكرناه فتأمّل. قوله: (في الإيمان الذي تركتة) جعل الإيمان ظرفا للعمل الصالح لعدم انفكاكه عنه والترجي إما لهما لعلمه بعدم الرجوع أو للعمل فقط لتحقق إيمانه إن أعيد فهو إمّا كقولك لعلي أربح في هذا المال أو كقولك لعلي أبني على أس أي " سس ثم أبني والمراد بالمال ما تركه وعلى الأخير جعل مفارقة الدنيا تركا لها وقوله: أنرجعك من رجعه أو أرجعه وقوله: إلى دار الهموم تقديره أأرجع إلى دار الخ وهو إنكار وقدوما بتقدير أختار قدوما وقوله للملائكة ارجعوني يدلّ على الوجه المرجوح في النظم. قوله: (والكلمة) يعني ليس المراد بها معناها المشهور لغة واصطلاحا بل هي هنا بمعنى الكلام كما يقال كلمة الشهادة وهي في هذا المعنى مجاز عند النحاة وأما عند أهل اللغة فقيل إنه حقيقة وقيل مجاز مشهور. قوله: (لا محالة الخ (يشير إلى التأكيد بالاسمية والتقوية بتقديم الضمير وترك ما في الكشاف من قوله هو قائلها لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها الاستيلاء الحسرة عليه وتسلط الندم أو هو قائلها وحده لا يجاب إليها ولا تسمع منه. وقوله أو هو قائلها وحده يعني به أن التقديم إقا للتقوى أو للاختصاص وقوله: لإيجاب الخ توجيه للقصر المستفاد منه فإن الظاهر منه أنّ المنفي قول غيره لهذه الكلمة وليس بمراد فأشار إلى أنه نزل فيه الإجابة والاعتداد والاستماع منزلة قولها حتى كان المعتذ بها شريك لقائلها وأفاد الشارح الطيبي أنه متداول مثله فمن قال إنه تركه لعدم صحة القصر فيه إلا بتكلف جعل ضمير قائلها لجنس الكلمة المتعلقة بالرجعة لم يصب. قوله: (إمامهم) يعني وراء هنا بمعنى إمام لأنه كل ما واراك أو من الأضداد والمراد بالجماعة الكفار وقوله وهو إقناط كليئ الخ ليس مراده أن الغاية داخلة في المغيا لأنه خلاف الاستعمال حتى أن بعض الأصوليين جعلها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 من المنطوق وإنما المراد إنه علق رجعتهم بالمحال كما في قوله حتى يلج الجمل في سمّ الخياط وحتى يشيب الغراب فسقط ما قيل إنه لا يصلح غاية لعدم الرجوع المذكور والعلم بأنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا يفيد الإقناط ولكنه لا يصحح أمر الغاية. قوله: (لقيام الساعة (أي لوقت قيامها أو لأجله فاللام وقتية أو تعليلية وقيل إنها اختصاصية وقوله والقراءة بفتح الواو الخ يعني أن قراءة العامّة بضم الصاد وسكون الواو وابن عباس والحسن بفتح الواو جمع صورة أيضا وهو شاذ عكس لحى بضم اللام جمع لحية بكسرها وهاتان القراءتان تدلان على أنّ القراءة المشهورة جمع صورة أيضاً حقيقة أو جمع اصطلاحيّ كتمر وتمرة لأنّ الأصل توافق معاني القرا آت فالمعنى إذا نفخت الأرواج في الأبدان لكن هذا التأييد ينافيه وصريح آيات أخر كنقر في الناقور وسيأتي توفيقه. قوله: (تنفعهم الخ) يعني أنّ الأنساب بينهم محققة فنفيها لأنها لعدم نفعها نزلت منزلة العدم أو لأن افتخارهم بها في الدنيا فإذا لم يفتخروا بها ثمة فكأنها لم تكن كماقال: لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع ... فهو استعارة وقيل تشبيه بليغ ويجوز أن يكون فيه صفة مقدرة أي لا أنساب نافعة أو يفتخر بها لأنّ الفخر بالدين والنجاة وقوله: من فرط الحيرة إشارة إلى أنه أمر طبيعيّ وإنما الحيرة أذهلتهم عنه وقوله لزوال التعاطف والتراحم علة لعدم النفع إمّا على ظنهم لقياسهم على أحوال الدنيا أو لأن المراد بالنفع ما يشمل التسلية ولو بالتألم كما قيل: ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أويسليك أويتوجع ... فلا يرد عليه ما قيل إنه يشعر بأن التعاطف لو وتع نفعهم وليس كذلك لأن النفع حينئذ ليس بغير الأعمال فالظاهر تعليله به وما قيل من أن التراحم واقع بين الأطفال وأصولهم كما ورد وزواله لا يستلزم عدم النفع والفرار المذكور حذرا من المطالبة ردّ بأن رحمة الأطفال عند دخول الجنة لا عقب النفخة الثانية وبأن انتفاعهم بالأنساب ليس بسبب التراحم كما في الدنيا فانتفاؤه ويستلزم المراد وكون الفرار مما ذكر غير متعين كما سيأتي وأورد عليه أن قوله بحيث الخ ظرف لزوال التعاطف لا لفرط الحيرة فلا ينافي الحذر مما ذكر وأما عدم التعين فلا يفيد لأن السوق مقتض للجزم به وأمّا حديث الأطفال فغير وارد لأنهم أطفال المؤمنين وهذا في شأن الكفار بدليل سياقه وما ذكر تخصيص من غير مخصص. قوله: (او يفتخرون بها (معطوف على تنفعهم وفي الكشاف يحتمل أن التقاطع يقع بينهم حق يتفرّقون مثابين ومعاقبين ولم يذكره المصنف لأنه مبنيئ على عمومه وهو في شأن الكفرة وأمّا الفاء فلا تأباه إفا لأنها سببية أو لأنّ التعقيب عرفيّ. قوله: (وهو لا يناقض قوله الخ (قيل إن قوله لاشتغاله بنفسه يدل على أن المراد بالسؤال سؤال التعارف فلا تناقض لأن الواقع للتوبيخ والخصومة وجوابه لا يناسبه قوله يومئذ لإطلاقه وكذا ما في الكشاف من أنه في النفخة الأولى إذ السياق والسباق يأباه يعني أن تقديم قوله يومئذ عليه يقتضي إطلاقه وفيه نظر وقوله لأنه عند النفخة قيل عليه ليس هذا عقيب نفخة البعث بل بعده لقوله من بعثنا من مرقدنا لصراحته في التساؤل وقوله وأقبل الخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عند النفخة الثانية وفاء الجزاء لا تفيد تعقيبا وقيل عليه إن ما ذكره المصنف رحمه الله أقرب لتعاضد الأخبار على استيلاء الدهشة واشتغال كل بشأنه في بعث القبور، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عند القيام من القبور وهول المطلع شغل كل بنف4 ومن بعثنا من مرقدنا ولو سلم أنه عقب النفخة الثانية لا يدلّ على أنه بطريق التساؤل ثم المختار دلالة الفاء الجزائية على التعقيب وقال الإمام أن قوله لا يتساءلون في الكفار وقوله: فأقبل الآية في المؤمنين بعد دخول الجنة وردّ بأن النقض ليس بقوله فأقبل بالفاء بل بالواو وهي في الكفار بلا شبهة وكلاهما في الصافات ثم إن يوم القيامة ممتد وفيه مشاهد ومواقف فيقع في بعضها تساؤل وفي بعض دهشة تمنع منه هذا خلاصة ما هنا فاختر لنفسك ما يحلو. قوله: (موزونات عقائده الخ) فالموازين جمع موزون وقد مر في الأعراف جواز كونه جمع ميزان مع وحدته جمعه لتعدد الوزن وقوله لها وزن عند الله تعالى وقدر إشارة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 إلى التفسيرين والمذهبين كما فصل في الكلام. قوله: (ومن لم يكن له ورّن وهم الكفار (قد مرّ في الأعراف تفصيله أيضا قال بعض المفسرين أي موازين أعماله أو أعماله التي لا وزن لها ولا اعتداد بها وهي أعماله السيئة انتهى يعني أنّ موازين أعماله الحسنة خفت بناء على أن أعمال الكفرة توزن لحكم الهية ولم يقيده بكونها حسنة لعلمه من تقييد الثاني المقابل له وبالجملة الحالية وهي قوله وهي أعماله السيئة وقوله أو أعماله الخ هذا هو القول الثاني وهو أنّ أعمال الكفار لا توزن بخلاف المسلمين لقوله لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وجعلناه هنا منثورا ونحوه وليس هذا مذهب المعتزلة لأن مذهبهم إنكار الوزن مطلقا وإنما بينا مراده مع وضوحه لأنّ بعض علماء العصر تردّد فيه واستشكله وأتى بما يتعجب منه حتى أنّ بعض الجهلة قال إن عبارته ليست السيئة بل السنية أي الحسنة وهذا ليس إلا لجهله وخفة ميزان عقله: وما آفة الأخبار إلا رواتها قوله: (غبنوها) يعني الخسارة والغبن وهو بيع متاعه بدون قيمته المراد به هنا على طريق الاستعارة التمثيلية تضييع زمانه في الضلال وترك ما أعطاه الله له من رأس المال وهو الاستعداد لأن يربح في تجارة الكمال بفطرة الإيمان وصالح الأعمال ولله در القائل كما تقدم مرارا. إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب ... قوله: (بدل من الصلة (ظاهره أنّ مجموعه بدل قال أبو حيان هذا بدل غريب وحقيقته أن يكون البدل الذي يتعلق به في جهنم أي استقرّوا وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأنّ من خسر نفسه استقرّ في جهنم قال الحلبي فجعل الجار والمجرور بدلاً دون خالدون والزمخشري جعل جميعه بدلاً بدليل قوله أو خبرا بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف وهذان إنما يليقان بخالدون وأمّا في جهنم فمتعلق به فيحتاج كلام الزمخشري إلى جواب وأيضا يصير خالدون مفلتا انتهى) أقول (ما قاله أبو حيان أن لا وجه له فإن خلودهم في النار يشتمل على خسرانهم فهو بدل اشتمال لا غرابة فيه ولا تجوّز وجعل جميعه بدلأنظراً لأنه بمعنى يخلدون فيها بلا تقدير لوقوعه صلة فهو جملة ميلا مع المعنى على عادته كما أشار إليه بعض شرّاحه. قوله: (تحرقها) بيان لحاصل المعنى واللفح والنفح مس لهب النار ولكون النفح أشد استعمل في الريح الطيبة نفحة دون لفحة وهذه الجملة حال أو مستأنفة والتقلص التباعد من شبه الشيخ وكلحون جمع كلح كحذر وقوله تأنيب بالنون والباء الموحدة بمعنى اللوم والتوبيخ والاستفهام إنكارفي. قوله: (ملكتنا الخ) يعني أنه من غلب فلان على كذا إذا أخذه وتملكه فهو إقا تمثيل أو شبهت المشقوة كالفطنة وهي كالشقاوة بالفتح والكسر مصدر بمعنى سوء العاقبة بمتغلب جائر وأسند الملك إليها تخييلاً والمراد أن جميع أحوالهم مؤدّية إليها وأنه غلب علينا ما قدر من الشقاء فأطعناه فليس فيه جبر وقوله إلى التكذيب كأنه جعل العود إلى التكذيب عودا إلى النار فتأمّل. قوله: (اسكتوا سكوت هوان) يعني أنه استعير من خسأت الكلب إذا طردته لهذا وفيه تشبيه لهم بالكلاب في الدال والهوان باعتبار أنها مكنية قرينتها تصريحية كما في ينقضون عهد الله وضمير فإنها للنار وقوله: فخسأ إشارة إلى أنه يكون لازماً متعذياً وما في الآية من اللازم وعطفه بالفاء إشارة إلى أن الثاني مطاوع للأوّل وأنه قد يكون ثلاثيا مثل جبرته فجبر ورجعته فرجع كما في شرح الإيضاج لأبي عليّ وغيره وقوله في رفع العذاب تقديره بقرينة السياق وقوله: رأسا أي أبداً وأصلا وهو مجاز مشهور. قوله: (قيل إن أهل النار الخ) هذا تأييد للتفسير الثاني وقولهم أبصرنا وسمعنا يعني آمنا يرجون به انقطاع العذاب وقوله حق القول أي بالخلود وأنه لا يفيد إيمانكم اليوم وعواء بضم ومد صياج الكلب ونباحه فالمراد التشبيه به. قوله: (أي لآئه (وهو تعليل على القراءتين لزجرهم باتخاذهم من ذكر سخرة وسخريا مفعول ثان لاتخذ وجعل عين السخرة مبالغة وقرئ بالضم والكسر واختلف أهل اللغة هل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق بالمباينة أو الأعمية وأصله من التسخير وهو الإحضار قهراً فإن كان للهزؤ به فهو السخرية بالكسر ومنه المسخرة وان كان لعمل واستخدام من غير أجرة فبالضم وقيل غير ذلك وهو مصدر زيدت فيه ياء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 النسبة للمبالغة كالخصوص والخصوصية كما زيدت في أحمريّ. قوله: (من فرط (من تعليلية والفرط الزيادة والتجاوز يعني أنكم لم تخافوا الله فيهم فذكر الله كناية عن خوفه لأن من خافه ذكره ونسيان ذكره لعدم المبالاة والخوف وإسناد الإنساء إليهم لأنهم سببه إذ بسبب التشاغل بهم نسوه كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقوله في أوليائي أي في شأنهم والاستهزاء بهم. قوله: (فوزهم بمجامع مراداتهم الخ (بنصب فوزهم على أنه تفسير لأنهم هم الفائزون على قراءة الفتح وأنه مفعول ثان لجزي وهو متعد له بنفسه وبالباء يقال جزيته كذا وبكذا كما قاله الراغب وقوله: بمجامع مراداتهم أي بجميعها إشارة إلى أنّ مفعول فائزين حذف للعموم وقوله مخصوصين حال أي حال كونهم مخصوصين بذلك الفوز وفي نسخة مخصوصون أي وهم مخصوصون وهو بيان للاختصاص المفهوم من ضمير الفصل وقيل إنه على هذا بتقدير لام التعليل قال المعرب وهو الآظهر لموافقته القراءة الأخرى فإن الاستئناف يعلل به أيضا وتبعه القائل المعنى لأنهم هم الفائزون بالمراد من خلقهم وهو توحيده تعالى بالعبادة كقوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وعدل عن المضيّ مع سبق ما ذكره لاستحضار صورة فوزهم أو لأنهم الذين يحق لهم الفوز لدلالة الاسم على أنه ثبت لهم ذلك فالمفعول الثاني محذوف على القراءتين وقيل إنه بعيد لاحتياجه إلى التقدير والتعليل على قراءة الكسر ليس بظاهر لأنه لا وجه للسؤال عن السبب المطلق وهو مذكور بقوله بما صبروا ولا عن السبب الخاص لفوزهم لأن السائلين هم القائلون ربنا أخرجنا الخ - ا-5، 511ءاد، 6 / 5 " 3 وهم عارفون به فالظاهر أنّ السؤال عن كيفية الجزاء المبهم أي كيف جزاؤهم فأجيب بالفوز بجميع ما يريدون ثم أورد على قوله بالمراد من خلقهم الخ أنه مراد الله والفوز الظفر بمراد نفسه لا مراد الله وليس بشيء لأنّ التقدير إذا أريد العموم كثير بليغ لا ينكر وهو متعين في القراءة الثانية وكون توافق القرا آت أحسن مما لا شبهة فيه وأمّا أمر التعليل فعدم وروده ظاهر لأنّ العلل والأسباب تتعدد لأنها ليست علة تامة فإذا ذكر أنهم جزوا بسبب صبرهم على المكاره فلا مغ من أن يقال لم اختص الجزاء على الصبر بهم فيقال لأنهم فازوا بالتوحيد المؤدّي إلى كل سعادة نعم ما ذكره وجه آخر ولكل وجهة هو موليها فافهم. قوله: (قال الخ) جملة مستأنفة وقوله على الأمر الخ في الدر المصون الفعلان مرسومان بغير ألف في مصاحف الكوفة وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة فحمزة والكسائيّ وافقا مصاحف الكوفة وخالفهما عاصم أو وافقهما على تقدير حذف الألف من الرسم الخ ومنه يعلم أنّ الرسم بدون ألف يحتمل حذفها من الماضي على خلاف القياس فلا وجه لما قيل إن مخالفة القراآت السبعة لما ثبت في رسم المصحف من الغرائب وكون الخطاب لبعض رؤساء أهل النار بعيد وهو جار في القراءة الأخرى والاستفهام إنكاري لتوبيخهم بإنكار الآخرة. قوله: (استقصار الخ (تقدم تحقيقه وقوله أو لأنها أي أيام الدنيا وقصر أيام السرور لسرعة مرورها وعلى هذا فالسؤال عن لبثهم في الدنيا. وقوله والمنقضي في حكم المعدوم أي فلا يدري مقداره طولاً وقصراً فيظن أنه كان قصيرا فلا يقال إن هذا يقتضي نفيه لا تقليله والعاديين بالتشديد جمع عادي نسبة إلى قوم عاد لأنهم كانوا يعمرون كثيراً. قوله: الو أنكم كنتم تعلمون الخ اليست لو وصلية لأنها بدون الواو نادرة أو غير موجودة فجوابها محذوف تقديره لو كنتم تعلمون قلة لبثكم في الأرض بالنسبة للآخرة ما اغتررتم بالدنيا وعصيتم لا لما أجبتم بهذه المدة كما قدره أبو البقاء لأنه لا يلائم ما ذكره المصنف رحمه الله من كونه تصديقا لهم فلعله يجعله رداً عليهم لا تصديقا فيصح ما قدره ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج لجواب. قوله: (توبيخ على تغافلهم) كما أن تقليل مدتهم كذلك. وقوله حال أي من الفاعل وجمع لمشاكلة الضمير وقوله تلهياً بكم لا لتلهوا وتلعبوا أنتم كما قيل لأنه يختلف فيه الفاعل فلا يكون مفعولا بدون لام إلا على قول ضمعيف وقوله كالدليل على البعث فهو توطئة لما بعده والعبث كاللعب ما خلا عن الفائدة مطلقا أو عن الفائدة المعتد بها أو عما يقاوم الفعل كما ذكره الأصوليون والظاهر أنّ المراد الأوّل. قوله: (أو عبثا (أي أو معطوف على قوله عبثاً والظاهر أنه على تقدير كونه مفعولاً له وأما على تقدير الحالية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 فيحتاج إلى تأويل أي مقدرين أنكم لا ترجعون فهي حال مقدرة وقوله وقرأ الخ وغيرهم قرأه مبنيا للمفعول وقد تقدم أن رجع يكون متعديا ولازما. وفي قوله فتعالى الله التفات للتفخيم والتوصيف بما بعده. قوله: (الذي يحق له الملك مطلقا (فالحق بمعنى الحقيق بالمالكية كما يقال هو السلطان حقا وبحق أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه ورجح بعضهم هذا لشهرته ولأنّ معنى الأوّل يفهم من الملك وفيه نظر وقوله مملوك أي لله بالذات لأنه مخلوق له أوجده بيده جميع أموره قادر على التصرّف فيه بكل ما يريد وفي كل حال مطلقا وهذا معنى المالكية الحقيقية وأمّا مالكية غيره فبالعرض لأنها بتمليك الله له ولو شاء لم يعطه ومتى شاء أخذ ما أعطاه منه فليس تملكه ذاتياً ولا يقدر على التصرف فيما يملكه بكل وجه أراد حسا أو شرعا كما هو شأن المملوك فإسناد المالكية له بحسب الظاهر المتعارف حقيقة لا مجازا لتصرّفه وكسبه في الجملة كالعبد المأذون فلا حاجة إلى حمله على المبالغة أو التشبيه لأن ما ذكره بالنظر لنفس الأمر لا للعرف والشرع فإنهما ناظران للظاهر فقوله من وجه كالوجه الشريئ مثلا وقوله وفي حال كالحياة مثلاً فلا غبار عليه كما توهم. قوله: (الذي يحيط بالإجرام الخ) هذا على قراءة الجرّ على أنه صفة العرس أو الرفع على أنه نعت له مقطوع لا صفة الرب والمعنى أنه لإحاطته بالموجودات وكون جميع الأمور والرحمة والبركة تتنزل منه وصف بأنه كريم على لاستعارة المكنية والتخييلية أو التصريحية وقوله أو لنسبته يعني أنه كريم ربه فالإسناد إليه مجازي أو هو كناية عن كرم مالكه ونسبته هنا لفظة صادفت محزها وقوله يعبده تفسير ليدعو. قوله: (أفرادا أو إشراكا) سقط من بعض النسخ والصحيح إثباته واعترض على قوله أفراداً بأنه لا يتأتى ذكره هنا مع المعية الواقعة في النظم في قوله مع الله فالوجه الاتتصار على الإشراك وقد دفع بوجوه منها أنهم ولو عبدوا إلها آخر أفراداً فإنهم يعبدونه مع المعبود بحق وهو تعسف وقيل أراد بالإفراد أن يكون الإله الأوّل مفردا مستقلاً ومن الإشراك الإشراك في خلق الأشياء بأن يكون شريكا لله في الخلق والإيجاد وهو لا محصل له وقيل إنّ قوله إفرادا داخل في النص دلالة لا عبارة وهذا كله من ضيق العطن فإنّ الإفراد والإشراك في العبادة ومعنى مع الله مع وجوده وتحققه ولا خفاء في القول بأنه مع وجود الله من الكفرة من يعبد غيره وحده ومنهم من يعبده مع عبادة الله وهذا لا غبار عليه فإن لم يقدر هذا فالمشرك إذا أفرد معبوده بالعبادة تارة وأشركه مع الله أخرى صدق عليه أنه عبد مع الله غيره وذكر آخر قيل إنه للتصريح بألوهيته تعالى وللدلالة على الشريك فيها وهو المقصود فليس ذكره مع المعية مستدركا فتأمّل. قوله: (لازمة له (أيمما لا مقيدة ومخصصة بل مؤكدة وقوله وبناء الحكم عليه بالجرّ معطوف على التأكيد والحكم هو ما يستفاد من جزاء الشرط من الوعيد له بأنه مجازي بما يستحقه وهو وان بني على الشرط وما يفيده من الإشراك لكن ليس فيه التنبيه على ما ذكر فقوله تنبيها تعليل لبناء الحكم عليه فإنّ القيود والصفات مقصودة بالذات ويجوز أن يكون تعليلاً له وللتأكيد معا وقوله أو اعتراض معطوف على قوله صفة. وقوله لذلك أي للتأكيد لا للبناء تنبيها كما قيل لأن الاعتراض لا يفيد غير التوكيد. قوله: (مجاز له الخ (فالحساب كناية عما ذكر لأنه المقصود منه وقوله أو الخبر يعني عن قوله حسابه وقوله حسابه عدم الفلاج يعني أنه على هذا التقدير من تحية بينهم ضرب وجيع وهذا أبلغ مع عدم أحتياجه إلى مقدر من تقدير اللام ولذا اقتصر عليه الزمخشري وموافقته للقراءة الأخرى تكفي باعتبار حاصل المعنى وكون إحداهما عين الأخرى مرجحة لا لازمة ولذا قدم الوجه الأوّل والكافرون من وضع الظاهر موضع المضمر وجمع نظر المعنى من. قوله: (بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين) يشير إلى ما مرّ فيها من قد وصيغة الماضي الدالين على التقرير والتحقيق وقوله وختمها الخ يعني أن فيه حسن المبدأ والختام لما بينهما من التناسب التام. قوله: (ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يستغفره الخ (ليس فيه تقييد الطلب بأنه له فيبقى على عمومه ولا حاجة إلى التأويل بالدوام على ذلك والمراد تعظيم أفته والحديث الأوّل موضوع والثاني وارد مرويّ في السنن لكنهم اختلفوا في صحته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 وضعفه والثالث قال العراقيّ وابن حجر أنه لم يوجد في كتب الحديث. تم الجزء السادس، ويليه الجزء السابع وأوله: تفسير سورة النور سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مدنية الخ) المدنيّ والمكيّ معروف وإنما الكلام فيما نزل مزتين هل يكون مكياً ومدنيا أو يعتبر أوّل النزولين ما لم يكن في الثاني زيادة أو نقص وبه يندفع بعض الشبه وسبأتي عن القرطبيّ أن آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ} الخ مكية وفي التيسير أنه اختلف في آيتين منها وعدد الآيات توقيفي أيضا وقوله: وستون وقع في نسخة بدله سبعون وقد قيل إنه سهو لأنّ المقرّر في كتاب العدد للداني وهو المعتمد فيه ما ذكره من أنها ستون. قوله: (أي هذه سورة الخ) يعني أنه إمّا خبر مبتدأ محدّوف أو مبتدأ خبره محذوف وقدّر الخبر مقدما وان كانت النكرة هنا تخصصت بالوصف لأنه أحسن كما مر لكن أورد على الثاني أن فائدة الخبر ولازمها منتف هنا لأنّ السورة المنزلة عليه معلوم أنها وحي ودفع بأنه لا ضير فيه فإنه إنما يلزم ذلك فيما قصد به الإعلام والقصد هنا الامتنان والمدح والترغيب. قوله: (وفيه بحث (وان كان ما ذكره مما قرّره أهل المعاني كما فصله في شرح التلخيص لأنّ مثله مما قصد به الامتنان أو التحسر ونحوه لا يخلو من أن يكون لإنشاء ذلك كما اختاره في الكشف أو للإخبار عنه فإن كان إنشاء لم يكن مما نحن فيه وان كان إخبارا فلا بدّ من كونه دالاً على ذلك بإحدى الطرق المعروفة ولا! ك أنه ليس بحقيقة فبقي كونه مجازاً أو كناية وحينئذ فالمعنى المجازي أو الكنائي فائدة الخبر إذ نحو أراك تقدم رجلاَ وتؤخر أخرى فائدته التردد فتأمّل وأورد عليه أيضا أنه يأباه أن مقتضى المقام بين أنّ شأن السورة كذا وكذا والحمل عليها بمعونة المقام يوهم أق غيرها من السور ليس على تلك الصفات ولا يخفى أن هذا ليس من مفهوم الصفة لاشتراكه بين الوجوه فهو من تقديم المسند وهو على الأصح يفيد قصر المسند إليه على المسند فالمعنى أنّ السورة الموصوفة بما ذكر مقصورة على الإنصاف بأنها فيما أوحى إليه أي بعض الموحى لأنه من ظرفية الجزء لكله وهو يدلّ على أنّ القصر غير مراد كما في تلك آيات الكتاب المبين وأمّا بيان أنّ شأنه كدّا فحاصل من التوصيف ولكونه كالحاضر المشاهد لذكره عقبه والجمل بعد العلم بها صفات وقبله أخبار لم يحمل عليه مع أنه مر أنّ القصد الامتنان. قوله: (أنزلناها صفتها (قيل لعل فائدة الوصف المدح أو التأكيد لأن الإنزال يفهم من السورة لأنها كما مر طائفة من القرآن مترجمة أقلها ثلاث آيات وهدّا على مذهب الزمخشري أمّا على مذهب أهل السنة فيجوز أن يكون للتخصيص احترازا عما هو قائم بذاته تعالى ولا يخفى أنه ليس بشيء لأنه وان لم يعترف بالكلام النفسي فهو معترف بكونها في اللوح المحفوظ ولأن المبتدأ والخبر المذكور إنما يتصوّران في المنزل إلينا فلا بد من القول بأنه للتنويه بشأنها ويشهد له ضمير العظمة. قوله: (ومن نصبها جعله مفسرا لناصبها فلا يكون لها محل (في المغني من الجمل التي لا محل لها من الإعراب التفسيرية وهي الفضلة المفسرة لحقيقة ما تليه واحترزت بالفضلة عن الجملة المفسرة لضمير الشأن فإنها كاشفة لحقيقة المعنى ولها موضع بالإجماع وعن المفسرة في الاشتغال فقد خالف فيها الشلوبين فزعم أنها بحسب ما تفسره فهي في مثل زيدا ضربت لا محل لها وفي نحو إنها كل شيء خلقناه بقدر ونحو زيد الخبز يأكله في محل رفع ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله وقال: فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن فظهر الجزم وكأنها عنده عطف بيان أو بدل ولم يثبت الجمهور وقوعهما جملة وقد تبين أن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمى في الاصطلاج مفسرة وان حصل بها تفسير ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف بيان واختلف في المبدل منه (وفيه بحث (لم ينبه عليه شراحه وهو أن الجملة المفسرة في الاشتغال عنده لا تخلو إمّا أن يكون لها محل من الإعراب فينبغي إدخالها في المفسرة أوعدها على حدة ولم يات بشيء منهما أو يكون لها محل فإن كان بالتبعية فلا بد من الرجوع إلى ما ذكره الشلوبين وان كان له وجه آخر فليحمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 كلامه عليه فإنه لا نص منه في ذلك ولذا قال وكأنها الخ نعم لك أن تقول إنها تأكيد وحينئذ لا يلزم ما ذكره وادّعاء عطف البيان والبدل فيما اتحد لفظه غير ظاهر وكلام المصنف والزمخشري محتمل لموافقة الشلوبين ثم إنه بقي ههنا أنّ شرط المنصوب على الاشتغال أن يكون مختصاً ليصح رفعه بالابتداء ولهذا اعترض ابن الشجري على أبي عليّ في قوله تعالى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} إنه من باب زيدا ضربته كما في الباب الخامس من المغني وقال بعدما قرّره المشهور أنه عطف على ما قبله وابتدعوها صفته ولا بد من تقدير مضاف أي حب ورهبانية قال وإنما لم يحمل أو عليئ الأمر على ذلك لاعتزاله ولذا قال فإنّ ما يبتدعونه لا يخلقه الله تعالى وقد أجاب عنه حفيد ابن هشام بأن الظاهر ما قاله أبو عليّ لأنّ من المسائل التي يجوز فيها ألاشتغال ما يجب النصب فيه ولا يصح الرفع على الابتداء وحينئذ فليس جواز الأمرين شرطا في صحة الاشتغال ويقويه تجويزهم له في سورة أنزلناها فإنه لا يصح فيه كون سورة مبتدأ أنزلنا خبره بل إذا جعل مبتدأ فأنزلنا صفته والخبر محذوف وهو الظاهر وقال العلوي في شرح الجامع إنّ ابن الشجري وابن هاشم لم يشترطا صحة الرفع على الابتداء حتى يقال إنّ فيه ما لا يصح فيه ذلك بل كونه قابلاً للابتدائية بناء على أنّ الأصل فيه جواز الرفع والنصسب وهو لا ينافي تعين النصب لعارض وتجويز الاشتغال في سورة أنزلناها كتجويز أبي عليئ فإمّا أن يمنع أو يتأوّل كما ذكر في وأخرى تحبونها فتأمل. قوله: (إتل) قيل الظاهر اتلوا بصيغة الجمع لأنّ الخطابات التي بعده كذلك وهو بناء على ما اشتهر أنه لا يخاطب في كلام واحد اثنان فأكثر بدون تثنية أو جمع أو عطف ولنا فيه كلام فصلناه في طراز المجالس وزبدته إنه لما قال الزمخشري في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} في آل عمران إذ منصوب بإضماراً ذكر أورد عليه القطب أنه مشكل إذ يصير المعنى اذكر يا محمد إذ تصعدون أيها المصعدون الذين تركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وفرّوا فالصواب اذكروا وأجاب بأنّ تقديره هذا على قراءة يصعدون بالتحتية وأجاب السعد بأنّ المراد جنس هذا الفعل فيقدّر اذكرو لا اذى أو هو من قبيل إذا طلقتم النساء وفيه أنّ نظم الآية وهو إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم الخ يأباه وما ذكروه من أصله غير وارد بل غير صحيح لأن ما قدروه من اذكر واتل ونحوه مما فيه معنى القول مصحح له بلا تأويل لأنه قول وما بعده مقول فالخطاب فيه محكيّ لتضمن عامله معنى القول أو تأويله به كما عرفت في مثله فيقصد لفظه حتى كأنه انسلخ عنه الخطاب أو تعدد قائله ومما يرشدك إلى ذلك نحو توله {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فخطاب قل للرسول صلى الله عليه وسلم من الله والخطاب بعده من الرسول صلى الله عليه وسلم للكفرة فكأنهما خطابان أو كلامان أو المقصود الأوّل وهو كثير كقوله في هذه السورة قل أطيعوا الله وفي الكشف إشارة له وهذا تحقيق لا ريب فيه فعليك أن تعض عليه بالنواجذ. قوله: (أو دونك) ردّه في البحر بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء وقيل عليه إنه لا يسلم إلا بدليل ودليله أظهر من الشمس وهو ضعفه في العمل لأنه عمل بالحمل على الفعل لكن ابن مالك أجاز في قوله: يا أيها المائح دلوي دونكا أن يكون دلوي فعولاً لدونك آخر مضمرا وزعم أنه مذهب سيبويه وهو موافق لما هنا إن لم يشترط فيه ذكر مثله بعده وذكر ابن هشام في الباب الخامس من المغني أنّ شرط الحذف أن لا يؤذي إلى اختصار المختصر فلا يحذف اسم الفعل وما نقل عن سيبويه رحمه الله من حذفه تفسير معنى لا تقدير إعراب ومراده تقدير حذف الزم ونحوه. قوله: (وفرضنا ما فيها من الأحكام) يحتمل أن يريد أن المفروض أحكامها وهي مشتملة على غير الأحكام فأسند إلى الكل ما هو لجزئه كبني تميم قتلوا فلانا والقاتل أحدهم أو المفروض مدلولها لا هي فأسند ما لأحدهما للأخر لملابسة بينهما تشبه الظرفية أو هو على تقدير مضاف كما سأل القرية وقيل إنه مجاز في المفرد بعلاقة الحلول وهو بعيد لأنه إن تجوّز في السورة فالتوصيف بأنزلنا لا يناسبه وان كان في ضميرها على الاستخدام فهو خلاف الظاهر وفيما ذكر براعة استهلال. قوله: (وشدّده ابن كثير الخ) يعني أن التضعيف للتكثير في الحدث كطوّقت أو في المفعول ولو بواسط كما هنا فإنه لتكثير المفروض عليهم والمبالغة بزيادة الكيفية بشدة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 لزوم الفرضي والإيجاب وقد فسر بفصلناها فهو من الفرض بمعنى القطع ويجري فيه ما ذكر. قوله: (فتتقون المحارم) قال الإمام ذكر الله في أوّل السورة أنواعا من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله فرضناها إشارة إلى الأحكام المبينة أوّلاً، وقوله وأنزلنا فيها آيات بينات إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ويؤيده قوله لعلكم تذكرون فإنّ الأحكام لم تكن معلومة حتى يؤمر بتذكرها، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه بأن لعلكم تذكرون راجع للأحكام أيضا لأنه تذييل لجميع ما قبله والمقصود من التذكير غايته وهو اتقاء المحاربم فلا حاجة لما ذكر. قوله: (أي فيما فرضنا أو أنزلنا الخ) في كتاب سيبويه أمّا قوله عز وجل الزانية والزاني الخ وقوله: والسارق والسارقة الخ فإنّ هذا لم يبن على الفعل ولكنه مثل قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [سورة الرعد، الآية: 35] ثم قال فيها أنها رفيهاً كذا فإنما وضع المثل للحدث الذي بعده فذكر أخبارا وأحاديث فكأنه قال ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليكم مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار وكذلك الزانية والزاني لما قال سورة أنزلناها وفرضناها قال في الفرإئض {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [سورة النور، الآية: 2] ثم جاء فاجلدوهما فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال: وقائلة خولان فانكح فتاتهم فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر وعلى هذا قوله: واللذان ياتيانها منكم فآذوهما، وقد قرأ أناس والسارق والسارقة والزانية والزاني بالنصب وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة ولكن أبت العامة إلا الرفع في ذلك انتهى يعني أنّ النهج المألوف في كلام العرب إذا أ! يد بيان معنى وتفصيله اعتناء بشأنه أن يذكر قبله ما هو عنوان وترجمة له وهذا لا يكون إلا بأن يبنى على جملتين فالرفع في نحوه أفصح وأبلغ من النصب من جهة المعنى وأفصح من الرفع على أنه جملة واحدة من جهتهما معا لما عرفت ولما يلزمه من زيادة الفاء وتقدير إمّا ووقوع الإنشاء خبرا كما فصل في شرح الكتاب إذا عرفت هذا فههنا أمور منها إنه مرّ في المائدة قوله في الكشاف وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر وتبعه ابن الحاجب وليس في كلام سيبويه شيء مما ذكراه كما سمعته ولم ينبهوا عليه، ومنها أنّ الشارح العلامة رحمه الله قال عندي أن مثل هذا التركيب لا يتوجه إلا بأحد أمرين زيادة الفاء كما نقل عن الأخفش أو تقدير أمّا لأنّ جواز دخول الفاء في خبر المبتدأ إفا لتضمنه معنى الشرط وامّا لوقوع المبتدأ بعد إمّا ولما لم يكن الأوّل وجب الثاني، وقيل ربما دخلت الفاء الخبر إذا كان في المبتدأ معنى يستحق به أن يترتب عليه الخبر كما في قوله: وقائلة خولان الخ فإنّ في هذه القبيلة شرفا وحسنا بسببه أمر بنكاح نسائهم وهو راجع إلى تضمن معنى الشرط وقد عرفت أنّ في أبتنائه على جملتين ما يغني عن هذا التكلف ومنها أنه قيل إنّ سبب الخلاف أنّ سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة الشرط وغيرهما لا يشترط ذلك وليس هذا مبني الكلام وإنما هو من عدم الوقوف على المقصود لما مرّ. وقوله حكمهما إشارة إلى أنّ في الكلام مضافا مقدراً وإذا بني الكلام على جملتين فالفاء سببية لا عاطفة وقيل زائدة. قوله: (لتضمنها) وفي نسخة لتضمنهما وهي أظهر وقوله وقرئتا بالنصب على إضمار فعل الخ قيل دخلت الفاء لأنّ حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال في قوله فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ويجوز أن تكون عاطفة والمراد جلداً بعد جلد وذلك لا ينافي كونه مفسراً للمعطوف عليه لأنه باعتبار الاتحاد النوعي ولا يخفى أنّ المفسر إذا كان فيه إيضاح وتفصيل يعطف بالفاء وقد يعطف بالواو أمّا إذا اتحد لفظهما فلم يعهد عطفه عند النحاة ولو جازت المغايرة المذكورة لجاز زيدا فضربته وهو ممنوع بالاتفاق وما ذكر تكلف لم نر أحدا ذكره من النحاة فالظاهر ما قاله ابن جني من أنها جوابية لما في الكلام من معنى الشرط ولذا حسنت مع الأمر كما أشار إليه المصنف لأنه في معناه ألا تراه جزم جوابه لذلك إذ معنى أسلم تدخل الجنة إن تسلم تدخل الجنة والمراد كما في بعض شروح الكشاف إن أردتم معرفة حكم الزانية والزاني فاجلدوا الخ ولذ لم يجز زيداً فضربته لأنّ الفاء لا تدخل في جواب الشرط إذ كان ماضياً، وتقديره إن أردتم معرفة الخ أحسن من تقدير إن جلدتم لأنه لا يدلّ على الوجوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 المراد وقال أبو حيان إنّ الفاء في جواب أمر مقدو أي تنبهوا لحكمهما فاجلدوهما، وفي شروح الكشاف هنا كلام لا يخلو من الخلل. قوله: (للأمر) وفي نسخة لأجل الأمر علة لكونه أحسن لأنه في باب الاشتغال يختار النصب إذا كان بعده أمر إذ لو رفع على الابتداء لزم وقوع الإنشاء خبراً وهو لا يكون بدون تأويل وقوله والزان بلا ياء أي قرىء الزان بلا ياء لحذفها تخفيفاً وقوله وإنما قدم الخ ولذا عكس في السرقة لغلبتها في الرجال والمفسدة اشتباه النسب وزيادة العار المتعدّي، والزانية في الأصل بمعنى المزنى بها. وقوله والجلد ضرب الجلد لأنّ فعل المفتوح العين الثلاثيّ اطرد صوغه من أسماء الأعيان لإصابتها كرأسه أصاب رأسه وعانه أصاب عينه كما في التسهيل. وقوله لما دل ما عبارة عن الدليل وهو الأحاديث المشهورة، وقيل إنها منسوخة في حى المحصن. وقوله بالبكر هي من لم تجامع في نكاح صحيح كما ذكره الكرماني. قوله: (وليس في الآية ما يدفعه الخ) في الهداية لنا قوله تعالى {فَاجْلِدُوا} الآية جعل كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء أو إلى كونه كل المذكور والحديث منسوخ كشطره وهو الثيب بالثيب جلد مائة ورجم الحجارة ثم قال إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة فيعزره على قدر ما يرى وذلك تعزير وسياسة لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي إلى الإمام انتهى، يعني أنّ ما ذكر وقع موقع الجزاء مبيناً لما يترتب على الزنا ويجازى به فلا بد أن يكون جميع جزائه درالا كان تجهيلا في مقام البيان فكأنه قيل ليس له إلا الجلد وحينئذ يعارضه الحديث فيكون ناسخاً ومنه ظهر الجواب عما قاله المصنف رحمه الله من طرف الشافعي من إثباته بالحديث وعدم نسخه لأنه لا يسلم كون ما بعد الفاء جميع الجزاء ولا يقول بأنه تعزير لأنه لا جمع بين الحد والتعزير بسبب واحد فإنه غير مسلم فهو أمر للسياسة موكول لرأي الإمام وما قيل من أن الفاء للجزاء وهو ما كان كافياً لأنه من جزأ بالهمز أي كفى وهو على إختيار الفراء والمبرد في إعراب الآية على ما مرّ وأنّ قوله الزانية والزاني شروع في بيان حكم الزنا ما هو فكان الصذكور تمام حكمه د والا كان تجهيلاً لا بيانا وتفصيلاً إذ يفهم منه أنه تمام وليس بتمام في الواقع فكان مع الشروع في البيان أبعد من البيان لأنه اوقع في الجهل المركب وكان قبله في البسط وهذا يعم المذاهب في إعراب الآية فيه أنّ الجزأء مصدر جازيته جزأء وهو منقوص بلا شبهة كما يدلّ عليه الاستعمال واللغة وقلب حرف العلة فيه همزة لتطرفه كما في كساء وأمّا جزأ وأجزأ المهموز فهو مادة أخرى فهو خلط في اللغة غير محتاج إليه ثم إنه كيف يكون تمام حكمه وليس فيه حكم المحصن والعبد فكيف يقال إنه تفصيل للحكم فالظهر أنّ الآية مجمل مبينة بفعله صلى الله عليه وسلم الثابت بالأحاديث المحيحة فتأمّل. قوله: (شمخا مقبولا أو مردودا) الزيادة على نص الكتاب عند علمائنا نسخ وعند الشافعيّ بيان مخصص حتى يجوز بخبر الوأحد والقياس ولا يقبل ذلك عندن! فقوله مقبولاً أو مردود إشارة إلى مذهب الحنفية وفي الكشاف ما احتج به الشافعيّ على وجوب التغريب من قولهءتجيئ والبكر بالبكر الخ منسوخ أو محمول على التعزير والتأديب من غير وجوب واعترض عليه بأنه بناء على أنّ الزيادة على النص نسخ ولا ينسخ الكتاب بخبر الآحاد والحديث المذكور في مسلم والترمذيّ وأبي داود كما مر في سورة الشساء فلو سلم لهم الأصل الأوّل لا يسلم الثاني فأفا المروي عن الصحابة فلا يحتمل النسخ أصلا وردّ بأنّ قوله منسوخ متعلق بالحديث وقوله أو محمول جواب ثاني عن الحديث بما يصلح جوابا عن فعل الصحاية وليس بإجماع منهم ولو كان إجماعا لصلح كاشفا عن ناسخ الآية على المذهبين وقال الطيبي ما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب وأنّ أبا بكر رضي الله عنه ضرب وغرّب وأنّ عمر رضي الله عنه ضرب وغرّب ولا يعلم منكر إجماع والحمل على التعزير لا وجه له إذ لا يجتمع مع الحد انتهى ولا يخفى حاله أمّا الإجماع فكيف يتأتى مع مخالفة كثير كالإمام وغيره ولو سلم لكان ناسخاً كما تقرّر في الأصول فكان لظاهر الاقتصار على الجواب الثاني على ما فيه. قوله: (وله في العبد الخ (الأقوال عدم التغريب أو التغريب سنة أو نصفها. قوله: (وهو مردود الخ (كما في البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 قال جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أنّ رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقال عبد القه بن سلام رضي الله عنه ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ولا دليل عليه قال الكرماني الأصح أنه! هـ كان متعبداً بشرع من قبله ما لم يكن منسوخا وقيل إنما سألهم ليلزمهم ما يعتقدونه وقد قيل إنه! يم كان أوّل ما قدم المدينة يحكم بالتوراة ثم نسخ، وفيه بحث. قوله: (إذ المراد بالمحصن الذي يقتص! له من المسلم (قيل هذا تقييد للإطلاق بغير دليل وأكثر استعمال الإحصان في إحصان الرجم وفيه نظر لأنهم قالوا الدليل عليه ما مرّ من حديث البخاري وغيره فتأمل. قوله:) رأفة رحمة (فسرها هنا بالرحمة وفي البقرة تبعا للجوهري بأشد الرحمة وقال في قوله لرؤوف رحيم قدم الرؤوف مع أنه أبلغ محافظة على رؤوس الفواصل وفيه أنّ الرأفة حيث قارنت الرحمة قدمت سواء الفواصل وغيرها ألا تراها قدمت في قوله رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها وهي في الوسط فلا بد لتقديمها من وجه آخر وكونها أبلغ لا وجه له وان تفرد به الجوهري فقد فسرت في العين والمجمل وغيرهما بمطلق الرحمة وهي عند التحقيق نوع من الرحمة الحقيقية وهو التلطف والمعاملة برفق وشفقة ويقابلها العنف والتجبر فينبغي تقديمها على الرحمة بمعنى الأنعام كما في المثل الإيناس قبل الأساس وقال: أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ومما يعنيه أنّ معاوية رضي الله عنه سأل الحسن رضي الله عنه وكرّم وجه أبيه عن الكرم فقال هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والرأفة مع البذل وقال سفيان بن عيينة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أي لا تبطلوا الحد شفقة عليهما وقال قيى الرقيات: ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولاكبرياء ... وقال ابن المعتز: فحلماً وإبقاء ورأفة واسع بالأنعام لا كبر ولا متضايق ... وقال ابن نباتة السعدي: وخير خليليك الصفيين ناصح يغصك بالتعنيف وهورؤوف ... وفي نهج البلاغة ليرئف كبيركم بصغيركم وهذا كله مما ورد به استعمال البلغاء شاهد لا يقبل الرشا وإنما أطلنا فيه لأنهم اغترّوا بكلام الجوهرفي رحمه الله وظواهر اللغة المبنية على التسامح فارتكبوا تكلفات لا حاجة إليها كما قيل الرأفة أشد الرحمة أو أن يدفع عنك المضار والرحمة أن يوصل إليك المسار فإن فسر بالأوّل لزم التكرار والانتقال من الأعلى إلى الأدنى فلا بد من الثاني وفسر الرؤوف في شرح المواقف بمريد التخفيف على العبيد. قوله: (فتعطلوه) بالترك أو تسامحوا فيه بالتخفيف. وقوله لو سرقت فاطمة الخ بعض حديث في البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها: " أنّ قريشاً أهمهم أمر المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال أيها الناس إنما ضل من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحذ وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". تنبيه: فاطمة هذه بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية صحابية رضي الله عنها سرقت فقطعها النبيّ صلى الله عليه وسلم وقيل هي أم عمر وبنت نعيصان المخزومية وفي قوله لو سرقت فاطمة نكتة لأنّ اسم السارقة فاطمة أيضاً وقوله بنت محمد روي مرفوعاً ومنصوباً وكانت شريفة في نسبها وكانت سرقت قطيفة وقيل حلياً وضرب لها مثلاً بالزهراء رضي الله عنها لنزاهته. قواسه: (فعالة) بفتح الفاء مصدر أو اسم مصدر كالسآمة والكآبة وقول الشارح الطيبي إنها شاذة كأنه اراد أنه في هذه الماذة قليل الاستعمال بالنسبة إلى الرأفة بالسكون والا ففعالة في المصادر كثير وليس شذوذه في القراءة لأنها قراءة قنبل كما ذكره الجعبرفي رحمه الله. قوله:) وهو من باب التهييج) كما يقال إن كنت رجلاً فافعل كذا ولا شك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 في رجوليته وكذا المخاطبون هنا مقطرع بإيمانهم لكن قصد تهييجهم وتحريك حميتهم وعزتهم لله فلا يتوهم أنه ليس المحل محل إن لأنه لبس المقصود به الشك بل التهييج لإبرازه في معرضه. قوله: (والطائفة الخ) قيل هذا مخالف لما مرّ في سورة التوبة وتحقيق المقام على وجه تندفع به الأوهام إنّ الطواف في الأصل الدوران أو الإحاطة كالطواف بالبيت والطاثفة في الأصل اسم فاعل مؤنث فهو إمّا صفة نفس فتطلق على الواحد أو صفة جماعة فتطلق على ما فوقه وهو كالمشترك بين تلك المعاني فيحمل في كل مقام على ما يناسبه بحسب القرائن فلا تنافي بينها، قال الراغب: الطائفة من الناس جماعة منهم ومن الشيء قطعة، وقال بعضهم: قد تقع على واحد فصاعدا فهي إذا أريد بها الجمع جمع طائفة دماذا أريد بها الواحد يصح أن تكون جمعاً كني به عن الواحد ويصح أن تكون كراوية وعلامة انتهى وفي حواشي العضد للهروي يصح أن يقال للواحد طائفة وبراد بها النفس الطائفة فهو من الطواف بمعنى الدوران وفي شرح البخاريّ حمل الشافعي الطائفة في مواضع من القرآن على أوجه مختلفة بحسب المواضعفهي في قوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} [سورة التربة، الآية: 122] واحد فأكثر واحتج به على قبول خبر الواحد وفي قوله: وليشهد عذابهما طائفة أربعة وفي قوله: فلتقم طائفة منهم معك ثلاثة وفرقوا في هذه المواضع بحسب القرائن أمّا في الأولى فلأنّ الإنذار يحصل به وأمّا في الثانية فلأنّ التشنيع فيه أشد وأمّ في الثالثة فلذكرهم بلفظ الجمع في قوله: فليأخذوا أسلحتهم وأقله ثلاثة وكونها مشتقة من الطواف لا ينافيه لأنه يكون بمعنى الدوران أو هو الأصل وقد لا ينظر إليه بعد الغلبة فلذا قيلى إنّ تاءها للنقل فلها معان وفيها اختلاف فلا يرد الاعتراض على المصنف رحمه الله ولا يصح إطلاق القول بأنّ إطلاقها على الواحد لا أصل له في اللغة. قوله تعالى: {لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} الخ جوّز فيه أن يكون معناه ما في الحديث من أنّ من زنى تزني امرأته ومن زنت امرأته يزني زوجها. قوله: (وكان حق المقابلة الخ (وفي نسخة العبارة وتنكح قيل إنه بصيغة المجهول وكان الظاهر أن يقول لا تنكح إلا زانيا على البناء للفاعل لكنه ساق الكلام على مذهبه من أق النساء لا حق لهن في مباشرة العقد وفيه إنه وان قال بأنه لا يصح عقدهن مطلقا لحديث لا نكاج إلا بوليّ لكن إسناد النكاح والتزوّج إلى كل منهما صحيح عنده وقد صرّح به في تفسير قوله تعالى {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ولك أن تقول إنه هنا مبنيّ للفاعل بتضمينه معنى تقبل النكاح منه وإنما اختاره إشارة إلى مذهبه وهو المناسب لمقابله ولو كان مجهولاً وفاعله المقدّر الوليّ عاد الذم إليه وليس بمراد. قوله: (نزلت في ضعفة المهاجرين الخ) المراد بالضعفة جمع ضعبف الفقراء ولما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف ويكرين بضم الياء وسكون الكاف من الإكراء يقال أكريت واكتريت واستكريت ولينفقن متعلق بقوله يتزوّجوا لا بيكرين أوهموا لأنّ الصحابة رضي الله عنهم أورع من أن يصدر مثله عنهم والوارد في كتب ا- لحديث كما رواه ابن أبي شيبة عن ابن جبير أنه قال كن بغايا بمكة قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أراد رجال من أهل الإسلام أن يتزوّجوهن فحرّم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره العراقي وابن حجر فينبغي تنزيل ما هنا عليه لكن الظاهر منه أنّ الآية مكية. قوله: (ولذلك قدّم الزاني) أي لكون المراد بيان ما نزلت له من أحوال الرجال! وتقديم الزانية أولاً لما مرّ. وفي الكشاف أنه لأنّ الآية مسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه وقوله لسوء القالة هي كما قاله الراغب كل قوله فيه طعن فعطف الطعن للتفسير وقيل هي ما تيسر من القول وقال الخليل القالة تكون بمعنى القائلة، وفي نسخة المقالة وهو مصدر ميمي بمعنى القول. وقوله عبر عن التنزيه بالتحريم على أنه بالمعنى اللغوي وهو المنع مطلقاً ولو تنزيهاً أو المراد معناه المعروف على التشبيه البليغ أو الاستعارة وهو جواب عن أنه غير حرام ولو ممن زنى. قوله:) وقيل النفي) في قوله لا تنكح فهو خبر بمعنى الطلب كيرحمه الله وعلى الأوّل هو باق على حقيقته وإنما أبقى الحرمة على ظاهرها لأنّ حمله على التنزيهيئ تأويل وجعله خبراً بمعنى النهي تأويل آخر فهو تكلف أمّا على الخبرية فلا بأس به، وقوله مخصوص بالسبب وهو النكاح للتوسع بالنفقة من كرائهن، وهو مراد الطيبي إذ فسره بنكاج الموسرات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 وقيل المراد به سبب النزول وهو ما ذكر. قوله: (أو منسوخ بقوله وأنكحوا الآيامى إلى آخره) أورد عليه في الكشف أن العامّ إذ ورد بعد الخاص حمل على الخاص عند الشافعية وعند الحنفية هو ناسخ له فلا يتمشى ما ذكره المصنف على أصولهم وردّ بأنّ الشافعيّ قال في الأمّ اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافاً متباينا فقيل هي عامّة ولكن نسخت بقوله وأنكحوا الأيامى الخ وقد رويناه عن سعيد بن المسيب وهو كما قال وعليه دلائل من الكتاب والسنة فلا عبرة بما خالفه هذا محصله قال البقاعيّ فقد علم أنه لم يرد أنّ هذا الحكم نسخ باية الأيامى فقط بل مع ما انضم إليها من الإجماع وغيره من الآيات والأحاديث بحيث صير ذلك دلالتها على ما تناولته متيقنة كدلالة الخاص على ما تناوله فلا يقال إنه خالف أصله في أنّ الخاص لا ينسخ بالعامّ لأنّ ما تناوله الخاص متيقن وما تناوله العامّ مظنون فالقاعدة عندهم مخصوصة بما لم يقم دليل ظاهر على بقاء العموم على عمومه بل لا حاجة إلى التخصيص لأنّ الناسخ في الحقيقة دليل العموم لا العامّ وحد. واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: ويؤيده الخ وعلى هذا حمل قول ابن عباس رضي الله عنهما كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث لكن في قوله: الإجماع مع خلاف عائشة رضمي الله عنها ومن تابعها نظر. قوله: (يتناول المسافحات (السفاح الزنا من سفحت الماء صببته وتسميتها مسافحة وهي مسفوج بها كالزانية للمزنى بها مجاز صار حقيقة عرفية. وقوله: ويؤيده أي يؤيد النسخ وهو إشارة إلى ما مرّ وقيل معناه يؤيد ما عرفته من أن الحرمة غير متحققة الآن وإنما قلنا ذلك لأنّ الحديث لا اختصاص له بالنسخ فإنه يجامع الاحتمالين الأوّلين أي التنزيه والتخصيص ولا يخفى أنه غير مناسب لما قرّره قبيله ولا لما ارتضاه من كلام البقاعيّ. قوله: (فيؤول إلى نهي الزاني الخ) في الكشف أق الغرض النهي مبالغة لا مجرّد الأخبار فيكون المعنى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية وبالعكس كما ذكره المصنف وهو ظاهر الفساد لأنه إذن للزنا بالزانية وهو مراد التقريب بقوله: لأنه غير مسلم إذ قد يزني الزاني بغير زانية بأن يعلم أحدهما الزنا ويجهله الآخر أو يكره عليه فلو لم يفسد لزم أن لا يحرّم هذا وليس كذلك وليس غرضمه لزوم الكذب فيه حتى يغاير كلامه كلام المصنف رحمه الله كما قيل (وفيه بحث (لأنّ النظم يحتمل النهي والخبر وعلى الثاني يلزم الكذب وقال أبو حيان لك أن تقول يجوز إبقاء النفي على ظاهره والمقصود تشنيع أمر الزنا ولذلك زيدت المشركة. والمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلا زانية من المسلمين أو أخس منها لكنه مكرّر لأنه كقوله الخبيثات للخبيثين. قوله: (يقذفونهن بالزنا الخ الما كان الرمي مطلقا والمراد به قذف مخصوص أشار إلى قرينة الخصوص بقوله لوصف الخ، وقوله: واعتبار أربعة شهداء لأنه معلوم قبل أنه مخصوص بالزنا كما يقتضيه السياق فلا يرد عليه أنّ فيه مؤنة بيان تأخير نزول هذه الآية عن قوله فاستشهدوا عليهن أربعة لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن قوله ثم لم يأتوا بأربعة شهداء الخ في محله وقوله والقذف بغيره الخ قيل فيه شبه المصادرة وليس بشيء لأنه ليس المراد إثبات ما ذكر بهذه الآية بل بيان أنه المراد بعد تقرّر ما ذكره في الشريعة ولم يذكر ما في الكشاف من قوله يا كافر لأنه بغير تأويل عند الشافعية يوجب كفره ورذته لا التعزير كما في الروضة لحديث من كفر مسلما بغير حق فقد كفر ولا يرد هذا الزمخشريّ كما ظنه الطيبي رحمه الله لأنه يوجب التعزير عندنا كما في الهداية. قوله: (وتخصيص المحصنات الخ) يعني الظاهر من المحصحنات النساء العفائف والحكم عامّ للرجال، وما قيل إنّ المراد الفروح المحصنات لقوله والتي أحصنت فرجها قياس مع الفارق لعدم التصريح بالفرج هنا واسناد الرمي يأباه ولما في التوصيف بالمحصنات من مخالفة الظاهر وأقرب منه أن يراد الأنفس المحصنات ولذا قيل والمحصنات من النساء إذ لولا أنه صالح للعموم لم يقيد، وامّا أنه ثمة قرينة بخلاف ما هنا فممنوع إذ كون حكم الرجال كذلك قرينة فتأمّل. قوله: (لخصوص الواقعة الأنها نزلت في امرأة عويمر كما في البخاريّ، وقوله أغلب وأشنع قيل عليه إنّ فيه إخلالاً بثبوت الحكم في المحصن بدلالة النص والجواب أنّ المصنف رحمه الله شافعيّ لا يلحقه بالدلالة بل بالإجماع أو الحديث أو القياس، وقيل إنّ العبارة إنما هي أشيع بالياء التحتية ولا يخفى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 أن كونه أشنع لا نزاع فيه فتأمّل. قوله: (ولا يشترط اجتماع الشهود الخ) هذا مما خالف فيه أبو حنيفة رحمه الله فاعتبر الاجتماع واتحاد المجلس وجوّز شهادة الزوج معهم إلا أنّ الفرق بينه وبين غيره أنه يلاعن وهم يحدون إذا لم تصادف الشهادة محلها. قوله: (وليكن ضربه أخف من ضرب الزنا الخ (ضعف سببه ظاهر لأنه ليس بزنا بل إعلام به وفوله احتماله أي للصدق والكذب لأنه خبر وفي الهداية لا يجرّد من ثيابه لأنه سبب غير مقطوع به فلا يقام على الشدّة بخلاف الزنا ولما كان المحتاج إلى الفرق حد القذف والزنا فرقوا بينهما وأمّا التعزير فلا يثتبه حاله فلذا لم يفرق بينهما وكون الضرب تعزيراً أشد مذهب الشافعيّ رضي الله عنه فما قيل إنه يرد عليه النقض بضرب التعزير إذا كان المقذوف غير محصن فإنه أشد من ضرب الزنا مع فيام العلة المذكورة فيه غير وارد لأنه إن أراد أنه أشدّ كما فظاهر الدفع وان أراد كيفا فغير مسلم لأنّ كون أربعين شديدة أشد من مائة معتدلة غير متحقق ولو سلم فالمصنف رحص4 الله شافعيّ المذهب يرى التغريب في حد الزنا فلا يتصوّر كونه أشد منه عنده وما قيل إنه بعد تسليم صحة ما ذكر على مذهب المصنف رحمه الله بينهما تفاوت فاحش من حيث العدد فإنّ ضرب التعزير قليل فلو جرى فيه التخفيف من حيث الوصف أذى إلى فوات المقصود وهو الانزجار بخلاف حد القذف ليس بشيء لما مرّ وحديث الانزجار واه لأنّ أدنى التعزير ثلاث فاذا انزجر بها فلم لا ينزجر بأربعين حقيقة مع أنه ربما كان بالعتاب ونحوه. قوله: (ولا تقبلوا لهم شهادة) في التلويح هو من قبيل {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فهو أبلغ من لا تقبلوا شهادتهم وأوقع في النفس لما فيه من الإبهام ثم التفسير وقوله أيّ شهادة لأنه نكرة في سياق النفي وقوله لأنه مفتر أي كامل الافتراء أو متحقق الافتراء لحكم الشارع بفسقه فخرج قاذف غير المحصن والقول بأنه من تمام الحدّ لا يوافق مذهب المصنف رحمه الله. قوله: (خلافاً لأبي حتيفة رحمه الله) قيل لأنّ تعلق الجزاء على المعطوف بواسطته ولذلك إذا قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق يقع واحدة كما تقرّر في الأصول وفي دلائل الإعجاز جزاء الشرط قسمان جزاء للشرط ابتداء كقولك إن جاء زيد أعطه واكسه وقسم يعتبر جزاء بواسطة الجزاء الأوّل كقولك إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي وإذا استأذنت خرجت ولأبي حنيفة أن يقولط لما لم يرجح هنا أحد المعنيين على الآخر والأصل قبول الشهادة وقع الشك في الردّ قبل الجلد فلا يردّ بالشك لأنه من جملة الحد المندرىء بالشبهات ولا يخفى أنه غير مسلم عند الخصم كما أشار إليه بقوله ولا ترتيب بينهما فكيف يلزمه بما لا يعترف به مع أنّ الشرطية هنا غير متحققة لجواز كونه مفعول فعل مقدّر على طريقة الاشتغال وذكر المصنف للشرطية من إرخاء العنان وهو لا يجعل عدم القبول من تمام الحد لأنّ الحدّ فعل يلزم الإمام إقامته كما في التلويح. قوله: (وحاله قبل الجلد أسوأ مما بعده) قيل لاجتماع الحقين عليه حق الله وحق العبد وفيه أنه إذا أريد أنه أسوأ حالاً عند الناس فظاهر أنه ليس كذلك وان أريد عند الله فالمعتبر في الشهادة ما عند الناس وفيه أنه قد يقال إنه أسوأ حالاً عند الله وعند الناس لأنّ الاستسلام للحد توبة عند المصنف والفاسق قبل التوبة أسوأ منه بعدها ومن عليه حقان أسوأ ممن عليه حق وهذ ظاهر لا ينكر والذي جنح إليه هذا القائل إنه إذا ضرب بمحضر من الناس يكون أحقر وأسوأ حالاً عندهم لكنه وان عد قبيحا بحسب العقل القاصر فليس قبيحاً بحسب الشرع. قوله: (ما لم يتب) هذا بناء على أنّ الاستثناء راجع إلى جميع ما قبله وسيأتي تحقيقه وقيل بل إلى آخر أوقات أهليتهم للشهادة ولذلك قبلى شهادة الكافر المحدود في قذف بعد إسلامه لحدوث أهلية أخرى وردّ بأنهم لا يقبلون شهادة الكافر مطلقا فبنى المصنف رحمه الله كلامه على ما هو المتفق عليه بين الأئمة وفي الكشاف فإن قلت الكافر يقذف فيتوب عن الكفر فتقبل شهادته بالإجماع والقاذف من المسلمين يتوب عن القذف فلا تقبل شهادته عند أبي حنيفة رحمه الله كأنّ القذف مع الكفر أهون من القذف بعد الإسلام قلت المسلمون لا يعبؤون بسب الكفار لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل فلا يلحقه بقذف الكافر من الشين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 ما يلحقه بقذف مسلم مثله فشدّد على المسلمين ردعا وفي الفرائد أبو حنيفة لا يحتاج إلى هذا الجواب الضعيف والكافر إنما قبلت شهادته بعد الإسلام لأنها غير شهادة الكفر لأنها مستفادة من الإسلام فلم تدخل تحت الرد ويدل عليه أنّ شهادته مقبولة بعد الإسلام على المسلم والذمي وتلك الشهادة غير مقبولة على المسلم ولو كان كما قال من عدم لحوق الشين لوجب أن لا يحذ لعدم اعتبار قذفه وقال في الكشف كونه غير شهادة الكفر مسلم أمّا عدم الدخول تحت الرد فلا لأن قوله لا تقبلوا لهم شهادة أبداً عام لم يقيد بحال كفرهم أو إسلامهم ولا بالشهادة التي لهم الاتصاف بها حال القذف أو بعده وأمّا قوله: لوجب أن لا يحدّ فممنوع لأنّ حاصله أنّ ما لحق المسلم من قذف مسلم مثله أشدّ في إلحاق الشين به فزيد في حذه عدم قبول الشهادة وهذا لا يقتضي عدم المؤاخذة في شأن الكافر بل يقتضي مؤاخذة أسهل وفي هذا المقام كلام طويل الذيل تركناه خوف السآمة. قوله:) وأولئك هم الفاسقون المحكوم بفسقهم) فيه إشارة إلى أنهم ليسوا بفسقة في نفس الأمر وإنما حكم بفسقهم لما سيجيء قيل وهو غير داخل في حيز الجزاء بدليل عدم المشاركة في الشرط فإنه جملة خبرية غير مخاطب بها الأئمة لافراد الكاف في أولئك بخلاف ولا تقبلوا لهم شهادة فهو عطف على الجملة الاسمية أي الذين يرمون الخ أو مستأنف لحكاية حال الرامين عند الشرع الحاكم بالظاهر لا عند الله العالم بالسرائر وهو ردّ على الزمخشريّ في قوله: عند الله فإنه لا يصح مع قوله: سبب عقوبته محتمل للصدق وأجيب بأنه لا ينافيه لأنه إذا صدق ولم يكن له شهداء فقد هتك ستر المسلم لغير مصلحة وهو مأمور بصونه فهو فاسق عند الله أيضا آثم بفعله، وهذا مقرّر في كتب الأصول لكنه أورد عليه في التلويح أمورا منها أنّ عطف الخبر على الإنشاء وعكسه لاختلاف الأغراض شائع ومنها أن إفراد كاف الخطاب مع الإشارة جائز في خطاب الجماعة كقوله: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك على أنّ التحقيق أنّ الذين يرمون منصوب بفعل محذوف على المختار أي اجلدوا الذين الخ فهو أيضا جملة فعلية إنشائية مخاطب بها الأئمة فالمانع المذكور قائم هنا مع زيادة العدول عن الأقرب إلى الأبعد، ولو سلم أن الذين مبتدأ فلا بد في الإنشائية الواقعة موقع الخبر من تأويل وصرف عن الإنشائية عند الأكثر وحينئذ يصح عطف أولئك هم الفاسقون عليها، وقال الزمخشري: أولئك هم الفاسقون بمعنى فسقوهم، وما قيل من أن التأكيد بضمير الفصل والاسمية ياباه لا وجه له وقوله عند الله ليس في بعض النسخ ولو سلم فعند الله كما يستعمل بمعنى في علمه يكون بمعنى في حكمه وشرعه فلا فرق بينه وبين تفسيره وأمّا ما ذكره من هتك الستر فحسن كما في التلويح. قوله: (ومنه) أي التدارك أوالإصلاح والاستسلام الانقياد، وقوله: والاستثناء راجع إلى أصل الحكم يعني أنّ المستثنى منه الرامون فهو داخل فيهم متصل حينئذ والاستثناء الإخراج من الحكم وهو في القضية الشرطية حقيقة أو تأويلا لاقتضائه الشرط واستلزامه لما ذكر في الجزاء فإذا خرج من حكمه بطل في حق التائب اللزوم للجزاء فإذا تاب واستسلم للحدّ لا يجلد مرّة أخرى وإذا استحل لا يجلد أصلا وتقبل شهادته عند المصنف فظهر تفرع قوله ولا يلزمه سقوط الحد وفي قوله لهذا الأمر لطف وفي نسخة الأمور وفي نسخة الحكم فلا يرد أنه يستلزم سقوط الحد بالتوبة وهو خلاف الإجماع ولا حاجة إلى ما قيل إنه استثناء من الجميع ومنع الإجماع من تعلقه بالجلد ولأنه حق العباد وفي الكشف أنّ الأولى من هذا ما أشار إليه القاضي من أنّ الاستسلام للحد من تتمة توبته فكيف يعود إليه، وهذا أحسن جدا وهو تدقيق منه قدّس سرّه وقد أوضحناه بما لا مزيد عليه فلا يرد عليه أنه يلزمه أن يكون استثناء متصلا مع أنه غير مخرج من الحكم. قوله: (لآنّ من تمام التوبة (قيل الظاهر أن تمام التوبة من تمام الاستثناء فإنّ الإصلاح معطوف على التوبة فهو ليس نفسها ولا جزءا منها ثم مراده على ما نبهت عليه أنّ الاستثناء راجع إلى الأمور الثلاثة في الرامي فإذا استسلم وجلد وقد تاب من القذف تقبل شهادته ولا يحكم بفسقه فلا يتحقق الجمع المذكور وإذا استحل من المقذوف وتاب لا يتحقق واحد منها لأنّ طلب المقذوف شرط الجلد وأورد عليه أنه يلزمه سقوط الحد بمجرّد الاستسلام كالاستحلال وكذا يلزمه قبول شهادته قبل الحد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 وهو خلاف مذهب الشافعيّ وأيضا اللازم عدم أقتضاء الشرع مجموع هذه الأمور وهو متحقق بنفي الفسق فقط والردّ متيقن فلا يزول بالشك وهذ هو المناسب لمذهب أبي حنيفة رحمه الله بخلاف ما ذكره ذلك القائل فتدبر وقوله ومحل المستثنى الخ لأنه من كلام تامّ موجب. قوله: (وقيل إلى النهي الخ) ذكر. ابن الحاجب في أماليه حيث قال إنه لا يرجع إلى الكل أما الجلد فبالاتفاق وأمّا قوله وأولئك هم الفاسقون فلأنه إنما جيء به لتقرير منع الشهادة فلم يبق إلا الجملة الثانية وأورد عليه أنه إن أراد بالتقرير التأكيد فهو مانع للعطف وأن أراد التعليل فهو بالفاء وهو غير وارد لأنّ مراده أنّ ذلك معلوم منه بقرينة السياق كما تقول ضربت زيداً وهو مهين لي يفهم منه أنّ ضربه للإهانة فلا ينافي كونه للتقرير والتعليل فتدبر. قوله: (قيل إلى الأخيرة الخ (هذ بناء على أنّ مذهب أبي حنيف رحمه الله أنّ الاستثناء لا يرجع إلى جميع السوابق بدليل أنه لا يرجع إلى الجلد اتفاقاً وذهب الزمخشريّ إلى أنّ بناء الخلاف ليس على هذا بل على أن قوله وأولئك هم الفاسقون جملة منقطعة عن الأوّلين عند أبي حنيفة فيتعلق الاستثناء بها لا محالة ومسألة الاستثناء بعد متعدّد مقترن بالواو اختلف فيها الأصوليون فقال الشافعيّ يعود للجميع وقالت الحنفية للأخيرة وقال الغزاليّ والقاضي بالوقف والمرتضى بالاشتراك وأبو الحسين إن تبين الإضراب عن الأولى فللأخيرة مثل أن يختلفا نوعا أو اسماً وليس الثاني ضميره أو حكما غير مشترك في غرض والا فللجميع والمختار عند ابن الحاجب أنه إن ظهر الانقطاع فللأخيرة أو الاتصال فللجميع والا فالوقف وفي التلويح وشرح العضد أنه لا خلاف في جواز كل وإنما الخلاف في الأظهر منها واختلفوا في اشتراط التعاطف بالواو وعدمه هذا محصل كلامهم في هذه المسألة وأمّا النحاة فقل من تعرّض لها منهم والذي ذكره ابن مالك في التسهيل أنّ الظاهر في المفردات عوده إلى الجميع ما لم يمنع مانع أو يظهر مرجح وأمّا الجمل فإن اتحل! معمولها فكذلك هالا فلا يجوز وفي شرح اللمع أنه يختص بالأخيرة وأنّ تعليقه بالجميع خطأ للزوم تعدد العامل في معمول واحد إلا على القول بأن العامل إلا أو تمام الكلام قبله ومنه يعلم ما في قوله الأصوليين أنه يجوز الجميع بلا خلاف وإنما الخلاف في الأظهر لأنّ الخلاف فيه مبنيّ على عامل الاستثناء فالظاهر أنّ الخلاف في صحته إلا ان يقال نظر الأصولي غير نظر النحوي أو أنه يقدر معمولاً لأحدها وبقدر مثله للآخر وكذا إذا اقتضى الاستثناء الإتباع وتعدّد إعراب المستثنى منه وما نقل عن البحر أنّ ابن مالك رحمه الله استثنى من ذلك ما إذا اختلف العامل والمعمول كقولك إكس الفقراء وأطعم أبناء السبيل إلا من كان مبتدعاً ففي هذه المسألة يعود إلى الأخير خاصة فتحصل منه أنّ ما قاله أبو حنيفة رحمه الله مختار أهل العربية فيه نظر فتأمّله فإنه كلام غير محزر. قوله:) وقيل منقطع الخ) اختلف في الاستثناء في هذه الآية هل هو متصل لأنّ المستثنى منه في الحقيقة الذين يرمون والتائبون من جملتهم لكنهم مخرجون من الحكم وهذا شأن المتصل كما تقول قام القوم إلا زيداً فزيد داخل في القوم غير متصف بالقيام وجعله فخر الإسلام ومن تبعه منقطعاً لأنه لم يقصد إخراجه من الحكم السابق بل إثبات حكم آخر له وهو أنّ التائب لا يبقى فاسقا ولأنه غير داخل في صدر الكلام لأنه غير فاسق وفيه تفصيل في الأصول هالى دليل فخر الإسلام أشار المصنف بقوله متصل بما بعده مع ما بين قوله المنقطع والمتصل من الطباق البديعي. قوله: (علة للاستثناء (أي لما تضمنه الاستثناء من التوبة وكأنه إشارة إلى ردّ ما في الكشاف من أنّ الاستثناء من الفاسقين لا من غيره لأنه لا يناسبه قوله فإنّ الله غفور رحيم بأنه ختم به تعليلاللاستثناء مع قطع النظر عن المستثنى منه مع أنه قال بعد هذا وظاهرها أن تكون الجمل الثلاث بمجموعها جراء الشرط كأنه قيل من قذف المحصنات فاجلوهم وردّوا شهادتهم وفسقوهم أي فاجمعوا لهم الجلد والردّ والتفسيق إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإنّ الله يغفر لهم فينقلبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسقين وهو يقتضي أنّ الأوّل غير مرضى له. وأجاب الطيبي بأنّ العذاب إمّا بالإيلام وامّا بالتذليل فإذا تاب وقبلت توبته رفع الله عنه العذاب بنوعيه فيناسب الختام والمبدأ. قوله: (نزلت في هلال الخ (تمام الحديث أنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سمحاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حذ في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحذ فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام وأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم فقرأ حتى بلغ إن كان من الصادقين فانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد إلى آخر الحديث كما في البخاري وفيه أيضا قصة لعويمر بن نصر العجلاني قريبة من هذه وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا وهو يقتضي أنّ سبب النزول قصة أخرى فإمّا أن يقول إنّ سبب النزول أمر مناسب ينزل عقبه الآية فيجوز تعدده كما في الإتقان أو سبب النزول القصة الأولى أو الثانية ولما كان حال الأخرى يعلم منها سميت سبباً تسمحاً كما في الإعلام وقد اختلف المحدثون في سبب النزول هنا على ثلاثة أقوال فقيل هو هلال بن أمية وقيل عاصم بن عديّ وقيل عويمر وقال السهيلي أنّ هذا هو الصحيح ونسب غيره للخطا وههنا بحث نقله في شرح المغني عن السبكيّ ولم يجب عنه وهو أنّ ما تضمن الشرط نص في العلية مع الفاء ومحتمل لها بدونها ولتنزيله منزلة الشرط يكون ما تضمنه من الحدث مستقبلاً لا ماضيا فلا يثبت حكمه إلا من حين النزول ولا ينعطف حكمه على ما قبله ولا يشمل ما قبله من سبب النزول وقال إنه إشكال صعب وارد على آية اللعان والسرقة والزنا وما عذه صعبا أسهل من شرب الماء البارد في حرّ الصيف لأنّ هذا وأمثاله معناه إن أردتم معرفة هدّا الحكم فهو كذا فالمستقبل معرفة حكمه وتنفيذه وهو مستقبل في سبب النزول وغيره والقرينة على أنّ المراد هذا أنها نزلت في أمر ماض أريد بيان حكمه ولذا قالوا دخول سبب النزول قطعيّ ولا حاجة إلى القول بأنّ الشرط قد يدخل على الماضي ولا أنّ ما تضمن الشرط لا يلزم مساواته لصريحه من كل وجه ولا أنّ دخول ما ذكر بدلالة النص لفساده هنا والانعطاف معناه دخول ما قبله في حكمه كدخول أوّل النهار في الصوم لمن نواه بعده كما ذكره القرافي في قواعده. قوله: (بدل من شهداءا لأنه كلام غير موجب والمختار فيه الإبدال وإذا كانت إلا بمعنى غير فهي نفسها صفة ظهر إعرابها على ما بعدها لكونها على صورة الحرف وهو مما يحاجي به. قوله: (فعليهم) قدره مقدّماً ليفيد الحصر أي فعلى جنس الرامين دون غيرهم أو فعليهم هذا لا الحذ ويصح تقديره مؤخرا أي واجبة أو كافية. قوله: (متعلق بشهادات الخ) هذا على المذهبين في التنازع قيل لكن على قراءة من رفع أربع يتعين تعلقه بشهادات حتى لا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله باجنبيّ. (أقول) هذا مما اختلف فيه النحاة فمنعه بعضهم وجوّزه آخرون مطلقا وآخرون في الظرف كما هنا استدلالاً بقوله إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر والمانعون يقدرون له عاملاً غير رجعه والمصنف جوّزه في هذه الآية وإنما مرضه هنا لما فيه من الخلاف فما ذكره لا يوافق مختار المصنف وفي كون الخبر أجنبياً كلام أيضاً والشهادة هنا بمعنى القسم حتى قال الراغب إنه يفهم منه وان لم يذكر بالله. قوله: (وعلق العامل عته باللام تثيدا) أي لأجل التأكيد أو حال كونها تأكيداً أي مؤكدة أو التقدير وأكد تأكيدا وهو توجيه لذكرها والتعليق بها لصدارتها وهو لا يختص بأفعال القلوب بل يكون بما يجري مجراها كالشهادة لإفادتها للعلم ولو جعلت الجملة جوابا للقسم وجاز ولم يتعرّض! لتأكيد أنّ والاسمية لظهوره ومن أدرجه في كلامه لاحظ أنّ الكلام يستلزمهما لكنه تعسف لا وهم كما ظن وقوله في الرمي قدّره بقرينة المقام. قوله: (وحصول الفرق بينهما بنفسه) أي بنفس اللعان من غير احتياج إلى تفريق القاضي كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأمّا عند الشافعيّ رحمه الله فهو فسخ مؤبد ما لم يثبت للحديث المذكور فإنه بظاهره يدلّ على أنّ التلاعن يقع به الفرقة ولنا قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وقوله أبداً يدل على أن الفرقة مؤبدة فلو كذب نفسه لا يحل له تزوّجها وعندنا يجوز ومعنى أبداً ما داما متلاعنين وقوله وبتفريق الحاكم معطوف على قوله بنفسه. وقوله نفى الولد وثبوت حذ الزنا معطوف على قوله سقوط حد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 وخلاف أبي حنيفة في هذا معروف في الفروع. قوله: (أي الحدّ) وقال أبو حنيفة العذاب هنا بمعنى الحبس لأنها تحبس حتى تلاعن ولو فسر بالحد لم يمنع منه مانع لأنّ اللعان قائم مقام الحد عند. وقوله بالعطف على أن تشهد وأن غضب الله بدل منه أو خبر مبتدأ مقدّر. قوله: (متروك الجواب للتعظيم) أي ليدلّ على أنّ المقدر أمر هائل عظيم لا تحيط به العبارة وأنّ الله مصدر تأويلا معطوف على فضل وقوله من الأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء مصدر أفك الرجل يأفك إذا كذب أو مصدر أفكته عن الأمر إذا صرفته عنه قاله البطليوسي وبكسرها مع سكون الفاء وجاء فتحهما أيضا بمعنى الكذب أو أبلغه كما في شرح البخاريّ للكرماني وقوله بأبلغ ما يكون من الكذب إشارة إلى أنّ اللام للعهد ويجوز حمله على الجنس قيل فيفيد القصر كأنه لا أفك إلا هو وقوله في بعض الغزوات وهي غزوة بني المصطلق قال ابن إسحاق وذلك سنة ست وقال موسى بن عقبة سنة أربع. قوله: (فإذن ليلة في القفول) آذن بالمد وتخفيف الذال المعجمة المفتوحة من الإيذان وهو الإعلام أو بالقصر وكسر الذال المخففة من الإذن أو بالفتح والقصر وتشديد الذال من التأذين بمعنى الإعلام أيضا والرحيل بالجرّ ويجوز نصبه على الحكاية كما في شرح البخاري والقفول بقاف وفاء بمعنى الرجوع متعلق بإذن وكذا بالرحيل يعني أنه كان في رجوعهم من الغزو وكون في القفول صفة ليلة بتقدير في أزمان القفول تكلف وجزع بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة خرزيمان وفي بعض الحواشي ويجوز كسرها وظفار بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء بلا تنوين مبنيّ على الكسر قرية باليمن وروي في البخاريّ أظفار جمع ظفر وهو ما اطمأنّ من الأرض أو شيء كالخرز ويرحلها بضم الياء التحتية وتشديد الحاء المهملة أي يشد رحلها والهودج مركب معروف والمطية الناقة والجمل ومنشد بمعنى من يوصلها إلى القوم ويتفقدها من أنشدت الضالة إذا عرّفتها ونشدتها طلبتها فشبه من يوصلها بالمعرّف وهي باللقطة فلا وجه لما قيل إن الظاهر ناشد وصفوان بن المعطل بضم الميم وتشديد الطاء المكسورة السلمي بضم السين وفتح اللام علم لابن خالة لأبي بكر رضي الله عنه كان صاحب ساقة الجيش ثمة والتعريس بالسين المهملة النزول آخر الليل واذلج بتشديد الدال بمعنى لكر وأدلح بالسكون بمعنى سار الليل كله. قوله:) وهي من العشرة إلى الأربعين) على قول وفيها خلاف لأهل اللغة وفي البخاريّ قال عروة لم يستم من أهل الأفك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في أناس آخرين لا علم لي بهم والذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين وكان ابتداء صدوره منه لعداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عداه فلتة فعلى هذا يجوز كون زيد بن رفاعة منهم لأنّ منهم أناسا لم يعلموا والمصنف رحمه الله ربما ظفر بنقل فيه فانه وقع في كثير من التفاسير وقد خطأه بعضهم فيه ومنهم من برّا حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو مرويّ عن عائشة رضي الله عنها وقيل إن صح عنه فمانما نقله عن ابن أبيّ غفلة لا عن صميم قلب ول أااعتذر عن عائثة رضي الله عنه بقصيدته التي فيها براءتها بقوله: حصان رزان لا تزنّ بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ... ومسطح بكسر الميم وأثاثة بضتم الهمزة ومثلثتين وحمنة بحاء مهملة مفتوحة وميم ساكنة ونون أخت زينب أمّ المؤمنين رضي الله عنها وابن المعطل بفتح الطاء المهملة المشددة بالاتفاق وقد قيل كما مرّ في سورة يوسف أنّ العصبة والعصابة العشرة فصاعداً لتعصبهم في المهمات فلها هنا موقع حسن وكونهم إلى الأربعين يردّه ما في مصحف حفصة رضي الله عنها عصبة أربعة ورد بأنه مع تعارض كلاميه مخالف لما في كتب اللغة وما ذكر إمّا من قبيل ذكر البعض بعد الكل لنكتة أو مجاز وقد اعترف به هنا من حيث لا يدري وهذا كله كلام مختلف فإنّ ما ذكر في معنى العصبة أكثري لا كليّ وأصل معناها لغة فرقة متعصبة مطلقاً هي واردة هنا على حقيقتها الوضعية فلا إشكال فيه وقوله خبر إنّ وقيل بدل من ضمير جاؤوا والخبر جملة لا تحسبوه وضميره عائد إلى مضاف مقدر أي فعل الذين جاؤوا وهو تكلف. قوله: (والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم) في الكشاف الخطاب لمن ساءه ذلك من المؤمنين وخاصة رسول الله صلى الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان وقوله ثماني عشرة آية في البخاري فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ} العشر الآيات كلها وهو مخالف لما قاله المصنف إلا أنّ الخلاف مبنيّ على الخلاف في رؤوس الآي وما قاله المصنف رحمه الله موافق لما قاله الداني في كتاب العدد. قوله: (والذي يمعنى الذين) كما صرّح به النحاة ومثلوا له بآيات منها والذي جاء بالصدق وصدق به واشترط ابن مالك في التسهيل أن يراد به الجنس لأجمع مخصوص فإن أريد به الخصوص قصر على الضرورة وفي الكشف في البقرة إنّ الذي يكون جمعاً وافراد ضميره جائق باعتبار إرادة الجمع أو الفوج أو نظراً إلى أنّ صورته صورة المفرد وقد مرّ إفراده في قوله والذي جاء بالصدق وصدّق به وجاء جمعه في قوله وخضمّ كالذي خاضموا فمن قال إنه يأباه توحيد الضمير الراجع إليه ويجوز أن يقال المراد إنه بمعناه في المآل لتوصيفه للاسم المفرد لفظا المجموع معنى كالفوج لا أنه حذف منه النون تخفيفا لم يصب شاكلة الصواب وقوله بدأ فيه في نسخة به وشايعاه بمعنى تابعاه وقوله في الآخرة الظاهر أنه للوعيد وهو شامل للجميع والذي بمعنى الذين وفيما بعده للحكم به وقيل إنّ الأوّل على أن يراد من الذي ابن أبيّ فقط إذ غنره كفر بإقامة الحد من الذنب فلم يبق له عذاب في الآخرة وقوله أو في الدنيا على كون الذي بمعنى الذين مطلقا فالظاهر ما قدّمناه وقوله وصار ابن أبيّ مطروداً فيه أنه لم يحد مع قذفه وفيه كلام في شرح الحديث وقوله وحسان الخ الأولى تركه لما مرّ. قوله: (بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} (هذا من بديع كلامهم وقد وقع في القرآن كثيراً وهو بحسب الظاهر يقتضي أنّ كل واحد يظن بنفسه خيرا وليس بمراد بل أن يظن بغيره ذلك وتوجيهه أنه مجاز لجعله اتحاد الجنس كاتحاد الذات ولذا فسر قوله ولا تقتلوا أنفسكم بلا تقتلوا من كان من جنسكم أو بجعلهم كنفس واحدة فمن عاب مؤمنا فكأنما عاب نفسه ويجوز أن يقدر فيه مضاف أي ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر وقال الكرمانيّ في حديث أموالكم عليكم حرام إنه كقولهم بنو فلان قتلوا أنفسهم أي قتل بعضهم بعضاً مجازاً أو إضماراً للقرينة الصارفة عن ظاهره وسيأتي فيه كلام في آخر هذه السورة وفيما مثل به مناسبة تامّة لفظا ومعنى لأنّ اللمز الطعن وأشار بقوله هلا إلى أنّ لولا تحضيضية. قوله: (وإنما عدل فيه) يعني لم يقل ظننتم وأتى بالاسم الظاهر لإشعاره بأن من لم يظن خيراً كأنه ليس بمؤمن كناية كقوله المسلم من سلم الناس من يده ولسانه وقال مبالغة في التوبيخ لأنّ لولا تفيد التوبيخ أيضاً كما صرّح به أهل العربية وقوله كما يذبونهم عن أنفسهم إشارة إلى ما مرّ في وجه المجاز. قوله: (وإنما جاز الفصل الخ) اعترض عليه أبو حيان بأنه يقتضي أنه إذا لم يكن الفاصل ظرفاً امتغ وليس كذلك إذ يصح لولا زيد ألقيته بالاتفاق وقد يقال مراده أنه غير جائز بلاغة واستحساناً لأنّ الأصل أن يليها فعل فلا بد للعدول عنه من وجه إليه أشاو الطيبي في شرح قول الزمخشريّ كيف جاز الفصل. قوله: (لأنه منزل منزلته الخ (قيل عليه توسط الظرف لتخصيص التحضيض بأوّل وقت السماع وقصر التوبيخ واللوم على تأخير القول المذكور وأمّا ترك القول بعده والتبرئة بالوحي فمما لا يتوهم وقوعه وعليه يحمل ما قيل إن المعنى أنه كان يجب عليهم أن يتفادوا أوّل ما سمعوا بالأفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهمّ وجب التقديم وأمّا ما قيل من أنّ ظروف الأشياء منزلة منزلة أنفسها فهي ضابطة ربما تستعمل فيما إذا وضع الظرف موضمع المظروف بأن جعل مفعولاً به لفعل مصرّح به أو مقدر وليس بشيء لأنه عين ما ذكره المصنف بقوله فإق التحضيض الخ لكنه قدم على ذكر المرجح بيان المجوز تجويزاً أوليا يعني أنّ المقصود الحث على ظن الخير والمبادرة إلى تبرئة المؤمنين وهذا يفهم من تقديم الظرف عرفاً كما إذا قلت هلا إذا جئتك قصت أي بادرت إلى القيام والنسخ هنا مختلفة ففي نسخة يخلرا من الإخلال والباء صلته أو ظرفية والضمير لظن الخير أو لوقت السماع المفهوم منه وفي نسخة يخالوا بمعنى يظنوا والباء ظرفية أي يظنوا سوءاً بالمؤمنين في أوّل ذلك الوقت وقوله كما يقول المتيقن هذا من قوله مبين وأتى بحرف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 التشبيه لأنه ظن وقوله من جملة المقول ويحتمل أنه من قول الله وفيه تقرير أيضاً. قوله:) عند الله) أي في حكمه. في شرح الكشاف لما فسر الزمخشريّ عند الله بأنه في حكمه وشريعته أواد أنه لا يراد به في علم الله وان ورد بهذا المعنى أبضا لكنه هنا يلزمه المحال وهذا للإيذان بأن مدار الحكم على الشهادة والأمر الظاهر لا على السرائر التي لا يعلمها إلا الله فإن قلت الكذب إمّا باعتبار مخالف الواقع أو الاعتقاد على المذهبين وهذ يؤذن بقسم ثالث قلت المعنى أنه يحكم عليهم بالكذب لأنّ خبرهم لم يطابق الواقع في الشرع وهو لا ينافي مطابق الواقع في نفس الأمر يعني أنّ الحكم عائم لأنه في قوّة شرط وجزاء ولا ينافيه خصوص السبب وهذا يقتضي بناء الأمر على الظاهر وحكم الشرع وأمّا كون الآية في خصوص عائشة رضي الله عنها وهو في علم الله كذلك فعند الله بمعنى في علمه فلا وجه له لأنّ خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم كما تقرّر في الأصول والتقييد بالظرف يأباه إباء ظاهرا ومنعه بناء على أنه على حدّ الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً تكلف مبنيّ على تكلف آخر ونحو هذا ما وقع في شرح قول السكاكي في مجاز الإسناد عند المتكلم وللشريف فيه كلام ثمة يحتاج إلى التحرير فتدبر. قوله: (ولذلك (أي لكون ما لا حجة عليه كذبا رتب الحكم وفي نسخة الحذ وهما بمعنى هنا وترتيبه عليه إمّا في نفس الأمر أو في الآية في قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ} [سورة النور، الآية: 4] . قوله: (لولا هذه (إشارة إلى أنها فيما سبق للتحضيض والخطاب هنا إمّا لغير ابن أبيّ رأس المنافقين لأنه لمن سمع الأفك من المؤمنين بقرينة ما قبله وهو مخترعه وقائله كما قيل ويجوز أن يكون عاما شاملا له لأنّ عذابه أعظم مما توعد به هنا وهو الخلود في النار ونحوه كما قيل، وقول المصنف رحمه الله عاجلا يناسبه فتأمّل. وقوله في الدنيا الخ إشارة إلى أن في النظم لفار نشراً مرتبا ففضله في الدنيا ورحمته في الآخرة ويجوز جعل كليهما لكليهما. قوله: (أفضتم فيه الخ (قال الراغب فياض سخيّ ومنه استعير أفاض في الحديث وهو من أفاض الماء في الإناء فاستعير لنشر الحديث والاكثار منه فهو متعد بفي كخاض وليست للسببية كما توهم كما أنّ كلام المصنف يأباه. قوله تعالى: {تَلَقَّوْنَهُ} الضمير لما وقوله بالسؤال عته تفسير لقوله بألسنتكم والسؤال إمّا عن كيفيته أو عن العلم به والأفعال المذكورة متقاربة المعاني إلا أنّ في التلقي معنى الاستقبال وفي التلقن الحذق في التناول وفي التلقف الاحتيال فيه كما ذكره الراغب وقوله تلقونه مجهول من الالقاء، وقوله من القائه بعضهم على بعض يشير إلى أنّ فيه تجوّزا. قوله: (من الولق والألق (أصل الولق السرعة ومنه أولق للجنون لما فيه من السرعة والتهافت وعن ابن جني أنه من باب الحذف والإيصال أي يسرعون فيه أو إليه، وقال ابن الأنباري هو من ولق الحديث إذا أنئعأه واخترعه وفي الأفعال للسرقسطي ولق الكلام دبره وولقه أيضا كذبه وبه قرأت عائشة رضي الله عنها ومعناه تدبرونه أو تكذبونه انتهى فمن قال إنه إذا كان بمعنى الكذب لا يكون متعديا لم يصب. توله: (وتثقفونه الخ) في الكشف في الحواشي من ثقفه إذ وجده والصواب من ثقفت الشيء إذا طلبته فأدركته جاء مخففاً ومثقلاً أي يتصيدون الكلام في الأفك من ههنا ومن ههنا وليس بشيء لأنّ معنى قوله وجده أي بعد طلب وتركه تسمحاً للعلم به ومثله سهل وتقفونه من قفاه ويقفاه إذا تبعه، وقوله: ما ليس لكم به علم أي بوجه من الوجوه، وقوله: بلا مساعدة الخ إشارة إلى أنّ تخصيص الشيء بالذكر يفيد نفيه عما عداه فليس تأكيدا صرفا كنظر بعيته وهذا مختار الزمخشريّ ومن تبعه وقيل إنه توبيخ كما تقول قاله بملء فيه فإنّ القائل ربما رمز وربما صرّح وتشدّق، وقد قيل هذا في قوله بدت البغضاء من أفواههم، وقيل فائدته أن لا يظن أنه كلام نفسي فهو تأكيد لدفع المجاز والسياق يقتضي الأوّل فإن قلت قد مرّ أنّ الزمخشري قال إسناد الفعل إلى جارحة العمل أبلغ كأبصرته بعيني قلت هذا إذا لم تقم قرينة على خلافه فتأمّله. قوله: (تبعة) بضم فسكون كفرجة الظلامة كما في القاموص وفي المصباح هي العاقبة السيئة وهذا هو المناسب هنا، وقوله علق بها مس العذاب الخ إشارة إلى ترجيح تعلق إذ بمسكم ويمكن تعميمه للوجهين لأنّ المراد بالتعلق المعنوي وهو إذا تعلق بأفضتم وهو قيده تعلق به الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 أيضاً، وقوله وهو عند الله عظيم إشارة إلى رجوع الضمير إلى ما. وقوله: ما ينبغي وما يصح إشارة إلى أنه كالمحال مبالغة قال القرطبي رحمه الله في الأحزاب ما كان وما ينبغي ونحوه معناه الحظر والمنع فيجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون وامتناعه إمّا عقلاً كقوله ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أو شرعاً كقوله: ما كان لبشر الخ وربما كان في المندوب كما تقول ما كان لك ترك التنقل. وقوله وأن تكون إلى نوعه أمّا على التجوّز أو تقدير المضاف، قال ابن عادل الإشارة إلى الشيء بحسب شخصه وقد تكون بحسب نوعه كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [سورة البقرة، الآية: 35] أي نوعها. وقوله فإنّ الخ إشارة إلى تعليل الوجه الثاني بأنه يدلّ على المقصود بالأولوية ووقع هذا بعد سبحانك في نسخة وكذا قوله لعظمة المبهوت وقع بعد قوله يعظكم وهو من الكاتب. والصدّيقة رضي لله عنها المراد بها هنا الصادق نزاهتها وفضلها والصديق لقب أبي بكر رضي الله عنه وفي التسمية به وجوه وحرمة بضم فسكون بمعنى المرأة كما في المصباح والمراد زوجته رضي الله عنها وفي نسخ حرم بفتحتين وهو كناية عن أهله أيضاً كما اشتهر استعماله بهذا المعنى. قوله: (تعجب ممن يقول الخ) على هذا ليس القصد فيه إلى التبرئة من أن يصم نبيه صلى الله عليه وسلم أو يشينه بخلاف الوجه الثاني وهو على هذا من المجاز المتقرّع على الكناية وهو كثير وقد ذكره النووي في الإذكار وكذا لا إله إلا الله تستعمل للتعجب أيضا وأمّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مقام التعجب فلم ترد ولم تسمع في لسان الشرع وقد صرّح الفقهاء بالمنع وإنما وقع من العوأم وبعض المحدثين كقوله: فمن رأى حسنه المفذي في الحال صلى على محمد ... وعلى الثاني هو حقيقه، وقوله حرم نبيه صلى الله عليه وسلم وفي نسخة حرمة نبيه صلى الله عليه وسلم وتقدم معناه ومقصود الزواج التناسل واختلاله اشتباه النسب وقوله بخلاف كفرها إشارة إلى أن بعض زوجات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الكفرة كزوجة نوج ولوط عليهما الصلاة والسلام وقوله لعظمة المبهوت عليه أي الأمر المبهوت المكذوب وهو هذا الأفك أو الإنسان المبهوت عليه وهو حرمه صلى الله عليه وسلم. قوله: (فإنّ حقارة الذنوب الخ) فإن قلت الحقارة والعظم قد يكون في الفعل نفسه فإنّ قتل النفس ليس كشتمها وقد يكون باعتبار مصادرها فإنّ سيئات الأبرار ليست كسيئات غيرهم قلت ليس في كلامه ما يدل على الحصر فلا إشكال فيه كما أشار إليه المحشي ولو سلم فالمراد بالمتعلق متعلق الذنب بالمعنى العامّ وهو شامل لإفراده ومورده ومصدره فتامّل. قوله: (كراهة أن تعودوا الخ الما كان هذا مفعولاً له وليس الوعظ للعود بل لعدمه قدّروا في أمثاله مضافاً وهو كراهية ليصح أن يكون مفعولاً لأجله كما قدر في قوله يبين الله لكم أن تضلوا ومنهم من قدر فيه لا أي لئلا تعودوا ويجوز تقدير في أي يعظكم الله في العود أي في شأنه وما فيه من الإثم والمضارّ كما يقال وعظته في الخمر كما في الكشف أو هو مضمن معنى الزجر بتقدير عن أي يزجركم عن العود وفي الحواشي عاده وعادله وفيه بمعنى. قوله: (فإن الإيمان يمنع عنه) أي عن العود، وقوله وفيه تهييج وتقريع لإبرازه في معرض الشك وليس الشرط على ظاهره بل هو من باب إن كنت أبالك فلم لا تحسن لي وترك قوله في الكشاف وتذكير بما يوجب ترك العود وهو اتصافهم بالإيمان الصادّ عن كل مقبح لأنّ قوله الإيمان يمنع عته يتضمنه فجعلهما وجها واحدا وبعض شزاحه جعلهما وجهين على أنه تتميم لقوله يعظكم الله إمّا للزجر تهييجا وامّا للتحريض تذكيراً وردّ بأنه لا تساعده الرواية ولا الدراية وليس كذلك ويؤيده أنه وقع في بعض نسخه عطفه بأو الفاصلة ولكل وجهة، والتقريع التعيير والتوبيخ وهو إمّا على وجود الشيء كقوله إن كنتم قوما مسرفين أو على تركه ومن قصره على الأوّل فقد قصر. قوله: (الدالة على الشرائع الخ (المراد بالآداب آداب معاملة المسلمين بحسن الظن والتكذيب لما لا يليق والكشخنة عدم الغيرة والديانة وكشخنه شتمه بها وليست بعربية كما نقل عن الخليل رحمه الله، وقوله ولا يقرره عليها أي لا يتلبس بما يفضي إلى عدم الغيرة ولو صدر ما يفضي إليها عن حرمه لم يقرّه عليه إذ لا أغير من الله تعالى على رسله عليهم الصلاة والسلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 فلا يرد أنه مستدرك بعد قوله لا يجوز الخ. قوله: (يريدون) محبة الله رضاه ومحبة العبد أخص من الإرادة لأنها إرادة ما فيه خير ونحوه وقد تنفرد عنها كمحبة الصلحاء وربما فسرت بالإرادة وليست هي قاله الراغب وقد فرق بينهما أيضاً بأنّ المحبة تتعلق بالأعيان والإرادة تتعلق بالأفعال فإذا أريد من أحدهما الآخر فهو مجاز أو كناية قيل والمراد من محبة الشيوع الإشاعة بقرينة ترتب العذاب عليه ولذا قيل إنه من قبيل الاكتفاء عن ذكر الشيء بذكره مقتضيه تنبيها على قوّة المقتضي أو هو من قبيل التضمين أي يشيعون الفاحشة محبين شيوعها لأنّ معنى المحبة الإشاعة مقصود إن هنا ولا حاجة إلى هذا التكلف لقول الكرماني العزم على المعصية وسائر أعمال القلب كالحسد أو محبة إشاعة الفاحشة يؤاخذ عليه إذا وطن نفسه عليه وفي كلام المصنف إشارة إليه ومنه تعلم أن ما قيل إنّ تفسير المحبة بالإرادة إشارة إلى وقوع الإشاعة فإنّ الإرادة لا تنفك عن الفعل كما تبين في الكلام لكنه لا يلائم قوله يعاقب على ما في القلوب من حب الإشاعة والأمر فيه سهل لأنّ المراد بحبّ الإشاعة تلك الإرادة ليس بشيء يعتذ به مع أنّ الإرادة الحادثة ليست كذلك كما صرّح به في الكلام وغيره. توله: (بالحدّ والسعير) الحذ جزاء القذف والسعير جزاء محبته له بقلبه أو هو مخصوص بأمّهات المؤمنين ولا حاجة إلى هذا فإنّ الحدّ لمن نقل من المسلمين والسعير لأبي عذرته ابن أبيّ وهو لم يحد فلا يرد أن الحدود مكفرة فكيف يجمع بينهما مع أنه مختلف فيه وقيل يجوز أن يكون المراد غيره من عذاب الدنيا كالعمى فيجوز إبقاء المحبة على ظاهرها والمراد محبة تدخل تحت الاختيار وهو مخالف لحال من نزلت فيهم الآية فتأمّل. قوله:) والله يعلم ما في الضمائر) هذا مناسب للمحبة القلبية السابقة أو المراد يعلم ما أعد لهم في الآخرة أو كل شيء. قوله: (والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب (لما مرّ عن الكرمانيّ رحمه الله وقد فصله الغزاليّ رحمه الله في الإحياء وقال إنّ النية المصممة يثاب ويعاقب عليها وان لم تقارن الفعل وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه وإن اشتهر خلافه. قوله: (ولذا) أي للدلالة على عظمه ويجوز أن تكون الإشارة للتكرير أي ليزداد قوّة بالتكرير مرّة بعد أخرى والأوّل أولى والجواب المحذوف لمسكم. قوله:) وقر " انخطوة بفتح الخاء مصدر خطأ وبضمها اسم لما بين القدمين ويجمع على خطوات والاسم إذا جمع تحزك عينه فرقاً بينه وبين الصفة فيضم اتباعاً للفاء أو يفتح تخفيفا وقد يسكن وقوله بسكونها الضمير للخطوات لظهور ما يسكن منها لا للطاء حتى يكون إضماراً قبل الذكر ويقال الأولى تأخيره واتباع خطوات الشيطان كشاية عن اتباعه. قوله: (بيان لعلة النهي الخ) أي هذه الجملة بتمامها تعليل للنهي عن اتباعه كما قاله الشيخ عبد القاهر في لا تقتل أباك وهو سبب حياتك ونحوه ولم يتعرّض لجواب الشرط فهو أما المذكور على أنه من إقامة السبب مقام المسبب أو مقدر سد هذا مسده والتقدير وقع في الفحشاء والمنكر فإنه لا يامر إلا بهما كما قرّره النسفي وابن هشام في الباب الخامس من المغني ولا يرد عليه ما في شرحه أنه يأباه ما نص عليه النحاة من أنّ الجواب لا يحذف إلا إذا كان الشرط ماضيا حتى عدوا من الضرورة قوله: لئن تك قد ضاقت عليّ بيوتكم ليعلم ربي أنّ بيتي أوسع ... لأنّ الآية ليست من قبيل ما ذكروه في البيت فإنه مما حذف منه رأسا وهذ مما أقيم مقامه ما يصح جعله جوابا بحسب الظاهر فما قيل إنّ النسفيّ جعل قوله فإنه الخ تعليلا للجملة الشرطية والتقدير من يتبعه ارتكب الفحشاء والمنكر فإنه لا يأمر إلا بهما ومن كان كذلك لا يجوز اتباعه وطاعته يعني أنّ الجملة الشرطية بين لعلة النهي وهو أقرب مما ذكره المصنف رحمه الله ليس بشيء لأنّ كلامه ليس فيه ما يخالف ما ذكره كما قرّرناه وجعل أبو حيان رحمه الله ضمير فإنه لمن والمعنى من يتبعه فهو رئيس يتبع في الضلال وهو مبني على اشتراط ضمير في جواب الشرط الاسمي يعود إليه وسيأتي ما فيه. قوله: (ما أنكره الشرع) رد على الزمخشري في قوله ما تنكره النفوس لابتنائه على مذهب المعتزلة في الحسن والقبح العقليين. قوله: (وشرع الحدود المكفرة لها) كما في البخاري قتل القاتل كفارة له قال الكرماني وهو مخصوص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 بغير الردّة لقوله إنّ الله لا يغفر أن يشرك به وعن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل حد وردع لغير. وأمّا في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إلى حقه وفي الحديث ما يخالفه كحديث ابن حبان رحمه الله السيف محاء للخطايا ونحوه ومنهم من توقف فيه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه إنه عليه الصلاة والسلام قال لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وجمع بينهما بأنه ورد أوّلاً قبل أن يوحى إليه بذلك. قوله: ( {مَا زَكَا} (كتب المخفف بالياء وان كان قياسه الألف لأنّ خط المصحف لا يقاس عليه أو حملاً له على المشدد وهذا أولى وقوله آخر الدهر هو كناية عن التأبيد فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر أن يقول إلى ما لا غاية له. قوله: (افتعال من الألية) أي القسم ويكون بمعنى التردّد كما في المثل إلا حظية فلا ألية وليس بمراد هنا أو هو افتعال من الالو بمعنى التقصير ومنه لم آل جهداً في كذا واليه أشار بقوله أو ولا يقصر وما في بعض النسخ يقتصر تحريف وقوله من الإلو بوزن الدلو أو الإلوّ بوزن العتوّ فإنهما مصدره كما في كتب اللغة ويؤيد الأوّل أي القسيمة لأن يتألى مخصوص به وقوله وأنه نزل الخ تأييد آخر له للتصريح بأنه حلف في سبب النزول. وقوله في الدين إشارة إلى أنّ الفضل بمعن الزيادة وخصها بالدين لذكر السعة بعده ولذا دلت على فضل أبي بكر رضي الله عنه لنزولها فيه والمنكر لذلك خذله الله حمله على فضل المال ويردّه أنه يتكزر مع قوله والسعة. قوله: (على أن لا الخ الف ونشر فتقدير على وحذف لا على أنه بمعنى يحلف وتقدير في على أنه بمعنى يقصر وجمع الضمير لأنه وان كان سببه خاصا بأبي بكر رضي الله عنه فهو عامّ لجميع المؤمنين وقيل إنه لتعظيم أبي بكر رضي الله عنه وما ذكر من أنّ التعظيم مخصوص بضمير المتكلم مردود ويحتمل أن يكون أن يؤتوا مفعولاً له بتقدير كراهة أن يؤتوا ونحوه مما سبق فتذكره. قوله: (صفات لموصوف واحد (لأنها نزلت في مسطح وهو متصف بها فالعطف لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الموصوفات والجمع على ظاهره لما مرّ وقوله أبلغ أي في إثبات استحقاق الإيتاء لهذه الصفات لأنّ من اتصف بواحدة منها إذا استحقه فمن جمعها بالطريق الأولى والإغماض كالغض عدم فتح البصر وهو كناية عن عدم المبالاة بما صدر منهم وقوله على عفوكم الخ قدره بقرينة السياق. قوله: (مع كمال قدرته (يعني أنه يعفو مع قدرته على الانتقام فكونوا أنتم كذلك وقوله فتخلقوا بأخلاقه كما ورد تخلقوا بأخلاق الله فمان ثلت المراد بأخلاقه صفاته وسميت أخلاقاً مشاكلة ومنها المتكبر والمنتقم فكيف يتخلق بها كلها قلت الظاهر أنه ليس على عمومه بل المراد الأخلاق التي تليق بكم وتحمد فيكم وقال بعض الصوفية إنه على عمومه يريد أنّ الانتقام دلّه والتكبر على من لا يخشى الله محمود أيضا ولذا قيل إن التكبر على المتكبر صدقة كأنه لإرشاده لقبحه فتدبر وقوله رجع إلى مسطح نفقته استعمل فيه رجع متعذيا وقد نص عليه المرزوقي في قوله: عسى الأقوام أن يرج! ش قوماً كالذين كانوا ... وفي نسخة بنفقته فهو لازم. قوله: (الغافلات عما قذفن به) ما في الكشاف من أنهن سليمات الصدور والقلوب نقيات الجيوب ليس فيهن دهاء ولا مكر لم يجربن الأمور فلا يفطن لمايفطن له كما قيل: بلهاء تطلعني على أسرارها وكذا البله من الرجال الذين هم أكثر أهل الجنة لأنهم أغفلوا أمر دنياهم وجهلوا التصرّف فيها لاشتغالهم بأمور آخرتهم كما قرّر في شرحه فعلم أنّ المراد من الغفلة الغفلة عن الشرّ طبعاً وما قذفن به شر محض فيترتب عليه الجزاء ألطف ترتب فما قيل بعد سوق كلام الكشاف كأنه يشيء إلى ما قالتة بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت منها أمر أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله والمصنف لم يرتضه لأنه لا يظهر مدخلية ما قاله الزمخشري في ترتب الجزاء ليس بسديد لأنّ معنى كلام بريرة أنها رضي الله عنها لحداثة سنها لا تتقيد بأمور بيتها وليس هذا معنى كلام الزمخشريّ ولا معنى الآية كما سمعته لعدم ترتب الجزاء عليه وترتب الجزاء على ما ذكره أظهر من أن يخفى عليه ثم قال وعلى ما اختاره المصنف يلزم التكرار لأنّ العفة تتضمن الغفلة المذكورة والتأسيس أولى من التأكيد وهذه غفلة منه فإنّ المراد بالغفلة عما قذفن به أنه لم يخطر لهن ببال لكونهن مطبوعات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 على الخير مخلوقات من عنصر الطهارة فهو ترق لا تكرار فيه كأنه قيل المبرّآت من الزنا بل اللاتي لم يخطر ذلك ببالهن قط كما عرفت. قوله: (استباحة لعرضهن الخ) هو مفعول له أو حال يعني إذا استحل القذف المحرم أو قصد الطعن في النبيّ صلى الله عليه وسلم يكفر فيستحق اللعن والوعيد الشديد. وقوله وقيل الخ يعني أنه لغير معين وإنما المنهيّ عنه لعن الفاسق المعين كما صرّح به الفقهاء فهو على ظاهره ولا حاجة إلى تأويله بأبعدوا عن الذكر الحسن ففي الآية ثلاثة أوجه وفي الكشاف وجهان وقوله وقيل مخصوص أي سواء استباح أم لا. قوله: (ولذلك قال ابن عباص رضي الله عنهما الخ) الذي في الكشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بالبصرة يوم عرفة فسأل عن هذه الآية فقال من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة رضي الله عنها وهو مبالغة وتعظيم لأمر الأفك والا فقد تاب مسطح كغيره وما تقدم مصرّح بقبول توبته وأمّا تقييده بالاستباحة فلا يصح فهو كما قيل في قوله والكافرون هم الظالمون أنه أريد التاركون للزكاة تغليظاً أو لأنّ تركها من صفات الكفار فعبر به تغليظاً عليهم حيث شبه فعلهم بالكفر أو جعلهم مشارفين عليه أو تعبير باللازم عن الملزوم لأن ترك الزكاة من صفات الكفار ولوازمهم فهو استعارة تبعية أو مجاز مشارفة أو مجاز لزوم وهذا جار في كل ما هو كذلك وقوله ولو فتشت الخ تأييد لكلام ابن عباس وضي الله عنهما والزمخشريّ أخره عن قوله الحق المبين ولكل وجهة. قوله: (لما في لهم من معنى الاستقرار للعذاب لأنه موصوف) والعامل فيه إمّ الجار والمجرور أو متعلقه قيل وهو أجزل من أعمال المصدر فيه نظر وقوله لأنه موصوف إشارة إلى ما ذكره النحاة من أنّ المصدر إذا نعت لا يعمل مطلقا وأجازه السيرافي مطلقا استدلالاً بقوله: أرواح مودع أم بكور أنت فانظر لأيّ ذاك تصير ... فأنت فاعل المصدر المنعوت عنده فلا حاجة إلى الجواب بأنه ظرف متوسع فيه لخروجه عن المذهبين بغير نقل وأعجب منه ما قيل إنه غير مذكور في كتب العربية فكانه أراد بها شرح الكافية. قوله: (يعترفون بها الخ) سيأتي في سورة يس اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون وبين الآيتين تعارض! لأنّ الختم على الأفواه ينافي شهادة الألسنة وقد ذكر المصنف رحمه الله ثمة ما ذكره وأورد حديثا أشار فيه إلى التوفيق بينهما وهو أنهم يجحدون ويتخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشد. أرجلهم وسيأتي ما فيه فقوله يعترفون بالعين المهملة والفاء من الاعتراف وهو الإقرار وبها صلته والضمير للأعمال وهو تفسير لتشهد وفسر الشهادة بوجهين أشار في كل منهما إلى دفع التعارض أمّا على الأوّل فالمراد به حقيقته وهو الاعتراف والنطق بجميع الجوارح ناطقها وصامتها من غير اختيار إذ النطق هو التكلم بما يسمع ولو بغير الجارحة المعروفة كنطق الملائكة عليهم الصلاة والسلام فالختم على الأفواه معناه المنع عن التكلم بما يريده وينفعه بحسب زعمه اختيارا كالإنكار والاعتذار فتكون هذه الآية كقوله أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وأمّا على الثاني فالمراد به ظهورآثار ما عملوه على جميع الأعضاء بحيث يعلم من يشاهدهم ما عملوه وذلك بكيفية يعلمها الله فهو استعارة ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما توهم حتى يتمشى على مذهب المجوز له ولا يرد على الثاني أنه معارض لقوله أنطقنا الله الآية لأنّ من فسر الشهادة بظهور الآثارة يفسر النطق به ويجعله كنطقت الحال واليه أشار المصنف ثمة أو يقول هذا في حال وذاك في حال أو كل منهما في حق قوم غير الآخرين كما جمع بهذا بين الآيتين فقد حصل دفع التعارض بوجوه أشار المصنف رحمه الله إليها في مواضحع متعدّدة وأمّا إنّ المذكور هناك شهادة السمع والأبصار والجلود والألسنة والأيدي والأرجل فلا يدفع المخالفة بل يريدها وأمّا ما قيل من أنّ عبارة المصنف ههنا يقترفون بالقاف من الاقتراف بمعنى الاكتساب كقوله في يس بما كانوا يكسبون فهو تفسير لقوله يعملون للإشارة إلى أنّ الشهادة والعمل مخصوص بالشرّ لتعدّي الشهادة بعلى واستعمال الاقتراف فيه كما ذكره الراغب وضمير بها للألسنة والباء للألة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 وقوله بإنطاق متعلق بتشهد وضمير آثاره لما باعتبار لفظه ومن قال إنه من الاعتراف فقد صحفه بما لا تساعده الرواية والدراية ولا تعارض بين الآيتين لأنّ شهادة الألسن بطريق خرق العادة كشهادة الأيدي والأرجل كما نبه عليه المصنف رحمه الله بقوله بغير اختيارهم ومن لم يتنبه له وفق بينهم بجواز تعدد الأحوال والمواطن وبأنّ هذا في حق القذفة وذاك في حق الكفرة فليس بشيء لما عرفته وأمّا ما ذكره آخراً فوارد كما أشرنا إليه فإن تلت بعد. ما عرفت من التوفيق ما النكتة في التصريح بالألسنة هنا وعدم ذكرها هناك قلت لما كانت الآية في حق القاذف بلسانه وهو مطالب معه بأربعة شهداء ذكر هنا خمسة أيضاً وصرّح باللسان الذي به عمله ليفضحه جزاء له من جنس فعله وهذه نكتة سرية. قوله: (جزاءهم الخ) يعني أنّ الدين بمعنى الجزاء كما ذكره أهل اللغة وقوله الثابت الخ تفسير للحق وهو كقوله في المواقف أنه الواجب لذاته الذي لا يفتقر في وجوده إلى غيره وقوله الظاهر ألوهيته تفسير للمبين بأنه بمعنى الظاهر من أبان اللازم ولما كان ظهوره في الدنيا إنما هو بظهور ألوهيته ومظاهرها فسره به وفوله لا يشاركه الخ إشارة إلى الحصر التأخوذ من تعريف الطرفين وضمير الفصل وقوله أو ذو الحق الخ هو ما في الكشاف وفيه نزعة اعتزالية ولذا أخره وفسره بعضهم بالمظهر للأشياء كما هي والكل مناسب للمقام كما أشار إليه بقوله ومن كان خلافا لمن استظهر الأخير بتحكم سلامة الأمير. قوله: (أي الخبائث الخ) محصله كما في الكشاف أنّ الخبيثات والطيبات يحتمل أن يكون صفة ما لا يعقل من المقالات القبيحة وضده واللام للاختصاص والاستحقاق أي المقالات الخبيثة مختصة بالخبيثين أو مستحقة أن تقال لهم لاتصافهم بها فالخبيثون شامل للخبيثات تغليباً وثذا الطيبون وأولئك إشارة إلى الطيبين وضمير يقولون للأفكين لسبق ذكرهم فيما مرّ أو للخبيثين القائلين للخبيثات ومبرّؤون أن كان معناه حينثذ أنه لا يصدر عنهم شيء من الفحش احتاج إلى تقدير مثل لأنّ الصادر ليس عين ما صدر عن أولئك كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولو أريد أنهم مبرؤون عن الإتصاف بما في مقالتهم لم يحتج إلى تقدير ولذا لم يتعرّض له الزمخشريّ وأن يكون الخبيثات والطيبات صفة لمن يعقل أي النساء الخبيثة لا يرغب فيهن إلا الخبيثون فهو كقوله الزاني لا ينكح إلا زانية الخ كما قيل: إنّ الطيور على أشباهها تقع فهو من إرسال المثل والإشارة لأهل البيت وقوم مخصوصين وفي قوله أولئك مبرؤون 7 / م 3 تغليب ولم يزد المصنف رحمه الله عليه غير تقديم أحد الوجهين على الآخر لنكتة وإذا كان أولئك إشارة لأهل البيت وفيهم رجال ونساء ناسب حمل الجمعين على الذوات وقد علم مما سبق أنهم المبرؤون وإذ أشير به إلى الطيبين مطلقاً وحمل عليه مبرؤون لزم حمل الخبيثات والطيبات على المقالات ليعلم ما يقال لهم أيّ شيء هو لاستقلال هذه الجملة بخلافه على الأوّل فإنّ ما قالوه معلوم كذا في شرح الكشاف وبه اتضح ما هنا. قوله: (إذ لو صدق) أي ما يقولونه لو طابق الواقع لم تكن زوجته ولم يقرّر على زوجيتها إذ لو علم لم يختر ما يدنسه ولو لم يعلمه أوحى إليه لأنّ الله عصمه عما تنة س منه الطباع. قوله: (يعنيم الجنة) الحامل له على تفسيره بها آية الأحزاب في أمّهات المؤمنين وأعتدنا لها رزقاً كريما فإن المراد به ثمة الجنة لوله أعتدنا كما سيأتي والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والتبرآت الأربع كل منها مفسر في محله غير حجر موسى عليه الصلاة والسلام فإنه إشارة إلى ما ورد في الحديث من رميهم له صلى الله عليه وسلم بالأدرة لاستتاره في غسله عن أعين الناس فاغتسل مرة ووضع ثوبه على حجر ففرّ به فذهب خلفه حتى رأوه سليما مما ذكروه به وقوله منصب الرسول صلى الله عليه وسلم أي شرف وعلوّ قدره لأنه في اللغة واستعمال الثقات بمعنى الأصل والحسب والشرف ومنه قول السكاكي أساس الحسنات ومنصبها وقول أبي تمام: ومنصب نماه ووالد سما به وأمّا بمعناه المتداول فلم يذكر في اللغة وإنما هو من كلام المولدين والقياس لا يأباه كقوله: نصب المنصب أو هي جلدي وعنائي من مداراة السفل ... قوله: (التي تسكنونها الخ) قيل المراد إنها تضاف إليهم بالسكنى مع اتباعهم وقد فسرها بعضهم بالتي اختص! بكم سكاها سواء سكنتموها أم لا لأنّ المانع من الدخول قبل الاستئناس سكون الغير وانتفاؤه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 لا يستلزم ثبوت سكونهم انتهى، وأنت خبير بأنّ ما اختص بهم سكناه لا يشمل ما لا يسكن من بيوتهم فإنّ معناه أن يسكنوها دون غيرهم بل حكمها يعلم من. قوله: (لا جناح عليكم أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة الخ (فإنه يعمها أيضا. ومبنى تفسير المصنف ليس استلزام انتفاء سكنى الغير ثبوت سكناهم بل إنّ إضافة البيوت إلى ضمير المخاطب لامية اختصاصية واذ دل الدليل على أنه لا يراد الاختصاص الملكيّ ثبت أنه اختصاص السكنى ثم إنّ السكون يقابله التحرّك فلا معنى له هنا اهـ (أقول (كل من المعنيين صحيح وما اختاره المصنف رحمه الله سالم من التكرار وما ذكره الرادّ غير مسلم لجواز أن يراد بالاختصاص كونها في يده وتصرفه وأمّا اعتراضه على عبارة السكون فقصور منه رحمه الله قال الراغب في مفرداته السكون ثبوت الشيء بعد تحرك. ويستعمل في الاستيطان السكنى أن يجعل له السكون في دار بغير أجرة اهـ. قوله: (فإن الآجر الخ) تعليل للتفسير المذكور أي لا يراد من بيوتكم معنى التملك وإلا انتقض بالآجر والمعير طرداً وعكسا. قوله: (من الاستئناس بمعنى الاستعلام) من آنس بالمد بمعنى أبصر وابصار الشيء طريق إلى العلم به فلذا أفاد معنى الاستعلام وقيل كأنه لم يثبت آنس بمعنى علم عند المصنف وإن ذكره بعض اللغويين والا كان الظاهر أن يقول إذا علم وفيه نظر وقوله للحال أي للحال المعهودة في الاستئذان وقوله فإنّ الخ بيان لما بينهما من اللزوم حتى يكون كناية عما ذكر. قوله: (هل يراد دخوله أو لا يؤذن له) هكذا هو في النسخ التي رأيناها ولا إشكال فيه وأو على ظاهرها وهو طبق ما في اك كشاف ووقع في نسخة المحشي هل يراد دخوله أو يؤذن بدون لاوله وهي غير مستقيمة وقد تكدف لها بأنّ أو بمعنى الواو أو للتخيير في التعبير وقيل يراد بمعنى يرضى والإذن المراد به صا كان تحاشيا عن رذه لا برضا وهو تعسف وفي نسخة هل يردّ وعدم القبول والظاهر أنه كله تحريف. قوله:) أو من الاستئناس الذي هو خلاف الايحاس (يعني أنه بمعناه المعروف وهو كناية عن المأذونية ويص كونه مجازاً أو استعارة وقوله خائف الخ أي من أن لا يؤذن له لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه فاذا أذن له استأنس كما في الكشاف والظاهر أنه مراد المصنف لكنه عدل إلى ما ذكر لأنه أظهر فما قيل إنه عدل عنه لاستلزامه الاستئناس فيمن يردّ لزوال خفاء الحال فلا شبهة أنّ المراد بالحال المعهودة فإن أريد بها الإذن أو حال المستأذن عليه وما هو فيه لا يرد ما ذكره بقرينة قوله فإذا الخ وأيضاً لا يلزم الاستئناس عند الردّ لأنّ الاستيحاس معلوم بالطريق الأولى وسببه غير منحصر في خفاء الحال. قوله: (أو تتعرّفوا الخ) عطف على تستأذنوا يعني أنه يجوز أن يكون استفعالاً من الإن! بالكسر لا بالضم بمعنى الناس كما فيما قبله فهو بمعنى طلبهم أي طلب معرف من في الدار منهم وأشار بتأخيره كما في الكشاف إلى مرجوحيته لأن المعروف أنّ الاستئناس ضد الاستيحاس ولأنه اشتقاق من جامد كما في السرج من السراج ولأنّ معرف من بها لا يكفي بدون الإذن فيوهم جواز الدخول بلا إذن ولا يفهم من قوله وتسلموا وما فسره به المصنف رحمه الله تفسير لمجموع الغاية لا له فقط فلا تكرار فيه على تفسير الاستئناس بالاستثذان كما توهم ولأنّ التسليم إنما يكون بعد التعرّف فلا حاجة إلى ما ذكره مع ذكر قوله تسلموا فلا وجه للقول بأولوية هذا لمناسبته لقوله فإن لم تجدوا فيها أحدا فتدبر. قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم الخ) رواه ابن ماجه وهو كما في الكشاف عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قلنا يا رسول الله ما الاستئناس فقال يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح يؤذن أهل البيت والتسليم أن يقول السلام عليكم " دخل ثلاث مرّات فإن قلت هذا كعبارة المصنف يقتضي أنّ الاستئذان داخل في التسليم وتفسيره الاستئناس بالاستئذان يخالفه قلت السنة في الاستئذان أن يقرن بالتسليم فتارة جعل من التسليم لأنه بدونه كالعدم وتارة جعل مغايرا له كما في نفس الأمر اعتمادا على معرفة المخاطب بالسنة وفي الأذكار النووية الصحيح المختار تقديم السلام على الاستثذان كما جاءت به السنة وفيه ثلاث أوجه أحدها هذا والثاني عكسه والثالث واختاره الماوردي وبه يوفق بين الأقوال والروايات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 أنه إن وقعت عين المستأذن على من بالمنزل قبل دخوله قدم السلام والأقدم الاستئذان وثلاث مرات منصوب على المصدرية. وقيل: إنه ظرف ليقول. قوله: (من أن تدخلوا بغتة) هذا هو المفضل عليه إن كان خير اسم تفضيل فإن كان صفة لا يقدّر ما ذكر وعلى هذا فخيرية المفضل عليه إمّا على زعمهم لما في الانتظار من المذلة ولعدّهم تحية الجاهلية حسنة كما هو عادتهم إلى الآن في قولهم صباح الخير ومساء الخير أو هو من قبيل الخل أحلى من العسل وما قيل من أنه إذا قدر المفضل عليه فهو غير هذا إذ لا حسن فيه وهم وفي الحديث تسمية الدخول بغير إذن دمورا وأصله الهلاك ثم غلب فيه ولما أرادوا بيان اختصاصه قالوا دمق بمعنى دمر كما قالوا قانعه الله بمعنى قاتله وهذا من باب نوادر اللغة فاعرفه. وقوله: أو من تحية الجاهلية لو عطفه بالواو كان أحسن. قوله: (دخل بيتاً) هو على ظاهره ولا حاجة إلى تأويله بأراد الدخول واللحاف معروف. وقوله: روي الخ رواه في الموطأ وغيره ومنه يعلم أنّ غير بيوتكم شامل لمسكن الأمّ وأمّا اقتضاؤه أنّ العلة هي التحرّز عما يؤدّي إلى الاطلاع على عورة الغير وسيصرّح بأنها أعم فغير مسلم. قوله: (متعلق بمحذوف) أي تعلقاً معنوياً لأنه في معنى التعليل وقد مرّ ما في قوله إرادة الخ فتذكر وقوله وتعملوا هذا أولى من عطفه بأو كما في بعض النسخ. قوله: (فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم) ذكر فيه احتمالين في الكشاف اختلف شرّاحه في الفرق بينهما وكلام المصنف شامل لهما لأنه يحتمل أن لا يكون فيها أحد أصلاً فلا يجوز دخولها لحاجة إلا بإذن من أهلها على أن يكون النفي للقيد والمقيد معاً وأن يكون فيها من لا يعتد بإذنه كصبيّ وعبد على أنّ المنفيّ هو القيد فقط وقال فإن لم تجدوا دون لم يكن لأنّ المعتبر الوجدان سواء كان فيها أو لم يكن. وقوله حتى يأتي الخ صادق بالوجهين وما يخفيه الناس أي وان لم يكن عورة وقوله يأذن وقع في نسخة يؤذن بمعنى يعلم بالحال. قوله: (مع أنّ التصرّف في ملك الغير الخ) المراد بالملك ما يشمل ملك العين والمنفعة فلا يرد أنّ التعليل لا ينتظم ما إذا كان الداخل معيراً حتى يحتاج إلى الجواب بأنه لندرته لم يعتبر. ولذا أورد. بمع الدالة على أنه ليس بتعليل مستقل فلم يبال بعدم شموله مع أنّ الندرة غير مسلمة. قوله. (واستثنى ما إذا عرض الخ) أي المستثنى من الحكم المذكور في قوله يا أيها الذين آمنوا إلى هنا ما ذكر وليس الاستثناء هنا بالمعنى المصطلح بل التخصيص بأمر معلوم من الشرع والعقل ونحوه فهو بمعنى الإخراج مطلقاً لأنّ الضرورات تبيح المحظورات وموضع الضرورة مستثنى من القواعد كما بين في محله. والحرق والغرق لما فيها من الحيوان تبح المحظورات وموضعالضرورة مستثنى من القواعد كما بين في محله. والحرق والغرق لما فيها من الحيوان ونحو. يكون في الدار الخالية والمنكر كالفسق لغيرها فهو على التوزيع في الإخراج مما شمله النظم فمن قال إنّ التي فيها منكر لا تكون خالية لم يصب ولا حاجة إلى القول بأنه بعد توصيفه بقوله يأذن لكم ينتظمه ولو قيل إنّ المراد بالإذن ما يعمّ الإذن دلالة وشرعاً ولذا وقع بصيغة المجهول لم يحتج إلى الاستثناء رأساً لكن ما ذكر. المصنف رحمه الله وان كان مآله ذلك أظهر. وقوله ونحوها أي نحو المذكورات وهو الخصم في حق إذا توارى كما فصل في كتاب أدب القاضي للصدر الشهيد. قوله: (أزكى لكم) من زكا بمعنى طهر وقوله: عما الخ تعلق به لما فيه من معنى العبد والتنزه وهو على الثاني من الزكاة بمعنى النمو وفي نسخة لما يخلو وهي ظاهرة وقيل عما متعلقة بأطهر لما فيه من معنى التجاوز أي أطهر من الوقوف متجاوزاً عما الخ وفيه أنّ التجاوز المتعدي بعن كما في كتب الأدب بمعنى المغفرة والعفو وغيره متعد بنفسه على كلام فيه كتبناه في حواشي الرضي. قوله: (كالريط) بضم الراء والباء وطاء مهملة جمع رباط بكسر الراء مكان يقيم فيه المجاهدون وتربط فيه خيولهم والمرابطة محافظة الثغور الإسلامية ويطلق على الخانقاه والحانوت هو الدكان والخان الذي تنزله التجار والسابلة معروف وهما معرّبان. قوله: ( {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} الخ) هذا كقوله في سورة إبراهيم قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وقد مرّ عن المصنف رحمه الله أنه أمّا جواب لقل لتضمنه معنى حرف الشرط ومفعوله مقدر أي قل لهم غضوا يغضوا إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له أو يقدّر لام أمر لدلالة قل أو هو جواب الأمر المقول للقول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 أو لشرط مقدر من جنسه وأبطله ابن مالك بأنه يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له عن الامتثال وأجيب بأنّ الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال لا إلى كل فرد، أو المراد بالعباد والمؤمنين المخلصون منهم وبما مرّ من أنه جعل كالسبب الموجب. ولا يرد أنه لا ملازمة بين الشرط والجزاء لأنه قد يكون جزء علة وفي المغني يرده أنّ الجواب لا بد أن يخالف المجاب إمّا في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك، أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو تم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيهما، وأيضا الأمر للمواجهة وياقيموا ويغضوا غائب ومثله لا يجوز. وقد قيل إنه لم لا يجوز أن يكون من قبيل من كانت هجرته الحديث أي أقيموا إقامة مقبولة. وقوله: لإيجاب بلفظ الغيبة إتا أن يريد إن لم يكن محكيا بالقول. أو مطلقا والأوّل مسلم ولا يفيد والثاني غير مسلم لأنه إذا كان محكيا بالقول يجوز التلوين نظراً إلى الغيب بالنظر إلى الأمر بقل (قلت) فيه إنّ اتحاد طرفي الجملة، كما في شعري شعري والحديث يكون إذا قصدت المبالغة تحقيراً أو تعظيما ولا بدّ من تأويله يما يفيد المغايرة، كأن تقيموا ظاهراً فقد أقمتم إقامة نافعة. والمبرد القائل به لم يذكر تأوبلا ولم يخصه بمقام وما ذكره من التلوين لا يفيد هنا وقد مرّ فيه كلام فتأمّل. قوله: (أي ما يكون نحو محرّم) هو بيان لمعنى من التبعيضية فالمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل وجعل الغض عن بعض المبصر غضا عن بعض البصر وفي الكشف أنّ فيه كناية حسنة ليست في حفظ الفروج، ولذا لم يدخل فيه من فتأمّل. قوله: (ولما كان المستثنى منه الخ) جواب سؤال عن الإتيان بمن التبعيضية والتقييد به في غض الأبصار دون حفظ الفروج مع أنه غير مطلق ومقيد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [سورة المؤمنون، الآية: 5] لأنّ المستثنى من الحفظ هو الإزواج والسراري وهو قليل بالنسبة لما عداه فجعل كالعدم ولم يقيد به مع أنه معلوم من الآية الأخرى بخلاف ما يطلق فيه البصر فإنه يباح في أكثر الأشياء إلا نظر ما حرم عن قصد فقيد الغض به، ومدخول من التبعيضية ينبغي أن يكون أقل من الباقي وفيه نظر ظاهر ولو اقتصر على التوجيه بأنه إتكال على أنه ذكر في آية أخرى كان أولى. وقيل: إنّ الغض والحفظ عن الأجانب وبعض الغض ممنوع يالنسبة إليهم وبعضه جائز بخلاف الحفظ فلا وجه لدخول من فيه وفيه تأمّل. قوله: (وقيل حفظ الفروج الخ) يعني وسترها مأمور به مطلقا فلذا لم يقل من فروجهم فهذا تفسير متضمن للنكتة المذكورة، ولذا قال أبو زيد: كل ما في القرآن من حفظ الفروج فهو عن الزنا إلا هذا فإنه بمعنى الاستتار. وقيل ولذا مرضه المصنف رحمه الله لمخالفتة لما وقع في القرآن. وقيل: وجهه أنها قد تكشف في مواضع يجوز كشفها فيها. وقد يقال: إنّ النهي عن الزنا يعلم منه بطريق الأولى أو الحفظ عن الإبداء يستلزم الحفظ عن الإفضاء فلا يرد أنه لو عمم كان أولى مع أنّ هذا مرجح بأنه معنى حقيقي متبادر منه. قوله: (ذلك) أي الغض والحفظ. وقوله: أنفع إشارة إلى أنه من الزكاة بمعنى النمو وما بعده إشارة إلى أنه منها بمعنى الطهارة لكن فيه جمع بين معنى المشترك وهو جائز عند المصنف رحمه الله وقيل قوله: أطهر ناظر إلى غض البصر وفيه نظر وأفعل إمّا مجرّد عن معنى التفضيل، أو المراد أنه أزكى من كل شيء نافع أو مبعد عن الريبة وقيل المراد أنه أنفع من الزنا والنظر الحرام فإنهم يتوهمون لذته ضعاً مع ضرره في الآخرة والدنيا لكونه مجلبة للفقر والقحط والطاعون كما ورد في الآثار. والإجالة مجاز عن استعمالها في الرؤية وما لا يحل النظر إليه من الرجال العورة وما بين السرّة والركبة ولمذا قيل: لو ترك* قوله: من الرجال كان أخصر وأظهر لأنّ النظر إلى ما ذكر من النساء لا يحل لهن أيضاً ومن في قوله من الرجال بيانية أو تبعيضية لإخراج ما عدا المذكوو أو الحل النظر إلى المحارم والأزوأح فتأمّل. قوله: (بالتستر أو التحفظ) قد أخر التفسير الذي قدّمه هنا ومرضه في الآية السابقة وليس هذا بناء على ما في الكشف من أنه لاستلزامه المعنى الثاني على وجه برهاني لأنه لو كان كذلك سوى بينهما بل لأنه أنسب بما بعده سواء أريد به ستر أنفسين أو ستر فروجهن مع أنّ الستر بحال النساء أليق وأمّا كونه إشارة إلى ارتضاء ذلك القيل فلا وجه له. وقوله: أو التحفظ أو فيه لمنع الجمع والتخيير في التفسير، وقيل: لمنع الخلق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 قوله: (لأنّ النظر بريد الزنا) ورائد الفجور كما قال الحماسي: وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا! ك يو! اأروك ا! اظر ... وهي استعارة حسنة والبريد بمعنى الرسول وأريد به الداوعي معرب من بريده دم أي محذوف الذنب لأنه اسم لبغال توضع في الطرق مرصدة لإبلاغ الأخبار وكانت تعلم بذلك ثم أطلق على المسافة الموضوع فيها وعلى الرسول الذي يركبها. فتقديم النهي عته لأنه يتضمن النهي عن الزنا ولأنه يتقدمه في الواقع فجعل النظم على وفقه ولأنّ البلوى به أعم فبودر إلى منعه. قوله: (كالحلئ) المراد بالحلي ما كان في مكان يستر كالخلخال والسوار وكذا الثياب كشعار البدن والإصباغ المراد بها الكحل والخضاب ومذهب الشافعيّ رحمه الله كما في الروضة وغيرها أنّ جميع بدن المرأة عورة حتى الوجه والكف مطلقاً. وقيل: يحل النظر إلى الوجه والكف إن لم يخف فتنة وعلى الأوّل هما عورة إلا في الصلاة فلا تبطل صلاتها بكشفهما ومذهب أبي حنيفة الوجه والكفان والقدمان ليست بعورة مطلقاً فلذا حمل المصنف رحمه الله الزينة على ظاهرها بقرينة الاستثناء والمراد لا يبدينها في مواضعها لأنها لا تكون زينة لهن بالفعل إلا وهي كذلك وكلامه لا يحتمل غيره كما توهم. ولمن الخ متعلق بيبدين. قوله: (إلا ما ظهر منها) إلا بلا إظهار كان كشفته الريح والاستثناء عن الحكم الثابت بطريق الإشارة وهو المؤاخذة به في دار الجزاء وفي حكمه ما لزم إظهاره لتحمل شهادة ومعالجة طبيب وهذا عندنا وعند الشافمي رحمه الله كما فصله أبو بكر الرازي في أحكام القرآن فلا تكلف فيه ولا مخالفة للمذهب كما قيل. قوله: (وقيل المراد بالزبنة م! واضعها) وفي نسخة مواقعها وهو بمعنا. وهذا ما ارتضا. الزمخشريّ. وهو على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وجعله كناية عما ذكر كنقيّ الجيب وهو مجاز من ذكر الحال وارادة المحل. وقيل: إنه بتقدير مضاف كما ذكر. المصنف رحمه الله. وفي الانتصاف. قوله: (ولا يضربن بأرجلهق الآية) يحقق إنّ إبداء الزينة مقصود بالنهي ولو حمل على ما ذكر لزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من مواقع التزين وهو باطل لأنّ بدن الحرّة جميعه عورة يعني عند الشافعيّ ومالك. وأما إبداء الزينة وحدها فلا خلاف في جوازه إذ لا يحرم نظر سوار امرأة يباع في يد رجل وأمّا كونه تنكسر به قلوب الفقراء فلا وجه له ولذا مرضه المصنف لمخالفته مذهبه، وفيه نظر والزينية نسبة إلى الزينة وفي نسخة التزيينية. وقوله: والمستثنى أي على هذا القول وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والقدمان . والذراعان في رواية. قوله: (بدن الحر عورة) كما في الحديث المرأة عورة مستورة روا. الترمذيّ عن ابن مسعود رضي الله عنه لكن ليس فيه لفظ مستورة وما ذكره من الفرق بين العورة في الصلاة وغيرها مذهب الشافعي رحمه الله وفيه كلام في ابن الهمام فراجعه. قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ} الخ قال أبو حيان عدي بعلى لتضمنه لمعنى الوضع. وفي مفردات الراغب ما يخالفه فإنه جعله متعديا بها دون تضمين والجيب ما جيب أي اقطع من أعلى القميص وهو ما يسميه العامة طوقاً وأمّ اطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها فليس من كلام العرب كما ذكره ابن تيمية لكنه ليس بخطا بحسب المعنى وضم الجيم هو الأصل لأنّ فعلا يجمع على فعول في الصحيح والمعتل كفلوس وبيوت. والكسر لمناسبة الياء قال الزجاج: وهي لغة رديئةء.. وقوله: بكره بضم الكاف بمعنى الكراهية وحرّمه بعض الشافعية، وقيل إنه خلاف الأولى وهو مذهب الحنفية وتفصيله في الهداية ولام ليضربن ساكنة ومكسورة للأمر. وقوله: فإنهم المقصودون فيه إشارة إلى وجه تقديهم. قوله: (لكثرة مداخلتهم) المفاعلة على ظاهرها أو بمعنى الدخول. وقوله: مماسة القرائب أي الجائزة والمهنة بالفتح والكسر والتحريك الخدمة. وقوله: الأحوط قيل أخره لضعفه بحريان ما ذكر في أبناء البعولة. وقوله: لأبنائهم يعني وهم غير محرم. وقوله: نسائهن إضافة إليهن لتخرج الكافرات والمراد أنهن لهن التجرّد عند نساء المؤمنات الحرائر لمقابلته لما بعده. وقوله: يتحرّجن من الحرج وهو الإثم أي لا يعدون وصفهن إثماً. قوله: (وللعلماء في ذلك خلاف) يحتمل أن يريد خلاف الشافعية لأبي حنيفة ويحتمل أن يريد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 الخلاف في مذهبه فإنّ فيه خلافا عندهم هل يحل للكافرة ذمية أو غيرها أن تنظر من المرأة المسلمة ما عدا الكفين والقدمين والوجه. أولا ويترتب على الخلاف جواز دخولهن الحمام معهن وعدمه. قوله:) يعم الإمام والعبيدا لعموم ما وهو أحد القولين في مذهب الشافعيّ والأصح أنهم كالأجانب وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وذهب ابن المسيب إلى التعميم ثم رجع عته، وقال لا يغزنكم آية النور فإنها في الإناث دون الذكور لأنهم فحول غير محرم ولأزوج والشهوة متحققة لجواز النكاج في الجملة كما في الهداية ومن قال: إنه بمنزلة المحرم عندنا فقد غلط. وقوله: قنعت وفي نسخة تقنعت من القناع وهو ما تستر به المرأة رأسها والحديث رواه أحمد في مسنده وأبو داود. ولم يبلغ بمعنى لم يصل لقصره. وقوله: أبوك وغلامك أي هو مثلهما في أنه يحل له النظر فيما يحل لهما. وقوله: وقيل المراد بها الإماء هذا مذهب أبي حنيفة والمراد بنسائهن الحرائر لأنه المتبادر من الرجال والنساء كما في التيسير مع أنه لو أبقي على عمومه فلزوم التكرار مشترك بين التفسيرين كما قيل. وردّ بأنه على التعميم للتكرار فائد وهي الدلالة على تساوي العبيد والإماء في حل النظر فليس فيه إطناب مخل كما في هذا الوجه أمّا الإطناب، فإنّ إماءهن أقل لفظا من ما ملكت أيمانهن لا لدخوله في نسائهن كما توهم، وأمّا الخلل فلايهامه شمول العبيد، وأمّا القول بأنه إذا عمم النساء فذكر هذا لئلا يظن أنه مخصوص بالحرائر فلا وجه له لأنه يعلم بالطريق الأولى فتدبر. قوله: (أولى الحاجة) تفسير لأولى الإربة لأنها من الإرب بمعنى الحاجة. وقوله: الشيوخ جمع شيخ وهو المسن والهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم الهرم الفاني كالهمة وفي نسخة الهرم وهو بمعناه وفيه توصيف الجمع بالمفرد. والممسوحون بالمهملات الذين قطع ذكرهم وخصاهم. والخصيّ من قطع خصاه والمجبوب من قطع ذكره وما قيل من أن الخصيّ بالخاء والضاد المعجمتين بمعنى الضعيف فضعيف ودخولهم على النساء حرام وأوّل من فعله معاوية رضي الله عنه ولم يعتدوا بتجويزه وأمّا كون المقوقس أهدى للنبيّ صلى الله عليه وسلم خصيا اسمه مابور. كما ورد في كتب الحديث فقبله فلا دلالة فيه على جواز إدخاله على النساء. وأمّا أنه لا يحل إمساكه وبيعه وشرازه كما في الكشاف ففيه نظر. قوله: (بالنصب على الحال (أو الاستثناء وقراءة الجرّ على البدلية لا الوصفية لاحتياجه إلى تكلف جعل التابعين لعدم تعينهم كالنكرة كما قاله الزجاج: أو جعل غير متعرّفا بالإضافة هنا. وفيه نظر. قوله: (لعدم تمييزهم الخ) أصل معنى الظهور البروز فإذا عدى بعلى يكون بمعنى الاطلاع أو الغلبة فإن أريد الأوّل فهو كناية عن عدم التمييز وان أريد الثاني فالمراد به عدم بلوغ حد الشهوة والقدرة على الجماع. قوله:) والطفل الخ (يعني أنه مفرد وضع موضع الجمع كالحاج بمعنى الحجاج وقال الراغب إنه يقع على الجمع ولذا قال بعض النحاة إنه في الأصل مصدر فيقع على القليل والكثير وهذا أولى لأن وقوع المفرد موقع الجمع ردّه بعض النحاة. وقوله: اكتفاء بدلالة الوصف يعني إنّ وصفه بالجمع قرينة على ذلك. قوله: (وهو أبلغ من النهي الخ) لأنّ سماع صوت الشيء أضعف من رؤيته وكون هذا أكثر تحريكا للشهوة غير مسلم. وقوله: أدل على المنع الخ يعني أنه أكثر دلالة على منع النساء من رفع أصواتهن لأنه إذا نهى عن استماع صوت حليهن فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى وهذا سد لباب المحرّمات وتعليم للأحوط الأحسن والا فصوت النساء ليس بعورة عند الشافعيّ رحمه الله كما في الروضة. وأمّا عندنا فقال: ابن الهمام صرّح في النوازل أنّ نغمة المرأة عورة وبنى عليها أنّ تعلمها القرآن من المرأة أحب إليّ لأن نغمتها عورة. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فلا يحسن أن يسمعها الرجل انتهى. قوله: (إذ لا يكاد الخ (يعني أنّ الإنسان في الأكثر لا يخلو من تفريط ما في الأوأمر والنواهي فلذا أمرهم الله بالتوبة وان لم يذكر ذنب هنا. وقوله: سيما بحذف لا وقد جوّزه بعض النحاة ومرّ ما فيه مرارا. وقوله: جب مجهول أي قطع بالإسلام لأنه هو التوبة عنه فالمراد بالتوبة الندم عما صدر منهم والعزم على الكف وهذا يلزم التائب كلما يذكر خطيئته والفرق بين الوجهين أنّ الأوّل توبة عما هو في الحال وهذا عما مضى. قوله: (وقرأ الخ) في النشر أيها هنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 وقف عليها بالألف في المواضع الثلاثة خلافاً للرسم أبو عمرو والكساتي ويعقوب ووقف عليها الباقون بالحذف اتباعا للرسم. إلا أنّ ابن عامر ضم الهاء اتباعا للياء فيها. قوله: (لما نهى عما عسى يفضي إلى السفاح) أي يؤدّي إليه بتحريك عرق الشهوة وهو النظر وابداء الزينة وضرب الأرجل، والسفاح أصله صب الماء ثم جعل بمعنى الزنا والمخل صفته والمقتضى صفة النسب والمؤذية قيل إنه راجع إلى الثلاثة من الألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة وعسى مقحمة هنا وقد وقع مثله في عبارة الكشاف كقوله: فإن عسى- كان ذاك وخطأه أبو حيان فيه. وقال: إنه تركيب أعجمي وخرجها الفاضل اليمني في الإعراف على وجهين أحدهما هذا ونقل في همع الهوامع عن الفراء جواز اقحامها فإن أردت تفصيله فارجع إليه والزجر عنه. في قوله: الزانية الخ. وقوله: الحافظ له أي للنسب أو للنوع وبعد الزجر متعلق بنهي والمبالغة من النهي عن النظر والزينة وهوءتعليل للنهي. وتزويج المولية راجع للأولياء والمملوك واجع للسادة والمولية بصيغة المفعول من ينفذ فيها تصرف الولي وتثبت عليها الولاية. قوله: (وفيه دليل على وجوب تزويج المولية) اعترض! عليه بأنه كيف يكون دليلاً والأمر عندنا للندب. لكنه يقول إنه عندنا خلاف الأصل والظاهر وكأن الطاهر أن يقول عند طلبهما كما وقع في بعض النسخ إلا أنه قيل: إنه أرجعه إلى المولية إشارة إلى أنه لا عبر بطلب المملوك ولا وجه له لأنه بغير طلب غير واجب عند المصنف وقد تكلف له بما تركه أولى من ذكره. قوله: (واشعار بأنّ المرأة الخ) إن أراد بالمرأة ما يعمّ المرأة العاقلة البالغة فلا ولاية لأحد عليها عندنا ودخولها تحت الأمر لشمول الأيامى لها مقيد بإذنها. كما أنّ الرجل من الأيامى كذلك بالاتفاق والأمرو لكون المعتاد فيه! المعاونة والتوسط لإصلاح حالهما. قوله: (وأيامى مقلوب أيايم) ذهب المصنف تبعاً للزمخشريّ ومن تابعه إلى أنه مقلوب لأنّ فعيلاً وفيعلاَ لا يجمعان على فعالى فأصله يتائم وأيايم فقدّمت الميم. وفتحت للتخفيف فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ويتيم أيضاً جرى مجرى الأسماء الجلصدة! لأنّ فعيلاً الوصفي يجمع على فعال ككريم وكرام لا على فعائل. وقد مرّ في سورة النساء أنه لما جر! مجرى الأسماء الجامدة كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى أو جمع على يتمي كأسري لأنه من باب الآفات ثم جمع يتمى على يتامى وذهب ابن مالك ومن تبعه إلى أنه شاذ لا قلب فيه وهو ظاهر كلام سيبو-له وذهب ابن الحاجب إلى أنهم حملوا يتامى وأيامى على وجاعي وحياطي لقرب اللفظ والمعنى. قوله: (وهو العزب الخ) عن محمد هي الثيب واختار الكرخي ما ذكره المصنف ويشهد له ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها واذيها صماتها ألا ترى كيف قابلها بالبكر وفي رواية الثيب أحق كذا في المغرب وفيما استدل به نظر وقال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام قد كثر استجمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته وفي المرأة إذا مات زوجها وفي الشعر القديم ما يدل على أنّ ذلك بالموت وبترك الزواج من غير موت قال الشماخ: يقرّ بعيني أن أحدث إنها وإن لم أنلها أيم لم تتزوّج ... انتهى وقد ورد بهذا المعنى في قوله الحماسي: كل حي تايم منه اهـ حرس أومنهايتيم ... قوله: (فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم (وان كنت أفتى جملة معترضة وأفتى أفعل تفضيل من الفتوة وهي الشباب وأتأيم جواب الشرط مجزوم وحرك بالكسر لأجل الشعر ومنكم خطاب بصيغة الجمع للواحدة كقوله: ولو شئت حرمت النساء سواكم قوله: (وتخصيص الصالحين الخ) أي ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم لأنهم ينزلون منزلة الأولاد فكانوا مظنة الاهتمام وعلى الوجه الثاني المراد بالصلاح معناه اللغوي فالأمر للندب كما لا يخفى. قوله: (ردّ لما عسى الخ) مرّ نظيره والغنية ما يستغنى به وغاد ورائح بمعنى آت وذاهب وهو من كلامهم قديما ومعناه لا يستقر على حال فيكون أمراً بغنى القلب والإتكال وخصوا به لما ذكره فلا يرد عليه شيء. وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية أي بالتزوّج كما صرح به فيما تابعه من الأحاديث. وقوله: لكن مشروط بالمشيئة دفع لما يتوهم من أنه لا يخلف الميعاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 وكم من متزوّج فقير بأنه مقيد بالمشيئة بدليل سمعيّ. وهو الآية المذكورة أو عقليئ وهو أنّ الحكيم لا يفعل إلا ما اقتضته المصلحة كما في الكشاف لكن هذا مبنيّ على مذهبه كما قيل والأولى أن يقال: إنه من قوله: عليم حكيم. كما فسره به لأن مآله إلى المشيئة ففي هذه دلالة عليه. وهو كلام حسن فإن قيل: كذلك العزب غناه بالمشيئة فلا وجه للتخصيص قيل إنه تقرر في الطباع أنّ العيال سبب الفقر ولذا سموها سوس المال فالمراد دفع هذا التوهم لا التخصيص فالمعنى أن النكاح لا يمنع الغنى فعبر عن نفي المانع بوجوده معه. كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [سورة الجمعة، الآية: 10] ظاهره الأمر بالانتشار والمقصود أنه لا مانع منه فعبر به عنه مبالغة وهو تحقيق بديع وفي الجواب الأوّل نظر إليه. وأمّا ما قيل في الجواب من أنّ الغنى للمتزوّج أقرب وتعلق المشيئة به أرجى للنص على وعد المتزوّجين دونهم كما هو كذلك بالاستقراء فيأباه النص على خلافه في قوله: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} [سورة النساء، الآية: 130] بل في هذه الآية لما في الكشاف وشرحه في قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة النور، الآية: 33] إنه وعد من الله بالتفضل عليهم بالغنى وهم غير متزوّجين والحاصل أنه أمر للأولياء أن لا يبالوا بفقر الخاطب مع صلاحه ثقة بلطفه تعالى في الإغناء. ثم أمر الفقراء بالاستعفاف إلى وجدان الغنى تأميلاً لهم وأدمج فيها أن مدار الأمر على العفة والصلاج وأنه مع ذلك وعد المتزوّج والعزب معا بالإغناء فلا ورود للسؤال أصلا وليس ذهابا إلى القول بالمفهوم كما توهم. وكون قوله تعالى: ( {إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} (الخ وارداً في منع الكفار عن الحرم فكونها مشروطة بالمشيئة لا يدلّ على مشروطبة ما هنا ليس بشيء كما توهم وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية. قال بعضهم إنه لم يقف عليه في كتب الحديث إلا أنه روي بمعناه وهو التمسوا الرزق بالنكاج. قوله: (لا تنفد نعمته) أي لا يفنى إحسانه ولا يتناهى لعدم تناهي قدرته على إيجاده وإعطائه ولما كان المتبادر أن يردف قوله واسع بكريم ليكونا تذييلاً لما قبلهما إشار بقوله: في تفسيره يبسط الرزق أي يوسعه ويقدر بزنة يضرب أي يضيقه إلى أنّ عليم تكميل لقوله واسع كقوله: حليم إذا من الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدوّ مهيب ... إذ مقتضى السعة والقدرة أن لا يضيق على أحد فدفعه بأنه لعلمه بأحوالهم واللائق بهم لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته. قوله: (وليجتهد في العفة الخ) هو مأخوذ من السين الطلبية وفي الكشاف كأنه طالب من نفسه العفاف وحامل لها عليه أي جرّد من نفسه شخصا يطلبه منه وهو من حيز التجريد كما في قوله: يستفتحون ومرّ تحقيقه. وقوله: أسبابه وفي نسخة استطاعته هو إمّا على المجاز أو تقدير المضاف فيه. قوله: (ما ينكح به) فعال يكون صفة بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب واسم آلة كركاب لما يركب به وهو كثير كما نص عليه أهل اللغة ولم يذكره الصرفيون لكونه غير قياسيّ فهو حقيقة. وما قيل: من أنه من إطلاق اسم المسبب على السبب كقوام ولجام لما يقام ويلجم به وهم مع أنّ اللجام معرب ليس في شيء مما نحن فيه. قوله:) أو بالوجدان الخ) وهو مجاز أو كناية كقوله {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} كما فصله الراغب وقوله المكاتبة أي أنّ الفعال مصدر بمعنى المفاعلة كالعتاب بمعنى المعاتبة وكذا شامل للمال والخدمة وقوله: من الكتاب أي مأخوذ منه. وقوله: بنجوم جريا على الغالب فهو شامل للنجم الواحد عندنا ومذهب المصنف رحمه الله لا بد من تعدده فهو على ظاهره. قوله: (والموصول الخ) فالخبر الإنشائي بتقدير مقول فيه كما هو معروف في نظائره وقد مرّ في المائدة أنه لا حاجة إلى تأويل مثله لأنه في معنى الشرط والجزاء وقوله: أو مفعول فهو من باب الاشتغال ووقوع الفاء في المفسر لتضمنه الشرط أيضا كما مرّ. فما قيل: إنّ تضمن معنى الشرط على ألابتداء والخبر. وعلى الإضمار والتفسير الفاء لأنّ حق المفسر أن يعقب المفسر والمراد كتابة بعد كتابة لكثرة الموالي والمكاتبين غير متوجه. وقوله: والأمر الخ قد عرفت ما فيه فتذكره. قوله: (والآمر فيه للندب) وذهب بعضهم إلى أنه للوجوب بشرط الخيرية. وقوله: لأنّ الخ دليل عدم الوجوب والإرفاق إفعال من الرفق بالعبد بتخليصه من الرق. وقوله: لأنّ المطلق لا يعم الخ ردّ على الحنفية إذ خالفوا ما ذهب إليه الشافعي في تجويز الكتابة الحالة استدلالاً بالاطلاق هنا لأنّ المطلق غير العام وقد قالوا إنّ الكتابة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 تغني عن تقييده بالتنجيم لأنه يكتب أنه يعتق إذا أذى ما عليه ومثله لا يكون في الحال فظهر سقوط ما قيل عليه إنه إنما يكون كذلك لو تعين كونها من الكتابة للتأجيل وليس فليس وانّ الإطلاق يكفي لغرض الحنفية إذ لا تمس حاجتهم إلى العموم. قوله: (مع أنّ العجز الخ) يعني أن العبد لكونه لا مال له يؤذيه فعجزه الحال يمنع صحة المكاتبة الحال قياسا على السلم فيما لا يوجد عند حلول الأجل فإنه لا يجوز. وأجيب بأنها مطلقة فتقييدها بدون حاجة ممتنع، وما ذكر لا يصح القياس عليه للفارق والعتق على مال حال جائز بالإجماع ولا فرق بينهما ولا عجز مع أمر المسلمين بإعانته بالصدقة والهبة والقرض فهو كصحة البغ لمن لا يملك الثمن بل أولى. قوله:) أمانة وقدرة) هذا تفسير الشافعيئ لأنّ مقصود الكتابة يحصل بهما فإن فقدا أو أحدهما لا تستحب الكتابة عنده وهو أولى من تفسيره بالمال. وقوله: روي مثله إشارة إلى تأييده بأنه مروفي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا وجه لمخالفته وتضعيفه. وقوله: صلاحا في الدين مرضه لأنه لا يناسب المقام ويقتضي أنه لا يكاتب غير المسلم وهذا قريب من تفسيره في الهداية بأن لا يضرّ بالمسلمين بعد العتق فإن كان كذلك فالأفضل عدم كتابته. قوله: (وضعفه الخ) إمّا لفظا فإنه لا يقال فيه مال بل عنده أوله ولا يرد على هذا أن العبد لا ملك له كما توهم لأن الاختصاص يكفي فيه كونه في يده مع أنه لا يدفع الضعف وأمّا المعنويّ فلأنّ العبد لا مال له ولأن المتبادر من الخير غيره وان أطلق الخير على المال في القرآن كالأمانة والصلاح وقدرته على الك! سب كما لا يخفى. قوله: (فلا يلزم من عدمه عدم الجواز) بل عدم المشروط وهو الوجوب أو الاستحباب، وهو دفع لتوهم اقتضائه لعدم الجواز فإن كان الأمر للإباحة فالشرط لا مفهوم له لجريه على العادة في مكاتبة من علم خيريته. قوله: (أمر للموالي كما قبله) أي كالأمر الذي قبله وهو أنكحوا وهذا عند الشافعيّ رحمه الله وعندنا لعامة المسلمين ولهم فيه قولان هل الأصل الحط والبذل يدل منه أو عكسه واختار المصنف الثاني لتبادره من الإيتاء ومال إلله ولأنه حينئذ مجاز والأصل خلافه. وفسره الدميري رحمه الله بالتزام المال كما في الجزية وفيه نظر والأصح عندهم أنه يكفي حط مقدار مّا. وقوله: وهو للوجوب يعني في مذهبه. وقوله: ما يتموّل بصيغة المجهول أي ما يعد ما لا كفسقته. وقيل: هو معلوم والعائد محذوف أي به والمعنى يصير ذا مال (فائدة (قال الدميري رحمه الله: الكتابة لفظة إسلامية. وأوّل من كاتبه المسلمون عبد لعمر رضي الله عنه يمسى أبا أمية. قوله: (ويحل) أي ما يأخذه الكاتب من الزكاة يحل لمولاه لأنه تصدق به على العبد وأخذه منه السيد على أنه بدل الكتابة لا صدقة كما لو أخذه الفقير منه واشتراه غنيّ فإنه يحل له وهذا منقول في الكشاف عن أبي حنيفة رحمه الله قال الطيبي عند الشافعي: أنه إذا أعيد المكاتب إلى الرق أو أعتق من غير جهة الكتابة رد المولى ما أخذه إلا أن يتلف قبله لأنّ ما دفع للمكاتب لم يقع موقعه فقياسه على من اشترى من الفقير غير صحيح وكذا إلحاقه بقصة بريرة رضي الله عنها فإنه لم يظهر فيها بطلان صرف الصدقة إلى من صرفت إليه يعني عند الشافعيئ فليس اعتراضا على الزمخشري فظهر أن معنى قول المصنف رحمه الله: يحل للمولى الخ أنه يحل له إذا لم يرق المكاتب أو يعتق من غير جهة الكتابة، وأمّا عندنا فيحل له مطلقاً لتبدل الملك عند محمد رحمه الله أو لأنه لا يثبت في الصدقة وإنما الخبث في أخذها، عند أبي يوسف رحمه الله لكنه ينافي جعلها أوساخ الناس في الحديث وأنه لا اعتراض عليه كما توهم في المقيس عليه لأنّ كون ما أخذه بدل الكتابة يقتضي تقرّرها وكلامه مبنيّ عليه فتختلف الجهة في الملك اختلافاً صحيحاً مقرّراً عليه. وتنظيره بقصة بريرة رضي الله عنها التي رواها الشيخان لمجرّد اختلاف جهتي الملك فإنها أخذته بعد العتق صدقة وأعطته هدية لآل البيت الذين لا يحل لهم الصدقة فلا غبار عليه. وأمّا عندنا فلا ورود له أصلاً. قوله: (في حديث بريرة رضي الله عنها) وهو كما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها لهم فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اشتريها فأعتقتها فإنما الولاء لمن أعتق قالت فأتى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت هذا ما تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ولنا هدية. وبريرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 بفتح الباء الموحدة وكسر أولى الراءين المهملتين كانت مكاتبة كما في البخاري فاشترتها عائشة ثم أعتقتها والصدقة المعطاة ليست زكاة لفك رقبتها فالمقيس عليه تبدل الملك فما اعترض! به عليه وهم. قوله:) كانت لعبد الله بن أبتي) ابن سلول رأس المنافقين والحديث صحيح في مسلم والضرائب جمع ضريبة وهي المال المعين المقسط. وقوله: فشكا بعضهن أي ثنتان منهن كما صرّحوا به. قوله: (شرط للإكراه الخ) قيل على تقدير التسليم يكون سببا للترك لا للذكر. وقيل: لا مجال للمنع لظهور أنّ الإكراه يكون على خلاف الإرادة والاختيار. ثم المقصود ردّ من تمسك بالآية لإبطال المفهوم إذ لو اعتبر يلزم جواز الإكراه إذا لم يرد التحصن وهو لا يتصوّر وخلاصته مغ أنّ لها مفهوما مستنداً لما ذكر. فظهر أن ما اعترض به عليه من أنه شبه مقابل للمنع بالمنع مع تعرّض المصنف رحمه الله لبيان سبب الذكر وهو الإشعار بندرته وغرابته وتقريع مرتكبه وفيه أنّ قوله لا مجال للمنع غير مسلم عند قائله لأنه يجوز الإكراه إذا لم يردن التحصن بأن تكره على زنا غير الذي أرادته أو على ما أرادته ومنعها منه الحياء أو زيادة طلب أجر ونحوه وفي العضد وشروحه الغالب أن الإكراه يكون عند إرادة التحصن لأنهن إمّا أن يردن التحصن أو البغاء أو لا يردن شيئا لكن الغالب إرادتهن التحصن، فخرج الشرط مخرج الغالب ومثله لا مفهوم له، وكل ضدين اختيار بين لا ثالث بينهما لا يجوز خلوّهما عن الإرادة عندنا لأنها صفة تخصص أحد المقدورين بالوقوع وأحدهما واقع. فلا بد له من مخصص وعند المعتزلة يجوز خلوّهما عنها لأنّ الإرادة عندهم تتبع اعتقاد النفع فيجوز أن لا يكون في النفس ميلى لهما. فقوله: الغالب أن الإكراه يكون كند إرادة التحصن بناء على مذهب المعتزلة لأنّ الاعتراض لأبي عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار منهم. وفيه بحث وأمّا قوله: إنه منع للمنع مخالف لآداب البحث فعند التأمّل غير وارد لأنه منع للسند وهو قد يمنع كما قرّروه. وفي شرح المفتاح الشريفي فائدة تقييد النهي بالشرط التنبيه على أنهن مع قصورهن إذا أردن التعفف فالولي أحق بذلك فهي نعي عليه وزجر له والآية نزلت فيمن أردنه فخص لخصوص مورده قيل وهو الأوجه فتأمّل وقوله: لجواز الخ لا مغايرة فيه لما قبله ويرد عليه ما تقدم. قوله: (وإيثاران الخ) هذا ما قرره أهل المعاني ولا غبار عليه ولا يلزم أن يترتب على القيد حكم شرقي حتى يقال إنه لا وجه لذكر لمجرّد هذه النكتة. وما قيل من أنّ إيثارها للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه عند كون التحصن في حيز الإرادة والشك وإن كان له وجه يبعده سبب النزول الداخل فيه بالأولوية لتحقق الإرادة فيه ولذا لم يعرجوا على ما ذكره. قوله: (لتبتغوا) أي لأجل الابتغاء والطلب وعرض الحياة كسبهن وأولادهن وقوله: لهن ذكروا فيه وجوها تقدير لهن وله ولهما معا والإطلاق لتناوله لهن تناولاً أوّليا. واعترض! أبو حيان على الوجه الأوّل بخلوّ جواب اسم الشرط عن ضميره وردّ بأنه لا محذور فيه لأنّ اللازم لانعقاد الشرطية كون الأوّل سببا للثاني مع أنّ التقدير فإنّ الله بعد إكراههم إياهن. والمقدر يكفي للربط. وقيل: جواب الشرط محذوت أي فعليه وبال إكراههن. وردّ بأنّ فيه ارتكاب إضمار بلا ضرورة ولا يخفى أنّ ما ذكره أبو حيان هو الأصح عند النحاة. وفي المغني إذا وقع اسم الشرط مبتدأ فهل خبره الشرط أو الجزاء لالتزامهم عود ضمير منه إليه على الأصح. وأما ما ذكره معه ففيه نظر لأنهم لم يعدوا الفاعل المقدر في المصدر في نحو هند عجبت من ضرب زيدا رابطا ولا فرق بينهما كما توهم وتقدير الجواب المذكور لتسبب الجزاء كما لا يخفى. قوله: (على المكره) بفتح الراء القتل هذا مذهب الشافعي وقد خولف فيه وتفصيله في الفقه وقيل إنّ الإكراه كان دون الإكراه الشرعي فلذا ذكر هذا. قوله: (لآن اجمراه لا ينافي المؤاخذة بالذات) أي المؤاخذة بارتكاب ما نهى عنه من حيث هو منهيّ عنه لا تنافي الإكراه لأنه لا يسقط حرمته وأئمه ولا يسقط التظليف وإنما المنافي لها عدم التكليف به والإكراه بواسطة المغفرة له مناف لها وذلك بالعرض لا بالذات. وذهب بعض أهل الأصول إلى منافاة بعض أنواعه للمؤاخذة ولذا قال الزمخشريّ: لعل إكراههن كان دون ما اعتبره الشارع وتفصيل المسألة في أصول الفقه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 قوله: (التي بينت في هذه السورة) فالمبين الآيات والمبين فيه السورة والتبيين ذكرها واضحة الدلالة فقوله: وأوضحت فيها أي في هذه السورة عطف تفسير عليه. وأمّا كون ضمير فيها للأيات على أن الأصل مبيناً فيها على الحذف والإيصال فوجه آخر لا يمكن إرادته مع الأول كما توهم ولو أراده لقال: أو أوضحت وهذا على قراءة الفتح وعلى الكسر فهو إما من بين بمعنى تبين اللازم والمرإد تبين كونها آيات من الله وشرائع مطهرة ولذا قال: تصدقها الخ أو من المتعدي والمفعول محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله والإسناد مجازيّ. قوله: (وقصة الخ) يعني المثل هنا بمعنى القصة المستغربة كما مرّ ومن ابتلا. ائية اتصالية أو بيانية والمراد أنها من جنس القصص المستغربة في الأمم السالفة لأنها كقصة يوسف عليه الصلاة والسلام ومريم حيث أسند إليهما مثل هذا الإفك فبرأهما الله منه. وقوله: تلك الآيات إشارة إلى ما مضى في هذه السورة. وقوله: وقيل معطوف على قوله يعني الآيات فالمراد بها في الأوّل الآيات الماضية في هذه السور وفي هذا جميع القرآن. وقوله: والصفات الخ إشارة إلى مصححه. قوله تعالى: {اللهِ نُورٌ} الخ في الكشاف في سورة البقرة الإضاءة فرط الإنارة فقي!! : إنه جعل الضوء أبلغ من النور وأشد. لقوله:) جعل الشمس! ياء والقمر نورا) وفي الفلك الدائر أنه غير صحيح إذ ليس له في اللغة شاهد ولا في ألاستعمال مساعد وقد قال ابن السكيت: النور الضياء فسوى بينهما والآية المذكورة لا تدلّ على المدعي وأجيب بأنّ كلام ابن السكيت بحسب أصل الوضع وما ذكر بحسب الاستعمال كما في الأساس. والتحقيق ما في الكشف من أنّ الضوء فرع النوو وهو الشعاع المنتشر ولذا أطلق النور على الذوات دون الضوء ولما كان الإبصار بالفعل بمدخلية الضوء كان فيه مبالغة من جهة أخرى وتنويره ما قاله الإمام السهيلي رحمه الله في الروض في توله ورقة: ويظهرفي البلاد ضياء نور يقيم به البرية أن تموجا 0.. إنه يوضح معنى النور والضياء وأنّ الضياء هو المنتشر عن النور والنور هو الأصل ومنه مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً لأنّ نوو القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر عن الشمس لا سيما في طرفي الشهر. وفي الحديث الصلاة نور والصبر ضياء وذلك لأنها عمود وهي ذكر وقرآن ونهي عن المنكر والصبر عن المنكر ضياء صادر عن هذا النور الذي هو القرآن ومن أسمائه تعالى النور دون الضياء وهذا منزع رفيع وسر بديع فيه نور وشفاء لما في الصدور علم به أنّ بينهما فرقا لغة واستعمالاً وأنّ أبلغية كل منهما لها وجه. وتسميته تعالى به فان فهمت فنور على نور وبهذا تبين أنّ قول الشريف إطلاق كل منهما على الآخر مشهور فلا يتأتى الفرق المأخوذ من استعمالات البلغاء ولا المأخوذ من اصطلاح الحكماء وهو أق الضوء ما يكون للشيء من ذاته والنور ما يكون من غيره كلام ناشىء من ضيق العطن وكذا ما قيل ينبغي أن يكون النور على الإطلاق أقوى. قوله: (الله نور السموات الكنه إنهما يتجه إذا لم يكن بمعنى المنور كما عليه المفسرون فاحفظه فإنه نفيس. قوله: (النور في الأصل كيفية الخ) بين في الحكمة أن المبصر بالذات الألون والأضواء وما سواها يدرك بواسطتها بعد إدراكها وان لم يشعر به واليه أشار بقوله: ظاهر بنفسه الخ والضوء عندهم كالنور كيفية وقيل: جوهر شفاف وأمّا عند اللغويين فقد مرّ تحقيقه. وقوله: كالكيفية وفي نسخة الكيفيات والجمع باعتبار الأفراد وما أفيض عليه. قوله: (المحاذية لهما) أي المقابلة للنيرين وفي نسخة بواسطتها أي تلك الكيفية وهو إشارة إلى أنها مشروطة بالمقابلة. فإن قلت: إنا نجد وجه الأرض مضيئا عند الأسفار من الشمس التي لم تقابله حينئذ قلت: استضاءة وجه الأرض بمقابلة الهواء المستضيء بها والقابلة إمّا بالذات أو بالواسطة. وقوله: وقد قرىء به أي بمنور على زنة اسم الفاعل وقرىء نور ماضياً أيضا. قوله: (لا يصح (لأنه تعالى منزه عن الجسمية والكيفية. وقوله: زيد كرم في الكشاف ثم تقول ينعش الناس بكرمه وجوده أي تجيء بما يدلّ على أنّ المراد ذو كيرم كما قيل: مثل نوره ويهدي الله لنوره. وقوله: بمعنى منوّر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 فهو مجاز مرسل من إطلاق اا " نر على مؤثره كما يطلق المسبب على سببه ولم يجعله من المبالغة لأنه لا يحسن هنا جعله نفس الكيفية إدّعاء ولا يصح. كما أشابى- إليه في قوله: بالكواكب الخ قيل: هو لف ونشر فتنوير السماء بالكواكب والأرض يما يفيض عنها وكذا قوله: بالملائكة والأنيياء عليهم الصلاة والسلام لكن التنوير على هذا عقليّ لا حسيّ وفيه نظر. قوله: (أو مدبرهما) معطوف على قوله منوّر السموات فيكون مجازا واستعارة وأورد عليه أنه ذكر فيه طرفا التشبيه وهما الله والنور فهو تشبيه بليغ لا استعارة على الأصح إلا أن يكون على قول ضعيف أو يعطف على قوله تجوّز والجوإب عنه أنّ ذكرهما إنما ينافيها إذا ذكر على وجه ينبىء عن أنه مشبه وكان هو المشبه بعينه كما أشار إليه في مواضمع من الكشاف وصرّح به أهل المعاني كما سنرا. في سورة الدخان وهنا لم يشبه إلله بالنور بل المدبر به وذكر جزئي يصدق عليه المشبه أو كليّ يشمله لا ينافي ذلك واليه أشار من قال: يمكن أن يقال: إنه استعارة تبعية استعير للتدبير بعلاقة المشابهة في حصول الاهتداء ثم اشتق منه المنور بمعنى المدبر. وقوله: من قولهم بيان لتصحيح الاسنعارة حيث يفهم منه جواز إطلاق النور على التدبير في قوله: على تجوز دلالة على هذا إلا أنه خبط فيه خبط عشواء لأنّ النور مصدر فلا معنى لجعل الاستعارة فيه تبعية ولا حاجة إليه بعدما سمعته وقد مرّ تفصيله في سورة يوسف وعذا جار في قوله أو موجدهما. قوله: (فإنّ النور ظاهر الخ) كذا في المواقف حيث ذكر إنه من أسماء الله وكذا قال الغزالي: فإن فهمت فهو نور على نور فيكون أطلق عليه تعالى مجازا مرسلا باعتبار لازم معناه وهو ظهوره في نفسه واظهاره لغيره وأريد بالظهور فرده الكامل وهو ما كان من كتم العدم إلى الوجود لتبادره واليه أشار بقوله: وأصله الوجود. وقيل: هو استعارة وقوله: ظاهر الخ بين لوجه الشبه فالمستعار له الواجب الوجود الموجد لما سماه لا الوجود كما توهم والم! نتعار منه الظاهر بنفسه المظهر لما سواه لكن قوله: وأصل الظهور الخ لا يناسبه فإنّ الأصالة ينبغي أن تكون في المشبه به وان كانت الأعرفية كافية فيه كما هنا والمراد بكونه أصلاً إنه أقوى أفراده أو أنه مترتب عليه في الأكثر فتامّل. قوله: (أو الذي به يدرك الخ) الظاهر أنه معطوف على قوله: منوّرهما وهو مجاز لا على قوله: تجوّز حتى يكون حقيقة ولا على قوله كيفية كما قيل لبعده واباء ما بعده عنه والنور يدرك بواسطته المعالم فتجوّز به عن مفيض الإدراك ومعطيه لأنه يفيض على الإنسان ما علم وهو قريب من معنى الهادي. كما أشار إليه فهو مجاز مرسل أو استعارة لا تشبيه بليغ كما عرفت ويدرك الأوّل معلوم والثاني مجهول وهما تنازعا قوله أهلهما أي السموات والأرض. يعني أنه أطلق عليه تعالى مجازاً لإطلاقه على قوّة البصر والبصيرة إطلاقا شائعا حقيقة أو بمنزلتها لتجوّز به عن معطي ذلك لأنه سببه أو مشابهه ولذا قال: وهو الله وفيما ذكره المحشي هنا خلل يعلم مما مرّ. قوله: (لتعلقها به (يشير إلى ما في البصر من الخلاف هل هو بشعاع نوراني فيتعلق البصر بالنور أو بالانطباع أو بمجرد خلق الله فيكون مثابها أو متوقفا عليه على وجهي التجوّز كما مرّ وهما وجهان لإطلاق النور على الباصرة. وقوله: من حيث بيان لإطلاق النور عليه تعالى. وقيل: معنى قوله لتعلقها به أنّ أبصارها بسببه فهو مجاز مرسل. وقوله: عليه أي على كل منهما لا على النور فتأمّل. قوله: (ثم على البصيرة لأنها أقوى) فهي أحق بإطلاق النور عليها من الباصرة فإن قلت قوله ثم يقتضي أنها دونها وقوله أقوى يخالفه قلت هما باعتبارين فإنّ إطلاق النور على البصر أشهر وأظهر والبصيرة مستمدة من الحواس الظاهرة غالباً فهي في المرتبة الثانية بهذا الاعتبار وباعتبار أنّ مدركاتها أكثر أقوى ورب فرع قلق أصله فهي تدرك المعدومات ونفسها بخلاف الباصرة. وقوله: الموجودات والمعدومات بدل أو صفة للكليات والجزئيات لتعميم إدراكها وقوله: تغوص في بواطنها أي تدرك ما خفي وتركب منها وهذا بيان للإدراكات العقلية التي لا تدركها الباصرة إجمالا. وقوله: تتصرف فيها أي في بواطنها أو في المدركات قيل وهو أولى. قوله: (ثم إنّ هذه الإدراكات الخ) إشارة إلى العلاقة بين المدرك المسمى نورا وبين الباري تقدس وتعالى بل كونه أحق به والمراد من الإدراكات إدراك البصر والبصيرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 السابقين جميعاً. وقوله: ولذلك سموا نورا هذا مجاز آخر لتسمية القرآن نوراً وما ذكره ملخص من مشكاة الأنوار للإمام الغزاليّ وتفسير الإمام رحمهما الله. قوله: (ويقرب منه قول ابن عباس الخ (يعني أنه تعالى سبب لكل من الهداية والإدراك وادراك الشيء مطابقاً للواقع سبب للهداية فيؤول إطلاق النور بمعنى سبب الإدراك عليه تعالى إلى كونه هادياً لكن لما كان بين مفيض الإدراك والهادي تغاير في الجملة قال: يقرب منه فقول الطيبي ومن تبعه إنّ قول ابن عباس رضي الله عنهما من واد وهذا من واد إذ قوله من وادي طور سيناء وهذا من وادهام فيه ابن سيناء فإنّ معنى قوله: الله هادي العالمين مبين ما يهتدون به ويتخلصون من ظلمات الكفر والضلال بوحي منزل ونبيّ مرسل والتأويل الذي عليه التعويل ما ساعده النظم سياقا وسباقا وما قبله من قوله: ولقد أنزلنا الخ إشارة في ضمن ما بين من الأحكام إلى نزاهة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وطهارة ساحة أفضل المرسلين هدانا بها إلى معالم الحكم فذكر بعدها أنه الهادي ثم قال: يهدي الله لنوره فأخذ الكلام بعضه بحجز بعض غير سديد. وما هو من التعصب ببعيد. وقوله وادهام فيه ابن سيناء إشارة إلى أنه أخذ. من كلامه من الإشارات: وفي الإشارات ما يغني عن الكلم فتدبر. قوله: (وإضافته إليهما (أي السماء والأرض مع أنه بجميع معانيه نور لجميع الموجودات فإئا أن يكون ليس المقصود التخصيص بهما بل القصد إلى سعة إشراقه كقوله وجنة عرضمها السموات والأرض أو المراد بهما العالم كله كإطلاق المهاجرين والأنصار على جميع الصحابة رضي الله عنهم فإن قلت هذا من إطلاق اسم البعض على الكل مجازاً وقد اشترط فيه في التلويح أن يكون الكل مركباً تركيباً حقيقياً ولم يثبت في اللغة إطلاق الأرض على مجموع الأرض والسماء والإنسان على الآدميّ والسبع قلت لا يتعين كونه مجازاً لجواز كونه كناية كما صرّج به الطيبي ولو سلم فما في التلويح غير مسلم أو أغلبيّ مقيس لأنّ الزمخشريّ ذكر في قوله تعالى: {لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} أنه عبر عن جميع العالم بالسماء والأرض وقال العلامة في شرحه أنه من إطلاق الجزء على الكل وقوله العقلية يعني بها الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام والأولياء وقوله: وقصور الخ وجه آخر لعدم التعميم والاقتصار عليهما والمدلول لهما شامل لإثبات الصانع. قوله:) صفة نوره) هو معنى المثل كما مرّ في سورة البقرة وقوله دليل الخ لأنه لو كان عينه لزم إضافة الشيء إلى نفسه فهو يدلّ على أنه على تقدير مضاف أو أنه مجاز عما مرّ والكوّة بفتح الكاف وضمها الطاقة. وقوله: كصفة إشارة إلى تقدير مضاف فيه وثاقب بمعنى شديد الإضاءة. وقوله: كالزهرة بضم الزاي وصتح الهاء وتسكينها خطأ اسم للكوكب المعروف وهو تمثيل للكوكب وخصه لشدة ضوئه وشبهه بالسراج وزهرته بفتح الزاي وضمها مع سكون الهاء بياضه وحسنه. قوله: (منسوب إلى الدرّ) في الزاهر لابن الأنباريّ الدري الكوكب المضيء وفيه خمس لغات ضم الدال وكرها وفتحها مع الهمزة وضم الدال وكسرها مع تشديد الياء فمن قال درفي نسب إلى الدر لحسنه وضيائه فوزنه فعليّ ومن قال: درىء بالضم والهمز فهو فعيل من درأ الكوكب درأ جرى أو دفع وهو شاذ لأنّ فعيلا ليس من أبنية العرب ومريق اسم المعصفر أو ما سمن من الخيل وعده سيبويه من أبنيتهم. وقال أبو عبيدة: أصله درّوء كسبوح فجعلت الضمة كسرة لاستثقال الضمات والواو ياء كما قالوا في عتوّ عتى. ومن قال: دريّ بكسر أوّله كسره من أجل الياء التي بعد الراء مجانسة لها فقول منسوب إلى الدر بناء على عدم وجود فعيل والهمزة من تغييرات النسب، وقوله أو فعيل على مذهب سيبويه. وقوله من الدرء بمعنى الدفع أو الجري كما مرّ وقيل هو من درأ إذا طلع بغتة وفاجأ وقوله قلبت همزته على أنه من درأ المهموز ودريء بالكسر كشريب وسكيت صف مشبهة وهو أفصحها والضم لندور. جعله بعضهم لحناً ولا وجه له مع وروده في الكتاب العزيز وفي اللباب فعيل غريب لا نظير له إلا مريق وعلية وسرية وذرية قاله: أبو عليّ. وقال الفراء لم يسمع إلا مريق وهو أعجمي وأمّا درىء بفتح الدال والهمز فشاذ ليس له نظير إلا سكينة بفتح السين في لغية حكاها أبو زيد وما ذكره في سرية خالف فيه بعض أهل العربية وجعله نسبة إلى السير وهو النكاح وضمه من تغييرات النسب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 كدهري وقيل هو فعلولة من السرور فأبدلت الراء الأخيرة ياء فوزنها فعليلة وأما ذرية فنسبة إلى الذر على غير القياس لإخراجهم كالذر من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام وقوله فإنه يدفع إلى آخر. إشارة إلى أنّ الدرء بمعنى الدفع. وقوله أو بعض معطوف على فاعل يدفع المستتر. وقوله: ويدل عليه أي على القلب وقوله وقد قرىء به أي بكسر الدال وقوله مقلوباً أي مقلوباً همزته ياء وقيل إنه يريد به القلب المكاني بتقديم الهمزة ساكنة على الراء فإنه قرىء به في نادر الشواذ وهو غريب. قوله: (أي ابتداء) إشارة إلى أنّ من للابتداء والثقوب الإضاءة وقوله المتكاثر نفعه تفسير لمباركة وقوله بأن رويت بتشديد الواو وتخفيفها أي سقيت متعلق بابتداء. وذبالته بضم النال المعجمة وتخفيف الموحدة هي الفتيلة وقوله إبدال الزيتونة وقال أبو عليّ إنه عطف بيان بناء على أنه يكون في النكرات فلا وجه لرد ابن هشام عليه في تذكرته وقوله تفخيم لشأنها لما في التفسير بعد الإبهام من تمكينه في الذهن وتعظيمه وقوله على إسناده إلى الزجاجة إشارة إلى أنه على ما قبله مسند للمصباح واذ أسند إلى الزجاجة فهو بتقدير مضاف أي مصحباحها أو مبالغة. قوله: (وقرىء توقد) هي قراءة أبي عمرو وابن كثير وأصله تتوقد بتاءين فخفف بحذف إحداهما وذكرها بالمجهول توطئة لما بعده والا فعادته استعمال مثله في الشواذ وقوله: ويوقد بفتح الياء التحتية والواو- وا القاف المشدّدة ورفع الدال والمعروف إنما هو الحذف لاجتماع التاءين المتماثلتين لكنه كما قال ابن جني شبه فيه حرف مضاوعة بحرف مضارعة فعومل معاملته كما - ضببهت التاء والنون في تعد ونعد بياء يعد فحذفت الواو معهما كما حذفت فيه لوقوعها بين ياء وكسرة أو أنه شبه به لانجتماع زيادتين وان لم يتماثلا كما ذكره المصنف لكنه غريب في الاستعمال. قوله: (تقع الشمس عليها الخ) فإنها إذا كانت شزقية وقعت الشمس عليها وقت!! الشروق فقط وإذا كانت غربية وقعت عليها عند الغروب فإذا كانت بينهما وقعت عليها ديئما فأريد به ذلك وهو لازم معناه وقوله طول النهار منصوب على الظرفية أي من أوّله إلى آخره وهو معروف بهذا المعنى وليس مقابلاً لقصره كما يتوهم ولا يرد على هذا التفسير أنه يعارض الحديث الآتي لأنّ القائل له لا يسلم أنّ معنى المضحى ما كان بارزاً للشمس دائما بل يفسره بما تقع عليه الشمس في أوّل النهار وقت الضحى أو نقول الحال فيه يختلف باختلاف الأقاليم حرا وبردا واعتدالاً أو باعتبار الثمار كالزيتون وغيره وأمّا كون الحديث غير ثابت لقول العرأي وابن حجر إنه لم يوجد في شيء من كتب االحديث فلا يناسب إيراد المصنف له من غير تردّد فيه. والقلة رأس الجبل وقوله أنضج أي أكثر ئضجاً في نسخة أبهج. وقوله ولا في صوضع في نمخة مضحى. قوله: (أو في مقنأة) فسره بقوله تغيب عنها دائماً لأنّ المقنأة بالقاف وفتح النون. وضمها والهمزة المكان الذي لا تطلع عليه الشمس عند أبي عصرو وقال: غيره أنه بالألف بدون اهمزة وهو مقنوة بالواو وهو نقيض المضحاة وقوله في القاموس المقناة المضحاة كأنه غلط منه! وقد أخر الزمخشريّ الوجه الأوّل وقال في تفسيره له ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشيّ جميعا فهي شرقية غربية وفيه خفاء ولذا أخره وفسره لأنّ النفي إذا دخل على متعددة فإمّ أن يراد نفي كل واحدءمنهما منفردا ومجتمعاً وحيئ! ذ تكرّر لا نحو لا فارض ولا بكر وإمّا أن يراد نفي اجتماعهما ولا تكرّر فيه لا وهنا قصد إثباتهما وأنها شرقية غربية وافادة التركيب له خفية فأشار إلى أنّ فيه قيدا مقدرا توجه إليه النفي وهو قوله ضط فيفيد اجتماعهما وفي شرح الكشاف عن المطلع أنه كقول الفرزدق: بأيدي رجال لم يشيمواسيوفهم ولم تكثر " القتلى بها حين سلت ... إذ معناه شاموا سيوفهم وأكثروا بها القتلى وهو اختيار الزجاج وتعقبه في الكشف بأنه لا استدلال بالبيت على ما ذكره لجواز أن يريد لم يشيموا غير مكثري القتلى على الحال وافادته المعنى المذكور واضحة حينئذ وفي البيت كلام طويل ليس هذا محله قال: أبو حيان رحمه الله في تذكرته فان قلت: إذا لم تكن شرقية ولا غربية فما هي قلت المعنى ليست في مشرقة أبداً والمشرقة الموضع الذي لا يصيبه ظل ومعنى غربية ليست الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 في مقنأة والمقنأة المكان الذي لا تصيبه الشمس أي ليست الزيتونة تصيبها الشمس خاصة ولا الظل خاصة ولكن يصيبها هذا في وقت وهذا في وقت وهو أحسن لها والا فالشرقية والغربية لا تخرج عنهما انتهى. قوله تعالى: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} كلمة لو في مثله لا تكون لانتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا للمضي وكذا ليست للتعليق والاستقبال بل المعنى ثبوت الحكم على كل حال ولذا قيل إنها للتأكيد والواو للعطف على مقدّر هو ضدّ المذكور وعند بعضهم إنها حالية لكن مقتضاه كون حرف الشرط مع ما بعده حالاً فتقديره والحال لو كان كذا أي مفروضاً كما قدره بعضهم. والزمخشري وغير. يقدّره ولو كان الحال كذا ولا يخفى حاله كما ذكره المحقق في شرح الكشاف وتحقيقه كما قاله: المرزوقي أنّ أدوات الشرط لا تصلح للحالية لأنها تقتضي عدم التحقق والحال يقتضي خلافه فلذا قيل إنه ينسلخ عنها الشرطية وانها مؤوّلة بالحال كما أنّ الحال تكون في معنى الشرط نحو لا فعلنة كائنا ما كان أي أن كان هذا أو غيره وإنما قدره الزمخشري والمرزوقي بعد لو إشارة إلى أنه قصد إلى جعلها حالاً قبل دخول الشرط المنافي له ثم دخلة تنبيهاً على أنها حال غير محققة وهذا سرّه وان خفي على من لا يخفى عليه مثله فاعرفه. وعلى جعلها عاطفة كما ارتضاه اكثرون لا يتوهم إن كاد تنافيه فإنها تقتضي انتفاء الإضاءة وهو إنما هو في حال عدم مس النار لا في حال مسها فيتعين كونها حالية لا عاطفة فإنه غفل عما قرّروه من قولهم في كل حال فإنه كما هو منتف في حال عدم المس منتف في مجموع الحالين أيضاً لا يتوهم أيضا أن المبالغة تقتضي الاقتصار على الثاني لأنّ المراد التسوية بينهما. قوله: (وفرط وميضه) في نسخة بالميم والضاد المعجمة ومعناه البريق واللمعان وفي أخرى وبيص بالباء الموحدة والصاد المهملة ومعناه أيضاً البريق والتلألؤ الإنارة ومنه اللؤلؤ لصفاته واشراقه وقوله: متضاعف إشارة إلى أنّ الجار والمجرور صفة معناه ما ذكر. وقوله: زاد في إنارته زاد يكون متعديا ولازما وهو لازم هنا ومن ظنه متعدّياً فقد قصر. وقوله: وضبط المشكاة لأشعته في الكشف دلّ هذا على أنّ وجه الشبه الإضاءة وقوّتها لا السعة والفشو فلا يتوهم أنه كالمتناقض لكون المصباح في مكان متضايق فتأمّل. قوله: (في معنى التمثيل) أي في المراد من التشبيه مطلقا وعبر بالتمثيل موافقة لما في النظم وقوله تمثيل للهدى يعني أنه تشبيه مركب بمركب فشبهت فيه الهيئة المنتزعة بأخرى والنور وإن كان لفظه مفرداً دالّ على أمور متعددة وقيل: إنه ذكر للتنصيص على ما هو العمدة في التمثيل وقوله في جلاء الخ متعلق تمثيل وهو وجه الشبه وهو مركب عقليّ كما في شرح الكشاف والمراد بالآيات آيات القرآن مطلقاً أو آيات هذه السورة. وقوله: من الهدى بيان لما تضمنته وهو مدلولها أيضا وفي عبارته نوع خفاء. قوله: (أو تشبيه للهدى الخ) يعني أنه تشبيه مقيد وفي شرح الكشاف أنه على هذا من المركب الوهمي حيث تصوّر في المشبه والمشبه به حال منتزعة وهي قوله: من حيث إنه محفوف الخ فشبه الهدى المحيط به الضلال بمصباح في ليل مظلم كقوله: وكانّ النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع ... ولا يخفى أنه بحسب الظاهر ينافيه كون حق الكاف الدخول على المصباح وقوله لاشتمالها يعني به أنّ المشتمل مقدّم على المشتمل عليه في رأي العين فقدم لفظا رعاية لذلك أو لأنه إذا دخل على المشتمل فكأنه دخل على ما فيه فلا وجه لما قيل إنه لا يكفي فيه بل النكتة أنه أبلغ لأنّ الإنارة إذا نسبت للمشكاة فالمصباج أقوى بها. وكذ ما قيل إنّ فيه قلبا وإنما كان المصباح أوفق من الشمس لأنه ما يوقد في الليل فيدلّ على الظلمة التي لها دخل في التشبيه. وقيل: إنه تشبيه مفرّق فشبه الهدى بالمصباح والجهالات بظلم استلزمتها وفيه نظر. قوله: (أو تمثيل لما نور الله الخ) ففيه مضاف مقدر أي كنور مشكاة كما أشار إليه وهذا الوجه رجحه الطيبي على غيره وقال إنه تفسير السلف وأنه الأنسب بالمقام ونقل البغوي عن كعب أنه قال إنه مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح ما فيه من الحكم وعن الحسن رحمه الله تعالى الشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها يضيء القرآن يتضح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وان لم يقرأ أو شجرة النبوّة والظاهر على هذا أنه تشبيه مفرّق وقيل إنه مركب كالأول والفرق بينهما في أصل المعنى لا في طريق التشبيه. واضافة النور إليه تعالى باعتبار السببية. قوله: (أو تمثيل لما منح الله الخ) فهو تشبيه مفرّق وهذا مبنيّ على كلام الحكماء ولذا قال الطيبي رحمه الله: إنّ المقام ينبو عنه فتركه أولى من ذكره. وقوله: وهي الحساسة أي القوّة الحساسة والمراد بها الحس! المشترك فإنّ الحواس الظاهر كالجاسوس لها واليها يتأدّى ما يدرك كما أشار إليه المصنف وهي في مقدم البطن الأول من الدماغ وهذا شروع في بيان الحواس الباطنية التي سمتها الأطباء نفسانية. والقوّة الخيالية هي التي تتخيل صور المحسوسات بعد غيبتها وتحفظها. وقوله: بالحواس الخمس أراد بها الحواس الظاهرة لأنها جواسيسها كما مرّ ومن لم يقف على مراده اي ض عليه بأنه لا يصح أن يقال تدرك المحسوسات بالحواس الخمس بل يقال: أعني الحواس الخمس. فإن تلت: فحينثذ كان حق النظم كمشكاة وزجاجة ومصباح الخ حتى يفيد تشبيه كل واحد بكل واحد قلت لما كان كل من هذه الحواس يأخذ ما يدركه مما قبله كما يؤخذ المظروف من ظرفه أشار إلى ذلك بأداة الظرفية دلالة على بديع صنعه وحكمته. وقوله بالأشياء الخمسة متعلق بتمثيل على اللف والنشر. وقوله: فإنّ الحاسة في نسخة بدله الحساسة. قوله: (لأنّ محالها الكوي) في نسخة كالكوي جمع كوّة بفتح الكاف وضمها وقد مرّ بيانه والكوي يكسر مع المد والقصر ويضم مقصوراً ومحالها جمع محل وفي نسخة محلها وض! مير محالها ووجهها للحاسة والمراد بيان وجه السبب لتجويفها وتوجهها لظاهر البيت لا لما خلفه لتوجهها للحواس الظاهرة وكونها في مقدم الدماغ وما قيل من أنّ الظاهر أن يقول لأنها كالكوّة ووجهها إلى الظاهر فإنه يوهم أنّ المقصود تشبيه محلها لأنفسها بالمشكاة والقول بأنّ لفظ المحل مقحم وجمع لتعدد المواد تكلف ما لا يوافق مأخذ كلامه لا وجه له فإنه تكلف فيه واقحام لفظ المحل وان صح لكنه لا يرتضيه من وقف على مراده فتدبر. قوله: (في قبول صور المدركات) وحفظها لها كالزجاجة القابلة للأشعة المنعكسة وضبطها للأنوار ولحفظها المدركات الحس المشترك وقوله: كالشجرة هو أوفق مما في بعضها بالشجرة والزيتونة عطف على الشجرة. وقوله: لتأدّيها ولتجردها تعليل للتشبيه فهو متعلق بمتعلق الكاف أو بها لتأويلها بأشبه عند من جوّزها. قوله: (أو تمثيل للقؤة العقلية الخ) وهو تشبيه مفرّق لا تمثيليّ كما قيل هذا زبدة ما في النمط الثالث من الإشارات وهو أنه إشارة إلى قوى النفس النظرية ومرتبتها من البداية إلى النهاية لأنها أمّ استعداد الكمال أو نفس الكمال والاستعداد إمّا ضعيف أو متوسط أو قوفي فالضعيف استعداده للمعقولات الأولى كالطفل للكتابة وهو العقل الهيولاني والمتوسط استعداده للمعقولات الثانية بعد الأولى كالأمي لتعلم الكتابة وهو العقل بالملكة وحصول المعقولات الثانية إمّا بحركة من الذهنية وهو حصول بالفكر أو بحركة الذهن وهو حصول بالحدس ويدخل فيه التعلم. والاستعداد القوفي استعداد المعقولات الثانية بعد حصولها كاستعداد القادر على الكتاب وهو العقل بالفعل والكمال حصول المعقولات الثانية وهو العقل المستفاد والشيخ حمل مفردات التنزيل على هذه المراتب لكن لتلك المفردات ترتيب فيه حيث جعل الزجاجة في المشكاة والمصباح في الزجاجة. وتحقيقه كما في المحاكمات أنّ هناك استعدادا محضا واستعداد اكتساب واستعداد استحضار وحصول ولا شك أنّ استعداد الاكتساب بحسب الاستعداد المحض واستعداد الاستحضار بحسب استعداد الاكتساب فتكون الزجاجة وهي عبارة عن العقل بالملكة إنما هي في المشكاة وهي العقل الهيولاني والمصباح وهو العقل بالفعل في الزجاجة التي هي العقل بالملكة لأنه إنما يحصل باعتبار هو حصول العقل أولاً. والعقل بالملكة إنما يخرج بالقوّة إلى الفعل فالفكر والحدس والشجرة الزيتونة إشارة إلى الحدس ويكاد زيتها يضيء إشارة إلى القوّة القدسية فإن قلت هذا لا ينطبق على النظم لأنه وصف الشجرة بتلك الصفات وهذه أمور متباينة لا يجوز وصف أحدها بالآخر. قلت الشجرة الزيتونة شيء واحد. فإذا ترقت في أطوارها حصل لها زيت إذا ترقى وصفاً كاد يضيء وكذلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 الاكتساب قوّة نفسية هي فكرة فإذا ترقت كانت حدسا ثم قوّة قدسية فهي وان كانت متباينة ترجع إلى شيء واحد كالشجرة وأمّا قوله لا شرقية الخ فهو إشارة إلى أنها ليست من عالم الحس الذي لا يخلو عنهما كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: مجرّدة عن اللواحق الخ أو لأنها بين الصور والمعاني والصور ظهورها كالشروق والمعاني خفاؤها كالغروب فاعتباره في جانب المشبه به ظاهر أيضاً ولها نور على نور وهو العقل المستفاد وقد مثل نوره تعالى بالعقل المستفاد وهو كمال النفس الإنسانية في القوّة النظرية تحقيقا لاستلزام معرفة النفس معرفة الرب علت كلمته وهذا تحقيق لطيف. وقد قال بعض المشايخ: إنّ حقيقتها نور قدحه رّناد الإيمان بيد اليقين في حراق الوهم فاشتعل مصباح البصيرة في ظلمة الطبيعة وغايتها إعمال النظر الصحيح في تحصيل أسباب النجاة فافهم. قوله: (فكالشجرة الزيتونة الاحتياج الإيقاد منها إلى كسب فشبه بها التحصيل بالنظر. والحدس يشبه الزيت وقوله والإلهام عطف على ملك الوحي وأفرد الذي لكونهما في حكم شيء واحد ولو ثنى كان أظهر وقوله من حيث إنّ العقول تشتعل عنها ضمير عنها ليس للقوّة القدسية بل هو لمرجع ضمير مثله فلو ذكره كان أظهر ولذا قيل إنه من سهو الكاتب لكنه أنث مراعاة للخبر وقوله يهدي الله لنوره إشارة إلى أنّ ما ذكر تقريب وتلويح. وقوله: توضيحاً تعليل للأدناء. وقوله: معقولاً كان أو محسوسا فالتوضيح إنما فائدته للناس. وقوله: وعد ووعيد لأنّ علمه تعالى عبارة عن مجازاته كما مرّ. وقوله: لمن الخ لف ونشر مرتب والاكتراث الاعتناء. قوله:) متعلق بما قبله) أراد ما يشمل التعلق المعنوي والصناعي لأنه على الأوّل صفة وقد قيل إنه لا يليق بشأن التنزيل لتوسط قوله نور على نور الخ بين أجزاء التمثيل وهو فصل بين العود ولحاله مع أنه يؤدّي إلى كون حال ذكر المنتفعين بالتمثيل بنور الهداية بطريق الاستتباع والاستطراد مع قصد أضدادهم بالذات وليس بشيء فإنه زخرف من القول إذ لا فصل فيه وما قبله إلى هنا كله من المثل فتنبه. قوله: (فيكون تقييدا (أي على الوجهين وقوله: بما يكون لخير باللام والخاء المعجمة والراء المهملة في نسخة صحيحة أي قيده بما يكون معد للخير وهو الطاعة والعبادة لمناسبته للممثل له وهو الهداية ونحوها وضبطه بعضهم كما في بعض النسخ تحبيراً بالحاء والراء المهملتين والباء الموحدة يعني تزييناً وتحسينا ولا مدخل له في التمثيل وفي أخرى تحيرا وكحيز بمعنى محل ومقر بالمعجمة وزاد الكاف لأنها معلقة فيه فليس حيزا حقيقياً لها كما قيل وهو تكلف. قوله: (أو مبالفة فيه (وفي نسخة ومبالغة بالواو ووجه المبالغة كونها أضوء وأكبر وعلى هذه النسخة يكون عطفه على ما قبله كالتفسير له ليكون له مدخل في التمثيل. قوله:) أو تمثيلاَ لصلاة المؤمنين (هو عطف على قوله: تقييداً أو تحبيراً على ما في بعض النسخ يعني أنه شبه صلاتهم الجامعة للعبادات القولية والفعلية بالجوامع أو شبه أبدانهم بها وهذا مناسب لما مرّ من أن المشكاة قلب المؤمن وقد قيل عليه أن جعل المراد من البيوت الصلاة أو الأبدان لأحسن له ولذا لم يذكره الزمخشري وغيره وقيل إنّ تخصيص الصلاة لزيادة الأنوار العقلية بها الكمال التوجه للنور الحقيقي وعلاقتها بالمساجد من حيث الحالية والمحلية وعلاقة الأبدان المشابهة في إحاطة الأنوار وما يتوهم من أنّ المشبه قلب المؤمن في بدنه بالمشكاة التي في المساجد فاسد لعدم ذكره فيما سبق وفيه نظر. قوله: (ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة (سواء تعلق بمشكاة أو بتوقد وسواء كان تمثيلاً أولاً والوحدة من التاء فالمراد إفا الوحدة الجنسية أو أنّ النكرة قد نعم في الإثبات ويكفي لتحقق الوحدة أن يكون في كل بيت مشكاة واحدة مع أنه غير لازم. وقوله: إذ المراد أي بالمشكاة وقوله بلا اعتبار وحدة الخ قد علمت أنه يجوز اعتبارها. قوله:) أو بما بعده) وهذا أولى مما قبله والجملة مستأنفة حينئذ وقوله وفيها تكرير أي لفظ فيها وفيه إيهام لطيف فهو كقوله ففي رحمة الله هم فيها خالدون ومررت بزيد به وهذا أجود من مررت بزيد بزيد وبعض النحاة يعربه بدلاً كما في شرح التسهيل وفي المغني الأكثرون يوجبون في مثله سقوط الجاو وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار جاوزت ونحوه بالوجهين قرىء قوله والظالمين أعد لهم وهو من توكيد الحرف بإعادة ما دخل عليه مضمراً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 كان زيداً أنه فاضل وليس الجار والمجرور توكيدا للجار والمجرور لأنّ الظاهر لكونه أقوى لا يؤكد بالضمير وليس المجرور بدلاً بإعادة الجار لأنه لا يبدل مضمر من مظهر وإنما جوّزه النحاة قياسا ولا يخفى أنّ مثله وقع في القرآن وكلام العرب كثيرا وما ذكره غير وارد لأنّ المجموع بدل أو تأكيد وأتى بالظاهر هربا من التكرار وفي الكشاف وشرح المفتاح إشارة إليه فلا وجه لما ذكره. قوله: (مثل سبحوا الخ) وهذه الجملة كما قيل مترتبة عل ما قبلها وترك الفاء للعلم به نحو قم يدعوك. والثلاثة بيت المقدس والحرمان وقوله: والتنكير للتعظيم لتعينها وعلى الأوّل هو للتبعيض والتعليل كما أشار إليه المصنف رحمه الله. وقوله: أو التعظيم فالرفع معنويّ والمراد أن لا يفعل فيها ما لا خير فيه فليس عطف يذكر تفسيريا كما قنل وعلى الأوّل هو أعلاء البناء وأذن الله بمعنى أمر أو أجاز. وقوله: حتى المذاكرة إشارة إلى استحباب المذاكرة العلمية فيها. قوله: (أي يصلون) فذكر التسبيح وأريد الصلاة لاشتمالها عليه. وقوله: والغدوّ مصدر فأطلق على الوقت مجازا ثم صار حقيقة عرفية فيه. وفال المصنف في الرعد الغدوّ جمع غداة كقنى وقناة وقيل: مصدر ويؤيده إنه قرىء الإيصال أي الدخول في وقت الأصيل. وفوله: ويؤيده يدل على أنه مرضي له ولذا اقتصر عليه هنا فقيل لمجرّد الحكاية لا للتمريض حتى يكون بين كلاميه تتاف كما قيل وجمع الغدوات والعشايا باعتباو الأيام وخصهما لأنهما محل الاشتغال بالأسواق والمعاس فيعلم غيرهما بالطريق الأولى. قوله: (وهو جمع أصيل) في الكشاف جمع أصل كعنق وفي الكشف الظاهر أنه جمع أصيل كشريف وأشراف لأن أصلاً جمع أيضاً وسيأتي أنه غير صواب وما ذكره المصنف تبع فيه الجوهري وفي الأساس أنّ أصلاً مفرد كأصيل فلا يعارضه كلام الجوهري ولا يخفى أنّ أصلا يكون مفردا وجمعاً وجمع فعيل على أفعال ليس بقياسي كما ذكره النحاة وفي الروض للسهيلي الأصائل جمع أصيلة والأصل جمع أصيل لأنّ فعائل جمع لفعيلة وأصيلة لغة معروفة فيه وظن بعضهم أنه جمع آصال بزنة أفعال وآصال جمع أصل كاطناب وطنب وأصل جمع أصيل كرغف ورغيف فأصائل جمع جمع الجمع وهو خطأ لأنه لم يجمع جمع الجمع حتى يكون هذا نظيره ولأنهم لا يجمعون الجمع الذي ليس لأدنى تعدد فأحرى أن لا يجمع جمع الجمع وأيضا فيه غفلة عن الهمزة التي هي فاء إذ ظنوها كأقاويل ولو كانت كذلك لكانت الصاد فاء وهي عين فلو كان أصائل جمع آصال كأقاويل لأقوال لقيل آصال وأواصل بإبدال الهمزة التي هي فاء واو الاجتماع همزتين وأيضا أصل جمع كثرة وآصال جمع قلة فكيف يكون جمعه فآصال جمع أصل واحد كأصيل كما ورد في كلام الأعشى والآصال جمع أصيل بحذف البزوائد انتهى. قوله: (وهو الدخول في الأصيل) كأعتم وأصبح بمعنى دخل في العشمة والصباح. قوله: (إلى أحد الظروف الثلائة الخ) يعني له وفيها وبالغدوّ وقيل إنه على زيادة الحروف الجارة فعلى الأوّل إسناد حقيقيّ. وفي الأخيرين مجازي إلى المكان أو إلى الزمان والأولوية للأوّل لأنه يلي الفعل ولأنّ الإسناد على حقيقته وقد تبع فيه الطيبى حيث جوّز فيه زيادة الحروف وعدمها ولا يخفى أنه ارتكاب لما لا داعي له. والذي ذكره اتزمخشريّ زيادة الباء إذا قرىء تسبح بتاء التأنيث في المجرور القائم مقام الفاعل لضعفه واحتياجه للتاويل كما في قرإءة أن تعف عن طائفة في سورة براءة ثم إن إسناده إلى فيها إفما يكون إذا لم يكن في بيوت متعلقا بيسبح فمن اقتصر عليه وجوّزه هنا فقد غفل عنه. قوله: (ورفع رجال يما يدلّ عليه الخ) أي يسبحه رجال ويجوز كونه خبر مبتدأ أي المسبح رجال وفي المغني في الباب الخامس أنه لا يجوز أن يبنى الفعل للمفعول ثم يؤتى بالفاعل تمييزا فلا يقال ضرب أخوك رجلاً فإنه نقض للغرض الذي حذف لأجله قال: وأمّا قراءة من قرأ يسبح بفتح الباء فالذي سوغ فيها ذكر الفاعل بعدما حذف أنه في جملة أخرى واعترض عليه بأنّ فيه منقضاً للغرض واًنّ كونه في جملة أخرى لا يفيد ولا وجه له لأنّ الغرض! ثم في محله وأصاب محزه والجملة الثانية جواب سؤال مقدّر فحسن فيها ذكره لأنه محل التفسير والبيان بعد الإبهام وليس هذا موجودا فيما منعه فتأمّل وقوله ومفتوحا الخ فالباء زائدة كما عرفته والإسناد مجازي بجعل الأوقات مسبحة كما أشار إليه بقوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 على إسناده الخ أو على إسناده إلى ضمير المصدر المؤنث وهو التسبيحة وسياتي نظيره في قوله ليحكم كما قيل: وقد ضعف بأن الوحدة لا تناسب المقام. قوله: (معاملة رابحة الأنه أصل التجارة. ووجه المبالغة أنه يفيد أنه لا يشغلهم شيء أصلاَ وقوله مطلق المعاوضة أي رابحة أو غير رابحة وقوله أو بإفراد الخ فيكون من التخصيص بعد التعميم وهو عكس الأوّل وان أريد بالبيع الشراء فلا تخصيص وهما متلازمان. وقوله: وفيه إيماء لأنه لا يقال فلان لا تلهيه التجارة إلا إذا كان تاجرا لأنّ المتبادر نفي القيد وإنما قال إيماء لاحتمال أن يكون معناه لا يشغلهم شيء عن طريق الكناية ولاحتمال أن يرجع النفي للقيد والمقيد كقوله: على لا حب لا يهتدي بمناره فمن قال إنها نزلت فيمن فرغ عن الدنيا كأهل الصفة ولم يرتضه المصنف لأنه لا يقال لا تلهيه التجارة إلا لمن أغلب حاله التجارة وما ذكر لا يتبادر إليه الذهن لم يصب فالصواب أنه إنما تركه لأنه لم يصح عنده ولا يناسب المقام لأنه على ما اختاره أمدح كما لا يخفى والجلب ما يكون بالمسافرة فيراد بالتجارة ما لا يكون بسفر أو الأعم. وقوله: لأنه الغالب فيها أي الغالب في التجارة الجلب فهو لازم لها عادة وليس المراد أنّ لفظ الجلب غالب فيها حتى يرد ما يقال: إنّ المناسب أن يقول: غالب فيه على أن كون لفظ التجارة غالبا في معنى الجلب ممنوع. قوله: (عوّض الخ) في شرح الكشاف عن الزجاج أصله أقوام فقلبت الواو ألفا ثم حذفت لاجتماع ألفين وأدخلت التاء عوضاً عن المحذوف وقد تعوض عنه الإضافة كما مر ويرد عليه أنه لا داعي إلى قلبها ألفا مع فقد شرطه وهو أن لا يسكن ما بعدها فلو فيل نقلت الحركة لما قبلها فالتقى ساكنان الخ كان أصح واشتراط الحذف بتعويض التاء أو الإضافة مذهب الفراء وسيبوبه رحمه الله لا يشترطه. قوله:) عد الآمر الخ (أصله عدة والتاء فيه عوض عن فاء الكلمة وأوّله: إنّ الخليط أجد والبين وانجردوا وقيل: إنه جمع عدوة بمعنى ناحية فأراد جوانب الأمر ونواحيه فلا شاهد فيه. قوله:) ما جب الخ) يعني المراد بالزكاة المال المؤدّي لأفعله لإضافة الأيتاء إليه وقوله يخافون استثناف او حال وقوله: مع الخ يميل إليه ويوما مفعول على تقدير مضاف أي عقابه وهو له أو بدونه أو ظرف والمفعولط محذوف. قوله: (تضطرب) يعني أنّ المتقلب إمّا نفس القلوب والإبصار كقوله وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما قرّروه ثمة أو حالها كما ورد يا مقلب القلوب وقوله ما لم تكن تفقه هو الإيمان وأمور الآخرة وما لم تكن تبصر مشاهدة أمور الآخرة وما أنكر في الدنيا وقوله من توقع النجاة من سببية فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر بين توقع النجاة الخ. قوله: (أو لا تلهيهم الأنه وان لم يكن فعلاَ لكنه في معنى يكفون وأمّا تعلقه بيخافون فلا يناسبه أحسن ما عملوا إلا أن يكون باعتبار ما يلزمه من الرجاء. قوله: (أحسن جزاء ما عملوا الخ) أصل معنى الجزاء المقابلة والمكافأة على ما يحمد ويتعدى إلى الشخص المجزيّ بعن قال تعالى {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} وإلى ما فعله ابتداء بعلى تقول جزيتة على فعله وقد يتعدى إليه بالباء وأمّا ما وقع في مقابلته فبنفسه والباء قال: الراغب يقال جزيته كذا وبكذا هذا ما حققه أهل اللغة فلذا قدر المصنف وحمه الله فيه مضافا ليكون من جنس الجزاء فيتعدى إليه بنفسه لأنه لو لم يقدّره وأفعل بعف! ما أضيف إليه سواء كانت ما موصولة أو مصدرية يكون الأحسن عملاَ فيتعدّى إليه بعلى أو الباء وحذف الجار غير مقيس عليه وما قيل إنّ أحسن العمل أدناه المندوب فاحترز به عن الحسن وهو المباح إذ لا جزاء له أورد عليه أنه يلزمه حذف الخافض وهو غير مقيس بخلاف حذف المضاف فإنه كثير مقيس وهو مسلم إن لم يقدر قبل أحسن مضاف أي جزاء أحسن كما ذكره القائل في قوله: ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون في التوبة لكنه ليس في كلامه هنا ما يدلّ عليه وكون المقام يقتضي الاهتمام بالجزاء لا ينافيه وقد يفسر ما عملوه بما سبق وأحسنيته ظاهرة والموعود بالجرّ أو النصب صف جزاء أو أحسن. وقوله: أشياء تمييز لنسبة الزيادة وقوله: سعة الإحسان إشارة إلى أنّ قوله تعالى: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} كناية عن السعة والمراد إنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدهم. قوله: (حالها على ضدّ دّلك) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 الإشارة إلى ما سبق من حال المؤمنين وجزائهم أحسن الجزاء والضدية في كونها غير مجزى عليها أو معاقب بها والمراد أنها لا ت! طصه من خلود العذاب إن قلنا إنه يجازي على ما يشترط فيه الإيمان أو المراد الأعمال المشروطة به كما سيأتي تفصيله وقوله: يسرب الخ إشارة إلى وجه التسمية وأن السراب بمعنى الجاري في الأصل لأنه في النظر يتوهم كذلك. وقوله: وقيل جمعه أي القاع جمع القيعة وقيعات أمّا جمع قيعة فيرسم بتاء طويلة أو مفرد كفرهاة بمعنى قاع فتاؤه مدوّرة وقيل ألفه للإشباع وأصله قيعة والديمة مطرد أيم بلا برق ورعد والذين كفروا معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر ينساق إليه ما قبله وجملة يحسبه صفة سراب أو مستأنفة وفسر الظمأ بالعطش وقد قيل إنه أشده وكلاهما صالح هنا. قوله: (وتخصيصه لتشبيه الكافو به) أي تخصيص الظمآن بالذكر مع انه يتراءى لكل أحد كذلك فكان الظاهر الرائي بدله لما ذكر ولم يرد أنّ المراد بالظمان هنا الكافر كما في الكشاف وان صح إوادته أيضا من أنه شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيسقونه الحميم والغساق وفي شرحه إنما قيده به ولم يطلقه لقوله: ووجد الله الخ لأنه من تتمة أحوال المشبه به وهو أبلغ لأنّ خيبة الكافر أدخل وأعرق ونحوه مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا الخ فإنّ الكافرين هم الذين يذهب حرثهم بالكلية يعني أنه شبه أعمال الكفار التي يظنونها نافعة وماكها الخيب برؤية الكافر الشديد العطش في المحشر سراباً يحسبه شرابا فينتظم عطف وجد الله أحسن انتظام كما نوّروه وهو تشبيه تمثيلي أو مقيد ولا مفرّق كما توهم فلا يلزم من اتحاد بعض المفردات في الطرفين تشبيه الشيء بنفسه كاتحاد الفاعل في أراك تقدم رجلا وتأخر أخرى فلا وجه لما قيل إنّ جعل الظمآن هو الكافر حتى تطرد الضمائر للظمآن يؤول لتشبيه الشيء بنفسه كما قيل: وشبه الماء بعد الجهد بالماء يعني قول بعض الشعراء في حمام: لله يوم بحمام نعمت به والماءمن حوضه مابينناجاري ... كأنه فوق مسعاة الرخام ضحى ماء يسيل على أثواب قصار ... فإنه عيب عليه حتى قال فيه بعضهم: وشاعر أوقد الطبع الذكيّ له فكاد يحرقه من فرط لألاء ... أقام بعمل أياما رويته وشبه الماءبعدالجهدبالماء ... وليس بشيء لما عرفت وكذلك هذا الشاعر فإنه شبه هذا ااهـ خام الأبيض في الحمام بشقة قصار بيضاء جرى عليها الماء ولم يرد تشبيه الماء ولكن لما ذكره في الطرفين جاء بارداً فأشار الشاعر إلى برودته بما ذكره وليس في الآية ما يضاهي ذلك فافهم فإنه من النكات الأدبية. قوله تعالى: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} قيل يجوز أن يكون شيئاً بدلاً من الضمير ويجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا نعت إذا كان مفيداً صرّح به الرضي أو حالاً أو وجد من أخوات ظن فشيثا مفعول ثان. قوله: (مما ظته) فسره به إشارة إلى أنّ الحسبان بمعنى الظق وهو المشهور وأن فرق بينهما الراغب بأن الظن أن يخطر النقيضين بباله ويغلب أحدهما على الآخر والحسبان أن يحكم باحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله وقيده به لدفع ما يتوهم من التناقض بين مجيئه له وكونه غير شيء ولذا قيل إنّ المراد بكونه غير شيء أنه غير معتد به والتوهم في كلامه مقابل اليقين فيشمل الظن فليس في كلامه شيء ويدفعه أيضاً تقدير مضاف وهو موضعه وإذا لم يقدر فمجيئه بناء على توهمه وقيل إنّ في جاءه حينئذ إسنادا مجازيا وفيه نظر. قوله: (ووجد الله عنده) أي عند السراب أو العمل لا الظمآن كما قيل وأفرد الضمير باعتبار كل واحد وهذه الجملة معطوفة على لم يجده ولا حاجة إلى عطفه على ما يفيده من نحو لم يجد ما عمله نافعاً وهذا تشبيه بليغ وقع مثله في قول مالك بن نويرة: لعمري إني وابن جارود كالذي أراق شعيب الماء والآل يبرق ... فلما أتاه خيب الله سعيه فأمسى بغض الطرف عيمان يشهق ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 قوله: (عقابه أو زبانيته الما كان الله منزهاً عن المكان أوّل العندية بما ذكر وظاهر كلامه دخول هذا وما بعده في التشبيه فيكون المشبه به الكافر الظمآن المعاقب المحاسب فيتحد كلامه وكلام الزمخشري ويتحد مرجع الضمائر ولا يلزم تشبيه الشيء بنفسه لما مر ويحتمل أن يكون بيانا لحال المشبه به الكافر فيعطف بحسب المعنى على التمثيل بتمامه. ولو قيل: على الأوّل إنه من تتمة وصف السراب والمعنى وجد مقدوره تعالى من الهلاك بالظمأ عند السراب فوفاه ما كتب له من لا يؤخر الحساب كان الكلام متناسبا فتدبر وعلى تقدير المضاف زبانيته عبر بما ذكر لزيادة التهويل وقوله أو وجده محاسبا إياه فالعندية بمعنى الحساب على طريق الكناية لذكر التوفية بعده. قوله: (استعراضاً) استفعال من العرض! منصوب على التمييز فتوفية الحساب إتمامه بعرض الكتبة ما قدمه أو مجازاته على عمله وفي نسخة استعواضاً من العوض والأولى أولى وقوله: لا يشغله الخ يعني أنه كناية عن هذا وليس المراد بالسرعة ظاهرها لأنه تعالى لا يوصف بها حقيقة وقوله: روي الخ لا يأباه قوله والذين كفروا لأنه غير خاص بسبب النزول وان دخل فيه دخولاً أوّلياً ولا يرد عليه أنّ السورة مدنية نزلت بعد بدر وعتبة قتل في بدر كما لا يخفى. قوله: (عطف على كسراب) ولا حاجة إلى تقدير مضاف كما قيل أي كأعمال ذوي ظلمات. قوله: (وأو للتخيير الخ) أي في التشبيه وما ذكره الرضي كغيره من أنها تختص بالطلب وان اشتهر فقد ذهب كثير إلى عدم اختصاصه به كابن مالك والزمخشري ووقوعه في التشبيه كثير كما مر تحقيقه في قوله أو كصيب وأنها في الأصل لتساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم استعيرت لمطلق التساوي إمّا بطريق المشابهة أو هو من قبيل المشفر وظاهره أنّ الشك ونحوه مستفاد منها لا من عرض الكلام كما ذكره الشريف في حذف المسند إليه وهو ظاهر كلام النحاة والمذكور في الأصول أنه مدلول الأمر وقد جمع بينهما بأنه من سياق الكلام لكنه بواسطتها فنسب لهذا تارة ولآخر أخرى واليه أشار الرضي فما ذكره قدس سره هو التحقيق وان كان في الكشاف ما ينبو عته فتدبر وقوله فإنّ أعمالهم أي الحسنة بقرينة قوله لاغية. قوله: (أو للتنويع) فكأنه قبل بعض أعمالهم كالسراب وهو الحسن وبعضها كالظلمات وهو القبيح. فقوله: أعماله شامل لهما حينئذ فمن اختار هذا وخصها بأعمال البر لم يصب وفيه إبهام لطيف وقد أورد عليه أنه ياباه قوله ووجد الله عنده لأنّ أعمالهم الصالحة وان سلم أنها لا تنفع مع الكفر لا وخامة في عاقبتها وأجيب بأنه ليس فيه ما يدل على أنّ سبب العقاب الأعمال الحسنة بل وجدانهم العقاب لسبب قبائح أعمالهم لكنها ذكرت جميعها لبيان أنّ بعضها جعل هباء منثورا وبعضها معاقب به مع أنه مشترك الورود لتفسيره وجد الله عنده الخ. ببطلان حسناته وبقاء عقاب سيئاته وقد قيل: إنّ وروده إذ دخل قوله: ووجد الله في التشبيه وليس بمقرر كما مر. ثم إنّ المراد بالحسن الحسن الشرعي لوجوده فيما لا يشترط فيه الإيمان كالبرّ والصدقة لا الذاني كما قيل. قوله: (أو للتقسيم) أي لتقسيم حال أعمالهم الحسنة لا مطلقها وان صح بأنها ني حال لخلوها عن نور الحق كالظلمات وفي أخرى كالسراب لكونها هباء منثورا وخص الأول بالدنيا لقوله ومن لم يجعل الله له نور فإنه ظاهر في الهداية والتوفيق المخصوص بها والآخر بالآخرة لقوله ووجد الله الخ فهو الملائم للنظم وقدم أحوال الآخرة التي هي أعظم وأهمّ لاتصاله بما يتعلق بها من قوله: ليجزيهم الخ ثم ذكر أحوال الدنيا تتميماً لها فلا حسن لما قيل إنه يمكن أن يطلق هذا فيهما فإنها ظلمات فيهما أو يعكس فيكون سرابا حال الموت وظلمات في القيامة كما في الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ويكون ترقيا مناسباً للترتيب الوقوعي. قوله: (لجئي) صفة بحر قدّمت لإفرادها وكذا جملة يغشاه كما ذكره بقوله والجملة صفة الخ وقوله: هذه ظلمات يشير إلى أنه خبر مبتدأ مقدّر وأعربه الحوفي مبتدأ خبره جملة بعضها فوق بعض وردّه ابن هشام بأنه ابتداء بالنكرة من غير مخصص إلا أن يكون تنوينه للتعظيم كما في قوله: له حاجب في كل أمريشينه وهو تكلف وقوله على إبدالها من الأولى أي من لفظ ظلمات الأولى وهو على تنوين سحاب وعدم إضافته في قراءة قنبل ولا يحسن جعله تأكيدا للفصل وعلى الإضافة هو من قبيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 لجين الماء أو لبيان أنه ليس سحاب رحمة ومطر. وقوله: مرادفة إشارة إلى أنّ الفوقية ليست حقيقية وجملة إذا أخرج الخ صفة ظلمات. قوله: (لم يقرب الخ) أي لم يقرب من الرؤية فضلاً عنها كما سنحققه والشعر المذكور لذي الرمة من قصيدة حائية له منها: هي البر والأسقام والهم والمنى وموت الهوى في القلب مني المبرح ... وكان الهوى بالنأي يمحي فينمحي وحبك عندي منجد ومبرح ... إذا غيرالنأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح ... والنأي البعد وروي الهجر والرسيس الثابت. والمراد القديم العهد وهو من إضافة الصفة للموصوف وفيه إشارة إلى أنّ كاد كغيرها في النفي والإثبات لا أنّ نفيها إثبات وإثباتها نفي مطلقا، أو في بعض الأحوال كما زعمه بعض النحاة، وزعم أنّ ابن شبرمة خطا ذي الرمة في هذا وناداه يا غيلان أراده قد برح ففكر ثم بدله بقوله: لم أجد، واعلم أنه قد جرى في العرف أن يقال ما كاد يفعل ولم يكد يفعل في فعل قد فعل بجهد مع استبعاد فعله. كقوله: فذبحوها وما كادوا يفعلون فلما ورد نفيه على هذا توهم ابن شبرمة وذو الرمة أنه إذا قال لم يكد فقد زعم أنّ الهوى قد برح وليس الأمر كذلك فإنّ الذي يقتضيه لم يكد يفعل وما كاد يفعل أنّ الفعل لم يكن من أصله ولا قارب في الظن أن يكون ولا يشك في هذا وقد علم أنّ كاد موضوعة لشدة قرب الفعل من الوقوع ومشارفته فمحال أن يوجب نفيه وجود الفعل لأنه يؤدّي إلى أن يكون ما قارب كذلك فالنظر إلى أنه إذا لم يكن المعنى على أنّ ثمة حال يبعد معها أن يكون ثم تغيرت كما في قوله: فذبحوها الخ يلتزم الظاهر ويجعل المعنى أنّ الفعل لم يقارب أن يكون فضلاً عن أن يكون فمعنى بيت ذي الرمة أنّ الهوى لرسوخه في القلب وتملكه للنفس بحيث لا يتوهم عليه البراح، وأنه لا يقارب من أن يوجد فضلاً عن الوجود ثم إنهم قالوا في تفسير هذه الآية لم يرها ولم يكد أن يراها فبدؤوا بنفي الرؤية وعطفوا عليها لم يكد لا أنّ سبيله سبيل ما كاد في قوله وما كادوا يفعلون وهو نفي معقب على إثبات وليس المعنى على أنّ الرؤية كانت بعدما كادت لا تكون ولكن أنها ما قاربت الكون فضلاً عنه ولو كان لم يكد يوجب وجود الفعل كان محالاً كقولك لم يرها ورآها، واعلم إن لم يكد في الآية والبيت جواب إذا فيكون مستقبلا واذ قلت إذا خرجت لم أخرج فقد نفيت خروجا في المستقبل فاستحال أن يكون المعنى فيهما على أنّ الفعل قد كان. هذا خلاصة ما حققه الشيخ في دلائل الإعجاز فإذا علمت هذا فنفي كاد أبلغ من نفي الفعل الداخلة عليه لأنّ نفي مقاربته يدل على نفيه بطريق برهاني إلا أنه إذا وقع في الماضي لا ينافي ثبوته في المستقبل وربما أشعر بأنه وقع بعد اليأس منه. كما في قوله: وما كادوا يفعلون وإذا وقع في المستقبل لا ينافي وقوعه في الماضي فإن قامت قرينة على ثبوته فيه أشعر بأنه انتفى نفيا وأيس منه بعد ما كان ليس كذلك كما في هذه الآية فإنه لشدة الظلمة لا يمكته رؤية يده التي كانت نصب عينه فلك أن تقول إنه مراد من قال نفيها إثبات وإثباتها نفي لأنّ نفيها في الماضي يشعر بالثبوت في المستقبل وعكسه كما سمعته وهذا وجه تخطئة ابن شبرمة وتغيير ذي الرمة لأنّ مراده أنّ قديم هواها لم يقرب من الزوال في جميع الأزمان ونفيه في المستقبل يوهم ثبوته في الماضي فلا يقال إنهما من فصحاء العرب المستشهد بكلامهم فكيف خفي هذا عليهما ولذا استبعده في الكشف وذهب إلى أنّ هذه القصة موضوعة فاحفظه فإنه تحقيق أنيق. وتوفيق دقيق سنح بمحض اللطف والتوفيق. قوله: (والضمائر) يعني في قوله: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} [سورة النور، الآبة: 40] وقوله: من لم يقدر الخ أوّله لئلا يكون كقولك الثابت ثابت ومنهم من قال: معناه من لم يكن له نور في الدنيا لا نور له في الآخرة. وقيل إنه إشارة لما ورد في حديث خلق الله الخلق في ظلمة ثم رس عليهم من نوره فمن أصابه منه اهتدى ومن أخطأه ضل وتنوين نور الثاني للتقليل أي لا شيء له من النور. قوله: (ألم تعلم الخ) قيل هو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا علمية لا بصرية وأنّ إطلاقها على الأوّل استعارة أو مجاز بعلاقة اللزوم وإليه أشار في الأساس وفيه نظر لأنهم ذكروا رأي العلمية في نواسخ المبتدأ والخبر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 وأعملوها بإطراد غير عمل رأي البصرية ولأمرية في أنه حقيقة عندهم والذي في الأساس من المجازر أي بمعنى اعتقد لأنها لا تعمل عمل رأي العلمية وأرأيت وألم تر للتعجب منقولة من البصرية لتعديتها بنفسها إلى واحد أو بإلى نحو أرأيت الذي يكذب بالدين ألم تر إلى الذي حاج إبرهيم في ربه ولذا فسروه بأن هذا مما يتعجب منه، فانظر إليه فجعلها محازا في هذا المقام لا مطلقاً وإن قيل بأنها منقولة من العلمية فلا وجه لتنظيره، والى هذا أشار المصنف بقوله يشبه المشاهدة وأمّا قول السعد رحمه الله: كل من لفظ ألم تر وأرأيت للتعجب إلا أنّ الأولى تتعلق بالمتعجب منه فيقال ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثانية بمثل المتعجب منه فيقال أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرائب بحيث لا يرى له مثل فغير مسلم بقسميه. أما الأولى فلأنّ أرأيت يتعلق بغير المثل كأرأيت الذي يكذب بالدين وهي للتعجب منه كما صرحوا به ولا حاجة إلى التقدير وألم تر يتعلق بالمثل ألا ترى إلى قوله: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم كيف) عطف عليه. قوله: (أو كالذي مو على قرية) وإنما قدره الزمخشري بأرأيت لأنّ إلى لا تدخل على الكاف اسمية أو حرفية وهو الذي غره حتى قال ما قال وما المانع من أن يقول ألم تر إلى مثل أبي بكر ونحوه وقوله بالوحي متعلق بتعلم أو بالوثاقة ولا وجه لما قيل: عليه إنّ علمه قد يكون بالمكاشفة أو بنور زائد على نور العقل أو بإراءة الله إياه كما أرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملكوت السموات والأرض لأنها من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حكم الوحي كما لا يخفى. قوله: (أهل السموات) فاعل ينزه والملائكة والثقلان معطوف عليه لا على العقلاء ولا على تغليب كما قيل أمّا الأوّل فلرفع الثقلان ولأنهم عين العقلاء فلا يصح عطفه بأو وكذا الثاني مع أنّ اللام تعليلية وهي بالنسبة للمعطوف عليه اختصاصية وكل هذا تعسف لا حاجة له وقوله: من لتغليب العقلاء مذا هو الوجه الوجيه وما قيل من أنه لإسناد التسبيح الذي هو من أفعال العقلاء إليهم فلا حاجة إلى التغليب تكلف التغليب أحسن منه لأنه يعني أنّ الكل شبهوا بالعقلاء فهو استعارة لأنهم من ذوي العقول حقيقة أو ادعاء فلا بد من عموم المجاز أو التغليب مع أن التسبيح بتفسيره المذكور لا يختص بالعقلاء. فإن قال بحسب الظاهر فضغث على إبالة. قوله: (بما يدل الخ) فهو من عموم المجاز ولا بدّ منه لعطف الطير عليه. وهذا متعلق بينزه وهو ناظر إلى الوجه الأوّل وسكت عن الثاني لظهوره وعلمه منه وضمير عليه للتنزيه لعلمه من الفعل. قوله: (على الأول الخ) وعلى الثاني هو من عطف المتغايرين وقوله ولذلك أي الصنع والدليل لأنه إنما يظهر في صف أجنحتها ووقوفها في الهواء وباسطة تفسير لصافة وبما متعلق بإعطاء والباء للسببية أو حال والباء للملابسة أو بتقوى لا بصافة لأنّ القبض ضد البسط وقوله: دعاءه تفسير لصلاته والضمير لكل واحد أو لله على إضافتة للمفعول وقوله: كل واحدة أي فرقة واحدة أو ذات واحدة ولو قال كل واحد كان أظهر وقوله: اختيارا أو طبعا راجع للدعاء والتنزيه أو للتقسيم والأوّل ناظر للعقلاء والثاني لغيرهم أو عامّ والمراد بالطبع دلالة الحال. قوله: (لقوله) تعليل لرجوع ضمير علم إلى الله تعالى لأنه مسند له هنا فيكون فيما قبله وهو فاعل علم لذلك ولا وجه لما قيل إنه يقتضي خلافه لأنّ التأسيس أولى من التأكيد لأنه ليس بتأكيد إذ هو أعم مما قبله والأكثر في الفواصل التذييل بالأعم. قوله: (أو علم كل) إشارة إلى الوجه الثاني وهو رجوع ضمير علم إلى كل. وقوله: على تشبيه حاله أي حال كل وظاهره أنّ المراد به كل طير أو كل منها ومن الملائكة والثقلين لا كل مسبح وداع بلسان الحال ليشمل الجماد إذ لا علم له وإن جاز لأنّ الدلالة على الحق أي الله شاملة للجميع والميل الطبيعي إلى النفع في الحيوانات وقد يوجد في الجماد كميل الأشجار إلى المياه ونحوه وعليهما فالاستعارة تمثيلية لا تبعية. وذلك إشارة إلى المذكور وهو صلاته وتسبيحه وضمير صلاته وتسبيحه إلى كل أو إلى الله وليست الدلالة إشارة إلى التسبيح والميل إشارة إلى الدعاء فإنه غير مناسب للتمثيل وان صح. وقوله: على وجه يخصه متعلق بكل من الدلالة والميل والمقصود بيان إضافة صلاته وتسبيحه على وجه يكون له دخل في التشبيه. قوله: (مع أنه لا يبعد الخ) هذا دليل على إرادة كل الطير أو هي والملائكة والثقلين وهو الظاهر إذ لو أريد كل من في السموات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 والأرض كان قاصرا مع أنه قيل إنّ فيه جمعا بين المجاز والحقيقة والمصنف رحمه الله يجوّزه وما قيل عليه إنه ليس في لك لأنّ العلم على حقيقته وإنما يلزم على الوجه الذي قبله مع أنه مخالف للظاهر لدعوى الهام الجماد يأباه كلامه. قوله: (فإنه الخالق) فهو المالك الحقيقي والصفات والأفعال أي الموجودة فيها وقوله: من حيث تعليل لكونه خالقهما وما فيهما مع الإشارة إلى ما عليه المحققون من أنّ علة الاحتياج الإمكان وقوله: واجبة الانتهاء قصر لمسافة الدليل وارخاء للعنان مع مناسبته. قوله: (وإلى الله المصير (وألا فعند أهل الحق لا علية ولا شرطية بين الممكنات والكل مستند إليه ابتداء بلا واسطة. قوله: (يزجي سحاباً يسوق) في الدرر والغرر الرضوية هو السوق الضعيف الرفيق يقال أزجي إزجاء وزجى تزجية ومنه بضاعة مزجاة أي مسوقة شيئاً بعد شيء على قلة وضعف. وقوله: يزجيها كل أحد بتشديد الجيم وتخفيفها أي يدفعها لرغبته عنها أو يقدر على سوقها وايصالها. وقوله: فزعاً قطعاً متفرقة بفتح القاف والزاي جمع قزعة. وقوله: وبهذا الاعتبار أي لأنّ المراد قطع السحاب وأجزاؤه فصح إضافة بين التي لا تضاف لغير متعدد إلى ضميره كما أوّل قوله: بين الدخول فحومل. وقد قيل: أيضاً سحاب جمع سحابة أي اسم جنس جمعي فلا يحتاج لتأويل وقوله: جمع خلل وقيل إنه مفرد كحجاب. والفتوق جمع فتق وهو الشق وفيها صفة جبال. قوله: (من قطع الخ) على التشبيه البليغ وقد فسرها بعضهم بالغمام أيضاً ومن الغريب قول الأصبهاني إنّ الجبال ما جبله الله أي خلقه من البرد واللغة لا تساعده كما قاله الرضي في درره وفي الكشاف إنّ المراد به الكثرة كما يقال عنده جبل من ذهب وعظام جمع عظيم كنديم وندام كما في ضرام السقط وظنه بعض الجهلة لم يسمع إلا في جمع عظيم وهو خطأ. قوله: (مبتدأمن السماء) يشير إلى أنّ من الأولى والثانية ابتدائية والجار والمجرور الثاني بدل من الأوّل بدل اشتمال أو بعض وقدر فيها لأنه لا بد له من رابط. وقوله: وبجوز الخ أي فمن الثانية تبعيضية والأولى ابتدائية أو هما للتبعيض وأحدهما واقع موتع المفعول لكونه صفة أو مؤوّلاً ببعض والآخر بدل منه. وقوله: ليس في العقل الخ أي فيجوز إبقاؤ. على ظاهر. والتفسير به. وذكر المصنف في البقرة أنّ الماء يبتدأ من أسباب سماوية تثير أجزاء رطبة إلى الجو فينعقد سحابا ماطراً، وقد ينعقد برداً. وقوله: والمشهور أي بين أهل الحكمة والبخار أجزاء هوائية يمازجها أجزاء مائية. وقوله: لم تحللها حرارة أي من الشمس فإن حللتها انقلبت هواء والطبقة الباردة هي الزمهريرية. وقوله: وقد يبرد الهواء إشارة إلى قول الحكماء إنه قد يحدث المطر من غير بخار لغلبة البرد على الهواء وحينئذ لا ينعقد برد الشدة البرد ولذا لم يذكره. وقوله: اجتمع أي من البخار. وقوله: وكل ذلك الخ ردّ على من قال إنه لأسباب ومعدات من الطبيعة. قوله: (وقرئ بالمذّ) المقصور بمعنى الضوء والممدود بمعنى العلو والشرف فهو كناية عن قوّة الضوء. وقوله: جمع برقة وهي مقدار منه لأنّ فعلة بالفتح للمرّة وبالكسر للهيئة وبالضم للقدر كما في درة الغواص واليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (توليد الضد الخ) أي البرق الذي هو نار أو منير من السحاب الذي هو ماء منعقد أو ظلمة من نور أو ذهاب البصر من النور الذي به الأبصار وقوله: وقرئ يذهب أي بضم الياء من الإذهاب المتعدي بالهمزة والباء زائدة إذ لا يجتمع أداتا تعدية وان جوّزه بعضهم. وقيل: الباء بمعنى من كقوله: شرب النزيف ببر دماء الحشرح والمفعول محذوف أي يذهب النور من الأبصار وقوله: لدلالة على وجود الصانع إذ لا بد له من محدث قديم وكمال قدرته لتوليد الضد من ضدّه واحاطة علمه لكونها أفعالاً متقنة ونفاذ مشيئته تصرفه وأصابته كما يريد وتنزهه عن الاحتياح لأنه إنما يفعله للاعتبار. قوله: (لمن يرجع إلى بصيرة) أي لمن له بصيرة يراجعها ويعملها وفيه إشارة إلى أنّ البصر هنا بمعنى البصيرة كما ذكره الراغب وغيره. ومن قال إنه لوضوح دلالته قال الأبصار دون البصائر أبقاه على أصله لتبادره منه لكنه ذهب عنه حسن التجنيس ولزوم ما هو كالإيطاء. وقد قيل إنه ليس في القرآن جناس تام غير هذه الآية. وقوله: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وفيه كلام في الإتقان ناشىء من عدم الإتقان. قوله: (حيوان يدب على الأرضى) إشارة إلى أنّ التاء للنقل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 إلى الاسمية لا للتأنيث. وقيل دابة واحد داب كخائنة وخائن. وقوله: من ماء إمّا على ظاهره، أو المراد به النطفة لأنه يطلق عليها قيل والتنكير في ماء الأوّل للإفراد النوعي. وفي الثاني شخصي ولا مانع من حمل الأوّل على الشخصي كما ذكره أهل المعاني. وقوله: متعلق بدابة هو قول القفال رحمه الله أي تعلقاً معنويا لأنه صفة بمعنى كائنة من ماء فلا يرد عليه أنّ مقام الاستدلال على كمال القدرة لا يناسبه فتامّل. قوله: (تنزيلاَ للغالب الخ) فكلمة كل للتكثير وهو كثير كما في قوله يجبي إليه ثمرات كل شيء وقد يراد بها التعدد كما في شرح المفتاح في قوله عام النسبة إلى كل مسند إليه كما ذكره الشريف وقيل: إنه يجوز أن يراد بالداية ما يخلق بالتوالد بقرينة من ماء أي نطفة. كقوله: (كل شيء حغ) إذا أريد ما به الحياة بقرينة حي لأنه موصوف معنى بمتوالدة لقيام قرينة السياق والعقل فلا غبار عليه كما توهم ولذا اختار القفال رحمه الله كونه صفة فافهم. قوله: (سمي الزحف مشياً على الاستعارة) في الكشاف على سبيل الاستعارة كمشي أمره كاستعارة الشفة مكان المشفر فهو مجاز مرسل وإن أريد شفة تشبه المشفر في الغلظ فهو استعارة كما في الكشف واستعماله لمطلق الشفة لا ينافي إرادة شفة الإنسان منه باعتبار أنه فرد من أفراد المطلق كما يقال لزيد رجل كما نبه عليه المحقق في شرح المفتاح فما قيل إنّ هذا ليس من قبيل ذكر المقيد وإرادة المطلق لأنّ خصوص الزحف مقصود هنا ظاهر السقوط. قوله: (للمشاكلة) في نسخة أو المشاكلة وأورد على الأوّل أنّ المشاكلة البديعية لا يصار إليها عند صحة الاستعارة البيانية وردّ بأنه لا مانع مما ذكره فإنّ المشاكلة جامعة للحسن الذاتي والعرضي وليست بديعية محضة فلا أقل من أن تكون أدنى حالاً من الاستعارة مع أنه لا حجر في محتملات الكلام وان قوي بعضها وقد اعتنى هذا المعترض باعتراضه في رسالته المشهورة بناء على أنّ الحسن الذاتي يأبى كونه عرضيا وليس بشيء عقلا ونقلا. قال في المفتاح أمّ حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كفلان بين أنياب المنية ومخالبها ثم إذا انضم إليها المشاكلة. كقوله: (يد الله فوق أيديهم) كانت أحسن وأحسن ولا فرق بين استعارة واستعارة وتحقيقه في الشرح. قوله: (ويندرج فيه ماله كثر الخ) وهذا باعتبار الأكثر فيما يعتد به فلا يرد أمّ أربع وأربعين مع أنّ مفهوم العدد غير معتبر ومن التبعيضية. قوله: ( {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء} ) صريح في أنّ له تعالى مخلوقات أخرى على هيآت لا يعلمها إلا هو فلا حاجة إلى مثل هذه التكلفات. قوله: (وتذكير الضمير) في منهم إذ لم يقل منها قال الرضي: بعدما ذكر أنّ من في وجوهها لذوي العلم ولا تفرد لغيره وتقع على ما لا يعلم تغليبا ومنه فمنهم من يمشي على بطنه لأنه قال: فمنهم والضمير عائد على كل دابة فغلب العلماء في الضمير ثم بني عليه فقال: من يمشي الخ والمذكور في الأصول والعربية كما في المغني أنّ التغليب لأجل الاختلاط أطلقت من على ما لا يعقل في نحو فمنهم من يمشي على بطنه الخ فإنّ الاختلاط حاصل في العموم السابق في كل دابة وفي من يمشي على رجلين اختلاط آخر في عبارة. التفصيل فإنه يعم الإنسان والطائر اص. وظاهره أنّ في قوله: (كل دابة) تغليبا وهو غير مراد بل الظاهر بل المقصود أنه لما شمل العقلاء وغيرهم على طريق الاختلاط لزم اعتبار ذلك في الضمير العائد عليه وتغليب العقلاء فلا حاجة إلى أن يقال إنه لما اعتبر حكم العقلاء في ضميره لزم اعتباره فيه ولا يلزم كون التغليب مجازا فالمراد بالتفصيل من ومن ومن وبالإجمال ضميرهم لا دابة كما توهم فاعترض! بأنّ الموافقة تحصل بالتعبير يلفظ ما لا يقال الضمير واقع في أثناء التقسيم والتفصيل فكيف يسمى إجمالاً والتعبير بمن بعد جعلهم بواسطة الضمير في حكم العقلاء كالترشيح والتخييل له فلا تغليب فيه وإنما سمي تغليباً لابتنائه عليه لأنا نقول لما كان الضمير عبارة عن كل دابة صح جعله إجمالاً والتغليب إنما هو في ضميره ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله وأما من فلا تغليب فيها إلا فيمن يمشي على رجلين. ولو جعل من التعبير به موافقة لضمير العقلاء على نمط بل أنتم قوم تجهلون صح فتدبر. قوله: (والترتيب لتقديم ما هو اعرف في القدرة) أي أعظم ما تعرف به القدرة الإلهية وفي نسخة أغرب من الغرابة وفي أخرى أعرق من العراقة وهي الأصالة لمشيه بغير آلة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 أي لانتقاله وتحرّكه بدونها وهو صعب مستغرب. ومن الغفلة ما قيل إنه غفول عن أنّ المشي مستعار للزحف فإنّ الزحف مثله فتأمّل. قوله: (بسيطاً) كالعناصر والمركب ما تركب منها وعلى اختلاف متعلق بيخلق وهو تفسير لقوله: ما يشاء وفي قوله لقد أنزلنا التفات. وقوله: للحقائق تقدير لمتعلق له مناسب لما قبله وان صح جعله بمعنى واضحات في نفسها. والدلائل مما تدل عليه الآيات. قوله: (نزلت الخ) قد مر في سورة النساء إنه خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال نتحاكم إلى عمر فلما ذهبا إليه قال له اليهودي: قضا لي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه فدخل عمر رضي الله عنه بيته وخرج بسيفه فضرب عنق المنافق فجمع الضمير لعموم حكمه أو لأنّ معه من يشايعه في مقالته فهو كقولهم: بنو فلان قتلوا قتيلاً وكعب بن الأشرف من كبراء اليهود وقوله: أن يحاكم بصيغة المجهول أو المعلوم. قوله: (وأطعنا لهما) أي انقدنا لهما ولحكمهما. وقوله: قبول حكمه أي الرسول صلى الله عليه وسلم أو الله أو هما لاتحاد حكمهما. ويتولى بمعنى يعرض وثم للاستبعاد. وقولهم: هو أطعنا وقوله: إشارة إلى القائلين يعني والمراد بهم المنافقون المذكورون في قوله: (يقولون آمنا الخ) ونسبة التولي والإعراض عن الإيمان إلى فريق منهم مع أنّ جميعهم كذلك لإظهارهم ذلك كما في سبب النزول. وقوله: أو إلى الفريق منهم لا بأسرهم أي من المنافقين وهم المذكورون بقوله: (فريق منهم) وضمير يقولون للمؤمنين مطلقا. قوله: (وسلب الإيمان) أي في قوله: (وما أولئك بالمؤمنين) قيل عدم إيمانهم ليس لتوليهم لاقتضائه الفاء بل الأمر بالعكس وردّ بأنه فرق بين العدم والسلب ومقابل الأوّل الوجود والثاني الإيجاب والمراد الحكم بانتفاء اسم الإيمان لظهور أمارة التكذيب الذي هو التولي يعني أنه ذكر بعده ليتضح لنا وجه الحكم بنفي الإيمان عنهم فتأمّله. قوله: (والتعريف الخ) جعله للعهد لأنه في المنافقين وهم مؤمنون ظاهراً أو المراد الثابتون على الإيمان في السر والجهر أو لأنّ توليهم عن قبول حكمه كفر بعد إيمان وضمير دعوا يعود إلى ما يعود إليه ضمير يقولون. قوله: (ليحكم النبي) ففاعله ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله أو المدعوّ إليه فالضمير يعود إلى ما يفهم من الكلام وهو شامل لهما لكنه في الحقيقة الرسول فذكر الله لتعظيمه الخ على الوجهين لأنه إذا ذكر اسمان متعاطفان والحكم إنما هو لأحدهما كما قرروه في نحو يخادعون الله والذين آمنوا وسرني زيد وحسن حاله أفاد قوّة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه وأنهما بمنزلة شيء واحد بحيث يصح نسبة أوصاف أحدهما وأحواله إلى الآخر ولا كذلك البدل في نحو أعجبني زيد كرمه لأنّ الثاني مقصود بالنسبة كما قرره شراح الكشاف ولما قال الزمخشري هنا يعني إلى الله ورسوله كقولك: أعجبني زيد وكرمه تريد كرم زيد توهموا من إسقاط المعطوف عليه في التفسير إنّ المعطوف هو المقصود بالنسبة. وهذا شأن البدل وما نحن فيه طريقة أخرى فاعترض عليه ولم يهتد إلى أنه ليس مقصودا وحده بالنسبة لفوات الدلالة على قوّة الاختصاص كما مر لكنه في نفس الأمر وحقيقة الحال هو المقصود لا كقصد البدل فإسقاطه إشارة إلى هذا ومن لم يقف على مراده قال: ليس المثال الذي ذكره الزمخشري من الإبدال في شيء فإنه طريقة العطف للتفسير وفائدته التعظيم وفي قوله: للتفسير نظر. قوله: (والدلالة على أن حكمه الخ الما عرفت من أنّ فائدة هذا الأسلوب الدلالة على قوّة الاختصاص المسوّغ لإسناد ما لأحدهما للآخر ومن لا يتنبه له قال: إنّ الدلالة إنما تظهر إذا أعيد الضمير المفرد إلى الله ورسوله وأمّا في مجرد ذكر الله فلا. قوله: (فاجأ فريق الخ) بيان لأنّ إذا فجائية. وقوله: إذا كان الحق عليهم قيد. به لعلمه من سبب النزول والتعبير بإذا في جانب الباطل إشارة إلى تحققه بخلاف جانب الحق فلذا عبر فيه بان. وقوله: وهو شرح الخ يعني قوله: إذا دعوا الخ لأنه بيان لأنّ إعراضهم إذا حكم عليهم والمبالغة من جعل المفاجاة إلى الإعراض عقب الدعوة دون الحكم عليهم والتعبير بالاسمية وما قيل: من أنّ الأولى أن يقال إذا اشتبه الأمر حالاً وان كان الحكم لهم مآلاً ولذا قال: بينهم لا عليهم إشعاراً بأنّ إعراضهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 شامل لصورة الشك لا يناسب سبب النزول وسوق الكلام ومقابلته لقوله لهم الحق ولا ما سيأتي من نفي ريبهم والنكتة في اختيار بينهم دون عليهم لأنّ المتعارف قول المتخاصمين اذهب لتحكم بيننا لا علينا وهو الطريق المنصف. وقوله: لا عليهم من تقديم الخبر وقوله: أو لمذعنين وإلى بمعنى اللام أو هو متضمن معنى الإسراع وتقديم صلته لما ذكر أو للفاصلة أو لهما. قوله: (بأن رأوا الخ الم يفسره بالشك في نبوّته كما في الكشاف لدخوله في مرض القلب. وتقديم عليهم على الرسول في النظم قيل إنه لإظهار أنه لو وقع منه لكان من الله لأنه مظهر لا مثبت. وأورد عليه أنه لا يناسب قوله لأنّ منصب نبوّته الخ وأيضاً هم يخافون حيفة نفسه فلا يتم الحصر فهو لتأكيد أنّ حكمه حكم الله ولا يخفى عدم ورود. وأنّ مآل ما ارتضاه إلى ما أنكر. فتأمّل. قوله: (إضراب عن القسمين الآخيرين) ذهب الإمام إلى أنّ أم منقطعة والمصنف والزمخشريّ: إلى أنها متصلة والمقصود التقشم لكنهما اختلفا في إضراب بل فذهب الزمخشري إلى أنه عن الأخير والمصنف إلى أنه عن الأخيرين والطيبي إلى أنه عن الجميع والتقسيم والأوّل أدلّ على ما كانوا عليه وأدخل في الإنكار من حيث إنه يناقض شرعهم إليه إذا كان الحق لهم على الغيرة وحصر الظلم فيهم ناطق به وأما أنه لا يدل على تعين الأوّل والمقام يقتضيه ولذا خالفه المصنف كما قيل، ففيه أنه إذا أبطل خوفهم الحيف استلزم إبطال الارتياب، وتعين الأوّل ليس بلازم إذ نفى الإيمان عنهم قبله مغن عنه وعلى الأخير فالإضراب انتقاليّ والمعنى ح هذا كله فإنهم هم الكاملون في الظلم الجامعون لتلك الأوصاف فلذا أعرضوا عن حكمك بدليل اسم الإشارة والخطاب وتعريف الخبر وتوسط الفصل لأنه لو كان للأوّلين لأعرضوا عنه والحق لهم ولو كان للثالث لم يناسب لعلمهم بأمانته وثباته على الحق فتامّل. قوله: (منصب نبوّته) أي شرفها وعلوها كما مر وكذا شرعهم إليه والحق لهم. وقوله: وظلمهم الخ الظاهر أنه دفع لما يقال من أنه إذا بطل الأخيران كان الأوّل مثبتاً والمثبت هنا الظلم وهو غيره فهو لإبطال الأخير بإثبات الظلم والحيف لهم دون غيرهم بأنّ المرض فسر بالكفر والميل إلى الظلم والكافرون هم الظالمون. قوله: (والفصل) أي الإتيان بضمير الفصل المفيد للحصر على معنى أنهم الكاملون في الظلم. وقوله: سيما الخ ربما يشعر بأنه إضافي والمدعو لحكمه هو الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: (تعالى إنما الخ) الحصر لأنّ هذا شأن من آمن وكان بمعنى لاق به وانبغى له كما صرح به المصنف فلا حاجة إلى تفسير المؤمنين بالخاص منهم كما قيل وان صح أيضاً نعم قولهم أطعنا مفسر بالثبوت أو الإخلاص لصدور مثله عمن قبلهم أيضا. قوله: (وقرئ قول بالرفع) في الكشاف وقراءة النصب أقوى لأنّ أن يقولوا أوغل في التعريف فهو أولى بكونه مبتدأ ويجوز خلافه أيضا وذلك لأنه لا يكون إلا في تاويل مصدر معرف وأمّا كون الفعل لا يوصف بتعريف ولا تنكير فلا يضر كما توهم وأمّا كونه لا يوصف كالضمير فلا دخل له في الأعرفية وهذا بناء على أنّ المصدر المسبوك معرفة أبداً قال الدماميني: ولا يظهر له دليل فإنّ المصدر المؤول به يجوز أن لا يقدّر مضافا كما جعل قوله: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ} أن يفتري بمعنى افتراء. وقد ذكر في باب النعت أنّ جواز تنكيره مذهب الفارسي مع أنه قد يقدّر إضحافته لنكرة كما يؤوّل أن يقوم رجل بقيام رجل مثلا ففي ما ذكره شراح الكشاف هنا نظر وقد تناقض كلام المغني في هذه المسألة وقد قيل إنّ قراءة الرفع أقعد لأنّ جعل ما هو أكثر فائدة مصب الفائدة أولى وفيه نظر. وقراءة ليحكم مجهولاً مناسبة لدعوا معنى لعدم ذكر الداعي والحاكم. قوله: (في الفرائض والسنن) هذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ويحتمل اللف والنشر وقوله: على ما صدر الخ تعليلية كقوله: (اذكروا الله على ما هداكم) لا علاوة لفساده. وقوله: فيما بقي من عمره لأنّ الاتقاء يكون في الآتي بخلاف الخشية. قوله: (وقرأ يعقوب الخ) والباقون بخلافه بكسر القاف وياء وصل بعدها الضمير وقوله بلا ياء أي ياء وصل والهاء ضمير لأنّ قبله ساكنا تقديراً فجعل كمنه وعنه إذ لو كان تحركا كبه وله لم يحذف فجعل المحذوف للجزم في حكم الباقي. وقوله: بسكون الهاء قيل وهي للسكت وقوله بسكوت القاف الخ فأعطى تقه حكم كتف لكونه على وزنه فخفف بتسكين وسطه لجعله ككلمة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 واحدة وقال ابن الأنباري إنه لغة لبعض العرب في كل معتل حذف آخره بجعله منسيا ويعطي حكم الآخر لما قبله فيقولون لم أر ولم أبل بسكون الراء واللام فلا يختص بهذا الوزن والهاء إما للسكت حركت لالتقاء الساكنين أو ضمير وكان القياس ضمها حينئذ كمنه لكن السكون لعروضه لم يعتد به ولئلا ينتقل من كسر لضم تقديراً وضعف الأوّل لتحريك هاء السكت واثباتها في الوصل. قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا} الخ عود إلى بيان حال المنافقين الممتنعين عن قبول حكمه وقوله جهد أيمانهم منصوب على الحالية أو هو مصدر لأقسموا من معناه وهو مستعار من جهد نفسه إذ أبلغ وسعها أي أكدوا الإيمان وشددوها هذا محصل ما في الكشاف وشروحه. وقوله: في المائدة جهد الإيمان أغلظها لا ينافيه كما توهم فتأمّل. قوله: (بالخروج الخ) قدره بقرينة جواب القسم ومنهم من خصه بالخروج للغزو وقوله: على الحكاية أي حكايته بالمعنى وأصله لنخرجن بصيغة المتكلم مع الغير ليس المراد حكاية الحال الماضية وأصله لخرجنا لأنّ المعتبر زمان الحكم وهو مستقبل فيه. قوله: (أي المطلوب الخ) قد اختلفوا في إعرابه فقيل إنه مبتدأ محذوف الخبر أي طاعة معروفة أمثل بكم أو خير أو خبر مبتدأ مقدّر أي المطلوب منكم طاعة معروفة أو طاعتكم طاعة معروفة. وقيل: مرفوع بفعل مقدر أي لتكن طاعة معروفة منكم وهذا الاختلاف مبني على تفسير معروفة لأنها فسرت بأنها معروفة بالخلوص ومواطأة الجنان وبأنها معروفة منهم بأنها على طرف اللسان بقرينة أنها في أهل النفاق. وقال البقاعي: لا تقدير فيه وطاعة مبتدأ خبره معروفة وسوّغ الابتداء بالنكرة أنها أريد بها الحقيقة فتعم والعموم من المسوّغات ولم تعرف لئلا يتوهم أنّ تعريفها للعهد والجملة تعليل للنهي أي لا تقسموا فإنّ الطاعة معروفة منكم لا تخفى وكذا المعصية فلا فائدة في إظهار ما يخالف الواقع كما ورد في الحديث ما من عامل عملاً إلا كساه الله رداءه ونحوه وهو معنى حسن لكنه خلاف الظاهر. قوله: (على أطيعوا طاعة) أي تقديره وطاعة بمعنى إطاعة كما في أنبتكم نباتاً وقوله: على الحكاية متعلق بتبليغ فالمعنى قل لهم قال الله: كذا وهذا لاقتضاء قوله فإنما عليه ما حمل الخ والمبالغة في التبكيت لأنه أمر من الله بالدّات وهو أبلغ وكذا إيراد لفظ الرسول وتكرير الفعل فإنّ مقتضى الرسالة منه وجوب الإطاعة ولا يفيد هذا لو قال: أطيعوني وقوله: فإن تولوا إما جواب كقوله: وما بكم من نعمة فمن الله أو قائم مقامه وأصله تتلوا على الخطاب التفاتا لقوله عليكم وان تطيعوه تهتدوا وكان أصله تولوا على الغيبة ومقتضاه عليك وعليهم ففيه التفات من هذا الوجه لأنه جعلهم غيباً حيث أمر الرسول بخطابهم يقل لهم ثم خاطبهم بأن تولوا استقلالاً من الله لا من نبيه صلى الله عليه وسلم فهو التفات حقيقي لا جار مجراه كما قيل لأنه وان كان خطابا بحسب الظاهر في حكم الغيبة لأنه محكي فالظاهر قد يتجه مع أنه التفات وقد يختلف بلا التفات وهو من بديع المعاني. وقيل: إنه من تلوين الخطاب إذ عدل عن خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى خطابهم بالذات فليس مندرجا تحت القول. وقوله: على محمد قيل الظاهر على الرسول وهو سهل وقد يوجه بأنه للتنبيه على أنه المراد بالرسول. وقوله: من الامتثال إشارة إلى أنّ فيه مشاكلة أو شبهها لأنّ حمل بمعنى كلف والمراد بقوله فإنما الخ أنكم لا تضروه بمخالفتكم وإنما ضررتم أنفسكم لتعريضها للسخط والعذاب. قوله: (الموضح الخ (فهو متعد أو المعنى البين في نفسه فهو لازم كما في الكشاف وتركه المصنف رحمه الله لأن هذا أنسب بمقام التبليغ. قوله: (خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللامّة) أمّة الرسول أمّة دعوة وهم من بعث إليهم مطلقاً وأمّة إجابة وهم من آمن به ويصح كل منهما هنا سواء قلنا الخطاب الشفاهي يخص الموجودين في زمته أم لا لوجودهما في عصره وبعده فلا وجه لما قيل إنه يعني أمّة الإجابة على مذهب من لا يخص الشفاهي بالموجودين في زمنه ويجوز أن يراد به أمّة الدعوة الموجودين في عهده فلا يخص المؤمنين فمن تبعيضية. قوله: (ومن للبيان) وقيل للتبعيض أي المهاجرين منهم فإنهم الخلفاء وهذا على الوجه الثاني وقيل على التقديرين أن أريد بالأمّة أمّة الإجابة والا نعلى الثاني وفيه نظر وفيه تنويع للخطاب خاطب القسمين على تقدير التولي ثم صرف الخطاب عنهم إلى المؤمنين الثابتين وهو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 كالاعتراض فلما ذكر أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحا ولا يخاف مضرّتهم كده بأنه هو الغالب ومن معه فليس للخوف مجال ولا يجوز أن تكون من تبعيضية حينئذ كذا في الكشف مع وجه آخر لم يرتضه ثم إنه قدم من ومجرورها هنا وآخرهما في الفتح إشارة إلى أنّ مدار الاستخلاف الإيمان فإنّ الخليف لا ينعزل بالفسق ومدار المغفرة والأجر العظيم الإيمان والعمل الصالح معاً كما قدم المفعول على المعطوف في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [سورة البقرة، الآية: 127] إشارة إلى أنّ الرافع إبراهيم وإسماعيل تبع له. قوله: (تقديره الخ) فالمفعول محذوف دلّ عليه جواب القسم أي استخلافهم وتمكينهم لأنّ وعد يتعدى لمفعولين وعلى الثاني ليستخلفنهم منزل منزلة المفعول وما في كما استخلف مصدرية وهو صفة لمحذوف أي اسنخلافا مثل استخلافهم. وقوله: بعد الجبابرة أي بعد إهلاكهم قيل واستخلافهم بمصر وتملكهم لها مخالف لما في التواريخ. قوله: (بالتقوية والتثبيت) يشير إلى أنه مأخوذ من المكان لكن أجريت فيه الميم مجرى الحروف الأصلية كتمسكن وأصله جعل الشيء في مكان ثم استعمل في لازمه وهو الثبوت والتقوية والمكنة. وقوله: من الأعداء متعلق بخوفهم وهو بمقتضى البشرية ولذا قال الله: لنبيه صلى الله عليه وسلم والله يعصمك من الناس وقرىء ليبدلنهم بالتخفيف من الإبدال. قوله: (عشر سنين) قيل إنه مخالف لما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وموافق لمن قال عمره صلى الله عليه وسلم ستون سنة فإنه بعث على رأس أربعين وأقام بالمدينة عشر سنين بلا خلاف (قلت) اختلفت الروايات في سنه صلى الله عليه وسلم فقيل: ثلاث وستون وقيل: ستون والأوّل أصح وقد جمع بين الأقوال بأنها ستون وأشهر فمن قال: ستون لم يعد الكسور من زاد عدها وتفصيله في كتب الحديث. وقوله: فأظهرهم أي غلبهم عليهم. قوله:) وخلافة الخلفاء الراشدين) معطوف على صحة أو النبوّة والمآل واحد وهو ردّ على الرافضة والشيعة لأنه خطاب لمن في حضرة الرسالة وما وعد. الله امتنانا لا بد من صحته وقد وعد به جمع منهم ولا يلزم عموم الاستخلاف للمخاطبين بل وقوعه منهم كبنو فلأن قتلوا قتيلاَ فلا ينافي عموم الخطاب وكون من بيانية كما مرّ ولا ينافيه ما وقع في خلافه عثمان وعليّ رضي الله عنهما من الفتن فإنّ المراد أمنهم من أعداء الدين وهم الكفار كما سيأتي والموعود عليه الإيمان والعمل الصالح وكما له فيهم فإنّ وصفهم بهما يشعر بمدخليتهما في ذلك. وقوله: في الآخرة قيد للعذاب والأمن وخوفه في الدنيا. قوله: (حال من الذين) أي الأوّل بقرينة قوله لتقييد الوعد لأنهم هم الموعودون أو من ضميرهم. وقوله: بالثبات على التوحيد لأنّ ما في حيز الصلة من الإيمان والعمل الصالح بصيغة الماضي لما دل على أصل الاتصاف به جيء بقوله: يعبدونني المضارع الدال على الاستمرار التجذدي حالاً منه مقيد بلا يشركون بي شيثا مما يشرك به أو شيئاً من الإشراك فهو مفعول به أو مطلق. قوله: (أو استئناف) أي بيانيّ كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقيل يعبدونني كما في الكشاف وأورد عليه أنّ المقتضي قد بين حيث رتب الحكم على الموصول الدال على علية مضمون الصلة فلا وجه للاستئناف وليس هذا بشيء لأنّ علية الصلة للاستخلاف وعلية هذا لاستخلافهم في أمن الأعداء ومآله إلى تعليل الأمن فقوله: يؤمنون من الأمن لأمن الإيمان وهذا ناشىء من عدم التدبر فتدبر. قوله: (حال من الواو) أو من الذين أو بدل من الحال أو استئناف. وقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ} معطوف على جملة وعد أو على مقدر أي من آمن هم الفائزون ومن كفر الخ. وقوله: (ومن ارتدّ الخ) إشارة إلى أنه من الكفر أو الكفران ولا يتوهم أن يكون المرتد من الخلفاء لما من الله به عليهم من التمكين في الدين. قوله: (الكاملون في فسقهم) توجيه للحصر بأنه باعتبار الكمال. وقوله: (حيث ارتدّوا الخ الف ونشر لتفسير الكفر السابق. وقوله: في سائر ما أمركم به أي غير ما ذكر. وقوله: ولا يبعد الخ فيه إشارة إلى جواز عدم العطف عليه فقيل هو حينئذ معطوف على يعبدونني ولا وجه له لأنه بعد تسليم الالتفات وجواز عطف الإنشاء على الخبر لا يناسب هذا كونه حالاً أو استئنافا فهو إمّا عطف كما ذكره على أطيعوا أو على مقدر كاعبدوا ولزوم عدم الوقف بينهما مع نقل خلافه ليس بشيء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 قوله: (فيكون تكرير الآمر الخ) المراد بالتعليق التعليق المعنوي لأنه تعليل له. وقوله: أو بالمندرجة أي بجملة القول التي اندرجت فيه وهو قوله: أقيموا الخ وتعليق الهدى في قوله: (د إن تطيعوه تهتدوا) وقوله: فإنّ الفاصل الخ أي ليس بأجنبيّ ومن كفر من تتمة الوعد ولو كان أجنبياً جاز لأنّ أصل العطف المغايرة. قوله: (ولا تحسبق يا محمد) هذا عطف تفسيري وليست الواو زائد كما توهم لسقوطها من بعض النسخ وقيل الخطاب لكل من يقف عليه كقوله ولو ترى لا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصدر عنه مثله وأجيب بأنه تعريض بمن صدر منه كقوله: إياك أعني فاسمعني يا جارة أو هو إشارة إلى أنه قبيح منهيّ عنه من لا يتصوّر صدور مثله عنه. كقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وقوله: في الأرض صلة معجزين لبيان حالهم في الدارين أي هم في الدنيا مقدور على إهلاكهم وفي الآخرة مأواهم النار. وقيل: فائدته تقوي الحكم الإلهيّ والإنكار. قوله: (الضمير فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم) قدمه لتوافق القراءتين، وقدم في الأرض على الثاني إشارة لمفعوليته وقد قيل إنه بمعزل عن المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أنّ مصمث الفائدة هو المفعول الثاني ولا فائدة في بيان كون المعجزين في الأرض وقد مرّ نحو. في قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة، الآية: 30] وقد مرّ منا أنه وان كان محط الفائدة جعل مفروغا عنه وإنما المطلوب بيان محله أي لا يعجزونه في الأرض ولا في الآخر لأنّ مأواهم النار. وقوله: أو لا يحسبوهم أي يحسبوا أنفسهم واتحاد الفاعل والمفعول يجوز في أفعال القلوب وهو الذي سهل حذف أحد المفعولين هنا وان عده النحاة ضعيفا كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (عطف عليه من حيث المعنى الخ) أوّله ليصح عطف الخبر على الإنشاء وقيل: هو معطوف على مقدّر لأن الأوّل وعيد في الدنيا كأنه قيل هم مقهورون في الدنيا والاستئصال ومجزيون في الآخرة بعذاب النار. وقيل: تقديره مقدور عليهم ومحاسبون وماواهم النار. وقيل: هو حال على معنى لا ينبغي الحسبان لمن مأواه النار كأنه قيل إني للكافر هذا الحسبان وقد أعد له النار والعدول إلى مأواهم للمبالغة في التحقق، وأنّ ذلك معلوم لهم لا ريب فيه وهو حسن لا تكلف فيه. وقوله: لأنّ المقصود الخ تعليل لهذا التقدير وأنه ليس المقصود منه الإنشاء. وقوله: المأوى إشارة إلى أنه اسم مكان وقد جوّز فيه المصدرية أيضاً. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ بيان لحال العبيد بعد ما بين حال الأجانب فلا تكرار فيه واليه أشار بقوله: تتمة والالهيات ما يتعلق بالإله وان ذكر معها بعض الأحكام والمناسب للبيان أن يراد الشرائع وفي بعض النسخ التمثيليات يعني الله نور السموات الخ وغيره أي غير ما سلف. وقوله: والمراد به أي بما ذكر في هذه الآية من الخطاب. وقوله: الوعد عليها معطوف على الإلهيات أو وجوب الطاعة. قوله: (لما روي الخ) بيان لإدخال النساء تغليباً وفي الإتقان دخول سبب النزول في الحكم قطعي واخراجه ممنوع ولا اعتداد بمن جوّزه وقد قيل عليه فيه بحث إذ يجوز أن يعلم الحكم في السبب بطريق آخر كالدلالة والقياس الجلي كما في آية الإحصار إذ يعلم منها حكم منع العدوّ بالطريق الأولى عندنا فقوله: في الإتقان قطعي ليس بمسلم إلا أن يجعل ما ذكر في حكم الدخول. وفي بعض شروح جمع الجوامع إنه لا يجوز تخصيصه منه وقال السبكي: إنه ظني الدخول فيجوز إخراجه منه. ونقل أنه وقع مثله من الإخراج لأبي حنيفة وبنت أبي مرشد بالشين المعجمة أو الثاء المثلثة قيل وهو بفتح الميم فيهما فليحرّر ولعله كان قبل نزول آية الحجاب وفي بعض الروايات أنها أتته صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت. قوله: (وقيل الخ) سبب آخر للنزول وهو أحد موافقات رأيه الصائب للوحي وقوله: إن لا يدخلوا قيل لا زائدة للتأكيد. وقد روي بدونها وروي أيضا عن الدخول كأنهم قد اعتادوا وألفوا الدخول بغير إذن فأراد أن ينهاهم الله أبلغ نهي. وقيل: الوجه أن تضمر الإرأدة أي نهاهم إرادة أن لا يدخلوا بغير إذن وجوّز أن يكون علة للودادة والأولى نهاهم لئلا يدخلوا بغير إذن وحذف اللام جائز فلا يحتاج إلى إضمار الإرادة مع أنه رد بأنّ إرادة الله تعالى لا يقع خلافها وأجيب بأنّ الإرادة بمعنى الطلب فقد تكون صيغة النهي لغير الطلب وهو تعسف لما فيه من التقدير ثم التأويل من غير حاجة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 وقد روي أنّ عمر وضي الله عنه خرّ ساجدا لله شكراً لما نزلت وهذه الآية مدنية كالسورة لأنّ الغلام أنصاري والآية مصدره بيأيها الذين آمنوا فلا وجه لقول القرطبي رحمه إنها مكية: وقوله: الساعات جمعه لتعدد الظهائر بتعدد الأيام فالمراد عدم تخصيصه بهذه الظهيرة. قوله: (من الأحرار) بيان للصبيان وهو يؤخذ من المقابلة. وقوله: فعبر أي بطريق الكناية والمراد المراهقين لا المطلق. وقوله: في اليوم والليلة إشارة إلى أنها في أوقات متعددة ولذا قيل إنّ المراد بالمرات الأوقات. وقوله: مرّة بدل من مرّات لتفصيلها وبيانها مع ما بعده. وتوله: لأنه الخ بيان لسبب النهي لأنه ربما تنكشف فيه العور أو لا يحب الإطلاع على تلك الحالة واليقظة بفتح القاف وتسكينها غير جائز إلا في الضرورة. وقوله: ومحله النصب أي الجار والمجرور وجوّز في محله الجر على أنه بدل من مرّات ويأباه نصب حين إلا أن يجعل مبنيا على الفتح وقوله: لليقظ أي التي تلبس لها وهو حال أو صفة لأنّ المراد بثيابكم الجنس أو بتقدير الكائنة وللقيلولة متعلق بتضعون أو لليقظة متعلق بتضعون وهذا بدل منه. قوله: (بيان للحين) أو المراد من أجل حرّ الظهيرة وقوله: هي ثلاث أوقات إشارة إلى تقدير مضاف أو تجوز في عورات. وقوله: يختل الخ تفسير للعورة واعورّ المكان بصيغة الماضي اختل حاله. قوله تعالى: ( {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} الآية) في الكشاف إنّ هذه الجملة إذا رفع ثلاث عورات في محل رفع على الوصف. والمعنى هن ثلاث مخصوصة بالاستئذان وإذا نصب لم يكن له محل لأنه مقرّر للاستئذان في تلك الأحوال خاصة وقد أشكل الفرق بينهما إذ جوّز الوصفية في حال دون أخرى فقيل في توجيهه إن الجملة الواقعة صفة لا بد أن تكون معلومة حتى توضح أو تخصص! وفي النصب تكون هذه الجملة من أجزاء الجملة الأولى لأنها صفة للبدل فإن لم تعلم انتقضت القاعدة وان علمت كان الحكم المستفاد من قوله: ليستاذنكم لغواً مع أنه خلاف الواقع لما مرّ في سبب النزول بخلاف حالة الرفع فإنّ الحكم فيها معلوم من الجملة الأولى وهذه جملة أخرى مؤكدة لها لما علم منها وفيه بعد تسليمه بحث قد مرّ وأمّا ما قيل في وجهه من أنه يلزم جعل الحكم المقصود وصفاً للظرف فيصير مقصوداً وأيضا الأمر بالاستئذان في المرّات حاصل وصف بأن لا حرج وراءها فساقط لا طائل تحته. قوله: (في ترك الاسمئذن) في للسببية أو الظرفية المجازية وقيد بعدهن لا يفيد ثبوت الإثم قبلهن مع أنّ الأطفال غير مكلفين {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لأنه لا عبرة يالمفهوم أو أنه لترك تعليمهم والتمكين من الدخول عليهم. قوله: (وليس فيه ما ينافي آية الاستئذان) لأنّ هذه تدلّ على جواز الدخول بعد هذه الأوقات وتلك على خلافه. وقوله: ومماليك المدخول عليه يدلّ على أنّ مماليك غيره في حكم الأحرار فلا يرد أنه خارج عما ذكرء قوله: (في ترك الاستئذان) أي بعدهن وقوله: على تعليل الأحكام أي الشرعية وصحة القياس إذا اطلع على العلة لا مطلقاً وقوله: وكذا أي ما ذكر دال على التعليل في الجملة لا كلياً. وقوله: طائف أي على بعض خبر متعلقه خاص بقرينة ما قبله أو بعضكم فاعل ليطوف مقدّر مقدم. وقوله: أي الأحكام فهو مجاز من إطلاق الدال على مدلوله لما بينهما من شبه الحالية والمحلية. وقوله: الذي بلغوا الخ بقرينة ذكر البلوغ أو الذين ذكروا قبلهم وهم الرجال كل قوله لا تدخلوا بيوتا وهو أولى مما قبله وقوله وجوابه فالتعريف للعهد ويؤيده بيان الأطفال بقوله منكم. قوله: (ومبالغة في الأمر الخ) لأنّ تكرير بيانه يدل على الاعتناء به وقد قيل في الوجوب المستفاد منه إنه منسوخ وقيل مخصوص بعدم الرضا وعدم باب يغلق كما كان في العصر الأوّل. قوله: (العجائز الخ) أو قعدن عن الأزواح وعده في الأساس من المجاز لأنهن يكثرن القعود لكبر سنهن. وقوله: لا يرجون نكاحا صفة كاشفة وهو جمع قاعد ولا يؤنث لاختصاصه ولذا جمع على فواعل لأنّ التاء فيه كالمذكورة أو هو شاذ وقيد الثياب لتخرج الباطنة لأنها تفضي لكشف العورة. وقوله: لأنّ اللام أي موصولة إذ أريد به الحدوث فتدخل الفاء خبرها والا فدخولها فيه لإرادة الثبوت أو على مذهب المازني أو هو على مذهب من فرق بين أل الموصولة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 وغيرها. قوله: (غير مظهرات زينة) هذا التفسير إشارة إلى أنّ الباء للتعدية ولذا فسره بمتعد مع أنّ تفسير اللازم بالمتعدي كثير. وأمر التعدي واللزوم سماعي ألا تراهم يقولون: أثمرت النخلة أطلعت ثمرها وقد صرّج به الراغب ويؤيده أنّ أهل اللغة لم يذكروه متعدياً بنفسه ولم نر من قال: تبرّجت المرأة حليها وليست الزينة مأخوذة في مفهومه حتى يقال: إنه تجريد كما توهم. فمن قال: إنه إشارة إلى زيادة الباء في المفعول وفي القاموس تبرّجت أظهرت زينتها للرجال. وفي الشكف هذا بناء على أنّ الباء للتعدية ويأباه قول العلامة تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه نعم يلائمه قوله: وبدا وبرز وتبرج بمعنى فقد أخطأ وخبط خبط عشواء وقوله: منه شيء أي من البياض وما أمرن بإخفائه ما مرّفي قوله: ( {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الخ) [سورة النور، الآية: 31] . قوله: (إلا أنه خص بكشف المرأة الخ) أي بعدما كان معناه مطلق الكشف كما في السفينة. وقيل: إنه إشارة إلى تجريده عن معنى التكلف الدال على المبالغة إذ المقام يأباه فإنّ مقتضاه منعه مطلقاً. وقوله: من الوضع أي وضع الثياب وترك الستر. وقد يقال إنه تنازعه يستعففن وخير. قوله: (من مؤاكلة الأصحاء) هو من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله وضمير استقذارهم للأصحاء فيقعون في الإثم واستقذارهم لعيوبهم وحقارتهم ولأنّ الأعمى لا يدرك أين تقع يده والأعرج قد يضيق على جليسه. وأكلهم بالجز عطف على مؤاكلة وذلك إشارة لدفع المفتاح والتب! ط وهذا إشارة لنفي الحرج. وكلا بالفتح والتشديد منوّنا بمعنى ثقلاً وتحرج بمعنى تجنب ولذا حمله عليه فعداه بمن وان كان المعروف تعديته بعن ويجوز كون ما موصولة والعائد محذوف وهو عته ومن بيانية. قوله: (ثم نسخ بنحو ش له الخ) قيل: إنه إنما قال: بنحو لأنّ هذه الآية في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا تدل على المنع عما سواه وهي آية الحجاب وقد فهم منها الصحابة رضي الله عنهم المنع مطلقاً كما سيأتي ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأقلهم حجابا فإذا منعوا من منزله فغيره بعلم بالطريق الأولى. قوله: (وقيل في الخ) في الكشاف إذ فسر بأنّ هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو ولا عليكم أن ئأكلوا من البيوت المذكورة لالتقاء الطائفتين في أنّ كلا منفي عنه الحرج ومثاله أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر فقلت: له ليس على المسافر حرج أن يفطر ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر يعني أنه إذا كان في العطف غرابة لبعد الجامع في بادىء النظر وكان الغرض بيان حكم حوادث تقاربت في الوقوع والسؤال عنها أو الاحتياج إلى البيان لكونها في معرض الاسنفتاء والإفتاء كان ذلك جامعا بينها محسنا للعطف وان تباينت وليس هذا بناء على أنّ الاتحاد في بعض أطرافها كاف في الجامعية كما توهم. وقد أشار إليه في قوله: ( {وَيَسْأَلُونَكَ} ) في البقرة فلا يعارض هذا ما منعه السكاكي من نحو حقي حقيق وخاتمي ضيق وبهذا ظهر الجواب عن قول المصنف رحمه الله وهو لا يلائم ما قبله ولا بعده لأن ملاءمته لما بعده قد عرفت وجهها وأمّا ملاءمته لما قبله فغير لازمة إذ لم يعطف عليه وهذا تحقيق نفيس ينبغي العض عليه بالنواجذ فاحفظه. قوله: ( {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} الخ) إشارة إلى جواب ما يقال إنه ليس في أكل الإنسان من بيت نفسه حرج فما فائدة ذكره بأنّ المراد بالأنفس من هو بمنزلتها من العيال كما في قوله: (ولا تقتلوا أنفسكم) وما في الكشف من أنّ فائدة إقحام النفس أن المراد به ليس على ال! ضعفاء المطعمين ولا على الذاهبين إلى بيوت القرابات أو من هو في مثل حالهم وهم الأصدقاء حرج وعلى هذا وجه العطف لا يخلو عن شيء لكونه لغوا حينئذ لأنه ليس المعنى ما ذكره بل ما قرّرناه أوّلاً ولا حاجة إلى الجواب عنه بأنه بدخول الأولاد فيه يكون مفيداً. وقيل: إنه على ظاهره والمراد إظهار التسوية بينه وبين قرنائه وهو حسن ولا يرد عليه أنه حينئذ لم يذكر فيه الأكل من بيوت الأزواج والأولاد لأنه داخل في قوله: من بيوتكم وليس في قوله أنفسكم جمع بين الحقيقة والمجاز فتأمّل. قوله: (أنت ومالك لآبيك) الحديث وواه أبو داود وابن ماجه. وقوله: وإنّ ولد. من كسبه استعارة لجعله كسبا مملوكاً له مبالغة في جواز التصرّف في ماله وهذا من حديث رواه الشيخان وغيرهما. وقوله: وكالة أي بطريق الوكالة والحفظ كقيم الضيعة وهذا التفسير منقول. عن ابن عباس رضي الله عنهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 قوله: (وقيل بيوت المماليك) فالتقدير أو بيوت الذين ملكتم مفاتحهم وملك المفتاح لما كان كناية شائعة لم ينظر إلى أنّ التصرّف فيه مما يتوصل إليه بالمفتاح أو لا وهو ترشيح لجريهم مجرى الجماد من الأموال وهو ضعيف ولذا مرضه المصنف رحمه الله وقيل لأنه داخل في بيوتكم. قوله: (وهو يقع على الواحد والجمع) والمراد به الجمع وعن جعفر رضي الله عته من عظم حرمة الصديق أن جعله الله في الأنفس والثقة بمنزلة النفس والأخ والأب والابن وعن ابن عباس رضي الله عنهما الصديق أكبر من الوالدين لأنّ الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بهما بل قالوا: ما لنا من شفيع ولا صديق حميم. وقد قيل: في سر إفراده إنه إشارة إلى قلة الأصدقاء والخليط الصديق المخالط. قوله: (ولذلك خصص الخ) جواب عن أنه إذا وجد الإذن فلا اختصاص له بهؤلاء بأنه جرى على المعتاد فلا مفهوم له أو هو كان في أوّل الإسلام جائزاً بغير إذن ثم نسخ قوله: فلا احتجاح للحنفية الخ لأنهم كغيرهم في الاحتياج إلى الإذن وأما كونه بغير إذن إن قيل: به فهو منسوخ فلا دليل فيه على الاحتمالين على عدم قطع المحرم مطلقاً والشافعيّ يقول بقطع ما عدا الوالدين والمولودين وإنما لم يقطع عندنا لعدم الحرز فلو سرق مال ذي رحم محرم لم يقطع ومجرد احتمال إرادة ظاهر الآية وعدم النسخ كاف في الشبهة المدرئة للحدّ كما قالوه (وفيه بحث) لأنّ درء الحدود بالشبهات ليس على إطلاقه عندهم كما يعلم من أصولهم وقيل الآية دلت على إباحة دخول دارهم بغير إذنهم فلا يكون مالهم محرزا وأورد عليه أنه يستلزم أن لا تقطع يد من سرق من الصديق والجواب بأنه ليس بصديق ضيقي إذ هو لا يسرق ليس بشيء إذ الشرع ناظر إلى الظاهر لا إلى السرائر. قوله: (مجتمعين أو متفرقين) جميعاً كاجمعين لا يفيد الاجتماع في وقت واحد خلافا للفراء لكنها هنا دلت على ذلك بمقابلة أشتاتاً وأمّا القول بأنه إشارة إلى أنّ جميعا بمعنى مجتمعين أطلق على الجمع كالصديق فلا وجه له لأنّ جميعا بمعنى كل لفظه مفرد ومعناه جمع. قوله: (كانوا يتحرّجون أن كل الرجل وحده) أي يعدونه حرجا واثما وهذه سنة للعرب موروثة من الخليلى عليه الصلاة والسلام كما قال حاتم: إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لت آكله وحدي ... وفي الحديث " شر الناس من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده " والنهي في الحديث لاعتياده بخلا بالقرى نفي الحرج عن وقوعه أحيانا بيان لأنه لا إثم فيه ولا يذم به شرعا كما دمّت به الجاهلية فلا حاجة إلى القول بأنّ الوعيد في الحديث لمن اجتمعت فيه الخصال الثلاث دون الانفراد باكل وحده فإنه يقتضي أنّ كلاً منها على الانفراد غير منهيّ عنه وليس كذلك والقول بأنهم أهل لسان لا يخفى عليهم مثله ولكن لمجيء الواو بمعنى أو تركوا كل واحد منهما احتياطا لا وجه له لأنّ هؤلاء المتحرجين لم يتمسكوا بالحديث وكون الواو بمعنى أو ئوهم لا عبرة به ولا شك أنّ اجتماع الأيدي على الطعام سنة فتركه بغير داع منه. قوله: (لاختلاف الطعام الخ) قيل إنه كحكام وحفاظ جمع طاعم كاكل لفظا ومعنى ولم نره في شيء من كتب اللغة ولو قيل إنه الطغام بفتح الطاء وبالغين المعجمة وهم أسافل الناس أو العامّة جاز والقزازة بقاف مفتوحة وزاءين معجمتين فسره في الكشف بالتباعد عن الناس وفي القاموس التباعد عن الدنس وفي الحواشي هو مدح والكزازة ذم وهو غير مناسب والمناسب ما في أفعال السرقسطي إنه كراهة المأكول والمشروب يقال قززت الشيء إذا عفته وهو ضد النهمة وهي اشتهاء الطعام والرغبة فيه والمعنى أنّ الناس يختلفون في كراهة الطعام ومحبته فمن أحبه كره مشاركة الناس لشرهه. وقوله: من هذه البيوت أي السابقة بقرينة الفاء فمن خصه ببيت نفسه والسلام على أهله لم يصب. قوله: (فسلموا على أنفسكم الخ) يشير إلى أنّ المراد بالأنفس من هم بمنزلتها لشدة الاتصال كقوله ولا تقتلوا أنفسكم ويحتمل أنّ المسلم إذا ردّت تحيته عليه فكأنه سلم على نفسه كما أنّ القاتل لاستحقاقه القتل بفعله كأنه قاتل نفسه وأمّا إبقاؤه على ظاهره لأنه إذا لم يكن في البيت أحد يسن أن يقول السلام علينا على عباد الله الصالحين كما روي عن ابن عباس فبعيد غير مناسب لعموم الآية والسلام بمعنى السلامة من الآفات وقيل إنه اسم من أسمائه وفي الانتصاف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 سماهم أنفسا إشارة إلى إباحة اكل كما يباح لكل أحد الأكل من بيت نفسه وقوله ديناً وقرابة الواو للتقسيم على مغ الخلو فلا يرد أنّ الأولى ترك قوله قرابة لئلا يخرج مثل سلمان وصهيب وبلال أو هو بناء على الغالب في أهل البيوت المدخولة. قوله: (ثابتة بأمره) إشارة إلى أنه صفة وقوله: ويجوز الخ فيتعلق بتحية المصدر على معنى مطلوبة من الله فهو ظرف لغو وأصل معناها أن يقول: حياك الله أي أعطاك الحياة ثم عمم لكل دعاء وقوله: فإنه الضمير للتحية ذكر لرعاية الخبر وطلب الحياة إشارة إلى أنها نقلت للإنشاء ومعنى الطلب وهي مصدر لسلموا من معناه كجلست قعودا. وقوله: زيادة الخير والثواب تفسير للبركة. قوله: (وعن أنس رضي الله تعالى عنه الخ) رواه في شعب الإيمان وغيره وقال البيهقيّ إنه ضعيف وقوله: بطل عمرك جزاء بالمثل لطلبه سلامة أخيه وهي بطول عمره وكذا كثرة الخير والأوابين جمع أوّاب وهو الكثير الرجوع إلى الله بالتوبة وقيل المطيع وقيل المسبح ومنهم من فرق بين هذه الصلوات. قوله: (كرّره الخ) التفخيم نشأ من التكرير لأنّ العظيم يعتني بشأنه فيقتضي زيادة تقريره وتاكيده أو من لفظ كذلك المشار به لما بعده لأنه يفيده كما مر مراراً وقيل: إنه من لفظ الإشارة إلى البعيد لتنزيل بعد المكانة منزلة بعد المكان والإشارة وإن كانت للتبيين فتفخيمه يتضمن تفخيم المبين. وقوله: فصل بالتخفيف أي أورده في الفاصلة وما هو المقتضي بالكسر عليم حكيم لاقتضاء العلم والحكمة التبيين والمقصود منه تعقله المذكور هنا. قوله: (الكاملون الخ) فسره به ليصح الحصر لا لتصحيح الحمل لأن المحمول مجموع ما ذكر وقوله: للمبالغة لجعل السبب للجمع جامعا وهو مجاز عقليّ أو استعارة مكنية وجميع بمعنى جامع أو مجموع له على الحذف والإيصال. قوله: (فيأذن لهم الا بد من تقديره لأنه هو الغاية لما قبله وضمير اعتباره للاستئذان المفهوم من الفعل وضمير لصحته للإيمان والمصداق بمعنى المصدق وديدنه أي المنافق بمعنى عادته وأورد الكاف لأنه يؤمن بدونه والمميز يجوز رفعه عطفاً على خبران وجرّه عطفا على المصداق. وقوله: ولتعظيم الخ معطوف على قوله لأنه ووجهه عد من لم يستأذن غير مؤمن. قوله: (ولذلك) أي لاعتباره أو لتعظيم جرمه أو لجميع ما ذكر وأبلغ من المبالغة لقوله بعده وفيه أيضا مبالغة يعني لما أراد أن يكرره توكيدا وتقريرا أعاده مؤكداً بأن والاسمية واسم الإشارة للبعيد وقلبه فجعل معنى المسند مسندا إليه وعكسه بقوله: (إن الذين) الخ فأفاد حصر المؤمنين في المستأذنين وعكسه تعريضا للمنافقين المتسللين وعقبه بأولئك معقباً بالإيمانين ليؤذن بأنهم حقيقون بأن يسموا مؤمنين لما اكتسبوه واجتنبوه فتأمّل. قوله: (فإنه الخ) تعليل لكونه أبلغ أو لعظم الجرم ولا محالة من المؤكدات وكون الذاهب ليس كذلك من الحصر وقيل إنه يفهم من التعريض والمهام جمع مهم وهو معنى الشان وقوله: وفيه أيضا مبالغة كما في السابق والمبالغة من جعل الاستئذان ذنبا محتاجا للاستغفار والمغفرة العظيمة فكيف الذهاب بدون إذن والتضييق لعدم القطع بالإذن وتعليقه بالمشيئة وذكر البعض والشان المهم. قوله: (واستدل به الخ (هذه مسألة التفويض المذكورة في الأصول وليست مسألة الاجتهاد كما توهم والمانع لها المعتزلة وليس الخلاف في أن يقال احكم بما شئت ترويا فإنه متفق على جوازه بل أن يقال احكم بما شئت تشهيا كيفما اتفق كما في العضد فلذلك قال: ومن منع الخ ومفوّضة خبر بعض أنثه لإضافته إلى مؤنث وتقديم لهم للمبادرة إلى أنّ الاستغفار للمستاذنين لا للإذن وفي الكشف نقلاً عن شيخه الشهاب السهروردي أنّ هذه الآية تدل على أق ملاك الأمر في الاتباع تسليم نفسه لصاحب الشريعة كالميت بين يدي الغاسل فلا يقدم ولا يحجم دون إشارته. قوله: (لا تقيسوا الخ) هذا من الكاف وفي الجواز متعلق بتقيسوا والدعاء بمعنى الدعوة إلى أمر وقوله: وقيل الخ فوجه ارتباطه بما قبله أنّ الاستئذان يكون بقولهم يا رسول الله إنا نستأذنك ولأنّ من معه في أمر جامع يخاطبه ويناديه لكن لما كان الأوّل أظهر مرض هذا وأخره فما قيل من أنه لا يلائم السباق واللحاق غير مسلم ولا حاجة إلى بيان المناسبة بأنّ في كل منهما إهانة له ودعاؤه على هذا مصدر مضاف للمفعول والدعاء بمعنى النداء ولقبه المعظم بصيغة المفعول أو الفاعل. قوله: (أو لا تجعلوا دعاءه عليكم الخ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 ومناسبتة لما قبله ما في عدم الاستئذان من عدم المبالاة بسخله كما أشار إليه المصنف رحمه الله مع ارتباطه بالاستغفار لكنه فيه ضعف لفظي لأنه كان الظاهر أن يقول على بعض وأمّا قوله: بينكم فلا يأباه ولو كان كذلك لورد على الأوّل أيضاً. قوله: (فإنّ دعاءه مستجاب) وفيه بحث لأنه ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قالط: سألت الله ثلاثاً فأعطاني وسألته أن لا يسلط عليهم عدوّاً من غنرهم فأعطاني وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني وهذا وجه تضعيف المصنف رحمه الله. وأمّا قوله: إنّ لكل نبي دعوة مستجابة واني اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي فلا ينافي هذا إلا باعتبار أنه يقتضي أنّ المجاب بعض دعائه كما ذكره الكرماني لكنه يعلم منه الجواب كما سيأتي وليس أبو عذرة هذا وكيف يرد بعض دعائه وقد قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر، الآية: 60] وفي الحديث إنّ الله لا يردّ دعاء المؤمن وإن تأخر وقد قال الإمام السهيلي في الروض: الاستجابة أقسام إما تعجيل ما سأل أو أن يدخر له خير مما طلب أو يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير وقد أعطى عوضاً من أن يجعل بأسهم بينهم بالشفاعة وقال: أئتي هذه أمّة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا الزلازل والفتن كما في أبي داود فإذا كانت الفتنة سبباً لصرف عذاب الآخرة عن الأمّة فما أجاب دعاءه لأنّ عدم استجابته أن لا يعطي ما سأل أو لا يعوض عنه ما هو خير منه كما ذكره النووي في الإذكار والكرماني وبقي فيه كلام في الروض فانظره وقوله: فإن دعاءه موجب أي لا يتخلف وفي نسخة مستجاب وهي بمعناها وقد قيل استجابته أغلبية. قوله: (ينسلون قليلاَ قليلاَ) فهو نظير تدرج وتدخل في دلالة تفعل على مواصلة العمل في مهلة وهو معنى قولهم: إنّ ذلك الفعل وقع قليلا قليلاً وقد في قوله قد يعلم الله للتحقيق أو لتقليله في جنب معلوماته أو للتكثير. قوله: (ملاو " تم إشارة إلى أنه مصدر لاوذ لعدم قلب واوه ياء تبعا لفعله ولو كان مصدر لاذ قيل لياذا كقيام كما ذكر في التصريف وأما بالفتح فهو مصدر لاذ كطواف وهو منصوب على المصدرية أو الحالية بتأويله بملاوذين وأصل معنى لاذ التجأ. قوله: (وعن لتضمته معنى الإعرا ض) وقيل زائدة وقوله: أو يصدّون الخ لأنه كما في الكشاف يقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه بدونه ومنه أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وعن الأمر إذا صد عنه دونه وفي التلويح معنى خالفني عن كذا إذا أعرض عنه وأنت قاصد إياه مقبل عليه فالمعنى يخالفون المؤمنين عن أمر الله أو أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون على تضمين المخالفة معنى الأعراض أي معرضون عن الأمر ولا يأتون بالمامور به فعلى الأوّل يتعدّ! إلى المفعول الأوّل بنفسه وإلى الثاني بعن حقيقة وعلى الثاني هو لازم مضمن. وفي شرح مقامات الزمخشري له خالف عنه إذا تركه وخالف إليه إذا أقبل نحوه قال ابن الزبعري: ومن لا يخالف عن ردى الجهل يندم انتهى وظاهره أنه إذا كان بمعنى الصد لا تضمين فيه وقد قيل: إنه تضمين فيجوز أن يكون حمل عليه في التعدية دون تضمين لأنه بمعناه أيضاً ويجوز أن يكون مجازاً وقيل إنه إذا تعدّى بعن ضمن معنى الخروج وأصل معنى المخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله كما قاله الراغب وهو تحقيق لمعنى المفاعلة فيه المبني عليه معناه فتدبر. قوله: (وحذف المفعول) وهو المؤمنين لا الرسول دون المؤمنين أي خلاف المؤمنين فإنهم لا يخالفونه كما قيل لإقدامهم فإنّ معنى مخالفته من حيث الفعل والترك قبل ومنه ظهر أنه لا يناسب كون المفعول الرسول سيما إذا عاد ضمير أمره إليه فافهم وقوله: (فإنّ الأمر له والرسول) مبلغ. وقوله: واستدل به أي بما ذكر في هذه الآية على أنّ الأمر أي مطلقاً ما لم تقم قرينة على خلافه للوجوب كما في الأصول وإنما يتم الاسندلال إذا أريد بالأمر الطلب لا الشأن كما في قوله على أمر جامع وقد جوزا فيه مع إرادتهما معاً وتقريره أنّ تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية فخوفهم وحذرهم من إصابة الفتنة والعذاب يجب أن يكون بسبب مخالفتهم الأمر بترك المأمور به أو موافقته الإتيان به لأنه المتبادر لا عدم اعتقاده أو حمله على غير ما هو عليه بأن يكون للوجوب أو الندب مثلاً فيحمل على غيره فسوق الآية للتحذير عن مخالفة الأمر وإنما يحسن ذلك إذا كان فيها خوف الفتنة أو العذاب إذ لا معنى للتحذير عما لا مكروه فيه ولا يكون في مخالفة الأمر خوف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 الفتنة أو العذاب إلا والمأمور به واجب إذ لا محذور في ترك غيره لا يقال هذا إنما يتم بوجوب الخوف والحذر بقوله: فليحذر وهو محل النزاع وعلى تقدير عموم أمره وهو ممنوع بل هو مطلق ولا نزاع في كون بعض الأوامر للوجوب لأنا نقول لا نزاع في أنّ الأمر قد يستعمل للإيجاب والأمر بالحذر من هذا القبيل إذ لا معنى للندب والإباحة. والحذر عن إصابة المكروه واجب وأمره مصدر مضاف ولا عهد فهو عام لا مطلق وعلى تقدير إطلاقه يتم المطلوب لأنّ المدعي أنّ مطلق الأمر للوجوب إذ لا نزاع في مجيئه لغيره بقرينة والأقرب أن يقال المفهوم من الآية التهديد والوعيد على مخالفة الأمر فيجب أن يكون حراما كذا قيل: وقد أورد على قوله لا معنى هنا للندب والإباحة إنه لا يلزم منه كونه للإيجاب لجواز كونه للتهديد وردّ بأنه بعد تسليم كون التهديد معنى حقيقيا للأمر لا معنى له لأنّ المهدد عليه مدلول ذلك الأمر كما في اعملوا ما شئتم والحذر ليس مما يهدد عليه بل عدمه وفيه أنا لا نسلم كون التهديد دائما كذلك والمثال الجزثي لا يجد به فالصواب أنه على تقدير التهديد يثبت المدعي كما أشار إليه بقوله: والأقرب الخ. وأورد على قوله: وعلى تقدير كونه مطلقاً الخ أنّ المطلق في المدعي بمعنى المطلق عن القرينة وهو غير المطلق في التقرير فلا يثبت المدعي على ذلك التقرير إلا أنه لا بعد بينهما فإنّ المطلق عن القرينة شائع في محتملاته ومثله لا يخفى على مثله ومقتض الأمر المأمور به وقوله بالحذر عنه أي عن أحد العذابين وقوله: فإن تعليل لقوله يدل وبه تندفع المصادرة السابقة. قوله: (يدل على حسنه) أي حسن الحذر لأمر الله به وقد قال: إنّ الله لا يأمر بالفحشاء فذلك الحسن معلوم بأخبار الشارع أنه حكيم لا يأمر بما لش فيه حسن فسقط ما قيل عليه من أنه مخالف لمذهب الأشعرية الذين منهم المصنف إذ الحسن والقبح عندهم لا يعلم إلا من جهة الشرع وأمّا عند الماتريدية ففيه كلام في الأصول وقوله المشروط صفة الحسن. قوله: (بقيام المقتصى له) وهو الترك وضمير له للعذاب لا للحذر كما توهم أي لا يحسن الحذر عن العذأب إلا بعد وجود المقتضي للعذاب وهو ترك المأمور به بقرينة توله: يخالفون. وقوله: وذلك أي قيام مقتضى الحذر يستلزم وجوب ترك المحذر عنه. وهو مخالفة الأمر فيلزم وجوب امتثاله فيكون للوجوب وهو المطلوب. ولا يرد على هذا التقرير أنه متوقف على كون أمر الحذر للوجوب فهو مصادرة كما مر تفصيله لعدم توقفه عليه لكنه قيل عليه إنه يتوقف على كون المرإد بالأمر مقابل النهي وليس بمتعين كما مر مع أنّ الأصل في الإضافة العهد فالظاهر أنّ المراد بأمره الأمر الجامع السابق وما في الكشاف من أنه ليس بوجه لفوات المبالغة والتناول الأولى والعدول عن الحقيقة في لفظ المخالفة والأمر عن ضرورة لا يدفع الإشكال لأنّ فوات المبالغة والتناول لا يقاوم العهد ولا عدول عن الحقيقة لأنّ الأمر حقيقة في الحادثة وكذا المخالفة فيما ذكر ولو سلم فهو مشترك الإلزام فإنه ليس حقيقة في المعنى العام وقوله: بلا ضرورة ممنوع فإنّ إضافة العهد صارفة عن المعنى الحقيقي وهذا مكابرة ومنع مجرد لا يسمع فإنّ الأبلغية لا شبهة فيها فإنّ تهديد من لم يمتثل أمره أشد من تهديد من تركه بلا إذن وكون الأمر حقيقة في الطلب هو الأصح في الأصول. والمخالفة المقارنة للأمر لا شبهة في أنّ حقيقتها عدم الامتثال واشتراك الإلزام ليس بتام لأنّ أمره إذا عم يشمل الأمر الجامع بمعنى الطلب أيضا وعهد الإضحافة ليس بمتعين حتى يعدّ صارفا فتأمّل. قوله: (أيها المكلفون) فدخل فيه المنافقون السابق ذكرهم كما أشار إليه المصنف لكنه قيل إنه بطريق التغليب لأنّ الخطاب قبله للمؤمنين ويؤيده قوله ويوم يرجعون إليه. قوله: (وإفما كد علمه بقد) في الكشاف ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد وذلك أنّ فد ذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما فوافقتها في الخروج إلى التكثير كقوله: أخوثقة لايهلك الخمرماله ولكنه قديهلك المال نائله ... فاسنعمل للتأكيد والتقوية ما يدل على التكثير لأنه في قوّة التكرير وقد قيل: إنه يجوز أن يكون إدخال قد على المضارع ليزيد أهل الحق تحقيقاً ويفتح لأهل الريب إلى الاحتمال طريقاً فإنه يكفي للخوف من النكال حروف الإهمال ولا يكفي أنه تكلف ما لا يدل عليه اللفظ فإنها إما للتحقيق أو للتكثير وهو إما حقيقة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 أو استعارة ضدية أو للتقليل والمراد تقليل ما هم عليه بالنسبة لمعلوماته وعلى كل حال فلا يفيد ما ذكره. قوله: (ويوم يرجعون إليه الخ) هو إمّا مفعول به معطوف على ما أنتم وإذا كان الكلام مخصوصاً بالمنافقين جاز عطفه على مقدر أي ما أنتم عليه الآن ويوم الخ فإنّ الجملة تدل على الحال كما قيل والمراد بالحال ما في ضمن الدوام والثبوت فلا يرد عليه أنه لا دلالة لها على ذلك ويجوز تعلقه بمحذوف يعطف على ما قبله أي وسينبئهم يوم يرجعون إليه كما في الكشاف. قوله: (ويجورّ أن يكون الخطاب) أي في قوله: (ما انتم عليه) وقد كان عامّا لهم وللمؤمنين في الوجه السابق. وقوله: أيضاً أي كالغيبة في يرجعون. وقوله: على طريق الالتفات أي من الغيبة إلى الخطاب فيكون في يرجعون ال! كات من الخطاب إلى الغيبة ويجوز أيضاً كون كل منهما عاماً. قوله: (من سوء الأعماد الخ) بيان لما على أنها موصولة محذوفة العائد ويجوز كونها مصدرية وقوله بالتوبيخ متعلق بينبئهم وقوله: عن النبي الخ هو موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور والظاهر أنّ قوله: من الأجر عشر الخ مقدّم من تأخير أي أعطى بعدد كل مؤمن ومؤمنة عشر حسنات ومناسبته ظاهرة تذكر الأحكام المتعلقة بالمؤمنين والمؤمنات في هذه السورة تمت السورة اللهم كما يسرت هذا الإتمام يسر لنا حسن الاختتام، بجاه نبيك عليه أفضل صلاة وسلام وعلى آله وصحبه الكرام. سورة الفرقان بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة إلا ثلاث آيات من قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: (وكان الله غفورا رحيماً) فهي مدنية. وقال الضحاك السورة مدنية إلا أوّلها لقوله: نشورا فهو مكيّ وعدد الآيات متفق عليه كما ذكره الداني في كتاب العدد. قوله: (تكاثر خيره الخ) تفسير له باعتبار حاصل معناه لا إشارة إلى تقدير مضاف لأنّ البركة في الأصل مأخوذة من برك البعير وهو صدره ومنه برك البعير إذا ألقى بركه على الأرض واعتبر فيها معنى اللزوم فقيل براكاء الحرب لمكان يلزمه الابطال وسمي محبس الماء بركة. والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير ولما كان الخير الإلهيّ لا يحس ولا يحصى ولا يحصر قبل لكل ما يعرف فيه زيادة غير محسوسة مبارك وفيه بركة والتزأيد إما باعتبار كمال الذات في نفسها ولذا قيل: تباركت النخلة إذا تعالت أو باعتبار كمال الفعل وما نحن فيه يناسب المعنييز فلذا فسرها الزمخشري بالثاني وتبعه المصنف رحمه الله واقتصر على الثاني في الملك لمناسبة ما بعده كذا في الكشف (وفيه بحث) لأنّ قوله: ليكون للعالمين نذيرا يناسب تفسيره الثاني لأنه خص الإنذار ليكون براعة استهلال لذكر المشركين ويناسب الابتداء بأنه تعالى عما يقول: الظالمون كما ذكره الطيبي واختاره الفاضل اليمني وصيغة التفاعل للمبالغة. وقوله وتعالى تفسير لتزايد إشارة إلى أنّ المراد رفعته عما سواه وكماله وقوله: فإنّ البركة الخ مر وجهه. قوله: (وتوتيبه على إنزاله الخ) أي رتب وصفه بقوله: تبارك على إنزاله الفرقان ترتب المعلول على علتة لأنّ تعليق شيء بالمشتق يقتضي عليه مأخذه أما لما في الفرقان من الخير الكثير لأنه هداية ورحمة للعالمين وفيه ما ينتظم به أمر المعاس والمعاد أو لدلالة ما في حيز صلته على علوّه وعظمته كما يقتضيه النزول ووصفه بالعبودية أو لما فيه من وصف ذاته العلية ولا دخل للإعجاز هنا كما قيل وهذا لف ونشر على تفسيري تبارك. قوله: (وقيل دام) وقد مر وجهه والبركة كسدرة مجمع الماء الراكد وهي معروفة وضمير دام إن كان لله فتمريضه لقلة فائدته فإن دوامه ظاهر ولعدم مناسبته لما بعده كما قيل وإن كان للخير فلأنّ البركة لم تستعمل بهذا المعنى. قوله: (وهو لا يتصرف فيه) أي لا يستعمل له مضارع واسم فاعل ونحوه ويرد عليه ما نقله في الكشف من أنه يقال تباركت النخلة إذا تعالت قال: إلى الجذع جذع النخلة المتبارك إلا أن يقال إنه أغلبي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 قوله: (ولا يستعمل إلا لله الخ) يرد عليه قول العرب تباركت النخلة وقراءة أبي رضي الله عنه كما سيأتي في الكشاف تباركت الأرض ومن حولها ومثله تعالى. قوله: (والفرقان) كالغفران مصدر فرق الشيء من الشيء وعنه إذا فصله ويقال: أيضا فرقت بين الشيئين كما ذكره الراغب قال تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [سورة المائدة، الآية: 25] فمن قال إنه مصدر فرق الشيء إذا فصل بعضه عن بعض لا مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما كما قاله المصنف فقد أخطأ ولا فرق بين الفرق والتفريق بغير التكثير خلافا لمن فرق بينهما بأنّ الأوّل في المعاني والثاني في الأجسام وتقريره بمعنى بيانه. قوله: (أو لكونه مفصولاً) يعني أنه مصدر بمعنى الفاعلى أو بمعنى المفعول كما في هذا الوجه وقوله: في الإنزال يقتضي اختصاصه بالقرآن لأنه هو المفصل إنزاله وغيره أنزل دفعة واحدة كما صرحوا به ولذا قسره بعضهم بكونه مفصلاً إلى الآيات والسور فمن اعترض عليه بأنه لا اختصاص له بالقرآن وهذا يقتضيه فقد أخطا. وقوله: كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يعني أنّ الإنزال كما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يضاف إلى امّته لأنه واصل إليهم ونزوله لأجلهم فكأنه منزل عليهم وان كان إنزاله حقيقة عليه وقد قيل إنه المراد بالجمع تعظيماً. قوله: (أو الفرقان) أو الله كقوله: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} وقوله: للجن والإنس فصيغة جمع العقلاء باعتبار الأفراد على ظاهرها من غير تغليب وخرح الملك ولذا قدم للعالمين للحصر ولتشويف لا لمجرد الفاصلة. قوله: (منذرا) على أنّ فعيلاً صفة مشبهة بمعنى منذر أو مصدر كالنكير وجعل نفس الإنذار مبالغة كرجل عدل وليس هذا على طريق الل! والنشر المرتب لقوله: العبد أو الفرقان كما قيلى. قوله: (وهذه الجملة وإن لم تكن معلومة الخ) هذا بناء على أنّ جملة الصلة لا بد أن تكون معلومة قبل التكلم بها لأنّ تعريف الموصول بما في الصلة من العهد وفي شرح التسهيل أنه غير لازم وأنّ تعريف الموصول كتعريف الألف واللام يكون للعهد والجنس وأنه قد تكون صلتة مبهمة للتعظيم كقوله: فإن أسنطع أغلب وأن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه ... وعلى تقدير تسليمه فهذه الجملة معلومة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو المخاطب بها كقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [صورة الإسراء، الآية: ا] ولا يلزم أن تكون معلومة لكل أحد وما اختاره المصنف رحمه الله من تنزيلها منزلة المعلوم أبلغ لكونه كناية عما ذكر مناسبة للرد على من أنكر التوحيد والنبوّة وأما على إبدال الذي بعده فلا يجدي في دفع السؤال كما سيأتي. قوله: (بدل من الأوّل الخ) قيل هذا أوجه من القطع مدحاً لأنه لكونه حق الصلة أن تكون معلومة أبدل منه هذا بيانا وتفسيرا له ولا يخفى ما فيه أو هو نعت للأوّل أو في محل رفع أو نصب بمقدر وقوله: مرفوع أو منصوب يحتمل أنهما على المدح بتقدير هو أو أمدح أو أعني ويحتمل أنه لف ونشر فالرفع على البدلية والنصب على المدح. وزعم النصارى بمعنى مزعومهم. وقوله: كقول الثنوية فإنهم يقولون بتعدّد الإله فيثبتون للإله شريكاً. وقوله: مطلقا أي بجميع وجوهه أو لجميع الأشياء وما يقوم مقامه الولد وما يقاومه أي يساويه الشريك. وفوله: فيه تنازع فيه الفعلان وقوله: ما يدل عليه أي على ما ذكر أو على الملك خلقا وتصرفاً وفي قوله: خلق كل شيء ردّ على الثنوية القائلين بأن خالق الشر غير خالق الخير ولا يضر كونه مذكورا قبله وكون ما ذكر دليلا عليه لأنه يفيد فائدة جديدة لما فيه من الزيادة أو هو ردّ على المعتزلة وهو معطوف على إحدى الصلتين. قوله: (أحدثه إحداثاً) المراد كما في الكشاف وشرحه أنّ الخلق إيجاده مقدّرا بمقدار وتسوية من الصور والأشكال فالتقدير معتبر فيه فذكره بعده يكون تكرارا كأنه قيل قدّره فقدّره فأشار إلى أنّ التقدير المذكور ليس هو المعتبر في معنى الخلق بل بمعنى جعله مهيا لما خلق له من العلم والتكليف وهما غيران فلا حاجة إلى ادعاء القلب فيه لرعاية الفاصلة كما قيل مع أنّ المقلوب غير مقبول مطلقا مع أنه لا يدفع السؤال بدون الوجهين وقوله: من مواد مخصوصة وصور كقوله: وزججن الحواجب والعيونا والمعنى خلقه من مواد وعلى صور وأشكال وقوله: وهيأه إشارة إلى ما مر. قوله: (أو فقدره الخ) إشارة إلى جواب ثان وهو أنه تجريد لاستعمال الخلق في مجرد الإيجاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 بدون تقدير فلذا صرح به بعد. للدلالة على أنّ كل واحد منهما مقصود بالذات. فلا يرد أنه لا معنى للتجريد منه ثم ذكره والوجه الأوّل مختار الزجاج وهو أظهر. وقوله: من غير نظر إلى وجه الاشتقاق بحسب الوضع فإنّ اشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير كقوله: ولانت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري ... أي يقطع ما قدره فمعنى التقدير ملاحظ في اشتقاقه وقوله: متفاوتا أي مختلف الخلقة كقوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقوله: للبقاء إشارة إلى أنه حينئذ مراعى فيه معنى إدامة ذلك ليصح عطفه بالفاء ومن لم يتنبه له اعترض وقال ما قال. وحتى لا يكون يجوز رفعه ونصبه. قوله: (إثبات التوحيد) هو من نفي الولد والشريك والنبوّة من قوله: (أنزل على عبده (وضمير اتخذوا للمشركين المفهوم من قوله: (ولم يكن له شريك في الملك) أو من المقايم وقوله: (نذيرا) وقوله: لأنّ عبدتهم الخ عبدة جمع عابد كخدمة جمع خادم. وقد قيل عليه إن المناسب لما قدّمه أن يقول لأنهم مخلوقون له تعالى ليشمل ما أشركته النصارى والثنوية لئلا يخلو الكلام من الردّ عليهم مع أنهم المقصودون به أيضا. والمضارع في قوله: يخلقون لاستحضار الحال الماضية ولا يخفى أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أتم فائدة وأنسب بالمقام لأنّ الذين أنذرهم نبينا عبدة الأصنام وأنّ عدم ملك الضر والنفع والافتراء بمعنى الاختلاق أوفق به ولا حصر فيما قدمه كما أشار إليه بكاف التشبيه ودفع ضر وجلب نفع إمّا إشارة لتقدير مضاف أو بيان لحاصل المعنى المراد منه بناء على أنّ ملكه كناية عن التصرف فيه بالدفع والجلب كما قيل وما قيل إنه معنى الملك لا كناية عنه غير مسلم إذ قد توجد القدرة المذكورة بدونه وكذا ما قيل من أنّ الكناية ذكر اللازم وإرادة الملزوم وهذا عكسه لما قرره أهل المعاني وقدم دفع الضرر لأنه أهم وقال لأنفسهم ليدل على غاية عجزهم لأنّ من لم ينفع نفسه لا ينفع غيره. قوله: (ولا يملكون إماتة أحد و0احياءه) قدم الموت لمناسبته للضر المتقنمم وفسر الموت والحياة بالإماتة والإحياء والإنشار إمّا بيانا لحاصل المعنى لأنّ ملك الموت القدرة على الإماتة أو إشارة إلى أنه بمعنى الأفعال كما في قوله أنبتكم من الأرض نباتا وقوله إحياءه أو لا أي في الدنيا فسره به لثلا يتكرر مع قوله: نشوراً. ولذا قال وبعثه ثانياً وما ينافيها المخلوقية وعدم القدرة. قوله: (اختلقه) أي اخترعه لا أنه ينزل عليه والمراد بالذين كفروا المشركون بقرينة ادّعاء إعانة بعض أهل الكتاب له. وقوله: فإنهم الخ تفسير للإعانة على زعمهم الفاسد. وقوله: يعبر عنه أي عما يلقونه إليه والمعنى يترجمه بلغته وينقله بعبارة فصيحة. وجبر ويسار وعداس غلمة لأهل الكتاب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهم للتوراة والإنجيل. قوله: (وأتى وجاء الخ) يعني أنهما يتعديان بنفسهما تارة كما هنا ويلزمان أخرى فلا حاجة إلى جعل المنصوبين حالين أو جعله من الحذف والإيصال المخالف للقياس باتفاق النحاة فالقول بأنه كفى بوقوعه في التنزيل هنا سماعا مصادرة لا تدفع الهجنة كما توهم. قوله: (ما سطره المتقدمون) مرّ تفسيره وإعرابه. وقد جوّز فيه هنا أن يكون تقديره هذا أساطير الأوّلين وجملة اكتتبها حال بتقدير قد وفيه أنّ عامل الحال إذا كان معنوياً لا يجوز حذفه كما في المغني وإن كان غير مسلم كما في شرحه وقوله: كتبها لنفسه وفي نسخة اكتتبها وهو إمّا افتراء عليه أيضاً لأنه لم يكتب قط أو لظنهم أنه يكتب أو مجاز بمعنى أمر بكتابتها كبنى الأمير المدينة لكنه يكون بمعنى الوجه الثاني والمغايرة بينهما أنه في الأوّل مجاز إسنادي وهذا على استعمال افتعل لهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بذلك. قوله: (لأنه أمئ) وبيان لوجه هذه القراءة واختيارها لأنّ القراآت غير قياسية وقوله: وبني الفعل للضمير فيه تسمع والمراد بني للمفعول وأسند للضمير. وهذا بناء على جواز إقامة المفعول الغير الصريح مع وجود الصريح كما جوّزه الرضي وغيره وإن منعه بعض النحاة وقوله: (بكرة وأصيلا) إن لم يرد بهما دائماً فالتخصيص لأنه وقت غفلة الناس عنه وهو يخفيها على زعمهم وقوله ليحفظها إشارة إلى أنّ المراد بالإملاء الإلقاء عليه للحفظ بعد الكتابة اسنعارة لا الإلقاء للكتابة كما هو المعروف حتى يقال إنّ الظاهر العكس وأن يقال أمليت فهو يكتبها وهذا على تفسير اكتتبها بكتبها. وقوله: أو ليكتب بيان لاحتمال أنه على ظاهره. وهذا إذا فسر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 باستكتبها أي طلب كتابتها فأمليت عليه. قوله: (لأفه الخ) بيان لكونه كلام رب العالمين لا بعض أساطير الأوّلين. وقوله: فلذلك الخ بيان لمطابقة الخاتمة للمعنى فإنه كان الظاهر إنه عليم ونحوه بأنّ ما تقدمه في معنى الوعيد فعقبه بما يدل على قدرته على الانتقام منهم كناية لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر أو هو تنبيه على استحقاقهم للعذاب ولكنهم لم يعاجلوا به لمغفرته ووحمته. قوله تعالى: ( {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} الخ) في الكشاف وقعت اللام مفصولة عن هذا في خط المصحف وهو سنة لا تغير وكذا هي في مواضع أخر ذكرت في شرح الرائية والاستهانة تؤخذ من الإشارة المفيدة للتحقير والتهكم من تسميته رسولاً لأنهم أرادوا ما لهذا الزاعم أنه رسول وقوله يأكل الطعام جملة حالية ويجوز فيها الاستئناف. وقوله: لطلب المعاس إشارة إلى أنّ مشيه في الأسواق كناية عن الاحتياج المنافي للرسالة بزعمهم والعمه في البصيرة كالعمى في البصر فقوله وقصور الخ تفسير له أو هو بمعنى الحيرة والضلال. وقوله فإنّ الخ تعليل لقصور النظر والعمه. والأحوال النفسانية ما جبله الله عليه من الكمال. وضمير فيكون للملك ومعه للرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز عكسه وهو منصوب في جواب التحضيض. وقوله: لنعلم صدقه بيان لأنه ليس المرإد مجرد نزوله بل تصديقه له برؤيتهم له ومشاركته له في الإنذار وششظهر بمعنى يتقوّى وعدل إلى المضارع للدلالة على أنّ الكنز الملقى يبقى ويستمر عنده لعدم نفاده بخلاف الإنزال وكذا ما بعده. قوله: (هذا على سبيل التنزل) أي قوله أو تكون له جنة الخ وفي الكشاف إنّ أكل الطعام والمشي في الأسواق عنوا به أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن اكل والتعيش وما بعده تنزل منهم عن ملكيته إلى صحبة ملك له يعينه ثم نزلوا عنه إلى كونه مرفودا يكنز ثم قنعوا بكونه له بستان فجعل الثلاثة تنزلاً والمصنف خصه بالأخير فخالفه لأنّ ما قبله استثناف في جواب سؤال هو أنه كيف يخالف حاله حالكم كما يشهد له قطعه عنه كما قيل وقيل إنه لا مخالفة بينهما وذكره التنزل هنا ليس لنفي التنزل فيا قبله بالكلية لأنّ ما قبله لا يدفع اعتراضهم بعدم مخالفتة لهم في ا! ل والمشي إذ هي غير لازمة من الإنزال والإلقاء بل المعنى إن لم توجد المخالفة فهلا يكون معه من يخالف فيهما فإن لم توجد فهلا يخالفنا في إحداهما. وهو طلب المعاش برفع الاحتياج بالكلية فإن لم توجد فلا أقل من رفعه في الجملة بإيتاء ما يتعيش بريعه وهذا وإن احتمل فتصريحه بالتنزل في الأخير يفهم منه أنّ ما كبله بخلافه وأمّا القطع فيكفي فيه الاستئناف وان لم يقدر سؤال والريع ما يتحصل منه والدهاقين جمع دهقان وهو صاحب الصنعة والزراعة وهو معرب ده جان أي رئيس القرية وما في كما موصولة واقعة على البستان وهو معروف، والمياسير جمع موسر بمعنى غني وقراءة النون في نأكل. قوله: (وضع الظالمون الخ) يعني كان الظاهر أن يقول قالوا فوضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أنّ قولهم: هذا لوضعه في غير موضعه ظلم عظيم ويحتمل أن يكون المراد الظالمون منهم وقوله: ما تتبعون يعني أنّ إن نافية. قوله: (سحر فغلب على عقله) يعني المراد بالسحر ما به اختلال العقل والسحر بفتح السين وسكون الحاء وقد تفتح الرئة يعني أنه للنسب كتامر ولابن ومفعول كفاعل يأتي للنسب. والمراد به أنه بشر لا ملك كما ذكره المصنف رحمه الله وأما كون المراد به أنه ساحر كقوله حجاباً مستورا فبعيد. قوله: (قالوا فيك الأقوال الشاذة) أي المستغربة المستبعدة لكون مثلها لا يصدر إلا عن جاهل أحمق لأنّ الشاذ النادر كذلك فهو مجاز لكون ما يضرب به المثل كذلك غالباً وقوله: عن الطريق الموصل الخ يعني أنهم أخطؤوا طرق الهداية والرشد إذ لم يعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم الدال على ذلك فلم يصلوا إلى ما يرشدهم والمميز بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره هو المعجزة ولا يلزم تجرده عن صفات البشر وكونه ملكاً وخبطوا خبط عشواء مثل لسلوك ما لا يليق وأصل الخبط ضرب اليد أو الرجل على الأرض أو نحوها والعشواء الناقة التي لا تبصر ما أمامها. قوله: (إلى القدح في نبوّتك الخ) يعني أنهم يريدون القدج فيك بما ذكر فلا يأتون به ولا يفيد قدحهم قدحا إلا في عيونهم ولذا نفاه بطريق أبلغ لأنّ نفي سبيل الشيء الموصل إليه أبلغ من نفيه فهو كقوله: على لا حب لا يهتدى بمناره ولا فرق بين هذا وبين كون الفاء تفسيرية والمراد بالسبيل ما يوصل إلى معرفة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 خواص النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل. قوله: (في الدنيا) قيده به لمناسبة ما ذكره الكفار ولأن ما في الآخرة محقق لا يناسبه إن وكونها بمعنى قد تعسف وذلك إشارة إلى الكنز والجنة. وقوله: لأنه تعليل للتأخير والضمير لما في الآخرة وأبقى تفسير للخيرية. قوله: (عطف على محل الجزاء) وهو الجزم وهو يحتمل الرفع أيضا على أنّ التسكين للإدغام وقوله: والرفع لأنه لما لم يظهر أثره في الشرط الملاصق له لم يؤثر في الجزاء وليس على حذف الفاء كما ذهب إليه المبرد ولا الجواب محذوف وهذا على نية التقديم كما ذهب إليه سيبويه وينبني على الخلاف جواز جزم المعطوف وتفصيله مذكور في كتب العربية. وهل رفع الجواب لازم أو جائز قولان للنحاة أيضا. والبيت المذكور لزهير من قصيدة مدح بها هرم بن سنان. وقوله: خليل من الخلة بالفتح وهي الفقر والمسغبة مصدر ميمي من السغب وهو الجوع وحرم كحذر بمعنى فاعل للحرمان أي لا أتعللى على سائل ولا أحرمه فالتقدير ولا أنا حرم. وقيل: إنه صفة المال يقال مال حرم إذا كان لا يعطي منه شيء. قوله: (وبجوز أن يكون استئنافا) والواو استئنافية لا عاطفة وعدل عن المضيّ لأنه مستقبل في الآخرة والظاهر أنّ الاستئناف بالواو ليس جوابا لسؤال هو كيف حاله في الآخرة كما قيل. قوله: (وقوئ بالنصب على أنه جواب بالواو) هذه قراءة شاذة والنصب بعد الشرط والجزاء ذكره سيبويه. وقال إنه ضعيف قال السيرافي: لأنه لكون الشرط غير مجزوم أشبه الاستفهام وقيل إنه شبيه بالنفي وقد سمع من العرب كقول الأعشى: ومن يغترب عن قومه لم يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا ... وتدفن منه الصالحات وان يسيء يكن ما أساءالدهرفي رأس كوكبا. 0. وتفصيله في شرح الكتاب والتسهيل. قوله تعالى: ( {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} الخ) إضراب انتقاليّ وهو إمّا عطف على ما حكي عنهم يقول بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة وجوز أن يتصل بما يليه كانه قيل بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجوأب وكيف يصدقون بتعجيل ما وعدك الله في الآخرة وهم لا يؤمنون بها كما في الكشاف والى هذا أشار المصنف بقوله فقصرت أنظارهم الخ إشارة إلى الوجه الأوّل وأنه معطوف على مقولهم وقوله: تبارك كالمعترض وظنهم أنّ الشرف مقصور على الدنيوي والطعن بالفقر إشارة إلى ل، في كلامهم من إنكار مشيه في الأسواق لظنهم أنه لاحتياجه وتمنيهم أن يكون له كنز أو جنة والحطام بالضم كالحطامة ما يكسر من الشيء فاطلق على متاع الدنيا لكونه متغيراً فانيا ويحتمل أنه جمع حطامة فلذا أنث صفته وقوله أو فلذلك الخ أي لأجل نظرهم إلى الدنيا ناظر إليه أيضاً وقوله أو فكيف الخ ناظر إلى الثاني. وقوله: أو فلا تعجب الخ ناظر إلى كونه إضرابا عن جميع ما قبله فهو وجه ثالث وقيل إنّ قوله فقصرت الخ على كونه معطوفا على قوله تبارك وقوله: أو فلذلك على عطفه على قوله: (وقال الذين كفروا) وقوله: أو فكيف على عطفه على تبارك وقوله: أو فلا تعجب على عطفه على قوله وقال إلى آخره وفيه نظر وقوله: (ويصدقونك الخ) الوعد في قوله إن شاء الخ كما مر وقوله: فإنه أي التكذيب بالساعة والأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله على الإعادة مع ما شاهدوه في الأنفس والآفاق وهو أهون عليه وليس ذلك لأنه تكذيب لله لعدم إيمانهم وسماعهم بذلك منهء قوله: (نارا شديدة الاستعار) أي التوقد والالتهاب فهو نكرة ولذا دخلت عليه الألف واللام. ولذا مرض كونه علما لجهنم والشدة من صيغة فعيل فإنها للمبالغة والتأنيث باعتبار النار فإذا كان علما كان فيه التأنيث والعلمية فالظاهر حينئذ منع صرفه لكنه صرف لتأويله بالمكان أو للتناسب ورعاية الفاصلة وتأنيثه بعده للتفنن. قوله: " ذا كانت بمرأى منهم) أي قريبا منهم وفي شرح الكتاب للسيرافي قول العرب أنت مرأ! ومسمع رفعوه لأنهم جعلوه هو الأوّل حتى صار بمنزلة قولهم أنت مني قريب وبعضهم كنصبه فيقول مرأى ومسمعاً فيجعله ظرفا لأنهم لما قالوا بمرأى ومسمع ضارعه الأوّل فلذا نصب على الظرفية وإنما أوّله بما ذكر لأنها لا تتصف بالرؤية ونحوها مما للحيوان ولذا قيل إنّ المراد رأتهم زبانيتها. ومنهم من قال لا حاجة إلى التأويل وانه يجوز أن يخلق الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 في النار حياة فيكون إسناد الرؤية والزفير والتغيظ إليها حقيقة لأنّ الحياة غير مشروطة بالبنية عند أهل السنة مع أنّ ذلك الشرط محل نظر ليس هذا محل تفصيله. قوله: (لا تتراءى ناراهما) هو نهي للنار والمراد نهي صاحبها. وفي النهاية معناه يجب على المسلم أن يباعد منزله عن منزل المشرك ولا ينزل بمنزل إذا أوقدت نار فيه يراها الآخر فإسناد الرؤية إلى النار فيه ليس على حقيقته كما في الآية ولذا استشهد به إشارة إلى أنه تجوّز معروف كنار على علم كما أشار إليه. وجهنم مؤنث سماعي باعتبار البقعة وقوله: على المجاز إمّا بأن يجعل استعارة بالكناية بتشبيه النار بشخص أو هو تمثيل أو مجاز مرسل. وقوله: لا تتقاربان بيان لحاصل المعنى المتجوّز عنه وقوله: لأنه بمعنى النار وهو لف ونشر على تفسيري السعير وأوّل الحديث إنّ المؤمن والكافر ويجوز أن تكون لا نافية. قوله: (هو أقصى ما يمكن أن يرى منه) هو معنى البعد مع الرؤية وقوله صوت تغيظ الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون مع صوت كما في هذه الآية قاله الراغب وإليه أشار المصنف. وقيل إنه أراد بالسماع مطلق الإدراك أو هو من قبيل متقلدا سيفا ورمحا فيقدر وأدركوا تغيظاً وزفيرا. قوله: (شبه صوت غليانها) على أنّ الاستعارة تصريحية أو مكنية أو تمثيلية كما يظهر بأدنى تأمّل والبنية الجسد واشتراطها بذلك ممنوع وأمّا كون نار الآخرة ذات بنية فمكابرة وقوله: على حذف المضاف أو الإسناد المجازي. وقوله: في مكان إشارة إلى أنه منصوب على الظرفية. وقوله: تقدم فصار حالاً قاعدة كلية. وهي أنّ كل جار ومجرور بعد نكرة فهو صفة فإذا تقدمت صارت حالاً. وجوّز بعضهم تعلقه بالقوا وقوله: لزيادة العذاب بيان لوجه ضيقه. والروح بالفتح الراحة وقوله: يتمنون الخ يعني المراد بالدعاء هنا النداء والنداء مجاز عن التمني فانه قد يستعمل له كما صرحوا به في نحو: يا نسيم الشمال بلغ سلامي لكن إذا كان التمني على ظاهره بان تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل أشد من الموت مما يتمنى معه الموت فظاهر. وان كان مجازا كما قرروه في قوله يا حسرتا على ما فرّطت فلا يخلو من إشكال غير كونه مجازا على المجاز فتأمّل. قوله: (فيقال) يعني أنه معمول لقول معطوف على ما قبله واضماره كثير جائز وقوله: لأنّ الخ يعني كثرته لتعداد أنواعه المتوالية وقوله: كل نوع الخ فالمراد بالثبور المهلك وان كان أصل معناه الهلاك فالحاصل أنّ كثرته بتوالي أنواعه وقوله: أو لأنه يتجدد إشارة إلى جواز اتحاده فكثرته باعتبار تجدد أفراده وقوله: أو لأنه لا ينقطع فكثرته كناية عن دوامه لأنّ الكثير شانه ذلك كما قيل في ضده وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. وقيل المراد بكون كل نوع منها ثبوراً أنها محل وسبب للدعاء بالثبور أو الدعاء بألفاظ ثبور كثيرة كيالهفاه ويا حسرتاه. فوصف الثبور بالكثرة لكثرة الدعاء أو المدعوّ به وهو لا يناسب النظم ولا كلام المصنف رحمه الله لأنه كان الظاهر حينئذ أن يقال دعاء كثيرا. قوله: (الإشارة) يعني بقوله. ذلك والمراد بالعذاب النار المذكورة قبله وإنما سماها عذابا لتذكير اسم الإشارة والدليل على إرادتها أنها هي التي تقابل جنة الخلد فلا وجه لما قيل إنّ الإشارة للسعير أو المكان الضيق مع أنّ المآل واحد والتفضيل في قوله خير ولا شك أنه لا خيرية في النار فكونه تهكماً وتوبيخا ظاهر. قوله: (أو إلى الكنز والجنة) في قولهم أو يلقي إليه كنز الخ بتأويل ما ذكر والعائد المحذوف تقديره وعدها لتعديه لمفعولين وقوله: واضافة الخ يعني مع أنّ نسبة الإضافة معلومة والمدح يكون بما هو معلوم فلا منافاة أو أنّ ذلك غير معلوم للكفرة فأضيف للدلالة عليه ولا يخدشه قوله خالدين بعده لأنه للدّلالة على خلود أهلها لا خلودها في نفسها وان تلازما أو هو لدفع احتمال أن يراد بها جنات الدنيا وقيل إنها علم كجنة عدن. قوله: (في علم الله الخ) تفسير للمضي بأنه باعتبار ما ذكر أو المراد أنها ستكون فهو وعد من أكوم اكرمين لكنه لتحققه فإنه لا يخلف الميعاد عبر عنه بالماضي على طريق الاستعارة ويجوز أن يكون هذا باعتبار تقدم وعده في كتبه وعلى لسان رسله عليهم الصلاة والسلام كقوله: {مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ} . قوله: (بالوعد) أي بمقتضاه لا بالإيجاب. وقوله: ولا يمنع الخ جواب عن استدلال المعتزلة بهذه الآية على مذهبهم من وجوب الثواب لمن اتقى والعذاب لغيره لما فيها من لام الاختصاص وتقديم الجار والمجرور وجعل ذلك لمن اتصف بالتقوى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 فرده بأنه على تسليم ما ذكر فالمختص بهم كونه جزاء لهم بمقتضى وعده فلا ينافي كونه لغيرهم بفضله أو المراد بالمتقي المؤمن لاتقائه النار بإيمانه كما مر في مراتب التقوى ويدل عليه مقابلته بالكافر في النظم أو المختص بهم دخولهم ابتداء دون سبق عذاب وكلامه واضح إلا قوله برضاهم فإنه اعترض عليه بأنه مخالف للمذهب فإنه تعالى يتصرف كيف يشاء من غير اشتراط رضا أحد وقد يفسر رضاهم برضا الله عنهم فتأمّله. قوله: (ما يشاؤونه) إشار إلى أنّ ما موصولة حذف عائدها. وقوله: يقصرهمّ أي ما يهتم به ويريده وفي نسخة همم جمع همة وهو جواب عما يقال: إنّ عموم الموصول يقتضي أنه إذا شاء أحد رتبة من فوقه كالأصفياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها وان يقبل شفاعتهم لأهل النار وقوله: شيئاً مما يدركه الكامل في نسخة شيئاً مما للكامل وهما بمعنى والتشهي تكلف شهوة ما لا يليق به. ووجه التنبيه تقديم الخبر وفيها المفيد للحصر وقوله: إذ الظاهر تعليل لقصر همهم وذلك بصرف الله لهم عن ذلك ورؤية كل أحد أنّ ما هو فيه ألذ الأشياء. قوله: (حال من أحد ضمائرهم) أو من المتقين قيل جعله حالاً من الأوّل يقتضي كونها حالاً مقدّوة ومن الثالث يوهم تقييد المشيئة بها فخير الأمور أوسطها وقد رجح الثالث لقربه وما ذكره من التقييد غير مخل بل مهم. قوله: (الضمير في كان الخ) أو للخلود وقيل إنه ليحصل لهم فيها ما يشاؤون أوله ولكونه جنة الخلد جزاء ومصيرا والإفراد باعتبار ما ذكر. ولا يخفى أنه معنى رجوعه إلى الوعد أو الموعود المفهوم من الكلام وقوله: حقيقاً الخ فهو كناية عن كونه أمراً عظيما من شانه أن يطلب ويتناف! فيه وعلى الوجه الآخر فهو على ظاهره. وقوله ربنا الخ بدل من دعائهم أو مقول قول دل عليه الدعاء. ويحتمل أنه لم يقل لقولهم كما في الذي بعده لتوهم أنه دعاء منه. وهذا على كون وعدا خبرا بمعنى موعود فعلى ربك متعلق بكان أو بمقدّر لا بوعداً للمنع من تقديم معمول المصدر عليه عندهم وان كان خبرا فوعدا مصدر مؤكد. وقوله: أو الملائكة معطوف على الناس والمسؤول هنا وإن كان ما يشاؤونه لا الجنة نفسها كما في قوله: (ربنا وأدخلهم جنات عدن) فإنها معروفة بأنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فلا يرد عليه أنه كيف يصح التفسير به. قوله: (وما في على) مبتدأ خبره لامتناع الخلف يعني على للإيجاب وليس يجب على الله شيء عندنا لاستلزامه سلب الاختيار وأن لا يكون محمود التعلق الحمد والثناء والجميل الاختياري فاجاب بأنّ الممتنع على الله إيجاب الإلجاء والقسر من خارج لأنه هو السالب للاختيار. وأمّا ما أوجبه على نفسه بمقتضى وعده وكرمه فلا ضير فيه وحاصله أنّ الوجوب الناشىء من إرادته لا ينافي القدرة والاختيار وما قيل اللازم الوجوب على الله وما صححه المصنف رحمه الله هو الوجوب منه ففي كلامه إشارة إلى دفعه بأنّ الأوّل مستعار للثاني بجامع التأكيد واللزوم بقرينة الوعد والسؤال لأنّ سؤال الواجب عبث لتحتم وقوعه وأمّا دفعه بأن الأوّل يستلزم الثاني فلذا اهتم به فليس بشيء لظهور فساده. قوله: (فإنّ تعلق الإرادة بالموعود الخ) حاصله أنه إذا أراد خيرا ووعد به بعد ذلك وعد ألا يخلفه كانت إرادته سابقة على لىلجابه منه فلا يتصوّر الإلجاء فيه أصلا والوعد إن كان حادثاً فظاهر وان كان قديما بان كان بالكلام النفسيّ فالتقدم والتأخر بحسب الذات وهو لا يستلزم الحدوث أو يقال الحادث بالإرادة تعلقه بالموعود به وأمّا كون إراد الموعود تستلزم حصوله فلا معنى للوعد به فليس بشيء. قوله: (ويوم نحشرهم) متعلق باذكر مقدر معطوف على تل وكسر الشين قليل في الاستعمال قويّ في القياس لأنه أكثر في المتعدي وما يعبدون معطوف على مفعول نحشرهم وليست الواو للمعية. وقوله يعم كل معبود الخ سواه معنى قوله: من دون الله وقوله: لأنّ وضعه أعم هذا على مذهب ولا ينافيه عدم ارتضائه له في موضحع آخر والوصف بناء على أنه إذا أريد به الذات اختص بغير العقلاء وإذا أريد الوصف لا يختص! كما في قوله: وما بناها فهو بمعنى المعبودين وقد مر تحقيقه. قوله: (أو لتنليب الأصنام) غير العقلاء على غيرهم من العقلا واعترض عليه بأنّ التحقير لا يليق بشأن المغلب عليهم وهم الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام وأجيب بأنّ المراد بالتحقير بعدهم عن استحقاق العبادة وتنزيلهم منزلة ما لا علم له ولا قدرة فلا نسلم أنه بهذا المعنى غير لائق وهو لا يدفع ما في عبارة التحقير وكون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 التحقير للأصنام لا يناسب تغليبهم. قوله: (أو اعتبار الغلبة عبادها) يعني أنّ كثرة عبادها وعبادتها مستلزمة لكثرتها ومنزلة منزلتها والأكثر يغلب على الأقل وقوله: يخص معطوف على قوله: يعم فما أطلقت على العقلاء إمّا على أنها تطلق عليهم حقيقة أو مجازا أو باعتبار الوصف وقرينة السؤال والجواب لاختصاصها بالعقلاء عادة وان كان الجماد ينطق يومئذ فلا اعتراض عليه أو المراد بها الأصنام. وهي من غير العقلاء. وقوله: ينطقها الخ جواب عما ذكره من القرينة ويؤيده أنّ السياق فيهم وقوله: كما الخ تنظير لهما. قوله: (وهو على تلوين الخطاب (المرإد به الالتفات من التكلم إلى الغيبة وإن كان أعم منه وعلى قراءة ابن عامر وهو بالعكس وفيه نظر والنكتة أنّ الحشر أمر عظيم مناسب لنون العظمة بخلاف القول واضافة عبادي للترحم أو لتعظيم جرمهم لعبادة غير خالقهم وهؤلاء بدل منه والمرشد الرسول والكتاب. قوله: (لأنه لا شبهة فيه) أي في الفعل وهو الضلال والعتاب بالتاء المثناة الفوقية من الاستفهام التوبيخي وما يلي الهمزة هو المسؤول عنه حقيقة أو حكما والسؤال عن الفاعل يقتضي أنّ الفعل مسلم والمراد بالصلة صلة ضل وهي عن يعني لم يقل عن السبيل للمبالغة فإن ضله بمعنى فقده وضل عنه بمعنى خرح عنه والأوّل أبلغ لأنه يوهم أنه لا وجود له رأسا. قوله: (تعجباً مما قيل لهم) قد مر تحقيق سبحان واستعماله للتعجب في الإسرأء. وقوله: قالوا جواب لقوله فيقول: أأنتم الخ وعدل إلى المضي للدلال على تحقق التبرئة والتنزيه وأنه حالهم في الدنيا وأمّا دلالته على الاهتمام بما به الإلزام فلا. وقوله: لأنهم إمّا ملائكة الخ هو على الوجه الأوّل من عموم ما وقوله أو إشعار الظاهر أنه على تخصيصه بالعقلاء كما سيأتي وقوله: لا تقدر بالمثناة الفوقية مسنداً إلى ضمير الجمادات أو بالتحتية مسندا إلى ضمير الجماد الذي في ضمنها ولا وجه لاستبعاد.. قوله: (أو إشعارا) مر أنه على تخصيصه بالعقلاء منهم كالمسيح وأما تعميمه بناء على أنّ المراد بالتسبيح ما مر في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [سورة الإسراء، الآية: 44] فقوله: الموسومون يأباه وان لم يلاحظ فيه الحصر فإن لوحظ فيه فهو أشد إباء لا لكونه يجامع الإضلال كما في الشياطين الإنسية والجنية كما توهم. وأمّا منع إق الشياطين مسبحة مطلقا وهو ظاهر في منكر إلا له كالدهرية فليس بشيء. قوله: (أو تنزيهاً لله عن الأنداد) ذكر في سبحانك ثلاث معان الأوّل إنه تعجب لأنه كثيراً ما يستعمل فيه والثاني إنه كناية عن كونهم مسبحين موسومين بذلك فكيف يليق بهم أن يضلوا عباده. والثالث أنه مستعمل في التنزيه فهو على ظاهره والمراد تنزيهه تعالى عن الأنداد وعلى الوجوه يتم الجواب وقوله يصح لنا مر تفصيله في سورة النور. قوله: (للعصمة أو لعدم القدرة) متعلق بينبغي المنفي أو بالنفي ولو علل بأنه لا معبود سواه كان أنسب بالتسبيح والأوّل ناظر إلى الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والثاني إلى الأصنام والجمادات. وقوله: فكيف الخ لهما لأنّ العصمة وعدم القدرة مانعان عنها وقوله أن نتولى الخ مفعول ندعو والتقدير إلى أن الخ أي نحن لا نعبد غيرك فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا كما دعتهم الشياطين واتخذوهم أولياء أي عباداً فليس الظاهر فيه العطف كما توهم. قوله: (من اتخذ الذي له مفعولان) فمفعوله الأوّل ضمير المتكلم القائم مقام الفاعل والثاني من أولياء ومن تبعيضية لا زائدة أي لا تتخذونا بعض أولياء وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام كما في الكشف ولم يجوّز زيادة من في المفعول الثاني كما أشار إليه المصنف لأنه مع كونه خلاف الظاهر فيه ما سيأتي ولذا قيل لأنه محمول على الأوّل فيثغ بشيوعه ويخص كذلك فجعل من تبعيضية وجاء الأشكال في تنكير أولياء فأجاب بأنه للذلالة على الخصوص وامتيازهم بما امتازوا به وهو للتنويع على الحقيقة وأورد عليه أنا لا نسلم انّ المحمول يخص بخصوص الموضوع فإنه في قولنا زيد حيوان وجسم باق على عمومه كما تقرر وأجيب بأنّ مراده أنه إذا كان محمولاً لا يراد صدقه على غيره فيشيع ويخص كذلك في الإرادة وذلك لا ينافي عمومه في نفسه مع خصوص الموضوع وقيل إنه لا يناسب مع إمكان الاتحاد بخلاف ما ذكره من المثال وقوله: من أولياء من مقابلة المتعدد بالمتعدد كأنه قيل ما يصح لواحد منا أن يتخذ وليا من أولياء فلا يرد أنّ نفي المتعدد فيه بجامع ثبوت الواحد وهو خلاف الظاهر. وقال الطيبي رحمه الله: أجاز ابن جني أن تزاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 من المفعول الثاني وأبي الزجاج أن تزاد إلا في الأوّل وصاحب النظم أن تزاد إلا في مفعول واحد وبنى المصنف رحمه الله كلامه على كلام الزجاج فجعلها تبعيضية ولا حاجة إليه لعمومها وإذا كانت من تبعيضية فلم نكر أولياء لأنّ المعنى ما صح للكفار أن يتخذونا من دونك بعض أوليائهم لكن لما كان القائلون هم الملائكة والأنبياء تعين أن يكون الباقي الجن والأصنام لأنّ المعبودين محصورون في هؤلاء وقال السجاوندي مفعول نتخذ من أولياء أي حسبة من أصفياء. والمعنى ما ينبغي لنا أن نحسب من بعض! من يصلح للولاية فضلاً عن الكل فإنّ الوليّ قد يكون معبودا ومالكا ومخدوما ويجوز على هذه القراءة أن يكون مما له مفعول واحد ومن دونك صلة ومن أولياء حالاً كما أنه على القراءة الأولى يجوز أن يكون مما له مفعولان الأوّل هذا بزيادة من والثاني من دونك وعلى ما ذكره يكون حالاً ليحرّر. قوله: (وعلى الأول مزيدة لتكيد النفي (لأنها يحسن زيادتها بعد النفي والمنفي كان لكن هذا معمول معمولها فينسحب النفي عليه واتخذا ما متعدّ لواحد أو لاثنين وقوله وآباءهم ذكر لأنّ له مدخلاً في الغفلة ولكن استدراك على ما يفهم مما قبله من إنا لم نضلهم. وقوله: عن ذكرك فالألف واللام للعهد أو بدل من الإضافة والذكر بمعناه المعروف أو المراد به التوحيد وعلى الأوّل ما بعده بمعنى التذكير لنعم الله وآيات ألوهيته وفي نسخة أو التدبر ولها وجه. قوله: (وهو نسبة للضلال إليهم) أي هذا القول ممن عبدوه فيه نسب الضلال إليهم لكسبهم له. وقوله: واسناد له أي للضلال والحامل الذي فعله الله تمتيعهم وهو ردّ على الزمخشريّ وغيره من المعتزلة المستدلين بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم وانه لا يجوز إسناد خلق القبائح إليه تعالى ولذا لم يقولوا أنت أضللتهم وانه إذا أسند إليه فهو مجاز عن تمكينهم منه وخلق ما يحملهم عليه فيهم وأنّ تأثير هؤلاء من إسناده إليهم كيف يسند إليه تعالى وقد شنع الزمخشري عليهم بهذا فأشار إلى أنّ إسناده إليهم لكسبهم له. وخلق ما يحملهم عليه ليس مما لأهل السنة فيه نزاع ولم يتعرّض لردّ ما ذكره لأنه معلوم من مسألة الحسن والقبح وأنه فن حيث صدوره عنه ليس بقبيح فعلمه بالطريق الأولى ظاهرا البطلان فلا قصور في كلامه كما توهم وقوله فحملهم فاعله ضمير مستتر عائد على فعل. قوله: (وكانوا الخ) جملة حالية بتقدير قد أو معطوفة على مقدر أي كفروا وكانوا الخ أو على ما قبلها. وقوله: في قضائك توجيه للمضي. وقوله: مصدر أي لبار بمعنى هلك توجيه لافراد. وهو خبر عن جمع ويؤيده راتق ما فتقت إذ أنابور والعوز بالعين المهملة والذال المعجمة جمع عائد وهي الحديث النتاح من الظباء والإبل والخيل. وقوله: التفات أي من الغيبة إلى الخطاب والفاء فجائية فصيحة أي فقلنا إن قلتم إنهم أضلونا إذ عبدناهم فقد كذبوكم الخ أو لا حاجة لتقدير القول إلا أنه لمجرّد التحسين كما قيل وتسيمة الفاء الفصيحة فجائية ذكره الزمخشريّ هنا ووجهه ظهر. قوله: (في قولكم الخ) إشارة إلى أنّ الباء ظرفية وما مصدرية والجار والمجرور متعلق بالفعل والقول بمعنى المقول ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف. وقوله: إنهم الخ مقول القول. وقوله: بدل من الضمير لأنّ كذب يتعدى بنفسه وبالباء أيضاً أو هي زائدة حينئذ وهو بدل اشتمال وقوله بقولهم الخ إشارة إلى أنّ ضمير يقولون على هذا للمعبودين وقد كان للعبد والباء على هذا للملابسة أو الاستعانة ثم إنه اعترض! ما قدره مقولاً للقول بأنه لا تعلق له بما بعده من عدم اسنطاعتهم الصرف والنصر ولا يخفى تعلقه به على القراءة الثانية لأنّ عدم استطاعتهم لذلك يتفرع على كذبهم وأمّا على الأولى فالتفريع على كونهم ليسوا بآلهة وعلى ما تضمنه وهو ظاهر فلا حاجة لتكثير السواد بمثله وقراءة ابن كثير في رواية عنه وجعل الضمير للمعبودين وقد جوّز فيه كونه للعابدين التفاتا. قوله: (دفعا) أصل الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة أخرى فلذا اختار تفسيره الأوّل لأنه حقيقته وتسمية الحيلة به لأنها تؤذي إليه. وقيل: إنها تخصيص للمطلق دون قرينة فلذا ضعفه وقد تطلق على التوبة والفرية وبه فسر هنا أيضا. وقوله: فيعينكم الخ إشارة إلى أنّ الصرف قبل نزوله والنصر بعده وضمير يعينكم للناصر المفهوم منه أو للنصر على الإسناد المجازي وكونه جمع ناصر كصحب لا وجه له. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 قوله ة (أيها المكلفون الم يجعل الضمير للكفار بقرينة السياق كما قيل لأنه يحتاج إلى تأويله بيدم على الظلم إن أريد به الكفر فإن أريد به غيره فذكر تعذيب الكفار لغيره تهديداً خلاف الظاهر وان ذهب إليه بعضهم وليس فيه إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالظلم في شركهم وافترائهم على الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على أنّ أصله ونذقه أو نذقكم على القراءتين كما قيل فتأمّل. قوله: (هي النار (الضمير للعذاب وأنث للخبر وقوله والشرط أي من يظلم وقال أو فسق وإن كاق المناسب للعموم الواو لتقسيم على سبيل منع الخلوّ وفي قوله: إن إشارة إلى أنه يجوز تخصيصه بالفرد الكامل وهو الكفر فلا يحتاج إلى التقييد وأن يراد أنه يستحق ذوق العذاب فلا يلزم وقوعه. وقوله: وفاقا أي مناو من المعتزلة والتوبة شاملة للكفر والفسق وكان الأولى ترك فوله إجماعا وإن كان يمكن صرفه إلى ما اتفق عليه لأنّ إحباط الطاعة إذ زادت لغيرها من الكبائر إذا لم يتب عنها غير مسلم عند بعفى المعتزلة. وقوله: عندنا أي معاشر أهل السنة. قوله: (إلا رسلاَ أنهم الخ) يعني أنّ جملة إنهم الخ صفة لموصوف محذوف وكسرت إن لوقوعها ابتداء ولوقوع اللام بعدها أيضا وقرىء شاذا بفتحها عن زيادة اللام وتقدير لأنهم. وقوله: رسلاً هو الموصوف المقدو وصفته جملة إنهم كما صرّج به. وفي الكشاف إنّ هذه الجملة صفة ثانية لموصوف مقدر قبل قوله من المرسلين. والمعنى ما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين ولم يقا- ر المصف قبل قوله: من المرسلين شيثا أمّا لأنه لا حاجة إليه أو لأنه يقدره كما قدره الزمخشريّ وعدل عما في الكشاف قيل: لأنّ فيه فصلاً بين الصفة والموصوف بالا وقد ردّه أكثر النحاة كما في المغني فجعله صفة لمحذوف بعد إلا هو بدل مما حذف قبله وأقيمت صفته مقامه فلم تفصل إلا بين الصفة والموصوف بل بين البدل والمبدل منه وهو جائز فلا يرد عليه أنه مخالف لما قدمه في سورة الحجر من عدم جواز التفريغ في الصفات وما وقع في شرح المفتاح من أنه لا خلاف في جر بأن الاستثناء المفرّغ في الصفة مثل ما جاءني رجل إلا كريم مردود كما صرّح به شارح المغني وتأويله تعسف وما قيل إنّ المصنف رحمه الله أشار إلى تقدير موصوف لقوله من المرسلين كما في الآية المستشهد بها لأنّ تقديرها ما أحد منا خبط وخلط فتدبر. قوله: (ويجوز أن تكون حالاً الغ) مستثنى من أعم الأحوال وهذا منقول عن ابن الأنباري لكنه قدر الواو معه والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه قد يكتفي بالضمير وما مرّ في سورة الأعراف من أنّ الاكتفاء بالضمير غير فصيح قد مرّ ما فيه وقد يحمل ذلك على غير المقترن بالا لأنه في الحقيقة بدل فلا يرد عليه شيء. وقوله: وهو جواب لغوي حقيقي. قوله: (وقرىء يمشون) أي بتشديد الشين المفتوحة مع ضم الياء وهي قراءة عليّ كرّم الله وجهه وعبد الرحمن بن عبد الله رضي الله عنه وهو للتكثير كما قال الهذلي: يمشي بيننا حانوت خمر كما في المحتسب وقوله: حوائجهم الخ عن الإسناد المجازي هو إشارة إلى الفاعل المحذوف. قوله: (ابتلاء) أي اختباراً لمن يصبر وغيره وهو معنى الفتنة كما مرّ وقوله ومناصبتهم الخ المناصبة لهم العداوة من قولهم نصب له إذا عاداه وأصله من نصبت الشبكة للصيد وإيذائهم بمعنى أذاهم كما ذكره الراغب وغيره. وقوله: في القاموس لا يقال إيذاء خطأ. قوله: (وفيه دليل على القضاء والقدر) قال ابن السيد في مثلثاته قدر الله وقدره وقدره قضاؤه ومنهم من يفرق بينهما فيجعل القدر تقديره الأمور قبل أن تقع والقضاء إنفاذ ذلك القدر بخروجه من العدم وهو الصحيح لما في الحديث من أنه يك! ح مر بحائط مائل فأسرع مشيه حتى جاوزه فقيل له أتفر من قضاء الله فقال صلى الله عليه وسلم: أفر من قضائه إلى قدره ففرق بينهما انتهى. وقيل القضاء الإرادة الأزلية المقتضية لوقوع المراد على وفقها والقدر تعلق تلك الإرادة للإيجاد أو نفس الإيجاد وقيل المبرم قضاء وغيره قدر ووجه الدليل أنه جعل أفعال العباد كعداوة الكفار وايذائهم وما مرّ بجعل الله وأرادته والمعتزلة ينكرون ذلك فالآية حجة عليهم واعترض عليه بأنه لا دلالة فيها لأنّ قوله: أتصبرون علة للجعل لا للتقدير ولا وجه له لأنّ الجعل هو الإيجاد والفتنة بمعنى الابتلاء وإن لم تكن من أفعال العباد مفضية ومستلزمة لما هو منها كالعداوة والإيذاء وارتباط هذا بما قبله لأنّ جعلهم آكلين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 ماشين لا ملائكة لابتلائهم فتأمّل. قوله: (علة للجعل الخ) أي جعلنا ذلك لنبتلي الصابر من غيره ولذا قيل إنّ معادله محذوف أي أم لا تصبرون وجملة الاستفهام معموله للعلم المقدر المعلق عنها أي لنعلم أيكم يصبر أي ليظهر لكم ما في علمنا وتنظيره بالآية المذكورة في دلالة ما هو بمعنى الفتنة وهو الابتلاء على إرادة العلم كما مرّ إلا أنه مضمن ثمة ومقدر هنا فالتشبيه ليس من كل وجه. قوله: (أوجب عليهم الصبر) أي أتصبرون المراد منه الإيجاب والأمر بالصبر أي اصبروا فإني ابتليت بعضكم ببعض الغني بالفقير والشريف بالوضيع لذلك وفي نسخة أو حث على الصمبر بالحاء المهملة والثاء المثلثة فهو معطوف على قوله: علة والاستفهام للترغيب والتحريض. وقوله: افتتنوا بصيمخة المجهول. قوله: (لا ياملون) من أمل بالتخفيف بمعنى أمّل بالتشديد فإنه ورد عنهم كقوله: المرء يأمل أن يعب سش وطول عيشه قديضرّه ... خلافا لمن أنكره كما ذكره ابن هشام في قول كعب رضي الله عنه: والعفو عند رسول الله مأمول وفي المصباح الأمل ضدّ اليأس وأكثر ما يستعمل فيما يبعد حصوله والطمع يكون فيما ترب حصوله والرجاء بين الأمل والطمع فإنّ الراجي يخاف أن لا يحصل مأموله ولذ استعمل بمعنى الخوف فإن قوي الخوف استعمل استعمال الأمل كما يستعمل الأمل بمعنى الطمع انتهى فقد علمت أنه كما فرقت العرب في الاستعمال بين الرجاء والأمل ولذا قال زهير: أرجو وآمل أن تدنو مودّتها استعملت كلا منهما بمعنى الآخر ولذا سوى بينهما في القاموس وفسر أحدهما بالآخر كما هنا. وفرق بينهما كما في قول ابن هلال في فروقه الأمل رجاء يستمر ولذا قيل للنظر في الشيء إذا استمرّ وطال تأمّل فلا وجه للاعتراض على تفسيره به ولا وجه للاعتذار عنه بما لا طائل تحته. قوله: (بالخير) متعلق بلقاءنا أو بيرجون أو هما تنازعاه والباء للسببية أو الملابسة وقوله لكفرهم تعليل لعدم الرجاء وقوله أو لا يخافون فالرجاء بمعنى الخوف كما في قوله: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها لأنّ الراجي لأمر يخاف فواته فاستعمل مجازا فيه وكون هذا لغة تهامة كما نقله الزمخشريّ وهو ثقة إمّا لأنهم لا يخصونه بهذا المعنى أو على أنه حقيقة عندهم وقول الرضي وغيره إنّ الترجي الارتقاب لمكروه أو محبوب لا يقضى عليه مع أنّ الكلام هنا في لفظ رج وكلام النحاة فيما يدلّ عليه كلعل فتأمّلى قال المرزوقي وضعوا الخوف موضحع الرجاء كقوله: ولوخفت أني إن كففت مسبتي تنكب عني رمت إن تتنكبا..- والرجاء موضع الخوف كقوله. إذا لسعته الخ فما وقع للمحشي هنا من الاعتراض بكلام النحاة خبط غريب منه. قوله: (وأصل اللقاء الخ) يعني أن أصله مقابلة الشيء ومصادفته لا المماسة ومن الوصول أو اللقاء الرؤية فإنه يطلق عليها والمراد هنا على المعنيين لقاء جزائه بطريق الكناية أو بتقدير مضاف فيه سواء كان الجزاء خيرا أو شرّا ومن تبعيضية. وقوله: ويمكن أن يراد به الرؤية أي في الآخرة وهو الظاهر لا لما قيل لئلا يخالف قوله أو نرى ربنا لأنه مع كونه غير مخالف له لا يضرّ لدلالته على كذبهم ثم إنّ وجه تخصيصمه بالأوّل إنّ الرؤية لا معنى لكونها مخوف بخلاف ما إذا كان بمعنى يأملون فلا وجه للقول بأنه لا وجه للتخصيص فتأمّل. قوله: (فتخبرنا) وفي نسخة فيخبرونا فهو كقوله: {لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} فيكون معه نذيرا. وقوله: وقيل الخ لعله إنما ضعفه لأن السياق لتكذيبه والتعنت في طلب مصدق له لا لطلب ملك مستقل بدله وتكراره مع قوله سابقاً لولا أنزل إليه ملك الخ. لا يضرّ مع الأوّل في طلب ملك ينذر بما أنذر به وهذا في طلب ملك يقول إنه صادق في مدعاه أو يأمرهم بالتوحيد والإسلام وأمّا كون العادة الإلهية على إرسال الرسل من البشر فهم لا يسلمونه ولو علم فمرادهم التعجيز والعناد. قوله: (أي في شأنها الخ) يعني أنهم لتكبرهم استكبروا أنفسهم أي عدوها كبيرة لشان وخصوصية لها فنزل فيه الفعل لمتعدي منزلة اللازم كما في قوله: تجرح في عراقيبها نصلي وأصله من استكبره إذا عذه كبيراً عظيماً وفي الكشاف معناه أنهم أصروا الاستكبار في أنفسهم كقوله: إن في صدورهم اكبر وهو وجه آخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 أظهر مما ذكره المصنف وعدل عنه لأنّ ما ذكره أبلغ منه والمراد بالإفراد عظماؤهم وأكمل أوقاتها هو الوحي بالملائكة لا بإلهام ومنام ونحوه أو المراد به رؤية الملك جهاراً معايناً على صورته لأنه هو الذي اقترحوه وضمير أوقاتها للأفراد وأنثه لظاهر الجمع ولو قال أوقاتهم. كان أظهر ويمكن أن يقال الضمير للنبوّة المفهوم منه وما هو أعظم رؤية الله عياناً وهو بالواو وفي نسخة بأو جريا على ظاهر النظم وعلى الأولى يصح كون ما استفهامية أي وأيّ شيء أعظم من ذلك فيكون ما يتفق شاملاً لهما معا فلا يرد عليه أنه يفوت بيان فساد طلبهم الرؤية وكوفه أعظم مع أنه بعيد. قوله: (بالغاً الخ) تفسير لقوله كبيراً وعتوّاً مصدر جاء هنا على الأصل وأمّ عتيا في سورة مريم فللفاصلة كما مرّ تحقيقه وما عدت الخ أي منعت وهو ما مرّ ويحتمل أن يكون استكبروا وعتو الفا ونشرا لقوله: لولا أنزل الخ. وقوله: واللام أي في قوله لقد والقسم لتأكيد ما ذكر وتحقيقه ووجه حسن الاستئناف هنا أنه لما ذكر قبله أمر عظيم يقتضي إنكاره والتعجب منه وعدل عن مقتضى الظاهر فيه حتى كأنه لم يتمالك بعده إن ذكر شناعة فعلهم مؤكدة بالقسم فأفاد التعجب لوقوعه في موقع يقع في مثله التعجب وهذا أمر ذوقي والإشعار بالتعجب من السياق كما بيناه وما ذكره من الشعر نظيره وفي الكشاف وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب ألا ترى أنّ المعنى ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوّهم وما أغلى ناباً بواؤها كليب. وقال الشارح: ونحوه قوله: كبر مقتا (وفيه بحث) لأنّ ما ذكر في النظم مسلم لأنه كقوله: لمن جنى جناية فعلت كذا وكذا استعظاما وتعجباً منه ومثله كثير في سائر الألسنة لكن البيت وما مثل به الشارح ليس من هذا القبيل لأنّ الثلاثي المحوّل إلى فعل لفظاً أو تقديرا موضوع للتعجب كما صرّح به النحاة وقد مرّ تفصيله في أوّل الكهف وهذا مما يتعجب منه. قوله: (وجارة جساس البيت) من قصيدة لمهلهل وجساس لقب مرّة بن ذهل الشيباني قاتل كليب وجارته هي البسوس بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس وقصتها معروفة والناب الناقة المسنة وأبأت القاتل بالقتيل إذا قتلته به قصاصا من البواء وهو التساوي. وقوله: غلت بالمعجمة أي! اأغلا! اإذا قل فيها كليب فهو محل الاستشهاد كما مرّ. ووقل: أو العذاب أي في القيامة قيل وهو المناسب لقوله: وقدمنا الخ وفيه نظر. قوله: (ويوم نصب باذكر الخ) وعلى هذا فهو مفعول به لا ظرف إلا بتأويل كما مرّ منصوب لا مبني وان جاز في إضافته للجملة ولو مضارعية لأنّ أصل الفعل البناء واعرابه أمر عارضي وعلى الثاني متعلقه ما دلّ عليه لا بشرى كما ذكره المصنف أو نفسه مقدراً وفيه وجوه أخر. وقوله: يمنعون الخ إشارة إلى المقدّر قيل والأحسن أن يقدر لا يبشر لما فيه من التهويل لأنّ ما ذكره يقتضي أنّ ثمة بشرى لهم ولكن لا تقع وليس بشيء لأنّ ذكر البشرى المنفية فيها تحسير لهم على ترك الفطرة التي كانت تقتضي ذلك ومثله على طرف الثمام. قوله: (تكرير) فهو تأكيد للأوّل أو بدل منه متعلق بما يتعلق به، أو خبر لا واعترض أبو حيان على الأوّل بأنّ عامله حيئ! ذ عامل الأوّل فيلزم عمل ما قبل لا المبني معها اسمها فيما بعدها وهي لها الصدر لا لا مطلقاً وتخطي العامل مانع للصدارة. وردّه المعرب بأنّ الجملة المنفية معمولة لمقول مضمر وقع حالاً من الملائكة التي هي معمول يرون العامل في جملة يوم بالإضافة فلا وما في حيزها من تتمة الطرف لكونها معمولة لما في حيزه ومثله لا يعد محذوراً فتأمّل مع أنّ كون لا لها الصدر مطلقا أو إذا بنى معها اسمها ليس بمسلم عند النحاة لأنها لكثرة دورها خرجت عن الصدارة كما صرحوا به وأما عدم لزوم المحذور إذا قدّر يعدمون لأنه معنى النفي فمكابرة في المحسوس. قوله: (وللمجرمين تبيين) كسقيا له فهي متعلقة بمحذوف لا ببشرى حتى تكون معربة وعدم تنوينه لألف التأنيث فهو مقدر كما ذكره المصنف وليس بشرى معمولاً لفعل مقدر حينئذ لأنه لا يصح التبيين إلا بتكلف. وقوله: أو ظرف الخ معطوف على قوله تكرير وقوله فإنها أي لا المبني معها اسمها لأنها لو عمل اسمها طال وأشبه المضاف فينتصب وسكت عن تعلق الظرف المتقدم ببشرى وأشار إلى منعه لأنّ معمول المصدر الواقع بعدلا لا يجوز تقدمه مطلقاً وجوّزه بعضهم في الظرف لتوسعهم فيه لكنه لا حاجة إلى ارتكابه هنا من غير ضرورة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 قوله: (وللمجرمين إمّ عام الخ اللعصاة والكفار الذين لا يرجون لقاءه- وقوله: فتناول حكمه أي حكم العام أو حكم المجرمين وهو سلب البشرى حكمهم أي حكم المعهودين وهم الذين لا يرجون لقاءنا وفي بعض النسخ كلهم- وقوله: من طريق البرهان بأن يقال: الذين لا يرجون لقاءنا مجرمون كاملون وكل المجرمين لا بشرى لهم فهم لا بشرى لهم بالطريق الأولى وهذا مراد من قال: لدلالة الكلام على أنّ المانع من حصول البشرى هو الإجرام ولا إجرام أعظم من إجرام الذين لا يرجون لقاءنا ويقولون ما يقولون فهم أولى به فلا وجه للردّ عليه وقوله: ولا يلزم الخ دفع لسؤال يرد على العموم وهو أنه يقتضي نفي العفو والشفاعة للعصاة كما تقوله المعتزلة بأنّ هذا في وقت مخصوص وذاك في آخر سواء أريد باليوم وقت الموت أو العذاب وقد قيل إنّ مدلوله نفي البثرى لهم بأعمالهم الحسنة ولا تعرّض فيه للشفاعة وهي ثابتة بالأحاديث الصمحيحة فلا تعارض بينهما فتأمّل. وتوله: حينئذ أي حين إرادة العموم أو حين الموت أو رؤية العذاب. قوله: (وإمّا خاص) أي بالكفرة السابق ذكرهم فيكون على خلاف مقتضى الظاهر للنكتة المذكورة التي تفوت بالإضمار ولذا رجح الأوّل لموافقته للظاهر واثباته للمدعي بطريق برهاني ولا تكلف فيه كما توهم. وقوله: ضميرهم بكسر الهاء ويجوز ضمها. قوله: (عطف على المدلول) يحتمل أن يريد المدلول المعهود في قوله ما دل عليه لا بشرى فيكون معطوفاً على يمنعون أو يعذبون وليس هو العطف على المعنى كما قيل ويحتمل أن يريد أنه معطوف على ما قبله باعتبار مدلوله لأنه في معنى يئاهدون القيامة وأهوالها ويقولون: الخ ولم يجعله معطوفا على يرون مع ظهوره لفصل لا بشرى بينهما ولاحتياجه على تعميم المجرمين إلى تكلف لا يخفى. قوله: (يقول الكفرة الخ) فالضمير للذين لا يرجون وهو الظاهر ولذا قدمه وحينئذ فالمراد به الاستعاذة من ملائكة العذاب طلباً من الله أن يمنع لقاءهم قال أبو علي الفارسي: مما كانت العرب تستعمله ثم ترك قولهم حجرا محجوراً وهذا كان عندهم لمعنيين أحدهما أن يقال عند الحرمان إذا سئل الإنسان فقال: حجراً محجوراً علم السامع أنه يريد أن يحرمه ومنه قوله: جثت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهارش! ... والوجه الآخر الاستعادة كان الإنسان إذا سافر فرأى ما يخاف قال حجراً محجوراً أي حرام عليك التعرّض لي انتهى وإلى هذين المعنيين أشار المصنف بقوله: أو تقولها الملائكة على أنّ الضمير لهم والمراد بها الحرمان كما كانوا يقولونه في الدنيا والظاهر أنه معطوف كما في الوجه الأوّل. وما قيل: من أنّ الظاهر حينئذ أنه حال من الملائكة كما أنه يجوز في الوجه الأوّل تأباه الواو وأنه يصير كقولهم قمت واصك وجهه د ان كان أقرب بحسب المعنى ولذا اختاره الطيبي وجعله بتقدير وهم يقولون وجعله على الأوّل عطفا على يرون وأصل معنى الحجر المنع فأريد ما ذكر. قوله: (وقرئ حجرا بالضم الخ) هي قراءة الحسن والضحاك وأبو رجاء ومن عداهم بكسرها وقرى بالفتح أيضا كما حكاه أبو البقاء ففيه ثملاث لغات قرئ بها ورابعة وهي حجري بألف التأنيث. وقوله: لما اختص بموضع يعن لما خصوا استعماله بالاستعاذة أو الحرمان صاو كالمنقول فلما تغير معناه غير لفظه عما هو أصله وهو الفتح إلى الكسر أو الضم لإيهام أنه لفظ آخر كالمرتجل لكنه يرد عليه أنه استعمل مفتوحا على أصله كما مرّ إلا أن يقال إنه لا يعتد به لندوره. قوله: (كقعدك وعمرك) قعدك بفتح القاف وحكي كسرها عن المازني وأنكره الأزهري والعين ساكنة يقال: قعدك لله وقعيدك الله بنصب الاسم الشريف لا غير وقعدك منصوب على المصدرية والمراد رقيبك وحفيظك الله ثم نقل إلى القسم فقيل: قعدك الله لا تفعل كذا قال: قعيدكما الله الذي أنتما له ألم تسمعا بالنعيتين المناديا.. ء وأمّا عمرك الله فبفتح العين وضمها والراء مفتوحة لأنه منصوب على المصدرية ثم اختص بالقسم كقوله: أيها المنكح الثرياسهيلا عمرك الله كيف يلتقيان ... والتمثيل إن كان للاختصاص فظاهر وان كان له وللتغيير فلأنّ أصله بإقعاد الله وتعميره أي إدامته لك فغير معناه للقسم ولفظه إلى ما ذكر. قوله: (ولذلك لا يتصرف فيه) أي يلؤم النصب على المصدرية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 بفعل لازم الإضمار كما في بعض كتب النحو لكنه اعترض عليه في الدر المصون بما أنشده الزمخشري: قعالت وفيها حيدة وذعر عوذبربي منكم وحجر ... فإنه وقع مرفوعاً وكذا سمع في غيره أيضاً فمن جوّز فيه النصب على المفعولية أي اجعل البشرى حجرا لنا لم يصب. قوله: (ووصفه الخ) يعني أنه اشتق له من لفظه صفة مؤكدة وهي تكهعون بفاعل كشعر شاعر وموت مائت بوزن مفعول كحجر محجور وغيره كليل أليل وهي للنسب أي ذو حجر ومفعول كفاعل يكون للنسب كما مرّ في الإسراء. وقيل إنه على الإسناد المجازي وما ذكر لا يلائم المعنى وفيه نظر. قوله تعالى: ( {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} ) قيل صحة البيان فيه باعتبار التنكير كصحة الاستثناء في أن نظن إلا ظناً إلا أن التنكير هناك للتحقير أي إلا ظناً حقيرا لا يعبأ به وهنا للتعظيم وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: من المكارم كقرى الضيف وإغاثة الملهوف أي المظلوم والإغاثة بالمعجمة والمثلثة أو بالمهملة والنون ولو قيل إنه للتعميم ودفع ما يتوهم من العهد في الموصول أي كل عمل عملوه غير معتد به لكان وجهاً. قوله: (وعمدنا إلى ما عملوا الخ) هذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في شرح الكشاف فلهذا ابتدأ به أي كما هو دأبه في تقديم المأثور والعمد القصد ولما كان بين كلاميه كما في الكشاف تناف فإنّ ظاهره أنّ القدوم مجاز عن القصد فهو مجاز مرسل وقوله شبهت حالهم الخ يقتضي أنه استعارة تمثيلية فلا تجوّز في شيء من المفردات كما تقرّر في المعاني اعترض عليه بعضهم بأنه خلط. وشراح الكشاف تنبهوا له ونبهوا على أنّ المراد أنه اسنعارة تمثيلية ولا تجوز في شيء من مفرداته باعتبارها وهو لا ينافي أن يكون في بعض مفرداتها مجاز سابق عليها كالقدوم هنا فإنه استعمل للقصد الموصل إلى المقصد والإرادة وهو المراد هنا لأنّ الذي لا بد منه هو قصد السلطان إلى من صدر منه ذلك أمّا القدوم فلا حاجة إليه بل قد يكون وقد لا يكون كما قيل وفيه ما فيه ثم إنّ مجموع قصد مصنوعاتهم ليجعل هباء منثوراً مستعار لإبطال أعمالهم وافنائها لكونها لم تصادف محلها ولم تقع موقعها فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى المراد منه فلا إشكال فيه على ما قالوا وكلامهم لا يخلو من الخلل والاضطراب فإنّ كلام المصنف والكشاف لا يناسب ما ذكروه لتصريحهما بتشبيه العمل المحبط بالهباء المنثور وقد ذكر الطرفان ولو كان تمثيلاً لم يجز التشبيه والتصرف في شيء من أجزائه وما قيل إنه تشبيه ضمني لازم ذكر لتكثير الفائدة وبيان مناسبة المفردات لا يجدي نفعاً وكذا ما ذكره في المفتاح من جعله استعارة تبعية تصريحية طرفاها والجامع بينهما عقلية فاستعير من قدوم المسافر بعد مدة إلى الأخذ في الجزاء بعد الإمهال وأورد عليه أنه إذا كان قدمنا بمعنى أخذنا في جزاء أعمالهم بعد الإمهال فلا معنى لتعديته بإلى وهو غير وارد لأنّ المجاز قد يعتبر أصله في تعديتة كنطقت الحال بكذا إذ لم يقل على كذا وهو كثير بل الوارد عليه أنه لا يكفي في بيان معنى النظم وما بعده لا يلائمه وما قيل: من أنه إذا أريد بقدمنا قصدنا فلا حاجة إلى التمثيل لصحة المعنى بدونه واقتضاء المقام ممنوع ثم إنّ قدوم السلطان القاهر بنفسه يكون لاشتعال غضبه فاعتباره أنسب بالحال فهو مع قلة مفاده فيه اختلال على اختلال واذ سردنا لك ما في هذا المقام من القيل والقال فاعلم إنّ هنا استعارة تمثيلية في قوله: قدمنا! الخ واللفظ المستعار وقع فيه استعمال قدم بمعنى عمد وقصد لاشتهاره فيه كما أشار إليه في الأساس والقول بأنه لا حاجة إلى التمثيل بعده من قلة التدبر فإنه لا بدّ منه. وأمّا تشبيه عملهم في تفرّقه بالهباء ففي اللفظ المنقول فلا ينافي ما ذكر كما إذا قلت أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى كالمهر في طوله ولاشتهار قدم المدى بإلى في هذا المعنى وعدم مناسبتة للغارة إذ لا يقال قدم الجيس على العدوّ بل يقال أغار ونحوه لم يتفق على حقيقته وبهذا علمت ما في الكشاف وترجيحه غلى ما ذهب إليه السكاكي وما في كلامهم برمّته. قوله: (لفقد ما هو شرط اعتباره) يعني الإيمان. وقوله: وهو تشبيه الخ قد عرفت معناه فمن قال إنّ الواو فيه بمعنى أو فقد أخطأ. واستعصوا بما خالفوه. وقوله: فقدم إلى أشيائهم جمع شيء كما صحح في نسخ الكشاف وفي نسخة أسبابهم بمهملة وموحدتين والصحيح الأول لأنه استعمال عامي. قوله: (ومنثورا صفتة الخ) يشير إلى أنه تتميم إذ لم يكتف بجعله في تفرّقه كالهباء حتى جعله منثورا كقول الخنساء: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 وان صخر التأتمّ الهداة به كأنه علم في رأسه نار 0.. فجعلها جامعة لحقارة الهباء وتناثره وقد علمت أنّ هذا التشبيه في ضمن التمثيل فلا يرد أنه خلط لأنه حينئذ تشبيه لا استعارة كما توهم. وقوله: أو تفرقه معطوف على قوله انتثاره. وقوله: نحو أغراضهم تشبيه لتفرّقه بتفرّق أغراضهم في أعمالهم السيئة وعطفه بأو وان كاًن التفرّق والانتشار متقاربين لتباين ثمرته فإنها على الأوّل إنه لا يمكن جمعه والانتفاع به وعلى هذا هو جزاء له على حاله والجزاء من جنس العمل. فما قيل إنّ معناه جعلنا عملهم متفرّقا نحو أغراضهم من حيث الخلق وهو لا يناسب التمثيل غير متجه. قوله: (أو مفعول ثالث) يعني هو مفعول بعد مفعول كالخبر بعد الخبر لأنّ جعل لا يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كما أشار إليه بقوله من حيث إنه الخ وهذا جواب عما اعترض به على الزمخشري بجعله كحلو حامض وهو ضعيف كما تقدم ولذا آخره. قوله: (مكاناً يستقرّ فيه الخ) يعني المراد بالمستقر محل التحادث وبالمقيل محل الاستراحة ولذا جمع بينهما والا فالجنة كلها مستقر لهم وإلاسترواح استفعال من الراحة. وقوله: والتمتع الخ تفسير له وقوله تجوّزا له أي نقل له من معناه الحقيقي وهو مكان القيلولة إلى مكان التمتع بالأزوإج لأنه يشبهه في كون كل منهما محل خلوة واستراحة فهو استعارة. وقال الأزهري المقيل الاستراحة في نصف النهار وان لم يكن معه نوم وهو على المصدرية وليس فيه ما يقتضي عدم التجوّز هنا كما قيل. قوله:) أو لأنه لا يخلو الخ) عطف على قوله على التشبيه فهو مجاز مرسل لاستعمال المقيد في المطلق ولا تغليب فيه بالمعنى المتعارف كما قيل وقوله إذ لا نوم في الجنة تعليل للتجوّز وعدم إرادة الحقيقة. قوله:) وفي أحسن رمز الخ) يعني أنه كناية عن أنّ لهم فيه ما يتزين به مما ذكر لأنّ حسن المنزل إن لم يكن باعتبار ما يرجع لصاحبه لم تتم المسرّة به ولما فيه من الخفاء جعله رمزاً. والتحاسين جمع تحسين مصدر حسنه كالتضاعيف سمي به ما يحسن به الشيء وقوله: يحتمل الخ يعني إنّ كلا منهما أو هما يحتمل المصدرية والزمانية والمكانية فالوجوه تسعة. قوله: (والتفضيل الخ) يعني المراد أنه أحسن من كل شيء يتصوّر حسنه أو المراد خير وأحسن مما للمترفين في الدنيا ولا ياباه قوله يومئذ كما توهم لأنه لا يلزم وجود المفضل عليه يومئذ أو مما لهم في الآخرة على التقدير والتهكم بأهل النار أو هو على حد الصيف أحر من الشتاء. قوله: (روي الخ) في شرح الكشاف أنه يفهم منه وجه آخر ولذا عطفه الزمخشريّ على ما قبله إذ المراد بالمستقر موضع الحساب وبالمقيل محل الاستراحة بعد الفراغ منه. ومعنى يقيلون يتقلون إليها وقت القيلولة. وقوله: وأهل النار مشاكلة أو تهكم والحديث أخرجه الحاكم وصححه وله طرق أخرى. قوله تعالى: ( {يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ} ) العامل في يوم إمّا اذكر أو ينفرد الله بالملك لدلالة ما بعده عليه كما ذكره المعرب وقيل إنه معطوف على يومئذ أو يوم يرون وقرئ تشقق بتخفيف الشين وتشديدها بحذف إحدى التاءين وبادغامها في الشين لما بينهما من المقاربة كما في تظاهرون. قوله: (يسبب طلوع الغمام منها) يعني إنّ الباء للسببية كالسماء منفطر به والمراد بالغمام ضباب يخرج منها إذا تشققت وفيه ملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال وهو المراد بقوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله الآية كما أشار إليه المصنف والمراد انفتاحها لذلك ولما كان تشقق السماء لأجل نزول ما فيه من الملائكة وبروز الخلق للحساب جعل سببا له وذكر التشقق للتهويل وقيل إنها للملابسة وهو أظهر وقيل إنها بمعنى عن أو للآلة. قوله: (وقرئ الخ) القراآت إمّا على الأصل بنونين على أنه مضارع معلوم من التفعيل أو الأفعال أو بنون واحدة وتاء تأنيث ماض مجهول من التفعيل أو أنزل مجهول الأفعال والرابعة نزل الملائكة بمجهول الثلاثي والخامسة بنون واحدة مضمومة والتشديد وضم اللام على أنه مضارع من التفعيل حذف فاء فعله وكلها ظاهرة إلا الرابعة فإن نزل الثلاثي لم يسمع تعديه. قال ابن جني فإمّا أن يكون لغة نادرة أو يكون أصله نزل نزول الملائكة فحذف المضاف فتأمّله. قوله: (الثابت له) أي للرحمن فالحق بمعنى الثابت والجار والمجرور متعلق به ويومئذ متعلق بالملك. وقوله: لأنّ كل ملك الخ إشارة إلى ما يفيده تعريف الطرفين ولام الاختصاص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 من قصر المسند إليه على المسند والملك بمعنى المالكية. وقوله: فهو أي الحق. وقوله: وللرحمن صلته أي صلة الحق لا الملك للفصل بينهما فهو مؤكد لما يفيده تعريف الطرفين فلا وجه لما قيل إنه حينئذ لا نكتة في تعريف المسند. وقوله: أو تبيين فهو متعلق بمحذوف لا صلة كما في مقياله وهو بيان لمن له الملك وقوله لأنه متأخر أي مصدر متأخر لا تتقدم عليه صلته ولو ظرفا والتوسع فيه لا يقتضي ارتكابه من غير ضرورة. وادعاء جواز تقديره بأن والفعل لا يقتضي أن يعطي جميع أحكامه أو أنّ الحق صفة ولذا فسره بالثابت خلاف ما صرّحوا به وما ذكره هنا بناء على المشهور يومئذ بمعنى يوم إذ تشقق السماء. قوله: (أو صفة) عطف على قوله فهو الخبر أي الحق صفة لكن فيه فصل بين الصفة والموصوف بالخبر وللرحمن حينئذ صلة الحق وإذا كان للرحمن خبرا فيومئذ متعلق بالملك لا بالحق لما مرّ. وقوله: شديدا أي ما فيه من الأهوال شديد وقيل معناه لا يتيسر فيه شيء. وقوله: من فرط الحسرة أي من زيادة تحسره وندامته على ما فرط فيه. قوله: (وعض اليدين وكل البنان الخ) حرق الأسنان بحاء وراء مهملتين كمصدر حرق حك بعضها على بعض بحيث يسمع لها صوت كما يفعل في شدّة الغضب وروادفها أي لوازمها التي تقع بعدها غالبا فهي لازمة لها في العادة والعرف. قوله: (وقيل عقبة بن أبي معيط) فتعريفه للعهد وفي الوجه السابق للجنس ومعيط مهمل مصغر. وقوله: صديقه أي صديق عقبة. وقوله: صبأت أي خرجت من دينك إلى دين آخر من صبأ إذا مال وكانوا يقولون لمن أسلم صبأ. وقوله: آلى بالمد أي أقسم ودار الندوة مجمع معروف بمكة. وضمير طعن أبيا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم قتله بنفسه في أحد كما ذكره الثعلبي. وقوله: علوت رأسك بالسيف أي ضربتك به وقد برّ فيما ذكره لأنه فعل بأمره والآمر كالفاعل عرفا في بعض المواضع. ولذا قالوا إنه لو حلف ليضربنه فأمر بضربه برّ إن كان حاكما أو سيدا بخلاف غيره وكون لمأمور عليا كرّم الله وجهه رواية وفي الطبراني عن مجاهد إنه ثابت بن أبي الأفلح وقوله تعالى يقول شال من فاعل بعض أو جملة مستأنفة أو مبينة لما قبلها وياليتني الخ مقول القول وقصة عقبة أخرجها ابن جرير من طرق مرسلة. قوله: (طريقاً إلى النجاة) أيّ طريق كان فالتنكير لشيوعه وعلى ما بعده التنكير والإفراد للوحدة وعدم تعريفه لادعائه تعينه وطريق الحق في نسخة طريق الجنة وقوله: تتشعب أي تختلف وتتفرّق فانّ طريق الحق واحدة وغيرها طرق متفرّقة. وقوله: على الأصل لأنها ياء المتكلم قلبت ألفا للتخفيف كما في صحارى. وقوله: يعني من أضله مطلقا أو أبيّ بن خلف. قوله: (وفلان كناية عن الإعلام الخ) إشارة إلى قول النحاة أنهم كنوأ بفلان وفلانة عن علم مذكر ومؤنث عاقلين وبهن وهنة عن اسم جنس مذكر ومؤنث غير علم سواء كان عاقلاً أو لا واشترط ابن الحاجب في فلان أن يكون محكياً بالقول كما في الآية وردّه في شرح التسهيل بأنه سمع خلافه كثيراً كقوله: وإذا فلان مات عن أكرومة دفعوا معاوذ فقره بفلان ... وقد يقال إنّ القول فيه مقدر فلا يرد قول ابن هشام أنه إذا قيل جاءني فلان معناه جاءني مسماه لا العلم وان أجيب عنه بأنه على تقدير جاءني مسمى فلان وكون هن المفتوج الهاء المخفف النون معنا. ما ذكر أكثريّ فإنه ورد خلافه في قوله: والله أعطاك فضلاً من عطيته على هن وهن فيمامضى وهن ... فإنه أراد عبد الله وإبراهيم وحسن والمراد بالكناية معناها اللغوي لا مصطلح أهل اإمعاني والمراد بالأجناس أسماء الأجناس أي ما ليس بعلم. قوله:) وتمكنت منه (إمّا عطف تفسير لقوله: جاءني وهو الظاهر أو المراد به الوصول إليه بعلمه وهذا بيان للواقع وليس في الآية دليل على إيمان عقبة ثم ارتداده لنزولها فيه ولعل قوله: وتمكنت منه إشارة إلى ذلك. وقوله: وكان الشيطان الخ إمّ من كلام الله أو كلام الظالم. وقوله: يعني الخليل فإنه يشبه الشيطان في الإضلال والإغواء. وقوله: لأنه حمل أي بوسوسته لأنه لم يضله ظاهراً. وقوله: يواليه أي يتخذه ولياً حقيقة أو حكما ثم يتركه وقت حاجته وتبريه منه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 وقوله فعول من الخذلان أي خذول والخذلان ترك المعاونة والنصرة وقت الحاجة. قوله: (محمد يومئذ) أي المراد من الرسول نبينا صلى الله عليه وسلم شرفه الله وعظمه وقوله: ذلك في الآخرة يوم يعض الظالم على يديه وأورد عليه إنه لو كان في الآخرة لما عدل عن سنن ما تقدّم وأجيب بأن القصد فيما تقدم إلى الاستمرار التجدّدي الذي اقتضاه المقام وليس مقصوداً هنا فعبر بالماضي الدال على تحقق الشهادة عليهم حينثذ ولا يخفى إن ما تقدم إخبار عما في الآخرة فهو مستقبل حقيقة ولا قرينة على إوادة الاستمرار قيه. واحتمال عطفه على قوله: وكان الشيطان على أنه من كلامه تعالى بعيد ولو قيل إنه عدل عنه لتحققه ومناسبته لما قبله لكفى فتامّل. قوله: (أو في الدفيا بثا إلى الله) وهو المناسب لما بعده من تسليته له وبنا هنا بمعنى شكو! ما يحزنه إلى الله أي يقوله للبث وهذا على الاحتمال الثاني ويحتمل أنه عليهما فالمقصود ذلك لعلم الله به. وقوله: وصدّوا عته أي تركوه من الصدود فهو من الهجر بالفتح لا من الصدّ والمعنى صدّوا الناس عنه لعدم مناسبته للسياق والظاهر أنهما وجه واحد لا اثنان والأوّل الترك بالكلية مع عدم القبول والثاني عدم الاشتغال مع القبول. وما ذكره من الحديث قال العراقي رحمه الله روي عن أبي هدية وهو كذاب. وقوله علق مصحفه أي طواه ورفعه على المعتاد وتعلقه به يحتمل إجراؤه على ظاهره لأنّ أحوال الآخرة لا يقاس عليها. ويحتمل إنه ئمثيل أو أنّ المراد الملائكة الموكلون به وهو أقرب. قوله: (أو هجروا الخ) يعني من الهجر بالضم على المشهور وهو الهذيان وفحش القول والدخل وهو على الحذف والإيصال أي مهجورا فيه وله معنيان لأنه إما بمعنى مدخولاً فيه كقولهم: إنه أساطير الأوّلين تعلمها من بعض أهل الكتاب أو أنهم كانوا إذا قرى رفعوا أصواتهم بالهذيان لثلا يسمع كقوله: لا تسمعوا لهذا القران وألغوا فيه كما هو مسطور في تفسيرها. أو هو مصدر بمعنى الهجر بالضم لا بالفتح كما ئوهم كالمعقول وأخره لقلته عند من أثبته وأقل منه كونه للنسبة كحجابا مستورا كما مر في سورة الإسراء فقوله: فيكون الخ أي على الاحتمالين الأخيرين وعلى الأوّل منهما الهاجر الكفار وعلى الثاني من أتى به على زعمهم الفاسد. قوله: (وفيه تخويف الخ) أي على القول الثاني وفي الاقتصار عليه هنا ما يشير إلى ترجيحه لما مر وكونه في الآخرة كما توهم لا وجه له وبه يهندفع أنه ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها كما مر وكذا في القول الأوّل. قوله: (كما جعلناه) بيان لدخوله فيهم دخولاً أوّلياً وأنّ المراد تسليته صلى الله عليه وسلم وأمره بالصبر لأنّ البلية إذا عمت طابت وقوله: وفيه دليل الخ لأنّ المراد بجعلهم عدوّاً جعل عداوتهم وخلقها وما ينشؤ منها فيهم لأجعل ذواتهم كما لا يخفى فهو إبطال لمذهب المعتزلة ويدخل فيهم آدم عليه الصلاة والسلام لدخول الشياطين وقابيل في المجرمين فلا حاجة إلى جعل الكلية بمعنى الكثرة كما قيل. وقوله: والعدوّ الخ لأنّ لبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعداء ولم يجعله مرادا لاحتمال تأويله فتأمّل. قوله: (إلى طريق قهرهم) قدّره لمناسبته لما بعده وما قبله وجعله بمعنى هادياً لمن آمن منهم ونصيرا على غيره كما قيل بعيد وقهرهم مصدر مضاف للمفعول وهاديا تمييز أو حال. قوله: (أنزل) فلا دلالة على التدريج وبهذه الآية استدل من قال نزل وأنزل بمعنى واعترض على قول المصنف رحمه الله بالفرق مينهما فيما مر وأنه معارض لما ذكره هنا وقد مر أنّ دلالته على ذلك عند الإطلاق ومقابلته بأفنرل وهو من القرائن الخارجية لا من الصيغة فلا تعارض بين كلاميه كما توهم. وجملة حال بمعنى دفعة وواحدة صفة عؤكدة له وقوله لئلا يناقض أي لو دل على التدريج. قوله: (كالكتب الثلانة) هي التوراة والإنجيل والزيور وهذا بناء على المشهور من أنها نزلت دفعة واحدة وقد قال في الإتقان إنه كاد أن يكون إجماعاً وذكر آثاراً وأحاديث مروية عن السلف كثيرة تد! ل عليه وقال رأيت بعض فضلاء العصر أنكره وقال إنه لا دليل عليه ثم بين خطأه فيه فلا عبرة بمن قال إنّ بعض العلماء ذكر في آخر سورة النساء إنّ التوراة أنزلت منجمة في ثماني عشرة سنة ويدل عليه نصوص التوراة ولا قاطع بخلافه من الكتاب والسنة والمراد بالذين كفروا أهل الكتاب وقيل المشركون. قوله: (وهو اعترأض الخ) أي قول الكفار لولا نزل الخ والطائل الفائدة وأورد على قوله: لأنّ الإعجاز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 لا يختلف الخ بأنّ فيه غفلة عما تقرّر في المعاتي من إنّ إعجازه ببلاغته وهي بمطابقته لمقتضى الحال في كل جملة منه ولا يتيسر ذلك في نزوله دفعة واحدة وما ذكره من المقدم مسلم وأما قوله إنه لا يتيسر الخ فممنوع فإنه يجوز أن ينزل دفعة واحدة مع رعاية المطابقة المذكورة في كل جملة منها لما سجدث من الحوادث الموافقة لها الدالة على أحكامها وقد صح إنه فزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا فلو لم يكن هذا لزوم كونه غير معجز فيها ولا قائل به بل قد يقال إنّ هذا أقوى في إعجازه مع أنه قيل في بعض السور إنها نزلت دفعة واحدة كسورة الأنعام ولا شبهة في إعجازها ويؤيده أنّ الشاعر البليغ يقول القصيدة الطويلة دفعة واحدة كما في المعلقات مع أتفاقهم محلى بلاغتها وإن لم تكن معجزة وأيضا لو سلم لكانت بلاغتها مختصة بمن علم سبب نزولها فاللازم إنما هو أن يفهم من سياقها مطابقتها لمقامها ولو كان قبل تحققه فافهم. قوله: (حيث كان أمّياً وكانوا يكتبون) أي ويقرؤون الخط للزومه للكتابة فيسهل عليهم حفظها من غير احتياج إلى غيره من البشر المورث لتعبه ونقص فيه لاحتياجه للغير. وأمّ جواز نزوله دفعة بخط سماوي وتعليم جبريل عليه الصلاة والسلام تدريجاً فلا ضير فيه إلا أنه إذا لزم تلقنه منه تدريجاً لا يكن في نزوله كذلك فائدة مع أنّ في خلافه فوائد جمة والتعني تفعل من العناء وهو التعب والمشقة. قوله: (ولعله لم يستتب له) أي يتم ويستقيم قال البحتري: قليل احتجاب الوجه يغدو بمسمع من الأمرحتى يستتب وينظر ... أي ربما لا يتم حفظه له لو نزل جملة كما أشار إلى وجهه بقوله فإنّ التلقف أي التلقي له وقواله: ولأنه إذ أنزل منجماً الخ يعني أنه صلى الله عليه وسلم تحداهم بكل جزء وهذا أقوى من التحدي يالجملة فإذا عجزوا عن ذلك فهم أعجز عن غيره فطلبه يدل على شدة حيرتهم ودهشتهم. وقوله: تثبت به أي في نزوله حالاً فحالاً ترويح لنفسه وتثبيت لفؤاده كما إن كتب المحبوب إذا سواصلت لمحبه جدّدت له محبة ونشاطا. قوله: (ومنها) أي من فوائد تفريقه معرفة الناسخ المتأخر نزوله من المنسوخ المتقدّم المخالف لحكمه كما في آية القتال وتحققهما فيه من البواعث المتقدمة ومعرفة ذلك من الفوائد المتأخرة. وقوله: فانه يعين على البلاغة أي على معرفه البلاغة لأنه بالنظر إلى الحال يتنبه السامع لما يطابقها ويوافقها وفيه إشارة إلى ما مر. قوله: (وكذلك صقة مصدر محذوف) هو وعامله أي أنزلنا إنزالاً كذلك الإنزال الذي عرفتموه وأنكرتموه. وهو المفرق الذي دل عليه ما ذكر فإنّ معناه لم أنزل مفرقاً ولم ينزل جملة فهو من كلام الله. وقوله: من تمام كلام الكفرة فهو من جملة مقول القول وبه يتم والإشارة إلى إنزال الكتب المتقدّمة دفعة واحدة كما مر تحقيقه وهو حال من القرآن لا صفة مصدر فعل مقدّر كما مر ولا مانع صن جعله صفة لجملة ولا من كونه صفة مصدر هذا الفعل المذكور أيضاً وقوله تتعلق بمحذوف هو أنزلنا الذي كذلك صفة لمصدره في أحد الوجهين. قوله: (وقرأناه) أي أمرنا أو قدرنا أو أردنا قراءته عليك والتؤدة والتمهل بمعنى. وقوله: في عشرين الخ اختلاف في المحدثين مر بيانه وتفليج الأسنان عدم تلاصقها وهو ممدوح فيها وقوله: كانه مثل الخ إشارة إلى أنه مجاز وقوله في البطلان لأنّ أكثر الأمثال أمور مخيلة والقدح بمثل لولا أنزل إليه ملك لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة وغيره مما مر وقوله إلا جئناك استثناء مفرغ من أعم الأحوال فمحله النصب على الحالية وجعل مقارنا له وإن كان بعده للدلالة على المسارعة إلى إبطال ما أتوا به تثبيتاً لفؤاده صلى الله عليه وسلم وقوله: الدافع من الدفع وهو ظاهر وفي نسخة الدامغ بميم وغين معجمة وهو المهلك له بإخراح دماغه استعير للدّفع أيضاً. قوله: (وبما هو أحسن بياناً) إشارة إلى أن أحسن معطوف على الحق وإزة التفسير بمعناه المعروف وهو الكشف والبيان وهو منصوب على التمييز وقوله: أو معنى فالمراد بالتفسير المعنى والمراد أحسن معنى لأنه يقال تفسير هذا كذا وكذا أي معناه فهو مصدر بمعنى المفعول لأنّ المعنى مفسر كدرهم ضرب الأمير. وقيل إنه من إطلاق السبب على المسبب لأنّ التفسير سبب لظهور المعنى وقيل عليه فرق بين نفس المعنى وظهوره فلا يتم التقريب. ورد بأن المفسر هو الكلام لا المعنى لأنه يقال: فسرت الكلام لا معناه كما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 في الكشاف فتجوز به عن بيان معنى الكلام وهو مجاز مشهور ملحق بالحقيقة فلذا تجوز به عن المعنى نفسه ولا يخفى ما فيه من التعسف وقوله من سؤالهم هو المفضل عليه المقدر وفي الفرائد المعنى إنه في غاية الحسن والكمال فلا حاجة لتقدير ما ذكر لكنه قيل إنه يفوت معنى التسلية إذ المراد لا يهمك ما اقترحوه وهو المراد بقوله: ولا يأتونك وفيه نظر. فوله: (أو لا يأتونك الخ) في نسخة ولا يأتونك الخ قيل وهي أولى لأنّ المآل واحد ولا وجه له فإنّ الفرق بينهما ظاهر فإنّ المثل في الأوّل بمعنى السؤال وفي هذا بمعنى حاله صلى الله عليه وسلم. ثم إنه قيل عليه أنه يأباه الاسنشاء المذكور لأنّ المتبادر منه أن يكون ما أعطاه الله من الحق مترتباً على ما أتوا به من الأباطيل وأفعالها ولا ريب في إنّ ما آتاه الله من الملكات السنية ليس لأجل ما حكي عنهم من الاقتراحات بل لأجل إبطالها ولا يخفى ضعفه فإنّ المراد بقوله: جئناك بالحق أظهر نافيك ما يكشف عن بطلان ما أتوا به نعم الوجه الأوّل أرجح وقد أشار إلى ترجيحه بتقديمه. وقوله: أحسن كشفا أي مما زعموه حسناً أو هو تهكم كما مر وفيه إشارة إلى أنّ تفسيرا بمعنى كشفا ولكنه كشف لما بعث به. قوله: (أي مقلويين) أي منكسين يطؤون على رؤوسهم ووجوههم مع ارتفاع أقدامهم بقدرة الله وهذا يحتمل التضمين فعلى وجوههم وإلى جهنم صلته ويحتمل أنه يشير إلى أنهما حالان بتقدير ما ذكر وكذا قوله: أو مسحوبين أي مجرورين. قوله: (أو متعلقة قلوبهم الخ (أي هو كناية عما ذكر أو استعارة تمثيلية لأنّ من تعلق قلبه بشيء توجه إليه بوجهه والمراد بالسفليات الدنيا وزخارفها وما لهم فيها ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها فتأمّل. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ) رواه الترمذي وفيه قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال: " إنّ الذي أمشاهم على! دامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم) وعن المصنف الصنف الذي على الدواب هم المتقون والمراد أنهم يسرعون إلى الجنة كالركبان والمشاة هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيثاً والذين يمشون على الوجوه الكفرة وقوله: وهو أي لفظ الذين يحشرون منصوب بتقديرم أذم أو أعني أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هم لا أنه بتقدير بئس كما توهم أو هو مبتدأ. قوله: (كأنه قيل إنّ حاملهم) أي الداعي والباعث على أسؤلتهم ما ذكر فكأنهم نسبوا إليه الشرّ والضلال فقيل لهم على وجه التسليم أنتم شرّ وأضل منه وإلا فلا شيء فيه من ذلك فإنه محض خير وهداية ويجوز أن لا يجعل هو مفضلاً عليه ويكل ن المعنى أنتم أقوى في ذلك من كل من اتصف به والمكان في كلامه إمّا بمعنى الشرف والمنزلة أو بمعنى المسكن كقوله: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [سورة مريم، الآية: 73] وقوله: إنه متصل الخ المراد 6لصال الشيء بقسيمه ومرضه لبعده وتقدم قسيمه أو ما يشبهه وهو في الوجه السابق متصل بما قبله وقوله من الإسناد المجازي لأنه وصف صاحبه وهو وان أسند إليهم فسبيلا تمييز محوّل من الفاعل ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز لكنه جائز في المجاز الحكمي فتأمّل. قوله: (يوارّره في الدعوة) أي يعاونه فيها وهو إشارة إلى معنى الوزير واشتقاقه على اختلاف فيه. واعلاء الكلمة إظهار التوحيد وهو مجاز معروف كما في الحديث من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. وقوله: ولا ينافي الخ إشارة إلى قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [سورة مريم، الآية: 53] وأنه لا ينافي هذا لأنه وان كان نبيا فالشريعة لموسى عليه الصلاة والسلام وهو تابع له فيها كما أنّ الوزير متبع لسلطانه. وفي قوله: وجعلنا إشارة إلى نبوّته أيضاً إلا أنّ في قوله: لأنّ المتشاركين الخ قصورا لأنه لو كانت الوزارة بمعنى الاشتراك صح جعل موسى وزيراً فلا بدّ من قيد التبعية ولذا قال ووهبنا له ثمة دون جعلناه نبياً لكنه اعتمد على فهمه من جعله معاونا له لظهوره فلا يرد عليه شيء. قوله: (بآياتنا (إمّا متعلق باذهبا وهي الآيات التسع فمعنى كذبوا فعلوا التكذيب قيل وهو ظاهر من صنيع المصنف وفصله منه أو بكذبوا لقربه منه فالآيات دلائل التوحيد أو الآيات التي جاءت بها الرسل الماضية أو التسع وحينئذ يحتاج إلى جعل صيغة الماضي بمعنى المستقبل لتحققه إن لم يكن ذهابا ثانيا لكنه قيل إنه لا يناسب المقام فالمضي بالنظر إلى زمن الحكاية للرسول لا إلى زمن المحكي كما قيل ولا يخفى أنه بناء على أنه يعتبر زمن الأخبار وهو مرجوح عندهم كما تقرر في الأصول إذ المعتبر زمن الحكم فتأمّل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 قوله: (فذهبا إليهم الخ) يشير إلى أنّ فيه إيجاز حذف وأن الفاء في قوله فدمرناهم فصيحة لأنّ أمره مستلزم لامتثالهما وتدميرهم للتكذيب فهو في قوّة المذكور ولذا اختصر وضمن قوله: اختصر معنى الاقتصار فعداه بعلى أو حمله عليه وحاشيتا القصة طرفا قصتهما في الدعوة وهي إلزام الحجة بالبعثة التي في قوله اذهبا فإنّ المقصود ادعواه وألزماه الخ وقال: استحقاق التدمير لأنه هو المتعقب على التكذيب ولذا قال والتعقيب باعتبار الحكم لأنّ حكمه الذي يعقب تكذيبهم لاسنحقاقهم فهذا إمّا توجيه آخر للتعقيب أو هما واحد لتلازمهما وتقاربهما وقد علم الجواب عن أنه وقع بعد أزمنة متطاولة فلا حاجة إلى جعل الفاء سببية أو لمجرد الترتيب أو باعتبار أنه نهاية التكذيب. وقوله: فقلنا معطوف على جعلنا المعطوف على آتينا بالواو التي لا تقتضي ترتيباً فيجوز تقدّمه مع ما يعقبه على إيتاء الكتاب. فلا يرد أن إيتاء موسى الكتاب وهو التوراة بعد هلاك فرعون وقومه فلا يصح الترتيب إلا أن يراد بالكتاب الحكم والنبوّة ولا يخفى بعده. قوله: (وقوم نوح) بالنصب بمقدر أي واذكر قوم نوح أو هو منصوب بمضمر يفسره أغرقناهم ويرجحه أنّ قبله جملة فعلية. وفي الدر المصون أنه إذا كان لما ظرف زمان وأمّا إذا كان حرف وجوب لوجوب فلا يتاتى هذا لأنّ جوابها لا يفسر وجوّز فيه تبعا للقرطبي وأبي حيان عطفه على مفعول دمرناهم وردّ بأن تدمير قوم نوح ليس مترتبا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح عطفه عليه وقد تكلف في دفعه بأنّ المقصود من العطف التسوية والطير كأنه قيل دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم والرسل نوح وموسى وهرون وقد قيل إنه ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه، لا سيما وقد بين سببه بقوله: لما كذبوا الرسل الخ وماكه إلى اعتبار العطف قبل الترتب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ومثله يكفي في ترتب بعضه وقد ذكر صاحب الكشف في صورة الصف ما يقاربه. قوله: (كذبوا نوحاً ومن قبله الخ) جواب عما يقال من أنّ الظاهر أن يقال: كذبوه وإذا كان المراد به هو ومن فبله فتعريفه عهدي أو هو للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم وعلى الثاني فهي للاستغراق لكن على طريق المشابهة والادعاء وعلى الثالث فهي للجنس أو الاستغراق الحقيقي وتكذيب الرسل فيه عبارة عن إنكارهم وإرادة نوح عليه الصلاة والسلام بالرسل تعظيماً بعيد والبراهمة قوم قالوا: لا بعثة لا حدوا دعوا استحالتها عقلا وهم نسبة إلى رجل يسمى برهام، وهو صاحب مذهبهم كما في الملل والنحل وأعتدنا بمعنى جعلناه معداً لهم في البرزخ أو في الآخرة وعلى التخصيص المراد بالظالمين القوم الصذكورون فكان الظاهر لهم. قوله: (عطف على هم في جعلناهم) المعطوف على الجملة المتقدّمة المقيدة بالظرف وهو لما لا على المظروف وحده وأورد عليه أنه إن أراد بتلك الجملة أغرقناهم فلا تقيد له بالظرف بل الظرف كما قيل: قيد للمحذوف المفسر به وان أراد بها ذلك المحذوف فمع أنه لا حاجة إلى العطف عليه يخدشه إنّ الوجه حيئذ القطع للاحتياط كما قطع أراها في قوله: وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم ... وأجيب باختياو الشق الأوّل وحمل كلامه على التنزل والتسليم مبالغة في دفع ما يرى بادى الرأي من أنّ قوله: وجعلناهم عطف على المقيد بالظرف وإذا عطف عاداً وثمود على هم لزم تقييد جعلهم آية أيضاً بالظرف المذكور ولا صحة له معنى ولا يخفى ضعفه وأنه لا يتعين نصب قوم نوح بمقدر كما مرّ ولو سلم فالظاهر عطفه على المذكور وانّ الظرف متعلق به وما ذكره من القطع استحساني قد يجوز خلافه اعتماداً على القرينة العقلية ولم يتعرض المصنف رحمه الله لاحتمال كونه معطوفاً على قوم نوح قيل لظهور. ولا يخفى ما فيه، وقيل لأنه منصوب بأغرقنا مقدراً فلا مجال للعطف عليه لأنّ عاداً وثموداً يغرقوا ولا يخفى أنّ المصنف رحمه الله لم يذكر له إعرابا وأنه يحتمل وجوهاً أخر كما مر. نعم عدم ذكره قد يقال إنه قرينة على إرادته إذ لا مانع له سواه فتأمّل. قوله: (لأن المعنى ووعدنا الظالمين) إشارة إلى أنه عطف على محله لأنه في محل نصب وإنما ذكره تحقيقاً لمحله وليس وجهاً آخر كما قيل والوعد في كلامه بمعنى الوعيد وأعتدنا بمعنى هيأنا قريب منه فلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 وجه لما قيل إنه ليس بمعناه وقوله: على تأويل القبيلة فإذا صرف فباعتبار الحي أو أنهم سموا بالأب ا! بر وعدم تنوينه قراءة حمزة وعاصم قيل وقد خالف عادته فيهما فإنه يقول قرى مجهولاً في الشواذ. قوله: (وهي البئر الغير المطوية) أي المبية يقال طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة قال: وبئري ذو حفرت وذو طويت وانهارت بمعنى انهدمت وغارت وقوله: بفلج اليمامة بسكون اللام وفتحها وفي آخره جيم وهي قرية عظيمة بناحية اليمامة وموضع باليمن من مكان عاد واليمامة معروفة والأخدود الحفرة المستطيلة وإنطاكية بتخفيف الياء بلدة معروفة وقصة حبيب النار ستأتي في سورة يس وحنظلة قيل: إنه كان بفلج اليمامة وهو نبي اختلف في عصره وقيل: هو خالد بن سنان وطير اسم جنس جمعي يجوز تذكيره وتأنيثه فلذا قال عظيم وفيها. قوله: (يقال له فتح أو دمخ) فتح بالفاء والتاء المثناة من فوق والحاء المهملة وقيل إنها معجمة وقيل إنه بمثناة تحتية وجيم ودمخ بدال مهملة وميم ساكنة وخاء معجمة. وقوله: تنقض بمعنى تنزل وأعوزها بمعنى احتاجت إليه. قوله: (ولذلك سميت منرباً) إمّا لإتيانها بأمر غريب وهو اختطاف الصبيان وقيل إنها اختطفت عروساً أو لغروبها أي غيبتها وقد قيل أيضاً في وجه التسمية إن وكرها كان عند مغرب الشمس وقيل إنها طائر موجود الاسم معدوم الجسم ويقال عنقاء مغرب بالتوصيف والإضافة مع ضم الميم وفتحها وقوله أي دسوه في الغريبين رسه ودسه بمعنى أدخله والقرن تقدم الكلام فيه. قوله: " شارة إلى ما ذكر) من الأمم ولذا أضيف إليه بين وقوله لا يعلمها إلا الله فسره به لقوله: {وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة غافر، الآية: 78] والإعذار بيان العذر وازالته. وقوله: فتتنا أي مزقنا وأهلكنا. قوله: (والثاني بتبرنا لأنه فارغ) أي لا معمول له بخلاف ضربنا لذكر له وتقديمه للفاصلة لا لإفادة القصر على أنّ المعنى كلاَ لا بعضاً كما قيل لإفادة لفظ كلا له والفرق بين النفي والانتفاء تكلف وقوله يعني قريشاً فالضمير لهم لا للمهلكين المار ذكرهم لعدم صحته معنى. قوله: (مروا مرارا) فسره به لأنّ أتى إمّا متعدّ بنفسه أو بإلى فتعديته بعلى لتضمته معنى المرور وأتى وان تعدى بعلى كما في القاموص لكنه بمعنى آخر يقال أتى عليه الدهر أي أهلكه فهو كقوله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [سورة الصافات، الآية: 137] قيل وقوله: مرارا أخذه من هذه الآية لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً والأحسن إنه من قوله هنا أفلم يكونوا يرونها لأنّ كان والمضارع يدل على التجدّد والتكرر كما أضار إليه المصنف ولم يصرح به في أوّل الآية بأن يقول ولقد كانوا يأتون للإشارة إلى أنّ المرور ولو مرة كاف في العبرة ومتاجر جمع متجر بمعنى التجارة لا صيغة مفاعلة. قوله: (يمني سدوم) أي المراد بالقرينة سدوم وهي مدينة قوم لوط عليه الصلاة والسلام وهي بالسين والدال المهملتين وقيل إنه بذال معجمة والدال خطأ وصححه الأزهري وقال سذوم بالمعجمة اسم أعجمي وفي الصحاح إنه بالمهملة وفي الكشف الاعتماد على ما قاله الأزهري وهو اسم قاضيها في الأصل ولذا قيل أجور من سذوم ثم غلب على القرية وقوله: عظمى قر! قوم لوط بدل أو صفة لسدوم وهو إشارة إلى وجه إفراد القرية بالذكر مع تعدّد قراهم وقوله أمطرت الخ تفسير لمطر السوء. قوله: (في مرار مرورهم) إشارة إلى ما في المضارع من الاستمرار وفي كان من التكراو ولذا لم يقل أفلا يرونها وهو أخصر وأظهر. قوله: (بل كانوا كفرة الخ الما كان الرجاء في الأصل انتظار الخير ونشور الكفار لا خير فيه لهم فسره بوجو. منها أنه هنا بمعنى التوقع مجازا وهو يعم الخير والشر ومنها أنه على حقيقته وليس المراد بالنشور نشورهم بل نشور فيه خير كنشور المسلمين وهم لا يرجونه حتى يرجعوا عن كفرهم ومنها إنّ المراد بالرجاء الخوف على لغة تهامة كما مر تحقيقه وليس بمجاز كما توهم لأنّ جعله لغة يأباه بحسب الظاهر فالمراد بالنشور نشورهم والركاب الإبل المركوبة واحدها ركوبة أو لا واحد له من لفظه فواحده راحلة. قوله: (ما يتخذونك) إشارة إلى أنّ إن نافية وقوله موضع هزء أو مهزوأ* به يعني معنى تخاذه هزوا الاسنهزاء به فهزواً إمّا مصدر بمعنى المفعول مبالغة أو هو بتدير مضاف أي موضمع هزء ومعنى اتخاذه موضمع هزءانه مهزوء به وإنما أوّل ليصح حمله على ضمير الرسول وجملة أن يتخذونك جواب إذا وهي تنفرد بوقوع جوابها المنفي بما ولا وان بدون فاء بخلاف غيرهما من أدوات الشرط وجملة أهذا حال بتقدير القول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 أو مشتانفة " في جواب ماذا تقولون ويجوز أن يكون الجواب أهذا الذي الخ بتقدير يقولون وجملة إن يتخذونك معترضة. قوله: (قول مضمر) أي محذوف وفرق بعضهم بينهما بأنّ المضمر يقال فيما كان له أثر ظاهر أو مقدر وهو هنا نصب المقول محلاَ لأنه مفعوله والمحذوف بخلافه. وقزله:، والإشارة للاستح! قار لأنّ كلمة هذا تستعمل له وعائد الموصول محذوف أي بعثه ورسولاً حال منه هـ وقوله: بجعله صلة لأنّ الصلة يكون معناها معهوداً فيقتضي العلم باتصاف الموصوف بها والمقول له فلا يقال كيف أتى به كذا وهو منكر عندهم ولم يلتفت إلى تقدير في زعمه لأنّ هذا أبلغ مع سلامته من التقدير. وقوله: ولولاه أي لولا التهكم والاستهزاء وإفراد الضمير لأنهما كشيء واحد. وقوله: إنه كاد إشارة إلى أنها مخففة من الثقيلة لدخول اللام الفارقة في حيزها. فوله: (ليصرفنا الخ) يعنون إنه مع كثرة ما يورده في صورة المعجزات لم يصرفنا عما نحن عليه لصبرنا وتثبت أقدامنا وهذا مناسب لما قبله وربما يتوهم أنه مناقض لاستحقارهم واستهزائهم حتى يقال إنه ليس كذلك لأنّ الاستحقار من وجه لا ينافي الاستعظام من وجه آخر والقوّة لكثرة الإيراد والمورد لا ينافي ضعف المدعي من جهة أخرى كما قيل رداً على من قال إنما تناقض كلامهم لاضطرابهم وتحيرهم فإنّ الاستفهام السابق دال على الاستحقار وهذا دال على قوّة حجته وكمال عقله ففي ما حكاه الله عنهم تحميق لهم وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه وقد قيل عليه إنه ليس بصريح في اعترافهم بما ذكر بل الظاهر أنه أخرج في معرض التسليم تهكماً كما في قولهم بعث الله رسولاً وهو الأنسب بذكره في ضد الهزء من غير تعرض لاختلاف مقالتهم والحق ما ذكرناه أولاً لأنّ كاد ونسبة الإضلال إليه وتسليم إلهية ما عبدوه يدفع التناقض ويأبى الاسنهزاء كما لا يخفى واليه أشار المصنف فتدبر. قوله: (ولولا في مثله تقيد الحكم المطلق) يعني أنّ لولا في معنى الثرط الذي هو قيد للجزاء وما قبله لدلالته على الجزاء كما في معناه وهذا في معنى القيد له كقولك أنت طالق إن دخلت الدار وإنما قال دون اللفظ لأنّ الجزاء لا يتقدّم على الصحيح. قوله: (كالجواب لقولهم إن كاد الخ) من أمّا اسنفهامية خبرها أضل والجملة سادة مسد مفعولي يعلمون أو موصولة وأضل خبر مبتدأ محذوف أي هو أضلى وانجملة صلته،! وحذف صدر الصلة لطولها بالتمييز والمراد بالجواب الجواب المعروف لا جواب الشرط وجعله كالجواب لا جوابا لعدم صراحته وقوله: فإنه الخ بيان لكونه كالجواب والمراد أنهم جعلوا دعوته صلى الله عليه وسلم إضلالاً والمضل لغيره لا بد أن يكون ضالاً وهذه الجملة تدل على نفي الضلال عنه لأنّ معناها أنهم يعلمون أنهم في غاية الضلال لا هو ونفي اللازم يقتضي نثي ملزومه فيلزمه أن يكون هاديا لا مضلا. وقوله: يكون عطف على قوله يلزمه والموجب بفتح الجيم وكسرها أي يفيد نفي ما يكون موجباً لقولهم هذا وهو كونهم على الهداية والرشاد قيل وكأنه جعل لفظ أضل في النظم بمعنى الضلال! ولذا قال: كالجواب ولو أريد به مطلق الزيادة بمعنى في غاية الضلال وهو الضال المضل كان أحسن والمعنى سوف تعلمون المضل فيفيد نفي ما صرحوا به من كونه مضلا فيكون جوابا لا كالجواب ولا يخفى ما فيه فإنه ليس بصريح في الجواب على كل حال فتأمّل. والوعيد في قوله: يرون العذاب. قوله: (بأن أطاعه) يعني إنّ الإله هنا استعارة للمطاع المتبع الذي هو عنده كالدين والمراد بالدليل ما في الافاق والأنفس ولذا جعله مبصرا. وفي نسخة يتبصر. وقوله: قدم المفعول الثاني وهو إلهه على لأوّل وهو هواه لأنّ المعنى جعل هواه إلها له والعناية الاهتمام به لأنه هو الذي نشا منه شدة الإنكار فكم في الناس من ذي هوى يعذر في هواه وأمّا هؤلاء فلجعلهم هواهم كالإله المعبود استحقوا الإنكار الشديد فمن علله بأنّ الإله يستحق التعظيم والتقديم لم يصب إذ الإله المراد به الهوى ليس كذلك وقد قيل إنّ تقديمه للحصر كأنه قيل أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هوا. فهو أبلغ في ذمّه وتوبيخه وفيه نظر. ثم إنه أورد عليه أنّ المبتدأ والخبر في الحال أو الأصل كما هنا إذا كانا معرفتين لا يجوز تقديم أحدهما على الآخر وليس هذا على إطلاقه فإنه إذا قامت القرينة صح ذلك كما صرحوا به والقرينة هنا قائمة عليه وهي عقلية لأنّ المعنى عليه كما عرفت فلا حاجة إلى القول بأنّ أهل المعاني لا يسلمون هذا فتدبر ورأى علمية فقوله أفأنت الخ في محل المفعول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 الثاني أو بصرية فهو مستأنف. قوله: (تمنعه الخ) تفسير لقوله حفيظاً. وقوله: وحاله هذا أي جعله هواه إلها وهذه جملة حالية بيان لوجه الإنكار. وقوله: بل أتحسب إشارة إلى أنّ أم منقطعة وضمير أكثرهم لمن باعتبار معناه وقوله: عليه باعتبار لفظه واختير الجمع هنا لمناسبته إضافة اكثر لهم وأفرد فيما قبله لجعلهم في اتفاقهم على الهوى كشيء واحد وقيل إنه للكفار لا لمن لأنّ قوله: عليه يأباه وليس بشيء. قوله: (وهو أشد مذمة) أي ذمّا لسلب الإحساس والشعور عنهم وجعلهم كالحيوان فالإضراب للانتقال من القبيح إلى الأقبح وقوله: منهم من آمن أي بعد اتخاذ إلهه هواه والمضيّ باعتبار الحكاية وقوله: إن هم إن كان الضمير لدمر فهو ظاهر وإلط كان لمن فاكتفى عن ذكر الأكثر بما قبله. وقوله لأنها تنقاد لمن يتعهدها أي تطيع من يقوم بعهدة مصالحها كأكلها وسقيها ولذا عداه وهو لازم. وقوله: غير متمكنة من طلب الكمال لعدم تكليفها وعقلها وما وقع في نسخة من على بدل من تحريف. قوله: (ألم تنظر إلى صنعه) وفي نسخة إلى صنيعه وهو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا بصرية لأنها هي التي تتعدّى بإلى وإنّ فيه مضافاً مقدّرا لأنه ليس المقصود رؤية ذات الله هنا وكيف منصوب بمذ على الحالية وهي معلقة لتر إن لم تكن الجملة مستأنفة وقد تقدم تفصيله وهذا شروع في بعض أدلة التوحيد بعدما نعى على الكفر شركهم وكيف للاستفهام عن الحال وقد تجرّد عن الاستفهام وتكون بمعنى الحال نحو انظر إلى كيف تصحنع وقد جوّزه الدماميني في هذه الآية على أنه بدل اشتمال من المجرور وهو بعيد. وألم تنظر إلى الظل الخ يعني كان حق التعبير هذا فعدل عنه إلى ما ذكر لما ذكره لا أنّ فيه تقديماً وتأخيراً فإنه لا وجه له فبعدما كان متعلق الرؤية الظل جعله الرب إشعارا بأنّ المعقول وهو صنيع الرب تعالى وتقدّس المفهوم منه كالمحسوس لأنّ صنعه وهو مدّ الظل أمر معقول جعل كالمحسوس لإدخاله تحت الرؤية والظل أمر محسوس وقع التعبير عن رؤيته ممدودا برؤية الرب مادّاً له فجعل المعقول كالمحسوس لما ذكر وهو أظهر في الدلالة على ما ذكر ولا يخلو كلامه من إغلاق قيل والأولى أن يقول إنّ التعبير المذكور للإشعار بأنّ المقصود العلم بالرب علماً يشبه الرؤية وقوله برهانه الضمير المجرور عائد على المعقول أو للظل بجعله مضافاً للفاعل أو المفعول والبرهان بمعنى لدلالة لا المدلول فلا مسامحة في رجوع ضمير هو إلى البرهان لا إلى المعقول وضمير حدوثه وتصرفه للظل وقوله: لوضوح علة لقوله كالمشاهد والتصرف مصدر مجهول وهو زيادته وكماله ونقصانه والأسباب الممكنة طلوع الشمس وحركتها والإجرام. وقوله: على أنّ ذلك متعلق بدلالة وكالمشاهد خبر أنّ. قوله: (فكيف بالمحسوس منه) وهو الظل نفسه أي فكيف يثتبه كون المحسوس وهو الظل شاهدا حتى يبين فلا يرد أنه من مراتب الضوء فكيف يصح تشبيهه بالمشاهد مع أنه يصح أيضا إذا أريد بالمشاهد الجرم وكذا لا يرد أنه لا يتعلق الغرض بالمحسوس منه حتى يقول فكيف الخ إذ لا خفاء في كون مد الظل مشاهدا مقصوداً فكذا هو نفسه في ضمته فتأمّل. قوله: (أو ألم ينتة علمك الخ) فرأى علمية لا بصرية كما في المعنيين الأوّلين وهذا لازم معناها كما قيل وتعديته بإلى لتضمين معنى الانتهاء وكون إلى اسماً واحدا لآلاء وهي النعم بعيد جداً وذلك مد الظل أو الظل الممدود وقوله فيما بين الخ هو على الوجه الأخير أو على جميع الوجوه وقوله وهو أي ما بين طلوع الفجر والشمس وهو زمان مد الظل وبسطه أو الظل الممدود ويؤيده قوله: ولذلك الخ وقوله: يبهر البصر أي يغلبه. قوله: (ثابتاً من السكنى الخ) أي دائماً غير زائل فإنّ السكنى الاستقرار وذلك بأن لا تطلع الشمس أو لا تذهب وهذا أنسب بما قبله من الامتنان بمد الظل وغير متقلص من قلص الظل إذا ارتفع وقوله: ة إنه لا يظهر فالدليل باعتبار ظهوره لا وجود. إذ هو موجود ما بين الفجر وطلوع الشمس وبعض الإجرام وهو ماله الظل. وقوله: أو لا يوجد لأنّ وجوده بحركة الشمس إلى الأفق وتفاوته بحركتها من الأفق إلى ما فوقه عادة لكنه قيل عليه إن ثم لا تناسب الوجود فإنه ليس بعد المد والدليل حينئذ بمعنى العلة وهو خلاف الظاهر أيضا. قوله: (لما عبر عن إحداثه يمعنى التسيير) في نسخة النشر وهو أنسب بالقبض إذ القبض إلى نفسه بمعنى جمعه وهو المراد بالكف من كف أطراف ثوبه إذا جمعها لا بمعنى الترك وقوله: قليلاً قليلا هو بقرينة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 الواقع ولولاه لم يدل اللفظ على التدريج ولو قبضه دفعة واحدة لم تحصل به المصالح. قوله: (وثم في الموضعين الخ) يعني أنّ التراخي رتبي ففيه اسنعارة تبعية شبه تباعد الرتبة بالتباعد الزماني فاستعير له ما يدل عليه وهو إمّا من الأدنى إلى الأعلى فإن جعل الشمس دليلاَ بطلوعها وهو أنفع من الظل الصرف وارتفاعها الملزوم للقبض أنفعءمنه أو بالعكس فإنّ الظل أطيب الأحوال وأدنى منه وقت الطلوع وأدنى منه وقت الشعاع. قوله: (أو لتفا! ل مبادي أوقات ظهورها) فالتراخي رّماني لكنه باعتبار الابتداء فإنّ بيته وبين ابتداء ما بعده بعد زماني فبين ابتداء الفجر وطلوع الشمس بعد وكذا ما بعده. قوله: (وقيل مدّ الظل الخ) هذا ذكره الزمخشري وضعفه المصنف رحمه الله لتكلفه وقيل إنه لا يناسب قوله: ألم تر وقد منع إذا كان بمعنى ألم تعلم وقال بعض الصوفية المراد من الظل العالم ومن الشمس الله تعالى وقبضه إهلاكه وهو قريب مما ذكره المصنف. قوله: (فألقت عليه طلها) قيل عليه إذا لم يكن نير كيف يتحقق الظل إذ الواقع حينئذ هي الظلمة وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيكا ولا يتفاوت الحال بين إن تبنى السماء فوق الأرض أم لا في انتفاء الضوء وتحقيق الظلمة وأجيب بأنّ السماء شفافة لها نور ما ويكونه فوق الأرض يشتدّ ظهوره أو المراد بالنير الشمس لتبادره فلا يرد ما ذكر أو المراد أنّ الأرض كانت إذ ذاك مظلمة غير مضيئة وكونه ظلاً باعتبار ما ترى في بادئ النظر وقد ذكر نحوه في تفسير قوله: أغطش ليلها والمراد بتلك الحالة بناء السماء على الأرض دون إيجاد شيء آخر وهو تفسير لقوله: ولو شاء لجعله ساكناً على هذا الوجه وثم للتراخي الزماني على هذا. قوله: (ثم خلق) هو معنى جعل على هذا وعليه مفعول ثان له على هذا بتقدير مسلطاً عليه ودليلاَ حال وهو بمعنى ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والاستتباع في كلامه بمعنى اللزوم وضمير عليه واياه للظل يعني أنّ الشمس مسلطة على الظل بإيجاده واعدامه ودليل عليه لإظهاره وذكر مسلطاً وان كان صفة للشمس لتأويله بالكوكب ومن تقريره يظهر وجه تكلفه وتمريضه. قوله: (أو دليل طريق من يهدبه) في أكثر النسخ دليلا بالتنوين ولطريق جار ومجرور متعلق به وهو معطوف على مسلطا والدليل بمعناه العرفي ومن الموصولة قيل إنها عبارة عن الظل وضمير يهديه للشمس وفي بعضها دليل الطريق بالإضافة وهو معطوف على فاعل يستتبع ومن معطوف على مفعوله وقوله: يتفاوت بحركتها الخ اسنئناف-لبيان نسبة الاستتباع المذكور وتحوّله بتحوّلها وان اختلفت جهة التحوّل في الظل والدليل فإنّ الدليل يتبحه من يهديه في جهته والظل بخلات فتأمّل وقوله: شيئاً فشيئاً يعني أنّ يسيرا بمعنى التدريج لأنّ المعنى متدرجا إلينا أو بمعنى سهل فإنه يستعمل بهذا المعنى أيضاً وقوله: عند قيام الساعة بقرينة قوله: إلينا والتعبير بالماضي لتحققه ولمناسبة ما ذكر معه وقوله بقبض أسبابه فإعدامه بإعدام أسبابه كما أن إنشاءه بإنشائها. قوله تعالى: ( {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} ) قدم هنا جعل الليل لباساً على جعل النوم سباتاً لتقدمه عليه ووقوع النوم في أثنائه ولمناسبة الليل للظل وعكس في سورة النبا ليتصل الليل بالنهار بعده والنوم بالأرواح التي هي راحة لهم. وقوله: شبه الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ لا استعارة لذكر الطرفين وكذا ما بعده. قوله: (واحة للأبدان الم يرتض هذا في الكشاف لأن مقابلته بالنشور يرجح الثاني وأشار المصنف إلى جوابه بأن النشور بمعنى الانتشار للمعاش فهو مقابل لسكون الراحة لكن المتبادر منه الأوّل وهو يكفي مرجحاً كما أشار إليه في الكشف والسبات بالسين بتفسيربه من القطع لكنه على الأوّل قطع المشاغل وعلى الثاني قطع الإحساس أو الحياة. قوله: (ذا نشور) يعني أنه جعل النهار نشوراً مبالغة ومعناه ذو نشور والنشور الانتشار أو هو بمعنى ناشر على الإسناد المجازي لانتشار الناس فيه للمعاش فهو كقوله: {جَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [سورة النبأ، الآية: 11] وقوله: أو بعث معطوف على انتشار أو نشور وقوله بعث الأموات منصوب على المصدرية أي كبعث الأموات واليقظة بفتح القاف وتسكن لضرورة الشعر وأنموذج ويقال نموذج معرب نمونه وما ذكره عن لقمان إشارة إلى تشبيه النوم بالموت وأنه أخوه وأمّا قوله الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فمعنى آخر وفي كلامه لف ونشر لتفسيري السبات والنشور. قوله: (وقرأ ابن كثير على التوحيد) وقوله: على إرادة الجنس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 بالألف واللام أو الاستغراق فهو في معنى الجمع موافقة لقراءة الجمهور ولا يعارضه ما ورد في الحديث من قوله: اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ولذا قيل إنّ الريح حيث أريد بها ما لا يضرّ جمعت وفي عكسه تفرد لأنه إمّا أكثريّ أو عند عدم القرينة أو في المنكر ويلائمه كلام المصنف رحمه الله. قوله: (ناشرات) أي هو حال وهو جمع نشور كرسول ورسل وبفتح النون وسكون الشين مصدر وقع حالاً أيضاً وقوله وصف به لأنها صفة معنى ومفعول مطلق من أرسل لأنه بمعنى نشر ومعنى نشرها للسحاب جمعها لها من النشر بمعنى البعث لأنها تجمعها كأنها تحييها لا من النشر بمعنى التفريق لأنه غير مناسب إلا أن يراد به السوق مجازاً وتخفيف نشر بضمتين بمعنى تسكينه وبشور بالباء الموحدة صيغة مبالغة أو مصدر بمعنى مبشر فهو كقوله: {أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [سورة الروم، الآية: 46] وقوله: قدام تفسير لبين يدي والمطر تفسير للرحمة لأنها استعيرت له ثم رشحت. كقوله: يبثرهم ربهم برحمة منه وجعلها بين يدبه تتمة لها لأنّ البشير يتقدّم المبشر به ويجوز أن تكون تمثيلية وبشرا من تتمة الاستعارة داخل في جملتها ومن قرأ نشراً كان تجريداً لها لأنّ النشر يناسب السحاب. قوله: (مطهرا) تفسير للمراد منه وقوله: لقوله الخ دليل على أنّ المراد بالطهور المطهر لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ثم شرع في بيان كيفية دلالته على التطهير مع أنّ فعولاً صيغة مبالغة من الثلاثي وهو لازم فكيف يفيد معنى التعدي فقال: وهو اسم لما يتطهر به يشير إلى قول الأزهريّ في كتاب الزاهر فعول له معان مختلفة منها إنه اسم اكة لما يفعل به الشيء كغسول ووضوء وفطور في أخوات كثيرة ويكون صفة بمعنى فاعل أو مفعول واسماً كذنوب ومصدراً لكنه قليل فالطهوو ما يتطهر به فيدلّ وضعا على أنه مطهر وليس صفة حتى يرد ما أوردو. ولا الإسناد فيه مجازي كما توهم وهو بدل أو عطف بيان لا صفة لماء وليست الواو في قوله: وهو الخ بمعنى أو كما توهم. وقوله: به تنازعه يتوضأ ويوقد ثم ذكر أحاديث دالة على وروده بهذا المعنى والحديث الأوّل في السنن والثاني في مسلم والتسبيع والتتريب مذكور في كتب الفقه مع الاختلاف فيه وليس هذا محله وولغ بمعنى أدخل لسانه فيه ليشرب مته. قوله: (وقيل بليغاً في الطهارة الخ) قائله الزمخشري قال بعده وعن أحمد بن يحى هو ما كان طاهرا في ففسه مطهر الغيرة فان كان ما قاله شرحاً لبلاغته في الطهارة كان سديداً والا فليس فعول من التفضيل في شيء وقال في الكشف فيه إيماء إلى أنّ الطهارة لما لم تكن في نفسها قابلة للزيادة لأنها شيء واحد رجعت المبالغة فيه إلى انضمام التطهير إليها إلا أنّ اللازم صار متعدياً الخ وقد اعترض عليه بأنّ إفادة المبالغة تعلقه بالغير لا يساعده لغة ولا عرف فانظر إلى قول جرير: عذب الثنايا ريقهن طهور انتهى. ومثل بيت جرير قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 21] وقد ردّ على من أورده الزجاجي بأنّ ما ذكره أهل اللغة في حقيقته ووصف الريق والشراب ابه ليس كذلك ويؤيده ما قيل إنّ المبالغة يجوز أن تكون في الكيفية باعتبار أنه لم يخالطه شيء آخر مما في مقرّه أو ممره كمياه الأرض فقوله رجعت المبالغة غير مسلم وقد علمت مما حققناه إنّ الطهور بمعنى المطهر عند أهل اللغة كما ذكره الأزهري وغيره من الثقات لا لأنه من التفعيل كما ظنه الزمخشري بل لأنه ا-لة الطهارة كالفطور لما يفطر به وا-لة الطهارة هي المطهرة فلا حاجة إلى ما تكلفوه لتوجيهه ولا ورود لما أوردوه عليه فإنه ناشئ من عدم التحقيق ولبعض الفضلاء هنا كلام طويل تركناه لأنّ المقام لا يتحمله. قوله: (وإن غلب في المعنيين) أي كونه اسم آلة كطهور وكونه للمبالغة بمعنى فاعل كأكول والصبوب بصاد مهملة وباءين موحدتين بمعنى مصبوب وفي نسخة ضبوث بضاد معجمة وباء موحدة وثاء مثلثة من ضبثه إذا جسه بيده والمراد ناقة بحس باليد للشك في سمنها والمصدر بوزن فعول بالفتح نادر والمعروف فيه الضم والاسم بمعنى اسم الجنس الجامد والذنوب الدلو المملوءة ماء أو القربة من الماء ويطلق على النصيب. وقوله: وتوصيف الماء في نسخة يوصف الماء0 وقوله: للمنة فيه أي في نفسه لكونه طاهرا مطهرا وما بعده السقي به وتطهير ظواهرهم من تفسير طهور بمطهر والمقصود من التطهير التقرب إلى الله تعالى وتطهير الباطن أزيد في القرب فيعلم بالطريق الأولى وما قيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 من أنّ مدخول لام العلة يكون مقصوداً بما قبله لا وجه له فتأمّل. قوله: (بلدة ميتاً) المراد به مطلق الأرض أو معناه المعروف. وقوله: بالنبات تفسير للأحياء به بالأنبات فقوله: بالنبات بدل من قوله به أو متعلق بنحعص على أنّ الباء الأولى آلية أو سببية وهذه للملابسة أو على حدّ أكلت من بستانك من العنب وجعله تفسيراً على الاستخدام في ضمير به تعسف وقوله غير جار على فعله يعني أنه من أمثلة المبالغة التي لا تشبه المضارع في الحركات والسكنات حتى يعمل عمله في غير شذوذ كما ذكره النحاة ويزيد بدلالته على الثبوت فلذا أجريت مجرى الجوامد في عدم عملها والحيا بالقصر المطر. ولذلك نكر يعني أن تنكيره للتنويع فالمراد نوع من الإناسي والأنعام وهم سكان البوادي وكذا تنكير بلدة ومن تبعيضية أو بيانية وكثيرا صفة لهما لا على البدل والأنهار إن كانت من الأمطار فالمراد ما كان بلا عود منها وبهم وبما حولهم الجار والمجرور وما عطف عليه خير مقدم وغنية بمعنى استغناء مبتدأ مؤخر والسقيا بالضم بمعنى السقي وسائر الحيوانات يعني به ما عدا الأنعام وهو وجه لتخصيصها مع احتياج غيرها للسقي. وقوله: مع أنّ الخ وجه آخر لشخصيصها بالذكر والقنية بكسر القاف وضمها ما يقتنيه لنفسه وعليته بعين مهملة ولام ساكنة جمع على كصبية وصبي والعلي الشريف لكنهم يقولون في الاستعمال عليه الناس بمعنى أكثرهم وهو المراد كما في شرح الكشاف. قوله: (وسقي وأسقي) بمعنى أي أوصله إلى ما يشربه وجعل السقيا له بمعنى تهيئتها واعدادها ويقال سقي وأسقي وسقى بمعنى واحد وقد فرق بينها وهي متقاربة وقوله وأناسي أي قرئ أناسي بحذف ياء أفاعيل فيكون بياء خفيفة ساكنة كما جمع أنعام على أناعم وظربان بكسر الظاء وسكون الراء المهملة وباء موحدة دويبة منتنة الريح ويجمع على ظرابيّ بتشديد الياء وأصله ظرابين فأبدلت نونه ياء وأدغمت وكون إناسي جمع إنسان وأصله أناسين مذهب سيبويه وكونه جمع إنسيئ مذهب الفراء والمبرد والزجاج وأورد عليه في الدر المصون إنّ فعالي إنما يكون جمعاً لما فيه ياء مشددة إذا لم يكن للنسب ككرسي وكراسي وما فيه ياء النسب يجمع على أفاعلة كازرقي وأزارقة وكون يا إنسي ليست للنسب بعيد فحقه أن يجمع على أناسية وقال: في التسهيل أنه أكثريّ فلا يرد ما ذكر. قوله: (صرّفنا هذا القول) المفهوم من السياق وهو ذكر إنشاء السحاب وانزال القطر وتصريفه وتكريره وذكره على وجوه ولغات مختلفة أو المطر فالضمير له لفهمه من قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء} وتصريفه تحويل أحواله وأوقاته وانزاله على أنحاء مختلفة. وقوله: لم ما عام الخ ما نافية وأمطر أفعل تفضيل بمعنى أكثر مطراً يعني ليس تفاوت السنين فيه إلا لحكمة إلهية وهذا الحديث رواه الحاكم والطبراني. وقوله: أو في الأنهار والمنابع معطوف على قوله في البلدان فمعنى تصريفه تقسيمه عليها. وقوله: أو ليعتبروا وقع في نسخة بالواو. قوله: (إلا كفران النعمة) فالكفور بمعنى كفران النعمة بعدم الاكتراث والمبالاة بها أو الجحود والإنكار لها رأساً بماضافتها لغير. بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا والنوء كما في أدب الكاتب سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق من ناء نهض لأنّ الطالع ينهض وبعضهم يجعل النوء السقوط فهو من الأضداد وكانوا إذا سقط نجم وطلع آخر فكان عنده مطر أو ريح أو برد أو حر نسبوه إلى الساقط إلى أن يسقط الذي بعده فإن سقط ولم يكن مطر قيل خوي وأخوى انتهى. ثم إنه أشار إلى ما في الكشاف من أنه إن اعتقد أنّ النجوم فاعلة ومؤثره استقلالاً فهو كافر وان اعتقد أنها أسباب يسببها الله تعالى بفعله وخلقه أو أمارات نصبها لا يكفر وكذا سائر أحكام النجوم وظاهره أنه لا يأثم أيضا وقد صرّح الإمام بأنه خطأ. قوله: (نبياً ينذر أهلها الخ) ما ذكره المصنف أحسن من قول بعضهم يعني أنّ المقصود من البعثة إبلاغ الدعوة وإلزام الحجة لا الاهتمام في أمر الهداية والا لفعلنا ما هو أدعى لذلك من دعوة كل أهل قرية بنذير مستقل وقد كفينا بتركه مؤنته واعباء النبوّة أثقالها استعارة وتعظيمه وإجلاله بعدم نبيّ في عصره ظاهر وأورد على قوله: وتفضيلاً لك على سائر الرسل أنه لا يلزم من تخصيصه بالرسالة في زمانه تفضيله على سائر الرسل إلا إذا ثبت أنّ كل رسول معه نبيّ. كذلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 ويدفع بأنه تعليل لعموم رسالته المفهوم من السياق وهو مخصوص به كما تقرّر فتدبر. قوله: (فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد الخ) أي قصر الرسالة عليه نعمة جليلة ينبغي شكرها وهو بمقابلتها بذلك لأنّ إعلاء كلمة الله لازم وليس في الوجود غيره حتى يقوم له بذلك فيلزم ما ذكر وهذا بيان لمحصل المعنى وتوطئة لقوله: {فَلَا تُطِعِ} الخ وبيان لترتبه عليه واقترانه بالفاء وليس في الكلام حذف وتقدير كما قيل حتى يرد أنّ فيه حذف العاطف والمعطوف ويتكلف لتوجيهه ما تكلفوه. وقوله: فيما يريدونك عليه في الأساس أراده على كذا إذا حمله عليه. وقوله: وهو تهييج أي تحريك لغيرته والا فإطاعته لهم غير متصوّرة حتى ينهى عنها وإذا خوطب بشيء تضمن خطاب أمّته فلذا قال وللمؤمنين. قوله: (بالقرآن أو بترك طاعتهم الخ) يعني أنّ ضمير به إمّا للقرآن أو للترك المفهوم من النهي والباء للاستعانة أو للملابسة. وقوله: والمعنى أي على الثاني يعني إنا عظمناك بجعلك مستقلاً بمسك الختام ليدخر لك حسن الجزاء فعليك بالمجاهدة والمصابرة ولا تعبا بما قابلوا به من الإباء والمشاجرة ومدار السورة على عموم بعثته لكافة الناس ولذا جعل براعة استهلالها تبارك الذي الخ وجوّز في الكشاف رجوعه إلى كونه نذيراً أي جاهدهم بسبب كونك نذيراً للكافة. قوله: (لأن مجاهدة الخ) بيان لكون ما ذكر جهادا كبر لأنه أشق والا لم فيه أشد لكونه روحانيا. وقوله: (فيما بين أظهرهم) خبر أن وهو بيان لكونه أكبر أيضا ولم يحمله على الجهاد بالسيف لأنّ السورة مكية. وقوله: إلى كافة القرى فهم من قوله: ولو شئنا الخ واستعمل كافة معرفة غير منصوبة على الحال وقد منعه بعضهم والجواب عنه مذكور في شرحنا للدرة. قوله: (خلاهما بالشديد) أي تركهما والمرج وإن كان مطلق الاختلاط ومنه الهرج والمرج لكن ما ذكره يفهم مما بعده إذ لو اختلطا لم تبق الحلاوة فيه والإشارة إلى كل منهما على حدة دالة على ذلك أيضا ومرح الدابة إرسالها لترعى. وقوله: هذا عذب فرات الخ إمّا استئناف أو حال بتقدير مقولاً فيه والفرات الشديد العذوبة من فرته وهو مقلوب من رفته إذا كسره لأنه يكسر سورة العطش ويقمعها كما أشار إليه المصنف والأجاح ضده وهو الشديد الملوحة، وقوله: قرئ سلح بوزن حذر هي قراءة شاذة لطلحة ابن مصرف والحامل على القول بأنّ أصله مالح فخفف إنه لم يسمع ملح بمعنى مالح ولذا أنكر هذه القراءة أبو حاتم. وقوله: كبرد في بارد يشير إلى ما سمع عن العرب في قوله: أصبح قلبي صرداً وصلياناً بردا الخ إلا أنه قيل عليه إنّ الأحسن جعله لغة أصلية أو مخفف مليح لأنه ورد بمعنى مالح لأنّ مالحاً أنكره بعض أهل اللغة وقال إنه عامي وان كان الصحيح أنه مسموع من العرب كما أثبته أهل اللغة وأنشدوا لإثباته شواهد كثيرة. قوله: (حاجزا من قدرثه) فهو كقوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يريد لا عمد لها. وإنما هي مرفوعة بقدرته كما مرّ. قوله. (وتنافرا بليغاً) بيان للمعنى المراد منه وهو التمييز التام وعدم الاختلاط وقد مر أنّ حجرا محجوراً كلام يقوله المستعيذ لما يخافه كما فصلناه ثمة فأشار المصنف إلى أنه مراد هنا لكن مجازا كما في قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 20] فجعل كلا منهما في صورة الباغي على صاحبه المستعيذ منه وهي استعارة تمثيلية كما في تلك الآية وتقريرها كما في شروح الكشاف أنه شبه البحران بطائفتين متعاديتين يريد كل منهما البغي على الآخر لكنهما امتنعا من ذلك لمانع ق! ي مجبر فهي مصرّحة تمثيلية بولغ فيها هنا حيث جعل المعنى المستعار كاللفظ المقول لأنّ كلاً منهما يتعوّذ من صاحبه فانقلبت المصرحة مكنية ولذا كانت من أحسن الاستعارات فلما منعه لما فيه من الاختلاط شبه ذلك المنع بجعلهما قائلين هذا القول فعبر بأنه جعل بينهما هذه الكلمة عن ذلك وظاهر تقريرهم أنه لا تقدير فيه وقد جعل بعضهم على هذا حجراً محجورا منصوبا بقول مقدر ولا بعد فيه وجوّز فيه بعضهم أن يكون مجازاً مرسلاً فاطلق حجرا محجورا على ما يلزمه من التنافر البليغ وقال إنّ كلام المصنف يحتملهما. وقوله: كان الخ بيان للزوم أو للمشابهة وما قبله بيان لحاصل المعنى والمتعوّذ بصيغة الفاعل ولما فيه من معنى التباعد علق به قوله عنه أي عن الآخر فتدبر. قوله: (وقيل حدّا محدودا) فحجرا بمعنى منعا صار بمعنى مانع فهو مجاز أيضاً والمعنى أنه منعهما عن الامتزاج حتى بعد دخول أحدهما في الآخر فقوله: وذلك إشارة إلى مزجهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 مع الحدّ بينهما وفيه نوع تساهل لا يخفى. قوله: (وقيل المراد الخ) إنما مرضه لأن البرزخ إذا كان بمعنى الأرض لا يدل على كمال القدرة كما في الوجه الأول لا لإطلاق البحر على النهر العظيم لشيوعه حتى جعل حقيقة وإن لم يجعل حقيقة ففيه تغليب لكنه أورد على الأوّل إنّ عدم التغير أصلاً مع بعده مخالف للمحسوس وحيلولة الأرضى إنما هي في مجاريه والا فهو ينتهي للبحر. وقوله: فتكون القدرة في الفصل بالأرض بينهما واختلاف الصفة هي العذوبة والملوحة والعنصر هنا الماء بجملته لأنه عنصر واحد. وقوله: إن تضامت خبر أن وأن فيه مصدرية. قوله: (يعني الذي خمر به طينة آئم) فالمراد بالما " الماء المعروف وتعريفه للجنس والمراد من البشر آدم أو هو وذريته ومن ابتدائية ويسلس بمعنى يلين وقوله: أو النطفة معطوف على قوله: الذي قيل ولم يقل إنسانا لأنه مجموع البدن والروح وهي غير مخلوقة من الماء وخدس بقوله: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} [سورة النحل، الآية: 4] وقوله: قسمه قسمين إشارة إلى أنّ الواو للتقسيم، فإنها ترد له كما ذكروه وأنّ قوله نسباً وصهراً بتقدير مضاف حذف ليدل على المبالغة ظاهرا والمراد بذي النسب المذكور لأنّ النسب إلى الآباء والمصاهرة التزوّج بالإناث. وقوله: طباع متباعدة تقدم إن الطباع تكون جمع طبع ولذا قال متباعدة والقسمان المتقايلان الذكر والأنثى وقوله ة نطفة واحدة المراد الوحدة النوعية. قوله: (ما لا ينفعهم) أي إن عبدوه ولا يضرّهم إن لم يعبدوه. وقوله: إذ ما من مخلوق ما نافية ومن فيه زائدة واستقلاله بالنفع والضرّ أي من غير إرادة الله وتقديره. وقوله: يظاهر الشيطان إشارة إلى أنّ فعيلا بمعنى فاعل كنديم وجليس بمعنى منادم ومجالس والمظهارة المعاونة والمتابعة وإذا أريد بالكافر الجنس فهو إظهار في مقام الإضمار لنعي كفرهم عليهم. قوله: (وقيل هيناً مهيناً) ففعيل بمعنى مفعول أي مرمياً به من قوله جعلته بظهر مني إذا نبذته وتركته ومرضه لأنّ المعروف ظهير بمعنى معين لا بمعنى مظهور به. وقوله: فيكون كقوله الخ أي بمعناه ويقرب منه أيضا لأنّ من وراء الظهر لا ينظر إليه ولا يكلم ومثله يواجه والظهير يطلق على الواحد والجماعة وهو على هذا مجاز عن عدم الالتفات وأمّا الآية المذكورة فمجاز أو كناية. قوله: (للمؤمنين والكافرين) أي ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك مبشراً ومنذراً فلا تحزن على عدم إيمانهم. وقوله: للمؤمنين والكافرين لف ونشر ويجوز تعميم الإنذار للعصاة أيضاً كما جوّزه المصنف في غير هذه الآية واقتصر على صيغة المبالغة في الإنذار لتخصيصه بالكافرين إذ الكلام فيهم والإنذار الكامل لهم وهذا هو الناسب لظاهر كلام المصنف ولو قيل إنّ المبالغة باعتباراً لكم لشموله للعصاة جاز. قوله: (على تبليغ الرسالة الخ) أو على المذكور من التبشير والإنذار. وقوله: إلا فعل من شاء يعني إنّ فيه مضافاً مقدّراً والاستثناء متصل على هذا كما صرّحوا به ولذا صرّح المصنف بالانقطاع في الوجه الثاني واسنثناؤه من الأجر كالاستثناء في قوله: ولا عيب فيهم غيرأنّ نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن ... وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما أشار إليه المصنف بقوله فصوّر الخ وكونه متصلا بناء على الادعاء وفيه تفصيل في شرح التلخيص لا حاجة لذكره هنا. وقوله: يتقرب الخ يعني أنّ اتخاذ السبيل إلى الله أي إلى رحمته أو جنابه والمراد به لازم معناه لأنّ من سلك طريق شيء قرب إليه بل وصل. وقوله: صوره بصورة الأجر لإدخاله فيه حتى استثنى وكونه مقصوداً بالفعل وذلك إشارة إلى فعل من شاء. وقوله: قلعا إمّا مفعول له أو مصدر أو حال بتأويل قالعا وكذا قوله: إظهاراً واشعاراً أي لما يعرض للعقول القاصرة من توهم أنّ اجتهاده في دعوته حبا للرياسة أو طمعا في المال وقوله: إظهار الخ أي لإظهار شفقة النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمّته أو الله وضمير اعتد له أيضاً وضمير انفاعك لغير معين والمراد كل مؤمن مبلغ وقد مرّ إنّ الإنفاع لم يوجد في اللغة وبالتعرض متعلق به فهو كقول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثوباً على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. وقوله: أجراً منصوب باعتد لتضمنه معنى الجعل وكونه وافيا أي تامّا مرضياً لحصره فيه لعدم الاعتداد بغيره. وقوله به متعلق بمرضيا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 لتضمنه معنى قانعاً أو الباء زائدة وضمير عليه للأجر. أو للرسول صلى الله عليه وسلم وكون طاعتهم تعود عليه من جعلها أجرا له. ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم لي أجري وأجر من يتبعني لأنّ الدال على الخير كفاعله ولا منافاة بينه وبين الوجه الأوّل لأنّ الإشعار بناء على أن الأجر حقيقي والتصوير بناء على خلافه لأنّ الأول بالنظر إلى نفس فعلهم وهذا بالنظر إلى ما يلزمه ويترتب عليه فجاز اعتبار الأجر وعدمه. قوله: (متقطع الخ) قالا بمعنى لكن والاستدراك باعتبار أنّ المراد من شاء أن يتخذ سبيلا بالإنفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفق! ة! في سبيل الله لا مطلقا ليناسب الاستدراك. قوله: (فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء) فيه إشارة إلى أنه يفيد الحصر لأنّ أصله توكل على الله فلما عدل عنه إلى ما ذكر أفاد بفحواه أن من ليس كذلك لا يصح التوكل عليه أمّا غير الإحياء يهالأصنام فظاهر وأما من يموت فلأنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم ولذا قيل إنه لا يصح لذي عقل أن يثق بمخلوق بعد نزول هذه الآية أو لأنه لترتب الحكم على وصف مناسب وهو أن المتوكل عليه دائم باق معتمد عليه فصح الحصر. قوله: (ونزهه عن صفات النقصان) قدم التنزيه لأنه تخلية وقوله: مثنيا إشارة إلى أن قوله بحمد وحال والباء للملابسة والثناء بأوصاف الكمال معنى الحمد وهو إذا وقع في مقابلة الأنعام اتحد مع الشكر الموجب للمزيد لقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] وهو المراد كما أشار إليه المصنف. وسوابغه بالغين المعجمة بمعنى نعمه كما قال أسبغ عليكم نعمه. وفي نسخة سوابقه بالقاف بمعنى ما قدمه من النعم السابقة. قوله: (ما ظهر منها وما بطن) هو معنى خبير لأنّ الخبرة معرفة بواطن الأمور كما ذكره الراغب ومن علم البواطن علم الظواهر بالطريق الأولى فيدل عل! هما مطابقة والتزاما وقيل إنه من الجمع المضاف لأنه من صيغ العموم وهو المنايسب لتقديمه وخبيرا مفعول أو حال أو تمييز والمفعول محذوف وبذنوب صلة كفى أو خبيراً وباؤه زائدة وقوله فلا عليك إشارة إلى أن المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم بهذه الجملة وقوله: وقد سبق أي في سورة الأعراف وانه بكسر الهمزة أو فتحها. قوله: (ولعل ذكره زيادة تقرير (هذا على وجوه الإعراب وقد قيل إنه على الثاني أظهر وهو على الأوّل مستأنف يحتمل أن يكون جواب سؤال تقديره لم أمهلهم مع علمه بذنوبهم. والتحريض على الثاني من القرينة وهي العلم بقدرته على إيجادها في أقل من لمح البصر. وهو مروي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه فلا وجه لما قيل إنه بعيد لعدم القرينة الدالة عليه والتؤدة التمهل والتدرج إيجاده شيئاً فشيئاً. قوله: (إن جعلته صفة للحي) ويؤيده قراءة الجرّ في الرحمن ويحتمل نصب الذي على الاختصاص وكون الرحمن مبتدأ خبره فاسأل الخ كقوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم كما سيشير إليه. قوله: (فاسأل عما ذكر الخ) إشارة إلى أنّ الضمير واجع للخلق والاستواء وأفرد لتأويله بما ذكر ومثله كثير لا سيما في اسم الإشارة وما قيل إنه للرحمن والسؤال عن تفصيل رحمتة بعيد وذكر عن بيان لحاصل المعنى وانه صلة اسأل لا إشارة إلى أنّ الباء بمعنى عن لما سياتي ولو قيل إنّ فيه إيماء إليه لم يبعد. وقوله: عالما تفسير خبيراً ويخيرك جواب الأمر لا تفسير للخبير كما توهم وقيل إنه صفة لعالم وفائدة الأمر بالسؤال على الأخير تصديقه وتأييده وعلى ما قبله مع تقدم إخبار الله به أن ما تقدم يفيد علماً إجماليا والسؤال عن حقيقته وتفصيله وأما جعل السؤال مجازا عن الاعتناء وهو المراد بالتضمين وان كان المصنف يستعمله بهذا المعنى فمع بعده ينافيه أوّل كلامه فإنّ قوله بحقيقته يقتضي أن السؤال على حقيقته. وقوله ليصدقك في نسخة يصدقك بجزمه في جواب الأمر وهذا على الأخير لا على الوجوه كما قيل. قوله: (وقيل الضمير للرحمن) إنما قالط ما يرادفه لأنّ كتبهم ليست عربية ولم يرتضه لعدم مناسبته لما قبله ولأنّ فيه عود الضمير للفظ الرحمن دون معناه وهو خلاف الظاهر ولأنه كان الظاهر حينئذ أن يؤخر عن قوله ما الرحمن وكونه مبتدأ خبره ما بعده والفاء زائدة جار في الوجوه فلا وجه لتخصيصه. قوله: (كما يعدي بعن الخ) يعني أنه في الأصل متعدّ لاثنين بنفسه وقد يعدى بما ذكر لكون ما ذكر في ضمن معناه ويصح أن يراد التضمين الاصطلاحي وقد مر أنّ المصنف يستعمل التضمين بمعنى المجاز. وقوله: وقيل إنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 وفي نسخة به وخبيراً مفعول اسأل ويصح تنازعهما فيه وفيه حينئذ نوع من البديع غريب يسمى المتجاذب وهو كون لفظ واحد بين جملتين يصح جعله من الأولى والثانية وقد ذكره السعد في أواخر شرح المفتاح وهو كثير في الفارسية وهذا مما غفل عنه أصحاب البديعيات وقد نظمنا فيه أبياتا ليس هذا محلها وبقي في الكشاف وجه آخر وهو أنه تجريد كقولك: رأيت به أسداً أي برؤيته أي اسأل بسؤاله خبيراً والمعنى إن سألته وجدته خبيرا وباء التجريد سببية عنده قال في الكشف وهو أوجه ليكون كالتتميم لقوله: الذي خلق الخ فإنه لإثبات القدرة مدمجاً فيه العلم. قوله تعالى: ( {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} الا يخفى موقع هذا الاسم الشريف هنا وفيه معنى أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فافهمه ووقع السؤال بما دون من لأنه عن معناه أو لأنه مجهول كما يقال للشيخ المرئي ما هو فإذا عرف قيل من هو. وقوله: ما كانوا يطلقونه على الله ولذا قيل إنه عبرانيّ وأصله رخماني بالخاء المعجمة ولذا أنكروه كما سيأتي وظنوا أنه غير الله وقوله ولذلك أي لأحد هذين الأمرين أو للثاني قيل وهو الأقرب لأنّ ما بعده ناظر له. قوله: (للذي تامرناه) إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف وقوله يعني تأمرنا بسجوده على الحذف والإيصال والأصل تأمرنا بالسجود له ثم بسجوده ثم تأمرنا سجوده كأمرتك الخير ثم تأمرناه بحذف المضاف ثم تأمرنا كما ذكره أبو البقاء وهل هذا الحذف تدريجي أولاً قولان. وقوله: أو لأمرك على أنّ ما مصدرية واللام تعليلية والمسجود له محذوف أو متروك ومرّض كونه معرّباً لبعده ولشهرة اشتقاقه وهو قول ثعلب وقولهم: رحمن اليمامة يأباه واستدل بهذه الآية وبتقديمه على الرحيم وجوابه ظاهر مما مر وعلى هذا فالمقصود من قولهم ما الرحمن التعريف اللفظي. وقوله: الأمر بالسجود للرحمن لعلمه مما مر والإسناد مجازي وجملة وزادهم معطوفة على قالوا لا على مقوله وفي اللباب أنّ الضمير للسجود لما روي أنه-لمجهيه وأصحابه رضي الله عنهم سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين وعليه فليس معطوفاً على جواب إذا بل على مجموعه فلا يرد عليه أنه غير سديد معنى فتأمّل. قوله: (البروج الاثني عشر هي معروفة) وقوله: سميت به أي أطلق لفظ البروج عليها وهي في الأصل بمعنى القصور على طريق التشبيه. ثم شاع فصمار حقيقة فيها، وعن الزجاج أنّ البرج كل مرتفع فلا حاجة إلى التشبيه أو النقل. قوله: (واشتقاقه) أي البرح المفهوم من البروح. وقوله: لظهوره إشارة إلى أنّ التبرج بمعنى الظهور لا الإظهار وقد مر ما فيه وهذا كاشتقاق الوجه من المواجهة وهو اشتقاق كبير فلا يرد عليه أنّ الظاهر العكس لأنّ المزيد يؤخذ من المجرد إذ عادة الأدباء جعل الأشهر مشتقا منه وضمير فيها للبروج أو للسماء وهو أظهر. قوله: (وهي الشمس والكواكب الكبار) وقد جوّز فيه أن يكون من قبل إنّ إبراهيم كان أمّة قالتا لأنها لعظمها وكمال إضاءتها كأنها سرج كثيرة أو جمع باعتبار الأيام والممطالع ومنهم من فسر السرج بالكواكب الكبار واعترض على المصنف بأنه يلزم تخصيص القمر بالذكر بعد دخوله في السرج والمناسب تخصيص الشمس لكمال مزيتها على ما سواها ورد بأنه بعد تسليم دخوله في السرج خص بالذكر لأن سنيهم قمرية ولذا قدم الليل على النهار أي اعتبر مقدماً عليه فالليلة لليوم الذي بعدها فهم أكثر عناية به مع أنه على ما ذكره يلزمه ترك ذكر الشمس وهي أحق بالذكر من غيرها والاعتذار عنه بأنها لشهرتها كأنها مذكورة. ولذا لم تنتظم مع غيرها في قرن لا يجدي ولبعض الناس هنا كلام تركه أولى من ذكره. قوله: (مضيئا) تقدم الكلام على الضوء والنور والفرق بينهما. وقوله: أي ذا قمر قدّر فيه ذا بمعنى صاحب لأنه جمع قمراء بمعنى منيرة وهي الليلة ذات القمر وصاحبها هو القمر نفسه فيتضح وصفه بقوله منيراً وكونه فيها ويوافق القراءة المشهورة في المعنى ومنيرا وصف للمضاف المقدر لأنّ المحذوف قد يعتبر بعد حذفه كما في فوله: بردي يصفق بالرحيق السلسل قوله: (أي ذوي خلفة) بفتح الواو وتثنية ذي والخلفة الاختلاف أو كونه خلفا عنه وهو مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلف وان كان بمعنى مختلف كما في القاموس فلا حذف ولا تأويل والإفراد لكونه مصدراً في الأصل. وقوله: يقوم مقامه أي ما فات فيه يعمل في الآخر. قوله: (أن يتذكر الخ) يعني أنّ هذا أصله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 فأبدل وأدغم والظاهر أن اللام صلة جعل ولما كان ظهور فائدة ذلك لمن يتذكر أو يشكر كانا كأنهما لم يجعلا خلفة لغيرهما ويجوز أن يكون للتعليل. وقوله: رحيم على العبادة بقرينة ما سبق من ذكر الرحمن وقوله: أو أراد أو فيه للتنويع أو للتخيير على معنى استقلاله بكل منهما ولم يؤت بالواو لئلا يتوهم إنّ جمعهما لازم وقد قيل إنّ قوله والشاكرين إشارة إلى أنّ أو بمعنى الواو. وقوله: أو ليكونا وقتين الخ ظاهره إنه مقدر وهو على كل من معنيي خلفة. والوود بكسر الواو الوظيفة من قراءة ونحو ذلك وجمعه أو راد كحمل وإحمال وهذا ناظر للتفسير الأوّل لخلفة. وقوله: من ذكر أي الثلاثي. قوله: (خبره الخ) أو خبره قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ} [سورة الفرقان، الآية: 63] وهو أقرب. وقوله: واضافتهم إلى الرحمن أي دون غيره من أسمائه وضمائره لتخصيصهم برحمته أو لتفضيلهم على من عداهم لكونه! م مرحومين منعما عليهم كما يفهم من فجوى الإضافة إلى مشتق. فما قيل إنهم أضيفوا إليه مع أنّ الكل عبيده وأورب هـ عليه إنه لا تخصيص حينئذ إذ ا! بادة تشمل الكل وغايتة أن يكون ما بعده ط! تصا فالظاهر أنّ مراده إنّ إضافته إلى الرصمن لا إلى اغيره من أسمائه تعالى للتخصيص عن عبدة الأصنام وفيه أنّ التخصيص والتفضيل يوجد في إضافته إلى لفظ الله مثلاَ فلا بد من ضم قصد التعريض لمن قالوا وما الرحمن كما قيل تكلف لك غني عته بما قدمناه فتدبر. وقوله في عبادته أي أو عبوديته فل! يس اهذا مبنياً على كونه جمع عابد ثم التعريض في كلا الوجهين! لكته " في هذا أظهر. قوله: (على أن عباد جمع عابد) الظاهر! أئه بضم العين وتشديد الباء وهي قراءة كما في الدر المصون كتاجر وتجار وهي جمع عابد لا عبد والأول من العبادة وهي أن يظعل ما يرضاه الرب والثاني من العبودية وهي أن يرصى ما يفعله الرب فمن قال إفه عني بقوله على أنّ الخ أنّ الوجه الثاني! للإضافة مبنيّ على أنّ عباد بكسر العين وتخفيف الباء جمع عابد وغلط من زعم أنه بالضم والتشديد وتجار بكتسر المتا اء وتخفيف الجيم كرجلى. كما في وقل: ولقدأروح على التجارمرجلا فقد خبط خبط عشواء قوله: (هينين) يعني إنّ الهون مصدر بمعنى اللين والرفق ومنه حديث المؤمنيق هينون لينون والمثل إذا عز أخوك فهق وهو إمّا مصدر مع تأويله بالوصف أي هيناً أو حال بمعنى هينين وقوله: مصدر وصف به بتأويله بالصفة هو على الوجه الثاني ويجوز أن يكون عليهما لأنّ الحال وصف لصاحبها معنى فالوصف بالمعنى اللغوي. وقوله: والمعنى الخ يعني أنه كناية عما ذكر. قوله: (تسليماً منكم ومتاركة) فهو منصوب عبى المصحدرية لأنه فصدر مؤكد لفعله الم! ضمر الذي قام- مقامه والتقدير نسلم منكم تسليماً والج! ملة قق! ول القول والسطلام للمتاركة وهذا المعنى كثير في- كلام اهلعرب كقوله: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي ب! سلام ... وفي كتاب سيبويه قالوا سلاما أي براءة منكئم لأن! ها مكية والسلام في النساء وهى مدنية ولم يؤمر المسلمون بمكة أن يسلموا على المشزكين وإنما هذا على براءة+ منكم وتسليما لا خير بيننا وبينكم ولا شر ا!. وإلى هذا أشار الزمخشريّ وتبعه المصنف رحمه الله. قوله: (أو سدادا من القول) بفتح السين أي صواباً وهو معطوف على قوله تسليماً- وفي الك! ش! ف في بعض الحواشي هذا تفسير ليس يسديد لأنّ المراد هنا يقولون: هذه اللفظة لا أنهم يقولون قولاً ذا سداد بدليل قوله سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين (أقول) وتلك الآية لا تخالف هذا التفسير فإنّ قولهم سلام عليكم من سداد القول أيضاً كيف والظاهر أنّ خصوص اللفظ غير مقصود بل هو أو ما يؤدّي مؤداه مصا يدل على المتاركة وعدم الإثم واللغو اهـ. وهذا مما لا غبار عليه لما مر عن الكتاب فمن قال إنّ مراد القائل إنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً فإذا صرح في تلك الآية بهذه اللفظة لا ينبغي التأويل بغيرها إذ الظاهر القصد إلى خصوصها والله أعلم بحكمة تخصيصه وذلك كتخصيص هذه اللفظة بمن مر على آخر مثلاَ ولا يخفى أنه غفلة عن مراد. وأمّا حكمة تخصيصها فما مرّ وهو أنهم لم يؤمروا بالسلام على الكفرة إذ ذاك كما صرحوا به وأمّا تخصيص هذه اللفظة بعد مشروعية السلام فظاهر وفي بعض الحوأشي هنا خبط عجيب تركناه لطوله بلا طائل. قوله: (يسلمون فيه من الإيذاء) استعمل الإيذاء كغيره وهو صحيح قياساً واستعمالاً كما ذكره الراغب في مفرداته وإنما تركه الجوهري وغيره على عادتهم في ترك المصادر القياسية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 فقوله في القاموس ولا تقل إيذاء خطأ كما مر ولا حاجة إلى اعتذار بعضهم عنه بأنهم استعملوه قياساً وهم لا يتحاشون عن مثله بل عن استعمال الخطا المشهور. قوله: (لنسخه) أي لنسخ ما في هذه الآية لأنها مكية وآية القتال مدنية وهو منفي لأنّ النفي متوجه للقيد ولأنّ قوله فإنّ الخ يدل على أنّ حكمها باق غير منسوخ وجعله جوابا آخر ياباه سياقه. وقوله: لربهم متعلق بما بعده وقدم للفاصلة والتخصيص واحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق لكونه زمان النوم والراحة. وقوله: وتأخير القيام الخ يحتمل أن التقديم لشرفه وإباء المستكبرين عنه في قوله وإذا قيل الخ وقوله أجرى مجراه أي لشموله للكثير بحسب أصله وإن كان مؤوّلاً بالوصف على هذا. قوله: (لازماً) وقيل معناه مهلكاً ولزومه إما للكفار أو المراد به الامتداد كما في لزوم الغريم وقوله: بأنهم أي المؤمنين ومخالطتهم وقع في نسخة بدله مخالقتهم بالقاف مفاعلة من الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: " خالف الناس بخلق حسن ". وما وقع في بعض النسخ من مخالفتهم بالفاء تحريف من الناسخ ووثوقهم معطوف على اعتدادهم. قوله: (مستقرا ومقاماً) الظاهر أنه كقوله: وألفي قولها كذا ومينا وحسنه كونه فاصلة وقيل المستقر للعصاة والمقام للكفرة وقوله: يئست مستقرا ذكر في ساءت وجهين أحدهما أنها بمعنى بئس فتعطى حكمها والمخصوص محذوف تقديره هي وهو الرابط لهذه الجملة بما هي خبر عنه إن لم يكن ضمير القصة ومستقرّاً تمييز والضمير المبهم عائد عليه مفسر به وأنث لتأويل المستقر بجهنم أو مطابقة للمخصوص ومقاما قرئ بفتح الميم وضمها وجملة أنها الخ من مقول القول أو من كلامه تعالى كما سيأتي. قوله: (أو أحزنت) هذا هو الوجه الثاني فيها وهو معطوف على قوله بئست فهي فعل متصرف متعد ومفعوله محذوف أي أحزنت أهلها وأصحابها ومستقرا تمييز أو حال وهو مصحدر بمعنى الفاعل أو اسم مكان. قوله: (والجملة تعليل الخ) قال ابن هشام في التذكرة هذا ضعيف إذ لا مناسبة بين كون الشيء لزاما وكونه ساء مستقرا، ويجاب عنه بأنه بملاحظة اللزوم والمقام فإنّ المقام من شانه اللزوم وعلى الثاني ترك العاطف للإشارة إلى أنّ كلا منهما مستقل بالعلية وقوله: وكلاهما يحتملان ثني خبر كلا رعاية لمعناها ويجوز إفراده رعاية للفظها ومثله كلتا وتفصيله في كتب النحو. وقوله: والابتداء فيكون تعليلاً ليقولون ويحتمل المخالفة بجعل أحدهما مقولاً والآخر تعليلا ثم إنه يجري في كل منهما الوجهان. قوله: (وقرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء الخ) كذا في النسخ المصححة ووقع في نسخة بضم التاء وهي سهو من الناسخ. وقد جرى على عادته في جعل قراءة الأكثر أصلاً وقوله وسطا بفتح السين والفرق بينه وبين المسكن مشهوو وعدلاً بمعنى معتدلاً. قوله: (سمي) أي الوسط به أي بالقوام واستقامة الطرفين تعادلهما كان كلا منهما يقاوم الآخر. وقوله: وهو أي قواما خبر ثان لكان مؤكد للأوّل وهو بين ذلك واسم كان ضمير مستتر يعود للإنفاق. ويجوز كون قواماً خبراً. وبين ذلك ظرف لغو متعلق بقواما أو بكان إن قلنا بجواز تعلق الظرف بها. قوله: (لإضافته إلى غير متمكن) أي مبني وهو اسم الإشارة لأنّ المضاف قد يكتسب البناء مما أضيف إليه إذا كان ظرفا أو في حكمه كما ذكره النحاة. وقوله فيكون كالأخبار بالشيء عن نفسه لأنّ، ما بينهما هو القوام فيبهون كشد- الجارية مالكها وهو لا يصح ولا يخفى إنّ هذا غير وارد على قراءة الكسر وأمّا على الفتح فمتجه وما قيل من أنه من باب شعري شعري والمعنى كان قواماً معتبراً مقبولاً فهو مع بعده إنما ورد فيما اتحد لفظه وما نحن فيه ليس كذلك وكذا ما قيل إنّ بين ذلك أعم من القوام فإنّ ما بين الإقتار والإسراف لا يلزم أن يكون قواماً ووسطاً فقد يكون فوق الإقتار بقليل ودون الإسراف بقليل فتكلف أيضاً إذ معا بينهما شامل للوسط إلحاق وما عداه كالوسط من غير فرق ومثله لا يستعمل في المخاطبات لإلغازه وأما رده بأنه يلزمه الإخبار عن الأعم بالأخص وان في مراعاة حاق الوسط حرجاً لا يمدح به فليس لأنّ الأخبار عن الأعمّ بالأخص جائز كالذي جاءني زيد والقائل لم يرد إلحاق الحقيقيّ بل التقريبيّ كما يدل عليه. قوله: بقليل ومثله لا حرج فيه. وقوله: لا يدعون الخ أي لا يشركون به غيره. قوله: (بمعنى حرّم قتلها) لأنّ الحل والحرمة إنما يتعلقان بالأفعال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 لا بالذوات. وقوله متعلق بالقتل المحذوف أي في توله: حرّم الله قتلها أي حرّم قتلها يسبب من الأسباب إلا بسبب حق فهو مفرغ في الإثبات لاستقامة المعنى لإرادة العموم أو لكون حرم نفي معنى وما قيل إنه لا وجه له لاقتضائه عدم جواز قتل النفس مطلقاً ولذا لم يتعلق بحرم مع ظهوره لا وجه له وكذا إذا تعلق بلا يقتلون لكنه نفي صريح وقد جوّز فيه أن يكون صفة مصدر محذوف أي قتلاً ملتبساً بالحق أو حالاً أي ملتبسين بالحق. قوله: (ننى عنهم أمّهات المعاصي) وهي الشرك والقتل والزنا وأصول الطاعة البدنية والمالية الإنفاق والأجر الموعود في قوله أولئك يجزون الخ. وقوله: ولذلك أي لقصد التعريض وقوله: أضداده أي النفي والثبوت. قوله: (جزاء آه3) على أنّ الآثام بمعنى الجزاء والعقاب كما ذكره بعض أهل اللغة. وقوله: أو إثماً على أنه بمعنى الإثم نفسه فيكون فيه مضاف مقدر أو هو مجاز بذكر السبب وارادة المسبب والأيام بمعنى الشدائد شائع ومنه أيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم وفي نسخة شديداً والجمع أصح. قوله: (لأنه في معناه) يشير إلى أنه بدل كل من كل ويحتمل أن يكون بدل اشتمال والبيت المذكور استشهد به النحاة على الإبدال من الشرط فتلمم بمعنى تنزل وبنا متعلق به بدل من تاتنا والاستشهاد به لمجرّد الإبدال من المجزوم بالشرط وليس تلمم جواب الشرط لعدم الفائدة فيه. والحطب الجزل اليابس الكثير وتاججاً يحتمل أن يكون بضمير التثنية لتغليب الحطب أو الألف للإطلاق وفيه ضمير النار لتأويله بمذكر أو أصله تتأججن مضارع مؤكد بإلنون على خلاف القياس وإذا كان حالاً فهو من ناعل يلق والمعنى مضاعفاً له العذاب. وقوله: وابن كثير أي وقرأ ابن كثير. وقوله: مع التشديد متعلق بالقراءتين وفي يضعف متعلق بالتشديد. فوله: (مضاعفتة لانضمام المعصية) جواب عن أنّ هذه الآية مخالفة لقوله تعالى ة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى، الآية: 40] فإن العقاب لا يضاعف بخلاف الثواب. وقد أجيب أيضاً بأن المضاعفة بالنسبة إلى ما دونه من المعاصي ولا بعد فيه لعدم ذكر ما دونه كما قيل وأمّا ما أورد على الأوّل من أن تكرّر لا النافية يفيد نفي كل من تلك الخصال بمعنى لا يوقعون شيئاً منها فمن يفعل ذلك بمعنى من يفعل شيئا من ذلك ليتحد مورد الإثبات والنفي فلا دلالة له على الانضمام فليس بشيء لأنه كما عرفت تعريض للكفرة ومن يفعل شيئا من ذلك منهم فقد ضمّ معصيتة إلى كفره ولو لم يلاحظ ذلك على ما اختاره لزم أنّ من ارتكب كبيرة يكون مخلدا ولا يخفى فساد. وتوارد النفي والاثبات على شيء ليس بلازم فما ذكر. تعسف وخيال لا حقيقة له. قوله: (ويدل عليه) أي على الانضمام المذكور لما مر وهو إشارة إلى ما ذكرناه لأنّ استثناء المؤمن يدل على اعتبار الكفر في المستثنى منه. وما قيل إنّ المستثنى من جمع بين ما ذكر فيكون المستثنى منه غير جامع لها فلا يدل على الانضمام ردّ بأنه وان كان كذلك لكن هنا قرينة على أنّ المستثنى منع جمع بين أضدادها كما مرّ ولذا جمع بين الإيمان والعمل مع أنّ العمل مشروط بالإيمان فذكره للإشارة إلى انتفائه عن المستثنى منه ولذا قدم التوبة عليه ويحتمل أنّ تقديمها لأنها تخلية. وقوله: فأولئك الخ احتراس لأنّ الاستثناء من مضاعفة العذاب ربما يوهم ثبوت أصله ومن لم يتنبه له اعترض به فتنبه. قوله: (بأن يمحو الخ) فالتبديل بإقامة شيء مقامها كبدلت الرديء بالجيد وقوله: أو يبدّل ملكة الخ فالمراد بهما ملكتهما لأنفسهما وأدخل الباء على الحاصل لأنه يجوز في التبديل دخولها على الذاهب منهما كما ذكره الأزهريّ وقد مرّ تفصيله في البقرة فمن قال إنّ الأولى إدخال الباء على ملكة المعصية فان المنصوب يكون الحاصل والمجرور بالباء الذاهب كما في قوله: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 4 ا] لم يأت بشيء وان كان في قوله الأول إشارة إلى ما ذكر لكنه لم يتنبه إلى أنّ عدول المصنف عنه لموافقته للنظم هنا فتدبر. قوله: (وقيل بأن يوفقه الخ) قيل إنه مرضه لأنّ مآله إلى أحد الوجهين السابقين وما قيل من أنه لأجل إنه يؤدّي إلى اشتراط الشيء بنفسه لا يرد على عبارته إلا إذا أريد بما سلف الكفر وليس بمتعين. وقوله: أو بأن يثبت الخ لإنابته واستغفاره وقد ورد في الحديث ليأتين ناس يوم القيامة ودّوا أنهم استكثروا من السيئات قيل من هم يا رسول الله قال: " الذين بدل الله سيئا-لهم حسنات ". ولذا قال أبو نواس: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا ... قوله: (فلذلك الف ونثر مرتب وقوله: عن المعاصي أي التي فعلها ويتلافى بالفاء بمعنى يتدارك وقوله: أو خرج عن المعاصي أي جنسها وان لم يفعله وهو الفرق بينهما. وقوله: يرجع إلى الله بذلك أي بالتوبة والعمل الصالح فهو رجوع مخصوص وبهذا تبين مغايرة الجزاء للشرط ووجه التخصيص مع أق الرجوع إلى الله عام كما قال وانكم إلينا لا ترجعون. قوله: (مرضياً الخ) هو مستفاد من تعظيم التنكير وبه يندفع ما مرّ أيضا. وقوله متابا إلى الله الذي الخ لاشتهار الله بذلك. ويصطنع بهم بمعنى يحسن إليهم وعدا. بالباء لتضمينه معنى الرفق. وقوله: تعميم الخ لأنه توبة عن جميع الذنوب وما قبله عن الأمهات ويشهدون على الأوّل من الشهادة والزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور. وعلى الثاني من الشهود والحضور والزور مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور والشركة لإشعاره بالرضا. وقوله: يلقى بالقاف أو بالغين المعجمة. قوله: (مكرمين الخ) إشارة إلى أنّ كراماً جمع كريم بمعنى مكرم لنفسه وغيره بالصمفح ونحوه ودخول الكناية إن كان في منطوقه لزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا مروو فيه وهو جائز عنده وان كان بطريق القياس ونحوه فلا وقوله: بالوعظ على أنّ المراد بالآيات معناها اللغوي. وقوله: لم يقيموا عليها أي على سماعها. وقوله: كمن الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ وراعية بمعنى مديمة للنظر. وقوله والمراد الخ أي خرّوا غير صم عمي لرجوع النفي إلى القيد. والهاء في قوله: عليها إذا كانت للمعاصي فالنفي لأصل الفعل ولبعد ما ذكر عن السياق لم يرتضه. قوله: (بتوفيقهم للطاعة الخ) حيازة الفضائل الدينية جمعها وتحصيلها والفضيلة مزية لا يلزم تعديها فتعم ولذا ذكرت بعد الطاعة. وقوله: فإنّ الخ تعليل لإرادة ما ذكر ولم يقل فإنّ سرور قلب المؤمن في أزواجه وذرّياته أن يشاركوه في طاعتة تعالى لعدم مطابقته للواقع فإنه كم من سرور له بغير ذلك مع أن الفرق يسير وقوله: سرّ بهم قلبه وقرّت بهم عينه لو قدمه ليكون عطفاً تفسيريا صح لكنه لا يحتاج إلى التفسير وقرّة العين أمّا من القرّ وهو البرد لأن دمعة السرور باردة ولذا قيل في ضدّ. أسخن الله عينه أو من القرار لعدم النظر لغيره. قوله: (ومن ابتدائية) متعلقة بهب أو بيانية متعلقة بمقدر وهذا بناء على جواز تقدم المبين على المبين. وقوله: رأيت منك أسداً تجريد ومن التجريدية تحتملهما كما مرّ تحقيقه. قوله: (وتنكير الأعين الخ) يعني أعين القائلين معينة ونكرت لقصد تنكير المضاف للتعظيم وهو لا يكون بدون تنكير المضاف إليه وقوله: وهي قليلة الخ قيل عليه إن الأحسن أن يقال إنه لأن المراد إن كل واحد يقول ذلك لا لما ذكر لأن المعتبر في جمع القلة قلة عدده في نفسه لا بالإضافة لغيره ورد بأنّ المراد أنه استعمل في معنى القلة مجرّداً عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم وفيه نظر. قوله: (بإضافة الخ) متعلق باجعلنا إشارة إلى أنّ التقدم إنما هو بالعلم والعمل واعتذر عن عدم مطابقته للمفعول الأوّل وهي لازمة إما لأنه اسم جنس فيجوز إطلاقه على معنى الجمع مجازا بتجريده من قيد الوحدة أو هو في الأصل مصدر وهو لكونه موضوعا للماهية شامل للقليل والكثير وضعا فإذا نقل لغيره قد يراعي أصله. فما قيل إن الفرق بينهما قليل الجدوى قليل الجدوى وما ذكره مصحح وقوله: أو لأنّ المراد أي مع رمحاية الفاصلة هو المرجح ولذا لم يجعنه وجهاً مستقلاً. وكونه جمع آمّ بعيد وأقرب منه أنه يستعمل للواحد والجمع كهجان، وما قيل من أن مدار التوجيه على أن هذا الدعاء صدر عن الكل على طريق المعية وهو غير واقع أو عن كل واحد بطريق تشريك غيره وليس بثابت فالظاهر اأنه صدر عن كل واحد قوله اجعلني إماما فعبر عنهم للإيجاز بضمير الجمع وأبقى إماما على حاله لا يخفى تكلفه وتعسفه مع مخالفته للعربية وأنه ليس مداره على ذلك بل أنهم شركوا في الحكاية في لفظ واحد لاقحاد ما صدر عنهم مع أنه يجوز اختيار الثاني لأنّ التشريك في الدعاء أدعى للإجابة فأعزفه. قوله: (ومعناه قاصدين) أي على الوجه الأخير وفيه إشارة إلى أنّ الإمام من الأم بمعنى القصد ومقتدين على صيغة الفاعل أو المفعول والأوّل أقرب وبهم! وفي نسخة لهم صلته. وقوله: وهي اسم مفرد أريد به الجمع بدليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 ما في الآية الأخرى وقد قرئ في تلك الآية في الغرفة والأصل توافق الآيات وإذا كانت بمعنى الجنة لا كحتاج إلى التأويل. وقوله: بصبرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية وأن مفعول الصبر محذوف. وقوله: من مضض بيان للمشاق وأصله الوجع والمراد به هنا ثقلها. قوله: (دعاء بالتعمير) أي! طول العمر والبقاء لأنّ التحية أصل معناها قول: حياك الله وأبقاك وهي مشتقة من الحياة كما أشار إليه، والسلامة تفسير للسلام وقوله: تحييهم بيان للداعي وفي نسخة أو تحييهم على أنّ الأول غير معين والمراد من الدعاء به التكريم والقاء السرور، والا فهو متحقق لهم. وقوله: أو تبقية تفسير له على أنه لم يرد الدعاء بل وصفهم بما ذكر وقوله وقرأ حمزة الخ وقراءة غيره بتشديد القاف. وقوله: مقابل سات " فهو إمّا بمعنى نعمت أو سرت وجميع ما مرّ جار هنا والتأفيث لتأويل المقام بالجنة مطابقة لئأنيث المختص فتذكر. قوله: (ما يصنع بكم) فما استفهامية ؤتجوله: من عبأت الخ فأريدا به لازم معناه وهو الصنع لأن الشيء إنما يهيأ ليصنع به صنع. وقوله: أو لا يعتد بكم فما نافية وهو من العبء بمعنى الحمل ولما كان ما لا يعتد به يرمى ولا يحمل أطلق على عدم الاعتداد بالشيء وعدى تعديته. وقد كان متعذيا بنفسه والخطاب لكفار قريش أو لجميع العباد كما ارتضاه في الكشاف على كلام فيه. قوله: (لولا عبادتكم) قد مرّ أن الدعاء يطلق على العبادة وتوجيهه فالمس در مضاف للفاعل وقد جوّز فيه أن يكون مضافا إلى المفعول والمعنى لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد وأن يكون الدعاء بمعنى التضرّع وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه. قوله:) وقيل معناه ما يصنع بعذابكم (ففيه مضاف مقدر والدعاء بمعنى العبادة أيضاً والخطاب للكفار. وقوله: عبا بفتح الباء مصدر وقوله يعبؤكم إشارة إلى أنه متعد بنفسه في الأصل كما مر واضافة رب إلى ضحميره للإشارة إلى أن تبليغه بأمره وتربيته. قوله: (حيث خالفتموه) فالتكذيب استعير للمخالفة وما أخبرهم به إفا في قوله ما يعبأ الخ أو في غيره وقوله: كذب القتال الخ كما يقال في ضده حمل حملة صادقة. وقوله: بما وجد في جنسهم فلا يتوهم دخول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيهم. وقوله: يكون جزاء التكذيب يعني أنّ الضمير لمصدر الفعل المتقدم بتقدير مضاف أو على التجوّز وإن اللزام مصدر مؤوّل باسم الفاعل وأتى به للمبالغة. وقوله: أو أثره وهو الأفعال الشنيعة المتفزعة عليه فصيغة المضارع للاستمرار وعلى الأوّل للاستقبال. وقوله: حتى يكبكم بالرفع أو النصب والياء مفتوحة من كب لا بالضم من أكب للزومه كذا قيل لكن صاحب القاموس والراموز قالا إنه يقال كبه وأكه فيجوز فيه الفتح والضم ومن خالف في تعديه فهو قاصر وليس هذا محله- وقوله: وإنما أضمر أي في يكون- وقوله: من غير ذكر أي صريحاً وإلا فهو في ضمن الفعل فلا إضمار قبل الذكر- وقوله: يكتنهه أي يحيط بكنهه وحقيقته. قال الأزهريّ رحمه الله تعالى: اكتنهت الأمر اكتناهاً إذا بلغت كنهه فلا وجه لقوله في شرح المفتاح في الفصل والوصل أنه مولد. وقوله: وقيل المراد أي باللزام هنا ما لزمهم من العذاب في الدنيا وقد كان ملزوماً لهم في الآخرة ولزاما بالفتح مصدر لزم. والحديث المذكور موضوع والنصب التعب ومناسبته ظاهرة تمت السورة الشريعة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشعراء هي مكية إلا الآيات المذكورة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل كما في الإتقان فإنها نزلت بالمدينة في شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان وكعب بن مالك وابن رواحة رضي الله عنهم، وقال الداني: روي بسند صحيح أنها نزلت في شاعرين تهاجيا في الجاهلية مع كل واحد جماعة فالسورة على هذا كلها مكية. قوله: (قرأ حمزة الخ) وكون نافع قرأ بين بين رواه أبو عليّ الفارسيّ في الحجة، وعليه اعتماد الزمخشريّ والمصنف في فقل القراآت، فما في النشر مما يخالفه وأنه مرويّ عن قالون لا يرد على المصنف كما توهم، وقوله: بكراهة للعود تعليل لعدم الإمالة الصرفة، ويعني به أن الألف منقلبة عن ياء فلو أميلت إليها أنتقض غرض القلب، وهو التخفيف ومن لم يمل أصلاً نظر إلى أن الطاء حرف استعلاء يمنع من الإمالة، وإنما كان منفصلاً لأنها أسماء حروف مقطعة، ومن أدغمها رآها متصلة في حكم كلمة واحدة خصوصاً على القول بالعلمية، وأمّا معنى طسم وإعرابه فقد مرّ في أوّل البقرة كما أشار إليه المصنف. قوله: (الظاهر إعجازه وصحته) إشارة إلى أنه من أبان اللازم لا من المتعذي ومفعوله محذوف ومو الشرائع والأحكام أو الحق ونحوه لأن هذا أنسب بالمقام، ولذا اقتصروا عليه هنا، وجوّز غيره في غير هذه الآية وذكر الإعجاز إمّا إشارة إلى تقدير مضاف، أو إلى أنّ الإسناد مجازيّ، والإعجاز والصحة متلازمان وقيل المراد صحة كونه من عند الله وهو عطف تفسير للإعجاز وفيه نظر لأنّ كونه من عند الله لا يلزمه الإعجاز ألا ترى أنّ التوراة والأحاديث القدسية من عند ألله ولا إعجاز فيها. قوله: (والإشارة إلى السورة أو القرآن) المفهوم من قوله طسم بأن تجعل اسماً لهما، أو تعدادا للحروف مرأدا به قرع العصا، وقوله: آيات الكتاب بمعنى آيات هذا المؤلف منها، وطسم مبتدأ خبر. تلك والكتاب المبين صفته أو خبره وهو وخبره خبر الأوّل، وهو أرجح وإذا أريد القرآن فالتأنيث لرعاية الخبر. قوله: (قاتل نفسك) أي غماً وتهالكاً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 والبخاع بكسر الباء بالمعنى المذكور مما تفرّد الزمخشريّ بإثباته وتبعه المطرزيّ لكن ابن الأثير في النهاية قال: إنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة، واستعمال العرب، وقد مرّ تفصيله وأنّ المثبت مقدّم على النافي خصوصا مثل هذا المثبت، وقوله: مستبطن القفا غير غبارة الكشاف، وهي قوله: مستبطن الفقار جمع فقارة وهي عظام الظهر لما قيل إنه تحريف لأنّ أقصى حدّ الذابح في القفا، وفيه نظر. قوله: (أي أشفق على نفسك الخ الما كان الترجي غير صحيح ولا مرادا جعلها للإشفاق، والإشفاق بمعنى الخوف أيضاً غير متصوّر منه تعالى فجعله من المخاطب، ولما كان غير واقع أوّله بالأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه أو المعنى أنك تفعل ذلك أي التحسر والتهالك فلا تفعل، قيل: ولو فسر البخع بشدّة الحرص كما يقال هو يقتل نفسه على كذا جاز الخبر، وعدم الحمل على الإشفاق، وفيه ما فيه. قوله: (لئلا يؤمنوا الخ) في الكشاف لثلا يؤمنوا ولامتناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا فزأد قوله ولامتناع الخ إشارة إلى أنّ السكون بمعنى الصحة فهو عطف تفسيريّ، وعلى الثاني هو بمعناه لكن لما لم يصح كون عدم الكون في المستقبل علة للبخع لكونه غير معلوم قدر خيفة لا لأنه ليس فعلألفاعل الفعل المعلل فإنه وهم فإنّ فيه مصححاً آخر لحذفها، وهو أن المصدرية لاطراد الحذف مطلقاً معها كما حققه بعض شرّاج الكشاف ففي كلام المصنف رحمه الله قصور، وتوجيهه بأنّ المراد لاستمرارهم على عدم قبول ا! يمان لأنّ كلمة كان للاستمرار فأريد به استمرار النفي لا المنفيّ فليس فيه غفلة عن فائدة ذكر الثون كما توهم ليس بشيء لأنه ليس في كلامه ما يدلّ على إرادة الاستمرار صراحة، ودلالة فلا بتمّ بعناية القاضي، وكأنه أراد انّ كان هنا أتى بها لأجل الفاصلة، والأولى ما مرّ فتأمّل. قوله: (1 ن نثأ الآية) قيل إنه استئناف لتعليل ما يفهم من الكلام من النهي عن التحسر المذكور ببيان أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئته تعالى حتماً فلا وجه للطمع فيه، والتألم من فواته، ويرد عليه أنه يقتضي أن عدم تعلق مشيئته بإيمانهم يكون عذراً لهم في ترك الإيمان كما سيورده هو فيما سيأتي، وليس كذلك فالأولى أن يقال إيه تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمراد منه تعليل الأمر بإشفاقه على نفسه ومفعول المشيئة ما يدل عليه الجزاء أو إيمانهم بقرينة ما قبله، ويؤيده أنّ السورة في تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم فهو براعة استهلال. قوله: (دالة ملجئة إلى الإيمان الخ) وفي نسخة دلالة ملجئة بماسناد الإلجاء للدلالة مجازاً، وقيد الأية بالملجئة لأنّ غيرها مما تحقق نزوله قبله ومعه، والإلجاء لأنه سنة الله عند ظهور أمثالها، وقولنا سنة أحسن من قول بعضهم عادة لأنّ العادة لا تطلق عليه تعالى كما في الانتصاف لكن الزمخشريّ، وغيره يستعملها والوارد في الآثار ما ذكرناه سابقاً. قوله: (أو بلية قاسرة عليه) أي على الإيمان بالجبر عليه، وليس ذلك في الوجه الأوّل، والتخصيص لما مرّ لا لأنّ عليهم يدل عليه لأن الاستعمال تعديته بعلى فلا دلالة على ما ذكر كما قيل. قوله: (منقادين) يعني أنّ الخضوع هنا مجاز أو كناية عن الانقياد والإذعان، ولما كان خاضعين لجمع من يعقل والإعناق ليست كذلك جعلها مقحمة والأولى أن يقال إنها أكتسبت التذكير، وصفات العقلاء من المضاف إليه، ولما كان الخضوع وضدّه يظهر في الرأس والعنق جعله محله لأنه يتراءى قبل التأمّل أنه هو الخاضع دون صاحبه، وقوله على أصله أي قبل الإقحام. قوله: (وقيل لما الخ) معطوف على قوله: وأصله الخ لا على قوله وترك الخبر لفساده معنى كما لا يخفى، وقوله بصفات العقلاء جمعها وهي صفة واحدة أعني الخضوع لتعددها باعتبار تعدّد من قامت به هنا أو لأنه أريد الجنس كما في قولهم فلان يلبس الثياب، ولها صلة ظلت أو خاضعين، ولم يلتفت لتقدير أصحاب أعناقهم لأنه ركيك مع الإضافة لضميرهم، ولا لجعل خاضعين حالاً من المضاف إليه لذلك. قوله: (وقيل المراد بها الرؤساء) أي مجازاً كما يقال لهم صدور ورؤس فيثبت الحكم لغيرهم بالطريق الأولى أو الجماعات وفي نسخة الجماعة أي مطلقاً رؤساء أم لا فالمعنى ظلت جماعاتهم أي جملتهم لأنهم جماعة من الناس فلا إشكال فيه، وعلى قراءة خاضعين الإسناد مجازيّ. قوله: (فظلت الخ) هو تفريع على جميع ما تقدم لا على الأخير وهذا من العطف على المعنى كما عطف فأصدق المنصوب على أكن المجزوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 لصحة الجزم فيه، وقوله: لأنه لو قيل الخ بيان له، والماضي وإن كان يصح عطفه على المضارع إلا أنه هنا غير مناسب فإنه لا يترتب الماضي على المستقبل بالفاء التعقيبية أو السببية فإنه غير معقول، والمعقول عكسه وتأويل أحد الفعلين يدفع ذلك فهو لازم لكنه إن نظر إلى زمان الحكم كان الجواب مستقبلا فيؤوّل ظلت بتظل كما قرئ به، وان نظر إلى زمان الحكاية يؤوّل تنزل بأنزلنا كما قرئ به، وهو الذي اختاره الشيخان لأنه وإن كان مستقبلا حقيقة لأنّ المعتبر زمان الحكم لا التكلم على المشهور، ولو خط فيه أيضا صورة نزول تلك الآيات العظيمة الملجئة إلى الإيمان، وحصول خضوع رقابهم عند ذلك في ذهن السامع ليتعجب منه وعبر عنه بالماضي إشارة إلى أنّ نزول تلك الآيات لقوة سلطانه، وسرعة ترتب ما ذكر عليه كأنه كان واقعاً قبله، وإلا لم يصح الترتب والتسبب لما مرّ فلذا جرى فيه على خلاف مقتضى الظاهر كما في شرح الكشاف فما قيل في دفع كون كلمة الشرط تخلص للاستقبال، وانّ النظم لو كان أنزلنا أوّل يتنزل من أنّ إن الشرطية قد تخرج عن الاستقبال كما في نحو إن كنت قلته فقد علمته، وهو كذلك هنا بدليل وقوع لو في نظائره كقوله: {وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [سورة الأنعام، الآية: 35] فالمعنى هنا لو شئنا لأنزلنا فلذا عطف على المعنى تكلف ما لا حاجة إليه من كون أن بمعنى لو ومضيّ ما في حيزها، وأنت في غنية عنه بما قدمناه ومن قال إنّ الفاء لا يجزم ما بعدها لم يفرق بين العاطفة والجوابية فتأمّل. قوله: (موعظة أو طائفة من القرآن) يعني المراد إما التذكير والموعظة، ومن زائدة أو القرآن ومن تبعيضية والجاز والمجرور صفة لمقدر، وقوله: بوحيه متعلق بيأتيهم، وعنوان الرحمن إشارة إلى أنه رحمة، وقوله وتنويع التقرير أي التثبيت في الأذهان أو الحمل على الإقرار، والأوّل أولى. قوله: (إلا جدّدوا إعراضاً) قيل كان ينافي ما ذكر، فالظاهر أتا لمعنى ما يجدّد الله تعالى بوحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم موهـ هـ ودريرا إلا استمرّوا لحى ما اعتادوه من الإعراض! وردّ بأنه لوقوعه في مقابلة ما يأتيهم فالمراد به بالاستمرار التجدّدي، وقوله: محدث لتوكيد.، والاستثناء يدلّ على أنّ الإعراض وقته إتيان الذكر، ولا يخفى أنّ هذه الجملة حالية ماضوية وأن كان تدلّ على الاستمرار التجددي ووقوعها في مقابلة المضارع لا يقتضي إلا الثبوت عليه مع تجدد التذكير وتكرّره، وهو أبلغ في الذمّ فالظاهر أن المصنف رحمه الله أراد ما ذكره المعترض، ولولاه لم يقل واصراراً الخ، وإنما قال جددوا لأنّ الإعراض عما يحدث لا بد أن يكون حادثا إذ لا يتصوّر الإعراض عن شيء قبل وجوده، فإن أراده هذا القائل! ن فاسداً وان أراد الاستمرار بعده فهر معنى الإصرار، وقال بعض الفضلاء في فقد كذبوا تمادوا على التكذيب، وكان تكذيبهم مع ورود ما يوجب الإقلاع من تكرار إتيان الذكر كتكذيبهم أوّل مرّة، وللتنبيه على ذلك عبر عنه بما يعبر عن الحادث وله نظائر كقوله: {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [سورة الشعراء، الآية: 117] فكذبوه وفي قوله وأمعنوا إشارة إليه فتاً مّل. قوله: (بعد إعراضهم) هذا مقتضى الفاء، واعراضهم تكذيب فعلى هذا لا حاجة إلى أن يقال وعنده أيضا، وأمعنوا بمعنى بالغوا فيه، وقوله المخبر به عنهم الظاهر أن يقول عنه، وكذا هو في نسخة مصححة، وإنما جعله متضمناً له لأنّ قوله ما كانوا به يستهزؤون يقتضي تقدم الاستهزاء، ولو جعل الإعراض والتكذيب دالاً عليه كان أظهر، وقوله: {إِذَا مَسَّهُمْ} [سورة الاً عراف، الآية: 201] الخ هو غير مغاير لقوله في الأنعام عند ظهور الإسلام وارتفاعه كما توهم، واتيان الخبر كناية عن وقوع محذور منتظر، واليه أشار ببيان الأنبار بقوله من أنه الخ. قوله: (أولم ينظروا إلى عجائبها (بيان لمحصل المعنى أو لتقدير مضاف وقد جعل هذا معطوفا على مقدر هو أكذبوا بالبعث لدلالة الذكر عليه، وقوله صنف إشارة إلى أنه ليس المراد بالزوح معناه المعروف، وهو أحد القرينين من ذكر وأنثى، بل ما في قوله: {أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} [سورة طه، الآية: 53، أي أنواعا متشابهة وقال الراغب: إنه يطلق عليه لتركبه، وقوله وهو أي كريم صفة بمعنى محمود مرضيّ لا بمعنى معطي. قوله: (وهاهنا يحتمل أن تكون) أي صفة الكريم مقيدة هو بالقاف كما في بعض الحواشي، وهو الظاهر فالمعنى أنّ الصفة يحتمل أن تكون مقيدة للصنف مخصصة بما ذكر لأنه ليس كل صنف كذلك، وقوله لما يتضمن الدلالة إمّا صلة مقيدة فما يتضمن المنبت مطلقا أو تعليلية ففاعل يتضمن ضمير كريم أي لتضمن كرمه الدلالة على القدرة أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 دلالة ظاهرة وإلا فكل ما نبت دال عليها، ويجوز أن يكون بالفاء ومآله ما ذكر، وقوله: وأن تكون مبينة أي موضحة لا مخصصة لما ذكره. قوله: (وكل لإحاطة الآزواج) يعني أنه لا تكرار فيه إذ فرق بين الكثرة والشمول فالمعنى أنبتنا شيئاً كثيرا هو كل زوج فمن بيانية أو شيئا كثيرا من كل صنف فمن تبعيضية. قوله: (أي في إنبات تلك الآصناف) قيل إنه توجيه لإفراد اسم الإشارة أو آية بأنه إشارة إلى إنباتها أو إلى كل واحد منها، ويجوز أن يكون إشارة إلى الجميع بجعلها كشيء واحد لاتحاد الغرض فيها، وكونها آية كما مر في قوله إماماً، والظاهر أنه بيان للمراد من الإشارة واً نه إمّا للإنبات أو للمنبت لأنه لا يحتاج لتاويل عليهما إذ كل مضافة لنكرة فهي للإحاطة على البدلية لا على الاجتماع، واسم الإشارة بعدها كالضمير يكون مفردا كما مر وتنكير آية للتعظيم. قوله: (في علم الله وقضائه الخ) قد مرّ مثله، والاعتراض عليه بأنّ علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس فكان هنا زائدة، وهو إخبار عن حالهيم في الواقع في علم الله، وكون علمه وقضائه ما نعين عن الإيمان رأي المجبرة، وقد مر ردّه بان معنى كون علمه تعالى تابعاً للمعلوم إنّ علمه تعالى في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أنّ خصوصية العلم، وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية، وأمّا وجود الماهية فيما لا يزال فتابع لعلمه الأزليّ التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق، وتوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر، وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزليّ، ووقوعه تابع له، وأمّ كون كان زائدة فلا وجه له، وكونه إخباراً عن حالهم إن أراد في الماضي فلا فائدة فيه، وان ادّعى أنه لتوبيخهم وتقبيح حالهم، وان كان في المستقبل فلا دلالة للفظ عليه، والمصنف لم يلأع أنّ علمه وقضاءه تابعان كما توهم، وأمّا جعله من الاستدلال بأحد لازمي الشيء على الآخر فقيل إنه يأباه سياقه إذ المفهوم منه العلية بحسب الوجود على أنّ عدم النفع معلوم مشاهد فلا فائدة في بيانه، وفيه بحث. قوله: (القادر على الانتقام) وعدم تعجيله لحكمة اقتضت سبق رحمته، ولذا عقبه بقوله الرحيم كما أشار إليه، ولأنه يخاف الفوت، وإنما قدّم العزيز لأنّ ما قبله في بيان القدرة، وقوله الغالب تفسير للعزيز لا وصف له قدم حتى يقال إنه لم يسمع إطلاقه على الله، وان قيل في باب الإيمان إنه سمع الطالب الغالب كما ذكره شيخنا المقدسيّ. قوله: (مقدر باذكر) على أنه مفعوله واذ متصرفة وهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة، وقيل إنه معطوف على مقدر آخر أي خذ الآيات، أو ترقب إتيان الأنباء، وقوله أو ظرف لما بعده وهو قال: الخ، وقوله أي ائت الخ يعني أنّ أن تفسيرية أو مصدرية قبلها حرف جر مقدّر، وقوله بالكفر هو ظلمهم لأنفسهم وما بعده ظلمهم لغيرهم، وقوله بدل الخ قد رجح الثاني ليكون وصفهم بالظلم في حكم النتيجة فالأبلغ فصده ولاشتراكه عينه بما بعده، وهو مخالف لتقديم المصنف رحمه الله له فقد يقال إنه أولى لأنّ فيه إشعاراً بأنّ قوم فرعون علم في الأظلمية، ولعل الاقتصار أي في الإتيان أو في الوصف بالظلم، وقيل إنه مفعول يتقون وقيل منادى وقيل هو اكتفاء، وقد يقال قوم فرعون شامل له شمول بني آدم له. قوله: (أولى بذلك) أي بالإتيان أو الوصف بالظلم، وقد خص في بعض المواضع للدلالة على ذلك، وقوله: استئناف أي بيانيّ بتقدير ما أقول إذا جئتهم لا نحوقي كما قيل: وقوله أتبعه إرساله الخ قيل إنه إشارة إلى أنه من جملة ما نودى به موسى عليه الصلاة والسلام، وقد قيل عليه ليت شعري ما الطريق إلى جعله منه وقد عرفت طريقه وفي الكشاف إنه يحتمل أن يكون حالاً من الضمير في الظالمين، ولو كان حالاً بتقدير القول أي قائلاَ لهم ألا يتقون لم يرد عليه شيء لكن قوله أي يظلمون غير متقين الله، وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال يأباه، ولذا أورد عليه أنّ فيه مع الفصل بالأجنبي لزوم إعمال ما قبل الهمزة فيما بعدها إلا أنه أشار إلى دفعه في الكشف، وغيره بأنه غير أجنبيّ، وأنّ مثله غير بعيد لتوسعهم في الهمزة، وقوله تعجيبا إشارة إلى أنّ الاستفهام مستعار للتعجب وقد جعله الزمخشريّ للإنكار إشعاراً بأنّ عدم التقوى هو الذي جرّ أهم على الظلم فلا يتوهم أنه لا يلائم ما قبله، وإن كان الظاهر أن يقال أيظلمون، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: (من إفراطهم في الظلم) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 وقيل ألا للعرض ولا استفهام فيه. قوله: (وقرئ بالتاء الخ) وجه الزجر والغضب أنه ضرب وجوههم وجيههم بما ذكر، كما تشكو جناية جان حاضر عندك لآخر فإذا حمى غضبك أقبلت على الجاني تقول له أما تخالف الله أما تستحيي من الناس، وقوله: وان كانوا غيباً جملة حالية من ضمير أجروا إن لم يجعل جوابا وغيبا بضم الغين وتشديد الياء، ويجوز فتحهما مخففاً جمع غائب، وكلام المرسل وهو موسى عليه الصلاة والسلام مصدر مضاف للمفعول أي تكليم الله من أرسله، ومبلغه بصيغة المفعول والضمير للكلام يعني أنه إذا بلغهم به خاطبهم أو هو بصيغة الفاعل، وقوله: واسماعه الخ يعني نزل منزلتهم فخوطبوا. قوله: (مع ما فيه من مزيد الحث الخ) الضمائر للالتفات ومورده هنا الغضب والزجر كما مر، وقوله: مزيد إشارة إلى أنّ أصله مراد مع الغيبة أيضا وليس هذا من أنّ ألا للعرض! كما قيل، نعم كلامه محتمل له فتدبر، وقوله ويحتمل الخ إشارة إلى أنّ ألا كلمة واحدة للعرض، ويا ندائية سقطت ألفها لالتقاء الساكنين، وحذف المنادى كما في الآية المذكورة، ورسمه حينئذ بإسقاط الألفين مخالف للقياس، وما بعده فعل أمر وقوله وقرى الخ فأصله يتقونني حذفت إحدى نونيه لاجتماع مثلين وياؤه اكتفاء بالكسرة. قوله:) رتب استدعاء الخ) الترتيب من فاء فأرسل والضم والإشراك من السياق، وقوله معي في محل آخر، ومفعول أرسل مقدر أي ملكاً، أو جبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله خوف التكذيب هو وما بعد. مجرور بدل من لأمور الثلاثة، ويجوز رفعه ونصبه، وقوله: وضيق القلب إشارة إلى أنه عبر عنه بضيق الصدر مبالغة، وقوله انفعالاً أي للانفعال وتتأثر منه، وعنه إن رجع ضميره للخوف فظاهر وان رجع للتكذيب فباعتبار أنه مخوف متوقع كما تدل عليه صيغة المضارع فلا يرد عليه أنه غير متيقن فلا وجه للجزم بضيق القلب المترتب مع أنّ ذلك كما يوجد به يوجد بخوفه، ولو عمم ضيق القلب بأن جرد عنه كما ذكر في قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [سورة طه، الآية: 25] جاز. قوله: (وازدياد الحبسة قي اللسان) بعدم انطلاقه من سجن اللكنة وقيد الغي وانحلال عقدته وزاد ازدياد لأنه المتوقع الحاصل بانقباض! الروح عند الضيق دون الحبسة نفسها فإنها كانت موجودة والخوف غمّ مما يتوقع وهذا ميل إلى القول بعدم زوال العقدة بالكلية، والمراد بالروح الشعاع الخارج من القلب المنتشر المسمى بالروح الحيواني الذي تتحرّك به العضلات، وحبسة اللسان للقصة المشهورة. قوله: (ضيقه) أي غمه المقتضى لرجوع الروح وانقباضها نحوه، وإنما جعل ضيق الصدر وحبسة اللسان متفرّعين على التكذيب داخلين تحت الخوف مع إمكان غيره حتى لا يحتاج إلى التأويل وزيادة الازدياد لتتوافق قراءة الرفع، والنصب في المعنى إذ الأصل توافقهما، وان كان بينهما فرق في الأداء وقد جوّز البقاعي كون أخاف بمعنى أعلم أو أظن فتكون أن مخففة من الثقيلة لأنها واقعة بعدما يفيد علما، أو ظنا كما اشترطه النحاة ولا يأباه قرإءة النصب كما توهم لأنّ أخاف فيها محمول على ظاهره، ولا تخالف بينهما معنى، وقوله: لأنها الخ متعلق برتب لتعليله وتنويره، وقوله متى تعتريه حبسة تنوينه للتقليل ليلتئم مع ما مر أو فيه مضاف مقدر وهو ازدياد فتأنله. قوله: (ولا تنبتر حجته (أي لا تنقطع بعد الشروع فيها من البتر بالموحدة والمثناة الفوقية، وهو قطع الآخر، وقوله وليس ذلك تعللا الخ جواب عن أنه كيف ساغ لموسى عليه الصلاة والسلام أن يأمره الله بأمر لا يتلقاه بالسمع والطاعة من غير توقف، وتشبث بأذيال العلل والاستعفاء بعيد من مثله من أولي العزم، وقوله: وتمهيد عذر فيه أي في طلب المعونة وليس أمره بالإتيان مستلزماً له. قوله: (فيكونان من جملة ما خاف مته (أي إبتداء وصراحة بخلافه على الوجه السابق فإنهما مترتبان على خوف التكذيب والمترتب على المخوف مخوف فلا ينافي هذا ما موّ، وقوله تبعة كفرحة أي ما يتبعه من جزائه، وعلى التسمية باسمه هو مجاز بعلاقة السببية، وقوله على زعمهم أو هو بتقدير دعوى ذنب. قوله: (يقتلون به) أي قودا قبل أداء الرسالة المأمور بتبليغها، وهذا هو البلية التي طلب من الله دفعها بعصمته من الناس وليس هذا في شيء مما قبله حتى يغايره بكونه قبل الأداء، وذاك بعده أو في أثنائه كما توهم قيل وهو وان كان نبياً غير عالم ببقائه إلى أداء الرسالة أو إن أمره بشرط التمكين مع أن له نسخ ذلك قبله فإنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وأمّا كون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون أنه إذا حملهم الله تعالى رسالة أنه يمكنهم من أدائها ويبقيهم إلى وقت إلقائها، وإن كان بناء على اكثر لقتل بعض الأنبياء فغير مسلم لما مر، وقوله: ذاك إشارة إلى قوله إني أخاف أن يكذبون الخ، فإن قلت استدفاع البلية يكون قبل الأداء وبعده فلا وجه لتقييد هذا به، ومقابلته للاستظهار بل هو مناسب للاستظهار، وتدارك مصلحة النفس، والتوقي غير مناف لمقام النبوّة كما كان يفعله نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه والله يعصمك من الناس، قلت: بعد أمر الله له بالتبليغ اللائق ملاحظة ذلك والخوف من فوات ما أمر به لا التوقي والاستظهار في أمر الدعوة يكون بعد الأداء لأنه طلب ظهورها وشيوعها فلا يرد ما ذكر، وهو اللائق بمقام أولي العزم الباذلين مهجهم في سبيل الله، وتوقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا ينافيه فإنه لخوف فوات مصلحة الرسالة أيضا، وان كان حفظ النفس في ضمنه أيضاً فتأمّل. قوله: (إجابة له إلى الطلبتين) تثنية طلبه بوزن كلمة، وهي ما يطلب، وهو لف ونثر مشوّس فإنّ الإجابة إلى الثانية بكلا، والى الأولى باذهبا، وقدّمت الثانية لاختصاصها بموسى عليه الصلاة والسلام، ولذا فسروه بارتدع دون ارتدعا وبوعده متعلق بالإجابة ولدفع مفعول وعده أي موسى عليه الصلاة والسلام واللام للتقوية، وردعه مفعول اللازم، ويجوز أن يكون فاعله أي اللازم له ردعه فالجواب معلوم بطريق الكناية، وقيل إنه مجاز، وضم أخيه عطف على وعده. قوله: (والخطاب الخ) لأنّ السياق يقتضي عدم حضور هرون ولا ينافي هذا ما ذكره في تفسير قوله: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ} [سورة طه، الآية: 42] وقوله لأنه معطوف الخ تعليل للتغليب لأنّ كلا بمعنى ارتاع يا موسى فالخطاب له فقط وخطاب غيره بالتبعية له، والفاء ققتضي فهمه مما قبله وهو قوله فأرسل، وقيل إنها فصيحة، وقد قيل إنّ هرون كان إذ ذاك بمصر. قوله: (يعني موسى وهرون وفرعون) قيل والظاهر أنه لموسى وهرون ومن تبعهما من بني إسرائيل فيتضمن الكلام علوهما واعزازهما لقوله في القصص {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} [سورة القصص، الآية: 35] أو لهما تعظيما ويأبى هذا ما بعده وما قبله من التثنية كما أنه يرد على لأوّل أنّ المعية لا تختص بأحد لقوله: {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} [سورة المجادلة، الآية: 7] ولا أكثر إلا وهو معهم والخاصة وهي معية الشفقة، والنصرة لا تليق بالكافر ولو بطريق التغليب، وقد يقال خصوص المعية لا يلزم أن يكون بما ذكر بل بوجه آخر، وهو تخليص أحد المتخاصمين من الآخر بنصرة المحق والانتقام من المبطل كما أشار إليه في تفسير قوله مستمعون فلا غبار عليه مما ذكره أرباب الحواشي. قوله: (سامعون لما يجري بينكما وبينه) أعلم أنه في الكشاف جعل مستمعون قرينة معكم في كونه من باب المجاز، والله تعالى يوصف بأنه سميع وسامع ولا يوصف بأنه مستمع، اهـ محصله وأشار شراحه إلى أنّ السمع انكشاف ما فهو في حقه تعالى بمعنى الانكشاف التامّ المناسب له، ولا يعلم حقيقته إلا هو، وقد وصف الله بهما فإن كان ذلك في الأزل قيل سميع وإن كان فيما لا يزال قيل سامع، وهو بحسب الأصل مجاز إن كان مقيداً بالحاسة، ثم صار كالحقيقة وأمّا مستمع فلا يطلق عليه تعالى لأنه مقدمة جسمانية له كالنظر للرّؤية، ولأن فيه تلمسا للإدراك ينزه الله عنه سواء أكان بحاسة أم لا فسقط ما قيل من أنّ السمع في الحقيقة إدراك بحاسة فإن أريد به مطلق الإدراك فالاستماع مثله فلا حاجة إلى التجوّز فيه، ثم إنّ لهم في فهم كلامه طريقين احدهما أنّ قوله أنا معكم مستمعون جملته استعارة تمثيلية كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله مثل الخ لكنه مشكل لأنه حينئذ لا تجوّز في شيء من مفرداته، ولا يكون مستمعون مطلقاً على الله فلا حاجة إلى جعله بمعنى سامعين إلا بتكلف سيأتي، والثاني أنّ قوله مستمعون مجاز عن سامعين إمّ استعارة أو مجازاً مرسلاً أو كناية لتلازمهما غالبا، وقوله إنا معكم استعارة تمثيلية، وقوله: قرينة بمعنى مقترنة في المجازية معها واختاره الفاضل اليمني، واً وّل كلاميه يناسبه لكن قوله: يريد أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع يدل على أنه جعل مستمعون من جملة التمثيل لقول المصنف رحمه الله استماعا كما قاله بعض الشراح وأمّا ما قيل من أنّ اللازم في التمثيل بقاؤه على ما كان عليه قبل النقل حقيقة كان أو مجازا، والاستماع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 في المستعار منه كناية عن السمع لأنه المقصود، وكل منهما يوجد بدون الآخر فكذا في المستعار له فمع كون كلام الكشاف والمصنف رحمه الله صريحاً في خلافه بعيد جدّا، ولا فائدة تحته وجعل قوله: مثل بمعنى شبه وأنه استعارة بالكناية في الضمير المستتر في معكم لا يدفعه فإنّ تشبيهه تعالى بالحاضر لما ذكر يقتضي كون مستمعين بمعناه، والتخييلية يراد حقيقتها فالظاهر أنه أراد الثاني، وأنّ قوله إنا معكم تمثيل له في نصره وامداده بمن يحضر خصمين ليعين أحدهما، ويكون الاستماع بحسب ظاهره لكونه لم يطلق عليه كالسمع كالقرينة له وان كان مجازا عن السمع، والقرينة في الحقيقة عقلية، وهي استحالة حضوره تعالى في مكان والاستماع المذكور في تقرير التمثيل ليس هو الواقع في النظم بل هو من لوازم حضور الحكم للخصومة، ولما كانت المعية الخاصة تستعار لما يؤثر كالحفظ في قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التربة، الآية: 40] كما ذكر السمع قرينة هنا لما ذكر، ووزانها وزان أني معكما أسمع وأرى فلا غبار في كلام الشيخين فتدبر. قوله: (مبالغة) علة لقوله مثل، وقوله: ولذلك أي لقصد المبالغة، وتوله: تجوّز لما عرفت أنه لا يطلق عليه، وجعل التجوّز هنا بمعنى الكناية تعسف بارد، وأصل معنى الإصغاء الميل للسماع، ثم تجوّز به عنه مطلقا، وقوله: الذي هو مطلق إدراك الحروف إشارة إلى أنه لا يتقيد بالحاسة، وإنما هو انكشاف مخصوص كما هو مذهب أهل السنة بل أهل اللغة فلذا أطلق عليه تعالى بخلاف الاستماع كما مر، وقوله معكم لغو أي متعلق بمستمعون، وقيل إنه حال من ضميره وتقديمه للاهتمام أو الفاصلة أو الاختصاص إن أريد معية مخصوصة. قوله: (لأنه مصدر) بحسب الأصل وصف به الآن هنا كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة كرجل عدل فيجري فيه ما يجري فيه من الوجوه، وقد قيل إنه لما كان له جهتان تبعيته لموسى عليهما الصلاة والسلام، وكونه وزيراً، وكونه نبيا مرسلاً من الله روعي كل من الجهتين فأفرد مرة وثني أخرى ولا ينافيه جمعهما في المسند إليه، وان لزم منه اشتراكهما في المسند لأنّ الإشعار في لفظ لا ينافي النظر إلى الواقع في آخر نعم في كلامه خلل من جهات ليس لنا حاجة إلى بيانها هنا. قوله: (فإنه مشترك) أي بين المعنيين، وأن كان مصدراً في الأصل لأنه صار حقيقة في المعنى الآخر، وبه سلم من كون فعول بمعنى مفعل لم يسمع في غيره. قوله: (لقد كذب الخ (هو من شعر لكثير عزة وقبله: حلفت برب الراقصات إلى منى خلال الملا يمددن كل جديل لقد الخ وبعد.: فلاتعجلي يا عزأن تتفهمي بنصح أتى الواشون أم بحبول وقد روي هذا البيت مقدما والمعنى ما أرسلتهم برسالة إذ أرسلته بمن أرسل لا وجه له، والتجريد يأباه المقام إذ لا مبالغة فيه كذا في الكشف، وقد قيل عليه إنه لا مانع من كونه فيه بمعنى المرسل وأرسلتهم بمعنى أرسلت إليهم على الحذف، والإيصال وهو كثير في فصيح الكلام والمعنى ما وقفوا على سرى بالذات، ولا بالواسطة، وهو المناسب، وما ذكره مبنيّ على أنّ ضمير أرسلتهم للمرسل لا للمرسل إليه، وليس بشيء لأنّ المتعارف أنّ الباء لا تدخل إلا على ما مع الرسول كالهدية فلا يقال أرسلت برسول، وأنما يقال أرسلت الرسول بالهدية أو بالكتاب، وكذا بعثت ولذا اعترض على قول المتنبي: فآجرك الإله على عليل بعثت إلى المسيح به طبيبا فهو محتاج إلى التجريد، وإنما لم يحمل أرسلتهم على الحذف لأنه خلاف الظاهر من غير فائدة مع أنّ قوله فلا تعجل، ومعنى الواشي يناسب ما ذكر فتدبر، وقوله ولدّلك أي لكونه مشتركا أو مصدراً. قوله: (أو لاتحادهما الخ) فكأنهما نفس واحدة لما ذكر، أو لتبعية هرون لموسى عليهما الصلاة والسلام كما مر ولا ينافيه التثنية مع التصريح بالوزارة لأنه لئلا يكون المقام خلواً عن الإشارة إلى الجهتين كما ثني هنا قولاً، وهذه النكتة في الحكاية فلا منافاة بينهما حتى يقال إنه وقع مرتين أو مرة بما يفيد التثنية، والاتحاد فساغ التعبير بكل منهما، والمرسل اسم فاعل هو الله والمرسل به الشريعة والتوحيد. قوله:) أو لأنه الخ) يعني أن قوله إنا بمعنى إنّ كلامنا فصح إفراد خبره كما يصح في ذلك، وفائدته الإشارة إلى أنّ كلا منهما مأمور بتبيغ ذلك ولو منفردا، فما قيل: إنّ التثنية تفيد هذا فلا فائدة في العدول عنها، وأنّ مثله إنما هو في تاويل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 الجمع كيخرجكم طفلاَ لا وجه له، وقوله: أي أرسل يعني أن تفسيرية هنا وأشار بما بعده إلى توفر شرطها عند النحاة، وهو تقدم ما تضمن معنى القول دون حروفه، وقد جوز فيها المصدرية بتقديره بأن أرسل الخ، وهو على الأوّل متحد بما قبله في الجملة، وعلى هذا مغاير له، ولذا رجحه بعضهم لموافقته لقوله: {فَأَرْسَلَ} [سورة الثعراء، الآية: 53] في طه فلا وجه لما قيل إن ما في طه موافق لكلا الوجهين على سواء فتأمّل. قوله: (معنا إلى الثأم (أخذ التقييد من قوله معنا وقرينة الحال، ومنهم من فسره بيذهبوا حيث شاؤوا على أنّ الإرسال بمعنى الإطلاق مع أنه وافقه في محل آخر، وقوله بعدما أتياه الخ كأنه يشير إلى كونه قال إنما يتصوّر بعد الإتيان، والقول فهو معلوم من السياق، ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير فأتيا فرعون فقالا له ذلك كما في الكشاف وغيره، وقوله في منازلنا إشارة إلى تقدير مضاف تقتضيه الظرفية، ولو قدّر في أهلنا صح لكن هذا أظهر وأقرب للحقيقة. قوله: (سمي به) أي سمي الطفل بالوليد، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنّ فعيلا قد يدل على قرب التلبس بالمعنى كحليب ووليد كما صرح به أهل اللغة وكأنه أخذ من صيغة المبالغة لما كانت الولادة لا تفاوت فيها نفسها وفي قوله لبث الخ شيء ما سياتي في القصص. قوله: (وبخه به) أي بذلك القتل، وتعظيم القتل بما في الموصول من الإبهام الذي يستعمل لذلك كما في نحو {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [سورة طه، الآية: 78] كأنه أمر لا يمكن الإحاطة به ومعرفة كنهه، وفيه أيضا تلطف به لعدم التصريح بذنبه، وقوله: قتله بكسر القاف وفعلة للهيئة والفعل المخصوص كما أشار إليه بقوله بالوكز وهو الضرب بجمع كفه، وعلى الفتح هو للمرّة. قوله: (بنعمتي) فهو من كفران النعمة وجعل الدليل عليه قتل خواصه، والمراد بخواصه المضافة الجنس فيشمل الواحد، وقوله أو ممن يكفر بصيغة المجهول وفي نسخة تكفرهم من الإكفار أو التكفير فإنهما مسموعان لكن الأشهر هو الأوّل، والمعنى كنت من جملة القوم الذين ادعيت كفرهم، وهذا الحكم منه بناء على ما عرفه من ظاهر حاله لاختلاطه بهم، والتقية معهم بعدم الإنكار كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وإلا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكفر قبل النبوّة وبعدها، وكونه افتراء عليه بعيد لأنه لو علم بإسلامه أوّلاً سجنه أو قتله إحدى التاءين يعني في الفعلين السابقين، وكونه حكماً مبتدأ أي غير حال فهو إمّا مستأنف أو معطوف، وقوله من الكافرين بالهيته الكفر بمعنى الجحد أو على زعمه، وقوله أو بنعمته هو الوجه الأوّل بعينه والمغايرة بينهما في وجهه فإنه في الأوّل قتل خواصه وفي هدّا مخالفتة له، وفي الوجه الأخير مبنيّ على اعتقادهم الباطل. قوله: (قال فعلتها إذا (أي إذ ذاك وفي الآية لف ونشر مشوس، وأقرّ بالقتل لثقته بحفظ الله له، وقوله من الجاهدين فسر الجهل بما ذكر ومحصله الإقدام من غير مبالاة بالعواقب وهو بهذا المعنى في أكثر استعمالات العرب كقوله: ألالايجهلن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا والفرق بينه وبين الثالث أنه في هذا عالم بالعواقب دون ذاك، والضلال يستعمل بمعنى الجهل كما يستعمل الجهل بمعناه، وما يؤول إليه الوكز هو القتل، ولأنه يتعلق بالذاهلين، وتفسير. بالجاهلين بالشرائع غير مناسب والفرق بين الثاني والثالث غير ظاهر، وكونه في مجرّد التعبير لا محصل له، وهذا جواب لما وبخه به وكون الضلال بمعنى النسيان مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (لما خفتكم) أي حين الخوف لقوله: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [سورة القصص، الآية: 25] وقوله: حكمة أراد بها النبوّة وما وبخه به هو القتل وكفران نعمته، والردّ بأنه قبل النبوّة وكان خطأ منه، وكرّ بمعنى رجع أي إلى ردّ ما ادعاه من نعمة التربية، وقوله: ولم يصرّح بردّه لأنه اعترف به بقوله وتلك نعمة بخلاف الأوّل فإنه لما قدج في نبوّته بالقتل العمد قال: إنه لم يكن عمدا، وانه قبل النبوّة فلا يتوهم أنّ الأوّل غير صريح أيضاً كما قيل، والنعمة استعباد بني إسرائيل حتى صار هو في حجره. قوله: (لأنه كان صدقا) فلا يناسب رده بنفسه صراحة بخلاف القتل كما مرّ وتربيته له غير قادح فيه لا حقيقة ولا توهما بخلاف الأوّل فإنه يتوهم فيه القدح، وقوله تمنها عليّ بها كذا في أكثر النسخ، وكان الظاهر إسقاط الضمير، وقد قيل إنه إشارة إلى أنه من الحذف والإيصال فهو بتقدير أي بها أو هو عطف بيان على الضمير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 وهو تكلف، وقوله بها وتمنها بمعنى تعدها عليّ من المن وهو على ظاهره من الاستقبال أو تنعم بها من المنة والمضارع لاستحضار الصورة، والتعبيد التذليل باتخاذهم عبيداً، والتربية مفهومة من قوله ألم نريك، وقوله وهي في الحقيقة تعبيدك أي بسبب تعبيدك، وجعلها عينه مبالغة كما صرّح به بعده. قوله: (وقيل الم يرتضه لأنه خلاف الظاهر، وقد منعه بعض النحاة، وقوله: ومحل أن عبدت أي على الوجهين الرفع على أنه خبر محذوف، والجملة حالية أو مفسرة وقوله بدل نعمة، أو تلك وهو معنى قوله في نسخة أو مبدل من المبتدأ أو الخبر أو عطف بيان، وقوله أو الجرّ الخ هما قولان مشهوران في محل إن وأن وما معهما بعد حذف الجاز، وعليهما فهو بدل من ضمير تمنها ومنهم من قدره لأن عبدت. قوله: (وقيل الخ) الشنعاء القبيحة، وفيه فصل بينهما بأجنبيّ، ولذا مرضه مع قوته بحسب المعنى وشناعتها مأخوذة من الإبهام، وهو حينثذ للإنكار عليه فيما امتن به والجمع في منكم، وخفتكم وجهه ظاهر كما صرّح به في قوله إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، ولم يرعو مضارع ارعوى بمعنى انتهى، وانكف وضمير إنه لموسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (شرع في الاعتراض على دعواه الخ) وتقديم الاستفسار جار على قواعد البحث لتصوّر المدعي توطئة لرده والمراد بدعواه ما يخص التوحيد، والا فقد تقدم الاعتراض على دعوى النبوّة أيضا، واليه أشار بقوله جواب ما طعن فلا وجه للاعترإض عليه بأنّ القدح في نبوّته كان أيضاً أعتراضا على دعواه كما توهم. قوله: (عن حقيقة المرسل) يعني أنّ سؤاله كان من حقيقته، وماهيته الخاصة وما يسأل بها عن الحقيقة مطلقاً سواء أكان من أولي العلم أم لا فلا يتوهم أنّ حق الكلام أن يقال من رب العالمين كما إذا كان السؤال! عن الجنس حتى يوجه بأنه لإنكاره له عبر بما تحقيراً، ولما كان التفتيش عن حقيقته مما لا سبيل إليه عدل عن جوابه إلى ذكر صفاته على نهج الأسلوب الحكيم إشارة إلى تعذر ما ذكره، ولما نظر السكاكيّ إلى الظاهر جعل السؤال عن الوصف، ولم يتعرّض لما في الكشاف من أنّ بوّابه قال هنا من يزعم أنه رسول رب العالمين لأنه يختل به النظم، كما قاله الطيبيّ وان ردّه في الكشف. قوله: (لما امتنع تعريف الآفراد (لأنّ الفرد المعين لا يحد وإنما يعرف بالإشارة، وهي غير معرّفة في الحقيقة، وإنما المعرّف خواصه ومشخصاته ومع ذلك فالإشارة الحسية ممتنعة في حقه تعالى، وقوله لما بالتشديد جوابه محذوف يدلّ عليه قوله عرفه الخ أو بالتخفيف، وما مصد! ية أي لامتناع تعريف الأفراد، والمرا! بتعريفه بيان حقيقته بقرينة قوله حقيقة المرسل فلا يقال أنّ الأولى أن يقول لما امتنع تعريفه بدل تعريف الإفراد إذ هو اللازم من كلامه لأنّ ما ذكر إثبات للمدّعي بطريق برهاني كما لا يخفى. قوله: (وإليه أشار (أي إلى امتناع تعريف حقيقته كما في سائر الأفراد المعينة إلا بذكر الخواص، وقوله الأشياء إشارة إلى أنّ له مفعولاً عامّا مقدراً، ويحتمل أن يريد أنه نزل منزلة اللازم والمعنى إن كنتم ممن شأنه الإيقان، وقوله لتركبها لأنّ التركب يستلزم الحدوث كما بين في الكلام، وكذا التعدد كما مرّ وتغير أحوالها محسوس، واستلزام تعريفه بحقيقته لتعرياله بنفسه ليس مغالطة كما قيل بل لأنه لا أجزاء له لا ذهنية ولا خارجية، وتعريف الشيء بنفسه باطل للزوم توتفه على نفسه كما قرّره في محله، وليس هذا مبنيا على تجانس الأجسام كما سبق إلى بعض الأوهام. قوله: (جوابه) هو مفعول تستمعون، وقوله أو يزعم في نسخة زعم، وهو معطوف على يذكر، وقد جوّز عطفه على سألته وقوله أو غير الخ يعني على زعمه الفاسد إذ هي كذلك في النظرة الحمقاء، وذلك لعدم العلم بإمكانها وحدوثها الذي هو علة الحاحة لما ذكر لا لأنّ التأثير لا ينافي دعواه الربوبية، وأنه إله العالم فلا حاجة إلى ما تكلفه بعضهم هنا. قوله: (عدولاً إلى ما لا يمكن الخ) يعني أنه لما أنكر خلق السموات والأرض لتوهمه قدمها عدل إلى ذكر هذا لإلزامه إذ لا يشك في حدوثه وافتقاره، والنظر في الأنفس أقرب واً وضح من النظر في الآفاق، وقوله مثله الضمير لما مرّ من الوجوب، وعدم الافتقار إلى مؤثر! ومثل مقحمة كقوله مثلك لا يبخل، ثم إنّ المصنف بني تفسيره هنا على الوجهين الأخيرين في تفسير الآية السابقة، ولذا قيل إنه رجحهما على الوجه الأوّل ويجوز أن يقال على الوجه الأوّل أنه صلى الله عليه وسلم عدل إلى ذكر لازم أجلى وأظهر من الأوّل تنبيهاً على عدم إمكان تعريفه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 بدون خواصه، ولك أن تقول إنّ قوله ويكون أقرب الخ إشارة إليه، ومعناه أنه عدل عن الجواب بحقيقته إلى ما هو أوضح إشارة إلى أنّ ما سأل عنه لا يمكن الوقوف عليه، وانّ فيما ذكر كفاية لمن يفهم ولو لم يقصد هذا لم يرتبط به ما بعده، ونحوه ما قيل إنه لم يتعرّض له لعدم إمكان تفهيمه، وستسمع تتمته. قوله: (اسأله عن شيء الخ الأنه سأل عن الحقيقة فأجابه بالوصف على الأسلوب الحكيم فلم يفهم مطابقته، ولم يتعرّض لتفسيره على الأخيرين لأنه جعل هذا ناظراً إلى أوّل كلامه، وانه عدل إلى الطنز لحيرته، وعدم قدرته على دفع ما ذكره وقوله تشاهدون الخ يعني أنّ تحريك الشمس على مدارات مختلفة دالّ بتغيرها على حدوثها، وأنّ لها صانعا قادرا حكيما. قوله: (إن كان لكم عقل الخ) يعني أنه منزل منزلة اللازم هنا لأنه أبلغ، وأوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه للإشارة إلى أنهم مظنته لا هو كما أشار إليه بقوله وعارضهم بمثل مقالتهم، وقوله لا ينهم أي عاملهم باللين والرفق لما قال لهم إن كنتم موقنين وخاشنهم أي أغلظ عليهم في الردّ بقوله إن كنتم تعقلون وقوله عن المحاجة متعلق بقوله عدولاً والديدن العادة والحجوج المغلوب برد حجته. قوله: (واستدلّ به) أي استدلّ بما ذكر هنا من قوله: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} الخ على أنّ فرعون كان يدعي الألوهية، وان كان قوله ويذرك وآلهتك يقتضي أنه مشرك، ولذا قال: من ذهب إلى هذا أنه كان يدعي الألوهية لنفسه، ولها أيضاً وهو بعيد وقوله: {وإن تعجبه} الخ قيل مراده على جواز ما ذكر فلا ينافي ما مرّ في تفسيره، وهو تكلف ما لا حاجة إليه لأنّ ما مرّ مبنيّ على ما ارتضاه كما أشار إليه بقوله ولعله كان دهرياً الخ والقطر بضم فسكون جانب الأرض، وقوله بقوّة طالعه بناء على زعمه في تأثير الكواكب كما تقول الدهرية. قوله: (واللام الخ) وجه كونه أبلغ من لأجعلنك مسجونا الأخصر ما فيه من الإشارة إلى سجن مخصوص لا يرجى منه الخلاص، وهو ظاهر وليس هذا من قبيل كانت من القانتين، وذاك نوع آخر فيه بلاغة أخرى كما ذكره ابن جنى رحمه الله تعالى. قوله: (أي أتفعل ذلك) يعني إنكار نبوّتي وكفرك، وقوله: يبين صدق دعواي فهو من أبان المتعدّي ومفعوله محذوف لأنه المناسب للمقام، وجعل الواو حالية فإن قلت قوله بعد حذف الفعل يقتضي أنها عاطفة فينافيه، قلت: يريد أنّ التقدير أتذكر ما قلت، ولو جئتك الخ فالمقدّر صاحب الحال وعاملها وحينئذ لا حاجة إلى تأويل الإنشائية بخبرية ليصح وقوعها حالاً، وقوله: في أنّ لك بينة أسقط ما في الكشاف هنا من أنّ في هذه الآية ردّا على أهل الحق لأنه لا وجه له كما بين في شروحه. قوله تعالى: ( {فَأَلْقَى عَصَاهُ} الا حاجة إلى جعل هذه الفاء فصيحة مبنية على مقدّر كما قيل، وقوله ظاهر ثعبانيته الخ أي ليس بتمويه وتجيل كما فعله السحرة، وهو مشتق من ثعب بمعنى جرى جرياً متسعا، والثعب المجري الواسع وسمي به لجريه بسرعة من غير رجل كأنه ماء سائل، ولذا شبه به الماء الجاري، وأمّا كونه من الانفجار من بعد وان كان ما-له ما ذكر فليس بمراد هنا، وقوله فما فيها سأله ليتنبه لحالها ويرى ما حدث فيها من النور ليكون أعجب والإبط ما بين الذراع والجنب ويعشى بعين مهملة. قوله: (مستقرّين حوله الخ) يعني أنه منصوب لفظاً على الظرفية والظرف مستقرّ وقع حالاً كما أشار إليه بقوله مستقرّين ولم يجعله صفة للملا على حدّ: ولقد أمر على اللئيم يسبني لأنّ هذا أسهل وأنسب كما لا يخفى وقوله فائق في علم السحر أخذه من صيغة المبالغة. قوله: (بهره سلطان المعجزة) أي غلبة قوّة المعجزة وحطه عن دعوى الربوبية لإظهار ائتماره بأمرهم، والمؤامرة المشاورة وهو إشارة إلى معنى قوله تأمرون، وفيه مخالفة للزمخشريّ حيث جوّز في تامرون أن يكون من المؤامرة بمعنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه أو من الأمر وخص النكتة بالثاني كما يتبادر من كلامه لعدم تأتيها على الأوّل، وهو الظاهر من السياق ومحل ماذا النصب على المصدرية أو المفعولية، وتنفيرهم بقوله يريد أن يخرجكم من أرضكم والاستشعار طلب الشعور بظهوره واستيلائه. قوله: (أخر أمرهما) أي إلى أن تأتيك السحرة من أرجأته إذا أخرته، وقد قرئ بهمز وبدونه وقوله شرطاً بضم الشين وفتح الراء جمع شرطه بفتح الراء وسكونها، وهم أعوان الولاة وقد يرد بمعنى خيار الجند وليس بمناسب هنا، ويحشرون السحرة بمغني يجمعونهم عندك، وقوله يفضلون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 من صيغتي المبالغة ولم يزيدوا في العلم لأنّ المهمّ هو العمل هنا، وقوله: فما فيها أي أفي شيء فيها يعني ليس فيها معجزة. قوله تعالى: ( {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ} ) في المفتاح أنّ تعريف السحرة عهدي وفي شرح الفاضل المحقق أنّ المعهود قد يكون عامّا مستغرقاً كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم، وفيه بحث ليس هذا محله، وقوله لما وقت به أي عين وظاهره أنه مخصوص بالزمان، وهو المتبادر من الوقت وفي الكشاف الميقات ما وقت به أي حدّد من زمان أو مكان، ومنه مواقيت الإحرام وقد يقال ما ذكره المصنف هو أصل معناه، وما في الكشاف شاع فيه بعد ذلك حتى الحق بالحقيقة. قوله: (فيه استبطاء) يعني أنّ الاستفهام مجاز هنا عن الحث والاستعجال وباعث بمعنى مرسل ودينار وعبد رب أخو عون ومخراق بالخاء المعجمة كلها إعلام وعبد رب بالنصب عطف على محل دينار كما رواه سيبويه، ولو جرّ عطفاً على لفظه صح، وقوله إحداهما هو معنى أو وأخا عون إمّا منادى أو عطف بيان لما قبله. قوله: (نتبعهم في دينهم) إشارة إلى أنّ المراد بالاتباع موافقتهم في مدّعاهم، وقوله إن غلبوا إشارة إلى بيان حاصل المعنى لأنّ المقصود منه الخبر وليست كان فيه زائدة، وقوله والترجي باعتبار الغلبة يعني أنّ من جملتهم فرعون وهو لا ترجى منه ولا يترجى اتباعهم فالترجي، واحتمال الوقوع للغلبة لا للاتباع لأنه غير متصوّر منه بل من أتباعه بحضرته، إلا باعتبار أنّ أتباعهم اتباع له لكونهم أتباعه، ولذا جعلوه كناية عن عدم اتباع موسى عليه الصلاة والسلام والمعنى الحقيقيّ هنا بالنسبة إلى فرعون، وان كان متبعا لأنّ مدعي الألوهية لا يتغ غيره فيكفي إمكانه واحتمال وقوعه ولو من غيره، أو يقال أنه لدهشته وغلبة ذل العجز عليه جوّز اتباعهم كما طلب الأمر ممن حوله فلا حاجة إلى جعله مجازا متفرّعا على الكناية بناء على مذهب الزمخشريّ فيه. قوله: (التزم لهم الأجر) هو من قوله نعم لأنه إجابة لما طلبوا منه، وقوله زبادة عليه أي على الأجر من قوله وانكم الخ وقوله: إن غلبوا معنى قوله إذا لأنها جواب وجزاء كما أشار إليه بقوله فإذا الخ، وقوله بالكسر أي بكسر العين مع فتح النون. قوله: (ولم يرد الخ) يعني أنّ السحر حرام، وقد يكون كفرا على ما فصل في الأحكام وعلى كلى حال فلا يليق من النبيّ المعصوم الأمر به فدفعه بأنّ الأمر هنا ليس على حقيقته لأنهم فاعله لا محالة، وإن لم يقل لهم ذلك كما أشار إليه بقوله ما أنتم ملقون، ولذا عبر بالاسمية فهو عبارة عن الإذن بتقديمه ليتوسل به إلى إبطاله المتوقف عليه كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لتردّ فإنّ الممتنع هو الرضا على طريق الاستحسان لا مطلق الرضا، وما اشتهر من قولهم رضا الكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء وأهل الأصول، وقوله ما هم فاعلوه لأنه علم ذلك بفراسة صادقة أو إلهام أو وحي، ولأنّ الظاهر أنّ فرعون بعد إحضارهم لذلك يحملهم عليه فما قيل إنه في ظنه لا وجه له ولا يناسب كلام المصنف. قوله: (أقسموا بعزته) وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة، واذا فجائية وتلقف أصله تتلقف عبر بالمضارع لاسنحضار الصورة، والدلالة على الاستمرار وأصل التلقف الأخذ بسرعة، وفسر هنا بالابتلاع، وقوله ما يقلبونا أي يغيرونه عن وجهه أي حاله الأوّل من الجمادية إلى كونه حيا نضراً وفيه إشارة إلى أنّ ما موصولة حذف عائدها للفاصلة، وقوله إفكهم إشارة إلى جواز كونها مصدرية. قوله: (وفيه) أي في سجودهم، وتسليمهم له دليل على أنّ منتهى السحر تمويه أي تلبيس من موّه الأمر إذا أظهر منه ما ليس فيه، وأصله أن يطلى بالذهب المذاب كالماء ووجهه أنّ السحر أتوى ما كان في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، ومن أتى به فرعون أعلم أهل عصره به وقد بذلوا جهدهم وأظهروا أعظم ما عنده منه، وهو تمويه فعلم ما ذكر ولكن ليس كل سحر كذلك، وإنما هذا هو الغالب فيه والتزويق التزيين والتحسين، وأصله أن يجعل الزاووق وهو الزئبق مع الذهب، ويطلى به ثم يدخل في النار فيطير الزاووق، ويبقى الذهب، ثم قيل لكل مزين ومنتقش مزوّق. قوله: (وإن التبحر) معطوف على قوله إنّ منتهى السحر والتبحر تفعل من البحر، وهو عبارة عن زيادة العلم وسعته أي زيادة العلم نافعة في كل فن وإن لم يكن من العلوم الشرعية فإنّ هؤلاء السحرة لتبحرهم في علم السحر علموا حقيقة ما أتى به موسى عليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 الصلاة والسلام وأنه معجزة فانتفعوا بزيادة علمهم لأنه أدّاهم إلى الاعتراف بالحق والإيمان لفرقهم بين المعجزة والسحر، وأنما بدل الخرور بالإلقاء الخ والمعروف فيه ذلك نحو خرّوا له ساجدين ولا إلقاء وايجاد خرورهم وخلقه فيهم لا يسمى إلقاء حقيقة، ولغة فمن قال إنه تعالى خلق خرورهم عند أهل السنة وخلقه هو الإلقاء فلا حاجة إلى التجوّز لم يفرق بين الفاعل الحقيقي واللغويّ وهو دقيق. قوله: (قكأنهم أخذوا الخ) إشارة إلى أنّ في ألقى استعارة تبعية حسنها المشاكلة، وليس مجازاً مرسلاً وان احتمله النظم، ووجه الشبه عدم التمالك لا السرعة كما قيل، وقوله وانه تعالى الخ إشارة إلى أنّ الفاعل هو الله حذف للعلم به وفي الكشاف، ولك أن لا تقدر له فاعلاً لأنّ ألقوا بمعنى خرّوا وسقطوا يعني فلا يحتاج إلى فاعل آخر غير من أسند إليه المجهول لأنه فاعل الإلقاء، وقيل إنه أراد أنه لا يحتاج إلى تعيين فاعل لأنّ المقصود الملقى لا تعيين من ألقاه كما في قتل الخارجيّ، وهو بعيد مما ذكرنا.، وخوّلهم بالخاء المعجمة بمعنى أعطاهم. قوله: (بدل الاشتمال الما بين الإلقاء وهذا القول من الملابسة، ويحتمل أن يكون استئنافا كأنه قيل فما قالوا وقوله إبدال لو جعله عطف بيان كان أظهر، ورفع التوهم بأن يتوهم بأنهم أرادوا برلث العالمين فرعون لقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سورة النازعات، الآية: 24] الخ ولا وجه له إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا من الكلامين ولم يذكر الثاني هنا وتوافق الآيتين غير لازم وكذا ما قيل إنه من نسبة فعل الواحد للجنس، وروح بفتح الراء ومشهور بين القراء. قوله: (بيان له) أي لمفعول يعلمون المحذوف، وهو الوبال وتفصيل لما أجمل ولذا فصل وعطف بالفاء في محل آخر وقوله لا ضرو علينا إشارة إلى الخبر المقدر، وحذفه في مثله كثير وقوله: {بما توعدنا به} [سورة الأعرأف، الآية: 123 إمّا معلوم من الأفعال أو مجهول من التفعل، وهو قطع الأيدي وما معه، وقد وقع في بعض النسخ بفتح التاء والواو مع رفع الدال على أنّ أصله تتوعدنا، والانقلاب إليه هو الرجوع إلى جزائه وثوابه، والصبر عليه بالثبات على الحق، وقوله موجب للثواب أي بمقتضى وعده أو كالموجب إذ لا يجب عليه تعالى شيء عندنا. قوله: (أو سبب من أسباب الموت) يعمي المراد من الانقلاب إليه الموت وهو كائن لا محالة: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والداء واحد فلا ضير ولا جزع لوقوعه بما هو أنفع لنا فالمعنى على الأوّل لا ضير في قتلك لأنه سبب للسعادة الأبدية وعلى هذا إلا ضير فيما فعلت لأنه لا بد من الموت فهو كقول علي كرّم الله وجهه لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ، والفرق ظاهر وترك هنا وجهاً آخر ذكره في الأعراف على عادته في ترك بعض الوجوه المذكورة في محل آخر لتكثير الفائدة، وهو أنّ المراد مصيرنا ومصيرك إلى رلث يحكم بيننا، وليس تركه لما فيه من تفكيك الضمائر لكونها للسحرة فيما بعده، وقبله لأنه لو كان محذورا لم يجوّزه ثمة ولأنّ دخولهم فيه مانع منه كما لا يخفى فتأمّل، وقوله من خلاف أي من محل فهو ظرف، أو من أجل خلافكم، وقوله: لأن كنا إشارة إلى قراءة الفتح وأنها على تقدير الجار. قوله: (من أتباع فرعون الخ) المراد أنهم أوّل من أظهر الإيمان منهم عنده كفاحا فلا يرد عليه ما قيل إنه منقوض بمؤمن آل فرعون وآسية، والثاني بهما وببني إسرائيل إلا أن يكونوا غير حاضري المشهد، وهو غير معلوم وفي الكشاف من أهل زمانهم، وفيه إنّ بني إسرائيل مؤمنون قبلهم، وليس المراد بالإيمان بموسى عليه الصلاة والسلام، لقولهم رب موسى وايمان بني إسرائيل في ذلك الوقت به غير محقق. قوله: (والجملة في المعنى تعليل ثان) إنما قال في المعنى إشارة إلى أنه ليس المقصود به التعليل ليكون المقام مقام العطف ولذا قيل إنه تعليل له مع علته، وعلى الوجه الثاني هو تعليل للعلة، وقوله وقرئ الخ أي بأن الشرطية التي تستعمل في الشك فلذا جعله مضافا لنفسه نزله منزلة المشكوك، وقوله أو على طريقة المدل بوزن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 الفاعل مشدد اللام من قولهم تذلل عليه أظهر مخالفته تعنتاً لاعتماده على محبته، وليس بمراد لكنه أبرزه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تمليحا وتضرّعا لله كقول القائل إن كنت عملت لك فوفني حقي وقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي} [سورة الممتحنة، الآية: ا] وقد نجوّز فيها أن تكون مخففة من الثقيلة بدون اللام الفارقة لعدم اللبس فإنه ورد مثله في فصيح الكلام لعدم احتمال النفي، وقوله إن أحسنت الخ الظاهر أنه معمول لقول مقدر أي إذا قال أو قائلاً ونحوه أو هو بدل من المدلّ بدل اشتمال. قوله: (وذلك بعد سنين الخ) أي أمر الله له بالمسير عنهم بعد سنين من مجيء السحرة، وقوله أتبعكم مصبحين كان الظاهر اتبعوكم لكنه أرجع الضمير لفرعون لأنه المقصود، وقوله مصبحين حال من ضمير الجمع الواقع مفعولاً وارتكبه ليطابق ما في النظم بعده، ولو جعل من الأفعال بحذف مفعوله أي أتبعكم جنوده صح وفي بعض النسخ اتبعوكم وهي ظاهرة، وقوله فأطبقه بالرفع معطوف على يدخلون، وقد جوّز نصبه على أنه جواب للأمر، وقوله بحيث لا يدركونكم توجيه لأمرهم بالسرى، وبيان لحكمته، وقوله حتى أخبر بسراهم إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة أي فسروا وأخبر بسراهم فارسل الخ، والمراد بالمدائن مدائن مصر. قوله: (على إرادة القول) يعني أنّ هؤلاء الخ معمول لقول مضمر، وهو إمّا حال أي قائلا ذلك أو مفسر لأرسل والشرذمة الطائقة، وقيل بقية كل شيء خسيس ويقال ثوب شراذم وشراذمة أي خلق مقطع وهو من وصف المفرد بالجمع مبالغة كما ستسمعه قريبا، وقوله بالإضافة متعلق باستقلهم أي جعلهم قليلاَ بالنسبة لجنده لأنّ مقدمته فقط أكثر منهم. قوله: (وقليلون الخ) يعني كان الظاهر شرذمة قليلة فجمع باعتبار أنّ الشرذمة مشتملة على الأسباط أي الفرق، والقبائل من بني إسرائيل، وكل منهم قليل كما يقال ثوب شراذمة ويراد أخلاق للمبالغة في أنّ كل جزء منه متصف بالبلاء كمعي جياع فهو يفيد تناهيه في ذلك الوصف، ولذا ذكرهم باسم دالّ على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة، ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم، وأتى بجمع السلامة الدال على القلة، ويجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد يعني أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبهم. قوله: (لفاعلون ما يغيظنا) من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذن منا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة، وتقديم لنا للحصر والفاصلة واللام لجعله بمنزلة اللازم كما يشير إليه تفسيره بفاعلون أو للتفوية، وقوله لجمع إشارة إلى أنّ جميع بمعنى الجمع وليست التي يؤكد بها، ولو كانت هي المؤكدة نصبت، وقوله من عادتنا الحذر بفتح الحاء والذال أو بكسر فسكون، وهو الاحتراز وكونه من عادتهم من صيغة فعل الدالة على الثبات والمبالغة. قوله: (أشار أوّلاً الخ) يعني بقوله إنّ هؤلاء الخ، وقوله: ثم إلى تحقق الخ هو من قوله: (وأنها لنا لغائظون) ووجوب التيقظ من قوله وانا لجميع حذرون وهو معطوف على تحقق، أو على قوله فرط وقوله حثا تعليل لقوله أشار وضمير عليه إلى ما ذكر، وقيل إنه للاتباع. قوله: (أو اعتذر) في نسخة واعتذر وفي نسخة أو اعتذار بالنصب عطف على حثا وضمير به لفرعون يعني اعتذر من إرساله لهم بأنهم ليسوا بشيء يخاف منه، وإنما يكثر الجيوس لحزمه وإراءة قوّته لهم، والأوّل يعني حذرون للثبات لأنه صفة مشبهة، والثاني حاذرون اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث وهذا بناء على ما اشتهر عند النحاة، وفي شرح المفتاح الشريفي إنّ اسم يدل على الثبوت مطلقاً والدوام والتجدّد من القرائن، وفيه نظر. قوله: (وقيل الحاذر المؤدي في السلاح) أي الداخل في عدة الحرب كالدرع فإن المؤدي بالهمز هو صاحب السلاح لاً نه صاحب أداة أي آلة، وآلة الحرب تسمى حذراً مجازا كما في قوله: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 71] وأليه أشار بقوله وهو أيضا الخ وأمّا المودى بمعنى الهالك فغير مهموز من أودى إذا هلك وليس من الأضداد لأنه سبب أداته كما قيل. قوله: (وقرئ حادرون بالدال) المهملة ومعناه أقوياء أشداء من حدر حدارة إذا امتلأ شحماً أو لحماً، ومنه الحادرة اسم شاعر أو هو بمعنى تام السلاح أيضا لأنه يتقوّى به كما يتقوّى بأعضائه فهو استعارة حينئذ، أو مجاز مرسل أو كناية. قوله: (أح! ب الصبتي الخ) يقول إني أحب بعض الصبيان، وان كان قبيحا لحب أمّه، وقد أبغض بعض الصبيان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 لبغض أمّه وان كان حسنا فسكنى عن حسنه بكونه حادرا والحدارة بفتح الحاء، والدال المهملتين كالجسامة لفظاً ومعنى وأراد به القوّة هنا. قوله: (بأن خلقنا الخ) إنما أوّل أخرجنا بخلقنا داعية الخروج وأوجدناها ولم يؤوّله بخلقنا الخروج وان كان كافياً لأنّ مراده أنّ الإسناد هنا مجازيّ لأنه تعالى أوجد فيهم دواعي حملتهم على ذلك، وخلق الدواعي لا ينافي كون الخروج مخلوقاً له أيضا، وقوله بهذا السبب أي الذي تضمنته الآيات الثلاث، وهو متعلق بخلقنا أو بداعية، وضمير حملتهم للدّاعية وقوله وكنوز المراد إمّا الأموال التي تحت الأرض وخصها لأنّ ما فوقها انطمس، أو مطلق المال الذي لم ينفق منه في طاعة الله، والأوّل أوفق باللغة والثاني مروقي عن السلف فلا وجه للتحكم هنا، وقوله يعني الخ تفسير للمقام الكريم. قوله: (وكنوز) قيل عبر به لأنّ أموالهم الظاهرة انطمست فهو من مجاز الأوّل قيل وهو سهو، وفيه ما لا يخفى فتدبر. قوله: (مثل ذلك الإخراج أخرجناهم الا يرد عليه وعلى ما بعده أنه يلزمه تشبيه الشيء بنفسه كما مرّ تحقيقه في البقرة، وقوله فهو مصدر أي الإشارة بذلك إلى مصدر هو الإخراح والجار والمجرور في محل نصب صفة لمصدر مقدر أو في محل جر صفة مقام، واذا قدر الأمر كذلك فالمراد تقريره وتحقيقه، والجملة معترضحة حينثذ كالتي بعدها. قوله: (وأورثناها الخ) هو استعارة أي ملك! ناها لهم تمليك الإرث بعد زمان أو بعد إغرإق الفراعنة إن قيل إنهم دخلوها وملكوها حينئذ لكن المذكور في التواريخ أنهم لم يدخلوها في حياة موسى عليه الصلاة والسلام وضمير فأتبعوهم الفاعل لقوم فرعون، والمفعول لبني إسرائيل أي أتبعوا أنفسهم بني إسرائيل حتى لحقوهم وهو معطوف على قوله فأخرجناهم، وقوله مشرقين حال. قوله: (لملحقون) من أدركه إذا لحقه وفي قراءة التشديد هو على قوله فأخرجناهم، وقوله مشرقين حال. قوله: (لملحقون) من أدركه إذا لحقه وفي قراءة التشديد هو من الإدراك وهو والتتابع بمعنى وهو ذهاب أحد على أثر آخر، ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك وأن يفنى شيئا بعد شيء حتى يذهب جميعه كما في قول الحماسي: أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجى حياة أم من الموت أجزع ولذا فسره بقوله أي لمتتابعون الخ، وفي نسخة لمتشايعون والتشايع بمعنى التتابع كما في القاموس وغيره. قوله تعالى: ( {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} ] قال بعض الفضلاء قدّم المعية هنا وأخرها في قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التوبة، الآية: 40] نظرا للمقام لأنّ المخاطب هنا بنو إسرائيل، وهم أغبياء يعرفون الله بعد النظر والسماع من موسى عليه الصلاة والسلام والمخاطب ثمة الصديق، وهو ممن يرى الله قبل كل شيء، ولذا خص المعية هنا بقوله بالحفظ والنصرة كما أخبره الله بقوله: {إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 5 ا] على ما مرّ وقال معي دون معنا لأنه هو المتيقن لذلك بما أوحى إليه وهم خائفون، ولذا قالوا إنا لمدركون، وخص نغسه بذلك، وان كانت نصرته مستلزمة لنصرتهم إشارة إلى أنه هو المقصود بالذات، وأنّ عناية الله بهم لأجله فلا وجه لما قيل إنّ الأنسب أن يفسر بأن معي وعد ربي لأنه لو كان معناه لما ذكر قيل معنا مع أنّ الماس واحد عند التحقيق، فمن قال إنّ هذا لا يدفع إلا نسبية فقد وهم-، وقوله غشيك أي لحقك، وقوله أو مرأى أرجوا أن يامرني الله بما أصنع وهو الدخول في البحر وكان لم يؤمر به قبل الوصوف إليه. قوله: (القلزم) كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور، واليه يضاف بحر القلزم لأنه على طرفه أو لأنه يبتلع من بركته لأنّ القلزمة الابتلاع، والنيل معروف وقوله فضرب نانفلق إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة. قوله: (وصار اثني عشر فرقاً بينها مسالك) يسلك في كل منها سبط من الأسباط الاثني عشر، والمراد بالفرق ما ارتفع من الماء فصار ما تحته كالسرداب لا ما انفصل من الماء عما يقابله فلا يرد عليه أنه لا بد من كون الفرق ثلاثة عشر حتى يحصل اثنا عشر مسلكاً بعدد الأسباط ليدخل كل سبط في شعب لأنّ الفرق إذا كانت اثني عشر لزم كون الشعوب التي في خلالها أحد عشر فلا يتمّ ما ذكر، ولا حاجة إلى ما قيل من أنه ليس الأمر كما توهم بل يلزم مما ذكر كون الشعوب التي في خلالها ثلاثة عشر لأنّ الفرقين الطرفين لا بدّ أن يكونا منفصلين مما يحاذيهما من البحر إذ لو اتصلا لم يميزا عنه، ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقاً بل أقل كما لو كانوا في الفروق نفسها غاية الأمر أنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 لم يذكر فائدة الشعب الزائد على الاثني عشر، ولعله لم يدخل فيه من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام من القبط، ولذا قال بعض فضلاء العصر من العجم إنه ممنوع لأنّ الفرق عبارة عن قطعة من الماء ارتفعت عن سطح البحر بضربه حتى صارت كالجبل فلا يلزم كون الفرق ثلاثة عشر على تقدير كون المسالك اثني عشر إلا إذا فرض أنه لكل ضربة انكشف الماء إلى ناحية المسلك، وصار كطودين منكشفين له فيزيد حينئذ عدد الفرق على المسالك، أما على ما ذكر فلا والحاصل أنه لو كان المراد بالفرق طائفة انفصلت منه، وصارت كالجسر لزم ما ذكر أمّا لو أريد به ما ارتفع عن الأرض، وصار تحته أرض يب! كالسرداب، والفرق هو الماء المرتفع كالسقف والقبة والطود فلا، وقد صرّح به المصنف بقوله كالجبل الخ والنظم صريح فيه أيضاً وهذا إشكال مشهور، والأمر فيه سهل كما سمعته، وما صار مسلكاً ليس هو البحر بل موضعه فهو إمّا استخدام أو على تقدير مضاف وهو موضع، والمنيف بمعنى العالي والشعاب طرق في الجبال استعيرت. قوله: (فدخلوا الخ) هو لبيان الواقع لا ليعطف عليه، قوله: وأزلفنا كما توهم حتى يكون الأنسب نأدخلنا لأنه معطوف على قوله فأوحينا، ولا حاجة إلى التقدير، وثمّ ظرف مكان بمعنى هنالك، وقوله حتى دخلوا الخ إشارة إلى أنّ قربهم من قوم موسى عليه الصلاة والسلام لما ذكر، ويجوز أن يراد قرب بعضهم من بعض لئلا ينجو منهم أحد، وقوله إلى أن عبروا أي جازوا البحر من العبور، واطباقه عليهم بعد خروج موسى وقومه، وقوله وأية آية إشارة إلى أنّ التنوين للتعظيم. قوله: (وما تنبه الخ) هو من مفهوم الجملة الحالية يعني أنّ أهل عصره مع هذه الآية العظيمة التي تقتضي تصديقه بعدها في كل ما جاء به منهم من بقي على كفره كبقية القبط، ومنهم من عصاه، واقترج عليه ما اقترح كبعض بني إسرائيل وقوله وبنو إسرائيل الخ مبتدأ خبره سألوا الخ يعني أنهم أيضا لم يؤمنوا بها، وألا لما صدر عنهم ما صدر ولعل مراده بذكر هذا بيان ما صدر من قومه أيضا، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ ضمير أكثرهم شامل لقوم فرعون، ولمن كان مع موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: سألوا بقرة يشير إلى قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لأنهم كانت لهم تماثيل على صور البقر، وقوله: بأوليائه عداه بالباء لتضمنه معنى الرؤف. قوله: (على مشركي العرب) خصهم، وإن قيل إنه لجميع الناس لأنه جدّهم فذكر قصته لهم ليأتسوا به ولذا غير الأسلوب فيه، وقوله ليريهم أي ليعلمهم بذلك لا للاستعلام إذ هو معلوم مشاهد له، وتوله لا يستحق العبادة لقوله هل يسمعونكم الخ وضمير قومه لإبراهيم لا لأبيه، وإن وافق قوله أراك وقومك لما فيه من التفكيك، وقوله لها متعلق بنظل أو بعاكفين. قوله: (فأطالوا جوابهم) وكان يكفي أن يقولوا أصناما، وقوله بشرح حالهم أي ملتبسا به، وفي نسخة وشرح حالهم وهو مفعول معه وقيل إنه من باب علفتها تبنا وماء بارداً، أي وذكر واشرح حالهم معه، وليس لفظ الشرح مقحما وضممير معه للجواب، وكونه للأصنام بتأويل ما يعبدون بعيد، وكذا كونه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ومع بمعنى عند، وقوله تبجحا بتقديم الجيم على الحاء بمعنى سروراً. قوله: (ونظل ههنا بمعنى ندوم) هي فعل ناقص دالّ على اقتران مضمون الجملة بالنهار أو بمعنى صار، وكلامه يحتمل أنها ناقصة أريد بها الدوام كما يكون كان كذلك، ويحتمل أن يريد إنها تامّة بمعنى دام كقولهم لو ظل الظلم هلك الناس كما ذكره ابن مالك، وان أنكره بعض النحاة وعاكفين على الأوّلين خبر وعلى هذا حال. قوله: (وقيل الخ) فهي ناقصة دالة على اقتران مضمون الجملة بالنهار كما مرّ، ومرضه لأنّ المتبادر منها الأوّل، وهو أبلغ مناسب لمقام التبجح واختار هذا الزمخشري لأنه أصل معناها لأنه من الظل، وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدلّ على إعلانه لافتخارهم به. قوله: (يسمعون دعاءكم) سمع إذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد نحو سمعت كلام زيد، وان دخل على غير مسموع ذهب الفارسيّ إلى أنه يتعدى إلى اثنين إلا أنه لا بد أن يكون الثاني مما يدلّ على صوت كسمعت زيداً يقول كذا، وذهب غيره إلى أنه في ذلك متعد إلى واحد فإن كان معرفة فالجملة حال، وان كان نكرة فصفة وجوّز فيها البدلية أيضاً، واذا علق بالذات أفاد السماع بغير واسطة فقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 يسمعون دعاءكم إشارة إلى أنه متعد لواحد داخل على مسموع مقدر، وقوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 72] إشارة إلى أنه من القبيل الثاني داخل على غير مسموع، وبعده جملة مقدرة واعرابها كما سمعت، فقوله: فحذف ذلك أي المضاف أو جملة تدعون، وقيل يسمعون بمعنى يجيبون كما في الحديث: " اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أي لا يستجاب وقد جوّز ذلك في قوله: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} لكن إبقاؤ. على معناه هنا أنسب وقوله: وقرئ يسمعونكم أي من الأفعال. قوله: (ومجيئه مضارعاً الخ) يعني لم يقل يسمعونكم تدعون على النهج المعروف، ولا إذ دعوتم لكون إذ لما مضى فيناسب ذكر الماضي معها لأنه أتى بما ذكر للدلالة على أنها حال ماضية، وعبر بالمضارع لاستحضار تلك الحال وحكايتها، وأمّا كون هل تخلص الفعل المضارع للاستقبال بخلاف الهمزة كما ذكره النحاة، وأهل المعاني فلا يضرّ هنا كما توهم لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم، وهو هنا كذلك كما لا يخفى لأنّ السماع بعد الدعاء، وأمّا ارتكاب التجوّز هنا والمناقشة فيه بأنّ الأصلى الحقيقة فمن ضيق العطن، وخمود نار الفطن. قوله: (على عبادتكم لها) ضمنه معنى يجازونكم فعذاه بعلى، وقيل إنها تعليلية، وقوله من أعرض! إشارة إلى أن الضير لا يتعلق بهم، ولذا لم يقل يضرّونكم، وان احتمل تركه للفاصلة، وقوله ضر قدمه لأنه أقرب منهم، وقد قيل إنه أخره لمراعاة السجع مع سمع وليس بشيء، وقوله اضربوا الخ أي أضربوا عن نفعهم، وضرّهم فكأنهم قالوا: لا يضرّون ولا ينفعون، وكذلك صفة مصدر قدم للفاصلة. قوله: (فإنّ التقدّم الخ) يشير إلى أنّ الاستفهام فيه إنكاري للتوبيخ فيتضمن بطلان ا-لهتهم، وبطلان عبادتها وانه ضلال قديم لا فائدة في قدمه إلا ظهور بطلانه لأن المعنى أعلمتم أيّ شيء عبدتم أنتم ومن قبلكم، وأنها لا تقدر على ضرّ ونفع. قوله: (أعاديهم أنا ولا أعبدهم) بيان لأصل معنى هذا اللفظ، وان لم يكن مراداً منه بل هو كناية أو مجاز عما أشار إليه بقوله يريد الخ وجمع ضمير إنهم مراعاة لمعنى ما وهذا تفصيل لما قبله وتفسير له، أو تعليل لما فهم منه من أني لا أعبدهم أو لا تصح عبادتهم، ويجوز أن يكون خبرا لما كنتم أو المعنى فأخبركم وأعلمكم بمضمون هذا، وقال النسفي: العدوّ اسم للمعادي والمعادي جميعاً فلا يحتاج إلى تأويل فهو كقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} [سورة الأنبياء، الآية: 57] . قوله: (من حيث أنهم يتضرّرون من جهتهم الخ) إشارة إلى أنّ قوله أنهم عدوّ تشبيه بليغ وقوله فوق ما يتضرّر الخ قيل لأنّ المشبه أقوى في وجه الشبه في الواقع، وان كان المشبه به أشهر فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في النظم على هذا المعنى، وقيل إنهم يخاصمونهم إذ ينظقهم الله في القيامة، وقيل إنّ هذا على القلب وأصله إني عدوّ لهم وهو تكلف. قوله: (أو إنّ المغرى (وفي نسخة بالواو والأولى أصح وهو عطف على قوله إنهم يتضرّرون أو على قولهم إنهم أعداء الخ، والمغري بمعنى المرغب الحامل على ذلك فهو مجاز عقلي من إطلاق وصف السبب على المسبب، وقيل إنه على تقدير مضافين أي مغري عبادتهم. قوله: (لكنه صور الأمر في نفسه الخ) أي عبر عن عداوتهم وضررهم لهم بما ذكر من وصف نفسه به على طريق التعريض كما في قوله: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة يس، الآية: 22] والمعنى إني فكرت في عبادتي لها لو صدرت مني قرأيتها للعدوّ الضار فتركتها لمن الخير كله في عبادته، وهذا التعريض يحتمل الكناية والمجاز فإن نظر إلى أنّ الأصنام لا تصلح لعداوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مجازاً والا فيكون كناية كذا في شرح الطيبي، وفيه نظر لأن الجماد لا يصلح للعداوة بوجه من الوجوه لا له ولا لهم وفيه كلام في شرح المفتاج للشريف فتأمله. قوله: (فإنه) أي التعريض وعدم التصريح أنفع لعدم تنفيرهم بالمكافحة بالطعن وهو أقرب للقبول، وقوله: وأفراد العدوّ مع أنه خبر عن الجمع إمّا لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره، أو لاتحادهم في معنى العداوة أو لتاويله بكل منهم كما يشير إليه في قوله: (لكل معبود يعبده) وقوله: أو بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما في قولك هم ذو عداوة فلا شبهة فيه كما قيل. قوله: (أو متصل (أيمما من ضمير إنهم الراجع إلى ما يعبدون الشامل لله، ولا حاجة على هذا إلى الاستخدام كما قيل وقوله: (وكان من آبائهم من عبد الله) هذا بلا شبهة، وما قيل من إنه لا حاجة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 إلى هذا لأنهم مشركون فهم يعبدون الله، والأصنام لقوله: {إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 98] لا يرد عليه لأنه وجه آخر للاتصال ولذا لم يدع فساده بل عدم الحاجة إليه، وما قيل من أنّ قولهم في جوابه نعبد أصناما بدون ذكر الله يقتضي قصر عادتهم عليها وما ذكر من الآية ليس محكيا عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولو سلم فالمراد بالتسوية مساواة من عبد الله في مطلق العبادة أو تسويتها بالته في استحقاق العبادة، وهو غير مستلزم للعبادة نفسها ليس بشيء لأنّ تخصيص الأصنام بالذكر للردّ عليه، ولأنّ المداومة على عبادتها لا تنافي عبادته أحياناً مع أنّ المصنف رحمه الله قد اعترف بما ذكره القائل في تفسير قوله:. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [سورة الزخرف، الآية: 27] كما سيأتي في سورة الرحمن وما ذكره من تاوبل الآية المذكورة تكلف لم يسبق إليه. قوله: (هداية مدرجة) منصوب على أنه مصدر ليهدي، وقوله دم الطصث أي الحيض هو بناء على ما اشتهم ونقل عن جالينوس، وأنه لذلك يصيبه الجدرى وغيره من الأمراض الدموية لكن الحكيم ابن زهر أنكره وقال إنّ جالينوس أراد بدم الطمث دما في الرحم صالحا لا دم الحيض فإنه دم فاسد لو اغتذى به لاجنين لم تتصوّر حياته، وإنما لم ينصبّ دم الحيض مدة الحمل للرحم لاشتغال الرحم، وهو وان كان مما يقبله العقل فالظاهر أنه لا يعلم حقيقته إلا الله فلا يجزم بشيء منهما إلا إذا اعتضد بدليل سمعيّ. قوله: (والفاء للسببية) في خبر الموصول لتضمنه معنى لشرط، وقوله وللعطف أي على الصلة والصفة إمّا منصوبة أو مرفوعة على القطع، وقوله لأنه يهدي كل مخلوق الخ إشارة إلى أنّ ما ذكر من الحكم ليس خاصا به، وان صوّر في نفسه للتعريض كما مرّ فسقط اعتراض! أبي حيان بأن الفاء إنما تزاد في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عامّا وهذا ليس كذلك مع أنّ اشتراط ذلك فيه غير مسلم كما فصله الرضى، وإنما هو أغلبيّ، ثم إنّ السببية بمقتضى الحكمة فإنّ من أوجده يتكفل بما به قوامه وبقاؤه، وقيل إنها سبب للأخبار لا للهداية فإنها غير مسببة عن الخلق، وانّ السببية قد تجامع العطف كما في الذي يطير الذباب فيغضب زيد فلا وجه للتخصيص. قوله: (فيكون) أي على العطف فإنّ الأصل فيه تماثلهما، ويجوز أن يكون على التقديرين وتقدم الخلق يقتضي المضيّ والاسنمرار من الاسمية التي خبرها مضارع دال على الاستمرار أيضا، وقوله على الأوّل أي كون الذي مبتدأ خبره هو يهدين وقوله على الوجهين أي الابتدائية والوصفية والحكم ما تضمنه الخبر أو الاستئناف من العداوة. قوله: (عطفه على يطعمني (أو على جملة هو يطعمني، وقوله من روادفهما أي توابعهما ولوازمهما وهو إشارة إلى وجه التأخير: فإنّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب وحكمة تاخير السقي ظاهرة لأنه من توابع الطعام أيضاً ولذا لم يكرر الموصول فيها. قوله: (لم ينسب المرض إليه) أي لم يقل أمرضني مع أنه الممرض حقيقة فأضاف إليه النعم دون النقم تأدّباً، وقوله ولا ينتقض الخ جواب عن سؤال مقدّر لكن قوله فإنّ الموت الخ غير تامّ في دفعه فإنه لا يلزم من عدم إحساس ضرره وألمه أن يكون نعمة، وكونه مع ما بعده جوابا واحداً خلاف الظاهر إذ كان الظاهر الاقتصار عليه كما في بعض شروح الكشاف، وقد اعتذر عنه في الانتصاف بأن الموت لما علم أنه قضاء محتوم من الله لا يخص أحداً، ولا كذلك المرض فكم معافى منه سقط كونه بلاء فساغ في الأدب نسبته إليه تعالى فتأمّل. قوله: (المحالث) هي نعيم الجنة ورضوان الله، ومنه تخليص العاصي أيضاً من اكتساب المعاصي، وقوله ولأنّ المرض معطوف على قوله لأنّ مقصوده الخ، وقوله إنما يحدث الخ فلما كان سببه الظاهر منه، ومن تركيبه نسب إليه وجعل كأنه فاعل حقيقيّ له بخلاف الصحة، ولو طارئة وأمّا ما يحصل بالعلاج والاحتماء فليس بمطرد، والأخلاط أمزجة الإنسان الأربعة، والأركان العناصر، وقوله باستحفاظ اجتماعها أي الإخلاط والأركان، وقوله عليها متعلق بالمخصوص لكنه بمعنى المقصور أو بالاستحفاظ أو بقهراً، وقوله يميتني لم يقل هو يميتني لأنّ الإماتة لا تسند لغير الله في لسان العرب. قوله: (ثم يحيين) أورد ثم لما بينهما من التراخي بخلاف غيره، وذكر يوم الدين لظهور المغفرة فيه وهضم نفسه لعدها خاطئة، وكونهم على حذر لأنّ المعصوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 إذا كان هذا حاله فما بال غيره، ويندر أي يقع نادرا، وقوله أني سقيم الخ بدل من الثلاث، وقد مرّ بيانها. قوله: (ضعيف لآنها معاريض) أي تورية قصد بها خلاف ظاهرها، كما قيل: " إن في المعاريض لمندوحه عن الكذب " فليس كذبا حتى يكون خطيئة كما روي عن مجاهد والحسن وعدّ منها قوله للكوكب هذا ربي وقد مرّ، وأمّا ما ورد في حديث الشفاعة وامتناعه حياء من الله بهذه الكذبات فقد اعتذر عنه بأنه استعظم أن يصدر منه ما هو على صورة الكذب، فإنّ حسنات الأبرار سيآت المقرّبين، وقوله واستغفارا وقع في نسخة بدله واستعذارا أي طلبا للعذر. قوله: (كما لا في العلم والعمل) جعله شاملاً لهما لتنكيره، والمراد بالحكم ما يتوقف عليه من كمالهما، وقيل المراد به الحكمة والعمل لازم لها، وقوله أستعد به ضمنه معنى أحصل به ولذا عداه بنفسه وان كان متعديا باللام، والحق الله أو خلاف الباطل فيكون كمسجد الجامع وهذا قبل النبوّة فهو طلب لها أو بعدها فالمراد طلب كمالها والثبات عليه. قوله:) ووفقني الكمال في العمل) الكمال منصوب بنزع الخافض، أو هو مضمن معنى أعطني التوفيق له، وليس هذا تكراراً مع ما قبله لتقييده بقوله لأنتظم الخ أو المراد بالأوّل ما يتعلق بالمعاس وبهذا ما يتعلق بالمعاد أو هو تخصيص بعد تعميم اعتناء بالعمل لأنه النتيجة والثمرة، وقوله الكاملين في الصلاح هو من الإطلاق أو من تعريف العهد وفي الكشاف أو يجمع بينه وبينهم في الجنة، ولقد أجابه حيث قال وإنه في الآخرة لمن الصالحين. قوله: (جاها) فالمراد باللسان الذكر الجميل بعلاقة السببية أو للاحتراز عن الإطراء المذموم، وهو المراد من حسن الصيت، وقوله يبقى أثره الخ من قوله في الآخرين فإنّ تعريفه للاستغراق كما أشار إليه بقوله ولذلك الخ وهذا يدل على محبة الله ورضاه كما ورد في الحديث. قوله: (أو صادقاً من ذريتي) فهو بتقدير مضاف أي صاحب لسان صدق أو مجاز بإطلاق الجزء على الكل لأنّ الدعوة باللسان وقوله أصل ديني وهو العقائد وبعض الأحكام التي لم تنسخ، وقوله مرّ أي في مريم والمؤمنين فانظره. قوله: (بالهداية (بناء على أنّ الدعاء كان قبل موته كما سيصرح به، وهذا أحد الوجوه في الآية للسلف ولا يبطله قوله تعالى: {كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [سورة الممتحنة، الآية: 4] إلى قوله الأقول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك لأنّ طلب الهداية للكافر أمر حسن كما قال صلى الله عليه وسلم: " اللهئم اهد قومي " الخ والاستثناء المذكور يقتضي خلافه وهو مخالف لقوله: {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ} [سورة التوبة، الآية: 114، الآية لأنّ الاستثناء بناء على أنه لا يقتدى به فيه بناء على ظنه مطلقا وقد مرّ تحقيقه. قوله: (وإن كان هذا الدعاء بعد موته (قد ارتضاه بعضهم إذ لا مانع منه عقلا وفي شرح مسلم للنووي أنّ كونه تعالى لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة، وكان قبلهم قد يغفر وقد مرّ ما فيه، وحمل قوله فلما تبين له أنه عدوّ دلّه على يوم القيامة والتعبير بالماضي لتحققه أو هو كناية أو مجاز عن عدم مغفرة الكفر، ولا يخفى أنّ سياقه له في مقاولة إبراهيم لأبيه وقومه يبعده كما لا يخفى. قوله: (كان يخفي الإيمان الخ) هذا بناء على أنه لا يعتبر فيه الاعتراف والإقرار باللسان، وقوله ولذلك وعده به أي وعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه بالاستغفار له لظنه أنه مؤمن يخفى الإيمان لعذر فتبين عداوته لله إمّا بالوحي أو في الآخرة، وقوله من الضالين بناء على ما ظهر لغيره من حاله. قوله: (أو لأنه لم يمنع الخ (أي لم يوح إليه بذلك ولا ينافيه قوله فلما تبين الخ كما عرفت، وقوله الخفاء العاقبة الخ بيان لصحة إرادة هذا المعنى ودفع لأنه تحصيل الحاصل، ويجوز أن يكون تعليماً لغيره وجواز التعذيب تعليل آخر، وقوله أو ببعثه الخ ولا يلزم منه التعذيب حتى يغني عنه ما قبله، والخزاية بفتح الخاء مصدر وقوله لأنهم معلومون فلا يرد أنه كيف يعود على ما لم يسبق له ذكر، واذا عاد على الضالين فهو من تتمة الدعاء لأبيه أي لا تحزني يوم يبعث الضالون وأبى فيهم. قوله: (لا ينفعان أحدا الخ) فالاستثناء مفرغ من أعتم المفاعيل ومن في محل نصب وقدم هذا لظهوره، وقوله مخلصا تفسير لمن أتى الله بقلب سليم، وقوله وميل المعاصي أي سليماً من لميل إلى المعاصي فالمصدر مضاف لمفعوله بعد نزع الخافض، وقوله سائر آفاته أي القلب. قوله: (أو لا ينفعان إلا مال من هذا شانه وبنوه حيث الخ) ففيه مضافان مقدران أي الآمال، وبنو من الخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 والاستثناء متصل وهو بدل من الفاعل فهو في محل رفع، وقوله حيث الخ بيان لوجه نفعهما له لأن ما أنفقه في الخير له ثواب نافع والولد الصالح يدعو لأبيه ويشفع له، وله ثواب إرشاده وتعليمه. قوله: (وقيل الاستثناء مما الخ) يعني أنه من الميل مع المعنى فإنّ الغني مطلقاً شامل للغنى الدنيوي، وهو بالمال والبنين والديني، وهو بسلامة القلب فذكر المال والبنون وأريد به الغنى الدنيوي، ثم قصد بذكر الخاص وهز الغنى الدنيوي العامّ وهو مطلق الغنى فليس هذا وجهاً آخر كما توهم فكأنه قيل لا غنى إلا الغنى الديني كما يقال لا غنى إلا غنى القلب، ولا صحة إلا سلامة العرض فعلى هذا يجوز أن يقال الاسنثناء متصل لدخوله فيما قبله بحسب مآل المعنى كما أشار إليه المصنف رحمه إلله. قوله: (وقيل منقطع) وفي الكشاف ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف، وهو الحال والمراد بها سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى، وقد مغ بأنه لو قدر مثلاً ولكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو يقدر المضاف لم يتحصل للاسنثناء معنى، وقد مغ بانه لو قدر مثلاً ولكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى أيضاً وأجاب عنه في الكشف بأنّ المراد أنه على تقدير الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدونه، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى، وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن مناسبا للمقام لم يلتفت إليه، ورده بعض شراح الكشاف وتبعه الفاضل المحشي بأنه دعوى بلا دليل قلت بل دليله ظاهر لأنّ المستثنى لا بدّ من دخوله في المستثنى منه، ولو توهما ولو لم يقدر لم يكن كذلك بخلاف الاستدراك الصرف، وهو غير مناسب لأنّ المراد بيان حال المال والبنين في النفع، وعدمه لا مطلق النفع وهو ظاهر فتأمّل، وبقي في الآية وجوه أخر في الكشاف، وغيره تركها المصنف رحمه الله فلنضرب عنها صفحاً. قوله: (فيبتجحون) أي يفتخرون ويسرّون، وقوله يتحسرون لأنّ غائلة تبريزها لهم لا لكل من رآها كما في قوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} [سورة النازعات، الآية: 36] . قوله: (وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد) وأنه لا يخلف بخلاف الوعيد لأنّ التعبير بالأزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه، ولذا قدم لسبق رحمته بخلاف الإبراز فإنه الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج. قوله: (والكبكبة تكرير الكب) وهو الإلقاء على الوجه يعني كرّر لفظه ليدل على تكرّر معناه كما في صرصر، وقوله من عصاة الخ لو عمهما صح، وقوله خبره ما بعده يعني قوله قالوا الخ. قوله: (وإلا للضمير) كذا في أصح النسخ وهي ظاهرة، ولو قال فللضمير كان أظهر، وقد سقطت إلا من بعضها وهي تحتاج إلى تقدير يعني أجمعون تأكيد لقوله: {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} [سورة الشعراء، الآية: 95] فقط إن كان مبتدأ خبره قالوا الخ فإن كان معطوفاً على ما قبله يكون أجمعون تأكيدا للضمير في قوله: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ} [سورة الشعراء، الآية: 94] وما عطف عليه، وقوله وكذا الضمير المنفصل الخ يعني إن كان جنود إبليس مبتدأ فهو عائد عليه وإلا فهو عائد عليه وعلى ما عطف عليه لا تأكيد كما يتوهمه من لم يتدبر وليس في عبارته تسامح أصلاً، وقوله وما يعود إليه يعني هم، وضمير يختصمرن لا قالوا. قوله: (على أنّ الله ينطق الأصنام) إذا كان الضمير راجعا لهم الأوّل وما عطف عليه فإنه شامل للأصنام فيكون لها اختصام لما ذكره، وقوله ويجوز أن تكون الضمائر أي في قوله هم فيها يختصمون على أنّ الخصام جار بينهم وخطاب الأصنام للتحسر لا لأنها جعلت ممن يعقل بأنّ خلق الله فيها إدراكاً فيقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين، كما أشار إليه بقوله: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} وانهماكهم في الضلالة من كان الاستمراربة. قوله: (وما أضلنا إلا المجرمون) القصر بالنسبة إلى الأصنام وأنها لا دخل لها في ذلك ولا قدرة لها عليه وقوله إذ الأخلاء الخ فالمراد بالشفعاء والأصدقاء من كان كذلك في الدنيا، وقوله أو فما لنا الخ فالمراد من كانوا يقدرون شفاعته في القيامة وهي الأصنام، وقوله أو وقعنا الخ يعني ليس المراد معنى ذلك بل هو كناية عن شدة الأمر بحيث لا ينفع فيه أحد كقولهم أمر لا ينادي وليده. قوله: (وجمع الشافع ووحدة الصديق الخ) وما قيل من أنه إشارة إلى أنه لا فرق بين استغراق الجمع والمفرد، وليس الثاني أشمل من الأول كما زعمه بعضهم مع مراعاة الفاصلة فتكلف على ما بين في المعاني، مع أن هذا ليس من محل الخلاف لأنّ من إذا زيدت بعد النفي داخلة على الجمع جعلته في حكم المفرد، ومساويا لأل في ألاستغراق بلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 خلاف. قوله: (ولآن الصديق الواحد الخ) يعني فالواحد في معنى الجمع فلذا اكتفى به لما فيه من المطابقة المعنوية كما قيل: وواحد كالألف إن أمرعنا وقوله أو لإطلاق الصديق الخ يعني بخلاف الشافع، وسكت عنه لظهوره، والحنين مصدر حن إليه إذا اشتاق والصهيل صوت الخيل وفعيل مطرد في الأصوات، ولو قال لكونه على زنة المصدر كان أحسن لأنه لم يسمع صديق وعدوّ وبمعنى الصداقة والعداوة. قوله: (تمن للرّجعة) التمني معنى لو، والرجعة معنى الكرة من كر إذا رجع، وقوله: وأقيم فيه لو مقام ليت واستعمال لو للتمني بدليل النصب في جوابه ذكره النحاة، واختلف فيه فقيل هو معنى وضعيّ، وقيل إنه مجاز وهل هي في الأصل مصدرية أو شرطية، والى الأخير أشار المصنف لظهور وجه التجوّز فيه لأنّ لو تدل على الامتناع والتمني يكون لما يمتنع فأريد بها ذلك مجازا مرسلاً أو استعارة تبعية، ثم شاع حتى صار كالحقيقة فيها، وقوله حذف جوابه وتقديره رجعنا عما كنا عليه أو خلصنا من العذاب ونحوه. قوله: (أو عطف على كرّة (يعني إذا كانت لو شرطية جوابها محذوف نحو لكان لنا شفعاء أو ما أضلنا المجرمون، ويجوز هذا أيضا على التمني كما يجوز عطفه على إنّ لنا كرّة، وقوله وعظة لأنّ الآية تكون بمعنى العبرة، وأصول العلوم الدينية نفي الشريك، واثبات الصانع وتوحيده وكل ما ذكر معلوم من تفسير. سابقا، والدلائل من أوصافه تعالى، وحسن الدعوة بالاستفهام ثم الإبطال، وكمال الإشفاق بإظهار التحزن وتعريضاً وايقاظا علتان للتصوير والإطلاق، وقوله: ليكون تعليل لقوله جاءت الخ، وقوله: أكثر قومه يجوز أن يفسر بما مرّ في أول السورة فتذكره. قوله: (القوم مؤنثة) قال في المصباح القوم يذكر ويؤنث فيقال قام القوم وقامت القوم وكذلك كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر اهـ فقوله مؤنثة بناء على الأغلب لا أنه ذهب إلى أنه جمع قائم، والأصل تأنيثه، وقوله: وقد مرّ الكلام في تكذيبهم المرسلين في الفرقان، وفي الكشاف ونظير قوله المرسلين، والمراد نوح عليه الصلاة والسلام قولك فلان يركب الدوالت ويليس البرود وماله إلا دابة وبرد يعني أنه للجنس فهو يتناول الواحد لكنه مصحح لأمر حج بخلاف تلك الأوجه. قوله: (لآنه كان منهم) توجيه لقوله أخوهم كما يقال يا أخا العرب، والضمير لقوم نوج أو للمرسلين، وقوله فتتركوا الخ إشارة إلى أنّ الاتقاء هنا من الكفر، وقوله على دلالة الخ هو من ترتيب الأمر بالفاء على كل منهما، وحسم طمعه أي قطعه من قوله ما أسألكم الخ وكونه رسولاً من الله بما فيه نفع الدارين من غير شائبة نفع منهم يقتضي وجوب طاعته بلا قصور فيه كما توهم، وفتح ياء المتكلم وتسكينها لغتان مشهورتان اختلف النحاة في أيهما الأصل، وأتباعك مبتدأ خبر. الأرذلون والجملة حالية، ولذا جعلت هذه القراءة دليلاً على أن اتبعك حال بتقدير قد لأنّ عطفه على فاعل نؤمن المستتر للفصل ركيك معنى فلا يرد ما قيل إنه لا دليل فيها على ذلك، وقوله كشاهد الخ أو جمع تبيع كشريف وأشراف، وقوله على الصحة أي جمع السلامة وهو للقلة ولذا اختاروه. قوله: (وهذا) أي ما ذكروه من قولهم أنؤمن الخ وقوله الحطام الدنيوية أنث وصفه لتأويله بالأمتعة، وقوله وأشاروا بذلك أي اتباع الأرذلين، وهذا أيضا من سخافة رأيهم لأنه بحسب النظرة الحمقى فلا يتوهم أنه لا يناسب المقام، وقوله فلذلك أي لما ذكر من إشارتهم وما في وما علمي استفهامية أو نافية، وقوله في طعمة بالضم ما يطعم والمراد بها ما يعطون للانتفاع به، وقوله المانع عنه أي عن إيمانهم هو مفعول ثان لجعلوا. قوله: (أي ما أنا إلا رجل الخ) أي هو مقصور عليه لا يتعداه إلى طرد الأرذلين منهم، وعلى الثاني معناه مقصور على إنذاركم لا يتعداه إلى استرضائكم، وهما متقاربان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 وقوله من المشتومين فالرجم مستعار له كالطعن وفي الوجه الأخير هوءلمى ظاهره. قوله: (إظهارا لما يدعو عليهم لأجله (لدفع توهم الخلق فيه التجاري، أو الحدة فلا يرد أنه ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها، وقوله واستخفافهم عليه أي على نوح عليه الصلاة والسلام، وهو استفعال من الخفة بالفاء وكونه بالقافين كما ضبطه بعضهم بعيد والفتاحة بمعنى الحكومة، وفتحا مصدر أو مفعول به والمملوء أي من البشر وجميع الحيوانات، وثم في ثم أغرقنا للتفاوت الرتبي، ولذا قال بعد وقوله اسم أبيهم أراد به جدهم الأعلى 0 قوله: (تصدير القصص!) أي الخمس بها أي بجملة فاتقوا الله وأطيعون الخ، وذكر هذا هنا دون أن يذكره في الأوّل أو الآخر لأنه أوّل موضع وقع فيه التكرير لها ولم يصدر قصة موسى وابراهيم عليهما الصلاة والسلام بها تفنناً مع ذكر ما يدل على ذلك لا لأنّ ما ذكر ثمة أهم، وقوله دلالة مرفوع ومنصوب وهو مصدر دلت فلانا على كذا إذا أرشدته إليه كما في قولهم في تعريف التشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر لا مصدر دل اللفظ على كذا حتى يؤوّل بالدليل ليصح حمله على التصدير كما قيل فتأمّل. قوله: (على أنّ البعثة الخ) لأنّ التقوى واطاعة الأنبياء فيها بمعنى التوقي عن كل ما يؤتم كما مرّ في أوّل البقرة فيتضمن معرفة الله وجميع الطاعات فلا حاجة إلى ما قيل إنها تتوقف على المعرفة فيعلم بالاقتضاء، والطريق الأولى أو أنها مجاز عن معرفته، ووجه ما ذكر أنهم لم يرتبوا على رسالتهم إلا ما ذكر فعلم أنها مقصورة عليها، ولا قائل بالفصل بين رسالة ورسالة، وقوله وكان الأنبياء متفقين على ذلك، وفي نسخة وأنّ الأنبياء متفقون الخ لأن اتفاق هؤلاء يقتضي أنها مقتضى النبوّة والرسالة كما مرّ. قوله: (ومنه ريع الأرض لارتفاعها) أي لما ارتفع منها وأمّا الريع بمعنى النماء والحاصل فاستعارة، وقيل أصل الريع الزيادة، وقوله إذ كانوا يهتدون بالنجوم فلا يحتاجون إليها غالباً إذ مرّ الغيم نادر لا سيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج لها لم يحتج إلى أن يجعل في كل ريع فإنّ كثرتها عبث، وقال الفاضل اليمني أنّ أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث فلا يرد ما قيل إنه لا نجوم بالنهار، وقد يحدث بالليل ما يستر النجوم من الغيوم، وقوله أو بروج الحمام معطوف على قوله علماً وهذا تفسير مجاهد، وقوله مآخذ الماء هي مجاربه، وقوله فتحكمون بنيانها أي لظن الخلود بها. قوله: (وإذا بطشتم بطشتم جباربن) قيل بزيادة القيد تغاير الشرط والجزاء فلا حاجة لتأويله بماذا أردتم البطش كذلك ولا إلى أنه أريد المبالغة باتحاد الشرط والجزاء وردّ بأنّ التقييد لا يصحح التسبب لأنّ المطلق ليس سبباً للمقيد فلا بدّ من التأويل المذكور إلا أن يقال الجزائية باعتبار الأعلام والأخبار وفيه نظر، وقوله بلا رأفة تفسير لغاشمين. قوله: (كرره) أي الأمر التقوي مرتبا على الإمداد لإفادته عليه مأخذ الاشتقاق فيكون تعليلاً مقدّما بحسب الرتبة، وان تأخر لفظا وفي نسخة مرتباً عليه إمداد الله وهو بحسب الذكر واقع، وتنبيهاً وقع في نسخة أو بدل الوأو والأولى أولى ووجهه إن جعل الإمداد مرتباً عليه التقوى يشير إلى دوامه بدوامه وانقطاعه بانقطاعه إذ التقوى شكر له، وقد قال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] . قوله: (ثم فصل بعض تلك النعم) يعني بقوله أمدكم بأنعام الخ فمانه تفسير له أو بدل منه ففي كل من النعم والمساوي إجمال وتفصيل، وقوله مبالغة تعليل لقوله فصل لأنّ في التفصيل بعد الإجمال مبالغة لا تخفى، وقال السفاقسي ذهب بعضهم إلى أنه بدل من قوله تعلمون أعيد معه العامل كقوله: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ} [سورة يس، الآية: 20- 21] واكثر على أنه ليس ببدل وهو من تكرير الجمل، وإنما يعاد العامل إذا كان حرف جرّ، وقال أبو البقاء إنها مفسرة لا محل لها. قوله: (ف! ئا لا نرعوي الخ) أي لا نكف وننتهي، وقوله وتغيير شق النفي إذ لم يقل أم لم تعظ على مقتضى الظاهر في المقابلة لعديله والمبالغة من حيث إنّ لم تكن من الواعظين أبلغ منه لأنه نفي عنه كونه من عداد الواعظين، وجنسهم فكأنه قيل استوى وعظك بعدم عدّك من هذا القبيل أصلاً فيفيد عدم الاعتداد به على وجه المبالغة التامّة لأنه سوّاه بالعدم الصرف البليغ فيقيد ما ذكر فلا حاجة إلى اعتبار الاستمرار الذي تفيده كان والكمال الذي يدل عليه الواعظين في النفي دون المنفى أي استمرّ انتفاء كونك من زمرة من يعظ انتفاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 كاملاً بحيث لا يرى منك نقيضه كما قيل. قوله: (ما هذا الخ) إشارة إلى أن أن نافية، وهذا على قراءة خلق بفتح فسكون فهو إمّا بمعنى الكذب والاختلاق كقولهم: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 25] أو بمعنى الإيجاد، ومحصله إنكار البعث والحساب المفهوم من تهديدهم بالعذاب، وعلى القراءة بضمتين هو بمعنى العادة، والمرأد إمّا عادة من قبله ممن خوّف، وأنذر أو عادة أسلافهم أو عادة الناس مطلقاً من الحياة والموت، وعلى هذا هو إنكار للبعث أيضا، ولذا قالوا وما نحن بمعذبين ومناسبته للوجوه كلها ظاهرة فتدبر، وقوله بسبب التكذيب من الفاء التفريعية. قوله: " نكار لأن يتركوا الخ) فالاستفهام للإنكار كما في قوله أتبنون واذا كان للتذكير فهو للتقرير، وأسباب بالنصب معطوف على إياهم أو مفعول معه، وقوله فسره معطوف على مقدر أي أجمل وأبهم في قولهم فيما ههنا ثم فسره الخ، والتخلية تركهم يتقلبون فيما هم فيه من النعم، وقوله في جنات الخ بدل من قوله فيما ههنا أو ظرف لقوله آمنين الواقع حالاً، وهو على الإنكار بمعنى إلا من الموت والعذاب وعلى التقرير بمعنى الأمن من العدوّ ونحو.. قوله: (لطيف لين) أصل معنى لهضم لغة الانحطاط أو الشدخ والشق، ثم تجوّز به عن الرقة واللطف، واللين كما هنا وقوله للطف الثمر ليس لأن الطلع أريد به الثمر لأوله إليه بل المراد أنه وصف باللطف للطف ثمره، وقوله أو لأنّ النخل أنثى أي لأن المراد بالنخل إباثها بقرينة ذكرها في سياق الامتنان بها لأنها هي المثمرة، وليس في تأنيث ضمير طلعها دليل عليه لأنّ النخل مطلقا يذكر يؤنث فوصف طلعها باللطف على ظاهره، وقوله هي بلا واو في الأصح وفي بعضها بواو، وقوله ما يطلع بضم الياء وكسر اللام من أطلعت النخلة إذا بدا طلعها أو بفتح الياء وضم اللام من طلع يطلع إذا ظهر، وقوله كنصل السيف أي طلوعاً مشابهاً له في الهيئة، والقنو للنخل كالعنقود للعنب وتفاريعه شماريخ وأصله عرجون. قوله: (أو متدل متكسر) تفسير آخر لهضيم والتكسر مجاز أو على ظاهره، وقوله وأفراد النخل أي بالذكر مع دخوله في الجنات، وضمير بها للجنات لا ذكره مفردا لأنه اسم جنس جمعي، وليس بمفرد وذكر ضميره في قوله لفضله لأنه يجوز تأنيثه وتذكيره كنخل منقعر. قوله: (بطرين) من البطر وهو الشره، وعدم القناعة وقدمه للإلف، رة إلى أنه أنسب بمقام الذم من الثاني، ولذا رجحه بعضهم وهو مما لا شبهة فيه، وقوله: فإنّ الحاذق الخ يقتضي أن حقيقنه النشاط واستعماله في الحذق مجاز، وهو كذلك كما في نهاية ابن الأثير ولا ينافيه تفسيره به في بعض كتب اللغة لأنهم لا يفرقون بين الحقيقة والمجاز الواردين عن العرب، أو أنه لشيوعه صار حقيقة عرفية فيه فلا غبار عليه كما توهم، وقوله وهو أبلغ لدلالته على الثبوت وعدم الحدوث الدال عليه اسم الفاعل، وكون زيادة الحروف تدل على زيادة المعنى غير مطرد وقد مرّ تفصيله. قوله: (استعير الطاعة االخ الو قال الإطاعة لكان أظهر يعني أنّ الإطاعة للآمر لا للأمر فجعلها له إمّا استعارة للامتثال، أو تجوز في النسبة فهو مجاز حكمي على الثاني، وعلى الأوّل هو إمّا استعارة تبعية بتشبيه الامتثال بالإطاعة لإفضاء كل منهما إلى فعل ما أمر به أو مجاز مرسل للزومه له أو مكنية وتخييلية، وفي الكشف الوجه هو الحمل على المجاز الحكمي للدلالة على المبالغة على ما ذكره آخراً، وقيل عليه إنه لا يناسب المقام لأنّ مقتضاه نفي الإطاعة لهم رأسا لا نفي كما لها وليس بشيء لأنه إذا قيل إنهم لا يطيعون من تجب إطاعته أصلا، ويطيعون من لا تجوز إطاعته إطاعة كاملة كان أقوى في الذم فتأمّل. قوله: (وصف موضح) لأنّ المراد بالإسراف ليس هو معناه المعروف بل زيادة الفساد، ولما كان يفسدون لا ينافي صلاحهم أحيانا أردفه بقوله ولا يصلحون لبيان كمال إفسادهم واسرافهم فيه. قوله: (حتى غلب على عقلهم) إشارة إلى أن الصيغة لتكثير الفعل دون غيره لعدم مناسبته هنا، وقوله من الأناسيّ أي البشر لأنّ قوله من المسحرين كناية عنه على هذا لأنّ ذا سحر بمعنى حيوان وجمع المذكر السالم يخصصه بالبشر، وقوله: {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} تأكيداً وأمّا على الأوّل فهي للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تمييز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك، وقوله ذوي السحر إشارة إلى أنه للنسبة كالتفسيق، وقوله للحظ من السقي، والقوت لف ونشر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 مرتب. قوله: (عظم اليوم) بصيغة الماضي من التفعيل أي نسب إليه العظم بوصفه به أو هو مصدر بكسر العين وفتح الظاء مبتدأ خبره لعظم مايحل فيه لأنّ جعل الزمان نفسه عظيم شديد أبلغ، وهو من التجوز في النسبة. قوله: (أسند العقر إلى كلهم) استعمل كل المضاف إلى الضمير غير مبتدأ، وهو مخالف لفصميح الاستعمال كما في المطوّل وغيره، وقوله لأنّ عاقرها الخ، وفي معناه أمرهم بذلك على ما رواه في الكشاف فلا وجه للاعتراض! بأنه لأمر الجميع به وهو واقع على ما أفصح عنه قوله فنادوا صاحبهم الخ ولا حاجة إلى جعل النداء مجازاً عن الرضا لأنهم قوم كثيرون لا يتصوّر حضورهم جميعاً، ولا إلى جعل اكثر بمنزلة الكل، وقد مر تفصيل هذا المجاز وأنه حكمي وماله وعليه فتذكره، وقوله أخذوا أي أهلكوا جميعاً لرضاهم به. قوله: (لا توبة الأنه لا يناسب تفريع قوله: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} عليه ولأنّ مجرّد الندم ليس توبة بل إذا كان مع العزم على عدم العود، وقيل ليس الندم على عقرها لخوف العذاب لأنه مردود بقوله تعالى وقالوا أي بعدما عقروها {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 77] بل على ترك ولدها وهو كما في الكشاف بعيد، وقد ردّ بأنّ قوله بعدما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدلّ على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل أو ندموا أوّلاً خوفا، ثم قسمت قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس، والعذاب الموعود هو الصيحة. قوله: (في نفي الإيمان الخ) المراد بالمعرض السياق! اسناد الذنب إلى جميعهم وهذا بناء على تعلق قوله: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 8] بقوله فأخذهم العذاب كما سيصرّح به، والظاهر أنه لا يختص به وأنه متعلق بقوله إنّ في ذلك لآية تسجيلا لقسوة قلوبهم وعدم اعتبارهم أو هو غير مخصوص بهذه القصة والشطر بمعنى النصف هنا، وقوله وانّ قريشا الخ والمراد علم الله بإيمان أكثرهم، أو بين ذلك في عاقبة أمرهم، وهو قريب منه لأنه في وقت نزول هذه السورة لم يكن أكثرهم مؤمنين كما لا يخفى، وقوله: أخوهم لوط لأنهم أصهاره عليه الصلاة والسلام كما ذكره في محل آخر. قوله: (أي أتأتون الخ) يعني إنكم مخصوصون بهذ الفاحشة، وهي إتيان الذكران دون الإناث، وقوله: (لا يشارككم فيه غيركم) أي من الناس في ذلك العصر أو من الحيوانات، وأمّا كون الحمار والخنزير كذلك فلا يضرّ لندرته أو لإسقاطه عن حيز الاعتبار مع أن في مشاركتهما أشد راح لهم فيجوز على الأوّل إرادة الناس أيضا بالعالمين لأنهم أوّل من سن هذه السنة السيثة، لقوله: {مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 80] والنكاج في قوله من ينكح الوطء، وهو مبنيّ للفاعل أي يطؤ من الحيوان 0 قوله: (فيكون تعريضا بأنهم الخ (ولا ينافي هذا كونه لإنكار إتيان الذكران كما توهم لأنه من منطوق الكلام، وهذا من مفهومه ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم كما في الكشاف. قوله: (متجاورّون الخ الأن معنى العادي المتعدى في ظلمة المتجاوز فيه الحد فالمراد، إمّا التجاوز في الشهوة بقرينة المقام، أو في المعاصي مطلقاً ويدخل فيه ما سيق له الكلام ومتعلقه عليهما مقدّر لكنه إمّا خاص أو عامّ، وقوله أو أحقاء الخ على تنزيله منزلة اللازم وقطع النظر عن متعلقه. قوله: (عما تذّعيه من الرسالة) وما يتضمنه فهو عام وعلى الثاني خاص بنهيهم عن فعلهم الشنيع، وعلى الثالث هو تقبيح ما هم سواء نهاهم أو لا فلا يتوهم أنّ الظاهر عطفه بالواو على أنه عطف تفسير أو يقال أو للتخيير في التعبير بناء على أنّ النهي لا ينفك عن التقبيح فإنه غير مسلم كما لا يخفى ولا مانع من جمع هذه المعاني كلها. قوله: (ولعلهم كانوا يخرجون الخ) كاخذ أمواله، وإنما ذكر هذا لأنّ الإخراج من بين أظهر القوم الظالمين لا يصلح للتهديد به فتعريف المخرجين للعهد كما مرّ في قوله: {مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 29] ولذا عدل عن لنخرجنك الأخصر إليه. قوله: (من الميغضين غاية البغض الخ) فهو أبلغ من البغض، وفي الكشاف القلي البغض الشديد كانه بغض يقلي الفؤاد والكبد، وتبعه الرازي، واعترض عليه أبو حيان بأنه لا يصح لأن قلي بمعنى أبغض ياتي تقول قليته فهو مقلي، والذي بمعنى الطبخ والشيّ واوي تقول قلوته فهو مقلوّ فالمادّتان مختلفتان، وما ذكر خطأ وغفلة عما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 ذكر، والمخطئ ابن أخت خالته فإنّ بعض الألفاظ يكون واوياً ويائيا ومنه قلاه بمعنى أبغضه، وقد صرّح به كثير من أهل اللغة كصاحب المغرب، وغيره قال الراغب في مفرداته: القلي شدة البغض يقال قلاه يقليه ويقلوه فمن جعله من الواو فهو من قلوت بالقلة إذا رميتها فإنّ المقلو يقذفه القلب لبغضه، ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة اهـ. قوله: (لا أقف عن الإنكار عليه الخ) هو من رجوعه إليه بعد التهديد لا من استمرار القالين أي إني وان أوعدتموني بالإخراج لا أنتهي عن الإنكار عليكم فالوقوف بمعنى الرجوع والانتهاء، وقوله وهو أبلغ الخ لأنه إذا قيل فاعل لم يفد أكثر من تلبسه بالفعل، واذا قيل من الفاعلين أفاد أنه مع تلبسه به من قوم عرفوا أو اشتهروا به فيكون راسخ القدم عريق العرق فيه، وقد صرّح به ابن جنيّ وتبعه الزمخشريّ، وقرّره الشريف في شرح المفتاح فمن توقف في دلالة اللفظ عليه، وادّعى خفاءه كأنه لم يقف على كلامهم، وقوله من شؤمه وعذابه لأنه لا يتليس بعملهم ولا يخشى تلبسه به، وإنما يخشى ما ذكر، وقوله: أهل بيته الخ هو بالتجوّز في أهله لمن اتبع دينه لا من عموم المجاز ولا على الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا داعي له، وقوله باخراجهم متعلق بنجيناه، وقوله وقت حلول العذاب إمّا على اعتبار اتساع الوقت، أو على تقدير مضاف أي وقت قرب حلوله بهم. قوله: (مقدّرة في الباقين في العذاب (لأنّ غير بمعنى مكث بعد مضيّ من معه، كما قاله الراغب: وهي قد خرجت معهم على قول فكونها غابرة بمعنى ماكثة في العذاب بعد سلامة من خرج معه لا في دارهم، أو يقال إنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها، وقوله وقيل الخ بناء على أنها بقيت حقيقة فلا حاجة إلى التأويل بما مرّ، وقوله فيمن بقيت أي في طائفة بقيت فأنثه رعاية لمعنى من والا كان الظاهر فيمن بقي، ومرّضه لمخالفته للرواية المشهورة كما قيل إنها خرجت، ثم رجعت وقيل الغابرين طوال الأعمار. قوله: (أمطر الله على شذاذ) بمعجمات بوزن جهال جمع شاذ، وهو من انفرد عنهم في الطريق أو من كان غريبا من غير قبائلهم، وهذا إشارة إلى التوفيق بين طرق إهلاكهم فإنه ورد أنه بصيحة وفي أخرى برجفة، وفي أخرى بأمطار حجارة فهو إمّا بوقوع بعضه لبعضهم، أو لأنه أرسل لطائفتين أهلك كل منهما بنوع منه، ولا مانع من الجمع بينهما وفي الكشاف وشروحه هنا كلام تركناه لطوله، وقوله يصح هذا بناء على أنّ ساء بمعنى بئس، وفاعلها لا يكون إلا مبهما فإن لم تكن كذلك جاز كونها للعهد، وغيضة بغين وضاد معجمة هي مكان كثير الأشجار وناعم الشجر لعله ما كان أخضر غير كثير الشوك إذ الناعم الأملس، وتفسيرها بالغيضة مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قيل إنه تفسير لمعناها لغة لا فيما وقع هنا لما سيأتي، وقوله كما بعث إلى مدين بصيغة المجهول ونائب فاعله ضمير شعيب، والدوم بفتح الدال المهملة، وسكون الواو وهو المقل وهو من شجر البادية يشبه صغار النخل وبعضهم يظنه برئه. قوله:) بحذف الهمزة وإلقاء حركتها الخ) وقراءة هؤلاء بفتح التاء خلافا لما يفهم من كلامه، وقد استشكلها أبو عليّ الفارسي وغيره بأنه لا وجه للفتح لأن نقل حركة الهمزة لا يقتضي تغيير الإعراب من الكسر إلى الفتح، وقال أبو عمرو كتب في جميع المصاحف ليكة في الشعراء وص بلام من غير ألف قبلها، وفي الحجروق الأيكة ويقال إنّ ليكة بفتح التاء اسم البلدة نفسها، والأيكة اسم الكورة، ولذلك قرأ الحرميان وابن عامر فيها ليكة بفتح التاء غير مصروف للعلمية والتأنيث، وقال بعض النحويين إنما هو مكتوب في هذين الموضعين على نقل الحركة فكتب على لفظه، وقال أبو عبيداني: لا أحب مفارقة الخط في القرآن إلا فيما يخرج عن كلام العرب وهذا ليس بخارج عن كلامها مع صحة المعنى، وذلك لأنا وجدنا في بعض كتب التفسير الفرق بين الأيكة وليكة فقيل ليكة اسم القرية التي كانوا فيها والأيكة اسم البلاد كلها كالفرق بين مكة ويكة، ثم وجدتها في مصحف عثمان الذي يقال له الإمام في الحجروق الأيكة، وفي الشعراء وص ليكة وعلى هذا قرّاء المدينة، وهذا ردّ على ما قاله النحاة فإنهم نسبوا القراءة إلى التحريف وليس بشيء قاله السخاوي في شرح الرائية فلا عبرة بإنكار الزمخشريّ ومن تبعه كالمصنف، وقوله في هذه القراءة إنها على النقل غير صحيح. قوله: (وقرئت كذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 مفتوحة الخ) هذا يقتضي أنّ ما قبله بالكسر، وليس كذلك فإنّ فيها ثلاث قراآت قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر ليكة بفتح التاء، وقراءة غيرهم على الأصل الأيكة وقرئ شاذاً ليكة بكسر التاء، وقوله اتباعا للفظ قد علصت أنه غير صحيح، والذي غره كلام الزمخشريّ، وأنه ليس في كلام العرب مادة ل ى ك وليس بشيء لما عرفتة، والأسماء المرتجلة لا منع منها، وذكر البخاريّ أنّ ليكة بمعنى الأيكة وناهيك قوله: (بالميزان السوفي) أي الصحيح المساوي، وهو نهي عن النقص لا عن الزيادة وقيل إنه القبان، وقوله إن كان عربياً إشارة إلى قول آخر فيه، وهو أنه معرّب روميّ الأصل، ومعناه العدل أيضا كالقسط فهو من توافق اللغتين وقوله ففعلاع بتكرير العين يعني شذوذا إذ هي لا تكرّر وحدها مع الفصل باللام ومن قال إنها مكروة صورة لا حقيقة فقد وهم لأنه يتحد مع القول الثاني، ولذا قال الزمخشريّ: وزنه فعلاس كما وقع في بعض النسخ تحقيقاً لزيادتها، ومن قال إنه رباقي فهو من قسطس ووزنه فعلال إذ فعلاع لا نظير له وهو الحق إذ ما ذكر لا نظير له عند النحاة ولا داعي لما قالوه. قوله: (شيثاً من حقوقهم) يعني أنّ الإضافة جنسية فيؤل معناه إلى شيئا من أشيائهم فلا يقال إنّ الظاهر أن يقال شيئا بالإفراد أو هو من مقابلة الجمع بالجمع فالمعنى لا تبخسوا أحداً شيئاً، أو الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلا كان أو حقيراً، وقيل المراد بأشيائهم الدارهم والدنانير وبخسها بالقطع من أطرافها، ولولاه لم يجمع وهو وجه آخر في التفسير وقد ذهب إلى ما مرّ في محل آخر ووقع بخس في الآية متعدّيا لإثنين، وفي التفسير لواحد وقد يتعدّى لاثنين كما في المصباح فلا حاجة إلى جعل الثاني بدل إشتمال، وإنّ إسقاط المصنف له للإشارة إلى ذلك، كما قيل وهذا تعميم بعد تخصيص. قوله: (ولا تعثوا في الآرض مفسدين) العثو الفساد أو أشده ومفسدين حال مؤكدة أو المراد مفسدين آخرتكم، والجبلة الطبيعة وذووها أصحابها. قوله: (أتوا والخ (يعني أن كلا منهما كاف فكيف إذا اجتمعا، وقد مرّ أنّ تركها لأنه استئناف للتعليل أو تأكيد، وقوله متنافيين وقع في نسخة منافيين وهي أصح، وقوله مبالغة للجمع إذ كل منهما كاف في زعمهم، وقوله قطعة وقيل إنه بالسكون جمع كسفة بمعنى قطعة، وهو أحسن لتوافق القراءتين فيه وقوله ولعله ألح أي لا طلب معجزة منه كشق القمر فهو كقوله: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً} [سورة الأنفال، الآية: 32] وقراءة حفص بكسر الكاف وفتح السين على أنه جمع كسفة، والمراد بدعواك ما أرسل به، والتهديد بالعذاب على ما مرّ. قوله: (وبعذابه) لأنّ العلم بعملهم كناية عن جزائه كما مرّ، وقوله مما أوجبه لكم أي على عملكم، وهو العذاب وهو بمعنى مما أوجبه عليكم به فلا غبار عليه، وقوله في وقته المقدّر يعني فلا وجه لقولهم أسقط علينا الخ، واضافة العذاب ليوم الظلة إشارة إلى أنّ لهم فيه عذاباً غير عذابها. قوله: (على نحو ما اقترحوا) بقولهم أسقط علينا كسفاً من السماء سواء أرادوا بالسماء السحاب، أو المظلة ولذا ذكر نحو، ولم يقل ما اقترحوه لأنّ هذا من جنسه حيث كان من جهة علوية، ومن لم يتنبه لمراده وعدوله عما في الكشاف قال إنه إشارة إلى أنّ السماء في كلامهم بمعنى السحاب فتدبر، وقوله بأن سلط الخ بب ن لأخذ العذاب. قوله: (واطراد) مبتدأ خبره يدفع الخ وقوله استهزاء معلوم من أنّ أحدا لا يطلب ما يضرّه فلا وجه لما قيل إنهم لم يذكروه هنا فإنه ترك لظهوره، ودفعه بالحدس وهو إقناقي فلا يضرّه احتمال كونه لاتصالات واقترانات كما هو عند المنجمين فإنها مقتضية لذلك كما قالوا في طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، ولا كونه ابتلاء لهم كما يبتلى المؤمنون. قوله: (تقرير لحقية تلك القصص الكونها من عند الله فضمير إنه لما ذكر قبله والتنبيه على إعجازه بما فيها من الأخبار عن المغيبات، وهو لا ينافي كونه معجزاً بنظمه، وقوله ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من نزول الوحي عليه كما أشار إليه بقوله فإنّ الخ، وقوله إن أراد به الروح لأنه يطلق عليها كما ذكره الراغب، وقوله: فذاك أي فالأمر ذاك واضح صحيح لأنّ المدرك هو الروج، وقال على قلبك دون عليك الأخصر إشارة إلى أنه لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب. قوله: (لآنّ المعاني الروحانية الخ (إن كان هذا بناء على أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام أنزل له المعاني خاصة، وهو عبر عنها بلسانه فظاهر لكنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 خلاف القول الأصح عند المسفرين والمحدثين، وان كان هذا على المشهور بأنه أوحى إليه بألفاظه تارة كصلصلة الجرس، وتارة بتمثيل الملك له فينصل بالسمع أوّلاً، ثم يرتسم في الخيال ويدركه الروح لا بالعكس واسقاط الواسطة بشدة تلقيه لا يفيد هنا كما لا يخفى فلعل المراد بالمعاني ما يقابل الأعيان لا ما يقابل الألفاظ، ويكون هنا شأناً خاصاً بالأنفس القدسية والأرواح المقدسة كأنها لقوّتها تسبق الحواس في إدراك ما يبقى منها حتى كأنها تأخذه منها على عكس ما للعامّة، وليس المراد بالمعاني ما يقابل الألفاظ لأنّ المراد بالقرآن هنا معناه القديم لقوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 196] فإنّ ما فيها معناه لا لفظه لأنه بتقدير مضاف أي وانّ معانيه كما سيأتي ولا وجه لما قيل إنّ النازل غالباً هو المعاني، وما ذكر باعتباره فتأمّل، ولوح المتخيلة تخييل والمراد بالمتخيلة الخيال. قوله: (واضح المعنى) إشارة إلى كون مبين من أبان اللازم، وقد جعل من المتعدى على معنى مبين للناس ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، وقوله لثلا يقولوا الخ أي فيتعذر الإنذار، واذا تعلق بنزل فهو بدل من به بإعبادة العامل، وقوله وهم هود الخ هذا بناء على المشهور، وزاد بعضهم خالد بن سنان وصفوان بن حنظلة، وعلى تعلقه بالمنذرين فالمعنى أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأوّلون وأنك ليست بمبتدع لهذا فكيف كذبوك فاندفع ما قيل إنه ليس فيه كبير فائدة إذ معناه إنك من جملة من أنذر بلغة عربية، وقوله بلغة العرب إشارة إلى أنه ليس المراد بلسان عربيّ لغة قريش كما نقل عن ابن عباس وضي الله عنهما. قوله: (وإن ذكره الخ) يعني أنه على تقدير مضاف، والأوّل أقرب لأنّ مثله مستفيض كما يقال فلان في دفتر الأمير، ولذا قدمه وفيه إشارة إلى ردّ ما نقل عن أبي حنيفة من جواز القراءة بالفارسية في الصلاة والاحتجاج له بهذه الآية لكونه سمي ما في زبر الأوّلين قرآنا، وهو معناه لا لفظه فإنه إذا كان على تقدير مضاف لم يكن كذلك، وقد قيل إنّ الصحيح من مذهبه أنّ القرآن هو النظم، والمعنى معاً وتفصيله في كتب الفروع والأصول ولم يذكر كون الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم لضعفه كما في الكشاف وشروحه. قوله: (على صحة القرآن) أي وان لم يتأملوا وجوه إعجازه، وقوله أن يعرفوه أي القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله وهو أي هذا الكلام تقرير إشارة إلى أنّ الاستفهام تقريرفي لهم بأن علم أهل الكتاب دليل عليه وقيل إنه إنكاريّ وقوله والخبر لهم لم يجعله أن يعلمه لئلا يلزم الخبر عن النكرة، وان تخصصت بالظرف بالمعرفة وقوله: أو الفاعل معطوف على قوله الاسم، وكان حينئذ تامّة واذا كانت ناقصة واسمها ضمير الشأن يجوز أيضا كون لهم آية مبتدأ وخبراً، وأن يعلمه بدل من آية أيضا. قوله: (كما هو عليه) أي بحاله من الإعجاز والعربية، وزيادة الإعجاز للمنزل أو المنزل عليه بإتيان الأعجم بأفصح كلام عربيّ، وقوله أو بلغة العجم فيكون منافياً لفائدة تنزيل القرآن بلسان عربيّ مبين، وعلى الأوّل يكون بيانا لشدّة شكيمتهم في المكابرة بعد أن بان لهم حقية القرآن فقوله لفرط عنادهم واستكبارهم على الوجه الأوّل، أو لعدم فهمهم على الثاني فهو لف ونشر مرتب. قوله:) والآعجمين جمع أعجمي الخ (كالأشعرين جمع أشعريّ، وقوله على التخفيف أي على حذف ياء النسب في الجمع دون المفرد، وقوله ولذلك جمع جمع السلامة أي لكون مفرده أعجمياً لا أعجم لأن أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة لكنه قيل إنه في الأصل البهيمة الجماء لعدم نطقها، ثم نقل أو تجوّز به عمن لا يفصح، وان كان عربيا وهو بهذا المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جاز جمعه جمع السلامة لوجود الشرط فيه بعد ذلك، كما قيل لكنه اعترض عليه بقول الرازي في غريب القرآن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى عجماء، ولو سلم فالأصل مراعاة أصله، وهو ليس بوارد لأنه وان سمع عجماء لكنه ليس بهذا المعنى كما في صلاة النهار عجماء، وجرج العجماء جبار كما صرّح به أهل اللغة، وكون ارتفاع المانع لعارض مجوّزاً صرّح به النحاة، ثم أنّ كون أفعل فعلاء لا يجمع هذا الجمع مذهب البصريين، والفرّاء وغيره من الكوفيين يجيزونه، كما في الدرّ المصون فلا يرد الاعتراض على من جعله جمع أعجم عجماء كما توهم، وقوله: كذلك الإشارة فيه لما قبله أو لما بعده كما سبق. قوله: (والضمير للكفرا لقرب مرجعه لفظاً ومعنى وجعله للبرهان الدال عليه قوله، أو لم يكن لهم آية بعيد لفظا ومعنى، وأمّا رجوعه للقرآن وإن خلا عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 تفكيك الضمائر فبعيد لأن كونه مسلوكا في قلوبهم خلات الواقع من أن الأوّل لكونه مبنياً على مذهب أهل السنة أقوى، وأشد مناسبة لما بعده فلا وجه لما قيل إنه لا وجه لتمريضه مع أنه أقوى رواية لأنه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكره الطيبيّ، وقوله الملجئ إلى الإيمان إشارة إلى وجه عدم قبوله وقوله لا يؤمنون به حال أو استئناف تفسير لما قبله. قوله: (في الدنيا والآخرة) كون عذأب الدنيا بغتة ظاهر لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن بمرئيّ، ولا في خاطر فيرونه على حين غفلة، وأمّ عذاب الآخرة وان شمل البرزخ فوجه البغتة فيه أن يرأد أنه يأتيهم من غير استعداد له وانتظار، وعدم شعور به قبل وقوعه. قوله: (وههنا شيء) وهو أنّ الزمخشريّ جعل الفاء في قوله فيأتيهم، وفي قوله فيقولوا للتفاوت الرتبي كأنه قيل حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها، وهو مفاجأته فما هو أشد منها وهو سؤالهم النظرة كقولك إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، وترى ثم تقع في هذا الأسلوب أي التراخي الرتبى كما صرّح به بعض شرّاحه، ولا يخفى أنّ تفاوت الرتبة من التراخي ولا دلالة للفاء عليه فكان وجهه أنه من جعل ما هو مقدّم متعقبا لا في كل معطوف بالفاء إذ الرؤية بعد البغت كما صرّح به فالحامل له على هذا أنّ البغت من غير شعور لا يصح تعقبه للرؤية، وأمّا كون العذاب الأليم منطويا على تلك الشدة، وهي البغت فلا يصح الترتيب هنا وكون الفاء للتفصيل فوهم. قوله: (وحالهم الخ) إشارة إلى أنّ الاستفهام للإنكار تهكما وتبكيتا لهم، وقوله لم يغن عنهم الخ يحتمل أنه يشير إلى أنّ ما نافية أو استفهامية لأنّ استفهام الإنكار نفي معنى وقد جوّز المعرب فيها الوجهين، وقوله تمتعهم إشارة إلى أنّ ما في ما كانوا يمتعون مصدرية، وهو أولى من جعلها موصولة بحذف العائد، والتطاول مأخوذ من كان فإنها تستعمل للاستمرار. قوله: (منذرون) جمعه لعموم القرية في سياق النفي وزيادة من، أو المراد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المؤمنين، وقوله على العلة أي هو مفعول له لقوله منذرون، وأما كونه لأهلكنا والمعنى أهلكوا بعد الإنذار ليكونوا تذكرة وعظة لغيرهم فتكلف لاحتياجه إلى التقدير أو عمل ما قبل إلا فيما بعدها، وقوله أو المصدر أي مفعول مطلق عامله منذرون كقعدت جلوساً لأنّ الإنذار تذكرة معنى، وقوله لإمعانهم أي مبالغتهم، وأصل معنى الإمعان البعد، وقوله خبر محذوف أي هذه ذكرى. قوله: (وما كنا ظالمين) أي ليس من شأننا الظلم، أو المعنى لسنا ظالمين في إهلاكهم فقوله: (قنهلك غير الظالمين) معناه أي لا يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من غيرنا بأن يهلك أحد قبل إنذاره، أو بأن يعاقب من لم يظلم ولذلك قال: وما كنا دون ما نظلم مع أنه أخصر لأنه يقال كأن يفعل كذا لما هو عادته ودأبه فلا ينافي هذا قول أهل السنة إنه يجوز لله أن يعذب من غير ذلك لأنه مالك الملك يتصرّف فيه كيف يشاء، ولا يسئل عما يفعل للفرق بين الجواز العقلي الفرضي والوقوعي. قوله: (ومما تنزلت به الشياطين) عبر بالتفعيل لأنه لو وقع كان بالاستراق التدريجي، وقوله وما يصح هو أحد معاني ما ينبغي وحمله عليه لأنه أبلغ، وان صح حمله على ظاهره، وقوله إنهم عن السمع لمعزولون أي ممنوعون منه ويجوز كون الضمير للمشركين، والمراد لا يصغون للحق لعنادهم وهو تعليل لما قبله، وقوله لكلام الملائكة قيل المراد به الوحي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يرد أنهم قد يسترقون السمع، والمراد أنّ الله حمى ما يوحى به إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يسمعوه قبل نزول الوحي فلا يلزمه أنهم لا يسمعون آيات القرآن، ولا يحفظونها وليس كذلك وأمّ آية الكرسي وآخر البقرة فلخاصية فيهما حتى يتعين أن يراد أنهم لا يسمعون كلام الله منه. قوله: (لأنه مشروط بمشاركة في صفات الذات) وهم متصفون بنقائضها، وهذا على مذهب الحكماء في النبوّة وأما القول بأنه شرط عاديّ حتى لا يخالف مذهب أهل السنة فبعيد من سياقه كما لا يخفى، وقوله لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة الحصر إمّا بالنسبة للشياطين أو المراد ابتداء تلقيها. قوله: (تهييج لازدياد الإخلاص) فهو كناية عمن أخلص في التوحيد حتى لا يرى مع الله سواه، والا فهو لا يتصوّر منه ذلك حتى ينهي عنه ووجه اللطف فيه أنه إذا نهى عنه مثل هؤلاء كان إيقاظا لهم من سنة الغفلة بألطف وجه، إذا لم يواجهوا به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 ولو خوطبوا به لخافوا من أن يكونوا متهمين به أو محتملاً صدور. منهم في القابل عند الله فأتى به على منوال إياك أعني فاسمعي يا جاره وهذا وجه بديع في مثله فتيقظ. قوله: (1 لأقرب منهم) من بيانية، وقوله فإنّ الاهتمام بيان لوجه تخصيصهم بالذكر مع عموم رسالته ولا يتوهم منه مداراتهم بل إنّ قرابته لا تفيد من لم يؤمن به ومصدّقي بياء مفتوحة مثددة، والفخذ جماعة دون القبيلة من قومه وبين يدي عذاب استعارة أي بعذاب قريب، والحديث المذكور صحيح رواه ابن حبان وغيره. قوله: (مستعار) للتواضع بتشبيه هيئة المتواضع بهيئة الطائر، وهي استعارة تبعية أو تمثيلية ويجوز أن يكون مجازاً مرسلاً مستعملاً في لازم معناه. قوله: (ومن للتبيين الخ) المراد بالمؤمنين كل من آمن به من عشيرته، وغيرهم كما في المدارك وغيره، ولذا قيل إنّ قوله من المؤمنين ذكر لإفادة التعميم وإلا فاتباعه، والإيمان توأمان إذ المتبادر من اتباعه اتباعه الديني كما أشار إليه الزمخشري، وجعله أعمّ بناء على أصل معناه كما ذكره المصنف ليفيد قوله من المؤمنين، وعلى ما ذكره هذا القائل يكون فائدته التعميم كطائر يطير بجناحيه، ولكل وجهة فلا وجه للاعتراض على المصنف به والتعميم من المؤمنين لشموله العشيرة وغيرهم، كما سمعته لا من كلمة من كما توهم حتى يقال إنّ من الجارة لا تفيد التعميم إلا إذا زيدت بشرائطها وليست هذه كذلك فإنه من قلة التدبر. قوله: (على أنّ المراد من المؤمنين المشارفون) ! ان لم يؤمنوا فالمتبعون في الدين بعضهم، وكذا لو أريد من صدق باللسان، ولو نفاقا وعلى هذين فالإتباع دينيّ كما ذكره الزمخشري، وقوله بما تعملونه بناء على أنّ ما الموصولة عائدها محذوف وقوله أو من أعمالكم بناء على أنها مصدرية فسقوط أو من بعض النسخ من قلم الناسخ وضمير فإن عصوك للكفار المفهوم من السياق أو للعشيرة. قوله: (يكفك) مجزوم في جواب الأمر وفيه إشارة إلى وجه ارتباطه بالجزاء، وقوله على الإبدال لم يجعله معطوفاً على الجزاء الخفاء التعقيب فيه، ورؤية الله معناها مذكور في كتب الكلام، وقوله وتردّدك إشارة إلى أنّ التقلب بمعنى الذهاب، والمجيء مجازاً وقوله المجتهدين أي في العبادة، وقوله نسخ فرض قيام الليل لأنه كان فرضاً قبل الصلوات الخمس ثم نسخ بها، وقوله لما سمع الخ بيان لوص الشبه بين بيوتهم ومقرّ النحل والمراد بالساجدين المصلون لأنّ السجود أشرف الأركان، والدندنة الأسواط المختلطة المرتفعة حتى لا تكاد تفهم، وقوله أو تصرّفك معنى آخر للتقلب أي تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام في الإمامة. قوله: (وإنما وصفه الخ) أي بقوله تقلبك الخ وهو وصف معنويّ لا نحويّ، وقوله يستأهل أي يكون أهلا ويستحق والمراد بالولاية الرسالة والمراد بالعلم بهذا العلم بجميع أحواله، ويجوز في الرؤية أن تكون علمية وفي كلامه إشعار به، وقوله على من متعلق بتنزل قدم عليه لصدارته لأنّ من استفهامية، وأمّا تقدم الجار فغير ضارّ كما بين في النحو فلا حاجة إلى ادّعاء أيّ من أصله أمن والهمزة مقدرة قبل الجارّ كما ادّعاه الزمخشريّ. قوله: (لما بين أن القرآن الخ) أي في قوله وما تنزلت به الشياطين، وقوله لا يصح وقع في نسخة بدله لا يصلح وهما بمعنى هنا وقوله من وجهين متعلق بلا يصلح أو ببين، وقوله إنه أي تنزل الشياطين وشرّير كذاب الخ لف، ونشر مرتب تفسير لأفاك أثيم، وقوله إنما يكون الخ الحصر مستفاد من السياق أو من مفهوم المخالفة المعتبر عند الشافعية، أو من التخصيص في معرض البيان، وقوله بالغائبات بالغين المعجمة والباء الموحدة المراد به ما غاب عن الحس كالجن والملائكة، وفي نسخة العاتبات بعين مهملة ومثناة فوقية من العتوّ والتمرّد، وقوله: لما بينهما خبر إنّ وكلمة كل للتكثير ليناسب عموم من، ويجوز أن تكون للإحاطة ولا بعد في نزولها على كل كامل في الإفك والإثم كما قيل، وقوله وثانيهما قوله أي مضمون قوله هذا. قوله: (أي الأفاكون الخ) إشارة إلى أنّ هذه الجملة مستأنفة لبيان حالهم معهم، ويجوز أن يكون صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع لكن تقدير المبتدأ أظهر في الأوّل، وأما الحالية فلم يلتفت إليها لعدم المقارنة وكونها منتظرة خلاف الظاهر، والقاء السمع مجاز عن شدة الإصغاء للتلقي، ويحتمل أن يكون السمع بمعنى المسموع أي يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس كما في الوجه الآتي لكنه تركه لبعده أو لقلة جدواه، وقوله فيتلقون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 منهم ظنونا أي مظنونات، وقوله لنقصان علمهم الضمير للشياطين أو للأفاكين. قوله: (كما جاء في الحديث الخ) هو مختصر من حديث مروفي في الصحيحين عن عائثة رضي الله عنها قالت: " سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم: ليسوا بشيء قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدّثون أخبارا بالشيء يكون حقاً فقال صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قرّ الدجاجة قيخلطون بها كثر من مائة كذبة " وقوله فيقرها بفتح الياء وكسر القاف من قرّت الدجاجة إذا صوّتت صوتا منقطعا وقرّه يقره إذا سارّه وهو من الأوّل والمعنى يسمعه إياها، ووليه من يواليه وقوله مائة كذبة وقع في نسخة كلمة. قوله: (ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم) معطوف على قوله الأفماكون الخ، يعني أنهم يكذبون ويذكرون أمورا متخيلة موهومة، وهو صادق فيما يخبر به متيقن له وقوله لقوله الخ يعني أنّ الضمير لكل أفاك وهم كلهم كاذبون لا أكثرهم، والمقام يقتضي التعميم وقوله والأظهر لأنّ كون الأكثر بمعنى الكل بعيد يعني المراد بالكذب ما وقع في حكايتهم عن الجن فإنّ ما ينسبون لهم كذب عنهم في اكثر وقد يصدقون في النقل عنهم، ويجوز أن يكون هذا في مطلق أقوالهم فإنّ من اعتاد الكذب لا يتركه غالبا. قوله: (وقيل الضمائر أي في قوله يلقون الخ) فالمراد إنّ الشياطين يلقون السمع أي يستمعون إلى الملأ الأعلى من الملائكة قبل الرجم، والطرد فيختطفون أي يتلقون بسرعة لخوفهم من الشهب أو السمع بمعنى المسموع منهم ومرضه لأنّ المقام في بيان من تنزل عليه الثياطين، لا بيان حالهم وأمّا دلالته على الوجه الثاني فليست بلازمة حتى يضعفه لفواتها كما قيل، وقوله إذ يسمعونهم من الأسماع تعليل لكذبهم بأنهم لا يسمعون اولياءهم لخيانتهم فيتعمدون الكذب، أو هو لقصور فهمهم عنهم أو قصور ضبطهم وحفظهم لما يسمعونه منهم، وقوله إفهامهم مصدر من الأفعال أي كذبهم لقصور إفهامهم ما يلقونه لأوليائهم، وقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} على الوجهين وكونه للثاني أظهر. قوله: (أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا) كما أبطل كون ما يأتي به قبيل الكهانة كما سيشير إليه وان كان الضمير في قوله ألم تر أنهم للغاوين فالتقرير ظاهر، وكذا إن كان للشعراء فليس الأنسب حينثذ كونه دليلاً آخر كما قيل والغاوي من غوي إذا ضل، وهو بمعنييه مناسب لما بعده، والوادي معروف والمراد به هنا شعب القول وفنونه وطرقه وشجونه، والهيام أن يذهب المرء على وجهه من عشق أو غيره وهو تمثيل كما في الكشاف والمعنى يخوضون في كل لغو من هجو ومدح، وقوله لأنّ الخ تعليل لكون اتباعهم غيا، والنسيب بنون وسين مهملة ذكر محاسن الحسان، واظهار التعشق والهيام بها والحرم جمع حرمة وهي المرأة المحرّمة على غير زوجها، والغزل التغزل والتلهي بصفات النساء وذكر الميل لهن، والابتهار الكذب بادّعاء الوصول إلى محبوبته قال الأعشى: قبيح بمثلى نعت النتا ة إمّا ابتهاراً وامّا ابتيارا وفي شرح ديوانه الابتهار أن تقول فعلت بفلانة وأنت لم تفعل والابتيار أن تقول فعلت وقد فعلت اهـ وتمزيق الإعراض! استعارة للغيبة بما يقدح في عرض أحد، والإطراء المبالغة في المدح. قوله: (وإليه أشار بقوله الخ) لأنّ قوله يقولون ما لا يفعلون كناية عن أنهم يكذبون فلا يرد أنه لا إشارة فيه إلى مدح من لا يستحق المدح والإطراء، ولا حاجة إلى الجواب بأنّ الفعل عام للقلبي والمدح المذكور فيه إظهار لخلاف ما لا يعتقد ولا إلى القول بأنّ المراد الإشارة إلى جنس ما ذكر. قوله: (وكأنه لما كان إعجارّ القرآن الخ) الظاهر أنّ إعجازه من جهة المعنى مطابقته لمقتضى المقام، واشتماله على الأخبار بالمغيبات وأمّا من جهة اللفظ فظاهر، واذا كان مما تنزلت به الشياطين اشتمل على الأكاذيب فينا في صحة معناه، وإذا كان من جنس كلام الشعراء لم يكن لفظه معجزا ولا معناه حقا، وتوله على التخفيف أي من الأفعال وقوله تشبيها لبعه بعضد أي في ضم ثانيه والضمّ ثقيل فإذ! كان بعد الكسر فهو أثقل ومنافاته للأوّل بقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} ومنافاته للثاني بقوله: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} الخ والمكافحة المدافعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 قوله: (والكعبان) هما كعب بن زهير وهو معروف في الصحاية وقصته مشهورة، وأمّا كعب بن مالك فهو كعب بن جعيل بن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك فمالك جده كما في الإصابة لابن حجر وقال إنه لم يذكره في الصحابة غير ابن فتحون عن البغوي، والحديث المذكور وهو (اهجهم الخ) ليس معروفا فيه، وإنما هو مع حسان رضي الله عنه كما في السير والحديث الأول متفق عليه وروح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، والمراد أنّ الله مؤيده وملهمه إلهاما بانيا لما يقوله، وقوله لهو أي الهجو المفهوم من الفعل ورفع الكعبان كما في النسخ كما في قوله: كيف من صاد عقعقان وبوم أو قوله كعبد الله خبر مبتدأ تقديره، وهم وهذا معطوف على محل الجار والمجرور وهو أولى. قوله: (لما في سيعلم الخ) لأنّ السين تفيد التأكيد كما مرّ وليس مخالفا لقول النحاة إنها للاستقبال كما توهم، واطلاق الظلم إذ لم يقيد بنوع والتعميم لأنّ الموصول من صيغ العموم، والتهويل من جعله كأنه لا يمكن معرفته. قوله: (وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما الخ) لأنه أمر عثمان رضي الله عنه أن يكتب في مرض موته، وقد عهد لعمر رضي الله عنه ما صورته يسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر إني قد استعملت عليكم عمر ابن الخطاب فإنّ برّ وعدل فذاك علمي به، ورأيي فيه، وان جار وبدل فلا علم لي في الغيب، والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون اهـ، وذكره المبرد في الكامل وغيره. قوله: (وقرئ أيّ منقلت الخ) أي بالفاء والتاء الفوقية، وهي قراءة الحسن وابن عباس في الشواذ، وقوله عن النبيّ الخ هو حديث موضوع من الحديث المنسوب إلى أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة بحمد الله ومنه. سورة النمل بسم الله الرحمن الرحيم كونها ثلاث أو أربع وتسعون هو المشهور، وقيل إنها خمس وتسعون واختلف أيضا في مكية بعض آياتها كما سيأتي. قوله تعالى: ( {طس} ) قرئ بالإمالة وعدمها وقد تقدم الكلام فيه وقوله الإشارة إلى آي السووة يجوز أن يكون إشارة إلى السورة نفسها أو إلى مطلق الآيات كما مرّ، وقوله وإبانته الخ إشارة إلى أنه من أبان المتعدي، وحذف مفعوله لعمومه، وعدم اختصاصه بشيء، وقوله يبينه من الأفعال أو التفعيل للتتنبيه على ذلك، وعدل عما في الكشاف من قوله وإبانتهما أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع وانّ إعجازهما ظاهر مكشوف لأنه يقتضي أخذه من اللازم والمتعدي معاً، ولذا قيل إنهما وجهان والواو فيه بمعنى أو، وقوله وتأخيره أي الكتاب هنا مع تقديمه في سورة الحجر، وهو على هذا التفسير مقدم في الوجود لتقدّم اللوح المحفوظ على القرآن بمعنى المقرر لأنا نعلم أنه في اللوح من القرآن، أو بعد علمنا به وأمّا كونه لا طريق لنا إلى العلم به سواه فمع أنه لا حاجة إليه غير مسلم إذ قد نعلمه من الرسول، ويعلمه الرسول بوحي غير متلو وكون العلم بانه قرآن أهم وجه آخر، وليس التقدم والتأخر حينئذ باعتبار العلم وغيره كما قيل. قوله: (وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود (الخارجي فإنّ القرآن بمعنى المقروء لنا مؤخر عن كونه في اللوح المحفوظ ولا حاجة إلى القول بأنّ وجود الألفاظ بعد وجود الكتابة، وأنّ هذا مبنيّ على حدوث الكلام اللفظي كما قيل، وأمّا السؤال باعتبار أحد الوجهين في أحدهما دون الآخر قدوريّ فان قيل بتقدم نزول هذه السورة على الحجر كما في الإتقان فظاهر لمناسبة تقديم ذكر الدليل، ولذا عرف الكتاب في الحجر للعهد. قوله: (أو القرآن) معطوف على اللوح، وإبانته لما أودع مبتدأ وخبر فهو من المتعدى أيضاً والمبين الحكم والأحكام وصحة كونه من عند الله بإعجازه فليس قوله أو لصحته على أنه من أبان اللازم حتى يرد عليه ما ورد على الكشاف كما توهم مع أنّ بعضهم جوّز حمله عليه فالواو بمعنى أو. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 (وعطفه على القرآن الخ) يعني على الوجه الثاني لأنهما عبارة عن شيء واحد بالذات متغاير بالصفات ولكونهما اسمين غلبا عليه، وان كان أحدهما مصدرا والآخر اسم جنس أو صفة في الأصل، ولذا أتى بكاف التشبيه فهو كقولهم هذا فعل السخيّ، والجواد الكريم لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه فحكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح فكأنه قيل تلك الآيات آيات المنزل المبارك وأيّ كتاب كما في الكشاف. قوله: (وتنكيره) يعني على الوجهين لا على الثاني لأنه على الأوّل مبهم لعدم مناسبته للمقام، والمضاف المحذوف آيات، ويجوز عدم تقديره أيضاً. قوله: (حالان من الآيات) هو أحد وجوه سبعة في إعرابه ومعنى الإشارة أشير أو أنبه، وهو الذي سمته النحاة عاملاً معنوياً، وقوله بدلان منها قال في شرح التسهيل اشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ وأن تكون النكرة موصوفة نحو: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [سورة العلق، الآية: 16] ووافقهم ابن أبي الربيع في الثاني والصحيح عدم الاشتراط لشهادة السماع بخلافه فلا حاجة إلى ما تكلف هنا من أنه اكتفى بنعت قيدها بالموصول وقوله للمؤمنين إن كان قيدا للهدى والبشرى معا فالهدي بمعنى الاهتداء أو على ظاهره، والتخصيص لأنهم المنتفعون به، وان كانت هدايته عامّة، وجعل المؤمنين بمعنى الصابرين للإيمان تكلف كحمل هداهم على زيادته ومن عممه للبشر جعل القيد للبشرى فقط، وأبقى الهدى على ظاهره من العموم فلا وجه لما قيل من أنه لا دلالة في النظم على التعميم بل دلالته على اختصاصه بالمؤمنين. قوله:) يعملون الصالحاث (كأنه يشير إلى أنه كناية عن عمل الصالحات مطلقا، وانهما خصصا لأنهما إما العبادة البدنية والمالية فقوله من الصلاة والزكاة بتقدير من جنس الصلاة والزكاة، ولو حذفه كان أظهر. قوله: (من تتمة الصلة) لأنّ الحال قيد وهو بيان لاتصاله بما قبله، وقوله وتغيير النظم هو على العطف على الصلة لتغايرهما في الاسمية، ويحتمل أن يكون على الوجهين وثباته تفسير لقوّة اليقين، أو القوّة من تكرير الإسناد والثبات من الاسمية لإفادتها ذلك إذا كانت معدولة، وان كان الخبر فعلا فلا يرد الاعتراض بأنها لا تدلّ على ذلك كما صرّح به أهل المعاني حتى يقال إنه مأخوذ من اليقين كما قيل وقوله وإنهم الأوحديون فيه أي الكاملون في الاتصاف باليقين والياء للمبالغة، وقوله أو جملة اعتراضية هو على ظاهره من غير حاجة إلى جعلها مستأنفة والمراد بالاعتراض الانقطاع عما قبله لابتنائه على أنّ الاعتراض لا يكون في آخر الكلام، وليس بمسلم عندهم وقوله: ويعملون الصالحات إشارة إلى أنهما كناية عما ذكر وقوله هم الموقنون أي الكاملون في الإيقان بقرينة ما قبله. قوله: (فإن تحمل المشاق الخ) المراد بالمشاق التكاليف الدينية وتحملها إنما يعتد به إذا وافق الباطن الظاهر، أو هو بالنظر إلى الأغلب فلا يرد من يعمل رباء والوثوق مضمن معنى الاعتماد فلذا عدى بعلى، وهما إنما يكونان لكمال الإيقان فتكون العلة للتحمل منحصرة فيه فزوالها يوجب زوال معلولها كوجودها لوجوده فيفيد أنّ المتحمل، هو الموقن لا غيره مع أنّ التلازم بينهما ظاهر فلا يرد أنّ اللازم من التعليل انحصار التحمل في الموقن، والمدّعي عكسة فلا يتم التقريب. قوله: (وتكرير الضمير للاختصاص) كما في الكشاف قيل المراد بالاختصاص الاختصاص المؤكد إذ تقديمه يكفي لإفادة الاختصاص وهذا بناء على أنّ نحو هو عرف يحتمل التقوّي والتخصيص فالتقوي لتكرّر الإسناد، والتخصيص لتقدّم الفاعل المعنوي فلما قدم الضمير، وأكد بالتكرير أفاد التخصيص والتوكيد كما فصل في كتب المعاني وفيه تأمّل، وتقديم بالآخرة للفاصلة ويحتمل الحصر الإضافي للتعريض باليهود. قوله: (زينا لهم أعمالهم القبيحة) قد تقدّم تفصيله في الأنعام وقوله بأن جعلناها الخ إشارة إلى أنه مجاز، وقد جوّز فيه الزمخشري أن يكون استعارة وأن يكون مجازا في الإسناد، وكلام المصنف محتمل لهما أيض أ، وقوله أو الأعمال الحسنة هو منقول عن الحسن وتخصيص الواجب مع أنّ المندوب كذلك لمناسبته للذم يعني أنه تعالى جعل الأعمال الحسنة الواجبة عليهم حسنة كاسمها فعموا عنها كما صرّح به بعد. فالترتيب باعتبار الواقع وتعكيسهم لما يجب عليهم فلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 يتوهم إنّ الفاء لا تناسبه، واضافة الأعمال الحسنة إليهم باعتبار وجوبها عليهم لا باعتبار صدورها منهم وهو خلاف الظاهر ولذا أخره، وقوله بترتيب المثوبات متعلق بزينا إشارة إلى أنّ الحسن فيها شرعي، وهذا بناء على أنهم مخاطبون بالفروع وتفصيله في الأصول. قوله: (فهم يعمهون) العمه التحير والتردّد، وقوله من ضرّ أو نفع ناظر إلى الوجهين إمّا على الجمع أو على التوزيع، وقوله: كالقتل والأسر خصه بالدنيا لقوله بعده في الآخرة الخ، ولو عممه لهما جاز لأنه بعد ذكر عذاب الدارين بين أنّ ما في الآخرة أشدهما. قوله: (لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة) بخلاف عصاة المؤمنين فإن المثوبة لا تفوتهم، وتقديم في الآخرة للفاصلة أو للحصر لأنّ الأخسرية والاً شذية بالنسبة إليها لا إلى ما في الدنيا، وقيل الأولى أنّ التفضيل باعتبار حالته في الدارين فالكفار خسرانهم الأخروفي أزيد من الدنيوفي لعدم تناهيه بخلاف العصاة إذ ليس لخسرانهم قدر بالنسبة إلى النعيم الغير المتناهى، ولا يرد عليه أنّ المعتبر في تفضيل خسرانهم الأخروي على ما ذكره أن يكون بالنظر إلى خسرانهم الدنيويّ لا إلى النعيم، ولا شك أنه أشد منه لأنه ممنوع فإنه إذا زال عنهم هان لديهم بخلاف ما في الدنيا كما قيل: واذا نظرت فإنّ بؤسا زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل فتأمّل. قوله: (لتؤتاه) لأنّ لقي المخفف يتعدى لواحد والمضاعف يتعدى لاثنين أقيم أوّلهما مقام الفاعل ومن قال تلقن أراد تفسيره لا أنّ الألف مبدلة من النون، وقوله أفي حكيم وأيّ عليم إشارة إلى أنّ تنوينه للتعظيم. قوله: (مع أنّ العلم داخل في الحكمة) أي في معناها لغة لا لازم معناها لأنها الإتيان بالفعل على وجه الإتقان، وهو متوقف على العلم كما قيل، قال الراغب: الحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات، اهـ وامّا تفسيرها بالعلم بالأشياء على ما هي عليه فلا وجه له لأنه معنى اصطلاحيّ ذكره في الطبيعيات، نعم هو قريب مما نقل عنه وقوله لعموم العلم إذ هو يتعلق بالمعدومات ويكون بلا عمل ودلالة الحكمة على إتقان العمل لما مرّ فجمع بينهما لأنّ في كل منهما فائدة ليست في الآخر، ولعموم العلم قدم تقديم الجنس على الفصل، وقوله والإشعار والعلم يتبادر منه ما لا تعلق له بالعمل كالقصص كان فيه إيماء لذلك، وقوله ثم شرع الخ إشارة إلى أنّ ما مرّ تمهيد لهذا وتقدير اذكر مرّ تحقيقه. قوله: (ويجورّ أن يتعلق بعليم) وليس المراد تقييد علمه تعالى لأنه عالم بالأشياء قبل وجودها وبعده بل بيان لتعلق علمه به ولركاكته عبر عنه بالجواز الذي هو جار الامتناع وقوله عن حال الطريق الخ بيان للواقع لأن من يذهب لضوء نار على الطريق يكون كذلك، وقوله لما كني بفتح اللام وتشديد الميم جمع دليل جوابها أو هو إن جوّز تقدّمه يعني أنّ الله لما سمي المرأة أهلا حشمة له والأهل جماعة الاتباع جمع ضميره مشاكلة له بحسب ظاهره، ويجوز كسر اللام وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية والمعنى ما ذكر وأمّا كونها موصولة واقعة على السبب والعائد محذوف تقديره له أي للسبب الذي كني عنها بالأهل له، وهو التعظيم فتكلف وقوله إن صح إشارة إلى أنّ الصحيح أنه كان معه غيرها كولده. قوله: (والسين للدلالة الخ) يعني لم يجرّد الفعل عنها إمّا للدلالة على بعد مسافة النار في الجملة حتى لا يستوحشوا إن أبطأ عنهم لأنّ السين حرف تنفيس أي توسيع لمدة الفعل الضيقة بنقله من الحال إلى الاستقبال، ولا يضرّ هنا كون تنفيسها أقل من سوف على قول لكنه لا يرد على المصنف رحمه الله نقضا كما توهم. قوله: (او الوعد بالإتيان وإن أبطأ) أي أتى بها للدلالة على الوعد بما ذكر لأنّ إتيانه بذلك غير متعين، ولذا أتى بلعل بدلها في آية أخرى، وهي تدخل في الوعد لتأكيده وبيان أنه كائن لا محالة وان تأخر كما ذكره الزمخشريّ في البقرة في تفسير قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [سورة البقرة، الآية: 137] وأمّا دلالتها على احتمال أن يعرض له ما يبطئه، وان يم تطل المسافة فكأنّ القائل أخذه من مقابلته للأوّل والا فليس في النظم وكلام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 المصنف ما يدل عليه. قوله: (وإضافة الشهاب إليه الخ) يعني أنه ليس من إضافة الشيء إلى نفسه بل إضافته بيانية لما بينهما من العموم والخصوص كثوب خز فإنّ الشهاب شعلة النار، والقيس ما يتناول من الشعلة ولذا استعير لطلب العلم والهداية فالقبس قد يكون شهابا كشعلة مأخوذة من أخرى وقد لا يكون كالحراقة وشهب الجوّ، وقوله لأنه بمعنى المقبوس توجيه للوصفية، وهو إمّا تاويل أو إشارة إلى أنه صفة مشبهة كحسن. قوله: (ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي الخ) يعني لا تدافع بين ما وقع هنا وقوله في طه: {لَّعَلِّي آتِيكُم} [سورة طه، الآبة: 0 ا] لأنهما يدلان على الظن والراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا، وسيكون كذا مع احتمال خلافه فالترجي يكون بمعنى الخبر وعلى العكس. قوله: (والترديد) يعني كلا الأمرين مطلوب حسن فكان الظاهر الواو لا أو لأنّ كلاً منهما مهمّ له، وقيل إنه يجوز أن يكون احتياجه لأحدهما لا لهما لأنه كان في حال الترحال، وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطريق فيستمرّ في سفره فإن لم يجده توقد النار لدفع ضرر البرد في الإقامة، وقد قيل إنّ ما مرّ في سورة طه من أنه كان في الطور قد ولد له ابن في ليلة شاتية، وظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرّقت ماشيته فرأى النار وقال لأهله ما قال يدلّ على احتياجه لهما معاً فلا يتوجه ما ذكره، ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله لمخالفته المنقول. قوله: (للدلالة على أنه الخ) فهي لمنع الخلوّ تحرّيا للصدق، وقوله لا يجمع الله بين حرمانين كما في المثل لا يضرب الله بسيفين، والصلاء بكسر الصاد والمدّ ويفتح بالقصر كما في القاموس هو الدنوّ من النار لتسخين البدن، وهو الدفء ودفع ألم البرد ويطلق على النار نفسها كما ذكره أهل اللغة، أو هو بالكسر الدفء وبالفتح النار. قوله: (أي بورك) يعني أنّ أن تفسيرية وشرطها موجود وهو تقدم ما فيه معنى القول دون حروفه كالنداء كما أشار إليه المصنف رحمه الله واذا كانت مصدرية يجوز في بورك أن يكون خبرا وانشاء للدعاء ولا يضرّ فوات معنى الطلب إذا أوّل بالمصدر كما توهم لأنه أمر تقديري ولو سلم ففواته كفوات معنى المضيئ، والاستقبال وقد مرّ تفصيله. قوله: (والتخفيف وإن اقتضى التعويض الخ) والتعويض عما حذف منها، وقيل إنّ هذا التعليل غير تامّ لأنه لو كان كذلك اطرد، وهو غير مطرد وكذا التعليل بأنه للفرق بينها وبين المصدرية فإنه لو كان كذلك لزم عدم الدخول على الجملة الدعائية، وهي تدخل عليها كالمصدرية كما في الكشف، والعلل النحوية حالها معروف فالأصوب أن يحال على السصاع أو يقال كما في الحجة لأبي عليّ الفارسيّ إنها لما كان لا يليها إلا الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل، وكان الظاهر أتي بدل قوله بلا بحرف نفي فإنه لا يختص بها كما في التسهيل والرضى، ثم إنّ ما ذكره في الجملة غير الاسمية والشرطية وغير الفعلية التي فعلها غير متصرّف كعسى، وليس مع أنه أغلبيّ كقوله: علموا أن يؤملون فجادوا والأحكام التي تخالف فيها كعدم وقوعها شرطا وحالاً وخبرا، وما ادّعاه الرضى من أن بورك إذا جعل دعائياً فهي مفسرة لا غير لأنّ المخففة لا يقع بعدها فعل إنشائيّ إجماعاً وكذا المصدرية مخالف لما ذكره النحاة ودعوى الإجماع ليست بصحيحة، ونائب فاعل نودي أمّا ضمير موسى أو ضمير المصدر وهو النداء أو هو إن بورك كما في الدرّ المصون. قوله: (من في مكان النار) يعني أنه فيه مضاف مقدر في موضعين أي من في مكان النار وحول مكانها، وقوله وكفاتهم أي مقرّهم، وأصل الكفات بكسر الكاف ما يكفت الشيء أي يضمه ويشمله، وقوله في تلك الوادي كما في بعض النسخ أنثه لتأويله بالأرض. قوله: (وقيل المراد (أي بمن في النار وحولها، وهذا يحتمل أن يراد بمن في النار موسى وبمن حولها الملائكة ويؤيده قراءة أبيّ، ومن حولها من الملائكة وعكسه كما قيل في تفسيره أي جعل البركة، والخير فيمن في مكان النار وهم الملائكة ومن حولها أي موسى ولا وهم فيه كما توهم، وتلك القراءة مع شذوذها غير نص فيه. قوله: (وتصدير الخطاب بذلك) أي بقوله أن بورك سواء كان دعاء أو خبرا لأنّ الدعاء من الله بشارة، والأمر العظيم النبوّة وهو على التفسيرين، وقيل إنه على الأوّل لقوله في أرض الشام إذ ليس في الثاني ما يفيد عمومه لأرض الشام، والمراد انتشار بركة جديدة لأنّ أصلها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 كان حاصلاً فيها قبله. قوله: (من تمام ما نودى به) فهو من جملة الخطاب، وهو إمّا خبر أو طلب لتنزيهه عما يتوهم من مجيء الخطاب من جانب من الجهة وجارحة الكلام وغير ذلك مما يشبه ما للبشر، ويجوز كونه جملة معترضة، وقوله وللتعجب الخ هذا أيضا على كونه من تمام النداء لكن التعجب لا يكون من الله فهو كناية عن عظمته، وأنه مما يتعجب منه وقوله أو تعجب من موسى أي صادر منه بتقدير القول أي، وقال موسى الخ وفي نسخة تعجيب فمن متعلقة به فالتقدير وقلنا لموسى وقال السديّ إنه تنزيه منه. قوله: (أو للمتكلم) المنادى له فالتقدير إنّ المنادى المتكلم أنا، والحمل مفيد من غير رؤية لأنه علمه علم اليقين بما وقر في قلبه فكأنه رآه والله عطف بيان للضمير، وتجوز البدلية عند من جوّز إبدال المظهر من ضمير المتكلم بدل كل وقول أبي حيان في ردّ هذا الوجه أنه إذا حذف الفاعل وبنى فعله للمجهول لا يجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لا يكون محدثا عنه معتنى به غير وارد لأنه لم يقل أحد إنه عائد على الفاعل المحذوف بل على ما دلّ عليه الكلام، والسياق ولو سلم فهذا لا يمتنع أن يكون في جملة واحدة، وأمّا في جملة أخرى فلا كما تقدم في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [سورة البقرة، الآية: 178] ثم قال وأدإء إليه أي إلى الذي عفا وهو وليّ الدم فقد مرّ فيه أنّ الضمير عائد إلى نائب الغاعل المحذوف كما مرّ تفصيله وقوله أن لايكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكون محدثا عنه، ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره وقوله غير معتنى به لا يخلو من هجنة وسوء أدب هنا وإن كان المراد منه معلوما، ويجوز أن يكون أنا تأكيداً للضمير والله خبره كما مرّ في طه. قوله: (ممهدتان لما أراد أني ظهره الخ) أي في قوله وألق عصاك الخ كما أشار إليه بقوله كقلب العصا الخ والقوي القادر تفسير للعزيز، وقوله الفاعل الخ تفسير للحكيم. قوله: (عطف على بورك الخ) هذا ما اختاره الزمخشريّ وقيل إنه معطوف على قوله إنه أنا الله الخ ة وقيل إنه معطوف على مقدر أي أفعل ما آمرك وألق الخ وما ذكره المصنف رحمه الله أولى لما في الثاني من عطف الإنشاء على الخبر والفعلية على الاسمية، ولا يرد على المصنف رحمه الله لأنّ جملة بورك دعائية إنشائية مع أنه يجوز في مثله عطف الإنشاء على الخبر لكون النداء في معنى القول، ولأنه على الثالث كان الظاهر فألق بالفاء وأشار بقوله ويدلّ الخ إلى أنّ تكرير أن التفسيرية في سورة القصص صريح فيه والقرآن يفسر بعضه بعضا والى أنه لا يرد عليه أنّ تجديد النداء في فوله يا موسى يأباه، كما قيل لا لأنه جملة معترضة كما توهم لأنّ ذكران في الآية المستدل بهاينافيه بل لأنه ليس بتجديد نداء لأنه من جملة تفسير النداء المذكور فما ذكر غفلة عما أشار إليه بتكرير أن فتدبر. قوله: (تتحرّك باضطراب) أي بشدة وضرب على الأوض لأنّ الهز التحريك الشديد كما قاله الراغب: ورأى بصرية لا علمية كما قيل، وقوله حية خفيفة سريعة إشارة إلى التوفيق كما مرّ، وقوله وقرئ جأن أي بهمزة مفتوحة هرباً من التقاء الساكنين، وإن كان على حده كما قرئ في الضالين. قوله: (ولم يرجع) من شدة خوفه من عقب الرجل في الحرب إذا كر ورجع بعد ما فرّ قال: فما عقبوا إذ قيك هل من معقب وقوله رعب بالبناء للمجهول أو المعلوم أي اشتدّ خوفه، وهو بوزن منع، وقوله أريد به أي أريد وقوعه به بأن قلبت حية لإهلاكه، وقوله ويدلّ عليه أي على أنّ ذلك لخوفه بأيّ وجه كان فلا وجه لما قيل إنّ خوفه من الله لظنه أنه أراده به، وقوله من غيري أيّ مخلوق كان حية أو غيرها، وهو إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله ثقة بي أي اعتمادا عليّ علة للنهي، وقوله أو مطلقاً على تنزيله منزلة اللازم، وقوله لقوله تعليل للثاني لشموليما الخوف من الله، أو لقوله ويدلّ وفي الكشاف إنما رعب لظنه أنّ ذلك لأمر أريد به ويدل عليه إني لا يخاف لديّ المرسلون أي يدلّ على أن خوفه لظنه أنه أريد به، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لم يصح تعليل نهيه عن الخوف به، وهو راجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله خصوصاً إن قلنا إن قوله لقوله متعلق بيدل فتأمّل. قوله: (حين يوحى إليهم) هو معنى قوله لديّ، وقوله: من فرط الاستغراق بتوجههم الكلي إلى تلقي الأوامر، وانجذاب أرواحهم إلى عالم الملكوت، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يرى كالمغشي عليه فيغيب عنهم كل شيء سواه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 حتى الخوف وهذا باعتبار الأغلب والمعنى لا ينبغي لهم أن يخافوا في تلك الحال بل لا يخطر ببالهم الخوف وان وجد ما يخاف منه فيندفع رعبه الناشئ عن ظنه، ولذا قيل: {أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [سورة القصص، الآية: 31] تثبيتا له وما قيل من أنّ الأولى طرح هذا وتبديله بقوله لا يلحقهم وقت الوحي ما يخافونه من بأس الله إذ به يندفع رعبه الناشئ عن ظنه ليس بشيء لأنه مع عدم منامبته للمقام غير محتاج إلى البيان. قوله: (فإنهم أخوف الناس الخ) بيان لتقييد عدم خوفهم بما مرّ الدالّ عليه قوله لديّ مع أنهم أشد خوفاً من الله كما قال {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ولا أعلم منهم بالله. قوله: (أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة) هذا جار على الوجهين أي لا تخف من غير الله أو لا تخف مطلقاً فإنك آمن من سوء العاقبة كسائر المرسلين، والذي ينبغي أن يخشاه أولو العزيم وصفوة الخلق إنما هو ذلك: إن ختم الله بغفرانه فكل ما لاقيته سهل فمناسبته للمقام ظاهرة والمراد بسوء العاقبة ما في الآخرة لا الدنيا حتى يرد قتل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيحعى صلى الله عليه وسلم فلديّ بمعنى عندي أي عند لقائه تعالى، وقوله يخافون منه هو الصحيح وفي نسخة فيخافون بالفاء، وكان الظاهر حذف النون منه. تنبيه: ما ذكر هنا مبنيّ على مسالة أصولية وهي أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل يأمنون مكر الله ولا يخافون سوء العاقبة لأنّ الله أمنهم من ذلك فلو خافوا لم يثقوا بما أمرهم الله به، وهو الصحيح عند الأشعريّ أولاً وقد بيتاه في غير هذا المحل. قوله: (استثناء منقطع استدرك الخ) فمن في محل نصب أو رفع بهلى اللغتين فيه، فإن قلت إذا كان المراد بمن ظلم من صدرت عنه صغيرة من المرسلين فهو متصل لدخولهم فيهم، قلت: لو كان متصلا لزم إثبات الخوف لهم لاستثنائه من الحكم وهو نفي الخوف عنهم، ونفي النفي إثبات فليس بمتصل بل هو شروع في حكم آخر، ولذا قيل: إنّ المراد بمن ظلم غير المعصومين من الأمم أو هو على الوجه الأوّل فإنّ أحدا منهم لا يخاف حين الوحي، وأشار بقوله استدرك إلى أنّ إلا بمعنى لكن في المنقطع، وقوله من نفي الخوف متعلق بيختلج، وقوله وفيهم الخ جملة حالية وقوله فإنهم تعليل لقوله استدرك وقصد معطوف عليه، وكون وكز القبطي قبل النبوّة لا يضرّ كما توهم بل كلمة ثم تقتضيه لأنّ من صدر منه ما هو في صورة الظلم عامّ شامل لمن فعل شيئاً منه قبل رسالته أو بعدها ولذلك قيل إنّ تسميته ظلما مشاكلة لقوله: {ظَلَمْتُ نَفْسِي} [سورة النمل، الآية: 44] وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتفصيلها في الأصول. قوله: (وإن فعلوها الخ) تفسير لقوله ثم بدل الخ وقوله وقيل متصل هو على الوجه الأخير فإنّ من صدرت منه صغيرة يخاف أمر عاقبته، ثم بعده يتبين له خلافه، أو يزول عنه بالتوبة وحينئذ قوله فانى الخ مستأنف، وهو على الأوّل جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة، وقوله وثم بدل مستانف أي على الاتصال، وهو معطوف على محذوف مستأنف لا على المذكور لأنه لا يصح حينئذ كون الاستثناء متصلاً لأنّ تبديله ينافي الخوف فالتقدير فمن ظلم بالذنب، ثم بدله بالتوبة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، وإسناد التبديل إليه ليس بحقيقيّ بل مجازيّ لأنه سبب لتبديل الله له بتوبته كما أشار إليه بقوله بالتوبة أي بسببها. قوله: (لأنه كان الخ) بيان لقوله في جيبك دون كمك، والمدرعة بكسر الميم وسكون الدال المهملة لباس لا أكمام له، والجيب مدخل الرأس من القميص لا ما يوضع فيه الدراهم كما هو معروف الآن لأنه مولد وقوله لأنه يجاب أي يقطع فهو فعل بمعنى مفعول وقد مرّ معنى قوله من غير سوء وما فيه في سورة طه، وقوله تخرج جواب الأمر وبيضاء حال وكذا من غير سوء وهو احتراس. قوله: (في تسع آيات (حال متعلق بادخل أي معدودة من جملتها، وكائنة معجزة لك معها، وقوله على أنّ التسع خبر مبتدأ مقدّر أي هذا على أنّ الخ والطمسة جعل أسبابها حجارة. قوله: (ولمن عد العصا) الخ إشارة إلى دفع ما يتبادر من أنّ آياته إحدى عشرة لا تسعاً إن عدّت اليد منها وعشرة إن لم تعد لأفرادها بالذكر والأخيرين الجدب والنقصان، وهو ظاهر فإذا كانا واحدا ولم يعد الفلق كانت تسعاً، وهذا أقرب مما في التقريب ممن أنّ الطمسة والجدب والنقصان ترجع لشيء واحد وذهب صاحب الفرائد إلى أنّ الجراد والقمل واحد والجدب والنقصان واحد. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 (لأنه لم يبعث به إلى فوعون) بل لهلاكهم به وان تقدمه بيسير ومن عده يقول يكفي معاينتهم له في البعث به أو هو بعث به لمن آمن من قومه، ولمن تخلف من القبط ولم يؤمن، وقوله أو اذهب معطوف على قوله في جملتها فهو متعلق بمقدر مستأنف في بمعنى مع وقوله مبعوثا الخ إشارة إلى أنه حال، وقوله تعليل للإرسال أي مستأنف استئنافا بيانيا كأنه في جواب سؤال لم أرسلت إليهم بما ذكر، وهو على وجهي تعلق إلى فرعون لأ! ن المقصود من الأمر بالذهاب الإرسال. قوله: (بأن جاءهم موسى بها) إشارة إلى أن الإسناد مجازي ما بينهما من الملايسة لكونها معجزة له، والنكتة في العدول عن الظاهر الإشارة إلى أنها خارجة عن طوقه كسائر المعجزات وأنه لم يكن تصرّف عاديّ في بعضها، وكونه معجزة له لإخباره به ووقوعه بدعائه ونحوه فلا يلزم حينئذ عدم اختصاصه به فلا يكون معجزة له كما توهم كيف، وكثير من المعجزات كذلك كشق القمر ونحوه ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يديه للإعجاز في نحوه: {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا} [سورة القصص، الآية: 36] في محلى آخر كما توهم، وقد بين بعضهم وجها لاختصاص كل منهما بمحله بأنّ ثمة ذكر مقاولته، ومحاولتهم معه فناسب الإسناد إليه وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها لأنّ المقصود بيان جحودهم لها فتدبر. قوله: (بينة) هو محصل المعنى، وقوله أطلق للمفعول يعني استعمل بمعناه وهو إمّا باستعماله بمعنى مفعول مجازاً أو على الإسناد المجازي، كما قيل لكن قوله إشعاراً الخ يقتضي أنّ في الآيات استعارة بالكناية بأن شبهت بشخص وقف على مرتفع لينظر الناس، وإثبات الأبصار له تخييل، وقوله: جاءتهم ترشيح ولذا عبر بالأشعار لأنه لا ملازمة بينهما إذ قد يرى نفسه من استتر عن العيون، ويرى الناس من لم يروه فسقط ما قيل من أنّ وجه الإشعار خفيّ، وقوله أو ذات تبصر يعني به أنه للنسب كلابن وتامر والتبصر بمعنى الأبصار فإن تبصر ورد بمعنى أبصر، وهذا الوجه لم يذكره في الكشاف. قوله: (من حيث أنها تهدي والعمي) جمع أعمى كحمر جمع أحمر لا تهتدي بنفسها فضلاً عن أن تهدي غيرها يعني أنها سبب للهداية فيكون لها نسبة إلى التبصر في الجملة باعتبار أنّ كلاً منهما سبب للهداية التي لا تكون مع العمي فليس هذا على أنه استعارة مكنية كما توهم، وما وقع في الكشاف وشروحه كلام آخر وهو الذي غره. قوله: (أو مبصرة كل من نظر الخ) هو ما أشار إليه في الكشاف بقوله، ويجوز أن يراد بحقيقة الأبصار كل ناظر فيها من كافة أولي العقل وأن يراد أبصار فرعون وملئه لقوله، واستيقنتها أنفسهم بمعنى أنّ الأبصار المسند إلى الآيات مجاز لكل ناظر فيها من العقلاء أو لفرعون وقومه ولما كان العموم هو الظاهر، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله أيده بقوله واستيقنتها أنفسهم الخ. قوله: (وقرئ مبصرة) بفتحات على وزن اسم المكان، ولذا فسره بقوله مكانا يكثر قيه التبصر، والكثرة من الصيغة لأنه لا يصاغ في الأكثر إلا لمثله فلا يقال مضببة إلا لمكان يكثر فيه الضباب لا لما فيه ضبّ واحد، ثم تجوّز به عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم الولد مجبنة ومبخلة، وهو المراد هنا وهذه القراءة شاذة نسبت لقتادة وعلي بن الحسين رضي الله عنهما، وقوله واضح سحريته إشارة إلى أنه من أبإن اللازم وجعل جملة استيقنتها حالاً بتقدير قد لأنه أبلغ. قوله: (ظلماً لأنفسهم) أو للآيات والترفع التكبر وعد نفسه رفيع القدر وانتصابهما على العلية، وأنهما مفعول له، ويجوز أن يكون على الحالية والعلية باعتبار العاقبة والادّعاء فهو كقوله لدوا للموت وابنوا للخراب، ولكونه أبلغ وأنسب لذكر العاقبة بعده اف! تصر المصنف عليه لاقتضاء فاء التفريع له وتذكير ضمير العاقبة لمطابقة الخبر. قوله: (طائفة من العلم) يعني أنّ التنوين للتقليل، ويحتمل أن يكون للتعظيم والتفخيم واليه أشار بقوله أو علما أيّ علم وكلاهما مناسب للمقام لأنه إن نظر إلى أنّ القائل هو الله فكل علم عنده قليل، وإن نظر إلى أنه للامتنان فالعظيم إنما يمتن بأمر عظيم فلا وجه لما قيل إنّ الثاني أوفق بالمقام فينبغي تقديمه، والمراد بالحكم الأخلاق والعلوم الحقيقية الشرائع تشمل علم القضاء والفتيا. قوله: (عطفه بالواو الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ مقتض الظاهر أن يقال فقالا لترتب الحمد على الإيتاء المذكور كما تقول أعطيته فشكر فأجاب كما اختاره الزمخشريّ، بأنه ليم يقصد وقوع هذا القول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 في مقابلة ذلك الإيتاء لأنه لا يعادله فعدل عنه إشارة لذلك، واشعاراً بأن ثمة معنى آخر ملاحظا كأنه مقدراً عطف عليه ما ذكر أي فعملا به وعلماه وعرفا حق نعمته وفضله وقالا الخ، وهذا أحسن مما ذهب إليه السكاكيّ من أنه فوّض فيه الترتيب إلى العقل لأن المقام يستدعي شكرا بالغاً وفي طيه إشارة إلى أنه جاوز حد الإحصاء وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنه قال الخ وقال: كأنه إشارة إلى أنه ليس بمقدر حقيقة وإن ذهب إليه بعضهم وتسمى هذه الواو الواو الفصيحة، ولم يلتفت إلى احتمال أن يكون الحمد على نعم عظيمة، ومن جملتها العلم فلذا لم يعطف بالفاء لعدم مناسبته للمقام. قوله: (يعني من لم يؤت علماً الخ) أي أراد داود عليه الصلاة والسلام بقوله كثير من لم يؤت علما أصلاً أو لم يؤت علماً مثل علمهما، وهو علم القضاء أو علم النبوّة والتحريض لأنهما إذا فعلاه فقد نبها على فضله وحثا عليه، وقوله أن يتواضع الخ إذ قالا على كثير دون أن يقولا على الناس أو على المؤمنين وهما قدوة لغيرهما. قوله: (وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير) قيل فيه إنه يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فإمّا أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه وإن سلم فلا أقل من أن يحتمل الأمرين، وأجيب بأن الكثير لا يقابل القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أنّ حكم الأكثر بخلافه، ولما بعد تساوي الكثير من حيث العادة لا سيما والأصل التفاوت حكم بأنه يدل على أنه فضل عليهم كثيرون أيضاً على أنّ العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار، وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه فإذا قيل لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل، وقيل إنه مبنيّ على قوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [سورة يوسف، الآية: 76] وقوله النبوّة الخ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تورث كما في حديث: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " فالمراد بالوراثة قيامه مقامه فيما ذكر فهو استعارة وقوله أو العلم أي المخصوص بالنبوّة أو علما زائداً على ما كان له في حياته فلا يرد عليه أنه قبل موته كان عنده علم أيضاً. قوله: (تشهير النعمة الله الخ) يعني أنّ مخاطبته لعموم الناس لأجل إشاعة نعمه تعالى، وتعظيم قدرها لا الافتخار كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وقوله بذكر المعجزة متعلق بدصاء، والمراد بالتصديق التصديق بنبوّته. قوله: (وقد يطلق لكل ما يصوّت به على التشبيه (وهو إمّا على تشبيه الصوت بالنطق استعارة مصرّحة أو على تشبيه المصوّت بالإنسان فيكون استعارة بالكناية، وإثبات النطق لها تخييل ولو أريد بالنطق مطلق الصوت على أنه مجاز مرسل صح، ولكنه لا يناسب المقام وقوله أو التبع يعني به المشاكلة التقديرية فإنه لما سمي صامتا على الحقيقة سمي غيره ناطقاً مشاكلة له فقوله: كقولهم نطقت الحمامة مثال للتشبيه مثله نطق العود، وقوله ومنه الناطق والصامت بيان للتبع، وقوله من حيث الخ توضيح للتبع وأنه مع المشاكلة فيه وجه شبه أيضا وهو أحسن أنواع المشاكلة أو هو رجوع إلى بيان التشبيه اعتناء به لأنه أحسن، ولذا قدمه وليس المراد بيان التبع وأنه تبع الأصوات للتخيلات فإنّ ما له إلى التشبيه ولا جعل الاستعارة في الطير تبعية إثبات النطق لها على طريق التخييل كما قيل فإنه طريق آخر للتشبيه فتدبر. قوله: (ما من جنسه) أي ما كان من جنسه كما نشاهده منها إذا صوّتت للفزع وغيره وكما يقرقر الدجاج إذا وجد الحب، وقوله الذي صوّته أي حمله على التصويت فالضمير منصوب بنزع الخافض أي صوت له، أو بتضمينه معنى التصيير وتوخاه بمعنى قصد 0، وقوله نصف ثمرة بالثاء المثلثة معلوم. قوله: (فعلى الدنيا العفاء) بفتح العين والمد كما قال صفوان بن محمد إذا أكلت كسرة وشربت ماء فعلى الدنيا العفاء وهو مثل للترك لعدم المبالاة ويكون العفاء بمعنى الدروس والانمحاء، ومنه عفا الله عنه إذا محى ذنوبه والأنسب هنا الأوّل. قوله: (فلعله الخ) يعني ليس هذا ما فيمه من صوته دائماً بل في ذلك الوقت لما ذكر وقوله والضمير الخ إشارة إلى أنّ هذا يستعمله المتعظمون فكيف هو هنا ومقام النبوّة لا يناسبه وان كانوا عظماء، ولذا سمي بعض النحاة نون نقوم نون العظمة وقال الزمخشريّ: إنه يقال لها نون الواحد المطاع فأجاب، أولاً بأنها إنما تكون كذلك إذا لم يكن مع المتكلم غيره وأبوه معه وثانيا بأنه كان ملكاً مطاعا فتكلم بما يليق بحاله الذي كان عليه، قال الزمخشري: وقد يتعلق بتجمل الملك وتفخمه وإظهار آيينه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 وسياسته مصالح فيعود تكلف ذلك واجباً وفد كان وسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل نحوا من ذلك إذا وفد عليه وفد أو احتاج أن يرجح في عين عدوّ ألا ترى كيف أمر صلى الله عليه وسلم العباس بحبس أبي سفيان حتى تمرّ عليه الكتائب وقوله قواعد السياسة في نسخة السيادة. قوله: (والمراد من كل شيء الخ) لأنّ كل للإحاطة، وقد ترد للتكثير كثيراً أو هو كناية أو مجاز مشهور، وظاهره أنّ من زائدة لأنه لولاه لم يحتج للتأويل، ولم يلتفت إليه لأنه غير مناسب لمقام المدح والتحدّث بالنعم. قوله تعالى: ( {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} الخ) تخصيص الثلاثة لأنه لم يسخر له الوحش، وتقديم الجن لأنه في بيان التسخر له، وتسخير الجن أعظم أشق من تسخير الإنس والطير ولم يقدم الطير لذلك لئلا يفصل بين الجن والإنس المتقابلين، والمشتركين في التمييز والتكليف، وما قيل من أنّ مقام التسخير لا يخلو من تحقير فهو مناسب لتقديمهم لأنهم أحقر لا الإنس ليس بشيء لأنّ التسخير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرف لأنه في الحقيقة لله الذي سخر كل شيء، فإن قيل إنه كذلك من حيث هو في نفسه فمسلم لكنه مع أنه لا حاجة إليه ليس مناسبا للمقام، وقوله يحبس أوّلهم على آخرهم أي يوقف أوّلهم شفقة على آخرهم لانتظارهم. قوله: (واد بالشام) وقيل بالطائف، وقوله وتعدية الفعل أي أتى مع أنه يتعدى بنفسه أو بإلى إمّ لأنّ إتيانهم الوادي كان من جانب عال فعدى بها للدلالة على ذلك كما في قول المتنبي: ولشد ما قربت عليك الأنجم لما كان قربا من فوق وقوله من عال في نسخة من عل ويصح فيه مع فتح العين كسر اللام وضمها، وفتحها مع القصر وهو من الظروف بمعنى فوق كما في قوله: كجلمود صخر حطه السيل من عل لأنّ الريح كانت تحملهم في الهواء وفيه لغات مذكورة في المطوّلات وقوله أو لأنّ المراد قطعه الخ يعني أنه من قولهم أتى عليهم الدهر إذا أفناهم فالإتيان على الوادي على هذا بمعنى قطعه إلى آخره، وقد كان فيما قبله بمعنى الوصول إليه، وأنفده بالدال المهملة بمعنى أفناه ومنه لنفد البحر وقوله: كانهم أرادوا الخ فالإتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك، والا لم يكن لقوله لا يحطمنكم وجه إذ لا معنى للتحذير بعد قطعه ومجاوزته لواد فيه النمل، وأخريات الوادي بمعنى آخره ومنتهاه يقال جاء في أخريات الناس، وهو جمع أخرى بمعنى آخرة فانث باعتبار البقعة. قوله: (قالت نملة الخ) أنثه مراعاة لظاهر التأنيث، وان كانت تاؤه للوحدة وما نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه من أنّ نملة سليمان عليه الصلاة والسلام كانت أنثى استدلالاً بهذه الآية فيه كلام طويل في شروح الكشاف، والمفصل لا حاجة لنابه وقوله: كأنها الخ بيان لمعنى النظم والحطم أصله الكسر والمراد به الإهلاك بوطئهم لها، وقوله فصاحت الخ قيل الفاء لتفصيل ما قبلها، وتفسيره فلا يلزم تكرار قوله فتبعتها بل عدم صحة تفريعه وقيل التابع في قوله فتبعها غيرها بعض النمل وما بحضرتها كلها، أو التبعية الثانية في الدخول للبيوت لا للفرار وهذا أقرب. قوله: (فشبه ذلك الخ) ففيه استعارة تمثيلية شبه الفرار والتصوبت خوفاً وتبعية غيرها لها بمن ينصح آخرين فاتبعوه وامتثلوا مقالته وعبر بذلك وأجرى مجراه، ويجوز أن تكون مكنية، وقوله أجروا الخ أنسب به من التمثيل كما لا يخفى والإجراء مجراهم في النداء، والواو التي هي ضمير العقلاء، وأمّا خلق الله لها عقلاً ونطقاً حقيقياً وان جاز لكنه غير مناسب هنا من ذكر اختصاص سليمان عليه الصلاة والسلام بفهم أصوات الحيوان إلا أن يخص بالطير لظاهر النظم. قوله: (نهى لهم) أي لسليمان وجنوده والمراد نهي النمل عن التوقف حتى تحطم على طريق الكناية لأنّ الحطم غير مقدور للنمل، ولولا هذا لم يصلح للبدل من الأمر أيضا كما في لا أربيك هاهنا فإنه في الظاهر نهي للمتكلم عن رؤية المخاطب، والمقصود نهي المخاطب عن الكون بحيث يراه المتكلم. قوله: (فهو استئناف (تفريع على كونه نهياً عن التوقف بطريق الكناية لأنّ البدل الاشتمالي إنما يصح إذا لوحظ هذا فاعتراض أبي حيان عليه بهذا غفلة عما أرادوه، وما قيل في جواب إنه كيف تصح البدلية ومدلولهما متخالفان أنه إذا كان المعنى النهي عن التوقف بحيث يحطم زالت المخالفة، وحصل الاتحاد يقتضي أنه بدل كل من كل بناء على أنّ الأمر بالشيء عين النهي بمن ضده، وعلى ما ذكرناه لا حاجة لهذا، وقوله لا جواب له الخ ردّ على الزمخشريّ في تجويزه تبعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 لأبي البقاء، وقوله في الكشف كما مرّ في الأنفال إنّ دخول النون لأنه في معنى النهي اعتذار عن ارتكاب ما لا داعي إليه، وكونه مخصوصا بضرورة الشعر صرح به سيبويه رحمه الله قال في الكتاب وهو قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب، اهـ نعم هو وارد على المصنف حيث جوّزه في قوله تعالى: {لاَّ تُصِيبَنَّ} ومثله بهذه الآية وقال لما تضمن معنى النهي ساغ فيه ذلك، ولا يخفى ما بين كلاميه واذا كان جوابا فلا نافية لا ناهية. قوله: (كأنها شعرت عصمة الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام أصله بعصمة الأنبياء فهو منصوب بنزع الخافض يعني أنها لعلمها بذلك نزهتهم عن صدور ذلك منهم قصدا بالذات أو بالتسبب لفعل الجنود بإذنه أو برضاه، وقوله وقيل استثناف الخ قيل إنه معطوف على مقدر أي، وهو حال وقيل الخ وقوله فهم الخ لأنّ الفاء أظهر في الاستئناف، والضمير يحتمل أن يرجع على الأوّل لسليمان وجنوده وأن يرجع لجنوده فقط. قوله تعالى: ( {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} ) الفاء للسببية فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعلها فصيحة كما قيل، ووجه مناسبته لما بعده على الثاني ظاهر وأمّا على الأوّل فوتجهه أنه متضمن لنعمة عظيمة، وهي كونه ملكا مطاعا ذا جند أو كونه وجنوده لا ظلم لهم لقولها وهم لا يشعرون فاكتفى بما يدل عليه التزاماً، واليه أشار الزمخشريّ بقوله أضمحكه ما دلّ من قولها على ظهور رحمتة ورحمة جنوده، وشفقتهم وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى وذلك قولها وهم لا يشعرون، اهـ وقد يقال يكفي في المناسبة تحقق تلك الحال، وأن لم يكن تبسمه لها وهذا أنسب بكلام المصنف، وقوله ضاحكا حال أي شارعا في الضحك، وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنها حال مقدرة وإنّ فائدتها بيان أنّ التبسم ليس استهزاء، وفيه نظر على ما فصل في الكشاف وشروحه. قوله: (من إدراك همسها الخ) أورد على قوله همسها أنه ينافي قوله قبيله فصاحت صيحة، وأجيب بأنّ صوتها همس بالنسبة إليه وصياح النسبة إلى النمل الذي بقربها، وأمّا علمه بمنطق الطير فلا يفيد أنه لا يعلم غيره من أصوات الحيوانات، ولو سلم فهذا على سبيل خرق العادة أو باعلام الله، وما روي عن الشعبيّ من أنّ لها جناحين فعلى تسليم صحته عنه لا يقتضي عذها من الطيور، وما قيل من أنه علم منطق الطير على الخصوص أوّلاً ثم علم بعده ما يعمه وغيره تكلف ما لا يقال بالرأي. قوله: (1 جعلني أرّع شكر نعمتك) يعني أنّ همزته للتعدية، ولا حاجة إلى جعله تضميناً أي يسر لي الشكر وازعا إياه وازع كاضع في حذف واوه ومعناه أكفه وأحبسه وهو مجاز عن المداومة والملازمة، وقوله لا ينلفت بالفاء والتاء الفوقية بمعنى يذهب أو بالقاف والباء الموحدة وهو بمعناه والأوّل أولى، وقيل معناه الإغراء، وقيل الإلقاء والإلهام وما قيل من أنّ معناه تقييد النعمة بالمداومة على الشكر محتاج إلى جعل الشكر مجازاً عن النعمة فإنه سببها أو كناية وهو بعيد لذكر النعمة معه، وإن كان شكر النعمة نعمة مع أنّ طلب المداومة على الشكر أنسب بحال الأنبباء عليهم الصلاة والسلام. قوله: (أدرج فيه ذكر والديه) يعني أنّ ما ذكر ما أنعم به على والديه مع ما أنعم به عليه في حيز الشكر لتكون النعم التي اعترف بها كثيرة، فإنّ الاعتراف بالنعمة شكر فإذا كثرها أي اعترف بكثرتها عليه فقد شكر شكراً كثيراً، وهذا باعتبار كون الأنعام عليهما إنعاما عليه، واليه أشار بقوله فإن النعمة عليهما الخ ووجهه أنّ الله أنعم عليهما بالدين والعراقة، وحسن الأخلاق وقد ورث ذلك منهما فكان ما أنعم به عليهما وصل إليه لكونه سبباً بحسب الظاهر لنعمتة، ولا يرد عليه شيء مما توهم وقوله أو تعميما وجه آخر للإدراج اقتصر عليه في الكشاف، ومعناه أنّ ما أنعم به عليه غير خاص به بل هو عامّ شامل لوالديه لكونه سبباً لذكرهما والدعاء لهما، واليه أشار بقوله والنعمة عليه يرجع نفعها الخ ففيه لف ونشر مرتب، وقوله سيما الدينية فإنه إذا كان تقياً نفعهما دعاؤه وشفاعته، ودعاء المؤمنين لوالديه إذا رأوه واليه أشار في حديث: " إذا مات ابن آم انقطع عمله) الخ وقيل التكثير باعتبار أنّ النعمة عليه غير النعمة عليهما بحسب الظاهر، وكذا العكس والتعميم باعتبار المآل، وأنّ النعمة عليه نعمة عليهما وبالعكس فتأمّل. قوله تعالى: ( {تَرْضَاهُ} ) صفة مؤكدة أو مخصصة إن أريد به كمال الرضا، وقوله تماما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 للشكر أي تتميماً له بذكر شكر الأركان بعد شكر اللسان المستلزم للجنان. قوله: (في عدادهم الجنة) الجنة مفعول أدخلني المقدر، وقدره لئلا يتكرّر مع ما قبله لأنه إذا عمل عملاً صالحا كان من الصالحين ولك أن تقول إنه عد نفسه غير صالح تواضعا، وعدادهم بكسر العين بمعنى جملتهم، يقال هو في عديد القوم وعدادهم إذا عدّ واحدا منهم كما في المصباح، وجعل الزمخشريّ معناه اجعلني من أهل الجنة على طريق الكناية من غير تقدير. قوله: (وتعرّف الطير) أي أراد معرفة الموجود منها من غيره، والتفقد تفعل من الفقد وهو العدم بعد الوجود فهو أخص من العدم، ومعناه ما ذكر وأصله تعرّف الفقد، وقوله أم منقطعة فمعناها بل كما أشار إليه بقوله فاضرب، وقوله ما لي لا أراه أي عدم رؤيتي له لأيّ سبب مع حضوره ألساتر أم لغيره، وقوله كأنه يسأل عن صحة ما لاح له عبر بكأنّ لأنّ المسؤول! عنه في الحقيقة ليس هو الصحة، وقوله في قفص! لأنه لا يلازم ضده ما لم يكن محبوسا، وقوله بحجة تفسير للسلطان ولم يعبر بها مع أنها أظهرلما فيها من حسن الاتفاق، وهو أنّ حجته بلقيس وهي سلطان. قوله: (والحلف في الحقيقة الخ) دفع لسؤال محصله كما يفهم من الكشاف وشروحه أنّ الحلف على فعل الغير في المستقبل لا يصح إلا إذا علم به فلا تقول والله ليأتيني زيد غدا إلا وأنت متيقن، أو قريب من المتيقن له وهذا ليس كذلك، وقيل إنه عن أنه لا يحلف المرء على فعل غيره لأنه غير مقدور له فكيف حلف عليه وقرنه بالمقدور وهو الوجه لا عدم درايته فإنه غير لازم في الحلف فجوابه بأنه يجوز أن يعلمه بوجه غير موجه مع أنّ قوله سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ينافيه، ودفع المنافاة بجواز أن يأتي بحجة لا يعلم سليمان عليه الصلاة والسلام صدقها وكذبها غير سديد إذ قوله مبين يأباه، وفي الكشف والحاصل أنّ الحلف على الأوّلين وأدخل الثالث في سلكهما للتقابل لا لأنه محلوف عليه بالحقيقة، وهو نوع من التغليب لطيف المسلك وتبعه بعض الشراح، وجعله تغليبا لم يظهر لي معناه فإن قلت إن أريد أن الحلف على فعل الغير ليس بواقع في كلام العرب فليس بصحيح فإنه كثير في كلام العرب كقول امرئ القيس: لناموا فما إن من حديث ولا صالي وفي الحديث ليردنّ الحوض أقوام، وان أرإد شرعا فكذلك لتصريح الفقهاء بأنه لو قال لآخر أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا، وقصد اليمين كان يمينا يستحب إبراره ما لم يكن مكروها أو محرّما فما وجه ما ذكروه هنا قلت: الظاهر أنه ليس معناه ما ذكر حتى يرتكب أمور متكلفة بل لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال لأعذبنه أو أذبحنه إلا أن يأتيني بسلطان على تقييد المحلوف عليه بذلك، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله بتقدير عدم الثالث. قوله: (لكن لما اقتضى ذلك الخ) ظاهر قوله أحد الأمور الثلاثة أنّ أوفى الثلاثة للترديد لا أنها في الأوّلين للتخيير، وفي الثالث للترديد بينه، وبينهما كما قيل ولا في الأوّلين للتخيير وفي الثالث بمعنى إلا لأنّ لام القسم تأباه، ووجه القراءتين ظاهر وعليهما رسم المصاحف القديمة. قوله تعالى: ( {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ) بيان لمقدار ما مضى من غيبته بعد التهديد، وقراءة غير عاصم بض الكاف وهما لغتان فيه فكون الضم دالاً على شدة غيبته لتوافق الحركة معناه لا وجه له. قوله: (وفي مخاطبتة إياه بذلك الخ) يعني أنه تعالى ألهم الهدهد أن يخاطبه بما ذكر ابتلاء له وتنبيها له على ما ذكر ليعدّ نفسه حقيرة صغيرة، وأن كان نبياً ملكا وهو من خطابه بأنه أحاط علمه بما لم يحط به لا من رؤية سبا حتى يرد أنّ التفرّد بالوقوف على بعض المحسوسات لا يعد كمالاً. قوله: (وقرئ ب! دغام الطاء في التاء) في أحطت وفرطت، وبسطت فقرئ في السبعة بالإدغام مع بقاء صفة الإطباق، وليس بإدغام حقيقيّ وقرأ ابن محيصن في الشواذ بإدغام حقيقي، واعترض ابن الحاجب رحمه الله على القراءة الأولى بأنّ الإطباق صفة الحرف، والإدغام يقتضي إبدالها تاء وهو ينافي وجود الصفة لأنه يقتضي أن تكون موجودة، وغير موجودة وهو تناقض فالتحقيق على هذه القراءة أنه لا إدغام فيها ولكنما أطلق عليه إدغام توسعا، فإن قلت يرد عليه ألم نخلقكم فإنه قرئ بوجهين إدغام محض وغير محضن، وهي مثل هذه في الإطباق، قلت بينهما فرق فإنّ الكاف والتاء مهموستان فلذا قوي الإدغام في الأولى دون الثانية، فإن قلت لم قرئ في خلقكم بإدغام محض فقط قلت لأنه إدغام كبير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 والصغير لسكونه ضعفت صفته، فلذا جاز زوالها وبقاءها هذا محصل ما تلقيناه من أهل الأداء وفي النشران التاء تدغم في الطاء في قوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [سورة هود، الآية: 14 ا] وفي التسهيل إنه إذا أدغم المطبق يجوز إبقاء الإطباق وعدمه وقال سيبويه كل عربي والإطباق رفع اللسان إلى الحنك وأحطت بمعنى علمت علماً تامّاً كأنه محيط بالمعلوم. قوله: (غير مصروف) اللعلمية والتأنيث لتاويله بما ذكر ومن صرفه فباعتبار الحيّ أو القوم أو الأب اكبر أو المكان، ومن سكن الهمزة نوى الوقف واليه أشار الشاطبيّ رحمه الله بقوله: وسكنه وانو الوقف زهرا ومندلا والقواس راو لقنبل رحمه الله وقرى بالألف وسكون الباء في الشواذ. فوله: (بخبر محقق) الخبر تفسير للنبا ومحقق تفسير ليقين، وفي الكشاف النبأ الخبر الذي له شأن فهو أخص من الخبر، ولذا اختير في النظم مع ما فيه من التجنيس، وموازنة سبا وهو معنى لغوي صرّح به أهل اللغة فلو فسر به المصنف رحمه الله كان أقعد فما قيل من أنه ليس بوضعيّ، ولذا تركه المصنف ليس بصحيح، وقول المحدثين أنبانا أحط من درجة أخبرنا لا يرد لأنه اصطلاح، وقال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة يحصل به علم أو غلبة ظن فلا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذا، وقوله: (لما أتم بناء بيت المقدس) الخ هذا ينافي ما سيأتي في سورة سبأ من أنه عليه الصلاة والسلام مات قبل إتمامه وهو المشهور، ولعل فيه روايتين، وقوله فوافى أي جاء وقوله وأقام بها أي بمكة لعلمها من الحرم أو لتأويل الحرم بها أو بالبقعة وقوله رائده براء ودال مهملتين هو الذي يتقدّم لطلب الماء وخصه بهذه الخدمة دون غيره من الطير لأنه قيل إن الله خصه بأنه يرى الماء تحت الأرض كما يرى ما في الزجاج، وقوله لذلك أي لطلب الماء، وقوله إذ حلق تعليل لقوله فلم يجده والتحليق بالحاء المهملة الارتفاع في الهواء، وقوله فتواصفا أي وصف كل منهما ملك أرضه وكان الهدهد الآخر يمانياً بأرض بلقيس، وقوله وما خص الخ معطوف على قدرة الله أو على عجائب وإنكاره من العجائب، وقوله يستكبرها بالباء الموحدة أي يعدها أمرا كبيرا عظيما عظم الله به بعض خواصه وكان الظاهر يسلمها ولكن الذي دعاه للتعبير به التجنيس مع قوله يستنكرها أي يعدها أمرا منكرا، والمراد بذلك أمر سليمان عليه الصلاة والسلام مع الهدهد، وقوله: أعظم من ذلك أي مما ذكر في هذه القصة. قوله تعالى: ( {إِنِّي وَجَدتُّ} الخ) قال وجدت دون رأيت للإشعار بأنه أمر غير معلوم أوّلاً لأنّ الوجدان بعد الفقد وهو مراد من قال إنه للإشعار بغرابة الحال فلا وجه لردّه بعدم ما يدل عليه، ولم يقل تملكها لأنّ ملك المرأة للجلل أغرب، وبلقيس بكسر الباء علم لملكة سبأ معرّب وهو قبل التعريب مفتوح كما ذكره الطيبي، وشراحيل بفتح الشين المعجمة، وقوله والضمير لسبأ أي المراد به الحيّ أو لأهلها إن كانت علماً للبلدة فيعود على الأهل المعلوم من السياق أو المقدّر. قوله: (يحتاج إليها الملوك) كان الظاهر إليه لكنه أنته باعتبار أنّ كل شيء في معنى أشياء، وهو إشارة إلى وصف مقدر لتصح الكلية فهو كالاستغراق العرفي ولئلا يسوي بينهما وبين سليمان إذ قال: وأوتينا من كل شيء، والقرينة عليه قوله تملكهم هنا، واذا كان المراد بها التكثير لا يحتاج للتأويل، وجملة وأوتيت معطوفة أو حال بتقدير قد وقوله بالنسبة إليها يعني لا بالنسبة لسليمان عليه الصلاة والسلام، والسمك الارتفاع وسمك البناء ونحوه هو طوله، ولذا قابله بالعرض. قوله: (كأنهم كانوا يعبدونها) قيل الظاهر أن يقول لأنهم وكأنه عدل عنه لأنّ سجودهم يحتمل التحية، أو جعلها قبلة كما يفعله النصارى، وقوله وزين الخ يحتمل العطف على يسجدون والحالية بتقدير قد، وقوله من مقابح أعمالهم وفي نسخة أفعالهم بمعنى قبائح، ولو عبر به كان أحسن. قوله: (فصدّهم لئلا يسجدوا) الظاهر أنه أراد أنه على تقدير لام الجرّ قبل أن المصدرية، وهو متعلق بصذهم، وأمّا كونه بدلاً من السبيل ولا زائدة فوجه في النظم لكن تفسير هذه العبارة به كما قيل غير متوجه، وفيه وجوه ككونه بدلاً من أعمالهم كما ذكره المصنف وعد عدم السجود من الأعمال بعيد ولذا لم يذكره الزمخشريّ أو متعلق بزين على تقدير اللام أي لئلا يسجدوا قيل، ولم يتعرّض المصنف رحمه الله لأنّ الفاء للسببية فالمعنى زين لصدهم وفيه نظر لأنّ الفاء لا يلزم أن تكون سببية لجواز كونها تفريعية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 أو تفصيلية، وقد أورد مثله على تقدير لئلا يسجدوا متعلقا بمحذوف وجوابه ما مرّ أو مجرورا بإلى مقدّرة متعلقة بيهتدون وفي محله بعد حذف الجار قولان مشهوران، وبقيت وجو. أخر ذكرها المعرب ككونه خبر مبتدأ محذوف هو دأبهم أنّ لا الخ وفي تقديره أعمالهم ما مرّ. قوله: (ويا للنداء لخ (اختار أبو حيان أنها للتنبيه مؤكدة لا لأوتوا لي حرفين للتأكيد مع تغاير اللفظ فصيح، وإنما اختاره لئلا يلزم الإجحاف في الحذف أي حذف المنادى، وجملة أدعو ورسمه متصلا بدون ألف على خلاف القياس. قوله: (فقالت الخ) أي يا فلان اسمع وأعظك مجزوم في جواب الأمر، والخطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة، وهي الخصلة المهمة وفي سخة بخطبة والظاهر أنه تحريف، وسميعا منصوب بمقدر أي ناديت سميعا أو حال، وفي نسخة سمعنا وأعميبي أي تكلمي بالصواب. قوله: (وعلى هذا) أي على قراءة التخفيف واذا كان من سليمان فهو بتقدير القول، والوقف على يهتدون على هذه القراءة استحسانيّ وعلى غيرها ليس كذلك للفصل بين العامل ومعموله فتزيد آية أخرى في هذه السورة، وأورد هذا على قوله في التيسير أنّ اختلافهم في رؤس الآي في موضعين أولوا بأس شديد وصرح ممرّد من قوارير ورد بأنه لا يلزم من تعلقه بما قبله، وعدمه كونه آية أو بعض آية كما في كثير من الآيات والآيات توقيفية ليس مدارها على الوقف وعدمه، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك جاز الوقف بحسب الظاهر فتأمّله، وجملة الأمر بالسجود معترضة وقوله صح أن يكون استئنافا أي جملة مستأنفة إشارة إلى أنه يصح أن يكون استئنافا من كلام الهدهد إمّ خطابا لقوم سليمان للحث على عبادة الله، أو لقوم بلقيس بتنزيلهم منزلة المخاطبين قيل وأمّا كونه من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام فياباه، قوله قال: سننظر بعده، وقوله وعلى الأوّل أي قراءة التشديد. قوله: (وعلى الوجهين) أي القراءتين وكونه أمرا أو ذما أمّا على الأوّل فظاهر ولو حكاية، وأمّ على الذمّ فإنه في معنى الأمر بخلافه، وفيه ردّ على الزجاح في قوله بوجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد، ولذا قال الزمخشريّ إنه غير مرجوع إليه لمخالفته لما صرّح به الفقهاء، وقوله في الجملة أي ولو مرّة في العمر، وقوله لا عند قراءتها أي حين تقرأ يجب ذلك على القاركئى والسامع. قوله: (وقرئ هلا وهلا) بتخفيف اللام وتشديدها، وقوله وألا تسجدون وهلا تسجدون بإثبات النون والتخفيف والتشديد أيضاً فيكؤن للعرض أو للتخضيض، وشمجدون يحتمل الغيبة والخطاب وتحرير هذه القراآت وتوجيهها له تفصيل في الشواذ لم نذكره لطوله. قوله تعالى: ( {مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ) المراد وصف علمه بالإحاطة التامّة حيث استوى فيه الباطن، والظاهر ولذا قدم ما يخفون مع مناسبته لما قبله من الخبء وكمال القدرة من قوله يخرج الخبء، وقوله وهو يعم الخ لكون الشمس مخبوأة بالليل والكواكب بالنهار، وقوله بل الإنشاء انتقال إلى ما هو أشد خفاء، والفرق بين الإنشاء والإبداع أنّ الأوّل ما له مادّة موجودة كان الشيء فيها بالقوّة، والثاني ما ليس كذلك وقوله بالقوّة متعلق باستقر الذي تعلق به قوله في الشيء لا بما في قوله في الشيء من معنى الفعل، والمراد بالإمكان الإمكان الصرف وبالوجوب الوجوب بالغير لأنّ الممكن يجب بعلته، وهو لا ينافي الإمكان الذاتيّ، وهو مذهب الحكماء وكأنه عطف عليه الوجود للتفسير والإشارة إلى مذهب غيرهم. قوله: (ومعلوم أنه) أي ذلك الإخراج يختص بالواجب وجوده، وهو الله تعالى والقراءة بتاء الخطاب إمّا على أنه خطاب للناس، أو لقوم سليمان أو لقوم بلقيس بتنزيلهم منزلة الحاضرين على الوجوه السابقة، وقوله الذي هو أوّل الأجرام بيان لوجه تخصيصه بالذكر بناء على ما وود أنه أوّل ما خلق الله. قوله: (فبين العظمتين) وفي نسخة العظيمين والبون البعد المعنوي، والفرق البين أي عظمة عرس الله الحقيقية التي هي أعظم من كل شيء ليست كعظمة عرس بلقيس التي هي بالنسبة إلى بعض المخلوقات فلا تسوية بينهما، وان وقع ذلك في التعبير وفي الصحاح البون الفضل والمزية يقال بأنه يبونه وبينهما بون بعيد وبين بعيد، والواو أفصح فأمّا في البعد الحقيقي فيقال إنّ بينهما لبينا لا غيو كما حققه أهل اللغة، فمن قال البون بحسب المكان أو الشرف لم يصب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 قوله: (من الثظر بمعنى التأمّل) أي التفكر، والتدبر وهو تفعل من الأمل كما تقدم يقال نظر فيه إذا تأمّل، واليه إذا رآه وله إذا راعاه ومن كلام المأمون ما أحوجني إلى ثلاث صديق أنظر إليه، وفقير أنظر له وكتاب فيه. قوله: (والتنيير للمبالغة) أي لم يقل أم كذبت وهو أخصر وأشهر لأنّ هذا أبلغ لإفادته انخراطه في سلك الكاذبين، وعده منهم فهو يفيد أنه كاذب لا محالة على أتم وجه، ومن كان كذلك لا يوثق به لكنه أورد عليه أنّ أصدقت أم كذبت أبلغ هنا، وأنسب بالمقام لأنه على هذا اتهم بالكذب، وعلى ذاك علم كذبه فيتعين أنه لمراعاة الفاصلة، وليس بشيء لأنّ وجه المبالغة أنّ أحقر مخلوق إذا كذب بين يدي عظيم يخشى سطوته دل على أنه شديد الكذب حتى لا يملك نفسه في أيّ موطن كان فتدبر. قوله: (ثم تنح عنهم الخ) إنما حمله عليه لأنّ التولي بالكلية ينافي قوله فانظر إلا أن يحمل على القلب، وهو غير مناسب، وقوله تتوارى فيه أن تختفي، وفي نسخة فتوار فيه والتواري مأخوذ من السياق لأنّ نظره من مكان قريب يتبادر منه ذلك فسقط ما قيل إنه لا دلالة في الكلام عليه، والتعبير بالإلقاء والطرح لأنّ تبليغه لا يمكن بدونه، وجمع الضمير لأنّ المقصود تبليغ ما فيه لجميع القوم. قوله:) ماذا يرجع بعضهم الخ) إشارة إلى أن رجع متعد فإنه يكون متعدّيا ولازماً، ومن القول بيان لماذا ولا يبعد أن يلهم الله ذلك الهدهد ما يفهم به الكلام، ولا ينافيه قوله انظر لأنه بمعنى تأمّل والتأمّل يكون للأقوال والأفعال ولا حاجة إلى جعل النظر مجازا عن مطلق الإدراك. قوله: (بعدما ألقى إليها) إشارة إلى أنّ فيه إيجازا كما في المثل السائر، والتقدير فلما أخذ الكتاب وذهب به وألقاه وقرأته قالت: وقيل إنه لا حاجة إلى التقدير لأنه مفهوم من سياق الكلام، وأنه استئناف جواب عن سؤال تقديره فما قالت لما صل إليها الكتاب. قوله: (لكرم مضمونه) يعني أنّ وصفه بالكرم إمّا لأنه بمعنى الشرف، وشرف الكتاب بشرف مضمونه كما في زوج كريم، وهو بهذا المعنى لا يختص بالإنسان أو الإسناد مجازي، أو هو بتقدير مضاف أي كريم مرسله وقد كانت عرفت شرفه، وعلوّ منزلته بالسماع أو هي عرفته من كونه مختوماً باسمه على عادة الملوك والعظماء واليه أشار بقوله لأنه الخ، وقد وقع في نسخة أو لأنه بالعطف فيكون كريما بمعنى مختوما قال في شرح أدب الكاتب يقال كرمت الكتاب فهو كريم إذا ختمته، وفي الحديث: " كرم الكتاب ختمه " وقال ابن المقنع من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به. قوله: (أو لغرابة شأنه الخ) يعني أنه لكونه كما ذكر أمراً غريباً يدل على شأن عظيم لمرسله، ومعناه فهذا وجه أعئم مما قبله، وقوله مستلقية بمعنى نائمة في الفراش، وقوله كأنه الخ إشارة إلى أنه استئناف بياني، وقوله أو العنوان وهو ما يكتب على ظاهر. لفظ من سليمان وهذا بقرينة الحال والمعتاد والا فالعنوان لم يذكر قبل، وقرئ بفتح إنّ فيهما على أنه بدل أو بتقدير لام التعليل قبله كما ذكره ومعنى أنه بسم الله الخ إنه هذا اللفظ أو ملتيس به. قوله: (ان مفسرة) بمعنى أي والمفسر ألقى إليّ كتاب أو كتاب نفسه لتضمنهما معنى القول دون حروفه، ولا ناهية على هذا واذا كانت مصدرية فهي نافية، وضمير هو للكتاب بمعنى المكتوب كضميري إنه وتقدير المقصود ناظر إلى أنّ ضمير إنه الأوّل للعنوان والثاني للمضمون أي ما تضمنه باطنه، وأنه فيهما إمّا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام أو بلقيس وكونه بدلاً من الكتاب إمّ على تقدير اللام أو على جواز تعدد البدل وفيه كلام للنحاة. قوله تعالى: ( {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ) إن كانت لا ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر، وان كانت نافية وأن مصدرية فبناء على جواز وصلها بالأمر وعطف الإنشاء على الخبر لكونه في تأويل المفرد، وقوله مؤمنين بناء على معناه المتعارف وأنّ الإسلام، والإيمان متساويان وأنّ دعوته ل! يمان دعوة النبوّة لا الملك، وما بعده على أنّ المراد به معناه اللغويّ، وأنّ الدعوة دعوة الملك وقد رجح هذا بأن قولها إنّ الملوك الخ صريح في دعوة السلطنة ورد بأنّ اللائق بشأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن تكون دعوتهم وغضبهم لله، وهو الموافق للرواية هنا وقولها إنّ الملوك الخ لعدم تيقنها لبنوّته حينئذ. قوله:) وهذا الكلام في غاية الوجازة الخ) وجه الوجازة تضمنه لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة لتضمنه الدلالة على ذات الله وصفاته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 والأمر والنهي، وكذا كانت كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جملاً لا يطيلون ولا يكثرون، واطلاق الصانع عليه تعالى بمعنى الخالق ورد في الحديث كقوله: " إن الله صانع كل صانع وصنعته " ذكره السبكيّ فلا حاجة إلى القول بأنه ورد في قوله صنع الله بناء على الاكتفاء بورود المادّة، كما قيل: وقوله أو التزاما كذا في أكثر النسخ، والظاهر أن يقال والتزاما لدلالة الله على الذات صراحة، وعلى الصفات التزاما والرحمن الرحيم بعكسه كما قيل، والأحسن أن يقال إنّ قوله صريحا أو التزاما راجع إلى الصانع فإنه ليس في البسملة دلالة عليه بح! سب الظاهر فإن فسر الرّحمن الرحيم بمعنى المنعم بجميع النعم التي منها الإيجاد كان صريحا فيه والا فالله، وهو المعبود بحق يدلّ على كونه الخالق التزاما. قوله: (وليس الأمر (أي بقوله ائتوني الخ وهذا بناء على أنه دعوة نبوّة لا سلطنة كما مرّ وهو الظاهر لكن ما ذكره لا يخلو من شيء فإنّ كون إلقاء الكتاب على هذا الوجه معجزة غير واضح خصوصاً، وهي لم تقارن التحدي، ولزوم التقليد غير مسلم لأنّ الجاري منهم الدعوة إلى الإيمان أوّلاً فإذا عارضوهم أقيم الدليل فهذا هو الرتبة الأولى ولم يصدر منهم معارضة حتى يحتاج إلى ذكر. قوله: (في أمري الفتئ) أي في هذا الأمر الحادث والفتيّ بتشديد الياء فعيل بمعنى فاعل ومنه الفتوى، لأنها جواب الحوادث وهو من الفتاء في السن، والمراد بالفتوى هنا الإشارة عليها في هذه الحادثة بما يقتضيه رأيهم وتدبيرهم، وفي نسخة في أمر الفتوى والأولى أصح وأقوى، وقوله ما أبت أمراً أي أقطعه وفي نسخة ما أتيت، وفي أخرى أثبت وقطع الأمر فصل القضية بالحسم فيها ولذا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه قاضية، وما كنت المراد به أنها استمرّت على ذلك أو لم يقع منها غيره في الزمن الماضي فكذا في هذا وحتى تشهدون هو غاية للقطع، والممالأة المساعدة ومنه الملأ والعدد جمع عدّة وهي ما يعد من آلات الحرب، والنجدة بكسر النون وبعدها جيم ودال مهملة المراد بها البلاء في الحروب. قوله: (موكول) يشير إلى أنّ الخبر مقدر مؤخرا ليفيد الحصر المقصود لفهمه من السياق واليك متعلق به، وهذا تسليم للأمر إليها بعد تقديم ما يدلّ على القوّة حتى لا يتوهم أنه ناشئ من العجز، وقيل معناه نحن جند شأننا الطاعة والحرب لا الرأي والتدبير وقوله نطيعك ونتبع رأيك وقع في نسخة مجزوما في جواب الأمر والأمر في النظم بمعناه المعروف أو بمعنى الشأن، وجمع الملوك للدلالة على أنه أمر عامّ في جنسهم فهو لا محالة صادر منه وقوله تزييف أي ردّ وهو استعارة من زيوف النقود لردّها، وأحست بمعنى فهمت مجازاً والعرضية بالعدد كما مرّ والخطط جمع خطة بالكسر، وهي الديار وأراضيها وبينه وبين التخطي تجنيس. قوله: (ثم إنّ الحرب سجال لا يدري عأقبتها) هذا مثل مستعار من المساجلة وهي المناوبة في السقي من السجل وهو الدلو يعني كل من زوالها تارة يغلب وتارة يغلب ولا اعتماد على قوّة وشوكة فكم من ضعيف غلب، وقوقي غلب فقوله لا يدري عاقبتها تفسير للمراد منه هنا وأنه كناية عن عدم الوثوق فسقط، ما قيل إنه غير مناسب للمقام فإنه إنما يقال لمن غلب مرّة، وكونه على طريق الفرض أي لو سلم أنكم غلبتم مرّة فالحرب سجال، والعطف بثم يقتضيه كما قيل ليس بشيء لأنّ المعنى المراد أنه يخرّب الديار إن فررنا ولم نقاتله، وإن قاتلنا. فلا نعرف ما يكون حالنا فالصلح خير وعطفه بثم لتفاوت رتبتة وكون معنى المثل ما ذكر غير مسلم فإنه يقوله من لم يقاتل أصلاَ كما صرّحوا به، وقوله وجعلوا الخ لم يقل وأذلوا أعزة أهلها مع أنه أخصر للمبالغة في التصيير والجعل وقوله وكذلك يفعلون أي الملوك أو سليمان ومن معه، وهذا أولى فإنه يكون تأسيساً لا تأكيداً كما ذكره ولو قيل كلام المصنف يحتمله، والتأكيد لاندراجه تحت الكلية جاز. قوله: (درّة عذراء) أي لم تثقب وهو استعارة حسنة، والجزعة بكسر الجيم وتفتح وسكون الزاي والعين المهملة نوع من الجوهر ملوّن وتعويج نفيها لئلا يمكن إدخال سلك فيها، والمعسكر محل العسكر وقوله تقاصرت إليهم نفوسهم أي أظهرت القصر بمعنى الحقارة والمراد أنه اتضح لهم أنها حقيرة، أو المعنى أنهم نظروا إلى أنفسهم متقاصرين من قولهم قصر في عمله أو من القصور وهو ضدّ تطاول بمعنى تعظم، قال المعرّي: وعند التناهي يقصر المتطاول واليهم بمعنى عندهم أو هو لتضمينه معنى راجعة إليهم تاركة للترفع، وقد ذكرها الأزهريّ في تهذيبه وأخطا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 من أنكر مفردا كالعلامة في شرح الكشاف، وقوله بالحال أي ببيان الحال وطلب الحق بضم الحاء وتشديد القاف بمعنى الحقة، وهي معروفة وهو بالواو في النسخ والظاهر حذفها جواب لما، وقد يقال جواب لما قوله فأمر الأرضة وهي الدويبة المعروفة فإنه يجوز اقترانه بالفاء كما صرّحوا به، وقوله وأخبر أي الرسول عما فيه وفاعله ضمير سليمان، وقوله فاخذت شعرة أي فثقبتها فأخذت فالفاء فصيحة، وقوله ونفذت بالمعجمة بمعنى خرقتها بدخولها، وقوله فتجعله في الأخرى أي اليد الأخرى قيل إنه كان عادة نساء ذلك الزمان فميز به الذكور من الإناث، وقوله تضرب بها أي باليد الأخرى والمعنى تصبه عليه، وقوله كما يأخذه الكاف للمفاجأة أي في حين أخذ.، وما وقع من إخباره بما لم يره وما معه معجزة له. قوله: (أي الرسول) هذا أولى لموافقته للقراءة الأخرى، ولذا قدمه ونسبة المجيء إلى الهدية مجازية، والمراد بالمرسل بلقيس وذكره لتأويله بالشخص، وضمير الجمع حيمئذ لتعدد الرسول أو لإطلاق الجمع على الاثنين وفي القراءة بنون واحدة المحذوف نون الوقاية ويجوز أن تكون الأولى فرفعه بعلامة مقدّرة والقراءة بنونين لنافع وأبي عمرو وبني الفعل للمجهول لشهرتها وان كان دأب المصنف التعبير بمثله في الشواذ لكنه غير مطرد منه. قوله: (فما آناني الله الخ) فسره بالنبوّة والملك، وان كان المناسب للمفضل عليه وقوله أتمدّونني بمال ذكر أمر دنيويّ لأنّ هذا أبلغ لأنّ من بلغ الغاية في الوصول إلى ما في الدارين كيف يحتاج إلى إمداد غيره، وقوله فلا حاجة الخ إشارة إلى أنّ المراد من تفضيل حاله ليس الافتخار والفرح به بل هو كناية عن عدم قبوله لهديتهم، ثم إنّ اقترانه بالفاء دون الواو الحالية على إنها قيد لما أنكر فتكون هذه الجملة معلومة، وتسمى مثلها الحال المقرّرة للإشكال كما في نحو أتهينني وأنا صديقك القديم، وهنا الأمر ليس كذلك فجعل علة له، والعلة كالمعلل لا يجب أن تكون معلوما فيحتاج للبيان كما في الكشاف وشروحه، والوقع مصدر بمعنى الاعتبار كما يقال له موقع عندي. قوله تعالى: ( {بَلْ أَنتُم} الخ) إضراب عما فهم أي أنا لا أفرح بل أنتم أو عن إنكار الإمداد وتعليله إلى بيان ما حملهم عليه من قياس حالهم على حاله كما سيذكره المصنف رحمه الله، والهدية تضاف إلى المهدى والمهدى إليه كالعطية كما في الكشاف وإليهما أشار بقوله بما يهدي إليكم أو بما تهدونه ويحتمل أنه عبارة عن الرد أي من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها لا أنا ولما فيه من الخفاء تركه المصنف رحمه الله لأنه ليس بخارج عما ذكر إلا بمغايرة اعتبارية. قوله: (والإضراب الخ) هذا هو الوجه الثاني، وهو ظاهر لأنه إضراب انتقالي عن جملة ما قبله وانكار الإمداد من قوله أتمذونني بمال وعليه متعلق بالإنكار وضميره للرسول، والإفراد لأنهم في حكم شيء واحد أو بالنظر إلى الرسول دون من معه أو لسليمان والجارّ والمجرور حالط من الإمداد أو متعلق به لتضمنه معنى الامتنان أو لما فيه من معنى الإعانة وقوله وتعليله بالجرّ معطوف على إنكار، وهو المستفاد من قوله فما آتاني الخ. قوله: " لى بيان) خبر قوله الإضراب، وقوله حملهم عليه أي على الإمداد، وقوله في قصور الخ هو جار على الوجهين في إضافة هدتيكم لأنه إذا قصرت همتهم على الدنيا على ازديادها سرّهم ما يهدي إليهم لأنه يزيد في مالهم، وما يهدونه لأنه يزيد فخرهم واشتهارهم ولأنّ الهدايا للعظماء قد تفيد ما هو أزيد منها مالاً أو غيره كمنع تخريب ديارهم هنا فما قيل إنّ قوله والزيادة فيها يوهم اختصاص بيان وجه الإيضراب بالوجه الأوّل فإنّ الزيادة فيه دون الثاني إذ فيه نقص المال لكن إذا لوحظ أنّ إهداء الهدايا العظيمة لا يتيسر بدون كثرة المال يظهر انتظام الزيادة لكلا الوجهين ناشئ من زيادة القصور. قوله تعالى: ( {ارْجِعْ} ) جعله المصنف أمراً للرسول وجوّز في الكشاف أن يكون للهدهد أيضاً بان يحمله كتابا ولم يذكره المصنف لضعفه دراية ورواية، وقوله فلناتينهم الخ قيل إنه جواب شرط مقدّر أي إن لم يأتوني مسلمين فلا يتوهم أنه حنث في يمينه إذ لم يقل إن شاء الله، وقوله لا طاقة أي لا قدرة فالقبل بمعنى المقاتلة بالمقابلة جعل مجازا أو كناية أو كناية عن القدرة عليها، والصغار الذل والعرس السرير والمراد بالملا من عنده من الجن والإنس، وكان الرسول وجع إليها وأخبرها بعظمته فعلمت أنها لا تقاومه فحفظت عرشها وتجهزت للخروج إليه كما قيل. قوله: (فإنها إذا أتت الخ) هذا مرويّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 عن قتادة وليس! هذا غنيمة ولم يذكر أحد أنه أخذه لتملكه، وإنما أراد إظهار معجزته وقوّته لها فلا يرد أن الغنائم لم تحل لأحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي ردّ الهدية وتعليله بقوله: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم} كما قيل لأنّ هذا ليس بهدية لها، وأمّا ما يفهم منه من حل أخذه قبل إسلامها وحيازته فلأنه مال حربي يجوز إتلافه، والتصرف فيه بغير رضاه بخلاف مال المسلم مع أنّ الظاهر أنه بوحي فيجوز أن يكون من خصوصياته لحكمة كما أشاروا إليه فلا إشكال فيه أصلاً. توله: (لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المغفر أقرانه) أي الذي يغلب قرنه ويصرعه، ويمرّغه في التراب فهو جسب الأصل والاشتقاق لا يختص بالجن حتى يكون قوله من الجن بعد عفريت لفوا لأنه يقال رجل عفر وعفريه نفريه وعفريت نفريت وعفارية نفارية إذا كان خبيثاً، وفي الحديث: " إن الله يبغض العفريت النفريت " فالتاء زائدة في آخره للمبالغة، وقوله وكان يجلس الخ بيان لأنّ ما ذكر مبين لمقدأر زمان الإتيان لكونه معلوما حينئذ. قوله: (على حمله ( لم يقل على إتيانه كما هو المتبادر لأنّ قوله قوفي قرينة عليه، وان لم يقل قادر وقوله لا أختزل بالخاء والزاي المعجمتين بمعنى لا أقتطع شيثاً من جواهره وذهبه تفسير للأمانة، والاختزال بهذا المعنى صرّح به أهل اللغة فلا عبرة بمن أنكره من شرّاح الألفية، والقوّة صفة تصدر عنها الأفعال الشاقة، ويطيق بها من قامت به تحمل الأجرام العظيمة فلذا اختير قويّ على قادر هنا، وآصف بالمد وزيره أو كاتبه وبرخيا بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الخاء المعجمة وبعده مثناة تحتية ويمد ويقصر، وبه استدلّ على إثبات الكرامات لكنه مع الاحتمال يسقط الاستدلال، وقوله أيده الله به أي قوفي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بمعونته وسببيته وكون المراد أيد الله الملك بالعلم بعيد. قوله: (أو سليمان نفسه) ولا يرده الخطاب في آتيك لأنه على هذا للعفريت كما صرّح به المصنف رحمه الله فلا يتوهم منافاته لهذا التفسير فإنّ حقه أنا آني به، ولا قوله فلما رآه إذ المناسب فلما أتى به لأنّ قوله آتيك باعتبار سببيته له، وقوله رآه عنده للإشارة إلى أنه لا حول ولا قوّة فيه فهو كقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [سورة الأنفال، الآية: 7 ا] فان أراد أنه مخالف للظهر فهو الذي أخره، وقوله التعبير الخ يعني على هذا الوجه بيان لنكتة الأطناب فيه، والمراد بالكرامة ما أكرمه الله به لا معجزة لأنها لم تقارن التحدّي، وقوله بسببه يعني لا بقوّة جسمانية كما ذكره العفريت. قوله: (أو أراد إظهار معجزة في نقله) أي نقل عرشها سريعاً، وقيل المناسب عطفه بالواو إذ لا يفهم منه وجه إيراد كاف الخطاب، وإنما يفهم منه وجه قوله أيكم يأتيني مع أنّ الإتيان يقع منه آخراً إذا الإظهار الذي ذكره حاصل ولو بلا خطاب، ولذا قيل ينبغي أن لا يكون حينئذ الخطاب للعفريت بل لكل أحد كما في قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [سورة النساء، الآية: 3] ولا يخفى أنه لا تحدّى فيما قبله، ولذا قال فيه كرامة فالتقابل بينهما يقتضي العطف بأو والتحذي يقتضي أنه كان بعضهم منكرا، وتخصيص الخطاب بالعفريت لامتيازه من بينهم بدعوى القدرة على الإتيان به وهو ظاهر من كلام المصنف، وقوله والمراد الخ يعني على الأوّلين والأخير، وقوله واللوح على الثالث والرابع وبجوز التعميم. قوله: (والطرف تحريك الأجفان للنظر (فهو مقدمة النظر كما أنّ مقدّمة الرؤية، ثم تجوّز به عن النظر والعين نفسها ولكونه مصدراً في الأصل كثر إفراده واليه أيظ ر بقوله فوضع موضعه أي موضع النظر بمعنى عبر به عنه لأنّ الرد والارتداد أظهر فيه، وقيل لا حاجة إلى لوضع المذكور إذ المراد قبل ارتداد تحريك الأجفان بطبقها بعد فتحها، وفيه نظر. قوله: (ولما كان يوصف الناظر الخ) بيان للتجوز في ارتداد النظر بأنه لما عبر عن النظر بالإرسال تعبيرا شائعا والإرسال الإطلاق، والتسريح وهو إما لتوهم نور امتد من العين إلى المرئيّ، واما لتهيئة الآلات للتحريك وتوجيهها نحو المنظور فعبر عن مقابله بالرد لذلك فيكون استعارة تمثيلية على استعارة أخرى أو مشاكلة. قوله: (وكنت الخ) هو لعبد الله بن طاهر الحماسيّ وبعده: رأيت الذي لأكله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر والرائد طالب الماء والكلا للقوم، وهو حال وأتبعتك جواب إذا والمناظر جمع منظر، وقوله رأيت الذي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 الخ تفصيل لقوله أتعبتك المناظر أي إذا جعلت عينك طالبة لقلبك ما يهواه أوقعتك في المشاق التي لا تقدر على خصيلها، ولا تصبر على تركها كما قيل من أرسل طرفه استدعى حتفه، وقوله وصف برد الطرف جواب لما، وقوله والطرف معطوف على الضمير المستتر فيه للفاصل، وقوله والمعنى أي معنى الآية ولمح البصر وردّ الطرف تمثيل للسرعة، وقوله والمعنى الخ إن كان المراد ما روي أن آصف قال لسليمان مد طرفك، وقبل ردّ طرفه حضر عنده فهو حقيقة لا مثل فقوله ومثل وجه آخر كما في الكشاف ولا يلزم أن يكون مجازاً كما هو في اصطلاح أهل المعاني، وهذا يعرفه من تتبع كتب الأمثال، ويحتمل أن يريد بيان ما كنى به عنه تمثيلا فهووجه واحد. قوله: (حاصلاَ بين يديه) متعلق الظرف إذا كان كونا عامّا كحاصل ومستقرّ وجب حذفه عند النحاة، ولذا أشكلت هذه الآية عليهم فذهب ابن مالك إلى أنه أغلبيّ، وأنه قد يظهر كما في هذه الآية وقوله: فأنت لدى بحبوحة الهون كائن ومن لم يجوّزه قال مستقرّاً هنا بمعنى ساكنا غير متحرّك فهو خاص أو الظرف متعلق برآه، واذا كان بمعنى ساكناً فالمراد أنه قارّ على حاله الذي كان عليه فلا يرد عليه أنه لا فائدة فيه فلا يناسب المقام كما قيل هكذا قرره النحاة، وغيرهم فمن ذكره بحثا من عنده فقد أغرب وشاكلة المخلصين طريقتهم، وقوله من غير استحقاق أي استحقاق بالذات فلا يتوهم أنه سوء أدب، وقوله والإشارة الخ أو إلى الحضور، وقوله من مسيرة شهرين لأنه تحوّل في أثناء ذلك من صنعاء إلى الشام كما قيل، والا فمسافته من صنعاء ثلاثة أيام وما مرّ في الإسراء تقهدم تحقيقه، وقوله بان أجد نفسي في البين أي بان أثبت لنفسي وجودا وتصرّفا في ذلك وليس البين بمعنى البعد كما توهم. قوله: (ومحلها النصب) أي محل هذه الجملة، وفي نسخة محلهما أي أشكروا كفر وقد جعله في سورة الملك مفعولاً ثانياً لفعل البلوى لتضمنه معنى العلم، وقوله فإنما يشكر يعني فائدة الشكر عائدة إليه فإنّ الله غنيّ عن العالمين وشكرهم، والعبء كالحمل لفظا ومعنى، وهو استعارة وليس قوله فإنّ ربي قائم معلوله الذي هو الجزاء، وهو فإنما ضرر كفرانه عليه بقرينة ما قبله حتى يناسب تفسيره بأنه لا يتوقع عوضا، ولا يفعل لغرض يفوت بفوته لأنه لا يناسب قوله كريم. قوله: (بتغيير هيئتة وشكله) قال الراغب التنكير جعل الشيء بحيث لا يعرف ضدّ التعريف ومنه نقل إلى مصطلح أهل العربية، وظاهر أنه لا يكون إلا بتغيير هيئته وشكله عما كان عليه كما ذكره المصنف، ولا فرق بين هذا وبين تفسيره بتغيير معاهده عندهما إلا أنّ قوله عندهما لا وجه له لأنه لم يكن معهودا لسليمان عليه الصلاة والسلام حتى يذكر، والمعهودية إنما هي لصاحبته، وقوله لها يعينه لأنّ لامه للبيان كما في حيث لك فيدلّ على أنها المراد خاصة بالتنكير لأنّ المقصود اختبارها والمراد بالتغيير التغيير في الجملة حتى لا ينافي الاختبار ولا مانع من أن يراد بالهيثة، والشكل معناهما المصطلح كما قيل. قوله: (إلى معرفته) تنازعه الفعلان أو الجواب الصواب بالجرّ معطوف علئ معرفته والمراد بهما ما هو في شأن العرس لئلا يتحد مع ما بعده، وقوله لموقيل إلى الإيمان مرضه لأنّ تنكير عرشها وعدمه لا يتضح كونه متعلقا بجواب الأمر لأنه لا يظهر مدخليته في الإيمان وليس إبقاؤه على حاله أعون كما توهم بل وجهه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أنّ الدعوة السابقة لما كانت دعوة إلى النبوّة فإذا ظهر على يدي الداعي مثل هذه المعجزة من سبق عرشها من تلك المسافة بعدما غلقت الأبواب، والأقفال كان ذلك داعيا لهداية من هداه الله، فما قيل المراد إلى الإيمان منضماً إلى أحد الاحتمالين المذكورين كما يشير إليه قوله كانها ظنت الخ ناشئ من سوء الفهم، وقوله مغلقة عليها الظاهر عليه بتذكير الضمير فيهما إلا أنه على تقدير مضاف أي على عرشها والحرّاس جمع حارس. قوله: (تشبيهاً عليها) تعليل لقوله قيل أي لم يقل أهذا عرشك لئلا يكون تلقيناً للجواب بل قيل إعرشك مشابه لهذا ليختفي حاله عنها لأنها ربما ظنته عرشاً مثله إذا لم يكن لها فطنة فهو إمّا بمعناه المعروف وضمن معنى لتلبيس أي ليس عليها الأمر للتشبيه، وترك التصريح لأنها كانت جنية كما قيل فخافت الجن من أن يتزوّجها فيرزق منها ولدا يحوز فطنة الإن! وخفة الجن فيضبطهم ضبطا قويا فرموها عنده بالجنون، وان رجليها كحوافو البهائم فلذا اختبرها بهذا، وبما يكون سببا للكشف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 عن ساقيها، أو هو تفعيل من الشبهة وهي أن لا يميز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من شدة التشابه عيناً أو معنى، والمراد إلقاء للشبهة عليها لما ذكر وأما تلقين التشبيه فلا يفوّت زيادة الامتحان كما قيل. قوله: (ولم ئقل هو) أي هو هو لاحتمال أن لا يكون عينه فأتت بكأنّ الدالة على غلبة الظن في اتحاده معه مع الشك في خلافه، ولم تقل أظنه هو ليطابق الجواب السؤال، وهذا إشارة إلى أنّ كأنّ ليس المراد بها هنا التشبيه بل الشك، وهو مشهور فيها وهذا دليل على كيسها وفطنتها والفرق بين كأنّ وهكذا في التشبيه كما أفاده صاحب الانتصاف أن كان تفيد قوّة الشبه حتى كأنّ المتكلم شكك نفسه في تغايرهما وهكذا تفيد الجزم بتغايرهما، والحكم بوقوع التشبيه بينهما فلذا عدلت عنها. قوله: (من تتمة كلامها الا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام وأتباعه، وضمير لها لبلقيس وقوله أو المعجزة معطوف على الحالة وضمير قبلها لها فالمعنى لا حاجة إلى لاختبار لأني آمنت قبل وهذا يدل على كمال عقلها أو المعنى علمنا إتيانك بالعرس قبل الرؤية أو هذه الحالة بالقرائن أو الأخباو. قوله: (وعطفوه على جوابها) أي على ما أجابوها به إذ أجابت فهو عطف على مقدر اقتضاه المقام المقتضى للإفاضة في وصفها برجاحة الرأي ورزانة العقل في الهداية للإسلام فالتقدير أصابت كيت وكيت، وأوتينا العلم الخ فسقط ما قيل عليه من أنه لا مجال للعاطف بين كلامي شخصين إلا في العطف التلقيني وما نحن فيه ليس منه، ومن لم يدره قال لا بد على هذا من تقدير القول ني الحكاية لا ني النظم أي وقال سليمان، وقومه عاطفين كلامهم على كلامها فعطفهم من المحكي ولا بد للعطف في الحكاية من تقدير القول، وهذا مع أنه لا محصل له تعسف أنت في غنى عنه بما مرّ. قوله: (لما فيه من الدلالة على لسأنها الغ الا يخفى أنها لم تجزم بما ذكر من كونها معجزة مع أنّ مجرّد العلم بأنها معجزة لا يدل على الإيمان بدون التصديق، والإذعان ولا دلالة في الكلام عليه، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وأخره عكساً لما في الكشاف لما ذكر مع ما فيه من التقدير، هذا محصل ما في الحواشي، وأنت إذا تأمّلت كلام الزمخشريّ عرفت أنّ المصنف لم يأت بزبدته فوقع فيما وقع فيه، وهذه عبارته لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به مقاماً أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم، وأوتينا العلم نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو قد أصابت في جوابها، وطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام شكر الله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها، ومحصله انّ في الكلام طيا لما ذكروه من علمهم بإسلامها، وانقيادها وتصديقها بالمعجزات وذلك المطوي هو المعطوف عليه وليس الدال على ذلك قولها كأنه هو بل جعل علمهم واسلامهم قبلها فإنه يومي إلى ما ذكر فتدبر فإنّ هذا المقام مما زلت فيه الأقدام، وقوله ويكون غرضهم الخ إذ لا فائدة في وصف سليمان عليه الصلاة والسلام وقومه بما ذكر وهو معلوم. قوله: (تجويزا غالبا (هو من قوله كأنه هو، وقوله واحضاره أي العرس ثمة من معجزات سليمان فإن كان هو الذي أحضره فلا كلام فيه، وكذا إذ! كان من أيد به من الملائكة فإن كان آصف أو عفريتا فلأنّ إقدار الله له لما كان لسليمان وقد جرى ذلك بأمره وعلى يديه كان معجزة له، ثم إنّ المراد بالمعجزة مطلق ا! خارق للعادة، وان لم يكن معه تحد فإنها كثيراً ما تستعمل بهذا المعنى فلا يرد عليه شيء وقوله لا يقدر عليها غير الله أي لا كسبا ولا خلقا فلا مخالفة فيه لمذهب الأشاعرة، وقوله ولم نزل الخ الاستمرار من كان وهي في الوجه الأوّل لمجرّد المضيّ وضمير قبلها لبلقيس. قوله: (وصدّها عبادتها الخ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية والمصدر فاعل صد، ويجوز كونها موصولة واقعة على الشمس أو الشيطان والإسناد مجازفي فيهما، وقوله أو وصدها الله ففاعل صد ضمير الله وما مصدرية قبلها حرف جرّ مقدّر وهو عن، ويجوز كون الفاعل ضمير سليمان وما موصولة أيضا واذا أبدل من فاعل صد فهو بدل اشتمال، وعلى التعليل قبله لام مقدرة وعلى الكسر هي أيضاً مفيدة للتعليل. قوله: (قيل لها ادخلي الم يعطف على قوله قيل أهكذا لأنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 استئناف في جواب ماذا قيل لها بعد الامتحان ولو عطف لم يفد ذلك، وضمير رأته إذا كان الصرح القصر له بتقدير مضاف أي رأت صحنه، وقوله وكشفت لا حاجة إلى عطفه على مقدر أي شمرت وكشفت لأنّ الكشف عنه عينه، ولذا قال المصنف في تفسيره فكشفت إشارة إلى تفرّعه عنه باعتبار ما ذكر، وإنما ترك الفاء فيه في النظم لأنّ الشرط سبب له بواسطة ما عطف عليه كقولهم إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت أي، واذا استاذنت خرجت ومن زعم أنّ فيه مقدراً حسب المصنف غفل عنه هو الغافل، وسيأتي تحقيقه في الفتح وضمير من تحتها للزجاج، وهو يجوز تأنيثه لأنّ واحده زجاجة، ووضمع السرير في صدره لتمرّ إليه فتحتاج لما ذكر. قوله: (بالهمز) أي بهمز ألف ساق خلا على جمعه لأنه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قلبها همزة فانجرّ ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه، وادعاء أنها لغة فهي يأباه الاشتقاق وفيه ردّ على من قال إنّ هذه القراءة لا تصح، وممرّد بمعنى مملس ومنه الأمرد، وقوارير جمع قارورة، وقوله بظني بسليمان أي بظني السوء به، ولذا فسره بقوله فإنها الخ وذي تبع من ملوك اليمن ويقال لهم الإذواء لأنّ أعلامهم تصدر بذو والمراد صاحب هذا الاسم كذي يزن وقد بين في محله، وهمدان بسكون الميم ودال مهملة من بلاد اليمن وبفتح الميم من بلاد العجم. قوله: (بأن اعبدوا الله الخ) على أنّ إن مصدرية يجوز وصلها بالأمر، ولا ضير فيه كما مرّ ويجوز كونها مفسرة لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه، ويجوز تقدير اللام أيضاً وصالحاً بدل من أخاهم أو عطف بيان. قوله تعالى: ( {فَإِذَا هُم} ) أي ثمود لأنه اسم للقبيلة كما ذكره الراغب أو هؤلاء ليشمل صالحاً والأصح الأوّل، وقوله ففاجأ وأشارة إلى أنّ فجائية، وقوله فآمن فريق وكفر فريق أي من ثمود وجعل المصنف رحمه الله في الأعراف أحد الفريقين صالحاً وحده، والآخر قومه والحامل عليه كما ذكره ابن عادل العطف بالفاء فإنها تؤذن أنهم بمجرّد الإرسال صاروا فريقين ولا يصير قومه فريقين إلا بعد زمان ويأباه قوله أطير نالك وبمن معك وتعقيب كل شيء بحسبه على أنه يجوز كون الفاء لمجرّد الترتيب كما في المغني، وفريق الكفرة أكثر ولذا ناداهم بقوله يا قوم لجعلهم في حكم الكل وقوله والواو أي ضمير يختصمون، وهو صريح في أنه صفة فريقان إذ لو كان خبراً ثانيا كما قيل لكان بقوله هم فما أوهمه من قوله ففجاؤوا التفرّق والاختصام ليس بمراد فإنه بيان لحاصل المعنى، ومفاجأة التفرّق وقوعه عقب الإرسال، والمعنى فاجأ إرسالنا تفرّقهم واختصامهم فليس وجها آخر كما توهم والكفر والإيمان معنى افتراقهم، والاختصام معلوم منه أو هو ما وقع في محل آخر بقوله: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [سورة سبأ، الآية: 32] الآية وقوله يختصمون دون يختصمان على المعنى للفاصلة، والعامل في إذا مقدّر لا يختصمون لأنّ معمول الصفة لا يتقدّم على الموصوف، وقوله: قال يا قوم الخ جملة مستأنفة بيان لما جرى معهم لا للاختصام وإن صح. قوله: (بالعقوبة) هذا ما في الكشاف وغيره ولم يحملوا السيئة على ظاهرها لأنّ المعنى عليه، وكذا الكلام في حمل الحسنة على التوبة والتقابل حاصل من كون أحدهما حسنا والآخر سيئاً فلا وجه لما قيل من أنّ الأنسب بتفسير الحسنة بالتوية تفسير السيئة بالمعاصي، وليس بسديد مع أنّ المعصية قبل التوبة قما وجه العتاب حينثذ، وقوله فتقولون الخ تفسير لاستعجالها وقد مرّ في الأعراف والقرآن يفسر بعضه بعضاً فلا مجال لما مرّ. قوله: (قبل التوية) مرّ وجه اختياره، وأمّا تفسيرها بالحال الحسنة وهي رحمة الله فغير مناسب للحال كما أشار إليه بقوله: (فإنهم كانوا يقولون) الخ ويعين هذا قوله لولا الخ فما ذكر لب التفسير بالمأثور، وما سواه من القشور. قوله: (تستنفرون الله قبل نزوله) أي العذاب تخطئة لهم وتجهيل فإنّ الاستغفاو إنما ينفع قبل معاينة العذاب وما ذكر من العقوبة والتوبة إنما قدروه على قول صالح، وهو خاطبهم على حسب اعتقادهم، وقوله: فإنها لا تقبل حينئذ أي حين نزول العذاب ومشاهدة البأس. قوله: " ذ قتابعت) تعليل لقوله: {اطَّيَّرْنَا بِكَ} وقوله ووقع في نسخة أو وقع وهو بيان لما به التشاؤم من أحدهما أو مجموعهما، وقوله: مذ اخترعتم راجع لتتابعت ووقع على التنازع وفسر أطيرنا بتشاء منا ويكون تطير بمعنى نفر وهو صحيح أيضا. قوله: (سببكم الذي جاء منه شرّكم الما كان المسافر من العرب إذا خرج مرّ به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 طائر سانحا وهو ما وليه بميسرته أو بارحاً وهو ما وليه بميمنته تيمنوا بالأوّل وتشاءموا بالثاني، ونسبوا الخير والشر إلى الطائر، ثم استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنقمة ومنه طائر الله لا طائرك، فقوله سببكم مبتدأ والذي خبره والمراد سبب تشاؤمكم ما ذكر لا نحن فالحصر إضافيّ، وقوله وهو راجع إلى سببكم، وقدر بفتحتين أي ما قدره لله وذكر الشر دون الخير لأنه المناسب وقد يفسر بأنه في علمه وهو قريب منه. قوله: (تختبرون الخ) تفسير لتقتنون لأنّ أصل معنى الفتنة تصفية الذهب من الغش كما مرّ، وقد يفسر بالتعذيب أو وسوسة الشيطان بالطيرة. قوله: (تسعة أنفس) أي تسعة أشخاص لأنّ النفس تكون بمعنى الشخص فتذكر كما في المصباح فلا يرد الاعتراض عليه بأنه مؤنث فكان الظاهر رجال بدله مع أنّ تأنيثه لفظي سماعي، والمذكور في النظم رهط وهو مذكر فلا يضر تفسيره به، وإنما اختاره لأنّ مثله من العدد يضاف لجمع القلة كما أشار إليه بقوله باعتبار المعنى بعده وليس المراد أنّ الرهط بمعنى النفس بل أنّ التسع من الأنفس هي الرهط فتدبر 0 قوله: (وإنما وقع تمييزا للتسعة) لأنّ العدد يضاف لتمييزه إذا كان جمع قلة فميا دون العشرة فإذا ذكر بعده اسم جمع فالقياس جرّه بمن كخمسة من القوم قال تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} [سورة البقرة، الآية: 260] فإضافته إليه كما هنا نادرة ولذا صرحوا بأنه لا يقال ثلاثة قوم لكنه لما كان بمعنى جمع القلة أجرى مجراه، ولذا فسره بأنفس دون رجال ومن لم يقف على مراده قال الصواب رجال، وقال السفاقسي قدروه تسعة رجال وقال الزمخشريّ: إنما جاز تمييز التسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة فكأنه تسعة أنفس، والأوّل أولى لأنه لو قدر إضافته لا نفس قيل تسع بالتانيث إذ غيره شاذ ورهط اسم جمع وفصله بمن هو الفصيح اتفاقاً كخذ أربعة من الطير واختلفوا في جواز إضافة العدد إليه فقال الأخفش هو نادر لا ينقاس، وفصل قوم بين أن يكون اسما للقلة كرهط ونفر وذود فيجوز إضافته له أو للكثرة، أو يستعمل لهما فلا يجوز إضافته كما قاله المازني اهـ. قوله: (والفرق بينه وبين النفر الخ) والغاية داخلة هنا لقوله في الأحقاف والنفر دون العشرة فإنه يدل على دخولط التسعة كما أنّ قوله من الثلاثة يدل! على خروح الاثنين فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بما في القاموس فقوله في سورة الجن والنفر ما بين الثلاثة والعشرة قول آخر، ولم يذكر اختصاصه بالرجال كالقوم وقد صرّح به بعض أهل اللغة. قوله: (أي شأنهم الإفساد) المراد أنه عادتهم المستمرّة كما يفيده المضارع، وتأكيده بقوله في الأوض الدال على عموم فسادهم وهو صفة رهط أو تسعة، وقوله الخالص عن شوب الصلاج أي مخالطته من قوله ولا يصلحون. قوله: (أمر) أي فعل أمر من المقاسمة أو فعل ماض بدل من قالوا أو هو حال والمقول لنبيتنه وقيل إنه محذوف، وقوله: لنباغتن من البغتة أي مفاجاتهم بالإيقاع بهم ليلاَ وهم غافلون، ومن قرأه بالنون فتح ما قبل نون التأكيد وعلى قراءة غيره هو مضموم، وقوله على أن تقاسموا خبر الخ وهو على قراءته بياء الغيبة إذ لا معنى له على تقديره أمرا وعلى غيره يجوز فيه الوجهان وقد مرّ تفصيله، وقوله فيه القراآت أي بالياء التحتية والتاء والنون والكلام فيه كالكلام فيما فبله بعينه، وقوله لو لي دمه بيان للمعنى المراد أو لأنّ فيه مضافاً مقدرا، والبيات الهجوم على العدوّ بغتة بالليل وفي الكشاف أنه أشير على الإسكندر بالبيات فقال ليس من آيين الملوك استراق الظفر. قوله: (ما شهدنا) معناه ما حضرناه وهو أبلغ من ما قتلناهم، ولذا لم يذكروا قتل صالح عليه الصلاة والسلام لأنّ من لم يقتل أتباعه كيف يقتله ولما كان هذا مستلزما له لم يذكر فلا حاجة إلى اعتبار فضلاً مرّتين أي فضلاً عن أنّ تولينا إهلاكه وفضلاً أن تولينا إهلاكهم مع أنه لا حاجة إلى اعتبار فضلاً إذ يكفي تقديره هكذا إهلاكهم، وإهلاكه وأمّا رجوع ضمير أهله إلى وليه حتى لا يحتاج إلى تقدير فلا وجه له لأنه خلاف الظاهر ولا يتعين أهلكم بالخطاب حينئذ كما قيل إنّ حقه أهلك أو أهلكم وقد مرّ أنه قرى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [سورة آل عمرأن، الآية: 12] بالخطاب والغيبة ووجهه ظاهر وسيأتي وجه آخر لذكر مهلكهم دون مهلكه. قوله: (وهو) أي لفظ مهلك في النظم يحتمل الوجوه الثلاثة لكن نسبته إلى الزمان مجازية إذ كل موجود في زمان نبيّ فهو شاهد له، ووجودهم فيه محقق لا يحتمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 الإنكار فالمراد بشهوده المنفي شهود الهلاك الواقع فيه، وقوله كمرجع خصه بالتمثيل لأنه نادر وقد قالوا إنّ المهلك والمرجع والمحيض والمكيل مصادر أربعة لا خامس لها، وقد تقدّم تفصيله في سورة الكهف. قوله: (ونحلف إنا لصادقون) إشارة إلى أنه معطوف على قوله ما شهدنا فهو من جملة المقسم عليه، وقوله لأنّ الشاهد للشيء غير المباشر له توجيه لادعائهم الصدق وهم عقلاء ينفرون عن الكذب ما أمكن بأنّ حضور الأمر غير مباشرته في العرف لأنه لا يقال لمن قتل رجلاَ إنه حضر قتله، وإن كان لاحضور لازماً للمباشرة فحلفوا على المعنى العرفي على العادة في الإيمان وأوهموا الخصم أنهم أرادوا معناه اللغوي فهم صادقون غير حانئين، ولا بعد فيه وكونهم من أهل التعارف لا يضرّ كما قيل بل يفيد فائدة تامّة. قوله: (أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده الخ) كذا في الكشاف ورده في الانتصاف بأنّ من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة، وإنما تتمّ الحيلة لو فعلوا أمرا واحدا وادعى عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع، ولذا لم يختلف العلماء في أنّ من حلف لا أضرب زيدا فضرب زيدا، وعمرا كان حانثاً بخلاف من حلف لا أضرب زيدا وعمراً ولا آكل رغيفين فأكل أحدهما فإنه محل الخلاف إلا أنه قد يكتفي بمثله في المعاريض، وتبرئتهم من الكذب فيما ذكر غير لازم حتى يتكلف له ما ذكر والذي دعا الزمخشريّ له ادعاء القبح العقلي في الكذب حتى ترى الكفرة مع كفرهم لا يرضونه. قوله: (بهذه المواضعة) أي الحيلة في ادعاء الصدق المذكور وقوله بأن جعلناها أي الحيلة والمواضعة المذكورة، ومكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح عليه الصلاة والسلام ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون على سييل الاستعارة المنضمة إلى المشاكلة كما في الكشاف وشروحه، وقوله في الحجر هي مدينتهم، وقوله يفرغ منا وفي نسخة عنا أي يهلكنا فيخلو عنا، وقوله إلى ثلاث الغاية داخلة هنا بقرينة وقوع قوله قبل الثلاث في مقابلة فلا يرد عليه ما قيل إنه كان عليه أن يقول بعد ثلاث لأنه كذلك في الواقع، وقوله: ليقتلوه يعني إذا جاء الشعب، وقوله فوقع عليهم الوقوع هنا بمعنى النزول نحوهم لا إهلاكهم فلا يخالف ما بعده، وقوله: فهلكوا أي في الشعب بالجوع والعطش أو بالصيحة فيكون قوله بالصيحة تنازعه الفعلان والأوّل أظهر رواية ودراية. قوله: (فخبرها كيف) أي لوقوعها قبل ما لا يستغنى أي كانت عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعبر به، والجملة في محل نصب على أنها مفعول انظر، والاستئناف لتفسير العاقبة، وقوله أو خبر محذوف الظاهر أنه الشأن أو ضميره لا شيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه ببقا المحذور في جعله خبر كان ولا يرد عليه أنّ ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فإنه غير مسلم، ولا أنه يجوز كونه خبر كان ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ والخبر إذ رجوعه إليه نفسه غير لازم فإنه تكلف، وهو إنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل بأنه إذا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به كما مرّ تقريره في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [سورة البقرة، الآية: 234] وغيره من النحاة يأباه. قوله: (وإن جعلتها تامّة) أشار يتاخيره لمرجوحيته، ولذا لم يقل إن جعلت كقسيمه وفي قراءة الفتح وجوه تبلغ العشرة، وقوله خبر محذوف هو ضمير العاقبة، وقوله بدل من اسم كان أو من فاعلها وعلى الخبرية هو مفرد تأويلاَ لا يحتاج إلى رابط، وقوله وكيف حال أي على الوجه الأخير وقوله على أنه خبر محذوف أي أو خبر بعد خبر أو خبر وبيوتهم بدل من تلك، وقوله فيتعظون تفسير له لا تفريع لأنّ الآية يعني العبرة هي في الحقيقة الاتعاظ، وقوله: فلذلك أي لإيمانهم وتقواهم إشارة إلى أنّ التعليق بالموصول للتعليل وهو ظاهر. قوله: (لدلالة ولقد أرسلنا) أي قبله في قصة صالح وعلى الوجهين هو من عطف قصة على قصة، ولم يجعله معطوفا على صالحاً مع تبادره ولا على قوله الذين آمنوا قبله مع قربه كما ذكره المعرب تبعا للبحر لأنه غير مستقيم لأنّ صالحاً بدل أو عطف بيان لأخاهم، وقد قيد بقيد مقدم عليه، وهو إلى ثمود فلو عطف عله تقيد به، ولا يصح لأنّ لوطا عليه الصلاة والسلام لم يرسل إلى ثمود، وهو متعين إذا تقدّم القيد بخلاف ما لو تأخر كم صرحوا به مع أنّ تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد كما ذكره في المطوّل لكنه خلاف المألوف في الخطابيات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 وارتكاب مثله تعسف لا يليق فلذا لم يلتفتوا إليه مع تبادره في بادئ النظر، وأمّا عطفه على الذين آمنوا وان كان لا محذور فيه إلا أنه لا ينايسب أساليب سرد القصص من عطف إحدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى ودليلها كما لا يخفى، وقوله بدل أي بدل اشتمال له وقوله: أتأتون معناه أتفعلون والاستفهام إنكاري. قوله: (تعلمون الخ) فالتعبير به لأنه لظهوره كأنه محسوس، وقوله: بيان بعد إبهامه للتقرير وهو أوقع، وقوله وتعليله إشارة إلى أنه مفعول له وقد جوّز فيه الحالية أيضاً، وقوله: قضاء الوطر إشارة إلى أنّ المراد لقضاء الشهوة ومقتضاه النفرة لا الشهوة إذ هي ليست في محلها كما أشار إليه بقوله من دون النساء فهم مخطئون في محلها فعلا وتركا وتعبيره بالرجال دون الذكران تقبيح على تقبيح، وبيان لاختصاصه ببني آدم. قوله: (تقعلون فعل من يجهل قبحها الخ) هذه الوجوه لبيان أنه لا ينافي قوله تبصرون، وقوله والتاء فيه أي تاء الخطاب مع أنه صفة لقوم، وهو اسم ظاهر من قبيل الغيبة لمراعاة المعنى لأنه متحد مع قوله أنتم لحمله عليه وقد جعلوه من التغليب وأورد عليه أنه من قبيل المجاز ولا قجوز فيه هنا، وأجيب بأنّ نحو تجهلون موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة، وهنا ليس كذلك كما فصله الحفيد في حاشية المطوّل وجعله بعضهم التفاتاً. قوله: " لا أن قالوا) استثناء مفرغ والمراد بآل لوط هو ومن اتبع دينه فلا تدخل امرأته فيهم وقوله إنهم أناس الخ تعليل للأمر على وجه يتضمن الاستهزاء، وقوله: ويعدون فالمعنى يزعمون التطهر وهم متكلفون بإظهار ما ليس فيهم، وفاء فأنجينا فصيحة أي أهلكناهبم وأنجينا الخ قوله قدّرنا كونها قدّر فيه مضافا لأنّ التقدير يتعلق بالفعل لا بالذات بالذات كما يدل عليه قدرنا إنها لمن الغابرين في آية أخرى وقوله مرّ مثله أي في الثمعراء وقد ذكرنا تفسيره وتفصيله ثمة. قوله تعالى: ( {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} الخ) فسره بعضهم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله في آية أخرى: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [سورة الصافات، الآية: 181] وعمم آخرون وإليه يشير قوله من عبيده ولا يلزمه السلام على غير الأنبياء لأنه ليس استقلالاً وسلام مبتدأ أو معطوف على الحمد وقوله بتحميده متعلق بأمر وفي نسخة أمر به فيكون هذا بدلاً منه بإعادة العامل وما خص به معطوف على قوله القصص، وقوله: شكراً إمّا منصوب على المصدرية بتحميده أو مفعول له، وقال: على ما أنعم عليهم دون عليه لدخوله فيهم دخولاً أولياً ولأنهم كنفس واحدة فالإنعام عليهم إنعام عليه وقوله: وعرنانا معطوف على شكر التعليل السلام فإن كان بمعنى المعرفة، وهو الظاهر يكون حاملاً وإن كان بمعنى الاعتراف يكون غاية. قوله: (أو لوطاً) معطوف على قوله رسوله فيكون حكاية وأخره لعدم ملاءمتة لما بعده ولاحتياجه إلى تقدير وقلنا له، وعلى ما ذكر المصنف هو تخلص من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى ما جرى له مع المشركين وجعله الزمخشريّ اقتضابا كانه خطبة مبتدأة قال: ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم إمام كل علم مفاد. قوله: (آلله) بالمدّ لقلب الهمزة ألفا وما في أم ما موصولة كما أشار إليه المصنف، وجوّز فيها المصدرية بتقدير أتوحيد الله خير أم شركهم، وقوله إلزام لا رخاء العنان بتسليم أنّ فيهم خيرية والتسفيه نسبتهم إلى السفاهة. قوله: (وبين من هو مبدأ كل خيرا لا يخفى حسن الطباق بين الرأس والمبدأ مع أنه مبدأ كل شيء تأدّبا ومناسبة للمقام فلا وجه لما قيل إنه تخصيص قدريّ او شرك خفيّ، والتوحيد الأبلج أن يقال كل شيء بدله، والموازنة من الهمزة وأم المعادلة. قوله: (بالتاء) الفوقية ومعنى التحتية أي أم الذي يشركونه هؤلاء المهلكون، وقوله: بل أم من أي ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة والإضراب عن الاستفهام التوبيخي في المعادلة إلى الاستفهام التقرير، والخبر مقدر وهو خير وقوله لأجلكم إشارة إلى أنّ اللام تعليلية لأنّ المقصود انتفاعهم. قوله: (لتثيد اختصاص الفعل بذاته) يعني أنّ فائدة الالتفات من الغيبة إلى التكلم الخاصة بهذا تأكيد معنى اختصاص الفعل، وهو الإنبات بذاته لأنه لو قيل أنبت الخ أفاد اختصاص الإنبات به بحكم المقابلة بين أخ! الشركاء، وخالق الأرض والسماء، فإذا التفت ونسب الفعل لذاته تأكد ذلك الاختصاص لضم إسناد الفعل لذاته إلى المقابلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 والإيذان بأنه لا يقدر عليه غيره من ضمير العظمة دفعاً لتوهم أنّ غيره له قدرة عليه كما إذا بذر وسقي بأنه هو الخالق لمباديها التي لا قدرة لأحد عليه كالأرض والسماء، وانزال الماء ورشح ذلك بقوله ما كان لكم الخ وقوله البهية تفسير لمعنى البهجة وهي الحسن، والموادّ المتشابهة الأرض والماء والعناصر الأربعة واخراج ألوان مختلفة من مادّة واحدة أمر عجيب كما قيل في وصف المطر: يمدعلى الآفاق بيض خيوطه فينسج منهاللثرى حلة خضرا فقوله: أشار إليه أي إلى انتفاء قدرة غيره عليه، وقوله ص! الأحداق وهو الإحاطة إشارة إلى أنّ الحديقة بستان يحيط بجوانبه الحائط. قوله: (أغيره يقرن به) أي الاستفهام إنكاري، والمعنى لا يليق ذلك والتكوين من صفاته تعالى، والفرق بينه وبين الخلق مبسوط في علم الكلام وبتوسيط عطف على قوله إلها، وكذا قوله وإخراج وهو معلوم في الأداء، وقوله بين بين بالتركيب والبناء على الفتح وهو التسهيل المعروف عند القرّاء واختلف في الحرف المسهل هل هو متحرّك أم ساكن والصحيح الأوّل، وقوله يعدلون عن الحق فهو من العدول لا من عدل بغيره وان جوّز لأنّ هذا أنسب بما قبله ولأنّ من ليس معه غيره كيف يعادل بغيره فيصير ذكر. لغواً. قوله: (بدل من أمّن خلق السموات) إذا كنت أم منقطعة، والجعل إن كان تصييرياً فالمنصوبان مفعولان وإلا فالثاني حال مقدرة، وقوله: بحيث يتأتى الخ فقراراً بمعنى مستقرّاً لا بمعنى قارة غير مضطربة وان استلزمه فلذا فسر بهذا لأنه أتمّ فائدة، وقوله أوساطها وفي نسخة وسطها لأنّ الخلال جمع خلل وهي الفرجة بين الشيئين فهو ظرف حل محل الحال أو المفعول الثاني، وقوله جارية إشارة إلى أنّ المراد بالأنهار ما يجري فيها لا محلها الذي شق. قوله: (جبالاً تتكوّن فيها المعادن الم يتعرّض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان كما في المدارك لأنه لو كان المقصود هذا ذكرت عقب جعل الأرض قرارا، فمن قال الأولى أن يتعرّض له هنا أو في تفسير قوله قرارا لم يأت بشيء، وقوله وينبع الخ إشارة إلى وجه تعقيب الأنهار به. قوله: (الذي أحوجه الخ) هذا تفسير للمراد به هنا وأصل معناه من وقع في الضرورة مطلقا كما ذكره واللجأ الالتجاء والاسنناد، والضرورة ما يضرّ المرء ويحوجه، وقوله: واللام فيه للجنس إنما حمله عليه لأنه كم من مضطرّ لا يجاب، ويجوز حمله على الاستغراق وهو مقيد أي يجيب كل مضطرّ إن شاء أوإن علم فيه مصلحة كما في الكشاف على ما فيه، وقوله ويدفع الخ المراد بالدفع ما يشمل الرفع. قوله: (خلفاء فيها) بيان لحاصل المعنى أو لأنّ الإضافة فيه على معنى في وقوله ممن قبلكم أي من بني آدم أو غيرهم، والنعم العامّة الماء والنبات والقرار في الأرض التي لا تخص الناس والخاصة الخلافة أو العامّة للناس، وهي خلافه الأرض بتفسيره والخاصة ببعض الناس كإجابة المضطرّ ودفع السوء. قوله: (أي ثذكرون ا3ءه تذكوا قليلاَ الخ) بيان لمعنى النظم على وجه يتضمن الإشارة إلى زيادة ما فيه وأنّ المفعولط محذوف للفاصلة، وهو آلاؤه أي نعمه وأنّ قليلاً منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدّر ولما كانت القلة قريبة من العدم استعملوها تارة للنفي، وتارة بمعنى مقابل الكثرة فقوله والمراد بالقلة العدم على الأوّل وقوله أو الحقارة على الثاني، وقوله: المزيحة للفائدة من الإزاحة بالزاي المعجمة والحاء المهملة بمعنى المزيلة لفائدة التذكير لنعم الله وهي توحيده الموصل للسعادة العظمى فإنها ليست فيهم لأنهم مشركون فلا اعتداد بتذكرهم فلذا صح نفيه واثباته وفيه تأمّل، وقوله: بالياء أي التحتية وتشديد الذال، وقوله وتخفيف الذال من تذكرون بحذف إحدى التاءين. قوله تعالى: ( {أَمَّن يَهْدِيكُمْ} ) قيل في تفسيره: (يرشدكم بالنجوم في طلمات البرّ والبحر) ليلاً وبعلامات في الأرض نهارا والظلمات ظلمات الليالي يعني أنه تعالى هو الهادي في الليل والنهار لأنه إذا هدي في الظلمة علم أنه الهادي في غيرها بالطريق الأولى فلا يهو في كلامه كما قيل، ولا ينافيه تفسيره الظلمات بما ذكر وملابسة الظلمة كونها فيهما وقوله: (بالنجوم وعلامات الأرضر) لف ونشر مثوّس أو هو لكل منهما لأن من في البحر قد يهتدي بعلامات الأرض وما يتبعها كما في قوله: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [سورة النحل، الآية: 6 ا] والمنار ما يوضع على الطرق لمعرفتها وعلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 الوجه الثاني هو استعارة وجعلت الطريق نفسها ظلمة مبالغة. قوله: (يعني المطر) تفسير للرحمة فإنها تطلق عليه وقد مرّ تفسير قوله بثرا في الفرقان. قوله: (ولو صح الخ) إشارة إلى عدم صحته عند أهل الشرع، وهو قول الحكماء إنّ سبب تكون الريح قد يكون بسبب برد الدخان المتصعد إلى الطبقة الزمهريرية، وذكروا له أسباباً أخر، ولذا قال اكثريّ: وتمويجها أي تحريكها معطوف على قوله معاودة يعني أنّ ما ذكره لا ينافي كون الرّياح مرسلة من الله، وهو ظاهر ولو لم يذكر مثله كان أحسن. قوله: (عن مشاركة العاجز المخلوق) إشارة إلى أنّ ما مصدرية ويجوز كونها موصولة، والعائد محذوف للفاصلة وفيه مضاف مقدر كمشاركة ومقارنة وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله، وهذا كالنتيجة لما قبله. قوله: (والكفرة وإن أنكروا الخ) جواب عما يقال إنّ الكلام مع المشركين وأكثرهم منكر للإعادة فكيف خوطبوا به خطاب المعترف بأنها لظهورها، ووضوح براهينها جعلوا كأنهم معترفون بها لتمكنهم من معرفتها فلم يبق لهم عذر في الإنكار فلا حاجة إلى القول بأنّ منهم من اعترف بها فالكلام بالنسبة إليه، وقوله بأسباب سماوية وأرضية يعني أنّ من ابتدائية داخلة على السبب لأنه مبدأ مسببه، وقوله: يفعل ذلك قدّر في الأوّل يقدر وهنا يفعل ليكون تأسيساً، وراعى فيه الترتيب بين القدرة والفعل لتقدّمها واقتصر على القدرة في قوله على أن غيره يقدر لأنه يلزم من نفي القدرة نفي الفعل. قوله: (في إشراككم الخ) أي في أنّ لله شريكاً في الألوهية الذي أنكر في قوله أإله مع الله بأن يثبتوا لشيء قدرة على ما هو قادر عليه فإنّ ذلك من لوازمها كما أشار إليه بقوله فإنّ كمال القدرة الخ فلا يرد عليه أنّ الأنسب على هذا أن يقال هاتوا برهانكم على إشراككم إن كنتم صادقين فيه فإنا قد أتينا بدلائل التوحيد. قوله: (لما بين اختصاصه بالقدرة التامّة) في قوله أمّن خلق السموات إلى هنا فقوله أتبعه بما هو كاللازم له أي اتبع اختصاصه المذكور بما هو كاللازم لذلك الاختصاص أو لله، وقال: كاللازم لأنه لا تلازم بينهما عقلا وإن لم ينفك أحدهما عن الآخر في الواقع كما لا تلازم بين القدرة وعلم الغيب أيضا، والمقصود بيان المناسبة بين هذا وما قبله بأن كلاً منهما مما اختص به تعالى وأنهما كالمتلازمين لأنّ من تفكر في بدائع مصنوعاته الدالة على كمال قدرة صانعها الحكيم علم كمال علمه المحيط، ولذا قال: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [سورة الحشر، الآية: 22] فتدبر. قوله: (والاستثناء منقطع الأنه تعالى عن أن يكون ممن في السماء والأرض! ولغة بني تميم في المنقطع اتباعه لما قبله والحجازيون ينصبونه، وأنما اختار اللغة التميمية لما ذكره من المبالغة في نفي علم الغيب فإذا استحال كونه فيهما استحال علم أهلهما به، وهذا إنما يتأتى إذا جعل الاستثناء منقطعا تحقيقا متصلا تأويلا وهي نكتة سرّية. قوله: (أو متصل الخ) هذا ردّ على الزمخشري، والاتصال على أنّ المراد بمن فيهما من اطلع عليهما اطلاع الحاضر فيهما مجازاً مرسلاً أو استعارة، ولا يلزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز وان قال به المصنف رحمه الله وإمّا التسوية بينه تعالى وبين غيره في إطلاق لفظ واحد المنهيّ عنه في حديث: " ومن بعضهما فقد غوي " فليس بمحذور لوروده في كثير من الآيات والأحاديث ووجه النهيّ عنه مفصل في كتب الحديث وقد مرّ في الكهف طرف منه. قوله: (متى الخ) إشارة إلى أنّ إيان استفهام عن الزمان، ولذا قيل: إنّ أصلها أيّ آن أي أيّ زمان وان كان المعروف خلافه، وما هو ما لهم البعث وقوله بالغ فيه أي في تعنى نفس شعورهم بمآل أمرهم وهذا هو الموافق لما في الكشاف، وأمّا كون الضمير لنفي علم الغيب عنهم كما قيل وإن كان لازماً ضمنا فيأباه قوله أضرب عنه فإنّ الإضراب عن نفي الشعور قطعاً وقوله، انتهى وتكامل تفسير لأدرك في هذا الوجه، وقوله من الحجج والآيات بيان لما وقوله وهو راجع إلى ما وتفسير له، وقوله لا يعلمونه خبر أنّ، وقوله أسباب علمهم إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدّرا أو أنه مجاز يجعل علمهم بالأسباب علماً بالمسبب لتسببه عنه فأضرب عن جهلهم الأوّل إلى جهل أعمّ منه وأشدّ لتوفر أسبابه، وقوله كما ينبغي مفهوم من السياق والمعنى بل انتهى علمهم في أمر الآخرة، وانكارهم لها لي ما هو أعظم وأقوى في الجهل. قوله: (كمن تحير الخ) أتى بالكاف لئلا ينافي قوله قبلة تكامل فيه أسباب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 علمهم، وقوله لا يدركون دلائلها وإن تكاملت أسبابها لما على بصائرهم من الغشاوة كما مرّ، وقوله وهذا أي ما ذكر من معنى الآية وهذا بناء على أنّ الضمائر لمن في السموات والأرض لا للكفرة، كما قيل ونسبة ما للكل إلى البعض مجاز وقد تقدم شرطه وما فيه. قوله: (ننزيل لأحوالهم) من حال إلى أنزل منها ويصح أن يكون ترقيا في مراتب شدة جهلهم لأنّ جهلهم بأمر الآخرة مع توفر أسباب العلم أنزل من عدم علمهم بمآل أمرهم والشك، والتحير فيها أنزل لأنه يلاحظ فيه الدلائل، وما قبله لم يلاحظ فيه وإن كانت موجودة والعمي عن الدلائل أنزل من الكل. قوله: (وقيل الأوّل) أي قوله بل أدرك علمهم الخ على أن أدرك بمعنى انتهى، واستحكم العلم نفسه من غير تقدير مضاف أو تجوّز ولم يرتضه لعدم القرينة لا لأنّ الإضرابات لا تكون على سنن واحد إذ لا بأس فيه. قوله: (وقيل أدرك بمعنى ائتهى واضمحل) الظاهر أنه معطوف على قوله قيل قبله، ولا ينافي كونه غير متعلق بالإضراب حتى يجعل معطوفاً على قوله بين أن ما انتهى الخ أو على مقدّر مفهوم منه، واضمحل بضاد معجمة وحاء مهملة ولام مشدّدة بمعنى فني وانتفى علمهم بالآخرة مع وضوح دلائلها وتمريضه لأنّ الإدراك، وإن كان بلوغ النهاية وكل شيء بلغ الحدّ انتهى لم يعهد بهذا المعنى لا لأنه ينبغي أن يكون مجازا عن العدم بعد الوجود وعلمهم بالآخرة لم يوجد رأساً فإنّ إرادة لازمه وهو العدم مطلقاً غير مستبعد، ونظائره أكثر من أن تحصى ولا لأنّ الإضراب لا يصح حينئذ فإنه نفي للعلم كالذي قبله واعتبار وضوح الدلائل بلا قرينة بعيد فإنه مع وروده على الوجه الأوّل غير مسلم فإنّ ما فيه نفي خاص، وهذا عامّ وقوله لأنها وفي نسخة لأنّ تلك أي الحال المعروفة يلزمها الفناء والاضمحلال بيان للعلاقة المصححة للمجاز وهي اللزوم. قوله: (وقرأ نافع الخ) ذكروا فيه اثنتي عشرة قراءة المتواتر منها اثنان، والباقية شاذة قال الجعبريّ رحمه الله تعالى: قرأ نافع ؤابن عامر والكوفيون بل إدّارك بوصل الهمزة، وفتح الدال مشذدة وألف بعدها وأبو عمرو بقطع الهمزة وتخفيف الدال الساكنة بلا ألف ماض بوزن أقعل فما ذكره المصنف رحمه الله مخالف لنقل القرّاء، ولذا قيل ينبغي أن يقول هنا وعاصم إذ لم تختلف الرواية عنه في المشهور وما ذكره عن أبي بكر رواية شاذة لم ينقلها القرّاء في السبعة، وقوله حتى استحكم على التفسير الأوّل، وقوله حتى انقطع على الأخير، وقوله: من تدارك متعلق بالثاني ويجوز تعلقه بهما، وقوله وأصله أي على القراءتين وفي نسخة وأصلهما وحكمه في الإعلال معروف في الصرف. قوله: (وبل أرك) على ماضي الأفعال بنقل فتح الهمزة إلى اللام وحذفها مع دال ساكنة، ويحتمل فتح اللام مع تشديد الدال على نقل حركة همزة الاستفهام فإنه قرئ بها في الشواذ وقوله: أو مضمن كأم فإنّ معناها بل كذا، وقوله من ذلك أي ما ذكر من القراآت، وقوله تفسير له أي للشعور بالإدراك الواقع بعد بلي وما بعده هو قوله بل هم في شك الخ، وقوله مبالغة في نفيه لأنّ معناه شعورهم وعلمهم الشك كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع فإنه يفيد أنه لا علم لهم لا تحية على أبلغ وجه، وقوله: أو ردّ على أنّ الإضراب إبطاليّ فافهمه. قوله: (كالبيان) إشارة لاتصاله بما قبله ولم يجعله بيانا لأنه يقتضي ترك العطف وهو عمه أي عمي بصيرة لإنكارهم البعث، والضمير لهم ولآبائهم على التغليب والمبالغة في الإنكار من تكرير أداته، وقوله من حال الفناء إلى الحياة فهو تمثيل للعدم بعد الوجود بالحبس وجعل الحياة إطلاقاً منه، وعلى قراءة نافع تقدّر همزة الاستفهام مع الفعل المقدّر لأنّ المعنى ليس على الخبرية فقوله على الخبر أي على صورة الخبر لعدم أداة الاستفهام فيه لفظاً لكنه لس بخبر حقيقة وقوله قبل وعد محمد الخ يزعمون أنه خرافات قديمة كما أشاروا إليه بقولهم أساطير الأولين. قوله: (وثقديم هذا على نحن الخ) إشارة إلى النكتة في تقديم هذا على نحن وآباؤنا هنا " مع تأخيره في آية أخرى في سورة المؤمنين وهو مفعول ورتبته التأخير فأتى به ثمة على الأصل فقوله وحيث أخر أي وقع، مؤخرا على أصله، وهو مشاكلة ا / وروعي / أصل! ثمة لأنّ ما ذكر هناك اتباعهم أسلافهم في الكفر وانكار الحشر من غير نعي ذلك عليهم، وهنا ذكر ما صدر منهم أنفسهم مؤكدا مقرّرا مكرّرا فكان المقصود بالذكر، وما هو أعنى البعث المشار إليه بهذا وهذا ما عناه السكاكيّ، وقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 فالمقصود به المبعوث لم يبين وجهه وهو ما بيناه، والأسمار جمع سمر وهو الحديث الذي يتلهى به ليلاً. قوله: (لأنّ المقصود بالذكر الخ) أي بيان أحواله فللإشارة إليه قدّم هذاكل ولذا أورد نحن ضميرا منفصلاً مع عدم الاحتياج للفصل. قوله: (تهديد الخ) لأنّ المقصود الأمر بالنظر لمن له نظر،، وقوله- والتعبير عنهم بالمجرمين أي دون أن يقول الكافرين لطفا بالمؤمنين لإرشادهم إلى أنّ الجرم مطلقا مبغوض لله فيجتنبونه وينفرون عنه، واللطف من الله هو التقريب من الطاعة، والتبعيد من المعصية. قوله: (على تكذيبهم وإعراضهم) يحتمل التفسير على أنه بيان لحاصل المعنى أو تقدير مضاف فهو بدل ولا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد، ويجوز أن يكون تعليلا لوجه حزنه، وقوله بكسر الضاد وهو مصدر وعلى الفتح يحتمل المصدرية والوصفية، وقوله من مكرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله: (تبعكم) هو أصل معنى ردف ولحقكم أي وصل إليكم هو المراد. به. فهو تفسير له، وهو متعد بنفسه وباللام كنصح فلا يحتاج لما ذكر، وتضمينه معنى دنا لأنه يتعدى بمن والى واللام كما في الأساس، فمن اعترض عليه بأنه يتعد! بمن فقد سها كسهوه في أنّ ردف بمعنى دنا فلا يصح أن يضمن معناه، وقوله بالفتح أي فتح الدال وهي لغة فيه كما في القاموس إنه كسمع ونصر، وقوله حلوله مفعول تستعجلون. قوله: (وعسى ولعل الخ الما كان الترجي لا ينسب إليه تعالى جعل في بعض المواضع من العباد وجعله هنا في الكشاف استعارة تمثيلية جارية على عادة العظماء في استعمالها مع الجزم بصدق الأمر وجده إظهاراً للوقار، ووثوقا بعدم الفوت وانّ الرمز من مثلهم كاف، وعلى هذا جرى وعد الله ووعيده وهو كلام حسن. قوله: (بتأخير عقويتهم) خصه لمناسبته لما قبله ولو أبقى على عمومه الشامل له جاز، وقوله: الأفضال هو الأنعام وظاهره أنّ الفاضلة تكون مصدراً، وقوله وجمعهما بالتثنية وما وقع في نسخة جمعها سهو من الناسخ فلا وجه لما قيل إنها هي الصواب، وهو لف ونشر فجمع فضل فضول، وجمع فاضلة فواضل وهذا كقول الحماسي: ليس العطاء من الفضول سماحة ثم شاع عرفا في كثرة الكلام في غير محله، ولذا نسب له فضوليّ كأنصاري كما حققه في المغرب. قوله: (لا يعرفون حق النعمة فيه) أي في تأخير العذاب، والعقوبة على المعصية وقوله فلا يشكرونه أي الله عليه أو فلا يشكرون تأخير. أو فضله والظاهر الأوّل، وقوله وقوعه أي وقوع العذاب الموعود، وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} [سورة النمل، الآية: 74] الخ فليس! التاخير لخفاء حالهم عنه، وقوله من عداوتك متعلق بتكن ويعلنون على التنازع، وقوله: فيجازيهم يعني إنه كناية عن المجازاة كما مر وتقديم الاكتنان ليظهر المراد من استواء الخفيّ والظاهر في علمه، وقيل لأنّ مضمرات الصدور سبب داع لما يظهر على الجوارح وفعل القلب يجازي عليه إذا كان عزما مصمماً أصرّ عليه صاحببما لا خاطراً، وقراءة تكن من الثلاثي بفتح التاء وضم الكاف شاذة لابن محيصن. قوله: (وهما من الصفات الغالبة الخ) يعني أنها صفة غلبت في معنى الشيء الخفي الثابت الخفاء فكثر عدم إجرائها على الموصوف، ودلالتها على الثبوت وان لم تنقل إلى الاسمية كمؤمن وكافر فتاؤها ليست للتأنيث إذ لم يلاحظ لها موصوف يجري عليه كالرواية فهي تاء مبالغة أو هي منقولة إلى الاسمية، والتاء فيها للثقل كالعافبة والفاتحة والفرق بينهما أنّ الأوّل يجوز إجراؤه على موصوف مذكر بخلاف الثاني فمن قال إنّ معناه إنها من الصفات الدالة على الشدّة والغلبة، وانّ الغالبة من وصف الدال بصفة مدلوله لم يصب والرواية الرجل الكثير الرواية، وقوله كالتاء في عافية خبر مبتدأ محذوف تقديره فالتاء فيها للنقل للاسمية كالتاء الخ. قوله: (بين لخ) يعني أنه من أبان اللازم أو المتعدى والبين صريحه، ونصه ولذا خص الأكثر فلا ينافي قوله: {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سورة الأنعام، الآية: 59] فتأمّل، وقوله: أو القضاء هو حكمه الأزلي وقيل المراد علمه الأزلي ولا وجه له وقوله على الاستعارة أي تشبيهه بالكتاب الجامع للوقائع كالسجل، ويجوز تفسيره بالقرآن قيل وهو مناسب لما بعده وفيه نظر وقوله: (وعزير وَالْمَسِيحَ) إشارة إلى أنّ المراد ببني إسرائيل ما يمشل النصارى كما في الكشاف وهو حث للمشركين على اتباعه لأنهم كانوا يراجعون أهل الكتاب. قوله: (فإفهم المنتفعون به) توجيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 للتخصيص مع أنه رحمة للعالمين، والمراد بالمؤمنين مؤمنو بني إسرائيل أو الأعمّ وهو الظاهر، وقوله بين بني إسرائيل أو بين المؤمنين أو بين الناس. قوله: (بما يحكم به وهو الحق) فسر الحكم بالمحكوم به أو الحكمة ولم يبقه على المعنى المصدري لأنه يصير كضرب زيد بضربه، وهو لا يقال مثله في كلام عربي كما في الكشاف وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى ضرب بضربه المعروف باً لشدة فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق أو يحكم بحكم نفسه لا بحكم غيره كالبشر، وقيل عليه ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر فيه إلى ضمير الفاعل فإنه لا كلام في صحته كإضافته إلى ضمير المفعول في سعي لها سعيها إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد، ثم إنّ المعنى الأوّل يوهم أنّ له حكما غير معروف بملابسة الحق والثاني إنما يظهر لو قدم بحكمه، وليس هذا بشيء لأنه على ما ذكر ليس بمصدر مؤكد وعدم الجواز في المصدر النوعي لا سيما إذا كان من غير لفظه ليس بمسلم، ويؤيده قوله: ويشتم بالأفعال لا بالتكلم ثم إنه يرد عليه أنّ الظاهر أنّ المانع هو كونه لغوا من الكلام وتأويله بالمحكوم به لا يفيد، ولذا فسره بالعدل والحق فلو أبقى على ظاهره مع ردّه ذلك كفى، وقوله قرئ بحكمه أي جمع حكمة مضاف إلى ضميره تعالى. قوله: (تعليل آخر) بعدما علله بقوله إنك على الحق لأنّ معناه إنّ الله متولى نصرك وحفظك، وأمّا كونه استئنافاً في جواب سائل نشأ مما قبله تقديره ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق فيأباه السياق كما لا يخفى وقوله من حيث الخ توجيه للتعليل باعتبار المراد، والمشايعة والمتابعة بمعنى وقد وقع ني نسخة متابعتهم. قوله: (وإنما شبهوا بالموتى الخ) وأمّا كون المراد تشبيه قلوبهم بالموتى في عدم الشعور فيشير إلى بطلان مشعر القلب بالمرّة، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 179] الخ والا فبعد تشبيههم أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالعمي والصم. مزيد مزية كما قيل فتخيل بارد لأنّ القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع لكن لو جعل التشبيه لطوائف على مراتبهم في الضلال فمنهم من هو كالميت، ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى لكان وجهاً وجيهاً إلا أنّ ما ذهب إليه المصنف والزمخشريّ هو الظاهر ووجهه أنه على طريق التسليم في النظر لأحوالهم فكأنه قيل كيف يسمعهم الإرشاد إلى طريق الحق، وهم موتى وهذا بالنظر لأوّل الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضاً لأنهم صم وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ، ونفرتهم عنه ثم إنا لو أيسمعناهم ذلك أيضا فهم عمي لا يهتدون إلى العملى بما يسمعون، وهذا خاتمة! أمرهم فقد علمت ما فيه من مزيد المزية الحالية عن التكلف. قوله: (فإنّ أسماعهم) أي الصم في هذه الحال وهي كونهم مدبرين متباعدين عن مواطن السماع، وهو بيان لوجه التقييد بقوله إذا ولوا مدبرين، وقوله حيث الهداية أي الكاملة أو هو باعتبار الأغلب وقوله ما يجدي أي يفيد بيان لأنّ إن نافية وأنّ النفي باعتبار. الانت! فاع والفائدة. قوله: (من هو في علم الله كذلك) فسره بعضهم بالذين يصدّقون أنّ القرآن كلامه تعالى إذ حينئذ تثبت نبوّته فيقبل قوله اويجدي استماعه نفعاً ولم يرض ما فسر به المصنف لأنّ المناسب له من آمن وكون صيغة الاستقبال باعتبار تعلق العلم فيما لاليزال، وإليه أشار المصنف بقوله كذلك مصحح لا مرجح حتى يدفع كونه مناسباً، ولا يرد على تفسير البعض للحصر مبئ يؤمن في الاسئقبأل إن أريد الحال أو عكسه أو استعمال المشترك في معنييه إن أريدا لأنّ المراد الحال، ويدخل غيرء فيه بدلالة النص من غير تكلف ولا يعارضه عبارة النص كما فسره القائل في شرحه للسراجية في جرّ الولاء، وقيل " المراد من علم الله أنه يؤمن فلا يرد ما ذكر وسيأتي تحقيقه في أوّل القصص، وإنما عدل المصنف عما اختاره لمأ فيه من شبه تحصيل الحاصل لأنّ الإيمان بالقرآن هو استماعه النافع، وان كان بينهما مغايرة بعد النظر الصحيح فتامّل. قوله: (مخلصون) فسره به ليفيد ذكره بعد وصفهم بالإيمان وقوله: إذا دنا وقوع إشارة إلى ما! فيه / ئن مجاز المشارفة، وقوله معناه إشارة إلى أنّ القول أطلق مجازا على معناه ومؤدّاه لأنه الواقع ويحتمل تقدير المضاف، والجساسة بجيم مفتوحة وسين مهملة مشددة وألف بعدها أخرى من الجس وهو المس سميت بها لتجسسها الأخبار للدجال كما هو معروف في حديث: " أشراط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 الساعة "، والزغب بمعجمتين صغار الريش والشعر أوّل ما يطلع ويدركها بمعنى يلحقها ومخرجها محل خروجها والحرمة التعظيم. قوله: (وقيل من الكلم) وهو الجرح ولكونه خلاف الظاهر ذكر بعده قراءة " ثكلمهم " بالتخفيف عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه أظهر فيها والتفعيل إذا كان من الكلم للتكثير ولكونه خلاف الظاهر مع احتياجه للتقدير مرضه، وقوله: " فتنكت) بتاء مثناة فوقية أي تمسه حتى يظهر فيه نكتة أي لون مخالف للونه، ومسجد المؤمني بفتح الجيم جبهته، وقوله فيبيض ويسودّ أي يسري إليه لون محل النكت. قوله: (خروجها) تفسير للأيات وقوله وهو حكاية معنى قولها لا لفظه لأن قوله آياتنا لا يناسبه إلا أن يكون بتقدير مضاف أي بآيات ربنا أو إضافة الآيات لها لاختصاصها بمحليتها وعلى هذا فالجملة مفسرة لما تكلمهم به، واذا كان حكايتها لقول الله فالتقدير وتقول قال الله إنّ الناس الخ وفي الكشاف إنّ المعنى يقول الله عند ذلك إنّ الناس الخ، وقوله على حذف الجارّ وهو اللام على أنه علة والباء على أنه تكلمها بصيغة المصدر ومن قصره على الأوّل فقد قصر، وهذان على قراءة الفتح وما قبله على الكسر ويجوز كونه عليهما أيضا. قوله: (يحبس أوّلهم على آخرهم) حتى يجتمعوا فيكبوا جميعاً في النار، وقد مرّ توضيحه، وقوله الواو للحال أي في قوله ولم تحيطوا وعلى العطف فهو إنكاو لجمعهما فإن من لا يصدّق بالكتاب قد يقرأه فهو كناية عن إهانته، وعدم الالتفات والمبالاة به. قوله: (أم أيّ شيء كنتم تعملونه) في ماذا على ما ذكره النحاة وجهان أن تكون مجموعة اسماً واحداً للاستفهام وأن تكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وعليهما يختلف الإعراب والتقدير، وكلام المصنف ظاهر في الأوّل محتمل لغيره وأم تحتمل الاتصال والانقطاع والمراد بأيّ شيء ما هو في حق الآيات أو الأعمّ ولا يلزم دخول الاستفهام على الاستفهام حتى يجاب بأنه ليس على حقيقته الأعلى الأوّل وذلك إشارة إلى التكذيب ولا حاجة إلى جعل بعد بمعنى غير كما قيل، وقوله من الجهل أي ناشئ من الجهل أو هو تعليل. قوله: (فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك) من التصديق به، وعدم قدرتهم وان جوّز وقوع الكذب من الكفرة في القيامة كما مرّ لأن الخطاب لتبكيتهم وتفضيحهم واعلامهم بعلم القائل إنه لم يصدر عنهم غير التكذيب كما في الكشاف فلا مجال للكذب حيمئذ فمعنى ماذا كنتم تعملون التوبيخ كأنه قيل إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوه وليس هذا وجهاً آخر كما توهم، وقوله باعتذار أو لا يقدرون على النطق أصلاً لدهشتهم. قوله: (ويرشدهم (أي الرؤية بمعنى العلم وهو وما بعده توطئة لتفسير باقي الآية والنور، والظلمة من الليل والنهار وقوله غير متعين بذاته لأنه لو كان له تعين ذاتي لم يحتج للمؤثر، وقوله بقدرة قاهرة يعني ليست لما أشركتموه فيدلّ على التوحيد لأنّ كمال القدرة من لوازم الألوهية، وفيه إشارة إلى برهان التمانع. توله: (وأنّ من قدر على إبدال الظلمة الخ) إشارة إلى الاستدلال على جواز الحشر، ولو ضمّ إليه مشابهة النوم واليقظة للموت والحياة كان له وجه وقوله وانّ من جعل الخ ذكر الدلالة في النهار ليس للتخصيص حتى يرد أنّ سكون الليل من جملة المنافع فله مدخل في الدلالة أيضا بل اكتفاء أو اقتصاراً على ما هو أشبه بالنعت فإنّ سكون الليل وهو النوم أخو الموت، وقوله سبباً مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلق ليوافق ما في النظم ومناط جميع المصالح بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله: (فإن أصله الخ) جواب عن تركه التقابل حيث كان أحدهما علة، والآخر حالاً بأنه مراعي من حيث المعنى إذ أصله ما ذكر فقد عدل عنه لنكتة ففيه طيّ أي هو مراعي فيه مطابقته لما قبله فإنّ أصله الخ لكنه لا يخلو من حزازة، وقيل إنه من الاكتفاء وهو أن يحذف من كل من القرينين نظير ما أثبت في الآخر وأصله جعلنا الليل مظلما ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ليتحرّكوا ويتصرّفوا فيه، والمناقشة في التعبير ليست من دأب المحصلين، وكون الأصل عدم التقدير لا يضرّ، وقوله حالاً من أحواله إشارة إلى ما فيه من التجوّز في الإسناد فإنّ الأبصار ليس حاله بل حال من فيه ووجه عدم الانفكاك أنه مقارن لخلقه، وجعله والخلق لا ينفك عنه فكذا حاله وفيه إشارة إلى أنّ السكون في الليل ليس كذلك فلذا لم يجعله حالاً. قوله: (لدلالتها على الآمور الثلاثة) هي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 التوحيد والحشر وبعثة الرسل، وقوله في الصور بضم الصاد وفتح الواو وجمع صووة بناء على أنّ الصور بسكون الواو بمعناه، والبوق بضم الباء وسكون الواو والقاف معرّب بورى وعلى هذا فهو استعارة تمثيلية شبه هيئة انبعاثهم من الصور إلى المحشر وقد نفخ في الصور بجيش نفخ لهم في المزمار المعروف فساروا إلى ما يريدون، وقوله من الهول أي هول النفخ أو هول المحشر. قوله: (لأنه صعق مرّة) أي في الطور، وقد سمع الخطاب فجازاه الله على تلك الصعقة أنه لا يصعق يوم الفزع، وهذا ورد في الحديث ما يدلّ عليه، وقوله حاضرون الموقف إن كان الموقف منصوبا على الظرفية أي حاضرون لله في الموقف فظاهر، وإن كان مفعولاً له فعلى جعل حضور الموقف حضورا له لاختصاصه به وفي نسخة حاضرين على أنه حال، وقوله بعد النفخة الثانية لتعدّدها، وقد قيل إنها ثلاث، وقوله لتوحيد لفظ الكل وقيل لأنّ المراد كل واحد وداخرين ودخرين بمعنى مقهورين منقادين، وهو حال من الضمير. قوله: (ولعل المراد ما يعنم ذلك العدم قرينة الخصوص، وقد قال الشيخ في الفتوحات إنّ بعض المتقرّبين تتصل حياتهم بالآخرة فلا يدركهم الصعق وكلام المصنف محتمل له، وترى في وترى الجبال بصرية وتحسبها حال، وقوله لا تكاد الخ واليه يشير النابغة في قوله يصف جيشا: فأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لجاج والركاب تهملج قوله: (مصدر مؤكد لنفسه) هو في اصطلاح النحاة ما أكد مضمون جملة هي نص في معناه نحو له على ألف درهم اعترافا فان احتملت غيره فهو مؤكد لغيره والعامل فيه محذوف، وجوبا لقيام الجملة المؤكدة مقامه فلو جوّزنا حذف تلك الجملة أيضا كان إجحافاً فلذا لم يرتض المصنف ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنّ المؤكد محذوف، وهو الناصب ليوم ننفخ والمعنى يوم ينفخ في الصور فكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين، ثم قال صنع الله يريد به الإثابة والمعاقبة مع أنّ التأكيد المقتضى للاهتمام بالشيء ينافي حذفه، وان كان المحذوف لدليل كالموجود لكن فيما ذكره المصنف خفاء من جهة المعنى لأنّ الصنع المتقن لا يناسب تسيير الجبال ظاهرا، ولا ذكر أفعالهم والحسنة بعده وكأنه الحامل للزمخشريّ على التقدير ألا ترى أنّ قوله خلقه وسوّاه كيف يأباه وادعاء دلالتها على اتقان الصنع محل تأمّل. قوله تعالى: ( {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ} الآية) قيل أكثر المفسرين على أنّ المراد بها الإخلاص، والسيئة ضدّها وهي الشرك لقوله: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [سورة النمل، الآية: 90] فليس خير بمعنى أفضل وردّ بأنّ السيئة لا يتعين أن يراد بها الشرك لأن الظاهر منها العموم وذكر الكبّ من نسبة ما للبعض للجميع، وقد مرّت له نظائر مع أنه غير مختص بالمشرك بل يعمّ العاصي وكون خير بمعنى أفضل لا مانع منه لأنّ الأفضلية بمعنى الأضعاف لا سيما ورؤية الله التي لا شيء أفضل منها مترتبة عليها، وفيه أنّ هذا التخصيص منقول عن رئيس المفسرين ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله في مقابلها فكبت قرينة عليه وما ذكره خلاف الظاهر وشرطه مفقود هنا. قوله: (إذ ثبت له الشريف) وهو الثوأب الأخرويّ، وقوله: بالخسيس قيل أراد به الحسنة المالية لأنها أوساخ الناس والا ففي التعميم سوء أدب لا يخفى وأجيب عنه بأنه إشارة إلى أنّ الخيرية من حيث الفاعل والخسة من حيث إنها فعل العبد والجزاء فعل السيد وشتان ما بين الفعلين فأفعال السيد سيدة الأفعال، ووصف العمل بالخسة باعتبار صدوره عق العبد المقهور لا ينافي شرفه بالنط إلى أنه حسنة أو هو إشارة إلى أنّ الخيرية باعتبار أنه بطريق التفضل فوصف العمل بالخسة باعتبار أنه لا يقاوم النعم الدنيوية فضلا عن إفضائه إلى الثواب الأخرويّ، ولك أن تقول قوله والباقي بالفاني تفسير له وهو ظاهر. قوله: (وسبعمائة واحدة (هذا باعتبار الأكثر، واقتصر عليه لأنه أنسب للخيرية فلا يقال عليه إنّ الأولى ذكر الأقل المتيقن، وهو العشرة ليعمّ كل حسنة مع أنه يحتمل أنه يريد به مجرّد التكثير لشيوع استعماله فيه كالسبعة والسبعين، ثم إنّ هذا إشارة إلى الخيرية كما أنّ قوله والباقي بالفاني إشارة إلى الخبرية كيفا. قوله: (وقيل خير منها الخ) فمن ابتدائية ولم يرتضه لأنه خلاف الظاهر لا لأنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 يلزمه استعمال أفعل بدون الأمور الثلاثة لأن على هذا ليس باسم تفضيل بل صفة مشبهة كخير المشدد فإنه ورد كذلك كما بين في كتب اللغة. قوله: (وبالآوّل) أي في قوله: {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [سورة النمل، الآية: 87] فلا مخالفة بينهما، وأمّا أدراجه في الاستثناء فغير مراد كما أشار إليه المصنف رحمه الله، والعظائم جمع عظيمة وعموم الأوّل لأنه مقتضى الجبلة البشرية، وقوله: بالتنوين أي في فزع فيومئذ ظرف له أو صفة له واليه أشار بقوله لأنّ المراد الخ أو ظرف لآمنون، وقوله: فزع واحد لأنّ التنكير للوحدة، ويجوز كونه للتقليل أو للتعظيم فإنّ كل فزع في القيامة عطيم، وقوله وأمن بصيغة الماضي أو اسم الفاعل والجار من فتقديمه للفاصلة، وقوله: وقرأ الكوفيون لا حاجة لذكرهم مع تقدم قراءتهم بالتنوين ومعه يتعين الفتح ونافع يبنيها على الفتح لإضافتها إلى إذ. قوله: (قيل بالشرك) قيل مرّضه لأنّ الظاهر العموم ولا دلالة في قوله فكبت لأنه م! نسبة ما للبعض للجمع، وردّ بأنه ممنوع إذ الظاهر حمل المطلق على الكامل، وهو الشرك ولر أريد العموم كان الظاهر التنكير وفي قوله فكبت دلالة ظاهرة تعارضه فتأمّل. قوله:) فكبوا فيها الخ) بيان لحاصل المعنى أو هو إشارة إلى أن إسناد الكب إلى الوجوه مجازيّ لأنه يقال كبه وأكبه إذا نكسه، وان كان المشهور تعدى كبه ولزوم أكبّ حتى قيل إنه مطاوعه صزج به في القاموس، ولسان العرب وحكاه ابن الأعرابي فمن اعترض عليه بأنه لا يقال أكبه متعدّيا لم يصب، وسيأتي الكلام فيه في سورة الملك مفصلاً واطلاق اليد على الشخص مجازا فيه كلام سيأتي. قوله: (أو بإضمار القول) ولا التفات فيه، وان كان عبارة عن من لأنه في كلام آخر كما حقق في المعاني، وقوله أمر الرسول إشارة إلى أنه استثناف بتقدير قل قبله وقوله قد أتمّ الدعوة أي لهؤلاء الكفرة وإلا فهو مأمور بها إلى آخر عمره، وقوله وتخصيص مكة مع أنه رب جميع البلاد والمخلوقات، ولذا قال: بعده وله كل شيء وقراءة التي حرّمها شاذة ولا ينافي هذا ما في الحديث من أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرّم مكة وأناحرّمت المدينة لأنه بأمر ربه فهو المحرّم في الحقيقة وابراهيم عليه الصلاة والسلام مظهر لحكمه، والتعظيم من الإضافة والإشارة أيضا. قوله: (وأن أواظب على تلاوته) هو من المضارع الدال على الاستمرار فاتلو من التلاوة بمعنى القراءة، وقوله شيئاً فشيئا أي تدريجاً حال من حقائقه أو من تلاوته فيكون بمعنى مرتلاً والأوّل أولى، وقوله أو أتباعه فاتلو من تلاه إذا تبعه فيكون كقوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى} [سورة الأنعام، الآية: 50] واتل أمر في القراءة الثانية معطوف على معنى أن أكون، وقراءة أن اتل بدون واو في النظم وان مفسرة بتقدير أمرت قبلها أو مصدرية. قوله: (باتباعه اياي في ذلك) قيل هذا وقوله بمخالفتي يقتضي أنه من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقتضي تقدير قل قبله، والتصريح بها بعده يقتضي أنه من كلام الله تعالى عقب أمره بأن يقول لهم ما قبله فالظاهر إياك ومخالفتك ولا بعد في كونه مقول القول المقدر قبل قوله أمرت كما مرّ، ولو جعل ضمير إياي ومخالفتي لله أيضا لم يبعد فتأمّل. قوله: (فلا على من وبال ضلاله) إشارة إلى أنّ ما ذكر قائم مقام جواب من بقرينة مقابله، ولو جعل هذا هو الجواب على أنه كناية عما ذكر تعريضية من غير تقدير، أو على أنه جواب بتقدير قل له لم يبعد وكلام المصنف لا يأباه. قوله: (كوقعة بدر) قيل قوله: فتعرفونها يأباه لأنهم لا يعترفون بذلك وليس بشيء لأنّ منهم المعترف بالفعل كالمقتولين وبالقوّة كغيرهم وقوله فتعرفون أنها آيات الله الضمير راجع للآيات من حيث هي آيات، أو المراد فتعرفون وقوعها، وقوله: وما ربك ليس مقول القول واذا كان المراد دابة الأرض فالخطاب لجنس الناس لا لمن في عهد النبوّة. تنبيه: كون البلدة المذكورة مكة عليه أكثر المفسرين، وفي تاريخ مكة إنها من قال: حدّثنا يحيى بن أبي ميسرة عن خلاد بن يحيى عن سفيان أنه قال البلدة مني والعرب تسميها بلدة إلى الآن. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو موضوع، وقوله بعدد أي له بعدد كل واحد منهم عشر حسنات وقوله: وهو دقيل إنه معطوف على من صدّق على المعنى إذ التقدير بعدد قوم سليمان، وقوم هود فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل عليه لا حاجة إيى اعتبار المعنى فإنّ العطف بدونه صحيح، ولو عطف على سليمان احتيج لما ذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 وهو غفلة فإن هودا وصالحاً لم يقع منصوباً في جميع النسخ مع أنه معطوف على سليمان قطعا فلا بد من توهم أنّ من صدق سليمان بمعنى قوم سليمان حتى يعطف عليه المجرور بعد حذف المضاف، وقال: بعض الفضلاء لما اعتبر الحذف ليفيد ما هو المقصود من كثرة الأجر اعتبر المعنى ليكون قرينة على خصوص المحذوف، تمت السورة بحمد الله ومنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ا-له وصحبه أجمعين. سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) أي كلها وهو قول طاوس وعكرمة والقول الثاني قول مقاتل، وقيل: الآية المذكورة نزلت بين مكة والجحفة، وقال الداني في كتاب العدد حدثني محمد حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قال: حدّثني عليّ بن الحسين عن أحمد بن موسى عن يحيى بن سلام قال: " بلغني أن النبئ صلى الله عليه وسلم حين هاجر نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام بالجحفة وهو متوجه من مكة إلى المدينة فقال: أتشتاق يا محمد إلى بلدك التي ولدت فيها قال: نعم قال: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} الآية " وقوله وهي ثمان وثمانون آية أي بالاتفاق. قوله: (نقرؤه بقراءة جبريل) قال الراغب: التلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة تارة بالقراءة، وتارة بالارتسام لما فيه من أمر ونهي وترغيب وترهيب أو ما يتوهم فيه ذلك، وهو أخص من القراءة، اهـ فأشار المصنف رحمه الله إلى أن المراد الأوّل فليس تفسيرا بالأعمّ لكنه على الأوّل من الإسناد المجازي كبنى الأمير المدينة، وعلى الثاني هو مجاز لغوي إمّا مرسل باستعماله في لازم معناه أو سببه وهو التنزيل أو استعارة تبعية بتشبيه التنزيل بالقراءة لأنّ كلاً منهما طريق للتبليغ. قوله: (بعض نبئهما مفعول نتلو) جعل الحرف مفعولاً لا يوافق القواعد النحوية فإمّا أن يكون هذا ميلاً مع المعنى كما مرّ أو يكون المراد أنّ مفعول يتلو محذوف وهو شيئا ولما كان لجار والمجرور صفة له قائمة مقامه سماه مفعولاً تسمحاً كما جعلو! الظرف حالاً، والحال في الحقيقة متعلقة فرجع إلى ما ذكره أبو البقاء وغيره وقد جوّز في من أن تكون بيانية وزائدة على رأي الأخفش والنبأ بمعنى الخبر العظيم مرادا به لفظه فيكون متلواً من غير تجوّز. قوله: (محقين) بيان لحاصل المعنى أي ملتبسين بالحق فهو حال من فاعل نتلو ويجوز كونه حالاً من المفعول، والحق بمعنى الصدق أو صادقا. قوله: (لقوم يؤمنون) قال في الكشاف: لمن سبق في علمنا أنه يؤمن لأنّ التلاوة إنما ينتفع بها هؤلاء دون غيرهم يعني أنّ اللام للتعليل، وخص المؤمنون مع عمومه لأنهم المنتفعون به ويؤمنون للاستقبال الشامل لجميع الأزمنة الثلاثة كما يكون بالنظر لزمان الحكم والتكلم على ما حقق في الأصول يجوز أن يكون بالنظر إلى علم القائل أيضاً فيشمل من آمن حالاً وليس كقوله: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة، الآية: 20] كما قيل وفائدة الأخبار بقصص الأمم السابقة على لسان النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى تصديقه كما أشار إليه بعض المحققين فليس من عموم المشترك كما توهم، ولا حاجة إلى أن يقال المراد من يؤمن حالاً وغيره معلوم بدلالة النص كما مرّ. قوله: (فرقاً يشيعونه الخ) أي يتبعونه لأنّ أصل معنى المشايعة المتابعة فيفرقهم بعدد أنواعهم وعلى الوجه الثاني بعددهم باعتبار أعمالهم وخدماتهم له فقوله استخدامه مصدر مضاف للفاعل، ومن لم يستخدمه منهم ضرب عليه الجزية كما في الكشاف، ولم يذكره المصشف فكأنه عدّ أداء الجزية خدمة له ولجنده، وقوله أو أحزاباً فيفرقهم بالعداوة. قوله: (وهم بنو إسرائيل) فعدهم من أهلها تغليباً أو لأنهم كانوا به ويستضعف بمعنى يجعلهم ضعفاء مقهورين، وهو لحكاية الحال الماضية والاستئناف نحويّ أو بياني في جواب ماذا صنع بعد ذلك، وقوله: حال من فاعل ويجوز كونه من المفعول كما في الكشاف. قوله: (بدل منها) بدل اشتمال أو تفسير أو حال من فاعل يستضعف أو صفة لطائفة، وقوله وكان ذلك أي الذبح والاستحياء، وقوله: وان كذب فواجهه، وما قيل في وجهه من احتمال أن يصدّقه، ولكنه يرى أنه يقع ذلك إن لم يقتله أو يكذبه في بت القول من غير تعليقه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 على عدم قتله بعيد لأنه ليس في القصة ما يدل عليه، وفي هذا دليل على أنّ قتل الأولاد لحفظ الملك شريعة فرعونية. قوله: (ونريد حكاية حال الخ) ولذا لم يقل أردنا وأمّا نمن فمستقبل بالنسبة للإرادة فلا حاجة لتأويله، وقوله من حيث الخ بيان للجامع بينهما بل للمقتضي له لأنّ البيان لا يتم بدونه فلا بدّ من دخولها فيه بالعطف أو بالقيدية، وأمّا عطفه على نتلو ويستضعف ففي الكشاف إنه غير سديد، ووجه بما حاصله أنه يلزم على الأوّل خروجه عن المتلو والنبأ وليس كذلك، وأمّا الثاني فلأنه حال من فاعل جعل أو مفعوله أو صفة شيعاً أو مستأنف وعلى الأوّلين هو ظاهر الامتناع وعلى الثالث أظهر إذ لا مدخل له في جواب مساغ على الوصفية، والمعنى جعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم، ونريد أن نمن عليهم منهم أي على الطائفة من الشيع فاقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى الطائفة وحذف الراجع إلى الشيع للعلم به كأنه قيل يستضعفهم، ونريد أن نقوّيهم كما في جعله حالاً من مفعول يستضعف أي شيعا موصوفين بالاستضعاف وارادة المن على تلك الطائفة منهم بدفع الضعف، وأيضا العلم بهذه الصفة لم يكن حاصلاً كالاستضعاف المقيد بحال الإرادة وهذا مما يضعف هذين الوجهين، وأورد عليه أنّ للعطف عليه على تقدير كونه حالاً من المفعول مساغا أيضاف يعين ما ذكره فلا وجه للتخصيص بالوصفية واًنّ عدم حصول العلم بالصفة الثانية بعد تسليم لزومه مطلقا غير مسلم فإنّ سبب العلم بالأولى يجوز أن يكون سبباً للعلم بالثانية لأنه إمّا بالوحي السابق أو خبر أهل الكتاب، ولا اختصاص لواحد منهما بالأولى، وأيضا يجوز تخصيص جواز حالية ونريد الخ باحتمال الاستئناف أو الحالية في يستضعف دون الوصف فلا يكون مشترك الإلزام (أقول) هذا غير وارد، أمّا الأوّل فلأنّ كونه حالاً من المفعول أعني شيعا غير مذكور في الكشاف فلذا لم يلتفت إلى أنّ للعطف مساغا عليه، وأمّا الثاني فلأنّ كون الصفة معلومة صرّج به الزمخشريّ في مواضع من كتابه فيكفي الإيراد عليه بما هو مسلم عنده، وأمّا كون العلم بالأولى يستلزم العلم بالثانية بناء على أنّ سببه ما ذكر فليس كذلك لأنّ الاستضعاف مفسر بالذبح والاستحياء، وهو معلوم بالمشاهدة لا بما ذكر، وأحسن من هذا كله قول الفاضل اليمني إنّ عدم سداده لأنّ قوله إنّ فرعون الخ بيان لنبأ موسى وفرعون وما سبق نبأ فرعون فقط فتعين عطف، ونريد الخ بعد ادّعاء البيان ليكون بيانا لنبئهما مطابقاً للمبين، وهذا وجه لطيف لا تكلف فيه. قوله: (أو حال من يستضعف) أي من مفعوله بتقدير مبتدأ أي ونحن نريد لثلا تخلو الجملة الحالية من العائد وأنه بتقدير المبتدأ ليجوز التصدير بالواو، وفيه لف ونشر فلا سهو فيه لأنّ المفعول قائم مقامه ونحن ليس عبارة عن ذي الحال، وأمّا كون الاسمية يكفي في ربطها الوإو فيجوز كونه حالاً من الفاعل فمع الاختلاف فيه لا شبهة في استهجانه مع حذف المبتدأ، ولذا ضعف هذا الإعراب. قوله: (ولا يلزم من مقارنة الإرادة الخ) جواب عما يرد على الحالية من أنّ الحال الأصل فيها المقارنة، والمن واقع بعد استضعافهم بأنّ الحال ليس المن بل إرادته وهي مقارنة لجوان قدمها على المراد عندنا فتكون إرادته حالية بوقوع مراد في المستقبل، ولذا قيل إن نمن ولو سلم فتقارب الزمان له حكم المقارنة هذا كله إن لم تجعل حالاً مقدرة، وقوله منة الله أي إنعامه وقوله منه أي الاستضعاف. قوله: (لما كان في ملكه فرعون وقومه) الملكة بفتح الميم واللام التملك مطلقا هنا، وقال الراغب: إنها تختص بصلك العبيد وكأنّ الملكة المشهورة في قولهم علم بالملكة مستعارة من هذه إذ لم يذكرها أهل اللغة وقولهم ملكة بكسر فسكون مع تاء التأنيث غلط، والمراد ما كان في أرضهم لا هي فلا يلزم التكرار، ولذا أتى بكلمة في أو يقال التمكن أمر آخر غير الوراثة بعدها، وقوله: أرض! مصر والشام زاد الشام، وان كانت الأرض المعهودة مصر لأنّ مقرّ بني إسرائيل الشام وتمكنهم فيها فلا وجه للاعتراض! عليه. قوله. (ثم استعير الخ) استعارة لغوية أو اصطلاحية وشاع حتى صار حقيقة عرفية ولذا ذكره اللغويون، وإطلاق الأمر أي جواز التصرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 والأمر واحد الأمور أو الأوامر. قوله: (من دّهاب ملكهم وهحهم على يد مولود منهم) بيان لما يحذرون ولا شبهة في أنه المحذور عندهم، وهو الذي خافوا منه بعد إخبار الكهان حتى حملهم على القتل كما مرّ، ولذا فسره الشيخان بما ذكر وأمّا كون ذلك مرئيا فإن كانت الرؤية بمعنى لمعرفة وهم قد عرفوا ذلك لما شاهدوه من ظهورهم عليهم، وطلوع طلائعه من طرق خذلانهم فظاهر، وان كانت بصرية وهو المناسب للبلاغة فالرؤية لمقدماته، وعلاماته جعلت رؤية له مبالغة وهذا مستفيض بينهم حتى يقال رأى موته بعينه وشاهد هلاكه كما قال بعض المتأخرين: أبكاني البين حتى رأيت غسلي بعيني أو المراد رؤيته وقت الهلاك فلا يرد أنهم لم يروا ما ذكر، وإنما الراتي له بنو إسرائيل وبقية ممن هلك حتى بقيت بظهور موسى لأنّ هذين ليسا مما أرواهم كما قيل مع أنه عين تمكينهم منهم فلا يناسبه عطفه عليه، وأمّا ردّه بأنّ الأبصار لا يتوقف على الحياة عندنا، أو المراد إراءة طلائعه أو تعريفه وأنّ الصواب أن يقول مما رأوه فناشئ من عدم التأمّل مع أنه حرّف عبارته إذ ظن أن هم في أرواهم مفعولاً ثانيا، وهو تأكيد لنائب الفاعل. قوله تعالى: ( {وَجُنُودَهُمَا} ) الإضافة إليهما إمّا تغليبا أو كان لها من جند مخصوصون به، وأن كان وزيرا أو لأنّ جند السلطان جند لوزيره، والحذر التوقي مما يضرّ ولما كان الوحي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فسره بقوله بإلهام أو رؤيا منام صادقة قص فيها أمره وأوقع الله في قلبها تيقنه، أو بإخبار نبيّ في عصره لها أو برؤية ملك كما وقع لمريم إذ قد يراه غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قيل وقوله: إنا رادّوه الخ يأبى كونه إلهاً ما لأنّ البشارة تقتضي العلم به، وفيه نظر وأن في أن أرضعيه مصدرية أو مفسرة كما مرّ، وقوله ما أمكنك إخفاؤ. أي في مدة إمكانه، وقوله: بأن يحس به بأن يعرف ولادته وقوله يريد النيل لأنه يسمى بحرا وان غلب في غير العذب، وقوله ضيعة أي فقدا بذبحه أو غرقه، أو شدّة من عدم رضاعه في سن الرضاع وقوله عن قريب أخذه من اسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال أو من السياق، والطلق بفتح فسكون وجع يعرض عند وضع الحمل، وضربه قرب حصوله وحبالى بفتح اللام جمع حبلى معروف، وضميرها لها أي أفزعها للقابلة، والسعاية إبلاغ خبر يضرّ المخبر عنه لسلطان أو نحوه، وقوله فأرضعته أي أمّه لقوله أن أرضعيه، والمواليد جمع مولود والعيون الجواسيس والتفحص التفتيش والتابوت الصندوق، وقوله فقذفنه فاؤه فصيحة كماء فالتقطه أي وضعته فيه فتقذفته في البحر، والتقدير في النظم فعلت ما أمرت به من إرضاعه والقائه فالتقطه الخ أي أخذه أخذ اللقطة بعض أتباعه. قوله: (تعليل الخ) في كلامه احتمالان بأن يشبه كونه عدوّا وحزناً بما يكون غرضاً تشبيهاً مضمراً في النفس مكنياً، ويدخل عليه لام التعليل على طريق التخييل لكونه علة فتكون اللام مستعملة في معناها الحقيقي ففيه استعارة مكنية تخييلية، أو يشبه ترتب الشيء على شيء والغرض منه شيء آخر بالتعليل بعلة للفعل ويستعمل فيه أداته فيكون استعارة تبعية والى هذا ذهب الزمخشريّ حيث قال هي / لام كي التي معناها التع! ليل كقوله جئتك لتكرمني سواء بسواء، ولكن معنى لتعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتماط أن يكون لهم عدوّا وحزنا، ولكن المحبة والتبني غير أنّ ذلك لما كان نتيجة التقاطهم شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله، وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك ضربته ليتأدب، وتحريره إنّ هذه اللام حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد، اهـ فليس في طرفي كلامه تدافع كما توهم حتى يحتاج إلى تقدير أو تاويل، وأمّا كون لالتقاط الوجدان من غير قصد والتعليل يقتضي حقيقة القصد فوهم لأنّ الوجدان من غير قصد لا ينافي قصد أخذ ما وجد لغرض! ، ويحتمل تعلق اللام بمقدر أي قدرنا الالتقاط ليكون الخ فلا تجوز فيه، وقراءة حمزة والكسائي حزنا بضم فسكون والجمهور بفتحتين وهما لغتان. قوله: (في كل شيء) العموم من حذف المتعلق، أو المعنى من شأنهم الخطأ وليس ببدع أي مستغرب إشارة إلى أنّ هذه الجملة تذييلية واعتراضية كما سيصرّح به، وهو على هذا من الخطا في الرأي، وقوله: أو مذنبين أشار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 إلى أنه من خطئ بمعنى أذنب، وفي الأساس يقال خطئ خطأ إذا تعمد الذنب، وقد اختلف في خطئ وأخطأ هل هما بمعنى أو ينهما فرق بأنه يقال خطئ في دينه وأخطأ إذا سلك طريقاً خطأ عامدا، أو غير عامد وقد فصلناه في شرح الدرّة. قوله: (فالجمملة اعتراضى) بين المتعاطفين لتأكيد خطثهم المفهوم من قوله ليكون لهم عدوّا وحزناً فإنه استعارة تهكمية كما مرّ وهو على الوجه الأوّل كما؟ في شرح الكشاف، وتبعه المحشي وقيل: إنه على الوجهين لأنها تؤكد ذنبهم المفهوم من حاصل الكلام أيضاً، وقوله أو لبيان الموجب بكسر الجيم على الثاني خاصة لكن الظاهر أنه على هذا يكون جواب سؤال مقدر إن أريد بما ابتلوا به كونه عدوّا وحزناً فهو استئناف، وهو لا ينافي الاعتراض عندهم فإن أريد غيره فهو اعتراض فقط. قوله: (خاطين) أي بياء ساكنة، وقوله تخفيف خاطئين أي بإبدال همزه ياء وحذفها، و " قوله: أو - خاطين الصواب فليس مبدلاً بل هو من خطا يخطو بمعنى تخطي لتخطيه الصواب إلى ضدّه فهو مجاز، وهو يؤول إلى معنى القراءة الأولى لكن الوجه الأوّل أوفق لها لفظاً ومعنى. قوله: (حين أخرجتة) إشارة إلى ما في الكشاف من أنهم عالجوه فلم يتيسر فتحه لغيرها- على ما فصل فيه، وقوله هو قرّة الخ إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف، والظرف صفته لا مبتدأ خبره لا تقتلوه ولو نصب لكان قويا لكنه لم يقرأ به، وقوله لأنهما متعلق بقوله قالت: وعالجها أي داووها به أو وصفوه لها وعلاجهم لها بريقه لشبهه به، أو لظنهم أنه من جنسه لا من بني آدم وهذا لطف من الله به لإغفالهم عن قتله. قوله: (وفي الحديث إنه قاك. الخ، هذا الحديث رواه النسائيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله ولو قال هو لي كما هو لك الخ هو أمر فرضي أي لو كان غير مطبوع على الكفر والعناد لشاهد ما شاهدته فكان دليلا على أنه يهتدي للإسلام، أو لو قاله خلق الله فيه أسباب الهداية. قوله: (خطاب بلفظ يلجمع) ! لثعظيم بناء عبى انّ المراد فرعون لا هو وأعوانه الحاضرون لعدم ما يدل عليه في النظم، وان رجحه بعضهم بما روي أنّ غواة قومه قالوا وقت إخراجه هذا هو الصبيّ الذي كنا نحذر منه فأدّن لنا في قتله، ولا هو ومن يخشى منه القتل، وإن لم يحضر على التغليب، وأمّا ما قيل من أنّ الجمع للتعظيم لا يوجد في كلام العرب الموثوق بهم لا في ضمير المتكلم كفعلنا وغيره من كلام المولدين، فمما تفرد به الرضى وكل من ذكره تابع له وهو لا أصل له رواية ودرياة قال أبو عليّ الفارسيّ في فقه اللغة الصاحبي من سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجمع فيقال للرجل العظيم انظروا في أمري، وهكذا هو في سرّ الأدب، وخصائص ابن جنى ولولا خشية الإطالة لنقلناه مفصلاَ، ثم إنه مجاز بليغ لا يلزم سماعه منهم وكم في القرآن من درّة عذراء مثله فلا تكن من المقلدين، ومخايل اليمن علامات البركة. قوله: (نتبناه) أي نتخذه ابناً فإنه لائق لتبني الملوك لما فيه من الأبهة وهذا من عطف الخاص على العامّ أو تعتبر بينهما المغايرة، وهو الأنسب بأو، وقوله حال من الملتقطين يعني آل فرعون، وقوله القائلة هي امرأة فرعون والمقول له المقدر فرعون عند المصنف وهو وأعوانه عند غيره فالمراد من الجمع اثنان على الأوّل، والخطا في التقاطه لتحقق خلاف ما التقط له وضميري نتخذه الفاعل والمفعول وهو على هذا من كلام آسية وفيما قبله من كلام الله، وقوله على الخطا الخ لف ونشر على الوجهين، وقوله على أنّ الضمير للناس يعني لا لذي الحال إذ يكفي للربط الواو، وقوله وقد تبنيناه أي اتخذناه ابناً جملة حالية في كلامه، ولا ينافي كون الحال منها في النظم لتقارنهما فتأمّل. قوله: (صفرا من العقل) أي خالياً منه لأنه محله المضاف إليه في القرآن كقوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [سورة الحج، الآية: 46] وان كان مثتركا بينه وبين الرأس ودهمها بمهملات مع فتح الهاء وكرها بمعنى عرض لها بغتة، وقوله بوقوعه الخ لا ينافي قوله وقالت لأخته قصيه لأن تتبع الخبر ليعرف هل قتلوه أم لا وليتحقق ذلك لا ليعرف مكانه، وأمّا كون الواو لا تقتضي الترتيب فلا وجه له لأنّ تقديم المؤخر من غير نكتة لا يناسب في النظم إلا بلغ وقوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [سورة إبراهيم، الآية: 43] أي خالية من العقل كقول حسان رضي الله عته: فانت مجوف نخب هواء قوله: (ويؤيله أنه قرئ فرغا) أي بكسر الفاء وسكون الراء المهملة والغين المعجمة وكلاهما قرى به والمعنى واحد، ووجه التأييد ظاهر لأنه استعارة لتشبيهه بقتيل لا قود ولا دية فيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 ومن هلك قلبه ذهب لبه وفيها قراآت أخر. قوله: (أو من الهم) كما يقال فارغ البال، ولا يرد عليه عدم ملاءمته لما بعده من قوله لتكون من المؤمنين كما سياتي في تفسيره، وأما أنه بمقتضى الجبلة البشرية فلا يناسب قول المصنف رحمه الله أو الفرح بتبنيه كما لا يخفى. قوله: (أو لسماعها الخ) هذا أيضا يلائم ما بعده لما سيأتي، ولا ينافي قوله: وقالت لأخته قصيه فتأمّل. قوله: (1 نها كادت الخ) إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وقيل إن نافية واللام بمعنى إلا وقوله بأمره، فهو بتقدير مضاف قيل وتعديه بالباء لتضميته معنى تصرّح أو هي زائدة ومعنى تبدي تظهر لأنه من البدوّ وهو الظهور، وفسره في الكشاف بتصحر بصماد وحاء مهملتين على أنه البادية والصحراء لا من البدوّ قال في الأساس ومن المجاز أصحر بالأمر وأصحره أي أظهره وكلام المصنف يحتمله فلا يحتاج إلى التضمين حيئذ، وقوله من فرط الضجر على التفسير الأوّل والوجه الأوّل من التفسير الثاني. قوله: (بالصبر أو الثبات) إشارة إلى أنّ الربط على القلب مجاز كما في قوله: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 11] وهذا ناظر إلى التفسيرين قبله، وقوله من المصدقين الخ وعد الله إنا رادّوه الخ، وقوله من الواثقين الخ الأوّل مبنيّ على أنّ فارغا بمعنى خالياً من العقل لفرط الجزع لولا أنّ الله ألهمها الصبر لتكون مصدقة بوعده، وهذا مبنيّ على أنّ المعنى فارغا من الهمّ فالمراد أنها كادت تظهر أمر موسى عليه الصلاة والسلام من الفرح، أو لإثبات قلبها ليكون فرحها للوثوق بوعده تعالى في حفظه لا لتبني فرعون، وعطفه عليه فإنه لا يرض الله فالإيمان على الأوّل بمعنى التصديق، وعلى هذا بمعنى الوثوق كما حكى أبو زيد ما أمنت أن أجد صحابة بمعنى وثقت فتدبر. قوله: (وقرئ موسى) أي بهمزة بدل الواو كان ينبغي تقديم هذا في تفسير فؤاد أمّ موسى، والهمزة المضمومة تبدل واواً باطرإد كوجوه وأجوه وهذه لضم ما قبلها أجريت مجرى المضمومة، وقوله همز واو وجوه بالنصب بهمزها أو بنزع الخافض أي كهمز واو الخ، وقوله وهو أي قوله لتكون الخ علة لربط القلب أي تقويته، وما دل عليه ما قبله أبدته وقوله مريم عطف بيان على أخته فإنه اسمها، وقوله وتتبعي خبره عطف تفسير لما قبله. قوله تعالى: ( {فَبَصُرَتْ بِهِ} ) بضم الصاد أي أبصرته، وقرى بفتحها وكسرها في الشواذ وفاؤه فصيحة أي قصت فبصرت، وقوله عن جنب بضمتين في القراءة المشهورة، وفسره المصنف والزمخشريّ بالبعد، وقيل إنه صفة موصوف محذوف أي مكان جنب أي بعيد، وهو كأنه من الأضداد فإنه يكون بمعنى القريب كالجار الجنب، وقيل هو بمعنى الشوق هنا، وقوله عن جنب يحتمل أن يكون بفتحتين أو بفتح فسكون أو بضم فسكون فإنه قرى بها كلها والمعنى واحد وضمير بمعناه لجنب بضمتين أو لبعد. قوله: (ومنعناه) جعله مجازاً إمّا استعارة أو مرسلا لأنّ من حرم عليه شيء فقد منعه لأنّ الصبيّ ليس من أهل التكليف، وحكمته أن يكون سبباً لعوده لأمّه ولئلا يرتضع لبن كافرة، ومرضع بضم الميم وكسر الضاد وترك التاء إمّا لاختصاصه بالنساء، أو لأنه بمعنى شخص مرضع ومرضع بفتح الميم مصدو ميمي، وجمع لتعدّد موادّه أو اسم موضع الرضاع وهو الثدي. قوله: (من قبل قصها) أو إبصارها أو ردّه أو قبل ذلك أي من أوّل أمره، وقوله فقالت أي دخلت مع المراضحع فقالت: وقولها على أهل بيت دون امرأة إشارة إلى أنّ المراد امرأة من أهل الشرف تليق بخدمة الملوك، وقوله لا يقصرون لأنّ النصح بمعناه المعروف لا يتأتى هنا، وقوله لما سمعه أي سمع قولها وهم لنا ناصحون، وقوله: فخذوها أي أمسكوها وضيقوا عليها حتى تقرّ وقولها إنما اردت الخ لأنّ كلامهما يحتمله في لغتهم، واختلاف مرجع الضمائر لا يختص بلغة العرب حتى يتكلف له تأويل وهذا، وإن كان كذباً جائز لدفع الضرر مع أنها غير معصومة، وقوله هل أدلكم معناه هل تريدون أن أدلكم وقوله وأجرى عليها أي أمر بأن يجري عليها النفقة، وقوله من أنت منه بمعنى من أنت في القرب منه نسباً ومن اتصالية، والكفالة تربية الصغير في الحجر، وقوله بولدها أي بلقائه، وقوله: يعلله بمعنى يلهيه. قوله: (علم مشاهدة البعض ما وعدها الله من ردّه وارساله والا فهي متيقنة لهما قبله، وحمل الزمخشريّ الوعد على كونه سيكون نبيا فحينئذ لا يحتاج لما ذكر، وقوله أنّ وعده حق أي لا يعرفون وعده ولا حقيته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 أو لا يجزمون بما وعدهم لتجويزهم تخلفه وهو لا يخلف الميعاد، وقوله أو أنّ الغرض الخ هو ظاهر عند من يجوز تعليل أفعاله تعالى بالإغراض، إمّا عند من لا يجوّزه فقد تجوّز بإطلاق الغرض على ما يترتب على أفعاله من الحكم والمصالح، وكونه غرضاً أصليا يفهم من إعادة حرف التعليل معه فإنه يقتضي الاعتناء به وأهميته، وما سواه من قرّة عينها وذهاب حزنها لكونه أمرا دنيوياً تابع لعلمها بتحقق وعده، فإن قلت الذي يفيده الكلام إنما هو كون كل منهما كالغرض، أو غرضحا مستقلاً وأمّ تبعية غيره له لا سيما مع تقدمه عليه فلا قلت لما حذف حرف العلة من الأوّل إشعارا بأنه غير مقصود بالتعليل، أفاد النظم أنه علة لذلك الأمر المعلل فكأنه قيل الردّ الذي قرّت به عينها لتعلم الخ فتدبر. قوله: (وفيه تعريض الخ) هو من التعبير بالمضارع فإنه يفهم أنها لم تتيقن ذلك في الماضي إذ لو كان كذلك لم يعرض لها خوف، وحيرة وفرط بتخفيف الراء بمعنى سبق وهذا جار على الوجهين، ولا يختص بالأوّل حتى يرد عليه أنّ الأولى ذكره عقبه. قوله: (مبلغه الذي لا يريد عليه نشؤه) المبلغ اسم زمان من البلوغ، وهو الانتهاء إلى حد النموّ وغايتة، ولهذا سمي سن الوقوف والنشء بوزن قفل، وقوله: وذلك من ثلاثين إلى أربعين أورد عليه أنه روي عن مجاهد أنّ بلوغ الأشد في ثلاث وثلاثين، والاستواء في الأربعين وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الاً شدّ ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين والاستواء ما بين الثلاثين إلى الأربعين وما ذكره المصنف رحمه الله لا يوافق شيئا منهما، وجوابه أنّ أصل معناه القوّة دون تعيين وهي تختلف باختلاف الأقاليم والإعصار والأحوال 4 ولذا وقع له تفاسير في كتب اللغة والتفسير بحسب القرائن والمقامات، وفي لسان العرب قال الزجاج هو من نحو سبعة عشر إلى الأربعين وقال: مرّة هو ما بين الثلاثين والأربعين انتهى، واختار الأخير المصنف هنا لموافقته لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [سورة الأحقاف، الآية: 5 ا] لأنه يشعر بأنه منته إلى الأربعين وهي سن الوقوف فينبغي أن يكون مبدؤه مبدأه، وهو الثلاثون وقد صرّح به في سورة يوسف، ولذا يفسر تارة بسن البلوغ وغيره فلا إشكال فيه كما توهم. قوله: (فإنّ العقل الخ) تعليل لقوله وذلك الخ يعني أنّ الأشد هو الكمال والقوّة وقوّته بالثباب، وكماله بالعقل وهما يتمان في هذه المدة فلذا فسر به، وقوله وروي الخ في تخريج أحاديث الكشاف إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث ويؤيده ما في حق يحيى عليه الصلاة والسلام: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [سورة مريم، الآية: 12] فإنه فسر بالنبوّة وأنّ عيسى عليه الصلاة والسلام بعث في ثلاث وثلاثين ورفع في الأربعين ولعله إن صح أغلبيّ، والرأس الطرف ولو آخرا كما هنا وكما قد صرّحوا به، واستوى بمعنى كمل وتمّ وهو تأكيد وتفسير لما قبله ولذا عطف عليه، وقوله علم الحكماء تفسير للحكم والعلم. قوله: (وهو أوفق لنظم القصة الأنه إذا فسر العلم بالدين والشريعة يكون هذا بعد النبوّة وعلى هذا هو قبلها، والمراد بالهجرة خروجه عليه الصلاة والسلام إلى مدين، والمراجعة بمعنى رجوعه منها، وإنما عبر بصيغة التفصيل لأنّ هذا القول على المعنى الأوّل يكون بيانا إجمالياً لإنجاز الوعد بجعله من المرسلين بعد ردّه لأمّه وما سيأتي تفصيل له، والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب فلا ممانعة ولا اعتراض عليه كما توهم ولم يفسر العلم بالعلم بالتوراة كما في الكشاف لأنه لم يؤتها حين بلغ أشدّه بل بعد إغراق فرعون كما ذكره الزمخشريّ في سورة المؤمنين لكنه إذا كان إجمالاً لأحواله يهون خطبه فتأمّل. قوله: (على إحسانهم) تنبيه على أنه إنما آتاه العلم والحكم لاستحقاقه إياه بإحسانه العمل فهو دليل على أنّ المراد بالحكم الحكمة، وعلم الحكماء لا النبوّة فإنها لا تكون جزاء على العمل كما قاله الإمام: فهو إشارة إلى ترجيح الوجه الثاني، وأمّا استلزام الأوّل لحصول النبوّة لكل محسن كما ذكره فليس بشيء. قوله: (وقيل منف) عطف على مصر، وهي بلغة معروفة وهي بضم الميم وفتحها وان ذكره بعضهم لا يوثق به والنون ساكنة وهي ممنوعة من الصرف كماه وجور والمعروف فيها منون بواو وتفصيله في أسماء البلدان، وحا بين بحاء مهملة وباء موحدة في النسخ وهي وعين شمس أسماء بلدتين من نواحي مصر وكون الوقت بين العشاءين مرويّ، عن ابن عباس رضي الله عنهما وشايعه بمعنى تابعه. قوله: (والإشارة) أي بهذا واقعة على طريق الحكاية لما وقع وقت الوجدان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 كأنّ الرائي لهما يقوله لا في المحكيّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله هو من عدوّه قدره لتكون لجملة صلة ولو لم يقدّره صح، ولذا تركه في الأوّل، وقوله فسأله هو معنى السين، وقوله ولذلك عدى بعلى أي حملا له على نظيره أو ضمنه معناه ويؤيده القراءة به، وان ضمن معنى النصر صح لتعديه بعلى ويؤيده قوله استنصره بالأمس، وجمع كفه بضم الجيم وسكون الميم بمعنى كفه المضمومة أصابعها. قوله: (وأصله فأنهى حياته) أي جعلها منتهية متقضية وهو بهذا المعنى يتعدّى بعلى كما في الأساس فلا حاجة إلى تأويله بأوقع القضاء عليه، وأمّا تعديته بإلى في الآية المذكورة فلتضميته معنى أوحينا واستشهاد المصنف بها إنما هو لاستعمال قضى بمعنى أنهى وأتمّ. قوله: (لآنه لم يؤمر بقتل الكفار) تعليل لقوله، أو مقوله إذ لو أمر به كان جهادا وطاعة، والظاهر أن يقول بدل قوله مأمونا مستأمناً، والاغتيال الغدر بقتل المرء من حيث لا يشعر وقوله لا يقدح الخ وهو قبل النبوّة أيضا، وقوله عادتهم أي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومحقرات مّا بزيادة ما كأمر ما والمراد بكونها محقرات أنها في نفسها كذلك لئلا يرد عليه أنه استخفاف بالصغيرة، وهو غير جائز، وفرطت بمعنى وقعت بدون تعمد، وقوله وإنما عدّه الخ يعني جمعه بين هذه الأمور الثلاثة يدل على أنه كبيرة، وليس كذلك لا كل واحد لئلا يكون تكرارا ويرد عليه أنّ الخطأ لا يخلو عن الإثم، ولذا شرعت فيه الكفارة، وهو صغيرة فلا حاجة لما ذكره المصنف، وقوله ظاهر العداوة إشارة إلى أنه من أبان للازم ولم يقل ظاهر العداوة والإضلال، وان لم يستلزم أحدهما الآخر فكم من صديق مضل لأنه يريد الإشارة إلى أنه صفة عدوّ لا مضل لوقوعه كذلك في غير هذه الآية واضلاله ظاهر لا يحتاج إلى بيان. قوله: (لاستغفاره) أي إجابة لدعائه بالمغفرة، وإنما قيده به لما فيه من الفاء فلا يتوهم أنّ صيغة المبالغة تقتضي عدم التقييد مع أنه لا وجه له، وقوله بهم لكونه بمعنى اللطيف أو الرؤف. قوله ة (أقسم بأنعامك الخ) إن كان هذا قبل النبوّة فمعرفته أنه غفر له بإلهام أو رؤيا فلا يقال الظاهر أن يبدّل بالإقرار، والاسنغفار وقوله لا تؤبن هو الجواب المقدر، وقوله أو استعطاف هو قسم من القسم جعله المصنف كالزمخشريّ قسيماً له لأنّ المراد بالقسم ما يؤكد به الكلام الخبري، وينعقد منه يمين وهذا ليس كذلك فأراد به فرده المتبادر منه فصار قسيماً بعدما كان قسماً، قال ابن الحاجب: القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة أخرى فإن كانت خبرية فهو القسم لغير الاستعطاف نحو والله لأقومن غداً وإن كانت طلبية فهو للاستعطاف نحو قولك بالله زرني، وقيل القسم الاستعطافي ما كان المقسم به مشعرا بعطف وحنو نحو بكرمك الشامل أنعم عليّ وهنا استعطفه تعالى بنعمة المغفرة وجعلها وسيلة لطلب العصمة والكلام صادق عليهما، وجعل بعضهم إطلاق القسم على الاستعطافي تجوّزا وعليه فالمقابلة ظاهرة، وكلام ابن الحاجب وغيره مخالف له والباء حينئذ متعلقة باعصمني وجملة فلن أكون متفرّعة عليه والفاء على الأوّل عاطفة على الجواب وعلى الثاني واقعة في جواب الأمر أو الشرط المقدر. قوله: (لمن أذت معاونته إلى جرم) كالإسرائيلي الذي خاصمه القبطيّ فادّت معاونته إلى قتل لم يحل له فالمجرمون في النظم مجاز في النسبة للإسناد إلى السبب، ويجوز أن يراد بالمجرم من أوقع غيره في الجرم فهو حقيقة، وتفسيره محتمل لهما والظاهر منه الأوّل، وفي الكشاف إنّ المراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وتكثير سواده السالف له أو المراد بالمجرمين الكفار لأنّ الإسرائيلي لم يكن أسلم. قوله: (لم يستثن) أي لم يقل إن شاء الله وابتلاؤه به أي بأن يكون ظهيراً للمجرمين مرّة أخرى، وهو ما في قوله فإذا الذي استنصره الخ وهذا على ما مرّ من لوجهين لكن الاستثناء لا يناسب الاستعطاف لكون النفي معلقاً بعصمة الله. قوله: (وقيل معناه بما أنعمت الخ) فيكون الحاز والمجرور متعلقاً بفعل مقدر يعطف عليه ما ذكر وليس قسما كما توهم لأن أعين لو كان جواب قسم وجب تأكيده، أو اقترانه بلام القسم وإنما هو إلزام لنفسه بما ذكر كالنذر، والأعذاء القبط أو مطلق الكفار أو فرعون وأشياعه، ويترصد بمعنى يتوقع وإلاستقادة طلب القود منه، وقوله فإذا للمفاجأة. قوله: (من الصراخ) بالضم، وهو الصياح ثم تجوّز به عن الاستغاثة لعدم خلوّها منه غالباً، وشاع ذلك حتى صار حقيقة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 عرفية، وقيل المعنى بطلب إزالة صراخه، وقوله- جمالأسى إن كان دخوله المدينة بين العشاءين فمجاز عن قرب الزمان. قوله: (لأنك تسببت لمقتل رجل الخ) قيل الحق أن يقال لأنّ عادتك الجدال وما ذكر لا يناسب قوله فلما أراد الخ لأنّ تذكر تسببه لماذكر باعث للإحجام لا الإقدام، ورد بأنّ التذكر محقق! لقوله خائفا يترقب والباعث له على ما ذكر شفقته على من ظلم من قومه وعترته لنصرة الحق. قوله: (قاله الإسرليلي) أي لموسى لظته أنه يريد البطش به لا بعدوّهما، أو هو من قول القبطي لموسى عليه الصلاة والسلام، وقوله وكأنه وفي نسخة فكأنه، وفوله من قوله أي مقوله للإسرائيلي وهو إنك لغويّ مبين ولا بعد فيه لأنّ ما ذكر إمّا إجمال لكلام يفهم منه ذلك، أو لأنّ قوله ذلك لمظلوم انتصر به خلاف الظاهر فلا يعد في الانتقال منه لذلك. قوله: (تطاول الخ) أصله تتطاول أي تعتدي بما تريد من غير نظر في عاقبته، وهو إشارة إلمى ماخذه لأنّ الجبار في الأصل النخلة الطويلة فاستعمل لما ذكر إمّا باعتبار تعاليه المعنويّ يو تعظمه، وقوله ابن عمه أي ابن عمّ فرعون، وقد اشتهر بمؤمن من آل فرعون حتى صار كالعلم له. قوله: (وجاء رجل الخ) الظاهر أنّ من أقصى المدينة صلة جاء لأنّ سرعته لبعد المحل الذي جاء منه، واهتمامه بأخباره ولذا قدّم في سورة يس لدفع احتمال الوصفية، وأمّا تاخيره هنا فعلى الأصل وجعله في أحدهما صفة وفي الآخر صلة لا وجه له، وكونه من أقصى المدينة غير معهود ولا فائدة للوصف به، وإلحاقه بالمعارف لأنّ أصل ذي الحال أن يكون معرفة أو مع مسوّغ كما هو معروف في النحو، وقوله يأتمر أي يقبل الأمر. قوله ة (اللام للبيان) كما في شيا لك فيتعلق بمحذوف، وقوله معمول الصلة وهو ناصحين لأنّ أل اسم موصول لا حرف تعريف على الصحيح فيمنع العمل كما أنّ معمول الحرف الجار لا يتقدم معموله عليه، وهذا مذهب الجمهور، وعند من جوّز ذلك في أل خاصة لكونها على صورة الحرف أو في الظرف للتوسع فيه، أو قال هي حرف لإرادة الثبوت فلا مانع من عمله فيه، أو تفسيره لعامل فيه. قوله: (قبالة مدين) بضم القاف بمعنى ما يقابل جانبها، وتلقاء في الأصل مصدر انتصب على الظرفية وتوجهه لقرية شعيب عليهما الصلاة والسلام لمعرفته به، وقيل لقرابته منه، وعن بمعنى عرض! وقوله وصل إشارة إلى أنّ المراد بالورود الوصول لا الدخول أو الشرب لوروده بمعانيها، وقوله وهو بئر إشارة إلى أنّ المراد بالماء محله مجازاً وأنه بئر لا عين، وتوله ة شفيرها هو فم البئر، وقوله كثيرة من لتنوين أو من لفظ أمّة والاختلاف من قوله من الناس لشموله للأصناف، ولا فائدة في ذكره غيره ولا وجه للتوقف فيه، وقيل فائدته تحقيرهم وأنهم لئام لا يعرفون بغير جنسهم أو محتاجون إلى بيان أنهم من البشر أو المراد بمختلفين يجيئون، ويذهبون للمناوبة في السقي كماهو معتاد وقال الطيبي إنه يؤخذ من خارج أو العادة أنه يجتمع للسقي أصناف مختلفة، وقوله في مكان أسفل وقيل من قربهم أو من سواهم أو مما يلي جهته إذ قدم عليهم. قوله: (تمنعان أغنامهما) إشارة إلى المفعول المحذوف، وسيأتي ما فيه، وقوله كي لا تختلط بأغنامهم فيلزم مزاحمتهما للرّجال واختلاطهما معهم فلا يرد أنّ الاختلاط موجود في الأمّة وهم لا يذودون كما قيل. قوله: (ما شأنكما) يعني أنّ الخطب مصدر أريد به المفعول فهو بمعنى الشأن، والشأن أيضاً مصدر أريد به المفعول وجملة تذودان حالية وهي المسؤول عنها في الحقيقة فكأنه قيل لم يذودان أي ما سبب الذود، وقد بينه بقوله حذراً عن مزاحمة الرجال وهو لا ينافي قوله كي لا تختلط باغنامهم كما قيل لما بيناه، وقوله تصرف الخ تفسير ليصدر. قوله: (فحذف المفعول) أي في الأفعال الثلاثة أو الأربعة وهذان مذهبان مذهب الزمخشري وعبد القاهر، وهو أنّ القصد إلى نفس الفعل فنزل منزلة اللازم أي يصدر منهم السقي ومنهما الذود، وأمّا أنّ المسقى والمذود إبل أو غنم فخارج عن المقصود بل ربما يوهم خلافه إذ لو قيل أو قدر يسقون إبلهم ويذودان غنمهما لتوهم إنّ الترحم لهما ليس من جهة إنهما على الذود والناس على السقي بل من جهة إنّ مذودهما غنم ومسقيهم إبل كما إذا قلت ما لك تمنع أخاك نالمنكر منع الأخ لا المنع من حيث هو وخالفهما صاحب المفتاح فذهب إلى أنه محذوف للاختصار والمراد يسقون مواشيهم، ويذودان غنمهما وكذا سائر الأفعال في الآية لأنّ الترحم لم يكن من جهة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 صدور الذود عنهما والسقي من الناس بل من جهة ذودهما غنمهما، وسقي الناس مواشيهم حتى لو ذادا غير غنمهما وسقي الناس غير مواشيهم لو يصح الترحم، وادّعى السعد والشريف أنه أدق وأحسن، وأشارا في شرح المفتاح إلى فساد المعنى بدونه وقد قيل للشيخين أن يقولا الترحم باعتبار أنّ السقي من الأمّة لأنفسهم والذود لأجل أنفسهما بلا مدخل لملاحظة المسقي، والمذود وتنزيل الفعل منزلة اللازم بالنسبة إلى المفعول الصريح المعين لا ينافي عدمه باعتبار المفعول بالواسطة فلا فساد فيما ذهبا إليه، وفي شرح الإيضاح إنّ الموضع كان مجتمع الناس للسقي ومجرد عدم اشتغالهما بالسقي، واشتغال الناس به مع ذكر ضعف أبيهما كاف في إيجاب الترحم، وقيل ترك المفعول في يسقون ويذودان لأنّ الغرض هو الفعل لا المفعول إذ هو يكفي في البعث على سؤال موسى عليه الصلاة والسلام، وما زاد على المقصود لكنه وفضول وأمّا البعث على المرحمة فليس هذا موضعه فإنّ له قولهما لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، ومن لم يفرق بين البعثين قال: ما قال وردّ بأنّ منشأ السؤال هو المرحمة لحالهما كما صرّحوا به فسؤاله للتوسل إلى إعانتهما وبرهما لتفرسه ضعفهما وعجزهما، ولولاه لم يكن للتكلم مع الأبخبية داع، وقولهما لا نسقي الخ باعث لمزيد المرحمة لقبولها للزيادة والنقص (قلت) هذا محصل ما صدر من القوم هنا، وبعداً للتيا والتي فالذي يرتضيه الذوق السليم أنّ كونهما يذودان مواشي الناس لا احتمال له أصلاً إذ لو ذاداها سقياً مواشيهما قبلهم والكلام صريح في خلافه، والاحتمال المرجوح ساقط مطروح فلم يبق إلا الاحتمال الآخر، ولا حاجة إلى تقديو المفعول بالواسطة لأنه إذا احتيج للتقدير فتقدير المفعول الصريح هو الأحق بالتقدير وأمّا ما اعترض به على المرحمة فخيال فاسد، وحينئذ فمجرّد السقي منهم وعدمه منهما كاف في المراد من غير تقدير مع أنّ المقدر في الأوّل ليس إبلاً بل الأعمّ، وهو المواشي كما صرّح به المصنف إذ الأمم المختلفة الظاهر أنّ منهم من يسقي إبلاَ ومنهم من يسقي غنما فلا يتغاير المسقي لهما وللأمم حتى يكون خصوص المسقي هو المنظور له في الترحم ففي كلام المصنف مخالفة للزمخشري في هذا أيضا فتركه عنده لأنه عبث، وان لم يوهم خلاف المراد فتأمّل. قوله: (ثم دونه) بالثاء المثلثة المفتوحة أي في الفعل دون المفعول وفي بعض النسخ ثمّ بنقطتين أي حصل بدون المفعول، وعلى النسختين فذكره زائد لا حاجة إليه، وقوله وهو أي فعال بالضم فإنه اسم جمع، وقيل إنه جمع كما مز وانه سمع في ثماني كلمات نظمها الزمخشريّ، وقد استدرك عليه لأنه سمع غيرها كما فصلناه في شرح الدرّة، وقوله كالرخال هو بضم الراء المهملة والخاء المعجمة وفي آخره لام جمع رخلة ورخلة بكسر الراء، وهي الأنثى من أولاد الضأن، وقوله وأبونا الخ حال أو معطوف على مقدر أي ليس لنا خادم وأبونا الخ، وقوله فيرسلنا اضطراراً الخ والضرورة لها أحكام فلا يقال كيف ساغ لنبيّ إرسال ابنتيه مع الأجانب مع أنه لا محظور فيه إذ لم ينظروا لهما ويخالطوهما مع اختلاف العادة في مثله بدوا وحضرا وزمانا، وقد قيل ليستا بنتين له. قوله: (قيل الخ) وجه تمريضه أنه مخالف للنظم لأنّ تلك البئران كانت هي التي استقى منها الجميع، وا. طباق الحجر عليها قبل السقي فمقتضى هذه الرواية أنهم استقوا بعد مجيئه وهو يخالف ؤ! أيد: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} إلا أن يؤوّل بأنهم كانوا متهيئين للسقي، وهو بعيد ؤط كان بعده، وقبل سقيهما فهو منع لهما وهو مخالف لقوله لا نسقي حتى يصدر الرعاء، وان كان بعده فهو أشد مخالفة، وأمّا استبعاد صبره إلى أن يفرغ الرعاء من السقي ويضعوا الحجر عليها فلا وجه له وما روي أنهما رجعتا إلى شعيب قبل الناس فقال: {ما أعجلكما فقالتا وجدنا رجلاَ صالحاً فسقى لنا} [سورة القصص، الآية: 24] فهو أوفق بما بعده وبأنه زأحمهم حتى سقي وكلاهما موافق لوصفه بالقوّة، ومعنى أقله حمله ويقله مضارعه والوصب الضعف. قوله:) وقيل كانت الخ العل ضعفه من جهة الرواية وأنّ الظاهر عدم تعدد المورد، وتوله لأيّ شيء إشارة إلى أنّ ما نكرة موصوفة لا موصولة لعدم مناسبته للمقام، وقوله قليل أو كثير من شيوع التنكير، وأنزلت بمعنى قا- رت وأوصلت، وقوله وحمله الأكثرون أي حملوا الخير على الطعام بقرينة المقام لأنّ القادم من طريق مطلوبه الزاد خصوصا مع ما مرّ من ذكر جوعه. قوله: (محتاج سائل الخ) يعني أنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 فقير يتعدّى بالى فتعديته باللام هنا لأنه ضمن معنى محتاج، وهو يتعدى بها وقوله سائل تفسير لمحتاج لا أنه هو المضمن لأنه لو كان كذلك كانت اللام للتقوية لأنه متعد بنفسه فلا يوافق ما بعده، ومن فسر السائل بالطالب لظنه أنه يتعدّى باللام فقد وهم، ويجوز أن تكون اللام للبيان. قوله: (وقيل معناه الخ) والمراد بالخير الخير الديني لا الدنيوي كما في الأوّل واللام للتعليل، وصلة فقير مقدرة أي إلى الطعام أو لأمور الدنيا وقوله والغرض أي على هذا الوجه، والتبجح تفعل بالجيم والحاء المهملة الفرح والافتخار أي لا التشكي والتضجر، ولذا عبر عن الأوّل بالخير وقدمه. قوله: (مستحية متخفرة) بتخفيف الياء استفعال من الحياء وحذفت إحدى ياءيه في الفعل للتخفيف وتبعه بقية مادّته، وهو إشارة إلى أنه حال من فاعل تمشى أو جاءته فهو حال أيضاً، وهي إمّامترادفة أو متداخلة، وقوله متخفرة بوزن اسم الفاعل من التفعل من الخفر بفتح الخاء المعجمة والفاء، وهو شدّة الحياء وقوله واسمها الخ وفي الكشاف كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء والكبرى هي التي ذهبت به وتزوّجها. قوله: (جزاء سقيك) إشارة إلى أنّ ما مصدرية لا موصولة لأنّ ما يستحق عليه الأجر فعله لا ما سقاه إذ هو الماء المباح، وقوله ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما أجابها بالذهاب إلى أبيها إذ دعته يعني أنّ مثله لا يليق به أخذ الأجر على ما تبرّع به من المعروف فأجابته ليست لأخذه بل لما ذكر، ويستظهر بمعنى يستعين ويتقوّى، وقوله هذه عادتنا يعني ليس ما بذلناه أجرا بل قرى على عادتنا تنافيه. قوله: (من فعل معروفاً وأهدى بشيء (ضمنه معنى المقابلة أي قوبل بشيء على وجه الهدية، والجواب الأوّل مبنيّ على مغ قبوله للبر في مقابلة المعروف وهذا مبنيّ على تسليم قبوله بعد العمل إذا كان على طريق الهدية وفي الكشاف إنّ طلب الأجر للضرورة غير منكر، وامّا الاستشهاد عليه بقوله ة {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [سورة الكهف، الآية: 177 فليس بمناسب لأنه من قبيل الاستئجار، وما نحن فيه ليس كذلك. قوله: (تعليل (لأنّ الجملة المصدرة بأن في جواب سؤال عن سبب قولها استأجره، وقوله شائع يعني أنه عام جار مجرى المثل وتعريف القويّ الأمين للجنس أي من كان كذلك لائق بالاستئجار وقوله وللمبالغة فيه أي في التعليل أو الدليل، ووجه الاستدلال اندراجه تحته. قوله: (جعل خير اسما (لأن مع إن الظاهر فيه أن يكون خبرا أمّا إن كانت من المضاف إليها نكرة فظاهر لأنّ فيه إخباراً عن النكرة بالمعرفة، وهو خلاف الظاهر وان جوّزوه في اسمي التفضيل والاستفهام وكذا إن كانت موصولة وقلنا إضافة أفعل التفضيل لفظية لا تفيد تعريفا كما هو أحد قولين للنحاة فيه أو لأنّ المعرف باللام أعرف من الموصول وما أضيف إليه، أو لأنّ المقصود بالإفادة كونه خيراً من غيره فصدر للاهتمام به والمبالغة في خيريته، وأنها أمّ الكمال المبني عليها غيرها المفروغ منها فتأمّل. قوله: (وذكر الفعل بلفظ الماضي) ولم يقل تستأجر مع أنه الظاهر لأنه جعله لتحققه وتجربته كما ذكر في المروي بعده بمنزلة ما مضى وعرف قبل، واقلال الحجر رفعه كما مرّ وصوّب رأسه بمعنى خفضها لثلا ينظر إليها كما أنه أمرها بالمشي خلفه في ذهابه معها. قوله: (هاتين) فيه إيماء إلى أنه كانت له بنات أخر غيرهما، وقد قال البقاعي: أنّ له سبع بنات كما في التوراة، ولا وجه للمشاحة فيه فإنّ مثله زهرة لا يحتمل لمفرك، وقوله إن تأجر نفسك مني فيه إشارة إلى أنه يتعدى إلى مفعولين حذف أحدهما هنا، وأنه يتعدّى إلى الثاني بنفسه وبمن وقوله أو تكون لي أجيراً كقولهم أبوته إذا كنت له أبا وهو بهذا المعنى يتعدى لواحد، وقوله أو تثيبني فالمراد التعويض أي تجعلها أجرى على التزويج يريد المهر، ومنه أجره الله على ما فعل فهو مأجور وقوله ومفعول به على الثالث، ويجوز فيه الظرفية أيضا بحذف المفعول أي تعوّضني خدمتك وعملك في ثماني حجج، والرعية بكسر الراء رعي الغنم وقوله: فإتمامه الخ إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة جواب الشرط. قوله: (وهذا استدعاء العقد الخ (أي دعاه وواعده على عقد سيقع بدليل قوله أريد أن أنكحك فلا يرد عليه أنّ الإبهام في المرأة المزوّجة غير صحيح، وعلى الخدمة ومنافع الحرّ عندنا أيضا خصوصاً ومدتها غير معينة هنا والخدمة أيضا ليست لها بل لأبيها فكيف صح كونها مهرا، وحاصله إنّ هذا الكلام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 وعد معلق بشرط والمهر شيء آخر، وقوله أو برعية جواب آخر عن الثاي أي هو برعيه، والتزوّج على الرعي جائز عند الشافعي، وكذا عندنا كما يفهم من الهداية قيل وهو مراد من قال بالإجماع ومن قال إنه خاص بغير مذهب الحنفية لم يصب إذ الخلاف في الخدمة غير الرعية فإنها مستثناة لأنها قيام بأمر الزوجية لا خدمة صرفة، وقوله والأجل الأوّل عطف على رعية أي جرى لكل منهما فيندفع الفساد إن الأوّلان وفي أكثر النسخ أو برعية الأجل بالإضافة، وهي على معنى اللام أوفى. قوله: (ووعد له الخ (الجملة حالية بتقدير قد أو معطوف على جرى وفاعله ضمير موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله وكانت الخ جواب عن أنه ليس خدمة لها على تسليم صحته، وكذا ما بعده وهو عليه منسوخ، وقال الجصاص يستدل به على جواز الزيادة في العقود، وقوله في ذلك أي جميع ما ذكر من التزوّج على خدمة لغير الزوجة والإبهام في المزوّجة وأمّا في المهر فيجوز كما هو مبين في الفروع، ولا يرد أنّ ما قص من الشرأئع السالفة من غير إنكار فهو شرع لنا لأنه على الإطلاق غير مسلم. قوله: (واشتقاق المشقة الخ) وهي ما يصعب تحمله من الشق بفتح الشين، وهو فصل الشيء شقين يعني أنه مشق الاعتقاد والرأي لتردّده في تحمله وعدمه، والمزاولة المباشرة وكذا الشقاق، وقوله في حسن المعاملة أو هو مطلق، وقوله إن شاء الله للتبرك لا للتعليق لتحقق صلاحه والمراد اتكاله على الله وتوفيقه فيه، وقوله لا نخرج عنه أي لا تزيد أنت ولا أنقص أنا فيه، ولا وجه لما قيل إنّ الأظهر لا تخرج عنا. قوله: (لا تعتدي علئ) بيان لحاصل المعنى لا لأنّ عليّ متعلق بعدوان إذ لو كان كذلك وجب نصبه على الصحيح بل هو خبر له إذ صلة المصدر تقع خبراً له خاصة، ولا يصح ذلك في الصفة كما حققه الرضى، وقوله بطلب الزيادة أي لا يتعدى غيري عليّ بطلب الزيادة على أقي الأجلين اخترته. قوله: (او فلا أكون معتدياً) هذا هو الصحيح، وما وقع في نسخ متعديا تحريف لعدم مناسبته، وقوله بترك الزيادة أي بسبب ترك الزيادة على أحد الأجلين، والمراد نفي العدوان عن نفسه أي لا يقع عليّ عدوان كقولك: " لا إثم علتي " ولا تبعة عليّ وهذا كالوجه الذي قبله والفرق بينهما دقيق، وقوله وهو أي ما وقع في النظم أبلغ أي في الوجهين لجعله طلب الزيادة كطلب التتميم في إنه عدوان فهو إثبات للخيرة ببينة، وهو من تنصيصه على الأجلين. قوله: (وقرئ أيما) بتسكين الياء من غير تشديد، وهذه القراءة للحسن وهي شاذة والبيت المذكور من شعر للفرزدق يمدح به نصر بن سيار وتنظرت بمعنى انتظرت، والسماكان كوكبان أحدهما أعزل والآخر رامح وهما من الأنواء، واستهل بمعنى انصث كهل، والغيث المطر الكثير المتتابع والمواطر جمع ماطرة، وهي السحابة يعني أنه انتظر الممدوح وجود. وأحد الأنواء الماطرة، ولم يفرق بينهما وهذا تشبيه بليغ على نهج تجاهل العارف، وقوله وأيّ الأجلين أي قرئ به، وقوله لتأكيد الفعل إشارة إلى أنه في المشهورة لتأكيد المفعول، وقوله جرّدت عزمي مكنية وتخييلية على تشبيه العزم بالسيف وقوله وعدوان أي وقرئ عدوان ولم يلتفتوا إلى جعل ما نافية في الثانية، وإن صح ليتوافق معنى القراءتين. قوله: (شاهد حفيظ) أي مطلع وحافظ، وقوله شاهد بيان لتعديه بعلى لتضمينه معنى شاهد، وقال الراغب: يقال توكلت عليه أي اعتمدت والفاء في فلما قيل إنها فصيحة، وقوله بأمر أنه لأنه يكنى عنها بالأهل وقوله من الجهة الخ فليس المراد به بعض الجبل كما هو المتبادر. قوله: (عود الخ) الجذوة مثلثة، وبها قرئ كما سيأتي والحواطب جمع حاطبة وهي الجارية التي تجمع الحطب، ويلتمسن أي يطلبن ولها وقع في نسخيما بدله بها والجزل بجيم، وزاء معجمة هو الحطب اليابس، والجذي بكسر الجيم جمع جذوة، والخوّار الضعيف الهش والدعر بفتح الدال وكسر العين المهملتين والراء المهملة الرديء الكثير الدخان ومنه الداعر، والحواطب إن كان المراد بها الخدم فظاهر، وإن أراد النمامات فالمراد لا يجدن لها مساوي كما في الكشاف، وهو شاهد على إطلاقه على العود من غير نار، والبيت الآخر لما فيه النار وقيس فيه اسم قبيلة، ولذا قال عليها وهو استعارة لما لحقها من الفتنة التي كأنها نار متوقدة، وقوله ولذلك أي لكونه يطلق على ما فيه نار وغيره احتاج إلى البيان وجعلها نفس النار مبالغة، وان كانت من ابتدائية أو المراد ما احترق لأنه يطلق عليه في العرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 وقوله: تستدفؤون يدل على أنهم أصابهم برد. قوله: (أتاه النداء الخ) قيل مسموعه كلام لفظي مخلوق في الشجرة بلا اعتماد وحلول، وأمّا قوله أنا وان كان كل أحد يشير به إلى نفسه فليس المعنيّ به محل لفظه كما لا يخفى، وعلى قول الغزاليّ، إنه سمع كلامه النفسيّ بلا صوت كما ترى ذاته بلا كيف، فقوله من شاطئ الوادي حال من ضمير موسى المستتر في نودي أي قريباً منه أو كائنا فيه لأنّ من ترد بمعنى في كقوله: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [سورة الأحقاف، الآية: 4] ويجوز أن تكون ابتدائية فعلى الأوّل اختصاصه باسم الكليم لكونه على خلاف المعتاد، وعلى الثاني ظاهر. قوله: (من الشاطئ الأيمن) إشارة إلى أن الأيمن صفة الشاطئ لا الوادي وأنه وقع عن يمين موسى عليه الصلاة والسلام في مسيره فلذا وصف به، وأنه ضدّ الأيسر لا الأشام، وقد جوّزه فيما سبق وعليه فيجوز كونه وصفا للشاطئ أو للوادي، وليس الكلام مسموعا من جميع الجهات كما مرّ وقوله متصل بالشاطئ أي حال منه، وقوله من الشجرة هو بدل على الوجهين السابقين بدل اشتمال سواء كان الكلام لفظيا أو نفسياً، وقد جوّز تعلقه بالبقعة المباركة على أنّ ابتداء بركتها من الشجرة فليتأمّل، وقوله بدل من شاطى بالتنوين لأنّ الشجرة بدل من شاطئ لكن أعيد الجاو معها لأنّ البدل على تكرار العامل، أو بالإضحافة على أنّ الجارّ والمجرور بدل من الجارّ والمجرور، وقوله لأنها الخ إشارة إلى وجه الاشتمال وأنه قد يكون باشتمال المبدل منه على البدل، وعكسه كسرق زيد ثوبه، ونابتة بالنون من النبات، وقد قيل إنه بالمثلثة أيضاً، وقوله أي موسى إشارة إلى أن أن تفسيرية، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والأصل بانه والضمير للشأن. قوله: (وإن خالف الخ) أي في بعض ألفاظه لأنه حكاية بالمعنى، وذهب الإمام إلى أنه حكى في كل من هذه السورة بعض ما اشتمل عليه النداء لأنّ مطابقته تحتاج إلى تكلف مّا، وكون النداء بأنا لا يقتضي كونه تعالى في الجانب أو الشجرة لتنزهه عن المكان الأتراك تعني بأنا نفسك، وليست النفس محل أنا وان لم تكن مجرّدة. قوله: (فألقاها الخ) يعني أنّ الفاء فيه فصيحة وقبلها مقدّر يعلم من السياق والسباق، وما قيل: من أنه لا دلالة فيه على صيرورتها ثعبانا وأنه إنما كان فيما جرى بينه، وبين فرعون لا في وقت الإيناس ليس بشيء. قوله: (في الهيئة والجثة أو في السرعة) قد مرّ أن مثله للتوفيق بين ما ورد في الآيات من كونها جانا وثعباناً وحية فقوله: في الهيئة والجثة إشارة إلى أنّ لها أحوالاً مختلفة تدق فيها وتغلظ، وما بعده إشارة إلى أنّ التشبيه باعتبار سرعة حركتها وخفته فلا ينافيه قوله في بيان الجمل المطوية فصارت ثعباناً واهتزت بناء على الثاني، وعلى الأوّل أيضا بناء على أنّ الجان يطلق على ما عظم منها على أنه لم يقل فإذا هي جان حتى ينافيه، كما توهم فتأمّل وقوله نودي إشارة إلى تقديره ليرتبط بما قبله، والمخاوف ما يخاف منه جمع مخافة، وقوله فإنه لا يخاف الخ تفسير للأمنين بالمرسلين والعيب البرص والبهق. قوله: (يديك المبسوطتين الخ) يشير إلى أنّ الجناح بمعنى اليد استعارة وأنه وان أفرد فالمراد كلتاهما كما يقال مشى برجله ونظر بعينه، وقوله تتقي الخ حال مبين لبسط اليد المأمور بتركه بالضم، وقوله بإدخال اليمنى الخ بيان للضم متعلق باضمم. قوله: (فيكون تكريرا) حتى كان وقوع الإدخال في الجيب مرّتين فالأوّل لإظهار الجراءة، والثاني ليخرج يد. بيضاء لا بداء معجزة وقوله في وجه العدوّ خبر واظهار جراءة مفعول له أو هو حال من اسم يكون، واظهار خبر، وقوله مبدأ خبر مبتدأ مقدّر أي وهذا أو هو معطوف على إظهار فيكون ذلك إشارة إلى مجموع الذكرين فتدبر. قوله: (ويجوز أن يراد إلى آخره) يعني أنه استعارة تمثيلية من فعل الطائر عند هذه الحالة في الأصل، ثم كثر استعماله في التجلد وضبط النفس حتى صار كناية عنه، ومثلا وعلى هذا هو تتميم لقوله: {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} كما في شروج الكشاف، وقيل الوجه أن يقال عند خروج يده بيضاء وأورد على الأوّل أنه لا وجه لتأخيره عليه عن قوله اسلك الخ ولا لاستعارة الجناح والعدول عن الضمير إذ الظاهر اضممها، وقيل إنه مع أنه أخذه من البقايئ مخالف لما اختاره في طه من أنّ الكناية بالسوء عن البرص غير محتملة في مقام الإعجاز والتكريم وأمّا قوله لا وجه لتأخيره فكفانا مؤنته الشارح الطيبي، واستعارة الجناج وجهها معلوم مما ذكره المصنف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 ووجه العدول أنّ المراد بالجناج يداه لا إحداهما كما في الأوّل وفيه بحث، والرهب الخوف والرعب. قوله: (من أجل الرهب) إشارة إلى أنّ من تعليلية، وقوله تجلداً وضبطا على التفاسير لا على الأخير كما يتوهم، وقوله إشارة الخ والتذكير لمراعاة الخبر، وقوله: وشدده الخ وهي لغة فيه فقيل إنه عوّض من الألف المحذوفة نونا وأدغمت، وقال المبرّد أنه بدل من لام ذلك كأنهم أدخلوها بعد نون النثنية، ثم قلبت اللام نونا لقرب المخرج وأدغصت وكان القياس قلب الأولى لكنه حوفظ على علامة التثنية، والبرهان إذا كان مشتقا من البره وهو البياض فهو كما يقال حجة بيضاء، واذا كان من البره بمعنى القطع فهو أظهر ولا يقال في فعله برهن لأنها مولدة بنوها من لفظه على ما عليه الأكثر. قوله: (مرسلاَ) إشارة إلى أنّ إلى فرعون متعلق بحال مقدرة، وقيل تقديره اذهب إلى فرعون، وقوله كالدفء أي ما يتدفأ به من اللباس والغطاء، وقوله بالتخفيف أي بفتح الدال من غير همز وقد جوّز في هذه القراءة كونه منقوصا بمعنى زيادة من رديت عليه إذا زدت. قوله: (بتلخيص الحق الخ) يعني ليس المراد بقوله يصدقني مجرّد قوله له صدقت، أو أخي صادق لأنه لا يحتاج إلى فصاحه إذ سبحانه وبأقل فيه سواء، وتصديق الغير بمعنى إظهار صدقه كما يكون بقولك هو صادق يكون بتأييده بالحجج، ونحوها كتصديق الله للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمعجزة، ولا حاجة إلى ادّعاء أنّ فيه تجوزا في الطرف، أو في الإسناد إلى السبب، كثما في الكشاف لأنّ المراد يصدق من أرسلت إليه بما يقيمه هرون من الحجج، ويزيله من الشبه بدليل قوله: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} ولا يخفى إن صدقه معناه إمّا قال إنه صادق أو اعتقد صدقه فإطلاقه على غيره الظاهر أنه مجاز فتأمّله، وقوله على أنه صفة أي لقوله ردأ، وقوله والجواب محذوف لا حاجة إليه إذ الأمر لا يلزم أن يكون له جواب. قوله: (سنقؤيك به (هو المعنى المراد منه، والشدة التقوية والعضد من اليد معروف فهو إمّا كناية تلويحية عن تقويته لأنّ اليد تشتدّ بشدة العضد والجملة تشتد بشدّة اليد، ولا مانع من الحقيقة كما توهم، أو استعارة تمثيلية شبه حال موسى عليه الصلاة والسلام في تقويته بأخيه بحال اليد في تقوبتها بيد شديدة، ويجوز فيه وجوه أخر وكلام المصنف فيه ميل إلى الأوّل، ويحتمل أن يريد أنه مجاز بعلاقة السببية بمرتبتين كما قيل في تبت يدا أبي لهب في وجه. قوله: (باستيلاء أو حجاج الما كان قوله سنشد الخ استئنافا لبيان، إجابة مطلوبه تأوّله ببيان أن قواه بأخيه فهو راجع لقوله أرسله معي الخ، وقوله ونجعل لكما سلطانا راجع إلى قوله إني أخاف أن يكذبون ولذا فسره بغلبة الحجة، وقوله فلا يصلون تفريع على ما حصل له من مراده بأنهم لا يصلون إليهما بقهر ولا إلزام حجة، وهو المراد من الحجاج لأنه مصدر حاجة محاجة، وحجاجا فلا غبار عليه، ويحتمل أن يكون قوله باستيلاء رأجعاً إلى غلبة، وحجاح إلى حجة على اللف والنشر. قوله: (أي نسلطكما بها) فيه إشارة إلى جواز تعلقه بسلطان لما فيه من معنى التسلط والغلبة، وقوله أو بمعنى لا يصلون لا بحرف النفي لأنّ تعلق الجارّ به خلاف الظاهر وان جوّزوه، وقال: تمتنعون دون تمتنعان لأنّ المراد أنتما ومن اتبعكما، وقوله: جوابه لا يصلون أي مقدر لا المذكور قبله لأنّ جواب القسم لا يتقدّمه، ولا يقترن بالفاء أيضا وقوله بيان للغالبون أي لسببه فقوله بمعنى أنه صلة لما بينه أي لمقدّر فسره ففي قوله بيان للغالبون تسمح، وقوله اللام فيه للتعريف إمّا على رأي المازنيّ أو لأنه أريد به الثبوت، وهذا بناء على أنّ ما في حيز الموصول لا يتقدمه ولو ظرفا فإن قلنا بالتوسع فيه فلا إشكال فيه، وتقدمه إمّا للفاصلة أو للحصر. قوله:) سحر تختلقه) الاختلاق تفسير للافتراء فليس بمعنى الكذب، وقوله: (أو سحر تعلمه) أي تتعلمه من غيرك، ثم تنسبه إلى الله كذبا فالافتراء بمعنى الكذب لا بمعنى الاختلاق، وقوله موصوف بالافتراء أي من شأنه ذلك فإنه تخييل لا حقيقة له فالصفة مؤكدة لا مخصصة كما في الوجهين السابقين، فالافتراء ليس على حقيقته على هذا وفي الوجه الأوّل لأنه من صفات الأقوال، وهو غير لازم في السحر. قوله: (يعنون السحر) أي نوعه أو ما صدر من موسى عليه الصلاة والسلام ففيه مضاف مقدر أي بمثل هذا، وقوله: أو اذعاء النبوّة إمّا تعمد للكذب، وعناد بإنكار النبوّات وان كان عهد يوسف قريباً منهم أو لأنهم لم يؤمنوا به أيضاً، وقوله: كائنا في أيامهم إشارة إلى أنه حال من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 هذا بتقدير مضاف والعامل فيه سمعنا، أو التقدير بوقوع هذا والجارّ والمجرور متعلق بذلك المقدّر. قوله: (لأنه قال الخ) أي هو جواب لقولهم إنه سحر فيكون مستأنفا إذ الجواب لا يعطف بواو ولا غيرها، وقوله أنّ المراد الخ فالعطف في الحكاية الجامعة للقولين لينظر المحكي له حالهما، وقوله العاقبة المحمودة أي لا مطلق العاقبة لأنها لكل أحد، وقوله: مجازاً أي طريقاكما يقال الدنيا قنطرة الآخرة، وهذا بيان لتخصيص العاقبة بالمحمودة وان كانت عامّة، وأمّا اللام فلا دلالة لها على ذلك لأنه يقال له عاقبة ذميمة كما في الانتصاف، وقوله: والمقصود منها أي من الدنيا أو الآخرة لأنّ أصل الخلق إنما خلقوا لطاعة الله ومعرفته فالفرد الكامل من عاقبتهم ذلك فتنصرف إليه، والعقاب جاء بالعرض لأنه لعدم ما طلب منهم وخلقوا له، والاعتراض على هذا من التغيير في وجوه الحسان. قوله: (لا يفورّون بالهدى (بقرينة ربي أعلم بمن جاء بالهدى، وحسن العاقبة مما بعده ففيه شبه اللف والنشر الإجمالي. قوله: (نفي علمه بإله غيره) توطئة لما سيأتي من الرد والصرح البناء العالي، والمراد بالطين اللين الذي يجعل آجرا، وقوله في السماء إمّا أنه لشرفه يوهم علوه مكانا من جهله أو لعدم علمه به في الأرض! ، وقوله أو أراد معطوف على قوله يوهم أو على معنى قوله ولذلك أمر ببناء الصرح فإنّ معناه أراد أن يبني صرحا ليصعد إليه، والرصد معروف وقوله يترصد منها كان الظاهر منه فكأنه أوّله بمنظرة أو منارة، وأوضاع الكواكب اقتراناتها وتقابلها مما يدلّ على الأحكام عندهم، وهذا الوجه لا يناسب قوله فأطلع إلى إله موسى إلا أن يريد بإله موسى الكواكب، أو المراد أطلع على حكم إله موسى فيقدّر مضاف كما في الوجه الذي قبله، وهو بعيد جدّا فتأمّله وسيأتي في سورة المؤمن وجه آخر. قوله: (وقيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم الخ) هو رد على الزمخشريّ والمراد بالعلم الفعلي ما كان سببا لوقوع معلومه، والانفعال خلافه، وحاصله أنّ عدم العلم بالشيء لا يدلّ على عدمه لا سيما علم شخص واحد انفعالي، وقد ردّه في الكشف بأنّ مراده أنّ عدم الوجود سبب لعدم العلم بالوجود في الجملة فأطلق السبب، وأريد المسبب لا أنّ بينهما ملازمة كلية، ولا يشترط في فن البلاغة اللزوم العقلي بل العادي والعرفي كاف أيضاً، ومثل لا أعلم كذا بمعنى لم يوجد شائع في لسان العامّة والخاصة ولذا قال الفقهاء إذا قال المزكى لا أعلم كان تزكية مع أنه علم انفعالي كيف لا وهو يدعي الإلهية، والظاهر أنه كناية لا مجاز، وأمّا كون قوله أطلع إلى إله موسى يدلّ على الوجود فينافي هذا الوجه، ولذا ضعفه المصنف فيدفعه أنه إنما ينافيه لو لم يكن على طريق التسليم والتنزل، وقد قيل عليه أيضاً إنه مشرك يعتقد أنّ من ملك قرا كان إلهه ومعبوداً له كما مرّ في الشعراء، فما دل أوّل الكلام عليه وجود إله لغير مملكته وما نفاه إلهها، ولذا قال: ما علمت لكم الخ وعلى كل حال فكلام المصنف لا يخلو عن ضعف والذي غرّه فيه كلام صاحب الانتصاف. قوله: (قيل أوّل من يخذ الآجر الخ) ما يتضمن تعليم الصنعة قوله أو قد لي يا هامان على الطين فإن الآجر طين محرق، والتعظيم من أمر الوزير بعمل السفلة من إيقاد النار، وعمل الطين فلذا ناداه باسمه دون لقبه ووزارته ووسط حرف النداء للتقييد في الكلام ولم يقل ياهامان أوقد لأنّ أفعاله تدل على التهاون بغيره، ولو قدم النداء لأذن باهتمام مّا. قوله: (بفير استحقاق (يحتمل أن يريد أنّ الحق بمعنى الاستحقاق فهو مجاز أو هو بيان لحاصل المعنى فهو نقيض الباطل لأن اذعاء ما ليس مستحقا باطل، وما هو بحق دلّه ولذا ورد في الحديث: " العظمة إزار والكبرياء ردأئي، وقوله وظنوا إمّا على ظاهره أو عبر عن اعتقادهم بالظن تحقيرا لهم وتجهيلا، وعلى القراءة بكسر جيم يرجعون هو من رجع اللازم وعلى قراءة الضم من المتعدّى أو هو من الأفعال، والفاء في فاخذناهم سببية والمراد أخذ الإهلاك وقوله وفيه فخامة هو من ضمير العظمة، والتعبير بالأخذ الاستحقار من النبذ لأنه طرج الأمر الحقير بأطراف اليد، ونحوه فنبذناهم تمثيل أو مكنية وتخييلية، والمراد أغرقناهم، وقوله ونظيره أي في تعظيم الأخذ وتحقير المأخوذ وسيأتي تفسيره، وقوله: وحذر الخ بيان للمقصود منه. قوله: (قدوة للضلال (جمع ضال كجهال، وجاهل واقتداؤهم بهم بسبب حملهم لهم على الضلال أو بسبب حملنا لهم على الإضلال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 كما وقع في النسخ الصحيحة لأنا جعلناهم ضالين مضلين فالجعل هنا بمعنى الخلق، وهذا على مذهب أهل السنة من أنّ أفعال العباد خيراً وشرّاً مخلوقة لله، وقد استدلوا بهذه الآية، والمعتزلة أوّلوها تارة بأن الجعل هنا بمعنى التسمية، وتارة بأن جعلهم ضالين مضلين بمعنى خذلانهم، ومنعهم من اللطف والتوفيق للهداية واليه أشار بقوله وقيل الخ وهو إشارة إلى الرد على الزمخشريّ. قوله: (موجباتها) بكسر الجيم لأنها المدعوّ لها في الحقيقة فالنار مجاز عن المعاصي التي هي سببها أو فيه مضاف مقدر. قوله: (من المطرودين الأنه يقال قبحه بمعنى نحاه وأبعده كما ذكره الراغب، وغيره من اللغويين ولا يتكرّر مع اللعنة المذكورة قبله لأنّ معناها الطرد أيضاً لأنّ الأوّل في الدنيا وهذا في الآخرة، أو ذاك طرد عن رحمته التي في الدنيا وهذا طرد عن الجنة، أو على هذا يراد باللعنة المعنى الثاني مع أنّ من المطرودين معناه أنهم من الزمرة المعروفين بذلك، وهو أبلغ وأخص فلا يتوهم فيه تكرار أصلا، وعلى التفسير الثاني وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه ذو وصور قبيحة سود الوجوه زرق العيون مشوّهون لكن فعل قبح منه لازم فبناء اسم المفعول منه غير ظاهر، ولذا أخره مع أنه المتبادر إلا أن تفسير السلف يدلّ على أنه سمع أيضا. قوله: (التوراة) وهي أوّل كتاب فصل فيه الأحكام وقوله: أمن بعد ما أهلكنا القرون فائدته على ما فسر به المصنف رحمه الله مع أنه معلوم التنبيه على أنها أنزلت بعد مساس الحاجة إليها، كما أنزل القرآن بعد الفترة وانطماس معالم الدين فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه، وأنّ حقه أن يفسر القرون الأولى بمن لم يؤمن بموسى عليه الصلاة والسلام، والثانية بمن آمن به كما قيل. قوله: (أنوارا) لأنّ البصيرة نور القلب كما أنّ البصر نور العين ونصبه على الحالية، وقيل إنه مفعول له وقوله تبصر بها الحقائق أي تدرك، وقوله وهدى إلى الشرائع أي هادية لها وهي الطريق الموصلة إلى الله، وقوله لأنهم لو عملوا الخ يعني عموم رحمتها للناس لا ينافي أنّ ممن نزلت لهم كافر غير مرحوم لأنه لو عمل بها كان مرحوما بمقتضى، وعد. فلا حاجة إلى تقدير سبب أو جعلها مجازاً عنه كما قيل، وقوله: {لو عملوا نظرا إلى بعضهم إذ {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} . قوله: (ليكونوا على حال الخ) يعني الترجي محال عليه تعالى فهو تمثيل، والمراد أنها أنزلت ليكونوا على حالة قابلة للتذكر كحال من يرجى منه الخير، والزمخشريّ جعله استعارة تبعية حيث شبه الإرداة بالترجي لكون كل منهما قبل الوقوع، والمصنف ردّه بقوله وفيه ما عرفت من لزوم تخلف مراد الله عن إرادته لعدم تذكر الكل إلا أن يكون من قبيل إسناد ما للبعض إلى الكل، وهي معنى قول الزمخشريّ إذا أراد الله شيئاً كان فلا إشكال فيه أصلاً فلا يرد ما ذكر لإرادة أحد الإرادتين للقرينة عليه لكنه لم يرتضه لمخالفته للمذهب الحق، وقيل الترجي من المخاطبين لأمنه تعالى. قوله: (يريد الوادي) بجانب الغربي أو بالغربي بجعله صفة للمكان أو الوادي أو الطور لأنّ كلا منهما كائن في الجانب الغربي، وطرفه من موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: أو الجانب الغربي منه أي من الوادي أو الطور، ومن ابتدائية أو من مقام موسى ومن بيانية ومغايرته للأوّل أنه مجموع الوادي، والطور على الأوّل، وعلى هدّا بعضه وهو على كل حال من إضافة الموصوف للصفة، وقوله الوحي إليه على أنّ الشهادة بمعنى الحضور وعلى ما بعده بمعناها المعروف، وقوله وهم السبعون تفسير للشاهدين الذين لم يكن منهم. قوله:) والمراد الدلالة على أنّ الخ) ولولا هذا لم يفد ما ذكر لأنّ ما أخبر به لا يعلم إلا بوحي، أومشاهدة أو استفاضة نقل في مقامه، والثاني منتف ضرورة والثالث كذلك لأنه لو ثبت علمه غيره من قريش، وكذا التعلم من غيره لكنه طوى للعلم به أيضاً فتعين الأوّل وقوله، ولذلك استدرك عنه أي لكون معناه ما ذكر ارتبط به هذا الاستدراك على ما فسره به لأنّ المعنى لم تكن حاضر الكنك علمته بالوحي، والسبب تطاول الزمن حتى تغيرت الشرائع والمسبب بعث نبيّ وانزال الوحي عليه والمدد جمع مدة وهي الزمان، وقوله: فتطاولت الخ تفسير لقوله: {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} وفسره في الكشاف بقوله فتطاول على آخرهم، وهو القرن الذي أنت فيه العمر أي أمد انقطاع الوحي واندرست الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 العلوم فوجب إرسالك الخ وهو قريب مما ذكره المصنف إلا أنه لا إضمار فيما هنا، والعمر على تفسيره زمان انقطاع الوحي وعلى ما هنا بمعناه المعروف وحذف المستدرك للإيجاز. قوله: (تقرأ عليهم الخ) فالمراد بالتلاوة القراءة للتعلم كقراءة الدرس في زماننا لأنه المناسب، وقوله ولكنا كالاستدراك السابق لكنه لا تجوز فيه، والمعنى أنّ قصة شعيب عليه الصلاة والسلام إنما علمتها بالوحي أيضا، وقوله لعل المراد به الخ لئلا يتكرّر، وراعى فيه الترتيب الوقوعي والزمخشريّ عكس هذا وتبعه بعض المفسرين، وقد قيل إنه أولى لأنه الأنسب بما يلي كلاً من الاستدراك لا سيما وقد فسر الشاهدين بالسبعين المختارين للميقات، وهم كانوا معه إذ أعطى التوراة فكان على المصنف أن لا يفسره به وتغيير الترتيب الوقوعي لا ضير فيه، ولذا قدمت قصة مدين، وقوله المذكوران في القصة أي قصة موسى عليه الصلاة والسلام في هذه السورة، وغيرها. قوله: (ولكن علمناك رحمة) إن كان مفعولاً به فالمراد به القرآن، وان كان مفعولاً له فقوله لتنذر علة للفعل المعلل، وأمّا كونه مصدرا فبعيد، وقوله متعلق بالفعل المحذوف هو علمنا وعلى قراءة الرفع فهو صفة ويحتمل تعلقه بالمستدركات كلها على التنازع. قوله: (لوقوعهم) الضمير لقوما وهذا بناء على أنّ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أرسلا للعرب، وأنه ليس بينهما نبيّ كما ورد لا نبيّ بيني وبين عيسى وما ذكر في سورة أخرى أنّ بينهما أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل، وواحد من العرب وهو خالد بن سنان رواية أخرى ذكرها في محل آخر تكثيراً للفائدة، وزمن الفترة مختلف فيه ففي رواية ما ذكره المصنف وفي أخرى عن سلمان الفارسي أنها ستماثة سنة وما بينه وبين إسماعيل عليه الصلاة والسلام أكثر من ألفي سنة، وقوله على أنّ الخ أي هذا بناء الخ أو على للتعليل. قوله: الولا الأولى امتناعية (أي تدل على امتناع جوابها لوجود شرطها، ولذا أورد هنا إشكال وهو وأنه يقتضي إصابتهم بها وقولهم حتى قدروا كراهة أن الخ لدفعه، وقال صاحب الانتصاف أن التحقيق أنها إنما تدل على أنّ ما بعدها مانع من جوابها عكس لو فإنها تدل على لزوم جوابها لما بعدها، والمانع قد يكون موجوداً وقد يكون مفروضا وما هنا من الثاني فلا إشكال فيه، وإن لم يقدّر المضاف والتحضيضية هي بمعنى هلا للحث والحض على وقوع أمر، وقوله: واقعة خبر بعد خبر، وقوله لأنها الخ تعليل لكونها تحضيضية ووجه شبهها بالأمر أن التحضيض طلب فهو والأمر من واد واحد فيجاب بالفاء دون الامتناعية. قوله: (مفعول يقولوا) بالإضافة واردة اللفظ أي لولا الخ مقول القول ومفعوله، وهو إمّا منصوب بواقعة ولا يضرّ فصله بقوله لأنها الخ لأنه ليس بأجنبيّ عنه، وإنما قدم لئلا يطول الفصل بين المعلل وعلته أو خبر لأن بترك العاطف فيه جائز أو بدل من الخبر وقوله المعطية معنى السببية أي الدالة عليه، والمنبهة صفة للسببية ووقع في نسخة القول بدون ميم وهما بمعنى هنا، ووجه التنبيه أنّ وجود ما بعد لولا سبب لانتفاء جوابها فيكون هذا سبب السبب فالتصريح فيه بأداة السببية يدل على أنه هو المقصود بها لأن المعنى لولا قولهم هذا: {إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ} [سورة البقرة، الآية: 156] كقوله: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} والسبب في جعل سبب السبب سببا وعطف السبب الأصلي القريب عليه مزيد العناية بسبب السبب الموجب لتقديمه كما ذكره سيبويه، وفيه تنبيه على سببية كل منهما أمّا الأوّل فظاهر؟ وأمّا الثاني فلاقترانه بالفاء كما حققه بعض شراح الكشاف. قوله: (وأنه لا يصدر الخ (أي لا يصدر عنهم هذا القول الدال على طلب إرسال الرسل ابتداء وعرضا وليس المراد الطلب في ذلك بل إنكار العقوبة قبل إرسال المنذر بها، وهو نكتة لترك الاختصار بالاقتصار على ما هو المقصود بالسببية، وهو معطوف على أنّ المقول، وقوله لولا قولهم إذا الخ إشارة إلى أنّ القول هو السبب كما مز، وقوله فنتبعها أي الآيات والمراد اتباع من أتى بها وعبر به موافقة للنظم، وقوله ما أرسلناك هو الجواب المقدر، وهو منفي ونفى النفي إثبات ولذا فسره بقوله إنما أرسلناك الخ. قوله:) يعني الرسول الخ أليس المراد إن الآيات بمعنى المرسل مجاز مرسل كما قيل بل إنه كناية عنه لأن اتباعها تصديق له، وقد فسر بنعمل بها أيضا ونتبع ما جاءت به، وقوله بنوع من المعجزات يعني ليس المراد به آيات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 مخصوصة، وقيل المراد القرآن وتنوين نوع للتعظيم، وقوله ونكون من المؤمنين أي المخلصين المعهودين أو هو تفسير لما عطف عليه، وقوله جاءهم الحق أي الأمر الحق من المعجزات أو الرسول، وقوله أوتي نائب فاعله ضمير الرسول المعلوم من السياق، وقوله جملة حال من الكتاب، والاقتراج الطلب تحكماً ولذا فسره بقوله تعنتا، وهو طلب الزلة كما في المصادر واقتراحاً مفعول له لقالوا أو حال من فاعله. قوله: (يعني أبناء جنسهم الخ الما كان لاضمير في قوله: {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} لكفار العرب} كان ضمير أو لم يكفروا مثله أيضا لئلا تفكك الضمائر وهم لم يكفروا من قبل بما أوتي موسى، أوّله بقوله يعني أبناء جنسهم الخ أي الضمير راجع إلى جنس الكفرة المعاندين المتعنتين بالاقتراح، وما يصدر عن بعض أفراد جنس كأنه صادر عن البعض الآخر لاتحاد مذهبهم، وآرائهم فالضمير راجع إلى جنس الكفرة المعلوم من السياق، وهؤلاء لدخولهم فيهم كان كضميرهم خاصة، أو هو بتقدير مثل فقوله من قبل يصح أن يتعلق بيكفروا أو بأوتي أو الإسناد مجازي والضمير لهم خاصة لكنه لما صدر عن بعض أبناء جنسهم ممن كان بينهم، وبينه ملابسة أسند إليهم فكفرهم كفرهم ولا يخفى ما فيه من التكلف. قوله:) وكان فرعون عربياً من أولاد عاد (وهم من العرب وعن الحسن كان للعرب أصل في أيام موسى عليه اأصلاة والسلام فمعناه عليه أولم يكفر آباؤهم فكان هذا إشارة إلى ما ذكر، ولذا وقع في نسخة أو كان والظاهر أنه ليس وجهاً مستقلا، وإنما هو تأكييد للملابسة المذكورة ولا يخفى بعده أيضا، وهذه رواية والأخرى إنه قبطيّ وهو المشهور. قوله: (يعنون موسى وهرون) فهو بيان لكفر من قبلهم بموسى وقوله أو موسى ومحمداً على أنّ من كفر بموسى أهل مكة على ما روي في الكشاف أنهم أرسلوا لليهود فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا إنّ نعته وصفته في كتابهم فلما أخبروا بذلك قالوا: ساحران تظاهراً، وعلى هذا لا تكلف في كون الضمير قبله لكفار مكة، وقوله من قبل متعلق بأوتي. قوله: (بإظهار تلك الخوارق) هذا على أنّ المراد موسى وهرون وما بعده على أنّ المراد موسى ومحمد وكونه عليهما تكلف، والكتابان التوراة والقرآن والمضاف المقدر ذوا وقوله أو إسناد تظاهرهما بالجرّ معطوف على تقدير والفعلان السحران، وقوله دلالة على سبب الإعجاز لأنّ السحر أمر خارق في الجملة، والإعجاز كذلك واعجاز التوراة بالأخبار عن الغيب من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وإعجاز القرآن ظاهر فتظاهرهما تأييد كل منهما للآخر، وأصل أظاهر أتظاهرا فلما قلبت التاء ظاء وأدغمت سكنت فاجتلبت همزة الوصل ليبتدأ بالساكن. قوله: (بكل منهما) أي الساحرين موسى وهرون أو موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام أو السحرين، أو بكل الأنبياء وهذا حمله عليه عنادهم فلا يرد عليه أنهم مؤمنون بإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، أو هذا ما اقتضاه حالهم وقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ونحوه فنزل منزلة القول أو لأنّ الكفر بأحدهم كفر بهم، وأمّا كونهم يرون رأي البراهمة من إنكار النبوّة مطلقاً كما قيل فلم ينقل. قوله:) وهو يؤيد الخ (لأنهما صاحبا الكتابين الدال عليهما فحوى السياق، وجعله مؤيداً لا دليلاً لاحتمال أن يراد موسى وهرون لكون إنكارهما مقدما وعلى الأوّل فالتقدير أهدى من كتابيهما، وهدّا جار على قراءة ساحرين وسحرين فتأمّل، قوله أتبعه جواب الأمر. قوله:) يراد بها الإلزام والتبكيت الا الشك والتردد، وهذا جواب عما يقال إنّ عدم إتيانهم به معلوم وهذا كما يقول المدلّ إن كنت صديقك القديم فعاملني بالجهل، وقوله ولعل الخ جواب آخر فهو لتهكمه بهم جعل صدقهم المحال عنده محتملا. قوله: (دعاءك الخ) لأنّ الأمر بالإتيان به دعاء أي طلب له منهم فالدعاء بمعناه اللغوي، وهو المفعول المحذوف والعلم به من الاستجابة لأنها الدعاء، وقوله ولأنّ الخ وجه آخر مداره على الاستعمال الأغلب فلا ينافي صحته في نفسه، ولا ذكره نادراً فلا تدافع في كلام الكشاف كما توفم والفرق بين الوجهين أنه على الأوّل يحذف مطلقا للعلم به من فعله، وعلى هذا يحذف إذا ذكر الداعي لأنه مع ذكر الداعي والاستجابة يتعين أنّ مفعوله الدعاء فيصير ذكر. عبثا، وليس أجاب مثله كما توهم لقوله أجيبوا داعي الله، وقد صرّج به أهل اللغة، وقوله وباللام الخ وذهب أبو حيان إلى أنه يتعدى له بنفسه للبيت المذكور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 والزمخشريّ جعله على تقدير مضاف أي فلم يستجب دعاءه، وقوله فإذا عدى إليه أي إلى الداعي بنفسه كما في البيت حذف الدعاء بجعله مضافا مقدّراً كما مرّ، ويحتمل أن يريد ما ذهب إليه أبو حيان بأن يتعدى إلى الداعي بنفسه، وليس على تقدير ولا حذف، وايصال فلا يذكر له مفعول آخر أصلاً حينئذ، ويشهد له قوله في آل عمران ويتعدّى بنفسه، وباللام فلا يحتاج إلى الجمع بين كلاميه بأنّ المراد تعد به باللام للثاني كما قيل لأنه خلاف الظاهر. قوله: (وداع الخ) هو من أبيات الكتاب وبعده: فقلت اح أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب أي رب داع دعا الناس، وقال هل أحد يجيب سائل الندا فلم يجبه أحد لقلة الكرام، وغلبة اللئام ولو جعل ضممير يستجبه للدعاء المفهوم من داع لم يحتج إلى تقدير، وهذا إذا كان مستعملاَ في معناه، فأمّا قوله: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الشورى، الآية: 26] بمعنى يعينهم كما ذكر في تفسيرها فليس مما نحن فيه. قوله: (إذ لو اثبعوا حجة الخ (أي ولم يقولوا هذان ساحران وغيره من الهذيان، وقوله بمعنى النفي أي هو إنكاري وقوله قد يوافق الحق إشارة إلى ندرته فإذا سلم وجوده يكون في حكم العدم فلذا كان توكيدا. قوله: (أو في النظم (أي نظمناه متصلاَ بعضه ببعض رعاية للتناسب فيه كذكر الوعيد مع المواعظ، ونحوه والعبر جمع عبرة، وقوله في مؤمني أهل الكتاب أي مطلقا وما بعده مخصوص بمن آمن من أهل الإنجيل، وعلى هذا فهذه الآيات مدنية كما تقدم في أوّل السورة الإشارة إليه وقوله للقرآن أي القول المراد به القرآن أو القرآن المفهوم منه، وقوله استئناف الخ ويجوز كون الجملة مفسرة لما قبالها. قوله: (وكونهم) مبتدأ خبره باعتقادهم وقوله في الجملة أي إجمالاً لأنه لا يمكنهم العلم به تفصيلاً، وقوله بصبرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية ولما كان الصبر حبس النفس على المكاره! ف قوله، وثباتهم عليه إشارة إلى أنّ المراد بالصبر على الإيمان الثبات، وأمّا في الوجه الآخر فهو على ظاهره وهاجرهم بمعنى عاداهم وباعدهم، وأخره وان كان الصبر فيه أظهر لأنه لا يخاسسب قوله مرّتين على ما فسره به فيكون كقوله: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} فهو لمجرد تكرر المبر منهم على الأذى وشدّته، ولو ترك قوله من أهل دينهم أوزاد عليه ومن المشركين كان أظهر كما في نسخة. قوله: (ويدفعون بالطاعة المعصية الا حاجة لتقييدها بالمتقدمة لأن دفع الطاعه لها يستلزم تأخرها كما صرّح به في الحديث الذي أورده، وقوله في سبيل الخير قيده به ليفيد المدح المقصود، وقوله تكرّما أي لا عجزا لأنه ذمّ، كما قيل في قول الحماسيّ: ومن إساءة أهل السوء إحسانا وكون المقول له اللاغين مفهوم من ذكر اللغو. قوله: (متاركة لهم وتوديعاً (يحتمل اللف والنشر على أنّ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم متاركة، كما في قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وسلا 3 عليكم توديع لأنّ السلام للوداع معروف ويحتمل أنه تفسير لقوله: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} فقط لأنهم يقولونه عند المتاركة كما في قوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [سورة الفرقان، الآية: 63] لأنه سلم من شتمه والتعرّض له، قال الجصاص استدل بهذه الآية على جواز ابتداء الكافر بالسلام وليص كذلك لأنه متاركة، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكفار: " لا تبدؤهم بالسلام وإذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم "، قوله: (لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام) وفي نسخة تدخله رعاية لمن لفظا ومعنى وجعل ا! هداية للإسلام بقرينة سبب النزول والمقام، وقد فسره بهذا في الكشاف وعلله بقوله لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره قال الشراح: إنما فسره بذلك لأنّ لكن الاستدراكية وضعت لتدخل بين كلامين متغايرين نفيا وايجاباً فإذا أوّل قوله، ولكن الله يهدي بيقدر على الهداية لعلمه بالمهتدين وجب أن يفسر هذا بأنك لا تقدر على الهداية لأنك عبد لا تعلم المهتدي، وعنوا أنه لما قرنت هداية الله بعلمه بالمهتدى، وأنه العالم به دونك دلّ على أنه المستعد للهداية كما صرّح به المصنف رحمه الله، وهداية المستعد ليست بالفعل فلزم أن تكون هدايته له بمعنى القدرة عليها، وأن تكون الهداية الأولى كذلك لتقع لكن في موقعها، ومن لم يقف على مرادهم قال إنه ليس بصحيح، وانّ أوّل الكلام قرينة على التجوّز في آخره لا العكس، كما قالوه لأنه لا يصح نفي وقوع الهداية مع المحبة، وليس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 الاستدراك قرينة على التجوّز بل في قوله من يشاء دليل على أن المراد بالهداية ما هو بالفعل لأنّ المشيئة تتعلق به لا بالقدرة لكن لما حمل الأوّل على القدرة حمل هذا عليها فالمشيئة متعلقة بأثر القدرة، وكذا من قال إنّ الداعي له أنّ الهداية عند أهل السنة خلق الاهتداء لأنه لو كان كذلك لم يذكره الزمخشريّ، وقيل إنما فسر الهداية المنفية بالقدرة لأن نفي القدرة أبلغ من نفي الهداية وفيه نظر. قوله: (بالمستعذّين لذلك) يعني صيغة اسم الفاعل للمستقبل، ومن يهتدي في المستقبل مستعد للهداية فإن قلنا إنه حقيقة في الحال فهو من مجاز الأول لا وجه آخر كما توهم، والا فهو حقيقة لأنّ ما تفرّد الله بعلمه هو ما كان قبل الوقوع فأفعل هنا ليس على ظاهره بل للمبالغة في علمه بالغيب، وان جاز حمله على ظاهره فتأمّل. قوله: (والجمهور على أنها الخ) إشارة إلى الرد على بعض الرافضة إذ ذهب إلى إسلامه ولم يرتض ما وقع في الكشاف من قوله أجمع المسلمون ولا ما في تفسير الزجاج من قوله أجمع المفسرون، والحديث المذكور في الصحيحين والترمذقي مع اختلاف في بعض ألفاظه دون معناه، وأحاج من المحاجة وهي المجادلة بالحجة وهو جواب للأمر أو استئناف وجزع من الجزع وهو عدم الصبر إن لم يصبر على ما كان عليه خوفا من الموت ونحوه، وفي نسخة خرع بخاء معجمة وراء مهملة أي ضعف وخاف الموت والأولى بجيم وزاي معجمة. قوله: (نخرج منها) بالبناء للمجهول أي يخرجنا الناس، والعرب من بلادنا ومقرّنا وأصل الخطف الاختلاس بسرعة فهو استعارة لما ذكر وهو من بليغ الكلام، وقوله ونحن أكلة رأس وفي نسخة وإنما الخ جملة حالية أو معترضة، وأن يتخطفونا مفعول نخاف وأكلة جمع آكل وهو مثل في القلة، وأصله ناس قليلون بكفيهم إذا أكلوا رأس واحدة من رؤس الحيوان المطبوخة، ويصح أن يراد بالرأس حيوان واحد. قوله: (نردّ الله الخ (أي ردّ ما زعموه من خوف التخطف بأنه آمنهم ببركة الحرم قبل الإسلام فكيف إذا أسلموا وضموا حرمة الإسلام إلى حرم المقام، وقوله أولم نجعل الخ إشارة إلى أنه ضمن معنى الجعل ولذا نصب حرما، وقوله ذا أمن لأنه وقع وصفا للمكان، وهو في الحقيقة وصف لأهله فلذا جعله للنسب كلابن وتامر ليفيد ما ذكر ولو جعل الإسناد فيه مجازيا كان موجها أيضا، وقوله تتناحر العرب أي يتقاتلون فيقتل بعضهم بعضا وينحره نحر الجزور، والنحر لا يستعمل حقيقة إلا في ذبح الحيوان فهو استعارة هنا. قوله: (يحمل إليه الخ) من جبى الخراج إذا جمعه، وقوله: (من كل أوب) أي من كل جانب وجهة وليس هذا تفسيرا لكل شيء كما توهم وكل هنا للتكثير، وأصل معناها الإحاطة، وقوله فإذا الخ بيان لما يفهم من السياق، وقوله يعرضهم إن كان من التعريض وهو جعل الشيء عرضة منتصباً للملاقاة فقوله التخوّف منصوب، وأن كان نزع الخافض أي للتخوّف، وان كان مخففا فهو على الحذف، والإيصال أي يعرض لهم والمصنف كثير التساهل في أمثاله. قوله: (جهلة الخ (إشارة إلى أن يعلمون منزل منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم لعدم فطنتهم وتفكرهم وقوله متعلق بقوله من لدنا أي تعلقاً معنويا ولم يرتضه لكونه خلاف الظاهر، ولأنه ليس فيه كثير ذم وقوله لما خافوا غيره وفي نسخة ذلك، وهو التخطف مع ما مرّ وقوله من معنى يجبي لأنّ مآله يرزقون وذكر التخصيص لأنّ الحال لا تجيء مؤخرة عن نكرة غير مخصصه كما بين في النحو، واذا كان حالاً فهو بمعنى مرزوق ويجوز كونه مفعولاً له، وقوله ثم بين الخ عطف على قوله فرد الخ وهو بيان لمناسبتها والجامع بينها وبين ما قبلها وهو ظاهر، وقوله الأمر بالعكس أي فينبغي الخوف من إهلاك الله لا من الناس والمراد بما هم عليه الكفر. قوله: (وكم من أهل قرية) فالقرية إمّا مجاز عن أهلها أو فيه مضاف مقدر لقوله فتلك مساكنهم فقوله بطرت الخ من الإسناد المجازي وكم خبرية، وقوله كانت حالهم الخ إشارة إلى أنّ المقصود به الوعيد، والاعتبار والأشر الفرح والغرور، والمراد بالسكنى التوطن ولذا قدّم قوله إذ لا يسكنها الخ تعليلاً لخلوّها فليس الأنسب تأخيره بعد قوله قليلاً مع أنه توطئة له، وقوله من شؤم معاصيهم تعليل لخرابها وقليلاً صفة ناس أو وقت أو سكن، وقوله إذ لم الخ بيان لمعنى إرثه لها. قوله: (وانتصاب معيشتها بنزع الخافض) أي حذف الباء أي بمعيشتها لا في لأنه يرجع لما بعده أو هو مصدر ميمي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 انتصب على الظرفية كجئتك خفوق النجم، ولو مثل به كان أظهر من مثاله وهو زيد ظني مقيم أي في ظني لأن فيه احتمالاً آخر، والمضاف المقدر أيام أو زمان، وقوله مضاف إليه أي إلى الزمان لا إلى المعيشة حتى يقال التذكير لتاويله بالعيش أو اللفظ وكفر المضمن من كفران النعمة، وهو يتعدى بنفسه في الأصل لأنه بمعنى الستر وقد يتعدّى بالباء، قيل لا حاجة إلى تقدير المضاف هنا وفي مقدم الحاج لأنه يحتمل أن يكون اسم زمان بنفسه والجواب بأنّ التقدير على تقدير المصدرية لا يجدي، فالظاهر أنه لم يسمع اسم زمان فتأمّل. قوله: (وما كانت عادته) يعني أنه لم تجر به العادة الإلهية، ولم يسبق به القضاء الرباني ولا وجه لما قيل إنه غير ممتزج بما بعده، وقوله في أصلها تفسير لامها ولم يفسر أمّ القرى بمكة لأنّ كان تأباه، وقوله التي هي أعمالها أي توابع لتلك الأمّ لأنّ كرسي المملكة محل حكامها وما عدا. يسمى في العرف أعمالاً ونواحي وسواداً، وقوله لأنّ الخ بيان للحكمة في كون مبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من السواد لا من الكفور والبوإدي بأنّ أهلها فيهم فطنة، وكيس فهم أقبل للدّعوة وأشرف والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا إلا من أشرف البقاع والأجناس، وليس هذا بطريق الشرطية فليس فيه شيء مما قاله الفلاسفة حتى يتوهم أنه يجرّ إلى الفلسفة، ولم يقل إنّ القصبات مولد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حتى يقال إنّ عيسى عليه الصلاة والسلام ولد بالناصرة، وبعث بالمقدس ولوط ليس من أهل سدوم وأنبل من النبل وهو الذكاء والنجابة. قوله: الإلزام الحجة (ردّ على المعتزلة في إثبات الحسن والقبح العقليين وقوله مدة حياتكم أخذه من الإضافة، وقوله المنقضية بالجرّ أو النصب صفة المدّة أو الحياة والثواب ما كان في الجنة فهو مقابل للدّنيا والبقاء مقابل للانقضاء، فلا وجه لما قيل إنه ينبغي أن يقال في متاع الدنيا مشوب بالأكدار ليقابل قوله خير وقوله وبهجة كاملة أي نعيم تامّ كما قاله ابن الأئير في حديث إذا رأى الجنة وبهجتها أي حسنها، وما فيها من النعيم ولو أريد المسرّة مجازاً صح أيضاً فلا وجه لما توهم من عدم مساعدة اللغة له لأنه بمعنى الحسن مع أنّ المقام لا يأباه ومثله سهل. قوله: (فتستبدلون الذي هو أدنى) فيه إشارة إلى أنّ الدنيا لفظها يشعر بأنها دنيئة كما قيل: وعفت دنيا تسمى من دناءتها ديخا والا فمن مكروهها الداني وقوله: وهو أبلغ في الموعظة لإشعاره بأنهم لعدم عقلهم لا يصلحون للخطاب فالالتفات لعدم الالتفات زجراً لهم، وهذه نكتة للالتفات خاصة بهذا المقام، وقوله مدركه لا محالة من التأكيد بالاسمية ودلالة السببية لأنّ المسبب لا يتخلف عن سببه والفاء في أفمن لترتيب الإنكار على ما قبله، وقوله ولذلك أي لعدم الخلف للحساب أو العذاب لأنّ المحضر لأمر وهو في القيامة لذلك وقد غلب لفظ المحضر في القرآن في المعذب، واليه أشار الزمخشريّ وصرّح به في البحر، وقوله تعالى: {جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [سورة يس، الآية: 32] مع أنه يحتمل التغليب لا يرد على الغلبة نقضاً كما توهم بل يؤيدها. قوله: (وثم للتراخي في الزمان (قدمه لأنه المعنى الحقيقي ولا مانع عنه وفيه ردّ على الزمخشريّ حيث منعه، وقد أجيب عنه بأنّ التراخي الزمانيّ معلوم فلا فائدة فهي وتعقب بأنّ الرتبى كذلك، والآية مسوقة له ويدفع بأنه أنسب بالسياق فهو أبلغ وأكثر إفادة، وأرباب البلاغة يعدلون إلى المجاز ما أمكن لتضمنه لطاثف النكات فلا يرد عليه أنّ العدول إلى المجاز مع إمكان الحقيقة باطل كما ذكره الطيبي ويوم القيامة متعلق بالمحضرين قدم للفاصلة، والجملة معطوفة على متعناه وعدل إلى الاسمية للدلالة على التحقق، ولا يضرّه كون خبرها ظرفاً مع العدول كما توهم وحصول التحقق لو قيل أحضرناه لا ينافيه فتأمّل. قوله: (تشبيهاً للمنفصل) وهو الميم الأخيرة من ئم مع ما بعده لأنه بوزن عضد فجعل مثله وسكن كما يسكن للتخفيف، وقوله وهذه الآية يعني قوله أفمن وعدناه الخ والاستفهام فيها إنكاريّ في معنى النفي وكونها كالنتيجة لأنه لما ذكر أنّ ما عند الله خير من متاع الدنيا لزمه نفي التساوي بينهما، ولا يرد عليه شيء. قوله: (عطف على يوم القيامة) والنداء للإهانة والتوبيخ، ولذا أجاب الشركاء مع أنهم غير مسؤولين ويجوز تعلقه بقال، وقوله تزعمونهم شركائي يعني أنّ المفعولين محذوفان اختصاراً دون أحدهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 فإنه لا يجوز على الأصح، وفي المغني الأولى أن يقدر تزعمون أنهم شركائي لأنه لم يقع في التنزيل على المفعولين الصريحين بل على إنّ وصلتها كقوله: {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} [سورة الأنعام، الآية: 94] وفيه نظر. قوله: (بثبوت مقتضاه) متعلق بحق والضمير للقول الموعود به وثبوته في الآخرة أو المراد المشارفة عليه، والمراد ممن حق عليه القول بعضهم وهم الشركاء، وفائدة الصلة إخراج مثل عيسى وعزير والملائكة لشمول الشركاء له ومبادرة الشركاء للجواب خوف مما دهاهم، وقوله وهو للقول وحذف العائد للتصريح به فيما بعده، وقوله غيا إشارة إلى أنّ كما الخ صفة مصدر مقدر والدلالة المذكورة من التشبيه والاستئناف بيانيّ في جواب كيف صارت غوايتكم. قوله: (ويجوز أن يكون الذدن صفة) أي هو خبر ويجوز كونه صفة لهؤلاء والجملة خبر وهذا ردّ على ما ذكره أبو عليّ في التذكرة من أنّ هؤلاء مبتدأ والذين أغوينا خبر مبتدأ محذوف، أي هم لذين أغوينا وهذه الجملة خبر وجملة أغويناهم مستأنفة، ولا يجوز كون الذين صفة وجملة أغويناهم خبرا لأنه لم يفد غير ما أفاده المبتدأ الموصوف، والتقييد بالظرف الفضلة لا يصيره مفيدا بحسب الأصالة بأنّ القيد الزائد صيره مفيداً ما لم يفده المبتدأ وصفته ولا يضره كونه فضلة فإنّ بعض الفضلات قد يلزم في بعض المواضع كما أشار إليه المصنف. قوله: (تبرأنا إليك الخ) موجهين التبرأ ومنهين له إليك وكونه هوى منهم وان سوّلوه لأنهم لم يلجؤهم إليه وتقريرها لما قبلها لأنّ الإقرار بالغواية تبرؤ في الحقيقة، وقوله يعبدوننا إشارة إلى أنّ إيانا مفعول مقدّم للفاصلة، وكون العبادة لأهوائهم باعتبار نفس الأمر والمآل، وقوله من عبادتهم إشارة إلى أنّ الجار مقدر فيه على هذا الوجه. قوله: (فدعوهم من فرط الحيرة) قيل بل لضرورة الامتثال ورد بأنه ليس الأمر للإيجاب حتى يلزم امتثاله بل للتوبيخ والتقريع، والظاهر من تعقيبه بالفاء في قوله فدعوهم إنه إيجاب ليكون تفضيحا لهم على رؤس الأشهاد حيث استغاثوا بمن لا نفع له لنفسه فتأمّل. قوله: (لعجزهم عن الإجابة والنصرة (الإجابة هنا بمعنى الاستجابة لأنها قد ترد بمعناها والقرينة أنه الواقع في النظم ومنه أجيب دعوة الداع، ولذا عطف عليه النصرة للتفسير فلا يرد عليه ما قيل العجز عن الاستجابة لا عن الإجابة إذ يومئذينطق كل شيء مع أنّ نطق كل شيء ليس في كل موقف إذ منها ما يختم فيه على الأفواه. قوله: (لازباً) بالباء الموحدة أي لاصقا متصلاً بهم، وهو حال من المفعول لا مفعولاً ثانياً على أنّ رأى علمية لأنّ حذف أحد مفعولي إفعال القلوب ممنوع عند أكثر النحاة، وضمير رأوا للداعي والمدعوّ. قوله: (لما رأوا العذاب) جواب لو على التقديرين، وقوله يدفعون صفة وجه فما قيل إنّ جوابه محذوف وهو لدفعوا به العذاب أو يدفعون على تأويله بالماضي سهو، والذي غرّه ما في الكشاف وشروحه، وقوله وقيل لو للتمني مرضه لأنه يحتاج إلى تقدير وتأويل بعيد، ولأنه كان الظاهر أن يقال لو أنا كنا وتفصيله في شروح الكشاف. قوله: (يسأل أوّلاً عن إشراكهم الأنه المقصود من قوله أين شركاني، والسؤال من علام الغيوب للتوبيخ على الشرك لا لتعيين مكانهم. قوله: (فصارت الآنباء كالعمي عليهم) العمي بضم فسكون جمع أعمى وهذا يقتضي أنّ الأنباء شبهت بمن توجه لشيء وأثبت له العمي على طريق الاستعارة المكنية، والتخييلية بدليل قوله لا تهتدي إليهم، وقوله وأصله الخ يقتضي أنه من باب القلب المقبول لنكتة، وهي المبالغة في إثبات العمي للأنباء التي ليس من شأنها ذلك فما بالك بهم وحينئذ لا يكون استعارة فكلامه لا يخلو من الخلل، وما قيل إنه ليس مراده القلب بل إثبات حالهم للأنباء تخييلاً للمبالغة لا يخفى ما فيه، وكذا ما قيل إنّ القلب لا ينافي الاستعارة مع أنه لا يلائم ما سيأتي من اعتبار معنى الخفاء فيه فالظاهر أن يقال إنه أراد أنّ فيه استعارة تصريحية تبعية فاستعير العمي لعدم الاهتداء فهم لا يهتدون للأنباء، ثم قلب للمبالغة فجعل الأنباء لا تهتدي إليهم، وضمن معنى الخفاء فعدى بعلى ففيه أنواع من البلاغة الاستعارة والقلب والتضمين بلا تكلف ما يأباه صريح العبارة. قوله: (ودلالة على أن ما يحضر الذهن) يعني انّ في هذا القلب دلالة على أنّ ما يحضر في ذهن المرء إذا استحضره بعد غيبته عنه كجوإبهم للرسل، واخبارهم في الدنيا التي ذهلوا عنها فإنه من جملة ما يرتسم في الذهن، وهو إنما يرد على الذهن من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 الخارج بمعنى نفس الأمر إمّا ابتداء، وامّا بواسطة تذكر الصورة الواردة منه بإماراتها الخارجية فإذا أخطأ الذهن الخارج ونفس الأمر بأن لم يصل إليه لانسداد الطريق بينه وبيته بعمي، ونحوه لم يمكنيما إحضار ولا استحضار، وذلك لأنه لما جعل الأنباء الواردة عليهم من الخارج عمياً لا تهتدي دل على أنهم عمي لا يهتدون بالطريق الأولى لأنّ اهتداءهم بها فإذا كانت هي في نفسها لا تهتدي فما بالك بمن بها يهتدي فتدبر فإنه في غاية الخفاء، ولذا قيل إنه لو تركه كان أولى. قوله: (أو ما يعمها (أي ما يعمّ الأنباء المجاب بها الرسل وكل ما يمكن الجواب به، والتعتعة بتاءين فوقيتين وعينين مهملتين التردّد في الكلام لحصر أوعيّ، وقوله ويفوّضون الخ كقول عيسى حينئذ: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [سورة البقرة، الآية: 32] . قوله: (وتعدية الفعل) أي عميت لتضمنه معنى الخفاء، وهو أحسن من جعله بمعنى الاشتباه كما ذكره الراغب ولولاه لتعدى بعن، ولم يتعلق بالأنباء لأنها مسموعة لا مبصرة، وقوله لفرط الدهشة سواء، كانت انفاء في قوله فهم تفصيلية أو تفريعية لأنّ سبب العمي فرط الدهشة، وقوله أو العلم وفي نسخة والعلم بأنه مثله أي في العجز عن الجواب، وقوله فأمّا من تاب الفاء فيه لتفصيل إجمال يعلم مما قبله لبيان حال من تاب عن شركه ولترتب الأخبار به عما قبله. قوله: (وعسى الخ الإيذانها بتحقق ما يرجى منهم كما قيل عسى منك خير لنا من نعم أو هي للترجي على لسان العباد لأنه لا يليق به تعالى حقيقة. قوله: الا موجب عليه ولا مانع) مشيئة الله هي اختياره أو مقاربة له، والاختيار منه تعالى للفعل بمعنى أنه إن شاء فعل، وان شاء ترك أو كونه بحيث يصح منه الفعل والترك، وهو بهذا المعنى مقابل للإيجاب، ولما تقاربا وقد جمع بينهما هنا حاولوا التفسير على وجه يقع به التغاير ليسلم النظم من الحشو فقيل المراد أنه يخلق ما يشاء من الأعيان والأعراض، وقوله يختار معطوف على يخلق أي يخلق ما يشاؤه باختياره فلا يخلق شيئا بلا اختيار وهذا لم يفهم مما يشاء، فإنه لا يفيد العموم وقيل إنّ قوله لا موجب عليه ولا مانع لف ونشر فالمشيئة عدم الإيجاب والاختيار عدم المانع ليفيد، وأورد عليه أنه لا وجه للتخصيص بلا مخصص، وقيل المشيئة تجامع الإيجاب بالذات دون الاختيار ففيه رد على الفلاسفة كما أن في ذكر المشيئة تنصيصا على الرد على من زعم أنه مقتض للعالم اقتضاء النار للإحراق ورد بأنه إن أريد بالمشيئة صحة الفعل والترك فهي لا تجامع الإيجاب أصلا وان أريد كونه إن شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل فكذا الاختيار ولا فرق بينهما فإنّ معناهما عندنا الأوّل وعند الفلاسفة الثاني وكلام المحشي هنا لا يخلو من الاضطراب. قوله: (التخير الخ) طيرة بوزن عنبة بمعنى التطير، وحكى ابن الأثير تسكين يائه قالوا ولم يجيء على هذا الوزن من المصادر غير خيرة وطيرة ولم يجيء من الأسماء غير طيبة بمعنى طيب، وتولة لنوع من السحر تتحبب به المرأة لزوجها يعني في المفرد المعتل العين. قوله: (وظاهره نفي الاختيارا لأن الخيرة والتخير والاختيار بمعنى كما يفهم من كلامه، وهو ظاهر النظم ولما كان فيه إيهام للجبر أشار إلى توجيهه بأنّ اختيار العبد، وإن كان ثابتاً عند أهل الحق لكنه يكون بالدواعي التي لو لم يخلقها الله فيه لم تكن، وهذا هو معنى قوله تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [سورة الإنسان، الآية: 30] وهو مذهب الأشعريّ رحمه الله قال: خاتمة المحققين الدوانيّ في مقالته في أفعال العباد الذي يثبته الأشعري وهو تعلق قدرة العبد وارادته الذي هو سبب عاديّ لخلق الله تعالى الفعل فيه، واذا فتشنا عن مبادي الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له، وتصوّر أنه ملائم وغير ذلك من أمور ليس شيء منها بقدرة العبد واختياره كما حققه وهو محصل كلام المصنف رحمه الله، فما قيل إنه مذهب الجبرية ليس بصحيح فإن أردت تحقيق ذلك فانظر تلك المقالة. قوله:) المراد أنه الخ (فالمعنى ما كان لهم الخيرة على الله أي التحكم عليه بأن يقولوا لم لم يفعل الله كذا كما ذكر في سبب النزول المذكور ومعنى ما كان أنه لا يليق ولا ينبغي فإنه أحد معانيه التي ورد بها، وهو مشهور فلا يصلح هذا وجها لتمريضه كما قيل لأنه غير موافق لسبب النزول المذكور وكون ما مرّ على قواعد المعتزلة من عدم جواز إرادته تعالى للكفر، والفسق وهم ولعل تمريضه له أنه لا دلالة عليه في النظم، وفيه حذف المتعلق من غير قرينة دالة. قوله: (ولذلك خلا) بالتخفيف والبناء للفاعل أو بالتشديد والبناء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 للمجهول لأنه مؤكد لما قبله أو مفسر له إذ معنى يخلق ما يشاء، ويختار لا ما يختاره العباد عليه، وفي الوجه السابق هو مستأنف في جواب سؤال تقديره فما حال العباد أو هل لهم اختيار ونحوه فقيل إنهم ليس لهم اختيار والمختار ما اختاره الله. قوله: (وقيل ما موصولة مفعول ليختار) وهي في الوجه الأوّل نافية والداعي لهذا دفع التكرار بين يشاء، ويختار ووجه تمريضه عدم مساعدة اللغة له فإنّ المعروف فيها أنّ الخيرة بمعنى الاختيار لا بمعنى الخير وعدم مناسبته لما بعده من قوله سبحان الله الخ، ولقوله يخلق ما يشاء أيضا كما في بعض شروج الكشاف وأمّا حذف العائد فكثير لا أنه يجرّ إلى مذهب الاعتزال إذ ليس المراد اختياره للخير على الوجوب بل بمقتضى التفضل، والكرم وليس الوقف على يختار، وان روي متعيناً لأن يكون تائا وأمّا كون ما موصولة مفعولاً ليختار، وكان تامّة بمعنى وجد ولهم الخيرة بتقدير ألهم الخيرة على الاستفهام الإنكاري فضعيف لما فيه من مخالفة الظاهر من وجوه. قوله: (أن ينازعه أحد الخ (الظاهر أنه على الوجه الأوّل في تفسير ما كان لهم الخيرة فإنه إذا لم يكن لأحد اختيار مستقل لا يقدر أن يختار غير ما اختاره الله، وينازعه في مختاره وقوله أو يزاحم على الثاني لأنه يحكم عليه فيزاحمه في اختياره وأمّا على الثالث فهو تعجب من إشراكهم من يضرّهم بمن يريد لهم كل خير، وقيل إن الأوّل على أنّ التعجب متعلق بقوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [سورة القصص، الآية: 68] والثاني على أنه متعلق بما كان لهم الخيرة. قوله: (عن إشراكهم (فما مصدرية وفيما بعده موصولة بتقدير مضاف أو هو بيان لحاصل المعنى عليه، وقوله تكن صدورهم بمعنى يكنون في صدورهم كحقية رسالته وعداوته ونحو ذلك، وقوله لا أحد يستحقها أي العبادة إشارة إلى أن إله وإن كان عامّاً المراد به من يستحق الألوهية. قوله: (لأنه المولى الخ (المولى بزنة اسم الفاعل أي المعطى لجميع النعم بالذات وما سواه وسايط فالمراد بالحمد ما وقع في مقابلة الأنعام بقرينة ذكرها بعده بقوله: قل أرأيتم الخ مع أنه قد يخص به فلا وجه لما قيل إنه لم يفرق بين الحمد والشكر، وهو توجيه للحصر الدال عليه تقديم الظرف، ولم يلتفت إلى أنّ الحصر مجموع حمد الدارين إذ الحمد في الآخرة لا يكون لغيره لعدم الحاجة إليه كما مرّ في الفاتحة مع أنه قيل إنّ المراد بالنعم ما يشمك الفضائل والأوصاف الجميلة كالشجاعة التي هي بخلقه تعالى فالحمد عليها في الحقيقة لله تعالى لأنه مبدئها ومبدعها، ولو نظر إلى الظاهر لم يكن حمد الآخرة مختصاً به أيضاً: " فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يحمده الأوّلون والآخرون في مقام الحمد، وبيده لواء الحمد في الآخرة والمحشر كما شهدت به النصوص " أا (. قوله:) بقولهم (متعلق بقوله يحمده كابتهاجا بمعنى سرور يعني أنّ حمد الآخرة هو المذكور في هذه الآيات وأنه على وجه اللذة لا التكليف، وقوله الميم مزيدة لدلالة الاشتقاق عليه فوزنه فعمل، والدلامص بضم الدال المهملة وكسر الميم البراق، ومنه دلاص للدرع ومختار صاحب القاموس كبعض النحاة أنّ الميم أصلية ووزنه فعلل لأنّ الميم لا تنقاس زيادتها في إلوسط والآخر والسرمد الدائم، وقوله: بإسكان الخ تمثيل أو بجعلها غير مضيئة لا بالكسوف كما قيل لأنه لا يذهب ضوأها بالكلية إلا أن يريد به ذلك وهو سهل، والأفق الغائر بالغين المعجمة أي الأفق الغير المرئيّ، وليس تحت الأرض بالكلية حتى يكرن تكراراً كما قيل. قوله: (كان حقه الخ) لأنّ هل لطلب التصديق، وهو المناسب للمقام بحسب الظاهر لا من التي لطلب التعيين المقتضى لأصل لوجود لكنه أتى به على زعمهم أنّ آلهتهم موجودة تبكيتاً وتضليلاً فهو أبلغ وكان حقه أن لا يعبر بهذه العبارة لما فيها من ترك الأدب لكن إذا ظهر المراد بطل الإيراد، وقراءة ابن كثير بإبدال الياء همزة. قوله: (سماع تدبر واستبصار) دفع لما يتوهم كما سيصرّح به من أنّ الظاهر أن يقال أفلا تبصرون لأنّ هذا هو المطابق للمقام لأنّ المراد إنكم لو كنتم على بصيرة وتدبر لما ذكرناه عرفتم أنه لا إله غير الله يقدر على ذلك لأنّ مجرّد الإبصار لا يفيد ما ذكر فهو توبيخ لهم على أبلغ وجه. قوله: (ولعله لم يصف الضياء بما يقابله) أي يقابل المذكور هنا، وهو قوله تسكنون فيه كان يقول ضياء تتحركون فهي، وتتصرفون لأنه لو وصف به دلّ على أنّ الامتنان بما فيه من التصرّف لا به نفسه، وأنه تبع وليس كذلك، وأمّا ظلمة الليل فليست مقصودة في نفسها بل النعمة ما فيه من الهدء، والستر والراحة. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 (ولآنّ منافع الضوء كثر الخ) ما يقابله إمّا الليل فهو على تقدير مضاف أي من منافع ما يقابله أو السكون فيه فهو من قبيل أكثر من أن تحص أي هو متباعد في الكثرة عن مقابله والأوّل أظهر، والمراد أنها لو ذكرت كلها أو أكثرها طال الكلام، ولو اقتصر على بعضها توهم الاختصاص به فلا يرد عليه أنّ كثرة منافعه لا تصلح وجها، ولم يقابل الليل بالنهار لأنه لا يلزمه الضياء لجواز كون الشمس تحت الأرض فيه ونحوه من انكساف ضوئها بالكلية كما مرّ، ونفع النهار إنما هو بضيائه بخلاف الليل فإنه لا يخلو عن النفع سواء أظلم أم استنار ولما كانت منافع الضياء الكثيرة لا يقف عليها العوامّ إلا بالسماع من الخواص ذيل بقوله أفلا تسمعون، وأمّا كونه يلزم اجتماع الليل والنهار في الكسوف كما توهم فتعسف لأنّ المراد أنّ المقصود من النهار هو الضياء لأنّ النفع به فلذا خص بالذكر بخلاف الليل فتدبر. قوله: (لأنّ استفادة العقل من السمع الخ) أي قرن الضياء الكثير المنافع المحتاجة إلى كثرة الإدراك بما هو دالّ على كثرة الاستفادة المناسب له لأنّ جميع ما تدركه الحواس يعبر عنه بما يدركه السمع، ويزيد عليها بإدراك الأصوات ولذا ترا. مقدما على البصر في التنزيل، وقد مرّ له وجه آخر. قوله: (في الليل) إشارة إلى أنه لف ونشر ولذا قدر في النهار بعده، وضمير فضله لله وكونه للنهار على الإسناد المجازي خلاف الظاهر، وقوله من فضله لنفي الإيجاب، وفيه مدح للسعي في طلب الرزق كما ورد الكاسب حبيب الله، وهو لا ينافي التوكل وقوله ولكي إشارة إلى أنّ المقصود منه التعليل وقد مرّ تحقيقه ومعرفة النعمة لازمة للشكر فلذا ذكره. قوله: (جدّ بعد تقريع) أي ذكر مجذداً يعني أنه لكونه أعظم أعيد ذكره مرة بعد أخرى، أو أنه لتغاير المراد من ذكره في الموضعين ليس بمكرّر، وفساد الرأي ظاهر من قوله حق عليهم القول، ولذا حمل الأوّل عليه وحمل ذكره ثانياً على أنه تشه وهوى لقوله بعده هاتوا برهانكم، أو الأوّل إحضار للشركاء تبكيتاً عليهم لعدم صلوحهم لما نسب لهم لقوله بعده، وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم، وهذا تحسير لأنهم لم يكونوا في شيء من إيجادهم لقوله وضل عنهم ما كانوا يفترون كما في الكشف. قوله: (وهو نبيهم الخ) ولا يضرّ كون الشهيد في موقف آخر غير الأنبياء، وهم أمّة محمد أو الملائكة لقوله: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء} [سورة الزمر، الآية: 69] فإنه دال على مغايرة الشهداء للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكن المواقف متعددة فلا يرد ما ذكر على المصنف مع أنّ الدلالة على المغايرة غير مسلمة، ولو سلمت فشهادة الأنبياء لا تنافي شهادة غيرهم معهم لكن الحق الأوّل لأنّ قوله من كل أمّة، وافراد شهيداً صريح فيه، وقوله غاب عنهم غيبة الضائع إشارة إلى أن ضل بمعنى ضاع، وهو مستعار هنا للغيبة. قوله: (كان ابن عمه يصهر) بياء تحتية مفتوحة وصاد مهملة ساكنة وهاء مضمومة، وقاهث بقاف وهاء مفتوحة وثاء مثلثة، وفي بعض النسخ قاهاث بألفين ولاوى مقصور هو ابن يعقوب، وقاهث هو أبو عمران كما في التواريخ فكونه ابن عمه على هذه الرواية ظاهر، وفي رواية أخرى ذكرها المصنف في آلى عمران أنّ موسى ابن عمران بن يصهر بن قاهث الخ فيصهر جذه لا عمه، وهي رواية أخرى في نسبه كما صرّح به في المعالم فلا مخالفة بين كلامي المصنف. قوله: (فطلب الفضل الخ) أصل معنى بغى طلب ويختلف معناه باختلاف متعلقه فإمّا أن يكون المطلوب العلو والتحكم، وهو المعنى الأوّل وتعديته بعلى كالفضل والعلو أو هو بمعنى تكبر وتعذيه بذلك أيضا أو هو بمعنى الظلم أو الحسد لما فيه من طلب ما ليس حقه، وطلب زوال نعمة المحسود والفاء إمّا فصيحة أي ضل فبغى أو على ظاهرها لأنّ القرابة تدعو إلى الحسد ونحوه، وقوله وذلك أي طلبه الفضل أوالتكبر أو الظلم والحبورة بضم الحاء المهملة والباء الموحدة مصدر حبر الرجل إذا صار حبرا أي إماما مقتدى، وضمير عليهم للقوم وعلى الرواية الأخيرة لموسى وهرون أو للقوم أيضا، وقوله الأموال المدخرة فهو مجاز بجعل المدّخر كالمدفون إن كان الكنز مخصوصاً يه. قوله: (مفاتيح صناديقه) فهو على تقدير مضاف، أو الإضافة لأدنى ملابسة وكونه بالكسر على قياس اسم الآلة ومرّض كونه بمعنى الخزائن لأنه غير معروف، وقوله وقياسه المفتح أي بفتح الميم لأنه اسم مكان، وقوله صلة ما وما نقل عن الكوفيين من أنّ الجملة المصدرة بأن لا تكون صلة للموصول خطأ قبيح لوقوعه في هذه الآية كما قاله الأخفش فإن كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 لم يسمع في غير هذه الآية لم ينهض ما ذكر لجواز كون ما موصوفة، ولا يخفى أنّ المانع لكونها صلة أنها تقع في ابتداء الكلام فلا ترتبط بما قبلها وهذا يقتضي أنها لا تكون صفة أيضا فلا يرد ما ذكر عليه، ووقع كونها حالية من بعض النحاة. قوله: (وناء به الحمل إذا أثثله (فالباء للتعدية ولا قلب ب. كما قيل على أنّ أصله تنوء العصبة بها أي تنهض فإنه لا حاجة إلى رتكابه، وقيل الباء للملابسة، والحمل بكسر الحاء ويجوز فتحها، وقوله الجماعة الكثيرة من غير تعيين لعدد خاص وهو الذي ذكره الراغب في مفرداته، وعوّل عليه المصنف هنا، وقد تقدم أن من أهل اللغة من عين لها مقداراً واختلفوا فيه فقيل من عشرة إلى خمسة عشر وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل من عشرة إلى أربعين، وقيل أربعون وقيل سبعون، وقد يقال إن أصل معناها الجماعة مطلقا كما هو مقتضى الاشتقاق، ثم إنّ العرف خصها بعدد قد اختلف فيه أو اختلف بحسب موارده فتأمّل. قوله: (على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه) وهو التذكير فإنه لا- يكتسب التذكير والتأنيث منه وخصه الزمخشريّ بتفسير المفاتح بالخزائن لما بينهما من الاتصالا كما في ذهبت أهل اليمامة، وينتج منه أنه ليس بجار إذا كانت المفاتح بمعنى المفاتيح ووجهلا أنّ النحاة اشترطوا في الاكتساب أن يكون المضاف بعضا أو كبعض، أو لفظ كل وما وضاهاه وقالوا إنّ ما هو كالبعض المراد منه ما كان بينهما اتصال تائم بحيث لو أسقط بقي معناه مفهوهـ! أمن المذكور والخزائن والكنوز والمرادة من ما الراجع إليها الضمير كذلك لأنّ الخزائن تطلق ويراد بها ما فيها كاليمامة مع أهلها بخلاف المفاتيح مع الكنوز فإذا لم يرد الخزائن ففيه مضاف مقدر رجع إليه الضمير كما في: بردى يصفق بالرحيق السلسل أي حمل مفاتحه فافهم، وقد مرّ فيه كلام في الأنعام. قوله: (منصوب بتنوء (على ألا. متعلق به واعترض! عليه أبو حيان بأنه لا معنى لتقييد أثقال المفاتيح للعصبة بوقت قول قومه له لا تفرح، وقال ابن عطية إنه متعلق ببغى عليهم ويرد عليه ما مرّ وكذا قول أبي البقاء إنه ظر! لآتيناه ورجح تعلقه بمقدّر كاظهر التفاخر والفرح بما أوتي إذ قال الخ أو بإضمار اذكر كما في اللباب. قوله: (لا تبطر) البطر فرح ينشأ من الغرور بالنعمة، وقوله مطلقا قيد للذم أو لا! لهمرت لأنّ السرور بها لذاتها جهل ورأس كل خطيئة أمّا أنه يسرّ بها لكونها وسيلة إلى شيء آخر من أمور الآخرة فلا يذمّ، والترح ضد الفرح والبيت المذكور من قصيدة للمتنبي أوّلها: بقاني شاء ليس! هم ارتحالا الخ ومثله قول ابن شمس الخلافة: واذا نظرت فإنّ بؤساً زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل وقد روي عن الحسن أنّ آية ولا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم جمعت الزهد كله، وقوله فإن العلم الخ بيان للذهول عن ذهابها، وقوله مفارق في نسخة بدله مفارقه بالضمير أو بتاء التأنيث لأنّ ما عبارة عن اللذة وعنه متعلق بانتقالاً مقدّراً أو بالمذكور إن قلنا بتقدم معمول المصدر عليه، إذا كان ظرفاً، وقوله ولذلك أي لكون الفرح بها مذموما شرعا قال الخ فعلم كونه مذموماً من هذه الآية أيضاً فهذا برهان إني لا لمي حتى يرد أنه مبنيّ على مذهب المعتزلة في الحسن والقبح، ولا يندفع هذا بجعل الإشارة إلى كون الفرح نتيجة حبها الخ بل يتأكد، وقوله علل قيل إنه معطوف على قوله الفرح بالدنيا مذموم الخ لا على قال كما قيل وفيه نظر، ومحبة الله مصدر مضاف للفاعل. قوله:) وابتغ فيما آتاك الله) في ظرفية أي متقلبا ومتصرّفا فيه أو سببية بمعنى الباء وهو الظاهر من كلام المصنف أي ابتغ يصرفه والدار الآخرة مفعوله بتقدير مضاف أي موجب الدار الخ لا عقبى الدار الآخرة كما قيل، وقوله تترك لأنّ النسيان يطلق على الترك مجازاً كما مرّ. قوله: (وهو أن تحصل الخ) الضمير للنصيب وأخبر عنه بالمصدر مبالغة أو لعدم الترك كما قيل، وقد فسر النصيب بالكفن، وقوله أو تأخذ الخ محصله الأمر بالقناعة والكاف في كما أحسن للتشبيه أي أحسن للعباد مثل ما أحسن الله الخ أو ائت بشكر حسن مماثل للإحسان أو للتعليل. قوله: (نهي عما كان الخ) ووقع في بعض النسخ زيادته إلى قوله بأمر أي نهى عن الاستمرار عليه فقوله بأمر متعلق بكان على هذه النسخة، وعلى الأخرى بتبغ والباء على الأولى للسببية، وعلى هذه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 للملابسة والأمر عبارة عما آتاه الله من العنى أو حب الجاه والمال، وقوله لا يحب المفسدين قيل فيه تنبيه على أنّ عدم محبته كاف في الزجر عما نهى عنه فما بالك بالبغض والعقاب وهو حسن، وقيل عدم محبته كناية عن البغض الشديد كما أن محبته مزيد الأنعام. قوله: (فضلت به) أي بما عندي من العلم جواب عن قولهم له إنّ ما عندك تفضل من الله فأنفق منه شكراً ليبقى فكأنه رده بأنه ليس تفضلاً بل لاستحقاق في ذاته، والتفوّق العلوّ والرفعة. قوله: (وعلى علم في موضع الحال (من الفاعل هكذا ذكره المعربون، ولم يجعلوا على تعليلية متعلقة بأوتيت على أنه ظرف لغو لأنه أصل معناها، ولأنّ المراد أنه استوجبه على علمه فعلى للإيجاب كما في عليّ كذا وهو المراد في قولهم فعله على علم، والكيمياء لفظ يوناني بمعنى الحيلة، ثم غلب على تحصيل النقدين بطريق مخصوص، وقد قيل إنه كان تعلمها من موسى عليه الصلاة والسلام، وقيل إنه لا أصل له، وقال الطيبي إنه من قبيل المعجزة لما فيه من قلب الأعيان ولذا أنكره بعض الحكماء ورد بأنه لو كان معجزة ما قبل التعلم، وهل يحل تعلم علم الكيمياء أولاً قيل وهو مبنيّ على الخلاف في قلب الحقائق أي انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس عن الذهب فقيل نعم، وقيل لا فعلى الأوّل من علم العلم الموصل لذلك القلب علماً يقينيا جاز له علمه وتعليمه إذ لا محذور فيه بوجه، وإن قلنا بالثاني أولم يعلم الإنسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة لغش حرم، والدهقنة أمور الزراعة واستغلال العقار اشتقوه من الدهقان، وهو لفظ فارسي يطلق على من يتعاطاه وأصل معناه رئيس القرية. قوله: (وعندي صفة د (أي لعلم لأنه ظرف وقع بعد نكرة، والمراد أنه مختص به وإذا تعلق بأوتيته فهو بمعنى في ظني واعتقادي ورأيي كما يقال حكمه الحل عند أبي حنيفة ولا حاجة إلى جعله جملة مستقلة أي هذا اسنقرّ عندي وفي رأيي وهي جملة مستانفة مقرّرة لما قبلها، وهو ما في الكشاف ومختار صاحب الكشف. قوله تعالى: ( {أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} ) يحتمل القوّة الجسمية والمعنوية وجمعا يحتمل جمع المالط وجمع الرحال، وقوله تعجب وتوبيخ يعني الاستفهام، وقوله بذلك أي الإهلاك واغتراره مفهوم من كلامه السابق. قوله: (أو رد لادعائه العلم الخ) بنفي متعلق برد وهذا العلم علم أنّ الله قد أهلك الخ، وقوله أعنده الخ تقرير لهذا الوجه بأنّ الوجه بأنّ الهمزة للإنكار داخلة على مقدر وجملة ولم يعلم حالية مقرّرة للإنكار ودالة على انتفاء ما دخلت عليه كقولك أتدير الفقه وأنت لا تعرف شروط الصلاة، وليست معطوفة على الجملة المقدرة كما ذهب إليه الشراح لأنّ ما اخترناه أنسب بالمعنى فتدبر فنفى علمه به مع إثباته له فيما قبله لعدم جريه على موجب علمه فلا تنافي بينهما فافهم، ويقي بمعنى يصون من الوقاية ومصارع الهالكين مواضع الهلاك والمراد ما يوجبه. قوله: (سؤال استعلام الخ) إشارة إلى التوفيق بين هذه الآية وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ} [سورة الحجر، الآية: 92، فإنّ السؤالين متغايران لما ذكر أو باعتبار مكانين أو زمانين فلا تناقض فيهما، وقوله بغتة أي بلا معاتبة وطلب عذر وجواب فلا ينافي السؤال فتأمّل. قوله: (كأنه الخ) بيان لاتصال الآية بما قبلها، وقوله أغنى من الغني أو العتوّ وقوله أكد ذلك أي التهديد، وقوله: بين أنه أي الهلاك وصنيع المصنف أظهر مما في الكشاف، وقوله مطلع ناظر إلى التفسير الأوّل، وهو من عدم السؤال وما بعده من الفحوى فإنّ عدم سؤال المذنب مع شدة الغضب عليه يدل على الإيقاع به. قوله: (1 لأوجوان) بضم الهمزة والجيم الحمرة والأحمر معرّب أرغوان، والمراد أن جله من حرير أحمر على نسخة عليها أو لباسه منه على نسخة عليه وهي أصح، وقوله على عادة الناس متعلق بحسب المعنى بقال، أو يريدون والظاهر الثاني بناء على أنّ العادة تناسب الاستمرار الذي يدل عليه المضارع ولأنّ عادتهم الإرادة في الأكثر لا القول، والجار والمجرور عليهما حال أو صفة مصدر مقدر، وقوله حذراً عن الحسد لأنه مذموم بخلاف الغبطة، وعن قتادة تمنوه ليتقرّبوا به إلى الله وينفقوه في سبيل الخير ويؤيده قوله ثواب الله خير فإنه يدل على أنهم مؤمنون، ولا ينافيه قوله يريدون الحياة الدنيا لأنه لا يلزم إرادتها لذاتها، وقوله للمتمنين متعلق بقال. قوله: (دعاء بالهلاك (أي في الأصل والمراد به هنا الزجر عن هذا التمني مجازاً وهو منصوب على المصدرية، وقوله بل من الدنيا وما فيها أخذه من مقابلة الثواب، وحذف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 المفضل عليه. قوله: (الضمير فيه للكلمة (وهي قولهم ثواب الله خير الخ والكلمة بالمعنى اللغوي، وقريب منه أنه للخصلة، وهو المراد بالسيرة ومعنى تلقيها إمّ فهمها أو التوفيق للعمل بها والجنة مفهومة من الثواب وعطف الطريقة على السيرة تفسيري. قوله: (على الطاعات وعن المعاصي) في الكشف الصبر حبس النفس، وهو كف وثبات فلذا عدى تعديتهما بعن وعلى إذ له متعلقان ما انقطع عنه وهو المعصية، وما اتصل به وهو الطاعة فعدى للأوّل بعن وللثاني بعلى، وقيل عن فيه بدلية كما في قوله: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم} [سورة آل عمران، الآية: 0 ا] وقوله ما قسم الله من القليل عن الكئير. قوله: (روي الخ (رواه الطبرانيئ عن ابن عباس رضي الله عنهما وصلحه عن الزكاة بوحي أو كان جائزاً في شرعه، وقوله ليرفضوه أي يتركوا أتباعه ويكرهوه وقوله فبرطل أي أعطى البرطيل بكسر الباء وهو الرشوة ونحوه، قال المعري: في عبث الوليد أن البرطيل الذي استعمله العامّة بمعنى الرشوة لا يعرف في كلام العرب القديم، وإنما هو في كلامهم بمعنى الحجر المستطيل فهو مأخوذ منه كأنهم رموا الخصم بحجر لتشبيههم له بالكلب، ثم تصرّفوا فيه والبغية الزانية، ورميها أن تقول إنها زنا بها، وقوله ولو كنت تقديره ولو كنت أنت زانياً ترجم، وقوله فناشدها أي أقسم عليها بالله، وقوله أن تصدق أي لأن تصدق، وقوله: فخرّ أي سجد متضرّعا إلى الله بالدعاء عليه وأمره للأرض من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وفيه إنّ سالث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقتل والمأخوذ هو ورجلان آخران كما في الكشاف، وقوله يتضرّع إليه أي إلى موسى يرجو عفوه والخلاص وللقسم بالعزة والجلال هنا مناسبة تامّة. قوله: (مشتقة من فأوت (فسميت الجماعة مطلقا به لميل بعضهم إلى بعض وتفسيره بالأعوان هنا بقرينة المقام وقوله له، وهو محذوف اللام ووزنه فعة، وقال الراغب: إنه محذوف العين فوزنه فلة وانه من الفيء، وهو الرجوع لأنّ بعضهم يرجع لبعض ولكل وجهة، وقوله من المنتصرين إن كان المراد بنفسه فظاهر وإن كان المراد بأعوانه فذكره للتأكيد. قوله: (منزلته (أي مثل منزلته وحاله في الغنى، ولظهوره لم يصرّح به مع أنه معلوم من قوله أوّلاً مثل ما أوتي ولم يحمل على إقحام مثل هناك لأنه غير مناسب لكونهم مؤمنين كما مرّ ولأنه تأويل قبل أن تمس الحاجة له، وقوله بالأمس متعلق بتمنوا أو بمكانه وجعل الأمس مجازا عن القرب كما في قوله: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [سورة يونس، الآية: 24] وهو شائع بمنزلة الحقيقة إذ المراد قربه لا تعيين زمانه، وان جاز حمله على الحقيقة والاستدلال بمثله عناء بلا غناء، ويقدر مقابل يبسط أي يضيق ويقتر. قوله: (مركب من وي للتعجب الخ) ويكون للتحسر والتندم أيضا كما صرّحوا به، قال الراغب: وهي اسم فعل لا عجب ونحوه وكان ظاهرة في التشبيه، وقوله والمعنى أي على هذا التقدير ما أشبه الأمر والحال أي أمر الدنيا والناس مطلقا إلى آخر أمر قارون وما شوهد من قصته، والأمر مأخوذ من الضمير فإنه للشأن والمراد من تشبيه الحال المطلق بهذه الحال أنه لتحققه وشهرته يصلح أن يشبه به كل شيء كما أشار إليه في الكشف فاندفع ما قيل إنه لا معنى للتشبهي هنا لأنه غلب فيه معنى التحقق، والشهرة إلا أن الكلام في ما ادّعاه من الدلالة على هذا المعنى فإنه غير ظاهر، وما قاله الهمداني في الفرائد من أنّ مذهب سيبوبه، والخليل أنّ وي للتندم، وكأنّ للتعجب والمعنى ندموا متعجبين في أنّ الله يبسط الخ فيه أنّ كون كأنّ للتعجب لم يعهد، والحاصل أنّ كلامهم هنا لا يخلو من الكدر فليحرّر، وقوله أنّ الله بتقدير بأنّ الله وقيل إنه بدل من الأمر. قوله: (وقيل من ويك) أي مركب من ويلك فخفف بحذف اللام والعامل في أن أعلم المقدر كما صرّح به والكاف على هذا ضمير في محل جرّ، وقوله فلم يعطنا ما تمنينا من مثل غنى قارون، وهو تفسير لقوله من الله علينا، وفي نسخة بدون الفاء وقوله لتوليده الضمير لما تمنينا وقيل لله، وقوله لنعمة الله فهو من كفران النعمة وما بعده على أنه من الكفر بمعناه المعروف، وقوله وقرأ حفص هي قراءة يعقوب وعاصم وشعبة أيضا وعليها فالمفعول محذوف أي خسف الأرض، وقوله إشارة تعظيم التعظيم من البعد المستعار لعلوّ المرتبة، وقوله التي سمعت خبرها إشارة إلى أنها لشهرتها نزلت منزلة المحسوس فلذا أشير إليها، وقوله والدار صفة أي لاسم الإشارة لأنه يوصف بالجامد والآخرة صفة للدار ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي نعيم تلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 كما قيل، وقروله: كصا أراد الخ إشارة إلى دخولهما دخولاً أولياً لا أنّ الموصول مخصوص بهما كما قيل وإعادة لا للإشارة إلى أنّ كلا منهما مقصود بالنفي، وقيل إنه إشارة إلى الردّ على الزمخشريّ في استدلاله بهذه الآية على خلود مرتكب الكبيرة لأنها في الكفرة مع أنه لا دلالة فيها بوجه حتى يحتاج للردّ، وهو إمّا لف ونشر أو راجع لكل منهما إذ كل منهما لا يخلو من علوّ وفساد. قوله: (ما لا يرضاه الله) مفعول المتقين أي الذين اجتنبوا ما لا يرضاه الله، والمراد بالمحمودة إمّ المحمودة على وجه الكمال فلا يرد مرتكب الكبيرة، أو المراد مما لا يرضاه مثل حال قارون بقرينة المقام والنصوص الدالة على أنّ غير الكفار لا يخلد في النار فلا وجه لما قيل إنه تقييد بلا دليل مع أنّ مبني الاستدلال على أنّ اللام للتخصيص، وهو ممنوع. قوله: (ذاتاً) إذ لا تقارب بين ذاتي أمور الدنيا والآخرة، وقدراً لأنها مضاعفة، ووصفاً لأنها باقية سالمة من التعب بخلاف هذه، وتكرير إسناد السيئة يدلّ على أنهم في أسوأ الأحوال، والمبالغة في المماثلة لطف منه تعالى إذ ضاعف الحسنات، ولم يرض بزيادة جزاء السيئة مقدار ذرّة، وفي جمع السيآت دون الحسنة إشارة إلى قلة المحسنين، وفي ذكر عملوا ثانياً دون جاؤوا إشارة إلى أنه عن قصد لأنّ العمل يخصه كما قاله الراغب: فانظر ما حوته هذه الآية من نكات البلاغة. قوله: (أيّ معاد الخ) أي تنوينه للتعظيم، وقوله وهو المقام المحمود الخ أي مقام الشفاعة العظمى في يوم القيامة لأنه المتبادر منه، وإن كان يطلق أيضاً على منزلته العليا في الجنة، وقد فسره به ابن عباس رضي الله عنهما وعليّ كرّم الله وجهه، واختاره المصنف لأنّ المعاد صار كالحقيقة في المحشر لأنه أبتداء العود إلى الحياة وردّه إلى ما كان عليه فجعل معاده عظيماً لعظمة مقامه فيه فليس في معاد ورادّ نبوّ عنه كما توهم، وأمّا ترجيح تفسير ابن عباس وعليّ بأنه أعيد إلى لجنة التي كان فيها وهو في ظهر آدم فلا يخفى بعده. قوله: (أو مكة التي اعتدت بها) كونه بمعنى مكة هو المذكور روايته في الببخاري وقوله التي اعتدت بها جعل المعاد من العادة لا من العود لأنّ المعنى أنه رادك إلى محل اعتدته، وألفته ولو كان من العود وهو بمعنى الردّ كان معناه رادك إلى مردّ أو معيدك إلى معاد، لا يخفى ركاكته، وأمّا توهم أنه يلزم اوتكاب المجاز بلا ضرورة إن كانت الآية مكية، وان كانت جحفية فلا ورادّ على الاحتمالين مجاز فلا وجه له، ومهاجره زمان هجرته وهو مضاف إلى ضميره وعلى هذه الرواية فهذه الآية ليست مكية. قوله: (وعده بالعاقبة الحسنى في الدارين الخ) هو على التفسير الثاني لأنّ وعده بالعاقبة الحسنى في الآخرة من قوله والعاقبة للمتقين، وفي هذه الدار من قوله لراذك إلى معاد على هذا التفسير فمن قال إن المراد أنه وعده خاصة وانّ قوله في الدارين مبنيّ على جواز الجمع بين معنيي المشترك فإنّ المعاد كالمشترك، وانّ أو في قوله أو مكة لمنع الخلو أو جعل في الدارين متعلقاً بالحسنى فقد تعسف وتكلف وأهون منه ما قيل إنه على الاحتمالين لامعا حتى يلزم ما ذكر مع أنه لا حاجة إليه لما عرفت. قوله: (وما يستحقه من الثواب والنصر) أشار به إلى ارتباطه بما قبله على الوجهين لأنّ الجائي بالهدى صادق فيصدق في الردّ إلى المعاد، وقوله يفسره أعلم لأن أفعل لا يعمل نصب المفعول به، وقوله العذاب والإذلال في مقابلة الثواب والنصر، وقوله يعني به نفسه الخ لف ونشر فنفسه من جاء بالهدى والمشركين من هو في ضلال، وقوله تقرير الخ المقرّر قوله إنّ الذي فرض عليك القرآن الخ لأنه لما أوجبه عليه ووعده في مقابلته بإحدى الحسنيين قرّره بأنه يجازي كل أحد على علمه وتحقق جزائه يقتضي امتثال إيجابه، والتصديق بوعده. قوله: (كما ألقى إليك الخ) التشبيه في بعد رجاء كل منهما، وهو بيان لكونه مقرّراً لما قبله، وقوله ولكن الخ إشارة إلى أنه استثناء منقطع وتقدير ألقاه ليناسب ما قبلى ويكون الاستدراك في محز.، وقوله ويجوز أن يكون استثناء الخ إشارة إلى أنّ المنقطع ليس استثناء في الحقيقة بل استدراك، وقوله على المعنى وهو أنّ عدم رجاء الإلقاء يتضمن عدم الإلقاء فكأنه قيل ما ألقى إليك لأجل شيء أو في حال من الأحوال إلا الخ فهو مستثنى من أعمّ العلل أو من أعمّ الأحوال كما أشار إليه بقوله لأجل الترحم (وفيه بحث) وهو أن يقال ما الحاجة إلى اعتبار المعنى مع أنه يصح أن يقال ما كنت ترجو الإلقاء لأجل شيء من الأشياء إلا لأجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 الرحمة وتوجيهه في الكشف بأنّ المنفي هو الرجاء، والتفريغ منه غير صحيح والإلقاء مثبت لا يصح التفريغ منه فلذا جعله بمعنى ما ألقى الخ، وفيه نظر وقوله والتحمل عنهم ضممنه معنى التجاوز فلذا عدّاه بعن، وقوله من أصدّ لأنه يقال أصده كصذه في لغة كلب كما في الكشاف. قوله: (هذا وما قبله للتهييج (لأنه لا يتصوّر منه ذلك حتى ينهي عنه فكأنه لما نهاه عن مظاهرتهم، ومداراتهم قال إنّ ذلك مبغوض لي كالشرك فلا تكن ممن يفعله، أو المراد نهي أمّته، وان كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم، وقوله: إلا ذاته فالوجه أطلق عليها مجازا لتنزهه عن الجوارج وسيأتي فيه وجه آخر، وقله هالك في حذ ذاته لأنّ وجوده ليس ذاتياً بل لاستناده إلى واجب الوجود فهو بالقوّة وبالذات معدوم حالاً، والمراد بالمعدوم ما ليس له وجود ذاتيئ لأن وجود غيره كلا وجود إذ هو في كل آن قابل للعدم، وسيأتي تفصيله وتحقيق المشايخ فيه، وأما حمل هالك على المستقبل، وتفسيره بأنّ كل عمل لغو إلا ما كان لوجهه فكلام ظاهرفي، وضمير إليه ترجعون لله وقيل إنه للحكم. قوله: (من قرأ طسم الخ (القصص بدل منه لأنهما اسمان للسورة، وقوله من صدق موسى خصه ىتجف لتفصيل قصته فيها، وقوله وكذب أي به، وقوله كان صادقا أي في إيمانه، وهذا الحديث من حديث أبيّ بن كعب الموضوع وهو مشهور (تمت (سورة القصص بحمد الله ومنه اللهمّ ببركة كلامك الكريم، ونبيك الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، ألطف بنا في الدنيا والآخرة، واجعل منازلنا في الدارين عامرة لا غامرة، ويسر لنا نيل الأماني، وانشراح الصدور إنك أنت الوهاب الكريم الغفور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة أنها مدنية، وقيل إنها مكية إلا عشر آيات من أوّلها إلى قوله تعالى وليعلمن المنافقين، وقوله وكأين من دابة الآية، وقيل إنها آخر ما نزل بمكة. قوله: (وهي سبع وستون آية) وفي نسخة تسع بالتاء الفوقية وهو الصحيح، وقال الدانيّ إنه متفق عليه، وقوله سبق القول فيه أي في البقرة، وقوله دليل الخ أي على أنه حروف مقطعة مستقلة أو خبر مبتدأ ونحوه مما يقدر لا مرتبطة بما بعدها لأنّ الاستفهام مانع منه (وفيه بحث) لأنّ اللازم في الاستفهام تصدره في جملته، وهو لا ينافي وقوع تلك الجملة خبراً ونحوه كقولك زيد هل قام أبوه فلو قيل هنا المعنى المتلو عليك أحسب الخ صح فلا يقال أيضا إنّ المانع منه عدم صحة ارتباطه بما قبله معنى نعم هو خلاف الظاهر، ومثله يكفي فيه فتأمّل. قوله: (الحسبان) مصدر كالغفران مما يتعلق بمضامين الجمل لأنه من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر ودخولها عليها للدلالة على وجه ثبوتها في الذهن أو في الخارج من كونها مظنونة أو متيقنة ونحوه مما ذكر في أفعال القلوب، وقوله ولذلك أي لتعلقه بمضمون الجملة، أو دلالته على جهة الثبوت اقتضى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر متلازمين، أي لا ينفك أحدهما عن الآخر ذكرا وحذفا فلا بد من ذكرهما أو حذفهما فلا يجوز ذكر أحدهما بدون الآخر مطلقاً على ما اشتهر عند النحاة، وعليه المصنف تبعاً للزمخشريّ والفرق بينهما وبين المبتدأ والخبر حيث جاز حذف أحدهما إذا قامت عليه قرينة أنها أفعال تعلقت بمضمون الجملة، وذلك التعلق أمر خفيّ ومع الحذف يزيد الخفاء فربما ضعفت القرينة عن دفعه، كما حقق في شرح المفصل أو لأنه قصد تعلقه بهما معاً فكانا ككلمة واحدة، وحذف أحدهما كحذف بعض أجزاء الكلمة، وهو لا يجوز أمّا إذا حذفا معا فلأنه حينئذ يقطع النظر عن التعلق وبكون النظر لنفس ذلك الفعل نحو من يسمع يخل، ولا يرد عليه جواز الحف في إنّ مع تعلقها بمضمون الجمل لأنّ تعلقها ليس مقصوداً بالذات إذ المقصود مضمون الجملة في نفسه، وإنما إنّ مؤكدة له وجوّز ابن مالك ذلك نادراً لأنّ المحذوف لقرينة كالموجود، وهو مذهب الكوفيين وتبعهم المصنف، والزمخشريّ فيه في آل عمران. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 قوله: (أو ما يسدّ مسدّهما (هو أن المفتوحة مشددة ومخففة فإنها لكون مدخولها جملة استغنى بمدخولها عن المفعولين، وأمّا سد أن المصدرية مسدهما فكذلك كما تسد مسد الجزأين في عسى أن يقوم زيد قاله ابن مالك ونقله الدماميني عنه في شرح التسهيل من غير فرق، واليه أشار المصنف فقوله في الكشف إن السذ مسدّهما إنما ذكره النحاة في أنّ المضدّدة والمخففة منها، وأمّا المصدرية فقد تجري مجراها لدخولها على الجملة، وقد تجري مجرى المفرد مخالف لما ذكره أهل العربية. قوله: (فإنّ معناه الخ) يعني أنه كان قبل دخول أن المصدرية عليه فيه احتمالان الأوّل أنّ تركهم مفعوله الأوّل وهم لا يفتنون حال منه بمعنى غير مفتونين، وهو معنى قوله من تمامه، ولقولهم هو معنى أن يقولوا لأنه بتقدير اللام، وهو المفعول الثاني وكونه علة لا ينافيه كما يتوهم كما في المثال المذكور، والثاني أنّ المفعول الأوّل ضمير الناس فإنه يجوز في أفعال القلوب اتحاد الفاعل والمفعول كما في قراءة لا يحسبنهم بالغيبة كما مرّ تحقيقه، والثاني متروكين الدال عليه يتركوا، وعلى هذا فأن يقولوا بتقدير اللام متعلق به، وقوله وهم لا يفتنون حال من ضمير المتروكين أيضاً، هذا تحقيق كلامه على وجه يزيل عنه الأوهام لأنّ منهم من توهم أنه على الوجه الأوّل مشتمل على المفعولين، وعلى الثاني على ما يسذ مسدهما ولم يتنبه لما ذكر ولا لأنه غير مطابق لقوله قبيله إنّ أن يتركوا الخ سادّ مسد المفعولين، وأمّا الفصل بين الحال وذيها بالمفعول الثاني، وهو أجنبيّ فوهم لأنه بعد السد مسده ليس ثمة مفعول ثان، وقبله كان مقدماً في التقدير فلا حاجة إلى توجيهه كما توهم، وأمّا الاعتراض! على تقدير أن يكون المعنى أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمناً بأنه يقتضي أنهم تركوا غير مفتونين لأنّ الكلام في العلة، وهي مصب الإنكار، وليس كذلك لأنّ المعنى أحسب الذين نطقوا بكلمة الشهادة أن يتركوا غير ممتحنين بل يمتحنون فيميز الراسخ دينه من غيره، ولسبب النزول فالوجه كونه ساذاً مسدّ المفعولين فغير وارد لأنّ هذا بيان لأصل التركيب المعدول عنه فيجوز أن يكون وجه العدول عنه هذا المحذور مع أنه أجيب عنه بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان التقدير ما ذكره، أمّا لو قدر أحسبوا تركهم غير مانتونين بمجرد قولهم آمناً دون إخلاص وعمل صالح استقام ذلك كما صرّح به الزجاح مع أنه بناء على اعتبار المفهوم، ثم إنّ الترك هنا بمعنى التصيير كما في قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} [سورة البقرة، الآية: 17] لا بمعنى التخلية ذكره الزمخشريّ وهو يتعدى لمفعولين حينئذ، وجملة أن يقولوا سادّة مسد المفعولين كما مرّ وحينئذ فلا يرد عليه أنّ الواو لا تتوسط بين المفعولين حتى يتكلف له أنه يجوز كما في قوله: وضرني هواك ~ وبي وطيبي يضرب المثل قوله: (لقولهم آمنا الخ) إشارة إلى ما قاله الزجاج: وقوله بالصبر عليها أي على المشاق أو على جميع المذكورات، وقوله فإنّ مجرّد الإيمان تعليل لما قبله، وعمار هو ابن ياسر رضي الله عنه، وكان المشركون عذبوه بمكة بعد الهجرة " ويفجع " بكسر الميم وفتح الجيم بوزن منبر صحابيّ استشهد ببدر، وهو من عك سبى فمن عليه عمر رضي الله عنه وأعتقه، وقوله عمار بن الحضرمي وقع في الكشاف عامر بدله فليحرّر فإنّ ابن حجر ذكر في الإصابة أن عامر ابن الحضرمي قتل مشركا ببدر، ولهذه القصة تفصيل وهذا أوّل من قتل ببدر من المسلمين، وقوله يوم بدر يدلّ على أنّ أوّل السورة مدنيّ كما مرّ. قوله: (متصل بأحسب أو بلا يفتنون) أي هو حال من فاعل أحد ذينك الفعلين، وعلى الأول هو علة لإنكار الحسبان أي أحسبوا ذلك وقد علموا أنّ سنة الله على خلافه {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} ، [سورة الفتح، الآية: 23] وعلى الثاني بيان لأنه لا وجه لتخصيصهم أنفسهم بعدم الافتنان، ولذا قيل الأوّل تنبيه على الخطأ وتقرير لجهة الإنكار، والثاني تخطئة. قوله: (فليتعلقن علمه الخ) دفع لما يتوهم من صيغة الفعل من أنّ علمه حدث مع أنه قديم وعلمه بالشيء قبل وجوده، وبعده لا يتغير بأن الحادث تعلق علمه بالمعلوم بعد حدوثه، وقوله بالامتحان متعلق بقوله يتعلقن والباء للتعدية والمراد تعلفه بما يشبه الامتحان والاختبار في ابتلائهم بالمشاق، وقيل إنها للسببية أو الطلابسة، وقوله: يتميز به أي بالتعلق أو الامتحان وقوله والذين كذبوا إشارة إلى أنّ صلة أل فعل غير للاسمية لكونها على صورة حرف التعريف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 فهو مشاكلة لما قبله لكنه اختير للفاصلة، وقوله وينوط به أي بالتميز إشارة إلى وجه آخر وهو أنّ يعلمن مجاز بوضع السبب موضع المسبب، وهو المجازاة فيظهر وجه التعبير بالفعل أيضا وهما وجهان، ولذا قال وليميزنّ أو ليجازين، وقوله ولذلك أي لإرادة التمييز أو المجازاة. قوله:) وليعرّفنهم) فأعلم مزيد علم بمعنى عرف فيتعدّى لاثنين أحدهما محذوف إمّا الثاني أو الأوّل فالتقدير ليعرّفنهم منازلهم وجزاءهم أو هو من الإعلام وهو وضع العلامة والسمة فيتعدى لواحد. قوله: (الكفر والمعاصي) فالذين يعملون السيئات شامل للكفرة والعصاة، وخصه في الكشاف بالثاني لأنّ الناس فيما قبله المراد به المؤمنون فيختص بهم ما يقابله، ولما كان السبق والفوت عبارة عن عدم لحوق الجزاء والعقاب بهم بنجاتهم منه، وهم لا يحسبون ذلك وبظنونه جعلهم لإصرارهم بمنزلة من يقدر ذلك ويطمع فيه لغفلتهم كما حمله على ذلك الشارح الطيبيّ وردّ بأنّ الوجه أن يكون المراد الكفار، وهم لم يطمعوا في الفوت رأسا ولكن نزلوا تلك المنزلة لقوله: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} [سورة الأنفال، الآية: 59] والمصنف جعل شموله لهما أولى ليشمل المؤمنين السابق ذكرهم، وأمّا إطلاق العمل على الكفر سواء قلنا إنه ما كان عن فكر وروية أو عن قصد أولاً فلا ضمير فيه كما توهم لاشتماله على ذلك كعبادة الأصنام مع أنه غير مسلم عند المصنف لقوله فإن العمل الخ ولو سلم فهو تغليب فلا يحتاج دفعه إلى عمل. قوله: (فلا نقدر أن نجارّيهم) إشارة إلى أنّ الفوت كناية عما ذكر وقوله وهو ساذ الخ أي حتما كما مرّ تحقيقه، وقد فصله في الكشاف وهذا بناء على أنها متعدية لمفعولين فإن كانت متعذية لواحد لتضمينها معنى قدر كما ذكره الزمخشريّ فليس من هذا القبيل، وقوله أو أم منقطعة بمعنى بل لفقد شرط الاتصال، وهو إفراد ما بعدها إن قيل باشتراطه وكونها لأحد الشيئين والإضراب إبطاليّ وكون هذا أبطلى لما فيه من نفي القدرة على الجزاء، وهو أبطل من تركه مع القدرة وقد جوّز فيه الاتصال والانتقال والإضراب مبتدأ وقوله لأن الخ خبره. قوله:) بئس الذي يحكمونه الخ (يعني أنّ ساء بمعنى بئس وما موصولة يحكمون صلتها وهي فاعل ساء، والمخصوص محذوف أي حكمهم أوموصوفة يحكون صفتها وهي تمييز والفاعل ضمير مفسر بالتمييز والمخصوص محذوف أيضا، وقال ابن كيسان ما مصدرية والمصدر المؤوّل مخصوص بالذمّ فالتمييز محذوف، ويجوز كون ساء بمعنى قبح وما إمّا مصدرية أو موصولة أو موصوفة والمضا) ع للاستمرار إشارة إلى أنه دأبهم أو هو واقع موقع الماضي لرعاية الفاصلة، والأوّل أولى وفي نسخة هنا ومصدرية أيضا أي بئس هو حكمهم على أنه المخصوص بالذمّ والمميز محذوف أي بئس حكماً حكمهم. قوله: (في الجنة) فلقاء الله مشاهدة الأنوار الإلهية، ويلزمها كل خير ونعيم، وقوله وقيل المراد الخ هو ما ذكره في الكشاف فلقاء الله بمعنى الوصول إلى الثواب وحسن العاقبة والتخصيص لقوله يرجو فإنه لا يرجى إلا الأمر المرغوب فهو بتقدير مضاف أو مجاز مرسل لاستعماله في لازمه أو استعارة مصرّحة في لقاء، ويصح أن يكون تمثيلاً أيضا فشبهت حال المثاب في نيل ما فوق أمانيه بمن لقي ملكاً عظيماً أمّله أو الجزاء مطلقا وإليه أشار بقوله على تمثيل الخ فهو كالاستعارة في قوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} [سورة الفرقان، الآية: 23] ويرجو بمعنى يخاف أو يترقب لأنّ الرجاء وقع في كلامهم بمعناه ولم يرتضه لأنه لا حاجة للخروج عن الظاهر من غير ضرورة. قوله: (الوقت المضروب) أي المعين يقال ضرب له أجلاً إذا عين له وقتاً وقوله واذا كان الخ يعني أنّ مجيء الزمان كناية عن وقوع ما فيه، وقوله فليبادر الخ هو جواب الشرط لكنه أقيم دليله مقامه كما أشار إليه، أو المراد أنه عبارة عنه وقوله ما يحقق أمله ناظر إلى التفسيرين الأوّلين وما بعده إلى الأخير ويصح جعل الكل للكل فتأمّل، وقوله فإنما الخ القصر فيه إضافيّ أو قصر قلب وقوله وإنما كلف الخ بيان للحكمة حينئذ، وقوله الكفر بدل من سيآتهم، وقوله السميع لأقوال العباد الخ إشارة إلى أنه تذييل لحصول المرجوّ والمخوف وعدا ووعيدا. قوله: (أحسن جزاء أعمالهم) إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدراً والتقدير بالأحسن لأنه مضاعف ولو قدر بأحسن أعمالهم، أو جزاء أحسن أعمالهم لإخراج المباج جاز، وقوله بإيتائه بالمد في أكثر النسخ وهي أصح وفي بعضها بإتيانه بالنون وهو عليهما مصدر مضاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 للفاعل والمفعول هو المذكور في النظم لا محذوف وهو والديه، فما قيل لو قال بإيتائهما على أنه إشارة إلى تقدير مضاف في النظم كان أظهر لا وجه له، وقيل إنّ الضمير للوالدين بتأويل كل واحد منهما وهو خلاف الظاهر مع أنه غير مراده. توله: (فعلا دّا حسن) يعني أنّ حسناً معمول للمضاف المقدر وهو إيتاء إمّا بتقدير مضاف في المفعول أو على قصد المبالغة، وأورد عليه أنّ حذف المصدر وإبقاء معموله لا يجوز وهو غير مسلم وفيه وجوه أخر مفصلة في الإعراب. قوله:) ووصي يجري مجرى أمر) في كلام العرب فيستعمل بمعناه ويتصرّف تصرّفه ولذا عدى بالباء مثله، وقوله هو أي وصي بمعنى القول لأنّ الوصية تكون به فاستعمل بمعناه، والتقدير على هذا وصيناه أحسن حسناً أي قلنا له ذلك وهذا على مذهب الكوفيين القائلين بأنّ ما يتضمن معنى القول يجوز أن يعمل في الجمل من غير تقدير له فبوالديه متعلق بو! ينا ولم يتجوّز به عن معنى قلنا حتى يرد عليه أنّ بوالديه إذا تعلق بأحسن لا يصح أن يقال بوالديه بالغيبة وليس محلا للالتفات كما قيل، وقوله وقيل هو على المذهب الآخر فيقدّر القول لأنّ وصينا يدل على قول مضمر مقوله فعل أمر وهو أولهما من أولاه كذا إذا أعطاه أو أفعل، وذلك الفعل ناصب لقوله حسناً على أنه مفعوله، وهو أوفق لما بعده من الخطاب والنهي الذي هو أخو الأمر إذ على الأوّل مقتضى الظاهر وإن جاهداه وبه يتمّ الارتباط، وقوله يحسن الوقف لأنه على تقدير قلنا له أفعل بهما حسنا وهي جملة مستأنفة مفسرة لما قبلها جواب سؤال مقدر وتقديره ما قلت لهم لا ما تلك الوصية كما قيل لأنه لا يناسب تقدير قلنا كما قيل وفيه نظر، ومرضهما لما في الأوّل من أعمال ما ليس بلفظ القول في الجملة، وهو مذهب مرجوح ولما في الثاني من كثرة التقدير. قوله: (بالهيتة) فهو على تقدير مضاف، وقوله عبر الخ قيل عليه إنه ينافي ما قدمه في القصص من أنه من خواص العلوم الفعلية، وأجيب بأنه منها لأنّ الأوثان من مصنوعاتهم، وهو مع إن ما عام لما سواه تعالى بمقتضى المقام فلا يخص الأصنام غير صحيح في نفسه لأنّ المراد بالعلم الفعلي علم الله الحضوري لا علم غيره كما صرّحوا به هناك، وكذا الجواب بأنّ المراد بالنفي النفي في نفس الأمر فإنه ناشئ من عدم التدبر فإنّ ما مرّ هناك أنه يلزم من نفي العلم مطلقا نفي المعلوم فيكون باطلاً لأنّ النفي والبطلان متلازمان، وهو قد صرّح به هنا بقوله وان لم يعلم بطلانه، وعدم الاتباع شيء آخر فإن ما لا يعلم صحته ولو إجمالاً كما في التقليد لا يجوز اتباعه كما لا يخفى فالمعنى عدل عن نفي المعبودية، والإلهية بحق ضها أي عن ذى هـ إلى ذى نفي العلم لأنه أبلغ هنا لا أنه مراد من اللفظ مجازا أو كناية حتى يرد ما ذكر مع أنه غير مسلم كما مرّ فتدبر. قوله: (لا طلاعة الخ) هو حديث مخرّح في السنن، وقوله ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر لأنّ الجملة الشرطية إذا كان جوابها إنشاء فهي إنشائية كما صرّحوا به فإذا لم يضمر القول لا يليق عطفها على وصينا لما ذكر، ولا على معمول وصينا الذي عمل فيه لكونه في معنى القول وهو أحسن كما مز، وإن توافقا في الإنثائية لأنه ليس من الوصية بالوالدين لأنه نهى عن مطاوعتهما، وأمّا عطفه على قلنا المفسر للتوصية فلا يضرّ لما فيه من تقييدها بعدم الإفضاء إلى المعصية مآلا فكأنه قيل أحسن إليهما وأطعهما ما لم يأمراك بمعصية فسقط ما قيل من أنه إذا كان وصي بمعنى قال لا يحتاج للإضمار أيضا وأورد مثله على قوله أوفق، والاعتذار عنه بأنه أسقط عن حيز الاعتبار لأنه غير متعارف، أو بأنّ المراد بالإضمار ما يشمل التضمين من بعض الظن فأعرفه. قوله: (مرجع من آمن الخ) إشارة إلى أنه مقرّر لما قبله ولذا لم يعطف، وقوله بالجزاء عليه إشارة إلى أنه المراد مجرّد الإعلام لأنهم إذا أعلموا بما صدر منهم جازاهم عليه والضح بفتح الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة ما يقع عليه ضوء الشمس، وحرّها وخفتة بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم وفتح النون وتفصيل القصة في الكشاف وكون ما في الأحقاف نزل فيه رواية فلا ينافي ما سيأتي فيها من أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه مع أنهم جوّزوا تعدد سبب النزول. قوله: (في جملتهم) إشارة إلى أنّ معنى إدخالهم فيهم كونهم معدودين من جملتهم لاتصافهم بصفتهم، ولما كان دخولهم فيهم معلوما مما قبله فيكون مستدركا أشار إلى دفعه بوجهين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 الأول أن الصلاج ضد الفساد، وهو جام لكل خير وله مراتب غير متناهية فالمراد بالصالحين الكاملين في الصلاج، ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا، ولذا تمناها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقول سليمان صلى الله عليه وسلم: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [سورة النمل، الآية: 19] والمراد بالتمني هنا الطلب، والثاني أنه بتقدير مضاف أي مدخل الصالحين، وموضع دخولهم هو الجنة فهو كقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم} وفي في قوله في الله للسببية أو المراد في سبيل الله وعلى في قوله على الإيمان تعليلية. قوله: (في الصرف) أي التحويل والمنع أي في شأن الصرف وأمره أو بسببه، وكذا قوله في الصرف عن الكفر وذكر الغنيمة لأنها لازمة للنصر ولأنها الباعثة على قولهم إنا كنا معكم، وقوله في الدين إشارة إلى أنه المراد لا الصحبة في القتال لأنها غير واقعة، وقوله والمراد المنافقون يقتضي أنّ هذه الآية مدنية لأنّ النفاق ظهر بالمدينة، وأمّا تعذيب الكفرة فلا يقتضيه كما لا ينافيه، ولذا قيل إنه قبل الوقوع وعلى طريق الفرض!. قوله: (أو قوم ضعف للمانهم (وفي نسخة ضعيف إيمانهم، وارتدادهم بعد غيبة المؤمنين حتى إعتذروا لهم بالإكراه، وقوله ويؤيد الأوّل للتصريح بالنفاق فيها، وتقدير أو ليس الله أيخفى حالهم وليس الله الخ أو أليس حالهم ظاهر لمن له فراسة أو لا تقدير فيها، وأعلم على أصله أو بمعنى عالم وفي تلوين الخطاب في الذين آمنوا والمنافقين معنى لرعاية الفواصل، واطلاق العلم على المجازاة مرّ تحقيقه، وقوله في ديننا متعلق بنسلكه أو بقوله سبيلنا فالمراد بالسبيل دينهم، وقوله إن كان ذلك أي اتباع السبيل، وقوله أو إن كان بعث يعني بإبقاء الخطيئة على ظاهرها وعمومها بخلافه على الأوّل، ولذا عطفه بأو وقوله على أمرهم أي أمر المؤمنين. قوله: (مبالغة في تعليق الحمل الخ) يعني أنّ أصل الكلام اتبعونا أو إن تتبعونا نحمل خطاياكم فعدل عنه إلى ما ذكر مما هو خلاف الظاهر من أمرهم لأنفسهم بالحمل وعطفه على أمر المخاطبين للإشارة إلى أنّ الحمل لتحققه كأنه أمر واجب أمروا به من آمر مطاع، والتعلق على الشرط الذي تضمنه الأمر كما في قولهم أكرمني أنفعك لا يفيد ذلك فقوله أمرهم مضاف للفاعل أو المفعول، وقوله والوعد بالجرّ عطف على تعليق أو هو مرفوع خبره ثمة بمعنى هناك، وكان في قوله إن كانت تامّة أي وجدت والضمير للأوزار، وتشجيعا أي حملا على الشجاعة والإقدام على الاتباع مفعول له تعليل لقوله مبالغة الخ لا لقوله أمروا أنفسهم أو للوعد، وقوله وبهذا الاعتبار أي اعتبار كونه تعليقا ووعداً لأنه في المآل خبر، ولو كان أمراً لم يحتمل الكذب لأنه لا يجري في الإنشاء والشرطية جملة خبرية، والتكذيب راجع إلى الجواب إذ الشرط قيد له عند أهل العربية والكلام المقيد هو الجزاء، وعند أهل المعقول الكلام مجموع الشرط والجزاء والتصديق والتكذيب يرجع إلى التعليق، وقيل إنّ قوله تعليق الحمل إشارة إليه ولا يخفى ما فيه من التكلف على أنّ ما هو مؤوّل بالشرط ليس حكمه حكم الشرط الصريح فتأمّل. قوله: (وما هم بحاملين شيئاً الخ) فيه إشارة إلى أنّ البيان فيه مقدّم من تأخير، وإن من في من شيء مزيد لتأكيد الاستغراق، ودفع لما قيل إنّ من ضمن شيئا ولم يف به لم يكن كاذباً لأنه إخبار عن فعل ذلك إذ لا تقع الكفالة في الأوزار. قوله: (وأثقالاً أخر معها (هي أوزار التسبب لأنّ " من سن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها " وما في لما تسببوا مصدرية وهو دفع لما يتوهم من أنه يعارض قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى، وفي نسخة إليها أي مضمومة إليها، وقوله من غير أن ينقص الخ دفع لما يتراءى أيضا من معارضة هذا لقوله: {وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم} لأنّ المنفي الحمل بازالة أثقالها عن أصحابها وهذا حمل لمثلها في الحقيقة. قوله: (سؤال تقريع) دفع لمعارضة هذا للآيات التي نفى فيها السؤال كما مرّ، وقوله من الأباطيل التي من جملتها هذا الوعد، وقوله بعد المبعث ظرف للبث، وهذا هو المتبادر من الفاء التعقيبية، وقد قيل إنه جميع عمره، وقوله ولعل اختيار الخ أي لم يقل تسعمائة وخمسين وكمال العدد بمعنى كونه متعيناً نصا دون تجوّز وإن صرّح أهل الأصول بأنّ العدد مطلقا نص، لا يحتمل زبادة ونقصا وللشافعية خلاف فيه لكن الاحتياط، ودفع التوهم لا ينافيه مع أن هذا أخصر وأعذب وقوله من تخييل طول المدة عبر بالتخييل لأنه في أوّل قرعه للسمع، وبعد الاستثناء لا يبقى احتمال وقوله فإنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 المقصود الخ تعليل لتخييل طول المدة، والدلالة على كمال العدد، وقوله المميزين بالتثنية يعني سنة وعاما والنكتة في اختيار السنة أولاً أنها تطلق على الثذة والجدب بخلاف العام فناسب اختيار السنة لزمان الدعوة لما قاساه فهيا ويكابده بمعنى يتحمله ويقاسيه. قوله: (طوفان الماء الخ) إشارة إلى ما قاله الراغب من أنّ معنى الطوفان كل ما طاف أي أحاط بالإنسان لكثرته، وقوله لما طاف أي هو اسم لما طاف ماء كان أو غيره لكنه غلب في الماء كما هو المراد هنا، وقوله نصفهم ذكور هو على الأقوال كلها، وقوله أي السفينة لبقائها زمانا طويلا ولاشتهارها، والحادثة قصة نوح عليه الصلاة والسلام المفهومة مما ذكر والآية العبرة والعظة. قوله: (بإضماو اذكر) معطوفاً على ما قبله عطف القصة على القصة فلا ضير في اختلافهما خبرا وانشاء وقدر الخبر من المرسلين لدلالة ما بعده وما قبله عليه وقوله أوسلناه حين كمل عقله الخ إشارة إلى ما مرّ في الأنعام من محاجته بعدما راهق قبل البعثة لا إلى دعوة الرسالة فإنها بعد ذلك لا قبله كما هو مقتضى إذ فإنّ المضيّ بالنسبة لزمان الحكم فما قيل إنّ دلالة الآية على تقدّم هذا القول غير مسلمة ففي الوقت سعة، أو القصد الدلالة على مبادرته إلى الامتثال تكلف ما لا داعي إليه إذ الغرض بيان فضيلته على كثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما ذكر، وقوله إن قدر باذكر لأنه حينئذ لا يتعلق بالعامل فالتقدير اذكر إبراهيم، وقوله هذا. قوله: (مما أنتم عليه) أي على تقدير الخيرية فيه على زعمكم، وقيل التقدير خير من كل شيء لأنّ حذف المفضل عليه يقتضي العموم مع عدم احتياجه إلى التأويل إذ المراد بكل شيء كل شيء فيه خيرية فلا يتوهم احتياجه للتأويل كما قيل ويجوز كونه صفة لا اسم تفضيل. قوله: (تعلمون الخير والشرّ) أو تفاوت مراتب الخير فحذف المفعول للفاصلة مع دلالة المقام عليه، وقوله وتميزون الخ إشارة إلى أنّ المراد بعلمهما ليس إحصاء إفرادهما بل ما ذكر، وقوله أو كنتم تنظرون الخ وفي نسخة تبصرون على أنه نزل منزلة اللازم وقطع النظر عن متعلقه، وقوله وتكذبون كذبا إشارة إلى أنّ إفكا منصوب على أنه مصدر لتخلقون من معناه، وقوله في تسميتها الخ لأنّ الكذب لا يكون في العبادة لأنها فعل ولا يوصف به إلا الخبر فصرفه إلى خبر يعلم من عبادتها، وهو ما ذكر وأما كونه حكما ضمنياً تضمنته تلك التسمية كما يشير إليه كلمة في وهو أنها مستحقة للمعبودية فلا وجه له. قوله: (أو تعلمونها وتنحتونها) تفسير لتخلقون من خلق إذا اخترع وأحدث عملا وأفكاً مفعول له حينئذ لكن لا يخفى أنهم لم يعملوها لأجل الكذب، إلا أن يكون تهكما أو هي لام العاقبة، ولذا قيل إنّ الأظهر كونه مفعولاً به على جعلها كذبا مبالغة، أو الإفك بمعنى المأفوك وهو الصرف عما هو عليه لأنها مصنوعة وهم يجعلونها صانعاً. قوله: (وهو استدلال على شرارة ما هم عليه الخ) يعني لما فهم من قوله ذلكم خير أنّ ما هم عليه شرّ لا خير فيه أثبته بقوله إنما الخ لخصر أعمالهم فيما هو شرّ محض وقوله من حيث الخ تعليل لشرارته، وقوله للتكثير الخ وهو من الخلق بمعنى الكذب وصيغة التكلف المراد بها المبالغة، وقوله في القاموس خلقه كاختلقه وتخلقه لا دلالة فيه على أن تفعل بمعنى فعل كما قيل، وقوله وافكاً أي قرئ أفكاً بفتح الهمزة وكسر الفاء على أنه مصدر أو وصف صفة لمصدر مقدر. قوله: (دليل ثان الخ) أي دليل على أنّ علمهم شرّ لا خير فيه لتركهم عبادة الرازق القدير إلى عبادة ما لا طائل في عبادته، وقوله رزقاً يحتمل المصدر أي هو مفعول به على احتمال أن يكون مصدرا وأن يراد به المرزوق بأن يكون مصدرا بمعنى المفعول، ويحتمل على المصدرية أن يكون مفعولاً مطلقا ليملكون من معناه، ويجوز أن يكون أصله لا يملكون أن يرزقوكم رزقا وأن يرزقوكم مفعول به له ورزقاً مصدره كما ذكره المعرب، وقوله وتنكيره للتعميم على الوجهين لكونه مصدراً في سياق النفي وتنوينه للتحقير والتقليل. قوله: (كله) إشارة إلى أنّ تعريفه للاستغراق، وهو مغاير لما قبله لأنه فرد منتشر وهذا جملة الإفراد وان كانت النكرة إذا أعيدت معرفة عينا أي غالبا مع أنه جائز هنا أيضا لأنهما بحسب المآل شيء واحد، وقوله متوسلين الخ أخذه من ذكره عقبه، وقوله حفكم أي أحاط بكم والشكر يزيدها ويكون سببا لبقائها فإنّ المعاصي تزيل النعم، وعلى هذا فذكرهما بعد طلب الرزق لأنّ الأوّل سبب لحدوثه والثاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 سبب لبقائه فتكون الجملتان ناظرتين لما قبلهما، وعلى الوجه الثاني وهو قوله أو مستعدين الخ هو ناظر لما بعده، ولذا قال فإنه الخ وعطفه بأو لتغايرهما بهذا الاعتبار فما قيل من أنّ الظاهر تبديل أو الفاصلة بالواو لأنه على ما ذكره لا يظهر وجه الإتيان بقوله إليه ترجعون على الأوّل غفلة عما ذكر، وقوله إليه ترجعون لا يلزم اتصاله بما قبله إذ يجوز فيه الاستئناف النحوفي مع أنه على الأوّل تذييل لجملة ما سبق مما حكى عن إبراهيم أو لأوّله والمعنى إليه ترجعون بالموت، ثم بالبعث لا إلى غيره فافعلوا ما أمرتكم به وما بينهما اعتراض لتقرير شرارتهم كما أشار إليه بعض المتأخرين. قوله: (بفتح التاء) من رجع رجوعا، والأولى من رجع رجعا لا من أرجع لأنها لغة رديئة وتقديم إليه للفاصلة ويحتمل التخصميص، وقوله وان تكذبوني إشارة إلى أنّ المفعول محذوت للعلم به، وقوله من قبلي من موصولة مفعول كذب، ومن قبل إبراهيم كنوح وهود وصالح عليهم الصلاة والسلام، وقوله فكذا تكذيبكم إشارة إلى أنّ ما ذكر دليل الجزاء أقيم مقامه، والجزاء في الحقيقة لا يضرّني تكذيبكم. قوله: (الذي زال معه الشك (يحتمل أنه من أبان بمعنى ظهر لأنّ ما ظهر ظهورا تاما لا يبقى معه الشك، ويحتمل أن يريد أنه من أبانه إذا فصله وأزاله لأنه يزيل الشك، وقوله وما عليه أن يصدق إشارة إلى أنه حصر إضافيّ وقوله ويحتمل أن تكون اعتراضاً الخ والواو في قوله وأن يكذبوك الخ اعتراضية والخطاب منه تعالى أو من النبيّ صلى الله عليه وسلم على معنى وقل لهم وهو ظاهر كلام المصنف، وقيل الأظهر أنه مع ما قبله اعتراض! وعلى الأوّل عاطفة على ما قبلها أو على مقدّر تقديره فإن تصدقوني فقد ظفرتم بسعادة الدارين الخ وقوله توسط صفة قوله اعتراضا، وقوله من حيث الخ بيان لوجه مناسبته لأنّ الاعتراض لا يكون أجنبيا صرفا، والتنفيس بمعنى التفريج بسعة الصدر وقوله ممتوا بصيغة المفعول أي مبتلى وفعله مناه ومنه المنية. قوله: (بالتاء (أي بالتاء الفوقية في ألم تروا، وقوله على تقدير القول أي قال لهم رسلهم ولا يجوز أن يكون الخطاب لمنكري الإعادة من أمّة إبراهيم أو محمد صلى الله عليه وسلم وهم المخاطبون بقوله وان تكذبوا لأنّ الاستفهام للإنكار أي قد رأوا والا فلا يلائم قوله قل سيروا الخ لأنّ المخاطبين فيها هم المخاطبون، أوّلاً يعني إن كانت الرؤية علمية فالأمر بالسير والنظر لا يناسب لمن حصل له العلم بكيفية الخلق، والقول بأنّ الأوّل دليل لنفسي والثاني آفاقي ليم يرض به المصنف لأنه مخالف للظاهر من وجوه كما قيل، وقد قيل عليه إنه تحكم بحت وأن ما منعه كله في ساحة الإمكان فالحق أنّ المصنف رحمه الله بني كلامه على أنّ قوله أولم يروا على قراءة الغيبة ضميره لأمم في قوله أمم من قبلكم فكذا هو في الخطاب ليتحد معنى القراءتين، وحينئذ يحتاج لتقدير القول الأوّل ليحكي خطاب رسلهم معهم إذ لا مجال للخطاب بدونه والاستدلال على مثله إقناعي فافهم، وقوله وقرئ يبدأ أي على أنه مضارع بدأ الثلائي مع إبدال الهمزة ألفاً كما ذكره الهمدانيّ. قوله: (معطوف على أولم يروا الخ) والاستفهام فيه إنكارفي فالمعطوف والمعطوف عليه جملة خبرية وعلل امتناع عطفه على يبدئ بأنّ الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة فلو عطفه عليه لم يصح، وكذا إن كانت علمية لأنّ المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته فلو كان معلوما لهم كان تحصيلاً للحاصل إلا أن يراد بهما الاستدلال على أنّ المراد بالإبداء إبداء ما نشاهده كالنبات، والثمار وأوراق الأشجار وبالإعادة إعادتها بعد فنائها في كل عام فيصح فيه العطف لكنه غير ملاق لما وقع في غير هذه الآية وبهذا التقرير سقط ما قيل إن أريد بالرؤية العلم فكلاهما معلوم، وان أريد الأبصار فهما غير مرئيين مع أنه يجوز أن يجعل ما يجعل ما أخبر به الله تعالى لتحققه كأنه مشاهد. قوله: (1 لإشارة إلى الإعادة) والتذكير لتأويله بما ذكر أو بان والفعل، وهذا على التفسيرين بأن يراد على الثاني بالإعادة الإعادة الحقيقية لكونها في حكم المذكور وكذا ما بعده، وقيل الأوّل على الأوّل، والثاني على الثاني وقوله إذ لا يفتقر أي لا يحتاج ويتوقف إيجاده على شيء آخر خارج عن ذاته فلا ينافي توقفه على القدرة إن قلنا إنها مغايرة للذات، وقوله لإبراهيم متعلق بكلام وهذا على الوجهين كونه من قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو اعتراض. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 (على اختلاف الأجناس والأحوال) إشارة إلى تغاير الكيفيتين بأنّ الأولى باعتبار المادّة وعدمها وهذه باعفار تغاير الأجناس والأحوال ولا يضرّ كون الأوّل ملقى للأمم، وهذا لغيرهم لأنه كلما تمّ التغاير كان أكثر فائدة، وكذا ما قيل هذا عينيّ وذاك علمي أو هذا آفاقيّ والأوّل أنفسيّ. قوله: (بعد النشأة الخ) النشأة والنشاءة بالمد الإيجاد والخلق، وقوله من حيث إنّ كلا الخ هذا بناء على أنّ الجسد يعدم بالكلية، ثم يعاد خلقا جديداً لا تجمع أجزاؤه المتفرّقة على ما فصل في الكلام. قوله: (والإفصاح باسم الله (أي إظهاره في مقام الإضمار بعد الإضمار أوّلاً والقياس أن يظهر ثم يضمر كما في الجملة الأولى، وهو معنى قوله الاقتصار عليه وفي نسخة عكسه، وقوله للدلالة الخ لأنّ إسناده إلى اسم الذات معاداً صريحا يدل على الاعتناء التامّ لما فيه من تكرير الإسناد والإشعار بأنه من مقتضيات الألوهية، ولأنه لا بد في مخالفة مقتضى الظاهر من نكتة مناسبة للمقام، وقوله وأنّ من عرف بالقدرة وهو الله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة البقرة، الاية: 109] وان كان الحكم على ضميره يفيده لكن الضمير لا يدل عليه ابتداء فهذا أنسب ولذا قال ينبغي وقوله أهون يعني فلا ينبغي لمن اعترف بالأوّل إنكار الثاني، فإن قلت على ما ذكر كان ينبغي فيما سبق أن ينسج على منواله قلت الأوّل ورد على مقتضى الظاهر فلا يحتاج للتوجيه بخلاف هذا، وأمّا الجواب بأنّ المراد من الأوّل ليس إثبات الإعادة لمن أنكرها فغير مسلم. قوله: (والكلام في العطف الخ) يعني أنه معطوف على سيروا ولا يضرّ تخالفهما خبراً وانشاء فإنه جائز بعد القول وما له محل من الإعراب لأنه لا يصلح موقعا للنظر إن كان بمعنى التفكر لأنّ التفكر في الدليل لا في النتيجة فإن كان النظر بمعنى الأبصار فظاهر والرآفة بالمدّ مصدر كالسماحة بمعنى الرأفة، وهي الشفقة وقوله لأنّ قدرته لذاته يعني أنها صفة ذاتية ثابتة بمقتضى الذات، وجميع الممكنات لتجانسها بالذات بالإمكان مستوية لديه، وقوله من يشاء تعذيبه لأنّ مفعول المشيثة يقدر من جنس ما قبله وحذفه كاللازم احترازا من العبث وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما بعد النشأة الآخرة، وقوله وأليه تقلبون تقرير للإعادة وتوطئة لما بعده. قوله:) عن إدراككم) الإدراك معناه اللحوق، والمراد أن يدرككم عذابه والتواري الاستتار، وقوله أو الهبوط أي النزول، والمهاوي جمع مهواة وهي البقعة المنخفضة جدا كالبئر، والمراد مكان بعيد الغور والعمق بحيث لا يوصل إليه، وان كان يرى من فيه ولذا عطفه بأو فلا وجه لما قيل، أنّ الأظهر العطف بالواو كما في بعض النسخ ولا حاجة لتأويله بجهة السفل، وقوله أو القلاع فالمراد بالسماء ما ارتفع، وقوله الذاهبة فيها أي المرتفعة في جهتها. قوله: (وقيل ولا من في السماء) يعني أنه حذف منه اسم موصوف هو مبتدأ محذوف الخبر والتقدي ولا من في السماء بمعجزه والجملة معطوفة على جملة أنتم بمعجزين في الأرض، ووجه ضعفه ظاهر لما فيه من حذف الموصوف مع بقاء صلته وهو ضعيف وحذف الخبر أيضا مع عدم الحاجة إليه. قوله: (كقول حسان رضي الله عنه) من قصيدة أجاب بها أبا سفيان لما هجا النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه، والتقدير ومن يمدحه الخ والحذف فيه ظاهر لأنه لو عطف على صلة من الأولى كان الهاجي والمادح شخصاً واحداً، ولا يصح الإخبار عنه بسواء لما فيه من مساواة الشيء لنفسه، إلا أن يجعل الموصول عبارة عن اثنين أو فريقين وهو خلاف الظاهر أيضا، وقد قيل إنه ضرورة فلا يقاس عليه مع أنّ أبن مالك اشترط في جوازه عطفه على موصول آخر كما في البيت. قوله: (يحرسكم ويدقعه الف ونشر فالأوّل تفسير لوليّ بمعنى من يلي جانب الخوف بالحراسة، والثاني لنصير وقوله من الأرض، ومن السماء أخذه مما قبله، وقوله بدلائل الخ إشارة إلى أنّ الآيات بمعنى العلامات أريد بها الدلائل أو ظاهرها وفسر اللقاء بالبعث، ولم يفسره بالرؤية لعدم مناسبته للمقام، واليأس انقطاع الطمع بعد الرجاء فأريد به مطلق انقطاع الطمع أو هو على حقيقته لظنهم ذلك، والمبالغة لجعل اليأس كأنه مضى وانقطع فتدبر. قوله: (أو أيسوا في الدنيا) كأنه جعل ذلك الإنكار يأساً بالقوّة على حذ قوله فما أصبرهم على النار أي أجرأهم على المعصية. قوله: (وكان ذلك قول بعضهم البعض لبعد قولهم له جميعا ولئلا يتحد الآمر، والمأمور واسناد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 ما صدر من البعض إلى الكل والمراد بالقتل ما كان بسيف ونحوه فتظهر مقابلة الإحراق له، ولا حاجة إلى جعل أو بمعنى بل، واشتراط الرضا فيه مرّ تحقيقه، وقوله قبل منهم من القبول وفي نسخة قيل فيهم وقوله فقذفوه إشارة إلى أن الفاء فصيحة، وقوله واخمادها أي إطفاؤها في مقدار طرفة عين بحيث لا تؤذيه ولكن أحرقت وثاقه لينحل، وهذا لا ينافي جعلها بردا وسلاما لأنه بعده أو المراد بالإخماد عدم التأثير أو هما روايتان، وقد قيل: إنه أنبت له فيها زهر وجعلت روضة أنيقة، وقوله في زمان يتعلق بالإخماد. قوله: (لتتواذوا) يعني أنه مفعول له وقوله لاجتماعكم على عبادتها بيان لحاصل المعنى المراد، وقوله محذوف تقديره ا-لهة وجوّز أن يكون متعدّياً لواحد من غير تقدير كاتخذتم العجل، وردّ بأنه مما حذف مفعوله أيضا وقوله بتقدير مضاف أي ذات مودّة وترك لشهرته، ويجوز جعلها نفس المودّة مبالغة، وقوله أي اتخذتم أوثانا سبب المودّة تفسير له على الوجهين لا بيان لتقدير المضاف حتى يكون واقعاً في غير موفعه لأنه ينبغي تقديمه على التاويل الثاني، أو تأخير الأوّل وأورد عليه أنه كان ينبغي أن يقول سبب موذة بالتنكير لثلا يكون المفعول الأوّل نكرة والثاني معرفة وهو غير جائز لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر وفيه نظر. قوله: (والوجه (أي على هذه القراءة في إعرابه ما سبق من كونه مفعولاً له أو مفعولاً ثانيا الخ، وبينكم منصوب بمودّة أو صفة له، وقوله والجملة الخ ويجوز كونها المفعول الثاني، واذا كانت ما مصدرية أو موصولة بمودّة أو صفة له، وقوله والجملة الخ ويجوز كونها المفعول الثاني، دىاذا كانت ما مصدرية أو موصولة فمودّة خبر بالتأويل السابق وفتح بينكم لبنائه لإضافته للمبنيّ فمحله الجرّ، وتقطع بينكم بالفتح في قراءة لما ذكر، وهو قول الأخفش ولم يذكره المصنف رحمه الله في تفسيرها، وقراءة إنما مودّة بينكم بالإضافة، وجرّ بين قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، وقد وقع في نسخة وقرأ ابن مسعود. قوله: (يقوم التناكر والتلاعن) أي يظهر وهو تفسير للكفر، وقوله أو بينكم وبين الأوثان وهو المناسب لجعلها مودّة وفيه تغليب الخطاب وضمير العقلاء، وقوله ابن أخته هو رواية، ومرّ في الأعراف أنه عمّ لوط عليهما الصلاة والسلام وهي رواية أخرى فلا تنافي بين كلاميه وفي جامع الأصول إنه ابن أخيه هاران بن تارج، وقد قيل إنّ التاء الفوقية هنا تصحيف فيوافق ما في الأعراف فتأمّله، وقوله وأوّل من آمن به أي بنبوّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وان كان مؤمناً قبل ذلك، وقوله وقيل الخ مرضه لضعفه رواية ودراية لأنه يقتضي عدم إيمانه قبل، وهو غير لائق بلوط عليه الصلاة والسلام، وضمير قال إني مهاجر لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لئلا يلزم التفكيك. قوله:) من كوني) بضم الكاف والمثلثة والقصر بلدة بالعراق ومحله بمكة، وقال ابن خالويه رحمه الله إنها اسم مكة فلذا أضافها لسواد الكوفة لتتميز عن غيرها، ويحتمل سواد أن يكون عطف بيان لها أو بدلاً، والسواد الناحية، وسدوم اسم قرية لوط عليه الصلاة والسلام ودالها معجمة ومهملة. قوله: (ووهبنا) معطوف على ما قبله ولا حاجة إلى عطفه على مقدر كاصلحنا أمره، والنافلة تقدم تفسيرها، وقوله ولذلك لم يذكر إسماعيل عليه الصلاة والسلام أي لأنه في مقام الامتنان وذكر الإحسان وذلك بهما لما ذكر بخلاف إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وكأنه لم يرتض ما في الكشاف من أنه ذكر ضمنا وتلويحاً بقوله: (وجعلنا في ردته النبوّة والكتاب) ولم يصرّح به لشهرة أمره وعلوّ قدره خصوصاً والمخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم وهو من أولاده وأعلم به، وقيل إنه لا يناسب ذكره هنا أيضا لأنه ابتلى بفراقه ووضعه بمكة دون أنيس له، ولا ينافي ما ذكره المصنف قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبو إسماعيل لأنه لا يدل على أنه كان في سن العقر فتأمّل. قوله: (يريد به الجنس الخ) المراد الجنس على سبيل الاستغراق فإنّ الجنس صادق عليه فلا يرد عليه أنّ الجنس يتحقق في ضمن فرد فلا يتحقق الشمول مع أنّ تقديم في ذريته يفيد القصر، وقصر الجنس يستلزم اختصاص جميع الإفراد كما مرّ، وقوله: واستمرار النبوّة قيل إنه يفهم من قصر النبوّة فالعطف يأباه، والجواب ما مرّ وقوله واللاة عليه آخر الدهر أي إلى آخر الدهر وهو قولنا كما صليت على إبراهيم في الصلاة، وقوله لفي عداد الكاملين في الصلاح مرّ تحقيقه. قوله: (بإعطاء الولد في غير أوانه) فهو وما بعده من التعميم بعد التخصيص كأنه لما عدد ما أنعم به عليه من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 النعم الدينية والدنيوية قال وجمعنا له مع ما ذكر خير الدارين، وعطف العامّ على الخاص كثير في القرآن فلا وجه للاعتراض عليه بأنه يأباه العطف، وقيل كون ذلك في مقابلة هجرته إلى الله لم يفهم مما سبق، وفيه نظر لأنه وان لم يفهم منه فهو مطلق صادق عليه. قوله: (عطف على إبراهيم) على الوجهين وآثره لأنه قرن به في كثر المواضمع أو هو معطوف على ما عطف عليه، وهو نوحاً لتقدمه، وقوله البالغة في القبح من تاء المبالغة والاستفهام للإنكار والثاني ما بعده، وقوله استئناف أو حال أي مبتدعين لها غير مسبوقين بها لا صفة واشمأزت بمعنى نفرت، وقوله لخبث طينتهم أي طبيعتهم والطينة تستعار لها لأنها أصل خلق منها فالطبيعة المجبول عليها تشابهها والسابلة أبناء السبيل، وقوله أو بالفاحشة عطف على قوله بالقتل أي تقطعون الطرق بسبب تكليف الغرباء، والمارّة ذلك والفاحثة السابقة ما يفعلونه بقومهم من غير إكراه فلا تكرار في هذا مع ما مرّ، والمراد بالحرث النساء كما في قوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 223] وهو استعارة مرّ تحقيقها. قوله: (الخذف (بالخاء والذال المعجمتين هو لعبة يرمى فيها الحصى الصغار بطرفي الإبهام والسبابة، والبنادق جمع بندق وبندقة بضم الباء معرب حصى مدوّر من الطين يلعب به أو الجلوز الذي يلعب به أيضا كما هو معروف عند أهل البطالة والقمار. قوله تعالى: ( {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} الخ) هذا الحصر لا ينافي ما وقع في الأعراف والنمل من قوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ} [سورة النمل، الآية: 56] لأنّ كلا من الحصرين بالإضافة إلى الجواب الذي يرجوه في متابعته، أو أنّ هذا صدر عنهم في مقام ومرّة ولم يصدر عنهم غيره فيه وذلك كذلك، وأمّا كون أحدهما أولا وذاك بعده فتعيينه مما لا يوقف عليه أو أنّ هذا جواب القوم له إذ نصحهم، وذاك جواب بعضهم لبعض إذ تشاوروا في أمره. قوله: (أو في دعوى النبوّة المفهومة من التوبيخ) المعلوم من الاستفهام الإنكاري والمفهومة صفة للدّعوى، وقوله بإنزال العذاب كأنه كان طلبه وتوعدهم به، وسنها أي جعلها سنة سيئة وطريقة لهم ابتدعوها، وقوله وصفهم بذلك أي بكونهم مفسدين دون أن يقول قومي والمبالغة كما في شرح الكشاف بوصفهم بالحمل للناس على الفساد مما ابتدعوه وسنوه، والكافر إذا وصف بالفسق أو الفساد كان محمولاً على غلوه والتمرد، وتعجيل العذاب لإزالة الفساد. قوله: (بالبشارة بالولد والنافلة) يعني في قوله فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب، واعترض عليه بأنّ يعقوب ليس معمولاً للبشارة حتى يكون مبشرا به لكن ذكره في سياقها مشعر به، ولا يلزم كون فعل البشارة عاملا فيه وقد تقدم الكلام عليه فانظره ثمة، وقوله هذه القرية يفهم منه أنها كانت قريبة من محل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقوله والإضافة لفظية أي إضافة مهلكو وليس في ذكر هذا كثير فائدة وأمّا جعلها معنوية لتنزيلها منزلة الماضي لتحققها مبالغة فمما لا داعي له. قوله: (بإصراوهم وتماديهم) متعلق بتعليل، وهو ماخوذ من كان الدالة على الاستمرار ومن اسم الفاعلى أيضا، وقال إنّ أهلها دون أنهم مع أنه أظهر وأخصر تنصيصا على اتفاقهم على الفساد، وأمّا دلالته على أنّ منشأ فساد جبلتهم خبث طينتهم إذ المراد بأهل القرية من نشأ بها فلا يتناول لوطاً عليه الصلاة والسلام ففيه خفاء، وبعد مع أنّ استثناءه منهم يأباه إلا أن يكون احتراساً فتامّل. قوله: (اعتراض عليهم الخ) بناء على أنّ المتبادر من إضافة الأهل لها العموم، وقيل عليه إنه غفلة عما مرّ من أنه يفهم من أهلها من نشأ بها ليخرج لوط عليه الصلاة وال صلام، وقد مرّت الإشادة إلى دفعه مع أن أهلها كل من سكن بها وان لم يش تولده بها، وهو لكمال شفقته عليه السلام وان لم يغفل عما مرّ احتاط فيه كما في قصة نوج عليه الصلاة والسلام، وابنه فطلب التنصيص عليه ليطمئن قلبه. قوله: (أو معارضة للموجب (بالفتح والكسر وهو الهلاك أو ما يقتضي هلاك أهلها بالمانع، وهو أنه بين أظهرهم من لم يتصف بصفتهم فلا وجه للعموم، وقوله تسليم لقوله أي في لوط، وقوله مزيد العلم به أي بمن ذكر من لوط وأهله أو بلوط فالمزيد في الكمية أو الكيفية والظاهر الثاني والحمل على التخصيص إن حمل قوله على الاعتراض على العموم، والتأقيت إمّا تحديد المهلكين وتبيينهم، أو بيان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 وقت إهلاكهم بوقت لا يكونون فيهم، وهذا معطوف على تخصيص وناظر إلى المعارضة، وقوله وانهم الخ أي مريدون لإنجائه فليس مكرّراً مع ما قبله. قوله: (وفيه تأخير البيان عن الخطاب) أي فيما ذكر في هذه القصة في النظم لأنهم قالوا مهلكوا أهلها من غير بيان للمراد من الأهل أهو الجميع أو من عد الوطأ وأهله ثم بينوه بعد ذلك فإن أراد المصنف أنّ ما ذكر يدل على جواز تأخيره في الجملة فله وجه، وإن أراد- الردّ على الحنفية فليسى بوارد لأنّ الممنوع تأخيره عن وقت الحاجة، وهذا ليس كذلك مع أنه حكاية لما وقع في غير شرعنا وأمّا رده بأنه ليس خطابا أصولياً أي حكماً شرعيا فغير مستقيم لأنه لا يخصه كما ذكر في قصة ابن الزبعري في الأصول فانظره، وقوله في العذاب ناظر للتخصيص وما بعده للتأقيت فهو لف ونشر، ويجوز التعميم فيهما. قوله: (جاءته المساءة) إشارة إلى أنّ النائب عن الفاعل ضمير المصدر والغم تفسير للمساءة وبسببهم إشارة إلى أنّ الباء سببية، وقوله مخافة الخ بيان لوجه غمه وسببه، وقوله وأن صلة أي زائدة وفائدتها تأكيد الفعلين أي شرط لما وجوابها، واتصالهما بالجرّ معطوف على تأكيد والاتصال مدلول لما أي هي مزيدة لتأكيد الكلام التي زيدت فيه فتؤكد الفعلين، واتصالهما المستفاد من لما فسقط ما اعترض به في المغني من أن الزائد إنما يفيد التأكيد كما فصلناه في نكت المغني. قوله: (بشأنهم الخ) إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراً، وقوله ذرعه إشارة إلى أنّ التمييز محوّل عن الفاعل، وقوله قصير الذراع إشارة إلى أنّ الضيق مجاز في القصر وأنّ ضيقه وسعته كناية عن القدرة وعدمها كما صرّح به الزمخشري في سورة هود وقيل إنّ الذرع مجاز مفرد للطاقة، وقيل إن ضاق ذرعه استعارة تمثيلية ولكل وجه، وقوله وبإزائه أي مقابله فهو ضده. قوله تعالى: ( {وَقَالُوا} ) معطوف على سيء أو على مقدر أي قالوا إنا رسل ربك كما صرّح به في هود وقوله: {لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ} ما وقع في الفروق من الفرق بين الحزن والخوف بأنّ الحزن للواقع والخوف للمتوقع على فرض صحته أكثريّ، وعليه فالتمكن لم يقع فلذا قيل على تعليلية أو المراد على ظن تمكنهم منا ولا حاجة إليه لما مرّ، وما قيل من أنّ الحزن والخوف اندفع بإعلامهم أنهم رسل الله ليس بشيء لأنه لا دليل على تقدّم الإخبار عن النهي، والواو لا تقتضي ترتيبا مع أنه يجوز أن يكون لتأنيسه وتأكيد ما أخبروه به ونحوه. قوله: (وموضع الكاف جرّ) بالإضافة ولذا حذفت النون، وقيل إنّ محلها نصب وحذف النون لشدة اتصال الضمير به، ولا مانع من أن يكون لها محلان جرّ ونصب والفعل المقدر ننجي والأصل منجون أهلك وقوله كانت من الغابرين مستأنفة وقد تقدم الكلام فيه وفي الاستثناء مفصلاً. قوله: (عذاباً) هذا معناه بحسب عرف اللغة وأصل معناه الاضطراب فسمي به أي أطلق عليه لما ذكر، وقوله بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ الباء سببية وما مصدرية والمراد فسقهم المعهود المستمرّ لأنّ ما المصدرية موصولة فتفيد العهد في الجملة وكان لا سيما إذا دخلت على المضارع تفيد الاستمرأر وهذا من الإضافة التقديرية والآية بمعنى العلامة وضمير منها للقرية أو للفعلة، وأنهارها معروفة إلى الآن، ولا ينافيه كونها خربت وقوله يستعملون إشارة إلى أنه منزل منزله اللازم والمراد بالتعلق ما يعم النحوقي والمعنوفي والا ظهر تعلقه ببينة، وقوله والى مدين متعلق بارسلنا مقدرا وهو يؤيد عمله أو تقديره فيما مرّ. قوله: (وافعلوا ما ترجون به ثوابه) ضمير به عائد لما وضمير ثوابه لليوم وهو إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى المراد منه بقرينة الرجاء على معناه المتبادر منه أو هو من إطلاق الزمان على ما فيه وما قيل من أن الأمر برجائه أمر بسببه اقتضاء بلا تجوّز فيه بعلاقه السببية كما أشار إليه المصنف لا يخالف كلام أهل العربية كيف وأهل الأصول ذكرو. في النصوص القرآنية لأنه إمّا تقدير لقرينة عقلية كما في أعتق عبدك عني أو دلالة التزامية، ولا تكلف في الوجهين كما توهم وكون الرجاء بمعنى الخوف مما أثبته أهل اللغة كما هو مشهور، ومفسدين حال مؤكدة لأن العثوّ الفساد وترجف بمعنى رجفت. قوله: (في بلدهم (لأن الدار تطلق على البلد، ولذا قيل للمدينة دار الهجرة أو المراد مساكنهم وأقيم فيه الواحد مقام الجمع لا من اللبس لأنهم لا يكونون في دار واحدة، وباركين بالباء الموحدة من البروك وهو الجثو على الركب والمراد ميتين مجازاً. قوله: (منصوبان بإضمار اذكر) أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 بإضمار فعل من هذه المادة، وهو اذكروا كما مرّ والمراد ذكر قصتهما أو هو على ظاهره وجملة، وقد تبين الخ حالية فلا يقال إنه لا يلائمه أو أنه على تقدير القول أي، وقل قد تبين الخ أو قائلا قد مررتم على ديارهم في أسفاركم، وقد تبين الخ حتى يقال إنه تعكيس للأمر وتمحل لتنزيل المقرّر على الموهوم المقدر كما قيل وقوله ما قبله هو أخذتهم الرجفة، وعطفه على ضميره يأباه المعنى. قوله: (بعض مساكنهم) فمن تبعيضية وفيما بعده ابتدائية، وقيل سببية وقوله إذا نظرتم بيان لطريق التبيين لا لأنه للاستمرار كما في قوله: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا} [سورة البقرة، الآية: 14] والتزيين مرّ تحقيقه، وقوله السوقي أي المستقيم إشارة إلى أن التعريف عهدفي وحمله على الاستغراق حصراً له في الموصل إلى النجاة تكلف. قوله: (متمكنين من النظر (إشارة إلى أنه مجاز من قبيل التعبير بالفعل عن القدرة عليه كإطلاق المسكر على الخمر قبل شربها وأصله طلب البصر أو البصيرة، ويجوز أن يكون المعنى كانوا من أولي البصيرة، وان لم يبصروا وهو قريب مما ذكر وقوله أو متبينين الخ فمفعوله محذوف، والضمير لعاد وثمود لا لأهل مكة كما توهم، وقوله لجوا أي داموا على اللجاج والعناد، ومنه المثل لج حتى حج أي غلب. قوله: (وتقديم قارون لشرف نسبه) بقرابته من موسى عليه الصلاة والسلام كما مز وشرفه بإيمانه في الظاهر وعلمه بالتوراة وغيرها فتقديمه في مقام الغضب أدل على أنه لا يفيد شيء وينقذ من غضب الله مع الكفر فلا يرد أنّ قصد التشريف لا يناسب المقام الممهد لبيان مظاهر الغضب بالكفر، والاستكبار كما قيل، ولو قيل إنّ التقديم لأنّ المقصود تسلية النبي صلى الله عليه وسلم فيما لقي من قومه لحسدهم له وقارون كان من قوم موسى عليه الصلاة والسلام، وقد لقي منه ما لقي أو كان من أبصر الناس وأعلمهم بالتوراة ولم يفده الاستبصار فهو مناسب لما قبله، كان وجهاً وجيهاً وأيضاً هلاكه كان قبل هلاك فرعون وهامان فتقديمه على وفق الواقع، وأمّا توسيط عذابه فلمناسبته للغرق في كون كل منهما عذاباً سفلياً، وقوله من سبق الخ أي مأخوذ منه، وقوله كقوم لوط عليه الصلاة والسلام في نسخة وعاد وفي الكشاف الحاصب لقوم لوط، والمراد ما وموا به ومثله يكون مع ريح عاصف فلا إشكال فيه والحاصب إمّا صفة الرّيح أو الملك، وقوله كقوم نوح عليه الصلاة والسلام لسبق ذكرهم في هذه السورة وتركهم لعدم ذكرهم هنا فله وجه ولا إشكال فيه كما توهم. قوله: (ليعاملهم معاملة الظالم) يعني أنّ هذه الهيئة بمقتضى وعده لا أنه لو وقع كان ظلماً لأنه مالك الملك يتصرّف فيه كما شاء فله أن يثيب العاصي، ويعذب المطيع على مذهب أهل الحق، والتعرّض للعذاب مجاز عن فعل ما يقتضيه. قوله: (فيما 6سخذوه الخ) يتعلق بمثل، وكذا قوله فيما نسجته والمعتمد والمتكل من يعتمد ويتكل عليه آلهة أو غيرها، والمثل بمعنى الصفة العجيبة أو بمعنى الشبه كما مرّ والوهن والخور بفتح الخاء المعجمة والواو والراء المهملة كلاهما بمعنى الضعف، أعلم أنيه قال في الكشاف الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاَ ومعتمدا في دينهم وتولو. من دون الله بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوّة، وهونسج العنكبوت ألا ترى إلى مقطع التشبيه، وهو قوله وأنّ أوهن البيوت الخ ومعنى قوله لو كانوا يعلمون أنّ هذا مثلهم وأنّ أمر دينهم بالغ في هذه الغاية من الوهن، ووجه آخر وهو أنه إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت، وقد صح أنه أوهن البيوت فقد تبين أنّ دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون، أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز فكأنه قال وانّ أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون ولقائل أن يقول مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت يتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل يبني بيتاً بآجر وجص أو ينحتة من صخر، وكما أنّ أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً دينا عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون، اهـ يعني أنّ الغرض من التشبيه تقرير وهن دينهم وأنه بلغ الغاية فيه بوجوه، الأوّل إنه تشبيه مركب في الهيئة المنتزعة كما أوما إليه بقوله اتخذوه متكلاً ومعتمدا بذكر الاتخاذ والمتخذ، والاتكال عليه وقوله وأنّ أمر دينهم بالغ الخ تصريح بالغرض منه ومدار قطبه على أنّ أولياءهم بمنزلة نسج العنكبوت في ضعف الحال، وعدم الصلاحية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 للاعتماد وإنّ أوهن البيوت على هذا تذييل يعرّف الغرض من التشبيه ولذا استشهد به فقال: ألا ترى الخ وقوله لو كانوا يعلمون أيغال في تجهيلهم لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مسكة، والثاني مثله إلا أنه يخالفه في أنّ قوله وانّ أوهن البيوت مقدمة مقصودة، والنتيجة مطوية في قوله لو كانوا يعلمون لأنه لنعي جهلهم بالمقصود ومجموع المقدمتين، وما بعده يدلّ على المراد بطريق الكتابة الإيمائية والثالث يخالفه في أنّ التذييل استعارة تمثيلية تقرّر الغرض بتبعية تقرير المشبه وكان به ليدلّ به على تقرير المشبه، وأمّا قوله ولقائل الخ فوجه مستقل مبنيّ على التفريق والغرض! إظهار تفاوت المتخذين والمتخذ مع توهين أحدهما، وتقوية الآخر فيجوز كون قوله وانّ أوهن البيوت الخ جملة حالية أو اعتراضية لأنه لو لم يؤت به كان في ضمنه ما يرشد إليه، وكلامه إى هذا أميل وهو أوجه والأولى أن يكون من تشبيه المفرد لأنّ المقصود بيان حال العابد والمعبود وهذا زبدة ما في الكشف، ولا عطر بعد عروس فقوله مثلهم الإضافة الخ عطف بحسب المعنى على قوله فيما اتخذوه، وهو إشارة إلى أنه تشبيه مركب ويحتمل التفريق كما مرّ وفيه إيماء إلى قوّة الإسلام، وبنيانه وقوله كتاء طاغوت أي زائدة وجمعه على عكاب يدلّ على زيادتها، وزيادة النون أياضق لكن قال السجستانيّ في غريب سيبويه إنه ذكر عناكب في موضعين فقال في موضع وزنه فناعل، وفي آخر فعالل والنحويون يقولون عنكبوت فعللوت فعلى الأوّل النون زائدة وهو مشتق من العكب، وهو الغلظ وحكى فيه أبو زيد عنكبوت وعنكبات وعنكب انتهى. قوله: (بل ذاك أوهن) هذا لا ينافي كون وجه الشبه في المشبه به أقوى لأنه من تشبيه المعقول بالمحسوس، ووهن المعقول معقول غير محسوس لامتناع قيام المحسوس به فهو من هذا الوجه في المشبه به أقوى، وان كان في المشبه أقوى من وجه آخر ولو لم يرد هذا ناقض قوله بعده لا بيت أوهن منه مع أنّ اشتراطه في كل تشبيه ليس بصحيح كما صرّح به أهل المعاني بل قد يكتفي بكونه أشهر، وبيت العنكبوت مشهور بذلك متعارف ضرب به المثل وأيضا هذا كله إذا لم يصرّح بوجه الشبه، ويعلم الحال كما هنا واليه أشار القائل بقوله: والله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس قوله: (أو مثلهم بال! ! افة الخ) الظاهر أنه على هذا أيضا من التشبيه المركب لأنّ لفظ المثل صريح فيه والفرق بينه وبين الأوّل أنه فيه شبهت حالهم في أنفسهم من غير إيماء إلى قوّة بنيان الإيمان، وفي هذا نظر إليه وأما كونه مفردا أو مفرقا فبعيد من كلامه بمراحل، وقوله يقع على الواحد الخ والظاهر أنّ المراد الجمع لا الواحد لقوله الذين وأمّا أفراد البيت فلأن المراد الجنس، ولذلك أنث اتخذت لا لأنّ المراد المؤنث لمناسبته للضعف فإنه لا يفرق بين مذكره ومؤنثه به لأنّ تأنيثه لفظيّ، وقوله كتاء طاغوت أي زائدة كما مرّ لا للتأنيث، وقوله ويجمع أي جمع تكسير فإنه يجمع على عنكبوتات أيضاً، وقوله في القاموس إنّ ما عداه اسم جمع لا وجه له لأن أعكب لا يصح فيه ذلك، وقوله وانّ أوهن الخ حالية أو مستأنفة لبيان حال بيت العنكبوت. قوله: (لا بيت أوهن وأقل الخ) هذا يفيد أيضا نفي مساواته له في العرف كما يقال ليس في البلد أعلم من فلان فيطابق المفسر المفسر، والعدول عما في النظم مع أنه أصرج دلالة على ما ذكر لأن فيما ذكره عموم المفضل عليه لوقوعه نكرة في سياق النفي بخلاف المذكور قيه، ولو ترك ذكر الوقاية أو بدله بأقل بناء وانتفاعا كان أولى لا لتحصيل الدلالة اللغوية والعرفية كما توهم فإنه ليس بلازم هنا الدلالة على ذلك المعنى بطريقين ولا لإظهار اختلاف المقدمتين إثباتاً ونفيا حتى يكون من الشكل الثاني المنتج أن لا شيء أوهن من دينهم فإنه لو أبقى على ظاهره وأرجع إلى الشكل الأوّل هكذا، وهن المشركين كبيت العنكبوت، وهو أوهن البيوت أنتج أنّ دينهم أوهن من الجميع مع أنه مما لا داعي لارتكابه. قوله: (يرجعون إلى علم الخ) إشارة إلى أنّ لو شرطية جوابها محذوف، وأنّ يعلمون منزل منزلة اللازم وكونها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 للتمني غير ظاهر، وقوله أوهن من ذلك وفي نسخة أو هي وهما بمعنى، وذلك إشارة إلى بيت العنكبوت. قوله: (ويجوز أن يكون المراد الخ) على أن يكون قوله وأنّ أوهن البيوت الخ استعارة تمثيلية مبنية على التشبيه المتقدم والمستعار له أضعف الأديان دينهم لا تصريحية في المفرد كما قيل، وقوله تحقيقاً للتمثيل أي تفريرا للتشبيه المتقدم لأنّ هذه الاستعارة مبنية عليه فإن قلت إذا كان تشبيها قبله، وقد ذكر فيه الطرفان فكيف تتوجه هذه الاستعارة أو تحسن مع ذكر الطرفين تلت ذكر الطرفين إنما يمنع من كونه استعارة في جملته، وأمّ في جملة أخرى فلا فيكون هذا جاريا مجرى الترشيح والتجريد كما إذا قيل فلد في الكرم بحر والبحر لا يخيب من أتاه على أنّ البحر الثاني مستعار للكريم، وقد صرّج بما ذكر في الكشاف وكشفه فاحفظه. قوله: (على إضمار القول الخ) أي على قراءة الخطاب أو عليهما، وقد قيل عليه إنه لا حاجة إليه لا لجواز أن يكون من باب الالتفات للغضب كما قيل تبعا للبقاعيّ لأنّ الخطاب في قوله وقد تبين لكم مسوق منه تعالى كفار مكة، وتقدير القول فيه بعيد وقوله مثل الذين اتخذوا الخ معناه منكم ومن غيركم، وأمّا قوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ} الخ فمن تلوين الخطاب فلا ينافيه، وقوله والبصريان وفي نسخة عاصم وأبو عمرو والمذكور في النشر قرأ عاصم، والبصريان بالغيبة وقرأ الباقون بالخطاب وانفرد به في التذكرة ليعقوب وهو غريب، انتهى فيعقوب وأبو عمرو من طريق الطيبة والنشر ومن طريق الشاطبية أبو عمرو وعاصم لاقتصاره على السبعة، وقوله حملاً على ما قبله في الغيبة وهو الذين اتخذوا الخ. قوله: (ومن للتبيين) أي الثانية لا الأولى لتعلقها بتدعون أو بمقدر على أنها حال أي أيّ شيء تدعونه كائنا من دون الله وبجوز كونها تبعيضية أيضاً، وقوله مصدرية بمعنى الدعوة وشيء مصدر بمعناه أيضاً، وقوله وتنوينه للتحقير أي يعرف دعوتكم من دونه دعوة حقيرة فمن بيانية أو زائدة، ولا يخفى بعده ولو جعلت تبعيضية أي دعاءكم بعض شيء من دونه كان أولى كما قيل وقوله مفعول ليعلم على أنها بمعنى يعرف ناصبة لمفعول واحد، ومن إمّ بيان للموصوف أو تبعيضية لا زائدة في الإيجاب لضعفه. قوله: (والكلام على الأوّلين) أي كونها استفهامية أو نافية والأخيرين المصدرية والموصولية لأنه نفي للتشبيه عن معبودهم والاستفهام عنه الذي هو في معناه لأنه إنكار فيدل على التجهيل وعلى الأخيرين العلم بما ادّعوا الهيته عبارة عن مجازاتهم عليه فهو وعيد، وهذا بناء على الظاهر إذ يجوز إرادة التجهيل والوعيد في الوجوه كلها، وقوله توكيد للمثل لأنّ كونه ليس بشيء يعبؤ به مناسب له، ولذا لم يعطف وعلى الأخيرين ترك عطفه لأنه استئناف. قوله: (تعليل على المعنيين) أي التجهيل والوعيد، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه التعليل فيه، وقوله الغاية بالنصب على أنه مفعول لقوله البالغ وهو على اللف والنشر المرتب فقوله فإنّ من فرط الخ ناظر إلى التجهيل، وقوله وانّ الخ ناظر إلى الوعيد، وقوله هذا شأنه إشارة إلى كونه عزيزاً حكيماً والقادر يفهم من كونه حكيماً والقاهر يفهم من كونه عزيزا والتعليل يفهم من التذييل بالجملة الحالية كما في نحو لا تهني وأنا صديقك القديم، وقيل إن قوله من فرط الخ على كونها نافية، وقوله وان الجماد الخ على كونها استفهامية ولا وجه للتخصيص فيه وذكر الجماد لأنه مسوق لكفار مكة وهم عبدة الأوثان فسقط ما قيل إنّ الأولى التعميم لكل ما عبد من دون الله ليشمل الملك، والبشر وأنّ كل شيء بالإضافة إليه كالعدم. قوله: (هذا المثل ونظائره) يعني أنّ اسم الإشارة البعيد ليس لما ذكر فقعل، ولذا جمع الأمثال بل له ولما ضرب به الله المثل في كتابه العزيز لما روي في سبب النزول من أنّ سفهاء قريش قالوا إنّ رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون ونحوه ما وقع لأبي تمام لما اعترض! عليه بعضهم ني قوله في مدح الخليفة: إقدام عمروفي سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس وقال: ما زدت على تشبيه الخليفة بإجلاف العرب والقصة مشهورة، وقوله تقريبا الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الأمثال والتشبيهات طرق تبوز فيها المعاني المحتجبة للأفهام، وقوله يعقل حسنها إشارة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 إلى أنه على تقدير مضاف، وقوله وعته الخ قال ابن الجوزي رحمه الله إنه موضموع لكن ابن حجر رحمه الله تعقبه بأنه أخرجه بعض المحدّثين عن جابر رضي الله عنه، ونحوه حديث: " الكيس من دان لنفسه وعمل لما بعد الموت " والمراد بالعالم فيه الكامل في صفة العلم والحقيق بأن يسمى عالماً. قوله: (محقاً) فالباء للملابسة والجارّ والمجرور حال، وقوله غير قاصد به باطلاَ كقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [سورة الأنبيأء، الآية: 6 ا] فتقييده بذلك إمّا لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً أو لأنه لو التبس بالباطل وحده أو مع الحق لم يكن ملتبساً بالحق أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنّ ما تركب من الباطل والحق ليس بحق فتأمّل وعدل عن قوله في الكشاف بالغرض الصحيح لما فيه. قوله: (فإنّ المقصود بالذات الخ) عبر بالخير لأنه لا يكون الأحقا، وأشار بقوله بالذات إلى أنّ فعله قد يستلزم الشرّ لكنه ليس المقصود منه ذلك، وان لزمه والدلالة على ذأته من حيث إنّ الأثر لا بد له من مؤثر، ومثل هذه الآثار تدلّ على كمال العلم والقدرة وغير ذلك وقوله كما أشار إليه أي إلى دلالته على ذاته وصفاته وأنّ المقصود بالذات ذلك، وقوله لأنهم المنتفعون بيان لوجه التخصيص. قوله: (فإن القارئ المتأمل اليئ) إشارة إلى أنّ المراد دم على ذلك لأنه كان تالياً له قبل الأمر لا لأنّ الأمر يدلّ على التكرأر، وقوله بأن تكون سببا الخ إشارة إلى أنّ فيه تجوّزاً في الإسناد لأنها ليست بناهية في الحقيقة، وقوله حال الاشتغال منصوب على الظرفية أي في حال الاشتغال بها، وقوله وغيرها معطوف عليه والضمير للحال لأنها مؤنثة، وليس هذا كلياً حتى يرد أنه كم من مصل لا ينتهي، ويجوز عطفه على المعاصي والمعنى ينتهي بها عن المعاصي وغيرها من المكروهات والمباحات، وقوله من حيث الخ تعليل له، وقوله روي الخ قال ابن حجر أنه لم يجده في كتب الحديث لكنه وقع في ابن حبان حديث بمعناه وقوله فلم يلبث أي لم يمض عليه زمان إلى أن تاب بل رزق التوبة على الفور. قوله: (ولا لصلاة) تفسير للذكر واشارة إلى وجه التجوّز به عنها وجعلها من ا! بر لئلا يقال إنّ الإيمان أكبر منها ولو أبقاه على ظاهره صح، وقوله للتعليل أي لبيان علة كونها كذلك وعلى هذا فهو مصدر مضاف للمفعول! ، وقوله أوولذكر الله الخ فهو مضاف للفاعل والمفعول محذوف، والمفضل عليه في الأوّل غيرها من الطاعات وفي هذا قوله من ذكركم. قوله: (إلا بالخصلة) فهي صفة لهذا المقدّر، والكظم إخفاء الغيظ وتحمله، والمشاغبة بالغين المعجمة من الشغب وهو الخصومة، وقوله منسوخ لأنّ السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال وهو معطوف على مقدر يعلم من السياق أي وهي مخصوصة بمن دخل في الذمّة وأدّى الجزية ونحوه، وقيل الخ فليس الظاهر ترك الواو كما توهم وهو قول قتادة، وقوله إذ لا مجادلة أشد منه مجاز كقولهم عتابه السيف. قوله: (وجوابه أنه أخر الدواء) يعني أنّ مجادلتهم بالحسنى في أوائل الدعوة لأنها تتقدم القتال فلا يلزم النسخ، ولا عدم القتال بالكلية وأمّا كون النهي يدلّ على عموم الأزمان فيلزم النسخ فلا يتمّ الجواب فيدفعه أنه تخصيص بمتصل لدخوله في المستثنى، وهو قوله إلا الذين ظلموا منهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله وأما كونه يقتضي مشروعية القتال بمكة، وهو مخالف للإجماع فليس بصحيح لأنه مسكوت عنه وقوله آخر الدواء يحتمل أن يراد ظاهره، وأن يكون إشارة إلى ما هو كالمثل وهو آخر الدواء الكي فيكون استعارة تمثيلية. قوله: (وقيل المراد به دّوو العهد الخ) معطوف على قيل قبله ولا حاجة إلى عطفه على مقدر مفهوم من السياق والمراد أهل الكتاب عموما وهذا جواب آخر ومرضه لأنّ السورة مكية ووضع العهد والحرب شرع بالمدينة، وكونه قبل الوقوع بعيد ولأنه لا قرينة على هذا التخصيص. قوله: (بالإفراط في الاعتداء) الإفراط مأخوذ من ذمّ الكافر بالظلم فإنه يقتضي أنه نوع من الظلم أشدّ من الكفر كما مرّ ولا يلزم منه مشروعية القتال بمكة، أو ترك المجادلة غير منحصر فيه على أنه قيل إنه شرع بمكة إذا كانوا بادئين وهذه السورة آخر ما نزل بها، وقوله أو بنبذ العهد الخ يعني إذا أريد بأهل الكتاب ذوو العهد ويرد عليه ما مرّ أنه لم يكن بمكة عهد ولا نبذ وكونه بيانا للحكم الآتي بعيد فلعل المصنف رحمه الله يجوز كون هذه الآية نزلت بعد الهجرة. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو بيان لكون القول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 المذكور مجادلة لأنه كناية عن أنا لا نصدّق نقلكم ما لم نعلم به، والتكذيب والتصديق ليسا نقيضين فيجوز ارتفاعهما كما في حال السكوت والحديث المذكور صحيح وأصله مرويّ في الببخاري وقوله مطيعون له خاصة التخصيص من تقدّم له وهو المفيد للتعريض أيضاً والآية المذكورة تقدّم تفسيرها. قوله: (ومثل ذلك الإنزال) المذكور بعده، وقد مرّ تحقيقه وأنه يفيد أنه أمر عجيب الشأن أو هو إشارة إلى ما سبق من إنزال الكتب على ما ارتضاه المصنف هناك فتذكره، وقوله وحيا مصدقا مؤيد للأوّل لأنه كالبيان له وكون المراد ما ذكر بقرينة ما بعده مع التصريح به في محل آخر. قوله: (وهو تحقيق الخ) أي تقرير له كالدليل عليه فإنّ تصديقه للكتب الإلهية التي قبله يقتضي إيمان أهل الكتاب لأنه يدل على أنه مثلها في كونه وحياً إلهيا لا من حيث إنه إجمال ذلك التفصيل لأن التفصيل يحقق الإجمال بدون العكس، ولا من حيث أنه توطئة لما بعده، وأمّا كون المراد بقوله لقوله ما سبق فتعمية والغاز، وقوله عبد الذ بن سلام بتخفيف اللام، وأضرابه بمعنى أمثاله ممن أسلم من الأحبار، وصار من كبار الصحابة وضي الله عنهم، وقوله من أهل الكتابين في نسخة من الكتابيين، وهذا يؤيد ما مرّ من أنّ المصنف يرى أنّ هذه الآية مدنية إذ كونها مكية وعبد الفه ممن أسلم بعد الهجرة بناء على أنه إعلام من الله بإسلامقم في المستقبل، والتفصيل باعتبار الإعلام بعيد جداً، واذا كان لمن مضى فالمضارع لاستحضار تلك الصورة في الحكاية. قوله تعالى: ( {وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ} ) قيل الظاهر أنّ من التبعيضية هنا واقعة موقع المبتدأ كما مرّ في سورة البقرة ميلاً مع المعنى، وقد مرّ ما فيه والكلام عليه وأنّ المعنى شاهد له ونحوه ومنهم المؤمنون، وقول الحماسي: منهم ليوث لاترام وبعضهم مما قمشت وضمّ حبل الحاطب قيل إنه مؤيد بقوله: {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} فمنهم مهتد وبهذه الآية وقد غفل عن هذا السعد فأيده بهذا البيت (قلت الم يغفل وإنما دعاه له ذكر بعض صريحاً. قوله: (أو من تقدّم عهد الرسول) فإنه ورد في الحديث إيمان بعض المتقدمين به لما رأوا نعته في كتبهم، وقوله أو ممن في عهد الرسول هذا على تفسيره الثاني، ولذا أخره ففيه لف ونشر، وقوله المتوغلون في الكفر إن كان الجحد الإنكار عن علم فهو ظاهر والا وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله كما مرّ في سورة النمل فهو من فحوى الكلام لأنّ الكفر به مع ظهوره يدل عليه، وقوله كما أشار إليه أي إلى كونه معجزة الخ لكونه أميا. قوله تعالى: ( {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ) قال ابن حجر في تخريج الرافعيّ قال البغوي في التهذيب: هل كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحسن الخط ولا يكتب ويحسن الشعر ولا يقوله الأصح أنه كان لا يحسنهما ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه وادّعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها، وعدم معرفته سبب المعجزة لهذه الآية فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب تعرّف الكتابة حينئذ، وروى ابن أبي شيبة وغيره ما مات صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ ونقل هذا للشعبيّ فصدّقه وقال سمعت أقواما يذكرونه وليس في الآية ما ينافيه، وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت ليلة أسرى بي مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض! بثمانية عشر " والقدرة على القراءة فرع الكتابة ورد باحتمال أقدار الله له عليها بدونها معجزة، أو فيه مقدر وهو فسألت عن المكتوب فقيل الخ، ويشهد للكتابة أحاديث في البخاري وغيره كما ورد في صلح الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم كتب ولم يكن يحسن الكتابة وممن ذهب إليه أبو ذز الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة وصنف فيه كتابا وسبقه إليه ابن منية، ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمى بالزندقة وسبّ على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف فأجابوا بما يوافقه ومعرفة الكتابة بعد أمّية لا تنافي المعجزة بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم وردّ الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح: " إنا أمّة أمّية لا نكتب ولا نحسب " وقال كل ما ورد في الحديث من قوله كتب فمعناه أمر بالكتابة، وتقديم قوله من قبله على قوله ولا تحطه كالصريح فيه، وكون القيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 المتوسط راجعاً لما بعده غير مطرد مع أنه مفهوم ليس بحجة عندنا فمن استدل به لم يصب، وقوله على أمي أي من أمي والأمي من لا يكتب ولا يقرأ ولما كان بعض الأميين قد يتعلم القرآن ونحوه بأخذه من أفواه الرجال وهو لم يقع أيضاً ذكر قوله والتعلم ليكون خارقاً للعادة ولأنّ الخط إنما يعرف بالتعلم، وقد قيل إنه مأخوذ من تنكير الكتاب في سياق النفي، وقوله لم يعرف إشارة إلى ما مرّ وقوله زيادة تصوير لأنّ الخط باليمين فهو مثل نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة، وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز. قوله: (أي لو كنت ممن يخط ويقرأ) هو من قوله إذا فالمراد بالمبطلين كفار قريش، وقوله سماهم مبطلين الخ أي على هذا التفسير وعلى تقدير كفرهم بنبوّته لو لم يكن أميا لإبطالهم حينذ إذ كفروا أو ارتابوا وشكوا بمجرّد كونه غير أميّ مع أنّ انتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز لا ينفي غيره مع كثرته وظهوره، فمدعي مثله مبطل سواء أكان أمياً أم لا لأنهم لم يؤمنوا به ولم ينظروا لما جاء به من المعجزات المثبتة لرسالته صلى الله عليه وسلم فالتعريف في المبطلين للعهد كما في شرح الكشاف وأمّا احتمال تعلمه فغير متوجه لأنّ مثله من الكتاب المفصل الطويل لا يتلقن ويتعلم إلا في زمان طويل بمدارسة لا يخفى مثلها. قوله: (وقيل لارتاب الخ) فالمراد بالمبطلين أهل الكتاب وهم على تقدير كونه صلى الله عليه وسلم ولم غير أميّ يشكون في كونه النبيّ المنعوت في كتبهم لأنه أميّ، ولما ورد على هذا التفسير أنهم لا يكونون حينئذ مبطلين بل محقين في مدعاهم لم! لفة نعته لما نعت به في الكتب المنزلة أشار إلى دفعه بقوله فيكون إبطالهم يعني على هذا الوجه دون الأوّل كما توهم، وقوله باعتبار الواقع دون المقدر المراد بالواقع كونه أميا، وبالمقدر كونه قارئا كاتبا لأنهم على فرض تقديره لا يكونون مبطلين كما في الوجه الأوّل فانهم فيه مبطلون على الحالين، ومرضه لمخالفته لظاهر النظم إلا بتكلف وهو أن يقال أصله لارتابوا لكنه عدل عنه للإشارة إلى أنه غير واقع فهم مبطلون في نفس الأمر لا على هذا التقدير أو المراد أنه على هذا الوجه يكون إبطالهم أي إبطال أهل الكتاب لكونه النبيّ المنعوت في كتبهم باعتبار الواقع يتحقق من كونه غير أميّ فإنه حينئذ إبطال محقق فلذا نفى، وأمّا إبطال المشركين فباعتبار أمر مقدر، وهو قولهم أخذه من كتب المتقدّمين فلشى كونه مقدراً بالنظر للثاني كما قيل فتامّل. قوله: (بل هو الخ) إضراب عن ارتيابهم أي ليس مما يرتاب فيه لوضوح أمره، والمراد بكونه في الصدور كونه محفوظا بخلاف غيره من الكتب، ولذا جاء في وصف هذه الأمّة صدورهم أنا جيلهم كما أشار إليه بقوله يحفظونه، وقوله لا يقدر أحد تحريفه أي على تحريفه وعداه بنفسه لتضميته معنى يطيق، وقوله المتوغلون بمعنى البالغين، وأصل معنى التوغل الدخول وقد تقدم توجيهه، وقوله وقالوا أي كفار قريش لتعليم أهل الكتاب لهم اقتراحه، أو أهل الكتاب مطلقاً لا بعض اليهودا إذ هم لا يقرّون بمعجزة عيسى عليه الصلاة والسلام وكونه مجرّد تشه، واقتراح وأن لم يؤمنوا بمثله بعيد، والبصريان أبو عمرو وعاصم وحفص وواية فكان تركه أولى. قوله: (ليس من شأني إلا الإفذار) أي لا الإتيان بما اقترحتموه فهو قصر قلب وابانته بما أعطيت تفسير لقوله مبين، وقوله تدوم الخ من صيغة المضارع الدالة على الاستمرار، وقوله متحدين لأنّ التلاوة على الكفرة إنما هي للتحذي ويجوز في آية الرفع والنصب، وتضمحل بمعنى تفني وتذهب وقوله يعني اليهود إشارة إلى أنّ الضمير على هذا مخصوص بهم بخلافه على الأوّل، وخص اليهود لأنه بين أظهرهم دون النصارى، وإن كان ما ذكر جاريا فيهم والباء في قوله بتحقيق للملابسة، وقوله آية مستمرّة على التفسير الأوّل وما بعده على التفسير الثاني، وقوله لنعمة تفسير للرحمة وعظيمة من تنوينها. قوله: (وتذكرة لمن همه الإيمان) إشارة إلى أنّ ذكرى بمعنى تذكوة والجار والمجرور متعلق به لا برحمة وأن يؤمنون المرإد به إلاستقبالد لا الحال لأنّ التذكير نافع ومشوّق لهم، والكلام مع الكفار، وقيل إنّ يؤمنون مجاز عن يهمون بالإيمان ولا حاجة إليه، ويجوز أن يكون من التنازع- والهمّ بمعنى التقيد. قوله: (وقيل إنّ ناساً من المسلمين الخ) فيكون يؤمنون على ظاهره، وهذا الحديث رواه أبو داود والطبري مرسلاً مع زيادة واختلاف فيه وهو سبب النزول، والكتف عظمه لأنهم كانوا في الصدر الأوّل يكتبون على الخشب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 والعظام والجلود-، وقوله كفى بها الباء فيه زائدة والضمير للخصلة المفهومة من المقام كما في فبها ونعمت لا للكتف كما توهم والمراد بها رغبة الناس عما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم فقوله أن يرغبوا بدل من الضمير مفسر له، وضلالة قوم منصوب على التمييز أو بنزع الخافض وهو في لا مفعول كفى، والمراد نهيهم عما في كتب أهل الكتاب كما مرّ ومرضه لأنّ السياق والسباق مع الكفرة، وهو جواب لقولهم لولا أنزل الخ وعلى هذا لا يصلح جواباً على الوجهين كما في الكشف فتأمّل وقوله إلى الخ متعلق بيرغبوا لتضمينه معنى يعدلوا أو يميلوا والا فتعديته بفي. قوله: (بصدقي) متعلق بشهيداً! والمراد أنه شاهد على ما أتى به أي مصدق له تصديق الشاهد لدعوى المدعي، وعلى الوجه الثاني المراد كفى علم اله* بتيليغي الخ، ومقابلتكم بالجر معطوف على تبلغيي أو منصوب على أنه مفعول معه، وما قيل إنّ التفسير الأوّل لا يناسب قوله بيني وبينكم سواء تعلق بكفى أو شهيدا، ولا قوله يعلم ما في السموات الخ ولذا ارتضى المحشي الثاني لا وجه له وقوله يعلم الخ صفة شهيداً أو حال أو استئناف لتعليل كفايته. قوله: (منكم الو أبقاه على عمومه كان أولى، وقوله في صفقتهم حيث اشتروا الخ يشير إلى أنّ في قوله والذين آمنوا بالباطل استعارة مكنية شبه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب باشتراء مستلزم للخسران، ففي الخسران استعارة تخييلية هي قرينتها، وقوله حيث الخ تعليل للخسران، وقوله ما يعبدون الخ شامل لعيسى عليه الصلاة والسلام ولا ينافيه قوله بالباطل لأنّ الباطل عبادتهم وقوله لكل عذاب فالمراد بالأجل وقته المعين له فيهما، وقيل هو في الأوّل بمعنى الوقت وفي الثاني بمعنى المدة. قوله: (كوقعة بدر) ظاهره أنه إخبار عن نزول العذاب آجلا، ويحتمل أن يكون هذا معطوفا على الجزاء تفسيراً له كأعجبني زيد وكرمه فيراد به النزول عاجلاً وكون وقعة بدر بغتة لأنهم لغرورهم كانوا لا يتوقعون غلبة المسلمين على ما بين في السير، وقوله عند نزول الموت بهم إمّا لعدّه من الآخرة أو هو بتقدير مضاف أي عند عقب نزول الموت. قوله: (ستحيط بهم) على إرادة المستقبل من اسم الفاعل، وقوله أو هي الخ على أنه تشبيه بليغ أو استعارة أو مجاز مرسل بإطلاق المسبب على السبب أو تجوز في الإسناد، وقيل الزمان بالنسبة إلينا وأمّا بالنسبة إليه تعالى فهو على حد سواء فلا تجوز فيه، وفيه بحث وقوله واللام أي في الكافرين، وظاهره أنها حرف تعريف لا موصولة لإجراء الكافر والمؤمن مجرى الأسماء الجامدة، والمراد على العهد المستعجلون وموجب الإحاطة هو الكفر على قاعدة التعليق بالمشتق، ووجه الاستدلال أنه يلزم من إحاطتها بالجنس الإحاطة ببعض أفراده. قوله:) ظرف لمحيطة) أي على الوجهين، وقيل إنه مخصوص بالأوّل لا على كونها كالمحيطة ولا على كونه مجازا فتأمّل، وقوله كان كيت وكيت الإبهام للتفخيم أي حدث أمر عظيم من قهرهم واهلاكهم وغير ذلك مما يشفي صدور المؤمنين، ويغشاهم بمعنى يلحقهم ويأتيهم وقوله من جميع جوانبهم فما ذكر للتعميم كما في بالغدوّ والآصال قيل وذكر الأرجل للدلالة على أنهم لا يقرّون ولا يجلسون وهو أشد في العذاب. قوله: (الله أو بعض ملائكته بأمره) وما كان بأمره كان قوله في الحقيقة وهو المناسب للقراءة بنون العظمة فإنها لله والأصل توافق معنى القرا آت فقوله لقراءة الخ بيان لوجه التقييد بالأمر فتأمّل فإنّ كلامه لا يخلو من الخفاء، والذي في النشر أنه قرأ نافع والكوفيون بالياء والباقون بالنون. قوله: (إذا لم تتسهل لكم الخ) كون أرض الله واسعة مذكور للدلالة على المقدر وهو كالتوطئة لما بعده لأنها مع سعتها وامكان التفسح فيها لا ينبغي الإقامة بأرض لا يتيسر بها للمرء ما يريده كما قيل: وكل مكان ينبت العزطيب وقال آخر: إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي ويتمشى بمعنى يتيسر وهو مجاز مشهور والحديث المذكور رواه الثعلبي مرسلا، وقوله فز بدينه الباء للسببية أو للملايسة وجوّز فيها أن تكون للتعدية وهو بعيد، وقوله رفيق إبراهيم ومحمد خصهما لأنهما هاجرا هجرة معروفة في الله. قوله:) والفاء جواب شرط محذوف) أي الفاء الأولى لأنّ الثانية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 تفسيرية، والشرط المحذوف هو قوله إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض وجوابه فإياي فاعبدون، ومعناه اعبدوني ولا تعبدوا غيري كما يفيده تقديم الضمير الدال على الحصر والتخصيص، ولذا فسره بقوله فأخلصوها في غيرها وجعل الشرط المقدّر إن لم تخلصوا لدلالة الجواب المذكور عليه وجملة الشرط المقدر مستأنفة وليس فيها فاء كما في الكشاف والمفتاح، وأمّ الثانية فتكرير ليوافق المفسر المفسر أو عاطفة أي فاسبدون عبادة بعد عبادة وصح التفسير لاتحاد النوع كما في العطف، وعوّض تقديم المفعول ست الشرط الصحذوف لوقوعه موقعه كقولهم أمّا اليوم فاني ذاهب، وفي شرح المفتاج الشريفي، وقد يقال موقع الشرط قبل الفاء فالمفعول ليس في موقعه وردّ بأنّ تقديم المفعول قبل حذف الشرط ليفيد إخلاص العبادة ولا يخفى ما فيه وقد تقدم تفصيله فانظره لتعلم ما فيه. قوله: (كل نفس! ذائقة الموت) فيه استعارة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم مرّه واليه أشار بقوله تناله لا محالة، وعبر بالمضارع إشارة إلى أنّ اسم الفاعل للمستقبل كما في قوله محيطة، وقوله لا محالة من الاسمية والكلية، وثم للتراخي الزماني أو الرتبي وقوله من هذا عاقبته الخ الإشارة للرجوع للجزاء، وهو بيان لارتباطه بما قبله من إخلاص العبادة، ومن الحث على الهجرة لله لأنّ الدنيا ليست دار مقرّ بل منزل سفر فلا تعسر النقلة منها. قوله: (لننزلنهم) لأنّ المباءة منزل الإقامة ومباءة الإبل أعطانها كما قاله الخطابي، ومحل الذين إمّا رفع على الابتداء، والجملة بعده خبر أو نصب على الاشتغال وهو معطوف على ما قبله أتى به لبيان أحوال المؤمنين بعدما ذكر من أحوال الكفرة، وعطفه على مقدر تقديره الذين كفروا مسوقون إلى جهنم وبئس مثوى الكافرين والذين آمنوا الخ مما لا حاجة إليه. قوله: (علالى) تفسير لغرفا وهو جمع علية بكسر العين، وقد تضم وأصلها عليوة فأعلت الإعلال المعروف ومعناها القصر، وعلالي بتشديد الياء وقد تخفف، وقوله وقرأ الخ أي بالثاء المثلثة الساكنة بعد النون وابدال الهمزة ياء من الثواء وهو الإقامة، وقوله فيكون انتصاب الخ أي على أنه أجرى مجرى ننزلنهم، وحمل عليه في التعدية فنصب غرفاً على أنه مفعول به له لأنه بمعناه ا. لأصلي لا ينصب إلا مفعولاً واحداً فتعديته للثاني بأحد الوجوه المذكورة، ونزع الخافض على أن أصله بغرف فلما حذف الجارّ انتصب أو على أنه منصوب على الظرفية، والظرف المكاني إذا كان مؤقتا أي محدوداً كالدار والغرفة لا يجوز نصبه على الظرفية فأجرى هنا مجرى المبهم توسعاً كما في قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [سورة الأعراف، الآية: 16] على ما فصل في النحو. قوله:) وقرئ فنعم) بفاء الترتيب، وقوله دل عليه ما قبله فتقديره الغرف أو أجرهم ويجوز كون التمييز محذوفا أي نعم أجراً أجر العاملين، وقوله الذين صبروا صفة العاملين أو خبر مبتدأ محذوف وقوله والهجرة للدين بيان لارتباطه بما قبله، وقوله ولا يتوكلون الحصر من تقديم المتعلق وكأين بمعنى كم للتكثير والكلام فيها مفصل في المغني، وقوله أو لا تدخره فهو مجاز بذكر السبب وارادة المسبب كما في الوجه الذي قبله، وقوله وإنما تصبح بيان لحاصل المعنى المراد منه. قوله: (ثم إنها مع ضعفها وتوكلها) التوكل هنا مجاز عن عدم الادّخار واعداد القوت لكنه عبر به لمناسبة المقام له، وقوله لا يرزقها واياكم إلا الله الحصر بناء على مذهب الزمخشريّ في أنّ مثل هذا التركيب يفيده كما قرّره في قوله: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} أو هو مأخو من فحوى الكلام وقرينة السياق فإنه كثيرا ما يفيده، وقوله فلا تخافوا الخ هو لازم لما ذكر مراد منه فإذا تكفل برزق كل شيء حتى صغار الهوامّ لزم العاقل ذلك، ولذا قدمها ولم يقل يرزقكم وإياها، والمعاس ما به قوام الحياة وقوله فإنه أي الأمر والشأن بيان لسبب النزول الدال على تفسير الآية بما ذكر وأنّ المقصود نهيهم عن الخوف المذكور وبه يظهر مناسبته لما قبله. قوله:) المسؤول عنهم) كان الظاهر أن يقال منهم لكنه يقال سأل عنه بمعنى سأل منه أيضاً، وإن ظنه بعضهم خطأكما فصلناه في حواشي شرح السراجية، وقد صرح به الطيبي في شرح المشكاة فلا وجه للاعتراض عليه ولا إلى ادّعاء القلب فيه فإنه ورد في الحديث " ما المسؤول عنه " بمعنى المسؤول منه كما صرح به في شروحه فلا تكن من الغافلين. قوله: (لما تقرّر الخ) يعني أنه راسخ ثابت في كل عقل إجمالاً، وان لم يعلمه بطريق برهاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 ولا من رسول وشرع صدق به ولذا ترى كل أحد من الكفرة إذا غلبه الخوف لا ينادي صنمه ولا معبوده غير الله، والفاء في قوله فإني للترتيب أو هي جواب شرط مقدر أي فإن صرفهم الهوى، والشيطان فإني الخ والاسنفهام للإنكار والتوبيخ. قوله: (يحتمل أن يكون الموسع) بصيغة المفعول على الحذف والإيصال وأصله الموسع عليه، وعلى هذا الاحتمال لا تتعين الفاء كما توهم لأنّ التضييق يكون مقدماً ومؤخرا ولذا عبر المصنف بالتعاقب دون التعقيب للفرق بينهما، وهو الذي غره مع أنه لو سلم ذلك فقد يترك تفويضاً لفهم السامع ولم يذكر التوسط لأنه تقتير بالنسبة للسعة، ولذا قيل في المثل أخو الدون الوسعل. قوله: (على وضع الضمير موضع من يشاء) فيكون المقتر عليه غير الموسع عليه وأصله ويقدر لمن يشاء بأن يجعل بعض النالس غنيا وبعضهم فقيرا وقد كان المعنى على الأوّل أنه تعالى يوسع على شخص واحد رزقه تارة ويضيقه أخرى، والمراد أنّ الضمير راجع إلى من يشاء آخر غير المذكور لفهمه منه لأنه إذا ذكر من يشاء يوسع رزقه فهم منه ذلك فهو نظير قوله وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره، وعندي درهم ونصفة أي نصف درهم آخر وهو قريب من الاستخدام وعود الضمير على من يشاء بقطع النظر عن متعلقه لا يغايره كما توهم. قوله: (وإبهامه) لأنّ من يشاء مبهم يحتمل الجر بالعطف على وضع والرفع على أنه مبتدأ ما بعده خبر.، يعني أنّ من يشاء مبهم غير معين فلذا ساغ وضع الضمير المبهم بعدم ذكر مرجعه موضعه للمناسبة بينهما فلا يرد عليه ما قيل إنه غير سديد لأنّ إبهامه لا يقتضي إبهام ضميره بل عدمه لرجوعه إلى معين بالإبهام، ولذا كان ضمير لنكرة معرفة على الأصح لكن كلامه لا يخلو من تعقيد في المعنى، وقوله أصولها كالمطر وفروعها كالنبات، وقوله ثم إنهم مأخوذ من المقصود بالسؤال مع علم السائل والمسؤول وثم للتفاوت في الرتبة وهو إشارة إلى ما مرّ من تقرير ذلك في العقول وعدى يشركون المتعدي بنفسه بالباء لتضمينه معنى التسوية. قوله: (على ما عصمك) أي على عصمتك مما هم عليه من الضلال في إشراكهم مع اعترافهم بأنّ أصول النعم وفروعها منه تعالى فيكون كالحمد عند رؤية المبتلى، وعلى ما بعده هو حمد على ما أنعم به عليه، وقوله وقيل الخ فالمعنى أحمد الله عند جوابهم المذكور على إلزامهم وظهور نعم لا تحصى فإنهم لا يفطنون لم حمدت الله ومرضه، وإن ارتضاه الزمخشريّ لخفائه وقلة جدوا. وتكلف الإضراب فيه. قوله: (إشارة تحقيرا لأن اسم الإشارة يدل على ذلك كما فصل في المعاني، وقوله لا تزن الخ كناية عن حقارتها عند الله بأسرها كما ورد في الحديث فيعلم حقارة ما فيها من الحياة بالطريق الأولى، وتوله إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان الفعلان تنازعا قوله به الصبيان وفيه إشارة إلى أنه تشبيه بليغ ووجه الشبه سرعة الزوال، وعدم النتيجة غير التعب ولو قال كما يلهون كان أظهر لأنه ليس للأفعال موقع هنا وقوله يجتمعون حال أو استئناف، ويبتهجون بمعنى يسرون ويفرحون. قوله: (لهي دار الحياة) إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراً وقوله لامتناع طريان الموت أي عروضه لمن فيها وعبر بالامتناع دون العدم لأنه أبلغ وان كان الامتناع ليس بذاتي لها، وهو تعليل لكون حياتها حقيقية وقوله أو هي الخ فلا تقدير لقصد المبالغة كرجل عدل، والحيوان مصدر سمي به ذو الحياة في غير هذا المحل وكلاهما مصدر لكن الحيوان أبلغ لأنّ فعلان بفتح العين في المصادر الدالة على الحركة، ولذا لا يقلب فيه حرف العلة ألفا وقوله فقلبت الخ أي على خلاف القياس بناء على أنّ لا مهاياء، وقيل إنه واو وأدلة الفريقين مفصلة في الصرف. قوله: (لم يؤثروا الخ) هو جواب الشرط المقدر لعلمه من السياق، وكونها للتمني بعيد وقوله متصل الخ يعني أنّ الفاء للتعقيب على ما قبله باعتبار ما يدل عليه أو المراد أنه يقدّر فيه ما ذكر كما في الكشاف. قوله: (كائنين في صورة من أخلص!) فهو تهكم بهم سواء أريد بالدين الملة، أو الطاعة أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الثاني فلأنهم لا يستمرّون على هذه الحال فهي قبيحة باعتبار المآل، وقوله فاجؤوا إشارة إلى أن إذا فجائية. قوله: (ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة) يشير إلى أنّ الكفر هنا كفران النعمة التي أوتوها وهي النجاة، وأشار بالباء السببية إلى أنّ الشرك سبب لهذا الكفران فأدخلت لام كي على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 مسببه لجعله كالغرض لهم منه فهي لام العاقبة في الحقيقة فقوله بشركهم متعلق بكافرين ونعمة النجاة مفعوله، وقيل المعنى ليجمعوا التمتع إلى كفران النعمة لعطفه بالواو الجامعة، وهو أقوى شبهاً بالغرض ولا يخفى أنّ إعادة اللام تأباه. قوله: (أو لام الأمر) معطوف على قوله لام كي، واذا كانت الثانية لام الأمر فالأولى كذلك ليتضح العطف وتخالفهما محوج إلى التكلف والأمر بالكفر والتمتع مجاز في التخلية والخذلان والتهديد كما تقول لمن يخالفك في الغضب أفعل ما شئت ووجه التأييد أنّ لام كي لا تسكن وقوله فسوف تعلمون مؤيد للتهديد أيضا. قوله: (جعلنا بلدهم الخ) يحتمل أنه إشارة إلى أنه متعد لمفعولين حذف أوّلهما ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى، وقوله مصوناً تفسير لقوله حرما وقوله آمنا أهله إشارة إلى أنّ أمنه كناية عن أمن أهله وهو إسناد مجازيّ أو فيه مضاف مقدّر وتخصيصهم، وان أمن كل من فيه حتى الطيور والوحوس لأنّ المقصود الامتنان عليهم، ولأنه مستمرّ في حقهم وقوله يختلسون تفسير للاختطاف، وقوله في تغاور تفاعل من الغارة وهي معروفة والظاهر أنّ جمله ويتخطف الخ حالية بتقدير مبتدأ. قوله: (أبعد هذه النعمة المكشوفة) أي الظاهرة وهي نعمة الأمن والنجاة، وقوله بالصنم أو الشيطان تفسير للباطل ولذا قدمه ليوافق المفسر به، وقوله للاهتمام لأنهما مصب الإنكار لا الإيمان ولا الكفران فينبغي تقديمهما كما تقرّر في المعاني، ولما كانوا يؤمنون بالله أيضاً ويكفرون غير نعمته جعل الاختصاص ادعائياً للمبالغة لأنّ الإيمان إذا لم يكن خالصا لا يعتد به ولأنّ كفران غير نعمه بجنب كفرانه لا يعد كفرانا، ولم يجعله للفاصلة لأنه عكازة أعمى. قوله: (بأن زعم أنّ له شريكاً (وكونه كذباً على الله لأنه في حقه فهو كقولك كذب على زيد إذا وصفه بما ليس فيه، وقوله يعني الرسول تفسير للحق، وقوله بل سارعوا لجعل التكذيب مقارنا لمجيئه كما تفيده لما الحينية. قوله: (تقرير لثوائهم) أي إقامتهم فيها وهو ظاهر في أنّ مثوى مصدر ميمي وهو يحتمل المكان أيضاً لأنّ الاستفهام فيه معنى النفي ونفي النفي إثبات كما في قول جرير: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راج وقوله ألا يستوجبون إشارة إلى أنّ الظاهر أقيم مقام الضمير لتعليل استيجابهم الثواء، ولا ينافي كون ظاهره أنّ العلة كذبهم وافتراؤهم لأنه لا يغايره والتعليل يقبل التعدد فتعريفه للعهد. قوله: (أو لاجترائهم الخ) معطوت على قوله لثوائهم فالمراد على هذا مطلق جنس الكفرة، ويدخلون منزلة العالم قوله في حقنا وجعلهم عالمين بأن جنهم مثوى الكفرة لوضوحه وظهوره فنزلوا فيه دخولاً أولياً برهانيا ففيه مضاف مقدر ومعنى في حقنا من أجلنا ولوجهنا خالصا وأما جعل للميالعة يجعل ذأت الله مستقرّا للمجاهدة كما قيل: فلا حسن فيه، وقوله بأنواعه أي الجهاد كالقتل والأسر وقمع النفس بالصبر على المكاره والعبادة ولا حاجة إلى تأويل جاهدوا بأرادوا الجهاد لتقدم الهداية عليه على ما فسره المصنف به، وطرق الوصول إلى الله ورضوانه هي الطاعات والمجاهدات كما لا يخفى، وقوله لنزيدنهم إشارة إلى ما مرّ من أنّ الجهاد هداية أو مرتب عليها وأيد إرادة الزيادة بالآية والحديث المذكور ومعنى ورّثه أعطاه. قوله: (بالنصر والإعانة) لأنّ معية الله إنما هي بإعانة الله لعبده وتقدم الجهاد المحتاج للنصرة قرينة قريبة، والحديث المذكور من حديث أبيّ الموضوع وهو مشهور وتخصيص المؤمنين والمنافقين لذكرهم في هذه السورة تمت السورة بحمد الله وعونه وتوفيقه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية الخ الم يستثن في الإتقان والتيسير شيئاً منها قيل وهو الأصح والاستثناء مبنيّ على قول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 الحسن وهو خلاف مذهب الجمهور والتفسير المرضي كما سيأتي بيانه لكن المصنف قصد تتميم الفائدة هنا. قوله تعالى: ( {أَدْنَى الْأَرْضِ} ) أدنى أفعل تفضيل بمعنى أقرب فالأرض إمّا من أرضى العرب فأقر بيتها من أرض الروم أو أرض الروم فأقر بيتها من بلاد العرب كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله منهم ومن العرب صلة أدنى بمعنى أقرب لأنه يتعدى بمن لا من الداخلة على المفضل عليه لأنه مضاف، وأفعلى لا يجمع فيه بين من والإضافة وأل في الأرض للعهد، والمعهود قد يتقدم ذكره وش! مى عهداً ذكرياً وقد لا يتقدم كما هنا واليه أشار بقوله لأنها الأرض المعهودة عندهم أو هو إشارة إلى أنها في حكم المذكور لحضورها في ذهنهم وفيه إيماء إلى ترجيحه بتعليله، وتقديمه لكنه مخالف للرواية لأنّ المرويّ من طرق عديدة أنّ الروم وفارس تحاربوا بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم فلما أتى الخبر مكة شق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان جيش فارس من قبل كسرى وأميره شهريار كما ذكره ابن حجر مفصلا في شرح البخاري. قوله: (واللام بدل من الإضافة) قال ابن هشام في شرح بانت سعاد الخلاف في نيابة أل عن الضمير في محل يحتاج للربط من حيث هو ضمير لا من حيث هو مضاف إليه وربما توهم من كلامهم الثاني، وقد استجرّ ذلك الزمخشري حتى جوّز نيابتها عن المضاف إليه المظهر في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} ففي كلام المصنف نظر وكذا في قول من قال هنا إنه على مذهب الكوفيين (قلت) ومما يؤيد ما قاله ابن هشام أنّ تعريف الإضافة واللام بمعنى فلا فائدة في تجعل أحدهما بمعنى الآخر إلا فيما ذكر له وقوله وقرئ غلبهم أي بفتح فسكون والمشهور بالضم، والحلب بالحاء المهملة اللبن المحلوب أو بالجيم وقوله بالجزيرة هو قول مجاهد والمراد بها الجزيرة العمرية لا جزيرة العرب، والذي صححه ابن حجر هو الأوّل وقوله شمتوا بالمسلمين وهو من باب فرح ومعناه الفرح بالمصيبة. قوله: (وهي أدنى أرض الروم من الفرس) بيان للمراد بالجزيرة كما منر وأنها المراد من أدنى الأرض هنا، وقال الطيبي: إنما نسب الأدنى إلى عدوّهم لأنّ أدنى من الاً مور النسبية فإذا لم يرد بها أرض العرب فلا بد من أرض أخرى وليس إلا أرض عدوّهم وهم فارس والقرينة قوله غلبت انتهى، ومعنى قوله لم يرد أرض العرب أنها لم تكن مرادة من الأرض المعينة لتعيين غيرها في هذه الرواية فتعين نسبتها إلى أرض عدوّهم بقرينة الخارج فلا يرد أنه لا يلزم من عدم إرادة أرض العرب من الأرض! عدم اعتبار القرب بالشبة إليهم فإن كون الخطاب لهم يقتضي ذلك كما توهم فإنه كما قيل: شتان بين مشرق ومغرب وهو معنى قوله في أنّ قوله إلى عدوّهم من حديث المغلوبية فافهم. قوله: (بعد بضع سنين) أي بعد جملتها لأنّ ما وقع في آخر سنة منها يعدّ واقعاً بعدها ولا يخالف النظم لوقوعه فيها فلا وجه لما قيل إنّ المراد بعد ابتدائها حتى لا يخالف النظم لأنه لو كان كذلك صدق على ما دون التاسعة وليس بصحيح، وقوله أنا حبك بالنون والحاء المهملة والباء الموحدة مجزوم في جواب الأمر ومعناه أعاهدك وأعاقدك عليه قال في الأساس ناحبته على كذا خاطرته وراهنته وهو من النحب بمعنى النذر ومنه استعير قضى نحبه إذا مات لكنه صار حقيقة في العرف، والقلائص جمع قلوص وهي الفتية من إناث الإبل، والثلاث هي ابتداء البضع لأنه من ابتداء الثالثة يفهم التعجيل أو ظن البضع من الثلاثة إلى السبع فجعله وسطه شفقة، وحرصا على تعجيل مسرة المؤمنين، وقوله فزايده في الخطر أي زد في الجعل وهو معنى الخطر بفتحتين أي طول المدة، ومادّه أمر من مفاعلة المد وهي تطويل المدة وأمّا تعيينه عليه الصلاة والسلام فلأنه من متناول معنى البضع فأخذ فيه بالأحوط، وقوله بعد قفوله أي رجوعه وهو متعلق بقوله مات وقصة أبيّ مفصلة في السير. قوله: (يوم الحديبية) هي بتخفيف الياء على الأصح اسم بئر سمي بها مكانها، وكان ذلك في السنة السادسة أو السابعة من الهجرة في ذي القعدة والمراد باليوم مطلق الوقت، وفي رواية أنه يوم بدو وقوله تصدق به لأنه كره له أخذه، وقوله استدل به أي بما ذكر لأنه حديث صحيح رواه الترمذيّ، وهو إن كان بعد تحريم القمار فهو وقع بمكة وهي قبل الفتح دار حرب، والعقود الفاسدة تجوز فيها كما تسقط فيها الحدود عند أبي حنيفة لكن الذي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 ذكره الطحاوي في الآثار أنه كان قبل تحريم القمار فلا دليل فيه عندنا أيضاً، والقمار أخذ شيء على الرهان والمغالبة، وهو حرام وقوله في الحديث تصدق به سقط من بعض الروايات فإن قيل ما دليل جواز التصمدق بالحرام، وكيف يتصدق بما لا يملكه قلنا ذهب جماعة إلى أنه غير جائز لأنّ الله لا يقبل إلا الطيب وذهب بعضهم إلى جوازه كما في الأحياء، وفيه بحث لأنّ صاحبه معلوم ومثله يردّ عليه وان قيل إنه مال حربي لا يكون تصدّقا بالحرام، والذي في مذهبنا أنه لا يجوز التصدق به ما لم يختلط بغيره والمقصود إنما هو تفريغ ذمته كما في منظومة ابن وهبان. قوله: (وترئ غلبت بالفتح الخ) هي قراءة نصر بن عليّ كما ذكره الترمذيّ، وهو ثقة ولا يرد عليها اعتراض! الزجاج بأنها مخالفة للرواية ولما أجمع عليه القراء والتوفيق يين القراءتين أنها نزلت مرتين مرة بمكة غلبت بالضم، ومرّة يوم بدر بالفتح وتأويلها ما ذكر من أنّ المعنى أنّ الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المؤمنون في بضع سنين، وأليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ومعناه كما ذكره الطيبي، والريف بكسر الراء المهملة أرض فيها زرع وخصب قريبة من العمران، وقوله في السنة التاسعة من نزوله أي نزول هذه الآية مرّة ثانية ببدر كما مرّ وذكر الضمير لتأويله بالقرآن أو الخبر ونحوه من القول لكن لا يخفى أنه ليس في كلام المصنف ما يدل على ما ذكر في النزول وان فسره به بعضهم اعتماداً على ما نقلناه فالصواب أن يبقى نزوله على ظاهره ويراد غزوة مؤتة فإنه قريب من التاريخ المذكور من نزولها أولاً، ولا حاجة أيضا إلى تعدد النزول فإنه يجوز تخالف معنى القراءتين إذا لم يتناقضا وكون فريق غالباً ومغلوباً في زمانين غير متدافع فتأمّل. قوله: (وعلى هذا يكون إضافة الغلب إلى الفاعل) وقد كان مضافا للمفعول كما مرّ أو إلى نائب الفاعل إن كان مصدر المجهول وقد رجحه بعضهم بموافقته للنظم. قوله: (من قبل كونهم غالبين الخ) يعني أنه حذف فيه المضاف، وقدر فبني الظرف على الضم لأنه من الغايات كما بينه النحاة إلا أنه على ما قدره المصنف يتغاير فيه المضافان وهو خلاف الظاهر فلو قدره من قبل هذه الحالة، وبعدها ليتحدا كان أوفق بالمعتاد وتقديم الخبر هنا للتخصيص، وقوله من غير تقدير مضاف إليه وهو المشهور لكنه ذكر السكاكي أنه مقدر فيه أيضا والتنوين عوض عنه، ويجوز كسره من غير تنوين أيضا كما قاله الفراء، وقال الزجاج إنه خطأ لأنه إمّا أن لا يقدر فيه الإضافة فينوّن أو يق! در فيبنى على الضم، وأمّا تقدير لفظه قياساً على قوله: بين ذراعي وجبهة الأسد فقياس مع الفارق لأنه ذكره بعده وما نحن فيه ليس كذلك وقد ذهب إلى قول الفراء ابن هشام في بعض كتبه وقوله أوّلاً وآخرا بالتنوين لأنه ظرف بمعنى قبل، وبعد ولو كان أفعل للتفضيل منع من الصرف وله تفصيل في محله، وقوله يغلب الروم بصيغة المعلوم. قوله: (من له كتاب) وهم الروم والمسلمون أمّا الأوّل فلوقوع غلبتهم واخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوحي، وأمّا الثاني فلغلبتهم في رهانهم كما ذكره المصنف ومن مفعول نصر والتفاؤل تفاؤل المشركين بغلبة فارس لغلبتهم فإذا ظهر خلافه انقلب فألهم طيرة عليهم، ويومئذ متعلق بيفرح أو ينصر وبنصر متعلق بيفرح أو بالمؤمنين. قوله: (ولي بعض أعدائهم بعضاً) أي جعل بعضهم مشتغلاً بقتال بعض حتى تفانوا بالفاء والنون أي حصل لهم الفناء والهلاك كما قيل سعادة المرء ويمن طيره قتل عدوّه بسيف غيره، وقيل إنه بالغين المعجمة بمعنى كفاية المؤمنين، وهو بعيد جدا. قوله: (يثتقم الخ) ناظر إلى قوله العزيز، وقوله متفضل إلى قوله الرحيم ففيه لف ونشر، وقوله مؤكد لنفسه أي كقوله له عبى ألف اعترافاً، وقوله لأنّ الخ بيان للمؤكد لنفسه وهو ما وقع بعد جملة ئتضمن معناه كما في المثال المذكور وعامله محذوف وجوباً، وقوله لامتناع الكذب عليه بناء على أنّ الوعد خبر، وقد قيل إنه إنشاء. قوله: (وعده ولا صحة وعده) قدر مفعوله المحذوف ما ذكر لأنه المناسب للاستدراك، وان صح أنه ينزل منزلة اللازم أو يقدّر المفعول عاماً على أنّ المعنى لا يعلمون شيئا، وليسوا من أولي العلم حتى يعلموا وعده أو صحته، وأمّا كونه المناسب لقوله الآتي إشعاراً بأنه لا فرق فسيأتي ما فيه، وقوله لا تخطر الآخرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 ببالهم فكيف يتفكرون فيها. قوله: (وهم الثانية تكرير للأولى (للتأكيد اللفظي الدافع للتجوز، وعدم الشمول، وان كان الفصل بمعمول الخبر حينئذ خلاف الظاهر لكن حسنه وقع الفعل في التلفظ، والاعتناء بالآخرة وقوله وهو أي هذا الكلام على الوجهين أي التكرير والابتداء، ومناد بمعنى مظهر ظهوراً تاماً وتمكن الغفلة فيهم من تكرير المسند إليه أو الإسناد الدال على الحصر حتى كأنه ليس في الدنيا غافل سواهم مع قصر غفلتهم على أمر الآخرة، وقوله المحققة بزنة اسم الفاعل مجرور صفة لغفلتهم أي غفلتهم مقررة لعلمهم بظواهر الدنيا وزخارفها لأنّ من صرف فكره لذلك كان بمعزل عن الآخرة لأنها ضرتان ومقتضى بزنة المفعول. قوله: (المبدلة الخ) صفة للجملة المراد بها يعلمون ظاهرا الخ فإنها بدل من جملة لا يعلمون فإنّ الجاهل الذي لا يعلم ما وعد الله عباده، ولا يتفكر فيه هو الذي قصر نظره على ما يراه من ظاهر الدنيا والمصحح للبدلية أتحاد ما صدقا عليه، والنكتة المرجحة له جعل علمهم والجهل سواء بحسب الظاهر، وإن تغايرا باعتبار متعلقهما فتدبر. قوله: (تقريرا لجهالتهم) تعليل للمحققة أو للمبدلة أو لمناد والجهالة معلومة من نفي العلم المطلق ظاهراً والمقيد فإنه ناشئ عن فرط جهلهم كما أشار إليه بقوله لجهلهم، وعدم تفكرهم فلا وجه لما قيل إنه لا يظهر إلا باتحاده مع المبدل منه فيتوقف على اعتبار الوجه الثالث لأنه إن أراد اتحادهما في الما صدق فهو مقرر كما عرفته، وان أراد في المفهوم فليس بشرط كما في زيد أخوك قائم. قوله: (وتشبيهاً لهم بالحيوانات) وجه الشبه قوله المقصور الخ، وقوله ببعض ظاهرها متعلق بمقصمور لكونه بمعنى مختص أو الباء بمعنى على كمافي قوله: أرلث يبول الثعلبان برأسه وهو من تنكير قوله ظاهراً كما أشار إليه فإنه للتعليل أو التنويع، وقوله فإنّ الخ تعليل لعلمهم ببعض ظواهرها دون بعض، وحقائقها أي الخارجة والذهنية وخصائصها ما يختص ببعض منها دون بعض، وقوله وكيفية صدورها أي أمور الدنيا منها أي من أسبابها. قوله: (ووصلة إلى نيلها) تفسير لكونها مجازاً أي طريقاً وممرا إلى المقر والأنموذج معرّب نمونه ويقال نموني أيضاً، وقوله في القاموس أنموذح غلط لا وجه له كما مرّ، وقوله واشعارا معطوف على قوله تقريرا وقد علمت وجهه وأنّ العلم وان تعلق بالوعد وصحته فهو مطلق ظاهرا ومسبب عن فرط الجهل فلا يرد عليه إنه إنما يتحقق الإشعار لو أجرى مجرى اللازم، واختار الطيبي أنّ جملة يعلمون استئنافية لبيان موجب جهلهم بوعد الله ولم يرتض البدلية كما فصله. قوله تعالى: ( {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ} الخ (معطوف على ما قبله أو على مقدر أي ألم يتفكروا في مصنوعاته ونحوه، وقوله يحدثوا التفكر بيان لأنّ المراد الظرفية وذكره لزيادة التصوير إذ الفكر لا يكون إلا في النفس، والتفكر لا متعلق له لتنزيله منزلة اللازم، وقوله أو أولم يتفكروا في أمر أنفسهم على أنه متعلق الفكر ومفعول له بالواسطة لأنه يتعدى بفي فالمعنى حثهم على النظر في ذواتهم، وما اشتملت عليه من بديع الصنع مع أنّ أوّله نطفة مذرة وهو كما قيل: وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ربه يظهر ارتباطه بما بعده من غير نظر إلى أنّ النطفة مخلوقة من أغذية أرضية بواسطة أسباب سماوية كما قيل وقوله فإنها بيان لتخصيص الأمر بالنظر بها، وقوله مرآة على التشبيه البليغ، ويجتلي على صيغة المجهول بمعنى يظهر، وقوله في الممكنات أي في النظر لها، وقيل إنه بيان لوجه ارتباطه بما بعده وما قبله على التفسير الثاني، واذا عطف على مقدر كما مر فهو ظاهر، وقوله ليتحقق تعليل للتفكر، وقوله قدرته على إبدائها منصوب بقدرة أي كقدرته الخ وقوله أولم الخ ليس في أكثر النسخ وعلى تقدير وقوعه ينبغي تأخيره. قوله: (متعلق بقول الخ) أي ألم يتفكروا فيقولوا أو فيعلموا الخ، وقد جوز فيه كونه مفعول يتفكروا معلقاً عنه بالنفي وهو بعيد لأنّ التعليق في مثله ممنوع أو قليل، وقوله يدلّ عليه أي على كل منهما لأنّ المحذوف لا بد له من دليل، وقيل إنّ الضمير للعلم لأنّ القول حذفه شائع غير محتاج للدليل، وفيه نظر والدليل قوله يتفكروا لأنّ المتفكر يعلم ويقول. قوله: (تنتهي عنده ولا تبقى بعده) باء بالحق للملابسة أي ما خلقها باطلا ولا عبثا بغير حكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة وإنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 مسمى تنتهي إليه وهو قيام الساعة للحساب والثواب والعقاب ولذا عطف عليه وأنّ كثيرا الخ فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض وقوله بلقاء جزائه ليم يبقه على ظاهره لأنه المراد إذ الكفرة منكرون له. قوله: (عند انقضاء الأجل المسمى) وفي نسخة عند انقضاء قيام الأجل المسمى، وقد قيل إنها سهو من قلم الناسخ إلا أن يتكلف له بجعله من إضافة الصفة للموصوف أي الأجل القائم، والمراد بالأجل جميع المدة ولا حاجة إلى هذا فإنّ القيام يكون بمعنى البقاء، والمعنى عند انقضاء بقاء مدة الدنيا، وهو شامل لما في القبر بخلاف قيام الساعة فيفترقان. قوله: (يحسبون أنّ الدنيا أبدية الخ) إشارة إلى أن كافرون بمعنى جاحدون لقاء الله وجحده بإنكار الآخرة، وقوله تقرير لسيرهم التقرير حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عند. والذي ذكو. النحاة أنّ المقرّر بمه! ما يلي الهمزة والمصنف رحمه الله تعالى أراد تبعاً للزمخشري التقرير بما بعد النفي لا بالنفي فالأولى أن يحمل على الإنكار التوبيخي أو الإبطالي كما في المغنى وهو المراد لأنّ إنكار النفي إثبات لما بعده، وهو المراد بالتقرير والمدمرين المهلكون، وقوله وقلبوا وجهها تفسير للإثارة كما في قوله تثير الأرض وضمير في غيرها لمكة وهي المراد من الوادي، ولو رجع إليه احتاج إلى تاويله بالبقعة لكنه متعين في قوله لا نفع لها الخ. قوله: (وفيه تيكم بهم الخ) أي في هذا الكلام والتهكم جاء من أفعل التفضيل إذ لا مناسبة بينهم وبين أولئك كما قيل: ألم تر أنّ السيف ينقص قدره إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى فتفضيل قوم عاد المعروفين بالنهاية في ذلك يقتضي مشاركتهم لهم، ولا مناسبة بينهم فسقط قول صاحب الفرائد إذ لهم قوة، واثارة حرث وعمارة للدور والأبنية وأولئك أكثر منهم فيها فكيف يتاتى التهكم وقول الطيبي أنى يذهب عليه قوله أثاروا الأرض لا وجه له، وكذا ما قيل ليس فيه أفعل فلا تغفل وكذا ما قيل كلام المصنف ظاهر في أنّ وجه التهكم إنما هو في اغترارهم بالدنيا وافتخارهم بها مع ضعفهم فيها لا من أفعل التفضيل فإنه غير موجه إذلا شك في قوتهم، وعمارتهم الأرض واسننباط الماء وغيره وكون من قبلهم أشد منهم وكون ما ذكر مفيدا للتهكم محل تردد فتدبر، وقوله من حيث للتعليل. قوله: (إذ مدار أمرها) أي مدار أمر الدنيا الذي يفتخر به من يفتخر ما ذكر وهم ضعفاء لا قدرة لهم عليه وأرضهم لا تتحمله، وهو تعليل لما قبله من الافتخار بالدنيا وهم عاجزون عنها ولا حاجة إلى جعله تعليلاً لمقدمة مطوية معلومة من السياق وهي ما كان لهم أن يفتخروا بالدنيا وهذه حالهم ولا إلى جعله تعليلاَ للتهك! م، وقوله بالمعجزات تفسير " للبينات لأنها مثبتة للمدّعي في النبوّة وكذا ما بعده. قوله! : (ليفعل بهم الخ) إنما أوّله به لأنه له أن يفعل في ملكه ما يشاء فلو عذب من غير جرم لا يكون ظلماً عندنا فهو إمّا استعارة أو مثاكلة، وإن كان النفي بحسب الظاهر لا يحتاج إلى التأويل لكنه مؤوّل لأنه يشعر باحتماله كما مر تحقيقه في، لبقرة، والتذكير مفهوم من مجيء الرسل والتدمير ايلاك، وتقديم أنفسهم على يظلمون للفاصلة أو للحصبر بالنسبة للأنبياء الذين ص يدعونهم، وقوله ثم هي إما للتراخي الحقيقي أو للاستبعاد والتفاوت في الرتبة. قوله: (العقوبة الخ) بيان لموصوفه المقدر وقولمه " للدلالة الخ وهو كونهم أساؤوا فجوزوا من جنس أعمالهم، ولو أتى بالضمير فاتت هذه الأدلة وقوله جاؤوا كذا في النسخ؟ والأولى أن يقول جوزوا وقوله علة أي هو بتقدير اللام، والأصل لأن كذبوا وهو تعليل لسوء عاقبتهم وقوله للسو أي متعلق بالوجهين الأخيرين لا بالوجوه لمثلاثة لأنه ليس علة للسوأى بل لكون عاقبتهم سوأى، وهو يتعلق حبنئذ بكان أو بمقدر لا بالسوأى كما قيل لأنّ المعنى ليس عليه ولا بأساؤوا لئلا يلزم الفصل بالأجنبيّ، وهو الخبر ولا يرد على العلية أنها بينت قبل بوضع الظاهر موضع الضمير لأنها مجملة وهذه مبنية لها، ولك أن تجعلها خبر مبتدأ محذوف على أنها بيان للإساءة كما أشرنا إليه، وتوله والسوأى مصدر الخ أي إذا كان أن كذبوا خبر كان فالسوأى مفعول مطلق لأساؤوا من- غير لفظه لا بحذف الزوائد كما توهم أو مفعول به له لأنّ أساؤوا بمعنى اقترفوا واكتسبوا، والسوأى بمعنى الخطيئة لأنه صفة أو مصدر مؤول بها وهو مصدر من غير فعله لأنّ مصدره الإساءة وأمّا كونه صفة مصدره أي الإساءة السوأى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 فبعيد لفظا ومستدرك معنى، ثم كون التكذيب عاقبتهم مع أنه! م لم يخلوا عنه إمّ باعتبار استمراره أو باعتبار أنه عبارة عن الطبع كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (ويجوز أن تكون السوأى صلة الفعل الا خبراً بأن يكون مصدراً أو مفعولاً به له ولا يأباه كون أن كذبوا تابعاً له أي بدلاً أو عطف بيان ويجوز أيضاً كونه علة وتقديره لأن كذبوا وتقدير الخبر وخيمة، ونحوه والإبهام باحتماله وجوها في التقدير والتهويل لإيهامه أنه لا يمكن التعبير عنه، وهذا لا ينافي كون المحذوف لا بدّ له من القرينة فتأمل. قوله: (لأن الإساءة الخ) أي لأنّ الإساءة تكون فعلية، وقولية والمراد على هذا الوجه الثاني فيوجد شرطها وهو كون ما قبلها متضمناً لمعنى القول دون حروفه، والمفسر إمّا أساؤوا أو السوأى من غير تكلف. قوله: (على الوجوه المذكورة) يعني إذا كان اسم كان السوأى فإن كذبوا بدل أو عطف بيان أو علة، واذا كان أن كذبوا اسمها فالسوأى مفعول به أو مطلق. قوله: (والعدول إلى الخطاب الخ) يعني أنّ الأصل هنا، ومقتضى الظاهر الغيبة لكنه عدل عنه إلى خطاب المشركين لمكافحتهم بالوعيد ومواجهتهم بالتهديد، والمبالغة في إيهام أنه مخصوص بهم وتقديم إليه للتخصيص، والمراد بالمقصود المقصود من هذا الكلام، وهو وعيدهم. قوله: (يقال ناظرته فأبلس) قال الراغب: الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس، ولما لزمه السكوت ونسيان ما يعنيه قيل أبلس بمعنى سكت وانقطعت حجته، وقوله لا ترغو بالغين المعجمة أي لا تصوت والرغاء صوت ذوات الخف، وقوله من أبلسه ظاهره أنه يكون متعديا وقد أنكره أبو البقاء والسمين وغيرهما حتى تكلفوا، وقالوا: أصله يبلس إبلاس المجرمين على إقامة المصدر مقام الفاعل، ثم حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يخفى عدم صحته لأنّ إبلاس المجرمين مصدر مضاف لفاعله، وفاعله هو فاعل الفعل بعينه فكيف يكون نائب الفاعل فتأمل. قوله: (ممن أشركوهم بالله) من الأوثان أو الشياطين أو رؤسائهم كما في مر النحل أي ممن أشركوهم في العبادة، ويجوز أن تكون الإضافة لإشراكهم في أموالهم والمراد بالماضي المضارع المنفي بلم، وقوله كانوا واليه أشار بقوله يكفرون الخ، وذكرها للدلالة على الاستمرار لا المحافظة على رؤس الفواصل كما توهم فإنها ليست بزائدة، ولو سلم بأن يراد الزيادة على أصل المعنى مع أنّ قصد الاستمرار يأباه فلو قيل وهم بشركائهم كافرون كان هو المناسب للفاصلة الواوية، وقوله بآلهتهم في نسخة بآلهيتهم وهو إشارة إلى وجه إقامة الظاهر مقام المضمر إذ لم يقل بهم، وقوله وقيل الخ على أنه على ظاهره من المضيّ والباء سببية حينئذ ولم يرتضه لقلة فائدته، ولأنّ المتبادر أنّ يوم تقوم الساعة ظرف له، ولذا قيل إنّ المناسب عليه جعل الواو حالية فالمعنى أنهم لم يشفعوا لهم مع أنهم سبب كفرهم، وهو أحسن من جعله معطوفاً على مجموع الجملة مع الظرف مع أنه عليه ينبغي القطع للاحتياط إلا أن يقال إنه ترك تعويلاً على القرينة العقلية فيه، وهو خلاف الظاهر. قوله: (وكتب في المصحف) على خلاف القياس بواو بعدها ألف والقياس ترك الواو أو تأخيرها عن الألف لكن الأوّل أحسن كما ذكر في الرسم، وكذا رسم علماء في الإمام على خلاف القياس، وأما السوأى فرسمها في المصحف العثماني كما في شرح الرائية فصورت فيها الهمزة ألفا مع سكون ما قبلها والقياس خلافه لأنها ترسم بصورة تسهيلها، ولا ياء فيها بعد الألف كما ذكره السخاوي والقياس إثباتها والتنظير به في مجرد مخالفة القياس مع ذكره في هذه السورة، وكذا هو مذكور في كتب الرسم وان كان كلامهم فيه لا يخلو عن الإشكال لكن لا حاجة إلى حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه، وقوله إثباتاً للهمزة الخ راجع لهما فإن الواو هي صورة الهمزة في شفعاء، والألف صورتها أيضاً وأمّا الألف بعد الواو كما في بعض الكتب فزيادة بعدها كما بعد واو الجمع كما ذكره الشاطبيّ رحمه الله تعالى فقال: وصورت طرفا بالواو مع ألف في الرفع في أحرف وقد علت خطرا أبنواء مع شفعواء مع دعواءبغا فرنشواءبهود وحده شهرا وفيه كلام في الكشف والمقام لا يحتمل الزيادة فإن أردت فانظره من قال إنه راجع للأخير فقد وهم. قوله: (يتفرّقون) أي في المحال والأحوال، وقوله المؤمنون والكافرون أي الدال عليهما ما قبلهما من عموم الخلق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 وما بعده بقوله فامّا الذين الخ، والروضة البستان وتخصيصها بذات الأنهار بناء على العرف وتهلل الوجه ظهور أثر السرور عليه، وقوله مدخلون أخذه من لفظ في العذاب ولا يغيبون معنى قوله محضرون. قوله: (أخبار في معنى الآمر) ذكر عقب الوعد والوعيد ما هو وسيلة للفوز والنجاة من تنزيه الذات عما لا يليق به والثناء عليه بصفاته الجميلة وأداء حق العبودية فالفاء للتفريع على ما قيل فكأنه قيل إذا صح، واتضح عاقبة المطيعين والعاصين فقولوا نسبح سبحان الخ والمعنى فسبحوه تسبيحا دائماً، وقدره خبرا في معنى الأمر لأنّ سبحان مصدر لا يتصرف، ولا ينصبه فعل الأمر لأنه إنشاء من نوع آخر لكنه نائب مناب الأمر، والشرط والجواب مقول على ألسنة العباد على ما فصله في الكشاف وفيه بحث. قوله: (في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته) هي أوقات الصباح والمساء بالإخراج من الظلمات إلى النور وعكسه، وقدم الإمساء لتقدم الليل والظلمة وقوله وتتجدد فيها نعمته هي أوقات الظهيرة والآصال لأنها أوقات التعيش وا! ل والشرب، ولذا خص الأوّلين بالتنزيه والأخيرين بالتحميد كما أشار إليه الممصنف رحمه الله تعالى. قوله: (أو دلالة الخ) معطوف على قوله إخبار في معنى الأمر فلا يكون في معنى الأمر بل هو باق على أصله، وقوله من الشواهد خبر أنّ وضميبر فيها لجميع هذه الأوقات ولعل ارتباطه حينئذ بما قبله من عقوبة الكافرين واستحقاقهم للعقاب كأنه قيل هؤلاء مستحقون للعذاب الشديد فإنهم كفروا مع قيام الشواهد على التوحيد ونداء الكون على التنزيه والتحميد فلا وجه لما قيل إنه لا يظهر ارتباطه بما قبله، ولا لما قيل إنّ الظاهر عطفه بالواو لأنه لا يصلح وجهاً مستقلاَ لما ذكر فتدبر، وقوله ممن له تمييز الخ توجيه لذكر قوله في السموات والأرض وأنهما كناية عن العموم لمن فيهما. قوله: (ويجوز أن يكون عشياً الخ) وعلى الأوّل كان معطوفا على قوله في السموات والأر ض، ووجه التخصيص ما مر وعلى هذا لا تخصيص فيه كذا قيل وأورد عليه أنه لا يتأتى هذا العطف فإنه لا يعطف ظرف الزمان على المكان ولا عكسه كما مر في سورة التوبة في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [سورة التوبة، الآية: 25] وهذا غير وارد على المصنف رحمه الله تعالى لأنه لم يصرح به فيحتمل أن يكون معطوفا على مقدر تقديره، وله الحمد في السموات والأر ض دائماً وعشياً على أنه تخصيص بعد تعميم فتأمل، وجعل الجملة على هذا معترضة لا حالية كما قيل لأنه خلاف الظاهر. قوله: (ولذا زعم الحسن الخ) عبر بالزعم إشارة إلى ضعفه لأنّ الصلاة فرضت بمكة على الصحيح، ويدلّ عليه حديث المعراج الثابت في الصحيحين، وقوله في أفي وقت اتفقت أي اتفقت الصلاة فيه، وترك ما في الكشاف " عن عائشة رضي الله عنها من أنها فرضت بمكة وكعتين في كل وقت فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة أقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر " وهو القول الثالث لأنه دليل الحنفية في أن قصر الصلاة عزيمة لا رخصة، والذي ارتضاه ابن حجر في شرح البخاريّ جمعا بين الأدلة أنّ الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت عقب الهجرة إلا الصبح كما روي عن عائشة رضي الله عنها من طرق شتى، ثم لما استقرّ الحال فيها خفف منها في السفر عند نزول آية القصر فتكون رخصة، وعلى قول ابن عباس التسبيح والتحميد عبارة عن الصلاة كما مر في التعبير عنها بالذكر. قوله: (وعته عليه الصلاة والسلام الخ) أخرجه أبو داود والترمذي والعقيلي، وقال البخاري: إنه ليس بصحيح ورواه الثعلبيّ بسند ضعيف وقوله يكال الخ القفيز مكيال معروف والا وفي بمعنى التامّ الكبير وهو استعارة عن كثرة العطاء والثواب ومعنى أدرك ما فاته وصل إلى ثواب عظيم فاته أو جبر به ما وقع من التقصير منه لأنها مكفرة له، وقدر فيه على التنوين لأنّ الجملة صفة حينئذ لا بد لها من عائد، وإذا أضيفت لا يجوز ذكر الضمير. قوله: (كالإنسان) فيخرج بمعنى ينشئ هنا لا فيما بعده، وقوله أو يعقب الحياة الموت، وفي نسخة بالموت وهذا تفسير لهما أو للثاني والأوّل أظهر فتدبر، وقوله بالنبات إشارة إلى أنه استعارة كالموت بالنسبة لها، وقوله ومثل ذلك الإخراج الإشارة إلى الإخراح المذكور بعده كما مر تحقيقه أو إلى إخراح النبات المفهوم مما قبله، وقوله أيضاً أي كحياة الأرض بعد موتها. قوله: (لأنه خلق أصلهم منه) يعني آدم عليه الصلاة والسلام، أو النطفة والمادّة كما مر فهو مجاز أو على تقدير مضاف، ومعنى من آياته من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 دلائل قدرته ووقوع البعث المذكور سابقاً. قوله: (ثم فاجأتم) إشارة إلى أنّ إذا فجائية، وثم للتراخي الحقيقيّ لما بين الخلق والنشر من المدّة كما قاله أبو حيان وقال الطيبي إنها للتراخي الرتبي لأنّ المفاجاة تأبى الحقيقيّ وردّ بأنه لا مانع من أن يفاجئ أحد أمرا بعد مضي مدة من أمر آخر أو أحدهما حقيقيّ، والآخر عرفيّ ولا يخفى أنه على تسليم صحته يأباه الذوق فإنه كالجمع بين الضب، والنون فما ذكره الطيبي أنسب بالنظم القرآني، والمراد بالانتشار في الأرض الذهاب للمحشر. قوله: (لأن حوّاء خلقت من ضلع آم) عليه الصلاة والسلام فمن تبعيضية والأنفس بمعناها الحقيقيّ، والمعنى خلق أصل هذا الصنف من أصل الصنف الآخر فنسب ما للبعض للكل، وقوله أو لأنهت الخ فمن إبتدائية والأنفس مجاز عن الجنس كما في قوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 128] أي من جنسكم كما مز، وقوله لتميلوا إليها يقال سكن إليه إذا مال وفسر الميل بالإلفة، وقوله تألفوا أصله تتألفوا ولذا عداه بالباء، وقوله الجنسية علة للضمّ يعني تجانس ذوي الاً رواح سبب لانضمام بعضها البعض وكون أحدهما مع الآخر واختلاف الجنس سبب لضده، وهو بيان لتعليل الخلق من الأنفس بالميل على الوجهين أو على الثاني لظهور ميل كل أحد لحزبه، وقوله بينكم فيه تغليب كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله بواسطة الزواج بالكسر على التفسير الأوّل، وقوله نظما لأمر المعاش تعليل لعدم اختط صه بحال الشبق، وخصه بالأوّل وإن كان الثاني كذلك أيضاً لأنّ قوله تعيش الإنسان في معناه فلا ركاكة فيه كما توهم، وقوله أو بأن الخ معطوف على قوله بواسطة، وهو على الثاني ففيه لف ونشر، والشبق هيجان القوّة الشهوانية وغيرها بالنصب عطف على حال والضمير لها لأنها مؤنث سماعيّ، وقوله بخلاف سائر الحيوانات فإنها إنما تتوإدّ حال الشبق والباء فيهما للعببية، أو للاستعاشة. قوله: (وقيل المودّة الخ (كون المودّة بمعنى المحبة كناية عن الجماع للزومها له ظاهر، وأمّا كون الرحمة كناية عن الولد للزومها له فلا يخلو عن بعد والآية المذكورة في سورة مريم ولم يفسرها ثمة بما ذكر هنا، وقوله لغاتكم إشارة إلى وجه التخصيص، وذلك إشارة إلى جميع ما تقدّم لأنه تذييل له أو إلى ما قبله، وقوله لغاتكم إشارة إلى أنّ اللسان بمعنى اللغة لا الجارحة، وقوله بأن علم الخ بناء على أنّ وأضع اللغة هو الله وما بعده على أنه البشر بإلهامه على ما عرف في الأصول، وقوله أو أجناس نطقكم بالجرّ عطف على لغاتكم واختلافها جهرا وفصاحة وغير. مما هو مشاهد. قوله: (بياض الجلد وسواده) هو تمثيل فيشمل غيره، وقوله أو تخطيطات الأعضاء أي تصويرها فالمراد بالألوان الضروب والأنواع كما يقال ألوان الطعام لأصنافه فهو أعمّ من التفسير الأوّل، وحلاها بضمّ الحاء وكسرها جمع حلية بالكسر وهي معروفة، وقوله بحيث الخ بيان لحكمته ونتيجته، وقوله من ملك الخ بيان لعموم العالمين وقراءة حفص بالكسر لأنهم المنتفعون بها، والمعتدّ بهم وما عداهم كالهوام. قوله: (منامكا) أي نومكم واستراحتكم في الزمانين الليلى على المعتاد فيه، والنهار كنوم القيلولة وكذا الابتغاء، والكسب نهارا على المعتاد وليلاً كما يقع في الليل من بعض الأعمال لا سيما في البلاد الحارة وفي أطول الليالي كما نشاهده فيكون الليل والنهار راجعاً لكل من المنام والابتغاء من غير لف، ونشر فيه وهو المتبادر ولذا قدّمه والمراد بالقوى النفسانية المدركة والطبيعية ما عداها كالمحركة ونحوها. قوله: (أو منامكم بالليل وابتناؤكا بالنهاو الخ) هذا على أنّ الآية من اللف والنشر على جعل الليل للمنام، والنهار للابتغاء لوروده في كثير من الآيات كذلك وأصله ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار على أنّ الجار والمجرور حال مقدّمة من تأخير أي كائنين بالليل والنهار، أو خبر مبتدأ محذوف والجملة معترضة أي وذلك بالليل والنهار فلا يحتاج إلى حذف حرف الجرّ والتكلف الذي تكلفه المعرب ويكون لفاً ونشراً اصطلاحيا، ومعنى قول أهل المعاني في تعريفه ذكر متعدّد على جهة التفصيل أو الإجمال، ثم ذكر ما لكل من غير تعيين ولو تقديراً لأنه في نية التأخير والنكتة فيه الاهتمام بشأن الظرف لأنّ الآية الليل والنهار في الحقيقة لا المنام والابتغاء مع تضمن توسطهما مجاورة كل لما وقع فيه فقوله فلف أي لفا اصطلاحيا لا لغوياً كما قيل وقوله وضم بين الزمانين أي الليل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 والنهار والمراد بالفعلين معناهما اللغوي، وهو النوم والابتغاء وقد وقع في نسخة العاملين وظاهره أنّ المصدرين عاملان قي الجار والمجرور لا يصح توارد عاملين على معمول واحد ولا مجال للتنازع هنا فإن كان على التوزيع لزم كون النهار سولاً للابتغاء مع تقدّمه، وعطفه على معمول منامكم مع حذف حرف الجرّ وهو تعسف ظاهر ولو أريد بالعاملين ما يصلح للعمل وإن لم يعمل هنا، وقوله بعاطفين أي لم يكتف بعاطف بأن يقال منامكم بالليل، وابتغاؤكم بالنهار. قوله: (1 شعارا الخ) يعني أنه على تقدير اللف غير الترتيب مع أنّ القصد التوزيع للأشعار بأنّ كلاً من الزمانين الليل والنهار، وان اختص على هذا التقدير لا أنهما صالحان لكل منهما أمّ صلاحيتهما للمنام فظاهر من ذكرهما عقبه وتبادر تعلقهما به، وأمّا صلاحيتهما للابتغاء فلأنّ القيد المتوسط متعلق بالمتعاطفين، وإطلاق الابتغاء يدل على عدم اختصاصه بزمان ولا يرد عليه أنّ الإشعار حاصل لو قيل منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار لأنه قد يقال المتبادر منه تعلقه يما جاوره خصوصاً إذا قيل إنّ عمل المصدو الميمي قليل، وقوله! يؤيده الخ فإنها صريحة في التوزيع ولذا ارتضاه الزمخشريّ، وقال إنه الوجه وقد علمت إندفاع ما أورده عليه ابن! شام من لزوم كون النهار معمولاً للابتغاء مع تقدمه عليه، وعطفه على معمول منامكم وم! وبالليل وان كانت عبارة المص! نف مقتضية لما أورده، وبعد كل كلام فما ذكروه غير صاف من الكدر. قوله: (فإنّ الحكمة فيه) أي فيحا محر ظاهرة فيكفي مجرّد سماعها لمن له فهم وبصيرة ولا تحتاج إلى المشاهدة وأن كانت مبصرة، وقوله مقدّر بان المصدرية لأنّ الآية الإراءة بل المرئي وإذا حذفت أن من الفعل يرتفع كما في الآية وقد يبقى صنصوباً لكنه شاذ وعليه روي قوله ألا أيهذا البيت بنصب الراء وه! ومن قصيدة طرفة بن العبد البكري المشهورة التي أوّلها: لخلولة إطلال ببرقة تهمد ظلل! ت بها أبكي وأبكي إلى الغد والا للتنبيه وأيّ منلاى حذف منه حرف النداء، وهذا صفة لأيّ والزاجري بدل منه وأل فيه موصولة ولذا ساغ فيه الإضافة لياء المتكلم والوغى الحرب وهل للاستفهام الإنكاري، ومخلدي مضاف إلى ضمير المتكلم وعطف قوله وأن أشهد دليل على الحذف مما قبله يقول لمن منعه من حضور المحاربات، والافهماك في اللذات هل أنت ضامن لي الخلود في الدنيا حتى لا ألج المهالك ولا أستعجل الشهوات. قوله: (أو الفعل فيه منزل منزلة المصدر) أي من غير تقدير لأن المصدرية بل هو من استعماله في جزء معناه، وهو الحدث وقطع النظر عن الزمان فيكون اسماً في صورة الفعل كما أنّ صلة أل فعل في صورة الاسم فيكون يريكم بمعنى الرؤية كما في المثل المذكور فإن تسمع بمعنى سماعك واقع موقع المبتدأ وخير خبره، وكذا البيت لأنّ مراده أنّ الدهر ليس إلا تارتان وحالان أحدهما الموت والآخر الكدح أي الكد والتعب في طلب المعيشة وال! مثل مشهور يضرب لمن علاصيته، وذكره وهو دودط ذلك عند المشاهدة، وقد جوّز في المثل أن يكون مما حذف فيه أن أيضاً وأيد بانه روي فيه تسمع بالمنصب أيضاً، وإن كان المشهور خلافه لكنه قيل إنّ المصنف رحمه الله لم يرتضه لأنّ المعنى س ليس على الاسنقبال، وأمّا أن تراه فالاستقبال فيه بالنسبة إلى السماع فلا ينافيه. قوله: (من الصاعقة أو للمسافر) وفي نسخة إسقاط أو والصحيح الأولى، وهو المطابق لما في الكشاف وخوف المسافر لأنّ المطر يضرّه لعدم ما يكنه ولا نفع له فيه، وقوله على العلة على أنه مفعول له ولما اشترط فيه الجمهور اتحاد المصدر والفعل المعلل في الفاعل، وهنا ليس كذلك لأنّ فاعل الإراءة هو الله وفاعل الطمع والخوف العبد أشار إلى توجيهه بوجوه مستأتي فإن قلت الخوف والطمع مخلوقان لله فحينئذ يوجد الشرط من غير تأويل قلت قال في الانتصاف وغيره من شروج الكشاف إنّ معنى قول النحاة لا بد أن يكون فعل الفاعل أنه لا بد من كونه متصفاً به كالإكرام في قولك جثتك إكراما، وهذا مما لا شبهة فيه فإنّ الفاعل اللغوي غير الفاعل الحقيقيئ فالتوقف فيه، وادّعاء أنه لا حجر في النصب على التشبيه في المقارنة والاتحاد المذكور مما لا وجه له. قوله: (فإن إراءتهم تستلزم الخ) قيل عليه الخوف والطمع ليسا غرضين للرؤية ولا داعيين لها بل يتبعانها فكيف يكونان علة على فرض الاكتفاء بمثله عند الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 من اشترط ذلك ووجه بأنه ليس المراد بالرؤية مجرّد وقوع البصر عليه بل الرؤية القصدية بالتوجه والالتفات فهو مثل قعدت عن الحرب جبنا، وتأويله بالإخافة إمّا بأن يجعل أصله ذلك على حذف الزوائد أو بأن يجعل مجازا عن سببه وعلى الحالية فهو مؤوّل بالوصف وكذا إذا جعل مصدر الفعل فهو حال أيضاً. قوله: (وقرئ بالتشديد) هذا على خلاف معتاده في التعبير بمثله في الشواذ وهي قراءة عن ابن كثير والبصريين لكنه لا ضير فيه فإنه وقع فيه مثله كثيرا تعويلا على الشهرة، والباء في قوله به للسببية والضمير للماء، وقوله بالنبات باؤه للملابسة فلا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد، وقوله يستعملون عقولهم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم وضممير أسبابها للمذكورات. قوله تعالى: ( {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء} الخ) إظهار كلمة أن هنا التي هي علم في الاستقبال لأنّ القيام بمعنى البقاء، لا الإيجاد وهو مستقبل باعتبار أواخره وما بعد نزول هذه الآية وما قيل إنه للإعلام بانهما يبقيان مدّة معلومة له تعالى في المستقبل لا وجه له إلا أن يريد ما ذكرناه. قوله: (قيامهما بإقامتة لهما الخ) يعني أنّ القيام هنا بمعنى البقاء بعد الإيجاد، وقوله واوادته لقيامهما تفسير للأمر واشارة إلى أنه كقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} والمراد الدخول تحت الوجود على وفق إرادته من غير توقف وامتناع، ولا قول ولا أمر حقيقة ثمة، قال الإمام قوله بامره أي بقوله قوما وارادته قيامهما وهذا وإن كان الأمر عند المعتزلة الإرادة أو مستلزم لها لا عندنا لكن الخلاف بيننا وبينهم في الأمر التكليفي لا في التكويني فإنه لا نزاع في أنه موافق للإرادة ففيه استعارة تصريحية في أمره ومكنية وتخييلية أو تمثيلية في تقوم السماء وكون المقيم غير محسوص كقوله بغير عمد من قوله بأمره، واليه أشار بقوله والتعبير الخ. قوله: (على ئأويل مفردا لأنها جملة شرطية ممدرة بإذا الشرطية، واذا الثانية فجائية واقعة في جوابها والجملة لا تعطف على المفرد إلا إذا تجانسا بالتأويل كما صرّح به الرضى فلذا أوّلها بمفرد، والداعي له هنا أيضاً كون المعطوف كليه مبتدأ والمبتدأ لا يكون جملة إن لم يقصد لفظه كما في نحو لا إله إلا الله كلمة الشهادة، ولم يجعلها معطوفة على جملة من آياته أن تقوم الخ وإن كان لا تكلف فيه لأنّ المقصود عده آية لكن في وقوع الجملة مبتدأ بالتأويل نظر إلا أن يقال إنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع فتأمّل وواحدة من التاء وبناء المرّة. قوله: (والمراد تشبيه الخ) فهو استعارة تمثيلية، أو تخييلية ومكنية بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذهاب إلى محل ملك عظيم يتهيؤون لذلك، واثبات الدعوة لهم قرينتها، أو هي تصريحية تبعية في قوله دعاكم الخ فإنه على وجه التشبيه وليس وجهاً آخر كما توهم حتى يكون حقه العطف بأو وعليه لا يحتاج إلى توجيه الخطاب للموتى وهم كالجماد، والسرعة مستفادة من تنكير دعوى واذا الفجائية والتجشم التكلف، وقوله إجابة الداعي مضاف للمفعول أي إجابة المدعو للداعي، وقوله بسرعة متعلق بتشبيه. قوله: (وثم إمّا لتراخي رّمانه) فتكون على حقيقتها، ولذا قدّمه لأنه الأصل، وقوله أو لعظم ما فيه أي ما في المعطوف من إحياء الموتى فتكون للتفاوت في الرتبة لا للتراخي الزماني، والمراد عظمه في نفسه وبالنسبة إلى المعطوف عليه فلا ينافي قوله وهو أهون عليه، وكونه أعظم من قيام السماء والأرض! لأنه المقصود من الإيجاد والإنشاء وبه استقرار السعداء والأشقياء في الدرجات والدركات، وهو المقصود من خلق الأرض والسموات فاندفع اعتراض صاحب الانتصاف بأنه على تسليمه مرتبة المعطوف عليه هنا هي العليا مع أنّ كون المعطوف في مثله أرفع درجة أكثريّ لا كليّ كما صرّح به الطيبي هنا فلا امتناع فيما منعه وهي فائدة نفيسة، ويجوز حمله على مطلق البعد الشامل للزماني والرتبى كما في شرح الكشاف. قوله: (متعلق بدعا الا بدعوة ولا بتخرجون لما ذكره من لابتداء الغاية لا للانتهاء، وإن أثبته بعض النحاة لأنّ كلام المصنف يخالفه لأنّ قوله فطلع إليّ مناد على خلافه، ونيابة إذا الفجائية عن الفاء لاشتراكهما في التعقيب، وقوله منقادون لفعله وإن لم ينقد بعضهم لأمره، وقوله عليه الضمير لله أو لفعله وأعاد قوله، وهو الذي يبدؤوا الخلق لشذة إنكارهم للبعث، وقوله الاً صل هو الإنشاء ابتداء. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 (بالإضافة إلى قدركم) هو جمع قدرة والجارّ والمجرور متعلق بأسهل، ولا حاجة لتأويله بالحكم بزيادة السهولة بل لا فائدة فيه لأنه يكفيه رائحة الفعل، وإنما الممتنع نصبه للمفعول كما صرّحوا به، يعني أنّ الأهونية على طريقة التمثيل بالنسبة لما يفعله البشر مما يقدرون عليه فإنّ إيجاد شيء ابتداء أصعب على الناس من إعادة فعله ثانياً من مادّته الأولى، وقوله والقياس على أصولكم أي على قواعد الناس المقرّرة عندهم فهو تقريب لعقول الجهلة المنكرين له، وقوله ولذلك أي لكونهما عليه سواء جعل بعضهم ضمير عليه للخلق بمعنى المخلوق لأنّ ذلك أسهل عليه من ابتدائه، وتكميله في أطواره تدريجاً من دعوته ليخرج أو أنهم يهون عليهم إعادة شيء وفعله ثانيا بعدما زالوا فعله وعرفوه أوّلاً فإذا كان هذا حال المخلوق فما بالك بالخالق، وبهذا تظهر مناسبته للمقام، وقوله وتدكير هو أي ضمير الإعادة لرعاية الخبر أو لتأويله بأن، والفعل وهو في حكم المصدر المذكر أو لتأويله بالبعث، ونحوه وكونه راجعاً إلى مصدر مفهوم من يعيد وهو لم يذكر بلفظ الإعادة لا يفيد لأنه اشتهر به فكأنه إذا فهم منه يلاحظ فيه خصوص لفظه كما ذكره الشريف في البقرة فتأمّل. قوله: (الوصف العجيب الشأن الخ) لأنّ المثل يستعار لذلك كما مرّ في سورة البقرة، وقوله كالقدرة إشارة إلى رتباطه بما قبله لأنه لما جعل ذلك أهون عليه على طريق التمثيل عقبه بهذا فكأنه قيل هذا لتفهم العقول القاصرة أنّ صفاز (عجيبة، وقدرته عامّة وحكمته تامّة فكل شيء بداءة، واعادة وايجادا وإعداما عنده على حدس س اء، ولا مثل له ولا نذ وكذا تفسيره بلا إله إلا إلله على إرادة الوحدانية في ذاته وصفاته فهو مرتبط بما قبله لأنه لا يشاركه فيها أحد بوجه من الوجوه فكيف يمثل به في أفعاله بدأ، واعادة فلا وجه لما قيل إنه متعلق بما بعده فقط فتأمّل. قوله: (الذي ليس لنيره ما يساويه) أي في صفاته على أنّ المثل بمعنى الصفة كما مرّ ونفي المساواة من تقديم له المفيد للحصر وعدم المداناة من الفحوى، وقال الزجاج المراد بالمثل قوله وهو أهون عليه فاللام فيه للعهد فحمل المثل على ظاهره، وعلى ما ذكره المصنف هو مجاز عن الوصف العجيب فيشمل القول، وغيره مما هو جار على ألسنة الدلائل، ولسان كل قائل، وقوله وصفه به تفسير لكون صفته فيهما بأن من فيهما من العقلاء وغيرهم يصفه بها إمّا بالدلائل العقلية على صانعه أو بالنطق بها فهو كقوله وان من شيء إلا يسبح بحمده. قوله: (القادر الخ) فسره به لأنّ العزيز بمعنى الغالب، والغلبة مقتضى القهر والقدرة، وقوله عن إبداء الخ من المقام وبه يرتبط أتم ارتباط بما قبله، وقوله منتزعا إمّا لأنّ متعلقه خاص أو هو بيان لحاصل المعنى، وقوله أقرب الخ يعني أنها أظهر، وأتم كشفا، وقوله وغيرها كالحقوق والأزواج. قوله: (فتكونون أنتم وهم فيه شرع) تفسير لقوله فأنتم فيه سواء وفي نسخة فتكونوا بالنصب في جواب الاستفهام، وقوله وهم أي المماليك إشارة إلى أن أنتم شامل لهم بطريق التغليب لأنه مقتضى المقام والتفريع وشرع بالرفع خبر أنتم وهم والجملة خبر كان فلا يتوهم أنّ حقه النصب وشرع بفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة وبعده عين مهملة بمعنى سواء كما في الفصيح وفي اللامية: مجدي أخيرا ومجدي أوّلاً شرع قال ابن درستويه في شرح الفصيح كانه جمع شارع كخادم وخدم أي كلكم يشرع فيه شروعاً واحداً ويستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد وغيره وأجاز بعض اللغويين تسكين رائه وأنكره يعقوب في الإصلاح، اهـ فمن قال إنه بكسر الشين بمعنى مثل فقدوهم وقوله يتصرّفون الخ بيان لمعنى التسوية، وقوله وانها أي الأمور التي في أيديكم عارية لأنّ المالك هو الله ومن الأولى في من أنفسكم والثانية في مما ملكت، وجعل الاستفهام الإنكاري في معنى النفي لأنّ من تزاد باطراد بعده. قوله: (أن يستبدوا) أي يستقلوا وهو مفعول تخافون، وقوله كما يخاف الأحرار الخ بيان لمعنى الأنفس وأنّ المراد منه النوع كما مرّ تحقيقه مراراً، وقوله مثل ذلك التفصيل فيه الوجهان السابقان، وجملة تخافونهم حال من فاعل سواء أو مستأنفة. قوله: (فإنّ التفصيل الخ) توجيه لتفسيره به وفي نسخة فإن التمثيل، وهو إشارة إلى أنّ المراد التبيين بالتمثيل السابق لأنّ التمثيل تصوير للشيء بصورة هي أظهر منه ليتضح، وهو المناسب لقوله في تدبر الأمثال، وقوله بل أتبع إضراب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 مع التفات وأقيم الظاهر فيه مقام الضمير للتسجيل عليهم، وقوله فإنّ العالم الخ تعليل وتوجيه لذكر قوله بغير علم والفاء في قوله فمن في جواب شرط مقدّر لا سببية لأنه يأباه قوله من أضل الله، والاستفهام إنكاريّ وقوله يقدر إشارة إلى أنه مستعمل في القدرة مجازاً لأنّ مجرّد الدلالة واقع من غيره كالرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله: (فقوّمه له) أي أجعله مستقيماً متوجها له، ولذا قال حنيفا أي مستقيماً من حنف إذا استقام فهي حال مؤكدة حينئذ، وقوله غير ملتفت بوزن اسم الفاعل تفسير له على أنه حال من فاعل أقم أو مفعوله، وقوله أو ملتفت عنه بزنة اسم الفاعل تفسير له على أنه حال من فاعل أقم أو مفعوله، وقوله أو ملتفت عنه بزنة المفعول على أنه من الدين وهو فعيل بمعنى مفعول من حنف كضرب إذا مال ولم يجعله بمعنى مستقيما لنبوّ قوله: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [سورة التوبة، الآية: 36] عنه وعنه تنازع فيه الاسمان كذا قيل وأوود عليه أنّ ما بمعنى الاستقامة أحنف لا حنيف كما في القاموس فهو من الميل عليهما كما فسره سابقاً بقوله مائلاً عن الباطل الخ، ووجه عدم تفسيره بمستقيما على الثاني حينئذ ظاهر، وما ذكره من النبوّ سهل والمفهوم من القاموص أنّ حنيفا لا يكون بمعنى المفعول أصلاَ وليس هذا كله بشيء لأنّ أصل الحنف الميل عن الضلال إلى الاستقامة، وضده الجنف بالجيم ففيه دلالة على الميل والاستقامة معاً وكلام القاموس في مثله ليس بحجة فهو على الحالين بمعنى، وما ذكره لمصنف توضيح للوجهين لأنّ معنى اسنقامة الدين استقامة متبعه فتأمّل. قوله: (وهو) أي قوله أقم الخ تمثيل الخ الظاهر أنه أراد أنه استعارة تمثيلية بتشبيه المأمور بالتمسك بالدين ورعاية حقوقه وعدم مجاوزة حدوده والاهتمام بأموره بمن أمر بالنظر إلى أمر وعقد طرفه به وتسديد نظره وتوجيه وجهه له لمراعاته والاهتمام بحفظه، وما قيل من أنه كناية عن كمال الاهتمام لأنّ المهتئم بأمر يسدد. بنظره ويقوّم وجهه له أراد بالكناية المجاز المتفرّع على الكناية فلا يشترط فيه إرادة إمكان المعنى الحقيقيّ، كما ورد في شرح المفتاح في قوله ولا ينظر إليهم، فلا يرد عليه أنه لا يصح الكناية لعدم إمكان المعنى الحقيقيّ فيه، وقوله عليه أي على لدين تنازع فيه الإقبال والاستقامة. قوله: (نصب على الإغراء) أي بتقدير ألزموا لا عليكم اسم فعل لما فيه من حذف العوض، والمعوّض فإن جوّزناه جاز تقديره كما يجوز تقدير أعني، وما دلّ عليه ما بعد. فطركم فطرة الله فيكون مفعولاً مطلقا ولا يصح عمل المذكور لأنه من صفته أو هو منصوب بما دل عليه الجملة السابقة على أنه مصدر مؤكد لنفسه، أو بدل من حنيفا والأوّل أولى وفاعل أدّى ضمير ما خلقوا عليه وهو الجبلة الأصلية فإنّ " كل مولود يولد على الفطرة " كما ورد في الحديث الصحيح وأمّا ما ورد في الغلام الذي قتله الخضر عليه الصلاة والسلام من أنه طبع على الكفر فقيل إنّ المعنى إنه قدّر أنه لو عاس يصير كافراً بإضلال غيره له، وهذا هو المراد من قوله: " الشقئ شقي في بطن أمّه " فتأمّل والعهد المأخوذ هو الإيمان الفطري في قوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية؟ 172] الآية ومغايرة هذا لما قبله اعتبارية. قوله: (لا يقدر أحد أن ينيره) إن قلنا إنها ما جبل عليه من قبول الحق فحينثذ الأمر المقدر وهو إلزموا على تفسيرها بما ذكر أمر بلزوم موجبها لئلا يكون تحصيلاَ للحاصل، وقوله أو ما ينبغي الخ على غير ذلك ففيه لف ونشر، وقوله أو الفطرة فالتذكير للخبر أو لتأويله بما ذكر وقوله إن فسرت بالملة لا مانع منه على غيره أيضاً وان تغاير إظهاراً، وقوله لا يعلمون استقامته قدره لأنه المناسب للاستدراك، وأمّ تنزيله منزلة اللازم على أنّ المعنى لا علم لهم فلو علموا لعلموا استقامته فيرجع بالآخرة إليه ولا فائدة فيه غير كثرة التقدير. قوله: (من أناب إذا وجع الخ) ومنه النوبة لتكرّرها وهذا ما صححه الراغب وأمّا كونه من الناب بمعنى آخر لأنه بيان لانقطاعه عن غيره فبعيد مع أنّ الناب يائيّ وهذا واويّ، وقوله وهو حال الخ أي من فاعل ألزموا المقدر أو من فاعل أقم على المعنى إذ لم يرد به واحد بعينه أو لأنّ الخطاب له صلى الله عليه وسلم ولأمّته كما ذكره المصنف رحمه الله، أو على أنه على حذف المعطوف عليه أي أقم أنت وأمّتك والحال من الجميع كما زعم الزجاج أو هو حال من الناس أو هو خبر كونوا المقدر لدلالة قوله ولا تكونوا عليه فاختر لنفسك ما يحلو. قوله: (غير أنها الخ) على العادة في خطاب الرئيس بما يخاطب به قومه لأنهم تابعون له، ولما فيه من حثهم على الاتصاف بما يليق به وللتنبيه على أنّ غيره لا يليق بخطابه تعالى، وقوله لقوله واتقوه الخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 فإنّ الجمع يدلّ على أنّ الخطاب ليس مخصوصاً به صلى الله عليه وسلم كما في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] لكنه يجوز عطفه على ألزموا المقدر فلا يتم الاستدلال به على كل وجه. قوله: (بدل من المشركين) بتنوبن بدل لأنّ البدل قوله الذين لكنه على إعادة العامل، ويجوز ترك تنوينه بالإضافة إلى قوله من المشركين لأنّ المراد به لفظه، وقوله وتفريقهم الخ مرّ في الأنعام تفسيره باختلاف أهل كل ملة في اعتقاداتهم مع اتحاد معبودهم وفي قوله على اختلاف أهوائهم إشارة إليه، وقوله والمعنى الخ يعني على قراءة فارقوا، وقوله الذي أمروا به توجيه لأنهم لم يكونوا على دين أوّلاً حتى يفارقوه فلذا جعلهم لكونهم مأمورين كانهم تدينوا به أو هو باعتبار الفطرة. قوله: (تشايع كل) أي كل فرقة وضمير إمامها ودينها راجع لها، ومعنى أضل دينها أضاعه ومنه الضالة وضبطه بعضهم بالصاد المشدّدة المهملة من التأصيل ضدّ التفريع بمعنى مهده وقرّره ووضع أصوله، وشيعاً جمع شيعة بمعنى فرقة وهو خبر والجملة بعده صفة بتقدير العائد أو مستأنفة لا حال، وقوله ويجوز الخ تعبيره بيجوز إشارة إلى أنه ضعيف لأنّ الصفة والضمير الأصل فيه أن يعود للمضاف إليه. قوله:) على أنّ الخبر من الذين فرّقوا) والمراد من الذين فرّقوا الكفرة لما في الصلة من العهد فلا يرد عليه أنه يدخل فيه المؤمنون لأنهم فرحون بدينهم الذي ارتضاه الله مع أنّ هذا إذا كان كلاماً منقطعاً عما قبله لا ضير في دخولهم فيه. قوله: (راجعين إليه الم يقل مرّة بعد أخرى كما مرّ وان كان معتبراً في معناه لغة لأنه غير مناسب هنا، وكذا منقطعين إليه، وإنما قال من دعاء غيره لا عن المعاصي لأنه المناسب لمقابله، وتنكير ضرّ ورحمة للتقليل إشارة لأنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة ويطغون لأدنى نعمة، وثم للتراخي الرتبيّ أو الزمانيّ، وقوله بالإشراك أي قابلوه به أو الباء زائدة. قوله: (اللام فيه للعاقبة) قد مرّ تحقيقه في الأنعام، وكونها تقتضي المهلة ولذا سميت لام المآل والشرك والكفر متقارنان لا مهلة بينهما كما قيل لا وجه له ألا ترى أنّ مثالها المشهور لدوا للموت صادق بما كان عقب الولادة بلا مهلة، وكذا الما! لا يقتضيها مع أنّ الشرك ممتدّ فيجوز اعتبار المهلة بالنسبة لأوّله. قوله: (للأمر بمعنى التهديد) كما يقال عند الغضب اعضي ما استطعت، وقوله لقوله فتمتعوا الخ فإنّ بينهما مناسبة في الأمر التهديدي والفاء للسببية والتمتع التلذذ، وقوله غير أنه التفت من الغيبة إلى الخطاب ولا يخفى أنه على ما قبله فيه التفات أيضاً فلا وجه للتخصيص كما قيل والظاهر أنّ الالتفات على الوجهين، وانما خص الثاني به لأنّ ما قبله أمر والأصل فيه أن يكون للمخاطب فربما يتوهم بأدنى النظر أنه لا التفات فيه، وقوله وقركما وليتمتعوا على الوجهين، وقوله عاقبه تمتعكم على أنّ اللام لملعاقبة والفاء تفصيلية أو عاطفة على تشركون لا لأنه ماض! معنى كما قيل لاستقباله بالنظر إلى الحكم، ولذا صدر بإذا ويأتي تحقيقه فتأمّل. قوله: (وقرئ بالياء التحتية الخ) وأورد عليه أنّ هذا الاحتمال قائم على قراءته بالتاء الفوقية فالالتفات حينئذ في تعلمون، ثم يجوز على القراءة بالتحتية أن يكون تمتعوا أمرا على الالتفات ويكون في يعلمون التفات آخر من الخطاب إلى الغيبة إعراضا، وغاية ما قيل إنه مستبعد فيه لوقوعه بين غايتين فهو خلاف الظاهر فلا يصار إليه مع ما هو قريب متبادر، وقوله ماض! أي بحسب المعنى لأنّ المراد الأخبار عن أحوالهم الماضية كما في الحواشي السعدية، وردّ بأنه ممنوع لأنّ إذا هنا للاستمرار كما في قوله، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أي إنه دأبهم المألوف فالصواب أنه صيغة الماضي مع الشرط، وجوابه فليست على معنى المضيّ وايثار المضارع في المعطوف عليه للفاصلة فقد ظهر لك وجه التخصيص. قوله: (حجة) فالإنزال مجاز عن التعليم أو الإعلام وهو الحامل على التفسير الثاني، وان كان فيه مجاز آخر وأم منقطعة، وقوله تكلم دلالة على إرادة الحجة ففيه استعارة تصريحية أو مكنية، وقوله أو نطق على إرادة الملك فهو لف ونشر وقوله: بإشراكهم على أنّ ما مصدرية وضمير به لله، وقوله أو بالأمر فما موصولة والضمير لها والباء سببية وقوله في ألوهيته وقع في نسخة وألوهيته، وهو معطوف على الأمر والضمير للشريك والتعبير بإذا لتحقق الرحمة وكثرتها فيه دون مقابله وفي إسناد الرحمة إليه دون السيئة تعليم للعباد أن لا يضاف إليه الشرّ، وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 كثير كقوله: {أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ} في الفاتحة [سورة الفاتحة، الآية: 6،. قوله: (إذا هم يقنطون) عبر بالمضاوع لرعاية الفاصلة والدلالة على الاستمرار فيه، واذا كان المراد بالناس فريق آخر غير الأوّل على أنّ التعريف للعهد أو للجنس أو الأوّل لكن الأوّل في حال تدهشهم كمشاهدة الغرق، وهذا في حال آخر لم يكن مخالفا لقوله: {دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ} [سورة الروم، الآية: 33] فلا يحتاج إلى تكلف التوفيق بأنّ الدعاء اللسانيّ جار على العادة فلا ينافي القنوط القلبيّ، ولذا سمع بعض الخائضين في ذم عثمان رضي الله عنه يدعو في طوافه، ويقول اللهم اغفر لي ولا أظنك تفعل أو المراد يفعلون فعل القانطين كالادخار في الغلاء ولا يخفى ما في المفاجأة من النبوة عته، وقوله بكسر النون والباقون بفتحها. قوله: (فما لهم الخ) إشارة إلى أنه لإنكار فرحهم وقنوطهم في حالتي الرخاء والشدة وهو أحمسن من اقتصاره في الكشاف على الثاني حيث! قال: ثم أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه هو الباسط القابض فما لهم يقنطون من رحمته، ولم يتوبوا عن المعاصي التي عوقبوا من أجلها والمعطوف عليه ما قبله أو مقدر يناسبه. قوله تعالى: ( {إِنَّ فِي ذَلِكَ} ) أي القبض وضده أو جميع ما ذكر، وقوله فيستدلون بها أي بتلك الآيات كما قيل: نكد ألا ريب وطيب عيش الجاهل قد أرشداك إلى حكيم كامل قوله: (كصلة الرحم (أي بأنواعها، وقوله واحتج به أي بكل ذي رحم محرم ذكراً أو أنثى إذا كان فقيراً أو عاجزاً عن الكسب وعند الشافعيّ رحمه الله لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين كما بين في الفقه ووجه الاحتجاج أن آت أمر للوجوب، والظاهر من الحق بقرينة ما قبله أنه ماليّ، ولو كان المراد الزكاة لم يقدم حق ذوي القربى إذ الظاهر من تقديمه المغايرة فقوله إنه غير مشعر به دون دال عليه انتصار لمذهبه وجوابه ما سمعت، وما قيل من أنه إذا فسر حق الأخيرين بنصيب الزكاة وجب تفسير الأوّل بالنفقة الواجبة لئلا يكون لفظ الأمر للوجوب، والندب معاً ولهذأ؟ استدل به أبو حنيفة وردّ بأنه إذا فسر حق الأوّل بالزكاة لا يلزم ما ذكر مع أنّ الأمر في الأخيرين ليس للوجوب، لأنّ السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة، ولذا لم تذكر هنا بقية الأصناف مع أنّ ما ذكر ليس بمحور عند المصنف (وفيه بحث) لأنّ تحمله على الزكاة يأباه الإفراد وذكر حقه، والعطف مع دخوله في المسكين وأمّ كون الأمر للندب لما ذكر فالخصم مصرّح بخلافه لقوله وظف فكأنّ هذه الآية عنده مدنية، وأمّ كونه محذوراً فقد ثبت عندنا كما بين في الأصول فلا يفيده ما تقرّر بطلانه عندنا فتأمّل. قوله: (ما وظف الخ ال! س هو مفعوله المقدر بدلالة حقه وفيه نظر كما ذكرناه وهو مخالف لما ذكره في سورة الأنعام في قوله: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 141] وسبق النزول على الحكم بعيد، وقوله ولذلك أي لكون الخطاب لمن بسط له من غير تعيين أتى بالفاء الدالة على تسبب الأمر بالإيتاء على العلم بالبسط أو تسبمبد الإيتاء على البسط، وهو كذلك فيما قبله لكنه في هذا أظهر فلذا ذكره، واذا كان خطاب آت له صلى الله عليه وسلم لعلمه من المقام يحتمل أن يكون هو المقصود أصالة وغيره من المؤمنين تبعاً لينفقوا في السرّاء والضرّاء والتقدير إذا علمت ذلك فات أو فآتوا وهذا كما قيل: إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا إنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب قوله: (ذاته أو جهتة) لأنّ الوجه يكون بمعنى الذات أو بمعنى الجهة لكنهما هنا متقاربان كما في الكشاف، وقوله أي يقصدون الخ على تقدير أن يراد بالوجه الذات وقوله أو جهة التقرب على تقدير أن يراد الجهة ففيه لف ونشر مرتب، وانفصال إياه لتقدم متعلق الفعل عليه، وقيل المعنى ما يقصدون إلا إياه وفيه نظر لأنّ قوله خالصاً يغني عنه، واستفادة القصر من المقام. قوله: (حيث حصلوا الخ) تعليل لفلاحهم لأنّ اسم الإشارة لمن اتصف بما سبق من الإيتاء مما بسط له، وقوله زيادة محرمة تفسير للربا ومن بيان لما على الوجهين، وقوله أو عطية تفسير ثان له فيكون تسميتها ربا مجازاً لأنها سبب للزيادة، وما قيل لأنها فضل لا تجب على المعطي بعيد، وهذا كمن يهدي ليثاب ويعوّض أكثر مما أعطاه كما ورد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 في الحديث " المستعزر يثاب من هبته " أي ينبغي الزيادة لمن علم أنّ قصده ذلك، ولكن في شرح الكشاف أنه لا ثواب فيه، ولو جعلت من البيانية للتعليل تكرّر مع قوله ليربو، وقوله بالقصر أي قصر مد آتيتم وهو على التفسيرين وإن كان آتر الممدود بمعنى أعطى والمقصود بمعنى جاء. قوله: (ليزيد ويزكو الخ) فالمراد بالمؤتين من يؤتى المرابي زيادة على ما أخذه والمرأد بالناس المرابى، أو المهدي للزيادة والزيادة تكون في ماله بما أخذه على الوجهين، وقوله عند الله أي في تقديره وحكمه وقوله لتربوا بضمّ التاء على أنه من الأفعال وتزيدوا من زاد المتعدي، والهمزة مزيدة للتعدية والمفعول محذوف أي تربوه أو هو من قبيل تجرح في عراقيبها نصلي أو للصيرورة واليه أشار بقوله لتصيروا الخ، ولو قال: ذوي ربا كان أظهر وقوله خالصاً لما مرّ. قوله: (ذوو الآضعاف) يعني أنه اسم فاعل من أضعف إذا صار ذا ضعف بكسر فسكون بأن يضاعف له ثواب ما أعطاه كأقوى، وأيسر إذا صار ذا قوّة ويسار فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله والأضعاف بفتح الهمزة جمع ضعف، وجوّز بعضهم كسرها على أنه مصدر والأوّل أولى، وقوله أو الذين الخ على أنه من أضعف والهمزة للتعدية ومفعوله محذوف وهو ما ذكره، ولذا أتبعه بقراءة الفتح لأنها تؤيده. قوله: (وتغييره عن سنن المقابلة) أي لم يؤت به على نمط ما قبله لأنه نفي في الأوّل ما قصدو. من الربا بعينه إذ قيل فلا يربو فكان الظاهر هنا أن يثبت ما قصدوه، ويقال فهو يزكو عند الله فغير في العبارة إذ أثبت غير ما قبله والنظم إذ أتى في الأوّل بجملة فعلية وفيه بجملة اسمية مصدرة باسم الإشارة مع ضمير الفصل لقصد المبالغة فأثبت لهم المضاعفة التي هي أبلغ من مطلق الزيادة على طريق التأكيد بالاسمية، والضمير وحصمر ذلك فيهم بالاستحقاق مع ما في الإشارة من التعظيم لدلالته على علوّ المرتبة، وترك ما آتوا وذكر المؤتي إلى غير ذلك مما مرّ في قوله أولئك هم المفلحون. قوله: (والالتفات فيه للتعظيم (يعني أنه لم يقل فأنتم المضعفون تعظيما لهم للإشارة المنبئة عن بعد رتبتهم وتنبيه الملائكة على مدحهم، والتنويه بذلك وإشاعته في الملا الأعلى وخطاب الملائكة بكاف الخطاب، وقوله وللتعميم وفي نسخة أو وهو الظاهر لأنه إذا عمّ هؤلاء وغيرهم لا يكون التفاتا بالمعنى المتعارف كما صرّح به بعض شراح الكشاف، وكذا إذا كان التقدير فمؤتوه فجعله وجهاً واحداً لا وجه له ومن غفل عنه رجح النسخة الأولى فتأمّل. قوله: (والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة) وكذا إن جعلت شرطية على الأصح لأنه خبو على كل حال، وقوله فمؤتوه الخ على صيغة اسم الفاعل كما صحح رواية قال في الكشف وهو الوجه لأنّ الكلام في المربى، المزكي لا في آخذ الربا والزكاة فما في بعض الحواشي من أنّ الصواب أنه على صيغة المفعول تفضيلا لآخذي الزكاة على آخذي الربا ليس بشيء، وهذا وجه آخر ذكر في الكشاف أنه أسهل مأخذاً والأوّل أملأ بالفائدة، وسوق كلامه يدلّ على أنه على تقدير المبتدأ يخرج عن الالتفات قيل، وهو مشكل لأنه يصدق على المبتدأ المحذوف تعريف الالتفات فإنه نقل من الخطاب إلى الغيبة إلا أنه لكون المؤتين أعمّ من المخاطبين يخرج عنه فتأمّله فإنّ كلام المصنف رحمه الله مخالف له. قوله: (ونفاها وأساً) أي بالكلية لأنّ الاستفهام الإنكاري نفي، ومن شيء يفيد العموم بزيادة من وقوله مؤكداً بالإنكار أي مؤكداً للنفي بالتعبير عنه بالإنكار الذي هو أبلغ من صريحه، وقوله على ما دلّ الخ العيان بكسر العين المشاهدة فإنهما يدلان على أنّ ما ذكر لا يصدر عن غير.، وهو مما اتفق عليه العقلاء، وقوله ثم استنتج الخ أي ذكر ما هو نتيجة لمقدمتين معلومتين مما ذكر، وهو قول سبحانه الخ يشير إلى أنه يؤخذ من الإثبات والنفي مقدّمتان على طريقة الشكل الثاني فينتج سالبة كلية، وهي إنه لا شريك له في الألوهية، وأنه مقدس منزه عن أن يشرك به غيره. قوله: (ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة) وهي الذي التي هي خبر بحسب الظاهر صفة لله والخبر هل الخ، والرابط اسم الإشارة لأنه كالضمير في وقوعه رابطاً ووقعت الجملة خبراً لأنها خبر منفيّ معنى، وان كانت إنشاء ظاهرا فتقديره الخالق الرازق المحيي لا يشاركه شيء ممن لا يفعل أفعال! هـ هذه، واعترض عليه أبو حيان بأنّ اسم الإشارة لا يكون رابطا! لا إذا أشير به إلى المبتدأ وهو هنا ليس إشارة إليه لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الربط بالمعنى في قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 234] كما مرّ وخالفه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 النحاة فيه فقدر والربط بمضاف إلى ضمير الذين كما قدر ذلكم بأفعاله المضاف إلى ضمير المبتدأ، وهذا من بدائعه فمن قال فالأولى جعل الرابط محذوفا وهو من أفعاله لم يقف على مراده. قوله: (ومن الأولى والثانيه يفيدان شيوع الحكم) كذا في الكشاف، وقال أبو حيان لا أدري ما أراد بهذا الكلام والذي عناه أنّ الأولى بيان لمن قدم على المبين للعناية والإبهام فيفيد التأكيد، والثانية كذلك بيان لشيء والثالثة مزيدة لتأكيد النفي، وقيل من الأولى للتبعيض فيفيد أنّ ما منهم فاعلا قط، والثانية إمّ للتبعيض فتفيد أنّ. بعضاً من تلك الأفعال لا يتأتى من الشركاء فضلا عن الكل، واما لبيان المستغرق فيتأكد والأوّل أولى، وما قيل إنّ الأوليين زائدتان مناف لكلام المصنف رحمه الله والحكم ما دل عليه ذلكم وقوله لتعميم النفي في نسخة المنفي، وقوله لتعجيز الشركاء متعلق بتاكيد، ولو تركت الأولى لم تحصل الدلالة على تعجيز كل واحد من الشركاء ولم يستجمع شرائط الإنتاج بالسلب الكلي. قوله: (كالجدب) بالمهملة ضد الخصب، والموتان بضم الميم وسكون الواو كثرة موت الشيء والحرق والغرق بسكون الراء، فهما أو بفتحهما اسم مصدر بمعنى الإحراق والإغراق، والإخفاق بالخاء المعجمة والفاء الحبسة، والغاصة بتخفيف الصاد المهملة كسادة جمع أو اسم جمع لغائص وهو من ينزل لقعر البحر لإخراج اللؤلؤ، ونحوه فإنه إذا لم يقع المطر لم يتكوّن اللؤلؤ في الصدف لأنه قيل إنه يحصل من- قطرات المطر التي يتلقاها الصدف في نيسان ومحق البركات إفناؤها، وقيل المراد بالبحر البلاد التي على سواحله وفي جزائره فسميت بحرا لمجاورتها له، وعن عكرمة أنّ العرب تسمى الأمصار بحاراً لسعتها، وقيل المراد بظلم البحر أخذ العدوّ وسفنه كما هو مشاهد الآن. قوله: (بشؤم معاصيهم) فالباء سببية وما موصولة أو مصدرية وضمير إياه للفساد بمعنى لظلم والضلال وقوله وقيل الخ مرّضه لأنه لا وجه للتخصيص إلا أن يراد التمثيل لأنه أوّل ما وقع فيهما، وجلنداً بضم الجيم وفتح اللام بعدها نون ساكنة ودال مهملة وهو مقصود، ويمد وهو الملك الذي ذكر في قصة الخضر عليه الصلاة والسلام، وعمان بضم العين وتخفيف الميم، وبفتح العين وتشديد الميم. قوله: (بعض جزائه (فهو على تقدير مضاف أو على إطلاقه عليه مجارّاً لأنه سببه، وقوله فإن الخ بيان لوجه ذكر البعض هنا، وقوله واللام للعلة الأوّل على تفسير الفساد الأوّل والثاني على الثاني وقد يقال إنه راجع لهما فتأمّل، وقوله لتشاهدوا بالفوقية أو! التحتية، وقوله مصداق ذلك بكسر الميم أي ما يصدقه والإشارة إمّا لظهور الفساد أو الإذاقة. قوله: (لفشوّ) بوزن عتوّ ظهوره وانتشاره ف! فناؤهم وذهاب آثارهم بشؤم معصيتهم كما قال: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] وعلى ما بعده كانوا كلهم مجرمين بعضهم بالشرك وبعضهم بغيره من المعاصي، وقوله البليغ الخ لأنها صيغة مبالغة كفعيل. قوله: (لا يقدر الخ) فسره به لأنّ نفي القدرة أبلغ من نفي الفعل، وقوله متعلق بيأتي سيأتي في الشورى تضعيفه من المصنف فكان ينبغي تأخيره، وقوله ويجوز أن يتعلق بمرد الخ كذا في الكشاف ففيه انتفاء رد غير. بطريق برهاني، وقيل عليه تبعا للمعرب إنه لو كان كذلك لزم تنوينه لمشابهته للمضاف إلا أنه يجوز تعلقه بمحذوف يدل عليه المردّ أي لا يردّه، وحمل كلام المصنف عليه بعيد وهذا غفلة عما ذكر. النحاة من أنّ الثبيه بالمضاف قد يحمل عليه في ترك تنوينه كما ذكر. ابن مالك في التسهيل، وعليه حمل ما في الحديث: " لا مانع لما أعطيت "، وتفصيله في شرحه فلينظر فيه. قوله: (يتصدّعون) إشارة إلى أنه الأصل فقلبت تاؤه، والصدع أصله تفريق أجزاء الأواني ونحوها فاستعمل في مطلق التفريق، وقوله فريق الخ قيل عليه المناسب للمبالغة المفهومة من ااضعبير بالتصديع الذي هو شق الأجسام الصلبة أن يفسر بتفريق الأشخاص كالفراس المبثوث المصرّح به في غير هذه الآية وما ذكره من المبالغة لا نزاع فيه، وكون التفريق لا اجتماع بعده لتكون المبالغة من جهته وتضمنه لتفرّق الأشخاص في الدرجات والدركات مما لا دلالة في هذا الكلام عليه فالصواب أن يقال إنما اختار هذا المصرّح به في محل آخر كما أشار إليه لأنه المناسب للسياق والسباق إذ الكلام في المؤمنين والكافرين فما ذكر بيان لتباينهم في الدارين ويكفي للمبالغة شدة بعدما بين المنزلتين حساً، ومعنى كما أشار بقوله كما قال الخ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 قوله تعالى: ( {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أو وباله) ففيه مضاف مقدر أو هو مجاز عن جزائه بل عن جميع المضارّ التي لا ضرر وراءها لأنها كلمة جامعة كما في الكشاف، وأفراد الضمير باعتبار لفظ من لقلتهم وحقارتهم عند الله، ولذا جمع فيما بعده مع رعاية الفاصلة فيه، وقوله يسوّون أي يوطؤنه توطئه الفراس لمن يريد الراحة عليه كقولهم في المثل للمشفق أم فرشت فانامت، وقابل الكفار بمن عمل صالحاً دون المؤمن لأنّ المراد بالعمل ما يشمل العمل القلبي كالإيمان، أو لأنه كناية عنه لأنه لا يخلو عن عمل ما. قوله: (للدلالة على الاختصاص) لأنّ ضرب الكفر لا يلحق غير صاحبه كما أنّ فائدة العمل الصالح إنما هي لمن عمله، وهذا لا ينافي كونه استئنافا للسؤال عن حال الفريقين لأنّ الزيادة في البيان لا تضرّ مع أنه يجوز أن يقدر السؤال كيف يتفرّقون كما قاله الطيبي. قوله: (علة ليمهدون أو ليصدّعون) والأوّل ظاهر وإنما يحتاج إلى التوجيه الثاني لأنّ التفريق للفريقين، وما ذ! مخصوص بالمؤمنين فلذا قال والاقتصار الخ والاكتفاء معطوف على الإشعار يعني أنه في قوّة أن يقال وليعاقب الكافرين فإنه يفهم من عدم المحبة، وقوله فإنّ فيه إثبات البغض الخ تعليل لدلالة الفحوى على العلة فإنّ عدم المحبة كناية عن البغض في العرف، وهو يقتضي الجزاء بموجبه، وقوله والمحبة للمؤمنين إشارة إلى ما في الكشاف من أنه تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس، وهو كون الجملتين أولاهما مقرّرة بمنطوقها لمفهوم الثانية وبالعكس كقول ابن هانئ: فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير وقد فصل في المصباح. قوله: (وتثيد اختصاص الصلاح) بالفريق الثاني المفهوم من المقابلة والتأكيد بتكراره في من عمل صالحا وعملوا الصالحات، وكان الظاهر الإضمار وأن يقال ليجزيهم وتأكيد مبتدأ خبره قوله تعليل له والمفهوم صفته أي لم يضمر، وأتى بالظاهر المؤكد لبيان أنّ علة الجزاء عملهم الصالح على قاعدة التعليق بالمشتق في إفادة أنّ مبدأ الاشتقاق علة له، وقوله تفضل محض لأنه لا يجب عليه شيء عند أهل الحق، وقوله وتأويله ردّ على الزمخشريّ وغيره من المعتزلة القائلين بالوجوب إذ أوّلوا الفضل بالعطاء الشامل للواجب أو بالزيادة على ما يستحقونه من الثواب. قوله: (الشمال) بفتح الشين والميم، وبعدها ألف أو بسكون الميم وبعدها همزة، وأصول الرياح أربعة كما ذكره المصنف والثلاثة الأول تلقح السحاب الماطر وتجمعه فلذا كانت رحمة وكان اكثر ذكرها مجموعة إذا أريد الرحمة ومفردة إذا أريد العذاب وقد ورد خلافه أيضاً كقوله: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [سورة يونس، الآية: 22] وقوله ولسليمان الريح والحديث المذكور أخرجه البيهقيّ والطبرانيّ وهو ضعيف لكنه ورد من طرق تجبر ضعفه، وقوله فانها الخ تعليل لتفسيره بالثلاثة وقوله على إرادة الجنس يعني به أنه في معنى الجمع، ولذا قيل مبشرات فهو لا يخالف الحديث ولا القراءة المشهورة. قوله: (يعني المنافع التابعة لها) أي للمبشرات كتذرية الحبوب وتجفيف العفونة وسقي الأشجار إلى غير ذلك من اللطف والنعم وما بعده داخل فيه، ولذا مرّضه لأنه لا وجه للتخصيص فيه، والروح بفتح الراء الراحة والعلة المحذوفة لتبشركم، وقوله باعتبار المعنى لأنه قد يقصد بها التعليل كزرته كريماً فانّ المعنى لكرمه والفعل المضمر تقديره ويرسلها ليذيقكم ولم يجعله معطوفا على جملة ومن آياته أن يرسل الخ بتقدير وليذيقكم أرسلها أو فعل ما فعل لأنّ المقصود اندراجها في الآيات وقيل الواو زائدة وفاعل دل قوله ولتجري الخ لقصد لفظه لا ضمير يرسل على أنّ التقدير ولتجري الرياح ليذيقكم، وهو بعيد ولا بطلان فيه كما توهم وأمّا ترجيحه بأنّ جري الفلك والابتغاء من الفضل لا تعلق له بإرسال الرياح المبشرات فليس بشيء لأنّ المقدر ليس هو يرسل الرياح فقط مع أنه لا يلزم تخصيص التبشير بالمطر ولا تعميمه لكل الناس، وقوله ولتشكروا تقدم تأويله. قوله تعالى: ( {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} الخ) اعتراض لتسليته صلى الله عليه وسلم بمن قبله على وجه يتضمن الوعد له والوعيد لمن عصاه، وقوله إلى قومهم المراد به أقوامهم وأفرد لعدم اللبس، وقوله فانتقمنا الخ الفاء إمّا فصيحة والتقدير فعصاه أكثر قومه فانتقمنا الخ أو هي تفصيل للعموم بأنّ فيهم مجرما مقهوراً ومؤمنا منصورا. قوله: (إشعار الخ) أي في هذا الكلام إشعار الخ ووجه الإشعار أنّ نصرهم على عدوّهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 لا يكون بعد هلاكه بل هو بإهلاكهم فيفهم منه ذلك بقرينة ذكره بعده، وقوله مستحقين إشارة إلى أنّ كونه حقاً عليه بجعله ووعده لأنه لا يجب عليه شيء، وتوله حقا بمعنى إنه كالحق فهو تشبيه بليغ وليس هذا ما ذكره المصنف كما توهم، والمؤمنين شامل للرسل عليهم الصلاة والسلام ولا حاجة لتخصيصه بهم بجعله تعريفاً عهديا وان صح. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ (رواه الترمذقي وحسنه، ومعنا. أنه إذا ذكر بسوء فنفاه عنه وذلث عن عرضه جازاه الله عليه من جنس عمله ونصره في الآخرة فالظاهر أنّ ذكره صلى الله عليه وسلم للآية عقبه لبيان أنّ النصر المذكور لا يختص بالدنيا، وأنه عامّ لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسلى من الأمّة، ولذا أورده المصنف وهو توطئة أيضا لأن نصر المؤمنين اسم كان لا ضممير الانتقام فلا يوقف علي حقا وفيه حث على التخلق بأخلاق الله في حماية المؤمنين لحقية نصرهم. قوله: (وقد يوقف علي حقاً) ومعناه وكان الانتقام حقاً على حد عدلوا هو، وأشار بقد والفعل المجهول إلى ضعفه لأنه خلاف الظاهر وما قاله الكواشي من أ-له ليس بمختار لأنه يوجب نصر المؤمنين، ويوجب الانتقام مع أنه قد نقض ليس بشيء لأن إيجاب الانتقام به كما مرّ، ولا ينافي وقوع العفو فتأمّل. قوله: (فيبسطه) كل البسط أي بسطاً تامّا لأنه في ذاته منبسط فما ذكر زيادة فيه، وقوله متصلاً أخذه من مقابلته بكونه كسفا أي قطعا، وقوله في سمتها أراد به جهة العلوّ لأنها ليست في السماء بالمعنى المتبادر، وقوله سائرا الخ إشارة إلى أنّ الجملة حال وان كانت الإنشائية لا تقع حالاً لتأويلها بما ذكر، وقوله مطبقا اسم مفعول من الأفعال أو التفعيل يقال أطبقه وطبقه إذا غشاه وغطاه، ويجوز كونه بزنة اسم الفاعل، وقوله من جانب الخ تفسير لغير المطبق وقوله بالسكون أن سكون السين، وهو إمّا مخفف من المفتوح أو جمع مصدر كعلم وصف به مبالغة أو بتأويله بالمفعول أو تقدير ذا، والكسفة القطعة، وفوله في التارتين أي الاتصال والتقطع. قوله: (وأراضيهم) جمع أرض على خلاف القياس كما في الصحاح وغيره ولا عبرة بإنكار الحريري له في الدرّة وأراد به ما انفصل عن العمران والباء في قوله به للتعدية. قوله: (وإن كانوا الخ) إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة، ولا ضمير شأن فيها مقدر كما قيل لأنه إنما يقدر في المفتوحة وأما المكسورة فيجب إهمالها كما فصله في المغنى. قوله: (تكرير للتثيد الخ (يعني أنه أكد ليدل على بعد عهدهم بالمطر فيفهم منه استحكام يأسهم وعكسه ابن عطية رحمه الله فقال: إنه يدل على سرعة تقلب القلوب البشرية من الإبلاس إلى الاستبشار، واعترض عليه بأنّ التأكيد إنما يدل على تقرر القبلية، وهي تحتمل فسحة الزمان وأتصاله فلا دلالة على ما ذكر من الطول والقصر، وقيل إنه راجع إلى عرف الاستعمال، وهو محتاج إلى الإثبات لأنّ مثله لا يثبت بسلامة الأمير، وما ذكره ابن عطية أقرب لأنّ المتبادر من القبلية الاتصال وتأكيده دال على شدة اتصاله. قوله: (وقيل الضمير للمطرا لا للإنزال حتى يكون تأكيداً وهذا قول قطرب، وهو ركيك ولا وجه للعدول فيه عن الظاهر مع أنه يرد عليه وعلى ما بعده تعدى فعل بحر في جرّ بمعنى فلا بد من حمله على التأكيد أو البدلية والا لزم العطف فالأوّل أسلم وأقرب، وكذا ما قيل إنه للاستبشار، وقوله: أثر الغيث إشارة إلى أنه المراد من لارحمة، وقوله ولذلك أي لكون آثاره متعددة كما أشار إليه قوله على إسناده الخ وعلى القراءة الأخرى هو مسند لله لا للرحمة لأنها بمعنى المطر. قوله: (لقادر على إحيائهم) فسره بالقدرة لأنه كالنتيجة لما قبله، وهو اللازم منه ولأن الثابت في الحال هو القدرة، وقوله فإنه أي إحياءهم، وقوله المثل الخ صادق على القولين في إعادة المعدوم وعدمه ولس مبنيا على القول بامتناع إعادة المعدوم، ولذا أقحم مثل كما قيل لأنّ المثل ليس واقعاً على الموادّ بل القوي فتأمل. قوله: (ومن المحتمل الخ) يعني أن يكون النبات الحادث من أجزاء نباتية تفتتت، وتبددت لاختلاطها بالتراب الذي فيه عروقها فيكون كالإحياء بعينه بإعادة مواده وقواه لا بإعادة القوى فقط كما في الوجه السابق، وأمّا كون من ينكر إحياء الموتى ينكر هذا أيضاً فلا يحصل به التنبيه عليه فلا ضير فيه لأنّ المسلم المسترشد يعلم، وقوعه والمعاند لا عبرة به فإن تولد مثله في تربته الأولى يرشد إليه، وقوله ما تفتتت إن كانت ما زائدة فتفتتت صفة مواد وان كانت موصولة فتفتتت صلته والتأنيث لرعاية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 معناه، ومن جنسها متعلق به أو حال، وقوله من الكائنات الراهنة أي الموجودة المشاهدة الثابتة كما في قولهم الحالة الراهنة هذه، والرهن مأخوذ منه كما بينه في المفردات، فمن قال: الرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك، والمراد الكائنات النائبة المتجذدة فقد عكس الموضوع وغفل عن معنى هذه اللفظة إذ ظنها مستعارة من المعنى الفقهي، وإن كان حام حول الحمى. قوله: (لأنّ نسبة الخ) دليل لعموم القدرة وقوله فرأوا الأثر أي المذكور في قوله أثر رحمة الله على ما مرّ من تفسيره، وقوله فإنه مدلول الخ متعلق بالثاني ولا يخفى دخوله في الأثر فلا وجه للمغايرة بينهما، وكون الضمير للريح على أنه تعبير عن المسبب بالسبب كما قاله البقاعي تكلف، ومصفرّ اسم فاعل بمعنى ما عرضت له الصفرة، وقوله جواب أي للقسم سادّ مسدّ جواب الشرط، وقوله ولذلك الخ إنما كان مستقبلاً لأنه في المعنى جواب إن وهو لا يكون إلا مستقبلا قال الفاضل اليمني وإنما قدروا الماضي بمعنى المستقبل من حيث إنّ الماضي إذا كان متمكناً متصرّفاً ووقع جواباً للقسم فلا بدّ فيه من قدو اللام معاً فالقصر على اللام لأنه مستقبل معنى، وفيه نظر. قوله: (وهذه الآيات ناعية على الكفار) أي مشهرة لهم منادية على جهلهم وخذلانهم، ووقع في نسخة هذه الآية بالإفراد ووجهها ظاهر وهي أنسب بكلامه هنا لأنها دالة على أنهم فاجؤا الكفر بمجرّد اصفرار زرعهم وغفلوا عن نعمة الخضراء، وما هم متقلبون فيه من ألوانها فما قيل إنه لا وجه له لا وجه له. قوله: (فإنك لا تسمع الموتى) هو تعليل لما يفهم من الكلام السابق كأنه قيل لا تحزن لعدم اهتدائهم بتذكيرك فانك الخ، وقال ابن الهمام: أكثر مشايخنا على أنّ الميت لا يسمع استدلالاً بهذه الآية ونحوها، ولذا لم يقولوا بتلقين القبر وقالوا لو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتاً لا يحنث وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب: " ما أنتم بأسمع منهم) وأجيب تارة بأنه روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرته وأخرى بأنه من خصوصاته صلى الله عليه وسلم معجزة له أو أنه تمثيل كما روي عن عليّ كرّم الله وجهه، وأورد عليه ما في مسلم من " أن الميت يسمع قرع نعالهم إدّا انصرفوا " إلا أن يخص بأوّل الوضع في القبر مقدّمة للسؤال جمعا بينه وبين ما في القرآن، وقوله وهم مثلهم قدره ليرتبط بما قبله وقيل إنه إشارة إلى أنه استعارة مكنية وللتنصيص عليه أظهر في مقام الإضمار، وحذف المفعول أي لا تسمعهم شيئاً ما. قوله: (قيد الحكم الخ أليس المراد بالاستحالة الاستحالة العقلية بل العادية وضمن يفطن معنى يفهم فلذا نصب المفعول إذ هو غير متعد بنفسه بل باللام وقوله سماهم عميا الخ إشارة إلى أن فيه استعارة تصريحية والمقصود من الإبصار التفكر، والتدبر في مصنوعات الله والمراد بالهداية الدلالة الموصلة وعداه بعن لتضمينه معنى الإبعاد. قوله: (فإن إيمانهم الخ) المعنى الأوّل على أن يراد بيؤمن الحال وقدمه لأنه المناسب لقوله فهم مسلمون، والوجه الثاني على أن يراد به المستقبل ولا حاجة إلى جعله من مجاز المشارفة إلا على القول بأنه حقيقة في الحال، وما قيل من أنه ينتقض الحصر على الأوّل بالثاني وعكسه فينبغي حمله عليهما معاً على أنه من عموم المشترك أو عموم المجاز أو يفسر بمن هو في علم الله كذلك فإنه يعمهما كما مرّ في سورة النمل مدفوع بأن الحصر بالإضافة إلى من سبق من العمي الصم المطبوع على حواسهم فلا نقض بالتخصيص بالذكر على أنه يعلم حكم أحدهما من الآخر لدلالة النص وقوله لما تأمرهم به إشارة إلى أن الإسلام بمعناه اللغوي، وهو الإذعان لأنه لو كان بمعناه المعروف لزم تحصيل الحاصل، ولم يقع التفريع موقعه وقد فسره في النمل بمخلصون وهو قرب مته. قوله: (أي ابتدكم ضعفاء لخ) أي أنهم ضعفاء في أوّل الأمر وهو حال الطفولية، ومن على الوجهين ابتدائية كما أشار إليه بقوله ابتدأكم، وقوله وجعل الضعف الخ إشارة إلى أن فيها استعارة مكنية بتشبيه الضعف بالأساس والمادّة وفي إدخال من عليه تخييل، وقوله أو خلقكم الخ على إطلاق الضعف على الضعيف مبالغة أو بتقدير ذي ضعف أو بتاويله بالصفة وأخره لأنه غير مناسب لما بعده، وقوله: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} مثال لجعل ما طبع عليه بمنزلة ما طبع منه، وفي نسخة خلق الإنسان ضعيفاً وهي مثال لابتدائهم ضعفاء، وقوله وذلك الخ لف ونشر على التفسيرين السابقين للضعف، ويجوز فيه التعميم لكن الأوّل أولى. قوله تعالى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 ( {ضعفاً وشيبة} ) المراد بالضعف هنا ابتداؤه ولذا أخر الشيب عنه أو الأعتم فقوله وشيبة للبيان أو للجمع بين تغير قواه وظاهره، وقوله إذا أخذ منكم السن هو مجاز يقال أخذ منه السن إذا كبر وهرم كأنّ آخر سنه أخذ قوّته أو عمره وهو على الوجهين. قوله: (والضتم أقوى الخ) قال في المعالم الضمّ لغة قريش والفتح لغة تميم، ولذا اختار النبيّ مجيد قراءة الضم لأنها لغته لا رداً للقراءة الأخرى فانهما متواترتان في السبعة، والحديث المذكور حديث حسن رواه أبو داود والترمذفي في السنن ورواه في النشر وقال: إنّ القرّاء لهذا اختاروا قراءة الضمّ، وهي مروية عن عاصم وفي رواية عنه ضئم الأوّلين وفتح الثالثة والفقر بالضمّ، والفتح ضدّ الغني. قوله: (والتنكير مع التكرير الخ) مراده بالمتأخر الأخير لمغايرته للأوّل إذ هو ضعف الشيخوخة وذاك ضعف الطفولية، وأمّا الثاني فهو عين الأوّل ونكر لمشاكلته لهما وكذا قوّة فلا وجه لما قيل إنه ظاهر في ضعف الأوّل، وأمّا الثاني مع الأوّل وقوّة الثانية فباعتبار أنّ المتقدّم أريد به الابتداء والمتأخر يشمل مراتب الابتداء والانتهاء، والتوسط وكلمة ثم لتراخي الابتداء واليه أشار المصنف بقوله أخذ منكم السن الخ، وكذا ما قيل إنّ هذا ليس لأنّ النكرة إذا أعيدت كانت غيرا لأنه أغلبيّ، ولعله قصد في كل منهما مغايرته للمقدم بحسب المراتب، ولذا أورده بثم في الجميع إشارة إلى أنّ لكل منها مراتب مع الدلالة على الاهتمام فإنّ كلامه صريح في خلافه فتامّل. قوله: (من ضعف الخ) وخلقها بمعنى خلق أسبابها أو محالها أو إيجادها لأنها ليست بعدم صرف، وقوله فإنّ الترديد أي الانتقال والتغير من حال إلى أخرى من قولهم فلان يتردّد لفلان إذا كان يجيء له حينا بعد حين، وقوله سميت بها اليئ فالتعريف فيها للعهد، ثم غلبت عليها حتى صارت كالعلم وسميت باسم زمانها كتسمية الحال بما يحل فيه والمراد بقيامها وجودها أو قيام الخلائق فيها، وقوله لأنها تقع بغتة فالساعة عبارة عن لاسرعة فإنه ورد كذلك في العرف، ولذا قيل أيضا إنها سميت بها لأنها كساعة عند الله فالمراد بها لازمها، وهو السرعة فسميت بها لسرعتها، وليس هذا من الوقت الحاضر في شيء كما توهم والزهرة بضمّ الزاي وفتح الهاء وتسكينها لحن والكوكب غلب عليها غلبة الكتاب على كتاب سيبويه، وقوله في الدنيا الخ متعلق بلبثوا والمراد بالقبور ما بعد الموت دفنوا أو لم يدفنوا، وقوله فناء الدنيا المراد فناء أهلها فلا ينافي كونها في آخر ساعات الدنيا فإنه قد يعد ما قبل دخول الجنة والنار من الدنيا، وقد يعد من الآخرة وقد يعد برزخا. قوله: (وانقطاع عذابهم) هو بعد إخراجهم من القبور إلى أن يدخلوا في النار، والحديث المذكور صحيح من رواية الشيخين لكنه بلفظ ما بين النفختين وهذا لا ينافي ما سبق من أنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا لأنّ ساعات الدنيا تنقضي بقيامها كما توهم لأنّ المراد بالدنيا ثمة غير ما أريد بها هنا أعني ما يقابل الآخرة، وهي الجنة والنار والمحشر أو دار التكليف والحياة الدنيا. قوله: (استقلوا مدة لبثهم الخ) أي عدوّا اللبث الذي مز ذكره قليلا وقوله إضافة منصوب على نزع الخافض أي هو ليس بقليل فقلته إمّا نسبية أو أنهم نسوه فظنوه كان ساعة والتنكير للتقليل، والإفراد والاعتراض بأنّ هذا القسم قبل عذاب الآخرة والوقوف على هدته فلا وجه للإضافة إليه مع أنّ القسم ظاهر في خلافه غير وارد إن أريد بالآخرة المحشر، وكذا إن أريد ما بعده لجواز علمهم بالخلود بأخبار الله أو الملائكة، أو هو قولهم بعد دخول النار على حد قوله فلا تقعد بعد الذكرى كما مرّ وأمّا تفريع نفيه وعدم ظهوره على القسم فلا وجه له لأنّ القسم كما يقتضي الحقيقة يقتضي التحقق إلا إذا قصد المبالغة، وأما كون المراد عذابهم في القبر فلا يناسب كلام المصنف، ولا يشمل من مات عند النفخة الأولى فتأمّل أو هو تأسف على إضاعته كما مرّ في طه، وفي قوله الساعة وساعة جناس تام. قوله: (مثل ذلك الصرف الخ) قد تقدم الكلام عليه وعلى كون الإفك بمعنى الصرف، وقوله عن الصدق والتحقيق ذكر في الكشاف أنّ تقدير لبثهم بالساعة إمّ لاستقصاره كما قيل: وكذلك أيام السرور قصار أو لنسيانهم أو كذب أو تخمين، ولم يذكر المصنف الاً خيرين ولذا قيل إنّ ما ذكره ظاهر على النسيان إذ لا كذب في الاستقلال المبنيّ على التشبيه والمبالغة، وكونه بناء على التشبيه والظاهر كما قيل تكلف فكان عليه أن يذكره أو يبدل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 ماهنا إلا أن يحملى على التوزيع بجعل التحقيق في مقابلة التخييل في قوله ما لبثوا غير ساعة لأنه تخييل مثل الخمر ياقوتة سيالة يعني يجعل لفاً ونشرا غير مرتب فالصرف عن الصدق راجع إلى النسيان لأنه غير مطابق للواقع وان طابق اعتقادهم بحسب الظن، والتحقيق راجع إلى الاستقلال فيكون عين ما في الكشاف بأدراج التخمين في الاستقلال والكذب في النسيان، وفيه كلام من أراده فعليه بالكشاف وشروحه. قوله: (يصرفون في الدنيا) يصرفهم الشيطان والهوى عن لحق وما يطابق الواقع، والمراد تشابه حاليهم في الكذب وعدم الرجوع إلى مقتضى العلم لأنّ مدار أمرهم على الجهل والباطل والغرض من سوق الآية وصف المجرمين بالتمادي في الباطل والكذب الذي ألفوه. قوله:) من الملافكة أو من الإنس) أو منهما جميعاً. قوله: (في علمه تعالى أو قضائه (لأن الكتاب يطلق على ما ذكر من المعاني والنسخ مختلفة ففي بعضها عطفه بأو وفي بعضها بالواو وهو مبنيّ على تفسيري القضاء المذكور في كتب الكلام فانه فسر تارة بعلمه أزلاً كما أنّ القدر إيجاده بقدرته الأزلية على وجه مطابق لعلمه به، وتارة أرجع القضاءة إلى الإرادة والقدر إلى الخلق كما قرّره في شرح المواقف فإن قلت الأوّل مسلك الفلاسفة، والثاني للأشاعرة فلا يناسب ما هنا الأوّل قلت الأشاعرة لا يخالفونهم في كون القضاء يكون بمعنى العلم، وإنما الخلاف بينهم في المراد بالعلم فإنه عند الفلاسفة العلم بما يكون عليه الوجود من أحسن نظام، وأكمل انتظام كما صرّح به في شرح المسايرة فاندفع ما قيل إنّ الوجه أو لأنّ القضاء غير العلم ثم إن المعنى معلومه ومقضيه أو هو على ظاهره وفي ظرفية مجازية أو تعليلية. قوله:) أو ما كتبه الخ) فهو مجاز مرسل أو استعارة، وقوله وهو أي القرآن الذي ذكر فيه لبثهم إلى البعث ما ذكر لكنه ذكر في هذه الآية ضمنا لأنّ استمرار البرزخ إلى البعث يقتضي لبثهم مذثه ولم يذكر تتمة الآية وهو إلى يوم يبعثون اكتفاء بما وقع في النظم هنا، وهذا على غير الوجه الأوّل. قوله:) ردوا الخ (قيل هذا تذكير لهم بتفاصيل المدة وبه يزول نسيانهم، وهو على الإضافة مشكل لعلمهم بحقيقة المدة حينئذ إلا أن يكون المراد توبيخهم وتفضيحهم، والتهكم بهم وجعله توطئة لما بعده مما فرّع على إنكار البعث فتأمّل. قوله: (أنه حق) إشارة لمفعوله المقدر لأنّ تنزيله منزلة اللازم خلاف الظاهر من غير داع له هنا، وقوله لتفريطكم الخ دفع لما يتوهم من أنّ عدم العلم عذر لهم. قوله: (والفاء لجواب شرط الخ) فهي فصيحة وجوّز فيها أيضاً أن تكون عاطفة والتعقيب ذكريّ، أو تعليلية وقوله فقد تبين الخ أي فأخبركم بأنه قد تبين الخ، وإنما أوّل به ليظهر تسبب الجزاء على الشرط والفاء في قوله فيومئذ الخ تفصيل لما يفهم مما قبله من أنه لا يفيدهم الاستقلال أو النسيان أو هوجواب شرط مقدر أيضا، وقوله معذرتهم كأنهم توهموا الاستقلال ونحوه عذراً في عدم طاعتهم كقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ} [سورة فاطر، الآية: 37] الآية، وقوله وقد فصل بالتخفيف وهو راجح قال الرضى فإن كان منفصلا فترك العلامة أفضل. قوله: (لا يدعون إلى ما يقتضي الخ) العتب هو اللوم على ما صدر في حق العاتب والمراد به هنا الشذة والمكرو. لأنه المعتوب عليه، والأعتاب يكون بمعنى الحمل على عتب المعتب أو إزالته كما قاله الراغب فهو من الأضداد والاستعتاب طلب الأعتاب فإنّ الطلب قد يكون للثلاثيّ، والمزيد وهو من قبيل الثاني فقوله لا يدعون بيان لمعنى الطلب، وقوله إلى ما يقتضي الخ إشارة إلى أن دعوتهم للأعتاب وطلبه بمعنى طلب ما يقتضيه وهو سببه وما يؤدى إليه، وقوله من التوبة والطاعة بيان لما والظاهر أنه حينئذ مجاز عن السبب البعيد لأنّ ما ذكر سبب لإزالة المكروه المعتوب عليه، وأزالته سبب لإزالة العتب فالمعنى لا يطلب منهم طاعة ورجوع عما كانوا عليه من الكفر والعصيان لعدم فائدته حينئذ فلا مخالفة بينه وبين ما ذكره في حم السجدة كما توهم، وفي القاموس لا يستعتبون لا يستقيلون فيستقالون بردّهم إلى الدنيا وهو وجه آخر لكنه غير بعيد مما هنا. قوله: (من قولهم استعتبني فلان الخ) الاستعتاب طلب العتبى وهو الاسم من الإعتاب كالعطاء والستعطاء، وتفسيره بالاسترضاء والإرضاء تفسير باللازم توضيحا جعلهم بمنزلة مجنيّ عليه عاتب على الجاني، ولذا قال في الكشاف شبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم فهم عاتبون على الجاني، وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 لا يخالف ما في السجدة فقوله ولا هم يستعتبون مبنيّ على التشبيه فإنهم لما تعدّوا حدود الله جعلوا بمنزلة الجانين لأنّ العتب والغضب من باب واحد كما صرّح به، وتعديها مجلبة للغضب فقيل لم يبق لهم طلب أعتاب لأنه حق عليهم العذاب فلا يطلب منهم ما يزيل الغضب كما في الدنيا هذا خلاصة ما ذكره المدقق في الكشف فدفع ما قيل، وما يقال. قوله: (في هذا القرآن) أي في هذه السورة أو المجموع، وهو الظاهر وقوله من كل مثل من فيه تبعيضية، وتحتمل الزيادة وقوله وصفناهم أي الناس، وقوله بأنواع الصفات بيان لمعنى كل وأنّ الكلية باعتبار الأنواع لا الأفراد ولا وجه لتخصيصه بأحوال الآخرة، وقوله التي الخ إشارة إلى وجه إطلاق المثل على الصفة العجيبة مع أنّ أصله ما شبه مضربه بمورده، وأنه استعارة لأنّ المثل إنما يضرب بما هو مستغرب، وقوله مثل الخ بيان لما ذكر من الصفات وأدرج فيه وجه ارتباطه بما قبله. قوله: (أو بينا الخ) فضرب بمعنى بين، وقد كان بمعنى وصف من ضرب الخاتم إذا صنعه كما مرّ والظاهر أنّ المثل فيه على أطله وأن القرآن بمعنى المجموع، وقوله البعث بتقدير مضاف أي اعتقاد البعث وما بعده معطوف عليه، وقوله ولئن جئتهم اللام موطئة والتقدير مع ضربنا كل مثل لو جئتهم الخ، وقوله من آيات القرآن حمل الآيات على معناها المتبادر، ولو حمل على معجزة من المعجزات التي اقترحوها صح قيل وهو الأنسب فتأمّل. قوله: (ليقولق الذين كفروا) أظهره لعموم ما قبله أو لبيان السبب الحامل على ما قالوه ولا ينافيه قوله من فرط، وقوله مزوّرون التزوير الكذب وقد يخص بالشهادة وأصل معناه التزيين والترتيب لكلام في النفس، وقوله مثل ذلك الطبع الإشارة إلى ما يفهم مما بعده كما مرّ تحقيقه وقد يجعل لما يفهم من قوله ليقولن الخ. قوله: الا يطلبون العلم) فهو مراد به لازمه للزوم الطلب له عادة أو المعنى أنهم ليسوا من أولي العلم، وقوله فإن الجهل المركب الخ تعليل لإصرارهم على اعتقادهم وجعله علة لقوله يطبع وكيك وفاء فاصبر فصيحة أي إذا علمت حالهم وطبع الله على قلوبهم فاصبر الخ وقوله بنصرتك الخ هو المناسب لأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر، وقد عمم ليشمل ما مرّ من غلبة الروم وله وجه. قوله: (ولا يحملنك الخ (بضئم اللام وفتحها والحمل وان كان لغير. ظاهراً لكن النهي راجع إليه فهو كقوله: {لا أرينك ههنا} كما مرّ تحقيقه كانه قيل لا تخف لهم جزعاً وما قيل إنه لا يحتاج إلى التأويل فيه نظر. قوله: (بتكذيبهم وإءلذائهم) بيان لسبب القلق، وقوله فإنهم شاكون تفسير لقوله لا يوقنون لا تعليل لقوله لا يستخفنك حتى يقال لا وجه لبيان عذر الكفرة في مقام ذمهم وذلك إشارة إلى التكذيب والإيذاء، ويستبدع بمعنى يستغرب. قوله: (وقرئ لا يستحقنك) أي بفتح الحاء المهملة والقاف مع نون التوكيد الثقيلة، وهي قراءة شاذة رويت عن يعقوب ومعناها كما في الكشاف لا يفتننك فهو مجاز مرسل لأنّ من فتن أحدا استماله إليه حتى يكون أحق به من غيره، واليه أشار بقوله يزيغوك من الإزاغة وهي الإمالة إلى جانبهم، والمراد أمّته وان كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم لعصمته. قوله: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) هو حديث موضوع وقولى كل ملك سبح لأنّ فيها سبحان الله الخ، وقوله ما ضيع الخ لقوله: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [سورة الروم، الآية: 17] الخ تمت الس! ورة الشريفة بحمد الله ومنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سورة لقمان لقمان علم ممنوع الصرف للعلمية والعجمة أولها وللزيادتين. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) قال الداني في كتاب العدد إنّ ابن عباس رضي الله عنهما قال إنها مكية إلا ثلاث آيات وقال عطاء إلا اثنتين لأنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة قال له أحبار اليهود بلغنا أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أعنيتنا أم قومك قال كلا عنيت فقالوا: إنك تعلم أنا أوتينا التوراة، وفيها بيان كل شيء فقال ذلك في علم الله قليل فأنزل الله عز وجل، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ} الآيتين وآياتها ثلاث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 وثلاثون في المكي والمدني وأربع وثلاثون في عدد الباقي اهـ، وأمّ استثناء الآية المذكورة بناء على أنّ الصلاة والزكاة إيجابهما على المؤمنين وقع بالمدينة فغير مسلم لأنّ الصلاة فرضت بمكة ليلة الإسراء كما في البخاري وغير.، ولو سلم فيكفي كونهم مأمورين بها بمكة ولو ندبا فلا يتم التقرير فيها كما ذكره المصنف رحمه الله، وأمّا الزكاة فإيجابها بالمدينة على المشهور، وقيل تقدير الإنصباء هو الذي كان بالمدينة لا إيجابها كما مرّ، واختار المصنف الجواب التسليمي لأنه هو التام فيهما فتأمّل. قوله تعالى: ( {الْحَكِيمُ} ) أي المحكم أو الحكيم قائله على الحذف، والإيصال أو المجاز في الإسناد أو الاستعارة المكنية كما مرّ تفصيله، وقيل هو مؤوّل بذي الحكمة، وأورد عليه أنه لا بد فيه من المجاز أو التقدير فتأمّل. قوله: (والعامل فيهما الخ الأنه عامل معنويّ إذ هو بمعنى أشير، ولولاه لم يأت الحال من الخبر على المشهور، وقوله على الخبر بعد الخبر أي لتلك والمحذوف تقديره هي أو هذي الخ مراعاة لظاهر الخبر. قوله: (بيان لإحسانهم) وهو إمّا صفة كاشفة، أو بدل أو بيان لما قبله أو منصوب أو مرفوع على القطع وعلى كل فهو تفسير للإحسان كقوله: الالمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا فلا وجه لتخصيصه بالأوّل وما بعده استئناف كما فصله في الكشف سواء حمل ما ذكر على ظاهره أو جعل عبارة عن جميع الأعمال الحسنة تصريحاً، واستتباعا لأن كل الصيد في جوف الفراء كما في الكشاف وظاهر كلام المصنف أنه على الثاني بيان دون الأوّل لأنّ الإحسان لا يختص بما ذكر فلا وجه لما قيل من أنه ينتظمها، وأنه أحسن من صنيع الزمخشري فتأمّل. قوله: (أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه) أي من أقسام الإحسان جمع شعبة وظاهره أنه إذا كان بياناً عامّ بطريق الاستبتاع فيكون صفة مادحة للوصف أو الموصوف لا مخصصة، أو مبينة كما في الأوّل ولا مخالفة فيه لما في الكشاف كما توهم. قوله: (ولما حيل (بكسر اللام، وتخفيف الميم أي أعيد الضمير للتأكيد ولدفع توهم كون بالآخرة خبراً وجبراً للفصل بين المبتدأ وخبره، وقدم للفاصلة وقد مرّ الكلام عليه والكلام على قوله {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} تقدّم في البقرة، وقوله لاستجماعهم الخ ذكر العقيدة، وان لم تسبق لاستلزام ما ذكر لها أو لدخولها في عموم الأوّل. قوله: (ومن الناس الخ (عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل من الناس هاد مهدفي ومنهم ضال مضل أو عطف قصة على قصة، وقيل إنه حال من فاعل الإشارة أي أشير إلى آياته حال كونها هد! ورحمة الحال أنّ من الناس الخ، وقوله يعني بفتح الياء معلوما أي يهم وقيل إنه بضمها مجهولاً أي يقصد وهذا كما قال الحسن اللهو ما يشغل عن الله. قوله: (والإضافة بمعنى من الخ) هذا بناء على أنّ إضافة العامّ المطلق بيانية، وهو مذهب لبعض النحاة كما في شرح الهادي وذكره الدماميني في شرح التسهيل إذ جعل إضافة يومثذ بيانية، وان صرّح العصام بخلافه واغترّبا بعض المتأخرين فاعترض على المصنف بأنه مخالف لكلام النحاة، وقوله إن أراد الخ فالتعريف للعهد. قوله: (وتبعيضية إن أراد به الآعتم منه) تبع فيه الزمخشريّ وهو مذهب لقوم من النحاة كابن كيسان والسيرافي قالوا إضافة ما هو جزء من المضاف إليه بمعنى من التبعيضية واستدلوا بفصله بمن كقوله: كأنّ على الكتفين منه إذا انتحى بذاك عروس أو صلابة حنظل والأصح كما ذهب إليه إبن السراج والفارسي، وأكثر المتأخرين أنها على معنى اللام كما فصله أبو حيان في شرح التسهيل وذكره شارح اللمع، وقيل المشهور أنّ الإضافة تقوم مقام التمييز فهي بمعنى من البيانية إلا أنه باعتبار العموم والخصوص الوجهي جاء التبعيض، وليس من مقتض لإضافة فالتبعيضية ترجع إلى البيانية والفرق بين الوجهين إنه على هذا لا يحتاج إلى تقييد الحديث بالمنكر كما في الأوّل لأنّ الحديث الذي هو اللهو لا يكون إلا منكرا وعلى الأوّل لما أريد تمييز اللهو بعضه من بعض، وجب أن يقيد الحديث بالمنكر لأنه اللهو القولي، وهو غفلة عما قرّرناه، وكذا ما قيل إنه عبر عن اللامية بالتبعيضية إظهار الجهة الملابسة الاختاصية تعويلا على ما عرف فيها، وقد مرّ تفصيله في أوّل سورة الفاتحة فتذكره. قوله: (1 لأعثم منه) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 جمع بين الألف واللام من كقوله: ولست بالأكثر منهم حصى وانما العزة للكاثر وتأويله تأويله فلا يرد عليه إنه لا يجوز بحسب العربية. قوله:) وقيل نزلت الخ) جعله مقابلا للأوّل لأنه فيه عامّ وفي هذا خاص بقصص الأعاجم أو الغناء والاشتراء على الأوّل مستعار لاختيار على القرآن، وانصرافهم عنه واستبداله به، وعلى هذا هو على حفيقته والقيان جمع قينة وهي الجارية، وقد خصمت بالمغنية في العرف وهو المراد هنا ولا يأباه لفظ الحديث، ولا يحتاج إلى تقدير ذات كما قيل لأنه لما اشتريت المغنية لغنائها فكان المشتري هو الغناء نفسه، ورستم واسفنديار من ملوك العجم والأكاسرة جمع كسرى، وهو معرّب خسر وعلم لملك منهم ثم أطلق على كل من ملكهم، ومرّضه لأنّ قوله أولئك لهم يقتضي تعدده كما قيل، وفيه نظر. قوله: (دينه) بالجرّ عطف بيان على سبيل الله مفسر له وكذا ما بعده والأوّل ناظر إلى قوله هدى، والثاني إلى قوله تلك آيات الكتاب ولو عممه ليشملهما كان له وجه وجيه، وقوله ليثبت على ضلاله الخ لأنه ضال قبله واللام للعاقبة وكونها على أصلها كما قيل بعيد، ولم يرتض ما في الكشاف من أنه وضع موضع يضل للعموم لأن من أضل فهو ضالّ، لأنّ الضلال لا يلزمه إلا ضلال وان اعتذر عنه بأنه أراد به الضلال المتجاوز لغيره بقرينة سبب لنزول لأنه تكلف لكن فيه توفق القراءتين معنى وبقاء اللام على حقيقتها. قوله: (بحال ما يشتريه الخ) متعلق بعلم، وقوله بغير علم ظاهر كلام المصنف إنه متعلق بيشتري، وقد جوّز تعلقه بيضل أي جاهلاً إنها سبيله أو أنه يضل أو الحق وهذا الوجه جار على الوجهين في تفسير ومن الناس من يشتري، وقوله أو بالتجارة حيث استبدل الخ قيل إنه يجوز اعتباره فيهما أيضاً والظاهر من قوله استبدل أنه مخصوص بالأوّل كما صرّح به بعض أرباب الحواشي فتأمّل، والباء داخلة على المتروك. قوله: (ويتخذ السبيل) أو الآيات وقوله أولئك لهم جمع ضمير من بعد إفراده مراعاة للمعنى واشارة لعموم الوعيد، وقوله لإهانتهم إشارة لا أنّ الجزاء من جنس العمل عدلاً منه تعالى، وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ} أفرد ضمير من مراعاة للفظه بعدما جمع مراعاة لمعناه في قوله يشتري بعد إفراد ضميره رعاية للفظه كما وقع في سورة الطلاق، ولا نظير لهما في القرآن كما قاله أبو حيان وتبعه المحشي وليس كذلك لأنّ لهما نظائر كما فصله المعرب في سورة المائدة، وقوله متكبراً إشارة إلى أنّ الاستفعال بعنى التفعل. قوله: (مثابهاً حاله حال من لم يسمعها) أي أشبهت حاله في عدم التفاته تكبراً حال من لم يسمعها وكأن المخففة ملغاة لا حاجة لتقدير ضمير شأن فيها، كما في الكشاف وفيه إشارة إلى أنّ جملة التشبيه حالية وقوله مشابها من في إذنه الخ بإفراد إذنه وفي نسخة إذنيه بالتثنية، وكلاهما ظاهر والتشبيه الثاني ترق في ذمّه لأنّ فيه دلالة على عدم قدرته على السماع لعدم الانتفاع وأشار بقوله ثقل إلى أنّ أصل معنى الوقر الحمل الثقيل استعير للصمم، ثم غلب حتى صار حقيقة فيه وتثقيل كأن في الثاني كأنه لمناسبته للثقل في معناه، وأذن بضم الذال وقرأها نافع بسكونها تخفيفاً. قوله: (والأولى) أي جملة كان الأولى والمبدل كل من كل والحال على الثاني متداخلة ولتهكم في البشارة مرّ تفصيله في البقرة، والحال المتداخلة تفيد تقييد عدم السماع بحال عدم القدرة، ويجوز كونه حالاً من أحد السابقين. قوله: (فعكس على المبالنة وفي نسخة للميالغة قيل في وجه المبالغة إنه لجعل النعيم أصلاَ ميزت به الجنات فيفيد كثرة النعيم وشهرته، وقيل لأن من ملك جنات النعيم كان له نعيمها كلها بطريق برهاني بخلاف ما لو قيل نعيم الجنات فإنه قد يتنعم بشيء غير مالكه) . قوله: (حال من الضمير) أي المجرور أو المستتر فيه لأنه خبر مقدم، أو من جنات على أنه فاعل الظرف لاعتماده بوقوعه خبرا فإن الحال لا تأتي من المبتدأ على الأصح، وهو مبتدأ لهم خبره لو لم يكن فاعلاً والجملة خبران ولذا حعل العامل متعلقه فيهما إذ رجوعه على الأوّل خلاف الظاهر. قولى: (1 لأوّل) أي وعد الله مؤكد لنفسه أي لما هو كنفسه، وهي الجملة الصريحة في معناه لأنّ قوله لهم جنات النعيم الخ صريح في الوعد بخلاف قوله حقاً فإن الوعد يكون حقا وباطلا، والكلام في المؤكد لنفسه " وغيره والعامل فيه مفصل في النحو، وقوله لغيره يعني به جملة لهم جنات النعيم فمؤى إهما واحد، وقد مرّ في يونس أنّ حقاً مؤكداً لوعد الله المؤكد، وهو محتمل هنا وأما ى ن حمملة أنّ الذين الخ دالة على التحقق والثبوت فلو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 جعل مؤكداً لها كان مؤكداً لنفسه أيضا فاحتمال! تركوه لبعده فلا عبرة بما قيل إنّ الأخبار المؤكدة لا تخرج عن احتمال البطلان فتأمّل، وقوله وليس كلى وعد حقا أي في نفسه بقطع النظر عن قائله كما حقق في قولهم الخبر ما يحتمل المدق، والكذب فلا يرد عليه أنّ وعده تعالى حق بلا مرية. قوله: (فيمنعه الخ (إشارة إلى أنلأ تذييل مقرّر لحقية وعده المخصوص بمن ذكر المومي إلى الوعيد لمن عداهم، وقوله الذي لا يفعل الخ الحصر من فحوى الكلام، وقوله سبق في الرعد وكذا تفسير رواسي وتحقيقه مرّ فيها أيضا، وقوله كراهة أن تميد إشارة إلى أنه مفعول له بتقدير مضاف، وقد مرّت نظائره أيضاً وتميد بمعنى تضطرب. قوله: (استئناف) سقط من بعض النسخ لتقديمه في الرعد يعني جملة ترونها مستأنفة في جواب سؤال تقديره ما الدليل على ذلك فلا محل لها مسوقة لإثبات كونها بلا عمد لأنها لسو كان لها عمد رؤيت، وقد جوّز في الرعد كونها صفة لعمد أيضا فالضمير على هذا للسموات لا للعمد كما في الوصفية، وأفرد ولم يقل فيهن لأنه جمع قلة والرؤيه بصرية لا علمية حتى يلزم حذف أحد مفعوليها كما توهم، وعلى الوصفية يجوز أن يكون المراد أنّ لحا عمدا غير مرئية كما مرّ. قوله: (شوامخ) أي عالية، وقد فسر بثوابت أيضا كما مز، وقوله: فإنّ بساطة أجزائها وفي نسخة تشابه أجزائها، وهو تعليل لميدانها وترك الدليل الظاهر، وهو أنها أجرام عظيمة مرتفعة من شأنها أن لا تستقرّ بدون عمد لا سيما إذا كانت بسقف ممتد كما وردت به النصوص الإلهية، والآثار النبوية لظهوره ولإلزام من يقول ببساطتها وكريتها من الحكماء، وأهل الهيئة بما يدل عليه الحس وقد قام عليه الدليل في محله من بساطتها فلا وجه لمنعه، فإن قيل الدليل غير تامّ فأمر آخر، وضمير أجزائها للسموات وما بعده للأجزاء والامتناع المذكور لأنّ تشابه الأجزاء يقتضي الاشتراك في اللوازم فالاختصاص ترجيح بلا مرجح فاحتيج إلى مخصص خارح وهو الجبال، وأما كونه لا عليه ولا شرطية بين الممكظ ت عند المحققين لانتفائهما بالذات إلا بأقداره تعالى وجعله فالآيات والآثار مشحونة بخلافط مح أنّ مط ذكص إلش اميّ، وكون اللازم جواز ما ذكر وامكانه لا وقوعه غير مسلم لأن مقتض التشابه الواقع الوقوع، وأنه بإرادته تعالى لا يقال ننقل الكلام إلى الجبال أيضاً لأنها من جنس الأرض فيلزم التبدل لأن مقتضى التشابه، والبساطة الكرية ومن حقها الميدان كما في الأفلاك والجبال أخرجتها عن الكرية، وتوجهت لثقلها نحو المركز ومنعها عن الحركة كالأوتاد، والبساطة لها معان ثلاثة على ما بين في علم الحكمة والمراد هنا ما لا يتركب من أجسام مختلفة الطبائع فيشمل العناصر والأفلاك والأعضاء المتشابهة كالعظم. قوله تعالى: ( {وَبَثَّ} ) أي أوجد وأظهر، وأصل البث الإثارة والتفريق وفي تأخيره إشارة إلى توقفه على إزالة الميدان، وقوله من كل صنف تفسير لزوح، وكثرة المنفعة تفسير لكرمه. قوله: (وكأنه استدل بذلك) أي ما ذكر من قوله خلق السموات بغير عمد إلى هنا، يشير إلى أن هذه الجملة ذكرت بعد قوله هو العزيز الحكيم لإثبات عزته وحكمته وفسر عزة الله بكمال قدرته وحكمته بكمال علمه فهي جلة مستأنفة لما ذكر، وللتمهيد لقاعدة التوحيد أي أصله المذكور بعده، وهذا إشارة لما ذكر أيضاً كما أشار إليه بقوله هذا الذي ذكر الخ، وفاء فأروني جواب شرط مقدر وأروني بمعنى أعلموني وأخبروني، وقوله اكهتكم تفسير لقوله من دونه لأنه بمعنى غيره من الآلهة، وقوله وماذا الخ لأنه قد يركب ويجعل اسماً واحداً استفهاميا فيكون مفعولاً لخلق مقدما لصدارته، وقد تكون ما وحدها اسم استفهام، وذا اسم موصول مبتدأ وخبر وعليها فالجملة معلق عنها سادّة مسداً لمفعول الثاني، وقد يكون ماذا كله اسماً موصولاً فيكون مفعولاً ثانياً لأروني والعائد محذوف في الوجهين، وما ذكره مبني على جريان التعليق في المفعولين الأخيرين، وفيه كلام في الرض انظره إن أردت. قوله: (الذي لا يخفى) هو ونحوه معنى قوله مببن والظاهر الظالمون وضع موضع أنتم، وقوله بإشراكهم إشارة إلى أنّ المراد بالظلم الشرك لقوله إنّ الشرك لظلم عظيم، وقوله من أولاد آزر الخ هو أحد الأقوال فيه، وقيل كان عبداً أسود، وقوله باعوراء بعين مهملة ممدودا ووقع في الكشاف باعور بدون ألف وهو اسم عبراني، وروي أنه خير بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة على كلام فيه في شرح الكشاف. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 (استكمال النفس الخ) قيل إنه تعريف باللازم والمراد كمال حاصل باستكمال النفس الخ أي طلب كمالها بتهذيبها، وهذا في العرف العام وعند الحكماء معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية، واقتباس العلوم تحصيلها وفيه تشبيه لها بالنور، وقوله على الأفعال الخ متعلق بالملكة لما فيها من معنى الاقتدار، وقوله على قدر طاقتها متعلق باستكمال وشمرد من السرد وهو عمل حلق الدرع وفاعل فقال دأود عليه الصلاة والسلام ولبوس بفتح اللام بمعنى ملبوس. قوله: (الصمت حكم الخ) قال الميدإني: الحكم بضم الحاء الحكمة ومنه وآتيناه الحكم صبيا، يعني أنّ استعمال الصمت حكمة ولكن قل من يستعملها وقد صار هذا مثلاً، وقوله أنه أمر بصيغة المجهول أو المعلوم والتقدير أمره داود عليه الصلاة والمملام، وهو المناسب لقوله سأله أو مولاه كما في الكشاف وترك لعدم تحقق كونه عبداً، وقوله فقال الخ إن كان السائل سأل عن الأطيب والأخبث من هذين العضوين مطلقا أي المحمود والمذموم منهما فحاصل جوابه أنّ الخبيث والطيب عارضان لا حقيقيان، وهما في هذين أشد فما أتى به من الشاة مثال لما في الإنسان، وان كان مراده ما في الحيوان المأكول وطيبه وخبثه باعتبار اللذة والنفع وعدمهما، فجوابه من الأسلوب الحكيم لينبهه على أنّ اللائق بالعارف أن يسأل عما فيه ذريعة إلى ما فيه الكمال وترك قبيح الخصال، وهذين العضوين وسيلة لهما فتأمّل. قوله: (لأن أشكر الخ) يعني أن مصدرية على تقدير اللام التعليلية أو على أنها بدل اشتمال من الحكمة بدون تقدير، وهو بعيد أو تفسيرية لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه كما أشار إليه المصنف رحمه الله لأنّ إيتاءها إمّا بوحي أو إلهام، أو تعليم ولا يرد على الأوّل فوات معنى الأمر كما مرّ ولا على الثاني سواء كان تفسير الآتيناه الحكمة أو للحكمة أن الحكمة ليست الأمر بالشكر كما توهم، أمّ على الأوّل فظاهر، وأمّا على الثاني فلأنها ما تضمنه الأمر فتأمّل. قوله: (لأن نفعه الخ) فهو مؤوّل بما ذكر واستحقاق المزيد والدوام لقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] لدلالة الزيادة على الدوام التزاماً، وقوله ومن كفر قيل عبر بالماضي للدلالة على الزيادة والتحقق في الكفران، وفيه نظر ظاهر، وقوله فإن الله غني هو قائم مقام الجزاء، وهو فضرره عائد عليه لأنه مع أنه لا يحتاج للشكر مشكور محمود إمّ بحسب الاستحقاق أو بنطق ألسنة الحال، وحميد فعيل بمعنى مفعول في الوجهين، وأمّا ما قيل من أن قوله غني تعليل لقوله فإنما يشكر لنفسه وحميد للجواب المقدر للشرط الثاني بقرينة مقابله فتكلف لم تقم عليه قرينة ولم يدع إليه داع وان صح في نفسه فتدبر، وقوله جميع مخلوقاته أي سواء كفر أو شكر لدلالته على موجده، واذ قال بتقدير اذكر أو شكر وأنعم وأشكم بوزن أفعل علمان أعجميان، وكذا ما ثان بالمثلثة وجملة وهو يعظه حالية. قوله: (تصغير إشفاق) ومحبة لا تصغير تحقير: ماقلت حبيبي من التحقير بل يعذب اسم الشخص بالتصغير وقال آخر: ولكن إذا ما حب شيء تولعت به أحرف التصغيرمن شدة الوجد وقوله: يا بني تقدّم اختلاف القراء فيه وتسكين الياء بحذف ياء المتكلم وفتح الياء المشددة لأن ياء المتكلم مبني على الفتح، والكسر على بنائها على السكون وتحريكها بالكسر لالتقاء الساكنين، والكلام عليه مفصل في علم النحو والقراآت، وقوله كان كافرا ولذا نهاه فإن كان مسلما فقد حذره عن صدوره منه في المستقبل وقوله لأنه الخ تعليل لعظمه، وأنا كونه ظلماً فلوضعه في غير موضعه، وقوله وصينا أي أمرنا وقد مرّ تحقيقه، وبوالديه بتقدير رعايتهما. قوله: (ذات وهن) أي المصدر حال بتقدير مضاف أو مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة حالية كما صرح به ويجوز جعل المصدر نفسه حالاً مبالغة لكنه مخالف للقياس إذ القياس فيه أن يكون مشتقاً، وقوله تضعف ضعفا الظاهر أنه تفسير له على الثاني ويجوز حمله على الوجهين، وقوله فوق ضعف تفسير لقوله على وهن أي متزايداً بازدياد ثقل الحمل إلى مدة الطلق، وقوله فإنها الخ تعليل أو تفسير لما قبله، وقوله والجملة الخ على الثاني وذو الحال أمّه، وأمّا جعله حالاً من ضمير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 حملته فيأباه قوله على ضعف فإن ضعفه لا يتزايد بل ينقص فلا وجه لمن جوّزه. قوله: (يقال وهن يهن الخ) يعني أنه ورد من باب ضرب يضرب فسقطت الواو من مفارعه لوقوعها بين ياء وكسرة، ومن باب علم فأثبتت الواو لعدم شرط حذفها، وقد ورد من باب كرم أيضا كما في القاموس، وقوله أو وهن يوهن وهنا وقع في النسخ مضبوطا بفتح هاء المصدر فيكون المحرك مصدر الفعل الثاني والساكن مصدر الأوّل فلا يصح ما قيل إنه من باب تحريك العين إذا كانت حرف حلق كالشعر، والشعر على القياس المطرد كما ذهب إليه ابن جنى بل يكون لغة فيه كتعب يتعب تعبا هكذا قال بعض المتأخرين لكنه اعتماد على ضبط القلم فمان ساعدته الرواية فيها ونعمت، وكلام القاموس يدل على عدم اختصاص أحد المصدرين باحد الفعلين وقوله قرئ بالتحريك يعني في الموضعين وقد علمت وجهه. قوله: (وفطامه) أي ترك إرضاعه والفطام والفصال بكسر الفاء بمعنى الفطم والفصل، وقوله في انقضاء عامين أي تمامهما أي في أوّل زمان انقضائهما ففيه مضاف مقدّر مع تسمح يسير والقرينة على تقديره قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [سورة البقرة، الآية: 233] . قوله: (وفيه دليل الخ) هو مذهب الشافعي والإمامين، وعند أبي حنيفة ثلاثون شهراً فما ذكر هنا أقل مذته وتفصيله في كتب الفقه. قوله: (تفسير لوصينا) فإن بمعنى أي التفسيرية، وعلى ما بعده مصدرية قبلها لام علة مقدرة، واذا كان بدلاً فكأنه قبل وصيناه بوالدبه بشكرهما وذكر شكر الله لأن صحة شكرهما تتوقف على شكره كما قيل في عكسه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، فلذا قرن بينهما في الوصية، وعن ابن عيينة من صلى الصلوإت الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه في أدبارها فقد شكرهما وأمّا كون الأمر بالشكر يأبى التفسير والتعليل والبدلية كما قيل فليس بشيء كما مر. قوله: (وذكر الحمل والفصال الخ) أي على الوجوه في إعراب أن اشكر ووجه التوكيد ذكر ما قاسته في تربيته وحمله وأمّا كونه استئنافاً أو المراد بالاعتراض ما يعمه فغير صحيح لأن الكلام المستأنف لا يتعلق ما بعده بما قبله. قوله: (ومن ثئم) أي لأجل ما للأم من عظيم الحق قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن ساله عمن يبره أمّك وأجابه عن سؤاله به ثلاث مرات والحديث المذكور صحيح رواه أبو داود والترمذي وأمّك فيه منصوب بفعل مقدر تقديره برّ أمّك أي أحسن إليها، وقوله فأحاسب تفسيراً وتعليل أو تفريع. قوله: (باستحقاقه الإشراك) تفسير لقوله به بتقدير مضاف فيه بقرينة السياق، وتقليداً تعليل لقوله تشرك، وقوله وقيل الخ إشارة إلى قول الزمخشريّ أراد بنفي العلم به نفيه أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد الأصنام كقوله: {مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} [سورة العنكبوت، الآية: 42] قال في الانتصاف وتبعه الطيبي وغيره من الشراح هو من باب: على لا حب لا يهتدي بمناره أي ما ليس بإله فيكون لك علم بالإلهية وليس كما ذكره في قول فرعون ما علصت لكم من إله غيري فقد زيفناه فيما تقدم انتهى، يعني أنه من الكناية ولا يلزم فيها اللزوم العقلي بل يكفي العرفي كما صرحوا به، وقال المدقق في الكشف ليس هذا من قبيل نفي العلم لنفي وجوده كما مر في القصص والا لقال ما ليس بموجود، بل أراد أنه بولغ في نفيه حتى جعل كلا شيء، ثم بولغ في سلك المجهول المطلق وهذا تقرير حسن فيه مبالغة عظيمة، ومنه يظهر ترجيح هذا المسلك في هذا المقام على أسلوب: ولا ترى الضسب بها ينجعر انتهى وكل منهما مسلك حسن، وقد مر أن المصنف و حمه الله فرق بين ما في القصص وغيره في سورة العنكبوت، فليس المراد تمريضه لئلا يتناقض " كلامه فلا تكن من الغافلين، وقال بعض الفضلاء ضعفه لما قيل إنه من خواص العلوم الفعلية دون الانفعالية، إذ لا يلزم من عدم علمنا بشيء أن لا يكون موجوداً والظاهر أن مراد القائل أنه مجاز عنه ولا يلزم فيه اللزوم العقلي بل يكفي العرفي كما مر والذهن ينتقل من نفي العلم إلى انتفائه، وفي شرح المفتاح أنه بناء على اللزوم الادّعائي بمجرّد الأصالة والفرعية وقوله في ذلك أي الشرك. قوله: (صحابا) بكسر الصاد مصدر كالصحبة يعني أن معروفا صفة مصدر محذوف، وقوله يرتضيه الخ تفسير للمعروف كأن يطعمهما ويكسوهما ويعودهما ويدفنهما بعد الموت، وقوله في الدنيا ذكره لمقابلته بقوله: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 55] ووقع في نسخة في الدين والأولى أولى، وأناب بمعنى رجع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 إلى الحق وطريقه والمعنى اتبع طريق المخلصين لا سبيلهما، وقوله بالتوحيد تنازعه الفعلان، وقوله مرجعك ومرجعهما إشارة إلى أنّ فيه تغليباً للخطاب على الغيبة، وقوله بأن أجازيك الخ فهو كناية عن الجزاء وليس المراد بالإعلام ظاهره والآيتان من قوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ} إلى قوله {تَعْلَمُونَ} وقوله لما إمّا صلة التأكيد أو تعليل له وضمير فيها للوصية وفي نسخة فيهما أي الآيتين، وقوله كأنه بيان للمراد من ذكرهما على وجه يتضح به التأكيد، وقوله للمبالغة في ذلك أي في التأكيد للنهي عن الشرك واتباع من يأمر به ولو كان أحق الناس بالطاعة بعد الله وهما الوالدان ومن هنا جاءت المبالغة، وقوله مكثت أي أمّ سعد ولإسلامه بمعنى بعد إسلامه أو لأجل إسلامه، وقوله ولذلك أي لكون نزولهما فيه وضمير فإنه لسعد وضمير بدعوته لأبي بكر رضي الله عنه. قوله: (أي أنّ الخصلة الخ) فالضمير راجع لها لفهمها من السياق، وقوله مثلاً في الصغر أي في غاية الصغر حتى يضرب بها المثل فيه وهو تفسير لمثقال حبة الخ بما يشمل ما دونها وجعل الضمير للقصة على الرفع لعدم العائد فيها إلا بتكلف تقديره، وقوله وتأنيثها أي كان أي مضارعها لما ذكر أولتأويله بالزنة أو الحسنة والسيثة وقوله كما شرقت الخ من شعر للأعشى وأوّله: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما الخ وهو يهدّد بالهجاء من هجاه، والشرق وقوف الماء في الحلق كالغصة ب! فعله كعلم، وهو استعارة هنا لتضرّره بما ظنه نافعاً وتشبيه صدر القناة التي عليها الدم بمن شرق في مجرّد وقوف المائع والشاهد فيه ظاهر، والمثقال ما يقدر به غيره لتساوي ثقلهما. قوله: (في أخفى مكان وأحرزه) إشارة إلى أنّ ما ذكر كناية عن الأخفى والا حرز ونحوه، وليس مقصوداً بخصوصه وقوله أو أعلاه عطف على أخفى وقوله كمحدب السموات أي جهة الأوج دون الحضيض وخصه لأنه أعلى ما فيه فهو المناسب للمقام إذ المقصود المبالغة فلا يقال إنه لا وجه للتخصيص، وكلمة في لا تأباه لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة أو هي بمعنى على وعبر بها للدلالة على التمكن والمحدب ظاهر الكرة والمقعر باطنها. قوله: (وقرئ بكسر الكاف) أي تغيب من وكن الطائر إذ دخل وكنته بفتح الواو وضمها وسكون الكاف أو ضمها مع ضمّ الواو أي عشه فهو استعارة أو مجاز مرسل كالمشفر وقد جوّز في ضمير تكن أن يكون للابن والمعنى أن تحتف وقت الحساب يحضرك الله، وهو غير ملائم للجواب، وقوله يحضرها بالجزم وكذا ما عطف عليه وهو إمّا على ظاهره أو المراد يجعلها كالحاضر المشاهد لذكرها، والاعتراف بها. قوله: (يصل علمه إلى كل خفئ) هذا على أنّ معنى اللطيف في أسمائه تعالى العالم بالخفيات، وهو المناسب لما قبله وما بعده هنا وقد جوّز فيه أن يفسر بمعنا. المعروف لأنّ في ذلك لطفاً بأحد الخصمين والأوّل أنسب، وخبير تاكيد له على الأوّل والمصنف رحمه الله فسره بالعالم بكته الخفيّ ليكون تأسيساً فيه أيضاً، وقوله سيما في ذلك أي تكميل نفسك وغيرك أو في الصلاة والأمر بالمعروف لشدة احتياجهما للصبر، أمّا الثاني فظاهر وأمّا الأوّل فلأنّ إتمامها والمحافظة عليها قد يشق، ولذا قيل وانها لكبيرة إلا على الخاشعين والإشارة إلى الصبر تناسب الأفراد والبعد لعلوّ منزلته وعلى ما بعده فهو مؤوّل بما ذكر. قوله: (عزمه الله) أي قطعه وأوجبه، والعزم بهذا المعنى يسند إليه تعالى ومنه ما وود عزمة من عزمات الله وفي الحديث: " لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل " أي يأتي بنية قاطعة وقوله ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل إذا كان بمعنى المفعول فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور المعزومة، وإذا كان بمعنى الفاعل فهو من الإسناد المجازي كمكر الليل لا من الإضافة على! نقثم) وإهذا أصل فعنا أشاولامبقوللنا منتعليليةا أو صحلة فينه ااس! تعملهبمعنىبها اجمهدلر في الأولا للإعراض عن الناس والصيد بفتح الصاد المهملة والياء التحتية كما في الجوهري، وبكسر الصاد كما في القاموس مرض في أعناق الإبل يتشنج به أعصابها فلا تتحرّك وتلتفت، وقد استعير للتكبر كالصعر وقوله داء الخ خبر بعد خبر لهو، وقوله وقرئ، لا تصعر أي من الأفعال وقوله والكل واحد أي بمعنى وعدى المصنف الميل بعن لتضميمة معنى الإعراض لأنه هو المذموم لا مطلق الميل، وقوله فيلوى أي البعير أو الداء لأنه سببه. قوله: (وقرأ نافع الخ (قيل كان ينبغي تقديمها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 لكونها قراءة الأكثر من السبعة وفي الدر المصون إنها قراءة ابن كثير وابن عامر وعاصم فليحرّر فانه قيل إنه سهو والبطر النشاط للغرور ووقوع المصدر حالاً للمبالغة أو لتأويله بالوصف، وقوله أو لأجل المرح فهو مفعول له من غير تأويل. قوله: (علة للنهي (إفادته التعليل لأنه استئناف في جواب السؤال عن السبب والعلة، وقوله وتأخير الخ فهو لف ونشرمشوّس، وقوله مقابل للمصعر لأنه بمعنى المتكبر وهو قريب معنى من الفخور والمختال من الخيلاء، وهو التبختر في المشي كبراً فيناسب الثاني، ولك أن تجعله لفاً ونشرا مرتباً فإنّ الاختيال يناسب الكبر والعجب، وكذا المشي من جانب يناسب الفخر والكلام على رفع الإيجاب الكلي والمراد السلب الكلي، ولك أن تبقيه على ظاهره وصيغة- فخور للفاصلة، ولأن ما يكره منه كثرته فإنّ القليل منه يكثر وقوعه فلطف الله بالعفو عنه. قوله: (توسط فيه) من القصد وهو الاعتدال والدبيب المشي على هينة وبطء ضد الإسراع، وقوله: " سرعة المشي " الخ حديث رواه أبو نعيم وغيره عن أبي هريرة وقال ابن حجر في إسناده ضعف والبهاء الحسن والمراد أنها تورثه حقارة في أعين الناس لأنها تدل على الخفة، والمراد اعتبار ذلك بالإفراط فيه، وقول عائشة الخ في النهاية إنّ عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتاً فقالت ما لهذا لقيل إنه من القراء أي الزهاد الفقهاء فقالت كان عمر رضي الله عنه سيد القراء وكان إذا مثى أسرع وإذا قال أسمع واذا ضرب أوجع. قوله: (فالمراد ما فوق دبيب المتماوت (يعني مراد عائشة رضي الله عنها بالسرعة ما فوق البطء الشديد فلا ينافي ما في الآية وكذا ما ورد في صفة مثيه عليه الصلاة والسلام كأنما ينحط من صبب، والمتماوت هو الذي يخفى صوته ويقل حركاته ممن يتزيّ بزيّ العباد كأنه يتكلف في اتصافه بما يقرب من صفات الأموات كما في النهاية ليوهم أنه ضعف من كثرة العبادة، وتسديد السهم توجيهه للغرض ليصيبه فهو استعارة لتحري الصواب فيه. قوله: (وانقص متة وأ! دصر) أي أجعله قصيرا والمراد عدم شدة الجهر مجازاً، أو هو حقيقة عرفية وضده مدّ الصوت، ولما كان يقال غض الطرف والصوت متعديا جعله في الكشاف مستعارا من قولهم غض من فلان إذا ذمّه لئلا تكون من زائدة في الإثبات كما ذصب إليه بعضهم هنا، وتكلف بعضهم جعلها تبعيضية لكن ظاهر قول الجوهري: غض من صوته أنه يتعدى بمن فلا غبار عليه. قوله: (أوحشها) أي أقبحها كما يقال في العرف للقبيح، وحش وأصله ضدّ الإن! والألفة فهو إمّا مجاز أو كناية. قوله: (والحمار مثل في الذمّ) أي مشهور في الذمّ شهرة المثل، أو يضرب به المثل في معان من الذمّ كالبلادة وقبح الصوت والنهاق بالضمّ اسم للشديد من صوته كالنهيق، وقوله ولذلك أي لاشتهاره بالأحوال الذميمة كنت العرب عنه في الأكثر لأنّ عادتهم الكناية عما يستقبح لاستقذاره وإنما صرّح به هنا لأن بعض ما يقبح في مقام يحسن في آخر، ولما كان هذا مقام الذمّ والمذموم لا يوقر كان ذكره هنا مستحسنا، وهذا مما ذكره أهل البلاغة ولأنّ التصريح أبلغ كما صرّح به المصنف. قوله: (وفي تمثيل الصوت الخ) كذا في الكشاف قال الشارح الطيبي إنه إشارة إلى أنّ قوله إن أنكر الخ تعليل للأمر بالغض على الاستثناف كأنه قيل لم أغض فقيل لأنك إذا رفعته كنت بمنزلة الحمار في أحسن أحواله، ثم ترك المشبه وأداة التشبيه ووجهه وأخرج مخرح الاستعارة المصرّحة التمثيلية انتهى فجعله استعارة وحمله على ظاهره، وقال بعض أهل العصر أنه طوى المشبه على سنن الاستعارة وليس اسنعارة فإنّ المشبه لم يعرض عنه بالكلية لأنه، وإن لم يكن مقدرا منويّ مراد على نهج قوله وما يستوي البحر إن هذا عذب فرات الخ، ولذا قالوا مخرج الاستعارة دون أن يقولوا اسنعارة هذا محصل ما أطال به من غير طائل فإنه لا مانع من حمله على ظاهره بجعل صوت الحمير استعارة لصياح الإنسان والجامع بينهما الشدة مع القبح الموحش فتامّل. قوله: (وتوحيد الصوت الخ) يعني المراد بصوت الحمير صوت هذا الجنس، ولكون المراد من المضاف الجنس لا وجه لجمعه، فإن قلت ينبغي أن يوحد المضاف إليه أيضاً قلت أجيب بأن المراد بالجمع المحلي باللام الجنس بخلاف الجمع المضاف إلى المحلى بها وفيه نظر، وقد أجيب أيضاً بأنّ المقصود من الجمع التعميم، والمبالغة في التفسير فإنّ الصوت إذا توافقت عليه الحمير كان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 أنكر وأورد عليه أنه يوهم أنّ الأنكرية في التوافق دون الانفراد، وهو لا يناسب المقام فتأمّل، وما قيل من أنّ المحققين لم يذهبوا إلى أنّ الحمير جمع، وإنما هو بمنزلة أسماء الأجناس فلا وجه للسؤال مما يتعجب منه فإنّ أهل اللغة صرّحوا بجمعيته ولم يخالف فيه غير السهيلي فإنه قال إنّ فعيلاَ اسم جمع كالعبيد لعدم اطراد مفرده، واسم الجمع جمع عند أهل اللغة والفرق بينهما اصطلاح للنحاة لا يضرّنا، والنكير كونه منكراً وأمّ التوجيه بمراعاة الفواصل فلا يكفي في التوجيه دون نكتة معنوية تليق بالتنزيل. قوله: (أو لأنه مصدر) وهو لا يثني ولا يجمع ما لم يقصد الأنواع كما في قوله: {أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ} فلا يتوهم إنه يعارضه الجمع المذكور فتأمّل، وقوله بأن جعله أسبابا الخ فتسخيره لهم بمعنى تسخير ما تسبب عنه من النبات والأمطار فهو ينتفع بها بالذات، وبالواسطة وكذا الأرض سواء أريد بها ظاهرها أو جهة العلو والسفل فقوله بوسط الخ راجع لهما فتأمّل. قوله: (محسوسة ومعقولة) هو أحد التفاسير الظاهرة، والباطنة وفيها تفاسير للسلف ما لها ما ذكره المصنف،! ؤقوله ما تعرفونه الخ إمّا تفصيل للمعقولة أو لها وللمحسوسة فهو عطف بيان أو بدل مما قبله، وقوله وقد مرّ شرح النعمة وأنها ما ينتفع به ويستلذ وهو ينقسم إلى أخرويّ ودنيويّ وقوله بالإبدال أي إبدال السين صادا إذا اجتمعت مع أحد الحروف المستعلية المذكورة سواء فصل بينهما أو لم يفصل، وكلامه يشمل التقدّم والتأخر وقد اشترط بعضهم تقدّم السين فتبدل للتجانس كما قرّره النحاة، وهو إبدال مطرد وهذه قراءة ابن عامر وفي الكشاف إنه قرئ نعمه ونعمة ونعمته فقوله ظاهرة وباطنة حال وعلى التنكير صفة. قوله: (في توحيده) كالمشركين وفي صفاته كمنكري عموم القدرة وشمولها للبعث، وقوله مستفاد من دليل صفة موضحة لا مقيدة، وقوله راجع إلى رسول بأن يكون مأخوذا منه ولو جعل الهدى نفس الرسول مبالغة صح، ومنير أي منقذ من ظلمة الجهل والضلال. قوله: (وهو منع الخ) أي من تقليد من لم يعلم أنه مستند إلى دليل حق فإنه لا خلاف في امتناعه، أمّا تقليد المحق المستند إلى دليل فشيء اخر كما قيل وقد يقال إنه مبنيّ على مغ التقليد في العقائد مطلقاً أمّا التقليد في الفروع فلا خلاف فيه. قوله: (يحتمل الخ) ظاهر كلامه ترجيح الأوّل، وقد قيل إنّ الثاني أرجح لقوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [سورة البقرة، الآية: 170] بعد قوله: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [سورة البقرة، الآية: 170] وترك احتمال كون الضمير للمجموع وكلامه يحتمل أن يكون الضمير لكل منهما منفردا أولاً على التعيين فتأمّل. قوله: (من التقليد) على كون الضمير لهم وما بعده جار على الوجوه أو هو ناظر لكون الضمير لآبائهم، وقوله إلى ما يؤول إليه إشارة إلى أنّ عذاب السعير من ذكر المسبب وارادة السبب أو هو من مجاز الأول. قوله: (وجواب لو محذوف) وان كانت لو وصلية سواء كانت الوأو عاطفة أو حالية لأنّ الشرط لا بد له من جواب مذكور أو مقدر بقرينة لكن كثر الاستغناء عنه في الوصلية حتى ذهب بعضهم إلى أنه انسلخ عنها معنى الشرط، وأنّ تقديره بيان لأصل وضعها لا لزوم بحسب المعنى، والعجب من هذا القائل فإنه ذكر ما قرّرناه في سورة الحج، وغفل عنه هنا ولا يلزم على العطف تخالفهما خبراً وانشاء حتى يقال إنّ لاستفهام إنكاري فهو خبر معنى لتأخر الاستفهام عن العطف فسقط ما قيل إنّ الأولى ما في الكشاف من جعل الواو حالية من غير احتياح إلى تقدير الجواب ولا تأويل المعطوف الإنشائي ولا تعارض بين جعل الواوحالية وتقدير الجواب كما توهم والكلام على لو الوصلية سبق تفصيله. قوله: (والاستفهام الخ أليس فيه جمع بين معنيين مجازيين لأنّ الإنكار معنى الاستفهام، والتعجب مأخوذ من السياق أو على لعكس. قوله: (بأن فوّض أمره إليه) يشير إلى أنّ الإسلام والتسليم بمعنى التفويض وأنّ الوجه بمعنى الذات، وتسليم ذاته كناية عن تسليم أموره! ميعها لله الشراشر بمعنى الكلية كما مرّ والزبون بفتح الزاي بوزن فعول، وهو المشترى من الزبن بمعنى الدفع وكني به عن التبايع لتدافع المتبايعين في الأسواق لكنه بهذا اللفظ مولد كما ذكره الجوهري، وغيره وقوع في بعض النسخ الديون، وهو تحريف من الناسخ وقوله ويؤيده أي يؤيد كون الإسلام بمعنى التفويض لأنّ التفعيل أشهر فيه من الأفعال والأصل توافق القراآت معنى. قوله: (وحيث عدّى باللام الخ) كما في قوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 لنسلم لرب العالمين فإنه وقع في القرآن متعدّياً بـ إلى واللام فالأوّل لأنّ المسلم أموره له يجعلها منتهية إليه، وأمّا الثاني فلإخلاصه له فالمراد بالتضمن في كلامه كونه ملاحظاً في ضمن معناه متعديا بحسبه لا مطاوع التضمين الإصطلاحي، وهذا مراد الشيخين هنا فلا حاجة إلى تبديل الإخلاص بالاختصاص كما ذهب إليه بعض المتأخرين حيث ضرب بالقلم على الإخلاص، وكتب بدله الاختصاص مع أنه قريب من كلام المصنف ولم يرد بالتضمين غير ما ذكرناه إذ المراد أنّ إسلام الوجه منتهيا إلى الله ومختصاً به فبالنظر إلى الأوّل تعدّى يالى، وبالنظر إلى الثاني باللام الدالة على الاختصاص في نحو الجل للفرس فلا وجه للاعتراض عليه بأنه أصابت بديهته، وأخطأت رويته فالاختصاص إنما يتعدّى بالباء ولا للاعتراض على المصنف بأنه لا حاجة إلى ما اعتبره من التضمين والمخطئ في هذا كله ابن أخت خالة المخطئ. قوله: (وهو تمثيل) أي تشبيه تمثيليّ مركب لذكر الطرفين بتشبيه حال المتوكل على الله المحسن في عمله بمن ترقى في جبل شاهق، أو تدلي منه فتمسك بعرى حبل وثيق متدل منه، وهذا بعينه ما في الكشاف إلا أنه أبدل تدلى بترقي ملاحظة لعلوّ حاله، والتدلي باعتبار أنه المعروف فيه ولكل وجهة وقد ذكر في البقرة إنه استعارة في المفرد وهو العروة الوثقى فيستعار للتوكل النافع المحمود عاقبته واستمسك بمعنى طلب التمسك. قوله: (إذ الكل صائر إليه) تعريف الأمور يحتمل الاستغراق، والعهد كالكل إذ يحتمل كل الأمور وكل ما ذكرمن المجادلة وما بعده لكن كلامه ظاهر في الأوّل وتقديم إلى الله إجلالاً للجلالة ورعاية للفاصلة، ويجوز أن يكون للحصر ردا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور، وليس الاستغراق مغنياً عنه كما قيل. قوله: (فلا يضرّك) فنفي الحزن مجاز أو كناية عن نفي الضرر وفسره الزمخشريّ بلا يهمنك وأحزن مزيد حزن اللازم، وقدر لزومه ليكون للنقل فائدة وقوله وليس بمستفيض أي شائع تبع فيه الزمخشري، واللغتان مشهورتان والقراءتان متواترتان لأنّ هذه قراءة نافع لكنه يشير إلى ما نقل عن الزمخشري أن المعروف في الاسنعمال ماضي الأفعال ومضارع الثلاثي، والعهدة في ذلك عليه. قوله: (في الدارين) فسره به لأنّ المراد بالرجوع وما بعده المجازاة كما أشار إليه بقوله بالإهلاك الخ وقوله فيجازي عليه لأنّ علمه تعالى عبارة عن الجزاء عليه وقوله فضلاً ناظر إلى العلم بما خفي مما أكن في الصدور ويصح رجوعه للمجازاة عليه أيضاً، واستعمل فضلا في الإثبات لتأويل فيجازي بمعنى لا يترك، أو عليم بذات الصدور فلا يخفى عليه شيء فلا يقال إنه لم يقع في موقعه. قوله: (تمتيعاً) يعني نصبه على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدر أو على الظرفية لأنه صفة زمان مقدر، وقوله فإنّ ما يزول الخ بيان لقلته على الوجهين وأنها نسبية. قوله: (يثقل عليهم الخ) يعني أنّ الغلظ مستعار من الأجرام الغليظة والمراد الشدة والثقل على المعذب كما في الكشاف، والمراد بالاضطرار والإلجاء إلزامهم إلزام المضطر الذي لا يقدر على الانفكاك مما ألجئ إليه، وفي الانتصاف أنّ تفسير هذا الاضطرار ما في الحديث: " من أنهم لشدّة ما يكابدون من النار يطلبون البرد فيرسل عليهم الزمهرير فيكون أشدّ عليهم من اللهب فيتمنون عود اللهب اضطرارا " فهو اختيار عن اضطرار وبأذيال هذه البلاغة تعلق الكندي حيث قال: يرون الموت قداما وخلفا فيختاروه والموت اضطرار وكأنّ قول المصنف أو يضمّ الخ إشارة إلى هذا فتأمّل. قوله: (ليقولن الله) أي خلقهن الله، وهو المطابق للسؤال بحسب المعنى كما فصل في محله، وقوله بحيث اضطروا إلى إذعانه فإنه لا يمكن إنكاره كغيره من العبادة ونحوها، ولذا اضطرهم إلى العذاب، وقوله بطلان معتقدهم وهو إشراك غيره به في العبادة التي لا يستحقها غير الخالق والمنعم الحقيقيّ فيجب أن يكون له الحمد والشكر، وأن لا يعبد معه غيره فتعريف الحمد للاستغراق وقد مرّ في العنكبوت وجهان آخران وكلام فيه. قوله: (أنّ ذلك يلزمهم) ذلك إشارة إلى إقرارهم واعترافهم صريحاً بأنه الخالق لا سواه واقتضاء بأنه المستحق للعبادة والحمد فيلزمهم بفتح الياء مضارع لزم الثلاثي أو بالضم مضارع ألزم، والمعنى اعترافهم بأنه الخالق يلزمهم الإقرار بغيره ويجوز أن يكون المعنى أنهم ليسوا من أولي العلم، وبل للإضراب عن جهلهم وإلزامهم. قوله: (لا يستحق العبادة فيهما غيره) فهذا إبطال لمعتقدهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 من وجه آخر لأن المملوك لا يكون شريكا لمالكه فكيف يستحق ما هو حقه من العبادة وغيرها، وقوله عن حمد الحامدين خصه لمناسبة ما قبله وما بعده ولو عممه صح أيضا، وقوله المستحق الخ ففعيل بمعنى مفعول لا فاعل. قوله: (ولو ثبت الخ) اختار المذهب اكثر من أنّ أن الواقعة بعد لو الشرطية فاعل ثبت مقدّر بقرينة كون أن دالة على الثبوت، والتحقق لا مبتدأ مستغني عن الخبر لذكر المسند والمسند إليه بعده أو خبره مقدو مقدم أو مؤخر، واشتراط كون خبرها فعلا إذا كان مشتقا فلا يرد أقلام هنا ولا قوله تعالى: {لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ} [سورة الأحزأب، الآية: 20] لأنها للتمني وليس مما نحن فيه وبقية الكلام مفصل في محله. قوله: (وتوحيد شجرة) أي قيل شجرة بتاء الوحدة دون شجر أو أشجار لأن المراد تفصيل الشجر واستقصاؤها شجرة حتى لا يبقى واحدة من جنسها إلا وقد بريت أقلاما ولو لم يفرد لم يفد هذا المعنى إذ الجمع يتحقق بما فوق الثلاثة إلا آن يذخل عليه لام استغراق وبهذا ظهر وجه التعبير بأقلام لأنها لعمومها في معنى الجمع فلا حاجة إلى اعتبار أغصان الشجرة المتكثرة كما قيل، وان صح هكذا قرروه وفيه بحث فإن إفادة المفرد التفصيل بدون تكرار أو الاسنغراق بدون نفي محل نظر لأنه إنما عهد ذلك في نحو جاؤوني رجلاً رجلا، وما عندي تمرة فقوله في الكشاف فإن قلت لم قيل من شجرة على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر قلت أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاما اهـ لم يظهر لي وجهه. قوله: (والبحر المحيط) فتعريف البحر للعهد لأنه المتبادر ولأنه الفرد الكامل إذ قد يطلق على بعض شعبه وعلى الأنهار العظام كالنيل، وهذا بيان لحاصل المعنى ينتظم الوجوه، وليس فيه دلالة على كون البحر مرفوعاً بالابتداء كما قيل بل هو ظاهر في خلافه فتأمل، وقوله بشعبه أي مع شعبه جمع شعبة وهي ما تمتدّ منه، وقوله مداداً حال من البحرا وممدودا تفسير له فهو عطف بيان والمراد بالأبحر السبعة بحار أخر كالبحر المحيط، وقوله فأغنى الخ جواب عن عدم ذكره وقد كان الظاهر بعد جعل الشجر أقلاماً أن يقول والبحر مدادا وكان عليه أن يذكر نكتة العدول عن الظاهر وهو تصوير الإمداد على وجه الاستمرار التجددي لأنه من شأن المداد دون الدواة كما أشار إليه في الغشاف، وقوله يمده فاعل أغنى. قوله: (لآنهءمن مدّ الدواة وأمد! ا) أي جعلها ذات مداد وزاد في مدادها ففيه دلالة على المداد الذي هو بمنزلة حبر الدواة ولذا لم يذكره على وجه ما سواء كان يمدّه خبراً أو لا لظهور كون لابحر مداداً على الكل. قوله: (ورفعه) أي البحر بالعطف على محل أن مع معموليها لأنه رفع إذ هو فاعل لثبت المقدر كما مر لأنه اسم تأويلاَ، وهو من عطف المفرد على لمفرد على الجملة كما توهم إلا! أنه يلزم أن يلي لو المبتدأ أو الاسم الصريح، وقد قال النحاة " إنه مخصوص بالضرورة كقوله: لوبغيرالماء حلقي شرق لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع كما في نحو رب رجل وأخيه كما قاله أبو حيان وقوله ويمده حال أي على هذا الوجه. قولهء: (أو للابتداء) أي رفعه للابتداء على أنه مبتدأ نجبره يمده أو محذوف، ويمدّه حال أو مستأنف، واذا كانت هذه الجملة مستأنفة فالواو استثنافية وهذا الاستئناف الظاهر أنه نحوي لا بياني في جواب سؤال مقدّر لأنّ اقتران الجواب بالواو وإن كانت استئنافية غير معهود، وما قيل إنه يقترن بها في جواب السؤال للمناقشة لا للاستعلام مما لا يعتمد عليه فتقديره بماء المداد حينئذ لا يخلو من الاعتراض، ومن قال أو الابتداء على أنه مستانف والواو+ للحال أراد بالاستئناف قطعه جملى-عطفه على ما قبله ولا بعد فيه فإن ابن هشام ح قال في المغنى إن واو الحال تسمى واو الابتداء وسماها الشيخ في دلائل الإعجاز واو الاستثناف، فمن قال إنه وهم عظيم فقد وهم، وأمّا كون الواو واو المعية وان المفعول معه يكون جملة كما نقل عن ابن هشام فبعيد جدّا. قوله: (أير الواو للحال) وهي تكفي في ربطه من غير ضمير لأنها في معنى الظرف إذ معنى جئت والش! مس طالعة ووقع طلوع الشمس واحد، والظرف يربطه بما قبله تعلقد4 به وإن لم يكن فيه ضميراً وهو إذا وقع حالاً استقرّ فيه الضمير فما يشبهه كأنه فيه ضمير مستقر فاعتراض أبي حيان بأن الظرف الواقع حالاً فيه ضمير انتقل إليه من عامله بخلاف الجملة الاسمية، والجواب عنه بانه أراد بالظرف ما انتصب على الظرفية لا ما وقع حالاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 من ضيق العطن وخيانة؟ الفطن، وصاحب الحأل الموصول أو الضمير الذي في صلته لا الأرض والبحر بمعنى بحرها بنيابة أل عن الضمير الرابط للاسمية على تقدير اعتبار أو أولويته، وما قيل من أن البحر على هذا يعم إلا بحر بقرينة الإضافة ويفيد خروج السبعة عن بحار الأرض والأوّل يحتمل العهد وعدم العموم كما مر ردّ بأنه لا فرق بينهما بل الأوّل في الجنسية، والثاني في العهدية أظهر لأنه أصل الإضافة وكون الأرض شاملة لجميع الأقطار لا ينافي العهدية كما توهم لأن المعهود البحر المحيط، وهو محيط بها كلها. قوله: (بالعطف على اسم أن) ويمده خبر له أي لو ثبت أن البحر ممدود الخ ولا يستقيم أن يكون يمذه حالا لأنه يؤذي إلى تقييد المبتدأ الجامد بالحال، ولا يجوز لأنها البيان هيئة الفاعل أو المفعول والمبتداً أليس كذلك ويؤدي أيضاً إلى كون المبتدأ لا خبر له لأن أقلام لا يستقيم أن يكون خبراً له كما في أمالي ابن الحاجب يعني والتقدبر خلاف الظاهر، واذا كان من الاشتغال تدخل لو على المضارع وهو جائز، والقراءة بالتاء الفوقية شاذة والفعل في هذه الفراءة مضارع مد الثلاثين من مد النهر ومذه، وأمده المزيد قال ابن جنى أنه مستفاد من إمدأد الجيش. قوله: (وقرئ يمدّه) أي مضارع مد ويمدّه أي مضارع أمد، وقوله بالياء والتاء أي فيهما فليحرر وقوله وايثار جمع القلة أي اختياره في النظم على جمع الكثرة المناسب بحسب الظاهر للمبالغة، وهذا بناء على أن جمع المؤنث السالم كجمع المذكر جمع قلة وهو المشهور، وكون ما لا تفي البحار بكتابته قليلاً بالنسبة إلى جميع معلوماته، وقوله للإشعار إشارة إلى أن جمع القلة المعرّف باللام أو الإضافة قد يفيد الاستغراق، والعموم لكنه لكون أصل وضعه القلة يشعر بما ذكر فلا يتوهم أن المفيد للقلة هو المنكر كما قيل، وأمّا اختياره في أقلام فلأنه لم يعهد له جمع سواه وقلام غير متداول فلا يحسن استعماله، وأعلم أدة لو هنا ليست معناها المشهور من انتفاء الجواب لانتفاء الشرط أو العكس لاقتضائها نفاد الكلمات بر هي دالة على ثبوت الجواب، أو حرف شرط في المستقبل وتفصيله في المغني. قوله تعالى: ( {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} الخ) تعليل لعدم نفاد كلماته، وقوله سألوا الخ على كونها مدنية كما مر وما بعده على كونها مكية، وهذا سبب النزول ووجه الجواب أن كون فيها علم كل شيء على تقدير تسليمه المراد به كل شيء مما يحتاجون إليه من أمور دينهم كما في قوله ما فرطنا في الكتاب من شيء والا فمعلوماته تعالى، وكلامه المعبر عنها لا نهاية لهما. قوله: (إلا كخلقها وبعثها) يعني أنه على تقدير مضاف وأن المقصود تشبيه خلق المخلوقات كلها بخلق واحد بالنسبة لقدرته وكذا بعثها لأنه بتعلق الإرادة والقدرة، وهي تتعلق بجميعها معاً وليس كفعل بخلق واحد بالنسبة لقدرته وكذا بعثها لأنه بتعلق الإرادة والقدرة، وهي تتعلق بجميعها معا وليس كفعل العباد العجزة با-لة ومباشرة تقتضي التعاقب فيستوي عنده الواحد والكثير، وقوله كن فيكون معناه ما ذكر كما مر. قوله: (لا يشغله الخ (كذا فسره الزمخشريّ دفعاً لتوهم أن المناسب لما قبله ذكر القدرة، ونحوها لأن الخلق والبعث ليسا من المسموعات والمبصرات بأنه ذكر للاسندلال بأن تعلق علمه، وبصره وسمعه بشيء لا ينافي تعلقه بجميع ما عداه على أن ما يرجع إلى القدوة والفعل كذلك فهو استشهاد بما سلموه فشبه المقدورات فيما يرإده منها بالمعلومات فيما يدرك منها فظهر مناسبته وإرتباطه بما قبله، وقيل إن قوله إن الله سميع بصير تعليل لإثبات القدرة الكاملة بالعلم الواسع وأن شيئاً من المقدورأت لا يشغله عن غيره لعلمه بتفاصيلها وجزئياتها فيتصرّف فيها كيف يشاء كما يقال فلان يجيد عمل كذا لمعرفته بدقائقه، وهذا هو الملائم لما بعده وعمومه لكل مسموع ومبصر من تركه المفعول، وكونه في حالة واحدة من كونه تعليلاً لما قبله، واقتصر على الخلق في قوله فكدّلك الخلق مع أن الظاهر أن يقول والبعث كما قاله الزمخشريّ لأنه هو الذي أنكروه لأن البعث خلق آخر فهو شامل لهما فلا يرد عليه الاعتراض بأنه كان عليه أن يذكر فإن قلت كيف يكون ما ذكر مسلما وقد كان بعضهم إذا طعنوا في الدين يقول: " أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد " فنزل {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة الملك، الآية: 13] قلت لا اعتداد بمثله من الحماقة بعدما رد عليهم ما زعموه، وأعلموا بما أسروه فتأمّل. قوله: (كل من النيرين) أي الشمس والقمر لا جميع ما ذكر، والمراد بجريه في فلكه حركته بحركة فلكه لا حركته الخاصة كما بيته بعده، وقوله إلى منتهى تفسير للأجل لأنه يطلق على نهاية المدّة، وهو المراد د! ان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 أطلق على جميعها لكن إلى تقتضي الأوّل فقوله إلى منتهى بدل أو عطف بنان من قوله إلى أجل، أو تعلق بيجري بعدما تعلق به الأوّل فلا محذور فيه والأوّل أولى، وكذا قوله إلى آخر السنة أو هو متعلق بمقدر والمنتهى المعلوم آخر البروج، والمنتهى اسم زمان لا مكان لأن الأجل وقت والمراد بالجري حركته من نقطة معينة إلى أن يرجع إليها فلا يرد أنه يجري دائماً 0 قوله: (وقيل إلى يوم القيامة (لانقطاع حركتهما حينئذ فالجري مطلق الحركة أو اليومية، وقوله والفرق بينه وبين قوله لأجل الخ توجيه لتعديه بإلى واللام بأن تعديته بالأوّل نظراً إلى كون المجرور غاية، والثاني إلى كونه غرضاً فتكون اللام لام تعليل أو عاقبة، وقد جعلها الزمخشري للاختصاص ولكل وجهة، وقوله حقيقة إن كان الغرض بمعنى الثمرة والفائدة أو لغيره تعالى من الملائكة الموكلين أو قلنا بان أفعاله تعلل بالأغراض كما ذهب إليه المعتزلة وبعض أهل السنة بناء على تفسيرهم الغرض، وليس هدّا بناء على أنهما حيان مدركان وعدمه فإنه مما لا يلتفت إليه، ومجازا على خلافه، وقوله وكلا المعنيين أي الانتهاء والغرض! فإن النهاية قد تكون غرضاً وئمة بتاء التانيث أو هاء سكت ترسم ولا يلفظ بها درجا بمعنى هناك، وغرضه أي غرض الجري، وقوله إلى الذي ذكر توجيه لأفراد اسم الإشارة لتأويله بما ذكر، وقوله اختصاص الباري الخ أي باتفاق المسلمين والمشركين. قوله: (بسبب أنه الثابت في ذاته) إشارة إلى أن الباء سببية وأن الحق بمعنى الثابت المتحقق، ومعنى ثباته وجوده ومعنى كونه في ذاته أن ذلك ليس باستناده إلى شيء آخر فيكون واجب الوجود فلذا فسره بقوله الواجب من جميع جهاته فهو عطف بيان له والمراد بالجهات ليس معناها المعروف بل المراد من جميع الوجوه أي في ذاته، وصفاته وغيرها مما يليق بجنابه فسقط ما قيل إن للحق معنيين الثابت، والواجب ولا حاجة إلى الجواب بأنه على مذهب الشافعية في جواز استعمال اللفظ في معنييه. قوله: (أو الثابت إلهيتة) فذلك إشارة إلى الاتصاف بهذه الصفات، والثابت إلهيته لا بد من اتصافه بها لأنها لا تصلح لغيره فليس هذا كما قيل مبنيا على مذهب أبي هاشم من أن الباري يمتاز بحالة خامسة هي الإلهية، وهي علة لغيرها من الأربعة وهي الوجود والحياة والعلم والقدرة كما قرّر في الأصول، ولذا اختاره الزمخشريّ والمعقول هو العكس فتدبر. قوله:) وان ما تدعون من دونه الباطل (معطوف على أن الله هو الحق، وكونه معد وما في ذاته لأن وجوه عرضي وكذا صفاته باستناده لواجب الوجود فقوله لا يوجد بالفتح أي لا يوجد بذاته فهو كفوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص، الآية: 88] كما سياني أو بالكسر، وقوله إلا بجعله راجع لقوله لا يتصف فقط أي لا يتصف بشيء من الصفات الموجودة أو بالوجود إلا بجعله تعالى وفي نسخة يتصرف وهي أظهر والأولى أولى وهذا ناظر لتفسير الحق الأوّل وما بعده للثاني. قوله: (مترفع الخ) تفسير لانفراده بالعلو، وقوله متسلط لانفراده بالكبرياء، وفوله على كل شيء وقع في نسخة عن كل شيء لتضمنه معنى التنزه، وصيغة التفعل للمبالغة كما قرّروه في قوله المتوحد وفي نسخة مرتفع. قوله:) في تهيئة أسبابه) الضمير للجري المفهوم من تجري ومن أرجعه للفلك لأنه مذكر قدر فيه مضافا أي أسباب جريه، وقوله استشهاد آخر أي بعد الاستشهاد بقوله يولج الخ وشمول أنعامه للبر والبحر، وقوله والباء للصلة أي للتعدية كمررت به فإنه يتعدى بها أو سببية متعلقة بتجري، وقوله أو الحال أي للملابسة والمصاحبة وأقعة مع متعلقها حالاً كقولهم دخل بثياب السفر أو مصاحبا لها فالمعنى مصحوبة بنعمته، وهي ما يحمله من الطعام والمتاع ونحوه. قوله: (قرئ الفلك بالم! قيل (أي بضم اللام وفي الكشاف أنه يجوز في كل فعل مضموم الفاء ضم عبنه اتباعاً لفائه كما يجوز في فعل بضمتين تسكينها تخفيفا على التقارض، وقوله وبنعمات أي قرئ بنعمات جمع نعمة ويجوز في كل جمع مثلة تسكين العين على الأصل وكسرها اتباعا للفاء وفتحها تخفيفاً، وقوله دلائله أي دلائل ألوهيته وتوحيده. قوله: (على المشاق)) جمع مشقة وهي التعب ولما كان معرفة دلائل التوحيد لا اختصاص لها بمن تعب مطلقاً فكم من تعبان في تمشية كفره دفعه، أوّلاً بأنه ليس المرإد به مطلق التعب بل التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق فلذا اختص ذلك به، وثانيا بأنه صبار شكور كناية عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 المؤمن من باب مستوى القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الإيمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إمّا ترك للمألوف غالباً، وهو بالصبر أو فعل وهو شكر لعمومه لفعل القلب والجوارح واللسان، ولذا جعلا نصف الإيمان في الأثر والمراد بالمؤمنين ما يشمل المشاوفين للإيمان وذكر الصبر والشكر بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأنّ راكبه لا يخلو عنهما فتدبر. قوله: (يعرف النعم) بأنها من الله، ويتعرف أي يطلب معرفة مانحها أي من أعطاها ومنحها وهو الله، وقوله واذا غشيهم فيه التفات إن اتحد بالمخاطبين قبله والا فلا وكلام المصنف ناظر للثاني فلا وجه للجزم بالثاني، وقوله علاهم الخ يعني غشي من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق لأنه المناسب هنا لا من الغشيان بمعنى إتيان، وقوله موح تنكيره للتعظيم والتكثير، ولذا أفرد مع جمع الظلل، وقوله من جبل أو سحاب بيان لما وأفردهما ولم يقل من جبال أو سحب لا لأنهما أسماء أجناس يفرق بينهما وبين واحدهما بالتاء كموح وموجة فهو في معنى الجمع لأن الجبل ليس كذلك بل لأن المراد جنس الجبل والسحاب، وهو لا يقتضي الوحدة فيكفي بيان جنس المشبه به، والظلة بالضم ما أظل، وقلة بالضم أعلى الجبل وظلال وقلال بكسر أوّلهما جمع فتأمّل. قوله: الزوال ما ينازع الفطرة) أي أصل الخلقة وما ذكر فيها من الإيمان بالله، ومن الهوى الخ بيان لما وبما متعلق بزوال ودهاهم بمعنى عرض بغتة لهم وأصابهم من الدواهي ومن الخوف بيان لما دهاهم. قوله: (مقيم على الطريق القصد (أي المستقيم لأن أصل معنى القصد استقامة الطريق كما قاله الراغب نوصف به مبالغة والمقتصد سالكه المستمرّ فيه من غير عدول لغيره ولذا فسره بالمقيم الخ، وقوله الذي هو التوحيد تفسير للمراد مجازاً من الطريق المستقيم لأنه الموصل إلى الله تعالى فليس تفسيراً لإخلاص الدين كما توهم. قوله: (أو متوسط في الكفر الخ) تفسير آخر للمقتصد لأن الاقتصاد والقصد يكون بمعنى التوسط والاعتدال ومنه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا} [سورة التوبة، الآية: 42] أي متوسطاً كما قاله الراغب وقوله لانزجاره أي رجوعه وانكفافه تعليل لتوسطه بترك الغلو في الكفر. قوله: (فإنه نقض بالضاد المعجمة (أي إبطال لما كان في الفطرة وضمير أنه الجحد الآيات، وهذا توجيه لإطلاق الغدر وهو إبطال العهد على الكفر والفطرى بكسر الفاء نسبة إلى الفطرة، وقوله أو لما كان في البحر توجيه آخر له أي نقض لما عاهد الله عليه في البحر من الإخلاص له فهو مقابل للمقتصد بتفسيره الأوّل، وأمّا على الثاني فلا واختار مقابل لصبار لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور لشكور. قوله: (لا يقضي عنه) أي شيئاً كما سيأتي فهو من جزى بمعنى قضى، وأغنى بمعنى أفاد ودفع العذاب عته، وقوله والراجع أي على القراءتين فقوله لا يجزي فيه يجوز فيه فتح الياء وضمها. قوله: (عطف على والد) فهو فاعل، والجملة بعده صفة له واداً كان مبتدأ فالمسوّغ للابتداء بالنكرة تقدّم النفي فلا وجه لمنعه والجملة خبر فإن قلت على الأوّل يتناقض الكلام فإنه نفي عنه الجزاء ثم وصفه بأنه جاز قلت المنفي عنه الجزاء في الآخرة والمثبت له الجزاء في الدنيا فلا تناقض أو معنى هو جاز إن من شأنه الجزاء العظيم حق الأب أو المراد بلا يجزي لا يقبل منه ما هو جاز به، وشيئا مفعول به أو هو منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر محذوف وعلى الوجهين تنازعه يجزي وجاز لا وجه لتخصيصه بالثاني فتدبر. قوله: (وتغيير النظم) أي العدول عن الفعلية المذكورة فيما قبله إلى الاسمية التي هي آكد منها على الإعراب الثاني، وقوله للدلالة الخ يعني إنه لما كان ملقى لمن يعتقد أو يظن أنه ينفع والده أكده بالاسمية والضمير رداً لمعتقده لكنه قيل عليه إنه يتوقف على كون الخطاب للموجودين والصحيح أنه عام، ورد بأنه غير مسلم لأن خصوص السبب لا ينافي العموم وقوله أولى لأنه دون الوالد في الحنوّ والشفقة فلما كان أولى بهذا الحكم استحق التأكيد، وهذا وجه آخر غير ما في الكشاف وهو ما أشار إليه بقوله وقطع الخ وقد حققناه آنفا أو لأنّ عظم حق الوالد يقتضي جزاءه فلذا أكد نفيه لأنه محل الاحتمال والتردد، وقوله إن وقع في نسخة بأن لأنّ القطع بمعنى الجزم فهو متعلق به عليهما، وما قيل من أنّ عمومه مخصوص بغير صبيان المسلمين لثبوت الأحاديث بشفاعتهم لوالديهم وعلى العطف لا حاجة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 إلى التخصيص لأن جزاء الوالد في الدنيا يتحقق في الكبار فهو أوجه ليس بشيء لأنّ الشفاعة ليست بقضاء ولو سلم فلتوقفها على القبول يكون لقضاء منه تعالى حقيقة، وتخصيص الاعتراض مما لا وجه له أصلاً وقطع بالجرّ معطوف على مجرور اللام أو على، وترك ما في الكشاف من أن في لفظ المولود أيضاً تأكيداً لأنه من ولد بغير واسطة بخلاف الولد فإنه عام فإذا لم يشفع للأب الأدنى الذي يولد منه فكيف لغيره قيل لأنّ هذه التفرقة لم يثبتها أهل اللغة، وقد رد بأن الزمخشري والمطرزي ذكرا ذلك وكفى بهما حجة. قوله تعالى: ( {إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} الخ) تعليل لعدم الجزاء، وقوله بالثواب والعقاب ففي الوعد تغليب أو هو بمعناه اللغوي، وقوله يرجيكم بالتشديد أي يوقعكم في الرجاء ويجعلكم راجين وهو المراد وقد يرد بمعنى المخفف كقوله: ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيراً لا يزال يزيد وقوله بالله صلة يغرّنكم يعني يخدعكم أو قسم. قوله: (علم وقت قيامها) بيان لحاصل المعنى أو إشارة إلى التقدير وهذا على أنّ الساعة اسم للقيامة لا لوقتها ولم يقل إن علم الساعة عند الله مع أنه أخصر لأن اسم الله أحق بالتقدبم ولأن تقديمه وبناء الخبر عليه يفيد الحصر كما قرّره الطيبي مع ما فيه من مزية تكرّر الإسناد، وتقديم الظرف يفيد الاختصاص أيضا بل لفظ عند لأنها تفيد حظه بحيث لا يوصل إليه فتتوافق الآية والحديث في الدلالة على الحصر مع أنه قال في شرح البخاري إن المغيبات لا تنحصر فيما ذكر وإنما خصت لوقوع السؤال عنها أو لنكتة أخرى، وقوله الحرث بن عمر ورجل من محارب وهي قبيلة والحديث المذكور رواه الثعلبي والواحدي بغيو سند، وقوله وعنه عليه الصلاة والاسلام رواه البخاري، وقوله خمس باعتبار تأويل المفتاج بالآلة أو الخزانة وفي نسخة خمسة وهي ظاهرة، والمراد بالمفاتح الخزائن التي لا يطلع عليها ففيه استعارة. قوله تعالى: ( {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} (إن قلنا علم الساعة فاعل الظرف الواقع خبراً وهذا معطوف على الخبر فلا إشكال وإلا فيحتاج إلى أن يقال أصله أن ينزل الغيث فحذف أن كقوله أحضر الوغى سواء قلنا إنه معطوف على علم أو على الساعة، وكذا قوله ويعلم الخ وابانه بكسر الهمزة وتشديد الموحدة بمعنى وقته، وقوله في علمه راجع لهما والمعنى لا علم لغيره به وهذا على تقدير عطفه على الخبر من تقديم الجلالة وبناء الخبر عليها كما ذكرناه آنفاً وليس المقصود اختصاصه بانزاله لأنه لا شبهة فيه بل يعلمه بزمانه، ومكانه وهو على هذا الوجه الثاني ظاهر وعلى الثالث أظهر ما قيل من أن قول لا علم لغيره به مقدر بقرينة وقوعه جوابا للسائل المذكور لا صحة له إذا ليس كل تال واقفاً على ذلك السؤال فلا يصلح قرينة، وكذا ما قيل إنه مقدّر لقرينة السياق والحال فتدبر، والتشديد على أنه من التنزيل. قوله تعالى: ( {وما تدري نفس بأي أرض تموت} الما كانت نفس نكرة في سياق النفي عامّة جعل نفي العلم عن الجميع كناية عن اختصاصه تعالى بعلم ذلك كما يقال لقوم تكلموا في مسألة بحضرة العلماء أنتم لا تعلمون مثل هذا فيعلم منه أن العالم من كان عندهم، والجملة معطوفة على قوله إن الله عنده لا على الخبر كما اختاره صاحب الكشف، وفيه وجه آخر ذكره الطيبي لم يرتضه المدقق وقوله روي الخ رواه أحمد وابن أبي شيبة موقوفا. قوله: (العلم دلّه والدراية للعبد الخ) لأنّ أصل معنى درى رمى الدرية وهي الحلقة التي يقصد رميها الرماة وما يختفي خلفه الصائد وكل منهما حيلة فلذا كانت الدراية أخص من العلم لأنها علم بتحيل، وتكلف وأما كونها لا يوصف بها الله لذلك وقوله: لا هم لا أدري وأنت الداري كلام أعرابي جلف لا يعرف ما يجوز إطلاقه على الله مما يمتنع فكلام ذكره بعض أهل اللغة وتبعه بعضهم، وقد وقع في البخاوي ما يخالفه من إطلاقه على الله حيث قال خمس لا يدريهن إلا الله تعالى فقال الكرماني أطلقت الدراية على الله لأنه أريد بها مطلق العلم، وقد يقال الممنوع إطلاقه عليه بانفراده أمّ مع غيره تغليباً فلا وقد يقال في البيت إنه مشاكلة. قوله: (هيدل) أي ما ذكر من استعمال الدراية في جانب العبد، وقوله ما هو الحق أي اللائق به، وفيل إنه أفعل تفضيل من لحق بمعنى لصق ويؤيده إنه وقع في نسخة بدله ألصق أفعل من اللصوق، ومن كسبه بيان لما وكسبه من قوله ماذا تكسب وعاقبته من قوله بأي أرض تموت، وقوله ينصب مجهول نائب فاعله دليل، وقيل معلوم فاعله ضمير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 يرجع إلى الله ودليلا مفعوله وضمير له للعبد وعليه لما. قوله: (وشبه سيبوبه الخ) كان وجه التشبيه أنه تشبيه في أن تأنيثهما باعتبار المضاف إليه فيهما، وقوله كل في كلتهن نادر، وقوله يعلم الأشياء العموم من حذف المفعول، وقوله خبير توكيد له، وقوله كما يعلم ظواهرها إشارة إلى فائدة ذكره وهو التسوية بين علم الظاهر والباطن عنده، وقد مرّت له نظائر وقوله وعنه الخ من حديث فضائل لاسور المروي عن أبيّ بن كعب وهو موضوع، وقوله بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر خصهما لوقوعهما في هذه السورة الكريمة، تمت السورة بحمد الله ومنه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام. سورة السجدة بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) قيل إلا ثلاث آيات من قوله أفمن كان مؤمناً الخ قيل وأثتتين من قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع الخ واستبعد لشدة ارتباطهما بما قبلهما وسيأتي بيانه وقوله وقيل تسع وعشرون لاختلافهم في قوله لفي خلق جديد هل هو آية أو بعض آية. قوله: (إن جعل اسماً للسورة الخ) ويجوز على هذين الوجهين أيضاً كونه خبر مبتدأ محذوف، وتنزيل! الكتاب خبر بعد خبر أو مبتدأ واذا كانا لتنزيل بمعنى المنزل فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، أو بيانية بمعنى من ويجوز إبقاؤه على معناه لقصد المبالغة أو تقدير مضاف في الأوّل، وقوله خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا المتلوّ ومرّ الكلام على هذا مفصلا في أوّل البقرة. قوله: (فيكون من رت الخ) أي على تقدير كون تنزيل مبتدأ خبره لا ريب بخلاف غيره من الوجوه فانه عامل ضعيف فلا يتعدى عمله لما بعد الخبر إلا أن يقال إنه ظرف يتوسع فيه، وهذا التوسع نحن في سعة عنه أو لأنه من تمامه والاسم لا يخبر عنه قبل تمامه، والمصدر تنزيل والضمير في فيه هو المجرور بفي، وهو للكتاب أو للتنزيل لا المستتر لعدم صحته معنى. قوله: (ويجورّ أن يكون) أي قوله من رب العالمين خبراً ثانياً أي ولا لم أو للمبتدأ المقدر على الوجهين والخبر الأوّل تنزيل كما يجوز أن يكون من رب خبر تنزيل، ولا ريب اعتراض وهو أرجح عند الزمخشريّ، وعليه اعتمدوا في تفسير الآية وبجوز أن يكون خبرا أوّل أو حالاً، وقوله حال من الكتاب فعامله تنزيل وهي مؤكدة. قوله: (والضمير في فيه) في بعض النسخ فيه بدون في وفيه تسمح، وقوله لمضمون الجملة أي على كونه اعتراضاً الضمير لكونه منزلاً من رب العالمين لا للتنزيل ولا للكتاب، والمعنى لا ريب في أنه من عند الله، وقوله ويؤيده أي يؤيد رجوع الضمير لما ذكر وإنما أرجعنا كلامه إلى الاعتراض دون الحالية ليطابق ما في الكشاف، ويسلم من الاعتراض! بأنه لا يتأتى اعتبار من رب العالمين في مضمونها مع تأخره فإن الاعتراض! في نية التاخير فلا يضرّ فيما ذكر وفي بعض النسخ بعد قوله ثانيا والأوجه أنه الخبر الخ. قوله: (فإنه) أي قولهم افتراه إنكار لكونه من رب العالمين بيان لوجه التأييد فالأنسب أن يكون نفي الريب عما أنكروه، وهو كونه من رب العالمين قيل فلا بد أن يكون مورده حكماً مقصودا بالإفادة لا قيدا للحكم بنفي الريب عنه، واعترض بأن مصب الإفادة المقصودة في الكلام هو القيد كما صرّح به الشيخ في دلائل الإعجاز مع أن ما ذكره لا يلزم منه كونه هو الخبر بل يتحقق إذا كان خبرا ثانيا أيضا، ثم أورد على ما زاده اعتراضاً آخر من الزوائد فيما نحن فيه، ولا يخفى عليك إنه إذا كان من رب العالمين حالاً من ضمير فيه كان المعنى لا ريب فيه حال كونه من رب العالمين فيفيد أن ما هو منه لا يليق أن يرتاب فيه فيكون كونه منه نافيا للريب لا محلا له وهذا لا ينافي ما ذكره الشيخ وإنما ينافي الغرض! المسوق له الكلام وأما كونه خبراً ثانياً فيأباه عود الضمير على مضمون الكلام كما مرّ فتدبر. قوله: (وقوله بل هو الحق الخ) أي يؤيده أياً قوله هذا، وقوله فإنه تقرير له أي لما قبله فيكون مثله في التأييد، وقوله ونظم الكلام على هذا الوجه من كون تنزيل مبتدأ خبره من رب العالمين وما بينهما اعتراض! وهو الوجه المرضي للشيخين، والإشارة إلى إعجازه من قوله ألم كما مرّ في البقرة وهذا على ما وقع في بعض النسخ من قوله والأوجه إنه الخبر أي عن تنزيل الكتاب ظاهر وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 يقتضي صحة تلك النسخة، وأما الأخرى فمشكل لأن ظاهره مبني على ذلك الإعراب وهو غير مذكور في الكتاب فيحتاج إلى التوجيه بأن الإشارة إلى كونه اعتراضا، والضمير لمضمونه وفيه تأمّل. قوله:) وقرّر الخ) لأن الجملة المعترضة تفيد التقرير والتأكيد، وقوله فإن أم منقطعة فتقدر ببل، والهمزة الإنكارية وتفيد ما ذكر، وقوله المنزل من الله هو معنى قوله بل هو الحق من ربك وفيه نكتة ذكرها في الكشف وهي أنه أضاف الرب أوّلاً إلى العالمين، ثم إليه يك! م ثانيا تخلصا لإثبات نبوّته، واشارة لتعظيم شأنه بأنه الجامع لما فرق في العالم بأسره وارداً على أسلوب الترقي دالاً على أن جمعيته به أتم مما لكل العالم وحق له ذلك صلوات الله وسلامه عليه. قوله: (وبين المقصود من تنزيله الخ (الظاهر أنّ ما نافية كما أشار إليه المصنف بقوله إذ كانوا أهل الفترة لأنّ قريشا لم يبعث إليهم رسول قبله يك! برو على ما فصله شرّاح الكشاف، فمفعول تنذر الثاني محذوف تقديره العقاب وجملة ما أتاهم صفة قوما، وقد جوّز فيها الموصولية لأنّ أنذر يتعدّى لمفعولين كقوله: {أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [سورة فصلت، الآية: 13] فيوافق قوله وان من أمّة إلا خلا فيها نذير ويجوز أن تكون مصدرية كما ذكره المعرب، ولا يرد على المصنف أنه إذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم الحجة حتى يحتاج إلى القول بأن العقل كفى به دليلاً على قاعدة الاعتزال كما في الكشاف لأنّ قيام الحجة وسطوع البرهان بإنذار سيد الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام كاف لما نحن فيه، وقوله الله الذي الآية مرّ الكلام عليها مفصلاً في الأعراف فلا وجه لتكراره هنا. قوله: (ما لكم إذا جاوزتم الخ) جواب عن أن الشفيع لا يطلق على الله، ولذا أنكر بعض السلف من قال له أستشفع بالله لك فكيف أطلق عليه هنا بأنه لم يرد بالشفيع الله بل غيره ومن دون للمجاوزة كما في قوله: يا نفس ما لك دون الله من واقي فمن دونه حال من مجرور لكم والعامل الجارّ والمجرور أو متعلقه أي ما استقرّ لكم مجاوزين الله ورضاه شفيع أي لا يمكن أن يوجد ناصر أو شفيع عنده لكم من الخلق فلا يلزم إطلاقه عليه تعالى، وان قلنا بأنه أطلق عليه فإنّ قوله مالك دون الله من واقي يقتضي أنه هو الواقي نإنما يمتغ بمعناه الحقيقي فإذا كان مجازاً عن الناصر فإن الشفيع ينصر من يشفع له فهو يطلق عليه تعالى، والحاصل أن الشفيع على الأوّل غير الله وعلى الثاني هو الله وإلى الثاني أشار بقوله أو ما لكم سواه الخ إشارة إلى أنّ دون بمعنى غير والجارّ والمجرور حال من شفيع قدم عليه لأنه نكرة والمعنى ما لكم وليّ ولا شفيع غير الله فيلزم إطلاقه عليه، وتوجيهه ما مرّ ويجوز على هذا أيضا كون من دون حالاً من المجرور كما في الوجه السابق بعينه، وقوله بمواعظ الله إشارة إلى أنه من التذكير بمعنى الوعظ. قوله تعالى: ( {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ) الآية ذكر فيها المصنف رحمه الله وجوها ذكرها الزمخشريّ وحاصلها كما في بعض شروحه أن الأمر إما المأمور به أو الحال أو الشأن أو الوحي، فإن كان الأوّل فمعنى يدبر ينزله مدبراً من السماء إلى الأرض، وتعديته بمن والى لتضمينه النزول، وفي يوم متعلق بيعرج والمراد بالألف استطالة المدة لأنها نهاية العقود وهو الوجه الأوّل في الكشاف، وإن كان الثاني فقوله في يوم الخ إمّا أن يتعلق بيدبر أو بيعرح فإن كان الأوّل فالمعنى يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة على أن يدبر على حقيقته، والجاران من والى متعلقان بالأمر والألف على حقيقته ومعنى العروج الثبوت عنده وفي صحف ملائكته والتدبير لهذه المدة وان كان مرّة إلا أن العروج متكرّر لكل يوم إلى تمام ألف سنة ثم وثم إلى انقراض الدنيا وهو الوجه الثاني وإن كان الثاني فالمراد بالعروج الصيرورة إليه لا ليثبت في ديوان الملائكة بل ليحكم به والمراد بيوم كان مقداره الخ يوم القيامة، والظرف متعلق بيعرح وهو الوجه الرابع وتكرار التدبير في الوجهين من المضارع، وأما أن العروج في الأوّل منهما في كل وقت من أوقات هذه المدة فلأن كتابة الملائكة لا تتأخر عن وجود الحوادث، وان كان الثالث فيدبر بمعنى ينزل كما في الأوّل والجاران متعلقان به للتضمين وفي يوم متعلق بالفعلين للتنازع، واليوم وقت إنزال الوحي مع جبريل عليه الصلاة والسلام، وعروجه معه أيضاً أي رجوع ما كان من قبول الوحي وردّه إليه، وهذا الوقت وان كان قصيرا إلا أنه قدّر بألف سنة لأن مسافته صعودا وهبوطا سير الناس، وهو الوجه الثالث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 ولم يرتض هذا الوجه الزمخشريّ لتكلفه، وكذا الرابع لأنه لا فائدة ظاهراً في العدول عن يوم القيامة إلى ما في النظم، اهـ محصله وعليه ينزل كلام المصنف وان خالفه ترتيبا ومعنى كما سنبينه. قوله: (يدبر أمر الدنيا الخ) هذا أحد الوجوه السابقة والتدبير فيه على ظاهره والأمر بمعنى الشأن كما أشار إليه بقوله أمر الدنيا والى متعلق بيدبر لتضمينه معنى ينزل ومن ابتدائية والى انتهائية، واليه أشار بقوله نازلة، وهذا هو المطابق لما في الكشاف وشروحه فقوله بأسباب سماوية بيان لحاصل المعنى، وهي الأمطار ونحوها ويجوز على هذا تعلق من السماء إلى الأرض بالأمر أو جعله حالاً منه ويجعل كناية عن تدبير جميع الأمور، وقيل من عنده سببية، وقوله آثارها الضمير فيه للأسباب ويعرح بمعنى يصعد ويرتفع على حقيقته كما ذكره، وقوله ويثبت في علمه بيان لوجه صعوده للعرض عليه، وقيل إنه إشارة إلى أن العروج والصعود مجاز عن الثبوت في العلم أي تعلق العلم به تعلقاً تنجيزياً فإنه كان معلوماً له قبله، ولذا قال موجوداً لئلا يرد أنه كان ثابتا فيه قبله ولو فسر بكتابته في الصحف كان أظهر. قوله: (في برهة) أي مدّة الخ يعني أن قوله في يوم الخ متعلق بيعرج في هذا الوجه وأن المراد استطالة مدة ما بين التدبير والوقوع لا ظاهر العدد فهو مجاز عن لازمه لأن الألف نهاية العقود، ولذا يعبر به عما طالت مدته وهذا مما خالف فيه الزمخشريّ لأنه أبقاه على ظاهره إذ جعل الأمر بمعنى الشأن وفسره به إذا كان واحد الأوامر. قوله: (وقيل يدبر الأمر الخ الم يبين المراد بالأمر في هذا الوجه والظاهر أنه بالمعنى السابق من أمور الدنيا وأحوالها وأنه الوحي وهو المطابق للكشاف، ويدبر على هذا مضمن معنى ينزل أيضاً كما أشار إليه وإنما مرضه لأن تقدير مسافة ما بين السماء والأرض به غير معلوم، ولأن كونها مدة الذهاب والإياب خلاف الظاهر، وكذا جعله بالنسبة لسير غير الملائكة، وقوله ثم يعرح أي الملك أو الأمر مع الملك، وقوله في زمان إشارة إلى أن اليوم بمعنى مطلق الوقت. قوله: (فإن ما بين السماء والأرض الخ) إشارة إلى أنّ قوله في يوم متعلق بالفعلين معنى وأنه تقدير لمسافة النزول والصعود بسير غير الملك فيكون على التشبيه، وقوله في الكشاف في الحقيقة ليس المراد به ما يقابل المجاز لأنه يقال هذا في الحقيقة كذا أي في نفس الأمر أو فيما تحققه الناظر مع قطع النظر عن دلالة اللفظ كما بينه بعض شراح الهداية، ومن غفل عنه اعترض عليه وكذا من أجاب عنه بأن مقصوده المبالغة في التشبيه، وما في آية أخرى من قوله خمسين ألف سنة لا يعارضه إن قصد المبالغة أو هذا عروج إلى سماء الدنيا وذاك إلى العرس. قوله: (وقيل يقضي الخ) فيدبر بمعنى يقضي ومن السماء إلى الأرض متعلق بالأمر أو حال منه، والأمر قضاؤه تعالى ويعرج بمعنى يصعد ويعرض! كما مرّ وألف سنة على ظاهره ومرضه لأنّ نزول الملائكة بما قضى في ألف سنة، ثم الصعود به بعدها خلاف الظاهر. قوله:) وقيل يدبر الأمر الخ) فالأمر واحد الأمور من السماء إلى الأرض متعلق به أو حال وهو كناية عن جميع الأمور، والمراد بيوم الخ يوم القيامة ومرضه لأنّ العدول عن التعبير بيوم القيامة، ونحوه خلاف الظاهر ولأنه يحتاج إلى جعل في بمعنى إلى أو جعل تدبيره بمعنى الجزاء عليه، وجعل يعرج بمعنى يرجع إليه للجزاء وكل بعيد وقوله يعرج وقع في نسخة بدله يرجع أي للحكم، والجزاء عليه وهو تفسير ليعرج على هذا الوجه. قوله: (وقيل يدبر المأمور به) فالمراد بالأمر واحد الأوامر أو الوحي وهو بمعنى المأمور فالتضمين، والتعلق على حاله، وثم للاستبعاد والخلوص من الصعود والعروج لقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [سورة فاطر، الآية: 10] وألف عبارة عن الاستطالة كما مرّ وهذا الوجه قدّمه الزمخشري وأخره المصنف رحمه الله إشارة إلى ضعفه عنده. قوله: (وفرئ يعرج) أي بالبناء للمفعول، وهي قراءة شاذة لابن أبي عبلة وأصله يعرج به فحذف الجارّ وإرتفع الضمير واستتر، وقوله ويعدون بالغيبة وهي قراءة الأعمش والجمهور على الخطاب، وقوله تعالى ذلك إشارة إلى الذات الموصوفة بتلك الصفات المقتضية للقدرة التامّة والحكمة العامّة، وهو مبتدأ خبره ما بعده والعزيز الرحيم خبران آخران أو نعتان، وقوله وفيه إيماء أي في قوله العزيز الرحيم أو في قوله الرحيم، وحده ووجه الإيماء ظاهر لأنّ الوصف بالمشتق! يقتفبي علية مأخذه فتدبيره للعالم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 رحمة منه لا إيجابا عليه وهو ردّ على من يقول بالإيجاب. قوله: (خلقه موفرا) أي مكملاَ تامّا وهذا بيان لحاصل المعنى لأنّ تقديره أحسن خلقه أي جعله حسنا تامّا كاملاً حسبما تقتضيه حكمته، وكون خلقه بدل اشتمال إذا كان بالمعنى المصدري فالضمير المضاف إليه لكل شيء أمّا إذا كان بمعنى المخلوق فهو بدل كل من كل أو بدل بعض من كل والضمير لله، والذي ارتضاه أبو عليّ في الحجة وهو ما صرّح به في كتاب سيبويه أنه مفعول مطلق لأحسن من معناه، والضمير لله أيضاً وقد جوّز أيضا كونه مفعولاً ثانياً أو أوّل لأحسن لتضمينه معنى أعطى. قوله: (وقيل علم كيف يخلقه) قال الراغب الإحسان يقال على وجهين أحدهما الأنعام على الغير والثاني الإحسان في فعله، وذلك إذا علم علماً حسناً وعمل عملاً حسنا وعليه قول أمير المؤمين عليّ كرم الله وجهه الناس أبناء ما يحسنون أي ينسبون إلى ما يعلمونه، ويعملونه من الأفعال الحسنة اهـ فحينئذ إذا تضمن معنى العلم فلا مانع من أن يحوي معناه ويعمل عمله كما قرّروه في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ، [سورة هود، الآية: 7] ولا يضرّ عدم تعدّبه لهما في المثال فقوله يحسن معرفته إشارة إلى وجه تفمنه معنى العلم لا إلى تقدير مضاف، وقوله قيمة المرء ما يحسنه هو من كلام عليّ أيضاً كرم الله وجهه وهو استشهاد على دلالته على العلم كالبيت المنسوب إليه أيضاً وهو: وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء فلا يتوهم أنّ ما استشهد به غير موافق لمدعاه كما قيل، ومعنى المثال زيادة رفعة المرء وعلوّ قدر. بعلمه لا بحسنه وجسمه فالقيمة مجاز فيه. قوله: (بفتح اللام) على أنه فعل ماض، والجملة واقعة بعد نكرة فهي صفة كل أو شيء والثاني أولى لأنّ المضاف بعد كل هو المقصود بالذات فهي في محل جرّ لا نصب، وهو الظاهر من قوله فالشيء الخ. قوله: (على الأوّل مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل) قصر العامّ على بعض أفراده إمّا بغير مستقل، وهو كلام غير تام تعلق بصدره كلاصفة أو بمستقبل من كلام أو عقل أو غيره كالحس ويسمى الأوّل متصلاَ والثاني منفصلاً، وكل منهما تخصيص عند الشافعية لأنه قصر العامّ على بعض أفراده مطلقا وأمّا عندنا فالتخصيص هو الثاني فقط كلاما كان أو غيره فما ذكره المصنف من أنه على الأوّل أي على قراءة خلقه بالمصدرية على وجوه إعرابه مخصوص بمنفصل، وهو دلالة العقل على أنه لم يحسن خلق كل شيء مطلقاً حتى ذاته وصفاته لأنّ المتبادر من الخلق الحدوث الزمانيّ وذاته وصفاته سبحانه وتعالى منزهة عن الاتصاف بالخلق فاحتيج إلى تخصيص شيء بما ذكر، وأمّا الحدوث الذاتيّ فاصطلاح للفلاسفة واه كما بين في الكلام ولو جعلت جملة خلقه مستأنفة كان التخصيص بمنفصل أيضاً على هذه القراءة لكن لكونه خلاف الظاهر لم يتعرّض له المصنف وكون شيء بمعنى المفعول، وهو مشيء كما مرّ في البقرة بحسب الوضمع الأصلي، وقد يلاحظ فيه العموم فيحتاج إلى المخصص مع أنه وجه في المآل آخر للتخصيص فلا اعتراض به على المصنف رحمه الله كما توهم فما ذكره المصنف مبنيّ على أصولهم، وقد يرجع إلى أصولنا أيضاً فأعرفه. قوله: (يعني آم) عليه الصلاة والسلام قد مرّ تحقيقه وفوله تنسل كتنصر تخرج، وتنفصل والسلالة الخلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية، وممتهن بمعنى مبذول وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية فلذا فسره بقوله قوّمه الخ وثم للترتيب الرتت أو الذكريّ لأنها قبل النسل* قوله: (إضافة إلى نفسه تشريفاً) إذ لم يقل روحا بل روحه تشريفاً له مع أنّ كل روح له، ومنه قيل بيت إدلّه وناقة الله تعظيما للمضاف وضمير له للإنسان أو للروح بتأويله بمخلوق، وقوله له مناسة ما إلى الحضرة الربوبية ظاهر في هذا أي انتساب إليها ولذا عداه بإلى وحضرة مصدر بمعنى حضور، والمراد المقام والمحضر وأقحم تأدّبا على ما عرف في الاستعمال ووجه المناسبة اتصالها بالعالم العلوفي، وتجرّدها عن التجسم وتصرّفها، وتوله من عرف نفسه الخ ليس بحديث بل هو من كلام أبي بكر الرازي كما ذكره الحفاظ، وبعض الجهلة يظنه حديثا كما وقع في بعض كتب الموضوعات، وقيل ليس معناه ما ذكر بل معناه من عرف نفسه، وتأمّل حقيقتها عرف أنّ له صانعاً موجدا له وإليه أشار تعالى بقوله ة {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 21] (قلت) ما ذكره المصنف رحمه الله سبقه إليه غيره وهو مناسب لكلام الحكماء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 والصوفية واللفظ يحتمله فتأمّله. قوله تعالى: ( {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} ) التفات إلى الخطاب لا يخفى موقع ذكره بعد نفخ الروح وتشريفه بخلقة العقل حتى صلح للخطاب، وقدم السمع لكثرة فوائده وأفرد لأنه في الأصل مصدر، وقوله خصوصا من لام الاختصاص والتقديم والاختصاص بالمجموع، والظاهر أنّ جملة قليلا الخ حالية، وقوله شكرا قليلا إشارة إلى أنه صفة مصدر مقدّر. قوله:) أي صرنا تراباً الخ) فهو من ضل المتاع وأضله إذا ضاع كأنه لاضمحلاله وامتزاجه بالتراب شيء ضائع، وقوله أو غبنا أي بالدفن فيها وان لم نفن ونضمحل كما في قول النابغة: وآب مضلوه بعين جلية أي دافنوه وهذا معنى آخر فلا وجه لما قيل الظاهر عطفه بالواو كما في القاموس، وقوله وقرئ ضللنا الخ هي قراءة عليّ وابن عباس رضمي الله محنهم لأنه يقال ضل يضل كضرب يضرب، وعلم يعلم وهما بمعنى وأمّا صل بالمهملة فمعناه تغير وأنتن من الصلة، وهي الدبر ويقال للأرض الصلة لأنها لست الدنيا، وتقول العرب ضمع الصلة على الصلة وصللنا روي في الإهمال بفتح اللام وكسرها وهي قراءة الحسن، وقوله على الخبر أي بترك الأستفهام، وقوله والعامل فيه الخ لأنه لا يصح تقديم معموله عليه مع الاسنفهام المستحق للصدارة، وكذا أنّ لا يعمل ما بعدها فيما قبلها أيضاً وقوله، وإسناده الخ تقدّم ما قيه واعتراض بعضهم بأنه لا يشترط الرضا بل يكفي وقوعه فيما قبلها أيضاً وقوله، وإسناده الخ تقدّم ما فيه واعتراض بعضهم بأنه لا يشترط الرضا بل يكفي وقوعه فيما بينهم وتناقض كلامهم فيه، والجواب عنه والتوفيق فتذكره وقولهم هذا تهكم واستهزاء واذا يحتمل الظرفية المحضة والشرطية والجواب على الثاني محذوف وأبيّ بن خلف من المشركين مشهور. قوله: (بالبعث) فلقاء الله كناية عن البعث أو هو بتقدير مضاف أي بلقاء ملائكة ربهم، وهم ملائكة الموت والعذاب والإضراب على الأول للترقي من التردّد فيه واستبعاده إلى الجزم بجحده، وكون لاستفهام إنكاريا يؤول إلى الجحد لا يضرّه كما توهم، وقيل الظاهر ما في بعض النسخ من عطف وتلقى بالواو ليظهر الإعراب لأنه إنكار جميع ما بعد الموت، وهو أبلغ من إنكاره فقط. قوله تعالى: ( {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} الخ) وجه مناسبته لما قبله على الثاني ظاهرة لأنهم لما جحدوا بلقاء ملائكة الموت وما بعده قيل لهم إنكم سترون ملك الموت، وما بعده من الحساب والعقاب، وأمّا على الأوّل فلأنهم لما أنكروا البعث والمعاد ردّ عليهم بما ذكر لتضمن قوله: {إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [سورة السجدة، الآية: 11، البعث مع زيادة ذكر الموت، وكونه موكلاَ بهم لتوقف البعث عليه ولتهديدهم وتخويفهم وللإشارة إلى أنّ القادر على الإماتة قادر على الإحياء فلا حاجة إلى تكلف ادّعاء أنّ كلامهم يشعر بأنّ الموت بمقتضى الطبيعة حيث أسندوه إلى أنفسهم فليس عندهم بفعل الله، ومباشرة ملائكته وأبعد منه ما قيل في مناسبته إنّ عزرائيل، وهو عبد من عبيده إذا قدر على تخليص الروح من البدن مع سريانها فيه سريان ماء الورد في الورد، واللهب في الجمر فكيف لا يقدر خالق القوى والقدر على تمييز أجزائهم المختلطة بالتراب، وكيف يستبعد البعث مع القدرة الكاملة له تعالى فإنّ ذلك السريان ربما خفي على العقلاء فكيف بجهلة المشركين وفي وكل إشارة إلى أنّ المتوفى حقيقة هو الله كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [سورة الزمر، الآية: 42، أو هو بمعنى سلط. قوله: (يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا) من أجزائها لا من جزئياتها لئلا يتحد بما بعده، وهذا من معنى التوفي لأنه بمعنى أخذ الشيء بتمامه كما في شرح المفتاح، وقوله أو لا يبقى منكم أحداً الخ هو من السياق، وقوله والتفعل الخ توجيه لتفسيره به بأنهما متلازمان فإنه مطاوعه وهو لا ينفك عنه أبداً أو أغلبيا، وقوله إحصاء آجالكم ليس الإحصاء فيه بمعنى العد بل المراد معرفة انتهائها وتمامها. قوله تعالى: ( {وَلَوْ تَرَىَ} ) الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو لغير معين، وقوله قائلين إشارة إلى أنه حال بتقدير القول، وهو أولى من تقدير الزمخشريّ يستغيثون بقولهما لخ، وعامل الحال ترى أو ناكسو، وقوله أبصرنا ما وعدتنا إشارة إلى مفعوله المقدر وقدره الزمخشريّ صدق وعدك ووعيدك قصداً للمبالغة. قوله تعالى: ( {إِنَّا مُوقِنُونَ} ) استئناف لتعليل ما قبله كقوله: {إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} [سورة هود، الآية: 37] بعد قوله: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} [سورة هود، الآية: 37] ولذا أكد بأنّ والاسمية، وقوله إذ لم يبق لنا شك إشارة إلى أنّ الإيقان اليقين الدافع للشك والشبه كما مرّ تحقيقه في أوّل سورة البقرة، وقيل إنه إشارة إلى أنه استئناف لم يقصد به التعليل وفيه نظر. قوله: (وجواب لو محذوف تقديره الخ) ظاهره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 أنها تدلّ على التمني حقيقة أو مجازا وحينئذ لا يكون لها جواب ملفوظ، ولا مقدر وقد خالف في ذلك ابن مالك وأبو حيان وقالا لا بد لها من الجواب استدلالاً بقول مهلهل في حرب البسوس: فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أقي زير بيوم الشعثمين لقرّ عينا وكيف لقاءم ن تحت القبور فإنّ لو فيه للتمني بدليل نصب فيخبر وله جواب وهو قوله لقرّ وردّ بأنها شرطية ونصبه عطفاً له كلى المصدر المتصيد من نبش، وتقديره لو حصل نبش فإخبار وهو تكلف، ولو قيل إنها لتقدير التمني معها كثيراً أعطيت حكمه فاستغنى عن تقدير الجواب فيها إذا لم يذكر كما في الوصلية، ونصمب جوابها كان أسهل مما ذكر. قوله: (والمضي فيها) أي في لو لأنها حرف امتناع لامتناع فيما مضى وفي إذ وضعا لأنّ إخباره تعالى عما تحقق في علمه الأزلي لتحققه بمنزلة الماضي فيستعمل فيه ما يدل عليه مجازا كلو واذ قيل ولا يبعد حمل ترى أيضا على المضيّ الفرضي أي لو رأيت إذ وقفوا على النار في الدنيا، وهو كلام حسن سقط به اعتراض! ابن هشام رحمه الله بانه لا معنى له إذا لو أوّل ترى برأيت وهو مستقبل لزم كون رأيت بمعنى ترى وفي بعض شروج الكشاف فان قلت هذا في قوله ناكسو صحيح لأنه نزل فيه النكس المستقبل منزلة الواقع فيما مضى فأدخل فيه إذ أما في ترى فلا لأنه في حيز لو الامتناعية المقتضية عدم وقوع الرؤية فكيف ينزل منزلة الواقع قلت المراد من المترقب النكس لا الرؤية لكن لما جعل النكس، واقعا فيما مضى صارت الرؤية المتعلقة به بمنزلة الماضي بتبعيته مع امتناعها ورده معلوم مما قرّرناه أيضا فتأمّل. قوله: (ولا يقدر الخ التنزيله منزلة اللازم، وما دلّ عليه صلة إذ أي ما أضيفت إليه لأنه بمنزلة الصلة المتممة لها للزومها الإضافة وهو المجرمون أو وقوفهم على النار، وقوله أو لكل أحد أي ممن يصح منه الرؤية لأنّ الضمير قد يراد به غير معين كما تقرّر في المعاني. قوله تعالى: ( {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ) قيل إنه جواب لقولهم فاوجعنا بأنهم لو أرجعوا لعادوا لما نهوا عنه لأنا لم نقدر هدايتهم، وقوله ما يهتدي به الخ لو فسر بنفس الإيمان والعمل الصالح صح لكن هذا أتمّ وأولى وأنسب بمعنى الهداية، وقوله بالتوفيق متعلق بقوله آتينا. قوله: (ثبت) تفسير لحق لأنه بمعنى ثبت وتحقق، وقوله قضاتي تفسير للقول لأنه إذا أضيف إلى الله يراد به حكمه وقضاؤه كما ذكره الراغب في قوله: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} [سورة بس، الآية: 7] ومثله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [سورة الأنعام، الآية: 15 ا] وقوله: {سبق وعيدي} تفسير آخر له فالقول على ظاهره، وقوله لأملأنّ الخ هو المقول على هذا ولذا قال وهو الخ. قوله تعالى: ( {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ) قدم الجنة لأنّ المقام مقام تحقير ولأنّ الجهنميين منهم أكثر فيما قيل ولا يلزم من قوله أجمعين دخول جميع الإنس، والجن فيها وأمّا قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [سورة مريم، الآية: 71، فالورود غير الدخول كما مرّ تحقيقه في هود لأنها تفيد عموم الأنواع لا الإفراد فالمعنى لأملأنها من ذينك النوعين جميعاً كملأت الكيس من الدراهم والدنانير جميعا، كما ذكره بعض المحققين وردّ بأنه لو قصد ما ذكر كان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقال كأيهما فالظاهر أنها لعموم الإفراد والتعريف فيها للعهد، والمراد عصاتهما ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى خطابا لإبليس لعنه الله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة ص، الآية: 85] فتدبر. قوله: (وذلك تصريح الخ) ذلك إشارة إلى النص، وقوله لأملأنّ الخ وقد وقع في نسخة هذا النص صريح وهو ردّ على الزمخشريّ حيث أيد مذهبه من أنه تعالى لا يشاء القبيح كالضلال بل الهداية، وحمل المشيئة المذكورة على القسرية وقال إن تعقيب فذوقوا الخ بنسبة النسيان إليهم وجعله سبباً للإذاقة دال على أنّ المشيئة المطلقة مقيدة هنا بقيد الإلجاء والقسر، وأنّ العلم الأزليّ مانع لاختيارهم قال الطيبي رحمه الله وهو عدول عن جادّة الصواب حيث أوقع حق القول المعبر به عن العلم الأزليّ المستتبع للكائنات سبباً عن استحبابهم العمي وجعل استحبابه مسببا عن اختيارهم المعدوم، والحق قول الإمام إنّ لو شئنا لآتينا الخ جواب لقولهم فارجعنا أي هذا الذي جرى علينا بسبب ترك العمل أمّا الإيمان فنحن موقنون به فأرجعنا لتتلافى العمل فأجيبوا بأنا لو أردنا الإيمان فنحن موقنون به فأرجعنا لتتلافى العمل فأجيبوا بأنا لو أردنا الإيمان هديناكم فلما لم نهدكم تبين أنا لم نرد إيمانكم فلا نردّكم فذوقوا العذاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 المقدر عليكم بكفركم فإنه لا ينفعكم الآن شيء والمصنف رحمه الله أشار إلى أنّ الآية صريحة في خلاف ما ذكره، لأنها دالة على أنّ عدم إيمانهم لعدم مشيئة الله، وهذا معنى قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} لأنّ الهدى الإيمان أو الموصل إليه، وقوله المسبب الخ أي وعدم المشيئة مسبب عن سبق حكم الله به، وهو معنى قوله ولكن حق القول مني الخ فإنه استدراك لدفع ما قبله والمراد أنه سبب استمراره أو سببه بنفسه فإنه لا مانع من تسبب أزليّ لأزليّ آخر فإنه لا يقتضي التقدّم الزمانيّ بل الرتبيّ، وما أورد عليه من أنّ العدم الأصليّ لا يحتاج إلى سبب فينبغي تفسيره بالكف أو الامتناع عن المشيئة غير مسلم في العدم الذي ليس بصرف، وكذا ما قيل من أنّ التصريح ممنوع إذ يجوز كون سبق الحكم سببا لعدم الهداية بل هو الظاهر إذ المناسب كون السبق لعدم المشيئة لا العكس، فإنه مخالف للنظم كما عرفت فتأمّل. قوله: (ولا يدفعه الخ) أي كما في الكشاف نصرة لمذهبه أي لا يعارض سبق القضاء لأنّ عدم الإيمان على هذا بسبب ميلهم الاختياريّ لا لعدم مشيئته تعالى، ولا للسبق المذكور والمراد بنسيانهم ترك العمل المشابه للنسيان أو ترك التدبر وعليه كلامه الآتي وذوقوا أمر تهديد توبيخيّ، والفاء تفصيلية أو في جواب شرط مقدر أي إذا حق القول، وهذا إمّا مفعول ذوقوا والمعنى ذوقوا ما أنتم فيه من نكس الرؤس والخزي، والغم أو صفة يوم وحذف مفعوله للتهويل بالإبهام ويدلّ عليه قول المصنف رحمه الله فيما سيأتي من التصريح بمفعوله الخ، وقوله بقوله متعلق بجعل. قوله: (فإنه من الوسايط المفضية له) أي لذوق العذاب يعني ليس هو السبب الحقيقيّ حتى ينافي كونه بمشيئة الله وسبق قضائه، والجبر مندفع بمقارنة القدرة لفعل العبد عند الأشاعرة على ما بين في الكلام وأما التوبيخ بالواسطة مع سبق المسبب الحقيقيّ فلا بعد فيه كما توهم إذا تضمن نكتة كقربه من الوقوع، وظهوره وكونه هو الصادر منهم وقوله المفضية بالفاء والضاد المعجمة بمعنى الموصلة وفي نسخة المقضية والمقتضية بالقاف وهي متقاربة. قوله: (تركناكم من الوحمة أو في العذاب) وهما وان تغايرا متقاربان وهو إشارة إلى أنّ النسيان بمعنى الترك. لأنه محال عليه تعالى، وهو استعارة أو مجاز مرسل كما أنّ لنسيان السابق أيضا مجاز مرسل، وقد جعله الزمخشريّ مقابله أي مشاكله كما صرّح به بعض الشراح، وكون المشاكل الأوّل مجازا لا يمنع منها والقرينة على قصد المشاكلة فيه أنه قصد جزاؤهم من جنس عملهم فهو على حد قوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} الشورى، الآية: 40] لكنه نادر في بابه فلا يرد الردّ عليه بأنه مجاز فافهم وقوله ترك المنسيّ أي كترك المنسيّ إشارة إلى أنه استعارة. قوله: (وفي استثنافه) أي إيقاعه هذه الجملة سمتأنفة لأنّ جعله جملة مستأنفة يقتضي الاهتمام به ففيه تأكيد أيضا. قوله: (وبظء الفعل على أنّ واسمها) أي إيقاع الفعل، وهو نسيناكم خبراً عن الاسم وجعله عجز الاسمية مؤكدة بأن إشارة إلى أنه نسيان أي ترك شديد محقق كما تفيده الاسمية المؤكدة، والانتقام من وقوعه جزاء لنسيانهم. قوله: (كرر الأمر) أي قوله ذوقوا للتأكيد ولما كان من حق التاكيد أن لا يعطف أشار بقوله ولما نيط أي علق الخ إلى أنّ فيه زيادة على الأوّل جعلته بمغايرته للأوّل مستحقاً للعطف، وقوله من التصريح بمفعوله، وهو عذاب الخلد إشارة إلى أنّ مفعول الأوّل محذوف أو غير صريح لأنه اسم إشارة، وقوله وتعليله إشارة إلى أنّ الباء سببية وأفعالهم السيئة مدلول قوله ما كنتم تعملون، وقوله من التكذيب الخ بيان لها، وقوله بتركهم الخ معنى قوله بما نسيتم وفيه إشارة إلى أنّ ما مصدرية، وقوله دلالة الخ إشارة إلى أنها أسباب متعدّدة وان كانت وسايط فلا ينافي ما مرّ كما ذهب إليه الزمخشريّ. قوله تعالى: ( {بِآيَاتِنَا} ) المراد بها دلائل توحيده وقدرته أو آيات القرآن الدالة على ذلك، وقوله كالعجز الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وقوله حامدين الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة والجار والمجرور حال وأنّ الحمد هنا في مقابلة النعمة، وقوله حامدين الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة والجار والمجرور حال وأنّ الحمد هنا في مقابلة النعمة، وقوله وهم لا يستكبرون عطف على الصلة أو حال من أحد الضميرين، وقد تجوّز عطفه على أحد الفعلين. قوله تعالى: ( {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} ) جملة مستأنفة أو حالية أو هي خبر ثان للمبتدأ وكذلك يدعون وإذا جعل يدعون صالاً احتمل أن يكون حالاً ثانياً وأن يكون حالاً من ضمير جنوبهم لأنّ المضاف جزء والتجافي البعد، والارتفاع من الجفاء وكني به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 عن ترك النوم كما في قول ابن رواحة رضي الله تعالى عنه: نبيّ يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع واليه أشار المصنف رحمه الله، وخوفا وطمعاً إمّا مفعول له أو حالان أو صصدران لمقدر وتتنحى بالمهملة أي تبعد ومواضع النوم شامل للأرض. قوله: (وعن النض صلى الله عليه وسلم في تفسيرها) أي الآية إشارة إلى ما رواه أحمد والحاكم، وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً من أنه قرأها وقال هو صلاة الرجل في جوف الليل، وقوله إذا جمع الله الخ روأه أبو إسحق وأبو يعلى عن أسماء كما ذكره ابن حجر، وقوله يسمع الخلائق أي صوته أو هو معلوم من أسمع ويجوز أن يكون من سمع وفاعله الخلائق، والمراد بالجمع المحشر ومن أولى بالكرم أي من الله، وقوله فيسرحون أي يرسلون وشاقون إلى الجنة من غير حساب ومنه سرّح الماشية للمرعى، وسائر الناس باقيهم، وقوله وقيل الخ مرضه لمخالفتة للظاهر لأنه ليس وقتاً يكثر فيه النوم حتى يمدح بتركه ولمخالفته للرواية المشهووة السابقة، وقوله وجوه الخير شامل للفرض والنقل، وقوله ولا نبيّ الخ في نسخة بترك العطف وهو مرويّ في الحديث القدسيّ المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه. قوله تعالى: ( {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم} الخ) الفاء سببية، أو فصيحة أي أعطوا فوق رجائهم فلا الخ ونفس نكرة منفية فتعم وقرة العين السرور وقد مرّ تحقيقها، وقوله أعددت أي هيأت وأحضرت لهم من النعيم والرضوان، وقوله ما لا عين رأت الخ يعني أنه ليس من جنس ما يعرفون من النعيم بل هو أبئ وأعظم. قوله: (بله ما اطلعتم عليه) قال ابن هشام في المغني بله على ثلاثة أوجه اسم لاع ومصدر بمعنى الترك واسم مرادف لكيف وما بعدها منصوب على الأوّل ومخفوض على الثاني، ومرفوع على الثالث وفتحها بناء على الأوّل والثالث وإعراب على الثاني، وإنكار أبي عليّ أن يرتفع ما بعدها مردود رواية ومن الغريب ما في البخاريّ، من رواية الحديث من بله بمن الجارة خارجة عن المعاني الثلاثة، وقد فسرت بغير وبه يتقوّى عدّها من أدوات الاستثناء فما بعدها محتمل لوجوه الإعراب الثلاثة والمعنى على كل حال أنه ليس مما عرفتموه واطلعتم عليه واطلعتم معلوم من الاطلاع افتعال بمعنى الوقوف عليه، وقد روي اطلعتم مجهولاً من الأفعال وما وقع في الرضى أعطيتم غير معروف رواية، وقوله إن شئتم أي أردتم تحقيقه. قوله: (وقرأ حمزة الخ) عقب الحديث بهذه القراءة إشارة إلى ما في الانتصاف من قوله كان جدي رحمه الله يستحسن أن يقرأ الآية تلو الحديث المذكور بسكون الياء من أخفى ورده إلى المتكلم ليطابق صدر الحديث، وهو أعددت الخ ليكون الكل راجعاً إليه تعالى مسنداً إلى ضمير اسمه جل وعز صريحاً اهـ، وعلى القراءة المشهورة هو ماض مجهول بفتح الياء. قوله: (وقرئ نخفي) أي بنون العظمة وأخفى ماض معلوم، وقوله وقرات أي قرى قرّات بصيرة الجمع لقرة وهي قراءة شاذة أسندها أبو الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله لاختلاف الخ بيان لنكتة جمع المصدر أو اسمه، وقوله والعلم بمعنى المعرفة فيتعدى لمفعول واحد وهو ظاهر على الموصولية وإذا كانت ما استفهامية يجوز تعديه لمفعولين لسد الجملة مسدهما وعلى كل من الموصولية والاستفهامية فالإبهام للتعظيم لأنه بمعنى أيّ شيء. قوله: (أي جزوا جزاء) فهو مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة مستأنفة ويجوز جعلها حالية، وقوله أو أخفى للجزاء فهو مفعول له وقوله فإن إخفاءه لعلوّ شأنه بيان لوجه التعليل للإخفاء وحينئذ يجوز تعلقه بلا تعلم، وقوله وقيل الخ أي أخفى ليكون الجزاء من جنس العمل، ويجوز على المصدرية جعله مؤكداً لمضمون الجملة المتقدّمة. قوله: (خارجاً عن الإيمان) يشير إلى أنّ أصل معنى الفسق الخروج من فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها ثم استعمل في الخروج عن الطاعة وأحكام الشرع مطلقاً فهو أعمّ من الكفر وقد يخص به كما في قوله: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور، الآية: 55] وكما هنا لمقابلته بالمؤمن. قوله: (في الشرف الخ) هذا على طريق الفرض أو التهكم إذ لا مثوبة للكانر أصلا، وقوله تأكيد أي لما فهم من قوله أفمن كان مؤمناً الخ فإنه يدلّ على عدم مشابهته له ومساواته معه، وقوله والجمع أي في ضمير يستوون الراجع لمن باعتبار المعنى بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 أفراده رعاية للفظه. قوله: (نإنها المأوى) أي المسكن لأنها مقرّ والدنيا ممر وجسر للآخرة، وقوله وقيل الخ فهو علم المكان مخصوص منها كعدن ومرضه لأنّ الجمع وإضافة العامّ إليه لا تناسبه والنزل كما مرّ ما يعد للنازل ثم عمّ كل عطاء أو جمع نازل حالاً. قوله: (بسبب أعمالهم) فالباء للسببية، وكونها سبباً بمقتض فضله ووعده فلا ينافي حديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، وقوله أو على إعمالهم فالباء للمقابلة والمعاوضة فإنها تستعمل بهذه المعنى كعلى في نحو بعتك الدار على ألف درهم، ووقع في نسخة عطفه بالواو فهو بيان لما قبله والأولى أولى وبما ذكرناه علم ضعف قوله في المغنى إنّ الباء هنا ليست للسببية كما قاله المعتزلة وكما قاله الجميع في نحو لن يدخل أحدكم الجنة بعمله لأنّ المعطي بعوض قد يعطى مجاناً، وأمّا المسبب فلا يوجد بدون السبب، وقد تبين عدم المعارضة بين الآية والحديث لاختلاف معنى الباءين اهـ. قوله: (مكان جنة المأوى الخ) يعني ليس المراد بالمأوى مطلق المحل والمنزل وإن جوّزه في الكشاف بل المحل المقصود والمطلوب للاستراحة والوقاية من الحرّ والبرد ففيه استعارة تهكمية، وهذا مأخوذ من المتعارف والمقابلة وهو أبلغ فلا يرد عليه أنه عدول عن الحقيقة من غير داع، ولا قرينة فلا وجه له كما قيل. قوله: (عبارة عن خلودهم فيها) دفع لما يتوهم من أنّ الإعادة تقتضي الخروج فهو معارض لقوله: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [سورة البقرة، الآية: 167] وقد حمل كلامه هنا على الاستعارة التمثيلية، وقد مرّ في سورة الحج أنّ التقدير فخرجوا لأنّ الإعادة بعد الخروح ومراده الخروح من معظمها فلا يخالف قوله وما هم بخارجين الخ، ولذا قال فيها دون إليها وقيل هو كناية عن القرب من الخروج وقد مرّ الكلام فيه. قوله تعالى: ( {عَذَابَ النَّارِ} الخ) في أمالي ابن الحاجب في نكتة إظهار النار مع ذكرها قبله أنه لأنّ فيه تهديدا وتخويفاً ليس في الإضمار لأنه وقع حكاية لما قيل لهم ثمة وليس مثله موضع الضمير، وأورد عليه الطيبي إنه داخل في حيز الآخبار لعطفه على أعيدوا الواقع جواباً لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيفا إن لم يقصد التهويل فالوجه الثاني لا يتم وحده، وودّ بأنّ المانع إنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغييره ولا إضمار في المحكي لعدم تقدّم ذكر النار فيه، وقد يناقش فيه بأنّ مراده أنه يجوز وعاية المحكيّ والحكاية وكما أنّ الأصل رعاية المحكيّ الأصل الإضمار إذا تقدّم الذكر فلا بدّ من مرجح فتأمّل. قوله: (عذاب الدنيا الأنه أدنى أي أقرب أو أقل من عذاب الآخرة، والسنة بمعنى القحط وقد دام على قريش قبل الهجرة سبع سنين كما ذكر في السير، وقوله يوم بدر الخ يقتضي أن هذه الآية مدنية والمختار عنده خلافه، وقوله لعل من بقي الخ لأنّ من قتل لا يتصوّر توبته، وعقبة هذا أخو عثمان لأمّه وقد أسلم هو وأخوه خالد يوم الفتح. قوله: (روي أنّ وليد الخ) تغ فيه الزمخشريّ، وفال ابن حجر إنه غلط فاحش فإنّ الوليد لم يكن حيث! ذ رجلاً بل طفلا لا يتصوّر منه حضور بدر وصدور ما ذكره الزمخشريّ من مشاجرته لعليّ رضي الله عنه. قوله: (وثم لاستبعاد الإعراض الخ) الاستبعاد غير التراخي الرتبي كما صرّح به بعض شرّاح الكشاف فهو أعمّ منه لأنه بعد أحدهما رتبة في شرف أو ضدّه سواء كان الأوّل أعلى أو الثاني، وهذا مطلق التباعد بينهما وان لم يشتركا في شرف أو ضده، وقوله بعد التذكير متعلق بالإعراض ويجوز تعلقه بالاستبعاد، وقوله عقلا تمييز راجع إلى الاستبعاد. قوله: (ولا يكشف الغماء إلا ابن حرّة) هو من شعر لجعفر بن علية الحارثي الحماسي وبعده قوله: نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها ومعنى يرى غمرات الموت يتحققها حتى كأنه يشاهدها أي لا يكشف الخصلة الشديدة إلا رجل كريم يرى قحم الموت، ثم يلجا ولا يعدل عنها، وقال إبن حرّة لأنّ مثله ذو أنفة والغماء ما يغم وأصله التغطية، وثم فيه أيضاً الاستبعاد مشاهدة شدائد الهلاك، ثم الرغبة فيها واقتحامها وعبر بالزيارة إشارة إلى أنّ إتيانه لها برغبة تامّة لا اضطرار. قوله: (فكيف الخ) توجيه للعدول عن قوله منهم مع أنه الظاهر بأن هذا يثبت الانتقام منه بطريق برهانيّ، وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [سورة البقرة، الآية: 87] فسره الزمخشريّ في الكشاف بجنس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 الكتاب ليصح عود الضمير إليه لأنه لم يلق عين كتاب موسى وارادة العهد، وتقدير مضاف أي تلقى مثله بعيد كالاستخدام ورجوعه إلى القرآن المفهوم منه أبعد، ونهيه عن الشك المقصود به نهى أمّته والتعريض بمن صدر منه مثله. قوله: (من لقائك الكتاب) إشارة إلى أنه مصدر مضاف إلى المفعول وفاعله محذوف وهو ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله وإنك الخ اسنشهاد على أنّ الكتاب يوصف بالملاقاة وقوله فإنا الخ تعليل للنهي عن الامتراء بالتشابه يين الإيتاءين فليس الثاني مبتدعاً حتى يرتاب فيه، وقوله مما لم يكن قط، وفي نسخة لم يكن قط بيان لقوله باع ولما يينهما من التشابه قال أوّلاً مثل ما آتيناه، ثم عكسه هنا وقوله أو من لقاء موسى الكتاب فهو مضاف للمفعول أيضاً لكن فاعله موسى، وقد جوّز إضافته للفاعل على أنّ الضمير لموسى فتأمّله. قوله: (أو من لقائك موسى) عليه الصلاة والسلام فالضمير لموسى على أنه مفعول، ويجوز أن يكون فاعلاً أيضاً والمراد بالكتاب العهد لكن وجه التفريع فيه بالفاء خفيّ، وقوله وعنه الخ تأييد لهذا التفسير وأنّ المراد لقاؤه في الدنيا وآدم بالمدّ بمعنى أسمر وطوالاً بضمّ الطاء بمعنى طويل والجعد خلاف السبط، وهو معروف وشنوأة بالمعجمة والهمزة حيّ من اليمن موصوفون ومشهورون بالجعودة فلذا شبهه بهم قيل، وهذا يدلّ على أنّ الآية نزلت قبل الإسراء، وقوله المنزل على موسى فالضمير للكتاب ويجوز وجوعه لموسى. قوله: (بأمرنا إيادم به) أي بأن يهدوا أي فالأمر واحد الأوامر، وعلى ما بعده واحد الأمور والمراد به التوفيق، وقوله وقرأ الخ أي بكسر اللام وتخفيف الميم وما مصدرية كما أشار إليه بقوله لصبرهم وكونه تفسيرا على الوجهين لأنّ الظرف والمظروف كالعلة والمعلول في اقتران أحدهما بالآخر فلذا يستعار له نحو أكرمك إذا أكرمت زيداً، وإن صح خلاف الظاهر وامعان النظر تدقيقه وأصل معناه الإبعاد، وجملة كانوا معطوفة على جعلنا أو صبروا وجوّز فيها الحالية أيضاً. قوله: (فيميز الحق من الباطل الخ الم يقصر المسافة، ويقول المحق من المبطل لقوله: {فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [سورة البقرة، الآية: 13 ا] وقوله من جنس المعطوف المراد به ما يناسبه معنى حتى يكون دليلاً عليه نحو ألم ينههم أو يدعهم ونحوه، وهذا أحد القولين فيه والآخر أنه لا تقدير فيه والهمزة مقدمة من تأخير والمسألة مشهورة. فوله: (والفاعل ضمير الخ) جعله مضمرا لأنّ كم لصدارتها لا تقع فاعلاَ، وهي هنا في محل نصب بأهلكنا والفاعل لا يحذف في غير مواضع ليس هذا منها، وأمّا إذا كان مضافاً فيحذف نحو بدت القرية على أنّ أصله أهل القرية فشرطه أن يكون المضاف إليه يصح وقوعه فاعلا بحسب القرينة، والجملة لا تقع فاعلاَ على الصحيح فلا وجه لمن جوّزه هنا إلا إذا قصد لفظها فقول المصنف في غير هذه السورة إنّ الفاعل الجملة بمضمونها لا وجه له أيضا إلا أن يريد الوجه السابق وأمّا ما أورد عليه من أنه يلزم عود الضمير على متاخر لفظاً ورتبة فمردود لأنّ المراد أنه ضمير مبهم عائد إلى ما في الذهن، وما بعده مفسر له فتأمل. قوله: (أي كئرة من أهلكناهم الخ) هو بيان للفاعل بأنه كثرة المهلكين فإنّ إهلاكهم سبب للهداية فالإسناد إليه جائز وان كان مجازا ولا حاجة إلى تقدير مضاف فيه أي كثرة إهلاك من أهلكنا كما مرّ في سورة طه كما قيل فإنه مفهوم من الفحوى، ثم إنّ مفعوله مقدّر وهو طريق الحق، وقوله أو ضمير الله أي فاعل يهد ضمير الله لسبق ذكره في قوله ربك وهو معلق بكم عن المفعول، وهو مضمون الجملة لتضمينه معنى العلم. قوله: (يمشون في مساكنهم) جملة مستانفة بيان لوجه هدايتهم أو حال من ضمير لهم أو من القرون والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم، وتشديد يمشون على أنه تفعيل من المشي للتكثير والكلام في أولم يروا كالسابق. قوله: (لا التي لا تنبت) كالسباخ الذي لا ينبت أصلا فإنه كما صرّح به أهل اللغة من الجرز، وهو القطع فيطلق على ما كان له نبت وقطع وعلى ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه إلا نبات وكلاهما ثابت مسموع لكن الثاني غير مناسب لقوله بعده فنخرج الخ كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشريّ، فما قيل إنه لا مناسبة بين الإنبات بعد سوق الماء، وبين أن لا تنبت فالوجه أن يحال على النقل لا معنى له. قوله: (وقيل اسم موضع باليمن) أي الأرض الجرز اسم لما ذكر ووجه تمريضه ظاهر لأنه لا وجه لتخصيصه هنا، وقوله كالحب والتمر إشارة إلى أنّ المراد بالزرع ما يخرج بالمطر مطلقا فيشمل الشجر وغيره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وكذا قوله الورق قيما قبله لغلبة إطلاقه على أوراق الشجر فلا إشكال فيه كما قيل، وقوله فيستدلون الخ إشارة إلى أنه هو المقصود من النظر وقدّم الأنعام لأنّ انتفاعها مقصور على النبات، وأكثر ولأنّ كلها منه مقدّم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرح سنبله، وجعلت الفاصلة هنا يبصرون لأنّ الزرع مرئي وفيما قبله يسمعون لأنّ ما قبله مسموع، أو ترقياً إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ودفع العذر. قوله: (النصرا للزومه للفتح، وقوله الفصل بالحكومة هو أحد معاني الفتح، ولذا قيل للقاضي فتاح وفي نسخة بالخصومة أي بسببها وقوله من قوله الخ أو فوله وفتحت السماء، وقوله لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إن عمّ غير المستهزئين فهو تعميم بعد تخصيص، وإن خص بهم فإظهار في مقام الإضمار تسجيلاَ لكفرهم، وبياناً لعلة عدم النفع وعدم إمهالهم. قوله: (فإنه الخ) بيان لجريان هذا التفسير على الوجهين في معنى الفتح، وقوله وقيل يوم بدر مرضه لبعده عن كون السورة مكية وأمّا كونه يوم الفتح أي فتح مكة فمع ذلك يبعده قلة المقتولين فيه جدّاً. قوله: (والمراد بالذين كفروا الخ) دفع لما يتبادر إلى الذهن من أنّ يوم الفتح ليس زمانه زمان ياس حتى لا ينفع إيمانهم فيه بأن المراد بهم من قتل فيه على الكفر فمعنى لا ينفعهم إيمانهم لا! بمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله: على لا حب لا يهتدى بمناره سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف وقوله ولا هم ينظرون على المقيد أو على المجموع فتأمّل. قوله: (وانطباقه جوابا عن سؤالهم) بقولهم متى هذا الفتح لأنّ الظاهر في الجواب تعيين ذلك اليوم المسؤول عنه فكأنه قيل لا تستعجلوا أو لا تكذبوا فإنه آت لا محالة، وإنه إذا أتى ندمتم وحصل لكم اليأس ومرّض كونه منسوخاً لاحتمال أنّ المراد الإعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين، وقوله وقرئ بالفتح اي في منتظرون على أنه سم مفعول والمعنى ما ذكره. قوله: (عن انتبئ صلى الله عليه وسلم الخ) قال ابن حجر رواه الثعلبيّ وابن مردوبه والواحدي مسندا وأشار إلى ضعفه ولم يقل إنه موضوع، وقوله كأنما الخ تفسير! لمفعول أعطى المحذوف وهو أجرا عظيماً، وأمّا قوله من قرأ الخ فقال إنه لم يجده في شيء من كتب الحديث تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (ثلاث وسبعون آية) قال! الداني هذا متفق عليه وفي الكشاف عن أبيّ بن كعب إنها كانت تعدل سورة البقرة طولاً فنسخ أكثرها كآية الشيخ والشيخة إذ! زنيا فارجموهما، وأمّا كونها كانت في صحيفة عند عائشة رضي الله عنها فأكلتها الداجن فمن كذب الملاحدة، وكذبهم في أنه ضاع بأكل الداجن من غير نسخ فلا يرد عليه ما ذكره ابن حجر من أنّ نسخ آيات منها روي في كتب الحديث فانظره. قوله: (تعظيماً! له وتفخيماً لشأن التقوى الف ونشر مرتب أي ناداه بوصفه دون اسمه تعظيماً له فإنّ مواجهة العظماء بأسمائهم في النداء لا تليق بخلاف الأخبار في أنّ محمداً رسول الله، وأمره بما ذكر تفخيماً وتعظيماً للتقوى نفسها حيث أمر بها مثله فإنّ مراتبها لا تتناهى مع أنّ المقصود الدوام والثبات عليها فلا يلزم اللغوية وتحصيل الحاصل، وقيل إنّ النداء المذكور للاحتراس وجبر ما يوهمه الأمر والنهي كقوله عفا الله عنك ولم يجعل الأمر والنهي لأمّته كما في نظائره لأنّ سياق ما بعده لأمر يخصه كقصة زيد رضي الله عنه. قوله: (ليكون ممانعاً عما نص عنه الخ) قيل عليه لو كان كذلك صدر النهي بالفاء فالظاهر أنه تخصيص بعد تعميم لاقتضاء المقام الاهتمام به كما يدلّ عليه سبب النزول وليس بشيء لأنّ التقوى وان منعت عما ذكر فعدم طاعته لهم أمر محقق سابق على الأمر فلو قرن بالفاء أوهم خلاف المراد فلا حاجة إلى جعله موكولاً لفهم المخاطب، ولم يؤوّله بالثبات على عدم ا! ماعة كما في الأمر لتجدّده بتجدد ما طلبوه ولأنّ النفاق حدث بالمدينة فتدبر. قوله: (فيما يعود بوهن في الدين) أي فيما يصير مضعفا للدين وأبو الأعور كنية لرجل من بني سليم يسمى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 عمرو بن أبي سفيان والموادعة المصالحة والمراد صلح الحديبية والمعنى في زمان الصلح، وهو زمان ممتدّ مستمرّ فلا يرد عليه ما قيل إنّ أبا سفيان لم يجيء إلا بعد نقض المشركين العهد لتجديد. فلم يرضه صلى الله عليه وسلم والمناسب ثبات الجانبين على المعاهدة دون تكليف أمر آخر، وقيل إنّ هذا كان بعد أحد والقائمون معهم من أهل نواحي المدينة ومنها، وأرفض بمعنى أترك ذكرها والمراد ذكرها بما يسوء بدلالة المقام، ودلالة الآية على سبب النزول ظاهر وندعك منصوب في جواب الأمر، وجملة إنّ الله الخ مستأنفة لتعليل ما قبلها. قوله تعالى: ( {واتَّبَعَ} ) من عطف الخاص على العامّ، وقوله ما يصلحه فاعله ضمير ما هذه ومفعوله ضممير ما تعملون وفي نسخة ما يصلحك ويغني معطوف على يصلح، وفي نسخة مغن بالعطف على موح وفيه إشارة إلى أنّ ذكر إحاطة علمه بعمله وعمل غيره أنه يعلمه بما يليق وينبغي له فيه لأنّ معرفة الطبيب بالداء ليصف الدواء قيل في كلامه ما يومئ إلى أنّ خطاب تعملون للنبيّ صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم، وليس بمتعين لجواز كونه عامّا ولكن المقصود بالخطاب هو وبيان حاله فهو داخل فيه بالدخول الأولى، وجعل المراد من العمل إذا كان الضمير للكفرة والمنافقين كيدهم ومكرهم لمناسبته للمقام، ثم جعله كناية عن دفعه لأنه المقصود منه وعلى هذه القراءة يجوز كون الضمير عامّاً أيضاً وفي كونه التفاتا تأمّل. قوله: (ما جمع قلبين في جوف) أراد أنّ خصوص الرجل ليس بمقصود، والمعنى ما جعل لأحد أو لذي قلب من لاحيوان مطلقا وجعل بمعنى خلق وتخصيص الرجل بالذكر لكمال لوازم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث، وأمّ الصبيان فما-لهم إلى الرجولية، وقوله في جوفه للتأكيد والتصوير كالقلوب التي في الصدور لأنّ القلب معدن الروح أي مقرّ الروح الحيوانيّ وهو البخار اللطيف النورانيّ الذي يتولد من دم رقيق فيه وبه الإدراك عند الحكماء وذكر المعدن إيماء إلى تشبيهه بالجوهر، وقوله المتعلق بفتح اللام أي الذي تتعلق به النفس الناطقة أي تتصل به لتفيض بواسطته ما تدركه عليه، وذكر النفس لتأويلها بالمدرك ونحوه وقوله أوّلاً إشارة إلى تعلقها بالبدن بواسطته، وقوله منبع القوى استعارة والمراد أنه الحامل لها إلى جميع البدن، وهذا على رأي وعند جالينوس أنّ الكبد والدماغ منبعان لبعض القوى أيضاً وقد مرّ ما فيه في سورة الحجر. قوله:) وذلك يمنع التعدّد) أي تعدّد قلب الإنسان أو الحيوان لأنه يؤدّي إلى التناقض كما سيأتي تقريره، وذلك إشارة إلى كونه منغ جميع القوى، والدعوة بكسر الدال في النسب وبفتحها في الطعام ونحوه. قوله: (والمراد بذلك) أي قوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ردّ ما زعمته العرب من أنّ لبعض الشجعان ودهاة العرب قلبين حقيقة، واللبيب صاحب اللب وهو العقل أي العاقل والأريب السريع الفطنة والانتقال من الأرب وهو الدهاء فليس بتأكيد وإن كان بمعنى العاقل، والأرب العقل فهو تأكيد. قوله: (ولذلك قيل الخ) في نسخة أو لجميل وفي أخرى وقيل لجميل وفي غيرها ولجميل بالواو وظامره أنه جميل بن أسد غير أبي معمر وفي التيسير أبو معمر جميل بن معمر، وفي البحر روي أنه كان في بني فهر رجل يقال له أبو معمر جميل بن أسد وظاهره أنهما واحد وكلام الكشاف على التردّد وعليه يحمل كلام المصنف على نسخة أو المشهورة، وفي القاموس ذو القلبين جميل بن معمر فيه نزلت ما جعل الله الآية، والذي صححه في كتاب المرصع (أنه ابو معمر جميل بن معمر عبد الفه الفهري، وكان رجلا لبيباً حافظاً لما يسمع فقالت قريش ما حفظ هذا إلا وله قلبان، وكان يقول إنّ لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمر لقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في رجله والأخرى معلقة بيده فقال له ما حل الناس قال له: هزموا قال: فما بال إحدى نعليك بيدك قال ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ كذيه فيما كان يدعيه) وهذه الآية نزلت فيه، وقد ردّ الشاطبي عليهم وقال: إنه ليس بفهري بل الجمعي كما نقلته من خطه، والذي صححه ابن حجر في الإصابة بعدما ذكر فيه اختلافا أنه جميل بن أسيد مصغرا الفهري، وأنه يكنى أبا معمر وضعف قول ابن دريد أنه عبد الله بن وهب، وقول غيره إنه جميل بن معمر الجمعي وبهذاه عرفت ما في كلام المصنف، وغيره وأن العطف لا وجه له وأنّ أسيدا مصغراً لا أسداء مكبرا فأعرفه. قوله: (والزوجة المظاهر عنها) وفي نسخة منها وهو الموافق لما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 سيأتي من تعدّبه بمن وهو منصوب عطف على اللبيب ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ وخبر، وكذا قوله: ودعى الرجل ابنه أي له حكم الابن عندهم في التوارث وغير. من الأحكام وان كان معلوم النسب، وقوله كالأمّ أي في الحرمة المؤبدة فقوله أمّهاتكم على التشبيه البليغ كما سيأتي. قوله: (ولذلك كانوا يقولون لزيد الخ) في الاستيعاب زيد بن حارثة بن شرحبيل من بني كلب سبي في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة رضي الله عنها فوهبته لنبيّ صلى الله عليه وسلم فتبناه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمان وأعتقه لما اختار خدمته على قومه، ولم يرض مفارقته صلى الله عليه وسلم على ما فصله، وقوله: ابن محمد أي هو ابن محمد وقوله عن المظاهر منها الخ لف ونشر مرتب ونفي القلبين معطوف على نفي الأمومة، وقوله لتمهيد أصل أي حكم كلي وهو ما في قوله فإن لم تعلموا الخ، والذي ارتضاه صاحب الانتصاف والطيبيّ تبعاً للزجاج والبغوي، وهو المروي عن الزهري وقتادة إنه ضرب قوله: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [سورة الأحزاب، الآية: 4] مثلاَ للظهار والتبني فكما لا يكون لرجل قلبان لا تكون المظاهرة أمّا والمتبني ابناً فالمذكورات بجملتها مثل فيما لا حققة له، وهو المناسب لنظمها في نسق وتذييلها بقوله والله يقول الحق، وتعقبه في الكشف بأنّ سبب النزول وقوله بعد التذييل ادعوهم الخ شاهد صدق على أن الأوّل مضروب للتبني، وهم لم يجعلوا الأزواج أمّهات بل جعلوا اللفظ طلاقاً فإدخاله في قرن النبي استطراد، وهذا هو الوجه لا أنه قول لا حقيقة له في نفس الأمر ولا في شرع ظاهر ؤكذا جعلهن كالأمّهات في الحرمة المؤبدة مطلقاً من مخترعاتهم التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي فلا حقيقة له أيضاً فما ادعاه غير وارد عليهم لا سيما مع مخالفتة لما روي عنهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. قوله: (وهو أن يكون كل منهما أصلاَ) بيان للتناقض بأنه يلزم من تعدّد القلب كون كل منهما أصلاً للقوى وغير أصل لها أو توارد علتين على معلوم واحد، وهذا أمر إقناعي فإنه يجوز كون أحدهما متبعاً لبعض والآخر لبعض آخر ويجوز اشتراكهما في ذلك كالعينين والأذنين في النظر والسمع فالأولى أن يوكل مثله للإرادة الإلهية وهو لا يسأل عما يفعل، وكونه أصلاً بالنظر لنفسه وغير أصل بالنظر للآخر، وقيل إنه محل الصحبة فلم يكرّر لئلا يكون فيه محبة اقترانية كما قيل: ما أنصفتني الحادثات رمينني ~ بمفارقين وليس لي قلبان وقال الآخر: تملك بعض حبك كل قلبي ~ فإن تردالزيادة هات قلبا قوله: (اللذين لا ولادة بينهما وبينه) بيان لوجه التناقض فيهما كما في الأوّل لأنّ ذلك يقتضي التوالد والزوجية والدعوة تقتضي خلافه، وهذا كالأوّل فإنهم لم يدعوا أمومة وبنوّة حقيقة حتى يرد عليهم التناقض كما لا يخفى. قوله: (وقرأ أبو عمرو الخ) وقوله بالياء وحده أي من غير همزة قبله أو من غير ياء أخرى تتبعها لأنها ساكنة وتذكير الضمير لتأويله بالحرف، وقوله فخفف أي بحذف الهمزة والحجازيان نافع وابن كثير، وقوله بالهمزة أي المكسورة، وقوله وحده أي بدون ياء والقراءة الأخرى بهمزة بعدها ياء ساكنة وما ذكر. عن الحجازيين في رواية البزي عن ابن كثير وووش عن نافع في حالة الوقف، وأما في الوصل فيسهل كما ذكره الشاطبي، وقد روي عنهما التسهيل في الحالتين فما قيل إن المصنف لم يفرق بين الإبدال والتسهيل خطأ غرّه فيه كلام النثر. قوله: (وحمزة والكسائئ بالحذف) أي بحذف التاء الثانية، وقوله من الظهور أي من الثلاثيّ فلا ينافي ما سيأتي أنه من الظهر ولا حاجة لهذا فإن الظهور أيضا من الظهر في أصل اللغة لأنّ أصله أن يكون مكشوفا لكونه على ظهر كالبطون لما كان في بطن، ثم شاع في لازم معناه وهو الخفاء وعدمه كما نقله الطيبي عن أهل اللغة وقراءة ابن عامر تظاهرون أصله تتظاهرون فأدغم وهو ظاهر، وقوله باعتبار اللفظ أي باعتباو وقوع لفظه في كلام المظاهر مع قطع النظر عن معناه كلبي فإنّ معناه أن يقول لبيك والاشتقاق قد يكون من اللفظ، ولو كان غير مصدر. قوله: (وتعديتة بمن) إشارة إلى ما في الكشاف من أنه ضمن معنى التباعد لأنه يقال تباعد منه، وفي عبارة المصنف قصور فإنّ ظاهره أن المضمن تجنب مع أنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 تجنب متعد بنفسه لا بمن يقال تجنبه كما صرّح به أهل اللغة، والمراد كما في الكشف أنه ضمن فعلا فيه معنى المجانية يتعدى بمن، وأما كون الطلاق في الجاهلية أو في الجاهلية والإسلام كما ذكره المصنف رحمه الله فلم ينظروا إليه لأنه إذا وقع استعماله في الجاهلية كذلك بقي لاستعماله بعده فإنه ليس من الإصطلاحات الشرعية فمن ظن أنّ في كلامه وداً على الزمخشريّ لم يصب، وكذا من قال إنّ مسلك المصنف أحسن ما أحسن وكذا الكلام في آلى. قوله: (وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة) وفي نسخة أو الحرمة وهما بمعنى لأنّ الواو فيه بمعنى أو التي للتقسيم كما ذكره ابن مالك فالمراد أنه يقتضي الطلاق لو نواه لأنه من محتملات لفظه، والحرمة المجرّدة إن لم ينوه كما فصله في شرح الإشارات وأشار إليه الرازي في الأحكام وكلامه على مذهب الثافعي، فما قيل من أنّ هذا لم يذكره أحد من المذاهب بل قالوا إنه منسوخ فلا يقع به طلاق، وان نواه بلا خلاف إلا أن يكون يقتضي بمعنى يلزم سهو. قوله: (وذكر الظهر للكناية عن البطن لخ) قال الأزهري خصوا الظهر لأنه محل الركوب والمرأة تركب إذا غشيت فهو كناية تلويحية انتقل من الظهر إلى المركوب، ومنه إلى المغشي والمعنى أنت محرّمة عليّ لا تركبين كما لا تركب الأمّ كذا في الكشف، وتسمية الظهر عمود البطن قاله عمر رض! ي الله عنه، كما ذكره الزمخشريّ لأن به قوامها وعليه اعتماده كما تعتمد الخيمة على عمودها، وقوله الذي صفة البطن وذكره وان كان مؤنثا لتأويله بالعضو ونحوه وضمير هو للظهر وضمير عموده للموصول. قوله: (فإن ذكره الخ) تعليل للكناية وتوجيه لاختيارها بأنهم يستقبحون ذكر الفرج، وما يقرب منه سيما في الأمّ وما شبه بها فلذا عدل إلى الكناية. قوله: (أو للتغليظ في التحريم) توجيه آخر لذكر الظهر بأنه ليس للكناية عن البطن بل إنما ترك ذكر البطن إلى الظهر تغليظاً في تحريم المرأة، لأنّ إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرّما عندهم فالظهر مطلقاً حرام عندهم، وظهر الأم أشدّ حرمة وأما ذكر الأم ففيه تغليظ على الوجهين. قوله: (على الشذوذا لأنّ قياس فعيل بمعنى مفعول أن يجمع على فعلي كجريح وجرحى لكنه حمل عليه لكونه موازياً له، وقيل إنه مقيس في المعتل مطلقا وفيه نظر. قوله: (ذلكم) إشارة إلى ما ذكر أي من كونه ليس لأحد قلبان، وليست الأزواج أمّهات ولا الأدعياء أبناء لاشتراكها في كونها لا حقيقة لها، وأما قوله لتمهيد أصل الخ فلا يأبى هذا لأنّ التمهيد حاصل بالتسوية بينهما فما قيل من أن الأظهر جعل الإشارة للأخيرين لأن الأوّل ذكر للتمهيد كما بينه المصنف ليس بشيء، وقوله أو إلى الأخير وهو الدعوة لأنه هو المذكور هنا، ولذا اقتصر على هذا الوجه في الكشاف وقوله لا حقيقة له بيان لقوله بأفواهكم، وإشارة إلى أنه ليس من قبيل نظر بعينه مما قصد به التاكيد والتحقيق والمراد بقوله في الأعيان في الواقع ونفس الأمر، وقوله كقول الهاذى بالذال المعجمة من الهذيان وكونه بالمهملة من الهداية بعيد رواية ودراية وإن صح. قوله: (ما له حقيقة عينية) أي المراد بالحق الثابت المحقق في نفس الأمر، وقوله مطابقة له لقوله بفتح الباء وكسرها لأن المطابقة مفاعلة من الجانبين وقوله سبيل الحق إشارة إلى أنّ تعريفه عهدي، وني الكشاف لا يقول إلا ما هو حق ظاهره وباطنه ولا يهدي إلا سبيل الحق ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق، وهو قوله ادعوهم الخ وتركه المصنف لخفاء وجه الحصر المذكور فيه، ولذا قال بعض شراحه أنه من مقابلة قوله: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} لا من تقديم المسند إليه فإنه يفيد أنه الهادي لا غيره. قوله: (وهو أفراد للمقصود) بيانه هنا من أقواله الحقة أي من جميع أقواله الحقة المذكورة إجمالاً بقوله، وهو يقول الحق أو أفراد للمقصود كاملاً وعلى كل فلا ينافي قوله والمراد نفي الأمومة والبنوّة ونفي القلبين لتمهيد أصل الخ. قوله: (قصد به الزيادة مطلقاً) أي هو أعدل من كل قول متصف بالعدل لا مما قالوه فإنه زور لا عدل فيه أصلاَ ويجوز أن يجعل قسطاً تهكماً، وأما كونه لا يخلو من قسط وصدق بنوع من المجاز فتكلف إلا أن يريد ما ذكرناه. قوله: (ومعناه البالغ) إلى الغاية في الصدق دفع لما يتوهم من أن المقام يقتضي ذكر الصدق لا العدل بأن العدل، والإنصاف هنا المراد به أتم الصدق لأنّ الكذب نوع من الجور، وقوله فتنسبوهم بحذف النون لعطفه على المجزوم واثباتها من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 تحريف الناسخ فلا غبار عليه وقوله فهم الخ إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدّر والجملة جواب للشرط، والمراد بالمولى ذو الموالاة أو السيد. قوله: (بهذا التأويل) أي بتاويل الأخوّة والولاية في الدين، والبنوّة وان صح فيها التأويل أيضا لكن نهي عنها بالتشبيه بالكفرة والنهي للتنزيه، وقوله مخطئين قبل النهي أو بعده الخطا مقابل للعمد هنا فيشمل السهو والنسيان كما أشار إليه المصنف لا بمعنى الذنب، وكون الخطا بالمعنى المذكور قبل النهي، وبعده معفوّاً لا يقتضي أن العمد قبله غير معفوّ والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد نقضاكما بين في أصول الشافعية فلا حاجة لتأويل مخطئين بجاهلين، وان كان الجمع بين الحقيقة والمجاز فيه على تسليمه جائزاً عند المصنف، ولا يرد على المصنف إنه لا قبح قبل النهي عند أهل السنة فتامّل. قوله: (ولكن الجناح فيما الخ) فهو معطوف على المجرور وقوله ولكن ما تعمدت الخ إشارة إلى احتمال آخر، وهو أن ما مبتدأ خبره جملة مقدرة وفي بعض النسخ فيما تعمدت قلوبكم فيه الجناح والصحيح الأوّل لأنّ هذه تحتاج إلى تكلف جعل الجارّ محذوفاً، وفيه متعلق بتعمدت والجناح مبتدأ خبره الجاز والمجرور. قوله: (لعفوه) وفي نسخة بعفوه بالباء السببية، وهو تفسير وبيان لمعنى الآية، وقوله لا عبرة به عندنا فلا يفيد العتق ولا ثبوت النسب، وعند أبي حنيفة يفيده بشروطه المبينة في الفقه فقوله يوجب عتق مملوكه أي سواء كان مجهول النسب أو لا يمكن الإلحاق أوّلاً بأن يكون أكبر منه سنا خلافا لهما في الثاني، وقوله لمجهوله أي النسب، وقوله الذي يمكن إلحاقه بأن يكون أصغر سناً منه. قوله تعالى: ( {النَّبِيُّ أَوْلَى} ) أي أحق وأقرب إليهم من أنفسهم أو أشد ولاية ونصرة، وقوله بخلاف النفس فإنها إمّ أمّارة بالسوء وحالها ظاهر أولاً فقد تجهل بعض المصالح ويخفى عليها بعض المنافع، وقوله فلذلك أطلق أي لم يقيد الأولوية بشيء في النظم ليفيد أولويته في جميع الأمور، وقوله فيجب أي فإذا كان كذلك يجب الخ، وقوله فنزلت ووجه الدلالة على سبب النزول إنه إذا كان أولى من أنفسهم فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى ولا حاجة إلى جعل أنفسهم عليه بالمعنى السابق في قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 29] واطلاق الأب عليه لأنه سبب للحياة الأبدية كما أن الأب سبب للحياة أيضا بل هو أحق بالأبوة منه كما أشار إليه بقوله فإن كل نبيّ الخ، وهو إشارة إلى صحة إطلاقه على غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويلزم من الاً بوة أخوة المؤمنين، وقوله من حيث أنه أصل هو الدين والإسلام. قوله: (منزلات منزلتهن في التحريم) أي تحريم النكاج وهو إشارة إلى أنه تشبيه بليغ ووجه الشبه ما ذكر، وقوله ولذلك أي لكون وجه الشبه مجموع التحريم واستحقاقه التعظيم قالت عائشة رضي الله عنها لمن قال لها يا أمه ما ذكر وهو لا ينافي استحقاق التعظيم منهن أيضاً. قوله: (في التوارث) قيل إنه مخالف لما في الإطلاق من الدلالة على التعميم، ولما سيقوله من أن الاستثناء من أعمّ ما يقدر الأولوية فيه من النفع إلا أن يقال ذكر. على طريق المتمثيل، وقيل في جوابه لما كان ناسخاً لما في صدر الإسلام من توارث الهجرة، والموالاة في الدين صور الأولوية فيه على أنه مراد فقط أو داخل في العموم دخولاً أوّليا ولا يخفى أنه عين ما ذكره من التمثيل مع أنه دعوى بلا دليل، والصواب أن يقال لما كان المراد من النفع نفع الدنيوي الحاصل من الميت بعد موته، وهو إمّا إرث أو وصية لا غير فإذا جعلت الوصية لغير الأقارب بحكم الاستثناء لم يبق إلا الإرث فتفسيره به بيان لحاصل المعنى على وجهي الاتصال والانقطاع فافهم. قوله: (وهو نسخ) قيل الظاهر أن النسخ بآية آخر الأنفال لتقدمها على سورة الأحزاب مع أن هذا يخالف مذهب الشافعي حيث لا يقول بتوريث ذوي الأرحام، وهو غفلة عن تفسير. لذوي الأرحام بذوي القرابات الذي يطلق على ذوي الفروض، والعصبات مع أن الشافعي قال بتوريثهم إذا لم ينتظم بيت المال وكون المراد هذه الآية بعيد والأظهر أن يراد القرآن مطلقاً وقد مرّ ما فيه في الأنفال وكان في صدر الإسلام يرث المهاجرون بالهجرة والمؤمنون بالتواخي كما هو معروف في كتب الحديث، ثم نسخ وقوله فيما فرض الله فكتاب الله ما كتبه أي فرضه، وقضاه وقدره وهو في القرآن يرد بهذا المعنى أيضا. قوله: (أو صلة لأولى) فهو المفضل عليه ومن ابتدائية، وقوله وأولوا الأرحام بحق القرابة الخ بيان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 للمعنى على الوجه الثاني بأن محصله أن الأقرباء أولى بالإرث من غيرهم من المؤمنين المهاجرين وغيرهم وعدى تفعلوا بإلى لتضمينه معنى الإيصاء والإسداء، وقوله من أعتم الخ فهو شامل لكل نفع ما لي إرثا ووصية وهبة ويدخل في حكم الهبة الهدية والصدقة، والمراد بالمعروف الوصية ولا ترد الهبة فإنها غير جائزة للوارث في المرض لأنها في حكم الوصية، ولذا تنفذ من الثلث ولا ترد المعاونة ونحوها فإن المراد النفع المالي ولا ينافيه العموم فافهم. قوله: (أو منقطع) يعني إذا حصلت الألوية بالتوارث كما هو ظاهر كلامه والمعروف أيضاً بمعنى التوصية أو عامّ لما عد التوا رث. قوله: (كان ما ذكر في الآيتين) من حكم البنوّة والبنوّة والتوارث لا ما سبق في السورة بعد قوله: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ} [سورة الأحزاب، الآية: 4] إلى هنا أو إلا الأخير وهو التوارث فقط لأنّ الظهاو لم يبين حكمه هنا وسيأتي في سورة المجادلة، والإشارة بالبعيد تأبى الأخير وتخصيصه به لغو مع قوله فيه في كتاب الله أيضاً والأوّل هو المقصود بالذات هنا فحيث دخلا فيه لزم دخول ما بينهما لئلا يكون ألغازاً، فما قيل الظاهر التعميم أو التخصيص بالأخير لا وجه له. قوله: (وقبل في التوراة) مرضه لأن الكتاب المعرف الظاهر منه إنه عين الأوّل، وكون ما ذكرفي التوراة غير معلوم، وقوله مقدر باذكر على أنه مفعول لا ظرف لفساد المعنى وهو معطوف على ما قبله عطف القصة أو على مقدر كخذ هذا وجوّز عطفه على خبر كان وهو بعيد، وقوله مثاهير أرباب الشرائع وان كان لغيرهم شريعة أيضا ومآله للتعظيم أيضا، وقوله تعظيماً أو لتقدمه الواقع وآدم صلى الله عليه وسلم بين الماء والطين فلا ينافي تقديم نوح عليه الصلاة والسلام لتقدّمه في مقام آخر فإن لكل مقام مقالاً. قوله: (عظيم الشأن) يعني أن الغلظ استعارة للعظم أو للوثاقة على الوجه الثاني لأن الميثاق شبه بالحبل، والغليظ منه أقوى من غيره وتأكيده باليمين قسماً على الوفاء بما حملوا، وقوله والتكرير أي ذكر الميثاق ثانياً ليوصف بقوله غليظاً الدال على عظمه ووثاقته، وأورد عليه أن الوصف لا يستلزم تكراره إذ لو اقتصر على الثاني أو ذكر لأوّل منكراً موصوفا حصل المقصود، وقيل المراد بالبيان ما كان على وجه التأكيد، وقيل مجموع الميثاق الغليظ يمين فلا تكرار وكله تكلف بارد. قوله: (أي فعلنا ذلك الخ) قوله فعلنا تفسير لقوله أخذنا وهو يحتمل أن يكون هو المتعلق لكنه عبر عنه بمعناه، ويحتمل أن يكون مقدّرا لكنه لكونه معنى أخذنا عبر فيه بضمير العظمة فيه، ومن لم يدر مراده قال الأظهر أن يقول فعل الله ذلك ولا حاجة إلى التقدير مع صحة تعلقه بأخذنا واللام للعاقبة أو للتعليل، وقوله عما قالوه وهو كلامهم الصادق في التبليغ فالصدق عليه بمعنى الكلام الصادق، وقوله أو تصديقهم معطوف على ما في قوله عما الخ فالصدق بمعنى التصديق والضمير المضاف إليه للقوم وضمير إياهم للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم الصادقون وعلى ما بعده الصادقون الأمم، وقوله تبكيتا مفعول له لتعليل يسأل على الوجهين. قوله: (عطف على أخذنا) ولما كان أخذ ميثاق الأنبياء لا مناسبة له ظاهراً مع إعداد العذاب للكفار قال موجهاً له من حيث الخ يعني أن بعثة الرسل لما كان المقصود منها التبليغ للمؤمنين ليثابوا كان في قوّة أثاب المؤمنين فتظهر المناسبة المقتضية للعطف وهذا على الوجوه كلها في تفسير قوله ليسأل الخ وهو في غير الأوّل ظاهر واً مّا فيه فلان سؤال الأنبياء تبليغهم المقصود منه بيان من قبل من غيره، فما قيل إنه على الأوّل معطوف على يسأل بتأويله بالمضارع لا يخفى ضعفه بل عدم صحته لأنه لا جامع بينهما فلا بدّ من الرجوع إليه، وقيل إنّ الجملة حالية بتقدير قد أو هو من الاحتباك البديعي والتقدير ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعدّ لهم ثواباً عظيماً ويسأل الكافرين عن كذبهم، وأعدّ لهم عذاباً أليما فحذف من كل منهما ما ثبت في الآخر وهو الاحتباك، وقوله أو على ما الخ فالمعطوف عليه مقدر دل عليه ما قبله وعلى الأوّل تقدير فيه. قوله تعالى: ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} الخ) شروع في ذكر قصة الأحزاب وهي وقعة الخندق وكانت سنة أربع أو خمس من الهجرة، وقوله إذ جأتكم بدل من نعمة الله أو ظرف لها وزهاء الشيء بضم الزاي المعجمة والمد ما هو قريب منه، وقوله اثني عشر ألفاً وقع في نسخة نوعا أي صنفاً من الناس، وقبيلة قبل والمراد بالنضير وهم قوم من اليهود بقية منهم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أجلاهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 إلى الشام قبل ذلك، والخندق معرّب كنده وهو حفر حول المعسكر عميق، وقد فعل برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقوله على المدينة المراد على مكان قريب منها كما ذكره أهل السير، وقوله لا حرب بينهم أي بالتقاء الصفوف أو باعتبار الأغلب فانّ عليا رضي الله عنه بارز رجلاً منهم. قوله: (فأخصرتهم) أي اكمتهم بالخصر بالخاء المعجمة والصاد والراء المهملتين وهو شدّة البرد قال المعري: لو اختصرتم من الإحسان زرتكم والعذب يهجر للإفراط في الخصر وفاعله ضمير الليلة أو الريح، والثاني هو المناسب لقوله وسفت التراب بالسين المهملة والفاء أي رمته وقلعت خيامهم أي أطنابهم حتى وقعت، وماجت بالجيم أي اضطربت وقوله فالنجاء النجاء بالنصب على المصدرية أي انجوا النجاء أي أسرعوا وجدوا في الهرب لتنجوا وتسلموا وقوله المحاربة أي قصدها أو فعلها في غير هذه الوقعة فلا ينافي ما مرّ. قوله: (بدل من إذ جاءتكاً) بدل كل من كل، أو هو متعلق بتعملون أو بصيرا، وقوله من أعلى الوادي فالإضافة إليهم لأدنى ملابسة ولم يعبر به لئلا يوصف الكفرة بانعلوّ فإنه أظهر فيه من الفوقية فلا غبار عليه، ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة بالعلوّ فإنه أظهر فيه من الفوقية فلا غبار عليه، ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب، وهذا بيان للواقع وبنو غطفان وقريش بدل من ضمير جاؤكم. قوله: (مالت الأنه من الزيغ وهو الميل ومستوى نظرها اسم مكان أو مصدر واستواء النظر اعتداله على المعتاد فيه، وحيرة مفعول له وشخوصاً بمعنى ارتفاع وامتداد، وهو غير ملائم للزيغ ولذا قيل المراد لازمه وهو الدهشة. قوله: (فإن الرئة الخ) الروع بفتح الراء الخوف، وقوله وهو أي الحنجرة وذكره باعتبار الخبر، وقوله مدخل الطعام والشراب محل دخوله أو إدخاله وهو تفسير للحلقوم لكنه قيل إنه تبع فيه الزمخشري والمعروف إنه مجرى النفس ومجرى الطعام المريء بوزن أمير وهو تحته، وقيل إنه أطلقه عليه لمجاورته له تسمحا وفيه نظر. قوله: (1 لأنواع من الظن) يعني أنه مصدر شامل للقليل والكثير، وإنما يجمع للدلالة على تعدد أنواعه وظن مبتدأ خبره أنّ الله الخ أو ماض، وهو مفعوله وانجاز وعده بنصرهم، وقوله الثبت بفتح فسكون أو بضم مع فتح الباء المشدّدة جمع ثابت وباء القلوب يجوز فيها الحركات الثلاث والظاهر جرّه بالإضافة، وقوله فخافوا الزلل أي أن تزل أقدامهم فلا يتحملون ما نزل بهم، وقوله أو ممتحنهم أي مبتليهم فيظنون النصر تارة والامتحان أخرى أو بعضهم يظن هذا وبعضهم يظن ذاك، وقوله ما حكى عنهم هو قولهم ما وعدنا الله الخ وأدرج المنافقين فيهم مع أن الخطاب للمؤمنين تكميلاَ للأنواع أو لأن المراد المؤمنون ظاهراً والأوّل أولى فلا بعد فيه كما قيل. قوله: (والألف مزيدة في أمثاله) أي فيه، وفي أمثاله من المنصوب المعرّف بأل كالسبيلا والرسولا تشبيهاً لفواصل النثر بقوا في الشعر لكونها مقطعاً في إلحاق ألف الإطلاق به وقفاً ووصلاً لإجرائه مجراه وقد تسقط فيهما، وهو القياس وقد قرئ بالوجوه الثلاثة. قوله تعالى: ( {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} ) هنالك ظرف مكان ويستعمل للزمان، وقيل إنه مجاز وهو أنسب هنا، وقوله اختبر المؤمنون أي اختبرهم الله والمعنى عاملهم معاملة المختبر لتبين حالهم فهو تمثيل كما سيأتي تحقيقه في سورة تبارك، وقوله من شدة الفزع أو من كثرة الأعداء والقياس في زلزال الكسر واذ يقول عطف على إذ السابقة، وقوله ضعف اعتقاد وهو ليس بنفاق بل هو لقرب عهدهم بالإسلام ونحوه كحداثة، وقيل المراد بهم المنافقون أيضا والعطف لتغاير الوصف كقوله: إلى الملك القرم وابن الهمام وقوله المنافقين ورسوله تقية أو إطلاقه عليه في الحكاية لا في كلامهم ويشهد له ما ذكره المصنف عن معتب لا استهزاء لأنه لا يصح ذلك بالنسبة لغيرهم، وقوله يتبرز أي يخرج من الخندق إلى البراز بفتح الباء، وهو الأرض الخالية لأجل قضاء الحاجة والفرق بفتحتين أي الخوف وضمير منهم للمنافقين أو للجميع، وأوس بن قيظي بكسر الظاء المعجمة من رؤساء المنافقين وفارس والروم أي بلادهم مجازا أو بتقدير مضاف. قوله: (اسم أرض) وهو عليهما ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل أو التأنيث والنسبة فيهما على الحقيقة لا للمجاورة على الثاني كما قيل وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسمية المدينة يثرب وهو اللوم والتعيير (وسماها طيبة وطابه) كما رواه المحذّثون والكراهة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 تنزيهية، وقوله موضع قيام فهو اسم مكان ويجوز أن يكون مصدرا ميمياً، والمعنى لا ينبغي أو لا يمكن لكم الإقامة ههنا، وقوله فارجعوا الخ أي ليكون ذلك أسلم من القتل أو لاتخاذ يد عند حاضرهم، وقوله أسلموه أي سلموا النبي صلى الله عليه وسلم لأعدائه أو اخذلوه واتركوه. قوله: (أو لا مقام لكم بيثرب) أي لا مقام لكم بعد اليوم بالمدينة أو نواحيها لغلبة الأعداء، أو لأنه علم نفاقهم فخافوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد غلبته، ويجوز أن يراد على هذا ليس لكم محل إقامة في الدنيا أصلاً وفيه مبالغة، وقوله فارجعوا أي عن الإسلام وكفارا حال أو هو خبر وارجعوا بمعنى صيروا، وجملة يقولون حال أو مستأنفة، والضمير للفريق وهو تعليل للاستئذان أو تفسير له. قوله: (وأصلها الخلل) أي في البناء ونحوه بحيث يمكن دخول السارق فيها وهي في الأصل مصدر فوصف به مبالغة أو لتأويله بالوصف، وقيل إنه لا ينافي المبالغة لأنّ ظاهره يكفي لقصد المبالغة لكن المبالغة لا تناسب قوله، وما هي بعورة ولذا قصر بعضهم التأويل على الأوّل. قوله: (ويجوز الخ) على أن يكون صفة والتصحيح حينئذ خلاف القياس لأنّ القياس قلبها ألفاً كما قيل وردّ بأنه إنما يقتضي القياس القلب إذا قلب فعله وفعله لم يقلب حملا على اعورّ المشدد كما ذكره المعرب، وقوله قرئ بها أي في الموضعين، وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وهو صفة مشبهة وقوله دخلت المدينة أو بيوتهم تفسير للضمير المستتر. قوله: (من أقطارها) جمع قطر بمعنى الجانب قيل ولعل فائدته أن لا يخالف قوله وما هي بعورة فإن الدخول من عين أقطارها لا يقتضي الخلل منها فإن لكل منها بابا، وفي الكشاف من كل جوانبها وهو غير مناسب لذمّهم إذ مقامه يقتضي أنهم يرتدون بأدنى شيء ولو بلا فزع كامل، وليس بشيء لأن الفزع الكامل يقتضي الغارة والعداوة التامّة فالمراد أنهم يطيعون من أمرهم بالكفر ولو كان أعدى أعدائهم، وما في الكشاف هو بعينه ما ذكره المصنف رحمه الله والحاصل أن فرارهم لنفاقهم لا لخوفهم. قوله: (وحذف الفاعل) وهو الداخل عليهم وضمن الإيماء معنى الإشعار، ولذا عداه بالباء والحكم المرتب عليه قوله سألوا الفتنة الخ، وقوله لأعطوها تفسير له على قراءة المدّ فإن آتى بمعنى أعطى والظاهر أنه تمثيل بتشبيه الفتنة المطلوب اتباعهم فيها بأمر نفيس يطلب منهم بذله واطاعتهم ومتابعتهم بمنزلة بذل ما سألو. وإعطائه وفعلوها تفسير له على قراءة القصر، ويحتمل أنه تفسير لهما فتأمّل. قوله: (أو ب! عطائها) وفي نسخة أي بدل أو يعني أن الضمير للفتنة دون تقدير فيه أو بتقدير مضاف يعلم مما قبله والقول بأنه على الأوّل راجع إلى الإعطاء المذكور حكما لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه تعسف وأمّا كون التلبث في الفتنة نفسها لا يكون فلا وجه له لأن لا مانع من حمله على المكث على الردّة، وظاهره أن الباء ظرفية أو للملابسة أو سبية ويجوز أن يكون هذا وجه العطف بأو، وفي الكشاف أن معناه ما ألبثوا إعطاءها على أن الباء للتعدية بتقدير المضاف فيه، ويحتمل أن الضمير للمدينة أو بيوتها كما أشار إليه في الكشاف وأشار إلى ضعفه بتأخيره وتبعه المصنف رحمه الله لما فيه من تفكيك الضمائر، ومن لم يتنبه له قال لو حملوه عليه كان أولى. قوله: (ريثما السؤال والجواب) أي بمقداره، وفي نسخة يكون بعد ريثما وهي أصح قال المطرزي في شرح المقامات الريث في الأصل مصدر راث بمعنى أبطأ أجروه مجرى الظرف كمقدم الحاح قال أبو علي لإضافته إلى الفعل كقوله: لا يمسك الخير إلا ريث يرسله صار بمعنى حين وظاهره لزوم الفعل بعده وما زائدة فيه لوروده بدونها كثيراً، وأكثر ما تستعمل مستثنى في كلام منفي ويجوز كونها مصدرية، وقوله إلا يسيراً أي تلبثا يسيراً أو رّماناً يسيرا لأنّ الله يهلكهم أو يخرجهم بالمسلمين أو لتهالكهم على المسلمين يعني أن ارتدادهم للقرار في مساكنهم ولا يحصل لهم مرادهم. قوله: (يعني بني حارثة الخ) فهؤلاء هم الذين طلبوا الرجوع، وقيل المراد الأنصار مطلقاً وما عاهدوا عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وفشلوا بمعنى جبنوا فتركوا الحرب، وقوله مسؤولاً عن الوفاء به يعني أنه على الحذف والإيصال وقد مرّ تحقيقه. قوله: (فإنه لا بدّ لكل شخص! الخ) قيل عليه المعنى لا ينفعكم نفعا دائما أو تامّا في دفع الأمرين المذكورين بالكلية إذ لا بدّ لكل شخص من حتف أنفه، أو قتل في وقت معين لا لأنه سبق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 به القضاء لأنه تابع للمقضي فلا يكون باعثاً عليه بل لأنه مقتضى ترتب الأسباب والمسببات بحسب العادة على مقتضى الحكمة فلا دلالة فيه على أن الفرار لا يغني شيئا حتى يشكل بالنهي عن الإلقاء للتهلكة، وبالأمر بالفرار عن المضار، وقوله واذا لا تمتعون إلا قليلا عن أنّ في الفرار نفعا في الجملة ورد بأن ما ذكره المصنف ظاهر على أن الأجل مطلقاً متعين لا يتغير لظاهر ما في الأحاديث كقوله: " لا ينفع حذر من قدر " وآجال مضروبة لا تؤخر، ولا تعجل وعليه كثير والحق أن هذا حال المبرم في علمه تعالى لا للمكنون في اللوح لما في الأحاديث " من زيالة الصدقة، وصلة الوحم " في العمر كما فصل في محله فالمعنى لن ينفع الفرار من الموت المبرم لسبق القضاء به سبقاً زمانيا لا ذاتياً حتى يقتضي سبقيته إذ ليس في كلامه ما يدل عليه، فما زعمه من تبعية القضاء للمقضي لتبعيته للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم، وهو المقضي ومخالفته لما ذكر ودلالة ما بعده على ما ذكره كله في حيز المنع كما لا يخفى فتأمل، وحتف الأنف الموت بدون قتل وجرى القلم القضاء الأزلي. قوله: (وإق نفعكم الخ) يعني أنه أمر فرضي تقديري، وقوله إلا تمتيعاً الخ يعني أن قليلاً منصوب على المصدرية أو الظرفية لكونه صفة مصدر أو اسم زمان مقدّر، وقوله يعصمكم بمعنى يمنعكم مما قضاه وقدره، وقوله أو يصيبكم الخ دفع لأنّ العصمة والمنع من السوء فكيف عطف على ما بعده الرحمة بان فيه تقديرا كما بينه فحذف إيجازاً كما في قوله: متقلدا يفاوشا أي وحاملاً أو معتقلاَ لأنّ التقليد بحمائل السيف فلا يكون بالرمح وأوّله: ورأيت زوجك في الوغى متقلداً الخ وروي: يا ليت ؤوجك قد غدا وقوله أو حمل الثاني الخ فالمعنى من ذا الذي يمنعكم من الله، وما قدر مان خيرا وان شرّاً وهذا التوجيه جار في البيت أيضاً بل قيل إنه أظهر والآية نظير البيت في مجرّد التقدير بعد العاطف لا في عطف معمول مقدر على معمول مذكور. قوله تعالى: ( {وَلَا يَجِدُونَ لَهُم} الخ) أي لأولى فيجدوه فهو كقوله: ولا ترى الضب بها ينحجر وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى فكأنه قيل لا عاصم لهم ولا ولي ولا نصير أو الجملة حالية، وقد في قوله قد يعلم الله للتحقيق، أو لتقليله باعتبار متعلقه وبالنسبة لغير معلوماته، ومنكم بيان للمعوّقين لا صلته واليه أشار بقوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله من ساكني المدينة وهم الأنصار بيان لأن الأخوّة بالصحبة والجوار. قوله: (قرّيوا أنفسكم) قال المصنف في الأنعام هلم يكون متعدّيا كقوله: {هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ} [سورة الأنعام، الآية: 150] ولازما كقوله هلم إلينا قيل وبينهما مخالفة فإنّ كلامه هنا يقتضي أنه متعد حذف مفعوله، وما مرّ يقتضي أنه في هذه الآية لازم بمعنى أقبل والحوالة عليه تقتضي عدم المخالفة بينهما فإما أن يكون تفسير الحاصل المعنى فإن من أقبل إليك فقد قرب بعينه منك، أو إشارة إلى أنه وان ورد متعديا ولازما يجوز اعتبار كل منهما في هذه الآية فحمله على ظاهره في الأنعام وجوّز هنا كونه متعدّيا. قوله: (أو بأساً) على أنه صفة مفعول مقدّر كما كان صفة المصدر أو الزمان، والمراد بالبأس الحرب وأصل معناه الشدة وقوله: {فإنهم يعتذرون} بيان له على الوجوه الثلاثة لا على بعضها كما يتوهم ومعناه على الثالث يعتذون في البأس الكثير ولا يخرجون إلا في القليل، وقوله أو يخرجون الخ وجه آخر فيكون يأتون البأس بمعنى يقاتلون مجازاً وعلى الأوّل هو على ظاهره، وقيل إنه معطوف على يعتذرون فهو بيان لعدم إتيانهم، وقوله ما قاتلوا إلا قليلا وقع في بعض النسخ وما بالواو وليس ذلك في النظم. قوله: (وقيل إنه الخ) هو على الوجه الأوّل حال من القائلين أو عطف بيان على قد يعلم وهو على هذا من مقول القول وهو ظاهر. قوله: (بخلاء عليكم بالمعاونة الخ) هو جمع بخيل كاشحة جمع شحيح يعني أنّ المراد عدم إرادتهم نصرة المؤمنين ومعاونتهم في الحرب وخالف فيه الزمخشريّ تبعا للواحدي، والكواشي حيث فسبره بقوله أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف وإنما عدل عنه لأنه معنى قوله: {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ} [سورة الأحزاب، الآية: 9 ا] الخ للتفرّع عليه وصاحب الكشاف جعله تفسيرا له وقد قيل إنه إنما اختاره ليطابق معنى ويقابل قوله بعده أشحة على الخير لأنّ الاستعمال يقتضيه فإن الشح على الشيء هو أن يريد بقاءه له كما في الصحاح، وأشار إليه أضناء بكم وما ذكره غير لا يساعده الاستعمال قال وهو حقيق فإن سلم له ما ذكرمن الاستعمال كان متعيناً وإلا فلكل وجهة كما لا يخفى على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 العارف باساليب الكلام وأما ما قيل من أن ما في الكشاف بعيد إلا أن يحمل فعلهم على الرياء فليس بشيء لأنّ فعلهم ذلك خوفاً على أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لو لم يغلبوا لم يكن لهم من يمنع الأحزاب عنهم، ولا من يحمي حوزتهم فلا حاجة إلى حمله على الرياء مع أنه لا يلائم كلامه، وقوله أو النفقة وقع في نسخة عطفه بالواو وله وجه. قوله: (جمع شحيح) على غير القياس إذ قياس فعيل الوصف المضاعف عينه ولامه أن يجمع على أفعلاء كضنين وأضناء وقد سمع أشحاء أيضاً، وقوله ونصبها أي أشحة وفيه وجوه أن ينصب بمقدّر على الذمّ أو على الحال من فاعل يأتون أو من ضمير هلم إلينا أو يعوّقون مضمرا أو من المعوّقين أو القائلين ورد هذان بأن فيهما الفصل بين أبعاض الصلة، وفيه كما قيل إن الفاصل من متعلقات الصلة وإنما يظهر الردّ على كونه من المعوّقين لأنه عطف على الموصول قبل تمام صلته، وقرأ ابن أبي عبلة أشحة بالرفع على أنه خبر مبتدأ مقدّر أي هم أشحة. قوله: (في أحداقهم) وفي نسخة باحداقهم والحدقة سواد العين فإن كانت الأحداق بفتح الهمزة جمع حدفة فالنسخة الثانية ظاهرة لأن الباء للتعدية والمعنى تدير أعينهم أحداقهم أو للمصاحبة، وأما الأولى وهي المشهورة فقد أورد عليها أن الأحداق في العيون لا العكس والقلب غير مناسب هنا، ولذا قيل إنه تحريف والعبارة كانت أي التفسيرية على أنه تفسير للعين بالحدقة، ولو قرئ الأحداق بكسر الهمزة مصدر أحدق إليه إذا أحدّ النظر لم يرد عليه شيء لكن المشهور المتحديق حتى قال المطرزيّ قال الحجاح وقد ارتج عليه قد هالني كثرة رؤسكم وإحداقكم إليّ بأعينكم والصواب تحديقكم إليّ، وقال ابن الجوزي في غلطاته إنها عامية، وفي نظر لأن الحجاج فصيح يستدل بكلامه، وقد ذكر الأحداق الراغب وصاحب القاموس مع أنه يكفي لمثله تداوله في الاستعمال. قوله: (كنظر المغشي عليه الخ) يعني أن قوله كالذي الخ صفة مصدر مع تقدير مضاف أو مضافين بعد الكاف أي نظروك نظراً كنظر الذي يغشى عليه أو دوراناً كدوران عين الذي يغشى عليه، وقدم الأوّل لموافقته لما صرّح به في سورة القتال، وقوله أو مشبهين به أي هو حال من ضميرهم وما بعده على أنها حال من الأعين، وقوله من معالجة سكرات الموت تفسير لقوله من الموت على أنه أطلق على مفدّماته أو إشارة إلى تقديره في النظم. قوله: (خوفاً ولو أذابك) تعليل لقوله ينظرون أو تدوروا اللواذ إلا لنجاء ومنه الملاذ للملجا، وقوله ضربوكم أصل السلق بسط العضو ومده للقهر سواء كان يداً أو لساناً كما قاله الراغب فسلق اليد بالضرب وسلق اللسان بإعلان الطعن والذمّ، ولذا قيل للخطيب مسلاق فتفسيره بالضرب مجاز كما يقال للذمّ طعن، والحامل عليه توصيف الألسنة بقوله حداد، ويجوز أن يشبه اللسان بالسيف على طريق الاستعارة المكنية، ويثبت له الضرب تخييلاً وذربة بفتح فكسر للراء المخففة، ثم موحدة بمعنى محدّدة مسنونة، وقوله يطلبون الغنيمة تفسير للمراد من قوله سلقوكم وقوله على الحال أي من فاعل سلقوكم، وقوله ويؤيده أي الذمّ لأنه خبر مبتدأ والجملة مستأنفة لا حالية كما هو كذلك على الذمّ وقوله مقيد من وجه يعني أنّ تغاير القيدين جعلهما متغايرين، وفي نسخة مفيد بالفاء والمعنى واحد. قوله: (إخلاصاً) فسره به لأنهم منافقون باطناً مؤمنون ظاهرا، وقوله فأظهر بطلانها لأنها باطلة قبل ذلك إذ صحتها مشروطة بالإيمان وهم مبطنون الكفر فقوله إذ لم تثبمض لهم أعمال مبالغة في عدم الاعتداد بها لكونها هباء منثورا ويصح أن يقرأ مجهولاً من أثبته أي لم يكتب لهم أعمال عند الله لأنها غير مقبولة والفاء لا تأباه وإنما لم يفسره به على الأوّل لأنّ هذا أبلغ، وقوله أو أبطل الخ فالأعمال ما عملوه نفاقاً وتصنعاً وإن لم يكن عبادة والمقصود من قوله وكان ذلك على الله يسيرا التهديد والتخويف. قوله: (وقد انهزموا) حال من ضمير ينهزموا، وقوله ففروا معطوف على قوله يظنون أي يحسبون، وقد تبع فيه الزمخشريّ وفيه إشارة إلى أنّ في النظم مقدرا وهو قوله ففروا وقد ردّه الطيبي رحمه الله بأنه لم ينقل فرار أحد منهم في السير ولا في التفاسير فإمّا أن يكون ظفر برواية فيه أو أخذه من النظم كقوله والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا لدلالته على أنهم خارجون عن معسكره عليه الصلاة والسلام لحثهم لإخوانهم على اللحاق بهم، وقوله ولو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 كانوا فيكم الخ، وقوله: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} [سورة الأحزاب، الآية: 20] فإنه صريح في مفارقتهم للمؤمنين إلا أن يؤوّل قوله هلمّ إلينا بإلى رأينا أو مكاننا الذي في طرف لا يصل إليه السهم، وأن يكون حسبانهم ليلاً أو لدهشتهم أو لظن حيلة منهم ونحوه، وقوله لو كانوا فيكم على تحاد المكان ولو في الخندق أو يرأد بالمعوّقين قوم قعدوا بالمدينة ولم يخرجوا إلى الخندق، وفسر يحسبون بيظنون وهو المشهور ومنهم من فرق بين الظن، والحسبان وقد مرّ. قوله: (تمنوا) يحتمل أنه معنى يودّوا ويحتمل أنه معنى لو لأنه قيل إنها للتمني وان ورد على الأوّل وقوع خبر أنّ يعد لو غير فعل، وعلى الثاني إنه يتكرّر مع يودّ وجوابه وتفصيله مبين في العربية، وقوله يسألون حال من ضمير بادون، وقوله هذه الكرّة أي المفروضة بقوله وإن يأت الأحزاب أو الكرّة الأولى السابقة ويؤيده قوله ولم يرجعوا إلى المدينة فمعنى وكان قتال أي محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف. قوله: (خصلة حسنة الخ) يؤتسى بمعنى يقتدي، وقوله أو هو في نفسخ الخ فهو على هذا تجريد كلقيت منه أسدا والتجريد كما يكون بمعنى من يكون بمعنى في كقوله: وفي الله لم يعدلوا حكم عدل ومعناه أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف، وكذا المثال الذي ذكره، والمراد بالبيضة بيضة الحديد وهي الكرة أوما يوضع على الرأس وهو المغفر والمن بتشديد النون وزن معروف وحديد بدل منه وفي نسخة منا بالقصر والتخفيف والإضافة وهو لغة فيه بمعنى المن أيضا وليست في فيه زائدة كما توهم. قوله: (أي ثواب الله الخ) إشارة إلى تقدير مضاف فيه لأنّ الرجاء يتعلق بالمعاني والرجاء في هذا بمعنى الأمل، واليوم الآخر يوم القيامة وقوله أو أيام الله بتقدير أيام بقرينة المعطوف، وأيام الله وقائعه فإنّ اليوم يطلق على ما يقع فيه من الحروب والحوادث واشتهر في هذا حتى صار بمنزلة الحقيقة وقوله خصوصاً إشارة إلى أنه من عطف الخاص على العامّ لأن اليوم الآخر من أيام الله إن لم يخص بما في الدنيا ويراد باليوم الآخر يوم القيامة، والرجاء على هذا بمعنى الخوف أو بمعنى الأمل إن أريد ما فيها من النصر والثواب. قوله: (هو كقولك أرجو رّيدا وفضله) وأعجبني زيد وكرمه مما يكون ذكر المعطوف عليه توطئة للمعطوف، وهو المقصود وفيه من الحسن والبلاغة ما ليس في قولك أعجبني زيد كرمه على البدلية، ولما كان هذا إذا كان المعطوف صفة للأوّل أو بمنزلتها في التعلق به وهذا بحسب الظاهر ليس كذلك أشار إلى الجواب عنه بقوله فانّ اليوم الآخر الخ يعني أنه في معنى يوم الله لشدّة اختصاص ذلك اليوم به من بين أيامه بحسب نفوذ حكمه فيه ظاهراً وباطنا من غير احتمال أن يكون لغيره فيه حكم كما في قوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [سورة غافر، الآية: 6 ا] فتعلقه به لشدة ظهوره مغن عن إضافته لضميره على ما عرف في أشباهه من هذا الباب، وفي نسخة داخل فيها أي في جملة أيامه فهذا مغن أيضا عن إضافته لضميره فإنه غير لازم فيه. قوله: (والرجاء الخ) أي فيحمل على كل فيما يناسبه كما مرّ أو عليهما معا إذا احتمل المقام لأنّ المصنف رحمه الله شافعيّ قائل باستعمال اللفظ المشترك في معنييه أو في حقيقته ومجازه معاً. قوله: (صلة لحسنة) أي متعلق بها أو صفة لها لوقوعه بعد النكرة، وقوله وقيل بدل مرضه لقوله واكثر الخ يعني أن تجويزه مخصوص بضمير الغائب كما صرّحوا به وببدل الكل ففي كلامه تسامح، وقد أجازه الكوفيون والأخفش وقد قيل إنه بدل بعض على أنّ الخطاب عامّ ويحتاج إلى تقدير منكم وهو مخالف للظاهر من أنّ المخاطبين هنا المخاطبون قبله بأنبائكم ونحوه وهم خلص المؤمنين وهذا بناء على أنّ المبدل منه الضمير والمبدل من وأعيد العامل للتأكيد كما مرّ تفصيله فما قيل عليه من أنه بإعادة الجار وعدم جوازه غير مصرّج به غير وارد عليه وهذا مخالف لقوله في سورة الممتحنة. قوله: (أبدل قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [سورة الممتحنة] من لكم لمزيد الحث على التأسي لكنه جرى هنا على قول وثمة على آخر. قوله: (وقرن بالرجاء الخ) المقارنة من الواو لأنها للجمع المطلق، وتوله فانّ المؤتسى أي المقتدى تعليل لا يراد الرجاء والذكر هنا فالمعنى حصل لكم أسوة به صلى الله عليه وسلم ولا ينافيه قوله من حقها ثمة كما لا يخفى مع أنّ المراد ياتسي بها كل أحد فتأمّل. قوله تعالى: ( {قَالُوا هَذَا} ) أي الخطب أو البلاء وما موصولة عائدها محذوف، وهو المفعول الثاني لوعد أي وعدناه أو مصدرية، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ} [سورة البفرة، الآية: 214] الآية مرّ تفسيرها في أواخر البقرة وقوله إنهم أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 الأحزاب وهذا لم يوجد في كتب الحديث كما ذكر. ابن حجر، وقوله تسع أو عشر أي تسع ليال من غرّة الشهر أو من وقت إخباره صلى الله عليه وسلم وهذا من الحديث ويحتمل أنه من كلام الراوي، وقوله بكسر الراء أراد إمالتها نحو الكسرة فتسمح والمراد بفتح الهمزة عدم إمالتها وقد روي إمالتهما وامالة الهمزة دون الراء على تفصيل فيه في النشر فلينظر فيه، وفي راويه. قوله: (وظهر صدق خبر الله الخ) إنما أوّله بالظهور لأنّ صدقهما محقق قبل ذلك والمترتب على رؤية الأحزاب ظهوره سواء عطفت الجملة على مقول القول أو على صلة الموصول أو جعلت حالاً بتقدير قد، وقوله واظهار الاسم أي الله ورسوله مع سبقهما لما ذكر ولأنه لو أضمر قيل وصدقا والجمع بين الله وغيره في ضمير واحد الأولى تركه، ولو قيل صدق هو ورسوله بقي الإظهار في مقام الإضمار فلا يندفع السؤال كما قيل، وقد مرّ تفصيله وماله وعليه في الكهف. قوله: (فيه ضمير لما رأوا) أي في زادهم ضمير مستتر يعود لما رأوا المفهوم من قوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ} الخ وما تحتمل الموصولية أو المصدوية، ولم يذكر مصدر رأي المفهوم منه إشارة إلى وجه تذكيره وأما تذكير اسم الإشارة فلتذكير خبره ويجوز رجوعه إلى الوعد، والخطب والبلاء مفهومان من السياق أو الإشارة. قوله: (من الثبات الخ) خص ما ذكر لأنه المقصود هنا بقرينة ما ورد في سبب النزول فلا يقال عليه الظاهر التعميم، ولو عمم لصح ويدخل فيه ما ذكر دخولاً أوليا، وقوله فإنّ المعاهد الخ إشارة إلى ما فصله الزمخشريّ، من أنّ تعديه إلى ما عاهدوا إمّا على نزع الخافض، وهو في والمفعول محذوف والأصل صدقوا الله فيما عاهدوه أو يجعل ما عاهدوا عليه بمنزلة شخص معاهد على طريق الاستعارة المكنية، وجعله مصدورا يحتفل أو على الإسناد المجازيّ. قوله: (نذره) أصل معنى النحب النذر وقضاؤه الوفاء به، وقد كان رجال من الصحابة رضي الله عنهم نذروا أنهم إذا شهدوا معه صلى الله عليه وسلم حربا قاتلوا حتى يستشهدوا وقد استعير قضاء النحب للموت لأنه لكونه لا بدّ منه مشبه بالنذر الذي يجب الوفاء به، فيجوز أن يكون هنا حقيقة واستعارة مع المشاكلة فيه، وقوله في رقبة كل حيوان مبالغة في لزوم الوفاء بالنذر، ولو كان الناذر ليس بإنسان والا كان الظاهر كل إنسان. قوله: (استعير للموت) ظاهره أنّ النحب وحده مستعار استعارة تصريحية فيكون القضاء ترشيحاً وهو محتمل للتمثيل فإن أراد استعارته بعد هذا أو في هذا المحل فظاهر وإن أراد استعارته هنا فقد أورد عليه أمور منها أنه فسر المعاهد عليه، وهو المنذور بالثبات والمقاتلة وهذا يخالفه ومنها أنه إذا صح الحمل على الحقيقة لا يتأتى المجاز ومنها أنّ قوله ومنهم من ينتظر لا يلائم تفسيره، فإنهم وفوا نذرهم بالثبات، والجواب عنه أن يحمل قولهم في النذر بالقتال حتى يستشهدوا على الثبات التامّ لأنّ الشهادة ليست في أيديهم والموت لا يصح نذره، وهذا المجاز مجاز مشهور فيجوز الحمل عليه، وإن أمكنه الحقيقة بل ربما يرجح عليها وإنّ قوله ومنهم من ينتظر بالنظر إلى حرب آخر أو إلى من لم يشهد الحرب منهم. قوله: (شيئاً من التبديل) إشارة إلى أنّ المصدر صرّح به ليفيد العموم، وقوله روي أنّ طلحة الخ هو حديث صحيح رواه الترمذيّ وغيره عن الزبير رضي الله عنه مرفوعاً، وقوله أوجب طلحة أي استحق الجنة استحقاقا كالواجب على الله بمقتضى وعده وفضله وأصله أوجب الجنة لنفسه على الله، وفي النهاية يقال أوجب الرجل إذا فعل فعلاً وجبت له به الجنة. قوله: (وفيه تعريض الخ) يعني أنه كناية تعريضية تفهم من تخصيصهم به أي ما بدلوا كغيرهم من المنافقين والمراد بالتبديل نقض المعهد، وقوله بالتبديل متعلق بالتعريض. قوله: (تعليل للمنطوق والمعرضر به) لما جعل قوله وما بدلوا الخ تعريضاً للمبدلين من أهل النفاق صار المعنى وما بدلوا كما يدل المنافقون فقوله ليجزي، ويعذب متعلق بالمنفيّ والمثبت على اللف والنشر التقديريّ، وجعل تبديلهم علة للتعذيب على المجاز لكن التعليل في المنطوق ظاهر وهو على الحقيقة، وأمّا في المعرّض به فلتشبيه المنافقين بالقاصدين لعاقبة السوء على نهج الاستعارة المكنية كما أشار إليه بقوله وكأنّ الخ والقرينة إثبات معنى لتعلل فهي على الحقيقة لا جمع بين الحقيقة والمجاز عند غير السكاكي كما قيل فتأمّل قيل ولا يبعد جعل ليجزي، الخ تعليلا للمنطوق المقيد بالمعرض به كأنه قيل ما بدلوا كغيرهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 ليجزيهم بصدقهم ويعذب غيرهم إن لم يتب وأنه يظهر بحسن صنيعهم قبح غيره: وبضدّها تتبين الأشياء فلا حاجة إلى ارتكاب التجوّز كما ارتكبه المصنف أو الحذف كما ارتكبه القائل إنه فذلكة مستأنفة لبيان الداعي لوقوع ما حكى من الأحوال والأقوال تفصيلاَ، وغاية له كأنه قيل وقع ما وقع ليجزي الصادقين بصدقهم والوفاء قولاً وفعلاَ، وليعذب المنافقين بما صدر عنهم من الأعمال والأحوال المحكية الخ، وقوله قولاً وفعلا نشر للصدق والوفاء فالوفاء في الفعل كالصدق في القول ففي قوله بصدقهم اكتفاء، ولم يقل في المنافقين بنفاقهم لقوله أو يتوب الخ فإنه يستدعي فعلاً خاصاً بهم، ولم يقل ليثيب كمقابله إشارة إلى أنّ الثواب مقصود بالذات، والعذاب بالعرض وهو السرّ في تخصيص! المشبه بجانب التعذيب. قوله: (والتوبة عليهم الخ) يعني أنّ التوبة المسندة إليه تعالى بمعنى قبول توبة العباد إن تابوا، وحذف الشرط لظهور استلزام المذكور له فتكون متأخرة عن توبتهم، أو هي مجاز عن توفيقهم للتوبة فتكون متقدمة وكلا المعنيين وارد كما في القاموص، وقوله يعني الأحزاب من المشركين واليهود ولا يأباه كون مساكن اليهود حول المدينة كما توهم لردّهم من محل تحزبهم إلى مساكنهم، وقوله مغيظين وفي نسخة متغيظين وهو إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال والباء فيه للمصاحبة. قوله: (بتداخل) بأن تكون الجملة حالاً من ضمير غيظهم والتعاقب على أنهما حالان من ضمير كفروا وقد جوّز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة لبيان سبب غيظهم أو بدلاً وهو مراد الزمخشريّ بالبيان كما صرّحوا به نلا نظر فيه، وقوله وكفى الله الخ في المغني كفى بمعنى اكتف فتزاد الباء في فاعله نحو كفى بالله شهيدا وبمعنى أغنى فيتعدى لواحد كقوله قليل منك يكفيني، وزيادة الباء في مفعوله قليل ككفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع وبمعنى وقي فيتعدى لاثنين كقوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [سورة البقرة، الآية: 137] ومنه هذه الآية وتفسيرها بأغنى على الحذف والإيصال لا وجه له. قوله: (ما يتحصن به) يعني القلاع والحصون ويقال بمعنى وتفسيرها بأغنى على الحذف والإيصال لا وجه له. قوله. (ما ينحصن به) يعني القلاع والحصون ويقال بمعنى يطلق على ما حمر لكونها مما يحتمى به ويمتنع وشوكة الديك ما في رجله كالمخلب، وقوله قرئ بالضم أي ضمّ العين اتباعاً وهي مروية عن ابن عامر رحمه الله والكسائيّ، وأمّ ضمّ سين تأسرون فعن أبي حيوة وهي شاذة والمتواتر فيها الكسر. قوله تعالى: ( {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} الخ) جملة مستأنفة، وغير نظمها لما فيه من شبه الجمع والتفريق البديعي، وما قيل إنه للدلالة على الانحصار في االفريقين فيه نظر، وقوله: " صبيحة الليلة " صريح في وقوع غزوة بني قريظة والخندق في منة واحدة لكن النووي قال إنّ الأولى في الخامسة والثانية في الرابعة وما ذكره المصنف رحمه الله موافق لما ني صحيح البخاريّ، ولأمتك بالهمزة بعد اللام وتبدل الفاء بمعنى درعك ونزعها ترك لبسها، وقوله جهدهم الحصار رأى شق عليهم المحاصرة، وقوله تنزلون على حكمي أي تنزلون من الحصن وأنتم راضون بحكمي، وقوله فرضوا به أي بحكم سعد رضي الله عته، وتكبيره صلى الله عليه وسلم فرحا وتعجباً من موافقة حكمه لما حكم به الله، وقد كان أعلمه جبريل عليه الصلاة والسلام به كما ذكره في الكشاف، وقوله سبعة أرقعة جمع رقيع وهي السماء مطلقاً أو سماء الدنيا والمراد سبع سموات حقيقة أو تغليباً، وقوله سبعة لتأويل السماء بالسقف وكون حكم الله من فوقها إما باعتبار اللوح المحفوظ كما قيل أو باعتبار نزول الملائكة بالوحي منه. قوله: (فتكلم فيه الأنصار) أي طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يشركهم معهم، وقوله فقال: " إنكم في منازلكم " أي أنتم الآن في دياركم غير محتاجين لهذا كالمهاجرين فإنهم غرباء وليس معناه إنكم ما حضرتم الوقعة والغنيمة لمن شهدها كما توهم، وقد كان ذلك فيئاً غنيمة فمحله أهل الحاجة، وقوله طعمة بضم فسكون أي هو رزق خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه صفيّ أو فيء فلذا لم يعط منه الأنصار، وقوله وقيل خيبر قيل إنه أنسب وقوله وقيل كل أرض تفتح الخ فالخطاب لا يخص بالحاضرين. قوله: إ فتعالين) أصل تعال أمر بالصعود لمكان عال، ثم غلب في الأمر بالمجيء مطلقا والمراد به هنا الإرادة وذكر زينة الدنيا تخصيص بعد تعميم، وقوله أعطيكن المتعة الخ المتعة ما يعطى للمطلقة من درع وخمار وملحقة على حسب السعة والإقتار وتفصيله في الفروع، وقوله طلاقا من غير ضرار تفسير للتسريح الجميل، وهو في الأصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 مطلق الإرسال، ثم كني به عن الطلاق فموجبه كالتخيير البينونة لأنه حكم الكناية عندنا، وعند الشافعيّ كما ذكره المصنف الطلاق، ولو كان رجعيا وقد اتفق المفسررن هنا على تفسيره به، والبدعة بمعنى الطلاق البدعي المعروف عند الفقهاء، وقوله لا يحل لك النساء أي الزيادة على عدتهن بعدما كان مرخصا له فيه إحسانا من الله لما اخترن رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (يدل على أن المخيرة الخ) يعني أنّ التعليق للتسريح بمعنى الطلاق بإرادتهن للدنيا وزينتها الواقع في مقابلة إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم دل على أنه مع الإرادة الثانية لا يقع الطلاق، والا لم يقع القسم موقعه كما لا يخفى وما ذكره المصنف مبني على مذهبه من أنه طلاق رجعي كما في شرح الرافعيّ، فما قيل من إنه دليل على أنه لا تقع البينونة وأما إنه لا يقع الطلاق أصلاً فلا دلالة له عليه إلزام له بما لا يلتزمه وكأنه غفلة عن مذهبه نعم هو عندنا يدل على نفي البينونة، ونفي الرجعة معلوم من شيء آخر مثبت عندنا وبدؤه كح! بعائشة رضي الله عنها لأنها أحب إليه وأكمل عقلاً (بقي هنا بحث) أورده بعض المتأخرين على استدلال فقهاء المذاهب على هذه المسألة بهذه الآية، وهو أنّ تخييره صلى الله عليه وسلم لم يكن من التخيير الذي الكلام فيه، وهو أن توقم الطلاق على نفسها بل على إنها إن اختارت نفسها طلقها صلى الله عليه وسلم لقوله: " أسرّحكن " ففي الاستدلال بها وفيما ذكر من النقل نظر، والذي خطر ببالي إذ رأيت كبار أرباب المذاهب استدلوا بهذه الآية على ما ذكر أنه ليس مرادهم أنّ ما فيها هو المسألة المذكورة في الفروع إذ ليس في الآية ج 7 / م اسلأ ذكر الاختيار المضاف لنفسها بل المراد أنه إذا كانت الإرادة المخير فيها هنا للطلاق وعدمه كما شهدت به الآثار لا للدنيا والآخرة كما فسره به بعض السلف لزم ما ذكر لأنّ القائل بأنّ اختيارها لزوجها طلاق جعل قوله اختاري كناية وقع بها لطلاق، وقوله أسرّحكن أي أطلقكن المرتب على اختيار غيره إمّا أن يراد به طلاق باختيار غيه كنفسها فتخصيصه به يقتضي أنه لا يقع باختيار. فإن أريد به طلاق أوقع بعده لأنه لم يقع به اقتضى ما ذكرناه بالطريق الأولى فتأمّل. قوله: (خلافاً لزيد الخ) فإنّ قوله اختاري كناية عندهم عن الطلاق فيقع، وان اختارت الزوج وقوله وتقديم التمتيع أي مع أنه يكون بعد الطلاق لتسببه عنه ليذكر إعطاء لهن قبل الطلاق الموحش لهن، ولأنه مناسب لما قبله من الدنيا، وقوله وقيل لأنّ الفرقة الخ يعني أن قوله إن كنتن تردن الحياة الدنيا هو الذي علق عليه الطلاق كأنه قيل إن اخترتن الدنيا فأنتن طوالق كما إذا علق الطلاق على الاختيار بقوله إن اخترت نفسك فأنت طالق فإرادة الدنيا لكونه المعلق عليه بمنزلة الطلاق وذكر المتعة في محله والسراج ليس بمعنى الطلاق بل الإخراح من البيوت بعده وهذا أيضا مما فسرت به الآية كما ذكره الرازي في الأحكام وقوله فإنه أي الاختيار، وفي نسخة فإنها أي الفرقة تعليل لكون الاختيار كالطلاق المعلق، وقوله واختلف في وجوبه أي المتعة وذكره لتأويله بما يعطي ونحوه كالتمتيع وليس في النظم ما يدل على وجوبه كما تمسك به القائل بالوجوب وهي عندنا مستحبة للمدخول بها واجبة في غيرها على تفصيل فيه كما عرف في الفروع وتنكير أجراً للتكثير لا للتعظيم لإفادة الوصل له ودونه بمعنى عنده، وقوله ومن للتبيين قيل ويجوز فيه التبعيض على أنّ المحسنات المختارات لله ورسوله وغنى واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول، وهو بعيد. قوله: (ظاهر قبحها) تفسير له على فتح الياء وقد تقدم تفسيره في سورة النساء، وقوله فضل المذنب وهن أفضل من غيرهن والنعمة عليهن برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدارين من أعظم النعم، وقوله لا يمنعه عن التضعيف الخ لأنّ عدّه يسيرا عليه تهديد كما مرّ قريبا، وقوله من يدم على الطاعة لأنّ أحد معاني القنوت الدوام على الطاعة، وله معان عشرة ليس هذا محلها. قوله: (ولعل ذكر الله للتعظيم لقوله الخ) أي لأنّ قوله وتعمل الخ مدلوله طاعة الله والأصل في العطف المغايرة فذكر الله إنما هو لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بجعل طاعته غير منفكة عن طاعة الله، وفي بعض النسخ أو لقوله وهو من زيادة الناسخ إذ لا معنى لها ولو فسر القنوت بالخشوع خلا من التكرار أيضاً، وقوله أيضا أي كما قرأ به يقنت وقوله ويؤتها أي قرئ يؤتها بالياء التحتية على أنّ فيه ضميراً مستترا لله، وقوله زيادة على أجرها الذي كان مرّتين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 وهذا تفسير لكريماً لأنّ معناه الكثير الخير والنفع. قوله: (أصل أحد وحد بمعنى الواخد ثم وضع في النفي العام الخ) قيل عليه الموضوع في النفي العام همزته أصلية غير منقلبة عن الواو كما نص عليه النحاة، وأجيب بأنّ المذكور في النحو إنّ ما همزته أصلية يختص بالنفي ولا يمنعون اسنعمال ما همزته واو في النفي أيضاً وتعقب بأنّ السؤال عن وجه جعل همزته منقلبة باق مع أنّ الذي همزته غير منقلبة هو المختص بالعقلاء، والمشهور باستواء الواحد والكثير فيه وهو أنسب هنا على ما ذكره من المعنى، وقيل أيضا كيف يتأتى الجواب المذكور أوّلاً وهو معنى آخر إلا أن يستعمل لمعنى آخر غير النفي العام، وقد قاك أبو علي همزة أحد المستعمل في النفي للاستغراق أصلية لا بدل من الواو فالأولى أن يقال هـ، ذكر قول لبعض النحاة، وقد قال الرضى إنّ همزته في كل مكان بدل من الواو وكل هذا لاث. ي الغليل كما قاله القرافي في كتابه المسمى بالعقد المنظوم في ألفاظ العموم يستشكلون هذا بأن اللفظين صورتهما واحدة ومعنى الوحدة يتناولهما والواو فيها أصلية فيلزم قطعا انقلاب ألفه عنها وجعل أحدهما منقلبا دون الآخر تحكم، وقد أشكل هذا على كثير من الفضلاء حتى أطلعني الله على جوابه، وهو أنّ أحداً الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة وأحد الذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد فإذا تغاير مسماهما تغاير اشتقاقهما لأنه لا بد فيه من المناسبة بين اللفظ، والمعنى ولا يكفي فيه أحدهما فإذا كان المقصود به الإنسان فهو الذي لا يستعمل إلا في النفي وهمزته أصلية وان قصد به العدد ونصف الاثنين فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو اهـ، إذا عرفت هذا فما وقع للمصنف تبعاً للزمخشري هنا ليس كما ينبغي فإنه على تسليم الفرق المذكور ينبغي أن تكون الهمزة هنا أصلية كما قاله أبو حيان رحمه الله وجواب الطيبي لا يجدي نفعا وكل ما ذكر بعده خبط عشواء فتأمّل. قوله: (والمعنى لستن كجماعة واحدة الخ) في الانتصاف أراد المطابقة بين المتفاضلين فإنّ نساء النبي جماعة ولو حمل على الواحدة كان أبلغ أي ليست واحدة منكن كواحدة من آحاد النساء فيلزم تفضيل الجماعة على الجماعة دون عكس، ورد بأنه لا شك أن اسم ليس ضمير الجماعة وقد حمل عليه كأحد وبين بقوله من النساء وتعريفه للجنس فيجب حمل أحد بمقتضى السياق على الجماعة كقوله فما منكم من أحد عنه حاجزين، ولو حمل على الواحد لزم التفضيل بحسب الوحدات ويرجع المعنى إلى تفضيل كلهن على واحدة واحدة من النساء ولا ارتياب في بطلانه أمّا تأويله بليست واحدة منكن فخلاف الظاهر وأمّا قوله يلزم الخ فجوابه أنّ تفضيل كل واحدة منهن يعلم من دليل آخر كقوله: {وأزّواجه أمّهاتكم} [سورة الأحزاب، الآية: 60] ونحوه فما قيل على هذا يكون الأحد بمعنى الواحد لا موضوعا في النفي العام، والأولى أن يفسر بجماعة واحدة كانت أو أكثر ليعمّ النفي، ويناسب مقام تفضيلهن، ثم هذا يفيد بحسب عرف الاستعمال تفضيل كل منها على سائر النساء لأنّ فضلها يكون عالياً لفضل كل منها فلا حاجة إلى تقدير ليست إحداكن كامرأة لأنه خلاف الظاهر، أو يقال المقصود تفضيل الجماعة لا كل منها إذ لا شك أنّ بعضهن ليست بأفضل من فاطمة رضي الله عنها فليس التقدير أولى كما توهم، اهـ ليس بصحيح أوّله لأنه شامل للقليل والكثير فلا يكون بمعنى الواحد نعم ما ذكره بعده كلام حسن فتأمّله، وقد اغتر بعضهم بما في الانتصاف فقال ما قال. قوله: (مخالفة حكم الله ورضا رسوله (صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه من التقوى بمعناها المعروف في لسان الشرع وجعله بمعنى استقبلتن الرجال، وان كان صحيحاً لغة وقد ورد بمعنى الاستقبال في القرآن كثيراً كقوله: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [سورة الزمر، الآية: 24] كما أشار إليه الراغب لا يتأتى هنا لأنه لا يستعمل في مثله إلا مع المتعلق الذي يحصل به الوقاية كقوله بوجهه في الآية وباليد في قول النابغة: فتناولته واتقينا باليد ليكون قرينة على إرادة غير المعنى الشرعي، فالقول بأنه غير معروف في اللغة فلا يناسب الفصاحة خطأ، وأمّا تمسك من فسره به هنا بأنه أبلغ في المدح لأنهن متقيات فليس بشيء لأن المراد دوامهن على التقوى مع أنّ المقصود به التهييج بجعل طلب الدنيا، والميل إلى ما تميل إليه النساء لبعده من مقامهن بمنزلة الخروج من التقوى. قوله: (مثل قول المريبات (أي الموقعات في الريب في طهارتهن، وهذا هو الصحيح ووقع في بعض النسخ المزينات أي الزانيات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 بالمعجمة والأولى أولى، وقوله فجور أي نية فجور واضماره، وقوله عقيب نهيهن مأخوذ من الفاء وهو إشارة إلى أنه لتعقيب النهي لا المنهي، والعين على قراءة الجزم مكسورة لالتقاء الساكنين، وقوله بعيدا عن الريبة تفسير لقوله حسناً. قوله: (من وقر يقر وقارا) إذا سكن، وقيل إنه من وقرت أوقر وقراً إذا جلست كذا في مفردات الراغب والمعنى عليهما لا تخرجن من البيوت، ولا تتبرجن وأصله أو قرن ولا خلط في كلامه كما توهم. قوله: (أو من قر يقرّ المضاعف (وهو من باب ضرب وعلى ما بعده من باب علم وعلى الأخير هو أجوف ومعنى قار اجتمع ومته القارة اسم قبيلة وهو على قراءة الفتح كخفن، ومعناه أجمعن أنفسكن في البيوت وحذف الأولى من الراءين، وقيل المحذوف الثانية إمّا ابتداء لكراهة التضعيف أو بعد قلبها ياء، ونقل الكسرة إلى ما قبلها. قوله: (ويؤيده الخ (إذ لا يحتمل المعتل حينئذ لكنه قيل عليه انّ مجيئه من باب علم لغة قليلة أنكرها المازني، وأمّا كون التضعيف لا يجوّز الحذف بدون الكسر فقياس الزمخشري له على ظل غير سديد فغير مسلم. قوله: (ولا تتبختزن) هو منقول عن قتادة ومجاهد وقد فسر أيضا بلا تظهرن الزينة وتقدم تفصيله، وقوله مثل تبرج النساء الخ إشارة إلى أنّ المصدر تشبيهيّ مثل له صوت صوت حمار، وبيان لحاصل المعنى، وقيل إنه لبيان أنّ فيه إضمار مضافين أي تبرح نساء أيام الجاهلية، وأن إضافة النساء على معنى في، وقوله وقيل الخ عطفه لأنّ ما قبله تفسير لها بالقديمة مطلقا من غير تعيين كما في هذا فلا يقال إنّ الظاهر ترك الواو، وما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام قيل إنه ثمانمائة سنة والنساء فيه قباج والرجال حسان فلذا كانت تدعوهن لأنفسهن، وقوله كانت المرأة هو على الأخير كما في الكشاف لا عليهما كما قيل. قوله: (جاهلية الكفر) هي ما كان قبل ظهور الإسلام من التكبر والتجبر والتفاخر بالدنيا، وكثرة البغايا وقوله ويعضده أي يقوّي إطلاقه على الفسق في الإسلام، والمعنى نهيهن عن التشبه بأهل جاهلية الكفر وقوله لأبي الدرداء تبع فيه الزمخشريّ، وهو غلط كما قاله العراقي وغيره وإنما هو أبو ذرّ رضي الله عنهما كما في الصحيحين وليس في الحديث جاهلية الكفر، وكان شاتم رجلاً أمّه أعجمية فعيره بها فشكاه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: {أَقِمْنَ الصَّلَاةَ} [سورة الأحزاب، الآية: 33] الخ خصهما لأنهما أساس العبادات البدنية والمالية كما مرّ. قوله: (الذنب المدنس لعرضكم) إشارة إلى أنّ أصل الرجس ما يدنس من المستقدرات استعير للإثم كما استعير الطهر لضده، ولذا يقال هو نقي العرض كما سيأتي، وقوله وهو تعليل الخ أي جملة مستأنفة في جواب سؤال مقدر فيفيد التعليل، وقوله ولذلك أي ولكون المقصود تعليل أمره ونهيه بإرادة تطهيرهم من الذنوب عمم الحكم بقوله أطعن الرسول على ما فسره به بعد تخصيصه بالصلاة والزكاة فيقتضي الطهارة التامّة ليطابق التعليل المعلل، أو عمم الحكم بقوله اطعن الرسول على ما فسره به بعد تخصيصه بالصلاة والزكاة فيقتضي الطهارة التامّة ليطابق التعليل المعلل، أو عمم الحكم المذكور في التعليل لغيرهن فقيل أهل البيت، وأتى بضمير الذكور تغليباً ليشمل الرجال والنساء لوجود العلة فيهم، وقوله نصب على المدح فيقدر أمدح أو أعني وأمّا نصبه على الاختصاص فضعيف لقلة وقوعه بعد ضمير المخاطب كما قاله ابن هشام، وقوله واستعارة الخ تقدم بيانه، وقوله والترشيح لمناسبة الطهارة له وهو ظاهر، وما قيل الملائم للمشبه به النجس سهو ويصمح أن يكون مستعارا لصونهم أيضا. قوله: (لما روي الخ) الحديث صحيح لكنه لا يدل على ما ذكره كما سيأتي، والمرط بكسر فسكون الإزار والمرحل بالإهمال كمعظم برد فيه تصاوير رحال وتفسير الجوهري له بازار خزفية علم غير جيد إنما ذلك تفسير المرجل بالجيم كما في القاموس، والواقع في الحديث بالحاء المهملة كما ضبطه النووي رحمه الله ونقله عن الجمهور والاسندلال به على عصتهم لتطهيرهم من الذنوب ليس بصحيح لأنه يجوز كونه بالعفو عنها بل هو أظهر لاقتضاء التطهير وقوع المطهر عته، وكون إجماعهم حجة مبني على العصمة من الكذب، وقوله لا يناسب ما قبل الخ أي من ذكر أزواجه. قوله: (الجامع بين الأمرين) أي كونه آيات الله وحكمته ويجوز أن يراد بالحكمة نصائحه صلى الله عليه وسلم وأحاديثه، وقوله جعلهن الخ من قوله في بيوتكن وبرحاء بضم الباء والمد شدّته لأنه كان يعتريه صلى الله عليه وسلم شبه الغشي أحياناً، وقوله مما يوجب بيان لما أنعم، وقوله حثا الخ تعليل لقوله تذكير. قوله: (يعلم ويدبر ما يصلح في الدين) بيان لقوله لطيفا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 خبيرا، وقيل اللطيف ناظر للآيات لدقة إعجازها والخبير للحكمة لمناسبتها للخبرة، وقوله أو يعلم قيل الظاهر عطفه بالواو وفيه نظر، وقوله الداخليه في السلم وهو ضدّ الحرب أو المفوّضين أمرهم لله كقوله: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ} [سورة أن عمران، الآية: 20] وفسرهما بالمعنى اللغوي ليفيد ذكرهما معا، وقوله الداخلين تفسير للمسلمين والمسلمات معاً على التغليب لا للمسلمات لعدم صحته ولا للمسلمين والا لقدم. قوله: (بما يجب أن يصدّق به) وفي نسخة يصدّق بدون صلة فحمل على الحذف والإيصال على أنّ أصله يصدق به، وقوله في القول والعمل لأنه يتعدى لهما فيقال صدق القتال كما يقال صدق الحديث، ولكن الظاهر أنّ الأوّل مجاز فالجمع بينهما وان جاز عند المصنف لكن لا حاجة إليه مع أن القنوت يغني عنه، وقوله بقلوبهم هو الأصل وخشوع الجوارح تابع له وقوله بما وجب لو أطلقه كالذي بعده كان أشمل وأولى كما في الكشاف، وما قيل إنّ استحقاق الوعد به فيه نظر وكذا قوله عن الحرام كان الأولى تركه، وأخر الذكر لعمومه وشرفه ولذكر الله أكبر، ولذا جمع الذكر القلبي مع اللساني، وقوله لما اقترفوا أي اكتسبوا وخص الصغائر لأنه الوارد أو لاستلزام ما قبله لعدمها لا على ما ذهب إليه المعتزلة. قوله: (والتدرع بهذه الخصال (أي الاتصال وفيه استعارة حسنة لتشبيهها بالدرع في صيانة صاحبها، وقوله: فما فينا خير أي أمر يحمد ليثني الله عليه، وهو يحتمل النفي والاستفهام بتقدير أفما والظاهر أنّ ضمير فينا للأزواج وقيل إنه للنساء على العموم وإلا يلزم تأخر نزول يا نساء النبي الآية عن هذه الآية لأنه خاص بهن لا يتجاوز غيرهن، وقد قيل بعدم لزوم ما ذكره لأنّ تلكا لآيات في بيان شرفهن فتأمّل. قوله: (وعطف الإناث على الذكور الخ) وجه كونه ضروريا أنّ تغاير الذوات المشتركة في حكم يستلزم العطف ما لم يقصد السرد على طريق التعديد، وقوله وعطف الزوجين أراد بالزوجين مجموع كل مذكر ومؤنث كعطف مجموع المؤمنين والمؤمنات على مجموع المسلمين، والمسلمات فإنه لا يلزم عطفه لكنه عطف هنا للدلالة على اجتماع الصفات، ولو ترك العطف جاز والمعدّ لهم المغفرة والأجر العظيم وعطف مبتدأ خبره لتغاير الخ، وقوله فليس معطوف على الخبر لا خبر لأنّ الفاء لا تزاد في مثله وفيه إشارة إلى أنّ الأزواج معطوفة على أمثالها لا كل على ما قبله على تهج الأوّل والآخر والظاهر والباطن. قوله: (ما صح له) بناء على ما ذكره الزمخشريّ من أنه يلزم الإفراد في نحو ما جاءني من رجل ولا امرأة إلا أكرمته حتى وجه الجمع في يكون لهم الخيرة بأنه أرجع الضمير على المعنى لا على اللفظ لعمومه إذ وقع تحت النفي، وإن كان ما ذكر غير مسلم عند أكثر النحاة حتى قال أبو حيان إنّ ما في الكشاف غير صحيح لأنّ العطف بالواو والمذكور في النحو إذا كان العطف بأو نحو من جاءك من شريف أو وضيع أكرمه فلا يجوز ذلك إلا بتأويل الحذف وفي هذه المسألة كلام طويل في شرح التسهيل لا يهمنا هنا، والمراد عدم صحته شرعا أو ما أمكن لأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن والقضاء بعد المشيئة. قوله: (ودّكر الله لتعظيم أمره) أي ما أمر به أو شأنه فإنّ ذكر الله مع أنّ الآمر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم للدلالة على أنه بمنزلة من الله بحيث تعد أوامره أوامر الله، أو أنه لما كان ما يفعله بأمره لأنه لا ينطق عن الهوى ذكرت الجلالة، وقدمت للدلالة على ذلك فالنظم على هذا على نمط والله ورسوله أحق أن يرضوه، وعلى الأوّل من قبيل فإنّ لله خمسه وللرسول فالواو بمعنى أو وليسا وجها واحدا كما قيل فإنه بعيد لحمل قوله قضاءه قضاؤه على دعوى الاتحاد حقيقة والحامل على هذا العطف بالواو وهو سهل. قوله: (لآنه نزل الخ) تعليل لكونه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله للتعظيم ونحوه والسبب الأوّل أصح رواية ولذا قدم، وأمّ كلثوم رضي الله عنها أول من هاجر من النساء ولما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتزوّج زيد قالت هي وأخوها أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوّجني عبده، وقوله والخيرة ما يتخير فهو صفة مشبهة والمذكور في النحو أنه مصدر وأنه لم يجيء من المصادر على وزنه غير طيرة والمعنى المصدري أنسب هنا وهو مختاره في القصص، وقوله من أمرهم متعلق بالخيرة أو حال منها. قوله: (أن يختاروا) كذا في الكشاف مع جعله الخيرة بمعنى المتخير فقال بعض شراحه أن أوّل كلامه إشارة إلى مصدريته وما بعده إشارة إلى أنه يكون بمعنى المفعول، ولا يخفى تعسفه فالصواب أنّ أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 يختاروا تفسير لأن يكون لهم الخيرة لا للخيرة وفائدته الإشارة إلى أن يكون هنا ليس بمعنى يصح ككان السابقة بل هي للذلالة على الوقوع فافهم. قوله: (وجمع الضمير الآوّل) قد قدمنا تقريره، واعتبر عمومه وإن كان سبب نزوله خاصا دفعا لتوهم اختصاصه بسبب النزول أو ليؤذن بأنه كما لا يصح ما اختاروه مع الانفراد لا يصح مع الجمع أيضا كي لا يتوهم أن للجمعية قوّة تصححه. قوله: (وجمع الثاني) أي ضمير من أمرهم مع أنه للرسول صلى الله عليه وسلم أو له ولله وعلى كل فليس مقتضى الظاهر جمعه قيل لا يظهر امتناع عوده على ما عاد عليه الأوّل مع ترجيحه بعدم التفكيك فيه على أن يكون المعنى ناشئة من أمرهم المعنى دواعيهم السابقة إلى اختيار خلاف ما أمر الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم أو المعنى الاختيار في شيء من أمرهم أي دواعيهم فيه بعد، وردّ هذا بأنه قليل الجدوى ضرورة أن الخيرة ناشئة من دواعيهم أو واقعة في أمورهم وهو بين مستغن عن البيان بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه صلى الله عليه وسلم أو متجاوزين عن أمره لتأكيده وتقرير للنفي فهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأوّل، وهو كلام حسن والقراءة بالياء للفصل ولأنّ تأنيثه غير حقيقي ولبعضهم هنا كلام واه تركه أولى من ذكره. قوله: (وتوفيقك لعتقه واختصاصه) بالمحبة، والتبني ومزيد القرب منه صلى الله عليه وسلم وهو من أجل النعم ولو أخر هذا كان أولى وزيد بن حارثة رضي الله عنه تقدم ذكره وبيانه، ومقامه أجل من أن يخفى قيل وايراده هنا بهذا العنوان لبيان منافاة حاله لما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من إظهار خلاف ما في ضميره إذ هو يقع للاستحياء أو الاحتشام، وهو لا يتصوّر في حق زيد ويجوز أن يكون بيانا لحكمة إخفائه صلى الله عليه وسلم لأنه مما يطعن به الناس كما قيل: وأظلم أهل الظلم من بات حط سداً لمن بات في نعمائه يتقلب فأعرفه. قوله: (وذلك أنه الخ) هذا الحديث ذكره الثعلبي، وهو في الطبرى بمعناه عن عبد الرحمن بن أسلم وفي شرح المواقف إن هذه القصة مما يجب صيانة النبي عوو عن مثله فإن صحت فميل القلب غير مقدور مع ما فيه من الابتلاء لهما، والظاهر أن الله لما أراد نسخ تحريم زوجة الدقي أوحى إليه بتزوّج زينب إذا طلقها زيد فلم يبادر له صلى الله عليه وسلم مخافة طعن الأعداء فعوتب عليه، وهو توجيه وجيه، وقوله لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم صريح فيه والقضة شبيهة بقصة داود عليه الصلاة والسلام لا سيما، وقد كان النزول عن الزوجة في صدر الهجرة جارياً بينهم من غير حرج فيه وقوله: وقعت في نفسه أي وقعت محبتها وهي كناية عن الميل الاضطرارفي، وكان لم يمل لتزوّجها حين إرادته فلذا قال مقلب القلوب أي مغير أحوالها ودواعيها، وقوله لشرفها أي شرف نسبها بقرابتها من النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها كانت تطمع في طلاقها وتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بها وفعل زيد رضي الله عنه كان لذلك، ولكنه لم يصرّح به تأدبا وقوله أرابك أي أوقعك في ريب أو شك فيها لأنه يقال رابه وأرابه ويجوز كون الهمزة للاستفهام. قوله: (فلا تطلقها ضرارا) إنما ذكره لاقتضاء أمره بالتقوى مخالفة الطلاق لها فإما أن يكون الطلاق نفسه ضرراً لأنه منهي عنه ويورث وحثة أو يكون ضرراً إذا كان بغير سبب ظاهر لأنه يوهم أنه علم منها ما يكره فلا يقال إن الأولى الاقتصار على قوله لا تطلقها، وقوله أو تعللا أي تكلفا لعلة وسبب هو تكبرها وعطفه بأو لأنه أراد بالضرار ما لا وجه له، فلا وجه لما قيل الأولى عطفه بالواو وجعله في الكشاف وجهاً آخر مقابلاً للتطليق، وهذا أحسن وتعدية أمسك بعلى لتضمينه معنى الحبس. قوله: (وهو نكاحها الخ) الأوّل هو الأصح، وأمّا قوله أو إرادة طلاقها فقد رده القاضي عياض في الشفاء، وقال لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها كما ذكره جماعة من المفسرين الخ، وليس المراد به أنه حسده عليها حتى يكون حسدا مذموماً بل مجرّد خطوره بباله بعد العلم بأنه يريد مفارقتها فلا محذور فيه فتأمّل. قوله: (تعييرهم إياك به) أي عذهم نكاحها عارا عليك فليس المراد بالخشية هنا الخوف، بل الاستحياء من قول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 الناس تزوّج زوجة ابنه كما قاله ابن فورك، وقوله إن كان فيه أي في ذلك الأمر ويجوز أن يراد تخشاه في كل أمر فيفيد ما ذكر على الوجه الأبلغ والمعنى والله وحده أحق بالخشية كما يفيده مقابلة خشية الناس. قوله: (والواو للحال) يعني الواو الثالثة، وأمّا الأوليان فعاطفتان على تقول وتحتملان الحالية على تقدير المبتدأ أي وأنت تخفى، وأنت تخشى لكونه مضارعا مثبتا، واختاره الزمخشريّ وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله قال صاحب الكشف كلامه صريح في أنه تجوز الحالية بدون تقدير على خلاف المشهور وكأنه مذهبه، وقد صرّح به في مواضعمن كتابه وتبعه أبو حيان فليس التقدير متفقاً عليه. قوله: (وليست المعاتبة الخ) فإن كتم ما لا يحتاج إليه في الشرع جائز له، وقاله الناس أي قولهم فهو مصدرا والقائلين منهم فهو جمع كالسادة، وهذا وما بعده لف ونشر مرتب ناظر لقوله وهو نكاحها أو إرادة طلاقها، وقوله فإن الأولى الخ إشارة إلى أن العتاب على ترك الأولى لا على ذنب منه، وقوله أن يصمت الخ غير قوله في الكشاف كأنّ الذي أراد منه عز وجل أن يصمت لأنه مبني على مذهب المعتزلة مع أنه لا يواقفه أيضاً كما في الكشف. قوله: (حاجة) تفسير للوطر لأنه الحاجة المهمة كما قاله الراغب وقوله ملها وفي نسخة بحيث ملها ولم يبق الخ والملل السآمة من الشيء، ولعل ملله منها كان لتفرسه في أنها لا تدوم على زوجيته، وقوله وطلقها الخ قدّره لتوقف التزويج عليه، ولذا جعله بعضهم كناية عن الطلاق. قوله: (وقيل قضاء الوطر كناية الخ) مرضه لأنه عدول عن الظاهر مع أنه لا يغني عن التقدير لقوله وانقضت عدتها وجعلها كناية عن الطلاق وانقضاء العدة يم يقولوا به، وأمّ قوله إذا قضوا منهن وطراً فهو كهذا أيضاً يقدر فيه ما قدر هنا، ولذا لم يفسره لأنه معلوم مما هنا لسقط قول بعضهم لا أدري ما وجه عدم ارتضائه هذا القول مع تعين ما ذكر من التعليل في قوله إذا قضوا منهن وطراً لإرادة الطلاق، وانقضاء العدة منه كناية أو مجازاً ولا يشترط الحكم ببلوغ الحاجة منهن والظاهر الاتحاد فيهما. قوله: (بلا واسطة عقد (أصالة ووكالة، وقوله وقيل مؤيد للأوّل وفي كان ضمير مستتر لزيد والسفير الرسول، والخطبة بكسر الخاء في النكاج وضمير إيمانه لزيد أيضاً، وقوله علة أي قوله لكيلا الخ علة ومتعلق بقوله زوّجناكها، وقوله وهو دليل الخ أي ما ثبت له صلى الله عليه وسلم من الأحكام ثابت لأمته إلا ما علم أنه من خصوصياته بدليل، وهو على الأوّل ظاهر، وأما إذا كان بلا واسطة فالمراد مطلق تزوّج زوجات الأدعياء، وقوله أمره الذي يريده الأمر واحد الأمور أي ما يريده من الأمور يوجد لا محالة ومكوّنا بمعنى مخلوقاً، وقوله لأرزاقهم جمع رزقة بفتح الراء والعامة تكسرها وهو ما يقطعه السلطان ويرسم به كما في الكشف، والحرج الإثم والضيق وقد فسره بهما بعضهم بناء على جواز استعمال المشترك في معنييه مطلقاً أو في النفي. قوله: (سن ذلك سنة) إشارة إلى أنه مصدر منصوب بفعل مقدر من لفظه لا على الإغراء كما قاله ابن عطية ولا بتقدير عليكم لما مرّ ولم يرض ما في الكشاف من كونه اسماً موضوعا موضع المصدر كتربا وجندلاً وكأنه لم يثبت عنده مصدريته، وقوله ذلك ليس إشارة إلى المطلق الذي في ضمن المقيد، وهو عدم الحرج كما توهم بل إلى المقيد، وقوله سنة في الذين الخ مصدر تشبيهي، وقوله وهي أي سنته فيهم تفسير للمشبه به ولى ذ اوقع في نسخة هي بضمير المؤنث وفي أخرى هو رعاية لتذكير الخبر، وليس راجعا لذلك كما قيل وأباح لهم بمعنى أحل لهم ولذا عداه باللام. قوله تعالى: ( {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} الخ) القضاء الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه والقدرة عبارة عن إيجاده إياها على تقدير مخصوص معين، وفي التفسير الكبير القضاء ما يكون مقصوداً في الأصل والقدر ما يكون تابعاً والخير كله بقضاء، وما في العالم من الضرر بقدر كالزنا والقتل فلذا لما قال زوّجناكها ذيله بقوله وكان أمر الله مفعولاً لكونه مقصوداً أصليا، وخيراً مقضيا ولما قال الله في الذين خلوا إشارة إلى قصة داود عليه الصلاة والسلام، وامرأة أوريا قال قدراً مقدوراً، وهو مخالف للمشهور في معنى القضاء والقدر ولما اختاره في غير هذا المحل من انّ قصة أوريا لا أصل لها مع أن ما ذكره لا يناسب السياق من كونه لنفي الحرج ولو كان كما ادعاه كان المقابل له القضاء لا الأمر. قوله: (قضاء مقضياً) فسر القدر بالقضاء، وقد مرّ الفرق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 بينهما لكن كل منهما يستعمل بمعنى الآخر فالمراد إيجاد ما تعلقت به الإرادة، وقوله قدرا مقدوراً وقضاء مقضياً كظل ظليل وليل أليل في قصد التأكيد، واليه أشار بقوله حكما مبتوتا أي مقطوعا به والأمر مصدر والمراد أنّ اتباعه والعمل بموجبه لازم مقضي في نفسه أو هو كالمقضي في لزوم اتباعه، أو اسم والمعنى كان مراده ذا قدر أو عن قدر، وقوله قرئ رسالة الله الإفراد لجعلها لاتفاقها في الأصول وكونها من الله بمنزلة شيء واحد وان اختلفت أحكامها. قوله: (تعريض بعد تصريح (بأنّ الله أحق أن تخشاه والتعريض لأنه وصف به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو أولى بالاقتداء بسيرتهم والاتصاف بصفتهم، وقوله كافيا لأنّ الحسب يكون بمعنى الكفاية ومنه حسبي الله أو هو بمعنى المحاسب على الذنوب، وقوله فينبغي الخ على التفسيرين. قوله: (ولا ينتقض عمومه) أي عموم حكم هذه الآية من أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أبا لأحد من رجالهم بما ذكر من أولاده الذكور فإنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال بل ماتوا صغارا فلو فرض بلوغهم أو قيل الرجل مطلق الذكر خرج هؤلاء عن حكم النفي بقيد الإضافة، وأولاده صلى الله عليه وسلم مذكورون في السير تفصيلا، ولا يرد على المصنف رحمه الله أن القاسم والطاهر أيضا ولدا بمكة كما صح في السير وهذه السورة مدنية لأنّ المراد أنه لم يكن في الماضمي وقيل هذا مطلقا فتأمل، وقوله فيثبت منصوب على جوأب النفي، فإن قلت كيف يختص الرجل بالبالغ مع أنه في القرآن حيث ورد عام كقوله: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} وغيره وقول الفقهاء لو حلف لا يكلم رجلا وكلم صبياً حنث، قلت اختصاصه به في عرف اللغة مما لا شبهة فيه وما ورد في النظم وارد على أصل اللغة أو هو على الأصل وثبوت حكم البالغ فيه بدلالة النص، وكذا ما ذكره الفقهاء على الأصل مع أن الإيمان عندهم مبناها العرف لا اللغة فلا يرد على هذا شيء كما توهم، وقد أورد على الشق الثاني أنه لا ينتظم مع التأكيد بقوله خاتم النبيين وسيأتي دفعه وما فيه وما ذكر أيضاً جوأب عن الحسن والحسين رضي الله عنهما. قوله: (وكل رسول أبو أمته (ظاهره أنه يصح إطلاق الأب عليه صلى الله عليه وسلم كما تطلق الأم على زوجاته، ونقل الطيبي فيه خلافا عن الشافعية وفي الروضة لا يجوز أن يقال هو أبو المؤمنين لظاهر هذه الآية، وقوله وزيد منهم أي من أمته، وقوله خبر مبتدأ تقديره هو وقوله من عرفتم الخ في نسخة أب من غير وراثة، والنصب مع التخفيف بتقدير كان أو للعطف بالواو وقيل يتعين الأوّل. قوله. (وآخرهم) هو على قراءة الكسر لأنه اسم فاعل بمعنى الذي ختم، وقوله أو ختموا به على قراءة الفتح لأنه اسم آلة لما يفعل به كالطابع لما يطبع به والقالب، وإن كان مآل معناه للآخر أيضاً فقوله على قراءة عاصم قيد للثاني. قوله: (ولو كان له ابن بالغ الخ (كذا في الكشاف ورده في الكشف ومنعه بعضهم فقال الملازمة ممنوعة إذ كثير من أولاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونوا أنبياء فإنه أعلم حيث يجعل رسالاته والحديث على تقدير صحته لا يدل على كليته التي هي المدّعي (أقول) إمّا صحة الحديث فلا شبهة فيها لأنه رواه ابن ماجه وغيره كما ذكره ابن حجر، وأمّا الكلية فليس مبناها على اللزوم العقلي والقياس المنطقي بل على مقتضى الحكمة الإلهية، وهي أنّ الله أكرم بعض الرسل بجعل أولادهم أنبياء كالخليل ونبينا صلى الله عليه وسلم أكرمهم وأفضلهم فلو عاس أولاده اقتضى تشريف الله له ذلك وأمّا كونه يجوز أن يكون أبا رجل ولا يكون نبيا لعدم وصوله لسن النبوّة يعني الأربعين فليس بشيء لأنّ تعين ذلك السن للنبوّة غير متعين، ولا يتوقف عليه كما يتبادر إلى الذهن من غير نظر لما جرت به العادة في الواقع، ثم أجاب عن الملازمة في الكشف بأنها مستفادة من الآية لأنه لولاها لم يكن للاستدراك معنى إذ لكن تتوسط بين متقابلين فلا بد من منافاة بنوّتهم له لكونه خاتم الرسل، وهو إنما يكون باستلزام بنوّتهم لنبوّتهم ولا يقدح فيه قوله رسول الله كما يتوهم لأنه لو سلم رسالتهم لكانت إما في عصر. وهي تنافي رسالته أو بعده، وهي تنافي خاتميته وقد تكلف بعض أهل العصر لتوجيه الاستدراك الغث والسمين، وقد يقال الاستدراك يكفي فيه أنه لما كان عدم النسل من الذكور يفهم منه أنه لا يبقى حكمه، ويدوم ذكره استدراك بما ذكر، أو أنه لما نفيت أبوته مع اشتهار أن كل رسول أب لأمته ربما يوهم نفي رسالته فاستدرك ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 فعلم منه أنّ المنفي الأبوّة الحقيقية، وما قيل من أنّ قوله لو كان له ابن بالغ ناظر إلى الوجه الأوّل من الجواب عن النقض، وأما على الثاني فيجوز أن يقال كما أنّ قوله رسول الله يفيد كونه أبا لأمته من الحيثية التي ذكرها يفيد قوله خاتم النبيين امتداد هذه الأبوة إلى القيامة، وهذا لا يحصل من قوله رسولط الله وهو دفع لما أورد من أنّ الثاني لا ينتظم مع التأكيد يعني أنه لما قال إنه ليس أبا حقيقيا قال لكنه أب من حيث شفقته فما ذكر مؤكد للأبوة المثبتة لا للمنفية إذ لا يتعين ذلك فإنّ قوله رجاله لا رجالكم الخطاب فيه للأمة وأولاده من أمته فيدخلون في رجالكم (قلت (هذه مغالطة باردة لأن الإضافة للعهد الخارجي فالمراد به من أولاده لا من أولادكم. قوله: (ولا يقدح فيه نزول عيسى الخ) أي لا يقدح في كونه خاتم النبيين ما ذكر، وقيل عليه كونه على دينه لا ينافي استقلاله في الرسالة كما لم يناف ذلك أوّل بعثته مع أمره بالعمل بالتوراة فالجواب هو أنه كان نبيا قبله لا بعده فلا ينافي كونه خاتماً للأنبياء على معنى أنه آخرهم بعثة، والجواب بأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله جواب واحد وقدم قوله لأنه الخ اهتماماً به، ثم أشار بمع الدالة على المتبوعية إلى أن ما بعدها هو العمدة في الجواب وسياق المصنف رحمه الله ينادي على خلافه فالظاهر أن المراد من كونه على دينه انسلاخه عن وصف النبوّة، والرسالة بأن يبلغ ما يبلغه عن الوحي وإنما يحكم بما يلقي عن نبينا، ولذا لم يتقدم لإمامة الصلاة مع المهدي فلا يتهم ورود ما ذكر بوجه. قوله: (ينلب الأوقات) يعني أنّ كثرته بالعدد وكونه في أغلب الأوقات فجعل الأوقات مغلوبة مجازا وبجوز نصب الأوقات على الظرفية أي يغلب على غيره في الأوقات، وقوله ويعمّ الأنواع يعني إنّ كثرته بكثرة أنواعه، وقوله بما هو أهله في نسخة أنواع ما هو أهله وهما بمعنى، والجملة صفة ذكراً مفسرة له والضمير المرفوع لله والمجرور للموصول، وهو أولى من عكسه وان جازوا لتمجيد التعظيم بما يليق فهو من ذكر العام بعد الخاص. قوله: (خصوصاً) إشارة إلى أنه يجوز أن يراد العموم كما يقال صباحا ومساء بمعنى دائما. قوله: (لكونهما مشهودين) أي يحضرهما ملائكة الليل والنهار لالتقائهما فيهما، وهذا يدل على فضلهما وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار " فدلالته على ما ذكر محل نظر، وقوله لأنه العمدة إذ هو تنزبه وتخلية مقدمة على غيرها، وقوله وقيل الفعلان أي اذكروا وسبحو. ومرضه لأنه على تفسيره بغلبة الأوقات يكون شاملا لهما فلا حاجة لتعلقه بالأوّل على التنازع. قوله: (وقيل المراد بالتسبيح الصلاة) بإطلاق الجزء على الكل ومرضه لأنه تجوز من غير ضرورة. قوله: (وملانكتة) معطوف على الضمير في يصلي للفصل بينهما لا على ما هو، وقوله بالرحمة تفسير لصلاة الله بالاستغفار لصلاة الملائكة كما هو المشهور، وقوله والاهتمام الخ راجع لهما يعني أن المراد بالصلاة هنا معنى مجازي شامل لهما فهو من عموم المجاز لا من استعمال اللفظ في معنييه، وان كان جائزا في مذهبه لكن الاهتمام من الله يقتضي رحمتهم ومن الملائكة يقتضي الاستغفار لهم، واليه أشار بقوله والمراد الخ وهو مراد صاحب الكشاف كما حمله عليه الطيبي رحمه الله وان كانت عبارته ظاهرة في خلافه فلا يرد عليه أنه مخالف لمذهبه فيحتاج إلى ما وجهه به شراحه من أنّ الفاعل لتعدده يصيره كتعدد لفظ يصلي، وهو مخالف لكلامهم، أو هو من المشاكلة كقوله خذوا حذركم وأسلحتكم وان كان لكل وجهة. قوله: (مستعار) أي لفظ الصلاة بمعنى الدعاء لأنه الأشهر، والمراد بالاستعارة معناها المشهور فإنّ العناية تشبه الدعاء لمقارنة كل منهما للميل، أو المعنى اللغوي ليشمل المجاز المرسل لأنّ الدعاء مسبب عن العناية فذكر المسبب وأريد السبب. قوله:) وقيل الترحم) معطوف على قوله والمراد بالصلاة الخ أي المراد بها هنا الترحم وأصله عطف صلويه، وهما عرقان في منتهى الفخذ ينعطفان من المنحنى ومنه المصلى في خيول الحلية لأن رأسه محاذية لصلا ما يقدمه، ثم وضعت للصلاة المعروفة لما فيها من الانحناء والانعطاف في الركوع والسجود، وصارت حقيقة مشهورة فيها، ثم تجوز بها من الانعطاف الصوري إلى الانعطاف المعنوي، وهو الترحم والرأفة وقال الطيبي هذا أقرب لقوله: {لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [سورة الحديد، الآية: 9] الخ لأنه نص عليه بقوله وكان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 بالمؤمنين رحيما فدلّ على أن المراد بالصلاة الرحمة، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه بقوله في تفسيره حتى اعتنى الخ لكنه عدول عن الظاهر. قوله: (واستغفار الملائكة الخ (إشارة إلى أنّ استغفارهم أي دعاءهم بالمغفرة داخل فيه لأنه ترحم عليهم وسبب لرحمة الله لهم، وقوله من ظلمات الكفر الخ إشارة إلى أنّ الظلمات والنور هنا استعارة، وإنافة قدرهم بمعنى إعلائه وتشريفه، وقوله واستعمل الخ بيان لدخول صلاة الملائكة فيه لأنه تذييل لهما. قوله:) من إضافة المصدر إلى المفعول) وبجوز أن يكون مضافاً للفاعل والمعنى يحيي بعضهم بعضاً به والمحيي لهم على الأوّل الملائكة أو الله، وقوله إخبار أي لادعاء لأنه أبلغ هنا على إضافته للمفعول، وقوله سلام المراد به لفظه وهو خبر تحية هنا فلا يتوهم أنه جملة أخرى مع أنه لا محذور فيه وقوله ولعل اختلاف النظم إذ عدل عن الاسمية في تحيتهم سلام إلى الفعلية في أعد الخ، والمبالغة في التعبير بالماضي الدال على التحقق، والظاهر أنّ الأعداد مقدم على الدخول واقع أوّلاً فالعدول لموافقة الواقع فتأمّل. قوله: (ونجاتهم) أي هدايتهم بدليل قوله بعد. وضلالهم فعبر عن السبب بالمسبب، وقوله وهو حال مقدرة لأنه لم يكن وقت الإرسال شاهداً إذ الشهادة عند التحمل والأداء، وتخصيص كونها مقدرة بهذا يشير إلى أنّ ما بعده ليس منها كما صرّح به في الكشف فيجعل الإرسال ممتذ التحقق المقارنة، وعليه لا تتحقق الشهادة بالتحمل وحده كما قيل لأنه إذا لوحظ امتداده وأطلقت الشهادة على التحمل فقط يكون هذا مقارناً أيضا وكونه خلاف العرف فيه نظر ويجوز أن لا يعتبر الامتداد وتكون مقدرة في الكل وليس في كلامه ما ينافيه. قوله تعالى: ( {وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} الم يقل ومنذراً بل عدل إلى صيغة المبالغة لعموم الإنذار للمؤمنين العاصين والكافرين وخصوص الأوّل بالمؤمنين، ولذا قدم لشرفهم ولأنه المقصود الأصلي إذ هو صلى الله عليه وسلم إنما أرسل رحمة للعالمين على أنه جبر ما فيه من المبالغة بقوله وبشر المؤمنين. قوله: (بتيسيره الخ (يعني أن الإذن هنا مجاز عن التيسير والتسهيل لأنّ من أذن له في أمر يسهل عليه الدخول فيه لا سيما إذا كان الاذن هو الله لأنه إذا أذن في شيء فقد أراده، وهيأ أسبابه ولم يحمله على حقيقته وان صح هنا أن يأذن له الله حقيقة في الدعوة لأنّ قوله أرسلناك يدل على الإذن فهذا أتم فائدة، وقوله أطلق له أي أطلق الإذن على التيسير مجازا مرسلاً لأنه سببه، ولم يقل استعمل فيه ليطابق قوله قيد به أي بالإذن إشارة إلى تعلقه بدا عيادون ما قبله وإن جاز رجوعه للجميع لكن صعوبة الدعوة تناسب التخصيص. قوله: (يستضاء به الخ) قال الفاضل اليمني إنه تشبيه إمّا مركب عقليّ أو تمثيليّ منتزع من عدّة أمور أو مفرّق وكلام المصنف رحمه الله محتمل للوجوه أيضاً فيشبه في ذاته بالسراج، وما يدعو إليه بالنور أو المجموع بالمجموع وقوله يستضاء به بالنسبة للضالين، وقوله يقتبس بالنسبة للمهديين ولم يلتفت إلى ما جوّزه الزمخشريّ من جعل السراج المنير القرآن لما فيه من التكلف. قوله: (على سائر الآمم) متعلق بفضلا على أنه بمعنى زيداً لأن أصل معنى لفضل الزيادة ولو جعل بمعنى العطاء والإحسان لم يحتج إلى ما ذكر، وقوله جزاء أعمالهم في نسخة أجر أعمالهم وهما بمعنى واحد وجعله عطفاً على أمر مقدر لئلا يعطف الإنشاء على الخبر حتى يجعل من عطف القصة، أو يجعل المعطوف عليه في معنى الأمر لأنه في معنى إدعهم مبشراً ومنذراً وبتقديره أيضا تتم المقابلة واللف والنشر كما سيأتي، وقوله تهييج الخ لأنه لم يطعهم حتى ينهى أو هو لأمّته، وقوله إيذاءهم الخ يعني على أنّ المصدر مضاف للفاعل أو المفعول، وتحتفل بمعنى تبال وقوله ولذلك أي لحمله على الثاني وكون إيذاء بمعنى أذى ذكره الراغب فلا عبرة بقوله في القاموس لا تقل إيذاء وقد تقدم تفصيله. قوله: (ولعله ثعالى لما وصفه الخ) يعني أنه تعالى وصفه بخمس صفات من قوله شاهداً إلى منيراً وقابل كلاً منها بما يقتضيه فقابل الشاهد براقب المقدّر لأنّ الشاهد لا بدّ له من مراقبة ما يشهد عليه، وقوله كالتفصيل يعني فيدلي عليه ويغني عنه والمبالاة معطوف على مراقبة وهو مبنيّ على الأوّل في أذاهم، وقد قيل عليه إنه كذا وقع في جميع النسخ لكنه تصحيف عن موافقة فانه المناسب لقوله ولا تطع ولا حاجة إليه فإنّ المراقبة الاحتراز كما في كتب اللغة، وهي تقتضي الخوف والمبالاة فاستعمل في لازم معناه فلذا عطف عليه، والمبالاة ليبين المراد منه، وقوله بالاكتفاء يعني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 في قوله وكفى بالله وكيلاً، ومن أناره الله هو الرسول صلى الله عليه وسلم وبرهاناً حال أو مفعول ثان لتضمنه معنى الجعل، وقوله يكتفي أي بالله عما سواه وهو موافق لما في الكشاف في غير تقدير المراقبة، ومقابلتها للشاهد. قوله: (بألف الخ) أي تماسوهن، وقوله من عددت يعني أنه مطاوعه، وقوله أو تعدونها فافتعل بمعنى فعل وقوله حق الأزواج قيل عليه ليس كذلك بل هي حق الولد والشرع، ولذا لا تسقط بإسقاطه كما صرّحوا به وليس بشيء لأنه ليس المراد أنها صرف حقه بل أنّ نفعها وفائدتها عائد عليه لأنها لصيانة مائه ونسبه الراجع إليه، وهو لا ينافي كون الشرع والولد له حق فيها يمنع إسقاطها مع أنّ بعض حقوق العبد لا تسقط بإسقاطه كما بين في الفروع. قوله: (وعن ابن كثير الخ الم يذكر هذه القراءة في النشر، وقال ابن عطية إنها لم تصح عن ابن كثير وردّه في الدر المصون، وقوله على إبدال الخ قيل عليه إنه تخريج غير صحيح لأنّ عد يعد من باب نصر كما في كتب اللغة فلا وجه لفتح التاء لو كنت مبدلة من الدال فالظاهر حمله على حذف إحدى الدالين تخفيفاً، وأمّا حمل كلام المصنف عليه فلا تساعده العبارة، وقوله تعتدون فيها إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال في هذا الوجه. قوله: (وظاهره) أي ظاهر النظم لتقييده، وجوب العدة بالمماسة ونفيه قبلها وعند عدمها وليس هذا من مفهومه حتى يقال إنا لا نقول به كما توهم لأنه منطوق صريح لكن ما ذكروه مبنيّ على تفسير المس بالجماع، وقد قيل إنّ حقيقته اللمس فالنص ساكت عن الجماع والخلوة إلا أنه لم يرد ظاهره حتى لو مسها بيده في غير خلوة لم تلزم العدّة بلا خلاف فدلّ ذلك على أنه يكنى به عن معنى آخر من لوازم الاتصال فهو الجماع، وما في معناه من الخلوة الصحيحة قيل ولكون منطوقه ساكتا عنهما سماه بعضهم مفهوماً، وما قيل من أنه لا تجب ديانة حتى لو تزوّجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها، وإنما تجب قضاء فلا يصدقها القاضي لوجود المقتضى وانتفاء المانع لا يخفى بعده وهو وان نقله فقهاؤنا فقد صرّحوا بأنه لا يعوّل عليه والعجب من المحشي أنه أجاب به مع نقل كلامهم فالحق ما سمعته أوّلاً. قوله: (وتخصيص المؤمنات الخ) يعني أنه لبيان الأخرى والأليق بعدما فصل في البقرة نكاح الكتابيات، وقوله والحكم عامّ حال، وقوله وفائدة ثم الخ يعني نفي العدة مع تراخيه وبعد مدته لأنه ربما يتوهم أنّ له دخلا في إيجاب العدة كالخلوة لاحتمال الملاقاة سراً، وقوله ريثما تمكن الإصابة أي مقدار إمكانها وتأثيره في النسب إذا ادّعت أنّ ما ولد لها منه ومضى زمن مدة الحمل. قوله: (ويجورّ أن يؤوّل التمتيع الخ) أي يحمل الأمر بالمتعة هنا على ما يعمّ نصف المهر والمتعة المعروفة في الفقه على أنها بمعنى العطاء مطلقاً فيكونا لأمر عليهما للوجوب أو تحمل المتعة على معناها المعروف، والأمر على ما يشمل الوجوب والندب بناء على استحبابها لغير المفروض لها، وهو قول الشافعيّ الجديد وفي القديم أنها واجبة وعندنا مختلف فيه فبعضهم على الاستحباب وآخرون على نفي الاستحباب والوجوب ووقع لصاحب الهداية سهو في هذه المسألة في قوله وتستحب المتعة لكل مطلقة لا لمن طلقها قبل الدخول، وقد سمي لها مهراً فإنّ الصواب ولم يسم لها مهرا كما قاله الفاضل المحشي، وقوله أخرجوهن الخ أصل التسريح الإخراح للرير، ثم شاع فيما ذكر وقوله ولا يجوز تفسيره الخ أي السراح الجميل، وقوله مرتب على الطلاق لعطفه على متعوهن الواقع بعد الفاء فيلزم رتب الطلاق السنيّ على الطلاق ولا وجه له. قوله: (والضمير لغير المدخول بهن) يعني فلا يمكن أن يكو طلاقاً آخر مرتبا على الطلاق الأوّل لأنّ غير المدخول بهن لا يتصوّر فيها لحوق طلاق بعد طلاق آخر مع أنها إذا طلقت بانت. قوله: (لأنّ المهر) بيان لوجه إطلاق الأجر عليه، وقوله لإعطائها أي الأجور معجلة قبل الدخول كما يفهم من معنى آتيت ظاهراً، وان جاز أن يؤوّل الإعطاء أوّلاً بالإعطاء، وما في حكمه كالتسمية في العقد كما في الكشاف كما جعل إعطاء الجزية شاملا لالتزامها في قوله حتى يعطوا الجزية إذ كل منهما لا يمكن إبقاؤه على ظاهره، وجعل وجه التخصيص عليه أيضاً اختياراً للأولى، وهو التسمية لأنه أولى من تركها وان جاز العقد بدونها وعليه مهر المثل، وظن بعضهم لعدم فهم مراده مع ظهوره أنّ بين طرفي كلامه تدافعا وهو من بعض الظن نعم ما فعله المصنف أظهر، وأحسن وكون التعجيل أفضل لبراءة الذمّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 وطيب النفس معروف مشهور. قوله: (بكونها مسبية) أي باشر سباءها وشاهده، وقوله لا يتحقق بدء أمرها لجواز كون السبي ليس في محله ولذا نكح بعض المتورّعين الجواري بعقد بعد الشراء مع القول بعدم صحة العقد على الإماء لكنه قيل إنه يشكل بمارية رضي الله عنها فإنها لم تكن مسبية وعندي أنه غير وارد لأنّ هدايا أهل الحرب للإمام لها حكم الفيء، ولذا أمر السلطان بوضعها في بيت المال، وتقييد بالجرّ عطف على قوله كتقييد والقرائب جمع قريبة، والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كقوله أسلمت مع سليمان قال أبو حيان رحمه الله يقال دخل فلان معي وخرج معي إذا كان عمله كعمله دمان لم يقترنا في الزمان، وهو كلام حسن. قوله تعالى: ( {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} ) الآية قد سئل كثيراً عن حكمة أفراد العمّ والخال دون العمة، والخالة حتى إنّ السبكيّ رحمه الله صنف جزأ فيه سماه بذل الهمة في أفراد العئم وجمع العمة وقد رأيت لهم فيه كلمات ضعيفة كقول الرازي أنّ العمّ والخال على زنة المصدر وقيل إنه يعمّ إذا أضيف والعمة، والخالة لا تعمّ لتاء الوحدة، وهي إن لم تمنعه حقيقة تأباه ظاهراً ولا يأباه قوله في سورة النور {بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ} لأنه على لأصل وأحسن منه ما قيل إنّ أعمامه صلى الله عليه وسلم العباس وحمزة رضي الله عنهما وأبو طالب وبنات العباس كن ذات أزواج لا يليق ذكرهن، وحمزة رضي الله عنه أخوه من الرضاع لا تحل له بناته، وأبو طالب ابنته أمّ هانئ لم تكن مهاجرة ومعنى كلام المصنف أن النساء المهاجرات أفضل من غيرهن فلذلك خصصن بالذكر لا لأنّ من لم يهاجر يحرم عليه، وهو أحد قولين في المسألة. قوله: (ويحتمل تقييد الحمل بذلك في حقه خاصة) هذا هو القول الثاني قال السيوطي رحمه الله في خصائصه الصغرى مما حرّم عليه صلى الله عليه وسلم خاصة نكاح من لم تهاجر في أحد الوجهين انتهى، وفي بعض شروح الكشاف أنه حرّم عليه، ثم نسخ فقد علمت أنّ فيه قولين عندهم ذكراً في الحديث وكتب الشافعية فما قيل عليه من أنّ كونه للتقييد، وما قبله لبيان الأفضل يفيد معارضة في النقل، وهي لا تمنعه مما لا ووجه له. قوله:) ويعضده) أي يعضد القول الثاني ومن ذهب إلى خلافه يقول بعد تسليم صحة هذا الخبر هذا فهم من تول أم هانئ لا رواية عنه صلى الله عليه وسلم أو المراد إنهن يشبهن المحرّمات لاختياره الأفضل منهن، وأمّ هانى اسمها فاختة، وقوله فاعتذرت إليه أي قالت له صلى الله عليه وسلم إني مصيبة أي ذات صبية وأطفال والطلقاء من أسلم بعد فتح مكة كالطلقى لكون النبيّ صلى الله عليه وسلم من عليهم وأطلقهم عامّة دون أسر لهم، والطليق الأسير الذي يطلق ووقع في بعض النسخ من الطلقى، وهو الأصح فنزول هذه الآية يكون بعد الفتح، ويكون قوله خالصة متعلقاً بقوله أحللنا كما سيشير إليه. قوله: (نصب بفعل يفسره ما بعده) وفي نسخة ما قبله، وهي أصلح ولذا اقتصر عليها القاضي زكريا وتقديره ونحل لك امرأة وإنما قدره لما ستعمله في الوجه الآتي وتقديره مضارعا أولى لما سيأتي ومن قدر أحللنا فهو مستقبل أيضاً لوقوعه جوابا للشرط فلا يرد عليه أنه لو صح تعلقه بأحللنا لم يحتج للتأويل كما قيل، وقوله ولا يدفعه أي يدفع نصبه بالعطف على ما قبله بأحللنا إن امرأة موصوف بهذين الشرطين، والفعل بعد الشرط مستقبل، وان كان لفظه ماضيا سواء الشرط والجواب وأحللنا ماض معنى فلا يصح كونه جوابا ولا قائما مقامه كما قاله أبو البقاء والجواب إن أحللنا بمعنى أعلمنا بالحل، وهو مستقبل كما تقول أبحت لك أن تكلم فلانا إن سلم عليك والتأويل به يكون بالنسبة للجميع لا للأخير فقط فإنه مع ما فيه من الجمع بين الحقيقة، والمجاز تعسف لكون لفظ واحد ماضيا ومستقبلاً معا وهو بعيد (وفيه بحث) فإنّ الإعلام بحل ذوات الأجور على هذا قد مضى إليها فالمحذور باق إلا أن يراد تجرّده عن الزمان المخصوص، والمعنى نعلمك بحل كل من هذه بعد وقوعه كما قيل، ولا يخفى ما فيه وأمّا حمل قوله إن وهبت على الحال أو النعت أي مفروضة أو مقدورة فلا يحتمله كلام المصنف رحمه الله ولا وجه لحمله عليه فتأمّل. قوله: (إن اتفق) وقوع هبة له، وهو إشارة إلى القول بعدم وقوعه أو وقوعه مع عدم قبوله على ما ذكر. بعض شراح الكشاف، وقوله ولذلك نكره أي امرأة مؤمنة إذ ليست معلومة وأيضاً إن الدالة على أنه أمر مفروض تشير لذلك. قوله: (ميمونة الخ) ميمونة بنت الحرث توفي زوجها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 فتزوّجها النبيّ صلى الله عليه وسلم سنة سبع، وأمّ شريك بنت جابر طلقها النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها، وكانت وهبت نفسها له صلى الله عليه وسلم وخولة بنت حكيم وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأرخاها فتزوّجها عثمان بن مظعون بإذنه، وقوله أو مدة إن وهبت فيكون في محل نصب على الظرفية وأكثر النحاة لا يجيزونه في غير المصدر الصريح كآتيك خفوق النجم، وغير ما المصدرية فقول المصنف إنه كقولك ما دام الخ غير متجه إلا أنّ من النحويين من أجازه، وقد جوّز في هذه القراءة أن يكون بدلاً من امرأة. قوله: (شرط للشرط الأوّل) يعني أنّ الشرط في مثله قيد للأوّل، ولذا أعربه النحاة حالاً لأنها قيد واشترط الفقهاء تقدم الثاني في الوجود حتى لو قال إن ركبت إن أكلت فأن طالق لا تطلق ما لم يتقدم اكل على الركوب ليتحقق تقييد الحالية لكن السمين استشكله بما هنا لأنهم جعلوه بمنزلة القبول لأن القصة في الواقع كذلك على ما عليه عامّة المفسرين فمن غير القبول في عبارة المصنف بالإيجاب لينطبق على القاعدة لم يصب، ثم قال إنه غرضه على علماء عصره فلم يجدوا مخلصا منه إلا بأنّ هذه القاعدة ليست بكلية بل مخصوصة بما لم يقم قرينة على تأخر الثاني كما في نحو إن تزوّجتك إن طلقتك فعبدي حرّ فإنّ الطلاق لا يتقدّم التزوّج، وما نحن فيه من هذا القبيل، ثم قال فمن جعل الشرط الثاني هنا مقدما لم يصب فإرادة طلب النكاح كناية عن القبول، وليس المراد بها الإرادة المتقدمة. قوله: (والعدول عن الخطاب) في قوله بنات عمك الخ وقوله مكرّراً أي لفظ النبيّ، وقوله الرجوع إليه أي إلى الخطاب، وقوله لأجله أي لأجل شرف النبوّة وهذا شامل لتخصيص الله له بهذا ولهبتهن أنفسهن فإنه لم يكن حرصاً على الرجال بل على الفوز بشرف خدمته، والنزول في معدن الفضل فيرتفع ما في هبتهن الصادر من عائشة غيرة عليه سك! ب! فليس محل هذا العدول بعد قوله خالصة لك، وليس هذا محل تقرير النبوّة كما توهم. قوله: (واحتج به) أي بقوله خالصة لكونه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه لأبي حنيفة رحمه الله، وقوله لأنّ اللفظ تابع للمعنى يعني لما خص به جواز المعنى خص به جواز اللفظ، وعليه منع ظاهر فالآية لا تصلح دليلا لا لنا ولا لهم لأنّ معنى وهبت ملكت بعضها بلا مهر بأفي عبارة كانت إن اتفق ذلك، وحيث لم يكن هذا نصا في كون تمليكه بلفظ الهبة لم يصلح لأن يكون دليلا على صحة النكاح بلفظ الهبة خصوصاً إذا كان من خواصه صلى الله عليه وسلم وادّعاء الاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل فكيف يصح استدلال أبي حنيفة على الشافعيّ بهذه الآية كما فصله شرّاح الكشاف والحق أبلج، ولهم في هذا المقام كلام طويل أكثره مدخول فلذا تركناه. قوله: (والاستنكاح طلب النكاح) هذا أصل معناه لغة، وقد مرّ أنّ المراد به القبول هنا فسقط ما قيل إن الأولى تفسيره بالنكاح لأن الاستفعال يجيء بمعنى الثلاثيّ ولا تكرار فيه كما توهم ولا ركاكة بناء على أنّ حاصله طلب القبول، وقوله مصدر مؤكد أي للجملة قبله كوعد الله وصبغة الله، وفاعلة غير عزيز في المصادر كما قاله الزمخشريّ: وقوله أو إحلال ما أحللنا لك فإن كان معناه لا تحل أزواجه واماؤه لأحد بعده ورجع لما تقدم لم يبق فيها متمسك للشافعيّ أصلاً وشرائط العقد مفصلة في الفقه، وقوله حيث لم يسم أي يعين ويعلم منه وجوبه إذا سمي بالطريق الأولى. قوله: (من توسيع الأمر فيها) بعدم تعيين العدد كالحرأئر، وقوله كيف ينبغي الخ معمول علمنا أي علمنا ما ينبغي فيه وفعلناه على مقتضى علمنا وحكمتنا، وقوله اعتراض خبر أي قوله علمنا إلى هنا جملة معترضة بين التعليل، والمعلل وقوله لا لمجرّد قصد التوسيع عليه والعلة وان دلت على أنه للتوسيع بصريحها لكن الاعتراض الدال على أنّ الفرق بينه وبين العباد على ما ينبغي من الحكمة دال على عدم القصر عليه، وهذه الدلالة عند الاعتراض أقوى من التأخير ولو جعل الاعتراض لتقرير الخلوص جاز أيضاً والتوسيع في زيادة العدد، والتضييق في مغ غير المهاجرات معه، وقوله لما يعسر التحرز عنه أو لما يشاء وهو الأولى. قوله: (تؤخرها) بتأخير قسمها لأنه رخص له فيه في قول أو بترك مضاجعتها فما بعده تفسير له، وكذا قوله تضم إليك أي في القسم أو المضاجعة، وقوله بالياء أي بدل الهمزة ومعناه تؤخر أيضاً، وقوله أو تطلق هو تفسير ابن عباس رضمي الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 عنهما قيل وهو تمثيل إذ لا مانع من إرادة الجميع، وقوله في شيء من ذلك أي المذكور قيل ظاهره أنه جعل من ابتغيت عطفاً على من تشاء الثاني، والمراد غير المطلقة بقرينة المقابلة ولا يخفي قلة فائدته والعموم لا يمنع ما جوّز فيه من كون من هذه شرطية منصوبة بما بعدها، وقوله فلا الخ جوابها أي من طلبتها من النسوة التي عزلتها فليس عليك في ذلك جناح ويجوز كونها موصولة، والجملة خبرها والتقدير من ابتغيتها لا جناح عليك في ابتغائها، وقيل فيه حذف معطوف أي ممن عزلت ومن لم تعزل سواء لا جناج عليك كما تقول من لقيك ممن لم يلقك جميعهم لك شاكر ولا يخفى بعده وقد جوّز في من أن تكون بدلية لا سيما إذا كانت الآية الثانية منسوخة بها. قوله: (ذلك التفويض) أو الإيواء والأوّل أنسب لفظاً لأنّ ذلك للبعيد وهذا معنى لأن قزة عيونهن بالذات إنما هي بالإيواء، وأقرب تفسير أدنى، وقوله إلى قرّة إشارة إلى أنه على نزع الخافض وهو قياسي فيه، وقوله عيونهن إشارة إلى أنّ جمع القلة أريد به الكثرة هنا وهو جائز، وقوله قلة حزنهن إشارة إلى أن مع الترجيح لا يخلون من حزن مّا ولذا قال والله يعلم ما في قلوبكم للتهديد وقيل القلة بمعنى النفي اختيرت لمجانسة القرّة، والأوّل أظهر، وقيل إنه! هـ مع تفويض القسم له لم يترك التسوية أصلاً كرما منه إلا لسودة رضي الله عنها فإنها وهبت نوبتها لعائشة رضي الله عنها، وقوله فتطمئن نفوسهن أي لكونه بأمر الله ولأنّ الله سوى بينهن لكنه فوّض له ما يقتضيه شأنه، وقوله تأكيداً لهن أي من آتيتهن إما على أنّ الإشارة للإيواء فظاهر، وأمّا إذا كان للتفويض فآتيتهن بتأويل صنعت معهن فيعم ترك القسم والمضاجعة، وقوله فاجتهدوا أي جدوا في تحسين ما في القلوب من الرضا والنية الحسنة. قوله:) بذات الصدور) خصه للتصريح به في غير هذا المحل ولقوله قبله ما في قلوبكم، وقوله فهو حقيق بأن يتقي لأنّ غضب الحليم أعظم فانتقامه أشدّ، وقوله تأنيث الجمع غير حقيقي وقد وقع الفصل أيضا والمراد بالنساء الجنس الشامل للواحدة ولم يؤت بمفرد لأنه لا مفرد له من لفظه، والمرأة شامل للجارية وليست بمرادة هنا واختصاص النساء بالحرائر بحكم العرف، فما قيل إنه لا دلالة على ما ذكر والاستثناء دال على خلافه ليس بشيء ولا يلزمه كون الاستثناء منقطعا على أصل اللغة ولو التزم لا محذور فيه. قوله: (من بعد التع (بناء على أنه حزم عليه ما فوقها وهو قول لهم، وقوله أو من بعد اليوم أخره لأنه ليس لقوله ولا أن تبدل بهن فائدة تامّة، وقوله من مزيد الخ فيشمل النهي تبدل الكل والبعض، وقوله حسن الأزواج فالضمير على تفسيره للأزواج والمراد بهن من يعرضن بدلاً من أزواجه فتسميتهن أزواجاً باعتبار ما يعرض مآلاً والداعي له إن الباء تدخل في المتروك دون المأخوذ فلو كانت داخلة على المأخوذ كان ضمير بهن للنساء وكانت الأزواج على ظاهرها أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير تجوز وكان ضمير حسنهن للنساء لا للأزواح، وهو أسلم من التكلف والداعي له ما ذكرنا وسيأتي تفصيله في سورة سبأ. قوله: (لتوغله قي التنكير) هذا مخالف لكلام النحاة فإنهم جوّزوا الحال من النكرة إذا وقعت منفية لأنها تستغرق فيزول إبهامها كما صرّح به الرضى فما ذكره مقتض. لا مانع، وأما ما قيل من أن منع التنكير لذلك للزوم التباس الحال بالصفة، وهو مندفع بالواو فليس له وجه لأن المصنف تابع للزمخشريّ في جواز دخول الواو على الصفة لتأكيد لصوقها كما صرّحوا به، وأما كون ذي الحال إذا كان نكرة يجب تقديمها فغير مسلم في الجملة المقرونة بالواو لكونه بصورة العاطف. قوله: (وتقديره مفروضاً إعجابك الخ) دفع لما يتوهم من أن لو تقتضي امتناع مدخولها والحال تدل على ثبوت أمر لذيها فبينهما تناف بأنه مؤوّل بوصف وجودي، وهو ما ذكر له، وقوله في أنّ الآية الدالة على عدم حل النساء له بعد ذلك منسوخة أم لا والناسخ إنا أحللنا كما قيل أو قوله تؤوي الخ كما ذكره المصنف رحمه الله لكنه على تفسيرها بالطلاق، وعدمه وتقدير تأخير نزولها إذ لا يمكن النسخ مع التقدّم فقول بعضهم إنه من الأعاجيب إذ نسخت آية متقدمة آية متأخرة نظر الظاهر ترتيب المصحف والا فهو غير متصوّر، ووجه النسخ على تفسيرها بتطلق من تشاء إنه يدل بعمومه على أنه أبيح له الطلاق، والإمساك لكل من يريد فيدل على أنه له تطليق منكوحاته، ونكاح من يريد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 من غيرهن إذ ليس المراد بالإمساك إمساك من سبق نكاحه فقط لعموم من يشاء وقوله تؤوي ليس مقيدا بمنهن ولا حاجة إلى جعل ما ذكر هنا قرينة على إرادة ذلك كما توهم. قوله: (وقيل الخ) مرضه لأنّ بعد بمعنى غير حينئذ ولا إن تبدل تكرير للتأكيد والاستثناء لا يخلو من شيء لاندراج مملوك اليمين في الأربعة السابقة. قوله: (وقيل متقطع الاختصاص الشاء بالحرائر في الاستعمال كما مر وتبديلهن أزواجاً كالصريح فيه. قوله: " لا وقت أنّ يؤفإن لكم) يعني أن هذا أصله فحذف المفماف وحل المضاف إليه محله فانتصب على الظرفية وفي انتصاب المصدر غير الصمريح وغير ما فيه ما الدوامية على الظرفية قولان للنحاة أشهرهما أنه لا يجوز وقد جوّزه بعضهم فاعتراض أبي حيان ومن تابعه ليس بشيء ومن توهم إن حذف المضاف غير النصب على الظرفية فقد زاد في الطنبور نغمة. قوله: (أو إلا مأذوناً لكم) أي المصدر المؤوّل باسم المفعول في محل نصب على الحال مستثنى من أعتم الأحوال كما كان ما قبله مستثنى من أعتم الأوقات وهو مفرع فيهما إلا أن في هذا مخالفة لقول النحاة المصدر المسبوك معرفة دائماً كما صرّح به في المغني والحق أنه سطحي وأنه قد يكون نكرة كما قيل في قوله ما كان هذا القرآن أن يفتري معناه مفترى فمن قال كون المصدر بمعنى المفعول غير معروف في المؤوّل لم يصب ويجوز أن يقدر قبله حرف جرّ وهو باء المصاحبة والمعنى إلا مصحوبين بالإذن. قوله: (لأنه متضمن معنى يدعى الأنه يقال إذن له في كذا ولا يتعدى بإلى وقوله وإن أذن أي في الدخول إلى الدار ولو صريحاً ما لم يكن مدعواً للطعام فإنّ كل إذن ليس دعوة إذ الدعوة أخص لأنها الإذن بالدخول واكل فلا وجه لما قيل إنّ الإذن هنا الإذن دلالة كفتح الباب ورفع الحجاب ولزوم الإذن في كل دخول من دليل خارج إذ ليس في الآية ما يقتضي التكرّر كما قاله الزيلعي رحمه الله. قوله: (كما أشعر به الخ) وجه الإشعار أنه حال من فاعل تدخلوا كما صرح به فيفيد أن الإذن المطلق بالدخول من غير إذن في الحضور للطعام لا يكون إذناً بحضوره كما ترى الحكماء يؤذن في الدخول عليهم لحوائج الناس دون حضور مائدتهم فلذا قيد النهي بعدم انتظارهم لإحضار الطعام فيدخلون عند وضعه وقد أذن في الدخول مطلقاً أو لأنّ المدعوّ للطعام لا ينتظره لأنه هيئ له وهذا مع ظهوره قد تكلفوا له ما لا حاجة إليه. قوله: (حال من فاعل لا تدخلوا الخ) وفي الكشاف إنه وقع الاستثناء على الوقت والحال معاً كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين وردّه أبو حيان بأنه لا يقع بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى أو صفته إذ لا لا يتعدّد الاستثناء بأداة واحدة عند الجمهور وأجازه الكسائيّ والأخفش فيجوز ما قام القوم إلا يوم الجمعة ضاحكين والمانعون له يؤوّلون ما ورد منه بتقدير فيقدرون هنا أدخلوها غير ناظرين وهذه الحال يحتمل أن تكون مقدّرة واذا كان أن يؤذن حالاً فهي مترادفة. قوله: (أو المجرور في لكم) فالعامل يؤذن ولا محذور فيه وقوله وهو غير جائز عند البصريين ويجوز عند الكوفيين إذا لم يقع لبس كما هنا ولو أبرز قيل غير ناظر أنتم لا ناظرين أنتم كما قدره الزمخشري فإنه على لغة ضعيفة وتوله مصدر أنى الطعام الخ وقيل إنه بمعنى الوقت والآن وقوله ولا تمكثوا تفسير لقوله تفرّقوا لأنّ التفرّق ليس بلازم حتى لو ذهبوا جميعاً حصل المقصود. قوله: (والآية الخ) يتحينون بالحاء المهملة من الحين أي ينتظرون حين الطعام ويقصدونه وقوله مخصوصة خبر بعد خبر أو حال وقوله وبأمثالهم ممن يفعل مثله في المستقبل فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة وجلس منتظراً للطعام من غير حاجة فلا يفيد النهي عن الدخول بإذن لغير طعام ولا الجلوس لمهمّ آخر ولذا قيل إنها آية الثقلاء وقد قيل بتنازع الفعلين تدخلوا ويؤذن في قوله إلى طعام ولا بأس به وأما ما قيل من إنها عامة لغير المحارم وخصوص السبب له يصلح مخصصاً كما قرّروه وتقيد الإذن بقوله إلى طعام معتبر هنا دون المفهوم فمعناه أنّ الآية ليست مخصوصة بهم نعم يكون وجهاً لتقييد الإذن بائطعام فيندفع وهم إعتبار مفهوم الموافقة عند الحنفية لا المخالفة عند الشافعية حتى يقال أين هذا من ذاك فتأمل. قوله: (لحديث بعضكم بعضا) فاللام تعليلية أو زائدة وقوله بالتسمع له أي سمعه أو استراقه وقوله عطف على ناظرين فهو مجرور ولا زائدة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 ويجوز عطفه على غير فيكون منصوبا كقوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} والفعل المقدر معطوف على المذكور ومستأنسين حينئذ حال مقدرة أو مقارنة، وقوله اللبث فسره به لأنه هو المؤذي له في الحقيقة وأما كونه إشارة إلى الدخول على غير الوجه المذكور فيشمل النظر والاستئناس، أو إليهما باعتبار المذكور فغير ملائم للسياق والسباق، وقوله إشغاله من أشغله وهي لغة، وإن كانت رديئة حتى وقع الصاحب لمن كتب له إن رأى مولانا أن يأمر لإشغالي ببعض أشغاله فوقع له من كتب إشغالي لا يصلح لأشغالي. قوله: (من إخراجكم) يعني أنّ فيه تقدير مضاف، وهو إخراج ب! ليل ما بعده فإنه يدل على أنّ المستحيي منه معنى من المعاني لا ذوإتهم ليتوارد النفي، والإثبات على شيء واحد كما يقتضيه نظام الكلام فمعناه لا يترك تأديبكم والتأديب بإخراجهم لأنه كان يؤذيه ووضع الحق موضمع الإخراح لتعظيم جانبه، كما أشار إليه بقوله يعني الخ وهذا على أنّ الإشارة للبث فإن كانت لغيره قدر المنع عما ذكر، وقيل إنّ فيه مقدراً أي ولا مخرجكم فيستحيي للفاء التعليلية واولاه عطف بالواو ورد بأنّ الفاء إنما تدخل على المسبب ودخولها على السبب بتأويله به فالفاء في محلها وفيما ذكره كثرة الإضمار، وعدم توارد النفي والإثبات على مورد واحد وفيه ما لا يخفى. قوله: (يعني أن إخراجكم الخ) في الكشف يريد أنه لو كان الاستحياء من أنفسهم لقال: {والله لا يستحى منكم} فإن قلت الاستحياء من زيد للإخراج مثلا هو الحقيقة والاستحياء من إخراجه توسع بجعل ما نشأ منه الفعل كأصله وكلاهما صحيح فيصح إيقاع أحدهما موقع الآخر، قلت أراد أنه لا بد من ملاحظة معنى الإخراج فإما أن يقدر الإخراج، ويوقع عليه فيكثر الإضمار ولا يتطابق اللفظ نفيا وإثباتا، وأما أن يقدر المضاف فيقل ويتطابق ومع وجود المرجح وفقدان المانع لا وجه للعدول فلا بد من ذكره وهذا بناء على أنّ الأصل في من أن تدخل على من يحتشمه لا على ما احتشم لأجله، وأما كون أصله يستحيي منكم من إخراجكم والله لا يستحيي منكم من إخراجكم على أنه من الاحتباك فيكاد أن يكون من الهذيان فضلا عن كونه أنسب بإعجاز القرآن كما توهم. قوله: (كما لم يتركه الله ترك الحي) يشير إلى أنّ إطلاق الاستحياء عليه، وإن كان منفياً كما مر على نهج الاستعارة بأنه شبه تركه له على أنه غير مرضي محمود كترك من ترك الفعل لاستحيائه منه أو هو مجاز مرسل استعمل الاستحياء في لازمه، وهو الترك ويجوز أن يكون مشاكلة، وقوله ترك الحي ظاهر في استعارة ومن ردّ على من جوّزها بأن المذكور في النظم الاستحياء لا الترك لم يصب بوجه، والله لا يستحي من الحق وحذف إحدى الياءين لغة شائعة وهي إما الأولى والثانية واعلالها ظاهر. قوله: (روي أن عمر رضي الله عنه الخ) رواه النسائي والحديث الذي بعده أيضاً رواه البخاري والنسائي وما ذكره أحد موافقات عمر رضي الله عنه وهي مشهورة، وقوله المستعيذة بالعين المهملة والذال المعجمة وهي امرأة تزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل بها ورأته قالت أعوذ بالله منك فقال لها: " لقد عذت بمعاذ وطلقها وأمر أسامة فمتعها بثلالة أثواب " وذكر ابن سيد الناس في السيرة في اسمها خلافاً عند ذكر زوجاته التي فارقهن فقيل عمرة بنت يزيد الكلابية، وقيل فاطمة بنت الضحاك الكلابي وقيل غير ذلك، وقوله فهثم عمر رضي الله عنه برجمهما لأنه لا ينعقد النكاج على أمهات المؤمنين فيكون زنا، وتوله قبل أن يمسها يقتضي أنّ المراد بالدخول بها مجامعتها لا مجرّد الخلوة، وهو كذلك وظاهره أنّ هذا الحكم مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم، وقوله على ألسنتكم متعلق بتبدوا. قوله: (وفي هذا التعميم الخ (في قوله بكل شيء وشيئا دون أن يقول به وتبدوه، وقوله مع البرهان أي على إثبات علمه بما يتعلق بزوجاته لأنّ علمه بكل شيء خفي وظاهر يدل على علمه به بطريق برهاني والتهويل المزيد ومبالغة الوعيد لأنّ العالم بتفاصيل كل شيء إذا أرأد العقاب عليه يكون عقابه أشد، وأكثر كما ورد في الحديث: " من نوقش الحساب عذب ". قوله: (أو لأنه كره ترك الخ (هو قول للفقهاء كما نص عليه المفسرون لكنه قيل عليه إنّ هذه العلة، وهو احتمال أن يصفا لأبنائهما وهما يجوز لهما التزوّج بها جار في النساء كلهن ممن لم يكن أمهات محارم فينبغي التعويل على الأوّل. قوله: (من العبيد والإماء (هو مذهب الشافعي رحمه الله ومذهب أبي حنيفة أنه مخصوص بالإماء فمن تبع المصنف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 رحمه الله من الحنفية هنا فقد وهم، وقد مز تفصيله في سورة النور. قوله: (يعتنون بإظهار شرقه (إشارة إلى ما تقدم من أن الصلاة بمعنى الدعاء تجوز بها عن الاعتناء بصلاح أمره واظهار شرفه، وقد مرّ أنه أرجح من جعله بمعنى الترحم مجازاً من الصلاة بمعنى العبادة المعروفة ومعنى الاعتناء بما ذكر إعلاء ذكره، وإبقاء شريعته واشاعة جلالته في الدنيا والآخرة، وليس فيه جميع بين الحقيقة والمجاز. قوله: (وقولوا اللهئم صل على محمد) فيكون اعتناء الناس بالطلب من الله أن يعتني به للإشارة إلى قصور وسعهم عن أداء حقه، وهو من عموم المجاز لكن قال بعض الفضلاء إن سوق الآية لا يجاب اقتدائنا به تعالى فناسب، اتحاد المغني مع اتحاد اللفظ فاندفع به اعتراضه في التلويح فانظره. قوله: (وقولوا الخ) أي قولوا ما يدل عليه بأي عبارة كانت أو هو تمثيل وتسليماً مصدر مؤكد قال الإمام ولم يؤكد الصلاة لأنها مؤكدة بقوله إن الله وملائكته الخ، وقيل إنه من الاحتباك فحذف عليه من أحدهما والمصدر من الآخر، وقد قال بعض الفضلاء إنه سئل في منامه لم خص السلام بالمؤمنين دون الله والملائكة، ولم يذكر له جوابا قلت وقد لاح لي فيه نكتة سرّية وهي أن السلام تسليمه عما يؤذيه فلما جاءت هذه الآية عقيب ذكر ما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والأذية إنما هي من البشر، وقد صدرت منهم فناسب التخصيص بهم، والتأكيد وإليه الإشارة بما ذكر بعده، وقوله وانقادوا الخ فالسلام من التسليم والانقياد. قوله: (والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام) لأنّ الأصل في الأمر الوجوب، وقوله في الجملة أي من غير تعيين مقدار وزمان وتكرار ولذلك اختلف فيه السلف، وقوله كلما جرى ذكره ذهب إليه الإمام الطحاوي من الحنفية، وقوله رغم الخ رواه الترمذي وغيره ورغم بكسر الغين المعجمة وفتحها في الماضي وبفتحها وضمها في المضارع وأرغمه بمعنى ألصقه بالرغام، وهو التراب ثم صار عبارة عن الذلة وهي جملة دعائية تدل على إثم تاركها وكذا ما بعده، وهو حديث صحيح أيضا رواه الطبراني والبزار من طرق، وفي الشفاء أنه صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: " آمين ثم صعد فقال آمبن ثم صعد فقال آمين فسأله معاذ رضي الله عنه عن ذلك فقال. إن جبريل أتاتي فقال: يا محمد من سميت بين يديه فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله فقل آمين فقلت آمين وقال من أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك ومن أدرك أبويه أو أحدهما فمات مثل ذلك " انتهى والكلام عليه مفصل في شرح الشفاء. قوله: (وتجوز الصلاة على غيره تبعاً (وكذا السلام أيضاً في غير سلام تحية الأحياء، واختلف في الكراهية هل هي تحريمية أو تنزيهية والصحيح الثاني، وكذا اختلف في دعاء البشر للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحمة وصحح السيوطي رحمه الله في نكت الأذكار إنه يجوز تبعاً للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ويكره استقلالاً. قوله؟ (يرتكبون الخ) فالمراد بالأذية لهما ارتكاب ما لا يرضيا به مجازاً مرسلاً لأنه سبب أو لازم له، وان كان بالنسبة لغيره فإنه كاف في العلاقة وذكر الله ولرسوله على ظاهره، وقوله أو يؤذون رسول الله على أنّ الأذية على حقيقتها والمقصود ذكر الرسول، وذكر الله إنما هو لتعظيمه ببيان قربه وكونه حبيبه المختص به حتى كان لم يؤذيه يؤذيه كما أن من يطيعه يطيع الله. قوله: (ومن جوّرّ إطلاق اللفظ الخ) كاستعمال اللفظ المشترك في معنييه أو في حقيقته، ومجازه الذي جوّزه الشافعية، وقوله باعتبار المعمولين الواقع في بعض النسخ إشارة إلى ما ذكره في الإنصاف من أنّ تعدد المعمول بمنزلة تكرّر لفظ العامل فيجيء فيه الجمع بين المعنيين، وان كان قد ادعى هو أنه ليس من الجمع الممنوع وردّه الشرّاح كما مرّ والمراد بالمعنيين معنيي الأذية فيكون بالنسبة إلى الله ارتكاب ما يكره مجازا وبالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على ظاهره، ويمكن إرجاعه إلى عموم المجاز كما عرف في أمثاله ورباعيته بفتح الراء المهملة سن بين الثية والناب، وقد كسرت في غزوة أحد كما هو مشهور. قوله: (كانوا يؤذون علياً كرّم الله وجهه) حال أو استئناف، وقوله يبتغون بالغين المعجمة أو بالمهملة ومرّض هذا لأنّ قوله بغير ما اكتسبوا يأباه ظاهره إلا أن يحمل على قصد الاكتساب وارادته، وقوله فقد احتملوا خبر الموصول المتضمن معنى الشرط. قوله: (ومن للتبعيض الخ) وقد قال في الكشاف: إنه يحتمل وجهين إن يتجلبين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 ببعض ما لهن من الجلابيب فيكون البعض واحداً منها أو يكون المراد ببعضه جزأ منه بأن ترخى بعض الجلباب، وفضله على وجهها فتتقنع به والتجلبب على الأوّل لبس الجلباب على البدن كله، وعلى هذا التقنع بستر الرأس والوجه مع إرخاء الباقي على بقية البدن، وقوله يدنين يحتمل أن يكون مقول القول، وهو خبر بمعنى الأمر أو جواب الأمر على حذ {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [سورة إبراهيم، الآية: 31] والجلباب إزار واسع يلتحف به فما قيل إنّ النظم عليهن دون على وجوههن، وقد فسره يستر وجوههن وأبدانهن به فكيف يصح الحمل على التبعيض حينئذ إذ لا يصح لفظ البعض في موضع من إلا أن يبقى بعض من الجلباب غير مستعمل في الوجه، والبدن ليس بشيء لأن قوله عليهن إما على تقدير مضاف أي على رؤسهن أو وجوههن، أو على أنه مفهوم منه وإن لم يقدر، وأما قوله وأبدانهن فبيان للواقع لأنها إذا أرخت على الوجه بعضه بقي باقيه على البدن لكن المأمور به ضم بعض منه لأنّ به الصيانة. قوله: (عن الإماء والقينا!) إما من عطف أحد المترادفين أو المراد بالقينات البغايا وأما إرادة المغنية فلا وجه له، وقوله يميزن فالمراد بالمعرفة التمييز مجازاً لأنه المقصود ولو أبقى على معناه صح، قال السبكي في طبقاته واستنبط أحمد بن عيسى من فقهاء الشافعية من هذه الآية أنّ ما يفعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن، وان لم يفعله السلف لأن فيه تمييزا لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم. قوله: (لما سلف أليس المراد به أمر التجلبب قبل نزول هذه الآية حتى يقال إنه لا ذنب قبل الورود في الشرع فهو مبني على الاعتزال، والقبح العقلي بل المراد ما سلف من ذنوبكم المنهيّ عنها مطلقا فيغفرها إن شاء ولو سلم إرادته فالنهي عنه معلوم من آية الحجاب التزاماً، وقيل المراد لما عسى يصدر من الإخلال في التستر. قوله تعالى: ( {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} الخ) إمّا أن يراد بالمنافقين والمرّاض والمرجفين قوم مخصوصون، ويكون العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات على حد: إلى الملك القرم وابن الهمام أو يراد بهم أقوام مختلفون في الذوات والصفات فعلى الأوّل تكون الأوصاف الثلاثة للمنافقين، وهو الموافق لما عرف من وصفهم بالذين في قلوبهم مرض كما مرّ في البقرة، والأراجيف بالمدينة أكثرها منهم لكنه لا يوافق ما ذيل به من الوعيد بالإجلاء والقتل فإنه لم يقع للمنافقين، وعلى الثاني هم المنافقون، وقوم ضعاف الدين كالمؤلفة قلوبهم أو الفسقة وأهل الفجور والأوّل أصح لأنه لم يكن الثاني في صدر الإسلام، والمرجفون اليهود الذين كانوا مجاورين لهم بالمدينة، وهذا هو الظاهر من كلام الشيخين وقد وقع القتال والإجلاء لمن لم ينته منهم وهم اليهود وهذا لا عبار عليه، وقوله عن تزلزلهم متعلق بينته وهو على طريق اللف والنشر فهذا ناظر لضعف الإيمان وقلة الثبات وما بعده للفجور وقوله إخبار السوء كالهزيمة، وقوله الأخبار الكاذب بصيغة المصدر وفي نسخة الأخبار الكاذبة بصيغة الجمع، وقوله لكونه متزلزلاً أي في نفسه أو لاضطراب قلوب المؤمنين به، وقوله بقتالهم واجلائهم أي بقتال بعض منهم وإجلاء بعض آخر، وقوله لنأمرنك إشارة إلى أنّ الإغراء وهو التحريش تجوز به هنا عن الأمر، وقوله ما يضطرّهم ما مصدرية وهو معطوف على إجلائهم. قوله:) وثم للدلالة على أنّ الجلاء الخ) يعني أنها للتفاوت الرتبى والدلالة على أنّ ما بعدها أبعد مما قبلها وأعظم وأشد عندهم، وقوله زماناً الخ فهو منصوب على الظرفية أو المصدرية وأما نصبه على الحال والمعنى أنهم قليلون أي أذلاء وملعونين صفته فلا يخفى حاله. قوله: (نصب على الشتم) أي بفعل مقدّر كأذم ونحوه مما يدل على الشتم، وهذه العبارة نما أتستعملها النحاة في النعت المقطوع، واذا كان حالاً فهو من فاعل يجاورونك، وقوله والاستثناء شامل له أي للحال بناء على أنه يجوز أن يستثنى بأداة واحدة معا شيئان، وقد تقدم ما فيه ومنع أكثر النحاة له. قوله:) ولا يجورّ أن ينتصب الخ) أي على أنه حال من ضمير أخذوا وقتلوا الخ أي لأنّ ما بعد أداة الشرط لا يعمل فيما قبلها مطلقا وفي المسألة ثلاثة أقوال للنحاة، المنع مطلقاً والجواز مطلقاً، والجواز في معمول الجواب والمنع في معمول الشرط وقوله لأنه لا يبذلها على أنّ المبدل هو الله. قوله: (عن وقت قيامها) إمّا لأنّ الساعة اسم الزمان أو لأنه على تقدير مضاف وقيامها وقوعها، وقوله استهزاء إن كان السؤال من المشركين المنكرين لها والتعنت من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 المنافقين، والامتحان من اليهود لأنهم يعلمون من التوراة أنها مما أخفاه الله فيسألونه ليمتحنوه هل يوافقها وحياً أو لا. قوله: (شيئاً قريباً) توجيه لتذكير. وهو خبر عن ضمير الساعة المؤنث بأنه صفة للخبر المذكور لا خبر بحسب الأصل، أو هو ظرف منصوب على الظرفية فإنّ قريبا وبعيداً يكونان ظرفين فليس صفة مشتقة حتى تجري عليه أحكام التذكير والتأنيث، وقوله في معنى اليوم والوقت كما مرّ والوقت شاملى لليوم فليس فية مخالفة لما مرّ كما توهم، وقد تقدم في أنّ وحمة الله قريب وجوه أخر، وقوله وفيه الخ أي في ة وله وما يدريك الخ، والمستعجلين هم المستهزؤون لأنّ استعجالهم استهزاء نشأ عن إنكارهم، وفي نسخة بدل الممتحنين المتعنتين، وقوله شديدة الاتقاد لأنّ تسعير النار إيقادها في الشدّة من فعيل صيغة المبالغة، وقوله يحفظهم لأنّ الولي يكون بمعنى الحافظ المتولى للأمر. قوله: (كاللحم يشو!) وفي الكشاف تشبيه بقطعة لحم في قدر تغلي ترامى بها الغليان من جهة إلى جهة، وقوله أو من حال إلى حال فالمراد تغيير هيآتها من سواد وتقدير وغيره، وقوده وقرك! تقلب أي بفتح التاء وأصله ما ذكر ونقلب بنون العظمة أو بالتاء والبناء للفاعل لأنه قرئ بهما، والظرف يوم وهو متعلق بيقولون، وقد جوّز فيه تعلقه بمحذوف كاذكر أو بيجدون أو نصيراً فيقولون حال أو استئناف، والقادة كالسادة لفظا ومعنى، وقوله الذين لقنوهم الكفر إشارة إلى ما أطاعوهم فيه. قوله: (على جمع الجمع) فهو شاذ كبيوتات وكون سادة جمعاً هو المشهور، وقيل اسم جمع فإن كان جمعاً لسيد فشاذ، وان كان جمعاً لمفرد مقدّر وهو سائد كان ككافر وكفرة لكنه شاذ أيضاً لأنّ فاعلاً لا يجمع على فعلة إلا في الصحيح، وقوله السبيلا بالف الإطلاق تقدّم توجيهه ومعناه جعلونا ضالين عن السبيل، وقوله أشدّ اللعن وأعظمه لأنّ الكبر يستعار للعظمة مثل كبرت كلمة، وليس هذا من التنوين وان كان للتعظيم أيضا. قوله: (فأظهر براءته صلى الله عليه وسلم من مقولهم يعني مؤذ! ومضمونه) يعني أنّ القول هنا بمعنى المقول سواء كانت ما موصولة أو مصدرية والمصدر مؤوّل بالمفعول، والمراد بالمقول مدلوله الواقع في الخارج، وبرأه بمعنى أظهر براءته وكذبهم فيما أسند إليه وإنما أوّل الفعل بإظهاره لأنّ المرتب على أذاهم ظهور تبرئته لا تبرئته لأنها مقدمة عليه، واستعمال الفعل مجاز عن إظهاره والمقول بمعنى المضمون كما يقال قالة للسبة وهي ما يسب به أمر شائع لا يكاد لكثرته يعدّ تأويلاَ فما قيل إنه تعالى لما أظهر براءته مما افتروه عليه انقطعت كلماتهم فيه فبرئ من قولهم على أن برّأه بمعنى خلصه من قولهم لقطعه عنه فهو تكلف لأنّ قطع قولهم ليس مقصوداً بالذات، حتى لو انقطع باي طريق كان طابق ما في النظم بل المراد انقطاعه لظهور خلافه فلا بد من ملاحظة ما ذكره المصنف، وأما كون البراءة لا تكون إلا من الدين أو الجب فليس مسلماً عند القائل، وان ذكره شراح الكشاف لتأويله البراءة بما ذكره. قوله: (قذفوه بعيب في بدنه الخ) الأدرة بضم الهمزة وسكون الدال المهملة وراء مهملة مفتوحة، وهاء تأنيث مرض ينتفخ منه الخصيتان ويكبران جدا لانصباب مادّة أو ريح غليظ فيهما ورجل آدر بالمد كآدم به أدرة، وفرط تستره لأنه صلى الله عليه وسلم يكره أن يكشف شيئاً من جسده فظنوه لمرض فيه يخفيه، واطلاع الله عليه لما اغتسل ووضمع ثيابه على حجر فذهب الحجر بها، وظل يجري خلفه عريانا وهم ينظرون إليه كما هو مشهور في الآثار، وقوله ذا قربة ووجاهة لأ نه من الجاه عند العظماء وهو التقرّب والعظمة والعزة. قوله: (قاصدا إلى الحق الخ) أي متوجهاً إليه كما يتوجه السهم إلى الهدف لأنه من قولهم سدد سهمه إذا وجهه للغرض المرمى، وقوله من سدج يسد أي بكسر سين مضارعه ومصدره السداد بفتح أوّله وأما سد يسد بالضم فمعناه من سد الثلمة والسداد بالكسر ما يسد به، وقوله والمراد النهي عن ضده، وهو القول الذي ليس بسديد لأنّ الأمر بشيء يلزمه النهي عن ضده والمقام للنهي عما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا عطفه على ااضهي السابق وهو المناسب لما مرّ والمراد بزينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها وحديثها فصتها من تطليق زيد رضي الله عنه لها، وتزوّح النبيّ صلى الله عليه وسلم بها. قوله: (تقرير للوعد السابق الخ) أي بيان له على وجه التأكيد، ولذا لم يعطف والوعد قوله فاز فوزا عظيما لأنّ المراعي لها فائز كما أشار إليه وقوله إنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 كان ظلوماً جهولاً بتقدير إن لم يراع حقا فلا يأباه كما قيل مع أن قوله بتعظيم الطاعة يدفعه فتأمّل. قوله: (وسماها) أي الطاعة أمانة ظاهره أنّ الأمانة مستعارة هنا للطاعة، وليس بمراد بل هو بيان لحاصل المعنى على الوجهين وسياتي الكلام عليهما، وقوله والمعنى الخ شروع في بيان معنى الآية وما فيها من الاستعارة وقد قرّره الزمخشري على وجهين وله ولشراحه فيه كلام طويل الذيل، والذي ارتضاه المدقق في الكشف أنّ فيه وجهين الأوّل أنه أريد بالأمانة الطاعة المجازية ليتناول اللائق بالجماد والمكلفين والعرض والإشفاق والإباء عن الحمل أي الخيانة، وعدم الأداء مجازات متفرّعة على التمثيل الذي مداره على تشبيه الجماد بمأمور متبادر إلى الامتثال تعريضا للأنسان بأنه كان أحق بذلك، وفيه تفخيم لشأن الطاعة بأنّ مشابهها يتسارع له الجماد لعظمة شأنه فكيف بها ونظيره ما مرّ في قوله: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت، الآية: اا] وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل كما نص عليه ثمة وان اختلف الغرض فيهما والثاني أريد فيه بالأمانة الطاعة الحقيقية لما كلفه الإنسان والعرض والإشفاق والإباء حقيقة والحمل بمعنى الاحتمال لا الخيانة، وحقيقة التمثيل إنه مثل حال التكليف في صعوبته وثقل محمله الخ والغرض تصوير عظم الأمانة وهو المراد بقوله ثمة، ويجوز أن يكون تخييلاً ومنه ظهر أنّ التخييل تمقيل خاص والتصوير لا ينافي كونه تمثيلاً وما لهج به بعضهم من الكناية الإيمائية وأخذ الزبدة من غير نظر لحقيقة التمثيل لا يطابق الحقيقة، والإصطلاج ولا يغني عن الرجوع لما مرّ مع تناقضه في مواضع وهذا أبسط موضع حقق المصنف فيه التمثيل فليحذ على مثاله فيما يرد من أمثاله، وهذا زبدته بعد مخضه وتبيين خالصه ومخضه وللنظر فيه مجال، ولكن لكل مقام مقال. قوله: (بحيث لو عرضت الخ) هذا هو الوجه الثاني فالمراد بالأممافة الطاعة الحقيقية، وهو استعارة مركبة وتمثيل تخييليّ على حد قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوّي العوج، والمراد أنّ ما كلفه الإنسان على ضعفه لو كلف هذه الأجرام حمله أبته فشبهت حالة الإنسان المحققة بحالة مقدرة مفروضة ومفرداته على حفيقتها والإشفاق الخوف مع الاعتناء. قوله: (حيث لم يف بها (أي بالأمانة، وهو إشارة إلى أنّ فيه مقدراً بعد قوله حملها أي وغذر أو لم يف، وقوله وهذا وصف للجنس الخ لأنّ منهم من وفى بما عاهد الله عليه كالنبيين الصديقين، وهذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا وتأكيدها لأنها مظنة للتردد. قوله: (وقيل المراد بالأمانة الطاعة الخ) يعني إنّ هذه الأجرام انقادت لأمر الله انقياد مثلها تكويناً وتسوية والإنسان لم يكن حاله كذلك وهو عاقل مكلف فالأمانة الطاعة المجازية الشاملة للإنسان والجماد وهو الوجه الأوّل وهو مختار الزجاج والمقصود تعظيم شأن الطاعة وتوبيخ الإنسان ففيه تقرير لما قبله أيضا، وهو تجوّز في مفردات عدة أو تمثيل يتفرع عليه تلك المجازات على ما مرّ في الكشف فالطاعة قبول الأمر وسرعة الانفعال، وقوله استدعاؤها أي تسخيرها كما بينه بقوله الذي يعم الخ، والمراد بالمختار ما يقابل الجماد من المخلوقات، وقوله وبحملها الخيانة بتشبيه الأمانة قبل أدائها والمراد إتيان ما يتأتى منها ولا يخفى بعدهما. قوله: (وقيل إنه تعالى الخ) هذا التفسير نقله البغوي والطيبي عن السلف ولا بعد أن يخلق الله فيها فهما لخطابه فأجابت بأنها ميسرة لما خلقت له وأما كونها استحقرت أنفسها عن التكليف فلا يتم به الجواب. قوله: (ولعل المراد بالآمانة العقل أو التكليف) وفي نسخة والتكليف بالواو وهي أولى ليخرج الملك وعلى الأوّل تخصيص الإنسان دون الملك والجن لأن الكلام معه، وليس الأوّل ناظرا إلى كون السموات إحياء عاقلة والثاني إلى خلافه كما توهم فإنه مما لا يلتفت إليه، وهذا وجه رابع في الآية وليس من تتمة الثالث كما يتوهم، وقيل المراد بالأمانة المختصة بالإنسان وهي مظهر لصفات الألوهية، ولذا سمي بالعالم اكبر كما قيل: وتزعم إنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر قوله: (اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن (أي من حيث الخصوصيات كالإعراض والصفات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 لا بالنظر إلى الذات الجسمية حتى يرد عليه أنّ الأجسام متماثلة يقبل كل منها ما يقبل الآخر عند أهل الحق واستعدادها بجعل الله لها مستعذة، وقوله استعداده لها أي مع ما فيه من العقل ليتم المراد. قوله: (لما غلب عليه من القوّة الفضبية (الداعية للظلم والشهوية الداعية للجهل بعواقب الأمور ففيه لف ونشر مرتب، وقوله علة للحمل عليه بيان لاختياره لهذا الوجه بأنه ينتظم فيه قوله إنه كان ظلوما جهولاً مع ما قبله على أنه علة باعتبار حمل العقل عليه بمعنى إيداعه فيه لأجل إصلاج ما فيه من القؤتين المحتاجتين إلى سلطان العقل الحاكم عليهما فكأنه قيل حملناه ذلك لما فيه من القوى المحتاجة لقهره وضبطه، وقوله فإن من فوائد العقل الخ ظاهر على النسختين أما على عطفه بالواو فأظهروا ما على الأخرى فلاستلزام كل منهما للآخر كما أشار إليه بقوله ومعظم مقصود الخ، وقيل إن قوله فإنّ الخ ناظر إلى إرادة العقل بالأمانة، وقوله معظم الخ ناظر إلى كون المراد بها التكليف فقيه لف ونشر مرتب، ومهيمنا بمعنى ناظراً ورقيبا والمراد به حافظاً فهو تفسير له، وقوله كسر سورتهما أي تضعيف شدتهما. قوله: (تعليل للحمل الخ) يعني أنه علة للحمل مجازاً فهي لام العاقبة ولو جعل علة للعرض لم يحتج إلى التجوّز لكنه تبع فيه الزمخشري وفيه على هذا التفات، وقوله وذكر التوبة في الوعد يعني كان مقتضى المقابلة أن يقول وينعم أو يثيب ونحوه لكنه عدل عنه لنكتة كما ذكره، وقوله من قرأ الخ الحديث موضوع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على من أنزلت عليه وعلى آله وصحبه. سورة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وقيل إلا وقال الخ) وفي نسخة والذين الخ وهما سهو والصواب، ويرى الذين أوتوا العلم إذ ليس في نظمها ما ذكره، وكذا ما ذكره من عدد الآيات صوابه خمس وخمسون أو أربع وخمسون فإنه المذكور في كتب الإعداد كما قاله الداني والاختلاف في قوله عن يمين وشمال الخ. قوله: (خلقاً ونعمة) وفي نسخة وملكاً والثانية هي الموافقة لما ذكره في غير هذه الآية والأولى هي الموافقة للكشاف، ولما بعده من قوله تمام نعمته وهما تمييزان للنسبة، وقوله فله الحمد في الدنيا ليس إشارة إلى معطوف عليه مقدر في النظم بل بيان لحاصل المعنى لأنّ السموات والأرض عبارة عن هذا العالم بأسره وهو يشتمل على النعم الدنيوية فعلم من التوصيف بقوله الذي الخ إنه محمود على نعم الدنيا، ولما قيد الثاني بكونه في الآخرة علم أنّ الأوّل محله الدنيا فصار المعنى أنه المحمود على نعم الدنيا فيها، وعلى نعم الآخرة فيها أو هو من الاحتباك وأصله الحمد لله الخ في الدنيا وله ما في الآخرة والحمد فيها فأثبت في كل منهما ما حذف من الآخر، وقوله لكمال قدرته إشارة إلى أنّ الحمد الثناء بالجميل سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، وقوله وله الحمد في الآخرة معطوف على الصلة أو اعتراض إن كانت جملة يعلم حالية. قوله: (لأنّ ما في الآخرة أيضاً كذلك) أي له خلقاً ونعمة وملكا، وقوله من عطف المقيد بكونه في الآخرة على المطلق عن ذلك وما يقابله بل هو من عطف مقيد على مقيد كما قرّرناه لك من أنّ معناه الحمد في الدنيا لخالف الدنيا، وما فيها من النعم وقوله تقديم الصلاة أراد قوله له، ولا يرد عليه إنه لا حاجة في إفادة ما ذكر إلى التقديم لأنّ اللام الاختصاصية تفيده، ولا ينقضه دخولها في الحمد على نعم الدنيا لأنها أيضاً مقصورة عليه في الحقيقة، وإنما الفرق بينهما إنها تكون صورة لغيره وما في الآخرة لا يكون لغيره صورة ولا حقيقة لأنه مبنيّ على أنّ الاختصاص المستفاد من اللام معنا. الحصر، وليس كذلك فإنهم ارتضوا أنه بمعنى الملابسة التامّة لا الحصر كما فصله الفاضل الليثي، ولو سلم فهو تأكيد الحصر لا لحصر الحصر. قوله: (ولا كذلك نعم الآخرة) قيل عليه إنها أيضاً قد يكون فيها التوسط كما يحصل بشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والكرام المشفعين، وا! الحمد لا يلزم أن يكون في مقابلة نعمة كالشكر والثاني ظاهر الدفع لأنه في العرف يكون بمعنى الشكر، وهو المراد هنا إلا أنّ قوله لكمال قدرته ينبو عنه، وأمّا الأوّل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 فقد دفع بأنّ المراد بالتوسط هنا وصول النعمة بيد المتوسط حتى كأنها من عنده وفيه نظر فإنه يكفي للحمد التسبب في الجملة فما ذكر غير صاف من الكدر. قوله: (الذي أحكم الخ) هو بيان لحاصل المعنى لأنّ ما يصنع بحكمه يكون محكما ولا حاجة إلى جعله إشارة إلى أنّ فعيلا بمعنى مفعل، وقد قال بعض أهل اللغة بعدم وجوده في كلام العرب، وقوله ببواطن الأشياء فسره به بناء على ما قاله بعض أهل اللغة من أن الخبرة تختص به لأنها من خبر الأرض إذا شقها لا لمناسبته لما بعده وإن كانت حاصلة، ثم إن علم الباطن سواء أريد الظاهر أو الخفيّ يستلزم غيره فلا يتوهم أنّ التعميم أولى كما قيل. قوله: (يعلم الخ) إمّا تفسير للخبير أو حال أو مستأنف، وقوله ينبع في آخر كأنه ذكر. ليعلم أنه نفذ فيها إذ لولاه لم يعلم أنّ في باطنها ماء أو المراد أنه يعلم بالنابع منها في أيّ موضع مبدأ نفوذه ولذا ذكر العيون فيما بعده فلا يرد أنه ينبغي أن يذكر هذا فيما بعده، والمراد بالحيوان المطلق لأنه كله مخلوق من التراب أو المتولد منه، والفلزات بكسر الفاء واللام وتشديد الزاي ما ينطرق ويذوب من المعدنيات، أو المراد به جميع المعدنيات كما ذكره الجاربردى والمقادير المراد بها مقادير الأعمار والأمور المقدرة، والأنداء جمع ند على خلاف القياس، وهو معروف وفي نسخة الأندية والولوح يكون بالوضمع فيها، ومعنى العروج معنى الاستقرار فلذا عداه بفي دون إلى والسماء جهة العلوّ مطلقا كما مرّ. قوله تعالى: ( {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} ) فذم الرحمة لأنها منشأ المغفرة أو للفاصلة، وقوله للمفرّطين الخ بناء على أنّ ذلك لهم في الدنيا وما بعده على أنه في الآخرة ولو عممه لهما كان أولى، وقوله مع ما له الخ إشارة إلى مناسبته لما قبله لأنه من أعظم النعم أيضاً فلا يتوهم أنّ المناسب لما قبله ذكر الكريم فاصلتها تذييل لما قبلها فينتظم أتمّ انتظام. قوله: (أو استبطاء استهزاء) هذا أيضاً إنكار إلا أنه يريد يتضمن الاسنهزاء والنفي فيه مجاز عن الاستبطاء وفي الأوّل هو على حقيقته، وقوله وتأكيد لما نفوه لأنّ بلي لإثبات ما نفى فقوله لتأتينكم تأكيد على تأكيد كما أشار إليه بقوله تكرير لإيجابه أي لإيجاب المجيء، وقيل المعنى لما أوجبه بلى. قوله: (مقرر الوصف المقسم به) وهو ربي ووصفه عالم الغيب، وجعله وصفاً لا عطف بيان أو بدلا لأنه أريد به الدوام والثبوت فإضافته محضة معرّفة أو المراد بوصفه الربوبية والصفات عدم غروب شيء عن علمه وجزاء المحسنين وما تضمنه ذلك، وقوله تقرّر إمكانه أي إمكان ما أنكروه من مجيء الساعة ولم يقل تقرّر وقوعه اقتصاراً على مقدار الكفاية في ردّ استبعادهم بأنّ علمه محيط بجميع الأشياء فيعلم أوقاتها، وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته، وتعلقت به مشيئته كما فصله في سورة الأنعام. قوله: (ويؤيده القراءة بالفتح) أي النصب لأنه شبيه بالمضاف ولا حاجة إلى تخريجه على لغة فيه كما ذكره النحاة في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا مانع لما أعطيت "، ووجه التأييد أنها من النواسخ فاسمها مبتدأ في الأصل، والعطف فيه غير متجه كما بينه بقوله ولا يجوز الخ. قوله: (لآنّ الاستثناء الخ) أي لأنّ الاستثناء حينئذ إذا كان متصلاً يقتضي أنّ ما في الكتاب وهو اللوح المحفوظ عزب عنه فغاب عن علمه وليس كذلك، وقوله اللهم الخ إشارة إلى ضعفه كما هو معروف في الاستعمال والمعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة، قال أبو حيان: ولا يحتاج إلى هذا إذا جعل الكتاب ليس اللوح المحفوظ، وأمّا ما قيل عليه من أنه لا يساعده المعنى لأنّ الغيبيّ إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه فمعناه أنّ كونه في اللوح كناية عن كونه من جملة معلوماته، وهي إمّا مغيبة وأمّا ظاهرة وكل مغيب سيظهر والا كان معدوما لا مغيبا، وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون الاستثناء متصلاً ألا تراك لو قتل علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم، ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلا ومن لم يقف على مراده قال: كيف يبقى من الغيب على ما كان والغيبة والبروز صفتان متقابلتان ينافي الاتصاف بأحدهما الاتصاف بالآخر فتأمل، وإذا كان الاستثناء منقطعا فالمعنى أنّ ما في اللوح يطلع عليه في الملأ الأعلى فليس بغيب، وكذا إذا كان المعنى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 أنه لا يعزب عنه إلا ما هو عنده في أمّ الكتاب على نهج قوله: ولا عيب فيهم غيرأن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب فيكون مؤكداً لعدم العزوب ويروى أيضاً بجرّ أصغر وأكبر وفيها إشكال مع جوابه في البحر والدر المصون. قوله: (علة لقوله لتأتينكم) ولم يجعله علة لقوله لا يعزب لأنّ علمه تعالى ليس لأجل الجزاء، وقد جوّزه أبو البقاء وجوّز أيضاً تعلقه بمتعلق في كتاب، وقوله بيان لما يقتضي إتيانها بالمثناة الفوقية والنون لأنّ المقتضى لمجيء الساعة جزاء المحسن والمسيء، ووقع في بعض النسخ إثباتها بالمثلثة والموحدة بعدها والمثناة الفوقية والمعنى أنّ الجزاء مقتض لإثبات الأشياء في علمه أو في اللوح فيكون مرتبطاً بجملة ما قبله، والأولى أولى. قوله: الا تعب الخ الأن الكريم من شأت أن لا يتعب من يحسن إليه، ولا يمن عليه فوصف بوصف صاحبه، وقوله والذين سعوا الخ جوّز فيه أن يكون مبتدأ وجملة أولئك الخ خبره وأن يعطف على الذين قبله أي ويجزي الذين سعوا ويكون جملة أولئك التي بعده مستأنفة، والتي قبله معترضة قيل وعلى هذا يحتمل مدلولهما أن يكون هو الثواب والعقاب وأن يكون غيره مما هو أعظم منه كدوام رضا الله وسخطه، وهو غير متوجه وكيف يتأتى حمله على رضوان الله وضحده وقد صرّح فيه بالمغفرة والرزق في مقابله بالعذاب وجعل الأوّل جزاء. قوله: (مثبطين) أي معوّقين ومانعين وتقدّم فيه كلام في سورة الحج وسيأتي في آخر هذه السورة، وقوله سيئ العذاب بناء على أنّ الرجز أشد العذاب فيكون قوله أليم صفة مؤكدة واذا كان مطلقه فهي مؤسسة وكون أليم بمعنى مؤلم تقدم ما فيه، واذا رفع أليم فهو صفة عذاب. قوله: (ويعلم) فرأى علمية لا بصرية، وشايعهم بمعنى تابعهم ووافقهم وقوله أو من مسلمي أهل الكتاب في الكشاف ويجوز أن يريد وليعلم من لم يؤمن من الأحبار أنه هو الحق فيزدادوا حسرة، وغماً وتركه المصنف قيل لأنّ وصفهم بأولى العلم يأباه لأنها صفة مادحة، وهو غير مسلم عنده كما أشار إليه بأنّ المراد ازدياد حسرتهم، وقد وصفوا بمثله كقوله:! تيناهم الكتاب} [سورة البقرة، الآية: 121] فالظاهر أنه لمقابلته بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} والفرق بين الوجهين أنّ علمهم من النبيّ صلى الله عليه وسلم على الأوّل دون الثاني وقوله من رفع الحق الخ يعني ومن نصبه جعله ضمير فصل. قوله: (وهو) أي يرى مرفوع بضمة مقدرة على آخره، وقوله مستأنف أي ابتداء كلام غير معطوف على ما قبله، وقيل إنه عطف على قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} على معنى وقال الجهلة: لا ساعة وعلم أولوا العلم أنه الحق الذي نطق به الكتاب المنزل عليك بالحق، ولو فسر أولوا العلم على هذا بالأحبار الذين لم يؤمنوا لم يستقم المعنى، وأما على وجه النصب فصحيح لصلوحه تعليلا كما بينه، وقد جعل تكلفاً بعيدا لأنّ دلالة النظم إنما هي على الاهتمام بشأن القرآن لا غير وأنت خبير بأنّ ما قبله من قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ} [سورة مبأ، الآية: 7] الخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ما ذكره بعيدا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن هنا بطريق الاستطراد، والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة. قوله: (وقيل منصوب) أي يرى صنصوب بفتحة مقدرة فقوله والذين سعوا معطوف على الموصول الأوّل، أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضرّ الفصل كما توهم. قوله تعالى: ( {وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ) فيه وجوه أحدها أنه مستأنف وفاعله إمّا ضمير الذي أنزل أو الله فقوله العزيز الحميد التفات الثاني أنه معطوف على الحق بتقدير، وأنه يهدي الثالث أنه معطوف عليه عطف الفعل على الاسم كقوله صافات ويقبضن الرابع أنه حال بتقدير وهو يهدي وتخصيص الوصفين للتحريض على الرهبة والرغبة، وقوله الذي الخ تفسير للصراط. قوله: (قال بعضهم لبعض) بيان لحاصل المعنى لا لأنه من إسناد ما للبعض إلى الكل كما قيل وقوله يعنون محمدا عليه الصلاة والسلام والتعبير عنه برجل المنكر من باب التجاهل كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل، وهو عندهم أشهر من الشمل: وليس قولك من هذا بضائره والعرب تعرف من أنكرت والعجم وقوله يحدّثكم بأعجب الأعاجيب كما قالوا: حياة بعد موت ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 وهذا ماخوذ من النبأ لأنه الإخبار بأمر مستغرب، وتنكير رجل لتنزيلهم قائله منزلة من لا يعرف حتى كأنه رجل غريب يحدثهم بما يحكي للهزؤ والسخرية، ولذا قالوا استهزاء وتهكماً هل ندلكم كأنه لكونه لا يعبؤ به مجهول المكان محتاج لدلالة دليل عليه قيل، وحذفوا المنبأ عنه ظاهراً إشارة إلى أنه مما لا يتفوّه به وفيه نظر وما قيل إنه من دلالة المقام لا الكلام من بعض الأوهام. قوله: (كل تمزيق وتفريق) إشارة إلى أنّ ممزق مصدر ميمي، وقوله وتقديم الظرف يعني إذا والمراد بتقديمها إيقاعها مقدّمة في المنبأ به لا أنها كانت مؤخرة فقدمت لأنها قيد لما بعدها معنى، وحقه التأخير عما قيد به فهو كقولهم ضيق فم الركية ويدل عليه جعل عاملها محذوفاً لا ما ذكر بعدها ولولاه كان كلامه متناقضاً، فما قيل عليه من أنّ الشرطية حقها التقديم فما الحاجة إلى لعذر ولا حاجة إلى الإخراج عن معنى الشرط، وقد أضمر جزاؤها ناشئ من عدم التأمّل في كلامه، وكذا ما قيل من أنه يجوز اعتبار تقديمها على كونها شرطية معمولة للجزاء حتى قال الشريف في شرح المفتاح إنه على هذا القول يجوز أن يفيد الحصر في نحو إذا خلوت قرأت فإنه مع بعده لا يوافق ما ذكره المصنف، واذا الشرطية إذا كان جوابها جملة اسمية يقترن بالفاء كما صرّحوا به إلا أنه قال في شرح المفتاح أنها تركت هنا لأنه بمعنى تجدد خلقكم فعدل إلى الاسمية للدلالة على التحقق، وفيه نظر لأنها لو اقترنت بالفاء لم تزل دلالتها على التحقق فتأمّل. قوله: (وعامله محذوف) كتبعثون أو تحشرون مقدر قبلها إن لم تكن شرطية وبعد هذا الكلام على أنه جواب إن كانت شرطية، وقوله للدلالة على البعد أي بعد المدعي في أوّل الأمر من تجديد الخلق فإنّ تفريقهم غاية التفريق يبعد الإعادة، والمبالغة من قوله كل ممزق، وقوله وعامله محذوف مرّ تقديره، وقوله فإنّ ما قبله يعني ينبئكم أو يدلكم، وقوله لم يقارنه يعني أنّ التنبئة ليست في وقت التمزيق وما بعده أي بعد إذا من الجملة مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف أو ما هو في موقع الجواب، وهو مصدر بأنّ وهي لها الصدر فلا يعمل ما بعده فيما قبله من خلق أو جديد، وما ذكره المصنف مما ارتضاه بعض النحاة قال الطيبي قال السجاوندي: إذا إنما تعمل فيما بعدها إذا كان مجزوما بها وهو مخصوص بالضرورة فلا يخرج عليه القرآن فإذا لم تجزم كانت مضافة، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف فسقط ما قيل إنا نمنع الإضافة فإنهم أجمعوا على أنها إذا جزمت لا تضاف فما الدليل على وجوب الإضافة إذا لم تجزم، وقد عزا ابن هشام كون عامل إذا فعل الشرط إلى المحققين مع أنه بناء على شرطيتها، وقد تقدم أنها لمحض الظرفية ثم إنّ الجملة الشرطية بتمامها معمولة لينبئكم لأنه بمعنى يقول لكم كما ذكره المعرب. قوله: (يحتمل أن يكون مكاناً) أي اسم مكان لا مصدراً فينتصب كل على الظرفية لأنّ كلاً لها حكم ما تضاف إليه كما في قوله: (ذهب كل مذهب) وقوله السيول على طريق التمثيل لأنّ أجزاء الميت في قبره إذا تبدّدت، وصارت أجزاء دقيقة إنما ينقلها من مكانها السيل في الأكثر فلا وجه لما قيل إن التمزيق لا اختصاص له بالسيول فكان الأولى أن يقول طرحتكم الرياح، وقوله طرحته أي المذهب وفي نسخة طرحتكم وهي أظهر. قوله: (وجديد بمعنى فاعل) أي فعيل بمعنى فاعل من جد الثوب، والشيء بمعنى صار جديداً وهو لازم فلا يكون بمعنى مفعول، وقيل بمعنى مفعول من جده بمعنى قطعه، ثم شاع في كل جديد وإن لم يكن مقطوعا كالبناء والسبب في الخلاف أنهم رأوا العرب لا يؤنثوه ويقولون ملحفة جديد لا جديدة فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى مفعول والبصريون إلى خلافه، وقالوا ترك التأنيث لتأوبله بشيء جديد أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول. قوله: (يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه) جعل الجنون موهما وملقياً تجوز لأنه يتخيل لغلبة الخلط السوداوي تخيلات توهمه ذلك أو أنّ أحداً يكلمه ويلقيه عليه، وقوله واستدلّ الخ أي استدلّ به أبو عمرو الجاحظ على أنّ من الكلام الخبري ما هو واسطة بين الصدق والكذب على ما عرف من مذهبه فيه لأنه فابل كلام المجنون بالكذب وهم لا يعتقدون صدقه فيكون غير صادق ولا كاذب وأجابوا عنه بأنّ الافتراء الكذب عن عمد لا مطلق الكذب كما ذكره أهل اللغة فيكون تقسيما للكذب بأنه عن عمد أولاً فلا يثبت ما ذكر هذا محصل كلامه فقوله غير معتقدين الخ حال من ضمير جعلهم وضمير صدقه له كب! أو لخبره والمآل واحد، وقوله بين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 الصدق والكذب إمّا على ظاهره أو بمعنى الصادق والكاذب، وهذا هو الموافق لظاهر قوله وهو كل خبر الخ وقوله لأنّ الافتراء الخ إشارة إلى ما مز على أن كلام المجنون لا حكم فيه والمقسم إليهما الخبر هو ما اشتمل عليه فلا يضرّ خروجه كالإنشائيات والتصوّرات، وان نوقش فيه بأنّ مناط الصدق والكذب اشتماله على الحكم بحسب الظاهر (بقي ههنا بحث) وهو أنّ أم هنا تحتمل الاتصال والانقطاع عندهم لكن الطيبي قال إنّ الاستدلال والجواب مبنيّ على الاتصال، وهو مدخول من وجهين أحدهما أنّ الآية بقرينة السياق والسباق واردة في البعث لا في دعوى الرسالة، وثانيهما أن أم ظاهرة في الانقطاع لاختلاف الجملتين فعلية واسمية فالظاهر أنهم لما استهزؤوا به وبكلامه في الحشر وعقبوه بقولهم أفترى على الله كذبا أضربوا عنه ترقيا إلى ما هو أشنع كأنهم قالوا دعوا حديث الافتراء فإنّ هنا ما هو أطمّ لأنّ العاقل كيف يحدث بمثله وردّه في الكشف بأنها متصلة والعدول إلى الاسمية إشارة إلى أنّ الثابت هو ذلك الشق، والتفابل لأنّ المجنون لا افتراء له فالاستدلال على الانقطاع بتخالف العديلين ساقط، والترقي المذكور حاصل مع الاتصال أيضا ثم إنّ ابتناء الاستدلال على الاتصال غير مسلم فتأمّل. قوله: (رد من دلّه عليهم ترديدهم الخ) يعني أنّ الإضراب لإبطال ما قبله بقسميه مع إثباته لهم ما هو أقبح وأشد، ولذا وضع الذين لا يؤمنون موضع الضمير توبيخا لهم، وايماء إلى سبب الحكم بما بعده وفي عبارته ركاكة إذ كان الظاهر إضافة الإثبات لما وأفظع بالفاء والظاء المعجمة بمعنى أقبح وأشنع، وهو أظهر مما في بعض النسخ من أقطع بالقاف والطاء المهملة أي قاطه لبطلان القسمين ولا يخفى بعده، وان زعم بعضهم أنه الملائم للمقام. قوله: (وهو الضلال الخ) الضمير راجع لما، وقوله من العذاب بيان لما هو مؤداه أي ما يؤدّي إليه الضلال وهو العذاب، وقوله وجعله رسيلا له أي قريناً له في الوقوع لأنّ الاقتران في النظم يناسب الاقتران في الوقوع، والاسمية الدالة على ثبوتهما ظاهرة فيه فلا يضرّ كون الواو لا دلالة لها على القران، وقوله للمبالغة لإشعاره بانهم في العذاب من وقت الضلال بل قبله لسرعة أدائه إليه ولتحقق استحقاقهم له، وقوله وصف الضلال به مبالغة لأنّ ضلالهم إذا كان بعيداً في نفسه فكيف بهم أنفسهم ففيه مبالغة أخرى. قوله: (وما يحتمل فيه) معطوف على ما يعاينونه، وضمير فيه لما يعاينونه أو لما يدل أي ذكرهم بمخلوقاته العظام الدالة على قدرته الكاملة ونبههم على ما يحتمل أن يقع فيها من الخسف، واسقاط الكسف وقوله إزاحة وتهديد ألف ونشر مرتب أي لما يعاين وما يحتمل، وإزاحة الاستحالة بكمال القدرة، وقوله جعلوه افتراء أي من النبيّ صلى الله عليه وسلم وهزؤا أي منهم بما ذكره لهم وقوله والمعنى أعموا فلم ينظروا إشارة إلى أنّ الهمزة داخلة على مقدر هو المعطوف عليه كما هو مذهب النحاة، وينظروا تفسير ليروا لأنها بصرية لا علمية، ولذا لم يعد بنفسه وما أحاط بجوانبهم تفسير لما بين ايديهم، وما خلفهم وهذا ناظر لما يعاينونه، وقوله وأنا إن نشاء الخ إلى ما يحتمل، وقوله لقوله أفتري على الله لأنه من قبيل الغيبة فتلك القراءة على الالتفات وقوله بالتحريك قد مرّ أنّ الساكن إمّا جمع كسفة أو فعل بمعنى مفعول أو مخفف من المصدر. قوله: (النظر الخ) أي الإشارة لمصدر يروا وذكر لتأويله بالنظر وعطف عليه التفكر لأنه المراد من النظر، وقوله ما يدلآن عليه معطوف على النظر لا على الضمير المجرور من غير إعادة الجار لضعفه وضمير يدلان للنظر والتفكر أو للسماء والأرض! ، وقوله فإنه يكون لخ بيان لوجه تخصيص المنيب بالذكر، وقوله منا أي بغير واسطة. قوله: (اي على سائر الأنبياء الخ) فالفضل بمعنى الزيادة وهو المتعدي بعلى بخلاف الذي بمعنى التفضل والإحسان فالمفضل عليه على الأوّل إما سائر الأنبياء السابقين عليه أو أنبياء بني إسرائيل، أو ما عدا نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه ما من فضيلة في أحد من الأنبياء إلا وقد أوتي مثلها بالفعل، أو مكن منها فلم يختر إظهارها ولا مانع من إبقائه على ظاهره إذ قد يكون في المفضول ما ليس في غيره، وقد انفرد بما ذكر هنا. قوله: (أو على سائر الناس الخ) قيل عليه إن أريد إن كلاً منها فضل لا يوجد في سائر الناس فعدم مثل ملكه وصوته محل شبهة، وان أريد المجموع من حيث هو ففيه أنه غير موجود في الأنبياء أيضاً فلا وجه لتخصيصه بالثاني، وأما كونه يندرح فيه على الأوّل ما سوى النبوّة كما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 قيل فغير صحيح لأنّ ملك سليمان أعظم من ملكه، ولو سبق كان ملكاً أيضا وفي الكتب الإلهية ما هو أعظم من الزبور إلا أن يراد أنبياء زمانه فتأمل. قوله: (رجعي معه) أي كرّري لأنّ الأوب الرجوع والنوحة عطف على التسبيح، وعلى متعلق به وقوله أو بحملها إياه الخ قد نوقش فيه بأنه مع كون لفظ معه يأباه لا اختصاص له به حتى يفضل به على غيره أو يكون معجزة له فهو ارتكاب تجوّز من غير داع يحمله عليه وكذا أورد على ما بعده أنّ الجبال أوتاد الأرض، ولم ينقل مثله عن داود عليه الصلاة والسلام أو غيره داع يحمله عليه، وكذا أورد على ما بعده أنّ الجبال أوتاد الأرض، ولم ينقل مثله عن داود عليه الصلاة والسلام أو غيره وعلى هذا فهو من التأويب وهو سير النهاو، وقوله بإضمار قولنا أو قلنا الظاهر إنه لف ونشر مرتب وان جاز إبدال الجملة من المفرد عند النحاة فعلى البدلية من فضلاً يقدر قولنا وعلى الثاني قلنا، وهو إمّا بدل كل من كل أو اشتمال. قوله: (عطف على محل الجبال الأنه في محل نصب لكنه يلزم عليه، وعلى ما بعده عطف المعرّف بأل وهو لا تدخل عليه يا علي المنادى وفي جوازه ومنعه اختلاف للنحاة ومن أجازه استدل بقوله: ألا يا زيد والضحاك سيرا ونحوه مما فصل في محله، وتأييد الرفع له بناء على الظاهر المتبادر وأن الظاهر لا يعطف على الضمير المستتر في الأمر وان أجازه بعض النحاة على التغليب كما سيذكره المصنف، وقد مرّ الكلام فيه في سورة البقرة، وتشبيهها بحركة الإعراب لعروضها. قوله: (أو على فضلاَ) فإيتاؤها بمعنى تسخيرها أو بتقدير مضاف أي تسخير الطير ويجوز نصبه بسخرنا مقدراً، وقوله أو مفعولاً معه ولا ياباه معه سواء تعلق بأوبى على أنه ظرف لغواً وجعل حالاً لأنهما معمولان متغايران إذ الظرف والحال غير المفعول معه، وكل منها باب على حدة وإنما الموهم لذلك لفظ المعية، فما اعترض به أبو حيان من أنه لا يفضي الفعل إلى اثنين من مفعول معه إلا على البدل أو العطف كما لا يجوز جاء زيد مع عمرو مع زينب غير متوجه، وان ظنوه كذلك وأقبح من الذنب الاعتذار حيث أجيب بأنه حذفت واو العطف من قوله والطير للاستثقال، أو اعتبر تعلق الثاني بعد تعلق الأوّل، وقوله وعلى هذا الخ لاتحادهما معنى كما في الوجهين الأوّلين حيث عطفا على الجبال. قوله: (وكان الأصل الخ) يعني أنه كان مقتضى الظاهر أن يكون النظم هكذا فعدل عنه لما ذكره فعلى هذا هو استعارة تمثيلية أو فيه مكنية وتخييلية في يا جبال وأوّبي، والإحماء إيقاد النار عليه والطرق الضرب بالمطرقة، وقوله بالأنته أي جعله ليناً متعلق بجعلنا والباء للسببية. قوله:) أمرناه الخ) قدّره لأنّ أن المفسرة لا بدّ أن يتقدّمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه لكن حذف المفسر لم يعهد، وقوله أو مصدرية يحتمل أنه على تقدير أمرنا أيضا والتقدير أمرناه بعمل سابغات، أو هو إذا لم يقدر فيقدر اللام ويتعلق بالنا أي الناه لعمل السابغات وهذا أولى، وقوله دروعا واسعات ففيه موصوف مقدر والسابغ الطويل التام وقوله وقرئ صابغات أي بإبدال السين صاد الأجل الغين، وقوله بحيث يتناسب حلقها جمع حلقة فتقديرها جعلها على مقادير متناسبة. قوله: (أو قدر مساميرها الخ) أي أجعلها على مقدار معين غلظاً وغيره مناسبة للثقب الذي هيئ لها من ملتقى طرفي الحلقة فإنها إن كانت دقيقة اضطربت فيها فلم تمسك طرفيها، وان كانت غليظة خرقت طرف الحلقة الموضوعة فيه فلا تمسكه أيضاً. قوله:) ورد) أي تفسيره الثاني بقدر مساميرها الخ قال البقاعي أخبرنا بعض من رأى ما نسب إلى داود عليه الصلاة والسلام أنه بغير مسامير فقيل عدم الحاجة إلى التسمير على تقدير لين الحديد بالإنته أما لو لين بقوّته فلا بد من التسمير، وقيل ليس ردّ المصنف رحمه الله مبنياً على عدم الحاجة بل على الرواية على ما نبهت عليه ولو سلم فإذا لان الحديد كالشمع بقوّته لم يبق حاجة للتسمير، وهذا كله لا محصل له فإنّ الإنة الحديد التي أعطاها الله له صلى الله عليه وسلم إما بجعله كالشمع من غير نار معجزة له أو بإيداع قوّة في يديه بحيث إنه إذا فركه كسره كما يريد، وعلى كل فبعد جمع الحلق إذا أدخل بعضها في بعض لا بد من انفصال طرفي كل حلقة فإذا أدخل بعضها في بعض احتاج بعده للتسمير لتصير محكمة، وهذا لا ينافي كونه معجزة قبله فإن قال إنه رواية فقد نقل في الدرّ المنثور عن قتادة وابن عباس ومجاهد من طرق مختلفة أنّ السرد في الآية بمعنى المسامير فكيف يقابل هذا بنقل البقافي عن مجهول لا يلتفت لمثله، وقول المصنف ويؤيده الخ في تأييده نظر لما عرفت، وقوله الضمير لداود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 وأهله لفهمهم التزاما من ذكره، وقوله فأجازيكم الخ فالمقصود منه الترغيب والترهيب، وقوله وقرئ الرياح أي بالرفع. قوله: (جريها بالنداة مسيرة شهر الخ) إنما قدروه كذلك لأنّ الغدوّ والرواج ليسا نفس الشهر وإنما يكونان فيه، وفي الأمالي الحاجبية فائدة إعادة لفظ شهر الإعلام بمقدار زمن الرواح والألفاظ المبينة للمقادير لا سحين إضمارها كما لا يحسن في التمييز فتقول زنة هذا مثقال، وهذا مثقال بدون إضمار وليس هذا من وضعالظاهر موضع المضمر فتأمل. قوله: (النحاس المذاب) من قطر يقطر قطراً وقطرانا بسكون الطاء وفتحها وأماً القطران المعروف فبكسرها، والعامة تسكنه والعين إن كانت هنا بمعنى الماء المعين أي الجاري وإضافته كلجين الماء فلا تجوّز في نسبته وإنما هو من مجاز الأول، وقد قيل إنّ فيه مجازين في التشبيه وفي الطرف باعتبار الأول على أنّ العين منبع الماء ولا حاجة إليه لكن قوله، ولذلك أي لتشبيه عين القطر بالينبوع سماه عينا يقتضي ما ذكر. قوله: (عطف على الريح (فهو في محل نصب وكون ما ذكر من الجن معطوفا على الريح، ومن يعمل بدل منه تكلف ويعمل إما منزل منزلة اللازم أو مفعوله مقدّر يفسره ما سيأتي ليكون تفصيلا بعد الإجمال وهو أوقع في النفس، وقوله بأمره قد مرّ تحقيقه وتفسير. بتيسيره وهو قريب منه، وقوله وقرئ يزغ أي بصيغة المعلوم فمفعوله محذوف أي نفسه أو غيره وقد ضبط في بعض النسخ بصيغة المجهول فلا يحتاج إلى تقدير مفعول، وفوله عذاب الآخرة وقد فسر بعذاب الدنيا لأنه روي أنه كان يحرق من يخالفه وهو أظهر. قوله: (قصور حصينة) هذا أصل معنى المحراب، وسمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته ومحراب من صيغ المبالغة، وليس منقولاً من اسم الآلة وإن جوّزه بعضهم فيه ولابن حبوس: جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن اهحراب في محرابه ثم نقل إلى الطاق التي يقف بحذائها الإمام، وهي مما أحدث في المساجد ولم يكن في الصدر الأول كما قاله السيوطي رحمه الله ولذاكره الفقهاء الوقوف في داخلها، وقوله لأنها يذب أي يمنع إشارة لما مر وفسر مجاهد المحاريب بالمساجد على أنها من تسمية الكل باسم جزئه، وجملة يعملون مستأنفة أو حال وقوله على ما اعتادوا الخ أي على هيآتهم في عبادتهم التي كانوا يعتادونها وهو صفة صور أو حال منها، وقوله ليروها متعلق بيعملون. قوله: (وحرمة الثصاوير شرع مجدّود) وفي نسخة شرع محمد جواب عن سؤال مقدر وقوله روي الخ تأييد له، واشارة إلى ضعف ما قيل إنها كانت صور شجر أو حيوان ناقص بعض الأعضاء، وهو مما جوّز في شرعنا وإنما حرم لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها لذلك فشاعت عبادة الأصنام. قوله: (وصحاف) جمع صحفة وهي كالجفنة، والقصعة ما يوضع فيه الطعام مطلقا كما ذكره الراغب فلا يرد عليه تعريف بعض أهل اللغة بأنّ الجفنة أعظم القصاع، ثم يليها القصعة وهي ما تشبع عشرة ثم الصحفة وهي ما تشبع خمسة، ثم الميكلة وهي ما تشبع ثلاثة أو اثنين، ثم الصحيفة فلا ينبغي تفسيرها بها ولو سلم فالمراد بها هنا المطلق بقرينة قوله كالجواب، وقوله من الجباية وهي الجمع فهو في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها مجبيّ لها لا جابية، ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع، والأثافي جمع أثفية بضم الهمزة وتشديد الياء، وهي ما يوضمع عليه القدر. قوله: (حكاية لما قيل لهم) بتقدير قلنا مستأنفاً أو قائلين حال من فاعل سخرنا المقدر، وقوله على العلة أي مفعول له وفيه إشارة إلى أنّ العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف، وداود عليه الصلاة والسلام قد يدخل هنا في آله فإنّ آل الرجل قد يعمه، وقوله أو المصدر أي المفعول المطلق لأنّ العمل نوع من الشكر فهو كقعدت القرفصاء، وقوله أو الوصف له أي للمصدر على أنّ أصله عملا شكراً والحال بتأويله بثاكرين لأنّ الشكر يعم القلب والجوارح واذا كان مفعولاً به فهو كقوله عملت الطاعة، وقيل إنّ أعملوا أقيم مقام اشكروا مشاكلة لقوله يعملون وقال ابن الحاجب إنه جعل مفعولاً به تجوّزاً. قوله: (المتوفر أداء الشكر) المتوفر معناه المستزيد وضمنه معنى القائم فعداه بعلى، وقوله أكثر أوقاته أي لا يفرق بين الرخاء والشدة، وقوله ومع ذلك الخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 تفسير لقوله قليل وقوله لأنّ توفيقه الخ وقد نظم هذا القائل بقوله: إذاكان شكري نعمة الله نعمة عليّ له في مثلهايجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتحح ا! ص إذا مس بالنعماء عمّ سرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر قوله: (ولذلك قيل الخ) إشارة إلى ما ذكره الإمام الغزالي في الإحياء من أنّ داود عليه الصلاة والسلام قال في مناجاته يا رب إذا كان إلهامك للشكر وأقدارك عليه نعمة فكيف يتأتى لي شكرك فقال: يا داود إذا عرفت هذا فقد شكرتني. قوله: (اكه) أي ضمير دلهم لآل سليمان وأتباعه ومرضه لأنّ قوله بعده تبينت الجن يأباه بحسب الظاهر وعليه يجعل كلاما مستأنفا، والأرضة بفتحات دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة، وقوله أضيفت إلى فعلها يعني أنّ الأرض هنا ليس ما يقابل السماء بل هو مصدر أرضت أرضاً إذا أكلت وقد قيل في نظم: كل ما في القرآن من ذكرأرض لا التي في سبا فضذالسماء وقيل إنها أضيفت إلى الأرض لأنّ فعلها في اكثر فيها والأوّل أولى ويؤيده القراءة بالفتح، ونسبة الدلالة إليها نسبة إلى السبب البعيد لأنّ الدال خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكلها منها، وقوله وهو تأثر الخشبة الخ لأنه مصدر لمطاوعه ومن فسر الساكن به يريد أنه أريد بالمصدر معنى الحاصل بالمصدر مجازاً أو هو مصدر المبني للمجهول ليتفق معنى القراءتين فليس بسهو ناشئ من عدم الفرق بين الساكن، والمتحرّك كما توهم. قوله:) يقال أرضت الخ) يعني أنّ المفتوح مصدو لفعل يفعل من باب علم المطاوع لفعل يفعل فعلاَ كضرب يضرب ضربا، وقوله مثل أكلت القوادح بالقاف والدال والحاء المهملتين جمع قادحة وهي دودة تكون في الأسنان، وهو معنى قوله في الكشاف من باب فعلته ففعل كقولك أكلت القوادح الأسنان أكلاً فأكلت أكلا انتهى لا فرق بينهما كما توهم، وإنما جعل الأرض! بالسكون مصدر المجهول لما ذكرناه. قوله: (من نسأت البعير إدّا طردته) أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسيء فهي العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وإضرابه، وقوله قلباً أي بقلبها ألفاً أو بحذفها بالكلية، وقوله بين بين ببنائهما على الفتح كخمسة عشر أي بين الهمزة والألف، وقوله ومنساءته أي وقرئ منساءته بالمد والميضأة آلة التوضي وتطلق على محله أيضا، وقوله ومن سأته أي قرئ من ساته بمن الجارة وسأته بالجرّ بمعنى طرف العصاة وأصلها ما انعطف من طرفي القوس استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنه قيل إنها كانت خضراء فاعوجبت بالاتكاء عليها أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق فلا وجه لمنع الأوّل، ووقع في بعض النسخ مشتقا بمعنى مأخوذاً فالاشتقاق بمعناه اللغوي كما ذكره بعضهم وهذه القراءة مروية عق سعيد بن جبير، وعن الكسائيّ العرب تقول سأة القوس وسئتها كضعة وضعة بفتح أوّله وكسره، وبما ذكرناه علم رد ما قاله البطليوسي بعدما نقل هذه القراءة عن الفراء إنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله تعالى لم تأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان لأنه لم يكن معتمدا على قوس، وإنما كان معتمدا على عصا ووقع في بعض النسخ وقرئ منساته بالألف بدلاً من الهمزة وهي لغة قريش، وقيل إنه على غير القياس لأنّ الهمزة المتحرّكة لا تبدل ألفا ومنسيته بإبدالها ياء، وقراءة ابن ذكوان وهشام بهمزة ساكنة وقحة بفتح القاف وكسرها بمعنى الوقاحة فهو محذوف الفاء كعدة وأما سئة فالمحذوف لامها واوا أو ياء. قوله: (علمت الجن بعد التباس الأمر الخ) يعني أنّ تبين بمعنى ظهر لكنه هنا بمعنى علم لما بينا لظهور والعلم من الملازمة، والمراد بالجن ضعفاؤهم فهم علموا إنّ رؤساءهم لو كانوا يعلمون الغيب كما توهموا وأوهموهم ذلك ما التبس عليهم الأمر أو الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو أنهم كانوا يزعمون علم ذلك بما يتلقفونه من الملائكة، أو المراد كبارهم المدعون لذلك وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك لكن أريد التهكم بهم كما تقول للمبطل إذا أدحضت حجته هل تبينت إنك مبطل وقد كان متبيناً، وقوله بعد التباص الأمر أي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 أمر سليمان في حياته ومماته لا علمهم بالغيب وعدمه وان جاز إذا أريد بالجن ضعفاؤهم والمراد بالعذاب الأعمال الشاقة، وقوله حيثما وقع أي في زمان وقوعه فإنّ حيث قد يستعار للزمان. قوله: (أو ظهرت الجن الخ) على أن تبين بمعناه الأصلي فهو غير متعد لمفعول كما في الوجه الأول وأن لو الخ بدل من الجن بدلط اشتمال والظهور في الحقيقة مسند للبدل لأنه المتصف بالظهور كما أشار إليه بقوله أي ظهر أنّ الخ لأنّ المبدل منه في نية الطرج، وليس فيه مضاف مقدر هذا بدل منه بدل كل من كل أي أمر الجن كما قيل قيل وهذا فيه قياس مطوفي بعض مقدماته أي لكنهم لبثوا فهم لا يعلمون. قوله: (وذلك) إشارة إلى جميع ما مرّ أي وبيان ذلك الخ، وقوله في موضحع فسطاط موسى عليه الصلاة والسلام الفسطاط الخيمة بويت الشعر ونحوه، وقد استشكل هذا بأن موسى لم يدخل بيت المقدس حتى أنه عند موته سأل الله تعالى أن يدنيه منه مقدار رمية حجر فدفن عند الكثيب الأحمر وهو ضريحه المعروف الآن وأجيب بأنهم كان عندهم فسطاط له يتوارثونه، ويضربونه ثمة تبركا يتعبدون فيه فبني البيت في ذلك الموضع لا أنه كان يضرب هناك في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، ولا يخفى بعده وا! مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا، ولو قيل المراد مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان وقال القرطبي في التذكرة المراد به فرقة منحازة عن غيرها مجتمعة تشبيها بالخيمة أو المدينة كان أظهر. قوله: (فلم يتم بعد إذ دنا أجله (في العبارة قلاقة والمراد به وقت دنا أجله منه وأعلم به على ما فصل في الكشاف، وقد مز في سورة النمل إنه أتمه وتعبد فيه وتجهز بعده للحج ففيه روايتان كما نقله البغوي، وامّا تسمية ما قارب الفراغ فراغا ثمة وما قارب الشيء له حكمه فخلاف الظاهر، وقوله يعمى أي يستر على الجن موته. قوله: (فوجدوه قد مات منذ سنة) تخمينا واقتصاراً على الأقلى والا فيجوز أن تكون الأرضة بدأت بالأكل بعد موته بزمان كثير، وأمّا كون بدئها في حياته فبعيد وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل واه جدّاً لأنه لو كن كذلك لم يحتاجوا إلى تخمينه بإلقاء الأرضة لتأكل من العصا بعده. قوله: (لأولاد سبا بن يشجب الخ) يشجب على زنة مضارع بضم الجيم، وقوله لأنه صار اسم القبيلة ففيه العلمية والتانيث بعدما كان اسم رجل، ومع قوله اسم القبيلة لا يتأتى جعل قوله: أولاد سبا إشارة إلى تقدير مضاف كما توهم ولم يذكر احتمالط كونه اسم البلدة كما مرّ في النمل استغناء بذكره ثمة وعليه فضمير مساكنهم لأهلها أو استخدام. قوله:) ولعله أخرجه بين بين الخ الم يذكر هذه القراءة في النشر لكنه نقل عن عقيل تسكينها بنية الوقف فإن صحت هذه الرواية فلا مانع من حملها على ظاهرها فإن الهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها وهذا أحسن من توهيم الراوي فإن مبني الروايات ونقلها على التحقيق، وقد ذكر المعرب أنه رواية عن أبي عمرو والمروي عن ابن كثير القصر والتنوين، وإنما حمله على ما ذكر لأنه القياس في الهمزة المتحرّكة. قوله: (في مواضع سكناهم) فهي اسم مكان لا مصدر، وقوله يقال لها مأرب كمنزل كما في القاموس وفي نسخة مأربة بتاء، وقوله بالإفرإد والفتح فهو اسم مكان على القياس ولا حاجة إلى جعل المفرد بمعنى الجمع كقوله: كلوا في بعض بطنكم تعفوا حتى يقال إنه مصدر بمعنى السكنى لأنّ ما ذكر يختص بالضرورة عند سيبويه فإنّ المسكن كالدار يطلق على المأوى للجميع وان كان قطراً واسعا كما تسمى الدنيا دارا بلا تأويل، ثم إنه قيل إنّ في بمعنى عند فإنّ المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما، وقيل إنه لا حاجة إلى هذا فإنّ القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل وجهة وهذا ما لم يرد بالمساكن دياوهم دون مقامهم فإن أريد فلا حاجة إلى التأويل أصلاً. قوله: (بالكسر حملا على ما شذ) كان الظاهر أن يقول على خلاف القياس إذ لا معنى للحمل على الشاذ فإنه لا يقاس عليه، وإنما شذ لأنّ ما ضمت عين مضارعه أو فتحت قياس المفعل منه زماناً ومكانا ومصدراً الفتح لا غير، وقد قيل إنّ الكسر لغة شائعة لأهل الحجاز. قوله: (علامة دالة على وجود الصانع) تفسير لآية وقوله من الأمور العجيبة التي يعجز البشر عنها فإنها تدلّ على وجود مبدعها، وقدرته التامّة كالأجرام العظام المصدر بذكرها السورة وكونه مجازيا للمسيء، والمحسن هو بمقتضى حكمته وأنه لم يوجدنا عبثا وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 مأخوذ من ذكر البعث أوّلاً، وقوله معاضدة أي مقوية للبرهان الذي في أوّل السورة كما صرّح به هناك وفي قوله أفلم يروا الخ، وقوله كما في قصتي الخ إشارة للمناسة التامّة بين هذا وما قبله وأيضاً في هذه ذمّ الكفور كما في تلك مدح الشكور. قوله: (1 لآية جنتان الو قدره هي جنتان كان أظهر ولا حاجة إلى أن يقال المراد قصتهما لا هما في أنفسهما كما في الكشاف لأنّ البدل لا يشترط فيه المطابقة أفراداً، وغيره ولذا لم يؤوّله في الوجه السابق وكذا الخبر إذا كان غير مشتق، وأما قوله جماعتان فبيان للواقع ولأنه أعظم وأدل على المقصود وقوله كل واحدة الخ إشارة إلى وجه إطلاق الجنة على كل جماعة منها، وقوله تضايفها ضبط بالفاء أي تنضم إليها وتتصل بها حتى تكون في حكم شيء واحد وان تباينت حدودها وملاكها، أو بالقاف وليس فيه ضيق في المعنى كما قيل لأنه كما يطلق التفسح على الانفصال كقوله تفسحوا في المجالس يطلق الضيق على الاتصال لأنه لازم معناه. قوله: (أو بستاناً كل رجل الخ) يعني أنّ لكل واحد جنتين إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله فلا يحتاج إلى توجيه العدول إلى التثنية، وأما ما قيل من أنها لو جمعت لزم أنّ لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع فقد ردّ بأنّ قوله عن يمين وشمال يدفعه لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أنّ لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال، وهذا لا محذور فيه إلا أن يدعى أنه مخالف للواقع. قوله: (حكاية لما قال الخ) فهي جملة مستأنفة بتقدير قول حقيقي أو فرضي وقوله أو دلالة معطوف على قوله حكاية وليس بينه وبين ما قبله كثير فرق، وقوله استئناف للدلالة أي للتصريح به أو لتأكيده إذ ما قبله دال عليه أيضا، والفرطات ما يصدر من غير قصد تامّ من الصغائر والعاهة الأمراض لأنها لم تكن وبائية لطيب هوائها والهامّة بتشديد الميم ما يهمّ على الأرض أي يدلث كالعقارب والبراغيث، وقوله عن الشكر هذا هو المناسب لما قبله ويدخل فيه الإعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران. قوله: (سيل الآمر العوم الخ) قدر فيه موصوفا ليتخلص من إضافة الموصوف للصفة التي أباها أكثر النحاة، وعرم مثلث الراء بمعنى اشتد، وشرس من شراسة الخلق بمعنى صعوبته، وقوله أو المطر بالجرّ عطف على الأمر فالعرم بمعنى الشديد والإضافة على ظاهرها، والجرد بضم الجيم وفتح الراء المهملة والذال المعجمة نوع من الفيران قيل إنه أعمى ويسمى الخلد أيضا، وقوله أضاف إليه الخ إشارة إلى أنّ الإضافة لأدنى ملابسة، والسكر بفتح السين وكسرها وسكون الكاف، ثم راء مهملة الجسر والسد على الماء وضربته بمعنى صنعته وبنته وحقنت بمعنى حبست وجمعت، والشحر بكسر الشين المعجمة وقد تفتح وسكون الحاء المهملة وبعدها راء مهملة واد بين عمان وعدن من أرض اليمن وفيه مساكن سبا ويطلق على الوادي ومجرى الماء مطلقاً. توله: (أو المسناة التي عقدت سكرا) هذا تفسير آخر للعرم وهي مفعلة من سنيته بمعنى سقيته ومته البيانية للساقية، وهي الدلو المستقى به ويطلق على البعير الذي يخرجه وفسرها الطيبي رحمه الله بما يردّ ماء السيل عن البساتين وقوله جمع عرمة كشجر وشجرة، وقيل لا راحد له والمركومة بمعنى الموضوع بعضها فوق بعض لتكون سداً. قوله: (ثمر بشع) أي كريه منفور وهو تفسير لأكل الخمط أو للخمط نفسه، وهو المناسب لقوله فإنّ الخمط الخ وقوله أخذ طعما من مرارة أي فيه مرارة الطعم بحيث لا يؤكل، وقوله أكل بالتنوين والإضافة وعلى الإضافة هو ظاهر إذ اكل الثمر والخمط شجره وعلى التنوين أصله ذوإني أكل أكل خمط كما بينه المصنف وعلى كل حال فليس فيه توصيف بالجامد حتى يقال إن في كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى أنّ الخمط، أريد به معنى البشع مجازاً ويلتجأ إلى أنه ورد وصفا بمعنى الحامض أو المرّ نقلاً عن البقاعي ومثله لا يعتمد على كلامه في مقابلة ما فسره به الثقات كالراغب والزمخشري، وغيره أما على الإضافة فظاهر وأما على عدمها فلما ذكر. المصنف من تقدير أصله وقوله والتقدير أي على الوجوه كلها لا على الأخيرين فقط لما عرفت وقوله أوّلاً ثمر بشع بيان لحاصل المعنى لا إشارة إلى الوصفية. قوله: (أو كل شجر لا شوك له (كذا في مفردات الراغب وعليه اعتماد المصنف رحمه الله، وفي الكشاف عن أبي عبيدة أنه كل شجر ذي شوك وكذا وقع في بعض النسخ هنا وقد رشحت بأن الأشجار التي لها شوك قليلة النفع، وأنّ الشوك مضرة حاضرة فيناسب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 المقام، ولذا اختاره في الكشف وفيه نظر. قوله: (معطوفان على كل لا على خمط (على التفاسير لخمط وعلى تقدير المضاف وعدمه، وتعليله بقوله فانّ الخ على الأوّل دون الثاني لأنه لا اشتباه فيه، وهذا بناء على ما مرّ وقد عرفت ما فيه، والطرفاء بالمد شجر لا ثمر له وهو نوع من الأثل بالمثلثة وثمر الطرفاء المذكور في الطب لا يضر لأنه لا يعتمد على الكتب الطبية في مثله، وقوله ووصف السدر ظاهر إذا كان صفة له وكذا إن كان وصفاً الشيء المبين به فإنه وصف له معنى والجنى الثمر واحده جناة، والنبق بفتح النون وكسر الباء حمل السدر وثمره وهو معروف وتسكن بائه تخفيفا كما قيل: أرسلت خوخاً به ظللنا تعيش في نعمة ونبقا يعني أنه لطيب ثمره جعله الله قليلا فيما بدلوا به لأنه لو كثر كان نعمة لا نقمة وإنما أوتوه تذكيراً للنعم الزائلة ليكون حسرة عليهم، ولذا قيل المراد بالسدر نوع منه لا ثمر له يسمى الضال وهو أنسب، وقوله وتسمية البدل جنتين إشارة إلى أنّ الباء داخلة على المتروك وللمشاكلة لأنّ الجنة ما فيه أشجار مثمرة، وقوله بتخفيف أكل أي تسكين الكاف وغيرهما ضمها. قوله: (بكفرانهم) إشارة إلى أنّ ما مصدرية سوأء كان من الكفر أو الكفران، وقوله إذ روي الخ اعترض عليه بأنه مخالف لقوله هنا وكان ذلك بين عيسى ونبينا عليهما أفضل الصلاة والسلام سواء قلنا إنه لا نبي بينهما أو بينهما أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب، وهو خالف العبسي كما مرّ في المائدة فإنه بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب ففيه خلل من وجهين كما قيل إلا أن يقال ما بين عيسى، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو خراب السد وما ذكر هنا على رواية في جملة قومهم من سبا بن يشجب إلى أن أهلكهم الله أجمعين فتأمّل. قوله: (وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص) المراد بالمفعول ذلك المشار به إلى التبديل ولما كان الجزاء غير مقصور عليه لتمزيقهم الآتي وغيره جعله لتعظيم الجزاء أي عده أمرا عظيما مهولاً كما يدل عليه اسم الإشارة للبعيد أيضا. قوله: (وهل يجازي بمثل ما فعلنا) يعني ليس المراد بالجزاء هنا ما يشمل الثواب، والعقاب لأنه لا يتأتى معه الحصر بل جزاء مخصوص بجنس ما مرّ وهو العقاب الخاص فلا يتوجه على الحصر إشكال بعد التخصيص، وهو أنّ عصاة المؤمنين يجازون أيضاً على سيئاتهم لأنهم لا يجازون في الدنيا بمثل هذا الجزاء المستأصل مع أنّ العقوبات الدنيوية للمؤمن مكفرات، وليس معاقبا على جميع ما يصدر منه كما أشار إليه في الكشف، وقوله البليغ من صيغة فعول. قوله: (نجازي بالنون والكفور بالنصب) على أنّ المجازي هو الله والمجازاة المكافأة ولم يرد في القرآن إلا مع العقاب بخلاف الجزاء فإنه عامّ وقد يخص بالخير ونقل الفرق بينهما ابن جنى وأما قول الراغب إنه يقال جزيته وجازيته ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى، وذلك لأنّ المجازاة المكافأة وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تعالى عن ذلك، ولذا لم يستعمل لفظ المكافأة فيه تعالى فغير ظاهر لأنه يرد عليه ما هنا وهو قول آخر غير ما مرّ عن ابن جنى ومنهم من اختلط ذلك عليه فافهم. قوله تعالى: ( {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى} الخ) معطوف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة نذكر أوّلاً ما أنعم به عليهم من الجنتين، ثم تبديلهما بما مرّ ثم ذكر هنا ما كان أنعم به عليهم أيضا قبل هلاكهم بالسيل من جعل بلادهم متصلة بأنزه البلاد وأوسعها، واتصال العمران بن بلادهم والثأم فإنه كما قيل: بجيرانها تغلو الديار وترخص ثم عقابهم بجعلها منفصلة عنها. قوله: (متواصلة يظهر بعضها لبعض) فسره بوجهين الأوّل الاتصال وقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى أو أنها جعلت موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها، والفرق بينهما ظاهر. قوله: (وقدّرنا) أي جعلنا بين قراها مقادير مساوية فمن سار من قرية صباحا وصل إلى أخرى وقت الظهيرة والقيلولة ومن سار بعد الظهر وصل إلى أخرى عند الغروب فلا يحتاج لحمل زاد ولا مبيت في أرض خالية، ولا يخاف من عدوّ ونحوه وهذا معنى قوله بحيث الخ. قوله: (سيروا فيها) في إشعار بشدة القرب حتى كانهم لم يخرجوا من نفس القرى، وقوله بلسان الحال كأنهم لما تمكنوا منه جعلوا مأمورين به فالأمر للإباحة والمقال على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 لسان نبي ونحوه كما مرّ. قوله: (متى شثتم من ليل أو نهار) بيان لفائدة ذكر الليالي والأيام والسير لا يخلو عنهما بأنه لاستمرارا منها بحيث لا تختلف أوقاته، أو المراد الأمن وإن طالت مدته فهو للتكثير أو هو كناية عن مدة أعمارهم وتقديم الليالي لسبقها، وفي الأوّلين لأنها مظنة الخوف أيضا ودلالته على ما ذكر بطريق الكناية وقد يجعل في بعضها مجازا. قوله: (أشروا النعمة) أي سئموا وبطروا كما يشتهي من أكثر من شيء ضده كبني إسرائيل إذ طلبوا الثوم والبصل بدلاً من المن والسلوى فطلبوا تبديل اتصال العمار بالمفاوز والقفار ليظهروا بقدرتهم الفخر، والكبر على الفقراء العاجزين، وقوله ملوا العافية في بعض النسخ قلوا بمعنى استقلوا والظاهر أنه تحريف. قوله: (وترا الخ) قراءة هشام بعد بتشديد العين وأنه فعل أمر والباقون باعد طلبا من المفاعلة وفاعل بمعنى فعل فعلى الأمر طلبوا البعد لبطرهم، وعلى الخبر فهو إمّا شكوى من مسافة ما بين قراهم مع قصرها لتجاوزهم في الترفه والتنعم، أو شكوى من بعد الأسفار التي طلبوها أوّلاً بعد وقوعها فيتقارب المعنى على القراءتين كما قاله أبو حيان: أو دعاء بلفظ الخبر ونصب بين بعد كل فعل متعدّ في إحدى هذه القراآت ماضياً كان أو أمراً عند أبي حيان على أنه مفعول به لا ظرف، ويؤيده أنه قرى برفعه وضم نونه أو على الظرفية والفعل منزل منزلة اللازم أو متعد مفعوله محذوف تقدير بعد السير بين أسفارنا وهو أسهل من إخراج الظرف الغير المتصرّف عن ظرفيته وفي قراءة سفرنا بالإفراد وهي شاذة. قوله: (وإسناذ الفعل إلى بين) برفعه لفظا أو محلاً على أنّ حركته بنائية كما ذهب إليه الأخفش وهما قراءتان ويجوز إضمار الفاعل على أنه ضمير المصدر أو السير ونصب بين على الظرفية كما مرّ تحقيقه في قوله: {تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 94] وقوله حيث بطروا النعمة والبطر طغيان من كثرة النعم وهذا على قراءة الأمر وارادة معنى الطلب، وقوله أو لم يعتدوا بها بالعطف بأو كما في أكثر النسخ على وجوه الخبرية والقراآت الأخيرة، وكذا على العطف بالواو على ما في بعضها، وقيل هذه النسخة أولى لأن كلا من البطر وعدم الاعتداد حاصل على كل من الوجوه أو ظلمهم أنفسهم لتقلبهم وعدم رضاهم بحاله فتأمّل. قوله: (يتحدّث الناس بهم تعجباً) إشارة إلى أنّ الأحاديث جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب لا جمع حديث على خلاف القياس كما مرّ تفصيله وأن جعلهم نفس الأحاديث إمّا على المبالغة أو تقدير المضاف لأنهم متحدّث بهم، وقوله تفرقوا أيدي سبأ أي مثل أيدي سبأ فحذف المضاف وإنما قدر فيه مع اقتضاء المعنى لأنه معرفة بالإضافة وقد وقع حالاً فجعل الحال في الحقيقة منل المقدّر لأنه لا يتعرّف بالإضافة والمعنى متفرّقين تفرّق أيدي سبأ وسبا مهموز في الأصل لكنه ورد في هذا المثل بألف لينة فلا يغير وروى أيادي سبأ والأيدي هنا بمعنى الأولاد لأنه يعتضد بهم، وقيل إنه بمعنى البلاد أو الطلاق من قولهم خذيد البحر أي طريقه وجانبه أي تفرقوا في طرق شتى والظاهر أنه على هذا منصوب على الظرفية بدون تقدير فيه كما أشار إليه الفاضل اليمني وفي المفصل الأيدي إلا نفس كناية أو مجازاً قال في الكشف وهو أحسن فتأمّل. قوله: (ففرقناهم الخ) قيل أشار بالفاء إلى أنّ الجملة جارية مجرى التفسير للتي قبلها والأولى ما في بعض النسخ فرقناهم بلا فاء تفسيراً لمزقناهم كما قيل والأحسن جعل الفاء مفسرة لما في النظم لتغاير الجملتين فيه كما لا يخفى، وقوله غاية التفريق إشارة إلى أنّ ممزق مصدر ميمي كما مر وكل هنا للمبالغة كما في هو الرجل كل الرجل. قوله: (والأزد بعمان) بضم العين وتخفيف الميم قال الجوهري: عمان مخفف بلد وأما الذي بالشام فهو عمان بالفتح والتشديد وهو غير مراد هنا لتقدم ذكر الشام، وقوله عن المعاصي أخذه من مقابلة شكور فلا وجه لما قيل الأنسب صبار على النعم بأن لا يبطروا إلى دفعه بإدخال البطر في المعاصي. قوله: (أي صدق في ظته) يعني أنه على قراءة التخفيف ورفع إبليس ونصب ظنه منصوب على الظرفية بنزع الخافض، وأصله في ظنه أي وجد ظنه مصيباً في الواقع فصدق حينثذ بمعنى أصاب مجازاً ولا حاجة إلى جعل الظن نوعا من القول، وقوله أو صدق بظن ظنه فظنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر كفعلته جهدك أي وأنت تجهد جهدك فالمصدر وعامله في موقع الحال وصدق مفسر بما مرّ. قوله: (ويجورّ الخ (فينتصب ظنه على أنه مفعول به لأنّ الصدق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 أصله في الأقوال والفول متعد والمعنى حقق ظنه كما في الحديث: " صدق وعده ونصر عبده " قال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [سورة الأحزاب، الآية: 23] قال الراغب: الصدق والكذب أصلهما في القول ماضياً كان أو مستقبلاً وعدا كان أو غيره ولا يكونان بالقصد الأوّل إلا في الخير، اهـ فضمير لأنه للصدق وقيل إنه للظن وهو من القول إما مجاز الشدة الاتصال بينهما أو حقيقة على أنّ المراد من الظن ما هو لفظي، أو على أن يراد بالقول القول النفسي وهو يوصف بالصدق فتأمل. قوله: (بمعنى حقق ظنه) أي صدّق بمعنى حقق مجازاً لأنه ظن شيئا فوقع فحققه وهذا صريح فيما مرّ، وقوله بمعنى وجده ظنه صادقاً والعرب تقول صدقك ظنك، والمعنى أنّ إبليس كان يسوّل له ظنه شيئا فيهم فلما وقع جعل كأنه صدقه وعلى متعلق بصدق لا بالظن كما قاله ابن جنى وقوله خيله إغواءهم برفع إغواؤهم على الفاعلية أو نصبه على الحذف، والإيصال وفاعله ضمير الظن أي خيل له إغواءهم، وقوله على الإبدال أي إبدال الظن من إبليس بدل اشتمال، وقوله وذلك أي ظنه فضمير عليهم لسبأ أو لبني آدم مطلقا وقوله حين رأى أباهم النبي هو آدم صلى الله عليه وسلم وهذا بيان للوجه الثاني ووصفه بالنبوّة لأنه إذا ضعف عزمه مع نبوّته فما بالك بأولاده ولم يدر ما في أولاده من أولي العزم وما ركب معطوف على أباهم. قوله: (أو سمع من الملانكة قولهم أتجعل فيها الخ) فكان ما سمعه سبباً لظنه وعزمه على إغوائهم وإضلالهم وهذا جار على الوجهين في ضمير عليهم ويجوز أن يكون على الوجه الثاني. قوله: (إلا فريقاً هم المؤمنون) فمن بيانية ومتبعو. على هذا هم الكفار، وهذا ظاهر على إرجاع ضمير عليهم لبني آدم وعلى أن يراد سبأ يلزم إيمان بعض منهم وعلى الثاني فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعمّ من الكفر. قوله: (تسلط واستيلاء (فالسلطان مصدر بمعنى التسلط، وفسره بالوسوسة ليوافق ما في غير هذه الآية من نفي سلطانه لأنه بمعنى التسلط بالقهر التام والاستثناء مفرغ من أعنم العلل أي ما كان تسليطه لأمر من الأمور إلا للعلم وقد جوّز فيه الانقطاع، وهو بعيد أي ما كان له تسلط عليهم لكنا مكناه من الاتغواء لنعلم الخ. قوله: " لا ليتعلق علمنا الخ) يعني أنّ العلم المستقبل المعلل به هنا ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب فالمعنى ما سلطناه عليهم إلا ليبرز من كون الغيب ما علمناه فتظهر الحكمة فيه، ويتحقق ما أردناه من الجزاء أو لازمه وهو ظهور المعلوم وقد جوّز فيه أن يكون المعنى لعلمنا الأزلي بأنهم من أهل الشك كقعدت عن الحرب جبناً فنعلم بمعنى الماضي، وهو بعيد ويجوز أن يكون المعنى لنجزي على الإيمان وضده. قوله: (أو ليتميز المؤمن من الشاك (فالمراد بنعلم نجعل المؤمن متميزاً من غيره في الخارج فيتميز عند الناس على أنه مضمن معنى نميز لا لأنه مجاز بعلاقة السببية لأن العلم صفة توجب تمييزاً لأنّ التمييز المذكور للعالم، وذلك في علم البشر فسقط ما قيل إن أراد ليتميز لنا فهو مآل المعنى الأوّل وإن أراد لغيرنا فضمير المتكلم يأباه فالأولى جعله مجازاً بمعنى ليظهر علمنا. قوله: (أو ليؤمن من قدّر إيمانه الخ) فالمراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه كما مرّ وقوله والمراد من حصول العلم حصول متعلقه هو على الوجه الأخير فليس المعنى ليعلم إيمان من يؤمن وشك من يشك كما توهم ووجه المبالغة جعل المعلوم عين العلم. قوله: (وفي نظم الصلتين (أي في تغايرهما حيث جعلت صلة الموصول الأوّل فعلية والثاني اسمية، ومفابلة الإيمان بالشك وتغيير الصلات وكان الظاهر أن يقال من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها لنكتة، وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأنّ أدنى مراتب الكفر مهلكة والجزم بعدمها ليس بلازم وأورد المضارع في الأولى إشارة إلى أنّ المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المضر الدوام، والثبات عليه إلى الموت ونكر شكا لتقليل وأتى بفي إشارة إلى أنّ قليله كأنه محيط به وعذاه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضرّه الشك الناشئ منها، وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها. قوله: (والزنتان متآخيتان) أي فعيل ومفاعل بمعنى يردان بمعنى واحد كثيراً كالجليس بمعنى المجالس، والرضيع بمعنى المراضمع وليس المحافظ بمعنى المواظب المداوم بل بمعنى الوكيل القائم على أحواله وأموره، وقوله للمشركين إشارة إلى أنّ الأمر والخطاب لنبينا صلى الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 عليه وسلم وأن المقول له مشركو قومه. قوله: (أي زعمتموهم ا-لهة الخ) قال ابن هشام الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على زعم أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسذهما من أن وصلتها، ولم يقع في التنزيل إلا كذلك يعني أنه اكثر في كلامهم ولم يقع مصرّحا به في القرآن إلا على الأكثر فالأشسب أن يوافق المقدّر المصرح به فلا وجه لما قيل من أنه اعترف بوقوعه على صريحهما في قوله: زعمتني شيخا ولست بشيخ فلا ضيق على من قذ ره كذلك. قوله:) حذف الآوّل) يعني أنّ مفعولي زعم محذوفان، وتقديرهما ما ذكر وحذف الأوّل تخفيفا لأنّ الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد ففيه طول يطلق تخفيفه والثاني لأنّ المجار والمجرور صفة له سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا، وقوله ولا يجوز الخ لأنه مع أنه لا يجوز حذف أحد مفعولي هذا الباب لا يصح أن يكون هذا مفعولاً ثانياً لأنه لا يتمّ به الكلام ويلتئم النظام إذ لا يفيدهم من دون الله معنى تامّا بل ليس بصحيح عند التامّل، وقوله ولا لا يملكون أي لا يصح أن يكون المفعول الثاني قوله لا يملكون لأنّ ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه، وليس هذا أيضاً بزعم لو سلم أنه صدر منهم بل حق. قوله: (والمعنى ادعوهم الخ) فالأمر مقصود به التوبيخ والتعجيز، وقوله لعلهم يستجيبون الخ أي راجين استجابتهم لكم، وقوله ثم أجاب الخ يعني أنه كلام مستأنف في موقع الجواب ويجوز! دير، ثم أجيب عنهم قائلا لا يملكون الخ، وقوله وذكرهما للعموم الخ يعني أنّ السموات والأهـ ض! يعبر بهما عن جميع الموجودات كالأنصار والمهاجرين لجميع الصحابة فلا يتوهم أنهم سملكون في غيرهما، وقوله أو لأنّ ا-لهتهم الخ فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماويّ والأرضيّ على أمر أرضيّ فعدم قدرته على غيره بالطريق الأولى، وقوله أو لأنّ الأسباب الخ فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وليس المراد أنّ في للسببية كما توهم، وقوله استئناف لبيان حالهم في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا ذلك كيف يكونون آلهة تعبد. قوله: (ولا تنفعهم) في النسخة التي عندنا بالواو وفي غيرها بالفاء وهي الفاء الداخلة على النتيجة إشارة إلى أنّ المقصود من الكلام نفي شفاعتهم لهم لكنه ذكر بأمر عامّ ليكون طريقاً برهانياً فلا حاجة إلى ما قيل إنّ المقصود لا شفاعة لهم فلا نفع، وهو تفريع على لا يملكون لأنه لا يلائم قوله إذ لا الخ وزعمهم إذ قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله. قوله: (أذن له أن يشفع الخ) يعني أنّ المراد إمّا الإذن للشافع في الشفاعة والتكلم عنده لعلوّ شأنه، أو الإذن في التكلم في شان المشفوع فيفيد أنه لا يتكلم عنده إلا من أذن له وفيما أذن له فيه وفيه دلالة على عظمته أيضاً فالضمير في له إمّا للشافع ولا كلام فيه لأنّ الشافعة فعل الشافع، والإذن في الفعل أي لا تنفع شفاعة شفيع إلا إذا أذن له أن يشفع أو للمشفوع له وهو لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه فإمّا أن يقدر فيه مضاف أي لشفيعه فاللام صلة إذن أو صلته مقدرة، وهذه لام التعليل فالتقدير لمن أذن لشفيعه له، وإنما ارتكب هذا لأنّ المشفوع له هو المنتفع بالشفاعة وهو من أذن لأجله لا له وهو الذي يقتضيه السياق، والاستثناء المفرّغ من أعمّ الأحوال أي كائنة لمن كانت إلا كائنة لمن الخ أو من أعئم الذوات أي لا تنفع لأحد إلا لمن الخ، واللام لا تتعلق بتنفع لأنه لا يتعدى إلا بنفسه، وقوله أن يشفع بصيغة المجهول والفعلان تنازعا له ويجوز أن يكون بصيغة المعلوم على أنّ فاعله ضمير الشافع والأوّل أولى. قوله: (لعلوّ شأنه) الظاهر أنّ المراد لعلوّ شأنه تعالى أن يتكلم عنده أحد في أحد ما لم يأذن له فهو على الوجهين، وفوله لم يثبت ذلك الإشارة إلى الإذن أي لم يثبت الإذن لمن زعمتموهم شفعاء في الشفاعة لكم، وقد جوّز فهي كون الضمير للشافع وعلوّ شأنه حيث أهل للشفاعة عند الله أو للمشفوع، وعلوّ شأنه بالإيمان على أنّ التعليل مخصوص بالثاني إشارة لترجيحه فالإشارة إلى علوّ الثأن بالتوحيد والإيمان ولا يخفى ركاكة وصف المشفوع له بعلوّ الشأن، وقوله واللام أي لام لمن إذا كان من عبارة عن الشافع لام اختصاص وعلى الثاني، وكون من عبارة عن المشفوع له اللام للتعليل واللام الثانية تابعة للأولى، وقوله بضنم الهمزة من أذن على مبنيّ للمفعول وله قائم مقام فاعله. قوله: (غاية لمفهوم الكلام الخ الما لم يكن قبلها مغياً بحسب الظاهر ولا بد منه ذهب أبو حيان إلى أنه غاية لقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 فاتبعوه ولا يخفى بعده وفيه وجوه أخر أقربها ما ذكره المصنف تبعاً للزمخشريّ أنه غاية لما فهم مما قبله كما ورد مصرّحا به في سورة عمّ من أنّ ثمة موقفاً مهولاً عظيماً يقومون منتظرين للشفاعة راجين للإذن فيها فلا يزالون كذلك حتى إذا فزع الخ، وقوله كشف الفزع إشارة إلى معنى فزع وأنّ التفعيل فيه للسلب كقردت الجمل إذا رميت قراده، والشافعي والمشفوع لهم تفسير لضمير قلوبهم. قوله: (وقيل الضمير) أي في قلوبهم للملائكة لأنهم مما عبد ولأنهم من الشفعاء المأذون لهم في الكلام ومرضه لخفائه، وقوله على البناء للفاعل والفاعل ضمير الله المستتر أي أزال الله الفزع عنهم، وقوله وقرئ فرّغ أي بالتفعيل وصيغة المجهول من الفراغ بالفاء والغين المعجمة وهو بمعنى أزيل ونفى أيضا وعن قلوبهم نائب الفاعل وأصله فرغ الوجل عن قلوبهم. قوله: (وهو الإذن بالشفاعة) تفسير للحق، وقوله لمن ارتضى جار على المعنيين في اللام، وقوله ليس لملك الخ بيان لمناسبته وارتباطه بأوّل الكلام، وقوله يريد به ثقرير الخ أو حملهم على الإقرار بالله تعالى ووجه الإشعار أمره النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يجيب وتوليه الإجابة له دونهم كما مرّ. قوله: (من الموحدين الخ) بيان للفريقين والمتوحد بالنصب مفعول للموحدين وهو عبارة عن الله تعالى، والرزق بالفتح مصدر بمعنى إعطاء الرزق وبالعبادة متعلق بالموحدين والمشركين معطوف على الموحدين والجماد منصوب مفعول للمشركين، والنازل وفي نسخة المنزل صفة الجماد والمراد نزوله في الدرجة السافلة من درجات الممكنات لأنّ منها إنسانا وحيوانا وهو أخسها ومع هذا جعلوه شريكا لله جل وعزل شأنه، وقوله لعلى أحد الأمرين خبران في كلام المصنف وأمّا في النظم ففيه أقوال فقيل قوله لعلى هدى الخ خبر الأوّل وخبر الثاني محذوف، وقيل على العكس وقيل هو خبر لهما من غير تقدير لأنّ المعنى أنّ أحدنا لفي أحد هذين الأمرين فما الحاجة إلى التقدير من غير ضرورة، وفي كلام المصنف إيماء لهذا، وقيل إنّ ما ذكره بحسب المعنى وما ذكروه مقتضى الصناعة وفيه نظر. قوله: (من الهدى والضلال المبين) أفرده ليطابق ما في النظم وإن كان وصفا لهما لأنّ الوصف والضمير يلزم إفراده بعد المعطوف بأو وفي نسخة المبينين وهي أظهر، وقوله أبلغ من التصريح لأنه في صورة الإنصات المسكت أي الذي يسكت الخصم لانقطاع حجته وفي نسخة المبكت، وهو بمعناه والمشاغب بالغين المعجمة من الشغب وهو الخصام وتهييج الشرّ، وهذا فن من فنون البلاغة يسمى الكلام المنصف. قوله: (أتهجوه الخ) هو من قصيدة لحسان بن ثابت وضي الله عنه قالها في فتح مكة وأوّلها: عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء ومنها وهو خطاب لأبي سفيان بن حرب يجيبه عما كان هجا به النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه: هجوت محمدافأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء فشركمالخيركما الفداء هجوت مبرأبراً جميلاَ أمين الله شيمته الوفاء. إلى آخر القصيدة. قوله: (وقيل إنه على اللف والنشر (أي المرتب وهو ظاهر، وقوله وفيه نظر قد بين النظر بأنه لو قصد، للف بأن يكون على هدى راجعا لقوله: إنا وأو في ضلال راجعاً لإياكم كان العطف بالواو ولا بأو وكونها بمعنى الواو كما في قوله: سيان كسر رغيفه أوكسرعظم من عظامه بعيد جدا إلا أنه قيل إنه لو جعل فيه إيماء لذلك لم يبعد. قوله:) واختلاف الحرفين الخ) يعني قوله على هدى وفي ضلال أدخل علي على الأوّل وفي على الثاني للدلالة على استعلاء صاحب الهدى وتمكنه، واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد وانغماس الضال في ضلاله حتى كأنه في مهواة مظلمة ففيه استعارة مكنية أو تبعية كما مرّ تقرير. في قوله تعالى: {عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [سورة البقرة، الآية ت 5] والمنار البناء المرتفع كالمنارة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 ومرتبك بالراء المهملة والمثناة الفوقية والباء الموحدة، ثم كاف الواقع في شذة لا يكاد يتخلص منها والمطمورة مكان تحت الأرض! مظلم يحبس فيه وما وقع في بعض النسخ ممطورة اسم مفعول من المطر تحريف ويتفصى بالفاء بمعنى يتخلص، ويجوز أن يكون بالقاف بمعنى يبعد والأوّل أقرب. قوله: (هذا أدخل في الإنصاف الخ (حيث أسند الأجرام إلى أنفسهم بصيغة الماضي الدالة على التحقق والعمل إليهم بصيغة المضارع، وان كان فيه تعريض كما في شرح المفتاح ولا وجه لإنكاره كما قيل، والإخبات بالمثناة الخضوع والتذلل لاعترافهم بأنهم مجرمون لأنّ المرء لا يخلو من زلة. قوله: (في القضايا المنغلقة) أي الخفية المشكلة فكيف بالواضحة كإبطال الشرك، وإحقاق التوحيد وفيه إشارة إلى وجه تسمية فصل الخصومات فتحا وأنه في الأصل لتشبيه ما حكم فه بأمر مغلق كما يشبه بأمر منعقد في تولهم حلال المشكلات وخص المنغلقة إشارة إلى أنّ المبالغة في فتاح في الكيف وإن جاز أن يكون في الكم ولأنّ غيرها يعلم فتحه بالطريق الأولى. قوله: (وهو استفسار عن شبهتهم الخ) جوّز المعرب في رأي هنا أن تكون علمية متعدية بهمزة النقل إلى ثلاثة مفاعيل ياء المتكلم والموصول وشركاء وعائد الموصول محذوف أي ألحقتموهم، وأن تكون بصرية تعدّت بالنقل لاثنين ياء المتكلم والموصول، وشركاء حال ولا ضعف في هذا كما قاله ابن عطية بل فيه توبيخ لهم إذ لم يرد حقيقته لأنه كان يراهم ويعلمهم فهو مجاز وتمثيل والمعنى ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون، وهو خشب وحجر تمت فضيحتكم، وقد جوّز الزمخشري فيه الوجهين كما أشار إليه بقوله وكان يراهم ويعرفهم، وقد صرّح به بعض شرّاحه فمن قصره على أحدهما فقد قصر، وقوله بعد إبطال المقايسة إبطالها بقوله أروني كما صرّح به الزمخشري. قوله: (الموصوف بالغلبة وكمأل القدرة) تفسير للعزيز وما بعده للحكيم، وقوله وهؤلاء الملحقون بصيغة المفعول، والمراد المعبودات التي ألحقت بالله وجعلت شركاء متصفة بضد ذلك مما ينافي الألوهية أو بصيغة الفاعل ومتسمة مفعوله، وهذا مأخوذ من الحصر فتأمّل. قوله: (والضمير) يعني هو لله فهو ضمير مبهم عائد لما في الذهن وما بعده يفسره، وهو الله الوأقع خبرا له والعزيز الحكيم على هذا صفتان له وإنما اختار هذا ولم يجعله عائدا على ربنا في قوله يجمع بيننا ربنا لما في التفسير بعد الإبهام من الفخامة كما في قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وإن هي إلا حياتنا الدنيا بناء على جواز عود الضمير في مثله على المتأخر، وإذا كان ضممير شان فالله مبتدأ والعزيز الحكيم خبره والجملة خبر ضمير الثان لأنّ خبره لا يكون إلا جملة على الصحيح، وقد قيل إنّ معنى قوله لله أنه عائد على الرب المذكوو سابقاً والعبارة تحتمله. قوله: (إلا إرسالة عامة لهم (يعني أنّ كافة اسم فاعل من الكف صفة لمصدر محذوف وتاؤه للتأنيث، وهو الذي اختاره الزمخشريّ، وقد اعترض عليه بأنّ كافة لم ترد عن العرب إلا منصوبة على الحال مختصة بالمتعدد من العقلاء وأنّ حذف الموصوف، واقامة الصفة مقامه إنما يكون لما عهد وصفه بها بحيث لا يصلح لغيره وأجيب بأنه هنا غير ما التزم فيه الحالية، وان رجعا إلى معنى واحد وما قيل من أنه لم تستعمله العرب إلا كذلك ليى بشيء، د! اقامة الصفة مقام موصوفها منقاس مطرد بدون شرط إذا قامت عليه قرينة، وذكر الفعل قبله دال على تقدير مصدره كما في قصت طويلاً حسناً أي قياما طويلاً حسنا، وما ذكر كله من التزام ما لا يلزم فقد قال في شرح اللباب إنه سمع خلافه في كلام البلغاء، وقد صح أنّ عمر رضي الله عنه قال في كتابه لآل بني كاكلة قد جعلت هكذا لآل بني كاكلة على كافة بيت المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا إبريزا وقال له عليّ أيضاً حين أمضاه، وقال في شرح المقاصد إنه بخطهما موجود محفوظ إلى الآن بديار العراق فقد استعملوه في غير العقلاء، وغير منصوب على الحالية كما فصلناه في شرح الدرة، فما قيل من أنه لم تستعمله العرب إلا كذلك وأنّ ما ذكر في حذف الموصوف لا يصلح للسندية مكابرة لأنّ الطول والحسن يكثر وصف الذوات به دون الأفعال، وأمّا ما مرّ من أنّ هذه غير ما يلزم فيه الحالية فمع أنه لا حاجة إليه لم سمعته لا يفيد لأنّ مدعاهم لزوم هذه اللفظة لها. قوله: (من الكف) بمعنى المنع لكنها تجوّز بها عن معنى عامّة فقوله إذا عمتهم، الخ بيان لوجه التجوّز المصحح له والمرجح اشتهاره في الدلالة على العموم حتى هجر معناه الحقيقيّ، وصار هذا كأنه حقيقته وقطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فلا يتوهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 تخصيص إرساله بالإنذار، ويدفع بأنّ قوله بشيرا ونذيراً يأباه كما قيل. قوله: (أو إلا جامعاً لهم في الإبلاغ) أي إلا في حال كونك جامعا لجميع الناس في إبلاغ ما أرسلت به لهم واعرابه ما ذكر وهو دال على المقصود من الكلام، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وهذا هو الوجه الثاني فيه وهو مختار الزجاح، وما اعترض به عليه من أن كف بمعنى جمع ليس بمحفوظ في اللفة غير مسلم لأنه يقال كف القميص إذا جمع حاشتيه، وكف الجرح إذا ربطه بخرقة تحيط به وقد قال ابن دريد كل شيء جمعته فقد كففته مع أنه يجوز أن يكون مجازاً من المنع لأنّ ما يجمع يمتنع تفرّقه وانتشاره وكون ذي الحال متعدداً في كافة ليس بلازم لقول عمر رضي الله عنه كافة بيت المسلمين كما مرّ فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (والتاء للميالغة الا للتأنيث على هذا، وعلى الأوّل لتأنيث موصوفه واعتراض ابن مالك بأنها مخصوصة بصيغة المبالغة كنسابة وفروقة غير مسلم لورودها في راوية ونحوه، وقد قيل إنه أيضاً مصدر كانكاذبة بمعنى الكذب جعل حالاً مبالغة أو بتقدير مضاف أو هو منصوب على أنه مفعول له. قوله: (ولا يجوز جعلها حالاً من الناس الخ) هذا بناء على ما اختاره كثير من النحاة من أن الحال لا تتقدم على معمولها المجرور بالحرف أو بالإضافة، وقد ذهب إلى خلافه كثير من متقدمي النحاة واختاره أبو حيان والرضى وجعلوا هذا الوجه أحسن في الآية، وما عداه تكلف لكنه اعترض عليه بأنه يلزمه عمل ما قبل إلا فيما بعدها يعني للناس وليس بمستثني ولا مستنثى منه، ولا تابع له وقد منعوه أيضاً، وأجيب بأنّ تقديره وما أرسلناك للناس إلا كافة فهو مقدّم رتبة ومثله كاف في صحة العمل وفيه نظر لأنّ الممنوع تخطي إلا العامل لغير استثناء وما ذكره لا يدفعه مع تعسفه فالأحسن أن يجعل مستثنى على أنّ الاسنثناء فيه مفرّغ وأصله وما أرسلناك لشيء من الأشياء إلا لتبليغ الناس كافة، وأمّ تقديره بما أرسلناك للخلق مطلقاً إلا للناس كافة على أنه مستثنى فركيك جداً، والاعتراض بأنه يحتاج إلى جعل اللام بمعنى إلى ليس بشيء لأنّ أرسل يتعدى باللام، والى كما ذكره أبو حيان وغيره فلا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى أو تعليلية وعموم رسالته صلى الله عليه وسلم ثابت بأدلته القوية في الأصول، وكتب الحديث فلا نطيل هنا بما وقع في بعض الحواشي. قوله: (من فرط جهلهم (جعل الحامل لهم على هذا القول فرط الجهل أي زيادته لأنّ مثله لا يصدر عمن يعلم حقيته ولو سلم صدوره تعنتاً وعنادا مع علمهم فمثل هذا العلم يعد جهلا بل الجهل خير منه، وأمّا عدم عطفه بالفاء فلظهور تفرعه على ما قبله ومثله يوكل إلى ذهن السامع فالاعتراض! بمثله والجواب بأنّ فرط الجهل غير الجهل أو أنّ هذا حال بعض، وذاك حال بعض آخر كله من ضيق العطن. قوله: (وعد يوم) أي يوم عظيم لأنّ تنوينه للتعظيم، وهو إشارة إلى أن الميعاد مصدر ميمي أو اسم أقيم مقام المصدر على ما نقل عن أبي عبيدة وهو بمعنى الموعود ورجح سذا لوقوعه جواباً لقولهم متى هذا الوعد، وقوله أو زمان وعد على أف اسم زمان فإن مفعالاً يكون اسم زمان ومكان كالميلاد والمدراس فإضمافته على هذا لليوم، وهو اسم زمان لبيان زمان الوعد بأنه يوم مخصوص، وأيد بقراءته منوّنا مع رفع يوم على البدلية فإنه يقتضي أنه نفس اليوم، وكونه بدل اشتمال بعيد وكذا كون أصله ميعاد ميعاد فحذف المضاف. قوله: (وقرئ يوماً) بنصبه منوّنا بعد تنوين ميعاد فنصبه بتقدير أعني على أنه قطع لتعظيمه، ويجوز هذا في الرفع أيضاً أو هو منصوب على الظرفية، والعامل فيه مضاف مقدر أي لكم إنجاز وعد في يوم صفته كيت وكيت أو الميعاد على أنه مصدر بمعنى الموعود لا اسم زمان. قوله: (وهو جواب تهديد الخ) جواب عن السؤال بانه كيف طابق الجواب سؤالهم بأنّ سؤالهم تعنت، وانكار فلذا أجيبوا بالتهديد وليس هذا من الأسلوب الحكيم كما قيل وان أمكن جعله منه بتكلف، وأمّا كون هذا جوابا لأنّ تنكير يوم في قوّة أن يقال لا يعلمه إلا الله فتعسف لا حاجة إليه. قوله: (فيل إنّ كفار مكة الخ) مرضه لأنه ل! في السياق، والسباق ما يدل عليه وقوله وقيل الذي بين يديه يوم القيامة فكيون بين يديه عبارة عن المستقبل فإنه قد يراد به ما مضى، وقد يراد به ما سيأتي ومرضه لأنّ ما بين يدي الشيء يكون من جنسه لكن محصله على هذا إنهم لم يؤمنوا بالقرآن ولا بما دل عليه، وأمّا اذعاء أنّ اكثر كونه للمتقدم فغير مسلم. قوله تعالى: ( {وَلَوْ تَرَىَ} ) الخطاب للنبيّ صلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 الله عليه وسلم، أو لكل واقف عليه ومفعوله إذ أو محذوف ولو للتمني لا جواب له أو مقدر كلا يمكن بيانه ونحوه والظالمون ظاهر وضمع موضع المضمر للتسجيل، وبيان علة استحقاقهم ويرجع حال ويقولون استئناف ويتحاورون بحاء وراء مهملتين بمعنى يجيب بعضهم بعضا، وقوله: (لولا إضلالكم فيه) إشارة لتقدير مضاف أو هو بيان لمآل المعنى. قوله: (وأثبتوا أنهم الخ) لأنّ الهمزة للإنكار، والذي يليها هو المنكر وقد وليها ضمير الرؤساء فليس المنكر الصد بل وقوعه منهم وهذا معنى قوله بنوا الخ، وقوله لم يكن إجرامنا الصاذ أي كما زعم رؤساؤهم من أنّ إجرامهم بسوء اختيارهم هو الصادّ لهم، ودائباً بالباء الموحدة بمعنى دائما بالميم، وقوله أغرتم علينا رأينا كذا وقع في النسخ، والظاهر غيرتم علينا رأينا، وكونه من الإغارة وهي الغارة على العدوّ لنهب وقتل أريد به غلبتم علينا في رأينا علاج بعض المرض، وقوله إذ تأمروننا بدل من الليل والنهار أو تعليل لمكرهم. قوله: (والعاطف يعطفه الخ) إشارة إلى السؤال المذكور في الكشاف عن اقتران كلام المستضعفين بالعاطف دون كلام المستكبرين فقيل وقال الذين استضعفوا الخ والجواب على وجه يتضمن بيان حال الجمل كلها فصلاَ ووصلا أنّ قوله أوّلاً يقول الذين استضعفوا استئناف لبيان تلك المحاورة، أو بدل من يرجع الخ فلذا لم يجر عطفه، ولما كان قول المستضعفين أوّلاً اعتراضاً على رؤسائهم وقول الرؤساء قال الذين استكبروا جواباً عنه ترك العاطف لأنّ الجواب لا يعطف على السؤال في المحكيّ عنه، وكذا في الحكاية وان كان ربما قرن بالفاء، ثم لما رجع المستضعفون إلى كلامهم ثانيا عطف على كلامهم الأوّل وان تغايرا مضياً واستقبالاً، وقيل إنّ النكتة فيه إنه لما حكى قول المستضعفين بعد قوله يرجع بعضهم إلى بعض القول كان مظنة أن يقال فماذا قال الذين استكبروا للذين استضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع قول فقيل قال الذين اسنكبروا كذا، وقال الذين استضعفوا كذا فأخرج مجموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض وأمّا الاعتراض على ما هنا بأن المعطوف فعل الحكاية لا كلامهم المحكي ففي كلامهم مسامحة، وأنّ ما ذكر منقوض! بقوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 75] فإنه مرّ فيها كلام المستكبرين وجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف، ثم جيء بكلام آخر لهم ولم يعطف كما هنا بل استؤنف تكثيراً للمعنى مع تقليل لفظه فليس بوارد لأنه فرق بين الآيتين فإنّ كلام المستكبرين ثانيا وقع موقع الجواب فلذا لم يعطفه على كلامهم الأوّل بخلاف ما نحن فيه، ثم إنه لا مانع من عطفه على قال الذين استكبروا على أنهما تفصيل للمحاورة أيضاً فتدبره. قوله: (وإضافة المكر الخ) يعني أنه من التجوّز في الإسناد بحسب الأصل لأنه مصدر فلما أضيف إلى ظرفه وهو الليل والنهار أجرى فيه مجرى المفعول وأضيف إليه حتى كأنه ممكور به أو مجرى الفاعل حتى كأنهما ماكران وان كان المعنى على مكركم في الليل والنهار، وأما الإضافة على معنى في فمع أنّ المحققين لم يقولوا بها لم يلتفتوا إليها هنا لأنها تفوّت ما قصد من المبالغة البليغة. قوله: (وقرئ مكر الليل الخ) نصباً على المصدر بفعل مقدر تقديره مكرتم ظاهر إلا أنه قيل إنه لم ير النصب في شيء من الكتب إلا مع التشديد فكأنه سهو وقوله ومكر الليل أي قرئ مكرّ الليل بفتح الميم والكاف وتشديد الراء من الكرور بمعنى المجيء، والذهاب كما في قوله: كرّ الغداة وكرّ العشيّ قوله: (وأضمر) أي أخفى الفريقان من الذين ظلموا وهم المستكبرون والمستضعفون وهذا تفسير لأسرّوا وبيان لمرجع ضميره باعتبار حاصل المعنى، وهو عائد على الظالمين لكنه أشار إلى أنه على وجه العموم إذ لو كان المراد ظاهره ثني الضمير ثم أنّ ندامة المستكبرين على الضلال والإضلال وندامة المستضعفين على الضلال فقط إذ حصول ندامتهم على الإضلال أيضا باعتبار قبوله تكلف. قوله: (وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير (قيل كيف يتأتى هذا مع قول المستضعفين لرؤسائهم لولا أنتم لكنا مؤمنين وأيّ ندامة أشد من هذا، وأيضا مخافة التعيير في مثل ذلك المقام بعد فالأولى ما مر في سورة يونس من أنهم بهتوا بما عاينوا فلم يقدروا على النطق، وهو المناسب لقوله لما رأوا وأما كون القول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 المذكور ولوما للرؤساء وما أخفوه الندامة وهي لوم نفسه وبينهما بون فلا يخفى حاله، واذا كان بمعنى الإظهار ففي غاية الظهور. قوله: (نتنويهاً بذمّهم) أي إظهارا له وأصل التنويه في المدح، وقوله بموجب بكسر الجيم، وأغلاله بفتح الهمزة بصيغة الجمع لأنّ فعله غل لا أغل. قوله: (وتعدية يجزي الخ) ظاهره أنّ الجزاء ليس بمعنى القضاء وأنه لا يتعد! لمفعولين بنفسه، وكلام الراغب يخالفه فانه بعد تفسيره به قال: ويقال جزيته كذا وبكذا، ويؤيده قوله تعالى: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [سورة الإنسان، الآية: 12] فلا حاجة إلى التضمين واذا ضمن فكيفية تقدير. أشهر من أن تذكر فمن قال إن تعدّبه لمفعولين لم يوجد في كتب اللغة وإنه إنما يتعدى لأحدهما بعن فقد أخطأ، وقوله أوبنزع الخافض وهو إمّا الباء أو عن أو على فإنه ورد تعديته بها جميعاً. قوله: (تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما مني به) أي ابتلى به يقال فيته بكذا أي ابتليته، وهو بصيغة المجهول والمعنى مناه الله به من مخالفة قومه وعداوتهم له: وضرّ ذوي القربى أشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المصمم والسهام أنكؤها أدناها، وقوله المتنعمين تفسير للمترفين كما مر، وقوله المعظم من الإعظام بمعنى اجمثار يقال هذا معظمه أي أكثره وهو صفة الداعي أو منصوب على الظرفية أي في الأكثر من الأحوال، وقوله الانهماك في الشهوات خبر إنّ أي المنهمك هو المتنعم فيلزمه التكبر والمفاخرة المؤدّيان إلى التكذيب، وفي بعض النسخ المفاخرة بلا واو على أنه الخبر، والانهماك بالواو عطف عليها وماكه للأوّل وفي بعضها لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة على أنه الخبر والانهماك بالواو عطفاً عليه، وهي أظهر وأكثر فلا سهو فيه كما قيل والتهكم في قولهم وما نحن بمعذبين أو في قوله أرسلتم كما قيل والمفاخرة بالأموال والأولاد، وظاهره أنّ هذا من أمته ولا باع فيه لدخوله في العموم. قوله: (على مقايلة الجمع بالجمع) الجمع الأوّل الرسل المدلول عليه بقوله أرسلتم، والثاني كافرون فقد كفر كل برسوله، وخاطبه بمثله فلا تغليب في الخطاب في أرسلتم، وقيل إنه غلب المخاطب على جنس الرسل أو على اتباعه وليس لانقسام الآحاد على الآحاد فإنه لا يطرد فضمير أرسلتم إمّا تهكما أو تغليباً على من آمن به وليس المعنى عليه بل للدلالة على أنّ كلاً منهم كافر بكل منهم، وقيل الجمع الأوّل نذير لأنه يفيد العموم في الحكاية لا المحكي بوقوعه في سياق النفي وليس كل قوم منكراً لجميع الرسل فحمل على المقابلة، وما ذكرناه أوّلاً أقرب وأسلم من التكلف. قوله: (فنحن أولى بما تدّعونه) من الكرامة في الآخرة، ولذا قال إن أمكن لإنكارهم البعث فقاسوا أمر الآخرة على أمر الدنيا وظنوا أنّ المنعم هنا منعم ثمة وايلاء نحن النفي إشارة إلى أنّ المؤمنين معذبون استهانة بهم لظنهم أنّ المال، والولد يدفع العذاب عنهم كما قاله بعض المشركين. قوله:) رد لحسبانهم) وفي نسخة ردا بالنصب على أنه مفعول له أي ردا لما ظنوه من أنهم أولى بما يدعونه وأنهم لا يعذبون لكثرة أموالهم وأولادهم الدالة على كرامتهم عند الله تعالى ولا حاجة إلى تخصيصه باحد الحسبانين حتى يكون إشارة إلى ترجيح الوجه الثاني. قوله: (لم يكن بمشيئته) أي لو كان ذلك بطريق الإيجاب عليه نافي المشيئة على ما أشار إليه بعض المدققين من أنّ الواجب إمّا عبارة عما يستحق تاركه الذمّ كما قاله بعض المعتزلة أو ما تركه مخل بالحكمة كما قاله بعض آخر أو ما قدّر الله على نفسه أن يفعل ولا يتركه وان كان تركه جائزا كما اختاره بعض الصوفية، والمتكلمين كما يشعر به النصوص كحرّمت الظلم على نفسي والأوّل باطل لأنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتوجه إليه ذمّ أصلا وهو المحمود في كل فعاله، وكذا الثاني لعلمنا بأنّ جميع أفعاله تتضمن حكماً ومصالح لا يحيط بها علمنا على أنّ رعاية الحكمة المصلحة لا تجب عليه تعالى ولا يسئل عما يفعل وكذا الثالث لأنه إن قيل بامتناع صدور خلافه عنه فينافي الاختيار على ما صرح به في تعريفه من جواز الترك، وان لم يقل به فات معنى الوجوب إذ محصله إنه تعالى لا يتركه بمقتضى جري العادة وليس من الوجوب في شيء فهو مجرّد اصطلاح، اهـ محصله فقد علمت أن الإيجاب ينافي الاختيار والمشيئة عند التحقيق كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 فلا وجه لما قيل إنّ المشيئة تجامع الإيجاب، ولا لما قيل من أنّ المنافي لها هو الإيجاب عليه لا الإيجاب الناشئ منه تعالى، ودلالة الكرامة على زعمهم تقتضي الأوّل وأنّ كون المبدأ منه لا يقتضي الإيجاب عليه لأنّ صيرورته مبدأ بجعله تعالى لخلقه باختياره، وأنّ الأولى أن تفسير المشيئة في الآية باستقلالها كما هو مقتضى تخصيص البسط والقدر بها ليلزم أن لا يكون لكرامة يدل البسط عليها دلالة القدر على الهوأن ولا حاجة أيضا إلى ما قيل إنه تقرير لشبههم على زعمهم من أنّ أكرم الأكرمين لا يهين من أكرمه ولش الشرك سبباً للإهانة لمشاهدتهم خلافه فيكون جوابه منع كونه إكراما لاستواء المعادي، والموالي فيه لحكمة لا ما ذكره المصنف فتأمل. قوله: (كما قال وما أموالكم الخ) قيل لأنّ نفي التقريب يفهم منه تحقق البعد عرفا فيدل على أنه استدراج، ولا يرد عليه شيء فتأمل وقوله قربة تفسير لزلفى واشارة إلى أنه مصدر من غير لفظه، وقوله والتي الخ يعني أنه أوقع هنا على الأموال والأولاد وهي جماعات وهذا مفرد مؤنث فوجهه بأن المجموع بمعنى جماعة فلذا أفرد وأنث لا إنه على تقدير مضاف في النظم، وهو لفظ جماعة أو هي صفة لموصوف مفرد مؤنث تقديره بالتقوى أو بالخصلة، وفي الكشاف أنّ التي بمعنى التقوى من غير تقدير. قوله: (استثناء من مفعول تقربكم) فهو استثناء منقطع لأنّ الضمير عبارة عن الكفرة فهو في محل نصب أو رفع على أنه مبتدأ ما بعده خبره أو خبره مقدر كما قاله أبو البقاء: وقيل إنه متصل على أن يجعلي الخطاب عامّا للكفرة والمؤمنين، أو على أنه ابتداء كلام لا مقولاً لهم، وفي شرح الكشاف إن هذا إنما يصح على الوجه الأوّل بجعل التي عبارة عن الأموال والأولاد أما إذا كانت عبارة عن التقوى فلا لأنه يلزم أن تكون الأموال والأولاد تقوى في حق غير من أمن وعمل صالحا لكن غير مقرّبة فالوجه أن يجعل على هذا استثناء من الأموال والأولاد على تقدير مضاف فيه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أي إلا أموال من آمن الخ وأولادهم فإنها تقوى على أن يجعل الأموال والأولاد تقوى مبالغة كقوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعرأء، الآية: 89] على وجه، وقيل إنه يصح على الوجه الثاني أيضاً ولا يتعين ما ذكر إذ يصح أن يقال وما أموالكم بتقوى إلا المؤمنين، وحاصله أن المال لا يقع تقوى مقرّ بالأحد إلا للمؤمنين واذا كان الاستثناء منقطعا اتضح وصح ما ذكره، وقوله أو من أموالكم الخ جعله الزجاج بدلاً من الضمير المجرور فلا يحتاج عليه إلى تقدير مضاف (بقي هنا بحث) وهو أنه أورد على جعله استثناء من ضمير تقرّ بكم أنه يلزمه إبدال الظاهر من ضمير المخاطب ويرد بأنه لا يلزمه الإبدال بل هو منصوب على الاستثناء، واذا كان منقطعاً فهو مبتدأ كما مرّ مع أنّ الفراء وجماعة أجازوه لكنه لا يجوز هنا لمعنى آخر كما فصله في البحر والدرّ المصون. قوله: (أن يجارّوا الضعف) أي الثواب المضاعف، وهو بيان لحاصل المعنى لظهور أنّ المجازي هو الله وليس لبيان إنه مصدر من المبني للمجهول حتى يقال إن بعض النحاة نازع في صحته، وقوله والأصل أي الأكثر وفي نسخة بدله والإضافة، وقوله على الأصل أي بتنوين جزاء ورفعه ونصب الضعف، وقوله وعن يعقوب الخ في الإعراب رواية الأوّل عن قتادة، والثاني عنه وعن يعقوب وقوله على التمييز عن نسبة الضعف أو هو حال من فاعل لهم إن كان الضعف مبتدأ، ومنه إن كان فاعلاً وقوله أو المصدر أي يجزون جزاء لأنّ في لهم دلالة على أنهم يجزون به ولا حاجة إلى دلالة لهم عليه لأنّ المصدر المنصوب يكفي في الدلالة على فعله فتدبر وقوله على إرادة الجنس لأنّ لكل أحد غرفة والمفرد أخ! مع عدم اللبس فيه، وقوله بالردّة فالمراد السعي في إبطالها، وبحتمل أنه على تقدير مضاف فيه. قوله: (سابقين لأنبيائنا أو ظانين الخ) قال الراغب أصل معنى العجز التأخر لكون المتاخر خلف عجز السابق أو عنده أو في عجز الأمر، ثم تعورف فيما هو معروف فالمراد هنا بالمعاجزة إما المسابقة لتأخر المسبوق بتقدم السابق، ومعنى المفاعلة غير مقصود هنا إذ المقصود السبق، وعدم قدرة غيرهم عليهم لغلبتهم عليهم فلذا لم يقل في تفسيره مسابقين فغلبتهم إمّا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي متصوّرة أو لله وهي غير متصوّرة فلذا جعلها بناء على زعمهم الفاسد، وظنهم الباطل لا إنه موضوع له. قوله: (فهذا في شخص واحد الخ) بدليل قوله له وما قيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 في آية العنكبوت من أنّ الضمير في موضمع من لأنه مبهم غير معين فضميره مثله، وليس المراد شخصا واحداً باعتبار وقتين لأنه لو أريد ذلك لصدّر يقدر بأداة التعاقب لا يعارض ما ذكر هنا كما قيل لأنه لا تكرار ثمة فأجراه على مقتضى ظاهره من العموم بخلاف ما هنا. قوله: (فلا تكرير) بل فيه تقرير لأن التوسيع والتقتير ليسا لكرامة ولا هو إن فإنه لو كان كذلك لم يتصف بهما شخص واحد، وقوله إمّا عاجلا أو آجلا المراد بالعاجل ما في الدنيا وبالآجل ما في الآخرة ويجوز أن يريد ما تراخى زمانه، وأمّا تخصيصه بالآخرة فلا وجه له وهو مناف لما ورد في الأحاديث الصحيحة نحو " لكل منفق خلف ولكل ممسك تلف " فلذا لم يرتضه المصنف رحمه الله وان نقله الزمخشري عن مجاهد، وعدّ الزمخشري من الخلف القناعة فإنها كنز لا يفنى. قوله: (لا حقيقة لرارّقيتة) أورد عليه وعلى نظائره ابن عبد السلام في أماليه كما نقله السيوطي في شرح السنن وادّعاه بعضهم من نتائج قريحته هنا أنه لا بدّ من مشاركة المفضل للمفضل عليه في أصل الفعل حقيقة لا صورة وأجاب الآمدي بأنّ معناه خير من تسمى بهذا الاسم وأطلق عليه، وقد أجيب بأجوبة أخر في قوله أحسن الخالقين وكلها مدخولة فلا بد من جعل الرازقين بمعنى الموصلين للرزق والواهيين له بجعله حقيقة في هذا كما صرح به الراغب حيث قال الرزق العطاء الجاري والرازق يقال لخالق الرزق ومعطيه فيقال رازق لغير الله ولا يقال لغيره تعالى رزاق ولا حاجة إلى ما قيل إنه من عموم المجاز أو من استعماله في حقيقته ومجازه بناء على تجويزه. قوله: (تقريعاً الخ) فالمقصود من خطاب الملائكة تقريع المشركين لعلمه بما ستجيب به الملائكة، وقوله وتخصيص الملائكة أي تخصيصهم بالذكر هنا في حكاية ما قيل لهم في ذلك الموقف، وليس المراد الحصر كما يتوهم من تقديم إياكم حتى يقال الحصر بالنسبة للأصنام، والا فقد قيل مثله لعيسى عليه الصلاة والسلام في قوله " نت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين فتدبر. قوله: (لآنهم أشرف شركائهم) إن كان الخطاب مع غير أهل الكتاب لتبادره من المشركين فشرفية الأصنام على زعمهم ولا يرد عيسى عليه الصلاة والسلام، والجواب بما مر متمش هنا ويؤيده قوله والصالحون للخطاب. قوله: (ولأن عبادتهم) يعني الملائكة مبدأ الشرك في العرب هذا بناء على ما وقع في بعض كتب القصص، والتواريخ كما نقله ابن الوردي في تاريخه من أنّ سبب حدوث الأصنام في العرب أن عمرو بن لحيّ أوّل من عبد الأصنام في العرب ودعاهم لذلك فأطاعوه وكان مرّ بقوم بالشام رآهم يعبدون الأصنام فسألهم فقالوا له هذه أرباب نتخذها على شكل الهياكل العلوية نستنصر بها ونستسقي فتبعهم، وأتى بصنم معه فاستمرّ العرب على ذلك إلى أن جاء الإسلام وعبادة عيسى عليه الصلاة والسلام بعد ذلك بزمان كثير، وقد مرّت إليه إشارة في تفسير قوله تماثيل في هذه السورة، وما روي إنها صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رواية أخرى فلا وجه لما قيل إنّ هذا لا أصل له، وقوله بالياء فيهما أي في قوله يحشر ويقول. قوله: (لا موالاة الخ) تفسير لقوله من دونهم وقوله حيث أطاعوهم فعبادتهم مجاز عن إطاعتهم فيما سوّلوه لهم وفيما بعده حقيقة، وقوله أو للمشركين فضمير كانوا للأكثر وهذا كالبيان له وقوله واكثر بمعنى الكل يعني على الثاني، ويجوز أن يبقى على ظاهره لأنّ منهم من لم يؤمن بهم وعبدهم اتباعا لقومه كأبي طالب وأيضا لا حاجة إلى التوجيه على الوجه الثاني إذ لم يتمثل الجن للكل. قوله: (إذ الأمر فيه كله له الخ) إن كان المراد بالنفع والضرّ الثواب والعقاب الأمر فيه كله من جنسهما لأنها دار الجزاء فلا غبار عليه، وان أريد الأعئم منهما ورد أنّ بعضهم قد ينفع بعضا كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالشفاعة فإما أن يقال إنها لا تكون بدون إذن كما مرّ فالنفع في الحقيقة منه تعالى أو المراد بالملك الاستقلال فيه وكونه كما يختار لا كما يختار له فإنه يقال هو مالك لأمره لمن يثصرف فيه كيف يشاء فلا يرد ما قيل إنّ إيقاع الشفاعة ملك لها. قوله: (عطف على لا يملك الخ) قيل إنه عطف على قول للملائكة لا على لا يملك كما قيل لأنه يقال يوم القيامة خطاباً للملائكة مترتباً على جوابهم المحكي، وهذا حكاية له صلى الله عليه وسلم لما سيقال للعبدة إثر ما يقال للملائكة أي يوم نحشرهم، ثم نقول للملائكة كذا ويقولون كذا ونقول للمشركين ذوقوا الخ يكون من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به نطاق المقال، وقيل الأحسن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 إنه عطف على عامل قوله فاليوم، وهو العامل في قوله يوم نحشرهم الخ والذي جنح إليه المصنف رحمه الله تعالى قربه من غير مانع فليس ما ذكر بأمر خفيّ يحتاج إلى التطويل والإنشاء الطويل. قوله تعالى: ( {عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} ) وقع الموصول هنا وصفاً للمضاف إليه وفي السجدة في قوله: {عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ} [سورة السجدة، الآية: 20] الخ صفة للمضاف فقيل لأنهم ثمة كانوا ملابسين للعذاب كما صرّح به في النظم فوصف لهم ثمة ما لابسوه وهنا عند رؤية النار عقب الحشر فوصف لهم ما عاينوه وكونه نعتاً للمضاف على أنّ تأنيثه مكتسب تكلف سمج هنا، وأما ما قيل من أنه دليل قاطع على أنّ عود الضمير إلى المضاف إليه إذا لم يكن فيه ليس حسن فمن قال إنه مخل بالبلاغة فقد وهم فليس بصحيح مدعى وسندا، أمّا الأوّل فلأن مرادهم إنه إذا كان ضمير يصح عوده على كل منهما من غير مرجح ولم يكن المضاف فيه كلاً ومثلاَ، ونحوه مما يكون المضاف والمضاف إليه شيئاً واحداً حقيقة أو حكماً مما المقصود فيه بالذات المضاف واليه وذكر الأوّل لإفادة عموم أو خصوص، وما نحن فيه من هذا القبيل لأن العذاب لازم للنار حتى لو لم يذكر فهم معناه فهنا يجوز عوده على كل منهما والمرجح ما ذكر، وأما السند فلأنّ هذا من الوصف لا من عود الضمير الذي ذكره صدر الأفاضل فإنّ الضمير للموصول، وقوله ما هذا الإشارة للتحقير، ويستتبعكم بمعنى يجعلكم من أتباعه، وقوله مطابقة ما فيه يعني من الحشر والتوحيد، وقوله بإضافته الخ فسره به لأنّ الافتراء الكذب على الغير وبه يغاير ما قبله فيكون تأسيسا. قوله: (لآمر النبوة) تفسير لقوله للحق وجعل النبوّة سحرا لما معها من الخارق للعادة وجعل الإسلام سحراً لتفريقه بين المرء وزوجه وولده، ولما كان على تفسيره بالقرآن يلزم التكرار أو التدافع دفعه بما ذكر، وقل إن كلا منهما مقول طائفة منهم، وقوله وفي تكرير الفعل أراد بالتكرير ثاني الذكر لا مجموعهما والفعل قال ذكر هنا مع تقدمه ومع التصريح بالقائل وعنوانه بأنه كافر وأتى به، وبمقوله معرفا فهو معرفة بالموصولية ومقوله بأل العهدية المساوية للموصولية في العهد فلذا قال في اللامين تغليبا وللحق متعلق بكفروا واللام بمعنى الباء أو هي تعليلية، وقوله من الإشارة بيان للعهدية لأنها إشارة ذهنية، وقوله من المبادهة أي المسارعة والمفاجأة لأنّ لما تفيد وقوعهما في وقت واحد من غير فاصل والبت القطع، وقوله وفي تكرير الخ خبر مقدّم وانكار مبتدأ، وقوله تمهيداً للقول مفعول له تعليل للخير أو تمييز له أو للمبادهة ومعناه بسطا وتبيينا والإنكار والتعجب من فحواه. قوله: (وفيها دليل على صحة الإشراك) الواو حالية أو عاطفة على جملة يدرسونها وضمير فيها للكتب، وهذا القيد هو المقصود بالنفي أي لا دليل لهم على صحة الشرك، وجمع الكتب إشارة إلى أنه لشدة بطلانه واستحالة إثباته بدليل سمعيّ أو عقلي يحتاج إلى تكرر الأدلة وقوّتها فكيف يدعي ما تواترت الأدلة النيرة على خلافه، وقوله وما أرسلنا الآية يعني أنهم أميون كانوا في فترة لا عذر لهم في الشرك ولا في عدم الاستجابة لك كأهل الكتاب الذين لهم كتب ودين يابون تركه وبحتجون على عدم المتابعة بأنّ نبيهم حذرهم ترك دينه مع أنه بين البطلان لثبوت أمر من قبله باتباعه، وتبشير الكتب به وفيه من التهكم والتجهيل ما لا يخفى. قوله تعالى: ( {وَمَا بَلَغُوا} الخ) جملة حالية والمعشار بمعنى العشر، وقوله وما بلغ الخ إشارة إلى أنّ ضمير بلغوا الكفار قريش وضمير آتيناهم للذين من قبلهم وفي الوجه الذي بعده على العكس، وقوله من البينات والهدى أو من الفضل والشرف بنبيه الكريم وبيته العظيم. قوله: (فحين كذبوا الخ ( قدره في النظم إشارة إلى مقارنة التكذيب لمجيء النكير لأنّ فاء فكيف الفصيحة تنبي عنه كما ذكره شراح الكشاف، وما قيل من أنّ تقدير المظروف وهو جاءهم إنكاريّ يغني عنه فتقديره إنما هو لبيان الواقع المعلوم من شهرته ليس بشيء لأنه إشارة إلى أنّ المعطوف عليه مقرون بالفاء السببية الدالة على المقارنة وذكر الظرف لبيان ذلك لا لأنه مقدر فيه، ولما كان قوله فكذبوا كالمكرّر مع ما قبله وليس تأكيدا لعطفه بالفاء فسر الأوّل في الكشاف بقوله فعل صن قبلهم التكذيب، وأقدموا عليه وجعل تكذيب الرسل مسبباً عنه كقوله أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد فقيل إنه من قبيل إذا قمتم إلى الصلاة، وردّ بأنه لم يرد ذلك بل مراده إن كذب الذين من قبلهم بمعنى فعلوا التكذيب على تنزيل المتعدّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 منزلة اللازم او هو معطوف على قوله وما بلغوا الخ. قوله: (جاءهم إنكاري بالتدمير) جعل التدمير إنكارا تنزيلا للفعل منزلة القول كما في توله: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم أو على نحو: تحية بينهم ضرب وجيع ولم يقدره فأهلكناهم فكيف كان عاقبة إنكارهم، وان كان أظهر لأنّ التجوّز في المقدر الغاز إشارة إلى أنه مذكور بالقوّة لظهور إفصاج المذكور عنه والنكير بمعنى الإنكار، وهو تغيير المنكر وقوله فليحذر الخ إشارة إلى أنّ المقصود من ذكره التخويف. قوله: (ولا تكرير الخ) إشارة إلى جواب السؤال المقدر كما بينا.، وقوله لأنّ الأوّل للتكثير يعني أن معنى كذب السابق أنهم أكثروا الكذب وألفوه فصار سجية لهم حتى اجترؤوا على تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام فصيغة فعل فيه للكثير وفي هذا للتعدية والمكذب فيهما متحد وقوله وما بلغوا الخ اعتراض فمن فسره بأن القصد إلى كثرتهم، وقوتهم فقط وذكر التكذيب لأجله لم يصب وكذا من أورد عليه أنه لا حاجة إلى ذكره ثانيا مع كفاية الأوّل، ثم قال: توهم التكرار إنما هو إذا لم يكن التقدير فحين كذبوا والا فالثاني ظرف غير مقصود بالبيان، وإنما يتوهم هذا لو قدر فجاءهم إنكاري فتأمّل. قوله: (أو الأوّل مطلق الخ التنزيله منزلة اللازم كما مرّ والمعنى وقع منهم التكذيب وفعلوا التكذيب وهذا ما اختاره الزمخشري واقترانه بالفاء لأنّ التقييد بعد الإطلاق تفسير معنى ولو جعل ضمير فكذبا لمشركي العرب لأنّ تكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم تكذيب للكل، والفاء للفذلكة لم يتوهم فيه تكرار كما قيل. قوله: (بخصلة واحدة) إشارة إلى أنه صفة لمقدّر وقوله هي ما دل الخ إشارة إلى أنّ قوله إن تقوموا بدل من قوله واحدة أو عطف بيان، وقوله وهو القيام الخ فالمراد به حقيقته على أنه قيام من مجلسه للتفكر وما بعده على أنه مجاز عن الجدّ والاجتهاد والمراد بالأمر ما سيأتي، وقوله لله بمعنى خالصا له وقوله يشوّس الخاطر أي يفرق الأفكار وهو بناء على الخطأ المشهور، والصواب فيه يهوش كما فصل في درة الغواص وقوله ومحله أي محل أن تقوموا. قوله: (أو البيان الم يذكر في بعض النسخ وعلى ذكره اعترض بأنّ واحدة نكرة وأن تقوموا معرفة لتقديره بقيامكم وعطف البيان يشترط فيه أن يكون معرفة من معرفة، أو توافقتهما تعريفا وتنكيرا على ما عرف من مذهبي النحاة فيه وأما تخالفهما تعريفاً وتنكيرا فلم يجوّزه أحد من النحاة، وما اعتذر به في المغني عن الكشاف من أنه أراد بعطف البيان البدل لا يتاتى هنا لجمعه بينهما والجواب عنه أن الزمخشريّ كما قاله ابن مالك في التسهيل ذهب إلى جواز تخالفهما، ثم إن كون المصدر المسبوك معرفة أو مؤوّلاً بمعرفة دائما غير مسلم ورجح الطيبي تقدير يعني وقال إنه أنسب لأنّ ذكر الواحدة مقصود هنا وأعني مضارع عناه الأمر إذا أهمه فأعرفه. قوله: (فتعلموا ما به جنون الخ (يحتمل أنه إشارة إلى تقدير ما ذكر لدلالة التفكر عليه لكونه طريقه أو أنّ التفكر مجاز عن العلم فلذا عمل في الجملة المعلق عنها وذهب ابن مالك في التسهيل إلى أنّ تفكير يعلق حملاً له على أفعال القلوب ولو حمل على التضمين لم يبعد والتعبير بصاحبكم للإيماء إلى أنّ حاله معروف مشهور بينهم لأنه نشأ بين أظهرهم معروفاً بقوّة العقل، ورزانة الحلم وسداد القول والفعل، وقوله يحمله على ذلك إشارة إلى أمر محمد صلى الله عليه وسلم السابق ودعواه النبوّة. قوله: (أو استئناف الخ) معطوف على مقدر أو على ما قبله بحسب المعنى لأنّ المراد أنه معمول لما قبله أو لما دل عليه أو استئناف ويترتب عليهما الوقف وعدمه، وقوله منبه الخ ليس مخصوصاً بالاستئناف بل هو جار عليهما، والأمر الخطير العظيم النبوّة والرسالة العامة يعني أنّ عدم جنونه معلوم لهم ومدعي هذا إمّ صادق أو مجنون فكيف، وقد سطعت براهين صدقه ومرض الاستفهام لأنه مع كونه خلاف الظاهر ومجازا عن الإنكار مآله إلى النفي فطيّ المسافة أولى من التطويل بلا طائل، والباء بمعنى في ومن زائدة على النفي بيانية على الاستفهام، وقوله ثم تتفكروا الخ يعني أنه على هذا الظاهر تعلقه بما قبله وان احتمل الاستئناف. قوله: (لآنه مبعوث في نسم الساعة) يعني أنّ إنذاره بين يدي العذاب إنذاره بعذاب القيامة وقد قرب وقوعه لأنّ مبعثه في آخر الدنيا وعلى قرب منها كما ورد في الحديث الذي رواه اقرمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت في نسم الساعة " ومعناه قربها إما لأنّ النسم جمع نسمة وهي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 الواحد من البشر أي في ناس وجيل خلقهم الله قريبا منها أو هو من نسم الريح وهو ما يهب بلين في أوائلها فالمعنى بعثت وقد أقبلت أوائل الساعة، وقيل النسم النفس وقد روي نفس الساعة وهو أيضا بمعنى القرب لأنّ من قرب منك وصل إليك نفسه. قوله: (أيّ شيء سألتكم الخ) إشارة إلى أنّ ما هنا شرطية ولا وجه لما قيل حينئذ الأولى تفسيرها بمهما لأنّ مهما أيضا معناه أي شيء فهو تكثير للسواد، وتحتمل الموصولية أيضا فدخول الفاء لتضمنها معنى الشرط وهو ظاهر، وقوله والمراد نفي السؤال لأن ما يسأله السائل يكون له فجعله للمسؤول منه كناية عن أنه لا يسأل أصلاً والتنبي تكلف دعوى النبوّة لمن لم يؤتها. قوله: (ثم نفى كلاَ منهما) أي الجنون والغرض! الدنيوي من النفع، وهذا بناء على ما يتبادر من فحواه والمراد من الأجر مطلق الغرض والنفع حتى يشمل الجاه وغيره فلا يرد عليه أنه لا يلزم من نفي الأجر نفي النفع مطلقا ولا من السؤال نفي تحصيله بطريق غيره كالتضييق عليهم كما يشاهد من بعض الظلمة، وقوله وقيل ما موصولة الخ ويحتمل النفي، وقوله فهو لكم جواب شرط مقدر أي فإذا لم أسألكم فهو. قوله: (مراد الخ) خص هذا بالموصولية وان جوّزه الزمخشري في الشرطية لأن الموصولية تقتضي عهداً في الصلة وانه سؤال وقع في الماضي فيناسب تفسيره بما ذكر فلذا لم يتبعه لأنّ الشرطية تقتضي أنه أمر غير معين بل مفروض لم يقع فلا تكن من الغافلين فالاستشهاد بالآية الأولى فيه خفاء فتأمّل. قوله: (يلقيه وينزله الخ) يعني أنّ أصل معنى لقذف الرمي بدفع شديد وليس معناه الحقيقي مرادا هنا فهو إما مجاز عن الإلقاء في القلب إن أريد بالحق الوحي وما يضاهيه وهو من استعمال المقيد في المطلق والباء الظاهر أنها زائدة ويجوز أن تكون للملابسة أو السبب أو بتضمين معنى الرمي، وقوله أو يرمى به الباطل الخ على أنّ المراد بالحق مقابل الباطل والقذف به عليه إيراده عليه حتى يبطله ويزيله ففيه استعارة مصرحة تبعية والمستعار منه حسيّ، والمستعار له عقلي والوجه الثالث هو مجاز عن إشاعته في الآفاق وهو استعارة أيضاً ويجوز أن يكون فيهما مكنية. قوله: (على محل إن واسمها الم يجعل المحل لاسمها لأنه لا محل له إذ شرطه بقاء المحرز وهذا منعه بعض النحاة أيضا في غير العطف، ولا يلزم على البدلية خلوّه من العائد لأنه ليس في نية الطرح من كل الوجوه وكسر الغيوب وضمه على أنه جمع والفتح على أنه مفرد للمبالغة كالصبور وفي نسخة الصيود بالدال المهملة. قوله: (وزهق الباطل الخ) بيان لحاصل المعنى وأنّ المراد بالباطل الشرك، والإبداء والإعادة الاً وّل فعل أمر ابتداء والثاني أن يفعله على طريق الإعادة ولما كان الإنسان ما دام حيا لا يخلو عن ذلك كني به عن حياته، وبنفيه عن هلاكه ثم شاع ذلك في كل ما ذهب وان لم يبق له أثر وان لم يكن ذا روح فهو كناية أيضا أو مجاز متفرّع على الكناية واليه أشار المصنف رحمه الله، والفعلان منزلان منزلة اللازم أو المفعول محذوف. قوله: (أقفر الخ) الشعر لعبيد بن الأبرص قاله: عندما أراد النعمان قتله في يوم بؤسه وقصته مفصلة في مجمع الأمثال فلا حاجة لها هنا وأقفر بمعنى خلا والمراد به فارق أهله عبيد وإنما عبر به مشاكلة لقول النعمان لما قال له أنشدنا قولك: أقفر من أهله ملحوب الخ وملحوب اسم مكان وقوله وقيل الخ فعلى هذا لا كناية فيه والمعنى أنه لا يقدر على شيء أو أيّ شيء يقدو عليه واطلاق الباطل على إبليس لأنه مبدؤه ومنشؤه، وقوله والمعنى أي عليهما. قوله: (فإنّ وبال ضلالي عليها) الظاهر أنّ قوله على نفسي حال التقدير عائداً ضرر ذلك على نفسي وحمل النفس على معناها المتبادر، ولذا قال لأنه الخ ولو حملها على معنى الذات صح، وكان المعنى عليّ لا على غيري لكنه أجازه لما سيأتي في التقابل، وقوله بهذا الاعتبار الخ دفع للسؤال من أنه لا تقابل فيه لأنّ الظاهر! ان اهتديت فلها كقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} أو يقال هنا فإنما أضل بنفسي بأنه فيه تقابل بحمسب المعنى لأنّ كل ضرر فهو منها وبسببها وهو كسبها وعليها وباله وأما جعل على للتعليل حتى يحصل التقابل بلا تأويل ففيه العدول عن الظاهر من غير نكتة، وما في ما يوحي موصولة أو مصدرية، وقوله بفتح الياء أي من ربي ولو أخره عن بيان المعنى كان أولى، وقوله فإنّ الاهتداء الخ تفسير لقوله فبما الخ والمراد اهتداؤه صلى الله عليه وسلم فالتعريف للعهد أو كل اهتداء على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 أنها للاستغراق كما مرّ فتثبت هدايته بطريق البرهان وهذا كناية عن لازمه، وهو الهداية والتوفيق فلذا فسره به لأنه كان مهديا قبل الوحي وبعده. قوله:) عند الموت) أي خوفهم من الموت لما شاهدوه أو المراد البعث لأنه الفزع ا! بر أو هو من فزع الحرب في بدر والخطاب في ترى للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يقف عليه ومفعول ترى إمّا محذوف تقديره أي الكفار أو فزعهم أو لتنزيله منزلة اللازم أو هو إذ على التجوّز إذ المراد برؤية الزمان رؤية ما فيه. قوله: (فلا فوت) الفاء إن كانت سببية فهي داخلة على المسبب لأنّ عدم فوتهم من فزعهم وتحيرهم أو هي تعليلية فتدخل على السبب لترتب ذكره على ذكر المسبب، واذا عطف أخذوا عليه فيكون هو المقصود بالتفريع بلا تكلف وقوله بهرب وما بعده كل منهما ناظر للجميع، ويجوز جعله على التوزيع. قوله: (من ظهر الأرض إلى بطنها) ناظر إلى الموت وما بعده للبعث والأخير لبدر فهو لف ونشر مرتب والمراد بذكر قربه سرعة نزول العذاب بهم والاستهانة بهرم وبهلاكهم، والقليب البئر والمراد بها بئر معينة ببدر رمى فيها جثث من قتل من المشركين كما هو مصرّح به في الحديث ومن لاغريب ما ذكره القرطبي في كتاب الملاحم من التذكرة في حديث طويل في جيش السفياني وانهم يتوجهون لمكة فإذا كانوا بالبيداء قال الله سبحانه وتعالى لجبريل عليه الصلاة والسلام اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضرب يخسف الله بهم فذلك قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ} [سورة سبأ، الآية: 51] الخ فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة، ولذلك جاء وعند جهينة الخبر اليقين اهـ. قوله: (والعطف الخ) ويجوز كونها حالاً من فاعل فزعوا أو من خبر لا المقدّر وهو لهم بتقدير قد، وقوله قرى أخذ أي بصيغة المصمدر المرفوع، وقوله هناك خبر قدّر مقدّما لأن المبتدأ نكرة، وقوله بمحمد وقيل الضمير للعذاب كقوله فيما سيأتي في قوله: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ} أو للبعث لكن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم شامل لهما فلذا اختاره المصنف، وقوله ني حيز التكليف الخ فإذا كان في القيامة فالبعد حقيقي واذا كان عند الموت فالبعد رتبي لأنه حالة يأس فنزل عدم القبول منزلة البعد الحسي. قوله: (ثناولاً سهلاَ) التناوس مطلق التناول كما قاله الراغب وصاحب القاموس فلو أبقاه على عمومه ولم يقيده كان أولى لكنه تبع الزمخشري فيه وهو ثقة، وقوله وهو تمثيل حالهم الخ يعني أنه استعارة تمثيلية شبه إيمانهم حيث لا يقبل بمن كان عنده شيء يمكن أخذه فلما بعد عنه فرسخاً مد يده ليتناوله، وقوله حالهم في الاستخلاص الخ أي طلب الخلاص هو المشبه، وقوله بحال الخ هو المشبه به، وقوله في الاشحالة هو وجه الشبه بينهما، وقوله أو أنه فاعل فات وسقط من بعضها ففاعله ضمير يعود للخلاص أو للاستخلاص، وقوله غلوة بالغين المعجمة واللام الساكنة ثم واو هي مقدار رمية سهم وهو هنا مثال للبعد كما أن الذراع مثال للقرب بدون قصد للتخصيص! ، وكونه بالعين المهملة تحريف من الناسخ وتناوله مصدر مضاف للمفعول أو للفاعل. قوله: (على قلب الواو لضمتها) همزة فإنها متى ضمت ضمة لازمة سواء كانت في الأوّل أو غيره جاز قلبها همزة لكن زاد أبو حيان فيه شرطين آخرين ورد على من أطلقه وهو أن لا تكون مدغمة كالتعوذ ولا في مصدر لم تقلب في فعله نحو تعاون تعاونا لأنّ المصدر يحمل فيه على فعله والشرط الأوّل صرّح به في التسهيل، ولا كلام فيه وأنما الكلام في الثاني فإنه إذا سلمه له لا يصح القلب هنا فيتعين كون الهمزة أصلية وقد ذكر جوازاً لقلب الزجاج وناهيك به، قوله: (أو أنه من نأشت الشيء الخ) فتكون على هذه القراءة الهمزة أصلية بدون قلب ويكون اللفظ، ورد من مادّتين ولا بعد فيه وأقحمني في بيت رؤبة بالقاف والحاء المهملة بمعنى ألجأني وأبو الخاموس بالخاء والشين المعجمتين علم رجل، وقيل أفحم بالفاء والجاموس بالجيم ولست على ثقة منه ونأس بالهمز مصدر بمعنى الطلب مضاف للقدر والنؤس على وزن فعول صفته بمعنى الطالب. قوله: (تمنى الخ) هو من شعر لنهشل وهو: ومولى عصاني واستبدبرأيه كما لم يطع فيما أشاء قصير فلما رأى ما غب أمري وأمره وناءت بإعجاز الأمور صدور تمنى نثيشاً أن يكون أطاعني وقد حدثن بعد الأمور أمور فنئيشا على ما ذكر هنا بمعنى أخير، وقال المعرّي في رسالة الغفران: النئيش ما طلب بعدما فات وقد صحف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 بعضهم هذا البيت وفيه كلام ل يس هذا محله. قوله: (فيكون بمعنى التناول من بعد) يعني إذا كانت الهمزة أصلية يكون معنى التناوس التناول من بعد على الوجه الأخير كما في الكشاف لأن الأخير أو ما فات يقتضيه أو عليهما لأنّ الطلب لا يكون للشيء القريب منك الحاضر عندك فيكون قوله من مكان بعيد تأكيد، وأمّا تجريده لمطلق التناول وان صح فعبارتهما تأباه، وما قيل من أنّ البعد هنا زماني أي بعدما فات وقنه ليجمع بين بعد الزمان والمكان غير صحيح لأنّ المستعار منه إنما هو في المكان وما ذكره من أحوال المستعار له وأمّا كون بعد في العبارة بفتح الباء، والجرّ بمعنى متأخر فلا ينبغي أن يلتفت إليه لما فيه من التعسف الغنيّ عن البيان. قوله: (وقد كفروا به) حال أو معطوف أو مستأنف والأوّل أقرب، وقوله يرجمون تفسير ليقذفون وقد سبق بيانه قريباً، وقوله بالظن بمعنى المظنون تفسير للغيب بمعنى الغائب فيكون معنى يقذفون بالغيب يتكلمون بما لم ينشأ عن تحقيق ويظهر لهم فلا ينافي كون قوله بما لم يظهر تفسيراً له لأنه بيان لأنّ الظن ما كان عن تخمين وعدم تثبت فقوله يتكلمون بما لم يظهر تفسير لقوله يرجمون بالظن، وقوله في الرسول أو في العذاب لف ونشر مرتب لقوله بمحمد أو بالعذاب، وقوله من جانب بعيد يعني المراد بالمكان البعيد الجهة البعيدة والحال التي لا تناسب وما تمحلوه في الرسول قولهم رجل يريد أن يصدّكم الخ ونحوه وفي الآخرة قياسها على الدنيا وظن الأموال والأولاد تفيد فيها كما حكاه عنهم سابقاً في قوله، وما نحن بمعذبين الخ. قوله: (ولعله) أي قوله ويقذفون الخ استعارة تمثيلية بتشبيه حالهم في ذلك أي في قولهم آمنا حيث لا ينفعهم بحال من رمى شيئا من مكان بعيد وهو لا يراه فإنه لا يتوهم إصابته ولا لحوقه لخفائه عنه وغاية بعده فباء بالغيب بمعنى في أي في محل غائب عن نظره أو للملابسة، وقوله وقرئ يقذفون أي ببناء المجهول وفاعله الشياطين وقذفهم به إلقاؤه عليهم وتلقينهم له، وقوله والعطف الخ أي على هذا يقذفون معطوف على قد كفروا وعبر بالمضارع لما ذكر فيكون هذا مما وقع في الدنيا فإن عطف على قالوا فهو تمثيل لحالهم في الآخرة وتلفظهم بالإيمان بعدما فات زمانه وضاع، وقوله في تحصيل الخ متعلق بحالهم وحيل مبنيّ للمجهول ونائب الفاعل ضمير المصدر أي وقعت الحيلولة وتقدم نظيره، والإشمام هنا بمعنى الروم ومن قبل متعلق بفعل أو بأشياعهم. قوله: (موقع في الريبة الخ) حاصله أنه إمّا من أراد به أوقعه في ريبة وتهمة فالهمزة للتعدية أو من أراب الرجل أي صار ذا رببة وهو مجاز إمّا بتشبيه الشك بإنسان على أنه استعارة مكنية وتخييلية أو على أنه إسناد مجازيّ أسند فيه ما لصاحب الشك للشك للمبالغة فتأمّله. قوله: (من قرأ الخ (هو حديث موضوع ومصافحة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومرافقتهم لذكرهم وأحوالهم فيها تمت السورة والحمد لله رب العالمين، وأفضل صلاة وسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة فاطر بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وآيها خمس وأريعون) أي بمدّ الهمزة جمع آية وقال الدأني رحمه الله في كتاب العدد هي أربعون ويست آيات في المدني الأخير والشامي وخمس في عدد الباقين. قوله: (مبدعهما من الفطر الخ) يعني أن المراد به الإبداع وهو الإيجاد من غير سبق مثل ومادة، وقد كان أصل معناه الشق، ثم تجوّز به عما ذكر وشاع فيه حتى صار حقيقة أيضاً ثم إنه بين المناسبة بين المعنى الأوّل والثاني بقوله كأنه الخ وأشار بقوله كأنه إلى أنّ شق العدم ليس على حقيقته فإنّ الشق يختص بالأجسام لكنه أورد عليه أنّ في شق العدم متعلق الشق ليس السموات، وهو المذكور في المنقول إليه ولا مجال لجعله مجازاً في النسبة أو تكلف مجاز الحذف والإيصال فيه كما قيل فلا مناسبة بين ما جعله أصلا وما أريد به، وأمّا ما قيل من أنه لا مانع من حمله على أصله وهو الشق هنا ويكون إشارة إلى الأمطار والنبات ونزول الملائكة فليس بشيء لأنّ الأمطار لا معنى لكونها شاقة للسماء، ولأنّ معنى الشق لا يناسب في مثل فطر الناس وكذا حمله على شق السماء، ونسف الأرض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 يوم القيامة لا يلائم الحمد وكله مما لا يلتفت إليه لكناد ذكرناه لئلا يتوهمه الناظر فيه شيئاً، فالذي عليه المعوّل هنا أنّ المبتدع لما لم يكن فيه ولا معه شق محسوس جعله شقاً متوهماً وهو أنّ العدم لكونه الأصل جعل ما يوجد كانه خلفه أو فيه فشقه وخرح منه إلى العيان فالشاق، والفاطر السموات والإجرام المبتدعة والفطر صفتها لأنّ الفعل يسند حقيقة في عرف اللغة لما يتحقق به وإن كان الفاعل حقيقة هو الله فتدبر. قوله: (والإضافة محضة الخ) فيصح كونه صفة للمعرفة ولا حاجة إلى أن يقال إنه بدل، وهو قليل في المشتقات لكن قوله جاعلى إن كان بمعنى خالق ورسلاً حال فهو على قراءة الجرّ مثله وأمّا إن كان بمعنى مصير فرسلاً مفعول ثان، ولم يكن بد من جعله عاملا واضافته لفظية فتتعين فيه البدلية على ما مرّ تفصيله في سورة الأنعام، وقوله وسايط الخ إشارة إلى أنه بمعناه اللغويّ غير مختص برسل الملائكة كجبريل والإلهام والرؤيا بالنظر إلى الجميع والوحي مختص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وذكر الرؤيا بناء على أنها بواسطة ملك بلغ عنه ما يرى على ما ورد في الحديث، وقوله يوصلون الخ كالأمطار والرياح وغيرها وهم الموكلون بأمور العالم. قوله: (ذوي أجنحة) إشارة إلى أن أولي صفة رسلاَ وأنّ معناه ذوي ولا واحد له من لفظه، وقوله متفاوتة الخ فزيادتها لعلوّ مرتبة من زيدت له، وقوله ينزلن بها الخ ناظر لتفسير رسلاَ الأوّل وما بعد. لما بعده وأو هنا وفي الأوّل يحتمل أن تكون للترديد في التفسير والمراد أنه مفسر بهذا أو بهذا ويحتمل أنها للتنويع، وقوله ولعله لم يرد الخ لأنه لولا هذا خرج جبرائيل ونحوه من عظماء الملائكة والظاهر أنّ ما ذكر شامل لجميع الملائكة، وقوله أولى أجنحة الخ وصف كاشف لأنّ المراد جميعهم ولو أريد البعض منهم كان المناسب لمقام العظمة ذكر أعظمهم فلا بدّ مما ذكر فما ذكر للدلالة على التكثير والتفاوت فيها لا للتعيين ولا لنفي النقصان كما قيل لأنه لا يتوهم النقصان عن اثنين، وما قيل إنه عدول عن الظاهر من غير داع له، وأنّ قوله يزيد في الخلق ما يشاء يأباه من ضيق العطن لأنّ قوله يزيد الخ لا يدل على أنّ الزيادة في الأجنحة فتأمّل. قوله: (استئناف الخ) أي هي جملة مستانفة، ولذا لم تعطف واستئنافها لفوائد كما أشار إليه بقوله للدلالة، وقوله أمر بالجرّ معطوف على مقتضى ويجوز عطفه على الدلالة أو على مجرور على والأوّل أولى إذ المعنى أنه بمقتضى مشيئته لا بأمر يستدعيه ويقتضيه من ذواتهم، وأمّا احتمال شق ثالث وهو أن يكون بأمر خارج كما قيل فلما كان لحكمة كان داخلا في الأوّل والفصول جمع فصل وهو المميز للذوات. قوله: (لآنّ اختلاف الخ) أي لو كان اختلاف النوع لذات النوع، والمصنف لذات الصحنف لزم تنافي لوازم الأمور المتوافقة وكذا لو كان بسبب طبيعة الجنس المشترك بينهما فلا قصور في كلامه كما توهم، وقوله إن كان لذواتهم وفي نسخة لذاتهم بالإفراد أي للذات المشتركة في الطبيعة النوعية أو الجنسية فقوله بالخواص راجع للأصناف، والفصول للأنواع ومبني كلامه على عدم اختلاف الحقيقة الملكية، وهو كاف لمقصوده من غير توقف على تماثل الأجسام لتأنيه على كونها أرواحا أو عقولاً مجرّدة فلا وجه لجعله مبناه. قوله: (والآية متناولة الخ) ملاحة الوجه وما بعده مثال للمعاني ويجوز إرجاء الأوّل للصور وحصافة العقل بالحاء والصاد المهملتين والفاء استحكامه وقوته كما في القاموس. قوله: (وتخصيص! بعض الآشياء الخ) وفي نسخة الأسباب والأولى أولى فلا يلزم ترجيح المساوي وهذا تأكيد وتقرير لما قبله من المشيئة، وقوله هو من تجوّز السبب للمسبب أي الفتح مجاز مرسل للإرسال بعلاقة السببية فإنّ فتح الباب مثلا سبب لإطلاق ما فيه وإرساله ولذا قابله بالإمساك والإطلاق كناية عن الإعطاء كما يقال أطلق السلطان للجند أرزاقهم فهو كناية متفرّعة على المجاز. قوله: (واختلاف الضميرين) العائدين لما حيث أنث الأوّل باعتبار المعنى وذكر الثاني باعتبار اللفظ وهذا هو الصحيح والمرجح ما أشار إليه بقوله لأنّ الموصول الخ، وفي عبارته تسمح حيث أطلق الموصول على ما وهي شرطية هنا لجزمها وهو إشارة إلى أنها في الاً صل اسم موصول تضمن معنى الشرط كما ذكره بعض النحاة. قوله: (بأنّ رحمتة سبقت غضبه) كما ورد في الحديث الصحيح، والمعنى سبق تقدم تعلقه في الوجود على تعلق الغضب لأنه إنما يكون بعد الوجود الذي هو أساب النعم وإلا فلا تقدم لأحد الصفتين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 على الأخرى إذا كانا من الصفات الذاتية وقد فسر السبق في الحديث بالغلبة، وقد حمل عليه كلام المصنف فالإشعار ظاهر لتخصيص الرحمة في الأوّل وتشريكها مع الغضب في الثاني الدال على غلبتها كما قيل، وقوله وفي ذلك أي تفسيرها ولو جعله من تقدّمها في الذكر كان أظهر لكن تفسيره دون مقابله المقتضى لقصده والاعتناء به مشعر بذلك فتدبر. قوله: (من بعد إمساكه) ويجوز تفسيره بغيه كما مرّ وهذا أولى لأتي هذا مستفاد من قوله فلا مرسل له فالأولى أن يفسر فلا مرسل الخ فلا قادر على إرساله سواه كما قيل، وقوله واتقان بالمثناة الفوقية ووقع في نسخة بالتحتية والأوّل هو الصحيح، وقوله الملك المراد به عالم الشهادة الدال عليه ذكر السموات والأرض والملكوت عالم الغيب الدال عليه قوله جاعل الملائكة. قوله: (احفظوها بمعرفة حقها) فليس المراد مجرّد ذكرها باللسان بل الاعتراف بها على وجه يقتضي أداء حقوقها كما يقول الرجل لمن ينعم عليه اذكر أيادفي عندك فهو كناية عما ذكر كما بينه الزمخشريّ. قوله: (ثم أنكر الخ) إشارة إلى أنّ الاستفهام في قوله هل من خالق الخ إنكاريّ فإن قلت قد قال الرضى وغيره من النحاة في الفرق بين الهمزة وهل أنّ الهمزة ترد في الإثبات للاستفهام والإنكار وهل لا تستعمل للإنكار قلت قد أجيب عنه بأن الإنكار ثلاثة أقسام إنكار على مدعي الوقوع كقوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ} [سورة الإسراء، الآية: 40] ويلزمه النفي وانكار على من أوقع الشيء نحو أتضربه وهو أخوك وانكار لوقوع الشيء وششعمل هل في الأخير دون الأوّلين وهذا معنى قولهم الاستفهام بهل يراد به النفي كما في المغني، وهو الذي أراده الرضى واعترض عليه بأن كلام المفتاج وشرحه للشريف يخالفه حيث قال لا يصح أن يراد بالمضارع الداخل عليه هل معنى الحال سواء قصد الاستفهام أو الإنكار وفيه نظر لأنّ الإطلاق لا ينافي التقييد. قوله تعالى: ( {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ) في الكشاف إنه جفلة مفصولة لا محل لها مثل يرزقكم في الوجه الثالث ولو وصلتها كما وصلت يرزقكم لم يساعد عليه المعنى لأنّ قولك هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق غير مستقيم لأنّ قولك هل من خالق سوى الله إثبات لله فلو ذهبت تقول ذلك كنت مناقضا بالنفي بعد الإثبات، وهذا مما أشكل على شرّاحه ولهم فيه كلام طويل وكانّ المصنف ذهب إلى أنه غير مستقيم فلذا تركه واذا كان كذلك فلا علينا إن تركنا ما تركه. قوله: (للحمل على محل من خالق) وهو الرفع لأنه مبتدأ خبره يرزقكم أو مقدر وهو لكم لا غير لأنّ المعنى ليس عليه ومن زائدة للتأكيد، والوصفية لتوقله في التنكير حتى لا يتعرّف بالإضافة فلذا جوّز وصف النكرة به مع إضافته للمعرفة، وقوله فإنّ الاستفهام بمعنى النفي توجيه للبدلية بحسب المعنى والصناعة لأنّ غير الله هو الخالق المنفي ولأنّ المعنى على الاستثناء أي لا خالق إلا الله والبدلية في الاستثناء بغير إنما تكون في الكلام المنفيّ لا توجيه لزيادة من ولا للابتداء بالنكرة كما قيل لأنه ليس في الكلام ما يدلّ عليه. قوله: (أو لآنه فاعل خالق) معطوف على قوله للحمل أي رفعه على أنه فاعل لخالق، وهو حينئذ مبتدأ لا خبر له ولا وجه لتوقف أبي حيان بأنه لم يسمع إعماله مع زيادة من فإنّ شرط الزيادة والإعمال موجود من غير مانع فالتوقف من غير داع لا وجه له غير التعنت. قوله: (أو استئناف مفسر له) على أن خالق فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور وأصله هل يرزقكم خالق ومن زائدة في الفاعل، وقد اعترض على هذا الوجه بأنه قبيح شاذ في العربية فلا ينبغي حمل كلام الله عليه لأنّ هل لا تدخل على الاسم إذا كان في حيزها فعل نحو هل زيد خرج لاختصاصها بالأفعال في الأصل لكونها بمعنى قد وأصل هل أهل لكن استغنى عن الهمزة للزومها لها، ثم تطفلت على الهمزة في الدخول على جملة اسمية فإذا رأت الفعل في حيزها حتت لألفها المألوف على ما فيه كما فصل في النحو وقد أجيب عنه بأنّ الزمخشريّ لا يسلم ما قالوه كما صرّح به في المفصل لأنّ حرف الشرط كان مثلاً ألزم للفعل من هل لأنه لا يجوز دخوله على الجملة الاسمية كما دخلت عليها هل وقد جاز عمل الفعل مقدراً بعدها على شريطة التفسير كقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [سورة التوبة، الآية: 6] فيجوز في هل بالطريق الأولى وهذا أحسن مما قيل إنه أراد به ذكر جملة الوجوه المحتملة، وان كان بعضها غير جائز أو مستحسن كهذا وأمّا قول الطيبي إنّ هذا يحسن من البليغ إذا كان يتضمن معنى بليغاً مما يختص بالإضمار والتفسير كالإبهام، ثم التفسير وكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 الاستفهام بالفعل أولى كما حسن مخالفته كالدخول على الجملة الاسمية بلا فارق بينهما فضعيف جداً لكنه ليس بسهو في فهم كلام المعترض كما توهم، وأمّا تفسير كلامه هنا بأنّ المراد أنّ خالق مبتدأ خبره مقدّر أي وقوله يرزقكم مستأنف في جواب سؤال مقدر أيّ خالق يسأل عنه على أنه استئناف بيانيّ، وما بعده استئناف نحويّ فليس بمراده كما صرّح به في الكشاف مع أنه لو حمل عليه جاز وعلى الأوّل فضمير له ليرزقكم المقدر فهو اسنخدام. قوله: (وعلى الأخير) إذا كان يرزقكم كلاما مستأنفاً ولم يكن صفة، ولا مضمراً على شريطة التفسير والمعنى على النفي فيقتضي حينئذ عدم جواز إطلاق لفظ الخالق على غير الله إذ معناه لا خالق غير الله بخلافه على الوجوه الأخر، فإنّ معناه لا خالق يرزق غير الله فالمختص مجموع الخالقية والرازقية أو الرازقية فيكون غيره خالقاً كما قاله المعتزلة من أنّ العبد خالق لأفعاله فجوّزوا لطلاقه على غيره. قوله: (أي فتأص بهم الخ) دفع لما يتوهم من أنّ الجواب مسبب عن الثرط وهذا أمر قد كان قبله بأنّ المراد التأسي بهم كما قيل: قصوا عليّ حديث من قتل الهوى إنّ التأسي روح كل حزين فالأصل فاصبر وتأص بمن قبلك فقد كذبوا وصبروا فحذف الجواب، وأقيم هذا مقامه وإن كان هذا هو الجواب بحسب العربية والمسبب في الحقيقة التأسي لكن لما كان المراد الحث عليه قدر بالأمر فلا يتوهم أنّ المستغني عنه الأمر بالتأسي كما أشار إليه المصنف ويجوز أن يجعل الجواب من غير تقدير، ريكون المترتب عليه الإعلام والإخبار كما في وما بكم من نعمة فمن الله، وقوله وتنكير الخ وللتكثير أيضاً. قوله: (فيجازيك) تفسير للمراد من ذكر الرجوع أو بيان لما يترتب عليه، وقوله لا خلف فيه بيان لأنه المراد فليست حقيته بمعنى وقوعه وقوله فيذهلكم فالغرور مجاز عنه والنهي على نمط لا أرينك ههنا، وقوله الشيطان فتعريفه للعهد ويجوز التعميم، وقوله فإنها وإن أمكنت بيان لما في الكشاف مما يخالفه بناء على الاعتزال وقطع الأمانيّ الفارغة بالكلية مما في حال الكفر فإنه اللازم من الآية فلا يتوهم مخالفته لأهل الحق، وقوله وهو مصدر لغرّه وان قل في المتعدى وقعود مثال لهما لأنه مصدر وجمع قاعد أيضاً وعلى المصدرية الإسناد مجازيّ. قوله: (عداوة عامّة) من قوله لكم وقديمة من الاسمية أو هو بيان للواقع إشارة لقصة آدم وقوله في عقائدكم أي كونوا معتقدين لعداوته عن صميم قلب، وإذا فعلتم فعلاً فأفطنوا له فيه فإنه يدخل عليكم فيه الرياء ويزين لكم القبائح، وقوله وبيان لغرضه إشارة إلى أنّ اللام ليست للعاقبة. قوله: (وقطع للأمانئ الفارغة) هذا كلام حق وان كان ذا وجهين فإنّ من الأمانيئ الفارغة بل التي بعد فراغها كسرت أكوابها أمانيّ الكفرة فإنهم قالوا إنّ الله أكرمنا في الدنيا فلا يعذبنا في الآخرة كما مرّ، وهو لم يقل أمانيّ عصاة المسلمين حتى يكون مخالفا لمذهب أهل الحق كما توهم وكيف يحمل عليه وقد نص على مراده بقوله قبيله وان أمكنت نعم هي كلمة حق أريد بها باطل في كلام الزمخشري فلا تغفل. قوله: (وبناء للأمر كله على الإيمان الخ) الظاهر أنّ مراده أمر الآخرة كله من الثواب والعقاب، والعفو فإنّ ما فيها جميعه لا يخلو عن ذلك ومداره كله على الإيمان والعمل الصالح وعدمهما فإنه لا عقاب إلا بكفر أو معصية ولا عفو ولا ثواب إلا بإيمان أو عمل صالح، وهذا مما لا شبهة فيه وكونه في الجميع على القطع من غير احتمال تخلف أصلاً مسكوت عنه ومعلوم من نصوص أخر فميس هذا مبنياً على الاعتزال كما قيل، ولا دخل للام الاختصاص هنا بناء على أنّ المراد بالأمر الأمر النافع وكأنه جعل العذاب الشديد والأجر الكبير توصيفهما ليس للاحتراز بل لأنّ عذاب الآخرة كله شديد بالنسبة لما في الدنيا، وكذا أجرها كله عظيم فالوصف للتوضيح لا للتقييد فلا يقال إنه تبع الزمخشري إما غفلة واما بناء على أنه المناسب للوعيد هنا فكلامه لا يخلو من كدر ولو تركه كان أحسن. قوله تعالى: ( {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} ) أي حسن له عمله السيء فهو من إضافة الصفة للموصوف، وقوله تقرير له أي لما قبله من قوله الذين الخ وقوله بأن الخ بيان لتزيينه له، وقوله على ما هي عليه أي في نفس الأمر لا بمجرّد الوهم والتخيل. قوله: (فحذف الجواب الخ) قال السكاكي في باب الإيجاز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 قوله تعالى أفمن زين له الخ تتمته ذهبت نفسك عليهم فحذف لدلالة فلا تذهب نفسك عليهم الخ، أو تتمته كمن هداه الله فحذف لدلالة فإن الله يضل الخ انتهى فقال السعد في شرحه المحذوف على التقدير الثاني خبر وعلى الأوّل يحتمك الجزاء فأطلق لفظ التتمة ليشملهما انتهى فقيل إنه سد باب الجزائية على التقدير الثاني لقول ابن هشام إنّ الظرف لا يكون جوابا للشرط ووجهه أنّ الرضى صرّح بأنه لا يكون مستقراً في غير الخبر والصفة والصلة والحال ولم يذكر الجزاء، فلا يرد ما يتوهم من أنه إذا قدر متعلقه فعلا لم لا يكون جزاء وان لم يقرن بالفاء فإنه الأصل فيه فيندفع قول الثريف في حواشيه لا يجوز أن تكون من شرطية على هذا التقدير لانتفاء الفاء في الجزاء يعني أنّ تقدير الفاء داخلة على مبتدأ يكون الجار والمجرور خبره والجملة بتمامها جزاء غر جائز لما فيه من التكلف، وليس هذا كحذف الجواب مع الفاء كما توهم إلا أن ابن مالك في شرح الألفية في باب الشرط جعل من في هذه الآية شرطية على التقديرين وهو ظاهر قول الزجاج هنا الجواب على ضربين أحدهما ما يدل عليه فلا تذهب نفسك الخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرة ويكون فلا تذهب الخ يدد عليه، ويجوز أن يكون الجواب محذوفاً فيكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ويكون دليله فإن الله يضل الخ، انتهى وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله أيضاً إذ لا يظهر للعدول عن التعبير بالخبر إلى الجواب وجه فمن يحتمل أن تكون موصولة وشرطية في الآية، وما قيل من أنّ الموصولية فيها متعينة واطلاق الخبر على الجواب تسامح ليس بمسلم وان أيده بعضهم بأنه وقع في بعض النسخ الخبر بدل الجواب، وفيه كلام يطول شرحه في الباب الخامس من المغني وشروحه فليحرّر، وقوله عليه أي على الجواب. قوله: (وقيل تقديره) ضعفه لما فيه من الفصل بينه وبين دليل الجواب بقوله فإنّ الله ولا يظهر تقريره لما قبله وتفريعه عليه ولا تفريع قوله فإنّ الله الخ إلا بتقدير لا جدوى، ولا فائدة في ذلك وكله تكلف والهمزة للإنكار، وقوله فحذف الجواب يعلم حاله مما مرّ إذ الظاهر منه أنها شرطية لا موصولة على أن يريد بالجواب هنا الخبر تسمحا لكنه هنا أبعد إذ لا مانع من حمله على ظاهره ولم يجوزوا كون فرآه جوابا لركاكته صناعة، ومعنى لأنّ الماضي لا يقترن بالفاء بدون قد ولأنه لا معنى لإنكار كونهم رأوه حسناً إلا بتكلف، قيل ولم يلتفت لما في الكشاف من تقدير كمن لم يزين له وأنّ النبيّ-لمجت قال في جوابه: " لا " فرتب عليه قوله تعالى له: {فَإِنَّ اللَّهَ} الخ لبعده وفيه نظر وقد حمل بعضهم الجواب في كلامهم على معناه اللغوي دون النحوي وهو جواب الاستفهام كلا ونعم على أنّ الاستفهام على ظاهره، وليس المراد به الإنكار وإنما استدعى الجواب ليرتب عليه ما يترتب فيكون على تقديره أفمن زين له كمن لم يزين له لا فإنّ الله يضل الخ وعلى تقدير أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة نعم يحرض على هداية الناس، ويكون ترتب قوله فانّ الله الخ لأن الهداية بيد الفياض فلذا رجوتها لهم، وهو كلا حسن وإن كان لم يفصح عنه وكلام المصنف رحمه الله في حديث السببية ينبو عنه فتدبر. قوله: (ومعناه الخ) يعني أنّ هلاك نفسه بالحسرة عبارة عن التهالك فيها وشدتها كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا وذهب بمعنى هلك. قوله: (والفاآت الثلاث الخ) الفاآت في النظم أربعة والمصنف رحمه الله أسقط واحدة جعلها عاطفة أي للعطف من غير مهلة دون سببية ولم يعينها فقيل إنها فاء فرآه لأنها عطفته على زين ولا يخفى أنّ رؤيته حسنا مسبب عما سوّله له شيطان الوهم والهوى وتقرير المصنف مناد على خلاف ما ذكره، وقيل إنها فاء أفمن الخ فإنها رأس كلام وان قصد به تقرير ما قبله لا سيما إذا قلنا إنها عطفت على مقدّر كما هو مذهب المصنف رحمه الله على ما عرف في أمثاله، وهو أقرب وستأني تتمة الكلام عليه. قوله: (غير أن الآوليين الخ) وجهه على الأوّل أن تزيين الأعمال وعدمه سبب للعذاب والأجر، واضلال الله وهدايته سبب للتزيين الذي أراه القبيح حسنا وأما النهي عن تهالكه وتحسره عليهم فمسب عن أنّ الله خلق الناس على قسمين ضال ومهديّ، وهو ظاهر ولذا ارتكبه من ارتكبه وعلى الثاني فاعتقاده الباطل حقا سبب لتزيينه عنده والإضلال والهداية سبب لذلك الاعتقاد، وأمر الثالث كما مرّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 وللبحث فيه مجال، والفاء قد تدخل على المسبب وقد تدخل على المسبب وان فرق بعضهم بينهما فجعل الأولى تعليلية والثانية سببية، ولا مشاحة في الاصطلاح. قوله: (وجمع الحسرات الخ) يعني أنه مصدر صادق على القليل والكثير في الأصل لكنه جمع هنا لدلالة على زيادة حسرته التي كادت تذهب بنفسه لثدتها أو على تعدّدها بسبب تعدد أسبابها فالفرق بينهما ظاهر، وقوله لأنّ المصدر الخ تقدم إنّ بعضهم اغتفره في الجار والمجرور، وقوله أو بيان الخ فيكون ظرفا مستقرّاً متعلقه مقدر كأنه قيل على من تذهب فقيل عليهم ونصب حسرات على أنه مفعول أو حال. قوله: (استحضاراً الخ) إشارة إلى أنّ حكاية الحال تكون في الأمور المستغربة البديعة، وانه لتمثيلها بجعلها كالحاضر المشاهد لأنّ الأمور الغريبة يهتم بها السامع فيزيد تصوره لها كأنها محسوسة له، وقوله ولأنّ الخ الظاهر أن الأحداث مصدر مضاف للمفعول وهو الرياج، والفاعلى هو الله تعالى والأحداث هو معنى الإرسال لأنه إيجاد خاص من الله تعالى لها، وقوله بهذه الخاصية بالباء أو اللام كما في بعض النسخ وفي بعضها على هذه الخاصية والمقصود أن الإثارة خاصية لها وأثر لا ينفك عنها فلا يوجد إلا بعد إيجادها فيكون مستقبلا بالنسبة إلى الإرسال فاستعمال المضارع فيه على ظاهره، وحقيقته من غير تأويل لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم والفاء دالة على عدم تراخيه وهو شيء آخر، فما قيل من أنه مضاف للفاعل أي إحداث الرياح الإثارة وهي تحدث بعد إرسالها فللدّلالة عليه أتى بصيغة المستقبل، والفاء وان دلت عليه لكن لا مانع من تعدد الدال على أمر واحد للاهتمام به كلام مغشوش مشوّس والحق ما سمعته. قوله: (للدّلالة على استمرار الأمر) يعني أنه أتى بما يدل على الماضي ثم بما يدل على المستقبل إشارة إلى استمرار ذلك، وإنه لا يختص بزمان دون زمان إذ لا يصح المضي والاستقبال في شيء واحد إلا إذا قصد ذلك، وتشديد الياء من ميت وهما بمعنى وقد يفرق بينهما، وقوله وذكر السحاب كذكره جواب عن مرجع الضمير بأنه على ما يفهم منه بطريق الالتزام أو هو راجع إلى السحاب ونسبة الإحياء إليه لأنه سبب السبب، وقوله أو والصائر الخ عطف على سبب السبب، وهذا بناء على أنّ السحاب بخار متصاعد فقد يصير مطراً بعينه فالإسناد إليه لأنه أصله، وهذا مع تكلفه لا فرق بينه وبين ما قبله يعتدّ به واستعارة الموت والحياة قد مرّت مفصلة، وقيل إنه أشار بقوله بعد يبسها إلى أنّ الحياة مستعارة للرطوبة والموت لليبوسة لأنها تكون منشأ للآثار كالحياة وفيه نظر. توله: (والعدول فيهما الخ) وكون ضمير المتكلم أدخل في الاختصاص لأنه لا يحتمل الشركة كضمير الغائب، وهذا الفعل مما اختص به تعالى فناسب ذكره بما هو أدل على الاختصاص ولما فيه من كمال القدرة أتى بضمير العظمة. قوله: (أي مثل إحياء الموات الخ) المراد بالموات الأرض التي لا نبات فيها فإنباته فيها قدرة عظيمة دالة على صحة الحشر والنثر، والمعاد وقوله احتمال الخ أي إنّ النابت ثانياً زيادة أخرى غير مادة الأوّل، ولا مدخل له في المقدورية ولا في صحتها مع أنه بعينه جار في القسمين أيضاً على ما عرف فيه من أنه إعادة معدوم أولاً كماه فصل في الكلام. قوله: (وقيل في كيفية الإحياء (أي وجهه أنه مثله في الكيفية لأنه بأمطار ماء كالمني تنبت به الأجسام من عجب الذنب على ما ورد في الآثار، وهو معطوف على قوله في صحة المقدورية. قوله: (الشرف والمنعة) بفتحتين مصدر بمعنى العز والقوّة ويكون جمع مانع أيضا وتعريف العزة للجنس، وفيما بعده للاستغراق بقرينة قوله جميعاً، وقوله فليطلبها الخ فوضع فيه السبب موضع المسبب لأنّ الطلب ممن هي له وفي ملكه جميعها مسبب عنه، وعبر بما ذكر للعدول إلى المقصود وترك الوسيلة كما مرّ في قوله فانفجرت والطلب منه إنما يكون بالطاعة والانقياد إذ ما عداه لا يعد لعدم إيصاله للمطلوب فلذا عقبه بقوله: (إليه يصمد الكلم الطيب) الخ وجعل بعضهم المقدّر فليطع الله، ولو أريد بالعزة الأولى جميعها وقدر الجواب فهو لا ينالها صح أيضا وهو أنسب بما بعده، ولا ينافي قوله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وقوله تعز من تشاء الخ كما قيل. قوله: (بيان لما يطلب به العزة) أو لكون العزة كلها لله وهي بيده لأنها بالعمل الصالح، وهو لا يعتد به ما لم يقبله أو هي مستأنفة وقوله وهو التوحيد تفسير للكلم الطيب لأنّ المراد به كلمة الشهادة وجمعها لتعددها بتعدد قائلها، وقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 وصعودهما إمّا بناء على عطف العمل على الكلم أو لاستلزام الرفع له، وقوله مجاز أي مرسل بعلاقة اللزوم أو استعارة بتشبيه القبول بالرفع إلى مكان عال. قوله: (أو صعود الكتبة بصحيفتهما) فيجعل الكلم والعمل مجازا عما كتب فيه بعلاقة الحلول، والتجوّز في النسبة أو يقدر فيه مضاف أو يشبه وجوده الخارجي في السماء وكتابته فيها بالصعود فهو استعارة تبعية، وقوله للكلم فإنه يذكر ويؤنث، وفي قوله لا يقبل إشارة إلى أنّ الرفع كالصعود مجاز عن القبول أيضا، وقوله ويؤيد. الخ فهو من الاشتغال، وقيل في وجه التأييد أن الأصل توافق القراآت وفي هذه تعين الكلم للرّافعية والعمل للمرفوعية فتحمل عليه قراءة الرفع وفيه أنه كيف يتعين مع جواز أن يكون الرافع هو الله كما سيأتي فتأمّل. قوله: (أو للعمل) والضمير المنصوب للكلم وتحقيق الإيمان بإظهار آثاره إذ بها يعلم التصديق القلبي، وتقويته بتثبيته لا رفع قدره وقوله وتخصيص العمل الخ أي إذا كان الضمير لله فجعله مخصوصاً بالذكر ونسبة رفع الله له لأنّ الضمير البارز له لا لهما ولا لصاحبه كما قيل سواء كان العمل مبتدأ أو معطوفا لأنّ فيه كلفة ومشقة إذ هو الجهاد اكبر وفيه إشارة إلى أنّ الرفع بمعنى الشرف. قوله: (وقرئ يصعد من الإصعاد على البناءين) أي مبنياً للمعلوم والمجهول والفاعل المصرح به والمحذوف من ذكر فالكلم إمّا منصوب أو مرفوع، وقوله وعنه الخ رواه الحاكم والبيهقي والطبري عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقوله فحيا من التحية يقال حياه الله أي أبقاه فهو في الحياة، وقيل إنه من استقبال المحيا وهو الوجه وهو المناسب هنا على سبيل الاستعارة فالمعنى أنه يستقبل به الله والمراد رجاء رضا الله به، وقوله فإذا لم يكن الخ أي على هذا التفسير والمراد لم يقبل قبولاً كاملاً إن لم يرد ما يشمل العمل القلبي كالتصديق. قوله: (المكرات السيآت) يعني السيآت منصوب على أنه صفة المصدر لأنّ مكر لازم وقد جوّز نصبه على تضمين يقصدون أو يكسبون وعلى الأوّل فيه مبالغة للوعيد الشديد على قصده أو هو إشارة إلى عدم تأثير مكرهم، ودار الندوة دار بمكة كانوا يجتمعون فيها للمشاورة وفصل الأمور والندوة الاجتماع ومنه النادي وقصتها مشهورة، والتداور تفاعل بمعنى دارة للرأي فيما بينهم والمحاورة فيه. قوله: (لا يؤبه دونه) يقال لا يؤبه ولا يعبأ بضعنى يعتدّ به يعني أنّ ما مكروا به لا يعتد به بالنسبة للعذاب المعدّ لهم عند الله، وقوله يفسد أصل معنى البوار الكساد أو الهلاك فاستعير هنا للفساد وعدم التأثير لأنّ الكاسد يكسد لفساده ولأنّ الهالك فاسد لا أثر له. قوله: (لأنا الأمور مقدّرة لا تتغير به) أي بمكر أولئك ليس فيه حصر التأثير في التقدير ونفي اختيار العبد وكسبه حتى يكون على مذصب الجبرية كما توهم بل إن ما قدره الله لا يتغير كما أن ما علمه كذلك، ولا حاجة إلى أن يقال المراد بالأمور أمور النبوّة فقط لأن للتقدير فيها تأثيراً ظاهرا لا يتغير ومثله بعدما قرّر من مذهب الأشاعرة في الكلام تعصب فتأمل. قوله: (كما دل عليه بقوله والله) إلى آخر الآية فإنه دل على أنّ كل ما يقع جار على مقتضى علمه وقدرته، وقوله بخلق آدم الخ تقدّم فيه وجوه أخر فتذكرها. قوله: (إلا معلومة له) من في قوله من أنثى مزيدة في الفاعل، وقوله بعلمه حال منه أي ملتبسة بعلمه وليس فيه تصريح بذي الحال لكن الظاهر أنه الحامل والواضع لا المحمول والموضوع لعدم ذكرهما، ولا الحمل والوضع نفسهما لأنه خلاف الظاهر والمراد العلم بحملها ووضعها تفصيلاً لقوله، ويعلم ما في الأرحام لأنه لو قصد العلم بذاتها لم يكن لذكر الحمل والوضع فاثدة فلا يتوهم أنه لا يلزم من العلم بالحامل العلم بحملها، وسيأتي تفصيله في حم السجدة. قوله: (وما يمدّ في عمره من مصيره إلى الكبر) إمّا أن يريد أن معمر من مجاز الأول كقوله من قتل قتيلا لئلا يلزم تحصيل الحاصل كما قيل أو أن يعمر مضارع فيقتضي أن لا يكون معمرا بعد ولا ضرورة للحمل على الماضي كما قيل، وأما ما أورد على الأوّل من أنه لا يلزم من تعمير المعمر تحصيل الحاصل فرده معلوم مما مرّ تحقيقه في قوله هدى للمتقين كما فصله في الكشف. قوله: (من عمر المعمر لغيره) اللام متعلقة بينقص ولا حاجة لجعله للبيان أي هذا النقص كائن لغيره فالضمير راجع للمعمر، والنقص لغيره إذ من عمر لا يتصوّر النقص من عمره فليس في إرجاع الضمير له إباء عنه كما توهم، وليس هذا بعد تأويله بالصيرورة مستغنى عنه أيضا فتدبر، وقوله بأن يعطي الخ أوله به بأنه لا يمكن الزيادة والنقص في شيء واحد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 قوله: (والضمير له) أي للمنقوص عمره لا للمعمر كما في الوجه السابق وهو وإن لم يصرّح به في حكم المذكور كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء قيعود الضمير على ما علم من السياق. قوله: (أو للمعمر على التسامح الخ) فهو كقولهم له عليّ درهم ونصفه أي نصف درهم آخر فيعود الضمير إلى نظير المذكور لا إلى عينه كما جوّزه ابن مالك في التسهيل، وان قال ابن الصائغ، هو خطأ لأنّ المراد مثل نصفه فالضمير عائد إلى ما قبله حقيقة لأنه مناقشة في المثال وليس المراد بالمعمر أو ضميره، من من شأنه أن يعمر لأنه لو كان كذلك عاد الضمير عليه بعد التجوّز وليس بمراد، ومحصل كلامهم هنا أنه اختلف في معنى معمر فقيل المزاد عمره بدليل ما يقابله من قوله ينقص الخ، وقيل من يجعل له عمر وهل هو واحد أو شخصان فعلى الثاني هو شخص واحد قالوا مثلاَ يكتب عمره مائة ثم يكتب تحته مضى يوم مضى يومان وهكذا فكتابة الأصل هي التعمير والكتابة بعد ذلك هو النقص كما قيل: حياتك أنفاس تعدفكلما مضى نفس منها انتقصت به جزأ والضمير في عمره حينئذ راجع إلى المذكور والمعمر هو الذي جعل الله له عمرا طال أو قصر وعلى القول الأوّل هو شخصان والمعمر الذي يزيد في عمره، والضمير حينئذ راجع إلى معمر آخر إذ لا يكون المزيد من عمره منقوصاً من عمره، وهذا قول الفرّاء وبعض النحويين وهو استخدام أو شبيه به وقد قيل عليه هب أنّ المعمر الثاني غير الأوّل أليس تد نسب النقص في المعمر إلى المعمر كما قلتم هو الذي زيد في عمره وأجيب بأن الأصل حينئذ وما يعمر من أحد فسمي معمراً باعتبار ما يؤول إليه وعاد الضمير باعتبار الأصل المحوّل عنه ومن العجيب ما قيل هنا إنّ السر المقدّر له عمر طويل وهو يجوز فيه أني بلغ فيه حدّ ذلك العمر وأن لا يبلغه، ولا يلزمه تغيير ما قدر له لأنّ المقدر أنفاس معدودة لا أيام محدودة وعدّه سرا دقيقاً وهو مما لا يعوّل عل! يه عاقل ولم يقل به أحد غير بعض جهلة الهنود مع أنه مخالف لما ورد في الحديث الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة رضي الله عنها وقد دعت بطول عمر سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وقد أطال المحشي فيه وفي وده وهو غنيّ عنه وليس هذا من قبيل ضيق فم الركية كما قيل فتدبر. قوله: (لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه) هو مثال بناء على ما يتبادر منه من أنّ المراد يعاقب عبدا- آخر فلا يقال إنه لا يوافق مذهب أهل الحق ويتمحل للجواب عنه فإنّ المناقثة في المثال ليست من دأب المحصلين. قوله: (وقيل الريادة والنقصان الخ) فيكون المعمر والمتقص من عمره شخصاً واحدا بناء على ما ورد في الأحاديث من زيادة العمر ببعض الأعمال الصالحة كقوله: " الصدقة تزيد في العمر) فيجوز أن يكون أحد معمراً إذا عمل عملاَ وينقص من عمره إذا لم يعمله وهذا لا يلزم منه تغيير التقدير لأنه في تقديره تعالى معلق أيضاً، وإن كان ما في علمه الأزلي وقضائه المبرم لا محو فيه ولا إثبات وهذا ما عرف عن السلف، ولذا جاز لادعاء بطول العمر، وقال كعب (12 لو أنّ عمر رضي الله عنه دعا الله أخر أجله. قوله: (وقيل المراد يالنقصان ما يمرّ من عمره الخ) فما يعمر المعمر جملة عمر. وما ينقص منه ما مضى منه، وقوله على البناء للفاعل أي بفتح الياء وضم القاف وفاعله ضمير المعمر، أو عمره ومن زائدة في الفاعل وإن كان متعدّيا جاز كونه لله، وقوله علم الله هو على الأوّل من وجوه النقص والزيادة ويجوز في الأخير أيضاً وما بعده على الأخيرين فتدبر، وقوله إشارة إلى الحفظ أي المفهوم من كونه في الكتاب والزيادة والنقص مفهومان من فعليهما. قوله: (ضرب مثل الخ) هذا هو المشهور رواية ودراية، وما قيل الأظهر إنه لبيان كمال القدرة العلية فلا يتكلف لتوجيه ما بعده ليس بشيء فترك لأجله ما في هذا من محاسن البلاغة وكسر العطش إزالته، وقوله يحرق أي يؤذي شاربه، وسيغ صفة مشبهة وملح كحذر كذلك وليس بمقصود من مالح لأنه لغة رديئة وان قيل به. قوله: (استطراد الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنه لا يناسب ذكر منافع البحر الملح وقد شبه به الكافر ولا دخل له في عدم الاستواء بل ربما يشعر به بوجوه أحدها أنه ذكر على طريق الاسنطراد لا على طريق القصد، وليس هذا الجواب بقوي وأصل معنى الاستطراد أنّ الصائد يكون يعد وخلف صيد فيعرض له صيدآخر فيترك الأوّل ويذهب خلف الثاني فاستعير للانتقال من كلام إلى آخر يناسبه. قوله: (أو تمام التمثيل الخ) يعني أنه من جملة التمثيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 وبه يتم فكأنه قيل لا استواء بينهما فيما هو المقصود الأصلي، وهو السقي منه وإزالة الظمأ وإن اشتركا من جهات أخر كالمؤمن والكافر يشتركان في أمور شتى، ولكن ما هو المقصود الأصلي وهو فطرة الإيمان لا يشتركان فيه فلا عبرة بتلك المشاركة فجملة ومن كل الخ جملة حالية. قوله: (أو تفضيل للأجاج الخ) جواب ثالث فيكون كقوله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ} [سورة البقرة، الآية: 74] بعد قوله فهي كالحجارة فحاصله أنه أفيد بعد التشبيه أنّ الكافر ليس كالأجاج بل أدنى منه لأنه يشارك العذب في منافي دون الكافر والمراد المشاركة فيما يكون من أمور الدنيا والآخرة لأنّ أمور الدنيا لا عبرة بها في ذاتها عند الله، وهي مفقودة في الكافر بالكلية فلا يرد أن بين الوجهين تنافياً لأنّ في الأوّأى أثبت له منافع وهنا نفيت عنه مطلقا، وما قيل من أنّ قوله وإن اتفق الخ يدفعه فإنه يشير لقلته ففي الثاني بني الحكم على اكثر وألغى النادر عن حيز الاعتبار وفي الأوّل نظير له غير ظاهر فإنه ليس بنادر في نفسه كما لا يخفى. قوله: (والمراد بالحلية اللالي واليواقيث) الأولى أن يقول كما في الكشاف المرجان بدل اليواقيت، ولعل الياقوت عام في الأصل وتخصيصه بعرف طار وفيه تصريح بأنّ اللؤلؤ يخرج من المياه العذية ولا مانع منه، وان لم نره والقول بأن النظم لا دلالة له عليه مما لا وجه له كالقول بأنه من إسناد ما للبعض إلى الكل كما في قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة الرحمن، الآية: 22] . قوله: (فيه) قدم هنا وأخر في النحل فقيل لأنه علق هنا بترى وثمة بمواخر وهو لا يتم به المقصود، وقوله ويجوز أن تتعلق الخ أي بمقدر كسخرنا البحرين وهياناهما ونحوه مما يشتمل على منافعهما، وقوله باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال يعني أنّ الترجي عليه تعالى محال فهو مجاز والمراد اقتضاء ما ذكر من النعم للشكر حتى كأنّ كلا يترجاه من المنعم عليه بها فهو تمثيل يؤول إلى أمره بالشكر لنا. قوله: (هي مدّة الخ (لأنّ الأجل يطلق على مجموع المدة وعلى غايتها وقوله أو يوم القيامة على أنه منتهى معين، وقوله وفيها أي في هذه الإشارة إشعار بما ذكر لأنّ الأخبار والثناء عليه يقتضي ذلك، وفي قوله الإخبار إشارة إلى أنّ الله خبر لا نعت أو عطف بيان لاسم الإشارة لأنه لا يقع العلم فيه كغيره، وكونه باعتبار أصله قبل الغلبة تكلف ما لا حاجة إليه، وقوله في قران والذين الخ بإضافة القران لما في النظم أي كونه مقارنا له في الاستئناف، وهو معطوف عليه أو حال من الضمير المستتر في الظرف، وفي القران إشارة لهذا والجملة مقرّرة لما في الجملة قبلها من الدلالة على العظمة كما سيأتي وعلى الوجه الأول هو معطوف على جملة ذلكم الله الخ أو حال أيضاً، وقوله للدلالة الخ يعني أنّ قوله له الملك وما بعده مستأنف مقرّر لما قبله ودليل عليه كما أشار إليه شرّاح الكشاف فالتفرد بالألوهية والربوبية مستفاد من تعريف الظرفين في قوله: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ} وهذا مسوق لتقريره والاستدلال عليه إذ حاصله جمعي الملك والتصرّف في المبدأ والمنتهى له، وليس لغيره منه نقير ولا قطمير، ولذا قيل إنّ فيه قياساً منطقياً مطويا فسقط ما قيل من أنه يكفي فيه الأوّل لما فيه من تقديم الجارّ والمجرور المفيد للاختصاص، واللفافة بكسر اللام ظرف رقيق يلف به. قوله: (لأ! م) أي الأصنام لا الملائكة وعيسى مما عبد من دون الله جماد وخصهم لأنّ الكلام مع المشركين، وقوله أو لتبرئهم أي بلسان الحال لأنهم جماد أو لأنّ الله يخلق فيهم قوّة النطق وهو كناية عن عدم قدرتهم على النطق وكذا الكلام فيما بعده، وقوله مما تدعون بالتشديد وهو الربوبية. قوله: (فإنه الخببر على الحقيقة أليس المراد ما يقابل المجاز بل الواقع المتحقق لأنّ علمه تعالى ليس كعلم غيره بالأمور، وقوله ما يعن لكم بكسر العين وتشديد النون أي ما يعرض لكم ويطرأ من الأحوال لوقوعه في مقابلة الأنفس وليس المراد به ما ظهر أمامك، واعترض! كما قيل وان كان هذا أصله. قوله:) وتعريف الفقراء للمبالغة الأنه لا عهد فيه فهي للجنس أو الاستغراق وحصر الجنس فيهم يفيد أنه لا فقير سواهم مع افتقار جميع الممكنات لواجب الوجود فجعل هؤلاء لشدّة احتياجهم كأنه لا فقير سواهم مبالغة، وقوله وانّ افتقار الخ الخ إشارة لما ذكر، ولذا عطف بالواو كما هو في النسخ الصحيحة وأما عطفه بأو على ما وقع في بعضها فكأنه من سهو الناسخ وتوجيهه بأنّ شدة الافتقار على الأوّل في أنفسهم وفي هذا بالإضافة لغيرهم بعيد يأباه سياقه لا يقال مثل هذا الاحتياح موجود في الجن حتى يدخلون في الناس تغليباً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 لأنه مما لا وجه له إذ هم لا يحتاجون في المطعم، والملبس وغيره كما يحتاج الإنسان وضعفهم ليس كضعفه مع أنه لا يضر إذ الكلام مع من يظهر القوّة والعناد من الناس، وأما احتمال كون القصر إضافياً بالنسبة إليه تعالى فمع كونه عدولاً عن الظاهر بلا ضرورة ومع فوات المبالغة المستفادة من العموم يكون قوله والله هو الغني مستدركاً والتأسيس خير من التأكيد فلا وجه للاقتداء بالإمام فيه، وما ذكر من سبب النزول وأنه لما كثر الدعاء من النبيّ صلى الله عليه وسلم والإصرار من الكفارة قالوا لعل الله محتاج لعبادتنا فنزلت لا يفيده شيئا فإنّ قوله والله هو الغني كاف في الرد عليهم. قوله: (المستغني على الإطلاق) أي عن كل شيء، وقوله المنعم تفسير لقوله الحميد فإنّ أصل معناه المحمود لكن المراد به هنا بطريق الكناية ذلك ليناسب ذكره بعد فقرهم إذ الغنيّ لا ينفع الفقير إلا إذا كان جواداً منعماً ومثله مستحق للحمد فأريد به المستحق للحمد لأنعامه لا الاستحقاق الذاتي، وقوله على سائر الموجودأت أي جميعها من الإطلاق وعدم ذكر المتعلق، وقوله حتى استحق أي بواسطة أنعامه لا الاستحقاق الذاتي فإنه ثابت على كل حال. قوله: (بقوم آخرين) هذا على أن خطاب يذهبكم للمشركين أو للعرب، وقوله أطوع منكم أي أكثر طاعة لأنّ إذهابهم لا يكون إلا لعدم رضاه لعصيانهم، وقوله بعالم آخر أي غير الناس بناء على أنه عامّ، وقوله بمتعذر الخ لأنه من عز عليه كذا إذا صعب قال تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [سورة التوبة، الآية: 28 ا] والمتعذر أصعب من غيره. قوله: (ولا تحمل نفس آ8ـلمة الخ) آثمة تفسير لوازرة لأنّ الوزر الإثم وهو صفة نفس مقدرة، ولذا أنث كأخرى وقوله وأما قوله الخ إشارة إلى أنّ هذه الآية لا تنافي تلك الآية التي في العنكبوت، لأنّ ما ثم بالتسبب وهو المشار إليه في حديث من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة. قوله: (ليس فيها شيء من أوزار غيرهم) ولا ينافيه قوله مع أثقالهم لأنّ المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم وبما معه ما كان بسوقهم وتسببهم فهو لهؤلاء من وجه لأولئك من آخر. قوله: (نفي أن يحمل عنها ذنبها الخ) ضمير عنها للمثقلة أي لا تحمل عنها ذنبها سواء كان الحامل وازرا أم لا فبين بطلان زعم اتحادهما، وعموم الحامل من عدم ذكر المدعوّ ظاهر فلا مجال لهذا الزعم، وأما المثقلة فاخص من الوازرة، ثم أنه قيل إنّ هذا نفي للحمل اختيارا والاً وّل نفي له إجباراً وأنه قريب مما ذكره المصنف رحمه الله وقد قيل عليه إنه يأباه قوله ولا تزر إذ المناسب حينئذ ولا يوزر على وازرة وزر أخر! وقوله لا يحمل منه شيء إذ المناسب للاختيار لا يحمل شيئاً ببناء الفاعل وأيضا حق نفي الإجبار أن يتعرّض له بعد نفي الاختيار فالظاهر أن الأوّل نفي للحمل الاختياري تكرّما من أنفسهم ردّ القول المضلين ولنحمل خطاياكم، والثاني نفي له بعد الطلب منهم أعمّ من أن يكون اختيارا أو جبرا واذا لم يجبر عليها بعد الطلب والاستعانة علم عدم الجبر بدونه بالطريق الأولى فيعمّ النفي لأقسام الحمل كلها وهو كلام حسن إلا أنّ كلام المصنف رحمه الله ليس فيه تعرّض للإجبار وعدمه، ولا تزر وازرة وزر أخرى وقوله ولو كان المدعوّ وقد قدر أيضا ولو كان الداعي والأوّل أحسن لأنّ الداعي هو المثقلة بعينه فيكون الظاهر عود الضمير عليه، وتأنيثه فلا وجه لاستحسانه مع ركاكته. قوله:) على حذف الخبر) وتقديره ولو كان ذو قربى مدعوّا لا مدعوّها كما قدر لما فيه من الأخبار بالمعرفة عن النكرة وإن أمكن دفعه، وقوله فإنها أي التامّة لا يلتئم معها النظم لأنّ هذه الجملة الشرطية كالتتميم والمبالغة في أن لا غياث أصلا ولو قدر المدعوّ ذا قربى ولو قدرته أن تدع النفس المثقلة إلى تخفيف ما عليها لا تجد معاوناً، ولو وجد ذو قربى لم يحسن ذلك الحسن وملاحظة كون ذي القربى مدعوّاً بقرينة السياق، وتقدير فيدعوه ونحوه لكونه خلاف الظاهر لا يتم مسه الا! ظام فتدبر. قو! هـ: (! ائبين الخ) يعني أنّ بالغيب حال من الفاعل أو المفعول لأنه بتقدير عذاب ربهم وقد مرّ فيه وجوه أخر فتذكر، وقوله فإنهم الخ إشارة إلى وجه التخصيص مع أنّ الإنذار للكفار أيضاً. قوله: (واختلاف الفعلين لما مرّ) في قوله الله الذي أرسل الرياح فتثير قالوا والمراد الوجه الثالث وهو استمرار الأمر فهو هنا لاستمرار الطاعة، والانقياد لثبوتها في الماضي والمستقبل وإنما يتجه بجعل الخشية والإقامة كشيء واحد ويكفي أيضاً تلازمهما كما في المقيس عليه فتأمّل. قوله: (وهو اعتراض الخ) لأنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 كونهما من التزكي أمر معلوم فإذا بين عود نفعهما على من قاما به كان ذلك داعيا لهما وحثا عليهما، وما قيل من أنّ المعنى أنه تاكيد لوجوبهما أو نفعهما لا وجه له والاعتراض هنا سالم من الاعتراض فمن قال إنه ليس اعتراضاً نحوياً لعدم تعلق ما بعده بما قبله لم يصب، وقوله وما يستوي معطوف على قوله أوّلاً وما يستوي. قوله: (الكافر والمؤمن الخ) على أنه ضرب مثلاَ لهما كالبحرين فهو بجملته استعارة تمثيلية أو في الأعمى والبصير استعارة مصرحة، وقوله وقيل الخ فيكون من تتمة قوله ذلكم الله الآية وهو أيضاف استعارة تمثيلية والمعنى لا يستوي الله مع ما عبدتم، أو الأعمى عبارة عن الصنم على أنه اسنعارة أو من استعمال المقيد في المطلق فالبصير على حقيقته. قوله: (ولا الثواب) وقدّم الظل ليكون مع ما قبله على نمط واحد فإنّ العمي والظلمة والظل متناسبة أو لسبق الرحمة كما مرّ مع ما فيه من رعاية الفاصلة، وقوله وتكريرها على الشقين أي في النور والحرور والظل لمزيد التأكيد فإنّ أصله حصل بتصديرهما بالنفي وأما ترك ذلك في الأول فلأن قوله الأحياء والأموات لما كان بمعناه اكتفى بالتكرار فيه عن التكرار فيه، وقيل كرّرت فيما فيه تضادّ والأعمى والبصير لا تضادّ بين ذاتيهما فإنّ الشخص بصير أعمى بعدما كان بصيرا، وإن تضادّ وصفاهما وقيل لأنّ المخاطب في أوّل الكلام لا يقصر في فهم المرام وقيل وقيل وفي هذا كفاية. قوله: (غلب على السموم) بعدما كان بمعنى الشديد الحرارة مطلقاً، وقيل السموم الخ وقيل الحرور بالليل والنهار وقوله ولذلك كرر الفعل إشارة إلى أنه مقصود بالتمثيل وجمع لذلك، وقوله وقيل للعلماء والجهلاء فإنّ الموت والحياة كثيرا ما يستعار لهما كما قيل: لايعجبن الجهول بزته فذاك ميت لباسه كفنه وقوله يسمع المراد به سماع تدبر وقبول. قوله: (محقين أو محقاً) يعني أنّ بالحق حال إما من فاعل أرسلنا أو من مفعوله أو هو صفة لمصدره والباء للمصاحبة، وقوله صلة أي للأوّل وحذفت صلة الثاني ولوضوحه أجمله. قوله: (ينذو عنه) أي عن الله، وقوله والاكتفاء الخ يعني أنه في الأصل نذير وبشير فاكتفى بتقديره إيجازاً لما ذكر أو المراد أنه اقتصر على هذا، وترك الآخر رأساً من غير تقدير وقيل خص بالذكر لأنّ البشارة لا تكون إلا بالسمع فهو من خصائص الأنبياء فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنها تكون سمعا وعقلاً فلذا وجد النذير في كل أمة، وردّ بأن الحسن والقبح شرعيان عند أهل الحق فالإنذار كالأبشار لا يكون إلا سمعا ولو سلم فالإبشار يوجد أيضاً بالعقل كإثبات الفلاسفة اللذة الروحانية بعد الموت، ورد بأن ما ذكر مبني على ما ذهب إليه الحنفية من أن لبعض الأشياء جهات حسن يدركها العقل كالإيمان بالله فبإدراكه يستحق العقاب كيلا يلزم الدور كما تقرّر في الأصول فلا ورود لما ذكره وهذا كله لا محصل له وكدر العين من أول مجراها ولولا التزام ما قيل وقال كان ترك هذا عين الكمال. قوله: (ولآن الإنذار الخ) وجه آخر للاقتصار وبه يندفع عن الأوّل أنه لم أكتفي بهذا دون ذاك مع حصول الإيجاز بالعكس، وقوله على إرادة التفصيل يعني ليس المراد أن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب وعدد الرسل أكثر بكثير من الكتب كما هو معروف، بل المراد أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا ولا ينافي جمع بعضها لبعض آخر كالكتاب مع المعجزة مثلاً ومآله لمنع الخلو منها، وقوله ويجوز أن يراد الخ أي بالزبر والكتاب على إرادة الجنس فيهما وعبر بيجوز إشارة لبعده والوصفين زبر وكتاب بمعنى مزبور ومكتوب، وقوله إنكاري بالعقوبة مرّ تفسير. وتفصيله في سورة سبأ. قوله: (أجناسها وأصنافها الخ) فسر الألوان بوجهين الأنواع كما يقال جاء بألوان من الطعام فاختلافها تعدد أصنافها، وقوله كلا لإحاطة الأنواع أي كل نوع منها كالكمثري له أصناف متغايرة لذة وهيئة كما يرى في بعض ثمار الدنيا، ويجوز أن يراد الإفراد، وقوله أو هيئاتها الخ على أن يراد بالألوان معناها المعروف المدرك بالبصر وهذا أيضاً في الأنواع أو الأفراد. قوله تعالى: ( {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ} ) إما معطوف على ما قبله بحسب المعنى أو حال، وكونه استئنافاً مع ارتباطه بما قبله غير ظاهر، وقوله ذو جدد بضم الجيم وفتح الدال، وهي القراءة المشهورة جمع جدّة بالضم وهي الطريقة من جده إذا قطعه وقال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 أبو الفضل هي من الطرائق ما يخالف لونه لو ما يليه ومنه جدة الحمار للخط الذي في وسط ظهر. يخالف لونه وعلى كل فهو يحتاج إلى تقدير مضاف فيه إن لم يقصد المبالغة لأن الجبال ليست نفس الطرائق، وما-له أن الجبال مختلفة ألوانها فيناسب قرينيه لأنه المقصود وان لم يكن قوله مختلف ألوانها صفة جدد فلا يرد عليه إنه إنما يتمشى عليه، وهو خلاف المختار والخطط بضم، ثم فتح جمع خطة بالضم كنقطة بمعنى الخط بالفتح، ولذا قال للخطة السوداء: وما وقع في بعض النسخ من ترك التاء سهو من الناسخ، وقيل لها خطة لفصلها وقطعها عن بقية لونه وأما خطة وخطط بالكسر فهي الأرض نفسها. قوله:) وقرئ جدد بالضم) جمع جديدة كسفينة وسفن، وقيل جمع جديد كما ذكره المصنف رحمه الله وفي نسخة جديدة وهي أصح، وهي قراءة الزهري وهي بمعنى الأولى وتجمع على جدائد أيضا قال: جون السراة له جدائد أربع أي طرائق وخطوط واليه أشار بقوله بمعنى الجدد أي بضم ففتح، وقوله جدد بفتحتين هي مروية عن الزهري أيضاً، وقدرة أبو حاتم هذه القراءة من حيث المعنى وصححها غيره وقال الجدد الطريق الواضح البين إلا أنه وضع المفرد موضع الجمع ولذا وصف بالجمع، وأما كونه من وصفه بوصف أجزائه كنطفة أمثاج لاشتمال الطريق على قطع كما قيل فغير ظاهر ولا يناسب لجمع الجبال. قوله: (بالثدّة والضعف) إشارة إلى أن ألوانها فاعل مختلف لا مبتدا لأنه لو كان كذلك قيل مختلفة وأنه صفة لقوله بيض وحمر والمراد باختلافها تفاوتها لأنها مقولة بالتشكيك ولولا هذا التأويل لم يفد غير التأكيد ويحتمل أيضا أن يكون صفة جدد كما فصله المعم ب. قوله: (ومنها غرابيب متحدة اللون) أخذ الاتحاد من مقابلته لما اختلف لونه، ولأنّ الغريب تأكيد للأسود كأسود حالك فيتبادر منه ذلك فلا وجه لما قيل من أنّ السواد لا يقتضي الاتحاد لجواز اختلافه كما في الأوّلين. قوله: (وهو تثيد مضمر (بالإضافة والمراد التأكيد الاصطلاحي لتصريح أهل العربية واللغة بأنها تأكيد للألوان فيقال أبيض يقق وأصفر فاقع وأسود حالك، وغربيب وهو تأكيد لفظي لأنه يكون بإعادة اللفظ أو مرادفه، وأما كون المؤكد لا يحذف كما ذكره بعض النحاة لتنافي الغرضين فيهما فإنّ التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل، والحذف يقتضي خلافه فقد رده الصفار كما في شرح التسهيل بأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي توكيده فحمل التأكيد هنا على الصفة المؤكدة، وتأويل قوله ونظير ذلك في الصفة الصريح في خلافه بجعله بمعنى الصفة المخصصة تعسف من غير داع، وقوله ومن حق التأكيد أي مطلقاً لا في الألوان كما توهم. قوله: (يفسره) يشير إلى ما في بعض شروح المفصل من أنه حذف فيه الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم لما عرض في الصفة إيهام بينت بذكر الموصوف بعدها إما بإضافتها إليه كما في سحق عمامة أو بجعله بدلاً منها، أو عطف بيان لها كما في العائذات الطير ويقاس عليه التأكيد فلا مخالفة بينهما كما قيل وكونه بدلاً أو عطف بيان للصفة وهي عين الموصوف لا ينافي كونه مفسرا فأعرفه. قوله: (والمؤمن الخ) هو من قصيدة النابغة المشهورة وتمامه: ركبان مكة بين الغيل والسند والواو للقسم أقسم بالله المؤمن الطير الملتجئات إلى حرم مكة زادها الله شرفا ومسحها كناية عن أمنها حتى لا تفر من يد لامس، والغيل والسند موضعان والعائذات مجرور بالإضافة لأنه يجوز إضافة الوصف ذي اللام لمثله أو منصوب بالكسرة على أنه مفعول لمؤمن والطير بدل منه أو عطف بيان ومن الوهم ما قيل إنه لا محل له من الإعراب لأنه إنما جيء به لتفسير المحذوف لأنّ ما ذكره النحاة، إنما هو في الجملة المفسرة لا في المفرد غير متصوّر فيه ومن جوّز تقديم الصفة على موصوفها جعله صفة للطير. قوله: (وفي مثله مزيد تكيدا لتأكيد المحذوف مرّتين مرة بغرابيب وأخرى بسود مع ما فيه من الإبهام والتفسير كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (كاختلاف الثمار الخ) يعني أنه في محل نصب صفة مصدر مفذر ومختلف صفة مبتدأ من الناس خبره أي صنف مختلف، وقيل إنه متعلق بما بعده والإشارة لما مرّ أي مثل المطر والاعتبار بمخلوقاته تعالى واختلاف ألوانها يخشى الله العلماء ورده المعرب بأن إنما لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وبأنّ الوقف على كذلك من غير خلاف فيه عن أهل الأداء وبه ظهر ضعف ما قيل إن معناه الأمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 كذلك أي كما بين ولخص على أنه تخلص لذكر أولياء الله. قوله: (فمن كان أعلم به أليس استطراداً كما قيل بل إشارة إلى أنّ المراد بالعلماء العالمون بالله لا بالنحو والصرف مثلاً، وقوله: " إني أخشاكم دلّه وأتقاكم " الحديث صحيح رواه مالك في الموطأ وغيره وسببه إنّ رجلا قبل امرأته وهو صائم على ما فصل فيه، وقوله ولذلك أتبعه الخ أي لكون الخشية مشروطة بمعرفة الله ذكرت الخشية بعد ما يدل على كمال القدرة من قوله ألم تر الخ وفيه إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وقوله وقر! الخ تقدم تحقيقه وطعن صاحب النشر في هذه القراءة وقوله لأنّ المعظم الخ بيان لوجه العلاقة، وهو ظاهر في أنه مجاز مرسل بعلاقة اللزوم فيجوز حمل كلامه عليه فالاسنعارة لغوية، وقيل الخشية ترد بمعنى الاختيار كقوله: خشيت بني عمي فلم أرمثلهم قوله: (تعليل لوجوب الخشية الخ) تعليلها بالعزة الدالة على كمال القدرة على الانتقام ظاهر وأمّا دلالتها على خصوص المغفرة ففيها خفاء، وقد قال الطيبي رحمه الله إنه دال على القدرة التامّة لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة وقد يقال إنه تكميل كما في قوله: حليم إذا ما الحلم زين أهله سع الحلم في عين العدوّ مهيب فتأمّل. قوله: (يداومون على قراءته) وفي نسخة يداومون قراءته على الحذف والإيصال أو تضمينه معنى يلازمون لأنه يتعدى بعلى وإلاستمرار مأخوذ من المضارع الدال على الاستمرار ومن وقوعه صلة ومن اختلاف الفعلين كما مرّ في كثير والسمة العلامة، والعنوان علامة الكتاب على ظهره وهو تشبيه بليغ وقوله أو متابعة ما فيه وفي نسخة عطفه بالواو إما لأن القراءة لا يعتد بها دون عمل أو لأن يتلو من تلاه إذا تبعه. قوله: (أو جنس كتب الله الخ) هذا أنسب بالتعبير بغير ما يخصه كالقرآن والأوّل أنسب بكون الإضافة للعهد، وقوله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم جميعا فيدخل فيهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم دخولاً أوليا أو المقصود حثهم على أتباعهم، وقد قيل ولأنه على إرادة الجنس لا يتعين ما ذكر لأنّ هؤلاء باتباع القرآن كأنهم اتبعوا سائر الكتب لأنه مصدق لما بين يديه مطابق لما فيها من أصول العقائد كما مرّ في قوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 105] فتأمل، وقوله كيف اتفق فإنه يعبر بمثله عنه ومن خصهما بما ذكر فلأنه الأكمل فيهما، وقوله تحصيل الخ فالتجارة استعارة لتحصيل الثواب بالطاعة وقول الطيبي بمزاولة الطاعة بناء على أن التجارة هي تعاطي ذلك لا الربح بالفعل فما ذكره أقرب لمعناه وما ذكره المصنف رحمه الله أسدّ في مغزاه فتدبر. قوله: (لن تكسد ولن تهلك) البوار ورد بمعنى الكساد والهلاك، وهل هو حقيقة فيهما أو في الأوجل مجاز في الثاني أو العكس احتمالات نطق بكل واحد منها نصوص أهل اللغة، والمصنف جمع بينهما بناء على مذهبه أو هو تفسير له بما يؤولط إليه وعلى الأوّل فهو ترشيح للاستعارة في التجارة. قوله: (علة لمدلوله (أي هو متعلق بما دل عليه لن وهو انتفاء الكساد، وتنفق بمعنى تروج وفيه مع أنفقوا لمناسبة لأنّ الحرف لا يتعلق به الجارّ والمجرور على المشهور ومن لم يقف على مراده قال لا مانع من كونه علة للن تبور فلو ترك لفظ مدلول كان أصح، وقوله أو عاقبة ليرجون لا يظهر لتعبيره بالعاقبة دون العلة وجه إلا التفنن ليصرج بأنها علة غائية، وقد تبع فيه أبا البقاء ووجهه الطيبي بأنّ الكلام يدل على أن غرضهم عدم بوار تجارتهم لأن صلة الموصول علة لأنها تؤذن بتحقق الخبر ولم يذهب إليه الزمخشري لأنّ مثل هذه اللام إنما تكون في نحو فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزنا. قوله: (أو لمدلول الخ) بمعنى أنه متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله كفعلوا ذلك والجملة المقدرة معترضة لئلا يفصل بأجنبيّ، ويجوز تعلقه بما قبله على التنازع، وقوله من فضله إن رجع لهما فهو ظاهر وان رجع للثاني فللدلالة على أنّ الأوّل كالواجب لكونه جزاء لهم بوعده. قوله: (أي مجازيهم عليها الخ) فإنّ الشكر في حقه تعالى لا يليق حمله على ظاهره فيحمل على الجزاء بالإحسان مجارّا، وقوله أو خبران الخ فيقدر العائد وهو لهم والمعنى مغفورون مشكورون، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر وحفص وأو أنفقوا لقربه ولأنّ القيد المتعقب لأمور متعددة يختص بالأخير لكنه مذهب أبي حنيفة كما قاله الطيبي فكأنه تبع فيه الزمخشري ويجوز أن يكون حالاً من مقدر والجملة معوّضة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 أي فعلوا ذلك راجين فلا يرد عليه أنه فصل بأجنبي بين المبتدأ وخبره، وأما التنازع في الحال فلا يخفي حاله. قوله: (يعني القرآن ومن للتبيين) إذا كان المراد بالموحي جميعه من المتلو وبالقرآن ذلك ويصح أن يكون للتبعيض أيضاً فإن أريد بالموحي جنس الموحي المتلو أيضاً فهو بعض القرآن بمعنى المجموع، ويجوز كونها بيانية على هذا أيضاً وقوله هو الحق إن كان الضمير للفصل وقصد الحصر فهو من قصر المسند إليه على المسند لا العكس لعدم استقامة المعنى إلا أن يقصد المبالغة. قوله: (أحقه) أي أحققه أو أجعله حقا فالعامل فيه مقدر يفهم من مضمون الجملة، وهي حال مؤكدة لغيرها أو لنفسها وهو الظاهر من قوله لأن حقيته الخ وقوله عالم بالبواطن معنى خبير كما مرّ تحقيقه والظواهر راجع للبصير لتعلقه بالمحسوسات، وقوله فلو كان الخ بيان لارتباطه بما قبله من الوحي. قوله: (الذي هو عيار الخ) العيار بكسر العين مصدر عايرت المكاييل والموازين إذا قايستها بغيرها ليعلم صحتها وهو مجاز مرسل عما هنا يعلم به صحة غيره منها فما وافقه فهو صحيح من عند الله وما خالفه فليس منه بل هو محرف مبدل، وقوله وتقديم الخبير على البصير إشارة إلى ما ذكر والى ذلك أشار لمجب! بقوله: " إن الله لا ينظر إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم " ولذا قالوا المرء بأصغريه فتدبر. قوله: (حكمنا بتوريثه) يعني أنّ توريث أمة محمد في الكتاب بعده في المستقبل فالتعبير بالماضي إما لأنّ المعنى حكمنا بتوريثه، وقدّرناه فهو مجاز من إطلاق السبب على المسبب أو عبر عنه بالماضي لتحققه وهو معطوف على أوحينا بإقامة الظاهر مقام الضمير أو على الذي أوحينا الخ، وثم للتراخي الزماني على الثاني والرتبي على الأوّل والمراد بالكتاب على هذا القرآن. قوله: (أو أورثناه من الأمم السالفة) فالمراد بالكتاب إما القرآن كما قيل إنه لفي زبر الأوّلين أو الجنس. قوله: (والعطف) أي على هذا الوجه على أن الذين يتلون الخ على المعنيين السابقين، وثم للتراخي الزماني لأنّ التوريث بعده لكن الكلام في المضي فإن كان على ظاهره لأن توريثه من الأمم السالفة سابق على تلاوته لزم كون، ثم للتفاوت الرتبي أو للتراخي في الأخبار ولذا جعله في الكشاف وشروحه متصلا بقوله وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فذكر أوّلاً إرساله للرّمل ثم عقبه بما يختص برسوله عتيبرو من قوله والذي أوحينا الخ معترضا ثم أخبر بتوريثه الكتاب لهذه الأمة بعدما أعطى تلك الأمم من الزبر فثم للتراخي في الأخبار أو في الرتبة إيذانا بفضل هذه الأمة كما قرره الفاضل اليمني، وغيره ولا يخفى ما بينهما من المخالفة وكلام المصنف رحمه الله محل تأمّل. قوله: (اعتراض لبيان كيفية التوريث الأنه إذا صدقها لمطابقته لها في الأصول والتشريع في الجملة كان كأنه هي وكأنه انتقل إليهم ممن سلف، وقوله أو الأمة الخ أما العلماء فبالذات وأما غيرهم فبالواسطة فلا بعد فيه كما توهم. قوله تعالى: ( {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} ) الفاء للتفصيل لا للتعليل كما قيل والظالم لنفسه من ارتكب المعاصي سواء كان يظلم نفسه أو يظلم غيره والمصنف رحمه الله قصره على الأوّل إما لأنه مقتضى السياق لأنّ توريث الكتاب للعمل، أو لأن من يظلم نفسه لا ينتهي عن ظلم غيره وادخاله فيه لأنّ من ظلم غيره ظلم نفسه فليس ببعيد لكن كلام المصنف رحمه الله ظاهر في خلافه ولام لنفسه للتقوية. قوله: (بضم التعليم والإرشاد الخ) الظاهر تفسيره بغلبة الحسنات وزيادة العمل لكنه لما كان خير الناس من ينفع الناس ونفع ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما ذكر ذكره لبيان الواقع لكن ما ذكره مناسب لما بعده فتأمل. قوله: (وقيل الظالم الجاهل الظلمه نفسه بعدم تكميلها ولا يخفى أنه خلاف الظاهر فوجه تمريضه ظاهر، وعليه فضمير منهم راجع للعباد أو للموصول على الوجه الثاني من إرادة الأمّة وتوريث الكتاب للجاهل كتوريث بعض الورثة السفهاء المضيعين لما ورثوه. قوله: (وقيل الظالم المجرم) أي من كان أغلب أحواله الجرم والعصيان وهذا التفسير ليس ببعيد ولا يظهر لتمريضه وجه وما وجه به من أنه لا يكون التقسيم بملاحظة الكتاب لا وجه له لأنّ مآله للعمل به وعدمه، ومعنى الاقتصاد وهو التوسط والاعتدال فيه أظهر فإنّ صح ما ذكره فيه من الحديث فنور على نور وفيه نظر سيأتي، وقوله مكفرة بصيغة المفعول، وقوله وأما الذين ظلموا الخ أورد عليه أنه أنسب بالوجه الأوّل إذ الظاهر تعذيب المجرم، وكذا الحساب اليسير يكون للعامل بالكتاب غالباً فلعل هذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 وجه تمريضه، وقوله بغير حساب متعلق بيدخلون ويجوز تعلقه بيرزقون أيضا. قوله: (وقيل الظالم الكافر الخ) وجه تمريضه ظاهر لأن المتبادر أنه تفصيل للمصطفين لا للعباد فيخرج الكفرة، وأما كون العباد المضاف لله مخصوصا بالمؤمنين فليس بمطرد، وإنما يكون إذا قصد بالإضافة التشريف فلا وجه للتوجيه به هنا، وقوله على أن الضمير أي في قوله فمنهم وكونه للموصول واصطفاؤهم بحسب الفطرة تعسف. قوله: (وتقديمه) أي على الوجوه كلها فقوله لكثرة الظالمين ناظر للأوّل، وقوله ولأن الخ للثاني كما هو المتبادر، وقيل إن الثاني يختص بغير الوجه الأخير من وجوه التفاسير للظالم بخلاف الوجه الأوّل فإنه يعم الوجوه، وقيل الكل على الكلى فإنّ الركون متحقق في الكافر أيضاً وفيه نظر. قوله: (بمعنى الجهل والركون إلى الهوى مقتضى الجبلة) أي الطبيعة والخلقة كما قيل: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم أما الجهل فلخلو الإنسان في أوّل أمره عن الإدراك، والركون إلى الهوى لحب الشهوات ولا ينافي هذا سلامته في الفطرة الوارد في حديث " كل مولود يولد على الفطرة " لأنها فطرة الإسلام ومعرفة الخالق وهذا لا ينافي الجهل بغيه وتزيين أمور الدنيا في بادي نظره، وقوله الاقتصاد الخ أي على كل من المعاني فيستحقان التأخير لعروضهما، وأعلم أنّ ابن طلحة رحمه الله قال في كتاب الفوائد الجليلة إنّ السلف لهم في تفسير هذه الآية خمسة وأربعين قولاً منها إن المراد بهم الكافر والفاسق والمؤمن، وقيل من أسلم بعد الفتح ومن أسلم قبله ومن أسلم قبل الهجرة وقيل من ترجحت سيآته ومن تساوت سيآته وحسناته ومن ترجحت حسناته وقيل من لا يبالي من أين ينال ومن يطلب قوته من الحلال ومن يكتفي من الدنيا بالبلاغ، وقيل من يدخل النار ومن يحاسب حساباً يسيراً ومن لا يحاسب، وقيل الفاسق والمخلط والتائب، وقل من دام على العصيان إلى الموت ومن عصى، ثم أطاع ومن يدوم على الطاعة، وقيل من همه الدنيا ومن همه العقبى ومن همه المولى وقيل طالب الدنيا وطالب الغنى وطالب المولى، وقيل طالب النجاة وطالب الدرجات وطالب المناجاة وقويل تارك الذلة، وتارك الغفلة وتارك العلاقة وقيل من أوتي كتابه وراء ظهره ومن أوني كتابه بشماله ومن أوتي كتابه بيمينه، وقيل من شغله معاشه عن معاده ومن شغله بهما ومن شغله معاده عن معاشه، وقيل ذو الكبائر ذو الصغائر والمجتنب لهم وقيل من يدخل الجنة بالشفاعة ومن يدخلها بفضل الله ومن يدخلها بغير حساب، وقيل من يأتي بالفرائض خوفا من النار، ومن يأتي بها خوفا من النار ورضا واحتسابا ومن يأتي بها رضا واحتساباً، وقيل الغافل عن الوقت والجماعة والمحافظ على الوقت دون الجماعة والمحافظ عليهما وقيل ن غلبت شهوته عقله ومن تساويا ومن غلب عقله شهوته، وقيل المهتدي مع العلم والساعي مع العلم والعامل مع العلم وقيل من ينهي عن المنكر ويأتيه ومن يأتي المعروف ولا يأمر به ومن يأمر بالمعروف ويأتيه، وقيل ذو الجور وذو العدل وذو الفضل وقيل ساكن البادية والحاضرة والمجاهد انتهى. قوله: (مبتدأ وخبر الخ (ردّ على الزمخشري إذ جعله بدلاً من الفضل الكبير الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك، ولما بينهما من المغايرة الظاهرة وعدم حسن أن يكون بدل اشتمال قال إنّ السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الطواب فأبدل منه جنات عدن فتكلف، وتعسف ترويجاً لمذهبه ولذا لم يلتفت إليه المصنف. قوله: (أو للمقتصد والسابق) وهو مع ما فيه من الاحتياج للتأويل المذكور من قصد الجنس حتى يصح فيه معنى الجمعية جار على الوجوه السالفة لا على تقدير أن يراد بالظالم الكافر فإن ظالم نفسه مطلقاً لا يحسن وعده بالجنة على النمط المذكور المشعر بأنه مستحق لما ذكر وأهل للتفضل عليه ولو جعل للسابق أيضا جاز لا سيما إذا كانت الإشارة للسبق. قوله: (منصوب بفعل الخ) وأمّا الاحتمال جره بدلاً من الخيرات فلما فيه من التكلف الذي ذكر. الزمخشري، والفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبيّ لم يلتفت إليه، وقوله أو حال مقدرة قيل إنها لقرب الوقوع فيه تعد مقارنة، وقوله يحلون الخ مرّ ما فيه مفصلا في الحج. قوله: (أو من ذهب في صفاء اللؤلؤا لا يظهر له وجه إلا على تشبيه الذهب الخالص في بريقه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 وصفائه باللؤلؤ لكن ليس هذا محل العطف، وما قيل في توجيهه أنه من عطف أحد الوصفين على الآخر مع اتحاد الذات لا يتأتى مع أنهما اسماً عين جامدان ومثله مكابرة إلا أن يدعي التجوّز فيه، وهو تكلف ظاهر ولا حاجة إليه لأنه لا يلزم من التحلي باللؤلؤ أن يكون سواراً وهو لم يعهد. قوله: (همهم منخوف العاقبة الخ) الأولى بقاؤه على عمومه ليشمل كل هنم وكل ما وقع في التفسير فهو تمثيل وفي الكشاف أكثروا فيها حتى قالوا همّ المعاش وكراء الدار، ومعناه أنه يعئم كل حزن في الدارين. قوله: (اثبع نفي النصب الخ) يعني أن النصب المشقة التي تصيب من ينتصب لمزاولة أمر، واللغوب الفتور الذي يلحقه بسبب النصب فهو نتيجة لازمة له وان جاز وجوده بدونه ففي ذكره معه تأكيد ومبالغة، وقيل الأوّل جسمانيّ والثاني نفسانيّ ولكل وجهة وجملة لا يمسنا حال من أحد مفعولي أحل، وقوله لا يحكم الخ أوّله لأنه لو كان بمعنى الإماتة لغا وقوله فيموتوا أو احتيج إلى تأويله بيستريحوا، وأمّا قوله فيستريحوا فليس تفسيراً ليموتوا بل بيان لما يترتب عليه في الواقع وقوله ونصبه أي في جواب النفي. قوله:) بل كلما خبت) أي طفئت وأسعارها إشعالها والمراد دوام العذاب فلا ينافي تعذيبهم بالزمهرير ونحوه، وقوله مبالغ من صيغة فعول وكل كافر مبالغ فيه لأنّ كل كفر عظيم وأشار إلى أنه يجوز أن يكون من الكفر أو الكفران. قوله: (يستعمل في الاستغاثة) فيقال صريح للمستغيث لأنه يصيح غالباً، وقوله لجهد بالدال المهملة لا بالراء كما في بعضها أي يجهد ويبالغ في مد صوته ويبذل جهده فيه، واستغاثتهم بالله بدليل ما بعده لا ببعضهم لحيرتهم كما قيل، وقوله بإضمار القول أي ويقولون بالعطف أو بدونه على أنه تفسير لما قبله أو قائلين على أنه حال منه، وقوله بالوصف المذكور هو قوله غير الذي الخ وإنما ذكر ولم يكتف بالموصوف كما في قوله أرجعنا نعمل صالحا لما ذكره وقوله لتلافيه أي تلافي العمل غير الصالح. قوله: (وإنهم كانوا يحسبون الخ) هذا وجه آخر للتقييد والوصف فيه مقيد لا مؤكد كما في الأوّل لأنه بناء على أنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً والأولى أن يقول ولأنهم كما في الكشاف. قوله:) جواب من الله) أي عن قولهم ربنا أخرجنا، وهو توبيخ وتقريع لهم في الدنيا أو في الآخرة بتقدير فيقال لهم وهذا هو الظاهر من كونه جواباً، وقوله ما يتذكر فيه إشارة إلى أنّ ما موصولة أو موصوفة لا مصدربة ظرفية كما قاله أبو حيان أي مدة التذكر لأنه قيل إنه غلط لأنّ ضمير فيه يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على قول الأخفش باسميتها وهو ضعيف ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من نعمر فلا غلط فيه كما قيل ولا يصح كونها نافية لفساد المعنى كما قاله ابن الحاجب رحمه الله. قوله صلى الله عليه وسلم: (العمر الذي أعذر الله الخ) حديث صحيح رواه الببخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعذر الله إلي رجل أخر أجله حتى بلغ ستين سنة " قال في النهاية أي لم يبق فيه موضع للاعتذاو حيث أمهله فلم يعتذر يقال أعذر إذا بلغ أقصى الغاية، ويحتمل أن تكون همزته للسلب، وقوله والعطف أي عطف جاءكم الخ فليس من عطف الخبر على الإنشاء لأنّ ما عطف عليه خبر معنى ويجوز عطفه أيضاً على نعمركم ودخول الهمزة عليهما سواء كانت للتقرير أو الإنكار، وقوله وقيل العقل مرضه لما فيه من رائحة الاعتزال، ولقلة فائدته فإنه مآل ما قبله من التذكر. قوله: (وهي أخفى ما يكون) لأنّ ذات الصدور ما كان مضمراً في صدر المرء ولا يعلمه غير صاحبه فلا يمكن اطلاع أحد عليه بخلاف غيره من الخفيات كالدقائن، ونحوها فلا وجه لما قيل إنه غير بين ولا مبين. قوله: (ملقى إليكم مقاليد التصرّف) هو استعارة عن تمكينهم من التصرّف والانتفاع بما فيها على أنّ الخطاب عامّ والخلافة القيام مقام مالكها في إطلاق يده وتصرّفه فإن كان المراد أنه جعلهم خلفاً بعد خلف فيها لم يدلّ على التصرّف، وجعله جمع خليفة لاطراد جمع فعيلة على فعائل، وفعيل على فعلاء ككريم وكرماء وقد جوّز الواحديّ كون خلفاء جمع خليفة أيضاً وهو خلاف المشهور، وقوله جزاء كفره فيه مضاف مقدر. قوله: (بيان له) أي قوله ولا يزيد الخ بيان وتفسير لقوله فعليه كفره أي جزاؤه فان قلت هو يقتضي ترك العطف كما تقزو في المعاني قلت لزيادة تفصيله نزل منزلة المغاير له كما ذكروه أيضا، وقوله والتكرير أي تكرير قوله ولا يزيد الكافرين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 وقوله لكل واحد من الأمرين أي المقت والخسارة يعني أنّ اقتضاءه لكل منهما بالاستقلال لا تبعية أحدهما للآخر ولا بد من ذكر كل في عبارة المصنف رحمه ألله لتفيد، وما ذكر فما قيل إنّ الأولى طرحها سهو وقوله مستقل باقتضاء قبحه أي قبح الكفر يعني لو لم يكن الكفر مستوجبا لشيء سوى مقت الله كفى ذلك لقبحه، وكذا لو لم يستوجب شيئا سوى الخسار كفى 0 قوله: (أو لأنفسهم الخ) فالإضافة فيه لأدنى ملابسة على الأوّل وعلى هذا فهم شركاء في أموالهم فالإضافة حقيقية والصفة مقيدة لا مؤكدة. قوله: (بدل من أرأيتم الخ) ويجوز أن يكون بدل كل لاتحادهما، ولا يرد عليه أن البدل في حكم تكرير العامل ولا عامل هنا ولا أنّ المبدل من مدخول الهمزة يلزم إعادتها معه ولا أنّ البدل لا يصح في الجمل كما توهم أمّا الأوّل فإنما هو في بدل المفردات كما صرّحوا به، وأمّ الثاني فإنما هو إذا كان الاستفهام باقيا على معناه أمّا إذا انسلخ عنه كما هنا فليس ذلك بلازم، وأمّا الثالث فلأنّ أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ويجوز كون أروني استئنافا على أنه حذف من أرأيتم وأروني إحدى المفعولين وعلى البدلية لا حذف أصلا وهو الداعي لارتكابه، ويجوز أن يكون اعتراضا وماذا خلقوا ساذ مسد المفعول الثاني، وعلى ما اختاره الرضى مستأنف والكلام فيه مفصل في النحو. قوله:) أروتي أيّ جزء من الأرض استبذّوا بخلقه) أي استقلوا به، وإنما فسره بهذا وجعل ما استفهامية لأنّ أم منقطعة متضمنة لبل والهمزة وهي تقتضي التدرّح إذا لم يتقدمها خبر كأنه قيل أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل استبدوا بخلق شيء حتى يكونوا معبودين مثل الله، ثم تنزل وقال ألهم شركة في الخلق ثم تنزل عنه إلى أم معهم بينة على الشرك. قوله: (أم لهم شركة) إشارة إلى أنّ الشرك مصدر بمعنى الشركة ويكون بمعنى النصيب ويكون اسما من أشرك بالله، وقوله فاستحقوا الخ يحتمل أنه مرتب على الشركة في السموات والظاهر أنه على ما سبق من الاستبداد بخلق جزء من الأرض والشركة في خلق السموات، ولا يأبا. كون الأوّل يجامع الثاني وقد مرّ أنّ الكلام مبنيّ على الترقي، ثم إنه قيل إنّ قوله خلق السموات إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراف والأولى أن لا يقدر على أنّ المعنى أم لهم شركة معه فيهن خلقا، وابقاء لأنّ المقصود نفي آيات الألوهية عن الشركاء، وهذا منها كما قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [سورة الروم، الآية: 25] وما قدره المصنف هو الموافق لقوله ماذا خلقوا من الأرض لأنّ المناسب لإنكار خلق الله تعقيبه بخلق السماء فتدبر. قوله: (ينطق على أنا، لخذناهم شركاء (من قولهم نطق الكتاب إذا بين وأوضح ومنه قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} [سورة الجاثية، الآية: 29] وهو مجاز متعارف في هذا والاستعمال على تعديه بعلى لأنه بمعنى يشهد ويدل، وما قيل من أنه عدى بعلى لتضمينه معنى الدلالة كما عديت الحجة بالباء لتضمين معنى النطق والاستعمال على عكسه يأباه إنّ التضمين المصطلح يعطي مجموع المعنيين، والمعنى الحقيقيّ للنطق غير متصوّر هنا وإيتاؤهم الكتاب، وإن كانوا جمادا لأن الضمير للأصنام كما سيصرّح به بناء على زعمهم فليس قوله ينطق تفسيراللإيتاء لما ذكر كما قيل. قوله: (بأنّ لهم شركة جعلية) أي في جعل الأشياء وخلقها، وقوله هم للمشركين في الموضعين لا للأصنام كما في الوجه السابق، وعلى هذا فهو التفات كما قيل والظاهر ما قيل إنه بيان للضمير الثاني فقط وأم منقطعة للإضراب عن الكلام السابق فلا التفات فيه ولا تفكيك للضمائر لأنه المناسب لآية الروم المذكورة فتأمّل. قوله: (وقرأ نافع الخ (قيل إنه مخالف لمعتاده من جعل ما اتفق عليه أكثر القراء أصلاً يبني عليه تفسيره خصوصاً وقد تضمنت قراءة الأكثر وجها لطيفاً كما أشار إليه وما ذكر غير ملتزم له كما يعرفه من تتبع كتابه وكم من محل مرّ على خلافه، وهو يقول في كل إنه مخالف لعادته وإنما أخره لما فيه من التفصيل ولأن المراد بالبينة الكتاب فالظاهر إفراده، ولذا احتاج العدول عنه إلى نكتة فأعرفه. قوله: (لا بدّ فيه من تعاضد الدلائل) الظاهر أنه على طريق التهكم فانّ الشرك لا يقوم عليه دليل فكيف يكون عليه دلائل متعاضدة فافهم. قوله: (لما نفي أنواع الحجج الخ الا يرد عليه ما قيل من أنّ أنواع الحجج غير منحصرة فيما ذكر لجواز كونه وحيا غير متلو، ولذا قال في آية الأحقاف أو أثار من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 علم فجعل ذلك رابع الحجج لأنه مندرج فيما ذكر كما أشار إليه المصنف إذ المراد بما ذكر نفي الدليل العقليّ والسمعيّ أو خص نفي الكتاب إيماء إلى ما ذكر من أنه أمر خطر لا يكفي غير الوحي المتلوّ فيه، وما ذكر ثمة من توسيع الميدان، وارخاء العنان وأمّ كون المؤتى الكتاب إمّا المشركين أو معبوديهم فأيهما حمل عليه انتفى وبقي الآخر غير منفيّ فليس بشيء لأن الكتاب المؤتى لمعبوديهم مؤتى لهم والكتاب الإلهي المؤتى لهم بواسطة معبوديهم لأنهم وسايط بينهم وبين الله على زعمهم. قوله: (والرؤساء الاتباع) في النسخ الصحيحة عطفه بالواو ليشمل الكل وهو المراد وما في بعضها من العطف بأو بمعناها أيضا لأنها للتقسيم على سبيل منع الخلوّ، وقوله بانهم متعلق بتغرير ولا يجوز أن يراد الشيطان لقوله: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [سورة النساء، الآية: 120] لأنه ياباه قوله بعضهم بعضاً. قوله: (كراهة أن تزولا) فهو مفعول له بتقدير مضاف كما مرّ وقوله فإنّ الخ تعليل للإمساك بمعنى الحفظ كما أشار إليه، وفيه إشارة إلى أنّ الممكن كما هو محتاج إليه حال إيجاده محتاج في حال بقائه كما هو مذهب محققي أهل الكلام لأنّ علة الاحتياج الإمكان لا الوجود، وقوله أو يمنعهما الخ فيمسك مجاز بمعنى يمنع وأن تزولا مفعول على الحذف والإيصال لأنه يتعدى بمن، وقوله لأنّ الإمساك بيان لوجه التجوّز فيه، ويجوز كون أن تزولا بدل اشتمال من السموات والأرض. قوله: (والجملة سادة مسدّ الجوابين) أي هي جواب القسم الدال عليه اللام وجوأب الشرط محذوف لدلالة جواب القسيم عليه، ولكونها عين المذكور جعل هذه الجملة ساذة مسدهما بحسب المعنى لا بحسب الصناعة، وان نافية وأمسك بمعنى يمسك. قوله: (حيث أمسكهما الخ) بيان لموقع التذييل مما قبله لأنّ المراد حلمه تعالى عن المشركين مع عظيم جرمهم المقتضى لتعجيل العقوبة وتخريب العالم الذي هم فيه، ومغفرته لمن تاب عن شركه بالإيمان ولولا كرم الله لم يجبّ الإسلام ما قبله فاندفع ما يتوهم من أنّ المقام يقتضي ذكر القدرة لا الحلم والمغفرة، وقوله لئن جاءهم على المعنى وألا فهم قالوا جاءنا كما مرّ تحقيقه. قوله: (أي من واحدة من الأمم الخ) فإحدى بمعنى واحدة وتعريف الأمم للعهد، والمراد الأمم الذين كذبوا رسلهم بقرينة سبب النزول والظاهر أنّ إحدى عام وان كان في الإثبات لأنّ المعنى أنهم أهدى من كل واحدة لا من واحدة ما فلا يقال إنه غير مناسب للمقام. قوله: (أو من الأمّة التي الخ) فالمراد تفضيلهم على تلك الأمم كما يقال هو واحد عصره وفي الكشف نقلاً عن الزمخشري أنّ العرب تقول للداهية العظيمة هي إحدى الأحد واحدى من سبع أي إحدى ليالي عاد في الشدة، ودلالته هنا على تفضيلهم على سائر الأمم ليست بواضحة بخلاف واحد القوم فالتوجيه إنه على أسلوب: أو يرتبط بعض النفوس حمامها يعني أنّ البعض المبهم قد يقصد به التعظيم كالتنكير فإحدى مثله، وفيه إنّ إحدى المضاف قد استعملته العرب للاستعظام فيدلّ على ما ذكر من التفضيل قال ابن مالك في التسهيل وقد يقال لما يستعظم مما لا نظير له هو إحدى الأحد انتهى لكن في شرحه للدماميني إنه إنما ثبت استعماله للمدح في إحدى، ونحوه المضاف إلى جمع مأخوذ من لفظ كإحدى الأحد أو المضاف لوصف كأحد العلماء واحدى الكبر أمّ في أسماء الأجناس كالأمم فيحتاج إلى نقل وفيه بحث. قوله: (على التسبب) هو على الوجهين يعني أنّ النذير أو مجيئه سبب لزيادة النفور فلذا أسند إليه مجازا سواء علم فاعله الحقيقيّ وهم المزدادون أو لم يعلم كما في قوله: يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا وليس هو الله كما علم ثمة لأنّ الفعل لا يسند حقيقة لخالقه فتأمّل. قوله: (وأصله وأن مكروا الخ) يعني أنه ليس من إضافة الموصوف للصفة والسيئ صفة لمكر آخر مقدر، وهذا عامله كما فصله ولو قيل أصله مكر وأمكر السيء أي الفعل السيء أو الشخص على إقامة المصدر مقام فعله قصرا للمسافة جاز، وأدخل المصنف الباء في قوله بالمصدر على المأخوذ وهو أحد استعماليه، وقد مرّ فيه تفصيل صاحب الكشاف والفرق بين الإبدال والتبذل والتبديل مما ذهل عنه المعترض هنا فلا غبار عليه. قوله: (وقرأ حمزة وحده) الأولى خاف وحده فإنه روي عن غيره أيضاً قال في النشر قرأ حمزة بإسكان الهمزة في الوصل لتوالي الحركات تخفيفا كما أسكنها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 أبو عمرو في بارئكم وهو أحسن هنا لكونها ظرفا وهو كثير في كلام العرب فلا يعبأ بمن قال إنه لحن كما فصله الفارسي في الحجة وهب مروية عن أبي عمرو والكسائيّ، واذا وقف حمزة أبدلها ياء خالصة وكذا هشام إلا أنه يزيد الروم انتهى، ويحيق بمعنى يحيط لكنه إنما ورد فيما يكره. قوله تعالى: ( {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ) هو من إرسال المثل ومن أمثال العرب من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، وفي التوراة من حفر محواة وقع فيها، وقراءة لا يحيق بالضم من أحاق المتعدي وفاعله الله كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (ينتظرون الخ) هو مجاز بجعل ما يس تقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع، وقوله سنة الله فيهم إشارة إلى أنه مضاف للمفعول لأنّ من الأوّلين مصدّقا ومكذبا، وقد جرت عادته بتعذيب المكذب منهم. قوله: (إذ لا يبدلها الخ) إشارة إلى عدم التكرار فيه فتبديلها بجعل غير التعذيب، وهو الرحمة مكان التعذيب هذا مراده وهو على ما في بعض النسخ من سقوط قوله تعذيباً ظاهر وعليها فغير التعذيب مفعول ثان، وتعذيباً مفعول أوّل أي بجعل التعذيب غيره أي رحمة فسقط ما قيل إنّ المعنى على العكس بأن يرحمهم بدل تعذيبه. قوله: (استشهاد) أي طلب للشهادة من كل من يصلح لها والمقصود تشهيرهم، وقوله وما كان الله أي ليس من شانه ذلك والواو حالية أو عاطفة وتفسير ليعجزه مرّ مراراً، وقوله إنه تعليل لنفي الإعجاز. قوله: (ظهر الأرض!) فالضمير واجع لها لسبق ذكرها وليس من الإضمار قبل الذكر كما زعمه الرضى، وقوله من نسمة بفتحتين أي ذي روح من التنسم وهو التنفس، واستنشاق النسيم ولكنه غلب استعماله في بني آدم كما في حديث من أعتق نسمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار وليس معناها الروح حتى يكون مجازاً هنا كما توهم، وهلاكهم بمعاصيهم لا بعد فيه ألا ترى قوله: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] ولأنه يمتنع المطر ويفسد الهواء فيهلك الدواب. قوله: (لقوله الخ) وجه الدلالة أنّ الضمير للناس لأنه ضمير العقلاء، وفيه ضعف لأنه لجميع من ذكر تغليباً ويوم القيامة هو الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات فسقط، ما قيل إنّ الناس كلهم لا يؤخرون للقيامة، وقوله فيجازيهم إشارة إلى أن ما ذكر ليس هو الجزاء بل وضع موضعه لأنه مجاز عن الجزاء. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم) وحديث موضوع، ودعوة أبواب الجنان عبارة عن دعاء من بها من ملائكة الرضوان جعلنا الله ممن يدعي لتلك الأبواب من غير حساب ولا عقاب بجاه سيدنا ونبينا محمد-تخيرو وعلى جميع الأهل والأصحاب. سورة يس بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية الم يستثن منها قوله وتكتب ما قدموا وآثارهم بناء على أنها نزلت في بني سلمة من الأنصار لما أرادوا الانتقال من دورهم لجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو حيان ني البحر أنه ليس بقول صحيح ولا يرد عليه أنه أخرجه الترمذفي، والحاكم ولفظه كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا الثقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: " إنّ آهساركم ئكتب) فلم ينتقلوا لأنّ الحديث المذكور معارض بما في الصحيحين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية، ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته لا تنافي تقدم النزول وهذا مراد أبي حيان لا أنه أنكر أصل الحديث كما توهم، وكذا ما قيل إنّ قوله واذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله نزلت في المنافقين فتكون مدنية فإنه لا صحة له أيضاً والمعمة بضم الميم، كر العين المهملة، وبعدها ميم مشددة بوزن المهمة لأنها تعمّ صاحبها بخير الدارين وما ذكره ظاهر وقد مرّ أنّ أسماء السور توقيفية، فإن قلت فعله عمّ لا أعمّ فكيف قيل معمة قلت قال ابن سيده: يقال عتم بمعروفه ولمّ المتاع فهو معئم وملمّ بضم الميم وكسرها، ولم يقولوا عامّ ولانم على القياس ولا نظير لهما. قوله: (وآيها اثنان وثمانون) وفي عدد آثر ثلاث وثمانون كما في كتاب العدد للداني ولا خلاف بينهما، دمانما الخلاف في يس هل يوقف عليها لأنها آية برأسها أم لا. قوله: (كالم في المعنى والإعراب) فتجري فيه الوجوه السابقة في سورة البقرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 مفصلة حتى كونها حروفاً مقتطعة من أسماء الله فما قيل إنه لم يقل به هنا خطأ، وقوله وقيل معناه يا إنسان فبل ما كان مصغراً كما سيصرح به بعده لأنّ تصغيره هنا ليس فيه معنى زائد عليه لأنّ الظاهر أنه للشفقة والمحبة كما يقال يا بني كما سيأتي. قوله: (على أنّ أصله يا أنيسين الني) تبع في هذا ما في الكشاف، وقد اعترض عليه أبو حيان بأن المنقول عن العرب في تصغير إنسان أنيسيان بياء قبل الألف لا نعلمهم قالوا غير. وهو دليل على أن الإنسان من النسيان، وأصله أنسيان فلما صغر ردّه لا صلة التصغير مع أنه لا بد من بنانه على الضمة حيحئذ وأيضا التصغير لا يجوز في أسماء الله والأنبياء بل الأمور المعظمة، ولذا لما قال ابن قتيبة في مهيمن أنه مصغر مؤيمن أبدلت همزته هاء قالوا إنه قريب من الكفر، وهذا كله غير وارد لأن من يقول أنيسيان على خلاف القياس، وهو الأصح لا يلزمه فيما غير منه أن يقدّره على خلاف القياس، وهو لم يلفظ به حتى يقال له نطقت بما لم تنطق به العرب بل هو أمر تقديري فإذا قال المقدّر مفروض عندي على القياس هل يتوجه عليه السؤال، وأما بناؤه على الضم فلا كلام فيه فلعل من فسره به يقرؤه بالضم على الوجوه فيه واما أن التصغير ممنوع فيه فهو إنما يمتنع منا وأما من الله فله أن يطلق على نفسه وخلقه ما أراد ويحمل حينئذ على ما يليق كالتعظيم، والتحبيب ونحوه من معاني التصغير كما قال أبن الفارض رحمه الله: ماقلت حبيبي من التحقير بل يعذب اسم الشخص بالتصغير وأما القول بأن المثبت مقدم على النافي فكلمة حق أريد بها باطل لأنّ ابن عباس رضي الله عنه لم يقل إن أصله ذلك! انما فسره به وهذا من تصرفاته. قوله: (كما قيل الخ) التنظير في مجرّد الاقتصار على بعض الكلمة وأيمن كلمة قسم، وتفصيله في النحو وقوله كأين فإنه حرّك للساكنين وفتح للخفه ومنع الصرف وموجب البناء تقدم في البقرة تفصيله، ويجوز أن يكون الفتح لنصبه بعد حذف حرف القسم، وقوله إن جعل يس مقسماً به لئلا يتوالى قسمان على مقسم عليه وفيه ما مرّ، والحكيم إمّا استعارة أو تجوّز في الإسناد على ما مز فتذكر. قوله: (لمن الذين أرسلوا على صراط سشقيم) يشير إلى ان قوله على صراط ظرف لغو متعلق بالمرسلين ولما كان اسم الفاعل والمفعول يعمل بالحمل على الفعل أبرزه لذلك وللإشارة إلى أنه ليس المراد به ها الحال أو الاسنقبال مع التصريح بأن أل فيه موصولة. قوله: (وهو التوحيد) فسره به لأنه الجادة المسلوكة للأنبياء والعقلاء، والمراد بالأمور نوع الأحكام الشرعية الفرعية وقوله خبراً ثانيا والأوّل لمن المرسلين وفيه ضمير له صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون هذا حالاً منه أو من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل، وفيه وجوه أخر ككونه حالاً من نفس المرسلين أو من الكاف على رأي من يجوزه من المبتدأ. قوله: (وفائدته وصف الشرع الخ) أي على الوجوه كلها فإنّ كل مرسل سالك للطريق المستقيم في عقيدته، ونهج شريعته يعني أنه وصف له بأنه من رسل الله ولشريعته التي أرسل بها بأنها طرق الرسل كلهم من قبله، ولذا لم يقل إنك رسول مع أنه أخصر وأدلّ على المقصود لدلى* لته على ما ذكر على أبلغ وجه كما مرّ وهو على الوجوه ولا وجه لتخصيصه بغي الأوّل بناء على أنه من جملة الصلة المعينة للموصول، وهي إنما تتم به فلا حاجة إلى بيان الفائدة فيه، وهو غير مسلم فإن إرسال الرسل إنما يكون بالعقائد والشرائع الحقة فالإرسال يدل على ما ذكر التزاما لا نصا نعم تخصيصه بكونه خبراً لأنه محط الفائدة له وجه لكنه فصل بين العصا ولحائها وذكر في الكشاف وجهاً آخر تتم به الفائدة والدلالة على ما يدل عليه ما قبله بجعل التنكير للتعظيم حيث قال وأيضاً فإن التنكير فيه دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط المستقيم لا يكتنه وصفه يعني أنه هاد ومرشد إلى أكمل الشرائع وأتمها أصولاً وفروعا كما أشار إليه شراحه وهذا شيء لم يعلم مما قبله فمن زعم أنه من نتائج أفكاره فقد جلب التمر إلى هجر. قوله: (خبر محذوف) أي هو والضمير للقرآن، وقد تجوّز فيه أن يكون خبر يس إن كان اسماً للسورة أو مؤوّلاً بها والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتماما فلا يقال إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم كما مرّ، وقوله والمصدر بمعنى المفعول أو يجعل عين التنزيل مبالغة وفعله المقدر على النصب نزل، وقوله على أصله أي معناه الأصلي وهو المصدرية لا مؤولاً باسم المفعول والجر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 على البدلية من القرآن وكونه وصفا بالمصدر على خلاف الظاهر ولذا لم يذكره. قوله: (أو بمعنى لمن المرسلين) أي أرسلت لتنذر الخ لأنّ كونه بعض المرسلين يدل على أنه أرسل، ولم يجعله متعلقاً بالمرسلين وان جاز صناعة لأنّ المرسلين لم يرسلوا الإنذار هؤلاء بل لإنذار أممهم فلو علق به احتاج إلى تكلف. قوله: (غير منذر) بصيغة المفعول المنوّن وآباؤهم نائب فاعل فما نافية والجملة صفة قوما مسندة تلك الجملة إلى الرسول، والمفعول الثاني محذوف أي عذابا لقوله: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [سورة النبأ، الآية: 40] فما يحتمل أربعة أوجه الثانية والموصولية والموصوفة والمصدرية والإنذار التخويف أو الإعلام والمراد به الأوّل، ويجوز إرادة الثاني أيضاً ولما كان بين هذا التوجيه والتوجيه الآخر الدالّ على إنذار آبائهم وبين قوله، وان من أمّة إلا خلا فيها نذير منافاة بحسب الظاهر وجهه بأنّ المراد آباؤهم الأقربون دون الأبعدين فإنّ إسماعيل عليه الصلاة والسلام أنذرهم وبلغهم شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد كان منهم من تمسك بشرعه وان اندرس على تطاول المدد، وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فلم يرسل إليهم على المشهور فلا يقال إن هؤلاء لم ينذروا مطلقاً بنا على أحد الأقوال في أهل الفترة وفي التعليل كلام مرّ. قوله: (فيكون صفة مبينة لشدّة حاجتهم إلى إرساله (فإنه بين أظهرهم وهم قوم لم يبلغهم ولا آباءهم الاًدنون الدعوة بخلافه على الوجه الآني فإنه ليس صفة ولا دلالة فيه على ما ذكر وهذا لا ينافي قوله وان من أمّة إلا خلا فيها نذير كما مر لأنّ أمة العرب خلا فيها نذير فالأمة أهل العصر جميعهم، وأما عيسى عليه الصلاة والسلام ورسل أهل الكتاب فكانت بعثتهم مخصوصة ببني إسرائيل إذ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو الذي الخ) فما موصولة أو موصوفة، وقوله الأبعدون إشارة إلى التوفيق بين التوجيهين، وقوله أو إنذار الخ فما مصدرية وهو مفعول مطلق والمنذر به العذاب. قوله: (متعلق بالنفي) أي تعلقاً معنوياً لتفرعه عليه وتسببه عنه فالفاء داخلة على المسبب واذا لم تكن ما نافية فهي داخلة على السبب فهي تعليلية، وهو متعلق بقوله لمن المرسلين ويجوز تعلقه به على الأوّل أيضاً ويجوز تعلقه بقوله لتنذر على الوجوه وجعل الفاء تعليلية، والضمير لهم أو لآبائهم وحق بمعنى ثبت ووجب، وقوله لأملأن الخ مجمل والمراد ممن مات على الكفر منهم فإنهم محكوم عليهم بدخول جهنم. قوله: (لأنهم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون) قيل عليه إنه على مذهب الأشاعرة من جعل العلم علة ويلزمه الجبر وأما على مذهبنا فذلك لاختيارهم الكفر وإصرارهم عليه، وقد منعوا كون العلم الأزليّ علة وجعلوا علمه تابعا للمعلوم مسببا عنه، ولذا قال في الكشاف يعني تعلق بهما هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم الله أنهم يموتون على الكفر فجعل تعلق هذا القول مسبباً عن موتهم على الكفر، وعكسه المصنف فقال لأنهم ممن علم الخ أي لاختيارهم الكفر وكسبهم والإصرأر عليه فليس العلم علة مستقلة عندهم حتى يلزم الجبر بل لاختيارهم وكسبهم مدخل فيه على ما قرّر في أفعال العباد كما فصل في علم الكلام. قوله: (تقرير لتصميمهم على الكفر الخ) أي مجموعه استعارة تمثيلية فشبههم في عدم التفاتهم إلى الحق وعدم وصولهم إليه بمغلول بين سدين لا يلتفت، ولا ينظر لما خلفه وما قدامه و! ي التيسير جمع الأيدي إلى الأذقان بالأغلال عبارة عن منع التوفيق حين استكبروا عن الحق لأف المتكبر يوصف برفع العنق والمتواضع بضده كما في قوله: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 4] وفي الانتصاف تصميمهم على الكفر مشبه بالوضع في الأغلال واستكبارهم بالأقماح وهي إلى الأذقان تتمة للزوم الأقماح وعدم الاعتبار بالأمم الخالية والتفكر في العواقب الآتية بالسدين من خلف، وقدام فيكون فيه تشبيه متعدد والتمثيل أحسن منه، وإنما اختير هذا لأنّ ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا ويؤيده ما روي في بعض التفاسير، وذكره المصنف من أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ أبا جهل لعنه الله حلف لئن رأى محمداً يصلي ليرضخن رأسه فأتى ومعه حجر فلما رفعه لصقت يده بالحجر وشلت يده فلما عاد رجع ف، كان، أو هو رجل من بني مخزوم وقع منه مثله وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة على أنه حقيقة لا تمثيل فيه فورد عليه أنه يكون أجنبيا في البين، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله: {حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} لا يلائم ما فسره به المصنف لأنه وعيد قبل الوقوع أيضاً، وقوله بتمثيلهم متعلق بتقرير وفي نسخة بتشبيههم، وقوله في أنهم الخ متعلق بتمثيلهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 ولفت بكسر اللام وسكون الفاء بمعنى جانب لا النظر كما توهم وهو منصوب على نزع الخافض، ويطأطؤ، د بمعنى ينكسون ويخفضون، وقوله له كما في بعض النسخ أي لأجل الحق فمن قال إنه سهر فقدسها. قوله: (وبمن أحاط بهم سدّان الخ) إشارة إلى أن قوله وجعلنا الخ تمثيل آخر لا أله تمثيلات أخر متعدّدة ولا المجموع تمثيل واحد كما يتوهم من التقرير السابق والجاز، والمجرور متعلق بتمثيلهم أيضاً ولا حاجة إلى اعتبار تعلقه به بعد تعلق الأوّل لأنه معطوف وكذا قوله في أنهم الخ وقوله فغطى بالبناء للمجهول أو للمعلوم والضمير لله والمطمورة حب! مظلم تحت الأرض، وأصله حفرة يجعل فيها الطعام وفي مطمورة الجهالة استعارة مكنية وتخييلية ومن بين أيديهم ومن خلفه قدامهم ووراءهم كناية عن جميع الجهات، ووجه الشبه فيهما عقلي في المشبه حسي في المشبه به وهو في الحقيقة عدم القدرة على فعل ما ينبغي لهم فهو مشترك بينهما لكنه تسمح فذكر المقصود من عدم التفاتهم، وممنوعيتهم كما في قوله كلام كالعسل في حلاوته كما قرر في المعاني فلا يتوهم أن ما ذكر لا يصلح وجها للشبه لعدم اشتراكه إذ المغلول قد يكون ملتفتاً للحق فتأمّل. قوله: (وقيل ما كان بفعل الناس الخ (مر تفصيله في سورة الكهف، وأنّ الخليل قال المضموم اسم والمفتوح مصدر والعشاء بالمهملة ضعف البصر وعلى هذا القول كل من لآيتين في رجل مخزومي واحد والجمع على طريقة قولهم بنو فلان فعلوا كذا والفاعل واحد منهم وعلى القراءة الأولى فيه مضاف مقدر أي أعشينا أبصارهم، كما أشار إليه بقوله يغطي أبصارهم، وقوله الآيتان الخ رواه ابن إسحق في السير وأبو نعيم في الدلائل، وله أصل في البخاري وبنو مخزوم بطن من قريش ومنهم أبو جهل لعته الله، والرضخ بالضاد والخاء المعجمتين الكسر بحجر كبير والدمغ شجة تبلغ الدماغ، وقوله وسواء الخ لم يورده بالفاء مع ترتبه على ما قبله إمّا تفويضا لذهن السامع أو لأنه غير مقصود هناء قوله: (إنذارا يترتب عليه البغية) بكسر الباء وهي المقصود المطلوب قيده به ليصح الحصر ولثلا ينافي قوله لتنذر قوماً الخ، وقوله اتبع الذكر إمّا بمعنى يتبع الذكر أو بمعنى ينفع إنذارك أو المراد إنذار عما يفرط من المؤمنين فلا يلزم تحصيل الحاصل كما توهم، وقوله خاف عقابه ففيه مضاف مقدر، وقوله قبل حلوله الخ تفسير للغيب على أنه حال من المضاف المقدر أو من الرحمن، وقوله أو في سريرته أي في قلبه وما يضمره فيه مما لا يطلع عليه الناس فهو حال من الفاعل لأنه في العلانية رياء وقوله ولا يغتر برحمته إشارة إلى وجه التعبير بالرحمن هنا دون القهار مع أنه قد يتوهم أنه المناسب للمقام. قوله: (1 لأموات بالبعث) فهو على حقيقتة والضمير لإفادة الحصر أو للتقوية وهو اسنئناف، وقوله أو الجهال بالهداية لاسنعارة الموت والحياة لهما كما مر، وهو تعليل لما قبله والضمير للحصر أو التقوية أيضاً فلا وجه للفرق بينهما وحبس بمعنى وقف وتفوه لأنه يحبس على ما وقف له، وقوله اللوح الخ فسر أيضاً بعلمه الأزلي. قوله: (من قولهم هنه الأشياء الخ) قد مر تفصيله في سورة البقرة وأنّ ضرب اعتماله وأنه هل يتعدّى لمفعول أو مفعولين والمثل هنا بمعنى القصة الغريبة، وقوله أي أجعل لهم مثل أصحاب القرية الخ إشارة إلى أنّ مثلا مفعول ثان، وقوله ويجوز الخ على القول بأنه متعدّ لواحد فمثل أصحاب القرية بدل من مثلا بدل كل من كل أو عطف بيان على لقول بجواز اختلافهما تعريفاً وتنكيراً أو المقدّر مفعول وهذا حال. قوله: (بدل من أصحاب القرية) أي بدل اشتمال أو ظرف للمقدر، وجعله بدل كل على أنّ المراد بأصحاب القرية قصتهم وبالظرف ما فيه تكلف ما لا داعي له وقال جاءها دون جاءهم إشارة إلى أنهم أتوهم في مقرهم. قوله: (والمرسلون رسل عيسى عليه الصلاة والسلام الخ) قيل عليه إنه ينافي كون يحيى ويونس عليهما الصلاة والسلام نبين في نفسهما، وقول المرسل لهم ما أنتم إلا بشر مثلنا إذ البشرية على زعمهم تنافي الرسالة من الله لا من غيره، وأجيب بأنهم إمّا أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته، ونزلوه منزلة الحاضر تغليباً فقالوا ما قالوه بناء على ذلك أو معنى كونهم رسل عيسى عليه الصلاة والسلام أنهم على شريعتة، وداعون بدعوته وأمره فتدبر، وقوله يحيى ويونس وقع في نسخة بدله يوحنا وبولص، وهو الذي صححه الشريف في شرح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 المفتاح وبه يندفع السؤال الأوّل وهذه النسخة هي التي عليها المعوّل لأنّ يونس عليه الصلاة والسلام لم يدرك زمن عيسى، وإن أدركه يحيى كما فصل في التواريخ، وفي تاريخ ابن الوردي إنّ النصارى تسمى يحيى يوحنا والله أعلم. قوله: (فقوّينا) من قولهم للأرض الصلبة عزاز ومنه العز بمعناه المعروف، وفيه لغتان التخفيف والتشديد وبهما قرئ في السبعة وهما بمعنى كشدّد وشدد، وقوله وحذف المفعول أي لم يقل فعززناهما والمعزز بصيغة المفعول وبه نائب فاعله وليس فيه ضمير، وقو؟ له إنا إليكم مرسلون أي من عيسى أو من الله على الوجهين السابقين، وشمعون من الحواريين. قوله: (فآمن حبيب الخ) ظاهره أنه كان كافرا ويحتمل أنه كان مؤمناً ولكنه آمن بما جاء به وفي مرآة الزمان قال أبو الحسين بن المنادى حبيب النجار هو نبيّ أصحاب الرس المذكور في القرآن وهو بعيد، وقوله من أوجدك من فيه تحتمل الموصولية والاستفهام ومطموس العينين بمعنى أعمى بلا حدقة، وقوله ليس الخ أي لا أخفي عنك ما في قلبي وضميري وقوله ثم قال أي شمعون أو الملك، وقوله يشفع الخ أي يسأل الله قبول دعائهم لأن شمعون كان يدعو معهم سرّاً والبندقة واحدة البندق بالضم، وهو طين مستدير يرمي به والذي يؤكل معرب فندق وعربيه جلوز وهو محتمل هنا أيضاً. قوله: (ورفع بشر الخ) أي لم ينصب كما في قوله ما هذا بشراً لمشابهتها ليس في الدلالة على النفي لأنّ شرط عملها أن لا ينتقض نفيها بدخول إلا على خبرها كما هنا لأنها تعمل بالحمل على ليس فإذا انتقض نفيها ضعف الشبيه فيها فبطل عملها خلافاً ليونس، وقوله وما أنزل الرحمن الخ يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة، ويتوسلون بالأصنام لكنه يخالف قولهم ألنا إله سوى اكهتنا الصابق فينبغي أن يجعل هذا من لاحكاية لا من المحكي، وهم قالوا لا إله ولا رسالة فلا يرد عليه شيء والتعبير بالرحمن لحلمه عليهم ورحمته بعدم تعجيل العذاب حين الإنكار ومنه تعلم ما في كلام المحشي من الغفلة عما سبق. قوله: (وهو يجري مجرى القسم) أي في التأكيد والجواب بما يجاب به، وأما كفر من قال علم الله كاذباً فأمر آخر وقوله وزادوا اللام أي في قولهم هنا دون الأوّل لمرسلون. قوله: (لأنه جواب عن إنكارهم) في الكشاف إنّ الأوّل ابتداء أخبار والثاني جواب عن إنكار وهذا مخالف لما في المفتاح من أنهم أكدوا في المرّة الأولى لأنّ تكذيب الاثنين تكذيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم لهم في المرة الأولى فالتأكيد فيها للاعتناء والاهتمام بالخبر قال الشريف وما ذهب إليه السكاكي أدق قال الفاضل اليمني إنما أكد لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الاثنين فعلى هذا يكون ابتداء أخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر، وانكاريا بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فظهر بهذا إن نظر صاحب الكشاف أدق، وكلامه بالقبول أحق انتهى وفي الكشف أنه أراد بالابتداء إنه غير مسبوق بإخبار سابق، ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن وهذا يصح إن جعل قوله فقالوا الخ تفصيلاً للمجمل وفيه لف في عدم تمييز قول الثالث ثقة بفهم السامع، وإلا فالظاهر من قوله فكذبوهما سبق إنكاراً وجعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع والأوّل هو الوجه وعليه ظاهر الآية يعني أنّ هذا الأخبار لما كان عن الثلاثة والمتبادر بشهادة الفاء أن القائل هو الثالث، وكلامه لم يقع جواباً لإنكار لكنه علم إنكارهم لمقالته لاتحاد مرسلهما، ومرسله بالكسر والمرسل به والإنكار إذا لم يصرح به ويحتج عليه دون ما يخالفه لاحتمال الرجوع عنه كما وقع لبعضهم فلذا كان تأكيد الأوّل بالاسمية، وان والثاني بهما مع اللام والقسم والحاصل أن الإبتدائي عند أهل المعاني مقابل للإنكاري، وما في حكمه وعند غيرهم ما ليس بجواب والزمخشري لما أوقعه مقابلاً للجواب، والإنكار احتمل كلاً منهما فحمل تارة على هذا وأخرى على هذا لكن في كلامه نظر فانّ الوجه الأوّل الذي ارتضاه لا يخرج عما بعده فتأمل، وما قيل من أن إنكارهم في كلام المصنف رحمه الله المراد به أشدّ الإنكار لأنّ هذا جواب عن إنكار أيضاً، وان مراد الزمخشري بالابتداء ما هو بمنزلته بالنسبة إلى الثاني لا أنه ابتداء حقيقي فليس مما يلتفت إليه بعدما سمعت، وكذا ما ذكره من أنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 القصة تدل على زوال الإنكار عن جمع منهم فالكلام بالنسبة إلى هؤلاء ابتدائي لأنّ هؤلاء لم يذكر حالهم في النظم، وإنما ذكر المنكرون لأنهم الأكثر ولأنّ المراد ذكر حال من طغى وتجبر وإنما أطلنا الكلام في هذا المقام لما وقع فيه من الأوهام. قوله: (وهو) أي كون ما بلغ نبينا بأنباء بينة هو المحسن للاستشهاد بعلمها لله الذي هو في معنى القسم في قولهم ربنا يعلم الخ ولولاه لم يحسن إذ قسم المدعي، ونحوه مما يصدر عن العاجز عن الدليل الذي لا متشبث له خصوصا بعلم الله الذي لا يطلع عليه أما إذا قاله تحقيقاً وتأكيداً لحجته البينة فلا. قوله: (تشاء منا بكم) أصل معناه كان في التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم، وقوله لاستغرابهم الخ أو لما وقع بينهم من افتراق الكلمة أو الشدائد ومنع المطر وهذا ديدن السفهاء في التبرك بما يوافق أهواءهم والتشاؤم بغيره، وقوله سبب شؤمكم لأنّ الطائر يتشاءم به فهو سبب له فتجوز به عن مطلق السبب، وقوله طيركم معكم الطير يكون جمع طائر ومفرداً بمعناه كما في كتب اللغة، والأوّل أكثر فيحمل عليه ويفسر بأسباب التثاؤم من الكفر والمعاصي، وتركه المصنف وحمه الله لظهوره مما ذكر لأنّ طائركم وان كان مفرداً لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع، والقراءتان متوافقتان على كل حال ولا حاجة إلى تفسير الطير بالطائر ليتوافقا كما قيل، ويؤيده أنه لم يقع في القرآن إلا جمعا كقوله: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [سورة النور، الآية: 41] وقال! الزجاج لا أعلم أحداً قرأ طيركم بدون ألف والزمخشري ثقة إذ مثل هذا لا يتجاسر عليه بدون نقل. قوله: (وجواب الشرط محذوف) قال المعرب اختلف سيبويه، ويون! فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه ويونس إلى إجابة الشرط فيقدر. سيبويه تتطيرون، ويونس تتطيروا مجزوما وعلى القولين جواب الشرط محذوف انتهى فجواب الشرط مثل تطيرتم، أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقال أبو البقاء قدره كفرتم وردّه الطيبي بأنّ الكلام مع الكفار الموجود كفرهم فلا يعقد الشرط وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما فالقول بأنه على مذهب يونس، وهم ولو قدّر قلتم ما قلتم ونحوه مما يعم حسن. قوله: (وقد رّيدت ألف بين الهمزتين) القراء السبعة على أنها همزة استفهام بعدها إن الشرطية وأصولهم في مثله التحقيق، وادخال ألف بين الهمزتين أو التسهيل أو حذف الألف على ما يعرفه أهل الأداء وهذه قراءة أبي عمرو وقالون وهشام وعبر فيها بالمجهول وما للاختصار فلا اعتراض عليه بناء على أنه يعبر به في الشواذ مع أنه لم ينقل عنه مثله ولم يلتزمه، وقوله بفتح أي قرئ بغتح أن المصدرية فقبلها لام جرّه مقدرة، وهذه القراءة مع همزة الاستفهام وما بعدها بدونها- مع الفتح والكسر فإمّا أن تكون همزة الاستفهام مقدرة قبلها لتوافق القراءة الأخرى أو بدونه فيكون على صورة الخبر كما في الكشاف، وهو مسوق للتعجب والتوبيخ أي تطيرتم إن ذكرتم أو لأن ذكرتم أو طائركم معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا على تعلقه بمقدر أو بطائركم على ما فصل في شرحه ولا بعد فيه كما قيل، وقوله وأين الخ أي قرئ بهمزة مفتوحة بعدها ياء ساكنة مع تخفيف الكاف وهي أبلغ لأنّ مجرد ذكرهم إذا أثر الشؤم فكيف بوجودهم المشؤم. قوله: (عادتكم الإسراف) كونه عادة من تبوت الاسمية، والاسم وذكر قوم الدال! على شيوعه فيهم، وقوله في العصيان أو في الضلال الفرق بين الوجهين إنّ الإسراف إمّا في المعاصي أو في الضلال والغي والاضطراب على الأوّل على تقدير تسليم حصول الشؤم وسببه لكونه أضرب عما جعلوه سببا للشؤم إلى إثبات سبب آخر أعظم وأقوى منه وعلى الثاني الإضراب عن ذكر الشؤم وسببه إلى ذكر ضلالهم وغيهم وتماديهم فليس فيه، إثبات للشؤم ولا لسببه فلذا قال في الأوّل فمن ثتم جاءكم الشؤم، وفي الثاني ولذلك توعدتم الخ هذا ما اختاره بعض شراح الكشاف وهو أحسن ما فيها من الوجوه والإضراب في الأوّل عن قوله طائركم معكم والجملة الشرطية معترضة، وعلى الثاني عن مجموع ما قبله لا عن قوله أئن ذكرتم كما قيل وقيل إنه لف ونشر على تقدير الجزاء فالأولى على تقدير تطيرتم والثاني على تقدير توعدتم فتأمل، وقوله أن يكرم ويتبرك به إشارة إلى أن ما هم فيه تعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح. قوله تعالى: ( {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} ) قدم الجاو والمجرور على الفاعل الذي حقه التقدم بيانا لفضله إد هداه الله مع بعده عنهم، وانّ بعده لم يمنعه عن ذلك، ولذا عبر بالمدينة هنا بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 التعبير بالعرية إشارة للسعد وأن الله يهدي من يشاء سواء قرب أم بعد، وقال بعض الأدباء لما سمع قولهم الأطراف منازل الأشراف هذا مأخوذ من قوله تعالى من أقصى المدينة، ولو قيل إنه لو أخرتوهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود وسيأتي مثله ويسعى بمعنى يسرع حرصاً على نصح قومه أو بمعنى يقصد وجه الله كقوله وسعى لها سعيها وهذا وان كان مجازاً يجوز الحمل عليه لشهرته فلا غبار عليه. قوله: (وكان ينحت) بتثليث الحاء المهملة بمعنى يبري، ويصنع وكونه كان يصنعها لا يوافق ظاهراً إيمانه بنبينا عليه الصلاة والسلام، ولذا قيل الأصنام هنا بمعنى التماثيل التي كان نحتها مباحا في شرعهم وهو خلاف الظاهر، وكذا ما قيل إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم كان على يد الرسل مع أنه معارض لحديث سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالته طرفة عين (علي، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون (، وتبشير الأمم السالفة والإيمان ينبينا قبل وجوده من خصائصه صلى الله عليه وسلم كإيمان تبع على ما عرف في السير وكتب الحديث، وقوله وقيل الخ وجه مقابلته للأوّل ظاهر لأنه في الأوّل مخالط للناس صنع، وفي هذا متباعد عنهم ووجه تمريضه إنه ينافي قوله تعالى من أقصى المدينة، وقوله وهم مهتدون أي ثابتون على الاهتداء وقوله تلطف أي الجل المحكي عنه هذا، وقوله بإيراده أي إيراد قوله مالي الخ ووضعه موضع نصحه لنفسه ظاهرا لمامحاض عطف على الإرشاد ويجوز عطفه على المناصحة. قوله: (ولذلك قال الخ) أي لكون المراد تقريعهم وتوبيخهم لم يقل، واليه أرجع مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحاً فإنه لو قال واليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض، وقد جوّز كونه من الاحتباك وأصله على ذكرهما في الطرفين فحذف من الأوّل ما ذكر في الثاني وعكسه ومثله لا يرتكب من غير ضرورة فالأولى تركه. قوله:) ثم عاد إلى المساق الأوّل) أي مناصحة نفسه تلطفا لإرشادهم، وقوله لا تنفعني شفاعتهم أمّا على حذ قوله: ولا ترى الضب بها لمجنحجر أي لا شفاعة لهم حتى تنفع أو هو على فرض وقوعها لأنها غير واقعة، وفي قوله أءاتخذ إشارة إلى أنها ليست بلائقة للألوهية وهو تحميق لهم لأنّ ما يتخذ وبصنعه المخلوق كيف يعبد، وقوله ولا ينقذون الإنقاد التخليص ترق من الأدنى للأعلى، وقوله ما لا ينفع يعني الأصنام المعبودة دون الله. قوله: (فاسمعوا إيماتي) ففيه مضاف مقددماذ السماع لا يتعلق بالذوات وتقدير ما ذكر لقوله قبيله آمنت الخ فالمراد بايمانه قوله آمنت أو سمي الإقرار إيمانا للزومه له شطراً أو شرطا فالخطاب على هذا لقومه، ومقصوده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه لا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه فإنّ تصريح المصنف بأنه من المساق الأوّل ينبو عنه بعض نبوة والأولى أن يفسر باسمعوا جميع ما قلته في هذا المساق، واقبلوه فمانّ السماع يرد بمعنى القبول كسمع الله لمن حمده، وقوله فأسرع الخ أي ليشهدهم على إيمانه واقراره به ليشهدوا له عند الله. قوله: (بشرى بأنه من أهل الجنة) يدخلها إذا دخلها المؤمنون، والقائل له ملائكة الموت فالأمر للتبشير لا للإذن في الدخول حقيقة، وقوله كسائر الشهداء فانهم يدخلونها عقب الموت بأن تطوف أرواحهم فيها وهم أحياء في قبورهم يشاهدون مقاماتهم فيها، ويؤيده قوله جعلني من المكرمين. قوله: (رفعه الله (جواب لما وفي نسخة فرفعه الله بالفاء فإنّ جوابها قد يقترن بها، وان منعه بعض النحاة فعلى هذا يكون رفع حياً إلى الجنة كعيسى صلوات الله وسلامه عليه فإذا فنيت الجنة بفناء السماء، ثم أعيدت أعيد له دخولها وهذا مرويّ عن الحسن. قوله: (وإنما لم يقل له) لأنّ الغرض ذكر المقول لا الاقائل ولا المقول له، وتقدير السؤال ما حاله بعدما استشهد، وقوله وكذلك الخ بكاف التشبيه أي هذه الجملة أيضاً مستأنفة استئنافا بيانيا كالتي قبلها في جواب فما قال إذ قيل له ذلك ووقع في نسخة لذلك باللام أي للاستئناف هذا الكلام أيضا ولا يخفى إنه تكلف لحسن الظن بالكاتب دون المصنف. توله: (على دأب الأولياء الخ) فإنهم مع ما فعلوه به لم يظهر غيظاً بل ترحما وشفقة، وقوله وليعلموا بالعطف بالواو وهو الظاهر إذ لا منافاة بينهما وما وقع من عطفه بأو في بعض النسخ لتباين الغرض فيهما. قوله: (وما خبرية) أي موصولة والعائد مقدر أي به أي بسببه، أو الذي غفره لي على أنّ غفر بمعنى الغفران الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 الذي غفره لي والمقصود تعظيم مغفرته له فتؤول إلى المصدرية، وهذا هو المناسب لقوله وجعلني من المكرمين لا ما قدره الزمخشري بالذي غفره من الذنوب فإن تمنى علم ذنوبه، وإن كانت مغفورة لا يحسن وكذا عطف قوله وجعلني من المكرمين عليه لا ينتظم، وما قيل من أنّ الغرض! منه الإعلام بعظم مغفرة الله ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجرّدة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف. قوله: (أو استفهامية جاءت على الآصل) من عدم حذف ألفها إذا جرت فإنّ اللغة الفصيحة حذفها فرقا بينها، وبين الموصولة واثباتها شاذ، ولذا اعترض ابن هشام على من خرج الآية عليه بأنه غير لائق بفصاحة القرآن الحمل عليه هذا ما قالوه برمتهم، وتحقيقه ما في شرح أدب الكاتب أنها تسقط لما ذكر من الفرق إلا في قولهم بم شئت فإنها لم تثبت عند جميع العرب سواء كانت ما موصولة، أو استفهامية فإن جرت باسم مضاف لم تحذف وخص الاستفهام لأنه اسم تامّ فهي معه كاسم واحد إلى آخر ما فصله اللبلى في شرحه، وقد علم منه أنها قد تثبت في الاستفهام كما ذكره العلامة، وتبعه المصنف فسقط ما اعترض به عليه. قوله: (من بعد إهلاكه أو رفعه) على القولين السابقين من قتله ورفعه إلى السماء حيا ففيه مضاف مقدر هو أحد هذين، وقوله كما أرسلنا الخ تمثيل لإرسال الملائكة فلا حاجة إلى جعل الماضي بمعنى المستقبل لأنّ السورة مكية كما قيل نعم قوله لإهلاكهم إمّا تغليب لبدر أو المراد لقصد إهلاكهم، وان لم يقع لأنّ الخندق لم يكن فيه قتال واستحقاو هلاكهم بعدم إنزال جنده وكونه بصيحة واحدة، وقوله إيماء بتعظيم الرسول لتخصيصه بقتال الملائكة معه وحمل الإيماء على الإشعار فعداه بالباء إذ الظاهر اللام أوالي. قوله: (وما صح) هو أحد معاني ما كان الواردة في القرآن كما مرّ، وقوله وجعلنا ذلك أي إنزال الجند السماوية، وقوله ما موصولة قيل إنها لو جعلت موصوفة كان أحسن لأنّ من قزاد بعد النفي إذا كان مجرورها نكرة، وان كان يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ولعله وجه تمريضه مع كونه خلاف الظاهر. قوله: (ما كانت الأخذة) بصيغة المصدر أو اسم الفأعل وعطف المصدر عليه يرجح الأوّل وقدره لقوله أخذتهم الصيحة، وقوله وقرئت أي صيحة بالرفع وكان ينبغي أن لا تلحقه تاء التأنيث لأنه لا يؤنث الفعل إذا كان فاعله مؤنثاً بعداً لا إلا نادراً فلا يقال ما قامت إلا هند بل، ما قام لأنّ تقديره ما قام أحد لكنه قصد به مطابقة ما بعدا لا لأنه الفاعل في الحقيقة كما قرأ الحسن وغيره لا ترى إلا مساكنهم، وقال لبيد: وما بقيت إلا الضلوع الجراشع ولذا أنكر أبو حاتم هذه القراءة ولا عبرة بإنكاره على أنّ تقدير المستثنى منه عامّا مؤنثاً ليطابق قراءة النصب لا مانع منه. قوله: (شبهوا بالنار الخ) ظاهره أنه استعارة بالكناية والخمود تخييلية، ويجوز أن تكون تصريحية تبعية في الخمود بمعنى البرودة والسكون لأنّ الروج لفزعها من الصيحة تندفع إلى الباطن دفعة واحدة، ثم تنحصر فتنطفئ الحرارة الغريزية لانحصارها وقد مرّ كلام الثريف فيه في شرح المفتاح وما عليه وله فتذكره، وقوله كالنار المراد بها الجمر لأنها تطلق عليه والساطع صفتها لتأويلها بالجمر ولذا ذكره لا أنها صفة جرت على غير من هي له أي الساطع لهبها، والساطع بمعنى المشرق وبيت لبيد من قصيدته العينية المشهورة، ويحور بالحاء والراء المهملتين بمعنى يعود ويرجع ومنه اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور، والشهاب هنا شعلة النار. قوله: (تعالى (بفتح اللام وسكون الياء ويجوز كسر اللام في لغة ضعيفة كما مرّ وهي في الأصل أمر بالصعود لمكان عال، ثم شاع في الأمر بالحضور مطلقاً كما قال بعض المتأخرين: أيها المعرض عني حسبك الله تعالى وقوله فهذه الخ إشارة إلى أنّ نداء الحسرة مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء، وقوله وهي أي الأحوال التي تورث الحسرة ما دلت عليه الآية وهو استهزاؤهم بالرسل على أنّ المراد بالعباد مطلق المجرمين أو أهل القرية فالجملة مستأنفة لبيان ما تحسر منه. قوله: (ولقد تلهف الخ (يعني أنّ التحسر هنا، وقع من هؤلاء والمراد شدة خسرانهم حتى استحقوا أن يتحسر عليهم أهل الثقلين، وقوله ويجوز الخ على أنّ التحسر من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 الله، ولما كانت الحسوة ما يلحق المتحسر من الندم حتى يبقى حسيرا وهو لا يليق به تعالى جعلوه استعارة بأن شبه حال العباد بحال من يتحسر عليه الله فرضاً فيقول يا حسرة على عبادي قيل، وهو نظير قوله بل عجبت، ويسخرون على القراءة بضنم التاء كما سيجيء في الصافات فالنداء للحسرة تعجب منه، والمقصود تعظيم جنايتهم أي عدها أمرا عظيما يتعجب منه وتخسر بمعنى تفجع، وقوله لتعظيم متعلق به أو باستعارة على أنّ المراد بها الاستعارة الاصطلاحية أو اللغوية، وتأييد يا حسرتا لأنّ أصله يا حسرتي فقلبت الياء ألفا فتأمل. قوله: (بإضماو فعلها) أي يا قوم تحسروا حسرة فهو مفعول مطلق، ويجوز تقدير انظروا أو اسمعوا وقوله أو المفعول أي بواسطة الحرف لأنه لا يتعدى بنفسه، وأما الوقف على الحسرة بالهاء فلكونها حرف تأوّه وتأسف إلا أنه ينبغي حينئذ أن لا يتعلق به قرله على العباد لأنّ الوقف بين العامل ومعموله لا يحسن فيكون متعلقاً بمقدر أو خبر مبتدأ لبيان المتحسر عليه وتقديره الحسرة على العباد، وقوله ألم يعلموا جعلها علمية لا بصرية لأنها لا تعلق على المشهور، وفوله لأنّ أصلها الخ لأن الاشتراك خلاف الأصل لكن الظاهر أنّ كلاً منهما أصل برأسه بدليل اختلاف أحكام التمييز فيهما. قوله: (بدل من كم على المعنى الخ) فيه تسمح والمراد أنه بدل من جملة كم أهلكنا وقد أعربه سيبويه هكذا وتبعه الزجاج وقال السيرافي في شرحه المعنى ألم يروا أنّ القرون التي أهلكناها لا يرجعون إليهم فأنهم الخ بدل من جملة كم أهلكنا لأنّ كم منصوب بأهلكنا إذ لا يعمل فيها ما قبلها فلو أبدل منه كان تقديره أهلكناها أنهم إليهم لا يرجعون، ولا معنى له ولكن كم وما بعدها في تقدير ألم يروا الذين أهلكناهم من القرون فالمعنى ألم يعلموا أنّ القرون التي أهلكناهم من قبلهم لا يرجعون، وفيه وجه آخر وهو أن يجعل صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم إليهم لا يرجعون أي بهذا الرب من الهلاك انتهى، وقوله على المعنى لأنّ كثرة المهلكين وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية، ولا ملابسة كما هو مقتض البدلية لكنه لما كان في معنى الذين أهلكناهم دمانهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال، أو بدل كل من كل وبهذا سقط ما قيل إنه لا يصح فيه البدلية بوجه من الوجوه وانّ بدل المفرد من الجملة غير متعارف بل عكسه مع أنّ سيبوبه إذا ذكره فقد قالت حذام، والقول بأنه بدل من كم وجعله على المعنى لعدم صحة تسليط عامله عليه لكنه لما كان معمولاً ليروا معنى صحت البدلية ولا يخفى ما فيه من التعسف الذي لا تساعده قواعد النحو (بقي فيه وجوه أخر) منها أنه معمول لمقدّر أي قد قضينا، وحكمنا أنهم الخ والجملة حال من فاعل أهلكنا ومنها أنه معمول يروا وجملة كم أهلكنا معترضة، ومنها أنّ كم أهلكنا معمول يروا ولام التعليل مقدرة قبل إنهم والمعلل يروا كما في شرح المغني، وقد أورد عليه أنه لا فائدة فيه يعتذ بها وأنّ المراد باهلاكهم استثصالهم انتقاماً، وعدم رجوعهم لا يدلّ إلا على إماتتهم ولا يخفى أنّ ما ذكره وارد على البدلية أيضا، والظاهر أنّ المقصود من ذكره إمّا التهكم بهم وتحميقهم أو تقديم إليهم للحصر أي أنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكداً له، وأمّا كونه تعليلاً لأهنكنا وضمير أنهم للقرون واليهم للرسل أي أهلكناهم لعدم رجوعهم للرسل أي متابعة دينهم الحق، وقيل لا يرجعون دون لم يرجعوا للدلالة على الاستمرار وليس إليهم زائداً على هذا كما توهم أو هو على ما يتبادر منه من رجوع الأوّل للقرون، والثاني لمن يرون والمعنى أنهم لا يرجعون لهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب، وجزاء الاستهزاء حتى ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم فتعسف ركيك المعنى دعاهم إليه عدم فهم ما قرّرناه، وههنا كلمات أخر نثأت من قلة التدبر تركناها خوف الملل. قوله: (للجزاء (وفي الكشاف للحساب وليس ببعيد من الأوّل وقيل محضرون معذبون، وقوله فعيل بمعنى مفعول أوّله به ليفيد ذكره بعد كل لأنها لإحاطة الإفراد، وهذه تفيد اجتماعهم في المحشر ولذا جاء أجمع بعد كل في التأكيد ومحضرون خبر ثان أو نعت، وقوله خبر آية ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم يحتج لرابط، وهذا حسن جدّاً إلا أنّ النحاة لم يصرّحوا به في غيره، وقيل إنها مؤوّلة بمدلول هذا القول، وأمّا كونها صفة لآية فلا وجه له، وقوله أو صفة لها أي جملة أحييناها صفة للأرض لأ نه لم يرد بها أرض! معينة بل الجنس فهو كقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 ولقد أمرّ على اللئيم يسبني وإليه أشار بقوله إذ لم الخ ولذا وقعت خبراً عن النكرة، وأن كان الظاهر العكس حتى اعترض عليه المعرب بأنه مخالف للقواعد وقوله وهي أي الأرض! ، وكونها حالاً عاملها آية لما فيها من معنى الإعلام تكلف ركيك والاستئناف أرجحها. قوله: (قدم الصلة) وهي منه سواء كانت من ابتدائية أو تبعيضية ووجه الدلالة ما فيه من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره، والأعناب قيل هنا بص منى الكروم ولعله بتقدير مضاف أو مجاز بقرينة عطفه على النخيل، وإلا فكلام المصنف مشعر بخلافه وهو جمع نخل كعبيد كما أشار إليه المصنف؟ وقيل إنه اسم جمع لأنه لم يطرد له مفرد معين كأكثر الجموع وقوله، ولذلك جمعهما لتدل الجمعية على تعداد أنواعهما والدال على الجنس الحبّ، واشعاره لأنه مقول على كثرة مختلفة الحقائق بخلاف النوع، وفي نسخة فانه الدال بضمير وفي أخرى بدونه قيل والأولى أولى لدلالتها على الحصر الدال على الجنس في الحب دون النخيل، والأعناب فيدلّ على أن دلالة لهما على الاختلاف بوجه ما لم يجمعا، والحاصل أن حباً نكرة دالة على الجنس تعتم الأنواع، وإن كانت في الإثبات لأنها في سياق الامتنان كما صرّح به في الأصول والنخيل والأعناب معرفان بأداة الاستغراق، هو اسم نوع فيعنم الإفراد لأنه لا يلزم أن يكون تحته أصناف، وأما قولهم جمع العالمين وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس فلا ينافيه كما قيل لأنّ المراد شمولاً ظاهرا متعينا وان حصل الإشعار بدونه، وقيل إنما جمع للدلالة على مزيد النعمة أما الحب فبه قوام البدم وهو حاصل بالجنس، وقوله ولا كذلك الدال على الأنواع يعني النخل والعنب ولذا لم يقل النوع. قوله: (وذكر النخيل الخ) التمور بالتاء المثناة يعني أنّ النخل ينتفع بخشبه وجريده وسعفه وطلعه فالنعمة ليست بتمره فقط، وقد يقال في وجهه أنّ التمر لا يكون على النخل بل بعد جفافه وما عليه هو البلح وليس به تفكه، وقوله ليطابق علة للمنفي لا للنفي والمطابقة بذكر المأكول، وقوله شجرها أي النخل فهو كشجر الأراك أو التمور، وآثار الصنع فيها ما للنخلة من الخواص لمشابهة الإنسان في موتها بقطع رأسها ورائحة طلعها ولقوحها بالذكر وغير ذلك من خواصها المذكورة في الفلاحة. قوله: (لفظاً) أي بحسب الوزن ومعنى لأنّ معنى التفجير هو التفتيح، والمخفف دال على معنى الفتح والمشدد دال على المبالغة والتكثير وقوله شيئاً من العيون فهو صفة موصوف مقدر ومن بيانية أو تبعيضية أو ابتدائية إن أريد بها المنابع لا زائد ة لأنها لا تزاد إلا في النفي، ومجرورها نكرة عند الجمهور خلافاً للأخفش، وقيل المفعول محذوف وهو ما ينتفع به. قوله: (ثمر ما ذكر الخ) يعني أنه كان الظاهر ثمرهما أي النخيل والأعناب فالضمير إمّا لما ذكر ليشملهما فإنّ الضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة كما مرّ أو هو لله وإضافته له لأنه خالقه فالمعنى ليأكلوا مما خلقه الله ومما عملوه بأيديهم ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة، واعترض عليه بأنه ليس من مظانّ الالتفات لأنّ المقصود من الجنات وتفجير مياهها ثمرها فالتمكين من الانتفاع بأكله أولى بالتفخيم الدال على الامتنان فالظاهر إضافته لضمير العظيم بأن يقال ثمرنا، ورد بأنه ذهب عليه أنّ ما سبق أفخم لأنها أفعال عامّة النفع ظاهرة في كمال القدرة والتمر أحط مرتبة من الحب فلا يستحق ذلك التفخيم، ولذا لم يورد على أسلوب الاختصاص وجعل من خلق الله، وقيل التمر لكون كماله بفعل العبد لا يستحق ذلك التعظيم، وليس المقصود مما ذكر أوّلاً التمر حتى ينبو عنه كما توهم بل الاستدلال على الصانع القدير ومنع دلالته على كمال القدرة مكابرة وفهم انحطا! مرتبته من التأخير لا ينافي الدلالة بوجه آخر، والأحسن أن الأكل والتعيش مما يشغل عن الله فيناسب الغيبة كما نبه على غفلتهم عن المنعم بقوله أفلا يشكرون، فالالتفات واقع في موقعه وقيل الضمير للنخيل وتركت الأعناب غير مرجوع إليها لأنها في حكمه، وقيل للماء وقيل للتفجير والإضافة لأدنى ملابسة ولا يخفى بعده. قوله: (عطف على الثمر) أو على محل من ثمره لا على الضمير المضاف إليه، وقوله والمراد ما يتخذ الخ لم يرتض ما في الكشاف من تفسيره ما عملته أيديهم بالغرس، والسقي والآبار لأنه مخالف للظاهر والدبس بكسر الدال المهملة وسكون الباء الموحدة والسين المهملة ما يعصر من التمر والزبيب، وقد ورد بمعنى العسل وليس بمراد هنا. قوله: (ويؤيد الأول الخ) وكذا كتب في بعض المصاحف العثمانية، ووجه التأييد أنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه الحذف لاستطالته لاقتضائه العائد، ودلالته عليه بجعله كالمذكور وتقدير اسم ظاهر غير ظاهر. قوله: (أمر بالشكر لأنّ إنكار ترك شيء يستلزم الأمر به، وقوله الأنواع والأصناف هو كقول الزمخشريّ الأجناس والأصناف لأنّ المراد بهما المعنى اللغوي لا الاصطلاحي كما توهم مع أنّ النبت والشجر جنس لا نوع، وقوله لا يطلعهم الله قعالى عليه أي بوجه مّا مما لا عين رأت ولا أذن سمعت إلا بالكنه لأنّ أكثر الأشياء لا قعلم بالكته. قوله: (وآية لهم الليل الخ) بيان لقدرته الباهرة في الزمان بعدما بينها في المكان، وقوله نزيله ونكشفه الخ يعني أنه استعير لإزالة الضوء السلخ استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر، وقوله عن مكانه يشير إلى أنّ النهار طارى على الليل كما أن المسلوخ منه قبلى المسلوخ الذي هو كالغطاء الطارئ على المغطي لأنّ الليل سابق عرفا وشرعا وهذا هو تفسير الفراء ومن فيه ابتدائية أو تبعيضية وقيل سببية وما في المفتاح من أنّ المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل، والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وهو مأخوذ كما قال الفاضل اليمني من قول الزجاج معنى نسلخ نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارة السكاكي بمعنى الخروج كما في قول عمر رضي الله عنه أظهر بمن معك من المسلمين، ويؤل معناه إلى الزوال الذي في عبارة الكشاف كما في قول أبي ذؤيب: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها أي زائل ومتميز عنه فسقط ما أورده عليه الخطيب من أنه لو أريد هذا قيل فإذا هم مبصرون بناء على أنّ المراد بالظهور ظاهر من غير احتياج إلى حمله على القلب أي ظهور الليل من ظلمة النهار، ولا حاجة إلى جعل من بمعنى عن لأنّ الخروج يتعدى بعن والسلخ يكون بمعنى الكشط كما ذكره المصنف رحمه الله وبمعنى الإخراج كما ذكره السكاكي إلا أنّ التعقيب والمفاجأة فيه عرفي، ولذا كان أتم فائدة على ما فصل في شرح التلخيص وحواشيه فإذا أردت تفصيله فانظره، وقد قيل إنّ كلام الزمخشري والسكاكي شيء واحد من غير اختلاف بينهما يعني أن ظهور النهار بمعنى خروجه والخروج لما فيه من المفارقة كناية عن زواله فهو بمعناه بن غير تكلف لما ذكروه، قال الراغب نسلخ منه النهار وننتزع وحقيقته نزع جلد الحيوان، وهو متعد بمن لا بعن كما توهم. قوله: (مستعار من سلخ الجلد) قيل المستعار لفظ السلخ والمستعار منه معنى الكشط، والمستعار له الإزالة وليس بشيء لأنه لم يرد المستعار منه اصطلاحا بل المراد أنه منقول منه بهذا المعنى إلى المعنى المجازي المراد فهذا من التغيير في الوجوه الحسان، والشراح على أنّ الاستعارة تصريحية وقد جوّز فيها أن تكون مكنية وتخييلية وقوله داخلون في الظلام يشير إلى أنّ التعقيب والفجائية في محلها، وقد علمت أنها على الوجه الآخر كذلك فتدبر، والدخول مستفاد من الهمزة لأنه كأصبح إذا دخل في وقت الصباج، والإعراب ما مرّ في قوله وآية لهم الأرض فتذكره. قوله: الحدّ معين الخ) فقوله الشمس تجري الخ معطوف على جملة الليل نسلخ الخ لأنه من آيات قدرته، وإنما جعله مجازا عما ذكر لدوام حركتها فلا قرار لها فالمستقر على هدّا اسم مكان تقطعه في حركتها الدائمة، ثم تعود ووجه الشبه على هذا الانتهاء إلى محل معين وان كان للمسافر قرار دونها وهذا ما تقطعه في السنة واللام تعليلية أو بمعنى إلى. قوله: (أو لكبد السماء) أي وسطها فالمستقرّ اسم مكان أيضا وجوّز فيه المصدرية، وكلام المصنف رحمه الله يأباه واللام فيه كالأوّل وكونه محل قرار إمّا مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى، وهذا هو الوجه الثاني. قوله: (والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم) هو من قصيدة لذي الرمة وأوّلها: أعن ترسمت من خرقاءمنزلة ماءالصبابة من عينيك مسجوم وصدر.: معرورياً رمض الرضراض تركضه يصف سير فرسه وجربه في الظهيرة وشذة الحر، ومعروريا بمهملات بمعنى سائر وحده، والرمض حرّ الشمس على وجه الأرض والرضراض! الحصى والركض الجري والجوّ ما بين السماء والأرض والمراد به هنا وسط السماء والتدويم وقوف الطائر في الهواء، وهو مجاز أو استعارة لوقوفها وسكونها وهو محل الشاهد، وحيرى مؤنثة حيران استعارة أو تشبيه لها أيضا لأنّ المتحير يقف فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى. قوله: (أو لاستقرار لها الخ) فهو مصدر ميمي، واللام داخلة على الغاية أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 الحامل ولم يبين المراد بالاستقرار فيه فيحتمل أن يكون جارياً فيه ما قبله، ويحتمل أن يكون راجعا لما بعده وقوله أو لمنتهى مقدر الخ فالاستقرار بمعنى الانتهاء والمستقرّ اسم مكان، وهذا هو الوجه الأوّل إلا أنه ثمة ما ينتهي إليه باعتبار السنين وهذا باعتبار الأيام وهو باعتبار أجزاء قسيّ المقنطرات ارتفاعا وانخفاضاً وقوله ثم لا تعود الخ أورد عليه بعضهم اتحاد مشرقها في آخر القوس وأوّل الجدي وأيضا دورها في السنة الشمسية وهي تزيد على ما ذكر باكثر من خمسة أيام فلا يتم أنّ لها في كل يوم ذلك، ولذا قيل إنه تقريبي أكثري لا تحقيقي كلي فتدبر. قوله: (أو لمنقطع جريها الخ) فاستقرارها انقطاع حركتها إذا قامت القيامة ومستقرّ على هذا اسم زمان وفي الكشف تفسير آخر نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح عن أبي ذرّ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غووب الشمس فقال: " يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس " قلت: الله ورسوله أعلم قال: " تذهب لتسجد تحت العرس فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي حيث جئت فتطلع من منربها) وقرأ والشمس تجري لمستقرّ فهو قرارها أو محله في سجودها، وقوله بمعنى ليس فترفع مستقرّاً وهو مبني على الفتح في القراءة التي قبلها وعموم كل مقدور معلوم من حذف معموله. قوله: (ذلك الجري (فالإشارة للمصدر المفهوم من الفعل، وجعله كلال الفطن عن إحصاء الحكم أحسن مما في الكشاف من جعله عن إحصاء الحساب لوقوعه في الزيجات، وقوله قدّرنا مسيره ففيه مضاف مقدر لأنه لا معنى لتقديره في نفسه منازل فقدرنا متعد لمفعولين لأنه بمعنى صيرنا ومسير اسم مكان، واذا قدّر سيره المصدر فهو متعد لواحد ومنازل منصوب على الظرفية ويجوز كونه مفعولاً ثانيا بتقدير ذا منازل، ويجوز أن يكون أصله قدرنا له على الحذف والإيصال وهو متعد لواحد. قوله:) الشرطين) بفتح الشين والراء مثنى شرط بفتحتين، وهو العلامة وهما نجمان قيل ثلاثة عند قرن الحمل سميا به لأنهما علامة للمطر والريح، والبطين تصغير البطن وهو بطن الحمل والثريا مصغر أيضا، وفي الكشف هو ألية الحمل والدبران بفتحتين سمي به لأنه خلفها، والهقعة بفتح الهاء وسكون القاف وفتح العين المهملة ثلاثة أنجم برأس الجوزاء شبهت بهقعة الفرس، وهي كز وعلامة تجعل في أعلى عنقه والهنعة مثله إلا أن ثانيه نون وهي اسم سمة كر في منخفض! عتقه، وهي خمسة أنجم على هيئتها بمنكب الجوزاء والذراع نجمان سميا ذراعي الأسد والنثرة الفرجة بين الشاربين كوكبان بينهما مقدار شبر بأنف الأسد وهي أربعة أنجم والزبرة كوكبان نيران هما كاهلا الأسد والزبرة بضم الزاي معناها الكاهل والصرفة نجم نير بقلب الأسد سمي به لأنه عنده انصراف البرد، والعوّاء ممدود ومقصور خمسة أنجم يقال لها ورك الأسد والسماك المراد به الأعزل لأنّ الرامح ليس من المنازل، والغفر ثلاثة أنجم صغار من الميزان سميت بها لأن ضوءها مستتر لقلته، والزبانا بالضم وآخره ألف زبانا العقرب قرناها وهما نجمان برأس العقرب والإكليل أربعة أنجم برأس العقرب ولذا سميت به وأصل معناه التاج، والقلب قلب العقرب أيضا والشولة بفتح الشين المعجمة واللام ما ارتفع من ذنب العقرب وهما كوكبان عند ذنب العقرب، والنعائم أصلها الخشبات الموضوعة على البئر وهي ثمانية أنجم بقرب المجردة والبلدة الفرجة بين الحاجبين ستة أنجم بالقوس في فرجه وسعد الذابح كوكب بين يديه آخر يزعمون أنه شاة يذبحها وسعد بلع ليس له مثله كأنه بلع شاته وسعد السعود لأنه في ابتدائه يبدو ما تتعيش به المواشي، وسعد الأخبية لأنّ عند. كواكب تشبه بالخباء، وقيل لأنه تخرج فيه الهوام وهذه الأربعة بالجدي والدلو والفرغ بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وغين معجمة وهو مجرى الماء من الدلو وهماك وكبان متقاربان سميا به لكثرة الأمطار فيهما، والرشاء بكسر الراء ومعناه واضح وقوله لا يتخطاه أي يتجاوزه قيل إنه أمر أغلبي إذ قد يتخطى ويتقاصر، وقوله الاجتماع أي اجتماعه مع الشمس الذي يذهب به ضوءه الحاصل بالمقابلة ودق أي صار دقيقاً لعدم امتلاء نوره واستقواسه كونه كالقوس انحناء، ونصب القمر بمقدّر على شريطة التفسير. قوله: (وهو الذي يكون فيه قبيل الاجتماع) مع الشمس وهو بعده ومعه لا يخرج عن منازله أيضاً لكنه لا يسمى قمراً على المشهور إلا من ثلاثة إلى ستة وعشرين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 وبعدها يسمى هلالاً والناس يسمونه قمراً مطلقا وعلى العرف العام مشي المصنف، والشمراخ بكسر الشين المعجمة وميم ساكنة بعدها راء مهملة وألف وخاء معجمة وهو كالشمروخ بالضم عيدان العنقود الذي عليه الرطب، وما يجمعه مما فوقه يسمى العذق بكسر العين والكباسة كذا في المصباح وليس هو العنقود نفسه حتى يقال فيه تسامح لأنّ المشبه به عيدانه لا هو نفسه، والمعوج بتشديد الجيم أو الواو كما في قوله: فمن رام تقويمي فإني مقوّم ومن رام تعويجي فاني معوّج قوله: (فعلون) فنونه زائدة كما في المصباح وذهب قوم ورجحه في القاموس واعراب السمين والراغب إلى أنها أصلية فوزنه فعلول وما ذكره المصنف أظهر، وقوله كالعرجون أي بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وبزيون بباء موحدة وزاي معجمة وياء مثناة تحتية ثم واو ونون بساط رومي، وقيل هو السندس، وقوله العتيق الذي مرّ عليه زمان ييبس فيه ويعوج، ولذا مرض القول بأنه ما مرّ عليه حول فصاعدا، وقد يحصل له اليبس الذي يتم به الشبه فيما دونه ووجه الشبه فيه مركب وهو الاصفرار والدقة والإعوجاج. قوله: (يصح لها وبتسهل الأنه مطاوع بغي بمعنى طلب فيكون في الاستعمال بمعنى تسخر وتسهل وقد يكون بمعنى حق ولاق، وقوله في سرعة سير. فإنه يقطع البروج في شهر وهي في سنة ولولاه لم تنتظم الفصول والمنافع في التكوّن والتعيش وآثاره إعطاء الألوان، ونحوها والشمس الإنضاج واو مكانه لأنه كلا في ذلك مخصوص، وسلطانه قوّة نوره ليلا فلو أدركته الشمس محت نوره وطفأته وهذا قريب من الأوّل والفرق بينهما اعتباري. قوله: (ولىللاء حرف النفي الشمس للدلالة على أنها مسخرة) قد خفي وجه الدلالة على بعضهم حتى ذكر ما لا طائل تحته وتوقف في فهمه، وقد قيل إنه يقتضي نفيها وإنها هالكة لا قدرة لها في نفسها على شيء، وقيل إنه يريد أنه كان الظاهر أن يقال لا ينبغي للشمس وانه كالنتيجة لماقبله لكن تركت فاؤه تعويلاً على فهم السامع، والفرق بين لا ينبغي للشمس ولا الشمس الخ أنّ الأوّل أبلغ وآكد لتقديم المسند إليه فيفيد أنها مسخرة ولا محصل لذلك كله، والذي دار في خلدي أنه أراد أنّ دخول النفي على الموضوع ذاتا أو ما هو في حكمها يحتمل نفيها احتمالاً ظاهرا لا سيما إذا كان في حيزه قيل حقه أن يدخل عليه وهو قريب من قول المنطقيين السالبة تصدق بنفي الموضوع فإن كان كذلك كان عدما لا يصلح لصدور شيء عنه دالا يدل على نفي صفات له تقرّبه من العدم، وهذا ما ذهب إليه الشافعية في قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " حيث قدروا له صحة الأعمال واستدلوا به على وجوبها في الوضوء ورجحوه على تقدير الكمال بأنه أقرب إلى نفي الوجود المتبادر منه كما قرّروه في محله فبالقياس عليه يدل هذا على نفي صدور شيء عنها بالاختيار كما ذهب إليه بعض عبدة الكواكب، والحكماء فلزم كونها مسخرة لله. قوله: (لا يتيسر لها إلا ما أريد بها) الحصر مأخوذ من فحوى الكلام وكونها مسخرة لا من تقديم المسند إليه، وكان ينبغي أن يقول لا يصح ولا يتيسر بناء على تفسيره السابق فتأمّل. قوله: (يسبقه فيفوته) أي يتقدّم على وقتة فيدخل قبل مضيه، وقوله وقيل المراد بهما أي الليل والنهار آيتاهما أي الشمس والقمر لأنهما آية الليل والنهار قال تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [سورة الإسراء، الآية: 12] وهذا مختار الزمخشريّ، وقوله فيكون عكساً للأوّل هو من تتمة القيل وأراد بالأوّل قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر لأنّ محصله على هذا ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس، وليس المراد بالأوّل التفسير الأوّل لما قبله لأنه مناسب للآخر إذ المعنى لا يسبق القمر الشمس في سلطانها لأنّ الحكمة اقتضت لكل سلطاناً على حياله، والتعبير بالليل والنهار للإشارة إلى اختلافهما أيضاً. قوله: (وت! بديل الإدراك) وهو اللحوق بالسبق على هذا القيل لأنه مناسب لسرعة سير القمر إذ السبق يشعر بالسرعة والإدراك بالبطء كما لا يخفى. قوله: (وكلهم) قدّر ضمير العقلاء لمشاكلة قوله يسبحون إذ عبر به فيه لتثبت فعل العقلاء لهم، وقوله والضمير الخ توجيه لجمعه معه إنهما اثنان بأن اختلاف أحوالهما في المطالع، وغيرها نزل منزلة تعداد إفرادهما ولذا يقال الشموس والأقمار، وقوله مشعر بها أي بالكواكب لفهمها وخطورها بالبال إذا ذكرا فكانت مذكورة حكماً، وقيل التقدير كل ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 والمراد بالفلك الفلك الأعلى لأنها تتحرّك بحركتة. قوله: (يسيرون فبه بانبساط) أي بسعة لأنّ السبح الأبعاد في السير وقد مرّ في سورة الأنبياء أنه من السباحة على التشبيه فتذكره، وفي شرح أدب الكاتب لابن السيد معنى يسبحون يسيرون فيه بانبساط وكل من بسط في شيء فهو يسبح فيه، ومنه السباحة في الماء اهـ. قوله: (أولادهم) المراد الكبار منهم لأنهم المبعوثون للتجارة ولمقابلتهم بالصبيان، وقوله أو صبيانكم الخ فالمراد بالذزبة أهل البيت، والاتباع مجازاً فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما قيل وإن كان ذلك جائزا عند الشافعية أو هو تغليب ولم يخصصه بالنساء كما في الكشاف، وان ورد في الحديث إطلاقه عليهن مجازاً إطلاق السماء على المطر أو لعلاقة الحالية، والمحلية كما أشار إليه بقوله لأنهن مزارعها أي لأنّ النساء منشأ الذرية تنشأ كما ينشأ الزرع من منابته لأنّ حمل النساء وحدها غير معتاد، وقوله لأنهن أي النساء فهو تعليل لإطلاق الذرّية عليهن فقط، وترك تعليل إطلاقه على الصبيان لظهوره وفي ضمير مزارعها استخدام لعوده على الذرّية بمعنى الأولاد، وقوله وتخصيصهم توجيه لذكرهم فقط مع عدم الاختصاص بهم، والتماسك الثبات والاستقرار فيها. قوله تعالى: ( {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الا يخفى مناسبته لقوله قبله في ذلك يسبحون وذكر المشحون أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه أو لأنه أبعد من الخطر، وقوله المراد ذلك نوح فهو مفرد وتعريفه للعهد والمراد في الأوّل الجنس ومرضه لأنه محتاج للتأويل بخلاف الظاهر كما أشار إليه بقوله وحمل الله الخ أي معنى حمل الله حينثذ، وأنث ضمير فيها الراجع للفلك لأنه يجوز تأنيثه لكونه بمعنى السفينة. قوله: (وتخصيص الذرية الخ) أي على هذا الوجه حمل ذريتهم خص بالذكر لأنه أبلغ في الامتنان لأنّ استقرارهم فيها وتماسكهم أصعب ولتضمنه بقاء عقبهم، والتعجب من الآية لأنها أمر يتعجب منه وبقاء نسلهم ونجاتهم بسفينة واحدة أعجب، والإيجاز لأنه كان الظاهر أن يقال حملناهم ومن معهم ليبقى نسلهم وعقبهم فذكر الذرية يدل على بقاء النسل، وهو يستلزم سلامة أصولهم فدل بلفظه القليل على معنى كثير. قوله: (من الإبل) هو على التفسيرين السابقين لا على أن المراد بالفلك الجنس كما توهم إذ لا وجه لتخصيصه به، وقوله فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل لا لتبليغها للمقصود فإنه لا يختص بها، وقد شاع إطلاق السفينة عليها كما قيل: سفائن برّ والسراب بحارها قوله: (أو من السفن والزوارق) جمع زورق وهو السفينة الصغيرة وهذا على الثاني وهو أن يراد بالفلك سفينة نوج عليه الصلاة والسلام ولا يبعده قوله خلقنا لأنّ أفعال العباد مخلوقة لله وتبادر الإنشائية ممنوع. قوله:) فلا مغيث لهم) إشارة إلى أن الصريح يكون بمعنى المغيث وبمعنى الصارخ، وهو المستغيث فهو من الأضداد كما صرح به أهل اللغة ويكون مصدرا بمعنى الإغاثة لأنه في الأصل بمعنى الصراخ وهو صوت مخصوص وكل منهما صحيح هنا، واعتراض أبي حيان على الثاني بأنه يحتاج إلى نقل أنّ الصريح يكون مصدراً بمعنى الصراخ لا يدفعه أنّ الزمخشريّ ثقة يعتمد عليه فإنه لا يستدلط بمحل النزاع، ولا يلزم من كون الصريح بمعنى المغيث أن يكون بمعنى الإغاثة إذا كان مصدراً لأنه مصدر الثلاثي فالذي يدفعه أنّ الصريخ كالصراخ مصدر للثلاثي وتجوّز به عن الإغاثة لأنّ المغيث ينادي من يستغيث به، ويصرخ له ويقول جاءك العون والنصر وقد ورد بهذا المعنى قال المبرد رحمه الله في أوّل الكامل قال سلامة بن جندل: كنا إذا ما أتانا صارخ قرع كان الصراخ له فزع الطنابيب يقول إذا أتانا مستغيث كانت إغاثته الجد في نصرته، اهـ ولا عطر بعد عروس. قوله: (كقولهم أتاهم الصريخ) قيل عليه أنه لا يصلح دليلا للمدعي لجواز كون الصريح فيه بمعنى المغيث بل أتاهم أظهر فيه من معنى المصدرية، وليس بشيء لأنّ وروده مصدراً بمعنى الصراخ صرّحوا به، والمناقشة في المثال ليست بمرضية عند أرباب التحصيل فإنه لم يستدل به، وقوله ينجون بالتخفيف والتشديد والثاني أنسب. قوله: (إلا لرحمة ولتمتيع) وفي نسخة وتمتيع بدون إعادة الجار يعني أنه منصوب على أنه مفعول له وهو استثناء مفرع من أعمّ المفاعيل والظاهر أنه استثناء متصل، وقيل إنه منقطع أي ولكن رحمة من ربي هي التي تنجيهم كما مرّ في الأنعام وجوّز فيه كونه بتقدير الباء على الحذف والإيصال، وقيل إنه منصوب على المصدرية لفعل مقدّر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 قوله: (الوقائع التي خلت) في الأمم الخالية المكذبة للرسل، وهو تفسير لما بين الأيدي وهو بتقدير مضاف أي مثل الوقائع وكونه بدون تقدير مضاف للعبرة سيأتي بيانه، وعذاب الآخرة تفسير لما خلفهم وكونه على العكس بأن يكون ما بين أيديهم في الآخرة وما خلفهم ما مضى في الدنيا لهم، وقوله أو نوازل السماء تفسير آخر لما بين أيديهم وما خلفهم على اللف والنشر المرتب كما في الآية المذكورة المفسر ما فيها بما بعدها من قوله: {إِن نشأ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} [سورة سبأ، الآية: 9] والمراد إحاطة العذاب بهم من جميع الجوانب إلا أنّ التلاوة في سبأ أفلم بالفاء دون الواو فهو سهو. قوله: (أو عذاب الدنيا الخ) على اللف والنشر المرتب أو عكسه على المشوّس وجعل الدنيا خلفاً لمضيها والآخرة بين الأيدي لاستقبالها فلا بعد فيه كما توهم وهذا يرجع للوجه الأوّل إلا أنه فرق بينهما بأنّ الأوّل مقيد بالمثلية دون هذا أو الأوّل ملاحظ فيه معنى التقدّم دونه، وهذا إنما يتأتى على تقدير المضاف فيه أما إذا لم يقدّر فلا لكنه لا يناسب ما قبله ولا ما بعده فتدبر وقوله أو ما تقدم الخ على اللف والنشر والعكس لكنه اكتفى عنه بما مرّ. قوله: (لتكونوا راجين الخ) يعني أنّ الرجاء من جهة العباد لاستحالته على الله، أو لتكونوا بحال يصح فيها رجاء الرحمة ويستقيم ولا فرق بينهما لأنه على فرض التقوى فتأمّل. قوله: (أعرضوا) هو الجواب المحذوف، وقوله لأنهم الخ إشارة إلى ما في الكشاف كما أطبق عليه شراحه من أنّ هذه الجملة تذييل لما قبله فتكون معترضة أو حالاً مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنته مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم، والتمرن على العمل مداومته وتكراره. قوله: (على محاويجكم) يعني المحتاجين منكم جمع محوج اسم فاعل من أحوج صار ذا حاجة قال في المصباح أحوج وزان أكرم من الحاجة فهو محوج وقياس جمعه بالواو والنون لأنه صفة عاقل والناس يقولون في الجمع محويج مثل سقاطير اص. ئوله: (كفروا بمالصانع) يعني أنكروا وجوده وهم المعطلة المنكرون لوجود الباري وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولذا أظهر في مقام الإضمار، وقوله بعد. لو يشاء الله لا ينافي ذلك لأنه تهكم أو مبنيّ على اعتقاد المخاطبين كما أشار إليه المصنف بقوله تهكما الخ. قوله: (أنطعم (لم يقل أننفق إمّا لأنه المراد من الإنفاق أو تطعم بمعنى نعطي أو لأنه يدل على منع غيره بالطريق الأولى، وقوله على زعمكم إشارة إلى ما مرّ لأنهم معطلة، وقول الزمخشري أنطعم المقول فيه هذا القول بينكم تصحيح لوقوع الشرطية لامتناعية صلة مع أنّ شأن الصلة أن تكون أمراً معهودا على ما صرح به في قوله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً} [سورة النساء، الآية: 9] لكنه اكتفى بما ذكر لكون الصلة والموصول كشيء واحد كما حققه الطيبي رحمه الله فما قيل إنه لا ملجئ إليه لكفاية البناء على الزعم في صحة المعنى غفلة عن مراده، وقوله في الكشف أوّله به لأنهم كانوا معتقدين قدرة الله وارادته قيل إنه سهو أو سقط منه حرف النفي اللهمّ إلا أن يجعل الضمير للمخاطبين فيكون كقول المصنف على زعمكم. قوله: (استطعمهم الخ الأنهم جعلوا الله نصيباً في حرثهم وأنعامهم كما مرّ، وقوله أحق بذلك أي بعدم الإطعام وإنما قال إيهاماً وان كان الاستفهام الإنكاري صريحا فيه لأن مرادهم المنع مطلقا، وقوله من فرط جهالتهم أي عنادهم ولو لم يشأ الله ذلك لم يأمر به ويحث عليه، وقوله حيث أمرتمونا الخ فهو من مقول الكفلة وعداه بنفسه كقوله: أمرتك الخير فافعل مط أمرت! هـ وهذا على الوجوه كلها فهو إمّا تهكم أو عن اعتقاد ويحتمل أن يكون على الأخير. قوله: (وهي النفخة الأولى) أي التي يموت بها من بقي على وجه الأرض، وقوله وأصله يختصمون الخ فيه قرا آت كما ذكرها المصنف وتفصيلها على اختلاف الرواية فيها في النشر والدرّ المصون، فأولاها بفتح الياء وكسر الخاء لالتقاء الساكنين والصاد على الأصل وأصله يختصمون ففعل فيه ما ذكره المصنف، والثانية بكسر الياء اتباعاً للخاء المكسورة والثالثة بفتح الياء والخاء بنقل حركة التاء لها وأبو عمرو اختل! س حركتها أي خففها مع سرعة، واستشكلت قراءة نافع بأنّ فيها الجمع بين ساكنين على غير حده فكأنه جائز عنده إذا كان الثاني مدغماً وفي عزوها على ما ذكره المصنف ما يخالف ما نقله القرّاء وليس هذا محله. قوله: (وقرأ حمزة يخصمون) أي بفتح الياء وسكون الخاء، وتخفيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 الصاد من خصم الثلاثي وهذه مروية أيضاً عن أبي عمرو وقالون كما في البحر، والمفعول محذوف أي يخصم بعضهم بعضاً وحذف المضاف إلى الفاعل فارتفع الضمير المجرور واستقرّ، وتفصيله كما في الحجة أنّ ابن كثير وأبا عمرو قرآبفتح الياء الخاء غير أنّ أبا عمرو يختلس حركة الخاء قريبا من قول نافع، وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر بفتح الياء وكسر الخاء وهذه رواية خلف وغيره عن يحيى عن أبي بكر وقرأها نافع ساكنة الخاء مشذدة الصاد وورس بفتح الياء والخاء مشذدة الصاد وحمزة ساكنة الخاء خفيفة الصاد، وعن عاصم أنه قرأ بكسر الياء والخاء ويهدي بكسر الياء والهاء وقال أبو عليّ: من قال يخصمون حذف الحركة من الحرف المدغم وألقاها على الساكن، وهذا أحسن الوجوه بدليل قولهم ردّ وعض فألقوا حركة العين على الساكن، ومن قال يخصمون حذف الحركة إلا أنه لم يلقها على الساكن كما ألقاها الأوّل ولو جعله بمنزلة قولهم مسنا السماء حذف الكسرة من العين، ولم يلقها على الحرف الذي قبلها فلما لم يلقها التقى ساكنان فحرك ما قبل الحرف المدغم، ومن قال: يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم، ومن زعم أنّ ذلك ليس في طاقة ادّعى ما يعلم فساده بغير استدلال فأما من تال: يخصمون فتقدير. يخصم بعضهم بعضاً فحذف المضاف والمفعول به وهو كثير، ويجوز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عن أنفسهم فحذف المفعول ومعنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم، فأما يخصمون فعلى قول من قال أنت تخصم يريد تختصم فحذف الحركة وحركت الخاء لالتقاء الساكنين لأنه لم يلق الحركة المفتوحة على الفاء، وكسر الياء التي للمضارعة لسبقها كسرة الخاء وهذه لغة حكاها سيبويه عن الخليل وهذه الياء كسرت في مواضع حكاها سيبويه في يسبأ وينحل ويخصمون اهـ، وتوصية مفعول به ليستطيعون أو مفعول مطلق لفعل مقدّر وتبغتهم بالغين المعجمة أي تفجؤهم. قوله: (إلى ربهم ينسلون) لا منافاة بين هذا وبين ما وقع في آية أخرى فإذا هم قيام ينظرون لأنهما في زمان واحد متقارب قيل، وذكر الرب في موقعه للإشارة إلى إسراعهم بعد الإساءة لمن أحسن إليهم حين اضطرّوا له وقوله بالضم أي ضم السين، ومرقدنا قال المعرب يجوز أن يكون مصدرا بمعنى رقادنا وأن يكون مكاناً فهو مفرد أقيم مقام الجمع والأوّل أحسن لأنّ المصدر يفرد مطلقاً. قوله: (يمعنى أهبنا) ظاهره أنه يكون متعدّيا كالمزيد، وقد قال ابن جنى أني لم أر له أصلاً ولا مر بنا في اللغة مهبوب إلا أن يكون على الحذف والإيصال وأصله هب بنا أي أيقظنا. قوله: (وفيه ترشيح ورمز الخ) أي فيما ذكر على قراءة هبنا وأهبنا أو على القراآت إشارة إلى أنّ في المرقد اسنعارة أصلية إن كان مصدوا وتبعية، إن كان اسم مكان شبه الموت بالرقاد ثم استعير له اسمه ووجه الشبه الاستراحة من الأفعال الاختيارية وهي في المشبه به أقوى، وإن توهم بعضهم أنه ليس بأقوى لظن إنه عدم ظهور الأفعال وهي في الموت أقوى، وأما كونه البعث وهو في النوم أقوى وأشهر إذ لا شبهة فيه لأحد والقرينة صدوره من الموتى فمع أنه غير موافق لكلام المصنف لأحسن فيه لأنّ البعث القيام من النوم والقبر وهي حالة مضادّة له فلا يحسن جعلها وجهاً في غير الاستعارة التهكمية، وليس هذا منها مع أنه لا يشترط فيه كونه أقوى فقط بل أو أشهر وأعرف، ولا شك أنه أعرف في النوم لتكرّره على الحس، وأما كون البعث ترشيحاً على التوجيه الثاني ففيه نظر لأنه لا اختصاص له بالنوم ولا بالموت فكما لا يصلح أن يكون قرينة لا يصلح أن يكون ترشيحاً فمن جعله ترشيحا فلعله لكونه أعرف في النوم من غير منكر له أو لأنه مشترك فيهما فلا يدل على أحد معنييه بدون قرينة، وذكره مع الرقاد يتبادر منه معنى الهبوب من النوم فيكون ترشيحا، أو هو حقيقة وهذا مجاز ألحق بالحقيقة في لسان الشرع، وما قيل من أنّ المراد بالترشيح معناه اللغوي إذ لا تشبيه هنا ولا استعارة فلا معنى له أص! لأ. قوله: (أو إشعار) هذا وجه آخر بناء على أنهم قالوه لظنهم لاختلاط عقولهم أنهم كانوا نياما فهو على حقيقته، وأما على النسخة الأخرى وهي عطفه بالواو لا بأو فإمّا أن يقال الواو بمعنى أو ويقال هذا إشعار بأنهم على حال من شأنها ذلك لا أنه وقع منهم ذلك الظن الذي ألحقه بالحقيقة في الواقع، والظاهر أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة لسلامتها من التكلف، وتوهم النوم لأنه كالراحة بالنسبة لما بعده، وما روي من أنّ البشر لهم نومة قبل الحشر غير صحيح كما في البحر، وما قيل من أنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 لو استمرّ عذاب القبور لم يتأت منهم هذا المقال يعلم جوابه من قول المصنف لاختلاط عقولهم لأنهم ليس لهم فيها إدراك تام، وقوله ومن بعثنا الخ أي قرئ بمن الجازة والمصدر المجرور، وقوله محذوفة الراجع أي العائد وتقديره وعده وصدقه أو فيه وعلى المصدرية المصدر فيه بمعنى المفعول. قواله: (أو هذا صفة لمرقدنا التأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روي عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة، كما وقع في بعض النسخ فمن قال إن الوقف على مرقدنا عند الكل لثلا يتوهم أنّ هذا صفة لمرقدنا فقد أخطأ من وجهين، وقوله خبر محذوف تقديره هو أو هذا وفيه من البديع صفة تسمى التجاذب، وهو أن تكون كلمة تحتمل أن تكون من السابق أو اللاحق كما في شرح المفتاح للسيد ولم أر له مثالاً غير هذا، وقوله من كلامهم أي الكفرة على أنهم أجابوا أنفسهم أو أجاب بعضهم بعضاً. قوله: (معدول الخ الأنهم سالوا عن الفاعل فحقهم أن يجابوا به فعدل عنه لما ذكر فهو من الأسلوب الحكيم، وهذا على الاحتمالين الأخيرين أو الكل، وقوله الفعلة قدّره عامّاً مؤنثاً على قاعدة الاستثناء المفرّغ وقراءة الرفع يجري فيها ما مرّ، وقوله بمجرّد تلك الصيحة من الفاء وإذا الفجائية والتهوين لكونه بمجرد الصيحة، وقوله هي النفخة الخ النفخة صوت فيصح تفسيرها بها ولا تجوّز فيه لأنّ الصيحة مسببة عنها، وقوله التي الخ فيه تسمح في التعبير. قوله: (. قوله: (حكاية لما يقال لهم) فضمير تجزون وتعملون والخطاب للكفرة، وتصوير الموعود وهو جزاؤهم على ما عملو. من غير ظلم والسكين من جعله حاضراً عندهم، وشيئاً منصوب على المصدرية أو مفعول به على الحذف والإيصال، ويجوز أن يكون إخباراً من الله عما لأهل المحشر على العموم بدليل تنكير نفس وتعريف اليوم للعهد لأنه في حكم المذكور والمراد به يوم القيامة لدلالة نفخ الصور عليه دلالة ركب السلطان على سلطان البلد قيعمّ الخطاب المؤمنين كما اختاره السكاكي، وما قيل عليه من أنه يأباه الحصر لأنه تعالى يوفي المؤمنين أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة فيرده أنّ المعنى أنّ الصالح لا ينقص ثوابه والطالح لا يزاد عقابه لأنّ الحكمة تأبى ما هو على صورة الطلم أما زيادة الثواب ونقص العقاب فليس كذلك، أو المراد بقوله لا تجزون إلا ما كنتم تعملون أنكم لا تجزون إلا من جنس عملكم إن خيرا فخير وان شرا فشر فلا وجه لما ذكره. قوله: (من الفكاهة بالضم) وهي التمتع والتلذذ ماخوذ من الفاكهة وقد يكون بمعنى التحدث بما يسر وتنكير شغل للتعظيم كأنه شغل لا يدرك كنهه، وقوله أعلى ما يحيط به بالإضافة إلى ما الموصولة أو الموصوفة، وكونه على حذف من التفضيلية وان كان بحسب المعنى أحسن إلا أنّ حذف من وابقاء مجرورها ركيك وكونها نافية والجملة مستأنفة لبيان كونه أعلى خلاف الظاهر، ويعرب بمهملتين من الإعراب وهو البيان وجوّز فيه كونه بالزاي المعجمة المضمومة أو المكسورة وفتح حرف المضارعة بمعنى يغيب، ويبعد بعطفه على الجملة المنفية وهو تكلف. قوله: (وقرأ الخ (حاصله أنّ قراءة الكوفيين وابن عامر بضمتين والباقون بضم فسكون وهما لغتان للحجازيين كما قاله الفراء: وأبو السماك بفتحتين ويزيد النحوي وابن هبيرة بفتح فسكون، والكل لغات فيه وقوله وشغل بفتحتين الخ معطوف على قوله شغل بالسكون بحسب المعنى، والتقدير قرئ في شغل وفصل بينهما لأنّ هذه من الشواذ وفكهون جمع فكه كحذر وهي صفة مشبهة تدل على المبالغة والثبوت، وقوله صلة أي متعلق به وبجوز كونه حالاً من ضمميره. قوله: (وقرئ فكهون بالضم) أي بضم الكاف وفتح الفاء وفعل من أوزان الصفة المشبهة كنطس بنون وطاء وسين مهملتين، وهو لغة في نطس بوزن حذر وهو الحاذق الدقيق النظر الصادق الفراسة والعرب تسمى الطبيب لذلك نطاسياً من التنطس وهو استقصاء النظر ويكون بمعنى التطهر والتنزه. قوله: (ويؤيده (لأن ظلل بضم وفتح جمع ظلة، وهي ما أظل لأظل بالكسر ولا منافاة بين هذا وبين ما مرّ في لقمان كما توهم ومتكئون خبر مبتدأ مقدر أي هم وعلى الأرائك متعلق به والجملة مستأنفة، وهو معنى قول المصنف على الأرائك جملة مستأنفة لكن فيه تسمح أو خبر آخر لأنّ قوله وهم مبتدأ أو مؤكد للمستكن في فاكهون، أو في قوله في شغل كما ذكره المصنف لكن فيه الفصل بين المؤكد وبينه بأجنبيّ، وهو فاكهون قاله المعرب والأحكام الثلاثة التفكه والقعود على السرر والاتكاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 والمعطوف عليه هم أو المستتر وهذا على الوجوه على القول بمجيء الحال من المبتدأ ولا مانع من كون في ظلال خبرا آخر فسر الأرائك بالسرر المزينة، وقيد. في المطففين بكونها في الحجال ولك أن تقول إنه معنى مزينة وقد ذكرهما أهل اللغة معا. قوله: (ما يدّعون) يعني أنه افتعال من الدعاء بمعنى الطلب، وهو بمعنى الثلاثي أي كل ما طلبوه لأنفسهم يصل إليهم، وقوله لأنفسهم إشارة إلى قول الإمام إنه ليس المراد أنهم يعطون بعد الطلب بل إنه حاصل لهم بدلي ن طلب كالمملوك إذا طلب من المالك فقال له لك، ولك احتمل أنك مجاب لمطلوبك وأن ذلك حاصل لك فلم يفد ولا مانع من حمله على الأوّل فإنه للحصول بعد طلب لا سيما والمطلوب عظيم والمطلوب منه ملك كريم، وأصله يد تعيون فقلبت التاء دالاً أو أدغصت وحذفت ياؤه على ما بين في اقصريف، واشتوى من الشي وهو معروف واجتمل بالجيم بمعنى جمل أي أذاب الشحم، وهما مثال للافتعال بمعنى الثلاثي، وقوله أو ما يتداعونه يعني أنه افتعال بمعنى التفاعل والتداعي طلب بعضهم من بعض بالفعل لما فيه من التحاب أو المراد صحة الطلب كما مز، وقوله أو ما يدعونه في الدنيا أي ما كانوا يدعون به ويطلبونه من الله فهو من الدعاء بمعناه المشهور، وقوله وما الخ جوّز أبو حيان مصدريتها فالمصدر بمعنى المفعول وهو تكلف. قوله: (بدل منها) أي من ما على الوجهين وهو إمّا بدل كل من كل على أنّ ما أريد بها خاص أو على ادّعاء ألاتحاد تعظيماً أو بعض على أنها عامّة حلى الموصولية يلزم إبدال النكرة كير الموصوفة من المعرفة فإمّا أن يلتزم جوازه من غير قبح، أو يقال هو في معنى الموصوف ومثله يكفي له، وقوله أو صفة يعني على كونها نحرة موصوفة، ولذا قال أخرى لأنه لا توصف المعرفة بالنكرة فهو مؤوّل بسالم أو بتقدير ذي سلام واذا كان خبرا بمعنى سالم خالص لا شوب فيه فلهم متعلق به وقدّر الخبر مقدماً ليسوغ الابتداء بالنكرة، وقوله على المصدر أي يسلمون سلاما بمعنى التحية أو السلامة وعلى الحالية فهو من الثاني كما أشار إليه، وقوله والمعنى وفي نسخة بمعنى وهو على الوجوه إذا كان السلام بمعنى التحية، وقوله على الاضصاص المراد به النص! على المدح بتقدير أعني وهذا أنسب بقوله من رب رحيم فإنه لا شيء أمدح من تسليمه عليهم وهو حينئذ جملة مستقلة. قوله: (وذلك حين يسار بهم إلى الجنة الخ الم يتعرض! كصاحب الكشاف لتوجيه عطفه لأنه بحسب الظاهر من عطف الإنشاء على الخبر فهو إمّا بتقدير ويقال امتازوا على أنه معطوف على يقال المقدّر العامل في قولاً، وهو أقرب وأقل تكلفاً لأنّ حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدّث عنه ولا حرج، أو يقال إنه من عطف القصة على القصة كما مرّ تفصيله في سورة البقرة أو يقال المعطوف مؤوّل بخبر لأنّ المراد أنّ المجرمين ممتازون متفرقون ليسوا كأهل الجنة مع أهلهم وأزواجهم وعدل عنه إلى الأمر لما فيه من التهويل والتعنيف، وهذا أحسن مما اختاره السكاكي من تأويل الأوّل لأنّ محصله فليمتازوا عنكم يا أهل المحشر وامتازوا عنهم لما فيه من التكرار إذ يعلم من امتياز أحدهما امتياز الآخر كما في الكشف وان كان لكونه أمراً تقديريا لا محذور فيه مع أنّ الامتياز الأوّل امتياز على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد فيفيد كل منهما ما لا يفيده الآخر، وأما كون امتازوا فعلا ماضياً والضمير المتصل لا المستتر للمؤمنين أي امتاز المؤمنون عنكم يا أيها المجرمون كما قيل فمع مخالفته للأسلوب المعروف من وقوع النداء مع الأمر نحو يوسف أعرض عن هذا قليل الجدوى، وما ذكره من التحسير فيه ما قبله من ذكر ما هم عليه من التنعم. قوله: (كقوله ويوم تقوم الخ) أي في الدلالة على أنّ كلاً منهما متمس ش منفرد عن الآخر، وقوله فإنّ لكل كافر الخ وهذا لا ينافي عتاب بعضهم بعضاً الوارد في آيآت أخر كقوله: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [سورة غافر، الآية: 47] كما قيل إن أراد لكل شخص لأنه باعتبار الأزمنة والأمكنة أو الإشراف عليهم فإن أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى فلا يحتاج إلى الدفع. قوله: (وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية) فيكون العهد استعارة لإقامة البراهين، وقيل إنه حقيقة لأنه عبارة عما عهده في عالم الذو إذ قال لهم ألست بربكم، ولذا قال يا بني آدم فتأمّل. قوله: (وجعلها) أي العبادة عبادة الشيطان فالتجوّز في الشبة إلى السبب، ويجوز أن يكون استعارة بتشبيه طاعته بعبادته، وقوله وقرئ الخ أي بكسر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 حرف المضارعة، وهو لغة في فعل بالكسر مطلقا وبعضهم لا يكسر ألياء كما في الكشاف وقوله وأجهد أي قرئ بابدال العين حاء مهملة وحدها أو بإبدالها مع إبدال الهاء وادغامها وهي لغة تميم، وقيل إنّ الأوّل لغة هذيلى والثاني لغة تميص، وقوله بالطاعة متعلق بعبادته أي الشيطان وهو إشارة إلى ما أسلفه بقوله جعلها الخ. قوله: (لبيان المقتضى للعهد بشقيه) وهما عدم عبادة الشيطان وعبادة الله على أنّ الإشارة إلى ما عهد إليهم مطلقا أو بالشق الأخير وهو عبادة الله على أنّ الإشارة لعبادته لأنه المعروف في الصراط المستقيم ففيه لف، ونشر مرتب وقيل الأول أولى لأن عبادته تعالى إذا لم تنفرد عن عبادة غيره لا تسمى صراطاً مستقيما وليس المراد بالثاني عبادته خاصة لذكره بعد النهي لأنه يعود إلى الأوّل لكن عبادته ما لم تكن كذلك لا يعتد بها فتأمل. قوله:) والتنكير للمبالغة والتعظيم) توجيه لتنكيره مع أنّ حقه أن يعرّف، ويحصر الصراط المستقيم فيه ليتم التعليل بأنه عدل عنه لأن المراد أنه صراط بليغ في استقامته جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف فالتنوين للتعظيم. قوله: (أو للتبعيض! توجيه آخر بأنّ تنوينه للتبعيض كما في قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ، [سورة الإسرأء، الآية: \، وهو وان لم يكن صراط مستقيم غيره إلا أن المراد كما في الكشاف الهضم من حقه على نهج الكلام المنصف توبيخاً أي لو كان بعض الطرق الموصوفة بالاستقامة كفى ذلك فكيف وهو الأصل والعمدة كما قيل: وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس وفيه إدماج لأنّ المطلوب الاستقامة والأمر دائر معها وقليلها كثير، وأما قوله فإن التوحيد الخ فتوجيه آخر بحمله على ظاهره فإنّ الإشارة إلى توحيده بالعبادة، وهو وان كان أجل الطرق المستقيمة إلا أنها لا تنحصر فيه لأنّ كل ما يجب اعتقاده طريق مستقيم فهو متعدّد وهذا وجه واحد منها لكنه رأسها ورئيسها، وما قيل عليه من أنّ البعض يطلق على جزء الشيء وجزئيه والأوّل مدلولط من والثاني مدلول التنكير الدال على الفرد المنتشر أو الماهية مع وحدة ما وأنه لا نظر في كلام الزمخشري لاستعماله في مدلوله الحقيقي، وأما المصنف رحمه الله فارتكب المجاز لأنه دائر بين أمرين جعل الكل بعضاً ادعاء للمبالغة، واستعمال التنكير في معنى من التبعيضية فيميل إلى أيهما شاء وباب المجاز لا يغلق مبني على الفرق المذكور تبعا للشريف في حواشي المطول وهو مردود كما اعترف به القائل في رسالته التي صنفها في من التبعيضية لأن الزمخشريّ صرح بخلافه في مواضمع من الكشاف، وقد سبقه الإمام المرزوقي به في قوله ليلا وعبد القاهر في قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} فكأنه نسي ما قدمته يداه وافتخر به ثمة وهو الحق، وما ذكره من أن كلام المصنف رحمه الله دائر بين أمرين لا أصل له أمّا الأول فمسلك الزمخشريّ كما سمعته وهو مصرح بخلافه، وأمّا الثاني فمع تكلفه ليس في كلامه نفحة ورائحة منه. قوله: (رجوع إلى بيان معاداة الشيطان (بعدما بينها أولاً بقوله إنه لكم عدوّ مبين لأنها وان كانت ظاهرة غنية عن البيان إلا أنهم لعدم جريهم على مقتضى علمهم جعلوا كالمنكرين فلذا كد فيما مضى، وقوله أفلم تكونوا تعقلون هو لإنكار أن يكونوا يعقلون شيئاً مّا أو أن يكونوا من أولي العقل، أو للتقرير أي لسمّ كذلك ادعاء لأنّ العائد له بعد ظهور. ليس بعاقل، والجبل الخلق أي الخلائق أو الطبع المخلوق عليه والأوّل أظهر هنا قال الراغب قولهم جبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي لا يتنقل كأنه جبل ومنه الجبلة، ولما فيه من معنى العظم في الأصل أطلق على الجماعة وقد فسر بالأمّة والجماعة هنا والقراآت ظاهرة والمعنى فيها واحد والقراءة الأخيرة بكسر الجيم والياء المثناة التحتية قراءة عليّ وهي شاذة ومعناها الطائفة من الناس وقدّم بيان كونها لغات على ما بعده لأنها في الأول مفرد وفي الباقية جمع فلذا فصل بينهما، والأمر في أصلوها للتحقير والإهانة، وقوله بكفركم إشارة إلى أنّ ما مصدرية ويجوز موصوليتها. قوله تعالى: ( {الْيَوْمَ نَخْتِمُ} الخ) قد وفق بينه وبين قوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بأنّ منهم من يعترف فتشهد عليهم الألسنة، ومنهم من ينكر لقوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] أو مبهوت فيختم على أفواههم وهذا بحسب تفاوت كفرهم، وعتوهم واسناد الختم إليه تعالى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 دون الكلام والشهادة قيل لأنه لئلا يحتمل الجبر عليه فدل على أنه باختيارهم بعد إقدار الله فإنه أدل على تفضيحهم! قوله: (بظهور آثار المعاصي عليها) بأن تبدل هيآتها بأخرى يلهم الله أهل المحشر أنها علامة دالة على ما صدر منهم فجعلت الدلالة الحالية بمنزلة المقالية مجازاً، ولا يمنع منه قوله: {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة فصلت، الآية: 21، ولا قوله كل شيء كما توهم فإنه فسره المصنف ثمة بدلالة الحال وكل شيء بكل حيّ لكنه مع قوله قالوا ظاهر فيه جدّا، وكأنّ المعترف أراد هذا. قوله: (لمسحنا) بالحاء المهملة أي أذهبنا أحداقهم وأبصارهم حتى لو أرادوا سلوك الطريق الواضح المألوف لهم لا يقدوون عليه، ولما كان الصراط كالطريق مكاناً مختصاً ومثله لا ينصب على الظرفية أوّلوه بأنّ أصله إلى الصراط فنصبه بنزع الخافض، أو هو مفعول به لتضمينه معنى ابتدروا وليس حقيقة كما توهم، ونقل عن الأساس أو بجعله مفعولاً به لأنّ استبقوا يجيء بمعنى سبقوا فجعل مسبوقاً على التحوز في النسبة أو الاستعارة المكينة أو على أنه بمعنى جاوزوه كما ستعرفه، أو هو منصوب على الظرفية على خلاف القياس أو على قول بعض النحاة كابن الطراوة أنه غير مختص د! ان صرح سيبويه بخلافه، واستبقوا قيل المراد أرادوا الاستباق، وقيل لا حاجة لتأويله فإنّ الأعمى يجوز شروعه في السباق. قوله:) أو جعل المسبوق إليه مسبوقاً على الاتساع) إن أراد بالاتساع التوسع في الظرف حتى ينصب على أنه مفعول به كما مرّ في الفاتحة في نحو، ويوماً شهدناه فهو فرع صحة نصمبه على الظرفية والتأويل للفرار منه فلذا ردّ على اليمني إذ جعله منه وهو مراد صاحب الكشف، ومن لم يفهم مراده خبط وخلط فيه وان أراد به إسقاط الخافض تسمحأ فهو الوجه الأوّل فالظاهر أنه أراد به التجوّز باستعماله في معنى جاوزه مجازا لأنه لازم له إذ المقصود من المبادرة مجاوزته، ولا بد من هذا لأنه لو كان حقيقة كما هو ظاهر قوله في القاموس استبق الصراط جاوزه لم يكن اتساعاً ولو كان لازماً كما عليه اكثر أهل اللغة لم يكن له مفعول ولا يكون ثمة مسبوق فكيف يصح جعله استعارة مكنية، وتخييلية وهل هو إلا تخيل فاسد فما ذكره المصنف رحمه الله هو بعينه ما في الكشاف لا فرق بينهما إلا أن ما في الكشاف يحتمل أنه حقيقة وبهذا سقط الاعتراض عن شراح الكشاف واطلاق الاتساع على المجاز كثير. قوله:) فأنى يبصرون) أنى بمعنى كيف والمقصود إنكار رؤيتهم وقوله بتغيير صورهم هو حقيقة المسخ، دمانما ذكر إبطال القوى لقوله فما استطاعوا الخ والمكانة بمعنى المكان هنا وقد تكون في المرتبة والمنزلة، ويجمدون بالجيم والدال المهملة مبنياً للفاعل (والمفعول من الأفعال والخاء المعجمة تحريف والمراد أنهم لا يقدرون على مفارقة مكانهم، والقراءة بالجمع لتعددهم. قوله:) فوضع الفعل الخ (لأنّ المعنى والصناعة تقتضيه أو لمعنى ولا رجوعا وهو معطوف على المفعول ومفعول اسنطاع لا يكون جملة فهو من قبيل تسمع بالمعيدي فلا يدل على الاستمرار حتى يجعل وجهاً للعدول كما قيل، وإذا كان بمعنى لا يرجعون عن تكذيبهم فهو معطوف على جملة ما استطاعوا، وقوله لقلب الواو ياء تعليل لكسرها ووزنه فعول بالضم وأصله مضوي فلما قلبت الواو ياء لاجتماعها معها ساكنة قلبت الضمة قبلها كسرة لتخف وتناسبها، وقوله كصثيّ بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأي الديك أو الفرخ إذا صاح فهو مثال لمجيء فعيل مصدرا للمعتل كما في كتب اللغة والكشف، فمن قال إنّ المراد أنه بوزنه لأنه ليس بمصدر فقدسها لظنه إنه بالباء الموحدة، وقوله أحقاء لأنّ لو تقتضي أنه فرض ولم يقع، وقوله لم نفعل إشارة إلى أنّ لو للمضيّ على أنه بالباء الموحدة، وقوله أحقاء لأنّ لو تقتضي أنه فرض ولم يقع، وقوله لم نفعل إشارة إلى أنّ لو للمضيّ على أصلها لا بمعنى إن ودخولها على المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على استمرار الامتناع، وقوله فلا يزال يتزايد ضعفه الخ تفسير لتقلبه وإشارة إلى أنه مستعار من التنكيس الحسي إلى المعنوي وبدء أمره مرفوع بكان أو منصوب على الظرفية وقوله فإنه أي تنكيس خلقه وإيجاده على تدرج لا ينافي المقدورية. قوله: (اي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن الخ) يعني أنّ تعليمه المنفي ما كان بالقرآن الذي زعموه شعراً حين أتى به فإنه لا يشابه الشعر لفظاً لعدم وزنه وتقفيته ولا معنى لأنّ الشعر تخيلات، وهذا حكم وعقائد وشرائع فلو كانت الشاعرية المسندة له لذلك لم يصح بوجه من الوجوه فإنهم قاسوه على من يشعر بقراءة الدواوين، وكثرة حفظها فالباء في قوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 بتعليم الخ للاسنعانة وجملة ما ينبغي معترضة، وفيه إدماج لا كناية تلويحية وقياس مضمر لردّ قولهم بمعنى أنكم لم تعرفوا منه ذلك ولا سمعتموه منه، وما يأتي به ليس على نهجه ويتوخى بمعنى يقصد، ومبني الشعر ما ذكره ولذا قيل أعذبه أكذبه، ومرادهم من إسناد الشاعرية أنه افترأء وتخيل والشعر يطلق في اللغة على قريب من مصطلح المنطق كما صرح به الراغب فلا يتوهم أنّ ما ذكر اصطلاح المنطقيين كما صرح به بعضهم. قوله: (وما يصح له الشعر الخ) يعني أن ينبغي مطاوع يبغي بمعنى يطلب، والمراد كما قال ابن الحاجب لا يستقيم عقلا كقوله: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [سورة مريم، الآية: 92] لأنه لو كان ممن يقول الشعر والمشاهد خلافه لتطرقت التهمة عقلاَ في أنّ ما جاء به من عند نفسه، ولذا قال ويحق القول الخ لأنه لم يبق إلا العناد الموجب للهلاك فظهر ارتباطه بما قبله وما بعده. قوله: (أنا الن! ئ لا كذب) إشارة إلى أنّ صفة النبوّة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبيّ، والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم وأنا متيقن أنّ الذي وعدني الله من النصر حق فلا يجوز عليّ الفرار والذي صححه أهل السير أنه قاله يوم حنين، وهو على بغلته الشهباء وأبو سفيان بن الحرث آخذ بزمامها، وقول شراح الكشاف إنه قاله بحنين حين نزل ودعا واستنصر مخالف للرواية وقوله هل أنت الخ قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين أصاب إصبعه حجر فدميت في بعض غزواته متمثلاَ به فلا ينافي ما قاله ابن هشام في السيرة من أنّ قائله الوليد بن المغيرة في قصة ذكرها، وقيل لابن رواحة رضي الله عنه وأوّله: يانفس إن لم تقتل قموشي هذاحمام الموت قد صليتي وماتمنيتيه قدأ! يتي أن تفعلي فعلهماهديتي وهذا هو الذي صححه ابن الجوزي ولم يعزه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال إنه تمثل به ولم يثبت أيضاً. قوله: (اتفاقي من غير تكلف وقصد منه) خبر لقوله قوله أي النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودفع لما يرد على قولهم إنه لم يقل الشعر ولا يصح ذلك منه، وقد روي هذا* ونحوه عنه بأن تعريف الشعر لكلام المقفي الموزون على سبيل القصد، وهذا مما اتفق له من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرا في الكلام المنثور ولا يسمى شعراً ولا قائله شاعرا ولا يتوهم أنّ انتسابه إلى جذه دون أبيه يعلم منه قصده لأنّ النسبة للجذ شائعة، ولأنه كان مشهوراً بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبله. قوله: (على أنّ الخليل) ابن أحمد واضع علم العروض ما عد الخ بحور الشعر معروفة، والرجز منها وسمي به لتقارب أجزائه وكثرة تغييراته من ارتجزت الإبل إذا أصابها الرجز وهو داء ترتعش منه، ووزنه مستفعلن ست مرات فإذا حذف من كل مصراع منه جزء مسمى مجزواً فيصير مستفعلن أربع مرات كقوله: ياليتني فيهاجذع أخبّ فيها وأضع إذا كانا مصراعي بيت وان حذف نصفه سمي مشطورا وإن حذف ثلثاه حتى بقي على جزأين سمي منهوكا كقوله: موسى المطر غيث بكر فقوله: " أنا النبي لا كذب " إن كان نصف بيت فهو مجزوّ وان كان بيتا تامّا فهو منهوك، وقوله: " هل أنت إلا إصبع دميت " الخ إن كان كل منهما بيتا فهو مشطور إلا فهو تام وفيه روايات فقيل الرجز كله ليس بشعر، ولذا يسمى قائله راجزا لا شاعراً، وعن الخليل إنّ المشطور منه والمنهوك ليس بشعر فمراد المصنف بالمشطور ما حذف منه شطر فأكثر فيدخل فيه المنهوك لكنه تسمح فيه وفي كون ما ذكر مشطوراً أو منهوكاً ما عرفت فهو غير متعين. قوله: (حرك الباءين) أي من كذب والمطلب وأعربهما فلا يكون موزونا، وكذا غير قوله هل أنت الخ فيخرج عن نمط الشعر، وعود الضمير على القرآن لأنه معلوم من السياق، وهو المناسب لما بعده قيل وعليه فيجوز صدور الشعر عنه وتئ ولا يحتاج إلى توجيه وفيه نظر. قوله: (عظة) فالذكر من التذكير وهو الوعظ، وكتاب سماوي تفسير لقرآن وظاهر الخ تفسير لمبين، وقوله يؤيده الخ لتعين الخطاب للرّسول، وقوله لما فيه من الإعجاز إشارة إلى جواز كون مبين من الإبانة لإظهار إعجازه أنه كلام لله تعالى فتأمّل. قوله: (عاقلاَ فهما) ففيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة، والغافل الثاني بالغين المعجمة، وكذا قوله أو مؤمنا لتشبيه الإيمان بالحياة بقرينة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 مقابلته بالكافرين ويجوز كونه على هذا مجازاً مرسلا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية وفي كلامه إيماء له، وقوله في علم الله توجيه للمضي في كل على الثاني بأنه باعتبار ما في علمه لتحققه، وقيل إنه من مجاز الأول أو المشارفة فأطلق مؤمنا على من سيؤمن، وقيل إن كان فيه بمعنى يكون وقوله وتخصيص أي على الوجهين أو على الثاني، ويحق القول مرّ تحقيقه. فوله: (المصرين على الكفر (فسره به لأنهم هم الذين يجب تعذيبهم بمقتضى الوعيد ويؤخذ من المقابلة على الثاني، وأما الصيغة فلا دلالة لها عليه كما قيل، وقوله إشعار الخ الإشعار من التقابل ويجوز أن يجعل استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى. قوله: (أولم الخ) معطوف على مقدر أي ألم يعلموا بدائع صنعنا لأنه معلوم مما مرّ، وقيل إنه معطوف على قوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} الخ والأوّل للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا بالتذكير بالنعم، وقوله تولينا إحداثه الخ إشارة أنّ عمل الأيدي مجاز عما ذكر كما سنبينه، والحصر المذكور من إقحام الأيدي ودلالة المقام والظاهر إنه استعارة تمثيلية لكن كون ذكر الأيدي والإسناد استعارة تسمح إذ مجموع عملت أيدينا على هذا استعارة وليست الاستعارة من قبيل: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} كما قيل، ويجوز أن يكون من المجاز المتفرع على الكناية بأن يكنى عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع يستعمل لغيره، وأمّا التجوّز في الأيدي وحدها فلا وجه له. قوله: (مبالغة في الاختصاص الخ (لأنّ المجاز أبلغ من الحقيقة، وقوله هذا شيء عملته بيدي يدل على التفرد كما هو معروف في الاستعمال أي لا مدخل لغيري فيه لا خلقاً ولا كسبا، والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية، وبديع خلقها مشاهد وكذا كثرة نفعها فلذا خصت دون غيرها وهذا كقوله أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. قوله: (متملكون الخ) فهو بمعناه المعروف، وإنما قال: بتمليكنا بيانا للواقع ولما به الامتنان أو هو بمعنى التمكن من التصرف فالملك بمعنى القدرة والقهر من ملكت العجين إذا أجدت عجنه ومنه قوله أملك رأس البعير أي أمسكه وأضبطه، وأخره لأنّ قوله وذللناها الخ على هذا يكون تأكيدا. قوله: (أصبحت الخ) هو من قصيدة للربيع بن منيع الفزاري يصف كبره وعلوّ سنه، وقد سئل عن حاله وكان من المعمرين لا لابن هرمة كما في شرح الكتاب وأوّله: أصبح مني الشباب مبتكرا إن يناعني فقدثوى عصرا فارقنا قبل أن نفارقه لمامضى من جماعناوطرا أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا قوله: (مركويهم) فهي فعول وفعولة بمعنى مفعول وليس الثاني جمعاً للأوّل لأنه لم يسمع فعوله في الجمع ولا في أسماء الجموع، وعلى القراءة بالضم فهو مصدرك القعود فيه مضاف مقدر أو مؤوّل بالمفعول أو في قوله فمنها مضاف مقدر وهو منافع، ومن ابتدائية أو تبعيضية لكن المصنف رحمه الله جعلها تبعيضية فتأمّل. قوله: (أي ما يثلون لحمه أليس مراده أنّ الموصوف حذف، وبقيت صلته لأنه ممنوع عند بعض النحاة بل هو بيان للمعنى وأنّ التبعيض قبله باعتبار الجزئيات، وهنا باعتبار الأجزاء، وليس للإشارة إلى أنّ الفعل موضوع موضع المصدر، وهو بمعنى المفعول للفاصلة إذ لا داعي له فإنّ الجملة معطوفة على الجملة قبلها من غير تأويل وإنما غير الأسلوب لأنه عام فيها جميعها، وكثير مستمر بخلاف الركوب وغير.. قوله: (من اللبن) خص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به وجمع لتعدد ألبانها وللإشارة إلى أنها جميعها مشروبة، وهو تفسير لحاصل المعنى لأنه إذا كان موضعا فالمشارب هي نفسها لقوله فيها فإنها مقره، واذا كان مصدراً فهو بمعنى المفعول وتعميم المشارب للزبد والجبن لا يصح إلا بالتغليب أو التجوّز لأنها غير مشروبة، ولا حاجة إليه مع دخولها في المنإفع، وقوله نعم الله مفعوله المقدّر وذلك ما مرّ من التذليل والخلق ونعمة سائر المنافع كما يدل عليه ما بعد.، وقوله بعدما رأوا الخ إشارة إلى أرتباطه بقوله أولم يروا وانّ الاستفهام فيه إنكاريّ فهو في المعنى إثبات للرؤية وعلمهم تفرده بها أي يخلقها لقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان، الآية: 25] وقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 حزبهم بحاء مهملة وزاي معجمة وباء موحدة بمعنى أصابهم ونزل عليهم من الشدائد، وقوله بالعكس أي لا قدرة لهم على النصرة والذت عنهم بل الذالث هم الكفرة، والذلت الدفع وهذا في الدنيا. قوله: (أو محضرون أثرهم في النار) فيكون في الآخرة والواو عاطفة أو حالية وكذا على هذا الوجه إلا أنها تكون حالاً مقدرة وعلى هذا فجعلهم جندا تهكم واستهزاء وكذا لام لهم الدالة على النفع فلا يرد ما ذكر عليه، وفي الكشاف وجه آخر وهو أنهم معدّون محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقوداً للنار، ولا تفكيك فيه للضمائر كما توهم لأنه على كل حال أحد الضميرين للأصنام والآخر للكفرة، وإنما يختلف الترتيب فيها ومثله ليس بتفكيك ولا بأس به، وأمّ كون جند على ما ذكره المصنف باقياً على معناه وتفسيره مختص بمحضرون والمعنى أنهم جند لهم في الدنيا محضرون للنار أثرهم في الآخرة لاختصاص الإحضار بالشرّ فتعسف بعيد. قوله: (فلا يحزنك الخ) الفاء فصيحة أي إذا كان هذا حالهم فلا تحزن بسبب ما قالوه، وبهذا علمت معنى النهي هنا، والتهجين نسبة الهجنة والقباحة، وعلى الوجه الثاني يكون هذا راجعاً إلى قوله وما علمناه الشعر وعلى الأوّل متصل بما قبله ولهذا قدّمه لقربه، وقوله فنجازيهم عليه فعلم الله بسرّهم وعلانيتهم مجاز عن مجازاتهم أو كناية عنه للزومه إذ علم الملك القادر بما جرى من عدوّ. الكافر مقتض لمجازاته، وانتقامه وتقديم السرّ كما مرّ لبيان إحاطة علمه بحيث يستوي السرّ عنده والعلانية، وقيل للإشارة إلى الاهتمام باصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر أو لأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان، وما قدمناه هو المهئم المقدم، وقوله ولذلك أي ولكونه تعليلا للنهي، وقوله لو قرئ إشارة إلى أنه لم يقرأ به ولكنه جواب لمن قال إنه لا تصح القراءة به مع أنه لا فرق بينهما، وقد جوّز فيه كونه مقول القول على الكسر وبدلاً منه على الفتح على أنه من باب الإلهاب والتعريض كقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة يونس، الآية: 105] ولا يخفى بعده فالوقف على قولهم ليس بمتعين كما يقال، ثم إنه فسر يحزنك بيهمنك مؤكداً بالنون كما في أكثر النسخ وفي بعضها بدونها وهي ظاهرة فأما الأولى فوجه تأكيدها مع أنّ المفسر غير مؤكد إمّا الإشارة إلى ما يفيده من المبالغة في الحزن لأنه كناية كما في لا أرينك هنا أو مجاز في الإسناد، وكلاهما مقتض للمبالغة فيه هذا إن قلنا إنّ الهمّ هنا بمعنى الحزن كما في القاموس فإن قلنا الحزن همّ في القلب يظهر أثره على صاحبه يكون أخص منه، وأشد نوعية فتأكيده للإشارة إلى ذلك. قوله: (تسلية ثانية الخ) وأولاهما فلا يحزنك الخ، وما قيل إنّ فيه إشارة إلى أنّ قوله أولم ير الخ معطوف على أولم يروا قبله والجمع ابتناء كل منهما على التعكيس فإنه خلق له ما خلق ليشكر فكفر وجحد النعم والمنعم، وخلقه من نطفة قدرة ليكون منقاداً متذللا فطغى وتكبر وخاصم كما قاله الطيبي وافادة السياق للتهوين ظاهرة فإنك إذا قلت لأحد لا تحزن لقول فلان كذا فإنه يقول كذا أفاد أن مقالتة الثانية أعظم من الأولى، والكلام في كونه أهون لأنه على الوجه الثاني، وهو قوله أوفيك الخ مسلم، وأمّا على الأوّل فلا وكونه ادّعاء لا يفيد هنا فلعله لأنه نسبة للعجز إليه تعالى وتحميق للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشدّ كما أشأر إليه بقوله وفيه تقبيح الخ (بقي) أنه محل بحث لأنّ عطفه على ذلك لا يؤدّي ما ذكر فتأمّل. قوله: (وفيه تقبيح بليغ لإنكاره) أي الحشر حيث عد منكره مخاصماً لربه، وقوله حيث عجب منه التعجب مأخوذ من الاستفهام فإنه يكون له كما في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} بالآية} [سورة البقرة، الآية: 28] وتعقيب إنكاره بالفاء دماذا الفجائية على ما يقتضي خلافه مقوّ للتعجب فلا وجه لجعله إشارة إلى أنّ الفاء للاستبعاد كثم والتعجب لازم له فإنّ الفاء تدلّ على التعقيب فلا تصلح للاستبعاد، وإنما جاء من ثم لكونها موضوعة للتراخي فتدبر. قوله: إ وجعله إفراطاً في الخصومة) هو من صيغة خصيم الدالة على المبالغة وبينا هو معنى مبين على أنه من أبان بمعنى بان، وقوله ومنافاة الخ هو إمّا مرفوع معطوف على تقبيح كما ذهب إليه بعضهم فالمعنى في بيان ما ذكر منافاة كلام الكافر لأجل جحوده القدرة على أهون الأمرين فإنّ تسليم القدرة الإلهية مناف للخصومة المذكورة، وامّا منصوب بالعطف على إفراطا كما قيل فما بعده تعليل له أو للتعجيب والجعل، والأول أحسن لأنه تعالى لم يذكر تلك المنافاة لا صريحاً ولا ضمنا حتى يقال جعله منافاة وانّ كان ما فيه بمنزلة الجعل، وقوله مما علمه أي الإنسان إشارة إلى أنّ رأي علمية وفي نسخة عمله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 بتقديم الميم والأولى أولى، وقوله ومقابلة النعمة يجوز رفعه ونصبه كما في قوله منافاة، وقوله شريفا مكرماً حال من مفعول خلق أو مفعول ثان إن كان بمعنى صير، وبالعقوق متعلق بمقابلة والحديث المذكور رواه البيهقي وبال بمعنى فإن ويفتته بمعنى يكسره. قوله: (نعم ويبعثك ويدخلك النار) ، جعل جوابهءسؤ كقوله تعالى: {قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} [سورة الصافات، الآية: 18] في جواب أئذا متنا وكنا تراباً الآية وهو من الأسلوب الحكيم لأنه تضمن الزيادة كانه قيل له لا كلام في ذلك بل انظر في هذا، وهو على أسلوب قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين كذا قرّره شزاج الكشاف قاطبة وتبعهم أرباب الحواشي هنا، وقصدوا به الرد على قول بعض شرّاح الكشاف كما نقله الطيبي إنه ليس من الأسلوب الحكيم في شيء فإنه أجابه عما سأل مع زيادة والسؤال إمّا جدليّ فلا ينبغي أن يزاد عليه ولا يتقص أو للتعلم فالمسؤول منه كالطبيب يتحرّى ما هو المناسب كما إذا سأل مريض عن أكل الجبن فقال له إشرب ماءه أو من به مرّة صفراء عن شرب العسل فقال له مع النمل وما نحن فيه من قبيل الأخير، وفيه إنه لا يوافق ما قرّر في المعاني فإنهم قالوا إنه العدول عن موجب الخطاب وتلقي السائل بغير ما يترقب سواء كان بالصرف إلى معنى آخر كما في جواب القبعثري، أو بدونه كما في جواب السؤال عن حال الهلال، وهو قريب مما سموه القول بالموجب وعلى كل حال فالزيادة ليست في شيء منه فإن كان اصطلاحا جديداً، فقد ظلم القائل ظلماً شديدا. قوله: (وقيل الخ) الفرق بينه وبين ما مرّ أن خصيم بمعنى مميز قادر على الخصام وإن لم يخاصم ومبين فيه متعد والتعقيب، والمفاجأة ناظر إلى خلقه لا إلى علمه ولا تسلية فيه ولذا مرضه، وان كانت التسلية بما بعده من قوله وضرب الخ، وهذا توطئة له ولذا لم يتعين الأوّل كما قيل. قوله: (أمرا عجيباً الخ) ذكر فيه الزمخشريّ وجهين أحدهما هذا وهو إنّ المراد بالمثل الأمر العجيب وهو إنكار قدرته تعالى على إحياء الموتى فضرب المثل عليه هو قوله من يحيي العظام الخ، وهو مجاز لمشابهته له في الدلالة على أمر بديع، والثاني قوله وتشبيهه الخ أي جعله ضرب مثل لتضمنه التشبيه لأنه إذا وصفه بالعجز فقد جعله مثلا مشابها للخلق في العجز، والمثل لكونه ما شبه مضربه بمورده يتضمن التشبيه فجعل هذا مثلا للمشابهة له إمّا في الدلالة على أمر غريب أو في تضمته تشبيه شيء بشيء، ولما كان تشبيهه بخلقه هو الأمر العجيب جعلهما المصنف وجهاً واحداً فمن ظته اقتصر على أحد الوجهين لأنه المناسب للمقام فقد أخطأ. قوله: (خلقنا إياه) فالمصدر مضاف للمفعول، ونسيانه إمّا حقيقة بأن لم يتذكره أو ترك تذكره لكفره وعناده أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر، وقوله منكراً معنى الاستفهام المراد منه، وقوله ولعله فعيل الخ خالف الزمخشريّ في جعله اسماً جامداً كالرمّة والرفات فلذا لم يؤنث وهو جار على الجمع لأنّ له فعلا وهو رمّ بمعنى بلي كما ذكره أهل اللغة، وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامداً غير ظاهر لكنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء فلم يؤنث كما ذكره المصنف لأنّ فعيلاً بمعنى فاعل لا يستوي فيه المذكر والمؤنث إلا أن يكون بالحمل عليه بمعنى مفعول كما قاله ابن مالك هذا إن كان رمّ لازماً فإن كان متعذيا فهو بمعنى مفعول وتذكيره ظاهر، ورمّه بمعنى أبلاه وأصل معناه ا! ل، كما ذكره الأزهرقي من رمّت الإبل الحشيش فكأنّ ما بلي أكلته الأوض فمن قال الذي في القاموس رمّه بمعنى أصلحه وأحكمه وهو غير مناسب للمقام لم يصب، والحاصل أنهم اختلفوا في وجه تذكيره بأن كان بمعنى مفعول والا فنقول إنه حمل عليه وقال الأزهرفي إنّ عظاماً لكونه بوزن المفرد ككتاب، وقراب عومل معاملته وذكر له شواهد وهو غريب. قوله: (وفيه دليل على أنّ العظم ذو حياة الخ) هذه المسألة مما اختلف فيه الحكماء والفقهاء بناء على أنّ الحياة تستلزم الحس واعظام لا إحساس لها فلا يتألم بقطعها كما يشاهد في القرن، وتألم العظام إنما هو لما يجاورها، وقال ابن زهر في كتاب التيسير اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها إحساس أم لا والذي ظهر لي أنّ لها حساً بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن، والتفت في الحياة غير حلول الروح الحيوأني فيها اهـ، ووينبني على هذا اختلاف الفقهاء في نجاستها وعدمه لكن فيه طريقان لنا أحدهما إنه لا حياة فيها حتى لا تتألم بقطعها والموت زوال الحياة فإذا لم يحلها الموت لم تكن نجسة وهو ما في الهداية فلما ودت عليهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 هذه الآية بحسب الظاهر قيل المراد بالعظام هنا صاحبها بتقدير، أو تجوّز أو المراد بإحيائها ردّها لما كانت عليه غضة وطبة في بدن حيّ حساس، والثاني أنّ نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا وهذا لا يرد عليه شيء إلا أنه غير مسلم عند الشافعيّ، وتمام تفصيله في الفروع، ومن هذا علمت جوابه فيما استدلّ به لكن قيل الدليل في الحقيقة قل يحييها فلو أخره كان أولى، وفيه نظر وفي قوله قل يحييها قياس جليّ. تنبيه: ذكروا أن الشافعيّ قال العظم والشعر تحله الحياة وقال الحنفية لا حياة فيهما واستدل الشافعي بهذه الآية وأجابوا بأنّ معناها يحيى صاحبها أو المراد بإحيائها إعادتها لحالها الأولى وفيها دليل على المعاد، وكان الفارابي يقول وددت لو أنّ أرسطوا وقف على القياس الجليّ في الآية، وهو الله أنشأ العظام وأحياها أوّل مرّة وكل من أنشأ شيئا أوّلاً قادر على إنشائه وإحيائه ثانياً فينتج اًنّ الله قادر على إنشائها واحيائها بقواها، وهذا مما اختصت به هذه السورة وإن قلنا سبب النزول الوارد لا بد من دخوله فكيف يتأتى ما قاله الحنفية قلت لا مانع من دخوله بتأويل إحيائها بإعادتها لحالها الأولى فتدبر. قوله: (فإنّ قدرته الخ كما كانت) خبر أن وتذكير ضمير القدرة في قوله لامتناع التغير فيه لتأويله بالمذكور، وامتناعه لأنها صفة ذاتية قديمة، وقبول المادّة لتاثير القدرة فيها لازم لها لأنه لإمكانها وهو لا ينفك عنها أيضا، وقوله بعلمه ردّ على المعتزلة في قولهم إنه عالم بذاته لا بصفة زائدد عليها، وقوله أصولها وفصولها ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة، وهو معنى زوائدها والظاهر أنه بالمهملة والمعنى هو ما ذكره أيضاً قال في المصباح يقال للنسب أصول وفصول فالفصول هي الفروع المتفرّعة عليها، وأمّا قولهم ما له أصل ولا فصل فهو بمعنى حسب ونسب كما في المجمل، ومواقعها محال وقوعها وطريق تمييزها إذا اختلطت بغيرها وقوله أو إحداث مثلها بناء على أنّ المعدوم لا يمكن إعادته بعينه، والإعراض والقوى هي ما به تشخصه وتنوّعه. قوله: (كالمرخ والعفار) المرخ بالراء المهملة والخاء المعجمة، والعفار بالعين والراء المهملتين يتخذ منها الزند الأعلى والزندة السفلى بمنزلة الذكر والأنثى على ما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري المرخ ذكر والعفار أنثى واللفظ مساعد له وقد عكسه الجوهري لكنه يقبل ما تفرّد به إلا أنّ قوله: إذ المرخ لم يور تحت العفاز البيت يؤيده وفي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ، والعفار ضرب للفاضل يفضل على غيره وعن ابن عباس في كل شجر نار إلا العناب ولذا يتخذ منه مدق القصارين وفيه أقول: أيا شجر العناب نارك أو قدت بقلبي وما العناب من شجر النار ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار والكاف إشارة إلى عدم انحصاره فيهما لكنهما أسرع وريا ولذا خصا بالتمثيل. قوله: (لا تشكون في أنها نار تخرج منه (يشير به إلى أنه محقق لما قبله مؤكد له ولولاه لم يكن لذكره فائدة فاندفع ما قيل ليس في ذكره كثير نفع مع عدم دلالة اللفظ عليه، ومضاذة الكيفية لأنّ الماء بارد رطب والنار حارة يابسة. قوله: (على المعنى (يعني أنه أنث رعاية لمعناه لأنه في معنى الأشجار والجمع يؤنث صفته، وهو اسم جنس جمعيّ في معناه فيجوز تأنيثه كنخل خاوية، وقيل لأنه في معنهى الشجرة كما أنث ضميره في قوله: {مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [سورة الواقعة، الآية: 53] الخ. قوله: (في الصغر والحقارة (لما كان المعنى قادر على إعادتهم كما هو قادر على خلقهم والمثلية ليست دالة على ذلك أوّلوه بوجهين الأوّل أنّ المراد بها هؤلاء الأجسام الصغيرة الحقيرة إمّا على أنّ المراد بمثلهم هم، وأمثالهم أو هم على طريق الكناية في نحو مثلك يفعل كذا وهذا هو الوجه، ولذا قدمه والثاني ما أشار إليه في قوله أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وفي الكشاف، أو أن يعيدهم لأنّ المعاد مثل المبتدأ وليس به وأورد عليه أنه خلاف المذهب الحق ورد بأنه لا خلاف بين المسلمين في إعادة الأجساد وأق المعاد عين المبتدأ ولولاه لم يكن الثواب والعقاب لمستحقه سواء كان معدوما أعيد بعينه، أو متفزقا جمع بعينه على المذهبين وهؤلاء أجل من أن يخفى عليهم مثله فمراده أن إيجاد المعاد وخلقه ثانيا مثل الجاده، وخلقه أوّلاً وليس إيجاده في الآخرة عبن إيجاده في الدنيا، وهذا ما عناه المصنف أو هو متحد معه ويكفي في الاتحاد اتحاد الأصول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 والصفات دون بعض العوارض الذي باعتباره كانت المماثلة المقتضية للمغايرة في الجملة، ولذا (ورد أهل الجنة جرد مرد () وضرس الكافر كاحد (وفيه نظر وأمّا عود ضمير مثلهم للسموات والأرض لشمولهما لمن فيهما من العقلاء فلذا كان بضمير العقلاء تغليبا والمقصود به دفع قدم العالم المقتضى لعدم إمكان إعادته فمع تكلفه ومخالفته للظاهر يأباه أنّ الكلام مع المشركين، وهم لا يعرفون مثله حتى يوردوه ويحتاج إلى دفعه لقولهم بحدوثه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان، الآية: 25] وما صح عدمه في وقت صح دائما وقوله وعن يعقوب أي في رواية عنه أنه قرأ بدل قوله بقادر يقدر فعلا مضارعا مرفوعاً بفتح الياء وسكون القاف كما ذكره في النشر. قوله: (لتقرير ما بعد النفي) وهو خلقه وقدرته، وقوله مشعر بأنه لا جوأب سواه لأنّ الجواب هنا منحصر في الإثبات والنفي وبلى لنقض النفي المقرون بالاستفهام وابطاله فتعين الآخر، وقوله كثير المخلوقات الخ من صيغتي المبالغة واذا كان كذلك فلا شبهة في قدرته على الإعادة، وقوله شأنه إشارة إلى أنّ الأمر واحد الأمور، والمراد به شأنه الخاص في الإيجاد، وقد جوّز فيه إرادة الأمر القولي فيوافق قوله إنما قولنا لشيء فيراد به القول النافذ، وقوله تكوّن فهو من كان التامّة وهذا على ما ستسمعه وقوله فهو يكون إشارة إلى أنه مرفوع لا منصوب في جواب الأمر ولا بالعطف. قوله: (وهو تمثيل لتأثير قدرته الخ) يعني قوله كن فيكون استعارة تمثيلية والممثل الشيء المكوّن بسرعة من غير عمل واكة والممثل به أمر الآمر المطاع لمأمور مطيع على الفور، وهذا اللفظ مستعار لذلك منه فقوله في حصول متعلق بتمثيل وقطعا علة له، وقوله من غير امتناع أي من جانب المأمور، وافتقار أي من جانب الآمر وضمير هو للشبهة وهو في الحقيقة مادّتها وأصلها وذكره رعاية للخبر وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة بأن يراد تعلق الكلام النفسيّ بالشيء الحادث على أنّ كيفية الخلق على هذا الوجه، واذا أريد بالأمر القول يكون هذا أظهر فيه وان احتمل التمثيل أيضاً. قوله: (عطفاً على يقول) وقد جوّز في سورة النحل كونه جوإبا للأمر، وقد فصلناه ثمة وذكرنا ما له وما عليه والفاء في قوله فسبحان جزائية أو سببية لأنّ ما قبله سبب لتنزيه الله سبحانه. قوله: (مالك الملك) فسر الملكوت بالملك لأنه صيغة مبالغة منه فهو الملك التامّ، وقد فسر في محل آخر بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر لاختصاص التصرف فيه به من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة، والتصرّف معنى قوله بيده وما ضربوا له الخ إشارة إلى قوله وضرب لنا مثلا، وقوله وتعجيب إما معنى آخر أو هما مرادان بناء على مذهبه في الجمع بين الحقيقة والمجاز والتعليل من التعليق به وجعله صلة، والقدرة من تصرّفه في كل شيء. قوله: (للمقرّين والمنكرين الف ونشر مرتب وقد قيل إنه وعيد بناء على أن الخطاب للمشركين كما مرّ توبيخاً لهم، ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وقد ذكرها صاحب النشر، وقوله بهذه الآية أي قوله فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء الخ لأنها فذلكة شاملة لأمور المبدأ والمعاد، ولذا سن قراءتها عند المحتضر وعلى الموتى. قوله: (1 نّ لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس الخ) هذا الحديث رواه الترمذفي عن أنس رضي الله عنه، وفيه كتبت له قراءة القرآن عشر مزات، وعن الغزاليّ أنّ المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرّر فيها على أبلغ وجه وأحسنه فلذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه، وقيل المراد بالقلب اللب المقصود لمن له لب فإنّ ما سواه مقدمات أو متممات والمقصود من إرسال الرسل! انزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد وذلك بالتحقق والتخلق بما عبر عنه بالصراط المستقيم كما مرّ في الفاتحة وقد استحسن ما قاله حجة الإسلام الإمام الرازي: ولا يرد عليه سواء أريد بالصحة الثبوت أو ما يقابل البطلان والفساد أو ما يقابل المرض والسقم إنّ كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر، والنشر بذلك كما قيل لما أفاده ذلك القيل من تميزه على ما سواه الموجب لفضله والمقتضى لتخصيصه من غير تكلف أنه ما يقابل السقم ومن صح إيمانه بالشحر خاف العقاب فارتدع عن المعاصي التي بها يضعف الإيمان فيكون كالمريض، وكذا كون وجه الشبه أنّ به صلاح البدن وهو غير مشاهد في الحس وله تكشف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 الحقائق وكذا الحشر من المغيبات التي بها ال ص لاح والسداد، وفيها تنكشف الأمور للعباد. قوله: (اثنتين وعشرين مرّة الخ) قد عرفت أنه مخالف لرواية الترمذيّ عشر مرّات فإن قلت يلزم من هذا تفضيل الشيء على نفسه لأن يس من جملة القرآن قلت ليس هذا بلازم إذ يكفي في صحته التغاير الاعتباري فإن يس من حيث تلاوتها فردة غير كونها مقرونة في جملته كما إذا قلت الحسناء في الحلة الحمراء أحسن منها في البيضاء وقد يكون للشيء مفردا ما ليس له مجموعا مع غيره كما يشاهد في بعض الأدوية، ألا ترى آيات الحفظ جرّبت خاصيتها إذا كتبت مفردة دون ما إذا كانت في المصحف، وقد قيل لبعض الملاحدة إنها تمنع سرقة المتاع فقال قد سرق المصحف وهي فيه، وليس من أجل شخصاً وأكرمه على انفراده كمن كرمه مع قرنائه وأنداده ولعل هذا أقرب مما قيل المراد القراءة بالتدبر وبدونه، أو المراد بقراءة القرآن قراءته دون يس، وقول بعض المشايخ اللازم حصول الأجر بلا تناه لقارئها ولا محذور فيه مما لا مآل له فتأمّل. قوله: (يصلون عليه) أي يدعون له ويصلون عليه الثاني من الصلاة على الميت تمت السووة، اللهمّ إني أسألك ببركة سورة يس أن تجعلنا من جوارك وحفظك في حصن حصين، وأن تصلي وتسلم على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين. سورة الصافات بسم الله الرحمن الرحبم لم يختلفوا في كونها مكية ولا في عدد آياتها والثاني غير مسلم لأنّ الداني نقل فيها خلافا! ض من قال إحدى ومنهم من قال اثنتان وثمانون آية. قوله:) أقسم بالملافكة الصافين (يعني أنّ الواو للقسم والمقسم به جماعة كان حقه أن يجمع جمع المذكر السالم فتأنيثه إمّا على أنه جمع صافة أي طائفة، أو جماعة صافة فيكون في المعنى جمع الجمع أو على تأنيث مفرد باعتبار أنه ذات ونفس، والمراد بالصافات الملائكة لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك، وصفا وزجرا مصدر مؤكد وكذا ذكرا ويجوز فيه كونه مفعولاً به، وقوله على مراتب يعني تقدم بعض صفوفهم على بعض باعتبار تقدم الرتبة ولقرب من حظيرة القدس، وأما التفسير بأن منهم قياماً ومنهم ركوعاً ومنهم سجوداً فلا دلالة في اللفظ عليه، ومنتظرين حال من ضمير الصافين وهذا لبيان الواقع في حكم اصطفافهم لا من مدلولط النظم. قوله:) الزاجرين الإجرام الخ) الزجر يكون بمعنى السوق والحث، ويكون بمعنى المنع والنهي والى الأوّل أشار بما ذكر هنا ومعنى سوقها تسخيرها وتدبيرها لما خلقت له كإدارة حق الأفلاك وطلوع الأفلاك وغروبها واجراء المياه الأرضية، واخراج النبات وارسال السحب وهو المشار إليه بقوله فالمدبرات أمراً، وقوله أو الناس هو على الثاني ولا جمع فيه بين معني المشترك كما توهم إلا أن يكون في نسخة عطفه بالواو، والإجرام وما عطف عليه هو مفعوله المقدّر ولم يتعرّض لمفعول القول الأوّل وظاهره أنه لا مفعول له لتنزيله منزلة اللازم كما قيل، وقد رد بأن التقدير في أحدهما دون الآخر غير مناسب لاتساق النظام وهو مقدر أيضاً أي الصافات أنفسها، ولم يصرّح به لظهور. وصرّح به في الثاني لتكثير الوجوه المحتملة فيه دون ما قبله وفيه نظر لأنه ليس في كلامه ما يشعر بما ذكر مع أنّ احتمال الوجوه جار في الأوّل أيضا كما في الكشاف بأن يقدر أقدامها في الصلاة أو أجنحتها في الهواء فلعله مال إلى ما ذهب إليه أبو البقاء فإنه كثيراً ما يتبعه من أنّ صفا مفعول به فهو مفرد أريد به الجمع أي الصافات صفوفها فتدبر. قوله: (أو الشياطين) الظاهر عطفه بالواو لأنّ من الملائكة من يفعل هذا، ومنهم من يفعل الآخر وقوله التالين آيات الله صفة بعد صفة إشارة إلى أنّ ذكرا بمعنى المذكور المتلوّ وهو مفعول الذاكرات، ويحتمل أن يريد بيان مفعوله المقدر وذكرا مصدر مؤكد ليبهون على نسق واحد، وجلايا قدسه بالجيم جمع جلية بمعنى مجلوّة أو ظاهرة وفسرت بالدلائل أو بالمعارف التي لا تكتم عن خواص خلقه، أو بصفاته المقدسة التي يتحلى بها والثاني أقربها، وقوله على أنبيائه إشارة إلى أنه من التلاوة على الغير لأنه المناسب لذكره عقب الزاجرات ولو قصد ما يكملها في نفسها قن! م عليه. قوله: (أو بطوائف الإجرام المترتبة الخ) معطوفة على قوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 بالملائكة وهو تفسير ثان يعني أنّ المراد بالصافات الأفلاك وصفها قصدها مرصوصة بعضها فوق بعض ولا معنى لإدخال طبقات العناصر في كلامه هنا كما توهم، والزاجرات الأرواح الفلكية على مذهب الحكماء في إثبات أرواح ونفوس لها، وهو ما عبر عنه في لسان الشريعة بالملائكة، وزجرها بالمعنى الأوّل هو سوقها وتدبيرها ومن الناس من لم يعرفه فقوله طوائف الأجرام تفسير للصافات، وقوله الأرواح الخ تفسير للتاليات والمراد بها الملائكة لأنها عندهم جواهر بسيطة ذات حياة ونطق يعني ملائكة عرشه والكروبيون المقرّبون الملازمون للتسبيح، والتقديس فلذا وصفت بالتاليات. قوله: (أو بنفوس العلماء) وجه ثالث فالصافات نفوسهم، وذواتهم المصطفة في عبادة ربهم والزجر لغيرهم عن الكفر والمعاصي وتلاوتهم لآياته وشرائعه، وقوله أو بنفوس الغزاة جمع غاز وهو الوجه الرابع فصفوفهم في الحرب وزجرهم إمّا سوقهم للخيل وركضها أو منعهم وكفهم العدوّ، وتلاوتهم ذكر الله تعالى في وقت القتال كما كان دأب الخلفاء والصحابة رضي الله عنهم فإنهم لا يشغلهم شيء عن ذكر الله ومبارزة العدوّ ومقابلته، ومعارضته في الكرّ والفرّ. قوله: (والعطف لاختلاف الذوات الخ) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الصفات المعطوفة بالفاء فيها ثلاث احتمالات الأوّل أن تدل على ترتب معانيها الوضعية في الوجود إذا كانت الذات فيها واحدة كقول ابن زيابة الحماسي: يا لهف زيابة للحرث الصابح فالغانم فالآيب وقد تقدم شرحه وما فيه يعني الذي صبح فغنم فآب أي رجع وهذا على أنّ المراد بها ذوات متحدة لكن صفها وجد أوّلاً لأنه كما لها في نفسها، ثم وجد بعده الزجر للغير لأنه تكميل للغير يستعد به وهو واقع بعده ثم إفاضة الغير عليها بعد الاستعداد الثاني، وهو مع الاتحاد أيضاً أن تدل على تفاوت الصفات في الرتب ترقياً وتدلياً كخذ الأفضل فاكمل فالأعلى، والثالث وهو مع التعدّد هو أن يكون لتفاوت موصوفاتها في الرتبة نحو رحم الله المحلقين فالمقصرين، وما جعله الزمخشريّ ثلاثة أقسام جعله المصنف قسمين، وقد قال شراح الكشاف إنّ القسمة رباعية لأنّ الترتيب إمّا بين الصفات أو بين الموصوفات وكل منهما إمّا بحسب الوجود أو الرتبة فالترتيب بين الصفات بحسب الوجود كما في البيت وبينها بحسب الرتبة نحو أتنم العقل فيك إذا كنت كهلا فشاباً وفي الموصوفات بحسب الوجود نحو وقفت كذا على بني بطنا فبطنا وفي الرتبة رحم الله المحلقين فالمقصرين، ووجهه في الكشف بأنّ المراد من قول الزمخشري ترتب موصوفاتها في ذلك التفاوت من بعض الوجوه إذ لا تدل على ترتب الموصوفات في الوجود البتة، ثم أنه يكون حقيقية في نحو رحم الله المحلقين الخ إذا أريد الترتب في الرحمة ومجازاً إن أريد الترتب في الفضل وكلاهما داخل في الدلالة على ترتب الموصوفات في التفاوت من بعض الوجوه، وأما دلالتها على ترتب الصفات في غير الوجود فمجاز البتة ومته ظهر أنّ القسمة مثلثة، 1 كل وكأنه يعني أنّ مدلولها الترتب الخارجي بين الصفات أو الموصوفات، وهو إمّا من حيث وجود ذواتها أو من حيث تلبسها بالعامل، وأما الترتب الرتبي وهو الثالث فمعنى مجازيّ لها اعتباري وبشرف الصفة وضده يكون الموصوف كدّلك وعكسه فليس بينهما فرق معتبر فلذا كانت مثلثة وحينئذ تظهر التثنية أيضاً فافهم وتدبر. قوله: (لاختلاف الذوات) أي في الثاني، وهو محتمل في غيره أيضاً ولا تعيين فيه حتى يقال الأظهر أنّ الفاء للترتيب الرتبي كما قيل وهذا توجيه لا يثار الفاء على الواو وقوله فانّ المصنف الخ هذا لا يقتضي الترتب الوجودي إلا بتكلف مع أنه لا يناسب الثاني، وتأخر التلاوة لأنها تحلية وما قبلها تخلية. قوله: (أو الإساقة) يقال أساقه إساقة إذا جعله سائقا كما أثبته أهل اللغة، وقوله غير أنه الخ كون ما في المثال الذي ظنه حديثاً الفضل للمتقدم ظاهر لأنّ حلق المحرم أفضل من تقصير. فيكون من قبيل التنزل، وأما كون ما في النظم على العكس ففيه نظر لأنه جعله في الكشاف وشروحه محتملا لهما من غير ترجيح فتأمّل. قوله: (أو الرتبة) عطف على الوجود، وليس المراد الشرف لأنه يكون ترقيا وعكسه كما سيشير إليه ومن قال الظاهر أن يقول الشرف فقد غفل عما أراد ولا يضرّ كون المثال منه فلا حاجة إلى تكلف أنه المراد لما بينهما من الملازمة. قوله: (رحم الله المحلقين الخ) في الكشاف، وقولك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 رحم الله الخ وأصاب إذ لم يجعله حديثاً فانّ الحديث كما في الصحيحين وغيرهما إنه صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصربن " وهو عطف تلقين بالواو ولا شاهد فيه فاعتراض الطيبي رحمه الله لا يرد عليه لكنه وارد على المصنف. قوله: (على ما هو المألوف الخ) من تثيد ما يهتم به بتقديم القسم ونحوه، وهو دفع لما مرّ من أنه كلام مع منكر مكذب فلا فائدة في القسم، ثم أشار إلى أنّ عدم فائدة القسم إنما تكون إذا لم يذكر برهانه وما يحققه، وهو قد ذكر بقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الخ وأما ما قيل من أنّ الصانع ووحدته قد تثبت بالدليل النقلي بعد ثبوت ذلك بالعقل ففائدة القسم ظاهرة هنا فغير تام هنا لأنّ الكلام مع من لا يعترف بالتوحيد. قوله: (فإنّ وجودها الخ) قد مرّ من المصنف مثله في سورة البقرة ويرد عليه أنه مبني على وجوب الأصلح كقوله في الإحياء ليس في الإمكان أبدع مما كان، وقد شنع عليه كثيرون فيه بأنه مخالف للمذهب الحق من أنّ قدرته تعالى لا تتناهى، وأنه قادر على أن يوجد عالما آخر أحسن وأكمل من هذا العالم وقد صنف فيه عدة رسائل، والجواب عنه ما قاله الآمدي في كتابه غاية المرام في علم الكلام إنّ ما علم الله سبحانه وتعالى إنه لا يكون منه ما هو ممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين ومنه ما هو ممتنع متعلق علم الله بعدم وجود مع إمكانه في ذاته والقدرة من حيث هي قدرة تتعلق به، ولا معنى لكونه مقدوراً غير هذا فيطلق عليه مقدور وممكن بهذا الاعتبار فإن أطلق عليه أنه غير مقدوراً وممكن لأمر خارج وهو مخالفة علمه تعالى فلا محذور فيه، ولذا قيل: وليس في ليس في الإمكان ما فهموا وإنما هو في التحقيق تخييل وفي كلام المصنف إشارة إليه 0 قوله: (مع إمكان غيره) قد عرفت أنه لا بدّ من هذا ليوافق المذهب الحق فما قيل إنه لا حاجة إليه إذ يكفي إمكان نفسه إنما الحاجة إليه في إثبات صفة الإرادة غفلة مع أنه ردّ بأنه لا بد منه في إثبات التوحيد فإنّ هذا الوجه ا! مل إذا كان واجباً لا ينتهض ما ذكره المتكلمون في برهان التمانع لإثباته دليلا عليه إذ يقال المانع من تعلق قدرة الآخر، وارادته بغير هذا الوجه هو عدم إمكانه. قوله: (دليل على وجود الصانع) ذكره توطئة لقوله وحدته إذ التوحد مستلزم للوجود فلا وجه لما قيل من أته لا وجه لذكره إذ ليس الكلام فيه لقوله لواحد. قوله: (ورث بدل من واحد) فهو المقصود إلى أنه هو الرب الذي لا يشاركه غيره، واذا كان خبر محذوف فهو مرفوع على المدح. قوله:) فيدل على أنها من خلقه (ردّ على المعتزلة في خلق أفعال العباد قيل ووجها لدلالة خفي إذ لا يلزم من التربية الخلق وهو غير موجه لأنّ الرب كما يكون بمعنى المربي والسيد والمالك يكون بمعنى الخالق، واضافته للسموات تعينه وهو المراد فتأمّل. قوله: (مشارق الكواكب) هو المناسب لقوله إنا زينا الخ وقوله وهي ثلثمائة وستون هو بتنزيل الأكثر منزلة الكل وعدم اعتبار الكسور إذ السنة الشمسية تزيد على ذلك بنحو ستة، وقوله ولذلك اكتفى الخ هو جار على تفسيره بالكواكب أيضاً وفي قوله زينا إشارة إليه فلا يتوهم أنّ الاكتفاء يحصل بالعكس، وهو الاقتصار على المغارب كما أشار إليه بقوله مع أنّ الشروق الخ، وما قيل عليه إنه حينئذ تتمة لما قبله لأنه لا يتم بدونه لا وجه مستقل وأسلوب التحرير يأباه وقوله وبحسبها الدال على أصالتها يكفي وجها لعدم العكس فالوجه إنه جواب آخر مستقل كما فعله الإمام لأنّ الشروق لدلالته على أتم قدرة وأبلغ نعمة ينبغي الاكتفاء به غير متجه لأنّ مجرّد هذه الدلالة بدون الاستلزام غير كافية فجعل المجموع، وجا واحداً أتم والإباء المذكور ممنوع، قال الإمام: ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالشروق حيث قال فإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فتأمّل. قوله: (وما قيل الخ) فيكون على النصف من الأوّل فإنّ مشارقها من رأس السرطان إلى رأس الجدي متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان بعد الاعتدالين فإن اعتبر ما كانت عليه وما عادت إليه واحداً كانت مائة وثمانين، وان نظر إلى تغايرهما كانت ثلثمائة وستين فأوقاتها من أوّل الصيف إلى أوّل الشتاء، ثم من أوّل الشتاء إلى أوّل الصيف فلك أن تنظر إلى الاتحاد والتغاير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 بالانتقال والعود. قوله: (القربى منكم) إشارة إلى أن الدنيا هنا مؤنث أدنى بمعنى أقرب أفعل تفضيل ومنكم صلته التي يتعدى بها فعله لأنه يقال قرب منه لا من الداخلة على المفضل عليه حتى يرد عليه أنّ النحاة منعوا من اجتماع الألف، واللام ومن فلا يقال الأفضل من زيد مثلا. قوله: (والإضافة للبيان) على معنى من لأنّ الزينة ما يزين به، وقوله على إبدالها أي بدل كل أو هو عطف بيان وتذكير ضمير الزينة لتأويلها باللفظ أو ما يتزين به، وقوله أو بزينة هي لها إذا فسرت الزينة بالأضواء لتغايرهما فالإضافة لامية، كما أشار إليه بقوله لها وهذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله وأوضاعها تفسير آخر للزينة على كون الإضافة لامية والمراد بها نسبة بعض الكواكب إلى بعض أو نسبة بعض أجزائها لبعض كالثريا. قوله: (اسماً (جامدا كالليقة بلام مكسورة من لاق بمعنى التصق، وهو ما يجعل في الدواة من حرير ونحوه من الهخيوط المانعة لغوص القلم في الحبر وهي اسم جامد. قوله: (والنصسب على الأصل) وهو تهنوين المصدر وأعماله وجوّز أبو حيان كون الكواكب على النصب بدلاً من السماء بدل اشتمال، ولا ينافيه كونه بلا ضمير كما هو في يدل البعض والاشتمال لأنه قد يستغني عنه إذا ظهر اتصال أحدهما بالآخر كما قررو. في قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّار} [سورة البروج، الآية: 4] أو يقال اللام بدل منه ويجوز كونه بدلاً من محل الجاز والمجرور أو المجرور وحده على القولين أو بتقدير أعنى فإن قلت إنّ ابن مالك اشترط في إعمال المصدر أن لا يبهون محدوداً، وقال في شرحه المحدود ما فيه تاء الوحدة كالضربة ولم يحك فيه خلافا قلت ليس هذا منه فإنه وضع مع التاء كالكتابة، والإصابة وليس كل تاء في المصدر للوحدة، وأيضاً ليست هذه الصيغة صيغة الوحدة. قوله: (إن تحقق لم يقدح الخ) إشارة إلى أنه غير مقطوع به لا سيما عند أهل الشرع مع أنّ بعض علماء الهيئة شكك في تعين ما دلت عليه الأرصاد من أفلاكها وان كان قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 33] يدل على اختلاف مراكزها في الجملة، وقوله فإن الخ توجيه على تسليم ما ذكر بأنه يكفي لصحة كونها مزينة بها كونها كذلك في رأى العين وقوله كجواهر الخ إشارة إلى قوله: وكان إجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق فوجه تقييد السماء بالدنيا لأنها ترى عليها فلا يرد أنه لا تمايز بين الدنيا والعليا في ذلك كما توهم. قوله: (بإضمار فعله) فهو مفعول مطلق لفعل معطوف على زينا أي وحفظناها حفظاً، وقوله باعتبار المعنى لأنه معنى مفعول له والعطف على المعنى غير عطف التوهم والعطف على الموضع، وقوله بمري الشهب متعلق بحفظا وفيه إشارة إلى أنّ الكواكب يدخل فيها الشهب بطريق التغليب، وان كانت مغايرة لها كما سيأتي. قوله: (كلام مبتد " أي مستأنف اسمثنافاً نحو يا من غير تقدير سؤال لأنه لو قدر كان المتبادر أن يؤخذ من فحوى ما قبله فتقديره حينئذ لم يحفظ فيعود المحذور كما ذكره الزمخشري، ويجوز أن يكون أيضاً بيانيا في جواب فما حالهم بعد الحفظ، وأن يكون السؤال عما يكون عند الحفظ وعن كيفية الحفظ فقوله لا كيمعون جواب عن الأوّل أي يتمكنون من السماع ويقذفون جواب عن الثاني كما في بعض شروح الكشاف، وليس في كلامه ردّ على الزمخشري إذ منع تقدير السؤال مطلقاً كما تكلفه بعضهم فإنه يعيبه عبارة الزمخشري فلو صح إرادة المصنف رحمه الله ما ذكر لكان في كلام الزمخشري إشارة لجوازه لكن الحق أنّ الاستئناف لا مانع منه بأن يقدر ما ذكر ونحوه كما اتفق عليه شراح الكشاف، وقوله فمانه يقتضي الخ أي لا يصح الوصفية لأنه لا معنى للحفظ ممن لا يسمع فيفسد على تقديره الكلام مع إيهامه عدم الحفعل ممن عداهم، وما قيل من أنه لا محذور فيه لأنّ المراد حفظهم ممن لا يسمع بسبب هذا الحفظ فغايته أنه يصيرك {أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} [سورة المؤمنون، الآية: 44] {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} [سورة النحل، الآية: 12] قد ردّ بأنه تعسف لأنك لو قلت اضرب الرجل المضروب وأردت كونه مضروباً بهذا الضرب المأمور به لا يضرب آخر قبله رشقت بسهام الملام لخروجك عن سنن الكلام، لكنه قيل إنّ المعنى لا يتمكنون من السماع مع الإصغاء أو لا يتمكنون من التسمع مبالغة في نفي السماع كأنهم مع مبالغتهم في الطلب لا يمكنهم ذلك ولا بد من ذلك جعل، وصفاً له أو لا جمعاً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 بين القراءتين وتوفية لحق الإصغاء المدلول عليه بإلى وحينئذ يكون الوصف شديد الطباق وأولى من قطع ما ليس بمنقطع معنى، وهو كلام دقيق جدّاً به يصح ما منعوه وحاصله أنة ليس المنفي هنا السماع المطلق حتى يلزم ما ظنوه لأنه لما تعدّى بمالى وتضمن معنى الإصغاء صار المعنى حفظناها من شياطين لا تنصت لما فيها إنصاتاً تامّاً تضبط به ما تقوله الملائكة، وما-له حفظناها من شياطين مسترقة للسمع، وقوله إلا من خطف الخ بناء على صحته فلله درّه في بعد مغزاه، واصابة مرماه ومن لم يقف على مراد. قال ما قال وماذا بعد الحق إلا الضلال، وكون الأوصاف قبل العلم بها إخباراً غير مطرد كما مرّ ولا لزوم له هنا فتدبر. قوله: (ولا علة للحفظ الخ) إهدارها هو إبطال عملها النصب كما في أحضر الوغى على روايته مرفوعا وفيه رواية أخرى بالنصب ولا شاهد فيها، وهو صدر بيت عجزه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي وهو من المعلقة المشهورة يخاطب من زجره ولامه في حضور الحرب خوف الهلاك، وعن التلذذ والتهتك في الملاذ ويقول هل تضمن ليس الخلود فإن مت لا خلود له يغتنم الفرص ولا يخاف الذي هو لا بد ملاقيه، والوغى بالمعجمة الحرب والقتال وقوله فإن اجتماع ذلك الخ أي حذف اللام وأن ورفع الفعل، لان كان كل منهما واقعاً في كلام الله وغيره أمّا اجتماعها فلا لأنه كم من حمل يقدر على حمل بعضه دون كله، وعدل عن قول الزمخشري كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده فإمّا اجتماعهما فمنكر لأنه اعترض عليه بأن مدّهب الكوفيين تجويز هذين الحذفين قياساً كما قدروه في قوله: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [سورة النساء، الآية: 176] لئلا تضلوا وقال بعض شراحه إنه ليس بجائز عنده بل يقدر في مثله كراهة ان تضلوا ونية شيء وكذا ما قيل إنه مراد الزمخشري لأنّ هذين الحذفين باسم الإشارة يقتضي حذفين مخصوصين وهو ما كان مع الإهدار مع أنه لا يلزم من تجويز الكوفيين حذف اللام ولا جواز حذف اللام، وان وعلى كل حال فكلام المصنف رحمه الله أولى. توله: (وتعدية السماع إلى الخ) سمع له استعمالات فيتعدى إلى غير المسموع بنفسه كسمعت زيداً يتحدث، وقد مرّ الكلام عليه وبالباء نحو قوله: عمرك الفه هل سمعت براع ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب ويتعدى بإلى للمسموع كسمعت إلى حديثه والى غيره كسمعت إليه يتحدث، وهو يفيد الإصغاء مع الإدراك كما في الكشاف والظاهر أنه تضمين ويحتمل التجوّز أيضا والمصنف رحمه الله اختار الأول ووجه المبالغة أنه يلزم من نفي الإصغاء نفيه بالطريق الأولى، والتهويل لأنهم إذا كانوا مع إصغائهم لا يسمعون يدل على مانع عظيم، ودهثة تذهلهم عن الإدراك، وأمّا ما قيل من أنه عدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء أي لا ينتهون بالسمع أو التسمع إلى الملأ الأعلى لتضمنه معنى الإصغاء لعدم لزوم انتفاء السمع أو التسمع إذ لا يلزم من انتفاء المجموع انتفاء كل جزء منه فالمبالغة فيه، وهم فهو غفلة لأنه إذا انتفى المجموع فأمّا بجزأيه وهو أبلغ أو جزؤه الثاني فهو المطلوب، أو الأوّل لزم منه انتفاء الثاني لأنّ من لا يصغي كيف يسمع فهو كقوله: ولا ترى الضب بها ينحجر فلا وجه لما قيل إنه من نفي القيد والمقيد وأمّا ما دل عليه كلام المصنف رحمه الله من انّ تعدية التسمع بإلى على التضمين أيضا ففيه نظر لما سيأتي مع أنّ الظاهر أنه لا يخالف ثلاثيه! التعدية فمتعه مكابرة والاستعمال لا يقتضي كون حقيقة فتدبر. قوله: (ويدل عليه الخ (لأن التسمع طلب السماع على ما تدل عليه صيغة التفعل كتحكم، وتجرأ إذا طلب ذلك بتكلف أو كدونه فهو يدل على أنّ القراءة الأخرى موافقة لها معنى وطلب السماع يكون بالإصغاء فهي كل افقها وان لم يقل بالتضمين واذا انتفى تطلب السماع انتفى هو بالطريق الأولى لأنه مبدؤه غالبا لأن قلت كيف هذا، وتطلبهم واقع حتى قيل إنه ترك بعضهم بعضا لذلك قلت هو إما ادّعاء للمبالغة في نفي سماعهم، أو هو بعد وصولهم إلى السماء لخوفهم من الرجم حتى يدهشوا عن طلب السماع فضلاً عنه فاندفع ما قيل إنّ قول ابن عباس رضي الله عنهما يتسمعون فلا يسمعون كئمر القراءة بالتخفيف فتدبر. قوله: (الملأ الأعلى (لأنهم في الس! ء والملأ الأسفل الإنس والجن، وقد نقل عن ابن عباس تفسيره بالكتبة وإشراف الناس فالعلو معنوي. قوله: (من جوانب السماء (ليس المراد أن كل واحد يرمى من جميع الجوانب بلهو على التوزيع أي كل من صعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 من جانب رمي منه وضمير صعوده للجانب أو للسماء وذكر لتأويله، وقوله أو مصدر أي مفعول مطلق ليقذفون كقعدت جلوساً لتنزيل المتلازمين منزلة المتحدين، ولذا قال لأنه الخ فيقام دحورا مقام قذفاً أو يقذفون مقام يدحرون، وقوله بمعنى مدحورين إمّا لأنه مصدر مؤول باسم المفعول، وهو في معنى الجمع لشموله للكثير وكونه جمع داحر بمعنى مدحور كقاعد وقعوداً وعلى ظاهره تكلف، وقوله ويقوّيه لأن فعولاً يكون بمعنى ما يفعل به كثيراً كطهور وغسول لما يتطهر ويغسل به. قوله:) وهو) أي على الفتح يحتمل أن يكون مصدراً كما يحتمل أن يكون اسماً لما يفعل به، وأن يكون صفة كصبور لموصوف مقدر أي قد فاد حوراً طارداً لهم وفعول بالفتح في المصادر نادر وفي كتب التصريف لم يأت منه إلا خمسة أحرف الوضوء والطهور والولوغ والوقود والقبول كما حكي عن سيبويه وزيد عليه الوزوع بالزاي المعجمة، والهوى بفتح الهاء بمعنى السقوط كما ذكره المصنف رحمه الله في سورة النجم وصرح به في القاموس، والرسول بمعنى الرسالة كما مرّ في سورة الشعراء فهي ثمانية. قوله: (عذاب آخر (أي غير الرمي بالشهب المحرقة لهم، وقوله دائم قيل هو حقيقة معناه، وتفسيره بشديد تفسير له بلازمه. قوله: (استثناء من واو يسمعون) متصل وقد تبع فيما ذكره الزمخشري، وفال ابن مالك إذا فصل بين المستثنى والمستثنى منه فالمختار النصب لأنّ الإبدال للتشاكل، وقد فات بالتراخي وكونه منقطعاً على أنّ من شرطية جوابها فأتبعه أو من ضمير يقذفون أي هم لا يلبثون الأقدار الاختطاف تكلف، وكان من حق المصنف رحمه الله أن يقدم تفسير الخطف على فأتبعه شهاب ثاقب، وقوله الاختلاس أي الأخدّ بخفة وسرعة على غفلة المأخوذ منه، وقوله ولذلك عرف الخطفة بلام العهد لأنّ المراد بها أمر معين معهود وفيه إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية، ويجوز أن يكون مفعولاً به على إرادة الكلمة. قوله:) وقرئ خطف الخ (قراءة العامّة خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة وقرأ الحسن بكسرهما مع تشديد الطاء وهي لغة تميم، وعنهما أيضاً وعن عيسى بفتح الخاء وكسر الطاء المشددة وأصله اختطف فسكنت التاء للإرغام وقبلها خاء ساكنة فكسرت لالتقاء الساكنين، وسقطت همزة الوصل للاستغناء عنها، ثم كسرت الطاء اتباعا لها وأمّا الثانية فمشكله لأنّ كسر الطاء في الأولى للاتباع، وهو مفقود وقد وجه بأنه على لتوهم لأنهم لما أرادوا الإدغام نقلوا حركة التاء إلى الخاء ففتحت فتوهموا كسرها لالتقاء الساكنين كما مرّ، ثم اتبعوا الطاء للحركة المتوهمة، واذا جرى التوهم في حركات الإعراب فهذا أولى وهو تعليل شذوذ ضعيف، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما خطف بكسر الخاء والطاء الخفيفة اتباعا كنعم كذا أفاده المعرب ووجه كسر الخاء في الثانية لئلا يلتبس بفعل ولا يخفى ضعفه، والأوّل مأخوذ من كلام الزجاج والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله. قوله: (وأثبع) من الأفعال بمعنى تبع الثلاثي فيتعدى لواحد أو لاثنين لأنه لم يجعل الخاطف تابعا وروي في الشواذ فأتبعه بالتشديد. قوله: (والشهاب ما يرى كان كوكباً انقض (أي مشابها للكوكب النازل من السماء فسره بالمتيقن منه، وقوله وما قيل الخ إشارة إلى ما ذهب إليه الحكماء بناء على أن الشهب ليست كواكب بل أجزاء بخارية دخانية لطيفة، وصلت كرة النار فاشتعلت، وانقلبت ناراً ملتهبة فقد ترى ممتدة إلى طرف الدخان، ثم ترى كأنها صفيت وقد تمكث زماناً كذوات الأذناب على ما فصلوه، وقوله إن صح إشارة إلى عدم صحته لأنّ قوله زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين يقتضي خلافه وقوله فتخمين وقع في نسخة فيختنس أي ينزل وقوله ولقد زينا في نسخة إنا زينا وهو من سهو القلم، ثم أوّله على فرض صحته بأنه ليس في القرآن ما يدل على أنها تنزل من الفلك حتى ينافي ما ذكر من حدوثها تحت كرة النار، والزينة بها لا تقتضي كونها فيه حقيقة إذ يكفي كونه في رأى العين كذلك، وقوله في الجوّ العالي إشارة إلى أنه يجوز أن يراد بالسماء جهة العلو لا الفلك فلا ينافي كلامهم إذ لا مانع من كون الشهب والمصابيح غير الكواكب فقوله فإنّ كل نير الخ تعليل لقوله ليس فيه الخ، وجواب عن كونه مصباحا وزينة يقتضي انقضاضه من الفلك، وقد جوّز إطلاق الكوكب عليه للمشابهة أيضا، وقوله رجماً لشياطين الخ أي لا ينافي كونه للوقت انقضاضه في ذلك الوقت بمقتضى طبعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 لتقدير الله له كذلك. قوله:) وما روي الخ) أي أنه كان إرهاصا إذ قربت أو وقعت ولا دلالة على ما روي في الآثار فإنه وقع في بعضها ما يدل بظاهره على أنّ ذلك إنما وقع في ذلك الزمان مع أنّ المعروف خلافه والآيات دالة على أن حفظ السماء بها لم يحدث بل إن خلقها لذلك فإمّا أن يقال ما روي غير صحيح، أو المراد منه أنه كثر ذلك جدا إذ ذاك، أو أنه صار طاردا للشياطين بالكلية لكن الطعن في صحته غير صحيح لأنه مروي عن ابن عباس في الصحيحين، وما روي عن الشعبي من أنه لم يقذف بالنجوم حتى ولد صلى الله عليه وسلم فلما قذف بها جعل الناس يسيبون أنعامهم، ويعتقون رقيقهم يظنون أنه القيامة فأتوا عبد ياليل الكاهن وقد عمي وأخبروه بذلك فقال انظروا إن كانت النجوم المعروفة من السيارة والثوابت فهو قيام الساعة، والا فهو أمر حدث فنظروا فإذا هي غير معروفة فلم يمض زمن حتى أتى خبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما ذكر كما توهم فإنّ قوله لم يقذف الخ معناه لم يكثر القذف بها فكثرته لأمر أراده الله، وهو حفظ السماء حفظاً كليا وقد قيل إنه يعني أنه لو كان بخاراً لم يختص بزمان فهو مبطل لقول الحكماء ومناف له فيجاب عنه بما ذكر، وقوله حدث بميلاده في المنتظم لابن الجوزي إنه حدث بعد عشرين يوما من مبعثه وهو غير موافق لهذا، وفي السير أن إبليس كان يخترق السموات قبل عيسى عليه الصلاة والسلام فلما بعث عيسى أو ولد حجب عن ثلاث سموات، ولما ولد النبي صلى الله عليه وسلم حجب عنها كلها وقذفت الشياطين بالنجوم فقالت قريش قامت الساعة فقال عتبة بن ربيعة انظروا إلى العيوق فإن كان رمي به فقد آن قيام الساعة وإلا فلا قال السهيلي هذا صحيح لكن القذف بالنجوم كان قديما وهو كثير في أشعار الجاهلية ولما جاء الإسلام كثر وشدد، ولذا قال تعالى: {مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [سورة الجن، الآية: 8] ولم يقل حرست وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم، ويصح الوحي فتكون الآية والحجة أقطع وان وجد استراق على الندرة قبل مبعثه وإنما ظهر في بدء أمره إرهاصاً فقد اتفقوا على أنه كان قبله، وإنما شدد في بدء بعثته هذا ما اتفق عليه المحدثون. قوله: (واختلف الخ (أي هل يلزم من إصابته له إهلاكه أم لا، وقوله فيرجع أي عن الاستراق أو إليه، وقوله لكن الخ بناء على أنه يحترق إذ لو لم يخطئ المرمى ارتدعوا وكفوا عنه رأساً أي بالكلية، وقوله ولا يقال الخ جواب عما يتوهم من أن المخلوق من النار لا تؤذيه. قوله: (فاستخبرهم الأن الاستفتاء الاستخبار عن أمر حدث ومنه الفتى لحداثة سنه وأشد يكون بمعنى أقوى وأصعب وبكل منهما فسر هنا، وقوله ما ذكر تفسير لمن خلقنا كما بينه وأراد به ما تقدّم صراحة ودلالة لأنّ تعريف الموصول عهدي في الأصل كما قرّر في شروج الرسالة الوضعية، وعددنا المقروء به في الشواذ روي مخففاً ومشدداً أي من ذكرنا فيما سبق من الآيات وفاء فاستفتهم جواب شرط مقدر أي إذا عرفت ما مرّ والاستفهام تقريري أو إنكاري وفسوه باستخبرهم على الأصل ولم يذكر الشيطان فيمن خلق لتحقيره أو لدخوله في المسؤولين، وإطلاقه أي عدم بيانه لقرب عهده وسبق ذكره والإشارة لما مرّ وهذا على تفسيره الصافات الخ الأوّل. قوله: (فإنه الفارق الخ) إشارة إلى عدم ارتضاء تفسيره بالأمم الماضية كما في الكشاف فإنّ ما ذكر ليس فارقا بينهم لاشتراكهم فيه فتعقيبه بقوله إنا خلقناهم من طين لازب يدل على أنه ليس مادّة ما قبله. قوله: (ولأن المراد إثبات المعاد ورد استحالته) أي عده محالاً وجه آخر لتأييد ما ذكر لترجيح ما فسره به وقوله، وتقريره أي تقرير إثبات المعاد بما ذكر أو ردّ استحالته، وقوله لعدم قابلية المادة الخ بناء على أنّ المعاد هو الأجزاء الأصلية وقوله الحاصل الخ تفسير للازب لأنّ المراد لاصق بعضه ببعض، وهو بامتزاجه بالماء وأصله الثابت أو اللازم كما يقال ضربة لازب. قوله: (والأمر فيه) أي في خلقهم من طين لا في إثبات المعاد لأنهم ومن قبلهم سواء في إنكاره كما توهم. قوله: (وقد علموا الخ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنما ينهض ما ذكر لو أقزوا بخلقهم من هذه المادة وهم جهلة معاندون، وحاصله أنه مسلم عندهم أو مشاهد لا يسمع إنكاره فاعترافهم بحدوث العالم مطلقاً، وهو يستلزم الاعتراف بحدوث ما فيه من إنسان وغيره فيلزمهم الاعتراف بما ذكر أو لأنهم لا ينكرون خلق آدم خاصة من الطين إن لم يعرفوا حدوث العالم جميعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 فالمقابلة بينه وبين العالم مع دخوله فيه ظاهرة وتولد بعض الحيوانات منه كالحشرات، والفار مشاهد لهم لا ينكر ولا فرق بينه وبين غيره ففيه ترق في الإلزام، وقوله بلا توسط مواقعة بالقاف والعين المهملة أي مجامعة الذكر للأنثى دفع لما يتوهم من أنهم خلقوا من أب وأمّ بالمجامعة، وهذا ليس ثمة بأنه ثبت في رأى العين لهم خلافه. قوله: (وإمّا لعدم قدرة القاعل) معطوف على قوله إما لعدم قابلية المادّة، وهو على القول الآخر في المعاد بإيجاد المعدوم، وقوله ومن قدر وفي نسخة نإنّ من قدر وهو تعليل لقدرة الفاعل وقوله من ذلك يدأهم، وفي نسخة بدؤهم والإشارة إلى الطين، وقيل إلى مادّة البعث أو إلى اتحاد المادتين وقوله وقدرته ذاتية أي وما بالذات لا يزول ولا يقبل التغير بوجه. قوله تعالى: ( {بَلْ عَجِبْتَ} ) بفتح تاء المخاطب على خطاب الرسول أو كل من يقبله وبل للإضراب إمّا عن مقدر دلّ عليه فاستفتهم أي هم لا يقرون بل الخ أو عن الأمر بالاستفتاء أي لا تستفتهم فإنهم معاندون بل انظر إلى تفاوت حالك، وحالهم فإنك تعجب من قدرته الباهرة وانكارهم لما لا ينكروهم يهزؤون ويسخرون، وجمع المصنف بين قدرة الله وانكار البعث في العجب والسخرية مخالفا للزمخشريّ في التفسير بكل منهما على الانفراد لأنه لا مانع منه مع كونه أتمّ فائدة وأشمل فلا وجه لجعل الواو بمعنى أو لأنه لا وجه للتعجب من قدرة الله، وإنما يتعجب من الإنكار مع هذه القدرة التامّة فتأمّل. قوله: (أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أتي تعجبت منها) وفي نسخة فكيف بعبادي، وقوله أو عجبت الخ خالف في هذا ما قبله فعطفه بأو الفاصلة، ولذا جعل بعضهم الواو بمعنى أو إذ الفرق بينهما حتى يجوز الجمع في الأوّل دون الثاني غير ظاهر. قوله: (والعجب من الله الخ (يعني أنه أسند إليه تعالى في هذه القراءة وهو منزه عنه لأن العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسببه، ولذا قيل العجب ما لا يعرف سببه، واذا ظهر السبب بطل العجب، وهو تعالى لا يخفى عليه خافية فلذا أوّلت هذه القراءة بوجوه فقوله على الفرض! والتخييل يحتمل تغايرهما واتحادهما فالفرض على أن يكون استعارة تخييلية تمثيلية كما في قوله: قال الحائط للوتد لم تشقني فقال سل من يدقني أي لو كان العجب مما يجوز على عجبت من هذه الحال، والتخييل أن يكون استعارة مكنية وتخييلية كما في نحو لسان الحل ناطق فيجعل قعالى كأنه لإنكاره لحالهم يعدها أمراً غريباً، ثم يثبت له العجب منها تخييلا واذا كانا بمعنى يراد الأوّل أو الثاني منهما وقيل فرض إنه تعالى لو كان ممن يتعجب لعجب من هذا على المشاكلة. قوله: (أو على معنى الاستعظام اللارّم له) فهو مجاز مرسل وهذا موافق للمشهور من أنّ ما لا يجوز عليه تعالى كالغضب يحمل على غايته كما مرّ وأورد عليه أنّ الاستعظام لا يجوز عليه تعالى أيضاً لأنّ كل عظيم سواه عند. حقير وفيه نظر لأنه ورد في القرآن وكان ذلك عند الله عظيما من غير تأويل وعظم الشيء بلوغه الغاية في الحسن أو القبح فلا وجه لما ذكر، وقوله فإنه روعة الخ تعليل للوجه اأصاني، ويحتمل أنه تعليل لقوله والعجب من الله الخ أولهما، والروعة بفتح الراء الفزع والخوف ويتجوّز بها عن الاستحسان أو الاستنكار المفرط لما يفجؤك ومنه قولهم أمر رائع، وهو المراد هنا وعلى كل تقدير فهو تعالى منزه عنه. قوله: (عند استعظام الشيء) المراد بكونها عنده تعقبها له بسرعة حتى كأنهما في زمان واحدا وحصولها معه معية حقيقية فإنّ اللازم قد يكون كذلك كالإحراق للنار فلا ينافي كونه لازماً، فما قيل إن استعظام الشيء مسبوق بانفعال يحصل في الروع أي القلب عن مشاهدة أمر غريب كجوهرة نفيسة، وهو الروعة ليس بشيء وأعلم أنّ قوله والعجب الخ توجيه لإسناد العجب إليه في هذه القراءة فهو لا يتصوّر كونه حقيقة منه تعالى، وأمّا تعجب غير الله من أفعاله نحو ما أقدر الله ما أحلم الله فمنعه أبو حيان تبعاً لابن عصفور لأنّ معناه شيء أقدره أو حلمه وجوّزه السبكي لأنّ المتعجب هو الذاكر له، وله فيه تألمف. قوله:) وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به) في الكشاف ودأبهم إنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به، وهو أنسب وأبلغ مما ذكره المصنف فقيل إنه أخذ الاستمرار من إذا لأنّ الأصل فيها القطع والقطع إنما يحصل بالمشاهدة قبل الاختيار مراراً عدة أو من عطف المضارع على الماضي كما في ويسخرون أيضاً، وقيل عليه قطع الله تعالى لا يتوقف على ما ذكر. والظاهر من عطف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 المضارع على الماضي في الأمر المستغرب قصد الإحضار، وتبعه من قال حمل القطع المدلول عليه بإذا على قطع المخاطب، وهو لا يحصل إلا بما ذكر ولا مانع من حمله على قطع المتكلم، ولذا ترك المصنف هذه الزيادة وليس كما زعموا، إذ مراد العلامة أنّ عدم الاتعاظ مرّة لا يناسب مقام الذم فالأنسب أن يراد أنّ هذا دأبهم وديدنهم فلما رآه المدقق لائقاً بالنظم بين ما يدلّ عليه ليتأبد ما حاوله فقال الدال عليه إذا لأنها للقطع والعادة حصوله إذا كان المقطوع به مستقبلا بكثرة تكرّر صدور أمثاله فتجوّز بها عن التكرر هنا المستلزم للقطع، أو هو مأخوذ من العطف وليس النظر إلى كونه للخلق أو الخالق مع أنّ كون قطع المخاطب لا يحصل إلا بما ذكر خلاف الواقع فالإيراد غفلة عن المراد. قوله: (وإذا ذكر الخ) فالتذكير ذكر الأدلة، وعدم التذكير عدم الانتفاع بها، وقوله يبالغون الخ إشارة إلى أنّ زيادة السين لتدلّ على زيادة المعنى لأنّ ما يطلب يرغب فيه ويستكثر مته، وقوله أو يستدعي الخ فتكون السين للطلب على حقيقتها لطلب بعضهم من بعض، وقوله ظاهر سحريته في نفسه يعني أنه من أبان اللازم. قوله:) أصله أنبعث الخ) أي يحسب الظاهر المتبادر وبعد التغيير إلى ما ذكر لما ذكر إن كانت ذا ظرفية فهي متعلقة بمقدر لأنّ ما بعد إنّ واللام لا يعمل فيما قبله، وإن كانت شرطية فجوابها محذوف وفي عاملها الكلام المشهور وتقديره عليهما نبعث مقدماً ومؤخراً، فقوله وقدّموا الظرف يعني في الكلام بحسب الظاهر لا أنه مقدّم على عامل له مذكور كما يتوهم، وقوله مبالغة في الإنكار لتكرير حرفه وتصديره والاسمية، وانّ أيضاً قد تشعر بتأكيد الإنكار وقوله مستنكر في نفسه لإعادة همزة الإنكار معه، وقوله وفي هذه الحالة يعني حال موتهم وصيرورتهم عظاما رفاتا لإعادة إنكار مصدراً للاهتمام فأبلغيته على أبلغ الوجوه كما لا يخفى وتقدير المصنف له بقوله أنبعث الخ ظاهر في الظرفية. قوله: (عطف على محل إنّ واسمها) هذا مبنيّ على مدّهب البصريين القائلين بعدم اشتراط المحرز وكون أن لا تعمل في الخبر، والمخالف لهم يمنعه لأنّ الرفع للابتداء وقد زال بدخول الناسخ، ولأنه لو عطف عليه كان مبعوثون خبراً عنهما وخبر المبتدأ رافعه الابتدا وخبر أنّ رافعه أنّ فتوارد عاملان على معمول واحد مع شروط أخر اشترطها الجمهور، وقول المصنف على محل إن واسمها لا يدفع المحذور كما توهم بل يزيده لأنا لا نعلم من يقول إنّ أن المكسورة وما معها له محل من الإعراب فقد علمت ما في هذا الوجه فالأولى جعله مبتدأ محذوف الخبر وتعطف الجملة على الجملة. قوله: (أو على الضمير في مبعوثون) المستتر فيه ولا يشترط لصحة العطف تأكيده بل المفصل بأيّ شيء كان، وقد فصل هنا بالهمزة كما أشار إليه المصنف بقوله فإنه الخ وردّ هذا الوجه أبو حيان بأنّ همزة الاستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها، وهو غير جائز لصدارتها وهو ظاهر الورود والجواب بأنّ الهمزة هنا مؤكدة للاستبعاد فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما ذكر لا يجدي إلا بالعناية فإن الحرف لا يكرّر للتوكيد بدون مدخوله، والمذكور في النحو أنّ الاسنفهام له المصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس، مع أنّ جوابه يعود عليه بالنقض لأنها إذا كانت في نية التقديم ينبغي أن لا يعتد بفصلها، وفصل حرف واحد أمر قليل في الاعتداد بمثله، وقوله لزيادة الاستبعاد أي أتى بالهمزة لزيادة الاستبعاد لأنّ إعادة من مات قبلهم أبعد في عقولهم القاصرة فعلى قراءة السكون لا احتمال للوجه الثاني، وصاغرون بمعنى أذلاء. قوله: (وإنما اكتفى به) أي بقوله نعم من غير إقامة دليل للمنكرين لأنه تقدّم البرهان عليه في قوله فاستفهم الخ ولأنّ المخبر علم صدقه بمعجزاته الواقعة في الخارج التي دلّ عليها قوله: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} وهزؤهم بها وتسميتهم لها سحرا عناد ومكابرة لا تضرّ طالب الحق ولا الناظر له بعد ظهوره ولذا أمره بقوله نعم دون زيادة والا لم يكن جواباً شافياً وإليه أشاو بقوله، وقيام المعجز على صدق المخبر وأمّا القول بأنه يجدي لقيام الحجة عليهم في القيامة، والحجة المنتظرة في القيامة لا تفيده هنا شيئاً وعدى القيام هنا بعلى لأنه من قام على كذا إذا استمرّ عليه كما في قوله: {دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا} [سورة آل عمران، الآية: 75] أو لتضمنه معنى الدلالة ونعم في القراءة الثانية بكسر العين. قوله: (جواب شرط مقدّر الخ) يعني أنّ الفاء واقعة في جواب شرط مقدّر كما ذكر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 ويجوز كما قال الزجاج أن يكون تفسيراً وتفصيلا للبعث المذكور قبل وهذه الجملة إمّا من مقول قل أو من قوله تعالى، وكان المصنف لم يحتج للثاني لأنّ تفسير البعث الذي في كلامهم لا وجه له والذي في الجواب غير مصرّح به، وتفسير ما كني عنه بنعم مما لم يعهد. قوله: (فإنما البعثة زجرة) إشارة إلى أنّ الضمير راجع إلى البعثة المفهومة مما قبله لا مبهم يفسره الخبر وهو زجرة كما في قوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [سورة الأنعام، الآية: 29] كما في الكشاف لما فيه من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وقد مرّ تفصيله وقدروه في النازعات لا تستصعبوها فإنما هي زجرة الخ لأنّ الإنكار هناك أوضح كما في الكشاف، وقوله من زجر الخ إشارة إلى أنه استعارة، وقوله وأمرها أي الزجرة كأمركن في السرعة من غير توسط شيء وتخلف أصلاً كما مرّ في سورة يس وفي قوله كأمر إبهام لطيف، وقوله فإذا هم الخ يعني أن ينظرون من النظر بالبصر أو بمعنى الانتظار. قوله: (اليوم الذي نجارّي) يعني الدين هنا بمعنى الجزاء كما في كما تدين تدان، وقوله وقد تمّ به كلامهم وقيل كلامهم تمّ عند قولهم يا ويلنا، ولذا وقف عليه أبو حاتم وما بعده كلام الذ. أو كلام الملائكة لهم كأنهم أجابوهم بأنه لا تنفع الولولة، واختاره أبو حيان وتركه المصنف لأنه يكون تكرار اليوم للتأكيد والتأسيس خير منه. قوله: (وقيل هو أيضاً من كلام بعضهم لبعض (مرّضه لما فيه من التكرار وهو يؤيد ما قلناه، والفرق بين المحسن والمسيء تمييز كل عن الآخر بدون قضاء فيغاير ما قبله، وقوله أو أمر بعضهم أي الملائكة يأمر بعضهم بعضا بذلك وعلى الوجهين فهو حكاية ومقامهم محلهم إذا خرجوا من القبور. قوله: (وقيل منه) أي الموقف إلى الجحيم مزضه لأنه لا يلائم قوله: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} لأنه كتعقيب الشيء على نفسه، أو تسببه عنه فما قيل إنّ تعقيبه به يؤيده وإنما مرّضه لاقتضاء السياق للأوّل لأن الحشر يكون بالجمع من أماكن مختلفة فالفاء للسببية، أو تعقيب كل شيء بحسبه ليس بشيء لاقتضاء السياق والسباق للاوّل. قوله: (وأشباههم) يعني أنّ الزوج المقارن كزوجي النعل فأطلق على لازمه، وهو المماثل وبه فسر عمرو ابن عباس رضي الله عنهم، وقوله في الكشاف وأشباههم من العصاة أهل الزنا مع أهل الزنا وأهل السرقة مع أهل السرقة تبعا للزجاج ليس مغايراً له كما توهم لأنه عام مثل له كل بمثال فلا ضعف فيه لعدم صحة سنده، والمصنف لم يقصد ردّ. ولذا روي عن عمر رضي الله عنه تفسيره بنسائهم لمماثلتهن لهم في الكفر، وقوله مع عبدة الصنم إشارة إلى أنّ الواو يجوز أن تكون للمعية كما يجوز أن تكون عاطفة، وقوله كقوله: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا} وهم أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والسابقون إذ المراد به الأمثال المتقارنة كما هنا. قوله: (أو نساءهم) روي عن عمر رضي الله عنه ومجاهد والحسن وما بعده عن الضحاك، وقوله من الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله، وأمّا عزير والمسيح ونحوهما فقد مرّ الجواب عنه، وما نقل من قول ابن الزبعري وجواب النبيّ له بقوله: " بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم " كما قال تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سورة سبأ، الآية: 41] وسيأتي ما في كلام المصنف من بيانه هنا وما قيل إنّ ما على عمومها والأصنام ونحوها غير داخلة لأنهم جميعهم إنما عبدوا الثياطين فمع مناقصته لما ذكره في غير هذه الآية كلام واه، وتخيل فأسد غنيّ عن الرد، وقوله زيادة في تحسيرهم مفعول له تعليل لحشرهم وما يعبدون. قوله: (وهو عامّ مخصوص الخ) يعني أنّ ما عام في كل معبود حتى الملائكة والمسيح وعزير لكنه خص منه البعض بهذه الآية، أو أنّ عبادتهم إنما كانت للشياطين الحاملة لهم على ذلك كما مرّ ولكل وجه لكن تخصيص العام أقرب من هذا التجوّز البعيد مع أنّ تفسير أزواجهم بقرنائهم من الشياطين مناسب لتركه فلذا تركه فمن اقتصر عليه استسمن ذا ورم كما ذكرناه، وقوله وفيه أي في قوله وما كانوا يعبدون وقد أطلق عليه في قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان، الآية: 13] كما مرّ. قوله: (فعرّفوهم طريقها ليسلكوها) أي الجحيم أو طريقها والتعبير بالصراط والهداية للتهكم بهم. قوله: (احبسوهم في الموقف الا عند مجيئهم للنار كما قيل، والسؤال المعروف ثمة ما ذكره المصنف لا السؤال عن النصرة والشفاعة ولا دلالة في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} [سورة فصدت، الآية: 9 ا] الخ على ما ذكره لأن جاؤوا بمعنى شارقوا المجيء، أو جملة شهد حالية بتقدير قد ولا يليق إخراج النظم عما يظهر منه لمجرّد التشهي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 مع أنّ ما ذكره وجه وتفسير آخر بينه المصنف أيضا بقوله مع جواز أنّ موقفهم الخ. قوله: (والواو لا توجب الترتيب الخ) دفع لما يرد من أن وقوفهم للسؤال مقدم على سوقهم في طريق الجحيم، وظاهر النظم عكسه بأنّ الواو لا تقتضي ترتيباً كالفاء، وثم فلا مانع من تقدم الثاني على الأوّل ولما كانت مخالفة الظاهر من غير نكتة لا تناسب بلاغة النظم أجاب بجواب آخر، وهو قوله مع جواز أن موقفهم وفي نسخة اختلاف وا! راب هنا ففي نسخة أن يكون موقفهم وفي نسخة موقفهم متعدداً، وهي أظهرها وفي! خة أنه وفي نسخة موقفه بالإفراد وفي نسخة بعد الهدى، والتوقيف للسؤال وفي نسخة تركه والمراد منها واحد فموقفه بمعنى موقف هذا السؤال وموقفهم يعني لهذا السؤال أي لا مانع من إ! ا! ء على ظاهره لأنّ معنى هداية صراط الجحيم إراءته والدلالة عليه ولا مانع من تقدّمها على مو! فلا السؤال فانّ المؤخر عنه إنما هو الدخول في الطريق والوصول إليها، وأيضا يجوز أن جكون هذا سؤال آخر بعد السير أو الدخول على أنّ قوله: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} تفسير له أو صراط الجحيم طريقهم له من قبورهم إلى مقرهم وهو ممتد فيجوز كون الموقف في بعض منه مؤخرا عن بعض، وهذا إيضاحه بما لا مزيد عليه، وقد خبطوا فيه خبطاً عجيباً كقول بعضهم معنى هوله مع جواز أن يكون موقف ما لكم لا تناصرون جواز كون موقف السؤال موقف سؤال! ا! كم لا تناصرون على حذف مضافين، ويحتمل أن يكون موقفه بضمّ الميم على صيغة اسم ا! ا! لى واعتبر الصاحب بالصاحب. قوله تعالى: ( {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} ) جوّز في الإضراب أن يكون عن مضمون ما قبله أي لا ينازعون في الوقوف، وغيره بل ينقادون أو يخذلون أو عن قولى لا تناصص ون أي لا يقدر أحد على نصر أحد بل هم منضادون للعذاب أو هصخذولوه والانقياد لازم لطلب السلامة عرفاً فلذا استعمل فيه، وقوله يسلم بعضهم بعضاً أصل م! اه! سلمه بالتشديد والمراد يخذله يقال أسلمه لكذا إذ أخذله فقول ويخذله عطف تفسير له، والقرناء بمعنى الثياطين، وقوله للتوبيخ أي لا للاستعلام. قوله: (عن أق! وى لوجوه وأ! ظ الخ (!! ني أنّ الاتباع يقولون للرؤساء في مخاصمتهم هذا، وقد تجوّز به عن أحد هذه المعاني لأنّ يمين الإنسان أشرف وأقوى وبها يتيمن أيضاً ولذا يسمون اليسار شؤمى فتجوّز بها عن أحد هذه ا! افي على طريق الاستعارة لتشبيهها باليد اليمنى فيما ذكر، وتحرير معنى الآية أنّ قوله قالوا ا! خ! سسير لقولن يتساءلون بمعنى يتخاصمون فيقول بعضهم لبعض في الجحيم أي الاتباع للرؤساء إنكم كنتم تصدوننا بقوتكم عن اتباع الحق، وتزعمون أن ما أنتم عليه خير ودين حق فتخدعوننا وتفلوننا، ولذا أجابوهم بقولهم بل لم تكونوا الخ. قوله: (كأنكم تنفعونضا (متعلق ببم ما قبله أو بالأخير وهو الخير، وقوله نفع السانح الخ السانح والسنيح ما أتاك عن يمينك من طائر أو ظبي أو غيرهما ضد البارج ومن العرب من يتيمن بالسانح ويتشاءم بالبارج ومنهم من يتمثماءم بالسانح، ويتيمن بالبارج قاله الخليل في العين وفي النهاية السانح ما جاء من جهة يسارك إلى يمينك والبارح ضدّه فقد علمت أنّ لأهل اللغة في تفسيرهما مذهبين وأنّ العرب في التيمن والتشاؤم فرقتان منهم من يتيمن بهذا ومنهم من يتيم بالآخر ومراد المصنف تبعا للعلامة بالسانح ما يتيمن به، وأنه ما جاء من جهة اليمين لأنه الموافق لقوله تعالى عن اليمين ووجه التيمن به أنه جاء من جهة اليمين وهي مباركة ووجه التيمن بضذه أنه متوجه لها وضذه أمكن، ومته يعلم وجه عكس التسصية فقوله نفع السانح لبيان الاستعارة وتحقيقها فتدبر. قوله:) مستعار من يمين الإنسان (فالاستعارة تصريحية تحقيقية في اليمين وحده على المعاني السابقة فجهة اليمين استعيرت لجهة الخير والنفع، وان كانت جهة الخير أيضاً وجاء منه مجاز أيضاً لأنه لشهرته التحق بالحقيقة فيجوز فيه المجاز على المجاز كما في المسافة على ما قرّر في الكشاف، وشروحه لكن الظاهر أنه استعارة تمثيلية والتجوّز في مجموع قوله تأتوننا عن اليمين لمعنى تمنعوننا وتصدوننا فيسلم من التكلف، ودعوى المجاز على المجاز كما اختاره بعضهم، ثم إنّ المصنف خلط معنى القوّة مع هذه الوجوه مخالفاً لما في الكشاف وسيأتي الكلام عليه قريباً. قوله: (هو أقوى الجانبين وأشرفه وأنفعه الف ونشر مرتب ناظر لتفسيره اليمين يعني شبه أقوى الوجوه في القوّة والدين في الشرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 والخير في النفع بجارحة اليمين فاستعيرت لإحداها، وقوله ولذلك أي لما فيه من القوّة أو الشرف أو النفع سمي الجانب المعهود يميناً لما فيه من ذلك لأنّ اليمين في الأصل القوّة والبركة، وتيمنت الناس بالسانح لكونه يأتي من اليمين أو يتوجه إليها كما بيناه. قوله:) أو عن القوّة والقهر الخ) معطوف على قوله عن أقوى الوجوه فيكون اليمين مجازاً عنه لا عن الوجه القوي والجهة، وبهذا فارق الأوّل وليس فيه حيحئذ مجاز على المجاز بل ولا استعارة لأنه مجاز مرسل إمّا بإطلاق المحل على الحال أو السبب على المسبب، ويجوز أن يكون استعارة بتشبيه القوّة بالجانب الأيمن في التقدم ونحوه والأوّل أولى، وقوله فتفسروننا الخ بيان للمراد منه على هذا، وقوله أو عن الحلف فتكون اليمين حقيقة بمعنى القسم ومعنى إتيانهم عنه أنهم يأتونهم مقسمين لهم على حقية ما هم عليه فالجار والمجرور حال، وعن بمعنى البأء كما في قوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [سورة النجم، الآية: 3] أو هو ظرف لغو وتفسيره بالشهوة، والهوى لأنّ اليمين موضع الكبد كما في القاموس غويب جداً. قوله: (بل لم الخ) إضراب عما قالوه، وقوله أجابهم الرؤساء إشارة إلى أنّ السابق من كلام الاتباع فقولهم لم تكونوا مؤمنين إنكار لإضلالهم لأنهم أضلوا أنفسهم بالكفر، وقولهم ما كان لنا الخ جواب آخر تسليمي على فرض! إضلالهم بأنهم لم يجبروهم عليه وإنما دعوهم له فأجابوا له باختيارهم لموافقة ما دعوا له هواهم، وقيل إنه جواب واحد محصله أنكم اتصفتم بالكفر من غير جبر عليه. قوله: (ثم بينوا أنّ ضلال الفريقين) أي الرؤساء واتباعهم، وقوله: {كَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} [سورة مريم، الآية: 21] أي بقضاء منه تعالى، وهذا معنى قوله: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} أي وجب العذاب لجميعهم لقضائه تعالى بذلك، وقضاؤه تعالى سواء قلنا برجوعه إلى صفة العلم كما هو مذهب الماتريدية أو إلى الإرادة كما هو مذهب الأشاعرة لا يستلزم الجبر كما قرروه في الكلام فإنه لا ينافي الكسب باختيارهم وضملال الفريقين هو معنى قوله أغويناكم إنا كنا غاوين، ووقوعهم في العذاب معنى إنا لذائقون فما قيل من أنّ دلالة النظم عليه غير ظاهرة وأنه يجر إلى الجبر ظاهر الدفع أنه لو سلم الثاني يكون بياناً لمدعي هؤلاء الكفرة، وهو باطل مع أنّ قوله وأنّ غاية الخ صريح في خلافه، وقولن دعوهم إلى الغيّ معنى أغويناكم فليس المراد به حقيقته بل الحملى عليه. قوله: (لأنهم كانوا على الغئ الخ (هو معنى قوله إنا كنا غاوين إشارة إلى أنها جملة مستأنفة لتعليل س قبلها، وقوله إيماء بأنّ الخ أي إشعار به ولذا عداه بالباء على عادته في التسامح في الصلات ووجه الإشعار أنهم لم يقولوا مغوين بصيغة المفعول لما فيه من الإشارة إلى أنّ غواية الاتباع ليست من الرؤساء كما بينه بقوله إذ لو كان كل غواية ناشئة من إغواء غاو آخر وتأثيره لكان لكل مغو مغو آخر وليس كذلك لأنّ أول غاو لا مغوى له، وهذا كما في حديث العدوى [فمن أعدى الأوّل] كما في البخاري وليس المراد أنه برهان قطعيّ فيما ذكر بل إنه أمر جار على ما عرف في العرف، والمحاورات فاندفع ما قيل عليه من أنه لا تلزم الكلية حتى يكون لهم مغو آخر أيضاً، وأنّ قوله لو كان كل غواية الخ لا وجه له فإنّ للغواية أسباباً منها الإغواء قليس بلازم بخصوصه، وبه سقط ما قيل إذا ئحققت غواية بلا إغواء يكون كل فرد كذلك لاتحاد الطبيعة إن اتحاد أفراد طبيعة في جميع الأمور غير لازم فتدبر. قوله: (بالمشركين لقوله الخ) يعني تخصيصهم لأنّ ما بعده معين له، وقوله لشاعر مجنون قيل إنه كالهذيان فإئا لشعر يقتضي عقلا تاما، وفيه نظر وقوله رد عليهم إشارة إلى أنّ الإضراب إبطاليّ، وفي قوله إنكم لذائقوا الخ التفات. قوله: (وقرئ بنصب العذاب الخ) يعني أنه بتقدير لذائقون العذاب فأسقطت النون للتخفيف كما أسقط الشاعر التنوين مع نصبه المفعول، وعدم إضافته فيهما وقوله ولا ذاكر الله الخ هو شعر لأبي الأسود الدؤلي وأوّله: فالفيته غير مستعتب لا ذاكر الله الخ وذاكر روي بالجرّ وبالنصب بالعطف على غير أو مستعتب. قوله: (وهو ضعيف في غير المحلى) . قوله: أمّا ما كان صلة للألف واللام فورد حذفه كثيرا لاستطالة الصلة الداعية للتخفيف كما في قوله الحافظ وعورة العشيرة البيت، وقوله وهو على الأصل أي قرئ بالنصب مع إثبات النون على الأصل والقاعدة في عدم حذفها في نحوه، وقوله مثل ما عملتم لأنّ الجزاء من جنس العمل لا عينه. قوله: (استثناء منقطع) فقوله أولئك الخ مستأنف لبيان حالهم والاتصال مع عموم الضمير بعيد لما فيه من تفكيك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 الضمائر، ويحتاج إلى تكلف لأنّ عدم جزائهم بمثل العمل بمعنى الزيادة والمضاعفة أبعد وأبعد، وأمّ كون المنقطع لا بد فيه من هذا التأويل أيضاً فغير مسلم لأنّ إلا مؤوّلة بلكن وما بعد المستثنى كخبرها كما ذكره النحاة فيصير التقدير لكن عباد الله المخلصين لهم رزق وفواكه، الخ فلا حاجة لتكلف مثله ولا لتكلف أنّ الإخراج من مماثلة الشيء بالشيء فينتفي عنهم، ويثبت جراء الحسن بالحسن والأحسن كما قيل، وفي شروح التأويلات للسمرقندي أن الاستثناء محتمل أن يكون من قوله: {لَذَائِقُو الْعَذَابِ} فيكون الاستثناء حيمئذ حقيقة، ويحتمل أن يكون من تجزون على أنّ ما كنتم تعملون بتقدير بما كنتم تعملون فالاستثناء لأنهم لا يجزون بما كانوا يعملون بل يعطون النعم تفضلاً منه تعالى لأنّ عبادتهم لا تؤدي شكر ما أنعم به عليهم في الدنيا، وجزاء الكفرة في مقابلة العمل ومقدّر بقدره، ولا يحتمل العفو والإسقاط بمقتضى الحكمة انتهى. قوله: (خصائصه من الدوام الخ) جواب عن سؤال صرح به السمرقندي بأنّ الرزق لا يكون معلوما إلا إذا كان مقدراً بمقدار لأنّ ما لا يتعين مقدأره لا يكون معلوما، وقد قيل في آية أخرى يرزقون فيها بغير حساب، وما لا يدخل تحت الحساب لا يحد ولا يقدّر فلذا جعل معلوميته باعتبار وصفه، وخصائصه المعلومة لهم من آيات أخر كقوله غير مقطوعة ولا ممنوعة ونحوه فلا ينافي ما في الآيات الأخر، وقوله من الدوام الخ لم يرد به حصر الخصائص فيما ذكر وقد ذكر فيه في الكشاف، وغيره وجوها أخر ككونه معلوم الوقت لقوله: {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [سورة مريم، الآية: 162 وقول قتادة المعلوم الجنة يأباه قوله في جنات وان كان المعنى على أن الجنة معينة لهم، وهم مكرمون فيها بإقامة الظاهر مقام الضمير لأنّ جعلها مقرّ المرزوقين لا يلائم جعلها رزقا أما إذا كان للرزق فهو ظاهر الإباء كما في الكشف وكون المساكن رزقا للساكن فإذا اختلف العنوان لم يكن به بأس لا يدفعه كما توهم. قوله:) أو تمحض اللذة) في بعض النسخ عطفه بالواو، وقوله ولذلك فسره بقوله فواكه إشارة إلى أنه عطف بيان وعلى غيره هو بدل كل أو بعض أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة، وقوله محفوظة عن التحلل أي التحلل في البدن المحتاج لبدل فلا ينافي ما ورد في الحديث من إنه يتحلل بعض فضلات الغذاء بعرق طيب الرائحة فإنه الاحتياج إلى التقوت ليحصل من كيموسه بدل عما تحلله الحرارة الغريزية من أجزاء البدن كما ذكر. الأطباء وهو دفع لما يتوهم من منافاته لقوله: {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [سورة الواقعة، الآية: 21] لأنّ المراد بالفاكهة ثمة المعروفة وهنا ما يتلذذ به مطلقا. قوله: (كما عليه وزق الدنيا) من الكد والكسب، وقوله ليس فيها إلا النعيم إشارة إلى أنّ الإضافة على معنى لام الاختصاص المفيدة للحصر، وقد مرّ في ألم السجدة أن المراد في نعيم الجنات ومرّ ما فيه. قوله: (وهو ظرف القوله مكرمون أو معلوم ولذا لم يعين متعلقه، وقوله خبر ثان إشارة إلى أنّ قوله لهم رزق معلوم خبر أوّل ويجوز كونه خبرهم أيضا، وقوله يحتمل الحال أي من المستتر في مكرمون أو في جنات النعيم وكدّا قوله فيكون متقابلين حالاً أي من المستتر الخبر أو في قوله على سرر على احتماليه. قوله: (بإناء فيه خمر) إشارة إلى ما ذكره أهل اللغة من أنها لا تسمى كأسا حقيقة إلا وفيها شراب فإن خلت منه فهو قدج، وقوله أو خمر مجازا من إطلاق المحل على الحال فيه لكنه مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة، وقوله وكأس الخ يشير إلى قول الأعشى من قصيدة له مشهورة: وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منهابها لكي يعلم الناس أني امرؤ أتيت اللذاذة من بابها يعني ورب كاس شربتها لألتذ بسكرها وأخرى لأداوي بها خمار الأولى وكسلها كما قال: كما يتداوى شارب الخمر بالخمر فقوله شربت قرينة على أنه أراد بالكأس الخمر الذي فيها لأنّ تقدير شربت ما فيها تكلف كما أن بيان الكأس بقوله من معين هنا قرينة على ذلك. قوله: (ظاهر للعيون) جار على وجه الأرض! كما تجري الأنهار، أو خارج من العيون جمع عين وهو المنبع لأنها تطلق عليه، وعلى ما يخرج منه فهو كقوله وأنهار من خمر ومعين كمعيب أصله معيون من عان أو هو من معن فهو فعيل إذا ظهر أو نبع، وقوله وصف به الخ إشارة إلى أنه استعارة وانه في الأصل اسم مفعول أو صفة بوزن فعيل. قوله: (لأنها تجري كالماء) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 هذا بناء على أنها خمر حقيقة لكنها وصفت بالمعين تشبية لها به لكثرتها حتى تكون أنهاراً جارية في الجنان وقوله للأشعار بأنّ ما بالمد والقصر، وهو وجه آخر مبني على أنه ماء جار على الحقيقة لكنه في حلاوة العسل وله تفريح ونشوة كنشوة الخمر ووجه الإشعار ظاهر لأنّ جعله خمراً يفيد أن فيه لذته، ونشوته وكونه معيناً يدل على ماء أو جنس من المشروب يضاهيه في لونه ورقته فلا يخفى وجه الإشعار لمن له شعور، وفائدته على الأوّل وصف الخمر بالرقة واللطافة، وعلى الثاني وصف الماء باللذة والنشوة. قوله: الكمال الفذة (بدل من قوله لما يطلب أو متعلق بجامع تعليل له، وقوله وكذلك أي على الاحتمالين، وقوله أيضاً أي كما أن قوله من معين صفة، وقوله للمبالغة بجعل الملتذ به عين اللذة، وقوله كطب بفتح الطاء بمعنى طبيب حاذق فهو فعل بسكون العين صفة كصعب بمعنى فعيل أو بكسرها كخشن أو بفتحها كحسن فسكن للإدغام، وقوله في البيت ولذ فسره في الكشاف بنوم وفسره في الأساس يعيش لذيذ وهو الظاهر وعلى كليهما فهي شاهد لما ذكره لأنه على الأوّلين ليس باسم جامد له بل معنى لذيذ بغلب على النوم، والتردد فيه لا وجه له والصرخدي الخمر منسوب لصرخة بلدة بالشام ينسب إليها الخمر الجيد، والحدثان بفتحات شدائد الدهر ونوائبه التي تحدث فيه. قوله تعالى: ( {لَا فِيهَا غَوْلٌ} ) قدم فيه الظرت للتخصيص، والمعنى ليس فيها ما في خمر الدنيا من الخمار وفيه كلام في كتب المعاني والغائلة ما يخشى من الضرر، وقوله كالخمار بضم الخاء صداع الخمر وأشار بالكاف إلى عدم حصر ضررها فيه، وقوله ومنه الغول التي تذكرها العرب من شياطين الجن المهلكة، وهل لها حقيقة أولاً فيه تفضيل في حياة الحيوان أي سميت به لإفسادها، وفي المثل الغضب غول الحلم والمراد بالحلم العقل أو معناه المعروف أي مذهبه ومهلكه. قوله: (يسكرون (بيان لحاصل المعنى وهو على قراءته مجهولا وكذا قوله نرف الشارب على البناء للمفعول إذا ذهب عقله وادواكه من السكر كأنه ظرف للعقل ففرغ منه، وقوله أفرداه الخ مع أنّ ذكر الخاص بعد العام مستغنى عنه لكنه للاعتناء بنفيه جعل كأنه نوع آخر فعطف عليه كما عطف جبريل على الملائكة تعظيماً له، وقوله وقرأ الخ أي بضم الياء وكسر الزاي مضارع أنزف أي صار ذا نزف أي عقل أو شراب نافد ذاهب فالهمزة فيه للصيرورة أو للدخول في الشيء ولذا صار لازما فهو مثل كبه فأكب، وسيأتي تحقيقه وهو أيضا بمعنى السكر لنفاد عقل السكران أو نفاذ شرابه لكثر شربه فيلزمه عليهما السكر، ثم صار حقيقة فيه قال: لعمري لئن أنزفتمو وصحوتمو ويجوز أن يراد لا يفنى شرابهم أو ينفد حتى ينغص عيشهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى يصدرون عنها سكارى، وقوله وأصله النفاد أي ما وضل له في الأصل نفاد شيء من شيء كنفاد الماء من البئر والدم من الجريح والعقل من السكران، ونزحت الركية بمعنى أخرجت ماءها حتى نزفتها أي لم يبق فيها شيء منه، والركية بفتح الراء البئر. قوله: (قصرن أبصارهق على أزواجهت) فلا ينظرن لغيرهم هو إمّا على ظاهره، وكناية عن شدة الحسن المانع عن رؤية غيره أو عن إفراط المحبة، وقوله نجل العيون بضم النون جمع عين نجلاء وهي التي اتسع شقها وليس المراد السعة المفرطحة فإنها غير ممدوحة، ولذا قيل سعتها عبارة عن كثرة محانها ولا حاجة إليه. قوله: (شبههن ببيض النعام الخ) على عادة العرب في تشبيه النساء بها وخصت ببيض النعام لصفائه، وكونه أحسن منظرا من سائره ولأنها تبيض في الفلاة وتبعد بيضها عن أن يمس، ولذا قالت العرب للنساء بيضات الخدور كما بينه الزمخشري ولأن بياضه يشوبه قليل صفرة مع لمعان كما في الدر، وهو لون محمود جداً إذ البياض الصرف غير محمود وإنما يحمد إذا شابه قليل حمرة في الرجال وصفرة في النساء، ولذا ورد في الحلية الشريفة أبيض ليس بالأمهق، ومن الغريب قول بعض أهل العصر المراد به بيض طبخ وقشر لنعومته وطراوته لقول العامّة كأنها بيضة مقشرة، وهذا من عدم معرفة كلام العرب ولولا خوف الإطالة ذكرت الأبيات حتى صرح فيها بهذا التشبيه. قوله: (فيتحادثون على الشراب) على للمعية أي مع شرب الشراب، وقوله كعادة الشرب بفتح الشين وسكون الراء جمع شارب كصحب وصاحب، وقوله وما بقيت الخ تبع فيه الزمخشري والذي رأيناه في كتب الأدب أنّ هذا الشعر لمحمد بن فياض من المحدّثين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 وأنشدوه هكذا وهو الذي في الانتصاف: وما بقيت من اللذات إلا محادثة الكرام على الشراب ولثمك وجينتي قمرمنير يحول بوجهه ماءالشباب وعارض معناه القائل: وكان الصديق يزور الصديق لشرب المدام وعزف القيان فصار الصديق يزور الصديق لبث الهموم وشكوى الزمان وزاد فزورته إن أتى هروبامن الدين أومن زباني وهذه نفثة مصدور خشيت أن تحرق السطور. قوله: (والتعبير عنه الخ) كان الظاهر توافق المتعاطفين مضياً واستقبالاً لكن أتى بصيغة الماضي لأنها لدلالتها على التحقق تفيده الإقبال على الحديث لكونه أعظم لذاتهم حقيق بالاعتناء فيؤكد لذلك قيل وهذا أولى من قول الزمخشري إنه جيء به على عادة الله في إخباره لاشتراك العلة بين المتعاطفين فكان ينبغي تناسبهما، وقيل إنه لا يغني شيئاً لقوله قبله في أهل النار وأقبل بعضهم الخ وقد عطف ثمة على مضارع مع عدم تأتي ما ذكر هنا من الاعتناء فيه، وفيما قالاه نظر لأن ما قاله الأوّل لا يخفى على أحد فضلا عن الزمخشريّ فالظاهر أنّ مراده إخبار الله عما صدر عن عباده وحكايته له عنهم كما في تلك الآية أيضاً والمعطوف عليه ليس كذللث لأنه إخبار عما أنعم به عليهم في الآخرة، وهو لا يشتبه ولا يستغرب عند المخاطبين فلذا أكد الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي، وأمّا الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي، وأمّا الثاني ففي حيز المنع لأنّ المراد الاعتناء بالنسبة للمعطوف عليه ولا شك أنّ توبيخ بعضهم لبعض أعظم من توبيخ الغير، وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله فما بين المتعاطفين معترض أو من متعلقات الأول لثلا يطول الفصل فتدبر. قوله: (فإنه الخ) تعليل لمقدر تقديره فيستحق التأكيد فإنه الخ وقوله، وقرئ بتشديد الصاد من التصدق قيل إنه لا يلائم قوله بعده أئذا الخ وليس بشيء لأنه قيل إن رجلين شريكين، وقيل أخوين ورثا ثمانمائة ألف دينار واقتسماها فعمد أحدهما، وكان كافراً بماله فاشترى به بساتين وفرشاً وجواري يتنعم بها وأنفق الآخر ماله في وجوه الخير رجاء رحمة ربه ونعيمه المخلد، وكان مؤمناً ثم أصاب الثاني فاقة فذهب إلى ذلك وطلب منه شيئاً فسأله عما كان له فأخبره بفعله فقال له إنك من المتصدقين لأنا بعد الموت والفناء نبعث ونجازى فنزلت هذه الآية في إعلام حالهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن نزلت فيه متصدق، ومصدّق أيضاً وما أنكره عليه ذلك الكافر أنه أنفق ليجازي على إنفاقه مما هو أعظم وأبقى فقد ضيع ماله لتصوّر ما لا أصل له، وهو الجزاء الأخروي ولا يكون بدون البعث فلذا قدم إنكاره بل إنكاره رأسا للجزاء بقوله إنا لمدينون لأنه المقصود بالإنكار والنفي فقوله لمدينون أنسب بالثاني، والنظم وكذا سبب النزول تمام المناسبة له إذ محصله أنت المتضق طلبا للجزاء في الآخرة فهل نحن بعدما نفنى نبعث ونجازى فما ذكروه مندفع بلاشبهة، وكيف يتوهم عدم المناسبة وقد قرئ بها. قوله: (ترابا وعظاماً) قيل ذكر تراباً يكفي ويغني عن ذكر العظام، وكونه للتنزل في الإنكار أو للتأكيد لا يرجحه بل يجوّزه فكأنه تصوير لحال ما يشاهده من الأجساد البالية من مصير اللحم، وغيره ترابا عليها عظام نخرة ليذكره ويخطر بباله ما ينافي مدعاه. قوله: (ذلك القائل (أي كان لي قرين الخ يعني المذكور في قوله قال قائل منهم والمقول له جلساؤه، ويقابل هذا القول ما سيأتي وقوله إلى أهل النار عداه بإلى لتضمينه معنى ناظرين، وقوله لأريكم الخ إشارة إلى أن المقصود من قوله هل أنتم مطلعون سواء كان المراد منه الأمر أو العرض إراءتهم سوء حال قرينه، وقوله يقول لهم أي لهؤلاء المتحادثين في الجنة، وهل تحبون إشارة إلى أنه للعرض عليهم إن أرادوا، واطلاع أهل الجنة على أهل النار ومعرفة من فيها مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بانه يخلق الله لهم حدة نظر، وقيل إنّ لهم طاقات في الجنة ينظرون منها من علو لأهل النار كما قاله السمرقندي. قوله: (وعن أبي عمرو الخ) المذكور في الإعرإب، وكتب القرا آت أنّ أبا عمرو قرأ بسكون الطاء وفتح النون وكونها رواية شادة عنه كما قيل يحتاج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 إلى نقل وإنما هي شاذة منقولة عن حماد وهشيم، وقد قرئ مطلعون بالتشديد والتخفيف مع فتح النون وكسرها كما سيأتي والتشديد من اطلع على الأمر إذا شاهده أو اطلع علينا أقبل، والتخفيف من اطلعه عليه إذا أوقفه ليراه والأوّل لازم والثاني يكون متعدّيا ولازما بمعنى اطلع، واطلع قرئ ماضياً مبنياً للفاعل من الافتعال وهمزته همزة وصل، وقرئ فأطلع بهمزة قطع مضمومة وكسر اللام ماضياً مبنياً للمفعول، وقوله فاطلع بالتشديد والتخفيف مضارعاً منصوبا في جواب الاستفهام واذا كان مبنياً للمفعول فنائبه ضمير المصدر أو ضمير المطلع عليه على الحذف والإيصال أو ضحمير القائل، والقراءة في العشرة بالتشديد والتخفيف في مطلعون مع فتح النون، واطلع بالماضي المعلوم المشدد على الأولى والمخفف المجهول في الثانية وما عداهما شاذ فأعرفه. قوله: (وضم الألف) أي همزة اطلع الساكن الطاء في هذه القراءة مضمومة على أنه ماض! مجهول فلامه مكسورة أو مضارع منصوب بصيغة المعلوم، والمجهول فلامه مكسورة ومفتوحة وهو على متعد وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما وان كان ما بعده أظهر في بعضها. قوله: (على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه) بسكون الطاء فيهما والسببية من الفاء إذ المعنى إن اطلعتموني أطلع والمقصود اطلاع الجميع ولكنه عبر بما ذكر رعاية للأدب الآتي، وهذا المعنى أيضاً يتأتى على فتح النون، وقوله يمنع الاستبداد به أي الاستقلال بالاطلاع لأن من الآداب أن لا ينظر في مجلسه لشيء، ولا يفعل شيئا مما لم يشاركوه فيه فإن كان المخاطب بهل أنتم مطلعون الملائكة لم تحتج السببية إلى هذه النكتة ولذا أخره فخاطب الملائكة عطف على قوله جعل. قوله: (على وضع المنصل موضع المتقصل (يعني أنّ أصله على قراءة الكسر مطلعون إياي، ثم جعل المنفصل متصلاً فقيل مطلعوني، ثم حذفت الياء واكتفى عنها بالكسرة كما في قوله فكيف كان نكير هذا ما أراده المصنف رحمه الله تبعا للزمخشري، وللنحاة في هذه المسألة كلام طويل حاصله أنّ نحو ضاربك وضاربيك ذهب سيبويه فيه إلى أنّ الضمير في محل جر بالإضافة، ولذا حذف التنوين ونون التثنية والجمع وذهب الأخفش وهشام إلى أنه في محل نصب وحذفها للتخفيف حتى وردت ثابتة في نحو قوله: هم الآمرون الخير والفاعلونه وقوله: أمسلمني للموت أنت فميت فعنده أنّ النون في مثله تنوين حرك لالتقاء الساكنين ورد بأنه سمع مع الألف واللام قوله وليس الموافيني، ومع أفعل التفضيل كما وقع في الحديث " غير الدجال أخوفني عليكم " وإنما هذه نون وقاية ألحقت مع الوصف حملاً له على الفعل كما حمل ضماربونه في إثبات نونه على تضربونه وقد ردّ أبو حيان ما ذكر بانه ليس من محال المنفصل حتى يدعي أنّ المتصل وقع موقعه إذ لا يجوز أن يقال هند زيد ضارب إياها ولا زيد ضارب إياي لأنه لا يعدل إلى الانفصال ما دام الاتصال ممكناً وما أجاب به المعرب من أنه لا يسلم إنه يمكن الاتصال حالة ثبوت النون والتنوين قبل الضميربل يصير الموضع موضع المنفصل فصح ما قاله الزمخشري، وكلام المصنف رحمه الله لا يصح على المذهبين لأنّ من قال إنها نون الوقاية قال الموضع موضع الاتصال ومن قال إنه تنوين قال أيضاً إذا ثبت ضرورة لزم الاتصال كما نقلناه آنفا وكذا ما قيل مراده أنّ الحذف لازم في الاختيار كما نبه عليه بتمثيله وفرض! الإبقاء لا يجدي فاسد لأنه يعود على المدّعي بالنقض إذ لو كان لازما لم تصح القراءة به، وقد علمت أن مراده غير ما فهم. قوله: (هاً الآمرون الخير والفاعلونه) تمامه: إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما لا يعرف قائله، ولذا قيل إنه مصنوع لا يصح الاستشهاد به، وقيل إن الهاء هاء سكت حركت للضرورة وهو فرار من ضرورة لأخرى إذ تحريكها واثباتها في الوصل غير جائز، وقوله أو شبه الخ عطف على قوله وضع الخ وهو مخصوص بتوجيه الجمع، وأمّا المفرد كقوله أمسلمني فلا يتأتى فيه، وقوله فاطلع عليهم أي على أهل النار لا على أصحابهم كما توهم وقوله وسطه لأنه ورد عن العرب انحنى سوائي أي وسطي كما أوضحه الزمخشري سمي به لاسنواء جانبيه، وقوله لتهلكني لأنّ الردى الهلاك واللام هي الفارقة أي بين المخففة والنافية، وقوله معك فيها أي في الجحيم لأنها مؤنثة ولو قال فيه بإعادته للسواء صح وهما سواء. قوله: (عطف الخ) هو أحد القولين كما فصله في المغني، وقوله أنحن مخلدون الخ بناء على أنه قول المؤمنين لتوبيخ الكفار وبقي إنه في بعض النسخ بدون همز إشارة إلى أنّ الاستفهام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 فيه تقريري ويجوز أن يكون من قولهم جميعا، وقوله بمن شأنه الموت إشارة إلى ما في الصفة المشبهة من الدلالة على الثبوت، وتوجيه للاستثناء ليكون متصلاَ وضمير هي للموتة الأولى، وقوله متناولة الخ توجيه للموتة بتاء الوحدة بأنّ موتة القبر بعد السؤال داخلة في الأولى لأنّ ما بينهما من الحياة غير معتد به لأنه ليس إعادة تامّة ولا قارة. قوله: (وقيل على الاستثناء المنقطع (هو فيما قبله استثناء مفرع من مصدر مقدّر وعلى هذا المعنى لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا كما في قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] وسيأتي تحقيقه وقوله وذلك الخ يعني قوله أفما نحن بميتين الخ ويجوز أن يكون من كلام الجميع كما مرّ، وقوله يحتمل أن يكون من كلامهم أي أهل الجنة الشامل للقائل والجلساء، ولذا لم يقل كلامه ثم كما صرّح به فمن قال الأظهر أن يقول كلامه لم يصب. قوله: النيل مثل هذا) ففيه مضاف مقدر ومثل يحتمل لإقحام كما في مثلك لا يبخل، وقوله للحظوظ الدنيوية إشارة إلى ما يفيده تقديم الجار والمجرور من الحصر والانصرام الانقطاع واحتمال الأمرين كونه كلام الله أو كلامهم. قوله: (ثمرها نزل أهل النار) إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدراً أي ثمر شجرة الزقوم لأنّ الشجرة ليست نفسها نزلاً والنزل بضمتين وبالزاي ما يعد للنازل من الطعام، أو هو مستعار من الحاصل للشيء وله معان أخر كريع الطعام والفضل والبركة ولكن الأوّل هو المراد ليدل على ما ذكره من الدلالة، والإشارة إلى ما مرّ من قوله رزق معلوم فواكه الخ لأنه رجوع إليه، والقصة المذكورة بينهما ذكرت بطريق الاستطراد كما ذكره الزمخشري وإن جوّز بعضهم كونه من كلام هؤلاء، وجعل ثمر الزقوم خيراً ونزلا تهكم بهم أو للمشاكلة، وجوّز فيه المصنف الحالية من لاضمير في خير والتمييز من غير تمييز بينهما كما في الكشاف إذ جعله حالاً إذا كان ما يعد للنازل، وتميزا إذا كان بمعنى الحاصل من الشيء إذ الحال يصدق على ذيها والرزق معد بخلاف التمييز فإنه يغاير المميز نحو هو الرجل كرما وشجاعة، وحاصل الشيء غيره والمصنف اقتصر على أحد المعنيين، وجوّز الوجهين فيكون التمييز كما في لله دره فارسا حيث ميزه بما يصدق عليه وحاله ظاهر، وقوله دفرة بالدال المهملة يعني منتنة لا بالمعجمة دمان قيل إنه بمناه أيضا لأنّ المشهور أنّ الثاني يختص بالطيب فيقال مسك أذقر، وتهامة سهل الحجاز مقابل نجد وقوله الموصوفة أي بما ذكر في هذه الآية. قوله: (محنة وعذابا (لما مرّ من أنّ الفتنة في الأصل الإذابة بالنار فلذا أطلق على العذاب وبالإذابة يعلم ما غش من غيره فلذا أطلق على الابتلاء، والحيوان الذي يعيش في النار هو السمندل وتفصيله في حياة الحيوان وقوله في قعر جهنم إشارة إلى أنّ الأصل هنا بمعنى أسفل كما يقال لأسفل الشجرة أصلها. قوله:) حملها (بفتح الحاء وهو ما على رأس أو شجر، وقوله مستعار من طلع التمر الأولى أن يقول طلع النخل وهو أوّل ما يبدو قبل أن تخرح شماريخه أبيض غض مستطيل كالكوز فسمي به هذا إتا لأنه بشابهه في الشكل فيكون استعارة تصريحية أو لاستعماله بمعنى ما يطلع مطلقا فيكون كالرسن للأنف فهو مجاز مرسل، وهذا معنى قوله في الكشاف استعارة لفظية أو معنوية وقد ذكر الطيبي له تفسيراً آخر بأنّ المراد باللفظية التصريحية وبالمعنوية المكنية، وهو غريب واوظاهر لم يرده فقوله أو الطلوع معطوف على الشكل، والهون بمعنى الفزع والخوف. قوله: (وهو تشبيه بالمتخيل الخ) رد على بعض الملاحدة إذ طعن فيه بأنه تشبيه بما لا يعرف بأنه لا يشترط أن يكون معروفا في الخارج بل يكفي كونه مركوزا في الذهن والخيال ألا ترى امرى القيس وهو ملك الشعراء يقول: ومسنونة رزق كأنياب أغوال وهو لم ير الغول، والغول نوع من الشياطين لأنه في خيال كل أحد مرتسم بصورة قبيحة وإن كان قابلا للتشكل، كما أنهم إذ! استحسنوا شيئاً قالوا ما هو إلا ملك كما قرره أهل المعاني، والأعراف جمع عرف وهو بضم فسكون شعر على ما تحت الرأس، وقوله لعلها سميت بها لذلك أي لقبح منظرها سميت به على طريق التخيل أيضاً لكن المشبه به على الثاني متحقق لكنه لم يرتضه لكونه غير معروف لا في الذهن ولا في الخارج. قوله: (من الشجرة أو من طلعها) الظاهر أنه يريد أنّ الضمير للشجرة، ومن ابتدائية أو تبعيضية وفيه مضاف مقدر ويؤيده أنه وقع في نسخة أي طلعها، واما أنه على أنّ الضمير راجع للطلع وأنث لإضافته للمؤنث أو لتأويله بالثمرة، أو للشجرة على التجوّز فجائز مع بعدما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 قوله: (أي بعدما شبعوا الخ) فثم للتراخي على حقيقتها، وقوله ويجوز الخ فهو للتراخي الرتبي لأنّ شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير إما ملء البطون فيعقبه، وليس بشيء غير ما قبله متصوّر فيه تفاوت رتبي فلذا ترن بالفاء، وقيل على الأوّل إنه يأباه عطفه بالفاء في آية أخرى {فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} [سورة الواقعة، الآية: 53- 54] فلا بد من عدم توسط زمان أو شيء آخر كطول الاستقاء بينهما لكن ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدأئه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء فتأمّل. قوله: (من غساق) بالتخفيف والتشديد عين فيها تسيل إليها سموم الحيات والعقارب، أو ماء دموع الكفرة فيها والصديد ما يسيل من جراحهم، وجلودهم فليس فيه جعل شيء قسيماً لنفسه حتى يقال أو للتخيير في التعبير، ولا ينافيه تفسير غساق بصديد في محل آخر، واذا ضم شين شويا فهو ما يشاب به كما أنّ القفل ما يقفل به. قوله: (إلى دركاتها) دفع لما يتوهم من أنه عود لما هم فيه ولا معنى له بأنّ المراد أنهم يوردون في الجحيم من مكان إلى آخر أدنى منه، أو ذلك النزل! كان قبل الدخول فيها ولكونه خلاف الظاهر أخره، وقوله يوردون الخ تفسير لقوله يطوفون الخ في الآية الثانية، وقوله وقيل الحميم الخ هذا وجه في الجواب ثالث فيه أنّ الحميم خارج عن محل من النار يخرج المجرمون منه للسقي كما يخرج الدواب للماء، وليس المراد أنه خارج عن الجحيم بالكلية حتى ينافي أنهم بعد دخول النار لا يخرجون منها بالاتفاق كما قيل بل إنه في غير مقرهم فيجوز أن يكون في طبقة زمهريرية منها مثلاً والانقلاب أظهر في الرد فلذا جعله مؤيداً له. قوله: (كأنهم يزعجون (أخذه من فعل الأهراع المجهول وقوله وفيه إشعار الخ هو من الإسراع المقرون بالفاء، وقوله قبل قومك لأنهم المراد بالظالمين الراجع إليهم جميع الضمائر لأنهم المنكرون لخروج الشجر في النار فليس فيه تفكيك للضمائر كما توهم وإلاستثناء يحتمل الاتصال، والانقطاع وقد تقدم الكلام فيه والخطاب في قوله فانظر. قوله:) ولقد دعانا (أي بإهلاك قومه إذ قال: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [سورة نوج، الآية: 26] بقرينة قوله أيس من قومه. قوله:) فحذف منها ما حذف) هو محتمل لأن يريد بالمحذوف القسم لدلالة اللام عليه والمخصوص بالمدح وهو فحن، وقوله فأجبناه الخ بيان لحاصل المعنى أو المحذوف ما ذكر وجملة فأجبناه أحسن الإجابة لأنّ المدح بحسن الجواب يقتضي تقدمه على أحسن الوجوه. قوله:) من الغرق أو أذى!!) وفي نسخة وأذى قومه وهي أحسن إذ لا مانع من الجمع وهو تفصيل لما قبله ولا يلزم التكرار على تفسيره بأذى قومه بل على تفسيره بالغرق لقوله ثم أغرقناكما فيل، وقوله إذ هلك من عداهم الخ بيان لحصر الباقين في ذرّيته كما يفيده ضمير الفصل، وقوله إذ روي الخ لا بد منه لأنه كان في السفينة من عداهـ (لكنهم لم يعقبوا عقابا باقيا فلا يضرّنا وأولاده سام وحام ويافث ومنهم تشعبت الأمم كما فصل في التوايخ، ولذا قيل آدم الثاني. قوله: (هذا الكلام (يعني قوله سلام على نوح في العالمين إذ لو لم يحك نصب لأنه مفعول تركنا كما قرأ به ابن مسعود رضي الله عنه فهو مبتدأ وخبر وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى الدعاء، والحكاية إمّا بتركنا لتضمنه معنى القول بناء على مذهب الكوفيين أو بقول مقدر أي تركنا قولهم سلام ملى نوح، وقوله يسلمون عليه تسليما إشارة إلى أنه إذا كان اسم مصدر من التسليم كان منصوبا على المصدرية على الأصل واذا كان سلاما من الله لا من الآخرين فتقديره، وقلنا سلام الخ فمفعول تركنا على هذا محذوف كما ذكره. قوله: (متعلق بالجار والمجرور) هو إمّا على طاهره لأنه لنيابته عن عامله يعمل عمله أو المراد أنه متعلق بما تعلق به، وفي قوله بثبوت هذه الئحية إيماء إليه أو المراد به التعلق المعنوي فيجوز كونه حالاً من الضمير المستتر فيه، وقوله لى الملائكة إشارة إلى أنّ فيه شمولاً وعموماً لا يغني عنه قوله في الاخرين وكونه بدلاً منه يأباه! شره وفصله. قوله: (من التكرمة) بنجاته وتخليد الثناء عليه واحسانه مجاهدته في إعلاء كلمة الله وإزالة أعدائه، وقوله تعليل لإحسانه المدلول عليه بالمحسنين والتعليل من سياق مثله مقرر لى المعاني، وقوله إظهاراً لجلالة قدره أي قدر الإيمان حيث مدح من هو من كبار الرسل به في لمقصود بالصفة مدحلها لنفسها لا مدح موصوفها كما مرّ إذ الرسول لا يتصوّر انفكاكه عن الإيمان على ما بينه شراح الكشاف، وما قيل عليه من أنه توجيه لتوصيفه بالإيمان دون تعليل الإحسان بالإيمان وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 المقصود من قصور النظر لأن معنى تعليل الإحسان بالإيمان بيان لحاصل المعنى والأصل تعليل كونه محسنا بكونه من العباد الموصوفين بالإيمان، وليس المقصود هنا من إحسانه مجرّد إيمانه بل ما ينبني عليه فعدل عن المقصود لهذا ما ذكره من أصالته لأنه أساس لكل خير يوجد، ومركز لدائرته ومسك خاتمته. قوله: (ثم أغرقنا الخ) ثم للتراخي الذكري إذ بقاء ذريته وما معه متأخر عن الإغراق، وقوله شايعه أي تابعه، وقوله في الإيمان وأصول الشريعة لأنّ الظاهر أنّ كلا منهما صاحب شريعة مستقلة، وهذا المقدار متيقن وأصول الشريعة العقائد أو توانينها الكلبة من إجراء الأوامر الإلهية وفيه وجوه أخر كالتصلب في الدين وقوّة الصبر، وقوله ولا يبعد الخ وجه آخر إذ لم ينقل اختلاف بينهما أو المراد في غالبها فيعطي للأكثر حكم الكل، وقوله ألفان وستمائة الخ هو رواية وفيه أقوال أخر. قوله: (متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة الخ) إن أراد أنه جامد لا يتعلق به شيء لكنه لما فيه من معنى الوصفية جاز تعلقه به ورد عليه ما قيل إنه يلزمه عمل في ما قبل لام الابتداء فيما بعدها، والفصل بين العامل ومعموله بأجنبي فيجاب بأنه لا مانع منه لتوسعهم في الظروف، وان أراد تعلقه بمقدّر يدل عليه ما ذكر كأنه قيل منى شايعه فقيل شايعه إذ الخ لم يرد عليه شيء لكن ظاهر الكلام الأوّل لجعله مقابلاً للحذف. قوله: (من آفات القلوب) وفي نسخة الذنوب والأولى أصح وأكثر فسليم على هذا سالم من جميع الآفات وآفاتها فساد العقائد والنيات السيئة والضمائر القبيحة ونحوه، أو سالم من العلائق الدنيوية يعني ليس فيه شيء من محبتها والركون إليها والى أهلها فهو دائما مشغول بمحبة الله ومشاهدة عوارفه ومعارفه، ولذا فسره بقوله خالص لله أي متمحض لجنابة كما قيل: تملك بعض حبك كل قلبي فإن ترد الزيادة هات قلبا وهذا مقام الخلة فليس! فيه جمع بين معنيي المشترك على مذهبه كما توهم. قوله: (أو مخلص له) يحتمل أن يكون بفتح اللام بزنة اسم المفعول بمعنى أنه أخلصه لله، أو بكسرها اسم فاعل من أخلص المنزلة منزلة اللازم أي ذا إخلاص فلا يلزم كون القلب مخلصا لنفسه كما قيل. قوله: (حزين) فيكون استعارة من السليم بمعنى الملدوغ من حية أو عقرب فإنّ المعنى سمته سليما تفاؤلاً بسلامتة، وصار حقيقة فيه يقال لدغنه الهموم، وهو وجه لطيف لكن الأوّل أنسب بالمقام فلذا أخر هذا. قوله: (ومعنى المجيء به الخ) يعني كان الظاهر جاء ربه سليم القلب فلم عدل عنه إلى ما في النظم، وفي الكشاف معناه أخلص لله قلبه وعرف ذلك منه فضرب المجيء مثلاً لذلك، اهـ وفي المطلع معنى مجيئه ربه أنه أخلص لله قلبه، وعرف ذلك منه معرفة الغائب وأحواله بمجيئه وحضوره فضربه مثلاً وقال الإمام: معناه أنه أخلص لله قلبه فكأنه أتحف حضرته بذلك القلب، فقيل المفهوم من المطلع أن الباء للملابسة ومن كلام الإمام أنها للتعدية وظاهر كلام المصنف الأوّل، قيل وفي قول الزمخشري عرف ذلك إطلاق اسم العارف عليه وقد منعوه ولذا غير المصنف عبارته وقيل إنه بصيغة المجهول فلا يتجه ما ذكر عليه، ثم إنّ ظاهر كلامهم أنّ في جاء استعارة تبعية تصريحية فشبه أخلاصه قلبه بمجيئه الغيبة عن حضرته تعالى إلا أنه لا معنى حينئذ لجعل سليم بمعنى الخالص أو المخلص كما قاله بعض الفضلاء (أقول) هذا جميع ما قالوه برمته والذي يقبله القلب السليم أنّ ما ذكروه من الاستعارة مقرّر وأن ما قاله المصنف هنا خالص أو مخلص بيان لمحصل المعنى فيصير معنى التركيب أنه أخلص لله قلبه السليم من الآفات، أو المنقطع عن العلائق أو الحزين المنكسر فرب قلب سليم عن الأوّلين غير مخلص كما في القلوب البله وكذا الثالث، وإنما عقده تقديمه التفسير ومخالفة الزمخشري إذ تركه، وأما ما ذكروه في المعرفة ففيما أجيب به كفاية لكن أصل الاعتراف فيه توفف، وان اشتهر فقد وقع في أوّل خطبة نهج البلاغة إطلاقه عليه تعالى في قوله عارفا بقرائنها واحيائها وقال شارحه أنه صحيح وكفى به حجة عليه فأعرفه. قوله: (فقدّم المفعول للعناية) لأنّ إنكاره أو التقرير به هو المقصود وفيه رعاية الفاصلة أيضاً، وقوله على أنها الخ إشارة إلى أنه بدل كل من كل وليست الآلهة عين الكذب لكنها جعلت عينه مبالغة أو على التأويل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 المعروف في أمثاله بالتقدير في الأوّل أو في الثاني كما ذكره فإن عبادتها إفك أي صرف للعبادة عن وجهها أو هو حال من فاعل تريدون، أو من المفعول بتقدير مأفوكة لكن وقوع المصدر حالاً غير مقيس. قوله: (بمن هو حقيق بالعبادة الخ) فسر رب العالمين بالحقيق بالعبادة ليرتبط بما قبله من إنكار عبادة الأصنام، ولذا جعله حجة عليه فالمعنى أنّ استحقاقه للعبادة أظهر من أن يختلج عرق شبهة فيه فأنكر ظنهم الكائن في بيان استحقاقه للعبادة، وهو الذي حملهم على عبادة غيره، وقوله لكونه الخ يعني أنه أقيم فيه الدليل، والعلة مقام مدلوله ومعلوله لدلالته عليه. قوله: (حتى تركشم عبادته) مع كونه المستحق لها وحده لكونه المالك الحقيقي وما سواه مملوك وقد قيل: كل مايصلح للمولى على العبد حرام وقوله وأشركتم الخ أي تركتم عبادته خاصة، وفي نسخة أو أشركتم وهو الأظهر فالمعنى على الأوّل فما ظنكم به وهو حقيق بالعبادة أشككتم فيه حتى تركتم عبادته بالكلية، وعلى الثاني أعلمتم أفي شيء هو حتى جعلتم الأصنام شركاءه وعلى الثالث ما ظنكم بعقابه حتى اجترأتم على الإفك عليه، وفي كلامه لف ونشر وقوله والمعنى الخ يعني أنّ الاستفهام إنكاري والمراد من إنكار الظن إنكار ما يقتضيه، ويصد بالصاد المهملة بمعنى يمنع. قوله: (على طريقة الإلزام) بناء على اعترافهم بأنه رب العالمين وجعله كالحجة دون أن يقول وهو حجة ملتزمة لأنه ليس صريحاً في الإلزام ولذا جعله على طريقته فتأمّل. قوله: (فرأى مواقعها الخ (إنما فسر به لأنّ ما يستدل به على حدوث أمر ليس هو رؤية أجرامها ففط بل مع ما يستدل به من أحوالها كاتصال بعضها ببعض، وتقابلها وتقارنها ومواقعها مغاربها فالمراد بالنظر فيها التأمل في أحوالها، أو في علمها المشروح فيه ما شاهده من ذلك أو في كتب النجوم وأحكامها، ولذا عذاه بفي كما قيل: هل من كتاب أوأخ أوفتى أنظر فيه أو له أو إليه وقيل: لبعض الملوك ما تشتهي فقالط حبيب أنظر إليه ومحتاج أنظر له وكتاب أنظر فيه فهو مجاز عما ذكر أو فيه مضاف مقدّر. قوله: (ولا منع منه (أي كيف ينظر في النجوم، وهو نبيّ معصوم فأجاب بأنه ليس بممنوع شرعا وكون النجوم تدل على بعض الأمور لجعل الله لها علامة عليه جائز، وإنما الممتنع اعتقاد أنها مؤثرة بنفسها والجزم بكلمة أحكامها وقد ذكر الكرماني في مناسكة أنّ النبيي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد السفر في آخر الشهر: " أتريد أن تخسر صفقتك وتخيب سعيك اصبر حتى يهل الهلال " مع أنه لم ينظر فيها حققة بل أوهمهم ذلك لأنهم كانوا منجمين فأظهر لهم ذلك لئلا يحضر معهم في مجامع كفرهم. قوله: (سألوه أن يعيد معهم) يقال عيد إذا حضر مع الناس في العيد كما يقال جمع إذا حضر الجمعة، وعرّف إذا حضر عرفة فلما سألوه الذهاب معهم لعيدهم، ومجمع كفرهم ذكر ذلك ليتخلف عنهم. قوله: (أراهم أنه استدد بها) أي أوهمهم أنه استدل بالنجوم على سقمه، وقوله على أنه مشارف للسقم متعلق باستدل، ولئلا متعلق بأراهم ومعيد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الياء المثناة التحتية محل عيدهم، وإنما أوّل سقيم بالمشارفة لأنه غير سقيم بالفعل كما شاهدوه والسقيم بالفعل لا يحتاج للنظر في النجوم لذلك، وظاهر عطف قوله أو أراد بأو كما في أكثر النسخ أن هذا تأويل مستقل فالتأويلات أربعة فالمراد أنه مستعد ل! سقام كما هو شأن كل أحد إذ المشارفة بمعناها المعروف غير موجودة فيؤول إلى الجواب الأخير، أو المراد بسقيم صدور الكذب منه وأنه جائز إذا تضمن مصلحة والظاهر هو العطف بأو على أنّ الوجوه ثلاثة، وسقم قلبه حزنه وغمه بجعل ذلك مرضاً على طريق التشبيه أو هو مجاز باستعماله في لازمه، وهو الخروح عن الاعتدال فإنّ الاعتدال الحقيقي غير موجود أو أراد أنه مستعدّ للموت استعداد المريض فهو استعارة أو مجاز مرسل، وإنما أوّلوه لأنه معصوم عن الكذب وتسميته كذبا في الأحاديث الصحيحة نظرا لظاهره، وجعله ذنبا في حديث الشفاعة لأنه خلاف الأولى إذ عدل عن التصريح إلى التعريض، ومن جوّز صدور الذنب عنهم لا يؤوله، وقول الإمام إسناد الكذب إلى راوي الحديث أهون من إسناده إلى إبراهيم لا يلتفت له وقد روي في الصحيحين. قوله: (ومنه المثل كفى بالسلامة داء) هو حديث في مسند الفردوس فهو من الأمثال النبوية، ومعناه أنّ حياة المرء سبب لموته فهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 المرض الحاضر، وهو معنى كثير الأشعار القديمة كقول حميد بن ثور: وحسبك داء أن تصح وتسلما ومنه أخذ المتنبي قوله: قداستشفيت من داءبداء وأقتل ما أعلك ماشفاكا والبيت الذي ذكره المصنف للبيد من قصيدة وقبله: كانت قناتي لا تلين لغامز فألانها الإصباح والإمساء وجاهدا بمعنى مجتهداً ويصحني منأصحه إذا صيره صحيحا، ولبيد كان ممن رزق العمر الطويل والمثل والبيت بيان للوجه الأخير. قوله: (هاربين مخافة العدوى (بفتح العين، وهي سراية المرض وعلى تفسيره هذا مدبرين حال مقيدة لا مؤكدة كما هو المتبادر، وقوله فذهب الخ أصل معناه الميل في جانب ليخاع من خلفه فتجوّز به عما ذكره لأنه المناسب هنا والطعام المذكور كان يقرب للأصنام في أعيادهم، وأتى بضمير العقلاء لمعاملته معهم معاملة العقلاء، وقوله وأنّ الميل لمكروه، وعلى للمضرّة كما في دعا عليه وضربا مصدر لراغ باعتبار المراد منه بطريق التجوّز أو بدلالة السياق، ويجوز كونه حالاً بمعنى ضارباً أو مفعولاً له. قوله: (وثقييده باليمين الخ) فيكون المراد الضرب القوفي والباء في الأوّل للاستعانة ويجوز كونها للملابسة، واليمين بمعنى القوّة مجازاً كما مرّ، وفي الثاني للسببية. قوله: (بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة) إشارة إلى التوفيق بين ما في هذه الآية وما في الأخرى سمعنا فتى يذكرهم الخ فإنّ هذه تقتضي أنهم شاهدوه، وهو يكسرها فأسرعوا إليه وتلك تدلّ على أنهم لم يشاهدوه، وإنما استدلوا بذمّه على أنه الكاسر لها بأنّ هذه لا تنافي تلك فإنّ معناها أنه حين كسرها لم يشعر به أحد وأقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم، وسؤالهم عن الكاسر وقولهم فأتوا به على أعين الناس، وليس في النظم ما ينافيه وأجيب أيضا بأنّ الرائي له بعض أتباعهم ولم يذكره لكبرائهم لصارف مّا حتى بلغهم فقالوا ما صدر عنهم وهو المذكور في سورة الأنبياء. قوله: (من رّف النعام) أي أسرع لخلطه الطيران بالمشي، ولذا قيل زت العروس لا لسرعة المشي بها بل لخفة السرور، ونشاطه ومصدره الزف والزفيف وأزفه حمله على الزفيف أو دخل فيه فيكون متعدياً ولازما من الثلاثي المعلوم قرأ جميع القراء إلا حمزة فإنه قرأه بضمّ الياء على أنه معلوم المزيد، والقرا آت الباقية كلها شاذة فما نقله المصنف عن حمزة مخالف لما في جميع كتب القرا آت وقوله يزف بعضهم قدر مفعوله لأنّ أزف متعد وقد عرفت أنه يكون لازماً فلا يحتاج لتقديره، وكون وزف بمعنى أسرع أثبته الثقات فلا يلتفت لمن أنكره، وزفا بمعنى حدا استعير لمعنى أسرع كما أشار إليه بقوله كان الخ. قوله: (وما تعملونه (فما موصولة وعائدها محذوف، وهذا رجحه في الكشاف على المصدرية لكنه زعمأنه هو الموافق لمذهب أهل العدل لأنّ أهل السنة استدلوا بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وبنره على كون ما مصدرية وأنه الأصل لعدم احتياجه إلى التقدير وليس هذا أيضاً بلازم كما أشار إليه المصنف وقال الزمخشريّ أنّ المعنى الآية يأباه إباء جلياً لأنه تعالى احتج عليهم بأنّ العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف! عبد المخلوق المخلوق على أنّ العابد هو الذي صوّره وشكله، ولولاه لم يكن له صورة فلو قلت والله خلقكم وخلق عملكم لم تكن محتجا عليهم، ولا كان لكلامك طباق وما في ما شحتون موصولة فلا يعدل بها عن أختها لما فيه من فلف النظم وتبتير. هذا محصله، وهو كلام حسن لكنه حق أريد به باطل كما سنبينه. توله: (فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم (ردّ على الزمخشري إذ جعل الموصولية دالة على أنّ جوهرها أي مادّتها بخلقه تعالى دون تشكيلها، وتصويرها فإنها من أفعال العباد المخلوقة لهم عنده فالموصولية لا تنافي مذهب أهل الحق إذ تعلق الفعل بالمشتق يقتضي تعلقه بمبدأ اشتقاقه فمعنى يحب التوّابين يحب ذواتهم وتوبتهم، وقوله وان كان الخ أن فيه وصلية أي لهم مدخل في الفعل بالكسب الاختياري والمباشرة، وإن كان الله خلقه كما هو مذهب الأشعرية ولا دلالة في كلامه على أنه لا مدخل لشلق الله في الشكل كما توهم، وقوله ولذلك جعل من أعمالهم دفع لما قيل إنه كيف جعل. مخلوقا لله ومعمولاً لهم من غير احتياج إلى إيقاع الخلق على جوهرها والعمل على شكلها كما في الكشاف تاييدا لمذهبه، وقوله فبأقداره الخ خبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 قوله شكلها والعدد بضمّ العين جمع عدة وهي ما يكون آلة للشيء. قوله: (أو عملكم الخ) أي ما مصدرية والمصدر مؤوّل باسم المفعول لأنه كالتفسير لما تنحتون، وهو بمعنى المنحوت فيتحد معناه ومعنى لموصول لكنه! ستغني عن الحذف، وأمّا كونها استفهامية للتحقير والإنكار فخلاف الظاهرء، وجوّز في الانتصاف كونها في ما تنحتون مصدرية لأنّ المعبود في الحقيقة عملهم ولا مانع منه أيضاً. قوله: (أو أنه بمعنى الحدث) أي باق على مصدريته، والمراد به الحاصل بالمصدر والأثر لا نفس التأثير والإيقاع فإنه لا وجود له في الخارج حتى يتعلق به الخلق والمصدر كثيرا ما يرإد به ذلك حتى قالوا إنه مشترك بينهما، وليس مجازا فيه وهو المراد من الفعل بالكسر بخلاف الفعل كالفتح فإنه اسم الإيقاع، والخلاف بيننا وبين المعتزلة في الأوّل فمتعلق الخلق على هذا الوصف وعلى ما قبله الذات مع الوصف. قوله: (فإن فعيم إذا كان بنق الله الخ) يعني أنه على إرادة الحدث لا يفوت الاحتجاج به على مسلك أهل السنة بل يثبت على وجه أبلغ فيه، وأيد بأنه يصير كناية وهي أبلغ من التصريح لأنّ خلق الفعل يستلزم خلق المفعول المتوقف عليه فهتم الاحتجاج على الكفرة بأنّ العابد والمعبود خلق الله ولا تفوت الملازمة كما شنع به الزمخشريّ عليهم، وقد سلف تقريره ورده في الكشف بأن الملازمة ممنوعة عندهم ألا تراهم اعترفوا بأنّ العبد وفدرته، وإرادته من خلق الله وما توقف عليها من قعل العبد خلق العبد فتوقفه على ألله لا ينكر، وإنما الكلام في الإيجاد فأظهر منه أن يقال المعمول من حيث المادّة لا ينكر كونه من خلق الله، فقيل هو منحيث الصورة أيضاً خلقه فهو من جميع الوجو. مخلوق مثلكم من غير فرق فلم تسوّونه بالخالق، وما ازداد بفعلكم إلا بعداً عن استحقاق العبادة والإنصاف أنّ استدلال الأصحاب بهذه الآية لا يتم، ورده الكرماني في حواشيه بأن ما يعملونه على إطلاقه لا يفيد وإنما يفيد بعد تقييده بقوله من الأصنام كما صرّح به الزمخشريّ فتدخل الأصنام يعني بجوهرها وشكلها الذي يتحقق به الصنمية في عموم ما يعملونه دخولاً أوّليا فلا يفوت الاحتجاح عليهم، ويتم به الاستدلال على مذهب أهل الحق وقد قيل عليه أنّ المراد بالفعل الحاصل بالمصدر لأنه بالمعنى الآخر من النسب التي ليست بموجودة عندهم، ومان ذكره من أنّ السند يجتمع مع المقدّمة الممنوعة فهو أعنم غير صالح للسندية والمراد بمفعولهم إشكال الأصام المتوقفة على الفعل بهذا المعنى فإذا كان كذلك، وقد قام بما يباينهم بخلقه فما قام به أولى ولا مجال لمنع هذه الملازمة فإنهم معترفون بها إذا ثبتوا خلق المتولدات للعباد بواسطة خلق ما يقوم بهم من أفعالهم ليس إلا وانتفاء الأوّل ملزوم لانتفاء الثاني والحاصل أنّ السند غير صالح وهم فد اعترفوا بهذه الملازمة فهو إلزام لهم بما التزموه فتأمّل. قوله: (وبهذا المعنى (أي إرادة الحدث على الوجه الذي قرّره تمسك به أهل السنة على خلق الأفعال لته إذ لا قائل بالفرق، وقوله على الأوّلين أي الموصولية والمصدرية بتأويله بالمعمول، وقوله من حذف أي للضمير العائد المقدر والمجاز كون المصدر بمعنى المفعول وقد عورض بأنّ الموصولية أكثر وأنسب بالسياق وكلاهما غير مسلم أمّ الأوّل فظاهر وأمّ الثاني فلما عرفت من أنّ العدول عن الظاهر ليثبت بطريق برهانيّ أبلغ، وأمّا كونه يحتاج إلى تقدير عملكم في المنحوت فيكثر الحذف فليس بلازم لجواز إبقائه على عمومه الشامل للمنحوت بالطريق الأولى أو يقدر بمصدر مضاف إضافة عهدية. قوله: (ابنوا له بنياناً (حائطاً يوقد فيه تلك النار، وفسر الجحيم بما ذكر لأنها تكون بمعنى جهنم والتأجج الإيقاد، وجحيم ذلك البنيان الإضافة لملابسته بكونه فيه، وقوله فإنه الخ تفسير للكيد فإنه الحيلة المخفية، وقيل المراد به المنجنيق وفسر الأسفلين بالأذلين فهو استعارة وقد فسر بالهالكين وبالمعذبين في الدرك الأسفل، والبرهان النير الواضح وفيه لطف هنا. قوله: " لى حيث أموني ريي) الظاهر أنه جعل الذهاب إلى المكان الذي أمره ربه بالذهاب إليه ذهابا إليه، وكذا الذهاب إلى مكان يعبده فيه لا أنه على تقديره مضاف أي مأمور ربي ولو أخر قوله وهو الشام كان أولى، وقوله إلى ما فيه صلاج الظاهر أنه لف ونشر موّس، ولو جعل مرتباً أو عمم في كل منهما صح. قوله: (وإنما بت القول الخ (أي قطع وجزم به لأنّ السين تؤكد الوقوع في المستقبل لأنها في مقابلة نفي لن المؤكد للنفي كما ذكره سيبويه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 والضمير في قوله لسبق وعده لله أو لإبراهيم على أنّ الضمير مضاف لمفعول لتتسق الضمائر، والظاهر أنه لما أمره بالذهاب تكفل بهدايته وليس فيما ذكره نسبة القصور إلى موسى عليه الصلاة والسلام حتى يقال ذإك في أمر دنيوي، وهذا في أمر ديني فلذا ناسب الجزم فيه بل للتفاوت بين مقاميهما أو ذاك كان قبل البعثة بخلاف هذا، والظاهر أنّ التوقع ليس ناشئا من قردّد في الإجابة بل تأدّب مع الله أن لا يقطع عليه بأمر قبل وقوعه، وقد صدر مثله عن نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله عسى أن يهديني ربي، وهو أرفع الرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله: (رب هب لي من الصالحين) تقديره ولداً من الصالحين، وحذف لدلالة الهبة عليه فإنها في القرآن وكلام العرب غلب استعمالها مع العقلاء في الأولاد كقوله: {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} [سورة الشورى، الآية؟ 41] ولذا سمي هبة وموهبة وأمّا قوله ووهبنا له أخاه هرون فمن غير الغالب أو المراد هبة نبوّته لا ذاته وهو شيء آخر. قوله: (ولقوله فبشرناه الخ) وجه لدلالته باعتبار ما يتبادو من فحواه فإنه إنما يقال مثله في حق الأولاد وكفى بعرف التخاطب شاهداً عليه كما فيما فبله فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيه على ما ذكر، ولا يتجه دفعه بأنها من تسبب البشارة على الدعاء فإنه لا يجدي دون ما ذكرناه وأيضا يجوز كون الدعوة مطلقة، والجواب خاص. قوله: (وبأنه دّكرا لاختصاص الغلام به، وقوله يبلغ أو إن الحلم بضمّ فسكون أي البلوغ بالسن المعروف فإنه لازم لوصفه بالحليم لأنه لازم لذلك السن بحسب العادة إذ قلما يوجد في الصبيان سعة صدر وحسن صبر واغضاء في كل أمر، ويجوز أن يكون من قوله غلام فإنه قد ختص بما بعد البلوغ وإن كان ورد عامّا أيضاً وعليه العرف كما ذكره الفقهاء، وقوله ويكودط حليماً معطوف على يبلغ وهذا من منطوقه وقوله وهو مراهق قريب من البلوغ فيعطي حكمه فلا يتوهم عدم مناسبته لما قبله مع أنه أغلبيّ، وقوله تشهد عليه أي تدل على ما ذكر فيهما. قوله: (فلما وجد الخ) بيان لحاصل المعنى المراد لا تقدير إعراب وبيان حذف إذ البلوغ لا يكون إلا بعد وجوده، وقوله لأن صلة المصدر الخ، وكذا أعماله معرّفا قليل أيضاً ومن اغتفر ذلك في الظرف جعله متعلقا به من غير تكلف. قوله: (فإنّ بلوغهما لم يكن معاً) ولو تعلق به لدل على ذلك وهو غير صحيح، وأمّا قول بلقيس أسلمت مع سليمان فلا يدلّ على جواز مثله باعتبار دلالته على التبعية وان لم يتحد زمان تلبسهما بالفعل لأنه أوّل بأنه حال أو فيه مضاف مقدر أي إسلاما مع دعوته وهذا أيضاً جار هناك بأن يقدر حالاً من فاعل بلغ أو فيه مضاف مقدر أي مع ترتبه فمن قال: المعنى ليس عليه لم يصب إذ لا مانع منه وقوله فقيل معه أي سعى معه لكن تقدم البيان خلاف الظاهر، وقوله فلا يستسعيه الخ فالمراد بيان أوانه وأنه في غضاضة عوده كان فيه ما فيه من رصانة العقل ورزانة الحلم حتى أجاب بما أجاب ففائدته بيان الواقع مع ما ذكر وفي الوجه الذي بعده بيان استجابة دعائه. قوله: (يحتمل أنه رأى ذلك) أي رأى في منامه أنه فعل ذبحه فحمله على عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنّ رؤياهم تقع بعينها أو رأى ما عبره بذلك وقوله: روّي أي فكر وتأمّل في ذلك ليعلم أهو رحمانيّ أم شيطانيّ، وقوله: وقال له أي قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لابنه. قوله: (والأظهر الخ) اختلاف في هذه المسألة مشهور ولكن الصحيح أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام للوجو. التي ذكرها المصنف، وقوله: أثر الهجرة أي هجرته إلى الشام وهي أوّل هجرة لله وكان رزقه قبل كبر سنه بخلاف إسحق. قوله: (أنا ابن الذبيحين) قال العراقي: لم أقف عليه (قلت) في مستدرك الحاكم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع البيإل فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه الحديث " ذكره في المواهب والشفاء وهذا يكفي لثبوته حديثاً فإنه قوله وفعله وتقريره، وقوله إن سهل الله له حفر زمزم لأنها كانت اندرس أثرها لما خلت مكة عن الناس بعد جرهم كما فصل في السير، وقوله أو بلغ الخ شك من الراوي وهو الصحيح لأنّ عبد الله لم يولد عند حفر زمزم، وقوله فخرج الخ هي قصة طويلة طواها المصنف، وقوله: ولأنّ ذلك كان بمكة يعني ولم يخرج لها إسحق ومن يقول هو إسحق وعليه أهل الكتاب يقول النحر بالأرض المقدّسة فلا يسلم هذا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 قوله: (ولآنّ البشارة بإسحق الخ) يعني في قوله تعالى في هود: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [سورة هود، الآية: 71] منه أي من إسحق فظاهره اقترانهما في البشارة بهما كما هو المتبادر وان أمكن وقوع البشارة بيعقوب منه بعد قصة الذبح كما مرّ فإذا بشر بالولد وولد الولد دفعة كيف يتصوّر، ويجيء ذلك الولد مراهقاً قبل ولادة يعقوب منه وكتابة يوسف إلى يعقوب غير ثابتة بل قال ابن حجر إنه موضوع فلا حاجة إلى تاويل ابن الذبيحين بأنه قد يطلق على العمّ والد، وقوله بفتح الياء أي من إني وهو ظاهر، وقوله احترقا أي حين حاصرها في زمن ابن الزبير رضي الله عنهما الحجاج، ومن قال هو إسحق يقول الذبح بالشام أو عند الصخرة وكتابة يعقوب إلى يوسف عليهما الصلاة والسلام حين أخذ أخاه ووقع في النسخ إسرائيل الله بالإضافة لأنّ إسرائيل بمعنى الصفوة، وقد مرّ أنّ معناه صفوة الله فلا وجه للإضافة منه إلا على التجريد وقيل إنّ في الدلالة على كونه إسحق أدلة كثيرة وعليه حمل أهل الكتاب، ولم ينقل في الحديث ما يعارضه فلعله وقع مرّتين مرّة بالشام لإسحق ومرّة بمكة لإسماعيل. قوله: (من الرأي) يحتمل أنه بيان لكون يرى من الرأي ويحتمل أن يكون بياناً لما في النظم ويعلم منه تفسير ترى أيضاً وهو على قراءة الفتح من الرأي والقصد المشاورة، وماذا مفعول مقدّم وقوله وهو حتم أي الذبح لأنه بوحي أو ما في حكمه مما يفيد الإيجاب، ولذا قال ابنه أفعل ما تؤمر وقوله بفتحها أي التاء وبإخلاص فتحها أي الراء، وقيل إنه لتسن المشاورة أو لأنّ ذبحه مما لم يرض قيل والأمر فيه سهل وضم التاء مع كسر الراء على حذف مفعوله أي تريني إياه من الصبر وعلى الضمّ، والفتح فالمعنى ما يسنح لخاطرك وفكرك. قوله: (أي ما تؤمر به الخ) يعني أنّ ما موصولة حذف عائدها بعدما حذفت الباء فعدى بنفسه كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به أو حذفا معاً أو ما مصدرية والأمر بمعنى المأمور به لأنه المفعول ولا حذت فهي، ثم إنّ الحذف بعد الحذف كالمجاز على المجاز مإنه يجوز إذا شاع الأوّل حتى التحق بالحقيقة ويمتنع في غيره والحذف الأوّل سائغ كما في البيت المذكور فكأنه متعد بنفسه فالحذف فيه كأنه واحد فلا ينافي هذا ما مرّ في قوله: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [سورة الصافات، الآية: 8] من منع المصنف اجتماع حذفين فمانه ليس على إطلاقه واذا جاز حذف جمل متعددة فلم لا يجوز حذف حرفين فلا حاجة إلى القول بأنّ الممنوع كونه حذفا قياسيا فلا يمتنع سماعاً على طريق الندرة. قوله: (على إرادة المأمور) يعني أنّ الأمر بمعنى المأمور كالطهور والإمام لما يتطهر به، ويؤتتم به فالمصدر المسبوك بمعنى الحاصل بالمصدر فإنه كالمصدر الصريح، وهو كثير إما يراد به ذلك كما مرّ فلا يرد أنّ المصدر المؤوّل لا يراد به الحاصل بالمصدر كما قيل، وقوله والإضافة إلى المأمور أراد بالإضافة معناها اللغوي يعني أنه كان الفعل المجهول فيه سنداً إلى الجارّ والمجرور وأصله بما يؤمر به فأسند إلى ضمير إبراهيم وهو المأمور تجوّزاً من غير حذف فيه وفيه نظر. قوله: (ولعله فهم من كلامه الخ) لأنّ قوله تؤمر يقتضي تقدم الأمر، وهو غير مذكور فإمّا أن يكون فهم أنّ معناه إني أمرت بذلك أو رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي فهي في معنى الأمر، والفرق بين الوجهين أنه فهمه على الأوّل من كلامه وعلى الثاني من عزمه على ما لا يقدم مثله عليه بدون أمر واليقظة بفتح القاف وتسكن للضرورة كما في قوله: فالعيش نوم والمنية يقظة والمرءبينهما خيال ساري قوله: (وإنما ذكر بلفظ المضارع) الداد على الاستمرار التجددي لتكرّر الرؤيا كما مز، وقوله: ستجدني أي لا يقع مني ما تخشاه، وقوله على قضاء الله أي كل ما قضاه ذبحا كان أو غيره فهو أعمّ من الأوّل. قوله: (استسلما) أي انقادا وأطاعا فيكون لازما وما بعده على أنه متعدّ مفعوله مقدر، وقوله الذبيح وما بعده بالرفع بدل من ضمير التثنية أو فاعل لفعل مقدر مفسر لقوله سلما، وقوله وقد قرى بهما أي باستسلما وسلما وقوله وأصله أي الأفعال الثلاثة وفي نسخة أصلهما والأولى أولى، وقوله فإنه الخ توجيه لاستعماله للخلاص بأنه لسلامته من النزاع. قوله: (صرعه على شقه) أصل معناه رماه على التل، وهو الترأب المجتمع كتربه، ثم عمّ لكل صرع وكونه على شقه من الجبين لأنه أحد جانبي الجبهة كما أشار إليه، وقوله كبه على وجهه الخ مرضه لأنّ قوله على الجبين يأباه ولذا خطأ الكندي أبا الطيب المتنبي في شرحه لقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 وخل زيا لمن تحققه ماكل دام جبينه ساجد فقال السجود على الجبهة لا على الجبين وقد وضع الجبين موضع الجبهة على عرف العامّة، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة هذا قول أهل اللغة ولم أر من نقل هذه اللفظة انتهى إلا أنه لا مانع من إطلاقه على الجبهة للمجاورة وعلى كل حال لا يخرجه عن الضعف، وقوله ثإشارته أي صرعه على وجهه بإشارة ورأى من ابته حتى لا ينظر كل للآخر فيرق قلبه ويحزن، ولذا تقول العامّة عين لا تنظر وقلب لا يحزن، وقوله تغيرا يرق كان الظاهر فيرق وفي نسخة يرق له أي للتغير لا للولد وهي أحسن لسلامتها من التكلف، وقوله وكان ذلك أي الموضع الذي تله فيه وأضمره لعلمه من ذكر الأرض ومنى يجوز صرفه وعدمه، وقوله على مسجده أى مسجد منى وذكره باعتبار المكان، واللام في قوله للجبين كما في: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [سورة الإسراء، الآية: 107] وقوله: وخرّ صريعاً لليدين وللفم لبيان ما خرّ عليه وليست للتعدية. قوله: (وجواب لما محذوف) مقدّر بعد قوله صدقت الرؤياء، وليس هو ناديناه والواو زائدة فيه لما في حذقه من البلاغة لإيهام أنه مما لا تفي به العبارة كما أشار إليه بقوله كان ما كان الخ وندأؤه كان بواسطة ملك، وتصديقه الرؤيا إمّا لبذل وسعه وان لم يقع ما رآه بعيته أو لأنّ الرؤيا تؤوّل وصدقها وقوع تاويلها ووقوعها بعينها ليس بلازم، وعدم قطع السكين لأنّ القطع يخلقه الله فيها عادة وقد لا يخلق أو لأنه قلب حدّها أو لأنّ مذبحه جعل الله عليه صفيحة من نحاسى لا يراها كما قيل. قوله: (تعليل لإفراج تلك الشذّة) أي إنّ الله فرّح كربهما لما فيهما من الإحسان، والخيرات الحسان وليس تعليلاً لما انطوى عليه الجواب من الشكر كما توهم فانه لا وجه له، وقوله بإحسانهما متعلق بتعليل. قوله: إواحتج به من جوّز النخ قبل وقوعه) أي الفعل كما نسخت الخمسين صلاة ئي حديث الإسراء، وهذا مذهب كير من الأصوليين ومن خالف فيه من المعتزلة وغيرهم أوّله، والخلاف في المسالة على وجهين هل يجوز النسخ قبل الوتوع والتمكن منه أو يجوز قبل الوقوع إذا تمكن منه وما نحن فيه من قبيل الثاني لتمكنه من الذبح ولذا لم يذكره المصنف، وهو محل النزاع بيننا وبين المعتزلة فإنّ الأوّل لم يقل به أحد غير الكرخي. قوله: (ولم يحصل) أي الذبح أو المأمور به فيكون نسخاً له قبل وقوعه مع التمكن منه، والفائدة فيه الابتلاء واختبار المكلف في انقياده فلا يرد قول المعتزلة إنه لا فائدة فيه، وحجة الفريقين مفصلة في أصول الفقه لكن من الحنفية من قال ما نحن فيه ليس من النسخ لأنه رفع الحكم لا إلى بدل، وهنا له بدل قائم مقامه ونظيره بقاء وجوب الصوم في حق الشيخ الفاني عند وجوب الفدية عليه فعلم أنه لم يرفع حكم المأمور به، وفي التلويح فإن قيل هب إنّ الخلف قام مقام الأصل لكنه استلزم حرمة الأصل أي ذبحه وتحريم الشيء بعد وجوبه نسخ لا محالة لرفع حكمه قيل لا نسلم كونه نسخاً، وإنما يلزم لو كان حكماً شرعياً وهو ممنوع فإنّ حرمة ذبح الولد ثابتة في الأصل فزالت بالوجوب، ثم عادت بقيام الشاة مقام الولد فلا يكون حكماً شرعياً حتى يكون ثبوتها نسخاً للوجوب اص. (قلت) هذا بناء على ما تقرّر من أنّ رفع الإباحة الأصلية ليس نسخاً أمّا على أنه نسخ كما التزمه بعض الحتفية إذ لا إباحة و، تحريم إلا بشرع كما قرّروه فيكون رفع الحرمة الأصلية نسخا واذا كان رفعها نسخاً أيضا يبقى الإيراد المذكور من غير جواب على ما قرّر في شرح التحرير. قوله: (الذي يتميز فيه المخلص من غيره (يعني أنّ المبين من أبانه المتعدّى، وقوله أو المحنة البينة على أنه من اللازم وذكر الصعوبة لأنّ معنى ئبين البلية ظهور صعوبتها لا للإشارة إلى أنها صفة جرت على غير من هي له كما توهم لأنه لا مجال له. قوله: (بما يذبح) إشارة إلى أنّ ذبح بالكسر صفة بمعنى ما يذبح وكونه بدله هو معنى الفداء، وقوله فيتم به أي بما يذبح الفعل المقصود من القربان وهو إراقة الدم بقطع الأوداج لله، وكونه عظيم الجثة لأنه مطلوب في الأضاحي وكونه عظيم القدر لما حصل به من عظيم النفع كما ذكره، وقوله من نسله الخ ترجيح لكونه إسماعيل وقوله وعلا بسكون العين المهملة وكسرها وكذئل العنز البرية أو الذكر منها، وثبير اسم جبل بمكة معروف وقوله سنة أي في رمي الجمار، وروي أنه إنما روي الشيطان إذ تعرّض لهما 0 قوله: (والفادي على الحقيقة لخ الأنه المباشر له لكنه جعل مجازاً بمعنى أمرنا أو أعطينا، أو أسند إلى الله مجازاً ويجوز كونه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 استعارة مكنية أيضاً وفائدة العدول عن الأصل تعظيمه. قوله:) واستدل به الحنفية الخ (وكذا نقله القرطبي عن الإمام مالك، وكذا لو نذر قتله كما قاله الجصاص ولو نذر ذبح عبده لا شيء عليه وعند أبي يوسف لا شيء عليه في الكل لأنه لا نذر في معصية الله والقتل حرام، وكفارته كفارة يمين وقال أبو حنيفة أنه في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام عبارة عن ذبح شاة، ولم يثبت نسخة فليس معصمية وقوله وليس فيه أي فيما ذكر من النظم ما يدل على أنه كان ظ را من إبراهيم حتى يستدل به، وأجيب بأنه ورد في التفسير المأثور أنه نذر ذلك وهو في حكم النص، ولذا قيل له لما بلغ أوف بنذرك وبأنه إذا قامت الشاة مقام ما أوجبه الله عليه علم قيامها مقام ما يوجبه على نفسه بالطريق الأولى فيكون ثابتا بدلالة النص فتأمّل. قوله: العله س عئه إنا) إذ لم يقل إنا كذلك كما في غيره قال في درة التنزيل لما كان قوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} تذييلاً جعل إمارة على التمام لم يذكر هنا كما في غيره لتقدم ذكر هذه القصة مؤكدة به تكيداً أغنى عن إعادته هنا وللإشارة إلى أنّ هذه القصة لم تتم فلذا لم يعبر فيها بما جعل مقطعاً هذا محصل ما ذكره، وهو كلام حسن، وما ذكره المصنف يشير إليه. قوله: (مقضياً نبوّته مقدرا كونه من الصالحين الخ الما لم يكن في حال البشارة موجودا ولا نبيا من الصالحين أوّله بما ذكر لتوجد المقارنة باعتبار التقدير، والقضاء الأزلي فتقارن الحال صاحبها على هذا التقدير وتتضح الحال كما ستفصله لك، وقوله من الصالحين حال أيضاً. قوله: (ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة) ردّ على الزمخشري حيث جعلها حالاً مقدرة كأدخلوها خالدين، ثم قال: ولا بد فيه من تقدير مضاف أي بشرناه بوجود إسحق نبيا أي بأن يوجد مقدّرا نبوّته، وهو العامل في الحال لأفعل البشارة وبذلك صار نظير ادخلوها خالدين مع الفرق البين بينهما فإنهم كانوا موجودين حالى الدخول دون الخلود فلذا أوّل بمقدّرين بخلافه حال البشارة إذ لم يكن موجوداً فيشكله حاله وقرّره الطيبي بأنّ الحال حلية ووصف يقتضي تقرّر الموصوف، والوصف عند إثباته له كما صرّح به السكاكي، وردّه المصنف بوجهين الأوّل أنّ وجوده ليس بلازم وإنما اللازم مقاونة معنى العامل لاتصافه بمعنى الحال موجودا كان أو لا فلا حاجة لما ذكره من التقدير والثاني أنه على تسليم ما ذكره لا يكون نظيراً لأدخلوها خالدين فإنهم حال الدخول مقدربن للخلود وهذا حال الوجود لم يكن مقدراً للنبوّة والصلاح، وقال المدقق في الكشف فيه بحث فإنه نظيره في أنه حال مقدّرة وأنّ التقدير مقارن لوجود ما وقع نبياً حالاً منه، ولفظ مقدر الذي قدره في الحال المقدرة اسم مفعول قائم به ولا يجب أن يكون اسم فاعل، وهو القائل وهذا يقتضي الحال المقدرة، وأما التخصيص بهذا أو ذاك فعلى حسب المعنى والمقام، ثم أنّ تقدير الوجود لا محيص عنه، وان لم تكن الحال مقدرة لأنّ البشارة لا تتعلق بالأعيان تقول بشرته بقدوم زيد فمعنى بشرناه بإسحق بوجوده لا محالة فما ذكره في الكشاف لا بد منه، وما جنح إليه القاضي لا يغني عنه (أقول) قد أطال الشراح هنا من غير طائل والتحقيق أنّ الأصل في الحال أنّ تقاردط العامل في الوجود باعتبار معناها المراد منها سواء كان حقيقة أو مجازاً في زمان من أحد الأزمنة الثلاثة الدال عليه العامل فإن لم تقارنه كانت مقدّرة، وليس المراد أنها مجاز عن معنى مقدراً بل هو مجاز أول أو مجاز في النسبة الحالية، والمصنف لما جعله بمعنى مقضيا ومقدراً بصيغة المفعول أي في تقدير الله كانت غير مقدرة عنده كما صرّح به فمن حمله عليه فقد أخطأ وإنما هو تجوّز كما مرّ بجعل ما قدّر كالمقارن فقولهم مقدّراً سواء كان اسم فاعل أو مفعول إشارة لذلك، وما ذكره المصنف من أنّ المقدر بصيغة الفاعل صاحبها غير صحيح لأنه يلزمه أن يكون نحو وضعته أمّه مربية له مثلاً ليس منه لأنّ المولود لا يكون مقدراً والمقدر غيره إلا أن يجعل استعداده بمنزلة تقديره، وهو تعسف فما ذكره كلام مغشوس ثم إنّ مقارنة الحال إن أريد بها مقارنة جزء مّا فالدخول يقارن أوّل الخلود، وان أريد مقارنة جميعه لزم أن يكون نحو مررت به راعيا حال مقدرة ولا قائل به اللهمّ إلا أن يراد مقارنة كل جزء أو جزء معتبر منه وفيه ما فيه، ثم إنّ قوله في الكشف إنّ البشارة فتعلق بالمعاني دون الذوات إن أراد أنه إنما تستعمل كذلك فالواقع خلافه كبشر أحدهم بالأنثى ويشر بولد فإن قال إنما يصح بتقدير ولادة ونحوه من المعاتي فهو محل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 النزاع فلا وجه له. فوله: (وجود المبشر به الخ) أي الخارجي وعدل عن وجود الحال إلى وجود المبشر به الأخص للإشارة إلى عدم لزومه هنا بل لزوم عدمه لأنه لا يبشر بالحاصل ليثبت ما ذكر بطريق يرهاني فسكون الحال حلية قائمة بالمحلى غير صحيح كما بيناه، وقوله بل الشرط الخ قد أوضحناه بما لا مزيد عليه، وقوله فلا حاجة إلى تقدير الخ قد مر تحقيقه وأن ادعاءه في الكشف أنّ الحاجة ماسة له لا وجه له، وما قيل من أنّ تعلق البشارة بالأعيان ادّعائية للمبالغة ولا منع منه على أنّ الوجود عين الماهية عند الأشاعرة أو المراد لا حاجة له في حل الأشكال لا يسمن ولا يغني من جوع مع أنه لا حاجة له لما عرفت، وقوله لاعتبار المعنى وقع في نسخة للاعتبار المعنى بالتوصيف فالمعنى بصيغة المفعول يعني أنّ الشرط تعلق التبشير بإسحق مقارنا للمقصود بالحال من القضاء والتقدير لكفايته فيه. قوله: (ومع ذلك لا يصير نظير الخ) رد على الزمخشري فيما مرّ، وقد عرفت أنه غير صحيح وأنه مبني على أن مقدر المقدر بزنة اسم افاعل لأنّ المقدر ذي الحال فلا يتوجه عليه أنّ التنظير في مجرّد كونه حالاً مقدرة، دمان أخئلف المقدر فيهما لأنه غير مسلم عنده، وقوله فانّ الداخليق كانوا مقدّرين وقع في نسخة كعضهم بدون كانوا فاعترض بأنّ الصواب مقدرون إلا أن يقدر كان وهو من سهو الناسخ. لوله: (ومن فسر الغلام بإسحق الخ) يعني في قوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ} [سورة الصافات، الآية: 01 ا] بناء على أنه الذبيح بجعل البشارة الأولى بولادته، ثم إنه بعدها وبعد قصة الذبح والفداء كره بنبوّته لئلا تتكرر البشارة، ويكون الأمر بذبحه مع كونه سيصير نبياً وأبا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام منافياً له كما احتج به من قال إنه إسماعيل لكنه خلاف الظاهر لأنه كان الظاهر ان يقال بشرناه بنبوّته ونحوه وتقدير أن يوجد نبيا لا يدفعه أيضاً لأنّ التقدير خلاف الظاهر أيضاً رعلى هذا التقدير فالحال مقدرة أيضاً لا مقارنة كما توهم لأنّ نبوّته بعد ذلك وكون المقصود! ال وذكر إسحق تعييناً لاسمه، وتوطئة لما بعده فيؤول الكلام إلى التبشير بنبوّته ووصفه، الصلاح الذي طلبه مع أنه لا قرينة عليه لا يدفع كونه خلاف الظاهر واستبعاده. قوله: (وفي ذكر الصلاح الخ) توجيه لأنه لا يليق وصف الأنبياء بالصلاح ولو سلم فينبغي تقديمه على الوصف بالنبوّة لثلا يلغو بأنّ الصلاح ضدّ الفساد، ولذا قوبل به في قوله: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 56] وقد يقابل بالسيئ كما في قوله: {عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [سورة التوبة، الآية: 52 ا] وهو في الاستعمال يختص! بالأفعال كما قاله الراغب فذكر بعدها هنا تعظيما لشأن الصلاج حيث جعل من صفات كمل الأنبياء وأو ما بتأخيره إلى أنه غاية الراغب فذكر بعدها هنا تعظيما لشأن الصلاح ونتيجتها لاختصاصه بالأفعال، والمقصود من الكمال والتكميل الإتيان بالأفعال السديدة الحسنة، وقوله على الإطلاق يعني في جمير من عداه أو في جميع أفعاله لتكون بأسرها صالحة وهو من أعظم الأوصاف، وقوله بالفعا! متعلق بالتكميل. قوله:) على إبراهيم في أولاده (الظاهر أن التعميم الآتي أحسن، ولم ير%يم الضمير للمبشر به لبعده لفظا ومعنى إذ سياق الكلام لمدح إبراهيم عليه الصلاة والسلام م! يم ته لا يتمشى على القول بأنه إسحق كما مرّ وأعاد على مع إسحق إشعاراً باستقلاله في افي! يث، والضمير في قوله من صلبه لإبراهيم لأنّ أولاد إسحق كلهم من بني إسرائيل وأيوب من نسل عيص بن إسحق وشعيب من نسل مدين بن إبراهيم، وقوله قرئ وبرّكنا أي من التفعيل بالتشديد للمبالغة وقوله محسن في عمله فلا يقدر له مفعول، وقوله على نفسه عداه بعلى لتضمنه معنى متفضل ويدخل في المعاصي ظلم الغير، وقوله مبين إشارة إلى أنّ غيره قلما يخلو منه فلذا لم يذم به. قوله: (البليغ في بيانه) هو من المبالغة، ويجوز كونه من البلاغة وهما مأخودان من زيادة البنية، وقوله ابن ياسين وقع في نسخة ماسين بالميم ولا أدري صحتها وكانه م! ض ث، من بنيامين فإن ماسين ليس بعبراني، وقوله وقيل إدرشى فأحدهما اسم والآخر لقب، ومزضه لأنّ الظاهر تغايرهما وأمّا كون الظاهر ذكره قبل نوج ففيه نظر، وقوله وفي حرف أبيّ أي قراءته إبليس بهمزة مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وأخرى بعد اللام ساكنة، وقيل إنها مفتوحة وسين مهملة، وقوله مع خلاف عنه في الرواية فروي عنه الوصل والقطع والثانية أشهر حتى قال الداني إنه قال بغير همز يعني لا تهمز الألف التي قبل السين كما في كاس ففهموا عنه الوصل، ولم يرّده وردّه صاحب النثر وقال إنه خطأ، وهذا إما على أنه ياس دخلت عليه أل أو على أنه إلياس فتلاعبوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 فيه لعجمته. قوله: (أتعبدونه) على أنّ الدعاء بمعنى العبادة أو هو طلب الخير بمعناه المشهور، وقوله صنم كان لأهل بك الخ ظاهره أنّ الصنم لقوم إلياص، وفي القاموس إنه لقوم يونس ولا مانع لكونه لهما حتى يقال إنه تحريف وظاهره أيضاً أنّ البلد لم تسم قديماً بعلبك بل بك فقط والمشهور خلافه، وقوله أتدعون بعض البعول أي الأرباب والمراد الأصنام فالتنكير للتبعيض فيرجع لما قيل قبله. قوله تعالى: ( {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} ) لا يرد عليه أن أفعل يضاف لما هو منجنسه وخلق الله بمعنى الإيجاد، وخلق العباد كسبهم وهو على مذهب المعتزلة ظاهر لأنّ المراد أعظم من يطلق عليه ذلك بأي معنى كان كما قاله الآمدي، وقوله وتتركون عبادته فهو بتقدير مضاف فيه أو المراد بتركه ترك عبادته ولم يقل أو تتركون طلب الخير منه كما فسر به تدعون قبله اكتفاء بما علم مما سبق بل لأنهم لا يتركون ذلك كما لا يخفى لقوله: (إذا أصابتهم مصيبة دعوا الله مخلصين) ونحوه وقال: وتذرون ولم يقل تدعون مع مناسبته ومجانسته لما قبله لأنّ مثله من الصيغة المتكلفة غير ممدوح عند البلغاء ما لم يجيء عفواً بطريق الاقتضاء ولذا ذم الفصحاء من يقول مثله فقالوا: طبع المجنس فيه نوع قيادة أو ما ترى تأليفه للأحرف على أنّ المناسب هذا دونه لأنّ مثله ربما ألبس على من يقرأ من المصحف دون حفظ من العوام وأيضاً يدع إنما استعملته العرب في الترك الذي لا يذم مرتكبه لأنه من الدعة وهي الراحة، ولذا سمي مفارقة الناس بعضهم بعضا موادعة دون مواذرة، ويذر بخلافه لأنه يتضمن إهانة وعدم اعتداد لأنه من الوذر وهي قطع اللحمة الحقيرة كما أشار إليه الراغب وهذا مما لا مرية فيه، وأمّ ما قيل من أنّ الجناس ونحوه من المحسنات فهو مناسب مقام الرضا والمسرة لا مقام الغضب والتهويل فمما لم يقله أحد سواء مع مخالفته للمعقول والمنقول أمّا الأوّل فلأنه لا علاقة بين البلاغة وبين ما ذكر، وأمّا الثاني فلأنهم قالوا لم يقع الجناس التامّ في القرآن إلا في موضعين في قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [سورة الروم، الآية: 55] وقوله: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [سورة النور، الآية: 43- 44] جمع بصر وبصيرة وهما في المقام الذي زعم أنه غير مناسب، وكذا ما قيل إنّ ح أمر للترك قبل العلم وذر بعده كما نقل عن الرازي فإنه لا يساعده اللغة والاشتقاق فالوجه ما سمعتة وإنما أطلنا الكلام لما ذكره المتصلفون، وهم يحسبون أنهم يحسنون. قوله: (وقد أشار فيه) أي في قوله أحسن الخالقين إلى المفتضى للإنكار على من ترك عبادته، وهو خالق عظيم إلى خلافه ثم صرح بما أومأ إليه أوّلاً للاعتناء به بقوله: {اللَّهُ رَبُّكُمْ} الخ فإنّ من كان ربا لهم ولآبائهم هو الحقيق بتوحيده بالعبادة وعبادته بالتوحيد، وقوله بالنصب أي نصب الثلاثة على أنها بدل من قوله أحسن الخالقين وغيرهم قرأه بالرفع على أنه مبتدأ وخبر أو خبر مبتدأ محذوف وربكم عطف بيان أو بدل منه. قوله: (مخصوص بالشرّ عرفاً) أي في العرف العام أو حيث استعمل في القرآن لإشعاره بالجبر والقهر، وقوله من الواو أي في قوله فكذبوه، وقوله لفساد المعنى لأن ضمير محضرون للمكذبين فإذا استثنى منه اقتضى أنهم كذبوه ولم يحضروا وفساده ظاهر وقيل وجهه أنه إذا لم يستثن من كذبوا كانوا كلهم مكذبين فليس فيهم مخلص فضلاً عن مخلصين ومآله ما ذكر لكنه قيل عليه إنه لا فساد فيه لأن استثناءهم من القوم المحضرين لعدم تكذيبهم على ما دل عليه التوصيف بالمخلصين لا من المكذبين، والمعنى واحد وردّ بأنّ ضمير محضرين للمكذبين لا للقوم فلا وجه لما ذكر أصلا كما مرّ، وتعقب بأنّ ضمير محضرين للقوم كضمير كذبوا والذي غرّه الفاء وهي إنما تفيد ترتب إحضار القوم على تكذيبهم فالمال واحد ولا يخفى أنّ اختصاص الإحضار بالعذاب يعين كون ضميره للمكذبين لا لمطلق القوم فإن لم يسلمه فهو أمر آخر لكن اختصاصه صرّج به السمرقندي وغيره، وهذا إنما هو على تقدير الاتصال. قوله: (كسيناء وسنين) وجه الشبه بينهما أنّ الأوّل علم غير عربي تلاعبوا به فجعلواه بصيغة الجمع، أو أنّ زيادة الياء والنون في السريانية لمعنى كما في الكشاف لا في الوزن والا لكان حقه أن يقول كميكال وميكائيل، واختاو هذه اللغة على هذا رعاية للفاصلة. قوله: (وقيل جمع له) على طريق التغليب بإطلاقه عليه وعلى أتباعه وقومه كما يقال المهالبة لمهلب، وقومه وضعفه بما ذكره النحاة من أنّ العلم إذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 جمع أو ثنى وجب تعريفه بالألف واللام جبراً لما فاته من العلمية ولا فرق فيه بين التغليب، وغيره كما صرح به ابن الحاجب في شرح المفصل، فالاعترا ضبأنّ النحاة إنما ذكروه فيما إذا قصد به مسماه أصالة وهذا ليس منه وهم وإنما يرد هذا على من لم يجعل لام إلياس للتعريف لكن هذا غير متفق عليه قال ابن يعيش في شرح المفصل يجوز استعماله نكرة بعد التثنية والجمع ووصفه بالنكرة نحو زيدان كريمان وزيدون كريمون وهو مختار عبد القاهر، وقد أشبعوا الكلام عليه في المفصلات. قوله: (أو للمنسوب) معطوف على قوله له أي قيل إنه جمع إلياسيّ فخفف بحذف ياء النسب لاجتماع الياآت في الجر والنصب كما قيل أعجمين في أعجميين كما مرّ تحقيقه في الشعراء، وضعفه بقلبته والتباسه بإلياس إذا جمع وإن قيل حذف لام إلياس مزيل للإلباس لما مرّ، وقوله ملبس بكسر الباء وفتحها موقع في اللبس والاشتباه وأيضاً هو غير مناسب للسياق والسباق إذ لم يذكر آل أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله لأنهما في المصحف أي العثماني رسم منفصلاً فيؤيد هذه القراءة لا لأنه قرئ به اتباعاً للرسم كما توهمه هذه العبارة، وقوله فيكون الخ ليوافق معنى القراءة الأخرى لأنّ الآل يطلق على الأولاد كأل محمد. قوله: (والكل لا يناسب الخ) أي ما ذكر بعد قوله وقيل أما الأوّل فلذكره بتبعية أبيه دون اسمه، وأمّا الثاني فإنه إنما يذكر السلام عليهم أنفسهم بعد قصة من قصصهم وكذا ما بعده، وقوله إذ الظاهر الخ وعلى غير الأوّل لم يعد عليه وعليه فعوده على آل وإن كان هو المراد خلاف مقتضى الظاهر لغي نكتة، وقوله سبق بيانه أي في الشعراء. قوله: (مئاجوكم) جمع متجر زمان التجارة أو محل التجارة والمراد طرق متاجركم، وسدوم بالدال المهملة والمعجمة بلدة قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقوله ومساء فالمراد بالليل أوّله لأنه زمان السير ولوقوعه مقابل الصباح، وقوله أو نهاراً وليلاً بتأويل الصباح به لوقوعه مقابل الليل ظ مّا أن يؤوّل الثاني أو الأوّل وقدم الأوّل لأنه تأويل عند الحاجة له، وقوله ولعلها الخ توجيه للئخصيص على الوجه الأوّل بأنهما وقت الارتحال والنزول في الغالب وهي وإن كانت منزلاً حينئذ فهي ممرّ أيا وخصت بالتوجيه لأنه أرجح ولذا قدم، وضمير وقعت لقرية سدوم وكذا ضممير لها فلا وجه لما قيل حقه التذكير قيل ولو أبقى على ظاهره لأنّ ديار العرب لحرّها يسافر فيها في الليل إلى الصباح خلا عن التكلف في توجيه المقابلة، وقوله أفلا تعقلون قبل تقديره اتنظرون فلا تعقلون وهو على أحد القولين، ويونس مثلث النون ولكنه لم يقرأ بالفتح. قوله: (هرب) فرب بعض اللغويين بينهما بأن الإباق الهرب من غير خوف وكد عمل وقوله بغير إذن ربه على خلاف معتاد الأنبياء كما في هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فإنه لم يهاجر حتى أوحى إليه كما ذكر في حديث الهجرة وقوله حسن إطلاقه لأنه استعارة شبه خروجه بغير إذن ربه بإباق عبد من سيده أو هو من استعمال المقيد في المطلق والأوّل أبلغ، وقيل الإباق الفرار بحيث لا يهتدي إليه طالب، وكان لما خرج طلبه قومه فلم يجدوه فاستعير لى نظراً لهذا القيد، وهو إن سلم اعتباره فيه على ما ذكره بعض أهل اللغة فلا مانع من غيره، والمراد بكونه لا يهتدي إليه آئه يختفي قاصداً أن لا يجده من طلبه، ولا يهتدي على قصده فلا ينافي أنّ الآبق يوجد كثيراً كما توهم، وقوله فقارع أي فرميت القرعة وبهذا اسندل من قال بمشروعيتها وضمير قارع ليونى عليه الصلاة والسلام، وأهله للفلك والمراد باهله من فيه. قوله: (وأصله المزلق) بصيغة المفعول أي الواقع لزلقه فاستعير للمغلوب لسقوطه من مقام الظفر وقوله ههنا عبد آبق وكان عندهم أنّ السفينة إذا كان فيها آبق أو مذنب لم تسر وكان ذلك بدجلة، وقوله من اللقمة أي مستعار منها لشبهه بها. قوله: (ادخل في الملامة) يعني إنّ بناء أفعل للدخول في الشيء نحو أحرم إذا دخل الحرم، وقوله أو آت بما يلام عليه يعني أنّ الهمزة فيه للصيرورة نحو أغد البعير أي صار ذا غدّة فهو هنا لما أتى ما يستحق اللوم عليه صار ذا لوم ومفعوله محذوف وهو نفسه، وقوله مليم نفسه يعني الهمزة فيه للتعدية ومفعوله محذوف وهو نفسه كقدم وأقدمته كما ذكره النحاة في معاني أفعل، وقوله وقرئ بالفتح أي بفتح ميمه الأولى وكان قياسه ملوم لأ نه واويّ ولكن لما قلبت ياء في المجهول كليم جعل كالأصل فحمل الوصف عليه، ومشوب بمعنى مخلوط ومشيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 محمول على شيب بالبناء للمفعول. قوله: (الذاكرين الخ) يعني إنه من سبح إذا قال سبحان الله والكثرة تستفاد من جعله من المسبحين دون أن يقال مسبحا كما مرّ أنّ قولك فلان من العلماء أبلغ من عالم لجعله عريقاً فهم منسوباً إليهم ومثله يستلزم الكثرة لا من التفعيل لأن معنى سبح لم يعتبر فيه ذلك فلا يقال إنه لا حاجة إلى ما وجهناه به، وقوله مدة عمره أي من غير اعتيار القيد الذي بعده، وقوله من المصلين قال ابن عباس رضي الله عنهما كل ما في القرآن من التسبيح فهو بمعنى الصلاة ومرضه لأنه تجوّز من غير قرينة والأصل الحقيقة. قوله: (حياً) ولا ينافيه ما ورد من أنه لا يبقى عند النفخة الأولى ذو روح لأنه مبالغة في طول المدّة مع أنه في حيز لو فلا يرد رأسا أو المراد بوقت البعث ما يشملها لأنه من مقدماته فكأنه منه، أمّا على الثاني فلا يرد لأنه لا مانع من أن يبقى مع بنية الحوت ميتين من غير تسليط البلاء عليهما، والحث على إكثاره لما ف! هـ من النفع العظيم، وتعظيمه بوصفه به دون النبوّة ونحوها، وقوله أقبل عليه أي على الله وأضمر لعلمه من السياق، والظاهر أنّ قوله ومن أقبل الخ عطفد على قوله وفيه حث الخ، وهو مسوق لتأييد ما قبله مطلقاً، وقيل إنه معطوف على حث أي فيه مضمون هذا وهو على التفسير الأوّل والثالث، وفيه نظر ثم إنه قيل إنّ قوله لبث دل على حياته لأنه ظاهر تفسير أهل اللغة له بالإقامة، وأما قوله لبثتم في الأرض عدد سنين فمجاز وأمّا دلالته على أنّ هلاك النفخة لا يعم حيوانات البحر فبقاء حوت منها إن سلم لا يدل على عموم ما ذكر. قوله: (بأن حملنا الحوت على لفظه) أي وميه من جوفه وإخراجه ولما كان النابذ له حقيقة الحوت ولكن ذلك بسبب ما أوجد الله فيه من الحامل عليه أشار بقوله حملنا الخ إلى أنّ إسناوو مجازي وما ووي لا ينافي قوله نادى في الظلمات كما توهم لأنه بمجرّد رفع رأسه لا يخرج بها كما لا يخفى، وليس رفع رأسه ليمتنع دخول الماء جوفه حتى يقال السمك لا يحتاج لمثله بل لئلا تنحصر نفسه وتنخنق، وقوله صار بدنه الخ يدل على ضعف القول الأوّل. قوله: (مظلة عليه) كالخيمة تصوير لمعنى ألاستعلاء وتوجيه لذكر على واشارة إلى أنه حال من شجرة قدمت لكون صاحبها نكرة، وقوله شجرة من يقطين اشتهر أنّ الشجر ما له ساق لكن ما وقع في هذه الآية وفي حديث البخاري شجرة الثوم يدل على خلافه، قال الكرماني العامّة تخصص الشجر بماله ساق وعند العرب كل شيء له أرومة تبقى فهو شجر وغيره نجم، ويشهد له قول أفصح الفصحاء اهـ، ولك أن تقول أصل معناه ما له أرومة لكنه غلب+ في عرف أهل اللغة على ما له ساق وأغصان فاذا أطلق يتبادر منه المعنى الثاني وإذا قيد كما هنا، وفي الحديث يرد على أصله وهو الظاهر فما قيل يحتمل أنّ الله أنبتها على ساق لتظله خرقا للعادة تمحل في محل لا مجال للرأي فيه. قوله: (من شجر الخ) هو معنى يقطين كما يدل عليه اشتقاقه ويفعيل من نادر الأوزأن، والدباء بضم الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة والمد ويقال شبه بالهاء القرع وهو معروف وكون الذباب لا يقع عليه من خوأصه، وكان لرقة جلده بمكثه في بطن الحوت يؤذيه الذباب أذى شديداً فلطف الله به بهذا، وقوله: " إنك لتحبّ القرع " الخ أما محبته للقرع فثابتة للبخاري ولكن هذا الحديث لم تخرجه الحفاظ واضافة الشجرة له للملابسة المذكورة، وقوله يغطي الخ على الأخير لأنه ليس في الورق أكبر منه وكونه على الجميع كما قيل لا يخلو من مكلف وضمير عليه في لا يقع عليه للورق، وقوله وقيل الخ مرضه لأنه لا يعرف تسميته بيقطين، ونينوى بنون مكسورة بعدها ياء ساكنة، ثم نون مضمومة ثم واو وألف اسم الموصول أو قربة بقربها وهي قرية يونس عليه الصلاة والسلام. قوله: (والمراد به ما سبق من إرساله الخ) في قوله لمن المرسلين وفي شرح الكشاف فهو عطف على قوله وانّ يونس الخ على سبيل البيان لدلالته على ابتداء الحال وانتهائه وعلى المقصود من الإرسال، وهو الإيمان واعترض! بينهما بقصتة اعتناء بها لغرابتها وقدر واذكر إذ أبق وأورد عليه أنه يأبى عن حمله على الأوّل الفاء في قوله فآمنوا، وأجيب بأنه تعقيب عرفي نحو تزوّج فولد له وأقرب منه أنها للتفصيل أو السببية، وقوله أو إرسال ثان الخ أورد أنّ المرويّ أنهم بعد مفارقته لهم رأوا العذاب، أو خافوه فآمنوا فقوله فآمنوا في النظم يأبى عن حمله عن إرسال ثان إلا أن يكون المقرون بحرف التعقيب إيمان مخصوص، أو أنه بتأويل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 أخلصو! الإيمان وجددوه لأنّ الأوّل كان إيمان يأس، وقوله أو إلى غيرهم قيل هو متعلق بمقدّر لا معطوف على قوله إليهم لأنّ قوله ثان يأباه وفي إبانه نظر. قوله: (في مرأى الناظرا لما كانت أو للشك، وهو محال على علام الغيوب وجهه بأنه ناظر إلى الناظر منا والمقصود بيان كثرتهم، أو أنّ الزيادة ليست كثيرة كثرة مفرطة كما يقال هم ألف وزيادة، وجوّز أيضاً أن تكون أو للإبهام من غير اعتبار للناظر لنكتة أو بمعنى بل أو الواو كما قرئ به وأمّا كون المكلفين بالفعل مائة ألف والمراهقون الذين بصدد التكليف زيادة، ولذا عبر فيه بالفعل فمع أنّ المناسب له الواو وتكلف ركيك وأقرب منه أنّ الزيادة بحسب الإرسال الثاني، ويناسبه صيغة التحذد يزيدون أو تجريده للمصدرية فإنه ضعيف. قوله: (فصدّقوه أو فجددوا الإيمان به) متعلق بالإيمان وقوله بمحضره متعلق بجددوا وهو بعدما آمنوا بغيبته بعدما رأوا أمارات العذاب كما قيل تبعا لبعض المفسرين، ويرد عليه إذا نزل العذاب أو بدا نزوله لا يصح الإيمان لأنه إيمان يأس فإمّا أن يكون ما ذكر قبل معاينة العذاب فلا إشكال، أو بعده فيجوز أن يقبل منهم لأنه علم صدقهم فيه ويقينهم لا قصد دفع العذاب وهؤلاء هم الذين أخبر الله عنهم أنهم لا ينفعهم الإيمان بعد المعاينة كما صرح به السمرقندي أو يكون هذا مخصوصا بهؤلاء لقوله تعالى: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ} [سورة يونس، الآية: 98] الخ والتفسير الأوّل على الوجوه والثاني على تكرير الإرسال. قوله ة (لم يختم قصته الخ) أي بقوله {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ} الخ والكبر بضم ففتح جمع كبرى، وتوله أو اكتفاء الخ قيل تخصيصهما بالاكتفاء محتاج المخصص فهذا الجواب لا يغني عما قبله فينبغي الاكتفاء بالأوّل ودفعه ظاهر لأنهما لتأخر ذكرهما قربا منه فكان الاستغناء به عن سلامهما ظاهراً وكيف يصح الاقتصار على الأوّل، واليأس ليس من أولي العزم وأصحاب الشرائع الكبر. قوله: (معطوف على مثله في أوّل السورة) وهو قوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} [سورة الصافات، الآية: 11] الخ والفاء في المعطوف عليه جزائية في جواب شرط مقدّر وهذه عاطفة تعقيبية لأنه أمر بهما من غير تراخ لكنه أورد عليه أنه فيه فصل طويل إن لم يمتنع لا ينبغي ارتكابه، وقد استقبح النحاة الفصل بجملة في نحو أكلت لحماً وأضرب زيدا وخبزا فما بالك بجمل بل سورة، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه تبعا للزمخشري بأنّ ما ذكره النحاة في عطف المفردات وأمّا الجمل فلاسنقلالها مغتفر فيها ذلك، وهذا الكلام لما تعانقت معانيه وارتبطت مبانيه، آخذاً بعضها يحجز بعض حتى كأنها كلمة واحدة لم يعد بعدها بعدا فقال لما يلائمه من القصص موصولاً يعضها ببعض الخ واتصالها بأوّل السورة كاتصال المعطوف لأنّ عظيم خلقه كما دل على الحشر دل على تنزهه عما لا يليق بجلاله كالولد والردّ على مثبتي الولد مناسب للرد على منكري البعث أتم مناسبة، والسائل والمسؤول منه والأمر فيهما متحد: وليس يضير البعد بين جسومنا إذا كان ما بين القلوب قريبا وأمّا ما قيل إنّ ضمير استفتهم للرسل المذكورين، وما عداه لقريش والمراد أحد إحبارهم ممن يوثق به من أممهم أو كتبهم أي ما منهم أحد إلا نزهه تعالى عن أمثال هذا حتى يونس عليه الصلاة والسلام في بطن حوت! هـ فلا يليق بالنظم الكريم لما فيه من التعسف إذ كيف يستفتي من لم يره فلما شعر به هذا جعل استفتاءه سؤال علماء أمّته، والنظر في صحفه فليت شعري بماذا يجيب لو قيل له ما دعاك لهذا المضيق حتى ارتكبت ما لا يليق، وعدى الاستفتاء بعن وهو يتعدى بفي لما فيه من معنى التفتيش. قوله: (جارا لما يلاتمه) من ذكر الأنبياء وتكذيبهم؟ وما حل بهم من سوء العاقبة وشآمة الإنكار ليعتبروا بهم وتفصيل ملاءمة كل جملة لما بعدها مفصل في شرح الطيبي فإن أردت فانظره، وقوله ثم أمر الخ عطف بثم والذي في النظم العطف بالفاء فلا وجه للعدول عنه كما وقع في الكشاف فكأنه لما كان بينهما فصل طويل، وهو بصدد بيانه ناسب هنا ثم، وقوله هؤلاء يعني به القائمين والتجسيم وما بعده بدل من ضلالات والتجسيم من التوالد لأنه من خواص الأجسام، وقوله تجويز البنات وقع في نسخة الفناء بدله لأنّ التوالد لبقاء النوع، وإنما يطلبه من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 يجوز عليه. لحناء الشخص فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له بل تلك النسخة لا تناسب ما بعدها من قوله فإن الولادة الخ فإنه تعليل للزوم التجسيم والفناء، وقوله وارفعهما لهم إذ اختاروا الذكمور ووأد البنات، وقوله ولذلك أي لزيادتهم على الشرك بضلالات، وقوله إنكاو ذلك الخ أي اتخاذ الملائكة بنات لا ما زادوا ولا ما ذكر من التجسيم والتفصيل والاستهانة كما قيل، وقوله تكاد السموات الخ تقدم تفسيره في مريم والمجعول مما ينفطر له السموات منها الولد والمراد به الإناث وان أطلق فيتضمن الأمور الثلاث ولا يشكل عليه شيء وأيضاً القائلون هم هؤلاء اللازم لهم ما ذكر. قوله: (والإنكار ههنا الخ) أي في قوله فاستفتهم وقوله الأخيرين وفي نسخة الآخرين وهما جعل أوضع الجنسين له والاستهانة بالملائكة، وقوله هذه الطائفة يعني مشركي العرب فإنهم الذين نسبوا البنات إمّا نسبة الولد فقد شاركهم فيه اليهود والنصارى حين قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله وفي مطلق الشرك شاركوا فيه سائر المشركين، وكذا غيرهما من الضلالات كالتجسيم فقوله لاختصاص الخ أي لتميزهم وانفرادهم بذلك وقوله حيث جعل المعادل الخ متعلق بقوله مقصور، والمعادل هو المفعول الأوّل لجعل والثاني سيأتي، وقوله عن التقسيم يتعلق بالاستفهام وفي نسخة على بدل عن وهي أظهر أي جعل مبنيا عليه للاعتناء به إذ قيل أهو عن مشاهدة أو حجة وهو المفعول الثاني أو ما بعده لأنه قصد به لفظه سواء كان جعل معلوما أو مجهولاً وظاهر. أنّ أم متصلة، وقد قيل الأولى أن تكون منقطعة بمعنى بل لأن الأولى لتعيين أحد الأمرين وقد قالوا بهما، وفيه نظر وكلامه لا يخلو عن نوع من الخفاء، وقد وقع فيه لأرباب الحواشي خبط يتلول شرحه فرأينا الإعراض عنه أولى ففيما ذكرناه كفاية لمن كان على بصيرة ووالله الموفق للسداد، وسلوك طريق الرشاد. قوله: (وإنما خص علم المشاهدة الخ (لم يؤنث الضمير في قوله به مع أنه في الظاهر للمشاهدة لتأويلها بالنظر ولأنّ تأنيث المصادر غير معتبر، وقوله من لوازم ذاتهم أي ليست الأنوثة لازمة للملكية لزوما بيناً أو غير بين ذهنيا أو خارجيا حتى تعلم ويحكم بها لأنها معلومة بالضرورة أو الاستدلال ولم يذكر نفي ما يدل عليها من طريق البرهان لئلا يكون من تلقي الركبان لا اكتفاء كما قيل. قوله:) مع ما فيه (أي في ذكر المشاهدة من الاستهزاء بهم كما إذا أخبر بعض السفلة عن فعل سلطان فقلت له أكنت عنده لما فعل، وفرط الجهلى لقطعهم بما لم يروه قطع منهو بمرأى ومسمع منه والإشعار معطوف بالواو لا بأو حتى يعترض عليه بأنه لا منافاة بينهما مع أنه على تقدير صحتها لها وجه كما أشار إليه في الكشف، وقوله تعالى ولد الله قراءة العامّة على لفظ الماضي مسند الله وقرئ بالإضافة كما ذكره المصنف رحمه الله، وقو! هـ لعدم ما يقتضيه الخ متعلق بقوله إفكهم لأنه مصدر وجعله متعلقا بيقولون بعد تعلق من إفكهم به تكلف حمله عليه صدارة اللام وتأخير المصنف رحمه الله له، وقوله قيام ما ينفيه ذكره مع ما قبله مع أنّ الثاني مغن عنه مبالغة في تكذيبهم. قوله: (فيما يتدينون) أي يعتقدونه دينا مطلقا أو في هذا القول، وقوله فعل بمعنى مفعول أي مولود يستوي فيه الواحد المذكر وغيره، ولذا وقع هنا خبراً عن الملائكة المقدّر على هذه القراءة، وقوله استفهام إنكار أي على القراءة المشهورة بهمزة مفتوحة هي حرف استفهام حذفت بعدها همزة الوصف، وقوله كسر الهمزة أي همزة الوصل إذا ابتدئ بها في إحدى الروايتين عن نافع. قوله: (على حذف حرف الاستفهام (لدلالة أم وإن كانت منقطعة غير معادلة لها لكثرة استعمالها معها فتكون من كلام الله، وقوله على الإثبات للاصطفاء لأنه خبر فيدل على إثبات مضمونه وابداله من ولد الله يحتمل أنه بدل جملة من مفرد كقوله: إلى الله أشكو أن بالشام حاجة وأخرى ببصرى كيف يجتمعان على ما ذكره النحاة ويحتمل أنه أبدل من جملة الملائكة ولد الله لكن اقتصر على جزئها المصرح به ليشمل القراءتين، وفي الكشاف وهذه القراءة وإن كان هذا محملها فهي ضعيفة والذي أضعها إنّ الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين وأيده من قال الجملة الاعتراضية المؤكدة أي أنهم لكاذبون تزيدها ضعفا لأنها مقررة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 لنفي الولد عن أصله مؤكدة لذلك فإن وجهتها لهذه خرجت عن كونها مبينة للإفك، وصارت كأنها مجوّزة للولادة المذكورة مطرقة لصدقهم لو تالوا بها يعني أنّ تكذيبهم في كونه اختار البنات يوهم أنه لا تكذيب لو نسبوا له اختيار البنين فلا يكون جملة إنهم الخ مقررة لنفي الولد المطلق، وهو المقصود ومن لم يقف على مراده قال بعدما قال كيف تصير مجوّزة للولادة بعد قوله من إفكهم وتقديمه إذ يكون إنكار الولادة كالمفروغ عنه ولسان الحال يقول له: سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب لكن ما ذكر كله على طرف الثمام، ولذا لم يلتفت له المصنف رحمه الله أمّا قول الزمخشريّ دخيلة بين نسيبين فعلى ما يقوله المصنف رحمه الله هي منكرة لإبدالها منه أو جعلها متعلقة الكذب، وارتباطها من جهة الإعراب أتم ارتباط فهي نسيبة بين نسيبين وأمّا ما تخيله القائل فمبني على أنه أريد بالولد المعنى العام، وليس كذلك بل المراد به البنات لأنه المقصود هنا لتصديره بقوله ألربك البنات لأنه محل القباحة والفضاحة التي نفيت ونفى الولد مطلقا مما لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً فإنه لم يلد ولم يولد ولكن السياق هنا لغيره ولكل مقام مقال وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله: (ما لكم الخ) التفات لزيادة التوبيخ والأمر في قوله فأتوا للتعجيز والإضافة للتهكم. قوله: (ذكرهم باسم جنسهم الخ) هذا بناء على أن الجن والملك جنس واحد مخلوقون من عنصر واحد وهو النار كما ذهب إليه بعضهم لكن ما كان من كثيفها الدخاني فهو من الشياطين، وهم شر ذو تمرد وما كان من صافي نورها فهو ملك، وهو خير كله ويكونون سمواً بذلك لاستتارهم عن عيوننا فيكون تخصيص الجن بأحد نوعيه تخصيصاً طارئاً كتخصيص الدابة وعلى الأصل ما هنا إذ المراد الملائكة، ونقل عن ابن عباس أيضاً أنّ نوعا من الملائكة يسمى الجن ومنهم إبليس، وهذا وجه آخر يكون الاستثناء عليه متصلاَ، وقوله وضعاً أي حطا لرتبتهم وتحقيراً لهم في هذا المقام لا في أنفسهم كما إذا سوّى أحد الملك ببعض خواصه فقال اتسوّى بيني وبين عبدي وإذا ذكر. في غير هذا المقام وقره وكناه. فوله: (وقيل قالوا الخ) فيكون المراد بالنسب المصاهرة، روي عن أبي بكر أنّ المشركين لما قالوا الملائكة بنات الله قال لهم فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وعلى هذا فالجنة على ظاهره، وقوله إخوان هو كقول المانوية في يزدان وأهرمن. قوله: (إن فسرت) أي الجنة بغير الملائكة أمّا إذا فسرت بها كما مرّ فلا لأنهم لا يعذبون وهذا شامل لتفسيرها بالشياطين أو بالأعمّ منهم، ومن الملائكة والمراد بالأنس المعهود دون وهم الكفرة أو الأعتم ووجه علمهم ظاهر لأنهم يعلمون أنّ كل عاص معذب، وان كانوا أنفسهم وأنّ إسناد النسب إليه معصية. قوله: (إن فسر الضمير) في إنهم بما يعمّ المخلصين كتفسيره بالإنس مطلقاً وهذا قيد للاتصال، قيل ولو قال إن فسر الضمير بما يعمّ كالمطيعين كان أولى لأنّ من الجن مخلصين أيضا واذا استثنى من واو يصفون فالظاهر الانقطاع لأنه ضمير الكفرة وعلى الاتصال وعمومه فيه تفكيك الضمائر. قوله: (فإنكم الخ) الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم هذا، واذا كان المخلصون ناجين وعليه متعلق بقانتين مقدم من تأخير كما سيأتي، وقوله ضمير لهم أي للكفرة، وقوله إلا من سبق إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من مفعول قانتين المقدر أي أحداً وقد سبق الكلام على قوله في علمه فتذكره والمخاطب الكفرة والغائب الآلهة، والضمير على هذا في عليه لله وهو استعارة من قولهم فتن امرأته أو غلامه عليه إذا أفسده وهو متعلق بفاتنين لتضمنه معنى الاستيلاء وفتن مثل كدر في استعماله بعلى في هدّا كما أفاده صاحب الكشف. قوله: (ويجوز أن يكون وما تعبدون الخ) ذكر فيه جار الله ثلاثة أوجه أن يكون ضمير عليه لله أي ما أنتم ومعبودكم بفاتنين إليه أحدا إلا أصحاب النار أي مفسدون عليه بالإغواء، وهو الذي قدّمه المصنف أو الواو في وما تعبدون بمعنى مع إمّا سادّا مسدّ الخبر نحو إنّ كل رجل وضيعته أي إنكم مع آلهتكم، وأنتم قرناؤهم لا تبرحون تعبدونها أو غير سادّ كقوله: فإنك والكتاب إلي عليّ كدابغة وقد حلم الأديم والضمير على الوجهين لما يعبدون ولا يرد عليه ضعف المعية إذا لم يتقدم فعل، أو ما في معناه لأنه إنما يشترط ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 إذا نصب على أنه مفعول معه أفا إذا كانت عاطفة والمعية من معنى الجمع فلا، وهو المراد ويمنع منه أيضاً كون ما قبلها منصوب كما هنا فإنه يعين العطف وعلى الوجه الثاني الخبر محذوف، وما تعبدون ساذ مسدّه وهو الذي ذكره المصنف هنا، وعلى الثالث الخبر ما أنتم الخ ولم يتعرّض له المصنف وكأنه رأى أنّ الحذف فيه حينئذ واجب كما هو المشهور لكن قال بعضهم إذا جاءت الواو بعد مبتدأ أو اسم إن وجب العطف كما ذكره ابن مالك وحذف الخبر في مثله غالب لا واجب، ومن قال بوجوبه شرط أن يكون مدلولاً للواو كمقترنان واذا كان الضمير لما يعبدون فقبله مضاف مقدر أي على عبادته. قوله ة الما فيه من معنى المقارنة) المستفادة من المعية المرادة من الجمعية كما مز وقوله ساذا مسدّ الخبر كقولهم كل رجل وضيعته أي مقرونان فحذف لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية، وكان الحذف واجباً لقيام الواو مقام مع، واستشكل بأنّ الخبر ليس مع حتى إذا قامت الواو مقامه يكون الحذف واجبا لقيام الواو مقام مع، واستشكل بأنّ الخبر ليس مع حتى إذا قامت الواو مقامه يكون الحذف واجبا وإنما الخبر قولنا مقرونان المقدر بعد المتعاطفين وليس ثمة ما سد مسذه ولو قيل التقدير كل رجل مقرون وضيعته أي هو مقرون بضيعته وضيعته مقرونة به كما تقول زيد قائم وعمرو فحذف مقرون وأقيم المعطوف مقامه بقي البحث في حذف خبر المعطوف، وجوبا من غير سادّ مسده قال الرضى ويجوز أن يقال إنّ المعطوف مقامه بقي البحث في حذف خبر المعطوف، وجوبا من غير ساذ مسده قال الرضى ويجوز أن يقال إنّ المعطوف أجرى مجرى المعطوف عليه في وجوب حذف خبره وإلا ظهر أنّ الحذف غالب لا واجب فلا يرد عليه شيء وكلام المصنف مؤيد للإشكال إذ ليس فيه ما يدفعه كما قيل، وقوله قرناء هو الخبر المحذوف وقوله لا تزالون تعبدونها بيان لمعنى المقارنة، وقوله ما أنتم الخ إشارة إلى أنّ الضمير عليه راجع لما يتعلق بفاتنين لتضمته معنى باعثين بجعل المضمن أصلا والمضمن فيه قيدا وحالاً واليه أشار بقوله على طريق الغيبة. قوله: (وقرئ صال بالضم الخ (هي قراءة شاذة عن الحسن وخرجت على ثلاثة أوجه أن يكون تقديره صالون حذفت النون للإضافة، ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين واتبع الخط اللفظ فلم يرسم وضمير الجمع لمن باعتبار معناها كما أن هو باعتبار لفظها كما أشار إليه المصنف. قوله: (أو تخفيف صائل على القلب) المكانيّ بتقديم اللام على العين، ثم حذفها تخفيفاً لضمة حركة إعراب ووزنه فاع فصار معربا كباب. قوله: (كشاك (إجراء إعرابه على الكاف في لغة، وقوله في شائك من قولهم شاكي السلاج للمسلح على قول فيه لأهل اللغة قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب شاكي السلاج تامّ السلاح، وقيل حاد السلاج شبه بالشوك، ويقال شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسر الكاف جعله منقوصا مثل قاض، وفيه قولان قيل أصله شائك فقلب كها واشتقاقه من الشوك، وقيل أصله شاكك من الشكة وهي السلاح، وقيل حاد السلاج شبه بالشوك، ويقال شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسر الكاف جعله منقوصاً مثل قاض! ، وفيه قولان قيل أصله شائك فقلب كهار واشتقاقه من الشوك، وقيل أصله شاكك من الشكة وهي السلاج فاجتمع مثلان فأبدوا الثاني ياء للتخفيف وأعلوه إعلال قاض! ومن ضمه ففيه قولان أحدهما أن أصله شوك فانقلبت واوه ألفا، وقيل هو محذوف من شائك كما قالوا جرف هار بضمّ الراء وفيه لغة ثالثة شاك بتشديد الكاف من الشكة لا غير انتهى، ومن لم يقف على أن ما ذكره الشيخان مذهب اللغويين قال تبعاً لشرّاح الكشاف التشبيه في التخفيف بالحذف فقط لا في كون المحذوف لام الكلمة فإنه في شاك عينها لأن أصله شائك قدمت الكاف في مكان الهمزة. قوله: (أو المحذوف منه) على أنه اللام كالمنسيّ إذا جرى الإعراب على ما قبله كما في يد ودم ولم يجعله منسياً لأنه نادر، وقوله ما باليت به بالة يقال بالاه وبالى به ومنه بلاء ومبالاة وبالة أي اعتد به قال في المجمل اشتبه عليّ اشتقاقه حتى سمعت قول ليلى الأخيلية: تبالي رواياهم هبالة بعدما وردن وحول الماى بالجم يرتمي فعرفت أنّ أصله المبادرة للاستقاء فأصل قولهم لا أبالي به لا أبادر إلى اقتنائه فأنبذه ولا أعتدّ به وأصله بالية حذفت لامه نسيا منسيا فأجرى إعرابه على لامه فلما لحقته التاء انتقل إليها وكونه كعافية من عافى وهو نظير لوزنه، ولكونه مصدرا على فاعلة كما ذكروه مثالاً له. قوله: (حكاية اعتراف الملائكة الخ) على أنه من كلام الله تعالى لكنه حكى بلفظهم وأصله وما منهم، وقوله ويحتمل الخ على أن يكون من كلام الجنة بمعنى الملائكة متصلا بما قبله من فوله، ولقد علمت الجنة أي علمت الجنة أنهم معذبون وقالوا سبحان الله ونزهوه عما نسبوه له دون المخلصين، وقالوا إنكم لا تضلون إلا من هو مثلكم في الشقاوة، ونحن معترفون بالعبودية فكيف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 تعبدوننا وعبدة جمع عابد ككتبة وفسقة، وقوله مقام معلوم في المعرفة أي مرتبة فهو مجاز ويحتمل بقاؤه على ظاهر. لأنّ محال عبادتهم متفاوتة كملائكة الأرض وكل سماء. قوله: (ثم استثنوا المخلصين) ويتعين حينئذ الاستثناء من واو يصفون ومن جوّز الاحتمال الآخر فيه فقد تعسف، وقوله تبرئة لهم منه أي مما نسبوه له أو من العذاب إن جوّز الاحتمال الآخر فيه فقد تعسف، وقوله تبرئة لهم منه أي مما نسبوه له أو من العذاب إن جوّز الوجه الآخر، وقوله فيه كان الظاهر فيها أي العبودية، وقوله للشقاوة المقدرة لا جبر فيه كما توهم وهو ردّ على الزمخشريّ في قوله إلا من كان مثلكم ممن علم الله بكفرهم لا لتقدير. ولم يتبعه أوّلاً حيث قال قبيله إلا من سبق في علمه كما قيل لأنه لم ينو التقدير فيه، وقد قال الطيبي رحمه الله إنه تفسير بالرأي حيث فرق بين علم الله وتقديره فالمقتضى لهذه الحوادث حكم الله بالسعادة والشقاوة وشماعده النظم فتدبر. قوله: (فحذف الموصوف الخ) تبع فيه الزمخشريّ في أنّ منا خبر مقدم والمبتدأ محذوف للاكتفاء بصفته وهي جملة له مقام معلوم لجريه على القاعدة من أنه لا يحذف المنعوت بظرف أو جملة إلا إذا كان بعض ما قبله من مجرور بمن أوفى وما عداه ضرورة أو شاذ في المشهور، وقال أبو حيان ليس هذا من حذف الموصوف إقامة صفته مقامه لأن المحذوف مبتدأ فتقديره ما أحد منا وجملة له مقام الخ خبره إذ الفائدة لا تتم إلا به فلا ينعقد كلام من ما منا أحد فإن أريد أنّ إلا بمعنى غير وهي صفة لم يصح لأنه لا يجوز حذف موصوفها كما صرّحوا به، وقد تقدم هذا في سورة النساء، وأيضاً فهم منعوا التفريغ في الصفات وعلى هذا يكون واقعا فيها وما ذكره ظاهر الورود، وما قيل في دفعه بأنه ينعقد منه كلام مفيد مناسب للمقام إذ معناه ما منا أحد متصف بشيء من الصفات إلا بصفة أن يكون له مقام الخ لا يتجاوزه والمقصود بالحصر المبالغة في إثبات الوصف المذكور حتى كأنّ غيره عدم، أو هو صفة بل محذوف أي ما منا أحد إلا أحد له مقام الخ كما قاله ابن مالك: في دفع ما أورد على تفريغ الصفة من أنه لا يصح معنى إذ لا يخلو أحد من صفات متعددة، ثم إنّ أبا حيان رحمه الله قدر أحد مؤخراً عن منا أيضا فلا يظهر لقوله منا موقع من الإعراب لا يدفعه، ولا يلاقيه حتى يدفعه فإنه عني أنّ المقصود بالإفادة هذه الجملة وهو مما لا شبهة فيه وما هو المقصود بالإفادة يقع خبراً لأنه محط الفائدة فجعله تابعاً لموضوع القضية يقتضي أنه مفروغ عنه سيق هنا لإيضاح أو تخصيص، وأن كان به تصير الجملة كلاما متضمناً لمعنى مفيد، وما نقله عن ابن مالك ليس بشيء لأنّ حذف البدل والمبدل منه مما لا نظير له، وأمّا استشكال الحصر فأظهر من أن يذكر لأن الحصر فيه إضافي في كل مقام يحمل على ما يليق به فهنا الحصر في صفة العبودية لا المعبودية ولا مانع من التفريغ في الصفات كما يستثنى من أعمّ الأحوال، وقع في نسخة محرّفة له وإلا فهو صرّج بأن أحد مبتدأ أو مناصفته مع أنه يجوز أن يعتبره مقدما فيكون حالاً لأن صفة النكرة إذا تقدمت تصير حالاً بناء على رأى من يجوّزه من المبتدأ، وما اعترض! عليه به هم معترفون به، ولذا جعل الزمخشريّ ومن الناس من يقول آمنا حرف الجرّ فيه مبتدأ ميلاً مع المعنى كما مرّ فلا بد مما ارتكبه أبو حيان ليفيد الكلام مع كثرة التفريع في الأخبار فهو أسلم كما قال أو يقال القصد هنا ليس إفادة مضمون الخبر بل الرد عليهم، ولذا جعل الظرف خبراً وقدم فالمعنى ليس منا أحد يتجاوز مقام العبودية لغيرها بخلافكم أنتم فقد صدر منكم ما أخرجكم عن رتبة الطاعة فتدبر. قوله: (ولعل الأوّل الخ) يعني كونهم صافين أنفسهم، أو أقدامهم لوقوفهم في خدمة رلث العزة كناية عن الانقياد والطاعة وتسبيحهم لله تعالى تنزيهه عما لا يليق به كناية عن المعرفة بما يليق بجلاله، والاختصاص المذكور في الواقع لأنه لا يدوم عليه غيرهم لأنّ خواص البشر لا تخلو من الاشتغال بالمعاش مع ما فيه من التعريض الكفرة فلا خفاء في مناسبتة للمقام كما توهم، وقوله والمعنى الخ فيه الاحتمالان السابقان كما ذكره بعضهم. قوله: (كتاباً من الكتب التي نزلت عليهم) أي من جنسها ومثلها في كونه من الله لا مثله لقوله فكفروا به، أو نفسه لأنّ الكفر بالقرآن كفر بغيره من الكتب السماوية، والمهيمن عليها أي الشاهد عليها المصدق لها كما ورد في الحديث وصفه بذلك وقوله وهو قوله الخ فيكون هذا تفسيراً أو بدلاً من كلمتنا، ويجوز أن يكون مستأنفاً والوعد ما في محل آخر من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 قوله لأغلبن أنا ورسلي. قوله: (وهو باعتبار النالب) جواب سؤال مقدر، وهو أنه قد شوهد غلبة حزب الشيطان في بعض المشاهد، وقيل المراد الغلبة بالحجة أو باعتبار العاقبة والمال وتركه لأنه خلاف الظاهر من السياق، وهو تعميم بعد تخصيص وتأكيد على تأكيد. قوله: (والمقضي بالذات) لأنّ الحق والخير هو المراد لله بالذات وغيره مقضي بالتبع لحكمة، وغرض اخر أو للاستحقاق بما صدر من العباد، ولذا قيل بيده الخير ولم يذكر الشرّ وإن كان الكل منه كما مرّ وقوله وإنما سماه كلمة الخ فهو مجاز بإطلاق الجزء على الكل أو استعارة لجعله لشذة ارتباطه ككلمة واحدة وكونها مكنية تكلف، وقد قالوا إنها حقيقة لغوية واختصاصها بالمفرد اصطلاح لأهل العربية فعليه لا يحتاج إلى التأويل. قوله: (هو الموعد لنصرك) عدل عما في الكشاف من قوله إلى مدّة يسيرة وهي مدة الكف عن القتال لما فيه من التسامح لأنّ مدّة الكف معنى لا غاية فالمراد إلى انتهاء مده الكف، وقوله وقيل يوم الفتح قيل فهي منسوخة حينثذ ولذا مرضه، وفيه نظر لأنه كان في مهادنة الحديبية فلا يلزم نسخة فتأمّل، وقوله على ما ينالهم أي من البلاء كأنه يشاهدهم فيه لقربه، وهو حال من مفعول أبصرهم. قوله: (والمراد بالأمر (أي قوله أبصرهم لأنّ أمره بمشاهدة ذلك وهو لم يقع يدلّ على أنه لشدّة قربه كأنه حاضر قدامه، وبين يدبه مشاهد له خصوصاً إذا قيل إنّ الأمر للحال أو للفور، وقوله كائن بصيغة الفاعل خبر وقريب خبر بعد خبر وفي نسخة كان قرب بصيغة الفعل فيهما وهما بمعنى. قوله: (ما قضينا لك الا ما حل بهم لأنه غير مناسب لما قبله، وقوله والثواب في الآخرة قيل لو تركه كان أنسب لما قبله وهو إشارة لما سيذكره في تفسير قوله يبصرون الآتي، وقوله وسوف للوعيد لا للتسويف والتبعيد الذي هو حقيقتها لأنها تستعمل في الوعيد للتأكيد لا للتأخير لأنه غير مناسب لمقامه كما يقول السيد لعبد. سوف أنتقم منك، وقرب ما حل بهم مستلزم لقرب نصرته فهو قرينة على عدم إرادة التبعيد منه. قوله: (نزل العذاب بفنائهم) بكسر الفاء والمد تفسير للساحة لأنها العرصة الواسعة عند الدور، وقوله شبهه بجيش في نسخة شبه بجيش على بناء المجهول أي شبه العذاب بجيش يهجم على قوم وهم في ديارهم بغتة فيحل بها ففي الضمير استعارة مكنية والنزول تخييلية، ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية كما هو الظاهر من الكشاف وقوله بغتة إشارة إلى أنّ إذا فجائية وقوله هجمهم عدا. بنفسه وهو متعد بعلى لتضمنه معنى فاجأهم، وفي قوله فأناخ استعارة مكنية أو تمثيلية لتشبيه الجيش النازل بجمل برك في ساحة. قوله: (وقيل الرسول) أي ضمير نزل للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله وقرئ نزل أي مخففا مجهولاً وهو لازم فلذا جعله مسنداً للجار والمجرور، والقراءة التي بعدها بالتشديد وهو متعد فلذا جعل نائب الفاعل ضمير العذاب واذا كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد نزوله يوم الفتح لا يوم بدر لأنه ليس بساحتهم إلى على تأويل ولا بخيبر لقوله ىتج! هـ حين دخلها: " الله كبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) 11 لأنّ تلاوته ثمة لاستشهاده بها، والخطاب هنا مع المشركين. قوله: (فبئس صباح المنذرين الخ) يعني أنّ ساء هنا من أفعال الذمّ والمخصوص بالذمّ محذوف وهو قوله صباحهم، واللام في المنذرين للجنس لا للعهد لاشتراطهم الشيوع فيما بعدها ليكون فيه التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال فلو كان ساء بمعنى قبح على أصله جاز العهد فيه من غير تقدير، وقوله المبيت بصيغة اسم الفاعل المشدد من بيت العدوّ واذا سار ليلاً ليهجم عليهم وهم في غفلتهم في الصباج، وقوله لوقت نزول العذاب متعلق بمستعار. قوله: (ولما كثر) في نسخة كثرت وهو من غلط الناسخ، والغارة إيقاع القتل والنهب بالعدوّ كالإغارة بى أصلها السير السريع وتسميتها صباحا مجاز تجوّز بالزمان عما يقع فيه كما يقال أيام العرب! لوقائعهم قيل، وهذا استطراد لا أنه مراد في النظم إذ لا يصح كونه بيانا لاستعارته لوقت العذاب فإنه من ذكر المقيد وأرادة المطلق وهو وجه آخر ولو أراد أنه وجه آخر عطفه باو وقد يقال إنه إشارة إلى جواز الحمل عليه، ويناسبه جعل بعضهم له في الغارة على خيبر فتدبر. قوله: (تثيد إلى تثيد) أي منضمّ إلى تأكيد آخر يحتمل أن يريد أنّ قوله وأبصر فسوف يبصرون تأكيد لأبصرهم فسوف يبصرون، وقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 انضمّ إليه قوله وتول عنهم حتى حين المؤكد لمثله فيما قبل، ويحتمل أنّ قوله فتول الخ تأكيد لقوله وتول الخ وقد انضمّ تأكيده له لتأكيده هو لقوله ولقد سبقت فإنه مؤكد لما تضمنه من الوعد، ويؤيد الأوّل كون الإطلاق بعد التقييد مخ ص وصاً بقوله، وأبصر فسوف يبصرون فالظاهر أنّ التأكيد فيه أيضا. قوله: (وإطلاق بعد قييد للإشعار الخ) متعلق بإطلاق والإطلاق في أبصر ويبصرون إذ لم يذكر له مفعول وقد ذكر في الأوّل في أبصرهم لفظاً وفي يبصرون تقديراً لأنّ اقترانه بالمقيد يقتضي تقييده، ولكنه ترك للفاصلة وعموم هذا لا ينافي كونه تأكيداً لأنه يئكده بشموله لمعناه، أو باعتبار أنّ المراد منهما واحد وما ذكر إنما هو نظر للظاهر المتبادر، ومثله يكفي لإيهام تلك النكتة فما قيل إنه مقيد ايضاً لكنه اكتفى عن التصريح هنا بما مرّ غير متجه. قوله: (ما لا يحيط به الذكر) إشارة إلى أنه يقدر له مفعول عامّ، وقد كان الأوّل خاصا، وبهذا ظهر معنى آخر للإطلاق والتقييد في كلام المصنف، وأصناف المسرّة الخ لف ونشر مرتب ليبصر ويبصرون. قوله: (وإضافة الرب إلى لمعزة لاختصاصها به) الذي في الكشاف لاختصاصه بها وهو الظاهر لأنّ الباء داخلة في المقصور، والمضاف يتخصص بالمضاف إليه لا العكس كما ذكره إلا أن تجعل الباء داخلة على المقصور عليه فإنّ كلاً منهما جائز ولا حاجة إلى جعل اللام للاستغراق فإنّ اختصاص الجنس يلزم منها ختصاص جميع الأفراد كما قرّر في الفاتحة، وما قاله المشركون الشريك والولد وعدم القدرة على البعث. قوله: (إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه) وعزه من أعزه له فالاختصاص على ظاهره، وقوله أدرج فيه الخ إمّا السلبية فمن التنزيه عما لا يليق به، وهو شامل لجميعها والمذكور وان كان تنزيها عما وصفوه به لكنه يعلم منه غيره بطريق الدلالة، ويدخل في الصفات السلبية عدم الثريك فيدل على التوحيد، وإنما صرّح به اعتناء به لأنه أهمها فلا وجه لما قيل إنّ قوله مع الإشعار بالتوحيد غير سديد نهايته أنّ في تعبيره نوع مسامحة أو يقال لم يدخله فيها وأخذه من اختصاص العزة به لأنه لو كان له شريك شاركه في العزة بمفهوم الشركة، وللزومها للألوهية، والصفات الثبوتية من العزة فإنّ صفاته كلها صفات كمال وثبوت كل صفة كمال عزة والعزة تعريفها للاستغراق أو تدل عليه كما مرّ، وقيل كونه ربا ومالكاً للعزة يكون بعد كونه حياً عالماً مريدا قادرا سميعا بصيراً، والا لما تأتت الربوبية وكونه رباً للنبيّ صلى الله عليه وسلم المأمور بتبليغ كلامه المتحدّي به يقتضي كونه متكلما، والتوحيد من إثبات العزة ولا يخفى ما فيه، وقوله على ما أفاض عليهم أي على الرسل وجعل الحمد في مقابلة النعم بمقتضى المقام وذكره بعد شامل الأنعام. قوله: (ولذلك أخره عن التسليم) جواب عما يخطر بالخواطر من أنّ الله وحمده أجل من السلام على الرسل فكان ينبغي تقديمه على ما هو المنهج المعروف في الخطب والكتب، بأنّ المراد بالحمد هنا الشكر على النعم والباعث عليه هو النعم ومن أجلها إرسال الرسل الذي هو وسيلة لخير الدارين والباعث على الشيء يتقدم عليه في الوجود لا في الرتبة فلذا قدم ذكره قيل وإيماء إلى أنّ ثناءه عليهم المتقدم بمحض فضله لاختصاص المحامد به. قوله: (والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه الخ) وكيف يسبحونه أيضاً ولا تعلق لهذا بما قبله والا لعاد السؤال عليه. قوله: (وعن علئ كرّم الله وجهه الخ (أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وهو استعارة حسنة إمّا تبعية في يكتال بمعنى يجوز وتصريحية في المكيال إلا وفي أو هو ترشيح للاستعارة أو مكنية أو تخييلية بأن يشبه الأجر بما يكتال من الغذاء كالبر، ويثبت له الكيل والمكيال تخييلاً، وقوله من قرأ الصافات الخ حديث موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة والحمد لله على التمام، وأفضل صلاة وسلام على خاتم النبيين وآله الكرام. سورة ص بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) قال الداني في كتاب العدد، وقيل مدنية وليس بصحيح وآياتها خمس وثمانون، وقيل ست وقيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 ثمان ولم يقل أحداً أنّ ص، وحدها آية كما قيل في غيرها من الحروف في أوائل السور، وقد مرّ إعرابه في سورة البقرة. قوله: (بالكسرا لأنه الأصل في التخلص من الساكنين كما قال بعض الظرفاء: لأيّ معنى كسرت قلبي وما التقى فيه ساكنان وقوله يعارض الصوت الأوّل أي يقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجرام الصلبة العالية، وقوله عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه. قوله: الأنه أمر) استعيم لما ذكر أو استعمل في مطلق الموافقة، وقوله لذلك أي لالتقاء الساكنين أيضاً فإنه يتخلص منه بالكسر لأنه أخو السكون، وهو اكثر ولذا قدمه وبالفتح لخفته والحركة فيهما بنائية. قوله:) أو لحذف حرف القسم الخ) توجيه آخر للفتح على أنه معرب بأنه منصوب بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدى بنفسه، أو مجرور بالفتح لمنع صرفه، ولذا عبر بالحذف والإضمار لفرق شراح الكشاف بينهما بأنّ الحذف ترك ما لم يبق أثره والإضممار خلافه وهو اصطلاح للنحاة أغلبيّ فلا يرد قوله في الهداية يضمر حرف الفسم فينصب أو يجرّ كما قيل. قوله: (لأنها علم السورة) قد مرّ ما حققه الشريف في أوجل البقرة من أنه إذا اشتهر! سمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ، وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم فاندفع أنه ليس علما للفظ السورة، بل لمعناها فلا تأنيث فيه ومر ماله وعليه ثمة فإن أردت تفصيله فانظره. قوله:) وبالجرّ والتنوين على تأويل الكتاب (ولا ينافيه كون الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل هو الأرجح وإن لم يؤوّل كما صرّحوا به كما قيل لأنه يؤيده فإنه لا مانع من اجتماع سببين لشيء، ويقتصر على أحدهما لاطراده في الساكن وغيره كما دفع به بعضهم هذا لا يراد وفيه أنه إذا جاز صرفه بلا تأويل يصير ذكر التأويل عبثا بل مصبّ الإبهام أنه إذا لم يؤوّل امتنع فالظاهر أنّ مراده بالتأويل التفسير أي إذا جعل اسماً للقرآن كان مصروفا حتماً، وهو أحد الاحتمالات في الحروف المقطعة كما مرّ. قوله: (مذكورا للتحدّي) هكذا هو في النسخ الصحيحة بدون أو ووقع في نسخة بها فقيل الأولى طرحها وجهت بأنّ المراد ذكرها للتحدي سواء كانت اسم حرف أولاً فتظهر المقابلة بينهما وفيه نظر، وقيل المراد بكونه اسم حرف سواء كان للتحدي أو لا وقد مرّ إيضاحه في البقرة وقوله خبراً أي هذه صادا ولفظ الأمر بمعنى عارضه بعملك وعلى كونه اسم السورة فهو لم يظهر رفعه لنية الوقف، وقد قرئ به كما روي عن الحسن وغيره في الشواذ وهذا لا يتمشى على ما ذكره المصنف من القرا آت فكان عليه ذكره وأمّا كون الساكن جعل علما للسورة، ولم يغير فلا وجه له إلا أن يقصد الحكاية. قوله: (وللعطف الخ الا للقسم لئلا يلزم توارد قسمين على مقسم عليه واحد وقد مرّ أنه ضعيف لكن إذا كان الأوّل قسماً منصوبا على الحذف، والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل عكس قوله: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا فلا إشكال فيه حتى يلزم حينئذ أنها للقسم كما قيل. قوله: (والجواب اللقسم محذوف لم يقل كما في الكشاف أنه كلام ظاهره متنافر غير منتظم لما فيه من ترك الأدب فإنّ الحذف في كلامهم كثير والقسم هنا دال على المقسم عليه، وكذا ما قبله كما أشار إليه بقوله دل عليه ما في ص الخ سواء كان اسم حرف دال على التحدي أو اسم السورة فإنّ هذه سورة ص، في معنى هذا المتحدي به المعجز، ولذا جوّز في الكشاف أن يكون هو المقسم عليه وقدم كما تقول هذا حاتم والله أي هذا هو المعروف بالجود، وتركه المصنف لخفائه بالحذف والتقدّم، وجعل المقسم عليه لازم معناه. قوله: (أو الأمر بالمعادلة) أي مقابلة علمه بالقرآن بعمله بما فيه من قولهم هو عدله وعديله أي نظيره، ومقابله وهو معطوف على الدلالة لا على ص، وليست المعادلة تحريفاً وتصحيفاً من المصاداة لتفسيره به السابق كما توهم، وهذا على كونه أمرا، وقوله أي إنه لمعجز على كون القرينة ما في ص، من المتحدي وقوله الواجب الخ على كونه أمراً من المصاداة، وقوله إنّ محمدا الخ على كونه رمزا لصدق محمد صلى الله عليه وسلم ففيه لف ونشر طوى بعضه في الأوّل لقيام القرينة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 وللإشارة إلى مرجوحيته ولو صرّح به كان أظفر، وقيل إنه مشترك بينهما لدلالة الإعجاز وعمله به على صدقه وله هنا كلام تركناه لركاكته، وقيل إنه معطوف على قوله محذوف لأنه معنى ص فالمقسم عليه مذكور مقدّم ولا يخفى بعده لأنه غير مذكور صريحا فلا يلائم ما قبله والذكر ضمنا متحقق في الجميع فالظاهر عطفه على قوله إنه لمعجز. قوله: (أو قوله بل الخ) معطوف على قوله محذوف، وهو إشارة إلى ما نقله السمرقندي من قول بعضهم جواب القسم قوله بل الذين كفروا الخ فإن بل لنفي ما قبله د! اثبات ما بعده فمعناه لي الذين كفروا إلا في عزة وشقاق، وقيل الجواب أنّ ذلك لحق الخ وقيل كم أهلكنا الخ انتهى. وإمّا أن يريد هذا القائل إنّ بل زائدة في الجواب أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات، وأمّا كون الجواب ما كفر من كفر لخلل وجده كما ذكره المصنف لكنه لما أقيم الإضراب مقامه صار كأنه غير محذوف فلا يخفى ما فيه من التكلف فإنه لا يخرجه عن الحذف حتى يكون، مفابلا له، وقيل إنه معطوف على قوله ما في ص الخ أي أو ما في قوله هذا من دلالة الإضراب على أنّ ما يضرب عنه صالح للجواب، أو على قوله ص الخ وقول المصنف وعلى الأوّلين الخ، وإن أباه لكن قوله أيضاً ربما ارتضاه فتأمّل. قوله: (وجده فيه) أي في القرآن، وقوله استكبار عن الحق تفسير للعزة لأنه ليس المراد العزة الحقيقية بل ما يظهرونه منها، وقوله وعلى الأوّل أي التقديرين الأوّلين إنه لمعجز أو لواجب العمل به الإضراب عن الجواب المقدّر وهو ما ذكره لكن ليس إضرابا عن صريحه بل عما يفهم منه، وهو أنّ من كفر لم يكفر لخلل فيه بل تكبراً عن اتباع الحق وعنادا لأنه لا يحسن الإضراب عن ظاهره إلا أن يجعل انتقالياً، وسكت عن الثالث لأنه في حكمهما أو المراد بالأوّلين كونه محذوفاً أو مرموزاً إليه، ويشملهما وهو بناء على ما مرّ وقد عرفت ما فيه. قوله:) أو الشرف والشهرة) وفي نسخة أو الشهرة والأولى أصح لأن شهرته لشرفه كما يقال هو مذكور وانه لذكر لك ولقومك، والمراد بالمواعيد الوعد " والوعيد، وقوله للدلالة على شدتهما يعني أنه للتعظيم، وقوله قرئ في غرّة أي بكسر الغين المعجمة مع راء مهملة قال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف الإمام إنه قرأ بها رجل وقال إنها أنسب بالشقاق وهو القتال بجد واجتهاد وهذه القراءة افتراء على الله انتهى، التعبير بفي فيهما للدلالة على استغراقهم فيهما، وجملة ولات الخ حالية والعائد مقدّو وان لم يلزم مناصهم. قوله: (هي المشبهة بليسى) في الدمل فترفع الاسم وتنصب الخبر وهو أحد مذاهب فيها ذكرها النحاة كما في المغني وقيل إنها ليست بعينها وأصل ليس بكسر الياء فأبدلت ألفاً لتحركها بعد فتحة، وأبدلت السين تاء كما في ست فإن أصله سدس، وقيل إنه فعل ماض ولات بمعنى نقص وقل فاستعمل في النفي كقل، وهل التاء مزيدة في آخرها أو في أوّل اسم الزمان الواقع بعدها، وهل هي أصلية أو مبدلة أقوال أشهرها الأوّل. قوله: (زيدت عليها تاء التأنيث للتكيد. قوله: (أي لتثيد معناها، وهو النفي لأنّ زيادة البناء تدل على زبادة المعنى او لأنّ التاء تكون للمبالفة كما في علامة أو لتثيد شبهها بليس جعلها على ثلالة أحرف ساكنة الوسط وقال الوضى إنها لتأنيث الكلمة فتكون لتثيد التأنيث. قوله: (وخصت بلزوم الأحيان) للنحاة في معمولها قولان فقيل تختص بلفظة حين، وقيل لا تختص به بل تعمل فيه وفيما رادفه والسماع شاهد له لدخولها على أوان وكلام المصنف محتمل لهما وقد اتفق أنها لا تعمل في غير اسم الزمان وأما قول المتنبي: لقدتصبرت حتى لات مصطبر والآن أقحم حتى لات مقتحم فللواحدفي في شرحه كلام غير مهذب والذي يخرج عليه أنه على قول من لا يخصها بلفظ حين بل يعمم فيها فيقول تدخل على كل اسم زمان بجعل مصطبر، ومقتحم اسمي زمان لا مصدواً بمعنى الاصطبار والاقتحام أو يقول هي داخلة على لفظ حين مقدّر بعدها فإنه قال في التسهيل إنه قد يحذف ونقله في القاموس وأمّ الخبر بعده ففيه كلام سيأتي فمن قال إنه يدل على عدم اختصاصها بالأحيان لم يصب، وقوله وحذف الخ أي التزموا حذف أحدهما إمّا المرفوع أو المنصوب كما فصله النحاة، والغالب حذف المرفوع وليس بمضمر لأنّ الحرف لا يضمر فيه. قوله: (وقيل هي النافبة للجنس) هذا أحد الأقوال في عملها، وهي إنها تعمل عمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 أنّ فتنصب الاسم لفظاً أو محلاً وترفع الخبر مذكوراً أو مقدّراً، وقد كان عملها على العكس في القول السابق كليس، وقد قيل إنها لا عمل لها أصلا فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره أو منصوب فبعدها فعل مقدر فقوله لهم خبرها على القول الأوّل هنا، وقوله وقيل للفعل أي نافية لفعل مقدر ناصب لما بعدها على قراءة النصب وهو على القول الثاني، وقوله وقرئ بالرفع أي لفظ حين وكونه اسم لا على عملها عمل ليس وكونه مبتدأ على أنها لا عمل لها، وقوله حاصلاً الخ لف ونشر مرتب لهما. قوله: (ويالكسر الخ) أي قرئ بكسر نون حين ولم يقل بجرّها ليشمل القول بانه مبيّ، وقوله طلبوا الخ البيت لأبي زيد الطائي النصراني واسمه المنذر ابن حرملة وهو ممن أدرك الإسلام ولم يسلم وهو من قصيدة أولها: خبرتنا الركبان إن قد فخرتم وفخرتم بضربة المكاء يخاطب بني شيبان وقد قتلوا منهم رجلاً على غرّة وقد رواه في الشواهد ليس حين بقاء على أنّ الشاهد في لات الأولى يقول طلب الأعداء أن نصالحهم، والحال أنه ليس وقت صلح لأنه بعدما وقع من القتل والشقاق فلذا أجبناهم بأق الزمان ليس زمان بقاء بل زمان التعاني في القتال فالبقاء على ظاهره، أو بمعنى الإبقاء. قوله: (أمّا لأنّ لات تجر الأحيان) أي حرف جرّ يختص بجرّ اسم الزمان كمذ ومنذ، ثم اشتشهد على اختصاص بعض حروف الجرّ بمجرور مخصوص بأنّ لولا الامتناعية تجرّ الضمير المتصل دون غيره وهو قول سيبويه لأنّ حقها أن تدخل على ضمير منفصل كلولا أنتم فإذا دخلت على متصل كلولاه ولولاي كانت جارة وجرّها مختصبذلك كما تختص حتى والكاف بجرّ الظاهر وذهب الأخفش إلى أنه مبتدأ لكنه استعير لضمير الرفع المنفصل وأقيم مقامه، ومنعه المبرد رأساً ولا وجه لاسنبعاد ذلك كاستبعاد أنه لا متعلق له فإنّ لكل منهما نظائر والعهدة فيه على قائله لا على ناقله. قوله: (أو لأنّ أو أن شبه، ذ) هذا منقول عن المبرد في توجيه كسر أو أن في البيت، وقد خطأه ابن جنى فيه وفي تنظيره بإذ لأنّ إذ كان مبنيا لكونه على حرفين وللزوم إضافته للجمل، وأوان ليس كذلك لأنه يضاف للمفرد كقوله: هذا أوان الشد فاشتدي زيم فلذا حاول بعضهم تصحيحه بأنه شبه بدراك في زنته، ثم نون عوضا عن المضاف إليه فتشبيهه بإذ صحيح فاندفع أنه إن بني لقطعه عن الإيضافة فحقه الضم كقبل وبعد والا فهو معرب فتدبر. قوله: (ثم حمل عليه مناص الخ (يعني حمل مناص على أوان لأنه لما أضيف إليه الظرف وهو حين نزل منزلته لأنّ المضاف، والمضاف إليه كشيء واحد فقدرت ظرفيته، وهو كان مضافا إذ أصله مناصهم فقطع وصار كأنه ظرف مبني مقطوع عن الإضافة منوّن لقطعه، ثم بني حين على الكسر لإضافته إلى ما هو مبني فرضا وتقديراً وهو مناص المشابه لأوان وهذا تطويل للمسافة، فالأولى كما في المغني أن يقال في التنزيل المذكور اقتضى بناء الحين ابتداء فإنّ مناص معرب وان كان قد قطع عن الإضافة بالحقيقة لكنه ليس بزمان فهو ككل وبعض وليس! امن تعيين الطريق فإن ترك الأقرب الأسهل لخلافه لا يليق، وما ذهب إليه من أنها حرف جرّ وأنه حذف منه حرف جرّ وهو من الاستغراقية كقوله: ألا رجل جزاه الله خيراً في رواية الجرّ أهون من هذه التكلفات فإنّ ما ذكر من الحمل لم يؤثر في المحمول نفسه فكيف يؤثر فيما يضاف إليه. قوله: (ولات بالكسر) أي قرئ بكسر التاء فيه فبني عدى الكسر كجير والإمام اسم لمصحف عثمان رضي الله عنه لأنه متبع، وقوله إذ مثله لم يعهد فيه يعني إنه لم يقع في الإمام في محل آخر مرسوما على خلافه، حتى يقال ما هنا مخالف للقياس الرسمي لاحتمال موافقته له بأن يكون تحين كلمة برأسها كما ذهب إليه أبو عبيدة فلم يحمل على مخالفة القياس مع إمكان الموافقة، والخط القديم لا يعرف كيف رسم فيه وخط بعضهم على أنه متصل بلا فلا عبرة به، والوقف على لات غير مسلم، وقد قال السخاوي في شرح الرائية أنا أستحب الوقف علي لأبعد ما شاهدته في مصحف عثمان، وقد سمعناهم يقولون اذهب فلان وتحين بدون لا وهو كثير في النظم والنثر. قوله: (وتقف الكوفية عليها بالهاء) قال أبو عليّ في الأعمال ينبغي أن يكون الوقف بالتاء بلا خلاف لأنّ قلب اللام هاء مخصوص بالأسماء. قوله: (والأصل اعتباره الخ) قيل لات ساعة مندم ونحوه يدل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 على خلافه فيخصه والبيت ظاهر فيما ذكره وكون أصله العاطفونه بهاء السكت فلما أثبتت في الدرج قلبت تاء اعتذار أقبح من الذنب، نعم هو أمر نادر شاذ لا ينبغي حمل كلام الله عليه وحذف كلمة لات مع بقاء حرف منها جائز أيضاً. قوله: (بشر مثلهم أو أمئ من عدادهم) في الكشاف رسول من أنفسهم، والمراد بكونه من أنفسهم إمّا من جنسهم فيكون بمعنى كونه بشراً أو من نوعهم وهم معروفون بالأمية فيكون كالمعنى الثاني، ولكونه مجملا فصله المصنف فلا مخالفة بينهما كما توهم ومجرّد كونه من أنفسهم لا يقتضي التعجب والاستبعاد بل هو باعث بخلافه لعلمهم بصدقه صلى الله عليه وسلم، وأمانته لكونه نشأ بين أظهرهم. قوله: (وضع فيه الظاهر الخ) كان الظاهر أن يقال، وقالوا فأظهر لما ذكر فإن الذم يقتضي كراهتهم والغضب عليهم، والإشعار لأنّ تعليق الأمر بمشتق يقتضي عليه مأخذ الاشتقاق، وحسرهم بمعنى جرأهم عليه وقوله فيما يظهره الخ خصه لأنّ في كل منهما خرق العادة وان كان الفرق بينهما ظاهرا. قوله: (بأن جعل الألوهية الخ الأنه لم يقصد هنا إلى جعل أمور متعددة أمراً واحدا سواء كان محالاً في نفسه أو بل جعل ما لآلهتهم من الألوهية، والعبادة للواحد الأحد والجعل هنا التصيير، وليس تصييراً في الخارج بل المراد في القول والتسمية، كما في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [سورة الزخرف، الآية: 19] وقوله بليغ لأن صيغة فعال للمبالغة. قوله: (من أنّ الواحد لا يفي علمه وقدرته الخ) قيل عليه إنهم لم يدعوا لآلهتهم علما ولا قدرة وأثبتوهما لله {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان، الآية: 45] فلو تركه كما في الكشاف كان أحسن والقول بأنهم لو لم يثبتوا لها ذلك ما عبدوها ولا بدع في إسناد المعجز له مع إنكار البعث ونحوه من الرجم بالغيب الذي لا يفيد، وقوله وهو أبلغ لزيادة البنية وهو ظاهر، وقوله وروي رواه أحمد في مسنده وقوله هؤلاء السفهاء أرادوا من أسلم، وقوله يسألونك السؤال كذا وقع في الكشاف والظاهر أنه تحريف وأنه السواء أي العدل كما وقع في غير. من التفاسير وقد يقال المراد أنهم يسألونك أن تسأل منهم ما تريد فتأمّل وارفض بمعنى اترك، وقوله أمعطيّ بتشديد الياء جمع معط مضاف للياء، وقوله تدين أي تنقاد وتطيع وقولهم وعشرا عطف تلقين أي واحدة وعشراً معها، وقوله قالوا ذلك أي أنّ هذا الشيء عجاب الخ. قوله: (أشراف قريش (تفسير للملأ لأنه يخص ذوي الشرف الذي يملؤن العيون بهاء، والاك! حباء، وبكتهم أي استقبلهم بما يكرهون، وقوله قائلين بعضهم الخ بيان لحاصل المعنى على أنّ إن مفسرة كما سيصرّح به لا أن هنا قولاً مقدرا وهو حال لأن المفسرة لا تقع بعد صريح القول بل بعدما تضمن معناه دون لفظه، وفيه نظر، وقوله على عبادتها إشارة إلى تقدير مضاف فيه، وقوله فلا تنفعكم مكالمته أي مكالمة محمد صلى الله عليه وسلم تعليل لما قبله من الأمر بالذهاب والصبر. قوله: (يشعر بالقول) أي يستلزمه عادة إذ المنطلقون من مجلس! غالباً يتفاوضون بما جرى فيه لتضمن المفسر لمعنى القول أعمّ من كونه بطريق الدلالة وغيرها كالمقارنة ومثله كاف فيه، وأما إذا أريد بالانطلاق المعنى الآخر فتضمنه للانطلاق بطريق الدلالة ظاهر وإطلاق الانطلاق على التكلم الظاهر أنه مجاز مشهور نزل منزلة الحقيقة ويحتمل التجوّز في الإسناد وأصله انطلقت ألسنتهم والمعنى شرعوا في الكلام بهذا القول ووجه تمريضه أنه خلاف الظاهر. قوله: (من مشت المرأة الخ) الظاهر أنه لا يختص بالتفسير الثاني للانطلاق بل هو متأت عليهما، وان كان السياق يخالفه كما أنه على هذا يجوز تفسير إمشوا بانتشروا، وقوله ومته الماشية أي سميت بذلك لأنها من شأنها كثرة الولادة أو تفاؤلاً بذلك، وأما كونها سميت به لكثرة مشيها لتردّدها في رعيها فوجه آخر كاحتمال أنه يقال للمرأة مشت تشبيهاً لها بالبهائم في كثرة الولادة لأنه يكثر في الرعاع كما قيل: بغاث الطيرأكثرهافراخا وأمّ الصقر مقلاة نزور وأما القول بأنه دعاء بكثرة الماشية فقد قيل إنه خطأ لأنّ فعله مزيد يقال أمشي إذا كثرت ماشيتة فكان يلزم قطع همزته، والقراءة بخلاف ولو طرحت حركتها على النون كما قاله الرماني وقوله اجتمعوا إشارة إلى أنه تجوّز به عن لازم معناه، وهو أكثر واو اجتمعوا لأنّ المعنى الأصل غير مناسب هنا. قوله:) وقرئ بغير أن) فهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 بإضمار القول أي قائلين وهو أحسن من إضمار أن لأنه لا وجه لتقديره بل هذه دالة على زيادتها في الأخرى وفي قراءة يمشون الجملة حالية أو مستأنفة، والكلام في أن اصبروا كما في أن امشوا سواء تعلق بانطلق أو بما يليه. قوله: (1 نّ هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا) ذكر الزمخشري في تفسيره وجوهاً أوّلها أن هذا الأمر لشيء يريده الله ويحكم بإمضائه وما أراد الله كونه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر، ولم يذكره المصنف مع جعل الزمخشري له أوجه الوجوه فقيل لما فيه من التناقض أو شبهه فإنّ كون أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم مراد الله ينافي كونه كذبا مختلفاً كما سيأتي فلذا لم يذكره، وقيل إنه غير وارد لأنّ كونه كذبا لا ينافي كونه مراد الله إذ يقال قد أراد الله أن يكذب، وهذا يصح لو أورده المصنف وأورد عليه ما أورد أما العلامة فلا لأنه لا يقول إنه يريد الكذب فلذا دفع الإشكال بما ذكره من أنّ قولهم أن هذا إلا اختلاق مخالف لاعتقادهم فيه دمانما هو ممن غلا به مرجل الحسد فلا منافاة ومن غفل عنه قال إنه لا يدفع شبه التناقض فلو سلم لانحسم الإشكال إذ قيل إنهم كانوا شاكين وهذا الجعل ينافيه، وقوله من ريب الزمان بناء على إسنادهم الحوادث والوقائع إلى الدهر، ولذا ورد " لا تسبوا الدهر " (كما مرّ. قوله:) أو أنّ هذا الذي يدعيه الخ (قوله يتمنى أي النبيّ صلى الله عليه وسلم يتمنى التوحيد ولكنه لا يكون كل ما يتمنى فاصبروا راجع إلى الوجه الأوّل، وقوله أو يريده كل أحد راجع إلى الثاني على اللف والنشر المرتب. قوله: (أو أنّ دينكم يطلب ليؤخذ منكم) فالمشار له بهذا هو دينهم وفي الوجه السابق كان المشار إليه ما وقع من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، والمراد بأخذه منهم انتزاعه وطرحه ولو قدر مضاف وهو إبطال لكان أقرب أي يراد إبطاله وتعليل هذه الجملة لما قبلها ظاهر، وكون المراد أنّ دينهم مما يراد ويرغب فيه له وجه لكن لا يتوقف صحة التعليل ولا ظهوره عليه كما توهم. قوله: (أو في ملة عيسى عليه ا! لاة والسلام الخ) هذا معنى قول الزمخشريّ لأنّ النصارى يدعونها وهم مثلثة غير موحدة، وفي الكشف إن قيل لا حاجة إلى التعليل فإنها كانت الآخرة قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وكانت قريش لا تسلم نبوّته فهي الملة الآخرة عند قريش أجيب بأنّ الإطلاق يقتضي أن يكون آخرا في نفس الأمر فلهذا احتاج إلى التعليل المذكور اهـ، يعني أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فملته آخر الملل فكيف تطلق الآخرة على ملة عيسى عليه الصلاة والسلام، فأجاب بأنهم لما لم يسلموا نبوّة نبينا صلى الله عليه وسلم كانت آخرة بزعمهم فصح الإطلاق، وان لم تكن آخرة في نفس الأمر ولا عند النصارى فإنّ عيسى عليه الصلاة والسلام آمن بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فلا بلأع في التوصيف بشيء بحسب الاعتقاد أو الظن فما قيل إنه لا يدفع الإشكال غير صحيح، ثم إنّ فيه إشارة إلى أن المقصود من قولهم ما سمعنا بهذا إنا سمعنا خلافه وهو عدم التوحيد فهو كما زعمت النصارى إذ ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفقة على التوحيد، ولذا عبر بالملة دون الشرع والدين فإنها تطلق على الكفر كما في الحديث " الكفر كله ملة واحدة " ففيه توجيه آخر لادّعاء أنّ عدم التوحيد ملة عيسى عليه الصلاة والسلام، وهو لا ينافي الأوّل كما توهم وترك المدقق له لظهوره ولأنّ الأوّل هو المقصود كما سنبينه. قوله: (ويجورّ أن يكون (أي قوله في الملة الآخرة حالاً من اسم الإشارة وقد كان متعلقاً بسمعنا والإشارة إلى ما دعاهم إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا توجيه آخر لكونها آخرة منه يعلم أنّ ما قبله المقصود منه توجيهها أيضا فالمعترض غافل عما سيق له الكلام فليس المراد ملة قريش ولا ملة عيسى صلى الله عليه وسلم كما مرّ فيكون المراد ملة نبي مبعوث في آخر الزمان من غير تعيين كما كانت الكهان، واً هل الكتاب تبشر به ولكونها غير معينة كان المناسب تنكير ملة ولسبق التبشير بها كان لها نوع من العهدية فيجوز تعريفها، فما قيل إنّ التعريف فيه نبوة عن هذا نظراً إلى الأوّل لكنه غير متعين وهذا من كذبهم فإنه فيما يشير به إنه يكسر الأصنام ويدعو إلى التوحيد، ولدّا دلسوا وقالوا: ما سمعنا ظاهر فأفهم. قوله: (كذب اختلقه) أي افتراه من غير سبق مثل له، وقوله إنكار لاختصاصه بالوحي الباء داخلة على المقصود والاختصاص مستفاد من قوله من بينناً فهو من صريحه لا من تقديم عليه دهان صح، وكونه مثلهم أو دونهم من إنكار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 اختصاصه به مع المساواة أو المرجوحية بزعمهم الباطل في سبة الشرف الدنيوي لغيره. قوله: (الحسد) ناظر إلى كونه مثلهم، وقصور النظر إلى كونه دونهم، والحطام- نا يكسر من الحطب أطلق على متاع الدنيا تحقيرا له وايماء إلى أنه مقدمة لإحراقهم. قوله: (من القرآن) يعني أنّ الذكر المراد به القرآن والضمير لله أو الوحي الذي ذكر منقولاً عن الله، وقوله لميلهم الخ تعليل لشكهم فيما ذكر، ولذا جعلوه تارة سحرا وتاوة شعراً واختلاقا فلشكهم الناشئ عن عصبية الجاهلية لم يقطعوا فيه بشيء، وقوله ما يبتون به من البت وهو القطع فما نافية هذا هو الصحيح، وفي نسخة يبيتون من الإباتة وفي نسخة بينون من البناء وما موصولة وهو من تحريف النساخ قبل للإضراب عن جميع ما قبله، فإن قيل الشك في الذكر لا ينافي كون دعوى التوحيد مختلقا، وكذا قولهم ساحر كذاب قيل بل ينافيه لأنّ الذكر مشحون بالتوحيد فيلزم الشك فيه أيضاً والذكر مصدق له فإما كان سحرا وكذبا لزم عدم تصديقه فيما جاء به فتأمّل. قوله: (بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم) يعني أنّ لما هنا نافية جازمة كلم وان فرق بينهما بوجوه كما في المغني، وقوله فإذا ذاقوه إشارة إلى ما في لما من توقع وقوع المنفي بها! ، وقوله زال شكهم إشارة إلى إضراب عن الإضراب الذي قبله، وقيل إنه إضراب عن مجعوع الكلامين والمعنى أنّ شهم وحدهم لا يزولان إلا بذوقهم العذاب كما في الكشاف. قوله: (بل أعندهم) إشارة إلى أنّ أم منقطعة فإنها تقدر ببل والهمزة، وقوله في تصرفهم تفسير لقوله عندهم بأن المراد بالعندية الملك والتصرف لا مجرّد الحضور لأنه لا يتم به المرإد وتقديمه لأنه محل الإنكار فهو كالمسؤول عنه لازم التقديم ولا حاجة إلى جعله للتخصيص حتى يؤوّل بأنه لئخصيص الإنكار لا لإنكار التخصيص المفهوم منه أنّ كونها عندهم وعند غيرهم غير منكر كما قيل، وكذا ما قيل من أنهم لجسارتهم على مثل هذا القول نزلوا منزلة من يدّعي الاختصاص بخزائن الرحمة دونه تعالى فردّ عليهم بأنّ الأمر بالعكس إذ ليس في يدهم شيء منها فانه لا يدفع الإيهام المذكور مع أنه لو سلم فمنطوق عند دال عليه فتأمّل والصناديد رؤساؤهم وكبارهم جمع صنديد، وجمع خزائن إشارة إلى ما في النبوّة من كثرة الخيرات. قوله: (عطية من الله الا تتوقف على شيء آخر كما هو مذهب الحكماء وقد مز في الأنعام ما يخالفه وتوجيهه فتذكره، وقوله فإنه العزيز الخ تعليل لقوله لا مانع له، والوهاب تعليل لتفضله على من يشاء فهو لف ونشر غير مرتب والتوصيف بهما للإشارة إلى بطلان ماهم عليه من العزة وكون الخزائن عندهم. قوله: (ثم رشح ذلك) أصل معنى الترشيح التربية والتأهل كما يقال ترشح للوزارة ومنه ترشيح الأستعارة، والمراد به هنا التقوية والتأكيد لا المعنى المصطلح فإن كون ملك السموات والأرض وما بينهما لهم يقتضي أنّ خزائن الرحمة عندهم يقسمونها على من أرادوا ولم يصرح بأنه تأكيد له لتغاير مدلوليهما. قوله:) كأنه لما أنكر عليهم التصرف الخ) بيان للترشيح، وفي الكشاف ثم رشح هذا المعنى فقال أم لهم الخ حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء ا! ، وليس فيما ذكره المصنف ردّ عليه كما توهم واذا تأمّلت عرفت أنّ ما في الكشاف أولى مما ذكره المصنف فتدبر، وقوله إن كن لهم ذلك قيل الإشارة للتصرف في خزائنه وما فسره بعضهم وهو إن كان لهم ملك السموات أنسب. قوله: (حتى يستووا الخ) تبع في هذا الزمخشري وليس في هذا نسبة الاستواء إليه عز وجل فلا يرد عليه ما في الانتصاف الاستواء المنسوب إليه تعالى ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج وليس استواء استقرار كما فسر في محله فهذه العبارة ليست بجيدة وهو غير وارد فتأمّل، وقوله الوصفة بضم الواو ما يتوصل به كالحبل ونحوه وقوله لأنها الخ أي جعلها الله أسباباً لذلك لا أنها مؤثرة حتى يكون فلسفة. قوله: (أي هم جندمّ من الكفار الخ) في الكشاف ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله الخ والحصر المذكور قيل إنه من تقدير جند خبرا مقدما لمبتدأ مؤخر لاقتضاء المقام الحصر والمصنف عدل عنه وجعله خبر مبتدأ مقدم ولم يتعرّض للحصر وأورد عليه أنّ التقديم مطلقاً يفيد الحصر عند الزمخشري بدون تقديم ما حقه التأخير كما صرح به في قوله كلمة هو قائلها ونظائره ولا إشكال - ا. هـ؟ 511- ا. / - " / - " فيما ذكره الزمخشري بتقديم ولا تأخير، فإن قيل إنه لا طريق له سواه فليس بمسلم لأنه قد يستفاد من السياق كما سيأتي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 فإن قلت مقتضى ما في الكشاف حصرهم في الجندية بأن لا يتجاوزوها إلى القدرة على الأمور الربانية، وتقديم الخبر يفيده وما ذكره المعترض يفيد حصر الجندية فيهم، وهو غير مناسب للمقام فهو ناشئ من عدم الفرق بين القصرين والذي ذكر في الفاعل المعنوي كما بين في كتب المعاني، قلت هو كما ذكرت ولما وقع للزمخشري في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [سورة الأحزأب، الآية: 4] تفسيره بلا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا سبيل الحق قال الشارح الطيبي طيب الله ثراه أما دلالة يهدي السبيل على الحصر فظاهرة لأنه على م! وال أنا عم قت وأما والله يقول الحق فلأنه مثل الله يبسط الرزق وهو عنده يفيد الحصر قال في عروس الأفواح هذا عجيب منه فإنّ أنا عرفت والله يبسط فيه حصر الفاعل أي لا يقول الحق إلا الله، والزمخشري لم يتعرّض! له بالكلية فإنه وجد المعنى على الحصر في الحق فصرح به فقال لا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا السبيل فلم يقف الطيبي على مراده مع وضوحه، وذهب في الكشف إلى أنّ الحصر مستفاد من التفخيم المدلول عليه بالتنكير وزيادة ما الدالة على الشيوع وغاية التعظيم لدلالتها على اختصاص الوصف بالجندية من بين سائر الصفات كأنهم لا وصف لهم سواه فقيل عليه لا نسلم أنّ تعظيم وصف الجندية يقتضي أن لا وصف لهم سواه، قلت: ما ذكره المدقق بعينه كلام السيرافي في شرح الكتاب قال: ما مزيدة في قولهم بجهدمّ يبلغن تشبيها لدخولها في هذه الأشياء بدخولها في الجزاء لما كان لا يبلغ إلا بجهد صار كأنه غير واجب، وهو يقال لمن لا ينال المراد إلا بمشفة وهذا من المفهوم لأنه إذا نال أمرا بجهد عظيم لم يصل له بدونه، وقيل إفادته الحصر أنه كان حق الجند أن يعرف لكونه معلوما فنكر سوقا للمعلوم مساق المجهول كأنه لا يعرف منهم إلا هذا القدر وهو أنهم جند بهذه الصفة، كما في قوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} [سورة سبا، الآية: 7] إذا الخ كأنهم لا يعرفون من حاله إلا أنه رجل يقول كذا. قوله: (مهزوم مكسور عما قردب) في شرح المحقق للكشاف إن قرب الانهزام مفهوم من تعبيره عما لم يقع باسم المفعول المؤذن بالوقوع فكأنه محقق لشدة قربه، ويؤيده اسم الإشارة وهو هنا أيضا ومكسور بمعنى مهزوم مجاز مشهور ولم يستعمل قديما وعما ما فيه زائدة وعن بمعنى بعد أي بعد زمن قريب والمتحزبين الصائرون أحزابا. قوله:) وما مزيدة للتقليل كقولك كلت شيئاً مّا الخ) عدم ملاءمتة لما بعده من كونهم مهزومين مما يترإءى في بادئ النظر دون دقيقه لأنّ السياق مناسب له إذ كون الخزائن عندهم والارتقاء إلى أعلى المقامات لما كان استهزاء بهم ناسب وصفهم بانعظمة أيضاً اسنهزاء فهي بحسب اللفظ عظمة، وكثرة وفي نفس الأمر أقل قلة وكذا توله هنالك محلى تفسيرهم فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض، والمعروف في كلامهم كونها للتعظيم نحو لأمر ما جدع قصير أنفه لأمر مّا يسود من يسود مع أنه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وتبشير بانهزامهم والتبشير بخذلان عدوّ حقير ربما أشعر بإهانة وتحقير: ألم تر أنّ السيف ينقص قدره إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى وكون ما حرفا زائداً أحد قولين، وقيل هي اسم وأما كونها نافية فمما لم يقله أحد من أهل العربية ولا يليق بالمقام. قوله: (وهنالك إشارة الأنه وضع للإشارة إلى المكان البعيد فاستعير هنا للمرتبة من العلوّ والشرف، وهو معنى قوله حيث وضعوا فيه أنفسهم وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة للإشارة إلى مكان تقاولهم وهو مكة، والانتداب مطاوع ندبه لكذا فانتدب له إذ ادعاه فأجاب وقد كني به هنا عن نصب أنفسهم له والتقييد به، وهذا القول ما سبق في شأن النبوّة من قولهم أأنزل عليه الذكر من بيننا، وهنالك صفة جند أو ظرف مهزوم وتفصيل إعرابه في الدرّ المصون. قوله: (ذو الملك الثابت) هو صفة لفرعون لا لما قبله والا لقال ذوو والظاهر أنه شبه فرعون في ثبات ملكه بذي بيت ثابت أقيم عموده، وثبتت أوتاده تشبيها مضمرا في النفس على طريق الاسنعارة المكنية، وأثبت له ما هو من خواصه تخييلا وهو قوله ذو الأوتاد فإنه لازم له ولا حاجة إلى تكلف أنّ فيه كناية حيث أطلق اللازم، وأريد الملزوم وهو الملك الثابت فإنه لا وجه له. قوله: (ولقد غنوا الخ) هو من شعر للأسود بن يعفر شاعر جاهلي من قصيدة أوّلها: نام الخلي وما أحس رقادي والهمّ محتضر لدى وسادي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 ومنها: ماذا أؤمّل بعد آل محرق تركوا منازلهم وآل إياد جرت الرياح على مقرّ ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد وغنوا بالغين المعجمة بمعنى أقاموا، ولذا قيل للمساكن مغان وظل الملك حمايته، وقوله مأخوذ الخ إشارة إلى ما فيه من الاستعارة وظاهره أنّ ذو الأوتاد وهو البيت المطنب أي المربوط أطنابه أي حباله بأوتاده استعير للملك استعارة تصريحية، وهو أظهر مما مرّ نهايتة أنه وصف به فرعون مبالغة لجعله عين ملكه، وكذا إذا كان بمعنى الجموع فالاستعارة تصريحية في الأوتاد أو هو مجاز مرسل للزوم الأوتاد للجند، وقوله يشد البناء ليس المراد به معناه المعروف إذ لا معنى لشدّه بالوتد بل هو من قوله بني عليه إذا ضرب خيمة، والمعذب بصيغة المفعول من يريد تعذيبه وضمير عليها للأيدي والأرجل وعلى هذا فهو حقيقة. قوله: (وأصحاب النيضة (هي الشجر وقد مرّ، وقوله وهم قوم شعيب قيل إنه غير صحيح لأنه أجنبيّ من أصحاب الأيكة وإنما قومه أصحاب مدين كما مرّ في سورة الشعراء وسيأتي في الصف إنه لم يقل يا قوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لأنسب له فيهم، ويجاب بأنّ المراد بقومه أمّة دعوته بقرينة ما صرح به ثمة والمراد من أرسل إليهم. قوله: (يعني المتحزبين) أي المتجمعين عليهم فتعريفه للعهد وكونه إعلاء لشأنهم على من تحزب على نبينا صلى الله عليه وسلم على أنه من قبيل زيد الرجل بالقصر الادعائي مبالغة وجعله تعريفا جنسيا على طريق الادعاء أيضاً كما قيل فهو لا يناسب قول المصنف جعل الجند المهزوم منهم في قوله سابقا من الأحزاب مع أنه لا وجه له إذ المقام مقام تحقير لا مقام إعلاء وترفيع. قوله:) إن كل إلا كذب الخ) إن نافية ولا عمل لها لانتقاض نفيها بإلا فكل مبتدأ محذوف الخبر والتفريغ من أعمّ العام أي ما كل أحد مخبر عنه بشيء إلا مخبر عنه بأنه كذب جميع الرسل لأن الرسل يصدق كل منهم الكل فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل أو على أنه من مقابلة الجمع بالجمع فيكون كل كذب رسوله، أو الحصر مبالغة كان سائر أوصافهم بالنظر إليه بمنزلة العدم فهم غالون فيه، وقوله على الإبهام متعلق بأسند ويحتمل تعلقه ببيان أيضاً لأنه لا تفصيل فيه، وإنما ذكر المكذب وهم الرسل. قوله: (مشتمل على أنواع من التثيدا لإعادة التكذيب والتعبير بالاسمية وحصر صفاتهم في التكذيب للمبالغة، كما مر وتنويع الجملتين إلى استثنائية وغيرها وجعل كل فرقة مكذبة للجميع في أحد التأويلين، وقوله وهو أي معنى قوله إن كل الخ، وقوله ليكون الخ تعليل لقوله مشتمل أو لقوله بيان، وقوله مقابلة الجمع بالجمع بأن يقدر مضاف لضمير الأحزاب أي كلهم وعلى ما بعده تقديره كل حزب على ما هو معناه في الإضافة لمعرفة أو نكرة، فمن قال إنّ الأوّل خلاف الظاهر، ولذا اقتصر الزمخشري على الثاني لم يصب، وتكذيب جميعهم لما مر أو لاتفاق كلمتهم في العقائد وإفراد ضمير كذب رعاية للفظ كل فلا ترجيح فيه لأحد الوجهين. قوله: (وما ينتظر (إشارة إلى أن النظر هنا بمعنى الانتظار لا بمعنى الرؤية، وقوله قومك إشارة إلى أنّ المشار إليه بهؤلاء غير المشار إليه بأولئك، وهم كفار قريش ودل بتقديمه على اختياره لمناسبته للإشارة بما يشار به للقريب، وليس المراد أنّ تلك الصيحة عقاب لهم لعمومها للبر والفاجر بل المراد أنه ليس بينهم وبين ما أعدلهم من العذاب إلا هي لتأخير عقوبتهم إلى الآخرة لأنه تعالى لا يعذبهم بالاستئصال ونحوه لقوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، إذ المراد وجوده صلى الله عليه وسلم لا مجاورته لهم كما توهم حتى يقال إنه لا يمنع وقوعه بعد الهجرة لمخالفته للتفسير المأثور، والتعبير بالانتظار مجاز بجعل محقق الوقوع كأنه أمر منتظر لهم والإشارة بهؤلاء للتحقير لهم. قوله: (أو الأحزاب) فهو بيان لما يصيرون إليه في الآخرة من العقاب بعدما نزل بهم في الدنيا من العذاب، وجعلهم منتظرين له لأنّ ما أصابهم من عذاب الاستئصال ليس هو نتيجة ما جنوه من قبيح الأعمال إذ لا يعتد به بالنسبة إلى ما ثمة من الأهوال فهو تحذير لكفار قريش، وتخويف لمن يساق له الحديث فلا وجه لما قيل من أن هذا ليس في حيز الاحتمال أصلاً لأنّ الانتظار سواء كان حقيقة أو استهزاء إنما يتصوّر في حق من لم يتجه عمله فبعد ذكر ما حق عليهم من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 العقاب لم يبق لهم ما ينتظر وإنما المترصد له كفار مكة. قوله: (فإنهم كالحضور) جمع حاضر إشارة إلى توجيه الإشارة إليهم بما يشار به للقريب بعد الإشارة بأولئك الذي يشار به للبعيد مع اتحادهما على هذا التفسير بأنّ الأوّل على ظاهره لا يحتاج إلى توجيه فلما سبق ذكرهم مكرراً مؤكداً استحضرهم المخاطب في ذهنه فنزل الوجود الذهني منزلة الوجود الخارجي المحسوس، وأشير إليه بما يشار به للحاضر المشاهد، ويجوز أن يكون للتحقير ولا ينبو عنه التعبير بأولئك لأنّ البعد في الواقع مع أنه قد يقصد به التحقير أيضا. قوله: (أو حضورهم في علا الله) معطوف على استحضارهم، وتخصيص هذا بهذا الاعتبار مع مشاركة ما قبله له فيه للتفنن ومثله دوري لا يسئل مع أن الثاني محل التغيير والعدول أو لأنهم لما كذبوا كانوا موجودين حقيقة وانتظارهم بعد هلاكهم فوجودهم في نف! س الأمر، وعلمه الحضوري فقط فناسب اعتباره، وأما كفاية صيحة واحدة فلا يلائمه ولا يستدعيه كما قيل إلا أن يريد هذا. قوله: (هي النفخة (وتسميتها صيحة ظاهر، وقد مر تفسيرها بالعذاب أيضاً، وقوله من توقف مقدار فوقا فهو إمّا بحذف مضافين أو فواق مجاز مرسل بذكر الملزوم وإرادة لازمه كما إذا كان بمعنى الرجوع، والترداد بفتح التاء بمعنى الرد والصرف أو بمعنى التكرار من قولهم رد الفعل إذا كرره ومنه التردد على الناس، وقوله فإنه أي الفواق بيان للمناسبة المصححة للتجوّز به عما ذكر، وقوله وهما لغتان ظاهره أنهما بمعنى واحد وهو ما مر وهو قول لأهل اللغة، وقيل المفتوج اسم مصدر من أفاق المريض إفاقة وفاقة إذا رجع إدى الصحة والمضموم اسم ساعة رجوع اللبن للضرع. قوله: (قسطنا من العذاب (أي ما عين لنا منهه فيكون استعجالاً لما هدّدوا به متضمنا للتكذيب وهو المراد، وقوله أو الجنة الخ فهو سؤال لأن يعجل لهم النعيم الذي سمعوه منه صلى الله عليه وسلم يعد به من آمن فطلبوا تعجيله لهم في الدنيا استهزاء، أو حقيقة فإنهم لما وعدوا نعيم الجنان بالإيمان وهم لا يؤمنون بيوم الحساب سألوا ما وعدوه في الآخرة قبلها قال السمرقندي، وهو أقوى التفاسير لقولهم ربنا ولو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب، أو الكتاب استهزاء لسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسألوا ربهم، ولذا ترك المصنف درج الاستهزاء فهي كما في الكشاف. قوله:) الصحيفة الجائزة (أي العطية وصحيفتها ما يكتبه الكبير لبعض عماله أو أتباعه لأن ينفذه للسائل ونحوه وذكر بعض أهل اللغة إنها كلمة حدثت في الإسلام، وأصلها أنّ أمير جيش كان بينه وبين عدوّه نهر فقال: من جاز هذا النهر فله كذا فكان يعطي من جازه مالاً، ثم سميت به العطية مطلقا وقد تظرّف القائل: إنّ العطايا في زمان اللؤم قد صارت محرمة وكانت جائزة وقوله قد فسر بها أي بقطعة القرطاس هنا أيضا أما القط بمعنى الصنور والهرّ فقال ابن دريد في الجمهرة لا أحسبه عربيا صحيحا وودّ بأنه ورد في الحديث " عرضت علئ جهنم فرأيت فيها المرأة الحميرية صاحبة القط " وقد ذكره صاحب القاموس وغيره، وطلبهم نظر صحائفهم استهزاء وتكذيب أيضا، وقوله استعجلوا ذلك هو جار على الوجوه في تفسيره. قوله:) تعظيماً للمعصية الخ) إشارة إلى المناسبة بين اصبر واذكر المقتضية للعطف، وقوله بعظائم النعم إشارة إلى قوله إنا سخرنا والصغيرة تزوّجه الآتي وسيأتي كونها صغيرة أو خلاف الأولى، وقوله نزل عن منزلته الظاهر أنّ ما بعده تفسير له فمنزلته توقيره ونزوله عنها استحقاقه للعتاب وقوله أو تذكر فاذكر على الأوّل بمعنى الذكر المعروف، والمراد منه تخويف من أنذره وعلى هذا بمعنى التذكر والمراد تنبيهه صلى الله عليه وسلم للاعتناء بحفظه عما يوجب العتاب وعنان نفسه استعارة مكنية أو تصريحية. قوله: (يقال الخ) فالأيد القوّة والأيدي القوي واياد بكسر الهمزة بمعنى القوّة أو ما يتقوى به فإنه يقال له قوّة أيضا وقوله مرضاة مصدر ميمي بمعنى الرضا، وقوله وهو تعليل أي في قوله أنه أوّاب كما هو معروف في مثله من الجمل وقوله دليل الخ لأنّ الأيد القوّة وهي محتملة هنا لأن تكون في الجسم لما سخر له من عمل الحديد والصبر في القتال، ونحوه وأن تكون في الدين فلما علل بهذا تعين أنّ المراد قوّته الدينية دون الدنيوية لأن الأوّاب وان دل على الرجوع المطلق المحتمل للرجوع لله رجوعا دينيا والرجوع لما يزاوله فيكون بدنياً لكنه اشتهر في الأوّل لا سيما في القرآن فإنه لم يستعمل فيه الأوّاب إلا بمعنى التوّاب، والتوبة الرجوع دلّه فسقط ما اعترض به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 صاحب التقريب، وصيام يوم وإفطار يوم أشق من غيره كقيام بعض دون بعض فإنه أشق من صيام الدهر ومن قيامه كله لتركه راحة تذكرها قريبا، وقوله مرّ تفسيره أي في الأنبياء قال بعض فضلاء العصر أخر ظرف المعية هنا عن الجبال وقدم في الأنبياء فقيل وسخرنا مع داود الجبال لذكر سليمان وداود ثمة فقدّم مسارعة للتعيين، ولا كذلك هنا وهو حسن وقد مرّ في الأنبياء تجويز كون التسبيح بلسان الحال، وقوله بالعشي والإشراق هنا ياً باه إذ لا اختصاص به بهما ولا بكونه معه أيضا. قوله: (حال وضع موضع مسبحات) لأنّ الأصل في الحال الإفراد فالعدول للدلالة على حدوثه وتجدّده شيئاً فشيئاً، واستحضار الحالة العجيبة من نطق الجماد ولو قيل مسبحات لم يدل على ما ذكر وفيه نظر لأن المنظور إليه زمان الحكم، وهو حال أو مستقبل عند التسخير، ويجوز كونه مستأنفاً لبيان تسخيرها له لكن مقابلته بقوله محشورة هنا يعين الحالية فلذا اقتصر عليها وجملة إنا سخرنا مستأنفة لبيان قصته أو لتعليل قوّته أو أوّابيته. قوله: (ووقت الإشراق) يعني فيه مضاف مقدّر لعطفه على الزمان، والمراد بوقت الضحا الضحوة الصغرى عند ارتفاع الشمس، وشرقت الشمس بمعنى طلعت ولما تشرق بمعنى لم تشرق أي لم ترتفع ارتفاعا تامّا فلما فيه جازمة كما مر، وأم هانئ صحابية معروفة وقوله إنه أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله. (هذه صلاة الإشراق الخ) إشارة إلى الخلاف الواقع في هذه الصلاة أعني الإشراق، والضحا على ما فصله المحدثون فقيل إنها بدعة حسنة وانه صلى الله عليه وسلم لم يصلها، وأما صلاته في بيت أم هانئ لما دخل مكة عام الفتح فإنما كانت صلاة شكر لذلك الفتح العظيم صادفت ذلك الوقت لا أنا عبادة مخصوصة فيه دون سبب، وقيل إنها سنة وقد ورد فيها أحاديث أكثرها ضعيف، وأصحها حديث أم هانئ وهذا هو القول الأصح فيها، وقيل إنها كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم وهو من خصائصه، وقول ابن عباس رضي الله عنهما عا عرفت الخ إشارة إلى إنكار ثبوت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لها وهو ما ذهب إليه بعض الصحابة، وأقلها ركعتان وأكثرها اثنا عشر وأوسطها في الفضيلة ثمانية ووجه فهم ابن عباس رضي الله عنهما لها من الآية بناء على ما روي عنه كما مر في سورة الصافات أنّ كل تسبيح ورد في القرآن فهو بمعنى الصلاة يعني ما لم يرد به التعجب، والتنزيه كما رواه الطبري فحيث كان صلاة لداود عليه الصلاة والسلام قصت على- طريق المدح علم منه مشروعيتها، وهذا هو المراد بلا تكلف، وما قيل في توجيهه إنه خص ذينك الوقتين بالتسبيح، وعلم من الرواية أنه كان يصلي فيهما مسبحاً، وقد حكى دون بيان لكيفيته فتحمل على صلاة الضحا أو تسبيح الجبال مجاز فينبغي حمل تسبيح داود عليه الصلاة والسلام على معنى مجازي لأنّ المجاز بالمجازآنس لا يخفى ضعفه فإنه إذا علم من الرواية فكيف يقول ابن عباس رضي الله عنهما إنه أخذه من الآية، والتجوّز ينبغي تقليله ما أمكن وهذا بناء على أنّ معه متعلق بيسجن حتى يكون هو مسبحاً أي مصلياً والا فتسبيح الجبال لا دلالة له على الصلاة، ومع هذا ففيه حينئذ جمع بين معنيين مجازيين إلا أن يقال به أو يجعل بمعنى يطعن، ويجعلى تعظيم كل محملاً على ما يناسبه وبعد اللتيا والتي فلا يخلو من كدر. قوله: (من كل جانب) لأنّ المتبادر من الحشر أن يكون من أماكن متفرقة، وقوله المطابقة أي الموافقة بين الحالين يسبحن ومحشورة بجعلهما اسمين أو فعلين وقد بين وجه المضارعية ثمة لأنها حال بعد حال، وأما هذه فالحشر دفعة هو المناسب لمقام القدرة المراد كما بينه ودلالة محشورة على الحشر الدفعي إما بمقابلته للفعل أو لأنه الأصل عند عدم القرينة على خلافه فلا يرد عليه أنّ الاسم لا يدل على ذلك، ومدرجاً في نسخة متدرجاً وهما بمعنى، والطير معطوف على الجبال أو مفعول معه إن لم يتعلق به معه كما مرّ. قوله: (كل واحد من الجبال الو أرجعه إليهما كما في الكشاف بل إلى الطير فقط استغنى عما ذكر من التوجيه والمعنى كل طائر، وعلى هذا فضمير له لداود عليه الصلاة والسلام ولامه تعليلية، والموافقة من قوله معه والمداومة من رجوعه له كلما رجع داود عليه الصلاة والسلام إليه ولامضارع وان دل على استمرار تجددي كما مر لكن دلالة هذا بمنطوقه، وهي أقوى من الأولى لأنه قد يراد به مجرد الحدوث من غير تكرره فاندفع ما أورد عليه من أنّ ما قبله يدل على المداومة أيضا لدلالته على الاستمرار التجدّدي كما صرّح به، وقوله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 عجز عن البيان أي إقامة البينة، وقوله فأعلمه أي بأنه سيقتله وتصديقه اعترافه باستحقاق القتل وغيلة بكسر الغين المعجمة وسكون الياء وهو أن يخدع رجلا ليذهب معه لمكان فإذا خلا به فيه قتله، وقوله فعظمت الخ إشارة إلى أنّ هذه القصة كانت سببا لمهابته والخوف منه، وإنما مرضه لأن جعله سببا لتقوية ملكه مستقلا غير مناسب بمقإصه نعم له مدخل مّا فيه. قوله: (النبوة) الحكمة ما أحكم من قول أو فعل أو عمل، ولا أشد أحكاما في جميع الأمور من النبوّة فلذا وردت في القرآن بمعناها، وقيل هي كل صواب واذا فسرت بالثاني فهي أعمّ، وقوله فصلى الخصام فالفصل بمعناه المصدري والخطاب أريد به المخاصمة لاشتمالها عليه أو لأنها أحد أنواعه خص! به لأنه المحتاج للفصل، وقوله الكلام المخلص فالفصل بمعنى المفصول، وهو من إضافة الصفة لموصوفها، وقوله من غير التباس إشارة إلى أنه أطلق عليه فصلا لانفصاله عما سواه بلا التباس وحسنه كون إلالتباس المقابل له بمعنى الاتصال وعدم الانفصال، " وفيه دقة في نظر الواضع الحكيم فتدبر. قوله: (يراعي فيه الخ (حالط من فاعل ينبه أو استئناف لبيانه، وهذا على طريق التمثيل والمراد بمظانها مقاماتها التي من شأنها أن تقع فيها كما يقال يتبع الراعي مظانّ المطر والنبات، وقوله وإنما سمي الخ إشارة إلى ما ذكره بعضهم من تفسيره فصل الخطاب بأمّا بعد بأنه ليس مراده حصره فيه بل أنه من جملته لأنه أكثر ما وقع في الخطب بعد الحمد والصلاة فذكر ليفصل بين ما جعل غرة للكلام تيمناً به، وبين المقصود منه وهو مما يقع في الكلام البليغ فأطلق عليه لوتوعه في كلام فصل من باب إطلاق اسم الكل على جزئه، وقوله عما سبق بالباص. الموحدة أو المثناة التحتية على بناء " المجهول بكليهما ضبط، وهما بمعنى ومقدمة منصوب على الحالية، وهو على هذا بمعنى الفاصل واضافته بحالها وهو ممكن فيما مر أيضا. قوله: (وقيل هو الخطاب القصد) بقاف وصاد ودال! مهملتين ومعناه المتوسط باعتداله بين أمرين، ولذا فسره بقوله ليس فيه الخ والإشباع التطويل، والممل الموقع في الملل والسآمة، وقوله لا نزر أي قليل فيكون فيه اختصار مخل وهذر بالذال المعجمة بمعنى كثير من الهذر وهو الهذيان، وهو بأن يكون فيه تطويل ممل وهكذا وقع في وصف كلامه حينئذ في حديث أم معبد وغيره من طرق صحيحة وقد جعلوا لا نزر ولا هذر بمعنى لا قليل، ولا كثير على هذا تفسير الفصل، وقد قيل هما صفتان لكلامه مستقلتان أي فصل بين الحق والباطل، ومع ذلك لا قليل ولا كثير ولا يلزم العطف على هذا كما توهم حتى تتعين الوصفية لأنّ فصل وقع خبرا عن كلامه أو ضميره فقوله: (لا نزر ولا هذرا لا يخلو من أن يكون صفة لفصل مقيدة لا مفسرة ولا مؤكدة فيلزم عدم العطف، ويفيد وصف كلامه بوصفين معنويين وهما كونه فصلا وغير نزر هذر أو خبرا بعد خبر أو صفة بعد صفة إن سلم فلا يلزم عند تعدد الأخبار أو الصفات العطف كما صرّج به النحاة في المتون، ولا يخفى مغايرة هذا لما قبله. قوله: (التعجيب والتشويق) التعجب الظاهر أنه بمعنى جعل المخاطب معجبا بما ألقى إليه أو متعجبا منه، أو عده أمرا عجيبا وهذا وما بعده من الاستفهام ممن لا يعرف القصة ويراد إعلامه بها فيقال له هل سمعت بكذ! وهذا أمر مستفيض في عرف التخاطب، وقوله مصدر أي لخصمه بمعنى خاصمه أو غلبه، وقوله أطلق على الجمع أي هنا لقوله تسوروا وهو ظاهر. قوله: (تصعدوا الخ) السور الحائط المحيط المرتفع، والمحراب الغرفة وهي البيت العالي ومحراب المسجد مأخوذ منه لانفصاله عما عداه أو لشرفه المنزل منزلة علوّه والمراد من تسورهم الغرفة نزولهم لها من الحائط دون الباب لأنه كان مغلوقا في زمان خلوّه له بعبادته وصيغة تفعل تكون لمعان كثيرة منها العلو على أصله المأخوذ من التسور بمعنى علا السور والحائط، وتسنم علا السنام. قوله: (وإذ متعلق بمحذوف الخ الأنه لا يتعلق بأتى لأنّ إتيان الخبر لم يكن في ذلك الوقت بخلاف تحاكمهم، وقوله على حذف مضاف أي قصة ردّ لما في الكشاف من أنه لا يصح تعلقه بالنبأ لأنّ النبأ الواقع في عهد داود عليه الصلاة والسلام لا يصح إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان أريد به القصة لم يكن ناصباً، اهـ بأنه يتعلق به ويدفع المحذور بتقدير مضاف فيه، وهو ظاهر وقد قيل إنه يصح أيضا بجعل الإسناد مجازيا بلا حذف، وجعل النبأ بمعنى القصة عاجلاً لأنه في الأصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 مصدر، والظرف قنوع يكفيه رائحة الفعل. قوله: (وإذ الثانية الخ) بأن يجعل زماناهما لقربهما بمنزلة المتحدين، أو يجعلا ممتدّين فيصح بدل الكل كبدل الاشتمال. قوله: (أو ظرف لتسوّروا) ولا يخفى أنّ التسوّر ليس في وقت الدخول إلا أن يعتبر امتداده، أو يراد بالدخول إرادته ويفرّع قوله ففزع على التسوّر وفيه تكلف، وقد جوّز تعلقه باذكر مقدرا والمراد بقوله من فوق الحائط، والحرس جمع حارس أو حرسيّ والمراد بخاصته أهله. قوله: (نحن فوجان متخاصمان (إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر ودفع لما يتوهم من أنّ الخصم شامل للقليل والكثير، والمراد به هنا جماعة لجمع ضميره في تسوّر واو ما معه فلم ثني هنا بأنّ الخصم المثني هنا عبارة عن الفوج فيكون هنا جماعتان تخاصما فيطابق ما مر، وقد قيل يجوز أن يكون الضمائر المجموعة مرادا بها التثنية فيتوافقا ويؤيده أنّ الذي روي أنه جاءه ملكان. قوله ة) على تسمية مصاحب الخصم خصماً (تغليباً جواب سؤال مقدر، وهو أن المتخاصمين ملكان اثنان كما صرّح به في المروقي، ويؤيده قوله بعده هذا أخي فكيف يجعلان جماعتين وتقدير خصمان مبتدأ خبره مقدر مقدما أي فينا خصمان لا يدفعه كما قيل لكون الخصم جماعة كما مرّ إلا بملاحظة كون الفوجين بأسرهم خصماً والمذكور بعده قول بعضهم وهو تكلف. قوله: (وهو على الفرض وقصد التعريض (دفع لما يرد على تقدير كونهم ملائكة بأنهم كيف يخبرون عن أنفسهم بما لم يقع منهم والملائكة منزهون عن الكذب بأنه إنما يكون كذباً إذا قصد به الأخبار حقيقة أمّا لو كان فرضاً لأمر صوّروه في أنفسهم لما أتوا على صورة البشر كما يذكره العالم إذا صوّر مسألة لأحد أو كان كناية، وتعريضاً بما وقع من داود عليه الصلاة والسلام فلا. قوله: (ولا تجر الخ (بيان للمعنى المراد منه وان كان أصل معناه مختلفا باختلاف القراآت فإن قراءة العامّة بضم التاء من أشطط إذا تجاوز الحق وغيرهم قرأ بفتحها من شطط بمعنى بعد وهي التي أشار إليها بقوله وقرئ الخ، والكل يرجع لمعنى واحد، وقوله وهو العدل فتجوز بالوسط عنه لأنه خير الأمور. قوله: (وقد يكنى بها عن المرأة (الكناية هنا بمعناها اللغوي لأنه استعارة مصرّحة لتشبيهها بها في لين الجانب، وسهولة الضبط والانتفاع وقد استعملته العرب كثيرا كالشاة قال: كنعاج الملا تعسفن رملا ياشاة ما قنص لمن حلت له ~ حرمت عليّ وليتها لم تحرم فلعدم التصريح بالمرأة وذكر ما يدل عليها حقيقة سمي الاستعارة كناية لخفاء المراد. قوله: (والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ) هكذا وقع في الكشاف، وفيه خفاء يحتاج إلى توضيحه فالظاهر أن المسوق للتعريض الكلام بتمامه فإنه تعريض لداود عليه الصلاة والسلام، والداعي للتعريض إمّا احتشام من ص عرض له واحترامه أو تنقيصه وايلامه وعلى كليهما تحسن الكناية والتمثيل دون التصريح، والتحقيق أمّا في الأوّل فظاهر لأنه حيث لم يواجه ابتداء لتوقيره ناسب عدم التصريح بقصته بعينها فإنه لا يقع التعريض في نحوه، وأمّا في الثاني فلان عدم التصريح مؤكد لتنقيصه لعدم الاعتناء بحاله والمراد بالكناية الاستعارة كما مرّ، وأمّا التمثيل فذهب شراح الكشاف إلى " أنه ليس بالمعنى المصطلح بل اللغوي إذ المراد به تحاكمهم له ومجيئهم له على صورة خصمين فإنّ التمثيل كما يجري في الأقوال يجري في الأفعال قال المولى: بعد الدين وهذا في الأفعال بمنزلة الاستعارة التخييلية في الأقوال حيث لم يكن المقصود! من تحاكمهم ما هو ظاهر الحال، ثم في هذا التمثيل تعريض بحال داود عليه الصلاة والسلام وما صدر منه، ورمز إلى الغبرض! وأبلغيته لأنه بعد فهم المراد منه يتمكن في الذهن غاية التمكن، وهو أشد في التقريع لإيهامه أنه أمر يستحي من مثله وهو لائق في البهائم دؤن الحراس، ويجوز أن يراد بالتمثيل معناه المعروف فتأمّل، وقوله بالدين أو النوعية. قوله: (وقرئ تسع وتسعون الخ) لأنّ الفتح والكسر يتعاقبان في الأسماء كثيراً ولما جاور التسع العشر قصدوا مناسبته لما فوقه ولما تحته، وكسر نون نعجة لغة تميم وقوله ملكنيها لأنّ من كفل صغيراً كمان في تصرفه وكذا من ملك فاستعمل بمعناه لتقاربهما، وقوله غلبني تفسير لعزني والمخاطبة تفسير للخطاب، وقوله لم أقدر رده ضمنه معنى أطلق فعدّاه بنفسه، وقوله أو في مغالبته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 الخ على أنّ الخطاب مصدر خاطبه إذا سبق وغلب خطبته بكسر الخاء وهي في النكاج خاصة، وهذا إذا أريد بالنعجة المرأة وما قبله في الوجهين، وقوله على تخفيف للزاي بترك التشديد، وهو غريب كما قالوا: في ظللت ظلت وفي رب رب. قوله: (قصد به) أي بجواب القسم، وهو قوله لقد ظلمك الخ إذ جعله ظلما مؤكداً بالقسم والتهجين التقبيح، وقوله ولعله الخ دفع لما يتوهم من أنه بمجرّد ذكر المدعي ظلامته دون إثبات ونحوه كيف حكم بظلم شريكه بأنّ فيه مطويا وهو فلما أقرّ المدّعي عليه قال لقد ظلمك الخ أو فيه شرط مقدر أي إن كان كما قلت فقد ظلمك. قوله: (وتعديته إلى مفعول الخ) وهو لا يتعدّى بها فتضمن ما يتعدى بها كالضم أو الإضافة، قال الزمخشي كأنه قال بإضافته نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب فجعل المضمن أصلا والمضمن فيه قيداً، ولو عكس جاز بأن يقدر بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه كما مر أو سؤاله إضافة نعجتك الخ، وأشار بقوله والطلب إلى أنّ المراد من السؤال مطلق الطلب من غير نظر إلى علو المسؤول منه وعكسه ولا مساواته، فما قيل إنه للإشارة إلى أنه من الأعلى للأدنى بقرينة المعازة غير مسلم فإنه يجوز أن يكون هنا على طريق الخضوع والتذلل، واذا قبح هذا كما أشار إليه بجعله تهجينا له فغيره بطريق الأولى نعم ما ذكره أنسب بالظلم، والمعازة في المحاجة لا تستلزم العلوّ كما قيل. قوله: (وانّ كثيرا من الخلطاء الخ) يحتمل أن يكون من كلام داود عليه الصلاة والسلام، وأن يكون ابتداء كلام غير محكيّ عنه، وفسر الخلطاء بالشركاء لاختلاط أموالهم ويكون بمعنى الأصدقاء فيكون كما قيل: عدوّك من صديقك مستفاد فلاتستكثرنّ من الصحاب فإنّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أوالشراب قوله: (وقرئ بفتح الياء) فتحة بناء لاتصاله بنون التأكيد المقدرة وهو حينئذ جواب قسم مقدّر بقرينة اللام كما في البيت. قوله: (اضرب عنك الهموم طارقها) . ضربك بالسيف قونى الفرس فاضرب فعل أمر مبنيّ على السكون لكنه فتحه لتقدير نون التوكيد معه والهموم مفعوله، وطارقها بدل منه بدل بعض واستعار ضربها لصرفها عنه، وضربك مفعول مطلق وقون! بفتح القاف والنون أعلى الرأس والمراد به هنا عظم بين أذني الفرس، وهذا البيت من شعر لطرفة بن العبد وحذف الياء للتخفيف كما في والليل إذا يسر. قوله: (وما مزيدة الخ) هم مبتدأ وقليل خبر.، وفيه مبالغة من وجوه وصفهم بالقلة وتنكير قليل وزيادة ما الإبهامية والشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه فكأنه قيل ما أقلهم فهو معلوم من المقام. قوله تعالى: ( {وَقَتَلَ دَاوُدُ} الخ الم يفسر الظن كما في الكشاف بجعله مجازاً عن اليقين لاحتمال بقائه على حقيقته لكن ما بعده صريح في مسلك الزمخشري، وقد روي أنّ الملكين فالأقصى الرجل على نفسه وإنما المفتوحة لا تدل على الحصر كالمكسورة كما فصله في المغني ولو سلم كما ذهب إليه الزمخشري حملا على المكسورة فهو لم يدع اطراده فليس المقصود قصر الفتنة عليه لأنه يقتضي انفصال الضمير ولأقصر ما فعل به على الفتنة لأنّ كل فعل ينحل إلى عام وخاص فمعنى ضربته فعلت ضربه على أنّ المعنى ما فعلنا به إلا الفتنة كما قيل لأنه تعسف وألغاز. قوله: (ساجدا (على أنّ الركوع مجاز مرسل عن السجود لأنه لإفضائه إليه جعل كالسبب، ثم تجوّز به عنه وهو معنى قوله لأنه مبدؤه لكنه تمسح في العبارة أو هو استعارة له لمشابهته له في الانحناء والخضوع، وقوله أو خر للسجود راكعا وجه آخر بجعل راكعاً بمعنى مصليا لاشتهار التجوّز به عنه، ولذا يسمى ركعة وتقدير متعلق لخرّ يدل عليه غلبة فحواه لأنه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ} [سورة النحل، الآية: 26 لح أو جعله بمعنى سجد ولذا جعله أبو حنيفة دليلاً على أنّ هنا سجدة تلاوة وأنها من العزائم، وخالف فيه بعض الشافعية. قوله: (حرّم (بتشديد الراء تفعيل من التحرم أي عقداً لتحريمه ودخل في الصلاة يقال أحرم للصلاة وحرم المشهور الأوّل إذا دخل فيها بتكبيرة الإحرام لأنها تحرّم عليه الأشياء كالكلام ونحوه وركعتا الاستغفار ركعتان تصليان عند التوبة وهي مشروعة. قوله: (وأقصى ما في هذه الخ) يعني أنه ليس في هذه القصة ما يضر بمقام النبوّة فإنّ ما ذكر فيه محصله ما ذكر، وليس فيه ما يخالف الشرع ولكنه لنزاهة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 عصمته رآه منكرا فلذا استغفر منه وتاب، وما وقع في رواية بعض القصاص من إسناد ما لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليهم إمّا مفتري أو مؤوّل فلذا قال المصنف فلعله الخ فنهايته أنه خطب على خطبته ولم يكن هذا ممنوعاً في شرعهم، أو هو صغيرة عند من جوّزها على الأنبياء، واستنزاله عن زوجته طلب أن يطلقها وبعد العذة إن كانت في شرعهم يتزوّجها، وهذا جائز عندهم، وقد كان ذلك في صدر الإسلام بعد الهجرة فكان الرجل من الأنصار إذا كانت له زوجتان نزل عن إحداهما لمن اتخذه أخاله من المهاجرين فقوله بهذا المعنى أي بالنزول عن الزوجة والاستنزال بالهمزة أي جعله أسوته وواساه خطأ عند أهل اللغة وذهب صاحب القاموس إلى أنه لغة رديئة. قوله: (وما قيل الخ) أو ريا بهمزة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة، وياء تحتية بعدها ألف اسم رجل من مؤمني قومه، وقوله بأن يقدم أي يجعل مقدما في عسكره، وهراء بهاء وراء مهملة ومد بزنة غراب بمعنى كلام فاسد وفي نسخة فزور، وقوله ولذلك أي لكونه كذبا فاسدا وما روي عن عليّ كرّم الله وجهه فيه إنه حد الفرية على الأنبياء لكن قال الزين العراقي إنه لم يصح عنه وعلى فرض حصته فهو اجتهاد منه وجهه إنه ضوعف هذا على حذ الأحرار لأنهم سادة السادة، وتصنعوا تكلفوا صنعته والمراد زوّروه ودلسوه وعلى هذا فليس فيه ما يخالف مقام العصمة النبوية والابتلاء امتحانه هل يغضب لنفسه أم لا والاستغفار لعزمه على تأديبهم لحق نفسه لعدوله عق العفو الأليق به، وقيل االأستغفار كان لمن هجم عليه وقوله فغفرنا له أي لأجله وهو تعسف وان وقع في كتب الكلام. قوله: (وإنّ له عندنا لزلفى لقربة (عظيمة بحيث لا يحط ما ذكر من مقامه، وقوله يا داود كلام مستأنف لا معطوف بتقدير قول لما فيه من لتقدير بلا حاجة وايهامه لغير المراد، وقوله استخلفناك الخ على الأوّل يكون مثل فلان خليفة السلطان إذا كان منصوبا منه لتنفيذ ما يريد والثاني من قبيل هذا الولد خليفة عن أبيه أي ساذ مسده قائم بما كان يقوم به من غير اعتبار لحياة، وموت أو غيره ومن ذكرهما فهذا مراده لكنه جرى على الغالب فيه فلا يعترض عليه، ويطال بلا طائل ولظهور المعنى الأوّل قدم وجعلها الزمخشريّ دليلا على إرادته في سورة البقرة! ع تجويز. الوجهين هنا فلا تناقض فيه فتدبر. قوله: (بحكم الله) هذا يحتمل أن يكون لأنّ تريف الحق بمعنى خلاف الباطل للعهد هنا على أنّ المراد حكم الله الذي هو شرعه لأنه لا يحكم إلا بالحق، وتفريعه بالفاء على جعله خليفة يشعر بالعلية لأنه لما كان خليفة له اقتضى ذلك أن لا يخالف حكمه حكم من استخلفه بل يكون ذلك على وفق إرادته ورضاه، أو المترتب مطلق الحكم لظهور ترتبه على كونه خليفة وذكر الحق لأنّ به سداده، وقيل ترتبه لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل ويحتمل أن يكون الحق اسم الله وفيه مضاف مقدّر والأوّل أولى لأنّ مقابلته بالهوى تأباه. قوله:) وما تهوى النفس) لأنّ الهوى يكون بمعنى المهوي كما في قوله، هو أي مع الركب اليمانيين، وقوله وهو يؤيد الخ وجه التأييد أنّ ذكره بعد الحكم يقتصي أنّ اتباعه للهوى في نفس حكمه لا في أمر آخر من الميل إلى امرأة أوريا ولم يجعله دليلا لاحتمال انقطاعه عما قبله، وكونه وصية مستقلة لكنه غير مناسب لمقامه أن يحكم بغير علم منه وقوله دلائله سواء كانت عقلية أو نقلية نصا أو قياسا وصدّ. عن الدلائل إمّا لعدم النظر فيها أو العمل بموجبها. قوله:) بسبب نسيانهم (يعني الباء سببية وما مصدرية وإضافة السبب بيانية والمراد بالنسيان الترك أو عدم الذكر مطلقا لا الغفلة فيشمل الكفرة المنكرين للحشر، وقوله بما الخ متعلق بقوله لهيم عذاب، وقوله وهو ضلالهم الخ ظاهره أنه أريد بالنسيان الضلال بعلاقة السببية فقوله فإن الخ إشارة للعلاقة المصححة، وقد قيل عليه إن العدول إلى المجاز مع إمكان الحقيقة لا داعي له مع صحة أن يقال الذيق يضلون عن سبيل الله لهم عذاب بسبب نسيانهم الذي هو سبب ضلالهم فينبغي أن يحمل قوله وهو ضلالهم على المبالغة أو على تقدير المضاف أي بسبب ضلالهم، وفي الكشاف يوم الحساب متعلق بنسوا أي بنسيانهم يوم الحساب فهو مفعول أو بقوله لهم أي لهيم عذاب أليم يوم القيامة بسبب نسيانهم، وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 ضلالهم عن سبيل الله، اهـ فهو ظرف وظاهره أن هذا التشبيه على الوجه الثاني لأنّ قوله إنّ الذين الخ تعليل لما قبله من النهي عن اتباع الهوى المضل عن سبيله وسبيله دلائله، والضلال عنها تركها ونسيانها كما فسره به قبيل هذا فاختار المصنف الثاني، ولذا ذكر النسيان مطلقا لأنه أنسب بالسياق إذ المعنى حينئذ لأنّ الضالين معذبون بضلالهم، وترك الحق واتباع الهوى لازم للنسيان عادة فصح التجوّز به عنه، وهذا القائل لم يقف على مرادهم فحبط خبط عشواء. قوله: (خلقاً باطلاَ) فهو منصوب على نيابته عن المفعول المطلق نحو كل هنيا أي أكلاً هنياً فلا يختص هذا بالأخير كما فعله المصنف فكان ينبغي ذكرهما في قرن واحد، وقوله لا حكمة فيه تفسير للباطل هنا، وقوله أو ذوي باطل فهو حال من فاعل خلقنا بتقدير مضاف ويصح كونه من المفعول أيضا بنحو هذا التأويل، والباطل على هذا اللعب والعبث، وقوله أو للباطل فهو مفعول له وقوله الذي الخ تفسير للباطل على هذا الوجه والتدرع لبس الدرع مجاز عن التحصن بالتمسك بالشريعة، وقوله من التوحيد بيان للحق، وقوله على وضعه الخ يعني في هذا الوجه، والتقدير للعب الباطل وإنما أوّله لأنّ الباطل ليس فعلاَ له حتى يعلل به. قوله: (والظن بمعنى المظنون اليصح الحمل أو يقدّر ظن ذلك ومن في قوله من النار ابتدائية أو بيانية أو تعليلية، وقوله بسبب هذا الظن إشارة إلى ما تفيده الفاء من ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل الذي به كفروا فيؤكد وضع الذين كفروا موضع الضمير للدلالة على العلية. قوله: (والاستفهام الأنها تقدر ببل والهمزة والاستفهام المقدر إنكاريّ في معنى النفي والحزبين المؤمنون، والمفسدون وكونه من اللوازم لأنه إذا لم يجاز المصلح والمفسد لزم البعث المنافي للحكمة، وقوله ليدل على نفيه لأنه يلزم من نفي اللازم نفي ملزومه، وقوله باعتبار وصفين هما التقوى والفجور، وقوله من الحكيم الرحيم لأن مقتضى الحكمة عدم التسوية ومقتضى الرحمة إزالة فساد المفسد والانتقام منه وازالة ظلم المظلوم. قوله: (والآية الخ) لأنّ مقتضى الحكمة عدم التسوية، وليس هذا في الدنيا لأنا نشاهد خلافه كما قال الشافعيّ رضي الله عته: ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق فلا بدّ من دار جزاء أخرى وهو المطلوب، وقوله نفاع أي كثير النفع تفسير لمبارك وكتاب مبتدأ مبارك خبره أو خبر مبتدأ مقدر أي هذا كتاب ومبارك صفة أو خبر بعد خبر وعلى حاليته فهي حال لازمة لأنّ البركة لا تفارفه جعلنا الله في بركاته، ونفعنا بشريف آياته. قوله: (ليتفكروا الخ) قراءته على الأصل بترك إدغام التاء في الدال ولتدبروا على الخطاب أي على أنّ الأصل لتتدبر، وابتاءين حذفت إحداهما والظاهر في قراءة الغيبة إنّ الواو ضمير أولي الألباب على التنازع واعمال الثاني أو للمؤمنين فقط أو لهم وللمفسدين ويدبر بوزن يضرب بمعنى يتغ من دبر. إذا تبعه، وقيل معناه صرفه لأنّ من تبع الظلم لم يفز بطائل وهو إشارة إلى اشتقاق التدبر من الدبر لأنّ به تعرف العوافب، ومعنى الاتباع لظاهر المتلو الاكتفاء بمعرفة المعاني الظاهرة من غير تأويل في مظانّ التأويل، ولا اطلاع على النكت والأسرار، وليدبروا متعلق بأنزلنا أو بمحذوف يدل عليه، وقوله أنت وعلماء أمّتك إشارة إلى أنّ فيه تغليباً. قوله: (وليتعظ به ذووا العقول السليمة الخ) على أنّ التذكر بمعنى الاتعاظ، وقوله أو ليستحضروا على أنه من الذكر ولما ورد عليه أنهم لم يعلموه أوّلاً حتى يعد هذا تذكرا لما غاب عن خواطرهم أشار إلى دفعه بأنه أمر موافق للفطرة مركوز في العقول، والدلائل منادية عليه فجعل تمكنهم منه أوّلا بمنزلة علمه فلذا عبر بالتذكر تنزيلا للقوّة منزلة الفعل فقوله من فرط الخ من فيه تعليلية متعلقة بما في الكاف من معنى التشبيه. قوله: (فإنّ الكتب الخ) بيان لوجه الاستحضار بالكتاب والمقصود منه قوله وإرشاد الخ وما لا يعرف إلا من الشرع كالأحكام الفرعية وبعض الأصلية وما يستقل به العقل كوجود الصانع القديم، وقوله ولعل الخ ليس وجها في تفسير التدبر والتفكر كما قيل بل من تتمة هذا بيان لأن المراد بالتدبر المعلوم الأوّل وهو ما لا يعرف إلا من الشرع لأنه بعد معرفته منه يحتاج إلى التأمّل والثاني، وهو ما يستقل به العقل فإنه هو المركوز في العقل المنظور بعين التذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 فتذكر وتدبر ترشد. قوله:) إذ ما بعده الخ (بيان لتعيين سليمان بنعم العبد دون داود عليهما الصلاة والسلام وكونه من حاله ظاهر والتعليل ظاهر من جملة أنه أوّاب ومن إذ الظرفية لأنّ الظروف تستعمل للتعليل كثيوا كما مز فلا يتوقف فهم التعليل منه على تعلقه بأوّاب كما قيل، وقوله بالتوبة قيد به لفهمه من القصة والسياق وكونه بمعنى التسبيح لأنّ الترجغ في الذكر، ونحوه ويجوز أن يراد أؤاب لمرضاة ربه كما مرّ، وقوله أو لنعم أخره لأنه خلاف الظاهر لتقييد المدح وتعلق الظرف بفعل غير متصرّف كما أنّ في تعلقه بأوّاب تقييد الوصف، ولذا قيل إنّ الأحسن معنى تعلقه باذكر مقدرا ولا وجه لتخصيص وجهي التعلق بتفسيري أوّاب كما قيل وقوله عند الجمهور لأن منهم من قال إنه لداود كما ذكره المعرب. قوله: (الذي يقوم على طرف سنبك (قيل عليه الصفون عند أهل اللغة ألف الفرس للقيام على ثلاث قوائم وتبقى الرابعة ماسة بطرف مقدمها الأرض! ، وقال الراغب هو الجمع بين يديه في القيام، وقيل هو القائم مطلقا وما ذكره المصنف لا يوافق شيئاً منهما ودفعه إن مراده القول الأوّل ولشهرته تسمح في العبارة ولأنه من المعلوم إنه لا يمكن القيام على طرف واحدة ورفع الثلاث فقوله على طرف الخ حال أن يقوم على ثلاث حالة كونه معتمداً على طرف سنبك، والسنبك مقدّم الحافر كما في شرح المقصورة فإن فسر بطرف الحافر كما وقع في بعض كتب اللغة فإضافة الطرف له من إضافة العام للخاص كمدينة بغداد فلا يقال الأولى حذفه، والعراب بكسر العين الأصيلة منها والخلص تفسير له والصافتات بجمع المؤنث لأنه يجوز فيما لا يعقل لا للتغليب لأنّ تغليب المؤنث على المذكر غيو جائز في الأكثر. قوله:) أو جود) بالفتح كثوب وثياب، وقوله الذي يسرع الخ أي ففيه مدح لحاليه من القيام والمشي أو الجري هنا بمعنى المشي لا الركض وان كان المشهور في الاستعمال أنهما بمعنى واحدة لأنه لو كان كذلك لم يغاير ما بعده أصلا. قوله: (وقيل جمع جيد الخ) مرضه لأنه لا فائدة في ذكره مع الصافنات حينئذ، ولفوات مدح حاليه وكون الجياد أعم فذكره تعميم بعد تخصيص فيه نظر وقوله وأصاب ألف فرس فيه نظر لأنّ الغنائم لم تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث المشهور وكذا قوله فورثها منه لأنّ الأنبياء لا تورث إمّا لبقاء مالهم على ملكهم أو لمصيره صدتة أو لعوده لبيت المال أو لكونه وقفاً على ورثته على ما فصله المحدثون، والفقهاء لكنه اختلف فيه فقيل هو مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم وقيل هو عام في جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله ت! ز: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " فما ذكره المصنف مبنيّ على القول الأوّل إن صححوا خلافه وكون الأوّل فيها لا غنيمة والمراد بالإرث حيازة التصرّف لا الملك وعقرها تقرّبا لا يقتضي الملك بعيد، وقيل خرجت من التجر بأجنحة فاستعرضها وقوله عن ورد أي أمر من العبادة صلاة أو ذكر استعارة من ورود الماء ولا يختص بالثاني كما تظنه العامّة وقوله تقرّبا بمعنى لا غضباً فيكون إسرافا مذموما. قوله: (أصل أحببت أي يعدّى بعلى (ظاهره أنه حقيقة لا تضمين، وهو ظاهر قول الراغب في مفرداته قوله: {اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} [سورة التربة، الآية: 23] أي آثروه عليه واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار فلا يرد عليه إنّ هذا تضمين أيضا لا فرق بينه، وبين ما بعده فيجاب بأق الفرق أن الأوّل ملحق بالحقيقة لشهرته بخلاف الباقي، وقوله لكن لما أئيب الخ أراد أنه مضمن معناه لكنه عدل عنه للمناسبة اللفظية، وقصد التجنيس وفائدة التضمين إشارة إلى عروضه وجعله لاشتغاله به عنه ناب منابه وذكر ربي إمّا مضاف لفاعله أو لمفعوله. قوله: (وقيل هو بمعنى تقاعدت الخ (هذا ما نقله الزمخشري عن التبيان من أن أحببت هنا بمعنى لزمت كما في الشعر المذكور وقال ليس بذاك لأنها لغة غريبة والغرابة لكنة لا يليق تخريج القرآن عليها ولأنه كما في كتب اللغة ليس مطلق اللزوم بل لزوم البعير مكانه لمرض أو ئعب أو حران وهو لا يناسب لأنه هنا لزوم نشاط، وما قيل من أنه من استعمال المقيد في المطلق أو لزوم المكان لمحبة الخيل لكونه على خلاف بر. جعل كبعض أمراضه المحتاجة للتداوي بعقاقير العفر ونحوه من أضدادها ففي أحببت استعارة تبعية حسنة مناسبة للمقام ليس بشيء لأنا لا نقنع بصحته فضلا عن حسته الذي ادّعاه إذ الاستعارة الضدّية هنا خفية، ولا قرينة عليها وما نقلت منه أخفى وأخفى فمثله من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 التعسفات لا يليق وأيضا اللزوم لا يتعدى بعن إلا إذا ضمن أو تجوّز به فما الفائدة في استعمال لغة وحشية من غير فائدة، وتضمين معنى مناسب مما يعدي بعن من أوّل الأمر ممكن، ولما رأى المصنف ما في الكشاف مختلا عدل عنه مشيرا إلى إصلاح ما نقل بأن ما ذكروه من اللزوم أرادوا به التقاعد، وهو الاحتباس المعوّق عن الأمر وهو يتعدى بعن من غير تضمين فقصر المسافة، وجعل أحب بمعنى تقاعد أي احتبس دفعاً لبعض ما أورد على ذلك القيل كما ذكره المدقق في كشفه وبعد اللتيا والتي فهذا الوجه ضعيف مردود. قوله: (مثل بعير السوء إذ أحبا) رواه الجوهري: ضرب بعير السوء إذا حبا وهو من شعر وقبله: كيف قريب شيخك الا زبا وقيل: تبا لمن بالهوى قدالبا وبعير السوء بمعنى السيء لكنه غير مرضي له واجب بمعنى لزم مكانه كما فسر المصنف. قوله: (وحب الخير مفعول له) أي على هذا الوجه فتقديره تقاعدت وتعوّقت عن ذكر ربي لأجل حب الخير وهذا بيان إذ ما قيل من أنّ قوله حب الخير يقتضي إن أحببت بمعناه المشهور لا بالمعنى المذكور وعلى الوجه السابق هو مفعول به أي آثرت حب الخير، أو مفعول مطلق ومفعوله محذوف، وهو الصافنات أو عرضها ويجوز حمل أحببت على ظاهره، وجعل عن متعلقة بمقدر كمعرضاً وبعيداً وكون عن تعليلية كسقاه عن العيمة بعيد، وقوله الخيل الخ حديث صحيح والناصية الرأس ومعنى عقده بها إنه لا يفارقها لما فيها من العز وثواب الجهاد. قوله: (والمراد به الخ (أي على تفسيري أحببت والخير على هذا من ذكر العام وإرادة الخاص وعلى الثاني من ذكر الشيء وارادة ملابسه، ويجوز إبقاؤه على معناه إذا كان مفعولاً مطلقا. قوله: (حتى توارث الخ) متعلق بقوله أحببت وفيه استعارة تصريحية أو مكنية لتشبيه الشمس بامرأة حسناء أو ملك وباء بالحجاب للظرفية أو الاستعانة أو الملابسة. قوله: (لدلالة العشي عليه) رد على الإمام وغيره ممن رجح كون الضمير للصافنات لما في هذا من تفكيك الضمائر والإضمار من غير سبق ذكر بأنه مذكور حكصاً لأنّ العشيّ وقت غروب الشمس فهو يدل عليها تضمناً أو التزاماً وتخالف الضمائر مع القرينة لا ضير فيه، وتوارى الخيل بالحجاب عبارة ركيكة والاعتراض بأنّ الاشتغال بها حتى تفوت الصلاة ذنب عظيم مشترك الإلزام لأنّ تواري الخيل في حجاب الليل يكون بعد العتمة مع أنّ النسيان لا يدخل تحت التكليف، وفوت الصلاة وكون تلك الصلاة كانت مفروضة عليه غير معلوم والاصشتغال بخيل الحهاد عبادة وقوله ردّوها الخ ليس تهورا وتجبراً كما توهم بل إبتهالاً حيثما ألهاه قربانا له وكان تقريب الخيل مشروعاً في دينه فهو طاعة كما قيل، وقيل على اشتراك الإلزام أنه غفلة عن قول الإمام إنّ المراد بتواريها التواري عن نظره لما أمر بإجرائها، ثم أمر الرائضين بردها لا لتواري بظلمة الليل، ورد بأنه لا غفلة فيه بل المراد أنه لا يتم ما لم يرد هذا فإن مجرّد تواريها عن نظره لا محذور فيه حتى يقتضي استقفاره وتوبته وقد روي أنّ الشمس غربت لاشتغاله بأمرها فالمعنى إنه إن أبقى على ظاهره خالف الرواية والدراية والأبقى المحذور، فتأمّل. قوله: (ردوها) من مقول القول فلا حاجة لتقدير قول آخر كما في الكشاف، وكون السياق يقتضيه لأنه جواب عن سؤال تقديره فما قال غير مسلم ولذا لم يلتفت إليه المصنف، وقوله الضمير للصافنات هو المشهور وقيل إنه للشمس أيضاً وانها ردت له كما رد ليوشع ليصلي الصلاة في وقتها والخطاب للملائكة جمليهم الصلاة والسلام، وهو مرويّ عن علي كرم الله وجهه فإن قلت على هذا برد الشمس تصير الصلاة أداء أم قضاء قلت الظاهر إنها أداء وقد بحث فيه الفقهاء بحثاً طويلا ليس هذا محله. قوله تعالى: ( {فَطَفِقَ} الخ) هي من أفعال الشروع كما بينه النحاة، وقوله يمسح مسحا إشارة إلى أنه مفعول مطلق لفعل مقدر هو خبر طفق لا حال مؤوّل بماسحا كما توهم وليس هذا مما يسد الحال به مسذ الخبر، وقوله بسوقها الخ إشارة إلى أن التعريف للعهد أو أل قائمة مقام الضمير المضاف إليه، وقوله يقطعها تفسير ليمسح والعلاوة بكسر العين الرأس ما دامت على الجسد وقد يكون بمعنى ما يزاد على الحمل واستعمال المسح بمعنى ضرب العنق استعارة وقعت في كلامهم قديما. قوله:) وقيل الخ (مرضه لأنه لا يناسب السياق وردها لمجرّد المسح لا وجه له، والرواية على خلافه أيضا فلا وجه لترجيح الإمام له، وقوله على همز الواو أي الساكنة المضموم ما قبلها والقياس إبدال الواو همزة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 إذا كانت مضمومة كادؤر فنزلوا ضمّ ما قبلها منزلة ضمها كما نبه عليه بقوله كموقن، وقوله وعن أبي عمرو بالسؤق أي بهمزة مضمومة بعدها واو بوزن فسوق، وهو جمع ساق أيضاً وما ذكره بعض أهل اللغة من همز الساق فهو إبدال على غير القياس إذ لا شبهة في كونه أجوف فما قيل من أنه لا حاجة إلى جعل الهمزة بدلاً من الواو لأنه لغة فيه لا وجه له واقامة المفرد مقام الجمع فيه كلام سيأتي تحقيقه. قوله: (ثم أناب) عطفه بثم وكان الظاهر الفاء كما في قوله فاستغفر ربه قيل إشارة إلى استمرار نابته، وامتدادها فإنّ الممتذ يعطف بها نظراً لأواخره بخلاف الاستغفار فإنه ينبغي المسارعة إليه، وقوله وأظهر ما قيل فيه أي في معنى الفتنة والآية، الحديث المرفوع ما انتهى سنده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقابله الموقوف، وهذا رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن الذي في البخاري أربعين وان الملك قال له فل إن شاء الله فلم يقل وغايته ترك الأولى فليس بذنب، وقوله فلم تحمل بالتاء وروي بالياء بتأويله بشخص وشيء ونحوه ومعنى جاءت، ولدت ومعنى إلقائه على كرسيه وضع القابلة أو لفه له عليه ليراه، وقوله فوالذي الخ هكذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقسم ومعنى بيده في تصرّفه إن شاء أحياها وان شاء أماتها، وقوله على قتله أو إفساد عقله حتى لا يسخرهم بعد سليمان عليه الصلاة والسلام، وقوله فكان يغدوه الخ أي جعله مع ظئره فيه بحيث لم يروه حين وضعه وهم لا يعلمون الغيب فلا وجه لما قيل ما فائدة وضعه فيه، والشياطين يقدرون على الصعود للسحاب، وقوله إلا أن ألقي أي إلا ملقي وهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال، وتيل بدل من به أي بشيء من أحواله إلا بإلقائه، وقوله لم يتوكل أي توكل الخواص اللائق به، وهو عدم مباشرة الأسباب إذ ما فعله لا ينافي التوكل كما في أعقلها وتوكل، وقوله صيدون بصاد مهملة ودال مهملة اسم مدينة في جزائر البحر فقوله مل الجزائر بيان لها، وقوله أصاب أي وجدها فأخذها وتزوّج بها وجرادة اسمها ويرقأ مهموز بمعنى ينقطع وولائدها جمع وليدة بمعنى مولودة والمراد به الجارية، وقوله يسجدن هو الصحيح وفي نسخة يسجدون وهو سهو من الناسخ وآصف وزيره، وقوله وكان ملكه فيه يعني كان الله قدر له ملكه ما دام الخاتم معه فإذا فارقه نزع ملكه كما في بعض الطلسمات ومثله مستبعد في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنه تعالى لا يسئل عما يفعل وخروجه باكيا توبة فقوله: ثم أناب المراد قبلت توبته أو تمام توبته إنما كان بعد استيلاء الشياطين فلا تنافيه، ثم كما قيل مع أن هذا معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيباً. قوله:) دخل للطهارة (أو جامع وقوله إلا في نسائه، وقيل إنه كان فيهن أيضاً وإنما عرفته لأنه كان يجامعهن في الحيض ولا يتغسل من الجنابة ولبعد هذه الرواية عن مقام العصمة لم يذكرها المصنف وقوله غير سليمان عن هيئته بقدرته تعالى كما ألقى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام على غيره وقوله يتكفف أي يسأل، وقيل هذا لمن يسأل لأنه يمد كفه وقوله فطار أي ذهب عن كرسيه في الهوى، ورمي بالخاتم في البحر لئلا يأخذه غيره، وقوله فوقعت في يده أي السمكة لأنه كان خدم أولئك الصيادين، ويقر بمعنى شق. قوله: (لأنه كان متمثلاَ الخ) جواب عن أن الجسد بلا روح وصخر الجنى المتمثل له روح فأجاب بأنه تمثل بصورة غيره وهو سليمان، وتلك الصورة المتمثلة ليس فيها روح صاحبها الحقيقيّ، وإنما حل في قابلها ذلك الجني فلذا سميت جسداً وفي القاموس الجسد الإنسان والجنى، والتجوّز أقرب من هذا فلا مانع منه، وقوله والخطيئة الخ توجيه لهذه القصة ورد على ما في الكشاف من أنها من افتراء اليهود فإنه لا يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم ما ذكر فإن ابن حجر قال إن هذه القصة رواها النسائيّ وغيره بإسناد قوي. قوله: (لا يتسهل الخ الأن أتبغي مطاوع بغاه بمعنى طلبه فلذا لم يستعمله بمعنى لا يصح ولا يتيسر، ولا يليق فإنّ ذلك كله من شأنه أن لا يطلب، وقوله ليكون معجزة الخ فليس طلبه للمفاخرة بأمور الدنيا الفانية وإنما هو كان من بيت نبوّة، وملك وكان زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ومعجزة كلى نبيّ من جنس ما اشتهر في عصره كما غلب في عهد الكليم السحر فجاءهم بما يتلقف ما أتوا به، وفي عهد خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم القصاحة فأتاهم بكلام لم يقدروا على أقصر فصل من فصوله فقوله من بعدي بمعنى من دوني وغيري كما في قوله: (فمن يهتد به من بعد الله) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 [سورة الجاثية، الآية: 23] أي غير الله. قوله: (أو لا ينبغي لآحد أن يسلبه) هذا تفسير آخر لا تفصيل لما أجمل ولا تقدير شيء في النظم كما توهم، ومن بعدي بمعنى غيري ممن هو في عصري وكون ملكه لغيره في عهده إنما هو بسلبه منه كما وقع لصخر معه فمعناه الدعاء بعدم سلب ملكه عنه في حياته، ولا تقدير فيه باًن يكون أصله بعد السلب شيء. قوله: (أو لا يصح لآحد من بعدي) فقوله من بعدي بمعنى غيري أيضا ولكنه مطلق لا يختص بعصره، وهو كناية عن عظمته سواء أكان لغيره أم لا فإنها لا تنافي إرادة الحقيقة وعدمها فلا ينافي ما في الحديث تفلت عليّ شيطان البارحة فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد ثم تذكرت دعوة أخي سليمان عليه الصلاة والسلام كما توهم، وهذا مراده وليس في كلامه ما يأباه إذ قوله لعظمته صريح فيه ومثاله لفلان ما ليس لأحد من كذا وربما كان في الناس أمثاله إذ المراد أنّ له حظا عظيماً وسهما جسيماً كما وضحه في الكشاف، وقوله على إرادة الخ هو ما فيه بعينه والمنافسة الحسد، والبخل وأصله تقديم نفسه على من سواه لشره عينه على الدنيا فمن قال الحق أني قول معناه ملكاً عظيما لم يفهم مراده. قوله: (وتقديم الاستغفار الخ) يعني أنه دعاء بالمغفرة حين طلب ما طلب لأنّ الظاهر وقوعهما على وفق النظم وكون ما طلبه معجزة فاللائق كونها في ابتداء أمره غير مسلم، ولو سلم فليس هنا ما ينافي وقوعه في ابتدائه أو جعل رجوعه بعد الغيبة كالابتداء وما يجعل الدعاء بصدد الإجابة التوبة أو تجديدها، ونحوه مما ذكر في الآداب والوجوب ليس شرعيا ولا عقليا هنا بل لزومه لمن يتحرى الأحسن أو هو مبالغة في استحبابه، وما قيل من أن كلامه مشعر بأن المقصود الاستيهاب والاستغفار وسيلة له وفيه أنّ الوقوع في الفتنة يقتضي الاهتمام بأمر الاستغفار وتقديمه غير صحيح لأنّ قوله لمزيد اهتمامه بأمر الدين يفيد أنّ الاستغفار مقصود لذاته ووسيلة لمقصود آخر مع أنه غفل عن قوله {ثُمَّ أَنَابَ} ، وقوله بفتح الياء أي في بعدي وذللنا هنا بمعنى سهلنا. قوله: (إجابة لدعوته) هذا جار على الوجه الأوّل والثالث من تفسير لا ينبغي دون الثاني فإنه كان بعد سلب صخر إلا بتأويل فأدمنا له تسخير الريح أو فرددنا له تسخير الريح كما كان فيكون بعد إنابته، وقراءة الرياح هو الدموافق لما مؤ من أنّ الريح تستعمل في الشرّ والرياح في الخبر. قوله: (لا تزعغ الخ) أي لا تحرك لشدتها فإن قلت هذا ينافي قوله في القراءة الأخرى ولسليمان الريح عاصفة لوصفها ثمة بالشدّة وهنا باللين قلت اقد أجاب السمرقندي عنه بانها كانت في أصل الخلقة شديدة لكنها صارت لسليمان لينة سهلة، أو أنها تشتدّ عند الحمل وتليبئ عند السهر فوصفت باعتبار حالين أو إنها شديدة في نفسها فإذا أراد سليمان لينها لانت كما. قال بأمره أو أنها تلين وتعصف باقتضاء الحال وفي تفسيره هنا ما يشير! إلى أنّ المراد بلينها انقيادها له فلا ينافي في عصفها واللين يكون بمعنى الإطاعة والصلابة. بمعنى العصيان ومنه التصلب في الدكن وقد مرّ في سورة الأنبياء. قوله: (أراد) تفسير لأصاب فإنه بمعنى فعل الصواب غير مناسب هنا ولقي رؤية رجلاً فقال له أين تصيب أي تريد ولظهوره في المثال المذكور أتى به المصنف لأنه لو كان بمعناه المعروف لم يصح قوله فأخطأ، وقيل إنه من أصاب بمعنى نزل وهمزته للتعدية أي حيث أنزل جنوده وحيث متعلقة بسخر أو بتجري، وقوله بدل منه كل من كل إن كان تعريف الشياطين للعهد وهم المسخرون أو أريد من له قوّة البناء والغوص والتمكن منهما أو بعض إن لم يقصد ذلك فيقدر ضمير أي منهم. قوله: (عطف على كل الا على الشياطين لأنهم متهم إلا أن يراد العهد ولا على ما أضيف إليه كل لأنه لا - يحسن فيه إلا الإضافة إلى مفرد منكر أو جيمع معرف وقوله، ولعل أجسامهم الخ جواب سؤال تقديره إنها أجمكام لطيفة ولذا لا ترى وتقبل التشكل فلا يمكن تقييد! اولا إمساك القيد لها فدفعه بأنّ لطافتها بمعنى كونها شفافة، والشفافية لا تنافي الصلابة كما في الزجاج لكن فيه إنّ اللطافة- بمعنى الشفافية لا تقتضي. عدم الرؤية كما في الثلج والزجاج غير االملون فلذا قال يمبهق، ثم قال والأقرب لما فيه من المبعد وقربه لأنه بمعنى المنع مجازا فلا يكون! في ربط بقيد وكحوه. قوله: (وهو القيد) وقيل الغل، وقيل الجامعة وهو الأنسب بقوله مقرنين لأنّ التقرين بها غالباً وقوله لأنه يرتبط المنعم عليه أي يربطه لأن ارتبط كربط متعد أي يربطه بمن أنعم عليه كما قيل غل يداً مطلقها وأرق رقبة معتقها، ومن وجد لإحسان قيداً تقيد، وفي بعضها بالمنعم بالباء فهي زائدة في المفعول ولو جعل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 ضمير أنه للمنعم عليه وهو مفهوم من السياق، ويرتبط بالمنعم بزنة الفاعل صح فتدبر. قوله: (وفرقوا يين فعليهما الخ) الظاهر أنّ النكتة وهي زهرة لا تحتمل الفرك أنّ الثلاثي يستعمل فيما هو الأصل في مادّته والمزيد في الطارئ عليه إذا تغاير معناهما وفصد الفرق بين معنييهما، وأصل هذه المادّة للقيد فلذا ورد فعله ثلاثياً على الأصل، وإنما سمي العطاء به لكونه يقيد المنعم عليه كما قال عليّ كرم الله وجهه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك وهو كثير في الشعر والنثر، وكذلك في الوعد فإنّ الأخبار من شخص بما سيفعله إنما يكون تبشيراً فيما يسرّ غالباً لأن كل فطرة مجبولة على الخير في الأصل، وهو الوعد وما سواه فوارد على خلاف الأصل تمليحاً أو لأنه لا يخلو عن سرور لضدّه، وربما أشعر بهذا كلام الزمخشري، وقيل القيد ضيق فناسب تقليل حروفه والعطاء واسع فناسب تكثير حروفه، وقيل زيادة المبني تدلّ على زيادة المعنى فتقليل حروف الوعد يدلّ على أنه ينبغي تقليل زمنه وأهنأ البرّ عاجله بخلاف الإيعاد المحمود خلفه فينبغي فيه عكسه وكذا الصفد والأصفاد فإنّ من الحسن تقليل ما فيه مضرّة وتكثير غيره، واعتبر في أحدهما الزمان وفي الآخر الحدث لأنّ الوعد والوعيد من الأقوال ولا عبرة بكثرتها، وقلتها فلذا اعتبر ذلك في زمانهما ولا كذلك الآخر، وهذا تخيل لا وجه له فإنه لم يذكر من أهل العربية إنّ قلة الحروف، وكثرتها تدلّ على قصر الزمان أو طوله وإنما الذي ذكروه في الحدث مع عدم اطراده هذا ما ذكر هنا من القيل والقال، وليس فيه ما يبل الغليل، والتحقيق عندي أنّ هنا مادتين في كل منهما ضار ونافع ما قل لفظه وما كثر، وقد ورد في إحداهما الضار بلفظ قليل مقدم والنافع بلفظ كثير مؤخر، وفي الأخرى عكسه ووجهه في الأولى أنه أمر واقع لأنه وضع للقيد، ثم أطلق على العطاء لأنه يقيد صاحبه ولذا تيل للقيد والعطاء صفد، وعبر بالأقل في القيد صيغة المناسب لقلة حروفه وباكثر في العطاء لأنه من شأن الكرم، وقدم الأوّل لأنه أصل أخ! وعكس! ذلك في وعد فعبر في النافع بالأقل وقدم وأخر الضار وكثر حروفه لأنه أمر مستقبل غير واقع والخير الموعود به يحمد سرعة إنجازه وقلة مدة وقوعه بأن أهنأ البرّ عاجله وهذا يناسب قلة حروفه بخلاف الوعيد فحمد تأخيره لحسن الخلف، والعفو عنه فناسب كثرة حروفه وليس هذا لدلالته على طول زمانه وقصره كما توهم لأنه ماض، وهذا مستقبل بل بحسب المعنى الموضوع له، وهذا تحقيق في غاية الحسن وما عداه وهم فارغ فأعرفه ومما يتعجب منه ما قيل إنّ النكتة إنّ الهمزة للسلب وصفد وقيد وأصفده أزال قيد افتقاره ووعده بشره بما يسره، وأوعده أزال سروره بما يسر إلى غير ذلك مما لا طائل تحته. قوله: (أي هذا الذي أعطيناك الخ) إذا كانت الإشارة إلى العطاء المذكور يكون الأخبار عنه بعطاؤنا غير مفيد فيجعل بغير حساب قيداً له لتتم الفائدة أو ذكره ليس للأخبار به بل ليرتب عليه ما بعده كقوله: هذه دارهم وأنت مشوق ما بقاء الدموع في الآماق وقوله يسلط به الظاهر عليه لكنه ضمته معنى يظفر به، وقوله أعط تفسير لأمنن لأن المن يكون بمعنى الأنعام وتعداد النعم والمراد الأوّل بدليل ما قابله. قوله: (حال الخ (فإذا كان حالاً من الفاعل كانت الباء للملابسة ومعناه غير محاسب عليه بصيغة المفعول والمعنى غير مسؤول عنه في الآخرة أو هو مفوّض إليك أمره في الدنيا، واختار هذا المصنف، وقوله وما بينهما اعتراض على الوجهين فلا يضرّ الفصل به والاعتراض يقترن بالواو وقد يقترن بالفاء كقوله: وأعلم فعلم المرءينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا فالفاء على هذا اعتراضية، وفي غيره جزائية كما ذكره النحاة وعلى الحالية العامل معنويّ وقوله عطاء جمّ لأنه يعبر عن الكثير بلا يعد ولا يحسب ونحوه وهذا أحد الوجهين في معناه، وقيل معناه لا يحاسب عليه في الآخرة. قوله: (وقيل الإشارة الخ (مرضه لعدم ملاءمته لتفريع قوله فامنن الخ كما أشار إليه والمن قد يكون بمعنى الإطلاق كما في قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [سورة محمد، الآية: 4] وعلى هذا فقوله بغير حساب حال من الضمير المستكن في الأمر ويجوز فيه غيره من الوجوه لكن هذا أولى، وقوله وأنّ له عندنا لزلفى أي قرباً إشارة إلى أنّ ملكه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 لا يضرّه ولا ينقص شيئا من مقامه، وقوله هو ابن عيص قد سبق في الأنعام إنّ عيص جدّه لأنه ابن أموص ابن عيص كما وقع في نسخة هنا، وهو متفق عليه كما في مرآه الزمان. قوله: (بدل من عبدنا) أي بدل اشتمال أو من أيوب كما في الكشاف، ورجح الإبدال من الأوّل لأنه المقصود بالذات والزمخشريّ رجح إبداله من أيوب لقربه منه، وقوله أو عطف بيان هذا مخالف لما اتفق عليه النحاة كما سيأتي قريبا، وقوله لقال إنه مسه بالغيبة لأنه غائب. قوله: (والإسناد الخ) يعني إن مسه بما ذكر من الله فأسند إلى الشيطان لأنه سببه لما وسوس له فصدر منه بسببط وسوسته أمر اقتضى أن الله ابتلاه بهذه البلية، وقوله لما فعل ما فيه مصدرية أي لفعله بوسوسته، وقوله كما الخ ثمثيل لفعل وهو الإعجاب أو عدم الإغاثة. قوله: (أو لسؤاله امتحاناً) معطوف على قوله لما فعل الخ والضمير المضاف إليه السؤال لأيوب أي إن أيوب عليه الصلاة والسلام سأل البلاء من الله ليمتحن ويجرّب صبره على ما يمسه كما قيل: وبما شئت في هواك اختبرني ~ فاختياري ما كان فيه رضاكما فسؤاله البلاء دون العافية ذنب بالنسبة لمقامه لا حقيقة فلما مسه من الله ذلك بذنبه أسنده للشيطان لأنّ الذنوب أكثرها من إلقائه، والمقصود منه الاعتراف بأنه ذنب أو تأدّب إذ لم يسنده إلى الله، وامتحانا مفعول له لسؤال أو لمسه أو لهما على التنازع، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز لأنه يقدر في أحدهما ولو سلم فلا محذور فيه عند المصنف، وقيل الضمير للشيطان لما في بعض التفاسير إنه سمع ثناء الملائكة عليه فسأل الله أن يسلطه عليه ليعلم حاله والله أعلم بصحته. قوله: (أو لآنه الخ) معطوف على قوله لما الخ فيكون أيضاً من الإسناد إلى السبب، وعلى الوجه الذي بعده الإسناد إلى الشيطان أيضاً حقيقيّ لأنّ النصب والعذاب الوسوسة ويغريه من الإغراء وهو الحث عليه، والجزع عدم الصبر، وقوله للتثقيل ظاهره إنها حركة عارضة لا لغة أصلية، ولذا قيل المعتاد التخفيف لا التثقيل فعليه أن يقول، وهي لغة ولا مانع من كونها عارضة للاتباع دلالة على ثقل تعبه وشدته فتدبر. قوله: (حكاية لما أجيب به) إشارة إلى أنه بتقدير فقلنا له اركض الخ وفي هذه الآية حدّف كثير لكن فحوى الكلام دالة عليه دلالة أغنت عنه حتى كأنه مذكور فهي من بديع الإيجاز إذ في دعائه لا بد من تقدير مسني الضرّ فاكشفه عني، وفي هذا فاستجبنا له وقلنا له اركض وبعد قوله برجلك فركض فنبعث عينان فقلنا له هذا الخ كما أشار إليه المصنف. قوله:) أي مغتسل به (يعني مغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال لا اسم مكان وهو الماء الذي يغتسل به، والشراب ما يشرب منه ليبرأ باطنه وظاهره، وقوله وقيل الخ مرضه لأنّ ظاهر النظم عدم التعدد، وبارد حينثذ صفة شراب مع أن تقم عليه صفة لمغتسل وكون هذا إشارة إلى جنس التابع أو يقدر فيه، وهذا بارد الخ تكلف لا يخرجه عن الضعف وقوله ووهبنا له أهله مرّ تفصيله في سورة الأنبياء فتذكره وقوله الضغث الحزمة وأصله الاختلاط ومنه أضغاث أحلام كما مرّ في سورة يوسف، وقوله زوجته الخ سماها في سورة الأنبياء ما خير بنت ميشي ابن يوسف فلعل فيه روايتين واذا كان اسمها رحمة يكون في قوله رحمة منا تورية لطيفة. قوله: (وهي رخصة باقية في الحدود (في شريعتنا وفي غيرها أيضا لكن غير الحدود يعلم منها بالطريق الأولى، وكون حكمها باقيا هو الصحيح حتى استدلوا بهذه الآية على جواز الحيل وجعلوها أصلاً صلحتها وقيل حكمها منسوخ، وقيل إنه مخصوص بأيوب والصحيح الأوّل لكنهم شرطوا فيه الإيلام أمّا مع عدمه بالكلية فلا فلو ضرب بسوط واحد له شعبتان خمسين مرّة من حلف على ضربه مائة بر إذا تألم فإن لم يتألم لا يبر ولو ضربه مائة لأنّ الضرب وضع لفعل مؤلم يتصل بالبدن بآلة التأديب، وقيل يحنث بكل حال كما فصل في شرح الهداية وغيره. قوله: (ولا يخل به شكواه الخ) جواب سؤال تقديره إنه نادى ربه بقوله مسني الشيطان الخ بأن الصبر عدم الجزع ولا جزع فيما ذكره وهذا جار على الوجوه السابقة في تفسيره، وقوله مع أنه الخ جواب آخر بأنه لأمر ديني لا لغيره وهو ناظر إلى الوجهين الأخيرين وصبره الممدوح به في المصائب الدنيوية ما لم تضر بالدين وشراشره جملته ونفسه كما مرّ. قوله: (أو على أنّ إبراهيم الخ) على لأوّل عبدنا بمعنى عبيدنا، وعلى هذا هو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 على ظاهره والمراد إبراهيم وحده وخص بعنوان العبودية لمزيد شرفه، وقوله عطف عليه أي على عبدنا وكان في الوجه السابق عطفاً على إبراهيم. قوله: (أولى القوّة في الطاعة الخ (فالأيدي مجاز عن القوّة مجاز مرسل والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة، وهو مجاز أيضا لكنه مشهور فيه واذا أريد بالأيدي الأعمال فهو من ذكر السبب وإرادة المسبب والأبصار بمعنى البصائر مجاز عما يتفرّع عليها من المعارف كالأوّل أيضا، وقوله وفيه تعريض أي على الوجهين لأنه لما عبر عن الطاعة، والدين وعن العمل والمعرفة بالأيدي والأبصار كان فيه إشارة إلى أنّ من ليس كذلك لا جارحة له ولا بصر، وفي قوله الزمني خفاء لأن الزمن من لا يمشي أو ذو العاهة مطلقاً لا من لا يدله فكأنه جعل أولى الأيدي بمعنى أولى الجوارج تغليباً. قوله: (تذكرهم الدار الآخرة الخ) فالذكرى بمعنى التذكر، وهو مضاف لمفعوله وتعريف الدار للعهد والدوام مستفاد من إبدالها من خالصة أو جعلها عين الخالصة، التي لا يشوبها غيرها لأنّ ذكرى إمّا بدل من خالصة أو خبر عن ضميره المقدر وكلام المصنف محتمل لهما، وقوله بسببها أي بسبب الآخرة فيه إشارة إلى أنّ باء بخالصة سببية، وقوله واطلاق يعني بحسب الظاهر أو إذا لم يرد العهد لما ذكره وللفاصلة أيضا، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه تفسير ذكرى الدار واذا كان خالصة مصدرا كالكاذبة فهو مضاف لفاعله أو المعنى بأن خلص ذكر الدار، وهو ممكن على القراءة الأولى أيضاً، وقيل المراد بالدار الدنيا وذكراها الثناء الجميل. قوله: (المختارين (تفسير للمصطفين وقوله المصطفين عليهم الخ تفسير للأخيار على أنه جمع خير مقابل شز الذي هو أفعل تفضيل في الأصل أو جمع خير المشدّد أو خير المخفف منه، وكان قياس أفعل التفضيل أن لا يجمع على أفعال لكنه للزوم تخفيفه حتى أنه لا يقال أخير إلا شذوذاً أو في ضرورة جعل كأنه بنية أصلية. قوله: (واللام فيه الخ) يعني أنها زائدة لازمة لمقارنتها للوضع، ولا ينافي كونه غير عربيّ فإنها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجمية كالإسكندر قال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام أنه لا يجوز استعماله بدونها ولحن من قال إسكندر مجرد إله منها كما بيناه في شفاء الغليل، وأمّا البيت المذكور فقد مرّ شرحه والشاهد في قوله اليزيد للزوم أل ولدخولها في يزيد ويسع على ما هو في صورة الفعل، وليست فيهما للمح الأصل قال في القاموس: يسع كيضع اسم أعجمي أدخل عليه أل ولا يدخل على نظائره كيزيد. قوله: (والليسع تشبيهاً بالمتقول من ليسع) فيه تسامح والمراد ما في الكشاف إنّ حرف التعريف دخل على ليسع في الأنعام، وعلى القراءتين هو اسم أعجمي دخلت عليه اللام، وإنما جعله مشبها بالمنقول لأنه هو الذي تدخله أل للمح أصله كأنه فيعل من اللسع. قوله: (واختلف في نبوّته ولقبه) فقيل كان نبيا، وقيل إنما هو رجل من الصلحاء الأخيار، واختلف في سبب تلقيبه به فقيل إنه كان أربعمائة نبيّ من بني إسرائيل فقتلهم ملك إلا مائة منهم إلياس كفلهم ذو الكفل وخبأهم عنده وقام بمؤنتهم فسماه الله ذا الكفل، وقيل كان كفل أي عهد دلّه بأمر فوقي به، وقيل إنّ نبياً قال من بلغ الناس ما بعثت به بعدي ضمنت له الجنة فقام به شاب فسمي ذا الكفل واختلف أيضا في اليسع فقيل هو إلياس وقيل غيره بل هو ابن عمّ له، وقيل غير ذلك وقد تقدم فيه كلام. قوله: (وكلهم) يعني أنّ تنوينه عوض عن هذا المضاف المقدر، وقوله شرق الخ لأنّ الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس فتجوّز به عنه بعلاقة اللزوم فيكون المعنى أي في ذكر قصصهم، وتنويه الله بهم شرف لهم وأمّا إذا أريد أنه نوع من الذكر على أنّ تنوينه للتنويع، والمراد بالذكر القرآن فذكره إنما هو للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر ولذا يحذب خبره كثيرا فلا يقال إنه لا فائدة فيه لأنه معلوم إنه من القرآن كما أشار إليه المصنف بقوله ثم شرع الخ وجملة وإنّ للمتقين الخ حالية. قوله: (عطف بيان لحسن مآب الأنه بتأويل مآب ذي حسن بإضافة الصفة للموصوف أو على الادّعاء مبالغة بجعلها كأنها هو فيتحدان ليصح البيان، ولو جعل بدل اشتمال لم يحتج إلى ما ذكر، وأمّ تخالفهما في التعريف والتنكير فهو مذهب للزمخشريّ كما ذكره ابن مالك في التسهيل فلا يرد عليه أنّ النحاة اختلفوا فيه فقيل يختص بالمعارف، وقيل لا يختص لكنه يلزم توافقهما تعريفاً، وتنكيراً وأمّ هذا فلم يقل به أحد ولا خاجة إلى أن يقال المراد بعطف البيان البدل فإنه خلاف الظاهر. قوله: (وهو من الإعلام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 الغالبة) قيل الضمير لعدن، وهو دفع لما قلى إنه غير معين ولا صالح للبيان فورد أنّ الأعلام الغالبة يلزم فيها الإضافة أو تعريفها باللام وهذا ليس بمسلم فإنه أغلبيّ كما صرّح به ابن مالك في التسهيل فليكن هذا من خلافه مع أنّ هذه الغلبة لو سلمت كانت تقديرية لأنّ عدن مصدر معناه الإقامة، ولم نره استعمل قبله بمعنى الجنة والبستان أو المكان حتى يغلب في الجنة المعهودة فلو سلمت علميته، أو قيل إنه نكرة كما في القاموس وغيره كان منقولاً من اسم معنى إلى اسم عين كالفضل، وأمّا ما يورد عليه من أنّ إضافة الجنات إليه يصير كإنسان زيد وهو قبيح فغير مسلم لأنه كمدينة بغداد ولا قبح فيه وقيل: إنه لجنات عدن فالعلم مجموعه وبه يندفع بعض المحذور إلا الأوّل فإنه لا يندفع به كما توهم لأنّ المراد بالإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفا كما صرّحوا به. قوله: (لقوله الخ) باللام ووجه دلالته أنّ التي إما صفة عدن أو جنات، وعلى كليهما يدل على أنه معرفة لوصفه بالمعرفة إذ المضاف إليه لو لم يكن معرفة لم يتعرّف المضاف، ووقع في نسخة كقوله بالكاف وهي قليلة الفائدة فالصحيح الأولى نعم يرد على الأولى أنه لا دليل فيها لاحتمال كون التي بدلاً إذ لا يتعين كونه صفة حتى يتم لتغليب إلا أنّ إبدال المعرفة من النكرة غير حسن ولا يتبادر هنا. قوله: (والعامل فيها) أي في الحال ما في المتقين الخ يعني أنه حال من ضمير الجنات المستتر في خبران، والعامل فيه استقرّ وحصل المقدر أو نفس الظرف لتضمن معناه ونيابتة عنه وليس في كلامه خفاء، وقوله عنها أي عن ضميرها المستتر وهو سهل وقوله وقرئنا أي جنات ومفتحة والمحذوف ضمير المآب وعلى أنه مبتدأ أو خبر ارتباطه بما قبله أنّ الجملة مفسرة لحسن المآب لأنّ محصله جنات أبوابها فتحت لهم إكراماً فليس مغلقاً كما توهم أو هي معترضة والأبواب كما في الكشاف بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب وهو بدل اشتمال، وبقية الكلام في الشروح. قوله: (حالان) أي متكئين ويدعون وعلى التداخل فكيف يدعون حالاً من ضمير متكئين والحال حينئذ مقدرة لأنّ الاتكاء وما بعده ليس في حال تفتيح الأبواب بل بعده، ولذا قال والأظهر الخ فيكون يدعون مستأنفاً في جواب ما حالهم بعد دخولها فالحال على ظاهرها، ومتكئين قدم رعاية للفاصلة وكون الجنة أكلها للتفكه والتلذذ لا عن جوع قد مرّ الكلام فيه في الصافات وكون الفاصل هنا أجنبياً ظاهر وان توقف فيه بعضهم فتأمّل. قوله: (لا ينظرن إلى غير أزواجهن) أو منعن طرف الأزواج أن تنظر للغير لشدّة الحسن، وهو أبلغ وقد مرّ ولدات جمع لدة كعدة أصله ولدة وهو كالترب من يولد معه في وقت واحد كأنهما وقعا على التراب في زمان واحد فترب فعل بمعنى مفاعل ومتارب كمثل بمعنى مماثل، وقوله فإنّ التحاب الخ جعله في الكشاف توجيهاً لما بعده وهو الصواب لأنّ النساء الأتراب يتحاببن ويتصادقن وأمّا الأزواج والزوجات فكون الزوجات أصغر منهم أحب لهم لا التساوي ومن العجيب، ما قيل إن ما فعله المصنف رحمه الله أحسن لأنّ الاهتمام بحصول المحبة بينه وبين زوجته لا بين الزوجات فتدبر، وقوله أو بعضهن الخ فالتساوي في الأعمال على الأول بينهن وبين أزواجهن، وفي هذا بين الحور العين ونساء الجنة. قوله: (لأجله الخ) فاللام تعليلية، وقوله فان الخ بيان للتعليل فإنّ ما وعدوه لأجل طاعتهم وأعمالهم الصالحة وهي تظهر بالحساب وتقع بعده فجعل كأنه علة لتوقف إنجاز الوعد عليه فالنسبة لليوم، والحساب مجازية ولو جعلت اللام بمعنى بعد كما في كتب لخمس خلون سلم مما ذكر، وقوله بالياء الخ وعلى قراءة التاء فيه التفات. قوله تعالى:) {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} ) قيل ظاهر المقابلة لما مرّيقتضي أن يقال لقبح مآب هنا أو ديما مضى لخبير مآب لكن مثله لا يلتفت إليه إذا تقابلت المعاني لأنه من تكلف الصنعة البديعية كما صزج به المرزوقي في شرح الحماسة وقيل إنه من الاحتباك وأصله أنّ للمتقين لخير مآب وحسن مآب، وانّ للطاغين لقبح مآب وشر مآب وهو كلام حسن، وقوله أي الأمر هذا فهو خبر مبتدأ مقدر أو مبتدأ خبره مقدر أو مفعول فعل مقدر وقد جوّز فيه أيضا كون ها اسم فعل بمعنى خذوذاً مفعول من غير تقدير ورسمه متصلا يبعد.، والتقدير أسهل منه قيل وعلى هذا يلزم عطف الخبر على الإنشاء، ولذا لم يتعرّض له الزمخشري ورد بأنّ هذه الجملة قصد بها الفصل من غير نظر لإنشايتها وخبريتها مع أنّ الجملة الثانية حالية، والقول بأنها مؤوّلة بإنشائية تكلف فلا يرد ما ذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 وفيه نظر، وأنا ما قيل من أنه على تقدير هذا خبراً فهو من فصل الخطاب لا إذا قدر مبتدأ فقد رد بأنه منه على كليهما فهي تفرقة بلا فارق، وقوله إعرابه ما سبق ويجوز كونه منصوبا على شريطة التفسير، وقوله حال من جهنم أي من الضمير المستتر في قوله للطاغين الراجع لشر مآب المراد به جهنم ففيه ما مرّ من التسامح والحال مقدرة كما مرّ، والمهاد كالفراش لفظاً ومعنى وكذا المهد وقد يخص بمقرّ الطفل. قوله: (أي ليذوقوا الخ) ذكر فيه ثلاثة أوجه أنّ هذا مبتدأ خبره حميم وجملة فليذوقوه معترضة كقولك زيد فافهم رجل صالح أو هو خبر مبتدأ محذوف، وجملة فليذوقوه مرتبة على الجملة الاً ولى قبلها فهي بمنزلة جزاء شرط محذوف، وحميم خبر مبتدأ محذوف أو هذا منصوب بمضمر يفسره فليذوقوه، والفاء زائدة كما في {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] وقد تقدم الكلام في هذه الفاء في سورة النور، وفي كونها تفسيرية تعقيبية ودلالتها على أن يكون لهم إذاقة بعد إذاقة فتذكره وقوله وهو أي حميم على الوجهين الأوّلين في هذا فليذوقوه وهذا المقدر ضمير يعود لاسم الإشارة، وعلى هذا فالمشار إليه بهذا جنس ما أعدّ لشربهم فلا ينافي إفراد هذا تعدّده على بعض التقادير، وان جاز كون الغساق والحميم صفتي موصوف واحد إذ اسم الإشارة يشار به للمتعدد كما في عوان بين ذلك فنزل كلاَ من حأشبة الثهاب / ج 8 لم م اا الوجوه فيما يليق به وغسق بمعنى سال كضرب، وسمع وغساق مخففا ومشددا اسم لما ذكر ويحتمل أنه وصف وهو في التشديد أظهر. قوله: (من مثل هذا المذوق الخ) هذا وجه لأفراد الضمير مع أنّ الظاهر أن يثنى نظراً للحميم والغساق، والإتيان باسم الإشارة للإشارة إلى تقدم ذكره لا لأنه مبني على الوجه الأوّل كما قيل وان صح فيكون قوله أو العذاب مبنيا على الثاني، وقوله في الشدة متعلق بمثل لبيان وجه المماثلة بينهما، وقوله وتوحيد الخ جواب عن سؤال مرّ بيانه فإن كانا صفتين لشيء واحد فهو إشارة لذاته بقطع النظر عن صفته وقوله بالكسر أي كسر شين شكله وهي لغة فيه كمثل، وقوله أجناس إشارة إلى ما مرّ من أنّ الزوج يطلق على الذكر والأنثى وعلى كل متجانسين. قوله: (خبر لآخر) إشارة إلى الوجوه المذكورة في إعرابه على القراءتين في آض مفردا وجمعا لأنهم قالوا أخر مبتدأ ومن شكله خبره وأزواج فاعل الظرف أو آخر مبتدأ أو من شكله خبر المبتدأ فلا يرد أنها خلت من الضمير أو من شكله نعت لآخر المبتدأ أو أزواج خبره أي وأخر من شكل المذوق أزواج أو من شكله نعت آخر المبتدأ وأزواج فاعله، والضمير لأخر والخبر مقدر أي لهم أنواع أخر من شكلها الأزواج أو الخبر مقدر وهو لهم ومن شكله أزواح صفتان لا آخر فالوجوه خمسة كما في الدرّ المصون، ولا محذور في الأخبار بأزواج على أفراد آخر لأن المراد به نوع آخر وكذ! إذا كان صفة له، وقوله أو للثلاثة أي صفة للثلاثة، وهي حميم وغساق وآخر وتقدير الخبر على الوجه الرابع. قوله: (حكاية ما يقال للرؤساء) من أهل الضلال تقريعاً لهم وفيه إشارة إلى ارتباطه بما قبله بتقدير فيقال لهم عند الدخول هذا الخ، والقائل ملائكة العذاب أو بعضهم لبعض كما في الكشاف ولا حاجة على الثاني إلى أن يقال مقتحم معنا ولا مرحبا بكم دون بهم لا لأنه حكاية بحسب المعنى كما قيل بل لأنّ خطاب معكم من بعضهم أي الرؤساء لبعض منهم وضمير بهم للاتباع والدعاء عليهم من غير مواجهة لهم، وما ذكره بناء على الظاهر من تخاطب الاتباع والرؤساء لا من تخاطب بعض أحد الفريقين لآخرين منهم كما قيل. قوله: (واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال (ظاهره أنّ مع يجوز تعلقه باقتحم فيكون ظرفا له، وقد جوّز في معكم أن يكون نعتا ثانياً لفوج أو حالاً منه لأنه قد وصف أو من الضمير المستتر في مقتحم وقال أبو البقاء لا يجوز أن يكون ظرفا لفساد المعنى فقيل لم أدر من أيّ وجه يفسد والحالية، والصفة في المعنى كالظرفية ووافقه المدقق في الكشف فقال إن كان الفساد لإيتائه عن تزاحمهم في الدخول فليس بلازم فإنه مثلى ضربت معه زيداً للمشاركة في المضروبية مطلقاً فالمراد اشتراكهم في ركوب قحمتها ومقاساة شدّتها في زمان متقارب عرفا، ولو قيل هذا فوج معكم مقتحمون لم يفد أقتحام المخاطبين ويفسد المعنى ولا فرق بينه وبين الحالية فقيل عليه إنه حال لا ظرف إذ ليس المراد أنهم اقتحموا في الصحبة ودخلوا فيها بل اقتحموا في النار مصاحبين لكم، ومقارنين إياكم فليس ما تقدّم وجه الفساد كما ظن وهو كلام فاسد لا محصل له لأنّ مدلول مع المعبر عنه بالصحبة معناه الاجتماع في التليس بمدلول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 متعلقها فيفيد اشتراكهما أي الاتباع والرؤساء في الاقتحام لا في الصحبة كما توهمه ولا تدل على اتحاد زمانيهما كما صرح به في المغني، ولو سلم فهو لتقاربه عدّ متحداً كما أشار إليه في الكشف فلا وجه لما قاله أبو البقاء ومن تبعه ولا للتوجيه المذكور ولبعضهم هنا كلام مخلول إن شئت فانظره. قوله: (دعاء من المتبوعين الخ) سواء كان القائل هذا فوج الخ الملائكة أو بعض الرؤساء لبعض، وقوله أو صفة الخ فتؤوّل بمقولاً لهم لا مرحبا لأنه دعاء فهو إنشاء لا يوصف به بدون تأويل، وكذا على الحالية أيضاً كما أشار إليه بقوله مقولاً الخ، والمراد بمثله مستحقاً أن يقال لهم ذلك لا أنه قول حقيقة والحالية إمّا من فوج لوصفه المقرب له من المعرفة أو من ضميره وهو على هذا من كلام الخزنة إن كانوا هم القائلين أو من كلام بعض الرؤساء وبجوز كونه ابتداء كلام منهم وقوله أي ما أتوا بفتح الهمزة إشارة إلى ما قدروه وهو أتيتم رحباً أي مكانا واسعاً وبهم بيان للمدعو عليهم كما تبين اللام في سقيا له ونحوه، ورحباً بضم الراء وهو لاسعة من الرحبة، وهي الفضاء الواسع فقوله وسعة ئفسير له والمراد بما ذكر أن رحباً مفعول به لأتوا مقدراً وبهم على ما مرّ من البيان، وما قيل إنه إئارة إلى كون الباء للتعدية ورحباً مفعوله الآخر لا وجه له ولا دلالة للكلام عليه وكون الباء لا تكون مبينة كاللام دعوى من غير دليل، وقوله أنهم لخ تعليل لالى! حقاقهم للذعاء عليهم وصالو من التصلية، والمراد بها الدخول لا معناها المشهور كما أشار إليه وقوله بأعمالهم مثلنا ليس من مدلول النظم بل بيان لمرادهم في الواقع. قوله: (بل أنتم أحق بما قلتم (إن كان الدعاء من المتبوعين، أو قيل لنا إن كان من كلام ملائكة النار كما مرّ وقوله لضلالكم واضلالكم متعلق ثفوله أحق، وقوله كما قالوا بيان لإضلالهم لهم. قوله: (قدّمتم العذاب) فالضمير له لفهمه مما قبله أو للمصدر الذي تضمنه الوصف وهو الصلى أي دخول النار، وأشار بقوله بإغوائنا الخ بأنّ فه تجوّزاً كما قال المحقق إنّ فيه مجازين عقليين وهما إسناد التقديم إلى الرؤساء لكونهم سبباً للإغواء وايقاع التقديم على العذاب لوقوعه على عمل السوء الذي هو شب العذاب ففيه إسناد إلى ما هو السبب، وايقاع على ما هو المسبب وكلاهما مجاز عقلي، وقد يظن أنّ الثاني لغوي من إطلاق السبب على المسبب أي العذاب على العمل فليس في الكشاف تجوّز في الضمير كما توهم. قوله: (على ما قدّمتموه من العقائد) متعلق بالإغواء أو الإغراء أو هما تنازعاه أي حثا على ما قدم من العذاب، وهو إشارة إلى ما في التشبيه أو الضمير من التجوّز فإنّ المقدم ليس هو العذاب بل ما ذكر من العقائد والأعمال، ورجوعه إلى الكفر بعيد وما قيل تقديم العذاب بتأخير الرحمة فلا مجاز فيه وكلام المصنف صريح في خلافه ومناد على عدم إرادته، وقوله جهنم هو المخصوص بالذم المقدر ومن في قدم شرطية. قوله: (مضاعفاً) بيان للمعنى المراد منه، وقوله أي ذا ضعف توجيه للتركيب بأن فيه مضافا مقدرا فلا يقال إنه كان حقه أن يقول أو ذا ضعف لأنه وجه آخر لكن لتقاربهما جعل أحد الوجهين تفسيرا للآخر لما فيه من التكلف، وما ذكر بناء على أنّ الضعف المثل لا الزيادة المطلقة فيصير عذابه بزيادة الضعف مثلين لعذاب غيره فيوافق ما صرح به في الآية الأخرى، وفي كون الآية موافقة لما ذكره نظر فتأمّل، وقوله أي الطاغون قيل الأولى تفسيره بالاتباع لأنّ ما قبله قول لهم أيضاً. قوله: (صفة أخرى) وبجوز كونها مستأنفة لبيان ما قبلها، وقوله بهمزة الاستفهام فتفتح وتحذف الثانية والتأنيب اللوم الشديد وضم الشين وكسرها قد مرّ تحقيقه وأنّ معناه الهزء. قوله: (وأم معادلة الخ) فهي على هذا متصلة لمقابلتها بالمنقطعة، وهو خلاف ما اشتهر عن النحاة من أنه لا بد من تقدم الهمزة عليها لفظا أو تقديراً وما الاستفهامية لا تكون معادلتها وكذا غيرها من أدوأت الاستفهام لكنه ميل مع المعنى اكتفاء بكونه في معنى ما فيه الهمزة كما أشار إليه بقوله كأنهم قالوا ليسوا، الخ والزمخشري ليس بمقلد لغيره ولا مانع منه غير التقليد. قوله: (على أنّ المراد نقي رؤيتهم الخ) يعني أنّ قوله ما لنا لا نرى بمعنى لم نرهم كما مرّ بيانه في قوله: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} إذ محصل المراد منه أهم غائبون أم أبصارنا زاغت عنهم، وقوله أو لاتخذناهم أي معادل لأتخذناهم على قراءته بهمزة استفهام لما مرّ عن النحاة من اشتراطه، وهو ظاهر بحسب اللفظ لا بحسب المعنى فإنه لا يقابل بين زيغ الأبصار واتخاذهم سخرية، ولذا جعله كناية عن لازمه وهو التحقير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 لأنّ من يحقر أمراً لا ينظر إليه لكنه لا يخلو من شيء. قوله: (أو منقطعة) معطوف على قوله معادلة لأنه بمعنى متصلة وهذا يجري على القراءتين والمقصود أيضا لومهم لأنفسهم وتحقيرهم لهم، وقوله لك الدّي حكينا. مما جرى بين رؤس الكفر وأتباعهم، وقول لا بد الخ يعني أنّ حقيته المراد بها تحققه في المستقبل. قوله: (وهو بدل من حق الخ) والمبدل منه ليس في حكم السقوط حقيقة، والمراد بالتخاصم التقاول مع أنه لا منع من إرادة حقيقته وقوله على البدل من ذلك لم يلتفت إلى ما في الكشاف من كونه صفة لاسم الإشارة لأنه مردود بأنّ وصف اسم الإشارة وان جاز أن يكون بغير المشتق إلا أنه يلزم أن يكون معرفا بالألف واللام كما ذكره في المفصل من غير نقل خلاف فيه بين النحاة، واسم الإشارة لا يجوز الفصل بينه وبين نعته فكلامه مخالف لعامّة النحاة، ولما قرّره وهو في مفصله مع ما فيه من الفصل الممتنع أو القبي، وقد تصدى بعضهم لتوجيهه وترك المصنف له كفانا مؤنته. قوله تعالى: ( {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ} ) القصر فيه إضافي أي لا ساحر ولا كذاب كما زعمتم وخصه بالذكر لأنّ الكلام مع المشركين وحاله معهم مقصور على الإنذار كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله للمشركين، وقوله الذي لا يقبل الشركة يحتمل أنه تفسير لقوله لا إله إلا الله وقوله والكثرة تفسير للواحد لأنه هو الذي لا يقبل التعدد في جزئياته، ولا في أجزائه ويحتمل أنه بيان للوحدة يعني لا كثرة في ذاته بحسب الجزئيات بأن يكون له ماهية كلية ولا بحسب الأجزاء، ومعنى الآية إني مبعوث بالإنذار والدعوة لتوحيد العزيز القهار، وقوله في ذأته إشارة إلى أنه يقبلها في صفاته كما هو مذهب أهل الحق. قوله: (منه خلقها وإليه أمرها) أي راجع ومفوّض إليه تدبير جميع أمورها وهذا يفهم من الربوبية فإنه إذا كان هو المربى لجميع الكائنات لزم ما ذكر ولا يخفى مناسبة وصف التفرد بالألوهية، والأحدية لكونه القهار وتربية جميع الكائنات لأنه عزيز غفار، وقوله إذا عاقب كان الظاهر لا يغلب ولا يمنع من شيء مّا لكنه لمقابلته هنا بالغفار فسره بما ذكر. قوله: (وفي هذه الأوصاف الخ) كونها تقريراً للتوحيد ظاهر إمّا الواحد فهو المقرر معناه، وهو صريح فيه غير محتاج للبيان وأمّا القهار لكل شيء فلأنه لو كان له إله غير. لزم مقهوريته وهو مناف للألوهية ورب السموات الخ بمعنى رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلهاً والعزيز يقتضي أنه يغلب غيره، ولو كان إلهاً كان غالبا لا مغلوبا وأمّ الغفار لما يشاء فلأنه لو كان إله غيره فربما أراد عقاب من غفر له فلا يكون إلها قادرا على المغفرة لكل ما يشاء، والوعد والوعيد ليس من القهار والغفار فقط بل قد يفهم من غيرهما أيضاً لمن له نظر سديد. قوله: (وتثنية ما يشعر بالوعيد) أي تكريره، وهو القهار العزيز وتقديم القهار على غيره مما وصف به الله الواحد لأنّ المقام مقام إنذار فناب الاهتمام به فقدم وكرر، وقوله لأنّ المدعي وقع في نسخة المدعوّ له وهو بمعنى المطلوب. قوله: (ما أنبأتكم به) إشارة إلى أنّ الضمير المفرد رجع لما ذكر وهو متعدد لتأويله بما ذكر ونحوه، وقوله وقيل ما بعده أي مرجع الضمير وهو هو فقوله هو المراد به نبأ آدم فهو مبهم يفسره ما سيأتي بعده، ولا يخفى بعده ولذا مرضه وقيل: الضمير لتخاصم أهل النار أو أمر القيامة أو القرآن وهما مذكوران حكما، وقوله لتمادي غفلتكم من اسم الفاعل الدال على الثبوت، وقوله فإنّ العاقل لا يعرض الخ إشارة إلى أنّ في ذكر إعراضهم عما هو عظيم إيماء إلى أنهم ليسوا من ذوي العقول وقيل وضمع العاقل موضع المتنبه للملازمة بينهما، وقوله ما مرّ هو ما أجرى عليه تعالى من الصفات المقررة للتوحيد كما مرّ والنبوّة مفهومة، من قوله: {إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ} . قوله تعالى: ( {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى} ) عدى العلم بالباء للنظر إلى معنى الإحاطة، والملأ المجصاعة الإشراف وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد، وقوله عن تقاول إشارة إلى أن المراد بالتخاصم المقاولة كما مرّ وقوله على ما ورد الخ إشارة إلى وجه قيام الحجة مما ذكر فإنّ تقاول الملائكة لا يطلع عليه فلا يسلمونه له إلا أنه لما ورد مطابقا للكتب قبله كما يعرفه أهل الكتاب، ويسمعه غيرهم منهم دل على ما ذكر ومنه تعلم إنّ ما وقع في بعض التفاسير وشروح الكشاف من أنّ المراد به ما ورد في الحديث الصحيح من اختصامهم في الكفارات والمنجيات كأسباغ الوضوء، وقيام الليل واطعام الطعام لا يتأتى هنا لأنّ المشركين لا يقرون به فمن رجحه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 لم يصب والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية للحال. قوله: (وإذ متعلق يعلم) منع هذا في الكشاف لأنّ علمه ليس في ذلك الوقت بل بعده فإن أريد بالنفي أنه لم يعلمه في ذلك الوقت بان يحضره، وهو مما لا يعرف بالعقل فتعين كونه بوحي من الله حتى لا يرد ما ذكر، وأنّ نفي علمه في ذلك الوقت لا يفيد نفيه مطلقاً صح لكن ليس في كلامه ما يدل عليه نعم لو أريد به تعلق المفعولية على أنه بدل من الملأ بدل اشتمال صح، ويرد عليه ما ورد على التوجيه الأوّل فليس كلامه صافيا من الكدر ولا كلام في تعلقه بكلام فلو اقتصر عليه الزمخشريّ كان أولى. قوله: (أي لأنما) توجيه لقراءة الجمهور بالفتح بأنها على تقدير اللام لأنه يطرد حذفها مع أن وإن وقوله كأنه لما جوّز أنّ الوحي يأتيه الخ جوز بالبناء للمجهول أي لما جوّز الكفرة ذلك لإلزامهم بأنه يخبرهم بما لا يعلم إلا بوحي لا أنه مبني للفاعل، والضمير للرّسول حتى يقال إنه لم يصادف محزه فيجعل مجازا عن ذلك كما قيل وعليه فيوحي مسند إلى ضمير المصدر أو إلى الجارّ والمجرور أو إلى ضمير ما يوحي المفهوم من الكلام، وقوله إنما أنا منذر تقدّم توجيهه بأنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى ما نسب إليه من السحر والكذب وخص الإنذار بالذكر لأنّ الكلام مع المشركين فلا يرد عليه أنّ الوحي لا ينحصر فيما ذكر من الإنذار كما توهم. قوله: (بإسناد يوحي) فالمعنى لا يوحي إلى إلا الإنذار وعلى الكسر المعنى ما يوحي إليّ إلا هذا القول ويجوز أن يقدر القول فيه وكلامه محتمل له. قوله: (بدل من إذ يختصمون) الظاهر أنه بدل كل ويجوز كونه بدل بعض، وقوله مشتملة على تقاول الملائكة يؤيده سواء أريد بالنبأ العظيم قصة آدم عليه الصلاة والسلام أو غيرها كما مر والأظهر تعلقه باذكر المقدر على ما عهد في مثله ليبقى إذ يختصمون على عمومه ولئلا يفصل بين البدل والمبدل منه، وليشمل ما في الحديث من اختصامهم في الكفارات، والدرجات ولئلا يحتاج إلى توجيه العدول عن ربي إلى ربك، وقوله الملائكة وابليس لم يذكر آدم كما في الكشاف لأن أنباءه لهم تقاول أيضاً اكتفاء أو لأنّ المراد كما أشار إليه التقاول في شأنه، وقوله اكتفاء بذلك أي بما مرّ في البقرة توجيه لكونه مبينا له، وليس فيما ذكر بيان تخاصمهم وتقاولهم بأنه إشارة إلى قصة معلومة ذكر فيها ذلك وأورد عليه أنّ نزول البقرة متأخر عن نزول هذه السووة لأنها مدنية وهذه مكية فلا يصح الاكتفاء إحالة عليها قبل نزولها ووجه بأنّ المراد اكتفاء السامعين للقرآن بعد ذلك، وفيه نظر. قوله: (ومن الجائز الخ) دفع لما يقال من أنّ التقاول لم يكن بين الملأ الأعلى فقد بل بين الله وبينهم ولا يصح جعل الله من الملأ الأعلى بأنّ تكليم الله لهم كان بواسطة من الملائكة فالتقاول، إنما وقع بينهم أو يقال المراد بالملأ الأعلى ما عدا البشر فيشمله تعالى بطريق التغليب بقرينة قوله: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} ولا يلزم إثبات جهة له تعالى. قوله: (وأحييته بنفخ الروح فيه) إشارة إلى أنه مجاز أو كناية عن إحيائه وقد مرّ في سورة الحجر معنى النفخ وتفصيله، وقوله لشرفه أي إضافته له تعالى لتشريفه، والمراد بطهارته سلامته من الأمور الجسمانية ونزاهته عن دنس العناصر لأنه من عالم الأمر، وقوله فخروا بكسر الخاء أمر أي على الفور مبادرة لامتثال أمر من له الأمر، وقوله تكرمة أي لا عبادة حتى يمتنع للمخلوق كما مرّ وقوله كلهم أجمعون في دلالة أجمعين على المعية الزمانية كلام في شرح الكشاف فانظره. توله: (باستكباره الخ) ولا ينافيه عدم ذكره بالفاء كما توهم لأنه قد يترك مثله إحالة على فطنة السامع، أو ظهوره وأمّا كون ما ذكر غير مقتض للكفر فليس بشيء لأنّ التعاظم على أوامر الله كفر مع ما تضمنه من استقباحه ونسبة الجور له وفي بعض النسخ باستنكاره بالنون أي عده منكراً، وقوله صار إشارة إلى أنه لم يكن كافرا قبل ذلك فإن أبقى كان على ظاهره فهو باعتبار علمه كما أشار إليه بقوله أو كان منهم في علم الله لعلمه بانه سيعصيه باختياره وخبث طويته لا أنه كان مضمراً للكفر حتى لا يلزم الجبر كما توهم. قوله: (خلقتة بنفسي) أطلق النفس عليه لأنّ المراد به الذات أي من غير واسطة، وفوله والتثنية في يدي إشارة إلى ما قيل إنه تعالى منزه عن الجارحة، واليد المضافة بمعنى القدرة أو النعمة لكنه لا يتاتى حمله على القدرة هنا فإنّ قدرته واحدة ومقدوراته غير متناهية ولا على النعمة فلا تنحصر بالتثنية فلذا قال إمام الحرمين يجوز الحمل على القدرة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 والنعمة أو على نعمة الدنيا والآخرة فدفعه بأنّ المراد القدرة والتثنية للتاكيد الدال على مزيد قدرته لأنها ترد لمجرد التكرار كارجع البصر كرتين فأريد به لازمه، وهو التأكيد ولم يحمله على النعمة لأن هذا أنسب بالمقام، وأمّا ما قيل من أنّ مراده أنّ اليد هنا مجاز عن الذات وروّج بتكلفات لا حاجة لذكرها فخطأ فاضح وسهو واضح، وقوله من غير توسط أصله توسط شيء ليتضح قوله كأب الخ ولا حاجة لجعل التنوين عوضا من المضاف فإنه غير صحيح أو يقدر فيه مضاف أي لتوسط أب أو توسط بمعنى متوسط. قوله: (واختلاف الفعل) هو معطوف على مزيد القدرة أي في إيجاده له تعالى أفعال مختلفة من كونه طينا مختمرا، ثم جسما ذا لحم وعظم ثم نفخ الروج فيه وإعطاؤه قوّة العلم والعمل بما هو دال على مزيد قدرة خالق القوي، والقدرة فهو كالتفسير لمزيد القدرة والمراد بالفعل فعل الله فيه فإن أريد اختلاف فعل الله فيه وفي غيره، إمّا من جنسه حيث خلقه بغير أب وأم ونطفة ببديع صنعه فلذا جعل خلقه بكلتا يديه دون غيره أو من أنواع المخلوقات لما فيه من العقل، والكمالات التي لا تحصى فهو على هذا ليس كالتفسير له، وما قيل المراد اختلاف فعل آدم من أفعال ملكية كأنها آثار اليمين، وحيوانية كأنها آثار الشمال وكلتا يديه يمين فتعسف. قوله: (وترتيب الإنكار) بالاستفهام الإنكاري فيما منعك عليه أي على خلقه بيديه يعني أنه أمر مستدع لتعظيمه للعناية الربانية التي حفت إيجاده أو هو لبيان شبهته في ترك السجود لأنه مخلوق مثله لا يليق السجود له، والترتيب من إيقاعه صلة له لأنه كالتعليق بالمشتق المشعر بالعلية ومزيد الاختصاص من قوله بيدي كما مرّ، وقد أورد عليه أنه إنما يظهر لو كان إبليس متولدا من جنسه، وانّ استعماله سيما لا يوافق كلام أهل العربية قالوا وبعدها عاطفة أي له عظم شأن ومزيد اختصاص، وليس هذا بشيء إمّا الأوّل فلأنّ مبناه على أن يراد بمزيد الاختصاص ما ذكره، وليس بلازم لجوأز أن يراد ما خصه به من فضائل النبوّة فيه وفي نسله ونحوه، مما اختص به النوع البشري ولو سل فخلقه بيديه أي مزيد قدرته واختلاف أطوار خلقه الموح فيه كمال العقل، والعلم كما مرّ لا مجرّد كونه بغير واسطة، وأمّا ما ذكره في سيما من حذف لا ووقوع جملة بعدها مقترنة بالواو سواء كانت حالية كما هو ظاهر كلام النحاة أو عاطفة كما ذكره في سيما من حذف لا ووقوع جملة بعدها مقترنة بالواو سواء كانت حالية كما هو ظاهر كلام النحاة أو عاطفة كما ذكره فهو مناقشة في العبارة تبعاً ذكره بعض النحاة، وقد صرّح الدماميني في شرح التسهيل بصحته فلا عبرة بما ذكره. قوله: (تكبرت من غير استحقاق) كما يدل عليه سين الطلب ولذا قال في البقرة الاستكبار طلب التبهبر بالتتبع أو هو من مقابلته بقوله كنت من العالمين لأنه لا يقابله إلا إذا أوّل بما ذكر أو بما بعده من جعل استكبرت بمعنى أحدثت الكبر والعلو أم أنت قديما كذلك. قوله: (أو كنت ممن علا) عدل فيه عن تعبيره في الكشاف بقوله من علوت فإنها أشكلت عليهم، وحاولوا توجيهها فلم يأتوا بما يشفي الغليل قال المحقق تغليب جانب المتكلم أو الخطاب على الغيبة في صلة الموصول الجاري على المتكلم أو المخاطب فوقوعه خبرا عنه شائع، ولا كلام في صحته وكثرة وروده مثل: أنا الذي سمتني أمي حيدره وأمّا في غير الجاري عليه نحو أنا من شغفت بكذا وأنت ممن عرفت بكذا فلا تعرف له استعمالاً في كلام العرب ولا وجه قياس في مذاهب النحو فالصواب ممن علا أو علوا، وحمله على أنّ المراد ممن علوت منهم أي صرت فوقهم ليس معنى من العالين، انتهى أقول الحق ما في الكشاف ولا تغليب فيه لأنّ منهم المقدّر يعود ضميره الغائب لمن، وعلوت ضميره لا تغليب فيه وإنما ذكر لإبراز المعنى المراد من وصفه بزيادة العلو وتميز. على من عداه من جنسه، وأمّا قوله إنه ليس معنى من العالين فهو غريب منه فإنهم قرّروا أنّ قولهم فلان من العلماء أبلغ من عالم فيدل على زيادة علمه، واذا سلم فهو متميز على من سواه منهم والذي قصده الزمخشري إبراز معنى المبالغة فيه وكونه تركيبا لا يجري على قياس كلامهم أغرب فإنه ليس فيه إلا حذف عائد الموصوف من غير تجوّز، ولا تكلف وإنما أطلت الكلام فيه لأنّ هذه العبارة وقعت في شرح العضد لابن الحاجب فتكلم شراحه فيها وأسهبوا بما يقضي منه العجب، نعم ما ذكره يرد على الطيبي إذ صرح به بأنه من قبيل أنت الذي فعلت كذا. قوله: (وقيل الخ) فالعلو الاستكبار والتقابل بينهما بالحدوث والتقدم، ولذا قيل كنت من العالمين دون أنت من العالين، وقوله وقرئ بحذف الهمزة أي همزة الاستفهام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 على أنها مقدّرة كما في قوله ة بسبع رمين الجمر أم بثمان وأم متصلة وما نقله ابن عطية عن بعض النحاة من أنه لا يكون ذلك إلا مع إيجاد المتعادلين نحو أضربت أم لم تضرب صرح سيبويه بخلافه، وتبعه فيكون على هذا بمعنى القراءة المشهورة بإثباتها مفتوحة وحذف همزة الوصل، والاستفهام للتوبيخ فلا ينافي إثبات التكبر له في آية أخرى واذا كان ما قبله خبرا فهي منقطعة بمعنى بل، وهذه القراءة منقولة عن ابن كثير. قوله: (دليل عليه) أي على المانع، وأنه من العالين لعلو عنصره وأنه لا يليق به السجود لمخلوق مثله فكيف من هو دونه وفيه ميل إلى الوجه الثاني وما سبق هو إبطال دليله، وقوله من الجنة أو من زمرة الملائكة كما مرّ، وقوله مطرود إشارة إلى أنّ الرجم كناية عن الطرد لأن المطرود يرجم بالحجارة كما يرجم هو بالشهب، والمراد بقوله إلى يوم الدين والغاية إنه ينقل إلى ما هو أشد منه لا أنه تنتهي لعنته به والوقت المعلوم فسره في الكشاف بالنفخة الأولى ويوم الدين يوم القيامة، وقوله بعزتك قسم بصفة من صفاته فإنه يكون بالصفة كما يكون بالذات. قوله: (على اختلاف القراءتين) أي بكسر اللام وفتحها كما مرّ وقوله فأحق الحق توجيه لقراءة النصب بأنّ الحق فيها مقابل الباطل، وهو منصوب بفعل مقدّر من لفظه على أنه مفعول مطلق أو مفعول به وجوّز نصبه على الإغراء أيضا. قوله:) وقيل الحق الأوّل اس! الله (فإنه ورد إطلاقه عليه تعالى فلما حذف حرف القسم وهو الباء انتصب بأقسم المقدر كما في البيت، ومرضه لأنّ الظاهر من إعادة الاسم معرفة أن يكون الثاني عين الأوّل وحذف حرف القسم في مثله غير مطرد لا سيما فيما فيه لبس كماهنا. قوله: (إن عليك الله إن تبايعا) تؤخذ كرها أو تجيء طائعا هو رجز لا يعلم قائله وفي شرح الشواهد قيل إنه لرجل امتنع عن مبايعة بعض الخلفاء، ورووه على مكان عليك وان تبايع بمعنى مبايعتك وهو اسم إنّ وعليّ خبرها أي إنّ مبايعتك والله لازمة عليّ وتؤخذ بالنصب بدل من أن تبائع وتجيء معطوف عليه وطائعا حال. قوله: (وهو على الأوّل) أي كون الحق منصوباً باحق، وقوله لأملأنّ جواب قسم محذوف لأنّ اللام تقتضيه والمراد بالجملة القسم مع جوابه والمعتبر في الحقيقة قوله لأملأنّ الخ، والحق بمعنى قسم أيضاً لأنّ المقسم به يكون مبتدأ كما في لعمرك والحق على هذا اسم الله، أو خلاف الباطل لأنه تعالى له أن يقسم بما أراد، وقوله أو قسمي تخيير في التقدير لأنهما بمعنى، وقوله وقرئا مرفوعين فالأوّل مبتدأ أو خبر كما هنا والثاني مبتدأ خبره أقول بتقدير العائد. قوله: (كقوله) أي قول أبي النجم في رجزه المشهور: قدأصبحت أم الخيارتدعي عليّ ذنبا كله لم أصنع كذا في الكشاف جعله نظيراً له ولم يتعرضوا للمراد منه والذي عناه إنه كان حقه النصب باقول فعدل عنه إلى الرفع المحتاج إلى تقدير العائد كما في الشعر، وان كانت لها شأن خاص بها على ما فصل في المعاني لأنّ هذا أبلغ لدلالته على أنّ قول الحق ثابت له لا يتغير ولذا فسره على هذا بلا أقول إلا الحق، وليس هذا من تكرير الإسناد لأنه محوّل عن المفعول، ويجوز جعله نظير الحذف العائد من الخبر كما سيأتي في سورة الحديد فتدبر. قوله: (ومجرورين الخ) أي قرئ الحق فيهما بالجرّ على أنّ الأول مقسم به حذف منه حرف القسم، وأبقى عمله والمراد بالثاني هو الأوّل بعيته فلذا حكى مجروراً وان كان مرفوعاً أو منصوبا على الوجهين السابقين لكنه حكى بإعراب الأوّل وهذه الحكاية تكون في المرفوع، والمنصوب كما ذكره الزمخشري وجوّز على هذا كون الثاني قسماً مؤكدا للأوّل دون حكاية، وجملة أقول معترضة، وقوله إذا شارك الأوّل أي إذا كان مثله لفظا ومعنى ساغت الحكاية فيه كما هنا، وهو حسن لأنه تأكيد على تاكيد إذ القسم في نفسه مؤكد. قوله: (وبرفع الأوّل (على ما مز وجره على أنه قسم ونصب الثاني بأقول والنصب ناظر إلى لفظ جره لا إلى رفع الأوّل فإنه قراءة عاصم وحمزة فلا وجه لذكره في سلك الشواذ كما قيل فقوله وبرفع الأوّل أي وجر الثاني ولذا لم يذكره فتدبر. قوله: (إذ الكلام فيهم) أي هو معلوم من السياق فهو في حكم المذكور، وقوله من جنسك فهو بتقدير مضاف أو يتجوّز في ضميره بأن يراد به هو من كان مثله، وقوله وقيل للثقلين معطوف على قوله للناس، وقوله تأكيد له أي لضمير منهم والضميرين ضمير منك ومنهم لا المستتر في تبعك، وقيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 الأنسب تأكيد المجرورين الأولين ليفيد إنه لا بنحو التابع والمتبوع، إذ ليس في تأكيد الضمير الثالث بالاستقلال أو الاشتراك كبير فائدة، وردّ بأنه يفيد أن مجرّد اتباعه موجب للعذاب من غير تفاوت بين ناس وناس. قوله: (أي القرآن) تفسير لضمير عليه وهذا أيضاً بمعونة المقام في حكم المذكور، وقوله على ما عرفتم من حالي أي قبل النبوة فكيف بعدما من الله به عليّ وانتحل بالحاء المهملة من الانتحال وهو ادعاء ما لا أصل له، وأتقول بمعنى أتكلف، وقوله من عند نفسي والمراد أفتر به، وقوله وهو ما فيه من الوعد والوعيد فنبأه ما أنبأ به من ذلك والمراد أنهم يعلمونه علم يقين أو مشاهدة إذا وقع فنبؤه مجاز عن وقوعه والمراد بالنبأ الوعد والوعيد فقط، وقوله أو صدقه أي وصدق ما أنبأتكم به مطلقاً لا الوعد، والوعيد وحده لكن تحققه بوقوعهما أيضاً وهذا هو الفرق بين الوجهين، وقوله بإتيان ذلك إشارة للوعد والوعيد، وهو متعلق بتعلمن على الوجهين وفي عطف صدقه حزازة والظاهر عطفه على ما فيه والمراد أنّ الذي تعملونه وعده ووعيده إذا وقعا أو صدق ما أخبرتهم به، ودعوتهم له مطلقا بذلك وضمير صدقه للنبأ لا لما وعطفه على الوعد مما لا وجه له، والنبأ محتمل للمجاز كما مرّ ويجوز إبقاؤه على ظاهره. قوله: (أو عند ظهور الاسلام (أي قوّة ظهوره بقهر أعداء الله وهذا مؤيد للثاني، وملائم له إذ بظهوره يظهر صدق القرآن ويجري على الأول إن أريد بالوعد والوعيد ما وقع في الدنيا، وقوله وفيه أي في قوله لتعلمن الخ أو في قوله بعد حين والأول أولى. قوله: (وعن النبني صلى الله عليه وسلم الخ) هو حديث موضوع ولوائح الوضع فيه ظاهرة، وتخصيص ما ذكر لوقوعه في هذه السورة وعدم إصراره تنويه لبركة ما يتلوه قيها من ذكر التوبة، تمت السورة بحمد الله ونعمائه، والصلاة والسلام على أشرف رسله وأنبيائه وعلى آله وصحبه خلص أصفائه. سورة الزمر وتسمى سورة الغرف كما في الكشاف لقوله لهم غرف من فوقها غرف. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية الخ) أي إلا ثلاث آيات مدنية نزلت في حق وحشي قاتل حمزة كما نقله الداني عن ابن عباس رضي الله عنهما {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا} [سورة الزمر، الآية: 0 ا] الخ وقيل ورابعة وهي: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [سورة الزمر، الآية: 23] الخ قاله ابن الجوزي وأمّا عدد الآيات فقيل خمس، وقيل ثلاث وقيل ثنتان وسبعون والاختلاف في قوله: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} {مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} {فَبَشِّرْ عِبَادِ} {مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} {مِنْ هَادٍ} فتأمّله. قوله: (أو حال عمل فيها الخ) كذا في الكشاف، وقد قيل عليه أنّ العامل المعنوفي لا يعمل في المقدم لضعفه فأولى أن لا يعمل، وهو محذوف وان لم يكن فيه نص فلا نص على خلافه، وله أن يمنع الأولوية وانه إذا جاز الحذف لدليل فلا مانع من العمل لأنه كالموجود انتهى، وهذا كلام مختل من وجوه لأنه قاس عمله محذوفا على عمله مؤخرا، وليس بصحيح لأنّ المحذوف كالموجود فلا يضعف عن العمل إذا قدر مقدما ملاصقاً ألا ترى المصدر يعمل مقدراً، ولا يتقدم معموله عليه وكذا المضاف ولو تتبعت أمثاله وجدتها كثيرة وقوله لا نص فيه أيضا ممنوع بل فيه نص صريح في أماكن متعددة منها ما ذكره في البحر هنا من أنّ النحاة ردّوا على المبرد لما خرّج قول الفرزدق، واذ ما مثلهم بشر من أن مثلهم منصوب على الحالية، وعامله الظرف المقدر أي ما في الوجود بشر مماثلا لهم بأنّ الظرف عامل معنويّ لا يعمل محذوفا لأن المراد به ما تضمن معنى الفعل لتضمن اسم الإشارة معنى أشير والظرف معنى استقر، وما قيل من أن امتناع تقديم الحال الظرفي على العامل المعنوي ليس بثبت مع أنه لا حاجة إليه مخالف لما صرّح به النحاة فإنهم نقلوا الخلاف فيه من غير فرق بين الظرف وغيره. قوله: (أو التنزيل (إذا كان حالاً من تنزيل فالعامل فيه معنوي، وهو اسم الإشارة واذا كان حالاً من الكتاب فالعامل فيه تنزيل وجاز الحال من المضاف إليه لأنّ المضاف مما يعمل عمل الفعل، وهو أحد الصور التي يجوز فيها ذلك، وقيل إنه إذا كان التنزيل بمعنى المنزل فالحال من الضمير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 المستتر فيه وإنما ظهر إرادة السورة إذا قدر هذا لأنها حاضرة حين التلفظ به، واسم الإشارة للحاضرين بخلاف ما إذا كان مبتدأ فإنّ القرآن كله منزل من الله فتخصيصه خلاف الظاهر، واذا كان تنزيل خبرا فهو بمعنى منزل أو قصد به المبالغة بخلاف، ما إذا كان مبتدأ فلا يحتاج إلى تأويل كما قيل، وقوله تنزيل الكتاب كالعنوان لما في السورة فلا يتكرّر مع ذلك قوله إنا أنزلناه الخ لأنه لبيان ما فيه، وبيان لكونه نازلاً عليه بالحق وتوطئة لقوله فاعبد الله الخ والتحقيق أن معنى تنزيل الكتاب على وجه مرتبط به، بما قبله أن الكتاب الذي يتلوه عليكم هذا النبي صلى الله عليه وسلم تنزيل من عزيز حكيم عليه فدعوته ليس لذل به حتى يطلب إطاعتكم ليعزبكم أو ليسلم من ضرركم، ثم خاطبه وأعرض عنه بأنه أنزله عليه بأوامر وزواجر تحق الحق وتبطل الباطل كما ذكره السمرقندي فتأمّل. قوله:) ملتبساً بالحق الخ (إشارة إلى أنّ الباء تحتمل الملابسة والسببية وكونها متعلقة بأنزلنا وظرفاً مستقرّا وقع موقع الحال من المفعول وكونه من الفاعل أي ملتبسين بالحق غير وجيه، وقوله إثبات الحق واظهاره يحتمل أنه إشارة لتقدير مضاف أو المراد من إنزاله بسبب الحق ذلك أو على أنّ الحق مجاز عن الإثبات والإظهار كما قيل. قوله: (وقرئ برفع الدين) في الشواذ وهي قراءة ابن أبي عبلة كما نقله الثقات فلا عبرة بإنكار الزجاج لها وفيه أيضاً ردّ على الزمخشريّ حيث قال إنه على هذه القراءة كان ينبغي أن يقرأ مخلصا بفتح اللام، وامّا على لكسرة فلا وجه له إلا الإسناد المجازي فيكون فاعل مخلصا، وأمّا كون له الدين مبتدأ وخبراً فغير مستقيم لأنه مكرر مع ما بعده فأشار المصنف إلى رده بقوله لتعليل الأمر، وقوله لتأكيد الاختصاص بناء على أنّ الاختصاص الذي وضعت له اللام يفيد الحصر كالتقديم، وقد توقف فيه بعض المتأخرين، وقال إنما معناه تعلق خاص ولو بدون الحصر كما فصله الفاضل الليثي وقد مر طرف منه وهذا جار في القراءة المشهورة أيضا وكما تفيده اللام، وتقديم الخبر يفيده صريح قوله مخلصا فإن قلت كيف ما ذكر مع قوله في المغني إنّ اللام إذا وقعت بين ذات ومعنى فهي للاستحقاق كالعزة لله، والحمد لله وهو المناسب هنا (قلت) ما ذكره ابن هشام كلام غير مهذب ولا مسلم كما بين في محله، وأما ما قيل إنه لا تنافي بينهما فإنّ طريق الاختصاص وجهته هو الاستحقاق فسهو فإنه وان صح هنا لا يتأتى في كلام المغني فإنه جعلها معاني متقابلة فكان عليه أن يقول الاختصاص الذي ذكره غير ما عناه ابن هشام فتأمّل. قوله: (كما صرح به مؤكدا) بصيغة الفاعل أو المفعول حيث أبرز الجلالة الكريمة، والدين في مقام الإضمار ووصفه بالخالص، وقرنه بأداة التنبيه والاستفتاج ليزيده تأكيداً على تأكيد اعتناء بطاعة الله التي هي أساس كل خير، ولذا أتى به مؤكدا بتأكيدات إلا والاسمية، واعادة الجملة واظهار الجلالة والدين ووصفه بالخالص، والتقديم المفيد للاختصاص مع اللام الموضوعة له فلا بأس في تكراره الذي عده الزمخشري مانعا كما أشار إليه في التقريب وما في الكشف من أنه جعله تأكيداً لا وجه له للوصف المذكور يعني الخالص، ولأنّ حرف التنبيه لا يحسن موقعه حينئذ لأن حرف التنبيه إنما يؤتى به فيما لم يعلم حقيقة أو صراحة أمّا بعد ما صرح به فهو لغو من الكلام، ولذا جعل الإعادة هنا مانعة منه ولظهوره لم يتعرض لبيان وجه الفساد فيه فإن له الدين تعليل للأمر بالعبادة، ولم يؤت بالفاء اعتمادا على أقوى الوصلين، وهذا تعليل لقوله مخلصا هذا محصل ما ذكره لتدقق في شرح كلام العلامة وهو ظاهر الورود وما ذكره المصنف لا يدفعه مع أن ألا يؤتى بها في ابتداء الاستئناف المضاد لقصد التوكيد وللمحشي هنا كلام لا يسمن ولا يغني من جوع فلذا تركناه برمته. قوله: (وأجراه مجرى المعلوم المقرّر لكثرة حججه الخ (حيث جعله تعليلا لما أفاده ما قبله من الاختصاص، وقرنه بحرف التنبيه الدال على بداهته التي تعلم بأدنى تنبيه واعتمد فيه على أقوى الوصلين ولا يخفى أنه غير مسلم عند الزمخشري، فإنه تعليل الشيء بنفسه ووقوع إلا في الاستئناف البياني غير ظاهر وأما كونه إشارة إلى أن أمرا عبد تعريض وكناية عن أمر غيره على حد: إياك أعني فاسمعي يا جاره فمسلم لكنه لا يفيد فيما نحن بصدده فتأمّل. قوله: (هو الذي وجب اختصاصه الخ (إشارة إلى أنّ الدين بمعنى الطاعة والانقياد والاختصاص من اللام، والتقديم كما مر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 وأما الوجوب فالظاهر أنه من كونه قيدا للأمر بالعبادة فإنه إذا قيل صل قائما أفاد وجوب القيام، وقيل إنه من المقام، وقوله فإنه المنفرد الخ إشارة إلى ما مر من أن قوله إلا لله الخ تعليل للإخلاص المذكور كما مر والتفرد المذكور من الاسم الشريف فإنه وضع للمعبود بحق فهو منفرد بالألوهية ولوازمها وكونه مطلعا على السرائر منفرداً بالاطلاع عليها في الواقع مما لا شبهة فيه، وما ذكره المصنف ليس لبيان ما في نفس الأمر فقط بل في النظم ما يدل عليه، وهو جعل الدين المختص به ما كان خالصا والخالص إنما يخلص خلاصاً تاما إذا لم يكن فيه شرك ولا رياء ونفاق، ولا يعلم ذلك إلا باطلاع على ما في الضماثر فإن مرجعها إليه. قوله:) يحتمل المتخذين من الكفرة (يعني أن الموصول يحتمل أن يكون المراد به المتخذين بكسر الخاء اسم فاعل فالعائد الضمير الواقع فاعلا المذكور، وأن يكون المراد به المتخذين بفتح الخاء اسم مفعول، وهم المعبودون من دون الله فالعائد محذوف تقديره اتخذوهم وقوله وإضمار المشركين الخ يعني على الوجه الثاني لأنّ ضمير الفاعل لا يعود على الموصول بل على المشركين المعلوم من السياق، وقوله من دونه صفة مفعول اتخذوا الأوّل على الأوّل وعلى الثاني صلة اتخذوا وقوله من لاملائكة الخ بيان المتخذين بالفتح، وادراج عيسى عليه الصلاة والسلام فيهم لأنه مما عبد من دونه، وهو في الحقيقة شريك عندهم فلا إشكال فيه كما قيل. قوله: (وهو مبتدأ خبره على الأول) أي على كونه عبارة عن المتخذين بالكسر هو مبتدأ والخبر يقولون ما نعبدهم الخ، وقوله وهو متعين على الثاني أي على إرادة الملائكة وغيرهم من المعبودين لأنه لا يصح الإخبار عن المتخذين بالفتح بأنهم قالوا ما نعبدهم الخ إلا بتكلف كأن يجعل ضمير قالوا للكفرة، والعائد ضمير نعبدهم فالمانع معنويّ لا لعدم الرابط لأن ضمير نعبدهم للأولياء كما قيل لعدم تعيينه لكن في جعل الجملة الثانية خبرا نظر من جهة المعنى إذ لم يرد الحكم بين المعبودين بل بين العابدين. قوله: (وعلى هذا الخ (كما أن هذه الجملة كانت على الأوّل خبراً، وثانياً أو استئنافا لكن في جواز حذف البدل المقصود وإبقاء المبدى منه الذي في نية الطرح نظر، وإن قام معموله مقامه والبدل بدل اشتمال وكونه من التوابع التي عرفت بما أعرب بإعراب متبوعه والصلة لا إعراب لها فينتقض التعريف، أو تبطل التبعية يدفع بأنه على تقدير إن كان معربا أو هو باعتبار الأصل الغالب، ولا يصح كون التعريف لما في المفردات فإنه لا يدفع المحذور لبقائه في تأكيد الحروف كنعم نعم ونحوه، وقوله مصدر أي منصوب على المصدرية ليقرّبونا كقعدت جلوسا أو حال مؤكدة من ضمير المفعول أو الفاعل مؤوّلاً باسم فاعل، وقوله اتباعا أي للباء. قوله:) بإدخال المحق الجنة الخ (فالحكم ليس بمعنى فصل الخصومة بل هو مجاز أو كناية عن تمييزهم تمييزاً يعلم منه حقيقة ما تنازعوا فيه، وقوله فإنهم يرجون الخ بيان للاختلاف بينهم على هذا الوجه والحكم مجاز أيضا عما مر من إدخال الملائكة، وعيسى الجنة وادخالهم النار تمييزاً بينهم وهذا لا يجري في عبدة الأصنام، والكلام معهم ولذا مرضه وقوله لا يوفق للاهتداء أو لا يخلقه فيهم، وقوله كاذب كفار فيه تعليل للحكم كما أشار إليه المصنف. قوله: (لقيام الدلالة على امتناع الخ (كما برهن عليه ببرهان الثمانع وغيره وقوله إذ لا موجود تعليل للاصطفاء من الخلق، وقوله ووجوب بالجز عطف على امتناع. قوله: (ومن البين الخ) قيل إنه يعني أنه تعالى رتب على فرض إرادة اتخاذ الولد اصطفاء ما يشاء مما يخلق لا اتخاذ الولد وحيث لم يكن الاصطفاء المذكور من اتخاذ الولد في شيء تبين أن اتخاذ الولد ممتنع، ولو فرض إرادته وقيل إنه إشارة إلى أن لو لقصد لزوم الثاني للأوّل، مع انتفاء اللازم ليستدل به على انتفاء الملزوم أي لكن اصطفاء ما يخلق للولدية باطل إذ لا تماثل فكذا إرادة الاتخاذ واعتبار الخلق دون الإمكان مع كفايته وإن كان تطويلاً للمسافة لإظهار قبح ما فعلوه، وردّ بأنه يأباه النظم فإن المناسب حينئذ أن يقال لا أتخذه مما يخلق، ويترك ذكر الإرادة فيقال لو أتخذ ولداً، وظاهر أنّ قوله إذ لا موجود سواه الخ دليل للاصطفاء مما يخلق فلا بد من اعتبار الخلق سواء اعتبر الإمكان أو لم يعتبر فلا تطويل إلا إذا اعتبر الإمكان حيث يكون في الكلام زيادة ما لا حاجة إليه، واختيار ما يخلق دون ما يمكن لأنه المعروف في لسان الشرع، وأمّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 الواجب والممكن فمن اصطلاج المتكلمين والفلاسفة وفيه نظر، وتحقيق هذا أن لو لها استعمالات استعمال أهل اللغة وهو انتفاء الثاني لانتفاء الأوّل نحو لو كان لي مال أحسنت إليك، واستعمال أهل الاستدلال وهو دلالة انتفاء الثاني على انتفاء الأوّل نحو {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة الأنبياء، الآية: 22] أو دلالة تحقق الأوّل على تحقق الثاني نحو لو كان العالم حادثا لكان الصانع مختارا فهذه ثلاثة معان مشهورة ورابع لم يشتهر لكنه ورد في فصيح الكلام، وهو ثبوت الجزاء على كل حال نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وقد ذكر المدقق في الكشف في الآية وجهين أحدهما أنّ المعنى لو اراد اتخاذ الولد لامتنع أن يريده فالضمير راجع إلى ما دل عليه أراد لا إلى الاتخاذ، وحاصله لو أراد اتخاذ الولد امتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني اتخاذ الولد، ولا يجوز على البارى إرادة الممتنع لأنها ترجح بعض الممكنات فأصله لو اتخذ الولد امتنع فعدل لما ذكر لأنه أبلغ، ثم حذف الجواب وجيء بدله بقوله لاصطفى الخ تنبيها على أنه هو الممكن دون الأوّل فلو كان هذا من اتخاذ الولد في علمه لجاز، وليس منه فهو كقوله: ولا عيب فيهم غير أن تزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن والثاني أنه أراد بقوله لو أراد نفي الصحة على كل تقدير كقوله نعم العبد صهيب الخ فلا ينفي الثاني، ولا يحتاج إلى بيان الملازمة فالمعنى الممكن الاصطفاء، وقد اصطفى وهو أيضا على أسلوب البيت المذكور ورجح هذا المحقق في شرحه وهذا مبنيّ على تفسير الاصطفاء فإن كان مجرّد اختياره لأحد من مخلوقاته فهو واقع، وان كان اصطفاؤه واختياره للنبوّة بأن يختار الأفضل الأكمل لها فيكون ردّاً عليهم في نسبة البنات له يكون منفيا هذا تحقيق المقام بما يزيل الأوهام فما ذكرناه عن أرباب الحواشي كلام سطحيّ لا حاصل له فتنبه. قوله: الا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد) هذا بناء على أنّ المراد الاصطفاء للنبوّة، وقوله فيقوم مقام الولد، وإن كان الكفار أثبتوا له نفس الولد لا ما يقوم مقامه كما مر في الصفات لأنه أراد نفيه بطريق أبلني كما عدل في النظم عن الاتخاذ إلى الإرادة لأنّ نفي ما يقوم مقامه أبلغ من نفيه فلا يرد عليه أن المقتضى للمماثلة الجنسية الولد لا ما يقوم مقامه كما قيل. قوله: (ثم قرر ذلك بقوله سبحانه الخ) أي عدم مناسبة المخلوق الخالص واستحالة الولد عليه تعالى عن ذلك علؤا كبيراً ونفي الأولياء بذكر ما ينافيه إجمالاً بقوله سبحانه تنزيها له عن الوليّ، والولد وتفصيلاً بوصفه بأنه واحد لا صاحبة له، ولا ولد قهار غالب لكل شيء فلا وليّ له هذا على اتصال قوله سبحانه الخ بقوله والذين اتخذوا من دونه أولياء الخ كما في الكشاف، وعلى ظاهر كلام المصنف اتصاله بما يله من نفي الولد فقط كما سنبينه، وقيل ذلك إشارة إلى بطلان المقدم أو التالي. قوله: (المستلزم للوحدة) في نفس الأمر وفي العقل كما مرّ مع ما فيه، وهذا بيان لكونه مقرراً لما قبله وقوله للوحدة الذاتية أي المنافية للكثرة في الذهن والخارج بحسب الأفراد أو الأجزاء كما هو مذلل في الكلام فمنع استلزام الوجوب الوحدة المنافية للأجزاء الذهنية التي ينتزعها الذهن من الفرد البسيط إن أراد الاستلزام في نفس الأمر فهو باطل وان أراد عند العقل فكذلك لأنه ليس المراد اللزوم البين بالمعنى الأخص كما مرّ فتدبر. قوله: (وهي) أي الوحدة تنافي المماثلة لاقتضائها المشاركة في بعض الذاتيات أو العوارض وهو يستلزم التركيب الذهني كما أشار إليه بقوله لأن كل واحد الخ، وقوله والتعين المخصوص بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من دخول التعين في حقيقة الفرد، وجمهور المتكلمين على أنه خارج عنها، وفيه كلام لا يحتمله هذا المقام. قوله: (والقهارية الخ) هذا بناء على أن القهار مقر ولنفي الولد وعلى ما ذهب إليه الزمخشريّ من تقريره لنفي الولد هو ظاهر أما على هذا فلما ذكره من أنّ القهارية المطلقة المنصرفة إلى القهر الكامل بأن يكون قاهراً لكل ما سواه منافية للزوال لأنه لو قبله كان مقهوراً إذ المزيل قاهر له، ولذا قيل سبحان من قهر العباد بالموت، والولد يطلب ليقوم مقامه بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن له حاجة إلى الولد، وأما كون الحاجة إلى الولد غير منحصرة في قيامه بعد زواله كما قيل فيرد بأنه أعظم فوائده عندهم فهو إلزام لهم حسب اعتقادهم فتدبر، والقهارية منصوبة أو مرفوعة بعطفه على الألوهية أو هي. قوله:) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 ثم استدل على ذلك) أي على الألوهية الحقيقية والوحدة الذاتية، وتطلق القهارية لا على الأخيرة فقط كما قيل لأنّ الإله الحقيقيّ المنزه عن المثل القهار المطلق هو الذي خلق مثل هذه المخلوقات بحكمته التي لا يقدر عليها سواه، وجعلها مسخرة منقادة. قوله:) يغشى كل واحد منهما الآخر الخ) التكوير اللف والليّ من كار العمامة على رأسه وكورها، وفيه كما في الكشاف أوجه أن يكون الليل والنهار خلفة يذهب هذا، ويغشى مكانه هذا واذا غشي مكانه فكأنه ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس، أو كل واحد يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار، أو أنّ هذا يكرّ على هذا كروراً متتابعاً يشبه تتابع أكوار العمامة فقيل إنه جعل غثيان الليل والنهار أحدهما مكان الآخر، وجعله محيطا بكل ما أحاط به الآخر حتى صار بمنزلة لباس بمكانه بحيث يصير أسود مظلماً بعدما كان أبيض منيرا وبالعكس تكويرا لأحدهما على الآخر ولفاعليه، والثاني أنه شبه تغييب أحدهما الآخر عند طريانه عليه بلف ساتر على ظاهر ليخفى بعد الظهور، وهو معنى تكويره عليه والفرق بين هذا، وبين الأول قليل جدا، وهو أن في الأول مع اعتبار الستر اعتبار الليّ واحاطة الجوانب وما أشعر به ظاهر كلامه من أنه اعتبر في الأول التشبيه في الفعل، وفي الثاني في المتعلق أعني المطروّ عليه إنما هو للتوضيح والمقصود واحد وهو التشبيه في الفعل لأنه على الوجهين استعارة تبعية استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسن ولا يبعد أنه جعله في الثاني استعارة بالكناية، والتكوير تخييلية قرينة لها أو تحقيقية كما في نقض العهد، وفي الثالث تمثيل وجهه منتزع من عدة أمور كر هذا على ذاك وبالعكس على سبيل التتابع والتلاف كما في العمامة لكنه ثمة على التظاهر، والاجتماع وهنا على التعاور والانقطاع، والذي يظهر في الفرق بين الوجوه الثلاثة مع احتمال التبعية والمكنية والتخييلية والتمثيلية أن تكوّر أحدهما على الآخر إما مجاز عن جعل أحدهما خلفا عن الآخر كما في قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} [سورة الفرقان، الآية: 62] ويكون معنى تكوير أحدهما على الآخر وستره له ستره لمكانه على أن فيه مع التجوّز في الطرف، أو المجموع تجوّزاً في النسبة وفي الثاني معنى التكوير فيه تغييب أحدهما للآخر كما في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [سورة الليل، الآية: ا- 2] وان لم يعتبر فيه ما ذكر فالفرق بينهما ظاهر وليس قليلاً كما قالوا، وفي الثالث المقصود تعاقبهما كروراً ومروراً كما في قوله: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [سورة الأعراف، الآية: 54، فالمقصود تطبيق الوجوه على ما صرّح به في غيره من الآيات مع اختلاف المعنى المتجوّز عنه، فما قيل من الفرق بين الوجهين الأولين إنّ المراد من التغييب إدخال أحدهما في الآخر، وبالعكس بالزيادة والنقصان فيظهر الفرق بينهما مع أنه لا حاجة إليه ليس في الكلام ما يدل عليه، وفيما ذكرناه لك غنية عنه وكلام الشيخين صريح فيه. قوله: (منتهى دوره) بتمام البروج ومنقطع حركته يوم القيامة، ومر في سورة فاطر وجه آخر، وقوله الغالب قال شيخنا المقدسي إطلاق الغالب على الله لم يرد لكنه اشتهر على الألسنة في القسم، والطالب الغالب ولا أعلم ما أصله وعند من لم يشترط السماع في التوصيف لا إشكال فيه. قوله: (حيث لم يعاجل بالعقوبة الخ) فسر الزمخشريّ هنا العزيز الغفار بالقادر على عقاب المصرين الغفار لذنوب التائبين، أو الغالب الذي يقدر أن يعاجلهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى فسمي الحلم عندهم مغفرة، ولما كان تفسيره الأوّل مبنيا على مذهبه تركه المصنف، وأشار إلى الرد عله حيث عدل عن قوله القادر على الخ إلى ما ذكره واختار تفسيره الثاني في الغفار لأنه أنسب بالمقام إذ هو كالتذييل لما قبله من اتخاذ أولياء دونه ونسبتهم إليه ما لا يليق بجلاله فالمناسب أن يقال وهم لما كفروا ونسبوا لذاته ما لا يليق مع قدرته لا يعجل عقابهم، ولا يقطع عنهم إحسانه فسبحانه ما أعظم شأنه فاستعمل المغفرة التي هي ترك العقاب في الحلم الذي هو ترك التعجيل للمناسبة بينهما في الترك فهو استعارة، ويجوز كونه مجازاً مرسلا والأوّل أبلغ وأحسن وهذه الصنائع خلق الأجرام العظام لنفع الأنام وتسخير النيرات. قوله: (استدلال آخر بما أوجده الخ) أي هذا استدلال آخر على ألوهيته، ووحدته مع ما فيه من تقرير قدرته وقدّم الاستدلال بما في الآفاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 لكونه أظهر وأباع مما في الأنفس، وقد يقدم الثاني لكونه أقرب وأرسخ كما أشار إليه المصنف وقوله مبدوأ به البدء بالنسبة لبقية النوع البشري، والحوادث الكائنة بعد إيجاده وكونه أعجب بالنسبة لغيره باعتبار ما فيه من العقل وقبول أمانة التكليف وغيره كما قيل: وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر لا لخلق حواء من قصيراه كما قيل، وان كانت الأفلاك أعظم وأعجب من وجه آخر. قوله: (وفيه) أي في خلق الإنسان أو في هذا القول، وقوله قصيراه تصغير قصري وهي صفة للضلع الأخيرة من أسفله وتصغيرها لأنها أصغر الأنواع وكيفية خلقها منه تفصيلا لا يعملها إلا الله لكنه قيل إنها خلقت من بعضه وقيل من كله بأن فصلت منه وأبدلت بضلع آخر مكانها ولذا قيل إنّ هذه الضلع ناقصة في النساء، وعذها الزمخشريّ اثنين بإسقاط الثالث لعدم اختصاصها به، وقوله منهما أنسب بالواقع، ولو أفرده مضمراً آدم كان أنسب بقوله واحدة ولكل وجهة. قوله: (وثم للعطف على محذوف) أو على واحدة لأنه في الأصل اسم مشتق فيجوز عطف الفعل عليه كقوله صافات ويقبضن لكنه غلب عليه الاسمية فصار كالجامد ولذا أخره المصنف عن التقدير، والزمخشري رجحه لأنّ التقدير خلاف الأصل، وقوله وجدت بالتخفيف يقال وحد يحدو حداً كعلم ويجوز تشديده واسم الفاعل قد يكون للمضيّ وإنما يمتنع إرادته إذا عمل كما صرحوا به فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له على المضيّ فيشكل العطف بثم لو عطف على لفظه دون تأويل وقوله فشفعها أي جعلها شفعا وزوجا وثم على هذين الوجهين على حقيقتها، ولذا قدمه المصنف. قوله: (أو على خلقكم لتفاوت ما بين الآيتين الأن خلق حوّاء من ضلعه أعظم في القدرة الباهرة من خلقه من تراب لأنه سبق مثله فكم ذي روح خلق منه بدون واسطة، وبها ولو لم يحمل على التفاوت الرتبي لم يصح العطف بها لأنّ خلقها مقدم على خلقهم ولذا أوّله بعضهم بالقيل المذكور من أنّ المراد بخلقهم إخراجهم من صلبه في عالم الذر إذ خوطبوا بألست، وفي قوله كالذر إشارة إلى أنّ الذرية منسوبة إلى الذر وغير بضم أوّله كما قيل دهري بالضم نسبة للدهر، وقوله ثم خلق منها أي من قصيراه وفي نسخة منه أي من آدم عليه الصلاة والسلام ومن أرجع ضمير منها للذرية فقدسها، وأعلم أنّ التفاوت الرتبي هنا فيه المعطوف عليه أدنى رتبة وهو جائز كعكسه كما مز التصريح به، واتفاق شراح الكشاف على جواز. فلا حاجة لتأويله بتنزيل البعدية منزلة التعظيم أو ادعاء أخذه من المقام كما توهم. قوله: (وقضى أو قسم لكم) جعلها مقسومة بينكم كما تقسم بقية الأرزاق، وهو إشارة إلى تأويله لأنّ الأنعام لم تنزل عليهم من السماء بأنّ إنزالها مجاز عن القضاء، والقسمة فإنه تعالى إذا قضى وقسم أثبت ذلك في اللوح المحفوظ، ونزلت به الملائكة الموكلة باظهاره في العالم السفلي فلذا وصف ذلك بالنزول وان كان معنى لا يوصف به حقيقة لكن لشيوعه وتعارفه تجوّز به عنه فلا يرد عليه شيء كما أشار إليه ففي قوله انزل استعارة تبعية لتشبيه القضاء بالنزول ووجه الشبه الظهور بعد الخفاء، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلا، وقيل إنها نزلت من الجنة حقيقة كما روي في بعض الآثار والله أعلم بصحته. قوله: (أو أحدث لكم الخ (وجه آخر لتأويله يعني أنّ النازل من السماء سبب حياتها وهي الأمطار وفي جعل الأشعة نازلة تسمح فجعل نزول ما به حياتها وبقاؤها بمنزلة نزولها بأن تجوّز في نسبة الإنزال إليها لما بينهما من الملابسة، وأمّا إنه أريد بالأزواج أسباب تعيشها مجازاً أو جعل الإنزال مجازاً عن الإحداث المذكور فتعسف والزوج كل ذكر وأنثى من ذوات الأرواح. قوله: (غلب أولي العقل) في ضمير العقلاء والخطاب ففيه تغليبان فإن خص الخطاب بهم فهو ظاهر والقرينة عقلية إذ لا يصلح للخطاب غيرهم، وقوله حيوانا الخ إشارة إلى أطوار خلقه وان خلقا بعد خلق لمجرّد التكرير كما يقال مرّة بعد مرّة لا أنه مخصوص بخلقين، وقوله من بعد أن تعلق بالفعل فالمصدر مؤكد والا فلا وقوله في ظلمات ثلاث الخ بدل من قوله في بطون أمّهاتكم أو متعلق بخلق أو خلقا إذ لا يلزم كونه مصدراً مؤكداً والرحم موقع النطفة، والمشيمة كنميمة، مقرّ الولد والصلب فيه مبدأ المني لأنه يخرج من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 بين الصلب والترائب. قوله:) هو المستحق لعبادتكم) إشارة إلى أنّ ربكم خبر بعد خبر عن ذلكم لا بدل، وان كان محتملا لأنه لو كان إشارة إلى البدلية كما قيل لم يعطف، وأنّ الرب بمعنى المالك وبقي فيه احتمالات أخر وهي ظاهرة وقوله إذ لا يشاركه في الخلق غيره هو معنى قوله له الملك لأن معناه جميع المخلوقات مخصوصة به خلقاً وملكا كما مرّ فجملة لا إله إلا الله متفرّعة على ما قبلها، ولم يصزج فيه بالفاء التفريعية لظهوره اعتماداً على فهم السامع، وقوله عن إيمانكم سواء كان إشارة لتقدير المضاف أو بيانا لحاصل المعنى الدال عليه مقابلته بالكفر، وعطف قوله ولا يرضى لعباده الكفر هو الأوفق بالسياق فلا وجه لما قيل إنه لا حاجة إليه لأنّ الغني عن إيمانهم مترتب على الغني عنهم فإنه لو لم يتحقق الأوّل لم يتحقق الثاني. قوله تعالى: ( {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (اختلف العلماء في الكفر هل يرضاه الله أم لا فذهب بعض الأشعرية كالنووي في كتاب الأصول والضوابط إلى أنّ الكفر يرضاه، وقوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} المراد بالعباد هنا المؤمنون المخلصون منهم والإضافة للتشريف كما نقله السخاوي وقال إنه وقع في عصره البحث فيه، وأنكره علماء الحنفية كالعيني ونقله ابن الهمام عن الأشعري وامام الحرمين والظاهر إنه دائر على تفسيره فمن قال الرضا والإرادة بمعنى فمقابله الكره ذهب إلى الأوّل وخص العباد هنا ومن فسره بالمحبة أو بالإرادة مع ترك الاعتراض، ويقابله السخط كما في شرح المسايرة ذهب إلى الثاني، وعمم العباد فاحفظه. قوله: (لاستضرارهم به رحمة عليهم) تعليل لعدم الرضا والرحمة تعليل للمعلل، يعني أنه تعالى لما أرشد إلى الحق وهدد على الباطل إكمالاً لرحمته خاطب جميع العباد بقوله إن تكفروا الخ تنبيها على الغنى الذاتي وأنه لم يأمر وينه لانتفاعه أو تضرره بل رعاية لمنافعهم ودفعاً لمضارهم لرحمته، ولذا عدل فيه عن الخطاب تنبيها على أنّ عبوديتهم، وربوبيته تقتضي أن لا يرضاه لهم وأنهم إذا كفروا خرجوا عن رتبة العبودية ففيه من لطائف البلاغة ما لا يخفى، ثم إن الرضا يتعدى بنفسه وبالباء وعن وعلى ويتعلق بالعين والمعنى وإذا تعدى باللام تعدى بنفسه كقولك رضيت لك كذا والرضا حالة نفسانية تعقب حصول ملائم مع ابتهاج به، واكتفاء فهو غير الإرادة بالضرورة لتقدمها وهو في غير المستعمل باللام فإنه يكون قبله ومعنى رضيته لك أنه مما يحق أن يرضى ويختار والرضا في حقه تعالى محال وهو مجاز عن اختياره، هذا محصل ما أفاده المدقق في الكشف. قوله: الأنه سبب فلاحكم (فرضاه وعدم رضاه ليس إلا لنفع عباده فإنه غني عن العالمين وعن أعمالهم فشكرهم يزيدهم فلاحا وسعة وزيادة نعم، وقوله في رواية أي عن نافع فقط فإنه روي عنه أيضاً الاختلاس. قوله: (لأنها صارت بحذف الألف) من يرضى التي هي قبل الضمير بعد متحرّك والقاعدة في إشباع الهاء وعدمه أنها إن سكن ما قبلها لم تشبع نحو عليه وإليه، وان تحرّك أشبعت نحوه به وغلامه وهنا قبلها ساكن تقديرا وهو الألف المحذوفة للجازم فإن جعلت موجودة حكماً لم يشبع وان قطع النظر عنها أشبع هذا هو الفصيح، وقد يشبع ويختلس في غير ذلك وقوله لغة فيها هي لغة بني عقيل وكلاب إجراء للوصل مجرى الوقف، وقوله ولا تزر الخ مرّ تحقيقه، وقوله بالمحاسبة الخ فالأنباء كناية أو مجاز عن المحاسبة والجزاء وذات الصدور والسرائر، وقوله فلا تخفى الخ إشارة إلى أنّ تخصيصه لأنه يعلم منه ما عداه بالأولى. قوله: الزوال ما ينازع العقل الخ (مبدأ مصدر ميمي بمعنى البدء، وما ينازع العقل ويعارضه فيصرفه عن الحق والصواب من الاعتقاد الفاسد في الأصنام وأنها تنفع وتضر وهو ما يبغتهم من الشر الذي يذهلهم عنها فيرجعوا إلى ما ركز في الطبيعة من أن جميع الأمور ضراً ونفعا من الله لا ضارّ، ولا نافع سواه. قوله:) من الخول (بفتحتين وهو تعهد الشيء أي الرجوع إليه مرة بعد أخرى، ومنه الحديث " كان صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة " قلما كان المعطي الكريم يتعهد من هو ربيب إحسانه وأسير امتنانه بتكرير العطاء عليه مرّة بعد أخرى قيل خؤله بمعنى أعطاه، أو لأنه كما قال الراغب أصله أعطاه خولاً بفتحتين أي عبيداً وخدما أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهده والقيام عليه، ثم عم لمطلق العطاء كما سيأتي وقد فسره في الأنعام بتفضله عليه بالنعم، وليس بعيدا مما هنا كما توهم. قوله: (أو الخول (بسكون الواو وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 الافتخار تبع فيه الزمخشريّ وقد ردّه شراحه بأنّ خال بمعنى افتخر يائيّ لا غير، وتعينه الخيلاء وقد اتفق عليه أهل اللغة، وصزج به هو في الأساس وأخذه منه أيضا لا يقتضي أن يتعدى للمفعول الثاني، والجواب بأنّ الزمخشري ثقة وسند قوي كيف يتأتى، وهو قد صرّج بخلافه في كتبه من غير نقل اختلاف فيه فالذي يقربه من السداد أن يقال إنه واوفي ويائي وان اشتهر الثاني ومثله كثير، وقد أشار إليه في المصباج والروض الأنف وليس المراد أنّ خوّل مضعف خال بمعنى افتخر حتى يشكل تعديه للمفعول الثاني، بل إنه موضوع في اللغة لمعنى أعطاه، وما ذكر بيان لمأخذ اشتقاقه وأصل معناه الملاحظ في وضعه له ومثله كثير فأصله جعله مفتخراً بما أنعم عليه، ثم قطع النظر عنه وصار بمعنى أعطاه مطلقا كما مرّ. قوله: (أي الضرّ الذي الخ (فما واقعة على الضرّ وهي على استعمالها، وقوله إلى كشفه إمّا إشارة إلى تقدير المضاف أو بيان للمعنى المراد منه لأن المراد من الدعاء إليه إزالته ففي يدعو ضمير الله مقدر، وهو المفعول له ودعا من الدعوة وهو يتعدى بإلى يقال دمحا المؤذن الناس إلى الصلاة ودعا فلان القوم إلى مأدبته، والدعوة مجاز عن الدعاء في هذا الوجه. قوله: (أو ربه) هذا هو الوجه الثاني، والدعاء فيه على ظاهره، وقوله يتضرّع إليه إشارة إلى أنّ دعا ضمن معنى تضرّع وابتهل فلذا عدّى بإلى قيل، ولو ضحمن معنى الإنابة كان أنسب لأنه صرّج به في قوله دعا ربه منيبا إليه وما على هذا أقيمت مقام من لقصد الدعاء الوصفي كما مز، ولما في ما من الإبهام والتفخيم، وقوله مثل الخ إشارة إلى أنّ ما وقعت على ذوي العلم في غير ما نحن فيه. قوله:) والضلال والإضلال الخ) يعني أنّ اللام هنا لام العاقبة، والمآل لترتب ما ذكر على هذا الجعل وهي مستعارة من لام التعليل الداخلة على الغرض استعيرت لما ذكر كما مز تحقيقه لكن فيه أنّ الضلال ليس نتيجة جعل الأنداد بل سبب مقدم عليه كما لا يخفى، والإضلال لا يمتنع فيه أن يكون غرضا إلا أن يقال المترتب عليه الضلال الكامل أو ضلال مخصوص، أو استمراره والإضلال وإن قصد من فعلهم لكنهم لا يعتقدون أو لا يظهرون أنه إضلال بل إرشاد والمراد بالنتيجة ما يؤدّي إليه الفعل، والغرض ما يقصد ترتبه على الفعل. قوله: (أمر تهديد الخ الما كان الأمر بالتمتع بالكفر أمراً بالكفر في الحقيقة والله لا يأمر بالفحشاء جعله الزمخشريّ مجازاً عن الخذلان والتخلية بتشبيه المخذول الذي خلى، وشأنه بالمأمور فهو إمّا استعارة تبعية أو مكنية كما مرّ تفصيله في سورة العنكبوت والمصنف جعله للتهديد بجامع التمكين من الفعل فيهما كقولك في الغضب لمن عصاك اصنع ما شئت، وقوله تشه أي أمر ناشئ من الهوى الذي تشتهيه أنفسهم والإشعار المذكور من جعل معتقدهم تمتعا إذ المراد تمتعوا بشهواتكم كما مرّ في سورة إبراهيم، وما يشتهي لا سند له والإقناط من جعل تمتعهم بالكفر المشعر بأنهم لا تمتع لهم بغيره وأنّ مدة تمتعهم في الدنيا قليلة وقليلا نصب على المصدرية أو الظرفية. قوله:) ولذلك) أي لكون المقصود تقنيطهم جعل كونهم من أصحاب النار تعليلا ولولاه لم يصح التعليل، وقوله للمبالغة تعليل لقوله أمر تهديد لجعلهم لشدّة خذلانهم كأنهم مأمورون به أو لقوله علله بجعلهم كأنهم يفعلون ما به يكفرون لأجل الخلود في النار، ولذا أورده مؤكداً مستقلاً، وقوله قائم الخ إشارة إلى أن أصل معنى القنوت لغة القيام، ثم نقل للقيام للطاعة والعبادة. قوله: (آناء الليل (جمع إني أو أني أو أني مقصوراً كما في قوله تعالى غير ناظرين إناه بمعنى وقت وساع ترخص عبادة الليل بالذكر لأنها أقرب إلى الإجابة وأبعد من الرياء، وقوله وأم متصلة فلا بدّ لها من معادل مقدر وتقديره ما أشار إليه بقوله ألكافر الخ بفتح همزة الاستفهام، وحذف همزة الوصل مع المد وعدمه، والمراد بالكافر الجنس المدلول عليه بقوله تمتع بكفرك فحذف الخبر والمعادل وقدر الخبر خيراً للتصريح به في قوله: {أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة فصلت، الآية؟ 40،. قوله: (أو منقطعة) بمعنى بل والهمزة فيقدر الخبر ولا يقدر لها معادل، وقوله كمن هو بضده هو الخبر أي ملتبساً بضدية القانت بأن يكون عاصيا أو كافراً وعممه في صورة الإضراب لأنه المناسب لانقطاعه عما قبله بخلافه على الاتصال فإنه متعلق بما قبله من أحوال الكفرة فلذا خصه المصنف في الاستفهام بالكافر وعمم في الإضراب فكأنه قيل: ح عنك الكافر فإنه ظاهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 الخسران والذي يهمك علمه أنه هل يستوي من يجتهد في العبادة وغيره، والمقصود الترغيب في الطاعة والتسلية له وللمؤمنين فتأمّل. قوله: (بتخفيف الميم (وادخال همزة الاستفهام على من، ونقل عن الفراء أنّ الهمزة فيه للنداء بمعنى يا تقليلاً للحذف وهو بعيد لأنه لم يقع في القرآن نداء بغيريا فالمعنى يا من هو قانت قل الخ. قوله: (حالان الخ (ولا حاجة إلى جعله حالاً من ضمير يخذر مقدما من تأخير من غير ضرورة داعية لذلك، وقوله والواو للجمع بين الصفتين توجيه للعطف هنا وتركه في قوله ساجداً بأن القنوت لما كان مطلق العبادة لم يكن مغايراً للسجود والقيام فلذا لم يقرن بالعاطف بخلاف السجود والقيام فإنهما وصفان متغايرأن فلذا عطف أحدهما على الآخر كما في قوله: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم، الآية: 5] وقيل إنه توجيه للعطف مع أنّ ذات الساجد والقائم متحدة بأنه نزل تغاير الصفتين منزلة تغاير الذاتين وفيه نظر، وكذا ما قيل إنه يعني أنّ كلاَ منهما عبادة منفردة لكن لا يخفى فضيلة الجمع بينهما إذ لا محصل له. قوله: (في موقع الحال) من ضمير قانت أو ساجدا أو قائما، وقوله للتعليل لأنه جواب سؤال تقديره لم يجتهد في العبادة والعبودية فقيل لأنه يحذر الخ. قوله: (نفي لاستواء الفريقين (المؤمن والكافر أو المطيع، والعاصي وقوله بعد نفيه باعتبار القوة العملية إشارة إلى أنّ المراد بالذين يعلمون العاملون المعبر عنهم بالقانت المذكور سواء كنت أم متصلة أم منقطعة لأنّ هل يستوي الخ نفي للمساواة بين القانت المطيع وغيره، وهو المراد بالعالم هنا ليكون تأكيداً له وتصريحا بأنّ غير العامل كان ليس بعالم، وقوله على وجه أبلغ للتصريح فيه بالاستواء بعد الدلالة عليه بالهمزة وأم وذكر النفي بالاستفهام الإنكاري على من يسوي بينهما، ومزيد فضل العلم من في المساواة بين من اتصف به، ومن لم يتصف الدال على نفي المساواة بين العلم والجهل بالطريق الأولى. قوله: (وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه (عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ التقدين الذين يعلمون والذين لا يعلمون هم القانتون، وغيرهم فيتحدان بحسب المعنى أو المراد بالثاني غير الأوّل وإنما ذكر على طريق التشبيه كأنه قيل لا يستوي القانت وغيره كما لا يستوي العالم والجاهلا فيكون ذكره على سبيل التمثيل ففيه تأكيد من وجه آخر. قوله تعالى:) {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} الخ) هو كالتوطئة لأفراد المؤمنين بالخطاب والإعراض عن غيرهم، وقوله مثوبة الخ يعني إن حسنة صفة مثوبة مقدر وجعل الحسنة من حسنات الآخرة لأن الثواب والعقاب فيها وجعل في الدنيا متعلق بأحسنوا ومقابلته به تقتضي ذلك، وتنوين حسنة للتعظيم وأما إذا جعل قيداً للحسنة على أنه كان صفة لها فقدم وهو مبين لمكان الحسنة، وأين وقعت فيشكل إعرابه لأنّ الصفة لا تتقدم مع الوصف فتصير بعد التقدم حالاً والمبتدأ لا يجيء منه الحال على الصحيح، وكونه حالاً من الضمير المستتر في الخبر لأنه ضميره فكأنه حال من خلاف المعروف في أمثاله، ولو جعل خبر مبتدأ البيان الحسنة والتقدير هي في الدنيا والجملة معترضة كان أحسن لا مستأنفة استئنافاً بيانيا في جواب سؤال أين هي لضعفه بتقدم السؤال على منشئه، ولو جعل قوله في الدنيا متعلقا بأحسنوا وحسنة على أنها لحسنات الدنيا والآخرة كان أعم وأتم ووجه ضعف القيل ظاهر، ولو قيل إنه يقال من حسنه على أنها فاعل الظرف سلم من التكلف لكنه على مذهب الأخفش وهو ضعيف. قوله: (فمن تعسر عليه الخ (وجه إفادة هذا التركيب هذه المعاني الكثيرة أوضحه شراح الكشاف بأنّ قوله للذين أحسنوا الخ مستأنف لتعليل الأمر بالتقوى ولذا قيد بالظرف لأنّ الدنيا مزرعة الآخرة فينبغي أن يلقى في حرثها بذر المثوبات، وعقب بهذه الجملة لئلا يعتذر عن التفريط بعدم مساعدة المكان، ويتعلل بعدم مفارقة الأوطان فكان حثا على اغتنام فرصة الأعمال، وترك ما يعوق من حب الديار والهجرة فيما اتسع من الأقطار كما قيل: إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي قوله: (ومهاجرة الأوطان) هذا مأخوذ مما قبله وبه يتم الأخذ بالحجز، وقوله أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب كون الحساب نفسه غير مهتد تركيب بليغ ووجه الاستعارة فيه ظاهر، وقوله بغير حساب هوا المقصور عليه، وهو حال إمّا من أجرأ ومن الصابرين، وقوله أجرا الخ اختيار لكونه حالاً من أجرهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 لقربه لفظاً ومعنى، وإنما فسره بما ذكر إيضاحا لمعناه لا لأنه صفة مصدر مقدر كما توهم فإنه لا وجه له. قوله: (وفي الحديث الخ) رواه الطبرانيئ وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ضعيف كما قاله العراقي لكنه لا يضرّنا، وقوله يصب عليهم الأجر صبا الظاهر أن الصبّ مجاز عن كونه بالغا حد الكثرة من غير تقدير. قوله: (موحدا) إخلاص الدين تقدم أنّ معناه لا يشوب طاعته رياء ولا شرك، وهو مستلزم للتوحيد فلذا فسره به، وقوله مقدمهم أي مقدم المسلمين لأن إخلاصه أتم من اخلاص كل مخلص فلذا حاز به القصب فلا يتوهم أنه غير مختص دون أمته بالإخلاص حتى يكون ذلك سبب تقدّمه، وقيل إنه لما كان الهادي للإسلام كان إخلاصه موجبا لسبقه على غيره فالأوّلية زمانية وهي باعتبار معنى الإسلام الشرعي فإنه أوّل من اتصف به من أمته فهو يرجع إلى ما بعده، وقوله لأن قصب السبق الخ أي لأن إحراز قصب السبق ففيه مضاف مقدر لأنه معروف في التعبير عنه، واحرازه كناية عن التقدم والسبق وفي نسخة حيازة قصب الخ فلا تقدير فيه وأصله أنهم كانوا في مراهنتهم في سباق الخيل يوضع في نهاية ميدانه قصبة مغروزة كل من يأتي أوّلاً يأخذها فيعلم بذلك سبقه لغيره، ثم صار مثلاً في كل سبق وعلى هذا فالأوّلية في الشرف والرتبة. قوله: (أو لأنه أوّل من أسلم الخ) فالأولية زمانية على ظاهرها، وقوله من دان بدينهم معطوف على قريش وفيه أنّ أهل السير ذكروا أن بعض قريش كان يتحنف ويتعبد بدين حق في الفترة كورقة بن نفيل وأشخاص أخر إلا أنه لا يعد ذلك في جنبه شيثاً فإنه لم يكن عن تحقيق قاطع لغرق الشبهة، وقد صار منسوخا برسالته صلى الله عليه وسلم وهذا معطوف على جملة ما قبله بحسب المعنى واللام على هذا تعليلية أيضا ولو عطف على مقدر لكان أظهر والتقدير لأنه تقدمهم الخ أو لأنه الخ فما قيل إنّ حق العبارة أو لأن أكون أوّل من أسلم الخ بالزمان لا وجه له والمراد الإسلام على وفق الأمر فلا ينافيه تعبده صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة. قوله: (والعطف لمغايرة الثاني الآوّل) دفع للسؤال الوارد على تقديره، وتقريره وهو أنه اتحد فيه المتعاطفان وليس عطف تفسير بأنه لذكر العلة فيه صارا بالزيادة متغايرين، وقوله والإشعار الخ هو المرجح للعطف بعد ذكر المصحح له يعني أنّ في العطف رمزاً إلى أنّ عبادة المخلص مأمور بها لذاتها ولأجل تحصيل شرف الدارين وهذا على التفسير الأوّل ولو قدر وأمرت بالإخلاص كانت المغايرة ظاهرة أيضا، والسقة بضم فسكون ما يعطاه من سبق من الخطر ويقال له سبق بفتحتين أيضاً. قوله: (ويجوز أن تجعل اللام الخ (وهي كما ذكره الزمخشريّ تزاد في المفعول بعد فعلى الإرادة والأمر كثيراً إذا كان المفعول غير صريح للتنبيه على أنه معدول عن النهج المعتاد، وقوله والبدء بنفسه هو معنى قوله وأمرت الثاني أي أنه أمر أوّلاً بعبادة الله مخلصاً له وثانياً بأن يكون أوّل عامل بما يدعو الناس للعمل به لا كالملوك الجبابرة الذين يأمرون بما لا يفعلون ليكون مقتدى به قولاً وفعلاً. تنبيه: هذه المسألة من مسائل الكتاب قال: سألت الخليل عن أريد لأن أفعل فقال إنما يريد أن يقول إرادتي لهذا كما قال وأمرت لأن أكون أوّل المسلمين، اهـ وقال السيرافي هذه الآية فيها وجهان فعند البصريين إنها تعليلية والمفعول مقدر أي أريد ما أريد وأمرت بما أمرت لكذا، والثاني أنها زائدة وقال أبو عليئ في التعليقة: إنها متعلقة بمصدر دل عليه الفعل أي أردت وإرادتي لكذا وهو أشبه بكلام الكتاب لكنه لا بد للعدول عن الظاهر من نكتة لأنه متعد بنفسه، وكأنها والله أعلم أن إرادة غيره قد تتخلف وأمر غيره قد لا يمتثل فقدر المفعول هنا ليفيد مع العموم أنه مقرر غير محتاج للتصريح به فتامّل. قوله: (بترك الإخلاص الخ (هذا هو المناسب، وكون العذاب عظيما لعظمة ما فيه ظاهر ولو أبقى على عمومه صح والمقصود به تهديدهم والتعريض لهم بأنه مع عظمنه لو عصى الله ما أمن العذاب فكيف بهم، وقوله لعظمة ما فيه إشارة إلى أنّ وصف اليوم يا لعظمة مجاز في الطرف أو الإسناد وهو أبلغ ولذا عدل عن توصيف العذاب به. قوله:) أمر بالإخبار عن إخلاصه (هذا معنى الله أعبد وما يفيده فحواه لأنّ تقديم المفعول يفيد الحصر الدال على إخلاصه عن الشرك الظاهر والخفيئ، وقوله وأن يكون الخ هو منطوقه، وقوله بعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 الأمر الخ إشارة إلى تغايره مع ما مرّ وأنه لا تكرار فيه للفرق بين الأمر بالأخبار ونفس الأخبار، وقوله خائفا الخ هو معنى إني أخاف الخ، وقوله قطعا الخ إشارة إلى ما ذكر عن مقاتل في سبب النزول أن كفار قريش دعوه كحيه إلى دينهم وعدم مخالفة أديانهم فنزلت قطعا لأطماعهم، ثم إنّ قوله مخلصاً حال مؤكدة، وقيل إنها مؤسسة وفسر بأن لا ينوي بعبادته شيئا مّا كقول رابعة سبحانك ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا رجاء لثوابك. قوله: (ولذلك رتب عليه قوله الخ (أي لكون المقصود منه، الأمر بإخباره عن إخلاصه رتب الخ لأن معناه أنا مخلص فافعلوا أنتم ما أردتم وأما كونه إشارة لقطع أطماعهم عن اتباعه لهم كما قيل فقيل يخفى فيه وجه الترتب، وفيه نظر لأنّ المعنى انقطعت أطماعكم الفارغة عني فافعلوا ما أردتم ولا خفاء فيه وليس ببعيد مما قبله، وقوله تهديدا الخ تعليل لقوله قوله وهو إشارة إلى ما مرّ من أنّ الأمر مجاز عن التخلية والخذلان وقد عرفته. قوله:) الكاملين في الخسران (قيل إنه فسره به للإشارة إلى أنّ تعريفه للعهد ليصح الحصر، ويتضح الحمل فإنه كحمل الشيء على نفسه بحسب الظاهر، وليس هذا بمتعين لجواز كون تعريفه للجنس بعدما عدا هذا الخسران كأنه ليس بخسران، أو لأن المطلق ينصرف إلى أكمل أفراده، وأما الحم! فغير محتاج إلى تأويل لظهور تغايرهما وكذا الحصر فيه لما مر، وقوله يوم القيامة مع أن الضلال والإضلال في الدنيا لأن الخسران هو هلاكهم، وهو واقع فيه والضلال والإضلال سبب له متقدم عليه، وفسر يوم القيامة بوقت دخولهم النار لتحقق الخسران فيه ولو أبقى على ظاهره لأنه يتبين فيه أمرهم أو هو فيه مبدأ خسرانهم صح. قوله: الأنهم جمعوا وجوه الخسران (أي أعاظم أنواعه وهو تعليل لكونهم كاملين فيه، وقوله وقيل الخ التفسير السابق على أنّ المراد بأهليهم من أضلوهم وأتباعهم في الضلال، وأما على هذا فالأهل الاتباع مطلقاً وخسرانهم كما فصله المصنف، وفيه وجه آخر في الكشاف لبعده تركه المصنف وذكر وجوه المبالغة في هذه الجملة ومنها أيضا التصدير باسم الإشارة للبعيد للدلالة على عظمه وأنه بمنزلة المحسوس وصيغة فعلان أيضاً فإنها أبلغ من الخسر. قوله: (شرح لخسرانهم (تهكماً بهم، ولذا قيل لهم وعبر بالظلل عن طبقاتها التي بعضها فوق بعض فلما كانت الطبقة العليا مظلة للسفلى سميت ظلة على التشبيه أو التجوّز، وقوله هي ظلل للأخرين أي لمن في الطبقة السفلى منهم فتسمية ما تحتهم منها ظلة لأنه ظلة لمن تحتهم في طبقة أخرى ولو جعل مشاكلة كان أقرب فإنه لا يطرد في الطبقة الأخيرة منها إلا أن يقال إنها للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا فلا يرد ما ذكر والمراد بما ذكر أنّ النار محيطة بجوانبهم. قوله: (ليجتنبوا الخ (عبارة تحتمل للعموم ولخصوص المؤمنين لأنهم المنتفعون به، وهو ظاهر كلام المصنف وقوله فعلوت منه أي من الطغيان وفيه قلب والداعي له أنّ معناه مقتض له، ومادّة طيغ أو طوغ مهملة والمبالغة فيه من وجهين لأنه صيغة للمبالغة كالملكوت، والوصف بالمصدر يفيد ذلك أيضا فمعناه شديد الطغيان ولذلك اختص بالشيطان لأنه رأس الطاغين، وقيل عليه أنه ينافي ما مر وما في كتب اللغة من أنه الباطل وكل ما عبد من دون الله بل ظاهر قوله هو البالغ غاية الطغيان، وأجيب بأن ما ذكر بحسب الوضع والاختصاص بحسب الاستعمال (وفيه بحث (فأصله طغيوت، ثم طيغوت ثم طاغوت وإعلاله ظاهر ووزنه فعلوت وقيل فاعول، وقوله بشرأشرهم أي بجملتهم أخذه من ترك المفعول، وقوله عما سواه أي رجعوا عما سواه فهو متعلق بأنابوا ولو بلا تضمين، وقوله عند حضور الموت، وقيل في موقف الحشر. قوله: (للدلالة على مبدأ اجتنابهم الأن مبدأ اجتناب النواهي استماع أحسن القول من النهي والموعظة، وقوله نقاد جمع ناقد هو من قوله يتبعون أحسنه وكون الاستماع مبدأ لا ينافي كون مسموعهم مفرعا على الدين الذي من جملته الاجتناب أو يقال الاتباع أمر ممتد مستمر فيتقدم باعتبار بعض ويتأخر باعتبار آخر، وقوله يميزون بين الحق والباطل هذا يفهم من دلالة النظم لأنّ من يميز الحسن من الأحسن ويختار الأحسن على الأحسن يلزمه أن يميز القبيح من الحسن ويجتنب القبيح. قوله: (العقول السليمة الخ (بناء على أنه في الأصل خيار الشيء، ولذا قيل اللب أخص من العقل كما ذكره الراغب، وقوله عن منازعة الوهم الخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 سلامته ببقائه على مقتضى الفطرة، وأن لا يعدل عنه لأمور وهمية أو عادية، كما في عبادة الأصنام، وقوله الهداية الخ مذهب الأشعريّ، أنّ ما يفعله العبد كله من خير كالهداية وغيره فعل الله بإيجاده وخلقه فيه، ومنه القبول لذلك من غير تأثير له فيه بل كسب، وعند الماتريدية بخلافه، ودلالة الآية عليه بقوله أولو الألباب، وعلى الأوّل بما قبله. قوله: (جملة شرطية معطوفة الخ) هو أحد قولين للنحاة فيه فمنهم من يجعله عطفا على المقدر الذي دخلت عليه الهمزة كما ذكره المصنف، ومنهم من يجعل الهمزة مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة، وهو الذي رجحه في المغنى، ومعنى مالك أمرهم قادر على التصرف فيه. قوله: (فكررت الهمزة في الجزاء الخ) إنما أعيدت لأنّ المقصود بالإنكار هو الجزاء لكن قدمت الهمزة لصدارتها كما مر، وقيل إنها أعيدت لاستطالة الكلام لأنّ المقدر كالمذكور. قوله: (ووضع من في النار موضع " الضميرا لأنّ الأصل أفأنت تنقذه، وقوله: لذلك أي للتأكيد، لأن المراد انقاذ. من العذاب إذا صار في النار، لأنه هو محل الإنكار، وقوله وللدلالة الخ، الحكم عليه بالعذاب من الشرط، وهو معنى كونه حق عليه العذاب لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن الجزاء في محله، وقوله: ويجوز الخ فلا تكرار فيه حينئذ، وقوله: للدلالة على ذلك أي على أنّ من حكم عليه الخ، والجزاء المحذوف فأنت تنقذه، وأعلم انّ في هذه الآية كما قاله الشارح المحقق استعارة لا يعرفها إلا فرسان البيان، وهي الاستعارة التمثيلية المكنية لأنه نزل ما دل عليه قوله أفمن حق عليه كلمة العذاب، من استحقاقهم العذاب وهم في الدنيا، منزلة دخولهم النار في الآخرة، حتى يترتب عليه تنزيل بذله صلى الله عليه وسلم جهده في دعائهم إلى الإيمان منزلة إنقاذهم من النار، الذي هو من ملائمات دخولهم النار، وقد عرفت من مذهبه أنّ قرينة المكنية قد تكون استعارة تحقيقية، كما في نقض العهد، وأما ما قيل من أنّ النار مجاز عن الكفر والضلال المفضي إليها فذكر المسبب، وأريد السبب، فكأنه قيل أنت تهدي من أضله الله، والإنقاذ ترشيح لهذا المجاز، أو مجاز عن الدعاء للأيمان والطاعة، فمع بعد. عما ذكره الزمخشريّ نازل الدرجة بالنسبة لما ذكر، وعليه ينزل كلام المصنف أيضا، فما قيل في شرحه إنه تشبيه بليغ كزيد أسد وتنقذ ترشيح له، بعد سماع ما مرّ لا وجه له، وقوله سعى في إنقاذهم أي كالسعي. قوله تعالى:) {لَكِنِ الَّذِينَ} الخ) هو استدراك بين ما يشبه النقيضين والضذين، وهما المؤمنون والكافرون وأحوالهما، وقوله: علالي جمع علية بكسر العين وقد تضم وتشديد اللام والياء، وهي بمعنى الغرفة، والمراد ما ارتفع من البناء كالقصر،! أصله عليوة فاعل بما هو معروف في أمثاله. قوله: (بنيت بناء المنازل على الأرض (بيان لفائدة هذا الوصف لئلا يكون لغواً إذ الغرف لا تكون إلا مبنية، يعني أنّ المراد بناء مخصوص على طريق بناء المنازل على الأرض من الأحكام وجري المياه فيها، ونحو ذلك أو المراد به إنها على حقيقتها، وليست كالظلل المقابلة لها وقوله من تحت تلك الغرف على الأرض أو على البناء السفلي، وقوله مصدر مؤكد أي لمضمون الجملة فهو واجب الإضمار، كما ذكره المعرب. قوله: (نقص وهو على الله محال الأنه إن كان خبراً فخلفه كذب، وهو نقص محال، وان كان إنشاء فهو أيضا نقص لأنه مخل بقانون الكرم كما قال: وإني وأن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي وهل خلف الوعيد كذلك فيه كلام ليس هذا محله. قوله: (مياه نابعات) وفي نسخة قنوات نابعات، والنسخة الأولى أصح لأنّ الظاهر أن عطف المجاري جمع مجرى اسم مكان على العيون قبله عطف، تفسير، والقناة اسم للمجرى فلا يصح عطفه بأو الفاصلة، أما على الأولى فالمعنى إنها اسم لمجرى الماء، أو للماء الجاري منه، كما أشار إليه بقوله إذ الينبوع الخ إذ هو بيان للتفسيرين على اللف والنشر المرتب. قوله: (فنصبها) أي الينابيع فيه أنه سواء جعل اسماً للمجرى، أو لما جرى فيه اسم عين، فلا ينتصب على المصدرية ولا الحالية، بل الظاهر أنه على الأوّل منصوب على الظرفية، أو بنزع الخافض، وأصله في ينابيع، ويؤيده أنه في بعض النسخ على الظرف بدل قوله على المصدر، ووجهت الأولى بأنّ الأصل سلوكاً في ينابيع، فلما حذف المصدر وأقيمت صفته مقامه جعلها منصوبة على المصدرية تسمحآ، أو أصله سلوك ينابيع فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 مقامه، وعلى الثاني يصح نصبه على الحالية بتأويله بنابعا لكنه لا يخلو من الكدر لأنه لو قصد هذا كان حقه أن يقال من الأرض وفي الأرض على الوجهين صفة ينابيع، وقيل ينابيع مفعول ملك على الحذف والإيصال! قوله: (أصنافه) فإنّ اللون يكون بمعنى النوع، والصنف، ومنه ألوان الطعام، وإذا كان بمعنى الكيفية المدركة بالبصر فهو بمعناه المتعارف، وقوله حان له أن يثور حان بمعنى قرب، وثار بمعنى انتشر وذهب، وهو توجيه لإطلاق الهيجان على تمام الجفاف، وظاهره أنه من مجاز المشارفة، وكلام الراغب على أنه حقيقة فيه، والفتات المتفتت أي المتكسر. قوله: (بأنه لا بد الخ) فإن تنقله في أطواره يدل على أنّ له خالقاً حكيما، وإذا كان مثلاً للدنيا فهو كقوله: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [سورة الكهف، الآية: 45] ونحوه، وقوله إذ لا يتذكر الخ بيان لوجه التخصيص. قوله: (حتى تمكن) أي استقرّ الإسلام والإيمان فيه بيسر أي بسهولة، وقوله عبر بالبناء للمفعول وفاعل خلق الله لأنه معلوم من السياق يعني أن انشراح الصدر أصله من الشرح بمعنى البسط، والمدّ للحم ونحوه يكنى به عن التوسيع ثم تجوّز به هنا عن خلقه مستعداً استعداداً تامّا لقبول الأمر الملقى إليه من غير امتناع، ولا توقف فيه كالمكان الواسع يقبل ما يجعلى فيه. قوله:) من حيث إن الصدر محل القلب الخ) بيان للتجوّز والعلاقة فيه على أن شرح الله صدره استعارة تمثيلية أو الصدر مجاز عن النفس بعلاقة الحلول فإن الصدر محل القلب، وهو في تجويفه الأيسر بخار لطيف يتكوّن من صفوة الأغذية، وبه تتعلق النفس الناطقة، وبواسطته تتعلق بسائر البدن تعلق التدبير والتصرف، وتلك النفس هي القابلة للإيمان والإسلام فالروح في كلامه بمعنى الأبخرة المذكورة لأنها تسمى روحا، والمراد بالنفس النفس الناطقة والمتعلق بفتح اللام محل التعلق وللنفس باللام وفي نسخة المتعلق بالنفس بالباء على أنه اسم فاعل وهي صحيحة أيضاً لكن الأولى أحسن. قوله تعالى: ( {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} ) عدل عن عنده أو له نور الظاهر للدلالة على استمراوه واستقرار فيه، والنور مستعار للهداية والمعرفة كما يستعار لضدّه الظلمة، وقوله وعته عليه الصلاة والسلام الحديث صحيح لكن في سنده ضعف كما صرحوا به، والمراد بالنور فيه الهداية واليقين والإنابة الرجوع أريد بها مجازا الركون والميل لمقابلته بالتجافي الذي هو التباعد، ودار الغرور الدنيا والتأهب إحضار الأهبة، وهي ما لا بد منه للمسافر والخبر المحذوف تقديره كمن ليس كذلك، أو كمن قسا قلبه ليلائم ما بعده كما ذكره المصنف، فإن قلت أنّ مدلول النظم على تفسيره ترتب دخول النور على الانشراح، لأنه الاستعداد لقبوله، وما ذكر في الحديث عكسه، فكيف جعل ما في الحديث تفسيراً لها، قلت لا يخفى أنّ المعرفة والاهتداء له مراتب، بعضها مقدم وبعضها مؤخر، وانشراح صدره في الحديث ما يكون بعد التمكن، وفي الآية ما تقدمه، وقس عليه النور. قوله: (من أجل ذكره الخ) يعني من فيه للتعليل والسببية، وفيها معنى الابتداء لنشئها عنه، ولذا قيل إنها ابتدائية وإذا قيل قسا منه فالمراد أنه سبب لقسوة نشأت منه، واذا قيل قسا عنه فالمعنى أن قسوته جعلته متباعداً عن قبوله، وبهما ورد استعماله، وقد قرئ بعن في الشواذ لكن الأوّل أبلغ، كما ذكره المصنف لأنّ قسوة القلب تقتضي عدم ذكر الله، وهو معناه إذا تعدّى بعن، وذكره تعالى مما يلين القلوب، فكونه سبباً للقسوة يدل على شدّة الكفر الذي جعل سبب الرقة سببا لقسوته، والتأبي الامتناع، وقوله ذكر شرح الصدر لأنّ توسعته وجعله محلا للإسلام دون القلب الذي فيه، يدل على شدّته وإفراط كثرته التي فاضت حتى ملأت الصدر فضلا عن قلبه، وإسناده إليه يقتضي أنه على أتم الوجوه لأنه فعل قادر حكيم، وقوله قابله بقساوة القلب، ومقتضى لتقابل أن يعبر بالضيق، لأنّ قسوته بكونه صخرة صماء تقتضي أر، لا يقبل شيئا، فإنّ الضيق يشعر بقبول شيء قليل منه، واسناده إلى القلوب دون الله للإشارة إلى أنه جبلة خلقوا عليه، وقيل المراد أنه أسند إلى ذكر الله المقتضى لكمال لينه، وهو مع بعده خلاف الظاهر، وضمير إليه للقلب لا للذكر، كما توهمه فإنه متعلقه لا مسند إليه، وان جاز حمل الإسناد على معناه اللغوي والضمير المستتر للقساوة، وذكره لأنه مؤوّل بأن والفعل أو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 بالمقابل. قوله:) والآية نزلت الخ) فحمزة رضي الله عنه وعليّ كرم الله وجهه ممن شرح الله صدره للإسلام، وأبو لهب وولده هم القاسية قلوبهم. قوله: (روي الخ) ذكر. الواحدي في أسباب النزول، والملة بالفتح السآمة مصدر مللت بالكسر، وسآمتهم كانت بمقتضى البشرية، فطلبوا منه ىسييرو أي يصاحبهم ليرتاحوا بحديثه، فنزلت هذه الآية إرشاداً لهم إلى ما يزيل مللهم، وهو تلاوة القرآن واستماعه منه صلى الله عليه وسلم غضا طريا. قوله: (وفي الابتداء الخ) يعني أنه عدل عن نزل الله إلى ما ذكر، لتأكيد مضمونه بالإسناد إلى الجلالة، ثم إلى ضميره وتكرير الإسناد يفيد ذلك، وقد يكون على وجه الحصر. قوله: (وتفخيم للمنزل) بإسناده إلى الله الذي هو أعظم من كل عظيم، وهو وما بعده معطوف على تأكيد الإسناد، والاستشهاد بمعنى الاستدلال، ولذا عذاه بعلى دون اللام، وهذا هو المقصود بالذات، وما قبله تمهيد له، ووجه الاستدلال أن منزله حكيم عالم بالحسن والأحسن، ولذا قال المحقق إنّ فيه تنبيها على أنه وحي حيث نزله الله معجز حيث كان منزله من له الكمال المطلق، والأثر يناسب المؤثر والهدايا على قدر مهديها، ولذا قيل التفخيم من إفادته التخصيص، بناء على مذهب الزمخشري في مثله، فإنّ اختصاصه به يقتضي أنه أمر عظيم لا يقدر عليه غيره، وقيل أصل التفخيم حاصل بالإسناد، والمراد زيادته بالتكرير، ففيه مضاف مقدر، والمراد به ذلك، وكذا في قوله الاستشهاد، ولا حاجة إليه لما مز، ولأنّ الإضافة حينئذ عهدية، والمعهود الحسن المفضل على غير.، والاستشهاد إنما يتأتى بمجموع الأمرين الابتداء والبناء عليه، وأما اعتبار الزيادة فلأن في تقتضي الإحاطة، والإحاطة التامّة تكون بأن لا يتجاوز المحيط ولا يفضل عنه، وهو تكلف ما لا حاجة إليه، وقوله على حسنه، لو قال على أحسنيته كان أحسن، لكن يدفع بالتي هي أحسن. قوله: (وتشابهه الخ) المتشابه تقدم أنه ما لا يظهر معناه حتى لا يعلم تاويله إلا الله وحده، أو هو ومن أراد اطلاعه عليه من الراسخين، والمراد بالمتشابه هنا ليس هذا المعنى، بل معناه اللغوي، وهو ما أشبه بعضه بعضا في وجوه الإعجاز، وغيره مما اختص به، كما فصله المصنف رحمه الله وشبهه في الكشاف بقول العرب لمن كمل حسنه متناصف كان بعضه أنصف بعضا في اقتسام المحاسن، وهو من بليغ كلامهم، وتجاوب النظم تقابله في وجوه المحاسن، بحيث لا يكون فيه اختلاف كان بعضه يجيب بعضا، وهو أيضاً من التراكيب البليغة، وجعله حالاً من أحسن الحديث ليس مبنيا على أنّ إضافة اسم التفضيل تفيده تعريفاً، كما توهمه أبو حيان، فإنّ مطلق الإضافة كافية في مجيء الحال، كما يعرفه من له أدنى إلمام بالعربية. قوله:) جمع مثنى (بضم الميم وفتح النون المشددة على خلاف القياس، إذ قياسه مثنيات أو مثنى بالتفح مخففا، وقد مرّ تفصيله، وأنه من التثنية بمعنى التكرير، وقوله وصف به كتابا الخ توجيه لوصف المفرد بالجمع مع لزوم المطابقة المشهورة، بأنه صفة لجمع في الأصل فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه وأصله ذا فصول مثاني، أو هو وصف له باعتبار أجزائه التي يشملها، أو أنه ليس صفة، بل هو تمييز محوّل عن الفاعل، وأصلها متشابهاً مثانيه فحول، ونكر لأنّ الأكثر فيه التنكير. قوله: (تشمئز الخ (اشمأز يكون بمعنى نفر، وبمعنى انكمش وانقبض، والثاني هو المراد لأنه من الاقشعرار، وهو الانقباض، ويكون بمعنى الرعدة، وليس بمراد أيضا، قال السمرقندي ولم يذكر أنهم يغشى عليهم ويصرعون كما نرا. في أهل البدع، وهو من الشيطان ولم يكن أحد أعلم بالله من نبيهءشيه، ولم يسمع منه ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم مثل ذلك. قوله: (وهو مثل في شذة الخوف الخ) يعني أنه تصوير للخوف بذكر آثاره، وتشبيه حاله بحاله، فهو تمثيل حقيقة لاشتهاره، وفشوّه صار مثلاً، أو أنه كناية عما ذكر على طريق التصوير والتمثيل، قال في الكشف وهو أحسن لأنّ الاستعارة هنا لا تخلو عن التكلف. قوله: (بزيادة الراء ليصير رباعياً (ليس المراد الزيادة المتعارفة، واشتقاقه من القشع اشتقاق كبير، والجلد إذا يب! انكصثر وانقبض، فهذا هو وجه المناسبة بينهما، أو اقمطرّ بمعنى اشتد. قوله تعالى:) {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} الخ (الظاهر مما ذكر أن اقشعرارهم الذي كني به عن الخوف إذا ذكر في القرآن وعيد وإنذار ونحوه، مما يخاف فلين القلوب والجلود الواقع في مقابلته لفرحهم بذكر ما يسرهم من وعد الله والطافه على طريق الكناية أيضا، فقوله: بالرحمة وعموم المغفرة متعلق بذكر الله، فهو ذكر مقيد به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 تقديراً والإطلاق لما ذكر من أنها الأصل فإذا ينصرف المطلق إليه لتبادره منه، وقوله وذكر القلوب الخ يعني إن لين الجلود في مقابلة اقشعرار الجلود، فزيدت القلوب لأنها محل الخشية، ولو لم تذكر كفى لين الجلود، أو المراد أن ذكر الخشية أوّلا في قوة ذكر القلوب، فكأنها مذكورة فيهما وإنما خص بالذكر ثانيا لأنه يوصف باللين، ولا يصح وصفه بالاقشعرار. قوله: (يهدي به من يشاء) فاعل يشاء إمّا ضمير الله، أو ضمير من، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما، والأوّل أولى، وقوله هدايته مصدر مضاف إلى المفعول، إذا كان الضمير لله والمصدر مبني للفاعل فإن كان لمن فالمعنى أن يكون مهديا على أنه مصدر المجهول فتأمل. قوله:) يجعله درقة يقي به الخ (الدرقة بفتحتين ترس من جلود يتقي به، وهو هنا تشبيه بليغ، أي يجعل وجهه قائما مقام الدرقة في أنه أول ما يمسه المؤلم له، لأنّ ما يتقي به هو اليدان وهما مغلولتان، ولو لم يغلا كأن يدفع بهما عن الوجه لأنه أعز أعضائه، وقيل الوجه لا يتقي به فالاتقاء به كناية عن عدم ما يتقي به، إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له وليس ببعيد من كلام المصنف رحمه الله، وقوله كمن هو الخ هو الخبر المقدر، وسوء العذاب من إضافة الصفة للموصوف بها، وقوله وباله ففيه مضاف مقدر، أو هو مجاز أطلق فيه السبب على مسببه، وقوله الواو للحال، أي وقيل والإجلاء الإخراج من ديارهم، وقوله لو كانوا الخ إشارة إلى تنزيل يعلمون منزلة اللازم لعدم القصد إلى تعلقه بمعمول، وقوله لعلموا الخ جواب لو المقدّر. قوله: (حال من هذا الخ إنما ذكر الاعتماد على الصفة الأن قرأنا جامد لا يصلح للحالية، وهو أيضاً عين ذي الحال فلا يظهر حاله، أمّا إذا جعل تمهيداً لما بعده فالحال موطئة للمشتق بعدها، وهو الحال في الحقيقة فلا محذور فيه، أو هو ليس حالاً بل منصوب بمقدر تقديره أعني أو أخص وأمدح، ونحوه ويجوز كونه مفعول يذكرون أيضاً. قوله: الا اختلال فيه بوجه ما الخ) لأنّ عوجا نكرة وقعت في سياق النفي، وهو غير والمراد به الاختلال فيقتضي أنه لا عوج فيه أصلاً وهو أبلغ من مستقيم، لما عرفت من عمومه والاستقامة يجورّ أن تكون من وجه دون وجه، ولأنه نفي عنه مصاحبة العوج فيقتضي نفي اتصافه به بالطريق الأولى، كما في قوله: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [سورة الكهف، الآية: 1] . قوله: (وأخص بالمعاني (وفي نسخة اختص بالمعاني، قال التفتازاني وهو الوجه الثاني، وترجيحه لأن لفظ العوج بالكسر مختص بالمعاني، فدل على استقامة المعنى من كل وجه، بعدما دل على استقامة اللفظ بكونه عربيا، بخلاف ما إذا قيل مستقيما أو غير معوج، فإنه لا يكون نصا في ذلك لاحتمال أن يراد نفي العوج بالفتح انتهى، وقد تبع فيه الشارح الطيبي واليمني، وهو عجيب منهم، فإن المعاني تطلق على مقابل الألفاظ، فيكون بمعنى المدلول عيناً كان أو غيره، ويطلق على مقابل الأعيان، فيشمل الألفاظ، فبعد قول الكشاف الثاني إن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان انتهى، كيف يتأتى ما ذكره كما أشار إليه بعض الشراح، وقد زعم بعضهم أن ما ذكر من جلبه من سوقيه وزاد فيه ما زاد وفي قوله بعدما ذكر الخ، بحث إذ لا دلالة فيما ذكر عليه فتأمل، وقد مز في الكهف تحقيقه، وان ما يقصد سومه لا يخلو عن عوح مّا، وإن دق فعبر بالعوج ليدل على أنه بلغ إلى حذ لا يدرك العقل فيه عوجاً، فضلا عن الحس، ولهذا اختار المكسورة لما كان المنفي أمراً دقيقا، وعبر عنه بما يعبر به عن المعاني المعقولة. قوله: (بالشك استشهادا بقوله الخ) معطوف على قوله بالمعاني، أي اختص بالشك هنا لا مطلقا، لا على قوله بوجه ما كما قل لبعده لفظاً ومعنى، والاستشهاد البيت على أنّ العوج استعملته العرب بمعنى الشك غير ظاهر لاحتمال أن يكون المراد لا خلل فيه، وان كان مقابلته باليقين مشعرة به، وما قيل في توجيهه أنه مقتبس من الآية، وقائله فصيح من أهل اللسان، فلو لم يكن فهمه منها ما أتى به، كذلك تعسف ظاهر لأنه لم يتبين أنه اقتبسه منها، ولو سلم يكون محتملا لما يحتمله العوج في النظم، أو هو كما قال المصنف رحمه الله تخصيص له ببعض أفراده، لكونه في مقابلة اليقين فلا ينافي الاقتباس، ولا يقتضي تخصيص ما في النظم به فتدبر. قوله: (علة أخرى (لأنّ لعل يفهم منها التعليل كما مرّ، فعلل ضرب الأمثال أوّلاً بالتذكر وألاتعاظ ثم علل التذكر بالاتقاء لأنه المقصود منه، فليس من تعليل معلول واحد بعلتين. قوله: (مثل المشرك الخ (إنما جعله مقتضى مذهبه، لأنّ الأصنام جمادات لا يتصوّر منها التنازع وهم يعلمون ذلك، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى، ومعبوديه جمع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 مضاف، وعبوديته مفعول يدعي، وقوله بعبد متعلق بقوله مثل، وقوله يتعاورونه بالعين والراء المهملتين من التعاور، وهو التداول بالمناولة، وقوله في مهماتهم، وفي نسخة من مهامّهم، وقوله في نحيره متعلق به أيضاً، وهو وجه الشبه، وتحيره بينها من ينفعه منها، والى أنها يتوجه مثلا، وقوله توزع قلبه بمعنى تفريق خواطره، وفكره، والموحد معطوف على المشرك. قوله: (ورجلاَ بدل الخ) بدل كل من كل أو مفعول ثان لضرب كما مرّ تحقيقه، وقوله وفيه صلة شركاء لأنه يتعدى بفي، يقال اشتركوا في الأمر وهو مبتدأ خبره متشاكسون، والظاهر أنه خبر مقدّم لأنّ النكرة وإن وصفت يحسن تقدّم خبرها، ولو كان صلة لم يكن لتقديمه نكتة ظاهرة، وحمل كلام المصنف رحمه الله على هذا، وان كونه صلة، كان قبل التقديم وبعده، وهو خبر مستقر كما في الحمد لله، كما قيل تعسف، والجملة صفة رجلاً أو الظرف صفته، وشركاء فاعل به لاعتماده، وقوله الاختلاف المراد تحالف آرائهم في استخدامه. قوله: (وقرأ نافع الخ) أخره وان كان معتاد. تقديم قراءة الأكثر، ليكون تفسير. على ما هو أظهر معنى، ولا تجوز فيه مع أنّ ما ذكر ليس ملتزما له، كما زعمه القائل، وسلم كعلم بمعنى خلص من مزاحمة شركة غيره فيه، والتعب بالمصدر للمبالغة، وقوله ورجل أي قرئ رجل الثاني بالرفع على أنه مبتدأ له خبر مقدم، وقوله وتخصيص الخ، أي ضرب المثل بالرجل دون الصبي، أو دون المرأة، وذكر ما يعمهما كشخصاً مثلاً. قوله: (صفة وحالاً) تفسير للمثل هنا كما مرّ، وقوله ولذلك وحده لأنه لبيان جنسه ودفع إبهامه، وهو حاصل بالإفراد فلا يزاد على مقدار الحاجة ما لم يحصل لبس بإفراده، أو يقصد الدلالة على معنى زائد فيه كاختلاف نوعهما، أو يقال ضمير يستويان للمثلين، فلو لم يثن لم يحصل التمييز ويلتبس، وقوله: فإنّ التقدير الخ، دفع لما يتوهم من أنّ المثل مفرد، فكيف يرجع له ضمير التثنية بأنه وان كان بحسب الظاهر واحداً فهو متعدد، لأنّ قوله ورجلاً بتقدير ومثل رجل. قوله: (كل الحمد له) إشارة إلى أنّ تعريف الحمد للاستغراق، وقوله: لا يشاركه الخ هو معنى لازم الاختصاص، وقوله: على الحقيقة دفع لما يخطر بالبال، لأنّ من الناس من ينعم إنعاما يستحق به الشكر والحمد حتى قيل: لا يشكر الله من لا يشكر الناسا بأنّ المنعم الحقيقي هو الله وكل ما سواه وسايط وأسباب، كما مرّ في الفاتحة، وقوله: لا يعلمون، أي ليسوا من ذوي العلم، أو لا يعلمون أنّ الكل منه، وانّ المحامد إنما هي له. قوله: (وفي عداد الموتى) فهو مجاز لأنهم لكونهم يتصفون به بعده بمنزلة من مات الآن، وقوله لأنه مما سيحدث، هكذا في الكشاف الفرق بين الميت والمائت، إنّ الميت صفة لازمة كالسيد، والمائت صفة حادثة، فقوله زيد مائت غدا أي سيموت أنتهى، يعني أنّ اسم الفاعل يدل على الحدوث، والصفة المشبهة تدل على الثبوت مع قطع النظر عن دلالته، على الحال أو الاستقبال، لكن لما كان الحدوث فد يعتبر مع القرينة في المستقبل كما هنا، فإنّ القرينة عقلية، وهي الخطاب إذ الميت في الحلل لا يخاطب، وانم! يظهر الفرق بينهما في المستقبل لاشتراكهما في اتصافهما بالحدث حالاً، مثل به كذلك اختياراً للقول بأنه حقيقة في الحال، والاستقبال وهو قول للنحاة، وأهل الأصول، كما في التسهيل ومنهاج المصنف رحمه الله وشرحه، فما قيل إنه يدل على أنّ اسم الفاعل وضع للاستقبال، والذي غرّه كلام الكشاف، ولا وجه له لأنّ قوله غدا قرينة للتجوّز، والظاهر أنه من باب زيد أسد، كما في القراءة المشهورة غفلة عن إنه قول لهم اختاره الشيخان هنا فتدبر. قوله: (فنصج عليهم- الخ (جعل الخصام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمّة الدعوة، لكن لا على ما يتبادر منه بل على ما أشار إليه الطيبي طيب الله ثراه، من أوّل السورة إلى هنا، لما ذكرت البراهين القاطعة لعرق الشركة المستجلبة لفرط جهلهم، وعدم رجوعهم مع تهالكه-شييه على ردهم إلى الحق، وحرصه على هدايتهم، اتجه السؤال منه بعدما قاساه منهم، بأن يقول ما حالي وحالهم، فأجيب بأنك مهدت من نشاط الدعوة ما أردناه، وتم لك من ذلك ما قضيناه، فلا تطمع في الزيادة على ذلك لأنك ستأتي أنت إلى عز الحضور ويساق هؤلاء إلى موقف ينتصف فيه الخصوم كما قيل: إلى ديان يوم الدين تمضي وعند الله تجتمع الخصوم قوله: (وقيل المراد الخ) قيل إنه مرضه، لدلالة قوله إنك ميت وانهم الخ، وكذا السياق على الوجه السابق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 لكن صاحب الكشف رجحه على ما قبله، وقال إنه! المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، وما ذكر من التأييد غير قوي، ويؤيده إنه غير محتاج إلى التأويل بما مرّ، فإنه لا معنى لمخاصمة النبي صلى الله عليه وسلم معهم، فالمعنى أنهم يتخاصمون يوم القيامة، وتقع الخصومة فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، وعلى هذا فلا تغليب فيه، وقوله ما جاء به محمدئلمجبيه الخ، فسماه صدقا مبالغة بجعل الصادق عين الصدق. قوله: (من غير توقف وتفكر في أمر 0 (إشارة إلى أن إذ هنا فجائية، كما صرّح به الزمخشري، لكنه اشترط فيها في المغني أن تقع بعد بين، أو بينما، ونقله عن سيبويه فلعله أغلبي ولم ينبهوا عليه فتأمّل. قوله:) وذلك يكفيهم مجازاة (قال السمرقندي كأنه يقول أليس جهنم كافيا للكافرين! مثوى كقوله: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} [سورة المجادلة، الآية: 8] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم، فالكفلية مفهومة من سياقه هنا، كما تقول لمن سألك شيئاً ألم انعم عليك، أي أما كفاك سابق إحساني فافهم، وإذا كان تعريف الكافرين للعهد، فالمراد بهم المشركون الذين كذبوه، وعلى الجنسية هو شامل لأهل الكتاب، ويدخل فيه كفار قريش دخولاً أوّليا، وعلى الأوّل وضع فيه الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم وللفاصل. قوله: (وهو) أي الاستدلال على تكفير أهل البدع بهذه الآية ض! عيف، لأنه مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاها في وقت تبليغهم، لا مطلقا، والمخصص له قوله إذ جاء. ولو سلم إطلاقه، فهم لكونهم يتأوّلون ليسوا مكذبين، وما نفوه وكذبوه ليس معلوما صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحده كافراً، كمنكر الصلاة ونحوها، والأظهر أنّ المراد تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بعد ظهور المعجزات، في أنّ ما جاؤوا به من عند الله لا مطلق التكذيب. قوله: (للجنس الخ (يعني انّ المراد بالموصول الجنس، لأنّ تعريف الموصول كتعريف ذي اللام، يكون للعهد والجنس، والجنس شامل لمن ذكر، والدليل على ذلك جمعه في قوله أولئك الخ نظراً لمعناه ووصفهم بالتقوى الشامل لجميعهم، ويجوز أن يكون صفة لمفرد لفظا مجموع معنى، والتقدير الفوج أو الفريق الذي الخ، كما قدروه في قوله كالذي خاضوا، ولم يذكره هنا لما سيأتي. قوله: (وقيل هو (أي الذي الخ المراد به النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الظاهر، والمراد في الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من أقته، للجمع في قوله أولئك الخ كما ذكر موسى عليه الصلاة والسلام في تلك الآية، وأريد هو وأقته بقرينة ذكر الكتاب، وجمع لعلهم يهتدون، إلا أنّ ما نحن بصدده في الصفة وذاك في الاسم وهو فيهما مجاز لكن قال المحقق في شرح الكشاف: ولا بد من تحقيق العلاقة فيه والتفصي عن الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولم يبين ذلك وقد قيل عليه أيضاً إنّ المجيء بالصدق ليس وصفا لمن تبعه، فكيف يراد به الجمع، والآية المذكورة إنما تكون مثالاً لما ذكر لو رجع ضمير لعلهم لموسى عليه الصلاة والسلام، وهو يرجع إلى بني إسرائيل الذين هم في حكم المذكورين، كما صرح به ثمة لأنّ موسى خارج عن مرجع الضمير للقطع بهدايته، ولذا مرضه المصنف رحمه الله، لما فيه من الكدر، وأيضا إنما عهد مثله في أعلام الآباء كتميم، ونحوه من القبائل، ولك أن تقول مراد القائل أنّ مجموع الذي جاءنا بالصدق وصدق به المراد به النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفسر الصدق بالتوحيد، ودلالته على ذلك بطريق الحقيقة، وعلى من تبعه بطريق التبعية، والالتزام فإنه إذا قيل جاء الأمير علم منه مجيء أتباعه، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز، لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ، وهو محل النزاع، إمّا المجوّزون له فلا يعتذرون عنه، وحينئذ تدفع الشبه برمتها. قوله: (وذلك يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز) على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول، وإبقاء صلته وأن جوّزه يعنيهم مطلقا، وشرط بعضهم لجوازه عطفه على موصول آخر، ويضعفه أيضاً الإخبار عنه بالجمع فإنه يأباه كما يأباه المعنى أيضاً، وأمّا إنه يراد بالذي النبيّ صلى الله عليه وسلم والصديق معاً على أن الصلة للتوزيع ليندفع المحذور فهو تكلف. قوله: (صار صادقاً بسببه أليس المراد صيرورته بعد إن لم يكن كذلك فإنه الصادق أوّلاً وآخر بل المراد ظهور صدقه وتحققه بحيث لا يمكن تكذيبه: ومن يقل للمسك أين الشذا كذبه ما شاع من عرفه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 وقوله لأنه معجز الخ، فالمراد صدقه بالبرهان الساطع وهو جواب آخر، وقوله صدق على البناء للمفعول أي قرئ به. قوله: (خص الأسوأ للمبالغة الخ (يعني أنّ المكفر كنهم المتقون الموصوفون بما مرّ من التقوى، وهم إن كانت لهم سيئات لا تكون من الكبائر العظيمة، ولا يناسب ذكرها في مقام مدحهم، كما لا يخفى فأجاب أوّلاً بأنه ليس المراد به ظاهره، بل هو كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني، لأن ذلك صاو منهم، فافعل على حقيقته. قوله: (أو ل! شعار الخ (يعني ليس المراد بكونه أسوأ وكبيراً إنه في الواقع كذلك بل هو بحسب ما عندهم، لأنهم لشدة خوفهم من الله يرون الصغيرة كبيرة، فإن عظم المعصية يكون بعظم من يعصى فافعل على حقيقته أيضا، لكنه بالنظر لما في نفوسهم وحسبانهم. قوله: (ويجوز أن يكون بمعنى السيئ الخ (يعني إفعل ليس على حقيقته، وظاهره وليس مضافا إلى المفضل عليه، فهو بمعنى السيء صغيراً، كان أو كبيراً، كما في المثال المذكور، فإن المراد أنهما العادلان من بني مروان، لا أنهم أعدل من بقيتهم، لأنهم معروفون بالجور، والناقص هو أحد الروايتين، وهو يزيد بن الوليد، ولقب بالناقص لأنه نقص ما كانوا يأخذونه من بيت المال ورد المظالم على أهلها، والأشج عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، لقب به لشجة كانت في رأسه، وأمرها مفصل في السير وعدله وزهده معروف، وأف كانت من نسل الفاروق رضي الله عنه، ولذا ورث عدله العمري كما فصله المؤرخون، وما ذكره في المثال من كون أعدل بمعنى عادل وجه فيه، والآخر أن أفعل للتفضيل والزيادة مطلقا، لا على المضاف إليه فقط، وإنما أضيف للبيان له سواء كان بعضاً من المضاف إليه كما في أعدل بني مروان، أو لا كيوسف أحسن إخوته، كما بينه النحاة في معاني أفعل التفضيل، وقوله أسواء بوزن أفعال، وهي قراءة مروية عن ابن كثير، وإن كان ظاهر كلام المصنف رحمه الله إنها شاذة. قوله: (فتعدلهم محاسن أعمالهم) هذا توجيه لذكر الأحسن دون الحسن، فإنه لو أبقى على ظاهره اقتضى أنهم لا يجازون على الحسنات مطلقا، وإنما يجازون على الأحسن منها، وليس بمناسب، فتعد بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال بصيغة المجهول من العداي، تحسبء! عني أن هؤلاء لإخلاصهم تعدّ محاسنهم من أحسن الأعمال عند الله، ومعنى عدها كذلك عنده، أنها تقع موقعها. من القبول، وتجزي جزاء المضاعفة أجورهم، فالتعبير بالأحسن لما ذكر هذا ما عناه المصنف رحمه الله كما يوضحه كلام الكشاف، وقيل إنه من العدل، أو التعديل، على أن اللام من بنيته لا جارّة، وأيد بأنه وقع في نسخة فيعدل، أو من الإعداد والوجه ما قدمناه. قوله: (مبالغة في الإثبات (لأنّ نفي النفي إثبات، والعدول عن صريحه إلى الإنكار أبلغ، وقوله العبد رسول الله، لأنّ قوله بعده يخوّفونك الخ يرجحه، وإذا أريد به ال! نس فيكفي دخوله فيهم، وإذا كفى الأنبياء كلهم دل على كفايت! هـ بالطريق الأولى. قوله:) يعني قريشا الخ (تفسير للمخوّفين، والتخبيل إفساد العقل بمس من الجت ونحوه، وقوله وقيل الخ، وجه ضعفه ظاهر لما فيه من التكلف المذكور، والسادن بالمهملة، هو الموكل بخدمتها، وهذا وقع بعد الهجرة بزمان طويل، فتكون هذه الآية مدنية، قيل ولم يقل به أحد، وقوله حتى كفل الخ، بيان لارتباطه بما قبله، وقوله فإن لها شذة بفتح الشين المرّة من الشد، أي حملة شديدة على من يريد بها. أمراً، ويجوز كسر الشين، وقوله يهديهم جمعه نظراً لمعنى من، وقوله هشم أنفها يدل على أنها كانت صورة وصنما، وهو مخالف لما سيأتي في سورة النجم، من أنها شجرة، فقيل فيها روايتان، أو إنها شجرة كان عندها أصفام، والمخوف حينئذ السادن لكنه نزل تخويفه منزلة تخويف عبادها، أو السادن جنس شامل لكثير منهم، وقوله إذ لا راذ تعليل لجميع ما قبله. قوله: (لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية (هذا هو معنى قوله في سورة العنكبوت، لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود، وقوله بعد ما تحققتم بيان لمحصل معنى النظم، والفاء الظاهر إنها جواب شرط مقدر، أي إذا لم يكن خالق سواه فهل يمكن غيره كشف ما أراده من الضرّ، أو منع ما أراده من النفع، أو هي عاطفة على مقدر، أي أتفكرتم بعد ما أقررتم به فرأيتم الخ، وقدم الضرّ لأنّ دفعه أهثم، وخص نفسه بقوله أرادني، لأنه جواب لتخويفه فهو المناسب. قوله: (إذ تقرر الخ) يعني إن كونه كافيا علم مما قبله، فلذا أمره بعده بالاكتفاء به والتوكل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 عليه، وتركت فاء النتيجة والتفريع، لظهوره وتفويضه للسامع، وقوله فسكتوا سكوتهم عناداً، دمالا فهم يعلمون إن آلهتهم لا تجلب نفعا ولا تمنع ضرّاً، وإنما هي وسائل وشفعاء على زعمهم الفاسد، وقولهم من الأنوثة لظنهم إنها كذلك، وقيل إنه تأنيث لفظيئ، وكمال الضعف لأنه من شأن الإناث. قوله: (على حالكم الخ) فشبهت الحال بالمكان القارّ فيه، ووجه الشبه ثباتهم في تلك الحال ثبات المتمكن في مكانه، وأمّا تشبيه المكان بالزمان ففي الشمول والإحاطة، وقراءة الجمع مروية عن عاصم، وليست بشاذة كما يتوهم من ظاهر كلامه، وقد مرّ إنّ المكانة يجوز أن تكون بمعنى التمكن والاستطاعة. قوله: (والمبالغة في الوعيد) الظاهر إن المبالغة، لأن قوله اعملوا عن مكانتكم تهديد لهم، وقوله إني عامل تعليل له، فكأنه قيل فإني فاعل على حالتي أيضاً، وهذا وعيد وحذف متعلقه فيه مبالغة لاحتمال تقديره بشيء آخر، والإيهام إنه لم يذكر ما يعمله لأنه أمر عظيم، وقوله والإشعار الخ، هذا لا ينافي تقديره على مكانتي، إذ المراد منه مطلق حاله لا حاله التي هي موجودة، والحذف يناسب العموم، فاندفع ما قيل من أن قوله لما فيه الخ، مشعر بأنه ليس المراد إني عامل على مكانتي فكأنهما جوابان، ويحتمل أن يكونا جوابا واحداً، وهو أنّ الغرض من حذفه الاختصار مع عدم الاقتصار، بمعنى إني عامل ما استطعت لا أقف على حالي ومكاني انتهى، وما ذكره أخيراً تعسف فتدبر. قوله: (من يأتيه الخ (من يحتمل الاستفهام والموصولية، وقوله دليل غلبته أي في الدارين، فإن وقوعه عاجلا كما وعدهم مصدق للأجل أيضا، وقوله دائم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد، وأصله مقيم فيه صاحبه، وقوله بلسانه تقدم في هذه السورة تحقيقه، وقوله وكلت عليهم أي قمت عليهم. قوله: (يقبضها عن الآبدان) إسناد الموت والنوم هنا إلى الأنفس مجاز عقلي، فإنه حال بدنها لا هي إن أريد بالنفس ما يقابل البدن، فإن أريد جملة الإنسان كما في الكشف فالتجوّز بإسناد ما للجزء إلى الكل، أو في الطرف بجعل يتوفى بمعنى يبطل ويفسد، أو الأنفس بمعنى جزئها. قوله:) وهو غاية جنس الإرسال (يعني قوله إلى أجل غاية جنس الإرسال الواقع قبل الموت، وليس ذلك المغيا إرسالاً واحداً، وفي بعض النسخ حين الإرسال، قيل ولا محصل له لأنّ المقصود دفع ما يقال، لا معنى لكون الإرسال مغيا بأجل مسمى، وهو إني وقيل إنه يلزم أن لا يقع نوم بعد اليقظة الأولى أصلا، ولو ضمن يرسل معنى يبقى، كانت الغاية بحسبه من غير احتياح إلى تأويله وفيه تأمل. قوله: (نفساً وروحاً بينهما مثل شعاع الشمس الخ) أي بين النفس والروج شعاع كشعاع الشمس، والنفس يتجلى في الروح ويضيئه، والروح مظهر للنفس ومتجلى لها، بها يستضيء كما أنّ الأجسام المستضيئة مظاهر لشعاع الشمس، ويستضيء منه، قال بعض الحكماء المتألهين: القلب الصنوبري فيه بخار هو حارسه وحجاب عليه، وذلك البخار عرس للروح الحيواني، وحافظ له، وآلة متوقف عليه تصريفه، والروج الحيواني بمظهر البخار عرش، ومرآة للروح الإلهي الذي هو النفس الناطقة، وواسطة بينه وبين البدن، به يضل حكم تدبير النفس إلى البدن، وقوله بها النفس بفتحتين وهو معروف، وقوله قريب خبر قوله ما روي ووجه قربه نسبة التوفي إلى النفس، وأنه أراد بها معنى آخر غير الجملة، ولم يجعله عينه لما فيه من المغايرة بين الروح والنفس، قال أراد بالنفس ما به العقل والتمييز، وبالروج ما به النفس والحركة، فإذا نام العبد قبض الله نفسه، ولم يقبض روحه، وذكر الطيبي له شاهدا من الحديث الصحيح فتدبر. قوله: (التوفي والإمساك والإرسال) فالمشار إليه متعدداً فرد لتأويله بما ذكر ونحوه، وصيغة البعيد باعتبار مبدئه أو تقضي ذكره، وقوله لا تفني أي الروج بفناء أبدانها فإنها باقية إلى أن يعيد الله الخلق، وقوله والحكمة معطوف على قوله كيفية تعلقها الخ. قوله: (بل اتخذ قريش الخ) إشارة إلى أنّ أم منقطعة تقدر ببل والهمزة، وقوله اتخذ بهمزة اسنفهام مفتوحة مقطوعة وبعدها همزة وصل محذوفة، وأصله أأتخذ ومعنى من دون الله من دون رضاه أو إذنه لأنه لا يشفع لديه إلا من أذن له ممن ارتضاه ومثل هذه الجمادات الخسيسة ليست مرضية ولا مأذونة، وفهم هذا أمّا من تقدير مضاف فيه، أو لفهمه من سياقه كما أشار إليه المصنف، ولو لم يلاحظ هذا اقتضى إنّ الله شفيع، ولا يطلق ذلك عليه كما مرّ، أو التقدير أم اتخذوا آلهة سواه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 لتشفع لهم، وهو يؤول لما ذكرناه. قوله:) تشفع لهم عند الله (يعني في دفع العذاب، وقيل في أمورهم الدنيوية والأخروية، وقوله أشخاص مقربون قد فسره بالتماثيل، وهي اوصنام فلا وجه لتفسيره بالملائكة، كما قيل وكذا ما قيل المراد البشر والملك فإن أساف ونائلة صورتان لبشرين. قوله: (لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه) الملك معنى اللام، وكون كلها له من قوله جميعاً، ويجوز كون اللام للاختصاص، وفيه إيماء إلى وجود الشفاعة لأنّ الملك والاختصاص يقتضي الوجود، وقوله ولا يستقل بها لأنها ملكه والمملوك لا يتصزف فيه بدون إذن مالكه، وكذا المخصوص به فانه قريب منه، وهو كالتفسير لما قبله فلا يرد أنه يوهم تجويز مدخليتهم فيها بالانضمام، وهو مناف لمعنى اللام ولا احتمال للإذن لهم في الشفاعة لأنهم ليسوا ممن ارتضى لها، كما لا يخفى. قوله: (ثم قوّر ذلك (أي كون أحد لا يستطيع ذلك ولا يستقل به على ما قرّرناه، وقوله فإنه مالك الملك كله إشارة إلى أنّ السموات والأرض كناية عن كل ما سواه لأنه استئناف تعليلي لكون الشفاعة جميعا له، فلا يتم بدون تعميم ملكه كما توهم، ولذا صدره بالفاء. قوله: (لا يملك أحد الخ (لأنه ملكه فلا يتصرّف فيه بدون إذنه ورضاه سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة وإنما ذكره هنا لظهوره للمخاطبين لا سيما منكري الحشر، وقوله ثم إليه ترجعون تكميل لهذا فلا يرد ما قيل إنه كان الظاهر تأخيره عن قوله ترجعون لدلالته على اختصاص مالكية الآخرة التي فيها تقع الشفاعة به. قوله:) {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ) قدم إليه للفاصلة وللدلالة على الحصر إذ المعنى إليه لا إلى غيره وتركه المصنف لظهوره، وهو معطوف على قوله له الملك الخ أو على قوله لئه الشفاعة، وفي قوله يرجعون إشارة إلى انتطاع الملك الصوري عما سواه وتنويه له على أبلغ وجه. قوله تعالى: ( {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} الخ (أصل معنى الاشمئزاز انقباض يغير الجلد ونحوه، ثم شاع في النفرة من الشيء كما أشار إليه المصنف ووزنه افعلل كاقشعر، وقوله واذا ذكر الذين من دونه أي وحدها أو مع الله وفيه تهديد لمن يفرح بغير الله. قوله:) بين الغاية فيهما (أي في الأمرين وهما التبجح بالدنيا، ونسيان حق الله حيث عبر في الأوّل بالاستبشار فإنه سرور يزيد حتى يظهر في بشرة الوجه وضده الاشمئزاز، وهو غمّ يظهر من القلب على ظاهره حتى ينقبض أديمه كما يشاهد في وجه العابس المحزون. قوله: (والعامل في إذا المفاجأة (إذا الأولى شرطية محلها النصب على الظرفية، وعاملها الجواب ومن قال إنه الشرط يقول إنها غير مضافة للجملة بعدها والثانية فجائية فمن قال إنها حرف لا يبين لها عاملا ومن قال إنها ظرف مكان أو زمان يختص بالدخول على الجملة الاسمية لبيان أنّ مدلولها وقع من غير مهلة يقول ناصبها الخبر الملفوظ في نحو خرجت فإذا زيد جالس أو المقدر في نحو فإذا الأسد أي حاضر وإن جعلت هي خبرا فعاملها استقرار مقدر على ما فصله النحاة وذهب الزمخشري إلى أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة تقديره فاجؤوا أو فاجأهم وقت الاستبشار فهي مفعول به، وتبعه المصنف وقال أبو حيان وابن هشام إنه لا يعرف لغيره وهو تحامل عليه فإنه لا يقلد غيره وما ذكر في إذا الثانية، وأمّا الأولى فمذهب النحاة فيها معلوم وعلى القول بأنّ العامل فيها الجواب يكون معمولا لفاجأ المقدر أيضاً، ولا يلزمه تعلق ظرفين بعامل واحد لأنّ الثاني ليس منصوباً على الظرفية كما عرفته. قوله: (التجئ الخ) يعني أنه أمر بالدعاء وأمره بذلك مع أنه القادر على تقليب قلوبهم أو تعجيل عذابهم المقصود منه بيان حالهم ووعيدهم، وتسلية حبيبه الأكرم وأن جدّ. وسعيه معلوم مشكور عنده تعالى وتعليم العباد الالتجاء إلى الله والدعاء بأسمائه العظمى ولله در الربيع بن خيثم فإنه لما سئل عن قتل الحسين تأوّه وتلا هذه الآية فإذا ذكر لك شيء مما جرى بين الصحابة {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فإنه من الآداب التي ينبغي أن تحفظ، وقوله شدة شكيمتهم قد مرّ أنه استعارة لشدّة العناد والمخالفة، وقوله فإنه القادر تعليل لأمره بالالتجاء، وقوله فأنت وحدك الخ إشارة إلى أنّ تقديم المسند إليه هنا يفيد الحصر، وانّ المقصود من ذكر الحكم بين العباد الحكم بينه وبين هؤلاء. قوله: (وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص (لأنه كما مرّ تمثيل للزوم العذاب لهم إذ لم يقصد إثبات الشرطية بل التمثيل لحالهم بحال من يحاول التخلص والفداء مما ذكر فلا يقبل منه، وهذه الجملة قيل: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 إنها معطوفة على مقدر والتقدير فأنا أحكم بينهم وأعذبهم، ولو علموا ذلك ما فعلوا ما فعلوا والإقناط لأنه ذكر إنهم لا يخلصون ولو فرض هذا المحال. قوله: (زيادة مبالغة فيه) أي في الوعيد، كما إنّ ما ذكر مبالغة في الوعد حيث أبهم للدلالة على أنه لا يكتنه كنهه، وأنه ما يخطر على قلب بشر ولا تختلج به الظنون، والأوهام وفي الوعد متعلق بلفظ قوله، وقوله سيآت أعمالهم على أن ما موصولة بمعنى العمل، وما بعده على المصدرية وحين تعرض ظرف لبدا وإضافة سيات على معنى من أو اللام، وما كانوا به يستهزؤون محتمل للموصولية والمصدرية أيضا وأحاط تفسير لحاق وجزاؤه أمّا إنه على تقدير المضاف، أو على إنه مجاز بذكر السبب وإرادة مسببه وقد مز له نظائر. قوله: (والعطف على قوله وإذا ذكر الله وحده الفظ وحده يحتمل أن يكون من النظم، وأن يكون من كلام المصنف يعني إنه عطف هنا بالفاء، ولم يعطف بها أوّلاً في قوله في أوّل هذه السورة {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} الآية فلقه دره ما أدق نظره. قوله:) بمعنى أنهم الخ) يعني إنه لما كان المقصود ذمهم ذكر حرف التسبيب نعيا عليهم ما هم فيه من عكس حاشية الث! هاب / ج 8 / م 14 الأمور فإنهم مع استبشارهم بآلهتهم، واشمئزازهم من ذكره وحده خصوه بالتضرّع في الشدائد لعلمهم إنه لا يكشفها سواه كان يقول فلأن يسيء إلى فلان فإذا احتاج سأله فأحسن إليه فيكون في الفاء استعارة تبعية تهكمية بجعل ما لا يتسبب مسببا تهكما وتحميقا لهم، والمناقضة والتعكيس مترتبان على الاستبشار والاشمئزاز معا ويجوز اعتباره بين كل منهما على حدة، وقيل إنه يجوز أن تكون الفاء للسببية داخلة على السبب لأنّ ذكر المسبب يقتضي ذكر سببه لأنّ ظهور ما لم يكونوا يحتسبون الخ مسبب عما بعد الفاء إلا أنه يتكرّر مع قوله والذين ظلموا الخ إن لم يتغايرا بكون أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة كما يشير إليه كلام المصنف أو تفصيلية لسيات ما كسبوا. فوله: (وما بينهما اعتراض!) بناء على أنه يجوز الاعتراض بأكثر من جملة وهو المشهور، وان أنكره بعض النحاة وتبعه أبو حيان هنا، وقوله مؤكد إشارة إلى أن الاعتراض يؤتى به ليؤكد معنى الكلام الذي اعترض فيه وذلك إشارة لما ذكر من الاشمئزاز، والاستبشار أو للتعكيس أو لجميع ما ذكر. قوله: (أعطيناه الخ) لأنّ التخويل خاص في اللغة بما كان تفضلا كما ذكره الزمخشري، وتبعه المصنف وقوله على علم خبران كانت ما موصولة وإلا فهو حال وحاصله أنه باستحقاقي له لكونه عالما بتحصيله أو باسثحقاقه أو لعلم الله استحقاقه فقوله من الله معطوف على قوله مني، وما في إنما موصولة أو كافة ويؤيد الثاني كتابتها متصلة في المصاحف، وقوله شيء منها أي من النعم فلتأويلها بشيء ذكر الضمير والقرينة على ذلك التنكير، وقوله امتحان أي ممتحن به وعبر به لقصد المبالغة وقوله لفظ النعمة أي اعتبار لفظ النعمة بعد اعتبار معناها، وهو جائز وان كان الأكثر العكس. قوله:) وهو دليل على أن الإنسان للجنس الأنه لو كان للعهد على أنّ المراد به الكفرة قال لكنهم لا يعلمون وجعله للعهد وإرجاع الضمير للمطلق على أنه استخدام كما قيل تكلف، وقوله إنما أوتيته على علم عندي لفظ عندي ليس في النظم هنا فكأنه غيره، وحكى معناه لكنه أجمل به قوله مني أو من الله الذي قدره فلا سهو فيه كما توهم، وأراد بقوله الهاء مسماه لا لفظه والمراد به ضمير المؤنث إمّا تعبيراً بالجزء عن الكل، أو بناء على أنّ الضمير هو الهاء فقط والألف إشباع للفرق بين ضمير المؤنث والمذكر كما هو قول لهم، وقد اشتهر التعبير عنها به ومن غفل عنه قال إدخال أل على لضمير لا وجه له فكان الظاهر أني قول ضمير قالها. قوله: (والذين من قبلهم الخ) يعني قالوا مثل هذه المفالة، أو قالوها بعينها ولاتحاد صورة اللفظ تعد شيئا واحداً في العرف وقوله رضي به قومه يعني إنّ جميعهم لم يقولو. لكنهم لرضاهم جعلوا قائلين، وهذا بناء على اشتراط الرضا فيه وقد مرّ ما فيه وهو إمّا مجاز في الإسناد بإسناد ما للبعض إلى لكل فالمجاز عقليّ أو التجوّز في الطرف فقالها بمعنى شاعت فيهم 0 قوله: (جزاء سيآت أعمالهم (قد سبق إنه على تقدير مضاف فيه، أو على أنه تجوّز بالسيآت عما تسبب عنها أو السيآت إلا جزية سميت بها مشاكلة تقديرية لما وقعت في مقابلته، وأفرد الجزاء لأنه سواء كان مصدرا أو اسم جنس كالتراب، والماء صادق على القليل والكثير فلا حاجة لجمعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 وان لم يكن مصدراً. قوأ ": (رمزا إلى أنّ جميع أعمالهم كذلك) أي سيئة فإن جعل جميع ما يجزون به سيأ يدل على أنّ كل ما عملوه كذلك إذ لو كان فيه حسنة جوزى عليها جزاء حسناً، وما تفيد العموم فهو جزاء كل ما كسبوه والأوّل مصحح، وهذا مرجح ولا ينافي حصول هذا على تقدير مجاز السببية أيضا مع أنه لا وجه له عند من له ذوق سليم. قوله: (ومن للبيان) فإنهم كلهم ظالمون أو الشرك ظلم عظيم، وعلى التبعيض فالمراد بهم من أصرّ على الظلم حتى تصيبهم قارعة وهم بعض منهم، وقوله أولئك إشارة إلى من كفر ممن كان قبلهم والقحط ما أصابهم بعد كتابة الصحيفة وهو معروف في السير وهذا يدل على أنّ المراد بما يصيبهم عذاب الدنيا، وهو المناسب للسياق فإنه يدل على أنّ ما يصيب هؤلاء مشابه لما أصاب أولئك فلا بد اًن يكون في الدنيا وان صح حمله على عذاب الآخرة أو على الأعئم لكن الأوفق بالسياق ما ذكرناه، وعذاب الآخرة هو الذي أشير إليه بقوله وما هم بمعجزين فلا غبار عليه كما توهم، وكون ذلك سبعا وسبعا يعلم من تفصيل القصة، وقوله بوسط أي عادي لا حقيقي فلا يخالف مذهب أهل السنة وهذا ردّ لما سبق من قوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} . قوله: (أفرطوا الخ (يعني اًن الإسراف مجاز لاستعمال المقيد وهو الإفراط في صرف المال في المطلق، ثم تضمينه معنى الجناية ليصح تعديته بعلى والمضمن لا يلزم فيه أن يكون معناه حقيقيا، وقيل ضمن معنى الحمل، وقوله على ما هو عرف القرآن إشارة لغلبة استعماله كذلك وإلا فهو لغويمما أيضا بجعل الإضافة للعهد والتشريف وهذا لا ينافي ما سيذكره من سبب النزول فإنّ القائلين كانوا ممن أسلم لكنهم خافوا المؤاخذة بما فرط قبل الإسلام، وقد ذكر المصنف أنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص حكمه فلا وجه لما قيل إنه يدلّ على عدم صحته لما بينهما من التعارض وسيأتي بيانه. قوله: (من مغفرته أوّلاً وتفضله ثانياً) أدوج المغفرة في الرحمة أو جعلها مستلزمة لها لأنه لا يتصوّر الرحمة لمن لم يغفر له وتعليله بقوله: إنّ الله يغفر الخ يقتضي دخوله في المعلل والتذييل بقوله إنه هو الغفور الرحيم كالصريح فيه، وأمّا كونه من الاحتباك فمن ضيق العطن. قوله: (عفوا) تمييز تفسير للمغفرة وهو أظهر في المراد لأنّ العفو محوها والغفر سترها فربما يتوهم إنها سترت ولم تمح بالكلية، وقوله ولو بعد بعد فلا ينافي عذاب العصاة فإنه يتجاوز بعد ذلك عنهم ويدخلهم الجنة بفضله ولو شاء أماتهم، وأفناهم والداعي له إلى ذكر هذا القيد كما أشار إليه المصنف أنّ قوله جميعا يفتضي شموله لكل ما عدا الشرك فدخول من عصى، وغفر له أو عذب بأنقص من جرمه فيه ظاهر أمّا من عذاب بمقدار ذنبه فقيل إنه لا يظهر في حقه المغفرة إذ السيآت إنما تجزي بأمثالها فلو ترك المصنف ما ذكر كان أولى، وقد أجيب عنه بأن كونها لا تجزي إلا بمثلها بلطفه أيضا فهو نوع من عفوه، ولو أريد بالذنوب المؤكدة أنواعها لا إفرادها أو قيد بلمن يشاء بقرينة التصريح به في قراءة شاذة هنا، وكون الأمور معلقة على ذلك كان أظهر وقوله خلاف الظاهر رد على الزمخشري، والمعتزلة إذ منعوا العفو عن الكبائر من غير توبة، وهذا القيد غير مذكور في النظم وتقديره أو حمل تعريف الذنوب على لعهد يأباه قوله جميعاً، وقوله ويدلّ الخ جواب سؤال مقدر، وهو إنه إذاك ان على إطلاقه شمل الشرك بأنه لا ينافي الإطلاق لأنه مبين بصريح النظم ولا يدخل في الذنوب كما يتبادر للفهم وأيضا لو قيد هذا بالتوبة نافي قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 116] الآية. قوله:) والتعليل بقوله إنه هو الغفور الخ) بالرفع عطف على فاعل يدل وكذا ما بعده ووجه الدلالة ما أشار إليه بقوله على المبالغة فإنهما صيغتا مبالغة، والمبالغة في المغفرة والرحمة إما بحسب الكمية لأنها لجميع الذنوب، وإما الكيفية فيكون للكبائر بدون توبة وافادة الحصر بالرفع والجر لتعريف الطرفين وضمير الفصل وهو أيضا مع الجملة الاسمية يفيد المبالغة لأن الغفر والرحمة قد يوصف بها غيره فالمحصور فيه إنما هو الكامل العظيم، وهو ما يكون بلائق به فيدل على ما ذكر من غير تردّد فيه كما قيل، والوعد بالرحمة من قوله الرحيم بعد المغفرة يفيد أنه غير مستحق لذلك لولا رحمته، وهو إنما يكون إذا لم يتب وتقديم ما يفيد عموم المغفرة بحذف المعمول فيتناول جميع الذنوب. قوله: (مما في عبادي الخ) لأن العبودية تقتضي التذلل، وهو أذسب بحال العاصي إذا لم يتب والاختصاص من الإضافة لله، واقتضاء المذلة للترحم ظاهر وكذا اقتضاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 الاختصاص لأنّ السيد من شأنه أنه يرحم عبده ويشفق عليه، وهذا كله يقتضي عموم المغفرة لمن طاب وغيره لعموم سببه فتأمل. قوله:) وتخصيص ضرر، الإسراف) لأنّ على للمضرة ومجرورها أنفسهم فإذا كان الضرر مقصوراً عليهم كما في قوله ومن أساء فعليها فكأنه قيل ضرر الذنوب عائد عليهم لا عليّ فيكفي ذلك من غير ضرر آخر كما في المثل أحسن إلى من أساء كفى المسيء فعله فالعبد إذا أساء، ووقف بين يدي سيده ذليلا خائفاً عالماً بسخط سيده عليه ناظراً لإكرام غيره ممن أطاع لضه ضرر إذ استحقاق العقاب عقاب عند ذوي الألباب فلا يتوهم أنّ ضرر الذنب العقاب فهذا دال على عكس المقصود، وقوله مطلقاً يعني من قيد كونه صغيرة أو ذكر توبة كما تقوله المعتزلة، وقوله عن الرحمة يتعلق بالقنوط أي اليأس، وقوله فضلا عن المغفرة يعني أنه إذا نهى عن اليأس من رحمة الله وتفضله علم النهي عن اليأس عن المغفرة بالطريق الأولى لأنّ الرحمة لا تتصوّر بدونها، وقوله واطلاقها بالجر أي وفضلا عن إطلاق المغفرة عن قيد التوبة لأنها تركت رأسا مع النهي ويجوز نصبه على أنه مفعول معه فيكون بيانا لإطلاقها في قوله: إنّ الله الخ والأوّل أولى فتأمّل. قوله: (وتعليله الخ) أي تعليل النهي المطلق فإنه يدل على اطلاقه كما مز، ووضع الظاهر موضع الضمير في رحمة الله وان الله مع أنّ مقتضى الظاهر الضمير فأتى باسم الذات الدال على استجماعه لجميع الصفات إشعاراً بأنه من مقتضى ذاته لا لشيء آخر من توبة، أو غيرها فهذا كله مع ما ذكر من وجوه التأكيد مؤكد للإطلاق. قوله:) وما روي الخ (مبتدأ خبره قوله لا ينفي عمومها أي عموم هذه الآية، وقوله لي أي موهوبة لي وفي ملكي، وقوله بها أي بهذه الآية فالباء للمقابلة والبدلية يعني لو خير بين أخذ الدنيا جميعها وبين إنزال هذه الآية عليه اختار الآية دون الدنيا وهو رد على الزمخشري إذ استدل بهذا الحديث على اشتراط التوبة لا جواب آخر كما قيل. قوله: (فقال رجل الخ) هذا الحديث رواه الطبراني والإمام أحمد والبيهقي وهو صحيح لكن في سنده ضعف كما قاله ابن حجر وقوله: ومن أشرك من العطف التلقيني على الذنوب في الآية فهو في محل نصب والمراد الاستفهام فالتقدير أو من أشرك، وقال الفاضل اليمني يحتمل أن يكون مرفوعا أي ومن أشرك موعود أو منصوبا أي وعد من أشرك أو مجرورا أي أيغفر ذنوب من أشرك، وهذه الوجوه جارية في قوله إلا ومن أشرك أيضا وإلا فيه حرف استفتاح. قوله: (فسكث ساعة ثم قال الخ) قال التفتازاني: فإن قيل: إن أريد بدون التوبة والإسلام فلا مغفرة للشرك وان أريد معه فلا حاجة إلى السكوت لانتظار الوحي أو الاجتهاد بل لا وجه لسؤال السائل، والآية وردت في المشركين أو دخلوا دخولاً أوّلياً بلا خفاء قلنا: إمّا السؤال فللاستبعاد عادة لعظم الأمر، واما السكوت فلتعليم التأني والتدبر وعدم المسارعة إلى الجواب وإن كان الأمر واضحاً وايراد الحديث للدلالة على اشتراط التوبة، اهـ (أقول) هو رد على الطيبيّ تبع فيه صاحب الكشف، وكونه دالاً على اشتراط التوبة كما توهمه الزمخشري مما لا وجه له كما عرفته وكونه مع الإسلام لا شبهة فيه إنما الكلام في التوبة، والظاهر أنّ سكوته يوو للنظر في عموم المغفرة والإذن في التصريح به فإنهم ربما اتكلوا على المغفرة فيخشى التفريط في العمل وهو لا ينافي التعليم فإنه إنما يعلمهم التدبر بعد أن يتدبر هو في نفسه. قوله: (وما روي أنّ أهل مكة الخ) هذا الحديث في صحيح الببخاري لكن بغير هذا اللفظ، وقوله: فتنوا أراد به أنهم ارتدوا بعدما حملهم المشركون على الردة، ووحشيّ قاتل سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه لكنه أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه وقتل أيضاً مسيلمة الكذاب فكان رضي الله عنه يقول: قتلت خير الناس وشر الناس، وقوله: لا ينفي عمومها أي كما توهمه الزمخشريّ والمراد عموم سائر الذنوب مما تابوا عنه، أولم يتوبوا وما ذكر في سبب النزول من أنه في الذنب الذي سبق الإسلام ومغفرته بالإسلام الذي يجب ما قبله لا ينافي شموله لما وقع بعده فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص الحكم كما تقرّر في الأصول، وقوله: ولم نهاجر لأنّ ترك الهجرة في صدر الإسلام كان كبيرة ثم نسخ بعد فتح مكة ولا هجرة بعد الفتح. قوله: (وكذا قوله: وأنيبوا الخ (ردّ على الزمخشري أيضا لأنه قال ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة، وللدلالة على أنها شرط فيها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 لازم لا تحصل بدونه لأنّ ذكر شيء بعد شيء لا يقتضي توقف الأوّل على الثاني وتقيده به بل ذكر الأمر بالتوبة بعده لأنها ممحصة للذنوب موثوق معها بالنجاة فيقتضي أنه ليس معتبراً فيما قبله، ولا مقدراً معه. قوله: (فإنها) أي الآية السابقة مطلقة لا دلالة لها على حصول المغفرة بدون التوبة كما لا دلالة على لزوم التوبة إذ لو دلت على الأوّل كانت المغفرة تغني كل أحد عن التوبة، والإخلاص فتنا في الوعيد بتعذيب من لم يتب لكنها غير منافية له لأنّ المغفرة فيه مطلقة فلا يتوهم أنّ قوله: فإنها الخ تعليل لعدم نفي العموم، وهو لا يلائمه فتدبر. قوله: (القرآن) فالتفضيل على ظاهره لأنّ المراد بما أنزل الكتب السماوية، وهو أحسنها وأفضلها والخطاب للجنس هذا إذا كان القرآن تفسير الأحسن، وهو الأحسن، ويجوز أن يكون تفسيرا لما أنزل فالخطاب لهذه الأمّة وأحسنه ما علم منه من خير الدارين دون القصص، ونحوها فيكون كقوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [سورة الزمر، الآية: 18، وهو أحد وجوه ذكرها السمرقندي. قوله: (أو المأمور به الخ) فأحسن بمعنى حسن إذ لأحسن في المنهي عنه ويجوز إبقاؤه على أصله بناء على أنّ المباح حسن أيضا وعلى الرابع إن بقي في المنسوخ ندب أو إباحة فعلى أصله والا فهو بمعنى الحسن. قوله: (ولعله ما هو أنجى وأسلم (أي لعل المراد بالأحسن هذا، وهو أعمّ وأكثر فائدة مع بقاء أفعل فيه على بابه، وقوله وأنتم لا تشعرون سيأتي تحقيقه في الزخرف، وقوله فتداركوا أي فتتداركون ما يدفعه. قوله: (كراهة الخ) يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف فيه وفيه وجوه أخر تقدمت، وجعله الشارح التفتازاني تعليلا لفعل يدل عليه ما قبله أي أنذركم وآمركم باتباع أحسن القول كراهة الخ وإنما قدره كذلك ليستوفي شرط النصب، وهو الاتحاد في الفاعل وقد سبقه لهذا التقدير الكواشي، ومن غفل عنه قال: لا حاجة إلى الإضمار لصحة نصبه بأنيبوا واتبعوا وأما كون الكراهة ضحذ الإرادة فيلزم أن لا يوجد قول النفس إذ لا يقع ما لا يريده، وليس كذلك فهذا على مذهب المعتزلة دون أهل الحق فليس بشيء لأن الكراهة تقابل الرضا دون الإرادة فلا يستلزم ما ذكره ولو سلم فهو معلق بما ذكر لا كما زعم ولا محذور فيه. قوله:) وتنكير نفس الخ) ذكر الزمخشري في توجيه تنكير. ثلاثة وجوه أن يكون للتبعيض لأنّ القائل بعض من النفوس، أو يكون للتعظيم لعظم كفرها وعنادها وعذابها ولم يرتضه المصنف فلذا تركه أو هو للتكثير ولخفائه أثبته يشاهد من كلام العرب لأنّ الأشهر في النكرة أن تكون للتقليل ولذا قدمه، وهو كاف في الوعيد لأن كل نفسر يحتمل أن تكون تلك وفي البيت شاهد من وجهين استعمال رب للتكثير وهي موضوعه للتقليل وكذا النكرة. قوله:) ورب بقيع الخ) هو من قصيدة للأعشى أولها: كفى بالذي نوّلته لوتجيبا شفاءلسقم بعدماكان أنيبا وهي طويلة (ومنها) : وإني لدن إن عاب قومي فكأنما يراني فيهم طالب الحق أريبا دعا قومه حولي فجاؤوا لنصره وناديت قوما بالمسناة غيبا أجاروه مني ثم أعطوه حقه وما كنت فيهم قبل ذلك أرنبا ورب بقيع لو هتفت بجوّه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا الخ. وفي شرحه إنّ بقيعا اسم موضع بعينه لا المقبرة تشبيها ببقيع الغرقد، وهو مقبرة المدينة المنوّرة كما توهم وهتف بمعنى صاح والمراد بالجوّ هنا ناحية من الفضاء، وينفض بالفاء والضاد المعجمة، ويجوز أن يكون بالغين المعجمة ومعناه يحرك والمسناة بضم الميم وفتح السين المهملة، وتشديد النون قال شارحلا: أراد بها القبور وهي من سن التراب إذا أهاله حتى يصير كسنائن الرمل يقول: إني دليل لموت قومي وخصمي متقوّ عليئ بقوم إذا دعاهم جاؤوا لنصرته، ولو دعوت من مات من قومي ثمة قام منهم قوم كرام ينفضون تراب القبور عن رؤسهم أو يحرّكون رؤوسهم غضبا من أهانتي، وإجابة لنداء أسرني والشاهد في قوله كريم فإن المراد به التكثير أي قوم كرام والكلام على يا حسرتي مرّ مفصلا. قوله:) بما قصرت (الباء سببية، وما مصدرية أي بسبب تقصيري وهو إشارة إلى أن على للتعليل كما في قوله: على ما هداكم. قوله: (جانبه) أصل الجنب، والجانب بمعنى وهو مشتق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 من الجسد، ثيم استعير للناحية التي تليه كما قيل يمين وشمال لما يليهما، وقوله في حقه يعني أنه أريد هنا أن التفريط واقع في حقه وهو ما يحق له، ويلزم وهو الطاعة، ثم أثبت استعماله بهذا المعنى في كلامهم فبيت سابق البربري، وهو من فصحاء العرب وشعراء الحماسة ومعناه إمّا تخافين من الله لما صدر منك في حقه والوامق المحب وجملة له الخ صفته وحرى تأنيث حران، وهو من اشتدت حرارة جوفه من العطش ونحوه وتقطع أصله تتقطع فحذفت إحدى تاءيه. قوله: (وهو كناية الخ) يعني أنّ فيه مضاكا مقدراً لا بد من تقديره كما صرّج به في الكشاف أي في جنب طاعة الله والجنب بمعنى الجانب، والجهة والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة لأن من ضيع جهة ضيع ما فيها بالطريق الأولى الأبلغ لكونه بطريق برهاني كما لا يخفى وحق الله بمعنى طاعته لا مانع من أن يكون لها جهة بالتبعية للمطيع، كمكان السماحة في البيت المذكور قال في الكشاف: فإن قلت فمرجع كلامك إلى أنّ ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطي م! ن حسن الكناية وبلاغتها فكأنه فيل فرطت في الله فما فعناه قلت: لا بد من تقدير مضاف محذوف سواء ذكر الجنب أو لم يذكر والمعنى فرطت في طاعة الله وعبادة الله وما أشبه ذلك اهـ، والعجب إنه في الكشاف بعدما أطال في تقريره وتوضيحه لم يقف بعض أرباب الحواشي على مراده حتى نقل أنّ الإمام قال: لما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وما يكهون لازماً للشيء حسن إطلاق الجنب على الحق والطاعة، وزعم أنه مأخذ المصنف وأنّ كلامه تلخيص له لكنه يكون حينئذ استعارة تصريحية لا كناية كما زعمه المصنف، وإنما يكون كناية إذا أريد به الذات كما في الكشاف والمقابلة تمنع من الحمل عليه مع أنه يرد على الكشاف أنّ المعنى الحقيقي لا إمكان له لتنزهه سبحانه عن الجهة فكيف تصح الكناية، ثم تبعه من تبع وقال ما قال: وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله: (وقيل في ذاته) يعني الجنب مجاز عن الذات كالجانب والمجلس يستعمل مجازا لربه فيكون المعنى فرطت في ذات الله ولا معنى للتفريط في الذأت فلذا قدر فيه مضافا أي في طاعة ذات الله ولا يخفى مغايرته لما قبله وان خفي على بعضهم ووجه تمريضه ظاهر لأنّ الجنب لا يليق إطلاقه هنا، ولو مجازاً وركاكته ظاهرة. قوله: (وقيل في قربه) يعني أنّ الجنب يستعار للقرب أو يستعمل له مجازاً مرسلا كما في الصاحب بالجنب فإنّ المراد به القريب، وهذا وان تبادر من الطاعة ونحوها فهو بعد التجوّز عن هذا يحتاج إلى تجوّز آخر وهو وجه تضعيفه، وقوله إما تتقين الله الخ البيت من قصيدة لجميل بن معمر الشاعر المشهور أوّلها: وهاجك أم لا بالمداخل مربع ودار بأجراع العذيرين بلقع وقوله: إن السماحة الخ من قصيدة لزيادة الأعجم مدح بها ابن الحشرج أمير نيسابور فهو شاهد للكناية التي قصد بها إثبات تلك الصفات لممدوحه بطريق الكناية لجعلثا لمحل هو فيه، وهو أبلغ من وصفه بها. قوله تعالى: ( {وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة، وقوله: بأهله أي أهل الله وهو شامل للأندجمياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين وأهل القرآن فلذا اقتصر عليه المصنف لشموله لأقوال أخر ذكرها غيره، وقوله: بالإرشاد إلى الحق فالهداية بمعنى الدلالة الموصلة، ولم يفسره بخلق الاهتداء فيه وان كان سبباً للتقوى أيضاً لأنّ هذا أنسب بالشرطية، وهو المطابق للرد بقوله بلى والظاهر إنّ هذه المقالة في الآخرة. قوله تعالى: ( {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} ) أي رجوعاً إلى الحياة الدنيا ولو للتمني ولذا نصب جوابها، وقوله: وأو الخ يعني إنها لمنع الخلوّ فيجوز اجتماع بعضها وكلها في بعضهم، وانما أتى بمانعة الخلوّ لأنها تكفي في الداعي إلى الإنابة والاتباع والتخير في الجميع، والتعلل في الثاني كما سيصرّح به ويجوز أن يكون في الأخير. قوله: (ردّ من الله الخ) جعله متضمنا للنفي لأنّ بلى لا تكون إلا بعد النفي لكنه لا يشترط فيه أن يكون صريحا كما أشار إليه المصنف. قوله: (وفصله عنه الخ) دفع للسؤال المقدر، وهو أنه كان ينبغي أن لا يفصل بينهما فإن خشي من الفصل بين أقسام الترديد ورد عليه إنه لو أخر الثاني لم يلزمه محذور فأشار إلى أنّ فيه محذوراً آخر، وهو ثشويش الترتيب الطبيعي كما أشار إليه بقوله: لأنه يتحسر الخ وبيانه كما في شرح الكشاف: أنّ التحسر على التفريط في الطاعة عند تطاير الكتب والتعلل بفقد الهداية عند مشاهدة كرامة المتقين، وتمني الرجعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 يكون بعد الوقوف على النار وتحقق أن لا جدوى للتعلل، وهذا كله مأثور ومصرّح به في مواضمع من التنزيل. قوله: (وهو لا يمنع تأثير قدرة الله تعالى في فعل العبد الخ) جواب عن استدلال المعتزلة بهذه الآيات على أنّ العبد مستقل في إيجاد أفعاله فأشار إلى أنه لا ينافي مذهب أهل الحق من أنّ فعل العبد بقدرة من الله وتأثيره، وكذلك إسناده إلى العبد فيها فإنه باعتبار قدرته الكاسبة، وقوله على المعنى لأنّ المراد بالنفس الشخص وان كان لفظ النفس مؤنثاً سماعيا. قوله: (بأن وصفوه بما لا يجورّ الخ (فيه رد على الزمخشري فيما أدرجه في النظم من التعصب لمذهبه في نفي الصفات وخلق الأفعال، وقوله بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة إذ لا مانع منه، وقوله: أو بما يتخيل الخ فلا تكون مسودّة حقيقة لكنهم لما يلحقهم من الكآبة وبظهر عليهم من آثار الجهل بالله يتوهم فيهم ذلك فمسودّة على هذا استعارة، وقوله من رؤية البصر لأنها لو كنت علمية كانت الجملة في محصل نصب على أنها مفعول ثان لها، وقوله الظاهر الخ لأنّ المقصود تفضيحهم وتشهير فظاظة حالهم فالمناسب جعلها مرئية مشاهدة وكون المقصود رؤية سواد وجوههم لا ينافي الحالية كما توهم لأن القيد مصب الفائدة. قوله: (اكتفى فيها الخ) هذا مناف لما قدمه في الأعراف من أنه غير فصيح، وان كان غير مسلم والاعتذار بأنه تركت فيه الواو لئلا يجتمع واوان وهو مستقل أو أو بأنه ليس على إطلاقه كما مرّ فيه بحث ولو جعلت مستأنفة سلم عن التكلف، وقال الزجاج إنّ هذه الجملة بدل من الذين كذبوا لأنهم جوّزوا إبدال الجملة من المفرد فلا حاجة لتأويله بأن المراد إنها في مقام البدل لكونها مقصودة. قوله:) وهو تقرير لأنهم يرون كذلك (لأن من تحقق عذابه يكون كذلك، وقوله: وقرئ ننجي أي بالتخفيف والقراءة الأخرى بتشديد الجيم. قوله: (بفلاحهم) من قولهم فاز بكذا إذا ظفر به فوزاً ومفازة فهو مصدر ميميّ والفلاح الظفر بالمراد، وقوله وتفسيرها الخ يعني أنها عامّة لكل فوز سواء كان خلاصاً من المكروه أو ظفرا بالمطلوب والنجاة من الهلاك والعذاب أهمّ لأنها يتوقف عليها ما عداها وضمير أقسامه للفلاح، أو للمفازة لتأويلها به والسعادة إما ما يقدر له منها حتى يكون سعيداً في بطن أمّه أو التلبس بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، وهي المرادة من قوله السعيد قد يشقى والمراد الأوّل هنا. قوله: (تطبيقاً له بالمضاف إليه (أي ليكون على طبقه في الدلالة على التعدد صريحا والا فالمفازة صادقة على الكثير وأفردت لعدم اللبس إذ لا يتصؤر أن يكون لهم فوز واحد بالشخص. قوله:) والباء فيها للسببية الخ (قال السعد رحمه الله: ما حاصله إنّ المفازة الفوز والفلاح فإن استعمل بالباء فمعناه الظفر وبمن فمعناه النجاة، والخلاص فباء بمفازتهم إمّا للسببية على حذف مضاف أي بسبب مفازتهم الذي هو العمل الصالح، أو على التجوّز بالمفازة عن سببها وعلى التقديرين سببيته، إمّا للفوز من الهروب وهو النجاة أو للفوز بالمطلوب وهو الفلاح فالوجوه أربعة والتغاير بينها ظاهر والتفسير الأوّل هو كون الباء للملابسة، والثاني كونها للسببية على حذف المضاف أو التجوّز وقد يتوهم إن جعل المفازة منجاة تجوّز وليس بذاك اهـ، إذا عرفت هذا فأعلم إنه قيل إنّ الأظهر على كون الباء صلة لننجي على الأوّل وهو تفسيره بالفلاح أن تكون الباء للاستعانة أو للملابسة وكونها للسببية يحتاج لتكلف التأويل لأن المعنى ننجيهم ملتبسين بالظفر بما يريدونه، وليس بشيء لأن المصنف لم يفسر الفلاج كما في الكشاف، وهو الذي غره ولك أن تحمله على معنى يناسب السببية من غير تكلف. قوله:) أو استئناف لبيان المفازة) فهو في جواب سؤال تقديره ما مفازتهم، والباء تتعلق حينئذ بننجي لا غير ولظهوره لم يذكره المصنف وهو جار على الاحتمالات لا يحتاج لتخصيصه ببعضها كما توهم، وان اختلف فيه السؤال المقدر، وقوله من خير وشر الخ ردّ على الزمخشري والمعتزلة، وقوله يتولى التصرف الخ يعني أن الوكيل في اسمائه تعالى بمعنى المتصرف، وإنما عبر به للدلالة على أنه الغنيّ ا- لمطلق والنافع والضار راجعة للعباد فتدبر. قوله: (لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره) كلامه لا يخلو عن النظر لأن الظاهر إن ملكها والتصرف ليس هو اختصاصه أو ملكه لمفاتيحها بل لازمه فيكون معنى كنائيا أيضاً، والقدرة والحفظ لها مغاير له أيضا، ولما فسره به وإن كان بينهما تلازم ولم يبين دلالته على الأوّل، وكونها مجازاً أو حقيقة وكناية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 والزمخشري اقتصر على تفسير واحد وجعله كناية ولا غبار عليه لجواز أن يكون لها مفاتيح، أو خزائن في قبضة قدرته فإن لم يكن ذلك فهو بناء على عدم اشتراط جواز إرادة المعنى الحقيقي، أو هو مجاز متفرع على الكناية وهم يسمونه كناية فإمّا أن يكون الأول كناية اشتهرت فنزلت منزلة مدلوله الحقيقي، وكني به عن معنى آخر فيكون كناية على كناية وقد صرح به بعض المتأخرين أو الأول مجاز كني به بعد التجوّز عن معنى آخر كما مرّ في قوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 223] فتذكره. قوله: (وفيها مزيد دلالة الخ) زاد المزيد لأنّ اللام والتقديم دالان عليه بل معناه أيضا صريح في الحصر كما أشار إليه بقوله لأنّ الخزائن الخ، وهو توجيه للكناية أيضا، وقوله وهو جمع الخ بناء على أنه عربي مأخوذ من التقليد بمعنى الإلزام، ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره ومنه القلادة للزومها للعنق فجعله اسم آلة للإلزام بمعنى الحفظ، وإن كان بعيداً وكونه معريا أشهر وأظهر، وهو بلغة الروم إقليدس وكليد واكليد مأخوذ منه لكن جمع إفعيل على مفاعيل مخالف للقياس كما جمع ذكر على مذاكير فقوله على الشذوذ متعلق بقوله جمع وجاء أقاليد على القياس، وقيل إنه لا واحد له، وقوله من قلدته بالتشديد إذ ليس في اللغة قلد بهذا المعنى فمن ضبطه بالتخفيف لم يصب غايته إنه مخالف للقياس. قوله: (وعن عثمان رضي الله عنه الخ (هو حديث ضعيف في سنده من لا يصح روايته وقول ابن الجوزي إنه موضوع غير مسلم وموضوعاته أكثرها منتقدة، وقوله من تكلم بها أصابه ذلك الخير إشارة إلى وجه التجوّز وإطلاق المقاليد على هذه الكلمات بأنها موصولة إلى الخير كما يوصل المفتاح إلى ما في الخزائن. قوله: (متصل بقوله وينجي الله الخ) أي معطوف عليه لأنّ العطف يسمى، وصلا عند أهل المعاني وجه الاتصال ما بينهما من التقابل، وإن اختلفا اسمية وفعلية كما سيأتي والجملة المعترضة قول الله خالق الخ، ولما كانت الجملة المعترضة تؤكد ما اعترضت فيه بين ذلك بقوله لأنه مهيمن أي مراقب لهم ومجاز على ما يطلع عليه منهم، وهذا يقوي ثواب المؤمنين وفلاحهم وعقاب الكفرة، وخسرانهم ولكون الاعتراض يفيد التأكيد سقط ما يتوهم من أنه لا داعي للفصل بينهما. قوله: (وتغيير النظم الخ (ليس المراد بتغيير النظم العدول عن الفعلية إلى الاسمية كما توهم، وان كان لا بد له من نكتة أيضاً وفيما ذكر إشارة ما لها بل إنه لما كان نكتة العطف تقابلهما وتضاذهما كان مقتضى الظاهر أن يت! ال ويهلك الذين كفروا بخسرانهم فعدل عنه لما ذكر من أنّ العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى فلذا جعل نجاته مسندة له تعالى حادثة لهم يوم القيامة ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق، والأعمال بخلاف هلاك الكفرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال فلذا لم يسنده له تعالى، ولم يعبر عنه بالمضارع أيضا والتصريح بالوعد من قوله: ننجي الخ ظاهر والتعريض بكونهم خاسرين فإنه لم يقل هالكون، ولا معذبون ونحوه فسقط ما قيل التصريح، والتعريض يحصل إذا قيل الله ينجي الخ وخسر الذين كفروا الخ فلا يتم ما جعل علة للتغيير، وقوله: قضية للكرم منصوب على أنه مفعول له وفي نسخة للكرام. قوله: (أو بما يليه (معطوف على قوله بقوله أي متصل بما وقع قبله من غير فاصل كما في ذلك الوجه، وهو قوله: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الخ وقيل على قوله مقاليد وقيل على مقدر تقدير. فالذين اتقوا هم الفائزون والذين كفروا، وقوله والمراد الخ قيل إنه مبنيّ على الوجه الثاني وفيه نظر، وقوله وتخصيص الخسار كما يفيده تعريف الطرفين وضمير الفصل المفيدين للحصر لكنه باعتبار النهاية والكمال لا باعتبار مطلق الخسران فإنه لا يختص بهم ويجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين. قوله: (أفغير الله أعبد الخ الو أسقط الفاء كان أولى فغير مفعول مقدم لاعبد، وقوله بعد هذه الدلائل من فاء التعقيب الداخلة على غير وهذا على القول بعدم تقدير معطوف عليه فإن قيل: بتقديره فهذا معلوم من ذكره بعده والمواعيد ما بشر به المتقون وأنذر به الكافرون، وتعقيب الأمر لأنّ المراد به الأمر بالعبادة فتعقيب المأمور به يستلزم تعقيبه والا فهذا غير لازم في كل اعتراض ضاهاه، وليس هذا من كون جملة تأمروني حالاً من فاعل أعبد كما توهم مع ما قيل إنه مرجوح لأنّ الإنكار ينصب على القيد فيوهم أن عبادة غير الله ليست منكرة مطلقاً بل من حيث أمرهم بها، وقوله: استلم أي قبل أمر من الاستلام، وهو التقبيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 لليد التي تمسه أو تشير له مشتق من السلامي، وهو البنان أو من السلام بالكسر وهي الحجارة والدلائل ما في الآيات السابقة، وقوله لفرط غباوتهم متعلق بقوله أمروه عقيب ذلك. قوله:) بما دل عليه تأمروني أعبد الخ) يعني أصله تأمروني أن أعبد فحذفت إن وارتفع الفعل ولما كان المقدر كالموجود وأن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لم يجر نصبه بأعبد حينئذ جعله منصوبا بمقدر دل عليه مجموع الكلام، وهو تعبدونني بالتشديد أي تصيرونني عابداً غير الله وهو مختار الزمخشريّ، وقد منعه غيره بأنه لا حاجة لهذا التكلف بل هو منصوب بأعبد واًن بعد الحذف يبطل حكمها المذكور، وفيه وجوه أخر في الإعراب. قوله: (ألا أيهذا الزاجري الخ) تقدم الكلام عليه وأنّ أحضر يروى بالرفع والنصب، وقيل الفعل جزم بمعنى المصدر والوغى الحرب، وقوله: بحذف الثانية هو أحد قولين فيها لأنها التي حصل بها الثقل، وقيل: الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير، وهو سهل، وهو بيت من معلقة طرفة بن العبد المشهورة وتمامه: وأن أشهدا للذات هي أنت مخلدي قوله:) كلام على سبيل الفرض الخ (يعني أن تقتضي احتمال الوقوع، وهو هنا مقطوع بعدمه فكان الظاهر لو دون إن فأجاب بأنه يكفي احتماله، ولو فرضا ولا يلزم وقوعه، وهذا شأن أداة الشرط مطلقا فإنها لا تدل على وقوع المقدم، وهو مصحح له والمرجح إنه قصد به تهييجهم ونحوه مما ذكر، وقوله: والإشعار ضمنه معنى التنبيه، ولذا عداه بعلى وهذا الوجه لا يلزم اطراده حتى يعترض عليه بأنه لا يستقيم على الوجه الأوّل لإطلاق الإحباط كما قيل، ومن هذا علمت أن استدلاله في المواقف بهذه الآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا وجه له. قوله: (وأفراد الخطاب (في أشركت وكان الظاهر أشركتم، ولكنه بتأويل أوحى إلي كل واحد منهم مثل هذا أو قيل لكل واحد منهم: لئن أشركت الخ، ويجوز أن يكون فيه حذف والأصل أوحي إليك لئن أشرّكت الخ وإلى الذين من قبلك مثل ذلك، وهو ظاهر ما في الكشاف. قوله: (واللام الأولى موطئة الخ) الأولى لام لئن، والأخريان وفي نسخة الأخيرتان هما ما بعدهما وأمّا اللام الداخلة على لقد فقسمية من غير شبهة، ولما كانت المعطوفة كذلك سأل الزمخشري عن اللامين، وقيل إنه لم يقل والثانية كما في الكشاف لئلا يتوهم أنّ المراد بالأولى لام لقد ولعمري إنّ من يتوهم مثله لا يفهم الكشاف، ولا يليق به مطالعته. قوله: (وإطلاق الإحباط الخ) يعني لم يقيد بالاستمرار عليه إلى الموت فإنه هو المحبط في الحقيقة إمّا لأنّ ردّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محبطة مطلقاً لو وقعت، وان كانت مما لا يتصوّر فيهم صلوات الله وسلامه عليهم، أو لأنّ هذا القيد معلوم فلذا ترك التقييد به اعتمادا على التصريح به في آية أخرى وإنما يحتاج إلى هذا على مذهب الشافعي فإن الردة عنده لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر على الكفر إلى الموت فيحمل المطلق هنا على المقيد أمّا عندنا فهي مبطلة له مطلقاً لكنه لا يقضي منها غير الحج كما صرّج به الفقهاء، والحاصل أنّ الأعمال الصادرة حال الكفر محبطة بالاتفاق السابقة عليه أيضا عند الحنفية كما صرّح به في الكشف. قوله:) وعطف الخسران عليه الخ) يعني إنه يحتمل أن يكون الخسران بسبب الحبوط لكنه كان الظاهر أن يقول فيكون من الخاسرين فترك الفاء، واعادة اللام معه تقتضي أنه خسران آخر غير حبوط العمل لكنه إنما عطف بالواو دون الفاء إشعاراً باستقلال كل منهما في الزجر عن الشرك فالمراد بالخسران على مذهبنا ما لزم من حبوط العمل لا الخلود في النار حتى يلزم التقييد بالموت كما هو عند الشافعي فالوجه الثاني، أوفق بمذهبه فكان عليه أن يذكره. توله تعالى: ( {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} ) في هذه الفاء وجوه ثلاثة فقيل: هي جزائية في جواب شرط مقدر أي إن كنت عابداً أو فاعلاً شيئاً فاعبد الله وهو مذهب الزجاج، وعند الفراء والكسائي: التقدير اعبد فأعبده فالفاء زائدة عندهما بين المؤكد، والمؤكد كما نقله الفاضل اليمني وقدر الفعل مؤخراً ليفيد الحصر، وحكى في الانتصاف عن سيبويه أنّ تقديره تنبه فاعبد الله فهي عاطفة وقدم المفعول لئلا تقع الفاء في صدر الكلام، وليفيد الحصر ويكون عوضا عن المحذوف هذا حاصل ما نقله شارح الكشاف هنا عن النحاة. قوله: (ردّ لما أمروه به (من قولهم: استلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك كما مرّ، وقوله: لم يكن كذلك أي لم يكن رداً عليهم فيما أمروه به فإنهم لم يأمروه بترك عبادة الله بل باستلام آلهتهم، والشرك والدال صريحاً على نفي الشرك تقديم المفعول الدال على الاختصاص وأمّا دلالة المقام والمفهوم فغير مطردة فيبقى احتمال الشريك معه، وبل لا يلزم أن تكون لإبطال ما قبلها لأنه تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه مع أنّ الإضراب قد يكون انتقالياً فلا يرد عليه شيء. قوله: (وفيه إشارة إلى موجب الاختصاص) أي إلى ما يوجب اختصاص الله بالعبادة المذكور قبله أي أنه أنعم عليك بجلائل النعم التي يجب شكرها إذ خلقك وجعلك سيد البشر وأفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو إشارة إلى ارتباطه بما قبله وموجب بالكسر وهو كونه المنعم دون غيره. قوله: (ما قدروا) بالتخفيف والتشديد وهو بيان لحاصل المعنى، وهو إنهم لم يتصوّروا عظمة الله ولم يعظموه كما هو حقه فقدروا مجاز بمعنى عظموا أو هو بتقدير مضاف فيه، ومرّ في الأنعام تفسير قدروا بعرفوا، وقوله: والأرض الخ جملة حالية. قوله: (ثنبيه على عظمتة الجعل هذه الأجرام العظيمة كقبضة واحدة والسموات كورقة تطوى بسهولة، وقوله وحقارة الأفعال العظام وهي تخريب هذا العالم بعدما أوجده، وما فيه من المصنوعات ولو لم تكن حقيرة عنده ما بددها بعدما أوجدها، وقوله بالإضافة متعلق بحقارة، وقوله: أهون شيء عليه مأخوذ من التعبير بالقبضة والطيّ. قوله: (على طريقة التمثيل والتخييل الخ (متعلق بقوله: تنبيه ودلالة قيل المراد إت استعارة تمثيلية مثل حال عظمته ونفاذ قدرته بحال من يكون له قبضة فيها الأرض، ويمين بها تطوى السموات والمراد بالتخييل ما يقابل التصديق كما في قولهم الناس للتخييل أطوع منهم للتصديق وهو ما سلف من المقدمات المتخيلة لا تخييل الاستعارة بالكناية كما جموهمه تشبيهه بقولهم شابت لمة الليل، فما قيل في كتب القوم: إنّ. القياسات الشعرية وإن أفادت الترغيب والترهيب لا تنبغي للنبي صلى الله عليه وسلم لأنّ مدارها على الكذب، ولذا قيل أعذبه أكذبه ممنوع اهـ وأعلم أن المراد أنه استعارة تمثيلية تخييلة فإنّ التمثيل يكون بالأمور المحققة كما في أراك تقدم رجلا، وتؤخر أخرى ويسمى تمثيلا تحقيقيا وقد يكون بالأمور المفروضة ويسمى تمثيلا تخييلياً! ، وقد بسطه في الكشاف أحس! ن بسط فالتخييل له ثلاث معان التمثيل بالأمور المفروضية وفرض المداني! الحقيقية وقرينة المكنية هذا زبدة ما حققه الشريف في شرح المفتاح إذا عرفت هذا فما ذكره هذا القائل فيه أمور منها أنه خالف ما ذكره في السجدة إذ جعل التخييل غير التمثيل، ومنها أنه ناشىء من عدم الفرق بين معنصي التخييل، وانه في أحدهما بقصد ما يخله ظاهره من غير تصديق وتأويل فلذا يلحق بالكذب، وهو الشعري وفي الآخر يقصد معنى صعحيح بليغ كتصوير أثر القدرة بأحد طرق الدلالة، وهو مراد السعد وهذا ظن إنّ كل تخييل شعري كاذب وهو مخالف للمعقول والمنقول، وما ذكره من المنع لا يخلو إما أن يريد مغ مصطلح الميزان من تخصيصه بالكاذب أولاً ويقول هو واقع في الكلام المذكور لا سبيل إلى الأوّل إذ لا مشاحة في الاصطلاح، ولا إلى الثاني فإنه بعد تسليم كذبه كيف يقع في أصدق الكلام، ثم إنه يجوز حمل كلام المصنف رحمه الله على أنه استعارة تمثيلية وتخييلية ويكون التمثيل في كلامه بمعنى مطلق التشبيه كما ذكره الطيبي رحمه الله. قوله: (من غير اعتبار القبضة الخ (كونه غير مراد ذلك به حفيقة كما مز ظاهر وإمّا كونه لا يراد به معنى مجازي كأن يراد بالقبضة الملك أو التصرف، وباليمين القدرة مثلاً كما ذهب إليه بعضهم فيجوز لكن الأوّل أبلغ فلذا اختاروه هنا، وقوله شابت لمة الليل اللمة بالكسر الذؤابة التي تلم بالمنكب والمراد إنه ابيضت ظلمته بطلوع الفجر، وهو استعارة مكنية وتخييلية ويجوز كونها تصريحية وتمثيلية، وقوله من القبض أي الأخذ، وقوله بمعنى القبضة بالضم وهي المقدار المقبوض فهو صفة مشبهة وظاهر كلام الزمخشري إنها في الأصل مصدر وأراد بالتسمية الإطلاق عليه مجازاً، وقوله: تشبيها للمؤقت بالمبهم جواب عما قيل إنه ظرف مختص فيجب التصريح فيه بفي بأنه قد يشبه بغيره فينصب عند الكوفيين، والبصريون يقولون إنه خطأ غير جائز وهو الصحيح. قوله: (وتثيد الأرض بالجميع) أراد به التأكيد اللغوي لا الاصطلاحي لأنه حال من المبتدأ عند من يجوزه أو من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 الضمير المستتر في قبضته لكونها بمعنى مقبوضة أو من مقدّر كأثبتها كما قيل، والأرضون بفتح الراء ويجوز تسكينها والفائدة بمعنى الحقيقة، وفيه إشارة إلى أنه لا يدل على أن الأرض طبقات لأنه غير متعين. قوله:) على أنها حال (إما من المبتدأ كما مرّ أو من الضمير المذكور، وقوله: بيمينه يحتمل تعلقه بمطويات وأن يكون خبرا والحال حينئذ يحتمل أن تكون من الضمير المستتر فيه إن قلنا بجواز تقدم مثله لكن المصنف رحمه الله لم يرتضه، وقوله منظومة في حكمها أي مجموعة معها على أنها مبتدأ خبره قبضته فالمراد بالحكم ظاهره أو المحكوم به، وهو الخبر وقيل معناه مشاركة لها في حكمها من مجيء الحال قبل الخبر، وهو تعسف غير مرضى له. قوله:) ما أبعد وأعلى الخ (إشارة إلى أن سبحانه هنا للتعجب منهم، وإنّ عن متعلقة به لتأويله بما ذكر وإنما تحتمل المصدرية والموصولية. قوله: (يعني المرة الآولى) يعني النفخة الأولى، وقد اختلف في عدد النفخات فقيل هي ثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث وقيل: هما نفختان ونفخة الفزع هي نفخة الصعق والأمران لازمان فيهم ففزعوا حتى ماتوا قال القرطبي في التذكرة: والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة إنهما نفختان لا ثلاث فالأولى يميت الله بها كل حيّ والثانية يحيي الله بها كل ميت وقوله: خر ميتاً وفي نسخة خروا وهي تحريف، وقوله: مغشياً عليه في نسخة عليهم باعتبار معنى من وصعق يكون بمعنى مات وغشى عليه، ولذا فسره المصنف وحمه الله بهما. قوله: (أو منشياً عليه) ههنا إشكال أورده بعض السلف، وهو أن نص القرآن يدل على أنّ هذا الاستثناء بعد نفخة الصعق، وهي النفخة الأولى التي مات منها من بقي على وجه الأرض والحديث الصحيح المروي في الصحيحين والسنن وهو أنه لمجم تلا هذه الآية وقال: " فثون أوّل من يرفع رأس فإذا موسى عليه الصلاة والسلام آخذ بقائمة من قوائم العرس فلا أدري أرفع رأسه قبل أو كان ممن استثنى الله " فإنه يدل على أنها نفخة البعث وما قيل إنه يحتمل أنّ موسى عليه الصلاة والسلام ممن لم يمت من الأنبياء باطل لصحة موته، وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون هذه صعقة فزع بعد النشرحين تنشق السموات والأرض فتتوافق الآيات والأحاديث قال القرطبي: ويرده ما مرّ في الحديث من أخذ موسى عليه الصلاة والسلام بقائمة العرس فإنه إنما هو عند نفخة البعث، وأيضا تكون النفخات أربعا ولم ينقله الثقات فمن حمل قول المصنف رحمه اللّلا مغشيا عليه على غشي يكون من نفخة بعد نفخة البعث للإرهاب والإرعاب فكلامه مردود بما عرفت، ومن الغريب إن بعضهم جعلها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه خمساً وقد سمعنا بمن زاد في الطنبور نغمة ولم نسمع بمن زاد في الصور نفخة قال القرطبي: والذي يزيح الإشكال ما قاله بعض مشايخنا إن الموت ليس بعدم محض بالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء فإنهم موجودون أحياء وان لم نرهم فإذا نفخت نفخة الصعق صعق كل من في السماء والأرض وصعقة غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام موت وصعقتهم غشي فإذا كانت نفخة البعث عاس من مات وأفاق من غشي عليه، ولذا وقع في الصحيحين (فثون أوجل من يفيق (إذا عرفت هذا فأوفي كلام المصنف رحمه الله للتقسيم، والمراد إنّ أهل السماء والأرض عند نفخة الصعق منهم من يخرّ ميتا كمن على ظهر الأرض من الناس، ومنهم من يغشى عليه كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الملائكة فتأمّل. قوله: (قيل جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام الخ (وقيل الملائكة وقيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء، وقيل إنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، وقوله وهي تدل الخ وجه الدلالة إن العطف يقتضي المغايرة فلو أريد المطلق الشامل للأخرى لم يكن لذكرها هنا وجه، ونصب أخرى على أنها صفة مصدر مقدّر أي نفخة أخرى والرفع على أنه صفة لنائب الفاعل وعلى الأوّل كان النائب عنه الظرف. قوله: (قائمون من قبورهم الخ (القيام يكون في مقابلة الجلوس والاضطجاع ويكون في مقابلة الحركة بمعنى الوقوف، وهما مناسبان لنفخة الفزع فلذا جوّزهما، وقوله حال من ضميره قدم للفاصلة، ولم يجعله حالاً منهم لأنها لا تكون من المبتدأ عند الجمهور ويجوز نصبه على المصدرية لمقدر من لفظه، وقوله يقلبون الخ لأن النظر بمعنى الرؤية لا فائدة فيه هنا فلذا أوله بما ذكر فهو بمعنى حيارى أو ينتظرون ما يحل بهم. قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 (لأنه يزين البقاع الخ) المراد بتزيين البقاع كونها معمورة محفوفة بالأبنية والزروع، وظهور الحق ظاهر في الدنيا والآخرة وكذا جعل الظلم ظلمة فإنه يقبح البقاع في الدنيا لتخريبه لها، والجامع بينهما مجرّد القبح فيهما وكذا ستر الحقوق ني نه بمعنى أنه يستر عنه ما كان يستحقه لو لم يكن ظالما كدخول الجنة، ونحوه وليس المراد إخفاء حقوق الناس التي عند الظالم كما توهم فقيل إنه لا يكون ذلك يوم القيامة، وقوله ولذصك الخ أي لأن المراد بالنور هنا العدل أضاف اسمه تعالى إلى الأرض فقال ربها وخص الربوبية بها مع أنه رب كل شيء لأنه يظهر فيها بسطه وعذله، وينتشر فيها ولولا ذلك لم تحسن هاء الإضافة كما قيل، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يحسن الوجه المذكور بعده، وقوله: أو بنور الخ لأنه بعدما شققت السماء ونثرت الكواكب، ثم يجعلها منيرة بنور آخر ولذا إضافة لله لأنه ليس بواسطة من مخلوقاته ووجه التأييد أنه على حقيقته، والإضافة للاختصاص التام فيدل على ما ذكر، وأما جعل الزمخشري هذه الإضافة مؤيدة لأنّ المراد بالنور العدل فلأنه إذا أضيف إليه أو أطلق عليه تعالى فليس بمعناه الحقيقي كما ورد في مواضع من التنزيل فلا ينافي ما ذكره المصنف حرمه الله، وليس فميا ذكر رد عليه كما قيل فإن لكل منهما وجهة. قوله: (الحساب والجزاء (فالكتاب مجاز عن الحساب، وما يترتب عليه من الجزاء ووضعه ترشيح له والمراد بوضعه الشروع فيه ويجوز جعله تمثيلا لكن عبارة المصنف رحمه الله لا تلائمه، وقوله: اكتفى الخ أي على الوجه الثاني إذ على الأول لا يحتاج للتوجيه فتعريفه للجنس أو الاستغراق، وقوله: للأمم وعليهم متعلق بالشهداء على أنه جمع شاهد وفي الوجه الذي بعده هو جمع شهيد، وقوله بين العباد فالضمير لما فهم من السياق، وقوله: جزاءه على الوجهين من التقدير والتجوّز، وقوله: على ما جرى به الوعد وإلا فلو نقص أو زيد لم يسم ظلما عند أهل الحق وإنما هو من سبق وعده بذلك، وقوله ثم فصل ولا يتوهم إنه كان يلزم الفاء لأنه ليس بلازم، وقوله على تفاوت اقدامهم الخ يشير إلى وجه جعلهم زمراً متفرّقة بأنّ أفعالهم ومللهم متغايرة فسيق كل مع حزبه وضمير هي للزمرة وقد سقط هذا من بعض النسخ قيل، وهو أحسن لأنّ العلة غير مناسبة للمقام وفي بعض النسخ هنا تقديم، وتأخير وتفاوت سهل، وقوله أو من قولهم شاة زمرة فهو لما بينهما من مناسبة القلة والأول لما يلزم من الأصوات والزمرة بضم فسكون. قوله:) حتى إذا جاؤها الخ) قال في حق هؤلاء فتحت بدون واو وفي حق أهل الجنة بالواو فظنها بعضهم واو الثمانية لأنّ المنفتح لهم ثمة ثمانية أبواب، وهنا سبعة لكنه بدون واو وفي حق أهل الجنة بالواو فظنها بعضهم واو الثمانية لأنّ المنفتح لهم ثمة ثمانية أبواب، وهنا سبعة لكنه قول ضعيف، والصحيح في وجهه أنّ الواو ثمة حالية إشارة إلى أنها تفتح لهم قبل قدومهم تكريما لهم كما تفتح الأبواب لمن يدعي للضيافة، وهذه كأبواب السجن لا تترك مفتوحة بل تفتح بعد مجيئهم، ثم تغلق والكلام على إذا الواقعة بعد حتى مرّ تفصيله في سورة الأنعام. قوله:) وقتكم هذا الخ) يعني أنّ اليوم فيه بمعنى الوقت لا بمعناه المعروف في أيام الدنيا لأنه غير مراد ولا يوم القيامة أو يوم الآخرة لأنّ المنذر باقي الحقيقة العذاب ووقته ويجوز أن يراد به يوم القيامة والآخرة لاشتماله على هذا الوقت، أو على ما يختص بهم من عذابه وأهواله ولا ينافيه كونه في ذاته غير مختص بهم، والإضافة لامية تفيد الاختصاص كما قيل لأنه يكفي للاختصاص ما ذكر نعم الأول أظهر في الاختصاص. قوله:) وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع الأنهم وبخوهم بكفر هم بعد تبليغ الرسل للشرائع وانذارهم ولو كان ذلك معلوماً من العقل كما ذهب إليه المعتزلة لقيل: ألم تعلموا بما أوح الله فيكم من العقل قبح كفركم، وهو دليل إقناعي لأنه إنما يتمّ على اعتبار المفهوم وعموم الذين كفروا وكلاهما في محل النزاع، وقوله: عللوا توبيخهم المراد به التعليل المعنوفي إذ هو في قوّة أن يقال: نوبخكم لإتيان الرسل وتبليغ الكتب وإنذارهم بما لم تمتثلوه أو تعملوا بمقتضاه، والاستفهام تقريري أو إنكاري والتعليل به يقتضي أنه الداعي لتعذيبهم، وأمّا كون الخطاب للداخلين عموما به يقتضي أنهم جميعاً أنذرهم الرسل ولو ثحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك، وإن لم يعتبر التعليل فللخصم أن لا يسلم العموم كما مرّ. قوله: (حقت) أي وجبت وكلمة العذاب من إضافة الدال لمدلوله كما أشار إليه بقوله كلمة الله الخ، وقوله: وهو الحكم الخ يعني المراد بكلمة الله حكمه عليهم بالشقاوة المقتضية للعذاب، ولذا ذكر ضمير الكلمة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 لأنها بمعنى الحكم رعاية للخبر، وقوله وضع الظاهر وهو على الكافرين موضع علينا ليدل على أنّ التوبيخ خاص بالكفرة، وإنّ ذلك الحكم لكونهم كفروا لئلا يلزم الجبر أو هو لتعميم الحكم لكل من كفر، وهو اعتراف لا اعتذار وذلك إشارة إلى الحكم. قوله: (وقيل هو قوله الخ (هو رد على الزمخشري حيث فسره بما ذكر ووجهه يعلم مما مرّ في تفسير الآية، وانها غير خاصة بالكفرة. قوله: (أبهم القائل) إذ أتى بفعله مجهولاً وأمّا دلالة عدم ذكر القائل على تهويل القول فلأن الإبهام يشعر بأنّ قائله لعظمته أو كثرته لا يصرّح باسمه، ومن هو كذلك يكون قوله واقعا لا محالة أو إنّ المقصود ذكر ما يهول في حقهم من غير نظر لقائله، ويحتمل أن القائل الخزنة وترك ذكرهم للعلم به مما قبله، وقوله: اللام فيه للجنس لأن فاعل هذا الباب يكون عامّا معزفا بلام الجنس أو مضافا للمعرّف بها، وقوله: سبق ذكره وهو جهنم وهذه اللام يحتمل أن تكون موصولة فإنها تفيد ما يفيده حرف التعريف، ويحتمل أن تكون حرف تعريف لأنه قصد بالوصف هنا الثبوت وهو ظاهر كلامه. قوله: (ولا ينافي إشعاره الخ (يعني أن ما سبق يدل على أنّ دخولهم النار لحكمه تعالى بشقاوتهم والتعليل بالمشتق يقتضي أنه لتكبرهم عن قبول الحق والانقياد للرسل المنذرين عليهم الصلاة والسلام فدفعه، بأن هذا مسبب عن ذاك فالسبب المجموع أو هذا سبب قريب وذاك سبب بعيد فلا تعارض بينهما كما بينه الحديث المذكور، ولا يخفى أن كلمة الله بمعنى حكمه عبارة عن قضائه بصدور تكبرهم وابائهم عن الإيمان الذي هو فعل الله اختياري لهم، والقضاء به سواء كان بمعنى خلق الله ذلك الفعل فيهم أو علمه بأنه يصدر عنهم لا يسلب عزم العبد وكسبه كما تقرر في الأصول، فما قيل من أنه جبر صرف معارض لقوله على الكافرين الدال على تسبب حقية الكلمة عن كفرهم لا وجه له سواء كان كلامهم اعترافا أو اعتذاراً كما لا يخفى، وقوله في الحديث: " إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة " الخ أي قضى بسعادته أو شقاوته فعمل باختياره ما يوجب ثوابه أو عقابه ولا حاجة إلى دفع السؤال بالعكس بأن يقال كلمة العذاب حقت عليهم لتكبرهم وكفرهم فتدبر. قوله: (إسراعا بهم إلى دار الكرامة (جواب عما يقال من أنه عبر عن ذهاب الفريقين بالسوق، وهو مناسب في حق الجهنميين لما نجي السوق من الإزعاج وإشعاره بالإهانة بأنه شتان ما بين السوقين فإن الأوّل لتعجيلهم إلى العقاب والآلام وهذا لإسراعهم إلى الإكرام واختير للمشاكلة، وقوله: إلى الجنة يدفع إيهام الإهانة مع أنه قد يقال إنهم لما أحبوا لقاء الله أحبّ الله لقاءهم فلذا حثوا على دخول دار كرامته، ثم أجاب بجواب آخر اختاره الزمخشريمما بأنّ المراد هنا بسوقهم سوق دوابهم لأنه ورد في الحديث: " يحشر الناس على ثلاثة أصناف صنف مشاة وصنف ركبان وصنف يجرّون على وجوههم " والأوّل المخلطون والثاني المخلصون، والثالث العصاة ومرضه لأنه لا قرينة في النظم عليه، ولأنّ الحديث خصه بصنف وما هنا عائم، وقوله على تفاوت مراتبهم الخ فلذا جعلوا زمراً، وكذلك يدعون من أبواب متعددة ومنهم من يسرع ومن يكون كالبرق الخاطف إلى غير ذلك في الأحاديث. قوله: (حذف جواب إذا الخ) لأنّ الحذف يشعر بأنه لا ينحصر ولا يحيط به نطاق البيان والدلالة على تقدم الفتح لأنه جملة حالية بتقدير قذفهم جاؤها بعدما كانت مفتحة لهم كما يدل عليه مقارنته للمجيء، والحال الماضية مشعرة بالتقدم واحتمال العطف الصادق بالمعية هنا مرجوح وهو كالممنوع في حكم البلاغة لأنه ورد في آية أخرى جنات عدن مفتحة لهم الأبواب والقرآن يفسر بعضه بعضا ومخالفته لما قبله لفظاً تقتضي مخالفته معنى، ولا يكون إلا بما ذكر إذ لو قصد المعية جعل جوابا لأنه يفيده فالقول بأنه بالعطف يتنم المرام من جملة الأوهام. قوله: (منتظرين (حال وهو بصيغة المفعول أو الفاعل من فاعل المجيء أو فتح المقدر فالمعنى أنّ خزنة الجنان فتحوها، وقفوا منتظرين لهم أو هي فتحت قبل مجيئهم بصفة الانتظار، وظاهر كلامه مشعر بأنّ الجواب مقدّر هنا فيكون قوله: وقال لهم الخ معطوفا على الجواب والزمخشري قدره بعد قوله خالدين، وكان المصنف خالفه لأنه يكون بعض الجواب مذكوراً وهذا أولى لكن ما ذكره الزمخشري، أقوى بحسب المعنى لأنه إذا قدر هنا فازوا بما لا يعد ولا يحصى من التكريم والنعيم صار قوله، وقال الخ مستغنى عنه بخلاف ما إذا قدر بعده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 ولأن الظاهر أنّ هذه الجمل متعاطفة فالتقدير بينها خلاف الظاهر، وهذا هو مراد السعد بقوله إذ عنده يتمّ الشرط بذكر المعطوفات فلا يرد عليه المنع كما قيل. قوله: الا يعتريكم بعد مكروه) تفسر للسلام بأنه السلامة من كل مكروه سواء أكان خبراً أو إنشاء دعائياً لأن ما فسر به محتمل لهما أيضاً فليس الأوّل متعيناً كما قيل، وقوله: مقدرين الخلود بصيغة الفاعل أو المفعول إشارة إلى أنها حال مقدرة وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً مراراً. قوله: (وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه) أي كونه سببا لا يمنعه بسبب عفوه لأنه أي العفو أو الله يطهره أي يطهر العاصي من قدر المعاصي بما أفاضه عليه من لطفه، وهو ردّ على الزمخشري إذ جعل هذه الآية دليلا على أنه لا بد من عدم العصيان، أو التوبة لأنه لا يتحقق الطيب بدونهما وجملة طبتم تعليل لما قبلها وقوله: وقالوا معطوف على جملة قال أو على مقدر أي فدخلوها وقالوا. قوله: (على الاستعارة) في الأرض لتشبيه مقرّهم بأرض! الدنيا وإنّ أرض الآخرة التي يمشي عليها لا تسمى أرضا إلا مجازا، وهو خلاف الظاهر، ولم يجعله الزمخشريّ مجازا، ولك أن تجعل هذه الاستعارة في أورثفا فيكون توطئة لما بعده وقوله: مخلفة عليهم من، أعمالهم إشارة إلى أنه شبه نيلهم بأعمالهم لها بإرثهم من آبائهم فكان العمل آباؤهم كما قيل: وأبى الإسلام لا أب لي سواه وكما يقال الصدق يورث النجاة وقوله أو تمكينهم بناء على أنه لا ملك في الآخرة وإنما إباحة التصرّف والتمكين مما هو ملك الله. قوله: (أي يتبوّأ كل منا ألخ) يعني لو حمل النظم على ظاهره، وأراد خلق كثير مكانا واحداً منها لزم تبوّء الجميع مكانا واحدا بالوحدة الحقيقية، وهو محال أو أن يأخذ أحدهم جنة غيره وهو غير مراد فدفعه بأنّ حيث يشاء عمومه ليس على الإطلاق بل المراد عموم نبوته في أي مقام كان من جنته التي عينت له لا من مطلق الجنة، ولا من جنات غيره المعينة لهم لكونها واسعة ينتقلون فيها لما يشتهون، والضمير في قوله من جنته لكل على التوزيع. قوله: (مع أنّ في الجنة مقامات معنوية الخ) جواب ثان وهو إشارة إلى ما قاله الإمام من أنّ لنا جنتين جسمانية وروحانية ومقامات الثانية لا تمانع فيها فيجوز أن يكون في مقام واحد منها ما لا يتناهى من أربابها، وهذه الجملة حالية والمعنى أورثنا مقامات الجنة المحسوسة حالة كوننا نسرح في منازل الأرواح كما نشاء، وقد قال بعض متألهي الحكماء الدار الضيقة تسع ألف ألف من الأرواح، والصور المثالية التي هي أبدان المتجزدين عن الأبدان العنصرية لعدم تمانعها كما قيل: سمّ الخياط مع الأحباب ميدان وهذا إن عد من بطون القرآن فلا كلام فيه والا فحمل الجنة على مثله مما لا تعرفه العرب ولا ينبغي أن يفسر به، والمقام الروحاني هو ما تدركه الروج من المعارف الإلهية، وتشاهده من رضوان الله ونفحات اللطف مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ومن لم يذق لم يعرف، ولا يرد على ما ذكر أنه يقتضي أنّ كل أحد يصل إلى مقام روحاني مع أنّ منها ما يخص الأنبياء المكرّمين، والملائكة المقربين والظاهر أنه لا يصل إليها كل أحد من العارفين، وقد قيل أيضا في الجواب أنهم لا يريدون غير ما لهم لسلامة أنفسهم وعصمة الله لهم عن إرادة مثله، وقوله: الجنة هو المخصوص بالمدح المقدر، وقوله: محدقين الأحداق الإحاطة كما تحيط الحدقة بالعين، وهو من الحفاف بمعنى الجانب جمع حاف وقا الا السمين: قال الفراء وتبعه الزمخشريّ: لا واحد له أراد أنّ الواحد لا يكون حافا أي محيطاً إذ الإحاطة لا تتصؤر بواحد وإنما تتحقق الإحاطة بالجمع، وقيل: أراد أنه لم يرد به استعمال وكلاهما وهم لأنه لو صح هذا لم يصح أن يقال: طائفون ولا محيطون ونحوه مما يدل على الإحاطة والتخيل الذي ذكره من عدم فهم المعنى الموضوع له فإنّ الإحاطة بالشيء بمعنى محاذاة جميع جوانبه ومقابلته، ولا يلزم أن يكون في زمان واحد بل في درجات منه فإن من دار به فقد حاذاه جميع جزئيته تدريجا فيكون الحفوف، والطواف بمعنى الدوران حوله أو يراد بكونه محيطاً إنه جزء من المحيط وله مدخل في الإحاطة. قوله: (أو لابتداء الحفوف (فيكون الحفوف حينئذ بغير العرس فهو إمّا بالخلق وزيادتها على مذهب الأخفش وهو الأظهر، وقوله: ملتبسين بحمده فالجار والمجرور حال أيضاً والباء للملابسة، وقوله: حال ثانية إشارة إلى أن حافين حال أولى لأن رأي بصرية وكونها علمية بعيد، وقوله: أو مقيدة أي حال من الضمير في فيها فهي حال متداخلة وصفات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 الجلال هي الصفات السلبية وصفات الإكرام لثبوتية والدال عى الأول هنا قوله: سبحان وعلى الثانية: الحمد والمراد بالعليين الملائكة مطلقا أو حملة العرس، وقوله: تلذذاً أي لا تكليفا لأنهم خارجون عن خطة التكلف والتكليف، والدال على أنه منتهى درجاتهم أنهم إذا كانوا حول الحرشن فهم في أجل الأماكن وهو أعظم مقاماتهم فما يشتغلون به ثمة الظاهر إنه أنفس ما عندهم وفيه نظر. قوله: (بينا الخلق الخ (لأن القضاء- المعروف يكون بينهم ولوضوحه لا يضرّ كون ضميره لغير الملائكة إذ التفكيك لا يمتنع مطلقا كما توهم. قوله: (والقائلون) أي لهذا القول الخ لأنّ حمدهم يقتضي أنهم ممن قضى لهم لا عليهم، وكونه لمطلق العباد كضا في الكشاف غير ظاهر، ولذا خالفه المصنف إذ حمد من يعذب نادر وذكره غير مهمّ فلعل ما ذكره أراد به أن الحمد من عموم الخلق المقضي بينهم هنا إشارة إلى التمام، وفصل الخصام كما يقوله المنصرفون من مجلس حكومة ونحوها فيحمده المؤمن ون لظهور حقهم، وغيرهم لعدله واستراحتهم من انتظار الفصل وما قيل من إنه إظهار للرضا والتسليم بل للحكم بالعدل بينهم في غاية البعد، وإذا كان الحامد المؤمنين كما اختاره المصنف، وقد مرّ حمدهم مرّة أخرى فيكون لئلا يكون فيه تكرار الأوّل على إنجار وعده بإيراث الجنة وهذا على القضاء بالحق لهم، وقيل الأوّل للفصل والتفرقة بين الفريقين بحسب الوعد، والوعيد والسخط والرضا وهذا للتفرقة بينهم بالأبدان ففريق في السعير، وفريق في الجنان والأوّل أحسن. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم (هو حديث موضوع، وقوله: الخائفين لما ذكر فيها من الإنذار وكأنه الحافين فحرّف ولا بعد فيه، وقوله أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة الخ رواه الترمذي فليس بموضوع، تمت السورة والحمد لله على أنعامه والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة المؤمن وتسمى سورة غافر وسورة الطول. بسم الله الرحمن الرحيم وأعلم أن هذه السور المبدوأة بحم يقال لها آل حم والحواميم جمع حم وما قاله ابن الجوزي تبعا للجواليقي والحريري من أنه خطأ ليس بصحيح كما فصلته في شرح الدرة. قوله: (مكية (بلا خلاف، وإنما الخلاف في الاستثناء فقيل: استثنى منها قوله: وسبح بحمد ربك لأن الصلاة نزلت بالمدينة كما في الكشاف وقد رد بأن الصلاة إنما نزلت بمكة بلا خلاف ولو سلم فلا يتعين إرادة الصلاة بالتسبيح فيها وسيأتي ما فيه ثمة، وقيل: أيضا إلا قوله إن الذين يجادلون الآية فإنها مدنية نزلت في إليهود لما ذكر والدجال، واختلف في عدد آياتها فهي تزيد على ثمانين فقيل بآيتين، وقيل بأربع وفيل بخمس، وقيل بست وأمّا قول المصنف رحمه الله ثمان فلم بذكره أحد سواه فهو تحريف عن ثناتان وفيه نظر. قوله:) صريحاً (أي إمالة تافة لا بين بين، والتحريك لالتقاء الساكنين على أنه مبنيئ على الفتح كأين وكيف وقوله النصب عطف على التحريك لا على فتح الميم لركاكة معناه وهو على أنه معرب ولو عطفه بأو كان أولى ولم ينوّن لأنه ممنوع من الصرف كما ذكره والتأنيث لأنه بمعنى السورة، وقوله زنة الأعجمي أي على وزن يختص أو يكثر في الأسماء العجمية كفاعيل، وهذا هو العجمة المذكورة في موانع الصرف لا أمر آخر زائد عليها، وهو منقول عن سيبويه لأن العجمة إمّا حقيقية وهي ظاهرة أو غير حقيقية بأن يخالف المعروف في مفرداتهم فيلحق بالأعجميئ، ويسمى شبه العجمة فليس بتأويل كما توهم وفي الكشف إن الأولى أن يعلل بالتعريف، والتركيب وهو وجه آخر ولكل وجهة ولم يذكر إعراب تنزيل الكتاب لأنه مرّ تفصيله في أوّل انزمر. قوله: الما في القرآن من الإعجاز والحكم) فإعجازه لأنه كلام إله قدير لا يغالب فلذا ذكر العزيز ولاشتماله على الحكم البليغة البالغة ذكر العليم لأن البليغ علمه بالأشياء يكون حكيما، وناطقاً بالحكمة فلذا قيل: العليم، ولم يقل الحكيم تفننا لأنه مرّ في أوّل الزمر، وأما مناسبته للكتاب فهي مشتركة فسقط ما قيل إنه لا يعلم منه إيثار العليم على الحكيم هنا! فكان الظاهر إبدال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 قوله: الحكم بأنواع العلوم التي يضيق عنها نطاق الإفهام. قوله: (صفات أخر الخ) أي هذه صفات لله كما أن العزيز العليم كذلك، وذكر الغافر، وقابل التوب وذي الطول للترتيب وذكر شديد العقاب للترهيب والمجموع للحث على المقصود من إنزاله وهو المذكور بعده من التوحيد والإيمان بالبعث المستلزم للإيمان بما سواهما والإقبال على الله وجعل الإضافة فيه حقيقية لا لفظية ليصح وصف المعرفة به. قوله: (على أنه لم يرد الخ) على إمّا للاستعلاء أي مبنيّ على ذلك أوللتعليل كما في قوله على ما هداكم، وهذا إشارة إلى ما قاله الإمام من أنه لا نزاع في جعل غافر، وقابل صفة لأنهما يفيدان معنى الدوام والاستمرار وكذا شديد العقاب لأن صفاته تعالى منزهة عن الحدوث، والتجدد قال أبو حيان: وهذا كلام من لا يعرف النحو ولا نظر فيه للزوم كون عليم وحليم معارف فيكون تعريفها بأل وتنكيرها سواء وهو تعصب منه، وقد تقدم في الفاتحة تحقيقه والمراد أنها تقبل التعريف والتنكير باعتبار تعين متعلقها وعدمه، والإضافة للمعمول لفظية فإذا قصد الاستمرار ألحق بالأسماء الجامدة فتكون إضافته معنوية معزفة كما حققه الرضى، وغيره وقد مرّ ما فيه. قوله: (وأريد بشديد العقاب مشدّه (بزنة اسم الفاعل من أشده أي جعله شديداً إشارة إلى دفع ما قاله النحاة من أن سيجويه رحمه الله قال: إضافة الصفات لفظية، ويجوز أن تجعل محضة ويوصف بها المعارف إذا لم تعمل إلا الصفة المشبهة وشديد منها، وهذا لا يرد على مذهب الكوفيين القائلين بأنها كغيرها من الصفات قد تكون إضافتها محضة أمّا على ما ذهب إليه غيرهم يقولون إنها مؤوّلة باسم الفاعل لتعطي حكمه فشديد بمعنى مشد كاذين بمعنى مؤذن. قوله: (أو الشديد عقابه) يعني أنه معرّف بالألف واللام، وأصله الشديد العقاب فحذفت لمشاكلة ما معه من الأوصاف المجرّدة من الألف اللام والمقدر في حكم الموجود، والمراد بالازدواج هنا المشاكلة وهي مرجحة له والمصحح أمن الإلباس بغير الصفة لوقوعه بين الصفات، واحتمال كونه بدلاً وحده لا يلتفت إليه. قوله: (أو إبدال) جمع بدل معطوف على قوله صفات، ولا يرد عليه قفة البدل في المشتقات ولا إن النكرة لا تبدل من المعرفة ما لم توصف ولا إن تعدد البدل لم يذكره النحاة كما قيل لأن النحاة صرّحوا بخلافه في الجميع وللدماميني فيه كلام طويل الذيل في أول شرح الجزرية لا يسعه هذا المقام فإن أردته فانظر فيه، وقوله: مشوّس للنظم أي لما فيه من الإلباس، والفصل بين الصفات بالبدل وتنافي غرضيهما فإن الإبدال تجعله في نية الطرج ووصفه يقتضي أنه متبوع مقصود من الكلام. قوله: (وتوسيط الواو بين الأولين الخ) بيان لوجه العطف وتركه فيما عداه مع إن العطف وتركه يجري في الصفات والإبدال على القول بتعددها، وقوله: بين الأولين يعني من أولى صفات الترغيب والترهيب، وقوله: لإفادة الجمع فيه نظر لأنه إن أراد بلازم اجتماعهما كما حمل عليه كلام الزمخشري فهو نزعة اعتزالية إذ لا عفو عن الكبائر عندهم بدون توبة، وان أراد اجتماعهما في الجملة فغيره كذلك، والظاهر أنه أراد أن بينهما اجتماعا وعدم تناف كما بين العقاب والطول. قوله:) أو تغاير الوصفين الخ) يعني عطف لدفع توهم الاتحاد بينهما وقوله: موقع الفعلين، وهما ستر الذنب الذي هو معنى المغفرة وقبول التوبة عنه فإنه موقع الأول ذنب باق وموقع الثاني ذنب زائل ممحوّ، والمراد ببقائه إنه باق في صحائف سيآته لا ينمحي ما لم يتب وان لم يعاقب عليه فإذا تاب محي وكتب له حسنة بدلاً منه. قوله: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وجه التشبيه فيه أن كلاً منهما لم يكتب عليه ذنب، والتارك للذنب عمداً مثاب كالتائب فإنه يثاب بالتوبة ومغفرة ذنبه بستره، وثوابه بتوبته كل منهما بفضل الله وكرمه فلا يخالف مذهب أهل الحق، وهذا أيضا غير مخالف لما تقدم مع أنه لو خالفه لم يكن فيه ضير لأنّ كلاً منهما وجود نكتة مستقلة فلا يرد عليه شيء، وقوله: جمعها أي جمع التوبة، والمراد إنه اسم جمعيّ كتمر وتمرة. قوله:) والطول الفضل بترك العقاب المستحق (الطول في اللغة التفضل، والظاهر منه إنه الثواب والإنعام فالمتبادر أنه يفسره به أو بما يعتم الثواب، وترك العقاب أمّا تخصيصه بالثاني كما فعله المصنف فقد قيل عليه إنه خلاف الظاهر مع أنه مكرّر مع قوله غافر الذنب فكان الداعي له ذكره بعد شديد العقاب كأنه قال: إن شاء عاقب وان شاء ترك، وقيل الأنعام لما كان بمقتضى وعده كان كالواجب اللازم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 والفضل لما لم يكن كذلك فسره به ولا يخفى بعده. قوله: (دليل رجحانها) أي الرحمة يعني زيادتها وسبقها فلذا عدد ما يدلّ على الرحمة، وأفرد ما دلّ على خلافها، وقوله: لا إله الخ مستأنفة أو حالية لا صفة لله ولا لشديد العقاب كما توهم، وقوله: فيجب الخ يعني أن المراد بهذا وبما بعده إن عبادته وطاعته واجبة وإنه المثيب والمعاقب لأنه أتمّ فائدة وأنسب بالمقام. قوله:) سجل بالكفر ملى المجادلين الخ (أي أثبت ذلك لهم كما يثبت الشيء في السجل، وقوله: بالطعن متعلق بالمجادلين والإدحاض الإبطال والإزالة والإدحاض على زعمهم، أو هو بتقدير مضاف أي وقصد إدحاض الحق وازالته، وعقده جمع عقدة وهي المشكل والخفيّ مما يتمسك به أهل الأهواء والزيغ الميل عن الحق، وقوله: بالتنكير يعني به أنّ تنكيره في الحديث للتبعيض فيفيد أنّ بعضه كفر وضلال كما أنّ بعضه جهاد في المبطلين، وعبادة فليست المجادلة فيه مذمومة مطلقا، وقوله: مع أنه ليس جدالاً فيه الخ جواب آخر إفا بأن البحث في القرآن ليس جدالا أصلا لأنه إنما يستعمل في المخاصمة الباطلة إذ هو من جدل الحبل إذا فتله لما فيه من العدول عن الحق أو البحث جدال عنه لا فيه فإنه يتعدى بعن إذا كان للمنع عن الحق، وبفي بخلافه كما ذكره الإمام وبالباء أيضا كما في قوله: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وفيه بحث. قوله تعالى: ( {فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} ) مسبب عما قبله أي إذا علمت أنّ هؤلاء كفرة خسروا الدنيا والآخرة فلا تلتفت لاستدراجهم بتوسعة الرزق عليهم وإمهالهم فإن عاقبتهم الهلاك كما فعل بمن قبلهم من أمثالهم، وإليه أشار بقوله فإنهم مأخوذون عن قريب لقلة زمان الدنيا، ولأن كل آت قريب والتقلب الخروج من أرض! لأخرى، وقوله في بلاد الشام واليمن إشارة إلى أنّ المراد كفار قريش وتقلبهم رحلة الشتاء لليمن، ورحلة الصيف للشام. قوله: (تحزبوا على الرسل (أي اجتمعوا ناصبوهم بمعنى عادوهم، وقوله بعد قوم نوج مأخوذ من ذكرهم بعدهم، وقوله: برسولها رعاية للفظ الأمّة والقراءة المشهورة نظر لمعناها. قوله: اليتمكنوا من إصابته بما أرادوا) يعني أنه ليس المراد بالأخذ ظاهره بل هو كناية عن التمكن من إيقاع ما يريدونه به لأنّ من أخذ شيئا تمكن من الفعل فيه، وقوله: وقتل بالتاء المثناة الفوقية والتمكن منه لا يستلزمه إذ المتمكن من الشيء قد لا يفعله لمانع وغيره، وقوله من الأخذ بمعنى الأسر فإنه يقال للأسير أخيذ فهو مأخوذ منه فكني به عما ذكر، والتمكن من القتل لا ينافي الأسر كما توهم، وفي بعض النسخ وقيل بالقاف والياء التحتية فيكون الأخذ في الآية بمعنى الأسر، والأولى هي الموافقة لما في الكشاف، والمناسبة للمقام وجزالة المعنى. قوله:) فأخذتهم بالإهلاك جزاء لهم (يعني أنّ المراد بالأخذ مجازاً أو كناية هنا ما في الدنيا من الهلاك المستأصل لهم، وقوله: جزاء لهم يعني على الهمّ بالأخذ لأنّ المتبادر من الجزاء إنه من جنس المجزي فخصه كالزمخشري بالمتوسط بين التكذيب ومجادلة الإدحاض، ولا يرد عليه إنه يفوت به رعاية جانب المعنى لأجل مناسبة لفظية لأنه إذا عجل عقوبة أهونها الذي هو مجرد القصد، والهمّ دالّ على أنه يعذبهم على قرينته في الآخرة أشدّ العذاب كما دلّ عليه ما بعده ففيه محافظة على جانب المعنى مع مناسبة مقابلة الأخذ بالأخذ كما فصله السعد في شرح الكشاف وغيره. قوله: (فإنكم تمرّون على ديارهم الخ) مناسبة لما قبله من تقلبهم في البلاد، ورؤية أثر العقاب تؤخذ من سؤالهم لأنه إنما يسأل عن الشيء من يعرفه، وقوله: وهو تقرير اًي تثبيت وتأكيد لهلاكهم أو حمل لهؤلاء على الإقرار به مع ما فيه من تعجيب السامعين مما وقع لهم أو من عدم اعتباره هؤلاء به، وقوله: وعيده الخ فسرها به لأن الكلمة بمعنى الكلام، والمراد به مدلوله أو حكمه به وقد مرّ تحقيقه، وقوله: بكفرهم إشارة إلى أنّ التعريق بما هو في حكم المشتق يفيد العلية. قوله: (بدل الكل (إن كان المراد بالكلية قوله أو حكمه بأنهم أصحاب النار فهو بدل كل فإن كان أعمّ فهو بدل اشتمال قال الراغب: القضية تسمى كلمة قولا أو فعلا فقوله: على إرادة اللفظ أو المعنى يحتمل رجوعه إلى الكلمة فيكون راجعا إلى الوجهين أي هو بدل كل من كل واشتمال على هذين الاحتمالين، ويحتمل عوده إلى أنهم أصحاب النار على اللف والنشر المرتب فهو بدل كل إن أريد لفظه، واشتمال إن أريد معناه كما قيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 وفيه نظر وأمّا كون بدل البعض والاشتمال لا بد له من ضمير يرجع إلى المبدل منه فليس بكلي لأنه إذا ظهرت الملابسة بينهما كما في قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} [سورة البروج، الآية: 4] استغنى عنه كما صرّحوا به، وفيه وجه آخر وهو إنّ التقدير لأنهم الخ فهو علة للوعيد. قوله:) الكروبيون أعلى طبقات الملائكة) الكروبيون جمع كروبي بفتح الكاف وضم الراء المهملة المخففة، وتشديدها خطأ ثم واو بعدها باء موحدة، ثم ياء مشددة من كرب بمعنى قرب وقد توقف بعضهم في سماعه من العرب وأثبته أبو علي الفارسي البغدادي واستشهد له بقوله: كروبية منهم ركوع وسجد وفيه دلالة على المبالغة في قربهم بصيغة فعول والياء فإنها تزاد لذلك وقيل الكرب أيضا شدة القرب، وهم سادة الملائكة كما في الفائق كجبريل وإسرافيل وقال البيهقي إنهم ملائكة والعذاب فهو عنده من الكرب بمعنى الشدّة، والحزن كما صرّج به ويجوز أخذه منه على المعنى " الأوّل أيضا لشذة خوفهم من الله وكلام المصنف على أن الكروبيين هم حملة العرش، وقال الرئيس ابن سينا في رسالة الملائكة إنهم غيرهم وعبارته الكروبيون هم العامرون لعرصات التيه إلا على الواقفوان في الموقف الأكرم زمراً الناظرون إلى المنظر الأبهى نظراً وهم الملائكة المقرّبون، والأزواج المبرّؤون، وأما الملائكة العاملون فهم حملة العرش والكرسي، وعمار السموات انتهى. قوله؟ (مجاز عن حفظهم الخ) حمل العرس ظاهر هنا وأما ذكره الحفيف فيحتمل أن يكون استطرادا، ويحتمل أنه تفسير لمن حوله هنا لأنه بمعنى حافين وهو الظاهر، ولا مانع من حملهما على الحقيقة وهو ظاهر الأحاديث والآيات، وما ذكره كلام الحكماء وأكثر المتكلمين والمراد بالحفظ والتدبير له أن لا يعرض له ما يخل به أو بشيء من أحواله التي لا يعلمها إلا الله ولما كانت الكناية والمجاز لا يجتمعان في لفظ واحد حملوه على اللف، والنشر المرتب بجعل المجاز للحمل والكناية للحفيف والتخصيص كما قيل لأن العرش كرى في حيزه الطبيعي فلا يحتاج لحامل ففيه قرينة عقلية على منع إرادة المعنى الحقيقي، وأما الحفيف والطواف به فلا مانع من إرادته منه فيكون كناية لأنّ هذا شأنها وفيه نظر لأن عدم احتياجه له لا يصيره مجازاً لأنّ الكناية يكفي فيها إمكان المعنى الحقيقي لا إرادته منه بالفعل وهو موجود هنا فتدبر، وقوله: أولهم وجودا مثله لا يعرف إلا بسماع من أفق الوحي، وقوله الكروبيون الخ تفسير للذين يحملون العرس ومن حوله لا لأحدهما كما يدل عليه كلامه. قوله: (من صفات الجلال واكرام (بيان لمجامع الثناء وقد مرّ بيانه بأن صفات الجلال هي السلبية التي دل عليها التسبيح والتنزيه والإكرام الصفات الثبوتية، وأما قول القشيري وصف الجلال ما حقق العز والإكرام إنعام خاص والجلال ثبوت العلوّ والرفعة، وقول بعضهم الجلال صفات القهر والإكرام صفات اللطف فليس بمراد هنا. قوله: (وجعل التسبيح أصلاَ الا يخفى أنه حيث ورد في الذكر سواء كان من الملائكة أو البشر ورد هكذا فالأولى أن يوجه بأن التسبيح تحلية مقدمة على التحميد الذي هو تحلية، وإنما دلت الحالية على مقتضى حالهم لأن معناه ملتبسين بحمده فيدل على تلبسهم به قبله، ومعه وانه ديدنهم فلا يتوهم أنّ مقتضى الحال ينبغي أن يصدر ويؤسس به المقال لكنه إنما كان كذلك لأنهم يعظمون الله دائما والحمد الوصف الجميل، وإنما يقع التنزيه إذا رأوا نسبة بعض البشر له ما هو منزه عنه، ففي قولهم مقتضى حالهم لطف لا يخفى لأنه حال. قوله: (إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله (يعني أنّ الملائكة خصوصا الخواص منهم لا يتصوّر منهم الإيمان حتى يخبر به عنهم هنا فليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها لأنه يفهم من تسبيحهم حامدين فدفعه بأن المقصود من ذكره مدح الإيمان وتعظيم الله لأهله وهذا في الخير نظير ما مرّ في الصفة المادحة للموصوف إنها قد تكون لمدح الصفة نفسها كما في وصف الأنبياء بالصلاج، وقوله: مساق اية لذلك أي لإظهار فضله وتعظيم أهله لأنّ دعاء الملائكة واستغفارهم يدلّ على شرفهم، ولو لم يكن القصد هذا لم يكن لذكره بين أحوال الكفرة شأن يليق به. قوله:) كما صرّح به (أي بإظهار فضله وفضل أهله، وهو إن لم يكن صريحا لكنه لظهوره بمنزلة الصريح لأنّ دعاء الملائكة للمؤمنين تعظيم لهم بلا مرية، وتعظيمهم للإيمان بالطريق الأولى لأنهم إنما شرفوا فلا يرد عليه ما قيل إنه ليس بصريح. قوله:) وإشهاراً الخ (لأنه سبحانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 وتعالى لو كان مستويا على العرس كما تستوي الأجسام كان من حوله شاهداً له فلا يطلق عليه مؤمن بالله لأنه لا يقال لمن يشاهد الشمس إنه مصدق، ومذعن بالشمس ولو قيل كان مما يتعجب منه بل يقال رآها وعاينها، قيل لو أبدل قوله في معرفته بقوله من الإيمان به كما في الكشاف كان أويى وفيه نظر لأن المراد بالمعرفة الإقرار بوجوده على ما يليق به، وقد يعتذر للشارح المحقق بأن ما ذكر لزوم عادقي وأنه لا يستلزم نفي صحة الرؤية كما يتوهم فيكون على مذهب المعتزلة لأنهم لا يقولون إنه على العرش، وفيه تفصيل في شروج الكشاف. قوله: (واستغفارهم شفاعتهم الخ (إلهامهم ما يوجب المغفرة وهو التوبة كالتفسير لما قبله وإيجابها بمقتضى وعده بالمغفرة لمن تاب إذ لا إيجاب عندنا ولا وجه لتخصيص هذا بالحالية بل هما عامان فيهما كما لا يخفى، ولذا عطفه بالواو، وقوله وفيه تنبيه الخ وجه التنبيه أنهم دعوا لهم وشفعوا لهم لإيمانهم مع أنهم ليسوا من جنسهم، وهو ظاهر فإن قلت لا داعي لصرف الاستغفار عن ظاهره، وهو الدعاء بالمغفرة هنا قلت كأنه ما بعده من أنه وعدهم الجنة، وهو لا يخلف الميعاد كما أشار إليه الزمخشري لكنه لا يدفع السؤال فإنه إذا سلم هذا لا يبقى حاجة للشفاعة أيضا فإن أريد به التعظيم، والشفقة عليهم أو زيادة الثواب والكرامة فالدعاء يفيده أيضاً كما ندعو للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحمة مع تحققها في حقه. قوله:) وهو بيان الخ) أي فيه قول مقدر والجملة مبينة أو حالية في محل نصب والبيان إن أراد به التفسير لا يكون للجملة محل من الإعراب، وهو الظاهر وإن أراد أنها عطف بيان إن حوزناه في الجمل تكون في محل رفع، وقوله وسعت رحمتك يشير إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل ليفيد ما ذكر على ما مز تقديره في قوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [سورة مريم، الآية: 4] والإغراق هو المبالغة في وصفه بما ذكر حيث جعلت ذاته كأنها عين العلم والرحمة ودل على عمومها تلويحا بعدما دل عليه تصريحاً بالتبعية لأنّ نسبة جميع الأشياء إليه مستوية فيقتضي استواءها في شمول الرحمة والعلم، ولم يقل رحمتك إشارة إلى أن هذه النكتة في الحكاية، وقوله: لأنها المقصودة الخ إذ المقام لطلب المغفرة لهم وهي مناسبة لذكر الرحمة إذ هي من ثمراتها، وإنما ذكر العلم للإشارة إلى أنه عالم بهم واستحقاقهم لذلك كما أشار إليه. قوله: (للذين علمت منهم الخ (إشارة إلى فائدة ذكر العلم وترتب هذا بالفاء على ما قبله وترك بيان ترتبه على الرحمة لظهوره مما ذكره قبله وعلمه إمّا في الأزل فيكون قبل وقوع التوبة أو مطلقا فيشمل ما بعده، وسبيل الحق دين الإسلام، وقوله بعد إشعار لأن الدعاء بالمغفرة يستلزمه فلذا كان تأكيداً لأنه كالمكرر وشدة العذاب الأخروي مأخوذة من التصريح به، وعدم الاكتفاء بالتلويح، وقيل هو من إضافته للجحيم، وقوله إياه أي الدخول إشارة إلى أن مفعوله مقدر. قوله: اليتم سرورهم (إشارة إلى أن الدعاء بدخول هؤلاء دعاء لآبائهم وجعلهم مندرجين في الموعودين موافق لقوله وألحقنا بهم ذرّياتهم، وقوله بالضم أي ضم اللام والقراءة الأخرى بالفتح، وقوله: لا يمتنع لأنه بمعنى الغالب القوي وهو بيان لارتباطه بما قبله، ولذا قال: ومن ذلك الوفاء، وقوله العقوبات لأنها سيئة في نفسها فإن كانت بالمعنى المشهور وهو المعاصي ففيه مضاف مقدر وهو الجزاء، أو تجوز بالسبب عن مسببه وقوله تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية أو الأول للأصول وهذا للفروع أو المراد بها المعاصي ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها، وهذا كله دفع لتوهم التكرار إذ العطف يأبى التوكيد، وأيد الأخير بأنّ قوله يومئذ المتبادر منه الدنيا لأنّ إذ تدل على المضيّ فيومئذ يوم العمل وعلى الأوّل يوم المؤاخذة بها، وإنما أخره لأنّ الصلاح سبب تقديم طلب السبب للرحمة، وهو عدم ارتكاب السيآت والمسبب المغفرة لها ودخول الجنة فإنها مسببة عن ارتكابها، وقوله الرحمة قدمه لأنه أنسب بالفوز، والظفر وعلى ذلك فالتذكير والإفراد لتأويله بما ذكر. قوله: (فيقال لهم الخ (المعنى إنهم ينادون بهذا فهو إمّا معمول للنداء لتضمنه معنى القول أو هو معمول لقول مقدر مصدر بفاء التفسير كما ذكره المصنف، وما ذكرناه هو مذهب البصرية والكوفية في مثله، وأما تقدير الجار قبل الجملة كما قيل: فتعسف خارج عن المذهبين، وقوله: لمقت الله إياكم إشارة إلى تقدير معمول المصدر الأوّل، دهانه مضاف للفاعل كالثاني، وهو محتمل للتنازع وإعمال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 الثاني لأنه يضمر في الأوّل واياكم ضمير أنفسكم لأنه المراد منه، وإنما صرح بالأنفس لئلا يتحد الفاعل والمفعول مع امتناعه في غير أفعال القلوب، ولا يلزمه محذور الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر إذا أعمل الثاني، ويحتمل أنه مجرد تقدير من غير تنازع إذ لم يقدر المفعول الثاني بلفظه، فمن قال: إنه مراد المصنف فقد ألزمه ما لم يلتزمه، والمنادي الخزنة أو المؤمنون توبيخا لهم. قوله: (دلّ عليه المقت الأوّل) فتقديره مقتكم الله إذ تدعون الخ، والمقت أشد البغض، وهو رد على الزمخشري إذ قال إنه منصوب بالمقت الأوّل لأن المصدر لا يفصل بينه وبين معموله بالخبر ولا يخبر عنه قبل تمامه بمتعلقاته، ومن قال إنّ هذا مراد الزمخشري لم يصب، لأنه ذهب إلى جوازه في الظرف كما في أمالي ابن الحاجب. قوله: (لأنه أخبر عنه (والإخبار عنه لا يجوز قبل ذكر متعلقاته، وهذا مانع آخر غير الفصل بالأجنبي فمن فسره به لم يصب وكل منهما مانع على حدة كما صرح به النحاة، وقوله يوم القيامة أي لا في الدنيا إذ دعوا إلى الإيمان بالله. قوله:) 1 لا أن يؤوّل الخ (لما كانوا لم يمقتوا أنفسهم وقت الدعوة بل في القيامة وإن كنت مقت الله في الدنيا والآخرة أوّل على تقدير تعلقه بالثاني، وان كان خلاف الظاهر لقربه منه بأنّ المراد إذ تبين إنكم دعيتم إلى الإيمان المنجي والحق الحقيق بالقبول، أو أن المراد بأنفسهم جنسهم من المؤمنين أو مما ذكره المصنف وهو أمّ مقتهم لأنفسثم كأنه وقع وقت الدعوة كما في المثل المذكور وفي قول على إنما أكلت يوم أكل الثور الأحمر فهو مجاز بتنزيل وقوع السبب، وهو كفرهم وقت الدعوة منزلة وقوع المسبب وهو مقتهم لأنفسهم حتى عاينوا ما حل بهم بسببه، وليس على تنزيل سبب المقت منزلة المقت حتى ينسب إليه ما ينسب إليه بعد تناسي المجاز فإنه لا تجوّز في المقت وسببه بل في النسبة الظرفية إذ جعل ظرف السبب ظرفا للمسبب لتخيل إنه وقع فيه، ويلزمه تشبيه الوقوع بالوقوع أو هو استعارة تمثيلية فتدبر. قوله: (الصيف ضيعت اللبن) وفي نسخة في الصيف، وهو رواية في هذا المثل وأصله كما في شرح الفصيح إنه يضرب لمن فزط في طلب ما يحتاج إليه حتى فإنه فطلبه في غير وقته وضيعت بكسر التاء لأنه خطاب لامرأة والأمثال لا تغير وكان عمرو بن عدس التميمي تحته دخشوس بنت لقيط، وكان مسنا لكنه متمؤل فسألته الطلاق فطلقها فتزوّجها عمير بن معبد، وكان شابا معدماً فمرّت مواشيه بها في الشتاء يوما، وكانت مقفرة من الزاد فقالت لخادمها: قم فاطلب لنا منه لبناً فلما جاءه، قال له: قل لها الصيف الخ وبعضهم قال: ضيحت بالحاء المهملة من الضياح، وهو اللبن الخاثر والأوّل أصح. قوله: (أو تعليل للحكم الخ) معطوف على قوله ظرف لفعل الخ والحكم بمعنى المحكوم به، والنسبة التامة وكل منهما صحيح هنا فهو إمّا تعليل لأكبريته أو لكونه أكبر فيتعلق بأكبر أو بالمقت الأوّل على ما مز أو بالثاني، وكون زمان المقتين واحداً من عدم التقييد لأحدهما بالظرف فالمتبادر ذلك وليس المراد أنه يجوز أن يكونا في وقت واحد لأنه خلاف ما تدلّ عليه عبارته. قوله: (إماتتين (يعني أنه منصوب على أنه صفة لمفعول مطلق مقدر، وقوله: ابتداء وان لم يسبق بحياة أخرى فتكون بمعنى العدم ولو أوّلاً، وقوله: أو بتصيير أي تصيير الحياة معدومة بعد إن كانت موجودة، وقوله: كالتصغير والتكبير فإنهما يطلقان على كونه صغيراً وكبيراً ابتداء وعلى تصييره صغيراً بعد أن كان كبيراً وعكسه، وظاهره أنه حقيقة فيهما وهو مخالف لكلام الزمخشري، والسكاكي وسنبينه لك إن شاء الله تعالى وقد أورد على ما فسره به المصنف إنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز وقد جوّزه بعضهم في المثنى والمجموع ورد بأنه من متناولات المعنى الوضعي فلا جمع فيه كما أشار إليه المصمنف رحمه الله وليس بشيء لأنهما معنيان متغايران كما ذكره النحاة في معاني أبنية الفعل، فان أفعل قد يكون للصيرورة كاغذ البعير إذا صار ذا غدة، وقد يكون لغيره فلا بد من أحد أمرين إمّا الجمع بين الحقيقة، والمجاز أو استعمال المشترك في معنييه وهما متقاربان منعا وجوازا فلا يصح ما ذكره المجيب، وقد قيل إنه من عموم المجاز بأن يراد بازماتة الصرف لا النقل وسيأتي تحقيقه، وبيان كونه وضعيا أوّلاً، وعليه فتقابل الحياة والموت تقابل السلب والإيجاب والمشهور إنه تقابل العدم والملكة، ويجوز على هذا كونه منه أيضا فمعنى كونه ميتا خلقه جنينا ميتا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 من شأنه قبول الحياة. قوله: (سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل (وضيق فم الركية، وقد ذهب السكاكي تبعاً للزمخشري فيه كما بينه الشريف في شرح المفتاح بما حاصله أنه جعل السعة المجوّزة في المثال الثاني كالواقعة، ثم أمر بتغييرها فتجوز بالتضييق الموضوع لتغيير السعة المحققة عن تغيير السعة المقدرة، كما قيل وليس بشيء إذ لا يكون المثال حينئذ من قبيل التجوّز بالفعل عن الإرادة أصلا فلا يظهر كونه أبعد! ن اتجوّز في قرأت، وهو من المجاز المرسل كالاستعارة بالكناية فالحق أن يقال نزلت الإرادة المتوهمة المتعلقة بالسعة منزلة السعة فعبر عنها بالسعة لأنّ مآل هذه العبارة أعني ضيق إلى قولك غير السعة أعني غير إرادة السعة إلى إرادة عدمها، وبهذا ينكشف كونه أبعد من التعبير بالفعل عن إرادته المتحققة، وإلى ما ذكرنا أشار بقوله إنما الذي هناك هو مجرّد تجويزان يريد إظهار التوسعة أي هناك إرادة مجوّزة متوهمة ثم قال فتنزل مجوّز مراده وأراد به السعة مراداً بها إرادة السعة لا معناها الحقيقي كما توهمه ذلك القائل وبني عليه كلامه مع كونه معترفا بأنّ ضيق فم الركية من تنزيل إرادة الشيء منزلة ذلك الشيء والتعبير بها عنه، وقد يقال إحداث الشيء ضيقا من توابع معنى التضييق أعني التغيير من السعة إلى الضيبئ فليستعمل اللفظ فيه مجازاً فإنه أقرب لما تكلفه المصنف انتهى (أقول) ذهب العلامة إلى أن الصانع إذا اختار أحد الجائزين، وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر فجعل صرفه عنه كنقله منه يعني أنه تجوز بالتفعيل الدال على التصيير، وهو النقل من حال إلى حال أخرى عن لازمه، وهو الصرف عما هو في حيز الإمكان ويتبعه جعل الممكن الذي يجوز إرادته بمنزلة الواقع وجعل أمره بإنشائه على الحال الثانية بمنزلة أمره بنقله عن غيرها، وتغييره بها ولذا جعله المحمق بمنزلة الاستعارة بالكناية فيكون مجازاً مرسلاَ بالكناية، وهذا معنى قول السكاكي إذ الذي هنا هو مجرّد تجويز إن يريد إظهار التوسعة فتنزل مجوّز مراده منزلة الواقع، ثم تأمره بتغييره إلى الضيق واقتضاؤه سبق السعة من صريح التصيير، وهو النقل لا بحكم العقل كما زعمه السعد فليس في كلامه ما يعترض عليه غير هذا فإنه طبق المفصل ووفق بين كلام الشيخين، ولما فيه من الدقة حيث اعتبر الإرادة المجوّزة بطريق الإيماء والتبع كان أبعد من قرأت المتجوّز به عن الإرادة ابتداء ولا تجوز في أحد الإرادتين إذ ليس في الكلام ما يدل عليها بالوضع حتى يجعل التصرف فيه، وإنما جاء هذا بطريق الاستتباع فما ادّعى أنه التحقيق تعسف لا محصل له فتدبره فإنه من الحور المقصورات في خيام الأذهان. قوله: (وإن خص بالتصغير) يعني أن بعضهم زعم أن المجاز في هذا المثال إنما هو في قولهم صغر البعوض فإنه لم يكن كبيراً بخلاف الفيل فإنه من ابتداء كونه نطفة صغيرة إلى تكامل جثته انتقل من الصغر إلى الكبر لأن المراد به جثته المشاهدة، وهي لم تنقل من صغر إلى كبر وهذا بحث في المثال لا طائل تحته. قوله: (فاختيار الفاعل المختار أحد مقبوليه) الضمير للفاعل المختار أو هو للشيء والمقبول ما يقبله الشيء من الحالين، وقوله: تصيير وصرف له عن الآخر هو كلام مجمل لكنه غير صاف من الكدر فإن إطلاق الإماتة على عدم الحياة ابتداء إن كان حقيقة عنده، وكذا التصغير والتكبير إن كن حقيقة في إنشائه صغيراً أو كبيراً والتصيير فيه بمعنى الصرف ولو بدون نقل من حالة إلى أخرى فيكون مخالفا لكلام أهل المعاني فلا يخفى أنه مخالف للمعقول، والمنقول قال الراغب في مفرداته صار عبارة للتنقل من حال إلى حال واوفعال والتفعيل موضوع للتصيير وإن أراد التشبيه اًي اختياره كالتصيير، والمراد منه الصرف كما مرّ فيكون موافقا لما في الكشاف ففيه إجمال مخل ومن فسره به هنا نسي ما قدمت يداه من أنه من متناول المعنى الوضعي فتدبر. قوله:) الإحياءة الأولى وإحياءة البعث (فالإماتتان العدم للحياة الأصلي أو من حال النطفة إلى نفخ الروج فيه، والثانية المعروفة والإحياءة الأولى بنفخ الروح فيه أوّلاً، والثانية في النشور. قوله:) وقيل الإماتة الآولى عند انخرام الأجل (بالخاء المعجمة والراء المهملة أي عند انقطاع عمره ومدة حياته والداعي لارتكابه ليكون الموت بمعناه المعروف المزيل للحياة، ومرضه لأنه مخالف لظاهر النصوص ولما يلزمه من إثبات إحيا آن ثلاثة، وهو كما في الكشاف خلاف ما في القرآن إلا أن يتمحل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 فيجعل إحداها غير معتد به، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور وتستمرّ بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها ويعدهم في المستثنين من الصعقة في قوله: {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} [سورة النمل، الآبة: 87] وفيه كلام مفصل في شروحه. قوله:) إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة (بالنون من العيان، وهو المشاهدة جواب عما ذكر آنفا مما يلزمه من أنه مخالف لما في القرآن هنا لأنّ الإحيا آت تكون ثلاثة بتسليمه من غير احتياج لما ذكر من التمحل لأن الحياة الأولى معلومة لا فائدة في ذكرها، وإنما الكلام في إحيائهم في قبورهم، وبعثهم ونشورهم فإنهما منكرتان عندهم فإذا عاينوا ذلك تم عليهم البهت فنعوا غفلتهم، ويكترثوا بمعنى ينالوا ويعتدوا وأمّا ضبط بعضهم للمعاتبة بالمثناة الفوقية من العتاب، والمراد به مقت الله لهم فركيك لأنّ مثله لا يسمى عتابا، والمفاعلة فيه غير واضحة، وقوله بما الخ متعلق باعترافهم. قوله:) ولذلك تسبب بقوله الخ (أي لأجل أن المقصود من قوله: {أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [سورة النمل، الآية: 87، اعترافهم بالأحياءين اللذين غفلوا عنهما تسبب هذا القول بقونه: فاعترفنا فصدر بالفاء الدالة على تسببه لأنهم لما أنكروا ما في البرزخ والمعاد من الجزاء دعاهم ذلك إلى ارتكاب المعاصي لأنّ من لم يخش العاقبة لم يحترز من الجناية التي تخشى عاقبتها، والمقصود بيان وجه التسبب وأن اعترافهم بالذنوب اعتراف منهم بما إنكاره سبب لها وهو البعث. قوله: (نوع خروج من النار (أي سواء كان بطيئا أو سريعا أو من مكان فيها إلى آخر أو إلى الدنيا أو غيرها وقوله: فيسلكه بالنصب في جواب الاستفهام، وقوله: من فرط قنوطهم أي إياسهم فإن مثل هذا التركيب يستعمل عند اليأس وليس المقصود به الاستفهام وإنما قالوه من حيرتهم ليتعللوا أو يتلهوا به والتعلك الاشتغال بما يلهى، وقوله: ولذلك أي لكون ما ذكر نشأ من اليأس والحيرة أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك من غير جواب عن الخروج نفيا، وإثباتا ولو كان الاستفهام على ظاهره كقوله: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [سورة السجدة، الآية: 12] ونحوه لقيل اخسؤوا فيها ونحوه وكونه تأنيسا لهم ببيان أنهم لما استمروا على الشرك جوزوا باستمرار العط ب كما يقتضيه حكمه تعالى خلاف الظاهر، وتبادر ما ذكر كاف للمراد فتدبر. قوله:) متحداً أو توحد وحده) أي هو منصوب على الحال بمعنى متحداً أي منفرداً في ذاته وصفاته أو على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد أنبتكم من الأرض نباتاً والجملة بتمامها حال أيضاً حذفت، وأقيم المصدر مقامها وعلى الوجه الأوّل هو حال ابتداء مؤول بمشتق منكر لأن الحال لا تكون معرفة إلا مؤولة بنكرة وفيه كلام آخر مفصل في محله. قوله: (كفرتم بالتوحيد (فالكفر هنا بمعنى الجحد والإنكار، لقوله في مقابله تؤمنوا بالإشراك أي تذعنوا وتقربوا به وفسر الله بالمستحق للعبادة لاقتضاء المقام له أيضا، وقوله: حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم وقع ذكره هنا في بعض النسخ وأسقط من بعضها، وهو الظاهر لتكرّره مع ما بعد. فالظاهر الاكتفاء بأحدهما وان كانت موجهة أيضا كما لا يخفى، وكون العذاب سرمدا مستفاد من عدم السبيل إلى الخروج. قوله: (الدالة على التوحيد (فالآيات ما يشاهد من آثار قدرته: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد وقوله: أسباب رزق فهو بتقدير مضاف فيه أو بالتجوّز، وقوله مراعاة لمعاشكم إشارة إلى مناسبته لما عطف عليه وإنهما للامتنان عليهم بأنه نظم لهم أمور دينهم ودنياهم، وقوله التي هي كالمركوزة أي الثابتة في العقول دفع لما يتوهم من أن التذكر يقتضي إنها معلومة لهم لكنهم غفلوا عنها، وليس جميع الخلق كذلك بأن آيات قدرته ظاهرة حقها أن تعلم بمقتضى لفطرة السليمة فجعلت لظهورها بمنزلة المعلوم الذي غفلوا عنه وقيل التذكر هنا بمعنى التفكو من غير حاجة للتأويل، وقوله: المغفول عنها صفة أخرى للآيات لا خبر للمبتدأ كما لا يخفى، وقوله: لظهورها علة لكونها كالمركوزة في العقول متعلق بمقدر ويجوز كونه خبر مبتدأ مقدر أي وذلك لظهورها ولا وجه لجعله متعلقا بالكاف، لأن حرف الجر لا يتعلق به جار آخر. قوله:) فإن الجازم) تعليل للحصر، وقوله: من الشرك متعلق بمخلصين، وقوله: إخلاصكم تقديره بمقتضى لو الوصلية وخطاب ادعوا للمنيبين أو للناس، وقوله: خبران آخران أي هما خبران لقوله: هو بعد ما أخبر عنه بالذي الخ، وقوله: للدلالة على علو ضمديته الصمدية كونه محتاجا إليه مقصوداً لما عداه وسيادته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 وهو بيان لفائدة الأخبار به مع البعد، ولذا قيل إنهما مبتدأ وخبر أو خبراً مبتدأ مقدر، وقوله من حيث الخ متعلق بقوله: علو أو بالدلالة، وهو الأظهر وقيل هو متعلق بصمديته والمعقول من رفعة الدرجات فإنها درجات الكمال المعنوية والمحسوس من العرش، والدال صفة علو وقوله لا يظهر دونها كمال أي لا يظهر كمال بدونها أي إلا وهو منها كما يقال: فلان لا يفصل حكم دونه، وقيل معناه إنه ليس وراءها كمال والمراد نفي كمال غيره وقيل دونها بمعنى عندها أي كمالات غيره عنده كالعدم، والأوّل أظهر، وقوله فإنّ بيان لوجه الدلالة وفي نسخة بالواو عطف تفسرفي على تفزده. قوله:) وقيل الدرجات مراتب المخلوقات (فالرفيع بمعنى الرافع وكذا في الوجوه التي بعده. قوله: اللدلالة على ان الروحانيات الخ) قال السيوطي في رسالة الحبائك في الملائك الروحانية بفتح الراء من الروج وقيل إنه بالضم والفتح مطلق الملائكة وقيل ملائكة الرحمة، وبالأوّل فسره أرباب الحواشي هنا، وقوله: مسخرات لأمره أي منقادة لأمره، وقوله: بإظهار آثارها وفي نسخة آثاره وفي أخرى أثره متعلق بالدلالة أي آثار الملائكة وعلى التذكير المراد أثر التسخير والمعنى إنا يستدل بنزولها بالوحي على كونها مسخرة فإن الوحي، وإن كان بواسطة بعضها لكن لا فرق بين بعض ويعض منها فيه، وقيل هو متعلق بأمره، وقوله وهو ال! حي الضمير للآثار وروعي فيه حال الخبر أو للأثر الذي في ضمنها. قوله: (وتمهيد للنبوّة الخ (أي هذا الخبر الرابع بيان لأمر النبوّة بعد ذكر ما يقرر وحدانيته بذكر آياته الدالة على ذلك بقوله الذي يريكم الخ، وقوله الروح للوحي لأنه به الحياة الأبدية المعنوية كما إن بالروج الحياة الحسية فهو استعارة، وقيل إنه جبريل ويلقى بمعنى ينزل ومن أمره بمعنى من أجل تبليغ أمره وقوله مبدؤه فمن ابتدائية وهو معطوف على قوله بيانه إذ معناه أن من بيانية لا على الوحي كما قيل فإنه وإن صح مع ركاكته أقل مفاداً، وقوله والأمر هو الملك يعني إذا كانت من ابتدائية لأن الوحي لتلقيه عنه يكون مبدأ له، وقوله وفيه أي في قوله: {عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} دليل على أنّ النبوّة عطائية وموهبة الهية من غير اشتراط أمر آخر كتصفية الباطن وغيره مما ذهب إليه الحكماء وهذا لا يخالف كلامه في سورة الأنعام كما توهم. قوله: (غاية للإلقاء لخ (أى علة غائية مرتبة عليه والمستكن بالتشديد استفعال من الكت بمعنى الاستتار، ويجوز فيه عوده على الأمر أيضا وقوله: واللام مع القرب يؤيد الثاني أمّا القرب فظاهر لأنه أقرب مما عداه فيكون عوده عليه أظهر وأرجح، وأمّا ترجيح اللام فالظاهر أنه لأمر معنوي لا صنافي، وهو أن المنذر في الحقيقة للناس هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأمّا الله فبواسطة من بلغ عنه وجعل الوحي منذراً مجاز وكذلك السياق يقتضي إن ذكر الملقى عليه إنما هو للتبليغ عنه، وما قيل إنّ تأييدها بالنسبة إلى الأوّل لأنه لو عاد الضمير على الله لم يحتج إلى اللام لاتحاد فاعل الإنذار والفعل المعلل فمع ضعفه فيه أنّ الح! سرط الثاني مفقود وانّ هذا ليس باسم صريح حتى ينص وفي قوله تتلاقى الأرواح والأجساد نظر يدفعه التأويل الصادق ويوم التلاف ظرف أو مفعول لينذر ويوم هم الخ بدل من يوم التلاق، وفيه وجوه أخر. قوله: (ظاهرون لا يسترهم شيء الخ) إن عمّ الثياب والبناء وكل حائل ققوله بعده ظاهرة نفوسهم الخ المراد بالنفوس فيه الأرواح بناء على عدم تجرّد النفسى، وإنها جسم لطيف فغواشي الأبدان استعارة أو من إضافة الصفة للموصوف على أن الغواشي هي الأبدان نفسها، وأمّ ما قيل من أن المراد بالنفس الحملة، والغواشي الثياب فقيل عليه: إنه مع أنه تكلف عين ما قبله فلا ينبغي عطفه باو وحمله الستر في الأول على ستر البناء، وهذا على ستر الثياب تخصيص من غير مخصص، ولا يرد عليه إنه إنكار للحشر الجسماني لأن المراد بعدم حجب غواشي الأبدان أنها مع تعلقها بالبدن لا تسترها كما في الدنيا لا إنها تنفصل عنه فتدبر. قوله: (وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا) أي لما كانوا يتوهمون في الدنيا من أنهم إذا استتروا بالحيطان، والحجب إن الله لا يراهم لحماقتها وجهلهم كما في الكشاف، وقوله: حكاية كأنه يعني أنّ فيه قولاً مقدراً أي ويقال لمن الملك وفي القائل، والمجيب هل هو الله أو الملائكة مع أحتمال الاتحاد فيهما والمغايرة احتمالات. قوله: (نتيجة الخ) أراد بالنتيجة معناها اللغوي لأنه يفهم من تفرّد الملك القهار، وعدم خفاء شيء عليه، واجتماعهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 فيه أن يجازي كلا بما يستحقه. قوله: (وتحقيقه أن النفوس الخ) هذا على طريق الصوفية، والحكم التألهين من أصحاب الكشف، وتصفية البواطن بالرياضة من كدر الطبيعة والهيولي المشاهدين للأرواح المفارقة للأبدان، وصور أعمالها وان لذتها وألمها هو الألم، واللذة ومن توهمه إنكاراً للحشر الجسماني أو قال المراد بالنفس الجملة لم يصب: وإذالم ترالهلال فسلم لا ناس رأوه بالأبصار قوله: (بنقص الثواب الخ (لو وقع لم يكن ظلما عندنا وإنما سمي بمقتضى أنه وعد منه وهو لا يخلف الميعاد أو لأنه على صورة الظلم ومثله تخليد المؤمن وادخال الكافر الجنة، وقوله فيصل إليهم ما يستحقونه سريعاً إشارة إلى أن سرعة الحساب يلزمها سرعة، وصول العقاب وهو المراد ليكون تعليلا وتذييلاً لما قبله. قوله: (لأزوفها) أي قربها بالإضافة لما مضى من مدّة الدنيا أو لما بقي فإنّ كل آت قريب وعلى هذا فهو اسم ليوم القيامة منقول من اسم الفاعل، أو هو باق على وصفيته وهو صفة لموصوف مقدر تقديره الخطة الآزفة والخطة بضم الخاء المعجمة مع تشديد الطاء المهملة، وبعدها هاء تأنيث ومعناه الأمر والقصة، والمراد به ما يقع يوم القيامة من الأمور الصعبة التي من حقها أن تخط وتكتب لغرابتها، والمراد باليوم الوقت مطلقا أو هو يوم القيامة. قوله: (وهي مشارفتهم النار) تحقيق لمعنى الأزوف فيه لأنهم بعد تلك الأهوال يدخلون النار، وقوله: وقيل الموت فالمراد بالخطة ما يقع لهم من وقائع الدنيا قيل، ولا يلزم فيه التكرار وهو أنسب بما بعده. قوله: (فلا تعود (أي إلى مقرّها فيتروحوا أي فيحصل لهم روح بالفتح أي راحة بالتنفس وهو كما قيل كناية عن فرط تألمهم أو كناية عن شدة خوفهم كما مرّ في سورة الأحزاب ولا منافاة بينهما، وقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ} بدل من يوم والحناجر جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظا ومعنى، وهي كما قال الراغب رأس الغلصمة من خارج، والغلمة لحها بين الرأس والعنق وبما مر من أنه كناية عن فرط التألم أو شذة الخوف سقط ما قيل على قوله ولا تخرج فيستريحوا من أنه لا يناسب ثفسير الآزفة بالموت، وأنّ فيه إشارة إلى ترجيح الوجهين الأوّلين. قوله: (كاظمين على الغم) من الكظم وهو كما قال الراغب مخرج النفس يقال أخذ بكظمه، والكظم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت وكظم الغيظ حبسه، والتوقف عما يدعو إليه أو معناه أنهم متوقفون عن كل شيء كالمغمى عليه فقوله: كاظمين على الغيظ معناه ساكتين عليه ففيه استعارة تصريحية في كاظمين أو مجاز مرسل أو هو بمعنى مغمومين ففيه استعارة مكنية، وتخييلية إذ شبه ما في نفسه من الغم بماء ملأ قربة وإثبات الكظم له تحييل والغم بالغين المعجمة معروف، ويحتمل أن يكون بالفاء والمعنى أنهم ممسكون على الأفواه لئلا تخرج قلوبهم مع أنفاسهم ففيه مبالغة عظيمة كما أشار إليه في الكشف لكن الظاهر الأوّل رواية ودراية. قوله: (حال من أصحاب القلوب الخ (أي حملا على المعنى إذ المعنى قلوبهم أو حناجرهم، ثم جعلت الألف واللام عوضاً عن الضمير المضاف إليه، ولا يرد أنه حال من المضاف إليه والنحاة أبوه لأنه يجوز في ثلاث صور إذا كان المضاف عاملا أو جزأ له أو كجزء، وهذا من القسم الثاني والعامل فيه الظرف أو متعلقه وفي نسخة لأنه على الإضافة أي على نية الإضافة كما عرفته. قوله: (أو منها (أي من الضمير المستتر في الخبر، وهو لدى الحناجر وجمع جمع العقلاء لتزيلها منزلتهم لوصفها بصفة العقلاء، وهذا في الوجهين الأخيرين ففيه استعارة مكنية وتخييلية، والوجه الثاني أولى لأن في الأوّل مجيء الحال من المبتدأ، وهو ممنوع أو ضعيف وإسناد الكظم إلى القلوب مجازي وفيه وجه آخر ذكره في تفسير تلك الآية، وقد قيل إنها جمعت جمع العقلاء باعتبار أصحابها وفيه نظر. قوله:) على أنه حال مقدّرة (قيل أي مقدّراً كظمهم على صيغة المفعول إذ لا تقديره من المنذرين وقت الإنذار، وفي الكشاف أي أنذرهم مقدرين وفيه نظر يعني أنهم لم يقع منهم ذلك التقدير أصلأ، وهو ساقط لأنه يجوز أن يكون بصيغة المفعول، كما يجوز في الأوّل أن يكون بصيغة الفاعل مع أنه لا مانع من تقديرهم تقديرا وفيه وجه آخر، وهو أن كاظمين بمعنى مشارفين الكظم فتدبر. قوله:) قريب مشفق (القرب إما من جهة النسب، وهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 الظاهر أو من جهة الصداقة فيكون بمعنى محب مشفق كما في الكشاف لكن الأوّل هو المصرّج به في كتب اللغة، وهو أوفق بعموم شفيع بعده وقد سبق في الشعراء إنه من الاحتمام بمعنى الاهتمام فهو الذي يهمه ما يهمك، أو هو من الهامة بمعنى الصديق الخاص بك فيناسب الثاني. قوله:) شفيع مشفع (فيطاع بمعنى مشفع والظاهر أنه حقيقة، وقيل إنه مجاز لأن المطاع كالآمر يكون أعلى ممن أطاعه، وفيه نظر والمراد به نفي الصفة والموصوف، وهو من باب: ولا ترى الضب بها ينحجر فهو نفي له بدليل لأن من شأن الشفيع أن يشفع ولأن نفي الموصوف يدل على نفي الصفة، وفي مثله وجوه قد سبق تحقيقها في سورة البقرة. قوله: (والضمائر الخ (يعني المذكورة من قوله وأنذرهم إلى هنا، ويجوز أن تكون عامّة لهم ولغيرهم وعلى الأوّل مقتضى الظاهر مالهم من شفيع الخ، وقوله: للدلالة على اختصاص ذلك أي الإنذار وبلوغ قلوبهم الحناجر والاختصاص من اختصاص العلة، وهي الظلم بهم وأعظمه الكفر واحتمال كون الضمير لمشركي هذه الأمّة وغيرهم لا شفيع لهم أيضا فلا يتجه الاختصاص كما قيل: مبني على أن الشرك عظيم، والمطلق ينصرف لفرده الكامل ويؤيده كون السياق لهم وفيه بحث. قوله: (النظرة الخائنة) فهو صفة لموصوف مقدر هو النظرة لا العين أو الأعين لأنه لا يناسبه ما عطف عليه لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال والصدور المخفي ما فيها وقوله: كالنظرة الثانية، لا الأولى لأنها معفوّ عنها وأبى بالكاف إشارة إلى عدم اختصاصه بما ذكر وجعلها خائنة استعارة مصرّحة، أو إسناد مجازي أو مكنية وتخييلية بجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالاستراق. قوله: (أو خيانة الأعين) على أنّ خائنة مصدر بوزن فاعلة كالكاذبة بمعنى الكذب وهو قليل في بابه ولذا أخره، ومن الضمائر وهي ما يخفيه الإنسان في نفسه وقلبه بيان لما وفيه إشارة إلى أنها موصولة ويجوز كونها مصدرية فيناسب الثاني، وقوله: خبر خامس أي لهو في قوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [سورة غافر، الآبة: 13] وهو وان كان بعيداً لفظا قريب معنى لارتباطه ما بعده به كما فصله شراح الكشاف. قوله: (للدلالة على أنه ما من خفي الخ) كونه متعلق العلم من صريحه، وأما الجزاء فلأنّ علمه تعالى بالأمور كناية عن مجازاته عليها كما مرّ مراراً وليس هذا تعليلاً لسكونه خبراً خامسا بل لما تضمته من ذكره بعدما تقدم من قوله لا يخفى على الله منهم شيء فلا يرد عليه أن الأولى أن يقول لاتصاله به وقد يجعل تعليلاً له إذ معناه المقصود منه عموم الجزاء فيفيد غير ما سبق وتتضح خبريته فافهم. قوله: (فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه) يعني أنه يفيد الحصر كما قال الزمخشري يعني والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضي إلا بالحق والعدل لاستغنائه عن الظلم، وهو مستفاد من ذكر القيد على وجه الملابسة كأنه قيل يقضي قضاء ملتبسا بالحق لا بالباطل وأما البناء على المبتدأ فلا يفيده وإنما هو للتقوى كما تقدم. قوله:) تهكم بهم (لا مشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء لأنّ التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الاستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية، وقوله: أو لا يقضي دفع لسؤال وهو أنه إذا كان تهكما يكون مجازاً ولا حاجة إلى ارتكاب التجوّز في النفي لتصوّر حقيقته لأنه إنما ينتفي الشيء عما يصح صدوره منه وبهذا الاعتبار يكون مجازاً كما مرّ تحقيقه في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [سورة البقرة، الآية: 26] وقوله: وقرأ نافع هو رواية عنه، وقوله: أو إضمار قل فلا يكون التفاتا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم. قوله: (تقرير لعلم الخ (الأوّل من قوله البصير، والثاني من قوله السميع فهو لف ونشر مشوّش، وقوله: يقولون ويفعلون مرتب ووجه الوعيد أن اطلاعه على أعمالهم يشعر بجزائه عليها وما يدعونه من دون الله الجمادات المعبودة فإنها لا سمع لها ولا بصر واستنبط منه عدم صحة قضاء الأصم والأعمى. قوله:) فينظروا ( مجزوم لعطفه على المجزوم أو منصوب في جواب النفي، وفيه نظر لأنه لا يصح تقديره إن لم يسيروا ينظروا فإمّا أن يجعل الاستفهام استبطائيّ إنكاري في معنى النفي، وهو جواب نفي النفي والمعنى هلا يسيروا فينظروا فإنّ منهم من لم يسر فغلب على غيره فتأمّل. قوله:) مآل حال الخ) هو تفسير للعاقبة، وقوله: وإنما جيء بالفصل أي ضمير الفصل، وهو هم إن لم يجعل تأكيداً لضمير كانوا ولم يذكره لعدم احتياجه للتوجيه مع ظهوره، وقوله: وحقه أن يقع بين معرفتين يعني أنه وصل الأكثر فيه فلا ينافي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 تجويز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [سورة اد بروج، الآية: 13] وقوله: لمضارعة أفعل من أي أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه، والمضارعة بمعنى المشابهة لفظا في عدم دخول أل عليه ومعنى لأنّ المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معناه فلا يرد زيد هو على رحل فإنه لأمر لفظيّ، وقراءة أشد منكم على الالتفات وجملة كانوا الخ مستاً نفة في جواب كيف سارت أمورهم. قوله: (وقيل المعنى الخ الم يرتضه للتأويل من غير حاجة له لعطفه على قوّة وإنما قدر أكثر لأنّ مثله لا يوصف بالشدّة، وهو غير مسلم وعلى هذا فهو معطوف على أشد وأوّل هذا: يا ليت زوجك في الوغى قوله تعالى:) {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} ) كان هنا للاستمرار أي ليس لهم واق أبداً وقد سبق في الرعد ما لهم من الله من واق ومن الأولى متعلقة بواق قدمت للاهتمام والفاصلة لأنّ اسم الله قيل إنه لم يقع مقطعا للفواصل، والثانية زائدة، وقيل الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلاً من المتصف بصفات الكمال، وهم الشركاء أو هي ابتدائية لأنه إذا لم يكن لهم منه واقية فليس لهم باقية، وقوله: يمنع الخ تفسير لواق لأنه من الوقاية وهي القطع والمنع. قوله: (بالمعجزات الخ الا مانع من إرادتهما معاً، وقوله: لا يؤبه أي لا يعتذ به فإنه كلا عقاب إذا قيس إليه، وقوله والعطف الخ يعني إن كات المراد بهما واحداً نزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأوّل، أو المراد بالسلطان المبين بعض من معجزاته عطف عليه تعظيما له كما عطف جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة، ولا يخفى أنّ مثله إنما يكون إذا عين الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر، وقوله يعنون موسى عليه الصلاة والسلام الخ إذ التقدير هو ساحر الخ. قوله: (وبيان لعاقبة الخ (توجيه لتخصيص فرعون بالذكر هنا بأنه لأشدية طغيانه وقرب زمانه ولا بعد في كونه أ! ثحد من عاد كما توهم، وقوله: أي أعيدوا الخ إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ هذا إنما وقع إذ ولد موسى عليه الصلاة والسلام وخوّف فرعون بمولود يسلبه ملكه بأنّ ذلك وقع منه مرّتين أوّلاً لينجو منه، وثانيا بعد ظهوره ليصذ الناس عن اتباعه، وقد قيل إنّ قارون لم يصدر عنه مثل هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه هنا، وقوله في ضلال من ضلت الدابة إذا ضاعت كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: التعميم الحكم! لكل كافر، والتعليق بالمشتق يدل على أنّ المشتق منه علة للحكم كما لا يخفى، وقوله: يكفونه بتشديد الفاء أي يمنعونه، وقوله: تخافه أي تخاف منه القتل وسلب الملك كما أخبره الكهان به، وقوله: وتعلله بذلك أي اشتغاله عن قتله بما قالوه له في الكف عنه مع أنه جبار لا يبالي بإراقة الدماء خصوصاً إذا خشي من غائلة وقوله: فخاف من قتله أي خاف أي يهلكه الله ويعجل عقوبته وأنه لا يتيسر له ذلك فيفتضح، دمانما أظهر أن امتناعه لقولهم في سيب الكف عنه تعللا به وتلبيسا على غيره. قوله: (ويؤيده قوله الخ) قيل هو ناظر لقوله وظن الخ لأنه لا يناسب تيقنه التجلد وعدم مبالاته بدعاء ربه لأنه لو خاف قتله لم يتجلد، وقيل إنه ناظر لقوله تيقن أنه نبي ولا يخفى إنه لا يلائم ما بعده من عدم المبالاة إلا أن يراد به إنه كان يظهر ذلك، وفي قلبه وباطنه ما يخالفه وهو الذي أراده المصنف كما يشهد به تعريفه بقوله فإنه الخ لكن كان الأحسن أن يقول تجلد بإظهار عدم مبالاته بدعائه. قوله: (من عبادته) وفي نسخة من عبادتي وهي أظهر والأولى حكاية بالمعنى وقوله: عبادة الأصنام لقوله الخ لأنهم كانوا يعبدون فرعون إذا حضروا عنده فإذا غابوا عبدوا أصناماً يقولون إنها تقرّبهم إليه كما قالته المشركون كما صزج به المفسرون فلا يقال إنهم كيف عبدوا الأصنام وأقرّهم على ذلك مع ادّعائه الربوبية، وقوله: التحارب تفاعل من الحرب والتهارج بمعناه لأنه من الهرج وهو القتال، وقوله: بفتح الياء والهاء أي من يظهر. قوله: (أي لقومه لما سمع كلامه الخ) جعل المقول له قومه لقوله وربكم فإنّ فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته إلا أن يراد أنه كذلك في نفس الأمر ومما يؤنسه إنه مز في سورة الأعراف: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ} [سورة الأعراف، الآية: 128] وإن لم يكن ذلك في مقابلة قول فرعون فإنه ليس بدليل قطعي، وأما قوله كل متكبر فلا دلالة له على ما ذكر كما توهم. قوله: (وإشعارا الخ (ضمنه معنى التنبيه والدلالة فلذا عداه بعلى، وقوله: دفع الشرّ إشارة إلى أنّ قوله من كل متكبر بمعنى من شرّ كل متكبر إفا بتقدير مضاف أو بفهمه من السياق، والتأكيد من تصديره بأنّ والحفظ من لوازم التربية فلذا ضمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 إليه. قوله: الما في تظاهر الآرواح من استجلاب الإجابة) وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات كما قاله الإمام فإن قلت لا ذكر للأرواح في النظم فمن أين أخذ تظاهر الأرواح أي تعاونها في استجلاب الإجابة أي تحصيلها قلت: العياذ بمعنى الالتجاء والالتجاء هو الدخول في جوار من يلتجئ الناس إليه، والتمسك بأذيال عصمته والدخول في حرم حمايته، ولما كان ذلك في الناس بالقرب الحسي، وهو غير متصوّر هنا كان معناه أن يتوجه العبد لمولاه حتى كأنه واقف عنده يراه، وذلك إنما يكون بتوجه وجوه الأرواح وخلع أردية الأشباج، وترك الظاهر لمرجع الضمائر: وحيثماكنت في مكان فلي إلى وجهك التفات قوله: (يعمه وغيره) عموما بدليا لا شمولياً لأنه نكرة في الإثبات فلذا أتى بكل ليدل على العموم الشمولي فليس لتأكيد التعميم كما قيل، وقوله: ورعاية الحق أي حق فرعون الذي كان عليه إذ رباه صغيراً فلذا لم يواجهه بالاستعاذة منه كما قاله الإمام وهذا راجع لقوله لم يسم الغ ففيه لف ونشر مشوش ولولا تصريح الإمام بما ذكر لجاز حمله على أنّ المراد بالحق مقابل الباطل بمعنى أنّ الحق أن لا يستعاذ من ذات أحد ما لم يكن متصفاً بالصفات الذميمة من التكبر، وعدم خوف الله وعقابه لأنّ من لا يقول بالجزاء يتجرأ على الظلم والقتل، وهذا هو الحامل له على الاستعادة منه، وقيل المراد بالحامل الخ الحامل لفرعون فإن سبب قوله أقتل موسى تكبره والأوّل أظهر وأنسب، والإدغام هنا إدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء. قوله: (وقيل من متعلق بقوله يكتم الخ) ذكروا فيه وجهين أحدهما أنه مستقرّ صفة لرجل، وقدم فيه الوصف بالمفرد على الوصف بالجملة والثاني أنه متعلق بيكتم، وقد قيل عليه إنه لا يتعدى بمن بل بنفسه كقوله تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} [سورة النساء، الآية؟ 42] وقول الثاعر: كتمتك همابالجمومين ساهرا وهمين همامستكنافظاهرا وأيضا لا وجه لتقديمه، ولذا لم يرتضه المصنف رحمه الله كما قيل وأيضا ورد في الحديث " الصديقون ثلاث حبيب: النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آلى فرعون وعلني بن أبي طالب كرم الله وجهه " وهو يعين الاحتمال الأول (أقول) هذا كله غير وارد أتا الأول فلأنه ورد تعدّي كتم بنفسه وبمن كما نقله أهل اللغة قال في المصباج كتم من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من في المفعول الأول فيقال كتمت من زيد الحديث كما يقال بعته الدار وبعتها منه، ومنه عند بعضهم وقال رجل مؤمن من آل فرعون الخ وهو على التقديم والتأخير والأصل يكتم من آل فرعون إيمانه وهذا القائل يقول الرجل ليس منهم انتهى، وعليه مشى صاحب التلخيص ووجه تقديمه هنا التخصيص لأنه إنما كتم إيمانه عن آل فرعون دون موسى ومن اتبعه، وأما ما ذكر من الأثر فعلى فرض صحته الإضافة لأدنى ملابسة لوقوع إيمانه بين أظهرهم مع اتباعه لهم ظاهراً. قوله: (والرجل إسرائيلي) أي على الوجه الثاني، وقد كان على الأول عد من أقاربه لأنه قيل إنه ابن عمه وتأخير الثاني للإشارة إلى ترجيح الأول كما في الكشاف ولأنّ بني إسرائيل لم يقلوا، ولذا قال فرعون: أبناء الذين آمنوا معه، وقوله: ينصرنا وجاءنا ظاهر في إنه يتنصح لقومه، وقوله ظاهر صريح في احتمال غيره فإنه لا ينكر فاحتمال كون شرذمة قليلة من بني إسرائيل أظهروا أتباعهم فعدوا من زمرتهم لأغراض لهم لا يضر الظهور كما توهم، وقوله: كان ينافقهم بإظهار أنه على دينهم وهو تقية منهم، وهذا ناظر لكونه إسرائيلياً أو غريبا. قوله: (أثقصدون قتله) فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب، وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوّز كما قيل وقوله: لأن يقول فقبله حرف جر مقدّر وهو يطرد حذفه مع أنّ وان، وقوله وقت أن يقول ففيه مضاف مقدّر وبعد حذفه انتصب المضاف إليه على الظرفية لقيامه مقامه، وأمّا كون القائم مقام الظرف لا يكون إلا المصدر الصريح أو ما كان بما الدوامية كما قاله أبو حيان: فغير مسلم لأن ابن جنى والزمخشري صرحا بجوازه وهو كاف في صحته وسقوط الاعتراض عنه. قوله: (من غير روية وتأمل في أمره) يعني أنهم لم يفكروا في عاقبة أمرهم إذا قتلوه، ولم يؤمنوا بما جاء به من البينات أو من غير تتفكر فيما جاء به فإنه جاءكم بما هو ظاهر الحقية فلا ينافي قوله: {وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ} [سورة غافر، الآية: 28، كما قيل وكون المعنى على التشبيه تعسف. قوله:) ربي الله وحده (توطئة للحصر لأنّ المعنى لا رب لي إلا الله وإنّ الإيضافة فيه للجنس لأنها تأتي لمعاني اللام فإذا حمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 فرد معين على الجنس أفاد القصر بخلاف العكس كزيد صديقي فإنّ المحمول يكون أعم، ولولا ذلك لم يتم المراد لأنّ الإضافة العهدية تكون لحمل جزئي على جزئي فلا بد من إفادة الاتحاد لكنه غير مناسب هنا، ومثله لا يسمى قصرا اصطلاحا كما قرره أهل المعاني في زيد أخوك وعكسه. قوله: (المتكثرة) إشارة إلى أنّ جمع المؤنث السالم وإن كان للقلة إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام، وقوله: على صدقه متعلق بالبينات لأنها بمعنى الشواهد وجملة وقد جاءكم الخ حالية من الفاعل أو المفعول، والمراد بالاستدلالات ما مز في الشعراء مما ذكره من أدلة التوحيد، وهي غير المعجزات. قوله:) احتجاجا عليهم (أراد أنه بعدما ذكرهم بالأدلة البينة على كونه ربهم وإنه لا بد لهم من رب أضحافه لهم ليحتج عليهم فليس الاحتجاج بمجرّد الإضافة حتى يقال هو غير صحيح لأنهم لا يعترفون بأنه ربهم فكيف يحتج عليهم بمجرّد الإضافة. قوله: (ثم أخذ بالاحتجاج الخ (يعني إنه خاف فرعون لما قدمه أن يعرف حقيقة إيمانه فيبطش به فذكر احتياطا الاحتجاج المذكور على سبيل الإنصاف احتياطا لأمره ونفسه فلا يرد أن كلامه يشعر بأنه لا احتجاج فيما قبله، وقوله: لا يتخطاه الخ الحصر من تقديم الخبر عليه. قوله: (مبالغة في التحذير (لأنه إذا حذرهم من بعضه أفاد أنه مهلك مخوّف فما بال كله والإنصاف بنصحه لهم وعدم الجزم بكل ما وعد به وهذا توجيه لذكر البعض دون الكل مع أن ما أخبر به النبي الصادق لا يتخلف أو الوعيد دنيوي، وأخروي والمراد ببعضه العذاب الدنيوي. قوله: (وتفسير البعض بالكل) المنقول عن أبي عبيدة استدلالأ بالبيت المذكور لأنّ المراد ببعض النفوس النفوس جميعها إذ لا يسلم من الموت أحد. قوله: (تراك الخ) هو بيت من معلقة لبيد المشهورة، وتراك فعال للمبالغة في الترك والأمكنة جمع مكان، وقوله: أو يرتبط بمعنى إلى أن يرتبط أو إلا أن وسكن للتخفيف أو هو معطوف على المجزوم والارتباط هنا مجاز عن المنع والعوق، والحمام بكسر الحاء المهملة الموت والمعنى إنه ترك كل مكان لا يرتضيه بالرحلة عنه إلا أن يمنعه الموت عن الارتحال كما قيل: إذا كرهت منزلا فدونك التحوّلا وإن جفاك صاحب فكن به مستبدلا ومحصل الرد أن المراد ببعض النفوس نفسه هو لا معنى الكل إذ المراد إلا أن أموت أنا فالبعض على ظاهره واذا كان بمعنى الكل فالمعنى لا أزال أنتقل في البلاد إلى أن لا يبقى أحد أقصده من العباد. قوله: (احتجاج ثالث ذو وجهين) وفي نسخة بحجة ذات وجهين وهما واضحتان وهي جملة مستأنفة، وامّا متعلقة بالشرطية الأولى أو بالثانية أو بهما والإسراف إفراط الضلال أو الفساد ولين الشكيمة مجاز عن الانقياد وقوله: وخيل إليهم الثاني أي أوهمهم إنه أراده يعني أنه كلام فيه تورية وتعريض على طريق الكناية التعريضية، واسراف فرعون بالقتل والفساد وكذبه في ادعاء الربوبية وأمّا موسى عليه الصلاة والسلام فمعصوم فهو على زعم فرعون فيه، ولما في كلامه من التورية لم بناف الاحتياط فلا يتوهم إنه إذا قصد الأولى كيف يكون احتياطا فتأمّل. قوله: (فلا تفسدوا الخ) إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة وفي الكلام تقدير به ينتظم كما ذكره، وقوله: ولا تتعرّضوا لبأس الله الذي هو رب موسى الذي ذكرته لكم، وهو كالتفسير لما عطف عليه، وقوله: لم يمنعنا الخ هو معنى قوله من ينصرنا الخ لأنه استفهام إنكاري معناه النفي، وقوله: لأنه الخ على الوجه الأوّل في قوله من آل فرعون، وقوله: ليري إنه معهم على الثاني فلا يكون اقتصاراً على أحدهما كما قيل: والمساهمة المشاركة كان لكل منهم سهما ونصيباً فيما ينصحهم به. قوله: (ما أشير إليكم) قيل الصواب عليكم لأنّ أشار إليه بمعنى أومأوا منشرته أي راجعته في أمر لأرى رأبه فيه فأشار عليّ بكذا أي أرى ما عنده فيه كما حققه أهل اللغة، وليس معناه أمرني كما في القاموس والإيماء عنه مناسب هنا مع أنه لو صح فالمومي إليه الرأي لأهم وما ذكر تفسير له بلازمه، ومعناه لا أمكنكم من رأي غير رائي وذلك بالأمر به وما مصدرية لا موصولة كما يدل عليه كلام المصنف رحمه الله، وهو من تحجير الواسع فإن المصنف مقصوده إن رأى هنا من الرأي وأمر التعدية سهل كأنه يجوز أن يضمن معنى متوجهاً إليكم في المشاورة في شأنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 وما تحتمل الموصولية والمصدرية، وليس فيهما يخفى على ناظر فيه. قوله:) وما أعلمكم إلا ما علمت (لما جعل ما أريكم إلا ما أرى بمعنى ما أشير عليكم إلا ما هو صواب عندي من الرأي فسر هذا بما ذكره لأن الهداية الدلالة إلى ما يوصل، وهي الإعلام بطريق الصواب التي يعلمها المعلم بها أو بالصواب نفسه فلا يتوهم أنّ هذا التفسير لم يذكر في محله وكان ينبغي تقديمه، وجعله تفسيراً لما أريكم إلا ما أرى كما في الكشاف إشارة إلى أن الرؤية إمّا من الرأي أو علمية أو تأخيره عن قوله إلا سبيل الرشاد نعم لو أتى به كما ذكر كان له وجه فلعمري لقد استسمن ذا ورم. قوله:) وقلبي ولساني الخ (إشارة إلى أنّ ما اختاره من أنّ الرؤية من الرأي وإنّ الهداية الدلالة، والإعلام بالقول أرجح مما عداه إذ به تدل الجملتان على تواطؤ القلب، واللسان فينتظم تأسيس اامملام أحسن انتظام فمن ادعى خلل ترتيبه، لم يقف على مراده. قوله: (فعال للميالغة الخ (يعني إن هذه الصيغة للمبالغة، وقد تثبت من الثلاثي من باب فعل بكسر العين وفعل بفتحها ولهـ3 تجيء من المزيد إلا في ألفاظ نادرة وردت على خلاف القياس، وهي دراك من أدرك وقصار من أقصر عن الشيء وجبار من أجبر وسآر من أسأر مع أنه ثبت في بعضه سماع الثلاثي، وجوّز تجريده من الزوائد تقريبا له من القياس، وقد سمع جبره فقوله كجبار بناء على المشهور ورشد ورشد بمعنى اهتدى، وما قيل المعنى على أنه صيغة مبالغة من الإرشاد إذ المعنى سبيل من كثر إرشاده غير مسلم بل المراد سبيل من اهتدى، وعظم رشده ولا حاجة إلى أن يقال من رشد أرشد فاكتفى بالسبب عن المسبب أو المبالغة في الرشد تكون بالإرشاد كما قيل في طهور وقيوم فإنه إذا قيل إلا سبيل من اهتدى كان في غاية من السداد، والله الهادي إلى سبيل الرشاد فقوله: سماعي يحتمل أن فعالاً من المزيد سماعي أو صيغة فعال مطلقاً سماعية كما قيل. قوله:) أو للنسبة (أي يكون فعال في هذه القراءة للنسبة كما قالوا عواج لبياع العاج، وبتات ليباع البت وهو كساء غليظ، قيل طيلسان من خز أو صوف. قوله:) يعني وقائعهم (أي المراد بالأيام الوقائع فإنها كثر استعمالها بمعناها حتى صار ذلك حقيقة عرفية والوقائع جمع وقيعة بمعنى الحرب أو واقعة بمعنى النازلة الشديدة، وليس في المقام والاستعمال إباء عنه كما قيل ولو أبقى على معناه المتبادر منه قدر فيه مضاف أي مثل حادث يوم الخ ولكل وجهة. قوله: (وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم) دفع لأنه سواء كان على ظاهره أو بمعنى الوقائع فالظاهر جمعه بأنّ الإضافة لها معان كاللام فإذا أريد الجنس أفاد ما يفيده الجمع والقرينة عليه إضافته لأنه لا يكون للأحزاب يوم واحد بمعنييه، وتفسيره بما بعده معين له والمرجح له خفة لفظه واختصاره وليس هذا من الاكتفاء بالواحد عن الجمع، وقال الزجاج: المراد بيوم الأحزاب حزب حزب بمعنى أن جمع حزب مراد به شمول أفراده على طريق البدل فأوّل الثاني، وهو معنى آخر ومنه يعلم أنّ التكرار يكون في معنى الجمع كبابا باباً وعكسه فاحفظه. قوله: (مثل جزاء ما كانوا عليه الخ (يعني أنّ فيه مضافا مقدرا ودأبهم عادتهم الدائمة ودأب يكون بمعنى دام، وإنما قدره لأنّ المخوف في الحقيقة جزاء العمل لا هو ودائبا خبر سببيئ لكان أو حال من المجرور، والأوّل أنسب بما في النظم كما قيل والإيذاء بمعنى الأذى صحيح كما أثبته الراغب فلا عبرة بإنكاره كما مر تفصيله. قوله تعالى: ( {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} (أي بأن يظلمهم بنفسه أو يظلم بعضهم بعضا ومذهب الأشاعرة أنه لا يتصوّر الظلم منه تعالى لأن الكل ملكه كما مر في سورة آل عمران فهو إما على مذهب الماتريدية من أنه لا يفعله بمقتضى حكمته أو المراد بالظلم ما يشبهه، ويكون على صورته كما مر في العنكبوت وهو الأولى. قوله:) أو لا يخلى الظالم منهم بغير انتقام) من التخلية أي لا يتركه سالماً عن الانتقام منه لأنه إذا لم يرد تركه لم يتركه إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء فلا يتجه عليه أن تفريعه على النظم لا يتأتى على مذهب أهل السنة لاقتضائه أنه لا يريد ظلم بعضهم لبعففلا يقع إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء إذ الاقتضاء ممنوع، وإنما يريد الظلم منهم ابتلاء لهم، واظهاراً للمطيع من العاصي كما في سائر التكاليف فلا حاجة إلى جعل الإرادة مجازاً عن الرضا حتى يرد عليه ما يرد وفي الكشات يعني أنّ تدميرهم كان عدلاً لأنه لا يريد ظلما ما لعباده، ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سورة الزمر، الآية: 7] أي لا يريد لهم أن يظلموا فدمرهم لأنهم كانوا ظالمين فالمعنى على الأوّل كونهم مظلومين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 وعلى الثاني كونهم ظالمين ولا يستقيم هذا على مذهب من يجعل الكل بإرادته تعالى، أو يفرق بين إرادة الظلم للعباد وارادة الظلم منهم فإن هذا يمتنع لإشعاره بالطلب، وطلب القبيح باطل بالاتفاق كما قاله المحقق: في شرحه رحمه الله تعالى، وما قيل عليه إنه حديث لم يصح سنده غير متجه بل غفلة عما صرحوا به، قال الراغب في مفرداته: قد تذكر الإرادة ويراد بها معنى الأمر كقولك: أريد منك كذا أي آمرك به نحو: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [سورة البقرة، الآية: 185] اهـ فإذا تعدى فعل الإرادة بمن أو الباء دل على الطلب والاستعمال شاهد له، وبما قررناه علم أنه لا وجه لما قيل من أنه لا يوافق مذهب أهل السنة إذ له العفو وعدم الانتقام عمن ظلم وان لم يرد بالظلم الكفر. قوله: (وهو أبلغ من قوله وما ربك بظلام الخ) لأنّ نفي إرادة الشيء أبلغ من نفيه، ونفي النكرة أشمل إذ معناه لا يريد شيئا من الظلم خصوصاً والآية الثانية فيها نفي المبالغة، وهي لا تقتضي نفي أصل الفعل وان أجيب عنه كما مر وقد ذكر ثمة أنّ فيه مبالغة من وجه آخر فتذكره، وقوله: من حيث أن المنفي فيه نفي حدوث الخ قيل لفظ نفي مقحم في عبارته إذ المنفي الحدوث لا نفيه، وقيل إنّ المنفي يضمن معنى المذكور فلا إقحام فيه وما قيل إنّ إرادة الظلم ظلم ممنوع في حقه تعالى فلا حاجة إلى أن يقال المراد ظلم غير الإرادة بقرينة المقام. قوله: (ينادي الخ) استئناف لبيان، وجه تسمية يوم القيامة بيوم التناد والنداء، وان كان رفع الصوت لطلب الإقبال فهو مجرد لجزء معناه هنا وفي الأعراف ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار الخ، وقوله: بالتشديد أي تشديد الدال من ند إذا هرب، وقيل المراد به يوم الاجتماع من ند إذا اجتمع ومنه النادي وضمير عنه للموقف، وقوله: وقيل: فارين عنها قيل إنّ هذا أولى لأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطا بقوله: {مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ} . قوله: (يوسف بن يعقوب الخ) ذكر أهل التاريخ أن فرعون موسى اسمه الريان واسم هذا الوليد وذكر القرطبي رحمه الله أنّ الأوّل من العمالقة وهذا قبطي، وفرعون يوسف عليه الصلاة والسلام مات في زمنه. قوله: (أو على نسبة أحوال الآباء الخ) وقد جوّز كون بعضهم حيا وفي بعض التواريخ أن وفاة يوسف عليه الصلاة والسلام قبل مولد موسى عليه الصلاة والسلام بأربع وستين سنة فيكون نسبة حال البعض إلى الكل واليه مال المصنف في سورة يوسف، وقوله: حتى إذا هلك الخ غاية لقوله فما زلتم. قوله: (ضما إلى تكذيب رسالته الخ) متعلق بقوله قلتم الخ إما مفعول مطلق أ "! در أو حال بمعنى ضامين أو مفعول له وحزنا مثله معطوف عليه، وهو دفع لما يتوهم من أن قوله من بعده رسولاً يقتضي تسليم رسالته، والتصديق بها مع أنّ ما قبله يدل على شكهم فيها بأنهم لم يقولوا هذا إلا تضجرا بها وانكاراً للرسالة مطلقاً والفرق بين الوجهين أنهم في الأوّل بعد الشك يتوا بتكذيب رسالته ورسالة غيره فيكون ترقياً، وقيل: الشك مقابل اليقين لا التردد وفيه بعد لا يخفى، وفي الثاني جزموا بعدم من يرسل بعده مع شكهم في رسالته، واحتمال اًن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا فلما مات أقروا بها جائز لكنه لم يحمله عليه لمخالفته للظاهر. قوله: (على أن بعضهم يقرر بعضاً بنفي البعث) أي يحمله على الإقرار بنفيه، والتقرير تفسير للاستفهام في هذه القراءة، وقوله: مثل ذلك لضلال اًي السابق وما بعده كما مر، وقوله: بغلبة الوهم أي على ما يقتضيه العقل، وقوله بدل الخ هو أحد الوجوه وفيه كنصبه بأعني ورفعه بأنه خبر مبتدأ مقدر وجعله بياناً لمن أو صفة إن قلنا بحواز وصفه وداحضة بمعنى ساقطة باطلة. قوله:) وأفراده للفظه (يعني تضمير كبر المستتر لمن رعاية للفظه بعد رعاية معناه، وهو جائز وإن كان المشهور عكسه وقد حوز كون فاعله ضمير الجدال الذي في ضمن يجادلون، وقوله على حذف مضاف هو المخبر عنه لأنّ الذين جمع لفظاً ومعنى فلا يصح أفراد ضميره، وقوله: أو بغير سلطان هو الخبر عن المضاف المقدر أيضا لا عن الذين لما فيه من الإخبار عن الذات والجثة بالظرف، وكون الكاف اسماً بمعنى مثل معمولة لعامل مذكور نادر مخالف للظاهر وربما أبا. بعض النحاة لكونه على صورة الحرف، ولم يثبت في كلامهم مثله، ولذا أخره المصنف. قوله: (كقولهم رأت عيني) في الإسناد إلى منبع الرؤية والظاهر إنه مجاز، ولو قيل إنه حقيقة عرفية لم يبعد وكلام الكشاف يميل إلى الثاني، وإذا قدر المضاف توافقت القراءتان، وقوله: بناء الخ حاصله إنّ الصرح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 القصر العالي لظهوره مأخوذ من التصريح، والسبب كل ما أدى إلى شيء كالرشاء والسلم فلذا فسره بالطرق هنا، وقوله وفي إبهامها الخ دفع لما يتوهم من أنه لو قيل: ابتداء أسباب السموات كفى من غير تطويل. قوله: (بالنصب على جواب الترجي) بناء على أنّ جوابه ينصب كالتمني ومن فرق بينهما جعله هنا محمولاً عليه لشبهه به في إنشاء الطلب ومن منعه جعله منصوبا في جواب الأمر، وهو ابن أو معطوفا على خبر لعل بتوهم أن فيه أو على الأسباب على حد: للبس عباءة وتقر عيني قوله: (ولعله أراد أن يبني له رصداً الخ) التي هي أسباب صفة أحوال الكواكب مفسرة للمراد من أسباب السموات على هذا بانتهاء ما تدل عليه حركاتها ونحوها مما يعلم من كتب أحكام النجوم، وهذا يدل على أنه مقر بالله وإنما أراد طلب ما يزيل شكه في الرسالة، وكان هو وأهل عصره لهم اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل. قوله: (أو أن يرى) بضم الياء وكسر الراء مضارع أراهم أي أعلمهم فالمقصود إلزامه إذ قال له إني رسول من رب السموات، واعلام الناس بفساد ما قاله لأنه إن كان رسولاً منه فهو ممن يصل إليه وذلك بالصعود للسماء وهو محال فما بني عليه مثله، وهو جهل منه بالله وظنه إنه في السماء وان رسله كرسل الملوك يلاقونه، ويصلون إلى مقره وهو سبحانه، وتعالى منزه عن المكان وكلما هو من صفات المحدثات والأجسام ولا يحتاج رسله الكرام لما ذكره من خرافات الأوهام، وما ذكره مستلزم لنفي رسول من الله على ما توهمه، وأمّ نفي الصانع المرسل له فلم يتعرّض له وقد قرره الإمام بأنه إيراد شبهة في نفي الصانع لأنه لو وجد كان في السماء لشرفها أو للعلم بعدمه في غيرها فلا يطلع عليه بدون صعودها، وهو محال فكذا ما يتوهم عليه ولك أن تحمل كلام المصنف على هذا إذ ليس صريحاً في مخالفته كما قيل فقوله ابن لي صرحا ليس على ظاهره بل لإظهار عدم إمكان ما ذكر ولعل لا تأباه فإنه للتهكم على هذا، وقد مر في سورة القصص وجه آخر فتذكره والاستنباء إرسال الأنبياء إلى الناس. قوله: (في دعوى الرسالة (أو في دعوى أنّ له إلها لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سورة القصص، الآية: 38] وقوله: سبيل الرشاد للتصريح به قيل فتعريفه للعهد، وقوله: والفاعل الخ قد مرّ تفصيله في سورة الأنعام فلا تغفل عنه، وقوله: ويدل عليه لأنه سبق ذكر الله ولم يذكر الشيطان، وقوله: بالتوسط أي الفاعل بواسطة بالوسوسة من الشيطان كما مر. قوله: (ويؤيده وما كيد فرعون الخ (لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد قبله، وهو في هذه القراءة أظهر وهي قراءة أكثر السبعة وقوله خسار ومنه تب لكنه خسار دائم من قولهم لا يتبب أي يبقى ويدوم، وقوله: وقيل موسى مرضه لأنّ هذا العنوان مناسب لمؤمن آل فرعون دون النبي. قوله: (تمتع يسير) فسر. به لأنّ التنوين، والتنكير يدل على التقليل وجعل المتاع مصدراً بمعنى التمتع ويكون بمعنى المتمتع به وهو صحيح أيضاً، وقوله: وفيه دليل الخ فيه نظر لأنّ من أتلف شيئاً يلزمه قيمته لا مثله، وقوله: بالعمل تنازعه تقدير وموازنة، وفيه إشارة إلى أن المراد بالرزق كل ما لهم فيه من الثواب، وأنّ المراد بكونه بغير حساب أنه لا يقدر بمثلها كالأعمال السيئة بل يزاد ويضاعف إلى سبعمائة فصاعدا، وقد يستعمل بغير حساب بمعنى غير متناه وهو صحيح أيضاً لأنّ رزق المخلد مخلد فيكون غير متناه. قوله: (ولعل تقسيم العمال) جمع عامل والتقسيم بقوله: من ذكر أو أنثى للاهتمام والاحتياط في شمولهم لاحتمال نقص الإناث خصوصاً إذ لوحظ نقص عملهم في مدة الحيض ونحوه، وجعل ما وقع جزاء لأعمالهم اسمية مؤكدة له بالثبوت مع الإشارة إليهم بالبعيد الدال على تعظيمهم، وقوله: وتفضيل الثواب بالضاد المعجمة أي جعله زائداً على العمل لكونه أضعافا مضاعفة له وجوّز كونه بالصاد المهملة أي جعله مفصلاً كقوله يدخلون الخ ويرزقون الخ بخلاف ما يقابل السيئة والظاهر هو الأوّل وقوله: لتغليب الرحمة أي للدلالة على أن رحمته تعالى غالبة على غضبه حيث ضوعفت لمن استحقها ولم يضاعف موجب غضبه إذ لم يزد في جزاء السيآت. قوله: (وجعل العمل عمدة) ركناً من القضية الشرطية لأنه مقدمها والإيمان حالاً في قوله، وهو مؤمن وقوله: على أنه شرط لأنّ الأحوال قيود وشروط للحكم التي وقعت الأحوال فيه وكوف شرطا في صحة العمل والاعتداد به لا كلام فيه إنما الكلام في كون الكلام يدل على أنّ ثوابه أعلى وان كان في نفس الأمر كذلك فإن الطهارة شرط تتوقف عليه صحة الصلاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 وليس ثوابها أعظم من ثواب الصلاة كما لا يخفى فلعله لما قيل: إنه لا ثواب ولا اعتداد بعمل دونه فهم إنه أعظم في نفسه فثوابه أعظم من ثواب غيره، فتأمّل. قوله: (كرّر نداءهم الخ) لأنّ النداء يدل على غفلة المنادى والاهتمام بالنصيحة المنادى لها بتكرارها إجمالاً وتفصيلاً والتوبيخ لجعلهم لا يفيد فيهم، ولا يسمعهم نداء واحد والاستفهام فيه أيضاً توبيخيئ ومقابلتهم معلومة من قوله: {تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} وقوله: عطفه الخ، اسم مبتدأ أو فعل ماض معطوف على كرّر نداءهم، وقوله: الداخل على ما الخ صفة للنداء الثاني فإنّ له حكم ما بعده لأنه المقصود بالذات فلذا لم يعطف لأن ما بعده لا يعطف وكون البيان لا يعطف لشدة الاتصال معلوم في المعاني، وإنما الكلام في بيانه وستسمعه عن قريب. قوله: (فإنّ ما بعده أيضاً الخ) أي ما بعده النداء الثالث مثل النداء الثاني فيما ذكر من البيان، والذي ذكره الزمخشريّ إنّ الثاني داخل على ما هو بيان للمجمل، وتفسير له فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو وأمّا الثالث فليس بتلك المثابة يعني أنّ الأوّل للدعوة إلى الحق الموصل إلى سعادة الدارين والثاني لبيان إنّ الدنيا، وما فيها غير العمل الصالح الموصل للسعادتين غير معتد به ففيه بيان للأوّل لتضمنه ما ينجي وحث على الآخرة، والثالث لتضمنه مجادلة جرت بينه وبينهم، ولذا ختمه بما يدل على المتاركة بقوله: وأفوض الخ ليس من البيان في شيء لكنه مناسب لما قبله فلذا عطف على يا قوم الأوّل لا الثاني، والمصنف خالفه إذ أدخله في البيان وعطفه على الثاني وله وجه لأنّ المجادلة مقررة للدعوة، ولا يأباه ما فيه من الوعيد وأما المتاركة، وان أبته فهي تذييل له خارج عن البيان فقوله: فستذكرون الخ عند المصنف متفرع على جملة الكلام، وعند الزمخشري على الأخير والمصنف اختار الأوّل لقرب المعطوف عليه فيه فلا يرد ما ذكر ولا ما قيل إنه غير سديد هذا هو الحق والمصنف اختار الأوّل لقرب المعطوف عليه فيه فلا يرد ما ذكر ولا ما قيل إنه غير سديد هذا هو الحق في تحقيق مراد الشيخين، ولبعض الناس فيه كلام لا طائل تحته رأينا تركه أولى من ذكره فتدبره. قوله: (فإن ما بعده) أي ما بعد النداء الثالث أيضا كالثاني فهو تعليل لعطفه على الثاني دون الأول أو المجموع كما ذهب إليه الزمخشري، وقوله: تفصيل في نسخة بدله تفسير وهو أنسب بالبيان، وقوله: لما أجمل فيه أي في الأوّل وقوله تصريحا أو تعريضاً، وفي نسخة وتعريضا بالواو وهما بمعنى لأنه تقسيم على سبيل اللف والنشر فالتصريح في الثالث، وقوله: أو على الأوّل هو ما اختاره الزمخشري لأنه بين إنّ سبيل الرشاد هو ما دعاهم إليه لأنه منج وغيره مهلك موبق في النار والتعريض لأن فناء الدنيا وقرار الآخرة، المجزي فيها على الأعمال الصالحة بالنعيم الأبدي يفهم منه أنه هو الحق وان الدعوة إليه عين الرشاد والسداد، وقد يقال إن في الأوّل تعريضا أيضاً لأن الدعوة إلى خلافه دعوة إلى النار فتأمّل. قوله: (بدل (أي من قوله إن في الأوّل تعريضا أيضا لأن الدعوة إلى خلافه دعوة إلى النار فتأمّل. قوله: (بدل) أي من قوله تدعونني إلى النار أو هو عطف بيان له بناء على أنه يجري في الجمل كالمفردات كما ذهب إليه السكاكي، وقد صرح ابن هشام بمنعه في المغني فإن حمل البيان على معناه اللغوي فهي جملة مستأنفة مفسرة له لم يكن بينهما مخالفة وقوله في التعدية بإلى واللام بياين لوجه التشبيه، وتخصيص له بالتعدية بهما فإن الهدإية قد تتعدّى بنفسها وفيه إيماء إلى أن الهداية المتعدية بالحرف مجرد الدلالة فهي في معن الدعوة. قوله:) بربوييتة) وألوهيته لا بذاته فإنها معلومة له، وقوله: والمراد نفي المعلوم أي نفي العلم هنا كناية عن نفي المعلوم كما مرّ تحقيقه في سورة القصص، وأنه لا ينافي قوله: إنه يختص بالعلم الحضوري وقوله: والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان أي يقيني لأنها من المطالب التي لا يكتفي فيها بالظنيات، والإقناعيات فضلاً عن الوهميات والتقليد الصرف وهو من إنكاره للدعوة إلى ما لا يعلمه يقينا فإن العلم صفة توجب ثمييزاً لا يحتمل التقيض. قوله: (المستجمع لصفات الألوهية) أخذه من مقابلته بما لا يعلم فيه شيئا منها إذ السياق يدل على أن المعنى تدعونني إلى ما ليس فيه وصف من أوصافها، وأنا أدعوكم لمن فيه جميع صفاتها فجعل هذين الوصفين كناية عن جميعها لاستلزامهما لما عداهما كما أشار إليه بقوله من كمال القدرة، والغلبة الذي هو معنى العزيز لأن العزة صفة تقضي بالذات أن يقهر ولا يقهر وهو بالقدوة التامّة المخصوصة به تعالى، كما قال: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سورة فاطر، الآية: 10، وكونها متوقفة على العلم والإرادة بيان لاستلزامها لغيرها من الصفات الذاتية، وبيانه كما تقرّر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 في الأصول أن القدرة صفة تؤثر في وفق الإرادة فهي متوقفة على الإرادة، وذلك أيضاً مستلزم للعلم فإنه لا يتصوّر إرادة التأثير فيما لا يعلمه، وهو مستلزم للحياة واعتبر بذلك بقية الصفات الذاتية، والسلبية فتأمّل. قوله: (والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب (معطوف على كمال القدرة، وهو تفسير للغفار على وجه يتضمن وجه تاً خيره عن العزيز ومناسبته التامّة فإن العفو إنما يمدح به بعد القدرة فالتمكن، والقدرة من لوازمه ولذا كان قول الحماسي: يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا من أبلغ الذم وتخصيصهما بالذكر لما فيهما من الدلالة على الخوف، والرجاء المناسب لحاله وحالهم. قوله: (لا جرم) تحقيقه كما في الكتاب وشرحه للسيرافيّ إن أصل معناه كما قاله الزجاج: لا يدخلنكم في الجرم أي الإثم كإثمه أدخله في الإثم ثم كثر استعماله حتى صار بمعنى لا بد عند الفرّاء وبمنزلة حقاً، ولذا جعلته العرب قسما وهو من جرمت الذنب بمعنى كسبته لا بمعنى حققت، وقال الأزهرقي: لا ردّ لشيء توهم ثم تبدأ بما بعده جرم إنّ لهم النار أي كسب ذلك العمل لهم الخسران، وقيل: لا صلة وقيل نافية وجرم وجرم كسقم وسقم بمعنى باطل لأنه موضوع له أو لأنه بمعنى كسب والباطل محتاج للكسب والتزيين، ولذا فسر بحقاً لأنه نقيض الباطل ولا باطل صار يمينا كلا كذب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا النبي لا كذب " وفيه لغات جرم وجرم وأجرم، وقد يزاد قبله إن أو ذا، اهـ محصله فقوله: لا رد الخ أحد الأقوال فيه وجرم فعل بمعنى حق، وقوله: أي حق عدم الخ إشارة إلى أنّ الفاعل المسبوك المتصيد مته، وعدم الدعوة عبارة عن جماديتها وأنها غير مستحقة لذلك ودعوة آلهتكم مصدر مضاف لفاعله ومعناه دعوتها إياكم لعبادتها. قوله: (أو عدم دعوة مستجابة (على ما مز لام له دعوة لنسبة الدعاء إلى الفاعل، وعلى هذا لنسبته إلى المفعول لأنهم كانوا يدعونه فحمل نفي الدعاء له على نفس الاستجابة منه لدعائهم إياه إما بحذف الموصوف أو المضاف أي استجابة دعوة أو دعوة مستجابة تنزيلا لغير المستجاب منزلة العدم، وقد جوّز فيه التحوز بالدعوة عن استجابتها التي ترتب عليها بمنزلة الجزاء لها كما في تدين تدان، وليس هذا من المشاكلة في شيء عند المحقق وان جوّزها غيره. قوله: (وقيل جرم بمعنى كسب (أي لا رد لما قبله وجرم بمعنى ك! سب وفاعله ضمير الدعاء السابق الذي دعاه قومه إليه وإنما الخ مفعوله، والحاصل أن دعاءهم ما كسب إلا ظهور بطلان دعوته أي الدعوة إليه فدعوته مصدر مضاف لمفعوله، وهذا هو القول الثاني من أقوال النحاة فيه كما مرّ. قوله: (وقيل فعل (بفتحتين اسم لا وهو مصدر مبنيّ على الفتح بمعنى القطع، ومعناه لا بد من بطلانه أي بطلانه أمر ظاهر مقرر وهو مثل لا بدّ فإنه من التبديد، وهو التفريق وانقطاع بعضه من بعض، وقوله: فتنقلب بالنصب في جواب النفي، وقوله: ويؤيده الخ أي إن اللغة الأخرى فيه وهي جرم بضم فسكون تدل على اسميته، وليس هذا معينا لاسميته على اللغة الأخرى حتى يقال إنه لا وجه لحكايته بقيل لاحتمال كونه فعلا مجهولاً لاسكن للتخفيف أو أنه استعمل منه الفعل، والاسم بحسب اقتضاء مقامه وفي ثبوت هذه اللغة في فصيح كلامهم تردّد. قوله: (وإنّ مردنا إلى الله (أي مرجعنا، وقوله: كالإشراك الخ الظاهر أنه لف ونشر فالإشراك إسراف في الضلالة والقتل في الطغيان أو هما تمثيل لتعميمه لظلم نفسه، وظلم غيره وظاهره شموله لغير الكفرة من العصاة فيكون قوله: ملازموها بمعنى الملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل فإن خص ذاك بالكفرة فهو بمعنى الخلود. قوله: (فسيذكر بعضكم بعضاً) من التذكير، وهو الأخطار بالبال والقلب بعد ذكره باللسان، والواقع في النظم مطلق وكون الجميع يذكرونه بعيد فلذا حمله على ذكر بعضهم البعض، وهو تذكير له إذا كان قد سمعه منه أيضاً، وهو أحد محتملاته لكنه لما قرئ فيه بالتشديد على أنه من التذكير فسره بما يوافق القراءتين فلا يرد عليه إنّ هذا التفسير لتلك القراءة لا لهذه كما قيل لأنّ الذكر فيها مطلق يشمل ما لم يكن بتذكير. قوله: (فكأنه) أي قوله، وأفوّض أمري الخ لما جعل تفويض أموره وهو تسليمها له بالتوكل عليه كناية عن عصمته لأنه من توكل عليه كفاه، وكذا كونه بصيرا بأحوال العباد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 مطلعاً عليها عبارة عن حفظه لهم يقتضي أنه في معرض أن يوقع به ما يضر منهم حتى التجأ إلى الله في رفع المكروه جعله واقعا في جواب توعدهم له المفهوم مما بعده، ولو جعله مفهوما من قوله: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [سورة غافر، الآية: 37] كان له وجه وعبر بكان لاحتمال أنه متاركة كما مرّ ومنه علم ما مرّ في العطف، وقوله: شدائد الخ فالسيئات بمعنى الشدائد لأنها تسوءهم وما مصدرية، وقوله: الضمير لموسى لا لمؤمن آل فرعون ومرضه لأن السياق، وقوله: يا قوم يأباه وهذا كما مرّ في أن لذي آمن موسى وهو بعيد جذاً. قوله: (واستغنى بذكرهم) الخ ويجوز أن يكون آل فرعون شاملاً له بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سورة سبأ، الآية: 13] إنه شامل لداود عليه الصلاة والسلام، ومثله تفسير النحاة لنحو كذا بكذا ونحوه وليس ببعيد مما ذكر وطلبة بفتحات جمع طالب، وهو من أرسله فرعون خلفه ليرده له، وفاعل قتلهم ضمير فرعون وكونه للمؤمن كما قيل بعيد والرعب الخوف وسوء العذاب إضافة لامية بمعنى أسوأ العذاب أو من إضافة الصفة للموصوف وقوله: الغرق على التفسير الاً وّل لال فرعون، وقوله: أو القتل على الثاني والنار عليهما. قوله: (جملة مستأنفة (مبينة لكيفية نزول العذاب بهم على أن النار مبتدأ وجملة يعرضون خبره أو النار خبر هو مقدر وهو ضمير العذاب السيء أو هي بدل من سوء العذاب، ويصلون بصاد مهملة بمعنى يحرقون هنا والمراد بالاختصاص هنا تقدير أخص أو أعني لا ما اصطلح عليه النحاة. قوله:) فإن عرضهم الخ (توجيه لتفسيره بالإحراق يعني أنه من قولهم عرضت المتاع على البيع إذا أظهرته لذي الرغبة فيه، وعرضت الجند إذا أمررتهم لينظر إليهم والظاهر أنه مجاز ولا حاجة إلى دعوى القلب فيه كما في قولهم عرضت الناقة على الحوض كما قيل مع أن في دعوى القلب فيه نزاعا ذكره في عروس الأفراج، وليس هذا محل تفصيله فعرضهم على النار وعرضه على السيف استعارة تمثيلية بتشبيههم بمتاع يبرز لمن يريد أخذه وجعل السيف والنار كالطالب الراغب فيهم لشذة استحقاقهم للهلاك، وفيه تأييد لتفسيره بعذاب القبر لجعلهم كأنهم لم يهلكوا بالنسبة لما يمسهم بعده فتأمّله. قوله: (وذلك لأرواحهم) الإشارة إلى العذاب المفهوم من المقام أو إلى العرض المراد به ذلك، وهو أقرب وما روي عن ابن مسعود ذكره القرطبيئ في التذكرة ونصه أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرّتين يقال لهم هذه داركم، فذلك قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} الخ، وقد قيل: إنّ أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة وورد في أرواح المؤمنين أنها في أجواف طير بيض وفي رواية خضر قال: وهذه سور تخلق لهم من صور أعمالهم، أو هو تمثيل. قوله:) وذكر الوقتين الخ (قيل: إن الآخرة ليس فيها مساء وصباج، وإنما هذا بالنسبة إلينا فإذا كان كذلك يخص العرض بوقتين يفصل بينهما بترك العذاب أو بتعذيبهم بنوع آخر غير النار أو المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع. قوله: (وفيه دليل الخ (لأنه ذكر لها عذاب عطف عليه عذابهم في النار فيدل عليه، وأن الروج باقية لأنه لا يتصؤر إحساس العذاب بدون بقائها، ولا معنى لتعذيب ما لا روح له وهذا جار على الوجهين سواء أريد التخصيص لأن الوقتين في الدنيا أو التأبيد لأن المراد من موتهم إلى أبد الآباد وأما كونه كناية فالكناية يجوز فيها إرادة الحقيقة فإنما يدل على جوازه لا على وجوده، وسواء كان العذاب للروح أو للبدن ولا يرد أن الروح ليست في القبر لأن المراد بعذاب القبر عذاب البرزخ وسواء كان قوله ويوم تقوم الساعة معطوفاً أو اعتراضا فإنه يدل على مغايرته لما قبله فيكون لا محالة في البرزخ والاستدلال لأنه فرق بينهم وبين غيرهم. قوله: (هذا ما دامت الدنيا فإذا الخ) تفسير على أن الواو في قوله ويوم عاطفة واتصاله بما قبله ظاهر ولذا أتى بالفاء لتدل على اتصال العذابين لا أن المقام يقتضي الفاء بل لو أتى بها في النظم لم يحسن كما أشار إليه صاحب الكشف، أو هو إشارة إلى أنه ترك فيه حرف التعقيب تعويلا على فهم السامع كما قيل: وأشار بقوله: قيل لهم إلى أنّ فيه قولاً مقدراً ليعطف الخبر على الخبر والا فلا يحتاج إليه معنى، وقوله: يا آل فرعون إشارة إلى أنه على قراءة ادخلوا أمراً من الدخول يكون آل فرعون فيها منادى حذف منه حرف النداء. قوله:) أو أشدّ عذاب جهنم (لأنه مقتضى شدّة كفرهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 فتعريف العذاب للعهد وأشديته على الأوّل بالنسبة لعذاب الدنيا والبرزخ وعلى هذا بالنسبة لعذاب غيرهم فلا ينافي دلالة ما قبله على عذاب القبر، وما قيل إنه لا دلالة على هذا في أشد العذاب على عذاب القبر لا يخفى ما فيه. قوله: (بإدخالهم النار (إشارة إلى أن هذه القراءة من الأفعال وان آل فرعون مفعول لا منادى وقوله: اذكر الخ فعامله مقدر معطوفءلمى ما تقدّم عطف القصة لا على مقدر تقديره اذكر ما يتلى عليك ولا على قوله: فلا يغررك أو أنذرهم لبعده، وعطفه على غدوّ اعطف الظرف على مثله وجملة ويوم تقوم الخ اعتراض ووجه الدلالة فيه أيضا ظاهر لعطف عذاب الآخرة عليه، واعتراضه بينهما ولا تكرار فيه كما توهم لكنه لا يخلو من شيء في ذكر قوله في النار، ولذا قيل إنه قليل الفائدة. قوله: (تفصيل له) أي لتخاصمهم فيها وفي نسخة لهم والأولى أصح، وقوله: تباعا بتشديد الباء جمع تابع وجمعه على فعل نادر وحصره النحاة في ألفاظ مخصوصة أو هو مصدر بتقدير مضاف، أو على التجوّز في الطرف أو الإسناد للمبالغة بجعلهم لشدة تبعيتهم كأنهم عين التبعية. قوله:) بالدفع (أي بدفع بعض عذأب النار أو بتحمله عنا، ومغنون من الغناء بالفتح بمعنى الفائدة ونصيبا بمعنى حصة وبعض منه، وقوله: لما دل عليه مغنون من أحد المذكورين وهو الدفع أو الحمل، أو هو العامل بتضمين أحدهما أي دافعين أو حاملين عنا نصيبا وقوله: أو مصدر أي قائم مقام المصدر لتأويله به كما أنّ شيئا في تلك الآية كذلك كما مرّ، وقوله: من صلة مغنون أي يكون من في قوله من النار متعلقا بمغنون لأنه يتعدّى بمن وعلى ما قبله هو ظرف مستقرّ بيان لنصيباً فلفظ من اسم يكون وصلة منصوب خبر هنا، ويحتمل جرّه على أن اسم يكون ضمير نصبيا أي على هذا يكون نصيبا معمول لمغنون ومن تتمته لا بتقدير عامل فيه، وفيه ميل إلى أن التضمين من قبيل التقدير أيضا وهو أحد احتمالاته لكن الظاهر أن المراد هو الأوّل، واليه ذهب أرباب الحواشي. قوله:) نحن وأئتم) تفسير لكل لأنّ المراد به كلنا فهو مبتدأ خبره فيها والجملة خبر إنّ على هذا، وقوله: فكيف الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وقوله: على التأكيد أي لاسم إن وفيها خبرها وكون كل المقطوع عن الإضافة يقع تأكيداً مذهب الفرّاء وتبعه الزمخشري والمصنف ومنعه ابن مالك، وقوله في الظرف هو فيها. قوله: (فإنه لا يعمل في الحال المتقدّمة الخ (إشارة إلى ما ذهب إليه بعض النحاة في الجواب عن الاستدلال بهذه الآية على التأكيد بكل المقطوع عن الإضافة بأنه حال من الضمير المستتر في الظرف، وضعف بوجهين تقديم الحال على عاملها الظرفيئ وقطع كل عن الإضافة لفظاً وتقديراً ليصير نكرة فيصح كونه حالاً فلذا قيل إن الأجود كونه بدلاً من اسم وان وجاز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر يعني لا الغائب فإنه جائز بدل كل لأنه مفيد للإحاطة كقمتم ثلاثتكم، فإن قلت: يلزمه إيلاء كل للعوامل، وهو شاذ قلت: إنما يكون كذلك على القول بأن عامل البدل مقدر، وأما على القول بأنّ عامله عامل المبدل منه فقيل لا يلزم ذلك، وفيه نظر فالأحسن أن يقال إنه إنما يكون كذلك إذا كانت على هيئة تكون فيها توكيداً وليست هنا كذلك وفي تقدم مثل هذه الحال خلاف للنحاة فجوّزه بعضهم مطلقا، وبعضهم إذا تقدم على الحال المبتدأ ومنعه آخرون وقد وقع لابن الحاجب تجويزه في بعض كتبه ومنعه في بعضها وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيا لا معنويا وقوله: كما يعمل في الظرف المتقدّم فإنه جائز للتوسع فيه كما في المثال المذكور فإن كان يوم منصوب على الظرفية وعامله لك الواقع خبراً عن ثوب المبتدأ النكرة المسوغة بتقدم خبرها. قوله:) بأن أدخل أهل الجنة الخ) أو بأن قدر عذابا لكل منا لا يدفع عنه، ولا يتحمله عنه غيره وهذا أنسب بما قبله، وقوله: لا معقب أي لا رادّ له ولا اعتراض عليه، وقد مز تفسيره وقوله: لخزنتها إشارة إلى أن المحل محل إضمار لضمير النار المتقدمة فوضع هذا موضعه للتهويل فإنها أخص من النار بحسب الظاهر لإطلاقها على ما في الدنيا أو لأنها محل لأشد العذاب الثامل للنار وغيرها، وقوله: أو لبيان محلهم أي الكفار وهذا أنسب من كونه للخزنة كما قيل: وهذا بناء على أنها علم لأسفل محالها والأوّل على أنه علم لها مطلقا وهما قولان وجهنام معروف بكسر الجيم وتشديد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 النون بعدها ألف البئر العميقة، وهي عربية وقيل إنها معربة. قوله:) قدر يوم (أي مقدار يوم من أيام الدنيا، وف! تمره به لأنه ليس في الآخرة ليل ولا نهار، وقوله: شيئا من العذاب يعني أنّ مفعوله مقدر ومن تحتمل البيان والتبعيض وكلام المصنف محتمل لهما أيضا، وإذا كان يوما مفعولاً فتقديره ألم يوم وشدة يوم ونحوه أو المراد يدفع عنا يوماً من أيام العذاب فتأمل. قوله: (إلزامهم للحجة الخ (يعني المقصود من الاستفهام التوبيخ، وقوله: فإنا لا نجترئ فيه يعني ليس المقصود أمرهم بالدعاء بل امتناعهم من الدعاء مع التوبيخ وامتناعهم منه يتضمن إقناطهم من الإجابة لهم، والمراد بقوله: أمثالكم الكفرة، وقوله: لإيجاب تفسير للضياع، وقوله: الانتقام لهم سواء في حياتهم أو بعد مماتهم كما أباد بختنصر بني إسرائيل بعد قتلهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله: وما دعاه الكافرين يحتمل أن يكون من كلام الخزنة أو من كلام الله إخبارا لنبيه جمتي، وهو أنسب بما بعده وقوله: في الدارين تفسير للحياة الدنيا وما بعده. قوله: (ولا ينتقض ذلك) أي كون الله ناصرا لرسله، وقوله: بما كان لأعدائهم أي للكفرة من الغلبة أي الغالبية، وكون الضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والغلبة بمعنى المغلوبية على أنه مصدر المجهول خلاف المعروف من معناه، وهذا في الدنيا فإنّ الحرب فها سجال وامّا في الآخرة فلا تتخلف نصرتهم، ولذا دخلت في على الحياة دون قرينة لأن الظرف المجرور بفي لا يستوعب كالمنصوب على الظرفية كما ذكره الأصوليون، وقوله: الإشهاد الخ اختلف في جمع فاعل على أفعال مع عدم اطراده بالاتفاق، ومن لم يجوّزه يقول في مثله إنه جمع فعل مخففا من فاعل كشهد، وقيل هو جمع شاهد فهو جمع الجمع فما ذكره المصنف قيل يجوز أن يكون قصراً للمسافة، وهو خلاف الظاهر من كلامه هنا والتصريح من قوله في صورة الإنسان إن الأبرأر جمع بر كأرباب وبارّ كإشهاد، وقيل: أشهاد جمع شهيد كاً شراف جمع شريف، وقوله: والمراد بهم أي بالأشهاد من يشهد على تبليغ الرسل وقد فسر في هود بالجوارج كما مرّ. قوله:) وعدم نفع المعذرة الخ) الوجه الأوّل على أنه لنفي النفع فقط، والثاني على أنه لنفي النفع، والمعذرة كما مرّ في ولا شفيع يطاع، وقوله: لأنه في بعض النسخ لأنها والصحيح الأولى، وان كان كل منهما ضمير شان، وقد قيل عليه إنه قال في التحريم في تفسير قوله: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [سورة التحريم، الآية: 7] إما أنه لا عذر لهم أو لأن العذر لا ينفعهم فلا وجه لتعليل عدم النفع هنا بعدم الإذن ولا جعله مقابلا للبطلان فالأولى أن يقول لعدم تعلق إرادته بالنفع مع أن ما ذكره هنا مخالف لقوله في المرسلات {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [سورة المرسلات، الآية: 36] في جواب لا يؤذن لهم لإيهامه إن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه فتأمل في التوفيق مستعينا بولي التوفيق وقراءة تنفع بالتاء ظاهرة وقراءة الياء لأنه مصدر وتأنيثه غير حقيقي مع أنه فصل منه. قوله: (جهنم (تفسير للدار وسوءها ما يسوء فيها من العذاب فإضافته لامية أو هو من إضافة لصفة للموصوف أي الدار السوأى وقوله: ما يهتدي به على أنه مصدر تجوّز به عما ذكر أو جعل عين الهدى مبالغة فيه، وتركنا عليهم الخ يعني أنه جعل مجازا مرسلاً عن الترك لأنه لازم له أو هو استعارة تبعية له، وقوله: هداية وتذكرة الخ إشارة إلى أنه مفعول له أو حال لتأويله بالصفة، والإشارة في قوله من ذلك للهدى، وقوله: بعده أي بعد موته لأن الإرث ما يؤخذ بلا كسب بعد الموت فهذا أتم للشبه فلا وجه لما قيل ولو فره بقوله: جعلنا بني إسرائيل آخذين الكتاب عنه بلا كسب ليشمل من في حياته كما يقال العلماء ورثة الأنبياء كان أولى. قوله: (لذوي العقول السليمة (خصهم لأنهم المنتفعون به وإلا فهدايته عاقة كما مرّ مثله مراراً، وقوله: فاصبر الخ الظاهر أنه بتقدير إذا عرفت ما قصصناه عليك للتأسي فاصبر وإليه أشار بقوله: واستشهد بصيغة الماضي، أو هو بصيغة الأمر والمعنى اجعله شاهداً لك ولنصرنا لك فالنصر له أو عام له وللمؤمنين، وقوله: أقبل على أمر دينك بالدال المهملة والياء المثناة التحتية والنون وفي بعض النسخ بالذال المعجمة والنون والباء الموحدة، والظاهر أنه تحريف لأن تعبيره غير ملائم له كما لا يخفى على من له فطنة سليمة إذ مراده تأويل ما في النظم، من إضافة الذنب له مع عصمته وطهارته عن دنس الآثام بأن المراد أمره بالإقبال على الدين وتلافي ما ربما يصدر مما يعد بالنسبة له ذنبأ، وإن لم يكنه فقوله: تدارك بصيغة الأمر أو المصدر، وقوله: بترك متعلق بفرطات وهو ما صدر عن غير قصد وتعمد تام والاهتمام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 إن كان تدارك مصدار فهو معطوف عليه ويجوز عطفه على الأولى، وقوله: بالاستغفار بتدارك وقوله: فإنه تعالى كافيك الخ تعليل لما قبله من قوله: أقبل الخ ولا ينافي ما ذكر كونه تعليماً لأمّنه. قوله: (ودم على التسبيح الخ) يعني بالعشيّ، والإبكار كناية عن دوام تسبيحه كما يقال بكرة وأصيلا وقد مرّ مثله وتحقيقه أو هو تخصيص للوقتين على أن المراد بالتسبيح الصلاة بناء على ما ذكره والقائل بعدم فرض الصلوات الخمس بمكة الحسن لا غير، وقد مرّ في الروم أنه يقول كان الواجب ركعتين في أفي وقت اتفق وكله مخالف للصحيح المشهور فيجوز أن يراد الدوام، ويراد بالتسبيح الصلوات الخمس ولذا ذهب الحسن رحمه الله بناء على مذهبه إلى أن هذه الآية مدنية على التخصيص يجوز إرادة التسبيح بمعناه الحقيقي أيضاً. قوله: (عام في كل مجادل مبطل (البطلان مأخوذ من كونه بغير سلطان أي حجة، وقوله: وان نزل الخ لأنّ السبب لا يخصص ومن قال: نزلت في اليهود يجعلها مدنية كما مرّ، وقوله: حين قالوا الخ المراد بصاحبنا النبيّ المبشر به في الثوراة فالإضافة فيه لأدنى ملابسة، والمسيح ابن داود والدجال لأنه من اليهود كما ورد في الأحاديث ويسمى المسيح بالحاء المهملة فقيل: لشؤمه لأنه يطلق المسيح على من فيه شؤم وقيل لكونه أعور والمسيح هو من مسح وجهه بأن لم يبق في أحد شقيه عين ولا حاجب كما في كتاب العين، ونقل ابن مأكولا عن الصوري أنّ المسيح بالحاء المهملة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وأمّا اسم الدجال فهو مسيخ بالخاء المعجمة من المسخ. قوله: (إن في صدورهم (أي في قلوبهم فأطلقت عليها للمجاورة والملابسة، وقوله: أو إرادة الرياسة تفسير للكبر معطوف على قوله: تكبر فيكون مجازاً عنه لما بينهما من التلازم، وقوله: أو أنّ النبوّة الخ معطوف على الرياسة بأو العاطفة، وقوله: ببالغي دفع الآيات فالضمير عائد إليه لفهمه من المجادلة إذ هو المقصود منها والجملة مستأنفة على هذا فإن كان الضمير للمراد جاز ذلك وكونه صفة كبر أيضا، وقوله: إنه الخ تعليل للأمر قبله. قوله: (فمن قدر على خلقها (أي خلق هذه الأجرام العظيمة وفي نسخة خلقهما وهما بمعنى، وقوله: من غير أصل أي مادة ونحوها، وهو تفسير لقوله: أوّلا أي ابتداء، وقوله: من أصل بناء على أنه ليس بمعدوم الأصل والمادة ولو عجب لذنب الذي منه يخلق خلق النخلة من النواة. قوله: (لا شكل ما يجادلون فيه من أمر التوحيد (وفي نسخة بأمر التوحيد بالباء بدل من والمقصود كما صرّح به الزمخشريّ بيان اتصال هذه الآية بما قبلها لأنه لما ذكر قبله التوحيد وما يثبته ونعى على المشركين شركهم، ثم فذلك قبيل هذه الآية بأق مجادلتهم كلها إنما دعاهم لها التكبر بغير حق، والطمع فميا لا ينالونه عقبه بما ذكر مما يثبت أمر البعث كما في قوله: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [سورة يس، الآية: 81] الآية لأنّ اللازم بعد الإيمان بالله ووحدانيته معرفة أمر المبدأ والمعاد هذا ما أراده بلا مرية لك الكلام في عبارته، أمّا على نسخة الباء فهو واضح لأن أشكل بمعنى أشبه كما تقول هذا من أشكاله أي أشباهه وإضرابه وهي متقاربة المعنى يعني إنه شيء بأشبه شيء بأمر التوحيد، وأقربه في كثرة المجادلة في شأنه وكونه من ألزم اللوازم معرفته وعلى النسخة الأخرى فأشكل بمعناه السابق أيضاً لكنه ضمن معنى أقرب فتعلقت من به بهذا الاعتبار وهذا أصح مما قيل إن من متعلق بأشكل والمعنى إنه أصعب من أمر التوحيد في مجادلتهم فإنه ظاهر لا يحتاج لبيان بطلان مجادلتهم فيه بخلاف هذا فلذا خص بالبيان، وأمّا ما قيل إنّ معنى الآية خلق هذه الأمور أكبر من خلقهم فما بالهم يجادلون، ويتكبرون على خالقهم فقليل الفائدة والجدوى. قوله: الأنهم لا ينظرون الخ (إشارة إلى ما ذكره الراغب في الغرة من أنّ ما قبله لما كان لإثبات البعث الذي يشهد له العقل ناسب نفي العلم عن الناس ممن كفر به لأنهم لو كانوا من العقلاء الذين من شأنهم التدبر والتفكر فيما يدل عليه لم يصدر عنهم مثله، ولذا لم يذكر له مفعولاً لأنّ المناسب للمقام تنزيله منزلة اللازم. قوله: (الغافل والمستبصر (يعني أن الوصفين المذكورين مستعاران لمن غفل عن معرفة الحق في مبدئه، ومعاده ومن كان له بصيرة في معرفتهما ولذا قدم الأعمى لمناسبته لما قبله من نفي النظر، والتأمّل وقدم الذين آمنوا لمده لمجاورة البصير، ولشرفهم وفي مثله ظرف أن يجاور كل ما يناسبه كما هنا وأن يقدم ما يفايل الأوّل ويؤخر ما يقابل الآخر كقوله: { {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 وأن يؤخر المتقابلان كالأعمى والأصئم والبصير والسميع والكل جائز وأما تفسيره بالصنم والله كما مرّ في سورة فاطر فغير مناسب هنا. قوله:) والمحسن والمسيء (الأوّل تفسير للذين آمنوا ولذا قابله بالمسيء فعدل عن التقابل الظاهر إشارة إلى أنهم علم في الإحسان ففيه لف ونشر لما قبله غير مرتب، وقوله: فينبغي أن يكون الخ إشارة إلى أن المقصود من عدم استوائهما ليس تفاوت حالهم في الدنيا بل في دار الجزاء بعد البعث لأنه لو لم يكن ذلك كان خلقهما عبثا منافياً لحكمة الصانع الحكيم، ولذا ذكره بعد الحجة على المعاد وعقبه بقوله: قليلا ما يتذكرون. قوله:) وزيادة لا في المسيء الخ (ليس المراد إنها زائدة رأسا بل إنها أعيدت تذكيراً للنفي السابق لما بينهما من الفصل بطول الصلة لأنّ المقصود بالنفي إنّ الكافر المسيء لا يساوي المؤمن المحسن وذكر عدم مساواة الأعمى للبصير توطئة له، ولو لم يعد النفي فيه ربما ذهل عنه وظن أنه ابتدأ كلام ولو قيل: ولا الذين آمنوا والمسيء لم يكن نصاً فيه لاحتمال أنه مبتدأ قليلا ما يتذكرون خبره وجمع على المعنى فما قيل من أن المقصود نفي مساواته للمحسن لا نفي مساواة المحسن له إذ المراد بيان خسارته فلذا اكتفى بالنفي السابق في الذين آمنوا فيه أن المراد نفي المساواة من الطرفين فتأمل. قوله: (والعاطف الثاني عطف الموصول الخ (إشارة إلى أنّ المراد عطف المجموع على المجموع كما في قوله هو الأوّل والآخر والظاهر، والباطن ولم يترك العطف بينهما لأنّ الأوّل مشبه به والثاني مشبه فهما بحسب المآل متحدان فكان ينبغي ترك العطف بينهما لأنّ كلاً من الوصفين مغاير لكل من الوصفين الآخرين وتغاير الصفات كتغاير الذوات في صحة التعاطف كما مرّ ووجه التغاير أنّ الغافل والمستبصر والمحسن، والمسيء صفات متغايرة المفهوم بقطع النظر عن اتحاد ما صدقها، وعدمه ولا حاجة إلى القول بأن القصد في الأوّلين إلى العلم وفي الآخرين إلى العمل، وقوله: أو الدلالة بالصراحة الخ هذا بناء على اتحادهما في الما صدق ولكن لما بينهما من التغاير الاعتباري إذ أحدهما صريح والآخر مذكور على طريق التمثيل عطف وفيه نظر لأنه لو اكتفى بمجز هذه المغايرة لزم جواز عطف المشبه على المشبه به وعكسه. قوله: (تذكر إئا قليلاَ) يعني أنّ نصبه ونه صفة مصدر مقدر، وقوله: على تغليب المخاطب الخ الظاهر جريانه على الوجهين لأن بعض الناس أو الكفار مخاطب هنا والتقليل أيضاً يصح إجراؤه على ظاهره لأن منهم من يتذكر ويهتدي لإسلامه وجعله بمعنى النف على كونه ضمير الكفار أولى كما أنه على حقيقته إذ رجع للناس، وأمّا تخصيص التغليب بما إذا رجع للناس والالتفات بما إذا رجع للكفار فلا وجه له وفي الالتفات إظهار للعنف لأنّ الإنكار مواجهة أشد ولذا قيل: لقدأجلك من يرضيك ظاهره وقدأضاعك من يعصيك مستترا فهو أبلغ من التغليب فمن قال إنّ هذه النكتة توجد في التغليب مع التعميم فيكون أبلغ لم يميز وجه الأبلغية فيه حتى يعرف جريانهما فيهما، والظاهر أنّ المخاطب من خاطبه تخييه من قريش فمن قال المخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله: " فاصبر " ولا يناسب إدخاله فيمن لم يتذكر فقدمها، وأمر الرسول بتقدير قل قبله فلا يكون التفاتا. قوله: (لوضوح الدلالة الخ (وما ذكر ينفي الريب والشبهة لأنّ ما دل البرهان الواضح على جوازه كما مرّ مرارا من الآيات وأجمع على وقوعه الرسل عليهم الصلاة والسلام، لا ينبغي لعاقل الشك فيه وقوله يحسون به أي يدركونه بالحواس الظاهرة وعداه بالباء لأنه بمعنى الشعور. قوله: (اعبدوتي (فسر الدعاء بالعبادة والاستجابة بالإثابة واطلاق الدعاء على العبادة مجاز لتضمن العبادة له لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق وجعل الإثابة لترتبها عليها استجابة مجازاً أو مشاكلة وإنما أوّل به لأنّ ما بعده يدل عليه إذ لو أريد ظاهره قيل: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ليحسن الاستئناف التعليلي فلزم إمّا جعلى ادعوني بمعنى اعبدوني أو عبادتي بمعنى دعائي واختار تأويل الأوّل قبل الحاجة إليه لأن المقام يناسبه الأمر بالعبادة، ومعنى صاغرين أذلاء. قوله:) كان الاستكبار الصارف عنه الخ (أي نزل الاستكبار عن العبادة الصارف عن الدعاء لأنّ من استكبر عن عبادة الله كان كافراً، ولا يدعوالله مثله فنزل الاستكبار عن العبادة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 منزلة عدم الدعاء وعبر به عنه للمبالغة بجعل عدم الدعاء كأنه كفر فلذا أقيم مقامه والفرق بينه وبين ما بعده إنّ العبادة ليست في هذا مجازا بل الاستكبار عنها فتدبر. قوله: (أو المراد بالعبادة) أي تجوّز في الثاني فعبادتي بمعنى دعائي فأطلق العبادة، وأريد بها فرد خاص من أفرادها، وهو الدعاء وهو مجاز أيضا ولو قيل لا حاجة إلى التجوز لأنّ الإضافة المراد بها العهد هنا فيفيد ما ذكر من غير تجوز لكان أحسن. قوله: (لتستريحوا الخ (يعني تسكنوا من السكون لا السكنى، وقوله: بأن الخ بيان لسبب ذلك بأنه لغيبوبة الشمس غلب عليه البرد والظلمة فأدّى برده إلى ضعف القوى المحركة وظلمته إلى هدوّ الحواس الظاهرة أي سكونها ففي قوله ليؤذي الخ لف ونشر. قوله: (يبصر فيه أو به (يعني أن النهار إمّا ظرف زمان للأبصار أو سبب له وعليهما فإسناد الأبصا له بجعله مبصرا إسناد مجازقي لما بينهما من الملابسة، وعدل إليه للمبالغة بجعل بصر المبصر لقوّته أثر فيما يلابسه حتى كأنه مبصر أيضا، ولذا لم يقل ليبصروا فيه كما في قرينه، فإن قلت لم ترك هذه المبالغة في الأوّل فلم يقل فيه ساكنا قلت قد أجيب عنه بوجوه فقيل: إنّ نعمة النهار أتتم وأعظم فكان أولى بالمبالغة وقيل لأنه يوصف بالسكون، وإن كان لسكون الريح فيه غالبا لكنه شاع حتى صار بمنزلة الحقيقة في وصفه به أو لأنه دلّ على فضل في الأوّل بتقديمه فجبر الثاني بالمبالغة المذكورة، وأما كونه من الاحتباك وأصله مظلما لتسكنوا فيه ومبصراً لتبتغوا من فضله فمثله لا يقال بسلامة الأمير. قوله: (لا يوازبه فضل (بالياء التحتية أي لا يقابله ويقاومه أو بالنون يعني إنّ التنوين والتنكير للتعظيم، والمقصود هنا تعظيم فضله وأنعامه بذكره بعدما عدد منه، ولذا لم يقل لمفضل لأنه يدل على تعظيم ذاته صراحة دون فضله، وليس هذا بمقصود هنا مع أنّ اسم الله يكفي فيه ففي قوله للإشعار به مضاف مقدر أي لقصد الإشعار به. قوله: الجهلهم الخ (أي لعدم علمهم بحقه لأنهم لو علموا حقه وأنه هو المنعم كان ذلك شكرا واغفال مواقع النعم عدم رعاية حقوقها، وقوله: لتخصيص الكفران بهم قال الشارح المحقق: هو من إيقاعه على صريح اسمه الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أنه شأنه، وخاصته في الغالب لا بمعنى التخصيص الحصري كما توهمه العبارة لأنه لا يناسب المقام فلا دلالة للفظ عليه. قوله: (المخصوص بالآفعال الخ) يشير إلى أنّ اسم الإشارة جعل مبتدأ ليدل على ثبوت ما أخبر به عنه لدلالته على الذات المتصفة بما سبق من التفضلي بما مز من النعم الجسام ولا يكون إلها معبودا إلا من هو كذلك وليس فيما ذكر دلالة على أن لفظ الجلالة صفة لاسم الإشارة كما قيل حتى يلزم مخالفة ما ذكره النحاة ويدعى أنه خالفهم نظراً لأصله بل هو إلى الخبرية أقرب منه إلى ما ذكر، وقوله: الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو أخبار مترادفة صريح فيه، وقوله: لا فائدة في الأخبار به مع عدم إنكار الكفار غير متوجه لأنّ معنى ذلكم المتصف بهذه الصفات هو الإله المعبود لا غيره كما يفيده تعريف الطرفين والمشركون منكرون للتوحيد الذي يدلّ عليه الحصر المستفاد من تعريف الطرفين. قوله: (تخصص! اللاحقة السابقة (المراد بالتخصيص تقليل الاشتراك في المفهوم نظراً إلى أصل الوضع فإن الله المعبود بحق وهو شامل للمربى المنعم وغيره فذكر الرب للتخصيص به وهو أيضا شامل لخالق جميع المخلوقات، وغيره فما بعده اختص به فلا يرد عليه أنّ الله دال على استجماع جميع صفات الكمال فلا حاجة للتخصيص بغيره، ثم إنه في الأنعام جوّز في بعضها الوصفية والبدلية إلا أنه فيها أخر خالق كل شيء عن قوله: لا إله إلا هو وقدم هنا ولا بد له من نكتة وهي أن المقصود هنا الرد على منكري البعث فناسب تقديم ما يدلّ عليه، وهو أنه مبدأ كل شيء فكذا إعادته والمراد بالتقرير التوكيد وليس المراد بالتخصيص مصطلح النحاة بل تقدير أعني أو أخص فتأمّل. قوله: (استئنافاً) على هذه القراءة وعلى الأولى هو خبر، وقوله: كالنتيجة لأنّ ما قبله يدل على ألوهيته وتفرّده با لألوهية كأنه قيل: الله متصف بما ذكر من الصفات ولا إله إلا من اتصف بها فلا إله إلا هو. قوله: (ومن أقي وجه) تفسير لما قبله لأن أني اسم اوضع للاستفهام عن الجهة تقول أنى يكون هذا أي من أيّ وجه، وطريق كما في المصباح فهو لإنكار جهة يأتي منها وهو أبلغ من إنكاره فالوجه في كلامه بمعنى الجهة وهو أحد معانيه. قوله:) أي كما أفكوا أفك الخ) ما موصولة أو مصدرية وفيه إشارة إلى أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 المضارع بمعنى الماضي، والعدول عنه لاستحضار صورته لغرابته، وقيل إنه للإشعار بأنه ينبغي أن يكون مما لا يتحقق وقوعه وفيه نظر، وقوله بناء أي مبنية وقد فسرت هنا وفي البقرة بالقبة المضروبة لأنّ العرب تسمى المضارب أبنية فهو تشبيه بليغ وهو إشارة لكريتها، وقوله: استدلال ئان والأوّل هو قوله الله الذي جعل لكم الليل الخ. قوله: (منتصب القامة) أفرده على تأويل كل فرد وبادي البشرة لا مغطي بالشعر والوبر والمراد بالتخطيطات جمع تخطيطة مقابل ما يتقل بالأعضاء كالحواجب، والأصداغ والشوارب في الرجال والأظفار والهيآت المصوّرة وهذا بيان للمحاسن المحسوسة الظاهرة، وما بعده للمعنوية الباطنة، وفسر الطيبات باللذائذ، وقد فسرت بالحلال أيضاً. قوله:) فإنّ كل ما سواه مربوب الخ) فسر المربوبية بافتقار جميع الموجودات إليه ابتداء، وبقاء لأنّ الممكن في كل آن عرضة للزوال لولا استناده إلى ذي الجلال المتعال كما سيأتي تحقيقه في سورة تبارك. قوله: (فاعبدوه (تقدّم أنّ الدعاء ورد بمعنى العبادة كعكسه وفسره به هنا من غير تعرض للاحتمال الآخر لأن قوله مخلصين له الدين يقتضيه، ولأنه هو المترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية الألوهية، وإنما ذكر بعنوان الدعاء لأنّ اللائق هو العبادة على وجه التضرّع والانكسار والخضوع. قوله:) أي الطاعة (تفسير للدين، وقوله: من الشرك والرياء متعلق بمخلصين وقوله: قائلين له قدر هذا في الكشاف قبل قوله: الحمد لله على أنه من كلام المأمورين بالعبادة قبله، ويجوز كونه من كلامه تعالى على أنه إنشاء لحمد ذاته بذاته فإن كان هذا متعلقا بما قبله فلا وجه لتأخيره، وذكر له إلا أن يكون هذا من تحريف الكاتب فإن تعلق بما بعده ففيه بعد إذ لا حاجة لتقديره إلا لارتباطه بما قبله فتأمله. قوله: (من الحجج والآيات الخ) يعني المراد من البينات ما يدل على التوحيد من البراهين العقلية، وهو المراد بالحجج والسمعية وهو المراد بالآيات، وليس هذا مبنياً على الحسن والقبح العقليين كما يتوهم لأنّ إثبات الصانع ووحدانيته إنما تثبت بالعقل عندنا أيضاً لئلا يلزم الدور لو توقف على الأدلة السمعية، وقوله: فإنها مقوية الخ إشارة إلى دفع ما يرد من الاعتراض على تعدد الأدلة بأنّ الثاني لا يفيد حينئذ لحصول اليقين بالأوّل ومبناه على أنّ اليقين يقبل زيادة القوّة، والاطمئنان فلا يرد عليه أنه مبنيئ على الاعتزال كما توهم ثم إنّ الآية إن كانت لإرشاد الأمّة فظاهر، وان كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مما لا يتصوّر منه فالمراد به إنه أكمل الناس عقلاً وقد خلق مبرّأ منه وقامت لديه شواهد العقل حتى كأنها نهته عنه، وذلك قبل ورود الآيات السمعية فلا معنى لترتيبها عليها، وإنما المترتب عليها تقوية ذلك والتنبيه عليه أو الدعوة إليه، واظهاره وقوله إن انقاد في إخلاص ديني وفي نسخته وأخلص ديني بالعطف وفيه إشارة إلى أنّ الأمر للإرشاد والدوام على قوة ما اقتضاه فطرته المنقادة من دنس الآثام. قوله: (أطفالاً) هو تفسير للمعنى المراد منه لأنه اسم جنس صادق على القليل والكثير، وفي المصباح قال ابن الأنباري: ويكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع كقوله أو الطفل الذين لم يظهروا الآية ويجوز فيه المطابقة أيضا أو هو بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع، وقد مرّ بيان المراد من خلقهم من التراب، وقوله: وكذا في قوله: يعني له متعلق آخر مقدر وإنما قدره لأنه محتمل لأن يكون المراد أن منهم من يبلغ الأشد فقط ومنهم من يزيد عليه والأشدّ تقدم تفسيره، وقوله: وقرأ نافع الخ والباقون الأكثر بكسر الشين وفي نسخة وقرئ شيوخا بالكسر، وقيل عليه التعبير عن قراءة الأكثر بصيغة المجهول غير معقول ولا مقبول والأمر فيه سهل. قوله: (ويفعل ذلك لتبلغوا الخ) ذلك إشارة إلى خلقهم من تراب وما بعده من الأطوار والجار والمجرور متعلق به، وهو معطوف على خلقكم، ويجوز عطف الأوّل على علة مقدرة كخلقكم لتعيشوا ونحوه وعطف ما بعده عليه. قوله:) هو وقت الموت أو يوم القيامة) ظاهره يميل لترجيح الأوّل لأنه أنسب بالسياق لأنّ خلقهم للعبادة، ثم الجزاء عليها إمّا أنه ليبلغوا القيامة فلا يتبين له وجه إلا بالترتيب على الأجل الأوّل أعني الموت فكما يترتب الجزاء على العبادة يترتب وقت الجزاء على الوقت قبله فإن صح لت! بلغوا موقف الجزاء صح لتبلغوا أجل الموت لكن الملاءمة مع القرائن تنبني على ترجيح هذا الوجه، وهو الحق لأنّ وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله، وليس المراد من يوم القيامة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 إلا ما فيه من الجزاء ولأنّ الآية تكون جامعة للأطوار البشرية من مبدأ أمره إلى آخره لكنه جمل لشى المقصود بيان امتداد الأحوال إلى القيامة، ولذا قيل لكل وجهة. قوله: (ولعلكم تعقلون (عطف على قوله: ولتبلغوا الخ، وهذا مما يؤيد القول بأنها تكون للتعليل، وقوله: ما في ذلك أي التنقل في الأطوار إلى الأجل المذكور، وقوله: فإذا أراده أي أراد بروزه إلى الوجود الخارجي وإنما فسره بما ذكر لأنه هو المناسب لتعقيب التكوين له عليه فإنه يعقب إرادة الإيجاد، وقوله: فلا يحتاج في تكوينه وخلقه إلى عدة بضمّ العين وتشديد الدال المراد به الآلة وهذا بيان للمعنى المراد به وأنه تمثيل كما مرّ تحقيقه. قوله:) من حيث إنه يقتضي قدرة ذاتية الخ (تعليل لترتبه على ما قبله فإنّ القدرة منسوبة إلى الذات وجميع الأشياء بالنسبة إليها على حد سواء فكما يسند إليها الآلات والعدد يستعد ما هي آلة، وعدة له فلا يتوقف أحدهما على الآخر فتدبر، وقد جوّز في هذه الفاء كونها تفصيلية وتعليلية أيضا فتأمّل. قوله: (عن التصديق به (أي بالله ووحدانيته بناء على أنّ المراد من آيات الله دلائل توحيده الدالة عليه، ولو قال بها كان صحيحا أيضا بل هو أظهر كما قيل، وقيل: إنه للأيات بتأويل الكتاب وقد سقط لفظ به من بعض النسخ، وقوله: لتعدّد المجادل الخ يعني إنه يحمل في كل على معنى مناسب مغاير ففيما مرّ في البعث، وهنا في توحيده أو يجعل مكرّراً للتأكيد للاهتمام بشأنه. قوله: (الذين كذبوا) بدل أو بيان أو صفة له أو منصوب على الذمّ أو خبر محذوف أو مبتدأ خبره فسوف يعلمون. قوله: (من سائر الكتب) إن أريد بالكتاب القرآن وما بعده إذا أريد ما بعده فهو لف ونشر مرتب، وقوله ظرف ليعلمون يعني هو متعلق به، وقوله: إذ المعنى على الاستقبال دفع لما يتراءى من التنافي والتنافر بين إذ وسوف والأوّل باق على ظاهره لكن إذ هنا بمعنى إذا وعبر بها للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة. قوله: (أو مبتدأ خبر 0 يسحبون (أو مقدر أي في أرجلهم، وقوله: وهو على الأوّل حال أي من ضمير يعلمون أو أعناقهم، ويجوز أن يكون استئنافاً، ويجوز أيضاً كونه خبر الأغلال وفي أعناقهم حال، وقوله: اذ الأغلال تعليل والأغلال في أعناقهم، وأعناقهم في الأغلال بمعنى وليس من القلب في شيء كما توهم كما أشار إليه المصنف فيما سيأتي، وقوله: وهو على الأوّل أي إذا عطف السلاسل على الأغلال يكون جملة يسحبون حالاً لا خبراً محتاجا لتقدير العائد، وقوله: بالنصب أي نصب السلاسل والمراد بسحبهم للسلاسل كونها طويلة تصل إلى الأرض. قوله: (والسلاسل بالجرّ (أي قرئ به كما قرئ بالرفع والنصب وهو على الجرّ من عطف التوهم لكنه إذا وقع في القرآن يسمى العطف على المعنى تأدبا كما يسمى الزائد صلة فيه. قوله: (من سجر التنور إذا ملأه (فالمراد احتراق ظاهرهم وباطنهم كما في قوله: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} وهذا إذا كان الوقود مصدرا بمعنى الإيقاد والاحتراق فإن كان بمعنى ما يوقد وهو الحطب يكون كقوله في التكوير سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه فلا يخالف ما ذكر هنا ما ذكر ثمة كما قيل، وما في الكشف من أنّ السجر من الأضداد أي هو أن يملأ بالوقود أو يفرغ منه، والسجير بمعنى الصديق يجوز أخذه من كل منهما لأنه إذا ملئ حبا فرغ عن غيره وهو معنى، وقوله في القاموس المسجور الموقد والساكن ضد لأنه إذا سكن من الوقد فقد فرغ من الاحترأق فمن قال إنه لا يوجد في اللغة وظن أنّ ما في القاموس مغاير له فقدسها. قوله:) والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب الخ) أي المراد بهذا، وما قبله إنهم يعذبون بأنواع من العذاب لسحبهم على وجوههم في النار الموقدة، ثم تسليط النار على باطنهم وأنهم يعذبون ظاهراً وباطنا فلا استدراك في ذكر هذا بعدما تقدم. قوله:) وذلك عقبل أن تقرن بهم اكهتهم الخ) يعني إن السؤال للتوبيخ وضلالهم بمعنى غيهم من ضلت دابته إذا لم يعرف مكانها وقد ذكر في آيات أخر أنهم مقرونون بهم كما في الكشاف فوفق بينهما بأنّ للنار طبقات ولهم مواقف فيها فيجوز غيبتها عنهم في بعضها، ثم اقترانهم بها في بعض آخر أو ضلالهم استعارة لعدم نفعها لهم فحضورهم كالعدم فذكر على حقيقته في بعض! الآيات، وعلى مجازه في آخر كما صزج به بعده. قوله: (بل تبين لنا إنا لم نكن نعبد شيئاً (اتفق الشيخان على هذا التفسير، وقد جعله بعضهم بمعنى ما كنا مشركين وأنهم كذبوا لحيرتهم واضطرابهم كما مز في الأنعام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 ومعنى قوله: كذلك يضل الله الكافرين إنه تعالى حيرهم حتى فزعوا إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم وادعى أن ما اختاره المصنف لا يلائم الإضراب وليس هذا بشيء معتد به فإن ما ذكر هو المناسب للسياق لأنه من مقول القول وقع جوابا عن السؤال عما عبدوه في الجواب بأن الآلهة الباطلة ليست بموجودة أو ليست بنافعة، ثم أضربوا عن ذلك بأنها ليست شيئا معتداً به، وقد فقدت في وقت كان يتوهم نفعها فيه أو ظهور عدم نفعها فالظاهر أنهم معترفون بخطئهم والندم حيث لا ينفع، وقوله: يعتذ به يعني أنّ نفي الشيئية ليس على ظاهره إذ هو مقرر بل المراد به ذلك إمّا على تقدير صفة أو تنزيل الوجود منزلة العدم كما في قوله: إذا رأى غير شيء ظنه رجلا قوله: (مثل هذا الضلال الم يقل إضلال إشارة إلى أن الإشارة لما سبق في قوله: ضلوا عنا لا لما بعده كما في أمثاله فتدبر. قوله:) حتى لا يهتدوا الخ (يعني أن المراد ضلالهم في الدنيا وهذا على مذهب أهل الحق وهو إشارة إلى تفسيره على الوجه الىشاني في الضلال، وكونه بمعنى عدم النفع كما سنبينه وقوله أو يضلهم عن آلهتهم كذا في الكشاف، وقال الشارح: المحقق فسره بذلك لا بالخذلان جرياً على مقتضى المقام لقوله: قالوا ضلوا عنا بمعنى غابوا عنها من ضلت الدابة إذا لم يعرف موضعها، وهو مبنيّ على الجواب الأوّل من كون ضلالهم بمعنى غيبتهم وقت السؤال التوبيخي فقط أمّا على الثاني من كون الضلال عدم النفع فيتعين المصمير إلى الخذلان عنده، وعندنا إلى أن المعنى مثل هذا الإضلال يضل الله الكافرين حتى لا يهتدوا إلى ما ينفعهم في الآخرة إذ ليس للحمل على مثل ذلك الضلال، وعدم النفع بجعل الله الكافرين ضالين عن آلهتهم بمعنى عدم نفعهم للآلهة كبير معنى اهـ. قوله:) حتى لو تطالبوا الخ (أي لو طلبوا الآلهة وطلبتهم لم يتصادفوا بالفاء أي لم يلق بعضهم بعضاً وهو مبنيئ على الوجه الأوّل لكن قيل عليه إنّ قوله: ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق لا يلائم الإضلال بهذا المعنى، ورد بأن مآل المعنى عليه خيبة ظنهم وانعكاس رجائهم في الآخرة حيث كانوا يعتقدون فيهم أنهم يلاقونهم وينفعونهم فيها فأخبر بأق ذلك لذلك ولا يخفى أنه على هذا يكون هو الوجه السابق بعينه إذ يرجع إلى عدم النفع فيكون رده وارداً عليه، ومثله لا يخفى على الشارح المحقق فالحق في الجواب أن يقال الإشارة لا تتعين أن تكون للإضلال، وذكره على أحد الوجهين وعلى غيره فهو إشارة إلى سحبهم في الأغلال، وتسجيرهم في النار ونحوه فتدبر. قوله: (تبطرون وتتكبرون الخ (بطر كفرح بطرا إذا أشرّ ونشط غروراً وعدم احتمال للنعمة وبغير الحق فسره بما ذكر ولو فسر بغير استحقاق للتكبر صح، وبين الفرج والمرج تجنيس حسن والمرح كما قال الرغب: شدة الفرح والتوسع فيه كما في قوله: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} . قوله: [سورة الإسراء، الآية: 137 ويقال: مرحى عند التعجب، وقوله: للمبا لغة في التوبيخ لأنّ ذمّ المرء في وجهه تشهير له، ولذا قيل النصح بين الملأ تقريع، وقوله: الأبواب السبعة الخ إشارة إلى قوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [سورة الحجر، آية: 44] وقد مر تفسيره وقوله مقدرين الخ اشارة إلى أنه حال مقدرة وقد مز تحقيقه وقوله جهنم هو المخصوص المقدر قوله:) وكان مقتضى النظم الخ) يعني حين صدر الكلام بلفظ ادخلوا ناسب أن يجاء في العجز بمدخل ليتجاوبا وأجاب بأنه إنما لم يناسبه إذا اكتفى بقوله: ادخلوا غير مقيد بالخلود ولما قيد به كان معناه مع التقييد معنى مثوى فصح التجاوب، وصار شبيهاً في المعنى بنحو صل في المسجد الحرام فنعم المصلي. قوله: (المقيد بالخلودا لأنّ قيد القيد قيد كشرط الشرط أو لأنّ تقديره يؤل إلى التحقيق فلا يتوهم أنه قيد بتقدير الخلود لأنها حال مقدرة كما عرفت، ومثل هذا الأمر مآله للاتحاد أيضا دون مجرّد الإيجاب والتفويض إلى الاختيار كأوامر التكليف. قوله: (وما مزيدة لتثيد الشرطية ولذلك (أي لتأكيدها بما جاز أن تلحقها نون التوكيد غالباً، وقال الزجاج إنه واجب وردّ بسماعه غير مؤكد كقوله: فإمّا ترني ولي لمة فإنّ الحوادث أودى بها لا! إن الشرطية يكون ما بعدها غير متحقق لإفادتها التردد والتأكيد لا يناسب إلا التحقق فإذا أكد دل على أنه مما يهتم ويعتنى به فيدخل في حكم المتيقن، وقد نسب الجواز إلى سيبويه كما نقله أبو حيان على كلام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 فيه ذكره المحشي لكنه هنا زيادة غير مهمة فلذا ضربنا عنه صفحا، وقوله: ولا يلحق مع أن وحدها هذا قول لبعض النحاة وقد أجازه بعضهم على قلة. قوله:) فنجازيهم بأعمالهم (تفسير للمصير إلى الله، وقوله: فذاك الظاهر أنه مبتدأ خبره مقدر أي فذاك جزاؤهم، وقوله: ويجوز أن يكون جوابا لهما الفرق بين الوجهين التشريك في الجزاء وعدمه، والا فقوله: أو نتوفينك معطوف على نرينك على كلا التقديرين ومعنى كونه جواباً لهما أنه جواب لكل منهما استقلالاً لا لمجموعهما بأن يجعلا بمنزلة شرط واحد لأنه في العطف بالواو دون أو، وان كانت للتسوية ولا يصح كونه جزاء للشرط الأوّل لعدم ارتباطه به ظاهراً، وإن جوّزه بعضهم على معنى أن نعذبهم في حياتك، أو لم نعذبهم فلهم في الآخرة أشد العذاب لرجوعهم إلى عزيز ذي انتقام وما ذكر في الرعد في قوله: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [سورة الرعد، الآية: 14 من أن الجزاء للشرطين فقيل لأنه لأنّ الغرض ثمة إيجاب التبليغ وأنه ليس عليه سوى ذلك كيفما دارت الحال من إراءة الموعود بإنزال العذاب عليهم أو توفيك قبل ذلك، وههنا التسلية ونفي الشماتة وبيان مدة الأمر بالصبر وإمّا أنّ أريناك الموعود فهو المطلوب لك، والمقصود إذ كانت مطامح أنظار الهمم للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معقودة بذلك، وإن لم يكن الآخر فلا تحزن فإنه منتقم منهم أشد الانتقام فتدبر. قوله: (ويدل على شدّته الاقتصار الخ) هذا يدل على أن الاهتمام بشأن عقاب الآخرة والدنيوية، وقوعه وعدمه على حذ سواء، وكلامه في الكشاف يدل على أن المهتم به عذاب الدنيا لا الأخروي لأنه كائن لا محالة وهو كلام حسن أيضا ولكل وجهة. قوله: (في هذا المعرض) وقع في نسخة بدله الغرض، والمعرض بكسر الميم ووقع في شرح الشافية ضبطه بالفتح والصحيح الأوّل ومعناه هذا القبيل. قوله:) إذ قيل عدد الأنبياء الخ (والرسل منهم ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيراً كما وقع في تتمة هذا الحديث، وهو مروقي في كتاب الإمام أحمد ولا يخفى إن الواقع في النظم ذكر الرسول وهو أخص من النبيّ، ولا يلزم من كون المقصوص من الأنبياء قصصه أقل مما ترك كون الرسل كذلك فكان عليه أن يتعرضر له معه أو يقتصر عليه كما قيل، وكأنه اقتصر عليه إشارة إلى أنّ المراد بالرسل هنا الأنبياء فإنه ورد في القرآن مراداً به ذلك في مواضع عذة، أو ترك ذكرهيم لعلمه بالقياس أو اتكالا على شهرة الحديث فتأمل، وفي الكشاف عن عليّ كرم الله وجهه أن الله بعث نبيا أسود وهو ممن لم يقصص عليه وفي صحته نظر. قوله: (فانّ المعجزات عطايا الخ) هو جواب عما اقترحوه عليه من الآيات والقسم بكسر القاف جمع قسمة، وقوله: خسر أي هلك أو تبين خسرانه، والظاهر هو الأوّل لأنّ عادة الله إهلاك من اقترح الآيات وعدم قبول إيمانه كما مرّ، وبهذا ظهر تفريع قوله فإذا جاء الخ على ما قبله والمبطل من أبطل إذا جاء بالباطل وهو ضد الحق، وقوله: بعد ظهور الخ متعلق باقتراج. قوله: (فإن من جنسها ما يؤكل الخ) في عد البقر مما يركب نظر لا يخفى إلا إنه معتاد في بعض الأتراك فما ذكره المصنف مبنيّ عليه، وهو معتاد عند أهل الأخبية منهم كما ذكره بعضهم، ولو ذكر الخيل بدله جاز وأتى بالكاف في المأكول لأنه بقي منه المعز ونحوه بخلاف المركوب ومن في قوله منها تبعيضية كما أشار إليه المصنف رحمه الله أو ابتدائية. قوله تعالى: ( {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ) قال الشارح المحقق قدس سرّه: هذه الجملة حالية لكنه يرد على ظاهره إن فيه عطف الحال على المفعول له ولا محيص عنه سوى تقدير معطوف أي وخلق لكم الأنعام منها تأكلون ليكون من عطف جملة على جملة) أقول الم يلح لي وجه جعل هذه الواو عاطفة محتاجة إلى التقدير المذكور مع أن الظاهر إنها واو حالية سواء قلنا إنها حال من الفاعل أو المفعول حتى جعله بعضهم هربا من التقدير من العطف على المعنى فإنّ قوله: لتركبوا منها في معنى منها تركبون، أو على العكس مع أنه تكلف لا يجري مثله على القياس والتقدير أسهل منه، وقوله: ما يؤكل يعني ولا يركب، وقوله: عليها وعلى الفلك أي على جنسها، وقيل: إنه من نسبة ما للبعض إلى الكل وفيه نظر. قوله:) كالغنم (إشارة إلى أن الأنعام هنا الأزواج الثمانية لا الإبل خاصة كما في الكشاف، لكن الظاهر ما ذهب إليه الزمخشري، وكون المقام مقام امتنان مقتض للتعميم غير مسلم بل هو مقام استدلال كقوله: أفلا ينظرون إلى لإبل كيف خلقت ولا يأباه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 ذكر المنافع فإنه استطرادي، وقوله: ولتبلغوا الخ هو عامّ في الركوب وحمل الأثقال، وأمّا قوله: وعليها فذكر توطئة لقوله وعلى الفلك ليجمع بين سفائن البرّ والبحر فلا تكررا فيه. قوله: (وإنما قال على الفلك الخ) يعني لم يقل في الفلك كما في قوله: {احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [سورة هود، الآية: 40] لأنّ معنى الظرفية والاستعلاء موجود فيها فيصح كل من العبارتين والمرجح لهذا المشاكلة بينه وبين قوله عليها وهو المراد بالمزاوجة هنا، ولذا اقتصر المصنف عليه لأنّ المصحح لا يتم بدونه، ولذا لم يذكره في الكشاف، وأما قول ابن الحاجب في الأمالي إن الاستعلاء فيه أظهر من الظرفية فلذا لم يورد بفي لأنّ الإنسان يسكن في أعلاه لا في باطنه كغيره، وقوله: في الفلك المشحون لنكتة ذكرها فغير مسليم من أنه على تسليمه لا ينافي المشاكلة كما توهم. قوله: (وتغيير النظم في اكل الخ (يعني أن مدخول لام الغرض لا يلزم أن يترتب على الفعل فالتغيير إلى صورة الجملة الحالية مع الإتيان بصيغة الاستمرار للتنبيه على امتيازه عن الركوب في كونه من ضروريات الإنسان، ويطرد هذا الوجه في قوله: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} لأنّ المراد منفعة الأكل واللبس وهو أيضاً مما يلحق بالضروريات وأيضا كان الأحسن تقديمه كما قيل، ويدفع بأن مراده إنه فرق في التعبير بين ما هو ضروري صراحة، وهو الأكل وغيره واطراده فيما ذكره لا يضرّ لأن الضروري غير مقصود منه لتقدمه، وحديث التقديم والتأخير على فرض تسليمه يسير. قوله: (إذ يقصد به التعيش وهو من الضروريات) هكذا في بعض النسخ وفي أكثرها، وقيل لأنه يقصد به التعيش الخ، وهي المعتمدة عند أرباب الحواشي فيكون إشارة إلى ما في الكشاف ذكر الركوب وبلوغ الحاجة باللام بخلاف الأكل والحمل وسائر المنافع لنكتة لأن ما دخله اللام غرض متعلق للطلب وجنس الركوب، وبلوغ الحاجة كذلك لأن فيه واجبا ومندوباً تتعلق به إرادة الحكيم بخلاف الأكل واصابة المنافع لأن منه ما هو مباح لا يتعلق به الطلب وهو مبنيّ، كما قيل على أن كل مطلوب مراد وكل مطلوب ليس بلازم أن يكون مدخولاً مراداً، ومدخول لام الغرض مراداً بتة وفيه ما فيه مع أنه لا بعد في دخول اللام على المباح كقوله في الليل: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [سورة يونس، الآية: 67] والأولى أن المراد به بالأنعام الإبل وعمدة منافعها الركوب دون الأكل ومنافع الأوبار والألبان وتقديم منها وعليها للاهتمام والفاصلة دون الاختصاص، وقيل: إنهم في الحال آكلون منتفعون بخلاف الركوب ولما مرّ مرضه المصنف وأيضاً الأكل قد يقصد به التقوّي على الطاعة كما أن الركوب قد يكون للتلذذ وهوى النفس، وقوله: لأغراض دينية يعني فأدخلت عليه لام العلة، والغرض للتنبيه على هذا الفرق. قوله: (أو للفرق بين العين) وهي المأكول، والمنفعة وهي ما سواه والغرض في الحقيقة متعلق بالذات بالمنافع دون الأعيان فلا ينافي كون الأكل منفعة، ولذا قيل لتأكلوا منه، ومثله من المناسبات لا يلزم اطراده وهو معطوف على ما بعد قيل أو على ما قبله. قوله: (فأيّ آيات الله تنكرون (استفهام توبيخي، وقوله: قدرته متعلقاً بضميره بتفدير تنكرونه فحينئذ الأولى رفعه لعدم احتياجه للتقدير من غير ضرورة، وقوله: والتفرقة بين المذكر والمؤنث المستفهم منه أغرب من التفرقة في أسماء الأجناس كحمار وحمارة فإن الأكثر المعروف جريانه في الصفات المشتقة، وقوله: لإبهامه لأنه اسم استفهام عما هو مبهم مجهول عند السائل، والتفرقة مخالفة لما ذكر لأنها تقتضي التمييز بين ما هو مؤنث ومذكر فيكون معلوماً له فلذا لم يؤنث هنا كما في قوله: بأي كتماب أم بأية سنة وقوله أفلم يسيروا الخ مرّ تفسيره، وب! ان ما وقع بالفاء والواو والفرق بينهما، وقوله ما بقي منهم أي من آثارهم والمصانع مجاري الماء وفسرت هنا بالحياض وهو الظاهر، وقوله: وقيل آثار أقدامهم مرضه لأن مثلها لا يطول بقاؤه حتى يعتبر به من يراه. قوله: (أو استفهامية (والاستفهام المراد منه الإنكار وقوله: مرفوعة به أي بأغنى لأنها فاعلة له وما الموصولة لا إشكال في كون المحل من رفع وغيره لها على المشهور، لىان قيل إنه لها وللصلة معا، وإما ما المصدرية فلا محل لها وإنما المحل لها وللصله معاً لأنها في تأولل مصدر وحكمه كلمة واحدة ففيه تسمح اتكالاً على فهم السامع، وقوله: الآيات الواضحات أي علامات النبوّة، وهم أعتم مما قبله وفي نسخة عطفه لجاو وفي أخرى بالواو ولكل وجه، وقوله: واستحقروا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 علم الرسل فالمراد بفرحهم غرورهم بما عندهم حتى لزم منه استحقار ما عند غيرهم، ولولا ملاحظة هذا المعنى لم يكن بين الشرط والجزاء ارتباط معنوي تام كما لا يخفى. قوله:) والمراد بالعلم عقائدهم الخ) أعمّ من أحوال الآخرة الواقع في هذه الآية إذ لا وجه للشخصيص كما في الكشاف، والآية المذكورة مفسرة في محلها وقوله: وهو أي ذلك العلم مفهوم قولهم أو معلومة بتقدير مضاف فيه أو القول النفسي، وقوله: وسماها أي سمي الأمر المذكورة علما في النظم هنا وفي تلك الآية ولا وجه لتخصيصه بإحدإهما. قوله: (أو من علم الطبائع الخ (يعني هو إشارة إلى من له فلسفة واعتقاد في التنجيم، ونحو. فإنّ منهم من اغترّ بما عنده وترك متابعة الرسل عليهم الصلاة والسلام كما يحكى عن بعض حكماء اليونان، وكان الظاهر ترك من لأنه معطوف على قوله عقائدهم لكنه معطوف على معنى ما قبله والتقدير فرحوا بما عندهم من علم الطبائع لاكتفائهم بها واستنكافهم عن متابعة الرسل. قوله: (أو علم الآنبياء (أي المراد بالعلم في قوله من العلم علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فضمير عندهم للرسل والفرح بمعنى الاستهزاء كما صرّح به فيما بعده، وقوله: وقيل الفرح أيضا للرسل والعلم أيضا علمهم كما في الوجه الذي قبله، وقوله: وحاق الخ ففيه مضاف مقدر وهو جار على الوجهين وفيهما تفكيك للضمائر، وقوله: بما كنا به مشركين أي إشراكا بسبب عبادته وهي الأصنام. قوله: (فلم يك ينفعهم إيمانهم) قال المعرب: يجوز رفع إيمانهم اسما لكان وينفعهم جملة خبر مقدم، ويجوز أن يرتفع بأنه فاعل ينفعهم وفي كان ضمير شأن وليس من التنازع في شيء) وفيه بحث الأن الخبر إذا ألبس تقديمه الفاعل بالمبتدأ لم يجر تقدمه فتأمّل فيه. قوله: الامتناع فبوله حينئذ (أي إنه تعالى بمقتضى حكمته قضى أنّ إيمان اليأس لا يقبل، وقد تقدم فيه كلام فامتناع قبوله امتناع عاديّ كما يشير إليه قوله سنة الله لكنه قيل عليه إنه لا يناسبه تفسيره بل بيصح ويستقيم. قوله: (والفاء الأولى لأنّ قوله الخ) بيان للفا آت الأربعة وهي فما أغنى عنهم فلما جاءتهم فلما راً وا فلم يك فالأولى بيان عاقبة كثرتهم، وشدّة قوّتهم وما يكسبون بذلك زعماً منهم أنّ ذلك يغني عنهم فلم يترتب عليه إلا عدم الإغناء، وبهذا الاعتبار جعله الزمخشري نتيجة والمصنف كالنتيجة لأنه عكس! الغرض، ونقيض المطلوب لكن لترتبه عليه نزل منزلتها والثانية تفسير وتفصيل لما أبهم وأجمل من عدم الإغناء ومثله كثير لأن التفسير بعد الإبهام كالتفصيل بعد الإجمال، والثالثة لمجرّد التعقيب وجعل ما بعدها واقعاً عقبه لأنّ محصل قوله: فلما جاءتهم الخ إنهم كفروا فكأنه قيل: إنهم كفروا، ثم لما رأوا بأسنا آمنوا والرابعة عطف على قوله: آمنوا دلالة على أنّ ما بعدها تابع لما قبلها من الإيمان عند رؤية العذاب كأنه قيل وآمنوا فلم ينفعهم إيمانهم أو النافع إيمان الاختيار، ولذا جعلها المصنف في الأخيرتين سببية. قوله:) سن الله ذلك) أي عدم نفع إيمان اليأس، وقوله: من المصادر المؤكدة كوعد الله وصبغة الله وقيل مفعول به بتقدير احذروا، وقوله: وقت رؤيتهم الخ تفسير لهنالك اسم إشارة للمكان استعير للإشارة إلى الزمان وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع وصلى عليه بمعنى دعا له، تصت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة السجدة تسمى سورة فصلت وسورة حم السجدة. بسم الله الرحمن الرحبم قوله: (مكية) بلا خلاف وعدد آياتها كما قال الداني خمسون وآيتان بصرى وشامي وثلاث مكي ومدني وأربع كوفي واختلافها اثنان حم عدها الكوفي، ولم يعدها الباقون عاد وثمود لم يعدها البصري، والشامي وعدها الباقون اهـ. قوله: (إن جعلته مبتد " على أنه اسم السورة أو القرآن والخبر تنزيل على المبالغة أو التأويل المشهور، وقوله خبر محذوف أي القرآن أو السورة أو هذا. قوله: (ولعل افتتاح هذه السور السبع الخ (بيان للنكتة في تصدير جميعها بحم دون أن تجعل فواتحها مختلفة، أو لصدرية بعض منها دون بعض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 سواء كانت حم اسم السورة أو القرآن أو حروفا مقطعة لاتحاد ما صدرت به من ذكر الكتاب، ولاتحاد الغرض منها فما قيل إنّ هذا آخذ مما قل إنها اسم للقرآن فافتتاحها بما هو اسم من أسماء القرآن في الأصل لكونها مصدرة ببيان الكتاب والقرآن والتسمية بحم لتشاكلها في النظم، والمعنى لا وجه له إذ هو تخصيص من غير داع وليس في كلام المصنف ما يدل عليه فالوجه ما ذ! ناه. قولى: (وإضافة التنزيل الخ) يعني تخصيص هذين الاسمين مع ذكر الكتاب المراد به القرآن المنتظم به أحوال الدارين، ولا نعمة أعظم من ذلك فلذا صدر بلسمين دالين على أنه المتفضل فيهما كما مرّ تحقيقه دلالة على ذلك، والإضافة لغوية لا نحوية. قوله: (ميزت باعتبار اللفظ (بفواصل الآيات ومقاطعها، ومبادئ السور وخواتمها والمعنى بكونها وعداً ووعيداً وقصصا وأحكاما وخبرا وانثاء، وقد جعل المصنف في سورة هود كلاً من اللفظ والمعنى تفسيرا مستقلا، وأشار هنا إلى جواز الجمع بينهما إذ لا مانع منه، وقد ذكر ثمة وجوه أخر. قوله: (وقرئ فصلت (اًي بالفتح والتخفيف على بناء المعلوم أو بالضم على المجهول لأنه قرئ بكل منهما في الشواذ إذ فعلى الأوّل قوله أي فصل إمّا متعد فاعله مستتر وبعضها مفعوله أو لازم هو فاعله، وعلى الثاني بعضها قائم مقام الفاعل، وقوله: أو فصلت معلوم على الأوّل مجهول على الثاني فمن اقتصر على بعض هذه الاحتمالات فقد قصر وفصل يكون لازماً بمعنى انفصل كقوله: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [سورة يوسف، الآية: 94] ومتعدياً وإلى كل منهما أشار المصنف. قوله:) نصب على المدح) بتقدير أعني أو أمدح ونحوه أو الحال من فاعل فصلت ففيه مضاف مقدر اعتمادا على ظهوره وقد جوّز في هذه الحال أن تكون موطئة ومؤكدة لنفسها، وقوله: بسهولة قراءته وفهمه لفصاحته، ونزوله بلسان من نزل بين أظهرهم وقوله: يعلمون العربية إشارة إلى مفعوله المقدّر، وقوله: أو لأهل العلم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم ولام لقوم تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به، وقوله: والأوّل أولى وما أورد على الثاني من لزوم عمل المصدر الموصوف وقد منع ممنوع لجواز كون قوله من الرحمن صلة له أو القول بجواز عمله في الظرف للتوسع فيه والقراءة بالتخفيف شاذة نقلها الثقات فلا يرد عليه ما قيل إنها لم توجد فيما شاع من كتب القرا آت، ونقله في الكشف عن موضح الأهوازي. قوله: (للعاملين به الخ) فيه لف ونشر، وقوله: قرئ بالرفع عزاه الطيبي لنافع، وقيل: إنه رواية شاذة عنه، وقوله: فأعرض أكثرهم الضمير للقوم على التفسير الأوّل وللكفار المذكورين حكماً على الثاني إلا أن يراد به من شأنهم العلم والنظر، وقوله: سماع تأمّل الخ فهو! صماع مخصوص، أو هو مجاز عن القبول كما في سمع الله لمن حمده. قوله: (أغطية جمع كناق (كغطاء لفظاً ومعنى، وليس هو ما يجعل فيه السهام كما قيل وجعلها هنا في أكنة وفي غير هذه الآية قيل على قلوبهم أكنة فذهب الزمخشري إلى أنهما بمعنى لأنّ ما كان ظرفا لشيء فهو عليه وأما التعبير بقي هنا وبعلى ثمة فلأن السياق اقتضاه فإنه لما كان منسوبا إليه تعالى في الإسراء والكهف كان معنى الاستعلاء، والقهر أن! سب ولما حكى عنهم هنا كان الاحتواء أقرب وليس المراد أنه أبلغ في عدم القبول لاحتواء الأكنة عليه احتواء الظرف على المظروف حتى لا يمكن أن يصل إليه شيء كما قيل لأن قوله على قلوبهم أكنة يفيد ما ذكر من الاحتواء من كل جانب أيضا بالنظر إلى لفظ الكن لأن الكن لا بد أن يكون ساتراً للمكتن فيه من كل جانب أيضا كما أشار إليه الفاضل اليمني فالمبالغة في كل منهما إنما المراد توجيه اختيار أحد الطريقين فتأمّل. قوله:) يمنعنا عن التواصل) أي عن الوصول إليك واتباعك، وقوله: ومن للدلالة على أنّ الحجاب مبتدأ منهم الخ هذا ما في الكشاف من الفرق بين هذا الحجاب بيننا ومن بيننا وأنّ من ليست زائدة بل تدل على أنّ الحجاب عريض مستوعب للمسافة المتوسطة بينهما فتكون من أبلغ في مغ الوصول، وقد اعترض عليه بأنه لا دلالة له على ما ذكر ولا فرق بين وجود من وعدمها وأجيب بأنّ معنى البين الوسط سواء كان حاقا أولاً وإذا كان مبدأ الحجاب من البين ولا أولوية لبعض الأجزاء كان من الطرف الذي يلي مخاطبك فيحصل الاستيفاء منه بمجرّد ذلك فكيف إذا اعتبر ابتداء من طرف مخاطبك، وانتهاء إلى طرفك ولا كذلك عند ترك من فإنه يدل على حجاب ما بلا ابتداء، ولا انتهاء وقد قيل الابتداء من حاقة الوسط يفيد الاستيعاب أيضا للزوم كون الانتهاء لجميع الأطراف لعدم الأولوية لكن هذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 ليس ما قرّر في الكتاب ولا يتوقف هذا على تقدير من قبل بين الثاني بل ولا إعادة بين كما حققه الشارح المحقق رداً على غيره من الشراح، وإنما ذهبوا إلى ما ذكر صوناً لكلام الله على زيادة من غير فائدة لكن فيه بحث لا يخفى. قوله: (وهذه تمثيلات) أي ما في مقول قولهم من الأكنة وما بعده استعارات تمثيلية، ثم بين ما استعير له على الترتيب بقوله لنبوّ الخ المراد بالنبوّ عدم القبول، أو البعد عنه وهذا أقرب وهو إما من نبوّ السيف لكلاله أو من النبوة وهي الارتفاع، والتباعد واعتقادهم معطوف على قلوبهم فقولهم قلوبنا في أكنة استعير لبعيدة عن فهم ما تدعونا إليه ووجه الشبه ظاهر، وقوله: ومج أسماعهم له هو ما استعير له في آذاننا وقر، والمج رمى المانع من الفم ونحوه والمراد به عدم القبول لما سمعوه حتى كأنهم صم، وقوله: وامتناع الخ هو ما استعير له ومن بيننا وبينك حجاب والمراد تباعد ما بين الدينين، وما هم عليه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو عليه والمراد بهذا إقناطه عن اتباعهم حتى لا يدعوهم إلى الطريق المستقيم. قوله: (على دينك أو في إبطال أمرنا (على التفسير الأوّل هو متاركة وتقنيط عن إتباعه، والمقصود هو الثاني والأوّل توطئة له والمعنى إنا لا نترك ديننا بل تثبت عليه كما تثبت على دينك، وعلى الثاني هو مبارزة بالخلاف والجدال. قوله: (لست ملكاً ولا جنياً (إشارة إلى ما يفيده الحصر الأوّل، وقوله: لا يمكنكم التلقي منه إشارة إلى أنه جواب عن قولهم قلوبنا في أكنة الخ ورد له، وقوله: ل! ست الخ رد لقم لهم: بيننا وبينك حجاب فإنه ليس ملكا ولا من الجن حتى لا يصلوا إليه، وقوله: تنبوا عنه العقول والأسماع جواب عن قولهم قلوبنا الخ، وفي آذاننا ولم يرتض ما في الكشاف من أنه استدلال على صحة نبوّته ووجوب اتباعهم لدعوته. قوله:) وإنما أدعوكم الخ (هو تفسير اصلحصر الثاني، وأدعوكم تفسير لقوله يوحي إليئ فإنه إنما يوحي إليه لدعوة الخلق والحصر في التوحيد والاستقامة في العمل من قوله: فاستقيموا إليه، وقوله: قد يدل عليهما الخ المضارع للاستمرار وقد للتحقيق كما في قوله: قد يعلم ما أنتم عليه يعني دعوته منحصرة فيما ذكر وهو أمر محقق عقلاً ونقلاً فليس يسوغ مخالفته. قوله: (فاستقيموا في أفعالكم) إشارة إلى أن الاستقامة، وهي عدم الاعوجاج مستعارة للإخلاص في الأفعال وعدى بإلى لتضمينه معنى متوجهين إليه أو الاستقامة بمعنى الاستواء وهو يتعدى بإلى كما في قوله: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 29] ومعناه القصد وعلى كل من التفسيرين يجوز أن يكون من الموحى إليه وأن يكون من المقول، وكذا ما بعده كما قيل، وقيل إنه على الأوّل من الموحى إليه وعلى الثاني من المقول وعليه اقتصر الزمخشري ويؤيده قوله برو: " قل لا إله إلا الله ثم استقم " ولا يخفى أنّ قول المصنف قبل إنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة يعين كونه من الموحي، والموحي من القول فلا فرق بينهما فتأمّل. قوله: (مما أنتم عليه الخ (يعني المراد بالاستغفار هنا الرجوع عن الكفر والمعاصي، إذ الاستغفار بمعناه المتبادر لا يفيد المشركين، وقوله: من فرط الخ ولو قال من شركهم كان أظهر وهو مراده. قوله: (لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق الأنهم لو كان لهم شفقة أعطوا الفقراء من مال الله، وهذا لا ينافي كون السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة لأنّ المفروض بالمدينة تقدير ما يخرج، وقد كان الإعطاء مفروضاً بمكة من غير تعيين كما في قوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 141] وقد مرّ تفصيله في سورة الروم، وقوله: وذلك يعني البخل وعدم الإشفاق وأفرده لتأويله بما ذكر. قوله:) وفيه دليل على انّ الكفار الخ) كما ذهب إليه الثافعية كبعض الحنفية كما فصل في الأصول والذاهبون إلى خلافه يقولون هم مكلفون باعتقاد حقيتها فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان وأما حمله على أنهم لا يقرّون بفرضيتها كما قيل: فبعيد وقد قيل كلمة ويل تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلاً، وقوله: وقيل الخ فالزكاة بالمعنى اللغوي فلا دليل فيها لما ذكر ومرضه لأن قوله: يؤتون يأباه ولأنه لا حاجة إليه وأما كون الإتيان ورد في نحو قوله: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [سورة التوبة، الآية: 54] فلا يفسر به كما قيل للفرق بين الإتيان والإيتاء فتأمّل. قوله:) حال مشعرة الخ) يعني أنه للإشعار بما ذكر جعلت هذه الجملة حالاً لم تعطف على ما قبلها، وهم الأوّل مبتدأ والثاني ضمير فصل لا مبتدأ ثان وتقديم بالآخرة للاهتمام ورعاية الفاصلة. قوله: (من المت) بمعنى تعداد النعم، وأصل معناه الثقل فأطلق على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 ذلك لثقله على الممنون عليه وما فيل إنه بمعنى الأنعام لا غير كما في القاموس غفلة عن قوله تعالى: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} [سورة البقرة، الآية: 264] وإنما تركه لشهرته. قوله:) وقيل نزلت في المرضى (جمع مريض، والهرمي جمع هرم وهو الشيخ الفاني فالمعنى غير منقوص، ولا ممنوع أجر من كان يعمل في حال شبابه وقوّته وصحته أعمالاً ثم عجز وكبر فلا ينقص أجره الذي كان يكتب له في شبابه وقوّته كما قاله السمرقندي. قوله:) كأصح ما كانوا يعملون) أي كما كتب لهم الأجر في أصح أوقات كونهم عاملين على طريقة أخطب ما يكون الأمر تجوّزاً في النسبة على ما حققه النحاة في المثال المذكور، والمعنى أن ما يكتب لهم في الأجر في المرض والكبر مثل الذي كان لهم وهو أصح مما سواهم أو أصح منهم الآن. قوله: (في مقدار يومين أو نوبتين) فهو على تقدير مضاف أو تجوّز، وإنما أوّله بما ذكر لأنه لا يتصوّر اليوم قبل خلق السماء والكواكب فإنه عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق فالمراد مقدار زمنهما أو في نوبتين أي دفعتين، ومرّتين ففي نوبة خلق أصلها ومادتها وفي أخرى صورها وطبقاتها كما أشار إليه المصنف، وقوله: في أسرع ما يكون إشارة إلى أن المراد بذلك بيان سرعة إيجاده وأنه لم يرد أنه أكثر من يوم فاليوم هنا الوقت مطلقا على الوجهين لا على الثاني كما قيل. قوله: (ولعل المراد من الأرض ما في جهة السفل (تجوّزاً باستعماله في لازم معناه وأصلها مادّتها، ولا حاجة إلى بيان أنه الهيولي أو الأجزاء التي لا تجر مما لا يعرف في لسان الشرع كما قيل، والمراد بالأنواع الجبال والبراري والرياض والغياض ونحوها فليس المراد إنه خلق بعضها في يوم وبعضها في آخر، وحينئذ يشمل العناصر كلها ويكون في قوله فوقها استخدام لأنّ الجبال فوق الأرض المعروفة والمراد بالأجزاء البسيطة العناصر، وقوله: بها صارت أي بسبب هذه الصور المختلفة تنوعت إلى أنواع مختلفة، والمصنف رحمه الله لم يدع تلازما حتى يقال إنه ليس بلازم، ولذا عبر بلعل فيجوز أن تكون ظرفية ذلك للخلق بمعنى آخر. قوله: (إلحادهم في ذاته وصفاته (أي مجادلتهم بالباطل أو خروجهم عن الحق اللازم دته على عباده من توحيده واعتقاد ما يليق بذاته وصفاته فينزه عن صفات الأجسام وتثبت له القدرة التامّة والنعوت اللائقة به سبحانه وتعالى ويعترف بالبعث وأحوال المعاد وإرسال الرسل وأنهم لم يخلقوا عبثا. قوله: (ولا يصح أن يكون له مدّ (يعني أنه ذكر بصيغة الجمع لأنه أبلغ في ذمّهم لأنه كيف يكون له أندادا ولا ند واحد له، وقوله: الذي خلق الأرض في يومين إشارة إلى اتصال هذا بما قبله بتوسط اسم الإشارة لأنه مستحق لكونه ربا للعالمين لأجل خلقه ما ذكر في أسرع مدة مما يدل على قدرته الباهرة التامّة الدالة على ربوبيته تعالى، ومعنى مربيها أنه يعطيها ما به قوامها ونماؤها. قوله: (استئناف الخ) إشارة إلى ما ذكر في شروج الكشاف على ما لخصه الشارح المحقق حيث قال: إنه يتبادر عطف هذه الجملة على خلق الأرض، وقد فصل بينهما بجملة وتجعلون الخ المعطوفة على تكفرون وجملة ذلك الخ المبتدأة وحقها التأخير عن تمام الصلة، وأجيب بأنّ الأولى متحدة بقوله: تكفرون بمنزلة إعادتها والثانية معترضة مؤكدة لمضمون الكلام فالفصل بهما كلا فصل، وفيه بلاغة من جهة المعنى لدلالته على أنّ المعطوف عليه أي خلق الأرض كاف في كونه رب العالمين وأن لا يجعل له ند فكيف إذا انضمت إليه هذه المعطوفات من قوله: وجعل فيها الخ ولا يخفى أنّ الاتحاد الذي ادّعوه لا يخرجه عن كونه فاصلا مشوّشا للذهن مورثا للتعقيد، وان كان الزمخشري ذكر ما يقرب منه في سورة براءة فالحق والأقرب أي تجعل الواو اعتراضية وكل من الجملتين معترضا ليندفع بالاعتراض الاعتراض، أو يجعل ابتداء كلام بناء على أنه قد يصدر بالواو وأو يقال هو معطوف على مقدر كأبدعها وجعل فيها رواسي الخ وذكر للدلالة على تمام النعمة، وكمال القدرة مبالغة في الرد على المشركين بعد تمام المطلوب بخلق الأرض في يومين. قوله: (مرتفعة عليها الخ (بيان لفائدة قوله: من فوقها مع أنه غير محتاج له، ولذا لم يذكر في غيرها بأن جعلها فوقها لا تحتها كالأساطين ولا مغروزة فيها كالمسامير، ولا منبطحة بجهد عليها لتكون رأى العين فيستبصر من شاهد خلقها، ويستدل بكونها ثقلا على ثقل على الصانع لافتقارها لممسك لها وليتمكن مما فيها من المنافع وقوله: معرضة بوزن اسم المفعول من الأفعال من أعرضه لك إذا أظهر.، ومكنك من أخذه أو من التفعيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 وهو قريب منه معنى، وقد اقتصر شراح الكشاف على الأول. قوله: (أقوات أهلها (ففيه مضاف مقدر وإنما قدره لأنّ الإضافة للاختصاص لامية ولا معنى لاختصاص القوت بالأرض إلا أنه نشأ منها وهو الوجه الثاني، أو أنه مأكول لمن فيها وهو يحتاج إلى التقدير المذكور، وقيل الإضافة على الثاني مجازية لأدنى ملابسة، وكونها فيها وان جاز جعله وجها للإضافة لكنه لا طائل تحته، وقوله: بأن عين متعلق بقدر وهو تفسير له فالمراد بتقديره لهم تعيين كل لكل، وقوله: بأن خص حدوث الخ لا يخفى ما فيه فإنّ كل نوع لا يختص بقطر بل أكثرها مما به ينتظم أصل المعاس مشترك كالحنطة، وان كان لبعض البلدان خواص ليكون الناس محتاجين بعضهم لبعض، وهو مقتض لعمارة الأرض وانتظام أمور العالم وقراءة قسم مؤيدة للوجه الثاني ولذا أخرها. قوله: (في تتمة أربعة أيام) وهي يومان بعد اليومين السابق ذكرهما ففيه مضاف مقدر، والداعي لذلك إنه لو لم يقدر كذلك أو يجعل خبر مبتدأ محذوف تقديره كل ذلك في أربعة أيام لم يصح إذ خلق السموات والأرض في ستة كما صرح به في القرآن، والحديث منها ما ذكر هنا واثنان لخلق السماء واختار هذا لأنّ حذف المضاف أسهل من حذف المبتدأ، ولأنه يلزمه توالي حذف مبتدأين لتقدير مثله فيما بعده. قوله: (وإلى الكوفة في خمسة عشر) أي في خمسة يكون بها جملة السفر من البصرة خمسة عشر فهو بتقدير مضاف كما في النظم، وقوله: للإشعار الخ بيان للمرجح للعدول عن يومين إلى ما ذكر لدلالة ما هنا على أنّ اليومين اللذين خلق فيهما الأقوات متصلان بالأوجلين لتبادره من جعلهما جملة واحدة، واتصالهما في الذكر وليكون ما ذكر بياناً لجملة الأيام التي خلق فيها الأرض وعدى والتصريح بعلى لأنه بمعنى التنصيص. قوله: (على الفذلكة الخ) الفذلكة بمعنى جملة الحساب، وهو لفظ منحوت من قولهم بعد العدد لشيء فذلك يكون كذا فاشتقوا منه فعللة مصدر، وقالوا في جمع فذلكة فذالك لكنه قيل عليه إنّ الفذلكة يذكر فيها تفاصيل إعداد ثم يؤتى لها بجملة فيقال مثلاً هنا يومان وبومان فهي أربعة، وما هنا ليس كذلك فكيف يكون فذلكة وهو لم يذكر فيه أحد المقدارين فإمّا أن يقال إنه للعلم به نزل منزلة المذكور أو يقال المراد إنه جار مجرى الفذلكة كما أشار إليه المدقق في الكشف، وما قيل إنّ الفذلكة بمعنى الإنهاء كما في القاموس فذلك حسايه إذا أنهاه وفرغ منه وبالأربعة ينتهي مقدار مدّة خلص الأرض، وما فيها مع كونه ليس مراد المصنف رحمه الله قطعا لا يعتمد على ما ذكره في القاموس لمخالفته للاستعمال وكلام الثقات كما لا يخفى على من له إلمام بالعربية والآداب مع أنّ مراده ما ذكرناه لكن في تعبيره نوع قصور هو الذي غرّ هذا القائل. قوله:) 1 ستوت سواء (يعني إنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي استوت استواء، والجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه ويؤيده قراءة الجر فإنها صريحة في الوصفية، ومعنى استوائها أنها لا زيادة فيها ولا نقصان. قوله: (وقيل حال الخ) مرضه لقلة الحال من المضاف إليه في غير الصور الثلاث ولأنّ الحال وصف معنى، وما ذكر صفة الأيام لا الأرض ويلزمه تخالف القراءتين في الممعنى. قوله:) هذا الحصر (أي في أربعة كائن للسائلين وهو مستقرّ لا خبر لغو كما توهمه العبارة، وقوله: عن مدة الخ متعلق بالسائلين، وبيان للمسؤول عنه وأن النسؤال على ظاهره وقوله: أو بقدر فهو لغو أو مستقر على أنه حال من أقواتها، وقوله: للطالبين تفسير للسائلين على هذا الوجه، وقد جوّز تعلقه بسواء أيضا. قوله: (قصد) أي توجه وأراد لأن الاستواء المعدى بعلى معناه الاستيلاء والمعدى بإلى معناه القصد، وهو المنالسب هنا لأنه لأسماء موجودة لكن الإرادة العلية تعلقت بإيجادها وقوله: لا يلوي على غيره أي لا يلتفت إليه لتمحضه له. قوله: (والظاهر أنّ ثم الخ) هذا بناء على انّ خلق السماء مقدم على خلق الأرض لظاهر الآية المذكورة فلزم إنه للتفاوت الرتبي لا للتراخي الزماني، وقد مز تفصيله في البقرة وإنّ جمهور المفسرين غير مقاتل على خلافه، وقوله: ودحوها متقدم على خلق الجبال لأن نظم الآية هكذا: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [سورة النازعات، الآيات: 28- 29- 30] أي بسطها ومهدها للسكنى أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها فقد علم من هذه الآية صريحا للتعدية المذكورة أن دحو الأرض مؤخر عن خلق السماء بمرتبتين فلا يتأتى كون، ثم هنا للتراخي الزماني للزوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 تأخر خلق السماء عن خلق الجبال، وهو مناقض للأوّل، وءانما قال الظاهر لأن قوله: ثم استوى إلى السماء ليس نصاً في خلقها بل صريحه قصده وإرادته بأمرها أن تأتي طائعة منقادة لأمره، وأما كون بعد متعلقة بمقدر كتذكر أمر الأرض بعد ذلك أو البعدية رتيبة فخلاف الظاهر عنده، وهو مشترك الإلزام لأن ثم كذلك إلا أن يقال: لفظ بعد أبعد من التأويل، وليس هذا مخالفاً لما مز في النحل في تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [سورة النحل، الآية: 15] الخ كما قيل لأنّ المراد خلقها كهيئة فهو صغير كما ورد في الحديث فيكون خلق الجبال بعده ولو سلم فهو مبني على قول آخر ومثله كثير. قوله: (أمر ظلماني) نسبة إلى الظلمة على خلاف القياس كما قيل نورانيّ، وإنما أوّله بما ذكر لأنّ الدخان الكائن من النار التي هي إحدى العناصر لم يكن موجوداً إذ ذاك أو هو غير مراد كما لا يخفى. قوله: (ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء) المراد بالمادّة معناها المشهور، وهي ما تركبت منه بقطع النظر عن كونها جواهر فردة أو هيولى، وقيل: المراد بهذا الهيولى وبالأجزاء المصغرة الأجزاء التي لا تتجزأ على ما بين في الحكمة وفي نسخة المتصغرة وما وقع في بعضها المتصعدة بالدال من تحريف الكتاب. قوله:) بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر (وفي نسخة لما باللام وهما بمعنى لأنّ الباء سببية فهي قريبة من معنى اللام التعليلية ويجوز كونها للملابسة، أو التعدية ولا وجه لما قيل إنه على الأخير يلزم حذف ما هو كبعض حروف الكلمة لأنه إنما يصح لو لم يجر حذف صلة ما والضمير للأرضى والسماء والمعنى ليس على إتيان فاتهما، وايجادهما بل إتيان ما فيهما مما ذكر بمعنى إظهاره والأمر للتسخير لكنه قيل إنه على هذا الوجه يكون المترتب في قوله: فقضاهن الخ جعلها سبعا أو مضمون مجموع الجمل المذكورة بعد الفاء، دىالا فالأمر بالإتيان بهذا المعنى مترتب على خلقهما وعلى هذا يجوز حمل، ثم على التراخي الزماني ولا يلزم كون دحو الأرض مقدما على دحو السماء، وان لزم خلق الشمس قبل الدحو لقوله: أغطش الخ فلا تنافي بين الآيتين كما قيل، ولا يخفى أنه على تسليمه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله وارتضاه في ثم وتفسيره للدخان فكان ينبغي تأخيره فتدبر. قوله: (من التأثير الخ) بيان لما وهو لف ونشر مرتب فالتأثير للعلويات، وهو بناء على الظاهر من عد الأسباب مؤثرة أو مجاز المؤثر الحقيقي هو الله والتاً ثير للسفليات ويجوز تعميمه لهما والأوضاع للسموات والنجوم، فهو وما بعده على اللف والنشر أيضاً. قوله:) أو ائتيا في الوجود الخ (كالخلق في خلق الأرض وجعل فيها رواسي لأنه بمعنى خلق أيضا أو بمعنى تعيين مقاديرها لا إيجادهاويجوز على هذا إبقاء، ثم على ظاهرها وهذا كله لما تقتضيه الفاء من التعقيب ولذا قال: والترتيب للرتبة فهو في الوجهين السابقين على حقيقته لأن المراد إذا كان خلق ما فيهما أو تقديرهما فالترتيب على ظاهره، فإذا كان بمعناه العروف كانت الفاء مجازا عن الترتيب في الرتبة أو الإخبار إلا أن يعتبر فيما يدل عليه التمثيل والمرتب عليه هنا أعلى من المرتب والمشهور عكسه كما موّ تحقيقه، أو قد يقال: هذا هو المقصود الأصلي من خلقهما فهو أعلى رتبة. قوله: (أو إتيان السماء حدوثها الخ (ففيه جمع بين معنيين مجازيين وهو جائز أيضاً عند المصنف رحمه الله فتشبيه البروز من العدم بمن أتى من مكان آخر وبسط الأرض، وتمهيدها بذلك أيضا وهو بالنصب كالترتيب معطوف على اسم إن وهو الحق، وقوله: وقد عرفت ما فيه، وهو لزوم كون الدحو مقدما على خلق الجبال كما قيل وهو ممنوع لأن ثم لتفاوت ما بين الخلقين كما قرره، وغاية ما لزم من الفاء كون الدحو متأخرا عن الاستواء ولا يلزم منه كونه متأخراً عن خلق الجبال على أنه يجوز كون الفاء للتفصيل لا للترتيب فتأمل. قوله: (أو ليأت كل منكما (معطوف على قوله ائتيا في الوجود والمراد بإتيان إحداهما للأخرى توافقهما في ظهور ما أريد منهما كما صرّج به المصنف رحمه الله على الاستعارة، والمجاز المرسل باستعماله في لازمه لأنّ المتوافقين يأتي كل منهما صاحبه كما في الكشف، وقال ابن جني هي المتنازعة: وقال في الكشف هو أحسن والمؤاتاة المفاعلة يقال: آتيته إذا وافقته وطاوعته قال في المصباج يقال آتيته على الأمر بمعنى وافقته وفي لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واواً فيقال وأتيت على لأمر مواتاة وهي المشهورة على ألسنة الناس، اهـ ولذا وقع في نسخة هنا وأتيا فلعله قرئ به في الشواذ فالقول بأنّ الصحيح آتيا لأنّ الكلمة مهموزة الفاء ليس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 بصحيح وكذا يجوز في المواتاة قراءته بواو وهمزة وكلمة في في قوله في حدوث للسببية. قوله: (والمراد إظهار كمال قدرته الخ) الظاهر أنه استعارة لأنهما لما نزلا وهما من الجمادات منزلة العقلاء إذ أمرا وخوطبا على طريق المكنية والتخييلية أو التمثيلية أثبت لهما ما هو من صفات العقلاء من الطوع، والكرة ترشيحا وهما مؤوّلان بطائع وكاره لأن المصدر لا يقع حالاً بدون ذلك ويجوز كونهما مفعولاً مطلقا. قوله: (والأظهر أنّ المراد الخ) اعلم أنه قال في الكشاف معنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل ويجوز أن يكون تخييلاً ويبنى الأمر فيه على أنه تعالى كلم السماء والأرض، وقال لهما: ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه فقالتا: أتينا على الطوع لا على الكره، والغرض! تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب ونحوه قول القائل، قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد سل من يدقني فقيل: يعني إنّ إثبات المقاولة مع السماء والأرض من الاستعارة التمثيلية كما مرّ، ويجوز أن يكون من الاستعارة التخييلية بعد أن تكون الاستعارة في! ذاتها مكنية كما تقول نطقت الحال بدل دلت فتجعل الحال كإنسان يتكلم في الدلالة ثم يتخيل له النطق الذي هو لازم المشبه به وينسب إليه، وإما بيان التمثيل فهو أنه شبه فيه حالة السماء والأرض التي بينهما وبين خالقهما في إرادة تكوينهما، وايجادهما بحالة أمر ذي جبروت له نفاذ في سلطانه واطاعة من تحت تصزفه من! غير تردد، والأوجه أن يراد بكونه تخييلاً تصوير قدرته وعظمته، وأنّ القصد في التركيب إلى أخذ الزبدة والخلاصة من المجموع على سبيل الكناية الإيمائية من غير نظر لمفرداته يعني إنه لما عطف التخييل على المجاز التمثيلي كان غير.، وان جاز تخصيص التمثيل بالمفرد المتعارف منه وهو التحقيقي ويحمل التخييل على لآخر فيعود القسم قسيما، وما ذكره من الكناية إمّا على أنه لا يلزم إمكان الحقيقة في مثله لجعل المفروض كالمحقق كما جرت فيعود. القسم قسيماً، وما ذكره من الكناية إما على أنه لا يلزم إمكان الحقيقة في مثله لجعل المفروض كالمحقق كما جرت عليه محاورأتهم، أو يقال: هو ممكن لجواز أن يخلق الله في الجماد إدراكا ونطقا بى حياة وعلما فيصدر منه الخطاب،! ونجي الكشف التخييل تمثيل خاص لا ينافيه التمثيل، وما ذكر من الكناية الإيمائية وأخذه الزبدة من غير نظر إلى حقيقة شيء لا يطابقه الحقيقة ولا الاصطلاح ولا يغني عن الرجوع لما ذكرناه من أنه مركب لم يرد به معناه الحقيقي فلا بد من التجوّز، ولا مجال لكونه كناية يعني إلا أن يرتكب ما مرّ وهو خلاف الظاهر إذا عرفت هذا فما مرّ مبني على أنه تصوير واستعارة تمثيلية مبنية على الفرض، وهذا أيضا تمثيل بمعناه المتعارف أو الأوّل على أنه استعارة مكنية وكونه كناية عرفت حاله فما قيل من أنه قصد مدلوله من غير قصد إلى الأخبار بثبوته ليلزم عدم مطابقة نفس الأمر بل قصد تصوير أثر قدرته تعالى في المقدورات بصورة محسوسة من ورود أمر يأتي من آمر مطاع فامتثل على الفور وقيل عليه إنه هو التخييل الشعري الذي يصان عنه كلام أصدق القائلين، ولا يفيده الخلو عن لحكم في نفس الأمر كلام ناشئ من عدم التحقيق ومعرفة معنى التخييل كما قرّرناه لك فتذكر، ولا تكن من الغافلين. قوله:) وما قيل الخ) يعني أنه متصور في الوجه الأول دون الوجهين المتوسطين لكونهما معدومين عند الخطاب أو لكون السماء معدومة عند. على الثاني منهما، والخطاب متفرّع على الوجود وتميز الماهيات قبل الوجود لا يجدي، وقوله: وإنما قال: طائعين بجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء الذكور، وكان مقتضى الظاهر طائعات أو طائعتين وأوثر جمع الذكور لأنه لا وجه للتأنيث عند إخبارهم عن أنفسهم الكون التأنيث بحسب اللفظ فقط نظرا إلى الخطاب والإجابة والوصف بالطوع والكره. قوله: (كقوله: ساجدين (التشبيه في مجرّد إتيان جمع العقلاء نظراً إلى وصف السجود وإن كان التذكير فيه لتغليب الكواكب والقمر كما قيل به، وفيه نظر. قوله: (فخلقهن خلقا إبداعياً القوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة البقرة، الآية: 117] والإبداع ما لم يسبق له مثال ولا مادة، وقوله: أتقن أمرهن هو من التعبير بالقضاء وهو الفصل بين الأمور على وجه التمام، وقوله: والضمير أي ضميرهن رعاية للمعنى لأنه بمعنى السموات، ولذا قيل إنه اسم جمع والمراد بكونه مبهما أنه تفسيره سبع سموات الخ فيرجع لما بعده، وإن كان متأخرا لفظا ورتبة بناء على جوازه في التمييز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 كما في ربه رجلاً وباب نعم وهو أبلغ لما فيه صت التفسير بعد الإبهام، وقد مز تفصيله في سورة البقرة، ولذا جعله حالاً على الأوّل من ضمير السماء وتمييزاً على الثاني، ويجوز فيه البدلية وكونه مفعولاً ثانيا على تضمينه معنى التفسير كما ذكره المصنف في غير هذه السورة. قوله: (قيل خلق السموات الخ) قيل: كونه يوم خميس مع إنه لا يوم حقيقة حتى يتعين كما قيل بناء على أنّ الوقت الذي خلقت فيه الأرض لما كان أوّل أوقات وقع الخلق فيها ناسب اعتبار يوم الأحد الذي هو أوّل الأسبوع، وهكذا ما بعده لكنه أورد عليه لزوم تقدّم الدحو على خلق السماء فلذا مرضه، وما وقع في الكشاف من أنّ آدم عليه الصلاة والسلام خلق في آخر سائمة من يوم الجمعة فيه نظر لا يخفى. قوله: (شأفها (فالأمر واحد الأمور، وقوله: يتأتى أي يصدر عنها وكونه اختياراً بناء على مذهب بعض الفلاسفة من أنها حية ناطقة، وقوله: طبعا بناء على مذهب غيرهم من المتكلمين وأما عند غيرهم من أهل الشريعة فلا يقولون بشيء منهما فقوله: بأن حملها تفسير للوحي وبيان لأنه مجاز عما ذكر وقوله: وقيل الخ فالأمر واحد الأوامر، والوحي على ظاهره، وإضافة أمرها لأدنى ملابسة- قوله: (فإنّ الكواكب كلها الخ (دفع لما مرّ من أنّ الكواكب ليست كلها في السماء كما يفهم من النظم فإن المراد كونها كذلك في رأى العين، وقد مز تفصيله في الصافات. قوله: (وحفظناها الخ (يعني إنه مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على قوله: زينا والحفظ إما من الآفات، أو من الشياطين المسترقة للسمع وكون الضمير للمصابيح كما قيل خلاف الظاهر، وقوله: مفعول له على المعنى أي معطوف على مفعول له يتضمنه الكلام السابق أي زينة، وحفظا ولا يخفى أنه تكلف بعيد عن نهج العربية كما قاله أبو حيان، وقوله البالغ في القدرة تفسير للعزيز والبالغ إشارة إلى ما في صيغته من المبالغة، وفيه لف ونشر وقوله: كأنه صاعقة ظاهر. أنه استعارة لما ذكر وقيل: إنه ورد في اللغة بمعنى العذاب من غير حاجة إلى التحوز وفيه نظر. قوله: (وهي المرة من الصعق (بسكون العين مصدر صعقته الصاعقة إذا أهلكته يصعق بكسرها صعقا بالفتح كحذر حذرا أي هلك بالصاعقة المصيبة له فإذا كان الثاني هو المراد تكون عينه سكنت في المرة تخفيفا. قوله: (حال من صاعقة عاد) ذكر المعرب فيه وجوها أحدها أنه ظرف لأنذرتكم، والثاني أنه منصوب بصاعقة لأنها بمعنى العذاب أي أنذرتكم العذاب الواقع في وقت مجيء رسلهم، والثالث إنه صفة لصاعقة العذاب الأولى، والرابع: إنه حال من صاعقة الثانية قاله أبو البقاء وأورد عليه أن الصاعقة جثة وهي قطعة نار تنزل من السماء فتحرق فلا تقع صفة، ولا حالاً لها وتأويلها بالعذاب إخراج لها عن مدلولها من غير ضرورة، وإنما جعلت وصفاً للأولى لأنها نكرة، وحالاً من الثانية لأنها معرفة ولو جعلت حالاً من الأولى لتخصصها بالإضافة جاز فالأوجه خمسة وسيأتي ما فيه. قوله تعالى: ( {إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ} ) يحتمل أن يكون من إطلاق ضمير الجمع على المثنى، وكذا الرسل وجمع الأوّل يجوز أن يكون باعتبار أفراد القبيلتين فتأمّل. قوله: (ولا يجوز جعله صفة الخ (فساد المعنى للزوم كون إنذاره عليه الصلاة والسلام، والصاعقة التي أنذر بها واقعين في وقت مجيء الرسل لعاد وثمود، وليس كذلك ولا صفة لصاعقة عاد أيضاً للزوم حذف الموصول مع بعض صلته أو وصف المعرفة بالنكرة. قوله: (من جميع جوانبهم (فالضمير المضاف إليه لقوم عاد وثمود وجعل الجهتين كناية عن جميع الجهات على ما عرف في مثله، والمراد بإتيانهم من جميع الجهات بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية فقوله: واجتهدوا الخ عطف تفسير له، والجهة في قوله من كل جهة الوجه الذي أبدوه لهم من التحذير والإنذار ونحوه. قوله: (أو من جهة الزمن الماضي الخ) هذا هو الوجه الثاني، والضمير فيه راجع لما مرّ لكن المراد بما بين أيديهم الزمن الماضي، وبما خلفهم المستقبل ويجوز فيه العكس أيضاً كما مرّ في آية الكرسي، واليه يشير المصنف بقوله: وكل من اللفظين يحتملهما، وقد مرّ توجيهه بأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي، وقوله: من جهة الزمن إشارة إلى أنه استعير فيه ظرف المكان للزمان وقد مرّ تفصيله، وقوله: عما جرى فيه على الكفار أي عن مثل ما جرى ففيه مضاف مقدر وعلى هذا أيضا في النظم مقدر تقديره بالإنذار عما وقع من بين أيديهم الخ فتأمّل. قوله: (أو من قبلهم ومن بعدهم الخ (فعلى هذا جمع الرسل ظاهر، وقوله: إذ قد بلغهم الخ جواب عما يقال كيف يصح مجيء من تقدّم وتأخر من الرسل لهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 بأن المراد بالمجيء إيمانهم به فمن بين أيديهم الخ حال من الرسل لا متعلق بجاءتهم، وقوله: ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة قيل: إنّ هذا هو بمعنى الوجه الذي قبله إذ لم يرسل إليهم غير هود، وصالح فيكون المراد من بلغهم خبرهم ومن أتاهم منهم إلا أن الفرق بينهما أنه على هذا كناية عن الكثرة، وما قبله على الحقيقة كما قيل، وفيه نظر فلعله على الأوّل مجاز في جاءتهم وعلى هذا هو مع ذلك المجاز فيه كناية، وقيل المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل. قوله:) بأن لا تعبدوا الخ) إشارة إلى تقدير حرف جرّ متعلق بجاءتهم وان مصدرية ولا ناهية، وهي قد توصل بالنهي كما توصل بالأمر على ما فيه مما مز غير مرّة، وقيل إنها مخففة من الثقيلة، ومعها ضمير شأن محذوف وأورد عليه إنها إنما تقع بعد أفعال اليقين، وإن خبر باب أن لا يكون طلباً إلا بتأويل وقديدفع بأنه بتقدير القول وان مجيء الرسلك الوحي معنى فيكون مثله في وقوع أن بعده لتضمنه ما يفيد اليقين كما أشار إليه الرضى وغيره. قوله:) أو أي لا تعبدوا (يعني إنها مفسرة لمجيء الرسل لأنه بالوحي وبالشرائع فيتضمن معنى القول، وقد جوّز على الوجه السابق كون لا نافية. قوله: (لو شاء ربنا الخ) كون مفعول المشيئة المحذوف بعد لو الشرطية يقدر من مضمون الشرط ليس بمطرد فقد يقدر من غيره كما قدره المصنف إذ لو جعل على النهج المعروف، وقدّر لو شاء ربنا إنزال الملائكة لأنزل ملائكة لم يكن له معنى لائق بالمقام، وقيل في توجيهه إنه جار على القاعدة فإن مآل التقدير فيه إلى لو شاء ربنا الإرسال لأرسل ملائكة، وقوله: برسالته يشير إليه وهو وجه حسن. قوله: (فإنا بما أرسلتم الخ) الفاء إن كانت فاء النتيجة السببية فيكون في الكلام إيماء إلى قياس استثنائيّ أي لكنه لم ينزل، ويجوز أن تكون تعليلية لشرطيتهم أي إنما قلنا ذلك لأنا منكرون لما أرسلتم به كما ننكر رسالتكم وما موصولة، وكونها مصدرية وضمير به لقولهم لا تعبدوا إلا الله خلاف الظاهر. قوله: (على زعمكم (بالزاي المعجمة والعين المهملة زاده دفعاً لما يتوهم من التناقض لأن قولهم بما أرسلتم به إقرار برسالتهم، وقوله: كافرون جحد لها فكان مقتضى الظاهر بما اذعيتم أو بما جئتم به لكنهم أتوا به على زعمهم إظهاراً لعنادهم وتعنتهم كما أشار إليه المصنف. قوله:) إذ أنتم الخ (تعلل لكفرهم وبيان لارتباطه بما قبله، وقوله: فأمّا عاد الفاء تفصيلية ولتفرّع التفصيل على الإجمال قرن بفاء السببية، وقوله: اغتراراً بقوّتهم وشوكتهم فالاستفهام إنكاريّ مآله النفي، وإنه لا أشد منهم وهذا بيان لاستحقاقهم العظمة وجواب للرسل عماخوّفوهم به من العذاب، وقوله: ينزع الصخرة أي يقلعها فالمراد يريد نزعها ليصح ما فرعه عليه، ويجوز أن يكون تفسيرا له فإن كانت العبارة فيفلقها بفاء وقاف أي يكسرها ويفتتها فلا حاجة للتأويل وهو أقرب. قوله:) أو لم يروا الخ (لما ذكروا قوّتهم في جواب الرسل، وتخويفهم لهم رد عليهم بما ذكره إيماء إلى اًن ما خوّفهم به الرسل ليس من عند أنفسهم بناء على قوّة منهم، وإنما هو من الله خالق القوى والقدر وهم يعلمون إنه أشد قوّة منهم، وقوله: قدرة فسر القوّة بالقدرة كما قال الراغب: القؤة تكون بمعنى القدرة وتكون بمعنى التهيؤ للشيء كما يقال النواة بالقوّة نخلة، وقدرة الإنسان هيئة يتمكن بها من فعل شيء قا، واذا وصف الله بها فهي بمعنى نفي العجز عنه فلا يوصف بها على الإطلاق غيرد تعالى انتهى فلا وجه لما قيل إن القوّة عرض ينزه الله عنه لكنها مستلزمة للقدرة فلذا عبر عنها بالقوّة مشاكلة، وقوله: قادر بالذات بيان للأشدية فإن ما يكون بالذات أقوى من غيره، وقدرة البشر غير مؤثرة أو تؤثر بالاستناد لقدرة الله تعالى. قوله:) مقتدر على ما لا يتناهى (قال الراغب: القدير الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة بلا زيادة ولا نقصى والمقتدر يقاربه لكنه قد يوصف به البشر، ومعناه المتكلف والمكتسب للقدرة فإذا استعمل في الله فهو مبالغة في القدرة الكاملة كالقدير، وهذا وجه آخر للأشدية إشارة إلى قوّة مدرته كيفما وكما. قوله: (يعرفون الخ (لأن الجحد الإنكار عن علم وقد يرد لمطلق الإنكار، وقوله: وهو عطف الخ أو على قالوا فجملة أولم يروا اعتراضية، والواو أعتراضمية أو عاطفة على مقدر، والمعطوف والمعطوف عليه مجموعهما اعتراض، وقوله: من الصرّ الخ بكسر الصاد ويجوز كونه من الصرّ بالفتح بمعنى الحز لأنه روي أنهم أهلكوا أنفسهم بالسموم، وهو مناسب لديار العرب وقوله: يجمع أي لشدة البرد يجتمع ظاهر جلد الإنسان وينقبض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 قوله: (جمع ئحسة (بكسر الحاء صفة مشبهة من فعل يفعل كعلم، وقوله: على التخفيف أي سكون الحاء لأن السكون أخف من الحركة أو فعل بالسكون صفة كصعب، أو هو مصدر وصف به مبالغة. قوله: (آخر شوّال الخ) ولا منافاة بين هذه النسخة، وما وقع في أخرى من آخر شباط لجواز توافق شباط وشوّال وإن كانت الثانية أظهر لأنها كانت أيام العجوز كما سيأتي في الحاقة، وفي الآية إشارة إلى أنّ الأيام منها نحس وسعد، وفي مناسك الكرماني عن ابن عباس رضي الله عنهما الأيام كلها لله تعالى لكنه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعوداً، وقيل: النحس هنا بمعنى البارد. قوله: (أضاف العذاب الخ (يعني أنه من إضافة الموصوف للصفة بدليل قوله: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} [سورة فصلت، الآية: 16] وهو من الإسناد المجازي فإنه وصف المعذب وقوله: للمبالغة لدلالته على أن مذلة الكافر زادت حتى تصف بها عذابه كما قرر في نحو قولهم: شعر شاعر وقوله: بدفع العذاب الخ بيان لارتباطه بما جعلى تذييلاً له. قوله:) فدللناهم على الحق) يعني أن الهداية هنا مطلق الدلالة بدليل ما بعده وتكون بمعنى الدلالة الموصلة كما في قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص، الآية: 56] ولا كلام في استعماله لكل منهما إنما الكلام في كونه حقيقة في أيهما أو مشتركا بينهما مطلقا، أو على التفصيل بين المتعدى بنفسه وبالحرف كما تقدّم تفصيله، وعدل عن قول الزمخشري دللناهم على طريقي الضلالة والرشد كقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [سورة البدد، الآية: 10] على ما ستراه في تفسيره فقيل: لأن ما ذكره أظهر لأن الدلالة على طريق الضلالة إضلال لا هداية، وهو كلام ناشئ من عدم التدبر لأن التفسير المذكور منقول عن قتادة وهو الذي اختاره الفزاء والزجاج وهو أنسب هنا لأنّ قوله بعده فاستحبوا الخ يقتضي أنهم دلوا على كلتا الطريقتين فاختاروا إحداهما على الأخرى فيكون بمعنى قوله: هديناه النجدين كما لا يخفى على من له ذوق سليم. قوله: (بنصب الحجج (أي إقامتها وبيانها على ألسنة الرسل، وقوله: منوّنا لصرفه وعدم تنوينه وصرفه على العجمة أو إرادة القبيلة، وقوله: بضم الثاء على أنه مصدر أو جمع ثمد، وهو قلة الماء فسموا بذلك كما قاله الطيبي: لأنهم كانوا بديار قليلة الماء. قوله: (فاختاروا الضلالة على الهدى) وقد استدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال لأن قوله: هديناهم دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله: استحبوا العمي الخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمي ورد بأن لفظ الاستحباب يشعر بأن قدرته تعالى هي المؤثرة، وليس لقدرة العبد مدخل مّا فإن المحبة ليست اختيارية وهو من الدقائق العجيبة وإليه أشار الإمام وبه اقتدى هذا الهمام، ومعنى كونها ليست باختيارية أنها بعد حصول ما يتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار له في ميل قلبه وارتباطه هواه بمن يحبه فهي في نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية، ومن لم يمعن النظر فيه قال: كيف لا تكون المحبة اختيارية ونحن مكلفون بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا تكليف بغير الاختيارية وتفصيله كما في طوق الحمامة لابن سعيد إن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه يشير قوله عز وجل: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [سورة الأعرأف، الآية: 189] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنود مجندة " وتكون المحبة لأمور أخر كأحسن والإحسان والكمال، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية، وبهذا سقط الاعتراض! فأعرفه. قوله:) صاعقة من السماء (بالمعنى المعروف، وقيل: المراد بالصاعقة هنا الصيحة كما ورد في آيات أخر ولا مانع من الجمع بينهما وجعلها صاعقة العذاب يفيد مبالغة كالوصف بالمصدر، أو المعنى إنّ عذابهم عين الهون وان له صواعق، وقوله: من اختيار الضلالة لم يقل من عمل الضلالة لأنه أنسب بقوله: استحبوا، وقوله: من تلك الصاعقة متعلق بقوله: نجينا فلو ذكر بجنبه كان أولى أو المراد أنهم يتقون الله لا الصاعقة كما يتوهم، ولو علق بيتقون لم يمنع منه مانع لأن المتقي من عذاب الله متق دلّه، ولعله أخره لاحتماله للوجهين. قوله: (يوم يحشر الخ) متعلق باذكر مقدر معطوف على قوله: {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ} [سورة فصلت، الآية: 13، الخ أو بما يدل عليه يحشر أو يوزعون كيجمعون ونحوه، وقوله: فهم يوزعون الفاء تفصيلية ومعنى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 حبس أوّلهم إمساكهم حتى يجتمعوا فيساقوا إلى النار، وقوله: وهو عبارة عن كثرة أهل النار أي كناية عن ذلك إذ لو لم يكونوا جمعا كثيرا جدا لم يحبس أوّلهم انتظارا لمجيء آخرهم فذكر هنا للدلالة على ما ذكر ولولاه لم يكن تحته فائدة عظيمةء قوله: (ما مزيدة لتثيد اتصال الشهادة الخ (لأنها تؤكد ما زيدت بعده فهي تؤكد معنى إذا واذا دالة على اتصال الجواب بالشرط لوقوعهما في زمان واحد، وهذا مما لا تعلق له بالعربية حتى يقال إنّ النحاة لم يذكروه كما قيل وأكد لأنهم ينكرونه، وقوله: شهد الخ قيل فيه إيجاز حذف والأصل سئلوا فأنكروا فشهد الخ، واكتفى عنه بذكر الشهادة لاستلزامها لما ذكر لا يقال هذا ينافي ما مرّ من الاتصال المؤكد لأنا نقول يكفي لذلك الاتصاف وقوعهما في مجلس واحد فلا حاجة إلى ما قيل إنه يقدر هكذا إذا جاؤوها وأنكروا بعد السؤال شهد الخ. قوله: (بأن ينطقها الخ) فهو على ظاهره وحقيقتة أو المراد ظهور علامات على الأعضاء دالة على ما كانت متلبسة به في الدنيا بتغيير أشكالها، ونحوه مما يلهم الله من رآه إنه صدر عنه ذلك لارتفاعه الغطاء في الآخرة فالنطق مجاز عن الدلالة، والجلود قيل المراد بها الظاهر، وقيل الجوارج وقيل هي كناية عن الفروج، فإن قلت على كل حال الشاهد أنفسهم وهي آلات كاللسان فما معنى شهدتم علينا قلت: قال المحقق في شرحه ليس المراد هاذ النوع من النطق الذي ينسب حقيقة إلى الجملة، ويكون غيره آلة بلا قدرة وارادة له في نفسه حتى لو أسند إليه كان مجازا كإسناد كتب العلم بل على أنّ الأعضاء ناطقة حقيقة بقدرة وارادة خلقهما الله فيها، وكيف لا وأنفسهم كارهة لذلك منكرة له إلا أن يقال: إنه نفسه لا يقدر على دفع كونها آلات، ويؤيده قوله عليهم فإن فيل: أنطقنا الله إنما يصلح جوابا عن كيف شهدتم لا عن لم شهدتم، قيل: قد دل الجواب على أنّ المعنى لأيّءكللة وبأيّ موجب شهدتم فيصلح ما ذكر جوابا له وخصت الجلود دون السمع والبصر لأنها أعجب إذ ليس شأنها الإدراك بخلافهما، وقيل: إنما خصت لأنها بمرأى منهم مشاهدة لا لما مرّ لأنّ في الجلود قوّة مدركة أيضا وهي اللامسة، وهي مشتملة أيضاً على الذائقة وكل منهما أهمّ وأعتم، وهذا أيضاً يصلح وجهاً للتخصيص وفيه تعكيس عليهم إذ تضرّروا مما يرجون منه أكمل النفع ولا يخفى ما فيه إذ الظاهر إن رده على المحقق لم يصادف محزه إذ ليس المراد مما ذكره من أنها ليس من شأنها الإدراك إلا إدراك أنواع المعاصي التي شهد عليها كالكفر والكذب والقتل، والزنا والربا مثلا وادراك مثلها منحصر في السمع والبصر كما لا يخفى فتدبر. قوله: (سؤال توبيخ) هو على التفسير الأول من أنه نطق حقيقي إذ خلق فيها الإدراك، وقوّة النطق فكانت قابلة للتوبيخ أيضا، وأما التعجب فهو على الثاني أو عامّ لهما. قوله:) ولعل المراد به نفس التعجب (هذا على الوجهين أيضا لا على الثاني كما توهم إذ لا وجه للتخصيص بلا مخصص يعني لا قصد هنا للسؤال أصلاً، وإنما قصد به ابتداء التعجب لأن التعجب يكون فيما لا يعلم سببه وعلته فالسؤال عن العلة المستلزم لعدم معرفتها جعل مجازاً أو كناية عن التعجب لأنه قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب، وقوله: ما نطقنا باختيارنا بناء على أنه سؤال توبيخ، وقوله: أوليس الخ بناء على أنه سؤال تعجب أو تعجب رأسا وكون النطق بغير اختيار على كونها آلات ظاهر أمّا على أنه خلق فيها قدرة وارادة كما مرّ فبأن يكون ذلك بجبر من الله بتسخيرها لما أراده منها، ولا ظلم فيه لأنه جبر على إظهار ما تقرّر قبل للإلزام. قوله: (الذي أنطق كل حيئ) وفي نسخة شيء بدل حي وفي نسخة كل شيء نطق بالتوصيف، وهي الصواب كما قيل ويدل عليه قوله: بعد بقي الشيء عامّا فإنه يقتضي تخصيصه قبله بها، ويشير إلى أن صفته المخصصة مقدرة ولا بد منه إذ ليس كل شيء أوحى ينطق بالنطق الحقيقي، ولذا قال ولو الخ وكذلك لو كان النطق ولاجواب بمعناه الحقيقي وحمل النطق في قوله الذي أنطق كل شيء على الدلالة فإنه يجوز فيه ذلك فيبقى على عمومه أيضاً، ويكون التعبير بالنطق للمشاكلة كما قيل لكن المصنف لم يلتفت إليه، لأنه خلاف الظاهر والموصول المشعر بالعلية يأباه إباء ظاهراً فتأمل، وقوله في الموجودات لأنّ المعدومات لا تدرك حتى تدل بالحال ولذا قال: الممكنة فتدبر. قوله:) تمام كلام الجلود (ومقول القول أو مستأنف من كلام الله تعالى والمراد على كل حال تقرير ما قبله بأنّ القادر على الخلق أوّل مرة قادر على إنطاق كل شي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 قوله تعالى:) {أَنْ يَشْهَدَ} الخ) إمّا مفعول له بتقدير مضاف أي مخافة أو كراهة أي ليس استتارهم للخوف مما ذكر بل مز الناس، أو لأجل أن يشهد فهو مفعول له أو من أن يشهد أو عن أن يشهد أو أنه ضمن معنى الظن فهو في محل نصب واستبعد هذا المعرب، وما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى من غير تعرّض لإعرابه لكن قوله: ما استترتم عنها يحتمل احتمالاً قريباً إنه إشارة إلى أنّ أن يشهد في محل نصب أو جر على الخلاف فيه بتقدير عن لأنّ حذف الجارّ جائز قبل أن وأن ويحتمل أنّ متعلقه محذوف، وأن يشهد مفعول له أي ما تستترون عن أعضائكم مخافة أن يشهد، وقيل: إنه بتقدير الباء أي بأن يشهد، والمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن يشهد عليكم والمراد تحمل الشهادة فالوجوه في إعرابه خمسة وأما قوله: ما ظننتم الخ فهو لازم معناه لأنهم إذا لم يستتروا عن أعضائهم فهم لم يظنوا شهادتهم عليهم، فما قيل إنه إشارة إلى أنّ تستترون ضحمن معنى الظن فعدى تعديته لأنه لازم، وفيه بحث وهو ميل إلى ما نقل عن قتادة من إن معناه وما كنتم تظنون أن يشهد الخ ليس بشيء لما عرفته مما قررناه، وقد يقال إنه مراد قتادة رضي الله عنه. قوله: (إلا وعليه رقيب (كما قال أبو نواس: إذا ما خلوت الدهريوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليئ رقيب ولاكحسبن الله يغفل ساعة ولا أن مايخفى عليه يغيب قوله تعالى: ( {وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} (معناه ما ظننتم أن الله يعلم فينطق الجوارج ولكن ظننتم إنه لا يعلم كثيرا وهو ما عملتم خفية فما استترتم عنها، واجترأتم على المعاصي وإذا كان أن يشهد مفعولا له فالمعنى ما استترتم بالحجب لخيفة أن تشهد عليكم الجوارح فلذا ما استترتم عنها لكن لأجل ظنك إن الله لا يعلم كثيراً فلذا سعيتم في الاستتار عن الخلق لا عن الخالق، ولا عما ينطق به الجوارج وعلى تقدير الباء فالمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن تشهد عليكم أي تتحمل الشهادة إذ ما ظننتم إنها تشهد عليكم بل ظننت أنّ الله لا يعلم فلذا لم يكن استتاركم بهذا السبب، وعلى تقدير عن قيل يلزم زيادة يشهد وفيه نظر. قوله: (إشارة إلى ظنهم هذا) أي للذكور ضمن قوله: ظننتم، وقوله: خبران له يعني ظنكم خبر أوّل لذلكم والذي صفته، وأرداكم أي أهلكهم خبر ثان له وهو أحد الوجوه في إعرابه، وقيل: أرداكم حال بتقدير قد معه أو بدونه وإن أباه بعض النحويين، وقيل: إنه استئناف وقيل: ظنكم بدل والموصول خبر وأرداكم حال بتقدير قد وقيل الموصول خبر ثان،! وقيل: الثلاثة أخبار، إلا أنّ أبا حيان ردّ الوجه الأوّل بأنّ ذلكم إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير، وظنكم بربكم إنه لا يعلم ظنكم بربكم فما استفيد من الخبر هو ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز كقولهم سيد الجارية مالكها وقد منعه النحاة، ورد بأنه لا يلزم ما ذكر لجواز جعل الإشارة إلى الأمر العظيم في القباحة فيختلف المفهوم باختلاف العنوان، ويصح الحمل كما في هذا زيد ولو سلم فالاتحاد مثله في شعري شعري مما يدل على الكمال في الحسن كما في هذا ال! مثال أو القبح كما فيما نحن فيه ع وقيل المراد منه التعجب والتهكم وقد يراد من الخبر غير فائدة الخبر ولازمها، وهذا كله على طرف الثمام والحق ما قاله ابن هشام في شرح بانت سعاد من أنّ الفائدة كما تحصل من الخبر تحصل من صفته وقيده كالحال وان أشكل هذا على قمول الأخفش إنه منع أحق الناس بمال أبيه ابنه البار به، ونحوه: لأن الخبر نفسه غير مفيد ولا ينفعه مجيء الصفة بعده لانّ وضع الخبر على تناول الفائدة منه، وقد بسط الكلام فيه فراجعه. قوله: (إذ صار ما منحوا (أي أعطوا من الج! وارج الموهوبة لهم للاستسعاد أي نيل السعادة في الدارين الدنيا والآخرة لأنّ بها تعيشهم في الدنيا وإدراكهم ما يهتدون به إلى حق اليقين ومعرفة رب العالمين الموصل للسعادة الأخروية فحيث أذاهم ذلك إلى كفران نعم الرزاق والكفر بالخالق كان ذلك سببا للشقاء في المنزلين تثنية منزل، والمراد بهما الدنيا والآخرة لجهلهم بالذات والصفات وارتكاب المعاصي واتباع الشهوات وقيل المراد بما منحوا العقل، والأول أنسب بما قبله من شهادة الأعضاء وإن استبعده بعضهم. قوله: (لا خلاف لهم عنها! يعني التقدير أن يصبروا لظن إنّ الصبر ينفعهم لأنه مفتاج الفرج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 لا ينفعهم صبرهم إذ لم يصادف محله، وقوله: وصي الرجوع إلى ما يحبون لأنها اسم من أعتبه إذا ما رأى ما يعتب عليه، وقوله: المجابين إليها أي إلى العتبي وهي الرجوع لما يرومون بسؤالهم إياه، والجواب مأخوذ من وقوعه في مقابلة السؤال، وتحقيقه ما قاله الإمام الكرماني في شرح البخاري في باب الاستنجاء أنّ الاستفعال هنا لطلب المزيد فيه فالاستعتاب فيه ليس لطلب العتب بل لطلب الأعتاب، والهمزة فيه للسلب فتأمّل. قوله:) ونظيره قوله الخ) أي نظيره في المعنى لأن معناه إن صبروا، أو لم يصبروا بأن جزعوا لأنّ سؤالهم لعدم صبرهم فمعنى الشرطيتين سواء صبروا أم جزعوا، وقوله: وقرئ وأن يستعتبوا أي بالبناء للمجهول والمعتبين بصيغة الفاعل، وقوله: أي أن يسألوا أن يرضوا ربهم الخ أو هذه القراءة في معنى قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28 لح لتماديهم في الطغيان، وقوله: لفوات المكنة أي لفوات وقتها وهو الدنيا. قوله: (وقدّرنا (يقال: فيض الله له كذا إذا قدره والقرناء جمع قرين وتقييضه له إما لاستيلائه عليه أو لأخذه لا عن غيره من قرنائه، والأخدان جمع خدن وهو كالخدين الصديق، وقوله: وقيل الخ هو ما ارتضاه الزمخشري ورجح الأوّل لقربه معنى، وقوله: من أمر الدنيا الخ تفسير لما بين أيديهم لحضورها عندهم كالشيء الذي بين يديك تقلبه كيف تشاء وما خلفهم أمور الآخرة لعدم مشاهدتها كالشيء الذي خلفك أو لكونها ستلحق بهم، وقد يعكس فيجعل ما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة، وما خلفهم الدنيا لمضيها وتركها كما مز، وما ذكره المصنف رحمه الله أوفق بالترتيب الوجودي ولذا اختاره المصنف واتباع الشهوات عطف على أمر الدنيا بيان للمراد منه وهو المزين لهم فهو كالتفسير له كما إن إنكاره عطف على أمر الآخرة لأنه الذي زين لهم فيه لا قبوله. قوله:) في جملة أمم (يعني أن في للظرفية والجار، والمجرور في محل نصب على الحال من ضمير عليهم أي كائنين في جملة أمم كما في البيت المذكور، وقيل في بمعنى مع في الآية والبيت المذكور لكن المصنف ساقه شاهدا لما ذكر، والصنيعة الإحسان والكرم ومأفوكا بمعنى مصروف عن الجود للبخل، وقوله: ففي آخرين أي فأنت في جملة قوم آخرين قد أفكوا وعدلوا عن الصنيعة يعني لست أوّل من بخل. قوله:) وقد عملوا مثل أعمالهم) قدره لاقتضاء المقام له وبه يأخذ الكلام بعضه بحجز بعض، وقوله: والضمير لهم وللأمم ويجوز كونه لهم بقرينة السياق. قوله: (وعارضوه بالخرافات (عارضوه أمر بالمعارضة، والمراد بها التكلم عند قراءته والخرافات جمع خرافة بالتخفيف اسم رجل كانت الجن استهوته فلما رجع كان يحدث بما رأى من العجائب، ثم شاع في كل كذب وف يث لا أصل له وورد في الحديث: " خرافة حق " ونقل عن الزمخشري تشديد رائه ولم يذكره غيره والتشويش على القارئ التخليط حتى يذهل عما يقرؤه، وهذا تفسير بحاصل المعنى وأصل معناه ائتوا باللغو ليختلط فلا يمكنه القراءة والمراد باللغو ما لا أصل له أو ما لا معنى له، وقوله: لغى يلغى كرضى يرضى ولغا يلغو كعدا يعدو، وهذى بالذال المعجمة من الهذيان وهو معروف. قوله:) تنلبونه على قراءته) أي تشغلونه عنها، وقوله: وقد سبق مثله أي في سورة الزمر وهو إشارة إلى أن إضافة أسوأ للتخصيص وأفعل للزيادة المطلقة إذ ليس المعنى إنا نذيقهم أسوأ الأعمال بل الأسوأ المنسوب إلى أعمالهم، ثم لما أشير إلى ذلك الأسوأ وأخبر عنه بقوله: جزاء أعداء الله النار وجب أن يكون التقدير أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون ليصح الأخبار إذ الجزاء ليس هو الأسوأ الذي من جنس العمل بل من جنس الجزاء، فإن قيل: فبعد تقدير المضاف يصح الحمل على الإضافة إلى المفضل عليه أي أسوأ أجزية عملهم قلنا ليس المعنى على أنّ لعملهم أجزية كثيرة هذا أسوأها بل على إن هذا الأسوأ جزاء عملهم. قوله: (فلنذيقق الذين كفروا الخ (أظهر في مقام الإضمار وللإشعار بالعلية، والعذاب إفا في الدارين أو في إحداهما وأيد الأوّل بقوله: عذابا شديداً في الدنيا والآخرة، وإذا أريد عاقة الكفار ثبت في هؤلاء بالطريق البرهاني. قوله:) خبره (وتصحيح الحمل يحتاج إلى تقدير فيه بسبب جزاء أعدائه أو في السابق أي جزاء أسوأ الذي أو أسوأ أجزاء العمل الذي أو هو خبر جزاء، أو ذلك خبر محذوف أي الأمر كذلك، وقوله: وهو كقولك في هذه الدار الخ يعني إنه من التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 مثله مبالغة فيها كما مرّ تحقيقه لأنها نفسها دار الخلد وجعله للظرفية حقيقة تكلف لا داعي له مع أنّ المذكور أبلغ، وقوله: على أن المقصود الصفة أشار بالعلاوة إلى جواب آخر لتصحيح الظرف لأنه إذا قصدت الصفة، وذكرت الدار توطئة كان كأنه قيل لهم فيها الخلود. قوله: (يلغون وذكر الجحود الخ) جعله مجازا عن اللغو المسبب عنه وهو الذي اختاره الزمخشريّ لأنه سواء جعل مصدراً أو حالاً أو مفعولاً له مرتب على قوله: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، وقوله: شيطاني النوعين من الإنس والجن لإطلاقه عليهما لكنه في الإنس مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة، وقوله: الحاملين أي هما سببان يقال حمله على الأمر إذا دعاه له وتسبب في ارتكابه، وقوله: سنا الكفر والقتل لف ونشر فالذي سن الكفر إبليس، والذي سن القتل قابيل وفخذ بالسكون مخفف فخذ كحذر وما في الكشاف إن أر بالكسر للاستبصار وبالسكون للاستعطاء لا يظهر وجهه، ولذا تركه المصنف وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه خلاف الظاهر إذ يحتاج إلى تأويله بالجهة التي تلي ما تحت أقدامنا. قوله:) مكاناً أو ذلاً اليس هو على اللف، والنشر المرتب أو المشوّش بل على الوجهين في تفسير تحت أقدامنا، وقوله: وإقراراً بوحدانيته الوحدانية من الحصر الذي يفيده تعريف الطرفين كما في صديقي زيد. قوله:) وثم لتراخيه) يعني، ثم هنا لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة وفضلها فهي للتراخي الرتبى لا الحقيقي، وقوله: من حيث الخ بيان للتراخي الرتبي فيه بأنه مبدأ الاستقامة ومنشؤها. قوله: (أو لأنها) أي الاستقامة عسر لو قال عسرة كان أحسن وان أوله بأمر عسر والمعطوف عليه في الأوّل أعلى مرتبة لأنه العمدة والأساس، وهذا عكسه لأن الاستقامة أعظم وأصعب أو المراد بها كما في الكشف الثبات على الإقرار ومقتضياته لأن من قال: ربي الله اعترف بأنه مالكه ومدبر أمره ومربيه وانه عبد مربوب بين يدي مولاه فالثبات على مقتضاء إن لا تزل قدمه عن طريق العبودية قلبا وقالبا وثندرج فيه كل العبادات، والاعتقاديات ومثله كما يأتي في الحجرات، ثم لم يرتابوا وقد حوزوا فهي مع ما ذكر التراخي الزماني هذا محصل ما في الكشاف، وشروحه وهو مبنيّ على أن المعطوف بثم أك! لى مرتبة وما ذكره المصنف أوّلا مبنيّ على خلافه، ولذا فسره بالعمل كما صرّح به في سورة الأحقاف فمن خلط الكلامين وفسر أحدهما بالآخر لم يصب وما في الكشاف هو الوجه الثاني بعينه، وبما ذكر من الوجه الثاني عرفت أنّ تفسيره بأن الاستقامة تحصل بعد مدة من وقت الإقرار، وانه لا يناسب المقام إذ مقتضاه الترغيب في الاستقامة لا وجه له مع أنه فاسد لأنه لو سلم كان التراخي زمانيا لا رتبياً، وقوله: من الثبات الخ روي عن عمر وإخلاص العمل عن عثمان رضي الله عنهما، وأداء الفرض عن عليّ فهذه جزئيات ذكر كل منها على طريق التمثيل، وما في كلام بعضهم مما يوهم الاتحاد ليس بمراد وحقيقتها التوسط بين الإفراط والتفريط قولاً وفعلا واعتقادأ. قوله: (يعن لهم) أي يعرض ويطرأ من الأحوال، وهذا إفا بالها مهم في الدنيا أو في غيرها كما في القبر والمحشر وحال الاحتضار، وقوله: بما يشرح صدورهم متعلق بتنزل والباء للملابسة أو التعدية، وقوله: على ما خلفتم في الدنيا خص بالماضي وما قبله بالمستقبل بناء على الفرق بين الحزن والخوف بأنّ الخوف لما يتوقع والحزن لما وقع. قوله: (وأن مصدرية الخ (مز تفصيل الوجوه الثلاثة في قوله أن لا تعبدوا في هذه السورة وعلى الأخير تتنزل يضمن معنى القول وعلى الثاني يضمن معنى العلم وعلى الأوّل يجوز كون لا نافية، وسقوط النون للنصب والجر في موضمع الإنشاء مبالغة وفيما سواه ناهية. قوله:) في الدنيا على لسان الرسل (قيل إنه ميل منه إلى غير التفسير الأوّل في قوله: تتنزل عليهم الخ، وقيل: تقديره في الجنة، وفيه نظر لا يخفى وقوله: نلهمكم الخ هو تفسير لكونهم أولياء، وقيل: معناه نحفظكم. قوله: (ما تتمنون) قد مر تحقيقه في يس مع وجهين آخرين فيه ووجه كون المتمنى أعم من المشتهى لأنه قد يقع في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية لكن قد يضتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضرّه، ولا يريده والأولى أن يقال: بينهما عموم وخصوص وجهي إلا أن يقال المراد بالمتمني ما يصح تمنيه، لا ما يتمنى بالفعل وكون التمني أعئم من الإرادة غير مسلم. قوله: (حال من لا تدّعون) يحتمل إنه حال من الموصول بناء على جواز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 الحال من المبتدأ او على مذهب الأخفش في إعمال الظرف من غير اعتماد أو من عائده المقدار أو من ضميره المستتر في الخبر أي لكم وهو أحسن صناعة، ومعنى أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الثاني فلأنه قيد للحصول لا للادعاء والتمني كما يعرف بالتأمّل، وقوله: كالنزل قليل عنده لأنّ النزل ما يهيأ للمسافر ليأكله حين نزوله والعادة في أمثاله أن يعقبه من الكرامة ما هو أعظم منه جداً. قوله: (ومن أحسن قولاً الخ) أي لا أحد أحسن منه، وقوله: تفاخرا به مع قصد الثواب إذ هو لا ينافيه فيكون قال بمعنى تلفظ به لما ذكر وقوله: أو اتخاذاً، الخ فالمعنى جعل واتخذ الإسلام دينا له وليس المراد به أنه تكلم به فإنه كما قال الراغب: يرد لمعان ذكرها، منها الدلالة نحو: امتلأ الحوض وقال قطني وقوله: أو مذهبا من تولهم: قال بكذا إذا اعتقده وأورد عليه إن قال بمعنى تمذهب يتعدى بالباء ومفهوله مفرد وفيه نظر، وقد جعل هذا وما قبله وجها واحداً وهو أقرب مما ذكره المصنف، وقد وقع في نسخة ومذهباً معطوفا بالواو وهي أصح مما اشتهر في النسخ وهذا الوجه مبنيّ على الوجه الثاني. قوله: (وقيل نزلت في النبئ صلى الله عليه وسلم) فتكون خاصة به كقوله في حق إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة، الآية: 181] والمعنى اختار النسبة إلى الإسلام دون عز الدنيا وشرفها وهو ردّ على قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن وتعجيب منه، وقيل: إنها نزلت في المؤذنين لدعوتهم الناس إلى الصلاة التي هي عماد الدين فالآية مدنية إلا أن يقال حكمها متأخر عن نزولها لأنّ السورة مكية، والأذان شرع بالمدينة. قوله:) في الجزاء وحسن العاقبة) أو في ظاهرهما لما في الأوّل من الحسن والثاني من القبح، وإذا كان المراد أنّ الحسنة لا تستوي مع السيئة فلا الثانية مزيدة للتأكيد فإن كان المراد إنّ الحسنة لا تتساوى مع السيئات لتفاوت مراتبها وأفرادها، كما أنّ السيئة كذلك فلا ليست مزيدة فإن تعريفهما للجنس، والأوّل أقرب، ولذا اختاره المصنف دون الثاني الذي اختاره الزمخشريّ. قوله: (ادفع السيئة حيث اعترضتك) اعترض بمعنى وقف بالعرض وبمعنى عرضت لك، ونالتك وهذا هو المراد هنا، وقوله: على أنّ المراد بالأحسن الزائد مطلقا فهو أحسن في الجملة فقوله: أحسن منها أي موجراً بها، وما يقع في مقابلتها وقيل تقديره متباعداً منها، واستبعد بعضهم فمن ليست الداخلة على المفضل عليه على أنها صلة أفعل. قوله: (أو بأحسن ما يمكن دفعها) فالمفضل عليه عام، ولذا حذف كما في الله أكبر أو المراد أن الزيادة على الحسن أمر مخصوص وهو ما يدفع به السيئة، وقوله: وإنما أخرجه الخ هذه الجملة محتملة لاتصالها بما قبلها وانقطاعها عنها والظاهر الأوّل والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة في الطاعة، وجلب القلوب فادفع سيئتهم بالحسنة فكان الظاهر الفاء التفريعية فتركت للاستئناف الذي هو أقوى الوصلين اتكالاً على فهم السامع، وإليه أشار المصنف بجعله مستأنفا في جواب سؤال أي كيف أصنع الخ ومقتضى الظاهر ادفع بالحسنة فعدل عنه إلى الأبلغ لأنّ من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه، وهذا الكلام أبلغ في الحمل، والحث على ما ذكر لأنه يومي إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه، وقوله: ولذلك أي لأجل المبالغة المأخوذة من الاستئناف. قوله:) عدوّك المشاق) أي المخالف وهو اسم فاعل وأصله المشاقق، وقوله: فعلت ذلك إشارة إلى أنه في جواب شرط مقدر والوليّ هنا بمعنى الصديق أو القريب، وقوله: هذه السجية أي الخصلة والصفة فالضمير راجع لما يفهم من السياق، ويجوز رجوعه للتي هي أحسن ومعنى يلق يعطي ويؤتى، وقوله: وهي أي السجية والمراد بالدين صبروا من فيهم طبيعة الصبر، وقوله: الجنة فهو وعد وعلى ما قبله مدح وفسر الحظ أيضا بالثواب وكمال العقل. قوله:) نخس (بالخاء المعجمة والنخس المس بطرف قضيب أو اصبع بعنف مؤلم استعير للوسوسة هنا، وقوله: لأنها أي الوسوسة تبعث الإنسان على ما لا ينبغي بتسويل الشيطان كما أنّ النزع يكون للحث على حركة ونحوها فهو وجه الشبه بينهما، وقوله: كالدفع بما هو أسوأ مثال لما لا ينبغي وهو ضدّ الدفع بالأحسن، والمعنى إن أفسدت ففساد ناشئ من الشيطان، وجد جدة بمعنى سعد سعده من الإسناد للمصدر مجازاً للمبالغة، ومن على هذا ابتدائية أي نزغ ناشئ منه. قوله:) أو أريد به نارّغ (فالمصدر بمعنى اسم الفاعل كعدل بمعنى عادل وإليه أشار بقوله: وصفا الخ، ومن على هذا بيانية والجار والمجرور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 حال ويجوز أن يكون تجريداً، ومن ابتدائية، ويجوز أن يكون المراد بالنازغ وسوسته وقوله: لاستعاذتك الخ فسره في الأعراف بسميع لقوله من آذاك عليم بفعله فينتقم منه مغنيا عن انتقامك وقيل: عليم بنزغ الشيطان. قوله:) مأموران مثلكم (بأمركن التكويني لا أمر تكليف لأنهما لا إدراك لهما أو المراد أنهما جاريان على وفق إرادته مسخران، وقوله: مثلكيم إشارة إلى مانع آخر لأنّ المرء لا يعبد من هو مماثل له، وقابل الليل بالنهار لأنه يقابله كما أن الليلة تقابل اليوم، وقوله: والمقصود الخ جملة حالية وضمير بهما للشمس والقمر، وقوله: إشعاراً مفعول له وهو تعليل لجمعها في ضمير واحد مع أنّ المقصود الشمس والقمر ووجها لإشعار المذكور نظمها بصيغة واحدة والليل والنهار لا يعقل قطعا فكذا ما هو مثلهما، ولو ثنى الضمير لم يكن فيه إشعار، وفيه إشارة إلى وجه التعبير بضمير المؤنث أيضا فإنّ جماعة ما لا يعقل في حكم الأنثى أو الإناث يقال الأقلام بريتها وبريتهن فليس من التغليب في شيء حتى يرد أنه، إنما يغلب المذكر على المؤنث لا العكس فعلم عدم استحقاقهما للعبادة من وجوه كونها مخلوقة غير مدركة. قوله: (فإنّ السجود أخص العبادات) إذ العبادة مطلقا مختصة بالله معنى، وهذا يختص به معنى وصورة بخلاف القيام والركوع، والعبادة التذلل وهو غايتها فيلزم من اختصاصها اختصاصه، وقوله: وهو أي هذا المحل عند قوله: تعبدون موضع السجود عند الشافعيّ في أحد قوليه وذكره لأنه هو الذي ظهر فيه محل الاختلاف فلا ينافيه كون الأصح خلافه عندهم إن سلم، وعند أبي حنيفة وفي أحد قولي الشافعي السجدة عند قوله: لا يسأمون لأنه تمام الآية وبه يتتم المعنى فلذا أخرها احتياطا لأنه لا ضير في تأخير السجود بخلاف تقديمه على محله فإنه يقع غير معتد به. قوله: (عن الامتثال) قدره، وكان الظاهر عن السجود أو العبادة لكنه عدل عنه لأنهم لم يستكبروا عن ذلك لكنهم لم يمتثلوا أمره إذ سجدوا لغيره تعالى، والمخالفة تتضمن الاستكبار بوجه مّا، وقوله: فالذين الخ جواب أمر مقدر أي فدعهم وشأنهم أو فقاتلهم فإن دته عباداً يعبدونه، وقوله: لقوله الخ فإنّ عدم السآمة المعبر عنه بالاسمية المقدم فيها الضمير يدل على الدوام. قوله: (مستعار من الخشوع الخ (يعني أن أصل معنى الخشوع التذلل فاستعير استعارة تبعية لحال الأرض! في السكون، وكونها مجدبة لإثبات فيها كما وصفها بالهمود في قوله: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} [سورة الحج، الآية: 5] وهو خلاف وصفها بالاهتزاز وما معه كما بينه الزمخشري، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية كما ستراه كما أشار إليه الشارح المحقق. قوله:) تزخرفت وانتفخت) التزخرف التزين بالنبات والانتفاخ معنى قوله: ربت بمعنى صارت ربوة مرتفعة، وقوله: وقرئ ربأت أي بالهمز بمعنى ارتفعت من ربا عليه إذا أشرف ويقال: إني لأربا بك عن كذا أي أرفعك عنه ولا أرضاه لك كما في الأساس، وفي الكشاف: كأنها بمنزلذ المختال في زيه وهي قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثة انتهى فهو استعارة أيضا وفي الكشف إنه يشعر بأنه ليس من التمثيل وذكر في قوله: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} [سورة يونس، الآية: 24] إنه كلام فصيح جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروش إذا أخذت النبات الناضر من كل لون والظاهر أنه تمثيل هنا أيضا لكن أطلق الاستعارة على المعنى الأعم على معنى أنه لا مانع من الوجهين كما في قوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا} وقوله: بعد موتها الموت والحياة استعارة للخصب والجدب كما مرّ تحقيقه، وقوله: من الإحياء والإماتة لو أبقى على عمومه ويدخل هذا فيه دخولاً أوّليا كان أولى. قوله: (يميلون) من ألحد إذا مال، والإلحاد في آياته أي شأنها وما يليق بها، وقوله: بالطعن الخ، إشارة إلى أنها شاملة للقرآن وغيره لأن التحريف لم يقع في القرآن بل في غيره من الكتب، وقوله: والإلغاء فيها بالغين المعجمة إفعال من اللغو وكان الظاهر أن يقول اللغو فيها لأنه إشارة إلى قوله، وألغوا فيه كما مرّ، وقوله: فنجازيهم على إلحادهم لأن اطلاع الله على الأمور وعلمه بها كناية عن مجازاة فاعلها كما مرّ مراراً. قوله:) قابل الإلقاء في النار الخ) كان الظاهر أن يقابل بدخول الجنة لكنه عدل عنه لأنّ الأمن من عذاب الله أعمّ وأهمّ، ولذا عبر في الأوّل بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينبغي أن يبدل حالهم من بعد أمنهم خوفا فليس بمستغنى عنه والإحماد كونهم محموداً حالهم في الحال، والمآل وكونه من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفا، ويلقي في النار ومن يأتي آمناً ويدخل الجنة فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر بعيد لأنه لا قرينة تدل عليه ولا يكفي في مثله سلامة الأمير. قوله: (بدل من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} الخ (بدل كل من كل ظاهره إن كلمة إن مع الاسم بدل من إنّ مع الاسم، وقد قال المحقق في شرحه: إنه إبدال غريب ليس من إبدال المفرد ولا من إبدال الجملة، ولا يشعر كلامه بأن الذين بدل من الذين بتكرير العامل مع أنّ ذلك لم يعهد في غير الجار والمجرور ولا بأنه على حذف الخبر للتهويل أي إنّ الذين كفروا يكون من أمرهم ما يكون، أو لا يخفون أو هلكوا ونحوه ولا وجه لما ذكر فإن الجملة بدل من الجملة، وليس في كلام المصنف ما يأباه لكنه قيل عليه إنه على تقدير الخبر لا حاجة إلى تكلف البدلية فيه فإنّ الحامل عليه الاستغناء عن التقدير فتأمل، وقوله: أو على الوجهين أو قوله: أولئك ينادون فلا حذف فيه لكنه بعيد، وقوله: والذكر القرآن بوضع الظاهر موضع المضمر وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب مع ما فيها. قوله:) كثير النفع عديم النظير الخ (العز حالة مانعة للإنسان عن أن يغلب كما قاله الراغب: فإطلاقه على عديم النظير مجاز مشهور يقال: هو عزيز أي لا يوجد مثله، وكذا كونه مبتغى وأما كونه كثير النفع فهو مجاز أيضا لأنه إنما يعز الشيء لنفاسته، وهي بكثرة المنافع فيه وعدم نظيره لإعجازه وفسر أيضا بأنه غالب لسائر الكتب لنسخه لها. قوله: (من جهة من الجهات) أي من جميع الجهات فما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح، والمساء كناية عن الزمان كله، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمى من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين وقوله: أو مما فيه الخ معطوف على قوله من جهة يعني أنه لا يتطزق إليه باطل في كل ما أخبر عنه والأخبار الماضية ما بين يديه والآتية ما خلفه أو العكس كما مز تحقيقه، وقوله: أفي حكيم يعني تنوينه للتعظيم وقوله: بما ظهر عليه من نعمه الباء للسببية أو للآلية فيكون الحمد بلسان الحال، وعلى الأوّل بالقال فتدبر. قوله: (أو ما يقول الله لك الخ (معطوف على قوله: ما يقول لك كفار قومك الخ وما قاله الكفار الأذية وما ضاهاها وما يقوله الله الأوامر والنواهي الإلهية التي أجملت في قوله: إنّ ربك لذو مغفرة الخ كما أشار إليه المصنف، وقوله: يحتمل الخ إشارة إلى أن فيه احتمالاً آخر وهو أن يكون القول غير مذكور وما ذكر كلام مستأنف، والمقول له أصول التوحيد والشرائع والحصر فيه إضافي بالنسية لغيره من أمور الدنيا فلا ينافي أنه يقال له غير ذلك كالأمر بالدعوة والقصص رنحو ذلك، وإليه أشار بقوله: بمعنى أنّ حاصل الخ وأنه باعتبار الحاصل فلا يضرّ اختلاف الخصوصيات والشرائع واختار الميم على شديد مع أنه أنسب بالفواصل إيماء إلى أن نظم القرآن ليس كالإسجاع، والخطب وأنّ حسنه ذاتي والنظر إلى المعاني دون الألفاظ فيه، وقوله: إليهم أي إلى الرسل. قوله: (أكلام أعجمي الخ! فأعجمي وعربي صفتان لموصوفين مقدرين كما ذكره، وقوله: إنكار مقرّر للتخصيص أي هو استفهام إنكاري مقرّر ومؤكد لتخصيص الفرآن بكونه عربيا لا أعجميا والمخاطب العربي أعم من الرسول والمرسل إليه والإنكار لاستبعادهم لذلك وعدم فهمهم له. قوله: (والأعجمي الخ) أصله أعجم، ومعناه من لا يفهم كلامه للكنة أو لغرابة لغته وزيدت الياء للمبالغة كما في أحمري ودواري وأطلق على كلامه مجازاً لكنه اشتهر حتى ألحق بالحقيقة فلذا ذكره المصنف وتركه الزمخشريّ فإنّ قوله: ولكلامه وقع في بعض النسخ دون بعض والعجمي المنسوب إلى العجم، وهم من عدا العرب وقد يخص باهل فارس ولغتهم العجمية أيضاً فبين الأعجمي والعجمى عموم وخصوص وجهي. قوله: (وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا) هو معنى لولا التحضيضية وقوله: فجعل بعضها الخ على تقدير بعضها أعجمي، وبعضها عربي فيكون خبر مبتدأ مقدر بما ذكر وعبر بالجواز لأنه غير متعين لاحتمال غيره مما فصلوه، وقوله: والمقصود الخ أي من قوله ولو جعلناه إلى تمام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 الشرطية على الوجوه، والقراآت ومقترحهم كونه بلغة العجم والمحذور اللازم لاقتراحهم أنه يفوت الغرض منه إذ لا معنى لإنزاله أعجميا على من لا يفهمه، وقوله: أو الدلالة الخ يعني المقصود من هذه الجملة الشرطية بيان إنهم لا ينفكون عن التعنت عنادا لاقتراحهم الأعجمية فإذا وجدت طلبوا تفصيله، ولو فصل طلبوا أمرا آخر وهكذا، واذا كن المراد بالعربي المرسل إليهم كان حقه الجمع لكن الإفراد والتذكير هنا متعين كما أفاده الزمخشريّ لأنّ حق البليغ أن يجرّد الكلام عما يزيد عن مراده والمراد تنافي الحالتين بقطع النظر عمن هو في حقه فإذا أنكرت لباساً طويلاً على امرأة قصيرة قلت اللباس طويل، واللاب! قصير ولو قلت: اللابسة قصيرة كان مستهجنا وقبيحاً من الكلام فاحفظه. قوله تعالى: ( {قُلْ هُوَ} الخ) رد عليهم بأنه هاد لهم شاف لما في صدورهم كاف في دفع الشبه فلذا ورد بلسانهم معجزاً بينا، في نفسه مبينا لغيره وقوله: على تقدير هو في آذانهم الخ ذكروا لي إعرابه ثلاثة أوجه فالذين آمنوا إمّا مبتدأ في آذانهم خبره ووقر فاعل الجار والمجرور او في آذانهم خبر مقدم، ووقر مبتدأ مؤخر والجملة خبر الأوّل، أو وقر خبر مبتدأ مقدر والجمله حر الأوّل والتقدير هو وقر الخ، أو الذين عطف على الذين ووقر عطف على هدى على أنه م! العطف على معمولي عاملين مختلفين بناء على تجويزه والخلاف فيه مشهور فقوله: على نقدبر الخ هو أحد الوجوه فيه فهو مبتدأ خبره وقر على المبالغة، أو بتقدير ذو وقر وفي آذانهم بيان لمحل الوقر لا خبر لوقروا لتقدير في آذانهم منه، وقر ولا يقدر هو حينئذ، وقيل: التقدير ذو وقر وفي آذانهم بيان لمحل الوقر لا خبر لوقر والتقدير في آذانهم منه، وقر ولا يقدر هو حينئذ، وقيل: التقدير الذين لا يؤمنون به في آذانهم، وقر فالرابط به أو الجملة معترضة فلا تقدير فيها. قوله: (لقوله وهو عليهم عمي) فإنه إنما يناسب ما قبله إذا قدر فيه هو ورعاية المناسبة أولى لا وواجب حتى يدل على عدم جواز غيره من الوجوه، وإنما اختار الزمخشري ما اختاره لأن حذف المبتدأ لا يخلو عن ضعف بخلاف العائد المجرور فإنه كثير وليس فيه تفكيك للنظم كما قيل، وقوله: على عاملين هذه عبارة النحاة وفيها تسامح والتقدير على معمولي عاملين والعاملان حرف الجرّ والابتداء، والخلاف فيه مشهور فمنهم من منعه، ومنهم من جوّزه ومنهم من فصل فيه فجوّزه إذا كان أحدهما مجروراً وقدم نحو في الدار زيد والحجرة عمرو، وتفصيله في المغني وشروحه. قوله: (من مكان بعيد منهم وهو الخ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها إسقاط قوله: منهم وفي نسخة هم بدل هو وهي من تحريف الناسخ، وجعل النداء من مكان بعيد تمثيلا لعدم فهمهم وانتفاعهم بما دعوا له يقال: أنت تنادي من مكان بعيد أي لا تفهم ما أقول، وقيل إنه على حقيقته وانهم يوم القيامة ينادون كذلك تفضيحاً لهم، وقوله: يصح به تفعيل من الصياح كما صحح في النسخ من صيح الثوب إذا انشق وصيح به إذا أزعجه لشدّة صياحه. قوله: (وهي العدة بمالقيامة الخ) يعني لولا أنه تعالى قدر الجزاء في الآخرة قضى بينهم في الدنيا، أو لولا أنه تعالى قدر الآجال لعجل هلاكهم واستئصالهم فتقدير لآجال عطف على العدة. قوله: (وأن اليهود) فالضمير لهم بقرينة السياق لأنهم الذين اختلفوا في كتاب موسى فإن أريد من لم يؤمن منهم فظاهر، وان أريد المطلق فمعنى لفي شك إنهم لا يؤمنون حق الإيمان به كما يأتي في السورة الآتية، وقوله: من التوراة الخ لف ونشر مرتب أو هو على التعميم فيهما، وقوله: موجب للاضطراب لأنّ الشبه والشكوك تورث القلق والاضطراب، وقدر نفعه وضرّه مؤخرا ليفيد الحصر المناسب للمقام ومن يصح فيها الشرطية والموصولية كما مرّ. قوله تعالى: ( {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} ) قد مرّ تفصيله وانّ المبالغة في نفي الظلم لا نفي مبالغة الظلم ما هو المتبادر، ووجهه أن يعتبر النفي أوّلاً والمبالغة بعده ولو عكس كان على العكس، وهو موكول إلى القرائن أو المبالغة في الكم لكثرة العبيد، وفيه كلام آخر مرّ تفصيله. قوله: (فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله) إشارة إلى أنّ الظلم هنا عبارة عن فعل ما لا يفعله إلا أنه ظلم لو صدر منه وعدم فعله جريا على وعده السابق، ومقتضى حكمته والا فله تعالى أن يعذب المطيع وينعم المسيء فليس هذا مبنياً على قاعدة الحسن والقبح العقليين الذي ذهب إليه المعتزلة وعممه للفريقين ولم يخصه بالمسيء كما في الكشاف فإنه لا وجه له إلا الإيماء إلى مذهبه في أنّ الكبيرة صاحبها مخلد. قوله: (إذا سئل عنها (فرد علمها إليه تعالى معناه أن يقال الله عالم بها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 لأنها من المغيبات ولذا علله بقوله: إذ لا الخ ففيه احتمالان في شرح التأويلات، إنه متصل بأمر الاعة والبعث، وهو الأقرب فإنه لا يعلم هذا كله إلا الله فذكر هذه الأمور لمناسبتها لعلم الساعة، وان الكل إيجاد بعد العدم بقدرته تعالى فيكون برهانا على الحشر وأن يتصل بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ} [سورة فصلت، الآية: 37] الخ وبقوله: ومن آياته إنك ترى الأرض خاشعة الخ فالمعنى من آيات ألوهيته وقدرته وعلمه أن يخرج التمرات من أكمامها الخ انتهى محصله. قوله: (جمع كم بالكسر) من كممه إذا ستره وهو بالكسر في الثمار وبالضم كم القميص وقد يضم الأوّل أيضاً والجمع مشترك بينهما كما قيل: من فوق أكمام الرياض وتحت أذيال النسيم وقوله: بجمع الضمير أي أكمامهن، وقوله: للاستغراق أي لتأكيد الاستغراق والنص عليه إذ النكرة بعد النفي مستغرقة وتأنيث تخرج على الموصولية نظراً إلى المعنى لأنه بمعنى ثمرة، وفوله: من مبينة أي الأولى ومن في من أكمامها ابتدائية على كل حال ومن ثمرة في محل نصب على الحال، وقوله: بخلاف قوله: وما تحمل الخ فإنّ ما فيه نافية لا غير لأنه عطف عليه النفي وأتى بعده بقوله إلا بعلمه، وهو استثناء مفرغ لا يكون إلا بعد النفي فلا يصح كونها موصولة كما فيل: وفيه نظر لأنه يكفي لصحة التفريغ النفي في قوله، ولا تضع وجملة لا تضع يصح أن تكون حالاً أو معطوفة على جملة إليه يرد الخ وما هذه موصولة كمثل الأولى. قوله: " لا مقروناً بعلمه) إشارة إلى أنّ الباء للملابسة أو للمصاحبة وأنّ الجار والمجرور في محل نصب على الحال، وهو مستثنى من أعتم الأحوال، وقوله: واقعاً الخ تفسير لاقترانه به، وقوله: بزعمكم لأنه تعالى منزه عنه فسيق على زعمهم توبيخاً لهم، وقوله: ما منا من شهيد جملة منفية في محل نصب لأنها مفعول آذناك وقد علق عنها لأنه بمعنى العلم أي أعلمناك والمراد بالإعلام هنا الإخبار أيضاً، ولذا فسره به فلا يرد أنه ينبغي تفسيره بأخبرناك لأنه تعالى عالم فلا يصح إعلامه بما هو عالم به بخلاف الإخبار فإنه يكون للعالم كما قاله السمرقندي؟ وعلى كليهما فهو معلق على اختلاف فيه فالمعنى أعلمناك بأنه ليس أحد منا يشهد بشركتهم ويقرّبها الآن فشهيد فعيل من الشهادة، ونفي الشهادة كناية عن التبرؤ منهم لأن الكفرة يوم القيامة أنكروا عبادة غيره ت! لى مرّة واً قرّوا بها، وتبرؤوا منها مرّة أخرى وسألوا الرد إلى الدنيا في أخرى بحسب الأوقات أو هو من أقوام أو أشخاص منهم كما صرّحوا به هنا، وفسره السمرقندي بالإنكار لعبادتها فيكون كذبا كقوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] وهو أقرب فيما قيل مما اختار. المصنف وليس بمسلم لأنه إن أريد نفي إقرارهم الآن فهو تبرّؤ، وإن أريد فيما مضى فهو كذب. قوله: (فيكون السؤال عنهم للتوبيخ) أي إذا كان المراد بنفي الشهادة والإقرار الآن التبرّؤ منهم وأنهم أخبروه تعالى بذلك التبرّؤ، قبل السؤال لما رأوا ما أشركوه فالسؤال حينئذ توبيخ، وتقريع إذ لا يتوهم إنه سؤال ولو بحسب الظاهر، وهو جواب عن السؤال المقدّر بأن الإيذان الإعلام فإذا سبق فلم سثلوا وأجابوا عنه بوجوه أنه ليس سؤالا حقيقة، بل توبيخ وتقريع أوليس المراد أعلمناك فيما مضى بنفي الشركة، بل هو مجاز عن علمه تعالى الآن بأنهم لا يشهدون بالشركة لأنّ العلم يلزم الإعلام أو هو إنشاء لا إخبار. قوله: (أو من أحد يشاهدهم) فشهيد من الشهود بمعنى الحضور والمشاهدة والأعلام بمعنى العلم كما مز أو هو إنشاء فعلى هذا كان ينبغي أن يؤخر قوله فيكون السؤال الخ، وقوله: ضلوا عنا أي غابوا أو ضاعوا كما مرّ فهو مجمل تفصيله ما بعده. قوله: (وقيل هو قول الشركاء الخ) ومرضه لما فيه من التفكيك، ويكون المعنى حينئذ كقوله: ويكونون عليهم ضدّ التبرؤ كل منهم عن الآخر وكون المعنى أنهم أنكروا عبادتهم لهم كذباً منهم لا وجه له هنا، وقوله: لا ينفعهم الخ تفسير لضل بمعنى غاب أمّا بأنه لعدم نفعه كأنه ليس بحاضر موجود أو أنهم لم يروهم إذ ذاك وهذا في موقف وجعلهم مقترنين بهم في آخر فلا تنافي بينهما، وقوله: وأيقنوا لأنه لا احتمال لغيره هنا وهو يكون بمعنى العلم كثيرا، وقوله: معلق الخ فالجملة سادّة مسد مفعوليه، وقوله: الضيقة هي الضد السعة. قوله: (وهذا صفة الكافر) يعني ما في هذه الآية من قوله: لا يسأم الخ لا يتصف به غيره، وقوله: وقد بولغ الخ جواب عما يرد في المقال من أنه لا يوصف به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 غيره، ويكون المراد شدة قلقه فإن المبالغة المذكور تأباه، وقوله: من جهة البنية أي الصيغة لأنّ فعولاً من صيغ المبالغة والتكرير لأنّ اليأس والقنوط كالمترادفين، وان كان اليأس مغايراً له أو أعمّ لأنّ القنوط أثر اليأس أو يأس ظهر أثره على من اتصف به كإنكساره وحزنه فيتكرر بذكره اليأس في ضمنه على كل حال كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: وما في القنوط الخ. قوله: (حقي أستحقه الا بفضل من الله كما تدل عليه لام الاستحقاق فيكون جاحداً للنعم كافراً بالمنعم، وقوله: أولى دائما فاللام للملك وهو يشعر بالدوام، وهو المراد فهو ذم له بأنه طغى وبطر، وقوله: تقوم إشارة إلى أنّ اسم الفاعل هنا للمستقبل. قوله:) ولئن قامت على التوهم (كما يدل عليه إن الشرطية فإنّ الأصل فيها أن تستعمل لغير المتيقن فالتأكيد بالقسم هنا ليس لقيامها بل لكونه مجزيا بالحسنى لجزمه باستحقاقه للكرامة فلا تنافي بينها وبين التأكيد بالقسم، وان واللام وتقديم الظرفين وصيغة التفضيل فإن تكوز للأمور المفروضة، وليس هذا وجها آخر كما قيل ولا ينافي قوله: وما أظن الساعة لأن المعنى بل أتوهمها فتدبر. قوله: (وذلك لاعتقاده الخ) هذا على تفسيره الثاني لقوله: هذا إلى لا إن هذا الاعتقاد مقرر عنده كما في قولهم: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سورة سبأ، الآية: 35] أي في الآخرة إن تحقق أمرها فلا ينافي الوجه السابق ولا قوله: لا ينفك عنه فتأمل. قوله: (ولنبصرنهم (من التبصير يقال بصره كذا وبكذا إذا عرفه فالمراد بإخبارهم بأعمالهم توقيفهم على ما يستحقون به العذاب المشاهد لهم فهو وعيد لهم لأنه كناية عن العذاب وأنهم مستحقون للإهانة لا الكرامة كما توهموا، وقوله: لا يمكنهم التفصي أي التخلص عنه، والنجاة منه تفسير لقوله: غليظ، وإشارة إلى أنه استعارة كما سيأتي تقريره في قوله: عريض فغلظه استعارة له من عدم الرقة في الأجسام للمعاني ككبير وكثير لشدته أو كثرته، وإحاطته بهم بحيث لا ينفك عنهم كمن أوثق بوثاق غليظ لا يمكنه قطعه. قوله:) وانحرف عنه (قال الراغب حقيقة نأى أعرض وقال أبو عبيدة: تباعد ويقال: نأى ونأى به بمعنى نهض كقوله: لتنوء بالعصبة، ومنه: نأى بجانبه أي نهض به وهو عبارة عن التكبر كشمخ بأنفه والباء للتعدية، وفي ضمير عنه استعارة بالكناية وتفسيرا لنأى بالجانب بالانحراف تفسير له يلازمه عادة فهو إنا مجاز أو كناية ولا مانع من إرادة معناه الحقيقي كما توهم. قوله: (أو ذهب بنفسه وتباعد عنه) على أن الجانب بمعنى الناحية، والمكان ثم نزل مكان الشيء وجهته كناية منزلة الشيء نفسه كقولك المجلس العالي أدام الله أيامه، وقولهم: مقام الذنب فكأنه قيل: نأى بنفسه ثم كني بقوله: ذهب بنفسه عن التكبر والخيلاء ففيه على هذا كنايتان وعلى الوجه السابق كناية واحدة حيث كني بنأى بجانبه عن الانحراف، فما قيل: إنّ في كلا الوجهين لفظ جانب كناية مطلوب بها الموصوف أعنى نفسه أو عطفه ومجموع الكلام كناية مطلوب بها اختصاص صفة بموصوف، وهو التكبر والتعظم في الأوّل والانحراف والأزورار في الثاني مبني على اًن الجانب حقيقته الناحية والجهة وأنه مغاير للجنب وقد صرّح الراغب وغيره بخلافه فإنه سوى بينهما فجعل الجنب والجانب حقيقة كالعطف في اوجارحة وأحد شقي البدن مجازا في الجهة والمصنف في سورة الإسراء جمع بين المعنيين وجعل كونه كناية عن التكبر وجهاً آخر، وقوله: تباعد عنه عطف تفسيرقي لذهابه بنفسه. قوله:) والجانب مجاز عن النفس الخ) قد مرّ فيما قررناه تبعا لشراح الكشاف قاطبة إنه كناية وكلام المصنف مخالف له فإنه رآه استعمل حيث لا يمكن إرادة الحقيقة كما في قوله: في جنب الله، والكناية شرطها جواز إرادته فقاس ما هنا عليه وله وجه وجيه، وما قيل: إنه أراد ما ذكر فعبر عنه بالمجاز على طريق المجاز خلاف الظاهر من غير داع لتكلفه وعليه فالمجموع استعارة بالكناية لا كناية ويجوز كونها تمثيلية. قوله: (كثير مستعار مما له عرض! (وأصله مما يوصف به الأجسام، وهو أقصر الامتدادين وأطولهما هو الطول ووصفه بالعرض العظيم يستلزم عظم الطول أيضا لأنه لا بد أن يكون أزيد منه والا لم يكن طولأكما لا يخفى، وإليه أشار المصنف وقوله: له عرض بفتح فسكون أو بسكر ففتح كصغر، وقوله: بكثرته أو استمراره كما في بعض النسخ والظاهر عطفه بالواو كما في كثير من النسخ أيضا فإن معنى كثرة الدعاء تجدده وتكرّره، وهو استمراره فليس بينهما تفاوت كبير، وقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 متسع إشارة إلى أن فيه استعارة بالكناية حيث شبه الدعاء بأمر ممتد وأثبت له لازمه وهو العرض والاتساع من قوله: عريض لأنه يدل عليه في عرف التخاطب، ولا حاجة لأخذه من صيغة المبالغة وتنوين التكثير وإن كان لا مانع من تقويتهما لذلك، فإن قلت كونه يدعو دعاء طويلا عريضا ينافي وصفه قبيل هذا بأنه يؤس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء، وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه قلت: إن سلم اتحاد موصوفيهما ذاتا وزماناً، ولم يقل إنه بحسب الأشخاص أو الأوقات كما هو أحد الوجوه المذكورة في التأويلات فلا تعارض بينهما، وإلا فليس المراد بما ذكر في الآيتين إلا بيان ما طبع عليه الإنسان من الرغبة في الخير والسعة والنفرة والكراهة للشدة والبلاء لا حقيقة ما ذكر بل إنه حريص الطمع هلوع الجزع قولاً وفعلاً حتى إنه لعدم اعتماده على خالقه وسخافة عقله أحواله متناقضة، وظاهره مناف لباطنه وهو لشدة ذهوله وولهه واضطرابه يصعد في هبوطه، ويدعو مع قنوطه كما أشار إليه السمرقنديمما في تفسيره وتبع أثره المدقق في الكشف حيث قال في ذكر الوصفين ما يدل على أنه عديم النهية ضعيف الهمة إذ اليأس والقنوط ينافيان الدعاء العريض، وأنه كالغريق المتمسك بكل شيء ومن لم يفهم مراده زعم أنه لا يدفع المنافاة إلا إذا حمل على عدم اتحاد الأوقات والأحوال، وقوله: عرضه كذلك أي متسعاً وقوله: أخبروني مر تحقيقه مراراً فتذكره. قوله: (قل أرأيتم) الآية رجوع لإلزام الطاعنين والملحدين وختم للسورة بما يلتفت لفت بدئها، وهو كما في شرح الكشاف من الكلام المنصف وفيه حث على التأمل واستدراج للإقرار مع ما فيه من سحر البيان، وحديث الساعة وقع في البين تتميما للوعيد وتنبييا على ما هم عليه من الضلال البعيد، وقوله: فوضع الموصول وهو من هو في شقاق بعيد أي أقيم ذلك الاسم الموصول الظاهر مقام الضمير، وهو منكم فالمراد بالصلة الجار والمجرور المتعلق بأفعل التفضيل والجار المتعلق بشيء يطلق عليه صلته، ولذا عبر به المصنف قصد المراعاة النظير وأيها ما لمن ليس بذي ذهن سليم، ومن لم يقف على مراده تردد فيه بما لا وجه له، ولو قال وضعالظاهر موضحع الضمير كان أظهر كما وقع في بعض النسخ وشرح حالهم يعلم من الصلة، والتعليل يفهم من التعليق بذلك لأنه في قوّة قوله: لكونهم في شقاق بعيد كما يدل عليه فحوى الخطاب، وقوله: لمزيد ضلالهم عبر بالمزيد إشارة إلى ما يفيده أفعل التفضيل، والشقاق الخلاف لكون المخالف في شق وجانب مما خالفه. قوله: (ما أخبرهم النبتي عليه الصلاة والسلام الخ) فإنها من آيات نبوّته لما فيها من المعجزات لإخباره عن المغيبات والحوادث الآتية كقوله: لتميم الداري " إنه سيفتح بيت المقدس " وقوله في الخندق: " إق المسلمين يملكون ملك كسرى " ونحوه مما لا يخفى، كما في الأحاديث الصحيحة كما سيأتي في سورة الفتح، والنوازل جمع نازلة وهي ما قصه الله عليه في الأمم الخالية مما لا يعلمه إلا بالوحي وقوله: على وجه خارق للعادة توجيه لكون تلك الفتوح من آياته ومعجزاته. قوله: (ما ظهر فيما بين أهل مكة) فآيات الآفاق على هذا ما أخبر به من أحوال غيرهم من الأمم الماضية كعاد وثمود، والآتية من أحوال الروم والعجم وما في أنفسهم ما حل بالعرب من الأسر والقتل كما وقع ببدر ويوم الفتح أو المراد بالآفاق ما في غير الإنسان، وبالأنفس ما فيه من أطوار خلقه من النطفة إلى المعاد أو الأوّل ما في السموات كرفعها بغير عمد وغير ذلك من أحوال الملكوت، والأنفس ما في عالم الملك وهي احتمالات فصملها السمرقندي، وأشار إليها المصنف ولو صرّح بها على وجه التقابل كان أظهر لكنه لم ينبه عليها لظهورها فلا يرد عليه شيء. قوله: (الضمير للقرآن الخ) يعني أنهم إذا عرفوا الآيات الدالة على وجوده أو ما أخير به الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى به من المعجزات تبين لهم حقيقة القرآن بإعجازه أو الرسول بمعجزاته، أو الله بالبراهين العقلية والسمعية فقوله: الضمير للقرآن يعني على كلا التفسيرين، وكذا إذا جعل الضمير للرسول فضمير كان في الآية السابقة للرسول أيضا فكان عليه أن يشير إليه أوّلاً ثم إنه لا حاجة إلى جعل ضممائر الجمع في سنريهم وما معه للمشارفين للاهتداء منهم أو للجميع على أنه من وصف الكل بوصف البعض كما قيل إذ لا يلزم من تبين الحق لهم إيمانهم به فإنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فتأمّل. قوله: (أو التوحيد) أو الدين قيل، وهو الأولى أو لله وهذان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 لا يلائمان الآية السابقة لعدم احتمال رجوع ضمير كان للتوحيد أو الله ولذا أخرهما وهما مناسبان للتفسير الثاني، والحصر على الكل تحقيقي إضافي أي لا ما زعموه من تكذيب القرآن أو الرسول أو الشريك أو الشركاء. قوله: (كأنه قيل أو لم تحصل الكفاية به) إشارة إلى أن فيه معنى الحصول فلذا حسنت زيادة الباء فيه، وفيه أنّ هذا التأويل جار في كل فعل فإن أراد أنه مؤوّل به لم تكن داخلة على الفاعل ويكون كقول الزجاج إنها دخلت لتضمن كفى معنى اكتف وهو وجه استحسنه ابن هشام في المغنى، وقيل إنها زائدة في المفعول والفاعل ما بعده وقوله: لا تكاد الخ إشارة إلى أنّ زيادتها مع غير الفاعل كثيرة ومعه نادرة لكنه في كفى مشهور على القول المرضى للنحاة وفي غيره شاذ مختلف فيه فلا يرد عليه أحسن بزيد في التعجب فإنه غير مسلم عند جماعة من النحاة على ما عرف في بابه ولا قولى: ألم يأتيك والأنباءتنمي بما لاقت لبون بني زياد فإنه شاذ قبيح، ثم إنه قيل المراد بالفاعل ما هو على صورته فلا يرد أحسن بزيد لخروجه عن صورته بتغيير لفظه، وقال في المغني: المراد ما هو فاعل صورة ومعنى ولا يرد عليه قول الزجاج وما قيل: من أنّ المراد لا يكاد يدخله بيقين ليخرج أحسن بزيد يرد عليه أنه غير متيقن فيما نحن فيه أيضا لجواز كونه مؤوّلاً باكتف كما ذهب إليه الزجاج وكون الفاعل أن وما معها، ويكون فاعله ضمير الاكتفاء على الأوّل والجار والمجرور متعلق بالضمير بناء على جواز عمله في الظرف كما قرره النحاة في نحو قوله: وما هو عنها بالحديث المرجم قوله: (بدل منه) أي بدل اشتمال كما أشار إليه بقوله: والمعنى أولم يكفك الخ وفيه إشارة إلى أن المبدل منه في نية الطرح كما قرره النحاة وجعل مفعول يكفي ضمير الرسول، والزمخشري جعله ضميرهم فقدّره أولم يكفهم وليس ارتباطه بما قبله من قوله: سنريهم الخ محوجاً إلى التكلف كما توهم لظهور كون الضمائر لهم كما لا يخفى. قول! : (محقق له الخ (تفسير لشهيد على أنه من الشهادة فالمراد به لازمه أو من الشهود، والاطلاع وهو مجاز عما ذكر أيضاً وضمير له لشيء ومناسبته لما قبله ظاهرة إذ المعنى أنه عالم بحالك، وحالهم فهو ناصرك عليهم منجز لك وعده بإعلاء كلمته واعزار ديته كما أشار إليه بقوله: فيحقق الخ. قوله:) أولم يكف الإنسان الخ) إن كان المراد بالإنسان جنس البشر دخل فيه قومه دخولاً أوّليا، وإن أريد به هؤلاء القوم فهو ظاهر وعليهما فمناسبته للمقام وارتباط الكلام ظاهرة إذ المعنى لم يعصونه، ولا يصدقون بما جئت به من الحق وشهيد على هذا من الشهود كما أشار إليه بقوله مطلع، ويجوز أن يكون من الشهادة فالمعنى محقق له أيضا فينجز ما وعده من الثواب والعقاب، وكأنه تركه لأنه يعلم بالمقايسة على ما قبله إذ لا وجه للتخصيص. قوله: (في شك) تفسير للمرية فانها مطلق الشك أو شك مخصوص كما مر تحقيقه، وقوله: بالضم أي ضم الميم وقوله: وخفية إشارة إلى أنه من أوزان المصدر والكسر أشهر لمناسبته الياء، وقوله: بالبعث لاستبعادهم إعادة الموتى بعد تبذد أجزائهم وتفرق أعضائهم. قوله: (عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها) جمل بالجيم جمع جملة وهي خلاف التفصيل، وقوله: مقتدر عليها من معنى الإحاطة بكل شيء فإن المراد إحاطة علمه وقدرته بها وهو دفع لمريتهم وشكهم في البعث واعادة ما تفرّق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييز.، وقول القاشاني: إنّ هذه الآية تدل على وحدة الوجود كما نقله الجامي في نفحاته عني به أنه بطريق الإيماء، والإشارة لا إنه معنى النظم حتى يرد عليه إنه يلزم عدم مناسبته لما قبله كما قيل، وقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع كغيره مما ذكره الشيخان في خواتم السور، تمت السورة والحمد دلّه على جزيل نعمائه والصلاة والسلام على مظهر أسمائه، وعلى آله وأصحابه المبلغين أمانة أنبائه. سورة الشورى بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) قد مر تحقيق المكيّ والمدني وكونها بجملتها مكية ارتضاه المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 وقال غيرهما: إنّ فيها مدنيا فاستثنى بعضهم أربع آيات من قوله: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [سورة الأنعام، الآية: 90] إلى آخر الآيات الأربع واستثنى في الإتقان، أم يقولون افترى الخ فإنها نزلت في الأنصار، وقوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ} [سورة الشورى، الآية: 27] الخ فإنها نزلت في أصحاب الصفة رضي الله عنهم، واستثنى بعضهم أيضا والذين إذا أصابهم البغى الخ وسيأتي في كلام المصنف ما يدل على أنّ بعض الآيات مدنية كما ستراه في محله فكأنه بني ما هنا على الأغلب فيها، وفي عدد آياتها خلاف أيضا فقيل خمسون وقيل ثلاث وخمسون والخلاف في حم عسق وقوله: كلأعلام كما فصله الداني رحمه الله تعالى. قوله: (لعله اسمان الخ (كان الظاهر أن يقول لعلهما اسمان لكنه أفرده لتأويله بالمذكور، ونحوه وقد أيد كونهما اسما بأنه ورد تسميتها عسق من غير ذكر حم كما وقع في بعض النسخ هنا، وقوله: فصل بينهما أي في الخط، وان كان اسما واحداً فهو آية واحدة وحقه أن يرسم متصلا كما في كهيعص لكنه فصل لرسمه مستقلاً في غير هذه السورة لانفراده عن غيره من الحروف، وقوله: سائر الحواميم قيل عليه إنه قال في القاموس: حم إذا أريد جمعه يقال ذوات حم أو آل حاميم، ولا يقال: حواميم وقد جاء في الشعر اهـ وقد تبع فيه الحريري في الدرة وبعض النحاة، وقد ذكرنا في شرحها أنه لا صحة له وأنه ورد في الحديث الصحيح والآثار الثابتة ذكر " الحواميم " ولا يختص بالشعر فإن أردت تحقيقه فانظره. قوله: (أي مثل ما في هذه السورة من المعاني (يعني أنّ الجار والمجرور أو الكاف التي هي اسم بمعنى مثل في محل نصب على أنه مفعول به، والحروف المقطعة للاتعاظ واسم للسورة كما مر وإليه أشار بقوله هذه السورة، وقوله: أو إيحاء الخ يعني أنها واقعة في موقع المفعول المطلق والمشار إليه هو الإيحاء لا المعاني كما في الوجه السابق وقيل كلاهما تقدير للمفعول به وإنما الاختلاف في تعيين المشار إليه ولم يجعله في محل رفع بالابتداء لافتقاره، إلى تقدير العائد وفي هذا غنية عنه كما قيل، وأورد عليه أن حذف الضمير الواقع مفعولاً قياسي مع أنّ جعل الإشارة إلى الإيحاء محوج إلى تقدير الموصوف أيضا والظاهر أن قوله كذلك يوحي جملة ابتدائية وقد ذكر في التلويح أن جار الله لا يجوّز الابتداء بالفعل، ويقدر المبتدأ في كل ما وقع فيه الفعل مستأنفاً واحتمال الحالية يمنعه أو يبعده حذف العامل المعنوي، والوقف على عسق ولا يخفى ما فيه فإن الكاف إن كانت اسما لم يحتج إلى تقدير وان كانت حرفا فالتقدير لازم فيها فبتقدير الضمير يكثر الحذف على ذلك التقدير، وما ذكره في التلويح ليس بمسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل إنه لم يظهر له وجه فتأمل. قوله: (وإنما ذكر الوحي بلفظ المضارع (مع أن المعنى على المضي كما أشار إليه بقوله: أوحى الله إليك والوحي إلى ما قبله قد مضى والوحي إليه بعضه ماض وبعضه مستقبل، ولذا قيل إنه على التغليب، وأما قوله للدلالة على استمرار الوحي فقد أورد عليه إنه مباين لحكاية الحال الماضية فكأنه أريد بالاستمرار استمراره في الأزمنة الماضية فلا ينافيه، ولما كان الماضي لا دلالة له على الاستمرار عدل عنه للدلالة على ما قصد منه وإليه الإشارة بقوله: وإن إيحاء مثله عادته فما قيل من أن المراد أنه على أسلوب حكاية الحال الماضية، وصورتها وإن المباينة بين الاستمرار والحال التأويلي غير مسلمة وأن قصد الاستمرار مغن عن اعتبار معنى الحال لأنه معنى مستقل سواء كان تحقيقيا أو تأويلياً تخليط لا محصل له، ومصدر معطوف على مبتدأ. قوله: (والله مرتفع بما دل عليه يوحي) ظاهره أن المقدر فعل لا اسم بأن يكون في جوأب سؤال مقدّر تقديره من يوحي فيقدر حينئذ يوحي لا من الموحى فيقدر الموحي الله كما ذهب إليه في الكشاف، والمصنف رحمه الله لم يرتضه تبعاً للسكاكي كما قرره أهل المعاني في قوله: ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مماتطيح الطوائح وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة النور، الآية: 36، رجال في حال القراءة به مجهولاً كما مر في سورة النور وهو بناء على الظاهر من جعل المقدر من جنس المذكور، وقال المدقق في الكشف إن الزمخشري اختار تقديره بالاسم بناء على تقدير السؤال ما الذي أنزله لا أي شيء أنزل كما مر فيما ذا أنزل ربكم لما في الأوّل من الدلالة على أن الفعل مسلم فلذلك قدره هنا من الموحي أي من الذي أوحى أي ذلك المعلوم المحقق وحيه بين لي من هو فالإيحاء مسلم معلوم، والغرض من الأخبار إثبات اتصافه بأنّ من شأنه الوحي لا إثبات أنه موح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 والسكاكي لم يفرق بينه وبين يسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال ولا بد من الفرق لأن الفعل هناك على ظاهره لم يؤت به للدلالة على الاستمرار اهـ، وأورد عليه أن قولنا من يوحي صالح لقصد الاستمرار والغرض من السؤال ليس تعيين الموحي بل بيان اتصافه بما ينبئ عن المدح والتعظيم أي ذلك المعلوم المحقق، وحيه بين لي من هو ولذا قرن بصفات الجلال والكبرياء وعقب بالتنزيه البليغ فلا يصح ما ذكر عذراً للعدول فالظاهر أنّ الزمخشري لم يقصد بهذا التقدير إنه متعين وأن الواقع في السؤأل المقدر الاسم لا الفعل، وقد نوقش فيه بأن جواب من الموحي الله الموحي أو الموحى الله على ختلاف فيه لا يوحي الله ليكون الواقع ما دل عليه يوحي وللبحث فيه مجال فتدبر. قوله:) كما مر في السورة السابقة) في قوله: تنزيل من الرحمن الرحيم، وقيل: ما بعد يوحي إلى آخر السورة قائم مقام فاعل يوحي أي هذه الكلمات فيكون الله مبتدأ، وقوله: وما بعده أي الحكيم له ما في السموات الخ وهذا على تنزيل الوحي منزلة المعلوم الذي لا يحتاج إلى البيان، وعلى هذه القراءة يجوز كون الموحي به قوله الله العزيز الخ. قوله: (خبران له) أي لقوله الله وجعلهما خبرين لا خبراً واحداً لأن المعطوف على الخبر خبر، فلا يرد عليه أنّ الظاهر أن يقول خبر بالإفراد كما قيل. قوله: (وقيل من دعاء الولد له (أي من نسبة الولد له يعني أنّ النظم محتمل لوجهين، أحدهما إنّ معناه أنّ السموات تنشق من عظمته ومهابته تعالى لأنّ الآية مسوقة لبيان عظمته، وعلوه ولذا ترك العاطف في قوله تكاد الخ، وثانيهما: أنّ المعنى تكاد تنشق من دعائهم له ولداً وشريكا كقوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} [سورة مريم، الآية: 95] منه الآية وأيد بقوله: بعده والذين اتخذوا من دونه أولياء، فإيراد الغفور الرحيم لأنهم استوجبوا بهذه المقالة صب العذاب عليهم لكنه صرف عنهم لسبق رحمته فالآية واردة للتنزيه بعد إثبات المالكية والعظمة التامّة والأوّل أنسب بالسياق، والسباق وترك العاطف ولذا مرض هذا. قوله: (والأوّل أبلغ) لأنّ المطاوع والمطاوع من التفعيل والتفعل الموضوعين للمبالغة بخلاف الثاني فإنه انفعال مطاوع للثلاثي 0 قوله:) وترئ تتفطرن بالتاء لتثيد التأنيث وهو نادر) عدل عن قوله في الكشاف ووى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة تتفطرن بتاءين مع النون ونظيرها حرف نادر، روي في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن اهـ لأن أبا حيان قال إنه وهم لقول ابن خالويه من الشواذ تتفطرن بالتاء والنون، وهو شاذ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث فلا تقول النساء تقمن ولا الوالدات ترضعن، وقد كان أبو عمرو الزاهد روي في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن فأنكرناه فقد قوّاه الآن هذا فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله بناءين فهو وهم وإن كان في بعضها بتاء مع النون كما مرّ فموافق لقول ابن خالويه، وكان بتاءين من تحريف النساخ وكذلك كنايتهم تتفطرن، وتتشممن بتاءين اهـ ورده المعرب بأنّ ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار له قبل تقويه بهذه القراءة، وإنما يكون نادراً منكرا بتاءين فإنه حينئذ مضارع مسند لضمير الإبل فحقه أن يكون بياء المضارعة التحتية كالنساء يقمن وكذا يتشممن بياء تحتية، ثم تاء فوقية فلما جاء بتاءين فوقيتين ظهر ندوره وإنكاره له ولو كان بفوقية واحدة كان على القياس كالنسوة تبرجن فإنه ماض مسند لضمير الإناث وكذا لو كان بياء تحتية، ثم تاء فوقية فالشذوذ إنما يتاتى إذا كان بفوقيتين فتتفطرن سواء قرئ بفوقيتين أو بفوقية ونون نادر لما ذكره ابن خالويه، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم يرجع إلى تصحيح النقل وهو سهل إلا أنّ قوله إنما يتأتى إذا كان بفوقيتين مناقض لآخر كلامه لكن إذا ظهر المراد، سقط الإيراد فتدبر. قوله: (لتثيد التأئيث) بالجمع بين علامتيه التاء والنون وهو مخالف للقياس، والاستعمال وهو أحد أقسام الشاذ الثلاثة المشهورة. قوله:) يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية) نسبة للفوق على خلاف القياس كالتحتاني، والألف والنون كثيرا ما تزاد في النسب حتى يكاد يطرد لكئرته، وضمير فوقهن على هذا للسموات والمراد الطرف الأعلى منهن وهو جهة الأوج المقابلة للحضيض، وقوله: وتخصيصها أي تخصيص الجهة الفوقية بالذكر، وقوله: على الأوّل المراد به الوجه الأول في تفسيره من أنّ انفطارهن من عظمة الله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 وجهة الفوق أدل على عظمته تعالى لما فيها من آيات الملكوت كالعرش، والكرسي والملائكة ولذا كانت قبلة الدعاء مع تنزهه تعالى عن المكان والجهة، وعلى الثاني، وهو ما إذا كان انفطارها لنسبة الولد والشريك له تعالى فحينئذ كأنه قيل: هذه الشناعة تؤثر فيما فوقهم فكيف فيما تحت ومما يقضي منه العجب ما قيل المراد بالأوّل والثاني قراءة التفعل والانفعال. قوله:) وقيل الضمير للأرض) أي لجنسها فيشمل السبع ولذا جمع الضمير، وهذا جار على الوجهين ولا يختص بالثاني كما توهم. قوله:) بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم (فهو مجاز مرسل أو استعارة للسعي المذكور والأمور المقربة للطاعة كالمعاونة في بعض أمور المعاس أو دفع العوائق، وشموله للكفرة لأنهم قد يلهمونهم الإيمان المتوقف عليه المغفرة. وقوله الخلل المتوقع قيده به لأنّ الخلل المقرر كخلود الكفار لا يسعى في دفعه وتخصيصه بالمؤمنين لقوله في آية أخرى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [سورة غافر، الآية: 7، ولا اً دري ما السبب الداعي لصرف الاستغفار عن ظاهره لا سيما إن خص بالمؤمنين، وقد ذكر مؤيدا في كتاب التوبة. قوله: (إذ ما من مخلوق الخ) إشارة إلى أنّ صيغة المبالغة لشمول رحمته ما لا يحصى من جميع الموجودات وسكت عن بيان ذلك في المغفرة لسعة مغفرته، وعظمتها لأنه يعلم بالقياس على الرحمة وفيه إشارة إلى قبول دعاء الملائكة واستغفارهم كما يشير إليه فيما سيأتي، وقوله والآية أي قوله والملائكة إلى هنا على تفسيره أوّلاً لقوله يتفطرن بأنه بيان لعظمته تعالى فيكون هذا مقرراً لما دلت عليه الآية الأولى، ومؤكدا له لأنّ تسبيح الملائكة وتنزيههم له وهم حافون بالعرس لمداومتهم لعبادته، والخضوع لعظمته والاستغفار لغيرهم للخوف عليهم من سطوة جبروته، والتكميل بقوله إلا أنّ الله الخ على هذا ظاهر وأما على الثاني، وإنّ انفطارهن لنسبة الولد والشريك فتسبيحهم تنزيه له عما يقوله الكفرة، واستغفارهم للمؤمنين الذين تبرؤا عما صدر من هؤلاء فالتذييل بالغفور الرحيم لعدم معاجلة العذاب مع استحقاقهم له كما أشار إليه بقوله: وانّ عدم الخ. قوله: (بموكل بهم الخ (يعني أنّ فعيلا بمعنى مفعول من المزيد أو الثلاثي، وقوله الإشارة إلى مصدر يوحى الخ أي الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. على حد ما مرّ في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43] فنصب قرآنا على أنه مفعول به ثم أنّ المصنف رحمه الله قدم كون الإشارة إلى المصدر هنا وأخره في أوّل السورة فقيل تقديمه هنا على الأصل لتقدم رتبة المفعول المطلق على غيره من المفاعيل، وثمة روعي فيه جانب المعنى يعني أنّ حم عسق لما أريد منه السورة كان الإشارة إليها أقرب وأظهر ولما لم يذكر قبله هنا ما يتبادر الإشارة إليه أجرى على الأصل، والظاهر أنه لما كان المتبادر أن قرآناً مفعول به رجح الإشارة إلى المصدر ليكون مفعولاً مطلقا، ولما لم يذكر ثمة رجح كونه مفعولا به ليستغنى عن التقدير. قوله:) أو إلى معنى الآية المتقدمة (أي الإشارة إلى معنى الآية السابقة من قوله الله حفيظ الخ والمعنى أنه كان حريصا على إيمان المشركين قيل له ليس في قدرتك هدايتهم، وإنما عليك البلاع الكافي والبيان الشافي وقد أورد عليه أنه لا حاجة إلى جعله إشارة إلى المعنى لصحة الإشارة إلى لفظه ومعناه كما يعرف بالتأمل لكن ما اختاره الشيخان أتم فائدة وأشمل عائدة كما لا يخفى، وستراه عن قريب. قوله: (وقرآناً عربيا حالا منه) على التجوّز في قرآنا أو عربيا لأن القرآنية والعربية صفة اللفظ لا المعنى ولو جعلت الإشارة إلى اللفظ والمعنى جميعا كما مرّ لم يكن فيه تجوّز ويجوز نصبه أيضا على المدح أو البدلية من كذلك (قلت) قد سمعت وجه ما اختاره، وأمر التجوّز فيه سهل لقربه من الحقيقة لما بين اللفظ والمعنى من الملابسة القوية حتى يوصف أحدهما بما يوصف به الآخر مع ما في المجاز من البلاغة. قوله: (أهل أم القرى وهي مكة) على التجوّز في النسبة أو بتقدير مضاف، وقوله من العرب خصه بهم لأن السورة مكية، وهم أقرب إليها وأول من أنذر أو لدفع ما يتوهم من أنّ أهل مكة لهم طمع في شفاعته، وان لم يؤمنوا لحق الجوار والمفاربة فخصهم بالإنذار لإزالة ذلك الطمع الفارغ كما قاله: السمرقندي وقيل المراد جميع أهل الأرض! واختاره البغوي لأن الكعبة سرة الأرض والدنيا محدقة بما هي فيه أعني مكة. قوله: (وحذف ثاني مفعولي الآوّل الخ) الإنذار يتعدى لمفعولين ثانيهما يكون منصوبا ومجروراً بالباء تقول أنذرته كذا، وأنذرته بكذا فاقتصر في الأول على أول مفعوليه، وحذف ثانيهما إذ التقدير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 لتنذر أهل أم القرى بعذاب عظيم لا يدرى ولا يحيط به نطاق البيان ولما كان المراد به عذاب يوم الجمع بقرينة ما بعده قال: وايهام التعميم لشموله لكل عذاب عاجل وآجل، وأوّل مفعولي الثاني وهو أهل مكة بقرينة ما قبله لكنه لعدم ذكره يوهم أنّ المراد كل أحد فقوله للتهويل الخ لف ونشر مرتب فالتهويل في الأوّل والإيهام في الثاني، ويحتمل رجوعه لهما معاً والأول أظهر، وقد حذف من الأول ما أثبت في الثاني فهو من الاحتباك وقيل يوم الجمع ظرف فالمفعولان محذوفان وجعل الضمير على الغيبة للقرآن لعدم حسن الالتفات هنا. قوله: (اعتراض) في آخر الكلام يحتمل الحالية من يوم الجمع أو الاستئناف، وقوله يجمعون أوّلاً الخ بيان لتوجيه الجمع بين الجمع والتفريق، وجملة منهم فريق حال أو استئناف في جواب سؤال تقديره كيف كان حالهم ويؤيد الأول قراءة النصب ولا مانع منه ولا ركاكة فيه، واشتراط الواو غير مسلم فيه ومنهم خبر مقدر مقدّم على الوجه الأحسن في خبر النكرة الموصوفة كما مرّ، ولذا لم يقدره فريق منهم على أنه صفته وفي الجنة خبره مع أن جعاى الصفة المقدرة مسوغة لا يخلو عن ضعف، وكذا جعل المرفوع فاعلا للظرف المقدر وأن كان معتمداً ركيك، وحذف العامل في مثله مما منعه بعض النحاة وفي جواز مثله نظر لا يخفى وقد جوّز فيه أن يكون خبر مبتدأ مقدر أي المجموعون، أو مبتدأ خبره ما بعده وساغ الابتداء بالنكرة فيه لأنها في سياق التفصيل والتقسيم كما في قوله: فثوب لبست وثوب أجر وأما كونها في تأويل مفرد فلا يصلح للتوجيه كما مرّ فإنه ما من حال إلا ويتأتى فيها هذا فلا يصح ما ذكره وقد مرّ الكلام فيه، وتقديم منهم هنا كاللازم هنا لأنّ فيه ما في تقديم المقسم على الأقسام كما لا يخفى على من له دراية بأساليب الكلام. قوله:) وتنذر يوم جمعهم متفرقين الخ) قد وجهت هذه القراءة بوجوه فقيل إنها حال من مقدر تقديره افترقوا أي المجموعون فريقاً وفربقاً الخ لئلا يلزم تنافي الجمع، والتفريق وقيل هو منصوب يتنذر المقدر أو المذكور والمعنى تنذر فريقا من أهل الجنة وفريقاً من أهل السعير لأنّ الإنذار ليس في الجنة والسعير، ولا يخفى تكلفه والمصنف رحمه الله جعله حالاً من ضمير جمعهم المقدر لأن الألف واللام قامت مقامه واليه أشار بقوله على الحال منهم أي من المجموع ولما لزمه كون افتراقهم في حال اجتماعهم، أوله بمشارفين على أنه من مجاز المشارفة أو الحال مقدرة أو اجتماعهم في زمان واحد لا ينافي افتراق أمكنتهم كما تقول صلوا الجمعة في وقت واحد في مساجد متفرقة، واليه أشار بقوله متفرقين في داري الثواب الخ وعلى الوجه السابق اعتبر الاجتماع في الزمان والمكان ولا يخفى أنه إذا أريد بالجمع جمع الأرواح بالأشباج، أو الأعمال بالعمال لا يحتاج إلى توفيق أصلاً. قوله: (مهتدين أو ضالين) اقتصر على الأول في النحل، ووجهه ظاهر والترديد من الله أو من المفسر وقوله بالهداية، وهو خلق الاهتداء أوالدلالة الموصلة والمراد بالحمل على الطاعة توفيقه لها وبعث دواعيه عليها، وقوله في عذابه متعلق ببدعهم. قوله: (ولعل تنيير المقابلة الخ (أي كان الظاهر أن يقول ويدخل من يشاء في عذابه، ونقمته فعدل عنه لما ذكر لأنه أبلغ في تخويفهم لإشعاره بأن كونهم في العذاب أمر مفروغ مته، وإنما الكلام في أنه بعد تحتمه هل لهم من يخلصهم بالدفع أو الرفع فإذا نفى ذلك علم أنهم في عذاب لا خلاص مته، وقوله إذ الكلام في الإنذار فيفهم منه أنهم في العذاب مع إسناده إليهم للإشارة إلى أنه نصير للمؤمنين، وانّ الرحمة بفضله والعذاب بكسبهم، وظلمهم فلذا أسند الرحمة إليه دون العذاب فتأمّل. قوله:) بل اتخذوا (إشارة إلى أن أم هنا منقطعة وهي تقدر ببل والهمزة، وقد تقدر ببل فقط أو الهمزة وكلامه محتمل للوجهين الأوّلين فإن قرىء أتخذوا بفتح الهمزة كان معها همزة استفهام، وان كسرت فلا ومن اقتصر على الأوّل فقد قصر. قوله: (جواب شرط محذوف الخ) هذا بمقتضى دلالة الفاء لكنه جوّز فيه كون الفاء عاطفة وكونها تعليلاَ للإنكار المأخوذ من الاستفهام كقولك أتضرب زيداً فهو أخوك، أي لا ينبغي لك ضربه فإنه أخوك والمعروف في مثله استعماله بالواو، وإنما يحسن التعليل في صريح الإنكار ولا يناسب معنى المضي أيضاً، وتقدير الشرط كثير فهو أهون من هذه التكلفات فتأمّله. قوله: (كالتقرير لكوئه حقيقا بالولاية (لم يجعله تقريرا وتأكيداً له لما بينهما من التغاير بحسب صريحه، ومنطوقه فإذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 تأمّلته وجدت بينهما تلازماً يصلح باعتبار للتأكيد. قوله:) وما اختلفتم أنتم والكفار فيه (الاختلاف هنا قيل اختلافهم في القرآن، وقيل في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في الدين فعلى الأوّل حكمه إلى الله فيما أقام من الحجج والبراهين حيث عجزوا عن الإتيان بمثله، وإن كان في رسول الله فقد سطع برهان نبوّته ورسالته من مثرق العقل والسمع، وإن كان في الدين فقد أقام عليه ما يعلم كل ذي لب أنه الحق والصواب وأن غيره باطل ليس بحق، وقال السمرقندي: قال بعض أهل التأويل المعنى ما اختلفتم في شيء فحكمه إلى الله أي إلى كتاب الله كقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [سورة النساء، الآية: 59] أي إلى كتاب الله لكنه لا يصح لأنّ قوله فإن تنازعتم الخ إنما هو في المؤمنين إذا وقع بينهم اختلاف في شيء من الأحكام يردّ ذلك إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ئيخييه، وقوله وما اختلفتم الخ إنما هو في محاجة الكفرة فهو في غير ذلك المعنى إذ هم لا يعتقدون كونه حجة، وإنما يرجع إلى دليل آخر عقليّ فما هنا كما في الكشاف حكاية قوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين اًي ما خالفكم فيه الكقار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمور الدين فحكم ذلك المختلف فيه مقوّض إلى الله وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين فليس في الآية دليل على منع الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم أو بحضرته فإن الأصح عند الأصوليين وقوعه. قوله:) من أمر من أمور الدنيا أوالدين (لم يذكر الدنيا في الكشاف، وهو الموافق لقوله هنا أنتم والكفار إذ الظاهر أنّ المراد بأمور الدنيا المخاصمات، ولا يلزم أن تكون بينهم وبين الكفرة ولا يقال في مثله التحاكم إلى الله وجعله وجهاً مستقلاً كما قيل بعيد عن الصواب بمراحل. قوله) وقيل الخ) مرضه لأنه مخالف للسياق كما لا يخفى لأن الكلام مسوق للمشركين وهو على هذا مخصوص بالمؤمنين، وقوله فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله المراد بالمحكم هنا ما ظهر المراد منه، وبالمتشابه خلافه لا ما اصطلح عليه أهل الأصول، ويجوز حينئذ أن يكون المعنى فوّضوا أمره إلى الله ولا تخوضوا في تأويله على التوقيف والوقف على إلا الله كما مز تحقيقه في سورة آل عمران، وقوله ذلكم الله ربي بتقدير قل أو هو حكاية لقوله! ييه ومجامع الأمور جميعها، وهو إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الظرف، وقوله أرجع في المعضلات أي الأمور المشكلة أو من الذنوب أو في المعاد كما مز في سورة هود. قوله:) خبر آخر الخ (أو صفة لربي أو بدل منه أو خبر مبتدأ مقدر، وقوله بالجر أي جرّ فاطر بمعنى خالق وما بينهما جملة معترضة، والضمير المبدل منه ضمير إليه أو عليه، وقوله الوصف لا لى الله تسمح فيه والمراد لله من قوله إلى الله، وإنما أعاد الجار معه وان كان الموصوف المجرور لئلا يتوهم أن الموصوف الله في قوله ذلكم الله، وقوله من جنسكم تقدم تحقيقه مرارا وتفسيره بوجه آخر في سورة الروم. قوله: (أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً) ففيه جملة مقدرة إذ لا يصح عطفه على أزواجا لأنّ قوله من أنفسكم يأباه، وقوله أو خلق الخ تفسير الأزواج فإنها قد يراد بها الأصناف وقد يكون جمع زوج بمعنى ذكر وأنثى متزاوجين ويقابله الفرد. قوله:) يكثركم (والبث النشر والإنتشار يلزمه الكثرة، وهو مهموز والذر وفي آخره واو فهو منقوص والذز بالتضعيف فهو مضاعف ومنه الذرية وقد فسر بيخلقكم أيضاً، وقوله في هذا التدبير المراد من التدبير علهم أزواجا، وقيل ضمير فيه للبطن أو الرحم لأنه في حكم المذكور، وجعل التكثير في هذا الجعل لوقوعه في خلاله وإثنائه كما أشار إليه بقوله فإنه كالمنع أو في مستعارة للسببية. قوله: (يكون بينهم توالد الخ) فيه إشارة إلى تغليب العقلاء فيه على غيرهم وتغليب المخاطب على الغائب ففيه تغليبان على ما فصله شراح الكشاف، وفيه أيضاً إشارة إلى ترجيح تفسير الأزواج بغير الأصناف لأنه مناسب له كما قيل نظر لأنه لا مانع من تكثير الأصناف بالتوالد أيضا فالظاهر أنه جار على الوجوه. قوله: (ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه (قيده به بقرينة ما قبله ليرتبط به، ولو أبقي على عمومه في نفي المشابهة من كل وجه كما قالوا الله شيء لا كالأشياء أفاد نفي ما ذكر أيضاً وهو بيان الحاصل المعنى إجمالاً. قوله:) والمراد من مثله ذاته الخ) هذا تفسير على تقدير عدم زيادة الكاف، وحاصله كما أشار إليه المصنف رحمه الله أن ليس كذاته شيء وقولنا ليس كمثله شيء عبارتان عن معنى واحد، وهو نفي المماثلة عن ذاته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 لكن الأوّل صريح في ذلك والثاني كناية مشتملة على مبالغة، وهي إن المماثلة منفية عمن يكون مثله وعلى صفته فكيف عن نفسه وهذا لا يستلزم وجود المثل ألا ترى أن مثل الأمير يفعل كذا ليس اعترافا بوجود مثل له إذ الفرض كاف في المبالغة، وقوله في نفيه أي نفي الفعل عن الفاعل أو نفي الشبه عنه ون يناسبه ويسد مسده هو المثل المشبه لأن المشبه به حقه أن يكون أقوى من المشبه، ومثله كاف في حصول المراد. قوله: (ونظيره) في كونه كناية بالأشباه والأمثال عن الذات، ورقيقة بضم الراء المهملة وقافين بينهما ياء تصغير اسم امرأة وهي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم والدة عبد المطلب، وقول المصنف تبعا للزمخشري بنت صيفي سهو والصواب بنت أبي صيفي كما ذكره ابن حجر وسبب هذا كما رواه المحدثون أنه تتابعت على قريش سنون مجدبة حتى أضر بهم القحط جداً قالت: رقيقة فبينا أنا نائمة إذ سمعت هاتفا يهتف ويقول يا معشر قريش إن هذا النبيّ المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه، وهذا إبان نجومه فحيهلا بالحياء والخصب ألا فانظروا رجلاً منكم وسطاً عظاماً جساماً أبيض، وطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين فليخلص هو وولده ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاته، وليهبط إليه من كل بطن رجل فليسنوا من الماء، وليمسوا من الطيب، ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستق الرجل وليؤمنوا فعشتم ما شئتم فقصصت رؤياي فما بقي أبطحيّ إلا قال هو شيبة الحمد فلما قام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أيفع قالا اللهمّ سان الخلة كاشف الكربة أنت معلم غير معلم، ومسؤل غير مبخل هذه عبادك وأماؤك يشكون إليك سنتهم فقد أذهبت الخف اللهمّ فأمطر غيثاً مغدقاً فما زالوا عن مكانهم حتى تفجرت السماء بمائها، والمراد بالطيب الطاهر لذاته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطهارة لداته عبارة عن طهارته لداته على نهج الكناية المذكورة، وهي جمع لدة كعدة من الولادة والمراد أترابه وأمثاله في السن ويكون بمعنى الولادة، والمولد فالمعنى أن مولده جميه ومولد من مضى من آبائه موصوف بالطهارة كما ذكره في الفائق لكن الأوّل أشهر وأبلغ لأنه إثبات لطهارته ببرهان لأن من علم طهارة أقرانه بالطهارة كما ذكره في الفائق لكن الأوّل أشهر وأبلغ لأنه إثبات لطهارته ببرهان لأن من علم طهارة أقرانه وأنه من جماعة عرفوا بالطهارة علم طهارته بالطريق البرهاني كما قرّره أهل البيان، والسقيا طلب السقي والدعاء له. قوله:) ومن قال الكاف فيه زائدة الم يرد أنه زائد محض ليس لذكره فائدة أصلا كما قيل إن مثلا زائد أيضاً وقوله، وقيل مثله الخ فيكون مثل كمثل بفتحتين بمعنى القصة العجيبة، وشيء عبارة عن الصفة أيضا، وقوله لكل ما يسمع الخ هو مأخوذ من عدم ذكر متعلق له فإنه يؤذن بالعموم، وقوله له مقاليد الخ مرّ تفسيره في سورة الزمر. قوله:) أي شرع لكم من الدين الخ) يعني أنه اكتفى بالابتداء والاختتام والوسط عن الجميع وعدل عن وصينا إلى أوحينا مع كاف الخطاب للفرق بين توصيته وتوصيتهم، وابتدأ نوح عليه الصلاة والسلام لأنه أوّل الرسل فالمعنى أنه شرع لكم من الدين ما وصى به جميع الأنبياء من عهد نوج عليه السلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام، والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له للإشارة إلى أنّ شريعتهء! فه هي الشريعة الكاملة، ولذا عبر فيه بالذي التي هي أصل الموصولات وأضافه إليه بضمير العظمة تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن ومن بينهما الثلاثة المذكورون لأنه ليس لغيرهم شريعة كشريعتهم وقوله وهو الأصل أي المشروع لهم الذي اشتركوا فيه. قوله: (وهو (أي الدين المراد به هنا أصل كليّ متفقون عليه وهو التوحيد والعقائد الحقة، والطاعة لله بإمتثال أوامره ونواهيه لا الأمور الفرعية على التفصيل لاختلاف الشرائع فيها كما بينه المصنف، وقوله ومحله النصب أي محل أن أقيموا الخ على أن إن فيه مصدرية وقد تقدّم الكلام في وصلها بالأمر والنهي وتوجيه، أو مخففة من الثقيلة لما في شرع من معنى العلم ولم يجعل أن مفسرة مع أنه الظاهر، وقد تقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه بناء على أنها لا تفسر ما هو مذكور صريحاً، ولو قيل به جاز هنا وفي قوله المفسر إيماء إليه، وقوله على الاستئناف فهو خبر مبتدأ مقدّر أو مبتدأ خبره مقدر والجملة مستأنفة، وقوله من هاء به ولا يلزمه بقاء الموصول بلا عائد لأنّ المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة ويجوز كونه بدلاً من الدين. قوله: (كأنه جواب وما ذلك المشروع) الشامل للموصى به والموحى، ولذا اختار تقديره عليهما فليس تقدير ما ذلك الموصى به أولى كما قيل، وقوله عظم عليهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 أي شق وصعب لمخالفته الضلال الذي ألفوه. قوله: (من التوحيد) خصه به ولم يعممه ليشمل المشروع بقرينة السياق لأنه هو أعظم ما شق عليهم، وقوله على المشركين مقتض له. قوله: (يجتلب إليه (ويجمع فهو افتعال من الجباية وهي الجمع قال الراغب: يقال جبيت الماء في الحوض جمعته ومنه قوله تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة القصص، الآية: 57] والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال تعالى قالوا: لولا اجتبيتها واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض الهيّ يتحصل له منه أنواع النعم بلا سعي منه كقوله: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [سورة الورى، الآية: 13، اهـ ومنه يعلم أنّ أصل معناه الجمع وأنّ الاصطفاء والاجتباء فيه معنى الجمع أيضا لما جمع الله لمن اصطفاه من النعم والمعارف، ولذا تعدى بإلى كالأوّل وذكر محي السنة وغيره أنه من الاجتباء بمعنى الاصطفاء وضمير إليه دلّه وهذا أظهر وأملأ بالفائدة، أما الثاني فللدلالة على أنّ أهل الاجتباء غير أهل الاهتداء وكلتا الطائفتين هم أهل الدين والتوحيد الذين لم يتفرّقوا فيه، وعلى مختار الزمخشري هم طائفة واحدة وأما الأوّل فلأنّ الاجتباء بمعنى الاصطفاء أكثر استعمالاً، ولأنه يدل على أنّ أهل الدين هم صفوة الله اجتباهم إليه واصطفاهم لنفسه وأما الذي آثره جار الله فكلام ظاهري بناء على أنّ الكلام في عدم الثفرّق في الدين فناسب الجمع والانتهاء إليه، وكذا ما قيل إنه بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بإلى إلا بتضمين معنى الضم كلام مبني على عدم التدقيق مع مخالفة الثاني لكلام أهل اللغة فكلا التفسيرين، واحد بحسب المال. قوله: (والضمير لما تدعوهم أو للدين) أو لله على أن يجتبى بمعنى يختار أي يختارهم لرضاه وعلى الثاني اقتصر الزمخشري والمصنف زاد الأوّل وقدمه لما فيه من إتساق الضمائر، وإن كان في الثاني مناسبة معنوية لاتحاد المتفرّق فيه والمجتمع عليه. قوله:) يعني الأمم السالفة) جعل الضمير لجميع الأمم السالفة بناء على أنهم بعد الطوفان كانوا أمّة واحدة مؤمنين فبعد موت آبائهم اختلف أبناؤهم حين بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليهم، وجاءهم العلم فالمراد بالذين أورثوا الكتاب أهل الكتاب في عهدهءشييه فإن أريد بالذين تفزقوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى فالذين أورثوا الكتاب المشركون والكتاب القرآن، وأما كون الضمير للمشركين وإن تقدّم ذكرهم قريباً فبعيد معنى لأنّ التفرق فيهم غير ظاهر، ولذا لم يتعرّض له المصنف وان توهم أنه أقرب مما ذكر ولما كان قوله شرع لكم الخ عاما شاملأ للأمم ولم يجيء لأهل الكتاب فيه ذكر أصلاً مرّض المصنف القول الثاني وقدم الأوّل. قوله: (العلم بأنّ التفرّق الخ (الوجه الأوّل والثالث جاريان على تفسير ضمير تفرقوا، والثاني خاص بالثاني فلو أخره كان أولى، وقوله أسباب العلم بإطلاق العلم على سببه مجازاً مرسلا أو بالتجوّز في الإسناد أو تقدير المضاف، وقوله عداوة لأن البغي مصدر بغي يعني طلب، وقوله بالإمهال إشارة إلى أنّ المراد بالكلمة السابقة وعده تعالى بعدم معاجلتهم بالعذاب، ولكونه بهذا المعنى كان أمراً ممتذا يصح أن يكون مغيابا لي ولولاه لم ينتظم بما معه، وقد مرّ في السورة السابقة بفصل الخصومة. قوله: (باستئصال المبطلين الخ (هذا جار على التفسيرين لأنه لما أخر جزاءهم ليوم القيامة وقدّر لهم آجالاً مسماة لم يستأصلهم أي يهلكهم بأسرهم، وقوله افترقوا بتقديم الفاء على القاف وما بعده على العكس بمعنى اكتسبوا، وقوله يعني أهل الكتاب الخ فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وهذا على أنّ المراد باللذين افترقوا الأمم السالفة وما بعده على أنّ المراد بهم أهل الكتاب فالكتاب هنا القرآن، وقد قيل إن كلا منهما يصح على الوجهين أيضا. قوله تعالى: (لفي شك منه) جعل الضمير للكتاب، ونكره ليشمل الكتب وقيل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر، وقوله لا يعلمونه أي الكتاب كما هو أي كما هو حقه أو لا يؤمنون به حق الإيمان وعلى هذين التفسيرين الشك بمعنى عدم اليقين، وهو على تفسير الموصول بأهل الكتاب، وقوله أو من القرآن على تفسيره به وبالمشركين ويجوز فيه إبقاء الشك على معنا. المشهور وفسر مريب بمقلق لانّ الريب قلق النفس، واضطرابها كما مرّ في سورة البقرة فمريب كشعر شاعر أو بمعنى مدخل في الريبة كأصبح بمعنى دخل في وقت الصباح، وهو أحد معاني الأفعال. قوله تعالى: (فلذلك) الفاء في جواب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 شرط مقدر أي إذا كان الأمر كما ذكرت واللام تعليلية كما أشار إليه بقوله فلا جل، وجوّز في الإشارة أن تكون للتفرق المفهوم من تفرقوا أو للكتاب المذكور أو للعلم الذي أوتيه المذكور في قوله جاءهم العلم ولا حاجة إلى جعله مفهوما من مضمون ما تدعوهم إليه، وقد جوّز كون الإشارة للشك وقيل إنه أولى لقربه لأنّ التفرق المذكور تفرق الأمم السالفة وليس علة باعثة لدعاء قومه إلا لجعله سببا لتفرقهم أوالمراد به مطلق التفرق، وفيه نظر فإنه علة باعثة متقدمة وإن أريد لدفعه فهو علة متأخرة والكتاب معطوف على أجل أو على مدخوله والظاهر أن المراد به القرآن. قوله: (إلى الاتفاق) فيه لف، ونشر فهذا على أن تكون الإشارة للتفزق وما بعده على كونها للكتاب، أو لما عنده من علم الشرائع الموحى إليه، وقوله وعلى هذا أي على التقرير والتقدير في التفاسير المذكورة على أن اللام متعلقة بادع المتعذي بإلى يجوز أن تكون اللام في لذلك بمعنى إلى كما يجورّ كونها تعليلية لأنّ الدعاء يتعدى بإلى، وباللام كما في قوله: دعوت لما نابني مسور وليس الإشارة بهذا إلى الوجه الأخير وهو ما إذا كان المأمور به الدعاء إلى اتباع ما أوتيه كما قيل. قوله: (لإفادة الصلة أو التعليل (أي ليدل بها على صلة الدعاء واذا كانت بمعنى لأجل لم يكن في الكلام ما يدل على صلة الدعاء وهو المدعوّ إليه والتعليل إن كان من الفاء فلا إشكال فيه، وهو الظاهر فان كان من اللام أيضا ففيه جمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة، والمجاز وهو وان كان جائزاً عند الشافعية فلا حاجة إلى ارتكابه من غير ضرورة تدعو إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى وتعبيره بالجواز إشارة لمرجوحيته لأنّ الأصل عدم تقدّم ما في حيز الفاء عليها. قوله: (واستقم على الدعوة كما أمرك الله) خصها بالدعوة بقرينة قوله ولو جعلت عاقة في جميع أموره صح كما مرّ في سورة هود، والاستقامة أن تكون على خط مستقيم، وفسرها الراغب هنا بلزوم المنهج المستقيم فلا حاجة إلى تأويلها بالدوام على الاستقامة. قوله:) يعني جميع الكتب (لأنّ ما من أدوات العموم وتنكير الكتاب المبين مؤيد لذلك، وقوله في تبليغ الشرائع مأخوذ من الدعوة والحكومة من العدل لأنه يكون فيها، وقوله الأوّل هو قوله آمنت بما أنزل الله وهذا إشارة إلى قوله أعدل بينكم وقوله خالق الكل فليس المراد به خصوص المتكلم والمخاطب، وقوله مجازي بعمله دون غيره ولا تزروا زرة وزر أخرى كما تدل عليه اللام. قوله: (وأمرت لا عدل الخ) تقديره وأمرت بذلك لا عدل، وقيل اللام مزيدة وفيه نظر لأنه يحتاج بعد زيادتها لتقدير الباء وهو تعسف. قوله: (لا حجاج) أي مصادلة ومخصمة لأن الحجة في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاح كما ذكره الراغب، ويكون بمعنى الدليل والمراد هو الأول دون الثاني وقوله إذ الحق الخ تعليل لقوله لا حجاج، وقوله ليس في الآية الخ لأن ترك المحاجة بعد ظهور الحق لا يدل على ترك المقابلة حتى يدعى النسخ من غير حاجة له، وقوله والذين يحاجون في معنى التعليل لقوله لا حجة الخ. قوله: (من بعدما استجاب له الناس (ضمير له في هذا الوجه لله أو لدينه واستجابة الناس له واجابثهم إذ عانهم له لوضوج المحجة، وظهور الحجة بحيث لم يبق للمحاجة مجال ولا لرد المسلمين عن دينهم إمكان، وقوله أو من بعدما استجاب الله لرسوله فضمير له للرسول صلى الله عليه وسلم لكونه في حكم المذكور ولكون الأوّل أظهر قدمه والمراد من إجابة الله دعوة رسوله إظهارها بنصره كما أشار إليه بقوله فأظهر الخ، وقوله يوم بدر وكذا استجابة أهل الكتاب تقتضي أنّ هذه الآية مدنية لأنّ وقعة بدر بعد الهجرة، وكذا استجابة أهل الكتاب إذ لم يكن بمكة أحد منهم فيعارض! كون السورة مكية من غير استثناء من المصنف كما قيل إلا أن يكون تبشيراً له ووعداً جعل كالماضي لتحققه، وقوله بأن أقرّوا تفسير لمعنى الاستجابة المجازي على هذا الوجه، وقوله استفتحوا بمعنى استنصروا، أو فتحوا عليهم وعرفوهم بأنه نبيّ. قوله: (جنس الكتاب) ويجوز كون التعريف للعهد أو الاستغراق، وقوله ملتبساً به بعيداً من الباطل فالحق هنا خلاف الباطل والباء للملابسة وعلى ما بعده الحق بمعنى الواجب واللازم. قوله: (الشرع) فيكون في الميزان استعارة، وقوله توزن به الحقوق أي تعين، وتسوّى كما تسوى المقادير وكذا إذا أريد به العدل، وقوله بأن أنزل الأمر به بيان للإنزال على الثاني ويعلم الأوّل منه بالمقايسة أو هو عليهما فإنّ الإنزال من صفات الأجسام دون المعاني فمعنى إنزاله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 القاؤه إلى الرسول وإيحاؤه أو إنزال من بلغه فالتجوّز في النسبة، ولا يخفى أن نسبة الإنزال إلى الأمر كذلك محتاجة إلى التأويل فكلامه لا يخلو عن المسامحة (أقول (لما كانت نسبة الإنزال والنزول مشهورة التحقت بالحقيقة فإنه يقال نزل إلينا أمر السلطان من قصره. قوله: (أو ا-لة الوزن) فهو بمعناه الحفيقي، وقوله بالوحي بإعدادها أي اتخاذها فإنزاله مجاز عن الإيحاء باستعماله، وقيل إنه أنزل عليه من السماء حقيقة وكون المراد به ميزان الأعمال بعيد هنا. قوله:) إتيانها) توجيه لتذكير قريب مع أنّ الساعة مؤنثة بأن فيه مضافا مقدر أو أصله لعل إتيان الساعة، والخبر عنه في الحقيقة لأنّ المحذوف لقرينة كالملفوظ فيجوز نصبه على الحكاية، ورفعه والمراد تقديره إتيانها وهو إشارة لما قلناه من تقديره بعد لعل لا بعد قريب على أنه فاعل الوصف لا لأنه يلزمه حذف الفاعل لأنه لا يمتنع إذا سد المضاف إليه مسده بل لأنه إذا حذف وارتفع الضمير واستتر كان يجب أن يقال قريبة أيضا كما لا يخفى، وقوله بمعنى ذات قرب أي على النسب أو تأويل الساعة بالبعث، وقد تقدم في تذكيره وجوه أخر فتذكر، وقوله اعمل بالشرع الخ فيه لف ونشر ينظر إلى الوجوه السابقة في تفسير الميزان وفيه إشارة إلى المناسبة التي اقتضت الجمع بينها. قوله:) اعتناء بها (اعتناء افتعال من العناية وقع هنا مفعولاً له وبها جار ومجرور متعلق به والضمير للساعة، وهو إشارة إلى ما مز من قول الراغب وغيره إنّ الإشفاق عناية مختلطة بخوف، واذ عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا عدّي بعلى فمعنى العناية أظهر، فما قيل إنّ الضمير للذين آمنوا أنث لتأويله بنحو الفرقة والج! اعة، وإنه لم يوجد في بعض النسخ المصححة وتحريف وتقدير من غير داع له سوى تكثير لسواد، وليس الاعتناء مضافاً للضمير كما توهمه مع أنه لو سلم يجوز أن يكون مضافاً للمفعول بواسطة على الحذف، والإيصال والضمير للساعة كما قاله شراح: المفتاج في قوله بمواظبتها من غير احتياج لما تكلفه وأما سقوطها من بعض النسخ فبناء على تجريده لمعنى الخوف مطلقا فذكر هذه الزيادة غير متعين كما توهم. قوله: (الكائن لا محالة) إشارة إلى اًن الحق هنا بمعنى المتحقق الواجب كما مرّ والمرية بكسر الميم وضمها الجدال، وقوله أو من مريت كان الظاهر إسقاط أو لأن المرية بمعنى الجدال مأخوذة من هذا كما صرّج به الراغب في مفرداته، وقد صرّح به أيضاً المصنف في سورة النجم ولذا قيل إنه أراد أنه حقيقة فيه أو مجازاً واستعارة مأخوذ مما ذكر، ثم إنّ ما ذكره من معنى الشدة فيه غير لازم فيه والظاهر أنه إشارة إلى أنه على الأوّل ليس معنى المفاعلة مقصود فيه هنا، وعلى الثاني هو مقصود فيه وما قيل إنه معنى مستقل عند المصنف، وقد خالف فيه من قال الأوّل مأخوذ من الثاني فمكابرة في النقليات مع أنه كيف يتأتى هذا والمصنف معترف به، وأما الشدة المذكورة فتؤخذ من المفاعلة فلا يتوهم مخالفته لأهل اللغة فتدبر. قوله:) أشبه الغائبات إلى المحسوسات (أي أقرب من كل شيء إليها، ولذا عداه بإلى لتضمينه معنى القرب فلا يقابل الظاهر بالمحسوسات وقربه إليها لأنه يعلم من بدء الخلقة المشاهد إعادتها، ومما يتكوّن في الفصول من النباتات، ثم عودها مورقة مزهرة مثمرة بعدما تعزت من ذلك على ما مز مراراً، وقوله. فمن لم يهتد لتجويزها الخ إشارة إلى المبالغة في ضلاله إذ وصف بالبعد، وجعل بعيداً والبعيد صاحبه، والمراد بما وراءه ما وراء البعث من سائر المغيبات أو ما وراء تجويز من تيقن وقوعه والإيمان به أوالمراد الثواب والعقاب. قوله:) برّ بهم بصنوف من البر لا تبلنها الإفهام) وفي نسخة الأوهام، وهذ مأخوذ من مادة اللطف وصيغة المبالغة وتنكيرها الدال على أنه بحسب الكمية، والكيفية قال الغزالي: إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق الأمور والمصالح، وغوامضها وما دق منها ولطف، ثم تسلك في إيصالها سبيل الرفق دون العنف وليس هو غيره تعالى فصنوف البر من المبالغة في الكمّ وكونها لا تبلغها الإفهام من المادة، والمبالغة من الكيفية لأنه إذا دق جدا كان أخفى وأخفى. قوله: (يرزقه لمن يشاء (وفي نسخة لما يشاء، وفي أخرى كما يشاء ومعنى يرزقه يعينه ويقدره، وهو دفع لما قيل إنّ تخصيصه مع تعميم اللطف للعباد كلامتنافيين بأنه لا تخصيص بل بيان لتوزيع ما ذكر من العموم أي يخص هذا بقدر وذاك بآخر، ولذا قيل العموم لجنس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 البر والخصوص لنوعه، وهو معنى قوله فيخص الخ والباهر القدرة أي الذي غلب، وغلبت قدرته جميع القدر وهذا ناظر لقوله لطيف بعباده ولعموم إحسانه والعزيز بمعنى الذي لا يغلب على ما يريده ناظر لقوله: {يَرْزُقُ مَن يَشَاء} ففيه لطف على لطف فإن فهمت فهو نور على نور: فكم لله من لطف! ب يدق شذاه عن فهم الذكيّ قوله: (ثوابها الخ) إشارة إلى أنه استعارة والمراد بالحرث الزرع الحاصل من القاء البذر المشبه به العمل ففيه استعارة وتصريحية، ويلزمها استعارة أخرى غير مصرّح بها، وقوله شيئاً منها إشارة إلى أنّ من تبعيضية وأنها صفة للمفعول المقدر، وقوله على ما قسمنا الخ مقدرين ذلك له بطلبه وارادته فلا يرد أنّ المقوم وأصل له على كل حال فما معنى تعليقة بإرادته. قوله: (إذ الآعمال بالنيات الخ) أي صحتها بالنيات فإذا لم ينو عمل الآخرة لم يصح فلا يحصل له، ولا يكون له فيها نصيب على ما ذكره الشافعية في تاويل الحديث وأمّا على تقدير ثواب الأعمال كما ذهب إليه الحنفية فدلالته أظهر، فما قيل لا دلالة للحديث على ما ذكر إلا على مذهب الحنفية دون مذهب المصنف فكان عليه أن يقتصر على شقه الثاني لا وجه له، وهو ناشىء من قلة التدبر. قوله: (بل ألهم شركاء الخ) يعني أن أم هنا منقطعة فيها معنى بل، والهمزة ولا بد من سبق كلام خبراً أو إنشاء يضرب عنه ويقرّر ما بعده، وما سبق قوله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [سورة الشورى، الآية: 13] الخ فهو معطوف عليه وما بينهما من تتمة الأوّل، وهو المناسب لجعل الشركاء شرعوا لهم كما سيأتي تقريره فلا بعد فيه كما قيل وقيل إنه متصل بقوله: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [سورة الشورى، الآية: 13] وفي كلامهم ما يوهم أنه معطوف على قوله من كان يريد حرث الدنيا الخ لقوله والعمل للدنيا، وقوله والهمزة للتقرير أي التحقيق والتثبيت. قوله: (وشركاؤهم شياطينهم الأنهم شاركوهم في الكفر وحملوهم عليه فالإضافة على حقيقتها، وقوله بالتزيين فمعنى شرعوا لهم زينوا لهم كما ستراه قريبا، وقوله واضافتها إليهم الخ فالإضافة على زعمهم بناء على اتخاذهم لها شركاء، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة قوله: (وإسناد الشرع إليها (يعني إذا أريد الأوثان التي لا نطق لها ولا عقل حتى يصدر منها التشريع فالإسناد مجازقي إلى السبب أو إلى ما هو على صورة المشرع، ويجوز كون الاستفهام المقدر حينئذ للإنكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فصور ككبر جمع صورة والثاني بناء على أنّ الأوثان صور كبرائهم، وأنبيائهم السالفة فلا يرد عليه ما قيل إنهم لم يعبدوا صورة من سنه لهم كما يعلم من السير والتواريخ، وان كان منهم من يزعم أنها صور الملائكة لكنهم لم يقولوا إن الملائكة سنود لهم فتدبر. قوله: (أي القضاء السابق) تفسير للفصل بأنه ما سبق من قضائه بأق الجزاء يوم القيامة لا في الدنيا ولولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم، ويبين في الآخرة كما في قوله: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [سورة المرسلات، الآية: 38، فالفصل بمعنى البيان، وقال السمرقندي: إنه بمعنى الحكم أي لولا حكمه تعالى في هذه الأمّة بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأنّ إرسال محمديشح! رحمة للناس، وهو قريب من الأوّل. قوله: (بتأجيل الجزاء (أي إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمارهم، وقوله بين الكافرين والمؤمنين أي في الدنيا أو حين افترقوا بالثواب والعقاب، وقوله أو المشركين وشركائهم سواء أريد الشياطين أو الأوثان فإن لكل منها خصومة مع الكفرة كما مز. قوله: (وقرىء أن بالفتح الخ) قراءة العامّة بالكسر على الاستئناف وقرأ مسلم بن جندب والأعرج بفتحها عطفا على كلمة وفصل بينهما بجواب لولا وكلمة الفصل بتفسيريها السابقين، وقوله وتقدير الخ إنما ذكر التقدير لأنّ العذاب غير واقع في الدنيا، وإنما الواقع كلمة الفصل وتقدير العذاب، وقوله: فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة بيان لوجه التخصيص للعذاب، وعدم شموله لما في الدنيا كالقتل والأسر ولتخصيص القضاء بالدنيا فيظهر ترتب الجزاء على كلمة الفصل والعذاب. قوله ثعالى: (ترى الظالمين الخ (جملة مستأنفة لبيان ما قبله، واشفاق المؤمنين وخوفهم في الدنيا فمن خاف عقوبته في الدنيا أمنه الله، وقد قيل لا يجمع الله على أحد خوفي الدنيا والآخرة، ولذا عقبه بذكر ما للمؤمنين. قوله:) من السيآت) بيان لما كسبوا، ومن في النظم يحتمل أن تكون صلة مشفقين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 أو تعليلية على أنه على الأوّل بتقدير مضاف أي من جزائه أو وباله وليس في كلامه هنا إشارة إلى أحد الوجهين كما قيل بل قوله بعده وباله يشير إلى الأوّل. قوله: (وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا) قال في الكشف إنه يشير إلى أنّ السيآت قد كسبوها في الدنيا فالواقع بهم، وبالها وايثار واقع على يقع مع أنّ المعنى على الاستقبال لأنّ الخوف إنما يكون على المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه، وأنه لا بد منه وعلى هذا من في قوله مما كسبوا ليس صلة مشفقين إذ المعنى إن الإشفاق نشأ من ذلك، وإنما أتوا من قبله ولا عليك إن تقدر مشفقين من وبال ما كسبوا ليكون صلته، وإنما آثر الأوّل لأنه أدخل في الوعيد، وقوله أشفقوا أو لم يشفقوا إشارة إلى أنّ إشفاقهم لا ينفعهم كما في الدنيا. قوله: (وفيه بحث) لأنّ كلامه لا دلالة له على ما ذكر بل على خلافه كما عرفت فلا تكن من الغافلين. قوله: (في أطيب بقاعها وأنزهها) فإن رياض! الأرض منتزهاتها فما بالك برياض الجنان. قوله: (أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم (يعني أن عند منصوب، ومتعلق بالظرف وهولهم أو بعامله لا بيشاؤون وإن كان أحق بالعمل بحسب النحو لا بحسب المعنى هنا إذ الغرض! المبالغة فيما لأهل الجنة من النعيم فلما ذكر أنهم في أنزه مكان، وأطيب مقعد عقبه بأنّ لهم ما يشتهون من ربهم فإنك إذا قلت لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه من قولك لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب، والمطلوب منه لأن الأوّل يفيد أنّ جميع ما تشاؤوه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد إن ما شئت عنده مبذول لك سواء كان منه، أو من غيره لا جميع ما تشاؤوه مع ما في الأوّل من المبالغة في تحقيقه وثبوته بجعله كالحق اللازم في دفع فضله قيل والأوجه أن يجعل عند ربهم خبراً أي جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤون، وإنما أخر ليكون ترقيا من الأدنى إلى الأعلى على وفق الترتيب الوجودي فإنّ القادم ينزل في أنزه مكان، ثم يحضر له ما يشتهي وملاك ذلك أن يخصه رب المنزل بكرامة القرب، ولو جعل حالاً من فاعل يشاء أو ضمير لهم أفاد ما ذكر لكنه فيه جعلى ما هو العمدة فضلة، وهو خلاف مقتضى النظم. قوله:) ذلك هو الفضل الخ (إشارة إلى أن الجزاء المترتب على الإيمان والعمل محض فضل منه كغيره، وقوله الذي يصغر دونه الخ إشارة إلى ما يفيده تعريف الطرفين وتوسط الضمير من الحصر، وقوله ذلك الثواب لفهمه من السياق ولو جعلت الإشارة إلى الفضل جاز والمال واحد، وقوله فحذف الجار الخ على عادتهم في التدرلم! ول الحذف ولا مانع من حذفهما دفعة واحدة. قوله: (أو ذلك التبشير الذي يبثره الله) فلا يكون معه حرف جرّ مقدر لأنه ضمير المصدر فيتعدى إليه الفعل بغير واسطة ويكفي في الدلالة على المصدر ذكر فعله بعده فإنّ الإشارة قد تكون لما بعده كما مرّ في {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] ونحوه فلا وجه لقول أبي حيان إنه لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدلّ عليها حتى تكون الإشارة له ومن لم يتنبه له قال كون ما تقدّمه تبشير للمؤمنين كاف في صحته، وقوله وقرىء يبشر من أبشر. وهي قراءة شاذة، ولذا أخرها فلا وجه للاعتراض عليه بأنها ليست من السبعة فإنه ليس في كلامه ما يدل على ما اذعاه حتى يغبر في وجوه الحسان وقوله ما أتعاطاه أي أباشره فالضمير لكل ما ذكر قبله، وقوله نفعا فسر الأجر به لأنه يختص في العرف بالمال والمراد المعنى الأعمّ هنا ليتصل به المودّة ويكون الاستثناء على أصله فيها ولا حاجة إلى أن يقال كونها من إفراد الأجر اذعاء كاف لذلك. قوله:) أن توذوني لقرابتي (فالمودّة مصدر مقدر بأن والفعل والقربى مصدر كالقرابة، وفي للسببية وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة، والخطاب إمّا لقريش أو لهم وللأنصار لأنهم أخواله! هـ على ما بينه أهل الحديث أو لجميع العرب لأنهم أقرباء في الجملة والمعنى إن لم تعرفوا حقي لنبؤتي وكوني رحمة عامّة ونعمة تامّة فلا أقل من مودّتي لأجل حق القرابة، وصلة الرحم التي تعتنون بحفظها ورعايتها وحاصله على هذا لا أطلب منكم إلا مودّتي لقرابتي منكم، وهو أمر لازم عليكم. قوله:) أو توذوا قرابتي) فالمراد لا أطلب منكم إلا محبة أهل بيتي، ومن ينتمي إليّ ففي للظرفية المجازية أي إلا موذة واقعة في قرابتي وأهل بيتي فان خص بالمؤمنين منهم فهو ظاهر والا فقيل إنه منسوخ، وفيه نظر ولا حاجة إلى تقدير مضاف في عبارة المصنف أي أهل قرابتي كما توهم فإنه لتوهم إن القرابة مصدر، وإنه لا يقال هم قرابته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 بل ذو قرابته كما قال الشاعر: وذو قرابته في الحي مسرور وليس بصحيح لأنّ القرابة كما تكون مصدراً تكون اسم جمع لقريب كالصحابة كما ذكره أبن مالك في التسهيل. قوله: (وقيل الاستثناء منقطع الخ) إفا بناء على أن المودّة سواء كان له -شييه، أو لأقربائه ليست أجراً أصلاً بالنسبة إليه، أو لأنها لازمة لهم لتمدحهم بصلة الرحم فنفعها عاثد عليهم، وقوله وفي القربى حال منها أي من الموذة، وهي على وجهي الاتصال والانقطاع وعلى تفسيري الموذة بأنها موذتهم له أو لآله كما أشار إليهما بطريق اللف والنشر المشوّش بقوله أي إلا الموذة الخ، ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ القربى بمعنى الأقرباء أو بمعنى القرابة. قوله: (ومن أجلها جاء في الحديث (وفي نسخة كما جاء في الحديث يعني أنّ المراد به أنّ المودّة ثابتة في حق القربى ولأجلها ففي للظرفية المجازية، ومآلها إلى السببية كما في الحديث فإنّ معناه الحب والبغض إنما يكون لأجل الله ورعاية حقوقه، وقوله روي الخ هذا يقتضي أنّ هذه الآية مدنية فإنّ الحسن والحسين رضي الله عنهما إنما ولدا بالمدينة، ولم يذكر المصنف أنّ في هذه السورة مدنيا، وقيل إنه ليس بمرضيّ له لضعف الحديث المذكور كما في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر. قوله: (وقيل القربى التقرّب إلى الله (فالقربى بمعنى القربة، وليس المراد قرابة النسب قيل: ويجري فيه الاتصال والانقطاع على إرادة النفع مطلقا أوالمعهود بالأجر والظاهر أنه منقطع وأنه على نهج قوله: ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم البيت وقوله نزلت في أبي بكر رضي الله عنه لشدة محبته لأهل البيت وعلى الأوّل هي عامة، وهي تتميم على هذا وتذييل على الأوّل وهو الأولى وحسنا تمييز أو مفعول به وحسني مصدر كبشرى أو صفة لموصوف مقدر كغصلة ونحوه، وقوله بتوفية الثواب الخ تفسير لشكور إذا وقع صفة لله فإنّ معنا. الحقيقيّ غير مناسب فالمراد به ما ذكر مجازا. قوله:) بل أيقولون افترى على الله الخ) إشارة إلى أن أم منقطعة أيضا وأنه إضراب آخر إلى ما هو أعظم من الأوّل، وهو أنه لما ذكر ما شرعه وأضرب عنه أضرب عنه ثانيا مرخيا للعنان قائلاً بل أتقولون في شأن ما بلغكم أكرم خلق الله عن الله إنه افتراء من تلقاء نفسه. قوله:) استبعاد للافتراء عن مثله الخ الا يخفى عليك أنّ تفريع هذا على ما قبله وارتباطه في غاية الخفاء الذي يحتاج إلى كشف الغطاء عنه، وقد ذكر السلف فيه وجوها وقال العلامة: وهو فارس هذا الميدان إنه أسلوب مؤذاه استبعاد الافتراء من مثله، وإنه في البعد مثل الشرك بالته والدخول في جملة المختوم على قلوبهم ومثل بقول أمين نسب إلى الخيانة لعل الله خذلني لعل الله أعمى قلبي استبعاداً لما نسب إليه، وأنه أمر عظيم ومعناه ما قيل إن يشأ الله يختم على قلبك كما فعل بهم فهو تسلية له وتذكير لإحسانه إليه واكرامه ليشكر ربه ويترحم على من ختم على قلبه فاستحق غضب ربه، ولولا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر ولذا أتى بأن في موضع لو إرخاء للعنان، وتلميحاً للبرهان على أنه لا يتصوّر، وصفه بما ذكروه فالتفريع بالنظر إلى المعنى المكني عنه، وحاصله أنهم اجترؤوا على هذا المحال لأنهم مطبوعون على الضلال فعليك بإمعان النظر فإن هذه الآية من أصعب ما مر بي في كلامه العظيم وفقنا الله لفهم معانيه، وعدى الإشعار بعلى لتضمنه معنى البينة أو الدلالة. قوله:) وكأنه قال الخ) حاصله أنّ الافتراء خذلان، ولو أراد خذلانك لم يجعلك ذا معرفة وبصيرة حتى تفتري على الله وأتى بأن مع أنّ عدم مشيئته مقطوع به إشعاراً بعظمنه، وإنه غنيّ عن العالمين. قوله:) وقيل يختم على قلبك يمسك الخ) هو مضارع لأمسكه إذا حبسه وفي نسخه بمسك بباء الجرّ وهي متعلقة بيختم، وفي بعضها ننسك من النسيان وهو الموافق لما فسر به قتادة بننسك القرآن، ونقطع عنك الوحي فتعديته بعن لتضمينه معنى القطع، وما قيل من أنه غلط لا وجه له فإنه يجوز جعل ضمير عنه للقلب بدليل قوله بعده يربط عليه، وأمّا الالتفات فلا التفات إليه هنا لركاكته، وكذا ما قيل إن الإمساك لا يفيد فيما أوحى به قبل فإن المراد بإمساكه عنه أن لا ينزل عليه، ولا يذكر ما نزل منه. قوله: (بالصبر (هو معنى الربط على القلب كما بين في محله والمراد به أن لا يشق عليه ذلك، وقد شق عليه وتأذى به غاية التأذي حتى قيل له لعلك باخع نفسك لغيرته لله، وتكثير ثوابه بأنواع المجاهدة. قوله: (استئناف لنفي الافتراء الخ) يعني أنه ليس محزوماً معطوفا على ما في خبر الشرط بل معطوف على مجموع الجملة، والكلام السابق وكونه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 حالاً يحتاج إلى تقدير مبتدأ أو لا حاجة إليه، وقوله إذ من عادته تعالى الخ يريد أنّ المضارع للاستمرار وأنه كلام ابتدائي غير معطوف على الجزاء ولذا أعاد اسم الله ورفع يحق، وقوله بوحيه الخ تفسير لقوله بكلماته بأن المراد بها الوحي أو القضاء أو الوعد، وقوله بمحق باطلهم متعلق بوعده، وقوله بالقرآن متعلق بإثبات وعمم الوحي أوّلاً لأن مراده عادته الجارية مع جميع رسله وخص الوعد بالقرآن لأنّ الوعد لنبينا! ير، وقوله بقضائه ليس مكرّراً فيه لأن الأوّل تفسير كلماته وهذا هو الموعود به، وقوله أو بوعده معطوف على قوله بوحيه، وقيل إنه معطوف على قوله لنفي الافتراء أو على قوله بأنه لو كان مفترى الخ فالصيغة على هذا للاستقبال، واللام للعهد والمعنى على الثاني باطلهم فيظهر عدم الافتراء، ويجوز كونها للجنس فيكون إثباتا لعدم افترائه بالبرهان والوعد ضمنيّ وفيه نظر. قوله: (لاتباع اللفظ) فإنه سقط فيه لالتقاء الساكنين ثم تبعه الرسم وكان القياس إثباتها لكن خط المصحف لا يلزم جريه على القياس، وقد قيل إنه لا مانع من عطفه على جواب الشرط فيجزم ويحق حينئذ مستأنف والمعنى إن يشاء الله يمح افتراءك لو افتريت أو يمح باطلهم عاجلا لكنه لم يفعل لحكمة أو مطلقاً، وقد فعل بالآخرة وأظهر دينه. قوله: (بالتجاوز عما تابوا عنه) بيان لحاصل المعنى، وفيه إيماء إلى أنه يجوز أن يضمن معنى التجاوز لكن مدخول عن معه الفعل الذي تاب عنه لا العباد فحينئذ يحتاج إلى تقدير مضاف فيه أي عن ذنوب عباده، وهو تكلف ولذا لم يلتفت إليه المصنف وقوله لتضمنه الخ فيه لف ونشر مرتب فتعديه بمن لمعنى الأخذ وبعن للإبانة، وقوله وقد عرفت الخ إشارة إلى ما فصله في سورة البقرة وقد مرّ الكلام فيه، وما رواه عن عليئ كرم الله وجهه سيأتي في سورة التحريم مع تخالف يسير في العبارة، وهو محتمل لأن تكون التوبة مجموع هذه الأمور فالمراد أكمل أفردها، ويحتمل أنها اسم لكل واحد منها والأوّل أظهر. قوله: (إذابة النفس) أراد به الجسد فالمراد أنه يضعفه ويصيره مهزولاً بعدما قواها بالمعاصي وسمنها، ومرارة الطاعة كونها صعبة شاقة كما يشق تناول المرّ الكريه الطعم. قوله: (لمن يشاء) من غير اشتراط شيء كاجتناب الكبائر للصغائر أو التوبة كما ذهب إليه المعتزلة فهو للودّ عليهم، والمراد غير الشرك بالإجماع، وقوله فيجازي أراد بالجزاء الثواب والعقاب أو يتجاوز بالعفو فعلمه كناية عما ذكر كما مرّ تحقيقه، وكل من ذلك عن اتقان صنع وحكمة ربانية وفي شرح الكشاف، إنّ المجازاة للتائب، والتجاوز عن غيره فهو على التوزيع واللف والنشر والأوّل أظهر، وقوله قرأ الكوفيون الخ بالتاء الفوقية وغيرهم بالتحتية وعلى الأوّل فهو التفات وقوله عن إيقان بالياء التحتية فعال من اليقين كما صحح في النسخ أي علم جازم وفي بعضها بالتاء الفوقية والأوّل أنسب بالعلم لكن الثاني هو الأصح هنا فالمراد باتقانه كونه على مقتضى الحكمة والله لا يوصف علمه بالإيقان فثأمّل. قوله: (أي يستجيب الله لهم الخ (ففاعله ضميره تعالى وهذا بناء على أز " غير متعد بنفسه، وكلام المصنف مضطرب فيه فتارة ذكر أنه يتعدى بنفسه وباللام كشكرته، وشكرت له وتارة قال إنه يتعدى للدعاء بنفسه وللداعي باللام ففيه مذاهب مشى على كل منها في محل تكثيرا للفائدة، وليس غفلة منه مع أنه قد وفق بين كلامه بأنه يتعدّى بنفسه للدعاء وباللام للداعي وقوله يتعدى بنفسه، وباللام المراد منه هذا أو هو على الحذف والإيصال. قوله: (والمراد إجابة الدعاء الخ) فيصح حينئذ أن يكون بتقدير مضاف أي دعاء الذين الخ بناء على أنه يتعدّ! إليه بنفسه كما مرّ، وقوله لما يترتب عليه متعلق بطلب، وهو مرفوع أي الطاعة طلب مايترتب عليه فإنها التحصيل الثواب فثابه الدعاء وشابه إثابته الإجابة فاستعير له فليس مقتضى الظاهر عليها كما قيل. قوله: (ومنه قول صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء الحمد دلّه) ولذلك سميت الفاتحة سورة الدعاء، والمسالة يعني سمي الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب على الدعاء، وسأل سفيان عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كثر دعائي ودعاء الآنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فقال هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: (من شفله ذكوى عن مسئلتي أعطيتة أفضل ما أعطي السائلين) ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 أتاه بنعي نائلة: " ذكرحاجتي أم قدكفاني ثناؤك أنّ شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرءيوما كفاه عن تعرّضك الثناء فالحمد يدلّ على الدعاء والسؤال بطريق الكناية، والتعريض لا أنه أطلق الدعاء على الحمد لتشبيهه به في طلب ما يترتب عليه كما قيل وللإمام السبكي فيه كلام محصله ما أشرنا إليه. قوله: (أو يستجيبون دلّه بالطاعة الخ) فالاستجابة فعلهم والذين فاعل في موضع رفع أي ينقادون له وعلى الوجه الأوّل يستجيب معطوف على يقبل التوبة، وعلى هذا هو معطوف على مجموع قوله: وهو الذي يقبل التوبة الخ ولا حاجة إلى جعله من عطف القصة إلا أن يريد به ما ذكر، وقوله: ويزيدهم من فضله معطوف على مقدر وهو مسبب عن قوله ويستجيب أي ويستجيب الذين آمنوا بالطاعة ليستجيب بذلك دعاءهم، وييمافيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ويجوز عطفه على قوله ويستجيب، وقوله: لله إشارة إلى المفعول لا إلى حذف ضمير الموصول بإقامة الظاهر مقامه في التفسير ليصح عطفه على الصلة كما قيل. قوله تعالى: {مِن فَضْلِهِ} متعلق بيزيدهم، ويجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الثواب فضل منه تعالى، وقوله على ما سألوا هو وما عطف عليه بأو الفاصلة ناظر للوجوه السابقة على الترتيب، وفي بعض النسخ واستوجبوا بالواو وهو تفسير لقوله: استحقوا ناظر للثاني، والثالث أو للثالث فقط، وقوله: على ما سألوا ناظر للأوّلين والسؤال شاملى للتحقيقي والتنزيلي، وهذا أولى على عطف والإثابة بالواو وفي بعضها واستحقوا واستوجبوا وعليه يكون إلاً ولأن نظر الوجهي قوله، ويستجيب وقوله: أو استجابوا إلى الوجه الآخر، ثم وجه قوله: ويزيدهم على معنى الإثابة ظاهر فإنها الأصل المذكور فتصح الزيادة أمّا على الوجه الآخر فيحتاج إلى القول بانفهامه من قوله ويزيدهم أو تقدير فيوفيهم أجورهم فتأمل. قوله: (بدل ما للمؤمنين الخ) يعني العذاب في مقابلة الثواب، والشدّة في مقابلة التفضل. قوله: التكبروا وأفسدوا فيها بطرا) أصل معنى البغي طلب أكثر مما يجب بأن يتجاوز في القدر، والكمية أو في الوصف والكيفية، واليه أشار بقوله: تجاوز الاقتصاد أي الوسط فيما يتحرّى أي أن يتعدى الاعتدال فيما يقصده، ولذا ورد بمعنى التكبر لما فيه من تجاوز المرء لحذه فإن الكبرياء رداء العظمة الإلهية، وقوله: وأفسدوا كالعطف التفسيري للتكبر لأنه لازم له، ويجوز أن يكون جعل التكبر في الأرض! كناية عن الإفساد أو هو مضمن معناه وقوله: بطراً من ترتب البغي على بسط الرزق لأن البطر الطغماد بسبب الغنى كما هو دأب أكثر الناس. قوله: (أو لبغي بعضهم على بعض استيلاء الخ (فالى س اد بالبغي الظلم لأنه شاع استعماله فيه حتى صار حقيقة فيه وليس بين هذا وما قبله كبير فرقا إذ الاستعلاء طلب العلو بالتكبر فلو تركه المصنف كان أولى، وقوله وهذا أي ترتب البغي على بسط الرزق وسعته بناء على الغالب إذ من الناس من يصلحه الغنى ومنهم من يطغيه الفقر، وقم من عائل متكبر وغني متواضع ويكفي في فهم الحكمة الإلهية قضية الأغلبية وإنه لو عمّ البسط شاع الفساد والبغي، وقوله: طلب الخ إشارة إلى أنه لا يلزم فيه وقوع التجاوز بالفعل وقوله: كمية أو كيفية منصوب على أنه تميز إمّا من النسبة الإضافية في تجاوز الاقتصاد، أو في يتحرّى أو منهما على التنازع وانه يكون في التمييز. قوله: (ما اقتضتة مشيئته) فما موصولة وهي مفعول لينزل وأمّا كونه مفعولاً لمقدر بمعنى يقدر أو ما إبهامية زائدة، ويشاء صفة قدر والعائد محذوف فتكلف من غير داع له سوى تكثير السواد، وتضييع المداد وقوله يعلم خفايا أمرهم تفسير لخبير لأنّ الخبرة تختص بها في عرف اللغة وجلايا حالهم تفسير لبصير لأنه في الأصل ما يدرك بالبصر، وهو يختص بالظواهر ففيه لف ونشر مرتب، وقوله: فيقدر الخ إشارة إلى أنه تذييل لما قبله. قوله: (روي أنّ أهل الصفة) هه قوم من فقراء الصحابة رضي الله عنهم كانوا على صفة في مسجد المدينة فالآية على هذا مدنية، وهو مخالف لما ذكره المصنف في فاتحة هذه السورة، وقوله: إذا أخصبوا تحاربوا لعدم ما يشغلهم عن الحرب وأجدبوا حل بهم الجدب، والقحط وانتجعوا بمعنى ارتحلوا للنجعة، وهي طلب الكلا في غير بلادهم لعدم ما تتعيش به دوابهم فإذا تفرّقوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 اشتغلوا عن القتال، وقوله: خص بالنافع فلا يقال: غيث لكل مطر. قوله: (وقرئ بكسر النون) كذا في النسخ ووقع في بعضها بفتح النون فيكون إشارة إلى قراءة السبعة لا إلى القراءة الشاذة، وان كان مخالفا لما هو المعتاد من التعبير بمثله في الشواذ فلا حاجة إلى القول بأنه سهو. قوله: (في كل شيء) هو من النشر وعدم ذكر المنشور فيه، والمراد بالرحمة منافع الغيث وآثاره والضمير لله وقيل: للغيث، والسهل من الأرض ما عدا الجبل، وقوله: الذقي يتولى الخ إشارة إلى أنه تذييل للقرينتين على طريق الجمع، وقوله: على ذلك إشارة إلى أنّ الحمد في مقابلة النعمة هنا. قوله: (فإنها) أي السموات والأرض بذاتها وصفاتها تفسير لكونها من آياته أي دلائل وجوده، واتصفاه بصفات الجلال والإكرام، وهو إشارة إلى أحد البراهين الكلامية المقرّرة لرد قدم العالم والتعطيل بأنّ وجود الجواهر والإعراض وحدوثها يدل على وجود الصانع القادر على خلق هذه الأجوام العظيمة الحكيم لإيجادها متقنة على وفق ما تقتضيه الحكمة، وحمله على الاستدلال بإمكانها تعسف لاحتياجه إلى حمل السموات على المخلوقة بعد خلقها، وجعل الآية خلقها يأباه وان كان من إضافة الصفة إلى الموصوف أي السموات المخلوقة أو النظر للقيد فالمراد أنها من حيث خلقها ولو قيل إن ما بث معطوف على خلق فيكون استدلالاً بالإمكان بعد الاستدلال بالحدوث صح لكن بالاحتمال يسقط الاستدلال. قوله: (عطف الخ) ولا حاجة إلى تقدير مضاف فيه أي خلق ما بث كما قاله أبو حيان: وما تحتمل الموصولية والمصدرية أي ومن آياته بثه فيهما. قوله:) من حي على إطلاق اسم السبب على المسبب (دفع لما يقال: إن الدواب في الأرض دون السماء فكيف قيل فيهما: وقد دفع بوجوه منها أنه مجاز مرسل فالمراد بالدابة الحيئ إما من استعمال المقيد في المطلق أو إطلاق الشيء على لازمه أو السبب على مسببه لأن الحياة سبب للدبيب، وان لم تكن الدابة سبباً للحيّ فهو مجاز مرسل تبعي لاعتبار العلاقة في مأخذ الاشتقاق دون المشتق نفسه ومنه يعلم أنّ التبعية تجري في الاستعارة والمجاز المرسل وان خصها أهل المعاني بالأوّل فتدبر. قوله: (أو مما يدب على الأرض) بإبقاء الدابة على حقيقتها وظاهرها، والتجوّز في النسبة أو في أداة الظرفية بجعل ما في أحد الشيئين فيهما كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة الرحمن، الآية: 22] وبنو تميم قتلوا قتيلا والقاتل بعضهم، ويؤيده قوله في البقرة: {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا} [سورة الشورى، الآية: 129 فأفراد الضمير للأرض، ويحتمل تغليب الدواب في مقام العظمة على غيرهم كما قيل: إنّ الملائكة يمشون كما يطيرون، وهو مشهور فلا يصح أن يقال إنه إنما يستدل بما هو مكشوف معلوم، نعم هو وارد على ما قيل إنّ فيها ما يدب كير الملائكة أو ملائكة على غير صورها المشهورة، وأمّا القول بأنه استعارة بتشبيه الملك بالدابة في الحركة فلا يناسب البلاغة لركاكته. قوله تعالى: ( {عَلَى جَمْعِهِمْ} ) الضمير للسموات والأرض! وما فيهما على التغليب أو للناس المعلوم من ذلك لأنهم في ضمنه وإذا طرف للجمع لا لقدير لأنه خلاف الظاهر، ولأنه يلزمه تعليق القدرة بالمشيثة، ولا يخفى ما فيه وليس هذا مبنيا على الاعتزال كما توهمه المعرب، وقوله واذا الخ أي سواء كانت ظرفية أو شرطية وإذا دخلت على الماضي قلبته مستقبلا كالماضي بعد أن الشرطية لكنه يختار المضي لدلالته على التحقق المناسب لإذا ولئلا يلغو الاستقبال، ولذا امتنع إذ زيد قام ولم يمتنع إذ زيد يقوم على ما فصله النحاة، ولا فرق بين إذا مع ما وبدونها كما توهم. قوله: (فبسبب الخ (إشارة إلى أن الباء سببية، وقوله: أو متضمنة لأن المبتدأ إذا كان اسما موصولاً صلته فعلية تدخل على خبره الفاء كثيراً لما فيه من معنى الشرط لإشعاره بابتناء الخبر عليه، ونافع وابن عامر لم يقرآبها لأنه ليس بلازم وإيقاع المبتدأ موصولاً يكفي في الإشعار المذكور كما ذكره أهل المعاني والفاء يحسن حذفها في الشرط إذا وليه الماضي فما هنا أحسن، وأمّا توجيه المصنف له باً نه استغناء بما في الباء من معنى السببية فقد قيل عليه: إنّ مدخول الباء التحتية سبب للمقدم والفاء بعكسه نحو من يأتيني فله درهم فإنه قد يرد على العكس نحو أن يقض فالله كريم، واقترانه بالباء دليل على ذلك لئلا يلزم كونه سببا ومسببا وإن قيل مثله مؤوّل، وما في قوله: لم يذكرها من إيهام أن القراءة تكون بالرأي دون نقل فليس بمراد قطعاً، وقد تقدم له تفصيل فتذكره، قوله:) من الذنوب) أو من الناس، وقوله: فلا يعاقب عليها أي عاجلاً في الدنيا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 أو آجلا، وقوله: والآية مخصوصة بالمجرمين أي بأصحاب الذنوب من المسلمين، وغيرهم فإنّ من لا ذنب له كالأطفال والمجانين والمعصومين من الأنبياء والمرسلين قد تصيبهم مصائب إذ أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل، وقد يبتلى الله عباده لرفع درجاتهم، وقوله: أخر أي غير ما كسبته أيديهم ولا وجه لكون الخطاب لقوم مخصوصين. قوله تعالى: ( {بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} (تقدم تفسيره، وأنّ المراد إنهم لا يعجزون من في الأرض من جنوده تعالى فكيف من في السماء، أو لا يعجزون بالبراري ودخول مهاوي الأرض، أو معجزين الله في دفع مصائبكم إن أراد فقوله: فائتين الخ تفسير له بلازم معناه أي فلا يغرّنكم إمهاله وهذا وما بعده كالتقرير لقوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} لأنهم إذا لم يفتهم ما قضى ولم يكن لهم ولي ولا نصير سواء كانوا إما معاقبين في الدنيا بكسبهم، أو معفوّاً عنهم لقدرته على أن يفعل بهم ما أراد، وقوله: يحرسكم عنها أي عن المصائب، وقوله: السفن الجارية فهو صفة لموصوف محذوف لقرينة قوله في البحر، وإن لم يكن صفة مخصوصة. قوله: (قالت الخنساء) هي امرأة من شعراء العرب وهذا البيت من قصيدة لها ترثي بها أخاها صخراً وقد قتل وقبله: وما عجول على بوّتحن له لها حنينان إعلان وأسرار ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت فإنما هي إقبال رأدبار يوماً بأوجع مني حين فارقني صخر وللعيش إحلاء وإمرار وتأثم بمعنى تقتدي والهداة جمع هاد وهو الدليل الذي يهدي المسافرين في طرقهم، ومن يقتدي به الناس ليهديهم لما يريدون واذا اقتدى لهداة به فغيرهم أولى بالاقتداء كالجبل فإنه يعلم به جهة السالك في مفازة فاذا أوقد في رأسه نار كان أقوى في الدلالة، وقراءة الرياج لأنها الأكثر في الخير والقراءة الأخرى تدل على أنه أمر أغلبيّ. قوله: (فيبقين ثوابت على ظهر البحر) فسر يظللن وأصل معناه يفعلن نهاراً بيبقين لأنه لم يرد ذلك ولو فسر بيصرن كان أولى فروا كد مفعوله، وهي حال على ما ذكره المصنف، وقوله: وكل همته الخ معنى صبار فالصبر بمعنا. الأصلي، وهو الحبس وأريد به هنا حبس مخصوص، وفسره بما ذكر لأنه بمعناه المشهور لا يناسب تخصيصه بالآيات والتفكر في آلائه أي نعمه معنى الشكور لأن معرفة النعم والتفكر فيها شكر، وفي حديث أبي داود القدسي تصريح به وفي بعض النسخ الشكر بدل التفكر. قوله: (أو لكل مؤمن كامل) فكني ذلك عن مؤمن كامل وفي الوجه السابق وهو صريح لا كناية فيه، وقوله: فإنّ الإيمان الخ أي هما عنوان المؤمن وإيمانه ومآل كل ما يلزم فيه راجع إليهما فالصبر المراد به الصبر عن المعاصي، وتركها جملة ويدخل فيها دخولاً أولياء الكفر، والشكر الإتيان بالواجبات، وجلها وهو أجلها التصديق بالله وما يليق به. قوله:) والمراد إهلاك أهلها) بتقدير مضاف فيه أو بالتجوّز بإطلاق المحل على حاله أو بطريق الكناية لأنه يلزم من إهلاكها إهلاك من فيها ولو أبقى على ظاهره جاز لأنها من جملة أموالهم التي هلاكها والخسارة فيها بذنوبهم أيضا. قوله: (فاقتصر فيه على المقصود (من إرسالها عاصفة وهو إما إهلاكهم أو إنجاؤهم فعبر عن كونها عاصفة بالإهلاك والنجاة لمن هو بصدده، وبه ظهر وجه جزم يعف لأنه بمعنى ينج معطوف على يويق ويعلم وجه عطفه بالواو لأنه مندرج في القسيم وهو هبوبها عاصفة، فإن قلت فهذه القسمة غير حاصرة لأنه ذكر هبوبها عاصفة مع الإهلاك والإنجاء وسكونها، ولم يذكر هبوبها باعتدال قلت: لم يذكره لعلمه مما قدمه، وهو قوله: الجوار فإنه المطلوب الأصل منها، وما قيل من أن التحقيق أن يعف عطف على قوله: يسكن الريح إلى قوله: بما كسبوا ولذا عطف بالواو لا بأو والمعنى أن يشأ يعاقبهم بالإسكان أو الإعصاف، وإن يشأ يعف عن كثير فليس موافقا لما فسره به المصنف، وتكرير ناس للنص على كونه قسما من القسيم يأباه. قوله:) ويعفو) بالرفع على الاستئناف أي على عطفه على مجموع الشرط والجواب دون الجواب وحده وسماه استثنافا لعطفه على جملة مستأنفة والمعطوف له حكم المعطوف عليه. قوله: (عطف على علة مقدّرة (وتقدير المعطوف عليه غير عزيز في أمثاله، وإنما الكلام فيما قدره وهو قوله: لينتقم الخ فإن أبا حيان اعترض عليه بأنه ترتب على الشرط الهلاك، والنجاة فذكر علة لأحدهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 دون الآخر لأحسن له ولو قدر لتخلص المؤمنين لم يرد عليه شيء، وهذا غير وارد فإنّ المصنف صرّح بأن الآية مخصوصة بالمجرمين فالمقصود الهلاك فلذا لم يتعرض له مع أنه قال: مثل لينتقم ولم يقل هو المقدر، فيجوز أن يقدر ما يليق بالمقام، وما ذكر إنما هو تصحيح إعراب والمنع المجرّد في مثل هذه المقاصد غير مسموع. قوله: (أو على الجزأء (تفدير. عطف على الجزاء وفي كلامه تسامح لأنّ الجزإء مجزوم فكيف يعطف عليه وهذا ليس بمذهب لأحد من متقدمي أهل العربية ولا متأخريهم فإن للنحاة فيه ثلاثة مذاهب، الأوّل مذهب الكوفيين، وهو أنّ الواو في مثله بمعنى أن المصدرية ناصبة للمضارع بنفسها، الثاني مذهب البصريين إن الفعل منصوب بأن مضمرة وجوباً بعدها والواو عاطفة للمصدر المسبوك على مصدر مقدر مأخوذ من معنى الكلام قبله، وهو من العطف على المعنى وتسمى هذه الواو واو الصرف لصرفها عن عطفه على المجزوم قبلها إلى عطف مصدر على مصدر، والثالث ما اختاره الرضى من أنها إما واو الحال، والمصدر بعدها مبتدأ خبره مقدر والجملة حالية أو واو المعية، وينصب بعدها الفعل لقصد الدلالة على مصاحبة معاني الأفعال كما أنّ الواو في المفعول معه دالة على مصاحبة الأسماء فعدل به عن الظاهر ليكون نصا في معنى الجمعية، وليس هذا بأسهل مما ذكره النحاة من العطف على المصدر المتصيد وهذا رد على الزمخشري حيث لم يجوّز هذا، وجزم بالوجه الأوّل. قوله:) نصب الواقع جوابا للأشياء الستة) الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض أي نصب بعد الشرط مثل ما نصب بعدها لمشابهته لها لأنها تدل على أنّ ما بعدها لم يقع فهو غير محقق، وإن كان مطلوبا وهو معنى قوله: غير واجب لأنّ الجزاء موقوف على الشرط، وهو أمر مفروض! لأن الشرطية لا تدل على الوقوع بل على تقديره والزمخشري وسيبويه ومن تبعهما لم ينكروا النصب بعد الشرط حتى يرد عليهم بما ذكر، وإنما قالوا إنه لم يستفض في كلامهم فهو ضعيف لا ينبغي تخريج القراءة المتواترة عليه مع أنّ التقدير شائع، وله نظائر في القرآن فيما قيل: إن تضعيف سيبويه لا يحتج به مع اختيار جماعة من عظماء العلماء له لم يصادف محزه لأنهم لم ينكروه رأسا وإنما ضعفوه وأبوا تخريج الآية عليه، وما ذكر لا يدفعه. قوله:) بالرفع على الاستئناف (فهو معطوف على الكلام السابق كما مرّ تقريره، وقال السعد في شرحه كلام الزمخشري: كثير من المواضع يشعر بأنّ مثله على تقدير المبتدأ لكنه لا يحسن هنا لكون الفاعل اسماً مظهراً، وفيه نظر قال في الدر المصون في الاستئناف يحتمل الفعلية والاسمية بتقدير مبتدأ أي هو يعلم الذين فالذين على الأوّل فاعل وعلى الثاني مفعول فتأمل. قوله: (فيكون المعنى أو يجمع بين إهلاك قوم الخ (أولوه بما ذكر لما يتراءى في بادئ النظر من عدم استقامة المعنى إذ ليس علم المجادلين معلقا بالشرط المذكور، وأيضاً المعطوف عليه مسبب عن الإرسال فكذا يكون هذا فالمعنى أن يشأ يرسل العواصف فيجمع بين هذه الثلاثة ويكون علمه بهؤلاء أو علمهم كناية عن التحذير والوعيد، وخص المجادلين لأنهم أولى بذلك وكثيراً ما يذكر العلم لمثل ذلك سواء كان العالم هو الله أوهم على أنّ الذين مفعول أو فاعل لأنّ علم الله بالمجرمين يكون كناية عن مجازاتهم وكذا الإخبار عن علم المجرمين في المستقبل بما يحل بهم كما قيل: سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار فما قيل: إن يعلم على هذه القراءة مسند إلى ما أسند إليه ما عطف عليه، وهو ضميره تعالى والا خرج الكلام عن الانتظام فالموصول حينئذ مفعول أوّل لا وجه له وليس في كلامه ما يدل عليه نعم هو المثبادر من السياق. قوله: (محيد) أي مهرب ومخلص من حاد عنه إذا مال، وعدل فكني به عما ذكر، وقوله: والجملة معلق الخ إذا كان الذين فاعلا لأنها ساذة مسذ المفعولين لا إذا كان مفعولاً أوّل لأنها مفعول ثان حينئذ، وهو يكون مفرداً وجملة ومثله لا يسمى تعليقا عنه، وقوله: من شيء أي من أسباب الدنيا وتنكيره للتحقير، وقوله: مدة حياتكم إشارة إلى أنّ الإضافة على معنى في وتعبيره عن ثواب الآخرة بعند الله بيان وتمهيد لخيريته، وقوله: لخلوص نفعه ودوامه لف ونشر مرتب كقوله: خير وأبقى. قوله: (وما الأولى موصولة! فالعائد محذوف، ويجوز كونها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 شرطية مفعولا مقدما لأوتيتم، وقوله: للتمتع بها أنثه رعاية لمعنى ما ولو قال به كان أظهر، وقوله: فجاءت الفاء في جوابها أي في خبرها الذي هو في معنى الجواب وعبر به ليفيد علة الدخول على أحسن وجه، وقيل إنّ فيه إيماء إلى تقدير مبتدأ فيه أي فهو متاع لأنّ الجواب لا يكون إلا جملة، وفيه نظر لأن تقدير المبتدأ غير متعين كما أشار إليه السعد رحمه الله، وقوله: من حيث الخ بيان لوجه تضمينه ذلك، وان مداره السببية. قوله: (بخلاف الثانية) قيل عليه منع فإنه لاحظ في مسببيته كونه عند الله في خيريته كيف والموصول المبتدأ إذا وصل بالظرف يتضمن معنى الشرط، وهو هنا كذلك، وقد أشار إلى دفع هذا الثارج المحقق بأن المراد إن مسببيته كون الشيء عند الله لخيريته أمر معلوم مقرر غني عن الدلالة عليه بحرف موضوع له بخلاف ما عند غيره، والتعبير عنه بأنه عند الله دون ما ادخر لكم لذلك ومنعه وادعاء أنه غير ظاهر غير ظاهر نعم عبارة المصنف لا تلائمه بخلاف عبارة الزمخشري، ولزوم تضمن معنى الشرطية غير مسلم ولو سلم لا ينافي المدّعي. قوله تعالى {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} إمّا متعلق بأبقى أو اللام لبيان من له هذه النعمة فهو خبر مبتدأ محذوف وكافي الإثم ما يترتب عليه الوعيد، أو ما يوجب الحد كما سيأتي في سورة النجم أو كل ما نهى الله عنه، والفواحش ما فحش منها واذا نصب الذين على المدح بمقدر فالواو اعتراضية كما ذكره الرضى وإعرابه بدلاً سهو لمنع الواو عته، وقوله: على ضميرهم بكسر الهاء وضمها على قصد لفظه على أنه من إضافة العام للخاص. قوله: (للدلالة على أنهم الأحقاء الخ) جمع حقيق وفي نسخة أخصاء جمع خصيص كأطباء والباء داخلة على المقصور يعني إنه ليس تأكيد الضمير غضبوا وتقديمه لإفادة الاختصاص لأنه فاعل معنوي، واختصاصهم باعتبار أنهم أحقاء بذلك دون غيرهم، وإذا ظرفية متعلقة بيغفرون لا شرطية لعدم الفاء واليه أشار بقوله: حال الغضب وفيه إيماء إلى أنهم يغفرون قبل الاستغفار وقراءة كبير الإثم بالإفراد لإرادة الجنس أو الفرد الكامل منه، وهو الشرك ولا يلزم تكراره لأنّ المراد الاستمرار والدوام. قوله:) نزلت في الأنصار) فهو من ذكر الخاص بعد العام لبيان شرفه لإيمانهم دون تردّد وتلعثم والآية إن كانت مدنية فظاهر والا كما هو المناسب لما قدمه المصنف رحمه الله فلا إشكال فيه لأنهم آمنوا بالمدينة قبل الهجرة، أو المراد أصحاب العقبة فلا يرد الاعتراض به على المصنف رحمه الله، وقوله: دعاهم مستأنفة لبيان وجه نزولها فيهم، وقوله: فاستجابوا له أي للرسول ع! هـ لأن الاستجابة له استجابة لربهم. قوله: (ذو شورى) قدره بيانا لوجه حمله على أمرهم لأن الشورى مصدر كالبشرى، والأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة وأورد عليه أن يقال من غير تأويل شأن الكرم فكأنه حمل الأمر على القضايا المتشاور فيها فاحتاج للتأويل، وما قيل: إن إضافة المصدر للعموم فلا يصح إلا بذلك رد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمورهم وفيه نظر، وقوله: في سبيل الخير قدّره لأنه مسوق للمدح ولا يمدح بمجرد الإنفاق. قوله: (على ما جعل الله) أي انتصارهم كائن على لوجه الذي جعله الله مشروعا لهم فيغضبون لله لا للحمية الجاهلية لعزة أنفسهم وكراهتهم للتذلل، وقوله: هو أي وصفهم بالإنتصار في هذه الآية وصف لهم بالشجاعة، وأمّهات الفضائل أي أصولها التي تدور عليها الفضائل، وهي ما ذكر في قوله: للذين آمنوا وفيه إشارة إلى أنّ القصر إضافيّ وبه يوفق بين تخالفهما أيضاً وكراهة التذلل متعلق بينتصرون. قوله: (وهو) أي الانتصار بغي لا يخالف وصفهم بالعفو عمن أساء إليهم في قوله: {إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [سورة الشورى، الآية: 37] وهو دفع لما يتوهم من المخالفة بين مفهوم الآيتين سواء اتحد الموصوفان فيهما أو لا فإن الأوّل يدل على مدح العفو وترك الانتصار، وهذا على خلافه وحاصله إنهما في محلين مختلفين فلا تعارض! بينهما فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ولفظ المغفرة مشعر به، والانتصار من المخاصم المصر محمود ولفظ الانتصار مشعر به فليس كل منهما على وجه كقي مطرد حتى يرد ما ذكر قال الشارح المحقق والأوجه أن لا يحمل الكلام على التخصيص بل على التقوى أن يفعلون المغفرة تارة والانتصار أخر! لا دائما للتناقض فتأمّل. قوله: (إجراء) أي موافقة، ومساعدة من قولهم أجراه إذا جاراه والإغراء الحث كما قال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 إنّ السفيه إذا لم ينه مأمور وقوله: ثم عقب وصفهم مفعول عقب قوله: وجزاء سيئة الخ لأنّ المراد به لفظه، وقوله: بالانتصار متعلق بوصفهم وللمنع الخ متعلق بعقب فإنّ المنتصر ربما تجاوزا لحذ فبين بقوله: وجزاء سيئة الخ إنّ الانتصار المحمود ما لا يتعدى الحدود. قوله:) وسمي الثانية سيئة للازدواج (أي المشاكلة بيان لوجه تسمية كل من الإصابة للبغي، وجزائها وهو الانتصار سيئة مع أن الجزاء ليس بسيئة في نفسها فإما أن يكون تسمية الجزاء سيئة للمشاكلة أو هما على حقيقتهما لغة لأن كلا منهم يسوء من نزلت به وكون المراد بالأولى ما يقابل الحسنة لا ينافي الوجه الثاني كما قيل. قوله: (بينه وبين عدوّه) إشارة إلا أن المراد هنا بالإصلاج إصلاح ما بينه وبين عدوّه بالأغضاء عما صدر منه فيكون من تتمة العفو ويكون كقوله: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت، الآية: 34] والمقصود من الآية التحريض على العفو وقد عرفت التوفيق بينه وبين الانتصار، ثم الفاء لتفصيل المحمل السابق، وتعليل ما فهم من حسن تعليل الانتقام بأن تركه أحسن ولمن انتصر بيان لقوله: هم ينتصرون بدل على عظم الموعود حيث جعله حقاً على العظيم الكريم. قوله:) المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام (إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه كان الظاهر أن يقال: إن الله يحب المحسنين، أو المقسطين بأن هذا أنسب إذ المقصود منه الحث على العفو لأنّ المجازي إذا زاد وتجاوز حقه كان ظالما والمساواة من كل الوجوه متعذرة أو متعسرة، ولما فيه من الإيماء إلى أن مشاتمة القبيح قبح، وما هو على صورته لا يحب، ولذا قال: سيئة مثلها فهو متعلق بقوله: وجزاء سيئة الخ، وقوله: فمن عفى لخ اعتراض ولا يأباه الفاء كما صرح به النحاة فلا أعتراض عليه: فاعلم فعلم المرء ينفعه فتدبر. قوله: (بعدما ظلم (بالبناء للمجهول إشارة إلى أنّ المصدر مضاف لمفعوله أو مصدر المبني للصفعول، ومن انتصر معطوف على من عفى وصدر باللام لأنه محل ومظنة للإثم، وقوله: يبتدؤونهم الخ فهو ظلم خاص بما تقدم فلو قال: أو يزيدون في الانتقام كان أولى وقوله: أو يطلبون الخ تفسير له با! ة مر العام الشامل لما يقتضيه المقام والبغي في قوله: يبغون التكبر أو الفساد أو التسلط والقهر كما مر، وقوله: على ظلمهم وبغيهم مأخوذ من تعليقه على اسم الإشارة. قوله تعالى:) {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} (كرره اهتماماً بالعفو وترغيباً فيه والصبر هنا هو الإصلاح المتقدم فقدم هنا، وعبر عنه بالصبر لأنه من شأن أولي العزم وإشارة إلى أن العفو المحمود ما نشأ عن التحمل لا عن العجز ومن موصولة، أو شرطية واللام للقسم، واكتفى بجوابه عن جواب الشرط وعزم الأمور الأمور المعزومة المقطوعة أو العازمة الصادقة وقد مر بيانه في سورة لقمان. قوله: (أي أنّ ذلك منه الخ (لأن الجملة خبر فلا بد من تقدير العائد وذلك إشارة إلى الصبر والمغفرة وكونه مغنيا عن العائد لأن المراد صبره أو ذلك رابط والإشارة لمن بتقدير من ذوي عزم الأمور تكلف، وقوله: من بعد خذلان الله إياه يعني الضمير في بعده لله بتقدير مضاف فيه أي خذلانه، وقيل: إنه إشارة إلى الخذلان المفهوم من يضلل لأنه بمعنى يخذل والأوّل أوفق بمذهب أهل الحق. قوله: (أي إلى رجعة إلى الدنيا (إشارة إلى أنّ مرد مصدر ميمي وتنكيره وتنكير السبيل للمبالغة، ويجوز أن يكون المعنى إلى رد العذاب، ومنعه والجملة مفعول ثان لترى أو حال. قوله:) متذللين (بيان للمراد وقوله: منقادين الخ إشارة إلى أن من سببية متعلقة بخاشعين، وهو وما قبله بعده أحوال مترادفة أو متداخلة أو أحدها مفعول ترى، وقوله: يبتدئ يشير إلى أنّ من ابتدائية ويجوز أن تكون بمعنى الباء وطرف مصدر طرف إذا حرك عينه ومنه طرفة العين، ولذا فسره بتحريك الأجفان وضعمف تفسير لخفي، وقوله: كالمصبور هو المقتول صبراً وهو من يقتل في غير حرب فيقدم للقتل موثقا فهو ينظر لسيف من يضرب عنقه نظراً يسارقه، وهكذا نظر ما لا يجب، وهو من الصبر بمعنى الحبس لحبسه واقفا للقتل. قوله: (إنّ الخاسرين (أي الكامل خسرانهم فيفيد الحمل، وقوله: بالتعريض الخ بيان لخسران الأنفس والأهل، وقد مر فيه في الزمر وجه آخر، وقوله: أو لقال فيكون بمعنى المستقبل واليه أشار بقوله: أي يقولون الخ ولألبس فيه فتأمل، وقوله: إلى الهدي الخ وقيل: المراد ما له من حجة. قوله: (ومن صلة لمرد (قد مر تحقيقه، وإنه مبنيئ على لغة ذكرها النحاة قال ابن مالك في التسهيل وقد يعامل الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه هل هو معرب أم لا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 فيه كلام في المطوّلات لا نطيل به هنا، وعلى هذه اللغة ورد في الحديث: " لا مانع لما أعطيت " فلا يرد عليه أنّ هذا لا وجه لبنائه حينئذ حتى يقال المراد التعلق المعنوي، وهو استئناف في جواب سؤال تقديره ممن ذلك أو حال من الضمير في الظرف الواقع خبراً لما أو متعلق بالنفي إن قيل به أو بما دل عليه مع أن تصويره للمعنى لا يلائمه. توله:) وقيل الخ (مرضه لأنه خلاف المتبادر من اللفظ، والمعنى وهو مع ذلك قليل الفاثدة، ومن قال: للفصل أراد للفصل الملبس فلا يرد عليه أن رتبة المتعلق بالعامل بعد الفاعل ووصفه فلا يعد مثله مما هو في محله فصلا مضراً بحسب العربية، وقد جوّز أن يكون صفة يوم وهو ركيك معنى، وقوله: لا يمكن رده إشارة إلى أنّ لا مرد له حينئذ المراد استحالة رده لمخالفته لما أراده الله. قوله:) ملجأ (مصدر ميمي أو اسم مكان فمفرّ بفتح الفاء وكسرها، والمراد بالمفرّ المهرب أو الملاذ من قولهم: فز إليه إذا ذهب فمن قال: الأولى تفسيره بالملاذ لم يأت بشيء، وقوله: إنكار فهو مصدر من الأفعال على غير القياس، وقوله: لأنه الخ إشارة إلى أنّ نفي الإنكار المراد منه إنه وان وقع بمنزلة العدم لظهوره، وشهادة أعضائه فلا ينافي قوله حكاية عنهم {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] أو هو باعتبار تعدد الأحوال والمواقف. قوله:) رقيباً أو محاسباً) جمع في سورة النساء بينهما، وقوله: إن عليك إلا البلاغ أي لا الحفظ فالحصر إضافي فلا حاجة إلى أن يقال إنه منسوخ باية السيف. قوله:) أراد بالإنسان الجنس) الشامل للجميع وهو حينئذ بمعنى الأناسي، والناس ولذا جمع ضميره في قوله: وان تصبهم بعدما أفرده رعاية للفظه في قوله: فرح بها وإلى هذا أشار بقوله: لقوله وإن تصبهم الخ وليس المراد بالجنس هنا الاستغراق كما توهم، وإن كانوا يطلقون الجنس ويريدون به ذلك لأنّ ما ذكر ليس حال الجميع والجنسية فقط كافية في المراد هنا، والجمعية لا تتوقف على الاستغراق لا العهد كما قيل: إنّ التعريف في الإنسان الأوّل للعهد وفي الثاني للجنس 4 وتفصيله في شروح الكشاف وأراد بالسيئة الشدة التي تسوءهم، وقوله: بليغ الكفران أي مبالغ فيه والمبالغة من صيغة فعول وهو من كفران النعمة لا من الكفر نقيض الإيمان، وقوله: رأسا أي من أصلها، وقوله: ولم يتأمّل فليس أظهر منه هنا كما قيل. قوله: (وهذا وإن اختص بالمجرمين الخ) إشارة إلى الفرح، والإصابة بما قدموه كما مر أنه مختص بالمجرمين لأن إصابة غيرهم قد تكون لرفع الدرجات، ونحوه وقيل: الإشارة إلى الكفران البليغ، وقيل: إن فسر فرح ببطر كما مر في سورة الروم فالإشارة إلى المذكور من الفرح والكفر وإن فسر بمعناه المعروف فالإشارة إلى الكفران إذ الفرح ليس حال المجرمين إذ قد يكون شكرا أو اضطرارا والأنسب بكلامه السابق ما قلناه. قوله: (وجارّ إسناده إلى الجنس لغلبتهم (يعني أن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما تستقيم في المجرمين فالمراد بالإنسان الجنس الصالح للكل، والبعض فإذا قام الدليل على إرادة البعض تعين، وقد قال السلف: إنّ الإضافة في غيرهم للعوض المرقي ولم يذهب الزمخشري إلى أن اللام للعهد، وجعل قوله: فإن الإنسان كفور للجنس المطلق ليكون تعليلاً للمقيد بطريق الأولى ومطابقا لما جاء في مواضع عديدة من القرآن، ولا بأي بأن تجعل الإشارة إلى السالف فإنه للجنس أيضاً ويكون من وضع المظهر موضع المضمر، وهو أولى لموافقته للقاعدة الممهدة في الأصول كما ارتضاه في الكشف، وقيل: إنه من وضع المضمر موضحع المظهر فهو للعهد فيهما، والطيبي إنما وهم من قوله: إن هذا الجنس موسوم الخ، وهو إنما أراد أنه لما أتى باسم الجنس في موضع الضمير، وإن كان للعهد دل على ذلك فليتأمّل وقيل الإنسان الثاني معهود والأوّل المراد به الجنس موضوع موضع الضمير، وليس هنا قرينة على أنّ المراد به المجرمون خاصة كما في الأوّل لا يقال كفور أدل دليل عليه لأنا نقول: هو حكم والقرينة يجب أن تكون شيئاً آخر يخص به، وهو معنى قولهم: قيود المحمول لا تكون قيداً للموضوع نعم قيود الحكم قد تكون قرينة والكلام بعد محل نظر فقد علمت أن فيه احتمالات فقيل: إنّ اللام فيهما للجنس، وقيل: فيهما للعهد أو على العكس، وحديث الغلبة المذكور إشارة إلى أن فيه مجازاً عقليا بأن أسند إلى الجنس حال أغلب إفراده لملابسة الأغلبية أو لغويا بأن جعل أغلب الأفراد عين الجنس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 لغلبتهم على غيرهم فالظاهر أن اللام فيهما للجنس، وقيل: إنّ المراد أن الأولى للجنس، والثانية للعهد والمعهود الجنس فلا تنافى بينهما وفى الكشاف إن الأولى للعهد وهم المجرمون بقرينة قوله: بما قدمت أيديهم فلا تجوز فيه وهو أحسن إلا أن في القرينة ضعفا إذ لو أريد بالمجرم حينئذ العاصي لا يصح إنّ الإنسان كفوراً لا بالتجوّز وإن أريد الكافر فالقرينة لا تدل عليه لوقوع السيئة في المؤمن فتدبر. قوله:) وتصدير الشرطية الخ) معنى كونه مقضيا بالذات إنه ليس بالتبعية والعرض، وليس المراد إنه هو الأصل بل إنّ بعض ما يتضمن الخير الكثير قد يستتغ شرا قليلا فترك خير كثير لشرّ قليل شرّ كثير فالمقصود منه الخير مع أنه من حيث هو صادر عنه خير فهو المنزه عن الفحشاء، ولا يجري في ملكه إلا ما يشاء، ولذا كان فعل الأولى ماضياً مسنداً إليه مؤكدا بمنا، والثانية مضارعا بما قدمت أيديهم وأمّا قوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} [سورة الإسراء، الآية: 83] فقد مر توجيهه. قوله:) وإقامة علة الجزاء مقامه) أي مقام الجزاء وهو ما أشار إليه بقوله: نسي النعمة، وتذكر البلية وعظمها وقوله: وضمع الظاهر الخ إشارة إلى أنهما بمعنى واحد ليرتبط الشرط بالجزاء لكنه لا ينافي العموم، وليست عبارته صريحة في عدم تغاير تعريفهما كما توهم، فلو قيل: إنه لم يدل صريحا وابتداء على انّ الكفران صفة جنس الإنسان صح. قوله: (فله أن يقسم الخ (إشارة لوجه تعقيبه لما قبله بأنه لما ذكر إذاقته الرحمة، وإصابشه بضدها أتبعه بأنه المالك للموجودات كلها فله أن يقسم النعمة، والبلاء كما يشاء بحكمته لا كما شاءه سواه بهواه وفيه إشارة إلى أنّ إذاقة الرحمة ليست للفرج بل لشكر موليها، واصابة المحنة ليست للجزع بل للرجوع إلى مجليها وبني عليه ما بعده. قوله: (من غير لزوم) أي وجوب عليه وهو تفسير لقوله: يشاء إذ ما هو بالمشيئة لا يكون كذلك كما أن المشيئة مرجحة له فلا يصل إليه اعتراض فإنه لا يسأل عما يفعل، وقوله: أو يزؤجهم الضمير للأولاد وما بعده حال منه أو مفعول ثان إن ضمن معنى التصيير يعني يجعل أولاد من يشاء ذكورا وإناثا مزدوجين كما يفرد بعضهم بالذكور وبعضهم بالإناث ويجعل بعضهم لا أولاد له أصلا. قوله:) بدل من يخلق (يعني يهب الخ بدل من يخلق، ويجوز كونه استئنافاً أو بياناً وفي بعض النسخ هنا تقديم وتأخير والمعنى ظاهر وقوله: لأنها أكثر وبين حكمة أكثريتها بقوله: لتكثير النسل، فلذا جاز تعدد الزوجات والتسري بما يراد منها، ولو لم تكن أكثر لم يتأت ذلك فهي من هذا الوجه أنسب بالخلق فلذا قدمت لما أريد بيانه، وقيل المراد إنها أظهر فاستحقت التقديم كما يقدم الأعم على الأخص ولولا ما ذكر من النكتة كان المناسب تقديم الذكور لشرفهم وتقديمهم في الوجود، وهذا شروع في بيان ما في النظم من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير. قوله: (والإناث كذلك) أي تعلقت بها مشيئته تعالى لأنه خلقها كما يشاء دون مشيئتهم إذ هم إذا خلوا وطباعهم لا يشاؤون إلا الذكور فكانت أنسب بالمقام، ومنبه للاهتمام والاهتمام قد يكون مما يقتضيه الذات، وقد يكون مما يقتضيه المقام والسياق كما هنا وهذا أيضا محصل قوله أو لأن الكلام في البلاء الخ لكن محط النظر مختلف فيه، ولم يرد بهذا مناسبة القرب فقط بل مناسبة السياق لأن المقصود إنكار كفرهم، وذكر حديث الملك لتأكيده كما مر وهو في حال البلاء دون الرخاء فلا يرد أن الرحمة المذكورة أيضا نعمة تناسب تقديم الذكور. قوله: (أو لتطييب قلوب آبائهن الما في تقديمهن من التشريف بأنهن سبب لتكثير مخلوقاته فلا يجوز الحزن من ولادتهن، وكراهتهن كما نشاهد من بعض الجهلة، وقال الثعالبي إنه إشارة إلى ما في تقدم ولادتهن من اليمن حتى أنّ أوّل مولود ذكر يكون مشؤوماً فيقولون له بكر بكرين، وقوله: ولذلك أي لرعاية الفواصل ولو نكر لنصب فلم يوافق قوله: كفور. قوله:) أو لجبر التأخير (بالتعريف لما في التنكير من إيهام التحقير وفي التعريف من التنويه بذكرهم لإشعاره إنهم لشدة محبتهم لهم هم نصب خواطرهم فكأنه قيل: يهب لكم أولئك الفرسان الإعلام المعهودين في الأذهان وقوله: وتغيير العاطف الخ إذ عطف بأو دون غيره والمشترك بين القسمين الأوّلين، وهو الانفراد بأحد الصنفين سواء تعدد أو لا وهذا مقابله لأنه الجمع بينهما فلو عطف بالواو توهم أنه قسم لكل من القسمين دون المشترك بينهما، وفي بعض النسخ الثاني بدل الثالث والمرأد العطف الثاني، أو القسم الثاني والأولى أولى وقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 ولم يحتج الخ جواب عن سؤال مقدر وهو أنّ الرابع قسيم أيضا للمشترك بين ما قبله، وهو هبة النسل مطلقا فترك فيه ذلك لظهوره إذ هو عدم ذلك فهو غير محتاج للتنبيه. قوله: (بحكمة واختيار (لف ونشر مرتب فالحكمة لعلمه بالأشياء، وما فيها من المصالح والاختيار لقدرته على إيجاد ما يريد، وقوله: وما صح له أي للبشر وهو مما يقع على الواحد وغيره، ولذا لم يقل الواحد من البشر كما في الكشاف، وكان تامّه ما كان كذا له استعمالات فيكون بمعنى ما لاق، وحسن وبمعنى ما صح وأمكن 0 قوله: (كلاماً خفياً يدرك بسرعة الخ (أصل معنى الوحي كما فصله الراغب في مفرداته الإشارة السريعة يقال: أمر وحي أي سريع فيكون ذلك بالكلام على سبيل الرمز، والتعريض ونحوه، ثم اختص في عرف اللغة بالأمر الإلهيئ الملقى إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي يكون على وجوه مختلفة كما أشير إليه في هذه الآية فقوله: كلاما خفيا تفسير لقوله وحياً، واشارة إلى أنّ المراد به هنا الكلام الخفي المدرك بسرعة فالاستثناء متصل، وقد قيل: إنه منقطع وقوله: لأنه أي الوحي تمثيل المراد به تصوير المعنى ونقشه في ذهن السامع، وليس مثل كلامنا حتى يحتاج إلى صوت وترتيب حوف فيكون خفياً سريعا ولا بعد فيه كما نشاهده في كلامنا النفسي فهو تعليل للخفاء مع السرعة لا للأوّل فقط، وقوله: في ذاته أي في نفسه، وحقيقته إشارة إلى أنه ليس بآلة اللسان حتى يحتاج لما ذكر. قوله: (وهو (أي الوحي أو التمثيل أمر يعمّ ذلك فليست ما فيه زائدة الأولى تركها، والمراد بالمشافه به بزنة المفعول المخاطب به من الله بدون واسطة كما ورد في حديث المعراج، وفرض! الصلاة فيه إذ خاطبه الله بكلام سمع منه على وجه لا يعلم كنهه إلا الله، وما وعد به من أنه يكلم أهل الجنة شفاها إذا تجلى لهم على ما ورد في الآيات وأحاديث الرؤية، وهذا توطئة لما سيأتي من أن الآية تدل على جواز الرؤية. قوله: (والمهتف به كما اتفق لموسى الخ (هو من قولهم: هتف به هاتف، وهو من يسمع صوته ولا يرى شخصه كما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام، إذ سمع نداء الله له من جميع الجهات كما مرّ في سورة طه وكان الظاهر المهتوف به لأنه لا يعرف مثله في اللغة. قوله: الكن عطف قوله أو من وراء حجاب عليه يخصه (وفي نسخة يخصصه وجعل الزمخشري التكليم ثلاثة أقسام الوحي، وفسره بالإلقاء، والقذف في القلب سواء كان يقظة أو مناما وهو أعمّ من الإلهام واستشهد على أنه ورد بهذا المعنى ببيت عبيد، وأراد الوحي من الله بلا واسطة، وقال في الكشف: بعدما ساق كلام المصنف أن قوله وما كان لبشر على التعميم يقتضي الحصر بوجه لا يخص التكليم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويدخل فيه خطاب مريم وما كان من أثم موسى وما يقع للملهمين من هذه الأقة وغيرهم فحمل الوحي على ما ذهب إليه الزمخشري أولى، ثم فال: إنه يلزم المصنف أن لا يكون ما وقع من وراء الحجاب، وحيا لا أنه يخصصه لأنه نظير قولك ما كان لك أن تنعم إلا على المساكين وزيد نعم يحتمل أن يكون زيد داخلاً فيهم على نحو ملائكته، وجبريل وهذا يضر المصنف لاقتضائه أن ما وقع من وراء حجاب أعلى المراتب فلا يكون الباقي هو المشافهة، وردّ بأنه ليس نظير ما ذكر بل نظير فاكهة، ونخل ورمّان على مذهب أبي حنيفة يعني أن عطف بعض أفراد الجنس عليه إما لعلؤ رتبته أو لنزول درجته حتى كأنه لا يستحق ذلك الاسم وما نحن فيه من القبيل الثاني انتهى (أقول) الذي ذهب إليه الزمخشري أن المراد بالوحي ما يلقى في القلب يقظة، أو مناما بدون كلام وما يقابله الكلام بدون واسطة أو بها فيصح الحصر بناء على مذهبه في إنكار الرؤية والذي ذهب إليه المصنف أنّ المراد بالوحي الكلام الخفي السريع، وبقرينة مقابلته بما بعده اختص بالمشافهة، وهو أعلى أقسام الوحي ولا يرد عليه ما أورده في الكشف لأنه بالتخصيص المذكور والتقييد المأخوذ من التقابل صار مغايرا لما بعده، وليس من شيء من القبيلين حتى يذهب إلى الترقي أو التدلي لأنه لا يعطف بأو بل بالواو كما لا يخفى، ولزوم أن لايكون الواقع من وراء الحجاب وحيا غير مسلم لأنه إن أراد أنه لا يكون وحيا مطلقا فغير صحيح لأن قوله: بعده فيوحي بإذنه قرينة على أنّ المراد بالوحي السابق وحي مخصوص كالذي بعده، وإن أراد أنه لا يكون من الوحي المخصوص السابق فلا يضره لأنه عين ما عناه نعم الحصر على ما ذهب إليه المصنف غير ظاهر إلا بعد ملاحظة أنه مخصوص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 428 بما كان بالكلام، ولذا فسره به فتدبر. قوله: (فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها (كما ذهب إليه الزمخشري كغيره ممن أنكر الرؤية واستدلّ بهذه الآية لحصر تكليمه تعالى للبشر في الثلاثة فإذا لم يره من يكلمه في وقت الكلام لم يره في غيره بالطريق الأولى، وإذا لم يره هو أصلا لم يره غيره، إذ لا قائل بالفصل وقد أجيب عنه في الأصول بأنه يحتمل أن يكون المراد حصر التكليم في الدنيا في هذه الثلاثة، أو نقول: يجوز أن تقع الرؤية حال التكلم، وحيا إذ الوحي كلام بسرعة، وهو لا ينافي الرؤية فلا دليل فيه على ما ذكر وهو تفريع على جعله يعثم المشافه به فيكون صادقاً على ما معه رؤية كما هو حال المشافة غالبا، وعلى غيره والذي ارتضاه في الكشف إنه لا ينفع منكر الرؤية ولا مثبتها وهو الظاهر، ولذا جعلها المصنف دليل الجواز دون الوقوع رداً على الزمخشري. قوله:) وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع) بضم الراء وهو القلب والضمير أي المراد بالوحي هنا الإلهام، وهو ما ارتضاه الزمخشري كما قرّرناه سابقا لأنه يطلة! عليه الوحي في كلام العرب ومرضه المصنف رحمه الله لأنه خلاف الظاهر إذ لا يقال لمن ألهمه الله إنه كلمه إلا مجازاً فلا يكون الاستثناء متصلاً ولا دليل فيه على جواز الرؤية حينئذ وفي دلالته على امتناعها ما مز، وقوله: أو الوحي الخ أي المراد بالوحي معناه المتعارف، وهو ما أنزل الله به الملائكة على رسله وهذا، وإن كان متبادراً من الوحي لكنه يأباه قوله: أو يرسل رسولاً، ولذا أوّله على هذا بأن المراد بالرسول النبيّ المرسل لأقته والرسول وإن شاع فيه لكنه بعيد جذاً. قوله:) ووحيا بما عطف عليه منتصب بالمصدر) أي وأن يكلمه اسم كان ولبشر خبرها ووحياً مصدر لأنه نوع من الكلام أو بتقدير إلا كلام وحي، والاستثناء مفرغ من أعمّ المصادر، وقوله: لأنّ من وراء الخ، وصفة المصدر سادّة مسده وهذا أولى من تقدير إسماع كما في الكشاف، وقوله: والإرسال نوع من الكلام بحسب المآل لأنه قوله للمرسل أرسلتك إلى كذا بكذا وهو توجيه لعطفه على مصدر يكلمه، وعلى ما استثنى منه. قوله: (ويجوز أن يكون وحياً الخ (يعني إن هذه الثلائة من المصدرين والظرف أحوال على وضع المصدر موضع اسم الفاعل أي موحيا ومرسلا ومسمعاً أو مكلما من وراء حجاب، وقيل: إنه بتقدير فعل هو الحال في الحقيقة واعترض بأن وقوع المصدر حالاً غير مقيس، وبأنهم صرّحوا بأن الفعل مع أن معرفة لأنه بتأويل مصدر مضاف دائما وشرط الحال التنكير وقد منع سيبويه من وقوع أن مع الفعل حالاً، ولا يخفى أنه وان كان خلاف القياس فالقرآن يقاس عليه ولا يلزم أن يقاص على غيره مع أن المبرد رحمه الله قاسه وكفى به حجة، وأمّا حديث التعريف وان اشتهر ففيه كلام لأنه غير مطرد وفي شرح التسهيل إنه قد يكون نكرة أيضاً ألا تراهم فسروا أن يفتري بمفترى، وقال ابن جنى في الخاطريات إنه عرضمه على أبي علي فاستحسنه وعلى تسليمه فالمعرفة قد تكون حالاً لكونها في معنى النكرة كما يؤوّل وحده بمنفرداً لكنه قياس مع الفارق لما فيه من التعسف لتأويل أن مع الفعل بمصدر مضاف، ثم تأويل المضاف بنكرة وفيما ذكرناه أوّلاً قصر للمسافة. قوله: (وقرأ نافع الخ (فالفعلان مرفوعان، ولذا سكن ياء يوحي لثقل الضمة على حرف العلة ووجهوا قراءته بأنه على إضمار مبتدأ أي هو يرسل أو هو معطوف على وحيا أو على ما يتعلق به من ورأء أي يستمع من وراء حجاب، وقال السعد رحمه الله: إنّ التوجيه الثاني وما بعده ظاهر وهو عطف الجملة الفعلية الحالية على الحال المفردة، وأمّ إضمار المبتدأ فإن حمل على هذا فتقدير المبتدأ لغو وإن أريد أنها مستأنفة، فلا يظهر ما يعطف عليه سوى ما كان لبشر الخ وليس يحسن الانتظام وفيه نظر. قوله:) يفعل ما تقتضيه حكمته الخ) بيان لارتباطه بما ذيل به ومعنى قوله، وكذلك مثل الوحي المشهور للغير أو مثل ما في هذه السورة أو الإشارة لما بعده كما مرّ، وقوله: يعني أي بالروج فهي استعارة أو مجاز مرسل لما فيه من الهداية، والعلم الذي هو كالحياة ففي قول المصنف تحيا استعارة أيضا، وقوله: والمعنى أرسلناه إليك بالوحي يعني إذا أريد بالروج جبريل فأوحينا مضمن معنى أرسلنا أي أرسلناه بالوحي لأنه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله وجملة ما كنت تدري حالية، من ضمير أوحينا أو هي مستأنفة. قوله:) أي قبل الوحي) يعني إنّ المضيّ بالنسبة إلى زمان الوحي، ولما كان ظاهره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 429 أنه قبل الوحي لم يتصف بالإيمان، وهو غير مراد لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة مؤمنون لعصمتهم عن الكفر بلا خلاف، وكون المقصود نفي المجموع يأباه إعادة لا فإذا قيل إن الإيمان يكون بمعنى التصديق المجرّد، ويكون اسماً لمجموع التصديق والإقرار والإعمال التي لا سبيل إلى درايتها من غير سمع فهو مركب، والمركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، والإيمان مستعمل في لسان الشرع بهذا المعنى كما في قوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] فلذا عبر بتدري دون أن يقال لم تكن مؤمناً، ومعرفة الأعمال المعتد بها إثما تكون بالسمع للشرائع فإذا نفى عنه ذلك لزم نفي كونه متعبدا بشريعة من شرائع غيره من الأنبياء السابقين، وسقط ما قيل إن الآية لا تدلّ على ذلك فإنه إذا لم يدر شرعا كيف يتعبد به، فما قيل عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل سقوط الإثم إن لم يكن تقصيرا لا وجه له، وقوله: قبل الوحي أي قبل كونه نبيا بقرينة ما يليه ولا يلزم مخالفة ما أجمعوا عليه من عصمة الأنبياء عن الكفر مطلقا كما توهم. قوله: (وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع (هذا هو ما ارتضاه البغوي حيث فسر الإيمان بشرائع الإيمان، ومعالمه لثلا يلزمه ما مرّ من عدم إيمان النبيّ قبل البعثة، وقد عرفت إنه مندفع بغير هذا الطريق كما مرّ ولا يلزمه نفي الإيمان عمن لا يعمل الطاعات والأعمال كما مرّ، ومن ظن إنه لا بد في دفع ما مرّ من الذهاب إلى هذا القيل قال إن هذا القول هو الحق ولم يتفطن إلى أنه يلزمه إطلاق الإيمان على الأعمال وحدها، وهو خلاف المعروف ومن خلاف الظاهر ما قيل: إن المراد ما كنت تدري في حال الطفولية، وكذا ما قيل إنّ ما الثانية استفهامية. قوله:) أي الروح (بمعنى الوحي ووقع في نسخة عطف الكتاب بالواو على أنه تفسير للروح وله وجه، ورجوعه للإيمان أقرب، وقوله: بالتوفيق الخ كان الظاهر تقديمه ليكون تفسيراً لقوله: نهدي به من نشاء من عبادنا، وقوله: بارتفاع الوسايط يعني يوم القيامة فصيغة المضارع على ظاهرها من الاستقبال، وقيل: إنها للاستمرار والأظهر الأوّل، والحديث المذكور موضوع تمت السورة بحمد الله والاصلاة على نبيه وآله وصحبه. سورة الزخرف بسم الله الرحمن الرحيم قوله:) مكية (بالإجماع إلا الآية المكذورة فقيل: نزلت بالمدينة، وقيل: نزلت بالسماء في المعراج وسيأتي الكلام عليه في تفسيرها وآياتها تسع وثمانون، وقيل: ثمان وثمانون والاختلاف في قوله: وهو مهين. قوله:) أقسم بالقرآن الخ) إشارة إلى أتي المراد بالكتاب هنا القرآن إمّا جميعه، أو جنسه الصادق بكله وبعضه فيدخل فيه هذه السورة سواء كانت الواو للقسم أو عاطفة على حم، وهو اسم السورة أو القرآن على الوجوه السالفة فيه لكنه يلزمه حذف حرف الجر وابقاء عمله، و! م يحتج إلى أن المراد به جنس الكتب المنزلة ولا المكتوب في اللوح كما قيل، ولا أنّ المراد به المعنى المصدري، وهو الكتابة والخط وأنه تعالى أقسم بها لما فيها من المنافع لأن بها صيد أو أبد المعاني واقتناص شوارد العلوم كما ذهب إليه الإمام، ومن اقتدى به لأنّ ما ذكر أنسب بالمقام، وأقرب للإفهام. قوله: (لتناسب القسم والمقسم عليه) فإنها من واد واحد وقد عذوا مثله من المحسنات البديعية لما فيه من التنبيه على أنه لا شيء أعلى منه حتى يقسم به عليه وأنه ئابت بنفسه من غير احتياج إلى شيء آخريثبت، وان كان القسم بنفس الكتاب، والمقسم عليه صفته من كونه قرآنا عربيا عبر بالتناسب دون الاتحاد، وهو رد عليهم في قولهم إنه مفتري ومختلق. قوله:) كقول أبي تمام (في قصيدة له أوّلها: وثناياك إنها اغريض ولآل توم وبرق وبيض وأقاج منوّر في بطاح هزه في الصباج روض أريض إلى آخرها. وخطاب ثناياك إنها بكسر الكاف للمحبوبة، وهي مقدم الثنايا والإغريفر والغريض الطلع، ويقال لكل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 430 أبيض طري ويطلق على البرد ويصح إرادة كل منها هنا، وتوم جمع تومة وهي حبة تعمل من الفضة على هيئة الدرة قال التبريزي في شرحه: وهذا أجود من القول بأنها جمع توأم على تخفيف الهمزة لأنه قليل وهو بدل من لآل أو نعت له، وقال منؤر نظراً إلى الجنس فيشبه الثنايا بكل مما ذكر كقوله: كأنماتبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو أقاح والأريض من أرضت الأرض إذا زكت فهي أريضة، وما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري في أنّ جواب القسم قوله: إنها إغريض، وقد قيل إن الجواب قوله بعده في القصيدة: لتكأدنني غمار من الأ! رراث لم أدر أيهن أخوض فيكون ما ذكر استثنافاً لبيان استحقاق الثنايا لأن يقسم بها فلا يكون مما نحن فيه قال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام تكاءد بمعنى استعصى وشق، وثقل وتكاءدنني كقول الفرزدق: ويعصرن السليط أقاربه والغمار جمع غمرة كخمار وخمرة وما هنا بناء على أنّ ما ذكر جواب لقسم آخر قبله وهو قوله: وارتكاض الكرى بعينيك في النوم فنونا وما لعيني غموض وهو الذي ارتضاه شرّاحه ودلّ عليه سياق كلامه فلا وجه للاعتراض عليه بما ذكر. قوله: (ولعل إقسام الله بالأشياء الخ) يعني أنّ القسم في كلام العرب لتأكيد المقسم عليه، وإثباته فحيث وقع في كلام رب العزة ببعض مخلوقاته يكون لما في المقسم به مما يدلّ على المقسم عليه فيقع في كل مكان بما يناسبه، وقوله على المقسم عليه تنازعه الاستشهاد والدلالة، وما قيل إنّ الكلية غير صحيحة لا وجه له لمن تأمّل مواقعه. قوله:) والقرآن من حيث إنه معجز الخ) بيان لاندراج ما نحن فيه فيما ذكره من أن القسم من الله استشهاد بما في المقسم عليه من الدلالة على المقسم عليه إذ المقسم به القرآن، وهو بما فيه من الإعجاز يدل على أنه تعالى صيره ذكراً حكيما لاشتماله على منافع العباد وصلاج الدارين، وقوله: مبين طرق الهدى إشارة إلى انّ مبين يجوز أن يكون من إبان المتعدي، وقوله: بين إلى أنه من اللازم والقرآن مبتدأ وما يدلّ الخ خبره وفي نسخة بدون ما وهي أصح وأظهر، وقوله: من حيث الخ علة لقوله يدل، وبيان لوجه دلالته وكذلك بمعنى مبين أو بين. قوله: (لكي تفهموا معانيه (إشارة إلى أن لعل مستعارة من الترجي للتعليل كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة وما في تفسيره بالإرادة، ومعانيه إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: فإنه أصل الكتب إشارة إلى أن أم بمعنى أصل والكتاب بمعنى الكتب وتعريفه للعهد وأصالته لأنها منقولة منه، وقد مز فيه وجه آخر في سورة الرعد وكسر الهمزة لاتباع الميم أو الكاف فلا تكسر في عدم الوصل، وقوله: محفوظا الخ هو أحد معاني لدى وعند إذا أضيف إلى الله، وقوله: في الكتب أي هو مرفوع عليها، وقوله: ذو حكمة فهو فعيل من الثلاثي، وهو حكم إذا صار ذا حكمة، وإذا كان بمعنى المحكم فهو من المزيد وفيه كلام مرّ بسطه، أو الإسناد مجازي أي حكيم صاحبه أو حاكم على الكتب كما تقدّم أيضاً، وقوله: لا ينسخه غيره بيان للمحكم هنا بحيث يكون صفة للقرآن كله. قوله: (واللام لا تمنعه الأنها حرف ابتداء له الصدر فمن حقه أن لا يعمل ما بعده فيما قبله لكنها كما قال ابن هشام وغيره: لما كانت في الأصل داخلة على أن والأصل لأن زيداً قائم فكرهوا توالي حرفين بمعنى فأخروها ولذا سموها اللام المزحلقة، والمزحلفة فلما تغيرت عن أصلها وعمل ما قبلها فيما بعدها بطلت صدارتها فيجوز تقديم ما في حيزها عليها، وقوله: ولدينا بدل منه أي من قوله في أما لكتاب لا من عليّ كما توهم وقوله: أو حال منه لأنه صفة نكرة تقدمتها فتصير حالاً منه، أو المراد إنها حال من ضميره المستتر فيه وإذا جعل حالاً من الكتاب المضاف إليه فوجه جوازه إن المضاف في حكم الجزء لصحة سقوطه، ويجوز أن تكون حالاً من أمّ الكتاب ويجوز كونها خبر مبتدأ مقدر والجملة لبيان الحكم عليه بأنه عليئ حكيم فهي مستأنفة لا محل لها من الإعراب، ولا يجوز كون الظرف خبراً لدخول اللام على غيره فأعرفه. قوله: (أفنذوده) أي نطرده، ونبعده وهذا تفسير لمنطوق اللفظ باعتبار معناه الحقيقي، وقوله: مجاز من قولهم الخ إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية فشبه حال من لم يذكره القرآن، والوحي وأعرض عنه بحال إبل غريبة وردت الماء مع إبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 431 أصحابه فضربت، وطردت عنه كما في المثل لأضربنه ضرب غرائ! ب الإبل، وقال الحجاج: يهدد أهل العراق في خطبة له والله لأضربنكم ضرب غرائب الإبل، وإليه أشار المصنف، ويجوز أن يكون استعارة تبعية. قوله:) قال طرفة (اسم شاعر معروف وهو بفتح الطاء والراء وبالفاء كما قاله أكثر أهل اللغة وحكموا بأن تسكين رائه خطأمشهور، وقد نقل جوازه عن بعض أهل الأدب أيضاً وليس هذا محله والشاهد فيه استعارة الضرب للمنع كما في النظم الكريم، وأضرب بفتح الباء وأصله اضربن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت، والطارق ما يأتي ليلاَ وهو بدل اشتمال من الهموم والقونس منبت شعر الناصية، وهو عظم ناتئ بين أذني الفرس والبيت محتمل للمشاكلة أيضا وكون الفاء عاطفة على مقدر أحد المذهبين المشهورين فيه وقال ابن الحاجب: الفاء لبيان أن ما قبلها سبب لما بعدها. قوله: (وصفحاً مصدر (لنضرب من غير لفظه فهو مفعول مطلق على نهج قعدت جلوسا لأنه يقال ضرب وأضرب عن كذا بمعنى أعرض، والصفح بمعنى لين الجانب العفو في معنى الإعراض، أو هو منصوب على أنه مفعول له أو حال مؤول بصافحين عنه بمعنى معرضين وصفحة العنق نجانبه، وقوله: ويؤيده أي يؤيد نصبه على الظرف والحالية قراءته في الشواذ بضم الصاد وسكون الفاء فإنه جمع صفوج كصبور، وصبر ثم خفف فإن جمعه يدل على أنه ليس بمصدر فيكون حالاً أو ظرفا لأنه بمعنى الجانب ويحتمل أنه تأييد لنصبه على الظرفية فقط، وفي قوله: يحتمل إشارة إلى احتمال كونه مفرداً بمعنى المفتوج كشد وشد كما قاله أبو البقاء رحمه الله وقوله: تخفيف صفح كرسل بضمتين فخفف بالتسكين. قوله:) والمراد (أي بقوله: أفنضرب الخ، وقوله: على خلاف ما ذكر أي في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سورة الزخرف، الآية: 3] قبله وقوله: من إنزال كتاب الخ بيان لما ذكر فالذكر إما بمعنى المذكور والقرآن فيقدر فيه مضاف، أو هو على معناه المصدري. قوله: الأن كنتم الخ (علة للضرب، وجملة وهو في الحقيقة الخ جملة حالية وضمير هو راجع لقوله: إن كنتم قوما مسرفين باعتبار لفظه يعني أنه بحسب الظاهر علة للضرب صفحا أي الإعراض، وهو في الحقيقة علة لتركه لأنهم لإسرافهم لم يعرض عنهم بل أنزل عليهم كلام معجز بلسانهم لينتهوا عنه، ويتركوه. قوله: (مخرجة) بزنة اسم الفاعل من الإخراج، والضمير فيه للجملة الشرطية المصدرة بأن أو لكلمة إن لأنها في حكم المذكور لأن ذلك يستعمل للمشكوك كما قرر في العربية من أنها تدخل على غير المتحقق أو على المتحقق المبهم زمانه، ولما كان إسرافه أمراً محققا وجهه تبعا للزمخشريّ بأنه مبني على جعل المخاطب كأنه متردد في ثبوت الشرط شاك فيه قصداً إلى نسبته إلى الجهل بارتكابه الإسراف لتصويره بصورة ما يفرض لوجوب انتفائه، وعدم صدوره ممن يعقل كما أشار إليه بقوله: استجهالاً أي نسبة إلى الجهل ومثله ما مرّ تقريره في قوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [سورة البقرة، الآية: 23] وأمّا كون الشرط الإسراف في المستقبل، وهو ليسر بمحقق فلا يحتاج إلى تأويله بما ذكر فقد رد بأن إن الداخلة على كان لا تقلبه للاستقبال عند أكثر النحاة، ولذا قيل إن هنا بمعنى إذ وأيد بأنه قرئ به وأنه يدل على التعليل فيوافق قراءة الفتح معنى، ولو سلم فالظاهر من حال المسرف المصر على إسرافه بقاؤه على ما هو عليه فيكون محققا في المستقبل أيضاً على القول بأنه يقلب كان كغيرها من الأفعال. قوله:) وما فبلها دليل الجزاء) المقدّر وأمّا كون الجملة في تأويل الحال من غير تقدير جزاء أي مفروضا إسرافكم على أنه من الكلام المنصف، كما قيل: فإنما يتأتى على القول بأن إن الوصلية ترد في كلامهم بدون الواو والذي تقرر في العربية خلافه. قوله تعالى:) {وَكَمْ أَرْسَلْنَا} (الآية كم مفعول، وفي الأوّلين متعلق بأرسلنا أو صفة نبي، وما يأتيهم للاستمرار والبطش شذة الأخذ، ونصبه على التمييز وهو أحسن من كونه حالاً من فاعل أهلكنا بتأويل باطشين، وقوله: تسلية لأنه كما يقال البلية إذا عمت طابت، ولما فيه من الوعد له، والوعيد لهم كما سيأتي. قوله: (من القوم المسرفين الفهمهم من السياق إذ هم المخاطبون فيما مضى، ولذا قال: لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عبارة الصرف إشارة إلى أنّ فيه التفاتا، وقال الفاضل اليمني: أراد أنه خاطبهم بقوله: أفنضرب عنكم الذكر الخ، ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ولئن سألتهم الخ وما بينهما اعتراض، وليس صرف الخطاب والالتفات في قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 432 فأهلكنا أشد منهم كما ظن الطيبي إذ لا خطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم فلا التفات انتهى، وأشار الشارح المحقق بقوله، وقيل: هذا ليس من الالتفات في شيء إلى ما فيه من الخلل لأنه بعدما خاطب المشركين صرف الكلام عنهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتى بهم في جملة من شمله الضمير الغائب ففي قوله: " يأتيهم التفات "، وأما ضمير منهم فلجريه على مقتضى الظاهر لسبق التعبير بالغيبة فيه فلا التفات فيه من وجه، وأمّا قوله: ولئن سألتهم فمن تلوين الخطاب والأدباء يسمونه التفاتا أيضا كما فصل في شرح التلخيص فلا وجه للاعتراض على الطيبي رحمه الله لأن مراده ما ذكرناه، ثم إنّ ما ذكر صريح في أنّ ضمير منهم للمسرفين لا للأوّلين كما قيل ليس المقصود بيان حالهم بأنهم كالأوّلين في حالهم ولو رجع للأوّلين لم يكن بيانا لحالهم فتأمّل. قوله: (قصتهم العجيبة (تفسير للمثل كما مر ووعد الرسول بما تضمنه قصص الأنبياء المذكورة من نصرتهم ووعيدهم لإهلاك المستهزئين بهم كما جرى على الأوّلين. قوله: (لعله (الضمير لما ذكر في هذه الآية إلى آخرها من الأوصاف التي وقعت محكية بالقول، وهو دفع لما أرود عليه من أنهم لم يصفوه بهذه الأوصاف المتضمنة لقدرته الباهرة، وأن منه المبدأ والمعاد ونحوه مما ينكرونه وأيضا هذا لا يتأتى أن يكون مقولهم لقوله: فانشرنا ولا مقول الله لأنهم المسؤولون، ولقوله: ليقولن فدفعه باختيار كل من الشقين أمّا على الأوّل لا على الثاني، كما توهم فإنهم إنما قالوا خلقهن الله كما ورد في آيات أخر لكن الاسم الجليل وهو الله متضمن لهذه الأوصاف ومستلزم لها فكأنهم لما قالوا: الله ذكروا هذه الأوصاف كلها ضمناً فحكاه الله عنهم بما يلزمه ومعناه، وان لم يقصدوه، وأما على الثاني فأشار إليه بقوله: ويجوز أن يكون أي مقولهم بعضه، وهو المذكور بقوله: خلقهن العزيز العليم، ثم إنه تعالى استأنف وصف ذاته بما بعده وسيق سياقاً واحداً وحذف موصوف الذي من كلامه تعالى فجاء أوّله على الغيبة، وآخره على التكلم في قوله: أنشرنا كما في قوله تعالى حكاية عن موسى: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [سورة طه، الآية: 52] الذي جعل إلى أن قال: فأخرجنا الآية، وهذا ما اختاره في الانتصاف. قوله: الازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالاً الأنهم قالوا: الله فإن نظر إليه بعد العلمية فمدلوله الذات، وما ذكر من لوازمه التي يدل عليها بطريق دلالة الالتزام المعروفة عند البلغاء دون أهل الميزان، وإن نظر إليه بقطع النظر عن ذلك فهو موضوع لذات لها الألوهية والاتصاف بجميع صفاتها التي تلاحظ داخلة في الموضوع له كالمشخصات في غيره تعالى فهي دالة على ذلك إجمالاً بطريق التضمن، أو الأوّل مبني على أن مقولهم خلقهن الله فقط، والثاني على أنه وقع فيه ما يدل عليه إجمالاً وإلى هذين الإعتبارين أشار بقوله لازم مقولهم الخ فما قيل: إنّ بينهما عموماً وخصوصا وجهيا لاجتماعهما في اللازم البين، وافتراقهما في لازم غير مدلول ومدلول غير لازم وهذا إذا أريد اللزوم الميزاني والا فلا فرق بينهما لا وجه له، وقوله: أقيم مقامه ناظر للوجهين. قوله: (تقريرا لإلزام الحجة عليهم (في نفي إله غيره وقدرته على البعث، وقوله: قالوا الله أي خلقهق الله وقوله: وهو الذي الخ جملة حالية، والضمير دلّه اسم الذات المجتمع لجميع صفات الكمال فكأنهم قالوا من صفتك كيت وكيت، وقد عرفت معنى قوله: ويجوز أن يكون وأن الضمير فيه راجع للتوصيف كضمير لعله فلا تفكيك فيه بناء على أنه راجع لقوله: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [سورة الزخرف، الآية: 9] وضمير لعله له مع ما بعده إلى آخر الآية مع أنه مع القرينة لا ضير فيه ولا فرق بين ما ذكره المصنف والزمخشري كما توهم ومحصل ما ذكر يرجع إلى الحكاية بالمعنى كما في الشروج. قوله: (فتستقرون فيها) إفا بيان للمعنى المراد منه لأنه ورد في محل آخر قراراً، ويحتمل أنه يريد أنه مجاز مرسل أو تشبيه بليغ وقوله، وقرأ الخ لم يجعل قراءة الأكثر أصلاً لأنه غير مطرد ولا لازم، ولو عذت المواضع الذي خالف ما زعم المعترض إنه دأبه لزادت على غيرها فكيف يزعم أنه دأبه، وقوله: لكي الخ فهو ناظر إلى الفعل الثاني، وعلى ما بعده ناظر له ولما قبله. قوله: (بمقدار ينفع ولا يضر) بأق لا ينقص ولا يزيد وهذا بحسب الأكثر الأغلب والا فقد يضر ولا ينفع، وقوله: زال عنه النماء هو أحسن مما في بعض النسخ مال عنه النماء، وفي أخرى مال عنه الماء والمراد ظاهر وفي بلدة ميتا استعارة مكنية أو تصريحية وقوله: بمعنى البلد الخ وقد مر له توجيه آخر، وقيل: في نكتة العدول إنه إشارة إلى أنّ ضعفه بلغ الغاية وقوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 433 ذلك الإنشار فهو صفة مصدر من لفظ الفعل المذكور، وفي نسخة الانتشار على أنه من غير لفظه ولا وجه له وفيما ذكر دليل على إمكان البعث، وقد مر تقريره. قوله: (أصناف المخلوقات) بيان لأنّ الزوج هنا بمعنى المصنف لا بمعناه المشهور، وما قيل من أنّ ما سواه تعالى زوج لأنه لا يخلو من المقابل كفوق وتحت ويمين وشمال، والفرد المنزه عن الفقابل هو الله سبحانه وتعالى دعوى اطراده في الموجودات بأسرها لا تخلو عن النظر. قوله: (ما تركبونه على تنليب المتعدّى بنفسه الخ) يعني أنّ ما الموصولة عائدها مقدر، ولما كان الركوب في الفلك يتعدى بواسطة الحرف، وهو في قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [سورة العنكبوت، الآية: 65] وفي غيره يتعدى بنفسه كما قال لترجمبوها، وقد اجتمعا هنا فغلب المتعدي بنفسه على المتعدي بالحرف، ولذلك: قدره فيهما ما تركبونه والتغليب من المجاز، وليس التجوّز هنا في الفعل ولا في ما وضميرها في النسبة إلى المتعلق لئلا يلزم كثرة الحذف لو قدّر أو يحتمل ان ينزل تركبون منزلة اللازم أي تفعولن الركوب فيشملهما من غير تغليب والركوب قسمان ركوب في الشيء كالسفينة، والهودج وركوب عليه كالفرس، والحمار فما قيل إنه ليس فيه فعلان متغايران بالذات وهم فتأمّل. قوله: (أو المخلوق للركوب الخ) أي غلب المخلوق للركوب كالدابة على المصنوع له كالسفينة، والمحمل فالتغليب على هذا في ما وضميره الذي تعدّى إليه بنفسه دون النسبة إلى المفعول وقد كان وجهه في الأوّل أنه نظر إلى التعلق فغلب ما هو بغير واسطة على غيره وهنا التغليب في أحد المركوبين لقوّته لكونه مصنوع الخالق القدير، أو لكثرته فالفرق بين الوجوه ظاهر لاختلاف المغلب ووجهه فيها. قوله: (ولذلك) أي لأجل التغليب في الوجوه كلها إذ غلب ما ركب من الحيوان على السفن عبر عن القرار على الجميع بالاستواء على الظهور المخصوص بالدواب، وهو في غاية الظهور وكلمة على أيضاً مؤيدة لما ذكر، وان وردت فيهما في قوله: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 22] وان لم يقل إنه مشاكلة، وقيل: الإشارة بذلك إلى الوجه الثالث أو الأخيرين مع تقديره كما قررناه ولا يخفى ما فيه، وقوله: وجمعه أي ظهور مع إضافته لضمير مفرد باعتبار لفظ ما المتعدد معنى فلذا جمع رعاية لمعناه، ولفظه معا. قوله: (تذكروها يقلوبكم) فالذكر هنا بمعنى التذكر وهو ذكر قلبي من أنواع الشكر، وعطف القول عليه ظاهر فيما ذكر ولما كانت معرفة المنعم وأنعامه تستتبع الاعتراف بذلك، والحمد عليه قال معترفين الخ فالأوّل بيان لمدلوله وهذا بيان لما يلزمه من روادفه، والمذكور في النظم ما هو الأصل المعتبر أو المراد بالذكر ما يعم القلبي واللساني بناء على مذهب المصنف في تجويز استعمال اللفظ في معنييه، ولما ذكر الركوب وصوّره بقوله: لتستووا الخ الدال على انقياد الركوب، وتذلله أشار إلى أنه نعمة من الله وفضل لولاه ما تمكن منه أحد، ولذا قرن بسبحان الدال على التعجب وليس هذا وجهاً آخر كما قيل. قوله: (سبحان الذي سخر لنا هذا (أي ذلطه وجعله منقاداً وليس الإشارة للتحقير بل لتصوير الحال، وقوله: مطيقين يعني أصل معناه جعله قرنا وقرينا له ولما كان قرين الشيء مقاومه فهو مطيق له أريد به لازمه، ثم جعل ذلك معناه حقيقة لما استعمل بهذا المعنى كما قال: وأقرنت لما حملتن! وقلما يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر فقوله: إذ الاصعب الخ القرين بمعنى الكفء، والمعادل وهو بيان للمناسبة بين معناه الأصلي وما أريد منه وكونه تعليلا لقوله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} في غاية البعد وان ظن قريباً، وقوله: قرئ بالتشديد أي تشديد الراء مع فتحها وكسرها فإنه قرئ بهما وهما بمعنى المخفف. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ) قال ابن حجر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي غيرهم واً سنده الثعلبي بلفظه المذكور هنا ولم يثبته غيره، ثم إنه وقع في الكشاف اًن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب السفينة قال: " بسم الله مجراها ومرساها " واعترض عليه ابن حجر بأنه يعرف هذا رواية ولا دراية لأنه لم يعهد أنه صلى الله عليه وسلم ركب السفينة في زمان نبوّته، وذكر مثله الشارح المحقق في شرحه، وأمّا ما وقع في النسخ المشهورة وهو ما صورته، وقالوا: إذا ركب في السفينة قال: " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لففور رحيم فلا يرد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 434 عليه شيء " لأنه استطراد لبيان حال الراكب للسفينة، وما يتأدب به ومن الناس من نسبه إلى الوهم. قوله: (واتصاله الخ) بمعنى أنه ينبغي للعاقل أن يتذكر بأحواله كلها الآخرة فلذا ذكر قوله: إنا إلى ربنا الخ، وقوله: أو لأنه مخطر الخ وجه آخر بأنه على خطر فربما أوقع في الهلكة فينبغي له أن لا يغفل في حال المخاطرة عن تذكر الآخرة، ومخطر إمّا بفتح الطاء أو محل خطر أو بكسرها أي موقع في الخطر من أخطره إذا أوقعه في الخطر، وهو الخوف لما فيه من احتمال السقوط المؤذى إلى الهلاك، وقوله: فينبغي ناظر إلى الوجهين، وبه يظهر اتصال قوله: وإنا إلى ربنا لمنقلبون ومناسبته لما قبله. قوله:) متصل الخ) أو هو مستأنف، وقوله: وقد جعلوا الخ إشارة إلى وجه اتصاله به على أنّ الجملة حالية من فاعل يقولن بتقدير قد، وقوله: لأنه بضعة بكسر الباء وفتحها أي قطعة منه توجيه لاستعمال الولد كما قيل أولادنا أكبادنا، وقوله: لأنه تنازعه الفعلان، ودلالة تعليل لقوله: سماه أي الولد بعد بيان أن جعل بمعنى سمي بأنه إشارة إلى استحالته لأنّ الجزء يقتضي التركيب وقبول الانقسام، وهو سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية وما يتبعها من التركيب لأنه واحد أحد لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضا ولا خارجاً ولا ذهنا، وقوله بعد ذلك: الاعتراف بأنه الخالق المتصف بما مرّ من الصفات المقتضية لبطلان ما قالوه من نسبة الولد، وإنما قيده بما ذكر لأنه هو القبيح لتناقض أقوالهم وعودهم إلى كفرهم القديم إذ لو أريد أنّ ذلك الجعل كان قبل الإقرار كان الإقرار رجوعاً عنه مبطلاً له فلم يكن بذلك المقام من الذم، ولو أريد مقارنته له كما وقع في الكشاف إذ قال مع ذلك الاعتراف لم يناسب التعبير بالماضي، والقول: بأن بعد معنى مع خلاف ما يقتضيه الظاهر والسياق، وكذا القول أنه إلا وفق بالحال فإن قلت فكيف يفيد اللفظ ما ذكر فقد عرفنا أنه أوفق بالمقام قلت: بناء على أنه ليس المقصود ظاهره من المضيّ بل الاستمرار لأنّ الأصل فيما ثبت بقاؤه على ما كان، وهؤلاء مطبوعون على الضلال ثابتون عليه في كل حال، والماضي قد يرد لنحوه نحو كان الله عليما وأمثاله، ثم إنّ هذه الحالة يجوز أن تكون معترضة كما في الكشف فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى لا للحالية فلا يرد عليه ما ذكر، ولا ينافيه اتصالها لأن المراد به الاتصال المعنوي فتدبر. قوله: (في ذاته (متعلق باستحالته أو هو قيد وبيان للواحد الحق والمآل واحد واستحالته على الواحد لمنافاته التركيب كما مز وعلى الحق بمعنى المتحقق الثابت لأن الوجود الثاني ينافي التركيب لاحتياجه إلى ما تركب منه، وقوله: قرأ أبو بكر في بعض النسخ قرئ والأولى أولى لأن المعتاد التعبير بالمجهول في الشواذ دون السبعة، وقوله: ظاهر الكفر إن يعني به أن مبين من أبان اللازم وكفور صيغة مبالغة من كفران النعمة، ويجوز كونه من المتعدي وكفور اًي مظهر كفره، وقوله: ومن ذلك الخ بيان لما يربطه بما جعل تذييلا له، وفي الكشاف إن الجزء قيل إنه بمعنى البنت والأنتى وانه يقال لمن تلد الإناث مجزئة وتركه المصنف لقوله: إنه من بدع التفاسير، وانه لم يثبته أهل اللغة، وقد يوجه بأنّ حوّاء خلقت من جزء آدم فاستعير لكل الإناث وهو توجيه لطيف. قوله: (معنى الهمزة في أم الخ) يعني أنّ أم هنا منقطعة مقدّرة ببل والهمزة المقدرة معها للاستفهام الإنكاري على طريق التعجيب والمراد إنكار مقولهم أو قولهم على معنى كيف قالوا هذا، والجملة الشرطية معترضة لتأكيد ما أنكر عليهم أو حالية كما ارتضاه التفتازاني في شرحه، ويجوز عطفه على ما قبله، وقوله: جزأ أخس فالإنكار من جهتين الأخسية وتعدد الأخس وكثرته، وهو أشنع وأقبح وقوله: غمهم به أي بما بشر به فذكر الضمير لتأويله بما ذكر وهو معنى قوله: ظل وجهه مسودّاً فإنه عبارة عن شدة الغمّ كما سيأتي. قوله: (بالجنس الذي جعله له مثلاَ) إشارة إلى أنّ ضرب هنا بمعنى جعل المتعذي لمفعولين، وقد حذف مفعوله الأوّل وأنّ المثل هنا بمعنى الثبيه، وليس ضرب بمعنى بين والمثل بمعنى القصة العجيبة وجلع ما عبارة عن جنس الإناث لأنّ البشارة ليست بفرده وخصوصه. قوله: (صار وجهه أسود) يعني أن ظل هنا بمعنى صار مطلقا وأصل معناه دام ذلك في النهار كله، وقد مز تفسيره به في النحل، وقوله: في الغاية إشارة إلى ما في أفعل من الدلالة على المبالغة، والكآبة الغم والحزن وجملة وهو كظيم حال من ضمير ظل أو مسوذا وقد مرّ معنى الكظم ووجه دلالته على ما ذكر، ومعنى أصفاكم خصكم. قوله: (وفي ذلك) أي في جعلهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 435 له جزأ إلى هنا أنواع من الكفر وأدلة متعددة على فساد ما زعمو. إذ نسبوا له الولد، ولم يرضوا بذلك حتى جعلوه أخس النوعين وأعظم الشين مما لا يرضون نسبته لهم، وقوله: وتعريف البنين الخ إشارة إلى ما مرّ في سورة الشورى في وجه تقديم الإناث، وتنكيره وتعريف البنين وتأخيره والمراد إن التقديم لأنه الأن! سب بالمقصود إذ هو أشد في إنكار ما نسبوه له تعالى، ولما قدم منكراً جر تأخير البنين بالتعريف للإشارة إلى أنهم نصب أعينهم فالتعريف للتنويه بالذكور، وتحقير الإناث فيفيد زيادة في الإنكار، والتعجيب ولا يجري فيه ما ذكر ثمة بتمامه بعينه للفرق بين السياقين، وليس التعريف هنا للفاصلة لأنّ التنكير لا ينافيها، وقوله: قرئ مسوذ أي برفعه ومسواد للمبالغة من اسوأذ كاحمأر، وقوله: وبعت خبراً لأن ظل من النواسخ والمعنى صار المبشر مسود الوجه، وقيل: الضمير المستتر في ظل ضمير الشأن أو الفعل لازم والجملة حالية والوجه ما تقدم. قوله: (أي أو جعلوا له الخ) يعني أنّ من معمولة لفعل مقدر فيقدر بقرينة وجعلوا له من عباده الخ أو جعلوا له من ينشأ في الحلية، ولذا أو اتخذ بقرينة أم اتخذ أي أو اتخذ من ينشأ الخ ولداً ففيه تقدير فعل ومفعول، والهمزة إما مقدّمة من تأخير أو داخلة على معطوف عليه مقدر أي احترؤوا على ما ذكر وجعلوا الخ على المذهبين المشهورين، وليس إشارة إلى عطفه على مفعول جعل، أو اتخذ كما توهم لأنّ الهمزة لصدارتها تمنع منه كما لا يخفى، وقوله: من يتربى من التربية بالباء الموحدة. قوله: (مقرّر لما يدعيه الخ (هو تفسير لمبين على أنه من أبان المتعدى أي المرأة لا تقدر على تقرير مدعاها حين المخاصمة بل ربما تأتي بما يدل على خلافه، وقوله: من نقصان العقل من فيه تعليلية لعدم إبانته وتقريره لما يريده، وقوله: وفي الخصام الخ بيان لما قيل: إن المضاف إليه لا يجوز عمله فيما قبل المضاف كما ذهب إليه بعض النحاة فجعل هذا معمولاً لمقدر أي لا مبين فأشار إلى أنه لا حاجة إلى التقدير لأن غير لكونها في معنى لا يجوز فيها ذلك فليس المنع جارياً فيها على ما ارتضاه أكثر النحاة، وقد مز الكلام فيه في سورة الفاتحة، وإليه أشار بقوله: كما عرفت، وقوله: ويجوز الخ معطوف على قوله أو جعلوا الخ لأنه في معنى يقدر هذا ويجوز، وقوله: أغلاه بالغين المعجمة أو المهملة إشارة إلى أنّ القرا آت من الثلاثي أو التفعيل أو الأفعال أو المفاعلة، والمعنى فيها متحد. قوله: (كفر آخر الخ الما فيه من تنقيص الملائكة، والكذب عليهم مع ما مز من نسبة الولد وجعل الأخس له تعالى وتنزيه أنفسهم عما نسبوه له، وقوله: على تمثيل زلفاهم أي قربهم من الله بحسب الشرف والرتبة لا بحسب المكان عند من يكون عند الملك العظيم فيقبل منه الشفاعة، ويخصه بالكرامة فهو استعارة وأنثا بضمتين ككتب جمع إناث، وهو جمع أنثى فهو جمع الجمع على هذه القراءة. قوله: (فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة الخ (إشارة إلى ما مز تفصيله في الصافات فتذكره، وقوله: وقرأ نافع الخ قراءة نافع بهمزة مفتوحة، ثم بأخرى مضمومة مسهلة بين الهمزة والواو مع سكون الشين، وقرأ قالون بذلك وبوجه آخر، وهو المد بإدخال ألف للفصل بين الهمزتين والباقون بفتح الشين مع همزة واحدة فنافع أدخل همزة التوبيخ على أشهد الرباعي المجهول فسهل همزته الثانية، وأدخل ألفا كراهة اجتماع همزتين وتارة اكتفى بالتسهيل، وهو أوجه عند القراءة والباقون ادخلوا همزة الإنكار على الثلاثي والشهادة هنا بمعنى الحضور، ويجوز كونه من الإشهاد وما بعده يناسبه ولم ينقل أبو حيان رحمه الله التسهيل عن نافع بل جعله قراءة علي كرم الله وجهه وتفصيله في كتب القرا آت. قوله: (وهو وعيدا لأنّ كتابتها والسؤال عنها يقتضي العقاب، والمجازاة عليها وهو المراد والسين للتأكيد، وقد مرّ فيه كلام في سورة مريم قيل: ويجوز أن تحمل على ظاهرها من الاستقبال، ويكون ذلك إشارة إلى تأخير كتابة السيئات لرجاء التوبة والرجوع كما ورد في الحديث: " إن كاتب الحسنات آمين على كاتب السيئات فإذا أراد أن يكتبها قال له: فيتوقف سبع ساعات فإن استغفر أو تاب لم يكتب " فلما كان ذلك من شأن الكتابة قرنت بالسين وكونهم كفارا مصرين على الكفر لا يأباه كما قيل، وقوله بالياء أي التحتية معلوما ومجهولاً، وقوله: ويساءلون معطوف على معمول قرئ أي قرئ يساءلون من المفاعلة بصيغة المجهول أيضا. قوله:) فاستدلوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 436 بنفي مشيئة عدم العبادة الكونه في حيز لو الامتناعية، وهذا رد على المعتزلة وعلى الزمخشري في تفسيره للآية وجعلها دليلاً لهم فإنهم تشبثوا بظاهر الآية في أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافرين، وإنما شاء الإيمان فإن الكفار لما أدعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا: لو شاء الرحمن الخ أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها ردا لله تعالى عليهم ذلك، وأبطل اعتقادهم بقوله: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} الخ فلزم حقية خلافه، وهو عين ما ذهبوا إليه بناء على أنه معطوف على قوله: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة الزخرف، الآية: 15] جزأ أو على جعلوا الملائكة الخ فيكون كفرا آخر ويلزمه كفر القائلين بأن المقدورات كلها بمشيثة الله تعالى، وهم أهل السنة فرده بما حاصله إنه استدلال منهم بنفي مشيئة الله تعالى عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى فيكون مأموراً بها، أو حسنة ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة فقوله وذلك أي الاستدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسناً كان، أه قبيحاً ولذلك جهلهم في استدلال هذا فليس قوله: ما لهم بذلك الخ بيانا لكفرهم في مقالتهم هذه كما زعمه الزمخشريّ، ومن ضاهاه فهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة، والأوّل بيان لكفرهم، وهذا بيان لدليلهم الباطل وتزييف له لا بيان لبعض ما كفروا به فإن قلت نفي مشيئة عدم لعبادة لا يستلزم مشيئة العبادة قلت: هذا مبنيّ على انّ المشيئة تتعلق بأحد طرفي الوجود، والعدم البتة ولو سلم فمثل هذا الكلام يقصد به الاعتذار عما وقع بأنه بمشيئة الله كما وقع في شرح الكشاف للمحقق رحمه الله تعالى وال!! اصل أنّ الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلا على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها لا إلى هذا القول فإنه كلمة حق أريد بها الباطل. قوله:) يتمحلون تمحلاَ باطلاَ (أصل معنى الخرص كما قال الراغب: مغربة المقدار بطريق التخمين ولتخلفه في كثير منها أطلق على الكذب، وهو المراد هنا لأنّ التمحل والمماحلة المجادلة كما قاله الراغب أيضاً والجدال بالباطل افتراء وكذب مخصوص لا تفسير له بلازمه فما ذكره هو المطابق لما نحن فيه فما قيل: الخرص الحزر والكذب، وكل قول بالظن فينبغي تفسيره بأحد الأخيرين من ضيق العطن وقلة التدبر. قوله: (ويجوز أن تكون الإشارة (بذلك إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة ولد الله بعدما كانت إلى قولهم لو شاء الرحمن الخ فهو معطوف على قوله، ولذلك جهلهم الخ لأنه في معنى الإشارة إلى استدلالهم بما ذكر وأشار بقوله: يجوز إلى أنه خلاف الظاهر المتبادر فالاعترأض عليه بمثله صيد من المقلاة وهو وجه ثان في الردّ على الزمخشريّ، ومن حذا حذوه فليس المشار إليه تعليق عبادتهم بمشيئة الله حتى يتضمن كونها مقالة عن غير علم باطلة ردّ ما ذهب إليه أهل الحق كما زعموا، وقوله: كأنه الخ إشارة إلى أن ما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فليس بأجنبيّ حتى يقال هو فصل طويل، وقوله: حكى شبهتهم المزيفة لأنّ العبادة لها وان كنت بمشيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهى عنها لا إنها لا تتعلق به المشيئة كما ظنه هؤلاء ويكون هذا معلوما مما قرّره في الوجه الأوّل أجمله اعتماداً على الفطنة بشهادة الذوق، فما قيل من إنه لا يصلح للجواب وأنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يقصد به الجواب عما قاله الزمخشري كله من قلة التدبر، وكذا ما قيل ترك بيان تزييفه لدقته لأنه من مباحث القضاء والقدر. قوله:) نفى ان يكون لهم بها علم) أي بالدعوى المذكورة، وهذا ما اختاره الزجاج ولم يلتفت المصنف رحمه الله تعالى إلى رد الزمخشريّ، وقوله: إنه تحريف ومكابرة لأنه لما ذكر بعد كل مما مز ما يبطله كان الظاهر إنّ هذا رد لما قبله فصرفه عن ظاهره بجعله رد الأول الدعوى بعدما صرح بردها تحريف للكلام عن سننه لأنه كما قال الطيبي طيب الله ثراه على هذا يكون قوله: لو شاء الرحمن الخ جوابا لهم عما تضمنته الآيات من الإنكار والاحتجاج عليهم بعبادة الملائكة وهذا القول منهم إمارة على انقطاعهم، ودلالة على أن الحجة قد بهرتهم ولم يبق لهم متشبث سوى هذا القول كما هو ديدن المحجوج، وقد مرّ مثله في سورة الأنعام فتدبر. قوله: (ثم أضرب عنه الخ (هو جاً ر على الوجهين وفيه إشارة إلى أن أم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله: اشهدوا كما قيل لبعده وقوله: من قبل القرآن لعلمه من السياق، أو الرسول كما في الكشاف وكون الضمير لادعائهم المذكور قبله أقرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 437 معنى والمراد قولهم إنها بنات الله، وقوله: ينطق صفة كتابا وعداه بعلى لأنه بمعنى يدل وقوله: متمسكون إشارة إلى أن السين للتأكيد لا للطلب، وما قالوه ما ذكروه سابقا من الدعوى أو الاستدلال، وقوله: لا حجة الخ إشارة إلى أنّ بل لإبطال جميع ما قبله، وقوله: وتؤمّ بصيغة المجهول بمعنى تقصد والرحلة بضم الراء الرجل العظيم الذي يقصد في المهمات، وقوله: للمرحول إليه كناية عما ذكر وقرأة الكسر شاذة مروية عن مجاهد وقتادة وقوله: ومنها الدين لأنه حالة يكون عليها الناس القاصدون لما يصلح! أو لما يكونون عليه، وهو المراد هنا وقوله: وكذلك الآية قد سبق تفسيرها تفصيلاً فلذا لم يتعرض له المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (ودلالة الخ) كونه ضلالاً مفهوم من السياق، ومما مرّ وقوله بأن التنعم الخ وفقراؤهم اقتدوا بهم، وقوله: أتتبعون الخ هو على القول بأن الهمزة داخلة على معطوف عليه مقدر وهو معلوم مما قبله هنا، والتفضيل في أهدى بناء على زعمهم لا لأن دين آبائهم هاد إلى الضلال كما قيل. قوله: (وهي حكاية أمر ماض) فالتقدير فقيل: أو قلنا للنذير قل الخ وقوله: قالوا الخ فإنه حكاية عما قاله المترفون للنذير فيقتضي أن ما قبله ما أوحى إليه وينسجم ويتسق النظام، وقوله: فانتقمنا منهم أي من المترفين أو من قومك على الوجهين ويكترث يمعنى يهتم ويبالي، وقوله: ليروا الخ بيان للمراد من ذكره لمجنن هذا لقومه. قوله: (برئ) تفسير لبراء بفتح الباء الموحدة كما هو قراءة العامة، وهو مصدر كالطلاق والعتاق أريد به معنى الوصف ميالغة فلذا أطلق على الواحد وغيره وقوله: من عبادتكم الخ إشارة إلى أن ما مصدرية أو موصولة، وقوله: براء أي قرئ براء بضم الباء وهو اسم مفرد صفة مبالغة كطوال وكرام بضم الكاف لا بكسرها فإنه جمع ولم يقرأ به فقوله: كريم وكرام صفتان بمعنى واحد. قوله: (استمناء منقطع العدم دخوله فيما قبله لأنّ ما مختصة بغير ذوي العلم ولأنه لا يناسب تغليبهم عليه تعالى لأنّ تغليب غير العقلاء غير متجه، أو هذا بناء على أنهم لم يكونوا يعبدون الله تعالى أو أنّ عبادة الله تعالى مع الشرك في حكم العدم فإن قلنا ما عامة لذوي العلم وغيرهم، وانهم كانوا يعبدون الله والأصنام فهو متصل، أو ما المراد بها هنا المعنى الوصفي - فيطلق بهذا الاعتيار على العقلاء كما في نحو ما طاب لكم من النساء بمعنى الطيبات، وقد مز -- تحقيقه في تلك الآية وقوله: أو صفة معطوف على قوله استثناء يعني أن إلا بمعنى غير صفة لما وهي نكرة موصوفة لأنّ غير وما بمعناه لا يتعرف بالإضافة في مثله فلا تكون صفة لما إذا كانت موصولة، والحاصل أنّ الاستثناء إما منقطع أو متصل وهو منصوب أو مجرور بدل من ما كما قاله الزمخشري، وردّه أبو حيان بانه إنما يكون في نفي أو شبهه، وأجيب عنه بأنه في معنى النفي لأنّ التبري بمعناه كما قالوه في نحو ويأبى الله إلا أن يتم نوره وهو لا يختص بالمفرغ ولا يالفاظ مخصوصة كأبي وقلما كما أشار إليه المعرب، فإن قلت: إن الزمخشريّ قال في سورة الن! مل إنه لا يجوز الجمع بين الله وغيره في اسم واحد لما فيه من إيهام التسوية بينه تعالى، وبين غيره وهو مما يجب اجتنابه في ذاته وصفاته قلت إنما يمتنع ذلك، إذا لم يكن في الكلام ما يدل على خلافه كما في الاشتراك في الضمير وقد سلف ما يحققه في سورة الكهف، وكونها صفة لأنه لا يشترط في موصوفها أن يكون جمعا منكوراً وعلى القول باشتراطه فهو معنى موجود هنا لأنّ ما الموصولة في المعنى جمع، ولذا قدره المصنف رحمه الله تعالى بآلهة. قوله: (سيثبتني على الهداية) إشارة إلى أن السين هنا للتأكيد لا للتسويف والاستقبال لأنه قال في الشعراء يهدين بدونها، والقصة واحدة والمضارع في الموضعين للاستمرار، وقوله: أو ! سيهديني الخ فالسين على ظاهرها والمراد هداية زائدة على ما كان له أولاً فيتغاير ما في الآيتين من الحكاية أو المحكي بناء على تكرّر قصته. قوله: (أو الله) تعالى فالضمير المستتر إما لإبراهيم أو لله، والمراد بالكلمة كلمة التوحيد المفهومة من قوله: إنني براء الخ لا هذا القول بعينه لأنه كلمة لغة لأن استمرار هذا بعينه غير لازم وقوله: فيكون فيهم الخ فليس المراد بقاءها في الجميع لأنه غيو واقع، وقوله: قرئ كلمة أي بكسرها الكاف وسكون اللام وهي لغة فيها، وهذه قراءة قيس بن حميد وعاقبه و! ! ثه من خلفه، ومنه تسميته عليه الصلاة والسلام بالعاقب لأنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله. (يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده (الترجي من إبراهيم عليه الصلاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 438 والسلام فلا حاجة إلى جعلها للتعليل وقوله: يرجع الخ يعني أن الضمير للعقبا فإنه بمعنى الجمع، ولا حاجة إلى جعله من وصف الكل بوصف بعضهم أو تقدير مضاف فيه أي مشركيهم لأنه لا مانع من الترجي من الجميع لكن المصنف رحمه الله تعالى بني ما ذكره على أن الترجي من الله أو من الأنبياء في حكم المتحقق وتأويل الضمير في يرجعون ليس المرادت خصيصه بذلك كما توهم بل اكتفاء به عن ذلك لاتحادهما. قوله: (بدعاء من وحده) أو ببقاء الكلمة فيهم فإنها سبب رجوعهم، وقوله: هؤلاء تفسير للمشار إليه وضمير آباءهم لهؤلاء وقوله: بالمد متعلق بقوله متعث، وقوله: فاغتروا الخ أي لم يرجعوا فلم يعاجلهم بالعقوبة بل أعطاهم نعما أخر غير الكلمة الباقية لأجل أن يشكروا منعمها ويوحدوه فلم يفعلوا بل زاد طغيانهم لاغترارهم أو التقدير ما اكتفيت في هدايتهم بجعل الكلمة باقية بل متعتهم وأرسلت رسولاً. قوله: (على أنه تعالى اعترض به على ذاته الخ (في نسخة كأنه تعالى ومعنى اعتراضمه على ذاته إنه أخذ معه في كلام يشبه الاعتراض قصدا إلى توبيخ المشركين لا إلى تقبيح فعله تعالى كما إذا قال المحسن على من أساء له مخاطباً لنفسه أنت الداعي لإساءته بالإحسان إليه ورعايته فإذا كان من كلامه تعالى لا من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما جوّزوه فهو تجريد لا التفات وإن قيل به في مثله أيضا، وقوله: مبالغة في تغييرهم إشارة إلى أن في القراءة الأخرى تعبيرا وتوبيخا أيضا لكن في هذه زيادة توبيخ حيث أبرزه في صورة من يعترض على نفسه ويوبخها حتى كأنه مستحق لذلك فما بالك بهم كما مز في المثال السابق، وليست المبالغة من الأطناب كما قيل. قوله تعالى:) {حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ} (في هذه الغاية خفاء بنه في الكشاف وشروحه، وهو إن ما ذكر ليس غاية التمتيع إذ لا مناسبة بينهما مع أن مخالفة ما بعدها لما قبلها غير مرعى فيها، والجواب أن المراد بالتمتيع ما هو سببه من أشغالهم به عن شكر المنعم فكأنه قيل: اشغلوا به حتى جاءهم ما ذكر وهو غاية له في نفس الأمر لأنه مما ينبههم ويزجرهم لكنهم لطغيانهم عكسوا فهو كقوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [سورة البينة، الآية: 4] . قوله: (ظاهر الرسالة الخ) إشارة إلى أنه من أبان اللازم أو المتعدى كما مرّ، وقوله: زادوا شرارة نصبه على التمييز أو المفعولية لأنه جاء متعديا ولازما وهو إشارة إلى ما مرّ في الغاية وما فيها من الإشارة إلى التعكيس إذ لم ينتهوا بل زادوا شراً وفسر زيادة شرهم بقوله: فضموا الخ، وقوله: فسموا القرآن الخ هو تفسير للمعاندة كما أن استحقار الرسول بيان للاستخفاف على اصلف والنشر المرتب، ولم يقل القرآن أو دعوة الحق لأنه فسر الحق الأول بهما ولما أعيد هـ حرفة كان عين الأول كما قيل لأنهم لم يقولوا للدعوة إنها سحر، وإنما قالوه في حق القرآن فعلى تفسيره به هو ظاهر وعلى الوجه الأول فالدعوة لما كانت بالقرآن أيضا اقتصر عليه لما ذثر؟ ، فتأمّل واستحقار الرسول إما من نسبة السحر والكفر لما جاء به أو من وصف رجل القريتين بأنه عظيم فإنه تعريض بحقارة من نزل عليه، وهو الأظهر وهذا بعد تسليم أن الرسول يكون بشراً، وقوله: مكة والطائف إشارة إلى أن التعريف للعهد، وقوله: من إحدى القريتين إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً لأنه لا يكون منهما رجل واحد إلا أن يكون له بكل منهما دار يسكن في هذه تارة وفي الاخرة تارة أخرى كما قيل أو التقدير من رجال القريتين فمن تبعيضية وقد كانت ابتدائية، وقوله: فإن الخ تعليل لقوله: لولا نزل وما يفهم منه. قوله: (ولم يعلموا إنها رتبة روحانية الخ (يعني أنه تعالى خلقه على تلك الصفة لعلمه إنه سيصطفيه لرسالته، وليس هذا من مذهب الحكماء القائلين بتوقفه على تصفية ورياضات في شيء كما توهم حتى يقال إنه مبنيئ على جري العادة فيه، وقد مرّ ثفصيله في سورة الأنعام. قوله: (إنكار الخ) هو معنى الاستفهام وتحكمهم بنزول القرآن على من أرادوه فيجوز أن يكون المراد بالرحمة ظاهرها لأنه نزل تعيينهم لمن ينزل عليه الوحي منزلة التقسيم لها، وتدخل النبوّة فيها لكن أكثر المفسرين على ما ذكره المصنف لأنه المناسب لما قبله، وقوله: وهم عاجزون الخ لا ينافي أن يكون لكسبهم دخل فيها، وفيما ذكر إشارة إلى ما في تقديم الضمير من إفادة الحصر، وخويصة بتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة وهي ما يختص بالإنسان يقال عليك: بخاصة نفسك اًي ما شأنه الاختصاص بك من أمور الدنيا، ولذا صغره لحقارته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 439 عند الله لأنها لا تسوي عنده جناج بعوضة كما ورد في الحديث، وقوله: فمن أين الخ مأخوذ من مفهومه. قوله:) وإطلاق المعيشة) وهي ما يتعيش به الإنسان من القوت وغيره ف! طلاقه يقتضي ما ذكر فلا يختص كونه رزقا من الله بالحلال كما ذهب إليه الزمخشريّ، وغيره من المعتزلة وفيه ردّ على الزمخشري، وان كان كلامهم في تسميته رزقا ولم يصرّح به في الآية والكلام فيه مفصل في الأصول، وقوله: في الرزق الخ إشارة إلى أنه مطلق، وإن كان ما قبله يقتضي تقييده بما ذكر قبله من أمور التعيش وأنّ المعنى جعلنا بعضهم غنيا والآخر فقيرأ، وقوله: ليستعمل بعضهم بعضا أي ليستخدمه لأنّ السخريّ منسوب إلى السخرة وهي التذليل والتكليف على وجه الجبر فالسخري بالضم للنسبة إليها لا بمعنى الهزء ولذا قال السمين: إنّ تفسير بعضهم له باستهزاء الغنيّ بالفقير غير مناسب هنا، وقرأ أبو عمرو بن ميمون وابن محيصن وأبو رجاء وغيرهم بكسر السين والمراد به ما ذكر أيضا انتهى فالقول بأن القراء أجمعوا على ضم السين هنا خطأ إلا أن يريد السبعة أو العشرة وأطلقه لأنه المتبادر. قوله: (فيحصل بينهم (أي بين الناس الأغنياء والفقراء، والمراد بالتضام الاجتماع في الديار لأنّ الفرد لا يقدر على القيام بجميع مصالحه، ولذا ورد لا يزال الناس بخير ما تفاوتت مراتبهم ولو تساووا هلكوا، وقوله: لا لكمال فإنّ التفاوت ليس مبنيا على هذا كما قيل: ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق قوله: (ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك) المذكور من الأمرين التوسيع والتقتير، وهو إشارة لمناسبته لما قبله أو المعنى أنهم لما زعموا لزوم المال، والجاه للنبوّة قال: ذلك تحت قدرتنا وارادتنا فإعطاؤهما ومنعهما مخصوص بنا فلو كانا لازمين للنبوّة ما أهملا، والمراد بما هو أعلى النبوّة وأمور الآخرة والرحمة. قوله: (والعظيم من رزق منها لا منه (ضمير منها للرحمة ومنه لما يجمعون، وفيه إشارة إلى أنّ التعظيم من عظمة الله برحمته من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن تابعهم لا من عظموه كعظيم القريتين. قوله: الولا أن يرغبوا في الكفر الخ) قدر الزمخشري فيه مضافا فقال: كراهة أن يجتمعوا على الكفر لجعلنا لحقاة زهرة الدنيا للكفار ما ذكر من زخرفها، والغرض من تقديره أنّ كراهة الاجتماع هي المانعة من تمتيع الكفار بها إذ لو لامتناع التالي لوجود المقدّم، وهو مبنيّ على تبيين وجه الحكمة لا على وجوب رعاية المصلحة وارادة الإيمان من الخلق كما قيل ولما كان معنى كونهم أمة واحدة اجتماعهم على أمر واحد أريد به الكفر بقرينة الجواب فليس هذا من مفهوم الكلام ولازمه كما توهم. قوله: (جمع معرج) بفتح الميم وكسرها وهي السلم وكذا المعراج، ويكون مصدراً بمعنى العروج والصعود، وقوله: يعلون السطوح جمع سطح إشارة إلى أنّ يظهرون معناه هنا يكونون على ظهرها وهو أصل معناه، وقوله: لحقارة الدنيا علة متعلقة بجعلنا. قوله: (أو علة الخ (فاللام الأولى صلة لتعديه باللام فهو بمنزلة المفعول به، والثانية تعليلية فهو بمنزلة المفعول وليس المراد أنهما للتعليل، والثانية بدل من الأولى كما قيل لأنّ التقابل يأباه ولا تسامح في عبارة المصنف على النسخ التي عندنا وفي بعضها علة له، والضمير راجع للفعل لفهمه من السياق وقيل: إنه راجع لمن يكفر بالرحمن على التسامح لأنه لما علل الفعل بعد تعلق الأوّل به جعل علة له، وكذا المثال المذكور لأن معنى لقميصه ليكون له قميصاً فلا بعد فيه كما توهم مع أنه مشاحة في المثال، وفي نسخة وقد يقال: الأولى للملك ولاثانية للاختصاص كوهبت الحبل لزيد لدابته فيتعلقان بالفعل لا على أنّ الثاني بدل كما قاله أبو حيان حتى يرد عليه أنه أعيد فيه العامل فلا بد من اتحادهما معنى مع أنه لا مانع من أن يبدل المجموع من المجموع بدون اعتبار إعادة فتأمّل. قوله: (وقرا ابن كثير الخ) من قرأ سقفا بفتح فسكون على الإفراد لأنه اسم جنس يطلق على الواحد، وما فوقه وهو المراد بقرينة البيوت وسقفا بضم فسكون تخفيفا للضمة وهو جمع سقف أو سقيفة كصحف وصحيفة وسقوف جمع كفلس، وفلوس وسقفا نجتحتين لغة في سقف أصلية لا تحريك ساكن لأنه لا وجه له. قوله:) ولبيوتهم (أعاده لأنه ابتداء آية وسرر جمع سرير بضم الراء وفرئ بفتحها في الشواذ وهو لغة في جمع فعيل المضاعف وفيه كلام للنحاة، وقوله: من فضة إشارة إلى أنّ القيد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 440 ملاحظ في الجميع بناء على أنّ العطف ظاهر في التشريك في القيد، وإن تقدم كما ذهب إليه الزمخشري. قوله:) وزينة (تفسير للزخرف، وكذا قوله أو ذهبا فإنه ورد بكل من المعنيين في اللغة، والظاهر أنه حقيقة فيهما وقيل إنه حقيقة في الزينة ولكون كمالها بالذهب استعمل فيه أيضا كما مز في الإسراء، وذكره الراغب فليس بالعكس كما قيل وإن كان ما ذكره الجوهرفي يخالفه، وقوله: عطفا على محل من فضة يعني أنه إذا كان بمعنى الزينة فهو منصوب بجعل معطوف على مفعوله الصريح وإذا كان بمعنى ذهباً فهو معطوف على محل من فضة كأنه قيل سقفا من فضة وذهب أي بعضها كذا وبعضها كذا، ويجوز عطفه على سقفا أيضا. قوله:) واللام هي الفارقة (بين المخففة وغيرها وهذا على قراءة الشخفيف، وما زائدة أو موصولة بتقدير لما هو متاع الخ وقوله: بخلاف عنه أي الرواية عنه مختلفة، وقوله: وقرئ به أي بالإبدال لما لا بلما كما توهم والأصل توافق القراءتين معنى، وقوله: وما أي في موضع أن فهو يدل على أنها نافية في تلك القراءة والكلام على لما بمعنى إلا مفصل في المغني وغيره. قوله:) عن الكفر والمعاصي (متعلق بالمتقين، وقوله: وفيه أي في قوله ورحمة ربك أو في قوله والآخرة والظاهر الأول، وذلك إشارة إلى الزخرف الماضي وحتى يجتمع علة لعدم الجعل وغاية له وهو راجع لما، وقوله: مخل به أي بما لهم في الآخرة، وقوله: لما فيه أي في التمتع. قوله:) عن ذكر الرحمن (إن أريد به القرآن فالمصدر مضاف لفاعله وإلا فهو مضاف لمفعوله وهذا حال ص تعامي عن الذكر فكيف من تعامي عن المذكور. قوله:) يتعام ويعرض! عنه (العطف للتفسير لأن المراد من التعامي الإعراض قال الأزهريّ في التهذيب: قال الفراء معناه من يعرض عن ذكر الرحمن، ومن قرأ يعش كيرض بفتحتين فمعناه يعم عنه وقال القتيبي: معناه يظلم بصره وهر قول أبي عبيدة ولم أر أحدا يجيز عشوت عنه إذا أعرض! ت، وإنما يقال: تعاشيت وتعاميت ص ص الشيء إذا تغافلت عنه كأني لم أره وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف، وقا أغفل موضع الصواب، واعترض فلا يغتر به ناظر فيه والعرب تقول عشوت عن النار أعرضص! عنها ومضيت عن ضوئها فيفرقون بين إدخال إلى وعن كما ترى وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه يقال: عشى الرجل كعلم إذا صار أعشى لا يبصر ليلاً وعشا عنه كقعد إذا مضى عنه، واليه إذا قصده مهدياً بضوء ناره قال: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خيرنارعندها خيرموقد وهو الصحيح وإنما غفل عنه ابن قتيبة وهكذا فسر الزجاج يعيش بيعرض انتهى، فليس فيه تسامح وتفسير له بما هو قريب منه كما قيل. قوله: (يقال عشى الخ) عرج الأوّل بكسر الراء والثاني بفتحها وهذا معنى ما في الكشاف، وفي القاموس يقال: عرج إذا أصابه شيء في رجله وليس بخلقة فإذا كان بخلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة فقد علمت أنّ فيه خلافا لأهل اللغة، ولا فرق بينهما على القول الأوّل كما توهم. قوله: (على انّ من موصولة (لا شرطية جازمة وهذا بناء على الفصيح المطرد فلا يرد أنه يجوز أن تكون شرطية جازمة بدليل أنه لم يقرأ نقيض مرفوعا واتفقوا على زمه فالمدة إمّا للإشباع أو هو على لغة من يجزم المعتل الآخر بحذف الحركة، أو هو جمع رعاية لمعنى من بقرينة ما بعده وهو بعيد جداً أو هو مرفوع سكن تخفيفا كما في تفسير الكواشي، وقيل: إنه جزم نقيض تشبيهاً إلى الموصولة بالشرطية في جزم خبرها كما أدخلوا عليه الفاء لذلك واذا ورد مثله في الذي وهي ليست مشتركة بين الموصولية والشرطية في نحو قوله: كذأك الذي يبغي على الناس ظالما تصبه على رغم عواقرما صنع ففي من المشتركة أولى إلا أنه مقيس عند البصريين كما قاله أبو حيان فتأمل. قوله تعالى: ( {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} ) التقييض التقدير، وقيل: التهيئة وقوله: يوسوسه ويغويه بيان لمقارنته بذلك وانها لذلك، وقوله: دائماً من الجملة الدالة على الدوام والثبات، وقوله: من رفع الخ تقدّم الكلام عليه وكأنه يشير إلى أنّ هذه القراءة شاذة يحتمل أنّ من قرأ بها يرفع نقيض فلا يحتاج إلى توجيه. قوله: (عن الطريق الذي من حقه أن يسيل (أي يدخل ويسلك، وهو إشارة إلى أنّ تعريفه للعهد، وقوله: وجمع الخ واستدل به صاحب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 441 الانتصاف على قول إمام الحرمين إنّ النكرة في سياق الشرط تعم، وأنه يجوز رعاية اللفظ بعد رعاية المعنى لقوله: جاءنا بعده، وله نظائر وفيه خلاف فقيل لا يجوز، وقيل: يجوز وقيل: إنه يجوز مع تعدد الجمل ويمتنع بدونه فأعرفه، والعاشي بالعين المهملة معنى قوله: من يعش والمقيض بزنة المفعول، وأراد بالضميرين نوعيهما أي ضمير الشيطان والعاشي والا فهي ثلاثة. قوله: (الضمائر الثلالة الأول (بتشديد الواو مفرد لا بتخفيفها جمع، وهو بدل مع ما عطف علجه من الضمائر أو الملاثمة والمراد بالأوّل ضمير يحسبون، وقوله: له أي للعاشي باعتبار معناه والباقيان ضمير أنهم والمستتر في مهتدون أي يحسب المعني إنّ الشياطين مهتدون لسبيل الحق فيتبعونهم، ولو أرجعت الثلاثة من غير تفكيك للعاشين أي العمي يظنون أنهم مهتدون للحق مع أنّ شياطينهم صدّوهم عنه جاز من غير تكلف كما ارتضإه السمرقندي، وما قيل من أن الأوّل بضم الهمزة وتخفيف الواو جمع أولى وأنّ الضمائر خمسة فأحدها المذكور قبل قوله: يصدون وثانيها: المذكور بعده وكونه أوّل باعتبار قحاده مع الأوّل وثالثها ضمير لجسبون، والباقيان ضمير يصدّون والمذكور بعد يحسبون للشيطان تحريف بعيد عن الصواب، والأوّل ما عليه أرباب الحواشي الموثوق بهم. قوله: (أي العاشي) إشارة إلى أنّ الضمير عائد لم مراعى فيه لفظه بالإفراد بعدما روعي معناه-- كما " مرّ، وكذا هو فيما بعده وقوله: بعد المشرق من المغرق أي والمغرب من المشرق لاستلزام بعد أحدهما عن الآخر بعد الآخر عنه ولذا فسر الزمخشريّ البعد بالتباعد، إذ لا خفاء في أنه ليس المراد بعدهما عن شيء آخر فاختصر لعدم الإلباس، وقد صار مثلاً في غاة البعد، وقوله: فغلب المشرق أي على المغرب حتى سمي مثرقا ثم ثني، وقوله: وأضيف البعد إليهما أي وكان حقه أن يضاف لأحدهما لأنه من الأمور النسبية التي تقوم بأحد شيئين وتتعلق بالآخر فغلب القيام على التعلق في النسبة الإضافية أيضا ففيه تغليبان، وقيل المراد بالمشرقين مشرقا الصيف والشتاء والتقدير من المغربين فاختصر، وقوله: أنت بناء على أنه من كلامه، ويجوز أن يكون من كلام الله. قوله: (ما أنتا عليه (أي فاعل ينفعكم ضمير مستتر يعود إلى ما يفهم مما قبله أي التمني أو الندم أو القول المذكور، وقوله: إذ صح أنكم ظلمتم أي تحقق وتبين أو هو لدفع السؤال بأنّ إذ ظرف لما مضى في الدنيا إذ ظلمهم فيها فما معنى إبداله من اليوم وهو يوم القيامة، وتعلقه بينفعكم المستقبل ولتأويله بما ذكر صح ذلك، وقد أورد عليه أنّ السؤال عائد لإذ صح واذ لتحقق الوقوع في الماضي، وقال ابن جنى: إنه أفاده أبو عليّ بعد المراجعة أنّ الدنيا والآخرة متصلتان مستويتان في علمه تعالى، وحكمه فكان إذ مستقبلاً واليوم ماض فصح ذلك وقدره أبو البقاء بعد إد ظلمتم ودفعه أنّ الخبر ليس على حقيقته بل هو لتحققه نزل منزلة الماضي، ومثله: شائع ولذا لم يتعرّضوا له وأمّا ادّعاء أنها تكون بمعنى إذا للاستقبال وتعليلية مجرّدة عن الزمان فعدم قوته عند أهل العربية تغني عن الاعتراض عليه، وأمّا ما نقله ابن جنى عن أستاذه من أنه تعالى لا يجري عليه زمان فالمضي، والاستقبال عنده بمنزلة الحال فيردّه أن المعتبر حال الحكاية والكلام فيها وارد على ما تعارفه العرب ولولاه لسد باب النكات، ولغت الاعتبارات في العبارات، ومثله: غنيّ عن البيان وأمّا استشكاله أعمال الفعل المقارن للن الاستقبالية في اليوم وهو الزمان الحاضر، وإذ وهو الماضي فيدفع الثاني ما قدروه لأنّ تبين الحال يكون في الاستقبال والأوّل بأنّ اليوم تعريفه للعهد وهو يوم القيامة لا للحضور كتعريف الآن، وإن كان نوعا منه أو ينزل منزلة الحاضر وأمّا كون الاستقبال إلى وقت الخطاب وهو بعض أوقات اليوم فمع ما فيه من التكلف غير خفيئ ما فيه من الخلل فتدبر. قوله: الآنّ حقكم الخ (يعني أن قبله حرف جرّ مقدر على تقدير الفاعل ضميراً كما مرّ، وقوله: كما كنتم الخ المراد نسبة الظلم لأنفسهم وذكره بيانا للواقع لا لأنّ له دخلا في التعليل حتى يقال لا وجه له، وقوله: إذ لكل الخ تعليل لعدم النفع وأنه اشتراك على وجه لا يمكن فيه المعاونة أو التأسي، وقوله: وهو يقوي الأوّل معنى ولفظا لأنه لا يمكن أن يكون فاعلا فيتعين الإضمار، ولأنّ المكسورة في جملة تعليلية فيناسب تقدير اللام وهي قراءة ابن عامر فلا يناسب سياقه مساق المجههول. قوله: (من أنّ يكون هو الذي الخ) إشارة إلى أنّ تقديم أنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 442 للحسر أي إذا لم يهد الله لم تهدهم أنت والتمزن على الكفر عتياده، وقوله: بحيث صار الخ إشارة إلى ما فيه من الترقي بعد قوله ومن يعش، وقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ فشبه إتعابه نفسه حيث لا فائدة فيه بمن ينادي أصم أو يدل أعمى على الطريق بقوله، وقوله: تغاير الوصفين يعني العمي والضلال بحسب المفهوم وان اتحدا مآلاً، وقوله: وفيه إشعار نكتة العطف، وقوله: لذلك أي العمي أو الإنكار وقوله لا يخفى تفسير مبين، ولذا لم يقدر على هدايتهم كغيرهم. قوله:) في استجلاب النون المؤكدة (يعني هي مئله حكما لأنها لازمة أو كاللازمة فيها ومعنى لأنها لا تدخل المستقبل إذا كان خبرا لا بعد ما يدل على التأكيد، وقوله: بعذاب وفي نسخة بعدك وذكر عذاب الدارين مخالفا للزمخشريّ في اقتصاره على عذاب الآخرة لقوله في آية أخرى: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [سورة غافر، الآية: 77] والقرآن يفسر بعضه بعضاً لأنه أتم فائدة ولإطلاق الانتقام المذكور هنا وأمّا في تلك الآية فليس فيها ذكره فلا يلزم حمل ما هنا عليه. قوله:) أو إن أردنا الخ) إنما ذكر الإرادة لأنها أنسب بذكر الاقتدار بعده وفي تعبيره بالوعد، وهو لا يخلف الميعاد إشارة إلى أنه هو الواقع وهكذا كان إذ لم يفلت أحد من صناديدهم إلا من تحصن بالإيمان، وقوله: فاستمسك الخ تسلية له صلى الله عليه وسلم وأمر لأفته أو له بالدوام على التمسك، والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا كان أحد هذين واقعاً لا محالة فاستمسك، وقوله: إنه أي ما أوحى والمراد به القرآن، وقوله: لشرف وتنويه بقدرك وبقدر أقتك لما أعطاهه لهم بسببه ولما خصهم به لنزوله بلسانهم، ويجوز أن يراد بالذكر الموعظة. قوله:) واسأل أممهم الخ (فهو بتقدير مضاف أو بجعل سؤالهم بمنزلة سؤال أنبيائهم، وهذا الوجه أخره الزمخشري رحمه الله والمصنف رحمه الله اقتصر عليه لتبادره، والأصل الحقيقة والتقدير مع القرينة أسهل من التجوّز بجعل السؤال عبارة عن النظر والفحص عن مللهم، وشرائعهم كما في سؤال الديار ونحوه، من قولهم: سل الأرض! من شق أنهارك، وهذا إنما يكون مرجحاً على تقرير التقدير لا على ما بعده كما قيل، وقيل إنه على ظاهره وقد جمع له صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس لما أسرى به فأضهم، وقيل له: سلهم فلم يشكل عليه ما يسأل عنه مما ذكر وترك هذا لأن المراد إلزام المشركين، وتقرير ابهذا السؤال وهم منكرون الاسراء قوله: (هل حكمنا) تفسير لجعلنا هنا وقوله فإنه أي التوحيد والطعن في الأوثان أقوى ما حملهم على مخالفته، وقيل إنه راجع لكونه بدعا أي مخترعا على زعمهم لقولهم: {مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 24] وقوله: ومناقضة قولهم الخ أي إبطاله لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام مع عدم زخارف الدنيا لديه كان له مع فرعون وهو ملك جبار ما كان وقد أيده الله بوحيه وما أنزل عليه، وقوله: إلى التوحيد المراد به عبادة الله وحده دون غيره ولو منفرداً أو مشركا فلا يرد عليه أن فرعون وقومه غير مشركين لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سورة القصص، الآية: 38] كما قيل مع أنه فيه بحث. قوله: (فاجؤوا وقت ضحكهم (إشارة إلى أنّ ناصبها مقدر بما ذكر وهو العامل في لما وتقديره كذلك ليكون جوابها فعلاً ماضياً كما هو المعروف فيها، وأنّ إذا مفعول به له لا ظرف كما ارتضاه الزمخشري، فما قيل إن نصبها بفعل المفاجأة المقدر هكذا لم يقله أحد من النحاة لا يلتفت إليه وتفصيله في شرح المغني. قوله: (إلا وهي بالغة الخ (إشارة إلى ما يرد عليه من لزوم كون كل واحدة فاضلة، ومفضولة معاً وهي تؤدّي إلى التناقض وتفضيل الشيء على نفسه لعموم آية في النفي ودفعه بأنه كناية أو تمثيل وليس المراد به إثبات الزيادة لكل واحد على كل واحد حقيقة بل لبيان اتصاف الكل بالكمال بحيث لا يظهر التفاوت، ويظن كل ناظر إلى كل منها أنها أفضل من البواقي أو الاختلاف عند المفضلين والمراد بأختها مثلها في أنها آية دالة على النبوّة. قوله: (من تلق الخ (هو من قصيدة لعبيد بن العرندس الحماسي منها: أني سألوا الخيريعطوه وقد جهدوا فالحمد يخرج منهم طيب أخبار هينون لينون أيسار ذوو كرم سوّاس مكرمة أبناء أيسار من تلق منهم الخ. قوله: (أو إلا وهي مختصة بنوع اليئ) فالمراد بأفعل الزيادة من وجه فلا يلزم شيء مما ذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 443 والظاهر أنه حقيقة، وقيل إنها مجاز لأن المصادر التي تتضمنها الأفعال، والأسماء المشتقة منها تدل على الماهية لا الفرد المنتشر وفيه نظر. قوله:) على وجه يرجى الخ) إشارة إلى الجواب عما يقال إنّ الرجاء منه تعالى محال، وقد مرّ تفسيرها بكى وما فيه فالمراد أنّ الترجي فيه وفي أمثاله من العباد، ولما كان الترجي فيه غير معين فسره بما ذكر وفيه إشارة إلى الردّ على الزمخشري حيث فسره بالإرادة هنا بناء على مذهبه، والكلام فيه مفصل في شروحه. قوله: (نادوه بذلك (أي بقولهم: يا أيها الساحر الصريح في نسبته إلى الباطل وهو مناف لما بعده من طلب الدعاء منه ومنه قولهم: إنا لمهتدون كما في الكشاف فكان ينبغي أن يقولوا: يا موسى ونحوه كما في آية أخرى يا موسى ادع الخ مما ينتظم مع ما بعده، ولذا أشار إلى التوفيق بأنّ ما وقع من النداء به جار على مقتضى ما جبلوا عليه من الشذة والحدة وعلى نهج ما ألفوه من تحقيره، ولذا سبق لسانهم له، وأما كونهم قالوا يا موسى فحكاه الله عنهم بغير عبارتهم على وفق ما في قلوبهم من اعتقاد أنه ساحر كما سموا النبيّ صلى الله عليه وسلم ساحراً ليكون تسلية كما مرّ فغير مناسب لما بعده، وكونه مناسباً للحال لا يفيد هنا. قوله: (لشدّة شكيمتهم (هو مجاز أوكناية عن العناد وعدم الانقياد كما مرّ وترك ما في الكشاف من التوفيق بأن قولهم: إننا لمهتدون وعد منهم باتباعه وقد عرفوا بأخلافه لأنه لا يدفع السؤال كما قاله الشارح المحقق لأن إظهاوه لا يناسب مقام التضرّع ففيه رد ضمني على ما في الكشاف، وقوله: قرأ ابن عامر بضم الهاء أي من آيه وهو في بعض النسخ، وقد سقط من بعضها لأنه قدم تفصيله في سورة النور وانه لما سقطت ألفه اتبعت الهاء الياء فبنيت على الضم كما في يا زيد العاقل فتذكره. قوله:) أي تدعو لنا الخ (هو تفسير لحاصل المعنى وقد سقط من بعض ا! لنسخ هنا وذكر عند قوله: إنا لمهتدون بشرط أن تدعو الخ، وهو إشارة إلى أنّ الأمر في معنى الخبر والمراد إن تدع لنا فيكشف عنا نتبعك ونهتد. قوله: (بعهده عندك من النبوّة الخ) ما تحتمل الموصولية والمصدرية وإليه أشار بقوله بعهده، واختاره لعدم احتياجه للتقدير وفيه إشارة إلى أن فيه أربعة أوجه منها أنّ العهد النبوّة وهو الأظهر، ولذا قدمه المصنف رحمه الله، وقد مرّ في الأعراف وجه تسميتها عهداً ووجه تعلق الباء، ومنها أنّ العهد استجابة الدعوة كأنه قيل بما عاهدك عليه مكرماً لك من استجابة دعائك، ومنها أنّ العهد كشف العذاب ومنها أنّ العهد الإيمان- والطاعة وهو من عهد عليه أن يفعل كذا أي أخذ منه العهد على فعله ومته عهد الولاة، والأولى على هذا 1 أن تكون ما موصولة، واليه أشار بقوله: بما عهد الخ أخذ منه العهد على فعله ومنه عهد الولاة، والأولى على هذا أن تكون ما موصولة، وإليه أشار بقوله: بما عهد الخ لكن السياق ينبو عنه لفظا ومعنى، ولذا أنجره المصنف والأظهر أن الباء للوسيلة والسببية وقد قيل إنها على الثاني والثالث للقسم، وقد اقتصر في الأعراف على الوجه الثاني لأنه أظهرها. قوله: (فاجؤوا نكث عهدهم بالاهتداء (متعلق بعهدهم ولا حاجة إلى تقدير وقت نكثهم لأنّ المفاجأ في الحقيقة النكث لا وقته، وإن كان مفعول فاجأ اسم الزمان كما مز وقد تقدم وجهه. قوله: (بنفسه أو بمناديه (يعني أنّ إسناد النداء إلى فرعون إمّا على حقيقته وظاهره، والمراد بندائه رفع صوته به في مجلسه فإنه معنى النداء أو هو إسناد مجازي والمعنى أمر بالنداء كما يقال بنى الأمير المدينة، وقوله: نادى معطوف على فاجؤوا المقدر. قوله: (في مجمعهم أو فيما بينهم الخ) يعني إنه نادى بنفسه فكان الظاهر نادى قومه فنزل منزلة اللازم وعدى بفي كقوله: يجرح في عراقيبها نصلي للدلالة على تمكين النداء فيهم لأنه في مجامع الناس وعلى رؤوس الإشهاد وفيه أيضاً توجيه للظرفية وقوله: مخافة الخ علة لقوله نادى، وقوله: ومعظمها الخ أي أكبرها فالمراد بالنهر ما يعرف الآن بالخليج وقد فتح منه خلجان متشعبة إلى أطرافها لتسقي العباد، والبلاد كما هو معروف فيها ولكل منها اسم يخصه فنهر الملك سمي به قديما ووجهه مذكور في كتاب الخطط، وطولون اسم سلطان مشهور، وهو ممنوع من الصرف ودمياط بالدال المهملة مدينة معروفة قال ابن خلكان: وأصلها بالسريانية ذمياط بذال معجمة ومعناها القدرة الربانية لما فيها من مجمع البحرين الملح والعذب، وقيل: هو اسم بانيها وتنيس كسكين بلدة بقربها يعمل فيها ثياب فاخرة مشهورة، فإن قلت نهر طولون إسلامي حفرة أحمد بن طولون ملك مصر فلا يصح تفسير قول فرعون به، قلت كذاك أورده بعضهم وخطأ المصنف فيه فإقا أن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 444 يكون بيانا للمراد بالأنهار في الآية وأنها الخلجان مع قطع النظر عن خصوصها، أو يكون ذلك قديما اندرس فجدده ابن طولون. قوله: (تحت قصري الخ) فالتحتية إمّا مكانية أو معنوية وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم لأنّ العطف بأو لا بالواو في النسخ، وإن كان مثله يجوز عند المصنف وإذا جرى من تحت قصره حقيقة فقد جرى من مكان تحته، وعلى أن المراد تحت أمري فاستعلاؤه عليه معنوي واذا كان قدامه وبين يديه في جنانه فالتحتية باعتبار أنه في مكان منخفض عن مكانه ففيه تجوّز آخر، وعلى الحالية فهو حال من ضمير المتكلم ويجوز على الابتداء أيضا والخبرية العطف أيضا على اسم ليس وخبرها. قوله: (ذلك) إشارة إلى مفعوله المقدر والإشارة إلى ما ذكر ويجوز أن يكون معناه أليس لكم بصرا وبصيرة، وقوله: مع هذه المملكة والبسطة أي السعة في الملك والمال وهو بيان لجهة الخيرية فيه، وقوله: وهي القلة وتكون بمعنى الابتذال والذلة وهو مناسب هنا أيضا وضمير لما به لموسى عليه السلام، والرتة بضم الراء المهملة وتشديد التاء الفوقية اللثغة واللكنة، والعقلة في اللسان وقد زالت منه بدعائه وهل بقي أثر شيء منها أو لا مرّ الكلام فيه، وقوله: فكيف الخ كله كلام فرعون. قوله:) وأم إما منقطعة (اختاره لما فيه من عدم التعادل اللازم أو الأحسن في المتصلة، وقوله: للتقرير أي الحمل على الإقرار بفضله وخيريته، وقوله: إذ قدم إذ فيه للتعليل أي لأنّ فرعون قدم بعض أسباب فضله الداعية للإقرار إذا حملهم عليه. قوله:) على إقامة المسبب مقام السبب الخ (أي هو على الاتصال المنقول عن سيبويه، والخليل في هذه الآية تكون الاسمية مؤوّلة بفعلية معادلة لفظا ومعنى على أنه أقيم المسبب عنها مقامها والأصل ما ذكره فأقيم خبريته باعتبار العلم بها مقام أبصارهم لأن المسبب هو علمهم بخيريته لا الخيرية نفسها فالمراد أم أنا خير عندكم، وفي علمكم وجعله الزمخشري من تنزيل السبب منزلة المسبب عكس ما قاله المصنف وقرّره الشارح المحقق بأن قوله: أنا خير سبب لقولهم من جهة بعثه على النظر في أحواله واستعداده لما ادّعاه، وقولهم: أنت خير سبب لكونهم بصراء عنده فأنا خير سبب له بالواسطة لكن لا يخفى أنه سبب للعلم بذلك والحكم، وأما بحسب الوجود فالأمر بالعكس لأنّ أبصارهم سبب لقولهيم أنت خير، ولذا قال المصنف إنه من إقامة المسبب الخ وهو اعتراضى على المدقق إذ قرره بأن فرعون لما قدم أسباب البسطة عقبه بقوله: أفلا تبصرون الخ استبصارا لهم وتنبيها على أنه لا يخفى على ذي عينين فقال: أم أنا خير أي أتبصرون أني مقدم متبوع والعدول للتنبيه على أنّ هذا الشق هو المسلم لا محالة فكأنه محكي عن لسانهم بعدما أبصروا، وهو أسلوب عجيب وفق غريب وجعله الزمخشري من إنزال السبب مكان المسبب لأنّ كونه خيراً في نفسه بحصول أسباب التقدم والملك سبب، لأن يقال فيه أنت خير، وقوله: أنا خير سبب لكونهم بصراء عنده وسبب السبب سبب فلا يرد أنّ السبب قولهم: أنت خير لا قوله: أنا خير، وعكس القاضي على زعمه إبطال مدعي موسى عليه الصلاة والسلام، وهو بحسب العلم به مسبب عن أبصارهم لكونه باعثا عليه أمّا بحسب الخارج فبالعكس لأنه لما قال: أنا خير بعد بيان ما يقتضيه استبصروا وتفكروا فأقرّوا بذلك، وقالوا: أنت خير فنظر كل من الشيخين غير نظر الآخر فما قيل من إنه تطويل للمسافة أو فيه طيّ على نهج الاحتباك ناشئ من عدم التدبر فافهم. قوله:) والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون) فهي بهذا الاعتبار المعلوم مما قرره متصلة لظهور التعادل، وإن كانت بحسب الظاهر ليست كذلك، ولذا قال أبو البقاء رحمه الله: إنها منقطعة لفظا متصلة معنى فمن اعترض عليه لم يصب إذ ظن مخالفته لما أجمع عليه النحاة وأبصارهم سبب لحكمهم بخيريته فتدبر. قوله تعالى: ( {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (معطوف على الصلة أو مستأنف أو حال ويبين قرئ بضم الياء وفتحها من أبان وبان. قوله: (فهلا ألقى عليه مقاليد الملك (هو كناية عن تمليكه كما أنّ ما في النظم كذلك، وقوله: إذ كانوا الخ تعليل لجعله كناية عما ذكر وهو من تتمة كلام فرعون لزعمه أنّ الرياسة من لوازم الرسالة كما قاله: كفار قريش في عظيم القريتين. قوله: (وأساورة جمع أسواو (بضم الهمزة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 445 بمعنى السوار بكسر السين وضمها وهو معروف، وقوله: على تعويض التاء فإنها تكون في الجمع المحذوف مدته للعوض عنها كما في زنادقة جمع زنديق، وقوله: جمع [سورة يعني أنه جمع الجمع. قوله: (مقرونين (أي به ويعينونه بيان للمراد من كونهم مقرونين به وأنه كناية أو مجاز عن الإعانة أو التصديق، ولولاه لم يكن لذكره بعد قوله: معه فائدة وهو لازم لأنه مطاوع قرنته فلذا دل على كونهم مقرونين به لأنه لازم معناه، أو لأنه بمعنى متقارنين لأن الافتعال يكون بمعنى التفاعل أيضا والمعنى فيهما متحد ولا حاجة إلى جعل متقارنين بمعنى مجتمعين كثيرين، والاقتران في الإعانة حسي وفي التصديق معنوي. قوله: (فطلب منهم الخفة) فالسين للطلب على حقيقتها، ومعنى الخفة السرعة لإجابته ومتابعته كما يقال هم خفوف إذا دعوا وهو مجاز مشهور أو المقصود وجدهم خفيفة أحلامهم أي قليلة عقولهم فصيغة الاستفعال للوجدان كالأفعال كما يقال: أحمدته وجدته محمودا وفي نسبته إلى القوم تجوّز في النسبة، وقوله: فيما أمرهم به لأن محصل ما قبله أمر باتباعه دون موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: فلذلك الخ إشارة إلى أنّ هذه الجملة تفيد التعليل كما في أمثاله. قوله:) أسف إذا اشتدّ غضبه (ولما كان الأسف انفعالاً نفسانيا لا ينسب له تعالى فسر بوجهين عملوا أعمالاً توجب الغضب، والانتقام أو المراد أغضبونا. قوله:) يقتدون بهم الخ (فهو استعارة لأنّ الخلف يقتدي بالسلف فلما أقتدوا بهم في الكفر جعلوا كأنهم اقتدوا بهم في حلول الغضب بهم كما نزل بسلفهم، ومن لم يقف على المراد فسره بسالفين بمعنى هالكين لأنه لا يناسب الاقتداء بهم في الغضب، والغرق وإذا كان مصدراً كالغضب صح إطلاقه على القليل والكثير، والمراد بالجمع ظاهره أو أنه اسم جمع لأن فعلاً ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات، والسليف كالفريق لفظاً ومعنى والثلة جماعة من الناس، وقوله: بإبدال ضمة اللام الخ بناء على أنه قد يقال في فعل بالضم كجدد جدد بفتح الدال تخفيفا وما بعده على أنه صيغة أصلية. قوله: (وعظة لهم) لأنّ السعيد من اتعظ بغيره فذكر ما حل بهم عظة لمن بعدهم أو المراد قصة عجيبة مشهورة فإن المثل يرد بهذا المعنى كما مر، وقوله: فيقال مثلكم الخ هذا بناء على أنّ المراد بالآخرين الكفار لتعلقه على التنازع بالسلف والمثل، وضرب المثل بأولئك لا يختص بالكفار فلذا جعل كونه مثلا لهم بمني أنه مثلهم في مضمونه، وفسره بما ذكر ولو تعلق بالثاني، وعمم الآخرين بما يشمل المؤمنين لم يحتج إلى تأويله بما ذكر. قوله:) ضربه ابن الزبعري (هو عبد القه الصحابيّ المشهور والزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين والراء المهملة والألف المقصورة معناه سيء الخلق، وهذه القصة على تقدير صحتها كانت قبل إسلامه لتأخر إسلامه وقد مزت مفصلة في سورة الأنبياء، ومز الكلام عليها فلا حاجة لإعادته هنا، وقوله: أو غيره معطوف على ابن الزبعري لا مجرور معطوف على لفظ قوله: إنكم الخ كما توهم والظاهر أن المراد بغيره من عبد الملائكة من العرب كبني مليح لتقدم ذكرهم في أول السورة، وقوله: النصارى أهل كتاب مبتدأ وخبر، والمقصود بالإفادة الجملة الحالية بعده فالمراد من ضرب المثل بعيسى عليه الصلاة والسلام أن بعض المشركين الذين عبدوا الملائكة احتجوا في جدالهم له صلى الله عليه وسلم بأن النصارى أهل كتاب، وقد عبدوا عيسى عليه الصلاة والسلام والملائكة أحق بالعبادة، وقوله: أولي بذلك أي بالعبادة والولدية وقوله: على قوله الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة قوله: طاعنين على قوله إنكم الخ أو على المنع من عبادة الملائكة أو على قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [سورة الزخرف، الآية: 45] الآية التي مرّت في هذه السورة لأنه أبطل فيها عبادة غير الله فقالوا لحماقتهم بالقول في ابن مريم فإنّ النصارى عبدوه وهم أهل كتاب فلو سألت عنه أمّته وعلماء ملته قالوا ذلك: وقوله أو أنّ محمدا الخ عطف على النصارى، وإن فيه مكسورة فالمثل بمعنى المثال والقياس والمعنى إنهم قالوا: نريد أن نعبدك كما عبد المسيح ولا يخفى ما في عبارته من الخفاء والركالة، ولذا سقط قوله: وعلى قوله الخ من بعض نسخة المعتمدة، وقيل: هو من تحريف الناسخ والمثل في الوجه الأوّل بمعنى المشابه في دخوله النار فهو بمعناه اللغوي أو بمعنى المثال والقياس لإبطال ما ردّوه أو بمعنى الحجة السائرة سير المثل، وكذا هو في الوجه الذي يليه، وما يليه وهذه الحجج باطلة غنية عن الجوأب وقد مرّ تفسير الآلهة ثمة بالأصنام، وبه سقط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 446 كثير من أوهام هؤلاء الهوام، وإنما عطف قوله وعلى الخ بالواو دون أو لأنه مع ما قبله كما قيل كالوجه الواحد ولذا سقطت منه الواو في بعض النسخ وفيه نظر لا يخفى، ولبعضهم هنا كلام مع تكلفه بلا طائل كسراب بقيعة لا يساوي متاعه كراء الناقل. قوله:) من هذا المثل (من تعليلية أي من أجله إذ ظنوه ألزم وأفحم به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إنما سكت ارتقاباً للوحي ويضجون من الضجة وهي ارتفاع الأصوات، وهذا على غير الوجه الأخير أو الإعراض عن الحق بالجدل لحجج ذا حضة واهية، وقوله: هما لغتان أي بمعنى وهما الضجة والصياج كما يفعله السفهاء عند توهم الغلبة، ويحتمل أنهما بمعنى الإعراض على اللغتين. قوله:) 7الهتنا خير عندك) إنما قال عندك لأن كونها خير عندهم غنيّ عن السؤال، وإنما المقصود التنزل للإلزام على زعمهم بلزوم دخول عيسى النار، وهذا ناظر للوجه الأوّل من أن ما قبله لبيان مجادلة ابن الزبعري، وقوله: أو آلهتنا أولى وكانت في حكم المذكورة في الأمم السالفة بطل قوله: واسأل من أرسلنا الخ سواء جعل وجهاً مستقلاً أولاً وإن كان الأوّل مقتضى السياق، وقوله: أو آلهتنا خير أم محمد صلى الله عليه وسلم راجع للوجه الأخير وهو قوله أو إن محمداً يريد أن نعبده كما عبد المسيح. قوله: (بتحقيق الهمزتين) همزة الاستفهام والهمزة الأصلية، والقراءة بهمزة واحدة شاذة عند الأكثر إلا في رواية عن ورس، وغير هؤلاء قرأ بتسهيل الثانية بين بين ولم يقرأ بإدخال ألف بين الهمزتين لثقله بكثرة الألفات كما في النشر فتخصيص الكوفيين إما في مقابلة التسهيل لأنه يقابل التحقيق أو في مقابلة قراءة ورش كما قيل، والأوّل أولى وقوله: ألف بعدهما وهي مبدلة من همزة هي فاء الكلمة وأصله أآلهة فأعل إعلال آمن والهمزة الأولى زائدة في الجمع. قوله: (إلا لأجل الجدل) فهو مفعول له، وقيل إنه حال بمعنى مجادلين أي جدالهم على الوجوه السابقة ليس ناشئاً عن اعتقاد لظهور بطلانه، وقوله: شداد جمع شديد وهو من صيغة فعل فإنها للمبالغة كحذر، وقوله: أمرا عجيبا تفسير للمثل كما مرّ، وقيل هو بمعنى حجة لهدايتهم. قوله: (وهو) أي قوله: إنّ هو إلا عبد الخ كالجواب المزيح بالزاي المعجمة والحاء المهملة بمعنى المزيل، والمراد بالشبهة ما سلف على الوجوه كلها، أما على الأوّل فلأنه يدل على أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام خارج عن عموم ما تعبدون فتخصيصه بقوله: إنّ الذين سبقت الخ وأما على لثاني فلدلالته على عبوديته المبطلة لبنوّته، وألوهيته وأكل اعلى الثالث فلأنه أبطل بعبوديته صحة دعوى عبادته فلا يرد نقضا على قوله واسأل الخ وأما على الرابع فلأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قصره على العبودية، أبطل كونه معبودا فكيف يريد أن يعبد هو كعيسى عليه السلام، وقال: كالجواب المزيح لأنه غير صريح فيه. قوله: (لولدنا) بتشديد اللام يعني إنه تعالى بقدرته الباهرة يجوز أن يولد الملائكة من البشر كما ولد عيسى عليه السلام من غير أب فمن على هذا تبعيضية أو ابتدائية، أو المعنى لحوّلنا بعضكم ملائكة فملائكة مفعول ثان أو حال، والمراد أنّ الملائكة مخلوقون مثلكم لا يصلحون للعبادة، والذي خيل لكم اعتقادكم كونهم من غير توليد ولو شاء أوجدهم بالتوليد كما أوجدهم بالإبداع، وقوله: يا رجال تفسير للضمير المخاطب في منكم وإشارة إلى أنه للذكور من غير تغليب، وأن المعنى أنّ في عظيم قدرته أن يخلق توليداً من الذكور بدون الإناث كما خلق من أنثى بلا ذكر عيسى عليه السلام، ومن غير ذكر وأنثى آدم عليه الصلاة والسلام وما قيل إنه للإشارة إلى تقبيح جعلهم الملائكة إناثاً لا وجه له فإنه ليس فيه تعرّض لحال الملائكة أصلاً والتشبيه على كل حال في اتخاذ ما هو خارق للعادة. قوله: (أو لجعلنا بدلكم) إشارة إلى أنّ من للبدلية كما في قوله: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [سورة التوبة، الآية: 38] أي بدلها وكما في قوله: ولم تذق من البقول الفستقا ومعنى يخلفون على الأوّل يكونون خلفا ونسلاً لكم، وعلى هذا يكونون مكانكم بعد إذهابكم وإهلاككم، ولذا قيل إنه يكون حينئذ توعداً بالاستئصال وهو غير ملائم للمقام، ولذا قدم المصنف الأوّل وفصله بدون هذا وقيل: المراد بيان كمال قدرته لا التوعد بالهلاك وإن تضمنه ولا مانع من قصدهما معأ. قوله: (فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك (وهو التوليد من الرجال، أو من غير الجنس بخلاف عيسى عليه السلام فإنه من أنثى من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 447 جنسه وقوله: ذوات ممكنة لم يقل أجسام ممكنة أو متماثلة كما توهم أنه الأظهر والأولى لينطبق على مذهب الحكماء القائلين بأنها ذوات مجرّدة ويسمونها عقولاً كما لا يخفى. قوله:) يحتمل خلقها توليداً الخ (ولا حاجة في إثباته إلى أن يقال إنها أجسام والأجسام متماثلة فيجوز على كل منها ما يجوز على لآخر ولا إلى أن يقال معنى خلقها توليدا أن يكون لها نوع تعلق بالجسم من حيث التبعية، فإذا كنت ممكنة فلا بد أن يجوز ذلك كالإبداع لعدم ما يدل على امتناعه فإن الحوالة على القدرة أظهر وهي كافية في إثباته، والانتساب قولهم لها بنات الله. قوله: الأنّ حدوثه) أي خلقه أو ظهور إرساله، وأشراط الساعة جمع شرط بفتحتين بمعنى العلامة فيكون علم الساعة مجازاً عما تعلم به والتعبير به للمبالغة كإطلاق الذكر عليه وعلى القرآن المعلوم به قربها، وقوله: أو لأنّ إحياءه الموتى الخ ضمير عليه للبعث المفهوم من السياق يعني إحياء عيسى عليه الصلاة والسلام للأموات بإذن الله يدل على صحة وقوع البعث، والساعة وقته فيدل ذلك عليها وعلى تحققها في نفسها. قوله: (وفي الحديث الخ (هذا الحديث مع مخالفة في بعضه مذكور في الكشاف وأفاد ابن حجر أنه من أحاديث متفرّقة بعضها في الصحيح وبعضها في غيره، وثنية أفيق بوزن أمير بفاء وقاف وهكذا رواه الحاكم وظاهره أنّ تلك الثنية والعقبة بالقدس الشريف نفسه، وهو غير ما وقع في القاموس من أنه قرية بين حوران، والغور فلا يناسب ذكره هنا وتفسيره به، وهو مخالف للمشهور من نزوله بدمشق واقتداء عيسى عليه الصلاة والسلام فيه خلاف أيضا، وفيل إنه يؤمهم وتفصيله في كتب الحديث وليس هذا محله وقتله للنصارى ورفع الجزية ليس نسخا لشريعتنا كما يتوهم لأنها في شرعنا مؤقتة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام كما ذكره المحققون وإلا كان ذلك مخالفاً لكونه! بر خاتم الأنبياء وشريعته ختام الشرائع، وقوله: آمن به أي بعيسى عليه الصلاة والسلام والمراد الأمر بما يأمرهم به ومنه الإسلام والإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم والظاهر أنّ الحديث تأييد للأوّل لا للثاني كما قيل. قوله: (فإنّ فيه الإعلام الخ) فجعله عين العلم مبالغة أيضا وتمريضه لأنه لم يجر له ذكر هنا ولا يناسب السياق وكونه ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله: " بعثت أنا والشاعة كهاتين " أ1 (بعيد، وقوله: وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بتقدير وقل اتبعوني، ولذا مرضه لأنه تقدير ما لم تقم عليه قرينة من غير حاجة. قوله:) ثابت عداوته) بالمثلثة اسم من الثبوت في نسخة وفي أخرى بانت فقيل بالموحدة والنون بمعنى ظهرت ورجحت هذه على أنها إشارة إلى أنه لازم من أبان بمعنى بأن ففيه مضاف مقدر أو هو بيان لما يراد منه لأنه معلوم من وصفه به، وهو محتمل للتعذي بتقديره مظهر عداوته. قوله: (بالمعجزات الخ الا مانع من إرادة الجميع، وقوله: الواضحات صفة للجميع إن لم يكن هذا العطف مانعا منه والا فهو نعت للأوّل أو الأخير ويقدر لغيره مثله وليس من التنازع في شيء كما توهم إذ لا وجه للتنازع في النعت، وقوله: بالإنجيل الخ لم يقل أو المعجزة على قياس ما قبله لأنه لا يناسب تسميته حكمة، وفي الكشاف والشرائع بالواو والجمع وهو أشمل وأفيد والمصنف نظر إلى أفراد الحكمة وصحة التفسير لكل بها. قوله تعالى: ( {وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ} الخ) متعلق بمقدر أي وجئتكم الخ وقد تقدّم تفصيله، وأنه لم يترك العاطف ليتعلق يما قبله ليؤذن بالاهتمام بالعلة حتى جعلت كأنها كلام برأسه، وقوله: وهو ما يكون الخ إشارة إلى وجه ذكر البعض فيه، وقوله: " أنتم أعلم " الخ حديث صحيح قاله لبعض الصحابة رضي الله عنهم وقد استشاره في تأبير نخله ويجوز أن يراد بالبعض بعض أمور الدين لأنه لا يمكن بيان جميعها تفصيلاً وبعضها مفوّض للاجتهاد. قوله:) بيان لما أمرهم الخ) التوحيد من توسط ضمير الفصل، وتعريف الطرفين وكونه بيانا للحكمة مآله هذا أيضاً والتعبد من قوله: فاعبدوه، وقوله: المتحزبة بمعنى المختلفة إلى جماعة جماعة وحزب حزب وهم النصارى الذين هم أمّة إجابته فإنهم اختلفوا فرقا ملكانية ونسطورية ويعقوبية كما مرّ. قوله:) أو اليهود والنصارى) الذين هم أمّة دعوته عليه الصلاة والسلام، واليه أشار بقوله المبعوث إليهم، وقوله: من المتحزبين على التفسيرين وهم الذين لم يقولوا إنه عبد الله ورسوله من النصارى أو اليهود، وقوله: أليم صفة عذاب أو يوم على الإسناد المجازي، وقوله: الضمير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 448 لقريش فيكون حينئذ ابتداء كلام، وينظرون بمعنى ينتظرون وهو مجاز بجعله كالمنتظر الذي لا بد من وقوعه تهكما بهم، ويجوز جعل إلا بمعنى غير وبه فسر في سورة القتال، وفجاءة بالضم والمذ. قوله: (كافلون عنها الخ (بيان لأنّ قوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ليس مستدركاً مع قوله: بغتة فإن من يبغت قد يكون لمن له فطنة وشعور، وقد لا يكون كذلك ومع أخذ الإنكار فيه يتضح ذلك أتم اتضاج. قوله: (أي يتعادونا يومئذ الخ) إشارة إلى تعلق الظرف بعدوّ، وان تقدمه والفصل لا يضره، والعلق جمع علقة يمعنى العلاقة وهي ما يقتضي المحبة، ويجوز تعلقه بالإخلاء ومتعلق عدوّ مقدر أي في الآخرة على أن يومئذ المراد به في الدنيا، وقوله: لظهور علة للانقطاع لبيان أنّ المراد به انقطاع مستلزم للعداوة وسبباً حال من الموصول. قوله:) حكاية الخ) إشارة إلى أنه بتقدير قول أي فيقال لهم: يا عبادي أو بأقوال لهم بناء على أن المنادي هو الله تعالى تشريفاً لهم، وقوله: يومئذ أي في الآخرة لأنه لا يظهر كونه في الدنيا إلا بتكلف كما قيل، وقوله: صفة المنادي وفي نسخة للمنادي، ويجوز كونه بدلاً ونصبه بمقدر كامدح ونحوه، وقوله: حال من الواو بتقدير قد وإنما جعله حالاً ولم يعطفه على الصلة مع تبادره إلى الذهن واستغنائه عن التقدير لما أشار إليه بأنه أبلغ كما في الكشاف لأنّ المراد بالإسلام هنا الانقياد والإخلاص ليفيد ذكره بعد الإيمان فإذا جعل حالاً أفاد مع تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الإيمان، وكان تدل على الاستمرار أيضا ومن هنا جاء حالاً أفاد مع تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الإيمان، وكان تدل على الاستمرار أيضاً ومن هنا جاء التأكيد والأبلغية بخلاف العطف والحال المفردة. قوله:) نساؤكم المؤمنات (إشارة إلى إفادة لإضافة! للاختصاص التام ليخرج من لم يؤمن منهن، وليس احترازا عن الحور العين كما توقم، وقوله: يظهر حبارة بفتح الحاء وكسرها أي نضرة وحسنا في الوجوه كما ترى فيمن يسر سرورا عظيما وهو إشارة إلى مأخذه وهو مع ما بعده متحد معنى وإنما الفرق في المشتق منه هل هو الحبارة بمعنى نضارة الوجه، أو الحبر بكسر الحاء وفتحها بمعنى الزينة. قوله:) أو تكرمون الخ (هذا منقول عن الزجاج، وقوله: الحبرة بالفتح المبالغة في الفعل الموصوف بأنه جميل ومنه الإكرام فهو في الأصل عام أريد به بعض أفراده هنا، والصحفة آنية الأكل والكوب والكوز ما يشرب منه إلا أنّ الأوّل ما لا عروة له، ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأوّل جمع كثرة والثاني جمع قلة. قوله: الا عروة له (العروة ما يمسك منه، ويسمى أذنا ولذا قال الشاعر ملغزا فيه: وذي أذن بلا سع له قلب بلاقلب إذا استولى على صب فقل ماشئت في الصب وقوله: على الأصل أي ذكر عائد ما الموصولة، ويجوز كونها مصدرية لكن الأوّل أظهر. قوله:) وذلك) أي ذكر ما تشتهيه النفوس وتلذ به العيون الشامل لكل لذة ونعيم بقوله: وفيها الخ بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم، والترفه تعميم بعد تخصيص كما أنّ ذكر لذة العين التي هي جاسوس ألنفس بعدها تخصيص بعد تعميم، وإن أدخل فيه النظر إلى وجهه الكريم. قوله: (فإنّ كل نعيم زائل (أي غير نعيم أهل الجنة وليسر المراد ما يشمله وزواله بمعنى ذهاب بعض أفراده بتجدد الأمثال كما يوجه به قوله: وكل نعيم لا محالة زائل إن لم يخصص وهذا بيان لخطابهم بقوله: وأنتم الخ فإنه تأكيد لقوله: {لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [سورة الزخرف، الآية: 68] وثاني الحال ما يعقبه ولله در القائل: وإذا نظرت فإنّ بؤساً زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل قوله: (شبه جزاء العمل بالميراث (ففيه استعارة إذ شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة من الجنة ونعيمها الباقي لهم بما يخلفه المرء لوارثه من الأملاك والأرزاق ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورث بصيغة اسم الفاعل فهو استعارة تبعية أو تمثيلية، ويجوز أن تكون مكنية ويجوز كونه مجازاً مرسلا لنيله وأخذه فقوله: لأنه الخ بيان لوجه الشبه وضمير أنه للشأن، ويخلفه مضارع خلفه إذا صار خليفة له والعامل فاعله وضمير يخلفه للعمل وضمير عليه للجزاء، أي يخلفه ثابتا ومستولياً على ما ناله من جزائه بفضل الله تعالى، وتوفيقه وقد مز فيه وجه آخر في سورة مريم، وقدمنا ما فيه ثمة. قوله:) إشارة إلى الجنة المذكورة (الظاهر أن المراد به المذكورة في قوله: ادخلوا الجنة، وقد أورد عليه أنه إذا كانت الجنة صفته تكون الإشارة إلى الواقعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 449 صفة لا إلى السابقة وقد جعلها صفة على تقدير أن يكون المشار إليه الجنة المذكورة في قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [سورة الأعراف، الآية: 49] كما مرّ في البقرة وهو على تسليمه قد يدفع بأن المذكورة شامل لما ذكر قبله بعده، وقوله: وعليه أي على كونه جزاء، وهذا في غاية الظهور غني عن البيان والباء للمقابلة أو السببية كما مرّ. قوله: (بعضها تثلون (فمن تبعيضية ويجوز كونها ابتدائية، وأشار بقوله: لكثرتها إلى ترجيح التبعيض بدلالته على كثرة النعم وأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة، وقوله: لما كان أقي في الدنيا فهو تسلية لهم، وأما كون أكثر المخاطبين عوام نظرهم مقصور على الأكل والشرب كما قيل: فغير تام وقصر أكلهم على الفاكهة إشارة إلى أنهم لا يلحقهم الجوع وإنما يأكلون تفكها فتقديم منها إما للحصر الإضافي أو للفاصلة. قوله: الأنه جعل قسيم المؤمنيق (بآياتنا السابق في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا} فلا يدل على خلود العصاة كما ذهب إليه المعتزلة والخوارج ولا يضر خروجهم لأن المراد بالذين آمنوا المتقون لقوله: {لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [سورة الزخرف، الآية: 68] فإنه مختص بهم ولا ضير فيه كما توهم، والقول بأن الذين آمنوا شامل لهم لأنّ العلة إيمانهم وإسلامهم لا يخفى ما فيه، وقوله: الكاملين لانصراف المطلق له بيان لوجه التخصيصر، ويجوز أن يكون تعريفه للعهد وما يخص بالكفار ما بعده. قوله:) خبر أنّ (أي الظرف خبر وخالدون فاعله لاعتماده أو خالدون هو الخبر والجار متعلق به، وقوله: والتركيب أي مادّته بأقي صيغة كانت تدل على لضعف مطلقا ففترة الحمى ضعف في ألمها وكذا العذاب، وفتور القوى وغيره وفترة الرسل الزمان الخالي منهم، وفيه ضعف الشرائع والإيمان، وفسر الإبلاس باليأس وأصله السكوت وانقطاع الحجة وهو قريب من هذا وقوله: وهم فصل أي ضمير فصل لا مبتدأ فيفيد التخصيص. قوله: (ولعله (أي الترخيم على لغة الانتظار وغيرها كما نبينه لأنهم قد يضعفون عن إتمامه كما يشاهد في بعضى المكرويين لا لقصد التصرف في الكلام وهو إشارة إلى الجواب عن قول ابن مسعود رضي الله عنه، وقد حكيت له هذه القراءة فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم، وقوله: اختصروا أي بطلب الموت واضمار قولهم: سل ربك وقل ليقض الخ كما أشار إليه بقوله: والمعنى الخ وقوله: ربك لحثه لا للإنكار. قوله: (وهو لا ينافي إبلاسهم الخ (قد أورد عليه أنه جواب سؤال مقدر كما في الكشاف لكنه إنما أورده لأنه اعتبر في معنى الإبلاس السكوت لليأس والدهشة فلذا ورد عليه أنّ قولهم لمالك ما ذكر ينافيه فدفعه بقوله: إن أوقات العذاب متطاولة فيأسهم يخرسهم في بعضها، وذهولهم في بعض أوقات الشدة يحملهم على الاستغاثة: وكذا الغريق بكل حبل يعلق وأمّا المصنف كغيره فلم يعتبره فلا يرد عليه السؤال حتى يحتاج للجواب فهو تبرع على من لا يقبل اللهمّ إلا أن يريد بيأسه من الخلاص من العذاب، ولو بالموت فإن الحال التي يتمنى فيها الموت شر من الموت لكن مثله لا يسمى خلاصا، ونجاة إلا مع القرينة والقرينة هنا قوله: بعد هذا بموت ولا بغيره فإنه صريح فيه، وما قيل غليه من أن قوله ونادوا الخ معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا فلا يرد السؤال رأساً وكذا ما قيل إنه أراد باليأس اليأس مع السكوت لتصريحه به في سورة الروم وإنما تعرّض له ثمة ولم يتعرض له هنا إشارة إلى أنه مجرّد عن قيده هنا، وما في الكشاف لا يناسب دوام الجملة الاسمية والسؤال إنما يرد في بادئ الرأي فأحب إزالة قذي الشبه عن ناظره ظاهر السقوط مع التدبر إذ جملة، وهم فيه مبلسون حالية لا تنفك عن الخلود وما ذكر في محل آخر لا يفيد هنا وهكذا يعرف باقيه. قوله:) فإنه جؤار) بضم الجيم، وبعده همزة كالصراخ لفظا ومعنى والصياح في الشدة لا ينافي اليأس منها، وكذا التمني فإنه يجري؟ في المحالات فقوله: من فرط الشدة راجع لهما، وقول مالك في جوابهم إنكم ماكثون لا ينافيه فإن الملك لا يلزمه العلم بخفي أحوالهم مع أنه قد يقوله صلى الله عليه وسلم لهم وتقنيطاً مع أنه مبني على أنه جواب وشيأتي ما فيه.! قوله: (جمالإزسالى الخ (الظاهر أنه تفسير لقوله: بالحق فيكورن بدلاً منه فلا يلزم تعلق حرفي جرّ بخمعنى بمتعلق واحد حتى يقال الباء الأولى للتعدية والثانية للسببية. قوله:) وهو) أي قوله: لقد جئناكم الخ بناء على احتمال كؤن فاعل قال ضمير الله: المستتر أو ضمير ما لك فعلى الأوّل كله حمقو! ل الله في جوابهنم، وكتمته بهذا فإنه الجواب في الحقيقة وعلى الثاني يكون هذا ابتداء كلام من ألله فهو جواب تولاه بنفسه يعد ما صدر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 450 من مالك في سورة الجواب، وعلى كل ليس هذا من قول مالك لا لأنّ ضمير الجمع / ينافيه بل لأنّ مالكا لا يصح امنه أن يقوله لأنه لا خدمة له غير خزنه للنار، وليس هذا من إسناد ما للبعض إلى الكل مع ركاكته، ولزوم! تفكيك الضمائر إلى غير ذلك من التكلفات، وقيل إنّ قوله إنكم ماكثون خاتمة حال الفريقين في القيامة، وقوله: لقد الخ كلام آخر. مع قريش والمراد جئناكم في هذه المسورة أو القرآن. قوله: (ولكن كثركم) - خطاب للكضار على الوجهين، وعبر بالأكثر لأنّ من الاتباع من يكفر تقليدا، والأدآب بالمد ؤكسر! همزته الأولى بمعنى الأتعاب وقوله: في تكذيب الحق متعلق بأبرموا وأصل الأبرام فثل الحبل ويراد به التدبير والأحكام وفد يتجوّز به عن الإلحاح والمراد هنا المعنى الثاني، وقوله: ولم يقتصروا على كراهته إشارة إلى أنّ أم للإضراب عما قبلها وقوله: في جازاتهم، واظهار أمرك وهو إشارة إلى أنّ إبرأ مهم لا- يفيدهم ولا يغني عنهم شيئاً. قوله: (والعدول عن الخطاب) في أكثركم إلى الغيبة في أبرموا إعر، ضاً عنهم لسوء فعالهم، وقوله: بأنّ ذلك أي إبرامهم تكذيب الحق أسوأ حالاً من كراهته لأنه تصميم على إظهار ما في أنفسهم. قوله: (أو أم أحكم المشركون الخ) من كيدهم بيان للأمر الذي أحكموا تدبيره في دار الندوة من كاقتله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك راجعا عليهم وقوله: ويؤيده الخ لأنه يدل على أنّ ما أبرموه أمر أخمروه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق فإنهم مجاهرون به إلا أن يكون باعتبار أنهم يعلمون حقيقته، ويسرونها في أنفسهم، وهو خلاف الظاهر. قوله: (حديث نفسهم) السر يكون بمعنى حديث النفس، وحديث الغير خفية، وحمله على لأوّل لأنه المقابل للنجوى وهي مناجاته الغير خفية لأنّ أصل معنى المناجاة المسارة كما ذكره الراغب قال تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [سورة طه، الآية: 62] وقوله بذلك إشارة إلى كيدهم لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي أخفوه دون التكذيب فهو ترجيح للوجه الثاني، وقوله: تناجيهم أي تحادثهم سراً وأصله الحديث على نجوة من الأرض ويكون بمعنى التحادث مطلقا، وفيه إشارة إلى أنه مصدر في الأصل وقد يتجوّز به عن الحديث، وقوله: مع ذلك أي السمع وقوله: يكتبون ذلك أي سرهم ونجواهم والمضارع للاستمرار وهو حال أو خبر أيضاً فقوله ة ملازمة يجوز نصبه ورفعه. قوله: (منكم (بيان للمفضل عليه، وأنّ أوّليته بالنسبة لهؤلاء الكفرة لا لمن تقدمهم فمانه لا يتأتى ولو أبقى على إطلاقه على أنّ المراد إظهار الرغبة والمسارعة جاز، وقوله: فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ تعليل للملازمة ونفي لأن يكون عدم عبادته له لعدم علمه به، وقوله: يصح إشارة إلى إن كان في النظم بمعنى صح كما يقال: ما كان لك أن تفعل كذا وهو أحد استعمالاتها. قوله: (وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه) أي ما يوجبه حق الله عليه من تعظيمه وعبادته، أو ما يوجبه الله عليه كما أشار إليه بقوله: ومن حق الخ ومن غفل عن هذا قال: الأوفق بما بعده أن يقول ما يجب، واختار هذا للإشارة إلى أنه لا يفعل شيئا من تلقاء نفسه بغير موجب ومقتض. قوله: (ولا يلزم من ذلك الخ) والإشارة إلى ما ذكر من قوله: وان كان الخ حيث علق فيه عبادة الولد على صحة وجوده بكلمة، إنّ دون لو المستعملة في المفروضات ولو محالاً فإنها وان لم تقتض وقوع ما بعدها لا تنافي جوازه وصحته، وقوله: إذ المحال قد يستلزم المحال فكينونة الولد المحالة مستلزمة لمحال آخر وهو عبادته يعني أنها شرطية والشرط إنما يدل على استلزام أحد الطرفين للآخر، ولو محالاً فإنّ المحال قد يستلزم المحال وان قد تستعمل في مثله كلو لنكتة كما بينه أهل المعاني فالتعليق بها لا يستلزم صحة الكينونة، فما قيل: إنّ هذا لا يصلح لتعليل ما قبله وتقريره مما لا يلتفت إليه. قوله: (بل المراد نفيها) أي نفي صحة الكينونة وهو أولى من رجوعه للكينونة، وفي نسخة نفيهما بضمير التثنية العائد على صحة الكينونة والعبادة، وقوله على أبلغ الوجوه وهو الطريق البرهاني والمذهب الكلامي فإنه في الحقيقة قياس استثنائي استدل فيه بنفي اللازم البين انتفاؤه على نفي الملزوم كما في قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} الخ فإنه استدل فيه بانتفاء الفساد على انتفاء تعدد الآلهة ولا تفاوت بينهما إلا باختصاص لو غالباً بالمقطوع الانتفاء فتشعر بانتفاء الطرفين، وان بخلافه لأنها لمجرّد التعليق فالانتفاء هنا معلول اللازم أعني عبادته صلى الله عليه وسلم للولد فإن هذا اللازم يقتضي عدم نفسه كفردية الأربعة المقتضية لعدمها، وهذا الانتفاء الذي تقتضيه ذات اللازم المنتفي دال على انتفاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 451 الملزوم أي كينونة الولد، وايرادان في مقام لو كما يشير إليه تمثيله لجعل ما في حيزها بمنزلة ما لا قطع بعدمه على طريق المساهلة، وارخاء العنان للتبكيت والإفحام كما في شرح المفتاح الشريفي. قوله: (غير أن لو الخ (إشارة إلى الفرق بين الآيتين في طريق الاستدلال بتغاير كلمتي الشرط فيهما، وانه أسلوب واحد عدل عن تعبيره لنكتة كما قدمناه، وقوله: مشعرة بانتفاء الطرفين فإنها للاستدلال بانتفاء الجزاء على انتفاء الشرط من غير دلالة على تعيين زمان كالماضي وقوله: فإنها لمجرّد الشرط وفي نسخة الشرطية وهما بمعنى يعني أنها لا تشعر بالانتفاء على التعيين فلا ينافي إشعارها بالشك فتدبر. قوله: (بل الانتفاء معلول لانتفاء اللازم الخ) إشارة إلى طريقه البرهاني كما قرّرناه لك، والمراد باللازم عبادته للولد وهو مقتض لنفي نفسه كفرد من الأربعة وهذا الانتفاء الذي يقتضيه ذات اللازم المنفي كما يشير إليه قوله معلول لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه، وهو كينونة الولد هكذا ينبغي أن يقرر كلامه على ما و! ع اللازم أي عبادته صلى الله عليه وسلم في نفسه، وان لم تشعر به كلمة إن وهوكاف في الاستدلال فما ذكر من الكلام المصدر بأن لا يدل على صحة الكينونة. قوله:) والدلالة على إنكاره الخ) هو مرفوع معطوف على قوله نفيهما أي المراد إفهامه الكفار أنّ مقصوده النظر، والاستدلال لا المراء والجدال فلذا سيق على هذه الطريقة مصدر إبان دون لو المشعرة بالانتفاء الموهم للعناد والمراء، وبهذا التقرير يظهر أنه يجوز جره وعطفه على قوله: لمجرد الشرط كما ارتضاه بعض أرباب الحواشي. قوله: (إن كان له ولد في رّعمكم الخ (قال الإمام هذ الوجه لا صحة له لأنه لا تأثير لزعمهم الولد الواقع شرطا ولما رتب عليه من الجزاء وهو غير وارد لأنّ المراد أن أكون أوّل العابدين الموحدين كناية عن إنكار شركهم كما قرره الزمخشري بقوله: {إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} في زعمكم [سورة الزخرف، الآية: 81] فأنا أوّل العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم ب! ضافة الولد إليه انتهى، فإنّ نسبتهم الولد لله تقتضي أن يكذبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأن يكون أوّل من ينكره لأنه صاحب الدعوة إلى التوحيد، فلا حاجة إلى تكلف أن تسببه عن الشرط باعتبار الأوّلية في العبادة والتوحيد من بينهم إذا أطبقوا على ذلك الزعم يكون لمجلى أوّلهم لا محالة، وكذا ما قيل في جوابه أن السببية بح! سب الذكر كقولك إن تضربني فأنا لا أضربك، ولكونه غير ظاهر في الارتباط مرضه المصسنف رحمه الله. قوله:) أو الآنفين منه) يعني أنه من عبد يعبد كفرح يفرح إذا أنف أنفة أي جحد بفتحتين كعظمة والأنفة معناها الإباء من الشيء والإنكار لما فيه كراهة منفرة عنه، وهي إمّا من الولد أو من كونه لله ونسبته كما فصله المصنف، ويؤيده أنه قرئ، من العبدين جمع عبد كحذر لأنه المعروف في معنى أنف، وقلما استعمل عابد بمعناه، ولذا ضعف أبو حيان هذا التأويل لمخالفته لما عرف في الاستعمال، ومن أن يكون معطوفا على ضمير منه بإعادة الجار. قوله: (أو ما كان له الخ) فإن نافية وكان للاستمرار والمقصود استمرار النفي لا نفي الاستمرار، والفاء للسببية ولكونه خلاف الظاهر مع خفاء وجه السببية أو حسنها مرضه المصنف رحمه الله، وقراءة حمزة على أنه جمع ولد. قوله: (عن كونه ذا ولد) تفسير لما وهي تحتمل الموصولية بتقدير يصفونه به، والمصدرية والثاني ظاهر من عبارة المصنف رحمه الله لا متعين، وقوله: أصولاً ليكون أكثر الموجودات منها وبها وهو إشارة إلى وجه تخصيص المذكورة بالذكر والأولى إنها كناية عن جميع العوالم فيفيد أنه خالق لها كل! ها فكيف يكون بعض مخلوقاته، ولداله فإن تبرؤها من التوليد لا معنى له إلا بتكليف بعيد قوله: (أي يوم القيامة (فسره به لأنه هو اليوم الموعود وبه سمى في لسان الشرع، وقد ذكره القرطبي رحمه الله في أسماء يوم القيامة، وإن كان المصمنف رحمه الله فسره به في الطور، وأما كون الغاية للخوض واللعب إنما هو يوم الموت فينبغي التفسير به كما قيل فمخالف للمعروف، ولما بعده من ذكر الساعة، والذي دعاه لذلك أنقطاع ما ذكر بالموت وهو مدفوع بأنّ الموت وما بعده في حكم القيامة، ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته، ومثله قد يراد به الدلالة على طول المدّة مع قطع النظر عن الانتهاء فيقال لا يزال في ضلاله إلى أن تقوم فتدبر. قوله: (وهو دلالة الخ) كونه جهلاً مأخوذ من الخوض لأنه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 452 في الأكثر يستعمل في الكلام بما لا يعلم لأنّ الحائض يضع قدمه فيما لا يراه، وربما صادف ما يغرقه لعمقه واتباع الهوى من اللعب، والطبع على قلوبهم في باطلهم إلى يوم القيامة وأمره بتركهم والعذاب من كونهم موعودين به. قوله: (مستحق الخ) إنما ذكر الاستحقاق لأنه على الوجهين لا تلزم العبادة بالفعل وضمير به لا له، وهو إمّا صفة من إله بمعنى عبد فتعلق الظرف، وهو في السماء وفي الأرض به ظاهر، أو هو يفهم منه لأنه لازم له كما يفهم من حاتم معنى جواد فيتعلق به الجار بهذا الاعتبار، وكذا لفظة الله لأنّ أصلها الإله فيجري فيها ما يجري فيه. قوله: (والراجع) أي عائد الموصول والتقدير هو إله في السماء، وقوله: لطول الصلة تعليل لقوله: محذوف متعلق به، وقوله: بمتعلق الخ متعلق بطول، وقوله: والعطف عله أي على الخبر لا على متعلقه كما قيل لأنه يصير إله الثاني تكريراً محضا والتأسيس أولى. قوله: (ولا يجوز جعله) أي قوله في السماء خبراً له أي لقوله: إله وهو معطوف على قوله، والظرف الخ لعدم العائد وفساد المعنى أيضاً وقوله: لكن لو جعل أي الظرف صلة للذي، وجواب لو محذوف تقديره جاز أو صح، وقوله: قدّر لإله مبتدأ الخ إنما اختاره على كونه خبراً آخرا وبدلا من الموصول، أو من ضميره بناء على تجويزه لأنّ إبدال النكرة غير الموصوفة من المعرفة إذا أفادت ما لا يستفاد أو لا جائز حسن كما هنا كما مرّ تقريره في الوادي المقدس طوى لأنّ البيان أتم وأهمّ هنا فلذا رجحه مع ما فيه من التقدير، وحينئذ فلا فاصل أجنبي بين المتعاطفين. قوله:) وفيه) أي في هذه الآية نفي الإلهية عن غيره تعالى، وهو من تعريف الطرفين المفيد للحصر، وكذا الاختصاص المذكور مستفاد منه ومن التقديم، وقوله: كالدليل عليه أي على ما ذكره من النفي والاختصاص فإن من لا يتصف بذلك لا يستحق الألوهية، وقوله: العلم بالساعة إشارة إلى أنه من إضافة المصدر لمفعوله، وقوله: التي تقوم القيامة فيها الخ فالمراد بالساعة معناها اللغوي، وهو مقدار قليل من الزمان لكنه في عرف الشرع جعل اسماً ليوم القيامة كما في شرح البخاري. قوله: (وقرأ نافع الخ) قد علمت أن المصنف رحمه الله لا يلتزم في تفسيره البدء بما عليه أكثر القراء فقول المحشي إنه مخالف معتاده لموافقته ما قبله وكونه على مقتضى ظاهر لا وجه له وإفادة الالتفات للتهديد لأنّ توجيه الخطاب للمذنب أشد في عتابه، وقوله: الذين يدعون ضمير الفاعل للكفار، والعائد مقدر أي يدعونه. قوله:) بالتوحيد (تفسير لقوله: بالحق وأمّا كونه إبراز المفعول يعلمون كما قيل فإن أراد إبرازه بالمعنى، والتقدير يعلمونه لأنه ضمير الحق فتفسيره تفسيره فظاهر وإن أراد ما هو المتبادر منه فهو بناء على أنه لكونه بمعنى عارف فيتعدى بالباء كما يقال هو عالم بالله وهو صحيح لكنه خلاف المعروف فيه، واستدل الفقهاء بهذه الآية على أنّ الشهادة لا تكون إلا عن علم وأنها تجوز وإن لم يشهد. قوله: (والاستثناء متصل الخ) الاتصال والانفصال على ما ذكره ظاهر والقصر قيل إنه على الأوّل إضافي فلا ينافي شفاعة غير من يدعونه، أو حقيقي لأن الكلام في شفاعة الآلهة لا في مطلق الشفيع فلا ينافي شفاعة غيرهم، وعلى الثاني حقيقي وفي كلام المصنف بحث لأن المعنى على التعميم والتخصيص بالأصنام لأنّ غيرهم لا يملك لاشفاعة للكفرة فالظاهر أنّ الاستثناء منفصل على كل حال فتأمل. قوله: (أو المعبودين الخ) فضمير خلقهم لهم، وقوله: لتعذر المكابرة تعليل للتفسير الأوّل، وعلى الثاني فتعليله لإقرار آلهتهم للتبرؤ منهم، وتكذيبهم وفاء فأنى جزائية أي إذا كان كذلك فأنى الخ، والمراد التعجب من إشراكهم مع إقرارهم وهذا على تفسيره الأوّل أيضاً، وعلى الثاني وجه الترتيب علمهم بإقرار المعبودين بهذا وقوله: يصرفون عبادته تفسير ليؤفكون كما مرّ، وقيل: المعنى فكيف يكذبون بعد علمهم بذلك فهو تعجيب من عبادة غيره تعالى وانكارهم للتوحيد مع أنه مركوز في فطرتهم فهو متعلق بما قبله من التوحيد، وإقرارهم بأنه هو الخالق وأما كون المعنى كيف أو أين يصرفون عن التصديق بالبعث مع أنّ الإعادة أهو من الإبداء على أنه متلعق بأمر الساعة، كما قيل: فيأباه السياق، ولذا لم يحتجوا له. قوله: (وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (المذكور في قوله: {لَئِن سَأَلْتَهُم} والقيل والقال والقول مصادر جاءت بمعنى واحد وقوله: ونصبه للعطف على سرهم السابق في قوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} [سورة الزخرف، الآية: 81] وهو قول الأخفش الجزء: 7 ¦ الصفحة: 453 كما في الكشاف ورده بأنه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف، والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم وما ذكره من الفصل ظاهر، وامّا ضعف المعنى وتنافر النظم فغير مسلم لأن النظم تقديره حينئذ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم، ونجواهم ولا نسمع قيله الخ وهو منتظم أتم انتظام، ولذا لم يلتفت إليه. قوله: (أو على محل الساعة (لأنه في محل نصب لأنه مصدر مضاف لمفعوله كما بيناه، وقد أورد عليه الزمخشري ما قدمناه، وهو غير وارد كما عرفته لأن المعنى عنده علم الساعة، وعلم قول الرسول المذكور ولا ركاكة فيه والفصل هنا أقل من الأول فيقل الاعتراض. قوله: (أو لإضمار فعله (أي يقدر فعل ناصب له على المصدرية والتقدير، وقال: قيله يا رب الخ والجملة معطوفة على ما قبلها، وقال الشارح المحقق: إنه لا يظهر فيه ما يحسن عطف الجملة عليه، وليس التأكيد بالمصدر في موقعه ولا ارتباط لقوله: فاصفح به، ولذا قيل إنه التفات والمراد قلت قيلك فينتظم الكلام بعض انتظام، وقال الطيبي موجها له تقديره وقلنا لك: ولئن سألتهم الخ فقلت يا رب يأسا من إيمانهم وجعل غائبا التفاتا كأنه فاقد نفسه للتحزن عليهم حيث لم ينفع فيهم سعيه، وقد قيل أيضا أنه يجوز فيه كما في الرفع أيضا أن تكون الواو حالية أي فأنئ يؤفكون، وقد قال الخ أي حال كون الرسول شاكيا من إصرارهم على الكفر، ولا يخفى أنه كله خلاف الظاهر. قوله: (عطفاً على الساعة) هذا لم يرتضه الزمخشريّ ويعلم حاله مما قبله، وقراءة الرفع شاذة وفي الإشارة إليهم بهؤلاء دون قوله: قومي ونحوه تحقير لهم، وتبرؤ منهم لسوء حالهم وقرئ: يا رب بفتح الباء اجتزاء بالفتحة، وقوله: بتقدير مضاف أي علم قيلة فحذف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز عطفه عليه من غير تقدير أي ذلك معلوم له فيجازيهم عليه. قوله: (وقيل هو قسم الخ) هذا بوجهيه مختار الزمخشري لبعد العطف وضعفه، ولذا قال ابن هشام رحمه الله إنه خلاف الظاهر إذ الظاهر هو انّ قوله: يا رب الخ متعلق بقيله، واذا كان إنّ هؤلاء جواب القسم كان إخبار الله تعالى عنهم وكلامه، والضمير في قيله للرسول وهو المخاطب بقوله: فاصفح والمصنف رحمه الله تعالى لم يرتضه ومرضه لما فيه من الحذف من غير قرينة، وهو إنما عهد في كلام العرب فيما اشتهر استعماله في القسم نحو لعمرك أو ما هو صريح فيه، وإن كان سبق القسم قبله في قوله: ولئن سألتهم لأنّ اللام فيه موطئة للقسم بما يؤنسه، ويقربه وهو الذي رجحه الزمخشري واقسام الله بقيله رفعاً له وتعظيما لدعائه، والتجائه وقابل الحذف بالإضمار لما مرج من اصطلاحهم في الأكئر على تسمية المقدر إن لم يبق له أثر محذوفا فإن بقي فهو مضمر ووجهه ظاهر كما مرّ، ولو جعلت الواو على قراءة الجرّ قسمية، كان ظاهراً لكهم لم يتعرضوا له ليكون بمعنى في القرا آت. قوله: (وقيله يا رب قسمي الخ) يا رب مقول القول وانّ هؤلاء الخ جواب القسم على الوجوه، وأمّا تقدير قسمي فمخصوص بالرفع والجواب إخبار من الله بأنهم لا يؤمنون لا من كلام الرسول. قوله: (فأعرض الخ) مرّ أنّ الصفح لي صفحة العنق فكني به عن الإعراض! ، والأعراضر عن الدعوة ظاهر في عدم القتال والسورة مكية فيكون هذا منسوخا، وقوله: تسلم منكم ومتاركة يعني أن سلام خبر مبتدأ تقديره أمري سلام، وتسلم تفسير له فهو عطف بيان أو بدل منه وقوله: متاركة بيان للمراد منه، وانه سلام متاركة لا سلام تحية فإن أريد الكف عن القتال فهي منسوخة، وإن أريد عن مقابلتهم بالكلام فلا، وقوله: على أنه أي هذا الكلام من المأمور بقوله: فيكون من مقول قل، وما يكون لهم يكون بصيغة الخطاب فلذا حكى بها، ولا حاجة إلى تقدير على أنه كلام صادر من الماً مور بقوله، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قيل. قوله: (عن -416 صورة الزخرف / الآية: 89 القيامة يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا ألتم تحزنون) . النبي صلى الله عليه وسلم الخ) حديث موضوع ورائحة الوضع منه فاتحة، ومناسبته تقدم ما ذكر في نظمها (تمت السورة) اللهمّ اجعلنا ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بجاه أكرم الرسل لمجيه وعلى آله وصحبه أجمعين. سامح بفضلك من أتى ذنبا ولقنه المعاذر وبزخرف من قوله: كن أنت للزلات غافر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 454 سورة الدخان قوله: (مكية الخ) استثناء الآية المذكورة مختلف فيه أيضا. قوله: (وهي سبع الخ) قال الداني في كتاب العدد: هي خمس أو تسع آيات في الكوفي، وسبع آيات في البصرى، وست في عدد الباقين اه، والاختلاف في العدد بناء على أنّ حم آية مستقلة، وقوله: {إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ} وقوله: كالمهل الخ بعض آية أوّلاً، وهو أمر توفيقي. قوله: (الواو للعطف إن كان حم مقسماً به) بتقديرحرف قسم قبله مع بقاء عمله، وهذا بناء على ما مرّ تحقيقه من أنها لو كانت قسمية حينئذ لزم توارد قسمين على مقسم عليه واحد بدون عطف، وهو وإن لم يمتنع إ جائز على استكراه لما فيه من قصد التشريك في الجواب، وعدم العطف يدلط على الاستقلال وهو ينافيه، ولأنه ورد مقرونا بالفاء، وثم كما في {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ} [سورة الصافات، الآية: 1] فيدل على أنّ الواو عاطفة لا قسمية. قوله: (والجواب قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} الخ) رجحه لقربه، وتبادره وما في اتحاد القسم والمقسم عليه من المبالغة كما مرّ في قوله: وثناياك إنها إغريض وتقدّم وجهه، ولما قيل على جعل الجواب إنا كنا منذرين كما رجحه ابن عطية، وغيره وجعل ما بينهما اعتراضا أنّ قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} يكون حينئذ من تتمة إلاعتراض فلا يحسن تأخره عن المقسم عليه، ولا يدفعه ادّعاء أنّ هذه الجملة مستأنفة كما توهمه بعض فضلاء العصر لأنه استئناف بيانيّ لتعلقه بما قبله معنى فلا يليق الفصل أيضا كما لا يخفى على من له ذوق سليم وليس هذا بوارد على ما اختاره المصنف كما توهم بناء على أنّ فيها يفرق االمحخ. صفة ليلة فصل بينها، وبين موصوفها بقوله: إنا كنا منذرين لأنه اعتراض، ومثله لا يعد الفصل به فصلاَ كما لا يخفى. قوله: (في ليلة القدر) هو ما عليه أكثر المفسرين، وقوله: أو البراءة معطوف على القدر أي ليلة البراءة، وهي ليلة نصف شعبان فإنها تسمى الليلة المباركة وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة، وتسميتها بليلة البراءة، والصك لأنه تعالى يكتب لعباده المؤمنين براءة في هذه الليلة كذا في الكشاف يشير إلى ما ذكره المهدوي، وغيره من أنه في تلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 455 الليلة يأمر الله الملائكة بما يكون في ذلك العام فيكتب من اللوح المحفوظ فتدفع نسخة الأرزاق لميكائيل والحروب لجبرائيل، والآجال لعزرائيل، وهكذا، وظاهر كلامهم هنا أنّ البراءة، وهي مصدر بريء براءة إذا تخلص تطلق على صك الأعمال، والديون وما ضاهاها، وأنه ورد في الآثار ذلك، وإن كان مجازاً مشهورا صار به كالمشترك، وفي المغرب بريء من الدين والعيب براءة، ومنه البراءة لخط الأبراء، والجمع برا آت، وبروآت عامية اهـ، وكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب، وأنه عامي صرف، وإن كان باب المجاز واسعاً قال ابن السيد في المقتضب: البراءة في الأصل مصدر برىء برأءة، وأمّا البراءة المستعملة في صناعة الكتاب فتسميتها بذلك إمّا على أنها من برىء من دينه إذا أدّاه، وبرئت من الأمر إذا تخليث عنه فكان المطلوب منه أمراً تبرأ إلى الطالب أو تخلى له، وقيل: أصله أنّ الجاني كان إذا جنى، وعفا عنه الملك كتب له كتاب أمان مما خافه فكان يقال كتب السلطان لفلان براءة ثم عمّ ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اهـ. واعلم أنه قال في الكشاف: إنّ بين ليلة النصف، وليلة القدر أربعين ليلة يعني أنها تكون في السابعة والعشرين من رمضان كما هو المشهور فقول السعد في شرحه تكون في الخامسة أو السادسة والعشرين من رمضان فيه نظر لا يخفى. قوله: (ابتدئ فيها إنزاله الخ) جواب سؤال مقدر، وهو أنّ القرآن نزل منجما في قريب من ثلاث، وعشرين سنة فكيف قيل إنه أنزل في هذه الليلة على الوجهين فإمّا أن يؤوّل أنزلنا بابتدأنا إنزاله على التجوّز في الطرف أو النسبة أو المراد إنزاله إلى سماء الدنيا كما مرّ تحريره، وفي الوجه الأوّل ما لا يخفى فإنّ ابتداء السنة سواء كان المحرّم أو ربيعا الأول لأنه ولد فيه ع! ر ومنه اعتبر التاريخ في حياته صلى الله عليه وسلم إلى خلافة عمر، وهو الأصح، وقد كان الوحي إليه على رأس الأربعين سنة من مدة عمره صلى الله عليه وسلم فكيف يكون ابتداء الإنزال في ليلة القدر من رمضان فحرّره. قوله: (وبركتها لذلك) أي لابتداء نزول الوحي فيها أو لنزوله جملة فيها إلى سماء الدنيا، وفي جعل البركة لما ذكر إشارة إلى ما قاله ابن عبد السلام أنّ الأمكنة، والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضا إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها، وذكره الأعمال بناء على غالب الأحوال، والا فتفضيل القبر المكرّم، والبقعة التي ضمته صلى الله عليه وسلم ليس لعمل فيها، وقال غيره: لا يبعد أن يخص إلله بعضها بمزيد تشريف حتى يصير ذلك داعيا إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها فاحفظه، وقوله: وقسم النعمة بفتح القاف، وسكون السين مصدر قسم والمراد به تقدير الأرزاق السابق ذكره، وفصل الأقضية تعيين غير الأرزاق كالآجال كما مرّ. قوله: (استئناف يبين المقتضي للأنزال) يشير إلى أنه استئناف بيانيّ في جواب سؤال مقدّر تقديره لم أنزل ونحوه وما بعده لبيان كونها مباركة فهما جملتان مستأنفتان على طريق اللف، والنشر فكأنه قيل: أنزلناه لأنّ من شأننا الإنذار، والتحذير من العقاب، وكان إنزاله في تلك الليلة لأنه من الأمور الدالة على الحكم البالغة، وهي ليلة يبين فيها كل أمر حكيم كما بينه الزمخشري فما قيل . إنه ليس من اللف، والنشر في شيء لا وجه له وكأنهم اشترطوا في اللف، والنشر كون كل " منهما جملتين مستقلتين، ولا داعي لاشتراطه، ولم يلتفت إلى جعل هذه الجملة جواب القسم كما مرّ، وقيل إنهما جوابان، وفيه تعدد المقسم عليه من غير عطف، ولم يتعرّضوا له. قوله: (وكذلك قوله فيها يفرق الخ) أي هو استئناف لبيان مقتضى إنزاله، وهو مخالف لما في الكشاف من جعله بيانا لكون الليلة مباركة كما مرّ فكأنه ذهب إلى أنه ليس من اللف، والنشر، اومعنى يفرق يفصل ويقضي، وقوله: مفرق بفتح الميم اسم زمان الفرق، والفصل، وقوله: " الأمور المحكمة إشارة إلى أنّ الحكيم بمعنى المحكم لأنه لا يبدل، ولا يغير بعد إبرازه للملائكة بخلافه قبله، وهو في اللوح فإن الله {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} ويجوز كونه بمعنى المحكوم به، وقوله: الملتبسة بالحكمة تفسير آخر لحكيم، وفي ذلك الالتباس إشارة إلى أنه ليس على ظاهره، وأن فيه تجوّزا في النسبة، والمراد الحكيم صاحبه، ويجوز أن تكون للنسبة، وكلامه أميل إلى الأوّل. قوله: (ويجوز الخ) وفائدته بيان الا-خضاء أو البركة أيضاً، وقوله: اوهو أي وصف الليلة بقوله يفرق الح. يدل على ما ذهب إليه أثثر المفسرين هنا من أنّ المراد بالليلة هنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان لأنها وصفت، أنها قضى، وفصل فيها كل أمر محكم أو ذي حكمة والقرآن من أعظمه، وقد صرّج بأنه نزل في ليلة القدر في تلك الآية، وفيه نظر لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الأمور تقضي في نصف شعبان، وتسلم . لأصحابها من الملائكة في ليلة القدر فهو زمان ممتد ابثداؤه ليلة النصف، وانتهاؤه ليلة القدر فلا يخالف قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} [سورة القدر، الآية: 4] الآية فتدبر. قوله:) وقرئ يفرّق ابالتشديد) وصيغة المجهول، وهو للتكثير، وفيه ردّ على قول بعض اللغويين كالحريري أن الفرق مختص بالمعاني والتفريق بالأجسام وقوله: ويفرق أي قرئ يفرق مخففآ مبنيا للفاعل " وكل منصوبة على هذه القراءة وكذا فيما بعده إلا أنّ الأوّل بالياء، وهذا بالنون. قوله: (أعني يهذا الآمر أمرا الخ) إشارة إلى أحد الوجوه في إعرابه، وأنه منصوب بمقدر تقديره أعني، وأريد ! وقطع للمدح، وقوله: حاصلاً إشارة إلى أنّ الظرف مستقرّ صفة للنكرة، وقوله: على مقتضى حكمتنا بيان لأنّ المراد بالعندية أنه على وفق حكمته وتدبيره، وليس تفسير الحكيم كما توهم، وقوله: وفيه أي وصفه بقوله: من عندنا مزيد تفخيم للأمر لصدور. عن حضرة العظمة، وقال مزيد: لأنّ تنكيره يدل على تفخيمه أيضا. قوله: (أو أمرا لأنه وصف فيجوز مجيء الحال منه، وأن كان نكرة، وقول المعرب أنه حال من المضاف إليه في غير المواضع المذكورة في النحو غير صحيح لأنه كالجزء في جواز الاستغناء عنه بأن يقال يفرق أمر حكيم على إرادة عموم النكرة في الإثبات كما في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [سورة التكوير، الآية: 14] . قوله: (أو ضميره) أي ضمير أمر، وهو متعين لجرّه فلا يلتفت إلى إيهام أن المراد ضمير كل، وقوله: لأنه أي أمر الذي هو مرجع الضمير موصوف بحكيم فلا بد من أن يستتر فيه ضميره أو لأنّ أمرا الواقع حالاً موصوف بقوله: من عندنا فيغاير الأوّل، ويصح وقوعه حالاً على الوجوه من غير لغوية فيه، وكونها مؤكدة غير متات مع الوصفية، وكأنه مراد المصنف رحمه الله، ولذا أخره، ولو أراد الأوّل قدمه على قوله: أو ضميره مع أنّ عموم النكرة المضاف إليها كل مسوغ للحالية من غير احتياج إلى الوصف فلا غبار عليه. قوله: (وأن يكون المراد به مقابل النهي (وفي نسخة وأن يراد به وقد كان في الوجوه السابقة واحد الأمور فهو منصوب على أنه مصدر لقوله يفرق بمعنى يقتضي، ويؤمر أو هو مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه، وقوله: من حيث الخ راجع للوجهين قبله لأنه إذا كان الفرق بالأمر يجوز وقوعه مفعولاً مطلقا له كضربتة سوطأ أو أن يقدّر له ناصب من لفظه بدلالة ما قبله، وتكون هذه الجملة بياناً لقوله يفرق الخ. فلا يرد عليه أنه كان ينبغي أن يقدّمه على قوله أو لفعله كما قيل، وأن يراد معطوف على ما قبله بحسب المعنى أو على قوله أن يكون حالاً، والتقابل باعتبار المصد* ية، ومقابلة النهي. قوله:) أو حالآ من أحد ضميري أنزلناه) مؤوّلاً بمشتق لأنه الأصل في الحال، ولا يضره الفاصل على الاعتراض وكذا على التعليل لأنه غير أجنبيّ كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (بدل من {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} ) بدل كل أو بدل اشتمال باعتبار الإرسال، والإنذار، وما بينهما غير أجنبي فلا يضرّ فصله، وقوله: لأن من عادتنا الخ. العادة من قوله كنا فإنه يقال: كان يفعل كذا لما تكرّر وقوعه، وصار عادة كما صرحوا به، وأتي باللام لأنّ المبدل منه تعليل لما قبله كما مز قلا يرد عليه أنّ النظم لا يفيده كما توهم، ولذا عدل عن إنا مرسلون الأخصر وقوله: بالكتب يفهم من السياق وتعقيبه لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [سورة القدر، الآية: ا] الخ، وقوله: لأجل الرحمة يعني أنه على البدلية مفعول له كما أنه على العلة مفعول به، ووجه التخصيص كما في شروح الكشاف، وإن خفي على بعض منهم أنّ البدل على الوجهين يلزمه الاتحاد أو الملابسة، وارسال الرسل، والكتب مع الإنذار كذلك بخلاف إرسال الرحمة الذي يقابل إمساكها فإنه إن لم يناف الإنذار لا يلابسه، ويلائمه، ولا يضرّ في وقوع المغاير علة له بخلاف ما إذا كانت الجملة تعليلاَ لأمرا من عندنا أو للفرق، والتفصيل فإنه لا بد من كونه مفعولاً به ليصح التعليل إذ لو قيل فيها تفصيل كل شأن حكيم لأنا فاعلو الإرسال للرحمة لم يفد أنّ التفصيل رحمة، ولا أنه مرسل فلا يستقيم التعليل هكذا ينبغي أن يحقق هذا المقام من غير لغو من الكلام. قوله: (ووضع الرب موضع الضمير) ، ولم يقل بدله منا كما هو الظاهر للإشارة إلى أنّ إرسالط الرسل مقتضى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 التربية الربانية فإنه أعظم أنواع التربية لأنّ منه النماء الحقيقي، والبقاء الأبدي، وقوله: أو علة عطف على قوله بدل، وقد قرّرناه لك بما لا مزيد عليه، وقوله أو أمراً أي علة لقوله: (أمرا من عندنا) ، وفي قوله: تصدر الأوامر دون الأمور إشارة إلى أنّ جعله تعليلا لقوله: (أمراً من عندنا) إنما هو على تقدير أن يراد به الأمر الذي هو ضدّ النهي، وهل يجري على تقدير المصدرية أو الحالية الأشبه الثاني كذا أفاده المحقق. قوله: (فإن فصل كل أمر الخ) هذا على ما مرّ من أنّ الخير هو المقصود الأصلي بالذات 4 وما عدا. بالتبع فليس الإرسال إلا للرحمة، وكذا تفصيل الأمور كلها فيندفع ما يرد على كلام المصنف كما أورد على قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 107 لح إنّ مما قضى غضباً، وعذابا كالغلاء، والصواعق، وانهءجمح غضب على الكفار، وقتل وسبي فكيف يصح الحصر، وما ضاهاه، وفيه كلام طويل لبعض المتأخرين لولا خوف الإطالة أوردناه وقيل إنه غلب فيه جانب الرحمة لسبقه كما في الحديث فتأمّل، ثم إنّ لهم في نصب رحمة ثلاث أوجه أخر غير المذكور ككونه مصدراً لرحمنا مقدراً، وكونه حالاً من ضمير مرسلين أو بدلاً من أمراً كما فصله المعرب. قوله: (لا تحق) أي لا تليق وتثبت إلا لمن هذه صفاته الحصر مأخوذ من توسط الضمير مع تعريف الطرفين فيفيد انحصار الربوبية فيه أيضاً، وقوله: خبر آخر أي لأنّ أو هو أو هو خبر مبتدأ مقدر، والجملة مستأنفة لإثبات ما قبلها، وتعليله. قوله: (اي إن كنتم من أهل الإيقان) يعني أنه منزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى ما يتعلق به أي ممن عند. طرف من العلوم اليقينية أو مفعوله مقدر أي إن كان إقراركم إذا سثلتم من خلق السموات، والأرض فقلتم ألله صادرا عن يقين، وعلم به تحقق عندكم ما قلناه، وقوله: علمتم جواب الشرط المقدر، وليس الجوأب مضمون قوله: رب السموات الخ لأنه كذلك أيقنوا أم لم يوقنوا فلا معنى لجعله دالاً عليه فالتقدير ما ذكره ولا يصح تنزيلهم منزلة الشاكين مع قوله بل هم في شك بل هذا على تنزيل إيقانهم منزلة عدمه، والمعنى أنّ الله المرسل للرسل، والكتب رحمة منه هو ذلك السميع العليم الذي اعترفتم بأنه الخالق ليس اعترافكم به عن إيقان لظهور خلافه عليكم، وقوله: كما قلنا أي من كونه الرب الخالق فإن أريد ما ذكر قبل قوله السميع العليم لا يكون تنزيلا كما قيل، وذلك يجوز أن يكون إشارة إلى كل من الأمرين، وقوله: إذ لا خالق سواه، والإله لا يكون إلا خالقا. قوله: (كما تشاهدون) يعني كونه فاعلا لذلك أمر ظاهر بمنزلة المحسوس المشاهد لكل ذي بصر، وبصيرة أو المراد كما تشاهدون الحيّ، والميت، وقد علمتم أنه لا فاعل غيره، وقوله: بدلاً من ربك أي أو مما قبله إن كان قرئ بجرهما، والرفع على أنه بدل مما قبله أو خبر مبتدأ مقدر، وقوله: ردّ لكونهم موقي ن لأنه إضراب إبطاليّ أبطل به إيقانهم لعدم جريهم على موجبه، وقوله: فانتظر لهم اللام تعليلية أو المراد انتظر عذابا كائنا لهم، وقوله: يلعبون خبر بعد خبر أو الظرف متعلق به قدم للفاصلة، ويوم مفعول به أو ظرف، والمفعول محذوف أي ارتقب وعد الله في ذلك اليوم، والسماء جهة العلوّ هنا. قوله:) يوم شدّة ومجاعة) مصدر بمعنى الجوع والقحط، والمراد باليوم مطلق الزمان، ثم بين وجه ذلك بقوله: فإنّ الجائع الخ، وهو بيان لأنه مجاز ذكر فيه المسبب، وأربد السبب أو هو استعارة وكلام تخييليّ، وما ذكر لبيان علاقة المجاز، وما يرى كهيئة الدخان ظلمة تعرض للبصر لضعفه فيتوهم ذلك، وظلمة الهواء من الغبار ظاهرة، وكثرته من قلة المطر المسكن له ففيه كناية، وعطف كثرة الغبار على قلة الأمطار من عطف المسبب على السبب مع ما فيه من صنعة الطباق. قوله: (أو لأنّ العرب الخ) الظاهر إنه استعارة لأنّ الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه أو على ما يلزمه، ولذا قيل: تريدمهذبالاعيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان فالمراد به القحط هنا. قوله: (وقد قحطوا الخ (إشارة إلى ما رواه البخاريّ أن النبيّ جمرو لما رأى من الناس إدباراً قال: " اللهم سبعاً كسبع يوسف " فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة، والجيف فأتى أبو سفيان فقال: يا محمد إنك تأمر بطاعة الله، وصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا فاح الله لهم، وفي تاريخ ابن كثير أنّ الحديث يدلّ على أنّ هذه القصة كانت بمكة فالآية مكية ذكره البيهقي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 وروي أنّ قصة أبي سفيان بعد الهجرة فلعلها وقعت مزتين، وقد مرّ في سورة المؤمنين تفصيله. قوله: (وإسناد الإثيان إلى السماء الخ) مع أنّ الإتيان المذكور فاعله هو الله فأسند إليها على طريق التجوّز في الإسناد، ثم بين وجه الملابسة المصححة للإسناد لها بقوله: لأنّ ذلك أي ما ذكر من الشذة، والقحط يسبب كف السماء أي كونها مكفوفة وممنوعة عن الأمطار فاسناده إليها إسناد إلى السبب البعيد والضمير للسماء وتذكيره لأنه يذكر ويؤنث أو لتأويله بمذكر. قوله: (أو يوم ظهور الدخان الخ) معطوف على قوله يوم شذة، وهذا وإن كان مناسبا لقوله: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} إلا أنّ قوله وقالوا معلم مجنون يكون من إسناد حال البعض إلى الكل كما قيل، ولا حاجة إليه إذ لا يلزم حمل الناس على العموم، وإن كان حكمه عامّاً إذ يجوز أن يراد به كفار المشركين ليطابق ما بعده، وأمّا مطابقته لقوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ} فستأتي. قوله: (أؤل الآيات الدخان) هذا هو المناسب لسؤال الراوي بقوله: وما الدخان فإنه يقتضي تقدم ذكره ووقع في بعض النسخ " هنا، وفي الكشاف الدجال بدله وهو اختلاف في الرواية أيضاً كما ذكره ابن حجر لا في مجرّد النسخة وقال: إنّ رواية الدجال أقوى وقد ذكر فيها الدخان بعده وعلى هذا فيكون سؤاله عن الدخان إمّا لمناسبة النار أو لأنه فهم أنه دخانها. قوله: (عدن أبين) بفتح الدال اسم مدينة باليمن أضيفت لا بين بكسر الهمزة وفتحها وهو اسم رجل نزل بها أو بناها فسميت باسمه وقوله: كهيئة الزكام أي كحالة الزكام والمنخر الأنف، وفيه لغات في القاموس بفتح الميم، والخاء وكسرهما وضمهما، وكمجلس، وقوله: صفة للدخان أي هذه الجملة صفته لوقوعها بعد النكرة. قوله: (أو يوم القيامة الخ) يعني المراد بيوم تأتي السماء الخ هذا فالدخان حينئذ يحتمل أن يراد به الشدة، والشرّ مجازا، وأن يراد به حقيقته، والظاهر أن يكون قوله تأتي السماء الخ اسنعارة تمثيلية إذ لا سماء لأنه يوم تشقق فيه السماء فمفرداته على حقيقتها فتأمّل. قوله: (مقدر بقول الخ) قال المعرب، ويجوز أن يكون إخبارا منه تغالى فهو استئناف أو اعتراض، والإشارة بهذا للدلالة على قرب وقوعه وتحققه وما قاله المصنف أولى وقوله: وعد بالإلمان الخ يعني به أنّ وروده بعد طلب كشف العذاب يدل على ترتبه عليه حتى كأنه قيل أن يكشف فإنا مؤمنون، واسم الفاعل للحال أو للاستقبال. قوله: (من أين لهم) مرّ تحقيقه في سورة آل عمران وقوله: بهذه الحالة أي كشف العذاب أو العذاب نفسه، والمراد نفي صدقهم في الوعد، وأنّ غرضهم نفي العذاب، والخلاص منه، وقوله: من الآيات الخ بيان لما وفيه إشارة إلى أنّ مبين من أبانه المتعدي. قوله تعالى: ( {ثُمَّ تَوَلَّوْا} الخ) هو إمّا معطوف على قوله وقد جاءهم الخ. أو على مضمون قوله ربنا اكثف لأنه بمعنى قالوا ربنا الخ، وهو بعيد، وثم للاستبعاد، والتراخي الرتبي أي لم يجع فيهم ذلك أو لم يصدقوا في وعدهم وقوله، وقال آخرون الخ فليس القائل متحدا كما هو المتبادر منه، ولم يقل ومجنون بالعطف لأنّ المقصود تعديد قبائحهم. قوله: (بدعاء النبئ صلى الله عليه وسلم) هذا بناء على المختار من تفسيره الأوّل لا الثاني للدخان كما مرّ، وقوله: كشفا قليلاً فيكون منصوبا على المصدرية أو الظرفية، وليس منصوبا بمنتقمون، ولا بمقدر يفسره لأنّ ما بعد أنّ لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر كاملا وهذا هو المانع عن عمله في الظرف واليه أشار المصنف بقوله: فإنّ أنّ تحجره أي تمنعه عن عمله في المتقدم لصدارتها كما سيأتي، وفائدة التقييد به الدلالة على زيادة خبثهم لأنهم إذا عادوا قبل تمام الانكشاف كانوا بعده أسرع إلى العود وقوله: ما بقي من أعمارهم إشارة إلى عود العذاب بعد موتهم فهذا على التفسير الأوّل أيضاً. قوله: (إلى الكفر غب الكشف) أي عقبه، وبعده، ولم يقل بعض الكشف ليطابق قوله قليلاَ لأنّ بعض الكشف كشف، وعودهم إلى الكفر يقتضي إيمانهم، وقد مرّ أنهم لم يؤمنوا، وأنما وعدوا الإيمان فإمّا أن يكون وعدهم نزل منزلة إيمانهم أو المراد عائدون إلى الثبات على الكفر أو إلى الإقرار والتصريح به ثم إنه قابل قوله {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} بقوله: إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون، وكما أنّ معنى ذاك اكشف فإنك كما كشفت عنا العدّاب كنا مؤمنين من غير لبث كذلك معنى هذا إنا كاشفوا العذاب، وكما يكشف يعودون عن الابتهال إلى الكفر، والضلال، ولذا قال فريثما الخ، وقيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 في وجه الدلالة على هذا المعنى أنّ اسمية الجملتين تدل على مقاونتهما في الوجود أو أنّ المعنى إنا كاشفوا العذاب زمانا قليلاً إنكم عائدون فيه، وأنت خبير بأنّ " ما ذكره المصنف ليس مقارنا في الوجود، وفي زمان واحد بل كون الثاني عقيب الأوّل بلا فصل، وتراخ على أنّ العطف على المقيد بزمان لا يقتضي تقييد المعطوف فكيف ترك العاطف كما قيل، واختير في وجه الدلالة على ما ذكر من وقوعه عقبه أنه- بناء على ما علم من فسادهم، وأنهم يبادرون إلى نقض العهد، والشرك إذا زال المانع كما في قوله: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [سورة العنكبوت، الآية: 65] واعترض على ما اختاره المحقق بما تقرّر من دلالة الاسمية، واسم الفاعل على الحال فالاسميتان مراد بهما الحقيقة أو المجاز يتقارن مدلولاهما بلا شبهة ما لم يمنع مانع كما هنا فيحمل على التقارن العرفي بأن يقع ابتداء أحدهما عقب الآخر بلا مهلة فيعدان بحسب العرف في زمان متحد، وبهذا اندفع إيراده، وما قاله من المقابلة لا يقتضي ما ذكر من المشاركة بينهما في جميع الأحوال، وليس بشيء عند التحقيق إمّا دلالة الاسمية على الحال فلم يقل به أحد، وأنما تدلّ على الثبوت لا التجذد، واسم الفاعل يرد لغير ما ذكر أيضاً فيكون للمضيّ، والاستقبال، ولو سلم فمن أين يعلم اتحاد الحالين، والمراد بهما، وما ذكره من الاتحاد مبنيّ عليه فهو خيال فاسد، ولا شك أنّ المراد بالمقابلة وقوعه جوابا له فإذا كان معني! الأوّل إن كشفت آمنا كان معنى الجواب إن كشفنا عدتم فيتحدان معنى لا بلا شيبهة، وما ذكره من ابتنائه على ما عرف من حالهم أمر لا يعلمه إلا الله وليس في الكلام قرينة تدل عليه فتدبر. قوله: (ومن فسر الدخان الخ) دفع للسؤال بأنه من الأشراط، ولا يتصوّر فيه الكشف، وقد أجيب عنه بأنه ورد في بعض الآثار أنه يكشف عنهم فيرتدون فليس في الواقع ما يدلّ على خلافه بل ورد ما يؤيده، وقوله: غوّث بالتشديد بمعنى صاح، ونادى طلبا للغوث، وأصله أن يصيح واغوئاه، وقوله: فريثما يك! ثفه أي مقدار كشفه يرتدون، وقد تقدم تفصيله وأنه منصوب على الظرفية. قوله: (ومن فسره بما في القيامة الخ) هذا أيضا ردّ للسؤال بأنه لا كشف ثمة فكيف يناسبه ما ذكر على هذا التفسير بأنه كلام وارد على الفرض، والتقدير فيكون معناه لو كشفنا عنهم بعدما دعوه واعدين بالإيمان لعادوا عقب الكشف فيكون كقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28] وأمّا إن مؤمنون، وما معه فغير محتاج للتأويل. قوله: (فإنّ إنّ تحجره) أي تمنعه عن العمل فهو بالراء المهملة أو بالمعجمة، وقد مرّ ردّ ما ذكره بأن ما لا يعمل لا يفسر عاملاً كما قاله المعرب كغيره من النحاة لكنه غير مسلم، ولذا لم يلتفت له المصنف، وفيه وجوه كنصبه بتأتي أو اذكر مقدرأ، وتعلقه بعائدون، وأمّا تعلقه بكاشفوا العذاب فردّه في الكشف. قوله: (نجعل البطشة الخ) على قراءته من الأفعال فعلى هذا البطشة مفعول به، وفيه مجاز حكميّ على طريقة أطيعوا أمر الله وعلى ما بعده مفعول مطلق كانبتكم ثباتاً والصولة العنف والشدة وعلى ما في القاموس من مجيء أبطش بمعنى بطش لا حاجة لتأويله بما ذكر، وعلى ما ذكره فهو لتمكينه من البطش والمفعول محذوف على الثاني. قوله: (امتحناهم) على أنه من فتن الفضة عرضها على النار فيكون بمعنى الامتحان، وهو استعارة، والمراد عاملناهم معاملة الممتحن ليظهر حالهم لغيرهم، وقوله أو أوقعناهم في الفتنة على أنه بمعناه المعروف والمراد بالفتنة حينئذ ما يفتن به أي يغترّ ويغفل عما فيه صلاحه كما في قوله تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [سورة الأنفال، الآية: 28] وإليه أشار بقوله: بالإمهال الخ، وتفسيره هنا بالعذاب، ثم التجوّز به عن المعاصي التي هي سببه كما قيل تكلف ما لا داعي له، ومن فسرها بالضلال أو العذاب لخلقهم عصاة مختارين لكسب المعاصي فهو عنده مجاز عقليّ فلا يقال إنه لا يلائم ما بعده مع أنه مع ما ذكره كشيء واحد وقراءة فتنا بتشديد التاء إما لتأكيد معناه المصدرقي أو لتكثير المفعول أو الفعل. قوله: (على الله) فكريم بمعنى مكرم أي معظم عند الله، أو عند المؤمنين أو هو من الكرم بمعنى الاتصاف بالخصال الحميدة حسباً ونسباً ونحوه، وقيل إنه على الأوّل بمعنى عزيز، وعلى الثاني بمعنى متعطف كما سيأتي في عب! وعلى الثالث ما مرّ تفسيره به، والأحسن تفسيره بجامع المحامد، والمنافع فإنه أصل معناه. قوله: (بأن أذوهم إلئ وأرسلوهم معي الخ) فإن مصدرية قبلها حرف جرّ مقدر، والمراد بعباد الله بني إسرائيل الذين كان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 فرعون استعبدهم فأداؤهم استعارة بمعنى إطلاقهم، وارسالهم معه كما أشار إليه بقوله، وأوسلوهم إذ عطفه عليه عطفاً تفسيريا، وفيه مخالفة لما في الكشاف من الإشارة إلى عدم تجويز المصدرية لما قيل إنه لا معنى لقولك جاءهم بالتأدية إليّ، والحمل على طلب التأدية إليّ لا يخلو عن تعسف، وقد رد بأنه بتقدير القول، وهو شائع مطرد فتقديره بأن قال أدوهم إليّ لكنه لا يخلو عن التكلف لما فيه من التجوّز، والتقدير من غير قرينة على إرادته في كلام المصنف، والتعبير بعباد الله للإشارة إلى أنّ استعباده لهم ظلم منه، وهذا بناء على جواز وصلها بالأمر، والنهي والآية كقوله: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} [سورة طه، الآية: 47] . قوله: (أو بأن أدّوا إلى حق الله الخ) هذا على المصدرية أيضا، والفرق بينه وبين ما تقدم أنّ عباد الله في الأوّل مفعول والمراد به بنو إسرائيل، والأداء بمعنى الإوسال، وفي هذا مفعوله مقدر، وعباد الله منادى عامّ لبني إسرائيل والقبط، والأدأء بمعنى الفعل للطاعة، وقبول الدعوة. قوله: (وبجوز أن تكون أن الخ) قال الشارح المحقق: أنه بعيد جداً لأنها على التخفيف يقدّو معها ضمير الشأن، وخبره لا يكون إلا جملة خبرية، وأيضا لا بدّ أن يقع بعدها النفي، أو قد أو السين أو سوف، وتقدم فعل قلبيّ ونحوه، وأجيب بأنّ مجيء الرسول يتضمن معنى فعل التحقيق كالأعلام، والفصل المذكور غير متفق عليه فقد ذصب المبرد تبعا للبغاددة إلى عدم اشتراطه، والقول بأنه شاذ يصان القرآن عن مثله غير مسلم، والإخبار عنه بجملة إنشائية جائز عند الزمخشريّ كما حققه في الكشف، وقد مرّ تفصيله غير مرّة. قوله: (لأنّ مجيء الرسول الخ) إشارة إلى توجيه كونها مفسرة فانّ شرطها تقدم فعل يدل على القول دون حروفه، ولما كان مجيء الرسول للدعوة دل على ذلك فهي لتفسير المتعلق المقدر أي جاءهم بالدعوة، وهي أن أذوا الخ. قوله: (لدلالة المعجزات على صدقه) فأمانته عبارة عن عدم اتهامه بالكذب في دعوى الرسالة للدليل القاطع بصدقه أو المراد ائتمان الله على وحيه، وهي جملة مستأنفة لتعليل الأمر قبلها فقوله، وهو أي هذا القول باعتبار ما تضمنه وصفه بالأمانة، وقوله: بالاسنهانة بوحيه الخ ففيه تجوّز في النسبة أو تقدير مضاف أي على رسوله، ولو حمل على ظاهره جاز لقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سورة النازعات، الآية: 24] ونحوه من خرافاته، وقوله: كالأولى في وجوهها، وعلى المصدرية المعنى يكفكم عن العلو على الله تعالى، وقول التفتازاني في شرحه لا يجوز أن تكون مصدرية موصولة بالنهي على قول سيبويه أو بالنفي، ونصب المضاوع لفساد المعنى لا وجه له. قوله: (ليكم) فعل مضارع أو اسم فاعل وقوله، ولذكر الأمين الخ يعني أنه ترشيح للاستعارة المصرّحة أو المكنية بجعلهم كانهم مال للغير في يده أمره بدفعه لمن يؤتمن عليه، وأنّ السلطان بمعنى الحجة الغالبة، وفيه تورية عن معنى الملك مرشحة بقوله لا تعلوا. قوله: (أن ترجمون) أي من أن ترجموني، واني عذث جملة معطوفة على الجملة المستأنفة وأدغم داله في التاء كما في نبذتها، وهي قراءة أبي عمرو، والأخوين في السبعة لا شاذة كما توهمه العبارة لكنه لبيانه في القرا آت لا يضرّ مثله، والرجم مجاز عما ذكره كما يقال رماه بكذا، وقوله لا عليّ، ولا لي تفسير لقوله بمعزل مني إشارة إلى أنّ المراد به كناية الترك لا المفارقة الحقيقية كما قال عمر رضي الله عنه: ليتني شل! مت من الخلافة كفافا لا عليّ ولا لي، وقوله: فإنه أي التعرّض بالسوء. قوله: (بأنّ هؤلاء قوم مجرمون (يعني فيه باء محذوفة هي صلة الدعاء كما في دعوت الله بكذأ، وقوله: وهو تعريض الخ لما كان مدخول الباء هنا، وهو إجرامهم بمعنى تناهى أمرهم في الكفر، والمعاصي لأنّ الكافر إذا وصف بالإجرام يراد به ذلك، وهو بحسب الظاهر لا يصلح لأن يكون مدعوّاً به جعله كناية، وتعريضا عن المدعوّ به لأنه لما ذكره موجبه، ورفعه إلى الله العالم بأحوالهم دل ذلك على أنّ المراد فعل بهم ما يستحقونه، وضمير استوجبوه للدعاء، وبه لما ويحتمل تقدير المدعوّ به أو جعل هذا مجازاً عنه، وقوله: على إضمار القول أي قائلاً الخ. قوله: (فقال) أي الله لما دعاه والفاء للتعقيب والترتيب، والقول مقدّر فيه بعد الفاء معطوف على ما قبله أو هو بتقدير قول، والفاء جواب شرط مقدر، وهو وجوابه مقول القول المقدر مع الفاء أو بدونها على أنه استئناف، والأوّل أقل في التقدير ولذا قدّمه مع أنّ تقدير أن لا يناسب إذ لا شك فيه تحقيقا، ولا تنزيلاً وجعلها بمعنى إذا تكلف على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 تكلف. قوله: (يتبعكم الخ) إشارة إلى أنها جملة مستأنفة لتعليل الأمر بالسرى ليلاً ليتأخر العلم به فلا يدركون، وقوله: ذا فجوة، وفي نسخة فرجة، وهما بمعنى واحد، وفيه إشارة إلى أنه مصدر ب! معنى الفتح فهو مؤوّل أو فيه مضاف مقدر، وقوله: أو ساكناً إما على أنّ الرهو السكون مؤوّل بما ذكر أو هو بمعنى الساكن حقيقة، وقوله: ولا تضربه الخ. كأن موسى هتم بضربه لينغلق فلا يتبعه القبط، وهو عطف على اترك على الوجهين عطفا تفسيريا له، وقوله: كثيراً إشارة إلى أنّ كم خبرية، والمحافل الأماكن المعدة للاجتماع، وزينتها وحسنها تفسير لكرمها فإنّ الكرم الشرف، وهو في كل شيء بحسبه، وقوله: وتنعم المناسب للترك تفسيره بالمنعم به فإنه يكون كثيراً بهذا المعنى. قوله: (مثل ذلك الإخراج) فالكاف أو الجار، والمجرور صفة مصدر مفهوم من الترك أو أخرجناهم إخراجا مثل هذا الإخراج، أو هو خبر مبتدأ مقدّر تقديره الأمر كذلك والمراد به التأكيد والتقرير، وقوله على القعل المقدّر يعني أخرجنا الذي كذلك صفة لمصدره، وعلى الثاني فجملة الأمر كذلك معترضة. قوله: (ليسوا منهم في شيء) تفسير لقوله آخرين فإنه للمغايرة، والمراد مغايرتهم للقبط جنساً ودينا، والقولان مبنيان على الروايتين في دخول بني إسرائيل مصراً كما روي عن الحسن، وعدم عودهم لها، ودخولهم كما روي عن قتادة، وأما ما قيل عليه من إجماع المؤرخين على عدم الدخول فإنه لا عبرة به لأنه لا اعتماد عليهم كما لا يخفى. قوله: (مجاز عن عدم ا! تراث الخ) الاكتراث المبالاة، والاعتناء بالشيء، وقريب منه الاعتداد، ووجه المجازية أنه استعارة تمثيلية فشبه حال موتهم لشذته، وعظمته بحال من تبكي عليه السماء، والأجرام العظام، وأثبت له ذلك، وهذه هي الاستعارة التمثيلية التخييلية التي مرّ تحقيقها، والنفي تابع للإثبات فيه كما مرّ تحقيقه في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [سورة البقرة، الآية: 26] الخ، وما قيل من أنها استعارة تمثيلية، وأنه شبه حالهما في عدم تغيرهما، وبقائهما على ما كانا عليه بحال من لم يبك، أو مكنية بأن شبها بالإنسان، وأسند إليهما البكاء فهو استعارة تخييلية كلام فاسد مبنيّ على عدم فهم كلامهم هنا ومهلكهم بضم الميم، وفتحها مصدر ميمي، وقوله: أهل السماء ففيه مضاف مقدر. قوله: (ممهلين إلى وقت آخر (من القيامة، وغيرها لتعجيل العذاب لهم في الدنيا، واستعباده اتخاذهم خدما وعبيدأ، وقوله على حذف المضاف تقديره من عذاب فرعون، وقوله: أو جعله بصيغة المصدر، والماضي فجعل المعذب عين العذاب مبالغة، وقوله: من جهته إشارة إلى أنّ من ابتدائية، وكونه حالاً من المهين لأنه صفة العذاب فهو متحد به، وقيل المراد أنه حال من الضمير المستتر فيه. قوله: (وقرئ من فرعون الخ) هي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وهي شاذة، وفي شرح المفتاح أنه مقول قول مقدّو هو صفة للعذاب، وقدره المقول عنده إن كان تعريف العذاب للعهد، ومقول إن كان للجنس، ولا يلزم على الأوّل حذف الموصول، وبقاء بعض صلته كما قاله الشريف: إمّا على مذهب المازني فظاهر، وأمّا عند الجمهور فلأنها حى رف تعريف إذ هو معهود، وأل العهدية تدخل على الصفة كما في المغني، والخلاف في غيرها مع أنّ الظاهر أنه كلام مستأنف لا صفة، ولا حال كما هو الظاهر من كلام الكشاف فلا حاجة إلى ارتكاب ما ذكر. قوله: (تنكيرا له (إن أراد بالتنكير جعله غير معلوم كالنكرة لما فيه من القبائح التي لم يعهد مثلها، ولذا استفهم عنه فالمراد أنه يفيد التحقير، وفوله: لنكر ما كان عليه أي لقباحته، وكونه مما تنكره العقول حقيراً فيكون هذا غير ما ذكره في الكشاف، وتبعه صاحب التلخيص حيث قال من فرعون أي هل يعرفون من هو في عتوّه وشيطنته فما ظنكم، بعذابه فهو تهويل، وتعظيم لأمره، وما بعده يناسب هذا المعنى، ومنهم من أرجع كلام المصنف رحمه الله له ولا بعد فيه، والشيطة الخبث، والفساد مصدر من قولهم تشيطن إذا فعل فعل الشياطين. قوله: (في العتو والشرارة) بفتح الثين الفساد والظلم، وقوله: مسرفا بيان لأصل معناه والا فقد مر أن زيد من العلماء أبلغ من عالم، ولذا عدل عنه، وليس ذلك لأجل الفاصلة فقط. قوله: (كان رفيع الطبقة من بينهم الا يخفى ما فيه فإنه يفيد هذا المعنى إذا كان صلة عاليا لا حال فإنه على الحالية معناه كالذي قبله من غير فرق فتدبر. قوله: (عالمين الخ) فهو حال، وهو إشارة إلى توجيه التركيب لئلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد فمن وجهه بأن على مختلف معناها هنا فقدسها، والمراد العلم باستحقاقهم، وعلى ما بعده العلم بمطلق أحوالهم فيكون إشارة إلى أنه مع تقصيرهم تفضل عليهم، وامّا أن يراد لأجل علم فيهم فركيك لأنّ تنكيره لا يصادف محزه، وقوله: لكثرة الأنبياء فيهم تعليل لتفضيلهم على سائر الأمم لأنه باعتبار ذلك فلا يقتضي تفضيلهم من كل الوجوه حتى يلزم تفضيلهم على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم خير الأمم كما اعترض به بعضهم على المصنف رحمه الله فتعريف العالمين للاستغراق، وقوله على عالمي زمانهم فهو للعهد أو الاستغراق العرفي فلا يرد السؤال أيضا. قوله: (كفلق البحرا لأنّ ما كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم فهو لأمّته، وقوله: نعمة جلية أي ظاهرة والبلاء يطلق على النعمة، والبلية لأن أصله الاختبار، وهو يكون بكل منهما فإطلاقه عليهما تجوّز، وبأن فيه إشارة إلى أنّ إتيانه به لأمور أخر ككونه معجزة. قوله: (مسوقة للدلالة الخ) إشارة إلى أنّ ذكرها استطرادي للدّلالة على ما ذكر، وهي مشابهته لها أتم الشبه كما مرّ تفسيره في الزخرف لوعدهم الإيمان إذا نزل البلاء، ثم رجوعهم بعد انكشافه وغير ذلك. قوله: (ولا قصد فيه الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ الآية واردة في منكري البعث فمقتضى الظاهر أن يقال إن هي إلا حياتنا الأولى فالحياة اثنتان، والموت واحد، وهو ما وقع بعد الحياة الأولى لا غير فأجاب عنه بأنّ المراد بموتتهم موتهم بعد الحياة، وتوصيفها بالأولى ليس في مقابلة الثانية قال الأسنوي في كتابه المسمى بالتمهيد الأول في اللغة ابتداء الشيء، ثم قد يكون له ثان، وقد لا يكون كما تقول هذا أوّل ما اكتسبته فقد تكتسب بعده شيئا، وقد لا تكتسب كذا ذكره جماعة منهم الواحدي في تفسيره والزجاح، ومن فروع المسألة ما لو قال إن كان أوّل ولد تلدينه ذكراً فأنت طالق تطلق إذا ولدته، وأن لم تلد غيره بالاتفاق قال أبو عليّ: اتفقوا على أنه ليس من شرط كونه أوّلاً أن يكون بعده آخر، وأنما الشرط أن لا يتقدم عليه غيره اهـ فما قيل إنّ الأوّل يضايف الآخر، والثاني ويقتضي وجوده بلا شبهة، والمثال المذكور بعد تسليم صحته إنما هو فيمن نوى تعدّد الحج فاخترمته المنية فلحجه ثان باعتبار العزم غفلة عما قرّوناه كما فصله الشافعية في أصولهم، ولا حاجة إلى أن يقال إنها أولى بالنسبة لما بعدها من حياة الآخرة لما ذكره في الانتصاف من أنّ الأولى إنما يقابلها أخرى تشاركها في أخص معانيها فكما لا يصح أو لا يحسن أن يقال جاءني رجل، وامرأة أخرى لا يقال الموتة الأولى بالنسبة للحياة. قوله: (وقيل لما قيل إنكم الخ) هذا ما ارتضا. الزمخشريّ على أنّ المراد بالموتة الأولى ما قبل الحياة من العدم فكان هذا معناه لما قيل لهم من حدوث موتة بعدها حياة أخرى كسبق موتة بعدها هذه الحياة فكأنهم قالوا ليس هذا كدّلك بل الموتة الأولى بعدها الحياة فليست إلا الأولى فضمير هي للموتة الموصوفة بأنها تعقبها الحياة، والموتة التي تقابل تلك الموتة ليصح اتصافها بكونها الأولى هي الموتة التي بعد هذه الحياة الدنيا، ولا يقدح فيه أنّ المراد بالموتة الأولى في قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] هي التي بعد هذه الحياة لا قبلها لأنه ثمة لاقتضاء إيقاع الذوق عليها لأنّ ما قبل الحياة غير مذوق إلا أنه أورد عليه أن بناء مرّة الموتة يشعر بالتجدد، والحدوث والحالة التي قبل الحياة الدنيا ليست كذلك، ولا يفهم من الموتة الأولى إلا ما يعقب الحياة فالأقرب أن يراد ليست الموتة إلا هذه لا الموتة التي لا تعقب حياة القبوو وبعدها البعث كما يزعمون، وقيل إنه على حذف مضاف أي إن الحياة إلا حياة موتتنا الأولى، والأولى صفة المضاف المقدر، وما ذكر من الحدوث على فرض تسليمه فقد يقال إنه للمشاكلة التقديرية إذ تقديره إن هي إلا موتتنا الأولى لا موتتنا الثانية فالموتة الثانية مذكورة تقديرا مع أنه أطلق من غير مشاكلة في قوله: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 28] فتدبر. قوله: (خطاب لمن وعدهم الخ) توجيه لجمع الضمير، وقوله: ليدل الخ متعلق بقوله: فأتوا وفاعل يدل ضمير يرجع للإتيان المفهوم منه وضمير عليه لصدق الوعد، ودلالة الإتيان إما لمجزد الإحياء بعد الموت واما بأن يسألوا عنه، ولا يرد أنّ هذا وما قبله من قوله وما نحن بمنشرين يأبى حمل إلا موتتنا الأولى على ظاهرها كما قيل حتى يجعل كلاما مستقلا فتدبر. قوله: (في القوّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 والمنعة) بفتح النون مصدر بمعنى العز الدنيوي أو جمع مانع ككتبة فهو بمعنى الاتباع، والخدم وأنما حمل الخيرية على أمور الدنيا لا الدين، والآخرة لأنهم لا خيرية فيهم بهذا المعنى إلا أن يكون على ضرب من التأويل البعيد، وأيضا هو لا يناسب ما بعده إلا بهذا المعنى إذ المراد أنهم مع قوّتهم، ومنعتهم أهلكناهم بجرمهم فما بال قريش لا تخاف أن يصيبها ما أصابهم. قوله: (تبع الحميري) منسوب إلى حمير، وهم أهل اليمن، وهذا تبع الأكبر أبو كرب، واسمه أسعد وهو ممن هدأه الله للإسلام في الزمن القديم، وبشر ببعثته صلى الله عليه وسلم واليه تنسب الأنصار، ولحفظهم وصيته عن آبائهم بادروا إلى الإسلام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " لا أدري كان نبياً " لأنّ إخباره بمبعثه عوو يقتضي أنه أوحى إليه، وهو أوّل من كسا البيت ولذا لم يذكر في القرآن في سياق الذم إلا قومه لا هو، وتبع فعل يكون بمعنى مفعول أي متبوع كما في هذا، وبمعنى فاعل كما قيل للظل تبع، وقوله: حير الحيرة بكسر الحاء المهملة، وياء ساكنة وراء مهملة مدينة بقرب الكوفة ومعنى حيرها بناها ونظم أمرها وصيرها مدينة كما يقال مذن المدينة ومصر مصراً وسمرقند مدينة بالعجم معروفة، وقيل: إنه هدمها حين مرّ بها يعني فسميت لذلك سمرقند إذ معناها الحفر والتخريب. قوله: (ما أدري كان تبع الخ (قال ابن حجر المروي ما أدري أعزير هو أم لا، وفي رواية ذو القرنين بدل عزير كما رواه أبو داود والحاكم، وقوله: كما قيل لهم أي لملوك أليمن مطلقاً كما يقال لملك الترك خاقان، والروم قيصر، ولكنه كان أوّلاً علما لملك مخصوص منهم، وهو المراد في النظم ثم شاع في كل من ملك اليمن، وقوله: يتقيلون بالبناء للمجهول من قولهم تقيل فلان أباه إذا اقتدى به كما قاله الراغب في مفرداته: وهو من القول واوي، وقيل إنه يائيّ لقولهم إقيال، وأجيب بأنّ أصله قيل مشدّداً فخفف، وقيل: أصله: قيول فلما خفف صار كميت أو هو جري على لفظه، وقيل سمي به لنفوذ أقواله، وقوله: من قبلهم أي قبل قوم تبع أو قبل قريش فهو تعميم بعد تخصيص. قوله: (اسئشاف بماكل لخ) يعني أنه استئناف بيانيّ لبيان ما ذكر، وإذا كان حالاً فهو من الضمير المستتر في الصلة، وقوله: إن استؤنف به أي جعل مبتدأ في جملة مستأنفة، ولم يعطف على ما قبله، وقوله: بيان للجامع أي بين قوم تبع، والذين من قبلهم، وهو الأجرام فهو يفيد تعليل ما قبله، وقوله: وما بين الجنسين توجيه للتثنية وبيان لأنّ ما بينهما شامل لما بين طبقاتها، وما بينهن بطرفيه لمجموع السموات، والأرض. قوله: (وهو دليل على صحة الحشر) قد مرّ الكلام فيه، ولو قال وقوع الحشر كان أولى، وبه ظهر ارتباط هذا بما قبله. قوله: (إلا بسبب الحق) الجار، والمجرور حال من الفاعل أو المفعول أي إلا محقين، والباء للملابسة كما مرّ، وهو أظهر من السببية التي ذكرها فإنها سببية غائية، وفوله: أو البعث في نسخة عطفه بالواو، وهي أولى لأنه لا منافاة بينهما، وهو مقتضى كونه دليلا على الحشر فتأمّل. قوله: (وقت موعدهم) الميقات مما يدل بالهيئة، والمادّة على معنى واحد كالتشابه على الوجه الأوّل وهو من دقائق العربية. قوله: (بدل من يوم الفصل) أو عطف بيان عند من لا يشترط المطابقة تعريفا وتنكيراً، ويجوز نصبه بأعني مقدرا، وأمّا كونه مبنيا صفة لميقاتهم كما قاله أبو البقاء وتبعه المصنف رحمه الله ففيه أنه جامد نكرة لإضافته للجملة فكيف يكون صفة للمعرفة مع أنه لا يصح بناؤه عند البصريين إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب وهو المضارع كما صرّح به المصنف رحمه الله في المائدة وقوله: للفصل أي بيته، وبين عامله بأجنبيّ، وهو مصدر لا يعمل إذا فصل لضعفه، وفيه خلاف للنحاة إذا كان ظرفا، وقال أبو البقاء لأنه أخبر عنه، وفيه تجوّز فإنّ الإخبار عما أضيف إليه الفصل لا عنه. قوله: (شيئاً من الإغناء) إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية، والإغناء الإجزاء، ويجوز كونه مفعولاً به، ويغني بمعنى يدفع، وينفع وتنكير شيئاً للتقليل، وقوله: من قرابة من سببية ومولى من الولاية، وهي التصرّف فيشمل كل من يتصرّف في آخر لأمر مّا كقرابة، وصداقة فإذا لم يغن ذلك فغيره أولى. قوله: (الضمير لمولى الأوّل) دون الثاني لأنه أفيد، وأبلغ لأنّ حال المولى الثاني، وعدم نصرته معلوم، ولأنه إذا لم ينصر من استند إليه فكيف هو، ولو عاد على الثاني جاز للدلالة على أنه لا ينصره غير مولاه، وقوله: باعتبار المعنى لأنه في معنى الجمع، وقوله: لأنه عام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 إذ هو نكرة في سياق النفي، وهي تعم وهذا مما يرجح عود الضمير للأوّل لأنه المنفي إذ المعنى لا مولى له، وأمّا كون النكرة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يرجع لها الضمير مجموعا فغير مطرد لأنها قد تحمل على المجموع بقرينة عود ضممير الجمع لها أو يقال المراد عوده على ضمير الموالي المفهوم منه قيل، ولو جعل الضمير للكفار كضمير ميقاتهم كثرت الفائدة، وقلت: المؤنة فتأمّل. قوله تعالى: ( {إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ} (فيه وجوه فقال الكسائيّ: إنه منقطع، وقال غيره: متصل أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين فإنهم يؤذن لهم في الشفاعة، وقيل: هو مرفوع على البدلية من مولى الأوّل، ويغني بمعنى ينفع أو على البدلية من واو ينصرون أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمة الله، وقد عرفت أنّ البدلية في غير الموجب أولى من النصب على الاستثناء، والمصنف رحمه الله اختار استثناءه من الواو لقربه. قوله: (لا ينصر منه) ضمنه معنى يخلص! أو ينجو، ولذا عداه بمن وفيه إشارة إلى أنّ العزيز هنا بمعنى الغالب، والكلام على الشجرة، وتفسيرها مر مفصلا، وقوله: الكثير الآثام بالمدّ جمع أثم، وهو الذنب، ولما كان الأثيم شاملا للعاصي قال، والمراد الخ وما قبله يوم لا يغني الخ فإن المفسرين كلهم على أنه في حق الكافر، إذ ما قبله في حق المشركين، وما بعده قوله: ما كنتم به تمترون، وما قبله. قوله: (وهو ما يمهل في النار) أي يوضع فيها حتى يذوب كبعض المعدنيات فهو من المهل بمعنى السكون، والدردي العكر في قعر الإناء، ومنه المثل أول الدن دردفي، وأورد عليه أنّ الحاكم وغيره رووا عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: " كالمهل عكر الزيت فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه) أي جلدته فلا وجه لتمريضه، وإن كان ما رجحه به الزمخشريّ مع نقل أئمة اللغة إنه مشترك محل كلام وقد فسر أيضاً بالقيح والصديد (قلت) في تفسير السمرقندي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى فضة قد أذيبت فقال: هذا هو المهل فجائز أن يكون كل شيء يذاب، ويحرق أن فيكون ما في الحديث على طريق التمثيل لا الحصر فيه حتى يعارض ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فتأمّل. قوله: (إذ الأظهر الخ) قوله: كالمهل خبر ثان أو خبر ضمير مقدر أو حال من طعام، والعامل فيه معنى التشبيه فلا يرد قول أبي البقاء إنه لا يصح لعدم ما يعمل فيه ويغلي على قراءة ابن كثير وحفص بالتحتية فيه ضمير لما ذكره المصنف رحمه الله، وجوز أبو البقاء كون جملته خبر مبتدأ محذوف فلا تتعين الحالية، وقد قيل إنّ الضمير المستتر فيه يعود على المهل فيكون حالاً منه كما ذكرها المعرب، والمصنف رحمه الله لم يلتفت إليه لأنه لا يناسب المقام إذ المراد أنّ مأكولهم يغلي في بطونهم، وإذا كان حالاً مما شبه به المأكول لم يفده كما لا يخفى والحميم ما هو في غاية الحرارة، فإن قلت كيف يكون حالاً من أحدهما، وقد منع النحاة مجيء الحال من المضاف إليه في غير صور مخصوصة، ومنص! هـ من المبتدأ، والخبر قلت هذ بناء على جواز مجيء الحال من الخبر، ومن المبتدأ، والمضاف إليه المبتدأ في حكمه، وهذا أحد الصور التي يجيء الحال فيها من المضاف لأنه كالجزء في جواز إسقاطه كما يعرفه من فهم تلك المسألة، وأمّا ما قيل إنه حال من ضمير أحدهما، والمراد ضمير الشجرة المستتر في قوله كالمهل لتأويله بأحدهما لا من اسمهما الظاهر إذ لا وجه له، ولا من ضميرهما إذ لا ضمير لهما فتكلف بارد، وتصرّف فاسد، والحمل على قول ضعيف أحسن منه. قوله: (غلياناً الخ) يعني أنه صفة مصدر، ويجوز أن يكون حالاً، وتقدير القول ليرتبط بما قبله أي، ويقال لهم الخ، وقوله: الأخذ بمجامع الشيء لم يقل بمجامع الثوب لأنه ليس بلازم كما توهم فإنّ مداره على جرّه مع الإمساك بعنف كما لا يخفى، ولذا عطف عليه قوله وجره الخ، وقوله: بالضم على أنه من باب قعد وفي غيرها من باب ضرب، وقوله: وسطه سمي سواء لاستواء بعد جميع أطرافه بالنسبة إليه. قوله: (كان أصله الخ الأنه مصبوب من جهة العلو فحقه التعبير بما ذكر، ثم زيد فيه العذاب ليدل على أنه ليس كالحميم المعروف، ثم أضيف لما ذكره وقال يصب، وكان الظاهر صبوا لأنه المذكور في النظم إشارة إلى أنه ليس مخصوصا هنا بل يجري في التركيب كيفما كان، ويصب وقع في محلى آخر، وقوله: للمبالغة لجعل العذاب عين الحميم، وهو مترتب عليه، ولجعله مصبوبا فهو بعينه كالمحسوس المفاض الشامل لهم، وهو إمّا تمثيل أو استعارة تصريحية أو مكنية، وتخييلية، وهو ظاهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 والذوق مستعار للإدراك، وقوله: وقولوا له فالقول المقدّر سابقا أمر، ويجوز أن يكون مضارعا كما قدرناه أو قولوا المقدر من مقول يقال المقدر أوّلاً. قوله: (استهزاء به الأنه في وقت القول في غاية الذلة والحقارة أو هو باعتبار ما كان إشارة إلى أن عزه، وكرمه لم يفيداه شيئاً. قوله: (إنّ هذا العذاب) أو الأمر الذي هم فيه، وهو ابتداء منه تعالى أو من مقول القول، وقوله: وتمارون المماراة المجادلة فيما فيه مرية وشك وهو، والامتراء من أصل واحد. قوله: (في موضع إقامة وقرأ نافع) كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها وهو قراءة نافع وابن عامر، والباقون بفتح الميم وهي ظاهرة، وأمّا تقديم قراءة غير الأكثر، وبناء صدر تفسيره عليه فلا بأس به، وليس ملتزما له كما زعموه، وأمّا الأولى فالمراد منه أنّ المقام بالفتح لكونه اسم مكان وزمان، ومصدراً للقيام، والمراد الأوّل هنا، والقيام فيه بمعنى الثبات، والملازمة كما في قوله ة {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا} [سورة آل عمران، الآية: 75] فكني به عن الإقامة لأنّ المقيم ملازم لمكانه، والقراءتان بمعنى فلا وجه لما قيل عليه من أنه لا وجه لجعله مقابلاً لتفسيره لمقام بموضع الإقامة، واستصعبه وليس بشيء فإنّ المقام بالفتح لا يراد به في عرف اللغة إلا موضح الإقامة. قوله: (يأمن صاحبه عن الآفة) إشارة إلى أنّ الأمين صفة من الأمن، وهو عدم الخوف عما هو من شأنه فلا يتصف به المقام إلا باعتبار أمن من به فهو إسناد مجازي وصف به بصفة صاحبه كنهر جار، وجعله الزمخشريّ استعارة من الأمانة كأنه مؤتمن وضع عنده ما يحفظه من الانتقال، والضرر ففيه استعارة مكنية، وتخييلية كأنّ المكان المخيف يخون نازله، وقيل إنه إشارة إلى أنه فعيل بمعنى مفعول فأمين بمعنى مأمون، وهو خلاف الظاهر، ويحتمل أنه للنسبة أي ذو أمن. قوله: (بدل من مقام) بإعادة الجارّ أو الجارّ، والمجرور بدل من الجارّ، والمجرور، وظرفية العيون للمجاورة، والظاهر أنه بدل اشتمال ! ل أو بعض، والمآكل من ثمار الجنات، والمشارب من العيون، وقوله: ما غلظ منه أي من الحرير، أو الاستبرق الكثيف من الديباج، والفرق سهل، وبعد التعريب ألحق بكلام العرب فلا ينافي وقوعه في القرآن كونه عربياً مبيناً، وقوله: معرّب استبره في القاموس استروه، وأيد كونه عربياً من البراقة بقراءته بوصل الهمزة (أقول) الذي صح في لغة الفرس أنّ استبر من استبره معنا. الغليظ مطلقاً ثم خص بغليظ الديباج فقيل استبره، واستبرة بتاء النقل فما في القاموس خطأ وخبط، وذهب بعضهم إلى أنه عربيّ كما فصله في اللوامح، وقرئ بإسقاط الهمزة في الشواذ. قوله: (الآمر كذلك) فهو خبر مبتدأ مقدر، والمقصود به تقرير ما مرّ وتحقيقه، وقوله: آتيناهم مثل ذلك من الإتيان بالمثناة الفوقية فكذلك مفعوله أو صفة مصدر أي فعلنا كذلك، وفي نسخة أثبنا بثاء مثلثة، وباء موحدة، وزوّجناهم معطوف على هذا الفعل المقدر، وعلى ما قبله هو معطوف على يلبسون. قوله: (ولذلك عدّى بالباءا لأنه بمعنى قرناهم وهو متعد بها أيضا، وأمّا زوّجه المرأة بمعنى أنكحه إياها فهو متعد بنفسه في القول المشهور لأهل اللغة، وقال الأخفش: يجوزسفيه الباء أيضا فيقال: زوّجته بامرأة فتزوّج بها، وأزد شنوءة لغتهم تعديته بالباء، وقول بعض الفقهاء: زوّجته منها خطأ لا وجه له كذا في المصباح المنير، وأنما فسر بقرناهم لأنّ الجنة ليس فيها تكليف فلا عقد، ولا تزويج بالمعنى المشهور، وقوله: والحوراء البيضاء، والعيناء إشارة إلى أنّ الحور جمع حوراء، والعين جمع عيناء، والعيناء معناها ما ذكره المصنف، وأمّا الحوراء ففيها خلاف لأهل اللغة فقيل البيضاء، وقيل الشديدة سواد العين، وبياضها، وقيل: الحوراء ذات الحور، وهو سواد المقلة كلها كما في الظباء فلا يكون في الإنسان إلا مجازاً، وقوله: واختلف الخ يعني في المراد منها في هذه الآية. قوله: (لا يتخصص شيء منها الخ) هذا مأخوذ من كل فاكهة، وكون الجملة حالية، ولم يجعل يدعون للحور على وزن يفعلن 1 لعدم مناسبتة للسياق مع أنه خلاف الظاهر، وقوله: من الضرر أيّ ضرر كان، وآمنين حال من ضمير يدعون أو من الضمير في قوله في جنات وجملة لا يذوقون مستأنفة أو حالية. قوله: (والاستثناء متقطع أو متصل الخ الما كانت الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا، وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة ذهب بعضهم إلى أنّ الاستثناء منقطع أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا فاندفع السؤال به، ولذا قدمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 وذهب آخرون إلى أنه متصل، وتأوّلوه بأنّ المؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها لتيقنه بنعيمها، وقيل إلا فيه بمعنى سوي، وهو صحيح شائع بخلاف كونها بمعنى بعد الذي اختاره الطبري فإن الجمهور لم يثبتوه. قوله: (والضمير (أي في قوله: فيها للأخرة فيشمل البرزخ لتنزيله منزلتها باعتبار مشارفته، وقربه منها فهو مجاز، والظاهر أنه على هذا شامل لمن هو في الجنة حقيقة لأنّ المقصود نفيه عمن هو فيها فيكون فيه الجمع بين الحقيقة، والمجاز، وهو جائز عند المصنف، والتجوّز في قوله فيها ففيه استعارة تبعية كما أشار إليه المصنف لكن في عود الضمير للآخرة تفكيك لأنّ ما قبله للجنات كما قيل، وتسهيله أنّ الجنة والآخرة هنا في حكم شيء واحد، وقد قيل إنّ السؤال مبنيّ على أنّ الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثنى الحكم المنفي عن المستثنى منه، ومحال أن تثبت الموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة، وأمّا من جعله تكلماً بالثاني بعد الثنعي، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى، من الموت فلا إشكال لكن الحق هو الأوّل، وعليه قاعدة الكلام، وخاصية التركيب، وكون الأوّل مذهب الحنفية لا يرد هنا، ولا على ما في شرح الكشاف كما توهم مع جعل الكلام مبنيا عليه فتأمّل. قوله: (أو الاستثناء للمبالغة في قحميم النفي اللمستقبل كأنه قيل لا يذوقون الموت البتة أصلا، وهو متصل حينئذ على الفرض، والتقدير كما في قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة النساء، الآية: 22] وقوله: ولا عيب فيهم غيرأن نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن فهو من تأكيد إثبات الشيء بنفيه فيقدر الدخول للمبالغة في النفي، وضمير فيها للجنات حينئذ، وأو عاطفة على قوله والمؤمن الخ، وحاصله منع الدخول مستنداً لأنه يجوز فرضا للمبالغة وفي نسخة بالواو فلا يكون جوابا آخر بل راجع لما قبله وله وجه فتدبر. قوله: (وقرئ ووقاهم على المبالغة) في الوقاية لأنّ التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأنه متعدّ قبله، وبعده فالمبالغة مأخوذة من الصيغة الدالة على التكثير. قوله: (أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا (إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية، وجوّز فيه أن يكون حالاً ومفعولاً له، وهو إشارة إلى أنه ليس بإيجاب لاستحقاقهم له بالأعمال كما مرّ غير مرّة. قوله: (لأنه خلاص عن المكاره (كما يدل عليه قوله ووقاهم الخ، والفوز بالمطالب مما قبله ففيه لف، ونشر مرتب وقوله: بلغتك إشارة إلى أنّ اللسان هنا بمعنى اللغة لا الجارحة، وقيل المعنى أنزلناه على لسانك بلا كتابة لكونك أمّيا فاللسان بمعناه المشهور. قوله: (وهو فذلكة للسورة) أي إجمال لما فيها من التفصيل وقد مرّ أنه من قول الحساب فذلك كذا فيكون تذكيرا وشرحا لما مضى، وقوله: لعلهم يفهمونه لموافقته لغتهم، والكلام على لعل وكونها بمعنى كي تقدم، وقوله: لما لم يتذكروا الخ، وفي نسخة، ولما لم يتذكروا الخ بالواو، وهي أولى، وهو تقدير لشرط يكون قوله فارتقب جوإبا له فإنّ جواب لما يجوز اقترانه بالفاء كما صرّح به النحاة، وذكره ابن مالك في التسهيل، وحذف مفعول فارتقب للتعميم، ولذا قدره المصنف بقوله: ما يحل، وهو تعميم بعد تخصيص بقوله: فارتقب يوم تأتي السماء الخ، وقوله ة منتظرون كما قالوا نتربص به ريب المنون، وقيل: معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكماً، وقيل هو مشاكلة، والمعنى صائرون للعذاب. قوله: (عن النبئي صلى الله عليه وسلم الخ) الحديث أخرجه الترمذيّ، وليس موضوعا، وأصبح بمعنى صار ومغفورا مفعوله أو بمعنى دخل في الصباح وهو حال، وقوله: حم الدخان بالإضافة أو التوصيف لكنه يحتاج إلى تكلف، وتخصيص ليلة الجمعة توقيفي تمت السورة بحمد الله المعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، وصحبه أجمعين. سورة الجاثية وتسمى سورة الشريعة، وسورة الدهر لذكرهما فيها. قوله: (مكية) استثنى بعضهم منها: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} الآية فإنه قيل إنها مدنية نزلت في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي، وقوله: سبع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 أو ست لاختلافهم في حم هل هي آية مستقلة أو لا. بسم اله الرحمن الرحبم قوله: (إن جعلت حم مبتدأ خبره تنزيل الخ) هذا على أنها علم للسورة أو اسم للقرآن كما مرّ غير مرّة، وقوله: احتجت إلى إضمار بالتنوين، وبالإضافة لما بعده، والمضمر أي المقدّر لفظ تنزيل فقوله: مثل تنزيل حم أي مثل تنزيل من قوله تنزيل حم ففيه مسامحة لا ضير فيها، والاحتياج إلى التقدير إن لم يؤوّل تنزيل بمنزل على أنه من إضافة الصفة لموصوفها كما ذكره في السجدة مقتصرا عليه كما هو دأبه في ذكر الوجوه مفرّقة، ولا يقدج فيه قوله: احتجت كما توهم لأنه احتياج في الجملة، وعلى أحد الاحتمالات ككونه جعل تنزيلا مبالغة أو التقدير في الخبر. قوله: (تعديدا للحروف) من غير تقديره معربا، وكذا إن جعل خبر مبتدأ أو مبتدأ خبره مقدر، وقوله: مقسم به ففيه حرف جرّ مقدر، وهو في محل جرّ أو نصب على الخلاف المعروف فيه ويجوز كون تنزيل خبر مبتدأ محذوف كما مرّ في الم السجدة. قوله: (وتنزيل الكتاب صفتة) قد عرفت أنه في محل نصب أو جرّ فكيف يكون تنزيل المرفوع صفته، وحمله على أنّ تقديره حم قسمي فهو مرفوع مع القسمية، أو جعله صفته بتقدير الذي هو تنزيل الخ لا يخفى بعده مع ما في الثاني من حذف الموصول مع بعض صلته وأسهل منه أن يراد أنه نعت مقطوع فهو خبر مبتدأ مقدر والجملة مستأنفة، والنحاة تسمية نعتاً،. وصفة بعد القطع فيقولون نعت مقطوع، وصفة مقطوعة، وقوله: وجواب القسم الخ هذا هو الظاهر، وجوّز أن يكون تنزيل الخ جواب القسم أيضا. قوله: (وهو) أي نظم الآية يحتمل أن يكون على ظاهره من غير تقدير، أو تأويل بأن تكون الآيات في نفس السموات، والأرض بقطع النظر عن خلقها، وإيجادها فالآيات ما فيها من الكواكب، والمعادن، والحيوان، والنبات فإنها أدلة ساطعة فيكون قوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ} من عطف الخاص على العام، وأمّ كون المراد أن في أنفسها آيات لما فيها من بديع الصنع، وغريب الحكمة فيرجع إلى ما بعده. قوله: (وأن يكون المعنى الخ) ففيه مضاف مقدر وقوله: لقوله الخ. فإنه يناسب هذا التقدير معنى كما صرّح به في تيه أخرى في قوله: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ} الخ والقرآن يفسر بعضه بعضاً. قوله: (ولا يحسن عطف ما) في قوله، وما يبث على الضمير المجرور بالإضافة في قوله: خلقكم لأنّ العطف على الضمير المتصل المجرور بالاسم أو الحرف إنما يصح أو يحسن. يماعادة الجار لكونه كالجزء من الكلمة ومنهم من فصل فيه فمنعه بالمجرور بالحرف نجقط، وقوله: على المضاف إليه يعني خلق وقوله: بأحد الاحتمالين يختمل أن يريد بالاحتدالين تقدير المضاف وهو خلق وعدمه فأل في الاحتمالين للعهد أي الاحتمالين السابقين في قوله: إنّ في السموات كما مز، وقوله فإن بثه على الاحتمال الأوّل، ويحتمل أن يريد الموصولية، والمصدرية فإنه على المصدرية يظهر عطفه عليه لأنّ بث الدواب نوع من الخلق وهو عطف مصدر على مثله وفي قوله: فإن بثه إشارة إليه حيث قدّره بالد صدر، وقوله: عطف ما إشارة إلى الموصولية فتدبر. قوله: (فإن بثه) أي نشره، وتكثيره، والضمير للدابة وذكره ل! تأويله بما يدب، وتنوّعه من تنكير الداية الشاملة لأنواعها، واستجماعه لما به المعاش من لوازمه. قوله: (محمول على محل إن واسمها) هذا توجيه للنظم على قراءة الرفع، وقيل: إنّ الجار والمجرور خبر مقدم، وآيات مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة إن، وما في حيزها لئلا يلزم العطف على معمو " لي عاملين مختلفين لأنّ العامل في محل أنّ واسمها الابتداء والعامل في الخبر أنّ فإن قيل إنه الابتداء اندفع المحذور عنه، ولزوم هذا فيما بعده مما لا محيص عنه، والخلاف في هذه المسألة مفصل في النحو، وقوله: حملا على ألاسم أي عطفاً على الاسم باعتبار إعرابه الظاهر. قوله: (واختلاف الليل والنهار) أي تعاقبهما، وقد مرّ تفصيله وقوله: لأنه سببه فهو مجاز، ولو لم يؤوّل صح لأنه في نفسه رزق أيضاً، وقوله: ويلزمهما أي القراءتين بنصب آيات ورفعها، وقوله: على عاملين فيه مضاف مقدر أي معمولي عاملين، وهذه العبارة للمتقدمين من النحاة، ولذا لم يغيرها المصنف، وفي جواز، ومنعه الأقوال المشهوزة، وقوله: في الخ في في محل جر بدل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 مما قبله أو نصب بأعني أو وفع بتقدير هو وهو ظاهر، وقوله: والابتداء أو أن يعني في قراءتي الرفع، والنصب وقوله إلا أن يضمر في، وحذف الجارّ-مع إبقاء عمله لا يخفى ما فيه، وإن هونه ذكره قبله، وقوله: بنصب آيات على الاختصاص ليس المراد بالاختصاص مصطلح النحاة بل النصب بأعني مقدرا، والزمخشريّ يستعمله بهذا المعنى كثيراً، وحينئذ يكون المجرور معطوفا وحده فلا يلزم العطف المذكور، وقوله: بإضمار هي يعني في القراءة الأخرى، وترك ما في الكشاف من أنّ آيات أعيد للتأكيد، والتذكير بها، ومثله كثير لأنه إنما يكون بعين ما تقدم، واختلاف الصفات يدل على تغاير الموصوفات فلا وجه للتأكيد فيه، أو لما فيه من الفصل بين المعطوف المجرور، والمعطوف عليه بالاسم، وبين المؤكد والمؤكد بالمعطوف على ما قبلهما، وإن قيل بأنه ليس بمحذور فإنه يورث تعقيداً ينافي فصاحة القرآن العظيم فتأمّل. قوله: (ولعل اختلاف الفواصل الخ) يعني جعل الآيات أوّلاً للمؤمنين، وثانياً للموقنين، وثالثاً لقوم يعقلون لأنّ قرين الإيقان المنبئ عن تصمفية شوائب الاشتباه فوق قرين الإيمان، ومرتبة العقل المنبئ عن الاستحكام، وعدم التزلزل يشبه المبطلين فوقهما، والأولى تحصل بالنظر في أوّل المصنوعات، وأظهر المحسوسات، والثانية بالنظر في آخر المكوّنات، وخلاصة الممزوجات، والثالثة مما تكرّر في الأوقات، وفيه كلام في شروح الكشاف يكفي ما ذكر أنموذجاً له. قوله: (تلك الآيات) إمّا آيات القرآن أو السورة أو ما ذكر قبله فتلاوتها بتلاوة ما يدل عليها، وقوله: عاملها معنى الإشارة مرّ تفصيله في قوله هذا بعلى شيخا، وقوله: ملتبسين الخ يعني أنه حال من الفاعل أو المفعول، والباء للملابسة، ويجوز أن تكون للسببية الغائية كما مرّ في أواخر الدخان، وقوله: فبأيّ حديث الفاء في جواب شرط مقدر، والظرف صفة حديث أو متعلق بيؤمنون قدم للفاصلة. قوله: (بعد آيات الله الخ) يعني أنه مما قصد فيه المعطوف، وذكر المعطوف عليه توطئة كما حقق في شرح المفتاح وبسط الكلام عليه العلامة الزمخشري في غير هذه الآية، وهي طريقة البدل لكنه عدل عنه لنكتة سرية، وما ذكره بيان لحاصل المعنى، ودفع لما يتوهم من أنّ ما أضيف إليه بعد ليس من جنس ما قبلها، ولا يرد عليه أق هذه طريقة البدل لا العطف، وأنه يلزمه إقحام الاسم الشريف، والعطف عليه بلا فائدة، ولذا أفاد المثال إعجابين لا إعجاباً واحداً، وفي الحقيقة لا إعجاب بغير الكرم، وفيه فائدة كما أشار إليه المصنف فلا يرد عليه شيء كما توهم، وفي الكشاف في سورة البقرة فائدة هذه الطريقة أي طريقة إسناد لفعل إلى شيء، والمقصود إسناده إلى ما عطف عليه قوّة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه من جهة الدلالة على أنه صار من التلبس بحيث يصح أن تسند أوصافه، وأفعاله وأحواله إلى الأوّل قصداً لأنه بمنزلته، ولا كذلك البدل لأنّ المقصود فيه بالنسبة هو الثاني فقط، وهنا هما مقصودان فإن قلت إذا لزم يكن ذلك الوصف منسوبا للمعطوف عليه لزم إقحامه فيرد حينئذ ما أورده أبو حيان، وما ذكروه من المبالغة لا يدفع المحذور، وعلى فرض تسليمه فدلالته على ما ذكر بأيّ طريق من طرق الدلالات المشهورة قلت هو غير منسوب إليه في الواقع لكن لما كان بينهما ملابسة تامة من جهة ما ككونها بإذنه أو مرضية له أو غير مرضية جعل كأنه المقصود بالنسبة، وكني بها عن ذلك الاختصاص كناية إيمائية، ثم عطف عليه المنسوب إليه، وجعل تابعا فيها، وبهذا غاير البدل مغايرة تامّة غفل عنها المعترض فالنسبة بتمامها مجازية، وهذا مما ينبغي معرفته فتدبره. قوله: (للمبالفة (أي في مضمون الكلام كمبالغة الإعجاب في المثال، وتعظيم الآيات حيث سويت بالمعطوف عليه ظاهراً فلا إقحام فيه للجلالة كما توهم وقوله: كما في قولك الخ. حيث نسب الفعل إلى ذات، والمقصود نسبته إلى وصفه لفائدة جليلة. قوله: (أو بعد حديث الله الخ) يعني أنه ليس من قبيل ما ذكر ففيه مضاف مقدر بقرينة تقدّم ذكره وهو لفظ حديث، والمراد به القرآن ثم استشعر سؤالاً، وهو أنّ الحديث هل يطلق على القرآن فأجاب عنه بأنه ورد إطلاقه عليه في الآية المذكورة الله نزل الخ. فالمراد بآياته أي الله حينئذ دلائله أي الدلائل التي أقامها في كتابه المنزل على حقية شرائعه، وما جاء به رسوله، وهو من عطف الخاص على العامّ لا من عطف المتغايرين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 بالذات حتى يلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز، وإن كان جائزا عند المصنف كما قيل. قوله:) أو القرآن (يعني المراد بآياته القرآن، وكذا بالحديث فهما متحدان بالذات متغايران بالوصف، والعنوان فيراد بالآيات فيما سبق القرآن أيضا، وقوله: ليوافق ما قبله، وهو قوله: يؤمنون، ويعقلون بصيغة الغائب إذ المخاطب هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى قراءته بالفوقية يكون من تلوين الخطاب لكنه موافق لقوله: {وَفِي خَلْقِكُمْ} [سورة الجاثية، الآية: 4] والموافقة بحسب الظاهر، والصورة إذ المراد هنا الكفار بخلاف السابق. قوله: (يقيم على كفره) يعني أنّ الإصرار على الشيء ملازمته، وعدم الانفكاك عنه من الصرّ، وهو الشد ومنه صرّة الدراهم وقوله تعالى تتلى عليه الظاهر أنّ المراد الاستمرار، وهو المناسب للاستبعاد، وأمّ كون تاليها عظيم الشأن فهو كذلك في الواقع، ولا دلالة للنظم عليه، وجملة تتلى حال، وتفسير الأثيم بكثير الإثم أحسن من تفسيره بكذاب كما في القاموس لتكروه مع ما قبله مع أنّ ما ذكر هو المناسب للغة. قوله: (وثم لاستبعاد الإصرار) فهي للتراخي الرتبي لا الحقيقي كما في البيت المذكور، واختاروه لأنه أبلغ، وأنسب بالمقام، وإن أمكن إبقاؤه على حقيقته هنا. قوله: (يرى الخ) هو شعر لجعفر بن علية الحارثي الحماسي وهو: لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها تقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها أي لا يكشف الشدّة، ويزيلها إلا رجل كريم يرى قحم الموت، ويتحقق غمرات الممارسة حتى كأنه يشاهدها ثم يتوسطها، ولا يعدل عنها، والغماء الغم، والكربة، وأصل معناها التغطية فليس بين رؤيته للشدائد ودخولها تراخ زماني، وإنما التفاوت في الرتبة بين مشاهدة الأهوال، والدخول فيها. قوله: (فخففت) بحذف إحدى النونين، وقوله: وحذف ضمير الشان، وقد قيل إنه لا حاجة لتقديره كما في أنّ المفتوحة وقوله: في موقع الحال أو مستأنفة. قوله: (والبثارة على الآصل) في اللغة، والوضع فإنها الخبر المغير للبشرة خيراً كان أو شراً، وأنما خصها العرف بالخبر السارّ فإن أريد معناها المتعارف فهو استعارة تهكمية أو هو من قبيل: تحية بينهم ضرب وجيع كما مرّ في سورة البقرة. قوله: (وإذا بلغه الخ) يشير إلى أنه يجوز أن يكون متعذياً لواحد أو لاثنين، وقوله: لذلك أي لكونها من آياتنا، أو لعلمه بذلك فهو تعكيس منه وقوله: من غير الخ. هو معلوم من المقام، واضافة الآيات، وقيل إنه من تنكير شيئاً الدال على العلة الموجبة لخلوّه عته، وأشار بقوله: يناسب إلى خلوّه من موجب الهزء البتة. قوله:) بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها) المبادرة مأخوذة من تعليقه بالشرط الدال على أنهما في زمان واحد حقيقة أو حكماً والاستهزاء بالكل من عود الضمير إلى الآيات بخلافه في الوجه الثاني، ويجوز أن يجعل الاستهزاء بواحدة منها استهزاء بكلها لما بينها من التماثل، وقوله: أولئك الآية وقع بعد قوله بمعنى الآية في محله، وفي بعضها قبل قوله من غير أن يرى الخ، ولا وجه له، وقوله. وفائدته أي فائدة إرجاع الضمير لآياتنا مع أنه في الحقيقة لشيء. قوله: (من قدّامهم) فوراء بمعنى قدام لأنها من الأضداد تطلق على قدّام وخلف، وقدمه لأنه الظاهر، وقوله أو من خلفهم فهي بالمعنى المعروف، وقوله: لأنها بعد آجالهم إشارة إلى أنّ الخلفية هنا ليست حقيقية بل هي ما يكون بعد شيء لأنّ ما يقع بعد الشيء كأنه خلفه فلما كانت جهنم تتحقق لهم بعد الأجل جعلت كأنها خلفهم كما أنه يجوز أن يجعلوا لإعراضهم عنها كأنها وراءهم، وكان المراد الأعراض عما ينجيهم منها فتامّل. قوله: (من عذاب الله) يشير إلى أنّ شيئا هنا مفعول به، ويجوز أن يكون مصدرا أي شيثاً من الإغناء والنفع كما مرّ. قوله: (لا يتحملونه) يعني أنّ المراد بعظمه أنه لا يطاق تحمله كالاً جرام العظيمة فهو استعارة وما في ما كسبوا، وما إتخذوا مصدرية أو موصولة، وقوله: الإشارة إلى القرآن لتقدّم ذكره، وقوله، ويدل الخ لأن المراد بآياتنا القرآن إن كانت الإضافة عهدية، أو ما يشملها وعلى كل حال فيه دلالة على ما ذكر، وقوله: برفع أليم على أنه صفة عذاب أخر للفاصلة، وقوله: أشدّ العذاب قيل إنه فسره في البقرة بمطلق العذاب، وهو المذكور في اللغة، ولا يخفى أنه لو سلم فالمراد به هنا ما ذكر ليفيد ذكره مع العذاب كما لا يخفى. قوله: (بأن جعله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 أملس السطح الأنه لو لم يكن أملس أجزاء سطحه متساوية لم يمكن جري الفلك عليه، ويطفو بمعنى يرتفع ويعلو، وقوله: ما يتخلخل إشارة إلى علته لأنه لتخلخله يتحلله الهواء العلوي فيرفعه، وقوله: يطفو ناظر لقوله: {لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} الخ وقوله: ولا يمنع الخ ناظر لقوله: {وَلِتَبْتَغُوا} الخ ففيه لف، ونشر وفاعل يمنع ضحمير البحر. قوله: (بتسخيره) التسخير تسهيل استعمالها فيما يراد بها، وأنما فسره به لأنها ليست مأمورة، وقد قيل الأمر هنا بمعنى التكوين أو الأذن، وقوله: وأنتم راكبوها لأنّ السياق للامتنان على العباد. قوله: (هي جميعاً منه) فجميعاً حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور، بناء على جواز تقدم الحال على عاملها المعنويّ فإنه أحد قولي النحاة، وهذا إن لم نقل إنه حال من هي بناء على تجويز الحال من المبتدأ، وكونه حالاً مما قبله، وهذا تصوير للمعنى بعيد، وتسخير الجميع باعتبار التمكين منه. قوله: (أو لما في السموات (عطف على قوله لمحذوف وقوله: تكرير للتأكيد إن أراد التأكيد اللغوي فظاهر لكنه لا يخلو من الضعف لأنّ عطف مثله في الجمل غير معهود، وإن أراد التأكيد المصطلح كما قيل بأنه يكون مع العطف على طريقة {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [سورة التكاثر، الآية: 3] دلالة على أنّ الثاني كانه غير الأوّل لزيادة التبصر بزيادة التفكر، وما مبتدأ خبره منه والجملة مستانفة لمزيد بيان القدرة، والحكمة، ولا يخفى أنه مخالف لما تقرر في المعاني من أنه لا يجري في التأكيد العطف لشدة الاتصال، ولما ذكره النحاة فإنّ ابن مالك في التسهيل صرح بأنّ عطف التأكيد يختص بثم، وقال الرضي: إنه يكون بالفاء أيضا، وأمّا عطفه بالواو فلم يجوّزه أحد منهم إلا أنه يحتاج لبيان وجه التخصيص، وما قيل عليه من أنّ الثاني هنا غير الأوّل حقيقة، والمراد الإشارة إلى تكرّر التسخير فالتأكيد معنوي لا يخفى ضعفه لأنّ العطف لقصد التكرير لا يعهد في الجمل، وفي هذا الوجه حذف مفعول سخر من غير قرينة. قوله: (وقرئ منة) بكسر الميم، وتشديد النون بمعنى نعمة، ومنه على إضافة المن للضمير، وقوله: على الإسناد المجازي بإقامة السبب الغائي مقام الفاعل الحقيقيّ، وقوله: خبر محذوف في القراءة الأخيرة، والتقدير وهذا أو هو منه وأنعامه. قوله: (لدلالة الجواب) أي جواب الأمر أعني قل لا اغفروا، وقد تقدم الكلام على هذا، وأمثاله في سورة إبراهيم فإن أردته عد إليه، وقوله: لا يتوقعون إشارة إلى أنّ الرجاء مجاز عن التوقع كالمشعر لاختصاص الرجاء بالمحبوب، وهو غير مناسب هنا واستعمال الأيام مجازاً عن الوقائع مشهور، وقوله: لا يأملون بضم الميم من أمل يأمل كنصر وينصر وإن كان المشهور منه المزيد، وقوله: الأوقات إشارة إلى أنّ الأيام بمعنى مطلق الأوقات، وهو أحد معانيها. قوله: (والآية نزلت في عمر رضي الله عنه الخ) قد مرّ أنه قيل إنّ الآية مدنية، ويؤيده ما أورد على كونها مكية من انّ من أسلم بها كانوا مقهورين فلا يمكنهم الانتصار منهم، والعاجز لا يؤمر بالعفو، والصفح، وإن أجيب عنه بأن المراد أنه يفعل ذلك بينه، وبين الله بقلبه ليثاب مع أنّ دوام عجز كل أحد منهم غير معلوم، وقوله: وقيل إنها الخ، ويؤيده كونها مكية فإنّ القتال لم يشرع بمكة وأنما مرضه لا النظم قد حمل على ترك النزاع في المحقرات، والتجاوز عن بعض ما يؤذي ويوحش. قوله: (علة للأمر) الظاهر أنه اغفروا المقدّر لأنّ أمرهم بالمغفرة للجزاء عليها، ويحتمل أن يريد بالأمر قل أيضا لأنّ هذا القول سبب لامتثالهم المجازي عليه، وقوله: فيكون التنكير لف، ونشر فالتعظيم على إوادة المؤمنين، وما بعده لما بعده، وقوله: والكسب الخ إشارة إلى أنّ ما مصدرية، وهي تحتمل الموصولية أيضا، وباؤه سببية أو للمقابلة أو صلة ليجزي، وقوله: والكسب الخ. هو أيضا لف، ونشر فإذا أريد بالقوم المؤمنون فكسبهم المجازون عليه مغفرتهم للناس، وتجاوزهم عنهم لا مغفرة الله حتى يقال فيه مضاف مقدّر، وهو مثل أو تجوز بجعلها كسبا كما توهم، والمغفرة المتاركة لا إسقاط الحق. قوله: (وقرئ ليجزي قوم) بالياء التحتية وبنائه للمجهول، ورفع قوم، وقرئ ليجزي قوما مثلها في البناء، والبنية إلا أنه نصب قوما، وفي توجيهها وجوه فقيل القائم مقام الفاعل ضمير المفعول الثاني العائد عليه لفهمه من السياق، والتقدير هو أي الخبر والمفعول الثاني للمتعدي لمفعولين نحو جزاك الله خيرا في باب أعطى يقوم مقام الفاعل بلا خلاف، وهو الذي ذكره المصنف، وقوله لا المصدر قول آخر مردود لأنه لا يقام مقام الفاعل مع وجود المفعول به على الصحيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 وأجازه الكوفيون على خلاف في الإطلاق، والاستحسان، وفي قوله: سيما أي لا سيما نظر ظاهر. قوله: (من عمل صالحاً) تقدم تفسيره، وما له وعليه، وهو جملة مستانفة لبيان كيفية الجزاء. قوله: (التوراة) على أنّ التعريف للعهد لا على إرادة الخاص بالعام، ولو جعل للجنس ليشمل الزبور، والإنجيل جاز لكن جمهور المفسرين على تفسيره هنا بها لأنه ذكر بعدها الحكم، ونحوه وما ذكر لا حكم فيه إذ الزبور أدعية، ومناجاة والإنجيل أحكامه قليلة جدّا، وعيسى صلوات الله عليه مأمور بالعمل بالتوراة، والحكمة العملية أحكام الفروع وقوله: {مَا أَحَلَّ اللهُ} الخ فالطيب بمعنى الحلال اللذيذ، وقد يراد به كل منهما على الانفراد. قوله: (حيث آميناهم الخ) فالعالمين على إطلاقه لا بمعنى عالمي زمانهم كما هو أحد تأويليه، ولا يلزم على هذا تفضيلهم على جميع ما عداهم كأمّة محمد لأنّ المراد تفضيلهم بما تفردوا به لا من كل الوجوه، ولا من جهة المرتبة والثواب الذي هو محل الخلاف. قوله: (أدلة في أمر الدين) فمن بمعنى في، واندراج المعجزات لأنها أدلة دينية أيضا، وقوله: آيات من أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام أي علامات له مذكورة في كتبهم، وقوله: في ذلك الأمر أي الذي أوتوه، وقوله: عداوة وحسدا لأنهم بعد علمهم لا يكون اختلافهم إلا بغيا، وقس! ادا ومرّ في سورة آل عمران أنّ المراد بالعلم التمكن منه، وقد عرّ أيضا بيان قوله: بحقيق! الحال في حم عسق، وقوله: طريقة من شرعه إذا سنه ليسلك، وقيل الشريعة ما يجتمع عليه من الماء ف! ص ز أن يستعار منه أيضا، وقوله: لا يعلمون اي الحق أو المراد ليسوا من ذوي العلم مبالغة، وقوله: رؤساء الخ خص! هـ بمعونة المقام، ولو عمم لكل ضال جاز أيضا، وقوله: إنهم الخ جملة مستأنفة مبينة لعلا النهي، وقوله: شيئاً تقدم إعرابه. قوله: (القرآن أو اتباع الشريعة) جمع الخبر على الوجه! ين باعتبار ما حوأه، واتباع مصدر مضاف فيعم، ويخبر عنه بمتعدّد أيضا، وقوله: تبصرهم وجه الفلاح استعارة حسنة، وهذا بصائر تشبيه بليغ، وقوله: يطلبون اليقين فسره به لأنّ من هو على اليقين لا يحتاج لصا يبصره به بخلاف الطالب، ولولا تأويله بما ذكر كان تحصيلا للحاصل. قوله: (ومعنى الهمزة فيها الخ) لأنّ أم المنقطعة تقدر ببل، وهمزة استفهام فيحمل الاستفهام على ما يليق به، وهو الإنكار هنا أي لا يليق هذا الحسبان، ولا ينبغي لظهور عدم التساوي، والحسبان الحاصل بالمصدر، وهو المحسوب، وقوله: ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدي أو في قولهم هو جارحة أهله أي كسبهم، وأن نجعلهم ساذ مسد مفعولي الحسبان. قوله: (بدل منه) أي من ثاني مفعولي جعل، وهذا على قراءة الرفع، والمبدل هو الجملة، والظاهر أنه بدل كل من كل لأنّ المقصود كونهم مثلهم في استواء حالي المحيي، والممات إو بدل اشتمال، ويجوز كونه بدل بعض، وأمّا كونه استثنافاً لبيان المماثلة المجملة فلا وجه له، وقد جوّز أن تكون الجملة مفعولاً ثانيا، وكالذين الخ حال من ضميرهم، وكذا العكس. قوله: (إن كان الضمير) يعني في محياهم، ومماتهم للوصول الأوّل، وهو الذين اجترحوا السيئات، وهو بيان لما يصحح البدلية من المفعول الثاني، وهو الكاف لا من أن فجعلهم كما توهم فإنه لو كان الضمير للموصول الثاني وهو الذين آمنوا لم يصح فيه البدلية لأنّ استواء محعص المؤمنين، ومماتهم لا مناسبة بينه، وبين مثلية ذوي الحسبان لتصحح بدليته منه، وكذا إذا كان للفريقين. قوله: (لأنّ المماثلة فيه) أي في استواء المحيي، والممات فيصح إبداله مما يدل عليها، وهو الكاف لأنه المقصود بالنسبة، وإليه الإشارة بقوله إذ المعنى الخ. قوله: (ويدل عليه) في المدلول عليه، وعود ضمير عليه احتمالات بأن يكون للبدل أو يكون الضمير للموصول الأوّل أو لأنّ المعنى إنكار الاستواء، والظاهر هو الأخير لأنه في وجوه نصبه يكون هو المقصود بالإنكار إذ هو على البدلية المقصرد بالنسبة، وكذا على الحالية، والمفعولية لأنه هو المقصود بالإفادة أمّا الأوّل فحود عليه أنه كيف يدل على البدلية، وقد جوّز فيه الحالية، والمفعولية، وأمّ كونه دليلا على أرجحيته، ولذا قدمه أو المراد بدلالته عليه بالنسبة للاستئناف فتعسف من غير احتياج إليه، وأما الثاني فلا وجه له، ولا لما قيل من أنه لا يحتمل غير. في قراءة النصب فإن خفاء وجه الدلالة أظهر من الشمس. قوله: (بالنصب على البدل) أي من الكاف لأنها اسم بمعنى مثل، وأمّا استتار الضمير فيها لأنها بمعنى مماثل، ومشابه فلا وجه له لأنها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 اسم جامد على صورة الحرف فلا يصح استتار الضمير فيه، وقد سبق مثله للمصنف، ونقلنا تصريح الفارسي بمنعه، وقيل مراده إنه حال من الضمير المستتر في الجار، والمجرور وهو في نفسه صحيح لكنه بعيد عن كلام المصنف بمراحل، وأمّا الاعتراض عليه بأنه لا يظهر لإخراجه مخرج القيد فائدة يعتد بها فليس بشيء كالاعترا ضعلى المفعولية بأنّ الأصل تعين المتقدم للمفعولية، ومثله غني عن الرد، وأمّا جعله حالاً من ضمير نجعلهم فقيل إنه غير سديد معنى وفيه بحث، وقوله: والكاف حال أي من ضمير نجعلهم، وقوله: وإن كان أي الضمير للموصول الثاني فقوله سواء الخ. حال من الموصول الثاني على الرفع، والنصب لا من الضمير في المفعول الثاني فإنه فاسد معنى، وفيه اكتفاء الاسمية بالضمير، وقد مرّ في الأعراف أنه غير فصيح فكأنه تبع النحاة فيما اشتهر من جوازه هنا، والمقتضي للإنكار على حسبان التماثل إنّ الذين آمنوا سواء حالهم عند الله في الدارين بهجة، وكرامة فكيف يماثلونهم، ويجوز أن يكون بيانا لوجه الشبه المجمل. قوله: (وإن كان لهما الخ) قال في الكشف: الضمير إن رجع للفريقين فجملة سواء على التفسيرين استثناف ولا يجوز أن يجعل بدلاً لا لفظاً، ولا معنى إذ المثل هو المشبه، وسواء جار على المشبه، والمشبه به، ثم قال: إن رجع الضمير إلى الفريقين وجب أن يكون حالاً من المضاف، والمضاف إليه معاً فمنطوق الكشاف يدل على وجهين، ومفهومه على وجهين آخرين، وأمّا إذا جعل كلاماً مستأنفاً غير داخل في حكم الإنكار فيتعين أن يرجع الضمير إلى الفريقين، والتساوي بين حال المؤمنين بالنسبة إليهم خاصة، وحال المجترحين كذلك فيكون تعليلا للإنكار في المعنى دالاً على عدم المماثلة لا في الدنيا، ولا في الآخرة لأنّ هؤلاء متساوو المحي والممات في الرحمة، وهؤلاء متساوو المحيي، والممات في النقمة إذ معناه كما يعيشون يموتون فلما افترق حال هؤلاء، وحال هؤلاء حياة فكذلك موتا، وهذا ما أشار إليه المصنف، وقد قال: أوّلاً التساوي إمّا بين المحيي والممات، وإمّا بين حياتي الفريقين، ومماتيهما الخ. اهـ، وقد عرفت أنّ ما ذكره المصنف ممنوع عند صاحب الكشؤ، لأنّ المفعول الثاني محمول على الأوّل، وكذا المبدل منه، وهو لا يصح هاهنا لأنّ المفعول الأوّل المجترحون، وضمير البدل للفريقين فتأمّل، ومحياهم، وص اعطف عليه مبتدأ وإذا نصب سواء فهو فاعل له. قوله: (والمعنى إنكار أن يستووا الخ) أي على كون الضمير لهما في وجهي البدلية، والحالية من مجموع الثاني، وضمير الأوّل فالمنكر على هذا استواؤهما في المحيي والممات، والإنكار باعتبار الأخير، ولم يرتض ما آثره الزمخشريّ من كون المعنى إنكار أز يستوي المسيؤون، والمحسنون محى حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات، وأولئك على ارتكاب المعاصي لظهور انتفاء ذلك الظن من المجترحين فتأمل. قوله: (كما استووا في الرزق والصحة) أي بحسب الظاهر، والا فما يعطي للمؤمن في الدنيا من ذلك خير له، وما يعطى للكافر شرّ له لقوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا} [سورة آل عمران، الآية: 178] وقوله: مقرّر الخ ففيه لف، ونشر ثقة بفهم السامع، ومنه يظهر أنّ المجترحين ليسوا كالمؤمنين فيكون اس! نافاً لبيان إنكار مماثلتهم لهم، وقوله: في الهدى، والضلال لأنهم يعيشون كما يموتون. قوله: (وقرئ ممائلهم بالنصب) على الظرفية لأنه اسم زمان أو مصدر أقيم مقامه، والعامل إمّا سواء أو نجعلهم، والتقدير في وقت حياتهم، وقوله: ساء ما يحكمون قد مرّ تفصيله وقوله: أو بئس الخ إشارة إلى أحد وجهيه، وأنه من باب نعم، وبئس، والمخصوص بالذم مقدّر فهو على هذا الإنشاء الذم، وما فيه موصوفة، وفي الوجه الأوّل للإخبار عن قبح حكمهم، وما مصدرية ووجه التخصيص أنّ فاعل بض ضمير مبهم يفسر بالتمييز فلا بد من كون ما نكرة موصوفة ليكون تمييزا، ولو كانت ما مصدرية مؤوّلة بمصدر هو معرفة لم يصح ذلك، وإنما جعلت في الأوّل مصدرية لأنه إشارة إلى الحكم بالتساوي المعهود لذكره قبله فلا وجه لما قيل من أنه لا وجه للتخصيص إذ يجوز على كل من الوجهين كونها مصدرية وموصوفة فافهما، وقوله: بالحق تقدّم تحقيقه قريبا. قوله: (كأنه دليل على الحكم السابق) وهو إنكار حسبانهم للتساوي، وهذا إذا لم يكن قوله: سواء الخ. استئنافاً مقرّرا لتساوي محي كل مصنف، ومماته أما على هذا فهو المراد بالحكم السابق فتكون الآية دليلا على التساوي، وبياناً لحكمتة. قوله: (لآنه في معنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 العلة) قيل إنه بناء على أنّ الباء للسببية الغائية، وهي معنى علة له ولا وجه للتخصيص فإنّ المعنى على الملابسة خلقها ملتبسة، ومقرونة بالحكمة، والصواب دون العبث، والباطل، وحاصله خلقها لأجل ذلك كما أشار إليه التفتازاني، وقوله: ولنجزي ليس هو المقدر لأنه إشارة إلى المعطوف المذكور في النظم فلا يرد اتحاد المتعاطفين حينئذ. قوله: (لأنه لو فعله) أي النقص، والتضعيف لو صدر من غيره كان ظلما لأنه تصرّف في ملك الغير بما لم ياذن له فيه، وأمّا الله تعالى فيتصرّف في ملكه كيف يشاء فلو صدر ذلك عنه كإن على صورة ظلم غيره فإطلاق الظلم عليه استعارة تمثيلية أو هو لما كان مخالفاً لوعده الحق سماه ظلما، وأنما احتيج إلى التأويل لأنّ نفي الظلم فرع إمكانه، والا لم يفد، وقوله: كالابتلاء، والاختبار الخ عصف تفسير للابتلاء فلا يرد أنه تكليف للأمر الشاق فليس بمحال عليه تعالى كالاختبار، ولا / ت هـ الجملة حالية، وقوله: لأنه تعليل للتسمية. قوله: (فكأنه يعبده الخ) إشارة إلى أن جعله إلهاً تشبيه بليغ أو استعارة، وقوله: وقرئ آلهة أي بصيغة الجمع فالهوي بمعنى المهوي، وقوله: رفضه أي تركه ذاهبا أو مائلاً إليه فالآلهة بمعناها الظاهر بغير تجوّز أو تشبيه، وقوله: وخذله أي خلقه ضالاً أو خلق فيه الضلال، وقوله: عالماً إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال هنا من الفاعل، ويجوز كونه حالاً من المفعول كقوله: {إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ} [سورة آل عمران، الآية: 9 ا] وفساد جوهر روحه خلقها ناقصة غير مستعدة لقبول الهداية، وقوله: فلا يبالي الخ لف ونشر. قوله: (فلا ينظر بعين الخ) إشارة إلى أنه تمثيل كما مرّ، وقوله: غشوة أي بفتح الغين المعجمة، وسكون الشين، وقرأها الأعمش بكسر الغين والباقون غشاوة بكسرها، وقرنت بالفتح والضمّ، وكلها لغات فيها، وقد مرّ تفصيله في البقرة، وأنه قرئ بالمهملة وقوله: من يعد إضلاله إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدرا بقرينة ما قبله. قوله: (وقالوا) الضمير للكفرة أو لمن باعتبار معناه، وقوله: أو الحال يعني أنّ الضمير للحياة فالمعنى لا حياة غير حياتنا الدنيا أو للحال، والحياة من جملة الأحوال فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه لاستثناء حال الحياة من أعمّ الأحوال، ولا وجه لما قيل إنّ المناسبة تقدير المضاف بعد أداة الاستثناء. قوله: (نكون أمواتاً نطفاً الما كان القائلون كفرة منكرين للحياة بعد الموت أوّله بما ذكر فالموت عدم الحياة السابق على نفخ الروح فيهم أو المراد بالحياة مجاز إبقاء النسل، والذرية أو بعض يموت وبعض باق في قيد الحياة فالتجوّز في الإسناد أو هو مسند للجنس من غير تجوّز فيه والمراد إصابة ذلك بالتلبس به من غير نظر لتقدم أحدهما على الآخر، وتأخير نحيي للفاصلة. قوله: (ويحتمل الخ) فالمراد بالحياة إعادة الروح لبدن آخر فهو مجاز أيضا، ولبعده جعله محتملا، وقوله: مرور الزمان فهو مصدر في الأصل نقل لما ذكر، وفي الفرق بين الدهر، والزمان كلام طويل للحكماء، والفقهاء والذي ارتضاه السعد هنا أنّ الزمان أعمّ لأنه كل حين، والدهر لا يطلق إلا على الطويل منه وقوله: مدّة بقاء العالم فهو اسم لجميع الأزمنة، والظاهر ما قدّمناه، وقوله: إذا غلبه فكأنهم تخيلوا فيه بطول بقائه مع بقاء الغير غلبة، وقهراً كما نسبوا له الحوادث. قوله: (يعني نسبة الحوادث الخ) فذلك إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر أو إلى إنكار البعث أو إلى كليهما، وظاهر. أنّ الزمان عندهم مقدار حركات الأفلاك كما ذهب إليه الفلاسفة، ولا وجه لاستبعاده فإنهم، وإن لم يعرفوه تحقيقاً فآل ما عندهم له وما يتعلق بها المراد به مرور الزمان، والحوادث، وقوله، والإنكار لما لم يحسوا به كالصانع القديم، والبعث. قوله: (واضحات) إشارة إلى وجهي بين من اللزوم، والتعدّي كما مرّ، وقوله: له أي لما يخالف معتقدهم أو لمعتقدهم، وقوله: متشبث بالفتح ما يتمسك به، وقوله: ما كان حجتهم جواب إذا، ولم يقترن بالفاء، وإن كانت لازمة في المنفي بما لأنها غير جازمة، ولا أصيلة في الشرطية فلا حاجة إلى تقدير جواب لها كعمدوا إلى الحجج الباطلة كا قاله ابن هشام، وقد استدلّ بهذه الآية على أنّ العمل ليس للجوإب لصدارة ما المانعة منه، ولا قائل بالفرق. قوله: (سماه حجة على حسبانهم) يعني أنّ قولهم: ائتوا بآياتنا لا حجية فيه فإطلاق الحجة عليه إمّا حقيقة بناء على زعمهم فإنهم ساقوه مساق الحجة أو هو مجاز تهكما بهم كما في المثال المذكور، وقد مرّ تحقيقه، وفيه مبالغة لتنزيل التضاد منزلة التجان! فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء الخ بيان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 لعدم الحجية فيما توهموه حجة لأنه لا يلزم من عدم إعادة آبائهم في الدنيا امتناعها بعده إذا قامت القيامة، وحان البعث، والنشور. قوله: (على ما دلت عليه الحجج) متعلق بالفعلين، وقيل: إنه متعلق بقوله: يميتكم ردا لقولهم، وما يهلكنا إلا الدهر يعني أنه مما لا يمكن إنكاره، وهم معترفون بأنه المحيي المميت فيكون دليلا إلزاميا على البعث كما أشار إليه بقوله: فإنّ من قدر على الإبداء الخ. فلا مخالفة بيته، وبين ما في الكشاف حتى يكون ردّاً عليه كما قيل. قوله: (والوعد الخ) تفسير لقوله لا ريب فيه، وقوله: وإذا كان كذلك الخ يعني لم قدّم لهم مقدّمات مسلمة وضمّ لها ما يلزمها إذا ترك العناد لزم منه القدرة على الإتيان بآبائهم، إلا أنه لم يفعله لحكمة فهو إبطال لما ساقوه مساق الحجة كما بينه المصنف، وحاصله أنّ البعث أمر ممكن أخبر به الصادق وكل ما هو كذلك لا محالة واقع والى في قوله إلى يوم القيامة بمعنى في أو الفعل مضمن معنى مبعوثين أو منتهين، ونحوه، وقوله: يحسونه أي يدركونه بالحواس الظاهرة، وفي بعض النسخ يحسبونه. قوله: (تعميم للقدرة) لأنّ المراد بملكه لها تصرفه فيها كما أراد، وهو شامل للإحياء، والإماتة المذكورة من قبله وللجمع، والبعث وللمخاطبين وغيرهم، وقوله: ويخسر يوم تقوم الخ إشارة إلى أنّ يوم تقوم الساعة متعلق بالفعل، وقدم رعاية للفاصل أو للحصر لأنّ كل خسران عنده كلا خسران، وفي كون يومئذ بدلاً منه نظر لأن التنوين عوض عن الجملة المضاف إليها، والظاهر أنها تقدر بقرينة ما قبله تقوم الساعة فيكون تأكيداً لا بدلاً إذ لا وجه له، ولذا قيل إنه بالتأكيد أشبه، والقول بأنه بدل تأكيديّ لا يسمن ولا يغني من جوع، وكذا ما تكلفه من زعم أن اليوم الثاني بمعنى الوقت الذي هو جزء من اليوم فهو بدل بعض معه عائد مقدر، ولما كان فيه ظهور خسرانهم كان هو المقصودبالنسبة. قوله: (مجثمة) وفي نسخة مجتمعة وهما بمعنى لأنّ الجثوم الإقامة، وهما متقاربان، وقوله: من الجثوة أي مأخوذة منها فلذا دلت على الاجتماع على هذا القول، وهي مثلثة الجيم، وأصلها تراب مجتمع، ونحوه ورأى بصرية فجاثية حال أو صفة ولو كانت علمية كانت مفعولاً ثانياً. قوله: (أو باركة) أي قاعدة على الركب كقعود المستوفز وهو الذي لا يستقرّ ويتمكن، وهكذا يكون الخائف المنتظر لما يكره، وقراءة جاذية بالذال المعجمة إمّا على الإبدال لأنّ الثاء، والذال متقارضان كما قيل شحاث، وشحاذ أو الجاذي القاعد على أطراف أصابع قدميه فيكون أبلغ من الجاثي كما قاله الجوهريّ وغيره، والاستفزاز عدم الاطمئنان من الوفز وهو المكان المرتفع. قوله: (وقرأ يعقوب كل) أي بالنصب وهو في قراءة غيره بالرفع مبتدأ خبره ما بعده، والجملة مستأنفة لبيان جثوهم وهو استدعاء كتابها وهو صحيفة عملها، وقيل كتاب نبيهاً لينظر هل عملوا به أو لا، وقوله: وتدعى صفة، وهو الذي حسن البدلية مع الاتحاد لفظاً لكنه لتغاير الصفة كانا متغايرين وأمّا على أنه مفعول ثان على أن رأى علمية فالظاهر أنه تاكيد إذ لولا وصفه لم تسغ البدلية، وتخلل التأكيد بين الوصفين قبيح كما في الكشف، وجعل قوله أو مفعول ثان معطوفا على قوله بدل لا يخفى ما فيه من الخلل والظاهر أن يقال إنه على هذا المراد أنّ هذا المفعول الأوّل، والثاني مبدل من الأوّل، والثاني قبله ليسلم من التكلف فتأمّل. قوله: (محمول على القول) أي على تقديره مقول قول هو حال أو خبر بعد خبر ونحوه مما يليق به، وفيه مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم الخ أو هو من المجاز، وقوله: أضاف الخ فهو من الإضافة لأدنى ملابسة على التجوّز في النسبة الإضافية بخلاف قوله: كتابها فإنه على معنى اللام حقيقة، وقوله: أمر الكتبة الخ بيان لوجه الملابسة، ولو كان ضمير كتابنا للكتبة جاز، والإضافة فيه حقيقية أيضاً لكن قوله: نستنسخ يأباه إلا أن يجعل بمعنى ننسخ، ونكتب، وجملة ينطق مستأنفة أو حالية أو خبرية، وقوله: بلا زيادة الخ تفسير لقوله بالحق، وقوله: فأمّا الذين الخ تفصيل للمجمل المفهوم من قوله: ينطق عليكم بالحق أو تجزون. قوله: (في رحمتة التي من جملتها الجنة) خالف الزمخشري في تفسيرها بالجنة على أنهم تجوزوا به عنها فالظرفية على ظاهرها، وأمّا على ما ذكره المصنف فهي عامّة شاملة لها، ولغيرها والجنة في نفسها رحمة لكن يكون في الظرفية الجمع بين الحقيقة، والمجاز أو عموم المجاز بلا قرينة فما في الكشاف أحسن، وقوله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 عن الشوائب أي ما يخالطه مما يخالفه أو المراد بالشوائب ا! دار. قوله: (فيقال لهم الخ) ، وحذف القول خصوصاً بعد أما كثير مقيس حتى قيل هو البحر حدث عنه فهو جواب أمّا وما بعده مقوله، وقوله: اكتفاء الخ تعليل لحذف القول لأنّ المقصود مقوله لا هو، وقوله: واستغناء بالقرينة تعليل لحذف المعطوف عليه فهو لف، ونشر والقرينة الفاء العاطفة، وأنّ تلاوة الآيات تستلزم إتيان الرسل معنى ففيه قرينة لفظية ومعنوية، وقوله عادتهم الاجرام هو من كان الدالة على الاستمرار في عرف التخاطب فإذا قيل كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعل كذا فهم منه المداومة عليه كما صرّحوا به. قوله: (يحتمل الموعود به) فيدل على حقيته، وتحققه في نفسه كما أشار إليه بقوله كائن هو فيكون مجازاً كرجل عدل، والمصدر فيكون حقيه بتحقق ما وعد به، واليه أشار بقوله أو متعلقه ففيه لف، ونشر مرتب، وعلى الثاني فيه تجوّز في النسبة وعلى ما قبله في الظرف، وقوله افراد للمقصود من المقام، وهو البعث اعتناء به، وإن كان من جملة ما وعده الله فهو كقوله وملائكتة وجبريل وعلى قراءة الرفع هو من عطف الجملة على الجملة، ويحتمل أنه معطوف على محل أن، واسمها كما مرّ. قوله: (استغراباً الخ) أي عدّها منكرة غريبة، ولذا جمع ما ندري مع الاستفهام وقوله أصله نظن الخ دفع لما قيل إنّ العامل يجوز تفريغه لما بعده من جميع معمولاته إلا المفعول المطلق فلا يقال ما ضربت إلا ضرباً لأنه لا فائدة فيه إذ هو بمنزلة تكرير الفعل وقولك ما ضربت إلا ضربت وهو غير صحيح، وأمّا ما ذكره المصنف في معرض الجواب فقد أورد عليه في التقريب أنه لا يفيد لأنّ مورد النفي، والإثبات فيه واحد، وهو الظن، والحصر حيث يتغاير الموودان فالأولى أن يحمل المنفيّ على الفعل أو الاعتقاد المطلق يعني على طريق التجريد تعميماً للخاص المثبت ليتغاير أو يصح الاستثناء أو المثبت على ظت خاص إمّا قوي، أو ضعيف بجعل تنوينه للتعظيم أو التحقير كما ذهب إليه السكاكي، وحاصله إمّا تعميم المستثنى منه أو تخصيص المستثنى، وعليه حمل قول الأعشى: وما غرّك الشيب إلا اغترارا وقال أبو البقاء: إنه محمول على التقديم، والتأخير أي رن نحن إلا نظن ظناً، وما اغتر. إلا الشيب اغترارا، وما في الكشاف لم يذكر فيه وجه الإفادة، ومراده على ما في الكشف أنّ أصله نظن ظنا فأدخل فيه النفي، والإثبات ليفيده تأكيداً على تأكيد، وهو الغرض من كل نفي، واستثناء بل من كل قصر لكنه لا يفيد توجيه الكلام وتنزيله على قوإعد العربية بدون ما ذكر، وكلام المصنف مضطرب فيه لأنه خلط فيه المذاهب، وقال الرضي في المفعول المطلق: إذا كان للتأكيد ووقع بعد إلا أشكال لأنّ المستثنى المفرّغ يجب أن يستئنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدفي فيه المستثنى بيقين، ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملاً مع الظن غيره حتى يخرج الظن مته، وحله أن نقول إنه يحتمل من حيث توهم المخاطب إذ ربما تقول ضربت مثلاً وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه من مقدّماته كالتهديد فتقول ضربت ضربا لرفع ذلك التوهم كما في نحو جاءني زيد زيد فلما كان قولك ضربت محتملا للضرب، وغيره من حيث التوهم صار كالمتعدّد الشامل للضرب، وغيره حتى كأنك قلت ما فعلت شيئاً إلا ضربا يعني أنّ الضرب لما احتمل قبل التأكيد، والاستثناء فعلاً آخر حمل على العموم بقرينة الاستثناء، وما أورد عليه الفاضل المحشيّ تبعا لما في شرح المفتاح الشريفي، وحواشي المطوّل! من أنّ الاستثناء يقتضي الشمول المحقق، ولا يكفي فيه الاحتمال المحقق فضلاً عن المتوهم فليس بشيء لأنه إذا جرد الفعل لمعنى عام كما ذكره صار الشمول محققاً مع أنّ عدم كفاية الشمول الفرضيّ غير مسلم كما يعرفه من يتتبع موارده، وكذا ما أورده على تأويله بما نعتقد إلا ظناً من أنّ ظاهر حالهم أنهم متردّدون لا معتقدون كما صرّح به المصنف فإنّ الاعتقاد المنفي لا ينافي ظاهر حالهم بل يقرّرها على أتم وجه. قوله: (كأنه قال ما نحن إلا نظن ظناً) هو بحسب الظاهر موافق لما ذهب إليه ابن يعيش، وأبو البقاء من أنه على القلب، والتقديم والتأخير وقد ردّه الرضيّ، وقال: إنه تكلف لما فيه من التعقيد المخل بالفصاحة لكنه غير مراد له كما توهم بل المراد أنّ الظن مستثنى من أعمّ الأفعال على التجريد كما مرّ بجعل ما سوى الظن كالعدم، وقوله كأنه مناد عليه فكيف يتوهم إرادته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 قوله: (أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة) على أنّ المستثنى منه مطلق ظنهم، والمستثنى ظنهم في أمر الساعة أي لا ظن، ولا تردّد لنا إلا ظن أمر الساعة، والتردّد فيها فالمستثنى منه كل ظن لهم، والمخرج ظن خاص على أنّ تنوينه للتنويع أو التعظيم، أو التحقير وهذا ما ذهب إليه السكاكي، ومن تبعه وليس مخالفاً له كما توهم، وهو معطوف على قوله لاثبات الظن. قوله: (لامكانه) صلة مستيقنين لا تعليل للنفي أي نحن لا نتيقن إمكانه فضلاً عن تحقق وقوعه المدلول عليه بقوله إنّ وعد الله حق فهو ردّ له. قوله: (ولعل ذلك قول بعضهم) ذلك إشارة إلى قولهم إن نظن الخ، وهو دفع لسؤال مقدر، وهو أنهم منكرون للبعث جازمون بنفيه كما مرّ في قولهم: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [سورة الأنعام، الآية: 29] فكيف أثبت لهم الظن من غير إيقان في أمرها فدفعه صريحاً بعدما أشار إلى دفعه ضمنا بأنّ المظنون هو الامكان، والمنفيّ ثمة الإيقان لكون ذلك في بقعة الإمكان بأنهم مفترقون فرقاً في طرق الضلال فبعضهم جازم بنفيها كأئمة الكفر، وبعضهم متردّد متحير، وفيها فاذا سمع ما يؤثر عن آبائهم أنكرها، وإذا سمع الآيات المتلوة تقهقر إنكاره فتردّد، وقوله في أمر الساعة تنازعه سمع، وتلى أو هو متعلق بقوله تحيروا، ومعناه تردّدوا. قوله: (على ما كانت عليه) يعني إن أعمالهم التي زينها لهم الشيطان، وحسنها في أعين الخذلان ظهر لهم في الآخرة سوءها، وقبحها كما كانت كذلك في الدنيا، وإن لم يقرّوا بذلك، وما موصولة أو مصدرية، وقوله بأن عرفوا الخ متعلق ببدا، وهذا كما يقال عرف قبيح فعله فإنّ المراد عرف قباحته، والوخامة تعفن الهواء المورث للأمراض الوبائية استعير هنا للضرر. قوله: (أو جزاؤها) يعني المراد بظهور سيئات أعمالهم ظهور سوئها كما قررناه أو المراد ظهور جزائها على أنها مجاز عما تسبب عنها أو أنه على تقدير مضاف فيه، وسيئات الأعمال إضافة لامية أو من إضافة الصفة للموصوف، والضمائر المؤنثة في كانت، وقبحها وما بعده لما عملوا لأنه بمعنى الأعمال، وهو معطوف بحسب المعنى على قوله على ما كانت. قوله: (وهو الجزاء) تفسير لما فالمراد به احياؤهم وجزاؤهم، وقيل المراد به قولهم إن نظن إلا ظناً فيندفع به التناقض، وهو بعيد، وحاق بهم بمعنى حل بهم وهو لا يستعمل في غير المكروه. قوله: (نترككم في العذاب ترك ما ينسى) يعني أنّ المراد به هنا الترك لاستحالة النسيان عليه تعالى فهو استعارة أو مجاز مرسل، وكلامه صريح في الأول، ويجوز أن يكون فيه استعارة مكنية، وقوله كما تركتم عدّته بضمّ فتشديد ما يعدّ له مما لا بدّ منه كزاد المسافر وراحلته، وعدة الآخرة التقوى، وما ضاهاها كما قال: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [سورة البقرة، الآية: 97 ا] وقوله ولم تبالوا عطف متضمن لوجه الشبه وهو عدم المبالاة به فإن الشيء يترك أو ينسى لذلك وقيل التعبير بالنسيان لأنه مركوز في فطرتهم أو لتمكنهم منه بظهور دلائله فالنسيان الأوّل مشاكلة. قوله:) 1 ضافة المصدر إلى ظرفه) فهو على معنى في، ومفعوله مقدر، والأصل لقاءكم الله، وجزاءه في ذلك اليوم، وقال التفتازاني: إنه كمكر الليل والنهار فهو مجاز حكمي فلذا أجرى مجرى المفعول به وأنما لم يجعل من إضافة المصدر إلى المفعول به حقيقة لأنّ التوبيخ ليس على نسيان لقاء اليوم نفسه بل ما فيه من الجزاء، ولا يخفى أنّ لقاء اليوم يجوز أن يكون كناية عن لقاء جميع ما فيه وهو أنسب بالمقام لأنّ السياق لانكار البعث. قوله: (فحسبتم أن لا حياة سواها) فالخطاب لمن لم يتحيروا في أمرها أولهم بناء على تناقض أقوالهم، واختلاف أحوالهم وقوله بفتح الياء الخ، وغيره بضمها وفتح الراء، وهو ابتداء كلام أو التفات. قوله: (لا يطلب منهم أن يعتبوا) من الأعتاب، وهو إزالة العتب جعل كناية عن الارضاء، وهو المراد، وقد تقدّم في الروم، والسجدة تفسيره بوجوه أخر فتذكره، وقوله لفوات أو أنه تعليل للنفي. قوله: (إذ الكل نعمة منه دال على كمال قدرته) وتعريف الحمد إمّا للاستغراق أو للجنس، وهو إخبار عن اسنحقاقه له أو إنشاء، وتقديم الظرف للحصر، والفاء التفريعية للإشارة إلى أنّ كفرهم لا يورث شيئاً في ربوبيته، ولا يسدّ طريق إحسانه ورحمته ومن ومن يسدّ طريق العارض الهطل وانما هم ظلموا أنفسهم ورب العالمين بدل، وقوله: إذ الكل الخ فيجب حمده، ولا مانع من اختصاص الحمد بالجميل الإنعامي به تعالى كما مرّ تحقيقه في فاتحة الفاتحة فلا وجه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 للاعتراض به هنا، وقوله ودال على كمال قدرته إشارة إلى مناسبة التوصيف لما ذكر من الحمد، ولما بعده من الكبرياء. قوله: " ذ ظهو فيهما أو فيها آثارها) أي آثار الكبرياء فلذا قيدها بها لتعلق الظرف بالكبرياء أو هو حال منها، وقوله فاحمدوه الخ الجميع ناظر للجميع أو هو على التوزيع فاحمدو. ناظر لقوله: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ} و (كبروه القوله وله الكبرياء الخ، وقوله وأطيعوه ناظر لقوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وفيه إشارة إلى أنّ هذه الأخبار كناية أو مجاز عن الأمر لأنه المقصود فله الحمد، والثناء، والعظمة، والكبرياء. قوله: (من قرأ الخ) هو حديث موضوع، والعورة بمعنى ما قبح من أفعاله التي يكره الاطلاع عليها، والروعة الخوف، وبينهما جناس مقلوب تمت السورة، والحمد لله رب العالمين، وأفضل صلاة وسلام على أفضل النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة الأحقاف بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) منهم من استثنى منها، والذي قال لوالدبه الآيتين، وقوله قل أرأيتم إن كان من عند الله الآية {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} الأربع الآيات، وفاصبر كما صبر الآية فهي مدنية، وعليه مشى المصنف في بعضها كما سيأتي فكان ينبغي له أن ينبه عليه، والاختلاف في عدد الآيات بناء على أنّ حم آية أو لا، وقد مرّ مثله وخصه تعالى هنا بالوصف بما ذكر لما في القرآن من الإعجاز، والحكم الدالة على القدرة، والحكمة، وقد مرّت وجوه الأعراب فيه. قوله: (إلا خلقاً ملتبساً بالحق الخ) جعله في موقع المصدر دون الحال لأنّ المقترن بالحكمة وتقدير المدّة هو الخلق حقيقة لا المخلوق وقدر التقدير لأنّ الخلق إنما يلتيس به لا بالأجل نفسه كما قاله الشارح المحقق: ولم يجعله حالاً من الفاعل لأن عطف أجل مسمى عليه، وإن كان بتقدير التقدير يأباه وما أبوه من الحالية من المفعول أو الفاعل جوّزه بعضهم ككون الباء للسببية الغائية فتأمّل. قوله: (وفيه) أي في قوله بالحق دلالة على ما ذكر لأنّ المصنوع الملتبس بالحق المشتمل على مقتضى الحكمة لا بدّ له من صانع، وأمّا دلالته على البعث فلأن مقتضى الحكمة، والمعدلة الإعادة لتجازي كل نفس بما كسبت، وقد تقدم الكلام عليه، وما فيه فتذكره، وقوله وبتقدير تقدير التقدير تقدم وجهه في كلام الشاوح النحرير، وقوله أو كل واحد معطوف على لفظ الكل بمعنى المجموع، وضمير بقائه لواحد، وقيل إنه معطوف على ينتهي من حيث المعنى، وهو تكلف من غير داع، ويندرج في كل واحد السموات والأرض فيعم الأجل يوم القيامة. قوله: (من هول ذلك الوقت) بيان لما على أنها موصولة، ويجوز أن تكون مصدرية أي عن انذارهم بذلك الوقت على إضافة المصدر إلى مفعوله الأوّل القائم مقام الفاعل، وقوله لا يتفكرون الخ. تفسير للأعراض على تفسيري الأجل، وما أنذروا، وقوله تعالى: أروني قد مرّ بيانه في آخر سورة فاطر، وما استفهامية، وذا اسم إشارة أو هما اسم واحد بمعنى أيّ شيء، وأم على الأوّل متصلة، وعلى الثاني منقطعة، وضمير خلقوا لما، ومن الأرض بيان له وقد مرّ الكلام على قوله أرأيتم وأروني إمّا تأكيد لها لأنها بمعنى أخبروني فمفعول أرأيتم الثاني ماذا خلقوا، والأوّل ما تدعون أو هو ليس بتوكيد، وتنازعا قوله ماذا خلقوا كما فصله المعرب، ويحتمل أروني أن يكون بدل اشتماله من أرأيتم وهو من ارخاء العنان. قوله: (أي أخبروتي عن حال آلهتكم) سماوية كالنجوم أو أرضية كالأصنام وفي ذكر السموات، والأرض إشارة إليهما، وقوله أخبروني إمّا تفسير لأرأيتم أو لأروني أولهما على أنّ الثاني تأكيد للأوّل، وقوله بعد تأمّل فيها هذا مأخوذ من أرأيتم، وأروني بمعنى أخبروني فإنّ الاخبار عن الشيء يكون بعد معرفته الحاصلة من التأمّل فيه سواء كانت الرؤية بصرية أو علمية فهو يدل على ذلكءبالالتزام، وقوله فتستحق به العبادة لأنه لا يستحقها إلا الخالق، وقوله عيسى عليه الصلاة والسلام أخلق لكم كهيئة المطير ليس خلقا حقيقيا كما مرّ. قوله: (وتخصيص الشرك) أي في النظم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 بقوله في السموات مع أنه يعم الأرض، وما فيها لأنه قصد الزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد، والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم، واتخاذهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة، وأورد عليه أنه مخالف لقوله آنفا هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل االخ. لأنه يدل على نفي الشركة في السفليات، ولو فسر ما خلقوا بأيّ جزء من الأرض استبدّوا بخلقه كما مرّ في فاطر صح، واتضح، وهو غفلة عن قوله في أنفسها فإنّ المراد به الاستبداد، والاستقلال كما يقال الدار في نفسها تساوي كذا فالمنفيّ أوّلاً مدخليتها حقيقة واستقلالاً لا صورة بواسطة الكسب كما في المداخلة العادية، ومن قال الأولى إسقاط هذا القيد فقد زاد في الطنبور نغمة، ولما كانت العقول القاصرة، والأفكار الجامدة تتوهمه شركة لم يذكره ليتم الالزام! ثلا حاجة إلى تكلف في التأويل أو تقدير معا إل لأم أي ألهم! شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات فإنّ حذف المعادل مما أبو.، وقوله السفلية إشارة إلى أنّ المراد بالسموات العلويات، وبالأرض السفليات وما قيل من أنّ مراد المصنف أنه ردّ على عبدة الأوثان، ومن ضاهاهم من القائلين بتوسط الكواكب في إيجاد بعض السفليات فالمعنى أخلقوا بالاستقلال أم بالشرك فتخيل فاسد كما ذكره بعض فضلاء العصر. قوله: (ائتوني) من جملة القول، والأمر للتبكيت، والإشارة إلى نفي الدليل المنقول بعد الإشارة إلى ففي المعقول، وقوله فإنه ناطق الخ. تعليل لطلب الاتيان بكتاب غير القرآن لأن القرآن دال على خلاف ما زعموه فلا يمكنهم الاحتجاح به. قوله: (أو بقية من علم الما أنكر عليهم الشرك طلب منهم ما يدلّ عليه من الكتب السالفة أو العلوم المنقولة عمن مضى، والإثاوة مصدر كالغواية، والضلالة بمعنى البقية من قولهم سمنت الناقة على أثارة من لحم أي على بقية مته، وقيل معناها الرواية، وقيل العلامة، وتنوينه للتقليل، ومن علم صفته. قوله: (وهو) أي قوله ائتوني الخ، والنقلى الكتب أو علوم السلف، والعقلي قوله أرأيتم الخ، وقوله وهو الزام الخ فإن قلت كان حقه على ما ذكره المصنف أن يعطف فلم جرد من العاطف، وإذا كان هذا للدليل النقلي، وذلك للعقلي لا يصح مع مباينته له أن يكون توكيداً لأرأيتم أو أروني كما توهم قلت لما بين الدليلين ترك العطف تنبيهاً على ما بينهما من بعد المسافة فلذا عدل عنه إلى الاستئناف وإن عطف في بعض نظائره. كقوله: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا} [سورة فاطر، الآية: 40] فلا وجه لاستصعابه. قوله: (وقرىء إثارة بالكسر الخ) فيه إشارة إلى أنه اسنعارة فشبه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان ويتبعه تشبيهها بالمسابقة وهم بالفرسان أشبه ومن غريب التفاسير المأثووة ما أثروه عن ابن عباس من أن المراد به علم الرمل لما فيه من إثارة الغبار إذا خط فيه دور وأنه كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه أصاب وقد قيل إنه إدرشى عليه الصلاة والسلام والإثارة عليه واقعة موقعاً بديعاً. قوله:) وأثرة (أي بفتحتين وأوثر تم بمعنى تفرّدتم به. قوله: (يؤثر) وفي نسخة يؤثر به فهو كالخطبة اسم لما يخطب به لأنّ فعله بالفتح للمرّة وبالكسر للهيئة وبالضم اسم للمقدار كالغرفة بالضم لما يغرف باليد وهو إمّا مصدر غلب في الحاصل به، أو صفة بمعنى مفعول والمعنى ائتوني بعلم خصصتم به أو رواية مّا فيه ولو شاذة. قوله: (السميع المجيب) مأخوذ من مفهوم الجلالة، ولا مخالفة فيه وإنما الخلاف في الاحتجاج به، وأمّا قوله القادر الخبير فمن وقوعه في مقابلة الخالق لهذه الأجرام العظيمة الدالة على قدرة تامّة وعلم كامل، وقيل: إنه من الجلالة لأنه اسم للذات المستجمع للصفات، ووجه التخصيص حينئذ محتاج لما ذكرناه، وقوله أحد أضل لأن المقصود بيان أنهم أضل مما عداهم كما يقال هو أفضل من فلان والمقصود أنه أفضل من غيره ويؤيده التعبير بمن لأنّ الموصول من أدوات العموم. قوله: (فضلاَ الخ) الأولوية المدلول عليها بقوله فضلاً لأنّ عدم استجابتهم لعجزهم وكونهم جماداً ليس من شأنه العلم فهو حقيق بأن لا يعلم السرائر فيراعي مصالحهم، فلا يرد عليه أنه لا يلزم من عدم استجابتهم أن لا يعلم سرائرهم فضلاً عن الأولوية المذكورة كما توهم. قوله تعالى: {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ظاهر الغاية الدالة على انتهاء ما قبلها بها أنّ بعدها تقع الاستجابة، فإمّا أن يقال الغاية لا مفهوم لها، وفيه بحث سيأتي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 أو يقال كما حققه في الانتصاف أنّ المراد أنها مستمرّة، ولكن لزيادة ما بعدها على ما قبلها زيادة بينة ألحقت بالمباين كما في قوله وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين يعني أنّ عليه الطرد والرجم إلى يوم القيامة، فإذا جاء ذلك اليوم لقي ما ينسى معه اللعن مما هو أشدّ منه ونحوه ما ذكروه في لا سيما، ولو قيل المراد به التابيد لم يبعد مما ذكر. قوله: (ما دامت الدنيا) يحتمل أنّ المراد به التأبيد كما مرّ، فلا يرد أنّ ظاهر كلامهم أنه غاية لعدم الاستجابة لا للدعاء لمن لا يستجيب، فيحتاج إلى التوجيه بأنه ينقطع عدم الاستجابة حينئذ لاقتضائه سابقة الدعاء ولا دعاء ويردّ بقوله فدعوهم، فلم يستجيبوا لهم إلا أن يقال إنه دعاء على زعمهم، أو المنقطع حينئذ الاقتصار على عدم الاستجابة حينئذ كما يومى إليه قوله: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء} وأمّا القول بأنه مفهوم فلا يعارض المنطوق، فيردّه ما في الدرر والينبوع عن البديع أنّ الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم قال الزركشي في شرح جمع الجوامع: ذهب القاضي أبو بكر إلى أنّ الحكم في الغاية منطوق، وادّعى أنّ أهل اللغة صرحوا بأنّ تعليق الحكم بالغاية موضوع على أنّ ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلاما مستقلاً فإنّ قوله: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [سورة البقرة، الآية: 235] وقوله: حتى يطهرن لا بدّ فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام وذلك أنّ المضمر إمّا ضد ما قبله أو لا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن حتى تنكح فتحل قال: والإضمار بمنزلة الملفوظ فإنه إنما يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان، وعليه جرى صاحب البديع من الحنفية فقال هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهوم لكن الجمهور على أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك اهـ فقوله في التلويح أنّ مفهوم الغاية متفق عليه لا يخلو من الخلل. قوله تعالى: ( {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ) ضميرهم وكانوا لمن لا يستجيب دعاءهم، ولهم وعبادتهم لمن يدعو حملاً على المعنى بعد الحمل على اللفظ وقوله: (لأنها إمّا جمادات) الخ إشارة إلى أنّ الغفلة مجاز عن عدم الفائدة فيها أو هو تغليب لمن يتصوّر منه الغفلة على غيره. وقوله: يضرّونهم فاعداء استعارة أو مجاز مرسل للضارّ. قوله: (مكذبين بلسان الحال) لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة ولا نفع لهم كما توهموه أوّلاً حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [سورة الزمر، الآية: 3] ورجائهم الشفاعة منهم، والتكذيب بالمقال إذ قالوا: {مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} قصدا إلى بيان أنّ معبودهم في الحقيقة الشياطين وأهواؤهم فلا يرد عليه أنّ التكذيب بلسان الحال واقع قبل الحشر كما قيل. قوله: (وقيل الضمير) في كانوا في الموضعين للعابدين لئلا يلزم التفكيك، ومرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق إذ هو لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه، ولأنّ كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم وتسميته كفراً خلاف الظاهر أيضاً. وقوله: (واضحات) الخ إشارة إلى وجهي التعدي واللزوم كما مرّ فقوله: مبينات بمعنى مبينات ما يلزم بيانه. قوله: (لأجله وفي شأنه) يعني أنّ اللام متعلقة بقال لا على أنها لام التبليغ بل لام العلة وما يقال في أمره وشأنه فهو مسوق لأجله وأمّا تعلقه بكفروا واللام بمعنى الباء، أو حمل على نقيضه وهو الإيمان فانه يتعدّى بها نحو أنؤمن لك، فبعيد عن السياق بمراحل، ومخالف للظاهر وإن ارتضاه المصنف في سورة سبأ. وقوله: (والمراد به) أي بالحق هنا، وقد جوّز في سبأ أن يراد به النبوّة أو الإسلام ووجه فيها كونه سحراً، وفيه وضع الظاهر موضع الضمير فيهما لما ذكر وقوله: (حينما جاءهم) أي في وقت مجيئه ويفهم منه في العرف المبادرة، ومثله يستلزم عدم التأمّل والتدبر كما أشار إليه المصنف. قوله: (إضراب الخ) يعني أم منقطعة مقدرة ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام المتجوّز به عن الإنكار والتعجب وهو ظاهر بلا كلام إنما الكلام في كون الافتراء أشنع من السحر، وليس وجهه كما توهم أنه لم يكن عندهم اسم ذم لأنه غير مناسب للمقام، فإنهم قصدوا ذمه وتحقيره بما ذكر بل لأنّ الكذب خصوصاً على الله متفق على قبحه حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر، فإنه وإن قبح فليس بهذه المرتبة حتى تكاد تعد معرفته من السمات المرغوبة وقد يقال: هذا مراد القائل بما مرّ من أنه ليس باسم ذم، فلا يرد عليه اعتراض أو لأنّ قولهم إنه سحر مآله لعجزهم عنه، وهو يقتضي بالآخرة أنه صدق فكيف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 ينسبونه إلى الافتراء وهذا محصل ما ذكره في الكشاف فتدبر. وضمير له للموصول والتعجب من كونه معجزاً لهم ومثله كيف يكون افتراء. قوله: (أي إن عاجلنى الله الخ) في الكشاف إن افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله تعالى لا محالة بعقوبة الافتراء عليه، فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه عني فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه اهـ وهو إشارة إلى أنّ قوله فلا تملكون الخ ليس هو الجواب في الحقيقة، وإنما هو قائم مقامه، والجواب قوله عاجلني الخ والفاء في قوله: فلا تملكون لي للسببية فأقيم المسبب مقامه أو تجوّز به عنه كما بينه بعض شرّاحه واليه أشار المصنف بقوله: إن عاجلني الخ فلا وجه لما قيل إنه ردّ على الزمخشريّ ولا مخالفة بين أوّل كلامه وآخره، ولو قيل يعاقبني لم يتم ما أراده كما توهم. قوله: (من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكاً) بكسر القاف وفتح الباء أي من جهتكم وجانبكم وهو متعلق بكل من النفع والضر وهو من مفهوم الآية لا من الواقع فقط كما توهم لأنّ معنى لا تملكون شيئا لا تقدرون على نفع أو ضر وهو ظاهر. قوله: (تندفعون قيه (تفسير لقوله: تفيضون لأنه مستعار من فاض الماء وأفاضه إذا سال للأخذ في الشيء قولاً كان أو فعلاَ كقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} وهو المراد من الاندفاع. وقوله: (من القاخ) أي الطعن فيها بيان لما. وقوله تعالى: {شَهِيدًا} حال {بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} متعلق بقوله شهيداً أو كفى. وقوله: (وهو وعيد بجزاء إفاضتهم) أي أخذهم وشروعهم في الطعن في الآيات فكان مقتضى الظاهر اقترانه بالفاء فاستؤنف لأنه في جواب سؤال مقدر فتأمّل. قوله: (وإشعار بحلم اكله عنهم) إذ لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتداركوا أمورهم وعظم جرمهم يفهم من مقابلته بالمغفرة والرحمة العظيمة كما يفهم من صيغة المبالغة فيهما، فإنّ الجرم العظيم يحتاج لمغفرة عاليمة. قوله: (بديعاً منهم) فهو صفة مشبهة أو مصدر مؤوّل بها، ويجوز إبقاؤه على أصله وإن كان المصنف لم يرتضه والمراد بكونه بديعاً منهم أنه مبتدع لأمر يخالف أمورهم كما أشار إليه بقوله: أدعوكم الخ فالجملة حالية أو مستأنفة لبيان ذلك، والخف بكسر الخاء المعجمة وقشدحيد الفاء صفة مشبهة بمعنى الخفيف. قوله: (على أنه كقيم) هي قراءة عكرمة وأبو حيوة، وابن أبي عبلة على أنه صفة على فعل بكسر ففتح كدين قيم ولحم زيم قال أبو حيان: ولم يثبت سيبوبه صفة على فعل الأقوم عدى، واستدرك عليه لحم زيم أي متفرّق وأمّا قيم فمقصور من قيام، ولولا ذلك صحت عينه كما في حول وعوض، وأمّا قول العرب مكانا سوى وماء روي وماء صرى فمتاوّلة عند التصريفيين إمّا بالمصدر أو القصر، وقرأ مجاهد بفتح الباء وكسر الدال وهو صفة كحذر وقوله: أو مقدر بمضاف على أنه جمع بدعة كسدرة وسدر، أو مصدر والإخبار به مبالغة أو بتقدير مضاف. قوله: (في الدارين) على التفصيل وإمّا إجمالاً فهو معلوم فلا منافاة بينه وبين قوله ليغفر لك الله ما تقدم، وقريب منه أنّ المنفيّ العلم بتعيين وقته أو هو محمول على ما في الدنيا وقيل إنها منسوخة، وأورد عليه أنّ النسخ لا يجري في الخبر إلا أن يكون المنسوخ الأمر بقوله قل. أو المراد بالنسخ مطلق التغيير وقوله: المشتمل على ما يفعل بي يعني أنّ أصله ما أدري ما يفعل بي وبكم فهو مئبت في حيز الصلة، وليس محلا للنفي ولا لزيادة لا إلا أن يقال أصله ولا ما يفعل بكم، فاختصر كما ذهبا إليه بعضهم إلا أنه لما كان النفي داخلاً عليه بالواسطة كفى ذلك في زيادة لا، ونحوه مما يختص بالنفي كزيادة الباء في الخبر ونظيره أو لم يروا أنّ الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن الخ إذ دخلت الباء في خبر أن لوقوعه في حيز النفي، وقوله: مرفوعة محلا بالابتداء والجملة معلق عنها الفعل القلبي، وهو إمّا متعدّ لواحد أو اثنين وعلى الموصولية هو متعد لواحد وجوّز في ما المصدرية أيضاً. قوله: (وهو جواب عن اقتراحهم) فالقصر إضافيّ وسبب النزول ما ذكر أو سؤال المسلمين عن الهجرة أو استعجالهم المذكور لضجرهم وما سبق خطاب للمشركين، وكذا الحصر في قوله وما أنا إلا نذير، وقوله: أي القرآن تفسير لاسم كان المستتر ويحتمل أنه للرسول إلا أنه كان الظاهر كنت ولذا لم يذكره مع ظهوره وقوله: وقد كفرتم يعني إنها جملة حالية بتقدير قد. وقوله: (ويجوز أن تكون الواو عاطفة) أي لا حالية كما في الوجه السابق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 قوله: (إلا أنها تعطفه بما عطف عليه الخ) يعني ليست الجمل المذكورة بعد الواوات متعاطفة على نسق واحد بل مجموع شهد واستكبرتم معطوف على مجموع كان وما معه، ومثله في المفردات هو الأوّل والآخر، والظاهر والباطن، والمعنى إن اجتمع كونه من عند الله مع كفركم واجتمع شهادته وايمانه مع استكباركم عن الإيمان، واستكبرتم معطوف على آمن لأنه قسيمه، والكل معطوف على الشرط ولا تكرار في استكبرتم لأنه بعد الشهادة والكفر قبلها، والحالية محتملة في الثانية أيضاً. قوله: (والشاهد هو عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الصحابيّ المشهور، فتكون هذه الآية مدنية مستثناة من السورة كما ذكره الكواشي وكونه إخباراً قبل الوقوع كقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ} [سورة الأعراف، الآية: 48] خلاف الظاهر المتبادر، ولذا قيل لم يذهب أحد إلى أنّ الآية مكية إذا فسر الشاهد بابن سلام، وفيه بحث لأنه معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلا فليس من قبيل ما ذكر، فلا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها ويكون تفسيره به بيانا للواقع لا على أنه مراد بخصوصه منها لعموم النكرة بعد الشرط أو هو المراد والتنكير للتعظيم، وادّعا أنه لم يقل به أحد مع ذكره في شروح الكشاف لا وجه له، إلا أن يراد من السلف المفسرين وهو تحجير للواسع يحتاج إلى استقراء تامّ، وقيل الآية مكية وسبب نزولها أمر آخر، واسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه مفصل في الكشاف وهو حديث صحيح ومن الإعلام سلام مخفف، ومنها ما هو مثدد، وتفصيله في كتاب المشتبه لابن حجر، ولا حاجة إلى استقصاء الكلام فيه هنا. قوله: (من نعت الرسول) هذا مؤيد لما مرّ من تفسيره به فكان المناسب للمصنف أن يذكره فيما مرّ فلعله أراد بنعت الرسول ما يشمل ذكر كتابه، وأنه منزل من عند الله وهو بعيد. قوله: (وهو ما في التوراة الخ) هذا على أنّ المراد بالشاهد ابن سلام فإنه لما صدق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به لكونه مطابقا لما علمه من التوراة كان شاهدا على مثله ويجري على إرادة موسى عليه الصلاة والسلام أيضا. وقوله: (من المعاني الخ) بين لما أو لمثل وهو الأظهر. وقوله: (المطابقة له) أي لمعانيه وهذا بيان لمماثلته له لاتحاد معانيهما، كالوعد والوعيد والتوحيد والإرسال وفي الكشاف على نزول مثله، وقيل: مثله كناية عن القرآن نفسه للمبالغة. وقوله: (أو مثل ذلك الخ) جعل شهادته على أنه من عند الله شهادة على مثله أي مثل شهادة القرآن لأنه بإعجازه كانه يشهد لنفسه بأنه من عند الله، وهذا أيضا جار على الوجهين وعلى كون الآية مكية ومدنية. قوله: (لما رآه من جنس الوحي) بفتح اللام وتشديد الميم، أو بالكسر. والتخفيف إشارة إلى أنّ الفاء للسببية وأنّ إيمانه مترتب على شهادته له بمطابقته للوحي، ويجوز أن تكون الفاء تفصيلية. وقوله: (اس! شاف) أي بيانيّ وقوله: بأنّ كفرهم لضلالهم لأنّ هذه الجملة تعليل لما قبلها، وهو الاستكبار عن الإيمان وهو عين الكفر وتسبب عن ظلمهم لتعليقه على المشتق. قوله: (ودليل الخ) ولدلالتة عليه حذف ومنهم من قدره أتؤمنون لدلالة فآمن، ووجه كونهم ظالمين أنّ مثله من عند الله في معتقدهم، فإذا لم ينصفوا يكونون ظالمين، وقدّر الجواب المعرب فقد ظلمتم وردّ ما قدّره الزمخشريّ والمصنف جواباً بأنه لو كان كذلك وجبت الفاء لأنّ الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابا للشرط لزمها الفاء، فإن كانت الأداة الهمزة تقدمت على الفاء، وإلا تأخرت واعتذر له السمين بأنه تقدير معنى لا تقدير إعراب وفيه كلام في شرح التسهيل يطول شرحه وقوله: وقال الذين الخ تحقيق لاستكبارهم. وقوله: (لأجلهم) فاللام ليست لام المشافهة والتبليغ، والا لقيل ما سبقتمونا وليس من مواطن الالتفات، وكونهم قصدوا تحقيرهم بالغيبة لا وجه له. وقوله: (سقاط) جمع ساقط كجهال جمع جاهل وهو الذي لا يعبأ به لعدم جاهه وماله، وأشياعه كما أشار إليه بقوله إذ أكثرهم الخ وغطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة قبيل معروفة، وكذا كل ما ذكر أسماء قبائل معروفة، وفي أسلم وأسلم تجنيس تامّ، ولذا لم يقل أسلمت. قوله: (مثل ظهر عنادهم الخ) إنما قدروا لإذ عاملها لأنها من الظروف اللازمة للإضافة إلى الجمل، وقد أضيفت إلى جملة لم يهتدوا به فلا تعمل فيها، وكذا لا يعمل فيها فسيقولون لأنّ إذ للمضي وهو مستقبل، وأيضاً الفاء تقتضي سبباً فلذا قدروا لها عاملا هو السبب وحذف عامل الظرف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 كثير ك! في قولهم حينئذ الآن أي كان ذلك حينئذ وامتغ الآن، فالماضي المقدّر معطوف على ما قبله والفاء دالة على تفريع ما بعدها على ذلك المقدر. وقال الواحديّ: إذ بمعنى إذا، وقد تأني للاستقبال، وقيل إنها تعليلية. وقال ابن الحاجب: يجوز تضمين إذ معنى الشرط بقرينة الفاء، وقد جوّز كونها معمولة لقوله فسيقولون باعتبار إرادة الاستمرار وردّ بأن المضارع إذا أريد به الاستمراو على أنّ السين للتأكيد، فإنما يدل على استمرار مستقبل بخلاف ما إذا لم يقترن بالسين، فإنه يكون للاستمرار في جميع الأزمنة، وأجيب عنه بأنّ السين إذا كانت للتأكيد يجوز أن يقصد الاستمرار في الأزمنة كلها نحو فلان يقري الضيف والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي والتسبب حينئذ عن كفرهم. قوله: (مسبب عنه) أي عن ظهور عنادهم إشارة إلى أنّ الفاء للسببية والمسبب عنه مقدر. وقوله: (وهو أي) قولهم هذا إفك قديم بمعنى ما ذكر والقرآن يفسر بعضه بعضا. قوله تعالى: ( {وَمِن قَبْلِهِ} الخ) قراءة العامّة بمن الجارة، فالجار والمجرور خبر مقدم وقرى بمن الموصولة عمى أنه معمول لفعل مقدر كآتينا وإماما ورحمة حالان من كتاب والعامل فيه معنى الاستقرار والمعنى كيف يصح كونه إفكاً قديماً وقد سلموا كتاب موسى ورجعوا إلى حكمه مع أنّ القرآن ممدّق له، ولغيره من الكتب السالفة بمطابقته لها مع إعجازه وحفظه من التحريف القاطع بصحة ذلك، وهو جار على إرادة اليهود، أو مطلق الكفرة من الذين كفروا كما أشار إليه بقوله لكتاب موسى، أو لما بين يديه من الكتب السالفة، وأيد الثاني بأنه قرى به وتقديم من قبله للاهتمام، أو المعنى من قبله لا من بعده ليوفي حق الاختصاص اللازم له عند السكاكي كما في الكشف. قوله: (أو منه) أي من كتاب النكرة، وسوّغ مجيء الحال منه من غير تقديم له توصيفه والعامل حينئذ معنى الإشارة، وفيه كلام تقدم في هذا بعلى شيخا، وفائدتها أي فائدة مجيء الحال منه مع أنّ عربيتة أمر معلوم لكل أحد الدلالة على أنّ تصديقه لها باتحاد معناه معها، وهي غير عربية ومثله لا يكون ممن لم يعرف ذلك اللسان بغير وحي من الله وهو كاف في حقيته كما أشار إليه بقوله حقي دلّ الخ. وقوله: (يصدق ذا لسان الخ) يعني به النبيّ، فلا بد فيه من حذف المضاف، ولو جعل هذا إشارة إلى كتاب موسى لقربه لم يحتج لتقدير. وقوله: (وقيل) معطوف على قوله حال. قوله: (وفيه ضمير لخ) أي في هذا الفعل، وهو ينذر ضمير مستتر لما ذكر وأيد الأخير بقراءة الخطاب، فإنه لا يصلح بدون تكلف لغير الرسول والتعليل صحيح على الكل ولا يتوهم لزوم حذف اللام على أنّ الضمير للكتاب لوجود شرطه فإنه شرط الجواز لا الوجوب. وقوله: (وتوقيف) بتقديم القاف وفي نسخة بتاخيرها، وهو تحريف من الناسخ وقوله: (عطف على محله) أي محل لينذر وهو الجرّ لأنّ المصدر المسبوك لا يظهر إعرابه. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا} الخ) مرّ تفسيره في السجدة. وقوله: (جمعوا بين النوحيد) المستفاد من تعريف الطرفين المفيد للحصر. وقوله: (في الأمور) إشارة إلى عمومه لترك متعلقه والتي الخ صفة الاستقامة. وقوله: (على تأخر رتبة العمل (إشارة إلى أنها للتراخي الرتبي، وتوقف اعتباره على التوحيد من نفس الأمر، والترتيب الوجودي فهي للترتيب بدون تراخ وقوله: وجزاء منصوب بمقدر من لفظه لدلالة السياق عليه. قوله: (من لحوق مكروه) أي في الآخرة كما أنّ فوات المحبوب المطلوب في الدنيا ويجوز في هذا أن يكون لفاً ونشراً للعلم والعمل والأحسن رجوعه للكل. وقوله: (لتضمن الاسي! معنى الشرط) مع بقاء معنى الابتداء بخلاف ليت ولعل وكان كما فصله النحاة. وقوله: {وَوَصَّيْنَا} الخ تقدّم الكلام عليه في سورة العنكبوت. وقوله: (لىلصاء حسنا) فهو صفة لمصدر مقدر. وقد جوّز فيه المصدرية كعلنا فيكون له مصدران على فعل وفعل وهو خلاف المعروف في الاستعمال وإن توافقت فيه القراءتان. وقوله: ذات كره إشارة إلى أنه حال من الفاعل بتقدير مضاف. وقوله: (أو حمل! الخ) علي أنه صفة للمصدر، أو هو منصوب على المصدرية لتقدّم ما هو في معنى فعله وقد تقدم في النساء الفرق بين المفتوح والمضموم والكلام فيهما. قوله: (ومدّة حمله وفصاله) فيه مضاف مقدر لتصحيح الحمل من غير تكلف. وقوله: (أو وقته) عطف على قوله الفطام يعني الفصال إمّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 بمعنى الفصل معطوف على حمله والمراد مدتهما، وإن كان الفصال بمعنى وقته فهو معطوف على مدّة الحمل المقدر وقوله والمراد به أي بالفصال على الوجهين. وقوله المنتهى به أي بالفصال أو بالفطام. وقوله: ولذلك أي ولكون المراد الرضاع التانم عبر بالفصال عنه، أو عن وقته دون الرضاع المطلق، لأنه لا يفيده والموصوف بقوله التامّ لما فيه من تطويل الكلام، وقد تقدم تفصيله في سورة البقرة. قوله: (كما يعبر بالأمد) ظاهره أنّ الأمد بمعنى النهاية وأنه عبر به عن جميع المدّة مجازاً كما تطلق الغاية على مجموع المسافة، وفيه نظر من وجهين الأوّل أنه مخالف لكلام أهل اللغة قال الراغب: يقال أمد كذا كما يقال زمانه والفرق بينهما أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية، والزمان عامّ في الغاية والمبدأ، ولذا قال بعضهم الأمد والمدى متقاربان اهـ الثاني أنّ البيت المذكور لا دلالة له على مدعاه لاحتمال أن يكون انتهى بمعنى انقضى، ومضى فالأمد فيه بمعنى الغاية أيضاً ويدفع بحمل كلامه على ما قاله الراغب إذ ليس فيه ما يأباه والتأويل المذكور بعيد. قوله: (كل حتي الخ) البيت من شعر من قصيدة لعبيد الأبرص وتمامه: ومود إذا انتهى أمد. وهو من قصميدة مشهورة. قوله: (وفيه دليل على أنّ أقل الخ) لأنّ مجموع الحمل وتمام الرضاع ثلاثون شهراً، وقد ذكر في آية أخرى مدة الرضاع مقدّرة بحولين كاملين وهما أربعة وعشرون شهرا فالفاضل منها ستة أشهر، وقد ذكر الأطباء أنّ أقل مدة تكون الولد في الرحم هذا المقدار. وقوله: ولعل تخصيص الخ أي خص ما ذكر بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة، والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع، وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر. قوله: (وتحقق ارتباط حكم النسب) بأقل مدّة الحمل حتى لو وضعته فيما دونه لم يثبت نسبه منه، وبعده يثبت وتبرأ أمّه من الزنا ولو أرضعته مرضعة بعد حولين لم يثبت له أحكام الرضاع في التناكح وغيره. قوله: (حتى إذا بلغ الخ) غاية لمقدر أي عاس واستمرّت حياته حتى الخ. والمراد أنه زاد سته على سن الكهولة من الثلاثين فما فوقها، وكونه لم يبعث نبيّ الخ أمر أغلبيّ، فإنّ عيسى كما مرّ نبئ في سن الصبا. وقيل إنه غير مسلم، وإنه كغيره بعث بعد الأربعين كما في شرح المواقف. وقوله: أوزعته بكذا أي جعلته مولعاً به راغباً في تحصيله فالمعنى رغبني ووفقني له. قوله: (وذلك يؤيد الخ) فإنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الصدّيق رضي الله عنه لأنه صحبه صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمان عشرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في سفر للشام في التجارة، فنزل تحت شجرة سمرة، وقال له الراهب: إنه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم، فوقع في قلبه تصديقه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يفارقه في سفر ولا حضر، فلما نبئ وهو ابن أربعين سنة آمن به، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وصدقه فلما بلغ الأربعين قال وب أوزعني الخ كما قاله الوأحديّ، فما ذكر سواء أريد بالنعمة الدين أو ما يشمله يدل على أنها في حق واحد معين اتفق له في مراتب سنة ما اتفق، ولم يعهد في غير الصدّيق وذلك يحتمل أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره وما مفعوله، ويحتمل أنّ ما فاعل، وذلك مفعول مقدّم والإشارة إلى التفسير بما ذكر. قوله: (لم يكن أحد أسلم الخ) قيل عليه إسلام أبيه بعد الفتح، فيلزم أن ثكون هذه الآية مدنية والمصنف لم يستثن بعض الآيات كغيره فالتزمه بعضهم، وقال إنه مبنيّ على أنّ قوله ووصينا إلى أربع آيات مدنية فكان عليه أن ينبه عليه، وما ادّعاه من أنه لم يسلم أحد هو وأبوه غير. فيه نظر فإنّ في الصحابة جماعة كل منهم صحابيّ ابن صحابيّ كما يعرفه من نظر في أسماء الرجال كأسامة بن زيد وابن عمر نعم إنه قيل في ابنه عبد الرحمن إنه صحابيّ ابن صحابي ابن صحابي، ولا نظير له فتدبر. قوله: (أو لأنه أراد نوعاً) فالتنوين للتنويع، ولا يخفى أنّ النوع الذي يستجلب رضا الله عظيم أيضاً فالفرق بينهما يسير جدّا والمراد بكونه مرضياً له تعالى مع أنّ الرضا الإرادة مع ترك الاعتراض، وكل عمل صالح كذلك أن يكون سالما من غوائل عدم القبول كالرياء ونحوه، فحاصله اجعل عملي على وفق رضاك، وقيل المراد بالرضا هنا ثمرته على طريق الكناية. قوله: (واجعل لي الصلاح الخ) يعني كان الظاهر أصلح لي ذريتي لأنّ لإصلاح متعدّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 كما في قوله وأصلحنا له زوجه فقيل إنه عدى بعلى لتضمته معنى اللطف أي الطف بي في ذريتي، أو هو نزل منزلة اللازم ثم عدى بفي ليفيد سريان الصلاح فيهم وكونهم كالظرف له لتمكنه فيهم، وهذا ما أراده المصنف وهو الأحسن. قوله: (يجرح الخ) أوّله: فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها لدى المحل الخ والمراد بذي ضروعها اللبن يعني إن قل لبنها، فلم يكن فيه غنى للضيوف عرقبتها ونحرتها لهم ليأكلوها، وقد جعل يجرح مع تعديه لازما بمعنى يحدث في عراقيبها الجرح كما في الآية 00 وقوله: عما لا ترضاه مأخوذ من قرينة المقابلة. وقوله: المخلصين لأنّ الإسلام بمعنى الانقياد، فهو في معنى الإخلاص وهو المناسب هنا وقوله: لا يثاب عليه إشارة إلى أنّ القبول كالمرادف للثواب وليس المراد بالأحسن الحسن كما توهم وقوله: لتوبتهم ليس ذكر التوبة لأنه لا مغفرة بدونها كما ذهب إليه المعتزلة بل لأنّ قوله: تبت أو لا قرينة عليه. قوله: (كائنين في عدادهم الخ) يعني أنّ الجارّ والمجرور هنا حال ومعنى الظرفية أنهم معدودون من زمرتهم، وعدهم فيهم يقتضي ثوابهم الجزيل مع المغفرة، فكان الظاهر عطفه بالواو لكنه عطفه باو ليغاير المتعلق بالخصوص والعموم، والظاهر أنه من قبيل وكانوا فيه من الزاهدين ليدل على الميالغة بعلوّ منزلتهم فيها إذ قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك عالم، ولم يبينوه هنا، ومن لم يتنبه لهذا قال في بمعنى مع. قوله: (مصدر مؤكد لنفسه) يعني أنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر، وهو مؤكد لمضمون جملة قبله لا محتمل لها غيره كقولك: له عليّ كذا عرفا كما أشار إليه بقوله: فإنّ الخ ومعنى المؤكد لنفسه وغيره مفصل في كتب النحو. قوله: (والمراد به الجنس) فهو في معنى الجمع ولذا صح الإخبار عنه بأولئك وهو جمع وقوله: وإن صح الخ جواب لسؤال مقدر على إرادة الجنس بأنه قيل إنها وردت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فكيف يراد به الجنس، فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص مدلوله حتى ينافي العموم، وفي تعبيره إشارة إلى عدم صحته لأن مروان قاله لمعاوية لما أراد معاوية عقد البيعة ليزيد فقال عبد الرحمن لقد جئتم بها هرقلية فقال مروان لتنفير الناس عنه هذا الذي قال لله في حقه والذي قال لوالديه الخ فأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وقالت لو شئت لسميت من نزلت فيه كما رواه النسائي وغيره وأيده الزمخشريّ بأنّ عبد الرحمن رضي الله عنه من كبار الصحابة وهذه الآية في حق الكافر وهو الأصح، وأصله في البخاري كما ذكره ابن حجر ولم يقل، ولو صح لأنّ كثيرا من المحدثين كالسهيلي في الإعلام ذكر أنها نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه فلا وجه للتعبير بها كما قيل. قوله: (وفي أف قراآت) ولغات نحو الأربعين ذكرناها مع تحقيق معناها في سورة الإسراء، وقوله: بنون واحدة مشدّدة، وقرئ بالفك مع الكسر وسكون الياء، وفتحها وأمّا فتح النون فشاذ، وقد قيل إنه لحن لأنّ نون التثنية لا تفتح إلا في لغة رديئة. وقوله: فلم يرجع أحد منهم يعني أن المراد بمضيها هنا إنكار البعث كما قيل: ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة لمامضى أونار قوله: (يقولان الغياث) منصوب على المصدرية وضمير التثنية لوالديه والمراد إنكار قوله، واستعظامه كأنهما لجآ إلى الله في دفعه كما يقال العياذ بالله، أو يطلبان أن يغيثه الله بالتوفيق حتى-س جع عما هو عليه وقوله: يقولون يعني إنه معمول لقول مقدر صعطوف على قوله يستغيثان والأحسن أن يقدره يقولان والثبور الهلاك، وقوله: بالحث يعني أنه في الأصل معناه الدعاء بالهلاك، فأقيم مقام الحث على فعل أو ترك للإيماء إلى أنّ مرتكبه حقيق بأن يطلب له الهلاك، فإذا سمع ذلك ترك ما هو فيه وأخذ ما ينجعه كذا في شرح الكشاف للمدقق، وأورد عليه أنه لا يناسب معنى الحث فوجه الدلالة عليه أنّ فيه إشعاراً بأنّ الفعل الذي أمر به مما يحسد عليه، فيدعي عليه بذلك فهو باعث من هذه الجهة، ودفعه ظاهر لمن تأمّله لأنّ المراد الحث على خلاف المدعوّ عل! بسببيته فتدبر. وقوله: على تركه بدل من قوله على ما يخاف بصيغة المجهول، وقوله: بالثبور متعلق بالدعاء، وبالحث متعلق به أيضا وباؤه بمعنى مع أو للملابسة، وقيل: إنها للسببية ولو قال للحث كان أظهر. قوله: (وهو) أي ما ذكر من أنه حق عليه القول بدخول النار أي جزم بذلك لعلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 الله بأنه لا يسلم فلا يصح أن يكون في حق من تحقق إيمانه لأنّ ما ذكر يدل على أنه من أهلها أي النار وقوله: لذلك أي لما حكى عنه من مقاله، فإنّ الإشارة كإعادة الموصوف وصفاته، وترتب الحكم على الوصف مؤذن بالعلية. وقوله: وقد جب بالبناء للمجهول أي قطع عنه ورفع ذلك إشارة إلى ما ورد في الحديث من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله. وقوله: إن كان أي صح صدوره منه فكان تامّة، و، قوله: لإسلامه متعلق بقوله جبّ، ولا يخفى أنّ خصوص السبب لا يخصص الحكم فاذا أثبته ذلك للجنس لا ينافي خروج بعضهم من أحكامه الأخروية، وما قيل من أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله أولى من قوله: في الكشاف إنه كان من أفاضل المسلمين، وسرواتهم لسلامته عن الإيراد باحتمال سوء الخاتمة، وأنّ هذا في حق الكفار، فلا ينافي ما سيأتي من أنّ المظالم لا تغفر بالإيمان كلام مختل مضطرب لأنّ احتمال سوء الخاتمة لأفاضل الصحابة مما يلتفت إليه لا سيما من هو صدّيق ابن صديق، وما ذكره من المظالم سياتي ما فيه. قوله: (كقوله في أصحاب الجنة) يعني إنه واقع في مقابلته، فهو مثله إعرابا ومبالغة ومعنى. وقوله: على الاستئناف في جواب سؤال مقدر وقوله: مراتب توطئة للتغليب الآتي. وقوله: من جزاء ما عملوا إشارة إلى أنّ الجارّ والمجرور صفة درجات بتقدير مضاف فيه، وجمن بيانية أو ابتدائية، وما موصولة أو مصدرية. وقوله: من الخير والشر بيان لما أو من تعليلية بدون تقدير، وهو ظرف مستقرّ لا متعلق بكل كما قيل إلا أن يراد التعلق المعنوي. قوله: (جاءت على التنليب) أي للدرجات على الدركات لأنّ قوله لكل معناه لكل من الفريقين، والجنسين المستحقين للثواب والعقاب محال، ومراتب سواء كانت درجات أو دركات. وقوله: لكل بحسب الظاهر يأبى التغليب فتدبر. قوله: (وليوفيهاً الخ) فيه مضاف مقدر كما مرّ، وهو متعلق بمحذوف تقديره جازاهم بذلك وقد قرئ في السبعة بالياء التحتية والنون، وقراءة السلمي بتاء فوقية على الإسناد للدرجات مجازا وجملة وهم لا يظلمون حال مؤكدة أو اسنئناف. وقوله: بنقص ثواب الخ تقدّم أنه لو وقع لم يكن ظلماً وتأويله ما مرّ! من أنه لو صدر من العباد كان ظلماً. قوله: (يعذبون بها) يعني أن عرضهم على النار إمّا مجاز عن تعذيبهم من غير قلب، فهو كقولهم عرض على السيف إذا قتل كما مرّ أو بمعناه الحقيقي على القلب وهو الوجه الثاني ولما كان خلاف الأصل مرضه المصنف رحمه الله وقال أبو حيان إنه لا قلب في قولهم عرضت الناقة على الحوض لأنّ عرض الناقة على الحوض والحوض على الناقة صحيحان، وأنكر القلب في الآية. وقال إنه يرتكب للضرووة ولا ضرورة تدعو إليه هنا، ولا يخفى أنّ الزمخشري لم يخترع القلب في المثال المذكور بل سبقه إليه الجوهريّ، وغيره قال في عروس الأفراح المعروض ليس له اختيار والاختيار إنما هو للمعروض عليه فإنه قد يقبل، وقد يرد فعرض الناقة على الحوض مقلوب لفظا والقلب قد يكون لفظاً كخرق الثوب المسماو، ومعنى كقوله: كأنّ لون أرضه سماؤه وأمّا الآية ففي كونها من القلب ما سمعته، وقال السبكيّ إنها من القلب المعنويّ لا اللفظي لأنّ الكفار مقهورون، فكأنهم لا اختيار لهم والنار متصرفة فيهم، فهم كالمتاع الذي يتصرّف فيه من يعرض عليه كقولهم عرضت الجارية على البيع، والجاني على السيف والسوط، ومن الغريب قول ابن السكيت في كتاب التوسعة تقول عرضت الحوض على الناقة وأنما هو عرضت الناتة على الحوض على عكس ما مرّ، وهو مخالف للمشهور (أقول) الدّي لاح لي هنا أنّ العرض إن اعتبر فيه حركة المعروض، أو تحريكه نحو المعروض عليه وارادة المعروض عليه لما عرض عليه باختياره، أو ترجيحه وتمييزه كعرضت الرأي عليه لا يكون عرض الناقة على الحوض والكفار على النار وعكسه حقيقة لتخلف القيود المعتبرة فيما وضع له، ويصح كل منها على المجاز فعرض الناقة والكفار بمعنى السوق لأنّ المعروض يساق للمعروض عليه فهو في معنى وسيق الذين كفروا إلى جهنم وعكسه إعدادها وتهيئتها كقوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 24] لأنّ المعروض يهيا لتوجيهه للمعروض عليه وإن اعتبر الأوّل فقط كان عرض الناقة على الحوض، والكفار على النار حقيقة وعكسه من باب القلب وإن اعتبر الثاني كان على العكس، ومنه عرفت منزع الخلاف وأنّ ما ذكره المعترض كلام سطحي ناشئ من عدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 التدقيق، وما ذكرناه من التوفيق من فيض من بيده أزمة التوفيق، ولبعضهم هنا كلام لا طائل تحتة، وقوله: مبالغة لأنه يقتضي أنها ثابتة، وأنهم جعلوا كالحطب الذي يساق لها وهو إشارة إلى أنّ القلب هنا مقبول لتضمنه نكتة، وهي المبالغة، وفي القلب ثلاثة أقوال معروفة الرد والقبول، والتفصيل بين ما تضمن نكتة فيقبل، وما لا يرد، وهو الصحيح عند أهل المعاني. قوله: (أي يقال لهم) إنما قدره ليرتبط به الكلام، وينتظم وضمير، وهو راجع إلى يقال المقدر لا إلى أذهبتم، وقوله: باستيفائها إشارة إلى أنّ الجار، والمجرور متعلق بقوله: أذهبتم، وأنّ الجمع المضاف يفيد الاستغراق، وكذا قوله فما بقي الخ، وقوله: بهمزة ممدودة صوابه غير ممدودة، وقوله: واستمتعتم بها عطف تفسير لقوله: أذهبتم، وقوله: بسبب الاستكبار يعني أنّ الباء سببية، وما مصدرية فيهما، وقوله: عن طاعة الله متعلق بالفسوق لأنه بمعنى الخروح. قوله: (وهو رمل الخ) هذا أصل معناه والمراد به منازلهم لأنها كانت ذات رمال كذلك كما أشار إله بقوله، وكانوا يسكنون الخ، وقوله: مشرفة أي قريبة منه ينظر الواقف بها البحر، والشحر بكسر الشين المعجمة، وتفتح وسكون الحاء المهملة، وفي آخره راء مهملة، وهو من أعمال اليمن، وإليه ينسب العنبر والطيب، وقوله: من احقوقف من ابتدائية أي مأخوذ منه لأنّ دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق أو المراد أنه مشتق منه لأنّ المجرد قد يشتق من المزيد إذا كان أعرف، وأشهر في معناه كما يقال الوجه من المواجهة، وقال التفتازاتي: لم يرد أنّ الحقف مشتق من احقوقف بل الأمر بالعكس، وأنما المراد أنّ بينهما اشتقاقا اهـ، وقيل عليه أنه لا يفيد وجه دخول من الابتدائية على المزيد ما لم يلاحظ ما ذكرناه، وفيه نظر لأنه بناء على أنّ الاشتقاق إنما هو من المجرّد فمن فيه اتصالية لا ابتدائية كما توهه هذا القائل فتدبر. قوله: (الرسل) إشارة إلى أنه جمع نذير بمعنى منذر لا بمعنى الإنذار كما جوّزه الزمخشري فإنه يكون حينئذ مصدرا، وجمعه على خلاف القياس فلا حاجة إليه وأمّا أنّ الأنذر ليس له أنواع مختلفة كما قيل فلا وجه له فانه يختلف باختلاف المنذر به. قوله: (قبل هود وبعده الف، ونشر مرتب، وقد جوّز فيه العكس لكنه غير متأت هنا لأنه قرىء، ومن بعده وهو معين لكون من خلفه بمعنى من بعده، ثم إنّ عطفه من قبيل: علفتها تبنا وماء باردا وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر، وقيل إنه مشاكلة، وقيل إنه من قبيل الاستعارة بالكناية كما فصلناه في الأمالي فلا يلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز كما قيل وإن كان جائزا عند المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى تكلف إنه باعتبار الثبوت في علمه تعالى أي ثبت، وتحقق في علمه خلوّ الماضين منهم، والآتين نعم هو لازم على تقدير أنه من تنزيل الآتي منزلة الماضي لتحققه كما في قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [سورة الأعراف، الآية: 144 كما ذكره الشارح المحقق، وقوله: والجملة حال أي من فاعل أنذر أي معلماً بأنها خلت أو من المفعول أي عالمين ذلك بإعلامه لهم أو بغيره أو المعنى أنذرهم على فترة من الرسل فلا يؤوّل بما ذكر ويجوز عطفه على أنذر، وقوله: أو اعتراض أي بين المفسر، والمفسر أو بين الفعل ومتعلقه كأنه قيل اذكر زمان إنذار هود بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا الخ تنبيها على أنه إنذار ثابت قديما وحديثاً اتفق عليه الرسل فهو مؤكد لما اعترض فيه مع الإشارة إلى أنه مقصود قيد تابع كما في الحالية ولذا رجحه في الكشف مع ما فيه من التفسير بعد الإبهام، والسلامة عن تكلف الجمع بين الماضي، والمستقبل. قوله: (أي لا تعبدوا) فإن مفسرة بمعنى أي لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه وهو الإنذار، والمفسر معموله المقدّر، وقوله: بأن لا تعبدوا الخ على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر كما مرّ تحقيقه، وقوله كأنّ النهي الخ. بيان لكون أن لا تعبدوا مفسرا للإنذار أو مقدراً به على الوجهين، واشتمال ماً بعده أو مجموع الكلام على الإندّار لا يغني عما ذكر كما قيل، وقوله: إني أخاف الخ استئناف لتعليل النهي. قوله: (هائل) يعني أنّ عظمه مجاز عن كونه مهولاً لأنه لازم له وكون اليوم مهولاً باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازيّ، ولا حاجة إلى جعله صفة العذاب والجرّ للجوار، وقوله: بسبب شرككم يؤخذ من كونه تعليلاً لما قبله، وقوله: لتصرفنا لأنّ أصل معنى الإفك الصرف كما مرّ. قوله: (عن عبادتها) بيان للمراد من صرفهم عنها أو هو بتقدير مضاف فيه، وقوله: من العذاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 وفي الكشاف عن معاجلة العذاب أي عن تعجيله في الدنيا لأنه هو الموعود به دون عذاب الآخرة فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له. قوله: (لا علم لي بوقت عذابكم) هذا مدلول الحصر بإنما مع كون تعريف العلم للعهد فالمراد به العلم بوقت وقوع ما استعجلوه، وقوله: ولا مدخل لي فيه وجه إفادة هذا الكلام لما ذكر إنه وقع جوابا لاستعجالهم العذاب فيكون كناية عن أنه لا يقدر عليه، ولا على تعجيله لأنه لو قدر عليه، وأراده كان له علم به في الجملة فنفي علمه به نفي لمدخليته فيه حتى يطلب تعجيله من الله، وطلب تعجيله هو عين الدعاء المذكور في الكشاف حيث قال: فكيف أدعوه بأن يأتيكم بعذابه في وقت عاجل تقترحونه أنتم، ومن لم يفهمه قال لا حاجة لما ذكره الزمخشري فإنه يجر إلى سدّ باب الدعاء، وبهذا علم مطابقة جوابه لقولهم ائتنا. قوله: (فاستعجل به) فعل مضارع مبنيّ للفاعل منصوب في جواب النفي، ولا وجه لكونه مبنياً للمفعول كما قيل لما عرفت من معناه، وقوله: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} إشارة إلى أنه يفيد الحصر الإضافي بقرينة السياق، وقوله: في أفق أي جانب. قوله تعالى: ( {فَلَمَّا رَأَوْهُ} الخ (في الكشاف الضمير إمّا لقوله ما تعدنا أو مبهم يفسره قوله عارضاً، وهو إمّا تمييز أو حال وهذا الوجه أعرب، وأفصح وأنما كان أعرب أي أبين، وأظهر لما في عود الضمير لما من الخفاء لأنّ المرئيّ يكون الموعود باعتبار المآل، والسببية له، والا فليس هو المرئي حقيقة لكنه اعترض عليه بأنّ الضمير إنما يكون مبهماً مفسرا بما بعده في باب رب، ونعم وبأنّ النحاة لا يعرفون تفسيره بالحال، وقد مرّ فيه كلام في البقرة. قوله: (متوجه أوديتهم) أي في مقابلتها، واضافته لفظية إذ هو مضاف لمعموله، وليس بمعنى المضيّ، وقد وقع صفة للنكرة، وكذا قوله ممطرنا، وقوله قال هود قدره ليتم النظام، ويتوجه الإضراب، ولو قدر قل بقرينة القراءة به كان أتم، ولا وجه لتقدير قال الله كما في تفسير البغوي: وهذا كالعطف التلقيني، والبدلية من ما أو من هو، وقوله: صفتها أي صفة ربح لكونه جملة بعد نكرة، ويجوز في جملة تدمر أن تكون مستأنفة، وقوله من نفوسهم الخ إشارة إلى أنه استغراق عرفي، وقوله: نابضة حركة من نبض بمعنى تحرّك، وليس من إضمافة الصفة للموصوف لأنه لا يتأتى في قابضة سكون، وهما على وتيرة واحدة بل هو صفة أي حال نابضة، أو قابضة، والإضافة للحركة، والسكون بيانية. قوله: (وفي ذكر الأمر الخ) توجيه لتخصيصها بالربوبية مع عمومها بأنه لفوائد ككونها مما يدل على ربوبيته، وقدرته القاهرة وأنها مأمورة مسخرة إلى غير ذلك من الفوائد، وقوله: وقرئ يدمر بالياء التحتية من دمر الثلاثي كقعد، ورفع كل على الفاعلية، وقرئ بالفوقية من الثلاثي مع نصب كل وحذف العائد إذا كان الضمير للأشياء، والتقدير بها يدمر فتأمّل، وقوله: ويحتمل معطوف على قوله فيكون العائد الخ، وقوله: لا يتقدم الخ لكونه بأمر لا يعدوه، وهو بيان لوجه الإمهال، وترك التعجيل. قوله: (فجأتهم (إما من المفاجأة أو الفاء رابطة له بما قبله، والفعل بعدها من المجيء، وهو إشارة إلى أن الفاء فصيحة، وقوله: بحيث لو حضرت الخ يعني أنّ الخطاب له صلى الله عليه وسلم على الفرض، والتقدير، ويجوز أن يكون عاما لكل من يصلح للخطاب، وقوله: وقرأ عاصم الخ هو بضم الياء التحتية، وصيغة المجهول، وقرأها الأعمش بالفوقية، والرفع أيضاً، والجمهور على أنه يمتنع لحاق التأنيث مع فصل إلا في الضرورة كقوله: وما بقيت إلا الضلوع الجراشع وفيه كلام في محله. قوله: (في الحظيرة) هي مكان يجعل في أطرافه الحطب، ونحوه ويدخل فيه، وقوله: فأمالت الأحقاف أي حملت الرياح، وأدخلتها مساكنهم، وضمير كشفت للريح أيضا أي أزالت ما حملته وسفته من الرمال. قوله: (توجب التكرير لفظاً الا معنى لأنّ الأولى موصولة لكنه فيه شبه التكرار الثقيل، ولذا قال من ذهب إلى أنّ أصل مهماما ما على أنها ما الشرطية مكرّرة للتوكيد قلبت ألف الأولى هاء فرارا من ثقل المعاد، وقوله في الذي الخ يعني هي موصولة أو موصوفة، والجملة الشرطية صلة أو صفة وقوله: صلة أي زائدة للتأكيد، وهم يعبرون عن مثله بالصلة تأدّباً، وهرباً من إطلاق الزائد عليه لأنه ليس زائدا مستغنى عنه بلا فائدة بلى لا بد فيه ما يحسنه في الجملة. قوله: (يرجى المرء ما أن لا يراه ويعرضر دون أدناه الخطوب) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 يرجى يحتمل أن يكون بمعنى يؤمّل، وكونه لا يراه كناية عن بعده وهو وصف له بالحرص، وأنه يحرص على الأمور البعيدة عنه، ويجهد في حصولها مع أنّ خطوب الدهر أي حوادثه قد تحول بيته، وبين أدنى شيء إليه، وأقرب منه، ويحتمل أنه بمعنى يخاف من أمور لا يدركها، وهو يتضرّر بأدنى شيء أي أقربه أو أقله وهذا كما في المثل قرأ أخاف عليه لا حرّاً، وقيل معناه تعرض الخطوب، والبلايا عند بلوغ أدنى شيء مما يؤمله، وهو يرجيه ظانا أنه خير له كقوله: {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 216] أو هو كقوله: المرء قد يرجو الرخاء مؤملاً والموت دونه قوله: (والأوّل أظهرا لسلامته من الزيادة والحذف، وقوله: وأوفق الخ أمّا من الأخير فظاهر، وكذا من الثاني لأنّ أن الشرطية لا تقتضي الوقوع، ولا عدمه حتى تكون نصا في موافقته فلا وجه لما قيل الموافقة متحققة على تقدير الشرطية أيضا، وأفرد السمع في النظم وجمع غيره لاتحاد المدرك به، وهو الأصوات، وتعدد مدركات غيره ولأنه في الأصل مصدر كما مرّ وأيضاً مسموعهم من الرسل متحد. قوله: (ليعرفوا تلك النعم) بيان للجميع لأنها تعرف بسائر الحواس فبالسمع يصل المرء إلى معرفة الشرائع، وغير ذلك مما هو من أجل النعم، وبالبصر يرى ما أنعم به عليه من الملابس، والمحاسن وغيرها، ومن الغفلة ما قيل إنه متعلق بالأفئدة فقط، والسمع ليسمعوا النذر، والأبصار ليبصروا آيات الآفاق والأنفس فيعتبروا ويتعظوا وقوله، وهو القليل بيان لأنّ من تبعيضية، وهي تحتمل الزيادة في المصدر فقوله: القليل حينئذ بيان لمعنى تنويته، وما في قوله: فما أغنى نافية أو استفهامية ولا يضره زيادة في المصدر فقوله القليل حينئذ بيان لمعنى تنوينه، وما في قوله. فما أغنى نافية أو استفهامية ولا يضر. زيادة من بعده كما زعم أبو حيان لأنها تزاد في غير الموجب، وفسروه بالنفي والنهي، والاستفهام فقوله: صلة أي متعلق بالنفي الصريح أو الضمني. قوله: (طرف جرى مجرى التعليل الخ) أشار في الكشاف إلى تحقيقه بأنه ظرف أريد به التعليل كناية أو مجاز الاستواء مؤدّي التعليل، والظرف في قولك ضربته لإساءته، وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه إلا أن إذ وحيث غلبتا دون سائر الظروف في ذلك حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية اهـ، وهو كلام نفيس وفي ذكر الغلبة إشارة إلى جريانه في غيرهما لكنه خلاف الكثير الأغلب، ومن فهم منه الاختصاص بهما فقد أخطا، وفي قول المصنف، وكذلك حيث إشارة لذلك، وقوله: من القرى بتقدير مضاف أو تجوّز عن أهلها لقوله: لعلهم يرجعون، ولو عمم لخرابها صح، وحجر بكسر فسكون. قوله: (من حيث إنّ الحكم مرتب الخ) يعني أنّ كونه علة باعتبار ما أضيف هو إليه لأنه كاللام، والعلة المترتب عليها الحكم ما بعدها. قوله: (فهلا منعتهم الخ) يعني أنّ لولا هنا للتوبيخ، والتنديم لدخولها على الماضي، والمراد بنصرهم منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه، وقوله: وأول مفعولي الخ مبتدأ، والراجع صفته، ومحذوف خبره، وفي نسخة المحذوف معرّف على أنّ الخبر الراجع، وهو صفته وقوله، وثانيهما أي مفعولي اتخذ لتعدّيه لاثنين كما لا يخفى، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال: ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً، وا-لهة بدلاً منه لفساد المعنى؟ وللشراح فيه كلام طويل الذيل في الكشف، وحاصله أنّ المفعول الأوّل الضمير المحذوف، والثاني آلهة، وقرباناً حال وما عداه فاسد معنى فقال المطرزيّ، لأنه لا يصح أن يقال تقربوا بها دون الله لأنه تعالى لا يتقرّب به ومعناه ما في الانتصاف أنه يصير الذم متوجها إلى ترك اتخاذ الله متقربا به لأنك لو قلت لعبدك اتخذت فلاناً سيدا دوني فقد وبخته على نسبة السيادة لغيرك، والله تعالى لا يتقرّب به، ولكن يتقرّب إليه، وهذا معنى ما نقله عن المصنف من أت لا يصح أن يقال تقرّبوا بها من دون الله لأنّ الله لا يتقرّب به، وأنما يتقرّب إليه وأراد أنه إذا جعل مفعولاً ثانيا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا بدل الله أو متجاوزين عن اتخاذه قربانا لآلهتهم، وهو معنى فاسد، والاعتراض بأن جعل دون بمعنى قدام، وأنّ قربانا قد قيل إنه مفعول له أي متقرّب له فهو غير مخصوص بالمتقرّب به، وجاز أن يطلق على المتقرّب إليه، وحينئذ يلتئم الكلام غير قادح لأنه مع قلة استعماله لا يصلح ظرفا للاتخاذ، وأمّا قوله: فهو غير مخصوص بالمتقرّب به فليس بشيء لأنّ جار الله بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أنّ قوله بل ضلوا عنهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 ينادي على فساده أرفع ا! لنداء، والله أعلم، وقيل أيضا البدل، وإن كان هو المقصود لكن لا بد في غير بدل الخالط من صحة المعنى بدونه، ولا صحة لقولهم اتخذوهم من دون الله قربانا أي ما يتقرّب به لأنّ الله لا يتقرّب به بل يتقرّب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين الله في ذلك، وأما حذف أحد مفعولي باب علمت فقد مرّ في آل عمران، وفي الإيضاح فساده لأنه لا يستقيم أن يقال كان من حق الله أن يتخذ قربانا وهم! ، لخذوا الأصنام من دونه قربانا كما استقام كان من حق الله أن يتخذ إلها، وهم اتخذوا الأصنام من دونه آلهة، وهو قريب مما مرّ والمصنف رحمه الله جنح إلى أنه يصح أن يقال الله يتقرّب به أي برضاه، والتوسل به والفساد إنما يلزم لو كان معنى من دون الله غيره أما إذا كان بمعنى بين يديه فلا كما قاله بعض الثراح، وإليه ذهب أبو البقاء، وغيره وفي النظم وجوه أخر من الإعراب فصلها السمين، وأبو حيان فليحرّر هذا المقام فإنه من مزالّ الأقدام. قوله: (أو! لهة) عطف على قوله: قربانا، وقوله: عن نصرهم بالنون، ويجوز أن يكون بالباء التحتية فلا يلزم إنهم كانوا يمرأى منهم كما قيل لكن الأول هو الموافق لما في الكشاف وعليه أكثر النسخ وقوله: امتناع الخ. هو إشارة إلى أنّ في ضلوا استعارة تبعية. قوله: (وذلك الاتخاذ الخ) فالإشارة إلى الاطخاذ المذكور، وجعلها الزمخشريّ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم فقدّر فيه مضافاً أي أثر ءإفكهم لأنّ امتناع النصرة، وضلالهم عنهم أثر للإفك بمعنى الصرف عن الحق، وكذلك اتخاذهم آلهة كذلك فالإفك والافتراء على هذا شيثان متغايران، وقد رجح ما في الكشاف كما بيته شراحه، وقوله: أفكهم بالتشديد وصيغة الماضي، وآفكهم با أصمذ على زنة المفاعلة أو أصله أفعل، وما بعده اسم الفاعل. قوله: (أملناهم إليك (المراد، وجهناهم لك، وفي معنى النفر كلام سيأتي تفصميله في سورة الجن، وقوله: حال أي من نفراً لأنه نكرة موصوفة، وحمله على المعنى بجمع ضميره لأنه اسم جمع فهو في المعنى جمع، وعلى كون الضمير للقرآن فيه تجوّز وإذا كان للرسول فيه التفات. قوله: (أي منذرين إياهم) فمفعوله محذوف للفاصلة، وفي نسخة مخوّفين داعين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ووادي النخلة معروف بين مكة، والطائف، ومنصرفه مصدر بمعنى انصرافه. قوله: (من الطائف) أي لما ذهب إلى دعوتهم قبل الهجرة كما بين في كتب السير لا في غزوته لهم فإنّ السورة مكية، ولم تستثن هذه الآية منها كما مرّ. قوله: (قيل إنما قالوا ذلك الخ) مرضه لأنه لا دليل عليه، وكذا ما بعده فانّ اشتهار أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وانتشار أمر دينه أظهر من أن يخفى لا سيما على الجن، والأحسن ما في شروح البخاري في حديث ورقة بن نوفل، وقوله: لما شاهدوا أمر النبيّ لمجيرو، وهذا هو الناموس الذي نزل على موسى دون أن يذكر عيسى لأنّ موسى متفق عليه عند أهل الكتابين، ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن وكان عيسى مأموراً بالعمل بالتوراة، وقوله: من الشرائع أقي الأحكام الفرعية أو ما يشمل العقائد فهو من ذكر العامّ بعد الخاص، وقوله: وآمنوا به أي بداعي الله أو بالله لقوله: يغفر لكم. قوله: (بعض ذنوبكم (فمن تبعيضية، وقوله: فإن أن مظالم أي حقوق العباد، وليس هذا على إطلاقه فإنها ساقطة أيضا عن الحربي كالقتل، والغصب، وما نقله الطيبي من الحديث الدال على مغفرة المظالم مطلقاً غير مسلم فإنه مؤوّل عند المحدثين، وقد قيل إنه لم يرد وعد المغفرة للكافر على تقدير الإيمان في كتاب الله إلا مبعضة، والسر فيه أنّ مقام الكافر قبض لا بسط فلذلك لم يبسط رجاؤه كما في حق المؤمن. قوله: (واحتج أبو حتيفة الخ) قال النسفيّ في التيسير: توقف أبو حنيفة في ثواب الجن في الجنة، ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى، ولم يقل بطريق الوعد في حقهم، إلا المغفرة والإجارة، وهو مقطوع به، وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل، وهذا وهو الظاهر يدل على توقف أبي حتيفة في شأنهم لا الجزم بعدم ثوابهم كما هو ظاهر كلام المصنف رحمه الله إلا أن يؤوّل بنفي القطع فيه فالمذاهب ثلاثة وتوابع التكليف الثوإب، والعقاب في الآخرة، والمؤاخذة في الدنيا كما في قوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 132] والاقتصار على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب، والمقام مقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب. قوله: (ولم يتعب ولم يعجز) هذا بناء على أنّ العيّ في التعب، والعجز على حد واحد، وفيه خلاف لأهل اللغة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 فقال الكسائيّ: يقال أعييت من التعب، وعييت من انقطاع الحيلة، والعجز والتحير في الأمر، ومنهم من لم يفرق بينهما، وفي جمع المصنف رحمه الله بين التعب، والعجز إشارة إلى عدم الفرق بينهما. قوله: (والمعنى أن قدّرته الخ) فالمراد بكونها واجبة أنها لازمة للذات غير منفكة عنها، وما كان بالذات لا يتخلف، ولا يختلف كما تقرّر في الأصول فعدم العيئ والتعب مجاز عن عدم الانقطاع والنقص وقوله: أبد الآباد عبارة عن الدوام، ولو بلازمان، وقوله: قادر إشارة إلى أنه خبر أنّ. قوله: (ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر (هنا، وفي يس في إحدى الروايتين عنه، وهذه القراءة موافقة أيضا للرسم العثماني أي يدل على أنّ قدرته لا تنقطع المضارع الدال على الاستمرار، وقوله: فإنه مشتمل الخ إشارة إلى ما مرّ من أنّ الباء تزاد بعد النفي، وما في حيز أنّ مثبت لكنه لانسحاب النفي عليه عومل معاملة المنفيّ، وقوله: ولذلك أجاب الخ أي لكونه في حكم النفي لأنّ بلى يختص بجواب النفي، وتفيد إبطاله على الصثمهور، وإن ورد في الإثبات نادراً، وأجازه بعض النحاة فهو في معنى أليس بقادر فلذا أكد بقوله: {أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . قوله: (يكون كالبرهان) ولذا قيل إنه كبرى لصغرى سهلة الحصول! فكأنه قيل: إحياء الموتى شيء، وكل شيء مقدور له تعالى فينتج أن إحياء الموتى مقدور له، ويلزمه أنه قادر على أن يحيي الموتى، وقوله: بقول الخ تقديره، ويقال لهم يوم يعرض الخ أليس الخ، وقيل هو حال فتقديره، وقد قيل وفيه نظر والظاهر أنها معترضة، وقوله، والإشارة إلى العذاب الخ بقرينة التصريح به بعده، وقوله: بكفركم إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله: (ومعنى الأمر الخ) فهو تهكم، وتوبيخ وإلا لكان تحصيلاً للحاصل، وليس تكوينا كما قيل أن يراد إيجاد عذاب غير ما هم فيه، والتوبيخ من قوله بما كنتم تكفرون، وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ} الخ الفاء عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة كما قاله المعرب أو هي جواب شرط مقدر أي إذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته الباهرة فاصبر الخ، وفسر العزم بالثبات، والاجتهاد في تنفيذ ما يريد وأولو العزم إما الرسل مطلقاً فمن بيانية، وهذا أحد الأقوال فيه أو طائفة مخصوصة منهم فمن تبعيضية، وفي تعيينهم أقوال كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: ( {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ} الخ) أولو العزم من له عزم، ومعناه لغة مفصل في كتب اللغة قال شمر العزم، والعزيمة ما عقدت قلبك عليه من أمر، والعزم أيضاً القوّة على الشيء، والصبر عليه فالمراد به هنا المجتهدون المجدون أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم، وقدره وقضاه عليهم، ومطلق الجدّ والجهد، والصبر موجود في جميع الرسل بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكثير من الأولياء فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل وأنّ من بيانية لا تبعيضية فكل رسول من أولي العزم، وارتضاه المصنف رحمه الله، وقدمه فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص، ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال أحدها أنهم جميع الردمل، والثاني أنهم أربعة نوح، وإبراهيم وموسى ومحمد، والثاني أنهم خمسة: محمد ونوج وابراهيم وموسى وعيسى، والرأبع أنهم ستة بزيادة واحد كهرون أو داود، والخامس أن! م سبعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى كما ذكره السيد علي، وفي في خزينته، والسادس أنهم تسعة: نوح وابراهيم، واسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب، وموسى وداود وعيسى كما في القاموس هذا هو المشهور، وقد يزاد وينقص، وتوجيه التخصيص أنّ المراد بهم من له جد، وجهد تامّ في دعوته إلى الحق وذيه عن حريم التوحيد، وحمى الشريعة بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية، والبدنية وأموره الخارجية كمبارزة كل أهل عصره كما كان لآدم، ونوح أو لملك جبار في عصره، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية كنمروذ إبراهيم، وجالوت داود وفرعون موسى، ولكل موسى فرعون، ولكل محمد أبو جهل وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوّة قدسية، ونفس ربانية كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص، وهذا مما كشفت بركاتهم سرّه. قوله: (أولو الثبات الخ) إشارة إلى معنييه، والجذ بكسر الجيم وتشديد الدال الاجتهاد، وقوله: أصحاب الشرائع قالوا هو على احتمال التبعيض إلا أنّ الرسول لا يكون إلا صاحب شرع مبلغ فلا يناسبه بحسب الظاهر، وقد قيل إنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 أراد أنه اختص بالأربعة المذكورة، ونبينا صلى الله عليه وسلم لغلبته عليهم، وسكت عن ذكر خاتمتهم لأنه المقصود هنا ولك أن تقول إنّ هذا من إيجازه البديع، وهو جار على القولين أما على الأوّل فلأنه لم يرد الحصر فيمن ذكر بدليل قوله مشاهيرهم، وكاف التشبيه في قوله: كنوح الخ. وأمّا على الثاني فيصح الحصر لأنّ اشتهارهم بذلك يخصه بهم عند الإطلاق كما في الأعلام الغالبة حيث اختصت بمن اشتهر بها حتى صارت كالعلم الوضعيّ. قوله. (اجتهدوا) جملة مستأنفة لبيان وجه التسمية، وهم على هذا خمسة كما قيل: أولو العزم نوح والخليل الممجد وموسى وعيسى والنبيّ محمد قوله: (كنوح الخ الما كان البلاء معهوداً، وغير معهود بواسطة، وبدونها ممتدا، وغير ممتد أشار إلى ما ابتلاهم الله به من أنواعه والذبيح إسماعيل أو إسحاق كما مز، وقوله. والبصر تقدم أن الصحيح إنه لم يعم، وأنما ضعف بصره، وقوله: لم يضع لبنة على لبنة أي لم يبن بناء قط، وما ذكره من قصة موسى تقدم بيانه، وفي قوله استقصروا الخ إشارة إلى أن لبثهم المراد به مدّة عمرهم أو مكثهم في الدنيا. قوله: (بلاغ) قرئ بالرفع، والنصب والجرّ، ومعناه إمّا التبليغ أو الانقياد أو الكفاية فعلى الرفع هو خبر مبتدأ مقدر تقديره هذا الذي الخ. كما أوضحه المصنف، وقوله: أي كفاية الخ على التقديرين فالوجوه أربعة. قوله: (ويؤيده (أي يؤيد إنه بمعنى التبليغ إنه قرئ بصيغة الفعل من التبليغ على أنه أمر له فإنه قرئ به أو فعل ماض من التفعيل فإنه قراءة أيضاً، وكلاهما من الشواذ، وتاييده ظاهر لأنه من التبليغ. قوله:) وقيل بلاغ) في قراءته بالرفع مبتدأ خبره قوله لهم السابق فيوقف على قوله ولا تستعجل، ويبتدئ بقوله لهم بلاغ، وما بينهما من التشبيه معترض بين المبتدأ والخبر وهو ضعيف جدّاً لما فيه من الفصل، ومخالفة الظاهر لأنّ الظاهر تعلق لهم بتستعجل، ولهذا مرضه المصنف، وقوله: وقت يبلغون إليه لأنّ البلاغ، والبلوع يكون بمعنى الانتهاء إلى أقصى الأمر، والمنتهى زمانا كان أو مكاناً كما قاله الراغب: وقوله كانهم الخ إشارة إلى أنه معترض للتأكيد فإنّ استقصارهم للماضي لما شاهدوه من الهول الحاصل، وقوله: بلغوا لو قدر أمراً على وفق القراءة السابقة كان أحسن كما قيل. قوله: (الخارجون الخ) تقدّم أنّ أصل معناه الخروج عن الطاعة، وفي يهلك لغات تقدمت، وقوله من قرأ الخ حديث موضوع، وخص الرملة لأنها معنى الأحقاف كما مرّ تمت سورة الأحقاف بحمد الله ومنه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وا-له وصحبه أجمعين. سورة محمد صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وهي مدنية (على الأصح، ولا إجماع فيه كما قاله ابن عطية فإنه روى خلافه عن ابن عباس، وبعض الصحابة فلا وجه لدعوى الإجماع، وقيل إلا قوله، وكأين من قرية الخ، وقوله: وآيها جمع آية سبع بالباء التحتية، وفي نسخة تسع بالتاء الفوقية، وهو الأصح كما في كتاب العدد للداني، وقيل: أربعون، والخلاف في قوله: حتى تضع الحرب أوزارها، وقوله: لذة للشاربين. قوله: (امتنعوا عن الدخول في الإسلام) صد صدودا وصدا لازم، ومتعدّ وأصده لغة فيه، والى الأوّل أشار بقوله: امتنعوا، وقوله: سلوك طريقه الضمير للدخول أو للإسلام، وهو الأظهر لا لله لبعده، وقوله: أو منعوا الناس إشارة إلى الثاني، وعلى الوجهين اتصاله بما قبله في آخر السورة ظاهر، وهو أنه كالمؤكد لقوله: كفروا عليهما لا على البدل فقط كما قيل إذ لا وجه له. قوله: (كالمطعمين يوم بدر (من المشركين فإنهم بإعانتهم لمن أتى لمنع المسلمين عن الجهاد، والغنائم كانوا صادّين بأنفسهم، وأموالهم فصدهم أعظم من صذ غيرهم ممن كفر، وصدّ عن السبيل، وخص بدرا والمراد به الكبرى لأنها أوّل وقعة فيها القتل، والفداء فلا غبار عليه إنما الكلام فيهم فالذي رويناه في سيرة ابن سيد الناس أنّ أوّل من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل لعنه الله نحر عشرا من الإبل، ثم صفوان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 بن أمية تسعا بعسفان، ثم سهيل بن عمرو بقديد عشرا، ثم شيبة بن ربيعة، وقد ضلوا الطريق تسعاً ثم عتبة ابن ربيعة عشرا، ثم مقيس الجمحي بالإبواء تسعا، ثم العباس عشرا، والحرث بن عامر تسعا، وأبو البحتريّ على ماء بدر عشرأ، ومقيس تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم، ونقل المحشي أنهم ستة نبيه ومنبه بن الحجاج وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل، والحرث ابنا هشام وضم إليهم مقاتل عامر بن نوفل، وحكيم بن حزام وزمعة بن الأسود، وأبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية، والعباس، وقال إنهم أطعموا الأحابيش استظهارا على عداوة النبيئءيخيلى، واعترض على عد أبي سفيان فيهم، وهو كان مع العير، ولا يخفى أنّ المراد بيوم بدر زمن وقعتها فيشمل ما أطعم في الطريق، وفي مذتها حتى انقضت فلا يرد ما ذكر إن صحت الرواية، وهو كلام آخر، وشياطين قريش العتاة من كفارهم. قوله:) أو عام في جميع من كفر ( تردّد في عمومه ولم يتردّد في عموم مقابله لظهور الفرق بينهما، وإن ظنه بعض خفيا لأنّ التردد على تفسيره الثاني، وليس كل كافر وقع منه الصدّ عن ذلك أمّا من ذكر من الكفار فصدر ذلك منه بخلاف المؤمنين الموصوفين بما ذكر فانه ظاهر في العموم. قوله: (جعل) بصيغة المجهول أو المعلوم، وفاعله ضمير مستتر يرجع إلى الله للعلم به من السياق، وقوله: محبطة بالكفر على الوجهين، وإن كان في اقتصاره على الكفر ما يوهم أنه على الأوّل ففيه إيماء لترجيحه، وقوله: مغلوبة مغمورة فيه فيه أنه إن أراد به إحباطها، وعدم نفعها تكرّر مع ما قبله، والا فلا معنى لغلبته عليه إن لم يكن محبطاً، وقوله: أو ضلالاً معطوف على قوله: ضالة أي معنى أضل أعمالهم صيرها ضلالا أي غير هدى، ولو قيل على هذا ضالة على أنه إسناد مجازي صح، وقوله: يقصدوا به أي بما ذكر، ولذا ذكره ولو قال بها بضمير الأعمال كان أظهر. قوله: (أو أبطل الخ) فإضافة الأعمال للعهد أو المراد بها على الأوّل محاسن الأعمال وعلى هذا المكايد وصدهم، واضلالها من ضل إذا غاب فتجوز به عن الإبطال، وهو معطوف على جعل، وقوله: بنصر الخ متعلق به على اللف، والنشر المرتب. قوله: (يعم الخ الأن الموصول من صيغ العموم ولا داعي للتخصيص هنا كما في الأوّل كما نبهناك عليه، وقوله: تخصيص الخ، أي خص بالذكر مع دخوله فيما قبله لما ذكر من النكات، على هذا فالمراد بما نزل القرآن أو الدين، والمراد أحكامه الفرعية، والإيمان به التصديق بحقيته من عند الله، ولو أريد به كل ما نزل عليه من الوحي بالشريعة الأصلية، والفرعية لم يكن كذلك، ووجه إفادته للتعظيم قرّرناه في عطف جبريل، والدلالة على أنه لا يتم بدونه لأنه يفيد بعطفه أنه أعظم أركانه لأفراده بالذكر ويلزم منه ما ذكر، وقوله: مما يجب أي من بين كل ما يحب الإيمان به، وقوله: ولذلك أي لكونه الأصل الذي لا يتم بدونه أو للإشعار بما ذكر أكده لأنه مقتض للاعتناء به. قوله:) اعتراضاً) اي بين المبتدأ وخبره، وقوله: على طريقه اختلف في مرجع هذا الضمير فقيل هو للتخصيص، وكان هذا طريق التخصيص لتعريف المسند، وحقيته مرفوع مبتدأ خبره قوله: بكونه ناسخاً، وقيل المعنى على طريق القرآن وبيان حاله، وحقيته بكونه ناسخاً لا ينسخ ثابتا غير متغير فحقيته بالجرّ عطفا على مجرور على، ولا يخفى أنّ الأوّل هو المراد، ولو قيل الضمير للاعتراض صح أي هو اعتراض وارد على طريق الاعتراض، وهو تأكيد لما اعترض فيه كما مرّ مرارا، وفسر الحقية بما ذكر ليتم الحصر بالنسبة لغيره من الكتب أو الأديان، والحق على هذا بمعنى الثابت في الواقع، ونفس الأمر فهو أخص منه بمعنى المقابل للباطل، ويكون وقوعه في مقابلته ظاهرا أيضا، ولا-س د. عليه أنّ ذكر الباطل بعده يقتضي تفسيره بما يقابله كما قيل، وقوله: سترها لأنه أصل معناه والمراد إزالتها لا أنها بقيت مستورة، والبال يكون بمعنى الحال، والشأن، وقد يخص! بالشأن العظيم كقوله صلى الله عليه وسلم: " كل أمر ذي بال "، ويكون بمعنى الخاطر القلبيّ، ويتجوّز به عن القلب، ولو فسر به هنا كان حسناً أيضا وقد فسره السفاقسي بالفكر لأنه إذا صلح قلبه، وفكره صلحت عقيدته، وأعماله. قوله: (إشارة إلى ما مرّ) توجيه لأفراده باعتبار ما ذكره، وقوله: خبره بأنّ الخ لا خبر مبتدأ مقدّر كما في الكشاف أي الأمر ذلك لأنه كما قيل ارتكاب للحذف من غير داع له فيكون الجار، والمجرور في محل نصسب على الحالية كما في التقريب، والعامل فيه معنى الإشارة، وليس ظرفا لغوا، وقوله: بسبب الخ، إشارة إلى أنّ الباء سببية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 قوله: (وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها) أي ما قبل هذه الجملة أو العلة والسببية لكن المناسب لقوله: هذا أن يقول ما قبله بتذكير الضمير كما قيل لكنه جنح إلى أنّ هذا إشارة إلى الكلام المذكور، وأنه تصريح بما قبل هذه السببية، والمراد أنّ البناء على الموصول يشعر بالعلية فالإتيان بياء السببية في الخبر تصريح بما علم بطريق الإيماء، والإشارة. قوله: (ولذلك يسمى) أي عند أهل المعاني تفسيرا لأنه صرّح به فيما علم ضمنا كقول الزمخشري رحمه الله تعالى في شعر له: به فجع الفرسان فوق خيولهم كما فجعت تحت الستور العوائق تساقط من أيديهم البيض حيرة وزعزع من أجيادهن المخانق ففيه تفسير على طريق اللف، والنشر كما في الآية، وهو من محاسن الكلام. قوله: (مثل ذلك الضرب) المثل المذكور بعده على ما مرّ تفصيله في البقرة، وقوله: يبين قد مز تحقيقه، وقوله: أحوال الفريقين فالمثل هنا بمعنى القصة والحال العجيبة، وضمير أمثالهم لفريقي المؤمنين، والكافرين أو للناس كلهم والأوّل ناظر إلى الوجه الأوّل، والثاني إلى الثاني من العموم في الفريقين فيشمل جميع الناس. قوله: (أو يضرب أمثالهم الخ) يعني أنّ حقيقة المثل كلام شبه مضربه بمورده، وهو غير موجود هنا فاما أن يكون بمعنى الحال والصفة أو بمعنى التمثيل، والتشبيه بأن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار، وإتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين، والإشارة في قوله كذلك إما لما تضمنته الآية الثانية، أو لما تضمنته الآية الأولى، وذلك لأنه ليس ثمة اتباع الباطل، واتباع الحق حقيقة بل ارتكاب الباطل فشبه عمل الكافر باتباع الباطل بمعناه المعروف أو الشيطان في الإيصال إلى الهلاك وعمل المؤمن باتباع الحق بمعناه المعروف أو الله فالتمثيل مستعار لتشبيه حالي المؤمنين، والكافرين أو هو مجاز مرسل أريد به مطلق التشبيه، وقوله: مثلاً بمعنى تشبيها. قوله: (وقدم المصدر) أي على مفعول الفعل، وهو الرقاب لا على الفعل إذ لا وجه له، وقوله: وأنيب منابه أي في نصب المفعول، وهو الرقاب قبل الإضافة إليه، وهذا أحد قولي النحاة في المفعول في نحو قوله: فندلا زريق المال ندل الثعالب هل هو منصوب به أو بالفعل المقدّر ثم أضيف إلى مفعوله، وقوله: ضما إلى التأكيد بالمصدر الاختصار بحذف الفعل، وتنوين المصدر. قوله: (والتعبير به) يشير إلى أنّ ضرب الرقاب مجاز مرسل عن القتل مطلقاً لما ذكره من النكات، وفيه أيضاً إشارة إلى غلبتهم عليهم، وتمكنهم منهم، وقوله: بأشنع صورة أي القتل لأنّ ضرب الرقبة فيه إطارة الرأس التي هي أشرف أعضائه، ومجمع حواسه، وبقاء البدن ملقى على هيثة منكرة. قوله: (كثرتم قتلهم (الثخن كالغلظ يكون في نحو الحبل، والبر عبارة عن كثرة طاقاته، وفي المائعات حالة قريبة من الجمود تمنعه من سرعة السيلان فأثخان العدوّ إيقاع القتل بهم بشدة، وكثرة مستعار من ثخن المائعات لمنعه عن الحركة فهذا تفسير له لا إشارة لتقدير المضاف فيه كما قيل فإن كان بمعنى الإكثار فقط من ثخن الحبل، ونحوه ففيه مضاف مقدر لكنه لا يعرف الأثخان في الاستعمال بهذا المعنى فتدبر، والضمائر راجعة إلى الكل لكن المراد نسبة ما للبعض للجميع إذ المثخن لا يشد، ولا يمن عليه ولا يفدى. قوله: (بالفتح والكسر ما يوثق به) أي يشذ، ويربط ومنه الميثاق، والظاهر أنّ ما يوثق به بالكسر لأنه المعروف في الآلة كالركاب، والحزام، وهو اسم ا-لة على خلاف القياس نادر، وأمّا بالفتح فمصدر كالخلاص فالمراد أنه أيضا أطلق على ذلك، ولو مجازا فهو تفسير له على القراءتين، وقوله: تمنون منا فهو مفعول مطلق لفعل مقدر، وقوله: والإطلاق المراد به الاسترقاق، وفي نسخة، وهو الإطلاق فيكون تفسيراً للمن والاسترقاق غير مذكور لأنه معلوم مما بعده، وقوله: ثابت أي لم ينسخ، وقوله: فدا كعصا أي بالفتح والقصر، وقول أبي حاتم أنّ القصر غير جائز لا عبرة به فإنه فيه أربع لغات الفتح، والكسر مع المدّ، والقصر، ولغة خامسة البناء مع الكسر كما حكاه الثقات. قوله:) آلاتها الخ (يعني أنّ الأوزار كالأحمال، وزنا ومعنى استعير لما ذكر استعارة تصريحية أو مكنية بتشبيهها! انسان يحمل حملاً على رأسه أو ظهره، وأثبت له ذلك تخييلا وكلام الكشاف له أميل، وكونها أحمال المحارب أضيفت لها تجوّزاً في النسبة الإضافية، وتغليبا لها على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 الكراع يأباه إسناد الوضع للحرب، ولذا لم يلتفتوا له، وكون إسناده مجازيا أيضا، وإن صح خلاف المتبادر مع أنه يذهب رونق الكلام فتدبر، والكراع اسم للخيل لأنها تخبط كراعها في الدفع عن نفسها؟ ومما يفسره قول الأعشى: وأعددت للحرب أوزارها رما حاطوا لا وخيلا ذكورا قوله: (أي تنقضي الحرب الخ) على أنه تمثيل أو مجاز متفرع على الكناية عن انقضائها كما كني بقوله: فألقت عصاها واستقرّت بها النوى عن انقضاء السفر، والإقامة، وهو المراد فيما قبله، وأنما يخالفه في طريق الإفادة، وقوله: آثامها على أنها جمع وزر بمعنى إثم، وهو هنا الشرك، والمعاصي، وتضع بمعنى تترأ مجازاً، واسناده للحرب مجازا، وبتقدير مضاف أي أهلها، ومرضه لأنّ إضافة الأوزار بمعنى الآثام إلى الحرب غير ظاهر الصحة. قوله: (وهو غاية للضرب الخ (والمعنى اضربوا أعناقهم حتى تنقضي الحرب وليس هذا بدلاً من الأوّل، ولا تأكيداً له لأن حتى الأولى الداخلة على إذا الشرطية ابتدائية كما مرّ تحقيقها في سورة الأنعام، وقوله: للمن والفداء أي لهما معا، وقوله: للمجموع من قوله: فضرب الرقاب الخ وهو على مذهب المصنف رحمه الله ظاهر، وأما عند الحنفية فمخصوص بحرب بدر على أنّ تعريفه للعهد أو منسوخ كما مز، وقوله: بزوال شوكتهم متعلق بالنفي أي حتى تزول قوّتهم، وقدرتهم على المحاربة فيعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون لأنه لا يكف عن القتال بدونه، وأمّا بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام فترفع الجزية أيضا. قوله:) الآمر الخ (فهو مبتدأ مقدر أو مفعول لفعل مقدر وذلك إشارة إلى ما تقدم في الحرب، وما يتبعها، وقوله: ولكن أمركم بالقتال الخ. يعني أنه تعالى قدر ما ذكر مع أنه لو أراد أهلكهم فلم يدع على الأرض منهم دياراً لكنه له فيما يشاء، ويختار حكمة بالغة فلذلك ابتلى المؤمنين بالكفار ليجاهدوهم فينالوا الثواب، ويخلد في صحف الدهر ما لهم من الفضل الجسيم، وابتلى الكفار بالمؤمنين ليعجل لهم بعض انتقامه فيتعظ به بعض منهم ممن هداه الله فيكون ذلك سببا لإسلامه، والجار والمجرور متعلق بأمركم الذي قدره. قوله: (يضل أعمالهم (قراءة الجمهور على أنه فعل من أضل مبنيا للفاعل، ونصب أعمالهم، وقرئ مبنيا للمفعول، ورفع أعماله وقرئ بفتح الياء من ضل ورفع أعمالهم، والكل ظاهر لفظا ومعنى، وقوله: سيهديهم إلى الثوأب أي يوصلهم إلى ثواب تلك الأعمال من النعيم المقيم، والفضل العظيم والمراد بتثبيت هدايتهم بعدما دفع به أن هؤلاء مهديون فهو تحصيل للحاصل الوعد بأنه يحفظهم ويصونهم عما يورث الضلال. قوله:) عرفها لهم في الدنيا الخ (إشارة إلى اًن هذه الجملة حالية بتقدير قد ويجوز أن تكون مستأنفة كما قاله أبو البقاء، ثم أشار إلى أنه إن كان ا! مراد بالتعريف ما كان بالتوصيف في الدنيا فالمراد منه أنه تعالى لم يزل يمدحها لهم حتى عشقوها فاجتهدوا فيما يوصلهم لها فهذا هو المراد منه كما قيل: أشتاقه من قبل رؤيته كما تهوى الجنان بطيب الأ-خبار وقيل: والأذن تعشق قبل العين أحيانا وإنن كان معرفتها في الآخرة فهو إلهام الله صلى الله عليه وسلم لكل أحد أن يعرف منزله فيها فيتوجه له كما هو حالهم في منازلهم في هذه الدار، وورد في الأثر أنّ حسناته تكون دليلاً له إلى منزله فيها وقوله: من العرف بفتح العين، وهو معروف أو تعريفها تمييزها بحدها، ومفرزة بضم الميم بزنة اسم المفعول من أفرزه إذا فصله، وميز.. قوله: (إن تنصروا دينه ورسوله أليس على تقدير مضاف فيه بل هو إشارة إلى أنّ نصرة الله فيه تجوّز في النسبة فنصرته نصرة رسله وجنده وتأييد دينه إذ هو المعين الناصر وغيره المعان المنصور، وقوله: ويثبت أقدامكم كناية عن القوّة، والدوام وهو المراد بالقيام في عبارة المصنف رحمه الله أيضاً لكنه ذكره تلميحا، ومجاهدة الكفار من جملة حقوق الإسلام فهي من عطف الخاص على العام أفردها لأنها هي المقصودة هنا إذ ما تقدّم كله في أمر الجهاد. قوله: (فعثورا لهم وانحطاط) أي هو دعاء بأن يعثر فيسقط لأنّ التعس في الأصل السقوط على الوجه كالكبّ، والنكس السقوط على الرأس، وضده الانتعاس فهو قيام من سقط، ووقع فيقال في الدعاء على الشخص العاثر تعسا له فإذا دعوا له قالوا: لعا له والجار، والمجرور وبعده متعلق بمقدر للتبيين كما في سقيا له، ولعا بلام وعين مهملة بعدها ألف مقصورة، وهو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 منصوب بفتحة مقدرة، ومعناه انتعاشا، واقامة، وفيه كلام في الرضمي، وغيره وليس هذا محله، وهو نقيض تعسا. قوله: (قال الأعشى) يصف ناقة في قصيدة مسطورة في ديوانه منها: كلفت مجهولة نفسي وشايعني همي عليها إذاما آلهالمعا بذات لوث عفرناة إذا عثرت فالتعس أولى لها من أن أقول لعا واللوث بفتح اللام، والثاء المثلثة القوّة، وناقة عفرناة قوية بفتح العين المهملة، والفاء، وسكون الراء المهملة، وبعدها نون، وألف ثم تاء تأنيث والمعنى حملت نفسي قطع بادية مجهولة الإعلام، وتابعني مؤيداً لي عزمي، وهمتي بناقة قوية لا تعثر، ولو عثرت كان الدعاء عليها أولى من الدعاء لها. قوله: (وانتصابه) على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره لأنه للدّعاء كسقيا فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك وفي الكشاف: المعنى فقال تعسا لهم أو فقضى أي قدر لهم تعساً فعلى القول الأوّل هو مفعول مطلق، وعلى الثاني مفعول به، وانما دعاه لذلك أنّ جملته خبر عن قوله الذين، وهو لإنشاء الدعاء، والإنشاء لا يقع خبراً بدون تأويل فإمّ أن يقدر معه قول أو يجعل خبراً بتقدير قضى، ومن لم يقف على مراد. قال ما ذكره المصنف أولى فإنّ لفظ المصدر يدل على فعله فالوجه أن يكون هو المضمر لا قال، وقضى كما قاله الزمخشريّ، والأوّل هو ما قاله المصنف بعينه. قوله: (والجملة خبر الذين كفروا الأنه مبتدأ في محل رفع فالفاء داخلة في حيز الموصول لتضمنه معنى الشرط، وقد علمت أن الدعاء الإنشائيّ يكون خبراً بلا تأويل. قوله: (أو مفسرة لناصبه (فالذين في محل نصسب بفعل مقدر أي أتعس الله الذين كفروا تعسا أو التقدير تعسهم الله فإنه يقال تعسه، وأتعسه كما ذكره السفاقسي، وهو كقولهم زيداً خير عالم على أنّ عامل المصدر مفسر لناصبه، والفاء زائدة في الكلام على توهم الشرط كما في قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] وقيل: يقدر مضارعا معطوفاً على قوله: يثبت أي يتعس الذين الخ، والفاء للعطف فالمراد إتعاس بعد إتعاس أو للدلالة على أنّ حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال، وقد مرّ ما فيه في سورة النور فانظره. قوله: (وأضل أعمالهم عطف عليه) أي على الفعل المقدر الناصب لقوله تعسا فينبغي تقدير. ماضيا لا مضارعاً كما توهم، وهو جار على الوجهين. قوله. (لما فيه (يتعلق بكرهوا بيان لعلة تعسهم وضلالهم بكراهتهم القرآن وما تضمنه من الأصول، والفروع وقوله: وهو أي ما ذكر بقوله ذلك الخ. تخصيص لسبب تعسهم، وضلالهم بكراهة القرآن، وما فيه بعد تعميمه إذ جعل سببه مطلق الكفر لأنّ الموصول، والصلة يقتضي التعليل بالمأخذ كما مرّ مراراً، وقوله: وتصريح إشارة إلى أنه علم مما قبله لدخوله في الكفر دخولاً أوليا. قوله: (كرره (لأن قوله أضل أعمالهم بمعنى أبطلها، وأحبطها، وقوله: يلزم الكفر لتفريعه عليه بالفاء. قوله: (دمر دلّه عليهم) معنى دمره أهلكه، ودمر عليه أهلك ما يختص به من المال والنفس فالثاني أبلغ لما فيه من العموم لجعل مفعوله نسيا منسيا فيتناول نفسه، وكل ما يختص به من المال ونحوه، والإتيان بعلى لتضمنه معنى أطبق عليه أي أوقعه عليهم محيطاً بهم أو هجم الهلاك كما حققه شراح الكشاف، واليه أشار المصنف إلا أنه كان عليه أن يوجه ذكر الاستعلاء معه لأن استأصل لا يتعدى بعلى، وكلامه موهم له لكن لما كان العذاب المطبق مستأصلاً كان فيه إيماء له في الجملة. قوله: (أمثال تلك العاقبة وقوله: لأنّ التدمير) راجع للأخيرين من العقوبة، والهلثة، وهو المراد من السنة لكن كونها مرجعاً بخصوصها من غير قرينة في غاية البعد، وجمع الأمئال لأنّ لكل منهم مثل عاقبة السابقين ففيه مبالغة، وزيادة تهديد، وقوله: فيدفع العذاب إشارة إلى أنه بمعنى الناصر كالذي قبله فاندفع التناقض بين الآيتين كما بينه المصنف لعدم توارد النفي، والإثبات على محل واحد لأنه في المنفي بمعنى الناصر، والمثبت بمعنى المالك. قوله تعالى: ( {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا} الخ الما كان الثاني في مقابلة هذا ووجه التقابل فيه غير ظاهر في بادئ النظر قال الطيبي طيب الله ثراه: إنّ قوله يتمتعون، ويأكلون في مقابلة قوله عملوا الصالحات لما فيه من الإيماء إلى أنهم عرفوا أنّ نعيم الدنيا خيال باطل، وظل زائل فتركوا الشهوات، وتفرغوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 للصالحات فكانت عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم، وهؤلاء غفلوا عن ذلك فرتعوا في دنياهم كالبهائم حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من درك النيران فتقابله واقع في أحسن موقع، وفيه مقابلة أدق مما قيل إنه من الاحتباك فذكر الأعمال الصالحة، ودخول الجنة أو لا دليل على حذف الأعمال الفاسدة، ودخول النار ثانيا والتمتع والمثوى ثانياً دليل على حذف التمتع، والمثوى أوّلاً. قوله: (حريصين الخ) هو وجه الشبه، وقوله: مثوى لهم كقوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [سورة التربة، الآية: 49] وقوله: على حذف المضاف هو أهل بقرينة قوله: أهلكناهم أو هو على المجاز بذكر المحل، وارادة الحال، وقوله: دهاجراء أحكامه الخ بالجرّ عطف على حذف المضاف يعني إنه حكم على القرية بأنها أشدّ قوّة، وأنها مخرجة له، وهو وصف لأهلها، وهذا الحكم بحسب الظاهر، وإن كان في الواقع على المضاف المحذوف، ومنه يعلم وجه كونه مجازا بالنقص لكن الفرق بينه، وبين المجاز العقلي دقيق جدّاً قوله: (والإخراج الخ) يعني أنه مجاز عقليّ كقوله: أقدمني البلد حق لي عليك والخلاف فيه معروف فعند المتقدّمين لا فاعل له حقيقي، وعند صاحب التلخيص الفاعل هو الله، وليس هذا الخلاف مبنياً على خلق أفعال العباد كما حقق في حواشي الحفيد على شرح التلخيص فمن توهمه فقد وهم، والتسبب لأنّ أهل مكة لم يخرجوه، ولكن أحبوه، وهموا به فكانوا بذلك سببا لإخراجه حين أذن الله له في الهجرة عنها. قوله: (وهو كالحال المحكية (لأنّ المتفرّع على الإهلاك عدم النصرة في الماضية لا في الحال، والاستقبال كما هو المتبادر من اسم الفاعل فمقتضى الظاهر أن يقال فلم يكن لهم نصر فعدل عنه كما في قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [سورة يس، الآية: 9] لتصوير الماضي بصورة الحال، وقال كالحال لأنّ اسم الفاعل ليس كالفعل إذ هو قد يقصد به الثبوت، وإذا لم يعمل قيل إنه حقيقة في الماضي كما حقق في الأصول الفرعية. قوله تعالى: ( {أَفَمَن كَانَ} الخ) الاستفهام لإنكار استوائهما، وقوله: على بينة أي ثابت قائم عليها، وقوله: حجة تفسير بينة، وقوله: وهو القرآن تفسير للحجة وذكره لرعاية الخبر، وقوله: كالنبيّ الخ تفسير لمن، ولم يخصه بالنبيّ كما في الكشاف لأنه لا داعي له وقوله: كالشرك بيان لسوء العمل لأنه بمعنى العمل السيئ وقوله: في ذلك الإشارة لسوء العمل، وقوله: لا شبهة لهم بيان لاتباع الهوى فيه، ولمقابلته لما قبله من الثبات على الحجة، والبينة. قوله: (أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة) تفسير للمثل كما مرّ واشارة إلى أنّ مثل الجنة مبتدأ له خبر مقدر مقدم، وهو مختار سيبويه كما فصلناه في أوّل سورة المائدة، والنور ولذا قابله بقوله: وقيل الخ، وترجيح الأوّل لما مرّ فتذكره، وقوله: وتقدير الكلام الخ هذا، وإن كان تقديرا قبل الحاجة إليه حتى قيل إنّ الثاني أرجح منه، ولذا اقتصر عليه الزمخشري إلا أنه يرجحه أنه لما أنكر التسوية بين من وضح برهان ما ادعاه، ومن قال بحسب ما اشتهى هواه كان مقتضاه أن ينكر استواء سكان الجنان، وأهل النيران، ولذا قدمه المصنف ولم يعبأ بما ذكره هذا القائل. قوله: (أو أمثل الجنة الخ الما كان جعل الجنة مثلا لأهل النار غير ظاهر أشار إلى أنه إما على تقدير في الأوّل أو الثاني ليكونا على نمط واحد، وعلى كليهما فمثل مقدر في الثاني إمّا مع مضاف آخر أو لا، وأشار بقوله: أمثل إلى أن قوله مثل الجنة، وإن كان في صورة الإثبات هو في معنى الإنكار، والنفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار، وانسحاب حكمه عليه، وهو قوله: أفمن كان الخ وليس في اللفظ قرينة على هذا، وإنما هو من السياق، وأنّ فيه جزالة المعنى. قوله: (فعرّي الخ (جواب سؤال مقدر تقديره إذا كان المعنى على ما ذكر فلم ترك ذكر الهمزة فيه، وهو نادر بأنه ترك لإبرازه في صورة التسليم، ومثله يدل على الإنكار بأبلغ وجه، وقوله: يجري مثله صفة استغناء وهو مضارع معلوم أو مجهول أو هو مصدر مجرور ومعناه أنه ترك فيه حرف الإنكار الذي هو نفي معنى، وأتى به مثبتا والمقصود نفيه أيضا، وهذا أعني قوله: يجري مثله مماثل لقوله: أفمن كان على بينة الخ فما اعتبر فيه يعتبر في هذا، وهو المصحح للتعرية، والمرجح ما أشار إليه بقوله: تصويراً الخ يعني أن التعرية عن حرف الإنكار لأجل أن تصوّر مكابرة من سوى بين المتمسك بالبينة، والتابع للهوى بصورة مكابرة من سوى بين الجنة، والنار فحذف حرف الإنكار وجعل الأوّل كالثاني يحقق هذا التصوير بخلاف ما لو ذكر حرف الإنكار، وقيل: أمثل الخ فإنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 لا دلالة فيه على المماثلة، والتصوير المذكور قال في الانتصاف هذه النكتة التي ذكرها لا ينوّرها إلا التنبيه على أنّ في الكلام محذوفا لا بد من تقديره إذ لا معادلة بين الجنة، وبين الخالد في النار إلا على تقدير مثل ساكن الجنة فبه يقوم وزن الكلام وتتعادل كفتاه ومن هذا النمط قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [سورة التوبة، الآية: 9] فإنه لا بد من تقدير محذوف مع الأوّل أو الثاني ليتعادل القسمان وبهذا الذي قدرته تنطبق أجزاء الكلام فيكون المقصود تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالبينة، والراكب للهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة، والمعذب في النار على الصفات المتقابلة المذكورة في الجهتين، وهو من وادي تنظير الشيء بنفسه باعتبار حالتين إحداهما أوضح في البيان من الأخرى فإن المتمسك بالبينة هو المنعم في الجنة الموصوفة، والمتبع للهوى هو المعذب في النار المنعوتة ولكن أنكر التسوية بينهما باعتبار الأعمال أوّلاً، وأوضح ذلك باعتبار التسوية بينهما باعتبار الجزاء ثانيا اهـ، وليس ما ذكر مخصوصا بالوجه الثالث، وأنه إشارة إلى ارتضائه كما توهم فإنه اقتصر فيه عليه لقربه، وللاتكال على علم غيره بالمقايسة نعم ما ذكر بيان لوجه التعرية لا لحذف ما حدّف فلا وجه لذكره فتدبر وقوله: تصويراً تعليل لقوله يجري مثله واستغناء تعليل للتعري فلا حاجة لجعل التقييد بالثاني بعد التقييد بالأوّل كما قيل فإن قلت ما وجه المبالغة فيه، والأبلغية التي ذكرها الشيخان هنا، وما وجه الانتظام فيه قلت هذا شيء أومؤوا إليه، ولم يصرّحوا به، وكأن وجهه أنه لما ترك فيه حرف الإنكار كان في إثباته إشارة إلى التهكم به، والى تخطئة من توهمه، وهو كالبيان، والبرهان على ما قبله حتى قيل لا يستوي ذو الحجة البينة والأهوية القبيحة البينة حتى تستوي الجنة، والنار فتأمل. قوله: (وهو) أي الخبر وهو قوله كمن هو خالد على الوجه الأوّل، وهو كون مثل مبتدأ خبره مقدر أي فيما قصصشا الخ. قوله: (استئناف لشرح المثل (أي هو استئناف بيانيئ في جواب سؤال تقديره ما مثلها أي صفتها، وهو على الوجه الأوّل أي تقدير الخبر في قوله مثل الجنة، والمبتدأ في قوله: كمن هو خالد فلا يرد عليه قول الطيبي إنه يلزم وقوع الاستئناف قبل مضي خبر الجملة السابقة الذي هو مورد السؤال اللهمّ إلا أن يقدر للجملة الأولى خبر وللثانية مبتدأ كما قاله أبو البقاء. قوله: (أو حال من العائد المحذوف) وهو الضمير المقدر في الصلة العائد على التي بمعنى الجنة أي وعدها المتقون أو وعد المتقون إياها أي مستقزة فيها أنهار على أق الظرف حال وأنهار فاعله لا مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية حال لعدم الواو فيها، ولا فعلية لأنه خلاف الظاهر، وقد جوّز فيه الحالية على نهج قوله ملة إبراهيم حنيفاً، وفيه نظر، وفي الكشاف تجويز كونه داخلا في حكم الصلة كالتكرير لها ألا ترى إلى صحة قولك التي فيها أنهار يريد كما قاله التفتازاني إنها صلة بعد صلة كالخبر والحال، والصفة وهو متضمن لتفصيلها، ولو حمل على البدلية كان أولى، ولذا ترك العاطف فتدبر. قوله: (أو خبر لمثل (على أنّ الخبر، وإن كان جملة من المبتدأ كخبر اسم الإشارة فلا يحتاج إلى رابط، وقد تقدم مثله في سورة يس، وأنّ جريان مثله في الاسم الظاهر الذي ليس بقول لم يذكره النحاة، والمعنى مثل الجنة وصفتها مضمون هذا الكلام. قوله:) وآسن) بوزن فاعل كآجن بمعنى متغير الطعم، والريح لطول مكث ونحوه، وماضيه أسن بالفتح من باب ضرب، ونصر وبالكسر من باب علم كما حكاه أهل اللغة، وقوله على معنى الحدوث خبر بعد خبر لقوله: آسن اسم فاعل لأنه يدل على الحدوث أو حال من الضمير المستتر في الخبر، ويقابله قراءة ابن كثير أسن بوزن حذر صفة مشبهة أو صيغة مبالغة فتدل على الثبوت. قوله: (لم يصر قارصاً ولا خازرا) أي حامضاً، والقارص بالقاف، والراء والصاد المهملتين نوع من الحموضة كأنها تقرص لسان الشارب بقبضه، والخازر بخاء معجمة، وزاي وراء من الخزر، وهو نوع من الحموضة أشذ منه بلذعه. قوله: (لذيذة لا يكون فيها كراهة) فهو صفة مشبهة كصيغته، ومذكرها لذ أو هو مصدر بتقدير مضاف أو بجعلها عين اللذة مبالغة على التجوّز فيه أو في الإسناد كما هو معروف في أمثاله، والغائلة بالغين المعجمة الآفة، والمكروه فغائلة الريح بمعنى رائحة مكروهة، وغائلة السكر إزالة العقل، وما يترتب عليه، والخمار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 بالضم صداعه والعلة على أنه مفعول له، والمعنى ما هو إلا لأجل اللذة لا صداع، ولا آفة من آفات خمور الدنيا فيه. قوله: (لم يخالطه الشمع) بفتح الميم، والعامّة تسكنها، وهو إما لحن أو لغة رديئة، وهو تفسير للتصفية فإنه معناها المعروف فلا وجه لما قيل إنه من قرينة المقام، والعطف على ما ليس من ألبان الدنيا، وخمورها، والمراد تصفيته مما يخالفه حتى يكون خالصاً. قوله: (وفي ذلك) أي في قوله فيها أنهار الخ، وقال لما يقوم الخ دون أن يقول تمثيل لا شربة الجنة، وإن كان أخصر لأن ما ذكر ليس من الأشربة المعهودة في الدنيا لكنها تشبهها بحسب الصورة، وقوله: بأنواع الخ متعلق بقوله تمثيل، وقوله: ينقصها من النقص المعنوي، وهو الاتصاف بما لا يحمد فيها كتغير اللون، والريح، وينغصها بالغين المعجمة أي يكدرها، وفي نسخة بالقاف فقط، وما يوجب غزارتها أي كثرتها، وهو جعلها جارية جري الأنهار من قوله أنهار، وكذا استمرارها فإنه حال أنهار الدنيا أو هو من الاسمية. قوله: (صنف الخ (يعني أنّ الجارّ، والمجرور صفة مبتدأ مقدر، وقوله على هذا القياس أي قيالى! ما مرّ من أنها مجرّدة عن كل منقص منغص دائمة كثيرة، وقيل: تقديره زوجان كقوله: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 52] وقوله: عطف على الصنف المحذوف أي على لفظ مصنف الذي هو مبتدأ مقدر، وقوله: لهم مغفرة إنما قدره لأن العطف يقتضي كون المغفرة لهم في الجنة وهي سابقة عليها فإمّا أن يعطف على المقدر بدون قيده، وهو قوله فيها، وهو خلاف الظاهر أو تجعل المغفرة عبارة عن أثرها من التنعيم أو مجازاً عن رضوان الله، وقوله: كمن هو خالد مرّ إعرابه. قوله: (مكان تلك الأشربة (إشارة إلى أنه تهكم بهم، وقوله ما الذي الخ إشارة إلى أنّ ذا اسم موصول هنا بمعنى الذي كما تقرّر في النحو، والمراد بالساعة الزمان الحاضر لأن تعريفها للعهد الحضوري كما في قوله الان، ويجوز أن يريد ما هو قبيله، وقوله: استهزاء علة لقالوا فإن الاستفهام يفيده بطريق المجاز أو هو استفهام فهو على حقيقته. قوله:) وآنفاً (اسم فاعل على غير القياس أو بتجريد فعله من الزوائد لأنه لم يسمع له فعل ثلاثيّ بل استأنف، وأتنف كما أشار إليه المصنف وقوله، وهو ظرف قاد الؤمخشرفي: إنه اسم للساعة التي قبل ساعتك التي أنت فيها من الأنف بمعنى المتقدم لتقدمها على الوقت الحاضر، وهو معنى قول المصنف مؤتنفا بمعنى مبتدأ ومتقدماً، وهو لا ينافي كونه اسم فاعل كما في بادئ فإنه اسم فاعل غلب على معنى الظرفية في الاستعمال كقولهم: بادئ بدء فلا عبرة بقول أبي حيان يتعين نصبه على الحالية، وانه لم يقل أحد من النحاة إنه يكون ظرفا أو هو بمعنى زمان الحال، وهو الموافق لقوله أوّلاً الساعة بحسب الظاهر المتبادر منه أو المراد به الحال التي أنت فيها من آخر الوقت الذي يقرب منك، وقو! هـ: قرئ أنفا أي بزنة حذر وهي قراءة ابن كثير. قوله: (فلذلك استهزؤوا الخ! أي على اللف والنشر لتفسيري قوله: ماذا قال آنفا لأنّ الإشارة لهؤلاء المارّ ذكرهم، وقوله: والذين اهتدوا يحتمل الرفع والنصب، وهدى إمّا مفعول ثان لأنّ زاد قد يتعذى لمفعولين، وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون تمييزاً وقوله: زادهم الله على أنّ الفاعل ضمير يعود على الجلالة السابقة وهو الظاهر، وقوله: أو قول الرسول معطوف على الله فالضمير يعود على قولهءسنرو المفهوم من قوله: يستمعون إليك، وماذا قال ولكونه خلاف الظاهر أخره ولأنه واقع في مقابلة طبع القلوب فالأولى أن يتحد الفاعل فيهما، وأمّا كون الإسناد مجازياً فلا بأس به بل هو أبلغ إذا كانت قرينته ظاهرة، وكونه لاسنهزاء المنافقين بعيد جداً، ولذا تركه وإن ذكره الزمخشريّ، وقوله: بالتوفيق الخ هو عاثم لكل ما وفقوا له حتى استماع قول الرسول. قوله:) بين لهم ما يتقون الخ) فال الشارح الطيبي: إنّ هذه السورة روعي فيها التقابل، وآتاهم تقواهم في مقابلة اتبعوا أهواءهم فالظاهر أنه ليس من ارتكاب الهوى، والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوفي فيكون ببيان الله، أو إعانته فالإيتاء مجاز عن البيان أو الإعانة أو هو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أو فيه مضاف مقدر، وهذا لا يخالف مذهب أهل الحق كما توهم ولو فسر بخلق التقوى فيهم كان أظهر، وقوله: فهل ينتظرون تفسير لينظرون. قوله: (كالعلة له (أي لما قبله من الانتظار لأن ظهور أمارات الشيء سبب لانتظاره، وإنما قال كالعلة لأنّ المقصود البدل، وبغتتها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 لا تناسب مجيء أشراطها إلا بتأويل فتأمّل. قوله:) شرط مستأنف (فالوقف على الساعة، وقوله: جزاؤه فأنى الخ لم يجعله قوله فقد جاء أشراطها لأنه غير ظاهر، وهو كما أشار إليه متصل بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول، ولذا قال لأنه الخ، وقوله: أماراتها تفسير لقوله: أشراطها لأنه جمع شرط بالفتح، وهو العلامة وقوله: والمعنى أي على قراءة الشرط، وقوله: كمبعث النبيّ الخ هو مصدر أو اسم زمان، وهو لكونه خاتم الرسل، وشريعته آخر الشرائع كانت بعثته علامة للساعة كما ورد في الحديث: " بعثت أنا والساعة كهاتين " وانشقاق القمر من علاماتها لقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [سورة القمر، الآية: ا] وسيأتي بيانه، وقوله: فكيف جواب الشرط، وقوله: وحينئذ لا يفرغ له أي لا يتفرّغون للتذكر، ولا ينفعهم إذا جاءتهم، وفي قوله إذا إشارة إلى أنّ للشك في الأصل، ومجيثها متيقن فهي بمعنى إذا، والشك تعريضا بهم، وأنهم في ريب منها أو لأنها لعدم تعيين زمانها أشبهت المشكوك فيه، وإذا جاءتهم باعتبار الواقع فلا تعارض بينهما كما توهم في النظرة الحمقاء، ولا حاجة إلى القول بأنها متمحضة للظرفية، وفيه إشارة إلى أنّ مجرّد جواز الوقوع كاف في التنبيه والتذكير قبل مجيئها فكيف مع القطع، وقوله: لا يفرغ الخ فعل مجهول من الفراغ، وهو المراد من الجواب وأنى لهم ذكراهيم مبتدأ، وخبر وإذا جاءتهم اعتراض بينهما. قوله: (أي إذا علمت سعادة المؤمنين الخ) يعني أن هذه الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر معلوم مما مرّ من أوّل السورة إلى هنا من حال الفريقين وقو! ء: فأثبت ا! خ إلثارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم! الم بوحدانيته فأمره مؤوّل بالثبات، وهو أيضاً معلوم لكنه تذكير له بما أنعم الله عليه توطئة لما بعده، وجعل الأمر بالاستغفار كناية عما يلزمه من التواضع، وهضم النفس، والاعتراف بالتقصير لأنه معصوم أو مغفور لا مصرّ ذاهل عن الاستغفار، والتحقيق أنه توطئة لما بعده من الاستغفار لذنوب المؤمنين فتأمّل. قوله: (ولذنوبهم) تفسير لحاصل المعنى، وتوطئة لما سيأتي وقوله، والتحريض الخ فطلب الغفران على ما قبله الدعاء بالمغفرة وهو ظاهر لأنه طلب لها، وعلى هذا طلب سبب المغفرة كأمرهم بالتقوى، ونحوه وفيه جمع بين الحقيقة، والمجاز وهو جائز عنده، وقوله: وفي إعادة الجار الخ أي مع أن العطف على الظاهر لا يلزم فيه ما ذكر، وقوله: وحذف المضاف هو ذنوب، وقوله: إشعار بفرط احتياجهم لتعليق الاستغفار بذواتهم كأنها عين الذنوب، وكثرتها من التعليق بالذات، وعدم ذكرها، وقوله: فإنّ الخ هذا هو الجواب في الحقيقة يعني أعيد الجار لأنّ ذنوبهم جنس آخر غير ذنب النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ ذنوبهم معاص كبائر، وصغائر وذنبه ترك الأولى، وقوله: فإنّ الذنب تعريفه للعهد أي المذكور في الآية مضافاً للكاف، وهو ما صدر عنه، وفي عبارته نوع ركاكة لكن مرإده ظاهر. قوله: (فإنها مراحل الخ) بيان لوجه تخصيص المتقلب بمعنى محل الحركات بالدنيا فإنّ كل أحد دائما متحرّك فيها نحو معاده غير قار كما في الآخرة، ولذا خص المثوى بالعقبى، وهي الآخرة وبين وجهه أيضاً بقوله: فإذا دار إقامتكم وقوله: فاتقوا الله الخ إشارة إلى أنّ المراد من علم الله بممرّهم، ومقرهم تحذيرهم من جزائه، وعقابه على طريق الكناية. قوله: (هلا الخ) يعني لولا هنا تحضيضية لا امتناعية، وقوله: مبينة لا تشابه فيها هذا هو أحد معاني المحكم، وتكون بمعنى غير منسوخة وبه فسره الزمخشريّ لأنّ آيات القتال كذلك إلى يوم القيامة، وقوله: الأمر به فالأمر بالذكر ذكر خاص. قوله: (وقيل نفاق الأنه اشعمل بمعناه في صفة المنافقين كما مرّ في سورة البقرة، ومرضه هنا قيل لأنّ قوله الذين آمنوا يأباه لأنّ المنافقين كفرة فإن جعل بحسب ما يظهر من حالهم للناس بقرينة لعنهم بعده فلا بأس به، والقول بأنه على تقدير الإفساد، وقطع الرحم، وأنّ الفسقة من غير تعيين قد يلعنون خلاف الظاهر فلا يصلح مرجحا فأعرفه، وقوله نظر المغشيّ الخ شبه نظرهم بنظر المحتضر الذي لا يطرف بصره. قوله: (فويل لهم) تفسير للمراد منه، وبيان لحاصل معناه، وقوله: أفعل من الولي الخ اختلف فيه بعد الاتفاق على أنّ المراد به التهديد، والوعيد على أقوال فذهب الأصمعي إلى أنه فعل ماض بمعنى قارب، وقيل قرّب بالتفعيل كما سيأتي في سورة القيامة ففاعله ضمير يرجع لما علم منه أي قارب هلاكهم، واكثر أنه اسم تفضيل من الولي بمعنى القرب، وقال أبو عليّ: إنه اسم تفضيل من الويل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 والأصل أويل فقلب فوزنه أفلع وردّ بأنّ الويل غير متصرف، وأنّ القلب خلاف الأصل، وفيه نظر وقد قيل إنه فعلى من آل يؤول كما سيأتي، وقال ابرضي: إنه علم للوعيد وهو مبتدأ لهم خبره، وقد سمع فيه أولاة بتاء تانيث، وهو كما قيل يدل على أنه ليس بأفعل تفضيل، ولا أفعل فعلى، وأنه علم وليس بفعل بل مثل أرمل وأرملة إذا سمي بهما فلذا لم ينصرف، ولا اسم فعل لأنه سمع فيه أولاة معربا مرفوعاً، ولو كان اسم فعل بني، وفيه أنه لا مانع من كون أولاة لفظاً آخر بمعناه فلا يرد شيء منه عليهم أصلا كما جاء أوّل أفعل تفضيل واسم ظرف كقبل، وسمع فيه أوّلة كما نقله أبو حيان فلا يرد النقض به كما لا يخفى. قوله: (الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه) هذا إذا كان من الولي بمعنى القرب، ومعنى يليهم يتصل بهم ويلزمهم، وقوله: يؤول إليه أمرهم أي يرجع إلى المكروه، وهذا إذا كان من آل فهو في الأصل دعاء عليهم بأن يرجع أمرهم إلى الهلاك، والمراد أهلكم الله ففيه لف ونشر مرتب. قوله: (استئناف الا متصل بما قبله على تقدير لهم طاعة على أحد الأقوال فيه، وهو على هذا إمّا خبر مبتدأ مقدر أي أمرهم الخ أو مبتدأ خبره مقدر وهو خيراً وأمثل أو نحوه، وإذا كان حكاية لقولهم قبل الأمر بالجهاد فلا يقدر فيه، إلا بحسب الأصل أي أمرنا طاعة، ونحوه، وقوله: جد من الجد وهو الاجتهاد. قوله: (وعامل الظرف محذوف القيام قرينة السياق عليه، وهو جواب إذا على القول بأنه هو العامل فيها، وتقديره ناقضوا ما مرّ عنهم أو نكصوا وجبنوا، ونحوه وكذا إذا قيل العامل صدقوا لأنّ جملة فلو صدقوا جوابها، ولا يضر اقترانها بالفاء، ولا عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرحوا به، وقوله من الحرص الخ هو لف ونشر على تفسيري المرض السابق. قوله: (فهل يتوقع منكم (يعني أنّ الاستفهام يدخل على الخبر للسؤال عن مضمونه، وعسى وإن كان إنشائياً مؤوّل بالخبر أي يتوقع، وينتظر والمتوقع كل من يقف على حالهم لا الله تعالى إذ لا يصح منه تعالى، وقوله: أمور الناس مفعول توليتم المقدر على أنه من الولاية، ولذا فسره بقوله: تأمرتم من الإمارة وما بعده على أنه من التولي بمعنى الإعراض عن الإسلام بناء عى تفسير المرض الأوّل، وعلى الثاني تفسير باً لإعراض عن امتثال أمر الله في القتال فالإفساد عدم معونة المسلمين، وقطع الأرحام بذلك أيضا، وقد مز ما له وما عليه، وقوله: تناحرا بالحاء المهملة تفاعل من النحر بمعنى الذبح، والمراد به التخاصم الشديد والحرص، وهو منصوب على أنه مفعول له أو ظرف على معنى في، والتغاور بالغين المعجمة تفاعل من الغارة. قوله: (والمعنى (يعني على المختار في تفسير المرض، وحرصهم على الدنيا من قوله نظر المغشي الخ، وقوله: يتوقع إشارة إلى تأويله بالخبر، وقوله: من عرف إشارة إلى أنه لا يصح على الله فهو مؤوّل بهذا وقوله: لغة الحجاز هي إلحاق الضمائر به كما في سائر الأفعال المتصرفة، وتميم لا تلحقها به، وتلتزم دخولها على أن، والفعل فعلى الأوّل يقال الزيدان عسيا أن يقوما، وعلى الثاني كسى أن يقوما. قوله:) وإن توليتم اعتراض (هذا هو الظاهر، والجواب محذوف يدلّ عليه ما قبله، وهو أظهر من الحالية التي توهمها بعضهم أولى فإنّ الشرط بدون الجواب لم يعهد وقوعه حالاً في غير أن الوصلية، وهي لا تفارق الواو، وقوله: توليتم أي مجهولاً، وقوله: تقطعوا من القطع معطوف على توليتم أي قرئ من الثلاثي أو من التفعل، وهو لازم، وأرحامكم منصوب بنزع الخافض أي في أرحامكم، وقراءة الأصل من التفعيل وقوله: سبيله أي إلى لممبيله. قوله. (يتصفحونه (التصفح التاً مّل لا مطلق النظر كما في القاموس فإنه غير مناسب هنا، وما فيه الخ عطف تفسير لأنّ المراد بتأمّله تأمّل ما فيه مما ذكر فإن قلت لم غاير بين الفعلين ولم يقل أصمّ آذانهم أو أعماهم قلت: لأنه إذا ذكر الصمم لم يبق حاجة إلى ذكر الآذان، وإن كان مثله يضاف إلى العضو، والى صاحبه فيقال عىب زيد، وعينه ومثله لا يكفي في بيان النكتة كما توهم لأنّ السؤال باق وأمّا العمى فلشيوعه في البصر، والبصيرة حتى قيل إنه حقيقة فيهما فإذا كان المراد أحدهما حسن تقييده، وما قيل لا يلزم من ذهاب الأذن ذهاب السماع فلذا لم يتعرّض له، ولم يقل أعماهم لأنه لا يلزم من ذهاب الأبصار من العين ذهاب الأبصار لا معنى له، ولا طائل تحته. قوله: (لا يصل إليها ذكر الخ (يعني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 إنه تمثيل لعدم وصول التذكير، وانكشاف الأمور، ولكونه في قوّة ما ذكر تكون أم واقعة بين متساويين كأنه قيل: أفلا يتدبرون القرآن إذ وصل لهم أم لم يصل لهم فتكون أم متصلة على مذهب سيبويه، وهو الظاهر لا أنه بيان لما يتفرع على أفعال القلوب، ولذا قال بعده، وقيل أم منقطعة الخ إشارة إلى ترجيح الاتصال بالتأويل المذكور، وقوله: ومعنى الهمزة لتقديرها ببل، وهمزة عند الجمهور. قوله: (قلوب بعض منهم (بمن التبعيضية إشارة إلى أن تنكيره للتبعيض أو التنويع كما قيل، وقيل إنه اسم مفعول من الإبهام صفة بعض لا جار، ومجرور، وإن كان هو المتبادر لأنّ تعريف القلوب سواء كان باللام أو الإضافة يفيد كون المراد قلوب بعض منهم، وأنما الفرق بين تعريفها، وتنكيرها بالتعيين، والإبهام ولا يخفى أنه لا فرق بينه، وبين ما يليه، وقوله: لإبهام أمرها في القساوة أي لشدته حتى كأنه لا يمكن معرفته، والوقوف على حقيقته فيها وقوله، ونكرها أي كونها منكرة من بين القلوب لا تناسب شيئاً منها حتى لا تعد من القلوب، وتوله كأنها الخ لف ونشر مرتب فمبهمة ناظر لإبهام أمرها، ومنكرة لفرط جهالتها ونكرها، وقيل إنّ فرط جهالتها سرى إليها فكانت مجهولة، ولا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع، وليس في الكلام ما يدلّ عليه. قوله: (وإضافة الأقفال الخ (يعني أنّ القلوب لا أقفال لها في الحقيقة كالأبواب، والخزائن، والصناديق فكان ينبغي أن لا تضاف لها فأجاب بأن المراد بها ما يمنع الوصول إليها مجازاً، وهو أمر خاص بها فلذا أضيفت لها ليفيد ذلك االاختصاص المميز لها عما عداها، وللإشارة إلى أنها لا تشبه الأقفال المعروفة إذ لا يمك! فتحها أبداً، وقوله: على المصدر بكسر الهمزة على الأفعال. فوله:) إلى ما كانوا عليه الض (تفسير لقوله: على أدبارهم لأنه بمعنى الرجوع إلى خلف، والسول بفتحتين كما هو بف! مط القلم في النسخ الاسترخاء استعير للتسهيل أي لعده سهلا هينا حتى لا يبالي به كأنه شبه بإرخاء ما كان مشدودا. قوله: (وقيل حملهم على الشهوات) يعني أن التفعيل للحمل على معنى المصدر كغرّبه إذا حمله على الغربة فسوّله حمله على سؤله، وهو ما يشتهيه ويتمناه فالسؤال بمعنى المسؤول، وما ذكره توطئة لما ذكره الزمخشري لا توجيه للاشتقاق، ودفع للاعتراض كما توهم، واليه أشار بقوله، وفيه أن السول الخ يعني أنّ السؤل بمعنى المتمني المسؤول من السؤال فهو مهموز والتسويل واوي فكيف يصح ما ذكر، والحاصل أنه لا يناسبه لا لفظا، ولا معنى فإنّ هذا واوي، وذاك مهموز، والتسويل التزيين، والمسؤول المشتهي، والمتمني فقول ابن السكيت أنه مشتق منه خطأ. قوله: (ويمكن رده بقولهم هما يتساولان (يعني أنّ السول من السؤال! ، وله استعمالان فيكون مهموزاً، وهو المعروف ومعتلا يقال: سال يسال كخاف يخاف، وقالوا: منه يتساولان بالواو فيجوز كون التسويل من السول على هذه اللغة أو هو على المشهورة خفف بقلب الهمزة واوا ثم التزم تخفيفه، وكم من عارض يلتزم ويستمرّ حتى يصير كالأصليّ كما قرّروه في تدير وتجيز، وفي جمع عيد على أعياد إلى غير ذلك من نظائره، وأمّا عدم المناسبة المعنوية فأشار إليها المصنف أوّلاً بقوله: حملهم على الشهوات فعلى هذا القول يكون هذا معناه، وهو صحيح واضح، وقوله: وقرئ سوّل أي ببناء المجهول، والتوجيه ما ذكر، ويحتمل تقديره سول كيده فحذف، وقام الضمير مقامه فارتفع قيل، وهو أولى لأنه تقدير في وقت الحاجة. قوله: (ومدّ لهم في الآمال والأماني) بالتخفيف، والتشديد ومعنى المد فيها توسيعها، وجعلها ممدودة بنفسها أو زمانها بأن يوسوس له بأنك تنال! في الدنيا كذا ويكون ذلك في الآخرة، ونحوه مما لا أصل له حتى يعوقه عن العمل، وقوله: أمهلهم الله على أنّ الفاعل ضمير عائد على اسمه تعالى، ولما فيه من التفكيك أيده بقراءة يعقوب أملى بصيغة المضارع المتكلم فإنّ ضميرها لله بلا مرية، والأصل توافق القرا آت إلا أن يجعل مجهولاً من مزيده سكن آخره للتخفيف كما قيل. قوله: (فتكون الواو للحال) يعني في قراءة يعقوب، ويقدر له مبتدأ لئلا يكون شاذاً كقمت، وأصك وجهه، ويحتمل أنه على تقدير عود الضمير دلّه أيضاً، وقوله: وهو أي المفعول القائم مقام الفاعل ففيه استخدام، والمعنى أمهل الشيطان لهم أي جعل من المنظرين إلى يوم القيامة لأجلهم ففيه بيان لاستمرار ضلالهم، وتقبيح حالهم لا وجه لما قيل إنه لا معنى له، وقوله: أو لهم أي القائم مقامه لفظ لهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 وهو الجار والمجرور، والمعنى مذ لهم في أعمارهم. قوله: (في بعض أموركم) أي شؤونكم، وأحوالكم فالأمر واحد الأمور، وقوله: أو في بعض الخ على أنه واحد الأوامر ضد النهي، وقوله: كالقعود الخ قيل إنه لف ونشر على ترتيب الوجوه الثلاثة في تفسير الذين، وفيه بحث ظاهر، وقوله في الخروج الخ إشارة إلى قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [سورة الحشر، الآية: 11] وقوله: والتظافر في بعض النسخ بالظاء المشالة المعجمة تفاعل من الظفر، وهو الغلبة، وفي بعضها بالضاد المعجمة، وهو قريب منه إذ معناه التعاون، والتعاضد ومنه المضفيرة في الشعر لالتفاف بعضها ببعض، وقوله: أفشاه أي أظهره لتفضيحهم. قوله: (فكيف يعملون ويحتالون) فبعده فعل مقدر أو التقدير كيف حالهم، وقوله: ألمحذوف إحدى تاءيه فأصله تتوفاهم وقوله: تصوير الخ بيان لفائدة قوله: يضربون الخ، وهي جملة حالية يعني أنّ هذا التقييد تصوير، وابراز له بما يخافون منه، ويجتنبون عن القتال، والجهاد لأجله فإن ضرب الوجو.، والأدبار في القتال، والجهاد مما يخشى، ويجتنب. قوله: (ذلك إشارة إلى التوفي الخ) ولما كان اتباع ما أسخط مقتضياً للتوجه له ناسب ضرب الوجه، وكراهة رضوانه مقتضية للإعراض ناسب ضرب الدبر ففيه مقابلة بما يشبه اللف، والنشر وقوله من الكفر، وكتمان الخ على أن القائلين اليهود، وقوله: وعصيان الأمر على أنهم المنافقون ويندرج فيه الوجه الأخير، وكذا قوله ما يرضاه من الإيمان الخ. ففيه لف ونشر على الترتيب، وقوله: لذلك إشارة إلى ما تفيد. الفاء في قوله: فأحبط من تفرّعه على ما قبله، واحباط العمل بالكفر مما لا خلاف فيه، وأنما الكلام في الإحباط بالكبائر كما هو مذهب المعتزلة، وتفصيله في الكلام، وفي الكشاف، وشروحه هنا. قوله: (يبرز) أي يظهر، وفسر. به لاختصاص الخروج بالأجسام، والحقد العداوة لأمر يخفيه المرء في قلبه، وقوله: لعرّفناكهم إشارة إلى أنّ الرؤية علمية، ولو جعلت بصرية على أن المعنى تعرفهم معرفة متفرعة على رؤيتهم جاز، وقد كانت في الأوّل متفرّعة على تعريف الله فلا يقال عطف المعرفة عليه يقتضي أنها بصرية. قوله: (بعلاماتهم) إشارة إلى أنه في معنى الجمع لعمومه بالإضافة لكنه أفرد للإشارة إلى أنّ علاماتهم متحدة الجنس فكأنها شيء واحد، وقوله: جواب قسم محذوف، والجملة معطوفة على الجملة الشرطية، وأنما جعله جواب قسم للتأكيد لأنه يحسن في جواب القسم دون جواب لو. قوله: (ولحن القول أسلوبه الخ) يعني أنه أسلوب من أساليبه مطلقا أو المائلة عن الطريق المعروفة كأنه يعدل عن ظاهره من التصريح إلى التعريض، والإبهام، ولذا سمي خطأ الإعراب به لعدوله عن الصواب وليس من استعمال المطلق في المقيد كما قيل لأنه حقيقة عرفية فيه إلا أن يريد في غيره، أو في أصله، وما ذكر تمثيل لا حصر حتى يقال إن ما في الكشاف ما يشمل الكناية بأقسامها، والتلميح أولى مع أنه محل نظر. قوله: (فيجازيكم على حسب قصدكم) لأنّ ذكر علمه يكون كناية عن مجازاته كما مرّ، والمجزى عليه ما قصده، ونواه في كلامه، وسائر أفعاله لا ما عرّض أو ورّى به، وقوله: " إذ الأعمال " الخ هو من الحديث الصحيح المشهور ومعنى كونها بالنيات أنه يجازي عليها بحسب النية، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: " وإنما لكل امرئ ما نوى وليس أحدهما انسب من الآخر في هذا المقام " كما قيل. قوله: (بالأمر بالجهاد) كما يدلّ عليه نعلم المجاهدين، وسائر التكاليف الخ من قوله الصابرين فلذا قدره ليقابل ما بعده، وقوله: على مشاقها أي التكاليف. قوله: (ما يخبر به الخ) على أنّ المراد مطلق ما يخبر به عما عملوه، ولما كان البلاء يناسب الأعمالط قيل الأحسن أن يجعل كناية عن بلاء الأعمال، وإن كان حسن الخبر، وقبحه باعتبار ما أخبر به عنه فماذا تميز الخبر الحسن عن القبيح فقد تميز المخبر به عنه، ويصح أن يريد الكناية مما ذكر أو المراد ما يخبر به عن الإيمان، والموالاة على أنّ إضافته للعهد، وقوله على تقدير ونحن نبلو على أنه مستأنف، وهم يقدرون فيه مبتدأ كما مرّ، ويصح أن يكون منصوبا سكن للتخفيف وهو خلاف الظاهر، وقوله: قريظة أي بنو قريظة والنظير قبيلتان من اليهود الذين كانوا حوالى المدينة، والمطعمون مرّ تفسيرهم وتعيينهم، ويوم بدر وقعته، وأيام العرب شاعت في الوقائع، وتبين الهدى لهم علمهم يصدق الرسول في وما جاء به الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 بإعجاز القرآن، ومعجزاته كما كانوا يقرون به فيما بينهم. قوله: (وحذف المضاف) ، وهو رسوله لتعظيمه بجعل مضرّته، وما يلحقه كالمنسوب دثه فيدل على التعظيم باتحاد الجهة، وكذا التفظيع أي عده فظيعا عظيماً مهولاً حيث نسبه إلى الله ظاهراً، وقوله: وسيحبط السين للاستقبال لأنه في القيامة أو هي لمجرّد التأكيد على أنها حابطة الآن أي باطلة، وبين أنّ المراد ببطلانها عدم ترتب الثواب عليها، وقوله: بذلك أي الصدّ والكفر، والشقاق، ولا تثمر لهم إلا القتل كما وقع لبني قريظة، وأكثر قريش من المطعمين أو الجلاء كما وقع لبني النصير. قوله: (بما أبطل به هؤلاء الخ) توطئة للردّ على الزمخشري حيث استدلّ بالآية على مذهبه من أنّ الكبيرة الواحدة تبطل مع الإصرار الأعمال، ولو كانت بعدد نجوم السماء بأنه لا دليل فيها لأنه لما نهاهم عن إبطال الأعمال بعد الأمر بطاعة الله، ورسوله دلّ ذلك على أنّ المراد بالمحيط عدم طاعته ظاهراً أو باطنا بالكفر والنفاق، وهو ليس بمحل اختلاف أو المراد ب! بطال أعمالهم تعقيبها بما يبطلها كتعقيب العمل بالعجب به أو الصدقة بالمن، والأذى لأنه المتبادر منه، وللتصريح به في آيات، وآثار آخر فيحمل عند الإطلاق عليه كما أشار إليه في الكشف فلا وجه لما قيل لا دلالة في النظم على إحباط أعمال هؤلاء بمثلى العجب والرياء والمن، والأذى فتدبر، وقوله: وليس فيه دليل أي كما زعمه الزمخشري. قوله: (عام في كل من مات الخ) هذا إنما يتمشى إذا أريد بالصذ عدم الدخول في الإسلام كما مرّ في أوّل السورة والا فالعموم مع التخصيص به محل نظر، والقليب بئر طرح فيها قتلى بدر من المشركين، والدلالة بالمفهوم المذكورة بناء على مذهبه في الاستدلال به. قوله تعالى: ( {فَلَا تَهِنُوا} ) الفاء فصميحة في جواب شرط مفهوم مما قبله أي إذا علمتم أنه تعالى مبطل أعمالهم، ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا، والاخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفا، وقوله: ولا تدعوا إشارة إلى أنه مجزوم بالعطف على النهي، والخور بخاء معجمة وواو مفتوحة، وراء مهملة بزنة حسن ضعف القلب، واظهار العجز. قوله: (ويجوز نصبه بإضماو أن) بعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله كقوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله وقوله: ولا تدعوا أي بالتشديد فإنه يقال: اذعوا بمعنى دعوا كما مرّ واعادة لا هو ما في الكشاف، وما قيل إنها قراءة السلمي، ولم يعد فيها لا محل نظر فانها قراءة شاذة وقد يكون مثله رواية فيها، أو شهادة النفي غير مسموعة. قوله: (الأغلبون) فانّ العلوّ بمعنى الغلبة مجاز مشهور، وقوله: ناصركم فإنه لا يتصوّر في حقه المعية الحقيقية فيحمل في كل مقام على ما يلائمه. قوله تعالى: ( {وَلَن يَتِرَكُمْ} الخ) قيل إنه معطوف على قوله معكم، وهي وإن لم تقع استقلالاً حالاً لتصديرها بحرف الاسنقبال المنافي للحال كما صرّح به النحاة لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره فإن عطف على الجملة المصدرة بحرف الاستقبال فلا إشكال قيل، والمانع في مثله مخالفته للسماع، والا فلا مانع من كونها حالاً مقدّرة أو تجرّد لن لمجرّد النفي المؤكد، وفيه بحث. قوله: (ولن يضيع أعمالكم) بيان لمحصل المعنى المراد مته، وحقيقته أفردته ممن قرب منه بصداقة أو قرابة نسبية كما بينه المصنف أخذاً من الوتر بمعنى الفرد أي جعلته، وترا منه فهو متعد لمفعولين لتضمينه معنى السلب، ونحوه مما يتعذى لاثنين بنفسه، وفي الصحاح إنه من الترة، وانه محمول على نزع الخافض كأنه نقضه منه أو هو نظير دخلت البيت، وهو سديد أيضاً، ويجوز أن يكون متعديا لواحد، وأعمالكم بدل من ضمير الخطاب أي لن يفرد أعمالكم من ثوابها، وكلام المصنف محتمل لما ذكر، وهو أقرب لتعديه لواحد. قوله: (من قريب أو حميم) أي صديق بيان لقوله متعلقا بزنة المفعول، وقوله: من الوتر بفتح الواو مصدر، وبجوز كسرها والأول هو الأصح، وقوله: شبه به أي بالوتر إشارة إلى أنّ الاستعارة تبعية وقع التشبيه، والتصرّف في المصدر فشبه تعطيل العمل عن الثواب بالوتر أي قتل من ذكر، ويلزمه بطريق التغ تشبيه آخر، وقد جوّز فيه المكنية بأن يشبه العمل بلا ثواب بمن قتل قريبه، وحميمه ويتركم تخييلية، وقرينة لها، وتعطيل الثواب عدم ترتبه على العمل، وقوله: وأفراده عطف تفسير على تعطيل. قوله: (جميع أموالكم) إشارة إلى إفادة الجمع المضاف للعموم، وهو معطوف على الجزاء، والمعنى أن تؤمنوا لا يسألكم الجميع أي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 لا يأخذه منكم كما ياخذ من الكفار جميع أموالهم، ولا يخفى حسن مقابلته لقوله: {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي يعطيكم كل الأجور ويسالكم بعض المال، وقوله: كربع العشر إشارة إلى الزكاة، وما فصلى فيها. قوله: (فيجهدكم الخ) أي يشق عليكم طلبه للكل، واستأصله أخذ أصله وهو كناية عن أخذ الجميع، وقوله: فلا تعطوا إشارة إلى أنّ المراد من البخل عدم الإعطاء إذ هو أمر طبيعيّ لا يترتب عليه السؤال، وقوله: ويضغنكم أي يوقعكم في الضغن، وهو الحقد، والضمير في يخرج لله أو للبخل أو للسؤال ولا بعد فيه، وقوله: لأنه سبب الخ فالإسناد مجازيّ. قوله: (أي أنتم مخاطبون) وفي نسخة إنكم إشارة إلى أنّ ها مكرّرة للتأكيد داخلة على المبتدأ المخبر عنه باسم الإشارة، وقوله: الموصوفون أي بما تضمنه أن يسألكموها الخ فإنّ الإشارة تفيده كما مرّ تحقيقه في أولئك هم المفلحون فتذكره يعني أنّ هؤلاء المخاطبين هم الذين إذا سئلوا لم يعطوا وأنهم المفتضحون، وجملة تدعون الخ. مستأنفة مقرّرة، ومؤكدة لاتحاد محصل معناهما فإنّ دعوتهم للإنفاق هو سؤال الأموال منهم، وبخل ناس منهم هو بمعنى عدم الإعطاء المذكور مجملا أولاً. قوله: (أو صلة لهؤلاء) هكذا في الكشاف، وهو مذهب كوفيّ، ولا يكون عند البصريين اسم إشارة موصولاً إلا إذا تقدّمه ما الاستفهامية كماذا باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف فيه، وقوله: وهو يعم الخ لأنّ معناه إنفاق مرضيّ لله مثاب عليه مطلقا فيشمل كل ما كان كذلك كالنفقة للعيال، والأقارب واطعام الضيوف، وليس مخصوصاً بالغزو كما يتبادر مته، ولذلك صرح به المصنف، وقوله: ناس يبخلون إشارة إلى أنّ من تبعيضية، وقوله: كالدليل لم يجعله دليلاً لما يلزمه ظاهرا من إثبات الشيء بنفسه لأنه مقرّر له كما مرّ، ووجه كونه كالدليل لأنّ الناس، وكل جماعة منهم من يجود، ومن يبخل. قوله: (والبخل يعدى بعن وعلى) والثاني هو المشهور فيه، وقوله: لتضمنه إن أراد بالتضمن كونه في ضمن معنا. الوضعي فهو على حقيقته، وإن أراد التضمن المصطلح يجري فيه الأقوال السابقة، والظاهر هو الأوّل، والمعنى أنه يمسك الخير عن نفسه أو نحوه مما يناسب مقامه، وقوله: فما يأمركم الخ بيان لأنّ هذه الجملة مبينة مقرّرة لما قبلها، وقوله: ثم لا يكونوا الخ، ثم للتراخي حقيقة أو لبعد الرتبة عما قبله لأنّ الظاهر توافق الناس في الأحوال، والميل إلى المال، والزهد إذا تعدى بفي فمعناه الترك، والإعراض كما هنا. قوله: (لآنه سئل الخ) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره، وهو على شرط مسلم قال الشارح المحقق: حمل القوم على الملائكة بعيد في الاستعمال، وأمّا الحديث بعده فموضوع كنظائره، ثم مناسبة أوّل هذه السورة، وآخرها لما بعدها ظاهر منتظم غاية الانتظام فالحمد دلّه على حسن الختام، وعلى أفضل أنبيائه وأصحابه الكرام أفضل صلاة وسلام يتحلى بهما جيد الليالي، والأيام. سورة الفتح بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مدنية) قيل بلا خلاف وفيه نظر، وقيل: إنها نزلت بجبل قرب مكة يسمى ضجنان بضاد معجمة وجيم ونونين بزنة سكران، وقوله: نزلت في مرجع الخ قيل إنه خص هذه السورة ببيان وقت نزولها، وليس من دأبه، ولم يجر مثله في غيرها لدفع توهم كونها مكية لأنه صلى الله عليه وسلم كان بنواحي مكة وقت نزولها سوأء قلنا المدنيّ، والمكيّ بمعناه المشهور أولاً لا سيما وقد ذكر في الهداية أنّ بعض الحديبية من حرم مكة فلو لم يذكر أنّ نزولها بعد الرجوع ربما توهم أنها مكية على أحد الأقوال فيه، والخطب فيه هين. قوله تعالى: ( {إِنَّا فَتَحْنَا} الخ (أكده بأن والمخاطب هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يتوهم منه تردّد، ولا إنكار فيما أخبره الله به لأنّ التأكيد لا يلزمه ما ذكر فقد يكون لصدق الرغبة فيه، ورواجه عنده كما صرّح به التفتازاني مع أنه قد يجعل غير السائل كالسائل المتردد لوجوه لا تحصى، وأيضا التردّد لا يلزم أن يكون ممن ألقى إليه الكلام سواء كان تردّدا في وقوعه أو في تعيين زمانه كما وقع لعمر رضي الله عنه هنا. قوله: (وعد) الوعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 مخصوص بالخبر، وقد يرد لغيره مقيداً، وهو حقيقة أو مجاز على اختلاف فيه، وظاهر عطفه الإخبار عليه أنه عنده إنشاء، وقد مرّ في سورة الأنعام ما يخالفه وفيه اختلاف قيل، والكلام فيه مضطرب فإن قلنا إنه خبر عما يأتي تقيد قوله إخبار بأنه عما مضى حتى يصح التقابل، ثم إنه أورد على أنه إنشاء أنّ الإنشاء منحصر في الطلبي، والإيقاعي وليس واحداً منهما أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنّ مجرّد قولك! رمنك لا يقع به الإكرام، ولا يحصل، وقيل أصله إنشاء لإظهار ما في النفس مما يسر المخاطب، وما تعلق به وهو الموعود خبر كما قيل كان لإنشاء التشبيه، وهذا كله ناشئ من عدم فهم المراد منه فإن قيل المراد إكرام في المشقبل فهو خبر بلا مرية، وإن قيل معناه العزم على إكرامه، وتعجيل المسرة له بإعلامه فهو إنشاء فتدبر 0 قوله: (والتعبير عنه بالماضي لتحققه) هذا وجه الشبه المصحح والمرجح فإن أخباره تعالى كلها كذلك فهو لتسلية المؤمنين، وتعجيل مسرة البشارة بما هو محقق، ثم إنه على هذا استعارة تبعية، وقد قال السيد استعارة الفعل على قسمين أحدهما أن يشبه مثلاً الضرب بالقتل، ويستعار له اسمه، ثم يشتق منه قتل بمعنى ضرب ضربا شديدا، والثاني تشبيه الضرب في المستقبل بالضرب في الماضي في تحقق الوقوع فالمعنى المصدري موجود في كل من الطرفين لكنه قيد بقيد يغاير الآخر فصح لذلك اهـ، وقال بعض الأفاضل: يجوز أن يكون اشعارة الماضي للمستقبل تبعية بتشبيه الزمان المستقبل بالزمان الماضي في الظرفية لأمر محقق فلا حاجة إلى تكلف ما التزموه من تصحيحه بتقييد المصدرين بقيدين متغايرين كما مرّ فاكتفوا فيه بالتغاير الاعتباري دون الذاتي المعروف في أمثاله، وقال بعضهم: الداعي له أنّ الزمان مدلول الهيئة، وهي ليست بلفظ، والاستعارة تجري في الألفاظ، وهو ليس بصحيح فإنّ الخبر إذا استعمل مجازاً في الإنشاء كان التصرّف في الهيئة بلا كلام فما زعمه دليلاَ ليس بشيء، ثم إنّ المجاز المرسل في الأفعال لا يسمى تبعياً كما يعلم مما وجهوه فلا وجه للتوقف فيه، وأنما أرخينا عنان البيان هنا تبعاً لبعض علماء العصر، وتتميما للفائدة. قوله: (أو بما اتفق له الخ) قيل الظاهر تأخير التعليل، وهو قوله لتحققه عن قوله وفدك لأنه يعم الوجهين، وترك لفظ عنه (أقول) هو غفلة منه فإنهما وإن اشتركا في المجازية نوعان مختلفان فلا يصح نظمهما في سلك واحد إذ الأوّل استعارة، والثاني مجاز مرسل، وهو مجاز المشارفة أو الأوّل فإن أردت تفصيله فانظره في أنواع المجاز من الاتقان، وفي الباب الثامن من المغني فلله درّ المصنف ما أبعد مرماه وأدق نظره، وفي الكشاف عدة له بالفتج، وجيء به على لفظ الماضي على عادة رب العزة سبحانه في أخبار. لأنها في تحققها، وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة كأنه قال يسرنا لك فتح مكة اهـ، وأورد عليه أنه على رأي أهل السنة ظاهر لأنه إخبار بإيجاد الفتح، وتحصيله للرسول صلى الله عليه وسلم بل وقوعه بلفظ الماضي فكان وعداً به على أبلغ وجه، وأمّا على رأيه فدونه خرط القتاد لقوله الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره، وهو من أحوال البشر التي يمتنع إسنادها لضميره تعالى فيجب المصير إلى جعله مجازاً عن تيسيره، واقامة المسبب مقام السبب كقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} [سورة النحل، الآية: 98] وقد بينه حيث قال كأنه قال الخ فالظاهر حمله على التيسير أي التسهيل الحاصل وقت الإخبار لا الوعد بالفتح المتوقع فإنّ موسى عليه الصلاة والسلام سأله تعالى بقوله: يسر لي أمري أن يسهل أمره، وهو خلافته في أرضه، وما يصحبها كما مرّ، وقد أجيب إليه في موقف الدعاء بقوله: قد أوتيت سؤلك يا موسى، ولم يباشره بعد وحمله على الوعد بإيتاء السؤل له مع كونه خلاف الظاهر لا يجدي فيما نحن فيه إذ غايته كونه عدة بالتيسير المقارن للفتح لا عدة بالفتح نفسه إلا أن يكتفي بالعدة الضمنية المفهومة من تلك العدة أو من الأخبار السابق بالتيسير (أقول) الإسناد هنا مجازي من إسناد ما للقابل للموجد عندنا لأنه الفاعل الحقيقي لغة عند أهل اللسان وإن كان الفاعل في نفس الأمر هو الموجد كما زعمه المعتزلة فالإسناد مجازيّ عندنا، وعندهم فأشار العلامة إلى جهة التجوّز في الإسناد بقوله كأنه الخ، وليس بيانا للتجوّز في الفتح على أنه بمعنى التيسير كما توهمه وإن كان مجازا مرسلا لا استعارة كما صرّح به، وليس مثله إلا من قلة التدبر، وسوء الظن بالسلف قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 الأبهرقي في حاشية العضد الفاعل يجب أن يكون قابلا لفعله فإذا خلق الله شيئا في محل يقوم به يسند ذلك الشيء إلى محله، وإن لم يكن له مدخل في التأثير لا إليه تعالى الخ ما فصله فالعلامة مشى على الحق فيه فزعمه أنه ظاهر على رأي أهل السنة ظاهر البطلان، وكذا قوله الفتح عبارة عن التيسير، وما فرّعه عليه، وفدك بفاء مفتوحة، ودال مهملة مفتوحة، وكاف بلدة معروفة بخيبر، وقوله: لأنها في تحققها إلى قوله وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علوّ شأن المخبر ما لا يخفى قيل أي في مجيء المستقبل بصيغة الماضي لتنزيله منزلة المحقق ما لا يكتته كنهه لأنّ هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر عظيم لا يقدر على مثله إلا من له قهر وسلطان، ولذا ترى أكثر أخباى هـ على هذا النهج (أقول (هـ! فهمه من أنّ فخامته لا تستعمل إلا في أمر عظيم ليس كذلك، إذ اللازم تحقق الوقوع، ولذا لم يعرّج عليه أحد من شرّاحه فالوجه أنّ الفخامة لدلالته على كمال العلم وجلالة القدر حيث استوى عنده الحال، والاستقبال فيقع ما أراده البتة بن غير مانع لقضائه أو تردّد في إمضائه كما قيل، وما قيل عليه من أنّ الأخبار بفعل حادث يدل على علم المخبر بوقوعه الدال على قدرة فاعله قطعاً فإن كان ذلك قد وقع يكون مدلول الخبر مجرّد علم المخبر، وقدرته إن كان الفعل مسنداً إليه وقدرة غيره إن أسند للغير، وإن كان مستقبلاً لم يقع بعد فإن سيق على نهجه فما دل عليه الخبر من العلم أكمل من الأوّل لابتنائه على معرفة المباديء، والدلائل إن لم يكن ناشئا عن عادة فاشية أو قرائن غير خافية، وإن صرف عن نهجه، وأورد على لفظ الماضي، ولم يكن المراد تقريب المدة ولا الوقوع منوطا بالعادة أو المقدمات المعتادة فمرتبة العلم أعلى من الأوّل من حيث إنه ينبئ عن قوّة وثوق المخبر بالوقوع بحسب إحاطته بتعاضد الأسباب، والدلائل، وحال القدرة في الصور الثلاث واحدة هذا فيما يكون المخبر يجري عليه الزمان فإنه لا يعلم من الأزمنة، وما فيها من الحوادث يقيناً إلا ما دخل تحت الوجود بالفعل لأن في غيره لا يؤمن احتمال الخطا في ترتيب مباديه اللائقة، والمدافعة من الأموو العائقة وأمّا إذا كان المخبر هو العليم الخبير، والمخبر به فعل مستقبل عبر عنه بلفظ الماضي يدل ذلك حتما على كمال علمه تعالى لابتنائه على كمال إحاطته بجميع أحوال الوجود، وأحوال كل موجود، وتفاصيل المبادي المؤدّية إلى ذلك، وعلى أنّ الحال، والاستقبال بالنسبة إليه سيان، وما سيكون كما قد كان، ثم إن كان الفعل مسندا له تعالى كما هنا أو متعين الإسناد له كقضي بينهم دل على كمال قدرته أيضاً لإيذانه بأنه لا يتخلف عنه مقدور، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور فكلما أراد وجد، وأما المسند لغيره كنادى أصحاب الجنة فالدلالة على كمال العلم، وهو كاف في الفخامة، والدلالة على علوّ شأن المخبر أمّا كمال القدرة فلا لما عرفت أنه إنما يدلّ على قدرة الفاعل لا المخبر فضلاً عن كمالها، وإسناد جميع الأفعال من حيث الخلق إليه تعالى وإن لا تأثير للقدرة الحادثة، وإن أغضينا عن مخالفة زعم المصنف المستفاد من مباد أخر فلا دلالة للخبرمن حيث هو عليه، ولا للتعبير المذكور قطعاً، والاعتذار بأن كمال العلم المتعلق بفعل الخبر إنما يكون بامتناع عدم مطابقة الخبر للواقع قطعاً، وذلك إنما يتحقق بانسداد جميع أنحاء عدم ذلك الفعل، ولا يتصوّر ذلك مع إمكان تعلق قدرة الفاعل بعدمه إلا بأن تكون جميع القوى، والقدر مقهورة لقدرته، وذلك معنى كمالها فما دل على كمال علمه دل على كمال قدرته غلوّ في الاعتساف، وما ذكره السعد إنما يستقيم فيما أسند الفعل فيه إليه تعالى كما هنا ولعله جعل ذلك إشارة إلى ذلك، وليس كذلك أو اكتفى في تحقق الدلالة المذكورة في المطلق فتحققها في بعض الصور أي ما أسند له تعالى (أقول) ما ذكره وإن تراءى في بادئ النظر غير وارد لأنّ كمال القدرة أشار المحقق لتفسيره بقيد الحيثية، وأوضحه بما يقطع عرق الشبهة بقوله: بحيث الخ يعني أنّ كمال القدرة هنا باعتبار أنّ شيئا لا يتخلف عن مراده سواء كان فعلاً له بالذات أو لا ودلالته على ذلك ظاهرة أمّا عندنا فلقدرته على إيجاده في أيّ زمان أراد بحيث لا يمنعه مانع، وأمّا عند الزمخشري فلأنه مسبب الأيى باب، ورافع الموانع والتمكين منه بيد قدرته منوط فبعد التصريح بهذا كيف يتوجه ما أراد أو يغفل عن المراد، وهو عجيب مته، ولا يصح حمل ما في الكشاف على تفصيله مع قوله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 عادة الله في أخباره، وشأن المخبر دون أفعاله وشأن الفاعل فتدبر. قوله: (أو بما اتفق له في تلك السنة الخ) (أتول (هكذا وقع في كتب الحديث أيضاً كما ذكره البغوي مسنداً، وهو معارض لقوله في تفسير قوله: سيقول المخلفون الخ. يعني مغانم الخ فلا يكون في تلك السنة، ويدفع بأنّ التاريخ الذي جعل فيه رأس السنة المحرّم محدث في زمن عمر وضي الله عنه كما في التواريخ الصحيحة، وكان التاريخ في بدء الإسلام بمقدمه صلى الله عليه وسلم للمدينة، وهو في ربيع الأوّل فهو رأس السنة كما في النبراس، وقال ابن القيم: قال مالك: كان فتح خيبر في السنة السادسة، والجمهور على أنه في السابعة، وقطع ابن حزم بأنها كانت في السادسة بلا شك، والخلاف مبنيّ على أنّ أوّل السنة هل هو ربيع الأوّل شهر مقدمه المدينة أو المحرّم وللناس فيه طريقان (قلت) والأوّل هو المصرّح به في الأحاديث الصحيحة وعليه ينبني ما هنا فأعرفه. قوله: (أو أخبار) ظاهره أنّ ما قبله ليس بإخبار وقد مرّ ما فيه، وما قيل من أنّ ما ذكره في تعليل الفتح بالمغفرة لا يجري هنا، ولذا أشار لمرجوحيته ليس بشيء لما أسنده البخاريّ عن البراء رضي الله عنه أنه تال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحتاها فلم نترك منها قطرة فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بماء فتوضأ ثم تمضمض، ثم صبه فيها إلى آخر القصة، وأيضا هو غفلة عن قوله بعد هذا وإنما سماه فتحاً لأنه كان بعد ظهوره الخ، ولا يخفى ما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وبه يتجه كون الفتح علة للمغفرة حينثذ كما لا يخفى. قوله: (وظهر له في الحديبية آية عظيمة الخ) قيل: لا يظهر له مدخل في تسمية صلحها فتحاً وليس بشيء لما سمعنه من حديث البخاري، وفي هذه المعجزة العظيمة من الظهور على المشركين ما اقتض الصلح ومناسبته للفتح في غاية الظهور لما فيهما من جامع الظهور، وقد ظهر ببركته الماء في البئر وفي البخاركط إنه نبع من بين أصابعه بوو في الركوة ولا منافاة بينهما لجواز وقوع كل منهما كما في شرح الكرماني. قوله: (وتسبب لفتح مكة) إشارة إلى أنه مجاز مرسل سمي فيه السبب باسم المسبب، وقد كان فيما قبله على الاستعارة بتشبيهه بالفتح، وقيل إنه على عكس هذا لكون الصلح مسببا عن الفتح والظهور على المشركين وفيه نظر، وقوله: أو فتح الروم الخ أشار بقوله: وقد عرف كونه فتحاً إلى وجه التجوّز فيه وتسميته فتحاً لأنّ فيه معجزة له لأنه أخبر عن الغيب فتحقق ما أخبر به في عام الحديبية ولأنه يقال به لغلبة أهل الكتاب المؤمنين، وفي ذلك من غلبته وظهور أمره ما هو بمنزلة الفتح ففي الفتح استعارة لتشبيه ظهوره بالفتح ويحتمل أن يبقى على حقيقته أي فتحنا على الروم لأجلك، وقوله: فتحا للرسول يأباه. قوله: (وقيل الفتح بمعنى القضاء) أي حكم الله والفتح يكون بهذا المعنى في اللغة، ومنه يقال للقاضي فتاح ومرّضه لبعده وعدم ما يدلّ عليه هنا. قوله: (علة للفتح) قيل قصد به الردّ على الزمخشويّ حيث جعل فتح مكة علة للمغفرة، وفيه بحث من وجوه أمّا أوّلاً فلأنّ التعليل الذي ذكرء المصنف لا يفيد إلا علية الفتح للمغفرة كما قاله: وأمّا ثانياً فلأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالإغراض على مذهب أهل الحق فاللام للعاقبة أو لتشبيه مدخولها بالعلة الغائية في ترتبه على متعلقها فكان تعبير الزمخشريّ أوفق للمذهب الحق، وأمّا ثالثاً: فلأنّ الغاية لها جهتا علية ومعلولية على ما تقرّر فلا لوم على من نظر إلى جهة المعلولية لظهور صحته، وهو كلام واهي ا! ناف متخلخل الأطراف إذ ليس في كلام المصنف ما يدل على الردّ بل هو تلخيص له بتغيير التعبير تفنناً كما هو دأبه أمّا الأوّل: فلأنه يصلح للعلية، والمعلولية كما اعترف به وصرّح به في الحواشي السعدية، وأمّا الثاني: فظاهر السقوط لتصريح المحققين بأنّ أفعاله تعالى وإن كانت لا تعلل بالأغراض يترتب عليها حكم ومصالح تنزل منزلة الأغراض، ويعبر عنها بما يعبر به عنها، وقد قال النسفيّ والكرماني: إنه لا يمتنع في بعض أفعاله تعالى، وأمّا الثالث: فعليه لا له. قوله: (من حيث إنه مسبب الخ (قيل يعني ما يكون سبباً وعلة للمغفرة ينبغي أن يكون فعلا من أفعاله، والفتح ليس كذلك بل هو فعل الله فكيف يكون سبباً لاستحقاق المغفرة، وأجاب بأنّ الفتح وإن كان فعله تعالى إلا أنه لصدوره بما وقع منه من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 الجهاد ونحوه من الأفعال الصالحة لأن تكون علة للمغفرة صح أن يجعل الفتح علة لها كأنه قيل إنا خلقنا فيك أسباب الفتح من الجهاد، والسعي في إعلاء الدين ليغفر لك الخ، ولا يخفى أن الفعل يسند حقيقة لمن قام به لا لمن أوجده كما مرّ مراراً فيقال تكلم زبد حقيقة لا تكلم الله وإن أوجد كلامه فيه والفتح الظفر بالبلد وهو صفة العبد قائمة به ولو كان فتحنا بمعنى خلقناكم لم يكن استعارة كما صرّج به المصنف بل مجازا مرسلا فليس المراد ما ذكره بل أنّ المغفرة إذا لم تكن بمحض فضله وترتبت على فعل من أفعال العبد فلا بدّ أن يكون عبادة فلذا جعله جهادا مثمرا لهذه الثمرة، وما ذكره هذا القائل بعيد عنه بمراحل، وفي الكشاف لم يجعل الفتح علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي المغفرة واتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين، وأغراض العاجل والآجل أن قال السعد رحمه الله حاصله أنّ الفتح لم يجعل علة لكل من المتعاطفات بعد اللام أعني المغفرة، واتمام النعمة والهداية والنصر بل لاجتماعها ويكفي في ذلك أن يكون له دخل في حصول البعض كإتمام النعمة والنصر العزيز، وتحقيقه أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك ويكون بمنزلة تكرير اللام، وعطف جار ومجرور على جار ومجرور وقد يكون للاشتراك في معنى اللام كجئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من أنعامك أي لاجتماع الأمرين، ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي هو لهما، وفيه أنه إذا كان المقصود بعضه فذكر باقيه لغو من الكلام فالظاهر أن يقال لا يخلو كل منها من أن يكون مقصودا بالذات، وهو ظاهر أو المقصود بعضه، وحينئذ فذكر غيره إمّا لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به، وترتبه عليه فيذكر للإشعار بأنهما كشيء واحد، والأوّل كقوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [سورة البقرة، الآية: 282] إلى قوله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى فليس الضلال علة بل التذكير متوقف عليه كقولهم أعددت الخشب ليميل الحائط فأدعمه كما حققه سيبويه وتبعه العلامة، ومثال الثالث لازمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه وليس ما نحن فيه من هذا القبيل، أو المقصود المجموع من حيث هو مؤوّل بما يكون كذلك كما هنا لأنّ جمع عز الدارين محصل مجموع الكلام والى الثاني أشار في دلائل الإعجاز بقوله: إذا عطف شيء على جواب الشرط فهو على ضربين أحدهما أن يستقل كل بالجزائية نحو إن تأتني أعطك وأكسك، والثاني أن يكون المعطوف بحيث يتوقف على المعطوف عليه كقولك: إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي إذا رجع استأذنت وإذا استأذنت خرجت اهـ، وقد علم مما مضى أنه غير مخصوص بالشرط، ولا بما ذكر فتأمّله فإنه مهمّ جدّاً قوله: (جميع ما فرط) بجعل المتقدم والمتأخر للإحاطة كناية عن الكل، وقوله: مما يصح الخ إشارة إلى أنه ليس بذنب حقيقي بل من قبيل حسنات الأبرأر سيئات المقرّبين لعصمة الأنبياء، وقوله: وضم الملك إلى النبوّة كأنه أراد بالملك فتح البلاد واجراء أحكامه فيها تسمحاً والا ففي الحديث: (1 ن الله خيره صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملكاً نبياً كسليمان وعبدا رسولاً فاختار أن يكون عبداً رسولاً ولم يرض الملك حتى لا يسمى خلفاؤه الراشدون ملوكاً فضلاَ عنه صلى الله عليه وسلم) ولذا قيل: إنه لا يقال في نعته إنه زاهد لأنه لم يختر الدنيا أصلا حتى يقال إنه زهد فيها، وهكذا ينبغي أن يعرف مقامه صلى الله عليه وسلم وفيه تفاسير أخر في الكشاف، وغيره لم يرتضها المصنف رحمه الله. قوله: (في تبليغ الرسالة الخ) فالهداية على حقيقتها فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ المراد زيادة الاهتداء أو الثبات عليه. قوله: (فيه عز ومنعة الخ) العزيز بحسب الظاهر هو المنصور فلما وصف به النصر أشار إلى أنه إمّ للنسبة، وإن كان المعروف فيه فاعل وفعال أو فيه تجوّز في الإسناد إذ هو من وصف المصدر بصيغة المفعولى لا الفاعل لعدم مناسبته للمقام وقلة فائدته إذ الكلام في شأن المخاطب المنصور لا المتكلم الناصر، ومنعة بفتحتين يكون مصدرا وجمع مانع بزنة كتبة، وقيل: هو بتقدير مضاف أي عزيز صاحبه قال الإمام: وذكر الجلالة إشارة إلى أنّ النصر لا يكون إلا من الله وهو من قوله تعالى: {مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ} [سورة آل عمران، الآية: 126] قال: لأنه لا يكون إلا بالصبر، وهو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 لا يكون إلا منه تعالى كما قال: {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ} [سورة النحل، الآية: 27 ا] لأنه بذكر الله الذي تطمئن به القلوب. قوله: (الثبات) هذا هو أرجح التفاسير وفسرت بالرحمة أيضاً وهكذا هو في كل سكينة وردت إلا ما في البقرة، وقوله: حتى ثبتوا وكان قلقهم لصدّ الكفار لهم عن البيت وقد ظنوا الرؤيا ناجزة كما ورد في الحديث، وسيأتي وتدحض بمعنى تزل وهو كناية هنا عن القلق. قوله: (يقيناً مع يقينهم) يعني أنّ الإيمان لما ثبت في الأزمنة نزل تجدّد أزمانه منزلة تجدده، وازدياده فاستعير له ذلك ورشح بكلمة مع، وعلى الثاني هو على حقيقته ومن قال: الأعمال من الإيمان، وهو يزيد وينقص لا يحتاج للتأويل ويحتمل أن يكون هذا مراد المصنف، وقوله فيسلط الخ هذا بالنسبة لجنود الأرض أو لمجموع جنود السماء والأرض لأنّ جنود السماء الملائكة ولا يجري فيها ذلك، وقوله: كما تقتضيه حكمته تنازع فيه الفعلان قبله. قوله: (من معنى التدبير) بيان لما إشارة إلى أنّ قوله ولله جنود السموات والأرض كناية عنه، وقوله: ليعرفوا الخ إشارة إلى أن العلة معرفة النعمة وشكرها لكنها لما كانت علة لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب كما في الكشاف، وقوله: ذلك إن كان إشارة إلى التسليط فهو عذاب دنيوي، وإن كان إشارة إلى إدخالهم الجنة فهو أخروي وتعليقه بفتحنا وأنزل مع تعلق اللام الأخرى به بناء على ما مرّ في البقرة من تعلق الأوّل به مطلقا، والثاني مقيذ أو بتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الفعلين إذ لا يتعلق بعامل واحد حرفا جر بمعنى واحد من غير اتباع، وقوله: أو جميع ما ذكر إمّا على التنازع أو التقدير أي بتقدير ما يشملها كفعل ما ذكر ليدخل الخ. قوله: (بدل الاشتمال) وهو ما كان بينه وبين المبدل منه ملابسة بحيث يدخل أحدهما على الآخر بوجه ما وشرط في الملابسة أن تكون بغير البعضية، والكلية وهل المشتمل الأوّل أو الثاني أو العامل أو معنى الكلام أقوال ارتضى الأخير منها في الإيضاح، والاشتمال هنا لأن إدخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وتعذيب الكفار مستلزم لزيادة الإيمان ومشتمل عليه فما قيل من أنّ الاشتمال باعتبار أنّ المؤمنين والمؤمنات يشمل المؤمنين لا وجه له فتأمل. قوله: (ينطيها) هو أصل معناه، ثم كني به عن محوها كالعفو وقوله: وعند حال من الفوز لأنه شأن صفة النكرة إذا قدمت عليها، وكونه يجوز فيه الحالية إذا تأخر عن قوله عظيماً لا ضير فيه كما توهم. قوله: (عطف على يدخل الخ) ذكر في المعطوف عليه وجوها وأشار إلى صحة العطف على الجميع سوى البدلية لما سيأتي وهو ظاهر إلا إذا تعلق بقوله: ليزدادوا ففيه نوع خفاء وتقريره كالأوّل لأنّ ازدياد إيمان المؤمنين مما يغيظهم أيضاً والغيظ بذلك كفر على كفر مقتض لتعذيبهم وعذاب الدنيا بأيدي المؤمنين، وإمّا تقريره بأنّ اعتقادهم أنه تعالى يعذب الكفار يزيد في إيمانهم لا محالة، وما أوود عليه من أنّ مدخول اللام يجب ترتبه على متعلقها في الخارج نلا يحسم الإشكال ولا يزيل الخفاء فلا وجه له تقرير، وايراداً لأنه لا دلالة في النظم على ما ذكره إلا إذا أوّل يعذب بيجزم باعتقاد أنهم معذبون، وهو في غاية البعد لكنه مترتب على زيادة الإيمان ولزوم الترتب المذكور التزام لما لا يلزم من غير قرينة فتدبر. قوله: (إلا إذا جعلته بدلاً الخ) فيه نظر لأنّ بدل الاشتمال تصححه الملابسة كما مرّ وازدياد الإيمان على التفسيرين مما يغيظهم فلا مانع منه على البدلية، وما قيل في توجيهه من أنّ المذكور في المعطوف يباين المؤمنين فلا يستقيم عطفه على بدل الاشتمال سهو ظاهر لأنّ بدل الاشتمال لا بد فيه من المباينة كسلب زيد ثوبه، وقوله: فيكون عطفاً على المبدل منه هكذا هو في النسغ المعتمدة وفي بعضها سقط منه منه فاحتاج إلى جعله من الحذف والإيصال كالمشترك أو أنّ البدل يكون بمعنى المبدل منه من أبدلته بغيره إذا نحيته ونحن في غنية عنه بما صح في النسخ. قوله: (ظن الأمر السوء) يعني أنّ المراد بالسوء الأمر الذي ظنوه وهو عدم النصرة، وقوله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [سورة الفتح، الآية: 6] إما إخبار عن وقوع السوء بهم أو دعاء عليهم وجملته معترضة، والدائرة مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل من دار يدور سمي به عقبة الزمان، والسوء بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة كرجل صدق، ويقال: رجل سوء ورجل السوء معرفاً ومنكرا وبالضم هو اسم مصدر بصعنى المساءة كما في الصحاح، وليس فيه حصر المضاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 إليه في المفتوح حتى يردّ عليه بقراءة دائرة السوء بالضم أو يردّ بأنّ ما نحن فيه من إضافة الاسم الجامد وما فيها من إضافة غيره وبينهما فرق ظاهر، ويرد عليه ظن السوء إلا أن يريد بالجامد اسم العين وقول المصنف غلب الخ يشير إلى أنه أكثرقي كما عرفت إلا أنّ قوله: وكلاهما في الأصل مصدر فيه لمخالفة إمّا لكلام الجوهريّ، وقد مرّ الكلام عليه مفصلا في سورة براءة. قوله: (والواو في الأخيرين الخ) يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال فلعنهم فاعد لهم لكنه عدل عنه للإشارة إلى أنّ كلاَ منهما مستقل بالوعيدية من غير اعتبار للسببية فيه. قوله تعالى: ( {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية) ذكره سابقا على أنّ المراد به أنه المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته فلذلك ذيله بقوله: عليماً حكيماً، وهنا أريد به التهديد بانهم في قبضة قدرة المنتقم فلذا ذيله بقوله عزيزا حكيما فلا تكرار، وقيل إنّ الجنود جنود رحمة وجنود عذاب والمراد هنا الثاني ولذا تعرّض لوصف العزة فتأمّل. قوله: (الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم الخ) إذا كان الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} [سورة الطلاق، الآية: ا] فهو تغليب ويكون النبيّ مخاطباً بالإيمان برسالته كسائرالمؤمنين وهو كذلك، وقال الواحديّ: هو على اللف والنشر فالخطاب في أرسلناك للنبيّ وفي لتؤمنوا لأمّته والتقدير فعل ذلك لتؤمنوا أو قل لهم لتؤمنوا لأنّ سماعهم مقصود وأورد عليه أنه مناف لقول الشريف في شرح المفتاح في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة هود، الآية: 23 ا] فيمن قرأ بتاء الخطاب بتغليب المخاطب على الغائب إذ عبر عنهم بصيغة موضوعة للمخاطب، ولا يجوز اعتبار خطاب من سواه بلا تغليب لامتناع أن يخاطب في كلام واحد اثنان من غير عطف أو تثنية أو جمع اه، وهذه القاعدة وإن قرّرها الرضي وغيره في مباحث اسم الإشارة فليست مطلقة كما يعلم من تتبع كلامهم بل هي فيما إذا لم يكن أحدهما بعضاً من الآخر فإنه حينئذ غير مغاير له بالكلية، وإن لم ينسلخ عنه معنى الخطاب كقوله: أحيا أباكن يا ليلي الأماديح قال المرزوقي خاطب الجماعة ثم خص واحدة منها وذكر له نظائر، وقال الرضي في التعجب لا يخاطب اثنان في حالة واحدة إلا أن ينمحي معنى الخطاب عن أحدهما وعلى الوجه الأوّل أحدهما بعض من الآخر وعلى الثاني هو عينه ادّعاء فلا تعدّد كما أشار إليه المصنف أو أنهم ليسوا مخاطبين في الحقيقة مخاطبهم في حكم الغيبة فاحفظه، ومنه تعلم أنّ ما تقدم كلام من لم يطبق المفصل في هذه القاعدة، وقد فصلناها في غير هذا الكتاب وأنه لا غبار عليه سوى عدم الفهم والقول بأنه ليس كلملاما واحداً لتقدير المعلل كما مرّ عن الواحدي لا حاجة إليه، ولا يلائم ما ذكره المصنف. قوله: (وتعزروه (من العزر وهو أحد معاني التعزير وفي نسخة وتقوّوه فعزره بمعنى أيده وقوّاه، وهذا على المختار من رجوع الضمائر كلها لله لا إنّ الأوّلين للرسول والأخير لله لما فيه من التفكيك، وقوله: أو تصلوا له فإن التسبيح يطلق على الصلاة لاشتمالها عليه، وبه فسر ابن عباس رضي الله عنه هنا وقوله: غدوة وعشياً على الوجهين بإبقائه على ظاهره، وقوله: أو دائما بجعل طرفي النهار كناية عن الجميع كما يقال شرقاً وغرباً لجميع الدنيا. قوله: (لأنه المقصود ببيعته) توجيه للحصر بأنه باعتبار المقصود لأنّ المقصود من بيعة الرسول واطاعته إطاعة الله وامتثال أوامره لقوله: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [سورة النساء، الآية: 80] فبيعة الله بمعنى طاعته مشاكلة أو هو صرف مجاز. قوله: (حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل الا يخفى ما في الحالية لعدم اقتران الاسمية بالواو وقد أباه المصنف ومرّ توجيهه فتذكر. وهو حال من الفاعل، وقيل: هو خبر بعد خبر والتأكيد ظاهر لأنّ قوله: يد الله الخ عبارة عن المبايعة، وفي الكشاف لما قال: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} أكده تأكيدا على طريق التخييل فقال: يد الله فوق أيديهم يريد أنّ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام وأنما المعنى تقرير أنّ عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما اهـ، وفي المفتاح أمّا حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كما في قولك فلان بين أنياب المنية ومخالبها، ثم إذا انضم إليها المشاكلة كما في قوله يد الله الخ كانت أحسن وأحسن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 اص، يعني أنّ اسم الله استعارة بالكناية تشبيها له بالمبايع، واليد استعارة تخييلية مع أنّ فيها أيضاً مشاكلة لذكرها مع أيدي الناس وامتناع الاستعارة في اسم الله إنما هو في الاستعارة التصريحية دون المكنية لأنه لا يلزم إطلاق اسمه تعالى على غيره، ومن سخيف الكلام ما قيل إنه يلزم من المشاكلة أي ازدواج اللفظ في يبايعونك وأنما يبايعون أن يكون الله تعالى مبايعا وأن لا بد للمبايع من يد فيتوهم له تعالى شيء كاليد وهي القدرة ويطلق عليه لفظ اليد، وهذه الاستعارة منضمة إلى المشاكلة أو يقال المبايعة المنسوبة له تعالى تخييلية تنزيلا له تعالى منزلة رسوله صلى الله عليه وسلم وأثبت له يد على سبيل التخييل ترشيحاً فصار يد الله قد انضم إليها المشاكلة كما حققه السعد، والسيد في شرح المفتاح فما ذكره السكاكيّ غير ما في الكشاف فلا تغتر ربما في بعض الشروح من التخليط والتخبيط هنا، وقد أجمل المصنف ما فصلناه وأقحم لفظ سبيل كما أقحم الزمخشريّ لفظ طريق دفعا لم يتوهم من أن التخييل لا يصح استعماله في حقه تعالى، وقد قيل الصواب إبدالها بالتمثيل فتدبر. قوله: (بضم الهاء) كما تضم في نحو له وضربه ومن كسرها راعى الياء قبلها، وقوله: في بيعة الرضوان وهي البيعة الواقعة بالحديبية سميت بيعة الرضوان لقول الله تعالى فيها لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك الآية. قوله: (أسلم الخ) هي قبائل من العرب معروفة، وقوله: استنفرهم أي طلب منهم أن ينفروا معه أي يخرجوا معه والخذلان منه تعالى إذ لم يوفقهم لطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (من يقوم بإشنالهم) أي بأشغال الأهل والأموال فغلب العقلاء على غيرهم في الضمير، وقوله: بالتشديد أي تشديد الغين المعجمة، وقوله: من الله متعلق باستغفر أي اطلب لنا منه مغفرة لذنبنا الصادر منا وهو التخلف فعلى للتعليل، وقوله: تكذيب الخ يعني أنّ كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في الجنان كناية عن كذبهم، والكذب راجع لما تضمنه الكلام من الخبر عن تخلفهم بأنه كان لضرورة داعية له وهي القيام بمصالحهم التي لا بد منها وعدم من يقوم بها لو خرجوا معه وأما تكذيبهم في الاستغفار وهو أمر وإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب فباعتبار ما تضمنه من اعترافهم، وايمانهم بأنهم مذنبون وأنّ دعاءه لهم يفيدهم فائدة لازمة لهم مع أنّ اعتقادهم يخالفه. قوله: (فمن يمنعكم الخ) فسريملك بيمنع على أنه مجاز عنه أو ضمن معناه لتعديته بمن ولما عقب بقوله: إن أراد بكم الخ لزم تقدير المشيئة بعده لأنه كالتقسيم له واللام إمّا للبيان أو للصلة أي قل لهم إذ لا أحد يدفع ضره ولا نفعه فليس الشغل بالأهل والمال عذراً وفي الانتصاف إنّ فيه لفاً ونثرا وكان الأصل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا ومن يحرمكم النفع إن أراد نفعا لأنّ هذا ورد في الضر مطرداً كقول: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [سورة المائدة، الآية: 17] وكذا في الحديث خطاباً لعشيرته صلى الله عليه وسلم: " لا أملك لكم من الله شيئاً الخ) وفيه بحث. قوله: (ما يضركم) فليس المراد به المعنى المصدري وهو إمّ الحاصل به أو مؤوّل بالوصف، وقوله: كقتل وهزيمة ظاهر وما قيل عليه من أنّ المراد به ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما حتى تخلفوا عن الخروح لحفظهما والنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل، وتعميم الضر والنفع يردّه قوله: بل كان الله بما تعملون خبيراً فإنه إضراب عما قالوا وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدوره كلام أو هي من بيت العنكبوت لأنّ في التعميم إفادة لما ذكر مع زيادة لا تضر بل تفيد قوّة وبلاغة وفي كلام المصنف إشارة إليه، وقوله: تعريض بالردّ أي بردّ اعتذارهم كما قرّرناه من أنه يفيد أن تخلفهم ليس لما ذكر بل لخوف الهلاك وظن النجاة بالقعود، ثم إنّ الإضراب الأوّل ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم واثبات الحسد والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أظلم مته، وهو الجهل وقلة الفهم كما في الكشاف ويستأصلونهم بمعنى يقطعون أصلهم فكني به عن قتلهم جميعاً. قوله. (وأهلون الخ) جمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل، وقوله: وقد يجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديراً فيجمع كتمرة وتمرات، ويجوز تحريك عينه أيضا فيقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 أهلات بفتح الهاء فإن قلت كيف يصح قوله: في أهال إنه اسم جمع وشرطه أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أو لا قلت ما ذكرته هو مصطلح النحاة والمصنف والزمخشريّ يستعمله بمعنى الجمع الوارد على خلاف القياس، وإن لم يكن كذلك كما مرّ تحقيقه في الأحاديث الواردة، والمراد بالأهل عشيرته أو أقرباؤه. قوله: (فتمكن فيها) زيته بمعنى حسنه حتى قبلوه فتمكن في قلوبهم، وقوله: وهو الله مرّ تحقيقه في سورة الأنعام، وقوله: الظن المذكور يعني في قوله بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول الخ فتعريفه للعهد الذكرى، وقوله: والمراد التسجيل الخ يعني أنه أعيد ليبين صفة السوء له فلا تكرار فيه أو هو عام فذكره للتعميم بعد التخصيص، والزائغة بالزاي والغين المعجمتين بمعنى الباطلة، وقوله: هالكين فسره به لأنّ بوراً في الأصل مصدر كالهلك بالضم فيوصف به الواحد المذكر وغيره أو هو جمع بائر كعائذ وعوذ وأصل معناه الفساد كما أشار إليه المصنف، وقوله: عند الله بمعنى في علم الله وحكمه وهو توجيه للمضي في قوله: كنتم بأنه باعتبار العلم الأزلي. قوله: (وضع الكافرين الخ) يعني أنّ مقتضى الظاهر لهم فعدل عنه لما ذكر، وقوله: بكفره لأنّ التعليق بالمشتق يقتضي أنّ مأخذ اشتقاقه علة للحكم عليه بما حكم به كما تقرّر في الأصول، وقوله: للتهويل لما فيه من الإشارة إلى أنه لا يمكن معرفتها واكتناه كنهها، وقوله: أو لأنها نار مخصوصة فالتنوين والتنكير للتنويع أو لأنها اسم لطبقة مخصوصة منها شاعت فيها فلا حاجة لتعريفها باللام كما قيل وسيأتي في سورة تبارك تفصيله، وفيه بحث لأنه لا يصح القول بالعلمية لدخول أل عليه ولا بالغلبة لأنه يلزمه اللام أو الإضافة ولو عرف السعير وقصد تعريف العهد أفاد ما ذكر فالوجه هو الأوّل فتأمّل. قوله: (يدبره كيف يشاء) هذا معناه الالتزامي لأنه إذا اختص به ملكه لزم تصرفه كيف يشاء وهو توطئة لما بعده، وقوله: إذ لا وجوب عليه بل هو معلق بمحض إرادته ومشيثته فالغفران والتعذيب لا مقتضى له سوى إرادته كما هو ظاهر الآية وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة في الإيجاب لما ذبر عليه، ولذا قال في الكشاف: يدبره تدبير قادر حكيم فيغفر ويعذب بمشيئته ومشيئته تابعة لحكمته وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر هـ، والمصنف أشار إلى الردّ عليه بما ذكره لما فيه من التحريف والتعكيس الداعي له حمية الجاهلية الاعتزالية كما بينه الشراح. قوله: (فإنّ النفران الخ) دفع لما يتوهم من تدافع كونه غفوراً رحيماً، وكونه معذبا بأنّ الغفران والرحمة بحسب ذاته والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء، والعصيان المقتضي لذلك كما قرّره المصنف في قوله: بيدك الخير من أنّ الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شرّ جزئي إلا وهو متضمن لكل خير فالشرية بالعرض والتبع كما فصله في شرح هياكل النور فإن فهمت فنور على نور. قوله: (في الحديث الإلص) أي القدسي ولفظه: (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي) فالسبق على ما ذكره المصنف بمعنى التقدم الذاتي، وقال التوربشتي المراد بالسبق والغلبة الواقعة في بعض الروايات كثرة الرحمة وشمولها كما يقال: غلب على فلان الكرم وقال الطيبي هو كقوله كتب على نفسه الرحمة أي أوجب على نفسه بوعده لهم أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على الغضب من العقاب فإنه يتجاوز عنه فالمراد بالسبق القطع بالوقوع، فإن قلت صفاته تعالى قديمة فكيف يتصوّر سبق بعضها على بعض قلت: السبق كما في شرح الكرماني للبخاري باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته بخلاف الغضب فإنه يتوقف على سابقة عمل من العبد مع أنّ الرحمة، والغضب ليسا صفتين دلّه بل هما فعلان له، ويجوز تقدم بعض الأفعال على بعض اص. قوله: (يعني المذكورين) من القبائل في تفسير قوله: سيقول لك المخلفون من الإعراب، وقوله: يعني مغانم خيبر فإنّ السين تدلّ على القرب وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية فهي المرادة هنا كما أشار إليه بقوله: فإنه الخ وقوله: سنة ست قد تقدّم أنه ينافي قوله في أوّل هذه السورة في هذه السنة، وقد سبق التوفيق بينهما وفتح مكة في سنة تسع كما في البخاري. قوله:) فخصها بهم) أي بمن شهد الحديبية وكان ذلك بوحي وفي هذا قرينة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 على تقييد إطلاق ما سيأتي من قوله أن يعوضهم الخ ولا ينافي التخصيص المذكور إطلاق بعض مهاجري الحبشة وبعض الدوسيين والأشعريين من ذلك، وهم أصحاب السفينة كما في البخاري فإنه كان اسننزالاً للمسلمين عن بعض حقوقهم لهم أو اًن بعضها فتح صلحاً وما أعطاه لهؤلاء بعض مما صالح عليه، وكله مذكور في السير لكن الذي صححه المحدّثون أنه لا صلح فيها، وقال الكرمانيّ: إنما أعطاهم برضا أصحاب الوقعة أو أعطاهم من الخمس الذي هو حقه وميل البخاري إلى الثاني، ومنه يظهر أنّ ما قيل إنّ الأولى أن يقول بدل قوله: أن يعوّضهم أن يخصهم ليظهر التبديل ويجوز أن يقال المراد جميع مغانم خيبر لأن الجمع المضاف من صيغ العموم لا وجه له فتدبر. قوله: (وقيل قوله الخ) قال البغوي: قال ابن زيد هو قوله تعالى: {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا} [سورة النوبة، الآية: 83] والأوّل أصوب وعليه عامة التأويل اهـ ولذا مرضه المصنف وقوله: والظاهر أنه في تبوك أي في غزوتها المعروفة فنزول هذه الآيه بعد ذلك بكثير، وفي البحر وقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة معه صلى الله عليه وسلم أعلم بصحته، وقوله: اسم للتكليم أي هو اسم مصدر له والكلم اسم جمعيّ، وسماه المصنف جمعا على اصطلاح أهل اللغة وهو أمر سهل، وقوله: نفي في معنى النهي فالخبر مجاز عن النهي ب الإنشائي، وهو أبلغ وقوله: تهيئهم للخروج بيان للمضاف المقدر. قوله تعالى:) {بَلْ تَحْسُدُونَنَا} ) إضراب عن كونه بحكم الله أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسداً كما سيأتي في قوله، ومعنى الإضراب الخ، وقوله: أن نشارككم بيان لمفعوله المقدر وقوله. بالكسر أي كسر سين المضارع وهي شاذة والمشهور فيها الضم، وقوله: إلا فهما قليلاً فهو صفة مصدر مقدر، وقوله: وهو أي الفهم القليل، وقوله: بهذا الاسم أي المخلفين من الإعراب، وقوله: مبالغة الخ لتأكيده بتكريره الدال على شناعته، وبني حنيفة كسفينة قوم مسيلمة الكذاب الذين ارتدوا وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، وقوله: أو المشركين هو مذهب الشافعيّ فإنه لا يقبل منهم الجزية، وعند أبي حنيفة هو مخصوص بمشركي العرب. قوله تعالى: ( {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} ) جوّز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً وحالية وصفة لقوم لإخراج من عدا أهل الردة والشرك وليس في كلام المصنف ما يخالفه، ومن قال إنه لا وجه للوصفية قيل: أراد أن مضمونه غير معلوم لهم كما هو شأن الصفات لكنه أمر غير مطرد، وقيل إنه لو كان صفة قيل: يقاتلون أو يسلمون لئلا يتضمن زيادة لا حاجة إليها وتوقف فيه بعضهم، وكله مما نشأ من قلة التدبر فإنه قال: ولا يجوز أن يكون صفة لقوم لأنهم دعوا إلى قتال القوم لا أنهم دعوا إلى قوم موصوفين بالمقاتلة أو الإسلام، اهـ وأصله العطف فعدل إلى أعظم الوصلين وحاصله أنّ المعنى فاسد على الوصفية لأنه لا يفيد أنّ دعوتهم للقتال، وهو المقصود فتدبر، ومنه تعلم حال الحالية. قوله: (يكون أحد الأمرين (كما تدل عليه أو، وقوله: لا غير لأنها لمنع الخلوّ ثم إنهم فعلوا ذلك وحصلوا الغرض فهو خبر عن أمر واقع والاعتراض بأنه يلزم أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق أخبار. تعالى وهو منفك بتركهم سدى أو بالهدنة فيلزم أن يؤوّل بالأمر كما في أمالي ابن الحاجب غير سديد لأنهم قوم مخصوصون والواقع أنهم قوتلوا إلى أن أسلموا سواء فسر القوم بثقيف وهوازن أو ببني حنيفة أو فارس والروم على أنّ الإسلام الانقياد وما انفك الوجود عن أحدهما بل وقعا وأمّا امتناع الانفكاك فليس من مقتضى الوضع، ولا الاستعمال فأو للتنويع والحصر لا للشك وهو كثير وقوله: دل عليه قراءة أو يسلموا لأن النصب يقتضي أنّ أو بمعنى إلا أن الخ فيفيد الحصر أو بمعنى إلى أن والغاية تقتضي أنه لا ينفطع القتال بغير الإسلام فيفيده أيضاً فقصره على الأوّل تقصير أو قصور، وأمّا احتمال عطفه على تقاتلون بحسب المعنى لأنه في معنى لتقاتلوهم إذ هو في جواب لماذا ندعي فبعيد لا يرتكب مثله من غير ضرورة داعية له. قوله: (وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه الخ ( ووجهه ما قاله الإمام من أنّ الداعي في قوله: سندعون لا يخلو من أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم أو الأئمة الأربعة أو من بعدهم لا يجوز الأوّل لقوله: قل لن تتبعونا الخ ولا أن يكون عليا كرم الله وجهه لقوله: أو يسلمون فإنه إنما قاتل البغاة والخوارج، ولا من ملك بعدهم لأنهم على الخطا عندنا وعلى الكفر عند الشيعة فتعين أن يكون أبا بكر وعمر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 وعثمان وأيهم كان ثبت المطلوب لأنّ إمامتيهما فرع عن إمامته وقد أوجب تعالى طاعة الداعي، وأوعد على مخالفته وهو يقتضي إمامته ولا يرد عليه كما توهم أنّ لن لا تفيد التأبيد لا سيما والمراد منها النهي، أو أنه نفي مقيد أي في خيبر أو ما دمتم على مرض القلب لأنّ مثله لا يكفي فيه مجرّد الاحتمال، وفي البحر أنه ليس بصحيح لأنه قد حضر كثير منهم مع جعفر في موته وحضروا معهءلجي! ز هوازن وتبوك فلا يتمّ ما ذكر إلا إذا عين أهل الردة، وقوله: ومعنى الخ أي على هذا الوجه الأخير كما مرّ تحقيقه فإنّ فارس مجوس والروم نصارى فلا يتعين أحد الأمرين من المقاتلة والإسلام إذ يقبل منهم الجزية فإذا كان يسلمون بمعنى ينقادون تناول قبول الجزية وصح معناه. قوله: (فصل الوعد الخ) أورد عليه بعض فضلاء العصر أنّ آية الوعيد المجمل المذكور وهي قوله: يعذبكم عذابا أليما قرينة للوعد السابق، وهو قوله: فأن تطيعوا الخ والوعيد العام الآتي وهو قوله ومن يتولّ يعذبه عذابا أليماً قرين الوعد العام فكما أنّ الوعيد مكرّر فكذا إعادة الوعد مقرّر فليس في جانب الوعيد ما يكون جابراً لنقصانه عن الوعد الناشئ من الإجمال، وأجيب عنه بأنّ القائل غفل عن تقييد المصنف قوله: بالتكرير بقوله: على سبيل التعميم يعني أنّ التكرير إذا كان بطريق التعميم في الوعيد يكون مقابلا للتفصيل في الوعد فيحصل الجبر، وقيل: الأحسن أن يقال مراده بالتكرير تكريره بخصوصيته، وليس هو كذلك في جانب الوعد لأنّ العنوان فيه مختلف، وهذا المجيب خفي عليه ما قلنا فظن المخلص قوله على سبيل التعميم، ولم يدر أنّ التعميم موجود في صورة الوعد أيضاً ولا يخفى ما في تقريرهم فإنّ المخاطب في الجملة الأولى قوم مخصوصون في جانبي الوعد والوعيد وهم المخلفون والمذكور هاهنا عام فيهما ولذا عبر عنه بالموصول، ولا تكرار في الوعد لتغاير الموعودين بالعموم والخصوص والوعدين بالإجمال والتفصيل لفظاً ومفهوما بخلاف الوعيد يعني أنّ المصنف أدخل في الإجمال الغنيمة فكيف يكون هذا تفصيله، وسبق الرحمة سبق تقريره والترهيب أنفع لأنّ المقام يقتضيه وبه ينزجر المرء عن المعاصي فيفوز بالسعادة العظمى والترغيب ربما ضر بتأديته للتكاسل. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ (رواه الإمام أحمد رحمه الله، والحديبية بتخفيف الياء تصغير حدباة سمي بها المكان وفي القاموس الحديبية بالتخفيف وقد تشدد بئر قرب مكة أو شجرة اه، والتخفيف هو المختار عند أهل اللغة والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدثين كما في الأذكار وخراش بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها شين معجمة وهو صحابيّ معروف وهكذا هو في السير وفي الاستيعاب فما وقع في بعض النسخ من أنه حواس بالحاء والواو والسين المهملة من تحريف الناسخ، وقوله: هموا به بتقدير مضاف أي بقتله والأحابيش جمع أحبوش وهم قوم من قبائل شتى سموا به قيل: لسوادهم كالحبش، وقيل: لتحالفهم عند جبل يسمى حبشيئ وقوله: فأرجف بقتله أي تحدث الناس به وشاع بينهم والإرجاف إشاعة أخبار لا أصل لها، وقوله: أو أربعمائة هو الأصح عند المحدثين، وجمع بين الروايات بانها بناء على عد الجميع أو ترك الأصاغر والاتباع والأوساط كما في شرح البخاريّ، وسمرة بفتح السين المهملة وضمّ الميم شجرة معروفة، وفي قوله: جالسا تحت سمرة إشارة إلى أنّ قوله تحت الشجرة حال من مفعول يبايعونك ويجوز تعلقه به، وكانت بيعتهم على أن يقاتلوا وقيل على الموت وكان الناس يأتون الشجرة فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأمر بقطعها، وقيل: إنها عميت عليهم فلم يدووا أين ذهبت وحكمته أنه خشي الفتنة بها لقرب الجاهلية وعبادة غير ألله فيهم. قوله: (فعلم) عطف على قوله: يبايعونك لأنه ماض قصد به حكاية الحال الماضية أو علي رضي الله والفاء داخلة على السبب لتأويله بظهر علمه فيصير مسببا فلا يرد ما قيل عليه إن رضاه عنهم مترتب على علمه بذلك مع ما فيه. قوله: (أو هجر (قيل عليه: إنّ هجر كما في النهاية قرية قريبة من المدينة منها القلال أو قرية بالبحرين ولم يذكر أحد أنه غزاها، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسم صالح أهل البحرين وأخذ الجزية من مجوس هجر والفتح يعم الصلح كما مرّ وهجر يكون اسما أيضاً لجميع أرض البحرين فسقط ما اعترض به سقوطا ظاهرا، ولما فيه من حمل الفتح على خلاف ظاهره مرضه المصنف، وقوله: غالبا الخ لف ونشر مرتب. قوله تعالى: ( {وَعَدَكُمُ} ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 قال بعض الأفاضل: المناسبة لما مرّ من ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تقتضي أنّ هذا جار على نهج التغليب، وإن احتمل تلوين الخطاب فيه، وقوله: فعجل لكم هذه قيل عليه إن نزلت بعد فتح خيبر لم تكن السورة بتمامها نازلة في مرجعه س! ر كما ذكره في أوّل السورة فهو باعتبار اكثر وإن نزلت قبلها فهو بتنزيلها لتحققها منزلة الحاضرة المشاهدة على أنه إخبار عن ال! ب على عادته تعالى، ولا يخفى بعده فالظاهر أن يجعل المرجع اسم زمان ممتد فتدبر. قوله: (ما يفيء) أي يعود ويرجع من الفيء وبنو أسد وغطفان كانوا حلفاء لأهل خيبر فلما سمعوا بتوجهه ىس! لخيبر ساروا لمعاونة اليهود فسمعوا ضجة، وظنوا أنّ النبيّءشوو والمؤمنين أوقعوا بحبهم فرجعوا أو خلوا بينه وبين خيبر كما ذكره المحدثون، وقوله: هذه الكفة تفسير للضمير المؤنث المستتر في تكون ولو فسر بالكف وجعل تأنيثه باعتبار الخبر صح، وقوله: أمارة تفسير للآية وقوله: من الله بمكان أي لهم رفعة وشأن عند الله فالمكان مجاز عن رتبة الشرف وتنوينه للتعظيم، وقوله: أو صدق بالنصب معطوف على محل إنهم الخ أي إمارة تعرفون بها صدق الرسولءلمج! هـ في وعده لهم، قوله: في حين الخ مؤيد لما مرّ من امتداده، وقوله: وعد المغانم معطوف على قوله: أمارة وكون الآية بمعنى الوعد لأنه يدل على وقوع ما وعد والآية بمعنى الدليل وكذا عنوانا، وعنوان رسول الله-ش! لى فتح مكة في منامه، ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي فتأخر ذلك إلى السنة القابلة فجعل فتح خيبر علامة وعنوانا لفتح مكة، ولا يخفى أنّ معنى العنوان قريب من الإمارة فإنه يتجوز به عن ذلك كقولط ابن الرومي: وقل من ضمنت خيراً طويته إلا وفي وجهه للخير عنوان ثم إنّ في قول الزمخشريّ في السنة القابلة نظراً فإنه كان بعد مضي أكثر من سنة فتأمّل. قوله: (والعطف القوله: ولتكون الخ على مقدر لعدم تقدم ما يصلح لعطفه عليه ظاهرا وجوز كونه علة لجميع ما قبله من قوله: وعدكم الخ والتقدير لنفعكم بما ذكر ولتكون الخ، وفي قوله: لتسلموا الخ لف ونشر والواو عاطفة أيضاً. قوله: (هو الثقة الخ) فسر الصراط المستقيم بما ذكر لأن الحاصل من الكف ليس إلا ذلك ولأنّ أصل الهدى حاصل قبله، وقوله: وأخرى الخ ذكر فيه وجوه من الإعراب كلها ظاهرة وأجروا فيه الوجوه الثلاثة إلا أنّ كونه مجروراً بإضمار رب قيل فيه غرابة لأنّ رب لم تأت في القرآن جارّة مظهرة مع كثرة دورها فكيف تضمر هنا والوارد منها متصل بما الكافة نحو ربما يودّ وفيه نظر، وقوله: على هذه أي على لفظ هذه في قوله: {فَعَجَّلَ لَكُمْ} [سورة الفتح، الآية: 20] هذه والتعجيل بالنسبة لما بعده فيجوز تعدد المعجل كالابتداء بشيئين، وقوله: قضى الخ ليس المقصود بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه وإذا رفعت بالابتداء فخبرها قد أحاط الخ أو هو مقدر ثمة ونحوه، وقوله: لأنها موصوفة أي بجملة لم تقدروا وقد جوّز فيه عدم الوصفية كقولهم ضعيف عاذ بقرملة. قوله: (بعد) قيل: هو قيد زائد يتعين حذفه، وهو ناشئ من قلة التدبر لأنه مبنيّ على الضم وأصله بعد ما مضى ومعناه إلى الآن وهو لبيان صحة الجمع بين كونه معجلا أو غير مقدور عليه، وليس الموعود من الغنائم معيناً ليدخل فيه الأخرى، ويرد ما قيل على تقدير قضى إنّ الأخبار بقضاء الله بعد اندراجها في المغانم الموعودة لا فائدة فيه، وإنما الفائدة في تعجيلها فتدبر. قوله: (لما كان فيها من الجولة) وهي مرّة من الجولان بمعنى الدور وهو تعبير بليغ وقع في الأحاديث وإشعار العرب القديمة كقوله: فجلنا جولة ثم انثنينا فكني به عن الهزيمة مطلقاً أو عن الهزيمة مع الرجوع عن القتال وهي الجولة ثم الهزيمة، ثم الرجوع ومن فسرها بالغلبة على أنّ المراد غلبة الكفار لم يصب. قوله: (استولى) فالإحاطة مجاز عن الاستيلاء التام فهي في قبض قدرته يسخرها له! ن أراد ولذا ذيله بقوله، وكان الله الخ وقوله: لأنّ قدرته ذاتية أي قدرته تعالى مقتضى ذاته ولا مدخل فيها لغير الذات أصلا وما هو بمقتضى الذات لا يمكن أن يتغير، ولا أن يتخلف ويزول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 عنها بسبب ما كما تقرّر في الأصول فتكون نسبة القدرة إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغيرة بل متخلفة، وقوله: دون شيء أي منتهية عند. غير متجاوزة له لأنّ علتها لا تنتهي. قوله: (لانهزموا الأن توليته دبره كناية عن الهزيمة، وقوله: يحرسهم فسر الوليّ بالحارس لمناسبتة للمنهزم وهو أحد معانيه، وقوله: سن الخ إشارة إلى أنّ سنة منصوبة على المصدرية هنا، وقوله: في داخل مكة فهو كباطن الدار وبطن الوادي لداخله، وقوله: أظهركم إشارة إلى أنّ تعدى الظفر بعلى لتضمينه معنى الظهور والعلوّ عليهم أي الغلبة التامّة. قوله: (وذلك أن عكرمة الخ) في الدرّ المنثور كما أخرجه ابن جرير وابن المنذو وابن أبي حاتم عن ابن أبزى أنّ النبئ صلى الله عليه وسلم لما خرج بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر: يا نبئ الله تدخل على قوم لك بنير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بها فأتاه الخبر أنّ عكرمة بن أبي جهل قد جمع عليك في خمسمائة فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالدا: أنا سيف الله وسيف رسوله فسمي يومنذ سيف الله فقال: يا رسول الله ارم بي إن شئت فبعثه على خيله فلقي كرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم دنا في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم دنا في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله وهو الذي كف الخ، والمصنف تبع هنا ما ذكر وهو مطعون فيه لأنّ إسلام خالد رضي الله عنه بعد الحديبية قبل عمرة القضاء، وقيل بعدها وهي في السنة السابعة لا الثامنة كما صححه أصحاب السير، والذي رواه ابن إسحاق وغيره أنه صلى الله عليه وسلم خرج حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريث! قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبداً، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم، وقال ابن سعد: قدموا مائتي فارس عليها خالد بن الوليد ويقال: عكرمة بن أبي جهل قال: ودنا خالد في خيله حتى نظر إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فقام بإزائه وصف أصحابه، وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف، اهـ فعلم منه أنّ خالد بن الوليد كان في سرية المشركين وأنّ إدخالهم حيطان مكة لم يكن فهو مردود رواية من وجهين. قوله: (وقيل كان ذلك يوم الفتح) أي فتح مكة والإشارة إلى بعث خالد وما بعده وهو إشارة إلى الطعن في الرواية الأولى كما سمعته آنفاً وقيل: الإشارة إلى كف الأيدي والظاهر الأوّل، وقيل: والرواية الأولى غلط منشؤه أنه صلى الله عليه وسلم أمرّ خالد بن الوليد على بعض القبائل يوم فتح مكة فدخل من أسفلها، وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل جمعا ناساً ليقاتلوا فكان بينهم ما هو قريب من هذا كما رواه ابن إسحاق وابن هشام، قيل: ولا ينافيه قوله: بالحديبية لأنها قريبة من أسفل مكة وقد تبع المصنف في هذا الوهم بعضهم مع شغفه بالاعتراض عليه. قوله: (واستشهد به (أي بما في هذه الآية بناء على أنها في فتح مكة كما هو ظاهر قوله: ببطن مكة لا بما في هذا الحديث من قتالهم، والمستشهد به هو أبو حنيفة رحمه الله ولما دخل عبئ مكة قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فكان هذا أمانا لمن لم يقاتل منهم ولذا قال الشافعي: وغيره أنّ مكة مؤمنة وليست عنوة وقهراً والأمان كالصلح فيجوز بيع دورها وكراؤها وأكثرهم يرون فتحها عنوة لأنها أخذت بالخيل والركاب، وقد يجمع بأنّ بعضها بأمان وهو الطرف الذي دخل منه صلى الله عليه وسلم وبعضها بحرب، وهو ما يقابله فلا يبقى محل للخلاف فتامّل. قوله: (وهو) أي كون ذلك يوم الفتح ضعيف وقد عرفت ما فيه الضعف، وقوله: إذ السورة نزلت قبله أي قبل فتح مكة كما بينه في أوّل السورة، وما قيل عليه من أنه إن أراد أنها بتمامها نزلت قبله فليس بثابت بل هو مخالف للأثر الذي رواه في آخر التوبة والا فلا يفيد مع أنه يجوز أن يكون إخباراً عن الغيب كما مرّ في إنا فتحنا ثم إنه يرد عليه منع دلالته على العنوة فقد يكون الفتح الظفر بالبلد، ولو صلحاً كما قال الزمخشري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحاً بحرب أو بغير حرب، اهـ فليس له وجه لأنّ المصنف له أن يلتزم الأوّل ويخص الأثر بالسور الطوال على أنّ مقصوده الرد على الزمخشري، وهو معترف بما ذكره وكونه إخباراً عن الغيب خلاف الظاهر والمتبادر من الفتح ما ذكره المصنف رحمه الله وما ذكره هذا القائل معنى مجازي يحتاج الحمل عليه إلى قرينة، ثم إنّ الفتح وإن كان مطلق الظفر لكن الظفر إذا تعدى بعلى كما هنا أقتضى ما ذكر هنا بخلاف المعدى بالباء كما أشار إليه بعض شزاح الكشاف فتدبر. قوله:) من مقاتلتهم) عدل عن الخطاب مع أنّ تفسيره عليه لأنه المناسب لزمان التفسير، ولو قيل المصدر مضاف للمفعول على أنّ ضمير مقاتلتهم وكفهم ويجازيهم للكفار لا للمؤمنين كانت الغيبة على مقتضى الظاهر فتأمّل. قوله: (يدل على أنّ ذلك الخ الأن صدّ الهدي وعكوفه أي حبسه عن بلوغ محله إنما كان بها، وفاعل يدل المستتر يعود على قوله والهدي الخ وذلك إشارة إلى الصذ ولو جعل الضمير لقوله: هم الذين كفروا الخ لتضمنها للدالّ والإشارة للظفر المار ذكره لاتحاد زمان الصذ والظفر عند المصنف رحمه الله لما مرّ من نزول السورة دفعة واحدة عنده لم يكن به بأس فالرد على قائله بما ذكر من لزوم ما لا يلزم. قوله: (مكانه الذي يحل فيه نحره (على أنّ المحل مكان الحل لا مكان الحلول، وقوله: والمراد مكانه المعهود لا مطلق المكان إذ هو بالغ محله لأنّ محله حيث أحصر عند الشافعيّ فلا بدّ من هذا التأويل عنده بل مطلقا كما سيأتي. قوله: (وإلا لما نحره الخ) إلا هذه مركبة من أن الشرطية ولا النافية وقد أوقع اللام في جوابها، وقيل: إنه خطأ إذ لم يسمع مثله وإن كثر في كلام المولدين، ووجهه بعضهم بأنه حمل فيه إن على لو وليس بشيء فالصواب أن يقال: لو مقدرة في مثله ترقيا من احتمال العدم إلى الجزم به والتقدير، وإن لم يحمل على المعهود فلو حمل على الأعمّ لما وتقدير الشرط غير عزيز، وأما قول بعض الحنفية أنّ بعض الحديبية من الحرم كما قاله الزمخشري: أو غيره فقال في الكشف إنه خلاف ما عليه الجمهور، وحدود الحرم معروفة من زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولا يعتدّ برواية شذ بها الواقديّ، وقد صرّح البخاري في صحيحه بخلافه نقلاً عن الثقات، وما ووي فيه عن الزهرقي لم يثبت ولذا لم يلتفت المصنف رحمه الله لما في الكشاف. قوله: (فلا يتمهض حجة للحنفية) أي لا يصلح للدليل، والحجة وهو مجاز من نهض إذا قام بسرعة لاستقامته وتوجيهه كما يقال قام الدليل واستقام فإنه مجاز مشهور فيه، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال وهذا دليل لأبي حنيفة على أنّ المحصر محل هديه الحرم فإن قلت: فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وأنما نحر هديهم بالحديبية قلت بعض الحديبية من الحرم وروي أنّ مضارب رسول اللهءلمجح كانت في الحل ومصلاه بالحرم فإن قلت فإذن قد نحر في الحرم فلم قيل: معكوفا أن يبلغ محله قلت المراد المحل المعهود وهو منى، اهـ ووجه الاستدلال به أنّ المسجد الحرام يكون بمعنى الحرم وهم لما صدوهم عنه ومنعوا هديهم أن يدخله فيصل إلى محله دل بحسب الظاهر على أنه محله ولا ينافيه أنه نحر في طرف منه كما لا ينافي الصدّ عنه كون مصلاه فيه لأنهم منعوهم فلم يمتنعوا بالكلية أو المقصود من المنع منه المنع من دخول مكة، والوصول إلى الكعبة فحينئذ لا بد من تأويل محله بالمحل المعهود لأنه بلغ محله فورد عليه من طريق الجدل الإلزام بأنه لم يبق فيه محل للاستدلال لاحتماله غير مذهبه أيضا وتقرير الزمخشري فاسد لأنه عليه لا له وهو غريب منه جدّا وقد مز تفصيله في سورة البقرة. قوله: (لاختلاطهم بالمشركين) فيه إشارة إلى أنّ العلم المنفي أوّلاً كناية عن اختلاطهم، وعدم تميزهم كما ذكره في الكشف وبه يندفع التكرار أيضاً واستبعاده ليس بشيء. قوله: (أن توقعوا بهم وتبيدوهم) أي تهلكوهم يعني أن الوطء استعير هنا للبطش المهلك وهي استعارة حسنة واردة في كلامهم قديماً وحديثا ووجهها ظاهر. قوله: (ووطثتنا وطأعلى حنق وطء المقيد نابت الهرم ( هو من شعر للحرث بن وعلة الذهلي يخاطب به قومه لما قتلوا أخاه أوّله: قومي هم قتلوا أميم أخي فإذارميت يصيبني دى حممي والوطء مرّ تفسيره وفسره المرزوقي بالقهر والحنق أشد الغيظ والهرم بسكون الراء المهملة أو الزاي المعجمة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 وهما متقاربان معنى لأنهما اسم لنبت ضعيف ترعاه الإبل والمشهور رواية الأوّل ووطء المقيد صفة وطأ بتقدير مثل أو منصوب يفعل مقدر، وذهب السيرافي إلى أنه يجوز نصب مصدرين بفعل واحد استدلالاً بهذا وتأويله ما مرّ، والمراد بالمقيد البعير المقيد وخصه لأنّ وطأه أشد ولذا قيده بالحنق أيضاً، وقال الزمخشري: في شرح مقاماته وطء المقيد مثل في الثقل والمراد بالنابت القريب نباته على حد وليد وطئت كما قاله المرزوقيّ لأنه أضعف ففيه مبالغات بليغة، وروي يابس الهرم وهو أسرع انكسارا أيضاً. قوله: (1 نّ آخر وطأة وطئها الله بوج) بفتح الواو وتشديد الجيم اسم بلدة أو واد بالطائف والوج اسم لبعض العقاقير أيضا لكنه معرّب، ولا ينافي كونها آخر وقعة وقوع غزوة تبوك بعدها لأنه لم يقع فيها حرب فلم تكن وطأة كما في النهاية أو المراد آخر وقعة وقعت بالعرب وتلك بالروم. تنبيه: قوله: آخر وطأة الخ هو بعض حديث وهو أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ومعه الحسن والحسين رضي الله عنهما وقال: " إنكما ريحانتاي وأنكما لمبخلة ومجبنة وإنّ آخر وطأة وطأها الله بوج ومناسبة " آخر الحديث لأوّله خفية لم أر من بينها غير ابن الأثير في الجامع الكبير فقال: معناه أني مع شدّة محبتي لكما مفارق عن قريب لأنّ هذه آخر غزواتي وهو كلام نفيس جدّاً. قوله: (أو من! ميرهم) بكسر الهاء أي ضمير هؤلاء المذكورين أو بضمها أي من ضمير هو لفظ هم، وقوله: من جهتهم إشارة إلى أنّ من ابتدائية. قوله: (كوجوب الدية والكفارة (وجوب أحد هذه الأمور مذهب الشافعي لا مذهب أبي حنيفة لأنّ دار الحرب تمنع من ذلك عندنا لا عنده لكن الزمخشريّ ذكر ما ذكره المصنف رحمه الله وهو حنفيّ، وفيه كلام في أوّل الفصول العمادية فليحرّر وفي عدّ الثالثة من المعرّة نظر. قوله: (متعلق بأنّ تطؤهم) المراد بالتعلق المعنويّ لا النحويّ لأنه حال من الضمير المرفوع كما اختاره المصنف رحمه الله أو المنصوب كما جوّزه غيره، وجوّز الحالية من ضمير منهم وكونه صفة لمعرّة واختاره الإمام واعترض على الأوّل بأنّ فيه تكراراً من غير فائدة فالأولى أن يجعل في موضعه وقال المدقق في الكشف بعد قول الزمخشري متعلق بأن تطؤهم الخ على أنه حال من ضمير المخاطبين ولا تكرار مع قوله: لم تعلموهم سواء جعل أن تطؤهم بدل اشتمال من رجال ونساء أو من المنصوب في لم تعلموهم أما على الثاني فلأنّ المعنى لولا مؤمنون لم تعلموا وطأتهم، واهلاكهم وأنتم غير عالمين بإيمانهم لاحتمال أنهم يهلكون من غير شعور مع إيمانهم بسبب الكف عن التكذيب فيعتبر فيه العلمان فمتعلق العلم في الأوّل الوطأة وفي الثاني أنفسهم باعتبار الإيمان، وأما على الأوّل فلأنّ قوله: بغير علم لما كان حالاً من فاعل تطؤهم كان العلم بهم راجعاً إلى العلم باعتبار الهلاك كما تقول: أهلكته من غير علم فلا الإهلاك عن شعور ولا العلم بإيمانهم حاصل، ولما كان المعرفتان مقصودتين كان الوجه ما آثرة جار الله، ولك أن تجعل لم تعلموهم كناية عن الاختلاط وفي كلامه إشارة إلى هذا وفيه ما يدفع التكرار أيضاً اهـ، محصله وحاصله أنّ متعلق العلمين متغاير فيهما فلا يلزم التكرار على كل حالة وهما لكونهما مقصودين بالذات صرح بهما وإن تقاربا أو تلازما في الجملة، وما قيل على الشق الأوّل من أنّ التعلق الثاني علم من لم تعلموهم لأنّ المبدل منه ليس منجي حقيقة، ولو سلم فضمير تطؤهم للمؤمنين والمؤمنات والمعنى لم تعلموا وطأ المؤمنين فيتضمن التعلق الثاني ويفيده لظهور أنّ عدم العلم بوطئهم لعدم العلم لإيمانهم مع أنه يتبادر من الكلام حينئذ معنى غير صحيح، وهو وطؤهم عالمين بهم لتوجه النفي إلى القيد غير صحيح إذ لا شبهة في أنّ العلم بهم غير مراد كما أنّ العلم بإيمانهم كذلك في الثاني، وكذا ما أورد على الثاني من أنّ ضمير المفعول في البدل عائد على رجال ونساء موصوفين بانتفاء العلم عنهم وعن إيمانهم فيعلم منه كون الوطء بلا شعور ولا نسل قصد التنصيص على كل منهما، وهذا ما عناه الإمام وهو كله على طرف الثمام. قوله: (وجواب لولا محذوف الخ) الجواب قوله: لما كف الخ، وما ذكره من المعنى هو حاصله على الوجوه وفيه ترجيح للإبدال من رجال ونساء ولذا قدر كراهة لأنّ البدل هو المقصود والوطء غير واقع ولولا تقتضي وقوع ما بعدها، وقوله: بين أظهر الكافرين إشارة إلى ما مرّ تحقيقه في الاختلاط. قوله: (علة لما دل عليه كف الأيدي الخ) يشير إلى أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 الكف المذكور معلل بصون من بمكة عن المؤمنين فهذه العلة علة للعلة أو للمعلل بها، وهذا أحسن من جعله علة للجواب المحذوف أو لما يدل عليه كأنه قيل لكنه كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدّى إلى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة الخ، ولا ينافي هذا كون قوله: فتصيبكم الخ يفهم منه أنّ الكف المذكور معلل بصون المخاطبين لا بصون من بمكة من المؤمنين لأنه لا مانع من تعدّد العلل لأنها ليست عللاً تامّة حقيقية حتى لا يقبل ذلك كما توهم. قوله: (أي في توفيقه) إشارة إلى أنه إن كان المراد بمن يشاء المؤمنين فالرحمة التي يريد أن يدخلهم فيها التوفيق لزيادة الخير والطاعة لا لأصله لئلا يكون تحصيلاً للحاصل فليس احترازاً عن الرحمة من غير عمل حتى يكون اعتزالاً كما قيل فإن كف الأيدي عن أهل مكة وصون من فيها من المؤمنين، وابقاءهم على عملهم وطاعتهم توفيق لهم بزيادة الخير والطاعة وإن أريد بهم المشركون كان المراد من الرحمة التي أدخلهم فيها الإسلام لاً نهم إذا شاهدوا مغ تعذيبهم بعد الظفر بهم لاختلاط المؤمنين بهم اعتناء بهم رغبوا في الإسلام، والانخراط في سلك المرحومين فظهر وجه كون قوله: ليدخل علة لكف الأيدي عن أهل مكة لصون من فيها من المؤمنين لأنهم إذا صانهم الكف المذكور أظهروا إيمانهم لمعاينة قوّة الدين وشوكة الإسلام ويقتدي بهم الصائرون للإيمان فلا وجه لجعل اللام مستعارة من معنى التعليل لما يترتب على الشيء تشبيها له بالعلة الغائية كما قيل لأنه عدول عن الحقيقة المتبادرة من غير داع للعدول سوى إظهار الفضول. قوله: (لو تزيلوا) جوز فيه الزمخشري أن يكون كالتكرير لقوله، ولولا رجال الخ على أنّ الجواب لهما لمرجعهما إلى معنى واحد ولا يرد عليه أنّ معناهما متغاير مغايرة ظاهرة لأنّ كراهة وطئهم لعدم تميز الكفار الذي هو مدلول الثاني فهو كبدل الاشتمال فتأمّل. قوله: (لعذبنا الذين كفروا منهم الخ) منهم هنا للبيان وزانها وزان منهم فيما سيأتي، وقوله: بالقتل إشارة إلى أنه دنيوقي والا لم يكن للو موقع، والأنفة بفتحتين الاستكبار والاستنكاف، واذعان الحق الانقياد له وأما الإذعان بمعنى الفهم أو سرعته فليس من كلام العرب، وحويطب تصغير حاطب بمهملتين ومكرز بكسر فسكون، ثم راء مهملة ثم زاي معجمة وظاهره أنه لم يكتب ما ذكره أوّلاً، وفي كتب السير أنه كتبه ثم محاه وصورة المكتوب باسمك اللهمّ هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الفه سهيل بن عمر وصلحا على وضحع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيه الناس أو يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وسيأتي في الممتحنة نقضهم لهذا العهد، وكانوا يكتبون باسمك اللهمّ وكتبها النبيّ ىلمجبوو حتى نزلت سورة النمل، والقابل أصله العام القابل وهو معناه عرفاً. قوله: (فهنم المؤمنون الخ) ضمير عليه لسهيل وعداه بعلى لتأويله بيوقعوا البطش عليه والسكينة الصبر والتحمل هنا، وقوله: اختارها لهم تفسير لألزمهم كما في الكشاف وهذا مما لم يبين وجهه الشراح فكأنه أراد به أنه لا لزوم للكلمة على هذين الوجهين فإنّ ضميرهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه وهم لم يلزموا بها ولكنهم لما كتبوها مخالفين للمشركين في هاتين الكلمتين بإرشاده تعالى فقد اختارها لهم دون من عدل عنها لبسمك اللهم، ومحمد بن عبد الذ لأنها كلمة جليلة هم أحق بالهداية لها فالإلزام مجاز عما ذكر من اختيارها لهم وأمرهم بها قال الراغب: لزوم الشيء طول مكثه معه، والإلزام لما بالتسخير من الله أو بالقهر من الإنسان والزام بالحكم الأمر كما هنا. قوله: (أو الثباث الخ) هو تفسير الحسن فالمراد بالكلمة ما عاهدوا عليه الله والزامه أمرهم بالوفاء والثبات عليه فكلمة التقو! كلمة مخصوصة، وهي قولهم في الأصلاب بلى مقرّين بوحدانيته والإلزام الأمر بالثبات والوفاء به كما مرّ. قوله: (لأنها) أي الكلمة على الوجه الأخير سببها أي التقوى فإضافتها لها لأدنى ملايسة أو هي على تقدير المضاف فهي إضافة اختصاصية حقيقية، وقوله من غيرها وفي الكشاف من غيرهم قيل وهو الأظهر لأنه معنى قوله: أهلها فتدبر. قوله: (فيعلم أهل كل شيء الخ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 إشارة إلى أنّ علمه بالأهلية هي المرادة وبه يلتئم التذييل والتكميل لأنه يدخل فيه دخولاً أوليا فإذا علمه على أتم الوجوه وهو القادر الحكيم يسره له. قوله: (والمعنى صدقه في رؤياه) أي حقق صدقها عنده كما هو عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيه إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال وفي شرح الكرماني كذب يتعدى إلى مفعولين يقال: كذبني الحديث، وكذا صدق كما في الآية وهو غريب لتعدي المثقل لواحد والمخفف لمفعولين اكل، وهذه الرؤيا كانت قبل خروجه للحديبية، وقال مجاهد: كنت بالحديبية والأوّل هو الأصح، وقوله: قال بعضهم الخ هو عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث وهذا القول على طريق الاعتراض وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه. قوله: (ملتبساً به الخ) هذا كلام مجمل يحتمل أنه حال من الرسول أو ظرف لغو لصدق أو حال من الفاعل أو من الرؤيا أي ملتبسة بالحق لتأويلها بما يراه كما يشير إليه ما بعده وإن كان الأظهر ملتبسة ورؤيا الأنبياء وحي لا تتخلف. قوله: (وهو القصد إلى التمييز الخ) أي ليس المراد بالحق مطابقة الرؤيا للواقع بل مطابقة ما يلابسها للواقع وهو القصد المذكور لأجل ذلك التمييز أخره للعام القابل، وقوله: وأن يكون قسماً الخ فقوله: لتدخلن جوابه على الوجهين والوقف حينئذ على الرؤيا وقد كان جواب قسم مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (تعليق للعدة بالمشيئة الخ) جواب عما يقال من أنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق منه تعالى بالمشيئة، ولذلك ذهب بعض النحاة إلى أنّ أن تكون بمعنى إذ ومنه هذه فأجاب أوّلاً بأنه تعليم للعباد وهو معنى قول ثعلب اسنثنى فيما يعلم استثناء الخلق فيما لا يعلمون وفيه تعريض بأنّ وقوعه من مشيئته لا من جلادتهم وتدبيرهم فيكون كقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [سورة يوسف، الآية: 99] وما-له أنه للتبرك وهو من وضع الظاهر موضع الضمير وأصله لتدخلنه لا محالة إلا إن أشاء عدم الدخول فهو وعد لهم عن ظاهره لأجل التعريض بهم والإنكار على المعترضين على الرؤيا فيكون من باب الكناية وفيه دقة فتدبر. قوله: (أو إشعارا الخ) جواب ثان بأنّ التعليق راجع إلى دخولهم جميعاً ونظيره ما قيل إنه ناظر إلى الأمن ورده صاحب الكشف بأنه لا يدفع السؤال لأنّ الدخول المخصوص أيضا خبر من الله، وهو ينافي الشك وليس نظير قول يوسف عليه الصلاة والسلام {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ} [سورة الكهف، الآية: 23] إذ لا يبعد منه صلى الله عليه وسلم أن لا يعرف مستقراً لأمر من الأمن أو الخوف فلا بدّ من التأويل بأنّ الشك راجع إلى المخاطبين أو بأنه تعليم للعباد ويدفع بأنّ المراد إنه في معنى ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم فيكون أيضاً كناية عن أنّ منهم من لا يدخله لأنّ أجله يمنعه منه فلا يلزم الرجوع لما ذكر. قوله: (أو حكاية لما قاله ملك الخ) هذا هو الجواب الثالث والرابع وما لهما الحكاية عن الغير فهو إما الملك الموكل أو النبيّ المرسل وردّه صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية، وسلمه شراح الكشاف لظنهم أنه وارد غير مندفع، ولك أن تقول في دفعه إنّ المراد أنّ جواب القسم بيان للرؤيا، وقائلها في المنام الملك وفي اليقظة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي في حكم المحكيّ في دقيق النظر كأنه قيل: وهي قول الملك أو الرسول الخ ولا يخفى أنه وإن صحح النظم لا يدفع البعد وقد مرت الإشارة إلى جوابين كون أن بمعنى إذ أو رجوع التعليق للأمن. قوله: (حال من الواو) المحذوفة من قوله: لتدخلن الخ لالتقاء الساكنين، وقوله: محلقاً بعضكم الخ ففيه تقدير أو هو من نسبة ما للجزء إلى الكل والقرينة عليه أنه لا يجتمع الحلق والتقصير فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم، وقوله: محلقين الخ حال مقدرة لأنّ الدخول في حال الإحرام لا في حال الحلق والتقصير. قوله: (حال مؤكدة القوله آمنين وهذا إن كان حالاً من الضمير المستتر في آمنين وهو بمعناه فإن أريد لا تخافون تبعة في الحلق أو التقصير ولا نقص ثوإب فهي مؤسسة، وقوله: بعد ذلك قيل إنه ذكره لئلا يتكرر فيلغو مع قوله: آمنين لأنّ اسم الفاعلى للحال والمضارع هنا للاستقبال وفيه أنه لا تكون الحال حينئذ مؤكدة إلا أن يكون بحسب الظاهر المتبادر والاستئناف بيانيّ في جواب سؤال تقديره فكيف حالهم بعد الدخول. قوله تعالى: ( {فَعَلِمَ} الخ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 الظاهر عطفه على قوله: لقد صدق الله فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم إذ المراد ما لم تعلموا من الحكمة الداعية لتقديم ما يشهد لصدقه، وقيل: هو للترتيب الذكري، وقوله: في تأخير ذلك لم يقل كما في الكشاف في تأخير فتح مكة إلى العام القابل لما يرد عليه من أنه لم يقع في تلك السنة بل في السنة الثامنة، وإن ارتكب التكلف في تأويله بالتجوّز أو بتأويل الفتح بدخولهم معتمرين، وقوله: من الحكمة الخ لو فسر بما قدّمناه كان أنسب بالفاء فإنّ فيما ذكره إباء ما عنها ما لم يؤوّل بأظهر معلومه لكم وهو الحكمة المذكورة فتدبر. قوله: (من دون دخولكم المسجد) قدّمه لأنه أظهر وأقرب والزمخشريّ اقتصر على الثاني لأنه أنسب بما بعده، وقوله: لتستروح في الأساس يستروح بمعنى يستريح وضمن معنى تطمئن، وتسكن فلذا عدى بإلى وقوله: الموعود أي الفتح ااسموعود وهو فتح مكة، وقوله: ملتبساً به يعني أنّ الجار والمجرور حال من المفعول والباء للملابسة والتباسه بالهدى بمعنى أنه هاد، وقوله: بسببه فالباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان وعليه فهو ظرف لغو متعلق بقوله أرسله، وقوله: ليعليه هذا أصل معنى الظهور لأنه من أظهره إذا جعله على ظهره فلذا كني به عن العلوّ وعن كونه بادياً للرائي، ثم شاع في ذلك وصار حقيقة عرفية، وقوله: بنسخ الخ لأن علوه على جميع الدين والمراد ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل، وتعريفه للجنس وظهوره على الحق بالنسخ وعلى الباطل ببيان بطلانه أو بالتسليط على أهله، وقوله: إذ ما الخ تعليل لمقدر وهو قد تحقق ذلك أو لقوله بتسليط المؤمنين على أهله، وقوله: من الفتح أي فتح مكة أو خيبر. قوله: (على أنّ ما وعده (من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح أو المغانم كائن، وقوله: بإظهار المعجزات متعلق بقوله: شهيدا لأنّ المراد بشهادته تأييده له فهو على الوجه الثاني، وقيل إنه متعلق بهما معا فانّ شهادته على كينونة الوعد وعلى حقية ما ادّعاه من النبوّة إنما هو ب! ظهار المعجزات على يد النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه نظر. قوله: (جملة مبينة الخ) على أنّ محمدا مبتدأ ورسول الله خبره وهو جار على الوجهين فإنه إن كان على أن ما وعده كائن فكينونة ما وعده لازمة لكونه رسولاً من الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق مصدق كما لا يخفى، وعلى كون المشهود عليه النبوّة فهو أقرب وأنسب، وقيل: إنه على الثاني وقوله: صفة أو عطف بيان أو بدل وأيدت التبعية بأنه قرئ رسول الله بالنصب على الاختصاص، ولذا ضعف كونه مبتدأ والمحذوف ضمير تقديره هو أي المرسل بالهدى، وقوله: خبرهما أي المعطوف والمعطوف عليه على تقد! س الابتدائية ووفع أشدّاء الخ فإما على النصب على المدح أو الحالية المعطوف والمعطوف عليه على تقدير الابتدائية ورفع أشذاء الخ فإما على النصسب على المدح أو الحالية عن المقدر في معه فالخبر تراهم الخ. قوله: (والمعنى الخ) يعني فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين فالثاني وهو قوله: رحماء الخ تكميل لو لم يذكره لربما توهم أنهم لاعتيادهم الشدة على الكفار قد صار ذلك لهم سجية في كل حال وعلى كل أحد فلما قيل: رحماء بينهم اندفع ذلك التوهم فهو تكميل واحتراس كما في الآية المذكورة فإنه لما قيل أذلة على المؤمنين ربما توهم أنّ مفهوم القيد كير معتبر، وأنهم موصوفون بالذل دائما وعند كل أحد فدفع بقوله: أعزة على الكافرين فهو كقوله: حليم إذا ما الحلم زين أهله على أنه عند العدوّ مهيب قوله: (لأنهم مشتغلون الخ (فالرؤية بصرية وركعاً سجداً حال وأشار بقوله: في أكثر إلى أنّ المضارع للاستمرار وأنه استمرار عرفي بجعل اكثر بمعنى الجميع واعطائه حكم الكل وأنه عبر بالركوع والسجود عن الصلاة مجازاً مرسلا، وقوله: الثواب والرضا تفسير للفضل والرضا على اللف والنشر المرتب، وقوله: بيانها فكأنه قيل سيماهم التي هي أثر السجود، وقوله: أو حال الخ المراد بالجار والمجرور في وجوههم الواقع خبرا وهذا ما اختاره المعرب، وعلى ما قبله هو خبر مبتدأ تقديره هي من أثر السجود ولا يخفى ما في كلامه من التسامح في التقابل. قوله: (وقد رويت ممدودة) وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر كقوله: غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياءلاتشق على البصر قوله ة (إشارة إلى الوصف المذكور) وهو من قوله: أشداء إلى هنا وأفرده لأنّ الوصف مصدر شامل للقليل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 والكثير وفيه إشارة إلى وجه أفراده مع تعدد الأوصاف أو هو باعتبار ما ذكر ولذا قيل هو إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة، والبعد للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل، وقيل: البعد باعتبار المبدأ، ولو قيل هذا التوهم أنّ المشار إليه هو الوصف الأخير أعني سيماهم في وجوههم من أثر السجود، والمراد بالسيما المذكورة نور وبياض في وجوههم يعرفون به يوم القيامة، وقيل: استنارة وجوههم في الدنيا لكثرة صلاتهم بالليل قيل: مواضع سجودهم يوم القيامة ترى كالقمر ليلة البدر، وقيل: هو صفة الوجه من سهر الليل وقيل: الخشوع حتى كأنهم مرضى وما هم بمرضى. قوله: (أو إشارة مبهمة يفسرها كزرع (الأصل في الإشارة إن تكون لمتقدم وأنما يثار إلى المتأخر إذا كان نعتاً لاسم الإشارة نحو ذلك الكتاب، وقد مرّ في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة الفتح، الآية: 29] أنه قد يشار لما بعده تفخيماً له وتعظيما لشأنه كما أنّ الضمير يعود على ما بعده كذلك فتأمّل. قوله: (صفتهم العجيبة) قد مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: تمثيل الخ فقوله: كزرع خبر مبتدأ مقدر تقديره مثلهم أو هم وهذا بناء على أنّ ذلك إشارة إلى الوصف، وقوله: أو تفسير بناء على أنّ الإشارة مبهمة، وقوله: أو مبتدأ معطوف على قوله عطف. قوله: (فراخه) بكسر الفاء جمع فرخ كفرع لفظا ومعنى يقال: فرخ الزرع إذا تهيأ للانشقاق، وأصل الفرخ ما تولد من الحيوان أو الطاثر قال الراغب الشطأة فروع الزرع وهو ما خرج منه، وتفرع في شاطئه أي جانبه وجمعه أشطاء وقوله: بتخفيف الهمزة أي قلبها ألفاً بعد نقل حركتها لما قبلها، ويحتمل أن يكون مقصوراً. قوله: (فقوّاه من الموازرة الخ) قال أبو حيان: كونه من الموازرة خطأ فإنه لم يسمع في مضارعه توازر بل توزر وهذه شهادة نفي غير مسموعة، على أنه يجوز أن يكون ورد من بابين واستغنى بأحدهما عن الآخر ومثله كثير مع أنّ السرقسطي نقله عن المازني حيث قال في أفعاله: أزرت الرجل أعنته، قال أبو عبيدة: الإزر الظهر يقال: آزرني أي كان لي ظهراً، وقال ابن الأعرابي: الإزر القوّة يقال منه: أزرني أي قوّاني قال تعالى: {أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} وقال أبو عثمان: وآزر الشيء غيره ساواه وحاذاه وأنشد لامرئ القيس: بمحنية قدآزرالضال نبتها ببحرجيوس غانمين وخيب ومنه قوله تعالى: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} اص. قوله: (فصار من الدقة الخ) فهو كاستحجر الطين وهو ينبئ عن التدريج ويحتمل أنه للمبالغة كاستعظم، وقوله: سؤقه بالهمزة أي بإبدال الواو المضموم ما قبلها همزة كما في قراءة يؤقنون بالهمزة، وقوله: يعجب الزراع حال أي معجبا لهم وكثافة الزرع كثرة فروعه وأوراقه. قوله: (وهو مثل ضربه الله الخ) في الكشاف وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام وترتيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قوّاه الله بمن آمن معه كما يقوّي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها، وهذا ما قاله البغويّ من أنّ الزرع محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه والمؤمنون فجعلا التمثيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته والمصنف رحمه الله جعله للصحابة فقط ولكل وجهة، وعن بعض الصحابة إنه لما قرأ هذه الآية قال: تمّ الزرع وقد دنا حصاده. قوله تعالى: ( {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ) قال في المواهب: إنّ الإمام مالكا رحمه الله استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة فإنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر ووافقه كثير من العلماء اهـ، وهو كلام حسن جدّاً. قوله: (علة لتشبيههم بالزرع) أي لاتخاذه تعالى لهم على وجه يشبه الزرع في القوّة والنماء، وليس المراد به التمثيل فإنه ركيك فتدبر. قوله تعالى: ( {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم} ) أخر منهم هنا عن قوله: عملوا الصالحات، وقدم عليه في آخر سورة النور لما مرّ من أنّ عمل الصالحات لا ينفك عنهم، وهو ثمة لبيان الخلفاء والعمل الصالح ليس بلازم لهم حتى لا ينعزلوا بالفسق وأرجع البغوي ضمير منهم للشطء باعتبار المعنى ولا يخفى بعده، ويجعل من بيانية سقط حجة من طعن به على الصحابة وجعلها تبعيضية، وقوله: من قرأ سورة الفتح الخ حديث موضوع وأمره مشهور تمت السورة بحمد الله ومنه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 سورة الحجرات بسا الله الرحمن الرحيم ق وله: (مدنية) وفي قول شاذ أنها مكية وانتظام أوّل هذه السورة بآخر السورة السابقة ظاهر وقد فصله في التيسير ولا خلاف في عددها. قوله: (أي لا تقدّموا أمراً) يعني أنه متعد حذف مفعوله لأنه أريد به العموم أو أنه نزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى المفعول كما تقولط فلان يعطي ويمنع، أو هو لازم فإن قدم يرد بمعنى تقدّم كبين فإنه متعد ويكون لازماً بمعنى تبين، فقوله: لا تقدّموا على حذف المفعول العام كما بينه بقوله: فحذف الخ، وقدمه لأنّ لزومه وتنزيله منزلة اللازم على خلاف الأصل فليس بيانا لمآل المعنى على الوجوه فلا ينافي كونه مما ترك فيه المفعول كما قيل. قوله: (ليذهب الوهم الخ) يعني إنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحاً بلا مرجح فيقدر أمراً عاماً لأنه أفيد مع الاختصار، وقوله: لأنّ المقصود الخ يعني المقصود بالنفي حقيقة التقديم على الرسول بقطع النظر عما يقدم بين يديه والزمخشري رجح الوجه الأوّل على ما عداه وقال: إنه الأوجه الأبلغ لما فيه من الإيجاز مع الفائدة التامّة للعموم واستعماله على أعرف اللغتين فيه مع المطابقة لما نزل في شأنه، وفي الكشف فإن قلت الظرف هاهنا بمنزلة مفعول التقدّم يعني عليه والتقدّم بين يدي المرء خروح عن صفة المتابعة فالتمثيل عليه أوقع، قلت: التقديم وهو أن تجعل أحدا إمّا نفسك أو غيرك متقدّما بين يديه أكثر اسنهجانا وأدلّ على الخروح عنها فافهم يعني أنّ التعدي على الوجهين أبلغ من اللزوم، وإن سلم من الحذف والتقدير الذي هو على خلاف الأصل لما ذكر، ثم إنه ربما يتوهم أنّ الظرف إذا تعلق به العامل قد ينزل منزلة المفعول فيفيد العموم كما قرّروه في مالك يوم الدين، والتقديم بين يديه فيه خروج عن المتابعة حساً فهو أوفق لاستعارته لعدم المتابعة المعنوية المقصودة هنا فتخريجه على اللزوم أبلغ ولا يضرّه عدم الشهرة فإنه لا يقاوم الأبلغية المطابقة للمقام فأشار إلى دفعه بأنّ المراد النهي عن مخالفة الكتاب والسنة والتعدية تفيد أنّ ذلك بجعل، وقصد منه للمخالفة وهو أقوى في الذم بالدلالة على تعمد عدم المتابعة لا صدورها عنه كيف ما اتفق، ومن لم يفهم مراده قال المتبادر إلى الذهن من التقديم جعل الغير متقدّما ليس إلا والظاهر أنّ التقدّم استحق من تقديم الغير مع ما بعده بموافقة القراءة الأخرى فتدبر. قوله: (قراءة يعقوب) بحذف إحدى التاءين لأنه من التفعل وهو المطاوع اللازم، وقوله: من القدوم من الغيبة والسفر ففيه استعارة شبه تعجيلهم لقطع الحكم في أمر من أمور الدين بقدوم المسافر من سفره لما فيه من العزم، وشدة الرغبة كقوله تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} ولما فيه من البلاغة اختاره الزمخشريّ، وتبعه المصنف ولم يجعلاه من قدم إذا مضى في الحرب لأنه لا يناسب المقام بدون التجوّز ولا وجه له هنا، ومن لم يدر المراد اعترض بما ذكر. قوله: (مستعار مما بين الجهتين الخ) في هذا الكلام تجوز أن أحدهما في بين اليدين فإنّ حقيقتة ما بين العضوين فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال قريبا منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما فهو من المجاز المرسل، ثم استعيرت الجملة وهي التقدّم بين اليدين استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته تصويراً لهجنته وشناعته بصورة المحسوس كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره فنقلت العبارة الأولى بما فيها من المجاز إلى ما ذكر على ما عرف في أمثاله، هذا محصل ما في الكشاف وشروحه والمصنف اختصره اختصاراً مخلا اعتمادا على ظهور المراد ومراجعة أصله، وقوله: مستعار أراد به الاستعارة اللغوية فإنه بيان للتجوّز الأوّل وهو مجاز مرسل كما قرّرناه لك وأمّا حمله على معناه المعروف، ثم ادعاء أنه أراد الاستعارة في إضافة اليدين إلى الله سبحانه وتعالى فهو تعسف لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يدفع الإشكال ما لم يرجع لما ذكرناه، وقوله: ليدي الإنسان متعلق بالمسامتتين أي المقابلتين وقوله: تهجيناً أي تقبيحاً من الهجنة، وهي القباحة وقد بيناه لك. قوله: (لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به) قطع الأمر الجزم به والجراءة على ارتكابه من غير إذن من له الإذن، وقوله: وقيل المراد الخ فهو من باب أعجبني زيد وكرمه، وقد مرّ ما يفيده من قوّة الاختصاص فالنهي عن التقدّم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أوفق لما يجيء بعده فإنّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 مساق الكلام لإجلاله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان استحقاق هذا الإجلال لاختصاصه به تعالى ومنزلته منه فذكر بين يدي الله عز شأنه أدخل في النهي كما قرره المدقق في الكشف والتجوّز باق بحاله والفرق بينه وبين ما قبله ليس أنه لا يراعي في هذا الاستعارة مما بين الجهتين كما توهم بل إنّ ذكر الله على هذا لبيان قوّة الاختصاص تمهيدا وتوطئة لما بعده فتدبر. قوله: (في التقديم أو مخالفة الحكم) أو فيه للتخيير في التعبير والتفسير، والتقديم لأنه المنهيّ عنه ظاهراً ومخالفة الحكم لأنه المراد من التقديم، وقوله: فلا تجاوزوا الخ تفسير للمراد منه فإنّ الرفع والفوقية حقيقة في الأجسام لكنه صار حقيقة عرفية فيما ذكر. قوله: (ولا تبلنوا به الجهر الخ الما كانت هذه الجملة كالمكرّرة مع ما قبلها وليس القصد للتأكيد لأنّ العطف يأباه أشار في الكشاف إلى أنّ المراد بالأوّل أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم حدّاً بلغه صوته بل يكون كلامكم دون كلامه ليمتاز منطقه، والمراد بهذا إنكم إذا كلمتموه وهو صامت فلا ترفعوا أصواتكم كما يفعل في مخاطبة العظماء، وبه حصل التغاير واتضح العطف، والمصنف لما رأى أن تخصيص الأوّل بمكالمته معهم وهذا بصمته خلاف الظاهر وفيه مندوحة عنه لأنّ الأول نهى عن أن يكون جهرهم أقوى من جهره كما هو صريح قوله فوق صوت النبيّ، وهذا نهي عن مساواة جهرهم لجهره فإنه المعتاد ير مخاطبة الأقران والنظراء بعضهم لبعض فلا تكرار فيه، ومجموعه يفيد غض صوتهم وتكلمهم بأخي السرار والهمس كما ورد في الآثار عدل عنه فليس في كلامه ما يدل على تقييدهما بما إذا نطق ونطقوا كما توهم وظاهر كلامه في الكشف أنّ مال ما في الكشاف إلى ما ذكره المصنف وفيه نظر فقوله: ولا تبلغوا به أي بالقول، ولا حاجة إلى حمل النهي الأوّل على وجوب كون صوته أعلى من صوتهم كما هو المعروف في العرف، وقوله: بل اجعلوا الخ بيان للحاصل من مجموع الجملتين. قوله: (محاماة على الترحيب) المحاماة بميمين وحاء مهملة المحافظة مفاعلة من حماه إذا منعه وصانه والترحيب قيل إنه بالحاء المهملة من قولهم أهلا ومرحبآ والترحيب بمعنى التوسيع، وقيل: بالجيم من رجبه إذا عظمه وهذا أقرب معنى إذ الأوّل محتاج إلى تكلف إنّ المراد بالتوسعة بعدما بين مقام النبوّة ومقام الأمّة المقتضي لما ذكر. قوله: (وقيل معناه الخ) فيغاير ما قبله ويتضح عطفه عليه لكنه خلاف الظاهر، ولذا مرضه لأن ذكر الجهر حينئذ لا يظهر له وجه إذ الظاهر أن يقال: لا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم لبعض كما مز في قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} [سورة النور، الآية: 63] . قوله: (وتكرير النداء) بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخ لأنه مقتضى التوجه واقبال المنادى على المنادي المقتضي لتفريغ باله وسمعه المستدير لزيادة استبصاره، وفي تكريره طلب إقبالهم وتطرية نشاطهم فلا يفتروا ويغفلوا عن التامّل فلذا أفاد المبالغة في الاتعاظ، ودل على أنّ المنادى له أم مستقل غير تابع لغيره فهو مما يهتمّ به. قوله: (كراهة أن تحبط الخ) يعني أنّ قوله أن تحبط الخ في محل نصب مفعول له تعليل لما قبله من النهيين على طريق التنازع، وهر إمّا تعليل للنهي فيقدر فيه مضاف وهو كراهة كما أشار إليه المصنف فالمعنى إني أنهاكم عما ذكر لكراهة حبوط أعمالكم بارتكابه أو للمنهيّ عنه وهو الرفع والجهر ولام التعليل المقدرة على هذا مستعارة للعاقبة التي يؤدّي إليها الفعل كما في قوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [سورة القصص، الآية: 8] لأنّ الرفع والجهر ليس لأجل الحبوط وبما ذكر يتحد فاعل المعلل المعلل فيتم كونه مفعولاً له. قوله: (لأنّ في الجهر والرفع الخ) تعليل وتبيين لتأدية ما ذكر للحبوط مع أنّ المحبط في الحقيقة عند أهل السنة الكفر لا غير، والاستخفاف المراد به جعل ما ذكر من الجهر والرفع خفيفا هينا لا إلاستخفاف بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه بمعنى الإهانة له وهي كفر فلا يصح قوله: وذلك إذا انضم الخ كما لا يخفى، وهو ردّ على الزمخشري حيث استدل به على مذهبه من إحباط الكبائر مطلقاً للأعمال فإنّ هذه كبيرة قد أحبطت ولا فرق بينها وبين غيرها مع أنه قد أول ما هنا بأنه للتغليظ، والتخويف إذ جعلت بمنزلة الكفر المحبط، أو هو للتعريض بالمنافقين القاصدين بالجهر والرفع الاستهانة فإنّ فعلهم محبط بلا شك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 فتأمّل. قوله: (وقد روي الخ) ثابت بن قيس هذا صحابيّ معروف وما ذكره المصنف ذكره البخاريّ وغيره وهو حديث صحيح، وقوله: جهوريا بفتح الجيم وسكون الهاء وفتح الواو وراء مكسورة بعدها ياء مشددة صيغة مبالغة من الجهر وهو ضد الإخفاء في الصوت ويوصف به الرجل وكلامه، وقوله: قد حبط قد كفرت واستوجبت النار بذلك، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " إنك من أهلى الجنة تطميناً لقلبه وإزالة لخوفه " وقوله: فتفقده أي طلب سبب فقده وغيبته عن مجلسه، وقوله: لست هناك كناية عن نزاهته عما ظته بنفسه لأنه نفي عنه أن يكون في مكان تحبط فيه الأعمال فيلزم ذلك بطريق برهاني أن لا يحبط له عمل. قوله: (إنها محبطة) بيان لمفعوله المقدر بقرينة ما قبله، وقوله: عن مخالفة النهي عداه بعن لأنه ضمنه معنى الاجتناب، وقوله: يسرإنه الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي يخاطبانه بصوت خفيّ كالسرّ حتى أنه لا يسمعه أحيانا فيستفهم منهما عما قالا. قوله: (جرّبها للثقوى الخ) أصل معنى الامتحان التجربة والاختبار، وهذا مما لا يسند إلى الله تعالى لأنّ الاختبار إنما يكون لمن لم يعرف المختبر فيفعله ليعرفه فلذا أوّله بوجوه، الأوّل قوله: جرّبها الخ فالتجربة بيان لمعناه الحقيقيّ، وقوله: مرّنها بيان للمراد منه فلذا عطفه عليه عطفاً تفسيرياً، والمراد من تمرّنهم واعتيادهم أنهم صبروا على التقوى واحتملوا مشاقها فالامتحان مجاز عن الصبر بعلاقة اللزوم وقيل إنه كناية تلويحية عن الصبر والاحتمال المذكور لأنّ الممتحن يعود للفعل مرّة بعد أخرى فيكون له قوّة عليه، وأورد عليه أنه لا يجوز إرادة المعنى الموضوع له هنا فلا يصح كونه كناية ولاستشعار صاحب الكشف لهذا قال: إنّ الإسناد إلى الله تعالى للدلالة على التمكن كما في ختم الله على قلوبهم ففيه مع الكناية تجوّز في الإسناد والأصل امتحنوا قلوبهم لها بتمكين الله لهم، وهو معنى قول الطيبي معنى الآية راجع للعباد ولا يخفى تكلفه، وقيل: إنه من المجاز المتفرع على الكناية أو هو مبنيئ على أنه لا يشترط في الكناية إرادة الحقيقة بل جواز الإرادة وإن امتنعت في محل الاستعمال، وكله تكلف لا حاجة إليه مع ما قدمناه. قوله: (أو عرفها الخ) هذا هو التأويل الثاني على أنه مجاز مرسل وضمع فيه الامتحان موضمع المعرفة لأنه سببها فإن قيل الله تعالى لا يوصف بالمعرفة فإنه لا يقال: عرف الله بل علم قلت: الممتنع إطلاق لفظ المعرفة لا معناها فإنه العلم بعينه مع أنه، وإن اشتهر غير صحيح أيضاً لأنه في نهج البلاغة أطلق العارف على الله وقد ورد في الحديث أيضاً فتدبر. قوله: (واللام صلة محذوف) أي كائنة أو خالصة للتقوى على أنّ الجارّ والمجرور حال من المفعول أعني قلوبهم أو هي متعلقة بامتحن باعتبار معناه الأصلي لا الكنائي ولا المجازي إذ معناه معتادة للتقوى، وهذا على الوجهين لا على الثاني ولا عليهما على اللف والنشر المشوّس كما قيل: واعلم أنّ اللفظ إذا كان مجازاً أوءضاية عن معنى واختلفت تعدية المعنى الأوّل والثاني يجوز أن يراعي كل منهما وقد فصلناه في غير هذا الموضع، وقوله: للفعل معطوف على صلة بتقدير أو صلة للفعل أو على محذوف على توهم أنه صلة محذوف فمانّ الإضافة لامية. قوله: (او ضرب الله قلوبهم الخ) هذا التأويل الثالث فعلى هذا الامتحان الضرب بالمحن، والمراد التكاليف الشاقة والضرب الإصابة فهو حقيقة واللام للتعليل والعلة، والغرض هو ظهور التقوى لا هي والاصطبار مستفاد من نفس التقوى وإليه أشار بقوله: فإنها الخ. قوله: (أو أخلصها للتقوى الخ (هو التوجيه الرابع ومعنى أخلصها للتقوى أنه ليس لغير التقوى فيها حق كأن القلوب صارت ملكا للتقوى، وهو استعارة أو تمثيل كما ذهب إليه شراح الكشاف ولا يأباه تفسيره بإخلاصها حتى يتعين أنه من إرادة المطلق بالمقيد كما توهم فإنه تفسير للمعنى المراد منه بعد التجوّز فيه كما لا يخفى، وابريزه بمعنى خالصه يقال: ذهب إبريز أي خالص وخبثه ما خالطه من غيره. قوله: (لذئويهم) بيان لمتعلق المغفرة وقوله: لغضهم أي أصواتهم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأفرده عن سائر الطاعات لاقتضاء السياق له وهو بيان لمقتضى الثواب، وقيل: إنه تعليل لمتعلق الخبر وهو الثبوت وفيه نظر، وقوله: والتنكير الخ يعني تنكير ما وقع جزاء لهم وهو مغفرة وأجر ففي قوله: عظيم مبالغة في عظمه فإنه: (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) والجملة لهم مغفرة الخ. قوله: (لبيان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 ما هو (فهو استثناف بيانيّ وفيه إشارة إلى ترجيح الاستئناف، ولذا اقتصر عليه في الكشاف لما فيه من تكثير المعنى مع تقليل اللفظ مع ما تضمنه من بيان الاهتمام بشأنهم، وقوله: إحمادا لحالهم أي لأجل أنّ حالهم محمودة وهو تعليل للجزاء وقوله: من معرفتين يعني أولئك والذين وتعريفهما يفيد الحصر الادّعائي المفيد للمبالغة في وصفهم بما ذكر مع ما سيأتي، وايقاع اسم الإشارة مبتدأ متضمناً لما أشير إليه من اسم إنّ فيه تقوية له وتاكيد لأنه تكرير له معنى وأنّ اتصافهم با ذكر مقتضى لثبوت الخير لهم مع ما في الإشارة بما يشار به للبعيد من الدلالة على الشرف وعلو المرتبة وبعد المنزلة، وقوله: دلت صفة صلة وقوله: مبالغة الخ تعليل لقوله: أخبر الخ ووجه الدلالة فيها على ما ذكر ما مرّ من معنى الامتحان على الوجوه السابقة والاعتداد والارتضاء من حسن الجزاء، ويعلم منه ثبوت ضده لضده، وقوله: وأنّ حال المرتكب الخ من تعريف الطرفين من الدلالة على الحصر كما مرّ. قوله: (من خارجها الخ) ذهب بعض أهل اللغة إلى أن وراء من الأضداد يكون بمعنى خلف وقدام، وقال الآمدفي: في كتاب الموازنة ردّاً عليه ليست من الأضداد إنما هي من المواراة والاستتار فما استتر عنك فهو وراء خلفا كان أو قداما إذا لم تره وتشاهده فإذا رأيته لا يكون وراءك، وقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سورة الكهف، الآية: 79] قالوا: إنه كان أمامهم وصلح لذلك لأنهم لم يشاهدوه، اهـ والى هذا أشار المصنف بقوله: من خارجها فالوراء بالنسبة لمن فيها ما كان خارجها لتواريه عمن فيها، وقول الجوهريّ: إنه من الأضداد قول آخر فلا يرد على ما ذكر كما توهم فهو مشترك معنوقي لا لفظيّ. قوله: (ومن ابتداءلية الخ) ما ذكره تبعاً للزمخشريّ حاصله الفرق بين ذكر من وحذفها فلا يجوز على الأوّل أن يجمعهما أي المنادي والمنادى الوراء فيقتضي أنّ المنادى داخل الدار، ويجوز ذلك على الثاني لأنّ مدخول من مبتدأ الغاية، ولا يجتمع على الشيء الواحد أن يكون مبتدأ ومنتهى، واعترض عليه بأنّ من قد تكون لابتداء الغاية وانتهائها معا نحو أخذت الدراهم من زيد فزيد محل لابتداء الأخذ وانتهائه وقد صرّج به سيبويه وأيضاً أنّ المبدأ والمنتهى إن كان شخصاً يجوز جمعهما في جهة، وإن كان جهة ذات أجزاء فكذا والا فلا فرق بين دخول من وعدمه وردّ الأوّل بأن محل الانتهاء هو المتكلم ليس إلا كما ذكره ابن هشام في المغني في حرف الميم، وذكر أنّ ابن مالك قال: إنّ من فيه للمجاوزة، والثاني بما حاصله أنّ المبدأ الجهة باعتبار تلبسها بالفاعل لأنّ حرف الابتداء تعلق بالفعل ودخل على الجهة التي هي غير داخلة في مفهومه فيعتبر أنّ من للجهة، وتلبس الفاعل تحقيقاً لمقتضى الفعل والحرف، ولما وقع جميع الجهة مبدأ لم يجز كونها منتهى سواء انقسمت أو لا فإذا لم يذكر حرف الابتداء لم يرد هذا وظهر بما ذكر الفرق بينهما إلا أنّ التحقيق أنّ الفعل يتعدى من الفاعل، وينتهي إلى المفعول ويقع في الظرف ومن وراء الحجرات ظرف كصليت خلف الإمام ومن خلفه، والفرق بينهما تعسف والقسمة غير حاصرة وقد مرّ في الأعراف طرف منه، وذكر في قوله تعالى ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض أنّ في قوله: دعوته من مكان كذا يجوز كون الداعي والمدعوّ في ذلك المكان، ولا يخفى أنّ ما في الكشاف بناء على أنّ من للابتداء إذا دخلت على الظرف، وما في الكشف بناء على أنها زائدة لا فرق بين دخولها وخروجها وبعد هذا ففيه ما يحتاج إلى التحرير فتدبر. قوله: (وقرئ الحجرات الخ (إشارة إلى ما في مثله من الأسماء الجامدة الواقعة على وزان فعلة بضم الفاء وسكون العين فإنه يجوز في جمعه ثلاثة أوجه ضم العين اتباعا للفاء، وفتحها وتسكينها للتخفيف، وقوله: المحجورة بحائط أي الممنوعة عن الدخول فيها والحظيرة ما تجمع فيه، وتكون أطرافه محجورة بحطب ونحوه، وقوله: بمعنى مفعول لم يقل مفعولة وإن كان هو الظاهر لأنّ تأنيثه لفظيّ فإذا أوّل زال عنه التأنيث فتقول الغرفة المغروف لا المغروفة كما توهم إلا بتاويل لا حاجة له هنا. قوله: (والمراد الخ) فالتعريف للعهد، وقوله: وفيه أي في ذكر الحجرات كناية عن خلوته لأنها معدة لها ولم يقل حجرات نسائك ولا حجراتك توقيراً له صلى الله عليه وسلم وتحاشياً عما يوحشه، وقوله: حجرة حجرة كقرأت النحو بابا بابا أي مفصلا فالمراد أنه للاستغراق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 العرفي أي جميع حجراته صلى الله عليه وسلم، وقوله: فأسند فعل الأبعاض إلخ يعني أنّ الذين ينادونه لم ينادوه من وراء كل حجرة كما هو في الوجه الأوّل بل ناداه بعضهم من حجرة وآخر من أخرى، ومذا بناء على أنّ الاستغراق إفراديّ لا شموليّ مجموعي ولا أنه من مقابلة الجمع بالجمع المقتضي لانقسام الآحاد على الآحاد لأنّ من ناداه صلى الله عليه وسلم من وراء حجرة منها فقد ناداه من وراء الجميع كما لا يخفى، وقوله: وقيل إنّ الذي نادا 5 الخ مرضه لضعف الرواية فيه أو لعدم القرينة الدالة على تعينه إلا أنّ سبب النزول لا يلزم فيه ذلك وقوله وأنما أسند الخ مرّ ما فيه فتذكره. قوله تعالى: ( {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (لما كان نفي العقل عنهم ليسى على ظاهره إذ المراد أنهم لا يجرون على مقتضى العقل من مراعاة الأدب لا سيما مع أجل خلق الله وأعظمهم عليه صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه المصنف بقوله: إذ العقل الخ ورد أنّ الظاهر لا يعقلون من غير ذكر الأكثر وأجيب بأن التقييد لأنّ منهم من لم يقصد ترك الأدب لأمر مّا، أو المراد بالقلة التي يدل عليها نفي الكثرة العدم فإنه يكنى بها عنه وحذف لا من سيما وقد مرّ ما فيه مرارا والمراد بالمنصب مقام النبوة. قوله: (أي ولو ثبت صبرهم الخ) إشارة إلى أنّ أنّ المفتوحة المؤوّلة بالمصدر هنا فاعل فعل مقدر، وهو ثبت والقرينة عليه معنى الكلام فإنّ إن وأن تدل على الثبوت، وفي تقدير الفعل إبقاء لها على أصلها من دخولها على الفعل فإنها في الأصل شرطية مختصة بالفعل فلذا اختار هذا المصنف على كونها بتأويل مبتدأ لا خبر له أو خبره مقدر وكون خبر أن بعدها فعل دائما أو في اكثر مفصل في كتب النحو، وقوله: انتظارهم عطف على صبرهم عطف تفسير فإنه المراد بالصبر هنا. قوله: (وجب إضمار الفعل) أي لدلالة أن على التحقق والثبوت، وهو إنما يكون في الماضي حقيقة لأنّ ما يقع في المستقبل لا يعد ثبوتا في نفس الأمر إلا باعتبار أنه سيثبت فيه وكذا الحال إنما ثبوته باعتبار ما مضى منه، وهذا يقتضي تقديره ماضيا، وأمّا بيانه بأنّ تعريف الفعل للعهد والمراد به الفعل المعهود وهو الماضي المشتق من الثبوت لئلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما ذكر عليه بل دلالته على إضمار الخبر أظهر لأنّ حق الدال التقدم على المدلول عليه فتقدير لو أنّ صبرهم ثابت أظهر فتكلف بما لا يجدي لكنه لا يخفى ما في كلام المصنف من التسامح والخفاء فتدبر. قوله: (وحتى تفيد أنّ الصبر الخ) بيان للفرق بين إلى، وحتى واختيار حتى هنا دون إلى بأنّ حتى موضوعة لما هو غاية في نفس الأمر وإلى غاية لما هو غاية في نفس الأمر أو بجعل الجاعل فلذا اختيرت هنا كما أشار إليه بقوله: ينبغي أن يكون مغعى بخروجه يعني أنّ انتظارهم إلى أن يخرح إليهم أمر لازم لأنّ الخروح لما جعله الله غاية كان كذلك في الواقع فهي أبلغ في الدلالة على المراد وأخصر لعدم لزوم التصريح بأن معها، ولا تنافي بقاء الخيرية بعد الخروج أيضا بخلاف إلى. قوله: (ولا تقول حتى نصفها الخ) لأنّ مجرورها لا بد من كونه آخر جزء أو ملاقياً له هذا ما ذهب إليه الزمخشري تبعا لكثير من النحاة وليس مما تفرد به كما توهمه ابن مالك وأمّا ما أورد عليه من قوله: عينت ليلة فمازلت حتى نصفهاراجيافعدت بؤسا فعلى تسليم أنه من كلام من يعتد به مع أنه نادر شاذ لا يرد مثله نقضا مدفوع بأنّ معنى قوله عينت ليلة أي وقتاً للزيارة وزيارة الأحباب يتعارف فيها أن تقع في أوّل الليل فقوله حتى نصفها غاية لوقت الزياوة المعهودة، وأمّا الجواب باختصاصها بذلك إذا صرّح بذي الغاية، وهذا ليس كذلك لأنه لم يقل ما زلت في تلك الليلة حتى نصفها، وإن كان المعنى عليه فليس بشيء لأنه إذا سلم أنّ ذا الغاية الليلة فهو مذكور بقوله: ليلة إذ لا فرق بين التعريف والتنكير فيه فتدبر. قوله: (وفى إليهم الخ) يعني أنه ليس زائداً بل قيد لا بدّ منه لأنه لا بد من علمهم بأنّ خروجه لأجلهم إذ لو خرح لغير ذلك لا بد من البقاء على الانتظار كما لو كان خروجه لحاجة أخرى. قوله: (لكان الصبر الخ) يعني أنّ اسم كان ضمير مستتر يعود على المصدر الدال عليه قوله، ولو أنهم صبروا كقوله من كذب كان شرّاً له أي الكذب، وقوله: وفدوا أي قدموا على النبيّ صلى الله عليه وسلم والضمير لقوم من العرب، وهم بنو العنبر لأنّ النبيّ يك! رو بعث إليهم سرية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 أميرها عيينة ابن حصن فهو بواو تركوا النساء والذراري فسباهم، وقدم بهم على النيّ صلى الله عليه وسلم فجاءه بعد ذلك رجالهم راجين لإطلاق الأسارى فأطلق النصف وفادى الباقي، وقوله: حيث اقتصر الخ وكاد مقتضى ذلك أن يعذبهم أو يهلكهم. قوله: (فتعرفوا وتصفحوا) التصفح النظر في صفحاته وجوانبه واً لمراد التفتيش، وقوله: الوليد بن عقبة هو أخو عثمان لأمه، وقوله: مصدّقا بالتشديد حال مقدرة أي آخذا للصدقة وهي الزكاة والأحنة بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة، والنون المراد بها عداوة وأصل معناها الحقد وسببه دم بينهما، وقوله: بعث إليهم خالد بن الوليد، وقدم عليهم ليلا مختفياً متجسسا كما يامره النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك ويدل عليه قوله: متهجدين، وقوله: للتعميم لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم كما قرّر في الأصول فيفيد العموم. قوله: (وتعليق الأمر) في بعض النسخ وفي تعليق الخ وفي زائدة من قلم الناسخ والصحيح تركها، وقد استدل بهذه الآية على أنّ الفاسق أهل للشهادة والا لم يكن للأمر بالتبيين فائدة ألا ترى أنّ العبد إذا شهد تردّ شهادته لا بالتثبت فيها خلافاً للشافمي، وقوله: يقتضي جواز قبول خبر العدل أي الواحد لقوله: وأنّ خبر الواحد الخ، وقد قرّره الأصوليون بوجهين أحدهما أنه لو لم يقبل خبر الواحد لما كان عدم قبوله معللا بالفسق، وذلك لأنّ خبر الواحد على هذا التقدير يقتضي عدم القبول لذاته، وهو كونه خبر وإحد فيمتنع تعليل عدم قبوله بغيره لأنّ الحكم المعلل بالذات لا يكون معللا بالغير إذ لو كان معللاَ بالغير اقتضى حصوله به مع أنه حاصل قبله لكونه معللا بالذات وهو باطل لأنه تحصيل للحاصل أو يلزمه توارد علتين على معلول واحد والثاني وهو امتناع تعليله بالفسق باطل لقوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ} الخ فإنّ ترتيب الحكم على الوصف المناسب يغلب على الظن أنه علة له، والظن كاف هنا لأنّ المقصود هو العمل فثبت أنّ خبر الواحد ليس مردوداً وإذا ثبت ذلك ثبت أنه مقبول واجب العمل، الثاني أنّ الأمر بالتبين مشروط بمجيء الفاسق ومفهوم الشرط معتبر فيجب العمل به إذا لم يكن فاسقاً لأنّ الظن يعمل به هنا والقول بالواسطة منتف، وفيه بحث وقوله: من حيث هو كذلك الحيثية للتعليل فإنه أحد معانيها وكذلك أي خبر واحد، وقوله: عدم عند عدمه بناء على أنّ مفهوم الشرط معتبر، وهو الصحيح لا سيما عند الشافعية كما قرّرناه لك، وأمّا اشتراك أمور في لازم واحد فيعلق بكل منها من غير أن يلزم انتفاؤه من انتفائه فغير متوجه لأنّ الشرط مجموع تلك الأمور وكل واحد منها لا يعد شرطا حقيقة على ما تقرّر في الأصول في مفهوم الشرط فانظره. قوله: (فتوقفوا الخ) إشارة إلى أنّ المقصود من التثت تبين الحال فهي في المآل بمعنى الفراءة الأخرى، وقوله: كراهة إصابتكم إشارة إلى أنّ المصدر في محل نصب على أنه مفعول له حذف منه مضاف وهو كراهة أو حرف نفي فالتقدير لئلا تصيبوا على المذهبين المعروفين في أمثاله لأنّ الأمر بالتبيين ليس لأجل الإصابة، وقوله: جاهلين بحالهم إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال كما في قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} [سورة الأحزاب، الآية: 25] أي مغتاظين وفي قوله: بحالهم لطف ظاهر، وقوله: فتصيروا الخ إشارة إلى أنه هنا بمعنى الصيرورة المطلقة من غير تقييد بوقت الصباح. قوله: (مغتمين غماً لازماً الأن الندم الغم على وقوع شيء مع تمني عدم وقوعه، واللزوم مأخوذ من هذه المادّة لأنها بسائر تصاريفها وتقليب حروفها تفيد الدوام كالندم فإنه غم لازم ومدن بمعنى لزم الإقامة ومنه المدينة وأدمن الشيء أدام فعله كالشراب، وقوله: دائرة إشارة إلى قلب حروفه، وأنث وهو خبر التركيب لإضافته إلى الأحرف المؤنثة ولا يفيد هذا لزوم تجديد الندم وتكرّره في التوبة، وإن كان التائب الصادق لا بد له من ذلك. قوله: (باعتبار ما قيده به من الحال الخ) إشارة إلى أنه لولا تقييده بالحال لم تتم الفائدة، وقوله: ولو جعل الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ هذه الجملة المصدرة بلو حالية لا مستأنفة كما جوّزه المعرب، وغيره لإدانة إلى تنافر النظم لأنه لو اعتبر لو يطيعكم الخ كلاماً برأسه لم يأخذ الكلام بعضه بحجز بعض لأنه لا فائدة حينئذ في قوله: واعملوا أنّ فيكم رسول الله إذا قطع عما بعده، فإن قلت لم لا يجوز أن يقصد به التنبيه على جلالة محله صلى الله عليه وسلم، وأنهم لجهلهم بمكانه مفرّطون فيما يجب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 له من التعظيم حتى كأنهم جاهلون بأنه بين أظهرهم فلما اتجه أن يسئل ما فعلوا حتى نسبوا للتفريط وما نتيجة ذلك أجيبوا ببيان النتيجة لخفائها، قلت: يأبى هذا كون قوله: واعلموا الخ من تتمة ما قبله للعطف ولذا قال المصنف: لم يظهر للأمر يعني قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} فائدة كما في بعض شروح الكشاف فسقط ما قيل من أنّ فائدته الدلالة على أنهم نزلوا منزلة الجاهلين بمكانه لتفريطهم فيما يجب من تعظيم شأنه وقيل عليه أنّ المناسب أن يقال واعلموا أنّ الذي فيكم هو رسول الله ليفيد تجهيلهم بشان الرسول، وأنه يطاع ولا يطيع، وما في النظم إنما يفيد تجهيلهم في أنّ شأنهم أن يتبعوه ولا يتبعوا آراءهم، والمراد هو الأوّل دون الثاني فتدبر. قوله: (حال من أحد ضميري فيكم) يعني المجرور وهو ضمير المؤمنين المخاطبين، والمرفوع المستتر في الظرف، وهو ضمير الرسول وأورد عليه أنه حينئذ العامل فيه الظرف، وهو يدل على الزمن الحاضر ولو يطيعكم للماضي فكيف يكون قيداً له وأيضا ليس المعنى على التقييد فلا يصح جعله حالاً، وأمّا الاستمرار فهو في الماضي فلا تصح المقارنة كما أشار إليه المصنف والزمخشريّ بقوله، والمعنى أنّ فيكم رسول الله على حالة يجب عليكم تغييرها أو أنتم على حالة يجب عليكم تغييرها وهي أنكم تحاولون منه أن يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعن لكم من رأى الخ فتأمل. قوله: (والمعنى الخ (يعني أنّ قوله لو يطيعكم الخ كناية عن أنهم أحبوا متابعة الرسول، وأنّ ذلك مما لا ينبغي فيجب تغييره والعدول عنه فإنه يوقعهم في العنت أي المشقة أو الهلاك أو الإثم أو الفساد فإنها معان له وأصله الكسر بعد الجبر، ووجه الإشعار المذكور ظاهر. قوله: (استدراك الخ) جواب عما يقال من أنّ الاستدراك بلكن شرطه مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا وهو مفقود هنا فليست في موقعها بأنها في موقعها لأنّ مآل المعنى لم يحملكم على ما أردتم من الإيقاع ببني المصطلق اتباع الهوى ومحبة متابعة النبيّ صلى الله عليه وسلم لآرائكم بل محبة الإيمان وكراهة الكفر هي الداعية لذلك، وقوله: وبصفة الخ معطوف على قوله: ببيان عذرهم وهو توجيه آخر لكون الاستدراك في موقعه محصله أنّ الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المقدم ذكرهم فلكن في موقعها كما ارتضاه الزمخشريّ لأنه المناسب لما بعده واليه أشار المصنف بقوله ويؤيده الخ فإنه ظاهر في أنّ ذوي الرشد طائفة في المعنى مستثناة ممن قبلهم، وهم الذين لم يروا الإيقاع بهم رأيأ. قوله: (لكنه لما تضمن معنى الخ) يعني ضمن معنى بغض فعدى تعديته، وحسنه مقابلته لقوله: حبب فإنّ مقابله بغض، وقوله: منزلة بغض وقع في نسخة بغضكم وليس بمناسب لما نحن فيه إلا أن يريد أنه متعد لواحد فإذا عذى للثاني احتيج إلى الحرف فتأمّل، ثم إن المصنف تعرّضى لكرّه دون حبب لأنه على أصله وهو منقول من حبب إليه كما في القاموس وغيره فاستعماله على أصله ومن قال إنّ في التحبيب والتكريه معنى الإنهاء فلذا استعملا بإلى زاد نغمة لا تطرب ولا تضحك، وقوله: تغطية نعم الله يعني أنه في أصله للتغطية الحسية فنقل للتغطية المعنوية كالفسوق فإنه من فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها وفسق عن الطريق عدل عن جادته، والعصيان أصله من عصت النواة صلبت واشتدت فنقل للامتناع عن الانقياد. قوله: الا للراشدين) كما اختاره الزمخشري على أنه مفعول له فلما ورد عليه أن شرطه اتحادهما فاعلا أوّله بأن الرشد هنا مسبب عن التحبيب والتزيين والتكريه وهو فعل الله فردّه المصنف بأنه مسند إلى ضميرهم هنا فلا يوجد الشرط المذكور في العربية فكونه عبارة عما ذكر لا يفيد هنا ويرد عليه أنه بعد التأويل لا يكون مسنداً لضميرهم بل دلّه وقد جوّز المصنف مثله في قوله: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [سورة الرعد، الآية: 12] لقوله: ثمة أنّ إراءتهم تستلزم رؤيتهم مع اختلاف المسند إليه فيهما وليس ما ذكره المصنف والزمخشريّ هنا في شيء من الاعتزال كما توهم لأنّ الرشد فعل الله عند أهل الحق لا مسبب عنه لأنّ الكلام فيما يقال له فعل وفاعل عند أهل اللغة لا عند أهل الكلام، ولا حاجة إلى تأويله بأنّ المراد بالفعل الإيقاع والأحداث والرشد بمعنى إصابة الطريق السويّ بإيقاع الله وأحداثه بخلاف الفضل فإنه بمعنى الأفضال وهو نفس الإيقاع. قوله: (أو مصدر لغير فعله) فهو على الأوّل مفعول له، وعلى هذا مفعول مطلق من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 معناه كقعدت جلوساً إمّا منصوب بحبب أو بالراشدون وإليه أشار بقوله: فإنّ التحبيب الخ، وقوله: بأحوال المؤمنين الخ إشارة إلى أنه تذييل لما قبله من قوله: يا أيها الذين آمنوا الخ أو لقوله: أولئك الخ، وقوله: والجمع باعتبار المعنى فإنّ مقتضى الظاهر اقتتلنا لكن كل طائفة جماعة فهما جمع في المعنى، وإن كان مثنى لفظاً فهو من اعتبار المعنى أوّلاً واللفظ ثانيا عكس المشهور في الاستعمال، والنكتة فيه ما قيل إنهم أوّلاً في حال القتال مختلطون مجتمعون فلذا جمع أوّلاً ضميرهم وفي حال الإصلاح متميزون متفارقون فلذا ثنى الضمير وهو كلام حسن صالح لكونه وجها مستقلا. قوله: (إلى حكمه (على أنّ الأمر واحد الأمور فالمراد به الحكم أو على أنه واحد الأوامر والمراد به لازمه وهو الحكم، وقوله: أو ما أمر به على أنّ الأمر واحد الأوامر والمراد بالأمر المأمور به مجازاً وترجع تفسير لتفيء والفيء كل معناه يرجع إلى الرجوع فالفيء الظل الواقع بعد الزوال سمي به لرجوعه بعدما أزالته الشمس، وهذا بناء على المشهور وفي اللغة من الفرق بين الظل والفيء في أصل الوضمع وقد يستعملان بمعنى كما بين في كتب اللغة، وقوله: لرجوعها الخ الرجوع يشعر بأنها كانت للمسلمين قبل الرجوع، ووجه بأن المال لله تعالى خلقه لعباده فكان حقه أن يكون بيد من تحقق بالعبودية من المسلمين فلذا جعل رجوعا لجعل الاستحقاق الذاتي بمنزلة التملك حقيقة، وهو كلام حسن. قوله: (بفصل الخ) تفسير لقوله: بالعدل، وقوله: هاهنا يعني ولم يقيد به قبل في قوله: فأصلحو! بينهما لأنّ هذا لوقوعه بعد المقاتلة مظنة للتحامل عليهم بالإساءة ولإيهام أنهم لما أحوجوهم للقتال استحقوا الحيف عليهم، وقوله: في كل الأمور العموم من ترك المفعول والمتعلق. قوله: (يحمد فعلهم الخ الأن محبة الله للفعل أو للعبد كونه مرضياً ومنعماً عليه، وأنما لم يقصر المسافة فيفسره بحسن الجزاء أوّلاً لأنّ محبة الله للعبد بمعنى إنعامه عليه كما قاله الراغب إشارة إلى انّ هذا الكلام مع دلالته على أنه تعالى يجزيهم أحسن الجزاء كما تفيده المحبة دال على ثناء الله عليهم بمجموع هذه الجملة فما قيل إنّ الحمد ليس بمعناه المشهور هنا وهم فهو تفسير لمجموعه والباء للملابسة فتدبر. قوله: (والآية نزلت الخ) أصل الحديث في الصحيحين مع زيادة ونقص في الرواية وسببه أنه صلى الله عليه وسلم وقف على حماو له على مجلس للصحابة فبال الحمار فقال عبد الذ بن أبيّ ابن سلول: سير حمارك فقد أذانا فسبه ابن رواحة رضي الله عنه وكثر الكلام حتى أدى إلى مضاربة الحيين من الأنصار وهما الأوس والخزرج كما فصله في الكشاف والسعف قضبان النخلى وجريده. قوله: (وهي تدل على أن الباغي مؤمن الخ (أي الآية دالة على ذلك لجعل الطائفتين الباغية والمبغيّ عليها من المؤمنين وهو رد على الخوارج القائلين بكفر من بغى وارتكب الكبيرة لا على المعتزلة في تخليد الفسقة إذ لم يتعرّض له المصنف، وقوله: قبض عن الحرب وفي نسخة قبض يده عن الحرب أي كف عنه، وقوله: كما جاء في الحديث إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله حكم فيمن بفى من هذه الأمّة أن لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها) كما رواه الحاكم وغيره، وقوله: لأنه أي الترك فيء مصدر وهو خبره أو الضمير للشان وفيء ماض مجهول، وكون الترك فيئاً يفهم من مقابلته للمقاتلة في النظم ومعاونة من يبغي عليه تفهم من قوله: فقاتلوا التي تبغي فإنها تستلزم ما ذكر وتقديم النصح يفهم من قوله فأصلحوا بينهما قبله، وهذا مفهوم من ترتيب النظم فلا حاجة إلى أن يقال إذا وجب النصح والدعاء للحكم الإلهي عند وجود البغي من الطائفتين فعند وجوده من إحداهما أولى لأنه أرجى لظهور أثره كما قيل. قوله: (من حيث إنهم الخ) تعليل لتسمية المشاركة في الإيمان أخوّة على أنه تشبيه بليغ أو استعارة شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد لأنّ كلاً منهما أصل للبقاء، إذ التوالد منشأ الحياة والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان وفي كل منهما قوّة من وجه فلا يتوهم أنه تشبيه مقلوب فقوله: إلى أصل واحد استعارة لجعله كالأصل إلا أن يكون واحد الأصول الدينية، وهو بعيد. قوله: (تعليل الأنه جملة مستأنفة لبيانه كما هو معروف في أمثاله من الجمل المصدرة بأنّ، وتقريره أي تحقيقه وتوكيده لأنه من لوازم الأخوة أن يصطلحا، وقوله: ولذلك الخ فيه لف ونشر مشوّس فالتكرير للتقرير والترتيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 بالفاء للتعليل، ولذا وضع الظاهر في قوله: بين أخويكم موضحع الضمير مبالغة في تقريره، وقوله: والتخصيص بمهملتين أو معجمتين، وقوله: وقيل المراد الخ فالأخوين بمعنى الحيين المذكورين سمي كلاً منهما أخا لاجتماعهم في الجدّ الأعلى، ويؤيد هذا التأويل القراءة المذكورة ولذا ذكرها عقبه. قوله: (أي لا يسخر بعض المؤمنين الخ) فالتنكير للتبعيض، وقوله: والقوم توجبه لمقابلته للنساء في النظم لأنه جمع أو في معنى الجمع للذكور فظهر تقابله مع النساء، وقوله: أو جمع أراد به الجمع اللغوي لأنه اسم جمع على الأصح لأنّ فعلاً ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات، وهذا مراد من قال: إنّ قابلاً يجمع على فعل كصاحب وصحب وقوله: والقيام بالأمور الخ بيان لوجه اختصاصه بالرجال والمراد بالقيام بالأمور كونهم أصلا لفعلها وصدورها عنهم، وقوله: بالقبيلين أراد الرجال والنساء وعلى التغليب فهو ظاهر وعلى الاكتفاء يكون مستعملا في معناه الحقيقي ودل عليهن بالالتزام لعدم الانفكاك ففيه لزوم عاديّ. قوله: (واختيار الجمع الخ) أي لم يقل لا يسخر رجل من آخر ولا امرأة من أخرى مع أنه الأصل الأشمل الأعتم جريا على الأغلب من وقوع مثله في مجامع الناس، وبين الأقوام دون الآحاد لأنّ السخرية كما في الأحياء ذكر نقائص المرء بحضرته على وجه يضحك منه وهي في الأغلب بمحضر من الناس فعبر عنهما بالقوم لكون كل منهما في جماعة سواء كانت في جماعة المسخور منه جماعة الساخر، أو لا فكم من ملتذ بها وكم من متالم منها فجعل ذلك بمنزلة تعدد الساخر والمسخور منه، ولوقوعه فيما بينهم نسب لهم وما قيل من أنه لا يفي ببيان اختيار الجمع في جانب المسخور منه غفلة عن تصوّر المراد منه. قوله: (وعسى الخ) اختلف فيما إذا أسندت إلى أن والفعل فقيل إنها تامّة لا تحتاج إلى خبر وأن وما بعدها في محل وفع، وقيل: ناقصة وسد ما بعدها مسد الجزأين واليه ذهب المصنف ولا يخفى حينئذ أنّ لها محلاً من الإعراب فإن قيل هو رفع أو نصب لزم التحكم، وإن قيل له محلان باعتبارين فله وجه وقد ارتضاه بعض مشايخنا، وقوله: عسوا أن يكونوا الخ وكونها ذات خبر حينئذ قول للنحاة وفيه الإخبار عن الذات بالمصدر أو يقدر مضاف مع الاسم أو الخبر أو يقال هي بمعنى قارب، وأن وما معها مفعول أو قرب وهو منصوب على إسقاط الجار. قوله: (ولا يعتب بعضكم بعضاً الخ) اللمز الاعتياب وتتبع المعايب كما قاله الراغب: فقوله: لا يعتب تفسير لا تلمزوا وأما قوله: بعضكم بعضا فبيان لحاصل المعنى وأنه الأصل في التعبير عنه فضمير تلمزوا للجمع بتقدير مضاف فيه وأنفسكم عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين، وهم المؤمنون فجعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم كما في قوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 128] وقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 29] فأطلق الأنفس على الجنس استعارة كما أشار إليه بقوله: فإنّ المؤمنين الخ فعلى هذا فيه تجوّز وتقدير مضاف والنهي على هذا مخصوص بالمؤمنين، وهو مغاير لما قبله وإن كان مخصوصا بالمؤمنين أيضاً كما مرّ بحسب المفهوم لتغاير الطعن والسخرية فلا يقال إنّ الأوّل مغن عنه إذ السخرية ذكره بما يكره على وجه مضحك بحضرته، وهذا ذكره بما يكره مطلقا أو هو تعميم بعد التخصيص كما يعطف العام على الخاص لإفادة الشمول كشارب الخمر وكل فاسق مذموم، وقيل: إنه من عطف العلة على المعلول أو اللمز مخصوص بما كان على وجه الخفية كالإشارة أو هو من عطف الخاص على العام لجعل الخاص كجنس آخر مبالغة فتأئل. قوله: (فإنّ المؤمنين كنفس واحدة) بيان لوجه التجوّز، وأنّ أنفسكم بمعنى بعض من جنسكم كما مرّ وكونه تعليلا للنهي بعيد، وقوله: أو لا تفعلوا الخ وجه ثان فأنفسكم على ظاهره والتجوّز في قوله: تلمزوا فهو مجاز ذكر فيه المسبب، وأريد السبب والمراد لا ترتكبوا أمرا تعابون به وأخره لأنه بعيد من السياق وغير مناسب لقوله: ولا تنابزوا كما في الكشف، وكونه من التجوّز في الإسناد إذ أسند فيه ما للمسبب إلى السبب تكلف ظاهر وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق لا يدفع كونه مخالفاً للظاهر، وكذا كون المراد به لا تتسببوا في الطعن فيكم بالطعن على غيركم كما في الحديث: (من الكبائر أن يشمتم الرجل والديه) إذ فسر بأنه إذا شتم والدي غيره شتم الغير، والديه أيضا وترك المصنف الأوّل من الوجوه الثلاثة المذكورة في الكشاف، وهو أنّ المعنى خصوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 أنفسكم أيها المؤمنون بالانتهاء عن عيبها والطعن فيها، ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم ففي الحديث: (اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس) لأنه لا فرق بينه، وبين المعنى الثاني إلا باعتبار أنّ المراد بالأنفس في الأوّل غير اللأمزين من المؤمنين وجعلهم أنفسهم لتنزيل اتحاد الجنس منزلة اتحاد الذات، وفي الثاني أنفس اللامزين بالوجه المذكور قيل ولم يرتض الزمخشريّ الوجه الثاني لدلالة الحديث على صحة الوجه الأوّل، والمصنف لم يرتض ما ارتضاه لعدم ما يدل على التخصيص في النظم كما قيل والصواب ما قدمناه من أنه لقلة الفرق بينهما. قوله: (فقد لمز نفسه) أي فقد تسبب للمزها فكان كأنه لمزها والنبز، والنزب في الأصل اللعب، ثم خصه العرف بالتلقيب بما يكره الشخص وهو المنهي عنه فليس ذكر الألقاب معه مستدركا كما يتوهم ويستثنى منه ما لم يقصد به استخفاف بصاحبه وأذى له كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته عليه كقول المحدثين فلان الأعمش والأحدب. قوله: (أي بئس الذكر المرتفع الخ) يعني الاسم المراد به هنا شيوع الذكر وشهرته من السمو كما يقال لفلان: اسم أي صيت واشتهار لا ما اصطلحوا عليه بما يقابل الكنية واللقب، وأما ما يقابل الفعل والحرف والخبر كاسم إنّ فاصطلاح حادث لا يتوهم إرادته هنا فلا حاجة لنفيه كما قيل إلا أن يريد عدم صحة إرادته هنا والمرتفع بمعنى المشتهر وعبر به لبيان وجه التجوّز لأنه من السمو وقوله: للمؤمنين تفسير لقوله بعد الإيمان. قوله: (أن يذكروا بالفسوق الخ (يشير إلى أنّ الفسوق هو المخصوص بالذم هنا، وأنّ المراد به لفظه بتقدير مضاف أي ذكر الفسوق أو اسم الفسوق، وقوله: واشتهارهم بالرفع عطف على أن يذكروا فضمير به للفسوق أو بالجرّ عطف على دخولهم فالضمير للإيمان. قوله: (والمراد به (أي بالمذكور من النظم إمّا تهجين أي تقبيح نسبة الكفر والفسق، وقوله: خصوصاً أي يخص التقبيح بالكفر والفسق لا بغيره من النبز والتلقيب مطلقا فكيف معنى قوله: ولا تنابزوا بالألقاب لا ينسبت أحدكم غيره إلى كفر أو فسق كا فيه بعد اتصافه بضده، وقوله: إذ روي تعليل لتخصيصه بما ذكر وصفية رضي الله عنها من أمهات المؤمنين وحييّ تصغير حيّ علم أبيها، والمراد بالنساء زوجاته صلى الله عليه وسلم والحديث المذكور رواه الترمذيّ والطبرانيّ وابن حبان، وقال ابن حجر: إنه غريب وكانت صفية من ذرّية هارون عليه الصلاة والسلام كما ذكره أهل السير. قوله: (أو الدلالة الخ) بأو الفاصلة في (لنسخ لا بالواو الواصلة كما قيل حتى يقال الظاهر أو بدلها وهو معطوف على قوله: تهجين نسبة الكفر الخ فهو وجه آخر يفسر فيه الآية على أنّ المراد مطلق النبز لا خصوص الفسق والكفر، ويكون معنى قوله: بثس الخ أنّ التلقيب بما يكرهه الناس أمر مذموم لا يجتمع مع الإيمان فإنه شعار الجاهلية وقوله: أن يذكروا على البناء للفاعل وضمير دخولهم للمذكورين، أو على البناء للمفعول والضمير للذاكرين وقد ذكر الزمخشري فيه ثلاثة أوجه أحدها أن بعد الإيمان بمعنى أنه لا يجتمع مع الفسق كما يقال: بئس الصبوة مع الكبر، والثاني: بثس تشهير الناس بفسق كانوا فيه بعد الاتصاف بضده كما يقال يهوديّ لمن أسلم منهم، والثالث بئس الفسوق بدل الإيمان وهو مبنيّ على الاعتزال ولذا لم يذكره المصنف. قوله: (بوضع العصيان الخ) فإنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه فيراد به ما ذكر بقرينة المقام، وقوله: كونوا إشارة إلى أنّ هذا أصل معناه، ثم شاع في التباعد اللازم له، وقوله: وابهام الكثير أي تنكير. لأنه إذا وجب اجتناب كثير لا على التعيين لزم ما ذكر، وقوله: من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعيّ كما في كثير من الأحكام. قوله: (والهمزة فيه (أي في الإثم بدل من الواو من وثمه إذا دقه وكسره قيل عليه إنّ الهمزة ملتزمة في تصاريفه، وإن أثم من باب علم، وثم من باب ضرب وأنه ذكره في باب الهمزة في الأساس والواوي متعد وهذا لازم، وقوله: يكسرها لكونه يضرّ من يعمل به في الجملة لا أنه يحبطها قطعا حتى يكون مبنيا على الاعتزال كما توهم. قوله: (باعتبار ما فيه من معنى الطلب الخ) يعني أن الجس بالجيم كاللمس فيه معنى الطلب لأنّ من يطلب الشيء يمسه ويجسه فأريد به ما يلزمه قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء} [سورة الجن، الآية: 8] أي طلبناها بدليل قوله: بعده فوجدناها واستعمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 التفعل للمبالغة فيه، وقيل المراد أن التفعل للطلب كالاستفعال لا للتكلف وفيه نظر، وقوله: أثر الجس لأنّ من جس شيئاً يحس به وغايته ما يترتب عليه، وقوله وفي الحديث الخ ساقه لما فيه من تفسير الآية والعورة ما يكره المرء من الاطلاع عليه، وتتبعها البحث عنها وتتبع الله لعورته عبارة عن إظهارها مجازاً أو مشاكلة وهذا حديث حسن رواه الترمذيّ والحاكم. قوله: (ولا يذكر الخ) هذا هو تعريف الغيبة وهي مأخوذة من الغيبة إذ لو ذكره في وجهه لم يكن غيبة، والحديث المذكور في مسلم والسنن مع مخالفة يسيرة لما ذكره المصنف، وبهتة بمعنى كذبت عليه لأنّ البهت بمعنى الكذب والافتراء كالبهتان والمغتاب الأوّل اسم فاعل والثاني اسم مفعول. قوله: (على أفحش وجه مع مبالغات) قال في المثل السائر: كني عن الغيبة بأكل الإنسان للحم إنسان آخر مثله ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله ميتا، ثم جعل ما هو في غاية الكراهة موصولاً بالمحبة فهذه أربعة أمور دالة على ما قصد له مطابقة للمعنى الوارد من أجله فأما جعل الغيبة كأكل لحم إنسان مثله فلأنها ذكر المثالب، وتمزيق الأعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه وجعله كلحم الأخ لأنّ العقل والشرع استكرهاها وأمرا بتركها فكانت في الكراهة الشديدة كلحم الأخ وجعله ميتا لأنّ المغتاب لا يشعر بغيبته، ووصله بالمحبة لما جبلت عليه النفوس من الميل إليها مع العلم بقبحها وهو ما أشار إليه المصنف وأنه جعل ذلك استعارة تمثيلية فيها مبالغات كما في الكشاف، وفي حواشيه كلام لا محصل له. قوله: (إلاستفهام المقرّر) بيان لما به المبالغة فإنّ الاستفهام للتقرير وهو كما نقل في الكشف عن الزمخشريّ يفيد المبالغة من حيث إنه لا يقع إلا في كلام مسلم عند كل سامع حقيقة أو ادّعاء، وافادة أحد للتعميم ظاهرة فهو إشارة إلى ما جبلت عليه النفوس، وقوله: بما هو في غاية الكراهة هو لحم الأخ المغتاب. قوله: (وتمثيل الاغتياب الخ) يشير إلى أنه استعارة تمثيلية مثل اغتياب الإنسان لآخر بأكل لحم الأخ ميتاً وقوله: جعل المأكول بالجرّ أو النصب على أنه مفعول معه، وقوله: تعقيب ذلك أي التمثيل، وقوله: تقريراً وتحقيقا أي تعقيبه به لأجل الحمل على الإقرار والتحقيق لعدم محبته أو لمحبته التي لا ينبغي مثلها، وقوله: والمعنى إن صح ذلك أي ثبت وتحقق والإشارة إلى أكل لحم الأخ الميت يعني أنّ هذه الفاء فصيحة في جواب شرط مقدّر كقوله: فقد جئنا خراسانا فما ذكر جواب للشرط وهو ماض فيقدر معه قد ليصح دخول الفاء على الجواب الماضي كما في قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ} [سورة الفرقان، الآية: 19] وضمير كرهتموه للأكل وقد جوّز كونه للاغتياب المفهوم منه والمعنى فاكرهوه كراهيتكم لذلك الأكل وعبر عنه بالماضي للمبالغة فاذا أوّل بما ذكر يكون إنشائياً غير محتاج لتقدير قد، وقوله: ولا يمكنكم الخ فالماضي مؤوّل بما ذكر من تبين كراهته فيتحقق ترتبه على الشرط المستقبل، وقوله: على الحال الخ لأنّ المضاف جزء من المضاف إليه فيصح مجيء الحال منه بالاتفاق فمن قال: على مذهب من يجوّز مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا فقد غفل غفلة ظاهرة، وقوله: لمن اتقى الخ متعلق برحيم إشارة إلى أنّ الجملة المصدرة بأنّ تعليل للأمر السابق عليها واتقى بمعنى اجتنب وما نهى عنه في الآيات قبله نحو لا يسخر وما بعده، وتوّاب بليغ في قبول التوبة أي مبالغ فيها، وقوله: إذ الخ بيان لأنّ المبالغة في الكيفية وقبول التوبة هو معنى التوّاب إذا وصف به الله وقوله أو لكثرة الخ فالمبالغة في الكمية أي كمية المفعول أو الفعل وهو ظاهر. قوله: (روي أنّ رجلين الخ) روي ما يقرب منه في الترغيب والترهيب، وقوله: لو بعثناه إلى بئر سميحة الخ في الكشف إنه روي بالجيم وهو مصغر اسم بئر من آبار مكة وليس بشيء إذ الصحيح كما في القاموس أنه بالحاء المهملة بوزن جهينة بثر بالمدينة لأنّ سلمان رضي الله عنه إنما أسلم بالمدينة ولم يكن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة، وقوله: لو بعثناه الخ هو كما يقال: لو ذهب فلان إلى البحر لم يجد فيه ماء وهو عبارة عن أمر لا خير فيه أو أنه مشؤوم، ولذا جعله ىلمجب! م غيبة فأعرفه. قوله: (ما لي أرى خضرة اللحم الخ) (1! أراد بخضرة اللحم اللحم الأخضر وكني بكونه أخضر عن أنه لحم ميتة لأنّ لحم الجيف يرى كأنه أخضر فهو زيادة تهجين له، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الباهرة حيث شاهده محسوسا وكونه أراد بالخضرة النضارة لا وجه له، وقوله: من آدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 وحواء توجيه لأفراده، ولذا لم يقل ذكور واناث دماذا أريد به من أب وأم لا يظهر ترتب قوله فلا وجه الخ كما في الأوّل فإنه كقوله: الناس في عالم التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأمّ حواء ولذا قدّمه. قوله: (ويجورّ أن يكون ثقريرا للأخوة) السابق ذكرها وأخر لأنّ ما قبله هو الموافق لقوله: لتعارفوا أنّ الخ إلا أن يؤوّل بما يعود لما قبله والشعب بزنة الضرب، والعمارة بفتح العين وقد تكسر وما ذكره في ترتيب القبائل مما اتفق عليه أهل النسب واللغة، وقوله: وقيل الشعوب بطون العجم وانه خص بهم لكثرة انشعابهم وتفزق أنسابهم ولغلبة الشعوب على العجم قيل لمن يفضل العجم على العرب شعوبيّ بالضم فنسب إلى الجمع كأنصاري. قوله: (ليعرف بعضكم بعضاً) فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب والتوارث، وقوله: لا للتفاخر الحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر والسكوت في معرض البيان، وقوله: بالإدغام وأصله لتتعارفوا بتاءين فأدغمت إحداهما في الأخرى، والكلام عليه مفصل في محله وهو قراءة ابن كثير في رواية عنه ولتتعارفوا بتاءين ولتعرفوا بكسر الراء ومعنى كريم على الله أنه له مرتبة وشرف في الآخرة والدنيا وضدّ. هين على الله وقوله: خبير ببواطنكم تقدم وجهه، وقوله: جدبة بكسر الدال المهملة أي فيها قحط، وقوله: يريدون الصدقة الخ أي يريدون بذكرهم ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم من الصدقات ويمنون على النبيّ بما ذكر والمراد بالاثقال أمتعة بيوتهم والمراد به توكيد عدم المشاقة والمقاتلة، وقوله: قالت الأعراب أنثه لأنّ ذلك جائز في كل جمع كما قيل: لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث وكونه للدّلالة على قلة عقولهم عكس ما روعي في قوله: وقال نسوة: لا يطرد في كل جمع والتأنيث غير مختص بالأعراب حتى يتم ما ذكر. قوله: (وإلا لما مننتم الخ) فإنّ من صدق الله ورسوله، وعرف أنّ الإيمان أمر واجب عليه منقذ له من العذاب، وموصل لسعادة الدارين عرف أنّ المنة لله لا له لقوله تعالى في آخر السورة: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} وقوله: فإنّ الإسلام الخ إشارة إلى الفرق بين الإسلام والإيمان وأصل وضعه دال على ما ذكر لأنّ معنى أسلم دخل في السلم وهو ضدّ الحرب كأصبح إذا دخل في وقت الصباح وقوله: يشعر به أي بالانقياد والدخول في السلم. قوله: (وكان نظم الكلام الخ (أي كان مقتضى الظاهر والتقابل أن يكون المنفيّ والمثبت على وتيرة فحيث نفى الإيمان ثبت الإسلام أو يذكر القول فيهما، ولذا قيل: إنه من الاحتباك وأصله لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ولكن أسلمتم فقولوا: أسلمنا فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر، ولما لم يكن للحذف داع ذهب المصنف إلى أنه عدل عن مقتضى الظاهر لأنه الأبلغ فإنهم ادّعوا الإيمان فنفي عنهم، ثم استدرك عليه فقال: دعوا ادعاء الإيمان واذعوا الإسلام فإنه الذي ينبغي أن يصدر عنكم على ما فيه فنفي الإيمان وأثبت لهم قول الإسلام دون الاتصاف به، وهو أبلغ مما ذكر من الاحتباك مع سلامتة من الحذف بلا قرينة. قوله: (احترازا من النهي الخ) أي احترز من نهيهم عن قول الإيمان فإنه لو قال: لا تقولوا آمنا كان نهيا عن القول بالإيمان وهو غير مناسب لمقام الشارع المبعوث للدعوة إلى الإيمان فلا يناسبه مقام النهي عنه وعن القول به ولو تال: ولكن أسلمتم كان جزما بإسلامهم واعتباراً له والحال أنه فقد شرط اعتباره شرعاً، وهو التصديق القلبي ففي كلامه لف ونشر لطرفي التقابل فلا وجه لما قيل لك أن تقول لم تؤمنوا في موقعه فإنه نفي لصريح دعواهم فلا يطلب له نكتة بخلاف ما لو كان النظم قل لا تقولوا آمنا فإنه ليس نفياً لقولهم، والحاصل أنه روعي فيه المطابقة المعنوية مع رعاية الأدب والعدول عن تكذيبهم صريحاً المورث للعناد على ما فصل في الكشف فتأمّل. قوله: (توقيت لقولوا الخ (هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ قوله لما يدخل الخ مكرّر مع قوله: لم تؤمنوا فما فائدته، والتوقيت التعيين والتحديد ومنه مواقيت الحرم فالمعنى أنّ لما تفيد النفي الماضي المستمرّ إلى زمن الحال وأنّ منفيها متوقع والجملة المنفية بها هنا حال من ضمير قولوا، والحال تقييد لعاملها فالأمر بقولهم أسلمنا دون آمنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 مقيد بحال عدم دخول الإيمان في قلوبهم أي قولوا: أسلمنا ما دمتم على هذه الصفة فأفاد هنا فائدة زائدة، وهيئ توقيت القول المأمور به وتوقعه منهم بخلاف نفيه السابق فلا تكرار فيه، ولذا اختار كون الجملة حالاً لا مستأنفة إخبارا منه تعالى فإنه غير مفيد لما ذكر كما أشار إليه. قوله: (من لات ليتاً إذا نقص الخ) نقص يكون متعدياً ولازما، والمراد الأوّل هنا فلا حاجة لشديد قافه، وإن صح وهو على هذه اللغة أجوف وفي لغة غطفان وأسد مهموز الفاء وبهما قرئ في السبعة. قوله: (إذا أوقعه في الشك مع التهمة) قال الراغب: أن يتوهم بالشيء أمراً فينكشف عما يتوهمه والإرابة أن يتوهم فيه أمراً فلا يكشف عما يتوهمه والارتياب يجري مجرى الإرابة، وهو ما أشار إليه المصنف، وقيل الشك في الخبر والتهمة في المخبر فتأمّل وقوله: وفيه الخ يعني قوله: لم يرتابوا تعريض لمن نفى عنه الإيمان سابقاً بأنّ نفيه لكونهم مرتابين في الله ورسوله. قوله: (وثم للأشعار الخ (توجيه لما في النظم من أنّ عدم الارتياب لا ينفك عن الإيمان فكيف جعل متراخياً عنه وله طريقتان في الكشاف إحداهما أنّ من وجد منه الإيمان ربما يعترضه ما يوقعه في الشك فيستمرّ عليه فوصف المؤمن حقاً بالبعد عن هذه الموبقات كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [سورة فصلت، الآية: 30، والثانية أنّ زوال الريب لما كان ملاك الإيمان أفرد بالذكر بعده تنبيهاً على مكانه وعطف بثم إشعاراً باستمراره في الأزمنة المتراخية غضا طريا يعني أنه لنفي الشك عنهم فيما بعد فدل على أنهم كما لم يرتابوا، أوّلاً لم تحدث لهم ريبة فالتراخي زمانيئ لا رتبيّ على ما مرّ في قوله ثم استقاموا أو عطفه عليه عطف جبريل على الملائكة تنبيها على أصالته في الإيمان حتى كأنه شيء آخر فثم دلالة على استمراره قديماً وحديثا، والفرق بين الاستمرارين أنه على الأوّل استمرار المجموع كما في قوله: ثم استقاموا أي استمرّ إيمانهم مع عدم الارتياب وعلى الثاني الاسنمرار معتبر في الجزء الأخير فالتنظير بقوله: ثم اسنقاموا من جهة أخرى غير التراخي الرتبي السابق ذكره فليس إشارة لجريان هذا الوجه فيه كما توهم، وقيل إنه على الأوّل ثم فيه للتراخي الرتبي إذ المعنى لم يرتابوا بعد تشكيك المشكك والثبات على الشيء أعلى رتبة من إيجاده فتنظيره على ظاهره وعلى الثاني في الارتياب يبقى في الأزمنة المتراخية فثم للتراخي الزماني باعتبار النهاية فتدبر. قوله: (في طاعتة) يعني ليس المراد بسبيل الله الغزو بخصوصه بل ما يعم العبادات والطاعات كلها لأنها في سبيله وجهته، ولذا قال والمجاهدة الخ فالمجاهدة بالأموال عبارة عن العبادة المالية كالزكاة والمجاهدة بالأنفس البدنية كالصلاة والصوم وقدم الأموال لحرص الإنسان عليها فإنّ ماله شقيق روحه وجاهدوا بمعنى بذلوا الجهد أو مفعوله مقدر أي العدوّ أو النفس والهوى. قوله: (الذين صدقوا في ادعاء الإيمان) إشارة إلى أنه تعريض بكذب الإعراب في ادعاءهم الإيمان وأنه يفيد الحصر أي هم الصادقون لا هؤلاء، وايمانهم إيمان صدق وجد. قوله: (أتخبرونه به بقولكم آمنا) فهو من قولهم علمت به فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه، والى الثاني بحرف الجرّ لأنه بمعنى الإعلام والإخبار، وقيل: إنه تعدى بها لتضمين معنى الإحاطة أو الشعور ففيه مبالغة لإجرائه مجرى المحسوس فتأمّل. قوله: (تجهيل لهم وتوبيخ الأنهم كيف يعلمونه، وهو العالم بكل شيء وقوله: وهي أي المنة النعمة التي لا يستثيب أي يطلب الثواب والجزاء عليها وموليها كمعطيها لفظا، ومعنى وقوله: ممن يزلها متعلق بيستثيب أي يوصلها إليه، قال في القاموس: أزل إليه نعمه أسداها واليه من حقه شيثاً أعطاه اهـ، وقوله: الثقيلة ثقل المنة عظمها أو المشقة في تحملها، وقوله: من المن وهو الرطل الذي يوزن به. قوله: (أو تضمين الفعل معنى الاعتداد) أي يعذون إسلامهم منة ونعمة كما أشار إليه أوّلاً والاعتداد بالشيء الاعتبار به، وقوله: على ما زعمتم في قوله قالت الأعراب: آمنا فلا ينافي هذا قوله لم تؤمنوا حيث نفى الإيمان عنهم، وقوله: مع أنّ الهداية الخ فالهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم، وينافي نفي الإيمان السابق فإن قلت: الهداية هنا ما يلازم الإيمان لقوله: إن كنتم صادقين فكيف يتجه ما ذكره في هذه المعية قلت: الإضراب يقتضي أنّ ما من به عليهم واقع، وهو الدلالة لا الاهتداء ولا يلزم تقدير الجواب من لفظ ما قبله بعينه، ومتعلق الصدق ادّعاء الإيمان لا الهداية حتى ينافيه كما توهم. قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 (وفي سيا ق الآية لطف الخ الما فيها من النكت إذ سمي ما أحدثوه إسلاما تكذيبا لهم في قولهم: آمنا في معرض الامتنان، ثم أمره أن يجيبهم بأنهم كاذبون وأضاف ما أتوا به إليهم في قوله: إسلامكم إشارة إلى أنه أمر غير معتد به فلا يليق الامتنان به، وتمام الحسن في التذييل الدالّ على كذبهم، وعلى اطلاعه على خواص عباده من النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وقوله: فنفى جواب لما وهو قد يقترن بالفاء كما في التسهيل فليست الفاء زائدة فيه كما قيل. قوله: (وسماه إسلاماً الخ) كان عليه أن يقول، وبين أنهم ليس لهم أن يمنوا به ليظهر معه قوله: بأن قال الخ والأمر فيه سهل، وقوله في الحقيقة: إسلام أي انقياد ودخول في السلم، وقوله: وليس بجدير أن يمن بالبناء للمجهول والنائب عن فاعله قوله عليك، وأنما كان كذلك لأنه لعدم مواطأته القلب غير معتدّ به شرعا، وقوله: بل لو صح الخ من كلام المصنف ابتداء لا مقول القول وقوله: في سركم وعلانيتكم أخذه من ذكره عقب الغيب، وقوله: لما في الآية من الغيبة أي من ذكره هؤلاء بضمير الغيبة وما هو في حكمه كقوله: يمنون ونحوه، والحديث المذكور موضوع ومعناه ظاهر تمت السورة الشريفة فلفه الحمد على جزيل الأنعام وعلى سيدنا محمد وآله وصحبه أفضل الصلاة والسلام. سورة ق قيل وتسمى سورة الباسقات بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) قيل: بالإجماع، ويرد عليه أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه استثنى منه قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [سورة ق، الآية: 38] إلى قوله: لغوب لأنها نزلت في اليهود كما أخرجه الحاكم ونقله في الاتقان ولا خلاف في عددها. قوله: (الكلام فيه كما مرّ في ص) يعني من وجوه القراآت وكون الواو قسمية أو عاطفة وكونه تجريداً على نهج مررت بزيد والنسمة المباركة وكونه من الحروف المقطعة أو اسم للسورة أو القرآن لا في كونه فعل أمر لأنه وجه مرجوح لا يلتفت إليه، وأمّا كونه أمراً من قفاه إذا اتبع أثره على أنه أمر معناه اتبع القرآن، وأعمل بما فيه فلا وجه له لأنّ مثله لا يقال بالرأي فلا وجه لذكره، وتوهم جريانه هنا كما قيل وكذا ما قيل إنه أمر بمعنى قف. قوله: (والمجيد ذو المجد والشرف الخ) يعني أنّ المعروف وصف الذوات الشريفة به فوصف القرآن به إمّا على النسب كلاين وتامر وأورد عليه أنه غير معروف في فعيل كما قاله ابن هشام في أنّ رحمة الله قريب وشرفه على هذا بالنسبة لسائر الكتب أمّا غير الإلهية فظاهر وأمّا الإلهية فلإعجازه، وكونه غير منسوخ بغيره. قوله. (أو لأنه كلام المجيد) يعني أنه وصف بوصف قائله على أنه مجاز في الإسناد كالقرآن الحكيم، وقوله: أو لأنّ من علم معانيه الخ هو أيضاً من الإسناد المجازي لكنه وصف بوصف حامله أو هو بتقدير مضاف حذف فارتفع الضمير المضاف إليه أو فعيل فيه بمعنى مفعل كبديع بمعنى مباع لكن الوجه الأوّل أولى لما قدمناه من أنّ مجيء فعيل، وصفا من الأفعال لم يثبته أهل اللغة والعربية كما مرّ تفصيله، وقيل المجد سعة الكرم وصف به القرآن لما تضمنه من خير الدارين. قوله: (إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب) الإنكار مأخوذ من السياق، والتعجب مما ليس بعجب بل مما هو أمر لازم لا بد منه والإضراب للانتقال من وصف القرآن بالمجيد إلى إبطال تعجبهم مما ليس بعجب. قوله: (أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم) يعني أنّ من بيانية والمراد بكونه منهم أنه من جنس البشر أو العرب، ومعنى كونه من أبناء جلدتهم أنه من نوعهم أو قبيلتهم أو ديارهم فالجلدة مستعارة لما ذكر يقال: فلان أشعر جلدته وأشعر أهل جلدته أي قبيلته فهي أخص من الجنس كما هو معروف في استعمال البلغاء. قوله: (حكاية لتعجبهم) فالفاء لتفصيل ما أجمل كقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} [سورة هود، الآية: 45] فقال: رب الخ، وقوله: للإشعار بتعنتهم الذي اشتهر في النسخ أنه بنون مشددة ومثناة فوقية تفعل من العنت وهو اللجاج في العناد، وفي نسخة بتعينهم بالياء التحتية والنون والمعنى على الأولى أنه ذكر أولاً مضمرا بياناً لعنادهم لإنكاوهم وتعجبهم مما لا ينكر، ثم أعيد تسجيلا عليهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 بالكفر فلذا أظهر ما يدل عليهم بعد الإضمار، وعلى الثانية أنه أضمر ثم أظهر وكان الظاهر العكس لتعينهم والتسجيل عليهم، ومن العجب ما قيل إنه لتعيبهم تفعل من العيب بالباء الموحدة أي جعلهم ذوي عيب ظاهر بهذا المقال حتى لا يستحقون إظهار الذكر وهو تحريف منه. قوله: (أو عطف لتعجبهم من البعث الخ) والعطف بالفاء لوقوعه بعده وتفرّعه عليه لأنه إذا أنكر الميعوث أنكر ما بعث به أيضاً، وقوله: والمبالغة الخ مبتدأ خبره قوله بوضع الخ، وقوله: لأنه الخ بيان لإفادة ما ذكر للمبالغة أو هو الخبر، والجار والمجرور متعلق بالمبالغة وقوله: يفسره ما بعده فهي للبعث المفسر بقوله: أثذا متنا الخ فإنها جملة مستأنفة لبيان المتعجب منه، وقوله: ثم تفسيره أو تفصيله متعلق بقوله: محذوف دل عليه ما بعده على أنّ الرجع بمعنى الرجوع وقوله: عن الوهم بيان لأنّ البعد معنويّ نزل منزلة الحسيّ فأفاد ما ذكره، وقوله: وقيل الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب يقال هذا رجع رسالتك ومرجوعها ومرجوعتها أي جوابها وعلى هذا فهو من كلام الله لا من كلام الكفرة كما في الوجه السابق، والمعنى هذا جواب بعيد منهم لمن أنذرهم وذلك إشارة لقوله: أئذا متنا الخ ومرضه لبعد.، والدليل على متعلق الظرف حينئذ ذكر المنذر والتقدير أنبعث إذا متنا، وقوله: ردّ لاستبعادهم أي للبعث فدفع أصله وهو أنّ أجزاءهم تفرّقت فلا تعلم حتى تعاد بزعمهم الفاسد. قوله: (وقيل إنه جواب القسم الخ) القسم في قوله: ق والقرآن قد اختلف المعربون في جوابه فقيل: محذوف تقديره لتبعثن، وقيل: مذكور وهو قد علمنا ولم يذكر اللام تخفيفاً لطول الكلام، وقيل: هو ما يلفظ من قول وقيل بل عجبوا وقيل: إنّ في ذلك لذكرى. قوله: (حافظ الخ) ففعيل بمعنى فاعل أو مفعول وعليهما فالكتاب الحفيظ استعارة لسعة علمه أو هو تأكيد لثبوت علمه والكتاب الحفيظ اللوح المحفوظ لا استعارة فيه، وقوله: بل كذبوا الخ الأكثر على أنّ المضرب عنه محذوف تقديره ما أجادوا النظر بل كذبوا الخ، وفي الكشاف إنه اتبع الإضراب الأوّل بما يدلّ على ما هو أفظع منه وهو التكذيب بالحق المؤيد بالقواطع فكأنه بدل بداء من الأوّل فلا تقدير فيه وكونه أفظع وأقبح للتصريح بالتكذيب من غير تدبر بعد التعجب منه كما صرّح به، وقيل: لأنّ التكذيب بالنبوّة تكذيب بالمنبأ به من البعث وغيره وهو نظر لمآل كلامه لا غفلة عن مرامه كما توهم. قوله: (أو النبثي) هو أعمّ مما قبله والمراد ليس إنكار ذاته بل إنكار نبوّته وما جاء به وقد يتوهم أنه لا فرق بينه وبين ما قبله، وقوله: أو القرآن قيل المضرب عنه على هذا قوله: ق والقرآن المجيد وفيه نظر، وقوله: وقرئ لما بالكسر أي بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة شاذة لجحدر، واللام توقيتية بمعنى عند وما مصدرية. قوله: (مضطرب) فالإسناد مجازيّ مبالغة بجعل المضطرب الأمر نفسه وهو في الحقيقة صاحبه، وقوله: إذا جرج بجيمين بينهما راء مهملة مكسورة بمعتى تحرّك واضطرب لسعته ويجوز أن يكون بحاء مهملة، ثم جيم بمعنى قلق واضطرب أيضاً، وقوله: وذلك الخ تفسير للمراد باضطرابه وهو اختلاف مقالتهم فيه، وعدم ثباتهم وجزمهم، وهو صادق على الأقوال لأنه بحسب الظاهر في النبيّ صلى الله عليه وسلم ويؤول إلى الطعن في النبوّة والقرآن لادّعاء أنه شعر وسحر ونحوه مما تضمنه ما ذكر ويجوز أن يكون اضطراب أمرهم اختلاف حالهم ما بين تكذيب، وتردّد وتعجب إلى غير ذلك وقوله: في خلق العالم لم يقل خلق السموات مع أنه أظهر لأنه توطئة لما ذكر بعده والعالم ما سوى الله، أو المراد به العالم العلوي فعبر به ليشمل الكواكب المذكورة، ومثله سهل. قوله: (فتوق) جمع فتق وهو الشق، والمراد به هنا لازمه وهو الفضاء بين الجسمين، ولذا فسره بقوله: بأن خلقها الخ لأنها لو لم تكن ملساء بل أجزاؤها متباينة ما بين مرتفع ومنخفض منع ذلك من تلاصقها فلا ينافي هذا أن يكون لها أبواب ومصاعد وإن لم يفسر الفروج بالخلل كالفطور، وهذا بناء على ما ذهب إليه الحكماء وهو مناف لما ورد في الحديث من أنّ بين كل سماء وما فوقها مسيرة خمسمائة عام والرواسي تقدم تفسيرها كالزوج بمعنى الصنف فتذكره. قوله: (متفكر في بدائع صنعه) تفسير للمراد من الرجوع إلى ربه فهو مجاز بتنزيل التفكر في المصنوعات منزلة الرجوع إلى صانعها، وقوله: وهما أي تبصرة وذكرى منصوبان على أنهما مفعولان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 له، ونصبهما على المصدرية لفعلين مقدرين محوج إلى كثرة التقدير فلذا لم يتعرض له المصنف، وهذا على التنازع وإعمال الأخير. قوله: (وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد) فالإضافة لما بينهما من الملابسة والحصيد صفة لموصوف مقدر، وهو الزرع فليس من قبيل مسجد الجامع ولا من مجاز الأول كما توهم والحصيد بمعنى المحصود، والنخل معطوف على جنات وباسقات حينئذ حال مقدرة لأنه لم تطل حال الإنبات بل بعده، وقوله: فيكون من أفعل على الثاني فهو فاعل والقياس مفعل فهو من النوادر كالطوائح واللواقح في أخوات لها شاذة ويافع من أيفع وباقل من أبقل، وقوله: وافرادها بالذكر أي مع دخولها في جنات كما مرّ في سورة ي!. قوله: (وقرئ باصقات لأجل القاف) وهي لغة لبعض العرب تبدل السين مطرداً صادا إذا وليها خاء أو عين أو قاف أو طاء مهملة أو فصل بينهما بحرف أو حرفين أو تقدمها كما فصل في التصريف، فقرله: لأجل القاف توجيه لهذه القراءة وأنّ الإبدال لقرب مخرج الصاد من القاف، وقوله: أو كثرة ما فيه من الثمر أي من مادة الثمر ففيه تسمح، وقوله: علة أي مفعول له أو حال بمعنى مرزوقاً، وقوله: أو مصدر أي من غير لفظه كقعدت جلوسا واليه أشار بقوله: فإنّ الإنبات رزق بفتح الراء وكسرها وفيه تجوّز، وقوله: أرضاً جدبة فهو استعارة، وقد تقدم تحقيقها. قوله: (كما حييت هذه البلدة الخ) يعني المراد بالخروج خروجهم أحياء من القبور فشبه بعث الأموات ونشرهم بقدرته تعالى بإخراج النبات من الأرض بعد وقوع المطر عليها فكذلك خبر الخروج أو مبتدأ فالكاف بمعنى مثل، وقوله: أراد بفرعون الخ فأطلق على ما يشمل اتباعه كما تسمى القبيلة تميما باً سم أبيها وأنما أوّله بما ذكر لأنه أنسب وأتم فائدة، وقوله: لأنهم كانوا أصهاره فليس المراد الأخوة الحقيقية من النسب بل المصاهرة. قوله: (سبق في الحجر والدخان) وهو ما مرّ من أنّ أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه الصلاة والسلام كانوا يسكنون غيضة فسموا بها، والأيكة معناها لغة الغيضة وأنّ تبعاً هو الحميري وكان مؤمنا وقومه كفرة، ولذا لم يذم هو وذم قومه والرسق البئر التي لم تبن كما مرّ في الفرقان فلينظر تفصميله ثمة. قوله: (اي كل واحد أو قوم) بالجرّ معطوف على واحد، وقوله: منهم متعلق بهما فإن قيل لم يكذب كل واحد من قوم نوج وثمود وعاد كما صرّح به في غيرآية كقوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} فإنها صريحة في أنّ كل أمّة نبيّ فيها مصدّق ومكذب قلت: الكلية هنا المراد بها التكثير كما في قوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [سورة النمل، الآية: 123 فهي باعتبار الأغلب اكثر، وقوله: أو جميعهم فالتقدير كل هؤلاء فكان حقه أن يقال كذبوا لكنه أفرد ضميره مراعاة للفظ كل فإنه مفرد وإن كان جمعاً معنى، وقوله: تسلية للرسول ع! ي! بأنّ عاقبة كل من كذب الرسل الهلاك، والتهديد للكفرة. قوله: (أفعجزنا عن الإبداء) فالعيّ هنا بمعنى العجز لا التعب قال الكسائي: تقول أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز عن الأمر وهذا هو المعروف والأفصح وإن لم يفرق بينهما كثير والخلق الأوّل هو الإبداء، واليه أشار المصنف. قوله: (أي هم لا ينكرون تدرتنا الخ) هذا تصحيح للإضراب بتقدير المضرب عنه لكنه اختصره إذ التقدير إنهم معترفون بالأوّل فلا وجه لإنكارهم للثاني بل هم اختلط عليهم الأمر والتبس، وقوله: لما فيه من مخالفة العادة بيان لمنشأ الالتباس وهو قياسهم أحوال المعاد بهذه النشأة التي لم يشاهد فيها أن يعود شيء بعد موته وتفرق أجزائه، ولذا نكر الخلق الجديد لما أضافه إليهم لأنه لاستبعاده عندهم كان أمرا عظيما فالتعظيم ليس راجعا إلى الله ولا إلى الإيجاد من حيث هو حتى يعترض بأنه أهون من الخلق الأوّل والمناسب تعريفه أو جعل تنكيره للتحقير كما بينه المدقق في الكشف، ومن لم يتنبه لما أرادوه هنا قال: الدلالة على التهوين من وصف الخلق بالجديد لما تعورف من أنّ الإعادة أهون من الإبداء إلا أنّ التخويف مقصود أيضاً فلذا دلّ بالتنكير على عظمه فحق السامع أن يخافه ويهتم به فلا يعقد على لبس منه. قوله: (والإشعار الخ الو عطفه بأو كان أظهر لأنه وجه آخر أريد بالتنوين فيه الإبهام الذي هو أصل معنى التنكير إشارة إلى أنه على وجه لا يعرفه الناس. قوله: (ومنها وسواس الحلي) بضم الحاء وكسر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 اللام وتشديد الياء أو بفتح فسكون والياء مخففة، وهو صوتها إذا تحرّكت وصدم بعضها بعضا، ولذا تظرف بعض المحدثين فقال: إن قيل شعرك وسواس هذيت به فقد يقال لصوت الحلي وسواس قوله: (والضمير الخ) أي الضمير في قوله: به إن جعلت الباء صلة لتوسوس بمعنى تصوّت وما موصولة عائد على ما الموصولة، وجوّز فيها حينئذ أن تكون للملابسة أو زائدة والأوّل أولى وإن كانت الباء للتعدية وما مصدرية يعود ضمير به على الإنسان، والمعنى جعل النفس موسوسة للإنسان لأنّ الوسوسة نوع من الحديث وهم يقولون حدث نفسه وحدثته نفسه بكذا كما فال لبيد: واكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزري بالأمل قوله: إ أي ونحن أعلم بحاله الخ) يعني أنه تجوّز بقرب الذات عن قرب العلم لتنزهه عن القرب المكاني إمّا تمثيلاً، وامّا من إطلاق السبب وارادة المسبب لأنّ القرب من الشيء سبب للعلم به، وبأحواله في العادة وقول المصنف لأنه موجبه صريح في أنه أراد الثاني، وكلامه في الكشاف مائل إلى الأوّل والمعنى أنه تعالى أعلم بأحواله خفيها وظاهرها من كل عالم. قوله: الأنه موجبه) بكسر الجيم وفتحها وعلى الأوّل ضمير أنه لقرب الذات وضمير موجبه للعلم أو لقربه وعلى الثاني بالعكس، وهذا بيان لعلاقة التجوّز وقوله: وحبل الوريد مثل في القرب يعني أنه ضرب به المثل في القرب لأنّ أعضاء المرء وعروقه متصلة على طريق الجزئية فهي أشد من اتصال ما اتصل به من الخارج وخص هذا لأنّ به حياته، وهو بحيث يشاهده كل أحد. قوله: (والموت أدنى لي من الوريد) أوّله: هل أغدون في عيشة رغيد وهو من شعر لذي الرمة والموجود في ديوانه كما قيل: فإني وقيا ربها لغريب ما دون وقت الأجل المعدود نقص ولا في العمر من مزيد موعود رت صادق الموعود والله أدنى لي من الوريد والموت يلقي أنفسى الشهود وقوله: والحبل العرق تفسير للمراد به هنا لأنّ الحبل معناه معروف، واطلاقه على العرق بطريق المشابهة كم يقال حبل الوريد وحبل العاتق لعرقه، وقوله: واضافته للبيان على أنه مجاز عن العرق فإضافته للبيان كشجر الأراك أو لامية كما في غيره من إضافة العامّ للخاص فإن أبقى الحبل على حققته فإضافته كلجين الماء. قوله: (والوريدان الخ) في الكشف إنه بحسب المشاهد المعروف بين الناس فلا يرد عليه أنه مخالف لما ذكره أئمة التشريح في مبدأ العروق، وقال الراغب: الوريد عرق متصل بالكبد والقلب وفيه مجاري الروح فالمعنى أقرب من روحه، وهذا هو ما فسر به بعضهم الوتين، وقوله: يردان من الرأس فالوريد فعيل بمعنى فاعل وعلى ما ذكر من القيل هو فعيل بمعنى مفعول والمراد بالروح ما سماه الأطباء روحا، ويقال له: الروح الحيواني وهو إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنّ مبدأه القلب. قوله: (مقدّر باذكر (قيل وهو أولى مما بعده لبقاء الأقربية على إطلاقها ولأنّ أفعل التفضيل ضعيف في العمل، وإن كان لا مانع من عمله في الظرف كما فصله في الكشاف إذ الكلام في رفع الفاعل الظاهر ونصب المفعول به، وقوله: وفيه إيذان أي في تعلقه بأقرب على هذا الوجه، وقوله: لكنه أي الاستحفاظ وهو تعيين الحافظ لا طلبه، وقوله: يثبط بمعنى يعوّق صفة تشديد لأن توكيل حافظ به يكتب كل ما صدر عنه مقتض لما ذكر، وقوله: للجزاء متعلق بتأكيد. قوله:) كالجليس (يعني فعيل بمعنى مفاعل كرضيع لمراضع ونديم لمنادم ومثله كثير كما في شرح التسهيلى، وقوله: فحذف الأوّل ولم يقل قعيد ران عاية للفواصل وقوله: فأنى وقيا ربها لغريب مثالى للحذف من أحدهما لدلالة الآخر إذ الحذف فيه من انثاني لا من الأوّل عدى اختلاف فيه، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه ليس على إطلاقه بل إذا كان فعيل بمعنى مفعول بشروطه وهذا بمعنى فاعل ولا يصح فيه ذلك إلا بطريق الحمل على فعيل بمعنى مفعول، وقوله: ما يرمي به إشارة إلى أنّ معنى اللفظ الرمي من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 الفم تقول لفظت النواة إذا رميتها من فيك، ثم شاع في التلفظ فصار حقيقة فيه. قوله: (ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب) يعني إن كاتب الحسنات يكتب ما فيه الثوأب، وكاتب السيئات يكتب ما فيه العقاب فلا يكتب واحد منهما المباج لأنه لا ثواب فيه، ولا عقاب ويشهد له الحديث المذكور فالعموم في قوله: ما يلفظ من قول مخصوص بما ذكر لأن الكتابة للجزاء عليه فما لا ثواب، ولا عقاب له مستثنى حكماً وما قيل من أنه يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه فتسمية كاتب السيئات، وكاتب الحسنات شاهدة على خلافه، ويجمع بينهما على ما أشار إليه السيوطي في بعض رسائله بأن يكتب كلى ما صدر عنه حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محى منها المباحات، وكتب ثانياً ما له ثواب أو عقاب، وهو معنى قوله: يمحو الله ما يشاء، ويثبت فللقول بكتابة المباح وعدمها وجه فلا منافاة بين القولين، والحديثين، وأنما عطف الحديث بالواو، ولم يقل ففي الحديث كما قيك لأنه لا دليل فيه على ما ذكر إذ هو ساكت عما عداهما، وقيل: إنه كالتفسير للأية لذكره تعدد الكاتبين، وظاهر النظم وحدتهما وفيه نظر، والحديث المذكور رواه الطبريّ وذكره ابن حجر. قوله: (لما ذكر استبعادهم البعث) بقوله: {أَئِذَا مِتْنَا} الآية، وتحقيق قدرته ما دلّ عليه قوله: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ} ، وتحقيق علمه بقوله: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} الخ وقوله: أعلمهيم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب بقوله: ونفخ في الصور، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد فإن التعبير بالماضي لتحققه الذي صيره يشرف من الوقوع لأنّ كل آت قريب، وما تهيأ أسبابه، ووقعت مقدماته فهو في حكم الواقع. قوله: (شذّته الذاهبة بالعقل) أي المذهبة العقل فالباء للتعدية، وهو بيان لأنّ السكرة استعيرت للشدة، ووجه الشبه بينهما أنّ كلاً منهما مذهب للعقل فالاستعارة تصريحية تحقيقية، ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية، واثبات السكرة لها تخييل كما قيل: للموت كأس وكل الناس ذائقها والمقام لا ينبو عنه كما قيل ثم الأوّل أقرب، وقوله: حقيقة الأمر تفسير للحق بأنه الأمر المحقق، وقوله: الموعود الحق فهو صفة مشبهة موصوفها مقدر، والحق مقابل الباطل أو الحقيق اللائق، وقوله: من الموت والجزاء تفسير له على الوجوه كلها لا للأخير كما قيل، وقوله: فإنّ الإنسان الخ تعليل لقوله الذي ينبغي. قوله: (أو مثل الباء في تنبت بالدهن) يعني أنها للملابسة، وهو أوجه الوجوه فيها، وإن قيل إنها زائدة ونحو ذلك مما لا يجري هنا، وقراءة سكرة الحق أي سكرة الأمر المحقق، وقوله: سكرة الله لأنّ الحق من أسمائه تعالى، وقوله: للتهويل لأنّ ما يجيء من العظيم عظيم. قوله: (والخطاب للإنسان) الشامل للبز والفاجر لتقدم ذكره في قوله، ولقد خلقنا الإنسان، وفي شرح الكشاف للطيبي، وجاءت سكرة الموت الخ إن اتصل بقوله: في لبس من خلق الخ وما معه فالمشار إليه بذلك الحق، والخطاب للفاجر أي جاءك أيها الفاجر الحق الدّي أنكرته، وإن اتصل بقوله، ولقد خلقنا الإنسان الخ فالمشار إليه الموت والالتفات لا يفارق الوجهين، والثاني هو المناسب لقوله، وجاءت كل نفس معها سائق الخ بعده، وتفصيله ألقبا في جهنم كل كفار عنيد، وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد اكل فلا وجه لما قيل: إنّ الوجه الأوّل أرجح: وللناس فيما يعشقون مذاهب قوله تعالى: ( {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} ) هذا مناسب لكون الخطاب للفاجر فإذا كان للإنسان فالأصل يوم الوعد، والوعيد فاكتفى باحد القرينين لا لمراعاة الفاصلة كما قيل فإنها حاصلة إذا ذكر الوعد مقدّما، وقوله: أي وقت ذلك الخ يعني أنه لا بد فيه من تقدير المضاف لأنّ الإشارة ليست إلى اليوم بل إلى ما وقع فيه، وهو النفخ، وقوله: يوم تحقق الوعيد قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف آخر كما قدر قبل ذلك، ولا حاجة إليه لأنه إشارة إلى أنّ إضحافته إليه للملابسة التامّة بينهما باعتبار أنّ تحققه، وايجاده فيه، ولو جعلت الإشارة إلى وقت ذلك لقيام القرينة عليه لم يحتج لتقدير أصلاً، وقوله: والإشارة الخ لأنّ اسم الإشارة كالضمير فيكون لاسم مصرح به أو في ضمن مشتق كما في قوله: اعدلوا هو أقرب للتقوى. قوله: (وقيل السائق كا! لب السيئات) هذا بناء على ما مرّ من أنّ الخطاب للإنسان الشامل للبر والفاجر، وأنما مرضه لأنه لا قرينة تدلّ على أنّ المراد بالسائق كاتب السيئات، وأمّا كونه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 يقتضي تخصيصه بالفجار إذ ليس لغيره كاتب للسيئات فلا وجه له لشموله للفريقين بذكر الشهيد معه كما عرفته. قوله: (وقيل السائق نفسه الا يخفى ضعفه لأنّ المعية تأباه والتجريد بعيد، وقوله: أو قرينه يعني شيطانه المقارن له في الدنيا هو أيضا مما لا قرينة في النظم عليه مع أنّ جعل الأعمال شهيدا غير ظاهر وأمّا اقتضاؤه تخصيص كل نفس بالفجار فلا. قوله: (ومحل معها النصب على الحال) قيل: الأولى أن يجعل استئنافا بيانياً وقال أبو حيان: معها صفة وما بعده فاعلى به لاعتماده أو المبتدأ، والخبر صفة وأورد عليه أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف، ومضمون هذه الجملة غير معلوم فلا يكون صفة إلا أنّ يدعي به ولذا عبر عنه بالماضي، وقد مرّ غير مرّة أنّ ما ذكره غير مسلم، وأنّ ما ذكره أهل المعاني ليس المراد به ظاهره فتذكره، ولا تغتر بما ذكر. قوله: (لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة) هذا، وإن تبع فيه المصنف الزمخشريّ محل بحث لأنّ الإضافة للنكرة تسوغ مجيء الحال منها، وأيضاً كل يفيد العموم، وهو من المسوّغات كما في شرح التسهيل، وما ذكره تكلف لا تساعده قواعد العربية، والمراد منه كما نقل عن الزمخشريّ أنّ كل نفس في معنى كل النفوس لأنّ الأصل في كل أن تضاف إلى الجمع كأفعل التفضيل يعني أنّ هذا أصله، وقد عدل عنه في الاستعمال للتفرقة بين كل الإفرادي، والمجموعي فسقط ما قيل من أنه مسلم في كل المجموعي فتدبر. قوله:) على إضمار القول) فيقدر يقال لها أو، وقد قيل لها ليرتبط معناه، واعرابه بما قبله، وقوله: والخطاب لكل نفس أي عامّ لكل من يصلح للخطاب كما في قوله: {وَلَوْ تَرَىَ} [سورة الأنعام، الآية: 93] وقوله: إذ ما من أحد الخ دفع لما يتوهم من أنّ المراد بالغفلة عدم العلم بالبعث، وكل نفس ليست كذلك لأنّ المراد بالغفلة الذهول عن أخطارها بالبال بعد العلم، وهو قلما يخلو عنه أحد، ولذا خصه بعضهم بالنفس الكافرة، وقد أيد هذا بأنّ تنكير الغفلة، وجعله فيها، وهي فيه يدل على أنها غفلة تامّة مقتضية لعدم العلم بها رأساً وفيه نظر. قوله: (ويؤيد الأوّل) أي كون الخطاب للنفس لتأنيثه والقراءة المشهورة ليست على تأويل النفس بالشخص كما قيل ومثل له بقوله: يا نفس إنك باللذات س! رور لأنّ التعبير بالنفس في الحكاية لا يستدعي اعتباره في المحكي حتى يحتاج إلى التأويل كما في المفال المذكور لأنّ الفرق بينهما ظاهر، واعلم أنّ الغفلة جعلت غطاء وهو إمّا غطاء الجسد كله أو العينين وعلى كليهما يصح فكشفنا الخ أمّا على الثاني فظاهر وأمّا على الأوّل فلأن غطاء الجسد كله غطاء للعين أيضا. قوله: (قال الملك الموكل عليه) في الدنيا لكتابة أعماله، وهو الرقيب السابق ذكره فأفراده لتأويله كما مرّ في الرقيب وقوله: حاضر لدقي من العتاد، وهو الإعداد والإحضار ويقال: فرس عتد أي حاضر العدو كما قاله الراغب: فهذا إشارة لما في صحفه. قوله: (أو الشيطان الذي قيض له) أي سخره الله له فهو مقارن له يغويه فيكون معه ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد عليه مع شيطان يقول ما ذكر، وقد كان مقرونا به في الدنيا وفي الآخرة أتى به معه أيضا ولا يلزم منه تخصيص كل نفس حتى ينبني على قول غير مرضيئ بل هو تفصيل لما تضمته العموم كما مرّ، وقوله: هذا ما عندي الخ تفسير لقوله: هذا ما لدي الخ على القول الثاني، وقوله: في ملكي وفي خسخة ملكتي وهو بمعناه أيضا والمراد إنه مسخر له في قبضة تصرفه وتملكه وعتيد بمعنى معدّ للعذاب وهذا إشارة للشخص نفسه، وقوله: فعتيد صفتها كقوله: لديّ وتركه لظهوره، وأمّا تعلقه بما فلا وجه له وعلى الموصولية لديّ صلتها، وقوله: فبدلها بناء على أنه يجوز بدل النكرة من المعرفة وإن لم توصف إذا حصلت لفائدة بإبدالها وأمّا تقديره بشيء عتيد على أنّ البدل هو الموصوف المحذوف الذي قامت صفته مقامه، أو ما الموصولة لإبهامها أشبهت النكرة فجاز إبدالها منها فضعيف لما يلزم الأوّل من حذف البدل، وقد أباه النحاة والثاني يقول به من يشترط النعت فيه فهو صلح من غير تراض للخصمين. قوله: (خطاب من الله للسائق والشهيد) على أنهما ملكان لا ملك جامع للوصفين كما مرّ وعلى كل حال فهذا فيه قول مقدر كما مرّ، ورجح الوجه الثاني لأنه يشهد له قوله تعالى: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [سورة ق، الآية: 27] والقرآن يفسر بعضه بعضا ولذا اقتصر المصنف عليه فيما بعده، وقوله: أولو أحد أي لملك واحد من خزنة النار أو المراد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 بقوله: سائق وشهيد كما مرّ. قوله: (وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل الخ (على أنّ أصله الق ألق ثم حذف الفعل الثاني، وأبقى ضميره مع الفعل الأوّل فثني الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله: فإن تزجراني أصله تزجرني تزجرني بدليل قوله: يا ابن عفان ومعنى البيت ظاهر، وهذا القول منقول عن المازني ولا يخفى بعده وهل هو حقيقة أو مجاز لم يتعرّضوا له فحرّره، وقوله: بدل من نون التوكيد لأنها تبدل ألفا في الوقف فأجرى الوصل مجراه، وقوله: كثير المنع من صيغة المبالغة، والخير يطلق على المال لغة وقوله: عن حقوقه المفروضة مأخوذ من المقام وقرينة الذم، وقوله: وقيل الخ فاً لصيغة للمبالغة باعتبار كثرة بني أخيه أو باعتبار تكرّر منعه لهم لا باعتبار استمراره كما لا يخفى، ومرضه المصنف لأنه لو كان المراد هذا كان مقتضى الظاهر أن يقول مناع عن الخير. قوله: (وخبره فألقياه) أي فيقال في حقه ألقياه أو لكونه في معنى جواب الشرط لا يحتاج للتأويل، وقوله: تكريرا للتوكيد الخ مخالف لما ذكره أهل المعاني من أنّ بين المؤكد والمؤكد شدة اتصال تمنع من العطف، إلا أنه قيل إنه نظير قوله: فلا تحسبنهم الخ والفاء هنا للإشعار بأنّ الإلقاء للصفات المذكورة أو من باب وحقك ثم حقك نزل التغاير بين المؤكد والمؤكد والمفسر والمفسر منزلة التغاير بين الذاتين بوجه خطابي، ولا يدعي التغاير الحقيقي لأنّ التأكيد يأباه فما قيل إنه نظير قوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [سورة القمر، الآية: 9] لأنّ المراد كذبوه تكذيبا عقب تكذيبا لا يصح تفسير كلام المصنف به إلا أن يريدانه توجيه آخر للنظم ولو جعل العذاب الشديد نوعا من عذاب جهنم ومن أهواله على أنه من باب ملائكتة وجبريل كان حسنا (أقول) قال ابن مالك في التسهيل فصل الجملتين في التأكيد بثم إن أمن اللبس أجود من وصلهما، وذكر بعض النحاة الفاء وذكر الزمخشريّ في الجاثية الواو أيضاً واتفق النحاة على أنه تأكيد اصطلاحيّ وكلام أهل المعاني في إطلاق منعه غير سديد فالحق ما ذكره المدقق فاحفظه. قوله: (فإنه جواب لمحذوف دل عليه الخ) قيل إنه تعليل لمقدمة مطوية دل عليها ما قبله، وهي إنّ هاهنا تقاولاً وفي كلامه تسامح فإن قال: جواب لسؤال ناشئ عن ذلك المحذوف يعني إنه مبنيّ على المسامحة وتنزيل منشأ السؤال منزلة السؤال نفسه، وقوله: دل عليه الخ يعني أنّ الدليل على التقاول وأنّ ثمة محذوفا هو قوله: لا تختصموا، وهذا القول يدل على تعيين ذلك المحذوف كما بينه في الكشاف فتأمّل. قوله: (بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف الخ الأنهما جملتان خبريتان، وقد اجتمع مفهوماهما في حالة واحدة بخلاف ما قبل هذه فإنه كلام إنشائي غير مقارن لمضمون هذه الجملة فيدل على مقاولة مطوية، وقوله: فأعنته عليه دفع لما يتوهم من التدافع بين مضمون هدّه الجملة ومضمون قوله: هذا ما لديّ عتيد على التفسير الثاني فإنه عين الإطغاء بأن ما مز هو تزيينه له بوسوسته له، واعانته على كفره من غير تسليط له عليه كقوله: {مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} كما مرّ تفسيره وأشار إليه بقوله: فإنّ إغواء الشيطان الخ. قوله: (عالمين بأني أوعدتكم الخ (أوّل تقديم الوعيد بالعلم لتصح الحالية ويكون بين الحال وعاملها مقارنة زمانية، وإن كان ماضيا بحسب الظاهر فإن الاختصام في الآخرة وتقديم الوعيد في الدنيا فلا مقاربة بينهما فضلا عن المقارنة إلا إذا أوّل بالعلم بتقدّمه، وقوله: على أنّ قدّم بمعنى تقدّم فهو لازم يعدّى بالباء. قوله: (ويجوز أن يكون بالوعيد حالاً) من الفاعل أو المفعول والباء للملابسة أو المعية والمعنى قدمت هذا القول موعداً لكم به أو حال كون القول ملتبسا بالوعيد، وقوله: واقعاً على قوله: الخ يعني أنه مفعوله مراداً به لفظه أي قدّمت هذا القول. قوله: (وعفو بعض المذنبين الخ) هذا بناء على أنّ الوعد والوعيد كل منهما إخبار من الله بثواب أو عقاب فلا يجوز تخلفه لئلا يلزم الكذب في إخباره، وما يقع من التخلف في الوعيد لأسباب تخصصه كتوبة الموعود أو إرادة الله ومشيئته للعفو عنه، وقيل: إنّ الوعد لا يتخلف لأنه ينافي الكرم بخلاف الوعيد فإنّ تخلفه بمقتضى الكرم ولا يلزم الكذب إمّ لما ذكر أو لأنه إنشاء ولذا قال الشاعر في المدح: وأني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 وأمّا في حق الكفار فالوعيد على عمومه لقوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء، الآية: 48] . قوله: (فأعذب من ليس لي تعذيبه) وقد سبق الوعد بأنه لا يصدر ذلك عنه فلو صدر كان في صورة الظلم لمخالفته لقضائه وحكمه الأزلي لا لأنه ممتنع في نفسه فلا يرد عليه أنه مخالف لمذهب أهل الحق من أنّ له تعالى تعذيب المطيع واثابة العاصي، وصيغة المبالغة تقدم تحقيقها وأنها إمّا لكثرة العباد أو لأنه لو صدر عنه ما يخالف حكمته كان ظلما عظيما فتذكره. قوله: (سؤال وجواب الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية تخييلية على ما مرّ من تفصيله في عرض الأمانة على السموات والأرض، وعدم قبولهما لها وقد ردّ هذا في الانتصاف، وقال: إنّ الله قادر على أن يخلق فيها إدراكاً ونطقاً كما خلق ذلك في الحصى والجذع حتى سبح ولا داعي لتأويل النصوص مع إمكان إبقائها على ظاهرها، وهو كلام حسن وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. قوله: (والمعنى أنها مع اتساعها الخ) ذكروا فيه وجوها ثلاثة أحدها: أنها تمتلئ بحيث لا تقبل الزيادة مع اتساعها فيكون الاستفهام إنكارياً معناه النفي لقوله: {لأَملأنَّ جَهَنَّمَ} [سورة الأعراف، الآية: 18] فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا والثاني أنّ المراد الدلالة على سعتها بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلوّ كانه يطلب الزيادة فالاستفهام للتقرير أو على حقيقته لكنه بالفرض والتقدير، أو أنه تمثيل لثدة توقدها وزفيرها وتهافت الكفرة والعصاة وقذفهم فيها حتى كأنه طالبة للزيادة فقوله: حتى تمتلئ إشارة إلى أنه استعارة وتمثيل للامتلاء إلا أنه قيل عليه لفظ التخييل غير مناسب هنا فتأمّل، فإن قلت الوجه الثاني وهو كونها فيها فراغ مناف لصريح النظم من قوله: {لأَملأنَّ جَهَنَّمَ} الآية قلت: لا منافاة بينهما كما توهم لأنّ الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها، وإن كان فيها فراغ كثير كما يقال: إنّ البلد ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية مع ما بينها من الأبنية والأفضية، أو هذا باعتبار حالين فالفراغ في أوّل دخول أهلها فيها ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئئ وأمّا دفع المخالفة بماورد في الحديث من أنه يضع فيها رب العرش قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فيحصل حينئذ الامتلاء فمما لا يبغي ذكره لأنّ هذا الحديث من المتشابهات التي لا بدّ من تأويلها. قال ابن فورك في كتاب مشكل الأحاديث والآيات: إنه حديث صحيح روي عن أبي هريرة رضي الله عنه هكذا قال: إنّ جهنم لن تمتلئ حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول: قط قط وروي رجله بدل قدمه في رواية غير صحيحة، وقد اتفقوا على أنه مؤوّل فقال النضر بن شميل: إنّ القدم هنا الكفار الذين سبق في علمه تعالى دخولهم النار، والقدم تكون بمعنى المتقدم كقوله: قدم صدق وقال ابن الأعرابي قريباً منه أيضا وقال بعضهم القدم هنا بعض مخلوقاته أو أقدام بعضهم أضيف إليه تعالى لأنه عن أمره وحكمه، وقيل: الجبار جنس من الكفرة جبارون وقيل: المراد بهم إبليس وشيعته فإنّ لفظ الجبار غير مختص بالله تعالى وكذا رواية الرجل مؤوّلة فإنها تكون بمعنى الجماعة فلا بد من تأويله فأخذه على ظاهره ودفع المخالفة به مما لا يليق. قوله: (أو أنها من شدّة زفيرها الخ) هذا كما في الكشف مرتب على التمثيل والتصوير، والحاصل أنّ نفي الزيادة وإثباتها إمّا على ظاهره أو هو كناية عن الاستكثار فلا يرد عليه أنه للإنكار وهو غير مناسب لكون المخاطب هو الله كما قيل إذ إرادة المعنى الحقيقي غير لازمة ولو سلم فهو مجاز لا كناية، وقوله: كالمستكثرة الخ ناظر لشدة الزفير والحدّة والطالبة للزيادة ناظر لتشبثها بالعصاة فهو لف، ونشر وكل منهما ناظر إلى تفسير هل من مزيد أيضا ففيه لف ونشر آخر. قوله: (مصدر كالمحيد) وفي نسخة كالمميد من ماد إذا تحرّك فهو مصدر ميمي أو هو اسم مفعول أعل أعلال المبيع وهو ظاهر، وقوله: أو ظرف لنفخ لا يخفى بعده مع كثرة الفوامحل التي لا تصلح للاعتراض، وارادة التعلق المعنوي على أنه مما تنازع فيه الأفعال السابث ة كلها وتعلق بالأخير منها على الأرجح وذكر الأوّل التعيين المشار إليه فيه، خلاف الظاهر ولا يصح الحمل عليه من غير قرينة، وذلك في قوله: ذلك يوم الوعيد حينئذ الإشارة إليه لتقدّمه رتبة وإن تأخر لفظاً فحينئذ لا يحتاج إلى تقدير مضاف فيه كما إذا كان إشارة إلى النفخ وأمّا الاعتراض بأنّ زمان النفخ ليس يوم القول إلا إذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 فرض ممتدّاً واقعا في أجزائه وإن كان الحامل عليه عدم احتياجه إلى التقدير فيجوز أن يكون ذلك إشارة إلى زمان النفخ الدال عليه الفعل فلا يحتاج للتقدير أيضا فقد دفعه المعترض، وادّعاء البعد فيه سهل والإشارة إلى زمان الفعل مما لا نظير له بخلاف الإشارة لمصدره. قوله: (مكاناً غير بعيد) فهو صفة للظرف قام مقامه، وانتصب انتصابه فهو متعلق بقوله: أزلفت وعلى كل حال فهو للتأكيد ودفع التجوّز كما في الحالية فإنه بعد ذكر أنها قربت لا يحتاج إلى كونها غير بعيدة والحالية من الجنة وهي مؤنثة فلذا أوّله بتقدير شيء أو تأويل الجنة بالبستان أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر، والمؤنث فعومل معاملته وأجرى مجراه، وقوله: على إضمار القول أي مقولاً لهم وهو حال من المتقين. قوله: (بدل من المتقين بإعادة الجار) مرّ الكلام فيه وأنه لا حاجة إليه، أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور. قوله: (بدل بعد بدل) يحتمل أنه بدل من كل المبدل من المتقين وهو الأولى أو أنه بدل من المتقين أيضا بناء على جواز تعدّد البدل، والمبدل منه واحد وقول أبي حيان تكرار البدل والمبدل منه واحد لا يجوز في غير بدل البداء وسره أنه قد طرح فلا يبدل منه مرّة أخرى غير مسلم فإنّ ابن الحاجب في أماليه جوّزه ونقله الدماميني في أوّل شرحه للخزرجية وأطال فيه، وكون المبدل منه في نية الطرح ليس على ظاهره فأعرفه، وقوله: أو بدل من موصوف أوّاب الخ بناء على جواز حذف المبدّل منه وقد جوّزه ابن هشام في المغني لا سيما وقد قامت صفته مقامه حتى كأنه لم يحذف. قوله: (ولا يجوز أن يكون) أي من خشي الرحمن في حكم أوّاب بأن يجعل صفة للمقدر مثله، ولذا لم يبدل من أوّاب لأنه لو أبدل منه كان له حكمه فيكون صفة والأسماء الموصولة لا يقع منها صفة إلا الذي على الأصح، وإن جوز بعض النحاة الوصف بمن أيضاً لكنه قول ضعيف كما بين في المفصلات. قوله: (على تأوبل الخ) لأنّ الإنشاء لا يقع خبراً بغير تأويل ولا يخفى تكلفه لما فيه من التقدير وتاويل ضمير الجمع، وقوله: ملتبسة إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وقوله: حيث خشي عقابه الخ إشارة إلى أن تليس الخشية بالغيب إمّا باعتبار المخشوّ منه، وهو الله أو المخشي نفسه، وهو العقاب أو الخاشي بأن يخاف الله في خلوته كما يخافه في جلوته لأنه لا يخفى عليه خافية وقوله: خشي عقابه يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى، وهو الظاهر أو لتقدير مضاف فيه قبل الرحمن كما قيل. قوله:) وتخصيص الرحمن) دون غيره من أسماء الله مع أنّ غيره مما يدعو للخشية بحسب الظاهر أنسب إذ الرحمة ربما تقتضي عدمها للاتكال عليها فأجاب بأنّ صرف الخشية قريب من الناس، وهم بنن الرجاء والخوف فلما ذكر الخوف وصف المخوف منه بما يشعر بأنهم لهم وجاء أيضاً كما أشار إليه بقوله: رجوا الخ والثاني إنّ هذا إنما يكون أنسب إذا أريد التحريض على الخشية أمّا إذا أريد مدح الخاشي بأنه خاس له على كل حال غير تارك للخشية اغترارا برحمته كما في قوله: لو لم يخف الله لم يعصه كان ذكر الرحمن أنسب كما أشار إليه بقوله: أو بأنهم يخشون خشية الخ. قوله: (إذ الاعتبار الخ) يعني هو وإن كان وصفا لصاحبه لكنه في الحقيقة صفة للقلب لأنّ المعتبر رجوعه، وقوله: سالمين الخ يشير إلى أنّ الجارّ والمجرور حال وأنه إمّا من السلامة أو من التسليم والتحية من الله أو الملائكة، وقوله: يوم تقدير الخلود لأن الإشارة إلى وقت الدخول، وهو ليس زمان الخلود فلا بد لصحة الحمل من تقدير مضاف أي ابتداء الخلود وتحققه وهو أحسن مما قدّره إذ هو المعروف في الحال وما نحن فيه ليس كذلك، وكون الإشارة إلى زمان السلام لا يصح من غير تأويل بما ذكر ونحوه كالأعلام بالخلود كما توهم، وكذا ما قيل من أنه لكونه ابتداء الخلود جعل يوم الخلود لما بينهما من الملابسة أو اليوم بمعنى الزمان وهو كالشيء الواحد والإشارة لم بعده كهذا أخوك. قوله: (فخرقوا في البلاد) هو أصل معناه الحقيقي، وقوله: وتصرفوا فيها تفسير للمراد منه فالتنقيب التصرف فيها بملكها ونحوه، وقوله: أو جالوا الخ فالتنقيب السير وقطع المسافة وفي الأساس خرقت المفازة قطعتها والنوق مخراق المفازة، وما قيل من أنّ الثاني لم ينقل عن أحد مما لا وجه له ومقام المصنف رحمه الله أجل من ذلك، وقوله: فالفاء الخ لأنها عاطفة على معنى ما قبله أي اشتدّ بطشهم فنقبوا الخ وتصرفهم فيها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 مسبب عن اشتداد بطشهم بخلاف الجولان في البلاد حذر الموت فإنه وإن وقع عقبه لا تسبب له عنه وقوله: وأصل التنقيب الخ هذا باعتبار معناه العرفي وإلا فأصله ني اللغة التخريق كما مرّ. قوله تعالى: ( {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} الخ) أي هل من مخلص من أمر الله قيل والجملة عن إضمار قول هو حال من واو نقبوا أي نقبوا في البلاد قائلين هل من محيص أو على إجراء التنقيب مجرى القول أو هو كلام مستأنف لنفي أن يكون لهم محيص وعلى الأوّل يقدر الخبر هل لنا وفي كلام المصنف إشارة إلى أنّ من زائدة في المبتدأ والخبر وهو لهم أو لنا مقدّر. قوله: (ويؤيده الخ (لأنّ الأمر للحاضر وقت النزول من الكفار، وهم أهل مكة لا غير والأصل توافق القرا آت معنى وفيه التفات على هذه القراءة، وقوله: بالكسر أي كسر القاف المخففة على أنه ماض معلوم، وقوله: حتى نقبت أقدامهم فهو بتقدير مضاف مجاز من قبيل المشفر وعلى كون المراد أخفاف مراكبهم الإسناد فيه مجازي أو هو بتقدير مضاف ونقب الخف تخرقه، وحفاه ورقته من كثرة المشي، وقوله: أكثروا السير إشارة إلى أنّ نقب الإقدام كناية عن كثرة السير وهي كناية مشهورة فلا ينافيه قوله في الفاموس نقب في البلاد سار كما قيل. قوله:) قلب واع الخ) على أن القلب الذي لا يعي ولا يفهم بمنزلة العدم أو على أنه موصوف بصفة مقدرة والأوّل أحسن، وقوله: أصغي تفسير لإلقاء السمع فإنه بميله للاستماع كأنه ملق لسمعه، ثم إنه قيل أو لتقسيم المتذكر إلى تال وسامع أو إلى فقيه ومتعلم أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمّل فيما عنده وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكليته وأزال الموانع بأسرها والحامل على تفسيره بما ذكر. أنه لو لم يراع نحوه كان الظاهر العطف بالواو لأنّ الفهم لا ينافي الإصغاء فتدبر وجملة وهو شهيد حال من فاعل ألقى. قوله: (حاضر بذهنه) يعني شهيد إما من الشهود، وهو الحضور والمراد المتفطن لأنّ غير المتفطن كالغائب فهو استعارة أو مجاز مرسل والأوّل أولى أو هو بمعنى شاهد وفيه مضاف مقدّر أي شاهد ذهنه، وكون الباء في قوله بذهته للتعدية وشهيد بمعنى يشهد كما قيل تعسف وقوله: أو شاهد بصدقه على أنه من الشهادة والمراد شاهد بصدقه أي مصدق له لأنه المؤمن الذي ينتفع به أو هو كناية عن المؤمن لقوله: {وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سورة الحج، الآية: 78] . قوله: (تفخيم) لأنّ التنكير يكون للتعظيم ولذا أشعر بما ذكره لأنه إنما يتذكر القلب العظيم، وقوله: واستراح يوم السبت ولذا حرّموا العمل فيه، وهذا مما زعموا أنه في التوراة كما أشار إليه المصنف. قوله ة (ما يقول المشركون الخ) وهو متعلق بما قبله من فوله: ولقد خلقنا الخ على الوجهين، وقيل إنه على الثاني متعلق بما تلي من أوّل السورة إلى هنا ولا يخفى بعده، وقوله: والتشبيه أي تشبيه الله بغيره إذ نسبوا له الإعياء والاستراحة ونحوه من كفرهم وقوله: عما يمكن يعني من البعث والحشر وما يوجب التشبيه ما مرّ عن اليهود، وقوله: حامداً الخ إشارة إلى أنّ قوله بحمده حال. قوله: (وسبحه بعض الليل) يجوز أن يكون من الليل مفعولاً لفعل مضمر يفسره المذكور باعتبار الاتحاد النوعي والعطف عليه للتغاير الشخصي كما يشير إليه قوله: وسبحه بعض الليل وأن يكون مفعولاً لقوله: سبحه على أنّ الفاء جزائية والتقدير مهما يكن من شيء فسبحه من الليل، وقدم المفعول للاهتمام به وليكون كالعوض عن المحذوف ولتتوسط الفاء الجزائية كما هو حقها كما سيأتي في سورة الطور ففرّق الوجوه كما هو دأبه، لا لوجود مخصص لبعض الوجوه ببعض المواطن فتأمّل، وقوله: بعض الليل إشارة إلى أنه مفعول لتأويله بما ذكر كما مرّ تحقيقه في قوله ومن الناس من يقول آمنا فتذكره. قوله: (من أدبرت الصلاة) وقع بعد قوله: قرأ الحجازيان وحمزة بالكسر وهو الصحيح وتقدّم عليه في بعض النسخ فيكون بيانا لمأخذ الدبر، وقوله: وقيل المراد الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة قولك التسبيح التنزيه، وعلى هذا فهو من إطلاق الجزء أو اللازم على الكل أو الملزوم. قوله: (لما أخبرك به) يعني أنه مقدر لأنه المراد وإن كان الأمر مطلقا، ثم أتى بقوله: يوم ينادي الخ بياناً لذلك المقدر وسلك هذا لما في الإبهام، ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به كما أشار إليه المصنف ولذا أمر بالاستماع قبل ذكر النداء، وقوله: أو جبريل هو الأصح لأنّ إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 كما ورد في الآثار. قوله: (ولعله في الإعادة نظيركن في الابداء) فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرّد الإرادة، وإن لم يكن نداء وصوت، وقوله: بما دل الخ أي يخرجون يوم ينادي الخ، وقوله متعلق بالصيحة أراد التعلق المعنويّ لأنه حال منه وقوله: وقد يقال للعيد أي يوم الخروج لخروج الناس فيه إلى المصلى. قوله: (مسرعين) إشارة إلى أنه مصدر وقع هنا حالاً من الضمير في عنهم، والعامل فيه تشقق لا يخرجون مقدرا كما قيل وقوله: لا يشغله شان الخ لأنّ ما بالذات يختلف ولا يعرض له ما يجعله متفاوتا، وقوله: تقسرهم من القسر، وهو الجبر والقهر، وقيل إنه منسوخ بآية القتال. قوله: (من قرأ) حديث موضوع وتارات جمع تارة، وهي الحالة فيحتمل أن يريد بحالاته سكراته فعطف قوله: سكراته عليه عطف تفسير، وقيل: المراد بتاراته ما فيه من الغشي، والإفاقة (تمث) السورة فالحمد لله على التمام، وأفضل صلاة وسلام على أفضل مخلوقاته وآله وصحبه الكرام. سورة الذاريات بسم الله الرحمن الرحيم آياتها ستون بالاتفاق كما في كتاب العدد. قوله: (يعني الرياح تذر والتراب وغيره) ذرأ المهموز الآخر بمعنى أنشأ، أو أوجد والمعتل بمعنى فرّق وبدد ما رفعه عن مكان! كما يكون التراب مفرقا بالرياح، ونحوه إذا أطارته فالذاريات حينئذ الرياح، ويقال: ذراه وأذراه أيضا. قوله: (أو النساء الولود) تفسير ثان للذاريات مناسب لظاهر قوله: الحاملات، والظاهر أنه مجاز كما تقول للمرأة الولود ذرية فشبه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح، واليه أشار بقوله: فإنهن يذرين الأولاد أي يطيرنهم ويذرين بفتح الياء مضارع ذراه ولا وجه لجعله بالضم من المزيد، وإن صح لأنه غير مناسب للمفسر. قوله: (أو الأسباب التي تذري الخلائق الخ) تفسير ثالث، وهو بالنصب معطوف على الرياح، والظاهر أنه استعارة أيضا فشبهت الأشياء المعدة للبروز من كمون العدم بالرياح المفرقة للحبوب، ونحوها، وقوله: من الملائكة بيان للأسباب لا للخلائق، وقد جوّز على بعد فيه. قوله: (فالسحب الحاملة للامطاو الخ) تفسير للحاملات ناظر لما قدمه ففيه شبه لف، ونشر فالأوّلان على تفسير الذاريات بالرياح، والنساء الحوامل على تفسيره بالنساء الولود، وقوله: أو أسباب ذلك أي ما ذكر من الرياح والأمطار، والنساء على التفسير الأخير، وجعل الأسباب حوامل لمسبباتها الظاهر أنه استعارة، وقيل. إنه كبنى الأمير المدينة وفيه نظر. قوله: (وقرئ وقرا (بفتح الواو على أنه مصدر، وقره إذا حمله، والوقر للحمار كالوسق للبعير، وكونه بالفتح مصدرا ذكره الزمخشري، وناهيك به فالقول بأنه لم ينقله أهل اللغة إلاً بمعنى السمع لا يلتفت إليه، وهو على هذا مفعول به، ويجوز نصبه على المصدربة لحاملات من معناها كما في الكشاف. قوله: (أو الكواكب الخ (بناء على أن لها حركة في نفسها كما ذهب إليه أهل الهيئة وغيرهم، وقوله: صفة مصدر الخ أو حال كما نقل عن سيبويه، وقوله: الملائكة فهي جمع مقسمة أي طائفة مقسمة كراسيات، ولذا أنث، وقوله: تقسم الأمور إشارة إلى أنّ الأمر واحد الأمور، وأنه مفرد أريد به الجمع، وهو مفعول به كما بينه الزمخشري، وقوله: ما يعمهم وغيرهم أي الملائكة، وفي نسخة غيرها، والأولى أولى، وقوله: بتصريف السحاب إشارة إلى أنّ القسمة استعارة أو هو مجاز في النسبة إذ المقسم الله، وهي سبب لذلك وواسطة فيه. قوله: (فإن حملت) أي الأمور المذكورة من قوله، والذاريات الخ على أمور مختلفة متغايرة بالذات كما نقل عن عليّ كرم الله وجهه، واختاره أكثر أهل التفسير فالذاريات الرياح، والحاملات السحب، والجاريات الفلك، والمقسمات الملائكة فالترتيب في الأقسام ترتيب ذكري ورتبي باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على قدرته فإنه المناسب اعتباره هنا لما سيذكر في الجواب، ثم إنه إمّا على الترقي أو التنزل لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه، وأدنى من آخر إذا نظر لها ذو نظر صحيح فالملائكة المدبرات أعظم، وأنفع من السفن، وهي باعتبار أنها بيد الإنسان يتصرف فيها كما يريد ويسلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 بها من المهالك أنفع من السحب، والسحب لما فيها من الأمطار أنفع من الرياح أو يعكس لأنّ الملائكة لا تختص بالمنافع كالسفر، والسفن ليست كالسحب، وهي ليست كالرياح أو هو بالنظر إلى الأقرب فالأقرب منا كما قيل فتدبر ولا تغتر بما وقع لبعض الفضلاء هنا من التوقف من غير داع له. قوله: (من التفاوت) بضم الواو مصدر تفاوت، وفي أدب الكاتب إنه مثلث الواو ولا نظير له فأعرفه. قوله: (وإلا) أي وإن لم تحمل على أمور مختلفة بل جعلت شيئا واحداً لا مطلقا بها، وأريد الريح كما صرّح به فالفاء لترتيب الأفعال، والصفات إذ الريح تذري الأبخرة إلى الجو، أوّلاً حتى تنعقد سحابا فتحمله ثانيا وتجري به ثالثا ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله ثم تقسم أمطاره أيضا فسقط الاعتراض عليه بأنه لا يظهر إذا حمل على النساء لتقدم الحمل على الذرو وما تكلف في دفعه أيضاً، وقوله: فتجري به باسطة الخ هو إما من المقام ومقتضى الفاء أو من قوله يسراً فتدبر. قوله: (كأنه استدل الخ) إنما قال كأنه لأنّ القسم بالشيء قد يكون لتعظيم المقسم به، ومخالفتها لمقتضى الطبيعة لأنّ الأصل عدمها، وما في قوله: إنما موصولة، والعائد على الموصولية مقدّر أي توعدونه أو توعدون به، وعلى المصدرية فهو مؤوّل بالوعد أو بالوعيد، والمضارع مضارع، وعد أو أوعد، وقيل إنّ الثاني أنسب هنا. قوله: (ذات الطرائق) يعني أنّ الحبك أصل معناها ما يرى كالطرق في الماء والرمل وطرق السماء إمّا الطرق المحسوسة التي تسير فيها الكواكب كالمجرّة أو المعقولة التي تدرك بالبصيرة، وهي ما تدل على قدرة الصانع الحكيم إذا تأملها الناظر كما في قوله: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} ، [سورة آل عمران، الآية: 191] . قوله: (أو النجوم) معطوف على قوله الطرائق المحسوسة، والإطلاق إمّا لذات ال! حبك بمعنى الطرق على النجوم فهو حقيقيّ لأنّ لها طرائق أو للحبك نفسها، وهو قول الحسن لأنها تزين السماء كما يزين الثوب الموشي تحبيكه أي نجوم كالطرائق لأنها زينتها، وهو استعارة، واليه أشار بقوله: أو أنها تزينها الخ، وعلى قراءة الحبك بكسرتين فهو اسم مفرد ورد على هذا الوزن شذوذا وليس جمعا كإبل، وقوله: كالبرق بضم ثم فتح جمع برقة، وهي أرض ذات حجارة. قوله: (ولعل النكتة الخ) يريد بيان مناسبة المقسم به هنا، وهو قوله: والسماء الخ للمقسم عليه، وهو قوله: إنكم الخ وجه اختياره كما بينه. في القسم الأوّل حيث قال: كأنه استدل به الخ. قوله: (من صرف (تفسير لقوله: من أفك، وقوله: إذ لا صرف الخ إنما دل النظم على هذا لدلالة يصرف عنه على من صرف فكأنه قيل: لا يثبت الصرف في الحقيقة إلا لهذا فما عداه كلا صرف، وقيل: يصرف عن القرآن من ثبت له الصرف الحقيقي، وهو من إطلاق صرف، وجعله بمنزلة يعطي ويمنع، ويساعده الإبهام في من أفك فإنّ معناه من أفك الإفك التام العظيم، ولولا هذا وحمله على المبالغة لم يفد يصرف من صرف، وضمير كأنه للشأن، أو للصرف المذكور أو لما يغايره فتدبر. قوله: (أو يصرف من صرف في علم الله الخ) وجه آخر لتوجيه هذا التركيب وازالة الأشكال عنه قيل وليس فيه كثير فائدة لأنّ كل ما هو كائن معلوم إنه ثابت في سابق علمه الأزلي، وليس فيه المبالغة السابقة. قوله: (ويجوز أن يكون الضمير للقول الخ) وعن فيه للتعليل كقوله، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك قيل، ويحتمل بقاؤها على أصلها من المجاوزة بتضمينه معنى الصدور فإفادته للتعليل إنما هو من محصل المعنى، وما له التجوّز في نسبة الصدور إلى القول بإسناد الشيء لسببه، ولا يخفى ما فيه فإنه لم يسند الإفك إلى القول في النظم، ولكنه لما لم يكن مصروفاً عنه القول، وأنما القول منشؤه جعلت عن في أمثاله للتعليل كما ذهب إليه بعض النحاة، والزمخشريّ في أمثاله يضمنه معنى الصدور كما في المغني، ولا تجوّز في الإسناد فيه، وأنما هو بيان لحاصل معناه. قوله: (ينهون عن كل وعن شرب) تمامه: مثل المهاير تعن في خصب يقال جمل ناه إذا كان مفرط السمن والضمير للجماعة أصحاب الإبل لا للإبل وإلا كان حقه ينهين وهذا أيضا مضمن معنى الصدور أي يصدر تناهيهم في السمن، وقيل: إنه عجز بيت أوّله مثل المهاير تعن في خصب، وضمير ينهون لجماعة الرجال لا للنوق، والا لقيل ينهين، ولو قيل إنه للنوق، وضمير العقلاء لإسناد ما هو من صفاتهم لها كما مرّ في سورة يوسف في قوله: ساجدين جاز. قوله: (الكذابون) لأنّ الخرص التخمين ثم تجوز به عن الكذب، وقوله: من أصحاب الخ بيان للكذابين، وقوله: أجرى مجرى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 اللعن أي المراد به الدعاء مع قطع النظر عن معناه الحقيقي، وقوله: يغمرهم أي يشملهم شمول الماء الغامر لم فيه، وهو استعارة هنا، وقوله: غافلون الخ أو المراد به مطلق الغفلة. قوله: (فيقولون متى) بيان لحاصل المعنى، وإذا دخل ما فيه معنى القول على جملة فإمّا أن يقدر بعده القول أو يقال إنه عامل عمله لكونه بمعناه على المذهبين، وكلامه محتمل لهما، وقوله: أي وقوعه إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدّراً أقيم المضاف إليه مقامه لأنّ اسم الزمان إنما يقع ظرفا، وخبراً للحدث لا للزمان فصح، وقوعه خبرا عنه هنا بالتأويل المذكور، وحينئذ لا يرد أنّ الزمان ليس له زمان فيدفع بأنه لا محذور فيه عند الأشاعرة على ما فصل في كتب الكلام، وإيان بالكسر لغة في أيان المفتوحة. قوله: (يحرقون) لأنّ أصل معنى الفتن إذابة الجوهر ليظهر غشه ثم استعمل في التعذيب، والإحراق، ونحوه، وقوله: أي يقع الخ لأنّ المسؤول عنه، وقوعه كما مرّ فلذا قدر الجواب بما ذكر وإن فات فيه مطابقة السؤال، والجواب بالفعلية، والاسمية، وهو على هذا منصوب على الظرفية متعلق بما ذكر، وقوله: هو يوم هم الخ على أنه في محل رفع خبر مبتدأ مقدر لكنه بني على الفتح لما سيأتي، وقدّر كذا ليتطابقا في الاسمية، وهو جواب بحسب المعنى لأنّ التقدير يوم الجزاء يوم تعذيب الكفار فلا وجه لما قيل إنه قائم مقام الجواب، وقوله: وفتح يوم يعني على تقديره خبر مبتدأ مقدر. قوله: (ل! ! افته إلى غير متمكن) يعني الجملة الاسمية، وهي هم عن النار يفتنون فإنّ الجمل بحسب الأصل كذلك، وفيه كلام بين البصريين، والكوفيين مفصل في شرح التسهيل، وقوله: مقولاً لهم إشارة إلى أنّ القول المقدر حال من ضمير يفتنون، وقوله: هذا العذاب فهو صفة لمقدّر، وقوله: والذي وصفته فيه نظر. قوله: (قابلين لما أعطاه! م) فسر الأخذ بالقبول مع الرضا لأنّ القصد للشيء يقتضيه غالباً، وقوله: كل ما آتاهم الخ أخذ العموم من لفظ ما والإطلاق في مقام المدح، وفي بعض النسخ قابلين بما أعطاهم الخ، وهي بمعنى ما في النسخة الآخرة لأنّ القبول لشيء يكنى به عن كونه مرضيا فلذا فسره بقوله: راضين. قوله: (قد أحسنوا أعمالهم) فمفعوله مقدر، وقوله: قد أحسنوا الخ بيان لمفاد أنّ من التحقيق وكان من المضي، وقوله: تعليل الخ ذكر الاستحقاق لأنه المقصود من الإخبار قبل الوقوع، وقوله: تفسير لإحسانهم يحتمل أن يريد أنه بدل من قوله: كانوا قبل ذلك محسنين مفسر له فالجملة في محل رفع، وأن يريد أنّ الجملة مفسرة للإحسان فلا محل لها من الإعراب، وقوله: في طائفة تفسير لقليل مع الإشارة إلى أنّ قليلا منصوب على الظرفية، وقوله: هجوعا قليلا إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية، وقوله: في قليل من الليل هجوعهم إشارة إلى أنّ قليلا على هذين الوجهين منصوب على الظرفية، وأن ما يهجعون عليهما فاعل قليلاً، وفيه هو العائد على الموصولية، وإذا كانت ما موصولة فهي عبارة عن المقدار الذي يهجعونه أو فيه، ومن على الموصولية، والمصدرية للابتداء، وهو صفة قليلا أو متعلق بيهجعون المقدر، وقد جوّز فيها أن تكون بيانية أيضا، وأن تكون حالاً، وقوله: لا يعمل فيما قبلها على المشهور، وفي شرح الهادي أنّ بعض النحاة أجازه مطلقاً، وقيل في الظرف خاصة للتوسع فيه، واستدل عليه بقوله: ونحن عن فضلك ما استغنينا وأيضا المعنى ليس على النفي لأنه لا يمدح بترك النوم مطلقاً. قوله: (وفيه) أي في هذا الكلام مبالغات في وصف هؤلاء بقلة النوم وترك الاستراحة، وقوله: ذكر القليل الخ بدل من قوله: مبالغات بدل اشتمال، والسبات بالضم النوم والغرار بالكسر، والإعجام القليل من النوم، وزيادة ما لأنها تدل على القلة ككل ما وأمر، ما ومعنى اسحروا دخلوا في وقت السحر وقوله: كأنهم الخ يعني أنّ الاستغفار يشعر باوتكاب جريمة وهم لم يجرموا بل تفرغوا للعبادة قبل السحر لكونهم لعدم اغترارهم بعبادتهم، وشدة خوفهم من الله يفعلون فعل المذنبين ويخافون خوف المجرمين في كل حال، وقوله: في بناء الفعل على الضمير أي تقديم الضمير، والإخبار عنه بالفعل المفيد للقصر، وقوله: بأنهم أحقاء فالحصر باعتبار الكمال، والأحقية لا على طريق الحقيقة. قوله: (يستوجبونه الخ) أي يعدونه واجباً عليهم وإن لم يجب، وفيه غاية المدح لهم فلا يتوهم أن من لم يعط الزكاة بعد وجوبها عليه كان في ماله حق ومثله ذم لا مدح، وقوله: للمستجدي أي طالب الجد أو هو العطاء، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 والنوال، وقوله: والمتعفف الخ تفسير للمحروم، وأنّ حرمانه من غير هؤلاء لئلا يتنافى الكلام. قوله: (أو وجوه دلالات الخ) فالدليل على الأوّل ما هو في الأرض من الموجودات والظرفية حقيقية، والجمع على ظاهره أيضا وعلى هذا الدليل نفس الأرض، والجمعية باعتبار، وجوه الدلالة، وأحوالها، والظرفية من ظرفية الصفة في الموصوف لا بالمعنى المعروف، وتلك الوجوه دلائل، وآيات حقيقة لا ادّعاء كما توهم فإنه لا وجه له وليس في قوله تدل على وجود الصانع ما يدل عليه فتأمّل. قوله: (تدل على وجود الصانع الخ) أي تلك الدلائل أو وجوه الدلالة تدل على ذلك لاحتياج تلك المصنوعات الدقيقة إلى صانع قدير عالم مريد واحد بذاته إذ لو تعدد فسدت، وما فيها من المنافع العظيمة لجميع الموجودات يدل على فرط رحمته بهم، وقوله: يدل دلالته أي يدل دلالة مثل دلالته والهيآت النافعة له كانتصاب قامته، وعلوّ رأسه ونحوه. قوله: (أسباب ررّقكم الخ) إمّا إشارة إلى تقدير مضاف أو التجوّز بجعل، وجود الأسباب فيها كوجود المسبب، والأسباب النيران، والكواكب والمطالع، والمغارب التي تختلف بها الفصول التي هي مبادي ذلك وقوله أو تقديره أي تعيينه في اللوح المحفوظ أو ظهور آثار تدبيره إذ الملائكة في السماء، وهم موكلون بالأرزاق، وقوله: المراد بالسماء السحاب لأنها سماء لغة، وقوله: وبالرزق المطر فلا تقدير، ولا تجوز، وقوله: وثوابها إمّ اكتفاء عن عقابها أو المراد به مطلق الجزاء. فوله: (مكتوية مقدّوة) أي معينة فمعنى كونها فيها أنّ تعينها فيها، وقوله: ولما ذكر أي للأمور السابقة كلها، وأفراده وتذكيره لتأويله بما ذكر كما أشار إليه بقوله ولما ذكر، وقوله: مثل نطقكم إشارة إلى أنّ ما مصدرية، وقوله: كما أنه تفسير للتشبيه، وقوله: وقيل إنه أي مثل، وقوله: إن كانت بمعنى شيء أي موصوفة، وانكم الخ خبر مبتدأ، والجملة صفة، وقد جوّز فيها الموصولية أيضا، وقوله على أنه أي مثل صفة لحق لأنه لا يتعزف بالإضافة لتوغله في التنكير، ويجوز أن يكون خبراً ثانيا. قوله: (فيه) أي في هذا الكلام تعظيم لهذا الحديث المذكور بعده والتعظيم مأخوذ من الاستفهام لأنه للتعجب وأنه مما يسأل عنه وفيما ذكر تشويق له، وكل ذلك إنما يكون فيما له شأن، وفخامة وكونه موحى إليه من قوله أتاك، وقوله: في الأصل مصدر أي بمعنى الميل، وقوله: وسماهم ضيفا أي مع أنهم ليسوا كذلك لأنهم كانوا في صورة الضيف، ولأنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام حسبهم ضيوفاً فالتسمية على مقتضى الظاهر، والحسبان. قوله: (للحديث الأنه صفة في الأصل فيتعلق به الظرف، وقوله: أو المكرمين إذا أريد به إكرام إبراهيم لأنّ إكرام الله لهم لا يتقيد، وقوله: وقرئ منصوبا أي سلما، وقوله: لم يكن تحيتهم أي في ذلك الزمان، وقوله: علم الإسلام أي علامة الإسلام، وهو ما يقابل الكفر مطلقاً لا الملة المحمدية وإن اختص بها عرفا. قوله: (وهو) أي قوله: أنتم قوم منكرون كالسؤال منهم عن أحوالهم ليعرفهم فانّ قولك لمن لقيته أنا لا أعرفك في قوّة قولك عرف لي نفسك، وصفها، والتعرّف طلب المعرفة، والكاف لأنه ليس صريحاً فيه، وليس المذكور هنا قوله: نكرهم في هود فإنه أمر آخر. قوله: (فذهب إليهم في خفية) أصله من راغ الثعلب إذا مال وحاد، وقيد الخفية فيه لم يذكره أكثر أهل اللغة إلا أنه في الانتصاف نقله عن أبي عبيدة، وقال إنه من قولهم روغ اللقمة إذا غمسها في السمن فاستعملت في لازمها، وهو الإخفاء قال: وهو معنى حسن فكأنه من قرينة المقام لأنّ من يذهب لأهله لتدارك الطعام يكون غالبا كذلك، واليه أشار بقوله: فإنّ من أدب المضيف أن يبادر وفي نسخة يباده، ومعناه يفاجئئ ويبادر أيضا وهو بيان لما تدل عليه الفاء من عدم المهلة، وقوله: يكفه الضيف أي يمنعه من المجيء بالقرى لأنه غير محتاج له أو لا يريده وقوله: حذرا الخ تعليل للخفية، وضمير يكفه للمضيف، وفاعله: الضيف الظاهر لا ضمير مستتر كما توهم. قوله: (وهو) أي هذا الكلام مشعر بكونه أي العجل حنيذاً أي مشويا لأمره باكل منه من غير مهلة، وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 فقام أي العجل يدرج أي يمشي، وجملة يدرج حال أو مستأنفة، وقوله: يكمل علمه من صيغة المبالغة، وقوله: إذا بلغ قيده به لأنه حين البشارة لا علم ده فضلا عن كماله. قوله: (سارة إلى بيتها الخ) في التفسير الكبير أنهم لما تكلموا في ولادتها استحيت، وأعرضت عنهم متوجهة إلى بيتها فذكره الله بلفظ الإقبال دون الإدبار تأديباً لها فإن صح مثله عن نقل وأثر لا يأباه قوله: قالوا كذلك قال ربك إذ الخطاب يقتضي الإقبال دون الإدبار كما قيل لأنه يجوز أن يقولوه بمسمع منها، وإن كانت مدبرة إلا أنه استعارة ضدية حينئذ، ولا قرينة هنا تصححها فلا يخفى ضحعفه، وسقوطه، وقوله: على الحال أي من الفاعل لأنه بمعنى صائحة، وقوله: أو المفعول أي مفعول به لأقبلت، وفي فيه زائدة كقوله: يجرح في عراقيبها نصلي والتقدير أخذت صيحة، وقيل فيه تسامح لأن أقبل بمعنى شرع من أفعال المقاربة فالمنصوب خبر له لا مفعول، وفيه نظر. قوله: (أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد) وعقيم فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، وأصل معنى العقم الييس، وقوله مرسلة قيل عليه كان الظاهر على هذا أن يقال من عند ربك، ولذا لم يذكره في الكشاف، وفيه أنه يجوز أن يكون عند ربك معناه أنها في علمه معدة للمسرفين فإنه أحد معناه عند المضافة لله. قوله: (وهو) أي الاستدلال بما في هذه الآية على اتحاد الإيمان، والإسلام بناء على أنّ الاستثناء المفرغ إنما يستقيم إذا اتحد إذ المعنى ما وجدنا فيها بيتاً من بيوت المؤمنين إلا بيتا من المسلمين، وهو ضعيف لأنه إنما يقتضي اتحادهما في الما صدق، ولو مع تغاير مفهوميهما، وما صدقا عليه، وهو من اتبع الرسول، وأجاب دعوته ظاهرا فإنّ من فعل ذلك يقال له مسلم، ومؤمن، واتحاداً لما صدق كالناطق، والإنسان لا يقتضي اتحاد المفهوم، وهو المختلف فيه عند أهل الأصول، والحديث فلا يتم الردّ به على من ذهب إلى تغايرهما تمسكاً بقوله: قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، وتفصيله في الأصول، وشروح البخاري. قوله: (فإنها المعتبرون بها) أي المتعظون بما فيها من العبر ولذا خصت بهم، وإن كانت عامّة، وقوله: وهي أي الآية، وقوله: أو صخر منضود أي بعضه فوق بعض وقع بديارهم أو ماء أسود منتن بأرضهم، وكأنه بحيرة طبرية. قوله: (عطف على وفي الأرض) آيات للموقنين، وما بينهما اعتراض لتسليته! ر، بوعده بإهلاك الأفاكين كما أهلك قوم لوط عليه الصلاة والسلام. قوله:) أو وتركنا فيها) أي عطف على قوله، وتركنا فيها بتقدير عامل له أي وجعلنا في موسى، والجملة معطوفة على الجملة أو هو معطوف على فيها من قوله وتركنا فيها آية بتغليب معنى عامل الأوّل أو سلوك طريق المشاكلة في عطفه على الوجوه المذكورة في نحو: علفتها تبنا وماء بارد! لأنه لا يصح تسليط الترك بمعنى الإبقاء على قوله، وفي موسى، وما قيل عليه إن فيه بحثا لأنّ! مقتضى عطفه على فيها تعلقه بتركنا من حيث اللفظ، ولا مغ منه لدلالة الفعل على الماهية، وقوله: تركنا استئناف كلام فاسد لأنه لا بد من تسلط عامل المعطوف عليه لفظاً، ومعنى كما لا يخفى. قوله: (على معنى وجعلنا الخ) قد عرفت أنّ المعطوف إذا لم يصح تسلط عامل المعطوف عليه معنى، وكان ما يقتضيه من العامل بينه، وبين المذكور ملابسة وقرب معنويّ كما في: متقلداً سيفا ورمحا وإضرابه فيه للنحاة مذاهب تقدير عامل للثاني والتجوّز في عامل الأوّل، والتسمح في العطف وإلى ذلك أشار المصنف فمن قال: لا حاجة إلى الإضمار ثم أجاب بما أجاب فقد غفل عن تحقيق معنى المسألة وأطال بغير طائل كما أشرنا إليه فلا حاجة إلى بيان خطئه من صوابه، والله أعلم بالصواب. قوله: (هو معجزاته) والسلطان يطلق على ذلك مع شموله للواحد، والمتعدّد لأنه في الأصل مصدر كما مرّ تحقيقه، وقوله: فأعرض عن الإيمان به أي بموسى عليه الصلاة والسلام، فركنه جانب بدنه وعطفه والتولي به كناية عن الإعراض، والباء للتعدية لأنّ معناه ثنى عطفه أو للملابسة، وقوله: أو فتولى الخ تفسير ثان والركن فيه بمعنى الجيش لأنه يركن إليه، ويتقوى به، والباء للمص! احبة أو للملابسة وكونها للسببية غير وجيه، وضم الكاف اتباعا للراء، وقوله: حصل ذلك أي ما ينسب مثله للجرت، ويظهر على يد بعض الناس فإن كان بعمله الاختياري فهو سحر وألا فهو جنون وهذا بناء على زعمه الفاسد فلا يرد عليه أنّ السحر ليس من الجن كما بين في محله. قوله: " ت بما يلام عليه) إشارة إلى أنّ الأفعال هنا الإتيان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 بما يقتضي معنى ثلاثيه كأغرب إذا أتى أمرا غريباً فلا وجه لما قيل إنه للنسب، أو للإسناد للسبب، وقوله: من الكفر والعناد إشارة إلى أنّ ما يلام عليه مختلف حاله باعتبار من وصف به فلا يتوهم أنه كيف وصف فرعون بما وصف به ذو النون. قوله: (لأنها أهلكتهم وقطعت دابوهم الخ) يعني أنّ العقيم مستعار استعارة تبعية لما ذكر بتشبيه ما في الريح مما ذكر بما في المرأة مما يمنع حملها لأنّ أصل العقم اليبس المانع من قبول الأثر كما قاله الراغب: وهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول كما مرّ فلما أهلكتهم، وقطعت بالاستثصال نسلهم شبه ذلك الإهلاك بعدم الحمل لما فيه من إذهاب النسل، وهذا هو المراد هنا، وأمّا قوله أو لأنها لم تتضمن منفعة فبيان معنى مجازي آخر للريح العقيم، وهي التي لا تلقح الشجر بزهر، وثمر لا أنه مراد هنا إذ لا يصح أن يقال المراد أرسلنا عليهم ريحا لا نفع فيها فشبه عدم تضمن المنفعة بعقم المرأة، وهو ظاهر فهو بمعنى فاعل من اللازم، والنكباء كل ريح هبت بين ريحين لتنكبها، وانحرافها عن مهالث الرياح المعروفة، وهي رياح متعدّدة لا ريح واحدة، وتفصيله في كتب الأدب، واللغة. قوله: (كالرماد) أصل الرميم من رم إذا بلى ومنه الرماد، والتفتت عطف على البلى عطف تفسير، وقوله: تفسيره الخ يعني أنّ المراد بالحين ما ذكر لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً، وليس قوله: فعتوا عطفا على قوله لهم حتى يكون العتوّ مترتباً عليه مع أنه مقدم عليه كما يشير إليه قوله: بعد الثلاث بل تفصيل لقصتهم كأنه قيل، وفي قصة ثمود الواقعة في زمان قيل لهم فيه ذللث، وهي أنهم عتوا الخ، وقوله: أي العذاب لأنّ أخذ الصاعقة، وإهلاكها لهم هو العذاب الحال بهم المعهود، والمرّة من الصعق بمعنى الصاعقة أيضاً أو الصيحة. قوله: (ما يقوم به إذا عجز عن دفعه) فهو معنى مجازيّ أو كناية شاعت فيه حتى التحقت بالحقيقة، وقوله: عطفاً على محل في عاد لأنه أوّل قصص الإهلاك هنا، وإذا تعدد العطف فهل يعطف على الأوّل أو ك! ، على ما يليه قولان لأهل العربية اختار المصنف أوّلهما، وعلى الثاني هو معطوف على قوله في ثمود فلا وجه للجزم به هنا، وقوله: بالكفر الخ فليس المراد المعنى المشهور لأنّ أصله الخروج مطلقا كما مرّ مراراً. قوله: (بقوّة) لأنّ الأيد، والأدّ القوّة وليس جمع يد كما يتوهم، وإن صحت التورية به، وقوله: لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة وفسره به لأنّ هذه الجملة الحالية المؤكدة لتذييل ما قبلها بإثبات سعة قدرته، وشمولها لكل شيء فضلاً عن السماء. قوله: (أو لموسعو 1، السماء أو ما بينها وبين الأرض) فالسعة مكانية، وهو تتميم أيضاً لما قبله، وقوله: أو الرزق أي بالأمطار كما نقل عن الحسن، وهو مبنيّ على أنّ السياق للامتنان على العباد لا لبيان القدرة فيكون إشارة لما مرّ في قوله وفي السماء رزقكم فناسب تفسيره بما ذكر، وقوله: مهدناها أي فالفرس مجاز عن البسط والتسوية وقوله: أي نحن إشارة إلى أنه المخصوص بالمدح المقدّر هنا. قوله: (من الأجناس الما كان الزوج بمعنى الصنف أو النوع لزم أن يكون الشيء هو الجنس الشامل له، وقوله: فتعلموا أنّ التعدّد أي بالذات أو بالتركب من الأجزاء يستلزم الإمكان على ما قرّره المتكلمون في برهان وحدته تعالى، وقد قيل المراد التذكر بما ذكر لأمر الحشر والنشر لأنّ من قدر على إيجادها كذلك قدر على إعادتها كما مرّ وله وجه. قوله: (من عقابه بالإيمان الخ) يعني أنّ الأمر بالفرار من العقاب المراد به الأمر بالإيمان، والطاعة لأنه لأمنه من العقاب بالطاعة كأنه فرّ لمأمنه فهو استعارة تمثيلية، وقوله: من عذابه أي عقابه فالضمير للمضاف المقدر فيما قبله أو لله بتقدير مضاف هنا، وقوله: بين الخ على أنه من أبان اللازم أو المتعدّي، ومفعوله على الثاني محذوف كما أشار إليه بقوله: مبين ما يجب الخ. قوله: " فراد الخ) هو الشرك الذي هو أكبر الكبائر فتغاير ما ترتب عليه، ووقع تعليلاَ له بمنزلة تغايره، ومثله: يكفي لعدم عدّه مكرّرا إلا أنه يرد عليه أنّ الإشرالى داخل في ترك الايمان، والطاعة، وذكر الخاص بعد العام يعد تكراراً أيضا، وما قيل في دفعه بأنه ليس من التكرير للتأكيد إذ الإيعاد على المجموع لا يستلزم الإيعاد على بعضه لا يخلو من الكدر فتدبر، وترك قول الزمخشريّ أنّ في التكرير دليلاَ على أنّ الإيمان بدون العمل لا يعتد به لابتنائه على الاعتزال، وما في دلالة التكرير عليه من البطلان الغني عن البيان. فوله: (أي الأمر) في الأمم السابقة مثل ذلك فكذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 خبر مبتدأ محذوف، وقوله: إلى تكذيبهم أي كفار قريش، وقوله: نصبه بأتى على أن يكون صفة لمصدره وذلك بمعنى الإتيان، وقوله: أو ما يفسره وهو أتى آخر مقدّو على شريطة التفسير لأنّ ما لا يعمل لا يفسر عاملا في ذلك الباب كما صرّح به النحاة ففاعل يفسر ضمير أتى ومفعوله ضمير ما، وقيل الضمير البارز لذلك والمراد بما فسره قالوأ، والإشارة على هذا للقول، والمعنى إلا قالوا ساحر أو مجنون قولاً مثل ذلك القول ولا يخفى أنه مع تعسفه ليس مراداً للمصنف رحمه الله. قوله: (كان الأوّلين والآخرين الخ) فالاستفهام للتعجيب من تواردهم على ذلك لا للإنكار سواء كان بمعنى لم وقع أو لم يقع لأنه لا وجه له بوجهيه فلا وجه لتجويزه هنا، وقوله: لتباعد أيامهم متعلق بإضراب، وقوله: ولا تاع التذكير فالأمر للدوام عليه لئلا يكون تحصيلاَ للحاصل، وقوله: من قدر الله إيمانه وأمّا المؤمن بالفعل فهو متذكر فالمؤمن بمعنى المشارف والمستعدّ للإيمان، وقوله: أو من آمن فهو على حقيقته، والمراد بالانتفاع زيادته، وزيادة التبصر به. قوله: (لما خلقهم الخ (لا يخفى أنه إن قيل بأن أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض أو قيل به بناء على أنها يترتب عليها حكم ومصالح أرادها الله منها لا على الاستكمال بها يحتاج هذا للتأويل أمّا على الأوّل فظاهر، وأمّا على الثاني فلأنها لا تترتب على الخلق بالنسبة إلى الجميع، وحاصله كما قرّره بعض فضلاء عصرنا أنّ الآية بظاهرها دالة على أنّ العبادة هي الغاية المطلوية من الخلق الباعثة عليه، وهو مخالف لما تدلّ عليه الأدلة العقلية من عدم كون أفعاله معللة بالأغراض، وكون جميع المقدورات من الإيمان، والكفر والخير والثرّ، والطاعة والعصيان، وغيرها واقعة بقدرته، وارادته، وكان ذلك أيضاً منافياً لظاهر قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [سورة الأعراف، الآية: 179] الدال على إرادة المعاصي ليستحقوا بها العذاب، وعذاب جهنم، وهذا أيضاً مبنيّ على أنّ غاية فعل الفاعل المختار مرادة له أيضاً فلذا أوّلها المصنف بما سنبينه لك إن شاء الله تعالى. قوله: (على صورة متوجهة إلى العبالة الخ) المراد بالصورة الصفة، والحالة كما يقال صورة المسألة كذا، ومعنى كونها متوجهة، ومقبلة لها كما في بعض النسخ أنها مقتضية لذلك مقبلة بوجوه الاستعداد عليها، والمعنى أنه ركب فيهم عقولاً وخلق لهم حواس ظاهرة، وباطنة لو خليت، ونفسها عرفت صانعها وانقادت له كما في الحديث. قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) فشبه اقتضاء حالهم لما ذكر بجعلها غاية له واستعمل فيه ما وضع له، وهو اللام بطريق الاستعارة التبعية. قوله: (مغلبة لها) كذا في بعض النسخ وفي بعضها مقبلة لها، ومرّ تفسيره، وأمّا على هذه، وهي بزنة الفاعل من التغليب فالمعنى أنّ تلك الصفة تغلب العبادة على غيرها مما ركب فيهم من صفات النفس الأمارة كالغضب، والشهوة كما قيل. قوله: (جعل خلقهم منيي بها مبالنة في ذلك) يعني أنه مع أنه ليس غاية جعل غاية لما مرّ فهو استعارة لتشبيه المعدّ له الشيء بالغاية قيل، وهو شائع في الظروف كما يقال للقويّ جسمه هو مخلوق للمصارعة، وفي الكشف أنّ أفعاله تعالى تنساق إلى الغايات الكمالية، وهو ما وضع له اللام، والإرادة له ليس من مقتضى لام الغاية إلا إذا علم أنّ الباعث مطلوب في نفسه فهي على حقيقتها، ولا تحتاج إلى تأويل فإنهم خلقوا بحيث يتأتى منهم العبادة وهدوا إليها وجعلت تلك غاية كمالية لخلقهم، وتعوّض بعضهم عن الوصول إليها لا يمنع كون الغاية غاية وهذا معنى مكشوف اهـ، ولا يخفى ما فيه وأنّ كون الغاية لا يلزم أن تكون مرادة للفاعل المختار خلاف ما يشهد له العقل فإنّ الغرض ما يقصد من الفعل فتأمّل. قوله: (مع أنّ الدليل يمنمه أليس المراد بالدليل ما تقرّر من أنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض كما قيل لأنه لا دليل على منعه فقد ذهب إليه كثير من المحدثين، والأدلة على خلافه كثيرة كما يدل عليه كثير من الآيات، والأحاديث، وإنما المراد أنّ الدليل قائم على أنّ الله تعالى لم يخلق الخلق لأجل العبادة أي لإرادة العبادة منهم إذ لو أواد العبادة منهم لم يتخلف ذلك وقد قام الدليل على التخلف بالمشاهدة، واستلزام الإرادة الإلهية للمراد، وقد قام الدليل عليه في الأصول. قوله: (لنا في ظاهر قوله الخ) إنما قال ظاهر قوله: لأنه يحتمل أن يكون لام لجهنم لام العاقبة فلا ينافي كونها ليست بعلة، وقوله: وقيل الخ هذا منقول عن ابن عباس وعليّ رضي الله عنهم فالمعنى إلا لآمرهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 وادعوهم إلى العبادة فهو كقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [سورة البينة، الآية: 5] فذكر العبادة المسببة شرعاً عن الأمر أو اللازمة وأراد سببها أو ملزومها فهو مجاز مرسل، وقيل: أراد المؤمنين من جنسي الجن، والإنس، وعن مجاهد أن معنى ليعبدون ليعرفوني، واختاره الإمام. قوله: (أو ليكونوا عبادا لي) قيل عليه أنّ عبد بمعنى صار عبداً ليس من اللغة في شيء إلا أن يقال إنه من عبد بمعنى خدم وخضع، والخدمة والخضوع من لوازم العبودية فهو مجاز مرسل، وفيه نظر. قوله: (أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل) كان مقتضى الظاهر أن أصرفهم، وفليشتغلوا بما هم الخ. فكأنه نظر إلى أنهم، وإن ذكروا بطريق الغيبة إعراضاً عنهم، وتبعيداً عن ساحة الخطاب إلا أنّ أسماعهم مقصود هنا فكأنهم مخاطبون فلذا جوّز تقدير قل قبله فتدبر. قوله: (كالمخلوقين له والمأمورين به) بالجرّ في النسخ عطفا على المشبه لكنهم كما قيل مأمورون حقيقة لا مشبهون بهم فالصواب رفعه عطفا على الكاف، وتوجيهه بأنه مرفوع لكنه جزد مجاورته للمجرور مع فصله بقوله له تكلف لا يخفى بعده، وأقرب منه أن يراد أنهم هنا كالمأمورين لأنه لم يصرّح هنا بأمرهم فتدبر. قوله: (ويحتمل أن يقدر بقل) والغيبة فيه رعاية للحكاية فإن مثله يجوز فيه الغيبة، والخطاب، وقد قرئ بهما في قوله: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 12] وقد مرّ توجيهه ومن غفل عنه اعترض عليه بأنّ الغيبة لا تلائمه في المقامين وقيل المراد قل لهم وفي حقهم فتلائمه الغيبة في منهم، ويطعمون، ولا ينافيه قراءة أنا الرزاق لأنه تعليل للأمر با اغول أو الائتمار لا لعدم الإرادة فتدبر. قوله: (كل ما يفتقر إلى الرزق) عبر بما لأنها عامة في العقلاء وغيرهم فإن اختصت بغير العقلاء فهو لتغليبهم لكثرتهم، وفيه إشارة لمفاد صيغة المبالغة، وحذف المفعول وقوله: باستغنائه عنه أي عن الرزق لأنه لا رازق غيره فهو الغني عما سواه وما سواه مفتقر له. قوله: (شديد القوّة) فذكره بعد ذكر القوّة تأسيس لا تأكيد، ووصف القوّة به مع تذكيره لتأويلها بالاقتدار أو لكونه على زنة المصادر التي يستوي فيها المذكر، والمؤنث أو لإجرائه مجرى فعيل بمعنى مفعول، وجعله صفة ذو جرّاً على الجوار ضعيف، وفي وصفه بالقوّة والمتانة إشارة إلى كمال اقتداره، وقوله: ظلموا رسول الله من العهد الذي في الصلة. قوله: (نصيباً من العذاب (أصل الذنوب الدلو العظيمة الممتلئة ماء أو القريبة من الامتلاء، وهي تذكر وتؤنث وجمعها أذنبة وذنابيب فاستعيرت للنصيب مطلقا شرّاً كالنصيب من العذاب في الآية أو خيراً كما! ى العطاء في قوله: فحق لشاس من نداك ذنوب وهو مأخوذ من مقاسمة ماء البئر فيعطي لهذا ذنوب، ولآخر مثله كما بينه المصنف رحمه الله، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث موضوع وخص المعدود به بالرياح لذكرها في أوّل السورة تمت السورة بحمد الملك العلام والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام. سورة والطور بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية الم يستثن منها شيء واختلف في عدد الآيات فقيل: سبع، وقيل: ثمان وقيل: تسع، وأربعون والاختلاف في قوله والطور إلى قوله: دعا وسيأتي، وقوله: يريد طور سينين فإنه يضاف إليه، والى سيناء لتمييزه عن الطور الملاصق لبيت المقدس المعروف بطور زيتا، ومدين هي أرض شعيب عليه الصلاة والسلام، وقوله: سمع الخ إشارة إلى وجه عطف الكتاب عليه لما بينهما من المناسبة التي لولاها لم يحسن العطف وقوله: بالسريانية هي أقدم اللغات، وهذا قول بعضهم، والذي عليه الجمهور إنها لغة عربية غير معرّية وقوله: أو ما طار الخ. فهو اسم من الطيران، والمراد بما طاو الأرواح كما قيل: فالطيران استعارة لتنزلها عن عالم القدس، والملكوت وأوج الإيجاد استعارة له أيضا، وحضيض الموادّ استعارة لعالم الملك أو هو من قبيل لجين الماء فالحضيض المواذ لكن استعمال الطور بهذا المعنى لم يعهد فكأنه من البطون، والأوح العلو، والعالي من صوب السماء، وضده الحضيض، وقيل: إنه معرّب. قوله: (ترتيب الحروف المكتوبة) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 هذا معناه المصدري، ويكون اسما للحروف المسطورة أيضا فلذا فال، والمراد به القرآن على إرادة الخاص من العام، وهو مجاز أيضا، وقوله: أو ما كتبه الله فالكتاب بمعنى المكتوب كما مرّ تحقيقه، وقوله: أو ألواح موسى بالرفع عطف على القرآن أو بالجرّ عطف على اللوح، وهو الظاهر، وقوله: أو في قلوب أوليائه معطوف على قوله في اللوح، وكونه مكتوباً في القلوب استعارة لثبوت صورته فيها، وقوله: أو ما تكتبه الحفظة معطوف على ما كتبه الله، ولما كان ما في اللوح المحفوظ أزلياً عبر عنه بالماضي بخلاف ما تكتبه الحفظة فإنه مستمرّ في المستقبل، ولذا عبر عنه بالمضارع. قوله: (استعير لما كتب فيه الكياب) إن أريد الاسنعارة اللغوية، وهو الظاهر فهو مجاز مرسل كالمشفر وإلا فيشبه فيه ما يكتب فيه من الألواح وغيرها بالرق بعلاقة محلية الكتابة، والأوّل أولى. قوله: (وتنكبرهما) أي تنكير كتاب ورق للتعظيم فإنه أحد مدلولاته كما بين في المعاني، والأشعار بأنهما ليسا من جنس ما تعاوفه الناس باعتبار أنّ التنكير يقتضي عدم التعيين، وما هو متعارف معين ولو جعل هذا معنى آخر للتنكير كان أحسن، وهذا إذا لم يكن المراد القرآن ظاهر أما إذا أريد ذلك فعدم تعارفه باعتبار أنه ليس من جنس كلام البشر بقطع النظر عن النقش أو الكتابة أو بالنظر إليها فالكتابة ليست الكتابة المعهودة بل كتابة الملائكة ونحوها، وتفسيره بالكتابة في قلب الملك أو الرسول تعسف. قوله: (وعمارنها بالحجاج والمجاورين) عند.، وهو مجاز معروف يقال مكان معمور بمعنى مأهول مسكون تحل الناس في محل هو فيه، وقوله: أو الضراح بضم الضاد المعجمة بعدها راء مهملة، ثم ألف وحاء مهملة، وهو البيت المعمور سمي به لاشتقاقه من المضارحة، وهي المقابلة يقال: ضارح صاحبك في الرأي أي قابله سمي بذلك لكونه مقابلاَ للكعبة، ولذا سمي لحد القبر ضريحا كما قال المعري: وقد بلغ الضراح وساكنيه ثناك وزار من سكن الضريحا وقيل: هو من الضرح، وهو البعد سمي به لارتفاعه وبعده عن الناس. قوله: (وهو في السماء الرابعة) وفي الكشف ما في الحديث الصحيح من أنه في السماء السابعة (11 لا ينافي هذا فقد ثبت أنّ في كل سماء بحبال الكعبة في الأرض بيتاً وأما الذي كان في زمن آدم عليه الصلاة والسلام فرفع بعد موته فهو في الرابعة كما نقله الأزرقي في تاريخ مكة فهذا هو المراد وما وقع في الحديث محمول على غيره فلا يعارضه كما توهم لتعدد البيت المعمور بمعنى الضراج الكائن في السماء فالقول بأنه لا يدفلأع التنافي مكابرة. قوله: (وعمرانه كثرة غاشيتة) هذا على التفسير الثاني، والغاشية الطائفة الواردة عليه من الملائكة، وقوله: المملوء سجر معناه ملأ وكونه البحر المحيط حينئذ ظاهر، وجعل البحار نارالم 3) أي محلاً للنار فالبحر كالنهر في الأصل بمعنى الشق يطلق على الأرض المشقوقة، وقوله: أو المختلط المراد تلاقي البحار بمياهها، واختلاط بعضها ببعض، وقيل: المراد اختلاطها بحيوانات الماء وما له من دافع خبر ثان لأنّ أو صفة لواقع أو هو جملة معترضة. قوله: (ووجه دلالة هله الأمور المقسم بها على ذلك) أي على وقوع العذاب من غير دافع له بناء على أنّ القسم في أمثاله مثبت للمقسم عليه كما مرّ والدال على كمال القدرة السماء، وا. ر والجبال المذكورة لا البيت المعمور، وإن صح فلا حاجة إلى ما تكلف له من غير داع، وكمال الحكمة يدل على ذلك أيضاً لما في عجائب تلك المصنوعات من الحكم المشاهدة، وصدق إخباره لكون البيت معمورا كما أخبر بالحجاج، والمجاورين إلى يوم الدين، وضبط الأعمال لكتابتها في صحف الأعمال، واللوح المحفوظ، وهذا كله يدل على ما ذكر من الوقوع وأنه كائن غير مدفوع. قوله: (تضطرب) اضطراباً أي ترتج وهي في مكانها، وقوله: والمور الخ هو أصل معناه، والمراد به ما ذكر، والتموّح حركة الموج، وقوله: ويوم ظرف أي منصوب على الظرفية لأنه مفعول فيه وناصبه واقع أو دافع أو معنى النفي، وإيهام أنه لا ينبغي دفعه في غير ذلك اليوم بناء على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لأنه غير مخالف للواقع لأنه أمهلهم في الدنيا، وما أمملهم. قوله: (تسير عن وجه الآرض الخ) كما في قوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} [سورة الواقعة، الآية: 5] وقوله: إذا وقع ذلك يشير إلى أنّ الفاء فصيحة في جواب شرط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 مقدّر، وقوله في الباطل إشارة إلى أنّ الخوض في الأصل المشي في الماء فتجوّز به عن الشروع، ثم غلب في الباطل كالإحضار حيث خص بالعذاب، وإن كان وضعه عاماً، وقوله: يدفعون أي يلقون، ويطرحون ومعنى الدع ما ذكره، وقوله: فيكون دعا حالاً بمعنى مدعوعين، وهي حاك مقدّرة لأنّ الدفع بعد الدعوة، وقيل: إنها مقارنة بإجراء قرب الوقوع مجرى المقارنة، ولذا لم يقل المصنف مقدّرة، وفيه نظر وهو على هذه القراءة وعلى القراءة السابقة كان مفعولاً مطلقاً. قوله: (أو ظرف لقول مقدّر) والمحكيّ بذلك المقدر قوله: هذه النار إلى قوله: تعملون فمحكيه مبتدأ خبره قوله هذه النار الخ، وقوله: كنتم تقولون الخ المصداق بالكسر ما يظهر به صدق الشيء كوقوع العذاب المصدق لما أخبر به الوحي، وفيه إشارة إلى أنّ الفاء للسببية لتسبب هذا عما قالوه في الوحي. قوله: (أم سدّت أبصاركم الخ) كأنه لم يقل أي أم سدّت الخ بحرف التفسير كما هو المتبادر لأنه قصد أنه معادل لقوله: {أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} على أنّ المعنى أسحرتم أم عميت أعينكم أم سدت فتأمّل، وقوله: دخلوها إشارة إلى أنّ الصلي مجاز عن الدخول فيها، وقوله: أي الأمران الخ فسواء خبر مبتدأ مقدر تقديره الأمران سواء، والمراد بالأمرين الصبر، وعدمه، ولا يجوز كونه فاعلاً لأنّ ضمير المثنى لا يستتر كما لا يجوز كونه خبرا، وسواء مبتدأ لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة فمن قال: إنّ كلام المصنف محتمل لهذه الوجوه لم يصب. قوله: (لما كان الجزاء واجب الوقوع) أي متحتم الوقوع لسبق الوعيد به، وقضائه به بمقتضى عدله فليس مبنياً على أنه يجب على الله تعذيب العصاة كما يتوهمه بعض القاصرين، وقوله: في أية جنات الخ يعني أنّ التنوين للتعظيم. قوله: (مخصوصة بهم) على أنّ التنوين للنوعية إذ التنوين لا يفيد الاختصاص، والقول بأنه أراد أنه عوض عن المضاف إليه أي جناتهم ونعيمهم ليس بقويّ عند أهل العربية لأنه إنما يجري في الظروف كيومئذ وكل، وبعض وقوله: ناعمين اسم فاعل من النعيم لا من النعومة، وقوله: متلذذين تفسير له. قوله: (والظرف) يعني قوله: في جنات ونعيم فإن كان مستقرّا ففاكهين حال من المضمر المستتر فيه فعلى هذه القراءة فاكهون خبره والظرف متعلق به لكنه قدّم عليه، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر، وليس المراد بالظرف بما آتاهم الخ فإنه لغو على كل حال. قوله: " ن جعل ما مصدرية الأنها لو كانت موصولة خلا المعطوف على الصلة عن العائد إلى الموصول بحسب الظاهر المتبادر، وقيل: يجوز أن يكون التقدير وقاهم به عذاب الجحيم على أنّ الباء للملابسة، وقد يدفع فتأمّل. قوله: (أو في جنات) أي عطف على قوله في جنات إذا كان خبراً، وقوله: من المستسكن في الظرف، وهو ضمير المتقين المستتر فيه أو الحال أي حال من الضمير المستكن في الحال، وهو فاكهين وفي نسخة أو الحال في فاعل آتى أو مفعوله أو منهما من غير تعرض للحال من الحال. وقوله: أي أكلا الخ. فهنيأ منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدّر أو على أنه مفعول به، وعلى كليهما فقد تنازعه الفعلان، وقوله: لا تنغيص فيه أي لا تكدير فيه. قوله: (وقيل الباء زائدة الخ) مرضه لأنّ زيادة الباء في غير فاعل كفى لم تعهد، وهي مما لا يقاس يعني في! النفي، والاشفهام، وأمّا زيادتها في مفعول علم، وفي المبتدأ نحو بحسبك فغيروا رد لأنه ليس مما نحن فيه! إذ المراد زيادتها في الفاعل لا في مطلق الزيادة وعليه أيضاً يحتاج إلى تقدير مضاف أي جزاء ما كنتم الخ، وهو تكلف. قوله: (الباء لما في التزوبج الخ) يعني أنه متعد بنفسه لمفعولين، وعدّى بالباء لتأويله بما ذكر، وفي المغرب قال ابن السكيت: تقول العرب زوجته إياها، وتزوّجت امرأة وأمّا قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} فمعناه قرناهم، وقال الفراء: تزوّجت بامرأة لغة أزد شنوءة وعليه استعمال الفقهاء انتهى، والى ما ذهب إليه! ابن السكيت أشار المصنف، وعلى قول الفراء لا يحتاج إلى التأويل. قوله: (من معنى الوصل والإلصاق) يع! ني أنّ الباء للتعدية لتضمينه معنى الوصل والإلصاق، وقوله: أو للسببية معطوف على قوله لما في التزويج الخ. فهي على هذا ليست للتعدية، وأزواجا بمعنى مؤتلفين من ذكر وأنثى مشتهين، وقوله: إذ المعنى الخ يعني أنّ التزويج على هذا ليس بمعنى الإنكاج بل بمعنى تصييرهم زوجين زوجين فلا يكون متعديا لاثنين. قوله: (أو لما في التزويج من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 معنى الإلصاق والقران) قيل عليه إنه وقع في أكثر النسخ هكذا، وظاهر تكراره مع ما مرّ إلا أن يحمل الأوّل على التضمين، وهذا على كونه مجازا بعلاقة السببية، ويؤيده قوله: أي قرناهم، واستقامة العطف بكونه مجازاً لا بالتضمين لبقاء معنى الإنكاج فيه، وفي بعض النسخ، ولما في التزويج من معنى الإلصاق، والقران عطف والذين الخ، وهي أصح من الأولى، ولا إشكال فيها لأنه توجيه للعطف فلا تكرار فيه ورد بأ " نه تصرّف لفظيّ لا مدخل له في حمل الأوّل على التضمين، والثاني على التجوّز مع أنّ التضمين يقتضي بقاء معنى التزويج بالعقد، وهو لا يناسب المقام إذ العقد لا يكون في الجنة لأنها ليست دار تكليف، وقال الراغب بعد تفسيره بقرناهم بهن، ولم يجىء في القرآن زوّجناهم حوراً كما يقال زوّجته امرأة تنبيها على أنه لا يكون على حسب المتعارف من المناكحة فكأنّ المصنف لما ذكره أوّلاً أراد تاخيره عن الوجه الآخر الذي حه) ! فيه الباء على السببية ليتصل به قوله، ولذلك عطف الذين آمنوا على ما حرّره، وضرب بال! ا 10 على الأوّل فأثبته الناقل غلطا منه، ولا يخفى ما فيه كله من التعسف، وكذا ما قيل ال! / ا، بالإلصاق هنا القران، وهو غير الإلصاق السابق بمعنى الاتصال فالحق أن يقال إنه على الى هـ- ء " المصححة لا إشكال فيه، وكأنها الذي استقرّ عليه رأي المصنف وأما على الأولى فالمعنى أنه على الأوّل الباء للتعدية فيه لما فيه من معنى الوصل، وهو يتعدى بها، والأخير على أنّ الباء فيه للإلصاق فالإلصاق الأول ملاحظ في معنى الفعل، والثاني معنى الباء. قوله: (ولذلك) أي لما فيه من معنى القرآن صح عطفه عليه لأنه لو أريد به معناه المتبادر منه لم يعطف عليه لعدم صحته معنى وقول أبي حيان: إنه تخيل أعجمي لا يقول به عربيّ تعصب منه كما فصله السمين فلا حاجة للتطويل بذكره وقوله: اعتراض للتعليل الخ أي لتعليل الحكم والمعنى الذين آمنوا التحقت بهم ذرّيتهم لأنّ الذزبة اتبعتهم بإيمان فكان لهم حكمهم كما يحكم بإسلامهم تبعا وجوّز عطفه على الصلة على هذا أيضاً، وقوله: للمبالغة الخ لأنّ الذرية دالة على الكثرة فإذا جمعت كان فيه مبالغة، وقوله: والتصريح أي بما ذكر من الكثرة ثم علله بقوله: فإنّ الذرّية الخ فإذا أفرد احتمل أن لا يراد الكثرة، وهو ظاهر، وفي نسخة بالباء الجارة على أنه صلة التصريح أو هي للسببية فتكون بمعنى الفاء، وتتوافق النسختان وعلى جعله صلة المراد أنه يعلم من القراءتين أو من الجمع الذي هو بمعنى المفرد لأنّ الأصل توافق القرأآت في معنى ذلك، واحتمال كونه جمع الجمع لقلته بعيد فما قيل إنه لا وجه له لا وجه له. قوله: (وقرأ أبو عمرو وأتبعناهم) بقطع الهمزة، وفتحها واسكان التاء ونون بعد العين، وألف بعدها، والباقون بوصل الهمزة، وتشديد التاء وفتح العين، وتاء ساكنة بعدها، وبقية القراآت مفصلة في كتب الأداء، وقوله: في الإيمان أي في حكمه فالباء بمعنى في كما يشير إليه كلامه، وقوله: وقيل بإيمان حال من الضمير الخ، وفيه وجوه أخر تعلقه بما بعده على الاستئناف، والمعنى أنّ إلحاقهم بسبب إيمان عظيم، وهو إيمان الآباء أو هو متعلق بما قبله، وهو الذي عوّل عليه المصنف، والزمخشري مائل لغيره وإذا كان الحال من الضمير فهي مؤكدة، وقوله: للتعظيم لأنّ المراد به إيمان الآباء كما مرّ، وقوله: أو الإشعار الخ فالمراد إيمان الأولاد كما أنه في الأوّل إيمان الآباء ولا يرد على كونه حالاً منهما أنه جمع بين متنافيين حينئذ كما توهم، وثنويته على هذا للتنكير، وما قيل عليه من أنه لو نكر أفاد ما ذكر أيضا، والظاهر أنّ المراد منه حقيقة الإيمان غفلة عن فهم مراده لأنّ المعنى حينئذ بإيمان ما مما يصدق عليه أنه إيمان، ولو لم ينكر لم يفده فتدبر. قوله: (لما روي الخ) وهو حديث مرفوع رواه البزار وغيره، وظاهر الحديث أنّ الرنع بمعنى الإسكان معه لا اتصالهم أحياناً، ولو للزيارة عليه ظاهر الأحاديث: (المرء مع من أدبئ) ولعله مخصوص ببعض دون بعض، وقوله: لتقزبهم عينه قرّة العين كناية عن السرور كما هو مشهور في اللغة، وقوله: وقرأ الخ أي بصيغة الجمع، والنصب بالكسرة. قوله: (فإنه كما يحتمل الخ) فهو بإعطاء تلك المنازل تكرّما منه من غير نقص من ثواب آبائهم، وقوله: واكتناهم بالمد من الأفعال، وهو معطوف على قوله: قرأ ابن كثير بتقدير، وقرئ الخ وقوله: ومعنى الكل واحد، وهو التنقيص من الثواب هنا، وقوله: فكها استعارة، والمعنى خلصها من العذاب كما يخلص الرهن من يد مرتهنه، ولذا قابله بقوله: أهلكها، وضمير فكها للنفس المفهومة من السياق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 وهو أقرب من كونه للرقبة، وإن كان الفك شاع فيها لأنها مجاز عن النفس أيضاً فالتجوّز، ثم التقدير تعسف وقوله: بعمله إشارة إلى أن ما مصدرية، ومعنى كونه مرهونا عند الله على طريق التمثيل أن الكسب بمنزلة الدين، ونفس العبد مرهونة به فإن عمل صالحاً أدّى ديته، وفك رقبته من الرهن كما فصله في الكشف وفي الحديث الصحيح: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) وأما كونه إشارة إلى أق الكسب مخصوص بالعمل الصالح، ونفس المؤمن مرهونة به لا تفك إلا بأداته فسيأتي تفصيله في سورة المدثر. قوله: (أي وزدناهم الخ) أصل معنى المد الجرّ ثم شاع في الزيادة واختص الإمداد بالمحبوب والمدّ بضدّه، وكونه وقتاً بعد وقت من مفهوم المد نفسه، وقوله: يتعاطون هم وجلساؤهم الخ أصل معنى التنازع تفاعل من النزع بمعنى الجذب، ثم استعمل في التخاصم بجعل الأقوال وتراجعها بمنزلة تجاذب الأجسام، وكذا في المجاورة يقال: تنازعنا الحديث إذا تحادثوا في سمر ونحوه، وهو استعارة كما في قوله: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وما هنا استعير لتعاطي الكاسات أي إدارتها بين الندامى، وأصله تفاعل من العطاء لأنّ النديم يعطيه الساقي فإذا شرب أعطاها له، وقوله: بتجاذب تفاعل من الجذب إشارة إلى معناه الأصلي المستعار منه وقيل إنه إشارة إلى أنّ بينهما ملاعبة، وتجاذبا لشدة سرورهم. قوله: (ولذلك أنت الضمير) ظاهره أنه لو لم يكن المراد به الخمر لم يكن مؤنثاً، وهو غير مستقيم لأنّ الخمر كما أنه مؤنث سمافي كذلك الكأس مؤنث كما صرّح به الجوهريّ، وغيبره من أهل اللغة، والكأس لا تسمى كأساً إلا إذا امتلأت خمراً أو كانت قريبة منه وقد تطلق على الخمر نفسه مجازا لعلاقة المجاورة كما- ذكره المصنف، ومثله شائبم، وقوله: في أثناء شربها إشارة إلى أنّ الظرفية في قوله: فيها مجازية، والمراد ما ذكر، وقوله: ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله أي ما ينسب فاعله إلى الإثم لو فعله في الدنيا، ودار التكليف فالتفعيل للتشبيه، وقوله: مثل قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} أي في الاختصاص الماخوذ من التقديم لا أنّ معناهما واحد، وقوله: بالكأس قدره بقرينة ما قبله، والباء للملابسة أو التعدية وقوله: مخصوصون هو معنى اللام، وقوله: سبقوهم أي ماتوا قبلهم لم يكونوا غلمانا. قيل ولم يقل غلمانهم لئلا يتوهم أنهم الخدم في الدنيا، وأنهم خدم في الآخرة أيضا، وليس كذلك ومرض كون المراد الاختصاص بالولادة لا بالملك لا لأنّ التنكير ينبئ عنه كما توهم بل لأنّ التعبير عنهم بالغلمان غير مناسب ونسبة الخدمة إلى الأولاد غير مناسب لمقام الامتنان، وقوله: من بياضهم، وصفائهم بيان لوجه التشبيه فمن سببية. قوله: (خائفين من عصيان الله) تقدم أنّ الإشفاق عناية مع خوف، وأنه قد يلاحظ فيه كل من الطرفين على ما فصله الراغب، وقوله: في أهلنا يحتمل أنه كناية عن كون ذلك في الدنيا كما قال بعده: من قبل تفنناً ويحتمل بيان أنّ خوف الله كان فيهم، وفي أهلهم لتبعيتهم لهم في العادة، ولذا ذكر عموم الوقاية لهم فهو بيان لما من الله به عليهم من اتباع أهلهم لهم، وأمّا القول بأن السؤال عما اختصوا به من الكرامة دون أهليهم أو إثبات خوفهم في سائر الأوقات بالطريق الأولى أو جعل هذا إشارة إلى الشفقة على خلق الله كما أن قوله إنا كنا من قبل ندعوه إشارة لتعظيم أمر الله، وترك العاطف لأنه لعدم انفكاك كل منهما عن الآخر ادعى أنّ الثاني بيان للأوّل فليس بشيء لأنه لو قصد اختصاصهم بالكرامة لم يكن قوله: وقانا في محله، وكونه يثبت غيره بالطريق الأولى ممنوع وكذا كل ما ذكره بعده من التكلف، وقد ذكرنا ما فيه غنية عن مثل هذه التعسفات. قوله: (عذاب النار النافذة في المسامّ) فالسموم أطلق عليها لمشابهتها الريح السموم، وهي الريح الحارة النافذة في المسامّ أيضاً وإن كان وجه الشبه في النار أقوى لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف فلذا جعل مشبها به وليس مبنيا على قلب التشبيه كما يتوهم، وقوله: بالفتح أي بفتح همزة أنه لتقدير لام الجرّ قبلها أي لأنه الخ. قوله: (فأثبت الخ القيامه بوظائف التذكير أوّله بما ذكر لتتم الفائدة، وقوله: ولا تكترث من لوازمه وقوله: بحمد الله وأنعامه في هذا الجار، والمجرور أقوال فقيل مو قسم جوابه ما علم من الكلام، وهو ما أنت بكاهن، ولا مجنون أو هو حال أي ملتبساً بنعمة ربك انتفى عنك هذا أو التقدير ما أنت حال إذ كارك لنعمته بكاهن، ولا مجنون أو هو متعلق بمضمون الكلام، والباء سببية أي انتفى عنك الكهانة، والجنون بسبب نعمة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 الله عليك كما تقول ما أنا معسر بحمد الله، واغنائه وما ذكره المصنف أقرب إلى الوجه الأخير لكن الأنعام مأخوذ من نعمة ربك لأنّ المقصود نعمته عليك، وهي تفيد الأنعام، وذكر أنعام الله عليه مع اعترافه به هو عين الحمد فلذلك أدرجه فيه، وأتى به على منوال المتعارف في قولهم ما أنا بحمد الله، واحسانه كذا، وأمّا احتمال القسم فبعيد عن مساقه، وإن قيل به في النظم، وأبعد منه ما قيل من أنّ النعمة مجاز عن الحمد بعلاقة السببية فانه تعسف، وتكلف ظاهر. قوله: (كما يقولون) إشارة إلى أنه للردّ عليهم، وابطال مقالهم فيه والا فلا امتنان عليه بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقوله: ما يقلق النفوس من حوادث الدهر قال المرزوقي رحمه الله تعالى في شرح قول الهذلي: أمن المنون وريبه تتوجع المنون قد يراد به الدهر فإذا أريد به ذلك فالرواية وريبه لأنه مذكر، وهو فعول من المن بمعنى القطع، ومه حبل منين أي مقطوع وقد يراد به المنية فيؤنث، وقد روي ريبها، وقد يرجع له ضمير الجمع كقول عدي: من رأيت المنون عززن أم من ذا عليه من المنون خفير . فقال: عززن لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها حكي عن أبي عبيدة راب عليه الدهر أي نزل، ويكون مصدر رابني الشيء، والمراد به حدثان الدهر، وصروفه ويقال: رابني، وأرابني اهـ فقوله: ما يقلق على أنه مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر لأنها مقلقة فعبر عنها بالمصدر مبالغة فالمنون بمعنى الدهر، وريبه صروفه وقوله، وقيل: المنون الخ. يعني المراد به هاهنا الموت، وإلا فهو مشترك بينهما كما عرفت، ومرضه لأنّ الريب لا يلائمه ظاهراً على ما فسره به، ولذا فسره المرزوقي بنزول المنية فلا غبار عليه، وقوله في الكشف: إنه أنثه إذ أراد المنية ليطابق قوله شعوب أو على تأوبله بالمنية وبيت أبي ذؤيب: أمن المنون وريبه تتوجع وظاهره أنه الدهر اهـ لا يخفى أنه غفلة عما نقلناه لك. قوله: (فعول من منه الخ) أي على المعنيين لأنّ الدهر يقطع الأعمار، وغيرها والموت قاطع الأماني، واللذات، ولذا قيل المنية تقطع الأمنية، وقوله: قل تربصوا تهكم بهم، وتهديد بهم. قوله: (بهذا التناقض الخ) يعني أنّ وصفهم له بالكهانة، والشعر المقتضيين للعقل التام والفطنة الوقادة مع قولهم إنه مجنون تناقض أعرب عن أنهم لتحيرهم، وعصبيتهم وقعوا في حيص بيص حتى اضطربت عقولهم، وتناقضت أقوالهم، وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون وقوله: مغطى عقله لأنه يغلبه خلط سوداوي يمنع الإدراك فكأنه غطاه، وقوله: مخبل إشارة إلى الشعر المنطقي والتخيل بغلب في الشعر العرفي أيضاً ولذا قيل أعذبه أكذبه. قوله: (مجاز عن أدائها إليه) قال الشارح الطيبيّ هو كقوله ة {أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ} [سورة هود، الآية: 87] الآية جعلت آمرة على الاستعارة المكنية فتشبه العقول بسلطان مطاع تشبيها مضمرا في النف! ويثبت له الأمر على طريق التخ! ل قيل، وهو وجه آخر غير ما ذكره الشيخان فإنهما أرادا أنّ الأمر مجاز عن التأدية إلى الشيء بعلاقة السببية، وهو وجه آخر صحيح في نفسه، وليس كما قال فانّ الزمخشريّ قال: هو مجاز لأدائها إلى ذلك فقال الشراح: اللام للتعليل أي إسناد الأمر إلى الأحلام مجاز والمجوز أنّ أحلامهم مؤدية إلى ذلك كالأمر، وهو ظاهر في الاستعارة، وقد صرّح فيما نظرها به بذلك فتدبر. قوله: (اختلقه) بالقاف أي افتراه، واخترعه بطريق الكذب من عند نفسه، وضمير المفعول القرآن، وقوله: وعنادهم أي مع علمهم بأنه لا ريب فيه، ولا فيما جاء به، وأما علمهم بتناقضهم كما قيل فليس في الكلام ما يدل عليه، وقوله: كثير ممن تحدوا أي وقع معهم التحدي، والأمر بالمعارضة فلم عجزوا عنها، وهو مبنيّ للمجهول والجار والمجرور صفة فصحاء قدم عليها فانتصب على الحال وفصحاء صفة كثير وفي نسخة المحشي ممن عدوا بالعين المهملة فعل معلوم أو مجهول من العدد، والمراد بالمعدودين الشاعر، والكاهن، والمجنون الذين شوهد من حالهم ما يقتضي خلاف مدّعاهم، والظاهر أنّ النسخة الأولى أصح، وأنسب فتأمّل. فوله: (فهو رد للأقوال المذكورة) في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن بالتحدي فإذا اتحدوا وعجزوا علم ردّ ما قالوه وصحة المدعي، وقوله: ويجوز الخ فإذا فسد مدعاهم في التقول علم غيره بطريق اللزوم مع ما مرّ من ظهور فساده، وتناقضه وكون الكهانة المنسوبة إليه أظهر فسادا من التقول لأنها لم تعهد منه، وقد نشأ بين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 أظهرهم، ولم يظهر شيئا من أمور الكهان إلى الآن فكونه صاو كاهناً أو مدعياً للكهانة هدّا أمر مستغرب جدا بخلاف الكذب فإنه مما تجوّزه العقول القاصرة فما قيل من أنه غير ظاهر وأنّ الأظهر أن يقال إنّ القول بالتقوّل أظهر بطلاناً ليس بشيء يلتفت إليه. قوله: (أم أحدثوا وقدّروا الخ) هذا إمّا من الجمع بين معنيي المشترك أو بين الحقيقة، والمجاز لأنه تفسير للخلق، وهو يكون بمعنى الأحداث، والتقدير كما مرّ مرارا وهو جائز عند المصنف، وهذا ليس محل الاختلاف لإرادة أحدهما، وهو الأحداث بالأصالة، والآخر بطريق اللزوم، والتبعية فيكون كدلالة الشمس على الجرم، والضوء ومن على هذا ابتدائية، ثم إنّ الإضرابات الواقعة للترقي في تجهيلهم، وتسفيه أحلامهم فلذا قال المصنف: أم أحدثوا الخ فنسب إليهم ما لا يجوز أن يكون لأنّ تعلق الخلق بالخالق من الضروريات فإذا أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بدون خالق فليس المراد أم حدثوا لكنه عبر بأحدثوا لمشاكلة النظم بل للإشارة إلى أنّ الحدوث من غير محدث في الاستحالة بمنزلة الخلق من غير خالق، وهذا هو المراد، والمشاكلة المذكورة ليست بشيء يعتد به هنا فتأمّل. قوله: (أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة) إشارة إلى تفسير آخر مبنيّ على أن من للتعليل، والسببية على معنى أم خلقوا من غير علة، ولا لغاية ثواب وعقاب، وفي تعبيره بما ذكر شيء، وقوله: يؤيد الأوّل أي تفسيره الأوّل لقوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} فأحدثوا، وقدروا بلا محدث ومقدر لأنهم إذا خلقوا من غير خالق فقد خلقوا أنفسهم، ولو كان معناه لم يخلفوا للجزاء لم تتم المقابلة لأنّ مقتضاه أن يقال لم يخلقوا للجزاء أم خلقوا له ويجازون بالثواب لا بالعقاب مثلاً، وقوله: ولذلك أي لكون معناه أم خلقوا أنفسهم ذكر بعده نسبة خلق الأرض، والسماء إليهم لأنّ من يخلق نفسه يقدر على خلق غيره، ولأنه لو لم يكن معناه ما ذكر بل على العموم لعدم ذكر مفعوله لم يصح مقابلته لما بعده، ولم يقع الإضراب في موقعه. قوله: (وأم في هذه الآيات منقطعة) فتقدر ببل، والهمزة على ما هو المعروف فلذا قال، ومعنى الهمزة فيها لأنها تتضمنها إذ معناها بل أكان كذا وكونها منقطعة اختاره أبو البقاء، وكثير من المفسرين، ونقل عن الخليل أنها متصلة، والمراد بها الاستفهام كذا قال المعرب، وغيره وإذا كانت منقطعة فالإضرابات فيها واقعة على سبيل الترقي وتحقيقها على وجه أنيق بينه في الكشف جزاه الله خيراً بما لا مزيد عليه فمن أراد فهم النظم وما فيه من المعاني فلينظره. قوله: (إذا سثلوا من خلقكا الخ) يعني أنهم، وإن أسندوا خلق السموات، والأرض وخلق أنفسهم إلى الله إذا سئلوا عن الخالق لم يقولوه عن جزم، ويقين إذ لو كان كذلك عبدوه إذ من عرف خالقه امتثل أمره وانقأد له، وقوله: إذ لو أيقنوا الخ. بيان لأنّ إيقانهم جعل كلا إيقان، وهو تعليل لمقدر إذ التقدير قالوا: الله من غير تيقن أو ولا إيقان لهم فليس حق التعبير حينئذ فقالوا: الله كما قيل. قوله: (خزاءلن رزقه) قيل إنه إشارة إلى تقدير المضاف في الوجهين، والظاهر أنه بيان للمعنى المراد على أنه على طريق التمثيل، وأنّ المراد أنّ التصمرف في الكائنات بأيديهم أو إحاطة عملهم بما في العالم حتى يختاروا للنبوّة من أرادوه ويرضوا لها من ارتضوه. قوله: (الفالبون على الأشياء) معنى سيطر قهر، وغلب من سيطر عليه إذا راقبه لو ليس مصغراً كما يتوهم، ولم يأت على هذه الزنة إلا خمسة ألفاظ أربعة من الصفات مهيمن، ومبيقر ومسيطر، ومبيطر وواحد من الأسماء وهو مخيمر اسم جبل ووقع في شعر امرئ القيس، وقوله: صاعدين فيه يعني أنّ الظرفية على حقيقتها، وليست في بمعنى على كما في قوله: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [سورة طه، الآية: 71] كما قيل والجار والمجرور متعلقه خاص وهو حال أي صاعدين فيه، وقيل إنه يشير إلى أنه مضمن معنى الصعود، ولا حاجة إليه وقوله إلى كلام الملائكة إشارة إلى تقدير متعلقه، وأنه يتعدى بأل كما يتعدى بنفسه لا بفي، ولو جعل منزلاً منزلة اللازم أي يقع منهم الإسماع جاز، وتوله: حتى يعلموا الخ إشارة إلى أنّ ما ذكر كناية عن علم الكائنات، وقوله: بحجة تفسير لسلطان، وواضحة لمبين على أنه من أبان اللازم، وقوله: تصدق الخ لأنه المراد من الإتيان بها. قوله:) فيه تسفيه لهم الخ) يعني أنّ هذا هو المقصود منه فالمعنى بل هم سفهاء لصدور مثله عنهم، وقوله: يترقى بروحه الخ إشارة إلى ما للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الاتصال الروحاني الذي سماه الحكماء انسلاخا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 وهو إشارة إلى ارتباط الآية بما قبلها من قوله أم لهم سلم الخ، وقوله: من التزام غرم المغرم مصدر ميميئ بمعنى الغرم والغرامة، وهو كما قاله الراغب: الضرر الماليّ من غير جناية منه تقتضيه ففيه مضاف مقدر كما أشار إليه المصنف، وفسر المغرم في الكشاف بالتزام الإنسان ما ليس عليه فيكون هذا تفسيراً له من غير تقدير فيه والحق الذي تقتضيه اللغة هو الأوّل، وقوله: محملون الثقل أي ملزمون بالمغرم الثقيل عليهم لأنه يشبه ما في الذمّة بالحمل حتى يقال: أثقله الدين ونحوه، وقوله: فلذلك إشارة إلى السؤال أو المغرم، وقوله: اللوح الخ فسره به لقوله: عندهم، ولو قدر فيه مضاف أي علم الغيب صح، وكيدهم بدار الندوة معلوم من السير، وهذا من الأخبار بالغيب لأنّ السورة مكية، وقصة دار الندوة وقعت في وقت الهجرة، وكان نزول هذه السورة قبله كما ورد في الأثر. قوله: (يحتمل العموم والخصوص الخ) فإذا أريد الخصوص، وهم كفرة قريش السابق ذكرهم المريدون لكيده كان الظاهر أن يقال فهم المكيدون فأقيم الظاهر مقام المضمر لما ذكره، وقوله: وبال كيدهم المراد به جزاؤه فلذا قال، وهو قتلهم الخ وقصة بدر في السنة الخامسة عشر من النبوّة قيل ولذا وقعت كلمة أم مكرّرة هنا خمس عشرة مرّة للإشارة لما ذكر ومثله لا يستبعد من المعجزات القرآنية وإن كان الانتقال لمثله خفياً ومناسبته أخفى، وقوله: من كايدته فكدته يعني أنه من باب المغالبة، وهو قصد كل غلبته على الآخر في الفعل المقصود لهما فيذكر الثلاثي للدلالة على تلك الغلبة كما بين في الصرف. قوله: (عن إشراكهم) على أنّ ما مصدرية، وما بعده على أنها موصولة، وقبله مضاف مقدر، والعائد محذوف ولذا أخره، وقوله: قطعة فهو مفرد وقد قرئ في جميع القرآن كسفا، وكسفا جمعاً وافرادا إلا هنا فإنه على الإفراد وحده، وقوله: تراكم بعضه على بعض يعني ألقى بعضه على بعض للأمطار لا للعذاب وقوله: وهو جواب قولهم فأسقط الخ. حكاية لما قالوه بالمعنى، ولم يقصد لفظ التلاوة حتى يتوهم أنّ الصواب ما في الكشاف من قوله: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنّ ما ذكره المصنف محكيّ في سورة أخرى عن قوم شعيب لا عن قريش نعم ما في الكشاف أولى يعني أنهم لعنادهم بعدما قالوه لو أسقطناها عليهم قالوا: هذا سحاب مركوم ولم يصدقوا بنزول العذاب. قوله: (وهو عند النفخة الأولى القوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [سورة الزمر، الآية: 68] الخ وما قيل عليه من أنّ إبدال قوله يوم لا يغني الخ منه الدال على استعمالهم للكيد فيه طمعاً للانتفاع به يأبا. لأنّ النفخة الأولى لم يجر في مدافعتها كيد وحيل ليس بشيء لأنه على نهج قوله: على لا حب لا يهتدي بمناره فالمعنى يوم لا يكون لهم كيد، ولا غناء، وهو كثير في القرآن وباب من أبواب البلاغة، والإحسان، وقوله: شيئاً من الإغناء إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية. قوله: (وهو عذاب القبر) والبرزخ لأنّ المراد لهم عذاب مقدم على عذاب الآخرة فهو إما في الدنيا بالقتل أو في البرزخ، وهذا جار على وجهي العموم، والخصوص في الذين ظلموا، ولا وجه لكونه لفا، ونشراً مرتباً لهما فإنه لا مخصص! له، والقحط هو المعروف في قصة الشعب، والصحيفة، وتوله: ذلك أي ما أعد لهم من العذاب المعجل. قوله: (وإبقائك في عناء) أي تعب بهم أي بسببهم ودعوتهم، وقوله: في حفظنا يعني أنّ العين والجارحة لما كان بهما الحفظ، والحراسة استعيرت لذلك، وللحافظ نفسه كما تسمى الربيئة عيناً وهو استعمال فصيح مشهور، وقوله: بحيث نراك، ونكلؤك أي نحفظك، ونحرسك من الكلاءة أي الحراسة بيان لعلاقة التجوّز، وأنه كما يقال هو مني بمرأى، ومسمع ولما جمعت العين هنا، وأفردت في قصة الكليم احتاج ذلك لنكتة بينوها بعد ذكر أنه جمع هنا لما أضيف لضمير الجمع، ووحد ثمة لإضافته لضمير الواحد للمبالغة في الحفظ هنا حتى كان معه جماعة حفظة له بأعينهم لأنّ المقصود تصبير حبيبه على المكابد، ومشاق التكاليف، والطاعة فناسب الجمع لأنها أفعال كثيرة يحتاج كل منها! ! ى حارس بل حراس بخلاف ما ذكر هناك من كلاءة موسى عليه الصلاة والسلام، وإليه أشار المصنف بقوله، والمبالغة. قوله: (من أيّ مكان قمت) هو متعلق بتقوم لا تفسير لحين تقرم فهو على ظاهره من العموم أو مخصوص بالقيام من المنام أو إلى الصلاة، وما ورد في الحديث الصحيح من التسبيح الذي هو كفارة لما في كل مجلس، وهو (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) فهو بيان لما أمر به على العموم، وهو راجع إلى التفسير الأوّل لا وجه آخر كما توهم. قوله: (فإنّ العبادة الخ) يحتمل التعليل للتسبيح بخصوصه، ويحتمل أنه تفسير للتسبيح بمطلق العبادة وقوله: أفرده بالذكر إشارة إلى دخوله في عموم ما قبله، وقدمه في قوله من الليل للاعتناء به لما ذكر، وقوله: وإذا أدبرت إشارة إلى أنّ المراد بإدبارها وقت الإدبار، وهو آخر الليل، وقوله: في أعقابها إشارة إلى أنّ المفتوج جمع دبر بمعنى عقب، وقوله: إذا غربت إشارة إلى أنّ المراد بكونها على عقبها بعد ظهورها، وهو إمّا بغروبها عن الأفق أو بخفائها لكونها تحت شعاع الشمس، والحديث المذكور موضوع كما مرّ مراراً (تمت) السورة بحمد الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه. سورة النجم بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) على الإطلاق، وقيل: بعضها مدني كما في الإتقان، وقوله: إحدى الخ الاختلاف في قوله: إلا الحياة الدنيا الخ، وقوله: أقسم بجنس النجوم الخ إشارة إلى أنّ أصل النجم اسم جنس لكل كوكب، ثم صار علماً بالغلبة للثريا، وقدم العموم لأنه الأصل في الوضع، وقوله: فإنه أي النجم، وهو مذكر، ولو كان بمعنى الثريا ولذا ذكر قوله: فيه لمشاكلته، وجرياً على ظاهره، وكان حقه أن يقول فيها. قوله: (إذا غرب (تفسير لقرله: إذا هوى، وقد اختلفوا في متعلق إذا فقيل متعلق باقسم المقدر، وأورد عليه أنه إنشاء والأفعال الإنشائية كلها دالة وضعاً على الحال، وإذا للاستقبال فكيف يتلاقيان حتى قيل إنّ الزمخشري رجع عنه، وجعله متعلقا بمصدر محذوف تقديره، وهوى النجم إذا هوى، وقيل: إذا جرّدت لمجرّد الوقت لاستواء الحال، والاستقبال عنده تعالى، وقيل: إنه متعلق بعامل هو حال من النجم، وأورد عليه أز، الزمان لا يكون خبراً، ولا حالاً عن اسم جثة كما هنا، وأنّ المستقبل كنف يكون حالا إلا أن تكزن مقدرة أو تجرّد إذ المطلق الوقت كما يقال بصحة الحالية إذا أفادت معنى معتدا به فليس ممنوعا على الإطلاق كما ذكره النحاة أو النجم لتغيره طلوعاً وغروبا أشبه الحدث كما يقال الورد في أيار، وقد اختار في المغني تعلقها بإلقسم، وأنها معه للحال خارجة عن الاستقبال، وسيأتي تتمته إن شاء الله تعالى، ثم إنه فسر الهوفي بوجوه كالغروب، وهو غيبوبته عن مطلعه أو سقوطه من مقرّ.، وهذا جار على تفسيري النجم كالطلوع، وأمّا تفسيره بالانقضاض فهو على الوجه الأوّل وشمول النجم للشهب أيضا لا أن يخص النجم به كما قيل فإنه لم يذهب إليه أحد، وتخصيص القسم بوقت الهوفي لدلالته على حدوثه الدال على الصانع، وعظيم قدرته كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام، {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 76] وقوله: فإنه الخ تعليل لتفسيره بما ذكر على الوجوه كلها. قوله: (هوى هوياً الخ) إشارة إلى أن هوى مشترك بين الصعود، والهبوط وانه قد فرق بين مصدريهما لا بين فعليهما، وهذا مما اختلف فيه أهل اللغة على ما أشار إليه المصنف كصاحب القاموس فهوى يهوي كرمى يرمي هويا بالفتح في السقوط والغروب المشابه للسقوط، وبالضنم للعلو والطلوع، ويقال: أهوى بمعنى هوي، وفرق بعض اللغويين بينهما أيضا بأن هوى إذا انقض لغير صيد، وأهوى إذا انقض له، وهذا ما ارتضاه المحققون من أهل اللغة على اختلاف فيه. قوله: (أو بالنجم من نجوم القرآن (معطوف على قوله: بجنس النجوم، والنجم المقدار النازل من القرآن على النبيّ في، وإذا هوى بمعنى إذا نزل عليه مع ملك الوحي جبريل صلوات الله وسلامه عليه، وقوله: إذا سقط الخ على أنه من الهوى بالضم أو الفتح، وقوله: على قوله كما هو في أكثر النسخ متعلق بقوله: أقسم بيان لأنه جواب القسم لا قوله: ما كذب الفؤاد كما قيل، ووقع في بعضها على قواه فهو جمع قوّة متعلق بقوله: ارتفع، وفيه تسمح، والمراد القوى النامية، وهوى من الهوى بالضمّ، وقد صححه بعض المتأخرين. قوله: (ما عدل (أي عن الحق، والدين القويم فهو استعارة، وتمثيل لكونه على الصواب في أقواله وأفعاله، وقوله: وما أعتقد باطلاً لأن الغيئ الجهل مع اعتقاد فاسد، وهو خلاف الرشد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 فيكون على هذا عطفه على قوله: ما ضل من عطف الخاص على العام اعتناء بالاعتقاد، واشارة إلى أنه المدار وقوله، والمراد أي بقوله: ما ضل وما غوى نفي ما كانت قريش تنسبه إليه من الضلال في ترك ما كانت عليه آباؤهم، وأئمة الكفر منهم حتى كانوا يقولون لمن أسلم منهم صبا، وقال صاحبكم: تأكيداً لإقامة الحجة عليهم لأنهم مصاحبون له فهم أعلم بحاله. قوله: (وما يصدر نطقه الخ (يعني أنّ الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله صاحبكم لا للقرآن كقوله: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} [سورة الجاثية، الآية: 29] وأن تعديه بعن والمعروف نطق بكذا لتضمنه معنى الصدور وجعله نطقا مخصوصاً لقوله بالقرآن توطئة لأنه لا دليل فيه على عدم الاجتهاد والهوى كل ما تهواه نفسه وتشتهيه، وقوله: ما القرآن جعل الضمير للقرآن لفهمه من السياق أو لما ينطق به مطلقا كما يدل عليه الفعل، وقوله: يوحيه الله إشارة إلى أن الفاعل ترك للعلم به. قوله: (واحتج به) أي بما ذكر في النظم هنا من لم ير الاجتهاد جائزاً للأنبياء، وفي نسخة من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا على الوجه الثاني، وجعل ضمير هو لما ينطق لا للقرآن لأنه حينئذ في قوّة قياس هو جميع ما ينطق به وحي، والاجتهاد ليس بوحي فلا شيء مما ينطق به باجتهاد، وأجيب عن الاستدلال بالآية بعد تسليم أنّ الضمير لما ينطق به لا للقرآن كما رجحه المصنف بأنه إذا أذن له في الاجتهاد بوحي من الله كان اجتهاده في أمر، وما يترتب عليه وحي أيضا فصح ذلك منه، ولم ينتقض به الحصر الواقع في الآية، وحاصله منع الكبرى أي لا نسلم أن الاجتهاد الذي سوّغه الله ليس بوحي. قوله: (وفيه نظر لآق ذلك الخ) إيراد على الزمخشري فيما ذكره من الجواب السابق كما اعتر ضعليه أيضا بأنه يلزمه أن تكون الأحكام التي استنبطها المجتهدون وحياً. وردّ بأنّ النبيّ أوحى إليه أن يجتهد بخلاف غيره من المجتهدين واً مّا ما ذكره المصنف فقال في الكشف أنه غير قادج لأنه بمنزلة أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم متى ما ظننت كذا فهو حكمي أي كل مما ألقيته في قلبك فهو مرادي فيكون وحياً حقيقة لاندراجه تحت الأذن المذكور لأنه من أفراده فما قيل عليه من أن الوحي الكلام الحقيقي المدرك بسرعة فلا يندرج فيه الحكم الاجتهادقي إلا بعموم المجاز مع أنه يأباه قوله: علمه شديد القوى غير وارد عليه بعدما عرفت من تقريره فتدبره. قوله: (شديد قواه) إشارة إلى أنّ الصفة المشبهة مضافة لفاعلها، وقوله: فإنه الواسطة الخ بيان لشدة قواه بما ثبت من آثارها، وقوله: حصافة بفتح الحاء، والصاد المهملتين مصدر بمعنى الاستحكام، وهي مخصوصة بالعقل والتدبير، وهذا بيان لما وضع له اللفظ لأنّ العرب تقول لكل قوقي العقل، والرأي ذو مرّة من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله، والا فوصف الملائكة بمثله غير ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البديعة فأعرفه. قوله: (فاستقام على صورته الحقيقية الخ (فسر استوى باستقام، وأشار إلى أنّ الاستقامة ليست ضد الاعوجاج بل كونه على خلقته الأصلية لأنها أتم صورة فهو من استوى الثمر إذا نضج وكون استوى يرد بهذا المعنى لا خفاء فيه، وأنما الخفاء فيما عطف أو ترتب عليه هنا فإنه لم يبينه، والذي يظهر أن في الكلام طيا لأن وصفه بالقوّة، وبعض صفات البشر يدلّ على أنه رآه في غير هيئته الحقيقية، وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر أي فهل رآه على صورته الحقيقية قيل نعم مرّة لما أراده منه فاستوى الخ وما قيل من أن الفاء سببية فإن تشكله بتسبب عن قوّته وقدرته على الخوارق أو عاطفة على علمه أي علمه على غير صورته الأصلية ثم استوى على صورته الأصلية لا يخفى أنه لا يتم به التئام الكلام، ويحسن به النظام. قوله: (قيل الخ) الحديث من رواية الترمذفي عن عائشة رضي الله عنها، ولكنه ليس فيه أن أحدا من الأنبياء غيره صلى الله عليه وسلم لم يره على صورته الأصلية، ولذا مرضه المصنف فإنّ الذي صح أنه وآه على صورته موّتين مرّة في السماء، ومزة في الأرض بجياد، وليس فيه نفي رؤية كيره من الأنبياء، ولذا قال ابن حجر وحمه الله لم أجده هكذا في الكتب المعتمدة. قوله: (وقيل استولى بقوّته الخ) فاستوى بمعنى استولى كما في قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [سورة الأعراف، الآية: 54] في أحد تفاسيره، وما جعل له ما أمر بمباشرته من الأمور، وقوله في أفق السماء الأفق الناحية، وجمعه آفاق، والمراد الجهة العليا من السماء المقابلة للناظر لا مصطلح أهل الهيئة. قوله:) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 فتعلق به الخ (فالتدلي مجاز عن التعلق بالنبيئ بعد الدنوّ منه لا بمعنى التنزل من علو كما هو المشهور، ومرجع ضمير دنا وتدلى واحد أو هو دنوّ خاص بحال التعلق فلا قلب، ولا تأويل بأراد الدنوّ كما في الإيضاح، وقوله: وهو ثمثيل لعروجه بالرسول الضمير لقوله: فتدلى بمعنى تعلق لأنّ تعلقه به عبارة عن رفعه من الأرض للعروج به، وقيل: هو راجع لقوله: {ثُمَّ دَنَا} إلى قوله: أدنى، وهو يقتضي أنه لما عرج به كان على هيئته الأصلية، وقوله: وقيل الخ ففيه قلب على هذا، ولدّا لم يرتضه، وقوله: بأنه عرج أي جبريل به أي بالنبيّ بوو، وقوله: غير منفصل عن محله الضمير المستتر في منفصل، والمضاف إليه محله لجبريل أيضا، ومحله الأفق الأعلى، وقوله: لشذة قوّته لرفعه له، وهو في محله، وقوله: فإن التدلي الخ بيان للإشعار بما ذكر لحمل التدلي على معناه الأصلي وهو ما ذكره والاسترسال الاسترخاء، والمذ ودلي رجله من السرير أي أرسلها، وهو جالس عليه، والثمر المعلق كعناقيد العنب، ويخص بها في الأكثر. قوله: (كقولك هو مني معقد الإزار (بفتح الميم، وكسر القاف محل عقده بيان لما فيه من التجوّز المصحح لحمل قاب قوسين على ضمير جبريل فإنه كناية أو مجاز عن لازمه، وهو القرب أي هو قريب مني كقرب ما ذكر أو الضمير ليس لجبريل بل للمسافة بتأوللها بالبعد ونحوه، وقاب القوس وقيبه ما بين الوتر ومقبضه، والمراد به المقدار فإنه يقدر بالقوس كالذراع، ولذا قال مقدارهما، وقد قيل: إنه مقلوب أي قابي قوس، ولا حاجة إليه فإن هذا إشارة إلى ما كانت العرب في الجاهلية تفعله إذا تحالفوا أخرجوا قوسين، ويلصقون إحداهما بالأخرى فيكون القاب ملاصقا للآخر حتى كأنهما ذوا قاب واحد ثم ينزعانهما معا ويرميان بهما سهماً واحداً فيكون ذلك إشارة إلى أنّ رضا أحدهما رضا الآخر، وسخطه سخطه لا يمكن خلافه كذا قاله مجاهد، وارتضاه عامّة المفسرين. قوله: (على تقديركم) يعني أو تكون للشك أو للتشكيك، وكلاهما غير مناسب هنا أشار إلى أنه من جهة العباد كالترجي بلعل، ونحوه فهو تمثيل لشدة القرب بأنه في رأي العين، ورأي الواقف عليه يقال: هذا إمّا قاب قوسين أو أقرب منه كما مرّ في قوله: أو يزيدون فإنّ المعنى إذا رآهم الراتي يقول: هم مائة ألف أو يزيدون، وخطاب تقديركم لكل من يصلح للخطاب من غير تعيين، وقوله: والمقصود أي بما ذكر من قوله: ثم دنا الخ، والمراد بملكة الاتصال قوة اتصال النبيّ صلى الله عليه وسلم بالملكة التي يعتمد عليها فأراد بالملكة لازمها، ولا مانع من إرادة معناها المعروف أيضاً، وقوله: بنفي متعلق بتمثيل، وقوله: واضماره أي إضمار ما يعود على الله، وقوله: كقوله: {عَلَى ظَهْرِهَا} أي حيث أتى بضمير الأرض، ولم يجر لها ذكر في قوله تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} ما ترك على ظهرها من دابة، وقوله: وفيه تفخيم للموحي به أي إذا عاد لجبريل فإنه يصير كقوله: {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [سورة طه، الآية: 78] . قوله: (وقيل الضمائر الخ) مرضه لأنّ جمع القوى لا يناسبه، وقوله: ودنوّه أي الله منه أي من النبيّ صلى الله عليه وسلم برفع مكانة النبيّ أي علوّ رتبته عند الله وقوله: جذبه بشراً شره أي بكليته بحيث لا يبقى له معين، وهذا يقال له الفناء في الله عند المتألهين. قوله: (ما رأى ببصره من صورة جبريل الخ) (11 لم يقل من جبريل تصحيحا لاستعمال ما كما في شرح الكشاف وقوله: أو الله ينبغي أن يرفع بتقدير أو هو الله إذ لا وجه لإضافة الصورة لله سبحانه، وهو إشارة إلى الخلاف في المرئيّ هل هو جبريل أو الله بالعين أو القلب، وقوله: ما كذب بصره بما حكاه له بالنصب على أنّ المفعول محذوف للعلم به. قوله: (فإنّ الأمور القدسية تدرك أوّلاً بالقلب الخ) توجيه لكون الفؤاد مكذبا ومصدقا للبصر فيما يحكيه له فإنه يقتضي تقدم إدراك القلب على رؤية العين فكأنه لما شاهده بعدما عرفه وتحققه لم يكذبه فؤاده فيه بعد ذلك فإنك إذا عرفت الشمس بالحذ، والرسم كان ذلك نوعا من المعرفة فإذا أبصرتها، ثم غمضت عينك عنها كان نوعاً آخر منها فوق الأوّل فما في عالم الملكوت يعرف أوّلاً بالعقل فإذا شوهد ذلك بالحس علم أنه عين ما عرفه أوّلاً بعقله فلم يكذب القلب البصر فيه، وما قيل من أنه تعليل لمقدمة مطوية معلومة مما قبله، وهي أن الفؤاد يحكي مثله للبصر وأنه غير مسلم على المذهب السنيّ إذ يجوز تعلق الأبصار أوّلاً بذاته تعالى، وبالملائكة فهو على زعم الفلاسفة من اتصال الأنفس البشرية بالمجرّدات ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 تصوير المتخيلة ما أدركته منها بما يلائمه، ثم ارتسامه في الحس المشترك كسائر المحسوسات ليس بشيء يعوّل عليه، وأنت بما سمعته في غنية عنه فإنه بيان للواقع في أمثاله. قوله: (ثم تتنقل منه) أي مما يدركه القلب والعقل إلى المشاهدة المحسوسة بالبصر فإنه إنما يشاهد ما في عالم القدس من صفقت مرآته، وصقلها بالإيمان بالغيب فلا غبار عليه. قوله: (أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك الخ) يعني أنه من قوله: كذب إذا قال كذباً فالمعنى ما قال الكذب، وهو قوله: لما شاهده بصره في حظائر القدس لم أعرفك بعدما عرفه كما شاهده. قوله: (أو ما رآه بقلبه) معطوف على قوله: أوّلاً ما رأى ببصره يعني أنّ رأى في الوجوه السابقة بمعنى أبصر، والرؤية فيها بصرية على الوجوه، وعلى هذا هي قلبية، والمعنى كما بينه أنّ ما أدركه قلبه ليس مثالاً كاذباً بل أمراً حقا متيقنا، وقوله: ويدل عليه أي على الوجه الأخير، وأنّ الرؤية فيه قلبية لا بصرية وهذا بناء على أنه في المعراج لم ير الله بعين بصره كما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها وقوله: ما كذب أي بالتشديد من التفعيل. قوله: (واشتقاقه من مري الناقة) إذا مسح ظهرها وضرعها ليخرج لبنها، وتدرّبه فشبه به الجدال لأنّ كلا يطلب الوقوف على ما عند الآخر ليلزمه الحجة فكأنه استخرج درّه، وقوله: فمريته يعني من باب المغالبة، وقوله: لتضمين الفعل معنى الغلبة في الوجهين، وكان حقه التعدي بفي لأنه يقال ماريته في كذا. قوله:) اقيمت مقام المرة ونصبت نصبها (على الظرفية لأن المرة مصدر مرّ يمز، ولشدة اتصال الفعل بالزمان عبر به عنه فالنزلة كذلك وقيل إنه منصوب على المصدرية للحال المقدرة أي نازلآ نزلة كما أشار إليه بقوله، وقيل: تقديره الخ. وقيل: إنه منصوب على أنه مصدر لرأي من معناه فنزلة بمعنى رؤية، وفيه نظر، وقوله: إشعارا الخ يعني أنه لم يقل مرّة بل نزلة ليفيد أنها رؤية مخصوصة. قوله: (والكلام في المرئتي والدنؤ ما سبق (يعني هل المرئيئ رب العزة أو جبريل، والدنوّ مكانيئ أو معنويّ لمكانته وشرفه كما مز تفصيله، وقوله: والمراد به أي بما ذكر من الجملة القسمية المؤكدة، أو المراد بالمصدر المؤكد للحال هنا نفي الريبة، والشك عن المرة الأخيرة حيث كانت عند النزول، وكمال الدنوّ فلم يكن فيها التباس لأن التأكيد بالمصدر يرفع الاحتمالات في مثله. قوله: (التي ينتهي الخ (فالمنتهى اسم مكان ويجوز كونه مصدرا ميميآ وانتهاء علم الخلائق أنه لا يعلم ما وراءها إلا الله، وانتهاء الأعمال إنها تعرض على الله عندها، وإضافة السدرة للمنتهى من إضافة الشيء لمحله كأشجار البستان، وجوّز أن يكون المنتهى الله فهو من إضافة الملك للمالك أي سدرة الله الذي إليه المنتهى كما في قوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [سورة النجم، الآية: 42، فهو من الحذف، والإيصال، وقول بعضهم هنا حذف المجرور والجار لا وجه له لأن المجرور لم يذكر إلا أن يريد بالحذف عدم النمكر،. وقوله: لأنهم يجتمعون الخ يعني أنّ شجر النبق يجتمع الناس في ظله، وهذه يجتمع عندها الملائكة فشبهت بها، وسميت سدرة لذلك، والنبق بكسر الباء وتسكن معروف فإطلاقها عليها بطريق الاستعارة وورد في الحديث: (إنها عن يمين العرس، وإنّ كل نبقة فيها كقلة من قلال هجر) فهو على هذا حقيقة، وهو الأظهر، وقوله: التي يأوي الخ فالمأوى اسم صكان، وإضافة الجنة إليه إضافة حقيقية لغايته أو هي من إضافة العام للخاص لا من قبيل مسجد الجامع كما توهم لأن اسم المكال! لا يوصف به. قوله: (كعظيم وتكثير الخ الأنه للتعبير عنه بالموصول المبهم إشارة إلى أنه أمر لا يحيط به نطاق البيان، ولا تسعة أردان الأذهان وقوله، وقيل: الخ، والإبهام أيضاً لما ذكر، وأنما مرضه للتعيين فيه من غير قرينة دالة عليه، وقوله: ما مال وفي نسخة ما زال، وقوله: مستيقناً بكسر القاف، وفتحها على أنه حال من فاعل أثبت أو صفة إثباتا أو حال من مفعول أثبته، وقوله: والله الخ قدره لاقتضاء اللام له، وقوله: أي الكبرى من آياته فمن بيانية مقدّمة على المبين والجار والمجرور حال، وقوله: المعنية أي المقصودة بما رأى في قوله ما كذب الفؤاد ما رأى فهي العجائب الملكية والملكوتية، وقوله: على أنّ المفعول محذوف، وهو شيئا لا من التبعيضية لأنها اسم أو مؤولة باسم، وهو بعض لأنه لا يوافق قواعد النحو بغير تكلف مع أنه فيما ذكر الإبهام، والتفصيل، وما يفيد التعظيم كما مرّ، وزبادة من في الإثبات مما جوّزه بعض النحاة. قوله: (بنخلة) هي اسم مكان معين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 كما في قول المتنبي: ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود وقوله: وهي فعلة من لوى فأصلها لوية فخفف بحذف الياء، وأبدلت واوه أو عوّضى عنها تاء فصارت كتاء بنت وأخت، ولذا وقف عليها بالتاء لا رعاية لصورة الكتابة كما قيل فإنه باطل إذ مثله سماعيّ لا نظراللخط من غير نقل ومن وقف بالهاء فهو ظاهر عنده، وقوله: بالتشديد أي تشديد التاء على أنه اسم فاعل من لت يلت إذا عجن كما أشار إليه بقوله: على أنه سمي به الخ، والحاج اسم جمع بمعنى الحجاج لا مفرد، وقوله: سمرة بفتح السين المهملة، وضم الميم شجر معروف وغطفان بالمعجمة وحركات قبيلة معروفة، ومنه مني أي سميت مني لأنه يمني فيها أي ينحر القرابين. قوله: (صفتان للتثيد) فإنّ كونها ثالثة، وأخرى مغايرة لما تقدمها معلوم غير محتاج للبيان أو الثالثة للتأكيد والأخرى بيان لها لأنها مؤخرة رتبة عندهم عن اللات والعزى، وقوله: وهذه الأصنام معطوف على المقول لا على القول لما سيأتي، وقوله: هياكل جمع هيكل، وهو البنية، وتمثال الشيء ويطلق على الأصنام لأنها تماثيل لأمور أخر كما بين في محله، وهو معطوف على قوله: استوطنها. قوله: (وهو المفعول الثاني لقوله: أفرأيتم الخ) قد مرّ مراهـ اً الكلام في أرأيت وأنها بمعنى أخبرني، وفي كيفية دلالتها على ذلك واختلاف النحاة في فعل الرؤية فيه هل هو بصريّ فتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة لبيان المستخبر عنه، وهو الذي اختاره الرضي أو علمية فتكون في محل المفعول الثاني فالرابط حينئذ أنها في تأويل أهي بنات الله وهو كله ظاهر لا كلام فيه إنما الكلام في قول المصنف إنكار لقولهم: (الملائكة بنات الله) فإنه إذا أريد به ذلك يكون مغايراً للأصنام فلا يصح قوله: إنه في محل المفعول الثاني كما قيل، ويدفع بأنه حينئذ إنكار لبنات الله كلها، ومن جملتها ما حل في هذه، وهو المقصود منها فكأنه عينها فالرابط حينئذ العموم في الخبر الشامل للمبتدأ فإنه أحد الروابط كما حققه النحاة. قوله: (جائرة) هو المراد، وكذا إذا همزت على أنها من ضأره بمعنى ظلمه، وقد اختلف فيها فقيل: ياؤها أصلية، وقيل: مبدلة من واو على أنه واويّ.، وقد تهمز ووزنه قيل: فعلى بضم الفاء كسرت لتسلم الياء على القول المشهور فيه، ولم تجعل فعلى بالكسر ابتداء لأنّ مذهب سيبويه أنّ فعلى بالكسر لم يجىء عن العرب في الصفات فلذا جعله منقولاً عن المضموم فانه شائع فيها كحبلى، ولذا قيل إنه مصدر كذكرى وصف به مبالغة، وخالفه غيره متمسكا بأنه ورد صفة أيضا في ألفاظ أربعة حكاها، وهي مشية حيكي، وامرأة عزهى وسعلى وكيصى، وردّ بأنه من النوادر فالحمل على الكثير المطرد في بابه أولى وأيضاً له أن يقول في حيكى، وكيصى ماقاله في ضيزى، وأمّا عزهى وسعلى فالمسموع فيه عزهاة، وسعلاة عنده. قوله: (كما فعل في بيض) جمع أبيض فإنّ وزنه فعل بضم الفاء كحمر فكسرت فاؤه لتسلم الياء، وقوله: فعلى بالكسر لم يأت وصفا عند سيبويه، وأنما جاء اسم مصدر كذكرى، واسما جامداً كدفلى وشعرى، وجمعا كحجلى وغيره يقول إنه ورد نادراً أو هو جامد أو مصدر وصف به لتأويله بالوصف، وقوله: مصدر نعت به أو هو مضموم عومل معاملة المعتل لأنه يؤول إليه فما قيل: من أنّ موجب التغيير غير موجود فيه فإنّ الضم لا يستثقل مع الهمزة استثقاله مع الياء الساكنة غير مسلم. قوله: (باعتبار الألوهية) أي باعتبار إطلاق اسم الآلهة عليها أي ليس لها نصيب منها إلا إطلاق تلك الأسماء عليها، وهذا راجع لما بعده، ولذا قيل: إنّ الأولى تركه والمراد لا نصيب لها أصلاً، ولا وجه لتسميتها بذلك، ولو كانت الألوهية متحققة بمجرّد التسمية كانت آلهة فهو من نفي الشيء بإثباته أو هو ادعاء محض لا طائل تحته. قوو ": (أو للصفة (معطوف على قوله: للأصنام فضميرهي للصفة أي ليست الصفة المذكورة أو ليس صفتها المذكورة إلا مجرّد تسمية لا حقيقة لها، والعكوف على عبادتها بمعنى مداومتها لأنها فعلة من لوى بمعنى طاف وما بعده ظاهر، وقوله: سميتم بها لأنه يقال سماه بكذا، وسماه كذا بمعنى، وهو المراد هنا، وقوله: بهواكم متعلق بسميتموها، وقوله: وقرئ بالتاء كما هو مقتضى الظاهر، والقراءة الأخرى على الغيبة التفاتا، وقوله: ألا توهم الخ، إشارة إلى أنّ الظن ليس بمعنى إدراك الطرف الراجح بل المرجوج، وهو التوهم، وقوله: تشتهيه أنفسهم إشارة إلى أن ما موصولة عائدها مقدر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 ولو جعلت مصدرية سلمت من التقدير، وقوله: الرسول أو الكتاب فالهدى بمعنى الهادي أو جعل هدى مبالغة، وقوله: فتركوه يفهم من جعل هذه الجملة حالاً مقيدة لما قبلها، وهو الظاهر لأنّ المعنى يتبعون الظن وهوى النفس في حال ينافي ذلك، وهو أحسن من جعلها معترضة، وتسمى هذه الحال الحال المقرّرة للأشكال. قوله: (أم منقطعة) فهي مقدرة ببل والهمزة، والاستفهام المقدر معها للإنكار فهو في معنى النفي وهو متصل بما قبله من اتباع الظن، وهوي الأنفس فالإضراب عنه لبيان أنه لا ينال ذلك، وقوله والمعنى ليس له كل ما يتمناه فهو رفع للإيجاب الكليّ دون السلب الكليّ لأنّ قوله للإنسان ما تمنى بمنزلة إيجاب كليّ فإنكاره، ورفعه رفع للإيجاب الكليّ وهو سلب جزئيّ، وقوله: والمراد الخ بيان لموضوع السالبة الجزئية فتأمّل. قوله: (وليس لأحد أن يتحكم عليه الخ) إشارة إلى ما يفيده تقديم لله من الحصر لأنه إذا اختص بملكهما، والتصزف فيهما لم يكن لأحد تصرّف فيهما، والتحكم نوع من التصزف فلا يشفع ولا يشفع ما لم يرد الله ذلك، وقوله: وكثير تفسير لكم الخبرية. قوله تعالى: ( {لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} الخ) كلام وارد على سبيل الفرض أو هو من باب قوله: على لا حب لا يهتدى بمناره أي لا شفاعة لهم ولا إغناء بدون الإذن فلا يخالف قوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [سورة البقرة، الآية: 255] وفائدة إضافة الشفاعة إلى ضميرهم الإيذان بأنها لا توجد بغير إذن ولو من أهلها، ولذا قيل: إنّ المناسب أن يكون من يشاء من الناس لا من الملائكة ليفيد أنّ الشفاعة لا توجد فيمن هو أهل لها إلا من بعد أن يأذن الله فيها لمن هو أهل لأن يشفع له فما ظنهم بالأصنام، وشفاعتها لهم، ولا أهلية للشافع والمشفوع له، وفيه نظر. قوله: (أي كل واحد منهم) يعني أنه في معنى استغراق المفرد لأنه لو لم يكن كذلك كان الظاهر الإناث مكان الأنثى، وهذا مبنيئ على أنّ تسمية الأنثى وفي النظم ليس على التشبيه فيكون التقدير يسمون الملائكة أنثى بتسميتهم إناثاً أي قولهم: إنها بنات الله لأنهم إذا قالوه فقد جعلوا كل واحد بنتا، وهو على وزان كسانا الأمير حلة أي كسا كل واحد منا حلة، والإفراد لعدم اللبس كما مز فما قيل من أنه ليس توجيها لأفراد الأنثى حتى يقال إنه تأويل قبل ظهور الاحتياج، وأنّ الأولى تأويل الأنثى بالإناث فإنها اسم جنس يتناول الكثير، والقليل، والقول بأنه لرعاية الفاصلة، أو المراد الطائفة الأنثى أو هو منصوب بنزع الخافض على التشبيه فلا تمس الحاجة إلى الجمعية، وكذا ما قيل من أنّ الحمل على الاستغراق يوهم أنه مدار التشنيع مع أنه ليس كذلك، وأنّ الأوجه أن يقال: إن تعريفه للجنس كله كلام لا طائل تحته لأنه استسمان لذي ورم، ونفخ في غير ضرم لما عرفته. قوله:) أي بما يقولون) وهو التسمية المذكورة، وفسره بما ذكر لتوجيه تذكير الضمير، وقوله: لا يدرك إلا بالعلم أي حقيقة الشيء، وما هو عليه إنما تدرك إدراكا معتداً به إذا كان عن يقين لا عن ظن، وتوهم فسقط ما قيل من أنه من الجائز أن يكون المظنون، والموهوم مطابقا للواقع، وليس فيه دلالة على عدم اعتبار إيمان المقلد كما قيل لما بين في الأصول، والمراد بالمعارف الحقيقية المطالب الاعتقادية التي يلزم فيها الجزم، والوصلة إلى العمليات بالمسائل الفقهية، وأصولها. قوله: (فأعرض عن دعوته والاهتمام بشانه) فيكون أمراً له بترك القتال، والآية منسوخة لأنها مكية، ويكون كقوله في الكشاف: فأعرض عته، ولا تقابله أو ولا تقاتله بالفوقية، والتحتية لأنّ المقابلة والمقاتلة لا تتصوّر بدون دعوة فإذا انتفت الدعوة انتفى ما يلزمها فليس مخالفا له كما توهم، وأنّ المصنف تركه لأنّ النسخ خلاف الأصل لا يرتكب من غير حاجة فإن أوّل فالتأويل بابه واسع يجري فيهما. قوله: (من غفل عن الله الخ (يعني ليس التولي عن ذكره ثعالى على ظاهره بل هو كناية عما ذكر، وقوله: لا تزيده الخ خبر أن وقوله: أمر الدنيا فالإشارة لأمرها المفهوم منها لا لها، ولذا ذكر اسم الإشارة، وكونها شهية أي مشتهاة لهم مفهوم من قصر إرادتهم عليها، وقوله: لا يتجاوزه علمهم تفسير لمبلغهم من العلم، وأنّ المراد أنه منتهى علمهم لا علم لهم فوقه لدلالة البلوغ على الانتهاء، وليس فيه إشارة إلى أنّ مبلغ اسم مكان، وإن كان اسم مكان في الواقع مجازاً بجعله كأنه محل وقف فيه علمهم ادّعاء، وقوله: والجملة اعتراض أي بين قوله فأعرض الخ، وقوله: إن ربك الخ بين العلة، والمعلل. قوله: (أي إنما يعلم الله الخ) قيل: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 القصر من ضميري الفصل، واعترض عليه بأن أعلم بمعنى عالم لا أفعل تفضيل ليصح كونه تعليلاً للأمر بالإعراض، والضمير إنما يكون فصلاً إذا كان اسم تفضيل فالصواب إنه مبتدأ، والقصر مأخوذ من السياق وبيان الحكم، وبدفع بأنهم أجازوا فيه التفضيل وغيره كما ذكره السمين، وأمّا صحة التعليل فلا تتوقف على كونه بمعنى عالم بل إذا كان أعلم على بابه فالتعليل أظهر كما لا يخفى على من له بصيرة. قوله: (من يجيب ممن لا يجيب الخ) قيل عليه الصواب تأخير الجلالة عن مفعول يعلم إذ المعنى لا يعلم من يجيب ممن لا يجيب إلا الله، وعلى تقديمها يكون المعنى ما يعلم الله إلا من يجيب ممن لا يجيب، وهو بمعزل عن الصواب إلا أن يقال: إنه قدم لئلا يتوهم أنه مفعول لا يجيب، وهو على نية التأخير، ولا يخفى أنّ ما ذكر من التقديم، والتأخير لا يرضا. إلا ذو التقصير، وعبارته في الكشاف إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب، وأنت لا تعلم، وتبعه المصنف مع اختصار مخل فيه، والعلم في مثله بمعنى التمييز كما أشار إليه شراح الكشاف، ولذا تعلقت به من، وحينئذ يجوز أن يكون المعنى إنما يريد الله تمييز من يجيب من غيره وتمييز الضالّ من المهتدي لا تمييز السالك على الدعوة الحريص على اتباع من دعاه من غيره، وحاصله ما عليك إلا البلاغ، وهذا لا يخلو من التعقيد، ولو قيل فيه تقدير، وأصله إنما يعلمه الله ليتميز من يجيب ممن لا يجيب كان أسهل، وباب التقدير باب واسع، وقوله: يجيب ولا يجيب تفسير لضل واهتدى، وعبر بالمضارع إشارة إلى أنه مستمرّ له ذلك في المستقبل، وأنه عبر عنه بالماضي في النظم لتحقق وقوعه كما هو العادة الجارية في أخبار الله تعالى كما مز مراراً. قوله: (خلقاً وملكاً) يعني أنه لحصر الاختصاص التام فيه تعالى، وذلك كونه له من جميع الوجو. فلا يتوهم أنه من استعمال اللفظ في معنييه حتى يحتاج للاعتذار عنه، وقوله: ليجزي الذين الخ. قيل: اللام متعلقة بقوله: لا تغني شفاعتهم ذكره مكيّ، وهو بعيد لفظاً ومعنى، وقيل: إنه متعلق بما دل عليه قوله {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي له ملكهما يضل من يشاء ويهدي من يشاء ليجزي المحسن والمسيء، وقيل: متعلق بمن ضل، وبمن اهتدى واللام للصيرورة أي عاقبة أمرهم جميعا للجزاء بما عملوا، وقيل: متعلق بما دل عليه قوله: بمن ضل أي حفظ ذلك ليجزي قاله أبو البقاء. قوله: (بعقاب ما عملوا من السوء (فالباء صلة الجزاء بتقدير مضاف إمّ عقاب أو مثل لقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها أو هي للسببية، وقوله: وهو علة إشارة لما مرّ، وقوله: أو ميز إشارة إلى ما مرّ من أنّ علمه بالفريقين كناية عن تمييز من يستحق الثواب ممن يستحق العقاب ليظهر جزاؤه فجملة ولله ما في السموات الخ جملة معترضة لتأكيد علمه وبيان إحاطته، أو حال من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أو لا. قوله: (بالمثوبة الحسنى الخ) فالحسنى صفة بمعنى الحسنى وموصوفها مقدّر وهو المثوبة أي الجزاء الحسن، والثواب والمراد به الجنة، وما فيها من النعيم أو الحسنى تأنيث أحسن اسم تفضيل، والباء عليهما صلة الجزاء، وعلى الأخير هي سببية، ولم يلاحظ في الأوّل زيادة كما توهم لأنه لا داعي له. قوله:) ما يكبر عقابه الخ (يعني وصفه بالكبر باعتبار كبر جزائه، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال الكبائر: ما لا يسقط عقابه إلا بالتوبة، وقد اختلف في الكبائر أهل الأصول على أقوال كثيرة منها ما ذكره المصنف، وهو ما توعد عليه الشارع بخصوصه أو ما عين له حد كالزنا، وإذا أريد الجنس فعطف الفواحش عليه إمّا من عطف أحد المترادفين أو الخاص على العامّ، واختاره المصنف كما أشار إليه بقوله: خصوصاً، وقوله: ما قل الخ فاللمم الصغائر من الذنوب، واصل معناه ما قل قدره، ومنه لمة الشعر لأنها دون الوفرة، وقيل: معنا. الدنوّ من الشيء دون ارتكاب له. قوله:) والاستثناء منقطع) على تفسيره بالصغائر، وما قبله بالكبائر فيكون انقطاعه ظاهراً، وقيل هو متصل، والمراد مطلق الذنوب، وقيل إنه لا استثناء فيه أصلا، والا صفة بمعنى غير إما لجعل المضاف إلى المعرف باللام الجنسية في حكم النكرة أو لأن غير أو إلا التي بمعناها يتعرف بالإضافة، ولم يذكره المصنف كما في الكشاف لأنّ شرطه كونه تابعا لجمع منكر غير محصور عند ابن الحاجب إلا أنّ سيبويه جوّز وقوع إلا صفة مع جواز الاستثناء فهو لا يشترط ذلك، وتبعه أكثر المتأخرين فلا يرد ما ذكر على الزمخشري إن كان هو الداعي لترك المصنف له نعم هو خلاف الظاهر فلا داعي لارتكابه. قوله:) ومحل الذين الخ) فهو صفة للذين قبله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 لأنّ الذي يوصف ويوصف به، وإذا نصب على المدح فهو بتقدير أعني أو أمدح، ويجوز كونه عطف بيان أو بدلاً لجعل إحسان العمل بدون اجتناب المنهيات في حكم العدم المطروج، ومن غفل عنه قال إنه لا حسن فيه، وقوله: خبر محذوت لم يقل فيه على المدح كالذي قبله لا لاحتمال كونه استئنافاً لتعينه بل للتفنن في العبارة. قوله: (ولعله عقب به الخ (أي ذكر قوله: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} بعد الوعد والوعيد لما ذكر وهو رد على المعتزلة في قولهم: بعدم غفران الكبيرة من غير توبة ووجوب عقاب المسيء على الله بناء على الأصلح، والكلام عليه مفصل في كتب الكلام، وقوله: منكم قدره لما فيه من المبالغة البليغة، ولو قدره من كل أحد كان جائزا أيضا. قوله: (علم أحوالكم الخ ( {خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} [سورة الروم، الآية: 20، تفسير لقوله: من الأرض كما أنّ قوله: {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ} معنى قوله: أجنة الخ وقوله: فلا تثنوا الخ فالمراد به الثناء وأصله من الزكاء بمعنى الزيادة أو الطهارة وهذا إذا قصد التمذح والرياء فإن ذكرت لغير ذلك فلا ولذا قيل المسرّة بالطاعة طاعة، وذكرها شكر لقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [سورة الضحى، الآية: اا] وقوله: الحافر اسم فاعل بمعنى من يحفر البئر بدليل فوله: فترك الحفر. قوله: (ئزلت في الوليد) ذكره الواحدي في أسباب النزول، ولم أر له تخريجا في غيره والمراد بالأشياخ رؤساء الكفار، وقوله: بخل بالباقي ليس الذم فيه بالبخل فقط كما توهم لأن توليه عن الحق بالردة واعتقاده تحمل الغير لأوزاره واعطاءه في مقابلته ما أعطى ثم رجوعه المتضمن لبخله، وكذبه كله قبيح مذموم، والفاء في قوله: فهو يرى للتسبب عما قبله، وقوله: أتمّ الخ تفسير لقوله: وفر من التوفير، وهو التكثير فتكثيره لفعله، وأمر الغير به أو لمبالغته في كيفيته. قوله: (وتخصيصه) أي إبراهيم بذلك أي بالوصف بالوفاء بما التزمه، ونمروذ من الجبابرة معروف، وقصته مع الخليل عليه الصلاة والسلام مشهورة، وقوله: أمّا إليك فلا لأنه كان عاهد الله أن لا يسأل غيره فقال: فادع الله قال: حسبي من سؤالي علمي بحالي وذبح الولد أي عزمه على ذبحه إذ لم يقع الذبح كما هو مشهور، وقوله: فإن وافقه أي إن وجده فوافقه على الذهاب معه، وليس وافقه بمعنى وجده كما قيل، وقوله: أكبر وقع في نسخة أكثر بالمثلثة، وقوله: مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر، ولا تزر خبرها، وقوله: كأنه الخ يعني أنه استئناف بياني في جواب سؤال مقدر. قوله: (ولا يخالف ذلك قوله الخ (فإنّ هذه الآية تدل على أن أحدا لا يعاقب بوزر غيره مع أنّ الآية الأخرى تدل على أنّ القاتل لنفس عليه وزر من قتل بعده، والحديث يدل على أنّ من سن سنة سيئة عذب بوزر من عمل بها بعده، وكل ذلك وزر غيره فتتعارض هذه الآية، والآية الأخرى، والحديث هكذا يقرّر الإشكال، وأشار إلى الجواب عنه بقوله: فإنّ ذلك للدلالة الخ يعني أن ما عذب عليه ليس هو وزر غيره بل وزر عمله نفسه، وهو دلالته، وتسببه الذي هو صفة قائمة به لا عمل غيره، وهكذا يوفق بين ما ذكر وقوله: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم، الآية: 39] . قوله تعالى: ( {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} الخ) قد اختلف في تفسير هذه الآية على أقوال فعن ابن عباص رضي الله عنهما أنها منسوخة لقوله: ألحقنا بهم ذرياتهم كدخولهم الجنة بعمل آبائهم وقال عكرمة إنها في غير أمة محمد جميه، كقوم موسى عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنها في الكفار لانتفاع المؤمنين بسعي غيرهم، وعن الحسن أنه من طريق العدل لا من طريق الفضل، وقيل: اللام بمعنى على أي ليس عليه غير سعيه وفيه نظر، وقد قدمنا قبل ما يفيد الجواب أيضاً. قوله: (إلا سعيه) إشارة إلى أنّ ما مصدرية ولو جعلت موصولة صح، ويرى في قوله: سوف يرى بصرية أو علمية مفعولها مقدر أي حاضرا ونحوه، وقوله: كما لا يؤاخذ الخ إشارة إلى أنّ السعي مراد به الخير فيكون تتميماً لما قبله لا عام للتأكيد. قوله: (وما جاء في الأخبار الخ) جواب عما قيل من أنّ الحج عن الميت، والصدقة عنه تنفعانه، وليس ذلك من سعيه فكيف التوفيق بينه، وبين الحصر الذي في هذه الآية بأنّ الغير لما نواه له صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعاً فكأنه بسعيه، وهذا لا يتأتى إلا بطريق عموم المجاز عندنا أو جواز الجمع بين الحقيقة، والمجاز عند المصنف كما لا يخفى، وقد أجيب أيضاً بأنّ سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه من الإيمان، والعمل الصالح فكأنه سعيه، وفيه نظر، وكذا تضعيف الثواب كما في الكشاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 من أنه ينافي القصر على سعيه وحده، والجواب عنه يعلم مما مرّ فتأمّله، وأمّا قراءة القرآن للميت، ونحوه فقال: جماعة لا يصل ثوابها له، وقيل إنه يصل، وقيل: يصل له إذا وهب ثوابه له فينبغي أن يقول: يعده اللهم إني وهبت ثواب ما قرأته لفلان اللهم فأوصله له، ثم إن ما ذكر لا يطرد في الأعمال كلها، والوارد في الأحاديث الصحيحة في الحج والصدقة واختلف في قراءة القرآن ولا يجري في الصلاة والصوم، وما وقع في الهداية من كتاب الحج من إطلاقه في صحة جعل الإنسان ثواب عمله لغيره، ولو صلاة وصوما وأنه مذهب أهل السنة فمحتاج إلى التحرير، وتحريره أنّ محل الخلاف في العبادة البدنية هل تقبل النيابة فتسقط عمن لزمته يفعل غيره سواء كان بإذنه أم لا يعد حياته أم لا فهذا واقع في الحج كما ورد في الأحاديث الصحيحة أمّا الصوم فلا وما ورد في حديث: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وكذا غيره من العبادات فقال الطحاوي في الآثار: إنه كان في صدر الإسلام، ثم نسخ وليس الكلام في الفدية، واطعام الطعام فإنه بدل، وكذا إهداء الثواب سواء كان بعينه أو مثله فإنه دعاء وقبوله بفضله تعالى كالصدقة عن الغير فأعرفه. قوله: (يجزي العبد سعيه بالجزاء الخ) المراد بالعبد الإنسان المذكور في النظم، وفي إعرابه وجهان أظهرهما أنّ الضمير المرفوع للإنسان والمنصوب للسعي، والجزاء مصدر مبين للنوع، والثاني أنّ الضمير للجزاء، والجزاء مفسر له أو بدل منه كقوله: {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} [سورة الأنبياء، الآية: 3] وأمّا قول أبي حيان: إنه إذا كان تفسيرا للضمير المنصوب فعلام ينتصب وأمّا إذا كان بدلاً ففيه إبدال الظاهر من المضمر، والصحيح منعه فليس بشيء لأنّ انتصابه على أنه عطف بيان أو منصوب بأعني مقدرا، وقد منع أبو البقاء من وصف الجزاء على المصدرية لأنه وصف بالأوفى، وهو من صفة المجزي به لا الفعل لما يلزمه من تعدي يجزي لثلاثة مفاعيل الأوّل القائم مقام الفاعل، والثاني الهاء التي هي ضمير السعي، والثالث الجزاء الأوفى، وأيضاً معناه غير منتظم إلا أن يقال الجزاء بدل من الهاء لكنه سماه مفعولاً تسمحاً، وقوله: لا الفعل ممنوع بل هو من صفاته مجازاً كما يوصف به المجزي به إذ الحقيقة منتفية عنهما كذا في الدر المصون. قوله: (فنصب بنزع الخافض) وأصله يجزي الله الإنسان سعيه فالجزاء منصوب بنزع الخافض كما صرّح به المصنف وسعيه هو المفعول الثاني، وهو يتعدّى له بنفسه نحو جزاك الله خيرا، وجزاؤه سعيه بمعنى جزائه بمثله أو هو مجاز، وقيل: المنصوب بنزع الخافض الضمير والتقدير بسعيه أو على سعيه كما في الكشاف، والمصنف عدل عنه لما فيه من زيادة التقدير فتدبر. قوله: (ويجوز أن يكون مصدرا) قد علمت ما فيه، وما أورده أبو البقاء وجوابه، وما قيل عليه من أنه لا يدفعه لأنه، وإن جوّز وصف الفعل به للملابسة فهو مجاز عقلي من غير ضرورة داعية له غير مسلم لأن وصف المجزي به كذلك، ولو قيل بأنه حقيقة ففيه تجوّز آخر، وهو زيادة الباء التي هي خلاف الأصل، وأمّا تعديته إلى المجزي بنفسه فلا يفيد لأنّ المصنف خرجه على خلافه فهو صلح من غير تراض للخصمين والإبدالى على القول بجواز إبدال الظاهر من الضمير. قوله: (انتهاء الخلائق) إشارة إلى أنّ المنتهى مصدر ميمي، وقوله: على أنه منقطع الخ يعني أنه على قراءة الفتح داخل فيما في الصحف فإذا كسرت إنّ فليست مما فيها، وهو جملة معطوفة على ما قبلها، وقوله: لا يقدر الخ إشارة إلى الحصر المأخوذ من الضمير لتقدمه وتكرّر الإسناد فيه أو لأنه ضمير فصل على رأى، وقوله: فإنّ القاتل الخ جواب عن أن القاتل أمات من قتل فكيف تنحصر الإماتة فيه تعالى بأنّ القاتل إنما نقض البنية الإنسانية، وفرّق أجزاءها، والموت الحاصل بذلك فعل الله تعالى على سبيل العادة في مثله، ولم يتعرّض للحصر في الإضحاك، والإبكاء لظهوره عندنا، ولأنه لا يترتب عليه خلاف كغيره، ولذا لم يذكر الضمير في قوله، وأنه خلق الزوجين في النظم لأنه لا يتوهم نسبة الخلق لغيره كما في أفعال العباد. قوله: (وقاء بوعده) دفع لما يتوهم من لفظ عليه المقتضي للإيجاب الذي ذهب إليه بعضهم بأنه أوجبه على نفسه لوعده وعدا لا يخلفه فلذا قال عليه، وقوله: مصدر نشأه الثلاثي لا المزيد فهو كالكفالة في المصادر الثلاثية. قوله: (وهو ما يتأثل من الأموال (أي يبقى، ويدوم ببقاء نفسه أو أصله كالرياض، والحيوان، والبناء لأنّ المؤثل بمعنى الأصيل كما في قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وتذكير ضمير القنية لرعاية الخبر، وقوله: وإفرادها أي بالذكر مع دخولها في قوله: اً غنى، وأشف بمعنى أنفس وأشرف. قوله: (أو أرضى (أي معناه أرضى فإنه جاء في كلامهم بهذا المعنى كقوله: فأقنيت حبي عفة وتكرّما وقوله وتحقيقه الخ هو من كلام الراغب يعني أنه بهذا المعنى مجاز من القنية أيضا كأنه ادخر الرضا، والصبر لأنه ذخر من لا ذخر له، وقد يقال إنه مراد من فسره بأفقر ليظهر فيه الطباق كأضحك، وأبكى كما نقل عن الأخفش وغيره، وقيل: إنّ الهمزة فيه للسلب والإزالة، وهو احتمال أيضاً، ودلّه در القائل: هل هي إلا مدّة وتنقضي مايغلب الأيام إلامن رضي قوله: (يعني العبور الخ (الشعري علم مشترك بين كوكبين، وهما الشعريان الشعري العبور بفتح العين المهملة، والباء الموحدة والراء المهملة بعد الواو، والغميصاء بغين معجمة مضمومة وميم مفتوحة بعدها ياء مثناة تحتية وصاد مهملة ومد من العبور بمعنى الدخول، والغمص! وهو ما يسيل من العين زعموا أنهما ذهبا خلف سهيل فعبرت العبور المجرّة، وتخلفت الغميصاء فبكت، وهو من تخيلات العرب الكاذبة، وفسرها بالعبور لأنها المتبادرة عند الإطلاق، وعدم الوصف ووجهه كما أشار إليه أنها أعظم، وأكثر ضياء وأنها التي عبدت دون الله في الجاهلية فلذا خصت بالذكر تجهيلا لهم بجعل المربوب ربا. قوله:) ولذلك كانوا يسمون الخ) كانت قريش إذا ذكرت النبيئ صلى الله عليه وسلم في مقام مخالفته لهم للغض منه سموه بذلك كما في قول أبي سفيان لقد أمر أمر ابن أبي كبشة وغيره كما في الأحاديث الصحيحة، وهو أحد أجداده عتي! من قبل أمه على أقوال مختلفة في اسمه هل هو وهب أو وخز بن غالب سيد حزاعة إلى غير ذلك، وكانوا يشبهون النبيئ جمنن به لمخالفته لقومه في ترك عبادة الأوثان لعبادة الشعري لأنهم يزعمون أن كل صفة في المرء تسري إليه من أحد أصوله فيقولون نزع إليه عرق كذا، وعرق الخال نزاع. قوله: (وقيل عاد الأولى قوم هود الخ) قاله الزمخشري: ومرضسه المصنف لما سيأتي في سورة الفجر كما قاله الواحدفي: أن ارم عاد الأولى وأنها المرادة بقوله: أهلك عاداً الأولى فلا وجه للاعتراض بأنه مخالف لما سيأتي في الفجر إلا أنّ هذه رواية ضعيفة أيضاً. قوله: (وقرئ الخ (قد وقع في هذه الكلمة هنا كلام مضطرب مطوّل في كتب القرا آت، والإعراب، وتلخيصه انّ ابن كثير وابن عامر، والكوفيين قرؤوا عاداً بالتنوين لصرقه باعتبار الحي أو أنه كهند وكسر والتنوين وسكنوا اللام، وحققوا الهمزة بعدها وصلا فإذا ابتدؤوا أثبتوا همزة الوصل مع سكون اللام، وتحقيق الهمزة، وقرأ قالون بإدغام التنوين في اللام، ونقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، وهمز الواو وصلا لضم ما قبلها كمؤسى فإذا ابتدأ فله ثلاث وجوه أحدها: ما مرّ والثاني والثالث إثبات همزة الوصل، وتركها وقرأ ورش كقالون إلا أنه أبقى الواو على حالها، وقرأ أبو عمرو كورش وصلا وابتداء وتوجيه القرا آت ظاهر فإن أردت تفصيله فارجع إلى الدر ألمصون. قوله: (لآنّ ما بعده (وهو أبقى لا يعمل فيه لأن ما النافية لها صدر الكلام قيل، والفاء أيضاً مانعة فلا يتقدم معمول ما بعدها عليها، وقيل هو منصوب بأهلك مقدر، ولا حاجة إليه، وقوله: بغير تنوين لمنع صرفه كما مرّ مرأرا، وقوله: فما أبقى الفريقين بتقدير المفعول، وقيل: التقدير فما أبقى عليهم، وقيل: فما أبقى منهم أحداً وقوله: حراك بكسر الحاء المهملة مصدر، وقيل: إنها مفتوحة والمراد به القدرة على التحرّك. قوله: (ثعالى من قبل) صرّح بالقبلية لأنّ نوحا عليه الصلاة والسلام آدم الثاني وقومه أوّل الطاغين والهالكين، والمؤتفكة تقدم تفصيلها ونصبها بالعطف أيضا فأهوى جملة مستأنفة أو بأهوى، وتقديمه للفاصلة، وأهوى بمعنى ألقى من علو وطرح كما أشار إليه بقوله: بعد أن رفعها الخ. قوله: (فيه (أي في التعبير بالموصول، وما ذكر تهويل أي تخويف بإبهامه للإشارة إلى أنه مما لا تحيط به العبارة، وأن نطاق التعبير تفصيلا عنه قصير، والتعميم لما أصابهم منه أيضاً لأنه من صيغ العموم فيشعر بأنه غشيها كل ما يمكن أن يغشى من العذاب سواء قلنا إنّ ما مفعول ثان، والتضعيف للتعدية أو فاعل، وهو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 للتكثير والمبالغة، ولش! التعميم من الإيقاع على ضمير القربة المقتضي لشموله لمن فيها بطريق اللزوم لأنه لو أريد هذا قيل لمن أصابهم، وتأويله تعسف، ولا إنه من حذف مفعول غشي لأنه متعين بقرينة ما قبله 0 قوله: (تتشكك) إشارة إلى أن التفاعل مجرّد عن التعدد في الفاعل، والفعل للمبالغة في الفعل فلا حاجة إلى تكلف ما قيل إنّ فعل التماري للواحد باعتبار تعدد متعلقه، وهو الآلاء المتماري فيها، وقوله: والخطاب للرسول، والمراد منه أمتة تعريضا كما قيل: إياك أعني فاسمعي يا جاره فلا وجه لاعتبار الالتفات، وقوله: أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب فهو مجاز، وقوله: والمعدودات أي الأمور المذكورة من قوله أم لم ينبأ الخ والنعم في الخلق، والإحياء، والإضحاك والإغناء ونحوه، والنقم في الإهلاك، والإبكاء والجزاء ونحوه، والآلاء النعم خاصة جمع إلى فسمي الكل نعماً لما في النقم المذكورة من نعم لا تعد كما فصله المصنف، والمقام غير مناسب للتغليب. قوله: (هذا القرآن) المدلول عليه بقوله: أم لم ينبأ فإنّ إنباءه بالوحي النازل عليه، وقوله: إنذار كما في النسخ الصحيحة إشارة إلى أنّ النذير مصدر كما مرّ، وكذا في قوله: الإنذارات إشارة إلى أن النذر جمع نذير المصدر، وقوله: أو هذا الرسول المخاطب قبله، والمنذرين من سبق من الرسل، والنذير على هدّا بمعنى المنذر كما يلوّح إليه كلام المصنف، وقوله: الأوّلين إشارة إلى أنّ الأولى في معنى الأوّلين بتأويل الفرقة والجماعة الأولى لأن الجمع مؤنث، ولرعاية الفواصل اختير على غيره. قوله: (دنت الساعة الموصوفة بالدنو الخ) يعني أنّ اللام في الآزفة للعهد لا للجنس لئلا يخلو الكلام عن الفائدة إذ لا معنى لوصف الفريب بالقرب كما قيل، ولذا قيل: إنّ الآزفة علم بالغلبة للساعة هنا، وفيه نظر لأن وصف القريب بالقرب يفيد المبالغة في قربه كما يدل عليه الافتعال في اقتربت فتأمّل. قوله: (ليس لها نفس قادرة على كشفها (أو حال كاشفة أو التاء للمبالغة كعلامة قيل، والمقام يأباه لإيهامه ثبوت أصل الكشف لغيره تعالى، وفيه نظر أو هو مصدر بني على التأنيث، والكشف إمّا بمعنى العلم لحقيقتها أو التبيين كما في قوله: {لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [سورة الأعراف، الآية: 87 ا] أو بمعنى الإزالة ومن دون الله بمعنى غنر الله والا الله، والمراد بكاشفة قادرة على الكشف لا إنها لم تكشف كما أشار إليه بقوله لكنه لا يكشفها، والكشف على التفسيرالأوّل الإزالة، وعلى الثاني بمعنى التأخير لأنه إزالة مخصوصة، وقوله: كاشفة لوقتها أي مبينة ومعينة لوقوعها، وقوله: من غيرالله تعالى لأنها من المغيبات. قوله: (1 نكارا) قيده به لأنه قد يكون استحسانا، وكذا قوله: استهزاء أي لا مسرة به، والتحزن تكلف الحزن وهو في محزه هنا، وقوله: لا هون أي عن تذكر ما فرطتم فلا وجه لما قيل إنّ المناسب تقديمه على قوله: ولا تبكون مع أنه مؤكد لقوله: تضحكون فلا يحسن الفصل بينهما بأجنبيّ كما لا يخفى، وهذا مما لا ينغي ذكره وقوله: من سمد أي على الوجهين، وقوله: دون الآلهة مأخوذ من لام الاختصاص، والسياق، والحديث المذكور موضوع (تمت) السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسحبه. سورة القمر بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية وآيها خمس! وخمسون) استثنى منها بعضهم إق المتقين الآيتين، وبعضهم سيهزم الجمع الخ وسيأتي ما فيه، وما له وما عليه. قوله: (روي أنّ الكفار (لا شك في أنه روي أنّ القمر انشق على عهده ع! ير وأنه من المعجزات الباهرة المنقولة في الأحاديث الصحيحة من طرق متعددة، وأمّا كونه متواتراً فليس بلازم وقد قال الإمام الخطابي: إن معجزاته صلى الله عليه وسلم غير القرآن لم تتواتر، والحكمة فيه أنها لو تواترت كانت عامة والمعجزة إذا عمت أهلك الله من كذبها كما جرت به العادة الإلهية، والنبيّ ىلمج! هـ بعث رحمة وأمّن الله أمّته من عذاب الاستئص! ال، وأما القول بتواتره المذكور في شرح المواقف فقد سبقه إليه السبكي، وقال في شرح مختصر ابن الحاجب إنه اختلف في تواتره، والصحيح عندي ثبوته فلا وجه للاعتراض على ما في شرح الموافف، والقول بأنه لعله ظفر بنفل فيه مع وجود النقول، وأغرب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 منه قوله: إنّ حديث (من كذب على (الخ قالوا: إنه غير متواتر مع أن رواه ستون من الصحابة فيهم العشرة المبشرة إذ لا يلزم مع تواتر هذا تواتر ذاك لجواز تخلف شرط فيه، وسبب تعرّضهم للتواتر طعن بعض الملاحدة بأن القمر يشاهده كل أحد فلو انقسم قطعتين تواتر، وشاع في جميع الناس، ولم يخف على أحد، والطبائع حريصة على إشاعة ما لم يعهد مثله ولا أغرب من هذا مع أنّ الملازمة غير لازمة لأنه في الليل، وزمان الغفلة ولا يلزم امتداده، ولا أن يرى إذ ذاك في جميع الآفاق لاختلاف المطالع، وقد قيل إنه وقع مرتين أيضا. قوله: (فانشق القمر) قيل: لم يقل فشق إشارة إلى أنه فعل الله أظهره على يديه ولو قيل إشارة إلى أنه في ذاته قابل للخرق والالتئام رداً على ملاحدة الفلاسفة كان أحسن. قوله: (وقيل الخ) فالتعبير بالماضي لتحققه كما مرّ تحقيقه وقوله: ويؤيد الخ وجه التأييد إنها حينئذ جملة حالية فتقتضي المقارنة لاقترابها ووقوعه قبل يوم القيامة، وكذا قوله: {وَإِن يَرَوْا} الخ فإنه يقتضي أنّ هذه معجزة رأوها وأعرضوا عنها، وقيل أيضاً التعبير بالاقتراب في مقابله، وهو الساعة / يقتضي وقوعه جسب الظاهر، وفيه نظر لجواز وقوعه بعد بعد في المستقبل، وقوله: قوله: وأن يروا الخ معطوف على فاعل يؤيد. قوله تعالى: ( {وَإِن يَرَوْا} آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ) وجه التأييد فيه كما في شرح الآثار للطحاوي أنه دليل على انشقاقه في الدنيا لأنّ الآيات إنما تكون قبل يوم القيامة لقوله، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا نعوذ بالله من خلاف الصحابة والاستكبار عن اتباع مذاهبهم كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 46 ا] الآية انتهى ولو لم يكن الانشقاق من جنس الآيات لم يكن هذا القول مناسباً للمقام كما قيل وفيه بحث لأنه لو كانت هذه الجملة حالية والمعنى أنّ الساعة اقتربت، وانشقاق القمر فيها دنا زمانه، وظهرت آثاره والحال أنهم مصرّون على العناد كان منتظما أتم انتظام ولا ضير فيه سوى مخالفته للمنقول عن السلف في تفسيرها فتأمّل. قوله: (مطرد) فالاستمرار على هذا بمعنى الدوام، وقوله: وهو يدل أي هذا الكلام على تفسير الاستمرار يدل على ما ذكر لأنّ النكرة في سياق الشرط تعمّ فكونهم كلما رأوا آية نسبوها إلى السحر دال على ترادف الآيات وتتابع المعجزات، وأمّا كون استمراره بالإضافة إلى الأشخاص لما روي من أنّ المشركين استخبروا السفار والقادمين عن الانشقاق فلما أخبروهم برؤيته قالوا: سحر مستمرّ أي عام لنا، ولغيرنا فلا ينافي هذا كما توهم لأنّ تعدد الآيات لا ينافي تعدّد من اطلع على آية منها. قوله: (أو محكم) تفسير آخر لمستمرّ من المرّة بالفتح والكسر بمعنى القوّة، وهو في الأصل مصدر مررت الحبل مرّة إذا فتلته فتلاً محكماً فأريد به مطلق المحكم كما مرّ مجازا مرسلاً، والمحكم بالفتح والمستحكم بالكسر لأنّ فتحه خطأ للزوم فعله بمعنى فالقول بأنّ الظاهر المستحكم مكان المحكم خطأ أو تحكم. قوله: (أو مستبشع) أي مستمرّ بمعنى مستبشع أي منفور عنه لشدة مرارته، وهو مجاز أيضاً واستبشاعه في زعمهم، وقوله: أو مارّ تفسير لمستمرّ وفسر المارّ بأنه ذاهب لا يبقى وهذا تعليل، وتسلية لهم من أنفسهم للأماني الفارغة، وأنّ حاله صلى الله عليه وسلم وما ظهر من معجزاته سحابة صيف عن قرب تنقشع، {وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة التوبة، الآية: 32] . قوله: (وذكرهما بلفظ الماضي الخ) مع أنّ أصل الشرط والجزاء الاستقبال فلا يعدل عنه بلا نكتة، وما عطف عليه له حكمه فالعدول فيه مع تقدم التعبير عنه بالمستقبل محتاج لنكتة، وهي ما ذكر فالقول بأنه لا دخل ليعرضوا فيه لا وجه له، ولما كان الإعراض يستلزم التكذيب عبر في أحدهما بالماضي بعد التنبيه على استمراره في المستقبل بالمضارع فإن عطف هذا على اقتربت كان ما بينهما اعتراضاً لبيان عادتهم إذا شاهدوا الآيات. قوله: (منته إلى غاية الخ) ظاهره أنه على العموم لا مخصوص بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قيل لكنه هو المقصود منه رداً على الكفار في تكذيبهم له، ويجوز تخصيصه بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس، وعلى التعميم هو تذييل بما هو كالمثل ولو أبقى على عمومه للعقلاء، وغيرهم كان وجها آخر وهو المذكور في الكشاف مقابلاَ لهذا، وقوله: فإنّ اليء الخ بيان للتلازم بين الانتهاء، والاستقرار حتى يكون الثاني كناية عن الأوّل لا مجازاً لصحة إرادة معناه الحقيقي فلا وجه لما قيل من أنه بيان للعلاقة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 المصححة للتجوّز، ولش! هذا منافياً لقوله: وكل شيء بلغ الحدّ انتهى فإنه مقام آخر غير ما نحن فيه فتدبر. قوله: (وقرئ بالفتح) أي فتح القاف، واختار المصنف أنه على هذه القراءة مصدر، وحمله على كل أمر بتقدير مضاف فيه، ولو لم يقدر وقصد المبالغة صح، وجوّز الزمخشريّ كونه اسم زمان أو مكان، وهو محتاج أيضا إلى تقدير مضاف لأنّ الأمر ليس عين الزمان أو المكان، ولم يلتفت إليه المصنف لا لهما لا له كما توهم بل لظن أنه قليل الجدوى فيما قيل إذ كون كل أمر لا بد له من مكان أو زمان أمر معلوم لا فائدة فيه، وفيه نظر لأنّ فيه إثبات الاستقرار له بطريق الكاية، وهي أبلغ من الصريح فتأمّل. قوله: (وكل) بالرفع بغير تنوين على الحكاية أو منوّن لعدم قصد الحكاية، وهو مبتدأ أو معطوف على محل اسم أنّ، وهذا على هذه القراءة، واعترض عليه بأنه يعيد لكثرة الفواصل، وليس بشيء لأنه إذا دل عليه الدليل لا مانع منه وأمّا القول بأنه خبر جر على الجوار فلا يليق ارتكابه من غير ضرورة تدعو لمثله، وقيل: كل مبتدأ خبره مقدر كآت أو معمول به أو نحوه وقيل خبره حكمة بالغة. قوله: (من الأنباء) هو حال من ما قدّم عليه رعاية للفاصلة، وتشويقا لما بعده ومن للتبعيض أو للتبيين بناء على جواز تقديمه على المبين، وفيه خلاف للنحاة، وقال الرض: إنما جاز تقديم من المبينة على المبهم في نحو عندي من المال ما يكفي لأنه في الأصل صفة لمقدّر أي شيئء من المال، والمذكور عطف بيان للمبين المقدر قبلها ليحصل البيان بعد الإبهام، وقوله: ازدجار فهو مصدر ميميّ، وقد جعل اسم مكان، ولكون ما فيه الازدجار لا موضع الازدجار لم يتعرّض له المصنف ولذا قالوا معنى ما فيه موضع الازدجار أنه نفس موضع الازدجار كقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب، الآية: 21] أي هو أسوة لكم وهو من التجريد. قوله: (من تعذيب أو وعيد) بيان لما على تقدر مضاف أي نبأ تعذيب أو وعيد وأمّا كون النبأ بمعنى المنبأ به فهو وإن صح من غير احتياج لتأويل ما ذكر إلا أنه لا يناسب هنا لأنّ المتصف بالمجيء النبأ نفسه لا المنبأ به، وفيه لف ونشر فالتعذيب راجع لكونه أنباء القرون الخالية والوعيد لكونه أنباء الآخرة، وقوله: للتناسب متعلق بتقلب، والمراد تناسب المخرج أو ليحصل التناسب لأن التاء مهموسة، والحروف المذكورة مجهورة على ما بين في التصريف. قوله: (غايتها) مفعول لبالغة مقدر وفسر بلوغ الحكمة إلى غايتها بأنه لا خلل فيها إذ المعنى بلوغها غاية الأحكام فالخلل عدم مطابقتها للواقع أو جريها على نهج الحكم الإلهية وقوله: بدل أي بدل كل أو اشتمال وقوله: خبر لمحذوف تقديره هو أو هذه على أنّ الإشارة لما ذكر من إرسال الرسل، وايضاح الدليل، والإنذار لمن مضى من القرون أو إلى ما في الأنباء أو إلى الساعة المقتربة، والآية الدالة عليها كما قاله الإمام، وقوله: حالاً أو بتقدير أعني والصفة والصلة جملة فيه مزدجر، وقوله: فيجوز نصب الحال عنها أي مع تأخرها وهو أمر مقرّر في النحو غنيئ عن البيان. قوله: (فأيّ غناء تغني النذر) يعني أنها على الاستفهام في محل نصب على أنها مفعول مطلق، ويجوز أن تكون مبتدأ والعائد مقدر كما قاله ابن هشام. قوله:) أو مصدر) عطف على جمع نذير وفي نسخة أو المصدر بالتعريف عطف على المنذر قيل وتركه احتمال أن يكون جمع نذير بمعنى الإنذار على النسخة الأولى لأن حق المصدر أن لا يثنى. ولا يجمع وترك احتمال المصدرية على الثانية لاحتياج تأنيث الفعل حينئذ للتأويل، ويؤيد الأولى قوله: بمعنى الإنذار دون أو الإنذار عطفاً على المنذر، ويؤيد الثانية قوله في تفسير قوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [سورة القمر، الآية: 16] إن النذر يحتمل المصدر، والجمع حيث لم يسكت عنه ثمة، ولو قدمه هنا تركه هناك كما هو دأبه، وفي القاموس أنذره أعلمه، وحذره وخوفه والنذر بضم وضمتين هو الاسم منه فتأمّل. قوله: (لعلمك بأنّ الإنذار لا يغني فيهم (وفي نسخة عنهم وهو إشارة إلى أن الفاء للسببية، والمسبب التولي أو الأمر به، والسبب عدم الإغناء أو العلم به فإن أريد بالتولي عدم القتال فهي منسو! ، وإن أريد ترك الجدال للجلاد فلا والظاهر الأوّل. قوله: (ويجورّ أن يكون الدعاء (أي للإعادة فيه كالأمر في قوله: كن للإبداء على أنه تمثيل، والداعي حينئذ هو الله كما مرّ تفصيله في سورة ق، وفي تفسير قوله: {كُن فَيَكُونُ} . قوله: (وإسقاط الياء) أي من الداعي تخفيفا واجراء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 لأل مجرى التنوين لأنها تعاقبه، والشيء يحمل على نظير. وضده، وقوله: وانتصاب يوم أي على الظرفية والعامل فيه ما ذكر، وإذا قدّر إذكر فنصبه على أنه مفعول به، وقوله: بالتخفيف أي بتسكين الكاف أو هو الأصل فيه، والضم للاتباع ولم ينصب يوم بقوله: فتول على أنّ المراد التولي في يوم القيامة عن الشفاعة لهم لأنه حيث ذكر في القرآن بعد الإنذار فهو في الدنيا، والقرآن يفسر بعضه بعضا، وقوله: قرئ نكر أي مجهول الثلاثي لأنه متعد كما في قوله: نكرهم. قوله: (لأنها لم تعهد مثله) وفي نسخة تشهد أي تشاهد أو تحضر، وهما متقاربان، وهو كناية عن شدة الفظاعة لأنه في الغالب منكر غير معهود، وقد جوّز فيه أن يكون من الإنكار ضد الإقرار، وقوله: يخرجون الخ جعل خاشعاً حالاً من فاعل يخرجون وفي إعرابه وجوه أخر ككونه مفعولاً به ليدعو أو حالا من ضمير عنهم أو من مفعول يدعو المقدر إذ تقديره يدعوهم كما فصله المعرب، وقوله: لأنّ فاعله الخ الأوّل تعليل للأوّل، وكلاهما تعليل للثاني، وقوله: على الأصل وهو تأنيث الجمع، وقوله: خشعا بضم فتشديد جمع خاشع، وقوله: ولا يحسن الخ لأنّ فاعل الصفة إذا كان ظاهراً سواء كانت نعتا سببياً لجمع أولاً لا يجمع في اللغة الفصيحة جمع المذكر السالم بخلاف جمع التكسير كما سنفصله. قوله: (لآنه ليس على صيغة تشبه الفعل الخ (إشارة إلى ما فصله النحاة فيما إذا رفعت الصفة اسما ظاهراً مجموعا فإنها تجري مجرى الفعل في المطابقة، وعدمها قال في التسهيل فإذا أمكن تكسيرها فهو أولى من أفرادها كمررت برجل قيام غلمانه هو أفصح من قائم غلمانه، وهذا قول المبرد ومن تبعه والسماع شاهد له كهذه القراءة وقول امرئ القيس: وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم ونحوه وقال الجمهور: الإفراد أولى، والقياس معهم، وقيل: إن تبع مفرداً كرجل قائم غلمانه فالأفراد أولى، وإن تغ جمعاً كرجال قيام غلمانهم فالجمع أولى، وأمّا التثنية وجمع المذكر السالم فعلى لغة أكلوني البراغيث، والمصنف مشى على مذهب المبرد، والزمخشريّ مع الجمهور فقوله: على صيغة الخ يعني أنه إذا كسر اسم الفاعل لم يشبه الفعل لفظاً فحسنت فيه المطابقة بخلاف ما إذا جمع جمع مذكر سالم فإنه لم تتغير زنته وشبهه للفعل فينبغي أن لا يجمع على اللغة الفصيحة لكنه في الاسم أخف منه في الفعل كما قاله الرضي ووجهه ظاهر ويجوز أن يكون فيه ضمير مستتر والظاهر بدل منه. قوله: (فتكون الجملة (أي الأسمية حالاً مرتبطة بالضمير بغير واو وقد مرّ الكلام عليه في البقرة، والأعراف وما فيه، وقوله: في الكثرة بيان لوجه الشبه فهو تشبيه محسوس بمحسوس، ووجه الشبه محسوس مركب من أمور متعدّدة لا متعدّد، وقوله: والانتشار في الأمكنة إشارة إلى أنّ منتشر من الانتشار بمعنى التفرّق، وقيل: إنه مطاوع نشره بمعنى أحياه فهو بيان لكيفية خروجهم من الأجداث، وقد دبت فيهم الحياة، وما ذكره المصنف أظهر، وجملة كأنهم الخ. حالية بمعنى مشبهين الخ. قوله: (مسرعين الخ) كذا فسره الراغب، وورد بهذين المعنيين في كلام العرب، وأصل معنا. مد العنق أو مدّ البصر، ثم كني به عن الإسراع أو النظر والتأمل، ولبعضهم هنا كلام تركه أولى من ذكره. قوله: (قيل قومك الخ) الأولى تقديمه على قوم نوح، وهذا الضمير ليس كالسوابق عليه عاما فيكون عودا إلى الأوّل، وقوله: يوم يدعو الداعي اعتراض، ويدخل فيهم هؤلاء دخولاً أوّلياً، ولك أن تخص الضمائر فيها خاصة بهؤلاء أيضا، وهذا تخويف لهؤلاء، وتسلية له صلى الله عليه وسلم بأنّ هذه عادة الكفار، وقد انتقم الله منهم، وسينتقم من هؤلاء، ولذا قال قبلهم، والا فلا فائدة فيه، وقوله: وهو تفصيل الخ، ولما كانت مرتبة التفصيل بعد الإجمال مصدر بالفاء التعقيبية، وفي الوجه الأول المكذب هو المكذب في الموضعين وفي الثاني المكذب بالكسر متعدد، وفي الثالث المكذب بالفتح متعدد ومبني الأوّل على تنزيل كذب منزلة اللازم بمعنى فعل التكذيب، والمراد تكذيب نوج عليه الصلاة والسلام، ولم يجعل من التنازع لأنّ شرطه أن لا يكون الثاني تأكيداً، وهو هنا كذلك، ومبني الثالث على حذف المفعول، وهو مطلق الرسل كما ذهب إليه الزمخشريّ، والفاء سببية أو ما عدا نوحاً كما ذهب إليه المصنف، والفاء تعقيبية، وقوله: كلما خلا الخ ففيه اكتفاء بمرتبة، ويجوز أن يكون معنى الأوّل قصدوا التكذيب، وابتدؤه ومعنى الثاني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 أتمو.، وبلغوا نهايته كما قيل في قوله: قد جبر الدين الإله فجبر ولم يرتض المصنف ذينك الوجهين لأنّ الظاهر الاتحاد فيهما. قوله: (وزجر عن التبليغ) أي منع بشدة كالضرب، والشتم عن تبليغ رسالته، وهذا أخبار من الله بما قاساه نوح عليه الصلاة والسلام، وعلى ما بعده فهو من مقول كفرة قوم نوح، ولذا حمل الزجر فيه على مس الجن له لأنه المناسب لقولهم مجنون، ولكونه غير ظاهر من قوله: ازدجر مرّضه كأنه لما مسه الجنون من الجن عدل عن مسلك العقلاء فشبه بمن زجرته الجن، وصرفته عن طرق الصواب ففيه استعارة حينئذ، ولا قرينة عليها، وقال الراغب: الزجر طرد بصوت ولصياحهم بالمجنون إذا طردوه قيل لمن جن: ازدجر فليس الزجر بمعنى التكهين كما توهم. قوله: (على إرادة القول) بطريق التضمين ليعمل في الجمل، وهدّا أحد القولين في مثله، والآخر أنّ ما فيه معنى القول يحكي به الجمل من غير تقدير حملا له على ما هو بمعناه، والمسألة مشهورة، وقد تقدّم تقريرها مراراً. قوله: (غلبني قومي) فعصوني، وهذا هو الظاهر، وقيل: غلبتني نفسي حتى دعوت عليهم بالهلاك، وما ذكره المصنف من الرواية لا تناسبه وخنقه من باب نصر معناه واضح، وقوله: فانهم الخ أي الحامل لهم على فعلهم هذا غلبة الجهل بالله ورسله عليهم الصلاة والسلام عليهم. قوله: (وهو) أي قوله: ففتحنا الخ مبالغة لجعل أبواب السماء تفتحت، وخرجت منها المياه كما تخرج من الترع، والجسور المفتحة، وجعل الماء لشدته هو الذي فتحها إن كانت الباء للآلة، والاستعانة، ولدّا رجح هذا على جعلها للملابسة، ونسبته إلى الله بضمير العظمة، وهذا أبلغ من قولهم جرت ميازيب السماء، وفتحت قرب الجوّ. قوله: (وتمثيل لكثرة الأمطار (أي استعارة تمثيلية بتشبيه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت لها أبواب السماء، وشق لها أديم الخضراء، ولو أبقى على ظاهره من غير تجوّز لم يمنع منه مانع إذ ورد في الأحاديث أنّ السماء لها أبواب، وأنّ بعض الأنهار يخرج منها كالنيل، والفرات فلا مانع من حمله على الحقيقة أيضا، وقوله: لكثرة الأبواب فالتفعيل لتكثير المفعول وهو أحد معانيه. قوله:) وأصله وفجرنا الخ) فالتمييز للنسبة، وهو محوّل من المفعول، وقد يكون محوّلاً عن الفاعل، وهو الأكثر، ولذا جعل هذا منه على أنّ الأصل انفجرت عيون الأرض فإنه يكون محوّلاً عن فاعل الفعل المذكور أو فاعل فعل آخر يلاقيه في الاشتقاق، وهو تكلف لا حاجة إليه، وقوله: فغير أي عن المفعول إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الإبهام، والتفسير، وقوله: ماء السماء، وماء الأرض فالماء جنس شامل لهما بقرينة ما قبله، ولأنّ الالتقاء يقتضي التعدد، وقوله: لاختلاف النوعين أي ثني لقصد بيان اختلاف نوعيهما والا فالماء شامل لهما، وقوله: بقلب الهمزة واوا لتطرفها بعد ألف وفيه إشارة إلى أنّ ماء الأرض فار بقوّة وارتفع حتى لاقى ماء السماء ففيه مبالغة لا تفهم من الأفراد. قوله: (على حال قدرها الله الخ) ذكر فيه وجوها الجار، والمجرور حال فيها، وعلى الأوّل القدر فيه مقابل القضاء، والأمر واحد الأمور بمعنى الشأن أي التقت المياه واقعة على حال كانت معينة عليه في الأزل لا تتفاوت، وقوله: أو على حال الخ هي كالوجه الأوّل في الأحوال كلها إلا أن قدر عين له مقدار فكل ما خرج أو نزل مقداره معين، والثالث معنى قدر كتب في اللوح المحفوظ أو هو من التقدير كما في الوجه الأوّل إلا أنّ على فيه للتعليل، والجارّ والمجرور يحتمل تعلقه بالتقى على هدّا، وفيه ردّ على أهل النجوم إذ جعلوه لاجتماع الكواكب السبعة في برح مائيّ بأنه بمحض تقديره تعالى لما قدر إهلاك هؤلاء لا لما ذكروه فتأمّل. قوله: (ومسامير) هذا أحد الأقوال فيها، وقيل هي أضلاعها، وقيل: حبال من ليف تشدّ بها السفن ودسار بكسر الدال المهملة، وقيل: إنها جمع دسر كسقف وسقف، وقوله: وهو الدفع فسميت بها المسامير لأنها تدق فتدفع بشدّة، وقوله: تؤدّي مؤذاها فالصفات أريد بها الكناية عن موصوفاتها كما يقال: كناية عن الإنسان طويل القامة عريض الأظفار بادي البشرة ونحوه، ولذا كان من بديع الكلام، وبليغه كما في الكشاف. قوله: (بمرأى) أي بمكان ترى، وتشاهد فيه هذا أصل معناه ثم كني به عن الحفظ كما مرّ، وقوله: فعلنا الخ يعني أنه مفعول له لفعل مقدر يعلم من جملة ما قبله من قوله: ففتحنا إلى هنا، وقوله: لأنه نعمة الخ يعني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 كفر من كفران النعمة فهو متعد بنفسه فيستعار لنوح النعمة بطريق الكناية، وينسب له الكفران تخيلا أو حقيقة، وقوله: على حذف الجاز على أنه من الكفر ضدّ الإيمان، وأصله كفر به فحذف الجار واستتر الضمير فيه، وعلى قراءته مبنياً للفاعل فهو من الكفر أيضاً كما أشار إليه. قوله تعالى: ( {وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا} ) أي أبقيناها بناء على أنها أبقيت على الجودفي زمانا مديداً أو أبقينا خبرها أو أبقينا السفن، وجنسها أو تركنا بمعنى جعلنا، وقوله: الفعلة، وهي إنجاء نوح، ومن معه وإغراق غيرهم، وقوله: على الأصل بذال معجمة بعدها تاء الافتعال، وقوله: بقلب التاء ذا لا أي معجمة، والقراءة الأولى بقلبها دالاً مهملة. قوله: (والنذر) بضمتين يحتمل أنه مصدر ويحتمل أنه جمع نذير بمعنى الإنذار بناء على نسخة المصدر بالتعريف كما مرّ في قوله: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [سورة القمر، الآية: 5] ولذا جعل النذير بمعنى الإنذار كما دلّ عليه قوله، وانذاري بعده لا بمعنى المنذر، ولا المنذر منه لأنّ الحمل على التأسيس أولى، ولو كان على نسخة المصدر كان النذير بمعنى المنذر منه كما قيل، والعطف لتغاير العنوان، ومثله من قصور الإذعان فتدبر. قوله: (أو هيأناه) التهيئة رفع الموانع، وإحضار الدواعي وقوله: من يسر ناقته هو الوجه الثاني، ورحل بتشديد الحاء شذ الرحل على ظهر الناقة أو البعير والادكار كالاتعاظ لفظا، ومعنى، ويجوز تشديد كافه، وقوله: متعظ إشارة إلى ترجيح الأوّل لأنه الأنسب ولذا لم يقل أو حافظ، وتال كما قاله الإمام. قوله: (كذبت عاد الخ (لم يعطف هذا وما بعده إشارة إلى أنّ كل قصة مستقلة في القصد، والاتعاظ، وانذاري، وفي نسخة وانذار بدون ياء وقد تقدم شرحه، وعلى الوجه الأوّل العذاب، والإنذار لعاد وعلى ما بعده العذاب لهم، والإنذار لمن محداهم، ولم يذكره أوّلا مع احتماله لأنه يفهم مما هنا جريانه فيهما فلا غبار عليه، وقد مرّ ما في الصرصر في فصلت، وغيرها فتذكره. قوله: (استمرّ شؤمه أو استمرّ عليهم حتى أهلكهم) الأوّل على كون مستمرّ صفة نحس والثاني على أنه صفة يوم، وكلاهما على قراءة الإضافة التي قرأتها العامّة لا أنّ الثاني على قراءة التوصيف كما توهم، وقوله: استمرّ شؤمه أي يستمرّ عليهم إلى الأبد فإنّ الناس يتشاءمون بآخر أربعاء في كل شهر، ويقولون لها: أربعاء لا تدور قال الشاعر: لقاؤك للمبكرفأل سوء ووجهك أربعاء لا تدور إلا أنّ تشاؤمهم بالأربعاء التي لا تدور لا يستلزم شآمته في نفسه إلا أن ينبني على زعمهم، وهو غير منالسب للمقام (واعلم) أنه روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما في الجامع الصغير (آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمرّ (وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه من قال: إنّ يوم النحس يوم الأربعاء، وأمثاله ففد أخطأ وخالف القرآن فإنّ في الآية الأخرى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [سورة فصلت، الآية: 6 ا] وهي ثمانية متتابعة فلو كانت نحسات في نفسها كانت جميع الأيام كذلك وهذا لم يقله أحد، وأنما المراد أنها كانت نحسات عليهم اهـ فليتأمل وقوله: أو استمرّ عليهم أي زمان نحو ستة فاليوم بمعنى مطلق الزمان لأنه الذي يتصوّر استمراره سبع ليال وثمانية أيام فالاستمرار بحسب الزمان، وقوله: حتى أهلكهم فيه تجوّز في إسناد الإهلاك إليه. قوله: (أو على جميعهم الخ) فالاستمرار الأوّل بحسب الزمان، واستمرار هذا بحسب الأشخاص والأفراد وقوله: أو اشتد مرارته فمستمز بمعنى شديد المرارة وهو مجاز عن بشاعته وشدة هو له إذ لا طعم له وهو على هذا من المرارة في الطعم كما مرّ، وقوله: وكان يوم الأربعاء آخر الشهر أي شهر شوّال أي كان ذلك اليوم الذي أرسل فيه الريح يوم الأربعاء لا أنّ إرسال الريح كان فيه فيوم اسم لا ظرف حتى يقال: أي ابتداؤه كان يوم الأربعاء كما قيل، ولا يأباه قوله، واستمرّ عليهم كما توهم فاسم كان ضمير اليوم لا ضمير الإرسال فتأمّل. قوله:) فنزعتهم الريح الخ) ضمير منها للشعاب والحفر لا للثلاثة لتكلفه وموتى حال من ضمير المفعول، وقوله: منقلع تفسير منقعر لأنه بمعنى أخرج من القعر، وتوله: وقيل الخ الفرق بينه وبين الأوّل أنه على هذا أشبهوا جثثا بدون رؤوس، وفي الأوّل لم ينظر له، والتذكير والتأنيث روعي في كل مكان للفاصلة. قوله:) كرره للتهويل (وللتنبيه على فرط عتوّهم، وقوله: لما يحيق بهم في الآخرة فكان فيه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 للمشاكلة أو للدلالة على تحققه على عادته تعالى في أخباره، وقوله: بالإنذارات على أنه جمع نذير بمعنى إنذار أو منذر منه أو منذر فكل منها صحيح هنا قيل، والأخير أظهر لاستلزامه ما عداه. قوله:) من جنسنا أو من جملتنا) فالأوّل على أنه إنكار لإ) . سال البشر دون الملك، والثاني على أنه لإنكار إرساله دونهم مع أنهم أحق بالرسالة منه على زعمهم وقدم الأوّل لىلماء لترجيحه لعدم تكرّر. مع قوله: أألقي عليه الخ، وقوله: على الابتداء، والمسوّغ الاستفهام، والتوصيف، وقوله: للاستفهام لأنه يقتضي فعلاَ يدخل عليه في الأصل. قوله: (منفردا لا تبع له) جعل التغ واحدا أحسن من جعله جمعاً كخدم، وقوله: دون أشرافهم يفهم من تنكيره الدال على عدم تعيته، وكون خبر الواحد ليس بحجة لا مساس له هنا كما توهم، وكذا تفسيره بما يعم البشر والملك، وقوله: جمع سعير باعتبار الدركات أو للمبالغة والدلالة على الدوام، وقوله: كأنهم الخ الداعي لاعتبار. في كلامهم أنهم منكرون للحشر، وعذاب السعير فأشار إلى أنه ليس عن اعتقاد أنّ ثمة آخرة وسعير وإنما أرادوا تعكيس ما قاله والردّ عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا كما نقول، وقوله: وقيل الخ فهو اسم مفرد ومرّضه لأنه خلاف الظاهر، ومسعورة بها شبه الجنون في حركاتها. قوله: (حمله بطره الخ) يعني أنّ الأشر البطر فوصف الكذاب به يدل على أنّ الداعي لكذبه بطره، وقوله: عند نزول العذاب بهم فغدا لمطلق الزمان المستقبل، وعبر به لتقريبه، وقوله: حمله أشره على الاستكبار الخ هذا هو بعينه ما قدمه، وبيناه لك فإنّ الترفع هو الاستكبار عن الحق، وادعاؤه عين طلبه للباطل لكنه تفنق في العبارة، ولعدم وقوف بعضهم عليه قال: لما سأل عن أنه كان ينبغي أن يتحد معنى الأشر فيهما أنه حمل الأشر على من حمله بطره على شيء منكر، وهو معنى واحد مفصل إلى كونه الترفع في صالح، والاستكبار في قومه فأعرفه. قوله: (على الالتفات) قال في الكشف أي هو كلام الله لقوم ثمود على سبيل الالتفات إليهم إمّا في خطابه لرسولنا صلى الله عليه وسلم نظير ما حكي عن شعيب في قوله: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ} بعد ما استؤصلوا هلاكاً وهو من بليغ الكلام، وفيه دلالة على أنهم أحقاء بهذا الوعيد حتى كأنهم لحضورهم حول إليهم الوجه لبغي جناياتهم عليهم وأمّا في خطاب صالح عليه الصلاة والسلام، والمنزل حكاية الكلام المشتمل على الالتفات، وعلى التقديرين لا إشكال فيه كما توهم أن وفيه بحث فتأمّل. قوله: (وقرئ الأشر) أي بفتح الهـ كزة، وضم الشين على أنه صفة مشبهة حوّلت للضم للمبالغة كحذر وندس، وهو من النوادر، وقرى بضمتين على اتباع الهمزة للشين أيضاً، وقوله: والأشرّ أي على أنه أفعل تفضيل، وهو الأصل لكنهم لما تركوه إلى خير وشرّ، والتزموا تخفيفه حتى لم يسمع على الأصل إلا نادرا عدوه مخالفاً للقياس كقوله: بلال خير الناس، وابن الأخير وقال الجوهريّ: لا يقال الأشرّ إلا في لغة دريئة. قوله: (مخرجوها وباعثوها) إشارة إلى أنّ الإرسال كناية عن الإخراج، وأنّ المعنى الحقيقي الذي هو البعث مراد أيضاً وقدم الإخراج لأصالته في الإرادة، وتقدمه في الوجود الخارجيّ، وصاحب الكشاف عكس الترتيب لكون البعث أصل المعنى، وتقدمه في الوجود الذهني، ولأنه طول ذيل الإخراج بقوله: من الهضبة كما سألوا الخ، والمراد الإخراج من الصخرة، وبهذا التقرير اندفع ما أورد على الكشاف فتدبر. قوله: (امتحاناً لهم) يجوز أن تكون بمعناها المعروف، والشرب كالنصيب من الماء، وقوله: أو يحضر عنه غيره قيل معناه يمنع عن ذلك غير صاحبه، وفيه أنّ الذي بمعنى المنع هو الحظر بالظاء لا بالضاد فلعله مبنيّ للفاعل أي بحضره صاحبه بنفسه أو يحضره غيره نائباً عنه، وقيل: معناه يتحوّل عنه غير صاحبه، وفي القاموس حضرنا عن ماء كذا أي تحوّلنا عنه فمن قال أو يحضر نائباً عنه فقدسها لأنّ المقصود ترديد كلام الله بين المعنيين لا بيان أنّ الحضور لا يختص بالحضور بنفسه بل جاز أن يحضر عنه نائبه كما لا يخفى وقيل أيضا يحضر مبنيّ للمفعول بمعنى يمنع عنه غير صاحبه لا على أنّ الحضور لغة المع حتى يقال: إنه تحريف من الحظر بالظاء بل على التجوّز بعلاقة السببية فإنه مسبب عن حضور صاحبه في نوبته، وباب المجاز مفتوح لا سيما إذا اقتضاه المعنى أو هو مبنيّ للفاعل بالمع! نى المنقول عن القاموس، ومن ذهب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 عليه هذا، وذاك قال ما قال ولو كان المراد ما ذكره لكفي أن يقول أو نائبه عطفاً على صاحبه اهـ ولا يخفى أنّ ما ذكره من الوجوه سائغ إلا أنّ ما نسبوه فيه إلى السهو ليس بصحيح لأنّ مراده بالنيابة ليست نيابة التوكيل حتى يكون الشربان واحداً بل صاحب النوبة الأخرى فيؤول إلى ما ذكروه فتأمّل. قوله: (فنادوا صاحبهم (نداؤه لما أرادوه من عقرها لأنه أجرؤهم لأنداء استعانة، وقوله: قدار بوزن فعال بالضم اسم عاقر الناقة، وأحيمر ثمود تصغير أحمر لقبه، والإضافة للتمييز قد ترد في الإعلام، وقوله: فاجترا الخ يعني التعاطي إن كان مفعوله القتل فهو مؤوّل بالجراءة، والقصد ليصح تفريع فعقر عليه لأنه عينه لو لم يؤوّل على هذا التقدير، وإن كان مفعوله السيف فهو على ظاهره، وأما تنزيل التعاطي منزلة اللازم على أنّ معناه أحدث ماهية التعاطي فعقر تفسير له لا مترتب عليه فلا يخفى ركاكته، وفوله: تناول الشيء بتكلف أصل معناه تفاعل من العطاء، وفسره الراغب بالتناول مطلقاً فما ذكر كأنه معنا. عرفا فلينظر. قوله: (كهشيم المحتظر (تشبيه لإهلاكهم وافنائهم والحظيرة زريبة الغنم ونحوها، وقوله: كهشيم الحظيرة فهو على الفتح اسم مكان، والمراد به الحظيرة نفسها أو التقدير كهشيم الحائط المحتظر فهو اسم مفعول أو لا يقدر له موصوف فالمحتظر الزرب نفسه. قوله: (ريحاً تحصبهم) وتنكيره لتأويله بالعذاب أو لأنه لم يرد به الحدوث فهو كناقة ضامر، ولو فسره بملك يرميهم بالحصباء، والحجارة كما ذكره في غير هذا المحل كان أظهر، وقوله: في سحر فالباء بمعنى في أو هي للملابسة أو المصاحبة، واليه أشار بقوله: مسحرين أي داخلين في وقت السحر لأنّ الأفعال يكون للدخول في مصدر الثلاثي، والجار والمجرور عليهما حال وقوله: إنعاماً فسرها به ليتحد فاعله، وفاعل المعلل فيظهر نصبه على أنه مفعول له، ويجوز نصبه على المصدرية بفعل مقدر من لفظه أو بنجينا لأنّ التنجية إنعام فهو كقعدت جلوساً. قوله: (أخذتنا بالعذاب) إشارة إلى ما فيه من معنى المرّة، والوحدة وأنه باق على معناه المصدري، وإن تبادر منه العذاب فإنه لا ينافي معناه الوضعيّ كما توهم، وقوله: فكذبوا الخ إشارة إلى أنه ضمن معنى التكذيب أو حمل عليه لأنه بمعناه فعدى بالباء تعديته، ولولاه تعذى بفي، وقوله: قصدوا الفجور بيان لحاصل معناه وأصله الطلب من راد إذا جاء وذهب، وهذا من إسناد ما للبعض للجميع كما مرّ، وصفقهم ضربهم بكفه مفتوحة، وقوله: فقلنا الخ إشارة إلى تقديره لينتظم الكلام وقوله: على ألسنة الملائكة يعني أنه مجاز لإسناده إلى الله وهو في الحقيقة للملائكة فأسند للأمر، وقوله: أو ظاهر الحال فيكون القائل ظاهر الحال فلا قول، وأنما هو تمثيل. توله: (ولقد صبحها بكرة) البكرة أخص من الصباح فليس في ذكرها بعده ف ادة، وقوله: غير مصروفة للعلمية والتأنيث، وقوله: يستقرّ بهم أي يدوم حتى ينتهي بهم إلى النار، ولو قيل معناه لا يدفع عنهم أو يبلغ غايته كما مرّ جاز. قوله: (كرر ذلك في كل قصة (أي قوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [سورة القمر، الآية: 7 ا] بعد ذكر العذاب والنذر فإنه وقع كذلك في القصص كلها مع تغيير يسير حيث قال: فذوقوا مكان فكيف كان، وهذا هو مقتضى ما بعده لا أنه تعليل لتكرير، ولقد يسرنا وحده لا فذوقوا لأن الأوّل للطمس، والثاني للتصبيح كما قيل إذ قوله: مقتض لنزول العذاب يقتضي أنّ {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} من جملة المعلل، وقوله: واستماع كل قصة الخ تعليل لتكرير قوله: فهل من مذكر، وقوله: واستئنافا الخ تعليل لتكرير قوله، ولقد يسرنا القرآن الخ ولما معه، وقوله: في كل قصة الكل إمّا إفرادي أو مجموعي فتدبر. قوله: (وهكذا تكرير قوله: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ) استطراد لبيان ما سيأتي في سورة الرحمن يعني تكراره لما في كل جملة قبلها بما هو نعمة صريحة أو ضمنية فكرّر ذلك للتنبيه، والإيقاظ قال علم الهدى في الدرر، والغرر التكرار في سورة الرحمن إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة فكلما ذكر نعمة أنعم بها، وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خوّلتك في الأموال ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا، وكذا فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرّر به، وهو كثير في كلام العرب، وأشعارهم كقول مهلهل يرثي كليبا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 على أن ليس عدلاً من كليب إذاما ضيم جيران المجير على أن ليس عدلاً من كليب! ! ار! ف اهـ 51 من الدبور على أن ليس عدلاً من كليب إذا خرجت مخبأة ا! رور على أن ليس عدلاً من كليب إذا ما أعلنت نجوى الأمور على أن ليس عدلاً من كليب إذا! ف اهـ خسوف من ا! كور على أن ليس عدلاً من كليب غداة تلاتل الأمص ا! كبير على أن ليس عدلاً من كليب إذا ماخارجارالمستجير ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط لولا خوف الملل أوردتها فأعرفه من لطائف العرب. قوله: (اكتفى بذكرهم الخ الأنه رأس الكفر والطغيان ومدعي الألوهية فهو أولى بالنذر، وأمّا أنه إشارة إلى إسلامه فما لا يلتفت إليه. قوله: (يعني الآيات التسع) كذا في الكشاف مع أنه قال النذر موسى، وهارون وغيرهما من الأنبياء لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون، ولا يخفى أنّ المناسب حينئذ أن يراد آيات الأنبياء كلهم كما جوّزه في قوله، ولقد أريناه آياتنا كلها. قوله تعالى: ( {أَخْذَ عَزِيزٍ} ) منصوب على المصدرية لا على قصد التشبيه، وقوله: أكفاركم الخ الاستفهام إنكاريّ في معنى النفي فكأنه والله أعلم بمراده لما خوّف كفارهم بذكر ما حل بالأمم السالفة مما تبرق، وترعد منه أسارير الوعيد يقول لهم لم لا تخافون أن يحلى بكم ما حل بهم أأنتم خير منهم عند الله أم أعطاكم الله براءة من عذابه أم أنتم أعز منهم منتصرون على جنود الله، وقوله: الكفار المعدودين يعني هؤلاء الأمم، وعند الله راجع لقوله: مكانة، ودينا أو هو متعلق بقوله: خير فيرجع للجميع، وهو أتم فائدة ولو تعلق بمكانة لقربه جاز، ولا وجه لجعله توهما كما قيل أو المعنى أنّ المنكر كونهم كذلك عند الله لا عندهم على زعمهم فالخيرية ليست بالمعنى المتعارف، وقوله: يا معشر العرب فالخطاب عامّ للمسلمين وغيرهم، والا لقال أأنتم فتأمّل. قوله: (أم لكم بيراءة في الزبر الخ) الخطاب فيه عامّ أيضاً، والمعنى أم لمن كفر منكم براءة، وقيل: هو خاص بالكفار، وهو لا يلائم كلام المصنف لكه اختاره غيره، وقوله: جماعة أمرنا مجتمع تفسير لقوله: جميع ليفيد وقوعه خبراً إذ ليس تأكيداً لقوله: منتصر والا لقال جميعاً بالنصب، ويحتمل أنه جعل جميع بمعنى مجتمع خبر مبتدأ مقدّر، وهو أمرنا أو هو إسناد مجازيّ، وليس من قبيل: أنا الذي سمتني أمي حيدره كما توهم. قوله:) ممتنع لا يرام) كناية عن عدم المغلوبية فإنّ المغلوب يرإم، ويطمع فيه عدوّه، ولذا فسر انتصر بامتنع يقال: نصره فانتصر إذا منعه فامتنع، وقوله: أو متصر من الأعداء أي منتقم منهم فقوله: لا يغلب راجع للوجهين معاولاً يغلب كناية عن كونه غالبا وليس المراد أنّ الانتصار لا يوجب الغلبة بل يكفيه عدم المغلوبية كما قيل لأنه غير ملائم للمقام، وقوله: ينصر بعضنا بعضا تفسير لقوله: متناصر، وهو إشارة إلى أنّ الافتعال بمعنى التفاعل كالاختصام، والتخاصم. قوله: (والتوحيد (أي في قوله: منتصر، وكان المطابق لنحن منتصرون لكنه نظر لجميع، ورجح جانب لفظه عكس {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لخفة الأفراد، ورعاية الفاصلة فإنّ جميع مفرد لفظاً جمع معنى فروعي جانب لفظه لما ذكر، وليس من مراعاة جانب المعنى في جميع أوّلاً ثم مراعاة جانب اللفظ ثانياً على عكس المشهور كما قيل. قوله: (وإفراده لإرادة الجنس) الصادق على الكثير، وهذا مصحح والمرجح رعاية الفواصل ومشاكلة قرائنه وقوله: أو لأنّ كل واحد يولي دبره على حد كسانا الأمير حلة كما مرّ، والمرجح ما مرّ، وقوله: وهو من دلائل النبوّة لأنّ الآية مكية ففيها أخبار عن الغيب، وهو من معجزات القرآن ففيه ردّ على من زعم أنّ هذه الآية مدنية لأنّ غزوة بدر بعد الهجرة كما مرّ، وقوله: فعلمته أي المراد من هذه الآية وتأويلها، وهذا الحديث صحيح متصل رواه الطبراني، وغيره عن عكرمة، وهو صريح فيما ذكره المصنف من أنها مكية من دلائل النبوّة كما صححه ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف فأعرفه. قوله: (موعد عذابهم) فهو المراد منه، وهذا بيان لحاصل المعنى أو هو إشارة إلى تقدير مضاف فيه، وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 الأصليّ فسره بقوله، وما يحيق أي يحيط بهم، ويلحقهم طليعة له أي مقدّمة من طليعة الجيش، وهي طائفة تتقدمه، وقوله: والداهية إشارة إلى أنّ أدهى بمعنى أعظم داهية فتفسيره باشد بيان للمراد منه، وقوله: لدوائه أي لما يزيله وينفع من نزل به فهو استعارة هنا، وقوله: وأمرّ مدّاقا لم يفسره بأقوى على أنه من قولهم ذو مرّة أي قوّة لأنه يفهم من قوله: أشد قبله. قوله: (عن الحق في الدنيا) ذكر في الكشاف في الضلال، والسعر وجهين أوّلهما في هلاك، ونيران وثانيهما ما ذكره المصنف فكأنه رأى الأوّل لذكر النيران مخصوصاً بالآخرة لأنه لو كان على التوزيع كان عين ما بعده، ولا مجال لكونه في الدنيا، وعليه فذكر الهلاك ليس فيه كبير فائدة حيحثذ، ولذا جوّزه في قوله ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً قيل: فيوم يسحبون منصوب بالقول المقدر في: (ذوقوا م! سقر) وفي انتصابه بمتعلق سعر تكلف كتعلق عند الله بخير قبيله، والعجب لمن تغطن له هنا فلم يجوّزه أنه جوّزه هناك وقد جعل منصوبا بذوقوا فالخطاب لمن خوطب في قوله: كفاركم أي ذوقوا أيها المكذبون محمداً صلى الله عليه وسلم يوم يسحب المجرمون المتقدمون، والمراد حشرهم معهم والتسوية بينهم في الآخرة كما ساووهم في الدنيا (قلت أليس هذا بمحل العجب لأنه فيهما جائز حيث تعلق بعامل في أمور، وكان تعلقه باعتبار بعضها هنا، وأئا ثمة فيجوز تعلقه بالجميع، ولو سلم فهذا يدل على صحته بتكلف لا على منعه فالعجب من ابن أخت خالته لمن تدبر النظر في مقالته. قوله: (ذوقوا حرّ النار وألمها) في الكشاف مم! ق سقر كقولك: وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لأنّ النار إذا أصابتهم بحرّها ولحقتهم بإيلامها فكانها تمسهم مسا بذلك كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذي أن فقيل: أراد أنها مكنية، وقيل: كلامه يحتمل المكنية والمصرحة، وقيل: إنه أراد أنّ سى سقر كمس الحمى وذوقوا مس سقر كذاق طعم الضرب واستعمال الذوق في المصائب بمنزلة الحقيقة فلذا لم يبيته كما بين المس، وفي قوله: كما يمس الحيوان إشارة إلى اًنّ ألاستعارة في المس تحقيقية لا أنها في سقر بالكناية، وفي المس تخييلية كما توهم اهـ والمصنف خالف فسكت عن استعارة الذوق لأنها مشهورة، وجعل مس سقر مجازا مرسلاً بعلاقة السببية لألمها لأنّ الذوق متعلق بالآم، والمؤلمات في الاستعمال، وهو ظاهر فلا تشتغل بالقيل والقال. قوله: (علاً لجهنم) أعاذنا الله منها ببركة كلامه العظيم، وعدم صرفها للعلمية والتأنيث، وصقر بإبدال السين صاد الأجل القاف كما مرّ، ولوّحته بالحاء المهملة تفعيل من التلويح، وهو تغيير الجلد، ولونه من ملاقاة حر النار أو الشمس. قوله: (مرتباً على مقتضى الحكمة) تفسير لقوله: بقدر فالقدر بمعنى المقدر الذي استوفى فيه مقتضى الحكمة أو الحكم المبرم المقارن للقضاء كما قاله الطيبي، وقوله: ما بعده يعني به خلقناه، وقوله: لا نعتا يعني لشيء لوقوع الجملة بعد النكرة، وقوله: ليطابق المشهورة أي القرأءة المشهورة وهي قراءة النصب فإنّ السبعة اتفقوا عليها فالخبر أرجح لموافقته لمذهب أهل السنة في خلق الأفعال، ومطابقته لمعنى الفراءة المشهورة فإنّ الأصل توافق القراآت فليس للاستدلال بها على الاعتزال وجه كما توهم. قوله: (في الدلالة على أنّ كل شيء مخلوق) بالرفع خبر أنّ، وقوله: بقدر متعلق به لا خبر كما هو في الوجه المرجوح، وقد قيل: إنه لا فرق من حيث المعنى بين النصب، والرفع ولا بين كون خلقنا خبراً أو صفة لأنّ الشيء هنا المراد به المخلوق إذ ليس كل ما يطلق عليه الشيء مخلوقا كما لا يخفى فالمعنى على الخبرية كل مخلوق مخلوق بقدر، وعلى الوصفية كل شيء مخلوق كائن بقدر فلا فرق بينهما معنى، وليس بشيء لأنّ الفرق مثل الصبح ظاهر فإنّ خلقنا ليس مبنياً للمفعول لإسناده لفميره تعالى فالمعنى على الخبرية كل مخلوق مخلوق لنا بقدر، وعلى الوصفية كل شيء مخلوق لنا كأين بقدر ولا شك أن الأوّل يفيد المقصود، والثاني: يوهم خلافه فافترقا افتراقا بينا فلا تمسك للمعتزلة بهذه الآية كما توهمه الزمخشري لا بمنطوقها، ولا بمفهومها لأنّ الشيء يطلق على المعدوم عندهم فتدبر. قوله: (ولعل اختيار النصب الخ (يعني أن السبعة، والقرا آت المتواترة اتفقت على النصب المحتاج إلى التقدير، وترك فيها الرفع مع أنه لعدم احتياجه للتقدير أرجح بحسب الظاهر، وليس من المسائل التي رجح فيها النصب في باب الاشتغال لأنه نص في المقصود فيرجح على الرفع الموهم لخلاف المراد كما ذكره ابن مالك، وابن الحاجب فليس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 مخالفا لكلام النحاة كما توهم لأنهم اختاروا النصب في مثله، وقد بينا لك وجهه، وكون النصب نصا في المقصود دون الرفع. قوله: (إلا فعلة واحدة الخ (فالأمر واحد الأمور بمعنى الشأن، وقوله: بلا معالجة ومعاناة أي مشقة في العمل من العناء، والمراد أن الوحدة بمعنى أنه على وتيرة واحدة ونهج متحداً والوحدة لصفة الإيجاد دون تعلقه، وموجوداته، وقوله: كلمة واحدة فالأمر مقابل النهي وواحد الأوامر، وقوله: في اليسر الخ هو وجه الشبه وفيه وجه آخر مز في تفسير قوله، وما أمر الساعة الخ فتذكره. قوله: (أشباهكم الخ (أصل معنى الأشياع جمع شيعة، وهم من يتقوى بهم المرء من الاتباع، ولما كانوا في الغالب من جنسى واحد أريد به ما ذكر إفا باستعماله في لازمه أو بطريق الاستعارة. قوله: (وكل شيء فعلوه الخ الم يختلف في رفعه قالوا: لأنّ نصبه يؤدّي إلى فساد المعنى لأنك لو نصبته كان التقدير فعلوا كل شيء في الزبر، وهو خلاف الواقع، وأما الرفع فمعناه أنّ كل ما فعلوه ثابت فيها، وهو المقصود فلذلك اتفق على رفعه، وهو من دقائق العربية. قوله: (مستطر (بفتح التاء من السطر أي مكتتب، وروي عن عاصم تشديد الراء بمعنى ظاهر من طرّ الشارب أو هو من الاستطار، وشدد في الوقف على لغة معروفة فيه، ثم أجرى الوصل مجراه، وقوله: ونهر بفتح النون والهاء، وهو مجرى الماء أو الماء نفسه، وقوله ة واكتفى باسم الجنس المفرد أي مع إرادة معنى الجمع بدليل جنات لكنه أفرد لرعاية الفواصل، وقوله: أو سعة أي المراد بالنهر سعة الرزق، والمعيشة لأن مادته وضعت لذلك كما في قول قيس في طعنة: ملكت بها كفي فأنهرت فتقها أي وسعته، وقوله أو ضياء على الاستعارة بتشبيه الضياء المنتشر بالماء المتدفق من منبعه أو هو بمعنى النهار على الحقيقة، وإليه يشير قوله من النهار، وقوله: وقرئ بسكون الهاء هو بمعنى المفتوح لغة فيه، وهي قراءة مجاهد وغيره. قوله: (وبضم النون والهاء) أي قرئ بذلك، وهو جمع نهر المفتوح أو الساكن كرهن، ورهن وكلام المصنف يحتملهما فإنّ أسد جمعه أسد بضم الهمزة والسين ويجوز تسكينها وقد قرئ بضم النون، وسكون الهاء على أنه جمع نهر أيضاً، وقيل: هو جمع نهار كسحب وسحاب والمراد أنهم لا ظلمة، ولا ليل عندهم فيها كما قاله القرطبي. قوله: (في مكان مرضئ) فالصدق مجاز مرسل في لازمه أو استعارة، وقيل: المراد صدق المبشر به، وهو الله ورسوله أو المراد أنه ناله من ناله بصدقه وتصديقه للرسل فالإضافة لأدنى ملابسة، وقوله: مقاعد هي قراءة عثمان البتي وهي تبين أنّ المراد بالمقعد المقاعد، ومليك بمعنى ملك، وليس إشباعاً بل هي صيغة مبالغة كالمقتدر كما أشار إليه بقوله تعالى أمره الخ، وقوله: مقربين الخ، إشارة إلى أنّ العندية للقرب الرتبي دون المكاني تعالى الله عنه لا أنّ متعلقه خاص، وإن جاز وفيه إشارة إلى أنّ الظرف حال هنا ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وصفة لمقعد صدق أو بدلاً منه. قوله: (بحيث أبهمه دّوو الإفهام) بفتح الهمزة ويجوز كسرها، وهذه العبارة لا تخلو من ركاكة، وقلاقة ولو قال على ذوي الإفهام كان أحسن لكن المراد منها معلوم كما يفهم من كلام الكشاف، والمراد أنه أبهم العندية والقرب، ونكر مليكاً ومقتدراً للإشارة إلى أنّ ملكه، وقدرته لا تدري الإفهام كنههما، وأنّ قربهم منه بمنزلة من السعادة، والكرامة بحيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت مما يجل عن البيان، وتكل دونه الأذهان، وليس متعلقا بقوله تعالى: بل راجعاً لجملة ما قبله. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم الخ) حديث موضوع، والمناسبة فيه ظاهرة، وقوله: في كل غب بالغين المعجمة المكسورة، والباء الموحدة المشددة أراد أنه يقرؤها يوماً بعد يوم مستعارة من الغب في سقي الإبل يوماً، وترك السقي يوماً ومنه الغب في الحمى تمت السورة بحمد الله، وأنعامه والصلاة والسلام على أكرم رسله وعلى آله وصحبه. سورة الرحمن وتسمى عروس القرآن. بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 قوله: (مكية الخ) الأول قول ابن عباس، والثاني قول مقاتل، والثالث نقله في جمال القراء، وقال: إنه استثنى منها بعضهم يسأله من في السموات الخ، وانها ست أو سبع أو ثمان، وسبعون على اختلاف في بعضها هل هو آية أو بعض آية على ما فصله في الإتقان مما ليس هذا محله. قوله: (لما كانت السورة الخ) مناسبة الرحمة للنعم ظاهرة، والرحمن لنعم الدارين بناء على أنه عام إذ يقال: يا رحمن الدنيا، والآخرة كما مر تفصيله في أوّل الكتاب، وقوله: وقدم الخ بيان للنكتة فيما بدأ به وهو تعليمه للقرآن لأنّ المقصود الدين وأصله، وأجله القرآن فلذا قدم لتقدّمه رتبة، وإن تأخر تعليمه عن خلق الإنسان وجوداً، وقوله: أساس الدين لأنه يعلم به، ويؤخذ منه وبه يستدل، وقوله: إذ هو الخ تعليل للأعظمية، والأعزية وقوله: مصدّق الخ لف ونشر مرتب فتصديقه لنفسه لإعجازه لأنه يدل على أنه كلام الله، وإذا ثبت ذلك ثبت حقية ما فيه، وما طابقه فكان مصداقا لسائر الكتب السماوية. قوله: (ثم أتبعه) أي أتبع القرآن، وتعليمه المقدم ك! فه أي ذكره على عقبه، وقوله: إيماء مفعول له لتعليل ذكره بعده من غير فاصل ولقربه من معنى الإشعار عداه بالباء، وكان الظاهر إلى، وقوله: من البيان بيان لما، وقوله: وهو التعبير الخ تفسير للبيان، والضمير ما يضمر في القلب، ويطلق عليه نفسه، وكلاهما صحيح هنا، وقوله: لتلقي الوحي الخ خبر لأنّ خلق البشر الخ. فإذا كان خلقهم إنما هو في الحقيقة لذلك اقتضى اتصاله بالقرآن، وتنزيله الذي هو منبعه، وأساس بنيانه فما قيل: إنّ قوله لتلقي الوحي متعلق بخلق البشر سهوا لا أن يريد للتعلق المعنوي وهو خلاف الظاهر. قوله: (وإخلاء الجمل الخ أليس المراد بإخلائها عنه أنّ حق الثلاث أن تعطف حتى يرد عليه أنّ الأولى لا يصح عطفها فكان عليه أن يقول إخلاء الجملتين كما قيل أو يتوهم أن الثالثة هي الشمس، والقمر بحسبان بل المراد أنه لم يذكر عاطف فيها، ولم تورد متعاطفة لا مقرون كل منها بعاطف كما توهم مع أن إخلاء الكل لا يستلزم استحقاق الكل، وإذا ظهر المراد سقط الإيراد، وقوله: لمجيئها على نهج التقدير هذا هو المصحح، والمرجح الإشارة إلى أن كلآ منها نعمة مستقلة تقتضي الشكر ففيه إيماء إلى تقصيرهم في أدائه، ولو عطفت مع شدة اتصالها، وتناسبها ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة، وهذا بناء على أن الرحمن مبتدأ خبره ما بعده، وقد قيل: إنه خبر مبتدأ أي الله الرحمن، وما بعده مستأنف لتعديد نعمه وعلم من التعليم، و! وله مقدّر أي علم الإنسان لا جبريل أو محمداً عليهما الصلاة والسلام، وليس من العلامة من غير تقدير كما قيل: أي جعله علامة، وآية لمن اعتبر لبعده، وثم أتبعه عطف على قوله: قدم، وأشار بثم إلى تفاوت الرتبة بينهما، وقيل: لأن الشروع في الفعل بعد مضي مدة من تصور الغرض منه غالباً فجرى هذا على المنوال المعروف في أمثاله، ولا يخفى بعده. قوله: (يجريان بحساب معلوم الخ) فسر الحسبان بوجوه منها أنه مصدر بمعنى الحساب كالكفران، وقيل: هو جمع حساب كشهاب وشهبان، وقيل: اسم جامد بمعنى الفلك من حسبان الرحا، وهو ما أحاط بها من أطرافها المستديرة، وهو غريب لكنه منقول عن مجاهد والجار، والمجرور إمّا خبر بتقدير مضاف أي جري الشمس، والقمر كائن أو مستقر بحسبان أو الخبر محذوف، وهو متعلق به أي يجريان بحسبان، وهذا ما اختاره المصنف، والحسبان عليه محتمل للوجهين الأوّلين، وعلى الأخير هو خبر من غير تقدير. قوله: (والنبات) فسروه به لأنّ اقترانه بالشجر يدل عليه، وإن كان تقدم الشمس، والقمر يتوهم منه أنه بمعناه المعروف ففيه تورية ظاهرة، وقوله: ينقادان الخ إشارة إلى أنه استعارة مصرحة تبعية شبه جريهما على مقتضى طبيعته بانقياد الساجد لخالقه، وتعظمه له. قوله:) وكان حق النظم في الجملتين الخ) هكذا وقع في النسخ بالعاطف في قوله، وأجرى وقد قيل عليه إنّ الظاهر تركه لأنّ الكلام ليس في العطف، وعدمه بل في ذكر ضمير يربطه كما في غيره من الجمل، وليس الكلام في الإجراء وحده بل في كونه بحسبان فكان عليه أيضا أن يقول أجرى الشمس، والقمر بحسبان وجعل النجم، والشجر يسجدان فكأنه أشار بذكر العاطف إلى أنها خبر عن الرحمن فهي كالمعطوفة على الخبر فحقها ما ذكر، وأمّا ترك قوله: بحسبان فلظهوره، وهو أمر سهل فتأمّل. قوله: (في اتصالهما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 بالرحمن) بذكر ضمير يعود عليه، وظاهر أنه خبر أيضاً لا مستأنف كما قيل، وأنّ القطع لأنها مسوقة لغرض آخر وقوله: يغنيه عن البيان فهو مرتبط ارتباطا معنوياً به. قوله: (لاشتراكهما في الدلالة على أنّ ما يحس به) كان الظاهر ترك قوله به لكنه ذكره لتضمنه معنى الشعور، وهو توجيه لما يقتضيه العطف من التناسب فأشار إلى أنّ التناسب هنا باشتراكهما فيما ذكر، وليس المراد أنّ الدلالة على ما ذكر تتحقق بكل منهما بل لكل منهما مدخل فيها فهي من مجموعهما كما يقال: هما مشتركان في العبد، ونحوه: أو المراد تحقق الدلالة بكل منهما لأنّ كلاً منهما يعلم منه حال الآخر بالمقايسة فلا تسامح في كلامه كما قيل، وليس حق العبارة لإشراكهما بالأفعال دون الافتعال كما توهم، وفي الكشاف إنّ الشمس والقمر سماويان، والنجم والشجر أرضيان فبينهما مناسبة بالتقابل، وأيضا جري الشمس، والقمر انقياد لإرادته كانقياد النجم، والشجر المراد من السجود فالمناسبة بينهما بهذا الاعتبار، ولكل وجهة. قوله: (خلقها مرفوعة الخ الأنها لم تكن مخفوضة، ثم رفعت بل المراد أنها وجدت ابتداء هكذا، وليس من قبيل ضيق فم الركية السابق وقوله: فإنها منشأ أقضيته تعليل لكونه أعلى رتبة أي أشرف من الأرض كما مرّ والرفع المحلي مشاهد غنيّ عن البيان، والرفع في النظم شامل للحسي، والرتبي، ولذا قال: محلاً ورتبة دون أو رتبة لأنه من عموم المجاز أو على مذهبه في جواز الجمع بين الحقيقة، والمجاز فلا غبار عليه، وقوله: ومتنزل أحكامه تفسير لقوله: منشأ أقضيته لأنّ ما قضاه الله يثبت في اللوح المحفوظ، وأمّ الكتاب أوّلاً ويعلم به الله تعالى من في الملأ الأعلى، ويأمرهم بتنفيذه وكله في السماء. قوله: (وقرئ بالرفع على الابتداء) ولا إشكال فيه لأنه جملة اسمية معطوفة على مثلها، وأنما الكلام في النصب في أمثاله مما ولي العاطف فيه جملة ذات وجهين أي اسمية الصدر فعلية العجز هل يستوي فيه الرفع، والنصب مطلقا او يرجح الرفع إن لم يصلح للخبرية، وفيه خلاف للنحاة مفصل في المطوّلات، وقد تقدم في سورة يس في قوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [سورة بس، الآية: 39] طرف منه. قوله: (العدل بأن وفر الخ) فالميزان مستعار للعدل استعارة تصريحية، ولكونه أتثم فائدة قدمه، وارتضاه، وقوله في الحديث قامت السموات، والأرض قيامهما بمعنى بقائهما، والمراد بقا من فيهما من الثقلين إذ لولاه أهلك أهل الأرض بعضهم بعضا وأما الملأ الأعلى فهم لا يفعلون غير ما يؤمرون ولا يجري بينهما ما يحتاج للحكم والعدل فذكر. للمبالغة، وأنّ البقاء للعالم جميعه بالعدل، ولذلك يجوز أن يقصد بقاؤهما في نفسهما فتأمّل. قوله: (أو ما يعرف به الخ) فهو أيضا مجاز من استعمال المقيد في المطلق فما قيل من أنّ قوله: ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن الخ أشذ ملاءمة له، ولذا اقتصر عليه الزمخشريّ غير ظاهر لأنّ كلاً منهما لا يخلو من التجوّز، وما ذكر إنما يؤيده لو أريد به الحقيقة، وإن كان هذا أقرب في الجملة، وقوله: كأنه لما وصف السماء الخ بيان لوجه اتصال قوله: وضع الميزان بما قبله على الوجه الثاني، وقوله: التي هي مصدر الخ وصف للرفعة على أنّ المراد بها الرتبة السابقة كما بيناه. قوله: (لئلا تطغوا فيه) فهو على تقدير الجار وجعلها الزمخشريّ مفسرة لما في وضع الميزان من معنى القول لأنه بالوحي، واعلام الرسل قيل، وهو أحسن مما ذكره المصنف لأنه لا معنى لقوله: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} إذ المناسب في الموزون، ونحو. فلا وجه لما قيل: إن المصنف لم يذكر. لعدم تقدم جملة متضمنة لمعنى القول وهو شرطها فإنه غفلة ظاهرة. قوله: (ولا تجأوزوا الإنصاف) هذا جار على التفسيرين للميزان، وإن كان المتبادر منه الوجه الأوّل مع. أنه للاقتصار عليه وجه وقوله: على إرادة القول بتقدير قائلاً ونحوه لا قل كما قيل، ولا ناهية بدليل جزمه وعلى الأوّل نافية ولا ينافيه عطف أقيموا الإنشائي عليه لأنه لتأويله بالمفرد تجرّد عن معنى الطلب، ويجوز كونها ناهية أيضاً، وقوله من حقه أن يسوي، ويعلم منه أنّ الزيادة غير ممنوعة بالطريق الأولى. قوله: (وتكريره مبالفة في التوصية الخ) أي تكرير لفظ الميزان بدون إضماره على مقتضى الظاهر، ويحتمل تكرير الأوّل بالعدل في الوزن لدلالة الجمل الثلاث على معان متقاربة فهي مكرّرة معنى. قوله: (على أن الأصل الخ) متعلق بقراءة الفتح، وهذا بناء على ما ارتضاه بعض أهل اللغة من أنه لم يرد منه إلا لازما هذا هو الذي أراده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 الشيخان كما صرّح به بعض شراح الكشاف، وأمّا ما قيل من أنه لا حاجة إلى ذلك لأنّ خسر جاء متعدياً كقوله: {خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 12] {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [سورة الحج، الآية: 111 والجواب عنه بأنه ليس هذا من ذاك فإنّ معناه وقوع الخسران بهما، وأنهما معدومان، وهذا المعنى غير مراد هنا إذ المراد لا تخسروا الموزون في الميزان، وكذا إذا جعل بمعنى النقص فلا محصل له لأنه إذا سلم أنه لا يكون إلا متعديا فلا حاجة للتقدير المذكور نهايته أنه يجعل الميزان مجازاً عما فيه أو يقدر فيه مضاف فتامله فإنه غير محرّر. قوله: (للخلق الخ) هو أحد معانيه في اللغة وقيل هو الجن، والإنس وقيل ما على الأرض، وقوله: ضروب مما يتفكه به أخذه من التنكير بمعونة مقام المدح كتمرة خير من جرادة، وأيضاً هو اسم جنس فيشعر الاقتصار عليه باختلاف الأنواع. قوله: (أو كل ما يكم أي يغطي الخ) يقال: كمه يكمه بالضم كنصره ينصره، وهذا أظهر مما قبله فإنّ ثمر النخل لا كم له كما لا يخفى إلا أن يراد أكمام طلعه قبل أن يصير بلحا، والكم بكسر الكاف في الثمار، وبضمها في القميص، وقد يضم في الأوّل أيضاً كقوله: نسيمه قد جرّ أذياله وزهره يضحك في كمه والليف بكسر اللام معروف، وسعفه بفتحتين أغصانه إذا يبست أو ما دام عليها الخوص فإذا خلا عنه فهو جريد، وكفريّ بضم الكاف وفتح الفاء، وفتح الراء المشددة، والقصر وعاء طلع النخل من الكفر، وهو الستر وقوله: فإنه ينتفع به أي بما يغطي مما ذكر، وهو بيان لفائدة توصيفه لقوله: ذات اكمام، وقوله: كالمكموم متعلق بقوله: ينتفع أي كما ينتفع بالمكموم، وهو ثمره وشحمه. قوله: (كالجذع) وهو خشبتها، وجرمها القائم وهو مثال بعد مثال إشارة إلى الانتفاع بجميع ما فيها فهو بدل مما قبله، ولو عطفه عليه كان أظهر، وفي بعض النسخ كالجشع، والحب والثمرة، وفي بعضها كالجأع، والجمار والثمرة، والحب ذو العصف قيل، وهو الصواب والنسخ مختلفة لكن المقصود منها ظاهر. قوله: (يعني المشموم) إما أن يراد به كل نبات له رائحة طيبة فيشمل الأزهار أو يراد به الريحان المعروف، وإطلاقه على الرزق لأنه يرتاح له، وقوله: أو أخص أي يقدر ناصبه أخص مقدراً، واعترض عليه بأنه لم يدخل في مسمى الفاكهة، والنخل حتى يخصه من بينها، وأجيب عنه بأنه أراد إضمار هذا اللفظ لا الاختصاص الصناعي، وقيل عليه لزوم دخول المنصوب على الاختصاص فيما قبله غير مسلم ألا ترى نحن معاشر الأنبياء، وسبحانك الله العظيم، وأمثاله انتهى، وهذا كله من ضيق العطن فإنّ كونه ليس باختصاص صناعي، وكون الاختصاص لم يشترطوا فيه ما ذكر مما لا شبهة فيه، والمعترض إنما أراد أن ما قدره غير صحيح أو غير حسن بحسب المعنى لأنّ تقدير أخص قد يقتضي بحسب السياق أنّ الكلام فيه ما يشمله، وغيره وما نحن فيه كذلك فتأمله. قوله: (ويجورّ أن يراد وذا الريحان) على أنّ الريحان بمعنى اللب، وقوله: فحذف المضاف أي وأقيم المضاف إليه مقامه، وقوله: بالخفض بالعطف على العفص والرفع بعطفه على فاكهة. قوله:) وهو فيعلان من الروح) هذا جواب عن اعتراض معروف بأنّ الظاهر أنه من الروح، وهو واوي كما صرّح به أبو علي فلا وجه لقلب الواو ياء حينثذ بأنّ أصله ريحان بالتشديد، وكان أصله ريوحان فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع ياء ساكنة مقدمة، وهو في مثله قياس مطرد لزوما، ثم خفف بعد القلب بحذف إحدى الياءين، وهو قياس مطرد وأمر حسن بحسب اللسان أيضا كهين، وميت وكثير من أمثاله. قوله: (وقيل روحان الخ) أي أصله روحان بفتح الراء، وسكون الواو فقلبت على غير القياس شذوذاً، ولذا مرضه وهذا منقول عن أبي عليئ الفارسي، وقد اعترض عليه بما مرّ واليه يشير كلام المصنف. قوله: (المدلول عليهما الشمول الأنام لهما كما مرّ من تفسيره، والثقلان يدل أيضا على أنّ ذلك هو المراد فلا يرد أنه لم يتقدم هنا فكيف يدل مع تأخر.، والمراد بالدليل هنا الدليل المتعارف في لسان العرب، وعرف البلغاء لا المنطقي حتى يورد عليه أنه عامّ والعامّ لا دلالة له على الخاص بشيء من طرق الدلالة. قوله:) والفخار الخزف (وهو ما أحرق منه حتى تحجر، وقوله: فلا يخالف الخ جمع بين الآيات الوارد فيها ذلك بما ذكر، وقوله: الجن الخ في تفسير الجان أقوال فقيل هو اسم جنس شامل للجن كلهم، وقيل: إنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 اسم لأبيهم كآدم للبشر وهل هو إبليس أو غيره قولان أيضا، وقوله: أبا الجن مفرد منصوب لا جمع أب، وقوله: من الدخان متعلق بصاف لا بيان له. قوله: (بيان لمارج الخ) في الكشاف بيان لمارج كأنه قيل: من صاف من نار أو مختلط من نار انتهى، وفي الكشف يعني أنه إن كان بيانا لمارج فالتنكير للمطابقة، ولأن التعريف لكنه حقيقته، وكأنه قيل: خلق من نار صافية أو مختلطة على التفسيرين، وإن جعلت من ابتدائية فإنما نكر لأنه أراد نارا مخصوصة متميزة من بين النيران لا هذه المعروفة اهـ، والمصنف اختار أحد الوجهين فأعرفه. قوله: (فإنه ني الأصل الخ (بيان لأنه محتاج للبيان لعمومه لكل مضطرب، ومنه الهرج، والمرج وقوله: أطوار خلقتكما المراد به النطفة فما بعدها، وقوله: أفضل الخ المراد جميعها لأنّ الإنسان أفضل من الملك عندنا، ولا يلزم تفضيل الجن عليهم أو المراد الحيوانات، وغيرها مما في العالم السفلي بناء على أنّ المركبات لا تشمل الملك ظاهراً وهو الظاهر، وقوله: أرسلهما أي أجراهما، وهو لا ينافي ما مرّ من أنّ معنى المرج الاضطراب لأنه إذا جرى اضطرب. قوله: (يتجاوران الخ) يعني أنهما إذا دخل أحدهما في الآخر قد يجري فيه فراسخ، ولا يتلاشى ويضمحل حتى يغير أحدهما طعم الآخر، ولونه كما نشاهده، وقد صرح به المصنف في آخر الفرقان، ومرّ ما فيه أو بحري فارس والروم فإنهما يلتقيان في البحر المحيط، وهو مروفي عن قتادة لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج والقرآن يفسر بعضه بعضآ، وقوله: خليجان أي شعبتان من الأصل من خلجه إذا شقه فقوله: يتشعبان منه تفسير له، وقوله: يلتقيان حال مقدرة إن أريد إرسالهما إلى المحيط أو المعنى إيجاد أصلهما إن كان المراد إرسالهما منه ولكل وجهة فتأمل. قوله:) حاجز من قدرة الله) إن أريد بالبحرين العذب، والملح أو من الأرض إن أريد بحرآ فارس، والروم ففيه لف ونشر مرتب، ومعنى يلتقيان على الثاني تجاور أحدهما للآخر بلا تماص، وتلاصق بخلافه على الأوّل كما مرّ وكذا قوله: لا يبغي أحدهما الخ ناظر إلى الأوّل، وقوله: لا يتجاوزان بالمعجمة ناظر للثاني، وقوله: المرجان الخرز الأحمر، وهو البسد، وهذا هو المشهور المتعارف واللؤلؤ على هذا شامل للكبار، والصغار والتمييز بينهما بالوصف، وبه فسر ابن مسعود. قوله:) وإن صح الخ) هو مما لا شبهة في صحته فلو لم يعبر به كان أحسن، وقوله: فعلى الأوّل أي التفسير الأول، وهو أق اللؤلؤ كبار الدرّ والموجان صغاره فيشكل قوله: منهما لأنه خرج من أحدهما، وهو الملح فإقا أنه لامتزاجهما يكون خارجا منهما حقيقة أو أنه نسب لهما ما هو لأحدهما كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم كما مز، وفي الانتصاف إنّ هذا هو الصواب ومثله لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وأنما أريد إحدى القريتين، وكما يقال: هو من أهل مصر، وأنما هو من محلة منها انتهى، ولا يخفى أنّ هذا وإن اشتهر خلاف الظاهر فإمّا أن يكون ضمير منهما لبحري فارس، والروم وهو الأصح أو يقال: معنى خروجه منهما ليس أنه متكوّن فيهما بل إنهما يحصلان في جانب من البحار انصبت إليها المياه العذبة كما قيل: إنّ الغوّاصين نقلوه أو الماء العذب هنا هو ماء الأمطار، واللؤلؤ منه لأنّ الأصداف في شهر نيسان تتلقى ماء المطر بأفواهها فيتكوّن مته، ومما يشاهد في الجدب قلة اللآلى، والأسماك فالماء العذب كاللقاح، والنطف لها كما ذهب إليه الجمهور، وظاهر قوله: فعلى الأوّل أنه على الثاني غير محتاج للتأويل، وليس كذلك فإن المرجان أيضاً لا يتكون إلا في البحر الملح ففي عبارته قصور آخر. قوله: (أو لأنهما لما اجتمعا الخ) أي هما لاجتماعهما، وتلاقي سطحيهما صارا كشيء واحد فنسب الخارح إليهما حقيقة، ولا يخفى أنّ هذا إنما يتم إذا كان تكوّنه في محل اجتماعهما وإذا ثبت هذا لم يحتج لتأويل أصلاً، وقبل ثبوته لا يتم الجواب، واعلم أنه لم يرد في كلام العرب مثل لؤلؤ إلا جؤجؤ بمعنى صدر ودؤدؤ وبؤبؤ. قوله: (ورفع الراء) أي إظهار الرفع على الراء، وقد كان مقدرا على الياء التي في آخره لأنه منقوص فاذا حذفت لالتقاء الساكنين كانت مقدرة عليها أيضاً، وقرأ أبو عمرو برفع الراء لأنّ المحذوف لما تناسوه أعطوا ما قبل الآخر حكمه، وقد سمع هذا من العرب في الشعر المذكور فإنه أظهر فيه الرفع على نون ثمان، وهو منقوص أيضا، وقد مرّ بحثه في الأعراف، والثنايا من الأسنان مقدمها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 والشعر في وصف ثغر امرأة، ومعناه واضح. قوله: (المرفوعات الشرع) بضم الشين، والراء جمع شراع وهو القلع من أنشأه بمعنى رفعه أو المرفوعات على الماء، ولم يذكره المصنف لقلة جدواه، وكونه بمعنى المصنوعات أشهر لكنه لا فائدة فيه أيضا، وقوله: الرافعات الشرع على الإسناد المجازي إلى المحل وانشاؤها للأمواج مجاز أيضا، والمراد شقها للماء فهو، وما بعده مجاز أيضاً. قوله: (من خلق موادّ السفن الخ) تفسير للآلاء بما يناسب ما قبله حتى لا يكون مكررا صرفا، وضمير أخذها للموادّ، وقوله: من للتغليب إذا أريد به مطلق الحيوان أو مطلق المركب بخلاف ما بعده، ولذا قدم ذكره عليه، وقوله: ذاته فالوجه مجاز مرسل بمعنى الذات، وهو مجاز شائع، وقد يخص بما شرف منها. قوله: (ولو استقريت جهات الموجودات الخ) هذا تفسير آخر على أنّ الوجه ليس بمعنى الجارحة مجازا عن الذات بل بمعنى الجهة التي تقصد، ويتوجه إليها فإنه موضوع لهذا لغة أيضا لا بمعنى القصد، والمراد المقصود كما توهم قال أسناذنا المقدسيّ قدس الله روحه: ما هو في حذ ذاته عدم فالأصل بقاؤه على ما هو عليه بحسب الذات إلا الجهة التي يليها الحق أي يتولاها بفضله، ويفيضها عليه من عنده فالمعنى ما سوى الحق من الممكنات فإن أي قابل للفناء في حد ذاته لولا نظر الحق إليه، وإفاضة خلع الوجود عليه لما حصل له تشريف الوجود، ولبقي على ما كان عليه، وهو مفقود فلم يبق بعد نظر الحق إليه على الفناء الذي كان ثابتاً له في حدّ ذاته، وبالنظر إليه نفسه فيمكن أن يراد بالوجه العمل الصالح كما في بعض التفاسير، ومعنى قوله: يلي جهته يمرّب به إليه ويقصد به الجهة التي أمرنا بالتوجه إليها، وهو قد كان في حيز العدم فلما فعله العبد ممتثلاً أمره أبقاه له إلى أن يجازيه عليه، ولك أن تقول هو بالقبول صار غير قابل للفناء لما أنّ الجزاء عليه قام مقامه، وهو باق، وقال بعض مشايخنا: ذلك الوجه الموصوف بعدم الفناء قيوميته تعالى للموجودات، وهي صفة له تعالى غير قابلة للفناء في ذاتها، وتؤمن بها كما أخبر الله، وإن جرينا على مذهب السلف من أنّ الوجه، واليد ونحوهما صفات نثبتها، ولا نشتغل بكيفيتها ولا بتأويلها صح، وصفها بأنها غير قابلة للفناء في حد ذاتها قال بعض العارفين: أبى المحققون أن يشهدوا غير الله لما حققهم به من شهود القيومية، وإحاطة الديمومية، وقال ابن عطاء: الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون، ولم يشهد فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار، وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار اهـ وعلى هذا فهو تفسير آخر لكن في سياقه تسمح لأنه ظاهر في خلافه أو نقول الوجه بمعنى الذات أيضاً لكنها ذات العبد، والمخلوق، واضافته للرّب ليست بيانية بل لامية، والمعنى إلا الذات من حيث استقبالها لربها، ووقوفها في محراب قربها، وضمير ذاته لمن، وهو تفسير واحد، وهذا هو الأقرب والأشبه بمقاصده فافهم، وقال بعض علماء العصر يريد بيان كون من عليها فانيا مع الاتصاف بالوجود، وبيان فائدة لفظ الوجه، وهو أنّ الموجودات الممكنة لها جهات، ووجوه من ذواتها وصفاتها وأحوالها، وتلك الجهات، والوجوه كلها هالكة فانية في حذ ذاتها إلا الوجه الذي يلي جهته تعالى، ويكون منسوبا إليه فإنه الباقي وحده، وذلك الوجه الباقي يطلق عليه لفظ الوجود لكونه مظهر النور الإلهي المنوّر له من الله الذي هو نور السموات والأرض، وبهذا التقرير اندفع توهم التدافع بين تفسير الوجه أوّلاً بالذات وثانياً بالذي يلي جهته فتأمله فإنه من مزال الأقدام، وقد طلع الصباح فأطفئ المصباح. قوله: (ذو الاستنناء المطلق الخ) فسره بما ذكر لأنّ الجلال العظمة، وهي تقتضي ترفعه عن الموجودات، وتستلزم أنه غنيّ عنها ثم ألحق بالحقيقة، ولذا قال الجوهرفي: عظمة الشيء الاسنغناء عن غيره، وكل محتاج حقير، وأمّا الإكرام فظاهر وقال الكرماني: إنه تعالى له جهات عدمية مثل لا شريك له، وتسمى صفات الجلال، وصفات وجودية كالعلم والحياة، وتسمى صفات الإكرام اهـ، وفيه تأمّل. قوله:) مما ذكرنا الخ) تفسير للآلاء أيضاً، وإبقاء ما لا يحصى إشارة إلى ما مز في تفسير وجه وبك، وقوله: أو مما يترتب الخ بجعل الآلاء هي نفس الفناء لأنه مراحل البقاء وقيل: إنه كناية عما ذكر، وخطاب ربك غير خطاب ربكما، ولذا أفرد مع تثنيته إمّا لأن المخاطب النبيّ! ت أو هو عامّ لكل من يصلح للخطاب لعظم الأمر، وفخامته واندراج الثقلين فيه اندراجا أولياً، ولا كذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 الثاني فلذا أبقاه على ظاهره، وهو الذي ارتضاه الطيبي. قوله: (في ذواتهم الاستناد وجودهم إليه تعالى بدأ وبقاء، وقوله: نطقاً كان أي ما يدل على الحاجة، وقوله: كل وقت الخ. قيل عليه إنه بحسب الظاهر مخالف لما مرّ في تفسير قوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} [سورة القمر، الآية ت 50] لاقتضائه عدم التدريج ولذا قيل جف القلم فالتوفيق بينهما أنّ الأوّل باعتبار تقديره في الأزل وهذا باعتبار تعلق الإرادة باحداثه في وقته المعين له كما قيل إنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها وهذا معنى قوله: يحدث الخ. قوله: (وفي الحديث الخ) رواه ابن ماجه وابن حبان وغيرهما عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وقوله: وهو ردّ لقول اليهود الضمير لما في الآية من قوله: كل يوم وما في الحديث تفسير لها، ولذا قيل: إنّ الآية نزلت في اليهود، وقوله: مما يعسف تفسير للآلاء كما مرّ، ومكمن العدم محل كونه أي اختفاؤه، وهو استعارة حسنة، وفيه إشارة لما قدمه. قوله:) ستتجرّد لحسابكم وجزائكم الخ (التجرّد بمعنى الفراغ، ويقال: تجرّد للأمر إذا جد فيه لأنّ الجد في الأمر يلزمه ترك ما عداه وليس المراد أنه مجاز مرسل لاستعمال الفراغ في لازمه، وهو التجزد كما توهم فإنّ التجرّد كالفراغ في أت تعالى لا يوصف به بل المراد أنه جعل انتهاء الشؤون إلى شأن واحد وهو جزاء المكلفين فراغا على سبيل التمثيل لأنّ من ترك أشغاله إلى شغل واحد يقال: فرغ له، واليه فشبه حال هؤلاء وأخذ. تعالى في جزائهم فحسب بحال من فرغ له، وجازت الاستعارة التصريحية أيضا لاشتراك الأخذ في الجزاء فقط والفراغ من جميع المهام إلى واحد في أنّ المعنيّ به ذلك الواحد كما في المفتاح كذا في شرح الكشاف، وذلك إشارة إلى التجوّد لهما أو لهما باعتبار ما ذكر، وكذا ضمير غيره أو هو للجزاء فإنه المقصود. قوله: (وقيل تهديد الخ (لما كان الفراغ يفتضي لغة سابقية عمل، والفراغ للشيء يقتضي لاحقيته أيضاً استعمل الثاني للتهديد كأنه فرغ عن كل شيء لأجله فلا شغل له سواه فيدل على التوفر في النكاية، وهو كناية فيمن يصح عليه، ومجاز في غيره. كما فهما نحن فيه وليس الخطاب للمجرمين على هذا لأنّ توله: أيها الثقلان يأباه نعم المقصود يالتهديد هم، ولا مانع من تهديد الجميع أيضاً، وقوله: فإنّ المتجرّد الخ بيان لكون القول المذكور يدل على التهديد كما بيناه. قوله: (أي سنقصد إليكم) يعني أنه ضمن معنى القصد أو حمل عليه إذ هو يتعدى بإلى بخلاف الفراغ فإنه لا يتعدى بها، وأمّا القراءة المشهورة فلا تحتاج لهذا كما توهم، وإن كان الفراغ على ضربين فراغ عن شغل، وقصد لشيء فتأمل. قوله: (سميا " لك لثقلهما على الأرضر الخ (لم يجعله من ثقل الدابة، وهو ما يحمل عليها على طريق الاستعارة لأنه لا حاجة إليه فالقول بأنه أولى لا وجه له، ورزانة الرأي، والقدر مجاز كثقل اقكليس، وقريب منه قول الحسن سميا ثقلين لثقلهما بالذنوب، والثقل يقال: لكل ذي قدر وزنة صما يتنافس فيه، ومنه الحديث (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) . قوله: (إن قدرتم الخ) أصل الاستطاعة طلب طواعية الفعل، وتأتيه ثم جعل نفيه بمعنى نفي الإرادة، والقدرة فلذا فسره بما ذكر، ثم إنه تعالى لما ذكر أنه لا محالة مجاز للعباد عقبه بقوله: إن اسنطعتم الخ. لبيان أنهم لا يقدرون على الخلاص من جزائه، وعقابه إذا أراده فما قيل إنه غير مناسب لما قبله وما بعده مكابرة. قوله: " ن قدرقم أن تنفذوا الخ) فالمراد بالنفوذ دخولهم في السماء بعد الصعود لها أو في الأرض، وقوله: ببينة تفسير للسلطان فإنه يكون بمعنى الحجة كما يكون بمعنى القوّة والقهر، وفي العروج على البينة استعارة مكنية، وتخييلية لتشبيهها بالسلم. قوله: (أي من التنبيه والتحذير الخ) مبني على الوجه الأوّل وكون السلطان بمعنى القوّة، وقوله: مما نصب الخ على الثاني، وأنّ السلطان الحجة، وجعل الأدلة العقلية مصاعد لما فيها من العلو، والنقلية معارج تفننا، واشارة لسهولتها. قوله: (ودخان الخ) ولما كان المعروف فيه المعنى الآتي بما ذكره، والبيت للأعثى من قصيدة، والسليط الزيت، وما يوقد به المصابيح، وقيل: ومنه السلطان لتنوير الوجود بعدله، وضمير فيه للضوء، ويجوز رجوعه للسراح، والأوّل أولى، وقوله: مذاب أخذه من قوله: يرسل بمعنى يصب، والا فمعناه الصفر مطلقاً، وفسر الشواظ باللهب مطلقاً، وقيل: إنه اللهب الذي معه دخان، وقيل: الصافي منه الأحمر، وجملة يرسل الخ مستأنفة في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم ومن في قوله: من نار ابتدائية لا بيانية حتى يلزم كون الشواظ في قراءة الجرّ مفسراً باللهب، والدخان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 معاً، ولا حاجة أيضاً إلى تقدير موصوف أي شيء من نحاس كما توهم أو يقال هو معطوف على شراظ، وجرّ للجوار فإنه تكلف ما لا داعي له، وقوله: أو صفر معطوف على دخان، وقوله: نحس بضمتين جمع نحاس كلحف جمع لحاف، ونون نحاس تكسر في لغة، وبه قرمما أيضا. قوله: (فإنّ التهديد لطف) إذ به ينزجر الشخص عن المعاصي فيفوز بالنعيم المقيم فبهذا الاعتبار كان من الآلاء، وهو بيان لكون ما ذيل به مناسبا له. قوله تعالى: ( {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} الخ) إذا شرطية جوابها مقدر أي كان ما كان مما لا تطيقه قوّة البيان أو وجدت أمراً هائلاً أو رأيت ما يذهل الناظرين، وهو الناصب لاذا ولهذا كان مفرّعا ومسبباً عما قبله لأنّ في إرسال الشواظ ما هو سبب لحدوث أمر هائل أو رؤيته في ذلك الوقت. قوله: (حمراء كوردة) فهو ثبيه بليغ وقوله: التجريد أي البديعي لأنه بمعنى كانت منها أو فيها وردة مع أنّ المقصود أنها نفسها وردة. قوله: (ولئن بقيت الخ) هو من قصيدة لقتادة بن مسلمة مذكورة في الحماسة وأوّلها: نكرت عليّ من السفاه تلومني سفهاءتعجزبعلهاوتلوم وقرله: ولئن وقع في الحماسة فلثن بالفاء، وقوله: تحوي الغنائم أي تحوزها مضارع حوى، وفي رواية نحو الغنائم بنصبه ظرفاً لأرحلن، وقوله: أو يموت بالنصب أي إلا ان يموت كريم، وعني بالكريم نفسه على طريق التجريد وهو محل الاستشهاد إذ لو لم يجرد من نفسه كريما لقال أو أموت. قوله: (مذابة كالدهن) فالدهان بالكسر بمعنى الدهن لأنه اسم آلة، ومعناه ما يدهن به، وفيه وجوه من الإعراب ككونه خبرا بعد خبر وصفة وردة، وحالاً من ضمير كانت على رأي من أجازه، وكلام المصنف رحمه ألله يحتملها، وقوله: أو جمع دهن كرمح ورماح، وإذا كاك بمعنى الأديم الأحمر فقيل: هو مفرد، وقيل: هو جمع أيضاً كما فصله السمين، وقوله: مما يكون بعد ذلك، ولما لم يكن انشقاق السماء من الآلاء جعله من النعم باعتبار أنه مقدمة لدخول الجنة، وما معه فتدبر. قوله: (لآنهم يعرقونهم بسيماهم) إشارة إلى أنّ قوله: يعرف المجرمون الخ استئناف لتعليل انتفاء السؤال، والمجرمون من وضع الظاهر موضع المضمر للإشارة إلى أنّ المراد بعض من الإنس، وبعض من الجن كقوله: {لَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [سورة القصص، الآية: 78] وقوله: ذوداً ذودا الذود طائفة من الإبل، واستعارة لهم تشبيهاً لهم بالبهائم، وقوله: وأما قوله الخ توفيق بين الآيتين بأنه باعتبار المواقف فنفى السؤال عنهم في محل لا ينافي السؤال عنه في آخر، وقد تقدم نظيره أو السؤال المنفيّ سؤال التعرّف، والمثبت سؤال التوبيخ، والتقريع وهذا جواب آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله فلا وجه لتفسيره به كما قنل، وقوله: والهاء الخ، ولو جعل للمذكور صح أيضاً، وقوله: باعتبار اللفظ فإنه مفرد، وتقدمه رتبة لأنه نائب عن الفاعل، وهو بيان لما يصحح كونه مرجعا مع تأخره لفظا، وقوله: في هذا اليوم بيان لارتباطه بما قبله، وتوجيه لكونه من الآلاء، والنعم وقوله: فيؤخذ بالنواصي الخ الباء كالتي في أخذت بالخطام فهي للآلة، وقيل: إنها للتعدية لتضمينه معنى يسحبون، ولا وجه له لأنّ سحب لا يتعذى بالباء فإن أراد ما ذكر فلا حاجة للتضمين، وفيه كلام في الدر المصون والناصية مقدم الرأس، وليست أل فيه عوضاً عن الضمير كما توهم. قوله: (مجموعاً بينهما) بغل، ونحوه أو في الأخذ بعنف، وقوله: وقيل: يؤخذون بالنواصي الخ فالواو بمعنى أو التي للتقسيم ولذلك مرضه لأنه خلاف الظاهر بالنواصي متعلق بيؤخذون كما في النظم، ولا وجه لكونه بدل اشتمال من يؤخذون كما تيل. قوله تعالى: ( {هَذِهِ جَهَنَّمُ} الخ (مقول قول مقدر معطوف على قوله: يؤخذ الخ. أو مستأنف في جواب ماذا يقال لهم لأنه مظنة للتوبيخ، والتقريع أو حال من أصحاب النواصي، وكان أصله التي كذبتم بها فعدل عنه لما ذكر للذلالة على استمرار ذلك، وبيانا لوجه توبيخهم وعلته، وقوله: يحرقون بها بيان للواقع أو بيان لما أريد من الطواف بينها، وهو الظاهر. قوله: (بلغ النهاية في الحرارة (وهو اسم منقوص كقاض من أنى يأتي إذا غلى، وقيل: إنه بمعنى حاضر وقد تقدم تفصيله في سورة الأحزاب، وقوله: وقيل الخ فبين للتقسيم كما تقول هو بين الخوف وبين الرجاء. قوله: (موقفه الذي يقف فيه الخ (يعني أنّ مقام اسم مكان، وهو المكان الذي يقف فيه الخلق للحساب لأنهم قائمون فيه لانتظار ما يراد بهم ويحل عليهم، وإضافته للرب لامية لاختصاص الملك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 يومئذ به تعالى بحسب نفس الأمر، والظاهر لا أنه موقف مقام للزب لأنه منزه تعالى عن مثله فالإضافة اختصاصية لا لأدنى ملابسة كما توهم. قوله: (أو قيامه على أحواله الخ (هذا معنى ثان المقام فيه مصدر ميمي بمعنى القيام أي من خاف قيام ربه، وقيامه بمعنى مراقبته له، وكونه مهيمنا عليه حافظاً لأحواله كما في قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد، الآية: 33] . قوله:) أو مقام الخائف عند ربه الخ (أي المقام لمن خاف، واضافته للرب لأنه عنده فهو كقول العرب ناقة رقود الحلب أي رقود عند الحلب فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى عند وزادوا الإضافة العندية، والجمهور على أنها لامية كما صرّح به شزاح التسهيل، وليس من الإضافة لأدنى ملابسة أيضا، وقوله: بأحد المعنيين أراد به معنيي المقام، وهو كونه اسم مكان أو مصدرا ولا فرق بينه، وبين الأوّل إذا كان أسم مكان إلا في تخصيص المكان بالخائف، وتغاير الإضافة على رأي الكوفيين وأما على الثاني فهو ظاهر لأنّ القيام على ظاهره لا بمعنى الحفظ، والإضافة غير تلك الإضافة، وقوله: تفخيما وتهويلا لأنّ العندية، والمكانية محال في حقه تعالى فالمراد بها ذلك فما قيل: المراد أنه باحد المعنيين المذكورين، وهو موقفه الذي يقف فيه للحساب، ويحتمل أن يريد بأحد المعنيين أيهما كان لكن لا تخلو صحة المعنى الثاني عن تكلف كلام ناشئ من قلة التدبر. قوله: (أو ربه) أي التقدير خات ربه، ومقام مقحم، وليس المراد أنه زائد حقيقة بل زيادته بالنظر إلى أصل المعنى المراد، وأنه يصح بدونه لأنه غير زائد بل هو ذكر لأنّ الكلام كناية عن خوف الرب، واثبات خوفه له بطريق برهانيئ بليغ لأنّ من حصل له الخوف من مكان أحد يهابه، وإن لم يكن فيه فخوفه منه بالطريق الأولى، وهذا كما يقول المترسلون: المقام العالي، والمجلس السامي، وكما في الشعر المذكور، واليه أشار المصنف بقوله: للمبالغة. قوله: (كقوله الخ) هو من قصيدة للشماخ مدح بها عرابة بن أوس الخزرجي أولها: إلا نومي طوى لي وصل أروى ظنون آن مطرح الظنون وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطيركالورق اللجين ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين والقصيدة في ديوانه مشهورة، ومعنى ما ذكر أنه يصف تبكيره للقاء محبوبته فقوله: وماء البيت يعني به أنه ورده، وهو خال من الناس قبل كل أحد، واللجين بفتح اللام الذي خبط حتى تلجن أي تلزح، وقوله: ذعرت به القطا الخ. خصهما لأن القطا أنكى الطيور، والذئب أنكى السباع، والشاهد في قوله: مقام الذئب فإذا لم يكن للذئب فيه مقام لزم أن لا يكون ذئب، وقوله: كالرجل اللعين أي المطرود الذي خلفه من يطلبه فإنه لا ينام ويرد الميا. قليلا، وتفسيره بما يتخذ في المزارع على هيئة رجل لتخويف الوحوس، والطيور وطردها وإن ذهب إليه كثير ممن شرحه لكن الأوّل أظهر، وأبلغ وضمير به وعنه للماء في البيت الذي قبله. قوله: (جنة الخ) بيان لوجه اختيار التثنية دون الإفراد والجمع، وقوله: بعد مبنيّ على الضم أي بعد هذه الآية، وقوله: ذواتا تثنية ذات بمعنى صاحبة فإنه إذا ثنى فيه لغتان ذاتا على لفظه، وهو الأقي! كما يثنى مذكره ذوا والأخرى ذواتا بردّه إلى أصله فإنّ التثنية تردّ الأشياء إلى أصولها، وليس تثنية الجمع كما يتوهم، وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل، وهو صفة جنتان أو خبر مبتدأ مقدر أي هما، وقوله: جمع فن ومعناه النوع، ولذا استعمل في العرف بمعنى العلم. قوله: (وهي الغصنة) بكسر الغين المعجمة، وفتح الصاد المهملة جمع غصن كقرط وقرطة فضمير هي للأفنان إذا كانت جمع فن أو للفنن، وتأنيثه لتأنيث خبره، والأفنان ما دق، ولان من الأغصان كما قاله ابن الجوزي، وتفسيره بالأغصان كما في القاموس تسمح على عادة أهل اللغة في التعريف بالأعم، وفرع الشجرة ما قام على الساق من القضب الغليظة، وأطرافها هي أفنانها فمن قال إنه الغصنة تأنيث غصن بالضم فقد تعسف مع ما فيه من الركاكة الغنية عن البيان. قوله: (وتخصيصها) أي الأفنان مع أنها ذوات قضب، وأوراق وثمار إلى غير ذلك مما في الأشجار لأنّ في ذكرها ذكراً للأوراق، والثمار والظلال المقصودة بالذات على طريق أخصر، وأبلغ لأنه كناية كما في شروح الكشاف. قوله: (حيث شأؤوا في الأعالي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 والأسافل الخ) إشارة إلى فائدة قوله: يجريان، والقرينة عليه ما علم من وصف عيون الجنة فالقرينة خارجية وقوله: قيل الخ يعني أنهما سميا بهذين الاسمين، وسيأتي معناهما، وقوله: صنفان لأنّ الزوح يكون بمعنى الصنف كما مرّ، وقكئين مدح للخائفين يعني هو إمّا حال من قوله: خاف، وجمع رعاية لمعناه بعد الإفراد رعاية للفظه، وقيل: عامله محذوف أي يتنعمون متكثين 6 والمراد بالمدح أنه منصوب باعني مقدراً لا أنه نعت مقطوع ولا منصوب على الاختصاص إذ لا وجه له، وقوله: لأنّ من خاف في معنى الجمع راجع للوجهين. قوله: (وجنى) اسم أو صفة مشبهة بمعنى المجني، وهو الثمر الذي يجني أي يؤخذ من أغصانه، وكسر الجيم لغة فيه، وقوله: فإنّ جنتان يدل على جنان لأنه يلزم من أنه لكل خائف جنتان أن يكون فيها جنان، ويساتين كثيرة فلا حاجة إلى قول الفراء أنّ العرب توقع ضمير الجمع على المثنى كما في الأشباه، والنظائر النحوية. قوله: (أو فيما قيهما الخ) فضمير فيهن للبيوت، والقصور المفهومة من الجنتين أو للجنتين باعتبار ما فيهما مما ذكر كما هو المعروف في أمثاله في الدنيا، وقوله: أو في هذه الآلاء فضمير فيهن للألاء، والظرفية مجازية كما يقال للمتنعم هو في النعيم، وفي اللذات، والمجموع ظرف مجازيّ فلا يتوهم أنّ المناسب للفرس على لا في مع أنه غير مسلم، وقد قيل إنه شبه تمكنهم على الفرش بتمكن المظروف في الظرف، وإيثاره للأشعار بأنّ أكثر حالهم الاستقرار عليها، ولذا قيل: متكئين على فرس ولا يضرّه تقدّم {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} على ذكر الاتكاء على الرفوف فتأمّل. قوله: (نساء قصرن الخ) قال ابن رشيق في قول امرى القيس: من القاصرات الطرف لو دلث محول من الذرّ فوق الأنف منها الأثرا أراد بالقاصرات الطرف أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة لما بعد، ولا ناظرة لغير زوجها ويجوز أن يكون معناه أنّ طرف الناظر لا يتجاوزها كقول المتنبي: وخصرتثبت الأبصارفيه كأنّ عليه من حدق نطاقا اص فاسم الفاعل مضاف لمفعوله، ومتعلق القصر محذوف للعلم به أي على أزواجهن أو المعنى قاصرات طرف غيرهن عن التجاوز لغيرهن. قوله: (لم يمس الانسيات الخ) ظاهر قوله: الإنسيات، والجنيات أنها زوجات لا حوريات، ولكنه سيصرّح بخلافه كما سيأتي، والطمث الجماع، وهو المراد بالمس، وأصله خروج الدم، ولذلك يقال: للحيض طمث، ثم أطلق على جماع الأبكار لما فيه من خروج الدم، ثم عم لكل جماع، وقد يقال: إنّ التعبير به ل! شارة إلى أنها توجد بكرا كلما جومعت وقوله: دليل على أنّ الجن يطمثون أي يحيضون، ويدخلون الجنة، ويجامعون فيها كالإنس لبقائهم فيها منعمين كبقاء المعذبين منهم في النار، وهو أصح الأقوال قال في الانتصاف: إنه ردّ على من زعم أن الجن المؤمنين لا ثواب لهم، وأنما جزاؤهم ترك العقوبة، وجعلهم ترابا اهـ كما قيل ذلك في سائر الحيوانات، وهذا هو القول الثاني، وقوله: بضم الميم هي لغة فيه، وما ذكره من الدليل يؤخذ من السياق، ومقام الامتنان. قوله:) وبياض البشرة وصفائهما) أي الوجنة، والبشرة وهذا بناء على أنّ المرجان صغار اللؤلؤ فتخصيصه بالتشبيه به لأنه كما في الكشاف أنصحع لونا وبياضا من كباره قيل، ولا يخالفه قوله: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [سورة الصافات، الآية: 49] لأنّ بياضه مخالط لقليل من الصفرة، وهو أحسن ألوان الأبدان كما قالوه ثمة لجواز كون المشبهات بالمرجان غير المشبهات بالبيض، وفيه نظر فتأمّل. قوله: (لمن دونهم من أصحاب اليمين (قيده به لخروج من ليس من أصحاب اليمين عنها رأسا لكنهم دون هؤلاء في المرتبة، والخوف حينئذ أشذه إذ لا يخلو مؤمن من خوف ربه. قوله: (خضروان (في تهذيب الأزهري الدهمة السواد، وقيل: مد هامّة لشدة خضرتها، ويقال: اسودّت الخضرة إذا اشتدّت خضرتها اهـ، واليه أشار المصنف رحمه الله بما ذكره، وقوله: تضربان إلى السواد أي تميل إليه لأنّ الشديد الخضرة كذلك، وقوله: وفيه أي، وفي وصفهما بأنهما مد هامّتان إشعار بما ذكره لأنّ الأشجار توصف بأنها ذوات أفنان كما أنّ النبات يوصف بالخضرة الشديدة فالاقتصار في كل منهما على أحد الأمرين مشعر بما ذكر، والتفاوت لأنّ الجنة الكثيرة الظلال، والثمار ليست كغيرها فلا وجه لما قيل: يكفي في تحفق الدهمة النبات، والرياحين ولا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 محصل له. قوله: (وهو أيضاً أقل (لأن الفوران أقل من الجري فكما أنّ الجنتين دون الأوليين عيناهما دون عينيهما، وأقل ماء منهما، وقوله: وكذا ما بعده من قوله: فيهما فاكهة، ونخل ورمان فإنه أقل من قوله: من كل فاكهة زوجان، والمقصور في الخيام أدنى من القاصرات الموصوفة بما مرّ والاتكاء على الرفرف أقل من الاتكاء على الفرس. قوله: (واحتج به أبو حنيفة رحمه الله الخ (لأنّ الشيء لا يعطف على نفسه، وأنما يعطف على غيره لكنه إن دل الدليل على أن عطفه لأفراده من جنسه تعظيما له كعطف جبريل على الملائكة، ونحو ذلك لم يكن فيه دليل، والى ذلك أشار المصنف رحمه الله بقوله: بياناً لفضلهما، وبين ذلك بأنّ فيهما مع التفكه كذائية في ثمر النخل، ودوائية في الرمّ ن كما بينه الأطباء، والغذائية، والدوائية بالنسبة لثمرات الدنيا، والا فقد مرّ أنّ كل ما فيها متفكه به إذ لا حاجة فيها لدواء، ولا غذاء. قوله: الا يجمع الخ) لأنّ أصل اسم التفضيل ذلك خصوصا إذا نكر، وأمّا كون المراد أنه لا يجمع جمع سلامة كما قيل ففيه نظر لأنه يقال: الأكرمون والكبريات، ونحوه وهو كثير في الكلام الفصيح إلا أن يريد جمع المؤنث، وقراءته على الأصل مؤيد لأنه ليس اسم تفضيل. قوله: (قصرن) بالبناء للمجهول أي منعن، والمخدرة هي التي لا تخرج من الخدر غالبا، والخدر بيت الشعر في الأصل، ثم عمّ، وقوله: أو مقصورات الطرف الخ، وهو على هذا دون قاصرات الطرف لما فيه من الأشعار بالقسر في القصر، وأمّا على تفسيره الأوّل فكونه دونه ظاهر، وإن لم يلاحظ كونها مخدّرة في الأوّل أو يجعل قوله كالياقوت، والمرجان كناية عنه لأنه مما يصان كما قيل: جوهرة أحقاقها الخدور مع زيادة الصفات المادحة فتأمّل. قوله: (كحور الأوليين الخ) أي المعنى فيه المعنى في حور الأوليين، وهو أنه لم يمس الإنسيات إنس، والجنيات جن كما مرّ، وقوله وهم أصحاب الخ. فالضمير في قوله: قبلهم راجع إلى أصحاب هاتين الجنتين المدلول عليهما بذكرهما وفي بعض النسخ وهم لأصحاب الجنتين، وهو أظهر، وهو صريح في أن السابقة حوريات لكن قوله: الأنسيات، والجنيات يأباه إلا أن يكون جعل ما للإنس إنسيا، وما للجن جنيا، ولا مانع منه فتأمّل. قوله: (وسائد الخ) الوسادة والمتكأ، والمخدة والمسند بمعنى والنمارق جمع نمرقة، وهي الوسادة الصغيرة، والطنفسة والمراد الثاني إذ هو المغاير لما قبله، ولا ينافيه الاتكاء، وقوله: جمع رفرفة إن أراد الجمع اللغوي لم يناف كونه اسم جنس كتمر وتمرة أو اسم جمع كما ذهب إليه بعضهم، والا فهو أحد الأقوال فيه، واختاره لقوله: خضر. قوله: (أو ذيل الخيمة) كم أنه لا يعرف الاتكاء عليه لا يناسب الامتنان به، وقد ذكره كثير من المفسرين كالراغب وغيره فإن كان مأثوراً فلعل خيام الجنة، وأخبيتها يحشو بعض أذيالها، وتدعم حتى تكون كالمساند لمن فيها فيعتمد عليها كما يعتمد على أسفل الجدران أو يقال: الاتكاء، والامتنان ليس بها بل بها، وبما يوضع عندها من الفرش، والنمارق العبقرية فتأمّل. قوله: (العبقريّ الخ) فمعناه في الأصل كل عجيب غريب من الفرس وغيرها، ولذا قيل في حق الفاروق لم أر عبقريا يفري فريه، ولتناسي هذه النسبة قيل إنه ليس بمنسوب بل هو مثل كرسي، وبختي كما نقل عن قطرب فلا منافاة بينهما كما توهم، وقوله: ولذلك جمع حسان وهو صفته فقد تطابقا بحسب المعنى المراد. تنبيه: في الكشاف، وعباقري كمدائني نسبة إلى عباقر في اسم البلد، وروى أبو حاتم عباقري بفتح القاف، ومنع الصرف، وهذا لا وجه لصحته اهـ، وفي المحتسب رويته عن قطرب عباقري بكسر القاف غير مصروف، وعن أبي حاتم بفتح القاف غير مصروف أيضا، وقال لو كسروا القاف، وصرفوا لكان أشبه بكلام العرب كالنسب إلى مدائن مدائني، وهو ما لا يستنكر شذوذه في القياس دون الاستعمال كاستحوذ، وإذا كان قد جاء عنهم عناكيب، وتخربوت وتخار بيت كان عباقرفي أسهل منه من حيث إنّ فيه حرفا مشدداً يجري مجرى حرف واحد ومع ذلك هو في آخر الكلمة كياء بخاتيّ وزرابي ليس لنا أن نتلقى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله إلا بقبولها، والاعتراف بها اهـ قال ابن هشام، ومن خطه نقلت ما محصله إنّ كونه من النسبة إلى الجمع شذوذا كمدائني باطل فانّ من قرأ بها قرأ فارف خضر يقصد المجانسة، ولو كان كما ذكر كان مفرداً، ولا يصح منع صرفه كمدائني، والرواية صحيحة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 عن النبيّ تخي! وهي بمنع الصرف فهو من باب كرسي وكراسي، وهو من صيغة منتهى الجموع لكنها خالفت القياس في زيادة ما بعد الألف على المعروف كما ذكره السهيلي فقوله: لا صحة لها خطأ من وجهين لأنه صح روايتها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنه ظنها كمدائني، وليس كذلك كما ذكره ابن جني وشرّاح الكشاف لم يحزرو. فاحفظه. قوله تعالى:) {اسْمُهُ} الخ) سيأتي في سورة تبارك، وقد مرّ في سورة الفرقان أن تبارك يكون بمعنى تعالى، ويكون بمعنى كثرت خيراته، واختار المصنف رحمه الله الأوّل لأنه المناسب لما وصف به من الجلال والإكرام، ولأنه ورد في الأحاديث تعالى اسمه، وما قيل من أنّ الثاني أنسب بما قصد من هذه السورة، وهو تعداد الآلاء والنعم، ثم إنه لأبعد في إسناده لاسمه إذ به يستمطر فيغاث، ويستنصر فيغاث على طرف التمام. قوله: (وقيل الاسم بمعنى الصفة الأنها علامة على موصوفها، ووجه تمريضه ظاهر، وقوله: إلى الحول الخ، هو للبيد وقد مرّ في أوّل الكتاب، وقوله: وقرأ ابن عامر بالرفع ووصف الاسم بالجلال، والإكرام بمعنى التكريم واضح، وما قيل: إنه بالرفع كتبت مصاحف الشام، من جملة الأوهام فإنّ النقط، والشكل حدث بعد الصدر الأوّل حتى قيل: إنه في المصحف بدعة، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ موضوع ومعناه ظاهر تمت سورة الرحمن ببركة الرحيم المنان، والصلاة والسلام على من أنزل عليه القرآن، وعلى ا-له وصحبه زبدة نوع ال! نسان. سورة الواقعة بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) استثنى منها بعض آياتها كقوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [سورة الواقعة، الآية: 75] الخ لما خرجه مسلم في سبب نزولها وسيأتي الكلام عليه في محله، وآيها ست وتسعون، وقيل: سبع وتسعون وقيل: تسع، وتسعون. قوله: (حدثت القيامة (يعني وقعت بمعنى حدثت، والواقعة اسم للقيامة أو لوقتها لئلا يلغو الإسناد إذ لا يقال: جاني جاء لدلالة كل فعل على فاعل له غير معين كما صرحوا به واليه أشار بقوله: سماها الخ فمن قال: إنّ كلام المصنف رحمه الله بيان لأنّ دلالة اسم الفاعل على الحال، والقيامة مما ستقع في الاستقبال فقد خلط، وخبط، وأما قوله: لتحقق وقوعها فهو بيان لأنه علم بالغلبة أو منقول، ووجهه ما ذكر واختيار إذا مع صيغة المضيّ للدلالة على ما ذكر فتأمّل. قوله: (وانتصاب إذا الخ) كان كيت، وكيت إذا قدر جواب إذا والذي اختاره في الكشاف أنّ ليس هي الجواب، وإذا متعلقة بها لأنّ تقدير اذكر إنما عهد في إذ ولأن إذا تخرج حينئذ عن الظرفية، ولأنه كان المتبادر على الثاني عطف ليس إلا أن تقدر جملتها معترضة أو حالية فإن كان ترك المصنف رحمه الله لما قيل: إنّ ليس كما النافية لا دلالة لها على الحدث فلا تعمل في الظرف فغير وارد عليه لأنّ الصحيح عنده دلالة الأفعال الناقصة على الحدث كما ذكره الرضي، وارتضاه الفاضل اليمني مع أنّ ما استدل به غير صحيح لأنّ ما النافية لتأويلها بانتفى يتعلق بها الظرف لأنه يكفي له رائحة الفعل، ولا يلزم تجرّد إذا عن الظرفية هنا، والا لوجبت الفاء كما توهم لأنّ لزوم الفاء مع الأفعال الجامدة إنما هو في جواب إن الشرطية لعملها كما صرّحوا به، وأمّا إذا فدخول الفاء في جوابها على خلاف الأصل، وقوله: كان كيت، وكيت في إبهامه تهويل وتفخيم لأمرها، ولذا رجح على غيره، وكون العامل في إذا الشرطية جوابها أحد قولين مشهورين فلا غبار عليه. قوله: (لا يكون الخ) بيان لحاصل معناه على أن كاذبة اسم فاعل صفة نفس مقدّرة لتأنيثه لا مقالة، وأن وصف الخبر بالكذب أيضا لكونه خلاف الأكثر فيه وليس مصدراً كالعاقبة بمعنى الكذب أو التكذيب كما جوّزه الزمخشريّ لأنّ مجيء المصدر على زنة الفاعل نادر، والوقعة السقطة القوية، وشاعت في وقوع الأمر العظيم، وقد تخص بالحرب، ولذا عبر بها هنا. قوله: (أو تكذب في نفيها) أي في نفي القيامة وقولها: لم تكن أو لم تكوني كما في الكشاف، ووقع في بعض النسخ نفسها بالسين فإن صح، ولم يكن من تحريف الناسخ فهو إشارة إلى أنّ حذف متعلقه للتعميم على أنّ المعنى ليس في وقت وقوعها نفس كاذبة في حد ذاتها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 من غير تخصيص لشيء من الأشياء، وأما القول بأنه لا صحة له لقوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] فغير متجه لما مرّ من أنه اختلف في صدور الكذب منهم يوم القيامة فتذكره. قوله:) واللام مثلها الخ (أي هي لام التوقيت كما في كتبته لخمس خلون، ونحوه كما أشار إليه بقوله: حين تقع، وقوله: أو ليس الخ فاللام للتعليل، والمعنى أنها لتحقق وقوعها، ومشاهدة نزولها لا تكون نفس كاذبة في الخبر عنها ثمة كما هو في الدنيا الآن. قوله: (أوليس لها حينئذ نفس تحدّث صاحبها الخ) هذا معنى آخر لكاذبة على أنه من كذبت نفسه، وكذبته إذا منته الأماني، وقربت له الأمور البعيدة التي لا يطيقها، ولذا يقال للنفس الكذوب، واللام على هذا للاختصاص كما يشير إليه قوله لها، وقيل إنها للتوقيت، وهو خلاف الظاهر، وقوله: ثغريه عليها بالغين المعجمة والراء المهملة أي تحثه عليها، وقيل إنه بالعين المهملة، والزاي المعجمة أي تصبره، وليس ببعيد أيضآ، وقوله: في الخطب العظيم متعلق بقولهم: أو بكذبت بالتشديد والتخفيف. قوله: (وهو تقرير لعظمتها) على طريق الكناية لأنّ من شأن الوقائع العظام كتبدل الدول، وظهور الفتن أنه يذل فيها من كان عزيزاً، ويعز من كان ذليلا، وقوله: أو بيان معطوف على تقرير فهو على حقيقته، والمرفوع مرفوع، والمخفوض مخفوض بخلافه فيما قبله، وقوله: إزالة الإجرام أي السموات، والأرض عن مقارّها أي محالها، وفي نسخة محازها وهو مجاز أيضا عن مقارها اللائقة بها وأصله محل الحز، والقطع يقال صادف كذا محزه أي ما يليق به وهو معطوف على خفض أعداء الله، ونثر الكواكب إزالتها {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [سورة الانفطار، الآية: 2] وتسيير الجبال {إِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} وسيأتي بيانه، وتفسيره. قوله: (وقرئتا) أي خافضة رافعة بالنصب على الحال قال ابن جني: هي قراءة الحسن واليزيدي والثقفي، وأبي حيوة، وقوله: ليس لوقعتها الخ. حينئذ حال أخرى قبلها لجواز تعدد الأحوال كالأخبار أو هي معترضة لتأكيد تحقق وقوعها، وذو الحال إما الضمير في كاذبة أو وقعت أو الواقعة أو الضمير المضاف إليه في لوقعتها. قوله: (والظرف متعلق بخافضة) عدل عن قول الزمخشريّ إنها متعلقة بخافضة رافعة لما يرد على ظاهره من توارد عاملين على معمول واحد وإن دفع بأنه أراد التعلق المعنوي، وهو من باب التنازع فما ذكره المصنف اختيار للمذهب الكوفي في أعمال الأوّل، وقد يقال: إنه جنح إلى أنه ليس من التنازع كما في بيت امركة القيس فتدبر، وقوله: أو بدل الخ، وجوز فيه كونه خبرا عن إذا الأولى مع وجوه في الدر المصون. قوله: (فتتت) بتاءين بمعنى كسرت، وقوله: كالسويق إشارة إلى أنه استعارة على هذا، وقوله: منتشرا تفسير للبث بالثاء المثلثة، وقراءة النخعي منبتاً بنقطتين من فوق والمراد ما ذكر من البت، وهو القطع فما قيل من أنّ معنى الآية ينبو عنه لا وجه له. قوله: (وكل صنف يكون الخ) تصحيح لإطلاق الزوج على الصنف قال الراغب: الزوح يقال لكل قرينين من الذكر، والأنثى في الحيوان المتزاوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها كالخف، والنعل ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا انتهى. قوله:) من تيمنهم بالميامن وتشاؤمهم ب لشمائل) يعني إطلاقهما على أصحاب المنزلتين مأخوذ مما ذكر فإن العرب لما تيامنت باليمين، وتشاءمت بالشمال كما في السانح، والبارح، وقالوا: للرفيع هو مني باليمين كما يقال للوضيع بالشمال تجوز به أو كني به عما ذكر. قوله: (الذين يؤتون صحائفهم بإيمانهم الخ) خبر قوله: أصحاب الميمنة فهو على حقيقته، وقوله: أصحاب اليمن، والشؤم فيس بمعنى الجهة بل بمعنى البركة وضدها لما عاد عليهم من أنفسهم، وأفعالهم. قوله: (والجملتان الاستفهاميتان خبران الخ) قيل الذي يقتضيه جزالة التنزيل أن يكون قوله: أصحاب الميمنة خبر مبتدأ محذوف، وكذا أصحاب المشامة والسابقون فإنّ المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام، وأمّا أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد، والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة، والآخر أصحاب المشأمة، والثالث السابقون إلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأوّلين عقب كلاً منهما بجملة معترضة منبثة عن ترقي أحوالهما في الخير، والشرّ أنباء إجماليا مشعراً بأنّ لأحوال كل منهما تفصيلا مترقبا لكن لا على أنّ ما مبتدأ ما بعدها خبو على رأي سيبويه بل على أنها خبر فإنّ مناط الإفادة بيان أنّ أصحاب الميمنة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 أمر بديع كما تفيده خبرية ما لا أنّ أمراً بديعاً أصحاب الميحنة كما يفيده كونها مبتدأ، وكذا ما أصحاب المشأمة، وأمّا القسم الأخير فحيث قرن ببيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذح، وقيل عليه أنه ليس في جعل جملتي الاستفهام، وقوله: والسابقون الخ إخباراً لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلاً حتى يقال حقها أن تبين بعد بيان أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام بلا حذف مع إشارة إلى ترقي أحوالهما في الخير والشرّ تعجباً منه وحثا على طلب مثله، وأيضاً مقتضى ما ذكره أن لا يذكر ما أصحاب اليمين ما أصحاب الشمال في التفصيل، ولو قيل إنه ترك في الأخير أعني السابقين لأنه يعلم من أصحاب الميمنة بالطريق الأولى أنهم أحق بالتعجب، وقد يقال لما عقب الأوّلين بما يشعر بأن لها تفاصيل مترقبة أعيد للإعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع، وفيه بحث لا يخفى. قوله: (بإقامة الظاهر) في قوله: ما أصحاب الخ فإنّ مقتضى الظاهر أن يقال ما هم، وقيل: التقدير مقول فيهم ما أصحاب الخ على ما عرف في الجمل الإنشائية إذا وقعت خبرا فلا حاجة إلى جعله من إقامة الظاهر مقام الضمير، وفيه نظر وقوله: التعجيب دون التعجب لاستحالته عليه تعالى فكأنه قيل أيّ شيء حالهم فتعجب منها. قوله: (والذين سبقوا الخ) إشارة إلى متعلقه المقدر والتلعثم بالمثلثة التوقف عن التكلم، والتردّد حيرة، والتواني المكث من الحيرة أيضاً، وقوله: أو سبقوا في حيازة الخ الحيازة الجحع والسبق على هذا أفضل مما. قبله لأنه إلى العلوم اليقينية، ومراتب التقوى الواقعة بعد الإيمان، وأبتداء الإسلام، وذلك سبق إلى الإسلام وقوله: مقدموا أهل الأديان لاقتدائهم بهم فلدا سموا سابقين على هذا، وأبو النجم راجز معروف والمذكور من شعر طويل له منه: أنا أبوالنجم وشعري شعري لله دري ما أحس صدري تنام عيني وفؤادي يسري بين العفاريت بأرض قفر الخ أوقع أبا النجم خبرا لتضمته لوصفه بالكمال واشتهاره به حتى يتبادر إليه الذهن، وهو المراد بقوله في الآية من عرف حالهم، وبلغك وصفهم، وهو تفسير للسابقون الثاني على أنه خبر لا تأكيد في التفاسير السابقة كما في البيت فإنه عني أنا الموصوف بالكمال، وشعري الموصوف بالفصاحة، والبلاغة. قوله: (أو الذين سبقوا إلى الجنة) وعلى هذا هو أعم من التفسيرين السابقين، وأخره لأنّ المقابلة فيه غير ظاهرة إلا أن يخص بما يميزه، ولا قرينة عليه وهو تأكيد على هذا ولم يرتضه الزمخشريّ قالوا: لما فيه من فوات المقابلة ولأنّ الأقسام عليه غير مستوفاة ولفوات المبالغة السابقة فيه مع أنّ السابقين أحق بالمدح والتعجيب ولفوات ما في الاستئناف بأولئك المقرّبون من الفخامة، وإنما لم يقل، والسابقون ما السابقون كالأوّلين لأنه جعله أمراً مفروغاً عنه مسلماً مستقلاً في المدح والتعجيب كما في الكشف. قوله: (الذين قربت الخ) بيان للمقرّبين وأل فيه موصولة والتعبير بالماضي لتحققه، وقوله: هم كثير كثير معنى ثلة، وهو خبر مبتدأ مقدّر كما أشار إليه بقوله: هم الخ، وقوله: يعني الخ تفسير للأوّلين، ولم يجعله مبتدأ خبره مقذو أي منهم ثلة الخ، ولا خبراً أولاً لأولئك أو ثانياً مع أنه مما جوّزه المعربون لتبادر ما ذكره من عدم عطفه والا فلا تعين له، وهذا على تفسير السابقين بغير الأنبياء كما لا يخفى. قوله: (قوله عليه الصلاة والسلام: " إن أمتي يكثرون ") بفتح الياء مضارع كثره إذا غلبه في الكثرة، وباب المغالبة معروف، وقوله: وتابعو هذه الخ فلا ينافي غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء، ومائة من العوام، وأخرى فيها خمسة من العلماء، وألف من العوام فخواص الأولى أكثر جمن خواص الثانية، وعوام الثانية، ومجموع أهلها أضعاف أولئك، وقوله، ولا يرده الخ فإنه يدل على كثرة الآخرين فينافي وصفهم بالقلة هنا ظاهراً، وقوله: لأنّ كثرة الفريقين الخ توفيق بينهما بأنهما، وصفا بالكثرت، وهي غير منافية للأكثرية في أحدهما كما ذكره المصنف لكنه لا يخفى ما فيه لا! ما ذكر ثمة أصحاب الميمنة، والكلام هنا في السابقين، وهم إمّا غيرهم أو داخلون فيهم، وعلى كل حال فلا مقتضى لتوافق النسبة أو تغايرها كما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 لا يخفى فتأمّل. قوله: (وروي مرفوعاً الخ) فلا يرد ما مرّ، ولا حاجة للتوفيق فيه فالأوّلون الصحابة أو صدر هذه الأمّة، والآخرون التابعون ومن تبعهم أو آخر هذه الأمّة، وقوله: وهو القطع لأنها جماعة مقتطعة من غيرهم من الناس، والمتواصلة بمعنى المتصلة، والمراد التقارب لقوله: متقابلين، وقوله: وهو نسج الدرع واستعير لمطلق النسج أو لنسج محكم مخصوص، وقوله: حالان مترادفان أو متداخلان، وقوله: في على فيه تسمح أي في الجار، والمجرور وجملة يطوف مستأنفة، وقوله: على هيئة الخ متعلق بمبقون وقوله: حال الشرب، وغيره فالمراد أنهم دائماً في مقام الخدمة حاضرون مهيؤون، والعروة ما يمسك منه والخرطوم ما يصب منه، والإبريق معروف معرب أب ريع أي ما يصب به الماء، وقوله: من خمر وتوصيفه بالمعين بمعنى أنه مرئي بالعين لأنه أهنأ، ويخرج من عيون، ولا يعصر كخمور الدنيا، وقد مرّ تحقيقه. قوله: (لا يصدّعون عنها الخ) فيه تضمين أي لا يصدر عنها صداعهم لأجل الخمار كخمور الدنيا، وقوله: ولا تترف عقولهم بالبناء للمجهول والمعلوم أي لا تذهب عقولهم بسكرها، وهو إشارة إلى أن فيه مضافا مقدّراً، وقوله: وقرئ لا يصدعون أي بالتشديد من التفعل كما أشار إليه، وقوله: يختارون أي يرتضونه، وأصله أخذ الخيار والخير. قوله: (بالجرّ) جعله المصنف في آية الوضوء من الجرّ الجواري، والفصل يأباه، ويضعفه فلذا لم يذكره هنا، وقوله: عطفاً على جنات بتقدير مضاف الخ. قال أبو حيان: هو فهم أعجميئ فيه بعد وتفكيك للكلام المرتبط، وهو تعصب لا وجه له فإنه معنى حسن سبق إليه، وفيه تقدير مضاف كذا في الدر المصون، وقوله: هم في جنات ومصاحبة حور الخ على تشبيه مصاحبة الحور بالظرف على نهج الاستعارة المكنية، وقرينتها التخييلية إثبات معنى الظرفية بكلمة في فهي باقية على معناها، ولا جمع بين الحقيقة، والمجاز حتى يعتذر بأنه جائز عند المصنف كما توهم. قوله: (أو على كواب الخ (وحينئذ فإما أن يقال: يطوف بمعنى ينعمون مجازاً أو كناية على حذ قوله: وزججن الحواجب، والعيونا وفيه ئاويلات أخر معروفة، واليه ذهب المصنف تبعا للزمخشري، ويجوز أن يبقى على حقيقته، وظاهره وأنّ الولدان تطوف عليهم بالحور أيضا لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول، والمشروب والمنكوح كما تأتي الخدام بالسراري للملوك، ويعرضوهن عليهم، والى هذا ذهب أبو عمرو، وقطرب فلا وجه لقول أبي البقاء أنه معطوف على أكواب لفظاً لا معنى لأنّ الحور لا يطاف بها. قوله: (على ويؤتون) أي يعطون حوراً يحتمل أن يقدر له ناصب، وهو ما ذكر فالمراد على تقدير ويؤتون، ويحتمل أنه أراد أنه معطوف على محل قوله: بأكواب، وهو النصب لأنه بمعنى يعطون أكوابا فالتقدير على معنى، ويؤتون وهما قولان ذكرهما المعرب، وكلامه محتمل لهما فتدبر. قوله: (في الصفاء والنقاء) متعلق بيضرّ ولا وجه لتعلقه بأمثال كما قيل: إذ لم يعهد التشبيه باللؤلؤ في النقاء، وقوله: بأعمالهم اختار في ما المصدرية، ولا مانع من الموصولية فيها. قوله: " لا قيلا) أي قولاً فهو مصدر مثله، والاستثناء فيه منقطع وهو من التعليق بالمحال، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، ولولا ذكر التأثيم هنا جاز جعل الاستثناء متصلاً حقيقة أو ادعاء كما فصل في المطول في فن البديع، والتشبيه بما في الآية والأخرى لأنّ البدل هو المقصود بالنسبة فهو مستثنى معنى، وقوله: صفته بتأويله بالمشتق أو هو مفعوله لأنّ المراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولاً للقول كما ذكره النحاة، وقوله: أو مصدر أي لفعل مقدر من لفظه، وهو مقول القول ومفعوله حينئذ وقوله: للدلالة على فشوّ السلام أي شيوعه وكثرته لأنّ المراد سلاما بعد سلام كقرأت النحو بابابابا فيدل على تكرّره وكثرته. قوله: (من خضد الخ) فإذا كان خضد بمعنى قطع الشوك وقصد به ذلك هنا فهو حقيقة لا تجوّز فيه كما توهم وما بعده كناية عن كثرة الحمل، وكلامه محتمل للإشارة إلى تقدير مضاف في النظم ومثثى بزنة مرميّ، والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم، والانتفاع بما ذكر والسدر شجر النبق، وقوله: شجر موز هو شجر معروف، وقوله: أم غيلان هو السمر، وشجر الطلح قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب البيان العامّة تسمى الطلح أم غيلان، وظاهره أنه مولد وكا! وجه التسمية فيه أنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 ينبت في القفار، وهي محل الغيلان عندهم فلاجتماعهم عندها شبهت بالأمّ التي يجتمع عندها أولادها وقوله: وله أنوار بيان للانتفاع به الداعي للامتنان به، والطلع بالعين معروف في النخل، وقوله: لا يتقلص بالصاد المهملة من قلص الظل إذا انقبض، وقوله ة أي شاؤوا الخ هو من إطلاقه، وقوله: أو مصبوب فالمراد سيلانه مطلقا. قوله: (إشعارا بالتفاوت بين الحالين) أي حال السابقين، وأصحاب الميمنة كالتفاوت بين أهل المدن، والبوادي المشابهة أحوالهم لأحوالهم فإنّ نعيم الأوّلين أبلغ، وأعظم كما نشاهده، وحال أهل المدن كونهم على سرر تطوف خدامهم عليهم بأنواع الملاذ كما مرّ، وحال البوادي إذا تنعموا نزولهم أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار، وإليه الإشارة بقوله في سدر الخ. قوله: (كثيرة الأجناس) حمله عليه دون كثرة أفراد جنس أو نوع واحد لأنه أبلغ، وقوله: رفيعة القدر فرفعها معنويّ بمعنى شرفها، وقوله: منضدة أي بعضها فوق بعض فترتفع بذلك كما يشاهد في الدنيا، وقوله: وقيل الفرس النساء فإن النساء تسمى فراشاً كما تسمى لباسا على الاستعارة، وقوله: ويدل عليه قوله الخ وجه الدلالة فيه أنّ الضمير يعود على مذكور بخلافه على الأوّل فإنه يعود على ما فهم من السياق، والفراس، والاستخدام بإرجاع الضمير إلى الفرس بمعنى النساء بعد إرادة معناها المعروف منها كما ذكره البقاقي بعيد هنا كما لا يخفى، والمحشي ذكره من عنده كأنه لم يره. قوله: (أي ابتدأناهن ابتداء جديدا الخ) أي إن أريد النساء التي ابتدأ خلقهن من الحور فالمعنى ابتدأناهن ابتداء جديداً من غير ولادة ولا خلق أوّل وهو المراد بالإبداء، وإن أريد التي كن في الدنيا فالمراد أعيد إنشاؤهت من غير ولادة، وهذا هو المراد بكونه جديدا أيضا، وقوله: شمطا جمع شمطاء، وهي المختلط سواد شعرها ببياضه تشبيهاً والرمص جمع رمصاء بالمهملات وهي التي في طرف عينها وسخ أبيض متجمد كما يرى في العجائز والشيوخ، وقوله: على ميلاد أي متوافقة على ميلاد واحد، وسن متحد فالميلاد اسم زمان وهو تفسير للأتراب، ولذا لم يفسره فيما سيأتي وعلى هذا فقوله: فجعلناهن أبكارا على ظاهره، والجعل بمعنى التصيير وأبكارا مفعول ثان، وعلى الأوّل الجعل بمعنى الخلق، وأبكارا حال أو مفعول ثان من قبيل ضيق فم الركية فتأمّل. قوله: (جمع عروب) كصبور، وصبر وتسكيته للتخفيف، وقوله: بنات ثلاث، وثلاثين اختير هذا لأنه أتم السن، والإنسان فيه أقوى لأنهم جرد مرد كما ورد في لا يطاف بها. قوله: (على ويؤتون) أي يعطون حوراً يحتمل أن يقدر له ناصب، وهو ما ذكر فالمراد على تقدير ويؤتون، ويحتمل أنه أراد أنه معطوف على محل قوله: بأكواب، وهو النصب لأنه بمعنى يعطون أكوابا فالتقدير على معنى، ويؤتون وهما قولان ذكرهما المعرب، وكلامه محتمل لهما فتدبر. قوله: (في الصفاء والنقاء) متعلق بيضرّ ولا وجه لتعلقه بأمثال كما قيل: إذ لم يعهد التشبيه باللؤلؤ في النقاء، وقوله: بأعمالهم اختار في ما المصدرية، ولا مانع من الموصولية فيها. قوله: " لا قيلا) أي قولاً فهو مصدر مثله، والاستثناء فيه منقطع وهو من التعليق بالمحال، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، ولولا ذكر التأثيم هنا جاز جعل الاستثناء متصلا حقيقة أو ادعاء كما فصل في المطول في فن البديع، والتشبيه بما في الآية والأخرى لأنّ البدل هو المقصود بالنسبة فهو مستثنى معنى، وقوله: صفتة بتأويله بالمشتق أو هو مفعوله لأنّ المراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولاً للقول كما ذكره النحاة، وقوله: أو مصدر أي لفعل مقدر من لفظه، وهو مقول القول ومفعوله حينئذ وقوله: للدلالة على فشوّ السلام أي شيوعه وكثرته لأنّ المراد سلاماً بعد سلام كقرأت النحو بابابابا فيدل على تكرّره وكثرته. توله: (من خضد الخ) فإذا كان خضد بمعنى قطع الشوك وقصد به ذلك هنا فهو حقيقة لا تجوّز فيه كما توهم وما بعده كناية عن كثرة الحمل، وكلامه محتمل للإشارة إلى تقدير مضاف في النظم ومثثى بزنة مرميّ، والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم، والانتفاع بما ذكر والسدر شجر النبق، وقوله: شجر موز هو شجر معروف، وقوله: أم غيلان هو السمر، وشجر الطلح قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب البيان العامّة تسمى الطلح أم غيلان، وظاهره أنه مولد وكأنّ وجه التسمية فيه أنه ينبت في القفار، وهي محل الغيلان عندهم فلاجتماعهم عندها شبهت بالأمّ التي يجتمع عندها أولادها وقوله: وله أنوار بيان للانتفاع به الداعي للامتنان به، والطلع بالعين معروف في النخل، وقوله: لا يتقلص بالصاد المهملة من قلص الظل إذا انقبض، وقوله: أي شاؤوا الخ هو من إطلاقه، وقوله: أو مصبوب فالمراد سيلانه مطلقاً. قوله: " شعارا بالتفاوت بين الحالين) أي حال السابقين، وأصحاب الميمنة كالتفاوت بين أهل المدن، والبوادي المشابهة أحوالهم لأحوالهم فإنّ نعيم الأوّلين أبلغ، وأعظم كما نشاهده، وحال أهل المدن كونهم على سرر تطوف خدامهم عليهم بأنواع الملاذ كما مرّ، وحال البوادي إذا تنعموا نزولهم أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار، واليه الإشارة بقوله في سدر الخ. قوله: (كثيرة الآجناس) حمله عليه دون كثرة أفراد جنس أو نوع واحد لأنه أبلغ، وقوله: رفيعة القدر فرفعها معنويّ بمعنى شرفها، وقوله: منضدة أي بعضها فوق بعض فترتفع بذلك كما يشاهد في الدنيا، وقوله: وقيل الفرس النساء فإن النساء تسمى فراشا كما تسمى لباسا على الاستعارة، وقوله: ويدل عليه قوله الخ وجه الدلالة فيه أنّ الضمير يعود على مذكور بخلافه على الأوّل فإنه يعود على ما فهم من السياق، والفراس، والاستخدام بارجاع الضمير إلى الفرس بمعنى النساء بعد إرادة معناها المعروف منها كما ذكره البقافي بعيد هنا كما لا يخفى، والمحشي ذكره من عنده كأنه لم يره. قوله: (أي ابتدأناهن ابتداء جديدا الخ) أي إن أريد النساء التي ابتدأ خلقهن من الحور فالمعنى ابتدأناهن ابتداء جديداً من غير ولادة ولا خلق أوّل وهو المراد بالإبداء، وإن أريد التي كن في الدنيا فالمراد أعيد إنشاؤهن من غير ولادة، وهذا هو المراد بكونه جديداً أيضا، وقوله: شمطاً جمع شمطاء، وهي المختلط سواد شعرها ببياضه تشبيهاً والرمص جمع رمصاء بالمهملات وهي التي في طرف عينها وسخ أبيض متجمد كما يرى في العجائز والشيوخ، وقوله: على ميلاد أي متوافقة على ميلاد واحد، وسن متحد فالميلاد اسم زمان وهو تفسير للأتراب، ولذا لم يفسره فيما سيأتي وعلى هذا فقوله: فجعلناهن أبكاراً على ظاهره، والجعل بمعنى التصيير وأبكارا مفعول ثان، وعلى الأوّلى الجعل بمعنى الخلق، وأبكاراً حال أو مفعول ثان من قبيل ضيق فم الركية فتأمّل. قوله: (جمع عروب) كصبور، وصبر وتسكينه للتخفيف، وقوله: بنات ثلاث، وثلاثين اختير هذا لأنه أتم السن، والإنسان فيه أقوى لأنهم جرد مرد كما ورد في الحديث الصحيح وقوله: وهي أي ثلة الخ وعلى الأخير هي مبتدأ خبره الجار، والمجرور المقدم عليه كما بيته المصنف إلا أنه قيل عليه إنّ معناه غير ظاهر لا طلاوة عليه، وقد قيل: إنّ اللام عليه بمعنى من كما في قوله: ونحن لكم يوم القيامة أفضل ولا يخفى ما فيه، وكذا تعلقه بأترابا لاحتياجه إلى تأويله بمساويات ليتعلق به، وليس فيه كبير فائدة أيضاً فلذا لم يتعرّضوا له هنا، وقوله: متناه الخ. التناهي من الصيغة، والتنوين فإنه للتعظيم. قوله: (يفعول) أي بهذا الوزن، وله نظائر وإن كان نادرا، وقوله: من الحممة بضم الحاء المهملة، وبعدها ميمين مفتوحتين تليهما تاء تأنيث هي القطعة من الفحم، وتسمية الدخان ظلا على التشبيه التهكمي والاسترواج استفعال من الراحة، وقوله: {لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} صفتان لظل كقوله من يحموم، ولا يضره تقدّم الجار والمجرور على الصفة المفردة فإنه جائز كما صرح به النحاة فلا حاجة إلى جعله صفة ليحموم كما قيل لا لعدم توازن الفاصلتين كما توهم بل لأنه لو جعل صفة ليحموم وهو الدخان كان لغوا بخلاف ما لو جعل صفة ظل كما ذكره المصنف ومنه يعلم وجه التقديم لما هو على خلاف الأصل. قوله: (ولا نافع) يدفع أذى الحر، وقوله: الذنب العظيم إن كان تفسيرا للحنث بالذنب، ووصفه بما وقع صفة له في النظم وافق كلام الجوهرقي، وغيره من أئمة اللغة حيث فسروا الحنث بمطلق الذنب، وإن كان تفسيرا للحنث بمجموع قوله الذنب العظيم كما في الكشاف لا ينافيه وصفه بالعظيم لأنه للمبالغة في وصفه بالعظم كما وصف الطود، وهو الجبل العظيم به أيضا كما صرح به الراغب، ويؤيده أنه في الأصل العدل الثقيل، وفسره السبكي هنا كما نقله في الطبقات بالقسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ} وهو تفسير حسن لأنّ الحنث، وإن فسر بالذنب مطلقاً أو الذنب العظيم فالمعروف استعماله في عدم البر في القسم، وأما عطف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 قوله تعالى وكانوا يقولون هنا عليه فلا يأباه لاقتضائه التغاير بينهما كما قاله أبو حيان لا لتحقيق التغاير بأنّ الأوّل إنكار، والثاني استدلال كما قيل لأنّ الاستدلال هنا على نفيه، وهو إنكار، وزيادة فلا يلزم مما ذكر عدم التكرار بل يثبته بدليله إذ المذكور هنا كما ينادى عليه كانوا يصرون ثباتهم على الكفر والعناد، وتكرر الإنكار وتكرّر الاستدلال الظاهر الفساد مع أنه لا محذور في تكراره وهو توطئة، وتمهيد لبيان فساده، والحلم بضمتين سن البلوغ، وتأثم ارتكب الإثم كتحنث ارتكب الحنث أو التفعل هنا للسلب كالأفعال، وكلامه محتمل لهما فلا وجه لتعيين الثاني. قوله: (كررت الهمزة الخ) في قوله: أئذا وأئنا، والإنكار المطلق من قوله: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} وقوله: خصوصاً مما قبله، وفيه إشارة إلى أنّ تقديمه لاختصاص الإنكار به لا لإنكار الاختصاص، وقد مز ما فيه في الصافات، وقوله: كما دخلت العاطفة أي كما دخلت الهمزة الإنكارية على الواو العاطفة هنا فقوله: العاطفة منصوب بنزع الخافض، وأصله على العاطفة وقوله: أشذ إنكارا لأنه ذكر للترقي إذ الإنكار الأوّل يغني عنه، ولما كانت هذه الهمزة مكزرة لما ذكر لم يضر عمل ما قبلها فيما بعدها المانع عنه صدارتها لأنها مزحلقة، وليست في مكانها، وأمّا كون الحرف إذا كرّر للتأكيد فلا بد أن يعاد معه ما اتصل به أوّلاً أو ضميره فليس اطراده مسلماً لورود ككما يؤثفين ولا للما بهم أبداً دواء وأمثاله. قوله: (وللفصل بها (أي بالهمزة فإن العطف على الضمير المستتر أو المتصل لا بد فيه من تأكيد المعطوف عليه أو فاصل ما كما قاله ابن مالك، وقد وجد الفاصل هنا وإن كان حرفا واحداً، وقوله: سبق مثله أي في سورة الصافات، وقوله: والعامل في الظرف الخ إشارة إلى أنّ إذا هنا ظرفية لا شرطية، وما دل عليه مبعوثون نبعث، وقوله: للفصل بأن والهمزة وكل منهما يستحق الصدارة المانعة عن عمل ما بعدهما فيما قبلهما. قوله: (وقوله إلى ما وقت به الدنيا وحدّ) إشارة إلى أنّ إلى للغاية والانتهاء، وقيل: ضمن معنى مسوق فلذا تعدى بها، ومعلوم كناية عن كونه معيناً عنده تعالى، وقوله: من يوم معين إشارة إلى أنّ إضافة الميقات على معنى من كخاتم فضة فهي) ضافة بيانية، وقوله: من الأولى للابتداء أو تبعيضية وقيل: زائدة، وقوله: والثانية للبيان فالجار، والمجرور صفة شجر، وقيل: إنه بدل من قوله من شجر فمن كالأولى. قوله: (من شدّة الجوع) فإنه الذي اضطرّهم، وقسرهم على أكل مثلها مما لا يؤكل فلا معنى لما قيل أو بالقسر، وقوله: وتأنيث الضمير الخ الحمل على المعنى لأنه بمعنى الشجرة لقوله: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} [سورة الدخان، الآية: 43] أو الأشجار إذا نظر لصدقها على المتعدد، وللفظ لأنّ الشجر لفظه مذكر فيكون من اعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى على خلاف المتعارف، ولذا قال في الانتصاف: لو أعاده على الشجر باعتبار كونه مأكولاً حتى يكون المعنى لآكلون من شجر من زقوم فمالؤون منها البطون فشاربون على أكلهم الزقوم من الحميم كان أحسن انتهى قيل: فيكون التأنيث، والتذكير باعتبار المعنى دون اللفظ فلا يخالف المعروف، ولا خفاء في أنه لا حاجة في التذكير إلى التأويل إنما الحاجة إليه في قراءة شجرة كما أشاروا إليه، فأما قوله: في الكشف ذكره في قوله: فشاربون عليه نظرا إلى اللفظ، والحمل على شاربون على أكله بعيد لأنّ الشرب عليه لا على تناوله مع ما فيه من تفكيك الضمائر انتهى فإن كان قصد به الرد على الانتصاف فمردود لأنه أعاد الضمير على المأكول كما نطق به قوله. لو أعاد. على الشجر باعتبار كونه مأكولاً، وقوله: على أكلهم ليس على لفظ المصحدر بل هو بضمتين في الأصل كما في قوله: {كُلُهَا دَآئِمٌ} [سورة الرعد، الآية: 35] ثمر الشجر وكل مأكول كما في الصحاح فلا حاجة إلى توهم أنه من باب ضرب الأمير فلا بعد فيه ولا فك، ولو سلم فمثله مجاز شائع يقال ة شربت على الريق، وأكلت على الثغ، وهو أكثر استعمالاً من شربت على المأكول مع أنّ المستعلي على المأكول هو المشروب لا المعنى المصدري، وفك الضمائر غير موجود إذ هو احد أو اثنان، ولو سلم فلا باس به إذا لم يلبس نعم قوله أحسن محل كلام، وهو من الأوهام التي لا مساس لها بالمقام فتأمّل. قوله: (فيكون التذكير للزقوم) أي لأنّ الضمير عائد على الزقوم أو على الشجرة لأنّ المراد بها الزقوم، وقوله: فانه تفسيرها صريح فيه. قوله: (التي بها الهبام) هو بضم الهاء على قياس أسماء الأمرإض فإنها على بناء فعال بالضم كالسعال، والصداع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 وهكذا، وفسره بقوله: وهو داء الخ، وقوله: كالهيماء أي الإبل، أو الناقة الهيماء والصدى بالفتح، والقصر شدّة العطش، وقوله: يقضي عليها أي يقتلها أي لا يبرد حرارة عطشها فيشفيها، ولا يميتها فتفوز بإحدى الراحتين وقوله: هيام بالفتح، وقال ثعلب: بالضم فهو كقراد وقرد في جمعه، وقوله: ما فعل بجمع أبيض من قلب الضمة كسرة لتسلم الياء، ويخف اللفظ فكسرت الهاء لأجل الياء، وهو قياس مطرد في بابه، والبيت شاهد لورود الهيماء بمعنى الهيام المذكور، وهو من قصيدة له أوّلها: خليليّ عوجا حييارسادمنة محتها الصبا بعدي وطاد خيامها قوله: (وقيل الرمال الخ) لأن الرمل يضرب به المثل في عدم الريّ مع كثرة الشرب لأنه لتخلخله لا ينتقع فيه الماء، ولا يظهر هو، ولا أثر. عليه كغيره، وإليه أشار المصنف بقوله: لا يتماسك، ومن العجيب هنا قول الشارح الطيبي، ومن تبعه إنّ شرب الهيم على هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، وإنّ الرمل لما اعتبر معنى السيلان فيه كالمائع جعل مشروباً تهكماً، ونسب الشرب إليه مجازاً، وهو مما لا ينبغي أن يصدر عن مثله. قوله: (وكل من المعطوف الخ) جواب عن أنه لم عطف شاربون على شاربون بالفاء، والعطف بها يقضي مع المغايرة التعقيب، وهما متحدان هنا بمنع الاتحاد فإنّ كلاً منهما أخص من الآخر من وجه لأنّ شارب الحميم قد لا يكون به داء الهيام، ومن به داء الهيام قد يشرب غير الحميم، والشرب الذي لا يحصل الريّ ناشئ عن شرب الحميم لأنه لا يبل الغليل أو لأن الإفراط بعد الأصلي لكن لا يخفى ما في كلام المصنف من القصور لأنه لا يدل على المراد دلالة تامة مع أنه أقرب مما في الكشاف، وهو قوله: إن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة، وقطع الإمعاء أمر عجيب وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضا فكانتا صفتين مختلفتين. قوله: (بضنم الشين) كما قرى بفتحها، وقرى بالكسر أيضاً في الشواذ، وتفسيرها معلوم من كتب اللغة، وقوله: فما ظنك الخ إشارة إلى ما فيه من المبالغة لأنّ النزل ما يعد للقادم عاجلا، إذا نزل ثم يؤتى بعده بما هو المقصود من أنواع الكرامة فلما جعل هذا مع أنه أمر مهول كالنزل دل على أنّ بعده ما لا يطيق البيان شرحه، وجعله نزلاً مع أنه ما يكرم به النازل متكهماً كما في قوله: وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا وقوله: بالتخفيف أي تسكين الزاي المضمومة. قوله: (بالخلق) متعلق التصديق بقرينة قوله: نحن خلقناكم ولما كانوا مصدّقين به لقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة العنكبوت، الآية: 61] أشار إلى أنه منزل منزلة العدم، والإنكار لأنه إذا لم يقترن بالطاعة، والأعمال الصالحة لا يعد تصديقا أو التصديق بالجث لتقدّمه وتقدّم إنكاره في قوله: أئنا لمبعوثون. قوله: (من مني النطفة بمعنى أمناها) أي أسالها بدفع الطبيعة ومني، وأمنى بمعنى كما ذكره الجوهريّ وقوله: تجعلونه بشراً سوباً تام الخلقة فالمراد خلق ما يحصل منه ففيه تقدير أو تجوّز، وقوله: أقتنا بالهمزة بمعنى وقتنا أي جعلنا له وقتا معينا، وقوله: فيهرب من الموت أو يغير وقته يعني السبق هنا تمثيل لحال من سلم من الموت أو تأخر أجله عن وقته المعين له بحال من طلبه طالب فلم يلحقه وسبقه أو السبق مجاز عن الغلبة استعارة تصريحية أو مجاز مرسل في لازمه، وظاهر قول المصنف من سبقته على كذا أنه حقيقة فيه إذا تعدى بعلى. قوله: (على الأوّل حأل) أي إذا فسر السبق بالسلامة من الموت أو تأخيره عن وقته، والمعنى لا ينجو أحد من الموت حال كوننا قادرين أو عازمين على تبديل أمثالكم، وصاحب الحال الضمير المستتر في مسبوقين، وجملة وما نحن بمسبوقين حال أيضا فإذا كانت على تعليلية فهي متعلقة بقدرنا، والجملة بينهما معترضة، وقيل: قوله وما نحن بمسبوقين اعتراض جار على الوجهين، وسياقه لا يساعده. قوله: (جمع مثل) أي بفتحتين بمعنى الصفة العجيبة، وهو فيما قبله جمع مثل بكسر فسكون بمعنى شبه، وقوله: في خلق بكسر الخاء، وفتح اللام جمع خلقة، وهو ما يكون عليه الإيجاد من الهيآت، والأطوار، والظاهر أنّ قوله: وننشئكم المراد به إذا بدلناكم بغيركم لا في الدار الآخرة كما توهم والصفات الأشكال، وما ضاهاها وهما في هذه النشأة أو الأوّل إذا كانت الأمثال الأشباه، والثاني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 إذا كانت الصفات ففيه لف، ونشر مرتب. قوله:) أنّ من قدر عليها) أي على النشأة الثانية بالإعادة هو الذي قدر على النشأة الأولى، وهذه أهون بالنسبة إليكم لما ذكره، وربما يتوهم أنه كان الظاهر في عبارته العكس، وهو من سوء الفهم، وقوله: وفيه دليل على صحة القياس لوقوعه هنا، وارشاد الخلق بالدلالة على صحة الإعادة لصحة الإبداء. قوله: (تبذرون حبه) في عبارته تسامح ومعنى الحرث ما قاله الراغب من أنه تهيئة الأرض للزراعة، وإلقاء البذر، ولذا قال في الكشاف تبذرون حبه، وتعملون في أرضه فليس حق التعبير فيه ما تبذرونه من الدبئ كما قيل، وقوله: تنبتونه فالزرع إنبات ما ألقي من البذر، ولا يقدر عليه إلا الله ولذا ورد في الحديث: " لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت " كما رواه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال القرطبيّ: إنه يستحب للزارع أن يقول بعد الاستعاذة، وتلاوة هذه الآية الله الزارع، والمنبت والمبلغ اللهم صل على محمد وارزقنا ثمره، وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين قيل، وقد جرب هذا الدعاء لدفع آفات الزرع كلها، وانتاجه. قوله:) هشيماً) أي متكسراً لشدة يبسه، وقوله: تعجبون من هلاكه أو يبسه بعد خضرته، وقوله: على اجتهادكم فيه الذي ضاع وخسر، والتنقل من النقل بالفتح والضم، وهو أكل الفواكه، ونحوها وأصله كان الأكل مع الشراب وقد يعم، وقوله: فتتحدثون فيه، والحديث ما مرّ بعد هلاكه لما غلب في الندم أو التعجب منه كني به عن التعجب والندم، وقيل: التفعل فيه للسلب كتأثم وتحنث كما مرّ أي يلقون الفكاهة عنهم. قوله تعالى: ( {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} ) قرئ بالاستفهام، والتحقيق وعليهما هو مقول قول مقدّر هو حال أي قائلين أو يقولون إنا الخ والمغرم هنا الذي ألزم الغرامة أو مهلكون بالمعاصي أو بهلاك رزقهم من الغرام بمعنى الهلاك قال: أن يعذب يكن غراما وإن ي!! ط جزيلاً فإنه لا يبالي واليه أشار المصنف بقوله: من الغرام أي بمعنى الهلاك. قوله:) حرمنا رزقنا) هذا إن كان ما قبله من الغرامة فالمعنى إنا ملزمون غرامته بنقص أرزاقنا بل نحن محرومون الرزق بالكلية، وقوله: أو محدودون بالمهملة من الحدّ بمعنى المنع، ومجدودون بالجيم من الجد، وهو البخت، وهو ناظر إلى الثاني فالمعنى لما قال إنهم هالكون بهلاك رزقهم قال: بل هذا أمر قدر علينا لنحوسة طالعنا، وعدم بختنا ففيه شبه لف، ونشر. قوله: (والرؤية إن كانت بمعنى العلم الخ) فالجملة الاستفهامية في محل المفعول الثاني، وإن كانت بصرية فهي مستأنفة لا محل لها، وفي تسمية مثل هذا تعليقاً شيء لأنّ المفعول الثاني في باب العلم يكون جملة في محل نصب، ولو لم يكن استفهام وأنما يكون تعليقا، وهو إبطال العمل لفظاً لا محلا لو دخلت على المفعولين والظاهر أنّ التعليق المعدى بالباء بمعنى العمل، وليس هو المصطلح عليه فإنه يعدّى بعن كما سيأتي في سورة تبارك. قوله: (ملحاً) أي مالحاً، والأجيج تلهب النار فعليه يكون كل ما يلذع الفم أجاجاً فيشمل المالح والمرّ والحار لكن المراد الملح هنا بقرينة المقام ولو أريد الأعمّ صح أيضاً. قوله: (الفاصلة بين جواب ما يتمحض) كان الثرطية، والمراد بما يتضمن معناه هنا لو، وفي عبارته تسمح لأنها لا تدخل كل ما تضمن معناه كمن، وما كما لا يخفى، وعلم السامع بمكانه، والاكتفاء يقتضي تقديره، وما بعده يقتضي خلافه، وما يقصد لذاته الماكول لأنّ المشروب إنما تطلبه الطبيعة ليسهل طبخ الطعام، ويعدل الحرارة، ونحو ذلك مما قصد لغيره، وفي المثل السائر أنّ اللام أدخلت في المطعوم دون المشروب لأنّ جعل الماء العذب ملحاً أسهل مكاناً في العرف، والعادة والموجود من الماء الملح أكثر من الماء العذب، وكثيرا ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحاً إلى زيادة تأكيد فلذا لم تدخل لام التأكيد المفيدة لزيادة التحقيق، وأمّا المطعوم فإنّ جعله حطاما من الأشياء الخارجة عن المعتاد، وإذا وقع يكون عن سخط شديد فلذا قرن باللام لتقرير إيجاده، وتحقيق أمره انتهى. قوله: (لمزيد التثيد) كونها للتأكيد لا ينافي كونها فاصلة فإنّ الفصل ليس المعنى الموضوع له، ولا تمانع بينهما، وهما لا ينفكان كنها، ويعلم من توجيه ذكرها أو لا وجه حذفها ثانياً، وقوله: مزيد الخ أقحم المزيد لأنّ التأكيد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 يعلم من تقديمه، وترتيب قوله: فظلتم الخ عليه. قوله: (أمثال هذه النعم) جعله مرتباً على جميع ما مرّ من المطعوم، والمشروب، ولم يخصه بعذوبة الماء لأنّ هذا أفيد، والضرورية هي التي لا بدّ للإنسان منها والزناد بكسر الزاي جمع زند وزندة للعود الذي يقدح منه النار لا مفرد كما يتوهم. قوله: (ثبصرة في أمر البعث) لأنّ من أخرح النار من الشجر الأخضر المضاد لها قادر على إعادة ما تفرقت موادّه وقد مر تقريره في ي! ، وقوله: أو في الظلام عطف على قوله في أمر البعث، وهو شبه الاستخدام لأنّ الأوّل من البصيرة في الأدلة المثبتة وهذا من البصر، والنظر فإنه يبصر بضوئها، والاستخدام لا يلزم كونه بالضمير ققد يكون بالتمييز، والعطف والاستثناء كقوله: أبدأ حديثي ليس بالمنسوخ إلا في الدفاتر فعليك بالتدبر فما قيل إنه غير لائح الوجه من عدم النظر الصحيح، وكذا القول بأنها لا تختص بنار الزناد نعم التذكرة لا تكون بمعنى التبصرة المأخوذة من البصر فتذكر. قوله: (أو ئذكير الخ النار جهنم تنازعه التذكير، والأنموذج، والتذكر لأنه برؤيتها يخطر بباله، والأنموذج لما في الحديث: " إنها جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم " وقوله: ينزلون القواء فهو كأصحر إذا دخل الصحراء فإنّ الأفعال يكون للدخول في معنى مصدر مجرّده. قوله: (أو للذين خلت بطونهم الخ) وهو على الأوّل حقيقة، وعلى الثاني مجاز أو فيه مضاف مقدّر، والأوّل أقرب، وانتفاعهم بها لأنهم يطبخون بها، ولشدة احتياجهم لها خصوا بالذكر مع انتفاع غيرهم بها وقوله: من أقوت الدار راجع للوجهين الأخيرين والمزاود جمع مزود وهو وعاء الزاد. قوله: (فأحدث التسبيح بذكر اسمه الخ) ذكر أحدث للإشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم، وإلى أنّ المأمور به تجديده لا إيجاده فإنه غير معرض عنه، والفاء للتعقيب أي بعدما عددت من النعم فسبح، وكذا فلا أقسم، وهو إمّا بتقدير مضاف فيه، وهو لفظ الذكر، وأمّا لأنّ الاسم مجاز عن الذكر والمعنى نزهه إمّا بواسطة ذكر اسمه أو بواسطة ذكره قيل، ولو أبقى على ظاهره من غير إضمار أو تجوّز جاز كما في {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سورة الأعلى، الآية: ا] فإنه كما يجب تقديس ذاته يجب تنزيه الألفاظ الدالة عليه فلا يخالف الأدب، وهو أبلغ لأنه يلزمه تقدي! ذاته بالطريق الأولى على نهج الكناية الرمزية، وأورد عليه أنه إنما يتأتى لو لم يذكر الباء إلا أن تجعل زائدة، وهو خلاف الظاهر. قوله: (فإنّ إطلاق اسم الخ) بيان لعلاقة السببية بين الاسم، والذكر المصححة للمجاز، وقوله: العظيم الخ يعني على الوجهين المذكورين، وقوله: تعقيب الأمر بالتسبيح كما يدل عليه اقترانه بالفاء التعقيبية أي ذكر سبح بعد ما عدد من النعم، وقوله: الكافرون لنعمته لأنّ التذكير بالنعم يستدعي تنزيهه فلذا عقب بالفاء فهي بمعناها " الحقيقي، وقوله: أو للتعجب فإنّ سبحان ترد للتعجب مجازاً مشهوراً فسبح بمعنى تعجب، وأصله: قل سبحان الله للتعجب، وغمط النعم بالمعجمة احتقارها، وعدم معرفة حقها. قوله: (أو للشكر الخ) لأنّ تنزيهه وتعظيمه بعد ذكر نعمه مدح له عليها فهو شكر للمنعم في الحقيقة، وقوله: ما عدها في النسخ بضمير المؤنث لما باعتبار معناها. قوله: " ذ الأمر الخ (فلا نافية، وقدمه لأنه المتبادر، وزيادة لا للتأكيد، وتقوية الكلام خلاف الظاهر أيضاً، وقوله: إلى قسم أي لا يحتاج إلى قسم ما فضلا عن هذا القسم العظيم فلا يتوهم أنه يأباه تعيين المقسم به وتفخيمه، وقوله: فحذف المبتدأ لم يورد عليه ما مرّ في طه من أنّ المبتدأ الداخل عليه لام التأكيد يمتنع أو يقبح حذفه لأنّ دخولها لتأكيده يقتضي الاعتناء به، وحذفه يدل على خلافه اكتفاء بما قدمه هناك كما هو دأبه، وقوله: لكلام يخالف الخ كقوله في القرآن إنه سحر، وشعر وكهانة، وقيده بكونه يخالفه ليكون ذكره قرينة عليه كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء وقوله: فلاناً أقسم قدر المبتدا لأنّ لام الابتداء لا تدخل على الفعل، ولا يصح أن تكون لام القسم لأنّ حقه أن يؤكد بالنون. قوله: (بمساقطها) على أنّ الوقوع بمعنى السقوط والغروب، وقوله: أو بمنازلها على أنّ الوقوع النزول كما يقال على الخبير سقطت، وهو شائع، والأوّل يستعمل بمن، وهذا بفي أو على وقوله: مواقعها أوقات نزولها فموقع اسم زمان. قوله: (والدلالة على وجود مؤثر الخ) لأنّ زوال الأثر من سمات الحدوث، والإمكان فيقتضي مؤثراً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 موجوداً ليس له تلك السمة، ولذا استدل الخليل عليه الصلاة والسلام بالأفول على وجود الصانع وأثر النجوم ظهورها، واضاءتها. قوله: (أو بمنازلها ومجاريها) فانّ فيها من الدلالة على القدرة القاهرة والحكمة الباهرة ما لا يحيط به الوصف. قوله: (لما في القسم) وفي نسخة لما في المقسم به وهو المراد بالقسم فهما بمعنى فله تعالى في وقت غروب النجوم أفعال عظيمة دالة على قدرته وعظيم حكمته وهو وقت مناجاة المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان على عباده الصالحين وليس فيه لف ونشر مرتب لوجوه مواقع النجوم لإمكان اعتبار الجميع في كلى منها كما لا يخفى. قوله: (ومن مقتضيات رحمتة الخ (السدي المهمل والمراد به هنا ترك تكليفهم بالأوامر، والنواهي وبيان ما ينتظم به المعاس، والمعاد، وهذا توطئة لقوله: إنه لقرآن كريم، وبيان لمناسبة المقسم به للمقسم عليه لتضمن القرآن جميع المصالح الدنيوية، والأخروية وليس تخصيصا للوجه الثالث من تفسير مواقع النجوم بالإشارة إلى تحقق فرط الرحمة فيه لما فيه من الخفاء بمعنى أنّ استعبادهم بالأمر، والنهي، وأن لا يهمل أمرهم اهتمام بشأنهم واستسعادهم كما قيل فإنّ بيانه للمرجوح دون غيره بعيد، والخفاء فيه غير ظاهر فإنه من الظهور بمرتبة لا تخفى على ذي عينين. قوله:) وهو اعتراض في اعتراض (ضمير هو لما ذكر مع قطع النظر عن التعيين فالظرفية على حقيقتها أي ما ذكر مشتمل على اعتراض في ضمن آخر فلا حاجة إلى جعل في بمعنى مع كما في قوله: {ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ} [سورة الأعراف، الآية: 38] لأنّ لو تعلمون مظروف لا ظرف فإنه تخيل بارد، ولا إلى ما قيل من أنه قلب، والتقدير اعتراض فيه اعتراض، والاعتراض الأوّل تعظيم للقسم مقرّر، ومؤكد له، والثاني، وهو لو تعلمون تأكيد لذلك التعظيم. قوله: (كثير النفع الخ) الكرم لا يختص بكثرة الإحسان، والبذل كما يتوهم بل هو صدور شيء مما يحمد من الأفعال، والأوصاف ويوصف به الله تعالى، والناس، وغيرهم وقد خصه العرف بما ذكر أوّلاً فتفسير المصنف له بكثير النفع إتا لأنّ كثرته وصف محمود فهو بمعناه الحقيقي أو أنه مستعار من الكرم المعروف كما في شرح الكشاف، وإذا فسر بالحسن المرضيّ فعلى أنّ الكرم الاتصاف بكل ما يحمد في بابه، وترك ما قدره الزمخشريّ من أن المعنى أنه كريم على الله لأنه يرجع لما ذكر، وفيه تقدير من غير حاجة. قوله: (مصون) أي محفوظ عن غير الملائكة أو مصون ما فيه فلا يمحى، وقوله: لا يطلع على اللوح الخ. فالجملة صفة لكتاب المفسر باللوح المحفوظ، ونفى مسه كناية عن لازمه، وهو نفي الاطلاع عليه، وعلى ما فيه، والمراد بالمطهرين حينئذ جنس الملائكة فطهارتهم نقاء ذواتهم، وخلقتهم عن كدر الأجسام، ودنس الهيولى فهي طهارة، وتقديس معنوي لهم صلوات الله، وسلامه عليهم أجمعين. قوله: (أو لا يمس القرآن الخ) فالضمير للقرآن لا للكتاب بمعنى اللوح كما في الوجه الأوّل والطهارة المراد بها الشرعية عن الحدث الأصغر، والاكبر فالجملة صفة قرآن أو مستاً نفة، ورجح هذا بأنّ الكلام مسوق لتعظيم القرآن. قوله: (فيكون نفياً بمعنى النهي) والمعنى لا ينبغي، ولا يليق مسه لمن لم يكن على الطهارة، وهو استعارة أبلغ من النهي الحقيقي كما مرّ تقريره، ولم يحمل على الأخبار لئلا يلزم الكذب في أخباره تعالى هذا ما اتفق عليه المفسرون، ولم يجعلوها ناهية جازمة مع أنه محتمل كما يأتي لوجوه لأنه على التفسير الأوّل خبر بلا كلام فأبقى على حاله، ولأنه أبلغ من صريح النهي، ولأنّ المتبادر من الضمة أنها إعراب فالحمل على غيره فيه إلباس، ولأنه قرئ ما يمسه وهو مؤيد لأنّ لا نافية، ولأنه صفة، والأصل فيها أن تكون جملتها خبرية، وترك الأرجح من غير داع في قوّة الخطا فسقط ما قيل إنها ناهية جازمة، ولو فك الإدغام ظهر الجزم نحو لم يمسسهم سوء فلما أدغم ضمّ لأجل هاء الضمير المذكر، ولم ينقل سيبويه فيه عن العرب غير الضم وإن اقتضى القياس جواز فتحه تخفيفاً، وبعضهم ظنه لازما، وما أورد عليه من أنه صفة لأنّ بعده تنزيل وهو صفة أيضاً والصفة لا تكون إلا جملة خبرية لا ناهية مردود بأنّ تنزيل يجوز كونه خبر مبتدأ مقدّر لا صفة ولو سلم فهذه صفة بالتأويل المشهور، وهو تقدير مقول فيه لا يمسه الخ. قوله: (أو لا يطلبه الخ) فالمس كاللمس يكون مجازا عن الطلب كقوله: {أَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء} [سورة الجن، الآية: 8] كما مرّ والمقصود المدح له بأنه بأيدي كرام بررة والمطهرون بإبدال التاء طاء، وادغامها والقراءة الأخيرة المطهرون بفتح الطاء، وتشديد الهاء المكسورة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 اسم فاعل من طهره فلذا قدّر مفعوله، وقوله: الإلهام ناظر إلى تفسيرهم بالملائكة، وهذه القراءة منقولة عن سلمان رضي الله عنه، وقوله: صفة ثالثة إن كان لا يمسه الخ صفة لكتاب، والأولى كريم، والثانية في كتاب مكنون وكونها رابعة إذا كانت جملة لا يمسه صفة أيضاً وقد مرّ ما فيه واحتمال غيره. قوله: (متهاونون به) أصل الأدهان جعل الأديم ونحوه مدهوناً بشيء من الدهن، ولما كان ذلك مليناً له لينا محسوساً أريد به اللين المعنوي على أنه تجوّز به عن مطلق اللين أو استعير له، ولذا سميت المداراة والملاينة مداهنة، وهذا مجاز معروف، ولشهرته صار حقيقة عرفية فلذا تجوّز به هنا عن التهاون أيضاً لأنّ المتهاون بالأمر لا يتصلب فيه. قوله: (أي شكر رزقكم) بيان للمراد منه لأنه ورد في البخاريّ وغير. مفسراً بهذا، ولذا لم يفسره بالمتبادر منه وهو حمل الرزق على النعمة مطلقا أو نعمة القرآن وعلى هذا ففيه مضاف مقدر أو الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر، وقيل: الرزق من أسماء الشكر نقله الكرماني في شرح البخاريّ، ولا يخفى بعده وقوله: بمانحه بالنون والحاء المهملة بمعنى معطيه، وهو تقدير لمتعلق تكذبون وفسر تكذيبهم بقوله: تنسبونه الخ. قوله: (وقرئ شكركم) هي قراءة منقولة عن ابن عباس وعليّ رضي الله عنهم، وقد حمله بعض شراح البخاريّ على التفسير من غير قصد للتلاوة، وقوله: أي وتجعلون الخ فهو كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع إذ جعلوا التكذيب مكان الشكر فكأنه عينه عندهم على ما مرّ من تفصيله، وقوله: وتكذبون أي قرئ تكذبون بالتخفيف من الكذب الثلاثيّ فهو معطوف على قوله: شكركم. قوله: (إنه من الإنواء) جمع نوء بفتح النون، وسكون الواو والهمزة قال الخطابيّ: النوء الكوكب، ولذا سموا نجوم منازل القمر أنواء وسمي النجم نوءا لأنه ينوء طالعاً عند مغيب مقابله في ناحية الغرب، وكان من عادة الجاهلية قولهم: مطرنا بنوء كذا فيضيفون نعمة الله عليهم بالغيث، والسقيا لغيره تعالى فزجرهم عنه، وسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كفراً (إمّا لأنه يفضي إلى الكفر إذا اعتقد أنّ الكواكب مؤثرة حقيقة، وموجدة للمطر أمّا لو قاله من يعتقد أنه من فضله تعالى والنوء ميقات وعلامة له كما جرت به العادة فلا يكفر أو المراد كفران نعمه تعالى إذ أضافها لغير موجدها، وقال ابن الصلاح: النوء مصدر ناء النجم إذا سقط أو غاب أو نهض ولهم ثمانية، وعشرون نجماً معروفة المطالع في السنة، وهي المعروفة بمنازل القمر يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع مقابله في المشرق، وهم ينسبون المطر للغارب، وقال الأصمعيّ: للطالع، ثم سموا النجم نفسه نوءا. قوله: (أي النفس) تفسير لفاعل بلغت، ولذا ذكر النفس لأنها مؤنثة وأراد بها الروح بمعنى البخار المنبعث عن القلب دون النفس الناطقة فإنها لا توصف بما ذكر، وقوله: تنظرون حالكم كذ! في النسخ كلها، وعبر به لأنهم يعلمون أنّ ما جرى عليه يجري عليهم فكأنهم شاهدوا حال أنفسهم ولولا قصد ذلك قال حاله، وقوله: والواو للحال وذو الحال فاعل بلغت، والاسمية المقترنة بالواو لا تحتاج في الربط للضمير لكفاية الواو فلا حاجة إلى القول بأنّ العائد ما تضمنه قوله حينئذ لأنّ التنوين عوض عن جملة. قوله: (ونحن أعلم) تفسير له لأنه مجاز مرسل ذكر فيه السبب، وأريد المسبب كما بيته، ولو أخره عن قوله إليه كان أولى، وتعدبه بإلى باعتبار أصل معنا. لأنّ المجاز ينظر في صلته إلى أصله، وقد ينظر للمعنى المجازي كما فصلوه في محله، ولو جعل استعارة تمثيلية باستعارة مجموع أقرب إليه كان أحسن، وجملة نحن أقرب معترضة لا حالية، وإن جاز أيضا. قوله: (لا تدركون كنه ما يجري عليه) يعني نفي الأبصار مجاز عن نفي إدراك حقيقة ما يقاسيه فهي بصرية تجوّز بها عما ذكر للمبالغة بجعل أبصارهم كالعدم، وليس بيانا لأنه من البصيرة دون البصر كما قيل، وإن احتمل، والاستدراك على قوله: تنظرون لأنّ ما بينهما اعتراض أي تشاهدون أنموذج حالكم لكنكم لا تدركون حقيقه، وهذا هو المناسب للسياق، وإن خفي على من قال الأقرب تفسيره بلا تدركون كوننا أعلم به منكم، ولو لم يفسر. به لم يصادف الاستدراك محزه فتدبر. قوله: (مجزيين الخ) يعني أق أصله الانقياد، ولذا عبر به عن الملك، والتعبد لأنه لازمه، وعن الجزاء كما في قوله: كما تدين تدان، وهو ظاهر، وقوله: ترجعون النفس الخ أي تردّونها ورجع متعد هنا، ويكون لازماً أيضا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 وقوله، وهو أي قوله: ترجعون والظرف إذا في قوله: إذا بلغت، وهو إشارة إلى أنها ظرفية غير شرطية. قوله: (والمحضض عليه بلولا الخ (معطوف على قوله عامل الظرف أي ترجعونها هو العامل، وهو المحضض عليه أيضاً فإن لولا هنا تحضيضية، وقوله: الثانية تكرير مبتدأ وخبر، وقوله: وهي أي لولا الأولى، والشرط أن في قوله: إن كنتم صادقين، وقوله: غير مملوكين الخ تفسير لمدينين بمعنييه كما بينه أوّلاً، وقوله: كما دل الخ بيان للنفي الدال عليه غير، وقوله: في تعطيلكم أي للصانع لما مرّ من نسبة المطر للإنواء، وهو بيان لمتعلق صادقين، وقوله: فلولا ترجعون الخ بيان لجواب الشرط المقدر مؤخراً وأن ما تقدّم دليله لا عينه (واعلم) أن ترتيب النظم فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين لأن لولا تحضيضية، وطلبه رجع النفس منهم تهكماً بهم دماظهاراً لعجزهم وقيل: معنى لا تبصرون لا يمكنكم الدفع، ولا تقدرون على شيء وأكده بقوله: ونحن أقرب الخ أي كيف تقدرون، ونحن حاضرون وملائكتنا مشغولون بقبض روحه، ولذا قيل المعنى ورسلنا القابضون روحه أقرب منكم، ولكن لا تبصرونهم، وكررت لولا لبعد الأولى، وقد قيل: إنها غير مكزرة وفي الإعراب وجوه أخر، وعلى التكرير فذكر قوله: {إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [سورة الواقعة، الآية: 86] لبيان عجزهم، وأنهم مقهورون معاقبون فكيف يقدرون على هذا، ثم عقبه بقوله: إن كنتم صادقين لبعد صدقهم وأنه ممتنع كما تشير إليه كلمة إن فتدبر. قوله: (إن كان المتوفى الخ) فالضمير للمتوفى المفهوم مما مرّ، وقوله: من السابقين تفسير لقوله: من المقزبين لقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [سورة الوأقعة، الآية: 0 ا] وقوله: فله استراحة فهو مبتدأ خبره مقدر مقدم، وقوله: لأنها كالسبب بيان لأنه على هذه القراءة جعلت الرحمة روحا لأن كلاً منهما سبب لحياته فهو استعارة، ويجوز كونه مجازاً مرسلا، وكون الريحان بمعنى الرزق مر بيانه. قوله: (ذات تنعم (إشارة إلى أن الإضافة لامية لأن صاحب النعيم له اختصاص به أو لأدنى ملابسة لا لأن النعيم للنسبة لأنه بمعنى النعمة والتنعم، وقوله: يا صاحب اليمين يعني أنه التفات بتقدير القول، ومن للابتداء كما يقال: سلام من فلان على فلان أي يقال له: سلام لك من إخوانك الذين يسلمون عليك بإرسال التحية لك، وقوله: يعني أصحاب الشمال كما يدلّ عليه المقابلة، وقوله: بأفعالهم هي الكذب والضلال، وما أوعدهم به قوله فنزل الخ، وما مرّ أيضاً. قوله:) وذلك ما يجد في القبر الخ (حمله على عذاب القبر دون ما بعده من عذاب القيامة، وكذا ما قبله من الروح، والريحان، وابلاغ السلام لذكره في حال التوفي، وعقب ذكر قبض الأرواح مقترنا بالفاء في قوله: فأفا الخ، وليس هذا من النزل لقوله: سابقا نزلهم يوم الدين، ولا من الفاء لدأخلة في الجواب حتى يقال إنها لا تدل على التعقيب بل لأنه المناسب هنا، ويكون غير مكرّر لأنّ هذا حال البرزخ، وذلك حالهم في القيامة وما بعدها نعم لفظ النزل والتصلية وهي من غير دخول يؤيده للمناسبة التامة بينهما وسموم النار حرارتها فلا يرد عليها شيء مما أورده الفاضل المحشي، وقوله: في شأن الفرق يعني أصحاب الميمنة وقسيمه. قوله: (حق الخبر اليقين (وفسره في الكشاف بالثابت من اليقين واليقين العلم الذي زال عنه اللبس كما ذكره الزمخشري في الجاثية، وهو تفسير له بحسب المعنى، والإضافة فيه لامية كما بينه في الحاقة فهو كما تقول هو العالم حق العالم، والمعنى كعين اليقين، وهو كعين الشيء ونفسه وذكر في تفسير قوله: كلا لو تعلمون علم اليقين إنه بمعنى علم الأمر اليقين أي كعلم ما تستيقنونه لأنه معنى آخر يلائم ذلك المقام كذا أفاده المدقق في الكشف يعني أنه من إضافة العامّ للخاص وفيها خلاف فقيل: إنها لامية، وقيل: إنها بيانية على معنى من، وقريب مما فسر به اليقين ما قيل من أنه العلم الثابت بالدليل، وقوله: إنه تفسير بحسب المعنى يعني به أنه لا يثترط فيه ذلك وإنما هو العلم المتيقن مطلقاً وما ذكر مأخوذ من المقام وحق على ما ذكره للتأكيد، والمصنف جعل اليقين صفة الخبر المذكور في السورة أو في جميع القرآن، والحق له معان كالحقيقة والثابت، ومقابل الباطل وكلامه محتمل لها، وما في الكشف من أن تقدير الموصوف لا يناسب هذا المقام غير متوجه، ولذا لم يلتفت له المصنف فتدبر. قوله: (فنزهه الخ (قيل أو بذكره على ما مرّ من التقدير أو التجوّز فاكتفى بذكر أحدهما لعلم الآخر مما مز ولك أن تقول إنه أدرج الوجهين فيما ذكر قتأمّل. قوله: (من قرأ سورة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 الواقعة الخ) هذا الحديث ليس بموضوع، وقد رواه البيهقي، وغيره لم يذكر في فضائل السور حديثاً غير موضوع من أوّل القرآن إلى هنا غيره وغير ما مرّ في سورة يس والدخان، ومناسبته للسورة ذكر الرزق فيها ومعناه واضح تصت السورة بحمد الملك العلام، والصلاة والسلام على أفضل الرسل، وصحبه الكرام. سورة الحديد بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مدنية الخ) فيها اختلاف، ولا عبرة بقول النقاس إنها مدنية بإجماع المفسرين، وقد قال ابن عطية: لا خلاف في أنّ بعضها مدني وبعضها مكي، وصدرها يشبه المكي، واختلف في عدد آياتها أيضا فقيل: ثمان وقيل: تع وعشرون. قوله: (إشعارا بأنّ من شأن ما أسند الخ (كلام المصنف كما قاله بعض الفضلاء محتمل لوجهين الأوّل أنّ الاستمرار مستفاد من المجموع حيث دل الماضي على الاستمرار إلى زمان الأخبار والمضارع على الاستمرار في الحال، والاستقبال فيشمل جميع الأزمنة، والثاني، وهو الظاهر المفهوم من الكشاف وشروحه أنّ كل واحد منها يدل على الاستمرار لعموم المقتضي، وصلوح اللفظ لذلك حيث جرد كل منها عن الزمان، وأوثر على الاسم لما في المضارع من الاستمرار التجدّدي، والماضي من التحقق وعموم المقتضي ما أشير إليه بقوله: لأنه دلالة جبلية لاستدعاء الإمكان إلى واجب وجوده يستند إليه، ووجوب الوجود يستدعي التبعيد عن النقائص في ذاته، وصفاته وأفعاله وأسمائه وارتباط فاتحة هذه السورة بخاتمة ما قبلها ظاهر ومنه يعلم وجه التعبير بالأمر في {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سورة الأعلى، الآية: ا] أيضاً وكان عليه أن يذكره. قوله: (من شأن ما أسند إليه الخ) المشتر في أسند للتسبيح، وضمير إليه لما الموصولة، وضمير تسبيحه لله وتفكيك الضمائر إذا اتضحت القرينة، وأمن الليس لا ضير فيه خصوصاً في عبارات المصنفين، وقوله: لأنه أي تسبيح ما في السموات، والأرض. قوله: (دلالة جبلية لا تختلف الخ) عدم اختلافها في الحالات شامل للاستمرار الثبوتي، والتجددي وإن كان ظاهره الثاني، ولذا قيل: إنّ تخصيصه هنا لغلبة التجدد على ما في السموات والأرض، وقوله: ومجيء المصدر في قوله: سبحان الذي أسرى بعبده مطلقاً عن الدلالة على أحد الأزمنة، وعن ذكر المسبحين المذكورين هنا. قوله: (يشعر بإطلاقه الخ) يحتمل أنّ المراد أنه يشعر بكونه مطلقا على استحقاقه الخ، وأنّ على صلة الإطلاق، والباء صلة الإشعار، وأنّ الباء للاستعانة أو السببية، وعلى متعلقة بيشعر لأنه بمعنى يدل أي يدل بواسطة إطلاقه عن التعرض للفاعل، والزمان وضمير يشعر للمصدر أو المجيء، وهذا أقرب وإن ادّعى بعض العصريين تعصبا منه على المحشي تعين الأوّل فتأمّل. قوله: (وإنما عدى باللام الخ (قيل عليه حق العبارة عطف قوله إشعارا بأو الفاصلة لأنّ قوله: مثل نصحت له يدل على أنّ اللام صلة أو زائدة، وقوله: لأجل الله يدل على أنها تعليلية، وبينهما تناف يتعسر أو يتعذر توفيقه، وهو غير وارد على المصنف لأنّ التمثيل بما ذكر لدخول اللام على مفعول المتعدي بنفسه على أحد الأفوال فيه من أنه متعد بنفسه، واللام مزيدة فيه أو غير زائدة لتأويله، والثالث أنه يتعذى ولا يتعذى وهو على ما يقتضيه الظاهر، والتوجيه المذكور بناء على التحقيق، والنظر الدقيق فلا تنافي بينهما، وقوله: معدى بنفسه لأنّ التضعيف فيه لتعدية سبح بمعنى بعد إلى المفعول كما في قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سورة الأعلى، الآية: ا] وهو المعروف في الاستعمال، وقوله: إيقاع الفعل إشارة إلى أنّ سبح نزل منزلة اللازم ومعناه أوقع وأحدث التسبيح كما في الكشاف لا محذوف المفعول كما توهم. قوله: (لأجل الله وخالصاً لوجهه الخ) قيل: الإخلاص يستلزم الإدراك فهو ادّعائي، وأمّا اعتبار التغليب فيأباه كون الدلالة جبلية كما مرّ، وفيه بحث وكلامه في الكشاف لا يخلو أيضاً من الإشكال فتدبر. قوله: (حال الخ) فإنّ كونه تعالى غالباً على الإطلاق على جميع ما سواه، وكون أفعاله المتقنة محكمة البناء على أساس الحكم منشأ لأن ينزهه عن جميع النقائص كل الموجودات لأنه إنما ينشأ من النظر في مصنوعاته الدالة على قدرته، وبديع حكمته، وقوله: فإنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 الموجد الخ بيان للحصر الدال عليه تقدم الجار، والمجرور ولام الاختصاص، وقوله: استئناف أي بياني أو نحويّ، وقوله: من الأحياء، والإماتة إشارة إلى أنه تذييل، وتكميل لما قبله. قوله: (تامّ القدرة (إشارة إلى أن صيغة فعيل للمبالغة في الكيف إذ المبالغة في الكمّ تفهم من قوله على كل شيء، وقيل: إنه من التنكير دون الصيغة، وفيه نظر. قوله: (من حيث إنه موجدها ومحدثها) فسر الأوّل في الكشاف بالقديم الذي كان قبل كل شيء، والآخر بالذي يبقى بعد هلاك كل شيء، ولما كانت الأوّلية، والتقدم ذاتية، وزمانية وهو تعالى قبل الزمان، ومنزه عن الزمان كما ينزه عن المكان فتقدمه ذاتي إذ هو الموجد لجميع الموجودات التي من جملتها الزمان فسره بما ذكر وجعله ذاتياً، وغير عبارة الكشاف الموهمة، والسبق الذاتي هنا سبق على الزمان وعلى كل سابق بالزمان، وقوله: سائر الموجودات إمّا باقيها، وهو الظاهر أو جميعها لأنّ الموجودات هنا الممكنة وهي ما سواه تعالى. قوله: (الباقي بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها (يعني أنّ أبدية بقائه، وفناء كل موجود سواه لا ينافي كون بعض الموجودات إذا أوجدها الله تعالى لا تفني كالجنة، والنار ومن فيهما كما هو مقرر مبين بالآيات، والأحاديث لأن المرإد أنها فانية في حد ذاتها، وإن كانت بالنظر إلى استنادها لموجدها باقية غير فانية كما مرّ تحقيقه في قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [سورة الرحمن، الآية: 26] وأيضا فناء كل ممكن بالفعل ليس بمشاهد، والذي يدل عليه الدليل إنما هو إمكانه فالبعدية في مثله بحسب التصوّر، والتقدير. قوله: (تبتدأ منه لأسباب وتنتهي إليه المسببات) يعني أوّليته بمعنى أنّ الأسباب كلها لوجود الأشياء كلها منه لأنه موجدها إذ هو مسبب الأسباب، وكونه: آخر الانتهاء المسببات كلها إليه فالأوّلية ذاتية، والآخرية بمعنى أنه إليه المرجع والمصير بقطع النظر عن البقاء، وأنه ثابت بأمر آخر، وبهذا الاعتبار فارق ما قبله. قوله: (أو الأول خارجاً والآخر دّهناً) يعني أوّليته في الخارج لأنه أوجد الأشياء كلها فهو متقدّم عليها في نفس الأمر الخارجي وآخر بحسب التعقل لأنه يستدل عليه بالموجودات الدالة على الصانع القديم كما قالوا ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده، وقال حجة الإسلام في القصد الأقصى الأوّل يكون أوّلاً بالإضافة إلى شيء، والآخر آخرا بالإضافة إلى شيء وهما متنافيان فلا يتصوّر كون شيء واحد من وجه واحد وبالإضافة إلى شيء واحد أولاً، وآخرا فاذا نظرت إلى سلسلة الموجودات فالله تعالى بالإضافة إليها أوّل لأنها استفادت الوجود منه، وهو موجود بذاته غير مستفيد للوجود من غيره فإذا نظرت في منازل السالكين فهو آخر ما ترتقي إليه درجات العارفين، وكل معرفة مرقاة لمعرفته، والمنزل الأقصى معرفة الله فهو آخر بالإضافة إلى السلوك أوّل بالإضافة إلى الوجود فمنه المبدأ واليه المصير. قوله: (الظاهر وجوده الخ) فالباطن بمعنى الخفي، والظهور باعتبار أدلة وجوده والخفاء باعتبار الوقوف على كنهه وحقيقة ذاته فإنهم متفقون على أنه لا يعلم كنه ذاته سواه فلا دليل فيه الآية على أنه لا يرى في الآخرة كما لا يرى في الدنيا كما توهمه الزمخشريّ، واليه يومئ كلام المصنف رحمه الله، وقوله: تكتنهها أي تعلم كنهها وهو بهذا المعنى صحيح قال إمام اللغة الأزهريّ في تهذيبه: الكنه نهاية الشيء وحقيقته يقال: اكتنهت الأمر اكتناها إذا بلغت كنهه اهـ، وتبعه في القاموس فلا عبرة بما في شرح المفتاح من أنّ قولهم: لا يكتنه كنهه أي لا يبلغ نهايته كلام مولد. قوله: (أو الغالب على كل شيء الخ) فالظاهر بمعنى الغالب من قولهم ظهر عليهم إذا قهرهم وغلبهم، والباطن بمعنى العالم بما في باطن كل شيء ولم يرتض هذا الزمخشريّ لفوات التقابل فيه، ولأنّ بطته بمعنى علم باطنه غير ثابت في اللغة، وأمّا توجيهه فإنّ القدوة كثيراً ما تذكر مع العلم لكونه من شرائطها كقوله: {وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [سورة إبراهيم، الآية: 4] ولما كان ما قبله، وما بعده في بيان القدرة تبادر ذلك في الجملة هنا فتدبر، وقوله: والواو الأولى الخ يريد أنّ الواو الأولى، والثالثة عطفت مفرداً على مفرد وأمّا الواو الثانية فإنها عطفت مجموع أمرين على مجموع آخر، وهذه الواو في المفردات كالواو العاطفة قصة على قصة في الجمل لأنها لو عطفت الظاهر وحده على أحد الأوّلين لم يحسن لعدم التناسب بينهما، والمجموع مناسب للمجموع في الاشتمال على أمرين متقابلين. قوله: (يستوي عنده الظاهر والخفي) هو من صيغة المبالغة فإنها ليست في الكمّ لأنّ قوله بكل شيء يغني عنه فهو بحسب الكيفية، وقؤة العلم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 لاستواء المعلومات عنده كما قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [سورة ادبقرة، الآية: 77] ولذا قدم ما يسرّون فافهم. قوله: (كالبذور) تمثيل وخصه لظهوره وقوله: كالأمطار إشارة إلى أنّ السماء هنا بمعنى جهة العلو، وقوله: لا ينفك علمه، وقدرته الخ. فالمعية غير مكانية بل معنوية بمعنى ما ذكر وهو تمثيل، وقيل: مجاز مرسل بعلاقة السببية وقوله: فيجازيكم إشارة إلى أنّ الاطلاع عليه كناية عن الجزاء. قوله: (ولعل تقديم الخلق) في هذه الآية بقوله: خلق السموات الخ. على العلم في قوله: يعلم ما يلج الخ مع أنّ الخلق، والإيجاد من صفات الأفعال المتأخرة عن العلم الذي هو من صفات الذات فكان المناسب العكس إلا أنه عدل عنه لأنه دليله، والدليل من شأنه التقدّم على المدلول لتوقفه عليه، وتقدّم رتبته لأنا نستدل بخلقه، وايجاده المصنوعات المتقنة على أنه عالم. قوله: (ذكره مع الإعادة) أي مع ذكر المعاد هنا الدال عليه قوله، والى الله ترجع الأمور كما ذكره قبلى مع أمور المبدأ من الأحياء، والإماتة الواقعين في الدنيا لأنه كالمقدمة لهما لأنّ اختصاص ملك جميع الأشياء به وكونه متصرّفاً فيها يصحح الأحياء، والإماتة، ويوجب كونه مرجعا للأمور دون غيره، ودلالته على الإبداء ظاهرة، وعلى الإعادة لأنّ من خلقها يقدر على إعادتها كما قال: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [سورة يس، الآية: 81] . قولى: (فهي في الحقيقة له لا لكم) فالخلافة إمّا عمن له التصرّف الحقيقي، وهو الله وهو المناسب لقوله: له ملك السموات والأرض، أو عمن تصرّف فيها قبلهم ممن كانت في أيديهم فانتقلت لهم فالحث على الإنفاق، وتهوينه على الأوّل ظاهر لأنه أذن له في الإنفاق من ملك غيره، ومثله: يسهل إخراجه، وتكثيره، وعلى الثاني أيضا لأنّ من علم أنه لم يبق لمن قبله علم أنه لا يدوم له أيضا فيسهل عليه الإخراح: وما المال والأهلون إلا ودإئع ولا بد يوما أن تردّ الودائع قوله: (وعد فيه مبالغات) بينها بقوله: جعل الجملة اسمية لدلالتها على الدوام، والثبات الأبلغ من غيره، وكان الظاهر أن تكون فعلية في جواب الأمر فيقال يعطوا أجراً كبيرا مثلاً، والجعل مصدر مبدل من قوله: مبالغات بدل اشتمال، واعادة ما ذكر إذ الظاهر أن يقال: فمن ذلك فله أجر كبير فاعيدا اهتماماً، واعتناء بهما وتنكير الأجر يفيد التعظيم كوصفه بأنه كبير، وهذا الوعيد فيه ترغيب لهم لا يخفى. قوله: (وبناء الحكم على الضميرا لما كان المتبادر من هذه العبارة أن يجعل الضمير مبتدأ مخبراً عنه بجملة، ونحوها ليتكرّر الإسناد وليس ما نحن فيه كذلك قيل: المراد أنه حكم بأنّ الأجر الكبير لهم بتقديم الضمير، وقيل: إنّ الضمير محكوم عليه معنى لا لفظا لأنّ محصل المعنى هم مختصون بأجر كبير. قوله: (وما تصنعون غير موّمنين الخ) يعني أنّ جملة لا تؤمنون حال، والعامل فيها معنى الفعل في مالكم كما قرّره النحاة، وفصله الرضي في باب المفعول معه، وما قيل من أنه لا منع من جعله حالاً من المجرور في لكم، والعامل متعلق الظرف كلام فاسد لأنهم إنما اتفقوا على أنّ العامل فيه معنى الفعل المفهوم من الجار والمجرور إذ المراد به ما يصنع لأنّ المعنى يقتضيه والمسؤول عنه في مالك، وما بالك وما شأنك وأمثاله هو الحال لأن معنى مالك قائماً لم قمت، ولا يؤدي هذا المعنى إلا ما يصنع بالقيام، ولو كان التقدير ما استقرّ لك في حال القيام كنت سائلا عما صدر منه في قيامه، وليس بمراد وذو الحال على كل حال هو الضمير، وكلامه يوهم أنه غيره على ما ذهب إليه المصنف رحمه الله فافهم، وقوله: ما لك قائماً إشارة لما قرّرناه. قوله: (حال من ضمير لا تؤمنون (فهي حال متداخلة، وقوله: أفي عدّر الخ إشارة إلى أنّ المسؤول عنه مضمون الحال كما قرّرناه، ولام لتؤمنوا صلة يدعو أو تعليلية، والى الأوّل ذهب المصنف رحمه الله كما أشار إليه بقوله: يدعوكم إليه فاللام بمعنى إلى لأنه يتعدى بها وباللام. قوله: (قبل ذلك) القبلية مأخوذة من جعله حال من أحد ضميري يدعو لتخالف الفعلين في الاستقبال، والمضيّ وفي نسخة قيل بالمثناة التحتية مجهول القول، وبعده وذلك الخ بالواو، وهي صحيحة أيضا لكن المعنى مختلف فيهما، والنسخة الأولى أصح رواية ودراية، وقوله: بنصب الأدلة الخ يعني أنه تعالى لما نصب الأدلة على وجوب الإيمان وخلق فيهم قوّة النظر فيها كان كأنه أخذ عنهم مواثيق، وعهوداً على الإيمان بما جاءتهم به الرسل، وهو المراد بقوله: {وإذ أخذ ربك} الخ على أحد الوجوه وفيه قول آخر ويصح حمل ما هنا عليه كما قيل، وقد مرّ تفصيله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 فالكلام حينئذ تمثيل، وقوله: من مفعول يدعوكم أو من فاعله أيضا، وكونه من عطف الحال على الحال مع التخالف في الاسمية، والفعلية خلاف الظاهر، ولذا لم يتعرّض له المصنف رحمه الله مع ذكر الزمخشري له. قوله: (بموجب مّا) وفي نسخة لموجب مّا باللام، وموجب بالكسر أو الفتح أي بدليل مّا أو بمقتضى دليل مّا وما مزيدة للتعميم، وقوله: فإنّ هذا الخ بيان لمحصل الجواب بناء على أنّ ما قبله دليل الجواب، ولو لم يؤوّله بما ذكر تناقض قوله: لا تؤمنون، وقوله: إن كنتم مؤمنين ولذا قال الواحدي في تفسيره إن كنتم مؤمنين بدليل عقليّ أو نقليّ فقد بان وظهر لكم على يدي محمد ببعثه، وإنزال القرآن عليه فما قيل إنّ قوله فإنّ الخ تعليل للحكم الشرطي لا تقدير للجواب فإنه المتقدم عليه بعينه أو ما يدل عليه فهذا لا يوافق مذهب البصريين، ولا الكوفيين غفلة عن المراد، وقيل: المعنى إن كنتم مؤمنين بموسى، وعيسى فإنّ شريعتهما تقتضي الإيمان بمحمد لمجر أو إن كنتم مؤمنين بالميثاق المأخوذ عليكم في ظهر آدم عليه الصلاة والسلام في عالم الذر. قوله: (من ظلمات الكفر الخ) هو إشارة إلى أنّ الظلمات مستعار للكفر، والنور للإيمان فلذا ذكره مضافا إضافة لجين الماء، وقوله: حيث نبهكم الخ هو من صيغتي المبالغة في رؤوف ورحيم والرسل، والآيات من قوله: هنا هو الذي ينزل على عبده، والحجج العقلية من أخذ الميثاق على ما مرّ في تفسيره. قوله:) في ألا تنفقوا) إشارة إلى أن أن مصدرية لا زائدة كما ذهب إليه بعضهم، وأنّ المصدر المؤوّل في محل نصب أو جرّ على القولين لأنّ قبله حرف جرّ مقذر، وهو في وقد مرّ الكلام عليه في البقرة في، وما لنا ألا نقاتل وقوله: فيما الخ يشير به إلى أنّ سبيل الله كل خير يقرّبهم إليه فهو استعارة تصريحية. قوله: (ودلّه ميراث الخ) هذا من أبلغ ما يكون في الحث على الإنفاق لأنه قرنه بالإيمان أولاً لما أمرهم به، ثم وبخهم على ترك الإيمان مع سطوع براهينه، وعلى ترك الإنفاق في سبيل من أعطاه لهم مع أنهم على شرف الموت، وعدم بقائه لهم إن لم ينفقوه. فوله: (يرث كل شيء فيهما) جعل ميراثهما مجازا أو كناية عن ميراث ما فيهما لأنّ أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف، ولم يعممه لأنّ هذا يكفي في توبيخهم إذ لا علامة لأخذ السماء، والأرض هنا فلا غبار عليه حتى ينقض، وقوله: وإذا كان كذلك الخ. بيان لاتصال هذه الآية بما قبلها. قوله: (بيان لتفاوت المنفقين الخ) قوّة اليقين من إنفاق ما عندهم اتكالاً ملى الله قبل كثرة الغنائم، وعلمهم بما في الشهادة من سعادة الدارين، وتحرّي وقت الحاجة لشدّة احتياج الإسلام، والمسلمين إذ ذاك، وقوله: بعد الحث على الإنفاق أي مطلقا، وهو يان لارتباطه بما قبله، وتوطئة لما بعده من كونه استطراداً لعدم سبق ذكره في هذه السورة، وقوله: دلالة ما بعده يعني قوله: من الذين أنفقوا من بعد والتقدير، وغيره فهو اكتفاء لأنّ الاستواء يقتضيه، وقوله: فتح مكة فتعريفه للعهد أو للجنس ادعاء، وقوله: إذ عز الخ يومئ إله، وقيل: إنه فتح الحديبية وقد مرّ وجه تسميته فتحاً في سورة الفتح، وإفراد ضمير أنفق وقاتل رعاية للفظ من، والجمع في أولئك رعاية لمعناه ووضع اسم الإشارة البعيد فيه موضع الضمير للتعظيم، والإشعار بأنّ مدار الحكم هو إنفاقهم قبل الفتح ومنه يعلم التفاوت بين الإنفاق بعده، وقبله وعدمه أيضا والتقييد بالظرف لا يأباه كما توهم لأنه يعلم التزاما وإن لم يفعل فاعل يستوي ضمير الإنفاق كما قيل فإنه تعسف كما بينه في الدر المصون. قوله: (من كد الفتح) إشارة إلى المضاف المقدر وأخره لأنّ القتال كان بعده، ولو قدمه كان أحسن، وقوله: وعد الله كلا إشارة إلى أنه مفعول مقدم، وقوله: المثوبة أي الثواب، وقدره كذلك لتأنيث وصفه، وقوله: كل وعده إشارة إلى العائد المحذوف، وقوله: ليطابق الخ لأنهما اسميتان لا فعلية، واسمية كما في القراءة المشهورة، وهي قراءة ابن عامر والمعطوف عليه أولئك أعظم الخ. وفيها حذف العائد من خبر المبتدأ والبصريون قالوا: إنه لا يجوز إلا في العر، وهذه القراءة ظاهرة في الردّ عليهم إلا أن يدعوا أنه خبر مبتدأ مقدر أي أولئك كل، وجملة وعد صفة كل بتقدير العائد، وحذفه من الصفة ليس ضرورة عندهم فلذا تكلفوا هذا التوجيه مع ركاكته وزيادة الحذف فيه، والصحيح ما ذهب إليه ابن مالك من أنه في غير كل، وما ضاهاها في الافتقار، والعموم فإنه فيها مطرد لكن ادّعى فيه الإجماع، وهو محل نزاع. قوله: (والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 المراد بكونه أوّل من أنفق من الرجال فلا يرد خديجة رضي الله عنها أو هو أوّل مطلقاً لاختصاصه بمجموع ما ذكر بعده، وهو الأظهر، وكونها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ذكره الواحدفي في أسباب النزول عن الكلبي، وأيده بحديث آخر أسنده عن ابن عمر قال بينا النبيّ صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر عليه عباءة قد خلها بخلال على صدره إذ نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام فاقرأه من الله السلام فقال: محمد ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال قال: يا جبريل أنفق ماله قبل الفتح عليّ قال: فأقرئه من الله السلام، وقل له: يقول لك ربك أراض عني في فقرك هذا أم ساخط فالتفت إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله السلام، ويقول لك ربك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط " فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: أعلى ربي أغضب أنا عن ربي راض أنا عن ربي وأض قيل: والأظهر ما في الكشاف من أنّ المراد بهم السابقون الأوّلون من المهاجرين، والأنصار الذين قال فيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم، ولا نصيفه " وأيد بأنه المناسب لقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ} لكن الصديق يدخل فيهم دخولاً أوّلياً، وأمّا الاختصاص به فلا يوافقه والذي نقله الطيبي عن الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي فلو أق أحدا أنفق مثل أحد ذهباً الخ " وفي الكشف أنه على هذا لا يختص بالسابقين الأوّلين وردّ بأنّ خطاب لا تسبوا، وأحدكم يقتضي الحضور والوجود، ولا بد من مغايرة المخاطبين للنهي عن سبهم فهم السابقون الكاملون في الصحبة. (قلت) إذا صح نزولها في الصدّيق فكل هذا مطروح على الطريق فإنه رضي الله عنه أنفق قبل الفتح، وقبل الهجرة جميع ماله، وبذل نفسه معه كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وبلغ في ذلك إلى ما لم يبلغه أحد من الصحابة، ولذا قال مجتي: " لبس أحد أمق علئ بصحبتة من أ. ممط بكر " وخصوص السبب لا يدل على تخصيص الحكم فلذا قال أولئك ليشمل غيره ممن اتصف بذلك، وكونه أكمل أفراده يكفي لنزولها فيه، والخطاب في قوله: لا تسبوا ليس للحاضرين، ولا للموجودين في عصره صلى الله عليه وسلم بل لكل من يصلح للخطاب كما في قوله: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 27] الآية والمقام، لا يتحمل أكثر من هذا، وسيأتي فيه كلام في قوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سورة الليل، الآية: 17] . قوله: (من ذا الذي الخ أليس الاستفهام على حقيقته بل هو للحث عليه، والمعنى أن من ينفق ماله فيما يرضى الله رجاء لما عند. من الفضل، والثواب رابح في عاقبته مصيب فيما قصده، وقوله: فإنه كمن يقرضه الخ تعليل لما قبله مع الإشارة إلى أنّ القرض مجاز عن حسن إنفاقه مخلصماً في أفضل جهات الإنفاق، وذلك إمّا بالتجوّز في الفعل فيكون استعارة تبعية تصريحية أو في مجموع الجملة فيكون استعارة تمثيلية، كما مرّ في سورة البقرة، ولكونها أبلغ اختارها في الكشف، وأما كون كلام الزمخشريّ هنا غير نص فيها فأمر سهل، والباء في قوله: بالإخلاص للملابسة، والمصاحبة وتحرّى معطوف عليه. قوله: (يعطي أجره أضعافاً اله كما مرّ في البقرة وقوله: أضعافا إما منصوب بيضاعفه، أو حال من أجره، وأما كونه مفعولاً ثانيا ليعطي فركيك لأنه يقتضي أنّ الأجر نفسه معطى، والتجوّز غير مقصود فيه وما بعده لا يأباه كما توهم. قوله: (وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف الخ) إشارة إلى أنّ الأجر كما زاد كمه زاد كيفه، وجملة له أجر كريم حالية لا معطوفة على قوله: فيضاعفه، ولو عطف فالمغايرة ثابتة بين الضعف،. والأجر نفسه كما في الكشف، وكريم بمعنى محمود مرضيّ كما مرّ، وقوله: كريم في نفسه يعني ليس أجر هنا مغايرا لما مرّ بل معناه أنه هو في نفسه كريم فجعل من باب التجريد كقوله: أو يموت كريم فتدبر. قوله:) على جواب الاستفهام باعتبار المعنى الخ) إشارة إلى ما قاله أبو عليّ الفارسيّ أنّ السؤال لم يقع عن القرض، وأنما وقع عن فاعله وأنما ينصب في جواب الفعل المستفهم عنه لكن من قرأبه حمله على المعنى قيل وهو ممنوع لأنه ينصب بعد الفاء في جواب الاستفهام بالأسماء، وإن لم يتقدم فعل نحو: أين بيتك فأزورك ومن يدعوني فأستجيب له، وهذا ناشئ من عدم الوقوف على مرادهم، والمسألة مبسوطة في شرح التسهيل فإنه نقل فيه من غير خلاف أنه يشترط فيه أن لا يتضمن وقوع الفعل احترازا من نحو لم ضربت زيدا فيجازيك لأنّ الضرب قد وقع فلا يمكن سبق مصدر مستقبل منه قالوا، ومن أمثلة ما لا يتضمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 الوقوع هذه الآية، ونحو من يدعوني فأستجيب له فإنّ المسؤول عنه بحسب اللفظ، وإن كان هو الفاعل لكنه في المعنى إنما هو الفعل إذ ليس المراد أنّ الفعل قد وقع السؤال عن تعيين فاعله كقولك من جاءك اليوم إذا علمت أنه جاءه جاء لم تعرفه بعينه، وأنما أورد على هذا الأسلوب للمبالغة في الطلب حتى كان الفعل لكثرة دواعيه قد وقع وأنما يسأل عن فاعله ليجازي اهـ ما في شرح التسهيل فلذا ذهب الأكثر إلى رفعه على القياس نظراً لظاهره المتضمن للوكوع، ومن نصبه نظر إلى المعنى، وأنّ السؤال عن الفعل إنما عدل عنه لما ذكروه فما ذكر من الردّ خطأ ناشئ من عدم الوقوف على مرادهم، والعجب إنما هو من المعرب لا ممن تبعه فتدبر. قوله: (ظرف لقوله وله) يعني أنه متعلق به، والعامل الجار والمجرور أو متعلقه، وقوله: ما يوجب فتدبر. قوله: (ظرف لقوله وله) يعني أنه متعلق به، والعامل الجار والمجرور أو متعلقه، وقوله: ما يوجب نجاتهم، وهدايتهم بالنصب عطفاً على نجاتهم لا بالرفع عطفاً على ما يوجب، وإن صح أيضاً إلا أنّ الأوّل أولى لمن عنده نور، وإن كان كلام الإمام يقتضي خلافه فإنّ الاقتداء به هنا غير لازم، وكلامه مجمل محتاج إلى التنوير فالظاهر أنه لا يعني أق المراد بالنور نور معنويّ على أنّ نجاتهم منصوبة، والضمير المستتر عائد على ما بل نور حسيّ خصت به تلك الجهات لأن منها أخذت صحف الأعمال فجعل الله معها نوراً يعرف به أنهم من أصحاب اليمين، ونجاتهم فاعل يوجب، ومفعوله ضمير محذوف يعود على ما، والمعنى نور توجبه نجاتهم، وهدايتهم لأن الله جعله علامة لذلك، وليس المراد به صحائف أعمالهم كما توهم، وفي التفسير الكبير المراد به النور الحسي كما نقل عن ابن مسعود، وغيره وقيل المراد ما يكون سبباً للنجاة، وقيل المراد به الهداية إلى الجنة اهـ، وليس في كلام المصنف تخليط، وجمع بين القولين. قوله: (لآنّ السعداء الخ) بيان لوجه اختصاصهما بالنور لا أنّ المراد بالنور صحائف الأعمال كما توهم، وقوله: يقول لهم من يتلقاهم الخ يعني أنه بتقدير القول، والمقدر إمّا معطوف على ما قبله أو حال أي، ويقول الخ أو مقولاً لهم. قوله: (أي المبسر به الخ) أوّل التبشير ليصح الحمل، وما بعده من تقدير المضاف لا يغني عن التأويل المذكور لأنّ التبشير ليس عين الدخول فلا فرق إلا أنّ المبشر به على الأوّل عين، وعلى هذا معنى، وقد قيل البشارة لا تكون بالأعيان، وفيه نظر. قوله: (الإشارة إلى ما تقدّم الخ) هذا على أنه من كلام الله لا من كلام الملائكة المتلقاة لهم، وكذا إن كان من كلامهم، ولا يلزم على هذا كون الإشارة للجنات بتأويل ما ذكر أو لكونها نوراً كما قيل. قوله: (انتظرونا الخ) كان طلب الانتظار منهم لرجاء شفاعتهم لهم أو دخولهم الجنة معهم لأنه قبل تبين حالهم، وقوله: أو انظروا إلينا فهو على الحذف، والإيصال لأنّ النظر بمعنى مجرّد الرؤية يتعدى بإلى فإن أريد التأمّل تعدّى بفي، وقوله: فإنهم تعليل ليقول فيهما، وقوله: فيستضيؤون الخ صريح في أنّ النور حسيّ فيؤيد ما ذهبنا إليه، وفوله: أنظرونا بفتح الهمزة، وكسر الظاء من الإنظار وهو التمهيل، وإلاتئاد من التؤدة بمعناه أيضا ولذا فسره به المصنف وضمير يستضيؤون للمنافقين والمنافقات على التغليب، وما عداه للمؤمنين والمؤمنات تغليبا أيضا. قوله: (على أنّ اتئادهم الخ) يعني أنّ اتئاد المؤمنين، وتمهلهم ليلحق المنافقون بالمؤمنين إذا تمهلوا أو اتأدوا رجاء لما مرّ كأنه إمهال للمنافقين فوضع أنظرونا الذي هو بمعنى المهلة، وإنظار الدائن المديون موضع اتئاد الرفيق في مشيه، وتوقفه ليلحقه رفيقه على سبيل الاستعارة بعد تشبيه الحالة بالحالة مبالغة في العجز واظهار الافتقار. قوله: (نصب منه) هو محصل المعنى، وأصله أخذ قبس أي جذوة من النار، وقوله: إلى الدنيا لأنها صارت بمضيها كأنها خلفهم، وقوله: بتحصيل الخ متعلق بالتمسوا، والمراد بالنور النور السابق على ما فسرناه به، وقوله: فإنه يتولد منها أي هي السبب فيه قريبا أو بعيداً، ولو قال فإنه منها يتولد بالتقديم المفيد للحصر كان أولى، وقوله: نورا آخر إثارة إلى أنه غير النور السابق، وليس بمعناه كما في الوجهين قبله، وقوله: أو هو تهكم الخ كذا في النسخ معطوفا بأو والفرق بيته وبين ما قبله أنه لا يقصد فيه وراء معين كما في الوجوه السابقة، ولو قال وهو تهكم ليكون عائد الجميع الوجوه كان أحسن، وقوله: من المؤمنين أو الملائكة أي التهكم، والتخييب صادر منهم فهم القائلون، وقوله: يدخل فيه المؤمنون فيكون باعتبار ثاني الحال، وبعد الدخول لا حين الضرب كما قيل. قوله: (كامتداد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 العمر) فإنه من أدانيهم الفارغة، وقوله: هي أولى بكم أي أحق من النجاة، وهو بيان لحاصل المعنى. قوله: (كقول لبيد) العامري الشاعر المشهور، وهو من قصيدته المشهورة التي هي إحدى المعلقات السغ وأوّلها: عفت الدياومحلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها ومنها في تشبيه ناقته بالبقرة الوحثية في نفرتها، وسرعة عدوها: وتسمعت رز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والأنيس سقامها فعدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها حتى إذا يئس الرماة فأرسلوا غضفا دواجن قافلاً أعصامها إلى آخر القصيدة، وقوله: فعدت بالعين المهملة في سرحها من عدا يعد، وإذا أسرع في السير، والذي في شروح الكشاف بالمعجمة، وهما متقاربان معنى أي عدت البقرة الوخية لما نفرت لفزعها من الصياد لا تدري أذلك الصائد خلفها أم قدامها فتحسب كلا جانبيها من الخلف، والإمام أحرى، وأولى بأن يكون فيه الخوف والفرج موضع المخافة أي كلا الموضعين الذي يخاف منه في الجملة أو ما بين القوائم فما بين اليدين فرج وما بين الرجلين فرج، وهو بمعنى السعة، والانفراج، وفسره بالقدام، والخلف توسعاً أو بمعنى الجانب والطريق فعل بمعنى مفعول لأنه مفروج مكشوف، وضمير أنه راجع لكلا باعتبار لفظه، وخلفها وأمامها إمّا بدل من كلا، وامّا خبر مبتدأ محذوف أي هما خلفها، وأمامها وفيه وجو. أخر لا تخلو من ضعف، والشاهد في قوله: مولى المخافة فإنه بمعنى مكان أولى، وأحرى بالخوف. قوله: (وحقيقتة) أي حقيقة مولاكم هنا محراكم بالحاء، والراء المهملتين أي المحل الذي يقال فيه إنه أحرى، وأحق بكم من قولهم هو حريّ بكذا أي خليق، وحقيق وجدير به كلها بمعنى، وليس المراد أنه اسم مكان من الأولى على حذف الزوائد كما توهم وسترى معناه عن قريب. قوله: (كقولك هو مئنة الكرم الخ) يعني أنّ مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمن صدر عنه وهذا محل للفضل على غيره الذي هو صقه فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتق منه كما أنّ المئنة مأخوذة من أن التحقيقية، وليست مشتقة منه إذ لم يذهب أحد من النحاة إلى الاشتقاق من اسم التفضيل كما لم يقل أحد بالاشتقاق من الحرف، ومئنة الكرم وصف له به على طريق الكتابة الرمزية في قولهم الكرم بين برديه كما في شروح الكشاف. قوله: (أو مكانكم عما قريب) ما زائدة وعن بمه شى بعد أو للمجاوزة، ولا يخفى أنّ وضع اسم المكان لاتصاف صاحبه بمأخذ اشتقاقه، وهو فيه وهذا ليس كذلك لأنّ الولي، والقرب صفة الزمان أو صفتهم قبل الدخول فيه فهو من مجاز الجوار أو الكون أو الأول فتأمّله فإنه لم يصف من الكدر، ولذا قيل: إنه لو فسر بمكان قربهم من الله على التهكم لم يبعد. قوله: (أو ناصركم الخ) فالمعنى لا ناصر لكم إلا النار كما أتا معنى البيت لا تحية لهم إلا الضرب على التهكم كما فصلناه في سورة البقرة، والمراد نفي الناصر، وقوله: متوليكم أي المتصرفة فيكم كتصرفكم فيما أوجبها، واقتضاها من أمور الدنيا فالتصرف استعارة ل! حراق والتعذيب لا مشاكلة لبعدها هنا، وقوله: النار هو المخصوص بالذم المقدر هنا. قوله: (ألم يأت وقته) لأنّ الأنا الوقت كما في قوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [سورة الأحزاب، الآية: 53] وآن يئيئ كحان يحين لفظاً ومعنى، وقوله: ألما بالهمزة ولما النافية الجازمة كلم والفرق بينهما مفصل في النحو، وقوله: ففتروا أي كان فيهم فترة وكسل عما كانوا عليه قبل الهجرة من المجاهدة النفسية، والخشوع فعلى هذا المقصود هنا الحث على العود إلى حالهم الأوّل، واللام متعلقة بمحذوف للتبيين كما قاله أبو البقاء. قوله: (عطف أحد الوصفين الخ) بناء على أنّ ذكر الله ككلام الله بمعنى القرآن، وكذا ما نزل من الحق ت تحدا والعطف لجعل تغاير الوصفين كتغاير الذاتين كما في قوله: إلى الملك القرم وابن الهمام وقوله: ويجوز أن يراد بالذكر الخ توجيه آخر لأنه على هذا يظهر تغايرهما حقيقة، وما نزل حينئذ معطوف على ذكر أو على الله، وأنزل مبني للفاعل. قوله: (عطف على تض ح الخ) قرئ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 بالغيبة جريا على ما قبله، وبتاء الخطاب على الالتفات، ويحتمل أن يكون منصوبا معطوفا على تخشع في القراءتين، وأن يكون مجزوماً ولا ناهية، وهو ظاهر على قراءة الخطاب، ويجوز ذلك في الغيبة أيضاً، ويكون انتقالاً إلى نهي أولئك المؤمنين عن تشبههم بمن تقدّمهم نحو لا يقم زيد وعلى النفي هو في المعنى نهي أيضا وروش! مصغر أحد رواة القرا آت المتواترة. قوله: (فطال الخ الو قدمه استغنى عن إعادة قوله: فقست قلوبهم، وما بينهم وبين أنبيائهم لبعد العهد بهم، وقرئ الأمدّ أي بتشديد الدال، وهو رواية عن ابن كثير وقوله: من فرط القسوة كأنه يؤخذ من كون الجملة حالية فتأمّل. قوله: (تمثيل لإحياء القلوب الخ) أي استعارة تمثيلية ذكرت استطراداً لإرشادهم إلى إزالة ما يقسي قلوبهم بالإنجاء إلى الله الذي أحيا موات الجمادات بالنبات فإنه هو القادر على إحياء تلك القلوب الميتة بذكره، وتلاوة كلامه فالمستعار له ما يمن به من الخشوع وزوال القسوة، وعلى الوجه الثاني المستعار له إحياء الأموات، والمقصود منه الترغيب في الخشوع بذكر الإماتة، والإحياء، والزجر لأنه إذا أحيا الموتى فكيف لا يرد قلوبكم إلى حالها الأولى فهما على الوجه الثاني، وقيل: إنه لف ونشر مرتب فالترغيب ناظر لإحياء القلوب القاسية، والزجر لإحياء الأموات، ولا بعد فيه أيضا. قوله: (كي تكمل عقولكم) إفادة لعل التعليل مرّ في البقرة، وفسر العقل بكماله لثبوت أصله، وفيه إيماء إلى أنه بمنزلة العدم قبله، وقوله: إن المصدقين الخ خفف صادهما ابن كثير وأبو عمرو، وثقلها باقي السبعة فعلى الأوّل هو من التصديق أي صدّقوا الرسول فيما جاء به كقوله: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ} وصدق به، وعلى الثاني من الصدقة، وهو أنسب بقوله: أقرضوا، وقد قيل: الأوّل أرجح لأنّ الإقراض يغني عنه. قوله: (عطف على معنى الفعل الخ) يعني أنه معطوف على اسم الفاعل لأنه صلة لأل حال محل الفعل فهو في مفاه كأنه قيل: الذين صدّقوا وأقرضوا، وهذا مختار الزمخشري تبعاً لأبي عليّ الفارسيّ وغيره، وقد ردّ بأنه يلزمه الفصل بين أجزاء الصلة بأجنبيّ، وهو المصدقات المعطوف على المصدّقين قبل تمام الصلة ولا يجوز عطفه على المصدقات لتغاير الضمائر تذكيرا وتأنيثاً، وفيه نظر وأجيب عنه بوجوه منها أنه محمول على المعنى إذ هو في معنى الناس الذين تصدّقوا، وتصدقن وأقرضوا فهو معنى معطوف على الصلة من غير فاصل، ولا يخفى أنه لا محصل له إلا إذا قيل إنّ أل الثانية زائدة لثلا يعطف على صورة جزء الكلمة وفيه بعد، ومنها أنّ المصدّقات منصوب بمقدر، وهو مع معموله معترض فلا يضر الفصل به، والمصدقين شامل للمصدّقات تغليباً ثم خصصن يالذكر حثالهن على الصدقة كما ورد في الحديث: " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكق كثر أهل النار " وقيل عليه إنه تخريج للكلام المعجز على خلاف الظاهر، ومنها أنه معطوف على مجموع صلة المصدقين، والمصدقات لجعلهما بمنزلة شيء واحد قصد العطف عليه ولا يخفى بعده، ونبؤ المقام عنه، والقول بأنّ أقرضوا معترض بين اسم إن، وخبرها أظهر، وأسهل. قوله: (لأنّ معناه الذين أصدقوا أو صدّقوا (على القراءتين كما مرّ، وهو أقرب إلى الجواب الأوّل وقوله، وهو على الأوّل أي على التصدق ذكره بعد. مع أنّ المراد بالإقراض التصدق أيضا لما فيه من إفادة أنّ المعتبر الإخلاص المستفاد من قوله: قرضا حسنا فإنّ حسنه بكونه من أطيب ماله خالصا لوجهه. قوله: (معناه الخ (ما مرّ راجع للمعنى والقراءة، وهو إشارة إلى ما في هذه السورة، وما في سورة الفرقان ولذا قال غير أنه لم يجزم أي كما جزم ثمة ولو حذفه كان أولى إذ لا مقتضى للجزم هنا، وقوله: إلى ضمير المصدر أي القرض أو التصدق كما صرّح به المعرب، وليس المراد ضمير هذا الفعل المجهول فإنه صرح به الجاثية في قوله: ليجزي قوما بأنه ضعيف فمن توهم أنه المراد هنا، وأنه معارض لما مرّ، ثم وفق بينهما فقد وهم كما لا يخفى، والذي أوقعه فيه تفسير بعضهم له بتضاعف الأقراض فتأمّل. قوله: (أولئك عند الله) أي في حكمه وعلمه، وقوله: بمنزلة الصديقين فهو تشبيه بليغ، وعند ربهم ليس متعلقا بالشهداء على هذا وقوله: أو هم المبالغون فهو على ظاهره، وقوله: فإنهم الخ بيان لوجه المبالغة فيه، وقوله: والقائمون بالشهادة تفسير للشهداء على الوجه الثاني، وضمير لهم للرسل، وقوله: يوم القيامة تفسير لقوله: عند الله على هذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 الوجه، دماشارة إلى تعلقه بالشهداء على هذا، وقوله: الذين استشهدوا معطوف على الأنبياء، ولما أبقاه في الأوّل على ظاهره لزم أنه تشبيه بليغ إذ ليس بمجرّد الإيمان ينال درجة الصديقين، والشهداء، ولذا أوّله على الثاني فافهم فإنّ بعضهم لم يقف على مراده فقال ما قال، وفيه الجمع بين معنيي المشترك على الأخير. قوله: (مثل أجر الصدّيقين الخ) هذا على الوجه الأوّل، وأنّ ما قبله من التشبيه البليغ، وقوله: ولكن من غير تضعيف الخ. دفع لما يقال إنه كيف يتوهم ما ذكر مع التفاوت الكثير بأنّ المراد مساواة أجر هؤلاء مع أضعافه لأجر أولئك بدون الأضعاف فيندفع المحذور كما أشار إليه بقوله: ليحصل التفاوت، وقوله: أو الأجر الخ فالضمائر كلها للذين آمنوا، وعلى ما قبله الضميران هنا للشهداء والصديقين، وما قبلهما للذين آمنوا وإذا لم يكن في تفكيك الضمائر لبس جاز، وفيه نظر وأنما أوّله بأنّ المراد به الموعودان ليفيد الأخبار إذ بعد الإضافة لا فائدة في قوله لهم، ونظيره ما في قوله: ومن خواصه الإسناد إليه. قوله: (فيه دليل الخ الا حاجة إلى الاستدلال بهذا مع صريح آيات كثيرة فيما ذكره، ووجه إشعار التركيب بالاختصاص على ما مرّ في أولئك على هدى من ربهم مع ما في اسم الإشارة المتوسط مع تعريف الطرفين، وأنّ استحقاقهم لذاك بما تميزوا به من الكفر والكذب الذي صار بمنزلة المحسوس فيهم، وقوله: والصحبة الخ يشير إلى أنّ معنى الخلود مستفاد من الصحبة العرفية، وقد عرفت أنه لا حاجة إليه. قوله: (حقر أمور الدنيا (ليس المراد أنّ فيه مضافا قبل الحياة الدنيا بل إنّ الحياة الدنيا عبارة عما فيها من الأمور، وقوله: أعني وفي نسخة، وهي والمراد به تخصيص المحقر منها فإن ما يوصل منها للنور المذكور لا يخفى ودخل فيه المباج، وقوله: بأن متعلق بحقر، وقوله: أمور خيالية الخ من قوله لهو، ولعب فإنّ مثله مما يتلهى به، وتشتغل بمثله الصبيان كذلك وقوله، ثم قرر عطف على قوله حقر الخ والعدد بفتح العين الكثرة، والعدد بضمها جمع عذة، وهو ما يعد ويذخر ونحوه. قوله: (وهو تمثيل الخ) أي قوله: كمثل الخ تمثيل للحياة الدنيا، وقوله: في سرعة تقضيها السرعة مأخوذة من تشبيه جميع ما فيها من السنين الكثيرة بمدة نبت غيث وأحد فإنه في أقل من سنة فلا وجه لما قيل الأولى طرج السرعة فإن ثم لا تناسبه. قوله: (أعجب به الحراث) جمع حارث ككافر، وكفار وهو تفسير للكفار بالحراث لأنه يقال للحارث كافر بمعنى ساتر لستره ما بذره في الأرض، وأنما فسره به لأن التخصيص بالكفار لا وجه له بحسب الظاهر. قوله: (أو الكافرون الخ) بإبقاء الكفار على ظاهره وتخصيصهم بالإعجاب لأنهم لقصور نظرهم على هذه الدار يعجبهم ما فيها، ولا ينظرون لغيرها، والمؤمن لا ينظر إليه لعلمه بفنائه فإذا نظر إليه أعجب بقدرة موجده، ولذا قال أبو نواس في النرجس: عيون من لجين شاهدات بأنّ الله ليس له شريك والفرق بين الوجهين أن في الأوّل إثبات الإعجاب للمؤمن بخلاف الثاني، وليس المراد بالمؤمن الكامل حتى تختل المقابلة إذ المراد أنه من شأنه ذلك، وإن غفل بعضهم عنه أحياناً فتأمل، والحطام ما يبس وتكسر وتفسير هاج بيب! فيه تسمح، وكذا قول الراغب: إنه بمعنى اصفر فانّ حقيقته أنه يتحرّك إلى أقصى ما يتأتى له وقوله، ثم عظم معطوف على قوله: حقر أوّلاً. قوله: (تنفيرا عن الانهماك الخ) كان ينبغي تأخيره إلى قوله ثم أكد الخ عن قوله: {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} فإنّ المفيد للحث، والتأكيد إنما هو قوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} الخ حتى قيل: إنه من الناسخ وقد يقال: إن ما ذكره يعلم مما ذكر دلالة والتزاما وما بعده مؤكد لمنطوقه ومفهومه فتدبر ثم إنه قابل العذاب والشدّة بالمغفرة والرضوان أو قابل العذاب الشديد بشيئين إشارة إلى غلبة الرحمة وأنه من باب لن يغلب عسر يسرين. قوله: (لمن أقبل الخ) تفسير لمجموعه أو الإقبال تفسير للمتاع، وعدم طلب الآخرة بها للغرور، والمضمار موضع طراد الخيل، وهو المراد وقد يطلق على غايته وأصله مكان تضمر فيه الخيل، وقوله: مسارعة المسابقين إشارة إلى أنه استعارة، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلاً مستعملاً في لازم معناه، وأنما لزم ذلك لأنّ اللازم أن يبادر من يعمل ما يدخله الجنة لا أن يعمله أو يدخلها سابقا على آخر، وقوله: موجباتها بناء على وعد من لا يخلف الميعاد، والا فلا إيجاب عندنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 كما سيصرّح به. قوله: (عرضها كعرضهما) أي لو ألصق أحدهما بالآخر، وقوله: وإذا كان العرض الخ يعني أنّ العرض أقصر الامتدادين فإذا كان موصوفا بالسعة دل على سعة الطول بالطريق الأولى فالاقتصار عليه أبلغ من ذكر الطول معه، وقوله: وقيل المراد به البسطة أي السعة، والامتداد، ولذا وصف به الدعاء، ونحوه مما ليس من ذوي الأبعاد، وأتا تفسيرها بالطول فغير صحيح هنا. قوله: (فيه دليل على أنّ الجنة مخلوقة (أي موجودة الآن لقوله: أعدت بصيغة الماضي، والتأويل خلاف الظاهرة، وقد صرّح بخلافه في الأحاديث الصحيحة، وقوله: وأنّ الإيمان الخ لجعلها معدة للمؤمنين من غير ذكر عمل، وهو رد على المعتزلة والخوارج،! ثمادخال العمل في الإيمان المعدى بالباء غير مسلم، وقوله: في استحقاقها بضمير المؤنث للجنة كما هو في النسخ المعروفة فمن قال إنه مذكر، وتكلف لتأويله بأنه راجع للمؤمن المفهوم مما قبله أو للجنة بتأويل ما ذكر، ونحوه أتى بما أغنى الله عنه. قوله: (ذلك الموعود (من الجنة وإعدادها للمؤمنين وغيره مما فهم مما قبله، وليى الإشارة للجنة كما توهم حتى يقال حق التأويل ما وعد لأنها موعودة لا موعود أو يقال التذكير باعتبار الخبر، وقوله: من غير إيجاب من جعله فضلاً، وهو ردّ على من يوجب على الله ثواب المطيع كما تفرّر في الأصول، وقوله: فلا يبعد إشارة إلى أنه تذييل لإثبات ما ذيل به، وقوله: عاهة هي ما يصيب الزرع ونحوه، والآفة ما يعرض من المؤلم غير الأمراض كالجرج، والكسر وبه تصح المقابلة. قوله:) والضمير للمصيبة الخ) هذا هو الظاهر، وكونها للجميع، وأو لمنع الخلو تكلف ما لا داعي له، وقوله: إنّ ثبته فالإشارة إلى المصدر المفهوم من متعلق الظرت، وقوله: أثبت وكتب لكيلا الخ قيل: لو قال أخبر، وأعلم كان أولى وأنسب بقوله: فإنّ من علم الخ لأنّ تهوينه من الإعلام لا من الكتابة ولا يخفى أنه غني عن اللوح وما فيه عالم بكل ما كان، وما يكون فالإثبات فيه إنما هو لإعلام الملائكة، والرسل بجفاف قلم القضاء فذكره كناية عنه، وهو المراد لا الاكتفاء بالسبب المفضي إلى الإعلام فتأمّل. قوله: (فإنّ من علم أنّ الكل مقدّر الخ (كون الكل مقدراً لأنه لا قائل بالفرق فلا يرد أنّ المذكور هنا المصائب دون النعم، وغيرها فكيف يعلم منه الكل، وليس في النظم اكتفاء كما توهم، وقوله: ليعادل ما فاتكم في إسنادهما لشيء واحد، وكون الفاعل فيهما متحداً راجعا للنعم، والعائد مرفوع فيهما بخلاف القراءة الأخرى كما لا يخفى. قوله: (وعلى الأول) أي القراءة الأولى ترك فيها التعادل للنكتة المذكورة، وهو أنّ الفوات، والعدم ذاتيّ لها فلو خليت ونفسها لم تبق وأما إيتاؤها بالإيجاد والبقاء فهو لاستنادها إليه تعالى كما مرّ تحقيقه في قوله: كل شيء هالك الخ وهذا لا ينافي الإمكان لأنها لو كان مقضي العدم ذاتيا لها كانت ممتنعة فالمراد أنها ممكنة فلا بد لوجودها من سبب، وعدم السبب سبب للعدم والمراد من تخليتها، وطباعها عدم سبب وجودها فتدبر. قرله:) والمراد به نفي الأسى (والحزن الذي يتضمن الجزع، وعدم التسليم! لأمر الله، وأما الحزن الطبيعي فلا يضرّ كما أن الفرج، والسرور بما أنعم الله به من غير بطر كذلك، وقوله: ولذلك أي لكون المراد ما ذكر لا مطلقاً وقوله: إذ قل الخ أيمما لا يسلم من الفرح والحزن أحد ولذا ورد في الحديث: " إنّ العين لتدمع لما لما مات إبراهيم ابق النبيّ-كت. قوله: (بدل من كل مختال (أي بدل كل من كل، وقوله: فإن المختال الخ بيان لوجه كونه بدل كل من كل مع تغايرهما ظاهراً، وقوله: خبره محذوف تقديره يعرضون عن الإنفاق فيما الله غنيّ عنه وقيل: إنه خبر مبتدأ مقدر، ولا يصح كونه نعتا لمختال كما قيل، وقوله: عنه وعن إنفاقه بيان لمتعلقه المقدر وقوله: محمود في ذاته بيان لأنه تعالى غنيئ عنه، وعن شكره وتقرّبه له، وقوله: وفيه تهديد أي لمن تولى، وقوله: لمصلحة المنفق لا لما يعود عليه تعالى فإنه الغنيّ المطلق، وقوله: فإنّ الله الغنيئ أي بدون هو كما وقع في بعض النسخ بغير هو. قوله: (بالحجج والمعجزات) راجع إلى كل من تفسيري الرسل، ولذا ذكرهما في الكشاف مع اقتصاره على الأوّل لأن رسل الملائكة ترسل بالمعجزات كإرسالها بالقرآن لنبينا صلى الله عليه وسلم، ولغيره أيضاً للأخبار بأنّ له معجزة كذا فلا اعتراض على الزمخشري، وقيل: إن فسر الرسل بالملائكة يفسر البينات بالحجج، وإن فسر بالأنبياء يفسر البينات بكل منهما أو بما يعمهما فتأمّل. قوله تعالى:) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} (إن كان مرجع الضمير الرسل بمعنى الملائكة فلا إشكال فيه إلا أنه كان ينبغي الاقتصار عليه كما في الكشاف إذ على الثاني يحتاج إلى تأويل بتقدير متعلق لقوله معهم أو جعله حالاً من الكتاب، والحال حينئذ مقدرة أو لاتصاله به جعلت مقارنة تسمحاً، ولا يخلو من تكلف فما في الكشاف أولى، وقوله: ليبين الخ قيل إنه إشارة إلى جمعه لتكميل القوتين النظرية، والعملية، والظاهر أنه لبيان المناسبة بينه، وبين الميزان المحسنة لعطفه عليه كما أشار إليه بقوله: لتسوي به الحقوق، وقوله: يقام به العدل تفسير لقوله: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} وفيه إشارة إلى أنّ الباء للتعدية فلا حاجة لأخذها من خارج الكلام. قوله: (وإنزاله إنزال أسبابه) ولو بعيدة وهو جواب عن أنّ الميزان لم ينزل من السماء بأنّ أسبابه كالمطرقة، ونحوها على قول منها أو المطر المنبت للكتان والقطن، والخشب الذي هو مادته، وأمر الناس باتخاذه مع تعليم كيفيته منها وهذا على تسليم أنه لم ينزل حقيقة، وقوله: وقيل الخ منع له مع سنده وقوله: يراد به العدل الخ جواب آخر، وهو أنه مجاز عن العدل، ونزوله من السماء نزول الكتاب المتضمن له، والوحي الآمر به، والباء حينثذ للتعدية أيضاً، ويجوز أن تكون للسببية، وهو المناسب لقوله: ليقام به الخ فتأمّلى. قوله: (ويدفع به الأعداء) أي يدفع الحكام بالعدل عن الناس أعداءهم لإنصافهم منهم، وأخذ حقوقهم واقامة الحدود عليهم، وما قيل في تفسيره إنّ الظلم يفضي إلى هجوم الأعداء، ولذا قيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم بعيد في نفسه. قوله: (كما قال وأنزلنا الحديد الخ) إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ الجمل المتعاطفة لا بد فيها من المناسبة، وانزال الكتاب لا يناسب إنزال الحديد فكان الظاهر ترك عطفه بأنّ بينهما مناسبة تامّة لأن المقصود ذكر ما يتمّ به انتظام أمور العالم في الدنيا حتى ينالوا السعادة في الأخرى، ومن هداه الله من الخواص العقلاء ينتظم حاله في الدارين بالكتب، والشرائع المطهرة، ومن أطاعهم وقلدهم من العامة بإجراء قوانين الشرائع العادلة بينهم، ومن تمرّد وطغى وقسا يضرب بالحديد الرادّ لكل مريد، والى الأوّلين أشار بقوله: أنزلنا الكتاب، والميزان فجمعهم، وأتباعهم في جملة واحدة، والى الثالث أشار بقوله: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ} فكأنه قال أنزلنا ما يهتدي به الخواص، وما يهتدي به أتباعهم، وما يهتدي به من لم يتبعهم فهي حينئذ معطوفة لا معترضة لتقوية الكلام كما توهم إذ لا داعي له وليس في الكلام ما يقتضيه بل فيه ما ينافيه قال العتبي في أوّل تاريخه: كان يختلج في صدري أنّ في الجمع بين الكتاب، والميزان، والحديد تنافراً وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيح العلة وبنقع الغلة حتى أعملت التفكر فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية يتضمن جوامع الأحكام، والحدود قد حظر فيه التعادي، والتظالم ودفع التباغي، والتخاصم وأمر بالتناصف، والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآية فلذا جمع الكتاب، والميزان وأنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف، وجذوة عقابه، وعذب عذابه، وهو الحديد الذي وصفه الله بالبأس الشديد فجمع بالقول الوجيز معاني كثيرة الشعوب متدانية الجنوب محكمة المطالع مقوّمة المبادي، والمقاطع اهـ وأنما نقلناه على ما فيه من الطول لأنه أحسن ما فيه من الفصول. قوله: (فإن آلات الحروب الخ) إشارة إلى أنّ السياسة العامة متوقفة عليه فلذا عطف على ما قبله مما يتضمن العدل، والسياسة، وقوله: باستعمال الأسلحة متعلق بينصره لبيان ارتباطه بما قبله، وقوله: والعطف أي في قوله وليعلم الخ، وقوله: فإنه حال الخ توجيه لدلالة ما قبله، وهو قوله: فيه بأس شديد، ومنافع فإنها جملة حالية محصلها لينتفعوا به، وشمتعملوه في الجهاد وليعلم الله الخ، وحذف المعطوف عليه إيماء إلى أنه مقدّمة لما ذكر، وهو المقصود سنه، والجملة الحالية ظرفية على أنّ المرفوع فاعل لقوله: فيه لاعتماده على ذي الحال لا اسمية لئلا ينافي ما مرّ مرارا من أنها لا بد فيها من الواو، وقد مرّ ما فيه في سورة الأعراف فتذكره، وقوله: أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الخ، والجملة معطوفة على ما قبلها فحذف المعطوف، وأقيم متعلقه مقامه وقد وقع في بعض النسخ معطوفاً بالواو أو أصح كما لا يخفى وقيل: قوله وليعلم معطوف على قوله: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} وهو قريب بحسب اللفظ بعيد بحسب المعنى. قوله: (حال من المستكن) أو من البارز كما مرّ تحقيقه في البقرة، وقوله: بأن استنبأناهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 أي جعلناهم أنبياء، وأصل الاستنباء طلب الخبر كما قال ويستنبؤنك أحق هو، وهو تفسير لجعل النبوّة فيهم كما أنّ قوله: وأوحينا الخ بيان لجعل الكتب فيهم، وقوله: وقيل الخ مرّضه لأنه خلاف الظاهر، وإن كان الكتاب ورد بمعنى الكتابة في اللغة. قوله: (خارجون الخ (لأنّ أصل معنى الفسق الخروج، ثم خص بخروج مخصوص، وهو الخروج من ربقة الإيمان وطريق الهداية المستقيم فهو مساو للضلال، وتبيين المقالة فيه أن يقال: فمنهم مهتد ومنم ضال فعدل عنه لأنّ ما ذكر أبلغ في الذمّ لأنّ الخروج عن الطريق المستقيم بعد الوصول إليها بالتمكن منها ومعرفتها أبلغ من الضلال عنها، ولو قيل ومنهم الخ لم يفهم غلبة أهل الضلال على غيرهم فليست المبالغة لجعلهم محكوما عليهم بالفسق كما قيل فتدبر. قوله: (أرسلنا رسولاً بعد رسول (البعدية معنى التقفية لأنّ أصله أن يكون خلف قفاه، وقوله: والضمير لنوح الخ) فالمعنى قفينا على آثار نوح، وابراهيم ومن أرسلا إليهم من قومهما برسلنا ومن أرسلوا إليهم من أقوامهم فاكتفى بذكر الرسل عنهم كما اكتفى بذكر نوح، وابراهيم عن ذكر من أرسلا إليه. قوله: (أو من عاصرهما الخ) قيل عليه لو عاصر رسول نوحا فإمّا أن يرسل إلى قومه كهارون مع موسى، أو إلى غيرهم كلوط مع إبراهيم، ولا مجال للأوّل لمخالفته للواقع وصرح به المصنف رحمه الله أيضاً في تفسير قوله، وقوم نوح لما كذبوا الرسل، ولا إلى الثاني إذ ليس على الأرض غير قومه ولا يخفى أنه توجيه لجمع الضمير وكون لوط مع إبراهيم كاف فيه وإن كان الكلام موهماً لخلافه وقوله: فإن الرسل المقفى بهم من الذرية ولو عاد الضمير عليهم لزم أنهم غيرهم أو اتحاد المقفي والمقفى به وتخصيص الذرّية الراجع إليه ضمير آثارهم بالأوائل منهم خلاف الظاهر من غير قرينة تدل عليه. قوله: (وأمره أهون من أمر البرطيل الخ) البرطيل بكسر الباء، وقد تفتح حجر مستطيل، واستعماله بمعنى الرشوة مولد مأخوذ منه بنوع تجوّز فيه كما بينه أهل اللغة يعني انّ البرطيل بكسر الباء عربيّ ففتح فائه إذا سمع فيه غير هين لأنّ فعليلاً بالفتح ليس من أبنية العرب فالعدول فيه عن سنن ألفاظهم غير سهل بخلاف إنجيل فإنه أعجمي على الصحيح المشهور فالعدول فيه عن أوزانهم سهل لأنهم يتلاعبون به، ولأنه ليس من كلامهم في الأصل حتى يلتزم فيه أوزانهم، والإنجيل كتاب عيسى عليه الصلاة والسلام، ويكون بمعنى مطلق الكتاب وقيل هو عربيئ من نجلت بمعنى استخرجت لاستخراج الأحكام منه، وقوله: فعالة أي بالفتح مصدر كالشجاعة. قوله: (وابتدعوا رهبانية (يعني أنه منصوب بمقدر يفسره ما بعده على نهج الاشتغال فجملة ابتدعوها لا محل لها من الإعراب، وقول ابن الشجري أنه يشترط في منصوبه أن يكون مختصا يجوز وقوعه مبتدأ على فرض تسليمه هو موصوف معنى كما يؤخذ من تنوين التعظيم، وكونه بمعنى أمر منسوب للرّهبان، وفوله: رهبانية مبتدعة على أنّ ابتدعوها في محل نصب صفة رهبانية، وهو معطوف على ما قبله من مفعول الجعل فلذا قال على أنها من المجعولات بناء على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله، ولا ضير في اجتماع قادرين على مقدور واحد عندنا أهل الحق ولمخالفتها لمذهبهم قالوا: هنا ما قالوا كما بين في الكشاف وشروحه، وفي مغني اللبيب لا بد من تقدير مضاف هنا مما في القلوب أي وحب رهبانية، وهو غير ما ذهب إليه المصنف رحمه الله لكن قوله: بعده تبعا لصاحب الانتصاف إنما لم يحمل أبو عليّ الآية على ذلك لاعتزاله لا يخلو من الخلل، وليس هذا محل الكلام عليه، وقوله: وهي المبالغة الخ كونها بهذا المعنى في القلوب يحتاج لتقدير، أو تأويل كما أشرنا إليه. قوله: (كأنها منسوبة إلى الرهبان) والنسبة إلى الجمع على خلاف القياس فيحتاج إلى أن يقال إنه لما اختص بطائفة مخصوصة أعطى حكم العلم فنسبت له كالأنصار، وعلى قول الراغب أنّ رهبانا بالضم مفرد أيضا الأمر واضح، ولذا تردّد المصنف رحمه الله فيه، وقيل: إنه لاحتمال أق الضم من تغييرات النسب كدهرفي. قوله: (استثناء منقطع) قدمه لأنه أنسب بقوله: ابتدعوها كما أشار إليه بقوله: لكنهم ابتدعوها، ثم صرح به بعده فلا تكون مفروضة عليهم من الله، وقوله: ما تعبدناهم بها أي جعلناها عبادة لهم سواء كانت فرضا أو مندوباً وأصل معنى تعبده صيره عبدا، وعلى هذا معناه صيره عابدا، وفي ثبوته بهذا المعنى كلام، وقوله: يخالف قوله: ابتدعوها فإنه يقتضي أنهم لم يؤمروا بها أصلاً إلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 أن يقال الأمر وقع بعد ابتداعها أو يؤوّل ابتدعوها بأنهم أوّل من فعلها بعد الأمر، وقوله: أتوا بها أوّلاً تفسير لقوله: استحدثوها، وقوله: من تلقاء أنفسهم أي من جانب أنفسهم أو من ألقاء أنفسهم ذلك لهم. قوله: (فما رعوها جميعاً) إمّا تأكيد للضمير أو لقوله حق رعايتها مقدما عليه فعلى الأوّل هو إشارة إلى أنّ منهم من رعاها، وعلى الثاني رعوا بعض حقوقها، وقوله: بضم التثليث متعلق بالنفي، والتثليث قولهم بأن الإله ثلاثة، والاتحاد قولهم: إنّ الله متحد بعيسى حال فيه، والسمعة الرياء وهو غالب عليهم، وقوله: نحوها أي المذكورات، واليها متعلق بضم، وقوله: من المتسمين أي الذين لهم سمة، وعلامة تدل على اتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: بالرسل المتقدّمة فالمراد مؤمنو أهل الكتاب. قوله: الإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن قبله) بيان لتحقق النصيبين لهؤلاء على أنّ المراد مطلق أهل الكتاب مع أنّ الملل الأولى منسوخة، والمنسوخ لأثواب في العمل به فإن كان الخطاب للنصارى فملتهم غير منسوخة قبل ظهور الملة المحمدية، ومعرفتهم بها فلا يحتاج إلى جواب عنه بما ذكر، وأنما لم يرتض به قيل لأنها نزلت فيمن أسلم من اليهود كما ورد في الأحاديث الصحيحة كعبد الذ بن سلام وأضرابه ولذا بنى تفسيره أوّلاً عليه، ولأنه لا دليل على التخصيص هنا، والمراد من لم يؤمن منهم فلا يحتاج قوله: آمنوا إلى تأويل اثبتوا، ونحوه كما في الكشاف. قوله: (أو الهدى الخ) فالنور استعارة تصريحية، وقوله: يسلك به إشارة إلى وجه الشبه فيه، والجار في قوله: لئلا الخ متعلق بالأفعال الثلاثة قبله على التنازع أو يقدر كفعل، وأعلمهم ونحوه، ولا مزيدة فإنه يجوز زيادتها مع القرينة كثيرا، واختاره على عدم الزيادة لما فيه من التكلف الآتي، وقوله: ليعلموا جمعه لظهور أنه ضمير أهل الكتاب، وقد قيل إنه كان عليه أن يفرد الضمير أو يؤخره عن قوله: أهل الكتاب، ولكنه أمر سهل. قوله: (والمعنى أنه لا ينالون شيئاً الخ) على أنّ المقدّر ضمير الشأن، وفي نسخة أنهم على أنّ المحذوف ضميرهم، وهو الأولى كما ذكره في المغني، وقوله: مما ذكر من فضله يعني في النصيبين من الأجر وما معه، وقوله: برسوله يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم، وقوله: أو لا يقدرون الخ. على أنّ الفضل عامّ في كل فضل، وقوله: لأنهم لم يؤمنوا صريح فيما مرّ من أنّ المراد من لم يؤمن منهم، وقوله: وهو أي نيل ما ذكر، وقوله: على شيء ليس عاماً حتى يكون فضلا في غير محزه بل تنوينه للتحقير، وقوله تعالى: {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} خبر ثان أو هو الخبر، وما قبله حال لازمة أو استئناف. قوله: (والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب الخ) فضمير يقدرون والمقدر على أحد الوجهين للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وفي الوجه السابق لأهل الكتاب وعدم قدرتهم عليه أنهم لا ينالونه كما في أحد الوجهين أولآ ونفى النفي المراد به إثبات علمهم بنيل الرسول والمؤمنين لفضل الله، ورحمته. قوله: (فيكون وأنّ الفضل عطفاً الخ الا على أن لا يقدوون لفساد المعنى فالمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنّ النبيّ، والمؤمنين به لا يقدرون على شيء من فضل الله، ولا ينالونه بل هم الذين يقدرون على حصر فضل الله، واحسانه على أقوام معينين أي فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقدوا، ولأنّ الفضل بيد الله فهو من عطف الغاية على الغاية، وهو دفع لما أورد على عدم الزيادة من أنه غير ممكن لأنه يقتضي أن يكون المعنى لئلا يعلموا أنّ الفضل بيد الله، وهو باطل. قوله: (وقرئ ليلا) أي بلام مكسورة بعدها ياء ساكنة، ثم لام مخففة وألف، وقوله. ثم أبدلت أي اللام الثانية المدغمة التي كانت نوناً، ثم قلبت وأنما أبدلت لثقل توالي الأمثال كما فعلوا في قيراط، ودينار فإنّ أصله قرّاط ودنار فأبدل أحد المثلين فيه ياء للتخفيف، وهذا وإن لم يكن كلمة واحدة بوزن فعال فإنّ أهل الصرف شرطوا فيه أن يكون اسماً جامداً بوزن فعال إلا أنهم شبهوه به، وقوله: وقرئ ليلا أي بفتح اللام مع الإبدال كما في اسم المرأة بعينه، وقوله: على أنّ الأصل الخ فأصل لام الجرّ الفتح كما سمع عن بعض العرب فتحها، وكذا كل حرف مفرد على قول النحاة لكنها كسرت لتناسب حركتها عملها، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث موضوع، وقوله: كتب المراد رزقه الله الأمن من سوء الخاتمة، والا لم يكن ظاهرا تمت السورة بحمد الله، ومنه والصلاة والسلام على أفضل رسله الكرام، وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 سورة المجادلة بفتح الدال وكسرها والثاني هو المعروف كما في الكشف وتسمى سورة قد سمع. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وقيل العشر الأول الخ (قيل عليه الظاهر العكس فإنّ القصة وقعت بالمدينة، والقائل عطاء وقال الكلبي: مدنية، إلا قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة الآية، وقوله: آيها الخ، وقيل: أربع، وعشرون والمذكور في كتاب العدد أنّ عددها إحدى، وعشرون أو اثنتان وعشرون. قوله: (خولة الخ) هي صحابية من الأنصار، واختلف في اسمها، واسم أبيها فقيل اسمها خولة، وقيل: خويلة بنت خويلد، وقيل: بنت مالك بن ئعلبة، وقيل: بنت ثعلبة بن مالك كانت تحت أوس بن الصامت وكان شيخا كبيراً ساء خلقه فغضب يوما، وقال لها: أنت عليّ كظهر أمي، ثم عاد وراودها فأتت النبيئ ع! فه إلى آخر القصة. قوله تعالى: ( {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} ) قال المعرب وتبعه المحشي: يجوز في هذه الجملة العطف على الصلة فلا محل لها من الإعراب وأن تكون حالاً في محل نصب أي تجادلك شاكية حالها إلى الله، وكذا جملة {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} والحالية فيها أبعد معنى، وعلى الحالية فالمبتدأ مقدر فيها لأنّ المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح بدون تقدير، والزمخشريمما أجازه كما مرّ. قوله: (وشكت إلى الله) أي قالت: أشكو إلى الله فاقتي عند النبيئءلجب! كما صزج به في الحديث، وقوله: وقد أي لفظة قد في الآية، وقوله: يتوقع الخ التوقع مصروف إلى تفريج الكرب لا إلى السمع لأنه محقق أو إليه لأنه مجاز أو كناية عن القبول فيكون قوله: يفرج كالتفسير له، وقوله: أو المجادلة عطفه الزمخشري بالواو وهو يقتضي تحقق التوقع منهما، واختار المصنف ما هنا إشارة إلى كفاية أحدهما فيه فأو لمنع الخلو، والداعي لما ذكر أنّ التوقع لا يجري على المتكلم هنا فصرف إلى المخاطب كأمثاله ولو جعلت للتحقيق يم يحتج لتأويله، وقوله: يتوقع أي ينتظر الوقوع لأنّ قد تدل على ذلك، ولم يقل كان يتوقع لأن المراد بالمضارع الحال فلا حاجة لكان فيه، ولو أتى بها جاز. قوله:) وأدغم حمزة الخ (وأظهر غيرهما، وهو عربيئ فصيح أيضاً فلا عبرة بما نقل عن الكسائي من أنّ من أظهر فلسانه ليس بعربي فصيح كما قاله أبو حيان، وغيره فإن كلاً منهما متواتر، وقوله: تراجعكما لأنها من الحور، وهو التردد فسمي المكالمة محاورة لتراجع القول بينهما يقال: كلمته فما رجع إليّ حوارا أي ما رد علي بشيء، وقوله: على تغليب الخطاب لأنّ الخطاب هنا إنما هو للنبيئ صلى الله عليه وسلم لقوله: تجادلك، وقوله: للأقوال، والأحوال لف، ونشر مرتب، والمراد من قوله: سمع الله الخ قبل قولها: وأجابه كما في سمع الله لمن حمده مجازا بعلاقة السببية أو كناية وسمع متعد بنفسه، وقد يتعدى باللام كنصحته، ونصحت له كما مرّ تفصيله. قوله تعالى: ( {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} الخ) مبتدأ خبره مقدر أي مخطئون وأقيم دليله، وهو ما هن مقامه أو هو الخبر نفسه، وأما الذين الذي سيأتي فمبتدأ، وقوله: فتحرير رقبة مبتدأ آخر خبره مقدّر أي فعليهم تحرير الخ أو فاعل فعل مقدر تقديره يلزمهم تحرير الخ أو خبر مبتدأ مقدر أي الواجب عليهم تحرير رقبة، وعلى التقادير الثلاثة الجملة خبر المبتدأ دخلته الفاء لتضمن المبتدأ معنى الثرط. قوله:) الظهار أن يقول الخ (هذا هو أصله، وهو متفق عليه فلا يرد عليه أنّ الصور الآتية غير داخلة فيه، وقوله ة مشتق من الظهر الخ الظهر بمعنى الجارحة، وهو اسم جامد لا يشتق منه فالاشتقاق على خلاف القياس أو بمعنى الأخذ وهو أعم من الاشتقاق وكون الظهر بمعنى العلو ليكون مصدرا فيجري ما ذكر على القياس يحتاج إلى إثباته بنقل من معتمدات كتب اللغة. قوله: (بجزء أنثى محرم (وفي نسخة بجزء محرم بدون أنثى، وهو بالإضافة والتخفيف، وفتح الميم ما يحرم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أي تشبيه امرأته بجزء محرم أي بعض منه أقي بعض كان، وهو مذهب الثافعيئ فلا وجه للقول بأنّ المراد بجزء عضو يحرم النظر إليه كالبطن، والفخذ كما قيل فإنه مذهب أبي حنيفة، والمصنف شافعي المذهب، وأما كونه بالتشديد وضم الميم، والتوصيف دون الإضافة فقصور. في غاية الظهور لأنه يقتضي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 أنّ كل أنثى كدّلك. قوله: (وفي منكم تهجين الخ (أي ذكر لفظ منكم لتقبيح عادة العرب في الجاهلية لا للتقييد به حتى يكون دليلاً على أن الظهار لا يصح من الذمي كما ذهب إليه مالك استدلالاً بقوله: منكم إذ الكافر ليس منا، ولا يصح إلحاقه بالقياس لأنّ الظهار جناية ترتفع بالكفارة، والكافر ليس من أهلها لأنها عبادة يشترط فيها النية فلا تصح منه، ولأنه لا يقدر عليها على رأي الشافعيّ المشترط إيمان الرقبة إذ هو لا يملكها فالذمي قيد الإيمان في حقه متعذر، وما قيل من أنها عبادة في حق المسلم دون الكافر لا يفيد مع اشتراط النية فيها فإن قيل: افتقارها للنية ليس لأنها عبادة في حقه، بل هو ضروريّ كما في كنايات الطلاق فهو قياس مع الفارق لأنها ثمة ليتعين أحد المحتملات، ولا احتمال له هنا كما حققه ابن الهمام، ولا خروج عن الظاهر في قصد التهجين فإنه كثير ففي كلام الفاضل المحشي هنا قصور في غاية الظهور لا حاجة للتطويل بدّكره من غير طائل هنا، والعادة إشارة إلى ما يفيده المضارع من الاستمرار وقتا فوقتا. قوله: (كالموضعات الخ) فانّ الله قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 23] وأزواجه أمهاتهم، وهو من خصائصهءكيوو لحرمة النكاح كما يحرم نكاح الأمّ الحقيقية ومثل أزواج الرسولءلمجز كل أمة وطئها بالتسري فتخصيص الأزواج لأنه الواقع في القرآن، ولو قال: ومنكوحاته كان أولى. قوله: (وهو أيضاً على لغة من ينصب) وهم أهل الحجاز الذين نصبوا خبرها فإنهم الذين زادوا الباء فيه أيضا، وهذا بالاستقراء، وأنّ زيادة الباء لغتهم في الأعمال لا لغة تميم كما صرّح به أبو عليّ الفارسي، وتبعه الزمخشريّ، والمصنف وقد قال أبو حيان أنه باطل لأنه سمع خلافه كقول الفرزدق، وهو تميمي: لعمرك مامعن بتارك حقه ولامنسئ معن ولامتيسر والرفع عن عاصم في رواية وتأخير ذكره عن قوله: إنّ أمهاتهم لا ضير فيه لأنّ عادته تأخير اللغة، والقراءة بعد تمام تفسير الآيات، وتقديم ما يرتبط بعضه ببعض منها. قوله: (محرفاً عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأمّ) بيان لمعناه على وجه يبين اشتقافه أيضاً من الازورار وهو الانحراف، ولم يقل كذبا كما في الكشاف بناء على أنه إخبار كاذب علق عليه الشارع الحرمة، والكفارة لأنه خلاف الظاهر لأنه إنشاء لحرمة الاستمتاع في الشرع كالطلاق فكذبه باعتبار ما تضمنه من إلحاقها بالأمّ المنافي لمقتضى الزوجية كما مرّ في الأحزاب، وقوله: مطلقاً على مذهب المصنف، وأهل الحق، ولذا قدمه، وقوله: أو إذا تيب على مذهب المعتزلة، وهو مجهول تاب وعنه نائب عن الفاعل، وعذاه بعن حملاً له على العفو أو هو يتعدّى أيضا بعن ويحتمل أنه تقسيم للعفو، وأنه قد يكون محض فضل وقد يكون مع التوبة. قوله: (أي إلى قولهم) فاللام بمعنى إلى، وقد قال المعرب إنه ضعيف لأنّ العود يتعدّى باللام، وإلى وفي فلا حاجة لتأويله إلا أن يريد التفسير من غير قصد للتأويل وجعل ما مصدرية وهي تحتمل الموصولية ورجحه بعضهم هنا. قوله: (بالتدارك) متعلق بيعودون، وهو إشارة إلى أحد الوجوه في المراد بالعود هنا فالعود التدارك مجازا لأنّ التدارك من أسباب العود إلى الشيء، ولذا قال المصنف بالتدارك بالباء السببية إشارة إلى علاقة التجوّز فيه، والتدارك معناه في الأصل تفاعل من الدرك، واللحوق والمراد به تلافي ما صدر من التقصير بما يجبره، ولذا فسره بقوله: وهو بنقض ما يقتضيه لأنّ ضمير هو للتدارك في عبارته أو للعود المفسر به، والأوّل أولى، وهو بينهما اعتراض فتداركهم المراد به ما اقتضاه قولهم الصادر عنهم في الظهار، وهو الحرمة فإنّ تلافيه يكون بما ذكر. قوله: (ومنه المثل عاد النيث على ما أفسد) ، وأنما فصله بقوله منه لأنّ التدارك لا ينسب إلى الغيث إلا على طريق التمثيل، والتجوّز والذي أورد. الميداني في المجمع عاد غيث على ما أفسد قال، ويروى على ما خيل قيل إفساده إمساكه، وعوده إحياؤه، وأنما فسر على هذا الوجه لأنّ إفساده بصونه لا يصلحه عوده وقد قيل غير هذا، وذلك إنهم قالوا: إنّ الص بث يحف، ويفسد الحياض، ثم يعفى على ذلك بما فيه من البركة يضرب في الرجل، وفيه فساد ولكن الصحلاح أكثر انتهى. قوله: (وذلك) أي التدارك، والنقض فإنّ المراد منهما، ومن العود أيضا واحد فهو الإمساك المذكور ولا يرد عليه أنّ، ثم تدل على التراخي الزماني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 والإمساك المذكور معقب لا متراخ لأنّ مدة الإمساك ممتدة، ومثله يجوز فيه العطف بثم، والفاء باعتبار ابتدائه، وانتهائه كما مرّ غير مرّة فلا حاجة إلى القول بأنها للدلالة على أنّ العود أشد تبعة، وأقوى إثما من نفس الظهار حتى يقال عليه إنه غير مسلم، ولا إلى قول الإمام أنه مشترك الإلزام فيمنع أيضاً لأنّ استباحة الاستمتاع عقب الظهار فورا نادرة فلا يتوجه على الحقيقة ما ذكر. قوله: (زماناً يمكته مفارقتها فيه) وفي نسخة يسعه فالعود عندهم إمساك عقب الظهار، ولو لحظة وذلك أن لا يقطع نكاحها فإن مات أحدهما أو جن الزوح أو قطع بطلاق بائن أو رجعيّ من غير رجعة أو باشترائها، وهي رقيقة أو باللعان منها عقيبه أو بالبدار إلى فعل كان قد علق عليه الطلاق من قبل فليس بعائد، ولا كفارة هكذا في كتب ققه الشافعية المعتمد عليها كالوجيز. قوله: (إذ التشبيه) في قوله: كظهر أمي في الظهار يتناول حرمة الإمساك في النكاح لأنه يصح استثناؤه منه بأن يقول: أنت عليّ كظهر أمي إلا في حرمة الإمساك، والأصل في الاستثناء الاتصال، والدخول فيما استثنى منه فإذا تناوله لفظه، وكان أقل ما ينقضه فالاقتصار عليه فيه أولى لأنه الأقل المتيقن فلذا اقتصر عليه من دون ما يتحقق به العود، وقد أورد عليه أمور في شرح الهداية ليس هذا محلها. قوله: (وعند أ! س حتيفة الخ) أي النقض الذي العود عبارة عنه، وبه يتحقق وجوب الكفارة عنده استباحة التمتع بها، وليس المراد به مجرّد عذه مباحاً من غير مباشرة بل مباشرته بوجه مّا، ولا العزم عليه حتى يرجع لقول مالك رحمه الله مع أنّ ابن الهمام نقل عن المبسوط أنّ سبب وجوبها العزم على الوطء، والظاهر شرطه هنا، وهو بناء على أنّ معنى العود العزم على الوطء، واعترض بأنّ الحكم يتكرّر بتكرّر سببه لا بتكزر شرطه، والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا بتكرر العزم، وكثير من مشايخنا على أنه العزم على الإباحة بتقدير مضاف في الآية أي يعودون لضد ما قالوا أو لتداركه بترك القول، ويرد عليه ما مر وأنه بمجرد العزم لا تتقرر الكفارة عندنا كما نص عليه في المبسوط حتى لو أبانها أو ماتت بعد العزم لا تتقرر الكفارة فهذا دليل على أنها غير واجبة لا بالظهار، ولا بالعود إذ لو وجبت لما سقطت بل موجب الظهار ثبوت التحريم فإذا أراد رفعه وجبت الكفارة لرفعه كما تقول لمن أراد صلاة نافلة يجب عليك إن صليتها تقديم الوضوء هذا محصل ما ذكره ابن الهمام مع تفصيل لطيف لكن المقام لم يصف للنظر من قذى الكدر فما قيل مآل كلام مالك، وأبي حنيفة واحد، ودفعه بأنه أخص منه ليس بشيء فتأمله. قوله: (وعند الحسن بالجماع) يعني الموجب للكفارة الجماع، وهو المراد من العود لما قالوه لترتبه عليه بالفاء، ولا يأباه قوله من قبل أن يتماسا المؤخر عن الكفارة لأنّ المراد عنده من قبل أن يباج التماس شرعاً، وما ذكر أوّلاً حرام موجب للتكفير، وهذا كما ورد في الحديث: " استغفر الله، ولا تعد حتى تكفر ". قوله: (أو يالظهار الخ) معطوف على قوله: بالتدارك فالعود بمعناه الحقيقي، وقوله: يعتادون من استمرار المضارع، وقوله: إذ كانوا في النسخة الصحيحة بإذ وهو لتعليل ما قبله من الاعتياد لأنّ كان تدل على التكرار مع تعيين له وفي نسخ الحواشي أو العاطفة فيكون توجيهاً للمضارع في النظم بأنه إمّا للاستمرار أو هو لاستحضار صورة الحال الماضية، ولا محذور في هذا القول للزوم الكفارة عليه بمجرد الظهار من غير عود، وفقهاء الأمصار على خلافه لأنه إن كان الثوري، ومجاهد نقل عنهما ذلك اجتهاداً فلا يلزمهما موافقة غيرهما فيه وهو المصرّج به في كتاب الأحكام، وغيره وإن لم ينقل عنهما غير تفسير العود في الآية بما ذكر فيجوز أن يشترطا لوجوب الكفارة شيئا مما مز لكن لا يقولان إنه المراد بالعود في الآية، وقوله: وهو قول الظاهرية يقولون لا بدّ في الظهار من تكرار اللفظ به أخذا بظاهر الآية، وكان الفقه له فيه أنه ليس صريحاً في التحريم فلعله يسبق لفظه له من غير قصد لمعناه فإذا كرره تعين أنه قصده، واما أنه لم يقل، ويعودون له حينئذ، وهو أخصر وأظهر فلأنه قصد به التأكيد فأظهر وعطف بثم لتراخي رتبة الثاني، وبعده عن الأوّل لأنه الذي تحقق به الظهار وقد يرد بأنّ قضية خولة ليس فيها لهكرار، ولم يسأل عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما كون عدم النقل ليس نقلا للعدم فاحتمال بمجرد. لا يفسر القرآن، وإنن كان لفظ العود، والقول فيه على حقيقته فتأمل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 قوله: (أو معنى) أي المراد بالعود التكرر معنى، وأما قوله بأن يحلف على ما قال فالظاهر أنّ المراد به أن يحلف على الظهار فيقول والله أنت عليّ كظهر أمي فإن القسم لكونه مؤكداً للمقسم عليه عود، وتكرار له معنى لكنه على هذا لا يلزم الكفارة في الظهار من غير قسم، وهذا القول لا يعرف من قال به فإن صح فهو إلغاء للظهار معنى لأنّ الكفارة لحلفه على أمر كذب فيه، وكذا ما قيل من أنّ معناه أن يقول هي علي كظهر أمي إن فعلت كذا، ثم فعله فإنه يحنث، وتلزمه للكفارة وبعد مباشرته ذلك الفعل تكريراً للظهار معنى، وهو مع مخالفته لكلام الإمام ولظاهر كلام المصنف لا يساعده كلام الفقهاء، وقد رأيت هذه المسألة مسطورة في فقه الشافعية فيما إذا قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، وعلق الظهار بالشرط على تفصيل فيها لا يسعه هذا المقام، ولعل النوبة تفضي إلى تحريره. قوله: (أو إلى المقول فيها الخ) معطوف على قوله إلى قولهم: وهو يحتمل أنّ ما موصولة لكن فيه وقوعها على ما يعقل وهو خلاف الظاهر أو مصدرية كالأوّل لكن المصدر مؤوّل باسم المفعول كما قيل في، وما كان هذا القرآن أن يفتري أنه بمعنى مفتري، وقوله:! امساكها الخ لف، ونشر مرتب إلى قول الشافعي، وما بعد.. قوله: (فعليهم الخ) يعني هو مبتدأ خبره مقدر أو خبر مبتدؤه مقدّر كما مر واعتاق تفسير لقوله تحرير، وقوله: للسببية لأنّ الجملة خبر للذين كما مرّ وقرن بالفاء لتضمنه معنى الشرط فيكون هذا كالجواب مسبباً عما قبله وهو الظهار مطلقاً أو بشرط العود أو هما وكلامه صريح في الأوّل، وفيه كلام في شرح الهداية. قوله: (تكرّر وجوب التحرير بتكرّر الظهار (تكرّر الظهار إما مع تكرّر المظاهر منها كما إذا كان له زوجتان فظاهر كلاً منهما على حدة، وأما مع اتحادها كان يكرر ظهار زوجة واحدة في صجلس واحد، ولم يقصد التوكيد أو قصده في مجالس، وفي شرح الوجيز للغزالي ما محصله لو قال: لأربع زوجات أنتن كظهر أمي فإن كان دفعة واحدة ففيه قولان فإن كان بأربع كلمات فأربع كفارات، ولو كررها والمرأة واحدة فإما أن يأتي بها متوالية أو لا فعلى الأوّل إن قصد التأكيد فواحدة، والا ففيه قولان القديم، وبه قال أحمد واحدة كما لو كرر اليمين على شيء واحد، والقول الجديد التعدد وبه قال أبو حنيفة ومالك: وإذا لم تتوال وقصد بكل واحدة ظهاراً أو أطلق، ولم ينو التأكيد فكل مرة ظهار برأسه وفيه قول إنه لا يكون الثاني ظهاراً إز لم يكفر عن الأوّل وإن قال أردت إعادة الأوّل ففيه اختلاف بناء على أنّ المغلب في الظهار معنى الطلاق أو اليمين لما فيه من الشبهين اهـ، والذي في التلويح لو ظاهر من امرأته مرتين أو ثلاثا في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة اهـ، ولا يصح على إطلاقه لما عرفت، وإن اعتمده بعضهم فليحرر. قوله: (والرقبة مقيدة بالإيمان الخ) هذا مذهب الشافعي، وعندنا لا فرق بين المؤمنة، والكافرة والكلام عليه مبسوط في الفروع، وكتب الأصول وليس هذا محله، وقوله: قياسا الخ، وقد قال فيها رقبة مؤمنة، والفرق بينهما تقدم. قوله: (لعموم اللفظ) وهو التماس في الاستمتاع بأقسامه لأنه يشملها بدلالة النص، ومقتضى التشبيه في قوله: كظهر أمي فإنّ المشبه به لا يحل الاستمتاع به بوجه من الوجوه فكذا المشبه، وقوله: أو أن يجامعها، والتماس كناية مشهورة في الجماع فيقصد منه ذلك، وقوله: وفيه دليل على حرمة ذلك أي الاستمتاع أو المجامعة قبل التكفير لأنه أوجب التكفير قبله فلا يجوز تقدمه عليه سواء كان التكفير بالإعتاق أو غيره خلافا لمالك في الإطعام حيث لم يقيد بكونه قبل التماس في الظاهر. قوله: (ذلكم الحكم الخ) فذا إشارة للحكم، والخطاب للمؤمنين أو للموجودين، وغيرهم من الأمّة، وقوله: لأنه يدل الخ تعليل لكون الحكم بالكفارة مما يوعظ به ويلين القلوب لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة فيرتدع مرتكبه، وبخاف العقوبة، ويتعظ ولا يعود لمثله. قوله: (والذي غاب ماله واجد) أي له حكم الواجد للمال، وهو الغني فعليه الكفارة بالإعتاق لا بصوم، واطعام وقوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أطلقهما عن قيد الهلالي، والشمسي فدل على صحة كل منهما فإذا ابتدأ من رأس شهر هلالي أجزأ ولو ناقصاً فله صوم ثمانية وخمسين يوماً، والا فعليه تكميل الستين حتى لو أفطر في آخرها لزمه الاستئناف، وقوله: لزمه الاستئناف لفوات التتابع المشروط بالنص الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 وهو قادر عليه عادة، والخلاف عند الثافعية، وقوله: المظاهر عنها احترز به عن غيرها فإنه لو جامعها ناسيا لم يستأنف أيضاً، وقوله: خلافاً لأبي حنيفة لأنه اشترط فيه كونه قبل التماس نصاً فإذا تخلف شرطه انتقض فلم يعتذ به. قوله: (شبق) بفتح الشين المعجمة، والباء وبالقاف شدة اشتهاء الجماع بحيث لا تتمالك نفسه عن الصبر عنه وقوله: فإنه الخ تعليل لكون الشبق عذراً فإنه المحتاج للبيان، وقوله: أن يعدل أي عن الصوم للإطعام وفي نسخة أن يفدي أي بالإطعام، وقوله: لأجله الضمير للشبق وهو إشارة إلى الحديث المذكور في التفاسير. قوله: (لأنه أقل ما قيل في الكفارات الخ) قيل: على قوله في الفطرة بتاء التأنيث أنه خطأ من الناسخ، والصواب أن يسقط الهاء، ويراد كفارة الفطر في رمضان، وأما صدقة الفطر فهي صاع عند الافعية، وهو خطأ منه فإنّ عبارة الشافعية هنا زكاة الفطر فلا احتمال لما ذكره، والذي أوقعه فيما وقع فيه قراءته لفظ جنسه بالجر، وهو مرفوع مبتدأ خبره المخرج في الفطرة يعني أنّ المجزئ للإطعام هنا من جنس ما يجزئ في زكاة الفطر وهو ما يقتاته الناس غالبا مما تجب فيه الزكاة كما فصلوه في كتبهم المعتبرة كالوجيز، وليس بيانا لمقداره كيلا كما توهم. قوله: (يعطي كل مسكين الخ) الصاع أربعة أمداد فنصفه مدان كما في شرح الهداية، وقوله: اكتفاء بذكره الخ لم يترك في الثاني اكتفاء بالأوّل لأنه يمكن وقوع التماس في أثنائه بخلاف العتق فلو لم يذكر معه ربما توهم أنّ تحريمه قبل الشروع فيه خاصة، ولا يبقى إلى التمام، وأما الإطعام فكالصيام كما قيل، وفيه نظر. قوله: (أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حتيفة رضي الله تعالى عنه) فيه أنّ أبا حنيفة لم يقل بالجواز، وأنما قال إنه لو وقع في خلاله لم يستأنفه لأن النص فيه مطلق غير مقيد به كما في الإعتاق والصيام، والمطلق لا يحمل على المقيد عنده مطلقا، وأما الجواز من غير إثم فمنقول عن الثورفي، وغيره في كتاب الأحكام فلو قال! : لأنه لا يبطله كان أحسن. قوله: (ذلك البيان أو التعليم) بنصبهما لأنهما صفتان مفسرتان لاسم الإشارة، وهو مفعول به هنا كما صرح به بعيده فليس فيه إشارة إلى أنه مبتدأ حتى يتوهم أنه كان عليه أن يقول أو محله النصب لئلا ينافي أوّل كلامه آخره نعم هو صحيح أيضاً، وكأنه تركه لظهوره أو ذلك إشارة إلى الأحكام المشروعة فتأئل. قوله: (الذين لا يقبلونها) كقوله: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} [سورة البقرة، الآية: 229] في الآية الأخرى فأطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظا لزجره كما أنّ المراد بالكفر في قوله، ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين بقرينة المقام من لم يطعه لا مقابل الإيمان، والكفر الحقيقي. قوله: (فإنّ كلاَ من المتعاديين الخ) بيان لوجه إطلاق المحادة على المعاداة بأنها مفاعلة من الحد لأنّ كلا من المتعاديين في حد غير حد الآخر أي في وجهته كما يقال: هو حديد فلان إذا كانت أرضه إلى جنب أرضه في جهة حده كما قيل للمعاداة مشاقة لأن كلا منهما في شق غير شق الآخر، واليه أشار بقوله في حد الخ أو من الحدود بمعنى الأمور التي لا تتجاوز، وهم إمّا واضعون لحدود الكفر، وقوانينه كأئمة الكفر أو مختارون لها، واليه أشار بقوله: أو يضعون الخ، وتكلف بعضهم فجعل الوجوه هنا أربعة! قال الفاضل المحشي: وفيه وعيد عظيم للملوك، وأمراء السوء الذين وضعوا أموراً خلاف ما حذه الشرع، وسموها يسأ وقانونا، وقد صنف العارف بالله تعالى الشيخ بهاء الدين قدس الله روحه رسالة في كفر من يقول يعمل بالقانون، والشرع إذا قابل بينهما، وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 3] وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا تقبل التكميل وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ولكن أين من يعقل ويسا بياء مثناة تحتية وسين مهملة وضع قانون للمعاملة، ويقال: يسق لفظ غير عربيئ. قوله:) أخزوا أو أهلكوا (الخزي التذليل، وعبارة المصنف في العطف بأو أحسن من عطفه بالواو كما في الكشاف، والكب الإلقاء على الوجه، وفوله: ما جاء به معطوف على صدق أو الرسول، والمراد بصدقه كونه من عند الله، وهذه العبارة أخصر من قول الزمخشري، وصحة ما جاء به، وأما ترجيح هذه بأنه ليس كل ما جاء به يوصف بالصدق فليس بشيء وقوله: يذهب عزهم الخ فهو مجاز إذ الإهانة لا تتصؤر منه. قوله: (منصوب بمهين (ولا وجه لنصبه بالكافرين إذ لا وجه لتخصيص كفرهم بذلك اليوم، وفوله: بإضمار اذكر أي باذكر المضمر على إضافة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 الصفة لموصوفها، وقوله: كلهم فهو للتأكيد، وإن انتصب على الحال كطرّ أو كافة، وقاطبة وغيرها من ألفاظ التوكيد، وقوله: أو مجتمعين فيكون حالاً غير مؤكدة، وقوله: تشهير الخ يعني المقصود من أخبارهم بما عملوه ما ذكر زيادة في خزيهم ونكالهم، والا فلا طائل تحته. قوله: (كلياً وجزئياً (يشير إلى ما يفيده الموصول من العموم ليكون على وفق قوله على كل شيء شهيد ودالاً عليه وانتصابه على الحالية أو المصدرية أي علماً كلياً الخ لا على الظرفية فإنه تعسف لا حاجة تدعو إليه. قوله: (ما يقع من تناجي ثلاثة الخ (يعني أنه مضارع كان التامة، ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجي، ومن مزيدة، وقوله: يقدر مضاف تقديره ذوي نجوى الخ ونحوه أو يؤوّل نجوى المصدر بمتناجين جمع متناج كالنجيّ، وفي القاموس النجوى السر والمسارون اسم ومصدر وعليه لا حاجة إلى التأويل وأنما أوّل ليتأتى استثناء قوله: إلا هو رابعهم من غير تكلف كما سيأتي، وعلى هذين الاحتمالين ثلاثة صفة للمضاف المقدر أو لنجوى المؤوّل بما ذكر أو الموضوع له، ويجوز أن يكون بدلاً أيضا. قوله: (واشتقاقها الخ) أي هي مأخوذة منها لأنّ السر بصونه عن الغير كأنه رفع من حضيض الظهور إلى أوج الخفاء على التشبيه، وأقرب منه قول الراغب لأنّ المتسارّين يخلوان بنجوة من الأرض أو هو من النجاة. قوله: (إلا الله (يجعلهم أربعة يعني أنّ الرابع لإضافته لغير مماثله هنا بمعنى الجاعل المصير أي يجعلهم أربعة، وقوله: والاستثناء الخ فهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال أي ما يكعونون في حال الأحوال إلا في حال تصيير الله لهم أربعة. قوله:) نزلت في تناجي المنافق! ين الخ) 11 (يعني، وكانوا على هذين العددين، وقوله: وتر الخ يعني فلذا ذكر العددين من الأوتار، وأما تخصيصهما فأشار إلى توجيهه بقوله، والثلاثة الخ فخصها لأنها أوّل وتر من الأعداد، وأما الواحد فليس بعدد كما تقرر في الحساب لأنهم عرّفوه بما ساوى نصف مجموع حاشيتيه، وليس له حاشيتان، وأيضاً هو لا يليق بالخلق أو لأنّ التناجي هنا للمشاورة، وأقله ما ذكر لما ذكر، وهذا إنما يعلم منه وجه ذكر الثلاثة دون الخمسة، وأما مناسبتها للثلاثة في الوترية فلا يفيد وجه التخصيص إلا إذا ضمّ إليه ما يخصصه ككونه أوّل مراتب ما فوقه فذكر المشار بهما للأقل، والأكثر ونحوه، وقوله: يتناجون فهو حال من فاعله أو فاعل متناجين المستتر فيه. قوله: (كالواحد) فإنه يناجي نفسه أيضاً فيكون معهم في السر والعلانية، وذلك إشارة إلى الثلاثة، والخمسة وهو المقصود بما ذكر، وقوله: على محل من نجوى لأنه فاعل، ومن زائدة فيه، وقوله: محل لا أدنى فيه تسمح لأنّ المحل لأدنى وحده، وهو الرفع لأنه مبتدأ قبل دخول لا عليه، وفيه نظر وجملة هو معهم خبره، وعلى قراءة العامة بفتح راء أكثر هو مجرور بالفتح معطوف على لفظ نجوى أو مفتوح لأنّ لا لنفي الجنس فهو كلا حول، ولا قوّة إلا بالله على الوجوه فيه، وقوله: بان جعلت الخ أي لا مشبهة يليس، ولا مزيدة لتأكيد النفي كما في الوجه السابق. قوله: (فإنّ علمه الخ) إذ علمه، وسائر صفاته الذاتية لا تتفاوت بتفاوت الأسباب، ولذا عمّ علمه كما أشار إليه بقوله: فإنّ علمه الخ، وقوله: تفضيحاً الخ إشارة لما قدمناه، وقوله: بما هو إثم أوّله به لينتظم الكلام أي يتناجون بأمور يرونها، وهي إثم ووبال عليهم، وتعدّ على المؤمنين، وتواص بمخالفة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله: " فيقولون السام " هو بمعنى الموت عندهم بالعبرية أو دعاء بأن يسأموا دينهم فإذا سلموا عليه قالوه وأوهموا أنهم يقولون السلام، وأنعم صباحا هي تحية الجاهلية ويقال عم صباحا كما قال امرؤ القيس: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي والكفار يكره بدؤهم بالسلام إلا لضرورة فإذا بدؤهم قيل في الردّ، وعليك كذا في كتاب الأحكام هنا، وقوله: وسلام على عباده الخ هو تفسير لما حياه الله به. قوله: (هلا يعذبنا الله بذلك) أي لو كان نبياً عذبنا الله بسبب ما قلناه في حقه، وعدل عن قوله في الكشاف ما له إن كان نبياً لا يدعو علينا حتى يعذبنا الله بما نقول فإنه لا دلالة في النظم عليه، وقوله: حسبهم الخ جواب من الله لهم، وقوله: جهنم هو المخصوص بالذم المقدر، وقوله: كما يفعله المنافقون فالخطاب لخلص المؤمنين، ولا بد أن يكون هذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 تعريضا بالمنافقين إذ مثله لا يصدر عن المؤمنين، ولذا قدّم الزمخشري كونه خطاباً للمنافقين، وسماهم مؤمنين باعتبار ظاهر أحوالهم فلا وجه لترجيح مسلك المصنف، وقراءة تنتجوا تقدم معناها، وحمل التقوى على اتقاء معصية الرسول بقرينة ما سبق، وقوله: فيما تأتون الخ متعلق باتقوا. قوله: (أي النجوى بالإثم) فالتعريف فيها للعهد كما وقع في بعض النسخ هنا، واللام للعهد، والقرينة عليه ما بعده فلا ينافي كون النجوى تكون في الخير، وقوله: وتناجوا بالبر والتقوى قبله، وقوله: فإنه المزين الخ أي المزين لهذه النجوى المخصوصة بالشر. قوله: (بتوهمهم (متعلق بيحزن أي حزن المؤمنين بما يتوهمون من تناجي اليهوديين، والمنافقين وتغامزهم من أنه وقع بإخوانهم المؤمنين أمر كالهزيمة، والقتل أو متعلق قوله: بتوهمهم مقدر أي توهمهم لأمر عظيم نزل بالمسلمين لأن النجوى كانت في نكبة نزلت بالمسلمين، وأمر حل بهم كما في الكشاف كانوا يوهمون المؤمنين في نجواهم، وتغامزهم أنّ غزاتهم قتلوا، وأنّ أقاربهم قتلوا، وفي عبارة المصنف قصور مّا، ولذا قيل: لو أسقط اللام كان أحسن فإنّ القصور إنما جاء من زيادتها، وما قيل إنها دعامة زائدة وفهم القصور من قصور الفهم من التعصب البارد. قوله: (أو التناجي) بصيغة المصدر، وفي نسخة المتناجي والأولى أولى، وفي الكشاف تجويز أن يرجع الضمير للحزن، ولا غبار عليه لاً نه إذا قيل إنّ هذا الحزن لا يضرهم اندفع حزنهم فلا ينافي أنّ المقصود إزالة الحزن كما توهم، وقوله: إلا بمشيئته تقدم بيانه فتذكره. قوله: (افسح عني أي تنح) فالتفسح في المجلس تنحي الناس بعضهم عن بعض توسعة له، وهو ظاهر وارتباطه بما قبله لأنه لما نهى عن التناجي، والسرار علم منه الجلوس مع الملا فذكر آدابه بعده وقوله، والمراد الخ فيكون مطلقا شاملاً لكل مجلس فتعريفه للجنس أو المراد به مجلسه صلى الله عليه وسلم فتعريفه للعهد فجمعه لتعدده باعتبار من يجلس معه فإنّ لكل أحد منهم مجلساً وقوله: يتضافون بالتشديد أي يتلاصقون وبه بمعنى فيه، والضمير للمجلس أو للرسول فالباء سببية. قوله: (فيما تريدون (متعلق بيفسح الله لكم والفسح في الرزق تكثيره، وفي الصدر إزالة ما يحصل به الغم، وضيق الصدر كناية عنه وغيرها كالقبر، وقوله: ارتفعوا في المجال! أي اجلسوا في صدورها، وأعلاها فليس عن المجلس بأولى منه لأنه إنما يكون أولى إذا أريد محل جلوسه بخصوصه أما لو قصد مجموع النادي ففي أولى، وقوله: بضم الشين، وغيرهم قرأ. بالكسر وهما لغتان فيه، وقوله: وايوائهم غرف الجنان فالرفعة فيه حسية وفيما فبله معنوية، والجمع بينهما من عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة، والمجاز وهو جائز عنده قال الواحدي سبب نزول هذه الآية أنه ى! ر كان في الصفة يوم الجمعة فجاء ناس من أهل بدر، وكان يكرمهم وقد سبقوا فقاموا حيال النبيئ صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم فقال لبعض من حوله: " قم يا فلان، ويا فلان " فأقام نفرا مقدار من قدم فشق ذلك عليهم، وعرف كراهية ذلك في وجوههم، وقال المنافقون ما عدل بإقامة من أخذ مجلسه وأحب قربه لمن تأخر عن الحضور فأنزل الله هذه الآية. قوله: (ويرفع العلماء منهم خاصة) في الانتصاف في الجزاء برفع الدرجات مناسبة للعمل المأمور به، وهو التفسح في المجالس، وترك ما تنافسوا فيه من الجلوس في أرفعها، وأقربها من النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم خص أهل العلم ليسهل عليهم ترك ما عرفوا بالحرص عليه من رفعة المجالس وحبهم للتصدير، وهذا من مغيبات القرآن لما ظهر من هؤلاء في سائر الأعصار من التناف! في ذلك وفي كلامه إشارة إلى أنه من عطف الخاص على العام تعظيما له بعده كأنه جنس آخر كما في ملائكته وجبريل، ولذا أعاد الموصول في النظم، ويمكن اتحادهما فيكون من جعل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات لأنّ المراد بالعلم علم ما لا بدّ منه من العقائد الحقة، والأعمال الصالحة، وتغايرهما بالذات على أنّ المراد بالمؤمنين من لم يصل لمرتبة هؤلاء، ولكل وجهة، وعلى الوجوه الثلاثة ليس فيه تقدير عامل للموصول الثاني إذ لا حاجة إليه، وقول المصنف، ويرفع العلماء الخ توضيح للمعنى لا إشارة للتقدير كما توهم، والتشبث بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من ضيق العطن. قوله: (للعمل الخ) تعليل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 لقوله: مزيد رفعة، وقدمه عليه للاهتمام به وللحصر، وقوله: ولذلك أي لمزيد رفعته، وأنه لا ينفك عن العمل أو للاقتضاء المذكور لأنه لو لم يقارنه العمل لم يعتذ بأفعاله، وقوله: مع علو درجته، وفي نسخة من علو درجته إشارة إلى أنّ شرفه الذاتي مقرّر لكن لا يقتدي بأهله ما لم يقارن العمل، ولو قال لعلو درجته أو بعلو درجته صح لكنه معنى آخر فتدبر، وقوله: في أفعاله لارتفاع شأنها لأنه يراعي حقوقها، ويتحفظ فيها بخلاف العابد غير العالم. قوله:) وفي الحديث الخ) هذا الحديث رواه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أصحاب السنن الأربعة، وأيراده هنا بيانا لرفعة العلماء على من سواهم لا لبيان العطف كما توهم، وفوله: تهديد الخ فيه إيماء لما مرّ من أنّ الخبرة العلم بالظاهر، والباطن فإنّ عدم الامتثال من الظواهر، والاستكراه أمر باطني. قوله: (فتصدّقوا تدّامها) أي قبل النجوى، وقوله: مستعار ممن له يدان يعني أنّ في قوله بين يدي نجواكم استعارة تمثيلية، وأصل التركيب يستعمل فيمن له يدان أو مكنية بتشبيه النجوى بالإنسان واثبات أليدين تخييل، وفي بين ترشيح ومعناه قبل، وقوله: وفي هذا الأمر أي أمر المؤمنين بالتمذق قبل مناجاته ومكالمته تعظيم له صلى الله عليه وسلم بعد مناجاته أمراً عظيماً، ونعمة تقابل بالشكر، والتصدق وانفاع الفقراء أي فقراء الصحابة رضي الله عنهم أمر ظاهر إلا أنّ لفظ الإنفاع غير صحيح، وقد استعمله المصنف في مواضع من كتابه هذا، ولم يذكره أهل اللغة وكذا منتوج اسم مفعول إلا أنّ القياس لا يأباه كما في الملتقط والنهي، والمنع مأخوذ من إيجاب الصدقة على المناجي، وهي لا تتيسر في كل زمان فيلزم قلة المناجاة له وما عداه ظاهر، والمقصود بيان الحكمة في الأمر المذكور. قوله:) في أنه) أي الأمر بالتصدق قبل المناجاة، وقوله: لكنه أي الوجوب، ونسخه بقوله: أشفقتم الخ لأنّ قوله: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} [سورة المجادلة، الآية: 13] فيه ترخيص في الترك كما سيأتي، وقيل: نسخت بآية الزكاة، وقوله: وهو وإن اتصل الخ جواب سؤال مقدر، وهو أنه كيف يكون ناسخا، وهو مقارن له والناسخ لا بدّ من تأخره عن المنسوخ، وسيأتي بيان مدة بقائه، وقوله: ما عمل بها أحد غيري لا يقتضي عدم امتثال غيره من الصحابة رضي االله عنهم لجواز أنهم لم يناجوه، ولم يبدؤه بالمكالمة قبل نسخها خصوصاً إذا ى شت المدة ساعة، واليه أشار بقوله، وعلى القول بالوجوب الخ، وقوله: فصرفته من الصرف المعروف أي بدله بدراهم الفضة ليتعدد إخراجه، وتصدقه منه منافسة في مكالمته صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه نسخ قبل العمل به بناء على جواز النسخ قبله، ولكونه خلاف الظاهر لم يتعرض له المصنف، وفيه خلاف لأهلى الأصول. قوله: (وأطهر أي لأنفسكم من الريبة الخ) الريبة بالراء المهملة والباء الموحدة كما في النسخ الصحيحة، والمراد به الشبهة الحاصلة من ترك سؤاله ىيخييه لئلا يتصدقوا وترك الصدقة لحب المال، وهذا أظهو من أن يخفى، والعجب ممن ظنه الزينة بالمعجمة والنون، وهو من بعض الظن، ومن ليست داخلة على المفضل عليه بل متعلقة بأطهر كما في طهرته من النجاسة، واشعاره بالندبية لأن التصدق إنما يكون خيرا من غيره، إذا لم يكن واجباً، وقوله: أدل على الوجوب لأنّ المغفرة تقتضي أنّ في الترك إثما وذنباً، وقوله: أدل ويشعر إشارة إلى أنه ليس دليلا تاما في كلا الجانبين أما الأوّل فلأنّ المفضل عليه غير مذكور فيحتمل غير الترك من المندوبات أو الواجبات للترغيب فيه، ولو حمل على الترك احتمل أنه على الفرض، والتقدير كما في قوله خير مستقرّا، وأما الثاني فلأنّ المغفرة لا تتعين أن تكون للمناجاة من غير تصدق. قوله: (أخفتم الفقر الخ (الأوّل على أنه محذوف، وهو الفقر، وقوله: أن تقدموا بتقدير لأنّ تقدموا فمن في قوله من تقديم الخ تعليلية، وقوله: أخفتم التقديم على أنّ أن تقدموا مفعول من غير تقدير، وخوف التقديم لما يترتب عليه من الفقر فهما بمعنى واحد، وقوله: جمع صدقات توجيه للعدول عن صدقة، وهو أخف وأخصر فإن كان بعضهم ترك المناجاة كما هو ظاهر ا! نظم فلا مخالفة فيه للأمر كما مرّ. قوله:) بأن رخص لكم الخ) متعلق بتاب، وضمير تفعلوا لما ذكر، وهو التصدق والمناجاة، وقوله: مما قام مقام توبتهم هو الانقياد وعدم خوف الفقر، وقوله: وإذ على بابها أي ظرف لما مضى، والمعنى أنكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بإقامة الصلاة الخ. كما قاله أبو البقاء، وقيل: إنها بمعنى إذا الظرفية للمستقبل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 الشرطية كما في قوله: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [سورة غافر، الآية: 71] وتفصيله في المغني أو هي بمعنى أن الشرطية، والفرق بينها وبين إذا معروف. قوله: (فلا تفزطوا في أدائهما) في الكشاف فلا تفرطوا في الصلاة، والزكاة وسائر الطاعات وفي قوله: سائر الطاعات إشارة إلى أنّ الصلاة، والزكاة لجمعهما بين العبادة البدنية، والمالية أريد بهما جميع الطاعات، والعبادات كما مرّ، وترك المصنف رحمه الله له لأنّ قوله بعده، وأطيعوا الخ. مغن عنه، ويحتمل أن يكون تفسيراً له أيضا، وهو الظاهر قيل وهو إشارة إلى أنّ قوله: فأقيموا الخ جواب إذ لأنها بمعنى إذا أو أن، وقال: لا تفرّطوا لأنّ الإقامة توفيه حقها، وادامتها لا مجرّد إيقاعها، ولذا مدح بالإقامة فيما حث الله على توفية حقه كأقاموا الصلاة، وأقاموا التوراة والإنجيل وأقيموا الوزن وردّ بأنّ تشريكه في الكشاف بينهما، وبين سائر الطاعات، وقول المصنف رحمه الله تعالى في أدائهما بضمير التثنية يأباه إذ الإقامة مذكورة في الصلاة خاصة فتفسيره بالمنع عن التفريط إنما هو لما يلزمه من تحصيل الحاصل إذ المأمور مقيم للصلاة مؤدّ للزكاة فلذا أوّل الأمر بترك التقصير، والأدأء وقد يجاب عنه بأنه توجيه لما في النظم من العدول عن صلوا وزكوا الأخصر الأظهر بأنه أمر برعاية حقوقهما لا بأصل الفعل وبينه في الإقامة لأنه أظهر ويعلم منه الإيتاء لأنه وإن كان معناه لغة الإعطاء إلا أنه خص في القرآن بدفع الصدقة كما قاله الراغب فهو الإعطاء على وجه مقبول، وفيه نظر، وقيل: إنّ فيه إشعاراً بتسببه عن قوله: فإذ لم تفعلوا كأنه قيل فلما قصرتم في ذاك فلا تقصروا في هذا وعدم التفريط إنما أخذ من التفريع على السابق لأنّ فيه نوع تفسير وأورد عليه ما مرّ، وفيه ما فيه فتدبر، وأمّا كون التفريع على ترك الفعل لا على التقصير فيرده أنّ ترك الفعل عين التقصير فليس بشيء، وقوله: ظاهرا وباطناً مرّ تفسيره. قوله: (والوا) أي صادقوهم، واتخذوهم أولياء فوادّوهم، وهم أعداء الدين، ومته أخذ الرازي رحمه الله كراهة نكاح الكتابيات، وقوله: ما هم الخ ضمير الغيبة الأوّل للذين تولوا والثاني راجع لقوله: قوما، وفي قوله: ألم تر تلوين للخطاب بصرفه عن المؤمنين إلى الرسول وكذا في قوله: منكم فإن كان غلب فيه خطاب الرسول فلا التفات فيه وكذا إن لم يغلب لأنه ليس فيه مخالفة لمقتضى الظاهر لسبق خطابهم قبله فمن قال فيه التفات لم يصب، وقد قيل: إنه على رأي السكاكي وفيه نظر وجملة ما هم الخ. استئناف لا حال من فاعل تولوا لعدم الواو 4 وكونه بمعنى مذبذبين لا يفيد كما مرّ في الأعراف ويحلفون الخ عطف على هذه الجملة أو على تولوا، والمضارع لتعدّد الحلف فتأمّل. قوله:) وفي هذا التقييد دليل الخ) أي تقييده بقوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فيرد به مذهب النظام، والجاحظ إذ على مذهبهما لا حاجة إليه، وفيه بحث لأنه يجوز أن يراد بالكذب ما خالف اعتقادهم، وقوله: وهم يعلمون بمعنى يعلمون خلافه فيكون جملة حالية مؤكدة لا مقيدة وكون التأسيس أصلا لا يعينه. قوله: (وروي) معطوف على ما قبله بحسب المعنى كعطف القصة على القصة لا على قوله، وهو ادعاء الإسلام كما قيل، والكذب المحلوف عليه عدم شتمهم له مج! هـ، وقوله: كمن يحلف الخ لما كان حلفهم على الحال، والغموس على الماضي لم يجعلها غموساً وشبهها به، وأما قوله: عبد الفه بن نبتل فهو بفتح النون، وسكون الباء الموحدة، وبعدها تاء مثناة من فوق ولام، وهو كما في الإصابة عبد القه بن نبتل بن الحرث بن قيس إلى آخر نسبه أنصاريّ أوسيّ، وذكره ابن الكلبي والبلادري في المنافقين، وذكره أبو عبيد في الصحابة قال ابن حجر: فيحتمل أنه اطلع على أنه تاب، وأمّا الحديث المذكور هنا فقال إنه لم يقف عليه في كتب الحديث، وأمّا قوله: في القاموس عبد القه بن نبيل كأمير من المنافقين فلا أدري أهو هذا، واختلف في ضبط اسمه أو غيره. قوله: (تشتمني أنت وأصحابك) قيل فيه تغليب وليس من التغليب المعروف بل هو من قبيل: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ} [سورة البقرة، الآية: 35] وفيه كلام لا يسعه هذا المقام، وقوله: نوعا من العذاب متفاقما إشارة إلى أنّ التنوين للنوع ومتفاقما بمعنى عظيم شدّته. قوله: (فتمزنوا) أ! اتخذوه عادة، والفاء للتفسير لأنّ كان تفيد في مثله التكرار، وأنه معتاد لهم أو الفاء للتفريع إمّا باعتبار المجموع أو لأنّ التمزن وهو كونه صار جبلة لهم لا يفارقونها غير التكرار فلا وجه لما قيل من أنه لو حذفها كان أظهر وقوله، وقرئ بالكسر هي قراءة شاذة منسوبة للحسن، والعامّة قرؤ. بالفتح جمع يمين بمعنى القسم، وقوله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 الذي أظهروه لأنهم منافقون. قوله: (فصدّوا الناس) إشارة إلى أنه متعد مفعوله محذوف، وهو الناس وقوله: في خلال أمنهم الضمير إمّا للمنافقين أو للناس لأنهم إنما يأتون، وهؤلاء إنما يصدون في زمان الأمن واطمئنان المسلمين لكون النبيّ لمجت ليس مجاهدا، وقيل: إنه إشارة إلى أنّ المؤمن كسالك طريقاً لمقصوده آمنا، والتحريش الإغراء، والمراد إغراؤهم على المؤمنين لأذاهم، والتثبيط التعويق عن الدخول في الإسلام لمن أراده بتنفيره عنه، وقوله: وهذا عذاب الآخرة بقرينة، وصفه بالإهانة المقتضية للظهور فلا تكرار حينئذ، وقوله: سبق مثله يعني في سورة آل عمران، وقد سبق الكلام عليه أيضاً فمن أراده فلينظر.. قوله: (يوم يبعثهم الله الخ) تقدّم الكلام عليه، وقوله: تروج الكذب على الله بناء على جواز الكذب منهم في الآخرة وقد سبق الكلام فيه، وقوله: البالغون الخ أخذه من أن وتعريف الطرفين، واسمية الضمير المصدّر بإلا، وقوله: يحلفون عليه أي على الكذب له تعالى. قوله: (استولى عليهم) أي غلب على عقولهم بوسوسته، وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستوليا عليهم، وقوله: من حذت الإبل، وأحذتها بالذال فيهما يعني أنه في الأصل بمعنى السوق، والجمع ثم أطلق على الاستيلاء، وورد من الثلاثي، والأفعال بمعنى كما في القاموس الحوذ الحوط، والسوق السريع كالأحواذ اهـ، ومن قال فيه إنه حذتها، وحزتها على أن الأوّل بالذال، والثاني بالزاي، والاشتقاق منه أكبر لم يصب، وفي بعض النسخ حذتها، وحذتها كقلتها رخفتها إشارة إلى أنّ ثلاثيه ورد من بابين كما ذكره الزجاج، وهو أقرب إلى الصواب مما غرّه، وأوقعه فيه غلط الكتاب. قوله: (وهو) أي استحوذ مما جاء على الأصل في عدم إعلاله على القياس إذ قياسه استحاذ كما سمع فيه قليلا فجاء مخالفا للقياس كاستنوق، وأخواته وإن وافق الاستعمال المشهور فيه، ولذا لم يخل استعماله بالفصاحة كما في شروح التلخيص، وقوله: لا يذكرونه الخ. فعدم الذكر اللساني كناية عن لازمه القلبي فلا يرد عليه أنّ الذكر باللسان غير الذكر بالجنان فكيف يراد اًن بلفظ واحد مع أنّ الخطب فيه يسير، وقوله: لأنهم فوتوا الخ. يعني أنّ الحصر لأن ما عداه كلا خسر لما ذكره، وقوله: في جملة الخ يعني أنهم معدودون منهم، وهذا أبلغ من أولئك أذلون كما مرّ تحقيقه، وقوله: أذل خلق الله لأنّ تقديره أذل من كل شيء ذليل لاقتضاء مقام الذم العموم. قوله: (بالحجة) إنما قيد. به، ولم يقل وبالسيف لاطراد غلبة الحجة، وقوّتها بخلافه فإنّ الحرب سجال، ولو قدّر. لم يتخلف أبدا فيلزم الخلف هنا في خبره تعالى، وقوله: لا ينبغي أن تجدهم الخ. يعني أنّ المراد من نفي وجدانه لهؤلاء أنه لا يليق به ذلك الوجدان لأنّ المودّة والوجدان قد وقعا فلو أبقى على ظاهره لزم الكذب فيه إلا أن يراد لا تجد قوما كاملي الإيمان على هذه الحال نالنفي حينئذ باق على حقيقته، ولما كان عدم لياقة فعل الغير به مما لا وجه له أوّل هذا بأنه لا ينبغي لهم أن يوادّوهم فهو كناية عما ذكر بواسطة، وهي أبلغ أو جعل ما لا يليق كالعدم لمشاركته له في عدم الاعتداد به، وقوله: وادّين إشارة إلى أنّ المضارع لحكاية الحال الماضية، وأنه مما صدر عنهم، وثبت لا مما يثبت في المستقبل. قوله: (ولو كان المحادّون الخ) يعني ليس المراد بمن ذكر خصوصهم، وأنما المراد الأقرب مطلقاً لكه قدم الآباء لأنه يجب طاعتهم على أبنائهم، وثني بالأبناء لأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم، وثلث بالإخوان لأنهم الناصرون لهم، وختم بالعشيرة لأنّ الاعتماد عليهم. قوله: (أثبته فيها الخ الما كان الشيء يراد أوّلاً ثم يقال، ثم يكتب عبر عن المبدأ بالمنتهى للتأكيد، والمبالغة فيه، وقوله. فإنّ جزء الثابت في القلب الخ هو بديهيّ غير محتاج إلى ترتيب قياس من الشكل الثاني كما قيل. قوله: (من عند الله) فمن ابتدائية داخلة على الفاعل الموجد له إذا ابتداؤ. منه، ونور القلب ما سماه الأطباء روحا، وهو الشعاع اللطيف المتكوّن في القلب، وبه الإدراك فالروح حقيقة على هذا، وإن أريد به القرآن، وما بعد. فهو استعارة تصريحية، وقوله: فانه سبب لحياة القلب إشارة إلى أنّ الروح على هذا بمعنى الإيمان، وأنه على التجريد البديعي فمن بيانية أو ابتدائية على الخلاف فيها، وقوله: بخير الدارين من الإطلاق المفيد للعموم، وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هو موضوع اللهمّ اجعلنا ممن كتبته في حزبك المفلحين ببركة القرآن المبين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 وببركة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وصحبه أجمعين. سورة الحشر وتسمى سورة النضير لما سيأتي وهي مدنية، وآيها أربع، وعشرون بلا خلاف. بسم الله الرحمن الرحبم قوله: (روي الخ) هذا الحديث أصله في السير إلا أنه ليس بهذا اللفظ قال ابن حجر: لم يوجد مسنداً في كتب الحديث المعتبرة، وفيه مخالفة لما ثبت في الرواية كما سنبينه لك، وبنو النضير بوزن أمير قوم من يهود خيبر معروفون، وكذا بنو قريظة وهم من نسل هارون وجدّهم كان كاهناً، ولذا لقب الحيان بالكاهنين، وقيل: إنهم نزلوا في فتنة من بني إسرائيل ثمة لانتظار بعثة النبيّ في لتبشير كاهنهم به، وقوله: ظهر بمعنى غلب، وانتشر صيته، وقوله: ارتابوا أي في كونه إياه، وقوله ة نكثوا أي نقضوا صلحه، وكعب بن الأشرف رجل من بني نبهان من طيئ، وأمّه من بني النضير، وكان شاعراً أكثر من أذية المسلمين، وهجائهم والإغراء بهم، ولذا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتله، ومحالفة أبي سفيان على اتحادهم في محاربته وأضراره وأخو كعب رضاعاً ليس هو محمد بن مسلمة بفتح الميم الأنصاريّ كما توهم بل هو سلكان بن سلامة بن وقشي، وهو أحد الخمسة الذين باشروا قتله كما فصله ابن سيد الناس في سيرته، والغيلة بكسر الغين المعجمة قتل الرجل بحيلة، وخدعة يخفيها، ويظهر أنه لا يريد قتله. قوله: (ثم صيحهم بالكتائب الخ) ظاهره أنه عقب قتل كعب، وليس كذلك فإنّ قتل كعب كان قبل أحد، وهذا بعدها بأشهر على ما فصل في السير، والحيرة بكسر الحاء المهملة اسم بلدة معروفة. قوله: (في أوّل حشرهم من جزيرة العرب الخ) أي إخراجهم منها، وهو إشارة إلى أنّ اللام في قوله: لأوّل الحشر لام التوقيت كالتي في قولهم كتبته لعشر خلون، ونحوه ومآلها إلى معنى في الظرفية لكنهم لم يقولوا إنها بمعنى في إشارة إلى أنقا لم تخرح عن أصل معناها، وأنها للاختصاص لأنّ ما وقع في وقت اختص به دون غيره من الأوقات، ويل: إنها للتعليل، وقوله: من جزيرة العرب الخ. هذا قيد لبيان الواقع لا للاحتراز حتى يتوهم أنّ لهم حشراً من غيرها كحشرهم من الشام إلى أرض العرب فيعترض عليه بأنه كان باختيارهم، والأول مقابل للآخر لأنه أوّل إخراج وقع لهم في الإسلام أو لا يلزم أنّ تعتبو فيه المقابلة، وجزيرة العرب معظم ديارهم المعروفة من اليمن إلى الشام، والعراق، وسميت جزيرة لأنها بين البحر الهندي، وبحر الثأم، ودجلة والفرات، وتعيينها مذكور في تحديد البلدان، وتقويم الأقاليم. قوله: (إذ لم يصبهم هذا الخ) توجيه لكونه أوّل، وقوله: أو في أول حشرهم للقتال فالمراد بالحشر جمع أهل الكتاب للمقاتلة مع المسلمين فإنهم لم يجتمعوا له قبله، وهذا إمّا بناء على وقوع قتال منهم أو جمعهم له، وتهيؤهم لا يلزمه الوقوع فلا ينافي قوله: وقذف في قلوبهم الرعب، وما في الكشاف من أنّ المراد حشر الرسول، والمؤمنين لقتالهم لأنه أوّل قتال للمسلمين مع أهل الكتاب فوجه آخر تركه المصنف رحمه الله لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعزم على القتال، ولذا ركب حماراً مخطوما بليف لعدم المبالاة بهم فلا وجه لما قيل إنه الظاهر فتدبر. قوله: (أو الجلاء إلى الشام) هذا بناء على أنه لم يقع منهم قتال، وقيل: إنه اعتبر الأوّلية، والآخرية بالنسبة إلى منتهى الجلاء، ويمكن اعتبار مبدئه من أرض العرب، وفيه نظر، وقوله: هناك يعني بالشام فإنها أرض المحشر كما روي عن عكرمة وغيره، وفاعل يدركهم ضمير القيام. قوله: (أو في أوّل حشر الناس) فتعريف الحشر على هذا للجنس، وعلى ما قبله للعهد واعتبار خصوص المحشورين، وقوله: أو إنّ ناراً الخ هو من أشراط الساعة، وهذا بيان لآخر حشرهم فهو معطوف على قوله: إنهم يحشرون، وأوّله حينئذ حشر الناس من غير تعيين لكن المقصود به ما مرّ أيضاً فتأمّل. قوله: (إخراج جمع) سواء كان من الناس لحرب أو لا فالمشروط فيه كون. المحشور جمعا من ذوي الأرواح لا غير، وقوله: منعتهم بفتحتين مصدر أو جمع مانع كما مرّ وقوله، وظنوا الخ. أي ظنا قويا بقرينة السياق لا لأنّ أن إنما يعمل فيها ما يدل على علم أو يقين كما توهم مع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 أنه من التزام ما لا يلزم، وقوله: من بأس الله ففيه مضاف مقدر. قوله: (وتغيير النظم الخ) أي كان الظاهر أن يقال: ظنوا أنّ حصونهم مانعتهم أو تمنعهم فعبر عما ذكر لما ذكر، وهذا بناء على أنّ مانعتهم خبر مقدم وحصونهم مبتدأ مؤخر، والجملة خبر أنّ، وفيه وجوه أخر ستأتي، وقوله: للدلالة الخ يعني لما في التقديم من الاختصاص، وما في نصب ضميرهم اسماً لأنّ من التقوّى تأتي الدلالة على ما ذكر كما قيل، وفيه نظر فإن قلت كيف دل أنهم مانعتهم حصونهم على التقوّي، وليس كزيد عرف في تكرّر الإسناد قلت: تكرر الإسناد كما يكون بتكرّر المسند إليه يكون بغيره كما تحوّل ضربت زيدا لزيداً ضربت، ثم تقول زيد ضربته قال ابن جني: قدّموا المفعول لأنه المقصود فاعتنوا به، ولم يقنعوا بذلك حتى أزالوه عن الفضلة، وجعلوه رب الجملة فرفعو. بالابتداء وصيروا جملة ضربته ذيلاً له، وفضلة ملحقة به كذا قال الشارح الطيبي: وهو مخالف للمنقول، والمعقول أمّا الأوّل فلأن السكاكي، والخطيب اشترطوا فيه أن يكون فاعلا معنويا، وأما الثاني فلأنّ زيداً لم يتكرر الإسناد إليه في مثاله إلا أن يراد بالإسناد النسبة، ولم يجدي نفعاً، وما ذكره من كلام ابن جني لا يفيده أصلاً فتأمّل. قوله: (ويجورّ أن تكون حصونهم فاعلاَ لمانعتهم الاعتماده على المبتدأ وقد كان خبرا مقدماً ولم يذكر كونه مبتدأ خبره حصونهم لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة إن كانت إضافته لفظية، والا بان يقصد استمرإر المنع فلأنّ المعنى ليس عليه، وكون هذا الوجه أقوى بحسب العربية غير مسلم، وأما تقدّم الخبر المشتق على المبتدأ المحتمل للفاعلية فلا يمتنع كالفعل، وقد صرّج به النحاة، والخلاف في مثله لا يلتفت إليه وتفصيل المسألة في حواشي التسهيل. قوله: (أي عذابه الخ) ففيه مضاف مقدر على الوجهين إمّا العذاب أو النصر، ومرض الثاني لما فيه من البعد بسبب التفكيك، وعلى الأخير فالمفعول محذوف لتعديه لاثنين وقوله العذاب أو النصر لف ونشر على الوجهين، وقوله: لقوّة وثوقهم على الوجه الأوّل هو متعلق بلم يحتسبوا، ويحتمل أنه على الثاني متعلق بأتاهم فيجري عليهم فتدبر. قوله: (وأثبت فيها الخوف) أصل القذف الرمي بقوّة أو من بعيد، وأما اقتضاؤه لثبوت ما رمى فكأنه من العرف كما في قوله: لدي أسد شاكي السلاح مقذف أي رمى بحلم ثبت فيه فليس ذكر القذف مستغنى عنه والرعب الخوف الشديد لأنه يتصوّر فيه أنه ملأ القلب من قولهم رعبت الحوض إذا ملأته، وقوله: آلاتها جمع آلة، وهي الخشب والعمد وكل منهما صحيح هنا، وأما الآلة بالمعنى المعروف فغير مراد هنا. قوله: (وعطفها على أيديهم الخ) يعنى أيدي المؤمنين ليست آلة لليهود في تخريبهم لبيوتهم، وإنما الآلة أيديهم أنفسهم لكن لما كان تخريب أيدي المؤمنين بسبب أمر اليهود كان التخريب بأيدي المؤمنين كأنه صادر عنهم فقوله: يخربون حينئذ إما من الجمع بين الحقيقة، والمجاز أو من عموم المجاز كما لا يخفى، وقوله: نكاية أي فعل المؤمنين لأجل النكاية، وهي فعل ما يغيظهم أشدّ الغيظ، وقوله: عن بغضهم الضمير لليهود أي صادر عن عداوتهم للمؤمنين. قوله: (أو تفسير للرعب) فالجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب، وعلى الحالية من ضمير قلوبهم هي في محل نصب، ويجوز أن تكون مستأنفة جواباً عن سؤال تقديره فما حالهم بعد الرعب أو معه، والتفسير باذء، ء الاتحاد لأنّ ما فعلوه يدل على رعبهم إذ لولا خوفهم ما خرّبوها فلا غبار عليه كما يتوهم، وقوله: التكثير في الفعل أو المفعول، ويجوز أن يكون في الفاعل، وقوله: التعطيل الخ فهو ما يكون بعد الهدم فيكون الإخراب أثر التخريب. قوله: (فلا تغدروا) كما غدر بنو النضير، ولا تعتمدوا على غير الله كما اعتمد هؤلاء على حصونهم إشارة لوجه تفرّعه على ما قبله، وقوله: استدل به المستدل به أكثر أهل الأصول كما هو مسطور فيها حيث قالوا: إنا مكلفون بالقياس سمعا لهذه الآية فإنا أمرنا بالاعتبار، والاعتبار ردّ الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه، ولذا سمي الأصل الذي تردّ إليه النظائر عبرة، وهذا يشمل الاتعاظ، والقياس العقلي والشرعي، وسوق الآية للاتعاظ فتدل عليه عبارة وعلى القياس إشارة فلا ينافي كونه دليلاَ على حجية القياس قوله: فاتعظوا، واليه أشار بقوله: من حيث إنه الخ، وفي التعبير بالمجاوزة إشارة إلى أنّ الاعتبار من العبور والحال الأولى هي حال الشيء الذي صار عبرة كحال بني النضير في غدرهم، واعتمادهم على غير الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 الصائرة سبباً لتخريب بلدانهم، ومفارقة أوطانهم فيتجاوز من هذه الحال إلى حال أخرى وهي حال المعتبر المتعظ إذا غدر فإنها تفضي به إلى نية ما أفضت الحال الأولى، وقوله: وحملها بالجرّ معطوف على المجاوزة والضمير لحال الثانية، وقوله: عليها الضمير لحال الأولى، وقوله: في حكم هو العقاب المترتب على الغدر، وقوله: من المشاركة أي في جنس النوعين، وضمير له للحكم المذكور، والمراد بالكتب الأصولية المنهاج ومتعلقاته. قوله تعالى: ( {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ} الخ) أن مصدرية لا مخففة، واسمها ضمير شان كما توهم، وقد صرّح به الرضي، وقوله: في الكشاف إنه كتب الخ تصوير للمعنى، وهو الذي غر من قال بعدم المصدرية هنا وقوله: استئناف لم يجعلها حالية لأنها تحتاج للتأويل لعدم المقارنة، وقوله: حاق بهم أي نزل بهم وهو الجلاء والتخريب، وما هو معد لهم عذاب الآخرة. قوله: (من نخلة) فهي أي اللينة بمعنى النخلة مطلقاً وهو أحد الأقوال فيها، وقيل الفحل منها، وقيل: ما عدا العجوة والبرنية، وهما أجوده، وقيل: أجوده مطلقاً ومعناه النخلة الكريمة، وقطع الكريمة لغيظهم، وقطع غيرها لإبقاء الأحسن للمسلمين، ولذا جعل القطع، والترك جاريا على وفق مراد الله، وقد صرّح به في الأثر، وقوله: وجمعها أليان، وفي نسخة ليان فعال، وعليه قوله: وسالفة كسحوق الليان أضرّم فيه القوي السعر وفي أخرى لين كما في الكشاف. قوله: (الضمير لما) وهي اسم شرط هنا كما صرّح به المعربون كما أشار إليه المصنف فأيّ في كلامه شرطية لا موصولة كما قيل، ولذا قدر الزمخشريّ فقطعها لإذن الله ليكون الجواب جملة، وقوله: وقرى أصلها يعني بضمتين، وأصله أصولها أو هو كرهن بضمتين من غير حذف وتخفيف، وقوله: فبأمره فالإذن مجاز عن الأمر، وقد يجعل مجازا عن الإرادة، والمشيئة كما مر، والمراد بأمر الله ظاهره أو أمر الرسول بأمر الله. قوله: (أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع) تقدم الكلام في أمثاله، وأنه يقدر له متعلق معلل معطوف على ما قبله أو يحذف علة ما قبله ويعطف هذا عليه فالتقدير ما ذكره أو فب! ذن الله ليعز المؤمنين وينصرهم، ويجوز أن يعطف على قوله بإذن الله إذ تعطف العلة على السبب كما ذهب إليه الزمخشري في قوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 66 ا] فلا حاجة إلى الحذف فيه كما مر ومفعول فعلتم مقدّر بقرينة ما بعده أي فعلتم القطع أو يجعل عاما أي كل ما فعلتم، وتخصيص الأذن بالقطع لأنّ الإخزاء فيه أظهر، وقوله: بإذن الله متعلق بكلا الفعلين من القطع، والترك لا بالقطع وحده كما في الكشاف قال في الانتصاف الظاهر أن الأذن عامّ في القطع، والترك لأنه جواب الثرط المضمن لهما جميعا ويكون التعليل بإخزاء الفا- سقيبن لهما جميعا فإنّ القطع يخزيهم بذهابها، والترك يخزيهم ببقائها للمسلمين. قوله: (على فسقهم) لأنّ التعليق بالمشتق يقتضي أنّ مأخذ الاشتقاق عله للحكم كما تقرّر في الأصول، وقوله: ليخزيهم إشارة إلى أنه من وضع الظاهر موضع المضمر لما ذكر، وقوله: واستدل به ال! خ أي استدل الفقهاء بهذه الآية، وهذه القصة، وفيه تفصيل في كتب الفقه، والحاصل أنه إن علم بقاؤها في يد أهل الحرب فالتخريب والتحرلق أولى، والا فالإبقاء أولى ما لم يتضمن مصلحة. قوله: (فما بال قطع النخل وتحريقيا) لم يتعرّض في النظم للتحريق لأنه في معنى القطع فاكتفى به عنه، وأما التعرض للترك مع أنه ليس بفساد فلتقرير عدم كون القطع. فسادا لنظمه في سلك ما ليس بفساد إيذانا بتساويهما قي عدم الإفساد، ومن لم يقف على ما فيه من المزية قال الترك يصدق ببقائها مغروسة أو مقطوعة، ولذا قال قائمة، ولم يدر أن العطف بأو يأباه، ولما ذكرناه من نكتة التعرض للترك قدره الزمخشريّ فقطعها بإذن الله فخصى القطع بالذكر مع وجوب كون المحذوف صن الجزاء عبارة عن القطع، والترك كليهما لتضمن الشرط لهما للإشعار بأنه المقصود بالييان والتعرّض للترك إنما هو لنكتة سنية تناسب المقام ذهبت على من قال ما قال، وماذا بعد الحق، إلا الضلال. قنوله: (وما أعاده عليه الخ) فالفيء، والغيئة الرجوع إلى حالة محمودة قاله تعالى: {فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [سورة الحجرات، الآية: 9] ومنه فاء الظل، والفيء لا يقال إلا للراجع منه، وقيل: للغنيمة التي لا يلحقها مشقة فيء قال بعضهم تشبيهاً له بالظل لأنه عرضى زائل قاله الراغب، والمصنف أشار بقوله: أعاده الخ إلى أنه إمّا بمعنى الصيرورة أو بمعنى الرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 لما ذكره، وهو معنى آخر غير ما ذكره الراغب، وأشاو بقوله، وما أعاده إلى أت ما موصولة، ويجوز كونها شرطية فما أوجفتم الخ خبر أو جواب وردّه معطوف على صيره، وتعديته بعلى لما فيه من معنى الردّ أو إبقاء له على أصله فلا تكلف فيه عليهما كما قيل. قوله: (فهو جدير بأن يكون للمطيعين) ظاهره أنه غير مخصوص به صلى الله عليه وسلم كما قيل، ومن خصه به قال هو رأس المطيعين فهو أحق به فتأمّل. قوله: (او من الكفرة الخ) المراد مطلق الكفرة يعني بني النضير، وغيرهم أو المراد ما عدا بني النضير بناء على أنّ أموالهم كانت صفيا خالصاً له صلى الله عليه وسلم من غير تخميس لكنه يتصرف فيها ما يشاء، وما عداها يخمس، وقيل: إنّ الغنائم كانت محرّمة على الأمم قبلنا ثم أحلت للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة، ثم نسخ ذلك بالتخميس، وفي الأحاديث الصحيحة ما يؤيده، ومن في قوله من خيل مقحمة صلة هنا، وقوله: فما أجريتم الخ. فالمراد ما حصل بلا قتال وقوله: كما غلب الراكب الخ. فلا يقال: راكب لمن كان على فرس أو حمار، ونحوه بل يقال: فارس، ونحوه وهذا باعتبار الأكثر الفصيح، وهو عام لغير. وضعاً. قوله: (وذلك) أي عدم أعمال الخيل، والركاب لأنها كانت قريبة جدّاً من المدينة، ولم يقع فيها من القتال إلا شيء يسير لم يعتدى به فجعل هو، والمحاصرة كالعدم، وقوله: ولذلك أي لقربها من المدينة، وعدم القتال الشديد فيها لم يعط الأنصار لأنهم أهل المدينة في الحقيقة فلا مشقة عليهم في ذلك أصلاً، وأمّا المهاجرون فلكونهم غرباء نزلت غربتهم منزلة السفر، والجهاد. قوله: (إلا ثلانة كانت بهم حاجة (أي كانوا فقراء فيهم احتياح شديد فخصهم بما أعطاهم، والثلاثة كما في الكشاف أبو دجانة سماك وسهل بن حنيف، والحرث بن الصمة، والذي في السير كما في سيرة ابن سيد الناس أنهما اثنان بدون ذكر الحرث، وأنه أعطى سعد بن معاذ سيفاً لابن أبي الحقيق كان له ذكر عندهم. قوله: (بقذف الرعب في قلوبهم) خصه لأنّ ذكره عقب كونه ليس بأعمال المراكب، والقتال اقتضى ذلك، وقوله: بالوسايط الظاهرة كالجنود والقتال، وغير الظاهرة كالرعب، وقوله: بيان للأوّل أي لقوله: {مِمَّا أَفَاء اللَّهُ} السابق، ولكونه بيانا له لم يعطف عليه لثذة الاتصال بينهما كما تقرّر في المعاني فلا حاجة إلى جعله معطوفا عليه بترك العاطف كما قيل لأنه مخالف للقياس لا يرتكب مثله من غير ضرورة داعية له. قوله: (لظاهر الآية) التي نحن فيها إذ ذكر فيها ستة وصرفه سهم الله لما ذكر لشذة اختصاصها بالله، وصرفها إلى العساكر هو الأصح عند الشافعية، وقوله: والآن على الخلاف المذكور يعني في التخميس كما ذكره المصنف آنفاً، وفي نسخة على خلاف المذكور يعني أخيرا لأنه للغزاة، والعساكر. قوله: (أي الفيء) فالضمير راجع على مصدر ما أفاء، وقوله: حقه أن يكون للفقراء مأخوذ من السياق، وتعليل التقسيم بنفي دولة الأغنياء، وقوله: ويدور الخ تفسير لقوله يتداوله الأغنياء، وقوله: كما كان في الجاهلية من أخذ الرؤساء، والأغنياء الغنائم دون الفقراء، وهو معمول ليتداول أو يدور أو ليكون في النظم، وق! وله: وقرئ دولة أي بالفتح، وقوله: ذا تداول لأنه مصدر ومثله يقدر فيه المضاف إن لم يتجوّز فيه ولم يقصد المبالغة. قوله: (أو أخذه غلبة تكون بينهم) تفسير آخر للدولة معطوف على قوله: ما يتداوله فالدولة إما الأموال الدائرة بينهم أو أخذة القهر والغلبة، وقوله: أي كيلا يقع دولة جاهلية تفسير لقوله: بين الأغنياء منكم كما مر. قوله: (وما أعطاكم من الفيء) فآني بالمد بمعنى أعطى، والمراد ما أعطى من الفيء لأنّ المقام يعينه، ويخصه به وقال الراغب الإيتاء مخصوص بدفع الصدقة في القرآن، ولذا قدمه المصنف فليس ما بعده أولى كما توهم، وقوله: أو من الأمر واحد الأمور فيعم الفيء، وغيره أو الأوامر لمقابلة قوله، وما نهاكم له لكن الأوّل أقرب لأنه لا يقال أعطاه الأمر بمعنى أمره إلا بتكلف كما لا يخفى إلا أنّ ما بعده من قوله: واجب الإطاعة يقتضي أنّ الثاني هو المراد. قوله: (لأنه حلال لكم الف، ونشر مرتب فهذا على أنّ المراد بما آتاهم الفيء، وقوله: فتمسكوا به على أنّ المراد الأمر، وكذا قوله عن أخذه الخ، والعجب ممن ذكر هذا هنا مع تفسير الأمر بما مر فلا يخفى ما فيه من التخليط. قوله: (بدل من لذي القربى الخ الا من الجميع فإنّ الرسول لا يسمى فقيرا، وقوله: {وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بعده يأبى دخوله فيهم أيضاً إباء ظاهراً، وما اشتهر من قوله صلى الله عليه وسلم: " لفقر فخري " (11 لا أصل له، وكيف يتوهم مثله-، والدنيا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 كلها لا تساوي جناج بعوضه عند الله وهو أحب خلقه إليه حتى قال بعض العارفين: ولا يقال له صلى الله عليه وسلم زاهد لأنه تارك الدنيا، وهو لا يتوج! هـ إبحا! فضلاً عن طلبها اللازم لمحلترك فعليك بإمعان النظر في علوّ فقامه صلى الله عليه وسلم، وما خصه الله به من إكرامه. قوله: (ومن أعطى- أغنياء ذوي القربى) كالشافعي وقوله: خصص الأبدال الخ لأنهم لا يشترط فيهم الفقر عنده أو يخص؟ الفيء المذكور! نا بفيء بني النضير، وهو لم يعط الأغنياء منه مطلقاً وأبو حنيفة اشترط الفقر في ذوي القربى فجعله بدلاً منه وتفصيله في الأصول- وكتب الفزوع، وشروح الكشاف مخانظبره، وقوله: وأخذوا أمبرالهم إشارة إلى أنّ قوله، وأموالهم كقوله: {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [سورة الحشر، الآية: 9] وقوله: مقيدة لإخراجهم إشارة إلى أنه حال من نائب الفاعل، وما يوجب تفخيم شأنهم لأنّ مفارقة الديار، والأموال تقتضي الحزن، واليأس، وهذا يقتضي توكلهم التام، والرضا بما قدره الله. قوله: (الذين ظهر صدقهم الخ) تصحيح للحصر الذي يدل عليه توسط الفصل، وتعريف الخبر بأنّ المراد من ظهر صدقهم في إيمانهم لأنّ ابتغاء الفضل، والرضوان مع الإخراج من الأموال، والأوطان مما يظهر إيمانهم ظهوراً ليس لغيرهم ممن صدق، وآمن. قوله: (عطف على المهاجرين) لاشتراكهم في أنهم يعطون من الفيء لفقرهم،. واستحقاقهم، وقوله: والمراد بهم أي بالذين تبوّؤوا، وقوله: لزموا المدينة الخ إشارة إلى أنّ التبوّأ الترك في المكان، ومنه المباءة للمنزل فنسبه إلى الإيمان لأنه مجاز مرسل لاهتعماله في لازم معناه، وهو اللزوم والتمكن فيهما فالمعنى لزموا الدار، والإيمان، وتمكنوا فيهما، ولو قال أو تمكنوا فيهما كان وجها آخر على تنزيلى الإيمان منزلة المكان الذي يتمكن فيه على أنه استعارة بالكناية، ويثبت له التبوّأ على طريق التخييل ولفظ التمكن لأخذه من المكان أنسب حينئذ وفيه تورية ولطف هنا. قوله: (وقيل المعنى الخ) مرضه لما فيه من التكلف مع أنّ دار الهجرة، ودار الإيمان متحدة حينئذ، وفي تعويض اللام تكلف آخر يغني عنه كون التعريف للعهد، وقوله: وأخلصوا الإيمان بأن يقدر للثاني عامل معطوف على عامل الأوّل، وهو أحد الوجو. المذكورة في أمثاله. قوله: (وقيل سمي المدينة بالإيمان) مجازا مرسلا لإطلاق اسم الحال على محله أو تسمية محل ظهور الشيء باسمه، وهما متقاربان، والوجوه أربعة لأنه إما بالتقدير أو بدونه، والإيمان إما على حقيقته أو مجاز.، ولو نظرت إلى التبوّي زادت الوجوه، والتفصيل في شروح الكشاف، ولا حاجة إلى توسيع دائرته إذ يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق منها، وقول الطيبي طيب الله ثراه أنهم تمكنوا من الإيمان تمكن المالك في ملكه بلا منازع، وقد كان المهاجرون بتقية الخوف لم يوجد لهم ذلك التمكن حتى استقروا في دار الهجرة قيل عليه إنّ خوفهم من المشركين على أنفسهم وهو لا ينافي تمكنهم في الإيمان، وقد كان محققا معه فإما أن يبني على دخول العمل في الإيمان كما مر أو يقال التمكن يكون بالقدرة على التصرف في توابعه، وروادفه ولم يكن قبل الهجرة، ولا يخفى أنه غير وارد لأنه مناد على أنّ التمكن عدم المنازع والمعارض لمن أظهره، وهو أمر آخر غير ما فهمه المعترض فتدبر. قوله: (لأنها مظهرة ومصيره) كونها مظهر الإيمان ظاهر، وأما كونها مصيره أي محل رجوعه فلما ورد في الحديث أن الإيمان في آخر الزمان يرجع إلى المدينة، ويستقرّ فيها، وقد ورد أن الدجال لا يدخلها " وأن الإلمان يأرز إليها كما تأرز الحية إلى حجرها) . قوله: (من قبل هجرة المهاجرين الما كان ظاهر النظم أن الأنصار سبقوا المهاجرين إلى الإيمان، والأمر بالعكس أوّلوه بوجهين الأوّل أنه بتقدير مضاف فيه كما ذكره المصنف ولا شك أنّ تمكن الأنصار في الإيمان، والمدينة كان قبل هجرة المهاجرين، ولا يلزم من سبق إيمانهم على هجرتهم سبق إيمانهم على إيمانهم، والثاني أنّ فيه تقديماً، وتأخيرا والتقدير تبوّؤوا الدار من فبلهم، والإيمان ومرضه لأنّ القلب خلاف الظاهر وليس بمقبول ما لم يتضمن نكتة سرية، وهذا ليس كذلك، وأنما يحتاج إلى أحد هذين التأويلين في الوجه الأوّل، والثالث دون الثاني والرابع وإما أنه يكفي في تقدم المجموع تقدّم بعض أجزائه فغير مسلم، ولو قيل سبقوهم للتمكن في الدار، والإيمان لأنهم لم ينازعوا فيه لما أظهروه كان وجها تاماً من غير تقدير، ولا تقديم ولا تأخير. قوله: (ولا يثقل عليهم الخ) يعني أنّ المراد بمحبة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 المهاجرين هنا مواساتهم، وعدم الاستثقال، والتبرم منهم إذا احتاجوا إليهم فالمحبة كناية عما ذكر كما قيل: يا أخي واللبيب إن خان دهر يستبين العدوممن يحب قوله: (في أنفسهم) يعني المراد بالوجدان الوجود في الذهن، والتصور بأن لا يكون ذلك في أنفسهم لأنها المدركة في الحقيقة فالصدور لكونها مقر القلوب التي بها الإدراك جعل ما في العقل، والإدراك في الصدور مجازاً. قوله: (ما تحمل عليه الحاجة) فالحاجة هنا مجاز عما يتسبب عنها مما ذكر، وقيل: إنه كناية حيث أطلق لفظ الحاجة على الغليظ، والحسد والحزازة لأنّ هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة فأطلق اسم اللازم على الملزوم على سبيل الكناية، وقد قدّمناه أولى من هذا، وفي الكشاف لا يجدون لا يعلمون في أنفسهم حاجة مما أوتوا أي طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء، وغيره والمحتاج إليه يسمى حاجة اهـ فسر الحاجة بالمحتاج إليه، وبينه شيوع الاستعمال، وجعل من بيانية أو تبعيضية، وهي على ما ذكره المصنف تعليلية وأضمر الطلب، والحاصل لا يعلمون في أنفسهم طلب ما أوتي المهاجرون مما يحتاج إليه الأنصار لأنّ الواجدان في النفس إدراك علمي، وفيه من المبالغة ما ليس في يعلمون، وفي حذف الطلب فائدة جليلة كأنهم لم يتصوّروا ذلك، ولا مرّ في خاطرهم أنّ ذلك محتاج إليه حتى تطمح النفس إليه كذا حققه المدقق في الكشف ولكل وجهة وما قيل إنّ مسلك المصنف أولى منه فيه نظر إذ ما ذصب إليه الزمخشري ليس فيه إلا تقدير مضاف، وهو أبلغ وأنسب بالمقام، وأوفق لسبب النزول فالمراد بالطلب طلب ما يشق عليهم والحزازة بمعجمتين بعد الحاء المهملة المفتوحة أصله مرض في القلب، ويكنى به عما يضمره الإنسان من الغيظ، والعداوة وهو المراد والحسد معروف، وهو تمني زوال النعمة، والغبطة تمني مثلها من غير أن تزول وقد يكون مذموماً، وقوله: نزل عن واحدة الخ أي طلقها ليتزوّجها الآخر، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينهم فكان لكل واحد من المهاجرين أخ من الأنصار كما قال ابن الفارض: نسب أقرب لي من أبوي رضي الله عنهم أجمعين، ونفعنا ببركاتهم آمين. قوله: (من خصائص! البناء الخ) يعني أصله الخروق في البناء فكني به عن الاحتياج ثم صار حقيقة فيه، وقوله تعالى: {وَمَن يُوقَ} الخ أفرد أوّلاً ثم جمع رعاية للفظ من، ومعناها، وإيماء إلى قلتهم في الواقع عدداً وكثرتهم معنى: فالناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا قوله: (هم الذين هاجروا الخ) فالمراد مجيئهم، إلى المدينة بعد مدة، والمجيء حسي، وقوله: أو التابعون ليس المراد به مصطلح المحدثين، وهو من لقي الصحابي بل معناه اللغوي، وهو من جاء بعد الصحابة مطلقاً كما صرّح به بقوله: {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} الخ فالمجيء إما إلى الوجود أو إلى الإيمان، وجملة يقولون حالية، والمراد بدعاء اللاحق للسابق، والخلف للسلف إنهم متبعون لهم أو هو تعليم لهم بأن يدعوا لمن قبلهم، ويذكروهم بالخير، وقوله: فحقيق الخ. بيان لارتباطه بما ذيله أتم ارتباط، وقوله: لإخواننا الخ كأنه لم يؤخره عن قوله: للذين آمنوا لأنه تفسير له، ولم يقدمه على قوله، ولا تجعل إيماء إلى أنّ الدعاء للإخوان السابق ذكرهم من غير حاجة إلى قوله: للذين آمنوا وإن وضع فيه الظاهر موضع المضمر لمدحهم بصفة الإيمان، وبيان لمقتضى الأخوّة فتأمّل. قوله: (أو الصداقة الخ) الأوّل على أنّ الأخوّة أخوّة دين، واعتقاد، وهو مستعار من أخوّة النسب، والثاني على أنه بمعنى الصداقة لأنّ الأخ في النسب يجمع على أخوة، وفي الص! داقة على إخوان في الأكثر. قوله: (في قتالكم أو خذلائكم) تفسير لقوله فيكم لأنّ المراد في شانهم، وما يتفق منه، وعدم إطاعة الرسول، والمؤمنين مخالفة أمرهم، ونهيهم وأمرهم بالقتال، ونهيهم عن نصرهم، وهو الخذلان، وقد ذكر. المصنف تبعاً للزمخشريّ بعد قوله: لا نطيع فيكم، وهو في محله ومحز.، ولا سهو فيه كما توهم، وليس محله بعد قوله: لننصرنكم، وليس المعنى لا نطيع في ترك موافقتكم في الخروح معكم فإنه زائد بعد قوله: لنخرجن معكم فلا وجه لتكثير السواد بمثله. قوله: (قإنّ ابن أبئ) يعني ابن سلول رأس المنافقين، وقوله: وفيه دليل الخ لما فيه من الأخبار بالغيب، وهو من أدلة النبوّة وأحد وجوه الإعجاز أيضاً، وهذا بناء على أنّ السورة نزلت قبل وقعة بني النضير، وكلام أهل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 الحديث والسير يدل على خلافه، وإن قيل: إنّ النظم دال عليه وفيه نظر. قوله: (على الفرض والتقدير) كما هو مقتضى أن الشرطية، ولولاه نافي قوله: لا ينصرونهم قبله، وقوله: أو نفاقهم هذا على أن الضميرين للمنافقين وعلى ما قبله هو لليهود، وقوله: ضمير الفعلين يعني الضمير الظاهر في قوله: يولن وينصرون، وكونه مستترا سهو غير مستتر، وقوله: مصدو الخ لأنّ المؤمنين مرهوب منهم لا راهبون. قوله: (فإنهم كانوا يضمرون الخ) فسكونها في الصدور كناية عن الإضمار، وقوله: على ما يظهرونه لا أنه فإنّ كونه أشد من رهبة الله يقتضي أن في نفوسهم رهبة من الله فأشار إلى أنه بناء على ما يظهرونه لا أنه كذلك في نفس الأمر، ولو أبقى على ظاهره وحقيقته لم يمنع منه مانع- قوله: (فإن استبطان رهبتكم (أي إخفاء الخوف منكم سبب لإظهار الخوف من الله، والإسلام وهو بيان لوجه الأشدية، وقوله: حتى يخشونه رفعه لوقوعه بعد النفي، ويجوز نصبه كما وقع في عبارة الزمخشري، وكلاهما مذهب مشهور للنحاة، وقوله: بالدروب جمع درب بالدالى المهملة وهو الباب الكبير معرّب در كما قيل، والخنادق جمع خندق، وهو معرب أيضاً، ومعناه معروف وقراءة أبي عمرو جدار بإقامة المفرد مقام الجمع لقصد الجنس أو لأنّ المراد السور الجامع للجدر، والحيطان. قوله:) وليس ذلك الخ (هذا هو بعينه ما في الكشاف مع زيادة، ولا مغايرة بينهما كما توهم، وقوله: إذا حارب الخ إيماء إلى أنّ بينهم متعلق بشديد قدم للحصر، وعبارته في الكشاف يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس، والشذة لأنّ الشجاع يجبن، والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله عتتن انتهى فلا غبار عليه. قوله: (مجتمعين الم يجعله مؤكداً لعدم صحته هنا، وقوله: لاختلاف عقائدهم الخ لأنّ طرق الضلال متسعة، وطريق الهدى واحد مستقيم كما مرّ تحقيقه في قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 153] وقوله: يوهن قواهم أي يضعف قوّتهم المركوزة فيهم بحسب الخلقة. قوله: (أو بني قينقاع (بفتح القاف وتثليث النون، وهم شعب من اليهود الذين كانوا حوالى المدينة، وايقاع النبيّ صلى الله عليه وسلم بهم واجلاؤهم لأذرعات مشهور في السير، وقوله: إن صح الخ قال ابن سيد الناس غزوة بني قينقاع كانت يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة في شوّال، وغزوة بني النضير كانت على رأس خمسة أشهر أو ستة وثلاثين من وقعة أحد وأحد كانت على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة، ولم يحك غير هذا فيها فتكون قبل النضير بلا كلام فقوله: إن صح ليس بظاهر، وقوله: في زمان قريب فنصبه على الظرفية. قوله: (وانتصابه بمثل الخ) يعني انّ العامل في الظرف أعني قريبا، والناصب له لفظ مثل، ولا يخفى ركاكته فإنه إن قصد أنّ فيه مضافا مقدرا عمل المضاف إليه لقيامه مقامه كما قيل فلا يخفى أنّ المعنى ليس عليه لأنه قصد تشبيه المثل بالمثل أي الصفة الغريبة بمثلها لا بالوجود، وكونه لا يجب إضافة المثل، ودخول الكاف على المشبه به وكونه من إضافة الصفة لموصوفها أي المثل الموجود لا يدفع الركاكة، وإن صححه فإن أريد أنّ العامل التشبيه أو متعلق الكاف لأنه يدل على وجوده كانت العبارة نائية عنه، وقيل: عامله ذاقوا وعلى الأوّل فقوله: ذاقوا الخ مبين للمثل وهو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب. قوله: (أو المهلكين الخ (ينبغي على هذا أن ينتصب قريباً بذاقوا لئلا يفسد المعنى فما ذكره المصنف على الرأجح عنده، وقوله: سوء عاقبة كفرهم الخ سوء العاقبة هو معنى الوبال، والكفر معنى الأمر، وكونه في الدنيا مأخوذ من السياق ومما بعده، وقوله: كمثل الأوّل خبر مبتدأ تقديره مثلهم كمثل الذين الخ وقوله: كمثل الشيطان الخ بدل من قوله: كمثل أولاً لأنه مبين له فهو المقصود أو خبر آخر للمبتدأ المقدر الذي هو مثلهم على أنّ الضمير لليهود والنصارى جميعا، وكلام المصنف لا يوافقه فعليه ينبغي اًن يقدر لكل منهما مبتدأ على حده على أنّ الضمير المضاف إليه مثلهم الأول لليهود، والثاني للمنافقين، ولا يكون كما قيل بدلاً، والضمير في مثلهم المقدر في المثلين للطائفتين، ولا يأباه كلام المصنف لأن المراد مثل اليهود مع المنافقين لأنه كلام مختل، وليس البدل فيه واحدا من أقسام الأبدال المذكورة في النحو. قوله: (أغراه على الكفر الخ) فهو تمثيل، واستعارة وقوله: تبرأ عنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 لو ذكره بعد قوله: إني أخاف الله الخ كان أحسن، وقوله: وقيل أبو جهل فقوله: له اكفر أوّلاً أو الآن، ولا حاجة لتأويله بدم على الكفر لأنه تمثيل كما مرّ، وعلى هذا فمثلهم أولاً المراد منه أهل بدر هنا، ومثل الشيطان شيطان بدر أيضاً فتناسبا أشد التناسب، وقوله: وقيل: راهب حمله أي الشيطان على الفجور أي الزنا بامرأة وهو إشارة إلى قصة برصيصا الراهب، وهي مذكورة تفصيلاً في الإسرائيليات، ومشهورة في القصص. قوله: (وفي النار لغو) على هذه القراءة متعلق بقوله: خالدان وقدم للاختصاص، وقوله: فيها تأكيد له وأعاده بضميره كما مرّ في ففي الجنة خالدين فيها أو قوله: خالدان فيها خبر ثان. قوله: (سماه به لدنوّه) دنو الغد من أمسه فهو استعارة مصرّحة، وكذا ما بعده لكن وجه الشبه فيه مختلف لأنه على التشبيه به لأنه يعقبه ويكون فيه أحوال غير الأحوال السابقة كما في المثل إنّ مع اليوم غدا، وقوله: للتعظيم لما فيه من الشدائد والأهوال، والمراد بالاستقلال عد. قليلاً فالتنوين للتقليل فيه كما ستراه. قوله: (كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك) فتنوينه للتقليل حتى كان الناظر نفس واحدة قال في الكشف وفيه حث عظيم على النظر، وتعيير بالترك وبأنّ الغفلة قد عصت الكل فلا أحد خلص منها، ومته ظهر أنّ جعله من قبيل علمت نفس ما أحضرت غير مطابق للمقام فهو كما في الحديث: " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة) (11 لأنّ الأمر بالنظر، وإن عئم لكن المؤتمر الناظر أقل من القليل، والمقصود بالتقليل هو هذا لأنّ المأمور لا ينظر إليه ما لم يأتمر فما قيل الأمر بالنظر يعتم الكل، وهو مقصود في المقام فجعله من قبيله أوجه، وأصح ليس بصحيح فضلاَ عن كونه أصح، وقوله: فلتنظر بالفاء مع أنّ ما في النظم بالواو قيل إنه إشارة إلى ترتبه على ما قبله، وانه ترك ما في النظم تعويلاً على فهم السامع، واعتمادا على أقوى الدليلين. قوله: (لأنه مقرون بالعمل) الدال عليه ما قدمت بخلاف ما قرن به الثاني مما جرى مجرى الوعيد، وهو قوله إنّ الله خبير الخ ولذا قال في الكشف إنّ هذا أرجح لفضل التأسيس على التأكيد، وفي ورودهما مطلقين فخامة ظاهرة وأمّا كون التقوى كما مرّ شاملة لترك ما يؤثم، وفعل ما يلزم فلا وجه للتوزيع، والتأكيد أقوى، وأنسب بالمقام فغير مسلم خصوصاً، وما قدم المتبادر منه أعمال الخير، وقد اعترف به هذا القائل فكيف يزعم أنّ العموم فيه مقتضى المقام. قوله: (الكاملون في الفسق) توجيه للحصر كما تقدم أمثاله، وقوله: الذين استكملوا نفوسهم أي صيروها كاملة بالإيمان فاستحقوا بذلك الجنة، واستمهنوها أي صيروها ذليلة ممتهنة بالكفر، والعصيان حتى استحقوا العذاب، والعقاب، وفيه إشارة إلى أنّ الاستواء المنفي شامل للدّنيا، والا* خرة لا مخصوص بالآخرة كما في الكشاف، وهو توطئة لاستدلال الشافعية به على أنه لا يقتل المسلم بالكافر كما ستسمعه. قوله: (واحتج به أصحابنا الخ الأنه نفي الاستواء بينهم مطلقاً فيقتضي أن لا تتساوى دماؤهم، وقد ردّ بأنّ المراد نفي الاستواء في أحكام الآخرة بدليل أنه قال أصحاب الجنة والنار دون أصحاب التقوى، والعصيان والقصاص مبنيّ على التساوي في العصمة، وحقن الدماء، وهي موجودة لأنّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وفيه كلام في الفروع والأصول، وهل يعم لا يستوي جميع الأحكام أم لا فيه كلام مفصل في الكتب الأصولية. قوله: (تمثيل وتخييل الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية تخييلية كما مرّ تفصيله، والردّ على من قال إنه ليس تمثيلاً مصطلحاً، والمعنى أنّ الجبال لو ركب فيها العقول، وخوطبت بهذا الكلام لخضعت لمهابة قائله وتهدمت من خشيته، وقوله: ولذلك إشارة إلى كونه تمثيلاَ وتخييلاً وكذا قوله: فإنّ الإشارة الخ. تعليل له فالإشارة بقوله: تلك إلى قوله: لو أنزلنا الخ، ولما كان مثلاً واحداً قال: والى أمثاله ليتضح الأخبار بالجمع عنه ففيه تقدير أي ونوع تلك أو المراد تلك وأشباهها ووجه التعليل أنّ الأمثال في الأغلب تمثيلات متخيلة كما مرّ تحقيقه فإن أردته فارجع إليه ووجه التوبيخ فيه ظاهر. قوله: (ما غاب عن الحس الخ) تفسير للغيب بمعنى الغائب وقوله: من الجواهر بيان لما والمراد بالجواهر هنا المجرّدات، ولذا قابله بالإجرام، وهي المجسمات، وتقدمه على هذا بحسب الوجود ظاهر، وقوله: وتعلق العلم بالجرّ معطوف على الوجود فإنّ علمه تعالى قديم، وتعلقه بالموجود حين وجوده لأنه نسبة تتوقف على وجود الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 الطرفين فإذا تقدم وجوده لزم تعلق علمه به أيضاً، وهما هنا وقعا مفعولين ومتعلقين للعلم فتقديمه هنا لتقدّم وجوده، وتقدّم تعلق العامل به فهو وجه آخر لا يغني عنه ما عطف عليه، وقوله: أو المعدوم فالغيب ما غاب عن الحس أيضا لغيبته عن الوجود، وتقديمه ظاهر مما قبله. قوله: (أو السرّ والعلانية) فتقديمه لأنه أهئم وأقدم أيضا، وتعلق العلم به أسبق، وله نكتة خاصة به هنا وهي بيان سعة علمه، وأنه يستوي عنده السرّ والعلانية. قوله: (البليغ في النزاهة الخ النزاهة مدلول مادته لأنّ التقدس التنزه، والتطهر، والصون عما لا يليق والبلاغة من الصيغة فإنها صيغة مبالغة، والقراءة بالفتح، وإن كانت لغة لكنها نادرة فإنّ فعول بالضم كثير وأمّ بالفتح فيأتي في الأسماء كسمور، وتنور وهبود اسم جبل باليمامة، وأمّا في الصف ات فنادر جدا، وقوله: ذو السلامة إشارة إلى التأويل المشهور في أمثاله. قوله: (وقرئ بالفتح الخ) على الحذف، والإيصال كاختار موسى قومه، وإذا كانت قراءة، ولو شاذة فلا يصح قول أبي حاتم أنه لا يجوز إطلاقه عليه تعالى لإيهامه ما لا يليق به تعالى إذ المؤمن المطلق من كان خائفاً، وأمنه غيره فإنّ القراءة ليست بالرأي. قوله: (الرقيب الحافظ) هو معنا. المراد منه، وميمه الثانية مكسورة، وقد تفتح وهو مفيعل من الأمن، وأصله مؤأمن بهمزتين فقلبت الثانية ياء، والأولى هاء كما قيل في أراق هراق، وهو قول المبرد على أنه مصغر، وقد خطئ فيه فإنه لا يجوز تصغير أسمائه تعالى، وقال غيره هو اسم من هيمن كبيطر، وليس مصغراً، وتعدى بعلى لتضمنه معنى الاطلاع. قوله: (الذي جبر خلقه على ما أراده) أي قسرهم وأكرههم وجعله من الثلاثي لأنّ أكثر النحاة على أنّ أمثلة المبالغة لا تصاغ من غير الثلاثيّ، وقيل: إنها تكون من غيره أيضاً، وقال الفراء: لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في جبار من أجبر ودراك، من أدرك واستدركوا عليه سآر من أسأر، وقيل إنه من جبره بمعنى أصلحه، وما تقدم في سورة المؤمن أنه من أجبره قول، وهذا قول فلا يقال بين كلاميه تعارض كما توهم، وجبر بمعنى أجبر لغة أيضاً وفيه كلام في اللغة، وقوله: تكبر الخ أي تعالى وارتفع وتنزه عنه وقوله. إذ لا يشاركه الخ الضمير المستتر لما في قوله عما والبارز لله تعالى. قوله: (الموجد لها بريئاً من التفاوث) المراد تفاوت ما تقتضيه هي بحسب الحكمة، والجبلة، وفسره به ليفيد ذكره بعد الخالق، وقوله: الموجد لصورها على قراءة الكسر وقد فتحت في الشواذ هنا على أنها مفعول للبارئ فما في قاضيخان من أنّ قراءة المصوّر بفتح الواو هنا تفسد الصلاة فيه نظر، وقد أتسإر إليه بعض المتأخرلجن وقوله: لتنزهه عن النقائص الخ فلا تجد الكاكنات اشائبة نقص له فلا جرم أنها نزهته وقدسته. ص قوله: (الجامع للكملات بأسرها الخ) قيل إنه فسره به للإشارة إلى وجه اتصاله بما قبله ليكون كالعلة المستلزمة له! فإن استجماعه لجميع الكمالات يستلزم تنزهه عن جميع النقائص ضرورة امتناع اجتماع المتقابلين فتأمّل. قوله: (إلى الكمال في! القدرة) هو من قوله: العزيز لأنه الذي لا يغالب فيستلزم كمال القدرة والعلم من قوله الخكيم فإنه الفاعل بمقتضى الحكمة فيكون كاملا العنلم كما مرّ، وقوله عن " التبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هذا الحديث رواه الثعلبي عن أنس رضي إلله عنه ولم يقل ابن حجر أنه موضوع كغيره من ا! لأحاثميث الموضوعة في فضائل السور تمت السورة، والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أفضل رسله سيدنا محمد، وآله ثوصحبه. سورة الممتحنة لم يذكروا خلافا في مدنيتها ولا في عدد آياتها المذكورة مع أنّ قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ سيأتي أنها نزلت يوم فتح مكة فهو إمّا تغليب أو بناء على أنّ المدتي ما نزل بعد الهجرة وقوله: الممتحنة بفتح الحاء وقد تكسر فعلى الأوّل هي صفة المرأة التي نزلت فيها وعلى الثاني صفة السورة كما قيل لبراءة الفاضحة كذا في الأعلام وفي جمال القراء أنها تسمى سورة الامتحان وسورة المودّة. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (نزلت في حاطب الخ) حاطب بحاء وطاء مهملتين وباء موحدة وبلتعة بفتح الباء الموحدة ولام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 ساكنة بعدها مثناة فوقية مفتوحة وعين مهملة قال السهيليّ هو مولى عبد القه بن حميد بن زهير بن سد بن عبد العزى وبلتعة اسمه عمرو وصورة ما في كتابه أنّ رسول الله يك! برو توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له وما وعده قيل: وفي الخبر دليل على جواز قتل الجاسوس لتعليقه المنع بشهود. بدراً وسارة اسم امرأة هي مولاة بني المطلب ومعتقتهم وقيل: مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم وخاخ بخاءين معجمتين وقيل بحاء مهملة وجيم وقد روي في البخاريّ كذلك لكنه نسب للسهو وهو مكان بين مكة والمدينة يجوز صرفه وعدمه والظعينة بالظاء المعجمة والعين المهملة المرأة ما دامت في هودجها وتطلق على المرأة مطلقا وقوله: فهموا بالرجوع وقع في بعض النسخ ولم يذكره المحدثون ولذا قيل: كيف يهمون به وقد أمرهم صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها فكأنهم فهموا أنّ الأمر ليس للوجوب وقوله: فبعث علياً الخ الذي وواه ابن إسحاق علياً والزبير وروي غيره والمقداد والعقيصة ضفيرة الشعر وقوله: عذره أي قبل عذره وقوله: آخذ بالمد أي بمعنى اتخذ وأجعل وقوله: ولا غششتك منذ نصحتك هكذا رواه المحدثون ونصيحة النبيّءلمجييه تصديقه والانقياد له كما في النهاية وورد في الحديث: " الدين النصيحة لله ورسوله " وفي نسخة صحبتك من الصحبة والأولى أصح رواية ودراية وقوله: ما كفرت أي لا ظاهرا ولا باطناً ليشمل النفاق فإنه المراد. قوله: (نفضون إليهم المودّة) قال في الأساس أفضيت إليه بشقوري وأفضى الساجد بيده إلى الأرض مسهماً فجعله متعديا بالباء وكلام المصنف يخالفه فلو قيل: تلقون تعدى بها لكونه بمعناه كان وجها أيضا وقوله: والباء مزيدة أي في المفعول كما في قوله: ولا تلقوا بأيديكم. قوله:) أو أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني مفعوله مقدّر تقديره ما ذكر وأخبار بفتح الهمزة جمع خبر والباء المسببية والقاء الأخبار إيصالها وارسالها مجازاً كإلقاء المودّة لإظهارها وجوّز في الباء أيضا تعلقها بالمصدر الدال عليه تلقون ولم يذكره لما يلزمه من حذف المصدر مع إبقاء معموله وفيه خلاف للبصريين وقوله: الجملة حال أي جملة تلقون الخ ويجوز أن يكون تفسيرا للموالاة أو لاتخاذها فلا محل لها من الإعراب أو مستأنفة قيل وهذا أولى من الحالية والوصفية لإيهامهما أنه تجوز الموالاة عند عدم الإلقاء فيحتاج إلى القول بأنه لا مفهوم له للنهي عن الموالاة مطلقاً في غير هذه الآية أو الحال والصفة لازمة ولذا كانت مفسرة. قوله: (ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير الخ) بأن يقال: تلقون إليهم أنتم بالمودّة اعلم أنّ الصفة إذا جرت على غير من هي له يجب إبراز فاعلها نحو زيد هند ضاربها هو وهل هذا الضمير فاعل أو الفاعل مستتر وهذا تأكيد له قولان للنحاة وفي شرح التسهيل لابن مالك المرفوع بالفعل كذلك إذا حصل الإلباس نحو زيد عمرو يضربه هو فتقييده بالصفة غير مسلم وإطلاق المصنف مردود بجواز زيد قائم أبواه لا قاعدان فقد جرت على غير من هي له ولم ينفصل الضمير وأجيب عنه بأنهم إنما قيدوه بالصفة لأنّ الإبراز فيها واجب مطلقا سواء ألبس أم لا وما ذكر تابع يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره مع أنّ المانع مطلقاً وهم البصريون لا يقولون بصحته وهذا الحكم لا يختص بالصفة بل هو جار في الصلة والحال والخبر ووجهه أنها ضعيفة فلا تتحمل ضميراً. قوله: (حال من فاعل أحد الفعلين) فإن كان حالاً من الأوّل فهي حال مترادفة إن كانت جملة تلقون حالية أيضاً والط كان من الثاني فهي متداخلة أيضا وقد قيل إنها مستأنفة أيضا ولم يذكروا كونها حالاً من المفعول ولا مانع منه أيضاً، وضله: حال من كفروا أي من فاعله وقوله: لبيانه بادعاء أنه عين الكفر والمضارع لحكاية الحال الماضية وأمّا الاستمرار فغير مناسب للمعنى فتأمّل. قوله: (بأن تؤمنوا به) أي بسبب الإيمان وجعله السمين مفعولاً له وناصبه يخرجون أي يخرجونكم لإيمانكم أي كراهة إيمانكم وهو أحسن مما ذكره المصنف وقوله: وفيه تغليب للمخاطب وهم المؤمنون غلبوا على الرسول والالتفات من / التكلم إلى الغيبة بالاسم الظاهر إذ لم يقل بي وقوله: للدّلالة على ما يوجب الإيمان وهو كونه معبوداً بحق وربا فما ذكر يدل على استجماعه للصفات الكمالية عموما وعلى اتصافه بربوبيته خصوصا إذ المراد الدّات والصفات ولا دلالة في ضمير المتبهلم على الثاني. قولى: (إن كتتم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 خرجتم كن أوطانكم) إن أريد الخروج للغزو فظاهر وإن أريد الهجرة فالخطاب للمهاجرين خاصة لأن القصة صدرت منهم وهذا هو الظاهر الموافق لسبب النزول السابق. قوله: (علة للخروج الخ) يعني أنّ المعلق عليه عدم الاتخاذ ليس مطلق الخروج بل الخروج المعلل بهذين وقدر جواب الشرط والزمخشري جعله لا جواب له وحالاً من فاعل تتخذوا أي لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء والحال إنكم خرجتم مرر أوطانكم لأجل الجهاد رضا لئه والمصنف لم يرتضه لأنّ الشرط لا يقع حالاً بدون جواب في غير أن الوصلية وهي لا بد لها من الواو وإن ترد حيث يكون ضد المذكور أولى بالوقوع نحو أحسن إلى زيد وإن أساء إليك وما نحن فيه ليس كذلك إلا أنّ ابن جني جوّزه وارتضاه الزمخشري هنا لأنّ البلاغة وسوق الكلام شاهدان له كقولك لا تخذلني إن ك! ت عمديقي حيث يقوله المدلي بأمره المتحقق صحبته من غير قصد للتعليق والشك وأنما يبرز تهييجاً للحمية وهو أحسن وأملأ بالفائدة وإن خالف المشهور. قوله: (بدل من تلقون الخ) " بدل كل من كل إن أريد بالقائها الإلقاء خفية أو بدل بعض إن أريد الأعثم لأنّ منها السرّ والجهر وقيل: بدل اشتمال لبيانه وقوله: أو استئناف أي بيانيّ في جواب سؤال لأنّ قوله: إن كنتم الخ يدل على معاتبة فلذا أوثر أن على إذا فكأنهم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا كذا في الكشف. قوله: (ومعناه أيّ طائل لكم الخ) فسره بالاستفهام لأنّ الجملة مسوقة للإتكار عليهم حيث أسروا على من استوى عنده السرّ والجهر وقد أعلم رسوله بالوحي فأفاد أنه لا طائل تحته أيضا وقوله: في أسرار المودّة إشارة إلى زيادة الباء فيه هنا كما في المبدل منه وقوله: أو الأخبار الخ إشارة إلى خذف المفعول على أنّ الباء سببية وهو الوجه الثاني أو هي لتضمينه تخبرون والاقتصار على الأخير لأنه أدل على الإنكار. قوله: " ي منكم) إشارة إلى أنّ أعلم اسم تفضيل حذف المفضل عليه وقوله: والباء مزيدة الخ وقد قيل: إنّ علم قد يتعدى بالباء كما يقال هو عالم بكذا وبه ورد الاستعمال لكنه غير مشهور والوجهان على الوجهين وذكر عا أعلنتم مع الاستغناء عنه إشارة إلى تساويهما في علمه ولذا قدم ما أخفيتم وقوله: يفعل الاتخاذ على أنه ضمير المصدر الذي في ضمن الفعل وجعله في الكشف للأسرار لقربه. قوله: (ضل سواء السبيل (من إضافة الصفة للموصوف أي الطريق المستوي وضل يتعدى كأضل فالسبيل مفعوله فإن لم يتعد فهو ظرف كقوله: كما عسل الطريق الثعلب والأوّل أولى ولذا اقتصر عليه المصنف وقوله: يظفروا بكم لأنّ المثاقفة الأخذ بدربة وحذق فأريد به الظفر هنا مجازاً كما ذكره. قوله: (ولا ينفعكم إلقاء المودّة الخ) لأنّ العداوة سابقة على الظفر المقدّر كما ينطق به قوله: لا تتخذوا عدوّي الخ فالمراد هنا اللازم والثمرة وهو ظهور عدم نفع التودّد ليظهر فائدة جعله جوابا وتوقفه على الشرط المذكور وقوله: ويبسطوا من العطف التفسيري أيضاً لا مستقل بالجزائية كما في شرح المفتاح الشريفي فتدبر. قوله: (وتمنوا ارتدادكم) لأنّ المودّة هنا بمعنى التمني فإنه يرد بمعناه كثيرا كما في قوله: يود لو يهو! العذول ويعشق وكفر المؤمنين إنما يتصوّر بالردّة إلا أن يراد بقاؤهم على حالهم الأوّل وقوله: ارتدادكم إشارة إلى أنّ لو مصدرية. قوله: (للإشعار بأنهم ودوا ذلك قبل كل شيء الخ) كما في الكشاف إنّ الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإنّ فيه نكتة كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم يعني أنهم يريدون أن يلحقو! بكم مضار الدنيا والدين جميعا من قتلى الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفاراً وهذا الردّ أسبق المضار عندهم وأوّلها لعلمهم أنّ الدين أعز عليكم من أرواحكم لأنكم بذالون لها دونه والعدوّ أهم شيء عنده أق يقصد أعز شيء عند صاحبه انتهى وقد أورد عليه في المعاني أنه إذا كانت الودادة قبل ذلك لا تصلح جوابا للشرط لأنه يترتب عليه ويتأخر عنه ولذا ذهب بعضهم إلى أنّ الجملة معطوفة على مجموع الشرط والجزاء أو حال بتقدير قد وقال الخطيب: إنه لا فاثدة لتقييد ودادتهم بالظفر والمصادفة وهي أمر مستمرّ لا يختص بأحد النقيضين فالأولى عطفه على الشرط والجزاء حتى لا يتقيد بالظفر وأورد عليه أنّ مثله يتجه على قوله يكونوا لكم أعداء لثبوت عداوتهم ظفروا أولاً ولا يمكن فيه هذا التوجيه فالوجه أن يراد إظهار الودادة إجراء ما تقتضيه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 وكذا الحال في كونهم أعداء وهذا ما نحاه المصنف تبعاً للعلامة وتحقيقه أنّ أصل الودادة حاصلة لهم قبل كل شيء فهو غير مترتب على الشرط والمترتب عليه إنما هو الودادة المتفرّعة على الجد والاجتهاد في طلب ارتدادهم فهي سابقة بالنوع متأخرة بالنظر إلى بعض الأفراد فعبر بالماضي نظراً للأوّل وجعلت جوابا متأخراً نظراً للثاني فمن توهم أنّ المصنف يريد الحالية أو العطف على المجموع كصاحب الإيضاح فقد فسره بما لا يرضاه ولم يدر أنّ قوله مجيئه وحده بلفظ الماضي يأباه فإنه صريح في أنه مستقبل معنى كما قاربه من أجوبة الشرط ويقرب منه ما قيل إنّ ودادة كفرهم وعداوتهم بعد الظفر لما كانت غير ظاهرة لأنهم حينثذ سبي وخدم لا يعتذ بهم فيجوز أن لا يتمنى كفرهم فيحتاج إلى الأخبار عنه بخلاف الودادة قيل الظفر فيكون للتقييد فائدة لأنها ودادة أخرى متأخرة واعلم أنّ المعطوف على الجزاء والعلة في كلام العرب على أنحاء الأوّل أن يكون كل منهما جزاء وعلة نحو إن تأتني أو نسك وأعطك الثاني أن يكون الجزاء أحدهما وأنما ذكر الآخر لثدة ارتباطه به لكونه سبباً له مثلا نحو إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت لاستقباله ونحوه حبست غريمي لأستوفي حقي وأخليه الثالث أن يكون المقصود جمع أمرين وحيئ! ذ لا ينافي تقدّم أحدهما كخرجت مع الحجاج لأرافقهم في الذهاب ولا أرافقهم في الإياب والنظم هنا محتمل للأوّل لاستقبال الودادة لإرادة الغزو المحتاج للبيان أو إظهارها وعبر بالماضي لتقدمه رتبة والثالث لكون المراد المجموع بتأويل يريدون لكم مضار الدنيا والآخرة وفي الكشاف إشارة ما إليه فالأوّلية على هذا زمانية وعلى الثاني رتيبة وجعلها الطيبي زمانية وذكر وجهاً آخر وهو أنّ المجموع مجاز من إطلاق السبب وارادة المسبب وهو مضار الدارين وفي المفتاح ترك يودّ إلى ودّ الماضي إذ لم يحتمل ودادة كفرهم من الشبهة ما احتمل العداوة لباسطي الأيدي والألسنة يعني الودادة أو إظهارها لتحققها عند المؤمنين عبر عنها بالماضي ولا يخفى مغايرته لما في الكشاف فمن حاول التوفيق فقد حاد عن سواء الطريق. قوله: (قراباتكم) القرابة تكون مصدراً واسما بمعنى القريب كما تقول هو قرابتي كما قال ابن مالك ولا تلتفت لإنكار الحريري له في درّته وهو محتمل لهما هنا بأن يراد بالأرحام ظاهرها أو يقدر ذوو أرحامكم بدليل عطف الأولاد عليه أو يجعل مجازاً كرجل عدل. قوله: (الذين توالون) إشارة إلى ما في سبب النزؤل وقوله: بما عراكم بمهملتين أي عرض لكم وحل بكم وقوله: فما لكم ترفضون هو بيان لارتباط هذه الآية بما قبلها وقوله: وقرأ حمزة والكسائيّ بكسر الصاد والتشديد أي قرأ بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة وابن عامر كذلك إلا أنه يفتح الصاد وما ذكر من أنه قرإءة ابن عامر عزاه غيره لابن ذكوان لكن الأوّل هو الذي في الشاطبية وفوله: وهو بينكم الضمير للمفعول وفيه شبه استخدام وبينكم حينئذ مبني لإضافته للضمير المبني وقيل نائب الفاعل ضمير المصدر وهو الفصل وقوله: وقرأ عاصم يفصل أي بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد وتخفيفها. قوله: (قدوة الخ) القدوة والأسوة بالضم والكسر فيهما بمعنى وهما يكونان مصدراً بمعنى الاقتداء واسماً لما يقتدى به يعني أنه اسم مصدر أطلق على الحاصل به لا صفة لمنعه من عمله بعده وقوله: في إبراهيم تجريد وقد تقدم الكلام عليه في الأحزاب وقوله: ولكم لغو لم يبين متعلقه وهو كان عند من جوز تعلق الظرف بها من النحاة على الخلاف المعروف فيه وقوله: لأنها وصفت يعني وهي مصدر أي اسم مصدر والمصدر واسمه إذا وصف لا يعمل لأنّ الوصف يضعف شبهه بالفعل فإن لم يكن مصدرا أو قلنا يعتفر عمله وإن وصف في الظرف جاز ذلك وجوّز في لكم أن يكون مستقرّا مبيناً كسقيا له. قوله: (ظرف لخبر كان) أي على الوجهين والعامل الجار والمجرور أو متعلقه أو لكان نفسها كما مرّ أو بدل من أسوة وقوله: كظريف وظرفاء على القراءة المشهورة وفيها قراآت أخر. قوله: (أي بدينكم أو بمعبودكم) يعني أنه على تقدير مضاف فيه لأنّ تعلق الكفر بهم محتاج إلى التأولل إذ المكفور به إمّا الدين أو الكتاب أو من جاء به لا من جاء له من القوم فيؤوّل بما ذكر وقوله: أو بكم وبه ضمير به للمعبود فقوله: بكم المراد منه القوم ومعبودهم بتغليب المخاطبين لأنه بيان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 لقوله: إنا برآ منكم ومما تعبدون من دون الله فلا بد من اشتماله على جملة ما تعلق به برآء وهو معنى قوله: في الكشاف ومعنى كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله إنا لا نعتد بثأنكم ولا بشأن آلهتكم وما أنتم عندنا على شيء وقولهما: لا نعتد إشارة إلى أنّ الكفر بالقوم ومعبودهم مجازاً وكناية عن عدم الاعتداد بهم ليعمهم وآلهتهم فهو تفسير له وما ذكرناه من التغليب أولى مما قبل إنه إشارة إلى أق فيه معطوفاً على الجار والمجرور محذوفا وفي الكشف ما حاصله أنه إنما ذكر كذلك وفي الكتاب كفرنا بكم تنبيها على أنّ الأصل كفرنا بما تعبدون ثم كفرنا بكم وبما تعبدون لأنّ من كفر بما أتى به النبيّ فقد كفر به ثم اكتفى بكفرنا بكم لتضمنه الكفر بجميع ما أتوا به وما تلبسوا به لا سيما وقد تقدمه إنا برآ الخ وفسره بأنا لا نعتدّ الخ تنبيهاً على أنه تهكم به فإنه ليس كفراً لغة وعرفأ " وانما هو مثاكلة وتهكم انتهى وهو غير موافق لما عناه الزمخشري وقوله: لأنّ من كفر الخ ليس مما نحن فيه في شيء إلا أن يذكره على طريق التنظير وقوله: آلهتكم إشارة إلى أنّ الصغبود وإن كان لفظه مفردا هو جمع! عنى. قوله: (استثناء من قوله: أسوة حسنة) وهو محتمل للانقطاع والاتصال وقول الد! ضنف فإنّ استغفاره الخ إشارة إلى أنه منقطع عنده لأنه ليس مما يؤتسى به وقال الإمام: الآية تدل على أنه لا يجوز لنا بإ- التأسي في ذلك ولا تدل على أن ذلك كان معصية فإنّ كثيراً من خواص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز التأسي به مما أبيح لهم وفي التقريب نفي اللازم ممنوع فإنّ استثناء عما وجب فيه الأسوة إنما يدل على أنه غير واجب لا على أنه غير جائز ومنكر وقوله: كان لكم لا يدل على الوجوب وقال الطيبي: ما حاصله لما أجاب إبراهيم قول أبيه لأرجمنك واهجرني ملياً بقوله: سأستغفر لك ربي رحمة ورأفة به ولم يكن عارفاً بإصراره على الكفر وفى بوعده وقال: واغفر لأبي فلما تبين إصراره ترك الدعاء وتبرأ منه فظهر أنّ ا " ستغفاره له لم يكن منكراً وهو في حياته بخلاف ما نحن فيه فإنه فصل عداوتهم وحرصهم على قطع أرحامهم بقوله: لن ينفعكم الخ وسلاهم عن القطيعة بقصة إبراهيم ثم استثنى منها ما ذكر كأنه قال: لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة كما فعل إبراهيم لأنه لم يتبين له كما تبين لكم انتهى فلا يتجه عليه أنّ المذكور في النظم الوعد بالاستغفار دونه حتى يقال إنه كناية عن الاستغفار فإنّ عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم لا سيما إذا أكدت بالقسم يلازمها الإنجاز فتأمّل وقد تقدم في سورة التوبة تفصيله. قوله: (فإنه كان قبل النهي الخ الفظة إياه بالمثناة التحتية أو بالموحدة كما قرئ به في سورة براءة لوعد أبيه الإيمان يعني أنه لم ينه عن الاستغفار للكفار ولا قبح قبله لأنه إنما يعلم من الشرع أو نهي عنه بعد تبين إصراره على الكفر وموته عليه والموعدة كانت قبل ذلك لقوله: فلما تبين له الآية فلا وجه لما قيل إنه بمعزل عن السداد لابتنائه على تناول النهي لاستغفاره له وأنبائه عن كونه مؤتسى به لو لم ينه عنه وكلاهما بين البطلان لما أنّ مورد النهي هو الاستغفار بعد تبين الأمر وقد عرفت أنه كان قبله وأنّ ما يؤتسى به ما يجب الائتساء به لا ما يجوز في الجملة وتجويز كون استغفاره بعد النهي مما لا مساغ له فتأمّل. قوله: (ولا يلزم من استثناء المجموع) جواب عن سؤال تقديره أنّ كونه لا يملك شيئا من الله أمر محقق ينبغي لكل أحد أن يقوله: واستثناؤه هنا يقتضي أنه مما لا يقال ولا يؤتسى بقائله وحاصله أنه لا يلزم من إخراح المجموع إخراج جميع أجزائه فالمخرج هنا ما قبله دونه كأنه قيل: لا تأتسوا به في الاستغفار مع أنكم لا تقدرون على ما سواه والجملة حالية فالمنفي المقيد دون قيده فتأمّل. قوله: (متصل بما قبل الاستثناء الخ الا على أنه من جملة الأسوة ومقول القول كما توهم إذ المراد أنه جملة مستأنفة متصلة بحسب المعنى بما مرّ من أوّل السورة إلى الاستثناء بيانا لحالهم في إظهار عداوة أعداء الله والالتجاء إلى الله في كفاية شرّهم وأنّ ما صدر منهم لله لا لحظ نفسي وقيل: إنه بتقدير قول معطوف على لا تتخذوا أي وقولوا ربنا الخ وكلام المصنف لا يحتمله كما توهم لأنه لو كان كذلك كان متصلاً بما قبله على الوجهين. قوله: (ربنا لا تجعلنا الخ) الظاهر أنه دعاء متعدد لا ارتباط لكل بسابقه كالجمل المعدودة وليس ما بعده بدلاً مما قبله كما قيل لعدم اتحاد المعنيين كلا وجزءا ولا ملابسة بينهما سوى الدعاء الخ. قوله: (فيفتنونا الخ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 فالفتنة مصدر بمعنى المفتون أي المعذب من فتن الفضة إذا أذابها وقوله: ما فرط بالتخفيف أي سبق منا وقوله: ومن كان كذلك الخ بيان لوجه اتصاله بما قبله ووقوعه تذييلا له وقوله: تكرير الخ إن لم ينظر لقوله: إذ قالوا فإنه قيد خصصه فإن نظر له فهو تعميم بعد تخصيص وفيه تكرير للخاص في ضمن العام أيضا، وقوله: ولذلك أي لأجل مزيد الحث وقصده. قوله: (وأبدل قوله لمن كان يرجو الله الخ) قد مر في سورة الأحزاب أنه قال: قيل: إنه بدل من لكم والأكثر على أنّ ضمير المخاطب لا يبدل منه فمرّضه ثمّ لمخالفته لقول الجمهور وذكره هنا على وجه ألارتضاء له فبين كلاميه تناف في الجملة لكن ابن الحاجب قال في شرح المفصل يبدل من ضمير الغائب دون المتكلم والمخاطب وليس هذا على إطلاقه لأنه مخصوص ببدل الكل من الكل ويجوز في الاشتمال والبعض وأجازه سيبويه في الأوّل أيضا وهو مخصوص أيضا بما لا يفيد إحاطة كقوله: تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا فإمّا أن يقال: رجح ثمة مذهب الجمهور ورجح هنا مذهب سيبويه أو يقال: ذهب هنا إلى أنه مما يفيد الإحاطة وليس محلاً للخلاف وقوله: فإنه يدل الخ فيه إيماء إليه وقوله: ولذلك أي لإيذانه بسوء العقيدة الخ ووجه الإيذان أنه يدل على أن من لا يأتسى به لا يرجو الله واليوم الآخر ومثله كافر وقوله: الغني الحميد مما خوطب بمثله الكفرة للتهديد. قوله: (لما فرط منكم في موالاتكم الخ) فسره في الكشاف بغفور لمن أسلم من المشركين وهو مع قلة فائدته هنا ما ذكر أنسب بالمقام منه ولم يفسروا الرحيم لظهوره هنا إذ رحمته بضم شملهم وردهم إلى أقربائهم واستحالة الخيانة ثقة وانقلاب المقت مقة وقيل: قوله: لما بقي في قلوبكم تفسير له إذ معنا. لما في قلوبكم من الرحمة الغريزية لهم رحمكم رحمة عظيمة وقيل إنه من تتمة تفسير الغفور وقوله: لا ينهاكم الخ ليس المراد أنّ فيه مضافا مقدراً كما توهم لأنه يلغو البدل والبدل منه غير صحيح بل هو بيان للمقصود منه والمعي المراد فلو أخره عن البدل كان أولى وقوله: تفضوا الخ يعني أنّ تقسطوا ضمن معنى الإفضاء فعدى تعديته كما مر. قوله: (روي أن قتيلة) بالقاف والتاء بزنة المصغر وسبب النزول المذكور هنا هو المذكور في البخاري فلذا ذكره المصنف دون ما في الكشاف وفي الدر المنثور أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: اقتلوا المشركين الآية وفي عز وقتيلة لأبيها دون زوجها هنا رعاية أدب من المصنف وقوله: بدل اشتمال ومثله ما قبله. قوله تعالى: ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ) فيها قولان فعن قتادة أنه حكم حكمه الله ثم نسخ في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده وقال السهيلي: هي مخصوصة بنساء العهد والصلح وأمّا إخراج النساء مما عاهدوا عليه فاختلف فيه وسيأتي وسماهن مؤمنات نظر الظاهر الحال وقوله: بما يغلب الخ إن خفف فالعائد محذوف أي به وإن شدد من التفعيل فلا حذف فيه وقوله: أعلم أي من كل أحد أو منكم وقوله: فانه المطلع أي لا أنتم فإنه غير مقدور لكم. قوله: (العلم الذي يمكنكم تحصيله الخ) فالعلم هنا مستعار استعارة تبعية للظن الغالب المشابه لليقين في القوّة وفي وجوب العمل به أو مجاز مرسل لمطلق الإدراك والأوّل أنسب هنا وكان الظاهر أن يفسره بالظن ففي عبارته تسمح لا يضر مع اتضاح المقصود مما بعده. قوله: (بالحلف) كانت المهاجرة تستحلف أنها ما هاجرت ناشزة ولا هاجرت إلا لله ورسوله فإذا حلفت لم تردّ وقوله: إلى أزواجهن لأنه لو لم يرد ذلك لم يكن لقوله: لا هن حسن لهم ولا هم يحلون لهن فائدة وقوله: والتكرير للمطابقة الخ أصل المطابقة من طابق الفرس إذا وضحع رجله مكان يد. قال: مطابقا يرفع رجلا عن يد ومنه المطابقة البديعية وهي الجمع بين المتضادين وأراد المصنف بها هنا كبعض البديعيين ما سما. في التلخيص بالعكس والتبديل وهو وضعأحد لفظين وقعا في كلام بالتقديم والتأخير على عكس ما سبق كقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} وليس المراد بها المطابقة المعروفة على أنها بين المذكر والمؤنث لتضادهما كما توهم لأنه حاصل بالجملة الأولى ولما كانت من المحسنات المعتبرة بعد المطابقة للحال ومقتضاه ذكر ما فيه من المبالغة لنفي الحل من الطرفين وهو أشذ في الفرقة وقطع العلاقة وقوله: أو الأوّل الخ يعني لا تكرار فيه لأنه على خلاف الأصل والأوّل محمول على الفرقة الثابتة لأنّ الاسم يدل على الحال والثاني على ما يستأنف ويستقبل لدلالة الفعل على الاستمرار التجدّدي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 قوله: (لحصول الفرقة) فيه نظر قال في الهداية وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب وقعت البينونة بينهما وقال الشافعيّ لا تقع انتهى فهذا لا يوافق مذهبه بحسب الظاهر لأنّ الفرقة عنده بالإسلام ودخول دار الإسلام لا بمجرّد دخول دارنا فينزل هذا عليه وحينئذ لا تكون الآية دليلاً لأبي حنيفة رحمه الله وقوله: لأنّ صلح الحديبية الخ وفي كتب الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أمر عليا كرم الله وجهه أن يكتب بالصلح فكتب باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد القه سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين تأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردّه عليه ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يرذو. عليه وأنّ بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه اهـ. قوله: (لورود النهي عنه) يعني قوله: فلا ترجعوهن وهذا كما قيل من تخصيص العام عند الشافعية فمانهم يجوّزونه مع التراخي ومن نسني الستة بالكتاب عند الحنفية وفيه أنه إن كان ما مرّ في كتاب العهد وقع على الرجأل فقط كما ذهب إليه البعض فلا تخصيص ولا نسخ والا فلا بد من القول بما ذهب إليه الشافعيّ والاً لزم نقف العهد. قوله: (لزمه ردّ مهورهن) قيل لأنه بدل بضعهن ولما لم يتمش هذا التعليل على تقدير تسليم صحته إلا في غير المدخولات فإن المدخولات استوقيت منافع بعضهن وأنما يعلم مثل هذا من الشارع قال المصنف: إذ روي الخ لتعلقه بلزم فبين اللزوم بفعل الشارع وما أعطى زوجها هو المهر بالاتفاق اهـ وقد عرفت أنّ الآية إمّا مخصوصة أو منسوخة إذ هذا الحكم لا يتمشى في المدخولات ولا في غيرها لأنّ من أتت مسلمة من دار الحرب لا يلزمها شيء بالاتفاق فما ذكر لا وجه له قتدبر. قوله: (بعد (أي بعد الصلح وقوله: إذ جاءته بدل منه وليست فجائية لما فيه من التكلف وقوله: سبيعة بصيغة المصغر مخالف لما في السير وكتب الحديث من أنها أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فإنها هاجرت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فخرج أخوها عمارة والوليد في ردّها بالعهد فلم يفعله جمر ونزل قوله تعالى: {إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} الآية إلا أن يقال: بتعدد سبب النزول فإنه جائز قال البغوي: اختلف في رد مهر من أسلمت من! النساء إلى أزواجهن أكان واجبا أو مندوبا وأصله أن الصلح لم يقع على ردّ النساء بل على الرجال لأنه لا فتنة في ردّ الرجال ولإصابة المشرك لهت ولأنه لا يؤمن من ردّتهن بتخويف واكراه ولا تهتدي إلى التقية فلذا قيل كان واجبا واختلفوا في أنه هل يجب العمل به اليوم في رد المال إذا شرط في الصلح فقيل: لا والآية منسوخة وقيل: يرد. قوله تعالى: ( {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ} (استدل به أبو حنيفة على عدم العدة في الفرقة بخروجها إلينا من دار الحرب مسلمة إلا في الحاملى لأنه وإن كان زيادة على النص وهي لا تجوز بالظني لكنه ثبت بحديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره " وهو حديث مشهور تجوز بمثله الزيادة على النص قيل وفيه نظر فإنه لا يمنع من النكاج كالحبل من الزنا وفي الهداية قول أبي حنيفة إذا كان معتاتدهم العدة قلت هذا قياس مع الفارق وفي الحديث إشارة إلى عدم اعتبار حبل الزنا فإنه شبهه بالزرع فالزنا زرع في أرض مغصوبة ومثله يقلع لأنه لا حرمة له ووجه الاحتجاج أنه نفي الجناج بعد إيتاء المهر من غير تقييد بمضيّ عدة فلولا أن الفرقة بمجرّد الوصول لدار الإسلام لكان الجناج ثابتا وقد أجابوا عنه بأنّ عدم التعرّض ليس معرضا للعدم فتأمل. قوله: (شرط إيتاء المهر الخ اليس! المراد بالإيتاء الإعطاء بالفعل بل التزامه وتعهده والشرطية من تقييده بوقت الإيتاء لا لأن إذا هنا شرطية جوابها مقدر بدليل ما قبله كما توهمه عبارة المصنف وإن كان صحيحا في نفسه وقوله: إيذاناً الخ وجه الإيذان ظاهر لذكر الإيتاء في الآية مع تغايرهما بجعل الأوّل ما أنفقه الأزواج وهذا أجر لهن. قوله:) بما يعتصم به الكافرات) إشارة إلى أنّ العصمة اسم لما يعتصم به وأن الكوافر جمع كافرة لاطراد جمع فاعلة عليه وهو نهي للمؤمنين عن أن يكون بينهم وبين الزوجات المشركات الباقية في دار الحرب علقة من علق الزوجية أصلا حتى لا يمنع إحداهن نكاج خامسة أو نكاح أختها في العدة إذ لا عذة لهن وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 وسبب أي من أسباب النكاح، وفي نسخة نسب بالنون، وهو من تحريف الناسخ، وقوله: من مهور الخ لأنّ الصلح وقع عليه، وهو منسوخ كما مرّ. قوله:) على حذف الضمير (العائد إلى ذي الحال، والتقدير لحكمه وهذا الضمير مفعول مطلق لا مفعول به كما في شرح الكشاف أو العائد الضمير المستتر فيه بجعل الحكم حاكماً مبالغة كان الحكم لقوّته، وظهوره غير محتاج لحاكم آخر، وقوله: وإن سبقكم الخ يعني المراد! ت الفوات مجازاً لحوق النساء هاربة بدار الحرب من الأزواج. قوله: (وإيقاع شيء موقعه (أي موقع أحد كما هو مقتضى الظاهر لأنّ شيئاً، وإن وقع على الذوات من أولي العلم كأحد إلا أنه غلب استعماله إذا أريد التعميم في العقلاء، وغيرهم أو التحقير في العقلاء، ولذا عاب في دلائل الإعجاز على المتنبي في قوله: لوالفلك الدوّارأبغضت سعيه لعوّقه شيء عن الدوران وهنا قصد تحقير ما فات من الزوجات، وعده من غير ذوي العقول لاختياره الكفر على الإسلام، وتعميمه فهو أحسن من لفظ أحد هنا، ولا حاجة إلى اعتبار عموم النكرة مع الشرط، وإن كان من محسناته أيضاً. قوله: (أو شيء من مهورهق) مبنيّ على ظاهره، ومن في قوله من أزواجكم ابتدائية لا بيانية كما في الوجه الأوّل. قوله: (فجاءت عقبتكم الخ (فعاقب مفاعلة من العقبة لا من العقاب، وهي النوبة في ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما، والآخر بعده والمراد لزوم أداء المهر كما لزم الكفار فليس المعنى على معاقبتهم لغيرهم بل على معاقبتهم في الأداء، وهو لا يقتضي المشاركة كما يقال: للإبل معاقبة إذا رعت الحمض تارة والخلة أخرى، وإن لم تعاقب غيرها من الإبل، واليه أشار المصنف بقوله: من أداء المهر، وقوله: شبه الحكم إشارة إلى أنه استعارة تبعية أو تمثيلية فشبه لزوم الأداء لكل من هؤلاء، وهؤلاء بتعاقب رفيقين على أمر واحد وجعل المصنف المشبه الحكم، وفي الكشاف إنه المحكوم به، وهو أداء المهر، ولا تسامح فيه لأنه كما اتحد الحكم اتحد المحكوم به نوعا فتأمّل. قوله: (وقيل معناه إن فاتكم الخ) فالعقبى مجاز بمعنى الغنيمة، وتأويله كما قال الزجاج: كانت العقبى لكم أي الغلبة حتى غنمتم فهو من إقامة السبب مقام المسبب لأنّ الغنيمة مسببة عن الغلبة إذ المعنى أصبتموهم بعقوبة حتى غنمتم، وقوله: يبايعنك حال مقدرة. قوله: (نزلت يوم الفتح) بيان لوقت النزول، وسببه كما هو شأن المفسرين، وليس! هذا مأخوذا من النظم كما توهم حتى يقال: لا دلالة فيه على ذلك إلا بضم ضميمة، وما ذكره المصنف عليه الأكثر إلا البخاريّ فإنه أوردها في بيعة الرجال، ولا يساعده النظم، وقوله: يريد وأد البنات يعني بالقرينة الخارجية، وإن كان الأولاد أعمّ منهن. قوله تعالى: ( {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} (في شرح البخاريّ للكرماني ما معناه لا تأتوا ببهتان من قبل أنفسكم، واليد والرجل كناية عن الذات لأنّ معظم الأفعال بهما، ولذا قيل للمعاقب بجناية قولية هذا ما كسبت يداك أو معناه لا تنشؤه من ضمائركم، وقلوبكم لأنه من القلب الذي مقرّه بين الأيدي والأرجل، والأوّل كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهم، والثاني عن كونه من دخيله قلوبهم المبنية على الخبث الباطني، وقال الخطابيّ: معناه لا تبهتوا الناس كفاحا، ومواجهة كما يقال للآمر بحضرتك إنه بين يديك، ورد بأنهم وإن كنوا عن الحاضر يكون بين يديه فلا يقال بين أرجله، وهو وارد لو ذكرت الأرجل وحدها أما مع الأيديّ تبعاً فلا فالمخطئ مخطئ، وهو كناية عن خرق جلباب الحياء، والمراد، النهي عن القذف، ويدخل فيه الكذب والغيبة انتهى، وفي الكشاف كانت المرأة تلتقط المولود، وتقول لزوجها هو ولدي منك فكني بالمفتري بين يديها، ورجليها عن ذلك الولد لأنها تحمله في بطنها كذلك، وهو غير الزنا فلا تكرار فيه. قوله: (في حسنة تأمرهن بها) يعني المراد ما عرف حسنه من قبل الشرع وفي النهاية المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والإحسان إلى الناس، وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه اهـ. قوله: (والتقييد بالمعروف الخ) يعني إذا جاز مخالفة الرسول إذا أمر بغير المعروف أي الحسن شرعاً مع عظم شأنه، وكونه لا يأمر بغير معروف فما ظنك بغير.، وهو زجر عما يتخيله بعض الجهلة من أنّ إطاعة أولى لأمر لازمة مطلقاً. قوله: (بضمان الثواب الخ) متعلق بقوله: بايعهن، وقولى: على الوفاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 متعلق بالثواب وبهذه الأشياء متعلق بالوفاء ومبايعة الناس للإمام بعهد الإطاعة لأوامره ونواهيه ومبايعة الإمام قبول ذلك منهم واثابتهم عليه. قوله: (أو اليهود (لأنهم عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم وقوله: لكفرهم الخ لف ونشر مرتب فالأوّل ناظر لأنّ المراد بالقوم عامّة الكفار وقوله: أو لعلمهم الخ ناظر لقوله: أو اليهود الخ. قوله: (أن يبعثوا الخ (بدل اشتمال من أصحاب القبور متعلق بقوله: يئس. قوله: (أو يثابوا أو ينالهم خير منهم (فالمعنى أن يأس هؤلاء من الآخرة كيأس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور وبينوا أنهم لا حظ لهم في الآخرة من الثواب أو أنهم لا ينالون خيراً من هؤلاء الأحياء فليس المراد بالكفار قوماً غضب الله عليهم وقوله: من أصحاب القبور بيان للكفار فهو ظرف مستقرّ حينئذ وهذا هو التفسير الثاني. قوله: (وعلى الأوّل (أي على التفسير الأوّل وا! المراد بالكفار قوم غضب الله عليهم يكون من وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا لكفرهم وبياناً لما اقتضى الغضب عليهم أو لما حصل لهم اليأس واليه أشار بقوله: للدلالة الخ. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم) هو من حديث أبيّ المشهور وهو موضوع كأكثر الأحاديث التي ذكرت في فضائل السور ووجه ما فيه أنه ذكر فيه أحوال المؤمنين والمؤمنات من الصحابة والمهاجرين والمهاجرات كما مرّ تصت السورة الكريمة بحمد الله ومنه ويمنه والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والرسل الكرام وعلى من اتبعه من الأصحاب والآل والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة ما تعاقبت الليالي والأيام. سورة الصف وتسمى سورة الحواريين ولا خلاف في عدد آياتها وأنما الخلاف في كونها مدنية وعليه الجمهور أو مكية واليه ذهب الحسن وبعض الصحابة وسيأتي ما فيه إن شاء الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (روي الخ) رواه الحاكم وهو سبب النزول وقوله: إنّ الله يح! ث الذين الخ وجه الدلالة على أنهم أحب إلى الله تعالى وأعمالهم أحب الأعمال عنده مع أنّ المذكور فيها أنه يحبهم فقط أنّ تخصيصهم في مقام المدح يقتضي اختصاصهم بمحبة الله دون غيرهم من المؤمنين الذين لم يقاتلوا فلو كان على ظاهره اقتضى أنّ غيرهم مبغوض له فحمل على الأحبية لقيام القرينة العقلية عليه فلا يتوهم عدم المطابقة فيه وقوله: يوم أحد مما يدل على أنها مدنية. قوله: (لكثرة استعمالهما معاً) فلذا استحق التخفيف دون غيره واثبات الكثرة فيه أمر عسير وسيأتي فيه كلام وقوله: واعتناقهما بالجر معطوف على كثرة لا على ما أضيف إليه فإن قلت: كل حرف جر مع مجروره كذلك فلا وجه للتخصيص المذكور قلت الظاهر أنه يعني إنّ قولك لم فعلت مثلاً المستفهم عنه علة الفعل فهو كالمركب من العلة والفعل والعلة مدلول اللام والفعل مدلول ما لأنها بمعنى أفي شيء والمفيد له مجموع الحرف ومدخوله فقد اعتنقا في الدلالة على المستفهم عنه إذا دخله الحرف وعند عدمه المسؤول عنه الفعل وحده وما قيل إنّ كليهما متعلق به الحرف لفظاً ومعنى وما الاستفهامية معنى فكانا من هذه الجهة ككلمة واحدة لا محصل له وقول النحاة إنه للفرق بين الخبر والاستفهام مع ما فيه أظهر من هذا. قوله: (ونصبه) أي مقتا وقوله: للدلالة ليس علة لنصبه على التمييز كما لا يخفى على من له أدنى تمييز وإن كان ظاهره كذلك بل لذكره منصوبا بحسب المعنى موصوفا بما ذكر لكنه تسمح فيه اعتمادا على ظهور المراد الدافع للإيراد وقيل: إنّ نصبه تمييزا للنسبة يقتضي كونه بمعنى الفاعل ومتحدا معه ويلزمه أن الفاعل وهو القول مقت خالص من شائبة تشوبه وقوله: كبر الخ إشارة إلى فائدة قوله: عند الله وقد مرّ الكلام على كبر وافادته التعجب ونصب التمييز بعده في الكهف وقوله هذا بدل من قولهم ومقت خبر أنّ وقوله: خالص الخ من كونه كبيرا عند الله لما ذكره وقوله: يحقر إما تفعيل واما ثلاثي بكسر القاف وضمها من باب ضرب وكرم وقوله: مبالغة تعليل للدلالة وقوله: مصطفين إشارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 إلى أنه حال مؤوّل بالمشتق، وقوله: في تراصهم الخ بيان لوجه التشبيه بالبنيان المرصوص، ويفهم أنهم يقاتلون مشاة لأنّ التراص ظاهر فيهم كما قيل. قوله: (حال الخ) أي من المستكن في الحال الأولى، وهو صفا لتأويله بالمشتق، وهذا بيان لقوله في الكشاف صفا كأنهم بنيان الخ. حالان متداخلتان كما في الإنصاف، ولم يرتض قوله في الانتصاف أنّ معنى التداخل أنّ الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإنّ هيئة التصاف هي هيثة الارتصاص فإنه خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح أهل العربية وكون التصاف مشبهاً بالتراص لا يأباه كما توهمه الطيبي. قوله (مقدّر باذكر الخ (يعني هو مفعول به لا ذكر مقدّر كما مرّ أو هو ظرف متعلق بفعل مقدّر يدل عليه ما بعده كزاغوا ونحوه والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة، والعصيان مخالفة أمره، والإدرة بضم الهمزة، وسكون الدال المهملة وبراء مهملة مرض يكبر منه الخصاء، وكان موسى عليه الصلاة والسلام لحيائه إذا اغتسل بعد عن الناس فقالوا: إنّ له أدرة في القصة المشهورة. قوله: (بما جئتكم من المعجزات) إمّا متعلق بتعلمون، والباء للاستعانة أو برسول والباء للتعدية وقوله: مقرّرة للإنكار الدال عليه قوله: لم تؤذونني فإنه استفهام إنكاري والتقرير لأنّ من علمت نبوّته كان حقه التوقير لا الأذية، وقال بنبوّته دون رسالته كما في النظم إما لأنه إذا لزم من نبوّته هذا لزم من رسالته بالطريق الأولى أو المراد به الرسالة، وعدل عنها لأنها محتملة لغير المراد وقوله، وقد لتحقيق العلم أي لا للتقليل، ولا للتقريب لعدم مناسبته للمقام. قوله: (صرفها عن قبول الحق) زاد القبول هنا ليصح كونه جواباً للما مترتباً على زيغهم لأنه كان الظاهر العكس، وأن يقال: لما أزاغ الله قلوبهم زاغواه، وبهذا يظهر الترتب، وقوله: هداية موصلة يعني لا مطلق الدلالة فإنها واقعة غير منتفية بل عامّة. قوله: (ولعله لم يقل يا قوم الخ) المراد بكونه لا نسب له فيهم النسب المعروف المعتاد، وهو ما كان من قبل الأب والا فأمه مريم من أشرفهم نسباً، وقيل: إنه للاستعطاف وفيه أنه لو قال: يا قومي كان الاستعطاف فيه أظهر وكأنه إنما لم يقل ذلك إشارة إلى أنه عامل بالتوراة وأنه مثلهم في أنه من قوم موسى هضما لنفسه بأنه لا اتباع له، ولا قوم ولعل هذا أحسن وأظهر، وكأنّ القائل عناه ولكنه لم يفصح عنه. قوله: (والعامل في الحالين) يعني مصدّقا ومبشرا فإنهما حالان من الضمير المستتر في برسول فيعمل فيهما لأنه في معنى الفعل لا الجارّ، وهو قوله: إليكم لأنه ظرف لغو لتعلقه بالرسول، والجارّ قد يعمل في الحال وش! مى عاملاً معنويا لكنه إذا كان مستقرّاً لأنه لنيابته عن متعلقه يعمل عمله. قوله: (يعني محمداً صلى الله عليه وسلم) ذكره بأشهر أسمائه إشارة إلى أنه أكثر الأنبياء حامدا ومحموداً لأنّ أحمد وإن احتمل كما قيل كونه اسم تفضيل من الحامدية والمحمودية فإنّ الأشهر المقيس هو الأوّل كما ذكره النحاة نعم هو سمع فيه بالمعنى الثاني نحو العود أحمد فلا بأس بالتخريج عليه بعد الورود عن العرب. قوله: (فذكر أوّل الكتب المشهورة الذي الخ) هو وصف أوّل منصوب محلاً، والنبيّ معطوف على أوّل يعني أنه جعل الأوّل، والآخر كناية عن الجميع كالصباح، والمساء إذ جعل عبارة عن الأيام فلذا خصهما بالذكر. قوله: (الإشارة إلى ما جاء به (إشارة إلى أنّ التنكير مع تأنيث البينات لتأويله بما جاء به، وقوله: أو إليه يعني إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فتذكيره ظاهر. قوله: (لا أحد أظلم الخ) لأنّ الاستفهام إنكاريّ وهو نفي معنى ونفي الأظلمية صادق بنفي المساوأة أيضا كما مرّ مراراً، وقوله: ممن يدعي الخ بيان لوجه التقييد بالجملة الحالية هنا، وأنّ لها مدخلا عظيما في الأظلمية كقولك: أتهين زيداً وهو صديقك القديم، وضمير المقتضى له راجع لمن يدعي إلى الإسلام وقوله: فإنه أي الافتراء على الله، وقوله: يعم إثبات المنفيّ الخ الظاهر أنه لف ونشر مشوّس فإثبات المنفيّ إثبات السحر للآيات، وهو منفي عنها ونفي الثابت نفي رسالته الثابتة بالمعجزات، والآيات الحقة في الواقع ويصح كونه مرتبا فإثبات المنفيّ إثبات كذب الرسول المنفي عنه، ونفي الثابت نفي حقية الآيات بجعلها تخيلا وسحرا، والأوّل أولى. قوله: (يقال دعاه وادّعاه) بمعنى كلمسه، والتمسه فيجوز أن يكون تفسيراً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 وتمثيلاً لأنه بمعنى الطلب أيضاً، وقوله: لا يرشدهم مرّ توجيهه قريبا. قوله: (واللام مزيدة الخ) في هذه اللام مذاهب للنحاة أحدها أنهار زائدة والفعل منصوب بأن مقدرة بعدها وزيدت لتأكيد معنى الإرادة لما في لام العلة من للإشعار بالإرادة، والقصد فإنك تعني إذا قلت: جئتك كرمك أردت أنّ قصدي بالمجيء إكرامك كما زيدت بين الأسماء لتأكيد معنى الإضافة فيها في نحو لا أبا لك فإنها لو لم تكن زائدة لم يعرب أب بالحروف لاختصاصه بالإضافة، والإضافة كاللام تدلّ على الاختصاص فلذا أكدتها لكنه لم يعامل معاملة المضاف للضمير، ونحوه من كل وجه لأنّ اسم لا لا يكون معرفة فيسقط استشكاله بما ذكر. قوله: (أو يريدون الافتراء ليطفؤوا (هذا هو المذهب الثاني، وهو أنه! غير زائدة للتعليل بل ومفعوله محذوف وهو الافتراء كما ذكره المصنف، والثالث أنّ حال محل المصدر مبتدأ والمجرور بلام التعليل خبره أي إرادتهم كائنة للإطفاء، وهو ضعيف لتأويل الفعل بالمصدر من غير سابك، والرابع مذهب الفراء وهو أنّ اللام مصدرية بمعنى أن من غير تقدير، وهو مفعول به ويكثر ذلك بعد فعل الإرادة والأمر، والخامس أق يريدون نزل منزلة اللازم لتأويله بيوقعون الإرادة قيل: وفيه مبالغة لجعل كل إرادة لهم للإطفاء، وفيه كلام في شرح المغني وغيره. قوله: (يعني دينه الخ) فنور الله استعارة تصريحية والإطفاء ترشيح، وقوله: بأفواههم فيه تورية حينئذ، وكذا قوله: نوره لكن قوله: متم تجريد لا ترشيح له، وقوله: بالإضافة أي إضافة متم لنور. وجعله في الكشاف استعارة تمثيلية تمثيلا لحالهم في اجتهادهم في إبطال الحق بحال من ينفخ الشمس بفيه ليطفئها تهكما وسخرية بهم كما يقول الناس هو يطين عين الشمس، وهو أبلغ وألطف مما اختاره المصشف. قوله: (إرغاماً لهم) مفعول له وتعليل لقوله. متم نوره والإرغام التخييب والتذليل وأصله إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب، وقوله: بالقرآن أو المعجزة بجعله نفس الهدى وهو هاد مبالغة فهو مجاز فيه، وقولى: لما فيه متعلق بقوله: كره. قوله:) استئناف الخ (كأنه جواب سؤال تقديره ما هذه التجارة دلنا عليها، وقوله: وهو الجمع الضمير للتجارة وذكره مراعاة للخبر وهو الجمع وإنما فسره به لأنهم مؤمنون فلا يفيد وصفهم أو أمرهم بالإيمان فلذا أشار إلى أنّ المراد يجمعون بين الإيمان والجهاد وبين تكميل النفس والغير، وقد أوّل أيضاً بيثبتون ويدومون على الإيمان أو بجعل الخطاب للمؤمنين ظاهرا فالمراد تخلصون الإيمان وقوله: المؤذي إلى كمال غيرهم صفة الجهاد لأنه يحملهم على الإسلام، وليس المراد به إعطاء المال لمن يجاهد فإنه غير مراد له كما توهم. قوله: (والمراد به الأمر الخ) يعني المراد آمنوا وجاهدوا لكنه عبر عنه بالمضارع الدال على تجدد وقوعه مستمراً والله تعالى أخبر عنه، وخبر الصادق لا يتخلف وهذا جار في كل خبر أريد به الأمر أو الدعاء كرحمه الله كما حققه العلامة في أماكن كثيرة ولا يلزم أن يكون مذكوراً للتعليم والأصل فيه الأمر والنهي كما توهم، وأضعف من هذا اذعاء أنه في تأويل مفرد وأصله أن تؤمنوا فلما حذفت إن ارتفع الفعل لأنه يوهم من قوله: الأمر أن لفظ الأمر مقدر فيه، وهو وهم غريب منه غرّه ظاهر كلام شراح الكشاف. قوله: (يعني ما ذكر (توجيه لأفراد اسم الإشارة، وقوله: إن كنتم من أهل العلم إشارة إلى تنزيل يعلمون هنا منزلة اللازم أو لا حاجة إلى تقدير مفعول له، وهذا أخصر وأبلغ مع أنّ تقديره إن كنتم تعلمون أنه خير لكم لا وجه له إذ هو خير لهم على كل حال علموا أو لا، ولذا تركه المصنف، وقوله: إذ الجاهل لا يعتد بفعله حتى يوصف يالخيرية لا لأنه لا يثاب فإنه باطل. قوله: (ويبعد جعله جوابا لهل أذلكم) كما قاله الفراء فإن مجرّد دلالة الله لهم على ما ينفعهم لا يوجب المغفرة لهم إنما الموجب لها الإيمان والجهاد، ولذا أوّله الزمخشري، وقال: لما كان متعلق الدلالة التجارة المفسرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم وفي الانتصاف لا حاجة إلى هذا التأويل فإنه كقوله: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [سورة إبرأهيم، الآية: 31] لأنّ الأمر الموجه للمؤمن الراسخ في الإيمان لما كان مظنة لحصول الامتثال جعل كالمحقق، وقوعه والدلالة لما كانت مظنة لذلك نزلت منزلة المحقق، ويؤيده قوله: إن كنتم تعلمون لأنّ من له عقل إذا دله سيده على ما هو خير له لا يتركه، وادّعاء الفرق بين المقامين لما ثمة من الإضافة التشريفية وهنا من المعاتبة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 غير ظاهر فتدبر. قوله: (الإشارة إلى ما ذكر الخ) توجيه لأفراد اسم الإشارة أيضا، وقوله: ولكم إلى هذه النعمة أي مضمومة إليها فأخرى صفة لمبتدأ مقدر، وخبره محذوف وهو لكم ولعل هذه الجملة حالية لا معطوفة على يغفر الخ بحسب المعنى، وقوله: منصوبة بإضمار يعطكم كقوله: علفتها تبناً وماء باردا وقوله: أو تحبون أي أخرى فهو مفعول لمقدر يفسره ما بعده على شريطة الاشتغال، وقوله: وهو أي نصر والأولى كونه مبتدأ خبر. مقدر، وقوله: على البدل أي على وجوه النصب والمراد بالاختصاص نصبه بأعني مقدراً لا مصطلح النحاة، وقوله: أو المصدر أي تنصرون نصراً. قوله: (عطف على محذوف (وهو قل المقدر قبل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ} [سورة الصف، الآية: 0 ا] الآية كما أشار إليه، وقوله: فإنه في معنى الأمر كما مز وقدره الزمخشريّ آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم وبشر المؤمنين، وقدره بما ذكر ليبين أن الفواصل غير أجنبية وفي الإيضاح فيه نظر لأنّ المخاطب بتؤمنون المؤمنون وببشر النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم إنّ قوله: تؤمنون بيان لما قبله وبشر لا يصلح لذلك، وأجيب بأن تؤمنون شامل للنبيّ-! ر وأمّته ما تقرّر في الأصول وإذا فسر بامنوا وبشر دل على تجارته صلى الله عليه وسلم الرابحة وتجارتهم الصالحة وقدم آمنوا لأنه فاتحة الكل ولو سلم فلا مانع من العطف على الجواب ما هو زيادة عليه إذا ناسبه وهذا أولى الوجوه عند صاحب الكشف كتقدير أبشر يا محمد وبشر وتقدير قل، وجعل بشر أمرا بمعنى الخبر كما في قوله: أبطئي أو أسرعي، وسبق النداء على الأمر ليس بلازم إذا لم يكن لبس كقوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي} [سورة يوسف، الآية: 29] كما مرّ فلا يلتفت لما هنا من القيل والقال. قوله: (بعض أنصار الله) فالتنوين للتبعيض لا للتعظيم، وقوله: ليطابق الخ يعني إلى بمعناها لتضمينه ما ذكر لا بمعنى مع لأنّ ما بعده إنما يطابقه معنى على الأوّل اللهم إلا أن يقدر نحن أنصار نبيّ الله كما قيل. قوله: (والإضافة الأولى) أي إضافة أنصاري والاشتراك هنا في النصرة والتوجه إلى الله، وقوله: لما بينهما من الاختصاص لأنهما لما اشتركا في نصرة الله كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر وأمّا الاختصاص! الإضافي الحقيقي فغير موجود فيهما ففي عبارته قصور مّا، وقوله: والثانية يعني أنصار الله فإن معناه ننصر الله. قوله: (والتشبيه الخ أليس التشبيه على ظاهره من تشبيه كون المؤمنين أنصار الله فقول عيسى إذ لا وجه لتشبيه الكون بالقول بل مؤوّل بما ذكر وجعل التشبيه باعتبار المعنى على تقدير قل لظهوره فيه وانصباب الكلام إليه، وقوله: أو كونوا الخ فما مصدرية وهي مع صلتها ظرف والأصل ككون الحواريين أنصارا وقت قول عيسى، ثم حذف المظروف، وأقيم ظرفه مقامه وقد جعلت الآية من الاحتباك والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبيّ من أنصاري إلى الله كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم: عيسى من أنصاري إلى الله فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر وهو كلام حسن. قوله: (من الحوار وهو البياض) وفي نسخة الحور بغير ألف وقد مرّ في آل عمران أنهم سموا به لنقاء ظاهرهم وباطنهم، وقيل: كانوا يلبسون البياض، وقيل: كانوا قصارين وقيل الحواريون المجاهدون، وقوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) الحديث موضوع تمت، السورة والحمد لله على نعمائه، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وعلى آله وأصحابه وأحبائه. سورة الجمعة مدنية والقول بأنها مكية غلط لأن الجمعة وأمر اليهود لم يكن إلا بالمدينة ولا خلاف في عدد آياتها المذكور. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (لآنّ كثرهم الخ) قيد به لأنّ منهم من قرأ وكتب ومن أطلق أراد ذلك أيضاً، وقوله: من جملتهم بيان لأنّ من تبعيضية والبعضية إما باعتبار الجنس فلا تدل على أنه أمّيّ أو باعتبار الخاصة المشتركة في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 الأكثر فتدل على ذلك ويزكيهم بمعنى يطهرهم، وقوله: من خبائث متعلق به والشريعة تفسيير للحكمة لأنها فسرت بعلم الشرائع والشريعة، وقوله: من المنقول والمعقول بيان للكتاب والحكمة على اللف والنشر المرتب والمراد بالمعالم نفس الأمور العقلية والنقلية التي يعلم بها الدين جمع معلمة، وهو المحل الذي يعلم منه الشيء كالمسألة محل السؤال مجاز إلا الأدلة فإنه غير مناسب هنا فالكتاب والحكمة كناية عن جميع العقليات والنقليات كالسموات والأرض لجميع الموجودات والأنصار والمهاجرين لجميع الصحابة، وقوله: سواه أي سوى ما ذكر كما قال في البردة: كفاك بالعلم في الأ! ي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم قوله:) وإرّاحة الخ (هذا وما قبله مأخوذ من قوله: هو الذي بعث إلى هنا، ولم يبين أنّ نسبة الضلال إليهم باعتبار الأكثر اعتماداً على ما مز فلا يرد أن منهم مهتد كورقة وأضرابه كما توهم، وتوله: وإن هي المخففة لا شرطية ولا نافية واللام تختص بها، ولذا سميت الفارقة وآخرين جمع أخرى بمعنى غير وقوله: منهم التخصيص بالذكر للعرب أو للأميين منهم لا ينافي عموم رسالته، ودعوته صلى الله عليه وسلم سواء قلنا باعتبار المفهوم أولاً لأنّ المذكور هنا قومه وجنسه الذين بعث فيهم، وهو خاص بلا كلام والعامّ المبعوث إليهم ولم يتعرض له هنا نفيا واثباتاً فلا وجه لما تكلفوه هنا مما لا يرد رأسا فيحتاج للدفع كما توهم، وقوله: فإنّ دعوته إذا عطف على الأقيين وتعليمه على ما بعده ففيه لف ونشر مرتب. قوله: الم يلحقوا بهم بعد (أي إلى الآن وسيلحقون وهو إشارة إلى أنّ لما نافية جازمة كلم إلا أن نفيها يستمرّ إلى الحال، ويتوقع وقوعه بعده وهو الفرق بينه وبين منفي لم كما ذكره النحاة، وقوله: الخارق للعادة يعني جمعه للعلوم بالشرائع وغيرها وهو أمي بين قوم أميين وهو بيان لارتباطه بما هو دليل له، وقوله: عن أقرانه يعني من قومه وأهله وهذا أولى أو من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لامتيازه عليهم بما أوتيه من العلم لا بعموم دعوته لما مرّ من أنه لم يتعرض له هنا. قوله: (علموها (بالمجهول من التفعيل، والتحميل في هذا شائع يلحق بالحقيقة، وقوله: لم يعلموا الخ لتحريفهم وتعطيلهم لكثير من أحكامها ومن ذلك ذكر خاتم الرسل ونعته والتبثير به، وقوله: حال لتعريفه وكون المضاف عاملاً فيه، وقوله: أو صفة لا! تعريفه ذهني فهو معنى نكرة فيوصف بما توصف به، وقوله: أي مثل الذين كذبوا الخ يعني أن مثل القوم فاعل بئس والذين كذبوا هو المخصوص بالمدح بتقدير مضاف كما ذكره فيتحد الفاعل والمخصوص، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وإذا كان صفة للقوم فالمخصوص بالمدح محذوف والتقدير مثلهم أو هو وتهادوا وتهوّدوا بمعنى صاروا يهودأ. قوله:) إذ كانوا يقولون نحن أولياء الله وأحباؤه) تفسير لقوله: زعمتم وفيه إشارة إلى انّ قولهم: ذلك محقق فاستعمل فيه إن التي للشك إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يجزم به لوجود ما يكذبه، وقوله: وأحباؤه عطف تفسير بيانا لأنّ المراد بالأولياء هنا الأحباء، وقوله: إن كنتم صادقين لأنّ الحبيب يتمنى لقاء من يحب ولا يفر منه. قوله: (والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط) أراد بالاسم اسم إن وهو ردّ على من زعم أنّ الفاء إنما تدخل الخبر إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط، والمتضمن له الذي وليست بمبتدأ بأنه صفة اسم إنّ الذي هو بحسب الأصل مبتدأ والصفة، والموصوف كالشيء الواحد ولأن الذي يكون في الأغلب صفة، وإذا لم يذكر لموصوف تدخله الفاء فكذا إذا ذكر وهو كلام حسن. قوله: (وكان فرارهم يسرع لحوقه) أي الموت بهم هو من الفاء في قوله فإنه ملاقيكم فإنها نفيد تعقيب ملاقاته المفسرة باللحوق فيما مرّ وليست هذه الفاء لازمة كالتي في الجواب الحقيقي فإقحامها لنكتة تليق بالمقام، وهي ما ذكر فكان الفرار الذي أعدوه سببا للنجاة سبباً للهلاك تعكيساً للحال، فما قيل من أنّ الأولى أن يقال. كان فرارهم يلحقه بهم والتشبيه في الترتب لا محالة ولا تظهر دلالته على الإسراع إلا إذا قيل الفاء الجزائية تدل على التعقيب، وفيه ما فيه ليس بشيء لما عرفته مع أنّ الترتب صادق بالسرعة فيحمل على أكمل الإفراد. قوله: (ويجوز أن يكون الموصول الخ) والتعقيب بحاله والمعنى ما مرّ من أنّ الفرار مستعقب لموتهم ملحق له بهم، وقوله: أذن لها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 أطلقه ولها أذانان أذان خارح المسجد، وأذان بعده بين يدي المنبر إذا جلس الخطيب، وفي الكشاف أنّ الثاني هو المراد ويعينه أنّ الأوّل لم يكن على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنما أحدثه عثمان رضي الله عنه كما صرحوا فكيف يقال المراد الأوّل في الأصح لأنّ الإعلام به، وأمّا كون الثاني لا إعلام فيه فلا يضر لأنّ وقتة معلوم تخميناً ولو أربد ما ذكره وجب بالأوّل السعي، وحرم البيع وليس كذلك وفي كتاب الأحكام روي عن ابن عمر والحسن رضي الله عنهم في قوله: إذا نودي الخ قال: إذا خرج الإمام وأذن المؤذنون فقد نودي للصلاة، أن فهو التفسير المأثور فلا عبرة بغيره. قوله: (بيان لإذا) من هذه تحتمل التبعيض وأن تكون بمعنى في كما ذهب إليه أبو البقاء فإن أراده المصنف رحمه الله فالبيان لغوي لأنّ تعيين اليوم الذي فيه ذلك الوقت تعيين له، ولا لبس فيه لأنّ المعاني متقاربة ومثله يسمى إجمالاً لا لبساً لأنّ الليس باحتمال ما لا يصح كما ذكره ابن الحاج في المدخل، وظاهره أنه أراد البيان المشهور لكن أورد عليه أنّ شرط من البيانية أن يصح الحمل فيها، وهو منتف هنا لأنّ الكل لا يحمل على الجزء، واليوم لا يصح أن يراد به هنا مطلق الوقت لا لأنّ قوله تسميه العروبة يمنعه لأنه يجوز فيه الاستخدام بل لأنّ يوم الجمعة علم لليوم المعروف لا يطلق على غيره في العرف، ولا قرينة عليه هنا. قوله: (وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه) هذه عبارة اللغويين وظاهر. أنّ الجمعة وحدها من غير يوم علم ولا مانع منه، واضافة العامّ المطلق إلى الخاص جائزة مستحسنة إذا خفي معنى الثاني أو كان مثتركاً بينه وبين غيره كمدينة بغداد وشجر الإرأك بخلاف إنسان زيد فإنه قبيح وما نحن فيه من الأوّل لأنّ التسمية حادثة، وإن اختلف أهل اللغة فيها هل حدثت في الإسلام أو قبله فلا حاجة إلى تقدير المضاف هنا إلا أن يقال العلم مجموعه وهو محتمل أيضا. قوله: (وكانت العرب تسميه العروبة) هذا بناء على أنّ هذا الاسم حدث في الإسلام وأوّل من استعمله الأنصار، وقيل: إنه جاهليّ وأوّل من سماه كعب بن لؤي مصغرا تصغيرا لأي وعروبة علم جنس يستعمل بال وبدونها، وقيل: أل لازمة والأصح الأوّل وأوّل جمعة مبتدأ وجمعها صفة جمعة، وقوله: في دار لبني سالم خبره، وقوله: إنه لما قدم بالفتح وقبله لام أو باء مقدرة، وهو مقدم من تأخير ويجوز الكسر على أنها جملة معترضة وفي العبارة نوع من الخفاء لا يخفى مثله وما ذكر. من أنّ أوّل جمعة صلاها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأوّل جمعة فعلت في الإسلام قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم للمدينة صلاها ابن زرارة وبه يلغز في صلاة مفروضة صلاها الناس قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: وأوّل جمعة أطلق الجمعة على الصلاة مجازاً كما تطلق مجازاً على أيام الأسبوع أو فيه مضاف مقدر أي صلاة جمعة. قوله: (قصدا) المراد بالقصد هنا الاعتدال لا التعمد فإنه مشترك بينهما وقوله: فإنّ السعي الخ تعليل لكون المراد بالسعي عدم الإفراط في السرعة، وهو المعروف في اللغة وتفسيره في القاموس بعد ألا يخلو من شيء، وقوله: والذكر الخطبة مجازا من إطلاق البعض على الكل كإطلاقه على الصلاة أو لأنها كالمحل له، وقوله: والأمر بالسعي إليها الخ الظاهر عود ضمير إليها للخطبة لأنّ إطلاقها على الصلاة ممرض غير مرضي له ولأنه المحتاج للدليل، وقيل: إنه يجوز عوده لكل واحد منهما. قوله: (واتركوا المعاملة (فالبيع مجاز عن مطلق المعاملة بيعاً وشراء واجارة وغيره أو هو دال على ما عدا. بدلالة النص وقوله: فإن نفع الآخرة خير إشارة إلى أنّ التفضيل فيه مراد لأنّ الخيرية تعم الثواب، وغيره فهي مطلق النفع. قوله: (أو إن كنتم من أهل العلم) فمفعوله محذوف أو لا مفعول له لتنزيله منزلة اللازم واقتصاره على الثاني في الصف كما مرّ قيل: لأنه في مقام العتاب، وهو المناسب له وقوله: فرغ منها إشارة إلى ما في التنقيح وغيره من كتب الأصول من أنّ القضاء يكون بمعنى الإتمام كما مرّ في قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 200] وله معان أخر وقوله: إطلاق لما حظر أي منع فهو إباحة للمعاملة بعد الفراغ منها، وقد كانت ممنوعة وهذا توطئة لما بعده. قوله: (واحتج به من جعل الأمر الخ (الأمر هنا للإباحة على الأصح وفي شرح البخاري للكرماني أنه متفق عليه وفيه نظر لأنه قيل: إنه للوجوب كما نقله السرخسي، وقيل: إنه للندب كما نقل عن سعيد بن جبير وهو الأقرب لما فيه من عدم التشبه بأهل الكتاب في تعليل يوم السبت والأحد، وهذا اليوم لنا بمنزلته، واختلف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 الأصوليون في الأمر الوارد بعد المنع، فقيل: للإباحة استدلالاً بما هنا فإنه لم يذهب أحد من أصحاب المذاهب المشهورة إلى أنه للإيجاب، وهذا عائد بالنقض في دليله ومدلوله، أمّا في دليله فلأن الأصل بقاء الأمر على أصله من الإيجاب أو الندب، وهذا مثال جزئيّ لم يحمل عليه، لأنّ الاتفاق على خلافه قرينة مانعة عن إرادته، ولأنّ المعاملات حق شرع للعبد رفقا به، فلو أوجب أو طلب كان مشقة لا رفقا به، وأشار المصنف رحمه الله إلى دفعه بالحديث أيضا، فإنه دل على أن المأمور به أمر أخروي لا دنيوي، فهو باق على الندبية، ولا دليل فيه لهم على الإباحة وتفصيله في الأصول. قوله: (واذكروه في مجامع أحوالكم) أي في كل مكان لكم جامع لأحوالكم، وعدم الاختصاص مفهوم من عدم تقييده بحال، ومكان وزمان، والأمر للندب، وقوله: فمرّت عليه عير بكسر العين أي إبل محملة بأنواع المأكولات المجلوبة كالبر، وقوله: إلا اثني عشر رجلا من الصحابة رضي الله عنهم، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاج وسعيد بن زيد وبلال وعبد القه بن مسعود، وفي رواية عمار بن ياسر بدل ابن مسعود، وعد في مسلم منهم جابراً. قوله:) وأفراد التجارة برد الكناية الخ) يعني كان مقتضى الظاهر إليهما لسبق شيئين، أو إليه بعود الضمير على ما ذكر، وعوده على الرؤية المفهومة من رأوا خلاف الظاهر المتبادر، والكناية هنا بمعنى الضمير اصطلاح النحاة والمشهور هو اصطلاح أهل المعاني، وقوله: لأنها المقصودة، يحني فاكتفى بالأهمّ كما قرّرناه، وفيه نظر لأنه بعد العطف بأو لا يثنى الضمير، ولا الخبر ولا الحال ولا الوصف لأنها لأحد الشيئين حتى تأوّلوا إن يكن غنيا أو فقيراً فالله أولى بهما، كما مز وتفصيله في إعراب السمين، فالظاهر أن يقال: وحد الضمير لا! العطف بأو واختير ضمير التجارة دون اللهو، لأنها الأهم المقصود وقد يقال: إنه المراد فتدبر، وقوله: فإنّ المراد الخ بيان لأنه الأهمّ. قوله: (والترديد الخ) يعني العطف بأو للدلالة على ما ذكرنا، إذ لو عطف بالواو اقتضى أن الانفضاض لهما معا، وحينئذ فعدم ذكره لعدم الاعتداد به، ولا تغليب فيه كما توهم، وقوله: أو للدلالة عطف على قوله للدلالة قبله، لا على قوله لأنها المقصودة، كما قيل لأنه يتراءى في بادئ النظر إنه علة لتخصيصه بإرجاع الضمير إليه، وهو ظاهر، لكن وجه ما قلناه، وهو المتبادر من السياق أنه سوّى بينهما وذثم الانفضاض إلى التجارة دونه اعتماداً على شذة الظهور فيه، وأنه يعلم بالطريق الأولى فتأمّل. قوله:) وقيل تقديره الخ (ووجه تمريضه ما مرّ من أنه بعد العطف بأو لا يحتاج إلى الضمير لكل منهما، بل يكفي الرجوع لأحدهما، فهو تقدير من غير حاجة. قوله: (بخلاف ما يتوهمونه من نفعهما (إشارة إلى أن التفضيل عليهما، واثبات الخبرية لهما بناء على زعمهم وتوهمهم وإلا فخيرية اللهو متوهمة لا حقيقة لها، وخيرية التجارة غير باقية، كما في سائر أمور الدنيا وتقديم اللهو ليس من تقديم العدم على الملكة، كما توهم بل لأنه أقوى مذمة فناسب تقديمه في مقام الذمّ، وقوله: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع، وخص الأمصار لأنها إنما تلزم فيها على ما عرف في الفقه، تمت السورة والصلاة والسلام على المنزلة عليه وعلى آله وصحبه الكرام. سورة المنافقون مدنيتها وعدد آياتها لم يختلف فيه. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (الشهادة إخبار عن علم) هو تفسير له اتكالاً على فهم السامع، لا تعريف حتى يقال: إنه تعريف غير تامّ، والتعريف التامّ هو أنها أخبار بحق للغير على آخر عن يقين، وأمّا هذا فمنقوض بالدعوى والإقرار، وغيره من الأخبار عما يشاهد، وكونها بالمعنى اللغوي لا يقابل ما ذكر، أو التعريف بالأعم جائز عند الفقهاء واللغويين مما لا حاجة إليه، وقوله: من الشهود أي مشتقة أو ماخوذة منه، وقوله: ولذلك أي لكون معنى الشهادة ما ذكر. قوله: (صدّق المشهود به الخ) المعلل في الحقيقة تكذيبهم في إخبارهم عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 أنهم شهدوا وهم لم يعتقدوا ما شهدوا به، وأمّا تصديق المشهود فلتحقيق أنه مخالف للعلم دون الواقع، فلا يرد ما قيل إنّ كون الشهادة ما ذكر لا يوجب تصديق المشهود به، وإنما هو سبب لتكذيبهم في الشهادة. قوله: (لأنهم لم يعتقدوا الخ) متعلق بقوله: كذبهم، يعني أنّ إخبارهم بما ذكر ليس عن علم، فاندفع تمسك النظام بهذه الآية لما اذعاه، من أنّ معنى الصدق والكذب مطابقة الحكم لاعتقاد المخبر وعدمها لأنه علق فيها التكذيب، بقوله: إنك لرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مطابق للواقع دون الاعتقاد، فيلزم أن يكون الكذب عدم مطابقة الخبر للاعتقاد، ولا قائل بالفصل، فالصدق مطابقته للاعتقاد أيضا لأنا لا نسلم أنّ تكذيبهم في هذا القول، وهو إنك لرسول الله، بل في قولهم نشهد، لأنّ معنى الشهادة ما مز، فإطلاق الشهادة على الزور مجاز، ك! طلاق البيع على الباطل، ومن عمم الشهادة للزور يقول التكذيب في ادّعائهم صدق الرغبة ووفور النشاط في أخبارهم، وأنه صادر عن صميم القلب وخلوص الاعتقاد، كما تدل عليه الجملة الاسمية المؤكدة، أو التكذيب لقولهم: نشهد الخ. لتأكيد المشهود به بما يدل على أنه مواطئ لما في القلب، وبه رجع إلى عدم مطابقة الواقع، وهذا الأخير ما اختاره الزمخشريّ، وقد تقدم فيه كلام في سورة البقرة. قوله: (حلفهم الكاذب) كونه: كاذباً يفهم من الإضافة، وعلى هذا هو استئناف لتعديد قبائحهم، وقوله: أو شهادتهم هذه أي المراد بإيمانهم، قولهم: نشهد هنا، والجمع باعتبار تعدد قائليه فهو استثناف لبيان ما في قلوبهم، وقوله: فإنها أي هذه الجملة تجري مجرى الحلف، توجيه لتسمية ما ذكر يمينا بأنّ الشهادة، وأفعال العلم واليقين أجرتها العرب مجرى القسم، وتلقته بما يتلقى به القسم، كقوله: إنك لرسول الله وقوله: ولقدعلمت لتأتين منيتي إنّ المنايالاتطيش سهامها فشبهت اليمين المقررة للدعوى بالشهادة المثبتة له، واستعير اسمها له، أو هو مضمن له فيؤكد بها الكلام، كالقسم، وقوله: وقرئ إيمانهم أي بكسر الهمزة، وقراءة العامّة بفتحها جمع يمين. قوله: (صذّا أو صدودا) يعني أنّ الفعل متعد فمفعوله محذوف أي الناس، أو لازم، لأنّ الفعول غلب في مصدر اللازم كالجلوس، وعلى الأوّل معناه المنع وعلى الثاني الأعراض قيل: والأوّل أظهر لأنّ إعراضهم أمر مستمر غير مسبب عن اتخاذ الإيمان جنة، وفيه نظر لأنّ المنع لا يظهر تسببه عما قبله، وهو مستمر أيضا فلا بد من التأويل فيه أيضاً، وقوله: اتخذوا جواب إذا، وقيل الجواب قالوا وقيل هو مقدّر، وقوله: والله يعلم جملة معترضة، لدفع إيهام أنّ كذبهم في مضمون الخبر، وظاهره فيه تتميم لطيف كقوله: فسقي ديارك غيرمفسدها صوب الحياء وديمة المطر وهو من حشو اللوزينج كقول المتنبي: وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا قوله: (من نفاقهم وصدّهم) الدال عليه ما مرّ، وقوله: أي ذلك القول يعني قوله: ساء ما كانوا يعملون، والإشارة بالبعيد لتقضي ذكره كما مرّ في أوّل سورة البقرة، وقوله: أو إلى الحال المذكورة، لو قال ما ذكر كان أحسن لما فيه من توجيه الأفراد والتذكير في اسم الإشارة، وقوله: بالإيمان بكسر الهمزة وفتحها، وقوله: ثم كفروا سرّاً لأنهم منافقون لا يظهرون الكفر، ولذا أوّل ليناسب ما نحن فيه، وثم على هذا لاستبعاد ما بين حالي الكفر والإيمان أو المراد ثم ظهر إسرارهم الكفر كما في شرح الكشاف، وحينئذ يجوز في ثم إن تكون على حقيقتها. قوله: (أو آمنوا إذا رأوا آية الخ (هذا أيضا وصف المنافقين، ويكون إيمانهم وكفرهم فيما بينهم وبين شياطينهم، وقيل: هذا بناء على أنّ المراد بهم أهل الردّة، وعلى الوجه الثاني في الكشاف، ولا يخفى أنه ليس في كلام المصنف ما يدل عليه، وقوله: تمرنوا أي صار معتاداً لهم، وقوله: حقية الإيمان، وفي نسخة حقيقة الإيمان، والأولى أصح، وقوله: صباحتها بالفتح أي حسنها وجمالها، وقوله: لذلاقتهم بفتح الذال المعجمة وهو انطلاق ألسنتهم وحدتها. قوله: (فيعجب بهياكلهم) بالبناء للمجهول، وكذا ما بعده لأنه عليه الصلاة والسلام لا يعجبه مثل هؤلاء الصور الفارغة، والهيكل في الأصل البناء المشرف، والحكماء تستعمله للبناء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 المعد للأصنام، ويراد به مجازاً الأجسام القوية، والضخم من كل شيء. قوله: (حال من الضمير الخ) في الكشاف وموضسع كأنهم خشب رفع على هم، كأنهم خثب، أو هو كلام مستأنف لا محل له، ولم يرد بالاستثناف ما هو جواب السؤال، ولم يحمله على أنه حال من الضمير كما قاله أبو البقاء، وتبعه المصنف رحمه الله كما في قوله: فقلت عسى أن تبصريني كأنما بنيّ حواليّ الأسود الخوادر لأنّ الحالية تفيد أنّ سماع قولهم لأنهم كالخشب المسندة، وليس كذلك، ولقائل أن يقول لا وجه لحمله على حذف المبتدأ، لأنه مع حذفه أيضا مستأنف، وهو صالح لذلك من غير اعتبار المبتدأ وتقديره فتدبر. قوله:) في كونهم أشباحا الخ) فيه تسمح لأنه بيان لوجه الشبه المشترك بينهما، فكأن الظاهر أن يقول خالية عن الفائدة، لأنّ الخشب تكون مسندة إذا لم تكن في بناء أو دعامة لشيء آخر، كما بسطه في الكشاف. قوله:) وقيل الخشب جمع خشباء (وعلى الأوّل هي جمع خشبة كثمرة وثمر، ومعناها معروف ومرّض هذا القيل لأنه خلاف المتبادر، ولأنه لا تساعده القراءة بضمتين، لأنّ فعلاء لا يجمع على فعل بضمتين، بل على فعل ساكناً كحمراء وحمر، ولذا قدمه المصنف على ذكر قراءة التسكين، ومن غفل عنه قال: حقه أن يذكره بعد قراءة من قرأ بسكون الشين، فإنّ هذا القول منقول عن اليزيدفي في تلك القراءة، لأنّ قرأءة الأكثر بالضم تدل على أنّ هذه مخففة منها، إذ الأصل توافق القرا آت، ففيه ردّ ضمنيّ لليزيديّ أيضا، وقوله: نخر بالنون والخاء المعجمة والراء المهملة بمعنى تفتت وبلي، وفي نسخة دعر بمهملات كفرح بمعنى فسد، وهو كذلك في الكشاف، وقوله: قبح المخبر أي الباطن والخفي مما يحتاج معرفته إلى الاختبار، وقوله: على التخفيف أي تسكين المضموم ليخف في التلفظ به، وقوله: كبدن أي في أن سكونه أصلي وفيه ما مرّ فتدبر. قوله: (لجبنهم) أي شدة خوفهم لما في طبائعهم من الجبن، وهو ضد الشجاعة، وقوله: اتهامهم أي اتهامهم لأنفسهم بمعنى علمهم بأنهم محل تهمة للنفاق، ونحوه مما يخشونه فهم منتظرون للإيقاع بهم، فالاتهام افتعال من التهمة وهي معروفة، وقوله: ويجوز أن يكون صلته أي صلة صيحة لتعلقه به لأنه يقال: صاح عليه، وهو أحد الوجوه في إعراب السمين، ومن لم يفهم المراد منه، قال المراد أنه صلة يحسبون، وفيه تسامح لأن المراد أنه نعت للمفعول الأوّل، ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلط. قوله: (وعلى هذا يكون الضمير) وهو قوله هم، فحينئذ كان الظاهر إفراده بأن يقال: هو أو هي، لكنه أتى بضمير العقلاء المجموع لمراعاة معنى الخبر وهو مما جوزه النحاة، وهذا بناء على أنّ العدوّ يكون جمعاً ومفردا، وهو هنا جمع وهذا وإن كان خلاف المشبادر لكن في معناه من البلاغة واللطف ما لا يخفى، وهو كقول جرير: مازلت تحسب كل شيءبعدهم خيلاتكرّعليهم ورجالا ومنه أخذ المتنبي قوله: وضحاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا ولبعض المتأخرين في نديم له: لكل شيءرآه ظنه قدحا وكل شخص رآه ظنه الساقي قوله: (لكن ترتب قوله الخ (لا! التحذير منهم يقتضي وصفهم بالعداوة لا بالجبن، كما يفيده ما قبله على الوجهين والترتب من الفاء الدالة على التعقيب، وهذا الضمير للمنافقين بلا شبهة، فإذا عاد ما قبله على العدوّ لزم تفكيك الضمائر، وفي اتصال قوله: للمنافقين بقوله: قاتلهم الله إيهام لطيف لا يخفى لطفه. قوله:) وهو طلب (لأنه دعاء والدعاء من أقسام الطلب، والمطلوب منه في الدعاء هو الله فيكون طالباً من نفسه لعنهم، ويكون كما في قولك أستاذك يقول لك كذا، وهو معدود من التجريد فلا يكون من إقامة الظاهر مقام الضمير، لأنه يفوت به نضارة الكلام كما لا يخفى، وقوله: أن يلعنهم الخ إشارة إلى أن قاتل بمعنى لعن وطرد، وعلى هذا فلا طلب، وأنما المراد أن وقوع اللعن بهم مقرر لا بد منه، وقوله: أو تعليم فتقديره وقولوا الخ. قوله: الؤوا رؤوسهم) هو كناية عن التكبر والأعراض، وقوله: عن ذلك الإشارة إلى القول المذكور، أو الإتيان أو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 الاستغفار، والظاهر الأوّل لتقييد الصد بقوله: عن الاستغفار، وقوله: الخارجين الخ، فسره به لأنّ الفسق أصل معناه الخروج، وحمله على المتبادر منه لا يعد ذمّاً لهم. قوله: (أي للأنصار (فضميرهم للمنافقين، والمقول لهم الأنصار كما يقتضيه سبب النزول المذكور في الكشاف، ومن افتتان بعض موالي المهاجرين مع مولى لابن أبيّ رأس المنافقين، فقال لقومه: لو أمسكتم عن هؤلاء الطعام لم يركبوا رقابكم الخ، فإنه لم يخص الخطاب بالمنافقين، فلا وجه لما قيل هنا من أنّ الظاهر أن يقول المصنف رحمه الله للمنافقين بدل قوله للأنصار. قوله: (هم الذين يقولون لا تنفقوا الخ) تعليل لرسوخهم في الفسق لا لعدم المغفرة لأنه معلل بما قبله، وقوله: على من عند رسول الله الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه، لأنهم منافقون مقرّون برسالته ظاهرا، ولا حاجة إلى أنهم قالوه تهكماً أو لغلبة عليه حتى صار كالعلم، كما قيل: ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة، فغيرها الله إجلالاً لنبيه صلى الله عليه وسلم واكراماً، وقوله: القسم بكسر القاف جمع قسمة وهي النصيب. قوله: (روي أق أعرابياً) هو جهجاه بن سعيد، وهو أجير لعمر رضي الله عته، والأنصاري سنان الجهني حليف بن أبيّ رأس المنافقين، وبعض الغزوات هي غزوة بني المصطلق، والماء يسمى المريسيع، كما بينه أصحاب السير، وقوله: فضرب الأعرابيّ الخ، فيه مخالفة لما في الكشاف لا تضر، وقوله: فشكى إلي ابن أبيّ لأنه مولا. وحليفه، وقوله: فقال أي ابن أبيئ. قوله: (ونصب الأعز والأذل على هذه القراآت الخ) القراءة المشهورة بضم الياء وكسر الراء مسندا إلى الأعز والأذل مفعول به، والأعز بعض المنافقين، والأذل المؤمنون بزعمه، وقرأ الحسن وابن أبي عبلة لنخرجن بنون العظمة، ونصب الأعز على المفعول به، وغيره بالغيبة بفتح الياء وضم الراء، وآخرون بضم الياء وفتح الراء بالبناء للمجهول، وتخريج هذه القراآت ما ذكره المصنف رحمه الله، فإن قدر فيه مضاف هو مصدر قام هذا مقام حذفه، فالنصب على المصدرية، أو قدر مثل فالنصب على الحالية. قوله: (مصدرا لقيامه مقامه بعد حذفه. قوله: (أو حال) إمّا بناء على جواز تعريف الحال، أو أل فيه مزيدة على حد أرسلها العراك، وادخلوا الأوّل فالأوّل، وجوّز أبو البقاء نصبه على أنه مفعول به لحال محذوفة، أي مشبهاً إلا ذلّ أو بتقدير مثل فيه، وهذا الأخير هو الذي ذكره المصنف رحمه الله، فتقدير المضاف جاو على الوجهين في كلامه. قوله: (خروج أو إخراج الف ونشر مرتب فتقدير خروج على قراءة يخرجن بفتح الياء، وتقدير إخراج على القراءتين بعدها وهو ناظر إلى المصدر، وتقدير مثل ناظر للحالية على القرا آت الثلاث. قوله تعالى: ( {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} الخ) قيل: إنّ العطف هنا معتبر قبل نسبة الإسناد، فلا ينافي تقديم الخبر المفيد للحصو، ولا يضرّه إعادة الجار لأنها ليست لإفادة الاستقلال في النسبة، بل لإفادة تفاوت ثبوت العزة، فإنّ ثبوتها له تعالى ذاتيّ، ولالرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الرسالة، وللمؤمنين بواسطة الإيمان فتدبر. قوله:) ولمن أعزه الخ) فيه توجيه للحصر أيضاً، وقوله: كالصلاة الخ، فالذكر مجاز عن مطلق العبادة، وقوله: المذكرة للمعبود بيان لعلاقة المجاز فيه، وهي السببية، لأنّ العبادة سبب لذكره وهو المقصود في الحقيقة منها. قوله:) والمراد نهيهم عن اللهو بها) يعني اللهو المنهي عنه مسند لما ذكر فهو منهيّ بحسب الظاهر، لكن المقصود نهي المؤمنين عن الاشتغال بها وتدبيرها. قوله: (وتوجيه النهي إليها للمبالغة الأنها لقوّة تسببها اللهو وشدة مدخليتها فيه جعلت كأنها لاهية، وقد نهيت عن اللهو فالأصل لا تلهوا بأموالكم الخ، فالتجوّز في الإسناد وهو الظاهر وقيل: إنه تجوّز بالسبب عن المسبب، كقوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [سورة الأعراف، الآية: 2] والمجاز أبلغ من غيره. قوله: (ولذا) أي لكون المقصود نهيهم، قال ومن يفعل فأوعد من يفعله من المؤمنين، ليدل على أن النهي لهم، أو للمبالغة في النهي ذكر بعده ذلك، لأنّ فيه مبالغة من وجوه كالتعريف بالإشارة والحصر للخسار فيهم، وتكرير الإسناد وتوسبط ضمير الفصل. قوله: (أي اللهو بها) جعل الإشارة لإلهائها، وهو أبلغ مما لو قيل بدله، ومن تلهه تلك وإيثارها لأنّ ما في الدنيا تابع لها، كما قال: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة الكهف، الآية: 46] وقوله: وهو الشغل فليس المراد به اللعب هنا، وقوله: بعض أموالكم، فمن تبعيضية، ولا يخفى ما في جعل الإنفاق ادخاراً من البلاغة والحسن. قوله: (أي يرى دلائله) يعني أن فيه مضافا مقدرا، والمراد بدلائله أماراته ومقدماته، فالتقدير يأتي أحدكم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 مقدمات الموت، ولا بد من هذا التقدير ليصح تفريع قوله، فيقول الخ عليه، وأمّا احمله على ظاهره من غير تقدير، وجعل قوله: لولا أخرتني الخ، سؤالاً للرجعة فبعيد متكلف، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله: (وجزم كن للعطف على موضع الفاء الخ (نصبه أبو عمرو وجزمه الباقون، فذهب الزمخشري إلى أنه عطف على محل قوله، فأصدق لأنه في معنى إن أخرتني أصدّق، كما قاله أبو عليّ الفارسيّ، والذي ذهب إليه سيبويه والخليل أنه عطف على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، لأنّ الشرط غير ظاهر ولا مقدر حتى يعتبر العطف على الموضحع، كما في قوله: {مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 186] لكن عبارة التوهم غير مناسبة لقيح لفظها هنا، والفرق بين العطف على الموضع، والعطف على التوهم، كما قاله أبو حيان أن العامل في العطف على الموضمع موجود، وأثره مفقود، وفي التوهم هو مفقود، وأثره موجود، والظاهر أن الخلاف فيه لفظي، فمراد أبي على العطف على الموضع المتوهم، أو المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق، لكنه فر من إيهام العبارة، وأمّا التوفيق بأنّ المصدر المسبوك من أن وصلتها في قوله: فأصدق مبتدأ محذوف الخبر، والجملة جواب شرط مقدر، أي إن أخرتني فتصدقي ثابت، فالفاء رابطة لا عاطفة للمصدر المؤوّل على المصدر المتوهم، كما ذهب إليه الجمهور فمما لا مجال له، لأنه لو ظهر كان النظم هكذا لو أخرتني إلى أجل، إن أخرتني إلى أجل، ولا يخفى ركاكته، وأنه غير مناسب للبلاغة القرآنية. قوله: (وقرئ بالرفع على وأنا كون الخ) النحويون وأهل المعاني قدروا المبتدأ في أمثاله من الأفعال المستأنفة، لا لأنّ الفعل لا يصلح للاستئناف مع الواو الاستئنافية كما هنا، وبدونها فإنه لم يذهب إليه أحد من النحاة، وقد صرح المحقق السعد بأنه مما لم يظهر له وجهه، وقد جوز في الرفع أيضاً عطفه على أصدق لأنه في محل رفع، أو لتوهم رفعه كما في الجزم بعينه، وليس ببعيد. قوله تعالى: ( {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا} ) هذه السورة الثالثة والستون، ولذا قيل: إنه إشارة إلى موت النبيئ لمجي! ، وسن عمره، وقوله: عن النبي صلى الله عليه وسلم موضوع، تمت السورة والحمد دته، أوّلاً وآخرا والصلاة والسلام على النبيّ واكه وصحبه أجمعين. سورة التغابن لا خلاف في عدد آياتها وأنما الخلاف في كونها مكية أو مدنية، أو بعضها مكي، وبعضها مدني كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} ، وعلى أقوال ثلاثة واليه الإشارة بقوله: مختلف فيها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (بدلالتها على كماله) أي بدلالة الموجودات بأسرها على كمال صانعها سبحته ونزهته عما لا يليق به، فالباء سببية أو للاستعانة، وأنث الضمير لتأويل ما بالموجودات، واختاره ليتميز الدال من المدلول عليه. قوله: (قدّم الظرفين) أراد بالظرف الجار والمجرور، وهو له الواقع خبراً هنا فيهما، والمراد بالأمرين الملك والحمد، وقوله: للدلالة على اختصاص الأمرين، إما بناء على أنّ هذه اللام للاستحقاق، وهو أحد معانيها وقد مثل له ابن هشام في المغني بهذه الآية، أو للاختصاص، والاختصاص المدلول عليه باللام ليس بمعنى الحصر أو بمعناه، ولا ينافي دلالة التقديم عليه لجواز اجتماع الأدلة على مدلول واحد، فلا حاجة لتقدير مضاف فيه لتصحيحه، كما قيل إق التقدير على تأكيد اختصاص الأمرين، لأن أصل الاختصاص تدل عليه اللام، إلا أن يقال مدلول اللام لاختصاص في الإثبات، ولذا سوي في المفتاح بين قولنا: السماحة لابن الحشرج، وسمح ابن الحشرج وهو المراد ليستغني عن التقدير، وفيه نظر لأنه في المفتاح إنما سوى بينهما في كونهما طريفاً لتخصيص الصفة بالموصوف صريحا، والمراد بالتخصيص التخصيص في الإثبات أي إثبات الصفة للموصوف، وتقييدها به سواء قصد الحصر أولاً، كما صرح به الشريف في شرحه، فلا تنافي هذه التسوبة قصد الحصر كما يتراءى في النظرة الأولى فتدبر. قوله: (من حيث الحقيقة (لأنه المبدئ المبدع لكل شيء، المالك له في الحقيقة، وملك غيره تسليط منه تعالى للعبد فهو له بالذات، ولغيره بالعرض، واذا كان كل شيء له فأصول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 النعم وفروعها له، وأمّا العبد فلجريان إنعامه تعالى على يد.، يعد منعما فالحمد لله بالحقيقة ولغيره بحسب الصورة، ومنه تعلم ما في تقديم قوله: له الملك، لأنه كالدليل لما بعده من الحسن الظاهر. قوله: (لأن نسبة ذا-له الخ) لأنّ ذاته مقتضية لقدرته فلا تنفك عنها، وتكون نسبتها إلى جميع الأشياء على سواء، فلا يتصوّر كون بعضها مقدوراً له دون بعض، بل هو قدير عليها كلها، وقوله: ثم شرع الخ، المدعي هنا كونه قادراً على كل شيء من الذوات والصفات، كالكفر والإيمان، فقال هو الذي خلقكم الخ، كما سنقرره، وقوله: إلى الكل متعلق بنسبته. قوله تعالى: ( {فَمِنكُمْ كَافِرٌ} الخ) ظاهر تقريرهم أنه معطوف على الصلة، ولا يضره عدم العائد لأنّ المعطوف بالفاء يكفيه، وجود العائد في إحدى الجملتين، كما قرّروه في نحو الذي يطير الذباب فيغضب عمرو، أو يقال فيها رابط بالتأويل لأنها بمعنى وقد كفرتم الخ، وفي كلام المصنف إشارة مّا إليه، أو نقول هي معطوفة على جملة هو الذي الخ. قوله: (مقدّر كفره) بصيغة المفعول وبجوز كونه بصيغة الفاعل، وكذا موجه وسيأتي بيانه، ومعنى التوجيه إليه خلقه مستعدّا ومتهيأ لما خلق له فالفاء للتفصيل مع التعقيب أيضاً، لأنّ التوجيه المذكور بعد الخلق باعتبار الوقوع ولا مخالفة فيه لما ني الكشاف، وما قيل من إنها تفصيلية كقوله: {خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [سورة النور، الآية: 45] الآية لأنّ كونهم كافرين ومؤمنين مراد من قوله: خلقكم الخ، وكونه تقريراً لما ادعاه يدل عليه، وجعلها الزمخشريّ للترتيب والعاقبة، ولا يناسبه السياق، وأنّ الآية واردة لبيان عظمته في ملكه وملكوته، واستبداده فيهما ليس بشيء، لأنّ قصده بما ذكر هو الرد على المعتزلة، في أنّ الكفر والإيمان ليس مخلوقاً له تعالى، ولذا عدل المصنف عما في الكشاف، كما يظهر لمن نظره فالفاء تفصيلية عندهما، وقد جعلها الزمخشريّ، كقوله: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة الحديد، الآية: 26] وتفيد الترتيب لأنّ توجيه ما يحمله عليه، وتوفيقه يكون بعد الخلق، وكون كلام الزمخشري غير مناسب للسياق مكابرة لمن تأمّله، وكونها واردة لما ذكر لا يأباه، مع أنه قيل إنها ليست واردة له، بل لما يتوقف عليه الوعد والوعيد بعده من القدرة التامّة والعلم المحيط بالنشأتين، والذي أوقعه فيما وقع فيه كلام الطيبي فتدبر. قوله: (بالحكمة البالنة) أي العظيمة إذ أصله البالغة أقصى ما يتصوّر منها ونحوه، وفسر بما ذكر لأن المراد به مقابل الباطل هنا، فيراد به الفرض الصحيح الواقع على أتم الوجوه، وقوله: ثم زينكم الخ، وفي نسخة حيث زينكم الخ، يعني أنه تعالى جعل الإنسان معتدلى القامة على أعدل الأمزجة، وآتاه العقل وقوّة النطق والتصرّف في المخلوقات، والقدرة على أنواع الصنائع، وجعل فيه الروح ليكون ملحاقاً بعالم المجرّدات، والبدن المادي ليجمع بين العالم العلوي والسفلي، فلذا كان أنموذجا كما قيل: وتزعم أنك جرم صنن وفيك انطوى العالم الأكبر وقوله: {وَأَحْسِنُوَاْ} إشارة إلى وجه اتصال، قوله واليه المصير بما قبله، والمسخ بالخاء المعجمة أريد به التغيير وهو ظاهر. قوله: (فلا يخفى عليه الخ) تفسير لقوله: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، وبيان لأنه ذكر تعليلا لما قبله، وهو كالدليل عليه، لأنه إذا علم السرائر وخفيات الضمائر لم يخف عليه خافية، من جميع الكائنات الكليات والجزئيات، وقوله: لأنّ نسبة الخ، استدلال على إحاطة علمه تعالى، كما مرّ في القدرة لأنه ذاتي، وما هو بمقتضى الذات لا يتفاوت ولا يختص ببعض المعلومات. قوله: (وعلى علمه بما فيها) وفي نسخة لما فيها، لأنّ اأ! ال على علمه إما اتقان مصنوعاته لأنّ مثل هذه المتقنات لا تصدر إلا عن علم كمل بها، ويكفيه إيجادها أو اختيار بعض أحوالها دون بعض، فإنه يدلّ عليه أيضا، وللمتكلمين في إثباته وجهان كما ذكرناهما، واليه أشار المصنف بقوله: من الإتقان، وقوله: والاختصاص الخ، فتأمّل. قوله: (أيها الكفار) جعل الخطاب للكفار لدلالة ما بعده عليه، قيل: إنه إشارة إلى أنه خطاب لأهل مكة، وقوله: في الدنيا متعلق بذاقوا، أو بكفرهم، وقوله: أصله الثقل، واستعمل للضرر لأنه يثقل على الإنسان ثقلا معنويا، وقوله: الثقيل القطار من إضافة الصفة المشبهة لفاعلها، وهو بزنة كتاب جمع قطر، وقوله: المذكور توجيه لأفراد ذلك لتأويله بالمذكور، ولو قال: ما ذكر كان أحسن، وقوله: بسبب الخ فالباء سببية، والضمير شأني، وقوله: وتعجبوا لأحسن، أو تعجبوا، وقوله: للواحد الخ دفع لما يتوهم من أنه كان الظاهر يهدينا. قوله: (واستغنى الخ) معطوف على ما قبله ولا حاجة إلى جعله حالاً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 بتقدير قد، واستغنى بمعنى أظهر الغنى لأنه يلزم الطلب، أو هو للمبالغة أو بمعنى الثلاثي، والأوّلي أنسب بما بعده. قوله:) يدل على حمده كل مخلوق الخ (كل مخلوق مرفوع على أنه فاعل يدل، فالمعنى أنه محمود وجميع المخلوقات دالة على أنه المحمود منادية على ذلك بلسان الوجود، لأنّ حقيقة الحمد إظهار صفات المحمود الكمالية، وكل مخلوق مظهر لكمال خالقه، ويجوز نصبه والمعنى لأنه المرشد لحمده والمعلم لعباده أن يحمدوه، والأوّل أولى، وقوله: ولذلك أي لما فيه من معنى العلم، وقوله: أي بما في حيزه وهي مخففة لا مصدرية، لئلا يتوالى ناصبان، ولأنها تدخل على الجمل فتسد مسدا لمفعولين، وقوله: بلى تبعثون لأنّ بلي لإيجاب النفي، كما مز تقريره. قوله: (لقبول المادّة الخ (يعني ذلك إشارة للبعث وتعسره على الفاعل المختار إما لعدم قبول مادته للإيجاد، أو لعدم قدرة الفاعل، أو لنقصها، وكلاهما منتف أما الأوّل فلعدم اقتضاء الموادّ الممكنة للعدم، وأما الثاني فلثبوت قدرته سبحانه وتعالى عن إنشائها، وانشاء ما هو أعظم منها. قوله: (فإنه بإعجارّه الخ) عرفوا النور بأنه هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره فاستدل بثبوت الحد على ثبوت المحدود، فيعلم منه وجه إطلاق النور عليه والمشابهة بينهما فإن فهمت فهو نور على نور وضمير فيه للقرآن، وما بعده لما وقوله: فمجاز عليه مرّ بيانه، وهو أحسن من تفسير الزمخشريّ له بمعاقبكم لأن هذا شامل للوعد والوعيد الدال عليهما ما قبله من الأمر بالإيمان، وقوله: ظرف لتنبؤون بتنوين ظرف وكسر اللام بعده أو بإضافته وفتحها وحينئذ فما ذكر وجه لاختصاصه بذلك اليوم وما بينهما اعتراض، وأما تعلقه بخبير فلا وجه له ويجوز تعلقه بمحذوف بقرينة السياق أي يكون من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به المقال، وقوله: أو مقدر باذكر لا وجه لما قيل الظاهر اذكروا ليوافق بجمعكم. قوله: (لآجل ما فيه (فاللام تعليلية وفيه مضاف مقدر، وقيل: اللام بمعنى في فلا تقدير فيه، وقوله: يغبن فيه بعضهم بعضا فالتفاعل على ظاهره وهو كما في الكشاف مستعار من تغابن التجار وفيه تهكم بالأشقياء لأنّ تلك المنازل نافعة لهم أو جعل تغابنا مبالغة على طريق المشاكلة، وقوله: واللام فيه الخ يعني تعريف التغابن المفيد للحصر بتعريف الطرفين كما في زيد الشجاع، والتعريف للجنس والمعنى أنه لا يوم للتغابن غيره. قوله: (1 لإشارة إلى مجموع الأمرين) المراد بالأمرين تكفير السيئات وهو الدافع للمضار ودخول الجنات وهو النافع لا الإيمان والعمل الصالح وقوله: ولذلك الخ أي لكونه جامعا لهما، والعظيم أبلغ من الكبير لما سيأتي في سورة البروج إنه يجلب المنافع لا غير وفيه نظر. قوله: (بيان للتغابن الخ (لاحتوائهما على منازل السعداء والأشقياء، وهو ما وقع فيه التغابن كما مز، وقوله: كأنها قال كأن تأدباً على عادته في عدم الجزم بمراد الله لأنّ الواو تأبى البيان كما عرف في المعاني لأنّ قوله: وتفصيل له إشارة إلى وجه العطف لأنه لما فيه من التفصيل ينزل منزلة المتغايرين فيعطف على ما بينه كما فصله في المطول في قوله: {يَسُومُونَكُمْ} الآية، واذن الله مرّ تحقيقه مرارا. قوله: (والاسترجاع عند حلولها) أي الصبر، وقوله: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [سورة البقرة، الآية: 156] إذا حلت به مصيبة، وقوله: على طريقة سفه نفسه يعني أنه منصوب بنزع الخافض والتقدير يهد في قلبه أو إلى قلبه كاهدنا الصراط المستقيم كأنّ المؤمن واجد لقلبه مهتد له وغيره فاقد له ضالّ عنه فهو كقوله: لمن كان له قلب أو هو تمييز بناء على أنه يجوز ثعريف التمييز وقد مرّ تفصيله في هذه الآية المذكورة فتذكره. قوله: (ويهدأ بالهمزة الخ) لأنّ في الإيمان اطمئنان القلب وفي غيره قلقه واضطرابه، وأنما فسر الهداية بالثبات والاسترجاع لأنّ المؤمن مهتد فلو أبقى على ظاهره لم يفد. قوله: (فلا بأس عليه الخ) يعني أنه من حذف الجزاء واقامة دليله مقامه أو من إقامة السبب مقام المسبب كما مرّ في سورة النحل، وقوله: (لآنّ إيمانهم الخ (ليس في الآيات لمن تأمل في الحث على التوكل أعظم من هذه الآية لإيمائها إلى أنّ من لا يتوكل ليس بمؤمن، وقوله: (يشغلكم (الخ بناء على أنّ سبب النزول أن عوفا الأشجعي كان إذا أراد الغزو تعلق أهله به وبكوا فرجع، وقوله: (أو يخاصمكم) الخ بناء على أن سببها ما ذكروه من منع أولاده عن الهجرة والتفقه في الدين كما فسره الزمخشري، وقوله: (غوائلهم) بالغين المعجمة جمع غائلة، وهو الضرر المترتب على بعض الأمور، وقوله: (التثريب) هو التوبيخ. قوله: (يعاملكم بمثل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 ما عملتم الخ) إمّا مرفوع على أنه مستأنف إشارة إلى أنّ قوله: فإن الخ جزءا باعتبار الأخبار كأنه قيل: إن فعلتم ذلك فاعلموا أن الله غفور الخ أو مجزوم بناء على أنه جزاء باعتبار أن يراد به مسببه، وقوله: (على محبة الأموال) الخ إشارة لاتصاله بما قبله، وقوله: (في وجوه الخير عمومه من الإطلاق) وكونه خالصا لأنّ الخيرية لا تتأتى دونه، وقوله: (أي اقعلوا (فهو مفعول لفعل مقدر وقوله: (تثيد للحث) الخ لأنه جعل خاتمة لها مشيرة لترجيحها على ما اعتقدوا خيريته من الأموال والأولاد، وقوله: (جواباً للأوامر) وتقديره يكن ذلك خيراً لأنفسكم. قوله: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ} تقدم أنه استعارة مكنية، وقوله: (فيما أمره) على الحذف والإيصال أي أمر به كقوله: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به وقوله: يعطي الجزيل بالقليل يشير إلى أن في صيغة فعول مبالغة وأن الشكور في حقه تعالى معناه معطي الثواب الكثير بالعمل القليل، وحقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم، وقوله:) عن النبئ صلى الله عليه وسلم) حديث موضوع وآثار الوضع فيه ظاهرة ومناسبته للسورة لما ذكر فيها مما يجلب المنافع، ويدفع المضار وأنّ ثل مصيبة بإذنه وارادته فتأمّل تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. سورة الطلاق وتسمى سورة النساء القصرى وهي مدنية بالاتفاق، واختلف في آياتها فقيل: اثنتا عشرة، وقيل: إحدى عشرة والاختلاف في ثلاث آيات من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ويجعل له مخرجا ويا أولي الألباب كما قاله الداني في كتاب العدد. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (خص النداء وعم الخطاب الخ (خص وعم إن كانا مجهولين فالنداء والخطاب مرفوعان بالنيابة عن الفاعل وإن كانا معلومين فهما منصوبان وضمير الفاعل له تعالى، يعني كان حقه أن يقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ} فخص النداء به مع أنّ الكلام معهم جميعا والحكم عام له صلى الله عليه وسلم ولهم لأنه مقتداهم فنداؤه كندائهم كما يقال لكبير القوم: يا فلان افعلوا كيت وكيت فتخصيصه صلى الله عليه وسلم لرفعة شأنه، ولذا اختير لفظ النبيّ لما فيه من الدلالة على علو مرتبته، وقوله: بالحكم متعلق بالخطاب والمراد بالحكم الحكم الذي في الجملة الشرطية أو هو الحكم الشرعي، وهو التطليق لعدتهن وقوله: فنداؤه كندائهم لأنه منزل منزلتهم فيما لا يكون من خصائصه، وقوله: الحكم يعمهم ففيه تغليب للمخاطب على الغائب تقديره إذا طلقت أنت وأمتك، وقد قيل: إنه بعد ما خاطبه صرف الخطاب عنه لأفته تلوينا له لما في الطلاق من الكراهة فلم يخاطب به تعظيما له، وقيل: تقديره (يا أيها النبئ قل لأمتك إذا طلقتم) الخ وهو من المجاز قالوا: والا فلا معنى له إن اتحد الشرط والجواب لما فيه من تحصيل الحاصل أو يكون المعنى إذا طلقتم النساء قط لقوهت مرّة أخرى وهو غير مراد وجعله المصنف تبعا للزمخشريّ من المشارفة كقوله: " من قتل قتيلاَ فله سلبه " فقيل: عليه الأظهر أنه من ذكر المسبب وإرادة السبب، وفيه نظر لأنّ المراد ما ذكر لكن المراد أنه لم يتجوّز بالفعل عن إرادته مطلقا بل عن الإرادة المقارنة له، ويتبعها تشبيه المشارف للفعل بالمتلبس به ففيه مكنية أو شبهها وهو أبلغ وأنسب بالمقام والمعترض لم يتنبه لمراد الشيخين هنا فافهم، ثم إنهم اتفقوا هنا على أنه لولا التجوّز لم يستقم الكلام ولك أن تقول إنه لا حاجة إليه، بل هو من تعليق الخاص بالعام وهو أبلغ في الدلالة على اللزوم كما يقال إن ضربت زيداً فاضربه ضربا مبرحاً لأنّ المعنى أن يصدر منك ضرب فليكن ضرباً شديداً وهو أحسن من تأويله بالإرادة فتدبر. قوله: (أي في وقتها) فاللام للتأقيت كالداخلة في التاريخ نحو لخمس خلون، وفسر وقت العدة بالطهر والمراد وقته ففيه مضاف مقدر وقوله: فإن اللام في الأزمان الخ بيان لكونها للتأقيت هنا، والمراد بالتأقيت أنها بمعنى في إذا لم تقم القرينة على خلافه كما في قوله: {لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [سورة التغابن، الآية: 9] فإنّ اللام فيه تعليلية كما مرّ وما قيل: من أن ما ذكر فيما يشبهها صحيح وأما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 في الأوقات نفسها فلا لأنه يلزمه تكرير الوقت لأنه معنى اللام ومعنى مدخولها، وفيه أيضا تخيل فاسد لأنّ المراد بالتأقيت أنها بمعنى في وهي تدخل على الظرف وما ضاهاه لتعيين المراد منه. قوله:) ومن عد العدة بالحيض) بفتح الحاء وسكون الياء أو بكسر، ثم فتح جمع حيضة وهو مذهب أبي حنيفة، وقوله: علق اللام الخ إشارة إلى ترجيح مذهبه لأنها عنده تأقيتية متعلقة بطلقوهن من غير احتياج للتقدير لكنه أيد المذهب الآخر بالقراءة المنسوبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي قبل عدتهن وبالأدلة الدالة على إرادة الحيض من القرء كما في الكشاف، ولذا أسقطه المصنف رحمه الله تعالى لمخالفته لمذهبه، وفيه كلام في الانتصاف وغيره حيث ادعوا عدم دلالة تلك القراءة على مدعاه بل هي دالة على خلافه، وليس هذا محل تفصيله. قوله:) مثل مستقبلات) كما قدرت في قولهم: كتبته لليلة بقيت من المحرم فإن تقديره مستقبلاً لها، وحينئذ يكون ابتداء العذة من الحيض لأنّ الطلاق الواقع في الطهر قبلها مستقبل لها، ومستقبلات المقدر حال، وقوله: وظاهره أي ظاهر النظم مؤيد لمذهبه وإن العدة بالإطهار لا بالحيض لأنّ الطلاق السني المامور به إنما يوقع في الطهر، وقد جعل في العدة في الآية فيكون الطهر عدة وما قدروه خلاف الظاهر، وقوله: وإن طلاق المعتدة الخ يعني يلزمه أن يفسر الإقراء بالأطهار بالحيض. قوله: (ينبغي أن يكون في الطهرا لم يقل يجب أن يكون في الطهر لأنّ إيقاع الطلاق في الطهر لم يقل أحد بوجوبه لكنه إذا جزم بإيقاعه ينبغي له أن يوقعه في الطهر، ولما كانت هذه العبارة موهمة لجوازه مع الكراهة في الحيض دفعه بقوله: عقبه وأنه يحرم في الحيض، ومن لم يتنبه له قال: الأولى أن يقول: يجب بدل قوله: ينبغي، وهو مما صرحوا به. قوله:) من حيث إن الآمر الخ) المسألة طويلة الذيل في الأصول لا حاجة لنا هنا في ذكرها، وإنما ذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا لأنّ المراد من الأمر هنا تحريمه في الحيض، لا إيجابه في الطهر كما عرفت، وقوله: ولا يدل الخ معطوف على قوله: يستلزم لقربه وظهوره، ولأنّ قوله: بعده إذ النهي الخ، داق عليه أو على قوله: يدل دفع للسؤال المقدر، لأنه إذا كان نهيا عن ضده وعن إيقاعه في الحيض، ربما يوهم أنه لو طلق فيه لا يقع، وضمير وقوعه للطلاق في الحيض، وفاعل يدل ضمير يعود على النهي، أو على قوله: ظاهره. قوله:) إذ النهي لا يستلزم الفساد (سواء رادف البطلان أو لا، وعلى الخلاف بين الشافعية والحنفية فيه، كما فصل في الأصول، قال المصنف رحمه الله تعالى في منهاج الأصول: النهي شرعا يدل على الفساد في العبادات، وفي المعاملات، إذا رجع إلى نفس العقد، أو إلى أمر داخل فيه، أو لازم له، فإن رجع إلى أمر مقارن كالبيع وقت النداء فلا انتهى، وما نحن فيه لأمر مقارن، وهو زمان الحيض فلا يقتضي الفساد عند الشافعية، وفي هذه المسألة خلاف لهم أيضا، وقال أبو حنيفة رحمه الله: النهي مطلقاً لا يفيد الفساد كما فصل في جمع الجوامع وشروحه. قوله: (كيف وقد صح أق ابن عمر الخ) تأييد لوقوعه، لأنه لو لم يقع لم يأمره بالرجعة، والحديث مرويّ من طرق في السنن، وفيه كلام ذكره ابن حجر. قوله: (وهو سبب نزوله) أي ما ذكر من تطليق ابن عمر رضي الله عنهما، وأمر النبيّءلمجفه سبب نزول هذه الآية على قول وقيل السبب تطليق النبي-لمجي! حفصة رضي الله عنها، وقيل غيره، وقال القرطبي: نقلا عن علماء الحديث إنّ الأصح أنها نزلت ابتداء لبيان حكم شرعي، وكل ما ذكر من أسباب النزول لها لم يصح. قوله: (واضبطوها الخ (أصل معنى الإحصاء العد بالحصى، كما كان معتادا قديما، ثم صار حقيقة فيما ذكر. وقوله: في تطويل العدة الخ، بيان لحكمة كون الطلاق إذا أريد ينبغي إيقاعه في الطهر، وقوله: باستبدادهن، أي استقلالهن بالخروج من غير إخراج أحد لهن، وقوله: مساكنهن الخ إشارة إلى أن الإضافة ليست للتمليك بل للسكنى المخصوصة. قوله:) إمّا لو اتفقا على الانتقال الخ) قيل: إنه مذهب الشافعيّ، والحنفية لا يجوّزونه، وفيه نظر، وقد ذكر الرازي في الأحكام ما يدل على خلافه، وأنها كالنفقة تسقط بالإسقاط فليحرر، وقوله: دلالة على استحقاقها السكنى، وهو من قوله: لا تخرجوهن، وقوله: لزومها بالجر عطف على ايتحقاقها، وهو مصدر مضاف لمفعوله، وملازمة بالرفع فاعله، وهذا من قوله: ولا يخرجن الخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 قوله: (مستثنى من الأول) أي من قوله: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ} وقوله: (إلا أن يبذون) أي النسوة، وفي نسخة إلا أن تبذوا أي المرأة، ووحده كما في قوله: تزني الآتي، لأنه إنما يصدر عن البعض دون الجميع، والأوّل أصح، وإلبذاء بالذال المعجمة والموحدة هو الكلام القبيح كالشمّ، فإذا أطالت لسانها على الزوج، أو إحمائه كانت كالناشزة، فيسقط حقها في السكنى، فالفاحشة المتكلمة بالكلام الفاحش القبيح. قوله: (أو إلا أن تزتي الخ) فالفاحشة الفعلة، الفاحشة وهي الزنا، وعلى هذا يصح استثناؤه من كل منهما، وقوله: فتخرج مضارع الخروح، أو الإخراج، ولا يتعين أن يكون من الأوّل، كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: للمبالغة في النهي لأنّ استثناء منه يدل على أنه غير منهيّ عته، فإذا أريد بالفاحشة الخروج نفسه يكون أقوى في النهي، لإشعاره بعدم ارتداعه بالنهي، فهو مستحق لما هو أشد منه. قوله: (بأنّ عرضها للعقاب) فسره بعضهم بأضرها ضررا دنيوياً، وقال: إنّ التفسير بتعريضها للعقاب يأباه، قوله: لعل الله الخ، لأنه مستأنف لتعليل الشرطية، وقد قيل: ما يحدثه تقليب قلبه إلى خلاف ما هو عليه، فلا بد من كون الظلم ضرراً دنيويا لا يمكن تلافيه، أو عامّا دنيوي، والأخروي، والتعليل بالدنيوي لأنّ الضرر به أشد عندهم وهم بدفعه أعني، وقد رد بأن الضرر الدنيوي غير محقق فلا ينبغي تفسير الظلم هنا به، وقوله: لعل الله الخ، ليس تعليلا لما ذكر بل ترغيباً للمحافظة على الحدود بعد الترهيب وفيه نظر. قوله: (أو المطلق (أي الذي تضمنه قوله: طلقتم، وقوله: برجعة متعلق بالرغبة، وقوله: أو استئناف أي لعقد النكاح إذا لم تكن رجعة فهو شامل للبائنة، وقوله: فراجعوهن بعده لا ينافي عموم صدره لأنه من ذكر الخاص بعد العامّ، وقوله: (شارفن) الخ، فهو من مجاز المشارفة بقرينة ما بعده، لأنه لا يؤمر بالإمساك بعد انقضاء العدة، وقوله: وانفاق مناسب يعني لحال اك وجين، وقوله: مثل الخ، تمثيل للضرار. قوله: (على الرجعة أو الفرقة) أو لمنع الخلو، واختارها لمناسبة المفسر، وهو قوله: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ} فليست الواو أولى من أو هنا، وقوله: (تبرئا عن الريبة الف ونشر مرتب، فإنه لو لم يشهد على الرجعة قد يتهم بالزنا، وامساكها بعد الطلاق، وقطع النزاع بالإشهاد على الفرقة، ويجوز كونه تعليلاَ لهما لأنّ المرأة قد تنكر الرجعة، وربما يموت أحدهما بعد الفرقة فيدعي ثبوت الرجعة للإرث ونحوه، وقوله: وعن الشافمي الخ، هو قوله القديم، والأول قوله الجديد المفتى به عندهم. قوله تعالى: ( {وَأَشْهِدُوا} الآية (فيه دليل على إبطال قول من قال: إنه إذا تعاطف أمران لمأمورين يلزم ذكر النداء، أو يقبح تركه نحو: اضرب يا زيد، وقم يا عمرو، وعلى من خص جوازه باختلافهما، كما في قوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ} [سورة يوسف، الآية: 29] بأن المأمور بقوله: (أشهدوا للمطلقين) ، وبقوله: (أقيموا الشهادة للشهود) ، وقوله خالصا لوجهه تفسير لقوله الله، وقوله: (فإنه المنتفع (الخ، بيان لوجه تخصيص قوله: {مَن يُؤْمِنُ} ا! ث، مع أنه عام في نفسه. قوله: (جملة اعتراضية) أي بين المتعاطفين، وهي قوله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} ، وقوله بالوعد متعلق بقوله مؤكدة والمنهي عنه صريحا الخروج، والإخراج وضمناً ما علم من الأمر، وقوله؟ (من الطلاق) الخ، بيان لما والإضرار تطويل العذة كما مر وهو ضمني، واخراجها هو الصريح كما مر، وتوقع جعل بضم الجيم أي أجرة أو رشوة معلوم من قوله لله، وقوله: بأن يجعل متعلق بالوعد، وقوله: من وجه أي من جهة أخرى لم تخطر بباله. قوله: (أو بالوعد) معطوف على قوله: بالوعد السابق، فقوله: {وَمَن يَتَّقِ} الخ على الأول وعد خاص بمن اتقى عما نهى عنه صريحا أو ضمنا كما مر من الأزواج والزوجات ونحوهم وعلى هذا عامّ لكل متق عن المنهيات والمخرج في الأول من المضار المتعلقة بالتزاوج، وعلى هذا عن مضار الدارين مطلقاً. قوله: (أو كلام جيء به للاستطراد الخ) وهو معترض أيضا خلافا لمن توهم خلافه لكنه على الأول مسوق لتقوية الحكم السابق بخصوصه أو بعمومه وعلى هذا لما ذكر المؤمنين استطرد لذكر بعض من أحوالهم، وأنه تعالى متكفل لأمورهم. قوله: (وعتة الخ) هو مؤيد للقولين الأخيرين، ولأنّ المراد العموم لا خصوص من سبق، وهذا الحديث ضعيف، وقال بعضهم إنه موضوع كما نقله السيوطي، وقوله: وروي الخ ذكره ابن مردويه في تفسيره، وقوله: فشكا أبوه لأنهم كلفوه ما لا يطيقه من الفداء، كما صرح به في الرواية، وقوله: وأكثر الخ روي أنه قال له ابعث إلي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 ابنك ليكثر من لا حول الخ، وقوله: غفل عنها في نسخة تغفل عنها، فيكون متعدياً من تغفلت الرجل عن كذا، إذ! أخذته على غفلة منه. قوله: (يبلغ ما يريده) فأمره مفعول بالغ والإضافة للملابسة، والمراد بأمره ما أراده من الأمور، وقوله: بالإضافة أي للمفعول أيضاً، وقوله: بالغ أمره على أنّ أمره فاعل أو مبتدأ خبره مقدم، والجملة خبر، وقوله: على أنه حال لا خبر على نصبها للجزأين في لغة لأنها ضعيفة، والحال من فاعل جعل مقدمة من تأخير لا من المبتدأ فإنهم لا يرتضونه، وقوله: تقديرا، فالمراد تقديره قبل وجوده، أو هو مقدار بقائه أو نهايته، وقوله: بيان لوجوب التوكل الخ، لأنه إذا علم أنّ كل ما يكون بتقديره في وقت معين، لا يتخلف عنه وجب التوكل، ولزم العاقل ذلك كما قيل: لاتأس فإنّ حملك الهمّ جنون ما قدرأن يكون لا بدّيكون قوله: (وتقرير لما ثقدم الخ (فإنه تعالى إذا جعل لكل شيء مقدار أو زمانا، كان الطلاق كذلك، فلزم إحصاؤه وضبطه. قوله تعالى: ( {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} الخ) قالوا: إنه مبتدأ خبره جملة فعدّتهن الخ، وإن ارتبتم جوابه محذوف تقديره فاعلموا، أنها ثلاثة أشهر، والشرط وجوابه المقدر جملة معترضة، ويجوز كون قوله: {فَعِدَّتُهُنَّ} الخ، جواب الشرط باعتبار الأخبار والأعلام، كما في قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة الخل، الآية: 53] والجملة الشرطية خبر من غير حذف وتقدير، وقوله: روي الخ إشارة إلى أنّ الشرط لا مفهوم له، لأنه بيان للواقعة التي نزل فيها من غير قصد للتقييد. قوله: (أي جهلتم) قيل: لأمنع من إبقاء الشك على ظاهره وحقيقته، ويؤيده الرواية المذكورة، لأن السؤال لترددهم في العدة ولا يخفى إبقاؤه على ظاهره، ولذا فسره أوّلاً بقوله: شككتم ثم بين أنّ شكهم ناشئ من جهلهم، وسبب النزول مناسب للجهل والشك معا ولا ضير فيه، وقوله: {لَمْ يَحِضْنَ} ، وفي نسخة لا يحضن وهما بمعنى، وقوله: (مشهى عدّتهق الأن الأجل يطلق على المدة كلها، وعلى غايتها، والثاني هو المراد هنا، وقوله: لم يحضن بعد يعني الصغار، وقوله: كذلك هو الخبر المقدّر، وهو أحسن من تقدير فعدتهن ثلاثة أشهر وأخصر كما في الكشاف، ولو عطف على قوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} ، وجعل الخبر لهما من غير تقدير جاز. قوله: (والمحافظة على عمومه الخ) أي عموم الواقع هنا للمطلقة، والمتوفى عنها ليكون عدتهما بالوضحع مطلقا أولى من إبقاء آية الوفاة على عمومها للحامل، وغيرها خلافا، لما روي من مذهب بعض الصحابة من أنه آخر الأجلين، ورجح إبقاء هذه على عمومها بقوله بالذات، لأنه جمع معرّف، فيعم بخلاف قوله: أزواجا فإنه جمع منكر، فمن قال بعمومه قال: لأنه وقع في الصلة، والموصول يعم فيعم ما في صلته، فلذا كان بالعرض لا لأنّ الجمع المنكر قد يعم، وتقديره بأزواج الذين يتوفون غير متعين، مع أنه لو سلم فعموم المصرّج أقوى، وأولى من عموم المقدرة فلا يضرنا أيضا. قوله: (والحكم معلل هاهنا) يعني أنّ قوله: وأولات الأحمال من تعليق المشتق الدال على علية مأخذ الاشتقاق لأنه في معنى، والحاملات أجلهن أن يضعن الخ، والحمل باعتبار شغل الرحم وفراغه عنه صالح للعلية فحكمه أقوى من غيره لقوة المعلل على غيره، فيبقى على عمومه للمطلقة والمتوفى عنها بخلاف قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [سورة البقرة، الآية: 234] فإنّ الوفاة لا تصلح للتعليل هنا. قوله: (ولآنه صح الخ) هو مروي في البخاري، وهو حديث صحيح، وقوله: بليال وقع في البخاري أربعين ليلة، وقوله: ولأنه متأخر النزول كما رواه البخاري، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لما بلغه الخبر أنّ علياً قال عدتها آخر الأجلين، قال من شاء لاعنته إنّ سورة النساء القصرى، وآيتها نزلت بعد التي في البقرة، والعمل بالمتأخر لما سيأتي. قوله: (فتقديمه في العمل الخ) أي تقديم قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} ، وترجيح العمل به للمحافظة على عمومه، وترك العمل بهذه في حق ما تناولاه يكون بناء للعام على الخاص، ولو قدمنا هذه الآية في العمل والمحافظة على عمومها فهو تخصيص لعموم الآية الأخرى، لأنّ هذه الآية خاصة من وجه، كما أنّ تلك خاصة من آخر، فالعمل بهذه الآية المتأخرة في مقدار ما تناولاه، أعني الحامل المتوفى عنها زوجها تخصيص لها بما وراء الحامل المتوفى عنها زوجها، والخاص المتاخر يخصص العامّ المتقدم، وهذا على مذهب المصنف رحمه الله تعالى في جواز تراخي المخصص، وعند الحنفية هو يكون نسخاً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 لا تخصيصا، ولا من حمل العامّ على الخاص الغير المتصل، وتفصيل المسألة في مفصلات الأصول فقوله: للوفاق عليه فيه نظر يندفع بالتأمل فيه لأنّ مراده الاتفاق على العمل بالمتأخر سواه قلنا هو مخصص أو ناسخ، ولا حاجة إلى التجوّز في التخصيص، كما قيل ويؤيده كما في شرح التحرير ما في البخاريّ عن ابن الزبير أنه قال لعثمان رضي الله عنه والذين يتوفون الخ نسختها الآية الأخرى فنكتبها، أو ندعها، قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه، وفيه تسليم عثمان للنسخ، وتقدم الناسخ على منسوخه في ترتب الآي من النوادر، وللمحشي هنا كلام لا يخلو من الخلل فتدبر. قوله:) بناء للعامّ على الخاص) يعني لو قدمت هذه بأن عمل بها كان فيها تخصيص لقوله: أزواجا في تلك بغير الحاملات، وتقديم تلك في العمل بها يلزمه بناء العامّ، وهو قوله: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ} الشامل للمطلقات، والمتوفى عنها على الخاص، وهو المتوفى عنها ثمة، والمراد بالبناء كما ثاله بعض الفضلاء هنا أن يراد بالعامّ الخاص من غير مخصص له، إذ المتقدم لا يصح لأن يكون مخصصا للمتأخر والبناء بهذا المعنى لم نره لغيره فهو محتاج للتحرير، وقوله تعالى {مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} قدم فيه البيان على مبينه للفاصلة، أو من فيه بمعنى في، أو تعليلية واليسر الثواب، أو السهولة فتأمّل. قوله: (أي مكاناً من مكان سكناكم) يعني أنّ من للتبعيض ومبعضها محذوف، وقوله: عطف بيان الجار والمجرور عطف بيان للجارّ والمجرور لا المجرور فقط، حتى يقال: إنّ إعادة الجار إنما عهد في البدل لا في عطف البيان مع أنه لا يبرد له بسلامة الأمير حتى يقال الوجه أن يكون بدلاً مع أنه لا فرق بينهما، إلا في أمر يسير كما ذكره النحاة. قوله: (فتلجؤهن إلى الخروج (لشغل المكان أو بإسكان من لا يردن السكنى معه ونحوه، وقوله: وهذا يدل الخ، وهو مذهب الشافعيّ ومالك، وأمّا عند الحنفية فلكل مطلقة حق النفقة والسكنى، ودليله أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لها النفقة والسكنى) وأنه جزاء الاحتباس، وهو مشترك بينها وبين غيرها، ولو كان جزاء للحمل لوجب في ماله إذا كان له مال، ولم يقولوا به وغير ذلك من الأدلة العقلية والنقلية، والدليل المذكور مبني على مفهوم الشرط، ونحن لا نقول به، مع أنه ذكر أنّ فائدة الشرط هنا أنّ الحامل قد يتوهم أنها لا نفقة لها لطول مدّة الحمل، فأثبت لها النفقة ليعلم غيرها بالطريق الأولى كما في الكشاف، فهو من مفهوم الموافقة. قوله: (والأحاديث تؤيده) قيل الجمع لتعدد طرقه، إذ المرويّ فيه حديث فاطمة بنت قيس، وقد طعن فيه الصحابة كعمر وعائثة وأسامة وغيرهم من كبار الصحابة، فهو دليل عليه لا له، ويؤيد الطعن القياس وقراءة ابن مسعود أنفقوا عليهن، وفيه نظر. قوله: (وليأمر بعضكم بعضاً الخ) يشير إلى أنّ الافتعال بمعنى التفاعل فالائتمار بمعنى التآمر، كالاشتوار بمعنى التشاور، وقد نقل أهل اللغة أنه يقال: ائتمروا إذا أمر بعضهم بعضاً. قوله: (تضايقتم) يعني ضيق بعضكم على الآخر بالمشاحة في الأجرة، أو طلب الزيادة ونحوه. قوله: (وفيه معاثبة للامّ الخ الأنه كقولك لمن تستقضيه حاجة فتتعذر منه سيقضيها غيرك، أي ستقضي وأنت ملوم كذا بينه في الكشاف، وفي الانتصاف لأنّ المبذول من سجهتها لبن غير متمول، ولا يضن به لا سيما على الولد بخلاف ما يبذل من الأب فإنه مال يضن به عادة، فإن قلت المذكور المعاشرة، وهي فعل الأب والأمّ فكيف يخص الأمّ بالذكر، في الجزاء، قلت: هما مذكوران فيه، لكن الأمّ مصرح بها، والأب مرموز إليه لأنّ معنى سترضع له أخرى فليطلب له الأب مرضعة أخرى، لئلا يلزم الكذب في كلام الله، فمعاسرة الأب مذكورة أيضاً، لكنها غير فصرح بها، فظهر الارتباط بين الجزاء والشرط، وكون المعاتبة للأم كما حققه بعض شراح الكشاف، ولا حاجة إلى تكلف ما قيل إنّ الأب لما أسقط عن درجة الخطاب وبين أنّ معاسرته لا تجدي، إذ لا بد من مرضعة أخرى بأجر، وهذه أشفق منها، كان في حكم المعاتب المذكور في الجواب فتدبر. قوله: (فلينفق كل الخ) ترك الفاء أولى لأنه تفسير لقوله: لينفق، وقوله: وفيه تطييب لقلب المعسر أي تسلية له، واستمالة لأنّ ما ذكر هنا، وأنّ شملهما لكنه للإعسار أقرب، ويؤيده عبارة آتاه الخاصة به قبله، وذكر العسر بعده كما أشار إليه بقوله، ولذلك الخ وقوله: وعدله أي للمعسر من فقراء الأزواج بقرينة السياق، أو لمطلق الفقراء ويدخل فيه هؤلاء دخولاً أوليا، كما جوز. الزمخشري. قوله: (عاجلاَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 أو آجلاَ) أخذه من عموم التنكير، وقوله: أهل قرية بتقدير المضاف، أو التجوز في القرية أو في الإسناد كما مرّ، وقوله: أعرضت عنه يعني أنه ضمن العتو، وهو التجبر والتكبر معنى الإعراض، فلذا عدى بعن، وقوله: بالاستقصاء أي طلب أقصاه وغايته، والمراد التشديد والدقة فيه، وهو المراد بالمناقشة، وأصل المناقشة إخراج شوكة بشوكة أخرى ثم صار حقيقة فيما ذكرناه، وقوله: لا ريح فيه أصلاً هو من تنوين التعظيم فيتضح تخصيصه بالعاقبة. قوله: (تكرير للوعيدا لأنّ ما مر وعيد عبر عنه بالماضي لتحققه، وقوله: ويجوز الخ فيكون الماضي السابق على حقيقته، وقوله: عتت وما عطف عليه صفة قرية، وأعد الله خبر كأين أو الخبر، وأعد الله استئناف لبيان أنّ ما أعد لهم غير منحصر فيما ذكر، بل لهم بعده عذاب شديد، وليس فيه تكرير للوعيد أيضا، على هذا. قوله: (الذين آمنوا) منصوب بأعني المقدر، أو هو بيان للمنادى، أو نعت له لا بدل لعدم حلوله محل المبدل منه، وقوله: لكثرة ذكره فهو وصف بالمصدر مبالغة كرجل عدل، وقوله: أو لنزوله الخ، فتسميته به مجاز لما بينهما من الملابسة المشابهة للحال والمحل، وقوله: أو لأنه مذكور فهو مجاز كدرهم ضرب الأمير، وقوله: أو ذا ذكر، لم يقل ذو ذكر لعطفه على مذكور صثناكله للمفسر به. قوله:. (أو محمدا) معطوفي على قوله: جبريل، وهو من التسمية للفاعل بالمصدر، أو مجاز بالملابسة المازة، أو لشرفه وقوله: وعبر الخ، بيان لوجه قوله: أنزل على هذا مع أنه كان الظاهر أن يقول بدله أرسل، وقوله: ترشيحاً أي للتجوّز عن محمد بالذجمر، ولا يلزم أن يكون استعارة لأنّ الترشيح يجري في المجاز المرسل أيضاً.،! كما صرّحوا به، وقوله: أو لأنه أي إرساله مسبب فيكون أنزل مجازاً مرسلا، وإذا كان ترشيحا فهو على حقيقته، وقوله: وأبدل الخ، هو على الوجهين لا على الثان! د لأنّ قوله: عبر يعينه كما توهم، وقوله: للبيان! أي هو عطف بيان بناء على تجويزه في النكرات، وقوله: أو أراد الخ، لم يقل أو القرآن عطغا على جبريل لبعد العهد وخوف اللبس، وهو معطوف على قوله يعني. قوله: (ورسولاً منصوب بمقدّر) يعني على هذا الوجه، إذ لا حاجة إلى التقدير على ما قبله ففيه رد على الزمخشري، وقرله: أو ذكرا مصدر قيل معطوف على القرآن، أي أراد بالذكر ذكرا يعني نفسه بالمعنى المصدري، ولا يخفى ما فيه من التعسف، وقيل: إنه معطوف على قوله: بمقدر. قوله: (ورسولاً مفعوله) قيل: ولا يمنع إرادة القرآن من الذكر بالمعنى المصحدري عن أعماله في المفعول، كما ظن فإنّ إرادته منه بعد الأعمال، فالقرآن هو ذكر الرسول لا الذكر وحده، ولا يخفى ما فيه من التعسف مع أنه يصير قوله، ورسولاً مفعوله مستدركا مع ما في قوله، أو بدله من جعل البدل منصوبا بالمبدل منه، ولو كان المراد ما ذكره، قال أو ذكرا أو بدل منه، وأيضاً القرآن كما أنه ليس مرسلاً، ليس رسالة بل مرسل به، فإن فتح باب التأويل لم يبق حاجة إلى جعل الرسول بمعنى الرسالة، وقيل: ذكر بلفظ الفعل، وقوله: ورسولاً، مفعوله معطوف على قوله: أراد به القرآن بحسب المعنى، وكله من التعسفات الباردة والوجه الأوّل أقر بها. قوله: (حال من اسم الله) فنسبة التلاوة إليه مجازية كبنى الأمير المدينة، وآيات الله من وضع الظاهر موضع الضمير، وقوله: والمراد بالذين آمنوا في قوله: ليخرج الخ، هكذا هو في النسخ الصحيحة المعتمدة، يعني أنّ الذين آمنوا قد خرجوا بالإيمان من الظلمات، فكيف تكون التلاوة عليهم لإخراجهم منها، فأجاب أوّلاً بأنّ قوله: ليخرج متعلق بقوله: أنزل لا بيتلو، وقوله: بعد إنزاله إشارة إلى أنّ معنى آمنوا بالنظر إلى نزال هذه الآية، وأما بالنظر إلى إنزال القرآن فالظاهر تؤمنون، وقوله: ليخرج إشارة إلى أنّ المراد تؤمنون في المستقبل، والمضيّ باعتبار علمه وتقديره الأزلي، ووقع في بعض النسخ، والمراد بالدين ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أي ليحصل الخ فقيل إنه سهو من الناسخ، وقيل: مراده بقوله: بالدين بالدال المهملة أنه ملتيس به فيكون يتلو عليكم آيات الله، قائما مقام متلبساً بالدين، كقوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [سورة الفتح، الآية: 28] فتأمّل. قوله: (فيه تعجيب وتعظيم الخ) إنما جعله للتعجيب، لأنه لم جعله خبراً لم يكن في ذكره فائدة، لأنّ المراد ما ذكر هنا وحسنه معلوم، والتعظيم إما من التعجيب لأنه لو يجعل عجيبا إلا لكونه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، أو من تنوين رزقاً. قوله: (أي وخلق مثلهق في العدد) يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى، وهو معطوف على قوله: سبع سموات، والفصل بين الواو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 والمعطوف بالجار والمجرور جائز، ويحتمل أن يكون قدر له عاملاً لئلا يلزم المحذور المذكور، وهو الظاهر، وقوله: في العدد إشارة إلى أنّ الأرض كالسماء سبع طبقات متميزة متفاصلة، وهو المعروف في الأحاديث الصحيحة كقوله: (رب الأرضين السبع وما أقللن) وقيل: هي الأقاليم السبعة، وهذا يستدعي أن تحمل الأرض على السفليات مطلقا، وليست هذه المسألة من ضحروريات الدين حتى يكفر من أنكرها، أو تردّد فيها والذي تعتقده إنها طبقات سبع، كالسموات ولها سكان من خلقه يعلمهم الله، واليه الإشارة بقوله: يجري أمر الله وقضاؤه الخ. قوله: (أو مضمر يعمهما) كفعل ما فعل لتعلموا الخ، أو أخبرتكم وأعلمتكم الخ، والحديث المذكور موضوع، تصت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه العظام وآله وصحبه الكرام. سورة التحريم وتسمى سورة النبيّ وعدد آياتها متفق عليه وهي مدنية وقيل: إلا آيتين من آخرها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (روي أفه عليه الصلاة والسلام) اختلف في سبب النزول فقيل: قصة مارية، وقيل: قصة العسل، وقال في شرح مسلم الصحيح أنها في قصة العسل، لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح، ومارية جاريته صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس ملك مصر، وهي أمّ إبراهيم، (وقوله عند حفصة (وقيل: عند زينب بنت جحش، وقيل: عند سودة، وفي شرح مسلم للنووي الصواب أنّ شرب العسل كان عند زينب رضي الله عنها، وقوله: نشتم، وفي نسخة نشم من باب علم ونصر. قوله: (ريح المنافير) بفتح الميم وغين معجمة وفاء، وبعد الفاء ياء ثم راء مهملة، وفي بعض نسخ مسلم مغافر بلا ياء، وقال القاضي عيا ضالصواب إثباتها لأنه جمع مغفور بضم الميم، وهو صمغ حلوله رائحة كريهة يكون بشجر يسمى العرفط، وقيل: هو نبات له ورق عريض. قوله: (تفسير لتحرّم الخ) بيان للنكتة في ترك عطفه لأنه تفسير لتحرم بجعل أبتغاء رضاهن عين التحريم، مبالغة في كونه سبباً له، وقوله: استئناف الظاهر أنه استئناف نحوي ويجوز أن يكون بيانيا في جواب سؤال، تقديره لم أنكرت يا رب عليّ هذا، وقد وقع مثله من الأنبياء كما قال: {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [سورة آل عمران، الآية: 93] وقوله: لبيان الداعي إليه أي إلى التحريم، وليس هذا بيانا لمنشا السؤال لأنه لا يصح، تقديره، ما الداعي لتحريمه، فإنه يعلمه أو المراد الداعي لما ذكر من الإنكار فلا يرد عليه شيء. قوله: (لك هذه الزلة الخ) تبع فيه الزمخشريّ وقد ردّه في الانتصاف، وشن الغارة في التشنيع عليه، لأنّ تحريم الحلال مطلقا أو مؤكداً بيمين بمعنى الامتناع منه ليس بزلة، وكم من مباح يتركه المرء باختياره ولا يلحقه منه شيء، وأمّا اعتقاد الحرام حلالاً وعكسه مما يلحق به الإثم، فلا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم وحاشاه من نسبة مثله، وأجاب عنه في الكشف بأنه أراد به ترك الأولى، وهو بالنسبة لعصمته صلى الله عليه وسلم وعلوّ مرتبته، وقد يقال له ذنب وإن لم يكن ذنباً في نفسه، ولذا عقبه بقوله: والله غفور رحيم، وقوله: لا يجوز ينبئ عنه. قوله: (قد شرع لكم تحليلها) إشارة إلى أنّ التحلة مصدر بمعنى التحليل، وا! التحليل في الأصل لحفعيل من الحل بالفتح وهو ضد العقد فكأنه باليمين على الشيء لالتزامه عقده عليه، فإذا استثنى أو كفر فقد حل ما عقده، وقوله: عقدته إن كان بضمير الخطاب فهو الفاعل، وإن كان بتاء التأنيث ففاعله ضمير مستتر للإيمان، والبارز لما وبالكفار متعلق بحل. قوله ة (واحتج به) أي بما في هذه الآية من فرض تحليلها بالكفارة إن لم يستئن، وقوله: مطلقاً أي تحريم المرأة أو غيرها مما يملكه، وهو مذهب أءي حنيفة، وخالفه فيه الشافعى-، ودليله أنه لو لم يكن يمينا لم يوجب الله فيه كفارة اليمين هنا، وأجاب عنه المصنف رحمه الله تعالى بأنه لا يلزم من وجوب الكفارة كونه يمينا، لجواز إشتراك الأمرين المتغايرين في حكم واحد، فيجوز أن تثبت الكفارة فيه لمعنى آخر، ولو سلم أق هذه الكفارة لا تكون إلا مع اليمين، فيجوز أن يكون أقسم مع التحريم، كأن يقول في قصة مارية والله لا أطؤها، والله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 لا أشربه، وقد رواه بعضهم عنه، كما في شرح مسلم، فالكفارة لذلك اليمين لا للتحريم وحده، فما ذكر وجهان لا وجه واحد، محصله أنه أتى باليميق والكفارة، فإنه مخالف لسياقه من غير داع له. قوله:) أو العسل) قد عرفت أنّ هذا هو الصحيح، إلا أنه لم يكن عند حفصة على الصحيح، وأنما كان عند زينب كما مرّ، وأما كون أو هنا لمنع الخلو ليصح التبعيض، فلا أرى له وجها فتدبر وأسرار أمر الخلافة ذكره ابن حجر عن الطبراني-، وفي عبارته طسامح فإنها تشعر بالحصر، وليس بمراد، وقوله: أي على إفشائه فهو على التجوّز، أو تقدير مضاف فيه، ولم يجعله لمصدر نبأت مع أنه بمعنى الإفشاء لئلا تنتشر الضمائر. قوله: (ويؤيده قراءة الكسائتي بالتخفيف الخ) فإنه على هذه القراءة لا يحتمل معنى العلم، لأن العلم تعلق به كله بدليل قوله: أظهره، وقوله: أعرض الخ فتعين أن يكون بمعنى المجازاة، لا بمعنى الإقرار كما في القاموس فإنه لا وجه له هنا، قال الأزهري في التهذيب من قرأ عرف بالتخفيف، يعني غضب من ذلك، وجازى عليه، كما تقول للرجل يسيء إليك والله لأعرفن لك ذلك، قال الفراء وهو حسن، انتهى وقد وردت المعرفة والعلم بمعنى المجازاة كثيرا في القرآن، لأنها لازمة لها إذ ما لا يعرف لا يجازي عليه. قوله: (لكن المشذّد الخ) ويجوز أن يكون العلاقة اللزوم أيضاً، والسببية إذ المجازاة بالتطليق مثلاً سبب لتعريفها بالجناية، والمخفف بالعكس. قوله: (على الالتفات) من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة، فإنّ المبالغ في العتاب يصير المعاتب مطروداً بعيدا عن ساحة الحضور، ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد. قوله:) فقد وجد منكما الخ) يعني أنّ قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} لا يصح أن يكون جوابا للشرط إلا بهذا التأويل، أي إن تتوبا فلتوبتكما موجب وسبب، كقوله: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [سورة البقرة، الآية: 97] أي فلمعاداته سبب وموجب، أو التقدير حق لكما ذلك فقد صدر ما يقتضيها، وقال ابن هشام هذا كقوله: إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس، وفيه إشكال من وجهين، أحدهما أنّ الإكرام الثاني سبب للأوّل، فلا يستقيم أن يكون مسببا عنه، والثاني أنّ ما في حيز الشرط مستقبل، وهذا ماض، ولذا قال ابن الحاجب توهم كثير أنّ جواب الشرط يكون سبباً ومسبباً وهو فاسد، وتوجيهه أنه سبب للإخبار بقوله: صغت قلوبكما فإن قلت الآية سبب للتحريض على التوبة فكيف تجعل سبباً لذكر الذنب، قلت: ذكر الذنب متسبب عنه، وهو لا ينافي التحريض، وقيل الجواب محذوف تقديره يمسح إثمكما، وقوله: فقد صغت الخ، بيان لسبب التوبة فإن قلت: ما قدره في الكشف لا يتسبب عن الشرط، بل الأمر بالعكس، فإن اعتبر الإعلام فليعتبر ابتداءكما، فعله ابن الحاجب وإلا فحقه أن تقديره فقد أديتما ما يجب عليكما، أو أتيتما بما يحق لكما، ويجعل ما ذكر دليلاً على الجواب المقدر حينئذ (قلت) هذا جواب آخر غير ما ذكره ابن الحاجب، وهو نظير ما قاله النحاة في قوله: إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة فإنه بتاويل تبين أني لم تلدني لثيمة، والمعنى هنا فقط ظهر أنّ ذلك حق لكم، فليس مآله إلى ما قاله ابن الحاجب، لكنه أقرب إلى التأويل مما ذكره كما قيل. قوله: (وهو ميل قلوبكما) الدال عليه صغت، وقال عن الواجب دون إلى الواجب، والحق أو الخير حتى يصح جعله جوابا من غير احتياج إلى الإضماو، فإنه يقال: صغا إليه إذا مال ورغب، كما في الأساس لأنه الماضي، وقد قرأه ابن مسعود زاغت، وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ يقتضي ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى، كما قيل لكنه إنما يتمشى على ما ذهب إليه ابن مالك، من أنّ الجواب يكون ماضياً، وإن لم يكن لفظ، كان فيه نظر. قوله: (من مخالقة رسول الله) بالخاء المعجمة واللام والقاف أي موافقة أخلاقه والتخلق بها وهو بيان للواجب، والفاء تحريف من الناسخ، وقوله: تتظاهرا أي تتفقا وتتعاونا عليه، وقوله: فلن يعدم من باب علم أي يفقد من يظاهره ويعينه، وهو إشارة إلى أنّ ما ذكر دليل الجواب وسببه أقيم مقامه، أو هو مجازا وكناية عما ذكر، فيكون جوابا بنفسه، وقوله: صلحاء المؤمنين إشارة إلى ما سيأتي، من أنّ صالح في معنى الجمع كما ستسمعه عن قريب. قوله: (رئيس الكروبيين) في الفائق الكروبيون سادة الملائكة كجبرائيل وإسرافيل، وهم المقربون من كرب إذا قرب، وقال ابن مكتوم في تذكرته إنّ الكروبين بفتح الكاف وتخفيف الراء من كرب إذا قرب قال: كروبية منهم ركوع وسجد وقد تقدم تفصيله. قوله: (ناصره اللمولى معان كما مرّ، فكون الله مولاه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 بمعنى ناصره، وكون جبريل مولاه بمعنى قرينه، وهو قريب من معنى الناصر، وكون المؤمنين مولاه بمعنى أتباعه والظاهر أنه قدّر لكل منهما خبراً على حده، ويجوز جعل مولاه خبرا عن الجميع لكنه يلزمه استعماله في معانيه، والأوّل أولى وفيه بحث. قوله: (متظاهرون) إشارة إلى أنّ ظهير بمعنى الجمع، واختير الإفراد لجعلهم كشيء واحد، وظاهر كلامه أنّ ظهير خبر الملائكة، وقد جوّز كونه خبرا لجبريل، وما عطف عليه وأن يكون خبراً له، وخبر ما بعده مقدر كقوله: وإني وتياربها لغريب ولو قال بدل قوله: متظاهرون مظاهرون كان أظهر. قوله: (والمراد بالصالح الجنس) الشامل للقليل والكثير، والمراد به الجمع هنا كالحاضر والسامر، ولذا عم بالإضافة لأنّ الجمع المضاف من صيغ العموم، ولذا لم يحمل على العهد هنا، وإن روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " انّ صالح المؤمنين هنا أبو بكر وعمر، ورفع ذلك إلى النبئ صلى الله عليه وسلم) وقد ذهب إليه قتادة وعكرمة، وهو مناسب لذكر جبريل والملائكة عليهم الصلاة والسلام، فإنّ المراد دخولهما بالطريق الأولى لا التخصيص. قوله: (بعد ذلك ثعظيم لمظاهرة الملائكة) لأنّ موقع بعد ذلك هنا موقع، ثم في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البلد، الآية: 17] في إفادة التفاوت الرتبي كما بينه الزمخشريّ في قوله: {بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [سورة القلم، الآية: 13] ولما أوهم هذا أنّ نصرة الملائكة أعظم من نصرة الله تعالى وهو محال، دفعه بأنّ نصرة الله على وجوه شتى من أعظمها نصرته بالملائكة، فتعظيم نصرة الملائكة لكونها نصرة الله يتضمن تعظيم نصرته تعالى، واليه أشار بقوله من جملة ما نصره الله به، وليس في هذا تعرض لتفضيل الملك على البشر بوجه، حتى يتصد! لدفعه. قوله:) على التغليب) في خطاب الكل، مع أنّ المخاطب أوّلاً اثنتان منهن، وفي لفظة إن الشرطية أيضاً الدالة على عدم وقوع الطلاق، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله تعالى عنها فغلب ما لم يقع من الطلاق على الواقع. قوله: (أو تعميم الخطاب الخ) يعني لجميع زوجاته صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، فيكون التفاتا إلى الجميع وخطابهن لأنهن في مهبط الوحي وساحة العز والحضور فيصلحن لذلك، فلا تغليب لا في الخطاب، لأنه قصد خطاب الجميع، ولا في أن لأنّ طلاق الجميع لم يقع، ولذا عقب بقوله وليس فيه الخ، قوله: (والمعلق بما لم يقع الخ) يعني أنه علق إبدال خير منهن بتطليق الجميع، وهو لم يقع فلا يقع الإبدال ولا الخيرية، ولا يلزم أن يكون في الدنيا، أو في عصره صلى الله عليه وسلم من هو خير من أمهات المؤمنين، حتى يتكلف لدفعه. قوله: (وقرأ نافع وأبو عمرو بالتشديد (هكذا وقع في النسخ وفي بعضها بالتخفيف، وهو سهو من الناسخ كما يعلم من كتب القرا آت. قوله: (مقرات) هو معنى مسلمات ومخلصات، معنى مؤمنات لأنه يعتبر فيه تصديق القلب، وهو لا يكون إلا مخلصاً فلا تكرار في الجمع بينهما هنا، أو الإسلام بمعنى الانقياد، وهو معناه اللغوي فيفيد ذكره مع المؤمنات، وقوله: مصليات الخ، على أنّ القنوت بمعنى الصلاة أو الطاعة المطلقة، وقوله: أو متذللات لأن التعبد يكون بمعنى التذلل كما مرّ، وقوله: صائمات الخ أصل السياحة الذهاب في الأرض للعبادة، ولذا سمي المسيح مسيحا في قول، ثم إنه ورد بمعنى الصائم تشبيها له بأهل السياحة للعبادة في عدم الزاد نهاراً، أو المراد بها الهجرة لأنها سياحة الإسلام. قوله: (وسط العاطف بينهما الخ) يعني ليست هذه الواو واو الثمانية كما توهم، وأنما هي كالواو في قوله تعالى: {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة التربة، الآية: 12 ا] حيث ترك عطف ما سواها، لأنها صفات مجتمعة في شيء واحد بيتها شدة اتصال تقتضي ترك العطف، وهاتان بينهما تقابل بحيث لا تجتمعان في ذات واحدة، فلذا خصتا بالعطف للدلالة على تغايرهما وعدم اجتماعهما، فإن قلت فحينئذ كان العناسب ألعطف بأو الفاصلة دون الواو الواصلة، قلت هو من وصف الكل بصفة بعضه، وهما مجتمعان في الكل فكأنه قيل: أزواجاً بعضهن ئيبات، وبعضهن أبكار فتأمّل. قوله: (ولأنهما في حكم صفة واحدة) يعني أنهما هنا كشيء واحد لأنّ المراد إحدى هاتين الصفتين، فالعطف للدلالة على ذلك فتدبر. قوله: (عطف على واو قوا الوجود الفاصل بينهما، فإنه لا يشترط فيه أن يكون تأكيدا، وقوله: فتكون أنفسكم الخ يعني أنّ أصله قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم، وأنفسهم بأن بقي ويحفظ كل نفسه عما يوبقها، فقدم الأنفس وغلب أنفس المخاطبين على أنفس أهليهم، فشملهم الخطاب جميعاً، والتغليب في كم، وفي قوا أيضاً، والمراد بالقبيلين هم وأهلوهم. قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 (وقودها الناس الخ (مرّ تفسيره في البقرة، وقوله: ناراً الخ يعني أنّ تنوينه للتنويع، وقوله: تلي أمرها فمعنى عليها أنهم موكلون عليها، وهم الزبانية التسعة عشر، وقوله: غلاظ الأقوال فالغلظة مستعارة هنا، وفيما بعده حقيقة. قوله: (فيما مضى) قيد للعصيان والأمر على التنازع، كقوله: فيما يستقبل وهو إشارة إلى دفع التكرار في قوله تعالى {لَا يَعْصُونَ} الخ ويفعلون الخ بوجهين وقوله: لا يعصون على الوجه الثاني للاستمرار مثلى يفعلون، وعلى الأوّل لحكاية الحال الماضية، أو للاستمرار فيما مضى، وقد دفع أيضا بوجوه منها أنّ الجملة الأولى لبيان استمرار إتيانهم بأوامره، والثانية لأنهم لا يفعلون شيئا ما لم يؤمروا به كقوله تعالى: {وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} فإنّ استمرارهم على فعل ما يؤمرون به يفيده فلا تكرار وما فيما يؤمرون موصولة عائدها مقدر وهو به ومحصله على الثاني أنهم يوافقون الأمر في الباطن والظاهر وقيل: إنه من الطرد والعكس وهو يكون في كلامين يقرر منطوق أحدهما مفهوم الآخر وبالعكس (وهاهنا بحث (وهو أن الجار والمجرور هنا ليس من القرآن والتنازع إنما يكون في مذكور لا مقدر والمقدرات القرآنية ليست منه كما تقدم في سورة الفاتحة وما في التسهيل من أنّ نحو ما قام وقعد إلا زيد من التنازع عند الكسائي لا يقتضيه لأن فيه ما يقوم مقام المقدر وما نحن فيه ليس كذلك فليحرر فإنه من المباحث المهمة. قوله: (أي يقال لهم الخ) إشارة إلى أنه على تقدير القول والمراد باليوم وقت دخول النار فتعريفه للعهد وقوله: لا عذر لهم أصلا فنفي الاعتذار كناية عن نفي العذر وليس المراد أنه نهى عن الإتيان بما هو عذر بحسب الصورة وحسبانهم كما قيل لأنه يرجع لما بعده حينئذ وقوله: من الذنب صلة التائب لأنه يتعدّى بمن فليست تعليلية وبالغة إشارة إلى دلالة صيغته على المبالغة والإسناد المجازي لأنّ النصوح صاحبها، وقوله: ذات نصوح فهو صفة بتقدير مضاف، وتنصح نصوحا فهو مصدر فعل جملته صفة، وقوله: توبوا نصوحا فهو مفعول له وهذا كله على قرإءة الضم. قوله: (وسئل علي رضي الله تعالى عنه الخ) هذا منقول عن يعسوب المؤمنين، وهو كمال التوبة عند الخواص لا إنه يشترط ذلك في تحققها حتى يخالف مذهب أهل السنة في أنه يكفي لتحقق التوبة الندم والعزم على أن لا يعود والمذكور شروطها عند المعتزلة كما في شرح المواقف، واعادة الفرائض أن يقضي منها ما وقع في زمان معصيته كشارب الخمر يعيد صلاته قبل التوبة لمخامرته للنجاسة غالبا، وتربية نفسه تدريجها في فعل الطاعة حتى يتم إلفه لها. قوله: (بصيغة الآطماع) بكسر الهمزة وهي عسى ولعل ونحوهما، وقوله: جرياً على عادة الملوك الخ فإنهم إذا أرادوا فعلاً قالوا: عسى أن نفعل كذا، وقوله: غير موجب خلافا لبعضهم في الإيجاب بها وكونه بين الخوف والرجاء لا ينافي غلبة الرجاء واحمادا بمعنى جعلهم محمودين عند الله وناواهم بمعنى عاداهم كما وقع في نسخة من النوى وهو البعد ففيه تعريض لأعدائهم بالخزي وفيه إشارة لترجيح العطف وقد جوّز كون الخبر معه والمراد بالإيمان فرده الكامل هنا، وقوله: طفئ كسمع ذهب نوره فأظلم مكانه وأتمم بمعنى أدمه إلى أن يصلوا إلى الجنة، وقوله: وقيل الخ فالإتمام الزيادة وهو معطوف بحسب المعنى على قوله: إذا طفئ الخ وعلى هذا لا يلزم أن يكون هذا من باب بنو فلان قتلوا قتيلاً كما توهم. قوله: (إذ بلغ الرفق مداه) وفي نسخة إذا وهي الصحيحة يعني إذا رفقت غاية الرفق فلم يفد ذلك أغلظ عليهم حينئذ فإن من لا يصلحه الخير يصلحه الشرّ، وقوله: جهنم أو مأواهم هو المخصوص بالذم المقدّر فيه قيل، وهو من عطف القصة على القصة. قوله: (مثل الله تعالى حالهم) أي الكفرة، وقوله: يحابون بالحاء المهملة والموحدة من المحاباة في البيع والمراد هنا مجازا الرعاية وفعل الجميل وقوله: بما متعلق بيجابون، وقوله: بحالهما متعلق بمثل، وقوله: تعظيم نوح من مدح الله لهما بقوله: عبدين الخ وكان مقتضى الظاهر تحتهما فإن تعظيم السيد لعبده ومدحه يكفي فيه مثله فلا يتوهم أن لا تعظيم في وصف الأنبياء بالصلاح، ولذا أضيف لضمير العظمة فافهم، وفيه أيضاً تعريض لأمّهات المؤمنين وتخويف لهن بأنه لا يفيدهن كونهن تحت نكاح النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (إغناء مّ (فثثا منصوب على المصدرية، ويجوز أن يكون مفعولاً به أي شيئاً من العذاب وما إشارة إلى العموم من النكرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 في سياق ال ن في، وقوله: أو يوم القيامة وعبر بالماضي لتحققه، وقوله: الذين لا وصلة الخ إشارة إلى فائدة قوله: مع الداخلين وقوله: ظرف للمثل الخ إذ هو بتقدير مثل امرأة فرعون حين قالت هذا المقال. قوله: (قريباً من رحمتك الخ) هو تفسير لقوله: عندك فإنه تعالى منزه عن المكان والحلول ومجاورة غيره فحمل الجوار هنا على القرب من رحمته فعندك حال من ضمير المتكلم أو من بيتا لتقدّمه عليه، وكان صفة لو تأخر وفي الجنة بدل أو عطف بيان لقوله: عندك أو متعلق بقوله: ابن وقدم عندك هنا كما في الفصوص للشيخ لنكتة، وهي الإشارة إلى قولهم: الجار قبل الدار، أو هو بمعنى أعلى الدرجات لأنّ ما عند الله خير ولأنّ المراد القرب من العرش وعندك بمعنى عند عرشك ومقر عزك وعندك على الاحتمالات في إعرابه ولا يلزم كونه ظرفا للفعل. قوله: (تسلية للأرامل الجمعه في التمثيل بين من لها زوج ومن لا زوح لها للتسلية لهن وتطييب قلوبهن، والأرامل جمع أرملة وهي التي لا زوج لها وقوله: فنفخنا الخ تقدم الكلام عليه مفصلاً في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله: أو الحمل يعني عيسى كما مر في سورة الأنبياء وفي نسخة الجملة وهو تحريف من الكاتب. قوله: (من روح خلقناه بلا توسط أصل) فالإضافة للتشريف لا لأدنى ملابسة، وقوله: بصحفه المنزلة هو الظاهر وكونه بمعنى كلامه القديم القائم بذاته بعيد هنا جداً، وقوله: جنس الكتب فالإضافة تعمها إذ ليس المراد العهد وقوله: بعيسى لأنه سمي كلمة كما مرّ شرحه في قوله: وكلمة من الله وجوّز فيه أن يراد كلمة التوحيد وجنس الكتاب أيضا. قوله: (من عداد المواظبين) أي عدت من الرجال المداومين على العبادة ومن للتبعيض، والتذكير للتغليب إذ لم يقل من القانتات، وقوله: عدت من جملتهم بإدخالها في عبادتهم وجعلها ممن يكون من سدنة القدس، ومثله فيه مبالغة فهو أبلغ من قانتة مع أنه أخصر وأظهر لدلالته على معناه وزيادة أنها من قوم قانتين كما في شرح المفتاح. قوله: (أو من نسلهم الخ) معطوف على قوله من عداد المواظبين وعلى هذا فلا تغليب فيه. قوله: (كمل من الرجال الخ) هو حديث صحيح (أقول) قال خاتمة المحققين شيخ مثايخنا السيد عيسى روى أحمد في مسنده سيد نساء أهل الجنة مريم ثم فاطمة، ثم خديجة ثم آسية ثم عائثة دمانما وصفن بالكمال لأنهن كن في زمان شرك وجاهلية ووصف عائشة بالفضل لأنها أعلمهن حتى قيل ربع الشريعة مروي عنها، ولذا شبهها بالثريد لأنه فيه نفع وقوّة للبدن وهو أنفع الأطعمة وهو خبز يجعل في مرق وعليه لحم كماقيل: إذاما الخبرتأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد والحديث الذي ذكره المصنف صحيح رواه البخاري، وقوله: وعنه ع! رو الخ حديث موضوع تمت السورة والصلاة والسلام على أفضل الأنام وعلى آله وصحبه الكرام. سورة الملك وتسمى سورة تبارك والمانعة أيضاً وآياتها إحدى وثلاثون في المدني الأخير وثلاثون في غيره كما قاله الداتي فقول المحشي بالاتفاق لا وجه له وهي مكية على الأصح، وكيل غير ثلاث آيات منها وقيل إنها مدنية وهو غير مشهور. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: ( {تَبَارَكَ} ) مرّ تحقيقه في الفرقان، وقوله: بقبضة قدرته الخ القبضة بالفتح تطلق على أمور فتكون بمع! نى المقدار المقبوض بالكف، ويقال له: قبضة بالضم أيضاً وهذا من التسمية بالمصدر وفي العرف شاعت في الكف والأصابع مما به القبض والبسط، وهو المراد هنا لأنّ اليد تطلق عليه كما في قوله تعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [سورة المائدة، الآية: 38] وتطلق عليها مع ما فوقها إلى الإبط كما في قوله: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [سورة المائدة، الآية: 6] ولذا كانت الغاية غاية إسقاط فيه فعنى المصنف أنّ اليد مجاز منقول من الأوّل، إلى القدرة فإضافة قبضة قدرته كلجين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 الماء واليد بمعنى القبضة مجاز عن القدرة، وهذا مما لا شبهة فيه إلا أنه خفي عليهم معنى القبضة هنا فقالوا: ما قالوا مما تركه أتمّ من ذكره والباء في قوله: بيده ظرفية بمعنى في، وهو ظاهر وبما مر علصت أن كون قبضة قدرته استعارة مكنية وتخييلية غير مناسب للمقام إذا دققت النظر فيه فتدبر. فوله: (التصرف في الأمور كلها) قيل إنها تفشر للملك على أنّ تعريفه للاستغراق فيشمل عالم الأجسام وعالم الأرواح والغيب والشهادة فإنه قد يخص بعالم الشهادة، ويقابله الملكوت وليس بمراد هنا، ويجوز بقاء الملك على ظاهره وأنه ترك تفسيره لظهوره والتصرف معنى كونه في يده بطريق المجاز أو الكناية لكنه غير موافق لكلام المصنف، وإن كان في نفسه صحيحاً لأنه حينئذ لا يحتاج إلى جعل اليد مجازاً عن القدرة لأنّ التقدير في قدرته الموجودات كلها ولا يخفى ركاكته وأمّا الاعتراض على الأوّل بأنه لم يدر أن كون جميع التصرفات لله غير كون التصرف في جميع الأمور له، وغير مستلزم له واللازم مما ذكره هو الأوّل دون الثاني، ولو سلم فبملاحظة مقدّمة أجنبية هي أنّ التصرف في الجميع واقع فخزازة ودقة في غير محلها فإنه لا فرق بينهما لمن له طبع سليم. قوله: (على كل ما يشاء قدير) فسره بالمشيء، ولم يرتض ما في الكشاف من قوله على كل ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة فإنه خص كل شيء بما لم يوجد وقد قيل عليه إنه لا يظهر له وجه لأنّ الشيء إمّا أن يختص بالموجود أو يشمل الموجود والمعدوم، وأمّا تخصيصه بالمعدوم فلا وجه له إلا أن يقال إنه ليغاير ما قبله إذ الملك في العرف يختص بالموجود إلا أنّ اليد مجاز عن القدرة عند. فإن خصت القدرة بالمعدوم كما هو مذهبه اختص الأوّل بالمعدوم، وإن لم يختص لم يختص هذا أيضا وإن ردّ بأنّ تخصيصه بما لم يوجد لاستغناء الموجود عن الفاعل عند الزمخشريّ كاكثر المتكلمين، ومن جعل علة الاحتياج الإمكان من المحققين فلأنّ الاختيار يستدعي سبق العدم فجيء بهذا القرين تكميلا لأنّ الاختصاص بالموجود فيه إيهام نقص، وأورد عليه إنّ المستغني على زعمهم هو الباقي لا الموجود وبينهما فرق مع أنّ المعدوم مستغن عندهم، وكونه ليس مذهبه ممنوع واستدعاء الاختيار سبق العدم ممنوع أيضاً على ما قرره الآمدي مع أنّ الاختصاص بمسبوق العدم غير الاختصاص بالمعدوم، وردّ بأن مراد القائل استغناء الموجود عن الفاعل في الزمان الثاني وهو زمان البقاء لا زمان ابتداء الوجود، وقوله: مع أنّ المعدوم الخ في غاية السقوط لأن استغناءه في عدمه وهو لا ينافي احتياجه بعده مع أن اللازم مما ذكر عدم جواز تعلق القدرة بما يتصف بوجود هو أثر ذلك التعلق قبله لا عدم تعلقه إلا بما يتصف بالوجود أصلاً حتى يجب تعلقها بالمعدوم لجواز كون التعلق، والمتعلق قديمين وما قالوه من أنّ أثر المختار لا يكون إلا حادثاً لاستدعاء الاختيار سبق العدم مدفوع بان تقدم الإيجاد الاختياري على وجود المعلول كتقدّم الإيجاد الإيجابي عليه في كونه ذاتيا لا زمانياً فأثر المختار كالموجب يجوز أن يكون قديما، فإن قلت إنا نعلم بالبديهة أنّ القصد إلى إيجاد الموجود محال فلا بد أن يكون مقارنا لعدم الأثر قلت: تقدم القصد على الإيجاد كتقدّم الإيجاد على الموجود في كونهما بالذات فيجوز مقارنتهما للوجود زماناً لأنّ المحال هو القصد إلى إيجاد موجود بوجود قبل لا بوجود هو أثر لذلك الإيجاد ويمكن دفع السؤال بأنّ مراده. بما لم يوجد الأعمّ من المعدوم لأنّ الموجود الثاني متصف بالوجود في كل آن وأثر الفاعل كما يكون ابتداء الوجود يكون الوجود في الزمان الثاني، وإن كان الموجود فيهما واحداً ففي كل آن متصف بوجود لم يحصل في آن سابق عليه فيصدق عليه في كل آن أنه لم يوجد في آن يليه أي لم يحصل اتصافه به في ذلك الآن لعدم مجيئه بعد فالمقصود أنّ أثر القدرة يجب أن لا يحصل قبل التعلق، فظهر وجه التخصيص بما لم يوجد وأن انهدم به قاعدة القدرة والمشيئة) أقول) ما ذكره من أنّ المراد الزمان الثاني مقبول، وكذا ما بعده وأمّا ما ذكره مما ادعى إمكان الدفع به فلا وجه له وهو تعسف لحمله الكلام على ما لا يحتمله (بقي هاهنا بحث) وهو أنهم ادّعوا مخالفة كلام المصنف لما في الكشاف حتى قالوا ما قالوا، وهو غير صريح فيه لأنّ ما شاءه يجوز أن يريد به ما لم يوجد لأنّ تعلق المشيئة والإرادة في المستقبل يقتضي عدم وقوعه في الماضي، والحال وإنما عدل عن عبارة الزمخشريّ للإشارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 إلى أنه بمعنى المشيء لا الشائي كما فصله في البقرة لأنّ المشيثة معتبرة في مفهوم القدرة. قوله: (قدّرهما الخ الما اختلفوا في الموت هل هو أمر عدمي، وهو زوال الحياة عما هي من شأنه أو وجودي، وهو كيفية تضاد الحياة كما ذهب إله كثير من أهل السنة حتى زعم بعضهم أنّ من عرفه بزوال الحياة عرفه بلازمه دون حقيقته، أشار المصنف إلى تفسيره على القولين وقدم اعتبار العدم لأنه المتبادر الأقرب فاذا كان عدمياً لا يكون مخلوقاً فيفسر الخلق هنا بالتقدير، وهو يتعلق بالوجودي والعدمي فلا يتم الاستدلال بهذه الآية على أنه وجودي كما وقع في كتب الكلام. قوله: (أو أوجد الحياة وأرّالها حسبما قدره) قيل: إنه أراد أنّ الموت ليس عدما مطلقا صرفا بل هو عدم شيء مخصوص، ومثله يتعلق به الخلق والإيجاد لأنه إعطاؤه الوجود ولو لغيره وكونه معنى حقيقياً للخلق بعيد لأنّ الظاهر أنّ المعتبر فيه وجوده في نفسه، وقد قيل: إنه على تقدير مضاف أي خلق أسباب الموت، وقيل: الخلق يكون بمعنى الإيجاد وبمعنى الإنشاء والإثبات، وهو بالمعنى الثاني يجري في العدميات، وهو معنى مجازي شامل للمعنى الحقيقي، وهو مراد المصنف ولا يخفى بعده عن عبارته، وقيل: إنه أراد بهذا أنه وجودي لكنه عبر عنه بإزالة الحياة لأنه لازم له ولا يخفى ما فيه من التكلف، وأمّا القول بأنه غلب الخلق على الإزالة هنا فلا معنى له، وقوله: حسبما قدره حسب بمعنى قدر وما مصدرية أو موصولة عبارة عن زمان تفديره، وليس هذا إشارة إلى أنّ التقدير معتبر في مفهوم الخلق كما توهم فالظاهر أنه أراد أنّ المراد بخلقهما خلق زمان ومدة معينة لهما لا يعلمها إلا الله فإيجادهما عبارة عن إيجاد زمانهما مجازاً. قوله: (وقدّم الموت الخ) إشارة أنّ الموت إن كان العدم مطلقاً سواء كان سابقا أو لاحقاً كما هو أحد الوجوه في تلك الآية فتقدمه ظاهر لسبقه على الوجود، وهو عدم الحياة عما هي من شأنه فإن أريد به العدم اللاحق لأنه عدم الحياة عمن اتصف بها فتقديمه لأنّ فيه عظة وتذكرة وردعا عن ارتكاب المعاصي وهذا أحسن من جعله مبنيا على الأوّل، وأنه لما تعلق الخلق به خص بالعدم الطارئ لأنه تكلف ما لا حاجة إليه، وكذا إرادة الثاني وأنه يكفي لتقدمه تقدم نوع العدم إذ لا تمايز فيه. قوله: (أدص إلى حسن العمل الما بينا من أنه عظة وتذكرة، ولذا ورد أكثروا من ذكرها ذم اللذات وفي الحياة أيضا داعية له لأنّ من عرف أنها نعمة عظيمة، وكان ذا بصيرة دعته إلى العمل أيضا فلا يتوهم أنها لا داعية فيها وأنما ذكرها باعتبار توقف العمل عليها. قوله: (ليعاملكم معاملة المختبر الخ) يعني أنّ البلاء بمعنى الاختبار يقتضي عدم العلم بما اختبره فهو غير صحيح في حقه تعالى، ولذا جعلو. هنا استعارة تمثيلية أو تبعية على تشبيه حالهم في تكليفه تعالى لهم بتكاليفه، وخلق الموت والحياة لهم واثابته لهم وعقوبته بحال المختبر مع من اختبره وجربه لينظر إطاعته وعصيانه فيكرمه، ويهينه والمختبر بفتح الباء ويجوز كسرها، ولذا اختاره من قال بين التشبيه في جانب المختبر بالفتح دون الكسر لأنه أقرب لرعاية الأدب، ومن قال إنه لا رعاية فيه للأدب لوجوب كون معنى الآية الكريمة ذلك لم يأت بشيء غير إساءة الأدب. قوله: (بالتكليف الخ) يجوز تعلقه بيعاملكم وبالمختبر ولا يرد عليه ما قيل: من أنه يقتضي وجود مختبر بالتكليف الإلهي اختبارآحقيقيا، ولا وجود له إذ الموجود مكلف غير مختبر لأنه لا يتعين إرادة التكليف الإلهي ولو سلم فيكفي فرض وجوده لصحة التشبيه به، وقوله: يا أيها المكلفون إشارة إلى تخصيص المخاطبين بهؤلاء لأن غيرهم لا يجري عليه ذلك والمخصص له هنا العقل كما لا يخفى. قوله: (أصوبه وأخلصه) الضميران للعمل والصواب ما كان على وفق ما ورد عن الشارع والخالص ما كان لوجه الله سالما عن الرياء وأتى باسم التفضيل، وإن عم الخطاب جميع المكلفين تحريضا على اجتناب القبيح، وأنه لا يعبأ به أصلاً وإنما النظر إلى المحاسن على مراتبها، والحديث المذكور مز في سورة هود مرفوعا مع بيانه وهو على هذا شامل لعمل القلب والجوارج. قوله: (المتضمن معنى العلم الخ) توصيف متضمن للتعليل فإنّ فعل البلوى لا ينصب مفعولين بلا واسطة، وقوله: ليس هذا من باب التعليق الخ وقد ذكر في سورة هود أنه تعليق، وهو مما يسئل عنه قديما لما بين المحلين من التعارض، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا فتذكره، وقوله: لأنه يخل به هكذا هو في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 بعض النسخ وفي بعضها بها فقيل: عليه الوجه تذكيره ولا حاجة إليه، وقولى: وقوع الجملة خبراً أي في الأصل لأن الفعل من النواسخ. قوله: (الذي لا يعجزه الخ (بيان لارتباطه بما قبله لكنه قيل عليه إنه إنما يناسب كون الغرض من البلوى تمييز من أحسن ممن أساء حتى يكون تذييلا، وفيه نظر لأنه قد يوجه بأنّ ما مرّ لذكر الأحسن والحسن عملا، ثم تكميله بأنه لا يعجزه عقاب المسيء، وقوله: {لِّمَن تَابَ} منهم قيل: إنه تبع فيه الزمخشري، وهو مناسب لمذهب أهل السنة والمناسب له أن يقول لمن شاء ويدفع بأنه إنما خصه لأنه المناسب للمقام والمغفرة لمن تاب لا تنافي المغفرة لغيره إذا شاء، وقوله: تاب منهم الضمير لمن أساء وجمع نظراً لمعناه أو هو للناس المعلوم من السياق. قوله: (مطابقة) بفتح الباء إشارة إلى أن المصدر بمعنى اسم المفعول أو بيان لحاصل المعنى، وقوله: بعضها فوق بعض مبتدأ وخبر والجملة مفسرة لقوله: مطابقة، وكون بعضها مرفوعا بقوله: مطابقة سهو لأنه لو كان كذلك قيل: مطابقاً وكذا جعل نرق منصوبا بنزع الخافض متعلقاً بمطابقة، ويجوز كونها جملة حالية وما ذكرناه أسهل اوأولى وكون مطابقة مصدراً على أنه تفسير لمصدر آخر وقوله: بئ اخصفتها بفتح التاء على ما عرف والخصف كالخياطة في الجلد وقوله: وصف به فهو بتقدير مضاف، أو مجاز لغوي إن لم يقصد المبالغة والموصوف سبع وكون الوصف للمضاف إليه العدد ليس بلازم بل أكثري، وقوله: أو ذات طباق على أنه جمع فإفه اسم جامد لا يوصف به، وأيضاً الطبقة المرتبة والسموات ذات مراتب لا نفس المراتب ومن لم يفهمه قال: خق العبارة أو جمع طبق إذ لا تمس الحاجة إذا جعل جمعاً إلى التقدير وأنما المحوج له المصدرية ولا غبار عليه في التخصيص أيضاً وقوله: طوبقت طباقاً فهو مفعول مطلق والجملة صفة، وما قيل من أنه يجوز نصب طباقا على الحالية لأنّ سبع سموات معرفة لشمولها للكل مما لا وجه له لأنّ كونه شاملا للسموات كلها وليس غيرها لا يصيرها معرفة فإنها كالشمس لا فرد لها، ولا يجوز نصب الحال المتأخرة عنها كقولك: طلعت علينا شمس مشرقة. قوله: (كرحبة) بفتح الحاء وهي الساحة لا بسكونها حتى يكون سهواً لأنه لم يسمع طبقة بسكون الباء كما توهم، وقوله: فإنّ كلا الخ وفي نسخة كان أو كما قيل بعضه يفوت بعضا والأمر فيه سهل. قوله: (صفة ثانية) والأولى قوله: طباقاً أو الجملة، وهي طابقت طباقا كما مرّ ولا يلزم الاقتصار على الأوّل كما توهم. قوله: (موضع الضمير (وهو فيهن فإن قلت: قال ابن هشام في الباب الرابع من المغني الجملة الموصوف بها لا يربطها إلا الضمير إما مذكوراً، أو مقدراً قلت ليس كلام ابن هشام نصا يلزم المصنف اتباعه والتوفيق بينهما بأنه إذا لم يقصد التعظيم كما قاله بعض المتأخرين ليس بشيء لأنه لا بد له من نكتة سواء كانت التعظيم أو غيره. قوله: اللتعظيم (لإضافته لاسمه تعالى إضافة تشريف، والإشعار المذكور ناظر لخصوصية الرحمن وكونها نعما لأنّ السفليات مستمدة من العلويات على ما تقرّر في الحكمة مع ما فيها من الأجرام المنوّرة، وكونها أدلة للسارين ومواقيت إلى غير ذلك قيل وفيه إشارة إلى قياس تقديره ما ترى فيها+ من تفاوت لأنها من خلقه تعالى، وما ترى في خلقه من تفاوت ومثله في النكت فلا وجه لما ورد عليه فلا نطول بإيراده، ودفعه فتأمّل والمراد بالتفاوت كما قاله الإمام: تفاوت يورثه نقصا كما قاله السدي. لا مطلق اختلاف الخلقة وبه يندفع الاعتراض على القياس. قوله: (متعلق به (أي بما قبله تعلقاً معنويا كما أشار إليه بقوله: على معنى التسمبب أي عن الأخبار بما قبله فإنه سبب للأمر بالرجوع لما يعتري بعض السامعين من الشبهة فيه، وربما يقع الغلط بالنظرة الواحدة فهو في المعنى جواب شرط مقدّر أي إن كنت في ريب منه فارجع الخ فلا خلط في تقديره بعد ذكر التسبب السابق فتأمّل. قوله: (أي قد نظرت إليه مرارا) هذا مستفاد من فوله: فارجع الدال على سبق النظر وكونه مراراً من المضارع فإنه يدل على التجدد الاستمراري، ومن غفل عن هذا قال: إنه من الواقع لا من مقتضى الكلام فإنه لا يفيد كونه مراراً فافهم، وقوله: ما أخبرت به بصيغة المجهول والخطاب أو المعلوم والإسناد إلى ضمير المتكلم. قوله: (أي رجعتين أخريين) هو بيان لمنطوقه بحسب ظاهر اللغة، ثم بين المراد بقوله: والمراد الخ، وقوله: ولذلك أي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 لكون المراد التكثير فإنّ الخسوء لا يقع بالمرتين فقط والجوابية تقتضي الملازمة ولا يلزم ذلك من المرتين غالباً ولذا نفاه بعضهم فلا يرد عليه أنه قد يقع لبعض الأفراد لا سيما بعد دقة النظر على ما يقتضيه سياق فارجع البصر وهل. قوله: (بعيدا عن إصابة المطلوب) قال في الصحاح خسأت الكلب خسأ طردته وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى، وانخسأ الكلب أيضاً وخسأ بصره خسا وخسوأ أي سدر اهـ، ولو فسر بالسدر، وهو تحير النظر كان مكرراً مع قوله: وهو حسير لأنّ ما-لهما واحد فلذا لم ينظر إليه المصنف مع أنه أقرب ومن غفل عنه اعترض عليه بما ذكر مع أنّ فيما اختاروه مبالغة، وبلاغة ظاهرة فلذا أخذوه من خسأ الكلب المتعدي على أنه استعارة كما أشار إليه بقوله: كأنه الخ والصغار بالفتح الذل فهو استعارة لذل الخيبة فافهم. قوله: (أقرب السموات إلى الآرض) إشارة إلى أنّ الدنيا هنا صفة من دنا بمعنى قرب وقوله: بكواكب مضيئة فالاستعارة في الجمع ابتداء أو في المفرد، ثم جمع وكل منهما صحيح فلا وجه لتعيين أحدهما لما في الاقتصار من القصور وكأنّ من اقتصر على الأوّل نظر إلى أنّ الرتبة بالمجموع واختلاف مراكزها مبين في علم الهيئة، وأهل الشريعة لا يلتفتون لمثله نلذا حملوه على ظاهره، ومن خالفهم أوّله بما ذكر. قوله: " ذ التزيين بإطهارها عليها) خص التزيين بها لأنها إنما ترى عليها ولا يرى جرم ما فوقها فلا حاجة إلى القول بأنه على مقتضى إفهامهم لعدم التمايز بينهما فإنها ترى عليه كجواهر متلألئة على بساط الفلك الأزرق الأقرب، وقوله: والتنكير أي في مصابيع أي مصابيح ليست كمصابيحكم التي تعرفونها، ولم يجعله للتنويع لأنّ هذا أنسب بالمقام، واعلم أنّ قوله: إضحاءة السرج فيها الظاهر أن ضمير فيها راجع للمصابيح كما صرّح به في بعض الحواشي بناء على أنّ المصباح مقرّ السراج لا السراج نفسه كما في الصحاح إذ لو أريد ذلك لم يحتج إلى قوله فيها وحينئذ فالمصابيح مجاز عما حل فيها، وهو السراج والسرج مجاز عن الكواكب ففيه تجوّز على تجوّز ولا حاجة إليه مع تصريح أهل اللغة بأنّ المصباح السراج أيضاً، واعادة ضمير فيها على الليل بعيد جدا ولو رجع ضمير فيها للسماء استغنى عن هذا التكلف والظاهر أنه المراد فتدبر. قوله: (بانقضاض الشهب المسببة عنها الخ) هذا بناء على ما قرّره الحكماء من أنّ الكواكب نفسها غير منقضة، وإنما المنقض شعل نارية تحدث من أجزاء متصاعدة لكرة النار لكنها بواسطة تسخين الكواكب للأرض فالتجوّز في إسناد الجعل إليها، أو في لفظها وهو مجاز بوسايط ولا مانع من جعل المنقض نفسه من جنس الكواكب وإن خالف اعتقاد الحكماء، وأهل الهيئة ولكن في القصوص الإلهية ما فيه رجوم الشياطين. قوله: (وقيل الخ) مرضه لأنه خلاف الظاهر المأثور والرجم يكون بمعنى الظن مجازاً معروفا، وقوله: المنجمون المراد به من يعتقد تأثير النجوم ويجزم بما ينسبه لها من الأحكام لأنه المحرم وأما غيره فليس بمحرم، وقوله: جمع رجم وقيل: إنه مصدر هنا بمعنى الرجم أيضا، وقوله: سمي به الخ فصار له حكم الأسماء الجامدة ولذا جمع وإن كان الأصل في المصادر أنها لا تجمع. قوله: (من الث! ياطين وغيرهم الخ) إشارة إلى أنه تعميم بعد التخصيص لدفع إيهام اختصاص العذاب بهم ولا تكرار فيه كما توهم نعم لو حمل على غير الشياطين ليخلو من شبهة التكرار، ويوافق قراءة النصب معنى كان حسناً أيضا. قوله: (صوتاً كصوت الحمير) فهو استعارة تصريحية وقوله: لها إمّا على ظاهره والمراد لها نفسها أو لأهلها بتقدير المضاف، أو التجوّز في النسبة وتشبيه أصواتهم أو صوتها بصوت الحمير في قباحته وكونه صوتاً منكرا ولا مكنية فيه بأنّ تشبه هي أو هم بالحمير فإنه لا حسن له هنا لأنه إنما يشبه به في الجهل، والبلادة وليس هذا محله كما توهم وفي الكشاف سمعوا لها شهيقا إمّا لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها أو من أنفسهم كقوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [سورة هود، الآية: 06 ا] وأمّا للنار تشبيهاً لحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق واعترض بأنه قد مرّ في قوله: {اخْسَؤُوا فِيهَا} [سورة المؤمنون، الآية: 108] أن أهلها بعدما وقع منهم المتاركة ستة آلاف سنة يقال لهم: اخسؤوا فيها، ثم لا يكن لهم إلا زفير وشهيق فهما إنما يكونان لهم بعد القرار في النار وبعد ما قيل لهم اخسؤوا فيها فلا يتسنى كون الشهيق هنا لأهلها، وردّ بأن ما ذكر ثمة إنما يدل على انحصار حالهم بعد ذلك في الزفير والشهيق لا على عدم وقوعهما منهم قبل، وأما كونه غير ثابت السند فلا يدفع الاعتراض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 على الزمخشريّ، وكونه ليس عقب الإلقاء لأنّ الزمان الدال عليه إذا يتسع جدا ككون المراد منه نفي الشهيق فإنه كله تعسف، والمرجل القدر. قوله تعالى: ( {مِنَ الْغَيْظِ} ) الغيظ كما في الصحاح الغضب للعاجز وقيل: المراد أنه على العاجز يقال: غضب عليه له ولكن لا يوافقه قوله: والكاظمين الغيظ إلا أن تجعل مجازا من قبيل المشفر سواء كان الوصفان لشخص أم لا، والتحقيق ما في شرح الفصيح للمرزوقي إنه الغضب أو أسوؤه وقوله: تتفرّق تفسير للتميز هنا وأنّ المراد به التفرّق والتقطع كما يقال تقطع وتمزق غضباً. قوله: (وهو تمثيل لشدّة اشتعالها) يعني شبه اشتغال النار بهم في قوّة تأثيرها فيهم وايصال الضرر إليهم باغتيار المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه فيكون استعارة تصريحية، والتمثيل بمعنى التشبيه في كلامه، ويجوز أن تكون المصرحة هنا تخييلية تابعة للمكنية بأن تشبه جهنم في شدة غليانها وقوّة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية، وهي الغضب الباعث على ذلك واستعير لتلك الحالة المتوهمة الغيظ كما في شرح المفتاح الشريفي، وأما ثبوت الغيظ الحقيقيّ لها بخلق الله فيها إدراكا فبحث آخر لكنه قد قيل هنا إنه لا حاجة إلى ادّعاء التجوّز فيه لأنّ تكاد تأباه كما في قوله: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [سورة النور، الآية: 35] وقد صرّح به علماء المعاني في بحث المبالغة والغلوّ ودفعه ظاهر فتدبر. قوله: (ويجوز أن يراد غيظ الزبانية) فلا تمثيل فيه لكنهم قالوا: الإسناد فيه مجازي، أو هو على تقدير المضاف سواء كان الشهيق لجهنم أو لأهلها أو للزبانية، وأمّا الفوران فليس إلا لجهنم والمراد إسناد تكاد تميز لا الغيظ كما توهم حتى يقال إنه لم يسند لهم صريحا ولا لضميرها لأنه مصدر لا يتحمل الضمير ولا حاجة إلى تكلف إنّ أصله غيظها. قوله: (جماعة من الكفرمما مطلقاً غير الشياطين لقوله: فكذبنا ولا حجة فيها لمن قال: من المرجئة لا يدخل النار غير الكفرة كقوله: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا} الخ على قراءة الرفع فإنّ الحصر فيه إضافيّ بقرينة النصوص الواردة في تعذيب العصاة، وقوله: (يخوفكم) الخ إشارة إلى معنى الإنذار والنذير وحمل النذير على ما في المعقول من الأدلة خلاف الظاهر. قوله تعالى: ( {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} الخ) السؤال هنا ليس سؤال استعلام كما أشار إليه المصنف بقوله: وهو توبيخ، وورود قال بدله في الزمر لا يدل على أنه حقيقي كما أنّ ورود الاستفهام بعده لا يدل على أنه سؤال غير حقيقيّ كما توهم وهو غنيّ عن البيان لمن له أدنى إذعان. قوله: (فكذبنا الرسل الخ) وأفرطنا في التكذيب فيه إشارة إلى أنّ النذير هنا في معنى الجمع أو هو بيان لحاصل المعنى بعد المقاولة كما سيأتي، وقوله: نفينا الإنزال والإرسال رأسا هو تفسير لقوله: ما أنزل الله من شيء ورأساً بمعنى بالكلية كما في المكمل شرح المفصل، وقوله: بالغنا في نسبتهم إلى الضلال أي حيث قصروا عليه حالهم وجعلوهم مستغرقين فيه كأنه أحاط بجميع جوانبهم ثم وصفوه بالكبر، وقوله: فالنذير قرنه بالفاء التفريعية لأنه فهم من تفسيره السابق فمن قال: إنّ الفاء ليست في محزها لم يصب، وقوله: بمعنى الجمع لأنه فعيل وهي صيغة يستوي فيها الواحد وغيره فيوافق قوله: أنتم على الجمع قيل: ولم يجعل جمعاً كالعبيد لأنه لا يعرف له مفرد يصلح أن يكون هذا جمعاً له وفيه نظر، وقوله: أو مصدر الخ فهو بحسب الأصل يطلق أيضا على الجمع لأنه يلزم الإفراد والمضاف المقدر معه في معنى الجمع أيضاً لإطلاقه على ما يعم القليل، والكثير فيغني غناء الجمع فهما وجهان معنى، والمبالغة لجعله عين الإنذار ومنعوت معطوف على مقدّر. قوله:) أو الواحد) معطوف على الجمع، وقوله: والخطاب الخ توجيه لأنتم على هذا التقدير، وقوله على التغليب وأصله أنت وأمثالك فأدخلوا في الخطاب تغليباً لأنّ النذير واحد، وأمّا عدم اطراده لأنه لا يشمل حينئذ أوّل فوج أرسل إليهم وثانيهم ولا من كذب رسوله دون من قبله فيعلم دفعه مما مرّ. قوله: (أو إقامة تكذيب الواحد الخ) فيكون واحدا لكنه جعل جمعاً ادّعاء والظاهر أنه في الحكاية، وقيل الرسول واحد تأويلا كثير تحقيقاً فروعي فيه الحالان، وقوله قالت: الأفواج الخ لا يخفى بعده لأنّ السؤال جواب كلما وهذا جوابه فيلزم وقوعه مع كل فوج على حدة، واذعاء تأخر الجواب إلى اجتماع الكل في جهنم لا يلائم السياق. قوله: (جاء إلى كل فوج منا) هو بيان للمعنى المراد حينثذ لا أنه على حذف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 المضاف ونزع الخافض كما قيل: وقوله: يجوز أن يكون الخ هذا على تقدير كون النذير واحداً لأنه تأويل مخالف للظاهر فلا يرتكب من غير داع له وإن صح في الأوّل أيضاً، وقوله: على إرادة القول أي قالت لهم: الزبانية بعد اجتماعهم وأنما قدره ليرتبط بما قبله، وقوله: فيكون الضلال الخ وهو على الأوّل من مجاز الكون لأنهم ليسوا الآن في الضلال وعلى الثاني تجوز بالسبب عن المسبب، ولذا أضافه لضميره وأمّا كونه بمعنى الهلاك المذكور في الكشاف فمعنى آخر غير ما ذكر. المصنف فمن أدرجه في كلامه فقد سها كما قيل: ولا يخفى أنّ للحمل عليه مجالاً وإن كان بعيداً فعده سهوا تعسف من قائله. قوله: (فنتقبله الخ) إشارة إلى أنّ السماع والعقل هنا بمعنى القبول والتفكر لقوله: لو كنا إذ لو كان على ظاهره كان واقعاً فالفاء في كلامه للتفصيل، والتفسير وأو للترديد لأنه يكفي انتفاء كل منهما لخلاصهم من السعير أو للتنويع فلا تنافي الجمع، وقيل: إنه إشارة إلى قسمي الإيمان التقليدي والتحقيقي أو إلى الأحكام التعبدية وغيرها، وهو تعسف بعيد، وقوله: في عدادهم الخ لأنهم إذا دخلوا معهم كانوا من جملتهم وليس فيه إشارة إلى أنّ السعير إنما أعدّت للشياطين كما قيل. قوله: (حين لا ينفعهم) أي اعترافهم بذنبهم واللام في قوله: لأصحاب السعير للتبيين كما في هيت لك، وسقيا له فأتى به مبهماً ثم فسره لأنه أوقع وأرسخ في النفس، وقوله: فأسحقهم الله سحقاً جعله مصدر أسحق بحذف الزوائد ولم يفسر. بسحقوا سحقاً مع أنه الظاهر ليفيد أنه تعالى جازاهم بذلك على منع فعلهم، وما قيل من أنه لم يفسره بسحقهم الله مع استعماله لقلته رد بأنه لم يجىء سحق بمعنى بعد إلا لازما وفيه نظر وقوله: بالتثقيل أي ضم الحاء لأن الضمة ثقيلة بالنسبة إلى السكون. قوله: (والتغليب للأيجاز والمبالنة والتعليل) قيل: إنّ المراد أنّ أصحاب السعير وهم الشياطين غلبوا على الكفرة إذ الظاهر أن يقال: فسحقاً لهم أي للقائلين بلى قد جاءنا الخ ولأصحاب السعير الذين هم الشياطين فغلب للإيجاز، وهو ظاهر والمبالغة في إبعاد الأوّلين إذ لو أفرد بالذكر أمكن تفاوت الإبعاد بأن يكون إبعادهم دون إبعاد الثياطين لجعلهم الشياطين عن إبعاد أصلاً وأنفسهم ملحقة بهم في ما كنا في أصحاب السعير فلما ضموا إليهم دل على أنّ إبعادهم لا يقصر أولئك وفي جعلهم من أصحاب السعير مع أنهم ليسوا منهم على الحقيقة، والتعليل للإشعار بأنّ الإبعاد لكونهم أصحاب السعير لترتب الحكم على الوصف المشعر بعليته لا من الفاء الدالة على أنّ تبعيدهم عن رحمته لاختيارهم للمعاصي المدخلة لهم السعير كما توهم، وأورد عليه أنّ اختصاص أصحاب السعير بالشياطين غير صحيح لأنّ سائر الكفرة يدخلونها وليس المراد من كونهم أصحابها إلا ذلك كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة فاطر، الآية: 6] وكونه إعداداً للشياطين خاصة ممنوع لقوله تعالى: {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} [سورة الفتح، الآية: 13، ونحوه وقوله: أعتدنا لهم عذاب السعير لا يدل على الاختصاص وقول المصنف في عدادهم الخ صريح في خلافه وأيضا فالكفرة إذا لم يكونوا من أصحاب السعير حقيقة فكيف يفيد درجهم فيهم التعليل، وردّ هذا الردّ بأنه لا يلزم مما ذكر اختصاص السعير بالشياطين بل يكفي كونهم أصلاً في دخولها ألحق بهم الكفار كما يدل عليه قول المصنف في عدادهم، وجملتهم فالداخل في السعير قسمان ومقتضى الظاهر ذكرهما في الدعاء معاً فعدل عته، وغلب أصحاب السعير الدال على الأصالة كما يشهد به الذوق وهذا لا محصل له وإن تبجح به قائله فالظاهر أن يقال أصحاب السعير له معنى في اللغة، وهو كل من دخل نارا مسعرة مطلقا أو لازمها كما تفيد. الصحبة في عرف اللغة ومعنى في عرف الشرع فإنه ورد أنّ جهنم سبع طباق لكل طبقة منها اسم يخصها والسعير واحدة منها مخصوصة، وقد صرّح به المفسرون وورد في الأحاديث وذكره المصنف في سورة الفتح حيث قال: وقيل السعير نار مخصوصة فهي الطبقة المعدة للشياطين فحيث قامت القرينة على إرادة معناه اللغوي أو العرفي يعمل بها ويكون هذا كالدابة وهنا ما قبله دل على أنّ المراد منها الطبقة المخصوصة فيكون مجازا في الأخرى، والتغليب وغيره ظاهر كما فسروه بذلك وهو الذي أراده هذا القائل وحينئذ فلا إشكال عليه أصلاً وهذا كلام لا غبار عليه، وأما التعليل فإنهم لاتباع أصحاب السعير عدوا من جملتهم ومثله يكفي له وإن لم يكونوا منهم حقيقة، وقيل: مراده تغليب الكفرة على الفسقة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 والأصل سحقا لهم ولسائر أصحاب السعير فغلب الأكثر على الأقل ورد بأنّ فسقة المؤمنين لا يطلق عليهم أصحاب السعير لإفادته التأبيد والخلود في عرف القرآن، وأيضا لا تجوز فيه حينئذ والتغليب كله مجاز وأيضا المؤمنون لا يستحقون الدعاء بالإبعاد عن الرحمة إلا أن يرأد بالتغليب تعميم الحكم بالجمع في لفظ واحد وبالجملة فإنّ هذا من مشكلات هذا الكتاب، وقد أكثر علماء الروم الكلام فيه وحكم بعضهم بعدم صحة نسخة التغليب، وقال الصحيح التغيير بالرإء يعني أنّ الأصل ذكر الفعل والضمير فغير الأسلوب وحذف الفعل للإيجاز وهو ظاهر وللمبالغة لذكر المستحق مبهمآ من غير بيان من هو، وما يستحقه وجاء بقوله: لأصحاب السعير بياناً له ولو ذكر هذا الفعل فات هذا المعنى وعدل عن الضمير للتعليل فإنّ علة اللعن كونهم من أصحاب السجر باختيارهم الكفر، والتكذيب لاعترافهم بذنوبهم، وقيل على ما ذكره في هذا القيل أصحاب السعير الكفرة لأنهم الأكثر المغلبون كما صرح به القائل فتأتي كونهم أصحابا باعتبار اكثر ولا يلزم منه خلود الفسقة إلا أنه يرد عليه أنه لا تجوّز فيه أيضاً، وليس بشيء لأنه مجاز بحسب المعنى العرفي، وهو كاف لصحته وأيضا قيل: إنّ مثله من التغليب ينسب فيه ما للأكثر مما يختص به لغيره كما في قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سورة الأعراف، الآية: 88] وهو لا يتيسر هنا لأنّ الوصف المذكور للعصاة أيضاً ولا يخفى فساده لأنه للتأكيد فكيف يكون لهم، وما أورده غير وارد لأنه إذا كان من التغليب لا يكون أصحاب السعير وصفاً للفسقة حقيقة فيكون مجازا ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلط، وقيل: في توجيهه إنهم لما جعلوا الشياطين في صحبة السعير أصلا وأنفسهم دخيلا واقتضى ذكر الأشقياء بأسرهم تعميم دعاء اللعن لجميعهم كان الظاهر أن يقال: سحقا لهم أي للقائلين بل الخ، ولأصحاب السعير الذين هم الشياطين فقط على زعمهم إلا أنه غلب الثاني فعبر عن جملتهم بأصحاب السعير تجوّزا على زعمهم لفوائد الإيجاز، وهو ظاهر والمبالغية في إبعاد الأوّلين إذ لو أفرد بالذكر أمكن أن يكون إبعادهم دون الشياطين فلما سوّى بينهم في العبارة دل على أنّ إبعادهم ليس أدون من إبعادهم، والتعليل لما مرّ وحصول الكل منها بدون التغليب لا ينافي جعل الكل فائدة ولم سلم حصول الكل بدونه فالمقصود بيان فوائد التغليب ولا حاجة في ص! حته لنكتة، وقيل: سياق الكلام يقتضي أن يقال فسحقا لهم ولغيرهم من أصحاب السعير لأنّ ترتب االسحق إنما كان على المعترفين بذنبهم وهم من جملة أصحاب السعير فترتيب السحق على جميع أصحاب السعير تغليبا من إسناد حكم البكض للكل كما في لتعودنّ في ملتنا والتغليب كما يكون مجازاً لغويا يكون عقلياً كما هنا، أمّا الإيجاز فظاهر لأنه أوجز من لهم ولغيرهم من أصحاب السعير فإن مساقه وإن لم يقتض إسناد السحق للمعترفين بذنبهم فقط لكن مقفحى البلاغة التعميم لمن عداهم أيضا فإذن إسناد السحق إلى الجميع بعبارة أوجز مما ذكروه، وكذا المبالغة إذ إسناد السحق إلى الجملة في مقام الإسناد إلى البعض فيه مبالغة ظاهرة والتعليل لأنه يعلم أنّ استحقاقهم السحق لكونهم من أصحاب السعير، وقيل: التغليب هنا غير المصطلح لأنّ المراد به هنا تعميم الحكم وهو سخيف لوجود التعميم بدون هذه الأمور إلا أن يراد التعميم بطريق مخصوص، وبقيت هنا كلط ت لا طائل تحتها تركناها خوف الملل. قوله: (يخافون عذابه الخ (هو بيان لحاصل المعنى أو إشارة لتقدير المضاف أو للتجوّز في الن! سبة، وقوله: غائبا يعني أن قوله: بالغيب ظرف مستقرّ حال من المفعول المذكور أو المحذوف أو الفاعل والغيب بمعنى الغائب وقيل: بمعنى الغيبة والخفاء، وتفسيره بغائبا لتوضيح الحال لا لأنّ الغيب بمعنى الغائب ولا وجه له أو هو صلة يخشون والغيب بمعنى الغائب أيضا أو هو تسمية بالمصدر أو مخفف غيب كلين والباء للاستعانة وأل موصولة أو معرفة والغيبة عن عذابه ظاهرة وعن أعين الناس بمعنى عدم الرياء، ولو أبقى على ظاهره صح ومعنى غيبته عنهم كونه لا يدركه الحس ولا تقتضيه بديهة العقل كما مرّ في البقرة مثله فتدبر. قوله: الذنويهم) بيان لمتعلق المغفرة لا لتقديره مضاف في لهم لأنّ عطف قوله: وأجر كريم ياباه، وقوله: تصغر دونه لذائذ الدنيا لأنّ كبر الآخرة بالنسبة لما يقابلها وهو أجر الدنيا وجملة: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} الخ مستأنفة في جواب سؤال مقدر نشأ من ذكر الكفرة وهو إما حال من أحسن عملاً، وقوله: {وَأَسِرُّوا} الخ معطوف على مقدر تقديره فاتقوه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 في السر والعلن وأسروا الخ، وقوله: بالضمائر الخ فيدل على استواء السر والجهر عنده لأنه يعلمها قبل التعبير عنها فكيف بعده فسواء السرّ والجهر. قوله: (سرّا وجهرا (وفي نسخة أو جهراً وهو منصوب بنزع الخافض أو هو تمييز وكون نسبة التعبير لا إيهام فيها مكابرة والتقدير سرّاً! لان أو جهراً، وقوله: من أوجد الأشياء أي جميعها حتى السرّ والجهر فكيف لا يعلمه والخلق يستلزم العلم، وقوله: السر والجهر إشارة إلى أنه المفعول المقدر بقرينة ما قبله وأنه حذف لمجرد الاختصار دون قصد العموم لأنّ المقصود استواء السرّ والجهر لديه، ولذا قدر مفعول خلق عاما إشارة إلى أنه من مقدّمات الدليل، وهو اللطيف الخبير مسوق لبيان استلزام الخلق للعلم فلو قدر مفعول العلم خاصا كان خلواً عنها فيكون مستغنى عنه، وإن خص بالسرّ والجهر كان لغواً غير مفيد فتأمّل. قوله: (المتوصل علمه الخ) فيكون علمه محيطا بالجزئيات والكليات فكيف لا يعلم السرّ والجهر من هذا شأنه قال الغزالي: إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق الأمور وغوامضها وما لطف منها، ثم يسلك في إيصال ما يصلحها سبيل الرفق دون العنف والخبير هو الذي لا يعزب عن علمه الأمور الباطنة فلا تتحرك في الملك والملكوت ذرّة ولا تسكن، أو تضطرب نفس إلا وعنده خبرها وهو بمعنى العليم وقوله: (ولا يعلم الله من خلقه) يعني أن من مفعول والعائد مقدر حينئذ ولا يصح أن يكون خلق عاما لأنه لو قصد العموم قيل ما خلق فلا يرد أنه تقييد للشيء بنفسه، ولا عبارة عن السر والجهر لأنّ من لما يعقل فلا وجه لتوهم مثله. قوله: (يستدعي أن يكون ليعلم مفعول) أي خاص كما قيدوه ليفيد لأنه لو لم يكن له مفعول خاص بأن يقدر عاما أو لا يقدّر لأنه في معنى العام المقدر، وكانت الجملة خالية يكون تقييداللشيء بنفسه لأنه علم ماظهر وما بطن بمعنى علم كل شيء فالمعنى ألا يعلم كل شيء، وهو العالم بكل شيء وهو لغو غير مفيد فإن قلت: إذا نزل منزلة اللازم من غير قصد للعموم يكون المعنى أن لا يثبت له أصل العلم، وهو العالم بظواهر الأمور وبواطنها أفاد فما المانع منه قلت لأنه في المقام الخطابي يفيد العموم كما ذكره السكاكي، ولو ادّعى أنّ هنا قرينة معنوية على عدم إرادته وهو عدم استقامته فالمقصود هنا أيضا ليس إثبات أصل العلم فإنه لم ينكره احد فكيف يثبت له مع الاستفهام الإنكاري، وذو الحال فاعل يعلم أو خلق إذ لا تفاوت بينهما كما قيل: وقد جوّز فيه كونه معطوفاً على الصلة فتأمّل. قوله: (لينة الخ) المراد باللين هنا ليس ضد الخشونة بل ضد الصعوبة من قولهم: للدابة لينة الشكيمة إذا كانت منقادة غير صعبة من الذل بالكسر، وهو سهولة الانقياد كما ذكره الجوهريّ فهو استعارة كما صرح به الزمخشريّ وسيأتي بيانه، وقيل إنه تشبيه بليغ لذكر المشبه وهو الأرض وفيه نظر. قوله: (في جوانبها أو جبالها) فالمناكب استعارة تصريحية تحقيقية وهي قرينة للمكنية في الأرض حيث شبهت بالبعير ففيه استعارة تحقيقية ومكنية فإن قلت كيف تكون مكنية، وقد ذكر طرفها الآخر في قوله: ذلولاً قلت: هو بتقدير أرضاً ذلولاً فالمذكور جنس الأرض المطلق والمشبه هو الفرد الخارجي، وهو غير مذكور فيجوز كون ذلولاً استعارة والمكنية حينئذ هي مدلول الضمير لا المصرح بها في النظم والمانع من الاستعارة ذكر المشبه بعينه لا بما يصدق عليه كما مرّ في سورة يوسف فتذكره، وقد غفل عنه بعضهم هنا. قوله: (وهو مثل الخ) هكذا هو في الكشاف وقد بين هو مراده في شرح مقاماته فقال: المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ورضح معنى الذل! بوطء المناكب والتقلب فيها كما ذكرناه في الكشاف، اهـ فالمعنى أنه ليس هنا أمر بالمشي حقيقة وأنما القصد به إلى جعله مثلاً لفرط التذلل سواء كانت المناكب مفسرة بالجوانب أو الجبال وسواء كان ما قبله استعارة أو تشبيهاً، ومن لم يقف على المراد منه قال: الواو بمعنى أو فإنه إذا جعل مثلا لم تكن المناكب مستعارة للجوانب، والجبال بل تشبه الأرض بالبعير على نهج الكناية ويثبت لها المناكب تخييلا وزاد فيه من قال: المراد تذلل الأرض لا تذلل البعير كما توهم فاعترض عليه بما مر حتى احتيج إلى القول بأن الواو بمعنى أو والمراد هو مثل إن لم تحمل المناكب على الجوانب والتمثيل أيضاً مناف لجعل الأرض والمناكب استعارة مكنية، وتخييلية فالجمع بينهما خطأ وهو كله من ضيق العطن، وقلة الفطن فتدبر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 وقوله: لفرط التذليل لو قال المصنف: لفرط التذلل كان أحسن ليظهر التفريع بالفاء، ثم إنّ المراد به مطلق التسهيل لهم بقطع النظر عن كونه تذليل البعير أو الأرض كما توهم، وقوله: فإنّ مناكب البعير الخ سواء استعير للجوانب أو للجبال، وقوله: في الذل بكسر الذال أي السهولة. قوله: (والتمسوا الخ) فاحل والرزق أريد به طلب النعم مطلقاً وتحصيلها أكلاً وغيره فهو اقتصار على الأهم الأعم على طريق المجاز أو الحقيقة، وأنت إذا تأمّلت نعيم الدنيا وما فيها لم تجد شيئاً منها على المرء غير ما أكله وما سواه متمم له أو دافع للضرر عنه وتفسيره بالالتماس هو المناسب لقوله: امشوا فقوله: ما أنعم عليكم شامل لتذليل الأرض وتمكينهم منها والتماس الرزق في مناكبها. قوله: (على تأويل من في السماء أمره وقضاؤه) يجوز أن يريد أنه من التجوّز في الإسناد ففيه مجاز عقلي وأن يريد أنّ فيه مضافاً مقدّراً وأصله من في السماء سلطانه فلما حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر فليس فيه حذف للعائد المجرور ولا للفاعل كما توهم، وقوله: أو على زعم العرب تركه أولى من ذكره فإنّ بناء الكلام على زعم بعض الجهلة غير مناسب. قوله: (وعن ابن كثير الخ) مذاهب القراء في الهمزتين المفتوحتين إذا اجتمعتا مفصل في علم القراءة فمنهم من أبدل الهمزة الأولى واواً هنا في الوصل لضم ما قبلها وهو راء النشور فاذا ابتدأ حققها وأمّا الهمزة الثانية فمنهم من سهلها بين بين، ومنهم من أبدلها الفاء وقد مرّ تحقيقه في البقرة في قوله: {أَأَنذَرْتَهُمْ} إلا أن من أبدل وهو قنبل يسهل الهمزة وصلا. قوله تعالى: ( {أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} ) قال الراغب يقال: خسفه الله وخسف هو قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [سورة القصص، الآية: 81] اهـ ولذا قيل إنّ الباء هنا للملابسة والخسف قد يتعدّى فمن خطأه وقال: بلزوم لزومه في هدّا المعنى وإن نصب الأرض بنزع الخافض فالمخطئ ابن أخت خالته، والفاء في قوله: (فيغيبكم (فيها تفريعية أو تفسيرية وهو تفعيل من الغيبة، وقوله: بدل أو منصوب بنزع الخافض وهو من الإجارة، وقوله: التردّد في المجيء والذهاب هو أصل معناه، والمراد به أنها حين الخسف زرتج وتهتز هزا شديداً كما بينه أوّلاً فليس المراد أنها تنكشف وتنقبض كما توهم، وقوله: ح! هـ باء بالمدّ هو الحصا. قوله: (كيف إنذاري) إشارة إلى أنّ النذير مصدر وأنّ الياء محذوفة والقراء مختلفون فيها فمنهم من حذفها وصلاً وأثبتها وقفاً ومنهم من حذفها في الحالين اكتفاء بالكسرة، وكذا الحال في نكير أي ستعلمون ما حال إنذاري وقدرتي على إيقاعه وعدمه ولا حاجة إلى تعيين المنذر به حتى يقال: إنّ الخسف لم يقع وإنّ المنذر به عذاب الآخرة وما بينهما اعتراض فإنه تكلف ما لا داعي له. قوله: (بإنزال العذاب) متعلق بكان أو بإنكاري فإنّ المراد من إنكار الله عليهم تعذيبهم مجازا، وقوله: وهو تسلية أي قوله: ولقد كذب الخ، أو قوله: فستعلمون الخ لأنهم سيرون جزاء تكذيبهم وتشتفي النفوس منهم. قوله تعالى: ( {وَالصَّافَّاتِ} ) حال من الطير أو من فوقهم فإذا كان حالاً فهي متداخلة أو هو ظرف لصافات أو ليروا أو قوله: إ باسطات أجنحتهق (فمفعوله محذوف وهو الأجنحة والصف البسط ولم يجعل مفعوله القوادم جمع قادمة، وهي مقدم ريش الجناح لأنه في مقابلة يقبضن والقبض للأجنحة، وقوله: يقبضن من عطف الفعل على الاسم لأنه بمعنى يصففن أو قابضات فحمل على المعنى. قوله:) إذا ضربن بها جنويهن الخ) يعني مفعول يقبضن الأجنحة أيضا كما قدره في صافات، وقوله: وقتاً بعد وقت إشارة إلى أنّ الأصل في الطيران حالة الصف وهي الأغلب فيه والقبض يفعل في بعض الأحيان للتقوى بالتحريك كما يفعله السابح في الماء يقيم بدنه أحيانا ولتجدده عبر عنه بالفعل إشارة إلى أنه أمر طارئ على الصف بخلاف البسط والصف وأما الضم بدون تحريك فلا يكون في الطيران كما توهم، وقوله: ولذلك عدل الخ بيان لاختيار إلاسم في صافات لأنه الأصل الثابت في حال الطيران والفعل في يقبضن لأنه طارئ عليه متجدد. توله:) على خلاف الطبع) لأنّ طبيعة الأجسام لما فيها من العناصر الثقيلة النزول إلى الأرض والانجذاب إلى جهة السفل كما يشاهد في الأجسام كلها والنزول فيه إلى قول أهل الطبيعة كما قيل: لا ضير فيه لأنه من الأمور المحسوسة. قوله: (الشامل رحمته كل شيء) فسره لما في صيغته من المبالغة كما مز تقريره، وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 (بأن خلقهن) الخ متعلق بيمسكن لبيان وجه الإمساك برحمته وسببه من خلقهن على هيئة من إحاطة الريش وخفته بحيث يصعد في الهواء ويجري فيه فلا وجه لما قيل من أن ذكر الرحمن دون غيره للإشارة إلى علة الإمساك بعد خلقهن على أشكال مخصوصة هيأتهن للجري في الهواء وهي رحمته إذ لولاها لسقطن وهلكن لأنه دعوى بلا دليل، وقوله: بكل شيء تقديمه للفاصلة أو للحصر ردّا على من زعم أنه لا يعلم الجزئيات، والبصر دقة في العلم يقال له: بصر في كذا أي حذف كما قاله الإمام. قوله: (عديل لقوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} الخ) جعل أم متصلة، وقال أبو حيان كغيره من المعربين إنها منقطعة بمعنى بل لأن بعدها اسم استفهام وهو من لكنهم لم يبينوا وجه منع وقوع الاستفهام بعدها من الاتصال فإن كانا استفهامين فما المانع منه إذا قصد التأكيد، واعلم أنّ مساق الآية إمّا لإنكار أن يكون للمخاطبين ناصر ورازق سوى الرحمن وأمّا لإنكار كون الأصنام تنصرهم وترزقهم وعلى هذا اقتصر المصنف وعلى الأوّل الاستفهام الإنكار ويقدر بعده يقال وعلى الثاني للتحقير ولا يحتاج إلى تقدير القول لأنّ المشار إليه مشاهد بخلافه على الأوّل فإنه لا يصح بدون تقدير كما قيل وفيه نظر فإنّ التقدير ليس لهذا فتأمّل. قوله: (على معنى أو لم تنظروا الخ) والصنائع القبض والبسط والإمساك وما شاكله مما يدل على كمال القدرة ولا حاجة إلى جعل الإمساك بمنزلة الصنائع، وقوله: (فلم تعلموا) الخ إشارة إلى أنّ قوله: ألم بروا للاستدلال على قدرته على الخسف والحصب، وقوله: أم لكم جند ففيه التفات كما يشير إليه كلام المصنف ونكتته المبالغة في التهديد 0 قوله: (إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام الخ) إشارة إلى ما قدمناه من أنّ أم المتصلة استفهامية فلا وجه لا يراد من الاستفهامية بعدها لأنّ كونها موصولة كما قيل: خلاف الظاهر ووجهه بأنه عدل عن مقتضى الظاهر لنكتة وهو أنهم لاعتقادهم نصر آلهتهم لهم أتى باسم الاستفهام بعدها تهكماً بهم كان النصرة مقررة وأنما الكلام في تعيين الناصر لهم، وقوله: فهو كقوله الخ لم يجعله على التقدير والفرض كما في الكشاف لتكلفه ولذا اختار هذا الوجه. قوله: (ومن مبتدأ وهذا خبره) وهي عنده استفهامية لا موصولة وهذا مذهب سيبوبه وفيه الأخبار عن المعرفة بالنكرة وهو جائز عنده إذا كان المبتدأ اسم استفهام أو أفعل تفضيل كما بين في محله، وغيره يجعل هذا مبتدأ ومن خبره وجوّز في من أن تكون موصولة مبتدأ أيضاً وهذا مبتدأ ثان والذي خبره والجملة صلة بتقدير القول أي أم الذي يقال في حقه هذا الخ فأم متصلة أو منقطعة والمعنى أمن له هذه الصفات العظيمة ينصركم وينجيكم من الخسف والحصب إن أصابكم أم الذي يقال فيه هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الله، وقوله: محمول على لفظه وهو الإفراد ولو روعي المعنى قيل: ينصرونكم. قوله: الا معتمد لهم) أي غير تغرير الشياطين، وهو في حكم العدم بيان لمعنى الحصر فيه، وقوله: أم من يشار إليه ويقال: الخ يشير إلى أنّ من هنا موصولة وأنّ هذا الذي مبتدأ وخبر وهو صلة بتقدير القول، وأنما قدر القول لاستهجان أن يقال الذي هذا الذي هو جند لكم ومن مبتدأ خبرها مقدر أي رازق لكم وجعل الذي خبراً عن الذي سمج جدا وقد صرّح في من السابقة بأنها استفهامية فذكر في كل منهما وجهاً للإشارة إلى صحة كل منهما كما جعل أم متصلة، ثثم ومنقطة هنا وأمّا دخول الاستفهام على الاستفهام فدفعه أنّ أم هنا بمعنى بل بدون استفهام في قوله أمّا ذا كنتم تعملون، وقد مرّ أنه لا مانع من اجتماع استفهامين فمن قال: إنه يلزم المصنف حكاية المفرد بالقول، وإنه يجوز إذا أريد بالمحكي لفظه أو كان من قال بمعنى تكلم فينصب المفرد فقد غفل عما أراده المصنف ومعنى يقال في شأنه هذا أنه يشار إليه بهذا تحقيراً له فتأمّل. قوله تعالى: ( {أَفَمَن يَمْشِي} الخ) حال الهمزة معلوم فلا يفيد تقدمها الاستفهام عن السبب كما توهم ومن موصولة مبتدأ ويمشي صلته ومكبا حال من الضمير المستتر فيه وعلى وجهه ظرف لغو متعلق بمكبا أو مستقرّ حال، والأوّل أولى وأهدى بمعنى أرشد خبر من. قوله: (وهو من الغرائب الأنه على عكس المعروف في اللغة من تعدى لأفعال ولزوم ثلاثيه ككرم وأكرمت، وله نظائر في أحرف يسيرة كأنسلى ريش الطائر ونسلته وأنزفت البئر نزفتها، وأمرت الناقة درت ومرتها وأشتف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 البعير رفع رأسه وشفقته وأقشع الغيم وقشعته الريح أي إزالته وكشفته، وقد حكى ابن الأعرابي كبه الله وأكبه بالتعدية فيهما على القياس، وحكاه في القاموس فالاعتراض عليه غير متوجه. قوله: (والتحقيق أنهما من باب انفض (يقال: انفض القوم بالفاء والضاد المعجمة إذا فني زادهم وقد يكنى به عن الهلاك أيضا فالهمزة فيه للصيرورة كألام إذا صار لئيما وانفض إذا صار نافضا لما في مزودته لفنائه وليست الهمزة فيه للمطاوعة وأك! ث مطاوع كب كما ذهب إليه ابن سيده في المحكم تبعاً لبعض أهل اللغة كالجوهريّ وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل إلا أن بعض المدققين قال معنى كون الفعل مطاوعا كونه دالاً على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد به كقولك: باعدته فتباعد، فالتباعد معنى حصل من المباعدة كما يفهم من كلام شراح المفصل، والشافية ومباينة المطاوعة للصيرورة غير مسلمة وفي شرح الكشاف للشريف الائتمار معنى صيرورته مأمورا وهو مطاوع الأمر فسوى بين المطاوعة والصيرورة مع أنه ذكر ما هنا بعينه في بحث القلب من شرح المفتاح فليحرّر هذا. قوله: (يعثر كل ساعة ويخرّ على وجهه (الخرور السقوط على وجهه، وهو معنى الانكباب، وكونه: كل ساعة عبارة عن دوامه في حال مشيه وهو مستفاد من كونه حالاً من الفاعل هنا ومقارنا له مع معونة المقام، وهو معناه هنا لا في كل محل وقوله: لوعورة طريقه أي صعوبة المشي فيه لما فيه من الحجارة الكثيرة الكبيرة، وهو بيان لعلة السقوط والعثار، واختلاف أجزائه بانخفاض بعض وارتفاع بعض آخر فليس تفسيراً لما قبله كما توهم. قوله: (قائماً سالماً من العثار) اختار هذا التفسير لأنه بمعنى مستو والمستوي هو المنتصب القامة فلذا فسره بقائما وأمّا سلامته من العثار فمن وقوعه حالاً كما مرّ فإنه إذا دام انتص به لزم أنه سالم من العثار، وأمّا تفسيره بمستوى الجهة قليل الانحراف على أنّ المكب المتعسف الذي ينحرف هكذا وهكذا فغير مناسب هنا لأنّ قوله: {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يصير مكزرا وليس في كلام المصنف اختلاط الأمن سوء الفهم. قوله:) مستوى الأجزاء (لأنه إذا لم تستو أجزاؤه لم يستقم سطحه وعدم استواء الأجزاء اختلافها ارتفاعا وانخفاضا. قوله:) والمراد تمثيل المشرك الخ (تعريف السالكين للعهد وهما المكب والسوي والمسكين الطريق المستقيم، ومقابله فهما تمثيلان لا أربعة كما يتوهم وفي كل منهما استعارة تمثيلية، وقوله: ولعل الخ إشارة إلى أنه ذكر المسلك في الثاني دون الأوّل اكتفاء بما يفهم من قوله: مكبا من أنّ طريقه غير مستو كما أشار إليه أوّلاً بقوله: لوعورة طريقه الخ وقوله: للإشعار الخ هو المرجح لتركه في الأوّل دون الثاني. قوله: (لا يستأهل الخ) تقدم أن يستأهل بمعنى يستحق ويصير أهلاً ورد في كلام المغرب، وهو لفظ صحيح فصيح وانكار الحريري له في درة الغواص وهم كما بيناه في شرحها فلا عبرة بمن اتبعه هنا واعترض على المصنف. قوله: (كمشي المتعسف) هو الذي يمشي في غير الطريق ويرتكب ما لا يليق فإنه لا يسمى مسلكه طريقا لأن أصل الطريق ما تطرقه الأتدام، وهذا ليس كذلك وفي عبارته تسامح لدخول الكاف على غير الممثل به إذ المشي لا يصلح مثالاً للطريق وفي بعض النسخ كممشى بميمين اسم مكان فلا تسامح فيه فلعل إحدى الميمين سقطت من قلم الناسخ والتعسف المشي في غير الطريق، وقوله: متعاد تفاعل من العداوة وهو مجاز بليغ لأن المراد مختلف الأجزاء أرتفاعا وانخفاضا فكأن بعض أجزائه معاد لبعض، ويقال: لضده متناصف كأنّ بعضه ينصف بعضاً، وقوله: وقيل المراد بالمكب الأعمى الخ وهو كناية أو مجاز مرسل جعل بعد ذلك تمثيلا لمن ذكر إذ هو لا ينافي التجوّز في بعض مفرداته قبله، وقوله: وقيل الخ فلا تمثيل فيه. قوله تعالى: ( {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} ) تقدم مثله وأنّ قليلاً صفة مصدر مقدر أي شكراً قليلا وما مزيدة لتأكيد التقليل والجملة حال مقدّرة والقلة على ظاهرها أو بمعنى النفي كان الخطاب للكفرة، وجوز في الجملة أن تكون مستأنفة والأوّل أولى وقوله: باستعمالها أي هذه الأعضاء المذكورة وهي السمع وما معه، وقوله: فيما خلقت لأجلها أنث الضمير الراجع لما رعاية لمعناها لأنها بمعنى الأشياء وما خلقت لأجلها هو ما أشار إليه من استماع المواعظ وما بعده، ويجوز أن يراد بما ذكر تعداد النعم. قوله: (للجزاء) قيده به لئلا يتكرّر مع قوله: {أَنشأكُم} ولأنه المناسب لقوله: {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ، وقوله: (أو ما وعدوا) الخ لا يضرّه كونه لم يقع إذ تخلف الوعيد لا ضير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 فيه وقد أشار إليه المص ن ف بقوله: والإنذار يكفي له الخ مع أنه قد يقال: إنه وقع والخسف والحصب بمعنى التذليل وومنه الحصى في وجوههم كما قال: ولا يقيم على خسف يراد به إلا الأذلان غير الحيّ والوتد قوله: (علم وقته الأن علمه إجمالاً قد علم من التهديد به، وقوله: لا يطلع عليه هو من كلمة إنما وفوله: بل الظن الخ هو ناظر إلى كون الموعود به الخسف وقرينه مع أن وقوعه معلق بشرط كالبقاء على الكفر، وقد آمن أكثرهم وهكذا كل وعد ووعيد عند من يقول بأنه خبر لئلا يلزم الكذب إذا تخلف، وأمّا كون الظن بمعنى الطرف الراجح أو هو من قبيل هذا كذا في ظني فتكلف لا حاجة إليه فلا يشكل الأمر بأن قوله: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} إخبار بوقوعه فإذا أريد الخسف والحاصب لزم المحذور كما توهم. قوله: (ذا رّلفة) هو منصوب على الحال أو الظرفية وأنما يحتاج إلى التقدير إذا كان بمعنى القرب أما بمعنى القريب فلا وقوله: بأن علتها الكآبة أي ظهر عليها آثارها فإن الكآبة الغم والانكسار والحزن والضمير للوجوه، وقوله: ساءتها الخ إشارة إلى فاعله المقدر ولا يلزم أن يكون فاعلاً حقيقياً. قوله: (تطلبون وتستعجلون الخ) أراد أن طلبهم نفس الاستعجال لا أنه ضمن معناه كما قيل فالباء صلة الفعل كما في قوله: يدعون فيها بكل فاكهة فإذا جعل من الدعوى فالباء سببية أو للملابسة باعتبار ذكره، ويؤيد الأوّل قراءة تدعون بالتخفيف، ولذا قدمه وسيأتي أنه يقال: دعاه إذا استدعاه وفي تهذيب الأزهري مخففا ومشددا وفسره الحسن بتكذبون من قولك يدعي الباطل، ويدعي ما لا يكون، وقال الفراء: يجوز أن يكون تدعون بمعنى تدعون ومن قرأ تدعون مخففا فهو من دعوت أدعو والمعنى هذا الذي كنتم به تستعجلون، وتدعون الله بتعجيله يعني قولهم: إن كان هذا هو الحق من عندك الخ ذكره يونس والزجاج، وقال: يجوز أن يكون يفتعلون من الدعاء من الدعوى. قوله: (فمن يجير الكافرين) أقيم الظاهر مقام الضمير إظهارا لعلته، وقوله: لا ينجيهم لأن الاستفهام الإنكاري نفي معنى وقوله: نتربصى الخ تقدم تفسير.، وقوله: الذي أدعوكم تفسير للضمير ومولى النعم تفسير للرحمن، وقوله: للعلم بذلك أي بكونه المنعم الحقيقي إشارة إلى أن ذكره عقبه لأنه معلوم منه، وقوله: لا يضرّ ولا ينفع إشارة إلى وجه الحصر المستفاد من تقديم عليه وقوله، والإشعار به أي بان غيره لا يضرّ ولا ينفع. قوله: (فستعلمون الخ) هو من الكلام المصنف وقوله: بالياء ففيه التفات على أحد الوجوه والاحتمالات، وقوله: غائراً إشارة إلى أنه مصدر مؤوّل باسم الفاعل، ووصف به مبالغة والدلاء بالمد جمع دلو. قوله: (جار الخ) إشارة إلى أنه فعيل من معن أو مفعول من عين وكونه سهل المأخذ لوصول الأيدي إليه، وقوله عن النبيّءلمجح! الخ حديث موضوع وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة صحيحة فلو أورد بعضها كان أولى. تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيد الأنام وآله وصحبه الكرام. سورة ن لا خلاف في عدد آياتها وكونها مكية إلا أنه قيل باستئناء بعض آياتها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (من أسماء الحروف) والمراد ما بيناه في أوّل البقرة وقدمه لأنه الظاهر، وقوله: وقيل الخ وجه تمريضه ظاهر خصوصا إذا أريد به الجنس سواء كان بمعنى الجميع أو الفرد غير المعين فإنه لا معنى للقسم به ولا مناسبة بينه وبين القلم، واليهموت بفتح الياء المثناة التحتية وسكون الهاء وما اشتهر من أنه بالباء الموحدة غلط على ما ذكره الفاضل المحشي، وإذا أريد هذا فوجهه إنه مما خلق أوّلاً قبل الأرض، ثم وضعت عليه كما في المعالم. قوله:) أو الدواة الخ) أنكر الزمخشريّ ورود النون بمعنى الدواة في اللغة أو في الاستعمال المعتد به والردّ عليه إنما يتأتى بإثباته عن الثقات لا بالتشهي وسلامة الأمير، فما قيل من أن المصنف قصد الردّ عليه بقوله: فإن بعض الحيتان الخ على أنه أطلق على الدواة مجازاً بعلاقة المشابهة لا يخفى ما فيه من السماجة فإنه لم يشتهر حتى يصح جعله مشبها به، والنقس بالسين المهملة كالحبر لفظا ومعنى. قوله: (ويؤيد الأول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 (أي كونه من أسماء الحروف هنا لأنه لو كان اسم جنس أو علما أعرب منوّنا أو ممنوعاً من الصرف وكتب كما يتلفظ به، وإن كان خط المصحف لا يقاس لأنه لا يرتكب ما أمكن إجراؤه على القياس! ، وكونه بنية الوقف واجراء الوصل مجراه على خلاف الأصل أيضا، ولذا قال: يؤيد دون يدل لهذا الاحتمال وأيضا يحتمل أنه اكتفى ببعض حروف الكلمة كقوله: قلت لها قفي قالت قاف وبينه وبين القلم غاية المنافرة. قوله: (الذي خط اللوح) المحفوظ فالتعريف فيه عهدفي، وفيما بعده جنسيّ وقوله: وأخفى ابن عامر الخ الإخفاء لغة الستر، وفي اصطلاح القرّاء صفة للحرف بين الإظهار والإدغام عار من التشديد مع بقاء الغنة في الحرف الأوّل ومنه ظهر مفارقته للإدغام، والإخفاء للنون يكون مع غير الباء والألف، وغير أحرف الحلق الستة وأحرف يرملون الستة فهو عند خمسة عشر حرفا غير هذه، والنون تدغم مع الغنة وعدمها في حروف يرملون إذا عرفت هذا ظهر لك ما في كلام المصنف من الخلل، وإن حمل قوله: أخفى على معنى أدغم لأنه إخفاء لغوي لا اصطلاحي، وإن كان أولى من إبقائه لأنه أقل فساد أو هو المنقول في كتب الأداء عن هؤلاء أيضا فغير ظاهر إلا أن قوله: إجراء للواو المنفصل الخ لا وجه له فإنه إن أراد انفصالها بحرف آخر فليس بصحيح وإن أراد الانفصال عن الكلمة بأن تكون في كلمة أخرى فليس كونهما من كلمة واحدة شرطا عند أحد من القراء، وقوله: مع حروف الفم يعني الشفوية غير صحيح أيضا سواء أريد بالإخفاء الإدغام أو المعنى المصطلح كما عرفته، وأمّا إرادة ما يعمه ويعم القلب كما قيل فأشد فساداً، والعذر في مثله أقبح من الذنب، وقوله: كص وتوجيهه مفصل فيها. قوله: (على التعظيم الأنه واحد فالتعبير عنه بضمير الجمع تعظيما له وأما على الثاني وأرادة جنس ما به الخط فهو متعدد لكنه ليس بكاتب حقيقة بل هو آلة للكاتب فالإسناد إليه إسناد إلى الآلة مجازاً والتعبير عنه بضمير العقلاء لقيامه مقام العقلاء وجعله فاعلا، وقوله: لأصحابه معطوف على قوله: للقلم فالضمير راجع إلى الكتبة أو الحفظة المفهومين من القلم لا لأنه أريد بالقلم أصحابه تجوّزاً أو بتقدير مضاف معه، وأصحابه المؤمنون، وإذا أريد الحفظة لا يتعين أن يراد بالقلم ما خط اللوح كما توهم، وكونه لما وهي بمعنى من تكلف بارد. قوله: (والمعنى ما أنت الخ) أي انتفى عنك ذلك في حال كونك منعما عليك بأعظم النعم وقريب منه جعل الجار والمجرور متعلقاً بالنفي كالظرف اللغو، والحصافة بالحاء والصاد المهملتين الاستحكام والجزالة، وقد جوّز فيه كونه قسماً متوسطاً في الكلام لتأكيده من غير تقدير جواب أو يقدّر له جواب يدلّ عليه الكلام المذكور كما ذكره في سورة الطور. قوله: (وقيل مجنون) أي العامل في الحال مجنون كما ذكره الزمخشري وقوله: والباء لا تمنع الخ لأنّ معمول المجرور سواء كان بالحرف أو بالإضافة لا يتقدم عليه كما ذكره النحاة لكنها لكونها زائدة هنا لم تعد مانعا، وقوله: وفيه نظر اعتراض عليه فيما اختاره لأنه يقتضي أن انتفاء الجنون عنه في هذه الحالة، وقد لا ينتفي في غيرها وكونها حالاً لازمة كما ذكره المعرب لا يدفع الإيهام ولا يخفى أنه وارد على ما اختاره المصنف أيضا، وقيل في وجه النظر إنه نفي داخل على مقيد فإئا أن يكون لنفي القيد فقط أو مع المقيد وأما كونه لنفي المقيد فقط فلم يرد في كلامهم فيقتضي نفي الجنون والإنعام عليه، أو نفي الانعام وثبوت الجنون وكلاهما غير صحيح هنا، وقد قيل عليه إنّ المتبادر من نحو ما زيد بقائم ضاحكا نفي القيام في هذه الحالة لا نفي تلك الحالة في غير القيام فيجوز قيامه في غيرها فإذا كان المحكوم به لازما لتلك الحالة لزم من نفيه نفيها والجنون غير لازم للنعمة إلا أن المتبادر في المثال ثبوت القيام مع نفي الحال ولا يمكن اعتباره هنا لأن نفي الجنون في حالة النعمة، وهي لا تنفك عنه فيلزم انتفاء الجنون ضرورة اهـ، ولا يخفى أنه كلام مضطرب لا حاصل له وقد مرّ تحقيقه وأن الجملة الحالية والحال مطلقا إذا وقعت بعد النفي إنما يلزم انتفاء مقارنتها لذي الحال لا نفيها نفسها لأنه لا يلزم من نفي الشيء في حال نفي تلك الحال ألا تراك تقول ما جاءني زيد وقد طلع عليه الفجر فقد نفيت مجيئه مقارنا لطنوعه ولا يقصد نفي طلوعه، وكذا إذا اعتذرت عن ترك زيارة صديق لما في الحال من الضيق فقلت: لا أزورك مملقا ولا أراه يشتبه على أحد حاله، وفي الكتاب المجيد {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 [سورة الأنفال، الآية ت 33] وقد مرّ لنا فيه كلام في سورة البقرة والأنفال فتذكره وقوله: على الاحتمال يعني احتمال أذى المشركين، والإبلاغ تبليغ أمانة الرسالة وتحمل أعبائها، وقوله: من الناس رد على الزمخشري في جعله غير ممنون عليه من الله لأنه استوجبه بعمله وهو ظاهر. قوله: (ما لا يتحمله أمثالك (يعني من أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} هي اسم السورة، وهو بدل من القرآن بدل بعض من كل فالعائد مقدر معه ولم يقع هذا في أكثر الروايات قال ابن حجر: وله قصة طويلة وهذا اللفظ رواه الحاكم، وقال السيوطي: هو في رواية البخاري في الأدب أيضاً، وقال العارت بالله المرصفي أرادت تخلقه بأخلاق الله ولكنها لم تصرّج به تأدّبا منها وهو كلام حسن لولا ما في هذه الرواية، ومعنى ما قالته عائشة إن الآية الأولى تضمنت خلقه جمي! إجمالاً. قوله: (والباء مزيدة (أي في المبتدأ كما جوّزه سيبويه وقوله: أو بابكم الجنون فالباء للملابسة، وهذا بناء على أن المصدر يكون على وزن المفعول كما جوّزه بعضهم، وقوله: أي في أيهما الخ إنما أوّله بالفريقين على أن خطابهءج! ر خطاب لأضته أيضا دفعاً لما يرد عليه قال ابن الحاجب في شرح المفصل: يضعف جعلها غير زائدة بمعنى في والمفتون صاحب الفتنة، والخطاب له ولهم أنه لا يستقيم أن يقال لجماعة وواحد في أيكم زيد فلا بد من تقدير الفريقين فإن قلت هذا بعينه، وارد إذا كان المفتون بمعنى الفتنة أيضاً قلت: ليس كذلك لأنه يصح أن يقال لاثنين بأيهما الفتنة لأنه يصح قيامها بكل واحد منهما فيصح الاستفهام عن محله وصاحب الفتنة لا يستقيم أن يجعل محل الفتنة، اهـ. قوله: (وهم المجانين الخ) توضيح لارتباطه بما قبله حيث ذكر أنه سيعلم المجنون من غيره، وقد ذكرت هذه الجملة مؤكدة بعده مستأنفة لتبيينها فكان الظاهر أن يقال: إنه أعلم بالمجانين والعقلاء فعدل عنه للدلالة على أن الضلال عن سبيله هو الجنون، والاهتداء عين كمال العقل. قوله: (تهييج اله! ييه حيث نهاه عن إطاعتهم وهو أمر لم يقع منه ولا يتصوّر فالمراد حثه على تصميمه في عزمه، ومعاصاتهم بمعنى عصيانهم يقال: عاصاه وعصاه بمعنى، وقوله: تلاينهم أي تعاملهم باللين والمداهنة لهم بترك نهيهم أو موافقتهم فيما هم عليه أحيانا، وقوله: والفاء أي في قوله: فتدهنون للعطف على تدهن وتعقيب مداهنتهم على مداهنته ويكون كل منهما داخلا في حيز التمني على هذا، ولذا فسره بقوله: ودوا التداهن، وقوله: لكنهم الخ توجيه للعطف بالفاء ولا تسامح فيه كما قيل وقوله: وتمنوه تفسير فإنه يقال وذ كذا ويوذ كذا إذا تمناه وهو معنى حقيقي كما في كتاب الفصيح. قوله: (أو للسببية) أي الفاء ليست عاطفة بل داخلة على جملة متسببة على ما قبلها، وقدر المبتدأ ليصح كونها عاطفة وتتضح السببية فيها أي إنهم لتمنيهم أن يداهنهم يداهنوه والفرق بين التقديرين في كلامه من وجهين لأنه على الأوّل المعنى أنهم تمنوا لو تدهن فتترتب مداهنتهم على مداهنتك ففيه ترتب إحدى المداهنتين على الأخرى في الخارج، ولذا قال: حينئذ أي حين إذ داهنتهم ولو فيه غير مصدرية وعلى الثاني لو مصدرية، والترتب ذهني على ودادتهم وتمنيهم ولذا قال الآن. قوله: (على أنه جواب التمني) فالمعنى ليتك تدهن فيدهنوا، وقد خرجت هذه القراءة على أنها عطف على التوهم بناء على أن لو مصدرية فيوهم وقوع أن موقعها ونصب الفعل بها والتمني من، وذوا لو وقيل: جواب لو مقدر أي لو تدهن لسروا بذلك ومفعول وذوا مجذوف، وهو التداهن ولا يخفى ما فيه من التكلف. قوله: (كثير الحلف) فكثرته مذمومة ولو في الحق لما فيه من الجراءة على اسم الله، وطعان بمعنى عياب لأن الطعن يعيب الخلق وقوله: على وجه السعاية أي الإفساد والضرر، وأصل السعاية أن يمشي بالناس عند الحكام والأثام كالوبال لفظاً ومعنى أو بالمد جمع آثم. قوله: (بعدما عد من مثاليه) بالمثلثة، والباء الموحدة بمعنى القبائح إشارة إلى أن الإشارة لجميع ما قبله لا للأخير فقط، وهي للدلالة على أن ما بعده أعظم في القباحة فبعد هنا كثمّ الدالة على التفاوت الرتبيّ كما مرّ في قوله: {بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [سورة التحريم، الآية: 4] والدعيّ الملحق بقوم ليس منهم كما مرّ في قوله: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} [سورة الأحزأب، الآية: 4] والزنمة بفتحات ما يتدلى في حلق المعز والفلقة من أذنه تثق فتترك معلقة فشبه من انتسب لغير أبيه بذلك، والأخنس بالخاء المعجمة والسين المهملة بينهما نون رجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 معروف من العرب، وشريق بالقاف بوزن شريف اسم أبيه وهو من قبيلة تثقيف فالتحق ببني زهرة حتى كان يعد منهم في الجاهلية. قوله: (لآن كان الخ) إشارة إلى أنّ قبل أن المصدرية لام جرّ مقدرة ومستظهراً بمعنى متقؤيا، وقوله: مدلول قال صادق بتقدير مثلها وتقدير كذب لأنّ قوله: هنا مكذب يدل عليه، وقوله: ما بعد الشرط الخ إشارة إلى أنّ إذا هنا شرطية لا ظرفية، وإن صح أيضا لتبادر من السياق، وقيل: لأنّ قوله: قال الخ جواب ولا محوج لإخراجه عنه وفيه أن عدم التقدير محوج له فينبغي جواز الوجهين، وقوله: على الاستفهام، وحيمئذ فلهم فيه الوجوه المعروفة إذا اجتمعت الهمزتان، وقوله: كذب متعلق اللام المقدرة الدال عليه قال: وما بعده يدل عليه لا تطع وقدره لأنّ ما قبل الهمزة لا يعمل فيما بعدها، وقوله على أنّ شرط الغني الخ يعني ليس لتفييد النهي به كما أنّ النهي عن الوأد في قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [سورة الإسراء، الآية: 31] منع عنه غير مقيد بذلك لأنّ النهي عنه في غير ذلك يعلم باً لطريق الأولى فيثبت بدلالة لنص والشرط والعلة في مثله مما لا مفهوم له كما تبين في الأصول. قوله: (أو أن شرطه للمخاطب الخ) أراد به تطبيق المعنى في القراءتين لإفادة الشرط السببية، وهو بمعنى قريب من التعليل فنزل المخاطب المطيع لما ذكر منزلة من اشترطه كما ذكره المصنف وقوله: شارطاً يساره بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب حتى يرد عليه أنّ الشرط المحض لا يقع حالاً كما قيل. قوله: (على الأنف) أصل الخرطوم للخنزير والفيل فإطلاقه على أنف الإنسان مجاز كإطلاق المشفر، وقوله: يوم بدر اعترض عليه بأن الوليد بن المغيرة من المستهزئين، وكلهم ماتوا قبل بدر وقد مرّ في سورة الحجر وقوله: يذله الخ يؤيده لفظ الخرطوم والعرب تقول وسمته بميسم السوء يريدون أنه ألصق به من العار ما لا يفارقه كما قال جرير رحمه الله تعالى: لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل وجدع بالدال المهملة مجهول بمعنى قطع ورغم أصله الصادق الرغام وهو التراب، وقوله: سيما أصله لا سيما فحذفت منه لا وقد قيل: إنه لحن، وقوله: أو يسود وجهه أصل معنى الوسم الكي فتفسيره بسواد الوجه مجاز، ولا وجه لقوله: على الخرطوم حينئذ. قوله تعالى: ( {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} ) أي أصبناهم ببلية، وقوله: كما بلونا في محل نصب صفة مصدر مقدر أي ابتلاءكما الخ، والصرام بالكسر قطع الثمار بعد استوائها والحصاد والمنجل بكسر الميم معروف وقوله: خفية عن المساكين أي ليخفي عنهم ذلك حتى لا يطلبوا ما كانوا يأخذونه تصدقا قبله. قوله:) ولا يقولون إن شاء الله) الظاهر عطفه على أقسموا فمقتضى الظاهر أن يقال، وما استثنوا والعدول عنه لا يظهر له وجه فلذا فيل: إنه استئناف أو حال لكنه خلاف الظاهر مع أنّ الأحسن ترك الواو، ولو كان حالاً وأصل الاستثناء استفعال من الثني وهو التكرار أو الرجوع، ثم أطلق على إخراج بعض ما دخل في عموم ما قبله سواء كان بألا وأخواتها أو لا كالتقييد بالشرط وتخصيصه بالأوّل اصطلاح فليس المراد أنّ إطلاقه على إن شاء الله ونحوه يحمله على باب إلا كما يتوهم فإنه ورد في اللغة بهذا المعنى وعليه يحمل كلام المصنف فأعرفه، وقيل: معناه لا يستثنون عما هموا به من منع المساكين. قوله: (غير أن المخرج به الخ) يعني إنك إذا قلت قام القوم إلا زيداً فالمخرج قيام زيد وهو مذكور لدخوله فيما قبله، وإذا قلت افعل كذا أو لا أفعله إن شاء الله فالمعنى إن شاء الله فعله أو عدمه لأنّ مفعول المشيئة مصدر متصيد مما قبله والمقصود إخراج ما لم يشأه الله عما قصد به وهو غير مذكور أو المذكور ما شاءه، ولا يرد عليه الاستثناء المنقطع فتدبر. قوله: (أو لأنّ معنى الخ) مبني الوجه الأوّل على أنّ الاستثناء معناه الإخراج من الكلام مطلقا فإطلاقه عليهما حقيقة لغوية، كما أشار إليه الراغب وغيره والذي اصطلح عليه النحاة تخصيصه بالمخرج بألا وأخواتها ومبني الثاني على أنه حقيقة فيما اصطلح عليه النحاة،! اطلاقه على الثرط المذكور لمشابهته له معنى فلا كلام فيه حيث قيل إنه كيف يخرج كلام الله على اصطلاح النحاة الحادث. قوله: (ولا يستثنون الخ (فهو بمعنى الإخراج الحسي وحينئذ هو معطوف على قوله: ليصر منها ومقسم عليه، او على قوله: مصبحين الحال كما مرّ وهو معنى لا غبار عليه، وقوله: لا كستثنون معطوف على قوله: ولا يقولون إن شاء الله. قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 (بلاء طائف (أي محيط بها وطاف بمعنى نزل والبلاء بالمد وطائف صفته، وقيل الطائف ملك اقتلعها وطاف بها حول الكعبة، ثم وضعها بقرب مكة وهي البلدة التي تسمى طائفا كما في القاموس وغيره، وقوله: مبتدأ منه فمن ابتدائية، وقوله: صرم ثماره أي قطع وقوله: باحتراقها واسودادها ليى عطفاً تفسيرياً كما توهم نعم وجه الشبه بين الليل والمحترق الاسوداد، وقوله: سميا أي الليل والنهار، وقوله: كالرمال لأنها تسمى صريما أيضاً إذا كانت منقطعة عن غيرها. قوله: (أي أخرجوا) يعني أنّ أن تفسيرية بمعنى أي واغدوا بمعنى اخرجوا مطلقا أو غدوة، وقوله: أو بأن اخرجوا يعني أن إن مصدرية قبلها حرف جز مقدّر لأنها يجوز أن توصل بالأمر، وقوله: بغدو العدو الخ لأنه يقال غدا عليهم إذا أغار فشبه غدوه لقطع الثمار بغدو الجيش للغارة فيكون استعارة تبعية أو تمثيلية، وهذا بناء على انّ غدا يتعدى بعلى واستشهد له بشاهد وفيه نظر. قوله: " ن كنتم الخ (جوابه مقدر بقرينة ما قبله أي فاغدوا الخ، وقوله: يتسارون أي سرّاً، وقوله: خفي بفتح الفاء من خفي بمعنى كتم وكسرها، وخفت بالمثناة بمعنى اخفي نفسه وصوته وسمي الخفاس خفدوداً لكونه يخفي بالنهار. قوله: (إن مفسرة الم يجوز فيها المصدرية، وإن لم يكن منها مانع لأنّ طرحها مؤيد لكونها مفسرة، وقوله: على إضمار القول أي ويقولون الخ أو على أعمال يتخافتون فيه لتضمنه معنى القول، وهو المذهب الكوفي فيه وفي أمثاله، وقوله: المبالغة لما فيه من الكناية كما مرّ تحقيقه في أوّل الأعراف وقوله: على نكد بفتح الكاف تفسير للحرد وقوله: لا غير إشارة إلى أنّ تقديمه على متعلقه للحصر ورعاية للفاصلة أيضاً والدر اللبن، وقوله: يتنكدوا على المساكين لو قال: ينكدوا كان أحسن يعني أنهم انعكس عليهم وحل بهم ما نووه للغير. قوله:) أو غدوا الخ (يعني أنهم غدوا للانتفاع واختصاصهم به فلم يحصل لهم غير الحرمان والحصر على الأوّل حقيقي وعلى الثاني ادّعائيّ والنكد ثمة عامّ لنكد المساكين ونكدهم في أنفسهم من غير تهكم بهم، وفي هذا القصر بالنسبة إلى انتفاعهم من خبثهم والنكد خاص بهم وجعل حرمانهم انتفاعا مقدوراً مكسوباً لهم تهكماً فالفرق بين الوجهين من وجوه. قوله: (وقيل الحرد بمعنى الحرد) يعني أنّ الساكن بمعنى المفتوح ومعناه الغيظ أي لم يقدروا على غير إغضاب بعضهم لبعض فهو بمعنى قوله: أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، وقوله: حنق بفتحتين الغيظ أو أشده، وهو مضاف لبعضهم ويجوز رفعه على أنه فاعل للمصدر والقصر حقيقي ادّعائي أو إضافيّ كما مرّ، وقوله: وقيل القصد معطوف على الحرد أي قيل: الحرد الساكن بمعنى القصد والسرعة. قوله: (أقبل سيل الخ) أثبت به كون الحرد بمعنى القصد والسرعة، وهو بيت من الرجز وقوله: من أمر الله بخلاف الألف للضرورة كقوله: ألا لا بارك الله في سهيل وقال أبو عبيد: إنه في الوقف جائز وقد مرّ تحقيقه، والجنة البستان والمغلة الكثيرة الثمار والنبات والأشجار ويحرد حرد الجنة أي يقصد جانبها وجهتها وهو محل الاستشهاد، وقوله: بسرعة يشير إلى أنّ معنى كونهم على حرد تلبسهم به فهو حال معنى وقوله: عند أنفسهم وعلى زعمهم إنما قيده به لأن ثمارها هالكة فلا قدرة لهم على جذاذها وقد فنيت وعلى تأويلها بما ذكر فهي حال حقيقة لا مقدرة كما توهم ولا دخل فيه للقول بأنّ القدرة مقارنة للفعل عند أهل السنة أو متقدمة عليه عند المعتزلة فإنه أمر آخر، وقوله: علم للجنة أي قادرين على تلك الجنة وصرامها عند أنفسهم أو مقدّرين ذلك فهو تفسير رابع للحرد إلا أنه بعيد. تنبيه: ذكر القالي في أماليه للحرد معاني القصد والقلة والمنع والغضب والحقد اهـ. قوله: (أوّل ما رأوها) فسره به لأنه المراد وإن كان برهان الرؤية ممتدا ليصح مع قوله: بل نحق محرومون، وقوله: ما هي بها ما نافية أي ليست هي الجنة بعينها أو موصولة والباء ظرفية أي والبقعة التي هي فيها وهو معطوف على طريق، وقوله: رأيا على أنّ الأوسط بمعنى الخير والأحسن وما بعده على أنه بمعناه المعروف. قوله: (لولا تذكرونه الخ) يعني أنّ لولا فيه تحضيضية والمراد بالتسبيح التوبة وذكر الله، وقوله: ويدل على هذا المعنى إنما دل عليه لأنّ سبحان ربنا ذكر الله، وقوله: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ندامة واعتراف بالذنب فهو توبة. قوله: (أو لولا ثستثنون الخ) أي تقولون: إن شاء الله وكان حثهم على قوله، وقوله: لتشاركهما لأن التسبيح تنزيه له عما لا يليق بجلاله، وهو تعظيم وإن شاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 الله تفويض للأمور إليه وهو تعظيم وتوقير له فاستعير أحدهما للأخر فمعنى تسبحون تفولون: إن شاء الله وقوله، أو لأنه تنزيه الخ لأن معنى التعليق أنه لا يقع شيء لا يريده، وهو في المعنى تنزيه فهو حقيقة. قوله: (وقرئ يبدلنا بالتخفيف (كذا في بعض النسخ، واعترض عليه بأنه مخالف لعادته فإنه يذكر الشواذ بصيغة المجهول ويقدم المشهور، وليس كما قال: فإنك لو جمعت ما ذكر هذا القائل إنه مخالف لعادته وجدته ضعفاً لغيره فلا ينبغي تكثير السواد بمثله. قوله: (راجون العفو الخ الما أضاف الرغبة إلى الله من غير تعيين للمرغوب فيه شمل ما ذكر، وقوله: لانتهاء الرغبة وهو قريب من التضمين أيضا، وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أي من ذوي العلم والإدراك، وقوله: (لاحترزوا) الخ بيان للجواب المقدّر هنا لأنه ليس قيداً لما قبله إذ لا مدخلية لعلمهم في كون العذاب أكبر. قوله: (في الآخرة الخ الما كان تعالى منزهاً عن المكان فسرت العندية في كل مكان بما يناسبها فهي هنا إمّا عبارة عن الآخرة لاختصاصها به تعالى إذ لا يتصرف فيها غيره أو المراد القرب من عرشه وملائكة قدسه. قوله: (ليس فيها إلا النعيم) الحصر مأخوذ من اختصاص الإضافة والخاص توكيد للحصر أي ليس نعيمها كنعيم الدنيا مشوباً باكدار كما قيل: خلقت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار واكدار قوله: (التفات فيه تعجب الخ) أي من الغيبة إلى الخطاب لأنّ ضمير لكم للمجرمين، وقوله: إشعار الخ الإشعار من قوله: ما لكم لأنّ معناه أي شيء حصل لكم من خللى الفكر وفساد الرأي لا من المقام فقط كما قيل، وقوله: اختلال ذكر المراد به الفكر فهو بالضم، وفي اعوجاج الرأي استعارة ظاهرة. قوله تعالى: ( {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ} الخ) هو مقابل لما قبله نظراً لحاصل المعنى إذ محصله أفسد عقلكم حتى حكمتم بهذا أم جاءكم كتاب فيه تخييركم وتفويض الأمر إليكم فقوله: فيه متعلق بتدرسون والضمير للكتاب أو هو متعلق بما قبله والضمير للحكم والأمر وتدرسون مستأنف أو حال من الضمير، وقوله: لأنه المدروس يعني أنه مفعوله فهو واقع موقع المفرد فلولا اللام لزم فتح إنّ فلما دخلت علقته عن العمل وحينئذ لا بدّ من تضمين تدرسون معنى العلم ليجري فيه معنى العمل في الجمل والتعليق فتدبر. قوله: (ويجورّ أن يكون حكاية للمدووس الخ) فيكون هذا بعينه لفظ الكتاب من غير تحويل من الفتح للكسر، ولم يبين الضمير فيه وهو على الأوّل للكتاب وأعيد للتأكيد وعلى هذا يعود لأمرهم أو للحكم فيكون محصل ما خط فيه أنّ الحكم والأمر مفوض لهم فسقط ما قيل إنّ الفرق بين هذا وما قبله عسير وأنّ فيه ما ينبو عنه، ولا حاجة لما تكلف من أنه كقول المؤلف ترغيبا في كتابه إنّ في هذا الكتاب كذا وكذا وكذا إرجاع ضمير فيه ليوم القيامة بقرينة المقام أو للمكان المدلول عليه بقوله: عند ربهم فإنه كله تعسف بارد وإذا كان استئنافا فالضمير للحكم أيضاً، ويجوز الوقف على تدرسون، وقوله: أخذ خيره هو معناه بحسب الاشتقاق ثم عم لأخذ ما يريده مطلقاً. قوله: (عهود مؤكدة الخ) فأريد بالإيمان المعهود وهو من إطلاق الجزء على الكل أو اللازم على الملزوم كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقوله: متناهية هو معناه المراد منه وأصله بالغة أقصى ما يمكن فحذف منه اختصار أو شاع في هذا المعنى، وقوله: أحد الظرفين أي لكم أو علينا فهو حال من الضمير المستتر لا من إيمان لتخصيصها بالوصف لأنه بعيد. قوله: (لا نخرج عن عهدتها الخ (بيان للغاية، وقوله: تبلغ ذلك اليوم أي هي يمين مؤكدة لا تنحل إلى يوم القيامة وليس تأجيلا للمقسم عليه كما في الوجه السابق فإنه كقولك له عليّ يوم إلى رمضان كذا فرق بينهما، وقوله: جواب القسم الخ فيه مخالفة ما لكون الإيمان بمعنى العهود ويدفع بأنّ العهد كاليمين من غير فرق فيجاب بما يجاب به القسم فتأمّل. قوله: (قائم يدعيه ويصححه (تفسير للزعيم لأنّ معناه الكفيل أو رئيس القوم الذي يتكلم في أمورهم وهو العريف فلما أريد هنا الثاني جرد للدعوى وتصحيحها وصار معناه ما ذكر من المصحح للدعوى. قوله: (إذ لا أقل من التقليدا لمن شاركهم في قول مثل ما قالوه، وهو معنى قوله: أم لهم شركاء، وقوله: يتشبثوا به وفي نسخة لدعواهم أي يتعلقوا به في إثبات مدعاهم، وقوله: من عقل أي يدل عليه الدليل العقلي كما نبه عليه بقوله: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [سورة القلم، الآية: 36] وقوله: أو نقل وهو قوله: أم لكم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 كتاب فيه، وقوله: يدل عليه راجع لكل منهما لأنّ الدليل إمّا عقليّ أو نقلي، وقوله: لاستحقاق إلى قوله: أو محض الخ وقع في بعض النسخ، وهو تعليل لما ادّعوه من كونهم أحسن حالاً في الآخرة أو لتشبثهم، وقوله: أن يتشبثوا المأخوذ من قوله: أم نجعل المسلمين كالمجرمين لأنّ وصولهم لذلك إما باستحقاق له أو لأن الله وعدهم به ووعد الكريم دين، وهو من قوله: {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ} [سورة القلم، الآية: 39] ومن لم يفهمه زعم أنّ الوجه تركه، وقوله: أو محض تقليد من قوله: أم لهم شركاء لأنّ المراد من شاركهم في هذه المقالة وسبقهم لها كما مرّ وهو معطوف على عقل وكونه على الترتيب معلوم من تقريرنا له، وقوله: مراتب النظر من الدليل العقلي، ثم النقلي ثم تقليد ممن يعتقد فيه صحة دليله ولم يعد في لنظر تغليبا كما توهم فليتأمّل. قوله: (تزييفاً) أي إبطالاً وهو مستعار من بيان الناقد للرائج من الزيف المغشوش، والسند هنا ما يستند له من الدليل وما يقرب منه كتقليد من يصح تقليده وليس المراد به مصطلح أهل الجدل وهو ما يدل على المنع فقط، وإن صح هنا بنوع تكلف فيه إذا عرفت هذا من غير تعسف علمت فساد ما هنا لأرباب الحواشي كما قيل: إن في قوله: من عقل الخ لفا ونشراً مرتباً فالأوّل بيان لما يتشبث به عقلاً والثاني لما يتشبث به نقلا، وهو أن يكون لهم كتاب يدرسونه فيه أن لهم ما يشتهون أو أن يكون إيمان بالله عليه تعالى بالغة إلى يوم القيامة، وقوله: أو محض الخ عطف على وعد على أن يكون التقليد من المتشبثات النقلية أو عطف على قوله: أو نقل على أن يكون متشبثا آخر غير مسمى. قوله:) وقيل المعنى الخ (فالمراد بالشركاء على الأوّل من قال: بمثل مقالتهم فشاركهم فيها وعلى هذا الآلهة التي عدوها شركاء في الألوهية، وقوله: يوم يكشف الخ على الثاني متعلق بقوله: فليأتوا وكذا على الأوّل ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو كان كيت، وكيت وقيل بخاشعة وقيل: ترهقهم. قوله: (وكشف الساق مثل في ذلك) أي في شذة الأمر والخطب فهو استعارة تمثيلية لما ذكر، وقد كان كناية والمراد به يوم القيامة وإنما فرضه في المخدرات الهاربة من العدوّ إذا وقعت الحروب لأنها تصعب عليها كشف ساقها فلا تفعله إلا إذا جدت في الهرب فذهلت عن التستر بذيل الصيانة فالساق ما فوق القدم، وهو والكشف في معناه الحقيقي والفاعل غير منظور إليه أو هو المخدرات كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (أخو الحرب الخ) هو من شعر لحاتم الطائي ومعنى أخو الحرب أنه ملازم لها لا ينفك عنها في الشدائد كما لا ينفك الأخ عن أخيه وقوله: عضت الخ أي إذا اشتدت وكثر الضرب، والطعان صبر لها وأبدى النجدة والضرب والطعن للأقران فسمي صبره وفعله عضا مشاكلة وهو شاهد على أن كشف الساق، وتشميره عبارة عن تفاقم الأمور وإن لم يتصوّر ساق ولا تشمير. قوله:) أو يوم يكشف عن أصل الأمر الخ (فالكشف بمعنى الاظهار واليه أشار بقوله: يصير عيانا والساق بمعنى الحقيقة وأصل الأمر استعارة من ساق الشجرة ففيه استعارة تصريحية وفي الكشف تجوّز آخر أو هو ترشيح له ولا حاجة إلى جعل العوارض كالفروع هنا وساق الشجر أصلها النابت عليه فروعها وساق الإنسان لقيامه عليه جعل كالأصل هنا. قوله: (وتنكيره للتهويل الخ) أي على الوجه الثاني تنكيره للتعظيم بخلافه على الأوّل فإنه تمثيل لا نظر فيه للمفردات أصلا، وقيل: التهويل على الأوّل والتعظيم على الثاني، وقوله: للساعة المعلومة من ذكر يوم القيامة والحال يعلم من دلالة الحال! وليس المراد حال النزع، ثم إنه قيل. إنّ التاء على البناء للمفعول لا تخلو عن حزازة إذ هو نظير تصرّف عن هند وجعل الفعل للساعة أو الحال على تقدير البناء للفاعل لا المفعول إذ ليس معناه تكشف الساعة عن ساق والكشف عن الساق عبارة عن الشدة أراد أنك إذا قلت كشف الله الساعة عن ساقها لم يستقم لاستدعائه إبداء الساق واذهاب الساعة كما تقول: كشفت عن وجهها القناع فالساعة ليست ستراً على الساق، وأجيب بانها جعلت ستراً مبالغة لأنّ المخدرة تبالغ في الستر جهدها فكأنها نفس الستر فقيل: يكشف الساعة عن ساقها كما تقول كشف زيد عن جهله إذا بالغت في إظهار جهله فكأنه ستر على جهله بستر معايبه فأثبته، وأظهرته حتى لا يخفى على أحد وهذا وجه السؤال والجواب لا ما توهمه، وقيل عليه حاصله أنّ الإذهاب ادعائيئ ولا يخفى ما فيه من التكلف ولا عبرة بما ذكر من المثال المصنوع، وأقل تكلفاً منه جعل عن ساق بدلآمن الضمير المستتر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 في الفعل بعد فزع الخافض منه وليس هذا بشيء لأنّ إبدال الجار والمجرور من الضمير المرفوع لا يصح بحسب قواعد العربية فهو ضغث على إبالة وتكلف على تكلف. قوله: (توبيخاً على تركهم السجود الخ) يعني إن كان اليوم يوم القيامة ولا تكليف فيه فالمراد من دعوثهم له التوبيخ على ما فرطوا فيه فان أريد باليوم، وقت النزع قبل خروج الروح في دار التكليف فهو على ظاهره والمراد منه أيضاً التنديم، وإن قلنا إنهم مكلفون بفروع الشريعة أيضاً. قوله: (لذهاب وقته الخ) الأوّل على أنّ المراد يوم القيامة، والثاني على أنه وقت النزع فهو لف ونشر مرتب والاستطاعة في الأصل استدعاء الطواعية وهي الإرادة والقصد ونفيها قد يكون لانتفاء القدرة وقد يكون نفياً للإرادة لوجه ما كالكراهية، وإن كان قادراً كما في قوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً} [سورة الماثدة، الآية: 112] قاله ابن هشام في تذكرته ومن خطه نقلت وما هنا ناظر له فانه في الأوّل لم تنتف القدرة فيه وأنما انتفى وقت التكليف وفي حالة النزع انتفت القدرة للمرض، وكذا قوله في الدنيا أو زمان الصحة وكدّا قوله: متمكنون الخ لكنه لف ونشر غير مرتب، ومزاحو العلل أي مرفوعة عنهم العلل في الدنيا لأنهم مكلفون فيها فما قيل إنّ كلامه يشعر بأن الاستطاعة المنفية القدرة الشرعية وما بعده يدلّ على أنّ المراد القدرة الحقيقية فيه ثأمّل بل سلامة الأسباب والآلات. قوله: (كله إلئ) أي أتركه وأمره إليّ فإني كاف له وهذا من بليغ الكناية، وقوله: درجة درجة أي درجة بعد درجة وهذا من الاستفعال فإنه قد يدلّ على التدريج، وقوله: وهو أي الاستدراج والمراد بالأنعام ما يشمل الإمهال وادامة الصحة وزيادة النعم فلا ينافي ما قبله وقوله: لأنهم حسبوه بيان لاستدراجهم للهلاك وكيفيته. قوله: (وإنما سمي إنعامه استدراجاً (أي أطلق مجازا على أنعامه لأجل الاستدراج كيداً لأنّ ذلك الأنعام لما ذكر في صورة الكيد لأن حقيقة الكيد ضرب من الاحتيال، والاحتيال أن تفعل ما هو نفع وحسن معاملة ظاهرا وتريد به ضده وما وقع من سعة أرزاقهم وتطويل أعمارهم إحسان عليهم، ونفع ظاهرا والمقصود به الضرر لما علم من خبث جبلتهم وتماديهم في الكفر والكفران فذلك موقع لهم في ورطة التهلكة، وهو المراد منه. قوله: (اللوح) وأطلق عليه مجازا لأنه محل لصور المغيبات والقرينة قوله: فهم يكتبون، وقوله: ما يحكمون أي به وقوله: في الضجر هو وجه الشبه فهو متعلق بالتشبيه ويجوز تعلقه بما قبله، وقوله: فتبتلي جواب النهي، وقوله: تذكير الفعل أي تداركه، وقوله: وتداركه أي قرئ تداركه بفتح التاء وتشديد الدال وأصله تتداركه فأبدل وأدغم كما هو مبين في التصريف وقوله: على حكاية الحال لأنه حقه أن يعبر عنه بالماضي لمضيه. قوله: (بمعنى لولا إن كان يقال فيه الخ) إنما أوّله بما ذكر لأنه لا يتأتى بحسب الظاهر هنا إرادة الحال مع وجود أن فيه فلا بد من تأويله بما ذكر ليتصوّر كونه حالاً ثم يحكي إذ حكاية الحال أن تقدر أنّ القصة الماضية عبر عنها حال وقوعها بالمضارع الدال على الحال كما هو حقها، ثم حكى بعد المضي فكيف يحكي مع أن التي هي علم الاستقبال، وقيل: إن لولا تقتضي امتناع الثاني لتحقق الأوّل ودخول أن الاستقبالية فيه ينافي تحققه فلذا قدر دخولها هنا على الماضي، وهي لا تخلصه خصوصا لفظ كان فلا تنافي تحققه وهذا يقتضي امتناع دخول لولا على أن المصدرية والمضارع مطلقاً بدون تأويل، ولا تعلق له بحكاية الحال وقد مرّ مثله في تقديره لقوله: أم من هذا الذي يرزقكم. قوله: (الخالية عن الأشجارا لأن كونها ذات أشجار رحمة به لتقيه حر الشمس ونحوه كما مر والمليم والمذموم بمعنى وطرده عن الكرامة والرحمة لأنه بمعنى مستحق وجدير بالذم. قوله: (وهو حال يعتمد عليها الجواب) يعني لولا تقتضي نفي جوابها وهو هنا غير منفي لثبوته، وأنما المنفي هذه الحال لأنها قيد والمقصود بالنفي والإثبات هو القيد فإذا لم يوجد النبذ على هذه الحالة لم يناف وجوده على غيرها وقوله: استنبأه أي جعله نبياً وكان الظاهر أن يقال: أو استنبأه وقوله: من الكاملين الخ لأنه نبيّ معصوم، وقوله: ما تركه أولى إشارة إلى أنه لم يذنب وأنما ترك الأولى لضجرته. قوله: (وفيه دليل على خلق الأفعال الأن جعله صالحاً بجعل صلاحه، وخلقه فيه وهو من جملة الأفعال ولا قائل بالفرق وهو رد على المعتزلة وتأويل مثله مشهور لكنه بجعله تجوّزا على خلاف الظاهر، والأصل غيره وقوله: أن يدعو على ثقيف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 أي لما آذوه حين عرض نفسه على القبائل بمكة، وهو مشهور فإن كانت في قصة أحد فالآية مدنية كما مرّت الإشارة إليه في أوّل السورة. قوله: (واللام دليلها الأنها لا تدخل بعد النافية، ولذا تسمى الفارقة على ما عرف عند النحاة والشزر بشين وزاي معجمتين ثم راء مهملة نظرا لغضبان بمؤخر عينه وهو معروف وقوله: يزلون قدمك أي يزيلون ثباتها ويرهقونها وهو من أبلغ المعاني وألطفها كقوله: يتقارضون إذا التقوا في موطن نظراً يزل مواطئ الأقدام قوله: (عيانون) أي كثيرون في الإصابة بالعين يقال: عانه يعينه إذ نظر إليه فأثر نظره فيه، وقد قيل: إنّ قراءة هذه الآية تدفع ضرر العين وقوله وفي الحديث الخ هو حديث صحيح ذكره السيوطي في الجامع الصغير من عدة طرق وقوله: لتدخل الخ عبارة عن إهلاك كل ما أصابته وفي العين وكونها حقا وردت أحاديث كثيرة. قوله: (ولعله يكون من خصائص بعض النفوس الخ) هو لا ينافي مذهب أهل السنة من أن الإصابة بمحض خلق الله كما توهم فإنه لا مانع من خلقها في بعض دون بعض، وجعله مختصاً به بمحض خلقه كما خص السم بالعقرب والحية، وفي كتاب الروح تأثير النفس لا ينكر لا سيما عند تجرّدها من علائق البدن كمن نظر إلى حجر عظيم فشقه أو إلى نعمة فأزالها وهو مما يشاهد على اختلاف الأعصار، ويضيفونه إلى العين باعتبار أن النفس تؤثر بواسطتها غالبا وقد لا يكون بواسطة كان يوصف له شيء فتتوجه له نفسه فتفسده انتهى ولا عبرة بإنكار بعض المبتدعة له، وقال بعض أصحاب الطبائع: إنه ينبعث من العين قوّة سمية تؤثر فيما نظره كما فصل في شرح مسلم، وقالط القاضي عياض يجتنب من عرف بذلك وينبغي للإمام حبسه ومنعه عن مخالطة الناس كفا لضرره فيرزقه من بيت المال، وقوله: ليرهقونك يحتمل الإهمال والإعجام وقوله: حيرة الخ أي لا جهلا به فإنهم يعلمون أنه أعقل الناس، وقوله: وما هو الخ جملة حالية من فاعل يقولون والرابط الواو فقط أو من عموم العالمين الشامل لهم، وقوله: جننوه أي نسبوه للجنون بواسطة تسليط الجن عليه بزعمهم لأجل نزول القرآن، المعجز عليه لقولهم: إنه كهانة والقاء عليه من الجن وقوله: بين الخ إشارة إلى أنه تكذيب من الله لهم، قوله وعن النبي حديث موضوع. تمت السورة والحمد لله وأفضل صلاة وسلام على أفضل الأنام وآله وصحبه الكرام. سورة الحاقة لم يختلف في نزولها وعدد آياتها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أي الساعة) والقيامة المعروفة لأنها تسمى ساعة فهي اسم جامد، وقوله: أو الحالة التي يحق بكسر الحاء وضمها من باب ضرب وكتب ومعناه يتحقق ويجب فهي صفة لموصوف مقدر، وتفسيرها هنا بيليق لا يليق وكذا معنى قوله: تحق فيها الأمور أي تتحقق بصيغة المعلوم والمجهول من حققته إذا عرفت حقيقته وهو على الأوّل لازم على الأخير متعد. قوله: (أو يقع فيها حواق الأمور) أي ثوابتها وواجباتها، وقيل أوساطها وهو عطف على قوله تعرف حقيقتها ولم يذكره عقب الأوّل لاشتراكهما في كون الحاقة من حق الشيء اللازم إذا ثبت ليظهر تعلق قوله: على الإسناد المجازي به أيضا ولا يتوهم اختصاصه بالثاني كما في انكشاف، ولم يلتفت لنقدير المضاف فيه على الثاني أي ذو الحاقة لأنه ليس من تسمية الشيء باسم ملابسه فإنه ذا الحاقة هو الله تعالى وتقليل التأويل أولى، وما قيل من أنه جعل الفعل للساعة مجازاً وهو لأهلها على الوجه الأخير وعلى الثاني يحتمل الإسناد المجازي أيضا لأن الثبوت والوجوب لما فيها فالإسناد إلى الزمان مجازي، ويحتمل أن يراد ذو الحاقة بتسمية الشيء باسم ملابسه وهذا أرجح لأنّ الساعة وما فيها سواء في وجوب الثبوت فتضعف قرينة الإسناد المجازي والتجوّز فيه تصوير ومبالغة فقيل: إنه جعله أرجح لأنّ ظاهر ما ذكره يمنع من الحمل على الإسناد المجازي لأنّ المساواة الواقعية لا تنافي قصد المبالغة في أحد المتساويين لداع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 فتجوز إرادة المبالغة في ثبوت ما اشتملت عليه الساعة من الأمور وصدقه والتصوير بأنه بلغ مرتبة في الثبوت سرت لظرفه، ولو فرض عدم وصفه به ولا يخفى توجه مثله إلى الوجه الذي رجحه فإنّ الساعة توصف بالوجوب، والثبوت في نفسها فما الداعي لتقدير المضاف وتسمية الشيء باسم ملابسه وما القرينة عليه فقد ردّ بأنّ المقام مفام مبالغة فيعد داعياً وترينة للتجوّز لما فيه من التصوير، والمبالغة وما في الساعة لكونه مساوياً لها في وجوب الثبوت لم يكن محلاً لاعتبار المبالغة في اتصافه بالثبوت على الإسناد المجازي نعم يجوز أن يقال ة إنّ الساعة وما فيها، وإن استويا في وجوب الثبوت ونفس الأمر إلا أنّ ثبوتها لما كالن يثبت فيها ما فيها جعل الثبوت كأنه وصف بحا فيها فوصفت به الساعة على الإسناد المجازي مبالغة في اتصاف ما فيها به فلذا قال: ما قال فتدبر. قوله: (على التعظيم لشأنها) لأنّ الظاهر يوضع موضع الضمير لذلك سواء كان الظاهر دالاً على ذلك أولاً وأهول أفعل تفضيل من الهول، وهو الخوف والفزع والمعنى أعظم في التخويف منها، وضمير لها للحاقة كأنها لعظمتها لا يقف أحد على حقيقتها. قوله: (وأي شيء أعلمك ما هي الخ (يعني أنه كني بالاستفهام فيه عن لازمه وهو أنها لا تعلم ولا تصل إليها دراية دار وجملة ما الحاقة علق عنها الفعل وهو إدراك لما فيه من معنى العلم وقوله: أعظم من أن يبلغها كقولهم أكثر من أن يحصى فالمعنى أعظم من كل ما تبلغه الدراية أو ضمن معنى المباعدة أي متباعدة من بلوغها كما تقرّر في محله، وقوله: ما مبتدأ خصه بالذكر لأنها فيما بعده يحتمل أن تكون خبراً. قوله: (بالحالة التي تقرع الناس الخ (القرع ضرب شيء بشيء والقارعة القيامة، والداهية الفاجئة كما في القاموس فالمراد بالحاقة في كلام المصنف القيامة لا ما يحل بهم من العذاب الذي أوعدوا به وتقرع في كلام المصنف مضمن معنى تفجأ والباء للتعدية لا للآلة المجازية كما توهم والإجرام بمعنى السموات، وما فيها من الكواكب والانفطار الانشقاق والانتثار سقوط الكواكب إذا قامت القيامة، وقوله: في وصف شذتها لما في القرع من المعنى الذي لا تفيده الحاقة. قوله: (بالواقعة المجاوزة للحدّ (فإنّ الطغيان معناه تجاوز الحذ فسمي به ما ذكر لزيادة شدته، وقوله: بالقارعة يعني به القيامة وقوله: وهو لا يطابق الخ قال في الكشف: في الآية جمع وتفريق فلو قيل: أهلك هؤلاء بالطغيان على أنه سبب جالب وهؤلاء بالريح على أنه سبب إن لم يتناسقا حتى يجري على نهج التفريق، وليس المراد إنّ أحدهما عين والآخر حدث، وقوله: بالصيحة لقوله في هود: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} [سورة هرد، الآية: 67] لقوله في الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [سورة الأعراف، الآية: 78] وهي الزلزلة المسببة عن الصيحة فلا تعارض بين الآيات لإسناده إلى السبب القريب أو البعيد وأما الصاعقة المذكورة في حم السجدة ففسرت بالصيحة فلا تغايرهما ولذا لم يتعرض لها المصنف رحمه الله. قوله: (من الصرّ أو الصرّ (لأن الصرّ بالفتح الصوت وبالكسر البرد وأصله العقد وقوله: في صرة فسر بالصيحة كما مرّ ومنه الصرير، وقوله: كأنها عتت الخ إشارة إلى أنه اسنعارة تبعية لا تمثيلية ويجوز أن يكون تشبيها بليغا من العتو وهو الخروج عن الطاعة وخزانها الملائكة الموكلون بها، وقوله: يقدروا ضمن معنى يطيقون فتعدى بنفسه دون على وقوله: جيء به جار على الوجهين وقوله: من اتصالات الخ المراد اقتران بعض الكواكب ببعض، ونزولها في بعض المنازل وهو نفي لكون ذلك بتأثير الكواكب استقلالاً بمقتضى اتصالاتها كما أشار إليه بقوله إذ لو كانت أي الاتصالات المقتضية لبعض الحوادث كان ذلك بتقديره وتسبيبه تعالى لا من ذاتها استقلالاً فكانت تامّة بمعنى وجدت أو ناقصة خبرها مقدّر أي مقتضية لما ذكر. قوله: (سلطها (قيل: التسخير نوعان تسخير رحمة كسخر لكم الليل والنهار ويفسر بالتذليل وتسخير عذاب ويفسر بالتسليط قوله: متتابعات فهي مجاز مرسل من استعمال المقيد، وهو الحسم الذي هو تتابع الكي لمطلق التتابع أو استعارة بتشبيه تتاييم الريح المستأصلة بتتابع الكي القاطع للداء. فوله: (نحسات الخ) فحسوماً بمعنى قواطع ومعموله مقدر وهو الخير أي قاطعات للخير بنحوسها فهو حقيقة لا استعارة والجمع باعتبار الأيام لا باعتبار الخير المحسوم فانه تجوّز بلا مقتض له، وقوله: مصدراً كالخروج والمحسوم الخير أو دابرهم ولم يذكره لأنه يعلم مما قبله وقوله: على العلة أي مفعول له وجملة تحسمهم حالية، وهي حال مقدرة ففي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 قوله: المقدرة حالاً إيجاز حسن، وقوله: بالفتح أي بفتح الحاء فإنه يتعين إفرادها وهي شاذة نقلت عن السندي. قوله: (وهي كانت أيام العجوز) وهي أيام في آخر الشتاء مشهورة معروفة سميت بها لأن عجوزاً كاهنة أخبرت ببرد شديد يهلك المواشي فلم يكترثوا بقولها: وجزوا غنمهم لما قرب الربغ فوقع برد شديد أهلك المواشي فسميت بذلك هي، وكل ما وافقها في كل سنة وإليه أشار المصنف بقوله: أو لأنّ عجوزاً الخ، وقيل الصواب أيام العجز بدون واو أي آخر الشتاء، والصحيح الأوّل وقوله: لأنها عجز الشتاء فعجوز بمعنى عجز واختلف في عددها فقيل: خمسة، وقيل: سبعة وقيل: ثمانية وهي المختار هنا وقوله: الأربعاء الآخر بفتح الخاء وكسرها وهو الظاهر أي الواقع في آخر الشهر أو السنة ويقال له: أربعاء لا يدور كما وقع في الحديثأ1 (، وقوله: توارت في سرب هو بفتح السين والراء المهملتين حفير تحت الأرض، وتوارت بمعنى اختفت عند هلاك عاد لظنها أنها تنجو من عذاب الله. قوله: (إن كنت حاضرهم) يعني أنّ الخطاب فيه فرضيّ، وقوله: أو في الليالي والأيام كان ينبغي تقديمه لأنه الأولى لذكره صريحا، وقوله: من بقية فهو منقول والتاء للنقل إلى الاسمية أو المراد جماعة باقية، وقوله: أو نفس باقية فالتاء للتأنيث والموصوف مقدر وقوله: أو بقاء فهو مصدر كالطاغية والكاذبة، والتاء للوحدة. قوله: (ومن تقدّمه (على قراءته بقبل الظرفية فهو تعميم بعد التخصيص كالمؤتفكات فإنّ ممن قبله عادا وثمود، وقوله: ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء وقبل بمعنى جهة وجانب فلذا فسره بما ذكر، وقوله: ويدلّ عليه أي على أنّ المعنى ما ذكر وقراءة من معه شاذة منقولة عن أبي وابن مسعود وقوله، والمراد أهلها مجازاً بإطلاق المحل على الحال أو بتقدير مضاف فيه أو على الإسناد المجازي، وكلام المصنف يحتملها والقرينة عطفه على من يتصف بالمجيء. قوله: (بالخطأ) فهو مصدر على زنة فاعلة بمعنى ضد الصواب، وقوله: ذات الخطأ على أنه للنسبة لأنّ الخاطئ أصحابها ويجوز أن يكون مجازا في النسبة كعيشة راضية. قوله: (كل أمة رسولها) الظاهر أنه إبقاء لإفراد الرسول على ظاهره وتأويل عصوا بكل طائفة على عادته في الاكتفاء ببعض التأويلات في بعض المواضع، ولذا قيل إنه اختاره من بين الوجوه المذكورة في الشعراء لأنه الظاهر من قوله: فأخذهم، ويجوز أن يكون الرسول جمعاً أو مما يستوي فيه الواحد وغيره لأنه مصدر في الأصل، وأريد منه التكثير لاقتضاء السياق له فهو من مقابلة الجمع المقتضية لانقسام الآحاد أو أطلق المفرد عليهم لاتحادهم معنى فيما أرسلوا به، وقد حمل على هذا كلام المصنف فيكون بيانا لحاصل المعنى، وأنه من مقابلة الجمع بالجمع وفيه نظر. قوله: (زيادة أعمالهم في القبح) يعني أنه باستحقاق ومن جنس عملهم، وقوله: وذلك الخ هو على الوجهين وطغيانه على خزانه على أنه استعارة ولا وجه لكونه حقيقة إلا بتكلف ما لا حاجة إليه والفرق بين الوص 0 ايخن أن تجاوز الحد قد يكون بالنسبة للغير وقد لا يكون مع الاشتراك في الاستعارة والمستعارص ما تجاوز المرء حده والمستعار له كثرة الماء، ويجوز كونه تمثيلاً، وقوله: وهو يؤيد من قبله ة تح القاف وسكون الباء أي يؤيد هذه القراءة لأنّ الطوفان قبل فرعون وهذه جملة مستأنفة لى، ن أحوال من ذكر أوّلاً، ثم إنه أشار بقوله: أي آباءكم وأنتم في أصلابهم إلى الارتباط علي القراءتين والمراد تقدير مضاف في النظم لا التجوّز في المخاطبين بإرادة آبائهم المحمولين ت! لاقة الحلول كما قيل لبعده غاية البعد سواء كان الخطاب لفرعون، ومن قبله التفاتا أو للص ر! حرين وقت النزول من غير التفات فتدبر. قوله:) وعن ابن كثير (لم ينسب هذه القراءة م ب كتب الأداء له، والمذكور فيها أن العامّة على كسر العين وتخفيف الياء بالفتح عطفاً على نب إؤللها، وابن مصرف وأبو عمرو في رواية هارون عنه، وقنبل بإسكانها تشبيها لها برحم من فعل بر-جلقى العين وروي عن حمزة إخفاء الكسرة في رواية شاذة وما روي عن عاصم من تشديد سياء إجراء للوصل مجرى الوقف قيل: إنه غلط وروي عن حمزة أيضا تسكين الياء كما في لدر المصون وهي شاذة أيضا- قوله: (من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظها (الضمير لما باعتبا االمعنى لأنها عبارة عن الأمور المسموعة أو للأذن والعائد محذوف أي له أو هو المضاف إليد في قوله: بتذكره، وجعله الأذن حافظة ومتذكرة ومستمعة ومتفكرة وعاملة تجوز لأنّ الفاعل لا أك صاحبها لا هي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 ولا ينسب لها حقيقة غير السمع وأنما أتى به مشاكلة لقوله واعية في النظ إه. قوله: (والتنكير الخ) فإنه مع الإفراد المتبادر منه التقليل والعموم في الإثبات في نحو ولتنظما؟ نفس نادر لا يقاس عليه، وقوله: تسبب الخ لأنه جعل وعي هذه الأذن علة لإنجائهم وانجا- أبائهم لعطفه على العلة، وقوله: بالتخفيف يعني سكون الذال. قوله:) تفخيماً لشأنها (تعليل " للفعلين لأنّ تهويل أمرها وتهديد المكذب بها يفيد تفخيما لها وقوله: وتنبيهاً على مكانها يعظ، كونها عظيمة لأن المكان والرتبة يستعاران للرتبة وفي نسخة بدل مكانها إمكانها، وهي ظاه اة أيضا لأنها لو لم تكن ممكنة لم يعد التكذيب بها ذنباً عظيماً يتوعد صاحبه. قوله: (وإنماص ؤن إسناد الفعل الخ) لما كان الفعل دالا على المصدر لم يكن في الإسناد إليه فائدة وقد مبم مه السبكي وكلام المصنف رحمه الله يشير إلى جوازه مع قبح إن لم يقيد بأمر زائد فإن قيد 414 حسن وقد قيدها بتاء الوحدة وهي وصف معنى وبصريح الوصف فأفاد فائدة تامّة ومن اقتصر على أحدهما فقد قصر، وقوله: وحسن تذكيره أي الفعل يعني أنّ المجوّز له كونه اسما ظاهراً وقد انضم له أمور حسنته كالفصل، وكونه غير جمع حقيقي التأنيث ومصدرا فإنّ تأنيثه غير معتبر لتأويله بأن والفعل كما ذكره الجاربردي في شرح الشافية. قوله: (والمراد بها النفخة الأولى) كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره على الروأية الثانية من أنها النفخة الثانية لأنه المناسب لما بعده، وإن كانت الواو لا تدل على الترتيب لكن مخالفة الظاهر من غير داع مما لا حاجة إليه. قوله: (أو بتوسط زلزلة الم يجعل الزلزلة حاملة حتى يقال عليه إن الزلزلة لا حمل فيها، ويعتذر بأنه من مقدماته كما ترى من يريد حمل شيء ثقيل يحركه ثم يرفعه، وقوله: فضربت الجملتان أي جملة الجبال بجملة الأرضين ضرب أحدهما بالآخر فتفتت وانتثر وصارا أرضا مستوية يعني أنّ أصل الدك الضرب على ما ارتفع لينخفض، ويلزمه التسوية غالبا فلذا شاع فيها حتى صار حقيقة ومعنى لا عوج فيها ولا أمتاً لا ارتفاع ولا انخفاض كما مرّ في الكهف، وقوله: ولذلك أي لكونه سبباً للتسوية وهذا لا ينافي عد الزمخشريّ له في قسم الحقيقة من الأساس لما عرفته، ومنه الدكان للصفة المستوية. قوله: (فحيئذ) يعني المراد باليوم هنا مطلق الوقت، وقوله: لنزول الملائكة فسره به لقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ} [سورة الفرقان، الآية: 25] الآية فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ولا ينافي هذا ما في تفسير قوله: {السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ} [سورة المزملى، الآية: 18] من أنه لشدة ذلك اليوم وهو له كما قيل فإنّ الأمر قد يكون له علل شتى، وقوله: ضعيفة هو حقيقته، وقوله: مسترخية تفسير لضعيفة فإنه المراد منه. قوله: (ولعله تمثيل لخراب السماء) يعني قوله: {وَانشَقَّتِ السَّمَاء} إلى هنا تمثيل لما ذكر إنما حمله على التمثيل لأنّ الله يفني الملائكة قبله حتى لا يبقى غير الملك القيوم، وهو حين تجليه قائلاً لمن الملك اليوم لأنّ الملائكة يموتون بعد النفخة الأولى فإذا كان تمثيلا لم يناف ما ذكر فإن أبقى على ظاهره فذهاب الملائكة يكون عقب ذهاب هذا اليوم، وهو الفرق بينهما والمراد التوفيق بين النصوص وقوله: انضواء أهلها بالضاد المعجمة بمعنى التجائهم وذهابهم للأطراف وضمير أهلها للبنيان وأنثه لتأويله بالأبنية لأنه مصدر وحواليها بفتح اللام بمعنى الجوانب. قوله: (فوق الملانكة) المدلول عليهم بالملك لأنّ المراد به الجنس كما مرّ فالفوقية على ظاهرها من العلو الحسي، وهم الحملة غير ملائكة الأرجاء، وقوله: لأنها في نية لتقديم لأنها فاعل رتبته التقديم فيجوز عود الضمير المتقدم عليه لتأخره لفظا لا رتبة كما لا يخفى إلا أنّ هذا فيه تكلف لأنهم حينئذ فوق أنفسهم والمحمول وإن لم يلزم بأن يكون فوق الحامل كما في اليد والجنب إلا أنه يلزم مغايرته له فكأنه أعاده عليه بمعنى الحملة مطلقاً فالفوقية معنوية بمعنى زيادة العدد، ويؤيده قوله: لما روي وإن كان دليلاً لكون الثمانية إملاكا لا صفوفا ونحوه فتأمّل. قوله: (ولعله أيضاً تمثيل الخ) فجملة تعرضون مستعارة لتحاسبون كما أن حمل العرض والإتيان به عبارة عن تجليه بصفة العظمة وهو وجه حسن فالاعتراض به بأنه تجوّز مع إمكان الحقيقة ومثله لا وجه له غير متجه. قوله: (وهذا) أي العرض والحساب وحمل العرس، وهو دفع لما يرد عليه من أنّ مقتضى النظم وقوع هذا بعد هذه النفخة وهي الأولى كما مرّ مع أنه بعد الثانية كما وردت به الأحاديث بأنّ يومئذ المذكور المراد به زمان متسع شامل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 لجميع ما ذكر وقوله: سريرة تفسير لخافية وفي نسخة ذكر منكم بعده إشارة إلى أنه في نية التأخير صفة لخافية لما قدم للفاصلة صار حالاً ويصح تعلقه بخافية، ولذا قيل: إنه من التجاذب المذكور في شرح المفتاح وهو نوع من البديع، وهو أن يقع في الكلام لفظ يصح تعلقه بما بعده وما قبله، وهو في علم النحو من التنازع فيما توسط فأعرفه وقوله: للفصل مرجح كما مرّ، وقوله: تبجعاً بتقديم الجيم على الحاء ومعناه الافتخار على وجه المسرّة بما افتخر به. قوله: (وفيه لغات الخ) ها تكون فعلا صريحا واسم فعل ومعناها في الحالين خذ فإذا كانت اسم فعل ففيها لغتان المدّ والقصر، وهي كذلك مع المذكر والمؤنث والمفرد وغيره، ويتصل بها كاف الخطاب اتصالها باسم الإشارة وإذا كانت فعلا صريحا اتصلت بها الضمائر البارزة المرفوعة وفيها حيحئذ لغات إحداها أن تكون بوزن عاطي يعاطي فيقال: هاء يا زيد وهائي يا هند وهائيا يا زيدان ويا هندان، وهاؤا يا زيدون وهكذا والثانية أن تكون مثل هب، والثالثة: أن تكون كخف وهي متعدية بنفسها كخذ وقيل؟ بإلى كتعال وتفصيله في كتب العربية. قوله: (أجودها هاء يا رجل) أي أفصح لغاتها أن تستعمل كما ذكرها لمصنف وهو المذكور في كتاب سيبويه وهاؤم بالميم قيل: مخفف من أمّوا بمعنى اقصدوا وقيل: الميم ضمير جماعة الذكور، وفيه كلام في محله ومرّ في الكهف طرف منه. قوله: (لآنه أقرب العاملين) فيرجح لقربه وهو أحد المذهبين وبهذا استدل من رجحه لأنه لو أعمل الأوّل أضمر في الثاني لأنّ الأولى إظهار الضمير إذا أمكن كما هنا، وإنما لم يظهر في الأوّل لأنه على اللغة الجيدة اسم فعل فلا تتصل به الضمائر كما مرّ. قوله: (والهاء فيه وفي حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت الا ضمير غيبة فحقها أن تحذف وصلا وتثبت، وقفا لتصان حركة الموقوف عليه فإذا وصل اسنغنى عنها ومنهم من أثبتها في الوصل لإجرائه مجرى الوقف أو لأنه وصل بنية الوقف والقراآت مختلفة فيه على ما فصل في كتب الأداء واثباتها وصلا قراءة صحيحة ولا يلتفت لقول بعض النحاة إنها لحن وقوله: في الإمام هو مصحف عثمان رضي الله عنه، وقوله: ولذلك أي إثباتها في الإمام تبع فيه الزمخشريّ حيث قال: قرأ جماعة لإثباتها وقفاً ووصلا اتباعاً للمصحف قال في الانتصاف تعليل القراءة باتباع المصحف عجيب مع أنّ المعتقد الحق أتا لقرا آت بتفاصيلها منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأطال في التثنغ عليه وهو كما قال. قوله: (ولعله عبر عنه بالظن الخ) بناء على أنّ الظاهر من حال المؤمن الكامل تيقن أمور الآخرة من الحشر والحساب، ونحوه فالمنقول عنه في مدحه ينبغي أن يكون كذلك لكن الأمور النظرية لكون تفاصيلها لا تخلو عن تردّد مّا في بعضها مما لا يفوت اليقين فيه كشدة الحساب وسهولته مثلا عبر عنه بالظن مجازا للإشعار بذلك وليس مراده أنه مما يلزم الإيمان به، وتيقنه كما قيل فإنه لا يلزم ذلك إذ من المؤمنين من يكرمه الله لأنه لا يحاسب فكيف يكون تيقنه لازما حتى يورد عليه أن إيمان المقلد معتبر والظن الذي ليس معه احتمال النقيض كاف في الإيمان، ويجاب بأنّ المراد حسابه اليسير أو المراد ظننت أني ملاق حسابي مع الثدّة والمناقثة ونحو. مما لا داعي له، ثم هذا بناء على أنّ الظن لا يستعمل بمعنى العلم إلا مجازا وهو المصرّح به في كتب اللغة، وقيل: إنه يطلق عليه حقيقة وهو ظاهر كلام الرضي في أفعال القلوب وفيه نظر. قوله: (ذات رضا على النسبة بالصينة الخ) يعني أنّ النسبة على قسمين نسبة بالصيغة كلابن وزرّاد وبالحرف كروميّ وزنجيّ، والمراد هنا النسبة بالصيغة فهي بمعنى ذات رضا أي ملتبسة بالرضا فيكون بمعنى مرضية وهو المراد إلا أنه أورد عليه أنّ ما أريد به النسبة لا يؤنث كما صرّح به الرضي وغيره فكيف يصح هذا التاويل مع تأنيثه إلا أن يقال: التاء فيه للمبالغة كعلامة كما ذكره بعض المتأخرين ولا يخفى ما فيه، والحق كما يفهم من شراح الكتاب أنّ المراد أنّ ما قصد به النسبة لا يلزم تأنيثه وإن جاء فيه على خلاف الأصل الغالب أحياناً وليس هذا محل تفصيله. قوله: (أو جعل الفعل لها مجازا) يعني أنه مجاز في الإسناد وأصله راض صاحبها فأسند الرضا إليها لجعلها لخلوصها دائما عن الشوائب كأنها نفسها راضية، ويجوز أن يكون فيه استعارة مكنية وتخييلية كما فصل في المطوّل. قوله: (أو الدرجات الخ) فوصفها بالعلو مجاز لعلو درجاتها وما فيها من بناء ونحوه وهو على الأوّل حقيقة، وعلى الأخيرين مجاز عقليّ أو بتقدير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 مضاف وليس المراد أنها صفة جرت على غير من هي له فإنه لا يوافق كلام النحاة إلا أن يريد ما ذكرناه ولا يخفى ما فيه. قوله: (جمع قطف الخ) جعله جمع المكسور لأنّ المصدر لا يطرد جمعه، وقوله: وهو ما يجتني بسرعة السرعة لا بدّ منها في القطف لأنها من شأنه ومن لم يذكره تركه لظهوره فمن اعترض عليه بأنّ أهل اللغة لم يصرحوا به غفل عما ذكر، وقوله: يتناولها القاعد لم يقل والمضطجع لأنّ مراده التمثيل فلا وجه لاستدراكه. قوله: (بإضمار القول) أي مقولاً فيها، وقوله: وجمع الضمير الخ مع أنّ ما قبله من قوله: إني ظننت الخ يقتضي الإفراد لكنه وإن كان مفردا لم يرد به معين فهو جمع معنى فلذا روعي فيه جانب المعنى نظر المعنى من، وقوله: أكلا الخ بفتح الهمزة وضمها وشربا بضم الشين وكسرها يعني أنه منصوب على أنه مفعول به لكونه صفة المفعول وجعله صفة لهما لأنّ فعيلا يستوي فيه الواحد فما فوقه لا لأنّ المصدر يتناول المثنى لأنه ليس بمصدر على هذا فمن قاله لم يصب أو على المصدر لأنّ فعيلاً من صيغ المصادر كما مز فهو مصدر لفعل وقع حالاً والهنيء ما لم ينغص وهنئتم مبنيّ للمجهول. قوله: (من أعمار الدنيا) الإضافة على معنى اللام لأنه بمعنى مدة الدنيا، ويجوز أن تكون على معنى في وما في بعض النسخ من أعمال الدنيا باللام من تحريف الكتبة، وقوله: الموتة التي منها فالضمير راجع على ما علم من المقام وإن لم يسبق ذكره، وقوله: أمر من الموت الخ لأنه كما قيل أشد من الموت ما يتمنى فيه الموت. قوله: (أو يا ليت حياة الدنيا) فالضمير للحياة المفهومة من السياق أيضاً، وقوله: كانت الموتة تفسير للقاضية لأنها اشتهرت في الموت فلا يرد عليه أنّ القاضية تقتضي تجدّد أمر ولا تجدّد في الاستمرار على العدم كما قيل نعم لا يخلو من البعد، وقوله: ما لي من المال جعل ما موصولة صلتها الجار والمجرور ولم يجعل مال مضافاً لياء المتكلم لأنه أشمل والتفسير به أتمّ فهو شامل للتبع والمال، وغيرهما ولو حمله على المال وأنّ ما ذكره لازم له صح ففيه تورية، وقوله: ما أغنى عني ماليه هلك. تنبيه: قال في شرح التوضيح هاء السكت لا تدغم لأنّ الوقف عليها محقق أو مقدر وعن ورس إدغام ماليه هلك وهو ضعيف قياسا (قلت) هذا مروفي عن أبي عمرو في رواية شاذة والمرويّ عن ورس إنما هو النقل في كتابيه أني. قوله: (والمنهـ س ل محذوف) تقديره شيئا وما الموصولة فاعله، وقوله: أو حجتي الخ فسره به أكثر السلف ورجح بأنّ من أوتي كتابه بشماله لا يختص بالسلاطين لكن ما بعده أشد مناسبة للأوّل، وقوله: يقوله الله فهو بتقدير القول، وقوله: ثم لا تصلوه الخ الحصر من تقديم المفعول، وقوله: لأنه كان يتعظم الخ فالمناسب تعظيم عذابه وهذا على اختصاص ما قبله بالسلاطين والقرينة عليه تعظيم أمره وتنصيص الله على تعذيبه فلا وجه للتوقف فيه فإنه لا ضير في كونه بيانا لحال بعض من أوتي كتابه بشماله كقوله: {وَلَا يَحُضُّ} [سورة الماعون، الآية: 3] الخ فكم فيهم من لم يحض على الطعام من أهل الشمال، وقد مرّ أنّ الجحيم اسم طبقة منها. قوله: (طويلة) لأنّ السبعين كثرت في المبالغة والتكثير وحمله عليه هنا أبلغ من إبقائه على ظاهره وأن جاز، وقوله: بأن تلفوها الخ بيان لإدخاله في السلسلة فإنه يكون بلفها عليه حتى يكون داخلها، وقوله: مرهق بزنة اسم المفعول بمعنى مضيق عليه من أرهقه عسرا إذا كلفه إياه أو بمعنى مغشى بها، وقوله: كتقديم الجحيم الخ فإنه كقرينه يقدر مقدما على عامله فلا يرد ما قيل إنّ قوله: في سلسلة ليس معمول فاسلكوه لئلا يلزم الجمع بين حرفي عطف، ثم والفاء فلا بد من تقدير عامل له فقد يقدر مقدماً وستأتي تتمته وما فيه. قوله: (لتفاوت ما بينها في الثدّة) أي بين أنواع ما يعذبون به من الغل والتصلية، والسلك وفي نسخة بينهما أي بين المعطوف والمعطوف عليه والأولى أوفق لما في سورة نوج كما سيأتي ولم يجعلها للمهلة إذ مقام التهديد لا يناسبه ذكر تفرق العذاب، ثم إنه قيل: إنّ ثم الثانية لعطف قول مضمر على ما أضمر قبل خذوه إشعارا بتفاوت ما بين الأمرين وفاء فاسلكوه لعطف المقول على المقول لئلا يتوارد حرفا عطف على معطوف واحد وأورد عليه أنه يلزمه أن يكون تقديم السلسلة على الفاء بعد حذف القول لئلا يلزم التوارد المذكور، ومبني هذا التكلف البارد الغفلة عن أنّ الفاء جزائية في وربك فكبر فالتقدير ما يكن من شيء فاسلكوه في سلسلة الخ فقدم الظرف وما معه عوضاً عن المحذوف ولتتوسط الفاء كما هو حقها وليدل على التخصيص وعلى الأخير اقتصر المصنف لأنه مقتضى المقام، ويجوز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 أن يكون التقدير هكذا، ثم ما يكن من شيء ففي سلسلة ذرعها سبعون ذراعا اسلكوه ففيه تقديمان تقديم الظرف على الفعل للدلالة على التخصيص، وتقديمه على الفاء بعد حذف الشرط للتعويض، وتوسيط الفاء وحينئذ، فمراد المصنف بقوله: وتقديم السلسلة التقديم الأوّل وهو الفائدة التي ذكرها المصنف ليس إلا فتدبر. قوله: (على طريقة الاستئناف) فإنه يفيد التعليل لوقوعه في جواب لم أستحق هذا فقيل إنه الخ وقوله: للمبالغة لأنّ السؤال المقدّر فيه تكثير للمعنى مع تقليل لفظه، وقوله: فمن تعظم فيها أي في الدنيا وقوله: على بذل طعامه يريد أنّ الحث إنما يكون على الفعل ففيه مضاف مقدّر وهو بذل أو الطعام بمعنى الإطعام بوضع الاسم موضع المصدر كالعطاء بمعنى الإعطاء، وقوله: فضلاً الخ على الوجهين، وقوله: تارك الحض لأنّ حض الغير ليس بلازم فالعقال عليه يدل على العقاب على غيره بالطريق الأولى فتدبر. قوله: (وفيه دليل الخ الأنه عذب على عدم إطعام المسكين، وترك الخير فلو لم يؤمر به لم يعاقب عليه، وقوله: الكفر بالله في قوله: لا يؤمن بالله الخ والبخل منءا- م بذل الطعام والقسوة من منع المسكين الذي هو محل المرحمة يريد أنه جمع بهذين أقبح العقائد وأقبح الأعمال فدل على ما عداهما بالطريق الأولى، وقوله: وصديدهم عطف تفسير للغسالة بالضم لأنّ هذا الوزن للفضلات، وقوله: فعلين هو من أوزان الأسماء كصفين. قوله: (من الخطأ المضاذ للصواب) لا ضدّ العمد، وقوله: الخاطون بطرحها بعد إبدالها ياء وقيل إنه من خطأ يخطو كأنه يخطو من الطاعة إلى العصيان ومن الحق إلى الباطل كقوله: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} [سورة الطلاق، الآية: ا] فيكون كناية عن الذنب أيضاً وقوله: فلا أقسم الخ تقدّم الكلام عليه في الواقعة والقول بأنّ أصله فلانا أقسم فتذكره، وقوله: لظهور الأمر الخ، ولذا لم يعين ما في المقسم به وقيل: إنّ بما تبصرون الخ تعيين له لأنه شامل لكل شيء وله وجه، وقوله: فإنّ الرسول الخ يعني أنّ الإضافة اختصاصية وأنما يكون القول خاصا برسل الله إذا بلغوه عن الله وليس دفعاً لما يرد من أنه كلام الله لا كلام الرسول فكيف أضيف له. قوله: (وهو محمد) قدمه لأنه الظاهر وعليه الأكثر لأنّ قولهم شاعر أو كاهن إنما كان في حقه عليه الصلاة والسلام لا في حق جبريل عليه الصلاة والسلام لما تحداهم وأعجزهم، وأمّا القول الآخر فمرجعه لهذا أيضا كما سترى، وقوله: أو جبريل هو قول مقاتل وبعض المفسرين وفسروه بأنه قول يلقيه جبريل عن الله لا من تلقاء نفس النبيّ عليه الصلاة والسلام لا أنه شاعر أو كاهن كما زعمتم، والمقصود إثبات حقية القرآن على القولين. قوله: (تصدّقون الخ) يعني نصب قليلاً على أنه صفة للمفعول المطلق، وأنّ القلة بمعناها الظاهر لا بمعنى العدم والنفي كما قاله الزمخشريّ: لأنهم لظهور صدقه لهم لزم تصديقهم له في الجملة، وإن أظهروا خلافه عناداً وأبوة تمرداً بألسنتهم وكذا قليلا ما تذكرون لأنه خلاف الظاهر، وأمّا قول أبي حيان إنّ قليلاً إذا نصب لا يكون بمعنى النفي وإنما يكون بمعناه إذا رفع كقوله: قليل بها الأصوات إلا بغامها فدعوى لا تسمع على مثل الزمخشري بغير دليل وقد يجعل قليلا صفة زمان مقدر وقال ابن عادل: نعت لمصدر أو زمان مقدّر أي إيمانا أو زماناً والناصب تؤمنون أو تذكرون وما زائدة، وقال ابن عطية يحتمل أن تكون نافية ومصدرية. قوله: (أمر بين لا بنكره إلا معاند) فلا عذر لقائله في ترك الإيمان وهو أكفر من حمار وأما مباينته للكهانة فيتوقف على تذكر ما لأنه يأخذ جعلا ويجيب عما سئل عنه ويتكلف السجع، ويكذب كثيرا وإن التبس على الحمقى لإخباره عن بعض المغيبات بكلام منثور، وقوله: بالياء التحتية في تؤمنون وتذكرون على الالتفات كما فصل في كتب الأداء. قوله: (سمي الافتراء) يعني الكذب والتفعل على التكلف كتحلم، وقوله: والأقوال المفتراة أقاويل الخ أما إطلاق الأقاويل عليها تحقيرا فلا كلام فيه وأنما الكلام في وجهه فقيل لأنه جمع أقوولة لأنّ وزن أفعولة مختص بالأمور المستغربة كأضحوكة، وأعجوبة ورده صاحب الانتصاف بأن أفعولة من القول غريب عن القياس التصريفي، ويحتمل أن يكون جمع الجمع كأناعيم جمع إنعام وهو غير وارد لأنّ مراده أنه جمع لمفرد غير مستعمل لأنه لا وجه لاختصاصه بالافتراء غير ما ذكر والأحسن في توجيهه أن يمنع اختصاصه وضعاً وإنه جمع قول على غير القياس أو جمع الجمع، ودلالته على ما ذكر بقرينة السياق لا تضر كما يقال في التحقير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 بعض ألناس ولذا قال الشاعر: وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس وأمّا لزوم أن يعاقب بما دون ثلاثة أقوال فغير وارد لأنّ الألف واللام أبطلت جمعيته كالعالمين فتدبر. قوله: (لأخذنا منه) أي لأمسكناه وقوله: باليمين بعده بيان بعد الإبهام كما في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [سورة الشرح، الآية: ا] لأنه تفصيل بعد الإجمال، وقوله: بأفظع يعني أشد وأقبح فهو بفاء وظاء معجمة والفتاك بالفاء والكاف أو بالقاف واللام وهو المباشر للقتل، وقوله: يكفجه بالفاء والحاء المهملة يعني يواجهه بالسيف لأنّ الآخذ باليمين يقتله بعد مواجهته بالسيف ونظره له أشد عقوبة ومن يضرب عنقه من غيره مواجهة يأخذه من يساره فلذا قال بيمينه لبيان أنه يعاقب بأشد العقوبة أو اليمين بمعنى القوّة فالمراد أخذه بعنف، وشدة ومرضه لأنه يفوت فيه التصوير والتفصيل والإجمال ويصير قوله: منه زائداً من غير فائدة، ويرتكب المجاز من غير فائدة أيضاً. قوله: (عن القتل) فالمعنى لا يمنع أحد عن قتله أو لا يحول أحد بيننا وبينه، وهو المقتول لأنّ الحجز المنع ومنه الحجاز لأنه بين تهامة ونجد، وقوله: وصف لأحد أو خبر له وجمع وصفه أو خبره لأنه أحد الوجوه في إعرابه وما حجازية أو تميمية رعاية للمعنى لأنه نكرة في سياق النفي فيعم وفيه تفصيل في الدر المصون. قوله: (لأنهم المنتفعون به) توجيه للتخصيص، وقوله: فيجازيهم مرّ تحقيقه مراراً، وقوله: اليقين الذي لا ريب فيه قد مرّ فيه في الواقعة كلام وأنّ إضافته لامية أو على معنى من أو هو من إضافة الصفة للموصوف وأصله اليقين الحق وفي كلام المصنف رحمه الله ميل إليه، وتفصيله في الكشف، وقوله: فسبح الله تقدير لمفعوله المحذوف بيان لاتصاله بما قبله، وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيد الرسل واكه وصحبه الكرام. سورة المعارج وتسمى سورة سأل وهي مكية بالاتفاق وآيها أربع أو ثلاث وأربعون على قولين فيها. بسم الله الرحمن الرحباً قوله: (أي دعا داع به الخ الما كان السؤال يتعدى بنفسه أو بعن في الاستعمال المعروف وهنا تعدى بالباء اختلفوا في توجيهه على وجوه منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وهو أنّ السؤال بمعنى الدعاء فعدى بالباء والمراد به الاستدعاء والطلب، وهو بهذا المعنى يتعدى بالباء كما في قوله: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ} [سورة الدخان، الآية: 55] وليس تضميناً وقيل: إنها زائدة وقيل: إنها بمعنى عن كما في قوله: فاسأل به خبيرا واختلف في السائل على أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (فأمطر علينا الخ) قد مرّ تفسيره وجعله واقعا على هذا وعلى ما بعده إمّ لأنّ جنسه واقع في الدنيا أو في الآخرة وعبر بما ذكر لتحققه فيهما من غير فرق بينهما، وقوله: استهزاء لأنه لا يريد عاقل حلول العذاب به. قوله: (استعجل بعذابهم) أي دعا عليهم، وقوله: وقرأ نافع وابن عامر الخ هو في هذه القراءة سال كقال وتبع فيه الزمخشري إذ قال: إنّ لغة قريث! فيه إنها تجعله أجوف واوياً وغيرهم يجعله مهموزا وباللغتين جاء القرآن على القراءتين فقوله: من السوال بالواو الصريحة بكسر السين وضمها كما في القاموس، وكون الواو فيه أصلية وهو لغة قريش فيه نظر لأنّ المصرّح به كتب اللغة والعربية خلافه وفي كتاب سيبوبه إنّ لغة أهل الحجاز همزه وتحقيق الهمزة فيه حتى قال: إنّ الألف مبدلة من الهمزة وإنه على خلاف القياس المقصور على السماع، وكيف لا والقرآن ورد بخلافه وهو فد نزل على لغة قريش إلا ما ندر والحاصل أنه اختلف في لغة سال بالف هل هي مخففة على خلاف القياس، وفيه ما علصت ولا وجه لقول المحشي أنه مردود بعد السماع، وقيل: إنها لغة فيه واختلف هل هي منقلبة عن ياء أو واو وفي الكشاف هو من السوال، وهو لغة قريش يقولون: سلت تسال وهما يتسايلان قال الجاربردي: يعني هو من السؤال المهموز يعني لا اشتقاقا فلا ينافي قوله: يتسايلان والصواب من السوال بالواو ويتساولان كما في الحجة، اهـ فألفه منقلبة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 عن واو كخاف، وحكى أبو عليّ أنه سمع من العرب من يقول: يتساولان وبه صرّح ابن عادل وأهل اللغة، وأمّ قول بلال بن جرير: إذاضفتهم أوسوايلتهم وجدت لهم علة حاضرة فهو جمع بين اللغتين ووزنه فعايلتهم. قوله:) سالت الخ) البيت من شعر لحسان يهجو به هذيلا لما سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا، ومعناه ظاهر وقيل: سالت في البيت معناه طلبت سولاً منه وليس من السؤال في شيء، وقوله: قرئ سال سيل كباع بيع وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنه، وهو من السيل المعروف في الماء وأصله مصدر كالسيلان بمعنى الجريان، وقوله: سال واد يعني السيل بمعنى السائل وهو الماء الجاري فالظاهر أنه تسمح في التعبير عنه بالوادي، وأراد ما فيه كما يقال: جرى النهر وفي الكشاف وشروحه هنا كلام لا حاجة لنا به. قوله: (ومضتي الفعل الخ) هو على الأوّل حقيقة والتجوّز في قوله: واقع وعلى الأخير مجاز لا! العذاب لم يحل بهم، وقوله: قتل بدر وقد قتل فيها النضر وأبو جهل والسورة مكية وهو وقع بعد ذلك فيكون مجازاً من الأخبار بالغيب. قوله: (أو صلة لواقع (واللام للتعليل أو بمعنى على وقد قرأ به أبيّ في الشواذ، وقوله: وإن صح أن السؤال في قوله: سأل سائل المراد به السؤال عمن يحل به العذاب المتوعد به كما روي عن قتادة والحسن لأنّ أهل مكة قالوا: لما خوّفهم النبيّ بعذاب الله اسألوا محمدا عنه فسألوه فنزلت كما في تفسير البغوي فيكون قوله: للكافرين جوابا لذلك السؤال، والمعنى أنهم سألوا عن العذاب الواقع على من يقع، ولمن هو فأجيبوا بما ذكره فتقديره هو للكافرين فقوله: ليس له دافع جمله مؤكدة لقوله: هو للكافرين لا محل لها حينئذ، ولك أن تقول لها محل لأنها تأكيد معنوقي إلا أنهم لم يذكروه في الجمل. قوله: (والباء على هذا لتضمن سأل معنى اهتم) وقيل: إنّ الباء بمعنى عن كما في قوله: فاسأل به خبيراً وعليه صاحب القاموس وذكره في المغني، ولم يرتض به المصنف رحمه الله كبعض النحاة وجعلوا الباء فيه تجريدية أو سببية أو التجوّز والتصرّف في الفعل لأنه أقوى من الحرف فيجعل مجازا أو مضمنا معنى الاهتمام والاعتناء، وقوله: من جهتة فمن ابتدائية متعلقة بدافع لقربه لا بواقع وما بينهما اعتراضى لبعده لفظا ومعنى وقوله: يصعد فيها الكلم ليس المراد به السموات، ولا طرقها لأنه وجه آخر سيأتي بل المراد مقامات معنوية تكون فيها الأعمال والأذكار كما أنه فيما بعده مراتب في السلوك معنوية أو في منازل الآخرة، وقوله: مراتب الملائكة معطوف على قوله: الدرجات، وكذا السموات وضمير فيها للسموات. قوله: (استئناف الخ) وضمير إليه لله أو للمكان المنتهى إليه الدال عليه السياق، وقوله: على التمثيل والتخييل على الوجو. كلها لأنّ المراد أنه في غاية البعد والارتفاع المعنوي كما في بعض الوجوه كمراتب السالكين أو الحسي لكنه ليس المراد به التحديد كما أشار إليه بقوله والمعنى، وقيل: إنه إنما يظهر إذا فسرت المعارح بغير السموات فتأمّل. قوله: (وقيل معناه تعرج الخ) فالضمير راجع لله بتقدير مضاف فيه وهو عرس، وقوله: يقطعون فيه أي في ذلك اليوم ضمير فيها للمدة وهي خمسون ألف سنة، وقوله: لو فرض أي قطع الإنسان لها وسيره فيها إلا أنه يسير الملائكة فإنه ما سيذكره وهو خمسة آلاف سنة، وقوله: لا أن بلا النافية وأنّ المشدّدة ووقع في نسخة لأنّ وهو من غلط الناسخ فتدبر، وقوله: إلى محدب السماء فخمسمائة منها مسافة ما بين المقعر والمحدب وتقدم في السجدة إنه مسافة الذهاب والإياب في قول مع وجوه أخر مرّت مع ما فيها. قوله: (وقيل في يوم الخ) وقد كان متعلقا بيعرج فيما تقدم، وقوله: إذا جعل من السيلان فإنه يدل على وصول العذاب لهم في ذلك اليوم بخلاف ما إذا كان من السؤال فإنه لا يتعلق به لأنّ السؤال لم يقع فيه. قوله: (والمراد به يوم القيامة (يعني على هذا التفسير وقد صححه القرطبي وقال: إنه ورد في الحديث وهو أقرب الوجوه، وقوله: واستطالته الخ يعني ليس المراد بالعدد المذكور حقيقته بل مجرّد الاستطالة على هذا الوجه وهكذا كل زمان شدة كما قيل: تمتع بأيام السرور فإنها قصار وأيام الغموم طوال قوله: (أو لكثرة ما فيه) بحيث لو وقع من غير أسرع الحاسبين وفي الدنيا طال إلى هذه المدة فهو مجاز عما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 يلزمه من كثرة ما وقع فيه أو كناية، وقوله: كذلك أي طويل حقيقة، وقوله: وافراده اًي بالذكر مع دخوله في الملائكة. قوله: (وهو متعلق بسأل) أي متفرّع عليه ومتعلق به تعلقاً معنويا، وقوله: عن استهزاء أي على أنّ السائل النضر أو أبو جهل، وقوله: أو تعنت أي إن كان السؤال عمن وقع به العذاب والسائل كفار مكة والتعنت تفعل من العنت وهو المكابرة عنادا، وقوله: يضجره أي النبيّ صلى الله عليه وسلم إن كان هو السائل استعجالاً كما مرّ، وقوله: أو يسال بالألف على القراءة به مع سائل وسيل في الوجهين لأنّ معناه حينئذ قرب وقوع العذاب فيظهر تفريع الأمر بالصبر عليه، والحاصل أنه متعلق به على القراآت كلها وقد أورد على قوله: لأنّ المعنى قرب الخ أنّ المناسب لهذا أن يكون صيغة المضي لاقتراب الوقوع لا للتحقق كما مرّ ويدفع بأنه أشار يخما مضى إلى وجه وهنا إلى آخر أو هما متقاربان فتأمّل. قوله: (أويوم القيامة الخ) في الكشاف فيمن علق في يوم بواقع لأنّ المراد به يوم القيامة ويصح وصفه بالقرب والبعد وأمّا إذا علق بتعرح فليس المراد به يوم القيامة، ولا يوصف بالقرب والبعد معنى لأنّ استبعادهم إياه لاستحالتهم له وهم يستحيلون يوم العذاب لإنكارهم له لا يوم عروج الملائكة لأنه لم يقرع أسماعهم فمن قال: يجوز إرادته إذا تعلق بيعرج أيضا لأنّ واقع يدل عليه في أحد الوجهين لم يقف على مراده لأنّ مراده أنه لا يعود إلى يوم المذكور، وعلى ما ذكره يرجع إلى ما فهم من الكلام وهو شيء آخر. قوله ة (من الإمكان) فالمراد بالبعد البعد عن الإمكان وبالقرب القرب منه، ولا شك أنّ العذاب أو يوم القيامة ممكن ولا معنى لوصف الممكن بالقرب من الإمكان لدخوله في حيزه إلا أن يكون للمشاكلة والمراد، وصفه بالإمكان وهم يحيلونه لقولهم من يحي العظام وهي رميم. قوله: (أو من الوقوع) قدره في الثاني دون الأوّل لأنه لو تعلق به أفاد إمكانه عندهم وهم يحيلونه كما سمعت فيصير المعنى أنهم يرونه بعيداً من الإمكان، ونحن نراه قريباً من الوقوع فضلاً عن الإمكان وهو أحسن من تقدير الإمكان فيهما فمن قال: الأوّل في إيفاء حق البلاغة أظهر، وتعليق الثاني ببعيداً فيه إيهام اعتقادهم لإمكانه لم يصب. قوله: (يمكن يوم تكون) بيان لحاصل المعنى وفيه إشارة إلى ما قلنا من أنّ المراد بالقرب من الإمكان الإمكان وعبر به إما مشاكلة أو إرخاء لعنان المساهلة، والمراد أنه ليس في ذلك اليوم ما يحيله فهو باق على إمكانه، والا فالإمكان متحقق في كل زمان فلا معنى لتقييده به، وقيل: المراد يظهر إمكانه فيه. قوله: (دل عليه واقع) وهو يقع وقوله: من في يوم إن علق به أي بواقع لأنه يكون المراد به يوم القيامة فيجوز إبداله منه بخلاف ما إذا علق بتعرج فإنه غير هذا اليوم وهو إبدال من المحلى لنصبه، وقول أبي حيان في ردّه إنّ مراعاة المحل إذا كان الجارّ زائداً أو شبيهاً بالزائد كرب فإن لم يكن كذلك لم يجز فلا يقال: مررت بزيد الظريف بالنصب غير وارد لأنّ اشتراط ما ذحص غير صحيح عندهم كيف لا وقد مرّ في قراءة وأرجلكم مراعاة المحل وليس كذلك، وأنما هو يتغنى ويضطرب وعلى التقادير الثلاثة المراد بالعذاب عذاب القيامة أما إذا أريد عذاب الدنيا فالمتعلق مقدر تقديره يكون كيت، وكيت فكان على المصنف أن يذكره مقدما لتاليه على الوجوه كتقدير اذكر ونحوه كما أشار إليه الزمخشري. قوله: (المذاب في مهل) أي ما تقع إذابته في زمان ممتذ لا ما يذاب بسرعة كالسمن والفلزات جمع فلز بكسر الفاء واللام، وتشديد الزاي المعجمة وفيه لغات هذه أفصحها وهو نوع من المعادن أشهر الأقوال فيه أنه ما يقبل السبك، والدق بالمطارق وقيل: ما ينفيه الكير والدرديّ بضم الدال وتشديد الياء ما يتجمد في قعره. قوله: (فإذا بست) أي فتتت وطيرت في الهواء ومشابهة العهن في التطير، واختلاف الألوان، وقوله: لا يسال قريب أي لاشتغاله بحاله عن غيره فمفعوله الثاني محذوف تقديره عن حاله مثلا وعلى قراءة ابن كثير في إحدى الروايتين عنه لا حذف ولا تقدير فيه ومعناهما متقارب. قوله: (يبصرونهم) أي يشاهدونهم وفي الجملة وجوه لاحتمال أن تكون مستأنفة لا محل لها كانه لما قيل، ولا يسأل الخ قيل: لعله لا يبصره فقيل: يبصرونهم أو هي صفة حميم أو جمع الضمير نظر المعنى العموم فيه قيل، وهو أولى من الحالية لتنكير صاحبها وأن كان العموم فيه مسوّغا له، وهو حينئذ إما حال من الفاعل أو المفعول أو من كليهما، وهو ذهول عما نظر إليه المصنف من أنّ الحالية أقعد معنى لأنّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 التقييد بالوصف في مقام الإطلاق، والتعميم غير مناسب بخلاف الحالية كما ذكره فتدبر، وقوله: تدل على وجه الدلالة ظاهر وهو جار على الوجهين، وقوله: ما يغني عنه معطوف على التشاغل والضمير للسؤال. قوله: (حال من أحد الضميرين) أي من ضمير الفاعل على فرض أن يكون هو السائل فإنّ فرض السائل المفعول فهو حال من ضميره لأنّ هذه الودادة إنما تمنع عن كونه سائلا لا مسؤولاً عنه، والتقدير يوذ المجرم منهم، وقيل الظاهر أنه حال من ضمير الفاعل لأنه المتمني. قوله: (فضلاَ أن يهتم الخ) انتصاب فضلا على المصدرية، وفي استعماله كلام طويل في شرحي الكشاف والمفتاح وقد أفرده ابن هشام برسالة فلا يسع المقام بيانه، إنما الكلام في أنه اشترط فيه أن يقع بعد نفي صريح أو ضمنيّ على كلام فيه، وعلى تسليمه فالتقدير هنا يتمنى أن لا يبقى أحد منهم إلا وقد قربه لعذابه فضلاً عن اهتمامه به واعتنائه لأنّ له في خويصة نفسه ما يعنيه، وهذا أحسن من جعل قوله: يتمنى الخ بمعنى ما يبالي بهم. قوله: (بفتح ميم يومئذ) لأنه مبنيّ على الفتح لإضافته لغير المتمكن المبنيّ كما مز، وقوله: عشيرته الذين فصل عنهم أي آبائه أو أقربائه الأدنين الذين ولدوه، وقوله: في النسب الخ تفسير للإيواء وهو الجمع والضم بضم نسبه لنسبهم أو ضمه نفسه لهم عند احتياجه والثقلين الإنس والجن والخلائق جميع المخلوقات الشامل لهم ولغيرهم، وقوله: ينجيه الافتداء فالضمير راجع للمصدر الذي في ضمن الفعل، ويجوز عوده إلى المذكور أو إلى من في الأرض وهو ظاهر. قوله: (على أنّ الافتداء لا ينجيه) يعني لو كان ابتداء أو هو من قبيل قوله: على لا حب لا يهتدي بمناره أي لا نجاة ولا افتداء. قوله: (الضمير للنار (المفهومة من العذاب وكونه مبهما يعود على متأخر مرّ تفصيله في البقرة، وقوله: وهو خبر أي على الوجهين، وقوله: أو بدل لأنه علم شخص لجهنم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث أو العدل عن المعرف باللام ولذا لم ينون كما قاله الراغب: لا علم جنس للنار كما قيل ولا يرد عليه إبدال النكرة غير منعوتة من المعرفة لأنّ أبا علي وغيره من النحاة أجازوه إذا تضمن فائدة كما فصله النحاة وعليه كلام المصنف رحمه الله في الوجه الأوّل الذي اختاره فلا وجه لتخريج كلامه على العلمية كما قيل مع أنه قيل: إنّ نزاعة حينئذ صفة لظى لأنه بمعنى النار، وقوله: للقصة معطوف على قوله للنار وقوله: ولظى مبتدأ يعني على الوجه الأخير، وقوله: وهو أي لظى اللهب الخالص من الدخان لشدة احتراقه وهذا بناء على أنه غير علم لكنه يأباه اتفاق القراء على عدم تنوينه فإنه مقتض لمنع الصرف ظاهرا، وقوله: وقيل علم للنار فهو علم جنس منقول لا علم بالغلبة لتخلف شرطه والأحسن كما مرّ أنه علم شخص وكلامه محتمل له لأنّ النار قد يراد بها جهنم أيضاً. قوله: (على الاختصاص) يعني به تقدير أعني أو أخص لا مصطلح النحاة، والمصنف رحمه الله كالزمخشري يستعمله بهذا المعنى كثيراً، وقوله: المؤكدة لأنه لا ينفك عنها التلظي، وقوله: أو المنتقلة لانفكاكه بالزمهرير ومخالطة الدخان وقوله: على أن لظى بمعنى متلظية فالحال من الضمير المستتر فيها لا من لظى لأنها نكرة أو خبر وفي مجيء الحال من مثله ما فيه، وليس المراد بالمؤكدة مصطلح النحاة والعامل أحقه مقدراً أو الخبر لتأويله بمسمى أو المبتدأ لتضمته معنى التنبيه أو معنى الجملة فإنه لا يوافق شيئاً منها كلامه، وقوله ة على أن لظى بمعنى متلطية أو ملتظية الظاهر أنه غير علم وليس مخصوصا بكونها منتقلة كما توهم فإنه لا وجه لجعله علماً منقولاً ثم نأويله بما نقل عنه ففي كلامه لف، ونشر وهو مشوّس. قوله: (والشوي الآطراف) يعني أطراف الأعضاء كاليد والرجل، وقيل: الأعضاء التي ليست بمقتل ولذا يقال: رمى فاشوي إذا لم يقتل، وقوله: تدعو خبر مبتدأ مقدر أو حال من لظى أو نزاعة أيضاً، وفسره بقوله: تجذب من الجذب وهو سحبه إلى جانبه وتحضر مضارع أحضره إذا أتى به إليه واستشهد لورود تدعو لهذا المعنى بهذا البيت المذكور كما ستراه. قوله: (تدعو أنفه الريب الخ) هو من قصيدة طويلة لذي الرمة مطلعها: مابال عينك منها الماءينسكب كأنه من كلامقريه ينسرب وهو من قصيدة ذكر فيها بقر الوحش وثورها فقال في وصف الثور: أمسى بوهبين مجتازا لمرتعه من ذي الفوارس تدعو أنفه الربب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 ووهبين وذو الفوارس علمان لموضعين، ومجتازا لمرتعه أي مارا بمحل يرتع فيه والربب بالراء المهملة والباءين الموحدتين بزنة عنب جمع ربة بالكسر والتشديد، وهو النبت الذي يرعى بالصيف وليس نبتا معيناً كما في شرحه وبه فسره في المجمل أيضا، وتدعو فيه بمعنى تجذب وتحضر في الأصل وتجوّز به عن كونه نبتاً حسناً لا تفارقه البقر إذا رأته فجعل ذلك كأنه يدعوها على أنه استعارة تمثيلية أو تبعية، ولذا قال: مجاز من جذبها الخ. وقوله: لمن فرّ الخ، متعلق باحضارها وذكره إشارة إلى أنّ ما في الآية أيضا استعارة بتشبيه استحقاقهم للدخول فيها بالدعوة لهم ولذا استشهد له ييت ذي الرمّة. قوله: (تدعو رّبانيتها) أي تجذبهم وتحضرهم لها فهو على حقيقته، والتجوّز في الإسناد أو يقدر فيه مضاف ودعاه بمعنى أهلكه الظاهر أنه حقيقة أيضاً، وهو خلاف المشهور في استعماله وإن ورد في كلامهم كقوله: دعاك الله من رجل يافعي وقوله: حرصاً وتأميلاً أي طول أمل وكل منهما علة لكل منهما، وكونه على اللف والنشر بعيد معنى. قوله: (شديد الحرص الخ) لأنّ سرعة الجزع إذا مسه المكروه، وسرعة المنع إذا ناله الخير فهي صفة مفسرة له، وقال ثعلب: إنّ الله فسر. بتفسير لا يكون تفسير أوضح منه فكان إذا سئل عنه قرأ هذه الآية وقال هو كقوله في الألمعي: الألمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا وهو كلام حسن يناسب كون جزوعاً ومنوعا صفتين كاشفتين لهلوعاً كما قيل، ولا ينافيه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الحالية فإنها قد تكون مفسرة وإن كان الأول أولى، وقوله: الضرّ بفتح الضاد المراد به ضيق المعيشة بدليل ما يقابله. قوله: (أحوال مقدّرة الخ) لأنه في حال الخلق لم يكن كذلك وأنما حصل له ذلك بعد تمام عقله ودخوله تحت التكليف إن أريد اتصافه بذلك بالفعل فإن أريد مبدأ هذه الأمور من الأمور الجبلية والطبائع الكلية المندرجة فيها تلك الصفات بالقوة كانت الحال غير مقدرة بل محققة، وهذا الوجه الثاني هنا هو بحسب المآل ما ذكره في الكشاف بعينه إلا أنه قال: إنّ الإنسان لإيثاره الجزع والمنع ورسوخهما فيه كأنه مجبول عليهما مطبرع، وكأنه أمر خلقي ضروري غير اختياري كقوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [سورة الأنبياء، الآية: 37] فجعله استعارة لا أنه خلقي فيه حقيقة بناء على مذهبه كما بيته وزيفه في الانتصاف والمصنف رحمه الله تعالى جعله حقيقة بناء على قاعدة أهل الحق قصداً للرد عليه ضمنا فيما زعمه من أنّ الخلق على هذه الصفة قبيح لا يصح إسناده إلى الله تعالى كما سيأتي، ثم إنه بعد كونه مطبوعا عليها هل تزول أم لا اختلف فيه في علم الأخلاق فقيل: إنها تزول بالمعالجة، ولولاه لم يكن للمنع منها والنهي عنها فائدة فإنها ليست من لوازم الماهية فالله كما خلقها يزيلها وقيل: إنها لا تزول وأنما تستر ويمتنع المرء عن آثارها الظاهرة كما قيل: والطبع في الإنسان لا يتغير قوله: (أحوال مقدّرة أو محققة الخ) شروع في الرد لما في الكشاف من الانتصار لمذهبه لما رأى الآية مخالفة له حيث قال إنه استعارة لشدّة تمكن الهلع ورسوخه حتى كأنه أمر طبيعي وأيده بأنه في البطن والمهد لم يكن به هلع وانه ذم والله لا يذم فعله، والدليل عليه استثناء المؤمنين المجاهدين لأنفسهم بترك الشهوات حتى لم يكونوا مانعين ولا جازعين يعني أنه ليس بخلق الله لأنه قبيح لا يصدر عنه مثله، والدليل عليه أنه لو كان خلقياً ظهر في المهد والبطن وكان الله ذم ما هو فعل له ولم يذمهم والواقع بشهادة العقل خلافه فلذا صح استثناء المصلين الموصوفين بما ذكر منهم بخلاف ما إذا أريد ما جبلوا عليه لاستوائهم معهم، وعدم مخالفتهم لهم في الأمور الجبلية وما يكون لنوع الإنسان في الطفولية فذكر ثلاثة أدلة لنصرة مذهبه، وتأويله الآية بما ذكره فيها فرد المصنف رحمه الله تعالى الأول بأنها طبائع حقيقة لا مستعارة كما تكلفه وعدم ظهورها في البطن والمهد غني عن الرد لأنّ ما في البطن لا يعلمه إلا الله واسم الإنسان إنما وقع عليه بعد الوضع فذكر ما قبله لا وجه له، وفي المهد هو متصف به بلا شبهة حتى لو نزع الثدي منه أو أبطأ لحظة كان في غاية الجزع والهلع وامّا أنه لا يذم فعله فمسلم لأنه ذم لما قام بالعبد منه باعتبار قيامه به وكسبه لا باعتبار إيجاده كما حقق في الكلام، والجواب عن الاستثناء سيأتي قريبا والحكمة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 وفي خلقه مجبولاً عليها أنه ينازع نفسه فيها، ويمانعها فيظهر قوّة عقله ويتم له ما يستحق به الثواب والعقاب وزوالها وعدم زوالها قد ذكرناه، قوله: (استثناء الخ) ردّ لما في الكشاف من أنّ الاستثناء لا يصح، لو كانوا مجبولين عليه لاقتضلأفه تحققه في المهد بل قبله وهم كغيرهم في حال الطفولية، ولذا خصه بالمطبوعين لأنه المذكور في الكشاف، ولأنه المشكل لا لترجيح الوجه الثاني كما توهم لأنه يخالفه ما ذكره قريباً ولم يبين أنه متصل أو منفصل، وقد جوز فيه الانقطاع لأنه لما وصف من أدبر وتولى معللاً بهلعه، وجزعه قال: لكن المصلين في مقابلتهم أولئك في جنات الخ ثم كر على السابقين بقوله: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة المعارج، الآية: 36] تخصيصا بعد تعميم عودا على المستهزئين الذين استفتح السورة بسؤالهم أو هو متصل على معنى إنهم لم يستمر خلقهم على لهلع فإنّ الأوّل لما كان تعليلا كان معناه خلقاً مستمرا على الهلع والجزع إلا المصلين فإنهم لم يستمر خلقهم على ذلك، وعلى الثاني حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو وإن لم يصرّج به فإنه عند التأمّل كالصريح فيه فتدبر. قوله: (بالصفات المذكوررة (في قوله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} الخ، وقوله على الأحوال المذكورة قيل في جعله هلوعا جزوعا منوعاً، وقوله: لمضادّه تلك الصفات متعلق باستثناء وضمير لها للأحوال، وقوله: من حيث إنها أي الصفات المذكورة وقوله: الحق المراد به الله والاستغراق في طاعته معنى قوله: {عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} والإشفاق الخ معطوف على الاستغراق، وهو من قوله: في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والإيمان بالجزاء من قوله: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [سورة المعارج، الآية: 26] فإنّ الدين بمعنى الجزاء، والخوف من العقوبة من قوله تعالى: {مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} الخ وكسر الشهوة من قوله تعالى: {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} . قوله: (وإ-شار الآجل (أي تقديم أمور الآخرة على العاجل من الدنيا هذا معلوم من جميع ما ذكر ومن بذل أموالهم واستغراقهم في الطاعة، وقوله: وتلك أي الأحوال من الهلع ورفيقيه، ولما كان المراد بقوله: العاجل الدنيا أنث الضمير الراجع إليه فقال عليها لأنها المراد منه، ولو قال عليه استغنى عن التأويل. قوله: (كالزكوات والصدقات الموظفة (ترك قول الزمخشري لأنها مقدرة معلومة واقتصر على قوله: موظفة، ومعناه تعيين زمانها فقط لأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت وعين مقدارها بالمدينة، وكانت قبل ذلك مفروضة من غير تعيين لكن في كون زمانها موظفا معلوما أيضا نظر فليحرر. قوله: (والذي لا يسأل فيحسب الخ) يعني معنى المحروم هنا بطريق الكناية المتعفف عن السؤال لأنه من شأنه أن يحرم إذ لو أريد من يحرموه بأنفسهم كان أوّل الكلام مناقضاً لآخره. قوله: (تصديقاً بأعمالهم (هو مصدر لقوله: {يُصَدِّقُونَ} ولم يرد بذكره أنه مقدر بل أراد تفسير التصديق، وبيان أن المراد به أكمله وهو ما فاض من الباطن على الظاهر لأنّ التصديق القلبي عام لجميع المسلمين لا امتياز فيه لأحد منهم، وأمّا كونه مصدراً مؤكداً لا يعمل أو هو عامل وذكر لئلا يتعلق حرفا جر بمتعلق واحد كما قيل فليس مراداً له، وإنما هو إلزام له بما لم يلتزمه، وقوله: وهو أي التصديق بالأعمال وجعله عين الأتعاب مبالغة، والمراد بالأتعاب الجد في الأعمال الدينية. قوله: (ولذلك ذكر الدين) الإشارة إفا للتصديق بالأعمال فذكر الدين لأنه في الأصل الطاعة والانقياد فيناسب العمل أو للطمع في المثوبة لأنّ الدين بمعنى الجزاء. قوله: (اعتراض يدل على أنه الخ (بيان لوجه الاعتراض بين المتعاطفين هنا وقوله: لأحد العموم من عدم ذكر الآمن وقوله، وإن بالغ في طاعته من جعل هؤلاء خائفين مع ما وصفوا به من الطاعة، وقوله: حافظون لأن أصل معنى الرعي حفظ الحيوان بما به بقاؤه، ثم شاع لمطلق الحفظ. قوله: (يعني لا يخفون ولا ينكرون) وقع هنا في النسخ اختلاف، وأظهرها وأصحها ما ذكر فإن القيام بالشهادة وحقوقها عدم الإخفاء والإنكار لها أو لشيء منها، وفي نسخة سقطت لا وذكر يحقودط بالحاء المهملة والقاف وفي نسخة يحنون بنون بدل الفاء وفسر بلا يضيعون، وقيل: إنها أولى لشمولها للعهد والظاهر أنها كلها تحريف والصواب هو الأوّل، وقوله: أو لا يخفون ما علموه تفسير للقيام بالشهادة وتعميم لها بما يشمل حقوق الله وحقوق العباد، وقوله: لاختلاف الأنواع إذ لم يقصد هذا أفرد لأنه مصدر شامل للقليل والكثير. قوله: (فيراعون شرائطها الخ الأن الحفظ عن الضياع استعير للإتمام والتكميل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 للأركان والهيآت وهذا توطئة لدفع توهم التكرار، وقوله: أولاً وآخراً أي في أول هذه الصفات وآخرها وقوله: باعتبارين هما ما صرّج به من اعتبار المداومة وانحبار التكميل، وانافتها بمعنى شرفها وعلوّ قدرها لأنها معراج المؤمنين ومناجاة الرحمن ومبالغات هذه الصلاة قد مر في المؤمنين بعضها، وهي من جهة ما يفيده الموصول من أنّ صلته أمر محقق معلوم، وتقديم هم المقوي للحكم وتقديم على صلاتهم الدال على أنّ محافظتهم لأمور الآخرة لا يتجاوزها لأمور الدنيا، وصيغة المفاعلة مع ما يعرف من تعظيم الموصوف لمن له ذوق سليم. قوله: (أولئك في جنات الخ) إيثاره على هؤلاء إمّا لبعد المشار إليهم في الفضل أو في الذكر باعتبار مبدأ الأوصاف المذكورة، وقوله: (مسرعين) يعني للحضور عنده ليظفروا من استماعه بما يجعلونه هزأ وعزين حال من الذين كفروا أو من الضمير في مهطعين على التداخل، وعن اليمين إمّا متعلق بعزين لأنه بمعنى متفرقين أو بمهطعين أي مسرعين عن ارجهتين أو هو حال أي كائنين عن اليمين. قوله: (جمع عزة) وهي الفرقة من الناس، وقوله: ل أصلها عزوة فلامها واو من عزوته بمعنى نسبته وأصل العز والضم لأنّ المنسوب مضموم لطمنسوب إليه وقيل: لامه ياء وقيل هاء وقوله: يحلقون حول رسول الله ىشببرو أي يجتمعون، وقوله: حلقاً حلقاً قيل: إنه بفتح الحاء وكسرها، وقيل: فتحها في الدرع وكسرها في الناس، وفي القاموس حلقة الباب والقوم وقد فتح لامها وتكسراً، وليس في الكلام حلقة محرّكة إلا جمع حالق أو لغية ضعيفة جمع حلق محرّكة وكيد انتهى. قوله: (تعليل له) أي للرح المذكور، وقوله: والمعنى الخ كان الظاهر أن يقول إنهم بالغيبة فكأنه عدل عنه إلى الخطاب إشارة إلى أنه أمر مشاهد محسوس لأنه المراد بقوله: مما يعلمون وقوله: لا تناسب عالم القدس ليس فيه مخالفة لمذهب أهل الحق وأهل السنة كما قيل، وقوله: لم يستعد دخولها ضمته معنى يستحق فعداه بنفسه، ولولاه كان الظاهر أن يقول لدخولها فإنه يتعدى باللام فالمراد على هذا بما يعلمون النطفة ومن ابتدائية، وضمير دخولها للجنة. قوله: (أو إنكم مخلوقون من أجل ما تعلمون) فمن تعليلية وما الموصولة عبارة عن العلم والعمل مما يكملهم فهو كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] . قوله: (أو الاستدلال بالنشأة الأولى لخ) كان الظاهر تنكيره وأن يقول أو استدلال لأنه معطوف على قوله: تعليل، وقد وقع في بعض النسخ كذلك وقوله: بعد ردعهم متعلق بقوله: استدلال وضمير عنه للطمع وأخره المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى ما فيه من الخفاء كما لا يخفى، وأراد به أنّ فيه ردعا عن الطمع معللا بإنكارهم البعث لأنّ ذكر الدليل إنما يكون مع المكر فأقيم علة العلة مقام العلة مبالغة لما حكى عنهم طمع دخول الجنة، وهو مناف لحالهم في عدم إثباتها فكأنه قيل: إنّ من ينكر البعث أنى يتجه طمعه في دخول الجنة فاحتج عليهم بخلقهم أوّلاً وبقدرته على خلق مثلهم ثانياً وفيه تهكم وتنبيه على مكان مناقضتهم فإنّ الاستهزاء بالساعة، والطمع في دخول الجنة مما يتنافيان، وهذا هو الوجه كذا قرّره في الكشف فتأمّله. قوله: (أو نعطي الخ) معطوف على قوله: نأتي وقوله: بمغلوبين الخ لأنّ السبق يكون بمعنى الغلبة وهو حقيقة أو مجاز مشهور، وقوله: مر في آخر سورة الطور يعني قوله: فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون، وقد قال: المصنف رحمه الله تعالى فيه هو عند النفخة الأولى فهو المراد هنا أيضا لا النفخة الثانية كما توهم، وهو لا يناسب ما بعده أيضاً وقوله: مسرعين إشارة إلى أنه حال وهو جمع كظريف وظراف. قوله: (منصوب للعبادة) يعني النصب الصنم المنصوب للعبادة، أو العلم وهو المنصوب على الطريق ليهتدي به السالك، وقيل: ما ينصب علامة لنزول الملك وسيره فهم يسرعون إسراع عبدة الأصنام نحو صنمهم أو إسراع من ضل عن الطريق إلى أعلامها، وقيل: ما ينصب علامة ليرد الجند للملك وقوله: يسرعون لأنّ أوفض بمعنى أسرع، وقيل: بمعنى انطلق وقيل: استبق. قوله: (بضم النون والصاد الخ (فيه قراآت والجمهور على الفتح والإسكان وابن عامر وحفص على ضمتين، وقراءة مجاهد بفتحتين وقتادة بضم فسكون فالأولى على أنه اسم مفرد بمعنى العلم المنصوب ليسرع نحوه، وقيل هو الشبكة لأنّ الصائد يسرع لها إذا وقع فيها الصيد لثلا ينفلت، والثانية يحتمل أنه مفرد بمعنى الصنم المنصوب للعبادة قال الأعشى: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 وذا النصب المنصوب لاتعبدنه لعاقبة والله ربك فاعبدا أو هو جمع نصاب ككتاب وكتب أو جمع نصب كرهن وسقف جمع على رهن وسقف، والثالثة فعل بمعنى مفعول والرابعة تخفيف من الثانية أو جمع كحمر. قوله: (أو جمع) وفي نسخة أو جمع نصب أي بفتح الصاد كولد في جمع ولد لا بسكونها فإنه لم يسمع فعل بالضم جمعاً لفعل بالفتح، وتشبيهه للتخفيف في التفسير الكبيريسقف بالسكون في جمع سقف لا أصل له كما قيل، وكلاهما من قلة التتبع فإنه سمع في جمع ورد ورد بالضم وسقف بالسكون في متن التسهيل قال الشارح الدمامينيّ: قالوا في جمع سقف سقف بإسكان القاف أيضاً وبعضهم قال سقف جمع سقيف فهو على القياس انتهى، وقوله: عن النبيّءسبرو الخ حديث موضوع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. سورة نوح عليه السلام مكية بالاتفاق وفي عدد آياتها خلاف فقيل ثمان وعشرون وقيل: تسع وعشرون وقيل: ثلاثون كما في كتاب العدد للداني واقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأولين. بسم الله الرحمن الرحبم قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} هو اسم أعجمي وصرف لعدم زيادته على الثلاثة مع سكون وسطه قال الكرماني: معناه بالسريانية الساكن، وهو أطول الأنبياء عمراً بل الناس وأوّل من شرعت له الشرائع، وسنت السنن وأوّل رسول أنذر على الشرك وأهلكت أمّته والإنذار إخبار بما فيه تخويف ضد البشارة. قوله: (بأن أنذر) أي بالإنذار يعني أنّ أن مصدرية، وقبلها حرف جر مقدر وهو الباء ويجوز تقدير اللام، وفي محله بعد الحذف من الجر أو النصب قولان مشهوران ورد أبو حيان كونها مصدرية فيما نحن فيه زاعما أنّ كل ما سمع من أن التي بعدها فعل أمر، ونحوه من الإنشائيات فإنه فيه تفسيرية للزوم فوات معنى الطلب على المصدرية، ولعدم صحة أعجبني أن قم مع صحة أعجبني إن قمت وكرهت أن تقوم وليس بشيء لأنّ فوات معنى الطلب كفوات معنى المضي والاستقبال، وأما عدم صحة أعجبني أن قم ونحوه فلأنه لا معنى لتعليق الإعجاب والكراهة بما فيه معنى الطلب، وقد منع فوات معنى الطلب لا بإضمار القول كما قيل: فانه لا وصل حينئذ بالإنشاء ولا بالإخبار حقيقة بل بتأويله بما يدلّ على الطلب فيؤول كتبت إليه بأن قم بالأمر بالقيام ولا نقض بنحو أمرته أن قم إذ جوازه فيما لا يمنعه خصوصية الكلام كاف، ولا حاجة إلى حمله على المبالغة بتقدير أمرته بأن يأمر نفسه بالقيام أو يجعله من التجريد اللهمّ إلا إذا تعين مصدرية أن مع دخولها تحت فعل الأمر كما في قوله تعالى: {َأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة يونس، الآية: 104] وأن أقم وجهك فيوجه بالأوّل، والمعنى أرسلناه إلى قومه بإنذاره إياهم أو بالأمر بإنذاره إياهم ووضع قومك موضع ضميرهم لرعاية جانب المحكي والإشعار بكيفية الإرسال وضمير الخطاب يتحول ضمير غيبة عند تأوّل صيغة الأمر مع أن بالمصدر وإن أريد بقاء تلك الصيغة وضمير الخطاب على أصلهما قدر القول كما في قراءة أنذر بدون أن أي أرسلناه بأن قلنا له أنذر قومك (وهاهنا بحث) فيما ذكروه من فوات معنى الطلب فيه فإنه كيف يفوت، وهو مذكور صريحا في أنذر ونحوه وتأويله بالمصدر المسبوك تأويل لا ينافيه لأنه مفهوم منه أخذوه من موارد استعمالهم فكيف يبطل صريح منطوقه، وهذا مما لا وجه له وإن اتفقوا عليه فأعرفه. قوله: (أو بأن قلنا له أنذر) قد عرفت إنّ هذا على المصدرية، وأنّ تقدير القول لئلا يفوت معنى الطلب كما قيل، والظاهر ما في بعض شروح الكشاف من أنه لأنّ الباء للملابسة وإرسال نوح لم يكن ملتبساً بإنذاره لتأخره عنه إنما التبس بقول الله له أنذر وقول الله له أنذر طلب للإنذار فلذا قال: بعده أي أرسلناه بالأمر بالإنذار، ولو كان كما قالوه اكتفى بالأوّل وله وجه آخر سمعته، وفيه كلام سلف لنا فتذكره، وقوله: لتضمن الإرسال الخ بيان لوجود شرطها، وقوله: بغير أن وفي نسخة بغيرها وهما بمعنى وقوله: على إرادة القول فيقدر قائلين أو وقلنا لا قائلا لعدم مطابقته لنون العظمة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 قوله تعالى: {لَكُم} اللام فيه للتقوية أو للتعليل أي لأجل نفعكم من غير أن أسألكم ص ليه أجراً، وقوله وفي أن يحتمل الوجهان، وفي نسخة الوجهين يعني المصدرية والتفسيرية كما بيناه، وقوله: وهو ما سبق الضمير للبعض لأنه تفسير له بجعل من تبعيضية لا زائدة ولا مبينة لمقدر كما قيل، وتفسير البعض بأنه ما سبق لأنّ الإسلام يجب ما قبله أي يقطعه بمغفرته كما ورد في الحديث أو المراد به حقوق الله دون المظالم كما ذكره المصنف في غير هذه الآية، وهو المراد بما يجبه الإسلام وإن فهم منه الإطلاق في بعض المواضع فكان فيه اختلاف فتدبر. قوله: (هو أقصى ما قدّر لكم الخ) يعني أنه أجل معلق بالإيمان بأن يكتب في اللوح المحفوظ إنهم إن آمنوا يمتد عمرهم إلى مدة كذا، والا استؤصلوا وأهلكوا قبله وقد علم الله من يؤمن فيمتد عمره ومن لم يؤمن فيهلكه، وما علمه لا يتغير وهو قوله: إنّ الأجل الذي قدره الخ. قوله: (وقيل إذا جاء الأجل الأطول الخ) هذا ما ارتضاه الزمخشري، ولم يقبله المصنف وهاهنا أمران الأوّل أنه تال: أوّلاً يؤخركم فدل على أنّ الأجل قد يؤخر، ثم قال بعده: إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر فدل على خلافه، وبينهما تناقض بحسب الظاهر ودفع بأنّ الأجل أجلان قريب غير مبرم وبعيد مبرم وهو الأجل المسمى والمحكوم عليه بالتأخير على تقدير العبادة هو الأوّل والمحكوم عليه بامتناع التأخير هو الثاني لأنّ أجل الله حكمه المعهود، والمعهود هو الأجل المسمى فلا تناقض الثاني أنّ قوله: إنّ أجل الله الخ جملة مستأنفة للتعليل، والكلام في المعلل به فعند المصنف هو تعليق تأخيرهم إلى الأجل المسمى على العبادة أي أنّ الأجل الذي قدره الله تعالى لا يؤخر فإذا لم يعبدوه لم يتجاوزوا الأجل إلا قصر إلى الأقصى وعند الزمخشريّ هو تعليل لما فهم من تغيبة التأخير بالأجل المسمى، وهو عدم تجاوز التاخير عنه ورجح الأوّل بأنه أنسب بمقام الوعيد وتوضيحه إنّ الذي يؤخر عنه والذي لا يؤخر الأجل الأقصر لكن التأخير عنه على تقدير انتفاء شرطه، وعدم التأخير على عدم تحققه فلا حاجة إلى حمل أنّ أجل الله على الأطول على أن يكون إظهارا في موضع الإضمار كما ذهب إليه الزمخشريّ بناء على أنّ هذه الجملة تعليل لما يفهم من تغيية التأخير الموعود بالأجل المسمى، وهو أنهم لا يجاوزونه بل لا بدّ من الموت فيه بعد النجاة من الموت بعارض يستأصلهم كما قيل: ولم أسلم لكي أبقى ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام وهو عن المساق بمراحل، وعليه فقوله: (إذا جاء) الخ بيان للواقع، ويكون ما بين الأقصر والأطول من أوقات الإمهال والتأخير، وفساده غير محتاج للبيان والتقرير فتدبر. قوله: (فبادروا في أوقات الامهال والتأخير) هو على الوجهين لا على الأخير كما قيل لاحتياجه على الأوّل إلى انضمام أمر آخر وفيه بحث. قوله: (لو ك! م من أهل العلم والنظر) قال بعض فضلاء العصر: جمع بين صيغتي الماضي والمضارع للدلالة على استمرار النفي المفهوم من لو ونفى العلم عنهم بجعلهم كالأنعام وحذف جواب لو لاحتمال تعلقه بآخر الكلام وأوّله أي لو كنتم تعلمون شيئاً إن حذف مفعوله لقصد التعميم، أو إن كنتم من أهل العلم إن نزل الفعل منزلة اللازم كما اختاره المصنف لعدم احتياجه للتقدير، وقوله: والنظر إشارة إلى أنّ المنفي هو العلم النظري لا الضروري ولا ما يعمه فإنه مما لا ينبغي. قوله: (لعلمتم ذلك) هو جواب لو المقدرة والإشارة إلى عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر وهذا على تعلقه بآخر الكلام كما هو المتبادر، فإن تعلق بأوّله فالتقدير لسارعتم لما أمركم به لكنكم لستم من العلم في شيء فلذا لم تكونوا كذلك، وقوله: وفيه إنهم الخ يعني أنّ الجوأب تقديره لو علموه لعلموا ذلك فعملوا للنجاة منه، وهو مع ظهور. خفي على من اعترضى عليه بأنّ المشار إليه بذلك في قوله: لعلمتم ذلك ما مرّ من أنه عدم تأخير أجل الله عن وقته المقدر ولا يلزم من الشك فيه الشك في الموت نفسه، وقيل المراد الموت في وقت مجيء الأجل الأطول لا في الموت مطلقاً إذ السياق لا يساعده فتدبر. قوله تعالى: ( {قَالَ رَبِّ} ) استئناف للجواب عما علم مما قبله، وقوله: دائماً لأنّ مثله كناية عن الدوام، ولم يقل: أنذرت كما هو مقتضى ما قبله لأنّ الفرار من الدعوة لا عذر لهم فيه بخلاف الفرار من الإنذار. قوله: (وإسناد الزيادة إلى الدعاء) فإسناده مجاز إلى السبب وليس له فاعل حقيقي هنا أو هو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 الله على ما عرف في نحو سرتني رؤيتك وفي الآية مبالغات بليغة، وكان أصله فلم يجيبوني، ونحوه فعبر بالزيادة المسندة للدعاء وأوقعت الزيادة عليهم مع الإتيان بالنفي والإثبات وفراراً تمييز، وقيل إنه مفعول ثان بناء على تعدي الزيادة والنقص إلى مفعولين، وقد قيل: إنه لم يثبت وإن ذكره بعضهم. قوله تعالى: ( {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} الخ أليس من عطف المفصل على المجمل كما توهم حتى يقال الواو من الحكاية لا من المحكي، وقوله: إلى الإيمان إشارة إلى حذف متعلقه ويصح جعله منزلاً منزلة اللازم أيضا، وقوله: (سدّوا مسامعهم (الخ فهو كناية عما ذكر ولما فيه من المبالغة البليغة اختاره وإن أمكن إبقاؤه على أصله وحقيقته كما يعرب عنه نسبة الجعل إلى الأصابع وهو منسوب إلى بعضها، وايثار الجعل على الإدخال على ما مرّ في سورة البقرة تفصيله. قوله: (تغطوا الخ) بيان للمعنى المراد منه، وقوله: كراهة النظر الخ ولفرط كراهتهم عموا بالستر آلة الأبصار، وغيرها من البدن مبالغة في إظهار ذلك، ولذا أتى بالاستفعال وسين الطلب فكأنهم طلبوا الستر من ثيابهم للمبالغة فيه أو لأنّ من يطلب شيئا يبالغ فيه فأريد لازمه فالمبالغة بحسب الكيف، ولكم فلا يقال الكراهة إنما تقتضي ستر عيونهم دون غيرها، وقوله: أو لئلا أعرفهم فأدعوهم أخره لضعفه فإنه قيل عليه إنه يأباه ترتبه على قوله: كلما دعوتهم اللهم إلا أن يجعل مجازاً عن إرادة الدعوة، وهو ئعكيس للأمر وتخريب للنظم. قوله: (وأكبوا على الكفر والمعاصي) يعني انهمكوا وجدوا فيها، وكونه مستعارا مما ذكر في أصل اللغة، وقد صار حقيقة عرفية في الملازمة للانهماك في الأمر، وقوله: الحمار أراد الحمار الوحشي الذكر والعانة بالعين المهملة والنون جماعة الحمر والأتن الوحشية أيضا والصرفي الأصل الربط وصر الأذنين رفعهما ونصبهما مستويتين كما تفعله الحيوانات إذا أسرعت، وجدت في عض بعضها في مخاصمته أو سوقه للأتان ونزوه عليها للجماع، وفيه إيماء إلى أنّ المنهمك في مثله قبيح رذل ملحق بأحمق الحيوانات لتشبيهه بالحمار في أقبح حالاته وأسوئها. قوله: (عظيما (هو من المصدر المؤكد المنكر فإنّ تنكيره للتعظيم وهو أولى من كونه للتنويع والاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق له، وقوله: مرّة بعد أخرى يفهم من ذكره مكرّراً، وقوله: كرة بعد أولى أي رجوعا لكرة بعد البدء بمرة أولى. قوله: (على أفي وجه أمكنني) إشارة إلى وجه التكرير وإنه لتعميم وجوه الدعوة بعد تعميم وجوه الأوقات كما أشار إليه بفوله وثم الخ فإنّ العطف للدلالة على تفاوتها رتبة، وقوله: أغلظ من الأسرار يقتضي أنّ الأوّل سر فقط، وليس في النظم ما يقتضيه فكأنه أخذه من المقابلة، ومن تقديم قوله: ليلا وذكرهم بعنوان قومه، وقوله: فراراً فإنّ القرب ملائم له وقوله: والجمع الخ فإنه شأن المجتهد في أمر كما قالت الخنساء: لها حنينان إعلان وأسرار قوله: (أو لتراخي بعضها عن بعض) فهي بمعناها الحقيقي لتراخي الزمان إلا أنه لئلا ينافي عموم الأوقات السابق قيل: إنه باعتبار مبدأ كل من الأسرار والجهار ومنتهاه إذ لا ترجيح لاً حد الطرفين على الآخر فيهما فيدل على امتداد كل منهما وباعتبار منتهى الجمع بينهما لأنه المحتاج للبيان فيدل على أنه ممتد أيضا فثم الثانية محتملة للوجهين كما في قوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى} [سورة البقرة، الآية: 262] لا أنها على الثاني تفيد التأكيد إذ اعتبار تراخي المعطوف فيه باعتبار الانتهاء للإيذان بلزوم الاستمرار على عدم اتباعهم المن والأذى في استحقاق الأجر الموعود يفيده لا يتبعون لاستمرار النفي فيه بخلاف ما نحن فيه، ولذا ذكر المصنف الوجهين هنا وإقتصر على أحدهما ثمة فلا وجه للاعتراض عليه بما في الاقتصار من التقصير، ولك أن تقول عموم الأوقات عرفي كما في قوله: لا يضع العصا عن عاتقه فتدبر. قوله: (أحد نوعي الدعاء) فينتصب على المصدرية انتصاب قعدت القرفصاء وقوله: مجاهراً به بفتح الهاء اسم مفعول صفة للدعاء لأنه مجهور به وإذا كان حالاً فهو مؤوّل بمجاهر على زنة اسم الفاعل، وقوله: بالتوبة عن الكفر فإنه لا يغفر أن يشرك به وقال ربكم تحريكاً لداعي الاستغفار ولما كان هذا ملوحا لغفاريته نزلهم منزلة السائلين فقال إنه كان غفاراً. قوله: (وكأنهم لما أمرهم الخ) توجيه لذكر الأمر بالاستغفار والمنح العطاء جمع منحة، وقوله: ولذلك وعدهم أي لكون المقصود بما ذكر إزالة شبههم، ودفع ما يغيظهم وعدهم على الاستغفار بأمور هي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 أحب إليهم وهو قوله: {يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} الخ لأنه جواب الأمر فكانه قيل: إن يستغفروه يعطكم ما ذكر فهو وعد وأحبيتهم له لما جبلوا عليه من محبة الأمور الدنيوية: والنفس مولعة بحب العاجل فلذا لم يجعل الجواب يغفر لكم ويرحمكم ونحوه من أمور الآخرة. قوله: (وقيل لما طالت دعوتهم الخ) فيظهر وجه تخصيص ما ذكر بالجوابية، وقوله: بذلك متعلق بوعدهم والباء صلة، وقوله: بقوله الباء آلية أو ظرفية بمعنى في فلا يتعلق حرفا جرّ بمعنى بمتعلق واحد كما لا يخفى، وقوله: ولذلك الخ أي لوعد الله بالمطر على الاستغفار صار مشروعا فيه وليس الاستغفار مجرّد قول أستغفر الله بل الرجوع عن الذنوب وتطهير الألسنة والقلوب وقوله: والسماء الخ قيل عليه ذكر المطر أيضاً فإنه المدرار حقيقة، وقيل: إنه تركه لظهوره ولاعتماده على أنه فسره به في قوله: {يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} [سورة الأنعام، الآية: 6] في الأنعام وفيه نظر، والدر السيلان ولذا سمي اللبن دراً لسيلانه وقوله: يستوي الخ وكذا صيغ المبالغة كلها كما صرح به سيبويه وما خالفه فهو على خلاف القياس وهذا يقتضي أنّ السماء مؤنثة وهي تذكر وتؤنث واقتصر على توجيهه إذا أنث لأنه المحتاج للتوجيه وأخر البنون عن الأموال لأنّ بقاء الأموال بالبنين كما أنّ بقاء الجنات بالماء المعين فلذا أخرت الأنهار أيضاً. قوله: (والمراد بالجنات البسأ-لين) يشير إلى أنّ المراد جنات الدنيا ليكون مما وعدوا به عاجلا وأعاد فعل الجعل دون أن يقول يجعل لكم جنات وأنهاراً لتغايرهما فإنّ الأوّل مما لفعلهم مدخل فيه بخلاف الثاني ولذا قال: يمددكم بأموال وبنين، ولم يعد العامل فإن كانت الجنات والأنهار ما في الآخرة كما قاله البقاعي فتأخيره ظاهر. قوله: (لا تأملون له توقيرا (الرجاء يكون بمعنى التأميل وبمعنى الخوف وكلاهما جائز هنا وبدأ بالأوّل لأنه الأصل المعروف فيه والوقار حينئذ بمعنى التعظيم من الله لعباده أي لم لا تأملون أن تكونوا موقرين عنده تعالى ومعظمين وهو في الحقيقة استفهام وطلب لما هو سببه وهو الطاعة، والعبادة إما مجازاً أو كناية فالوقار بمعنى التوقير كالسلام بمعنى التسليم ويمكن أن يكون هذا من إزالة الشبهة في قولهم فكيف يقبلنا ويلطف بنا الخ، وقوله: وقد خلقكم إلى قوله: فجاجا للدلالة على أنه لا يزال ينعم عليكم مع كفركم فكيف لا يلطف بكم ويوقركم إذا آمنتم ورد بأنّ الإعادة في الأرض ليست من النعم عندهم وإن خلقهم أطواراً ليس في حال الكفر إلا أن تفسر الأطوار بما يعتري الإنان في أسنانه من الأموو المختلفة فيكون بعضها في هذه الحال لكن القائل لم يتعرض لهذا التفسير. قوله: (ولله بيان للموقر) بزنة اسم الفاعل كما تقول سقيا له فهو خبر مبتدأ محذوف أو متعلق بمحذوف يفسره المذكور فالتقدير إرادتي دلّه أو الوقار لله وقوله: ولو تأخر لكان صلة للوتار فلما تقدم امتنع كونه صلة له بناء على امتناع تقدم معمول المصدر عليه ولو ظرفا وإن كان فيه خلاف للنحاة لأنه ارتكاب لأمر مرجوح وترك الراجح بجعله متعلقاً بمقدر من غير اختلاف مع ما فيه من التفسير بعد الإيهام، وهو أبلغ كما أنه إذا تأخر كان جعله صلة أولى من جعله مستقرا على أنه صفة لما فيه من تقليل التقدير فاندفع ما قيل: إنّ الظرف يجوز تقديمه لتوسعهم فيه مع أنه لا يلزم من تأويل شيء بشيء أن يعطي حكمه، وأيضا إذا تأخر يجوز أن يكون صفة لا صلة فإذا تقدم صار حالاً ولما جعله الزمخشريّ صلة لو تأخر اعترض عليه المعرب بأنه يكون التوقير منهم لله وهو عكس مقصوده، ورد بأنه إذا قيل ضرب لزيد يجوز أن تكون اللام داخلة على الفاعل أو المفعول والتعيين للقرينة وفيه نظر، ثم اعلم أنّ الوقار إذا وصف به الله فهو بمعنى التعظيم أو العظمة وأما المقترن بالحلم فإنه يفهم منه لغة السكون وطمأنينة الأعضاء والأناة والتؤدة ونحوه فلا يطلق عليه تعالى إلا بتوقيف، ونقل وما هنا بمعنى التعظيم أو العظمة كما صرح به صاحب الانتصاف في سورة الحج وهو مخالف للزمخشريّ، والراغب وغيره فإنهم جوّزوا إطلاقه عليه تعالى بمعنى الحلم أو العظمة لأنّ الوقور معظم في نفس الأمر أو في النفوس، وقد أطلقه عليه الزمخشريّ في الحج فاحفظه. قوله: (أو لا تعتقدون له عظمة الخ (فالوقار بمعنى العظمة لأنه ورد في صفاته تعالى بهذا المعنى ابتداء كما ذهب إليه في الانتصاف أو لأنه بمعنى التؤدة لكنها غير مناسبة له تعالى فأطلقت عليه باعتبار غايتها وما يتسبب عليها من العظمة في نفس الأمر أو في نفوس الناس كما عرفته، وقوله: وأنما عبر عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 الاعتقاد الخ يعني أنّ الرجاء للشيء تابع للظن فإنه لو لم يظن لم يرج فالمقصود بنفيه هنا نفي لازمه، وهو الظن فإذا نفي على طريق الإنكار لزم نفي الاعتقاد بطريق أبلغ وأولى، ويجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف أي ما لكم لا تخافون عظمة الله، وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ورد كثيرا في كلامهم بهذا المعنى كقوله: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها كما مرّ وهو أظهر. قوله: (حال) من فاعل لا ترجون وقوله: مقرّرة للإنكار المستفاد من الاستفهام هنا فإنّ المنعم الخالق حقيق بالرجاء فقوله: من حيث الخ أي لأنّ هذه موجبة له فهو للتعليل لأن قيد الحيثية يراد به التعليل والتقييد والإطلاق في كلام المصنفين وقوله: أي تارات ليست التارات هنا بمعنى المراتب كما توهم بل حالات خلق عليها كما في قول ابن عباس وقد قيل إنّ العزل وأد لا يكون وأدا حتى تأتي عليه التارات السبع فهذه العبارة مأثورة هنا، وقوله: مركبات تغذي هي المأكولات والأخلاط هي البلغم والسوداء والدم والصفراء، وقوله: إذ خلقهم ليس بمعنى فدرهم بل بتقدير مضاف أي خلق ماذتهم أو هو مجاز بجعل خلق أصلهم خلقاً لهم تنزيلا لما هو بالقوّة منزلة ما بالفعل، وقوله: فيعظمهم أي فيعطيهم درجات بيان لمعنى ترجون وقاراً فيه لارتباطه به. قوله: (ثم أتبع ذلك) أي ما ذكر من آيات الأنفس الدالة على كمال صفاته وصفات كماله وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى وأتى بثم للدلالة على تفاوتهما، وبعد أحدهما عن الآخر رتبة، ولذا لم يعطف وقطع فكأنه قيل ذكر آيات الأنفس ثم أتبعها آيات الآفاق، وقوله: وهو أي القمر في الدنيا أي في السماء الدنيا وهي السابعة المواجهة للأرض فجعل فيهن وهو في إحداهن كما يقال زبد في مصر وهو في بقعة منها والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية وكونها طباقا. قوله: (مثلها به) إشارة إلى أنها تشبيه بليغ، وقوله: لأنها الخ بيان لوجه الشبه فإن كلا منهما يزيل ظلمة الليل وإن كان أحدهما بإنارته والآخر بمحو آيته، وقوله: عما حوله إشارة إلى أنه في المشبه أقوى ولكن لكون السراج أعرف وأقرب جعل مشبهاً به. قوله: (أنشثيم منها) يعني أن الإنبات يراد به الخلق ومن ابتدائية وهي داخلة على المبدأ البعيد كما بينه أوّلا، وقوله: فاستعير إشارة إلى أنه استعارة تبعية، وقوله: أدل على الحدوث لأنه محسوس وقد تكرر إحساسه فكان أظهر في الدلالة على الحدوث والتكوّن من الأرض لأنه بغير واسطة وهم، وإن لم ينكروا الحدوث جعلوا بإنكار البعث كمن أنكر.. قوله: (فاختصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية الأن النبات يدل على الإنبات ونبتم التزاما فضاهى قوله: فانفجرت، وهو من بديع البلاغة حيث بني على غير فعله للتنبيه على تحتم القدرة وسرعة نفاذ حكمها حتى كان إنبات الله نفس النبات فقرن أحدهما بالآخر للدلالة على ما ذكر مع الإيجاز اللطيف فالدلالة الالتزامية هي دلالة نباتاً على إنباتا ونبتم للزوم الإنبات وكونهم نبتوا له عقلاً وصناعة ولا يضره دلالة أنبتكم على الإنبات تضمنا فإنه لا يأباه بل يقوي الدلالة عليه، ولو جعل من الاحتباك كان له وجه لكن ما ذكره المصنف أبلغ. قوله تعالى: ( {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ} الخ) عطفه بثم لما بين الإنشاء والإعادة من الزمان المتراخي الواقع فيه التكليف الذي به استحقوا الجزاء بعد الإعادة، وعطف يخرجكم بالواو دون، ثم مع أنه كذلك لأن أحوال البرزخ والآخرة في حكم شيء واحد فكأنه قضية واحدة ولا يجوز أن يكون بعضها محقق الوقوع دون بعض بل لا بد أن تقع الجملة لا محالة، وإن تاخرت عن الإبداء كما أشار إليه المصنف. قوله: (تتقلبون عليها) إشارة إلى وجه التشبيه بالبساط وهو الكون عليه والتقلب فوقه وانه ليس فيه دلالة على أنّ الأرض مبسوطة غير كرية كما قيل لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحا واثبات الكرية ونفيها ليس بأمر لازم في الشريعة. قوله: (واسعة) إشارة إلى أنّ الفج صفة مشبهة فهو نعت لسبلاً فإن كان اسما للطريق الواسعة فهو بدل أو عطف بيان، ولم يقل واسعات لأن المفرد المؤنث يوصف به الجمع فلا حاجة لتكلف نكتة له، وقوله: لتضمن الفعل يعني لتسلكوا وهو يتعدى بفي لتضمنه معنى الاتخاذ وهو ظاهر. قوله: (اتبعوا رؤساءهم الخ) يعني أن زيادة المال والولد كناية عن الرآسة الدنيوية، ولذا وقع صلة لجعله سمة عرفوا بها، وقوله: بحيث صار ذلك أي النظر أو ما ذكر من الأموال والأولاد، وقوله: وقرأ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 الخ هو في رواية وليس فيما ذكر مخالفة لعادته في جعل إحدى القراءتين أصلا، وقوله: أو جمع قال في القاموس هو بالضم والكسر واحد وجمع. قوله: (عطف على لم يزده الخ) اختاره لأنه أنسب لدلالته على أنّ المتبوعين ضموا إلى الضلال الإضلال وهو الأوفق بالسياق فان المتبادران ما بعده، وهو قالوا الخ من صفة الرؤساء أيضا وأمّا عطفه على عصوني على أن المعنى مكر بعضهم بعضاً، وقال بعضهم لبعض: فهو خلاف المتبادر، وقوله: أبلغ فن كبار أي المخفف، وقوله: وذلك الإشارة إلى مكرهم وتحريش بالحاء المهملة والشين المعجمة بمعنى الإغراء والتحريض، وقوله: احتيالهم في الدين أي في أمور الدين أو في إبطال الدين. قوله: (لا تذرنّ هؤلاء خصوصاً) يعني خصت هذه الأصنام بعد قوله: آلهتكم مطلقا اعتناء بشأنها لأنها كانت أعظم أصنامهم، وقوله: صوروا بالمجهول أي نقلت صورهم ورسمت وكلب اسم قبيلة، وكذا ما بعده وهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن وأما اسم البلدة فهو بفتح الميم كما في شرح المقامات ومذحج كمسجد بتقديم الحاء على الجيم وبالذال المعجمة هي في الأصل اسم أكمة باليمن، ولدت عندها امرأة فسميت باسمها، ثم سميت بها قبيلة باليمن من نسلها ويجوز فيها الصرف، وعدمه وحمير بكسر فسكون أهل اليمن وأفرد يعوق ونسر عن النفي لكثرة تكرار لا وعدم اللبس، وقوله: انتقلت إلى العرب أي انتقل مضاهيها اسما وصورة لاهى بعينها كما قيل فإنه يبعد بقاؤها بعد الطوفان، وفي أصحابها اختلاف فقيل في قوله: لهمدان إنه لهذيل وفي قوله: لمذحج قيل لمراد، وقوله: مراد كغراب أبو قبيلة سمي به لتمرده فالميم أصلية، وقيل: أصله من الإرادة وقيل: إنه لهمدان وقيل لحمير، وقيل: لذي الكلاع من حمير. توله: (للتناسب) فإنه من المحسنات، وهو نوع من المشاكلة، وهذا أحسن من القول بأنه جاء على لغة من يصرف غير المنصرف مطلقا فانها لغة غير فصيحة لا ينبغي التخريج عليها، وقوله: للعلمية والعجمة أو وزن الفعل وهو المناسب لصرف سواع وقوله: أو للأصنام أخره لأنّ مقتضاه أن يقال أضللن فضمير العقلاء لتنزيلها منزلة العقلاء عندهم وعلى زعمهم. قوله: (عطف على رب إنهم عصوني الخ) وفيه عطف الإنشاء على الخبر، ولذا قيل: إن الواو من الحكاية لا من المحكي وأما جعله معطوفا على مقدر أي فأخذلهم، ولا تزد الخ على أنّ الواو من المحكي فأمر آخر والظاهر إنّ قوله: {رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} [سورة نوح، الآية: 21] الخ ليس المقصود به إخبار علام الغيوب بل الشكاية والإعلام بعجز. ويأسه منهم فهو طلب للنصرة عليهم كما في قوله. {رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [سورة المؤمنون، الآية: 26] ولو لم يقصد هذا تكرر مع ما مز فحينئذ يكون كناية عن قوله: أخذلهم وانصرني وأظهر دينك ونحوه فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء وما مرّ كله تكلف ويشهد له أنّ الله سمي مثله دعاء حيث قال: فدعا ربه إن هؤلاء قوم مجرمون فتدبر. قوله: (ولعل المطلوب الخ (أوّله بما ذكر لأن طلب الضلال وزيادته ونحوه إما غير جائز مطلقا أو غير جائز إذ ادعى به على طريق الرضا والاستحسان، وبدونه وإن كان جائزاً كقول موسى عليه الصلاة والسلام واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا لكنه غير ممدوج ولا مرضي والقول بأنه بعدما أوحى إليه إنه لن يؤمر من قومك إلا من قد آمن فلما تحقق موتهم على الكفر دعا عليهم بزيادته لأنّ مآله الدعاء بزيادة عذابهم دعوى بلا دليل لعدم القرينة عليه، ومعنى الضلال في ترويج مكرهم أنهم لا يهتدون لطريقه ولا لطريق السداد في أمور دنياهم فيكون دعاء عليهم بعدم تيسير أمورهم وهو وجه وجيه فإن كان الضلال بمعنى الهلاك فالمعنى أهلكهم، وهو أظهر وهو مأخوذ من الضلال في الطريق لأنّ من ضل فيها هلك فلا يرد أن الدعاء بالضلال لا يليق بالنبيّ المبعوث للهداية. قوله: (من أجل خطيآتهم الخ (يعني أن من تعليلية وما زائدة لتعظيم الخطايا في كونها من كبائر ما ينهي عنه، وقوله: والتعقيب يعني إن أريد عذاب الآخرة فلعدم الاعتداد بما بينهما جعل تعقيبا استعارة بتشبيه تخلل ما لا يعتد به بعدم تخلل شيء أصلا، وليس هذا معنى قولهم: تعقيب كل شيء بحسبه كما توهم، وقوله: أو لأن المسبب الخ فاستعيرت فاء التعقيب للسببية لأنه من شأنه أن يعقبه ما لم يحل حائل كما ذكره، وقوله: للتعظيم وعلى ما بعده للتنويع. قوله: (تعريض لهم الخ) أي فهو تهكم بهم، ولذا قيل: أنصاراً دون ناصراً وقوله: أحداً تفسير للمراد منه وهو للعموم ويختص بالنفي كألفاظ أخر عدها ال! نحاة لم ترد في الإثبات، وقوله: من الدر أو الدور يعني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 الملاحظ في معناه هذا أو هذا، فعلى الأوّل معناه لا تدع فيها من يسكن داراً، وعلى الثاني من يدور ويتحرّك على الأرض، ومن لم يفهم المراد منه، قال الدار أيضا مشتقة من الدور، فإنه اسم لما أدير عليه حائط من الأرض، وما فعل بسيد قلب الواو ياء لاجتماعها مع ياء ساكنة، كما هو معروف في التصريف. قوله: (لأفعال وإلا لكان دوارا) إذ لا داعي للقلب حينئذ، وكذا وزن تدير تفيعل لا تفعل، ولما ذكره في المفصل خطئ فيه، وفيه كلام مفصل في شروحه، وقول نوح لا تذر على الأرض الخ، لا يردانه يقتضي عموم بعثته لأهل الأرض، وقد ثبت في الأحاديث أنّ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس كعموم بعثة محمد-ش! ر، بل لانحصار أهل الأرض إذ ذاك في قومه كانحصار دعوة آدم عليه الصلاة والسلام لأولاده، فهو ضروري وليس عموما من كل وجه، وفيه كلام مفصل في شرح البخاري. قوله: (إلا فاجراً كفارا) من جبل على الكفر، أو هو من مجاز الأول وقوله: لما جرّبهم الخ، وقيل علمه بوحي كقوله: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [سورة هود، الآية: 36] وقوله: لمك بفتح اللام والميم، وفي جامع الأصول والإتقان إنه ساكن الميم، وفيه لغة أخرى لامك كهاجر، ومتوشلخ بضم الميم وفتح التاء الفوقية وفتح الواو وسكون الشين المعجمة وكسر اللام وبالخاء المعجمة كما في جامع الأصول، وفي الإتقان إنه بفتح الميم وتشديد التاء المضمومة وسكون الواو وفتح الشين واللام، وقوله: شمخا الخ هي أمه وهي بالشين والخاء المعجمتين بوزن سكري، وأنوس بالإعجام بوزن فعول، وقيل: إنه استغفر ربه لما دعا عليهم لأنه انتقام منهم، ولا يخفى أنّ السياق يأباه، وقوله: كأنا مؤمنين أي أبواه، ولولا ذلك لم يجز الدعاء لهما بالمغفرة، وقوله: وعن النبي الخ، هو حديث موضوع تمت السورة رب اغفر لي ببركتها ولمن دخل بيتي من المؤمنين والمؤمنات، وآدم نوامي صلواتك وسلامك على محمد وآله وصحبه في البكر والعشيات. سورة الجن وتسمى قل أوحي إليئ ولا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وقرئ احي الخ) يقال: وحي وأوحى بمعنى، وقلب الواو المضمومة أو المضموم ما قبلها همزة مقيس مطرد، وقد يرد في المكسورة كوشاح وأشاج، والمفتوحة كوحد واحد، وقوله: فاعله يعني نائب فاعله لأنه يسمى فاعلاً أيضا. قوله: (والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة (هذا هو المشهور، وهو باعتبار الأغلب فإنه يطلق على ما فوق العشرة في الكلام الفصيح، وذكره صاحب القاموس وغيره من أهل اللغة، وفي كلام الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا، ولا يختص بالرجال بل ولا بالناس لإطلاقه على الجن هنا، وفي المجمل الرهط والنفر يستعمل إلى الأربعين وقد أشبعنا الكلام فيه في شرح الدرة، فما قيل من أن قوله في السراجية أصحاب هذه السهام اثنا عشر نفراً تجوّزا وسهو من قلة التتبع وقصور النظر. قوله: (والجن أجسام الخ (واحد الجن جني كروم ورومي، وقوله: خفية أي قابلة للخفاء، وهر من شأنها إلا أنها لا ترى أصلا حتى يخالف مذهب أهل الحق، ومرض القولين الأخيرين لضعفهما ومخالفتهما لأقوال السلف، وظاهر الآيات والأحاديث، وقوله النارية لقوله تعالى: {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [سورة الرحمن، الآية: 15] . قوله: (وفيه (أي فيما ذكر هنا دلالة على أنه-لمجي! ما رآهم، ووجه الدلالة على عدم رؤية هؤلاء المذكورين هنا ظاهر للتصريح بأنه علم استماعهم له بالوحي لا بالمشاهدة، وقد وقع في الأحاديث إنه رآهم، وجمع بين ذلك بتعدد القصة، قال في آكام المرجان ما محصله في الصحيحين في حديث ابن عباس ما قرأ رسول الله-شح! على الجن ولا رآهم، وإنما انطلق بطائفة من الصحابة لسوق عكاظ، وقد حيل بين الجن والسماء بالشهب، فقالوا: ما ذاك إلا لشيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ من ذهب لتهامة، منهم به صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الفجر فلما استمعوا له، قالوا: هذا الذي حال بيننا وبين السماء، ورجعوا إلى قومهم، وقالوا: {يَا قَوْمَنَا} (1! الخ، فأنزل الله عليه: {قُلْ أُوحِيَ} الخ، ثم قال: ونفى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 ابن عباس إنما هو في هذه القصة واستماعهم تلاوته في الفجر في هذه القصة لا مطلقاً، ويدلق عليه قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ} [سورة الأحقاف، الآية: 29] الخ، فإنها تدل على أنه كلمهم ودعاهم، وجعلهم رسلاَ لمن عداهم، كما قاله البيهقي وروى أبو داود عن علقمة عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " أتاتي داعي الجن فذهبت معه وقرأت عليها القرآن قال: وانطلق بثا وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم " الخ وقد دلت الأحاديث على أنّ وفادة الجن كانت ست مرات، وقال ابن تيمية أنّ ابن عباس علم ما دل عليه القرآن، ولم يعلم ما علمه ابن مسعود وأبو هريرة من إتيان الجن له، ومكالمتهم له، وقصة الجن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقال الواقدي كانت سنة إحدى عشرة من النبوّة، وابن عباس ناهز الحلم في حجة الوداع فقد علمت أنّ قصة الجن وقعت ست مرّات، وفي شرح البيهقي من طرق شتى عن ابن مسعود أنّ النبئ صلى الله عليه وسلم صلى العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى أتينا مكان كذا فأجلست! وخط علئ خطاً ثيم قال: " لا تبرح عن خطك " فبينما أنا جالس إذ أتاتي رجال منهم كأنهم الزط فذكر حديثاً طويلا وإنه صلى الله عليه وسلم ما جاءه إلى السحر قال وجعلت أسمع الآصوات ثم جاء فقلت: أين كنت يا رسول الله فقال: " أرسلت إلى الجن " فقلت: ما هذه الآصوات التي سمعت قال: " هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا علئ " وفي الكشاف أنّ هؤلاء الجن من قبيلة هي أكثرهم وتسمى الشيصبان. قوله: (كتابا) فسره به للإشارة إلى أن ما ذكروه وصف له كله دون المقروء منه فقط، والمراد أنه من الكتب السماوية، وقوله: وهو مصدر يعني عجباً، وقوله: على ما نطق به الدلائل أراد المذكورة في هذا القرآن، أو مطلق الأدلة، وقوله: على التوحيد متعلق بالدلائل. قوله تعالى: ( {وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} الم يعطف بالفاء لأنّ نفيهم هنا للإشراك، أمّا لما قام عندهم من الدليل العقلي كما هو ظاهر إطلاق المصنف لا السمعي، فحينئذ لا يترتب على الإيمان بالقرآن، فإن قلنا هو سمعي مأخوذ مما تلي عليهم كما يدلّ عليه قول المصنف، كأنهم سمعوا من القرآن ما ينبههم على خطأ ما اعتقدوه في الشرك، فيكفي في ترتبهما عليه عطف الأوّل بالفاء خصوصاً والباء في قوله، به تحتمل السببية فيعم الإيمان به، الإيمان بما فيه، فإنك إذا قلت ضربتة فتأدب وانقاد لي فهم ترتب الانقياد على الضرب، ولو قلت فانقاد لم يترتب على الأوّل، بل على ما قبله، فما قيل من أنه عطف بالواو لتفويض الترتب إلى ذهن السامع، وقد يقال إنّ مجموع قوله: فآمنا به ولن نشرك مسبب عن مجموع قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا} الخ، فكونه قراناً معجزاً يوجب الإيمان به، وكونه يهدي إلى الرشد يوجب قلع الشرك من أصله، وفي تقرير المصنف إيماء إليه لا يخلو من الخلل فتدبر. قوله: (قرأه ابن كثير والبصريان بالكسر الخ) قيل: كلامه هنا في تفصيل القراآت لا يخلو عن خبط، وتحريره ما في النثر وهو أنهم اختلفوا في، وأنه تعالى وما بعده إلى قوله: وانا منا المسلمون، وتلك اثنتا عشرة همزة فقرأها ابن عامر وحمزة والكسائيّ وخلف وحفص بفتح الهمزة فيهن، ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة، وأنه تعالى، وأنه كان يقول وانه كان رجال، وقرأ الباقون بكسرها في الجميع، واتفقوا على فتح أنه استمع، وأنّ المساجد لله، لأنه لا يصح أن يكون من قولهم، بل هو مما أوحي بخلاف الباقي فإنه يصح أن يكون من قولهم ومما أوحى، واختلفوا في وأنه لما قام فقرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة والباقون بفتحها انتهى، وتلخيصه إن أن المشدّدة في هذه السورة على أقسام، فقسم ليس معه واو العطف، ولا خلاف بين القراء في فتحه أو كسره حسبحا اقتضته العربية، فلا خلاف في فتح أوحى إليّ أنه استمع، لأنه مصدر نابط عن الفاعل، وقوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا} لا خلاف في كسره، لأنه محكي بالقول، وقسم مع الواو وهو أربع عشرة، إحداها لا خلاف في فتحه، وهو وأنّ المساجد، والثانية وانه لما قام كسرها ابن عامر وأبو بكر، وفتحها الباقون، والاثنتا عشرة، وهي وأنه تعالى جد الخ وإنه كان يقول، وانا ظننا، وانه كان رجال، وانهم ظنوا، وانا لمسنا السماء، وانا كنا، وانا لا نا- ري، وأنا منا الصالحون وأنا 0 ظننا وأنا لما سمعنا وأنا منا المسلمون وهي مقروءة بالو- كين والكلام في توجيهها كما ستسمعه. قوله: (من جملة الموحى به) فيعطف على أنه استمع، وقوله: إلا في قوله: إنه لما قام فكسراه، وقوله: على أن ما كان من قولهم الخ، احترز به عن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، لأنه لا يجوز في فصيح الكلام، ولو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 قيل إنه بتقدير الجارّ، لاطراد حذفه قبل أنّ، وأن لكان سديداً كما في الكشف. قوله: (كأنه قيل صدقناه وصدقنا إنه تعالى جدّ ربنا (قد اختلف في توجيه الفتح على القراءة به، فقال أبو حاتم: هو معطوف على نائب فاعل أوحى، فهي كلها في محل رفع، وردّه المعربون بأن أكثره لا بصح بحسب المعنى عطفه على ما ذكر، كقوله: إنا لمسنا السماء، وانا كنا، وانا لا ندري، وأخوات له، فإنه لا يستقيم معناه، فلذا ذهب اكثر إلى أنه معطوف على محل به في آمنا به، كأنه قيل: صدقناه، وصدقنا إنه الخ، إلا أن مكيا ضعفه، وقال فيه بعد في المعنى لأنهم لم يخبروا إنهم آمنوا بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به، ولم يخبروا إنهم آمنوا بأنه كان رجال، إنما حكى الله عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين عن أنفسهم لأصحابهم، فالكسر أولى بذلك، ورد بأنه سبق الزمخشريّ إلى هذا الفراء والزجاج، وقد رأوا ما يرد عليه فدفعوه بأن الإيمان والتصديق يحسن في بعض ما قبح فيمضي في البواقي، ويحمل على المعنى على حد قوله: وزججن الحواجب والعيونا فيخرج على ما خرج عليه أمثاله، فيؤوّل صدقنا بما يشمل الجميع، أو يقدر مع كل ما يناسبه، وأوّله بصدقنا لأن آمن يتعدى بالحرف، فلو عطف على معموله لزم العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، فلذا عطفه على محله المنصوب، وقد مرّ له توجيه آخر كما عرفته، وفيه إشارة إلى دفع ما يقال: من أنّ شرط العطف على المحل أن يصح إظهاره في الفصيح فإنه يكفي إظهاره ولو مع مرادفه كما ذكر. قوله: (أي عظمتة) فالمعنى عظمت عظمته، كقوله: جد جده، وفيه من المبالغة ما لا يخفى، وقوله: مستعار الخ، راجع إلى الوجوه كلها، والبخت معروف وهو غير عربي فصيح، وقوله: بيان لذلك أي لقوله تعالى جذ، فهو مفسر له، ولذا لم يعطف عليه، وقوله: صدق ربوبيته، قيل ظاهره أنه مضاف على قراءة الكسر، والذي ذكره المعرب أنه منون على هذه القراءة وكانه مراده، واكتفى بقوله: قبله جداً بالتمييز عن التصريح به ولا بعد فيه، وفسره بالصدق وهو في الأصل ضد الهزل. قوله:) كأئهم سمعوا الخ (لأن تفريع الإيمان ونفي الشريك والصاحبة والولد عليه يدل على ما ذكر، وقوله: مردة الجن جمع ما رد ككاتب وكتبة، وعلى هذا فالمعنى سفهاؤنا والإضافة للجنس، وقوله: ذا شطط الخ، يعني أنه مصدر بمعنى البعد، والمراد به مجاوزة الحذ صفة لقول مقدر، فهو بتقدير مضاف، أو جعله عين الشطط مبالغة فيه، وقوله: ما أشط فيه أي أبعد وتجاوز الحد بيان للمبالغة فيه. قوله: (اعتذار الخ) بظنهم متعلق بالاعتذار لأنه المعتذر به، وقوله: نصب على المصدر كقعدت القرفصاء، أو هو وصف لأنه يكون وصفا كما يكون مصدراً، ويوصف به القول كما يوصف به القائل، فيقال: رجل كاذب، وقول كاذب، و! وبمعنى مكذوب فيه لأنه لا يتصوّر صدور الكذب منه، وإن اشتهر توصيفه به، فلا يقال: إن ما ذكره المصنف تطويل للمسافة، ولو جعله من الوصف بالمصدر مبالغة، على أن المبالغة في النفي لا في المنفي لأنه غير مقصود صح. قوله: (ومن قرأ أن لن تقوّل) وهو الحسن وغيره، وأصله تتقوّل بتاءين فحذفت إحداهما، وقوله: جعله مصدراً من غير لفظه كقعدت جلوسا لا وصفاً للقول، وقوله: بقفر أي أرض خالية، وهم يعتقدون إنها مقرّ الجن ورؤساؤهم تحميهم منهم، وقوله: فزادوا الضمير المرفوع للإنس المستعيذين برؤساء الجن، على هذا بخلافه في الوجه الثاني، الآتي كما سيأتي. قوله: (أو فزاد الجن الإن! غياً) فالفاعل الأوّل للتعقيب، وعلى الثاني قيل إنها للترتيب الإخباري، وذهب الفراء إلى ما بعد الفاء قد يتقدم إذا دلّ عليه الدليل، كقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا} [سورة الأعراف، الآية: 4] وجمهور النحاة على خلافه، وأن ما يخالف المشهور مؤوّل، وليس الترتيب الذكري مخصوصا بعطف المفصل على المجمل كما توهم، وقيل هنا مقدر على الثاني، أي فاتبعوهم فزادوهم الخ. قوله: (والرهق في الأصل غشيان الشيء) كما في قوله: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [سورة عبس، الآية: 41] فإنّ المعنى يعرض لها ويغشاها، فحص بما يعرض من الكبر والضلال والعتو ونحوه، ولذا فسره الزمخشري بغشيان المحارم، فلا مخالفة فيه لما ذكر. قوله: (والآيتان) يعني وأنه كان رجال، وإنهم ظنوا من كلام الجن، والخطاب لهم، وإذا كان استئنافاً فالخطاب للإنس، وكذا فيما بعده، والبعث في الآية بعث الرسل، وهو الظاهر، ويحتمل بعث الموتى، وقوله: جعلهما من الموحى به، لم يرتضه في الكشف، لأنّ قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 وانا لمسنا السماء من كلام الجن، أو مما صدقوه على القراءتين، لا من الموحى إليه فتخلل ما تخلل بينهما، وليس اعتراضاً غير جائز، إلا أن يؤول بما يجري مجرا. لكونه يؤكد ما حدث عنهم من تماديهم في الكفر، ولا يخفى ما فيه من التكلف. قوله: (ساد مسد مفعولي ظنوا) وإن مخففة من الثقيلة، ويجوز تقدير المفعول الثاني محذوفا، واعمل الثاني دمان خالف المختار، لأن ظنوا هو المقصود هنا، فجعل المعمول له أحسن، وأما كما ظننتم فمذكور بالتبعية، ومن لم يتنبه له قال إنه على خلاف المختار. قوله:) واللمس مستعار من المس للطلب (ظاهر كلامه ترادف اللمس: المس وقد مرّ تفصيله في الأنعام، وللطلب متعلق بمستعار، والظاهر أنّ الاستعارة هنا لغوية، لأنه مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه، وجعل حرسا اسم جمع كرصد، لأنه على وزن يغلب في المفردات كبصر وبطر، ولذا نسب إليه فقيل: حرسي وذهب بعض النحاة إلى أنه جمع، والصحيح الأوّل ولذا وصفه بالمفرد، فقيل: حرسا شديدا، ولو روعي معناه جمع، إلا أن يكون نظر الظاهر وزن فعيل، فإنه قد يستوي فيه الواحد وغيره، وملئت حال إن كان وجد بمعنى صادف، ومفعول ثان إن كان من أفعال القلوب، وقوله: المتولد من النار بناء على أنه غير كوكب على ما قرره الحكماء، وفد مر تفصيله. قوله: (وإنا كنا نقعد الخ) قيل: إنّ الرجم حدث بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم، وانه إحدى آياته، والصحيح أنه كان قبله كما ورد في الأحاديث، وقد وقع ذكره في أشعار الجاهلية، لكنه كثر بعد البعث وزاد زيادة ظاهرة للإنس والجن، ومنع الاستراق رأسا، وعن معمر قلت للزهري أكان يرمي بالنجوم في الجاهلية، قال: نعم، قلت: أرأيت قوله: وانا كنا نقعد، فقال: غلظت وشدد أمرها بعد البعثة، وفي قوله: ملئت، دليل على أنّ الحادث الكثرة، وكذا قوله: مقاعد كما فصله الزمخشريّ، وقوله: وللسمع الخ، فيه لف ونشر للتفسيرين، ويصح جعل كل لكل. قوله تعالى: ( {فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ} ) في شرح التسهيل الآن معناه هنا القرب مجازاً فيصح مع الماضمي والمستقبل، وقوله: شهابا راصدا يعني أنه على الإفراط صفة لشهاباً، ويجوز كونه مفعولاً له، وقوله: ولأجله تفسير لقوله له، أو هو إشارة لذلك، وإذا كان مفرداً صفة لشهاب فهو ظاهر، وأما إذا كان كحرساً فوصف المفرد بالجمع مع اشتراط النحاة التطابق في الإفراد وغيره، لأنّ الشهاب لشدة منعه، واحراقه جعل كأنه شهب فوصف بالجمع، كما وصف المعي، وهو واحد الأمعاء بجياع في قوله: كأنّ قتودرحلي حين ضمت حوالب غرزا ومعي جياعا كما قال الزمخشري وغيره إنه جعل المعي لفرط جوعه بمنزلة أمعاء جائعة، فجمع النعت مع توحيد المنعوت، وهذا وإن كان بعيدا من جهة العربية فهو أقرب بحسب متانة المعنى من تقدير ذوي شهاب، كما قيل في الآية والبيت. قوله تعالى: ( {وَأَنَّا لَا نَدْرِي} الخ الا يخفى ما فيه من الأدب حيث لم يصرح بنسبة الشر إلى الله كما صرح به في الخير، وإن كان فاعل الكل هو الله، وقوله: في الانتصاف إنه من عقائد الجن الجامع بين الأدب وحسن الاعتقاد، مراده به التعريض بالزمخشريّ، والا فجعله من عقائد الجن لا وجه له كما لا يخفى. قوله: (المؤمنون) فسر الصالحين بالأتقياء الأبرار، ومن دونهم بالفسقة، وهو المراد بقوله: المقتصدون، وإن كان المقتصد المعتدل، وإن أمكن جعل دون بمعنى غير، وغير الصالحين شاملا للكفرة، لئلا يتكرر مع قوله: منا المسلمون ومنا القاسطون، وإن قيل إنّ التقسيم الثاني للناجي وغيره، وهذا للتقي وغير.، وهو مغاير له بالاعتبار، وحذف الموصوف بدون صفته، لأنه يطرد حذفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن تقدم عليه، والصفة ظرف أو جملة، كما صرّح به النحاة، وفسر الطرائق بالمدّاهب، كما يقال طريقته كذا لمعتقده، وما هو حاله ولم يجعله منصوباً على الظرفية بتقدير في لأنه اسم خاص لموضع يستطرق فيه، فلا يقال للبيت والمسجد طريق على الإطلاق، وأنما يقال جعلت المسجد طريقا فلا ينتصب مثله على الظرفية إلا في الضرورة عند سيبويه هذا، وقال بعض النحويين هو ظرف لأنّ كل موضع يستطرق طريق كما في شرح الكتاب. قوله: (وهم المقتصدون) الذي في النسخ هم بضمير الجمع، وفي بعضها هو على أنه ضمير الموصوف، ولا وجه له رواية ودراية، وما قدره قبل طرائق ليصح الحمل لأنه ليس محل المبالغة، وقوله: أو كانت طرائقنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 طرائق كونه من تلقي الركبان، والتأويل قبل الحاجة إليه لا يلتفت لمثله حتى يعد اعتراضا أو مانعاً، وقوله: من قد إذا قطع حتى كان كل طريق لامتيازها مقطوعة من غيرها، وقوله: علمنا تقدم الكلام عليه. قوله:) أن لن يعجز الله في الأرض) حمل المصنف رحمه الله تعالى الأرض هنا على العموم، لقوله أينما كنا، ولما وقع قوله ولن نعجز. هرباً في مقابلته لزم أن يكون الهرب إلى السماء ففيه ترق ومبالغة، كأنه قيل لا نعجزه في الأرض ولا في السماء، وأمّا في الثاني فلم ينظر فيه إلى عموم ولا خصوص، وجعل الفوت على قسمين أخذا من لفظ الهرب، كأنه قيل إنّ طلبنا لم نفتة، وإن هربنا لم نخلص منه، وذكر الأرض لتصوير أنها مع سعتها ليس فيها منجي منه ولا مهرب لشدّة قدرته وزيادة تمكنه منه كقوله: وانك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع وهذا أحسن مما قيل، إنّ فائدة ذكر الأرض تصوير تمكنهم عليها وغاية بعدها عن محل استوائه، فإنه غير مناسب للمقام، وهربا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى حال! معنى هاربين، وكذا قوله في الأرض أو تمييز، وفسر الهدى بالقرآن، لاقتضاء قوله: سمعنا له، ولأنه المناسب لسبب النزول. قوله: (فهو لا يخاف) قدر هو ليحسن دخول الفاء فيه، لا! جواب الشرط المنفي بلا يصح فيه دخول الفاء وتركها، كما صرح به في شرح التسهيل، وفي كلام الزمخشريّ، وابن مالك إشارة إليه فما قيل إنه لتصحيح دخول الفاء غير صحيح، وعلى قراءة الجزم لا ناهية، لا نافية لأنّ الجواب المقترن بالفاء لا يصح جزمه. قوله: (والأوّل) يعني الرفع، وتقدير المبتدا لأنه من قبيل هو عرف، وهو يفيد التقوى، ويدلّ على الاختصاص عند الزمخشريّ، وفي النهي أيضا دلالة لأنه علق الحكم بمن يؤمن، وتعليق الحكم بالمشتق وما هو في حكمه يفيد علية مأخذ الاشتقاق، وهي تستلزم ما ذكر، وفي نسخة المؤمنين وبهم، وفي أخرى المؤمن وبه بالإفراد وقوله: والأوّل أدل بأفعل التفضيل، لأنه خبر يدلّ على تحقق مضمونه. قوله: (نقصا في الجزاء ولا أن ترهقه ذلة) فسر الرهق بغشيان الذلة، وأصل معناه مطلق الغشيان لقوله تعالى: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [سورة يرنس، الآية: 27] والقرآن يفسر بعضه بعضاً، وقوله: أو جزاء نقص، أي ورهق ظلم ففيه اكتفاء، كسرابيل تقيكم الحرّ الخ بقرينة ما بعده من قوله: لأنه الخ، فاندفع ما قيل عليه من أنّ الصواب أن يقول: جزءا نقص! ولا رهق كما في الكشاف حتى لا يبقى التعليل بقوله: ولم يرهق بلا معلل، وهذا إمّا على إضمار الجزاء بأن يقدر فيه مضاف، أو هو بيان لحاصل المعنى، وأنّ ما ذكر في نفسه مخوف فإنه يصح أن يقال: خفت الذنب وخفت جزاءه، لأنّ ما يتولد منه المحذور في نفسه محذور، وفيه دلالة على أنّ المؤمن لاجتنابه البخس والرهق لا يخافهما، فإن عدم الخوف من المحذور إنما يكون لانتفاء المحذور، وقوله: لأنه لم يبخس إشارة إلى ذلك، ويجوز أن يكون من وضع السبب موضمع المسبب والأوّل أظهر، وأقرب مأخذا كما رجحه المدقق في الكشف فتدبر. قوله: (لأنّ من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب دّلك (وفي نسخة من حق الإيمان وهو إشارة لما مر. قوله: (فمن أسلم) من كلام الله أو الجن، وفي الكشاف زعم من لا يرى للجن ثواباً أنه تعالى أوعد قاسطهم، وما وعد مسلمهم وكفى به وعدا إن قال فأولئك تحروا رشداً، فذكر سبب الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط، ولا يثيب الراشد، فتحرى الرشد مجاز بعلاقة السببية عن الثواب، كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بفوله: (يبلغهم (الخ، والتوخي التحري، وهو القصد، وقوله: بكفار الإنس إشارة إلى أنهم في التكليف مثلهم، وتوله: إنّ الشأن إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن مقدر، والضمير لما ذكر وقوله: على الطريقة المثلى تأنيث الأمثل، بمعنى الأفضل يشير إلى أنها جعلت طريقة، وما عداها ليس بطريقة يفهم منه كونها مفضلة على ما سواها، أو هو إشارة إلى أق التعريف فيه للعهد، والمعهود طريقة الجن المفضلة على غيرها. قوله: (لوسعنا عليهم الرزق) على التجوّز بما ذكر عن الرزق الواسع، أو الاكتفاء به لأن غيره يعلم منه أولوية، وقوله: والسعة عطف على المعاش ناظر إلى كثرة الماء، كانه قال: لأنّ أصل الماء أصل المعاس، وكثرته أصل السعة، فلا وجه لما قيل من انّ السعة عطف تفسير للمعاش، والا فأصل المعاش هو اصل الماء لا كثرته، وغدقا بفتح الدال وتكسر وبه قرئ في الشواذ. قوله: (لنختبرهم كيف يشكرونه) فالفتنة في الماء الاختبار في شانه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 هل يشكر أم لا، وقوله: وقيل الخ، مرضه لأنه مخالف للظاهر من وجوه، ومن استعمال الاستقامة على الطريقة في الاستعمال على الكفر، وكون النعمة المذكورة استدراجا من غير قرينة عليه، وقال الطيبي إنّ التذييل بقوله: ومن يعرض الخ، يؤيد هذا وفيه نظر، وقيل: إن استعارة الاستقامة على الطريقة للكفر في غاية البعد، وقوله: لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم إشارة إلى أنّ الفتنة على هذا بمعنى العذاب لا بمعنى الاختبار كما في الوجه الأوّل، وقوله عن عبادته فالذكر مصدر مضاف لمفعوله فتجوز به عن العبادة، وإذا فسر بالموعظة فهو بمعنى التدّكير، وهو مضاف لفاعله، وكذا إذا كان بمعنى الوحي أيضاً. قوله: (يدخله (إشارة إلى أن سلك يتعدى إلى المفعول الثاني بفي، فعدى له بنفسه هنا لأنه ضمن معنى يدخله، كما في الكشاف، وقوله: شاقاً تفسير للمراد منه، وقوله: يعلو الخ، بيان لمعناه الحقيقي، وأن العلو تجوز به عن الغلبة، كما في قول عمر رضي الله عنه تصعدتني خطبة النكاح، أي غلبتني وشقت علي كما وضحه الزمخشري، وقوله: مصدر يعني صعدا هنا مصدر وصف به مبالغة، أو تأويلاَ كما عرف في أمثاله. قوله: (ومن جعل الخ) هو منقول عن الخليل بن أحمد، وقوله: علة للنهي في قوله: فلا تدعو، فتقديره لا تدعوا مع الله أحدا لأنّ المساجد له على أنّ المساجد بمعناها المعروف، وقوله: فلا تعبدوا فيها غيره تقدير فيها هنا لا بد منه ليرتبط الكلام بعضه ببعض، كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: ألغى فائدة الفاء أي لزمه أي يجعل الفاء لغوا لأنها للسببية ومعناها مستفاد من اللام المقدرة، وكونها للإشعار بمعناها، وأنها مقدرة، أو تأكيد لها، كما قيل: لا يخلو من شيء، وقد مر فيه كلام في البقرة، وأن الفاء هنا لا يصح فيها أن تكون عاطفة، فإن جعلت جزائية على أنّ فيه شرطا مقدراً أو متوهماً، كما سيأتي في قوله: وربك فكبر، لا يلزم اللغوية التي ادعاها المصنف رحمه الله تعالى، ولذا اعترض عليه بأنها معنى الشرط، والمعنى أن الله يحب أن يوحد ولا يشرك به، فإن لم يوحدوه في سائر المواضع فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد لأنها مختصمة به، فالإشراك فيها أقبح القباح، فتأمّل. قوله: (وقيل المراد بالمساجد الأرض الخ) إشارة إلى ما في الحديث الصحيح: " جعلت الآرض مسجدا وطهورا " قال القاضي عياض: إنه من خصائص هذه الأمّة لأنّ من قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع تيقنوا طهارته، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته، وقال القرطبي وهو المشهور في كتب الحديث إن هذا مما خص به نبينا صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبله إنما تباج لهم الصلاة في البغ والكنائس، وفيه أشكال مشهور، وهو أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام كان يكثر السياحة، وغير. من الأنبياء لجهم الصلاة والسلام، كافوا يسافرون فإذا لم تجز لهم الصلاة في غير الكنائ! ، لزم ترك الصلاة في كثير من الأوقات وهو بعيد، ولذا قيل المخصوص بهذه الأمة كونها مسجداً وطهوراً في التيمم واختصاص المجموع به لا يضر وقد يقال إنه مخصوص بالحضر فتدبر. قوله: (لأنه قبلة المساجد) توجيه لإطلاق الجمع عليه بأنه لكونه قبلة لها، يعني كل قبلة متوجهة نحوه: كإنما هو مغناطي! أنفسنا فحيثما كان دارت نحوه الصور جعل كأنه جميع المساجد مجازاً، وظاهره أنّ المراد به الكعبة نفسها لا الحرم كله، وان صح أيضا، وتوله: ومواضع السجود عطف على قوله: المسجد الحرام، أي قيل المراد به مواضمع السجود مطلقاً، فهو جمع مسجد بمعنى مكان السجود مطلقا، والواو فيه بمعنى أو وفي نسخة، أو بدلها وهي ظاهرة. قوله: (على أنّ المراد النهي الخ الو أخره لأنه صالح لها كلها كان أولى، والآراب بالمد جمع أرب وهو العضو، والسبعة القدمان والركبتان والكفان والوجه أي الجبهة والأنف، وقوله: تجمع مسجد أي بفتح الجيم وهو مصدر ميمي كما قيل وهو مبني على تعلقه بقوله، أو السجدات فقط، وليس كذلك بل هو متعلق به، وبما قبله من قوله: مواضع السجود أيضا، فإن المساجد على كلا الاحتمالين جمع مسجد بالفتح. قوله: (فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه) أي أنه على جعله من الموحى إليه فالقراءة بالفتح، إذ كان أصله، وإني لما قمت فهو تعبير عن نفسه، فلذا قال عبد الله تواضعاً منه، وعلى القراءة الأخرى هو للإشعار فقط، وقوله: والإشعار الخ، فإنّ المقتضي للقيام للعبادة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 هو العبودية وفي كلامه إيهام لتعلق يدعو لقيامه، على أنّ المعنى قيامه للعبادة. قوله: (كاد الجن الخ) الضمير يحتمل عوده للجن أو للإنس، أو للكل، فعلى قراءة الفتح، وجعله من الموحي الضمير للجن، أي أوحى إليه حالهم لما رأوه يصلي، وعلى الكسر فالضمير للمقتدين به من الأصحاب، وهو من مقول الجن، وقوله: متراكمين تفسير لقوله: لبداً، أي مجتمعين مزدحمين حوله. قوله: (أو كاد الإنس والجن) على أنّ الضمير عامّ للفريقين، واجتماعهم لإبطال أمره، ويدعو من الدعوة لا بمعنى العبادة على هذا، وهذا على قراءة الكسر، وكونها جملة مستأنفة إبتداء إخبار منه تعالى عن حال رسوله تمهيداً لما بعده، وتوكيداً لما قبله، مقابلاً لقوله: وإنّ المساجد دلّه، كأنهم لما نهوا عن الشرك ودعوا للتوحيد قابلوه بالعداوة والجد في نقض أمره، وقوله: لبدة بكسر اللام وسكون الموحدة، وتلبد بمعنى اجتمع، ولبدة الأسد الشعر المجتمع بين كتفيه، وقوله: وعن ابن عامر الخ، أي قرأها بضم اللام وفتح الباء، جمع كزبرة وزبر، وهي لغة في جمعه، وروي عن ابن عامر الكسر أيضا، وكلاهما صحيح كما في الن! ثر، وقوله: لبداً كسجد بالضم والتشديد، وقوله: لبد بضمتين، والقراآت فيه مبينة مفصلة في النشر. قوله: (يوجب تعجبكم) هذا على كون الضمير للجن، وقوله: أو إطباقكم على مقتي وبغضي، على أن الضمير للجن والإنس جميعا، وقوله: عاصم وحمزة هو رواية عن أبي عمرو أيضاً، وقوله: ولا نفعاً فسر الرشد بالنفع لوقوعه في مقابلة الضر، وكذا تأويل الضرّ بالغيّ لوقوعه في مقابلة الرشد، فلا بد من تاويل الأوّل أو الثاني. قوله: (عبر عن أحدهما الخ) يعني إمّا أن يراد بالرشد النفع تعبيرا باسم السبب عن المسبب، أو يراد بالضرّ الغي تعبيرا باسم المسبب عن السبب، ففيه لف ونشر مرتب، ووجه إشعاره بالمعنيين أنّ السبب يشعر بالمسبب كعكسه، ويجوز أن يجرد من كل منهما ما ذكر في الآخر، فيكون احتباكا، فالتقدير لا أملك لكم ضرا ولا نفعاً ولا غبار ولا رشداً، وقوله: منحرفا هو معناه الحقيقيّ، وملتجأ هو المجازي المراد، وقد جوّز فيه الراغب كونه اسم مكان ومصدرا. قوله: (استثناء من قوله: لا أملك الخ) يعني أنه استثناء من مفعوله، أعني ضراً ورشدا لأنه في معنى لا أملك شيئا كما في الكشف، وهو متصل، وظاهر قول المصنف رحمه الله تعالى، فإن التبليغ الخ، أنه مستثنى من رشد أوحده، والاستثناء من المعطوف دون المعطوف عليه جائز، والأوّل أولى ولفظ الإنفاع خطأ كما مرّ، لأنه لم يسمع له مزيد، وقوله: اعتراض الخ دفع للاعتراض بكثرة الفصل المبعدة له، والاستطاعة تؤخذ من توله: لا أملك لأنه بمعنى أقدر وأستطيع، وقوله: أو من ملتحداً فالاستثناء منقطع لأن البلاغ من الله، وقيل: إنه من التعليق بالمحال، كقوله: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56، وجوّز صاحب الكشف في الأوّل إن لم يؤوّل شيئاً أن يكون كقوله: ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم الخ. قوله: (ومعناه أن لا أبلغ الخ) وفي الكشاف معناه أن لا أبلغ بلاغا، كقولك: إلا قياماً فقعودا، وظاهره أنّ المصدر سد مسد الشرط كمعمول كان، والأكثر على أنّ حذف جملة الشرط مع بقاء الأداة جائز، وذهب أبو حيان وغيره إلى أنه لا يحذف إلا مع بقاء لا النافية، كقوله: وألا يعل مفرقك الحسام وان اختار في شرح التسهيل الجواز مطلقاً، واعترض بأنه كيف يقع الخلاف فيه، واشتراط بقاء لا مع ورود مثل قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [سورة التوبة، الآية: 6] والناس مجزيون بأعمالهم إنّ خيراً فخيرا، لا أن يراد حيث يكون الشرط منفياً بها، إلا أنه لا يحذف إلا حيث ينفي بها مطلقاً فيسهل الأمر حينئذ، وليس بشيء فالظاهر أن اطراد حذفه مشروط ببقاء لا، ما لم يسد مسد شيء من معمول أو مفسر، وهو مراد النحاة فلا يرد ما ذكره. قوله: (وما قبله دليل الجواب الا اعتراض كما قيل، وفي منافاته للاعتراض نظر، وقوله: عطف على بلاغاً لا ينبغي تقدير المضاف فيه، أي بلاغ رسالاته، فإنه يكون من عطف الشيء على نفسه إلا أن يوجه، بأن البلاغ من الله فيما أجد عنه بغير واسطة، والبلاغ ما هو بها وهو بعيد غاية البعد. قوله: (في الأمر بالتوحيد الخ (إن كان المراد بالرسول رسول البشر وهو الظاهر، فالمعنى في شأن الأمر بالتوحيد وأمثاله، وإن كان رسول الملائكة فالمراد أن لا يبلغ كما وصل إليه، وقوله: إذ الكلام الخ، يعني أنه مخصوص بقرينة المقام، فلا يصح استدلال المعتزلة به على تخليد العصاة في النار، وقوله: وقرئ فإنّ أي بفتح الهمزة، وقوله: على فجزاؤ. أن أي يجعل خبر مبتدأ مقدر تقديره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 جزاؤه وإن الخ، خبره وقوله: جمعه للمعنى أي لرعاية معنى من، ولو راعى لفظه قال: خالدا. قوله: (والغاية لقوله يكونون الخ (يعني إن فسر باً لتجمع للعداوة، فهو غاية له وعلى الوجه الآخر متعلق بمحذوف دلت الحال عليه، كأنه قيل: لا يزالون يستضعفونه، حتى إذا رأوه ما يوعدون تبين لهم المستضعف من هو، وأمّا جعله غاية لقوله: نار جهنم، فركيك جداً مع أنه يأباه ما بعده وما قبله، وأمّا استعباده بطول الفصل فليس بشيء كما توهمه أبو حيان، فإنه لا مانع من تخلل أمور غير أجنبية بين الغاية والمغيا، وقوله: ما أدري بيان لأنّ إن نافية هنا. قوله: (غاية تطول مدّتها الخ الما كان التقابل يقتضي أن يقال: أقريب أم بعيد، أو أله أجل وأمد أم لا، أوّله المصنف رحمه الله تعالى بالأمد البعيد بقرينة المقابلة، وإن كان الأمد وضعا شاملا لهما، ولذا وصف بقوله تعالى: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [سورة آل عمران، الآية: 30] وفي الكشاف المعنى ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل له غاية مضروبة، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أولى وأقرب. قوله:) هو عالم الغيب (يعني هو خبر ضمير محذوف، واضافته محضة لقصد الثبات فيه، فيفيد تعريف الطرفين فيه التخصيص لأنّ الكلام وقع تعليلاً لنفي الدراية، كأنه قيل: ما أدري قرب ذلك الموعد وبعده، إلا أن يطلعني الله عليه، لأن علم الغيب مختص به وقد يطلع عليه بعض خلقه. قوله: (على الغيب المخصوص به علمه الإفادة الإضافة الاختصاص واختصاصه به تعالى لأنه لا يعلمه بالذات والكنه علماً حقيقيا يقينيا بغير سبب، كاطلاع الغير إلا الله، وعلم غيره لبعضه ليس علما للغيب، إلا بحسب الظاهر، وبالنسبة لبعض البشر كما ذكره بعض المحققين فلا منافاة، لقوله: بعده لعلم بعضه، حتى يقال عليه إنه بعد ما حمل الغيب على الغيب المخصوص به علمه كيف يقول لعلم بعضه حتى يكون له معجزة، وتكلف بعضهم الجواب عنه، بأنّ المراد بالغيب المخصوص به ما لم ينصب عليه دليل، ولا يقدج في هذا الاختصاص كونه معلوما للغير بإعلامه تعالى إذ الاختصاص إضافيّ بالنسبة إلى من عدا المستثنى. قوله:) 1 لا من ارتضى (يصح في هذا الاستثناء الاتصال، وهو الظاهر، والانفصال بناء على التخصيص أو عدمه كما في بعض الحواشي. قوله: (واستدل به على إبطال الكرامات) فيه كلام من وجهين الأول إنه لا دلالة فيه إلا على إبطال كرامة علم الغيب لا غير، والقول بأنه لا قائل بالفصل لا يتمشى في أمثال هذه المطالب، وادعاء دلالة النص ليس بشيء، لأن الخارق للعادة ليس مساويا لإظهار الغيب بل أقوى منه، إذ الأوّل قد يعرف بحدس ونحو.، وفي شرح المقاصد ليس هذا بقادج في حكم المقام، لأن مدعي أهل السنة حقية كرامات الأولياء جميعها، وأدلة الخصم بعضها يدل على إبطال الجميع، وبعضها على إبطال البعض، وهو الإخبار بالغيب إذ به يحصل بطلان ما ادعيناه من حقية جميعها، فلا يرد عليه إنه لا دلالة فيه إلا على إبطال كرامة علم الغيب لا غير فتأمله. الثاني إن كلامه لا يخلو من أن يكون مبنياً على جوابين كما في التفسير الكبير، حيث قال: الغيب مخصوص بوقت وقوع القيامة بدلالة السياق، والرسول بالملك فإنه تعالى يطلع الملائكة عليه يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً، ويجاب أيضاً بتخصيص الإظهار بما يكون بغير واسطة، ويرد على الأول إنه كيف يصح هذا بعد قوله: ليكون معجزة، والمعجزة إنما هي لرسل البشر دون الملائكة، وأجيب بأنه غير مرضي له، وأنما قدّم لإيجازه وليفرغ منه إلى الأهم عنده كما هو دأب المصنفين، وقيل: كلاهما ليس بمرضي له، وأنما المرضي له ما أشار إليه في أثناء تفسير النظم من تخصيص الغيب، وحمل الرسول على المتعارف لدلالة السباق والسياق عليه، وأما هذا فالعهدة فيه على القوم، وأورد على الثاني أن الرسل لا يطلعون بغير واسطة، وقصة المعراح، وتكليم موسى عليه الصلاة والسلام يرده، أو جواباً واحداً كما ارتضاه البعض، وهو الظاهر من عطفه بالواو، وقيل: وهو مخالف لقوله: حتى يكون معجزة، ومقتضى لزوم الواسطة للإظهار للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو غير صحيح لقصة المعراج وغيرها، ولا يرد عليه أنه وارد على الجواب الأول عند القائل بالتعدد لأنه غير مرضي له، لا يقال: إذا خصص الغيب بالقيامة أو بغيرها مما يتعلق بذاته لا يرد المعراج ونحوه، لأنا نقول حينئذ لا يصح الاستدلال ولا يحتاج إلى الجواب، وهذا معنى ما قيل إنّ كلامه لا يخلو من الخلل والإخلال، ولبعض أهل العصر هنا كلام طويل بلا طائل. قوله: (وكرامات الأولياء الخ) يرد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 عليه إن الإمام الغزالي رحمه تعالى قال: الفرق بين الولي والنبيّ نزول الملك فإنّ الولي يلهم والنبيّ ينزل عليه الملك مع كونه يكون ملهماً فإنه جامع بين النبوّة والولاية، وتنبه له بعض أرباب الحواشي ففسر التلقي من الملك بالإلهام لأنه من نفث الملك بالروع وهو خلاف الظاهر ووده الشيخ الأكبر في الفتوحات، وقال: إنه غلط من قائله دال على عدم ذوقه والفرق بينهما إنما هو فيما ينزل به الملك لا في نزوله فإنه ينزل على الرسول والنبيّ بخلاف ما ينزل به على الولي التابع، وقد ينزل عليه بالبشرى والفوز والأمان في الحياة الدنيا كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [سورة فصلت، الآية: 30] إلى آخر ما فصله فأعرفه. قوله: (ليعلم المرتضي) فسره بما يشمل الوجهين وكذا ما بعده محتمل لهما خلافاً لمن قصر بعضها على بعض. قوله تعالى: ( {وَأَحَاطَ} ) قيل: هو معطوف على أبلغوا إن كان ضمير ليعلم للنبيّ الموحى إليه وأما إن كان الضمير لله فهو عطف على لا يظهر أي عالم الغيب فلا يظهر وأحاط بما عند الرسل وأحصى كل شيء عددا ويجوز هذا أيضاً على التقدير الأوّل وقيل: جملة أحاط حالية بتقدير قد وفيها دفع للتوهم الناشئ من الكلام السابق، وقوله: ليتعلق به علمه إشارة إلى أنّ علمه قديم، والمقترن بالزمان تعلقه بالمعلوم وإن تعليل هذا بالعلم الأزلي غير مراد بل هو معلل بتعلقه الحادث واظهاره ليتعلق به الجزاء كما في قوله: {نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ} كما مرّ تحقيقه وقوله: كما هي أي من غير تغيير وتبديل، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة. سورة المزمل صلى الله عليه وسلم هي مكية بجميعها، وقيل: إلا آيتين منها واصبر على ما يقولون وما يليها وقيل، وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ} إلى آخر السورة وآياتها فيها اختلاف كما ذكره المصنف وقيل: هي ثمان عشرة. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وقد قرئ به (هي قراءة لأبيئ على الأص! وهي شاذة وقوله: وبالمزمل أي بتخفيف الزاي على أنه اسم مفعول أو فاعل من زمل بزنة فعل والكسر قراءة عكرمة، وقوله: الذي زمله غيره هو بيان له على قراءة الفتح وقوله: أو زمل نفسه على قراءة الكسر لأن ذكر الفاعل دون المفعول يدل على أنه حذف مفعوله للعلم به أو نزل منزلة اللازم فلذا لم يبن للمفعول ففيه لف، ونشر مرتب وما قيل من أنه متجه على القراءتين لا وجه له وكذا ما قيل إنه متعبر في الثاني ضرورة فإن تلت: لا بد من أن يكون زمل نفسه أو زمله غيره فأحدهما متعين، والقرا آت كلها متواترة فكيف اجتمعا قلت: هو زمل نفسه من غير شبهة فإن نظر إلى أن كل أفعاله من الله فقدر زمله غيره فلا يرد هذا كما توهم حتى يقال: إنه زمل نفسه، أولاً ثم نام فزمله غيره أو يعكس ولو ترك مثله رأساً كان أحسن، وقوله: سمى به النبيّ-لمجي! أي أطلق عليه في القراآت كلها. قوله: (تهجينا لما كان عليه (التهجين التقبيح وقد تبع في هذه العبارة الزمخشريّ، وشنع عليه صاحب الانتصاف فيها، وقال: إنّ فيه سوء أدب وهو كما قال: واما اعتذاره عنه في الكشف بأنه من ليطف العتاب الممزوج بالرأفة وقد خوطب بما هو أشد منه في قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فليس بشيء لأنّ الله له أن يخاطب حبيبه بما شاء ونحن لا نجري على ما عامله به بل يلزمنا الأدب والتعظيم لجنابه الكريم، ولو خاطب بعض الرعايا الوزير بما خاطبه به السلطان طرده الحجاب وربما كان العقاب هو الجواب، والحق ما قاله السهيلي رحمه الله تعالى: من أنه تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها كقوله-! فه لعلي كرّم الله وجهه: " قم يا أبا تراب " قصدا لرفع الحجاب وطيّ بساط العتاب وتنشيطاً له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل: وكل ما يفعل المحبوب محبوب قوله: (لما كان عليه (متعلق بتهجينا، والمراد نومه متزملاً كما يفعله من لا تهمه الأمور والثؤون على ما في الكشاف وفيه ما فيه، وقوله: أو مرتعداً على ما روي في حديث بدء الوحي، وقوله: دهشة قيل الصواب أدهشه لأن دهش كفرح لازم بمعنى تحيروا أما دهش فهو مدهوش فوضع على صيغة المجهول كزهي ومن ضبطه بالتشديد من التفعيل فقد تعدى المعروف في استعماله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 والمصنف كثيرا ما يتسامح في أمر التعدية فلو قيل: إنه ضمنه معنى حير فعداه لم يبعد. قوله: (أو تحسيناً له (هذا أيضاً غير ملائم للسياق لأنه لو استحسنه لم يقل له: قم بل يقول كما قال: أيها الراقد في لذاته نم هنيئا إنّ عيني لم تنم وقوله: إذ روي الخ هذا لم يصح وحديث مرط عائشة في ليلة النصف من شعبان بالمدينة لا في بدء الوحي، وقد اعترض عليه في الانتصاف بأن السورة مكية وبناؤه صلى الله عليه وسلم على عائثة كان بالمدينة، وإنما كان ذلك في بيت خديجة كما ورد في الأحاديث الصحيحة والتصدي لتوجيهه بما في جامع الأصول من أنه-شي! تزوج عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث، ودخل عليها بالمدينة فيجوز أن يبيت ليلة في بيت الصديق بعد العقد ويتغطى ببرد لها وباقيه عليها فحكته بعد ذلك أم المؤمنين رضي الله عنها تكلف لا يتأتى مع مخالفته الأحاديث الصحيحة، ومثله لا يكفي فيه مجزد الاحتمال وقد عرفت أنّ هذا الحديث المذكور لم يقع في الكتب الصحيحة كما قاله ابن حجر قال أبو حيان: إنه كذب صريح فترك الاشتغال بالقيل، والقال فيه هو الصواب وقوله: مفروش على عائشة الأحسن أن يقول مطروج، ونحوه إذ القرس يكون على الأرض وما ضاهاها والمرط بكسر الميم كساء من صوف. قوله: (أو تشبيها له في تثاقله الخ) يعني أنه استعارة فشبه عدم التمرن فيما ذكر بالنوم على فراش مغطى ووجه الشبه تعطيل الأمور أو التثاقل فيها وحمله على التجوّز مع صحة الحمل على المعنى الحقيقي كما مز لأنّ القرينة غير قطعية، ولو جعل كناية كان أنسب بقواعد المعاني والأحسن تركه لما فيه من سوء الأدب كالوجه الأوّل مع مخالفته للقواعد أيضا. قوله: (أو من تزمل الزمل) بالكسر كالحمل لفظا ومعنى فهو استعارة أيضا لكن وجه الشبه فيه مختلف ففي الأول ما مر، وفي هذا شبه إجراء التبليغ بتحمل الحمل الثقيل، ووجه الشبه ما فيهما من المشقة وهذا أحسن مما قبله لكن يرد عليه إنه مع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا وجه لادعاء التجوّز فيه وسيأتي في أول المدثر تحقيقه إن شاء الله. قوله: (أي قم إلى الصلاة) هذا على غير وجه التحسين له إذ قام يصلي وفوله: أو داوم عليها على ذلك الوجه ولا وجه لتخصيص الأول بالأوّل والثاني بالثاني كما قيل، والظاهر أنّ معمول قم مقدر عليهما والليل منصوب على الظرفية أو على التوسع والإسناد المجازي، وكسر ميم قم عند الجمهور لالتقاء الساكنين وقرأها أبو السماك بالضم اتباعا لحركة القاف وفتحت أيضاً للتخفيف. قوله: (ونصفه بدل من قليلاَ الخ) ذكروا فيه وجوهاً أربعة كما في الكشاف مع كلام فيه فالأول هذا، وهو أن يكون الاستثاء من الليل ونصفه بدلاً من قليلا وهو الوجه الثاني في الكشاف وقدمه المصنف لظهوره وسهولة مأخذه، وموافقته لقراءة النصب ومعناه التخيير بين قيام الضف وما فوقه وما دونه، وضمير منه وعليه حينئذ للنصف بلا كلام إنما الكلام في ضمير نصفه فإن أبا حيان أورد عليه إنه لا يخلو من عود. على المبدل منه أو على المستثنى منه ولا يجوز الأول لأنه يكون استثناء مجهول من مجهول إذ التقدير إلا قليلاً نصف القليل ولا الثاني لأنه يلغو فيه الاستثناء إذ لو قيل: قم الليل نصفه أو زد عليه، أو انقص أفاد معناه على وجه أوضح وأخصر وأبعد من اللبس وقد رده المعرب بأن قوله: استثناء مجهول من مجهول غير صحيح لأنّ الليل معلوم، وكذا بعضه من النصف وما دونه وما فوقه مع أنه لا ضير في استثناء المجهول من المعلوم نحو فشربوا منه إلا قليلا فالصواب إبدال مجهول من مجهول مع أنه لا محذور فيه كجاءني جماعة بعضهم مشاة فمن ظنه محذوراً حتى عين الثاني لم يصب وعلى الثاني ليس الاستثناء لغواً لأن فيه تنبيهاً على تخفيف القيام، وتسهيله لأن قلة أحد النصفين تلازم قلة الآخر وتنبيهاً على تفاوت ما اشتغل بالطاعة وما خلا منها لإشعاره بأنّ البعض المشغول بذكر الله بمنزلة الكل مع البيان بعد الإبهام الداعي للتمكن في الذهن وزيادة التشويق، وقد استدل به من قال: يجوز استثناء النصف وما فوقه على ما فصل في الأصول. قوله: (وقلته بالنسبة إلى الكل) جواب عما يرد عليه من أن النصف كيف يكون قليلاً، وهو مساو للنصف الآخر بأن القلة بالنسبة إلى الكل لا إلى عديله والتزامه بجعل النصف المتحلى بالعبادة لما عف ثوابها كأمثالها وزيادة زيادة على الآخر فلذا جعل قليلاَ خلاف الظاهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 ولذا لم يعرج المصنف عليه لأن القلة تعتبر في كمية الزمان ولا زيادة فيها والكيفية زيادة ونقصها لا يسمى قلة وكثرة حقيقة بل قوّة وضعفا كما لا يخفى. قوله: (أو نصفه بدل من الليل) بدل بعض من كل وهذا هو الوجه الثاني فهو على نية التقديم، والتأخير وضمير منه وعليه للأقل من النصف المفهوم من مجموع المستثنى والمستثنى منه لأن تقديره قم نصف الليل المخرح قليل منه، وهو الأقل والأقل من النصف الثلث مثلا، والنقص منه بقيام الربع والزيادة على الأقل بقيام النصف وما فوقه فالتخيير على هدّا بين النصف وبين الأقل والأكثر من الأقل، وهو النصف يعني بين الأقل من النصف والأقل من الأقل والا زيد منه وهو النصف بعينه والفرق بينه، وبين الأوّل من وجهين اختلاف مرجع الضميرين وإن الزائد على النصف في الوجه الأوّل داخل في التخيير وفي هذا خارج لأنّ ما-له إلى التخيير بين النصف والثلث والربع وخالف الزمخشريّ في هذا الوجه حيث جعل التخيير فيما وراء النصف والداعي لمخالفته إنه يوافق قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى} [سورة المزمل، الآية: 20] الآية في قراءة الجر في نصفه وثلثه وفيه تكلف، وإن وجهه صاحب الكشف بما فيه دقة فليحرر 0 قوله: (أو للنصف) هذا هو الوجه الثالث، وهو على التقديم والتأخير أيضاً لكن ضمير منه وعليه فيه للنصف لا للأقل منه كما في الوجه الذي قبله، وقوله: والتخيير الخ في الكشف وللاعتناء بشان الأقل لأنه الأصل الواجب كرره على نحو أكرم إمّا زيداً وامّا زيداً أو عمراً، وفيه تكلف لأنّ تقديم الاستثناء على البدل ظاهر في أنّ البدل من الحاصل بعد الاستثناء لأنّ في تقدير تأخير الاستثناء عدولاً عن الأصل من غير دليل ولأنّ الظاهر على هذا رجوع ضمير منه، وعليه إلى النصف بعد الاستثناء لا للنصف المطلق كما في الوجه الآخر، وأيضا الظاهر إنّ النقصان رخصة لا أنّ الزيادة نفل والاعتناء بشأن العزيمة أولى انتهى، وقد قيل عليه إنّ ما ذكره أولاً يرد على الوجه الثاني، وقوله: الظاهر أن النقصان رخصة محل نظر إذ الظاهر إنه من قبيل فإن أتممت عشراً فمن عندك فالتخيير ليى على حقيقته ولو سلم فالأصل لأصالته واشتماله على تخفيف المشقة أولى بالاهتمام به، وفيه بحث وقد قيل هنا وجه آخر، وهو أن يكون نصفه بدلاً من الليل الذي استثنى منه القليل، والتقدير قم الليل إلا قليلا قم نصف الليل أو أنقص! من النصف قليلاً أو زد على النصف فعلى هذا هو كالوجه الأول أيضا التخيير فيه بين قيام النصف والزائد عليه والناقص عنه، ويكون قوله: أو أنقص عطفا على قم المسلط على نصفه والقليل المستثنى مقدار ما تستريح النفس بالنوم فيه وتنشط للتهجد وذلك القليل بالنسبة إلى الكل إمّا النصف أو أكثر منه بقليل أو أقل منه على ترتيب المخير فهي فتأمل. قوله: (أو الاستثناء من إعداد الليل الا من أجزائه فإن تعريفه للاستغراق إذ لا عهد فيه، وقوله: والتخيير بين قيام النصف الخ فالضمير راجع إليه باعتبار الأجزاء ففيه استخدام حينئذ أو شبهة فتدبر، وقد قيل: إنّ قيام الليل كان فرضا في صدر الإسلام قبل الصلوات الخمس فلما فرضت نسخ هذا كما فصله الزمخشري. قوله:) على تؤدة) بضم المثناة وفتح الهمزة وهو التمهل، وقوله: رتل بسكون التاء ورتل بكسرها واما رتل بفتحتين فمصدر كما في القاموس فضبطه به هنا سهو والمفلج بتشديد اللام اسم مفعول من الفلج وهو أن لا تكون الأسنان متصلة وهو ممدوج لأنه أزين وأنقى للفم. قوله: (إذ كان عليه الخ (هذا هو الصحيح الموافق لما في الكشاف وفي نسخة إذا وهي تحريف، ويجوز أن يكون احترازاً عن القصص والخصائص، وقوله: والجملة تعريفه للعهد يعني إن قوله: إنا سنلقي معترضة بين المعلل، وهو الأمر بقيام الليل والمعلل وهو إن ناشئة الليل الخ، وقيل: هي قوله: ورتل القرآن وهذه قال الطيبي وهو الأظهر لأنها اعترضت بين كلامين متصلين وفي الكشف إنه لا وجه له، وقوله: يسهل التكليف الخ بيان لفائدة الاعتراض وقوله: بالتهجد متعلق بقوله: بالتكليف يعني إنه سيرد عليك في الوحي المنزل عليك تكاليف شاقة هذا بالنسبة إليها سهل فلا تبال بهذه المشقة وتمرن بها لما بعدها، وقوله: ويدل على أنه أي التهجد فهو ثقيل على النفس لأنها تألف نوم الليل والهدو فيه فبينه وبين القرآن مناسبة في ثقل كل منهما على النفوس، وقوله: مشق قيل إنه لم يسمع له فعل مزيد من الأفعال فالأولى أن يقول شاق، وقوله: مضاذ للطبع أي لمقتضاه وهو بالضاد المعجمة وكونه بالمهملة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 مفاعلة من الصد كما قيل: لا يلتفت إليه. قوله:) أو رصين لررّانة لفظه (معطوف على قوله: ثقيل، وهو تفسير آخر له فمعنى كونه: ثقيلآ إنه لأحكام لفظه وقوة معانيه أطلق عليه ثقيل بمعنى راجح على ما عداه لفظا ومعنى لأنّ الراجح من شأنه ذلك فتجوز به عنه، وقوله: أو ثقيل على المأمل الخ هو مجاز أيضا عن المشقة كما في الوجه الأول، وتصفية السر بمعنى الإخلاص وتوجيه الذهن، وقوله: في الميزان عبارة عن كثرة ثواب قارئه فهو تجوز أيضا باستعماله في لازمه، وقوله: على الكفار أي صعب. قوله:) أو ثفيل تلقيه (يعني يثقل عليه نزوله والوحي به بواسطة الملك فإنه كان يوحي إليه على أنحاء منها أن لا يتمثل له الملك، ويخاطبه بل يعرض له حال كالغشي لشدة انجذاب روحه للملأ الأعلى بحيث يسمع ما يوحى به إليه ويشاهده، ويحسه هو دون من معه وفي هذه الحالة كان يحس في بدنه ثقلا بحيث إن وركه كان على فخذ بعض الصحابة في تلك الحالة فكادت تكسرها، وهذا لا يعلم حقيقته بالتقرير، وقوله: فيفصم من أفصم إذا أقلع ومعناه يفارقه، وقوله: يرفض بالفاء والضاد المعجمة بمعنى يسيل. قوله: (وعلى هذا) أي على هذا الوجه دون الوجوه المتقدمة يجوز كونه صفة للمصدر فينتصب انتصابه لقيامه مقامه، والتقدير إلقاء ثقيلاً فليس صفة قول حينئذ، وقوله: والجملة أي جملة إنا سنلقى أيضاً على هذه الأوجه ظاهره إنه على جميعها ما عدا الأول فإنها فيه معترضة كما صرّح به وهو كذلك لأنّ أحكامه ومتانة معانيه تناسب قراءته ليلا في التهجد ليتدبرها، وكذا ما بعده في احتياجه للتأمل وكذا كثرة ثوابه تخفف ثقله ومشقته، وكذا صعوبته على الكفار تقتضي قراءته ليلاً لئلا يؤذوه وهو حكمة الأسرار في صلاة النهار أوّلاً وكذا ما بعده، فما قيل من أنه لا يتمشى في بعض الوجوه فهو تغليب كلام ناشئ من قلة التأنل فيه، وقوله: مستأنف خبر وكان الظاهر أن يقول مستأنفة، وقوله: للتعليل متعلق به أو خبر أوّل. قوله: (من نشأ من مكانه إذا نهض وقام (وفي شرح البخاري للكرماني نشأ بمعنى قام لغة حبشية عرّبوها والذي ذكره اللغويون إنه عربي من نشأت السحابة إذا ارتفعت، والمراد به النفس القائمة كما بينه المصنف رحمه الله، وقوله: نشأنا البيت لا أعرف صاحبه، وقوله: نشأنا بمعنى قمنا ونهضنا، وخوص جمع خوصاء وهي الناقة الغائرة العينين من الهزال وهو المراد هنا، وقيل: الناقة الضخمة وتوصف به الأعين وقد تلطف بعض المتأخرين في قوله: لطيبة قدحثتنا النوق نسري وأعينهن نحوالنخل خوص وبري بمعنى أذهب مستعار من بري العود والقلم وألصق بمعنى نكس وخفض ونيها بفتح النون بمعنى شحمها وصحح الفتح في الكشف، والذي في القاموس الكسر وبعدها مثناة تحتية مشذدة، والمشرفات العالية والقماحد جمع قمحدة وهي ما خلف الرأس يقول: قمنا إلى نياق هزلت من كثرة السير، وقوله: أو قيام الليل فهي مصدر من نشأ بمعنى قام كالكاذبة، وقوله: على أنّ الناشئة له أي لليل يعني مسندة إليه مجازا كما يقال: قام ليله وصام نهاره وليس المراد إنها موضوعة له كما توهم، وقيل المراد إنّ إضافته على معنى اللام وقوله: أو العبادة التي تنشأ بالليل على أنّ الإضافة اختصاصية أو بمعنى في أو هو كمكر الليل على التجوّز في النسبة، واذأ كان بمعنى الساعات فالإضافة اختصاصية، وقوله: تحدث واحدة بعد أخرى أي متعاقبة فلا يرد عدم شأوله للساعة الأولى مع أنه على التغليب فلا حاجة لتعميمه لآخر ساعات النهار كما قيل. قوله: (هي أشدّ وطأ) من مقابلها على التفاسير السابقة ووطأ منصوب على التمييز، وقوله: كلفة أي تكليفا ومشقة تفسير لوطأ على أنه من قوله: اللهمّ اشدد وطأتك على مضر كما مرّ تحقيقه في سورة الفتح فيكون على هذا أفضل، وإذا كانت بمعنى الثبات فهي من وطئ الرجل الأرض فيكون أفضل، وأوفق بمبادي حاله فإذا أريد الساعات كلها أو بعضها يكون المراد القيام فيها، وقوله: وقرأ أبو عمرو الخ بكسر الواو وفتح الطاء والمذ بعده على أنه مصدر واطا وطاء كقاتل قتالاً. قوله: (لها أو فيها (الأوّل على أنّ المراد بالناشئة النفس أي أشد وطأ لمواطأة القلب، وقوله: فيها على إنّ المراد بالناشئة القيام أو العبادة أو الساعات أي أشدّ وطأ لمواطأة قلب القائم فيها لسانه والإسناد على هذا مجازي. قوله: (أو موافقة) معطوف على قوله: مواطأة القلب، والمواطاة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 الموافقة فيهما إلا أنه على الأوّل اعتبر التوافق بين القلب واللسان وعلى هذا بين الحال، والمراد لله وهو على الوجوه كلها ولا يخفى أن الخضوع والإخلاص في الليل أقوى منه في النهار، وقوله: وأسد مقالاً من السداد بالسين المهملة وأحسن في تفسير مقابل الأشدّ بالأمد وقيلا فيهما مصدر لكنه في الأوّل عامّ للأذكار والأدعية وفي الثاني مخصوص بالقراءة، وحضور القلب مجاز عن عدم تشتيت الأفكار وهدّوا لأصوات بالدال المهملة سكونها وكل منهما راجع لكل مما قبله لا أنه لف ونشر إذ لا داعي للتخصيص فيه. قوله: (تقلباً في مهماتك) جمع مهمّ وأصل السبح المرّ السريع في الماء فاستعير للذهاب مطلقاً كما قاله الراغب وقوله: قرئ سبخا أي بالخاء المعجمة والنفش بالنون والفاء والشين المعجمة تفريق أجزاء ما ليس بعسر التفريق كالقطن والصوف فقوله: ونشر أجزائه تفسير له. قوله: (ودم على ذكره) فسره به لأنه لم ينسه حتى يؤمر بذكره والمراد الدوام العرفيّ لا الحقيقي لعدم إمكانه، وقوله: ليلاً ونهارا مأخوذ من ذكره مطلقا بعد تقييد ما قبله ولأنّ مقتضى السياق أنه تعميم بعد تخصيص، وقوله: كل ما يذكره من التذكير، وفي نسخة يذكر به وهي تحتمل التخفيف والتشديد، وقوله: دراسة علم يعني به العلوم الشرعية لأنها هي المذكرة بالله. قوله: (وانقطع الخ) لأنّ البتل القطع، ومنه البتول للمنقطعة عن الرجال، وقوله: جرد نفسك المراد تفريغها عن غيره وفيه إشارة إلى ما مرّ في قوله: {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} فتذكره: فما بالعهد من قدم حتى يحتاج للإعادة وقوله: ولهذه الرمزة الخ يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال: تبتل تبتلا فعدل عنه لما ذكر لمراعاة الفاصلة، وليدل على أنه ينبغي له تجريد نفسه عما سواه ومجاهدته فلذا ذكر التبتيل الدال على فعله بخلاف التبتل فإنه لا يدل إلا على قبول الفعل كالانفعال وهذا أحسن ما في الكشاف. قوله: (وقيل بإضمار حرف القسم) وجه ضعفه ظاهر لأنّ حذفه من غير ما يسدّ مسده وابقاء عمله ضعيف جداً كما بين في العربية مع أنه خص بالجلالة الكريمة نحو الله لأفعلن كذا، وقد نقل هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال أبو حيان إنه لم يصح عنه لأنّ إضمار الجارّ لم يجزه البصريون إلا مع الجلالة خاصة، ولأنّ الاسمية المنفية في جواب القسم تنفي بما لا غير، وتنفي بلا الفعلية وردّه العرب بأنّ ابن مالك أطلق في وقوع الجملة المنفية اسمية أو فعلية جوابا للقسم سواء كانت منفية بما أو لا أو إن وهو غير صحيح لأنّ كلامه في التسهيل، وإن كان ظاهره الإطلاق إلا أنه قال في شرح الكافية أنّ الجملة تقع جوابا للقسم مصدرة بلا النافية لكن يجب تكرارها إذا تقدّم خبرها أو كان المبتدأ معرفة نحو والله لا في الدار رجل، ولا امرأة ووالله لأزيد في الدار ولا عمرو فقال ثمة أبو حيان ردّا عليه إنه غلط فإنّ النحاة لم يذكروا وقوع الاسمية منفية بلا في جواب القسم فكيف يرد عليه بما يعتقده، وهما وغلطا ومن الناص! من اغتر به هنا. قوله: (مسبب عن التهليل) أي قوله: لا إله إلا هو، ولذا قال: بعده فإن توحده الخ لا يقال إنّ هذا مقتضى ألوهيته لا مقتضى الوحدانية فإنّ مقتضاها أن لا يوكل إلا إليه لأنه لو كان له سبحانه شريكا لم يستلزم ذلك أن يفوّض له الأمور لجواز تفويضها لغيره من الآلهة، وقيل المراد الاتكال النافع وهو لا يكون إلا بالتوحيد فتأمّل. قوله: (بأن تجانبهم وتداريهم اليست المجانبة مخصوصة بالقلب فإنّ الآية مكية قبل الأمر بالقتال والمكافأة المجازاة على فعلهم وكفرهم، وقوله: تكل الخ إشارة إلى اتصاله بما قبله وقوله: {ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} [سورة المزمل، الآية: 11] هو معطوف أو الواو للمعية. قوله: (وكل إلئ أمرهم) قدم الجارّ والمجرور للتخصيص كما أشار إليه بقوله: فإنّ بي غنية عنك الخ يعني أنّ قول القائل: ذرني واياه في مقام الأمر بالاستكفاء فيه مبالغة لأنه أمر بالترك المقتضي لعدم المنع فجعل ترك الاستكفاء منعاً وانه لو لم يكن ذلك لحصلت الكفاية قيل للإشارة إلى أنه في غاية الاقتدار عليه فقوله: ذرني والمكذبين كناية عما ذكر والتنعم الترفه، والتقلب في أنواع النعم. قوله: (زماناً الخ) يعني نصب قليلاً إمّا على الظرفية أو المصدرية وذكره للإشارة إلى أن التفعيل ليس للتكثير في الفعل ولا للتدريج بل لتكثير المفعول، وقوله: تعليل للأمر يعني لقوله: ذرني وما عطف عليه فكأنه قيل: فؤض أمرهم إليّ لأنّ عندي ما انتقم به منهم أشذ الانتقام، وقوله: الئكل بالكسر والفتح القيد الثقيل وقيل الشديد، وعن الشعبي إذا ارتفعوا استقل بهم، وقوله: طعاما ينشب في الحلق أيمما يتعلق به فلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 يسوغ. قوله: (ونوعا آخر من العذاب (فسره به لأنّ تنوينه للتنويع ولأنه يعلم من المقابلة أيضا، وقوله: لا يعرف كنهه إلا الله من إيهامه وتنكيره. قوله:) ولما كانت العقوبات الأربع) هي النكال وما بعده وشرع في بيان اشتراكها بقوله: فإن الخ والانهماك زيادة التقيد في الاستكثار من الشيء، وقوله: تبقى مقيدة الخ ضمير حبها وبها للشهوات وهو بيان لاشتراكهما في الإنكال والقيود فقيد الأجسام حديد وقيد الأرواح عدم التجريد والبدن لمنعه لها عن الاتصال بعالم القدس والقيود والأغلال، وترك بيان ذكر قيد الجسد لظهوره، وقوله: متحرّقة بالتاء الفوقية أو النون بيان لجحيم الروح، وهو بعدها عن عالم القدس وجحيم البدن معلوم، وقوله: غصة الهجران بيان لما للروح من طعام الفجار وأمّا طعام أولئك في النار فظاهر، وقوله: معذبة بالحرمان إشارة إلى نصيبها من العذاب المبهم، وقد اقتدى بالإمام فيما ذكره فيكون الإنكال وما بعده مشتركاً بين عذاب الروج والبدن، وهو مجاز في الثاني حقيقة في الأوّل فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز من غير قرينة، وليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه. قوله: (فسر العذاب (في قوله: عذابا أليما بالحرمان وهذا جواب لما، وقد أشار لتفسيره بما ذكر قبيله يعني، والحرمان عن لقائه مما يعذب به الأرواح لبعدها وحجبها عمن تحب والأشباج لعدم نظرها وتمتعها بلقاء من تحب، ولما كان الرضوان أعظم ثوابا كان الحرمان أشذ عقابا، ومن العجب ما قيل هنا إنه علق تفسير العقوبة الرابعة بالحرمان عن لقائه على كون العقوبات مشتركة، ومن جملة ذلك كونها معذبة بالحرمان، وفيه رائحة دور وتحير في جوابه، ثم اعترف بأنه تشوّس عليه فهمه، ولا يخفى أن الحرمان الذي جعله مشتركا هو الحرمان من الأنوار القدسية بحيث تبقى في ظلمة الضلال، والغضب والمقت ولا شك في مغايرته للحرمان عن لقائه تعالى فحديث الدورّ باطل ووجه وقوعه جواباً أنه لما علم أن ما ذكر أمور اشتركت فيها الأرواح والأجساد، ودلّ تنكير العذاب وتهويله على أنه أعظم أنواع العذاب المشترك ولا أشذ مما ذكر فسر به كما أشرنا إليه أوّلاً لكن المدعي محتاج إلى التنوير فتدبر. قوله تعالى: ( {يَوْمَ تَرْجُفُ} الخ) فيه وجوه فقيل إنه متعلق بذرني، وقيل: صفة عذابا وقيل متعلق بأليماً والذي اختاره المصنف رحمه الله إنه منصوب بالاستقرار الذي تعلق به لدينا أي استقر ذلك العذاب لدينا، وظهر يوم ترجف الخ وترجف مبنيّ للفاعل، وقرئ مبنياً للمجهول من أرجف في الشواذ. قوله: (رملاَ مجتمعاً) فهو تشبيه بليغ، وقوله: فعيل بمعنى مفعول أي في الأصل، ثم غلب حتى صار له حكم الجوامد، وقوله: لأنه وفي نسخة كأنه وهي المتداولة، وأنما قال: كأنه لأنّ الظاهر إنه اسم وضع له ابتداء وليس بصفة مشبهة، فما قيل: إنه لا يعرف لإيراد كأنه وجه لا يعرف له وجه وكونها رملا يترتب على الرجفة لكنه ترك فيه ذكر حرف التعقيب، وعبر بالماضي مع أنّ ما تسبب عنه مضارع لتخييل أنه سبق الرجفة فكأنه حصل المسبب قبل السبب مبالغة في عدم تخلفه عنه، واتصاله به حتى يتوهم أنه كان قبله كما قاله بعض الفضلاء، وقوله: منثورا أي صارت ككثيب انتثر وكونه كثيبا باعتبار ما كان عليه قبل النثر فلا تنافي بين كونه مجتمعا ومنثورا وليس المراد إنها في قوّة ذلك، وصدده كما توهم ولا فرق بيته وبين تفسيره بما يطرج تحت الأرجل كما قيل. قوله: (من هيل هيلاَ إذا نثر) كلاهما فعل مجهول، وقوله: يا أهل مكة فيه التفات من الغيبة في قوله: فاصبر على ما يقولون والمكذبين إن كان الخطاب لهؤلاء، والمراد بهم المكذبون من أهل مكة فإن كان هذا عاما فالظاهر أنه ليس من الالتفات في شيء، وقوله: بالإجابة والامتناع عدل عما في الكشاف من قوله: يشهد عليك بكفركم وتكذيبكم لأنّ أهل مكة شامل للمؤمنين والكافرين وتخصيصه لأنه المناسب للمقام فليس ما هنا أولى منه، وقوله: لأن المقصود الخ إذ المقصود ذكر من تكبر على الرسل وعاقبته وقد يقال: لم يعين لأنه معلوم غنيّ عن البيان. قوله: (عرقه لسبق ذكره (ولو نكر أوهم مغايرته له وليس بمراد فالتعريف فيه للعهد الذكري، وقوله: لا يستمرأ أي لا يعد مريئا لذيذاً، وقوله: للمطر العظيم أي العظيم قطره. قوله:) فكيف تتقون أنفسكم (لا يخفى ما فيه فإن اتقى لا يتعدى لمفعولين حتى يقدر له مفعول آخر وأنما الذي غرّه قول الزمخشري في تفسيره فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة، وهوله إص وقد ناقشه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 أبو حيان بأن اتقى متعد لمفعول ووقى لاثنين فكيف يفسر به ولا وجه له وما قيل اعتذاراً للمصنف بأنه جعل يتقون بمعنى يقون فعداه لمفعولين كما فسره به جار الله خطأ صريح كما أنّ ما قبله تعصب قبيح. قوله: (عذاب يوم) يشير إلى أنه مفعول به بتقدير مضاف فيه لأنّ المخوف عذابه لا هو، ولو جعل نفسه مخوفاً لم يبعد، ويكون هذا بيانا لحاصل المعنى وفي الكشاف يجوز في يوما أن يكون ظرفاً أي كيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا، ويجوز أن ينصب بكفرتم أي كيف تتقون الله، وتخشونه أي جحدتم يوم القيامة والجزاء، وقوله: وهذا على الفرض والتمثيل بالعطف بالواو في بعض النسخ على أنه وجه واحد، والمعنى أنه شبه يوم القيامة وما فيه من الأهوال بيوم يسرع فيه التسبب لهجوم الهموم والأحزان، ثم أطلق لفظ المشبه به على المشبه وشاع فيه حتى صار مثلا إذ لا يصير الولدان شيباً حقيقة فهو تمثيل بيوم مفروض إذ لا نظير له في الخارج، وأمّا على النسخة المشهورة وهي العطف بأو الفاصلة فقيل عليه إنه لا يعرف له وجه فليتأمّل. قوله: (وأصله أنّ الهموم الخ الأن الروج ينقبض إلى داخل فتنطفئ الحرارة الغريزية ولا تنضج الغذاء فيستولي البلغم على الأخلاط، وهو موجب لابيضاض الشعر بتقدير العزيز الحكيم، ولذا قيل: فإنّ الشيب نوار الهموم قوله: (ويجوز أن يكون وصف اليوم بالطول (لتعارفه أولاً فيما بينهم فإذا وصفوا يوما بأنه طويل يقولون فيه ذلك فكان مقدار أيام لو عدت كانت سنين يبلغ بها الطفل سن الشيخوخة، وورد هذا على ما تعارفوه كقولهم: ما لاح كوكب، ونحو. فلا يرد ما في الكشف من قوله فيه ضعف لأنه أطول من ذاك وأطول فليس المراد على هذا وصفه بالشذة بل هو كناية عن طوله، وليس المراد به التقدير الحقيقي. قوله: (والتذكير) إن قلنا إنه مؤنث سماعي فإن كان يجوز تذكيره وتأنيثه من غير تأويل كما تقل عن الفرّاء فلا حاجة لتأويله والا فيؤوّل بما ذكر، وقيل: هو للنسب أي ذات انفطار، وفيه نظر. قوله: (بشدّة ذلك اليوم) وقع في نسخة باللام ولفظ به متصل بمنفطر وفي غيرها بالباء مع تأخر لفظ به عند. فهو تفسير له، وقوله: على عظمها الضمير للسماء ولم يذكره لإيهامه العود على اليوم وهو متعلق بمشتق، وقوله: الباء للآلة على جعله آلة للشق مبالغة في شدّته. قوله: (الضمير لله عز وجل العلمه من السياق، وهو مصدر مضاف لفاعله كما أشار إليه المصنف، وقوله: الموعدة بزنة اسم الفاعل مخففا ومشدّداً وجوّز الفتح فيه على معنى موعد بها، وهو تكلف ومعناه الناطاقة بالوعيد والمراد الآيات القرآنية، وقوله: إن يتعظ قدره به لمناسبة ما قبله وهو قوله: إنّ هذه تذكرة أي عظة والمعروف في مثله أن يقدر من جنس الجواب أي فمن شاء اتخاذ سبيل لله فل، والمراد أنه يستقيم ويحكم عليه بأنه اتعظ إلا أن يراد بمشيثته الاتعاظ الاستطاعة المقارنة للفعل وفيه نظر. قوله: (أي يتقرّب إليه) يعني اتخاذ السبيل سبب للتقرب فذكر السبب وأريد مسببه فهو الجزاء في الحقيقة فالمعنى من نوى أن يحصل له الاتعاظ تقرّب إلى الله فقربه سبب لتقربه له كما يدل عليه عقد الشرطية، وهو سبب بعيد. قوله: (استعار الأدنى الخ) يعني أنه في الأصل اسم تفضيل من دنا إذا قرب فاستعير للقلة بتشبيه أحدهما بالآخر وظاهر كلام المصنف أنه مجاز مرسل، واستعارة لغوية لأن القرب قلة الأحياز بين الشيئين فاستعمل في لازمه وفي مطلق القلة. قوله: (وقرأ ابن كثير الخ) في الكشاف قرئ بالنصسب على إنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث، وهو مطابق لما مرّ من التخيير بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقصى منه، وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين، وقرئ بالجرّ أي تقوم أقل من الثلثين ومن النصف والثلث، وهو مطابق للتخيير بين النصف وهو أدنى من الثلثين والثلث وهو أدنى من النصف والربع وهو أدنى من الثلث وهو الوجه الأخير اهـ، وفيه إشارة إلى أنّ الاعتماد على الوجه الثاني والأخير وما سواهما احتمالات كما قيل، والتفاوت بين القراءتين معلوم له تعالى وإن لم يجتمعا لأنّ الاختلاف بحسب الأوقات فوقع هذا في وقت ووقع هذا في آخر فكانا معلومين له والأمر إن كان وارداً كالأكثر لزم إمّا مخالفة النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أمر به أو اجتهاده والخطأ في موافقة الأمر، وكلاهما غير صحيح أما الأوّل فظاهر وأما الثاني فلأنّ من جوّز اجتهاده وخطأه فيه يقول: إنه لا يقرّ على الخطأ كما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 ذكره البزدوي فالصواب إنه وارد بالأقل لكنهم زادوا حذرا من الوقوع في المخالفة كما روي وفي كلام المصنف فيما بعده إشارة إليه هذا حاصل ما في بعض الحواشي، وفيه يحث. قوله: (ويقوم ذلك جماعة الخ) إن لم نقل بفرضية قيام الليل مطلقاً أو على غير النبيّ صلى الله عليه وسلم من المؤمنين بأن يجب عليهم دونهم فلا كلام فيه وإن قلنا بالفرضية في صدر الإسلام على الكل، فالآية لا تخالفه أيضاً بناء على ما يتبادر من التبعيضية فإنه لا يتعين كونها تبعيضية بل تجعل بيانية، وأما احتمال الفرضية على الجميع وأن يقوم البعض في بيته والبعض معه! لئبعيض باعتبار المعية فيأباه ظاهر النظم، وكلام المصنف ولا حاجة إلى دعوى ظهور فساده لما فيها من الفساد. قوله: (كما هي إلا الله (زأد كما هي ليصح الحصر وهو توطئة لما بعده، وقوله: يشعر بالاختصاص إشارة إلى أنه لا يتعين فيه ذلك كما في الكشاف، فإنه مخالف لما بينه السكاكي من عدم إفادة هو عمرو وأمثاله الحصر فإن اختص بالجلالة الكريمة، وبناء فعل من أفعاله تعالى عليها لا يجري في جميع ما ذكر ونقل المخالفة فيه بينهما كما ذهب إليه بعض شراح الكشاف وفي كلام المصنف إشارة مّا إليه، وقوله: ويؤيده أي يؤيد أنّ المراد الحصر فيما ذكر، وقوله: لن تحصوا عدد الأوقات إشارة إلى أنّ الضمير عائد لمصدر مقدّر كاعدلوا هو ولذا أفرد وذكر ولم يقل بخصوصهما لاحتماله لغير المراد منه يعني أنه تعبير لتفاوت مقادير الأيام والليالي، ففرض مقدار معين منه دائما يشق عليهم. قوله: (بالترخيص! في توك القيام الخ) إشارة إلى أنّ المراد بقوله: تاب عليكم ليس قبول التوبة فإنه غير مناسب هنا كما في غير. بل هو استعارة للترخيص وعدم المؤاخذة كما أنّ من قبلت توبته لا يؤاخذ فسببه الترخيص بقبول التوبة في رفع التبعة واستعمل لفظ المشبه به في المشبه كما في قوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 187، والتبعة بفتح التاء المثناة وكسر الموحدة الإثم والمؤاخذة به، وقوله: المقدر أي هنا وفيما تقدم من قوله: قم الليل. قوله:) كما عبر عنها الخ) يعني أنه مجاز ذكر فيه البعض وأريد الكل، وقوله: على التخيير المذكور كما فصله، وقوله: فنسخ به أي بهذا الترخيص في عدم تعين مقدار معين منه ووجوب مقدار مّا منه، ثم نسخ بالصلوات الخمس! وفي بعض الشخ ترك قوله: فنسخ به فكأنه لم يجعل رفع التقدير مع بقاء الوجوب نسخاً وفيه نظر. تنبيه: في شرح البخاري لابن حجر ذهب بعضهم إلى أنّ صلاة الليل كانت مفروضة، ثم نسخت بقيام بعض الليل مطلقاً، ثم نسخ بالخمس وأنكره المروزي وذهب بعضهم إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة اهـ، وقوله: أو {فَاقْرَؤُوا} الخ فالأمر بالقراءة على ظاهره من غير تجوّز فيه فيكون رخص لهم في ترك جميع القيام، وأمروا بقراءة شيء من القرآن ليلا من غير مشقة عليهم لينالوا ثوابه بالأحياء بالقراءة والأمر للندب وفيما قبله للإيجاب. قوله: (يبين حكمة أخرى (يعني غير ما تقدم من عسرة إحصاء تقدير الأوقات، وقوله: ولذلك أي لكون هذا حكمة للترخيص كرّر الحكم بقوله: فاقرؤوا ما تيسر منه وفي قوله: مرتبا عليه أي على الاستئناف إشارة إلى أن اختلات المرتب عليه فيهما بحسن التكرار، وقوله: وقال هكذا هو بالواو فيما رأينا من النسخ وفي بعضها بالفاء فقال: والأولى أصح لما في هذه من الإبهام لغير المراد وإن أمكن أن يبين لها وجه آخر كما قيل: إنّ المراد تكرير الحكمة المقتضية مع الحكم، ولذا قال فقال الخ وكرّر فعل العلم للإيذان بأنّ كلا منهما حكمة مستقلة في الترخيص. قوله: (والضرب في الأرض) وحقيقته السير والسفر وفي الآية الإشارة إلى أت السفر لكسب الحلال ونحوه فيه أجر كأجر المجاهد لما قرنه به مع ما فيه من المخاطرة واحتمال الهلاك المقرب له منه وقوله: الصلاة المفروضة فيه بحث لأنه إن أريد بها ما مرّ ينافي الترخيص، وإن أريد بها غيرها فهو لم يفرض حين نزول الآية فليتأمل. قوله: (وآتوا الزكاة الواجبة) هذا إمّا بناء على أنّ هذه الآية مدنية لأنّ الزكاة لم تفرض بمكة أو فرضت من غير تعيين للانصباء والذي فرض بها تعيين الانصباء، والقول بتقدم النزول على الحكم لا وجه له مع أنّ القائل قد صرّج بما ذكر في غير موضع، وقوله: المفروضة والواجبة تفنن في العبارة لأنّ الشافعية لا ي! فرقون بين الفرض والواجب. قوله: (أو بأداء الزكاة على أحسن وجه (بكونها من أطيب ماله واعطائها للمستحق من غير تأخير لأن القرض لما كان يعطى بنية الأخذ لا يبالي بأقي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 شيء وأيّ مقدار يعطي منه ولكونه محقق الرجوع إليه دل التعبير به على تحقق العوض هنا، والترغيب بالنصب معطوف على الأمر والضمير للإنفاق أو للأداء، وقوله: أو متاع الدنيا بالجر عطف على الذي تؤخرونه وهو مفضل عليه باعتبار الخيرية أو على الفرض، أو المراد ما ينفق منه ووقع في بعض النسخ من أجر الذي الخ وقوله: أجراً في النظم لا ينافيه كما توهم نعم إسقاطه أحسن. قوله: (وهو تثيد) أي لضمير تجدوه وإن كان بصورة المرفوع والمؤكد منصوب لأنّ هو يستعار لتأكيد المجرور والمنصوب، كما ذكره الرضي وقوله: أو فصل يعني ضمير فصل وهو في الأصل للفصل بين الصفة، وغيرها ولذا اشترط النحاة وقوعه بين معرفتين ومنعوا اطراده في غير ذلك إلا أفعل التفضيل فإنه يشبه المعرفة كالعلم في امتناع دخول أل عليه فأعطى حكمها في ذلك كما أشار إليه المصنف، وقوله: على الابتداء والخبر يعني والجملة مفعول ثان، وقوله: في مجامع أحوالكم أي جميعها، والحديث المذكور موضرع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وا-له وصحبه أجمعين. سورة المدثر صلى الله عليه وسلم مكية على الأصح لا بالإجماع كما قيل لأنّ منهم من استثنى منها آية وما جعلنا عدتهم الآية وآياتها خمس أو ست وخمسون على اختلاف. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (المثدثر) يعني هذا أصله فأدغم، وقوله: لابس الدثار بكسر الدال وهو ما فوق القميص الذي يلي البدن ويسمى شعاراً لاتصاله ببشرته وشعره، وقوله: بحراء بكسر الحاء والمد جبل معروف بقرب مكة ويجوز صرفه وعدمه، ويقال: حرى كعلى في لغة غريبة، وقوله: على العرش في نسخة قاعد على العرش وتوله: فرعبت معلوم كمنعت كما في القاموس وككرصت كما في شرح البخاري وهو لازم متعدّ ولا يلزم في اللازم ضم العين كما توهم ومجهول بضم أوّله وكسر ثانيه، كما روي في الحديث وذكره أهل اللغة ومعناه فيهما فزعت وخفت. قوله: (ولذلك قيل هي أوّل سورة نزلت) أي لما وقع في هذه الرواية فإنها تدل على أنه لم يعرف الوحي وجبريل قبله ووجه تمريضه ظاهر فإنه لا دلالة فيه على أنه أوّل وحي لأنّ ارتعاده وحما. لرؤيته له على صورة مهيبة لم يرها قبل، وقيل: لغير ذلك على وجوه. في شرح البخاري ولا يجاب عما أورد عليه كما روي من أنّ أوّل نازل {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ} بأن هذه أوّل سورة نزلت بتمامها، وتلك أوّل آيات نزلت منها لأنه غير مسلم أيضا لأن أوّل سورة نزلت الفاتحة كما مرّ واتفاقهم على نزول ذرني ومن خلقت الآيات في الوليد يقتضي أنها لم تنزل بتمامها إذ هذه الآيات نزلت بعد محاورة، وأمر جرى بعد الدعوة والتحدي فتتأخر عن بدء البعثة. قوله: (وقيل تأذى من قريش الخ (وهذا كما يفعله من يريد التوجه لما فكر فيه فيستر نظره ليجتمع خاطره أو هذا كما يفعله المغموم، وقوله: المتدثر بالنبوّة إمّا أن يراد المتحلى بها والمتزين كما إنّ اللباس الذي فوق الشعار يكون حلية لصاحبه وزينة، ولذا يسمى حلة فلا يرد أنّ تشبيه الكمالات النفسية بالشعار أولى، وأمّا القول بأن التشبيه بالدثار في ظهورها ففيه قصور لأنّ الأمر النفساني لا يظهر والظاهر آثاره ومآله لما ذكرناه وكذا القول بأنه شبه به في الإحاطة. قوله: (أو المختفي الخ) لأنّ الدثار يواري البدن فيخفيه فأطلق المدثر وأراد به الغائب عن النظر على الاستعارة، والتشبيه لأنه كان بغار حراء كذلك فما قيل من أنه لم يوجد في اللغة المدثر بمعنى المختفي سهو لأنه ليس! معنى حقيقيا حتى يذكره أهل اللغة، والذي أوقعه في الغلط قول المصنف كالمختفي لأنه توهم أنه المشبه به، وليس بمراد له لكنه تسمح في العبارة لأنّ المختفي من يقصد إخفاء نفس! هـ خوفا من الناس فجعله مختفيا أوّلاً بمعنى الغائب عن النظر، والثاني بالمعنى المتعارف والحاصل أنه شبه أحد فرديه بالآخر وقد وقع للقائل خبط هنا، وقوله: على سبيل الاستعارة التبعية في الوجهين. قبله: (وقرئ المدثر (يعني بتخفيف الدال وتشديد الثاء المكسورة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 أو المفتوحة على زنة الفاعل أو المفعول، وهي قراءة شاذة تنسب لعكرمة وكلام المصنف ينزل عليهما سوأء كان دثر معلوماً أو مجهولاً وهو الظاهر والمعنى أنه معوّل عليه فالعظائم من الأمور منوطة به ما جل منها والحل والعقد مربوط به فكأنه قيل يا من توقف أمور الدنيا عليه لأنه وسيلتهم عند الله، وقوله: عصب به الضمير راجع للإنسان المنوط به الأمر ونائب الفاعل ضمير الأمر المستتر ودثر هذا الأمر هذا فيه نائب الفاعل وليس منصوبا على نزع الخافض كما توهم فإنه من الخطا في فهمه، وفي الأساس الأمور تعصب برأسه وقال النابغة: حتى تمرّوه معصوباً بلمته نفع القبائل في عرنينه شمم فافهم، وقوله: عصب يعني سد لا أحيط كما توهم وأنما حمله على هذا لأنه أبلغ وقراءة الكسر لا تلائم المعنى الأوّل والظاهر أن يراد بالمزمل والمدثر الكناية عن المستريح الفارغ لأنه في أوّل البعثة فكأنه قيل له: قد مضى زمن الراحة وجاءتك المتاعب من التكاليف، وهداية الناس لقوله: فإذا فرغت فانصب وهو لا ينافي إرادة الحقيقة فتأمّل. قوله: (قم من مضجعك (هو على التفسير الأوّل والثاني والثالث وما بعده لما بعده وقال أبو حيان: إنها هنا من أفعال الشروع كقولهم: قام زيد يفعل كذا وهي من أخوات كان، ولا يخفى بعده هنا لأنه استعمال غير مألوف وورود الأمر منه غير معروف مع احتياجه إلى تقدير الخبر فيه وكله تعسف. قوله: (فأنذرا لم يقل وبشر لأنه كان في ابتداء النبوّة والإنذار هو الغالب لأن البشارة لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ ذاك أو هو اكتفاء لأنّ الإنذار يلزمه التبشير، وقوله: مطلق للتعميم أي ينزل منزلة اللازم ولا يقدر له مفعول لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح أو التقدير بغير حاجة إذ لم يقصد منذر مخصوص، وما قيل: إنّ المراد أنه مطلق عن التعلق بمفعول معين بلفظ خاص أو عام أو مطلق عن قرينة تدل على تقدير مفعول معين ويبعد أن يراد تنزيله منزلة اللازم للتعميم في مصدره خطأ، وخبط عظيم ولا يلائمه ما بعده، وقوله: دل عليه قوله: وأنذر يعني خاصا لمناسبته لابتداء الدعوة في الواقع أو عام لقوله: إلا كافة الخ والى الوجهين أشار المصنف. قوله:) وخصص! ربك الخ) فتقديم مفعوله للتخصيص والكبرياء بالمذ العظمة، وقوله: عقدا يعني به الاعتقاد بقلبه والاعتقاد افتعال من العقد أيضا وهذا وارد بمعناه، وقوله: روي الخ الأولى تركه لأنه يقتضي تشككه أوّلاً وقوله: وأيقن أنه الوحي وقع في نسخة وعلم فقيل: هو على صيغة المجهول أي علمت خديجة أو المعلوم أي علم النبيئ-شب! ، وهو الظاهر لموافقته معنى للنسخة الأخرى وعكس الترتيب بين كبر وعلم سهل. قوله: (والفاء فيه وفيما بعده الخ (يعني أنها دخلت في الكلام على توهم شرط أو تقديره فيه، وهو قريب من قول النحاة في زيدا فاضرب قالوا تقديره تنبه فاضرب زيداً فالفاء في جواب الأمر المضمن معنى الشرط أو في جواب شرط محذوف وقد تقدم فيه كلام في سورة البقرة، وقوله: لإفادة معنى الشرط لم يصرّج بالتقدير لما عرفت، وقوله: وما يكن وفي نسخة من شيء بعده وما شرطية وكان المقدرة هنا تامّة بمعنى وجد وحدث والفاء جزائية، وهي مزحلقة فلا يضر عمل ماً بعدها فيما قبلها. قوله: (أو الدلالة على أنّ المقصود الخ (معطوف على إفادة وهو يعني به أنها للتعقيب والترتب من غير مهلة وتكبيره، وتعظيمه كناية أو مجاز عن التنزيه عن الشريك فالأمر بالتكبير نهي عما ذكر والنهي بحسب الظاهر للنبيّ ىلمجي! والمقصود نهى ما عداه بطريق التعريض هكذا قرّره أرباب الحواشي وليس في كلامه ما يفيد ما ذكر لأنها إذا كانت لإفادة التعقيب على القيام تكون عاطفة عليه قالوا، وحينئذ لا وجه له فالظاهر الواو بدل أو فإن ما قبله لا ينافي ما ذكر فتدبر وقوله: تنزيهه أي عما ذكر أو عن كل ما يجب التنزيه عنه فيدخل فيه ما ذكر دخولاً أوّلياً وقوله: كانوا مقرين لقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة الزمر، الآية: 38] ولكنهم كانوا مشركين مشبهين وحينئذ فأوّل ما يجب عليهم التكبير وتنزيهه عما ذكر. قوله: (بتقصيرها) وفي نسخة لتقصيرها وفي أخرى كتقصيرها والأولى أصح رواية ودراية فالأمر بتطهيرها كناية عن الأمر بتقصيرها والأمر الحقيقيّ مراد أيضا، أو هو مجاز عنه للزومه له وقد جمع مع الحقيقة لجوازه عند المصنف، والعادات المذمومة عند العرب أو الناس كلهم، وقوله: أو طهر نفسك الخ فتطهير الثياب كناية عن تطهير النفس عما تذم به وتهذيبها لأن من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 لا يرضى نجاسة ما يماسه كيف يرضى بنجاسة نفسه يقال: فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب ونقي الذيل والأردان إذا وصف بالسلامة من العيوب والأخلاق الرديئة. قوله: (فيكون أمرا باستكمال القوّة العملية الخ) استكمال القوّة من وثيابك فطهر على هذا التفسير فإنّ تطهير النفس عن المذمة لا يتيسر بدون الأعمال الشاقة والمجاهدة والرياضة حتى يتصفى عنه كما بين في علم الأخلاق، وقوله: باستكمال القوّة النظرية هو من قوله: وربك فكبر لأنّ تعظيمه بنعوت الجلال وتنزيهه عما لا يليق بكبريائه إنما يظهر لمن كان تام العقل كاملا في قوّة النظر، ولذا قال: بعد أمره فتدبر. قوله: (فطهر دثار النبوّة الخ) هذا على تفسير المدّثر بالمتدثر بالنبوّة والكمالات النفسانية كما في بعض الحواشي، ولذا أخره المصنف فالثياب هي الدثارات يعني آثار صفاته النفسانية الظاهرة عليه وأنوار النبوّة الساطعة من مشكاة ذاته ومن لم يفهم مراده اعترضر عليه بأنه لا يلائمه جمع ثيابك لأنّ الثياب حينئذ الصفات الملتبسة به التباس الثياب بلابسها فافهم. قوله: (واهجر العذاب الخ) فالمراد بالرجز هنا العذاب، وهجره عبارة عن هجر ما يؤدّي إليه من الشرك والمعاصي ولما كان المخاطب به النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بريء عن ذلك كان أمراً لغيره بطريق التعريض كقوله: إياك أعني فاسمعي يا جارة أو المراد الدوام على هجره وهو الذي عناه المصنف بقوله: بالثبات الخ فالرجز مجاز وقد أقيم مقام سببه، أو هو بتقدير مضاف أي أسباب الرجز أو التجوّز في التشبيه. قوله: (وقرأ يعقوب وحفص! والرجز بالضتم) يعني بضم الراء وهي لغة في المكسور وهما بمعنى، وهو العذاب وعن مجاهد أنه بالضم بمعنى الصنم وبالكسر العذاب. قوله تعالى: ( {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} ) فيه تفاسير للسلف فعن ابن عباس لا تعط عطية لتعط! أكثر منها، وعن الحسن والربيع لا تمنن بحسناتك على الله مستكثراً لها فتنقص عند الله وعن مجاهد لا تضعف عن عملك مستكثرا لطاعتك، وعن غيره لا تمنن بما أعطاك الله من النبوّة والقرآن مستكثراً به الأجر من الناس قال الرازي: وهو محتمل لها كلها فالوجه حمله على معنى عام شامل لها، وفيه نظر فقوله: ولا تعط مستكثراً على أنّ النهي عن المن بمعنى الإعطاء من من بمعنى أنعم والاستكثار على ظاهره والسين للطلب أي طالبا أكثر مما تعطي، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المتبادر منه فلذا قدّمه لأنه أقوى رواية ودراية، وقوله: نهى بصيغة المصدر وهو أولى أو الماضي المجهول والاستغزار استفعال من غزر بالغين والزاي المعجمتين، ثم راء مهملة بمعنى كثروا لاستغزار كما ورد في الحديث أن يهب هبة يريد بها عوضاً أكثر منها وهو مكروه وقد نهى عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: وهو الخ تفسير له، وقوله: في عرض المراد به متاع وشيء من أمور الدنيا. قوله: (نهي تنزيه) أي لا تحريم فإن كان النهي خاصاً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فالنهي للتحريم لأنّ الله تعالى اختار له أكمل الصفات، وأشرف الأخلاق فامتنع عليه أن يهب لعوض أكثر وهذا لم يصدر عنه حتى ينهى، ويحرم عليه فهو بعيد ولذا أخره المصنف رحمه الله، وقوله: لقوله الخ فإنه يدل على عدم النهي فما ورد يكون نهياً له خاصة، وهذا الحديث موقوف على شريح رواه ابن أبي شيبة، وقوله: الموجب له أي المقتضي للنهي عن الاستغزار ما ذكر والحرص ظاهر للطلب المذكور والضنة بكسر الضاد البخل لأنه لو كان كريماً لم يقصد بهبته عوضا. قوله: (أو لا تمنن على الله تعالى بعبادتك الخ (فمتعلقه مقدر وهو بعبادتك، والمن بمعنى تعداد الجميل من من عليه إذا ذكر صنيعه معه وا! جمن على هذا ليست للطلب بل للوجدان والمعنى وجده وعده كثيراً فإن أريد به استكثار الأجر فهي للطلب والأجر كالأجرة النفع الدنيوي. قوله: (وقرئ تستكثر بالسكون) وهو حال كما أشار إليه المصنف فالسكون للوقف حقيقة أو بإجراء الوصل مجراه، وقيل: تسكينه للتخفيف وليس جزما أو هو جزم على البدلية من تمنن المجزوم بلا الناهية، وهو بدل اشتمال لأنّ المن بمعنى الإعطاء أو تعداد الجميل يشتمل على عد. أو وجدانه كثيراً وأمّا كونه بدل كل من كل على اذعاء الاتحاد فتكلف مستغنى عنه. قوله: (على أنه من من بكذا الخ) كان عليه أن يفسره، والمراد أنه من المن بمعنى الاعتداد بما أعطى لا الإعطاء نفسه، وفيه لطف لأنّ الاستكثار مقدّمة المن فكأنه قيل: لا تستكثر فضلا عن المن كما في الكشف. قوله:) وبالنصب على إضمار أن) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 وأصله لا! تستكثره فقدر فيه أنّ واللام، وأنما صزج بإضمار أن لأنّ إضماره في مثل هذا على خلاف القياس فالمن بمعنى الإعطاء، وقوله: قرئ بها أي بأن ظاهرة وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه والرفع إذا كان بحذفها لا تكون الجملة حالية، وقوله: أحضر الوغى من بيت وهو: ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى وإن شهد اللذات هل أنت مخلدي وقد تقدم، وإن أحضر روي بالرفع والنصب، وقول أبي حيان أنه لا يجوز إلا في الشعر وفي صحة الحالية مندوحة عنه غير صحيح فإنّ المخالف للقياس بقاء عملها، وأمّا الحذف والرفع فلا محذور فيه، وقد أجازه النحاة. قوله: (ولوجهه أو أمره فاصبر) الظاهر أنّ الوجه هنا ليس بمعنى الذات إذ لا وجه لإقحامه بل المراد به التوجه إلى الله وقصد جهته وجانبه، وقوله: أمره أي لامتثال أمره، وقوله: فاستعمل الصبر إشارة إلى أنه هنا منزل منزلة اللازم والصبر تعريفه للجنس لا للاستغراق كما قيل لأنّ المصدر الذي يدل عليه الفعل لا عموم له كما صزج به في الأصول إلا أنّ عدم تقدير المتعلق يفيد العموم، إذ لو قصد تعلقه بأمر خاص قدر، وقوله: أو فاصبر الخ على تقدير متعلق له خاص به ولا عموم فيه كما توهم. قوله: (وأصله القرع الخ) يعني أنّ هذا أصله ومنه منقار الطائر لأنه يقرع به ولما كان الصوت يحدث بالقرع تجوّز به عنه، وأريد به النفخ لأنه نوع من الصوت، وقوله: لقاء للسببية لأنّ عسر ذلك اليوم ويسره سببه صبره على أذاهم فإنه يفضي إلى عسر ذلك اليوم على الكافرين، ويسره على المؤمنين في الخارج كما أشار إليه المصنف رحمه الله لا بحسب الوجود الذهني كما قيل. قوله: (اصبر على زمان صعب) صبر يتعدى بعلى كما في قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء} [سورة البقرة، الآية: 177] ومن غفل عنه قال: إن على فيه تعليلية وإن الأظهر أن يقول: بدله إلى زمان الخ والمراد بالزمان الصعب زمان مقاساة الأعداء في الدنيا، قال! في الأساس صبرت على ما أكره وصبرت عما أحب وصابرته على كذا انتهى. قوله: (وإذا ظرف لما دل عليه قوله فذلك الخ) فالمعنى إذا نقر في الناقور عسرت الأمور فإنّ ذلك اليوم عسير غير يسير، وقوله: وقت النقر يعني المفهوم من قوله: فإذا نقر، وقوله تعالى يومئذ بدله أي بدل من ذلك الواقع مبتدأ ولكنه مبنيّ على الفتح لإضافته للمبني فلذا لم يظهر أثر الإعراب فيه، وقوله: أو ظرف لخبره يعني يوم عسير خبر ذلك ويومئذ ظرف مستقر صفة للخبر فلما تقدم عليه صار حالاً فالتقدير كائنا يومئذ. قوله: (فذلك الوقت الخ) قيل إنه قدره هكذا ليصح كونه ظرفاً للخبر لئلا يكون الزمان ظرفاً للزمان فلذا قدّر مصدراً هو المظروف، وهو الوقوع والظاهر أن هذا تصوير للمعنى ببيان محصل المراد مته، وإن الوقت مرفوع صفة ذلك لأنه إشارة لوقت النقر كما صرّح به، وقوله: وقت وقوع الخ توجيه لتعلق يومثذ بالخبر لا أن فيه مضافا مقدراً، وقيل: إن المعنى ذلك بعد الظرفية والوقت منصوب على الظرفية ويومئذ عبارة عن وقت النقر والتصريح بلفظ الوقوع لإبراز المعنى والتفصي عن جعل الزمان ظرفا للزمان برجوعه إلى الحدث لا تقدير له في الكلام حتى يرد أن المصدر لا يعمل فيما قبله هذا ما قالوا، ولك أن تقول المراد بيومئذ يوم القيامة، وهو ممتد غير متناه ووقت النقر جزء منه فالمعنى، وذلك وقت النقر يوم عسير حال كونه في يوم القيامة فالظرفية من ظرفية الجزء في الكل فلا حاجة للفظ الوقوع انتهى وفيه نظر. قوله: (تثيد يمنع الخ الأنه لو لم يؤكد اقتضى ثبوت عسره في الجملة، ولو من وجه وهذا كما قرّره في قوله: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا} [سورة الكهف، الآية: ا] وقوله: يشعر بيسره على المؤمنين لأنّ قوله: على الكافرين خصوصاً إن جعل متعلقاً بيسير يفهم منه أنّ عسر. وشدته مخصوص بالكفرة، ولا حاجة إلى جعل على الكافرين متعلقا بيسير والاعتذار عن تقدم معمول المضاف إليه على المضاف بجوازه في غيره حملاً على لا ونحوه كما قيل. قوله: (نزل في الوليد بن المغيرة) قيل: من غير اختلاف فيه، وقوله: وحدي مأخوذ من السياق وهو إشارة إلى ما مرّ في قوله: ذرني والمكذبين، وقوله: معه بيان للمراد وايماء إلى كون الواو في قوله: ومن خلقت يجوز فيها العطف والمعية كما مرّ، وقوله: لم يشركني الخ أي لم يشاركني ويشرك من باب علم يعلم، والمقصود من ذكر تفرّده بخلقه إنه كاف للانتقام منه لما عرفت من كمال اقتداره، وقوله: ذم أي منصوب بأذم ونحوه مقدراً وقوله: كان ملقبا به أي لا إنه حدث له ذلك اللقب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 بعد نزول الآية كما هو أحد وجهيه، وقوله: إرادة بالنصب معطوف على قوله: تهكماً، وقوله: فإنه كان زنيماً أي دعيا لم يعرف نسبه للمغيرة حقيقة كما مرّ في سورة نون كما قيل: فأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وقوله: مبسوطاً كثيراً يعني أنّ الممدود تجوّز به عن الكثرة وهي إما له مع قطع النظر عن النماء كما في الوجه الأوّل أو بالنظر إليه كما في الثاني، وهذا هو الفرق بين الوجهين، والضرع أصل معناه الثدي، والمراد به الحيوانات التي تقتنى إما مجازا أو بتقدير ذوات الضرع. قوله:) حضورا الخ (فشهودا جمع شاهد بمعنى حاضر، والمراد إمّا الحضور مع أبيهم لعدم احتياجهم للسفر فيكون كناية عن كثرة النعم، ووفرة التبع والخدم أو مع الناس في المحافل فهو عبارة عن راسة بنيه كابيهم، وقوله: أسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام تبع فيه الزمخشري، وهو غلط سبقهم إليه كثير من المحدثين والمفسرين قال ابن حجر في الإصابة عمارة بن الوليد بن المغيرة ابن عبد الفه بن عمر بن مخزوم استدركه ابن فتحون وعزاه لمقاتل فإنه قال في تفسيره في قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [سورة المدثر، الآية: 11] قال نزلت في الوليد بن المغيرة كان له من الولد سبعة فأسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام كدّا قال: وأورده الثعلبيّ في تفسيره عن مقاتل، والصواب خالد وهشام والوليد فإما عمارة فإنه مات كافراً لأنّ قريشا بعثوه للنجاشي فجرت له معه قصة فأصيب بعقله وهام مع الوحش وقد ثبت أنه ممن دعا النبيئ لمجيرو عليهم من قريش لما وضع عقبة بن أبي معيط سلى الجزور على ظهره، وهو يصلي انتهى. قوله: (حتى لقب ريحانة قريش) يعني أنّ التمهيد في الأصل التسوية والتهيئة، ويتجوّز به عن بسطة المال والجاه وهو المراد هنا كما يقال: زاد الله تأبيده، وتمهيده لأنّ الوليد كان كذلك، ولذا كانت العرب تسميه ريحانة قريش لأنّ الريحان في الأصل نبت حسن طيب الرائحة وتجوز به عن الرزق الطيب، والولد الحسن فأمّا تسمية الوليد بريحانة فكناية عن كثرة غناه ونضارة حاله الرائقة في الأعين منظراً ومخبرا، وريحانة منصوب بنزع الخافض والوحيد معطوف عليه. قوله: (أي باستحقاق الرياسة) يعني مرادهم بالوحيد الملقب المنفرد بما ذكر، وأنما فسره به لئلا يتوهم بوحده في الشرارة وكونه دعيا كما مرّ تريبا. قوله: (وهو استبعاد لطمعه) يعني ثم ليست للتراخي هنا لأنّ طمعه في حال التمهيد وما معه لا بعده بمدة، والاستبعاد غير التفاوت الرتبي بل عد الشيء بعيدا غير مناسب هنا لما عطف عليه كما تقول: تسيء إليّ ثم ترجو إحساني فتنزل البعد المعنوي منزلة البعد الزماني، ومثله كثير وضمير لأنه للشأن واستبعاده وكونه غير لائق إما لزيادة ما أنعم الله به عليه أو لكفره وكفرانه فإنّ كلا منهما مناف لطلب المزيد لأنه إمّا من قلة أو بالشكر، وقوله: ولذلك إشارة إلى الوجه الثاني فإنه يؤيده دون الأوّل فإنه لا يناسبه، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بعينه ما في الكشاف لا فرق بينهما كما توهم، وقوله: لا مزيد على ما أوني لأنه بلغ النهاية فلا يقبل الزيادة بالنسبة لحاله، وحال أمثاله لا أنه كذلك حقيقة أو كناية عن الغنى التام، وقوله: لأنه الضمير للطمع. قوله: (ردع له عن الطمع الأنها حرف ردع وزجر عند سيبويه والخليل وجمهور النحاة وما بعده جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لتعليل ما قبله لا نحوبا كما توهم كأنه قيل: لم زجر عن طلب المزيد وما وجه عدم لياقته، وقوله: بمعاندة آيات المنعم متعلق بقوله: تعليل، والآيات إما دلائل توحيده أو الآيات القرآنية، والمناسبة وما بعده صفة لمعاندة، وقوله: قيل الخ تأييد لما قبله من المنع عن الزيادة ومناسبة الزوال. قوله: (ساغشيه الخ) بيان لمنطوق اللفظ، وحقيقته وقوله: وهو مثل الخ بيان للمعنى المراد منه، وقوله: ساغشيه أي أجعله غاشيا لها أي آتياً من غشاه إذا أتاه، وأغشيه أفعال أو هو بالتشديد من التفعيل، ومعنى كونه مثلاً أنه شبه ما يسوقه الله له من المصائب بتكلف الصعود في الجبال الوعرة الثاهقة وأطلق لفظه عليه فهو اسنعارة تمثيلية. قوله ة (وعنه الخ) رواه الترمذيّ والحاكم وقوله: سبعين خريفاً أي عاماً ونقل عن الزمخشريّ أنّ الخريف آخر السنة فيه تثمر الثمار، وتدرك ولهذا سمي خريفا كالإنسان إذا بلغ آخر عمره فإنه قد يخرف يعني إنه سمي به آخر السنة تشبيها له بآخر العمر الذي من شأنه أن يقع فيه الخرف، وفيه تشبيه ضمنيّ للحواس الظاهرة، والباطنة بثمار الرياض المنتفع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 بها ومن لم يفهم المراد منه اعتراض عليه بعدم المناسبة بين الخرف، وهو فساد العقل واختراف الثمار بمعنى اقتطافها وهذا بناء على أنّ زمن الشتاء ابتداء السنة وأهل النجوم يعتبرونه من الربيع، وقوله: يصعد بصحيغة المجهول من التفعيل لما في القاموس من أنه يقال: صعد في الجبل وعليه تصعيداً، ولا يقال: صعد في الجبل مخففاً بل صعده وهذا خلاف ما يتبادر من تعدي المخفف ولزوم المشدد، وقوله: ثم يهوي أي يسقط أو ينزل وقوله: كذلك أي سبعين خريفاً أي عاما، وقوله: أبداً قيد للصعود والنزول. قوله: (تعليل للوعيد) هو قوله: سأرهقه فتوعده لما ذكر وقوله: أو بيان للعناد جملة مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وما بينهما اعتراض وتفس! ر بالبدل خلاف الظاهر، وقوله: فيما يخيل طعناً أي ما يوهم الناس من طعن فيه فطعنا تمييز أو مفعول له ويخيل بصيغة المعلوم أو المجهول. قوله: (تعجب من تقديره استهزاء به) التعجب من كيف لأنّ الاستفهام يكون له كما في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [سورة البقرة، الآية: 28] ومن قتل لأنه كقولهم قاتله الله دعاء في الأصل تجوّز به للتعجب، وقوله: استهزاء به يعني أن التعجب للاستهزاء، والتهكم لأنّ التعجب يكون لحسن الشيء وضده وقوله: أو لأنه أصاب الخ فيكون تعجباً من إصابته لغاية ما يمكن أن يقال من مثله، وقوله: بلغ في الشجاعة الخ هذا وجه استعماله، وهو دعاء عليه في التعجب فهو كناية. قوله: (فإن له الحلاوة الخ) تعليل لكونه غير مجانس لكلام الإنس ولا لكلام الجن والحلاوة واستعارة لفصاحته وأنسجامه والطلاوة مثلثة الطاء الرونق والحسن الداعي للقبول، وقوله: أعلاه لمثمر يعني به أنّ لفظه فصيح على تشبيه اللفظ بما على الرياض والأشجار من الأوراق والثمار والقضبان التي تظهر عليه، وأسفله معناه المستتر تحته ومعنى مغدق أصابه الغدق وهو المطر لأنه إذا كثر سري لعروقه، وهو غاية النهاية في الريّ الموجب لكونه نضرا مورقا مثمراً أو المراد بأعلاه ما يتبادر منه لفظا ومعنى وبأسفله ما يترتب عليه من السدإد والصلاج لكونه حقا، ولذا قال: ليعلو ولا يعلى لأنه صفة الحق أي يفوق كل كلام ولا يفوقه كلام أبدا، ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية لتشبيه القرآن ومعناه برياض مورقة مثمرة جادها الغيث أو بشجرة فيكون ناظرا لقوله: {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} [سورة إبراهيم، الآية: 24] الآية. قوله: (صبأ) بالهمزة معناه خرج من دين إلى آخر وكانت قريش تقوله لكل من أسلم وقوله: أكفيكموه ضمير الخطاب المجموع لقريش، وضمير الغيبة للوليد أي أرده وأمنعه عن ميله الإسلام لأنهم خافوا أن يسلم فتتبعه قريش كلها، وقوله: بما أحماه بالمهملة أي أغضبه لما في الغضب من ثوران الحرارة الغريزية، وقوله: فقام أي الوليس من عند أبي جهل، وقوله: فناداهم أي نادى الوليد قريشاً وقوله: يخنق أي يصرع من الجنون فإنهم كانوا يتوهمون أن الجن تخنقه وقوله: يتكهن يعني فعل إفعال الكهنة ويقول: أقوالهم فإنّ لهم طريقة معروفة عندهم، وقوله: يفرق بين الرجل وأهله لأنه يوهم مفارقة من ذاق حلاوة الإيمان لأهله وماله ووطنه بسحر منه، وقوله: متعجبين منه أي مما قاله الوليد لأنه أزال الشبهة وأتى بما هو الغاية عدهم. قوله: (تكرير للمبالغة) في التعجب منه كما هو معتاد ممن أعجب غاية الإعجاب أنه يكثر من التعجب ويكزره، وقوله: على أنّ الثانية أبلغ من الأولى أي الجملة الثانية أبلغ في التعجب من الأولى للعطف بثم الدالة على تفاوت الرتبة فكأنه قيل: قتل بنوع ئا من القتل لا بل قتل بأشده وأشده، ولذا ساغ العطف فيه مع أنه تأكيد، وقوله: على أصلها أي مستعملة في معناها الوضعيّ، وهو التراخي الزماني مع مهلة. قوله: (في أمر القرآن (بقرينة قوله: قبله لآياتنا، وقوله: مرّة بعد أخرى لأنّ النظر هنا بمعنى الفكر وقد تقدم أنه فكر فيه فيفيد هذا تكرير.، وقوله: قطب وجهه أصل معنى قطب جمع يقال: قطب ما بين عينيه ولما كانت هيئة المعبس كذلك قيل له: مقطب، وقوله: اتباع لعبس يعني أنه مؤكد له كما يؤكد الاتباع في نحو حسن بسن ما أتبع به بناء على أنّ البسور إظهار العبوس، أو أشدّه من بسر إذا تجض ما بين عينيه كراهة للشيء حتى اسوذ وجهه منه هذا غاية ما يمكن في توجيهه إذ ليس من الاتباع المصطلح في شيء لتغاير معنييهما مع العطف، وقد صرّحوا بأنه لا يكون مع العطف لأنه نوع من التأكيد وقيل: البسور استعجال الشيء قبل أوانه ومنه البسو. قوله: (عن الحق) على الوجه الأوّل في تفسير نظر وعبس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 وقوله: أو الرسول على الوجه الثاني، وقوله: عن اتباعه أي الحق أو الرسول على الوجهين، وقوله: يروي ويتعلم لقوله: أخنه من سحرة بابل، وقوله: عن غير تلبث أي توقف وفي نسخة تثبت وهما بمعنى فالفاء للتعقيب من غير مهلة ولا مخالفة فيه لما مر من الرواية كما توهم حتى يحتاج إلى توجيه. قوله: (كالتثيد للجملة الأولى) لأنّ المقصود منهما نفي كونه قرآناً ومن كلام الله وإن اختلفا معنى، ولذا لم يجعلها تأكيدا، وقولة: بدل من سأرهقه الخ على المعنيين، وهو بدل اشتمال لاشتمال سقر على الشدائد وعلى الجبل من النار فلا إشكال فيه على الثاني كما قاله المعرب: وقوله: تفخيم أي تهويل وتعظيم لشأنها كما يفيده الاستفهام الدال على أنها مما لا يدرك حقيقته ويفهم مثله، وقوله: بيان لذلك الإشارة لتفخيم شأنها أو لشأنها فالجملة مفسرة أو مستأنفة. قوله: (والعامل فيها معنى التعظيم) أي أعظم سقر وأهوّل أمرها حالة كونها مفنية لكل ما يلقى فيها وأنما جعل العامل معنويا مأخوذا من الكلام كما ذهب إليه أبو البقاء لأن سقر مبتدأ أو خبر ولا تجيء الحال منه لأنه الابتداء عامل ضعيف لا ينصب الحال، وأنما يجوزون مجيء الحال منه في مثل هذا فتدبر وقوله: لا تبقى على شيء يلقى فيها يشير إلى أن المفعول محذوف أي لا تبقى ما يلقى فيها، ولا تذره أي تفنيه وتهلكه. قوله: (مسوّدة لأعالي الجلد) على أنه من لوّحته الشمس إذا سودت ظاهره وأطرافه قال: يا ابنة عمي لاحني الهواجر والبشر إمّا اسم جنس بمعنى الناس أو جمع بشرة وهي ظاهر الجلد والى الثاني يشير تفسير المصنف رحمه الله تعالى له بأعالي الجلد أو من لاح بمعنى ظهر والبشر بمعنى الناس لا غير كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وعلى الأول يحتمل أيضا أن يكون البشر بمعنى الناس، ولو فسر به كلام المصنف رحمه الله تعالى على أنه بيان لحاصل المعنى صح أيضا لكنه خلاف الظاهر قيل: والصواب أن يفسر بالثاني لأنه لا يصح وصفها بتسويدها لظاهر البشرة مع قوله: {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ} الصريح في الإحراق والإفناء لما يلاقيه وأجيب بأنها في أول الملاقات تسوّده، ثم تحرقه وتهلكه أو الأوّل حال من دخلها وهذا حال من يقرب منها فلا منافاة بينهما، وأمّا القول بأنه لا دلالة على أنها تفنى بالكلية أو الإفناء بمعنى التسويد فمما لا ينبغي أن يسود به وجه الطرس، وقوله: على الاختصاص فنصبه بأخص أو أعني مقدراً، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة من ضمير تبقى أو تذر ومن سقر والعامل ما مرّ. قوله: (ملكاً الخ) فالمعدود أفراد أو صنوف أو صفوف، والأول هو الظاهر الموافق لسبب النزول، وقوله: والمخصص لهذا العدد إن لم نقل إنه مما لا يعلم حكمته إلا الله فلا يبين ولا يسئل عنه كالأمور المشتبهة وهو الظاهر لأنّ ما ذكر تكلف وهو مأخوذ من التفسير الكبير، وقوله: في النظر يعني به الإدراك والعمل ما يصدر عنه مطلقاً. قوله: (القوى الحيوانية الخ) الحيوانية ما تختص بالحيوان وهي قسمان مدركة وفاعلة فالمدركة، وهي ما له دخل في الإدراك الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة المفصلة في محلها والفاعلة إمّا باعثة كالغضبية والشهوية، أو محركة وبهما تتم اثنتا عشرة والطبيعية التي لا تختص بالحيوان ثلاث مخدومة وهي الغادية والنامية والمولد، وأربع خادمة وهي الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة على ما بين في الطبيعيات من الحكمة، والمصورة مندرجة في المولدة وليستا مستقلتين وليس هذا محل تفصيله، وكان على المصنف رحمه الله تعالى أن لا يذكر هذا لابتنائه على الفلسفة فلا يليق تفسير كلام الله تعالى بمثله ولكنه كثيرا ما يقتدى بالإمام، وقوله: اختلال النفوس الخ أراد بالاختلال فساد العقائد وبطلان الأعمال. قوله: (يعذب بترك الاعتقاد الخ (فتضرب هذه الثلاثة في الستة تصير ثمانية عشر، وهي مع ما للمسلمين تسعة عشر وقوله: ملك أو صنف لف ونشر على التفسيرين للعدد السابق. قوله: (خمسة منها الخ) فلم يخلق في مقابلتها زبانية ببركة الصلاة الشاملة لمن لم يصل فلا يلزم اختصاص العدد بالمصلين كما توهم، وقوله: بأنواع من العذاب متعلق بقوله: يؤاخذ وقوله: يتولاها صفة أنواع، ويؤاخذ به أي بسببه هو الذنوب. قوله: (بسكون العين) هو لغة فيه وجهها ما ذكر وقوله: كل بالتنوين وعشير جمع بالإضافة أي نقيب جماعة من الملاثكة وقوله: يستروحون إليهم يقال: استروح، واستراح بمعنى وجد راحة أي لا يستريحون بالركون إليهم، وقوله: فنزلت أي للدلالة على أنهم ليسوا بما يعرفون، ويقدرون على مقاومتهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 والمراد يسكنون ويطمئنون. قوله: (وما جعلنا عددهم الخ) أي ما جعلنا عدد أصحاب النار المحتمل لأن يكون تسعة عشر فلا يلزم الفساد لحصر الشيء في نفسه، وكون مفعولي الجعل شيئا واحداً وهما متغايران لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر فالجعل باعتبار تحقق العامّ في ضمن الخاص وسقط أيضاً ما قيل: إن الجعل من دواخل المبتدأ والخبر فما يترتب عليه يترتب عليه باعتبار نسبة أحد المفعولين للآخر كقولك: ما جعلت الحديد إلا فأساً لأقطع به فكيف يصح جعل عدتهم فتنة للاستيقان، والازدياد لأنّ المراد ما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا أنه عبر عنه بأثره فافهم. قوله: (فعبر بالأثر عن المؤثر) الأثر هنا عبارة عن الفتنة والمؤثر خصوص التسعة عشر لأنه سبب لافتنانهم بما ذكر وقوله: تنبيها الخ يعني أنّ الأثر هنا لعدم انفكاكه عن مؤثره لتلازمهما كانا كشيء واحد يعبر باسم أحدهما عن الآخر لأنه المتبادر منه، وإن كان إفضاؤه إليه في الجملة كافياً في صحة التجوز فلا يرد عليه أنه ليس عدم الانفكاك شرطا فكيف يحصل التنبيه منه. قوله: (ولعل المراد الجعل بالقول الخ) فإنّ الجعل يكون بمعنى التسمية والإطلاق كقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [سورة الزخرف، الآية: 19] وأنما أخرج الفتنة عن الظاهر ليصح تعلق قوله: ليستقين بجعلنا ومعنى الفتنة في الحقيقة الجعل على هذا العدد لا العدد فنسبته إليه مجازية، وقوله: ليحسن تعليله دون ليجوز إشارة إلى صحته لو أبقى على ظاهره لأنّ سبب ما ذكر القول وسبب القول جعلهم كذلك وتصييرهم فهو السبب البعيد، والشيء كما يسند لسببه البعيد يسند لسببه القريب لكن الثاني أولى، وأما كون اللام ليست على حقيقتها عند أهل السنة فغير صحيح عند أهل الحق. قوله: (ليكتسبوا اليقين) يعني أنّ السين في الأصل للطلب تجوّز بها هنا عن الكسب لأنّ الطالب للشيء كالمكتسب له فيطلق ما يدل على أحدهما على الآخر بطريق الاستعارة فليس فيه إشارة إلى أنّ السين للطلب كما قيل، وقوله: لما بفتح اللام وتشديد الميم أو بكسرها. وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية. قوله: (بالإيمان (متعلق بيزداد يعني الإيمان بما تضمنته الآيات من عدتهم فإنهم يصدقون بكل ما جاء به القرآن فهذا زيادة في إيمانهم التفصيلي، أو إذا رأوا تصديق أهل الكتاب زاد إيمانهم قالوا: وهو في الأول زيادة في الكم وفي هذا زيادة في الكيف. قوله: (وهو تثيد للاستيقان) لأنّ من استيقن وزاد إيمانه لا يرتاب وللتنصيص على ذلك لم يقل، ويرتابوا لاحتمال عوده على المؤمنين فقط وقوله: ونفى الخ يعتي أنّ اليقين قد يكون المقدمات دقيقة، وأمور ربما غفل عنها المتيقن فاعترته شبهة ما فلذا أكد بهذا نفيا لهذا الاحتمال أي هو يقين وايمان جازم لا يعتريه شبهة أصلا ولما فيه من هذه الزيادة جاز عطفه على المؤكد بالواو لمغايرته له في الجملة على ما قرّر في المطول في قوله: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 6] فسقط ما قيل من أنه لا وجه للعطف إلا أن يحمل على أنّ المراد أنه كالتأكيد فإنه من باب الطرد والعكس وهو كل كلامين يقرّر منطوق أحدهما مفهوم الآخر وبالعكس، وقوله: حيثما إما للظرفية أو للتعليل. قوله تعالى: ( {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ) أعاد اللام فيه للفرق بين العلتين فإنّ الأوّل من الهداية المقصودة بالذات وهذه بالعرض الناشئ من سوء صنيع الضالين، وتعليل أفعاله تعالى بالحكم والمصالح جائز عند المحققين وإن قيل في هذه اللام إنها للعاقبة أيضا، وقوله: فيكون إخباراً الخ وهذا على الوجه الثاني جواب عما يقال: إن هذه السورة مكية والنفاق إنما حدث بالمدينة فكيف يذكر فيها بأنه إخبار عما سيحدث من المغيبات. قوله: (ماذا أراد الله) ذا موصولة وما استفهامية أو ماذا مجموعه اسم استفهام ويبنى عليه الوجهان في إعرابه كما مرّ تفصيله وعلى الثاني كلام المصنف هنا، والمثل له معنيان أيضا ما شبه مضربه بمورده أو الأمر المستغرب، وكل نهما جائز كما ذكره المصنف وقوله: أراد الله إما من الحكاية وهم قالوا: ما أريد ونحوه أو من المحكي، ونسب لله استهزاء وتهكما منهم، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه يقتضي أنهم نسبوه لله حقيقة وهو بعيد جدا كما قيل، وفيه نظر لجواز كونه عدوه مثلا لاستغرابه ونسبته لله تعالى على ما مرّ. قوله: (مثل ذلك المذكور من الإضلال (يعني أن المقصود تشبيه ما مرّ من الإضلال بهذا في طريقته العجيبة وقس عليه الهدى، ويجوز أن تكون الإشارة لما بعده كما في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] لما مرّ تحقيقه في البقرة فتذكره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 قوله: (جموع خلقه على ما هم عليه) بأن يعلم تفاصيل أحوالهم، وأنما فسره به ليفيد ا. لحصر ويتضح معناه ولذا فسره الزمخشري أيضاً بقوله: ما يعلم ما عليه كل جند من العدد الخاص به، وكونه من العقود التافة أو الناقصة، وهكذا كل المقادير التي قدّرها في الحدود وغيرها وهو أنسب بما قبله والمصنف لم يذكره لأنه مخالف لمذهبه في المقادير الشرعية إذ ينبني عليه عدم جري القياس فيها، وهو مذهب الإمام الأعظم. قوله: (إذ لا سبيل لآحد الخ) بيان لأنّ حصر علمها فيه باعتبار مخصوص لا مطلقا لأنّ الناس يعلمون بعض جنود ما، وقوله: وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه أي بحمسب ما قدره الله، وما اقتضته حكمته أو بحسب ما جرت به الأمور العادية إذ لا شرطية ولا علية بين الموجودات، وقوله: من كم ككون الزبانية تسعة عشر، وكيف كطبائع الأشياء حرارة وبرودة ونفعاً وضرّا والاعتبار قيل إنه الصفات العدمية والنسبة الصفات النسبية، وكان حقها أن تقدم ولا حاجة لتفسيره الاعتبار بما ذكر إذ لك أن تفسره بكل ما يعتبر في الأشياء من الأمور الطارئة عليها مطلقا. قوله تعالى: ( {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} (بينه وبين البشر السابق تجنيس تام لأنه جمع بشرة، وقد قال في الإتقان لم يقع في القرآن إلا في مواضع، ولم يعد هذا منها فاعرفه، وقوله: وما سقر قيل: هو معطوف على قوله: سأصليه سقر، وما بينهما اعتراض ردّ الطعن الكفرة وقوله: أو عدة الخزنة ووجه التذكير فيها والعظة أنه تعالى في خلقه ما هو في غاية العظمة حتى يكون القليل منهم معذباً ومهلكاً لما لا يحصى تأبيده فما بالك بعظمة ذاته جل، وعلا والتذكير في السورة ظاهر. قوله: (رع لمن أنكرها) أي سقر أو العدّة أو السورة بإنكار كونها كلام الله تعالى، وقوله: أو إنكار الخ على أنه رد لقوله ذكرى للبشر ولا يناقض ما قبله من إثبات التذكرة لها على جهة الحصر كما قيل: لا لأنها ذكرى لبعضهم وبعضهم يعرض عنها باختيار. كما قال: فما لهم عن التذكرة معرضين بل لأنّ شأنها أن تكون مذكرة لكل أحد، ومن لم يتذكر لغلبة الشقاء عليه لا يعد من البشر ولا يلتفت لعدم تذكره كما أنّ حلاوة العسل لا يضرها كونها مرة في فم منحرف المزاج المحتاج إلى العلاج فتذكره. قوله: (كقبل بمعنى اقبل) والمعروف فيه المزيد ولكن الثلاثي حسن هنا لمشاكلة الفواصل، وقوله: على المضي لأنّ إذ ظرف لما مض فهي المناسبة للفعل الماضي وإذا للمستقبل والماضي هنا للتحقق أو هي تقلبه مستقبلاَ. قوله: (البلايا الكبر) أي العظيمة الكثيرة وهذه واحدة منها يعني ما لهم غير محصور فيها بل تحل بهم بلايا غير متناهية أو هذه أعظمها كما يقال أحد الأحدين، وهو واحد الفضلاء أو إحدى دركات النار الكبر السبع لأنها جهنم ولظى، والحطمة وسقر والسعير والجحيم والهاوية، واختار المصنف الأوّل والزمخشريّ الثاني، وصاحب التيسير الثالث قيل: والأوّل أرجح وأنسب بالمقام. قوله: (إلحاقاً لها بفعلة) لأنّ المطرد جمعه على فعل فعلة دون فعلى فنزلت الألف منزلة التاء، والقاصعاء بالمدّ حجر اليربوع وفاعلة تجمع على فواعل باطراد فحمل فاعلاء عليه لاشتراك الألف والتاء في الدلالة على التأنيث وضعا، وقوله: جواب القسم وهو والقمر الخ أو القسم لمجرّد التأكيد غير محتاج للجواب أو جوابه مقدر يدل عليه كلا. قوله: (أو تعليل لكلا) قيل: القسم على كون كلا إنكاراً لأنّ يتذكروا بها والتعليل على أنه رح لمن أنكر قيل، وفيه إنّ قوله: إنها لإحدى الكبر كيف يكون تعليلاً لرح من ينكر أنها إحدى الكبر، وليس بشيء وإن ظن إنه وارد على الكشف لأنه منكر لذاتها لا لوصفها بما ذكر فتأمّل، وقوله: لإحدى الكبر إنذار إشارة إلى أنّ النذير على هذا بمعنى الإنذار مصدر، وقوله: عما دلت عليه الجملة لم يجعله منها لما في مجيئها من المبتدأ والخبر عند النحاة وهو مصدر مؤوّل بالوصف أو وصف بمعنى منذرة، ولم يؤنث لما مرّ في أنّ رحمة الله قريب من المحسين. قوله: (بدل من للبشر) أي الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور لا المجرور مبدل من المجرور لإعادة الجار لأنه تكلف مستغنى عنه وقوله: للمتمكنين الخ أوّل به لأنّ الإنذار غير مناسب لمن يتقدم والمراد المتمكنين من فعل الخير وتركه قبل مباشرته، وقوله: أو لمن شاء خبر الخ فالمعنى لمن شاء التقدّم والتأخر أي السبق للإيمان، والتخلف عنه فيكون بمعنى الآية المذكورة، وفيه بعد ولذا أخره المصنف، وقول أبي حبان إنّ اللفظ لا يحتمله غير مسلم. قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 (كالرهن) فإنه مصدر بمعنى المفعول في أكثر استعمالاته، وقوله: لقيل رهين لأنّ فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر، والمؤنث في الأصل واختير المصدر مع موازنة الرهين لليمين، وكونه حقيقة غير محتاج للتأويل لأنّ المصدر هنا أبلغ فهو أنسب بالمقام فلا يلتفت للمناسبة اللفظية فيه، وكون فعيل صفة على خلاف القياس أو مما غلب عليه الاسمية كالنطيحة أمر آخر، ولكل أن يختار ما يختار فلا وجه لاعتراض أبي حيان على الزمخشري به، وقوله: أطلقت ظاهر وفي نسخة أطلق باعتبار المصدر. قوله: (وقيل هم الملانكة) فإنهم غير مرهونين بديون التكاليف كالأطفال، ومرضه لأنّ إطلاق النفس على الملك غير معروف ولأنهم لا يوصفون بالكسب أيضا، وقيل: لأنه يقتضي اختصاصهم باليمين والأول أولى، وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أنه استثناء متصل وعلى الأخير يجوز في الاستثناء الاتصال والانفصال بناء على أنّ الكسب مطلق العمل أو ما هو تكليف، وفي قوله: أو الأطفال مقدر أي، وقيل: وتركه لظهور أنه ليس مع ما قبله قولاً واحداً فلا غبار عليه. قوله: (لا يكتته وصفها) يشير إلى أنّ تنوينه للتعظيم، ويكتنه بمعنى يدرك كنهه، وقد تقدم أنه غير مولد وأنه ثابت في اللغة، وقوله: أو ضميرهم فقدّم للفاصلة وقوله: أي يسأل بعضهم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها والبعض إمّا عبارة عن شخص أو جماعة والظاهر أنه غير منظور فيه لذلك، وقوله: أو يسألون غيرهم الخ فليس للمفاعلة الحقيقية، ولكنه أريد به الدلالة على كثرة المسند إليه وتعدده فإنّ التفاعل يرد للتكثير أيضاً واليه أشار بقوله: كقولك تداعينا وهو منقول عن الزمخشريّ في شرح الكشاف. قوله: (بجوابه) بيان لارتباطه بما قبله أي هذا سؤال بجوابه، وقع حكاية لما جرى بين المؤمنين المسؤولين والمجرمين أجاب بعضهم بعضا بها أي لما سألوا أصحابهم عن حال المجرمين قالوا لهم نحن سألنا المجرمين عن ذلك، وقلنا لهم: ما سلككم في سقر فقالوا لنا في الجواب لم نك من المصلين وكان يكفي أن يقال حالهم كيت وكيت لكن هذا أثبت للصدق، وأدل على حقيقة الأمر ففيه مقدر ومثله من الإيجاز كثير في القرآن، والتقدير ظاهر قيل: والأظهر أنه بيان للتساؤل والتقدير يتساءلون المجرمين عنهم لا يتساءلون عن حال المجرمين، وهو أقرب من إضمار القول من غير قرينة، ولا يخفى تكلفه وبعده وأقرب من هذا كله أن يقدر قائلين بعد ذلك للمجرمين وكونها حالاً مقدرة إن لم يعتبر امتداد زمان التساؤل سهل، وتقدير ويقولون لا يناسبه قالوا في الجواب لما فيه من الركاكة الظاهرة. قوله: (ما يجب إعطاؤه (إشارة إلى أن المراد بالإطعام الإعطاء وأنه مخصوص بالواجب لأنه الذي يقتضي تركه العذاب، وقوله: مخاطبون بالفروع المراد بالفروع ما عدا الإيمان من العمل لأنهم مخاطبون به بلا خلاف كالعقوبات، والمعاملات أما العبادات فاختلف فيها فالدّاهبون إلى أنهم مخاطبون بها استدلوا بهذه الآية فإنهم جعلوا عذابهم لترك الصلاة فلو لم يخاطبوا بها لم يؤاخذوا وتفصيل المسألة في أصول الفقه، فإن قلت إنه لا خلاف في المؤاخذة في الآخرة على ترك الاعتقاد فيجوز أن يكون المعنى من المعتقدين للصلاة ووجوبها فيكون العذاب على ترك الاعتقاد، وأيضاً المصلين يجوز أن يكون كناية عن المؤمنين وأيضا هو من كلام الكفرة فيجوز كذبهم أو خطؤهم فيه، قلت: ما ذكرت عدول عن الظاهر يأباه قوله، ولم نك نطعم المسكين الخ والمقصود من الآية تحذير غيرهم فلو كان كذباً أو خطأ لم يكن في ذكره فائدة. قوله: (نشرع في الباطل الخ (إما على أنه من استعمال المقيد في المطلق أو الاستعارة لأنّ الخوض ابتداء الدخول في البحار والأنهار، وقوله: أخر. لتعظيمه الخ جواب عن أنه كان ينبغي تقديمه لأنه أعظم الذنوب بأنه أخره لتعظيمه فإنّ المعظم قد يؤخر كما في قوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البلد، الآية: 17] والمعنى كنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم القيامة، وقوله: الموت الخ ويجوز أن يراد العذاب الموعود به، وقوله: لو شفعوا لهم يعني أنه على الفرض، ولا شفاعة وقد تقدم أنه من قبيل: ولا ترى الضب بها يحجر وحمل تعريف الشافعين على الاستغراق لأنه أبلغ وأنسب بالمقام. قوله:) معرضين عن التذكير) إشارة إلى أنّ التذكرة مصدر بمعنى التذكر وأنّ الجار والمجرور مقدم من تأخير للفاصلة، والحال هنا من الضمير في الخبر وهي لازمة وهي المقصودة من الكلام ولها مع الاستفهام في ماله وما باله شأن خاص وجملة كأنهم حالية أيضا، وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 بحمر جمع حمار والمراد حمار الوحش لأنه موصوف بالنفار وشذة الفرار لا سيما من الأسد، وقوله: وهو القهر لغيره لشذة افتراسه، وقوله: نافرة بيان لحاصل معناه وقيل: فعل بمعنى استفعل كعجب واستعجب والأحسن أنه للمبالغة كأنها لشدة العد وتطلب النفار من نفسها كما في الكشاف. قوله: (قراطيس تنثر وتقرأ) يشير إلى أنّ المراد بكونها منشورة أن تفتح لتقرأ لا بمعنى غضة طرية كما قيل: ولا مفرقة، وقوله: لا لامتناع إيتاء الصحف يعني يرون أن إعراضهم لعدم مقترحهم فردّه الله به بأنه ليس كذلك بل لعدم الخوف المذكور، وقوله: فمن شاء أن يذكره إشارة إلى أنّ مفعول المشيئة مقدر من جنس الجواب، وقوله: وأي تذكرة إشارة إلى أن تنكيره للتعظيم والتفخيم. قوله: (وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة الله (بالذات أو بالواسطة وهو رد على المعتزلة، وحملهم ذلك على مشيئة القسر والإلجاء خروج عن الظاهر، وقوله: بالتاء أي على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وهي رواية شاذة عنه، وقوله: بهما وفي نسخة بها أي بتشديد الذال والكاف من باب التفعيل، وقوله: حقيق بأن يتقي فالتقوى مصدر من المبني للمفعول بخلاف المغفرة وضمن يغفر معنى يكرم فلذا عداه بنفسه دون اللام، وقوله: سيما المتقين منهم أشار به إلى الجواب عما في الكشاف، وقوله: وعن النبيئ عتيرر حديث موضحوع، وقوله: بمكة لنزولها بها تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على أفضل مخلوقاته وعلى آله وأصحابه أجمعين. سورة القيامة لم يختلف في مكيتها واختلف في آياتها فقيل: أربعون وقيل: تسع وثلاثون. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (إدخال لا النافية) بحسب الوضع وإن كانت زائدة على احتمال هنا للتأكيد كما ذكره المصنف رحمه الله وهذا بناء على أنها تزاد مطلقاً أو مع القسم في ابتداء الكلام والجملة وقد قيل إنها لا تزاد، إلا في حشو الكلام ووسطه، ورد بأنّ السماع على خلافه فإنها زيدت في أوائل القصائد كثيراً فلا حاجة إلى الجواب عما هنا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة وفيه وجوه أخر مرّت مفصلة. قوله: (فلا وأبيك ابنة العامريّ لا يدعي القوم إتي أفر) هو لامرى القيس من قصيدة وبعد.: تميم بن مر وأشياعها وكندة حولي جميعاصبر وقوله: لا أقسم على أن اللام لام ابتداء وأقسم خبر مبتدأ محذوف أي لأنا أقسم وقد تقدّم ما فيه أيضاً فتذكره. قوله: (بالنفس المتقية (فسرها بالنفس المتقية لأنّ القسم بشيء خصوصاً من الله يقتضي تعظيمه والنفس الفاجرة لا وقع لها فلا يقسم بها، وقوله: تلوم النفس إشارة إلى أن التشديد فيه للمبالغة بكثرة المفعول فهي في الكم، وقوله: تلوم نفسها أبدا أشار بقوله: أبداً إلى أن المبالغة في الكيف باعتبار الدوام، وقوله: المطمئنة تفسير آخر للوّامة وفيها وجوه أخر بعضها من اصطلاح الصوفية فقيل: هي فوق المطمئنة، وهي التي ترشحت لتأديب غيرها وقيل: هي الإمارة وكل نفس عبارة عن نفس الإنسان ، وهو يتصف بصفتها وقد يثبت لإنسان واحد أنفساً بجعل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات. قوله: (او بالجنس!) أي القسم بجنس النفس الشامل للتقية والفاجرة، والقسم بها حيحئذ بقطع النظر عن صفاتها لأنها من حيث هي شريفة لأنها بمعنى الروح، وهي من عظيم أمر الله فلا يرد عليه ما قيل من أنه لا يناسب إدخال النفس الفاجرة في المقسم به والإقسام يقتضي الإعظام وهو غير مناسب لها، وقوله: لم تزل تلوم أي تلوم نفسها وفي نسخة تتلوّم بالتشديد وهي للمبالغة في لوم النفس أيضا، وفي الأساس تلوم نفسه أنحى عليها باللائمة ويكون بمعنى التربص، والتمكث أيضاً فمن قصره عليه واعترض بأنه غير مناسب هنا فقد قصر، وقوله على ما خرجت به من الجنة أي على الفعل الذي خرجت به من الجنة. قوله: (وضمها) أي النفس في الذكر إلى يوم القيامة بالعطف المقتضي للمناسبة، وبينهما مناسبة لأنها دار الجزاء وهي المجازاة. قوله: (لآن فيهم من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 يحسب) فالإسناد إلى الجميع مجازي لوقوعه من البعض، وتقدم فيه كلام وانه هل يجوز ذلك مطلقاً أو يشترط فيه شيء ككثرة من صدر منه أو رضا الباقين، وقوله: أو الذي نزل فيه فالتعريف للعهد وعلى ما قبله للجنس، وقوله: عدي بن أبي ربيعة كذا في النسخ، وهو الموافق للكشاف وغيره وهو كما ذكره ابن حجر عدي بن أبي ربيعة ختن الأخن! بن شريق وهما اللذان كان صلى الله عليه وسلم يقول فيهما: " اللهم اكفني جاري السوء " ووقع في بعضها عدي بن ربيعة وكأنه من تحريف الكاتب، وقوله: أو يجمع الله هذه العظام بفتح همزة الاستفهام والواو العاطفة ابتداء كلام للإنكار أي كيف يجمع الله عظاما بالية، وفي بعض النسخ بأو العاطفة بسكون الواو، ونصب يجمع بعدها أي لن أصدقك إلا أو إلى أن يجمع الله هذه العظام وأشاهدها كذلك وحينئذ أصدقك، وهو تعليق بالمحال على زعمه. قوله: (بعد تفرّقها الأن الجمع لا يتصوّر إلا بعد التفرّق، وقوله: وقرئ أن لن تجمع بالتاء الفوقية، وقوله: سلامياته جمع سلامى كحبارى وهي ما صغر من عظم الأطراف كاليدين والرجلين ففيها جهتان الصغر، وكونها في الأطراف وكل منهما يقتضي صعوبة الجمع، وثبوته لغيره بالطريق الأولى والبنان اسم جنس جمعي كالتمر فلذا، قال الذي هو أطرافه، وقوله: فكيف بغيرها لأنّ القادر عليها قادر على غيرها بالطريق الأولى، وقوله: وهو أي قادرين والفعل المقدر بعده نجمعها وفي تفسير محيي السنة البغوي هنا كلام مغلق نقله عن الفرّاء، وقال قادرين منصوب على الخروج، وهو مما خفي على كثير من الفضلاء لولا ضيق المحل أوردناه مشروحاً. قوله: (عطف على أيحسب) فيه تسمح لأنه إذا كان استفهاما لم يكن معطوفاً على أيحسب، بل على يحسب وحده كما صرح به في قوله: يكون الإضراب الخ فإنه على اللف والنشر، فلا يرد أنه إذا كان استفهاما عطف على يحسب، وإذا كان إيجاباً عطف على أيحسب وهو الأولى، والأبلغ ولا حاجة إلى أن يقال هو فيهما معطوف على أيحسب بتقدير همزة أو بدونه، وقال أبو حيان: إنها للإضراب الانتقالي بلا إبطال عن قوله: نجمعها قادرين إلى ما عليه الإنسان. قوله تعالى:) {بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ) هو كقوله: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 26] وفي المغني أنه قد اختلف فيه فقيل: المفعول محذوف أي يريد الله التبيين ليبين لكم، وقال الخليل وسيبويه ومن تبعهما: الفعل في ذلك مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء، واللام وما بعدها خبر أي أراده الله ليبين لكم وعلى هذا فلا مفعول للفعل انتهى، وقيل: إنه منزل منزلة اللازم ومصدره مقدر بلام الاستغراق أي يوقع جميع إرادته ليفجر أو مفعوله محذوف يدل عليه ليفجر أي يريد شهواته ومعاصيه كما قدّره المعرب، وهو مخالف لكلامهم في نظائره فليحرّر. قوله: (ليدوم على فجوره فيما يستقبله من زمان (فسره به لأن إمامه ظرف مكان استعير هنا للزمان المستقبل فيفيد الاستمرار، والضمير للإنسان كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: هو ليوم القيامة، ونقل عن ابن عباس وقيل: الدوام والاستمرار لأنه خبر عن حال الفاجر بأنه يريد ليفجر في المستقبل على أنّ إرادته وحسبانه هما عين الفجور وفي إعادة المظهر ما لا يخفى من التهديد ونعي قبيح ما ارتكبه، وأن الإنسانية تأباه، وقيل: حمله على الاستمرار ليصح الإضراب ويصير المعنى بل يريد الإنسان أن يستمر على فجوره، ولا يتوب فلذا أنكر البعث. قوله: (يسأل (استئناف أو حال أو تفسير لقوله: يفجر أو بدل منه والاستئناف بياني كأنه تيل: لم يريد الدوام على الفجور قيل: لأنه أنكر البعث واستهزأ به، وقوله: تحير فزعاً هو المعنى المجازي، وقوله: فدهش بصره هو المجازي فهو استعارة أو مجاز مرسل لاستعماله في لازمه أو في المطلق، وبرق بمعنى نظر البرق كقمر نظر القمر، وقوله: أو من البريق عطف على قوله: من برق، وقيل: إنه معطوف على قوله: وهو لغة، وقوله: شدّة شخوصه أي فتح عيته من غير أن تطرف وبلق بمعنى فتح، وقيل: إنه يكون بمعنى أغلق فهو من الأضداد واللام فيه أصلية، وقيل: بدل من الراء كما قيل في نثر نثل وقد قالوا: إنه سمع برق بمعنى فتح عينه. قوله: (بلق الباب) أي انفتح- فهو لازم والذي في القاموس إنه متعد فبلق الباب كفتحه. قوله: (في ذهاب الضوء) فاجتماعهما في التساوي صفة والجمع مجاز عنه، وقوله: والطلوع فالجمع بمعنى طلوعهما من سمت واحد وقوله: ولا ينافيه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 أي جمعهما المذكور لا ينافيه الخسوف السابق لأنّ الخسوت كما تقرّر يكون إذا تقابلا وحالت الأرض بينهما، ولذا كان في أواسطه فلا يتأتى مع اجتماعهما لأنه إنما ينافيه إذا أريد مصطلح أهل الهيثة أمّا لو أريد به ذهاب الضوء كما مر وذلك باستتاره، وهو المحاق بتثليث الميم فلا منافاة بينهما حتى يقال يجوز أن يكون الخسوف في وسط الشهر والجمع في آخره إذ لا دلالة على اتحاد وقتيهما في النظم، وإن صح ذلك أيضاً. قوله: (ولمن حمل ذلك) أي قوله: برق البصر على شخوصه عند النزع والاحتضار لأنه ينكشف له الأمر حينئذ فيعلم حقية ما أخبر به، ولذا اتصل بما قبله والخسوف حينئذ بمعنى ذهاب نور البصر منه، لأنه المناسب له وجمع الشمس، والقمر حينئذ استتباع الروح حاسة البصر فيعبر بالشمس عن الروج وبالقمر عن حاسة البصر على نهج الاستعارة فانّ نور البصر بسبب الروج كما أنّ نور القمر بسبب الشمس، وقوله: في الذهاب أي ذهاب الروح بزهوقها وذهاب إحساس الحاسة وجميع الحواس بذهاب الروج. قوله: (أو بوصوله إلى من كان الخ (الضمير للروح وإن كان مؤنثاً لتأويله بمذكر وقوله: من سكان جمع ساكن بيان لمن وفي نسخة لمكان فقوله: من سكان متعلق بقوله: يقتببس على أنه بدل من قوله منه وهو معطوف على قوله: باستتباع أي فله أن يفسر الجمع بوصول الروح الإنسانية إلى محل أو إلى من كان يقتبس الروج منه نور العقل، وهم سكان القدس أي الأرواح المقدسة المنزهة عز النقائص المتقدمة عن نور الأنوار فالقمر مستعإر للروح والشمس لسكان الملأ الأعلى لأنهم يقتبس منهم اقتباس القمر من الشمس. قوله: (وتذكير الفعل (وهو جمع لتقدّمه هو المصحح لأنه إنما يجب إذا تأخر وتغليب المعطوف المذكر، وهو القمر هو المرجح وليس التغليب هنا اصطلاحيا حتى يعترض بأنهما لم يجتمعا في تعبير واحد بل المراد به جعل حكمه من التذكير معتبرا غالباً على الشمس فلا وجه للاعتراض بأنه لا يجوز قام هند وزيد على التغليب، والجواب بأنه ليس وجها مستقلاً بل لا معنى له. قوله:) أين الفرار) فهو مصدر ميمي وقوله: قول الآيس لعلمه بأنه لا فرار حينئذ وحمله على حقيقته على توهمه ذلك لدهشته، والمتمني مفعول لوجدانه، وقوله: وقرئ بالكسر أي كسر الفاء على القياس في اسم المكان لأنّ مضارعه يفسر بالكسر ومن ظنه بكسر الميم فقدسها وجوّز في المكسور أن يكون مصدراً كالمرجع أيضا. قوله: (رع عن طلب المفر) المراد بطلب التلفظ بما يدل على طلبه عند اليأس، أو بناء على ظاهره فلا يعترض عليه بأنه لا يناسب ما تقدم من أنه قول الآيس كما قيل. قوله: (مستعار من الجبل) لأنّ الوزر الجبل المنيع، ثم شاع وصار حقيقة لكل ملجأ فلا ينافي هذا قوله في الكشاف كل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك كما قيل. قوله: (إليه وحده استقرار العباد) فالمستقر مصدر ميمي، واليه قدم لإفادة الاختصاص لا بناء على جواز تقدم معمول المصدر إذا كان ظرفاً لتوسعهم فيه بل لأنه خبر ومعنى كون استقرارهم إليه لا منجا ولا ملجأ غيره، وقوله: أو إلى حكمه الخ لأنه مالك الملك ومصير أمرهم إليه والى حكمه في القيامة، وقوله: أو إلى مثيئته على تقدير مضاف فيه كما في السابق أو هو محصل المعنى المراد منه، والمستقر على هذا اسم موضع وهو مقرهم بعد الحشر في دار الخلود فإنه مفوض لإرادته. قوله تعالى: ( {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ} الخ) فصله عما قبله لاستقلال كل منه ومن قوله: يقول الخ في الكشف عن سوء حاله، وقوله: بما قدم من عمل عمله الخ فما قدم كناية عما عمل، وما أخر ما تركه ولم يعمله وهو مجاز مشهور فيما ذكر أو ما قدمه ما عمله وما أخره عمل من اقتدى به بعده عملاَ له كأنه وقع منه، وبقية المعاني ظاهرة. قوله: (حجة بينة) تفسير لقوله: بصيرة فهو مجاز عن الحجة الظاهرة أو بصيرة بمعنى بينة وهي صفة لحجة مقدرة وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها يبصر بها فالإسناد مجازي أو هي بمعنى دالة مجازا أو هو استعارة مكنية، وتخييلية وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله والإنسان مبتدأ وبصيرة خبره وعلى متعلق به، والتأنيث للمبالغة أو لكونه صفة حجة كما مرّ، وقوله: على أعمالها أي أعمال النفس فهو بتقدير مضاف فيه أو هو المراد منه. قوله: (لأنه شاهد بها) أي بالأعمال في يوم القيامة حيث تنطق أعضاؤه بما عمل، وقوله: أو عين بصيرة بها عطف على قوله: بينة وبها متعلق بمقدر أي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 يبصر بها وقوله: فلا يحتاج إلى الأنباء هو على الوجهين وفيه شائبة من التجريد كما في شرح الكشاف، وقوله: على المجاز لما مرّ لا لأنه للأعضاء كما توهم. قوله: (ولو جاء الخ (فشبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه لذلك بالماء المروي للعطش، وقوله: على غير قياس لأن قياسه معاذر بغير ياء، وهو المراد من قول الزمخشريّ اسم جمع لأنه يطلقه على الجموع المخالفة للقياس كما مرّ غير مرة، ومن غفل عنه اعترض عليه بأنه ليس من أبنية اسم الجمع، وقوله: وذلك أولى أي كونه جمع معذار لجريه على القياس إلا أنّ في ثبوت المعذار بمعنى العذر نظر لأنه لم يسمع من الثقات أو سمع بمعنى الستر كما روي عن الضحاك، والجمع يحتمل أن يكون لمعذرة وأشبعت حركته فمد لذلك، والمعذرة مثلث الدال العذر وقيل معنى قوله وذلك أولى إن جمع معذرة على معاذير أولى من جمع منكر على مناكير لأنّ التغيير فيه أقل، وليس بشيء ولم يتعرضوا لجوإب لو هنا فإمّ أن يكون معنى الشرطية منسلخاً عنها كما قيل، أو يدل عليه ما قبله والظاهر الأوّل. قوله: (لتأخذه على عجلة) إشارة إلى أنّ الباء للتعدية وعن الشعبي عجل به من حبه إياه وهو لا ينافي ما ذكر، وقوله: وهو تعليل الخ يعني قوله: إن علينا جمعه، وهو ظاهر وقوله: بلسان جبريل عليك يشير إلى أنّ الإسناد مجازي هنا، وقوله: قراءته إشارة إلى أنه مصدر لا بمعنى المقروء، وقوله: وتكرر فيه فالاتباع عبارة عن قراءته كما قرأه جبريل والتكرار من المقام بقرينة السياق. قوله: (بيان ما أشكل عليك من معانيه الخ) التأخير من لفظ، ثم وأوّل من استدل بهذه الآية على ما ذكر القاضي أبو الطيب وهو إنما يتم إذا فسر البيان بتبيين المعنى، وقد قال الآمدفي يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل، ويؤيده أنّ المراد جميع القرآن والمجمل بعضه وما ذكره الآمدي هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال في تفسيره إنّ علينا أن نقرأه يريد ما ذكر. قوله: (اعتراض (يعني أنّ قوله: لا تحرك الخ كلام وقع معترضاً في أثناء أمور الآخرة توبيخاً على ما جبل عليه الإنسان. والمرء مفتون بحب العاجل حتى جعل مخلوقا من عجل ومن محبة العاجل وايثاره على الآجل تقديم الدنيا الحاضرة على الآخرة الذي هو منشأ الكفر، والعناد المودي إلى إنكار الحشر والمعاد فالنهي عن العجلة في هذا يقتضي النهي فيما عداه على آكد وجه، وهذه مناسبة تامّة بين ما اعترض فيه وبينه يندفع بها إنكار بعض الزنادقة للمناسبة فيه بوجه من الوجوه حتى تشبث به لأنه وقع في القرآن تغيير وتحريف ممن جمعه: وما عليك إذا لم تفهم البقر وقيل: قوله: بل يريد الإنسان ليفجر إمامه في معنى تحبون العاجلة فتظهر مناسبته لما قبله، وتوكيده له فلا حاجة إلى أن يقال: أراد بالاعتراض هنا الاستطراد كما قيل فإنه الوجه الآتي. قوله: (أو بذكر ما اتفق في أثناء نزول هذه الآيات) من عجلته لمجي! في تلقيها عن جبريل عليه الصلاة والسلام فقيل له: لا تحرك الخ نهياً له عما صدر منه في ذلك الحين كما يقول المرء وهو يتكلم لمخاطبه إذا التفت لا تلتفت يميناً وشمالاً، ثم يعود لما كان فيه من الكلام فالمناسبة لما وقع في الخارج لا لمعنى الموحى به فهو استطراد واعتراض بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي حتى يرد عليه إنه لم يفد ما اعترض فيه توكيد أو لا بد منه في الاعتراض. قوله: (وقيل الخطاب مع الإنسان المذكور) في قوله: أيحسب الإنسان فهو المخاطب بقوله: لا تحرك الخ كما فصله المصنف رحمه الله ولبعده مرضه المصنف رحمه الله تعالى، وإن ارتضاه غيره وقدمه على الوجه السابق، وهو مخالف للمأثور في تفسير الآية وقوله: رح للرسول الخ لف ونشر على التفسيرين، ويحتمل عود كل منهما إلى الجميع وقوله: للمعنى لأنه مفرد لفظا مجموع معنى وقوله: ويؤيده الخ لأنه على الغيبة ظاهر في أن الضمير للإنسان وعلى ما قبله غلب فيه النبيّ على غيره فلا التفات فيه وقوله: بهية أي حسنة، وقوله: متهللة أي منيرة مثرقة كالهلال من المسرة. قوله: (ولذلك) أي لكون المعنى ما ذكر قدم متعلقه، وهو قوله: إلى ربها ليدلّ على الاختصاص وعدم النظر لما سواه، وقوله: وليس هذا الخ ردّ على الزمخشريّ حيث ادعى نصرة لمذهبه في إنكار الرؤية أنه لو كان النظر بمعناه المعروف لم يصح الحصر لأن قصر النظر غير واقع كما لا يخفى على من له نظر بأنه في وقت ما لا في جميع الأوقات لأنه لا يراه دائما مع أنه قد يجعل رؤية ما سواه عدما أو يقال: التقديم لرعاية الفاصلة، لا للحصر هنا أو للاهتمام لأنه المقصود الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 بالإفادة إذ أصل النظر معلوم غني عن البيان. قوله: (وقيل منتظرة أنعامه) هو ما ارتضاه الزمخشري لتأييد مذهبه في إنكار الرؤية لأنّ النظر يكون بمعنى الانتظار، وقوله: إلى الوجه لأنه يقال: وجه زيد منتظر وارادة الذات يأباها قوله: ناظرة لأن المتبادر وصف الوجوه الحقيقية به، وقوله: لا يتعدى بإلى يعني بل بنفسه، وما قاله الشريف المرتضى في الدرر من أنّ إلى هنا اسم بمعنى النعمة واحد الآلاء بعيد جدا وأورد عليه أنّ الزمخشري لم يقل هنا النظر بمعنى الانتظار حتى يرد ما ذكر إنما قال إنه نظر العين للوجه وهو كناية عن توقع الإحسان ورجائه فالصواب أن الانتظار، والتوقع لا يلائم المقام والمناسب للمدح لهؤلاء ذكر ما أفاض عليهم من الأنعام وما أجيب به من أنه ليى ردا على الزمخشري بل على غيره من مشايخ العدلية الذاهبين إلى أنه هنا بمعنى الانتظار كما نقل في الكتب الكلامية خلاف ما يقتضيه سياق كلامه، فإنه بعينه ما في الكشاف، والقول بأنه ذهاب إلى الكناية وترك الحقيقة من غير داع لا وجه لأنه أي داع أقوى من كون الرؤية غير واقعة عنده وابطال المذهب أمر آخر. قوله: (وإدّا نظرت إليك من ملك) البيت لا أدري قائله يعني أنه استشهد بهذا البيت على أن النظر بمعنى الانتظار ورده بأن الانتظار لا يستعقب العطاء والمراد به هنا السؤال، وأنت خبير بأن ما في الكشاف إنه من قول الناس إنا إلى فلان ناظر ما يصحنع بي يريد معنى التوقع والرجاء ومنه قول القائل، وإذا نظرت الخ فهو ما عرفته من أنه كناية عن التوقع وهو يعقب العطاء، وليس فيه ذكر للانتظار لأنه مغاير للتوقع وغير ملازم له أيضا وأيضاً كون الانتظار لا يعقب العطاء، غير مسلم نعم لا يطرد فيه ذلك فقد يجعل هنا ادعائياً ولا بد منه في السؤال أيضا وكون النظر بمعنى السؤال بعيد ومن في قوله: من ملك تجريدية كرأيت منك الأسد، وقوله: والبحر دونك أي حائل بيني وبينك يعني أنه مع بعده عنه لا يزال يتقلب في نعمه أو المعنى والبحر في الجود لا يصل إلى كرمك وهذا أظهر وعليه فلا يرد ما ذكر رأساً لأنّ هذه الجملة حالية. قوله: (والباسل أبلغ من الباسر الخ) يعني كل منهما يدلّ على شدّة العبوس والباسل يدلّ على زيادة أقوى منه، وعدل عن الأبلغ لإيهامه غير المراد فقوله: لكنه الخ جواب من سؤال مقدر والكلوح بضم الكاف ما يظهر على الوجه في حال العبوس، وقوله: تتوقع أربابها إشارة إلى أنّ الظن هنا بمعناه الحقيقي وأنّ الضمير راجع إلى الوجوه بتقدير مضاف فيه، وكونه للوجه بمعنى الذات استخداما بعيد، وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين كما مرّ وأيد بأن مقتضى مقابلة النضرة والنعم تحقق سوء المنظر والنقم لا ظته وتوقعه، وأجيب بأنّ المراد إنها مع ما هي فيه من البلاء المحقق متوقعة لما هو أشد منه بعده فهو عبارة عن عدم تناهي الثدائد، وفيه نظر ولا ينافي ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى كون أن مخففة من الثقيلة فإن المنافي له ما يدل على التحقق الصرف، وأمّا أفعال الظن فتقع بعدها المصدرلة والمخففة كما صرحوا به. قوله: (داهية) هو معناه الوضعي وقوله: تكسر الفقار، وهو عظم الظهر بيان لمأخذه واشتقاقه، وقوله: عن إيثار الدنيا الخ فهو ناظر إلى قوله: يحبون العاجلة، وقوله: أعلى الصدر لأنّ التراتي جمع ترقوة وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق، وقوله: إضمارها يعني النفس فإن الضمير لها وهي معلومة من الإنسان، وقوله: الرقية بالضم كالعوذة ما يتكلم به عند الملسوع والمريض من آيات الشفاء ونحوها. قوله: (أو قال ملالكة الموت الخ) قيل: إنّ قوله: ملائكة الرحمة لا يناسب ما بعده من قوله: فلأصدّق الخ ويدفعه أنّ الضمير للإنسان والمراد به الجنس وكذا ما قبله من تقسيم الوجوه إلى الناضرة والباسرة والاقتصار بعده على أحوال بعض الفريقين لا ينافي عموم ما قبله، والاستفهام في هذا الوجه حقيقي، وكذا في الوجه الأوّل إلا أنه محتمل للإنكار على أنّ المعنى لا راقي له بعد هذه الحالة، وقوله: من الرقي بضم الراء مصدر بمعنى الصعود، وقوله: محابها بمعنى محبوباته منها. قوله: (التوت ساته بساقه) فالساق بمعناه الحقيق وال فيه عهدية أو عوض عن المضاف إليه، وقوله: أو شدّة الخ على أنّ الساق عبارة عن الثذة كما مر في سورة القلم، والتعريف للعهد أيضا فإن قلت: ما مر، هو الكشف عن الساق ووجهه ظاهر لأنّ المصاب يكشف عن ساقه فكيف ينزل هذا عليه، قلت: الأمر كما ذكرت لكنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 شاع فيه ففهم ذلك من الساق وحده حتى صار عبارة عن كل أمر فظيع كما أشار إليه الراغب فتدبر. قوله: (سوقه إلى الله وحكمه) يشير إلى أنّ المساق مصدر بمعنى السوق، وإن فيه مضافاً مقدراً وتقديم الخبر كما مرّ. قوله: (ما يجب تصديقه) على أنّ صدّق ماضي التصديق، وما بعده على أنه من التصدق، ودخلت فيه لا على الماضي كما في قوله: وأفي عبد لك لا الما وله شواهد أخر فإن قلت: على أنه من التصدق الاستدراك ظاهر لأنه لا يلزم من نفي التصدق والصلاة التكذيب والتولي كما في كثير من عصاة المؤمنين، وأما إذا كان من التصديق فيلزم التكرار ووقوع لا بين أمرين متوافقين، وهو لا يجوز كما قاله أبو حيان: قلت ما ذكره غير مسلم فإنه معطوف على قوله: يسأل أيان يوم القيامة، وهو سؤال استهزاء واستبعاد كما مرّ فالمعنى استبعد البعث وأنكره فلم يأت بأصل الدين الذي هو التصديق بالله ولا بأهم فروعه، وهو الصلاة ثم أكد ذلك بذكر ما يضاده بقوله، ولكن كذب الخ نفيا لتوهم السكوت أو الشك أي ومع ذلك أظهر الجحود والتولي عن الطاعة فكونهما متوافقين غير مسلم ولا استدراك للاستدراك كما توهمه. قوله: (والضمير فيهما للإنسان الخ) إشارة إلى أنه معطوف على قوله: يسأل أيان يوم القيامة كما مرّ، وبه صرح الإمام فهو لا بعد فيه معنى وإن بعد لفظا فإنكار أبي حيان له غير مسلم، وقوله: أيحسب الإنسان بعده تكرير للإنكار، وقرينة مقربة له وفيه نظر فإنّ إنكار بعده مكابرة لا تخفى. قوله: (فإنّ المتبختر يمدّ خطاه (بيان لوجه إفادته لما ذكر قال الإمام: هذا ذكر لما يتعلق بدنياه بعد ذكر ما يتعلق بدينه قيل، وثم للاستبعاد لأنّ من صدر عنه مثل ذلك ينبغي أن يخاف من حلول غضب الله به فيمشي خائفا متطامناً لا فرحاً متبخترا، وقوله: أصله يتمطط فأبدل بعض حروف المضارعة ياء كما قيل في قصصت أظفاري قصيت ونظائره كثيرة، وقوله: أو من المطا فهو معتل بحست الأصل. قوله: (ويل لك) هذا محصل معناه المراد منه فإنه مثله فيرد للذعاء عليه أو للتهديد والوعيد، وعن الأصمعيّ إنها تكون للتحسر على أمر فات هذا هو المعنى المراد بها، والكلام في لفظها فقيل: هو فعل ماض دعائيّ من الولي واللام مزيدة أي أولاك الله ما تكرهه أو غير مزيدة أي أدنى الهلاك لك كما ذكره المصنف رحمه الله وقريب منه قول الأصمعي إن معناه قاربه ما يهلكه أن ينزل به واستحسنه ثعلب، وقيل: إنه اسم وزنه أفعل من الويل فقلب وقيل: فعلى ولذا لم ينوّن ومعناه ما ذكر وألفه للإلحاق لا للتأنيث وعلى الاسمية هو مبتدأ ولك الخبر، وقيل: إنه اسم فعل مبنيئ ومعناه وليك شرّ بعد شرّ ونقل الزمخشري عن أبي علني أنه علم لمعنى الويل وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، وقيل عليه إن الويل غير متصرف ومثل يوم أيوم غير منقاس ولا بفرد عن الموصوف، واذعاء القلب من غير دليل لا يسمع وعلم الجنس خارج عن القياس ما ذكر بعيد من وجوه عدة وقيل: فالأحسن أنه أفعل تفضيل خبر لمبتدأ يقدر كما يليق بمقامه فالتقدير هنا النار أولى لك يعني أنت أحق بها وأهل لها. قوله: (أي يتكرّر ذلك عليه الخ) إشارة إلى مكرّر للتوكيد ومرّ تحقيقه والكلام في عطفه، وقوله: وهو يت! ضمن تكرير إنكاره الخ إشارة! فائدة ما ذكر بعد قوله: أيحسب الإنسان سابقا بأمرين، أحدهما: أنه في مقابلة تكريره للإنكا وثانيهما: دلالته على وقوع البعث لأنّ الحكمة في خلق الإنسان تقتضي التكليف، ثم الجر لئلا يكون عبثاً وهو قد لا يكون في الدنيا فلزم ذلك وقوله: استدلال آخر أي بعد الاستدلا بقوله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى. قوله: (كان إذا قرأها الخ) قال ابن حجر رواه أبو دا والحاكم وهذا كما روي أنه جمنن كان يقول في آخر تبارك الله رب العالمين كما في تفسر الجلالين، وقوله: من قر " 2 (الخ حديث موضوع تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. سورة الإنسان وتسمى سورة الدهر، والأمشاج وهل أتى ولا خلاف في عدد آياتها وهي مكية عند الجمهور، وقالط ابن عادل إنها مدنية عند الجمهور وهو مخالف لما قاله الفاضل المحشي، وقيل: مدنية مطلقاً وقيل: إلا قوله فاصبر الخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 وقيل إلا قوله ولا تطع منهم آثماً أو كفورا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (استفهام تقرير وتقريب) تقريب بالرفع عطف على استفهام أو بالجرّ عطف على تقرير، والتقرير الحمل على الإقرار بما دخلت عليه والمقرّر به من ينكر البعث، وقد علم أنهم يقولون نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه فيقال لهم: فالذي أوجدهم بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم، وهذا معنى الهمزة المقدرة معها، والتقريب تقريب الماضي من الحال وهو معنى قد وهل المرادفة لها فلما سدت مسد الهمزة دلت على معناها ومعنى الهمزة معاً، ثم صارت حقيقة في ذلك فقوله، ولذلك أي لدلالتها على ما ذكر كما عرفته، وقوله: فسر بقد كما فسرها به ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من النحاة كالكسائيّ وسيبوبه والمبرّد والفرّاء، وردّه ابن هشام في المغني وقوله: وأصله أهل على ما قرّرناه. قوله: (كقوله) القائل هو زيد الخيل قاله: في غارة أغارها على بني يربوع وهم قبيلة مغروفة أغار عليهم فأصاب منهم وقتل وسبى فقال في ذلك شعرا وهو: سائل فوارس يربوع بشذتنا أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم أم هل تركت نهيكافيه دامية ملاسة تنفث الطلاء بالقدم والحرث بن هشام عند معترك رهن المقامة للعرجاء والرخم إنا كذاك إذا ما غارة لحقت نفضي لكل رقيق حذه خدم وكل مشترف من نسل سلهمة يلتحن عند اعتراك الموت باللجم وهذه جميع الأبيات قال السيوطي في شرح شواهد المغني والذي رأيته في نسخة قديمة من ديوانه فهل رأونا وقال السيرافي الرواية الصحيحة أم هل رأونا وأم منقطعة بمعنى بل فلا دليل فيه لما قاله الزمخشري، ومن تبعه لأنّ الحرف لا يدخل على مثله ولم يجعله المصنف رحمه الله دليلاَ كما في الكشاف لاحتمال أنه جمع بينهما للتوكيد كما في قوله: ولا للما بهم دواء مع أنّ هذا أقرب لعدم اتحادهما لفظاً، والسفح أسفل الجبل ينفسح فيه الماء، والقاع الأرض المنخفضة وا! م جمع أكمة وهي ما علا من الأرض دون الجبل والشدة بالفتح الحملة أو بالكسر القوّة والباء فيه لتضمين سائل معنى أهيم أو للسببية، وقوله: أهل الخ كناية وتعريض معناه أهل كنا غالبين أم هم وفيه تعريض بأنهم كانوا في الحضيض كذا في الكشف وعندي إنه كناية عن انهزامهم لأنّ من شأن المنهزم الالتجاء إلى جبل. قوله: (طائفة محدودة) أي مقدرة، وهو تفسير للحين وهو شامل للكثير والقليل لأنها إمّا مدة الحمل إن أريد النطفة أو هي مدّة مادة آدم المخمرة طيناً على الخلاف فيها هل هي أربعون سنة أو مائة وعشرون كما في الآثار إن أريد العنصر، وقوله: الزمان الممتدّ الغير المحدود تفسير للذهر فإنه عند الجمهور يقع على مدة العالم جميعها وعلى كل زمان طويل غير معين والزمان عامّ للكل، وتوقف أبو حنيفة في معنى الدهر كما ذكر في كتاب الإيمان يعني في المراد به عرفا حتى يقال: بماذا يحنث إذا قال: لا أكلمه الدهر. قوله: (غير مذكور بالإنسانية (إشارة إلى أنّ النفي راجع للقيد أي غير معروف بها والمراد أنه معدوم لم يوجد بنفسه إذ كان الموجود أصله مما لا يسمى إنساناً ولا يعرف بعنوان الإنسانية كالعناصر الأربعة جملتها أو بعضها المخلوق منها آدم عليه الصلاة والسلام، أو النطفة المتولدة من الأغذية المخلوقة من العناصر، وقوله: حال من الإنسان فأطلق على مادّته الإنسان مجازاً بجعل ما هو بالقوة منزلاً منزلة ما هو بالفعل أو هو من مجاز الأول وقوله: بحذف الراجع أي العائد وتقديره فيه كما في قوله: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} [سورة البقرة، الآية: 48] . قوله: (والمراد بالإنسان الجنس) الشامل لآدم وبنيه لا آدم كما ذهب إليه بعض المفسرين وسيأتي لأنه أعيد معرفة في قوله: لقد خلقنا الإنسان من نطفة فيكون عين الأوّل، وآدم غير مخلوق من نطفة فإذا أريد الجنس فإمّا أن يكون جنس بني آدم وهو خارج، أو داخل بتغليب غيره عليه أو بجعل ما للأكثر للكل مجازاً في الإسناد أو الطرف فلذا قال: لقوله الخ فجعل هذا دليلاَ لتفسيره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 بالجنس بناء على الظاهر المتبادر. ترله: (أو آدم (أي المراد به في قوله: على الإنسان آدم عليه الصلاة والسلام، وقوله: بين أوّلاً خلقه أي ما خلق منه، ومادته لأنّ الشيء الذي لم يذكر المراد به العناصر أو التراب وهو وإن أبهم معلوم من القرائن الخارجية فما قيل: إنه بطريق الإشارة لا وجه له إلا أن يريد ما ذكر على أنّ الإشارة غير المصطلحة فقوله: سابقا كالعناصر، والنطفة المراد المجموع بالنظر إلى المجموع أو التوزيع على الوجهين في المراد بالإنسان وليس نظراً للتقريب في الاستفهام، وعدمه لأنّ مرتبة العنصرية بعيدة كما توهم لأنّ التقريب فيهما نسبي تقريبي. قوله: (أخلاط) جمع خلط بمعنى مختلط ممتزج، وقوله: مشج بفتحتين كسبب وأسباب أو بفتح فكسر ككتف وأكتاف ومشيج فعيل فإنه يجمع أيضا على أفعال كشهيد وأشهاد ونصير وأنصار وإن قال في التسهيل إنه غير مقيس، وقوله: وصف النطفة وهي مفردة بها أي بأمشاج وهو جمع لأن المراد بها مجموع ماء الرجل، والمرأة والجمع ققد يقال على ما فوق الواحد أو باعتبار الأجزاء المختلفة فيهما رقة وغلظا وصفرة وبياضا وطبيعة وقوّة وضعفا حتى اختص بعضها ببعض الأعضاء على ما أراده الله بحكمته وعلمه بقدرته فهذا في المعنى جوابان، والحاصل أنه نزل منزلة الجمع ووصف بصفة أجزائه، وقوله: ولذلك أي لأجل التفاوت والاختلاف المذكور وخلقها متفاوتة كذلك باختياره تعالى فلا يتوهم أنه مخالف للمذهب الحق من أنه باختياره تعالى، وإن جاز أن يقال إنه وقع كذلك ابتداء باختياره تعالى فتدبر. قوله: (وقيل مفرد) أي أمشاج هنا مفرد بناء على أنّ أفعالاً يكون في المفردات نادراً وقد عدوا منه ألفاظا مذكورة في كتب اللغة واليه ذهب سيبوبه في لفظ أنعام كما مرّ فالقول بأنه لم يذهب إليه غير صحيح وقد مرّ ما فيه، وقولهم: برمة أعشار أي متكسرة كأنها صارت عشر قطع والبرمة القدر وا! ياس بكاف وياء تحتية مثناة وشين معجمة ثوب غزل غزله مرّتين، وقيل: الثوب اكياس، من ملابس ا! ياس. قوله: (وقيل ألوان) معطوف على قوله: أخلاط على أنه مفسر بذاك أو بهذا، وقوله: اخضرّا لتغيرهما بالمكث في قعر الرحم كما يخضرّ الماء بالمكث، وهو حال أي من فاعل خلقنا أو من مفعوله وقوله: بمعنى مريدين إختباره يشير إلى ما يرد عليه من أنّ الابتلاء بمعنى الاختبار بالتكليف، وهو يكون بعد جعله سميعاً بصيراً لا قبله فكيف يترتب عليه قوله: فجعلناه الخ فأجاب بأنه إمّا حال مقدرة مؤولة بقوله: مريدين الخ أو الابتلاء ليس بمعنى الاختبار المذكور بل هو مجاز مستعار لنقله من طور وحال إلى طور، وحال آخر لأنّ المنقول يظهر في كل طور ظهوراً آخر كظهور نتيجة الامتحان بعده وليس هذا على تفسير الأمشاج بالأطوار كما يتوهم، وأما كون نبتليه في نية التأخير أي فجعلناه سميعا بصيراً نبتليه فتعسف، ولذا لم يعرج عليه المصنف. قوله: (فهو كالمسبب الخ) أي جعل الله الإنسان ذا سمع وبصر كالمسبب عن الابتلاء لأنّ المقصود من جعله كذلك أن ينظر الآيات الآفاقية والأنفسية وشممع الأدلة السمعية، ولذا خص هاتين الصفتين وقال كالمسبب لأنّ أفعاله تعالى لا تحتاج إلى الأسباب والعلل أو لأنه مسبب عن إرادة الابتلاء لا عن الابتلاء نفسه، وقوله: ولذلك أي لأجل أنه كالمسبب عطف بالفاء ورتب عليه ما بعده لأنه مسبب وما بعده عفة له، وقوله: ورتب عليه الخ لأنها جملة مستأنفة تعليلية في معنى لأنا هديناه أي دللناه على ما يوصله من الدلائل، وهو إنما يكون بعد التكليف والابتلاء به، وقوله: إنزال الآيات إشارة إلى الدلائل السمعية. قوله: (وإفا للتفصيل) باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات ففصلت حالاته إلى الشكر والكفران كما أشار إليه بقوله: في حاليه والتقسيم للناس باختلاف الذوات والصفات باعتبار أن بعضهم كذا وبعضهم كذا، والشكر الاهتداء للحق وطريقه والكفران ضده فالمعنى إنا دللناه على الهداية، والإسلام فمنهم مهتد مسلم ومنهم ضال كافر. قوله: (أو من السبيل الخ (عطف على قوله من الهاء، وقوله: على حذف الجواب الخ وتقديره إمّا شاكراً فتوفيقنا له واقا كفوراً فبسوء اختياره ونحوه مما يناسب المقام، وقيل: إنها إمّا العاطفة وفتح همزتها لغة فيها، وقد تبدل ميمها ياء كما في قوله: إيماء إلى جنة إيماء إلى نار وقوله: ليطابق قسيمة تعليل للمنفي، ومحافظة تعليل للمنفي وقسيمه شاكرا، وقوله: التوغل فيه أي المبالغة والزيادة فيه الذي تفيده صيغة فعول، والكفران ترك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 الشكر وقلما يخلو منه أحد فحينئذ يلزم عدم الفرق بين المؤمن، وكيره ولا تتأتى المقابلة لأنّ كل شاكر كافر وقد يجتمعان، والمبالغة بحسب الكيف أو الكم لشموله الجميع. قوله: (وتقديم وعيدهم) هنا على الوعد للمؤمنين مع تأخر ذكرهم في التقسيم بقوله: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 3] لأنّ الإنذار أنسب بالمقام وحقيق بالاهتمام وليكون أوّل الكلام وهو شاكراً، وآخره من أوصاف المؤمنين وأيضاً هو لف ونشر مشوس، وهو أرجح لما فيه من اتصال أحد القسمين، وقوله: وقرأ نافع الخ ورويت عن غيره كما فصل في النشر، وقوله: للمناسبة يعني تنويته كما نوّن ما بعده وللمشاكلة يجوز صرف ما لا ينصرف، وذكر له وجو. أخر في الكشاف هذا أحسنها وأشهرها مع ما يرد على غيرها كما يعلم من شروح الكشاف، وقوله: جمع بر كأرباب جمع رب بناء على أن فاعلا لا يجمع على أفعال وما بعده بناء على القول بجوازه كصاحب، وأصحاب وكما في المثلى أحبارها أبناؤها والخلاف فيه مشهور، وقد مرّ والبر المطيع، وعن الحسن البر الذي لا يؤذي الذر ولا يضر البشو. قوله:) من خمر (فهو مجاز بعلاقة المجاورة، وقوله: تكون فيه إشارة إلى أنه مما وضع بقيد كالذنوب للذلو فيها ماء ونحوه، وقوله: ما يمزج بها كالحزام لما يحزم به فهو اسم آلة، وقوله: لبرده وحرارة الخمر فيعدلها وعذوبته وطعمها مز والكافور الحيّ، كذلك وهو طري وقيل: كافور الجنة مخالف لكافور الدنيا ولو ذكر بياضه كان أولى ليكون تركيبا بما عرف فيه، وطيب عرفه بالفتح أي رائحته وهذا تعليل للمزج به دون غيره بناء على أنّ الكافور بمعناه المعروف، وقوله: اسم ماء وعلى هذا فالمزج به ظاهر وعلى القول بأنه خمر الجنة فيه أوصاف الكافور الممدوحة فجعله مزاجا مجاز في الاتصاف بذلك. قوله: (أو من محل من كأس الخ) أي ماء عين أو خمر عين على الوجهين السابقين بناء على أن ما يجري منها خمر أو له فعل الخمر قيل: إنه لا حاجة لتقدير المضاف على هذا على أنه مجاز في النسبة والنصب على الاختصاص يعني بتقدير أعني أو أخص، وقوله: أو بفعل يفسره ما بعدها لا أنه صفة عيناً ولذا أورد عليه أنه إذا كان صفة عيناً فلا يفسر أيضا وإلا فيجوز نصبه بنفسه من غير تقدير، وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب. قوله:) ملتذا (هذا بناء على كون عينا بدلاً من قوله: من كاس وما بعده على إبداله من كافورأ، وهو إشارة إلى أن يشرب لا يتعدى بالباء فهي متعلقة بمحذوف يدل عليه ما ذكر، وقوله: مبتدأ منها لأنّ العين المنبع وقوله: كما هو كأنه اكتفاء أي كما هو مبتدأ من الكأس في قوله: من كأس وترك الخبر لظهوره، وقيل: الكاف للبقاء على حاله وما موصولة، وهو مبتدأ وهو ضمير العين ذكر لتأويله بالمشروب وخبره محذوف تقديره عليه أي على الوجه الذي هو عليه، وبهذا الوجه أعرب قولهم كما أنت وفيه نظر. قوله: " جراء سهلاَ) فتنكيره للتنويع أو هو من التفجير لأن الفجر الشق الواسع كما قاله الراغب: فيفيد ما ذكر وقوله: ببيان ما رزقوه لأجله ضمير رزقوه المنصوب للمذكور والمجرور لما أي بيان البرّ الذي رزق الأبرار ما ذكر لأجله فإن ترتب الحكم على وصف البرّ يشعر بعليته، وكان الموافق لقوله: يشرب أن يقول ما يرزقونه وكأنه آثر صيغة الماضي للدلالة على التحقيق كقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [سورة القمر، الآية 10] ونحوه، وقوله: كأنه سئل عنه أي قيل بما استحقوا هذا النعيم، وقوله: وهو أبلغ الخ أي أنّ قوله: يوفون بالنذر كناية عن أن يؤدّوا الواجبات كلها العلم ما عداه بالطريق الأولى وإشارة إلى النص كما ذكره. قوله: (شدائده) التعميم مستفاد من الإضافة إلى اليوم فإنه يشمل كل ما فيه، وفاشيا بمعنى ظاهرا ومنتشرا أي عام اللحوق والإصابة واستطار الحريق بمعنى انتشر وظهر كنور الفجر، وقوله: أبلغ من طار لأنّ زيادة البنية تدل على زيادة المعنى وللطلب زيادة دلالة عليه لأنّ ما يطلب من شأنه أن يبالغ فيه وقوله: وفيه إشعار الخ حسن العقيدة لأنّ خوف يوم القيامة بعد الإيمان بالله، والحشر والنشر وما تبعه واجتناب المعاصي لأنّ من خاف العذاب خوفاً استحق به أن يمدحه الله بأنه اجتنب مقتضى الخوف كما لا يخفى. قوله: (حب الله الا ضعف فيه كما قيل لأنه يغني عنه قوله لوجه الله وغير مناسب لقوله: حتى تنفقوا مما تحبون لأنّ ما ذكر مؤيد له لا مناف له وعدم المناسبة غير ضارة، وهو أحسن من حب الطعام بخلاف حب الإطعام فتأمّل. قوله: (فإنه صلى الله عليه وسلم الخ) قال ابن حجر رحمه الله: إنه لم يذكر ممن يعتمد عليه من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 أهل الحديث وكذا ما بعده والأسير المؤمن هو المملوك وسمي أسيراً باعتبار ما كان وتسمية المسجون أسيراً مجاز لمنعه عن الخروج، وقوله: وفي الحديث: " غريمك أسيرك " فيه تشبيه بليغ أي كأسيرك، وهذا كقول عليّ كرم الله وجهه أحسن إلى من شئت تكن أمنره. قوله: (على إرادة القول) بتقدير قائلين، وهذا إما قول باللسان لدفع الامتنان وتوهم توقع المكافأة أو بلسان الحال لما يظهر عليهم من أمارات الإخلاص، وقوله: إنها تبعث بالصدقة أي كانت تبعث بها، وقوله: شكرا إشارة إلى أنه مصدر كالدخول، وقوله: فلذلك نحسن الخ إشارة إلى أنه تعليل لما قبله من قوله: إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء، وقوله: عذاب يوم بتقدير المضاف أو لأنّ خوفه كناية عن خوف ما فيه. قوله: (تعبس فيه الوجوه) فوصفه بالعبوس مجاز في الإسناد كقوله: نهار. صائم أو فيه استعارة بالكناية على تشبيه اليوم بأسد مفترس، واثبات العبوس له تخييل وأخر. لأنّ العبوس ليس من لوازم الأسد ففي جعله تخييلية ضعف مّا لكنه لشهرة، وصفه به صح في الجملة وقيل إنه تشبيه بليغ، والضراوة بوزن الطراوة بالضاد المعجمة الاعتياد للصيد والافتراس وفي نسخة ضرره وهذه أصح. قوله: (كالذي يجمع ما بين عينيه) لأنه من قمطة إذا شده، وجمع أطرافه وقوله: وجمعت قطريها أى جانبيها لتضع حملها وقوله: والميم مزيدة فاشتقاقه من قطر بالاشتقاق الكبير وقوله: بدل عبوس الفجار المعلوم من قوله: وجوه يومئذ باسرة، وهو لشهرته فيه غنى عن ذكر مأخذه أو هو مص ت قوله: يوما عبوسا بناء على أرجح الوجهين فيه كما مرّ، وقوله: وايثار الأموال فيه مضاف مقدر أي إيثار بذل الأموال على اقتنائها، ولو قال: إيتاء الأموال كان أظهر والقياس دال على ما ذكرناه. قوله: (وعن ابن عباس رضي الله عنهما الخ (هو حديث موضوع مفتعل كما ذكره الترمذقي، وابن الجوزي وآثار الوضع ظاهرة عليه لفظا ومعنى فليت المصنف يترك إيراد مثله مع أنه يقتضي كون السورة مدنية لأنّ تزوّج علي بفاطمة رضي الله عنهما كان بالمدينة والسورة عند المصنف مكية، وقوله: فضة بلفظ أخت الذهب اسم جارية له، وأصوع جمع صاع وهو معروف وهو يؤنث، ولذا قال ثلاث أصوع وقوله: هنأك الله دعاء له بجعلهم قرّة لعينه لما لهم من الزهد. قوله: (حال من هم) وخص الجزاء بهذه الحالة لأنها أتم حالات المتنعم ولا يضر الحالية فوله: بما صبروا لأن الصبر في الدنيا وما تسبب عليه في الآخرة، ولو كان حالاً من ضمير صبروا ورد ذلك عليه إلا أن يجعل حالاً مقدرة، وقوله: أو صفة لجنة هذا على مذهب مرجوج عند النحاة فإن الصفة إذا جرت على غير من هي له يجب إبراز الضمير البارز فيها سواء ألبس إضماره أم لا فمقتضاه أن يقال هنا متكئين هم فيها، وهل الضمير البارز في مثله فاعل أو مؤكد للفاعل المستتر وارتضى الثاني الرضى، وتفصحيله في شرح التسهيل. قوله: (يحتملهما) أي الحالية من ضمير جزاهم، وكونه صفة جنة، وقوله: والمعنى الخ لأنها إذا لم يكن بها شمس لم يكن فيها هواء حار فقصد بنفي الشمس نفيها، ونفي لازمها معاً لقوله: ولا زمهريراً فتحسن المقابلة فكأنه قيل: الا حر، ولا قر) كما ورد في وصف هواء الجنة في الحديث وقوله: محم اسم فاعل من أحماه صيره شديد الحرارة والمراد مسخن لما لاقاه، وقوله: وقيل الخ لتظهر المقابلة والمعنى ما سيأتي. قوله: (وليلة ظلامها البيت اليلة مجرورة على تقدير رب وجملة ظلامها الخ صفتها واعتكر إشتدت ظلمته وتراكم بعضه على بعض، وقوله: ما زهر بمعنى أضاء وأشرق وهذا هو القرينة على أنّ الزمهرير في البيت القمر وقطعتها أي بالسير وجملة والزمهرير حالية. قوله: (حال الخ (هذا على قراءة النصب فهي حال أي معطوفة على محل الجملة الحالية، وهي لا يرون أو على متكئين الحال أو صفة معطوفة على الصفة السابقة بالوجهين، وقوله: أو عطف على جنة أي بتقدير موصوف وهو جنة وقوله: على أنها خبر ظلالها لا على أنهار رافعة له على الفاعلية حتى يستدلّ به على أعمال اسم الفاعل، من غير اعتماد كما ذهب إليه الأخفش مع أنه يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ مقدّر فيعتمد إذ لا يتعين كونه مبتدأ فيستغني بفاعله عن الخبر، وقوله: والجملة حال قالوا وامّا عاطفة أو حالية، وإذا كان صفة فالجملة أيضاً معطوفة على الصفة أو صفة والواو للإلصاق على مذهب الزمخشري. قوله: (معطوف على ما قبله الخ) على الرفع وجعلت فعلية للإشارة إلى أن التظليل أمر دائم لا يزول لأنها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 لا شمس فيها بخلاف التذليل فإنه أمر متجدّد وقوله: حال من دانية أي من الضمير المستتر فيه، وقوله: على قطافها بضم القاف، وتشديد الطاء جمع قاطف وكيف شاؤوا أي جلوساً وقياما. فوله: (أي تكوّنت) أي أوجدت وخلقت وهو إشارة إلى أن كان هنا تامّة وقوارير حال، وإفادة ما ذكر لأنّ القارورة من الزجاج وهو على التشبيه البليغ أي كالقوارير في كونها شفافة صافية اللون، وقوله: نوّن قوارير أي فيهما وهي قراءة وقرئ بتنوين قوارير الأولى دون الثانية لوقوعها في الفاصلة وآخر الآية فنوّن ووقف عليه بالألف مشاكلة لغيره من كلمات الفواصل، وهو مراد المصنف بقوله: رأس الآية أي نهايتها فأطلق الرأس على النهاية، وإن كانت آخراً كما في قولهم رأس السنة لآخرها وقوله، وقرئ قوارير أي برفع قوارير الثانية على أنها خبر مبتدأ مقدر وفي الوقف بالألف ودونها هنا روايات مفصلة في النشر. قوله: (فجاءت مقاديرها الخ) فعلى الأوّل معناه أنها كما تمنى الشاربون وأحبوا صورة وقدرا فهو كقول الطائي: ولو صوّرت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباع ولا يحتاج هذا إلى قرينة المقام لأنّ المرء ما يقدر في نفسه ما يجيء له إلا على ما يحب كما دل عليه بيت الطائي، وعلى الثاني إنّ السقاة أتوابها على مقدار يسع مقدار ما يكفي الشارب من غير زيادة ولا نقص وهو أهنأ وأمرأ، وقوله: وقرئ قدروها أي ببناء المجهول، وقوله: شرابها بالنصب مفعول قدر فعليه في الآية مضاف مقدر أو مضافان أحدهما مقدر هنا أي كفاية شرابها. قوله: (جعلوا قادرين لها الخ (يعني أنه من قدرت " الشيء بالتخفيف أي بينت مقداره فإذا نقل إلى التفعيل تعدى لاثنين ومعناه تصييره مقدارا له واحد المفعولين هنا الضمير النائب عن الفاعل، والثاني ها وقال أبو حيان أقرب من هذا ما نحاه أبو حاتم، وهو إن أصله قدّر ريهم منها تقديرا والري ضدّ العطش فحذف المضاف، وحرف الجر وأوصل الفعلى له بنفسه وفي كونه أقرب منه نظر فإنه أكثر تكلفاً ولكن كل حزب بما لديهم فرحون. قوله: (ما يشبه الزنجبيل) ما يجوز فيه المذ على أن يشبه صفته، والقصر ويشبه صلته وعلى التقديرين عينا بدل من زنجبيلا فإن كان زنجبيلا على حقيقته فعينا بدل من كأسا أي يسقون فيها كأساً كأس زنجبيل وقوله: وكانت العرب الخ إشارة إلى أنه ورد على ما تعارفوه، وإن كان ثمة ما يفوق لذته المستلذات كما يعرف بالذوق السليم. قوله: (لسلاسة انحدارها في الحلق) لأنّ أهل اللغة كما قال الزجاج: فسروه بما كان في غاية السلاسة يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أي سهل الانحدار في الحلق ومساغها مصدر ميمي، وتوله: حكم بزيادة الباء تبع فيه الزمخشريّ، وقد قال أبو حيان عليه إنّ عني الزيادة الحقيقية فليس بجيد لأنه لم يقل أحد بأنّ الباء من أحرف الزيادة وإن عني إنها حرف في أصل الكلمة، وليس في أصل مرادفها من سلسل وسلسال على أنه مما اتفق معناه، واختلفت مادته صح وفيه نظر وقد قيل: إنه أراد به أنه من الاشتقاق اكبر. قوله: (والمراد به أن ينفي عنها الخ) اللذع بى العين المهملة لا بالمعجمة لأنّ أهل اللغة يفرقون بينهما، والأوّل في النار والأجزاء الحارّة ونحوها ونقيضه كونه سهل البلع. قوله: (وقيل أصله سل سبيلا) نقل هذا عن عليّ وهو افتراء عليه فإنه من تلفيق التجنيس كقول ابن مطران الشاشي: سل سبيلافيها إلى راحة النف ص براج كأنها سلسبيل وقوله: فسميت من التسمية، وهي وضع الاسم العلم وهو معنى قوله: تسمى في النظم على هذا، وعند غيره التسمية إطلاق الاسم علمماً أو غيره وعلى هذا هو علم منقول من الجملة محكى على أصله، وقوله: لأنه الخ توجيه للتسمية به وانها كانت في المنقول عنه استعارة أو مجازا مرسلا للعمل المؤذي إليها وغير هؤلاء لا يقولون بالعلمية لأنها تقتضي منع الصرف ولم يقرأ به في العشرة، وإن قرأ به طلحة في الشواذ إلا أن يقال إنه صرف على لغة أو لمشاكلة الفواصل ونحوه من الوجوه السابقة وقوله: رأيتهم الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه. قوله: (وانبثاثهم في مجالسهم) أي تفرقهم كاللؤلؤ المنثور وانعكاس الشعاع ليس من لوازم اللآلئ المنثورة فكأنها إذا كان جرمها كبيراً جدا كانت مضيئة كذلك فتأمّل. قوله: (لأنه عام معناه إن بصرك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 الخ) أراد بالعموم أنه منزل منزلة اللازم، وترك مفعوله فيفيد العموم في المقام الخطابي إذ تقدير أحد المفاعيل دون غيره ترجيح بلا مرجح فيلزم العموم هذا مراده، وهو أظهر من أن يخفى والعجب ممن ادّعى هنا أنه يقدر له مصدر معرف بلام الاستغراق بمعونة المقام، وانه بمعنى كونه عاماً وحينئذ فقوله: معناه على ظاهره ولا حاجة إلى جعله مال المعنى كما قيل، وثم ظرف بمعنى هناك نصب محلا على الظرفية. قوله: (واسعاً) فالكبر مستعار من عظم الحجم لسعة المسافة وأيده بالحديث المذكور: والجود أعظم والمواهب أوسع وقوله: يرى أقصاه كما يرى أدناه أي أقربه إليه لما يعطي من حدة النظر أو هو من خصائص الجنة. قوله: (هذا) أي الأمر هذا، والشان كما ذكر والحال أن للعارف بالله ما هو أعظم وأوسع من ذلك، وهو ما له في مدينة العلم من منازل العارفين التي تسافر فيها أبصار البصائر فلا تنتهي إلى حد وهو معاني العوالم التي هي لذة الأرواح، والمراد بالملك عالم الشهادة فلذا أضاف له الجلايا والملكوت عالم الغيب، ولذا أضاف له الخفايا، وأنوار القدس العلوم الحقيقية واضافته للجبروت، وهو العظمة لأنها المقتضية لتنزهه عما لا يناسبه جل وعلا وهذا مأخوذ من التفسير الكبير، وحاصله أن ما ذكر في المحسوسات ولهم من المعقولات ما وراء ذلك مما هو أعظم وأعظم فتدبره. قوله: (ما رق منها وما غلظ الف ونشر مرتب فما رق السندس، وما غلظ الاستبرق فإنه معرب استبر، وهو الغليظ منه وفي كلامه إشارة إلى أن خضراوان توسط فهو لهما، وقوله: أو حسبتهم الخ ما قيل عليه من أنه يلزمه تفكيك الضمائر لأنّ بعضها للطائف وبعضها للمطوف عليه ردّ بأنه مع القرينة المعينة لا بأس به مع أنّ كون ضمير حلواً وسقاهم للمطوف عليه غير مسلم فإنه يجوز كونه للطائفين كما ذكره المصنف، وقوله: أو ملكاً أي من المضاف قبل قوله: ملكاً لقربه، ويجوز أن يكون من المقدر قبل قوله: نعيماً كما ذهب إليه غيره وقوله: بالرفع أي وتقديره على الياء مع كسر الهاء، ومن نصبه ضمها وأخبر به عن النكرة لأنه نكرة واضافته لفظية كما أشار إليه بقوله: في تفسيره يعلوهم، وهو أحسن من جعله منصوبا بفتحة مقدرة لأنه شاذ أو ضرورة فلا ينبغي أن يخرج عليه القراءة المتواترة كما فعله أبو البفاء هذا، والأحسن لفظا ومعنى كما في بعض الحواشي أن يعرب عاليهم مبتدأ وثياب خبره فتأمّل. قوله: (حملا على سندس بالمعنى الأنه وإن كان مفرداً لفظا جمع معنى، واما جعل جره للجوار لتتوافق القراءتان معنى فلا يلتفت إليه لأنه شاذ لا يخرج عليه من غير ضرورة، وقوله: فإنه اسم أي اسم جنس جامد شائع في أفراده فيجوز أن يوصف بالجمع ولا يخلو كلامه من الخفاء. قوله: (استبرق بالرفع) أي قرئ به وقوله: بالعكس أي بجر استبرق عطفاً علي سندس، ورفع خضر على أنه صفة ثياب فيدل على خضرة الاستبرق أيضا كما أشار إليه المصنف في تفسيره أوّلاً، وقوله: والفتح أراد به فتح القاف على أنه علم جنس منقول من الفعل، وحكي فتحه أو المسمى به الجملة من الفعل والضمير المستتر، وقد رد الزمخشريّ هذا القول بأنه معرب من غير شبهة فيه وما ذكر في الحقيقة تكلف ضعيف رواية ودراية، وأضعف منه ما قيل إنه باق على فعليته والضمير المستتر فيه راجع للأخضر المفهوم من خضر أو للسندس، إشارة إلى خلوص خضرته وأنها لا يعلوها سواد كخضرة الدنيا وكله أو هي من بيت العنكبوت. تنبيه: للأئمة المعتمد عليهم في استبرق اختلاف كثير لأهل اللغة والعربية والتفسير هل هو عربي أو معرب وهل هو نكرة أو علم جنس مبنيّ أو معرب مصروف أو ممنوع من الصرف كلها أقوال مصرح بها وهمزته همزة قطع أو وصل والصحيح منها أنه نكرة معرب مصروف مقطوع الهمزة لأنه الثابت في السبعة المتواترة، وعدم قطع همزته ثبت في قراءة شاذة إما بناء على أنه عربي أو لمشابهته للاستفعال، وقول المصنف علماً يأباه صرفه لا دخول أل لأنه لم يثبت بناؤه على الفتح كما في المحتسب بناء على أنه منقول من جملة فعل وضمير مستتر وهو معرب استبر على الصحيح وعند ابن دريد معرب استروه، وتبعه في القاموس، ومعناه كل غليظ ثم خص بالديباج وفي تصغيره ومادته اختلاف لأهل اللغة، وهذا مما ينبغي المحافظة عليه. قوله: (عطف على ويطوف الخ) واختلافها بالماضوية والمضارعية لأنّ الحلية مقدمة على الطواف المتجدد، وقوله: لإمكان الجمع بتعدد الأساور لكل والمعاقبة بلبس الذهب تارة، والفضة أخرى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 والتبعيض بأن تكون أساور بعض ذهبا وبعض فضة، وقوله: فإن الخ تبعيض للتبعيض، وقوله: وأسواراً جمع لسوارة وفي نسخة بدله أنواراً على أنه استطراد، وقيل: إنه لدفع ما يتوهم من أنّ تلك الحلي للنساء بأنّ المراد بها الأنوار الفائضة عليهم المتفاوتة تفاوت الذهب والفضة، والتعبير عنها بأساور الأيدي لأنها جزاء ما عملته أيديهم، ولا يخفى ما فيه فإنّ ما ذكره وهم مبناه المتعارف اليوم فإما في الجنة فالأمر على خلافه، ولو كان كما ذكره لم يكن ثمة تعارض أصلاَ، وقوله: تتفاوت الخ إشارة إلى أنها ليست من جنس معدنيات الدنيا. قوله:) أو حال الخ) عطف على قوله: عطف، وعلى هذا التقدير يجوز أن يكون التحلي بأساور الفضة للخدم وأساور الذهب في غير هذه الآية للمخدومين فلا يخالف ما هنا المذكور ثمة، وذلك بأن يكون عاليهم حال من ضمير حسبتهم لكنه يرد عليه ما قيل من أنه يصير داخلا تحت الحسبان، وكيف يكون ذلك وهم لابسون السندس حقيقة بخلاف كونهم لؤلؤا فإنه على طريق التشبيه المقتضي لقرب شبههم باللؤلؤ أن يحسبوا لؤلؤا ويمكن تصحيحه بتكلف اهـ، وهو غير وأرد لأن الحسبان في حال من الأحوال لا يقتضي دخول الحال تحت الحسبان فتأمل. قوله: (يفوق على النوعين المتقدّمين) وهما ما مزج بالكافور وما مزج بالزنجبيل وهو مأخوذ من كلام طويل للإمام وأسنده إلى رواية فيها إنه تقدّم لهم الأطعمة، والأشربة فإذا فرغوا أتوا بهذا الشراب الطهور فإذا شبوا منه طهر بطونهم ورشح منه عرق بريح المسك وهو نوع من الشراب آخر، وقوله: يطهر شاربه يشير إلى أن الطهور بمعنى المطهر، وفيه كلام تقدّم، وقيل: إنه يعني به الشراب الروحاني لا المحسوس كالريحاني، وهو عبارة عن التجلي الرباني الذي يسكرهم بالذهول عما سواه وهو الذي عناه ابن الفارض رحمه الله تعالى بقوله: سقوني وقالوا لاتغيبن ولو سقوا جبال حنين ما سقوني لغابت قوله: (على إضمار القول) أي ويقال لهم الخ قيل، ويجوز أن يكون خطابا من الله في الدنيا للأبرار وهو لا يغني عن التقدير ليرتبط بما قبله، وقوله: ما عد من ثوابهم توجيه لأفراده وقوله: مجازي عليه الخ فالمشكور مجاز عما ذكر وقوله: مفرقاً بناء على أنّ التنزيل للتدريج وقد مرّ مراراً. قوله: (وتكرير الضمير الخ) أراد أنّ نحن نزلنا يفيد الاختصاص كما مرّ في نظائره، وتكرير الضمير مع أنه تأكيد لهذا الاختصاص سواء كان نحن بعده تأكيدا أو مبتدأ أو فصلا ولذا قال: مزيد لاختصاص ليتمكن في الذهن أنه هو المنزل لا غيره، وقد علم أنّ كل ما صدر منه على وفق الحكمة ومقتضاها الأمر بالصبر والمكافأة وسيأتي زمان القتال بعده وقوله: بتأخير نصرك متعلق بحكم. قوله: (أي كل واحذ من مرتكب الإثم الخ) اعلم أنه قال في الكشاف: إنّ أو لأحد الشيئين، وانه إذا قيل: لا تطع أحدهما فالنهي عن طاعتهما جميعا انتهى قيل، وهو فاسد لاحتمال أن يكون المطلوب ترك واحد منهما، أي: واحد كان لا ترك كل واحد فالصحيح إنها في الإثبات لأحد الأمرين وفي النفي لكليهما وأما توهم إنه لو أتى بالواو زال الوهم بالكلية فليس بشيء، وتقريره ما قيل من أنّ أو ليست للتخيير حتى يرد ما ذكر بل للإباحة، والمقام للمبالغة في النهي عن طاعتهما مجتمعين ومنفردين، ولو قيل: لا تطعهما أو هم النهي عن طاعتهما مجتمعين فلذا قيل لا تطع أحدهما ليدل منطوقه على النهي عن طاعة أحدهما، وفحواه على النهي عن طاعتهما بالطريق الأولى، ولذا قال الزجاج: أو هنا أوكد من الواو وعلم منه أن أو في الإباحة كجالس الحسن أو ابن سيرين تدل على استحقاق كل منهما ذلك بالفضل، والمزية ليدل على الاجتماع بالطريق الأولى والإباحة من خارج، وهو موافق لقول ابن الحاجب أو لإثبات الحكم لأحد الأمرين وضعا فإن قامت القرينة على عدم المنع عن المعية فهي للإباحة، وقال بعض الفضلاء أو في الإثبات لأحد الأمرين وفي النفي لكليهما فمراد السائل أنّ أو لأحد الأمرين فيحتمل إرادة النهي عنهما وجواز طاعة أحدهما بشرط ترك طاعة الآخر، والمحرم المجموع فلم لم يأت بالواو ليدلّ على النهي عن كل منهما وقوله: الناهي عن أحدهما النهي عنهما لا يدفعه، والجواب أنه أتى بأو ليفيد نفي كل واحد واحد لأنها في النفي لكل منهما لأن نقيض الإيجاب الجزئي السلب الكلي، والواو لا تفيد هذا لأنها في الإثبات للجمع ونفيه يحتمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 أن يكون بنفي أحدهما فتشبيهه بالنهي عن التأفيف لا يصح، ويرده إنه لا شك إنّ أو في جميع مواقعها لأحد الشيئين، ويعرض لها معان أخر كالشك والإباحة، وغير ذلك فإذا قلت: اضرب زيداً أو عمراً فالمعنى اضرب أحدهما فقط وإذا قلت لا تضرب زيداً أو عمرا فالأصل أنّ معناه لا تضرب أحدهما واضرب الآخر كما في الأمر لكنه بمعنى لا تضرب أحدهما والأحد الأغلب عليه في غير الإثبات العموم فمعناه لا تضرب زيداً ولا عمراً، واحتمال غيره مرجوح والقرينة هنا دافعة له لوصفه بآثما وكفورا إذ المعنى لا تطع من كان فيه أحد هذين الوصفين فالنهي عمن اجتمعا فيه يعلم بالطريق الأولى، ولذا رد القول بأن أو هنا بمعنى الواو انتهى محصله إذا عرفت هذا فقوله: كل واحد أتى بكلمة كل لأنه لو قال لا تطع واحدا لم يفد ما أراده من عموم النهي هنا وليس الواحد كالأحد في العموم فما قيل من أنّ الأولى طرح كل لإيهامها خلاف المقصود هنا لا وجه له وقوله: الداعي لك إليه إشارة إلى أنّ تعليق النهي بالموصوفين ليس لمجرد الدلالة على الاتصاف بهذين الوصفين بل للدلالة على ارتكاب ذلك، والدعوة إليه فإنه إذا قيل لا تطع الظالم فهم منه لا تتبعه في الظلم، ولولاه كان ذكر الآثم لغوا كما في الكشاف، وقوله: الغالي في الكفر من صيغة فعول. قوله: (وأو للدلالة على أنهما سيان) كذا في بعض النسخ بالواو العاطفة قبل أو فهو وجه واحد مع ما قبله وفي بعضها أو من غير واو فهما وجهان كما في بعض الحواشي، وهو ظاهر ودلالتها على الاستواء فيما ذكر لما عرفت أنها وضعت للدلالة على أنّ الحكم لأحد الشيئين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، وما عداه من المعاني بواسطة القرائن الخارجية فليس فيه إشارة إلى أنها للإباحة كما توهم فالمقصود الدلالة على ما ذكر لا لأنه نهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر حتى تكون الواو أولى هنا. قوله: (والتقسيم الخ) دفع لما يقال كلهم كفرة فما معنى التقسيم فيه بأنّ التقسيم ليس باعتبار ذواتهم حتى يكون بعضهم آثماً وبعضهم كفورا بل باعتبار ما دعوه له فإن منهم من دعاه ل! ثم ومنهم من دعاه للكفر، وقوله: فإن ترتب الخ أي ترتب النهي على الوصفين باعتبار أنّ الحكم على مثتق يقتضي أنّ مأخذ الاشتقاق علة له فقوله: بأنه أي النهي لهما أي الوصفين المذكورين وقوله: يستدعي أن تكون المطاوعة الخ أي المطاوعة المنهيّ عنها، وفي نسخة أن لا تكون فالمراد ضدّها والإثم إذا أطلق يراد به غير الكفر وهو المراد. قوله: (وداوم على ذكره) إشارة إلى شيئين الأوّل أنّ الأمر للدوام لأنه لم يترك ذكره حتى يؤمر به، والثاني أنّ قوله: بكرة وأصيلا كناية عن الدوام، وقوله: فإنّ الأصيل الخ أما تناوله للعصر فظاهر وأما تناوله للظهر فباعتبار أواخره إذ الزوال وما يقرب منه لا يسمى أصيلا وما قيل إنه قد يسمى ذلك أصيلاَ لو سلم فهو ارتكاب لغير المعروف من غير ضرورة تدعو له، والذي غرّه إنهم فسروه بالعشية وهي تطلق على ما ذكر وهذا يقتضي أن هذه السورة نزلت بعد فرض الصلوات الخمس، وهو الظاهر. قوله: (وبعض الليل الأن من تبعيضية، وقوله: فصل لأنّ السجود مجاز عن الصلاة بذكر الجزء وارادة الكل، وقوله: صلاة المغرب والعشاء ليتضمن الكلام الصلوات كلها، وقوله: وتقديم الظرف الخ يعني للاعتناء والاهتمام بظرفها وتشريفه الدال على أنها كذلك بالطريق الأولى وليس للحصر كما لا يخفى والكلفة المشقة لأنه زمان الاستراحة من الأعمال والفراغ، والخلوص لبعده عن الرياء والفاء على معنى الشرطية فالتقدير ما يكن من شيء فصل من الليل، وهو يفيد أيضا بتأكيده الاعتناء التامّ. قوله: (وتهجد له طائفة طويلة) حمله على التهجد لذكره بعد الصلوات كلها على تفسيره السابق إذ صلاة الليل غيرها كذلك وأصل التسبيح التنزيه، ويطلق على العبادة القولية والفعلية فلذا فسر المسبحين بالمصلين كما ذكره الراغب وفي تأخيره، وتأخير ظرفه ما يدل على أنه ليس بفرضى، وأما كونه معبراً عنه بالتسبيح فلا دلالة له على ما ذكر كما قيل، وقوله: طائفة الخ إشارة إلى أن التنوين للتبعيض كما مرّ في قوله ليلا من المسجد الحرام فيفيد أن تهجده من بعض، ومقدار طويل من الليل فقد وصف بعض الليل الواقع ذلك فيه بالطول فيفيد ما ذكر من غير تكلف ما قيل إنّ توصيف الليل بالطويل ليس للاحتراز عن القصير لعموم زمان التهجد بل لتطويل زمان التسبيح. قوله: (أمامهم) لأنّ يوم القيامة كذلك وجعله خلف ظهورهم بمعنى عدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 الالتفات له والاستعداد، ولذا قيل: إنه على الأوّل حال من يوماً وعلى الثاني ظرف لقوله: يذرون، ولو جعل على وتيرة واحدة في التعلق صح أيضاً، وقوله: الباهظ بالموحدة والظاء المشالة تفسير للثقيل لكنه تفسير بما هو أخفى يقال: بهظه الحمل إذا أثقله فعجز عنه أو شق عليه حمله، فكأنه توصيف له بما يفيد أنّ في فعيل مبالغة في الثقل وفي نسخة من الثقل الباهظ وهي أحسن والاستعارة تصريحية أو مكنية وتخييلية والكل ظاهر. قوله: (وهو كالتعليل لما أمر الخ) يعني في قوله: ولا تطع إلى هنا فكأنه قيل: لا تطعهم، واشتغل بالأهم من العبادة لأنّ هؤلاء تركوا الآخرة للدنيا فاترك أنت الدنيا، وأهلها للآخرة وإن هذا يفيد ترهيب مجيء العاجل وترغيب مجيء الآجل والأوّل علة للنهي عن طاعة الآثم والكفور والثاني علة للأمر بالطاعة. قوله: (وأحكمنا ربط مفاصلهم الخ) يعني الأسر معناه في اللغة الشد والربط ويطلق أيضاً على ما يشدّ ويربط به، ولذا سمي الأسير أسيراً بمعنى مربوط فشبهت الأعصاب بالحبال المربوط بها ليقوي البدن بها أو لإمساكها للأعضاء، ولذا سموها رباطات أيضا والعارف يقول فمن كان أسره من ذاته وسجنه دنياه في حياته فليبك مدة عمره ويتأسف على وجوده بأسره، وقوله: شذة الأسر أي قوّة أعصابهم وبدنهم. قوله: (يعني النشأة الثانية (يعني المراد بالتبدل إيجادهم في النشأة الثانية بعد الموت وقوله: ولذلك أي لأنّ المراد النشأة الأخرى المحققة عبر بإذا الدالة على التحقق وجعل فيه تبديل الصفات بمنزلة تبديل الذوات فكان ذكر المشيئة على هذا لإبهام وقته، ومثله شائع كما يقول العظيم لمن يساله الأنعام إذا شئت أحسن إليك وقوله: وإذا التحقق القدرة وفي نسخة لتحقيق القدرة وهما بمعنى يعني أنّ إبدال الناس بعد إعدام جنسهم وهو تبديل في الذوات لم يثأه الله ولم يقع فلو أريد هذا كان المناسب أن بدل إذا كما في قوله: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [سورة النساء، الآية: 133] لكنه لتحقق قدرته عليه وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم جعل ذلك المقدور المهذد به كالمحقق، وعبر عنه بما يعبر به عن المحقق وهو إذا المناسبة للمقام، وهذا معنى ما نقل عن الزمخشري من أنه إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة حتى كان له وقتا معينا فلا وجه لقوله في الكشف لا إخال نسبته إليه صحيحة وقد جاء في نظيره في التنزيل وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم لأنّ النكات لا يلزم اطرادها، وما قيل من أنّ كلمة الشك دخلت فيما تلاه على التولي لا على الاستبدال فإنه مقطوع على تقدير وقوع الشرط لا يخفى ما فيه من الخبط والخلل فتدبر. قوله: (تقرّب إليه بالطاعة) يعني أن اتخاذ السبيل إليه تعالى يكون بالطاعة الموصلة لقربه إيصال السبيل للمقاصد فهو تمثيل هنا، وقوله: إلا وقت الخ يعني أن يشاء الله في محل نصب على الظرفية بتقدير المضاف الذي سد مسده، وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ} الآية قال بعض الفضلاء: معناه ما تشاؤون شيئآ أي ما تشاؤون اتخاذ سبيل إلى الله بدليل قوله: {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [سورة الإنسان، الآية: 29] أي لا تتخذون السبيل بمشيئتكم إلا أن يشاء الله اتخاذكم والمقصود أنّ مشيئة العبد في أفعاله الاختيارية غير كافية بل لا بد مع ذلك من مشيئة الله تعالى بلا استقلال للعبد ولا جبر من السيد بل أمر بين أمرين يتحقق بالمشيئتين فيكسب العبد ويخلق الرب، وقوله: عليما أي يعلم ما يتعلق به مشيئة العباد من الإيمان والتقوى وخلافه حكيما لا يشاء الأعلى وفق حكمته، وهو أن يشاء العبد فيشاء الرب لا العكس ليتأتى التكليف من غير انفراد لإحدى المشيئتين عن الأخرى فخير الأمور أوسطها اهـ. فوله: (مشيئتكم) رد على الزمخشري حيث قال: إلا أن يشاء الله يقسرهم عليها فإنه تحريف من غير دليل والظاهر ما ذكره المصنف فإنّ مفعول المشيئة يقدر من جنس ما قبله وزيادة القسر هنا تعسف كما بينه شراح الكشاف. قوله: (بما يستأهل (بالهمزة ويجوز إبدالها ألفاً أي بما يستحق وأصل معناه يصير أهلا وقد! رّ تحقيقه، والقول بأنه لا يلائم المذهب الحق غير سديد فإن علمه باستحقاق كل أحد ومجازاته كما يستحق لا يقتضي الوجوب عليه كما توهمه القائل فتدبره بعين الأنصاف. قوله: (مثلاَ أوعد أو كافأ) بالهمز في آخره بمعنى جازى، ولم يقدر المذكور بعينه لأنه لا يتعدى بنفسه بل با كما يقدّر في نحو زيداً مررت به جاوزت زيداً مررت به، وقوله: ليطابق الخ دفع لما يقال أنه لو رفع استغنى عن التقدير فلم كانت القراءة المشهورة بالنصسب لأنّ المعطوف عليه ويدخل من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 يشاء جملة فعلية ولو رفع كانت جملة اسمية فتفوت المطابقة بين المتعاطفين وأحسن، وقوله: وقرئ بالرفع في الشواذ وهي قراءة منسوبة لابن الزبير وحسنت لتأكيد الو بالاسمية فانه يسهل فوات المطابقة وإن كانت قراءة الجمهور أحسن لما مر ولأنّ الأمر بالعكس لو حقق لسبق الرحمة الغضب. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو حديث موضوع اللهم ارر جنة وحريراً، وحررّنا تحريراً وصل وسلم على أشرف مخلوقاتك وآله وصحبه الذين طهر- من دنس المعاصي تطهيرا، ونوو قلوبنا بحبهم وذكرهم تنويراً تمت السورة بحمد الله وعونه. سورة المرسلات وتسمى سورة العرف ولا خلاف في عدد آياتها ولا في كونها مكية إلا أن بعضهم استثنى منها آية وهي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} . بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أقسم بطوائف الخ) هو المراد بالمرسلات وكل طائفة مرسلة، وقوله: متتابعة معنى قوله: عرفا كما سيأتي تحقيقه، وعلى هذا فالجموع المذكورة كلها صفات للملائكة، وقوله: بأوامره الخ هو جمع مخصوص بالأمر مقابل النهي ففيه اكتفاء كتقيكم الحرّ، وخص لأنه أهم لا لأنّ النهي يتضمن معناه وهوح مثلا وتفسير. بالعذاب على أنّ الإرسال به بمعنى إنفاذه وتأييده فإنه لا وجه للتخصيص على ما مرّ كما قيل فيه بحث وأذا كان الأمر موحى به، فالباء في قوله: بالأوامر للتعدية من أرسلته بالهدية ونحوه لا للملابسة كما قيل ويجوز أن تكون للملابسة بمعنى أنه أمرها بالذهاب، والمرسل غير مذكور وحينئذ لا يكون من باب الاكتفاء أو الأمر بمعنى العذاب المأمور به على ما اختاره الزمخشريّ لكن كلام المصنف رحمه الله تعالى لا يوافقه فمن ظنه موافقاً له فقد خلط فتأمّل، وقوله: فعصفن هو معنى العاصفات على أنه استعارة بمعنى المسرعات سرعة الرياح ولعدم انفصال السرعة عن الإرسال عطف بالفاء. قوله: (ونشرن الشرائع الخ) تفسير للناشرات وعطف بالواو لعدم ترتبه بسرعة على ما قبله لأنّ النشر على هذا بمعنى الإشاعة للشرائع وهو يكون بعد الوحي والدعوة، والقبول ويقتضي زمانا فلذا لم يقرن بالفاء التعقيبية وإذا حصل النشر ترتب عليه الفرق من غير مهلة كما فصله الإمام ولا يتوهم أنه كان حقه، ثم حينئذ لأنه لا يتعلق القصد هنا بالتراخي ولم يقدر لكل موصوفاً على حدة كما في الكشاف لعدم الحاجة إليه لاتحاد المتعاطفات في الذات والعطف إنما هو لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الذات كما في قوله: يا لهف زيابة للحرث الصابح فالغانم فالآيب وقد مرّ في الصافات ولم يفسر النشر بنشر الأجنحة لأنّ حقه التقديم على العاصفات فإن أريد به إرادة العصف فحقه العطف بالفاء فتأمّل. قوله: (أو نشرن النفوس الموتى بالجهل الخ) بالجهل متعلق بالموتى والنشر على هذا بمعنى الإحياء وفيما قبله بمعنى الإشاعة، وقوله: بما أوحين متعلق بقوله: نشرن، ويجوز تعلقه بالجهل وتنازعهما فيه، وقوله: فألقين الخ قيل: فالفارقات بمعنى المريدات للفرق، ولو لم يؤوّل بهذا كان الإلقاء مقدما عليه، وقد يجاب بأن نفس الفرق مقدم على الإلقاء لأنه يحصل بمجرد نزول الوحي الذي هو الحق المخالف للباطل الذي هو الهوى، والمتأخر عن الإلقاء هو العلم بالفرق فلا حاجة للتأويل بالإرادة، وقيل عليه إنه على تسليم صحته لا يدفع احتياج الناشرات للفاء على ما فسره به، اهـ وقيل عليه إذا أوّل النثر بإرادته كان اللائق أن يقال بدل قوله: يستدعي مهلة تجامعه، وهو أن يكون الفرق نفس نزولهم بالوحي الذي هو الحق المخالف للباطل، والفرق بهذا المعنى مقدم على الإلقاء والمتأخر هو العلم به فلا حاجة للتأويل ويكون وجهاً للعدول إلى الواو بخصوصها بغير ضميمة، ثم إن ترتب إرادة الفرق على إرادة نشر الشرائع محل تردد إذ الظاهر العكس، وأنما يحتاج لما ذكر إذا أريد بالعذر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 والنذر مطلق الوحي فليحرّر. قوله:) أو بآيات القرآن الخ (عطف على قوله: بطوائف لأنه تفسير آخر فالمرسلات صفة الآيات والعرف على هذا بمعنى المعروف، وقوله: بكل عرف بيان لحاصل المعنى لا تفسير إعراب حتى يكون منصوبا بنزع الخافض كما توهم فإنه مناف لكلامه الآتي في إعرابه، ويجوز أن يكون بمعنى المتتابع لنزوله منجماً كما لايخفى. قوله:) النسخ) متعلق بعصفن لأنه بمعنى أذهبن مجازاً مرسلاً أو استعارة، وقوله: ونشرن الخ من النشر بمعنى الإشاعة، وقوله: وفرقن لو قال ففرقن بالفاء كان أولى وقوله: فألقين الخ فالإلقاء التثبيت والرسوخ لأنه يكون في الأمور الثقيلة غالباً. قوله:) أو بالنفوس الخ (فالمرسلات صفة النفوس، والمراد بكونها كاملة إنها مخلوقة على صفة الكمال والعقل الهيولاني والاستعداد لقبول ما كلفته وما خلقت لأجله فما قيل: إنه يلزمه أن نفوس الأنبياء والأولياء كملها الله قبل تعلقها بأبدانها وتأباه حالة الطفولية فالمراد أنها مشارفة للكمال لا ينبغي أن تسود به وجوه الطروس ومن عرف أنّ الأرواح جنود مجندة عرف حقيقة ما قلناه، وقوله: لاستكمالها الضمير للنفوس، ويجوز رجوعه للأبدان والأوّل أولى وهذا إشارة لمعنى قوله: عرفا واعرابه. قوله: (فعصفن ما سوى الحق (أي أذهبته بالنظر في الأدلة الحقة، وقوله: ونشرن الخ تفسير للناشرات وذلك إشارة إلى العصف أو إلى ما سوى وأثره ما يتصف به البدن من العبادة والأعمال، وقوله: بين الحق بذاته أي المتحقق بذاته لا بغيره وهو واجب الوجود والباطل في نفسه أي المعدوم بقطع النظر عن استناده لواجب الوجود لأنّ عليه الاحتياج الإمكان لا الوجود عند المحققين وهو معنى كل شيء هالك إلا وجهه، وقوله: فيرون الخ مترتب على الفرق المذكور وجعله تفسيراً له ناشئ من عدم الفرق. قوله: (بحيث لا يكون في القلوب الخ) فمعنى إلقائه تمكينه في القلوب والألسنة أو طرج ما عداه، وقوله: أو برياح الخ فالمرسلات الوياح المرسلة للعذاب لا! الإرسال شاع في العذاب كما مر وهذا على تعدد الموصوف في المرسلات والناشرات، وقوله: ففرقن أي فرقن السحاب على البقاع وقوله: تسببن الخ فالتجوّز في إسناده. قوله:) وعرفا الخ (فالعرف المعروف من الجميل والإحسان والنكر المنكر مما يستقبح عقلا أو شرعا وهذا التفسير راجع إلى الوجوه كلها بجعل كل مع مناسبه لا للأخير كما لا يخفى فمن ذهب عليه ذلك فقد ارتكب شططا، وقوله: على العلة أي مفعول له، وقوله: من عرف الفرس عرف الدابة ما على قفاها من الشعر ومنه أخذ معنى التتابع، ثم صار حقيقة عرفية قال: البطليوسي يقال: طار القطا عرفا عرفا أي بعضه وجاء القوم عرفاً عرفا كذلك، وقوله: أرسلن للإحسان اقتصر عليه لأنه الأغلب وغيره يعلم بالقياس عليه، وقيل: لأنّ عذاب الأعداء إحسان للأولياء. قوله: (محا الإساءة) أي أزالها هو تفسير له بلازمه، وقوله: أنذر قياس مصدره الأفعال وهذا على خلاف القياس وقيل إنه اسم مصدر لا! فعلا لم يعهد في مصدر الأفعال وقيل: مصدر نذر بمعنى أنذر وفيه نظر، وقوله: بمعنى المعذرة وهو مصدر ميمي وعبر به ليظهر مغايرته للعذر، وقوله: أو بمعنى العاذر الخ أي صفة بمعنى الفاعل. قوله: (ونصبهما على الأوّلين الخ) الأولان كونه مصدراً أو جمعاً لفعيل المصدر ومآلهما للمصدرية فلذا كان نصبه على العلية فهو مفعول لأجله أو بدل من مصدر وعلى الأوّل العامل فيه الملقيات، أو ذكراً قيل: وهو على الثاني معذرة لأنه سبب النجاة أو هو بمعنى الداعي للمعذرة وفيه نظر. قوله: (أو البدلية من ذكرا الخ (إنما أوّله بما ذكر لتصح البدلية فإذا فسر بالوحي كان فيه إعذار وإنذار فهو بدل بعض لأنّ الوحي يعمه وغيره فإذا فسر الذكر بالمذكور العام لما ذكره كان بدل كل من كل لأنّ التوحيد والإيمان إعذار والشرك والكفر إنذار فهو بدل كل من كل والظاهر حينئذ أنّ الذكر بمعنى التذكير والعظة بالترغيب والترهيب. قوله: (بالحالية) يعني من الملقيات أو الضمير المستتر فيها، وظاهره أنه على الأوّلين غير جائز ولا مانع منه فإنّ المصدر يكون حالاً بالتأوبل المعروف في أمثاله وقد صرح به المعرب أيضا لكنه على خلاف القياس فكأنه عني أنه لا يجوز إذا جرينا على وفق القياس، وقوله: بالتخفيف أراد به سكون الذال وما عدا هؤلاء منهم من ضمهما، ومنهم من خففهما ومنهم من ثقلهما كما فصل في النشر. قوله: (جواب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 القسم) وهو قوله والمرسلات، وقوله: ومعناه إنّ الذي توعدونه الخ يشير إلى أنّ ما موصولة وإن كتبت متصلة وفسرها بما ذكر، وقوله: كائن لا محالة الخ التأكيد فيه من اسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال فيفيد التعبير به التحقق كالماضي. قوله: (بحيث إذا ذهب نورها) وفي نسخة محقت أو أذهب نورها فعلى الأولى المقصود من محوها ذهاب نورها وهو تفسير واحد، وعلى الثانية إمّا أن يفسر بالمحق وهو إذهابها بالكلية وإعدام ذاتها أو بذهاب النور فله تفسيران، وقوله: صدعت أي شقت والصدع والفرج بمعنى الشق وقوله: ينسف بالمنسف بكسر الميم آلة النسف وهو التفريق والإزالة، قال تعالى: {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [سورة طه، الآية: 05 ا] . قوله: (عين لها وقتها) فسر الزمخشري التوقيت هنا بتبيين الوقت الذي فيه شهادة الرسل على الأمم قال: والوجه أنّ معنى أقتت بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره، وهو يوم القيامة وتحقيقه أنّ التوقيت إذا كان بمعنى التعيين والتحديد للوقت لا يوقع على الذوات إلا بإضمار لأنّ الوقت الحدث لا الجثث ويجيء بمعنى كونه منتهيا إلى وقت محدود فيقع عليها دون إضمار إذا كان بينهما ملابسة، وجعل هذا هو الوجه لأنّ القيامة وقت شهادة الرسل لا وقت يبين فيه وقت شهادثهم وحضورهم، وإذا الرسل الخ يقتضي ذلك لأنّ إذا أكرمتني أكرمتك زمان إكرام المخاطب مدلول إذا سواء كان معمول الجزاء أو لا هذا زبدة ما في الكشف وبه يعلم تحقيق كلام المصنف رحمه الله تعالى، وذكره الحضور والشهادة في الأوّل دون الثاني إشارة إلى الاحتياح فيه إلى الإضمار وقوله: بحصوله أي الوقت متعلق بعين للإشارة إلى أن تعيينه فيه بوقوعه لأبان يعين فيه وقت غير. لذلك فالتعيين هو الحصول وبيانه بما يميط عن وجهه لثام الأوهام أنّ بلوغ الوقت أمر نسبي بين البالغ ونهاية الميقات التي هي وقت، وليس عين الوقت ولا صفته فيوصف به ويسند إلى الحدث والجثث من غير تقدير كبلغت الرسل ميقاتها، وهي بالغة له ومدركته بخلاف تعيين الوقت وتبيينه فإنه باعتبار المعين بالفتح صفة الوقت والوقت وصفته لا يحمل على الجثث بدون تقدير فما قيل من أن عدم احتياج الثاني للتقدير محل بحث لا يلتفت إليه لأنه ناشئ من قلة التدبر فافهم. قوله: (فإنه لا يتعين لهم قبله الأنه من المغيبات ولا بعده كما علم من قوله: بحصوله، وقوله: بلغت بالتشديد وصيغة المجهول أو بالتخفيف، والمعلوم وهو الوجه الثاني وقد عرفت تحقيقه ووجه ترجيحه لما فيه من عدم الإضمار وشائبة كون الشيء ظرفا لنفسه كما قيل وقوله: على الأصل لأنّ الهمزة مبدلة من الواو المضمومة، وهو أمر مطرد كما بين في محله. قوله: (يقال الخ) يعني لأي يوم متعلق باجلت والجملة مقول قول مضمر هو جواب إذا أو حال من مرفوع اقتت، والمعنى ليوم عظيم أخرت أمور الرسل، وهو تعذيب الكفرة واهانتهم وتعظيم المؤمنين ورعايتهم، وظهور ما كانت الرسل تذكره من أحوال الآخرة وأهوالها ولذا عظم شأن اليوم وهوّل الأمر بالاستفهام كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله: (وهو ثعظيم) الخ. قوله: (بيان ليوم التأجيل) يعني أنه بدل منه مبين له وقيل متعلق بمقدر تقديره أجلت، وقيل: لامه بمعنى إلى وقوله: ومن أين الخ كناية عن تعطمه وتهويله وقوله بذلك الإشارة ليوم الفصل والتكذيب به إنكار البعث. قوله: (مصدر الخ) ومعناه هلاك وكان حقه النصب بفعل من لفظه أو معنا. فرفع على أنه مبتدأ أو سوغ الابتداء به، وهو نكرة أنه للدعاء نحو سلام عليكم وهو من المسوّغات كما بين في النحو وفائدة العدول ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الدلالة على الثبات والدوام ولم يجعل المصنف رحمه الله تعالى ما ذكر مسوّغا كما في الكشاف بل وجهاً للعدول، إشارة إلى الاعتراض عليه، وقوله: ظرفه أي يتعلق به لأنه مصدر أو صفته لوقوعه بعد نكرة وهو ظاهر، وقوله: وقرئ الخ هي قراءة شاذة قرأ بها قتادة، وهلكه بمعنى أهلكه مخالف للمشهور استعمالاً. قوله: (ثم نحن نتبعهم الخ) قدر المبتدأ ليتضح به الاستئناف على العادة في أمثاله، وقد قيل إنه لا حاجة إليه، ويجوز عطفه على قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ} الخ وكونهم كفار مكة معلوم من المضارع فيكون تهديدا واخبارا عما يقع بعد الهجرة كبدر، وقوله: فيكون الآخرين الخ لأنه لم يقع إدراك هلاك كفار مكة فالمراد بهم بعض أمم الأنبياء السالفة أيضاً كما بينه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: مثل ذلك الفعل الإشارة لما قبله أو لما بعده، وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 بكل من أجرم إشارة إلى ما في الجمع المعرف من العموم. قوله: (فليس تكريرا الاختلاف متعلقهما كما ذكره أو يحمل أحدهما على الاخرة والآخر على الدنيا مع أن التأكيد أمر حسن لا ضير فيه وقوله: مقدار معلوم، هو مدة الحمل المعلومة، وقوله: نحن هو المخصوص بالمدح، وقوله: بقدرتنا إشارة إلى ما مر من عدم التكرير بتغاير المتعلق ونحوه. قوله: (اسم لما يكفت) أي يضم يقال: كفته الله إليه أي قبضه ولذلك سميت المقبرة كفتة وكفاتا والمراد بالاسم اسم الجنس أو أسم الآلة لأنّ فعالا كثر فيه ذلك كما مر تحقيقه في إمام، وقوله: أو مصدر كقتال أوّل بالمشتق ونعت به كرجل عدل، وهو معطوف على قوله: اسم، وقوله: كافت أي قطر كافت كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فمن قال على تأويل الأرض بالمكان أو النسب لم يصب، وقوله: أو كفت بكسر الكاف وسكون الفاء كقدج وقداج، وقوله: وهو الوعاء لا ينافي كون الكفات بمعنى الوعاء أيضاً مع أنّ ما في القاموس ليس معنى الوعاء كما توهم، وقوله: أجرى على الأرض لأنه مفعول ثان، وهذا توجيه له على وجهي الجمع والأرض مفردة. قوله: (منتصبان على المفعولية (الظاهر أن ناصبه كفاتا وهو ظاهر على المصدرية، وكونه جمع كافت لا على كونه اسم آلة فإنه لا يعمل كما صرّج به النحاة وحينئذ فيقدر فعل ينصبه من لفظه كما صرّج به ابن مالك في كل منصوب بعد اسم غير عامل وقوله: للتفخيم بجعل التنوين للتعظيم والتكثير أي أحياء وأمواتا لا تعد ولا تحصى، ولو عرف باللام الاستغراقية جاز وهذا يحتمله أيضا، ولا ينافيه أو يقال تنوينه للتقليل أو التبعيثض لأنّ المراد بهم الناس وهم بالنسبة لغيرهم من الحيوانات والجن غير كثير كما لا يخفى. قوله: (من مفعوله المحذوف الأن تقديره كفاتا إياهم أو إياكم أو كفاتا للإنس لأنهم المقبورون دون غيرهم. قوله:) أو بنجعل (على أنه مفعول ثان بتقدير مضات أي ذات أحياء وأموات، وقوله: أو الحال وفي نسخة أو الحالية، وقوله: فيكون المعنيّ الخ أي على هذين الوجهين الأخيرين، وقوله: ثوابت طوالاً لف ونشر لرواسي شامخات، وقوله: ما لم يعرف الخ كما في الأراضي التي لم تعمر والجزائر الغامرة، ولا حاجة إلى جعل ضمير فيها للجبال وتفسير ما لم يعرف بالجبال السماوية فإنه تفسير بما لم يعرف. قوله: (أي يقال لهم انطلقوا) قدر القول ليرتبط بما قبله فيقدر مقولاً لهم ونحوه وضمير لهم للمكذبين، وقوله: من العذاب بيان لما، وقوله: عن يعقوب هو أحد الروايتين عنه، وقوله: على الأخبار أي بصيغة الماضي لا الأمر وهو استئناف بياني كأنه قيل: فما كان بعد الأمر فقيل: انطلقوا الخ فسقط قول السمين إنه كان الظاهر أن يقترن بالفاء كما تقول قلت له: اذهب فذهب فتركها ليس بواضح وقوله: خصوصا يعني الثاني ليس تكريراً للأوّل لتقييده بقيود ليست فيه ففيه رد على الزمخشري في قوله: إنه تكرير للأرّل، ومنه يعلم وجه اختيار الاستئناف على الإتيان بالفاء الدالة على امتثال الأمر لأنه كان يقتضي الاقتصار على ذكر المأمور به فالقول بأنه موضع الفاء سهو مع أنه قد يقال إن تجريده من الفاء أدلّ على الامتثال لإيهامه تقدمه على الأمر فتدبر. قوله: (نئ دخان جهنم (فهو استعارة تهكمية لتشبيه ما يعلو من الدخان بالظل، وفيه إبداع لأنّ الظل لا يعلو ذا الظل، وقوله: تفرق الذوائب أي كتفرق الذوائب ففيه تشبيه بليغ، وقوله: لأن حجاب النفس الخ المراد بالحس الحواس الظاهرة أو الحس المشترك أو ما يشملهما، والمراد بالخيال القوّة المتخيلة يعني فلكون الحجب ثلاثة جعلت الشعب بعددها وتحقيق هذه الحواس مفصل في الحكمة، وتفسير القرآن بمثله تعسف اقتدى فيه بالإمام، وقوله: فوق الكافر وهي الواهمة لأنها في الدماغ وما بعده العصبية، والشهوية وهو ظاهر. قوله: (تهكم الخ) لأنّ الظل لا يكون إلا ظليلا أي مظللا فنفيه عنه للدلالة على أنّ جعله ظلا تهكم بهم ولأنه ربما يتوهم إنّ فيه راحة لهم فنفي هذا الاحتمال بقوله: لا ظليل كما مر في قوله: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} [سورة الواقعة، الآية: 44] وقوله: غير مغن الخ إشارة إلى أنه صفة لظل أيضا ومغن بمعنى مفيد ومجد وعدى بعن لتضمنه معنى مبعد. قوله: (كل شررة كالقصر) إشارة إلى أنّ شرر اسم جنس جمعيّ واحد شررة، وهو مؤول هنا أي كل واحد منه كالقصر وحمله على ذلك لدلالة ما يعده عليه ولأنه أبلغ وأنسب بالمقام، وقوله: ويؤيده الخ الظاهر أنه بفتح الشين جمع لا مفرد وهي. قراءة عيسى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 لأنها تدلّ عل أن المشبه بالقصر واحده كما في القراءة المشهورة، ويحتمل أنه بكسر الثين كما قرأه ابن عباس فإنه جمع أيضاً لشررة كرقبة ورقاب وإن احتمل جمع شرّ أيضاً كما ذكر المعرب، ومن قال: إنّ هذا متعين فقد ادّعى ما لم يقم عليه دليلاً. قوله: (وقيل هو جمع قصرة) فهو كتمر وتمرة فهو حينئذ من تشبيه الجمع بالجمع من غير احتياج للتأويل بما مر وكذ ما بعده، وقوله: كالقصر بضمتين كرهن وادعاء أنه مقصور من القصور مخالف للظاهر لأن مثله ضرورة أو شاذ نادر، وقوله: وكالقصر بكسر، ثم فتح جمع قصرة بفتحتين وحوج بكسر الحا وفتح الواو مخالف للقياس، ومقتضاه حيج كقيم فورد على الأصل شاذاً، وقوله: والها للشعب أي في قوله: إنها وقيل: لجهنم لعلمه من السياق، وقال ابن السيد في مثلثاته القصر بفتحتين أصول النخل، وقيل: أعناقها وبذلك فسرت قراءة من قرأ بفتح الصاد اهـ، وفي كتاب النبات الحبة لها قشرتان التحتية تسمى حشرة والفوقية قصرة، وقوله: كالقصر فشبه الشرر بما يطابق من تلك القشرة انتهى وهو غريب. قوله: (جمع جمال) فهو جمع جمع وجمالة بالكسر جمع جمل أو اسم جمع له، وقوله: سود مرّ الكلام عليه في البقرة، وقوله: الكثرة من جمع الجمع، وقوله: بما يستحق بصيغة المجهول أو المعلوم والتقدير بما يستحق التقوه به الإصغاء له فلا ينافي ما ورد في غير هذه الآية من النطق لأنهم نطقوا لكن نطقهم جعل كالعد لعدم ئفعه، أو المراد نفي النطق حقيقة لكن المواقف متعددة ففي بعضها ينطقون، وني نجعضها لا ينطقون ومثله كثير ني القرآن. قوله: (وقرئ بنصب اليوم) أي في قوله: هذا يوم لا ينطقود والقراءة المتواترة هنا الرفع على الخبرية ونصب في بعض الشواذ إما على أنه خبر لكنه بني على الفتح لإضافته للجملة، ولما حقه البناء أو منصوب على الظرفية وهذا إشارة ما ذكر والخبر مقدّر والتقدير هذا الذي ذكر من الوعيد واقع في يوم لا ينطقون، والى الثاني أشار المصنف رحمه الله تعالى، وقد مر الكلام فيه في آخر المائدة وقرئ هناك بالفتح لكنه متواتر ثمة وهنا شاذ. قوله: (عطف فيعتذرون الخ) يعني لم ينصب في جواب النفي ليفيد نفي الاعتذار مطلقاً إذ لا عذر لهم ولا يعتذرون ولو جعل جوابا دل على خلافه فلا وجه لما قيل بعدم الفرق بينهما، وأنما قرئ بهذا للمحافظة على رؤوس الآي كما بينه السمين، فإن قلت هذا ينافي ما في سورة غافر كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في قوله: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [سورة غاقر، الآية: 52] من أنهم يعتذرون ولا ينفعهم العذر أو لا يعتذرون لعدم الأذن قلت: إن لم يوفق بينهما فليحمل هذا على قوم وذاك على آخرين وليس التعقيب المذكور هنا في مجرد الأخبار كما قيل لأنّ المراد لا يؤذن لهم في النطق مطلقاً أو في الاعتذار، والنفي الثاني مترتب على الأوّل في الواقع وفيه نظر. قوله: (تقرير وبيان للفصل الأنه لا يفصل بين المحق والمبطل إلا إذا جمع بينهم وقوله: تقريع الخ لأنه كقولك اصنع ما شئت، وقوله: في مقابلة المكذبين يعني لم يحمل المتقين على غير العصاة بل على ما يشملهم لوقوعه في مقابلة المكذبين بيوم الدين وهم كفرة المشركين هنا، وفيه ردّ على المعتزلة القائلين بخلود العصاة فإنهم استدلوا بظاهر هذه الآية وما شاكلها. قوله: (مستقرون الخ) قدره لأنه مستقر خبر وللإشارة إلى أنه حقيقة لا كظلال المكذبين، وأنه كناية عن جميع أنواع الرفاهية، وقوله: أي مقولاً الخ يعني أنه حال من ضمير المتقين في الخبر بتقدير القول كما ذكر وقوله: في العقيدة فسره به ليعمّ المؤمنين فيكون على وفق ما فسر به المتقين، وقوله: تمحض بصيغة الماضي أو بالمضارع، والنون للعظمة فيه وهو بيان للمراد بالهلاك المدعو به عليهم هنا بأنه هلاك، وعذاب مؤبد وقيل: إنه كلام مستأنف وفيه زظر، وقوله: ولخصومهم الخ من قوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ} [سورة الصافات، الآية: 80] . قوله: (تذكيرا لهم بحالهم الخ) فيكون الأمر بفرض أنه قيل لهم في الدنيا ذلك، والا فلا تمتيع لهم ثمة فكيف يؤمرون به، وقيل: إنه يقال لهم في الدنيا فيكون على ظاهره لكنه لا يرتبط بأطرافه حينئذ ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: إنكم مجرمون في الكشاف إنه تعليل لما تقدّمه يدلّ على أنّ كل مجرم نهايته تمتع أيام قليلة بالأكل ثم يبقى في عذاب، وهلاك أبداً ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: بعده حيث عرضوا الخ. قوله: (أطيعوا الخ) فما ذكر كناية عن الانقياد أو الخضوع لا! الخطاب للكفرة فيناسب تفسيره بما ذكر أو هو على ظاهره لما رواه من الحديث المذكور، وقد رواه أبو داود والطبرانيّ وغيرهما وهذا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 إما أن يتصل بقوله: للمكذبين كأنه قيل: ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا الخ أو بقوله: إنكم مجرمون على الالتفات كأنه قيل: هم أحقاء بأن يقال لهم: كلوا وتمتعوا، ثم علله بكونهم مجرمين وكونهم إذا قيل لهم صلوا لا يصلون كذا في الكشف نقلا عن الحواشي. قوله: (لا نجبي (كذا صح رواية في الحديث من التجبية بالجيم، والباء الموحدة وهي الانحناء على هيئة الراكع أو الساجد ووقع في بعض النسخ لا ننحني بنونات وحاء مهملة ولكن الذي رواه الزمخشري هو الأوّل، وقوله: فإنها الضمير للهيئة أو للفعلة أو للتجبية المفهومة من الفعل، وقوله: مسبة أي عار يستحق فاعله السب كما في قولهم: الولد مجبنة. قوله: (واستدل به الخ) إذ لو لم يكن للوجوب لم يذموا بالترك مطلقا وعدم الامتئال، ودلالته على المخاطبة بالفروع لأنهم أمروا الصلاة وذكر تعذيبهم بتركها فلو لم يخاطبوا وتجب عليهم ما عذبوا وعوقبوا على تركها والكلام عليه مفصل في الأصول، وقد مرّ الكلام عليه أيضاً. قوله: (بعد القرآن) قالوا إنه على أسلوب بعد ذلك تنبيها على أنه لا حديث يساويه في الفضل أو يدانيه فضلاً عن أن يفوقه، ويعلوه فلا حديث أحق بالإيمان منه يعني البعدية للتفاوت في الرتبة كثم هنا، وقوله: من قرأ سورة والمرسلات الخ حديث موضوع كغيره مما مر تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيد الأنبياء العظام وآله وصحبه الكرام. سورة النبأ وتسمى سورة عم يتساءلون وهي مكية بالاتفاق وآياتها أربعون أو إحدى وأربعون. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أصله عما قحذف الألف) وقد قرئ به على الأصل في الثواذ وهو مخالف للاستعمال، واختلفوا في الداعي له والعلل النحوية حالها في الضعف معلوم فقال الزجاج: لأنّ الميم فيها غنة فشارك الأنف مخرجها في ذلك فكأنها حرف مكرر فتحتاج للتخفيف، وهذا يقتضي حذفها من ما الموصولة واً جيب بأنها تحصنت بالصلة، ولذا لم تحذف من ماذا المركبة، وقيل: لما خرج عما هو حقه من الصدارة ضعف فطرأ عليه التغيير ولتركبه مع الجار ثقل فاقتضى التخفيف، وقيل: حذفت تفرقة بينها وبين الموصولة، وخص بالجز لشدة الاتصال وقيل: لكثرة الدوران، وأورد عليه أنّ التفرقة تحصل بالعكس فلا بد من ضميمة لكثرة الدوران فلا يستقل الأوّل وجها، واثبات الكثرة فيه دون غيره دونه خرط القتاد وقيل: اختص لتقدمه لأنّ الشيء يسئل عنه، ثم يخبر فخص بالتصرف لتقدمه وفيه نظر وقد تقدم في الصف ما فيه. قوله: (لما مر) قد تقدّم ما فيه إلا أنه قيل: حذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصداً للخفة لكثرة استعمالها انتهى وفيه إن حذف الألف من ما الاستفهامية عند دخول حرف الجر عليها لازم واجب كما في الكشاف، ثم قال: ولم تحذف من غيرها للفرق ودفع الالتباس وحصول التخفيف، ولم يعكس لكثرة استعمال ما الاستفهامية فما فيه أحسن من عبارة هذا القيل فتأمله. قوله: (ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه) يعني أنّ الاستفهام لصدوره عن علام الغيوب لا يمكن حمله على حقيقته فجعل مجازا عما ذكر، وقيل عليه إنه لا يليق بشأنه أن يكون شيء عظيم مشبهاً بما يخفى عليه وهو لا يخفى عليه خافية، ورد بأنه ورد على طرز مخاطبات العرب فالاستفهام أو التشبيه بالنسبة إلى الناس، ولذا قال بعض المتأخرين إنه جاء على نهج الاستفهام إشعاراً بأنه خارج عن دائرة علوم الخلق لعظمته فحقه أن يعتني به، وسعأل عنه فلا حاجة إلى أن يقال: أنّ الاستفهام جرد للتفخيم بقطع النظر عن الخفاء وغيره ولا يرد ما توهمه بعض فضلاء العصر من أنه حينئذ يمكن إبقاؤه على معناه الحقيقي حتى يجاب بأنه عدل إلى المجاز لأنه أبلغ فتدبر. قوله: إكأنه لفخامته خفي جنسه) قد علمت ما يرد عليه، ودفعه فهو استعارة تبعية فشبه الأمر المحقق شأنه بما يخفى جنسه على الناس لا على السائل والمتكلم فيسأل عنه لانتفاء نظيره ويستعمل لفظ المشبه به في المشبه كما أوضحه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (والضمير لأهل مكة الخ) وإن لم يسبق ذكرهم للاستغناء عنه بحضورهم حسا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 قيل: مع ما في الترك من التحقير والإهانة للإشعار بأنه مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم، ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه فلا يرد أنّ في تركه إيهام فخامته وتعيينه لعظمته، وعلو صيته حتى يعلم وإن لم يذكر كما توهم ونحوه هي راودتني، وقوله: يتساءلون عن البعث الخ وتخصيصه بالبعث لأنّ قوله: ألم نجعل الأرض الخ من أدلته كما ستراه فسقط ما قيل إنه يجوز أن يكون عن القرآن أو النبوّة أو غير ذلك. قوله: (أو يسألون الرسول عليه السلام والمؤمنين عنه) على أنّ الضمير لأهل مكة، والتساؤل متعد لمفعول السؤال ومفعوله مقدر هنا وهو ما ذكر، واستشهد له بما ذكر من كلام العرب لأنّ التفاعل في الأصل مطاوع فيكون لازماً وفاعله فاعل المفاعلة ومفعولها معاً فتقول ضارب زيد عمراً وتضارب زيد وعمرو فلا يتعدى إلا لمفعول غير الذي فعل بك مثل فعلك كما في قولهم تعاطينا الكأس، وتفاوضنا الحديث ولذا قال البطليوسي: في شرح أدب الكاتب من قال تفاعل لا يكون إلا من اثنين ولا يكون إلا لازما فقد غلط لأنه يكون من واحد متعدياً كقول امرئ القيس: تجاوزت أحراساً وأهوال معشر عليّ حراص لو يسرون مقتلي وجاء من اثنين وهو متعد إلى اثنين كقوله أيضاً: فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغمن ذي يثماريخ! ال وظن قوم أنّ هذا مخالف لقوله سيبويه رحمه الله لا يكون تفاعلت إلا من اثنين ولا يكون معملا في مفعول كيف، وقد قال بعده وقد يجيء تفاعلت على غير هذا إلى آخر ما فصله وأطال فيه، وفيه تحقيق في شرح المفصل لابن يعيش وأشار إليه في آخر الباب الرابع من المغني، ومنه تعلم أنّ ما نقل عن الزمخشريّ من أنه إذا كان المتكلم مفردا تقول دعوته فإذا كان جماعة تقول تداعيناه فوضعوا تفاعل موضع فعل إذا كان في الفاعل كثرة مراعاة لمعنى التشارك بقدر الإمكان لا وجه لنقله هنا فإنّ تفاعل يكون بمعنى فعل كثيراً، وإن لم يتعدد فاعله كتواني زيد وتداني الأمر بل حيث لا يمكن التعدد نحو تعالى الله عما يشركون وهذا مما صرحوا به في المتون كالتسهيل، وغيره فما قيل من أنه إنما يتم الاستشهاد بما ذكر إذا كان مجيء تفاعل بمعنى فعل قياساً ليس بشيء فتأمّل. قوله: (أو للناس) عموما سواء كفار مكة وغيرهم من المسلمين، وهو معطوف على قوله: لأهل مكة وسؤال المؤمنين ليزدادوا خشية وايماناً، وسؤال غيرهم استهزاء ليزيدوا كفرا وطغياناً وحذف المفعول على التعدي في الوجه السابق لأنّ المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سئل ويجوز أن يكون لصون المسؤول عن ذكر. مع هذا السائل. قوله. (بيان لشأن المفخم) أو للمفخم شأنه يعني ليس صلة بتساءلون لأن عمّ صلته بل هو صلة محذوف مستأنف للبيان، ولا يصح إبداله من الأوّل فإنّ معناه عن النبأ العظيم أم عن غيره، وهذا لا يطابقه أعيد الاستفهام أم لا كما قيل وليس بشيء فإنه يجوز فيه البدلية كما ذكره المعرب ولا يلزم إعادة الاستفهام لأنّ الاستفهام غير حقيقي ولا أن يكون عينه كما ادعاه لجواز كونه بدل بعض وما قيل لا نسلم عدم المطابقة إذا أعيد الاستفهام لغو من الكلام لا يتم بسلامة الأمير والسلام. قوله: (قراءة يعقوب عمه) وبها قرأ البزي أيضا ووجه التأييد أنه على الوقف أو نيته، وهو يدل على أنه غير متعلق بالمذكور لأنه لا يحسن الوقف بين الجار، والمجرور ومتعلقه لعدم تمام الكلام. قوله: (يجزم النفي الخ) الوجه الأوّل على أنّ الضمير لأهل مكة، وما بعده على أنه للناس عامّة وكان عليه أن يزيد في الثاني التوقف والشك كما قيل ويجوز أن يفسر الاختلاف بزيادة الخشية والاستهزاء، قيل: ويجوز أن يكون الإقرار والإنكار على الأوّل أيضا، وضميرهم للسائلين والمسؤولين ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر وتفكيك الضمائر. قوله:) ر! عن التساؤل) بمعناه الظاهر أو بمعنى السؤال كما مر، وقوله: ووعيد عليه هو على الأوّل ظاهر، وعلى الثاني بتغليب المنكرين، وقوله: تكرير للمبالغة لأنه لم يذكر مفعول العلم فإمّا أن يقدر سيعلمون حقيقة الحال وما عنه السؤال أو سيعلمون ما يحل بهم من اأ! عقوبات، والنكال وتكريره مع الإبهام يفيد مبالغة لأنه إذا قيل لزيد لم تدعو ثم كرر كان أبلغ في الزجر. قوله: (وثم للإشعار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 بأن الوعيد الثاني أشدّ) قال السمين التكرار للتوكيد وزعم ابن مالك أنه من التوكيد اللفظي، ولا يضره توسط حرت العطف والنحويون يأبون هذا ولا يسمونه إلا عطفا وإن أفاد التأكيد انتهى، ولا محصل له وكان عليه أن يقول: وأهل المعاني يأبونه لما بينهما من شدة الاتصال فإنّ ما ذكره المفسرون، والنحاة هنا مخالف لما ذكره أهل المعاني في الفصل، والوصل والتوفيق بينهما كما أشاروا إليه إنّ ثم هنا للاستبعاد والتفاوت الرتبي فكأنه قيل لكم: رح وزجر شديد بل أشذ وأشد وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله، ولذا خص عطفه بثم غالبا، وما ذكره أهل المعاني ليس على إطلاقه ولم يقل بأن الرد، والوعيد الثاني لأنّ الوعيد يتضمن الرح أيضاً فاكتفى به مع القرينة السابقة. قوله: (وقيل الأوّل عند النزع (وهو ما يكون عند خروج الروح وزجر الملائكة، وعلمه بما يشاهده بانكشاف الغطاء، والثاني في القيامة زجر ملائكة العذاب ومشاهدة العقاب فثم في محلها لما بينهما من البعد الزماني، ولا تكرار فيه كما في الوجه السابق عليه، وكذا فيما بعده أيضا ولا فصل فيه بكلا بين المتعاطفين كما توهم لتغاير الزجرين والعلمين وليس بياناً لكون الوعيد الثاني أشذ كما تو وإن كان في نفسه كذلك. قوله: (على تقدير قل لهم سنعلمون) أي قل لهم كلا ستعلمو وأنما اقتصر على ما ذكر لبيان المقدر وما اقتضى تقديره فلا يتوهم أنّ التقدير بعد كلا كما لظهور خلافه، ولو جعل من الالتفات كما ذكره الإمام استغنى عن التقدير. قوله: (تذكير فهو متصل بما قبله لأنه دليل على إثبات المسؤول عنه فكأنه بتقدير قل كيف تنكرون أو تشكو فيه، وقد عاينتم ما يدل عليه من القدرة التامّة والعلم المحيط بكل شيء، والحكمة الما المقتضية أن لا يكون ما خلق عبثاً ولو لم تكن الإعادة كان أشذ العبث وهي أسهل من ال! د ومن كان عظيم الشأن والقدرة ينبغي أن يخاف ويخشى وينزجر بزواجره عما ردعهم وأوعد عليه، والمهاد البساط أو الفراش والمهد مصدر صار اسما لما يعد للصبي لينام فيه فهو تشبيه بليغ كالأوتاد، وهذه القراءة شاذة كما صرحوا به فلا ينافي هذا قول المصنف رحمه تعالى في طه إنه قرئ هنا وفي الزخرف مهدا ولم يختلفوا في الذي في النبأ أي اتفقوا قراءته مهادا كما يتوهمه بعض القاصرين فقوله: مصدر الخ بيان للمهد، وقيل إنه راجع وللمهاد لأنهما بمعنى كما في القاموس، وقوله: ذكرا وأنثى أي كل زوج ذكر وأنثى فلسى الظاهر ذكوراً واناثاً كما قيل. قوله: (قطعاً عن الإحساس الخ (لما ذهب أكثر أهل اللغة إلى السبات النوم كما نقله في القاموس، وغيره فيصير المعنى جعلنا نومكم نوماً ولا فائد احتاج إلى التأويل، فأول بوجوه كما فصله الشريف المرتضى في الدرر فقيل: إنّ معنا الأصل القطع يقال: سبت الشعر إذا حلقه وهو يرجع إلى معنى القطع دمان قال ابن الأنبار لم يسمع السبت بمعنى القطع كما في الدرر، فلما انقطعت الحواس الظاهرة عن الإدراك ذلك راحة لها أريد بالسبات مجازا الاستراحة فلذا رد الشريف على ابن الأنباري في قوله يسمع سبت بمعنى استراج بأنه أريد الراحة اللازمة للنوم وقطع الإحساس كما أشار المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: إزاحة لكلالها بالمعجمة أي إزالة لتعبها ويجوز إهما والأول أولى ولذا سمي النوم سبتا لفراغ وراحة لهم فيه، وقيل: أصل السبت التمدد كا يقال: سبت الشعر إذا حل عقاصه هذا تحقيق الوجه الأول وفيه هنا كلام سخيف لا طائل في بعض الحواشي رأينا تركه خيراً من ذكره. قوله: (أو موتاً (أي كالموت على التشبيه وهذا على أنه ورد في اللغة بهذا المعنى وذكره حينئذ لأنه مشابه للأحياء بعد الموت فمن على هذا قادر على البعث الذي عنه يتساءلون فيكون هذا كقول الله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} ، والتي لم تمت في منامها الآية، وفي الدرر يجوز أن يكون المراد جعلنا نومكم سباتا ليس بموت فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا الذي يضاهي بعض أحواله الموت ليس بمخرج عن الحياة، والإدراك وليس بموت وفي وجه السبات النوم الطويل الممتد ولذا قيل لمن كثر نومه مسبوت والامتنان به لما فيه من عدم الانزعاج انتهى، والعجب أنّ بعضهم عكس هذا بناء على ما في القاموس من تفسيره بالنوم الخفيف ففسره بالخفيف ليصح الحمل وعني بعدم إطباقه وهو تعسف. قوله: (وهو أحد التوقيتين) أي المذكور في الآية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 السابقة وهو إشارة لوجه الشبه بينهما، وقوله: وأصله القطع أيضا فيه تسمح أي أصله المأخوذ منه السبت بمعنى القطع وقد علمت ما فيه وتردد ابن الأنباري في ورود السبت بمعنى القطع والمسبوت من طال نومه كما مرّ. قوله: (غطاء يستتر بظلمته الخ (خص مزيد الاختفاء، وهو لباس أي كاللباس لإحاطة ظلمته لكل أحد لأنه في مقام الامتنان وهو نعمة أقوى من حقه كما قال: وكم لظلام الليل عندي من يد تخبرأن المانوية تكذب وبهذا يظهر حسن ذكره بعد النوم مع الإشارة إلى حكمة جعل النوم ليلا لأنّ النائم معطل الحواس فكان محتاجا لساتر عما يضره فهو أحوج ما يكون للدثار، وضرب خيام الأستار فانظر حسن هذا الاتساق. قوله:) وقت معاس) يعني أنه مصدر ميمي بمعنى المعيشة وهي الحياة، وقع هنا ظرفا كما يقال: آتيك خفوق النجم وطلوع الفجر لأنه لم يثبت مجيئه في اللغة اسم زمان إذ لو ثبت لم يحتج لتقدير مضاف فيه هذا ما ظهر من سياقه، وقيل: إنّ معاشا في كلام المصنف رحمه الله تعالى متعين للمصدرية، وأما في النظم فمحتمل لكونه مصدرا واسم زمان وتفسيره محتمل لهما وفيه نظر، ولما فسر السبات بالقطع عن الحركة أو بالموت فسر المعاس بما فيه الحركة أو بالحياة إشارة إلى ما بين قوله: وجعلنا النهار معاشا وقوله، وجعلنا نومكم سباتا فن المطابقة المعنوية كما بين قوله: وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا أيضا فالحياة في الوجه الأوّل على الحقيقة لأنّ المراد بالمعاش ما يعاس به فيكون وقته وقت الحياة الأولى، وفي الثاني الانبعاث من النوم فسمي حياة كما سمي النوم موتا مجازا، وقوله: أو حياة بالجر معطوف على قوله: معاش وتبعثون بمعنى تنتبهون، ولا يخفى تناسب القرائن وأنه ليس في بعضها زيادة استطرادية. قوله تعالى: ( {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} ) عدل عن خلقنا هنا لأنه أريد تشبيهها بالقباب المبنية فلا يتوهم أنّ البناء ما يختص بأسفل البيت مع أنه غير مسلم. قوله:) من وهجت النار إذا أ! اءت (والمعنى سراجاً مشرقا منيرا مضيثا وجعل هنا متعد لواحد ويجوز أن يتعدى لاثنين لكنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما، وإن قيل السراج وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة، وقوله: بالغاً في الحرارة أي متناهيا، وهو من صيغة المبالغة فيه. قوله: (شارفت أن يعصرها الرياح الما كانت المعصرات السحاب وهي معصورة لا عاصرة ومعصرة، والقراءة فيه باسم الفاعل فسروه على وجوه تبينه من غير تكلف منها أنّ الهمزة فيه للحينونة كما يقال: أجذاذاً حان وقت جذاذه أي جاء وقته، وهو المراد بالمشارفة هنا والأفعال يكون لهذا المعنى كثيرا كاحصد إذا حان وقت حصاده، أو الهمزة لصيرورة الفاعل ذا المأخذ كأعسر وأيسر، وقال الدينوري: لأنها مكنت الرياح من اعتصارها وانزال مطرها كآكل النخل إذا أمكن من ذلك ورد بأن الصواب إنه من العصر أو العصرة، وهي الملجأ قال: فارس يستعيب غيرمعاب ولقدكان عصرة المنجود قوله: (أو الرياح) فهو صفة الرياح والهمزة والأفعال بحاله أيضاً إذا كان من العصر، وقوله: أعصرت الجارية كان الطبيعة حان أن تعصر دم حيضها فإن كان من الإعصار وهي الريح الشديدة التي ترفع الغبار كالأعمدة فبناء أفعل التفضيل على هذا للنسبة، ونسبة الإنزال للمعصرات من باب بنو فلان قتلوا قتيلاً، ويجوز اعتبار التجريد ونقل الإمام عن المازني أن المعصرات السحائب ذوات الأعاصير فإنها لا بد أن تمطر مع الأعاصير، وهو الأظهر كما قيل ولا يخفى ما فيه فإنّ الإعصار ريح فكيف ينسب لنفسه فهو لا يصح بدون التجريد والمراد بكونه من ذلك الباب نسبة ما للبعض للكل لتعدده وكثرته ومن هذا علم وجه ترجيح قول المازنيّ فتدبر، وأما جعل المعصرات السموات كما روي عن الحسن، وقتادة ففيه تكلف وهو مبنيّ على أنّ المطر ينزل من السماء للسحاب فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، والكلام عليه في الكشاف وشروحه. قوله: (وإنما جعلت مبدأ للإ. لزال الخ) إشارة إلى أنّ من هنا للابتداء، وقيل: إنها للسببية، وقوله: تدرّ بالدال المهملة أفعال من الدر وهو اللبن والأخلاف جمع خلف بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، وهو ضرع الناقة وقوله: قرئ بالمعصرات أي بباء السببية، والآلية وفتح الصاد كما في بعض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 الحواشي ووجه التأييد أنها ظاهرة في الرياح فإن بها ينزل الماء من السحاب، وقوله: إنما جعلت الخ جواب عما يرد عليئ تفسيرها بالرياج، وهي لا تنزل منها الأمطار بأنها كالمبدأ الفاعل للإنزال فصح استعمال من الابتدائية التي للتعليل هنا، وقد ورد أنه تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب فإن صح فالإنزال منها ظاهر. قوله: (منصباً بكثرة) تفسيره بالمنصب إشارة إلى أنه من صب اللازم فإنه الاكثر في الاستعمال والكثرة من صيغة المبالغة، وقوله: يقال ثجه أي صبه فهو متعد وثج بنفسه على أنه لازم يعني أنه ورد لازماً ومتعدياً وجعله الزجاح في النظم من المتعدي لأنه لكثرته كأنه يصب نفسه، ويجوز حمل تفسير المصنف وحمه الله تعالى عليه على أنه بيان لحاصل المعنى إلا أنه خلاف الظاهر. قوله: (أفضل الحج الخ) هو حديث صحيح معناه أفضل أعمال الحج التلبية، والنحر وهو شاهد على أنه متعد بمعنى الصب وقوله: أي رفع الخ لف ونشر مرتب تفسير للعج والثج، وقوله: وقرى ثجاحاً أي بجيم، ثم حاء مهملة فإن قلت العصر المعتاد فيه إنه لا يحصل منه الماء الكثير فكيف هو مع الثج قلت: هو غير مسلم، ولم سلم فاصله هنا مقطوع عنه النظر أو القلة نسبية فتدبر. قوله ة (ما يقتات به الخ) ما موصولة ويقتات افتعال من القوت بمعنى يكون قوتا كالحنطة، ويعتلف أن يكون علفا وهو غذاء الحيوان الأهلي، والحشيش اليابس من النباتات فما ذكر عبارة عن غذاء الإنسان والحيوان، ولا ينافي ما ذكر كون الحب إنما يخرج بواسطة النبات فالقوت خاص بالإنسان، والعلف للحيوان وليس فيه لف، ونشر لأنّ الإنسان يأكل النبات أيضاً، ويجوز أن يكون لفا ونشراً كما في الكثير الأغلب في كل منهما فإنه كني به عما ذكرناه، وقوله: ملتفة تفسير لا لفافاً ببيان المراد منه إجمالاً وقوله: بعضها ببعض مبتدأ وخبر أي بعضها ملتف ببعض، والجملة مفسرة لقوله: ملتفة أو بعضها بدل من المستتر في ملتفة بدل بعض وقوله: ببعض متعلق بملتفة لا فاعل فإنه كان الظاهر ملتفا وإن جاز بتكلف. قوله: (جمع لف كجأع) واجذاع، واللف بمعنى الملفوف صفة مشبهة وفعل يجمع على أفعال باطراد ولما كان لف المفرد غير معروف في اللغة والاستعمال احتاج لإثباته بشاهد ولذا ذهب كثير إلى أنه جمع لا واحد له من لفظه، وهو كثير واختار. الزمخشري لسلامتة عن التكلف. قوله: (جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر) فاللف بمعنى ملتفة الأشجار والنبات والعيش بمعنى المعيشة، ومغدق في الأصل من الغدق، وهو الماء الكثير فتجوّز به هنا عن السعة والرفاهية وندامى جمع ندمان بمعنى نديم وزهر جمع أزهر بمعنى مشرق، والمراد بكونهم بيضاً زهرا أنهم حسان يصف طيب الزمان والمكان، وحسن الأخوان. قوله: (لفيف) بمعنى ملفوف وفعيل يجمع على أفعال كشريف وأشراف، وأنما اختلف النحاة في كونه جمعاً لفاعل كما مرّ. قوله: (أو لف) بضم اللام أي إلفافاً جمع لف بالضم وهو جمع لفاء كخضراء الممدود فيكون جمع جمع، وهذا قول ابن قتيبة وما قبله قول الكسائيئ، وقال في الكشاف: بعد نقله عنه وما أظنه واحدا له نظير من نحو خضر واخضار وحمر واحمار يعني أنه بعيد لأنّ نظائره لا تجمع على أفعال إذ لا يقال: خضر وإخضار وحمر واحمار لأن جمع الجمع لا ينقاس ووجود نظيره في المفردات لا يكفي كما توهم، وقوله: كخضراء الخ لم يرد أنه سمع فيه ذلك حتى يقال له: أثبت اللوح، ثم انقش لأنه مثال مفروض لا شاهد منقول حتى يعترض عليه كما قيل: نعم سوقه لا يخلو من ركاكة ما. قوله: (أو ملتفة بحذف الزوائد) يعني ألفافاً جمع لملتفة لأنه مفرد مسموع بلا كلام إلا أن مثله يجمع على ملتفات قياساً لا على ألفاف، فلذا قدر حذف زوائده ليكون ثلاثياً يجمع مثله على أفعال وادعى الزمخشري أنه قول وجيه إلا أنه كما قاله المعرب تكلف لا حاجة إليه فإنه لا يعرف في العربية حذف الزوائد المسمى عند النحاة ترخيماً في مثله لأنهم اصطلحوا على تسمية حذف الزوائد ترخيما كما يسمى حذف آخر المنادى ترخيما وأنما عرف في التصغير، والمصادر ولذا قال المدقق في الكشف فيه إنه لا نظير له أيضاً لأن تصغير الترخيم ثابت إما جمعه فلا انتهى قيل: واللوامح والطوائح ليس منه كما مر في الحجر، وما في الكشف غير مسلم فإنه وقع في كلامهم لكنه لقلته لم يتعرضوا له. قوله: (في علم الله تعالى أو في حكمه (وفي الكشاف في تقدير الله وحكمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 والمراد بحكمه ما حكم به وقضاه في الأزل أيضاً لا تعلق إرادته كما توهم حتى يقال إنه مبني على أن تعلق الإرادة كالإرادة أزليّ إمّا لو كان حادثا فليس الثبوت إلا في علمه وأنت خبير بأنه لا وجه له، ولما أثبت البعث بالدليل القاطع كان مظنة السؤال عن وقته متى هو، وما هو فقال إنّ يوم الفصل الخ وأكده لأنه مما ارتابوا فيه فلا وجه لما قيل إنه ليس محلا للتأكيد أيضاً. قوله: (حداً تؤقت به الدنيا الخ) تؤقت بمعنى تحد لأنها تنتهي عنده، إذ هو أوّل أيام الآخرة، وهو يوم القضاء بين الخلق أو يوم الثواب والعقاب وهو اليوم الآخر الذي يجب الإيمان به، ولذا كان يوم ينفخ الخ بدلاً أو بيانا له فإن نفخ الصور واتصال الأرواح بالأجساد والحشر في الآخرة فظهر فساد ما قيل من أنه نهاية أيام الدنيا وآخر مخلوقاتها لأنه لا يخلق بعده شيء منها، ولذا يقال له اليوم الآخر. قوله: (أو حدا للخلائق ينتهون إليه) يعني أنّ الميقات أخص من الوقت، وهو الوقت المحدود كالميعاد والميلاد لتوقيت زماني الوعد والولادة فبين أنّ ذلك الوقت إمّا حد للدنيا، وامّا حد للخلائق على المعنيين، وكونه حداً للدنيا ظاهر وأمّا كونه حدا للخلائق فلانهم يرجعون إليه لتتميز أحوالهم ويعلم الشقي من السعيد. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ) قال ابن حجر أنه حديث موضوع وآثار الوضع لائحة عليه، والقردة جمع قرد وقوله: يسحبون الخ تفسير لقوله: منكوسون، وعمي جمع أعمى، وقوله: يتقدرهم أي يكرههم كما تكره الأمور القدرة وأهل الجمع هم أهل المحشر، وقوله: يلبسون مشدد ومخفف، وما قيل من أنه لا بدّ من التغليب في قوله: فتأتون إذ لا يمكن الإتيان للمصلوب والمسحوب على الوجه ولا من غير أيد وأرجل ليس بشيء فإنّ أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، والقادر على البعث قادر على جعلهم ماشين بلا أيد وأرجل وأن يمشي بهم عمد النار التي صلبوا عليها، وقد قيل له صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم فقال:! الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " مع أنه لا يلزم أن يأتوا بنفسهم لجواز أن تأتي بهم الزبانية فأعرفه. قوله: (ثم فسرهم بالقتات) بفتح القاف كالنمام لفظا ومعنى والمراد به الجنس، ويجوز ضم قافه على أنه جمع قات بمعنى نمام وتشصيصه بهذه الصورة لأنها معهودة في المسخ وهو لما غير ما نقله وكذب غير الله صورته، وأهل السحت هم الذين يأكلون الحرام غير الربا كالرشوة وهم أيضا يعدلون عما أحله الله لغيره فلذا غيرت صورتهم، وجعل الجائرين منكوسين لعدولهم عن الحق والمعجبين بأعمالهم عمياً لنظرهم لأنفسهم، ومن خالف قوله: عمله أصم أبكم لأنه لم يسمع ما قاله للناس في حق نفسه والمؤذي لجاره على صورة تؤذي أهل المحشر والسعاة لمشيهم إلى السلاطين قطعت أطرافهم والتابعين للشهوات على عمد النار تشهيرا لتعذيبهم، وألبس من تكبر ثياب القطران لأنها غاية المذلة فكان الجزاء من جنس العمل فأعرفه، وقوله: الخيلاء هو بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة التحتية واللام والمد أصل معناها المعروف فيها أنها بمعنى التكبر فإمّا أن يكون وصف هنا بالمصدر أو هو جمع خائل كجاهل وجهلاء. قوله: (وشقت) إشارة إلى أنّ المراد بالفتح المضاف للجميع ليس ما عرف من فتح الأبواب، وإن جاز لكن هذا هو الموافق لقوله: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [سورة الانشقاق، الآية: ا، {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [سورة الانفطار، الآية: ا] ونحوه فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً والفتح يكون بمعنى الشق كفتح الجيوب وما ضاهاها وأمّا حمله على فتح الأبواب على أنّ السماء تمى أبوابها وتشقق أيضا فلا وجه له لأنها إذا شققت لا تحتاج لفتح الأبواب، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وعبر عن الثق بالفتح إشارة إلى كمال قدرته حتى كان تشقق هذا الجرم العظيم كفتح الباب بسهولة وسرعة وهو معطوف على تأتون ولا مخالفة بينهما لأنّ المراد تفتح وعبر الماضي لتحققه، ولو جعل حالاً بتقدير قد كان وجهاً حسنا كما في الكشف. قوله: (فصارت الخ) إشارة إلى أن كان من الأفعال الناقصة، ومعناها اتصاف المبتدأ بالخبر في الزمن الماضي نحو كان زيد فائماً وقد ترد بمعنى صار كما ذكره ابن مالك في التسهيل، وغيره فتدل على الانتقال من حال إلى أخرى كما في قوله تعالى: {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} [سورة الواقعة، الآية: 6] والسماء بالثق لا تصير أبواباً حقيقية فلا بدّ من تأويلها فأما تشبه شقوقها بالأبواب في السعة، والكثرة تشبيها بليغاً أو يقدّر فيه مضاف كما ذكره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 المصنف. قوله: (في الهواء كالهباء (أي رفعت من أماكنها في الهواء، وذلك إنما يكون بعد تفتيتها وجعلها أجزاء متصاعدة كالهباء، فقوله: كالهباء حال أي كائنة كالهباء، وقوله: مثل سراب الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ، وقوله: إذ ترى الخ تعليل له يتضمن وجه الشبه بالسراب فإنّ الجامع إنّ كلاً منهما يرى على شكل شيء وليس به فالسراب يرى كأنه بحر وليس كذلك، والجبال إذا فتتت وارتفعت في الهواء ترى كأنها جبال وليست بجبال بل غبار غليظ متراكم يرى من بعيد كأنه جبل لا إنها تجري جريان الماء فيزيد عطش الكفرة إذا راؤها وظنوها ماء كما توهم فإنّ كلام المصنف يأباه وفي نسخة أي التفسيرية بدل إذ. قوله: (موضع وصد) ظاهره إنّ مفعالاً يكون اسم مكان، وبه صرّج الراغب والجوهريّ وغيره والذي في كتب النحو أنه اسم آلة كمفعل بكسر الميم أو صفة مشبهة للمبالغة كمنحار، والظاهر أنه حقيقة فيها ولا حاجة إلى ادّعاء النقل والتجوّز ورصد بفتحتين مصدر بمعنى الترصد والترقب وفي بعض الحواشي إنّ المصدر بسكون الصاد وفيه نظر فالرصد يكون مصدرا كالحذر واسماً بمعنى الراصد واحداً وجمعاً، وقوله: من فيحها أي من إصابة ضرر فيحها وهو حرّها ولهبها ولا مانع من حمله على ما يشملهما. قوله: (كالمضمار الخ) تضمير الخيل أن تسمن ثم ترد لما كانت عليه مدّة معينة، وتلك المدة تسمى مضماراً وكذا الموضع كما ذكره الجوهريّ، وقوله: أو مجدة الخ بزنة اسم الفاعل من الجدّ وهو الاجتهاد والتقيد التام، وقوله: لئلا يشذ أي يخلص منها وينفرد وهذا بناء على أنّ مفعالاً للمبالغة والحاصل أنه إما اسم مكان أو صيغة مبالغة، وقوله: على التعليل أو بتقدير لام جرّ قبلها، وقوله: لقيام اأ! ساعة متعلق بالتعليل يعني كان يوم الفصل وهو يوم القيامة المعلل قيامه لأنهم يرصدون مما ذكر، وقوله: لقيام الخ باللام الجارة دون الباء والتقدير كان ذلك لإقامة الجزاء ولا يلزمه فتح إنّ للمتقين الخ كما قيل لأنّ به يتمّ الجزاء فتدبر. قوله: (للطاغين) جوّز فيه خمسة أوجه أن يكون خبرا آخر لكانت أو صفة لمرصاداً أو لمآبا قدم عليه فانتصب حالاً وأن يتعلق بمرصاداً أو مآبا وفصل المصنف له عن قوله مرصاداً، وذكره مع مآبا فيه إشعار بترجيح الثالث والخاس! ، وقوله: مرجعاً وماو! الأوجل معنا. الوضعي والثاني بيان للمراد منه بطريق الكناية هنا، وقوله: هو أبلغ لأنه صيغة مبالغة وصفة مشبهة تدل على الدوام والثبوت، ومن قرأ بالأوّل نظر إلى أنّ قوله: أحقاباً مفيد لتلك المبالغة، وقوله: مآبا بدل من مرصاداً بدل كل من كل على الوجو.، وقيل إنه على تفسيره الثاني لا يتأتى فيه البدلية، وفيه نظر. قوله: (دهورا متتابعة) إشارة إلى أنّ الأحقاب يفيد التتابع في الاستعمال بشهادة الاشتقاق فإنه من الحقيبة، وهي ما يشد خلف الراكب والمتتابعات يكون أحدها خلف الآخر كما صرّج به الزمخشريّ، وقوله: وليس فيه الخ دفع لما يتوهم من أن جعل لبثهم أحقابا أي سنين يقتضي تحديده وانتهاءه، وقد ذهب إليه بعض الملاحدة وقوله: لجواز الخ دفع لشبهة القائل بأن منطوقه سنين متتابعة، وهو لا يستلزم التناهي ومن غفل عما قرّرناه قال: إن الأحقاب لا تقتضي التتابع وكأنه حمله عليه لتبادره منه، وأغرب منه ما قيل إنّ التتابع من الأحقاب لأنها زمان والزمان متعاقب الأجزاء غير قار، وقوله: لو صح إشارة إلى المنع الوارد عليه مستنداً إلى ما روي عن الحسن من أنه زمان غير محدود، ولذا فسره بعض اللغويين بالدهر وصيغة القلة لا تنافي عدم التناهي أيضا لتأويلها بما ذكر لا لأنه ليس له جمع كثرة فهي مشتركة لثبوت الحقب في جمعه كما ذكره الراغب. قوله: (وإن كان الخ) كان تامّة أي وإن وجد وصح أنّ فيه ما يقتضي التناهي أو دلالتها على الخروج، ولو بعد زمان طويل فهو مفهوم معارض بالمنطوق الصريح في خلافه كآيات الخلود كقوله: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [سورة المائدة، الآية: 37] إلى غير ذلك من النصوص المجمع عليها. قوله: (ولو جعل قوله الخ (جواب عما يتراءى من الآية من تناهي عذاب الكفار لتقييده بقوله: أحقاباً بأن ما ذكر إذا كان حالاً كما ذكر يكون قيداً للبث على تلك الحالة فبعد الأحقاب يكون لهم لبث على حال آخراً، وأحقابا ليس قيداً للبث لأنه منصوب بلا يذوقون وقوله: جنساً آخر من العذاب أي غير ذوق الحميم والغساق، ولم يلتفت إلى كون جملة لا يذوقون الخ صفة أحقاب لأنه خلاف الظاهر حينئذ لعود ضمير فيها إليها ولأنه لا يندفع به الإيهام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 الناشئ من ظرفية الأحقاب للبث بتقييد الأحقاب بشيء بخلاف ما إذا قيد اللبث المظروف فإنه لا يلزم من انتهاء زمان المقيد انتهاء زمان المطلق الظاهر بحسب المتبادر فتدبر، وقيل: لأنّ الصفة والحال متقاربان فيعلم الوصف بالقياس عليه، ولا يجب إبراز الضمير إذا كان الواقع صفة جارية على غير من هي له فعلا بالاتفاق وأنما الخلاف في اسم الفاعل وهو معروف في كتب النحو، وهو غفلة عن قول ابن مالك في شرح التسهيل المرفوع بالفعل كالمرفوع بالصفة إذا حصل الإلباس نحو زيد عمرو يضربه هو حتى اعترض الدماميني على من قيده بالصفة، وقال إنه ليس بجيد إلا أن الفرق بينهما أنّ الإبراز في الصفة واجب مطلقاً ألبس أم لا بخلاف الفعل فادعاء هذا القائل الاتفاق ناشئ من عدم النظر في المبسوطات، والذي غرّه فيه كلام الكافية وشرحها مع أنه سهو لأن ضمير يذوقون الراجع لغير من هو له الواو وهو بارز هنا لا مستتر فإن أراد بالبروز الانفصال فهو مع أنه خلاف الظاهر غير مسلم. قوله: (احتمل الخ) بين المعنى على الحالية ولم يبينه على كونه معمولاً ليذوقون لأنه خلاف الظاهر، وأنما ذكره لمجرّد احتماله لا أنه مقبول عنده حتى يعترض عليه، وكذا ما قيل: إن المراد باللابثين ما يقابل المتقين فيشمل العصاة والتناهي نظرا للمجموع. قوله: (ويجوز أن يكون جمع حقب (كحذر بمعنى محروم من النعيم، وهو حال من الضمير المستتر في لابثين وحرمانه كناية عن أنه معاقب، ولذا فسره بما بعده على أنه صفة كاشفة أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وقوله: والمراد بالببرد الخ فلا ينافي أنهم قد يعذبون بالزمهرير، وكون البرد بمعنى النوم مجاز كما قيل: منع البرد البرد، وقيل إنه لغة لبعض العرب، وقوله: مستثنى من البرد هو بناء على أنه بمعنى الزمهرير لأنه أشد البرد فإن كان بمعنى الصديد كان مستثنى من شرّابا فكان المتبادر تقديمه لكن نكتة تأخيره ما ذكر والحميم مستثنى من الشراب ففيه لف ونشر غير مرتب، والاستثناء متصل وقد جوّز فيه الانقطاع أيضا فتأمّل. قوله: (جوزوا بذلك) وفي نسخة جزوا وهو إشارة إلى أنه مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر، ووفاقاً مصدر وافقه وهو صفة جزاء بتقدير مضاف أو بتأويله باسم الفاعل أو لقصد المبالغة على ما عرق في أمثاله، وقوله: أو وافقها وفاقا وجه آخر بجعله مصدر الفعل مقدر من لفظه كما في جزاء، ومعنى كونه موافقا لأعمالهم أنه بقدرها في الشدّة والضعف بحسب استحقاقهم كما يقتضيه عدله وحكمته والجملة من الفعل المقدّر ومعموله جملة حالية أو مستأنفة والجملة التي بعدها صفة جزاء على تقدير الفعل. قوله: (وفاقاً) بكسر الواو وتشد- د الفاء كما ضبطه السمين، وهي قراءة شاذة لابن أبي عبلة وأبي حيوة، وقوله: وفقه يفقه بالكسر والتخفيف كورثه يرثه أي وجد. موافقاً " لحاله وهو متعد لواحد على اختلاف فيه وقيل إنه لازم لأنّ قول العرب وفق أمره يفق روي أمره بالرفع ووقع في الإيضاح بالرفع والنصب على أنه كغبن رأيه ورأيه، وحكى ابن القوطية وفق أمره أي حسن بالرفع كذا في شرح أدب الكاتب، فقول المصنف كذا ليس مفعولاً ثانياً كما توهم لأنه لم يذصب أحد من أهل اللغة إلى تعديه لمفعولين بل هو كناية عن الفاعل فوفقه بمعنى وافقه وصادفه جزاء موافقا لعمله، وليس وصف الجزاء بالوفاق وصفا بحال صاحبه. قوله: (بيان لما وافقه هذا الجزاء) المراد به ما مرّ قبيله من قوله: إن جهنم الخ ووجهه أنهم لما أنكروا البعث وجحدوا الآيات وكذبوا الرسل عذبوا بأشدّ العذاب، ولم ينفس عنهم الكرب لأن كفرهم أعظم كفر ومثله يكفي للبيان ولا حاجة لتعسف ما قيل من أن نيتهم الاستمرار على الكفر لقوله: {لاَ يَرْجُونَ} الخ فيوافقه عدم تناهي اللبث والعقاب، ولما بدلوا التصديق الذي به تثلج الصدور بالتكذيب جعل شرابهم الحميم والغساق إلى غير ذلك مما تكلفوه من غير داع له، وقوله: تكذيبا إشارة إلى أنه مصدر مثله. قوله: (وفعال) أي بالكسر والتشديد الخ يعني أنه مطرد كثير في مصدر فعل، وقال ابن مالك في التسهيل إنه قليل وفعال المخفف مصدر فعل لكنه مطرد في المفاعلة، وقوله: فصدقتها الخ بيت من مجر والكامل وزنه متفاعلن أربع مرات وضمير صدقتها، وكذبتها للنفس والمراد أنه يصدق نفسه تارة بأن يقول إنّ أمانيها محققة وتكذيبها بخلافه أو على العكس كما قيل: اكذب النفس إذا حدثتها إنّ صدق النفس يزري بالأمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 والبيت قيل إنه للأعشى. قوله: (وإنما اقيم) أي الكذاب مخففاً بمعنى الكذب، وقوله: كذبوا في تكذيبهم يعني أنه على هذه القراءة يفيد أنهم كدّبوا الآيات وكذبوا في تكذيبهم، ونفيهم لها ووجهه ما مرّ في قوله: {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوج، الآية: 7 ا] لأنه من الإيجاز وفعله الثلاثي إما مقدر أي كذبوا باتاتنا وكذبوا كذابا، أو هو مصدر للفعل المذكور باعتبار تضمنه معنى كذب الثلاثي فإنّ تكذيب الحق الصريح يستلزم أنهم كاذبون فيفيد ما ذكر، وبدل على كذبهم في تكذيبهم على الوجهين ولكنه على التقدير أظهر، ولذا قيل إنه المراد للمصنف وله وجه في الجملة. قوله:) أو المكاذبة الخ (معطوف على الكذب في قوله: بمعنى الكذب فيكون على هذا كالقتال بمعنى المقاتلة، وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أنّ المفاعلة ليست على معنى أن كلا منهم كذب الآخر بل على معنى أنّ كلا اعتقد كذب الآخر فنزل اعتقاده منزلة فعله لا على أنّ الكذب مخالفة الاعتقاد، وهذا يقتضي نصبه بفعل مقدر فيؤيد التقدير في الوجه السابق. قوله: (فكأن بينهم مكاذبة) أتى بأداة التشبيه، وهي كأنّ إشارة إلى أنه مجاز لأنه لا مكاذبة بينهم لكن نزل الاعتقاد منزلة الفعل كما بيناه وبعضهم ظنه كان الناقصة، وما قيل عليه من أن المكاذبة مقابلة الكذب الحقيقي بالكذب الحقيقي، ولو تجوّز استعمل في مقابلة الكذب الاعتقادي بالكذب الاعتقادي، وأمّا تسمية مقابلة ما هو صدق في اعتقاد كل منهما باعتبار أنه كذب في اعتقاد الآخر مكاذبة فبعيد جداً، انتهى مغالطة وسفسطة لا طائل تحتها، وقد أطال بعض فضلاء العصر في تزييفه لكنا تركناه لطوله من غير فائدة فيه. قوله: (أو كانوا مبالغين في الكذب الخ) يعني أنه مجاز من وجه لأنّ المفاعلة والمغالبة تقتضي الاجتهاد في الفعل فأربد به لازم معناه، أو هو استعارة له باعتبار ما ذكر، وقوله: وعلى المعنيين أي كونه بمعنى الكذب أو المكاذبة وفيه رد على الزمخشري لأنه قصره على الثاني، وقوله: يؤيده أي كونه حالاً وكذابا في هذه بضم الكاف، وتشديد الذال إمّا جمع كاذب كفساق أو صيغة مبالغة كما قالوا: كبار وحسان للمبالغة في الوصف وإليه أشار بقوله: ويجوز أن يكون. قوله: (فيكون صفة للمصدر) أي تكذيبا مفرطا كذبه وأنما جعله صفة للمصدر لا حالاً لأنه مفرد فالتقدير تكذيبا كذاباً فيفيد المبالغة والدلالة على الإفراط في الكذب لأنه كليل أليل وظلام مظلم ومثله يفيد مبالغة قوية كجد جده، وعلى كل حال فإسناده مجازي ليفيد المبالغة كما تقرر في محله فما قيل التكذيب إن كان بمعنى الإيقاع والأحداث فنسبة إفراط الكذب له مجازية، وإن أريد الحاصلى بالمصدر فهو حقيقي لاتصاف الخبر بالصدق، والكذب ليس كما ينبغي ولا يوافق الشرح فيه المشروح وانه لا تأييد فيه على المبالغة كما توهم. قوله: (بالرفع على الابتداء) والنصب على الإضمار على شريطة التفسير وقوله يتشاركان فيكون منصوبا بفعل هو موافق له معنى فأما يؤول أحصينا بكتبنا أو كتابا بإحصاء ويحتمل الاحتباك على الحذف من الطرفين، والضبط أصل معناه الإمساك وشاع في معنى الإحصاء وقوله: لفعله المقدر أي كتبنا كتابا والاعتراض قيل إنه لتأكيد كفرهم وتكذيبهم بالآيات بأنهما محفوظان للمجازاة والأحسن ما في شروح الكشاف م! ن أنه تاكيد للوعيد السابق بأنه كائن البتة لضبط معاصيهم عنده تعالى، وما قيل من أنّ الأوجه عطف المنصوب على اسم أنّ والجملة بعده على خبرها، وكذا في الرفع هو معطوف عليه باعتبار المحل ولا اعتراض، وانه الأنسب لبيان موافقة الجزاء للأعمال تكلف غني عن الردّ. قوله: (مكتوباً في اللوح الخ (وقيل: إنه تمثيل لإحاطة علمه بالأشياء لتفهيمنا وإلا فهو تعالى غنيّ عن الكتابة والضبط، ولا يخفى أنه ميل لمذهب الحكماء وأنه لا لوح ولا حفظ ولا كتبة والذي عليه أهل السنة خلافه، وليس هذا لاحتياج إنما هو لحكم تقصر عنها العقول. قوله: (مسبب عن كفرهم بالحساب) وتسبب الذوق والأمر به في غاية الظهور، وما قيل من أنه مسبب على قوله لا يذوقون الخ في غاية البعد لفظا مع ما فيه من كثرة الاعتراض، وإنّ تسبب الأمر بالذوق على ذوقهم لا تخفى ركاكته لمن له ذوق سليم. قوله: (ومجيئه على طريقة الالتفات الخ) لتقدير إحضارهم وقت الأمر ليخاطبوا بالتقريع والتوبيخ، وهو أعظم في الإهانة والتحقير ولو قدر القول فيه لم يكن التفاتاً، وقوله: وفي الحديث الخ في ثبوته كلام لابن حجر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 ووجه الأشدية أنه تقريع في يوم الفصل، وغضب من أرحم الراحمين وتأييس لهم بقوله: فلن نزيدكم مع ما في لن من أنّ ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة كما قيل. قوله: (فوزا) على أنه مصدر ميمي وما بعده على أنه اسم مكان، وقوله: بدل الاشتمال على أنه بمعنى الفوز، وهو الظفر بالمطلوب وهو النجاة من العذاب أو النعمة أو كلاهما وبدل البعض على أنه موضع الفوز والرابط مقدّر، وتقديره حدائق هي محله أو فيه ونحوه، قيل: ولا يخلو على الأوّل من التكلف وانه يجوز أن يكون بدل كل على الاذعاء أو منصوبا بأعني مقدرة، وقوله: فلكت أي استدارت مع ارتفاع يسير، وهو يكون في سن البلوغ وأحسن الشبوبية وثدي بضم المثلثة وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء التحتية جمع ثدي وهو معروف، ولدات جمع لدة بزنة عدة من تساوى في السن ووقت الولادة. قوله: (وأدهق الحوض ملأه) قيل: لو قال ودهق الحوض ملأه كان أحسن لأنهما بمعنى والمصدر الواقع في النظم للثلاثي، وقيل: إنه إشارة إلى استعمال دهق وأدهق بمعنى لكنه استغنى عن ذكر الثلاثي لأنه يعلم من ذكر مصدره، وقوله: كذبا أو مكاذبة إشارة إلى ما مرّ قريباً من معنيي المخفف كما عرفته، وقوله: إذ لا الخ لبيان المفاعلة فهو متعلق بمقدّر أو بيسمعون، ويكذب بالتشديد لا بالتخفيف كما توهم حتى يكون علة للجميع لأنّ نفي الكذب نفي للتكذيب والمكاذبة وهو من التكلفات الباردة. قوله: (بمقتض وعده) جزاء مصدر مؤكد منصوب بمعنى إنّ للمتقين مفازا لأنه في معنى جازاهم بالفوز، وقوله: بمقتضى وعده للرد على المعتزلة في زعمهم وجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي، ونحن نقول: لا يجب عليه شيء لكن وعدنا بكرمه ذلك، وهو لا يخلف الميعاد فكان كأنه جزاء على العمل حقيقة، ولولاه لتنافى كونه جزاء وارشاده أضاف الرب إلى النبيّ دونهم تشريفاً له، وقيل: لم يقل من ربهم لئلا يحمل على أصنامهم، وهو بعيد جدّاً. قوله: (وقيل منتصب به الخ) قائله صاحب الكشاف، ومرضه المصنف، ولم يرتض به قيل: لأنّ النحاة قالوا: إنما يعمل المصدر إذا لم يكن مفعولاً مطلقا، وقال أبو حيان: أنه جعل جزاء مصدرا مؤكدا لمضمون جملة أنّ للمتقين الخ والمصدر المؤكد لا يعمل بلا خلاف للنحاة لأنه لا ينحل لفعل وحرف مصدري وردّ بأن ذلك إذا كان الناصب للمفعول المطلق مذكورا إمّا إذا حذف لازما كان الحذف أو جائزاً ففيه خلاف هل هو العامل أو الفعل، وما نحن فيه منه فإنّ جزاء مصدر مؤكد كما قال غايته: إنه اختار أعمال المصدر ولعل وجه التمريض مرجوحية أعمال المصدر قال الرضي: الأولى أن يقال العمل للفعل على كل حال، وقيل: في ردّه أيضا أنّ المفعول المطلق لا يعمل إلا إذا حذف عامله وجوباً، وهو هنا كذلك لأنّ فاعل فعله وهو ربك متعلق به، هذا زبدة ما في الحواشي تبعاً لشرّاح الكشاف) وعندي) أنه خلط وخبط والحق ما قاله أبو حيان لأنّ المذكور هنا هو المصدر المؤكد لنفسه أو لغيره والذي اختلف فيه النحاة غيره قال: ناظر الجيش نقلاً عن ابن مالك المصدر على ضربين ضرب يقدو بالفعل وحرف مصدري، وضرب يقدر بالفعل وحده وهو الآتي بدلاً من اللفظ بفعله وأكثر وقوعه أمرا ودعاء وبعد استفهام والأمر كقوله: فندلا زريق المال ندل الثعالب والدعاء كقوله: يا قابل التوب غفرانا مآثم قد ~ أسلفتها أنا منها خائف وجل والاستفهام كقوله: أعلاقة أمّ الوليد بعد ما الخ اهـ وهذا هو المختلف فيه عند النحاة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فأعرفه. قوله: (من أحسبه الشيء إذا كفاه) أي مأخوذ من هذه المادة لا مشتق حتى يكون على القول المرجوح في اشتقاق المصدر من الفعل، ويكون الفعال بالفتح مصدر الأفعال، وحساباً صفة لعطاء وإن كان مصدراً لتأويله بالمشتق ولذا فسر. بكافياً أو هو على تقدير مضاف أو وصف به مبالغة، وقوله: حسبي أي يكفيني. قوله: (أو على حسب أعمالهم) حسب بفتح السين أو سكونها، والمراد على قدرها، وقيل: عليه أنه غير مناسب هنا لمضاعفة الحسنات، ولذا لم يقل وفاقاً كما في السابق ويدفع بأنه بعد المضاعف جاء هو وأضعافه على حسبها أيضا أو ما ذكر هو الأصل وما زاد تفضلاً وتكرّما بمقتضى وعده، وقيل: معناه عطاء مفروغا عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 حسابه لا كنعم الدنيا وفيه نظر. قوله: (وقرئ حساباً) أي بالفتح والتشديد على وزان صيغ المبالغة وهو بمعنى المحمسب بكسر السين أي بزنة اسم الفاعل، وهذا بناء على أن فعالاً يكون صفة من الأفعال وفيه كلام لأهل العربية، ونقل الراغب عن بعض أهل اللغة أن فعالاً لا يجيء صفة من الأفعال وجبار من جبر لا من أجبر فليحرّر. قوله:) بدل من ربك الخ (وفي إبداله تعظيم له أيضا وايماء إلى ما في الآثار المقدسة لولاك لما خلقت الأفلاك، ورفعه الحجازيان نافع وابن كثير وأبو عمرو، ولو أعرب في الرفع خبر مبتدأ مقدر على أنه نعت مقطوع لتوافقت القراءتان، وقوله: صفة له أي لربك أو لرب السموات على الأصح عند المحققين من جواز وصف المضاف إلى ذي اللام بالمعرف بها فلا يرد عليه أنه ممنوع عند النحاة كما توهم مع أنه إنما يرد لو أراد أنه صفة رب السموات، ولو أراد صفة ربك كما يؤيده قراءة من جره مع رفع ما قبله فلا فتأمله. قوله: (إلا في قراءة ابن عامر الخ) في النسخ هنا اختلاف واختلال وتحريره ما في النشر قال: اختلفوا في رب السموات والأرض، فقرأه يعقوب وابن عامر والكوفيون بخفض الباء والباقون برفعها واختلفوا في الرحمن فقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم بخفض النون، والباقون برفعها اهـ، وللرحمن هنا وفيما سياتي موقع بليغ جدا. قوله: الا يملكون خطابه الخ (ظاهره أنّ منه بيان مقدم للخطاب، وسيأتي تحقيقه وهو دفع لما يتوهم من منافاة هذه الآية للشفاعة الآتية فإنّ للشفيع مقالاً وخطاباً مع الله بأنّ المنفيّ هنا خطاب الاعتراض لا الشفاعة، والرجاء وما بعده من ذكر الصواب دال عليه، ويجوز أن يكون عاما خص منه ما بعده وهذا غير ما في الكشاف إذ المعنى أنهم لا يتصرّفون في خطاب الأمر والنهي تصرّف الملاك فيزيدون وينقصون كما يريدون، وهو من قوله: لا يملكون، وقد حققه المدقق في الكشف، ثم قال: وأمّا منه في التنزيل فصلته ولم يذكر لظهوره، والمعنى لا يملكون من الله خطابا واحداً أي لا يملكهم الله ذلك كما تقول ملكت منه درهماً إشارة إلى أن مبدأ الملك منه، وهذا أظهر أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب وهذا وجه آخر في الآية فيه منه صلة خطاباً كما تقول خاطبت منك على معنى خاطبتك كبعت زيدا وبعت من زيد فمنه بيان مقدم على المصدر لا صلة يملكون، وقد قيل عليه إنّ تعدى الخطاب لم يثبت في اللغة، وكذا البيع لا يتعدّى بلا واسطة إلا إلى المبيع لا إلى المشتري فينبغي أن يجعل منه صلة يملكون أي لا يملكون منه تعالى في ذلك اليوم خطابا باعتراض ونحوه، وهذا عجيب فإنه لم يقل إنه صلة الخطاب حتى يرد عليه ما ذكر إذ هو في الوجه الأوّل جعل من ابتدائية متعلقة بيملكون، وفي الثاني جعلها بيانية فهو ظرف مستقر لكنه تعسف في قوله: خاطبت منك وأمّ تعدّي البغ بمن فصحيح ذكره صاحب المصباح، وحاصل ما ذكره أنّ النظم يحتمل وجهين أي لا يقدرون على أن يخاطبوه فالخطاب منهم أو لا يصلون لسماع خطاب منه لكنه عقده على عادته، ولولا ظن الإغفال كان ترك مثله أولى من ذكر.. قوله: (لأنهم مملوكون الخ) يعني أنّ ذواتهم وصفاتهم وأملاكهم وكل ما يتعلق بهم جوهراً أو عرضاً مخلوق له تعالى، وهو مالكه فله التصرّف فيه كما يشاء لأنه لا يمنع أحد منا من التصرّف في ملكه مع أنه غير حقيقي فكيف بمالك الملك على الإطلاق فلا يجب عليه شيء من ثواب، وعقاب ولا يسئل عما يفعل وفيه ردّ على المعتزلة، وقوله: تقرير الخ لأنهم إذا لم يتملكوا بغير إذن لم يملكوا الخطاب كما لا يخفى. قوله: (فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلانق الخ) هذا بعينه في الكشاف لكنها كلمة حق أريد بها باطل ثمة فإنّ الخلاف في أفضلية الملائكة بمعنى كثرة الثواب، وما يترتب عليها من كونهم أكرم على الله وأحب إليه لا بمعنى قرب المنزلة من الله ودخول حظائر القدس، ورفع ستارة الملكوت بالاطلاع على ما غاب عنا مع النزاهة وقلة الوسايط، وغيره فإنهم أفضل بالاعتبار الثاني بلا خلاف فيه وهذا كما نشاهده من حال خدام الملك، وخاصة حرمه فإنهم أقرب إليه من وزرائه والخارجين من أقربائه وليسوا عند. بمرتبة واحدة وإن زادوا في التبسط والدلالة عليه، ولذا عطف قوله وأقر بهم الخ على أفضل الخلائق عطفاً تفسيرياً ومته تعلم أنّ الخلاف هنا لفظيّ مع أنّ بعض أهل السنة، وعلماء الشافعية ذهبوا إلى تفضيل الملك مطلقا حتى ادّعى بعضهم أنه مراد المصنف، ومذهبه: وللناس فيما يعشقون مذاهب قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 (كالشفاعة لمن ارتضى الخ) المراد بمن ارتضى من اصطفاه واختاره من صفوة خلقه من المسلمين وأنما فسره لأنّ غير الصواب لا يصدر من الملائكة، ولا يؤذن لأحد فيه. قوله: (والووح ملك موكل على الآرواح الخ) قال في الأحياء: الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجسام فإنه يتنفس فيكون في كل نفس من أنفاسه روح في جسم، وهو حق يشاهده أرباب القلوب ببصائرهم اهـ. قوله: (او جنسها) أي والمراد به جنس الأرواح، وقيامها وهي من المجرّدات بدون الأجسام غير متصوّر، ولذا قيل: تقديره ذوات الأرواح وفيه نظر، والطاهر أن ضمير جنسها راجع للملائكة لتقدمها في النظم، وفهمها من المقام. قوله: (الكائن لا محالة) تفسير للحق الموصوف به اليوم أو الواقع خبر ذلك اليوم أي هو مما لا يمكن إنكاره، وهذا مؤكد لما قبله، ولذا لم يعطف. قوله: " لى ثوابه) بيان للمراد أو تقدير لمضاف فيه، وهو الأظهر وإنما قدر المضاف فيه قيل: لأنّ الرجوع لذاته تعالى غير مراد لتنزهه عنه، وتعاليه فالمتصوّر الرجوع لحكمه وثوابه ووعده ونحوه كما قيل في قوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [سورة الفجر، الآية: 28] وقيل: لأنّ رجوع كل أحد إلى ربه ليس بمشيئته إذ لا بد منه شاء أم لا والمعلق بالمشيئة الرجوع إلى ثوابه فانّ العبد مختار في الإيمان، والطاعة ولا ثواب بدونهما ولا يرد عليه ما قيل من أنه مناف لمذهب الأشاعرة لأنّ العبد له كسب في أفعاله بمشيئة مقارنة لمشيئة الله لما أوجدها فيه، ويكفي في مثله ذلك كما حقق في محله وقيل إنما قدر الثواب لما مرّ من قوله: للطاغين مآبا فإنّ لهم مرجعاً لله أيضا لكن للعقاب لا للثواب، ولكل وجهة هو موليها. قوله: (وقريه لتحققه) جواب عن سؤال مقدر تقديره إذا فسر بعذاب الآخرة كيف يكون قريبا فإمّا أن يجعل لتحقق وقوعه قريبا لأنّ ما تحقق في المستقبل يجعل قريباً بخلاف ما تحقق في الماضي، ولذا قيل: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت أو يقال: البرزخ داخل في الآخرة، ومبدؤه الموت وهو قريب حقيقة إذ القرب والبعد من الأمور النسبية، قيل: وأنما يحتاج إلى التوجيه لو كان يوم ينظر ظرفا مستقرّاً أي قريبا كائناً يوم الخ إمّا إذا كان لغواً للقرب فلا لأنه في ذلك اليوم قريب لا فاصل بينه وبين المرء، وفيه نظر لأنّ الظاهر جعل المنذر به قريبا في وقت الإنذار لأنه المناسب للتهديد والوعيد إذ لا فائدة في ذكر قربه منهم يوم القيامة فإذا تعلق به فالمراد بيان قرب اليوم نفسه كما في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [سورة القمر، الآية: 1] فتأمّل. قوله: (يرى ما قدّمه من خير أو شرّ) بيان لحاصلى المعنى فلا ينافي كون ما استفهامية أو هو تفسير له على الوجه الراجح، ولذا قدّمه، وتعرض لتفسير. على تقدير أنها استفهامية بقوله: أي ينظر الخ، وقوله: والمرء عامّ لاشترإك الفريقين في النظر، ولما بين حال الكافر بعده وتحسره علم حال غيره فهو كقوله: وورثه أبواه فلأمّه الثلث، ولم يصرّح به لإيهام إنه لا يحيط به الوصف، وقيل: المراد به المؤمن كما نقل عن قتادة وتركه المصنف لما في الكشاف من أنه ظاهر الضعف وإن رجحه الإمام بأنّ بيان حال الكافر بعده يدل على أنّ هذا حال المؤمن. قوله: (وقيل هو الكافر الخ) مرضه لأنّ ما قبله في حال الفريقين عموما فلا وجه للتخصيص، وقوله: إنا أنذرناكم الخ لا يخص الكافرين لأنّ الإنذار عامّ للفريقين أيضا فلا دلالة له على الاختصاص كما يتوهم في بادى النظر، وقوله: فيكون الكافر الخ لأنه على هذا كان الظاهر عود ضمير للمرء من غير تصريح به لكنه لإفادة لفظ الكافر الذي أقيم مقام الضمير لذلك، وقيل: الكافر إبليس لما شاهد آدم عليه الصلاة والسلام ونسله وما لهم من الثواب تمنى أن يكون ترابا لأنه احنقره لما قال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [سورة الأعراف، الآية: 12] وهو كلام حسن ووجه وجيه، وإن بعد من السياق. قوله: (وما موصولة) والعائد مقدر أي ما قدمته وعلى الاستفهامية فالجملة معلق عنها لأنّ النظر طريق للعلم كما بينه النحاة، والمعنى على الثاني ينظر جواب ما قدمته يداه، ومثله: كثير ظاهر. قوله: (وقيل: يحشر سائر الحيوانات الخ) كما اشتهر ذلك وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه لتؤذن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء تمت السورة والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أعظم مخلوقاته وآله وصحبه وآل بيته. سورة النازعات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 وتسمى سورة الساهرة والطامّة وهي مكية بالاتفاق وعدد الآيات ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (هذه صفات ملانكة الموت الخ) يعني أن الموصوف واحد فيها وهم ملائكة الموت فالعطف لتغاير الصفات كما مرّ ولو جعلت الموصوفات متعددة على أنّ النازعات ملائكة العذاب، والناشطات ملائكة الرحمة جاز أيضا وجعل النزع للكفار، والنشط لغيرهم لأنّ النزع جذب بشدة والنشط بسهولة ورفق فلاءم ذلك التخصيص، وقوله: ينزعون أي يخرجون بجذب، وقوله: إغراقا الخ أي مبالغة في الغرق فالغرق بمعنى الإغراق كالسلام بمعنى التسليم أو هو الإغراق بحذف الزوائد، وقوله: فإنهم ينزعونها الخ تعليل وبيان للإغراق، وتخصيصه بالكفار لما مرّ من أنه جذب بشدة، وما للمؤمنين نشط لا أنه في الكفار معكوس من الأسفل إلى الأعلى حتى لا يرد أنه لا وجه للتخصيص! كما قيل، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، والمفعول به محذوف. قوله: (أو نفوساً غرقة في الأجساد (فهو مصدر مؤول بالصفة المشبهة، ونصبه على أنه مفعول به على هذا أو صفة للمفعول به، وهو معطوف على قوله: إغراقا، وقيل: على قوله: أرواح الكفار وعلى الأوّل التقابل ظاهر، وأما على الثاني فلأن المراد ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم، أو نفوساً غرقة في الأجساد لشدة تعلقها بها بغلبة الصفات الجسمانية فهي بعيدة عن الرقيّ لعالم الملكوت، وهي نفوس الكفار، وهي من المجرّدات، وتتعلق بالبدن بواسطة الروح الحيواني، وهو البخار اللطيف الساري في البدن وبنزعه ينقطع تعلق الروح عن البدن، ومنه يعلم فساد ما قيل من أنهما متحدان لا تقابل بينهما. قوله: (يخرجون أرواح المؤمنين برفق) تفسير للنشط على، وجه يعلم منه وجه اختصاصه بالمؤمنين كما مرّ، وكذا اختصاص السبح أيضا وظاهر هذا أنهم النزع خارج البدن كالواقف، وظاهر ما بعده من السبح والغوص دخولهم فيه لإخراجها فيؤوّل أحدهما كالنشط بأنّ المراد منه السهولة أو السبح بأن المراد مجرّد الاتصال، والظاهر أنّ السبح هو الحركة الاختيارية في الماء فلا ينافي الغوص فما قيل من أنّ إطلاق السبح على الغوص غير متعارف لا وجه له مع أنه لا ينفك عنه. قوله: (فيسبقون بأرواح الكفار الخ) السبق هنا بمعنى الإسراع مجازا فالعطف بالفاء إشارة إلى عدم التراخي في الاتصال، وقوله: أمر عقابها وثوابها لف ونشر مرتب، وقوله: بأن يهيؤها الخ إشارة إلى أنّ ملائكة العذاب غير ملائكة الموت فإنّ ملائكة الموت تهيؤها وتوصلها الإدراك الألم، واللذة دون تنعيم وتعذيب. قوله: (أو الأوليان) أي الصفتان الأوليان، وهما النازعات والناشطات لملائكة الموت وما بعده لملائكة الرحمة والعذاب فتتغاير الموصوفات كالصفات، وفوله: في مضيها الأظهر أن يقال في مضيهم، ولما حمل السابقات على طوائف غير ملائكة الموت لم يكن السبح إخراج الأرواح بل بمعنى المضي والسرعة في اتصالها لما سيقت له من النعيم والعذاب، فيدبرون أمره أي أمر ما أمروا به من كيفيته وما لا بدّ منه، فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر أن يقال: فتدبرونه. قوله: (أو صفات النجوم) معطوف على قوله: صفات الملاثكة، وقوله: فإنها تنزع أي تسير من نزع الفرس إذا جرى، وهذا إشارة إلى أنّ المراد بها على هذا السيارة دون الثوابت وهي شاملة للشمس والقمر لما سيأتي، وقوله: غرقا في النزع أي مجدّة في السير مسرعة، وقوله: بأن تقطع الفلك من قطع المسافر الطريق إذا جاوزها، وهذا بالنسبة لما يبدو للناس في النظرة لأنّ حركتها تبع لحركة الفلك لا مستقلة في قطعه، وقوله: وتنثط الخ تفسير للناشطات على هذا وقوله: يسبحون الخ فيه تسمح وكان الظاهر تسبح، وقوله: كاختلاف الفصول الخ فإنه بحركة الشمس تحصل الفصول الأربعة وبحركة القمر تتميز الشهور والسنين والمواقيت إلى غير ذلك مما جعله الله منوطا بحركة النيرين كأوقات الصلوات والحج والمعاملات المؤجلة. قوله: (حركاتها من المشرق إلى المغرب) فسره به لأنها بحركة الفلك الأعظم تبعاً لأنه يتحرّك كذلك فيتبعه ما فيه ضرورة، وأما حركة الكواكب في منازلها من البروج لأنها حركتها الخاصة بها فغير سريعة وهي بإرادتها من غير قسر لها فلذا أطلق على الأولى نزعا لأنه جذب بشذة، وسميت الثانية نشطاً لأنه برفق كما مرّ وهذا مبني على ما ذكر في الرياضات. قوله: (أو صفات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 النفوس الفاضلة) معطوف أيضاً على قوله: صفات ملائكة فالمراد بالنازعات النفوس المفارقة لأبدانها بالموت، ووصفها بالنزع لأنه يعسر عليها مفارقة البدن بعد الإلفة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " إق للموت لسكرات " فلا يختص بغير المؤمنين على هذا، وقيل: النزع بمعنى الكف على هذا، وقوله: تنشط من النشاط وهو خفة السوق، وقوله: وتسبح فيها أنث الضمير سواء رجع للعالم أو الملكوت لتاويله بمؤنث وارادة المقارّ ونحوه يعني أنها تتوجه لعالم العقول المجرّدة فترقي الملكوت من مرتبة إلى أخرى بسرعة فتسبق لحظائر القدس بالطهارة من النقائص، وهو مقام القرب من الرب. قوله: (فتصير لشرفها وقوّتها من المدبرات) يحتمل أنّ المراد بالمدبرات الملائكة، وأنّ النفوس بعد الاستكمال ومفارقة البدن ودخولها في الحظائر المقدسة تلتحق بالملائكة، ولذا ألفت المقام الأعلى، وصلحت للخلود أو هو صفة للنفوس المفارقة العالية فإنها بقوتها، وشرفها تصلح للوصف بأنها مدبرة كما قال الإمام إنها بعد المفارقة قد يظهر لها آثار وأحوال في هذا العالم فقد يرى المرء أستاذه بعد موته فيرشده لما يهمه، وقد نقل عن جالينوس أنه مرض مرضا عجز عن علاجه الحكماء فوصف له في منامه علاجه فأفاق وفعله فأفاق، وقد ذكره الغزالي، ولذا قيل: إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور، إلا أنه ليس بحديث كما توهم ولذا اتفق الناس على زيارة مشاهد السلف والتوسل بهم إلى الله وإن أنكر. بعض الملاحدة في عصرنا، والمشتكي إليه هو الله. قوله: (أو حال سلوكها) معطوف على قوله: حال المفارقة والأوّل على أنه من صفات الأرواح بعد الموت، وهذا في الحياة والسلوك في العرف تطهير الظاهر والباطن، بالاجتهاد في العبادة والترقي في المعارف الإلهية، وقوله: فإنها الخ تفسير للنزع على هذا بالحذف من حضيض الهوى إلى أوج التقوى وما بعده ظاهر، وقوله: فتنشط الخ إشارة إلى أنّ فيه ترتبا لكنه وكل إلى فهم السامع. قوله: (حتى تصير من المكملات) بصيغة اسم الفاعل أو المفعول، والظاهر الأوّل لأنه تفسير للمدبرات، وقوله: أو صفات أنفس الغزاة معطوف على قوله: صفات ملائكة، وقوله: أو أيديهم معطوف على قوله: أنفس الغزاة والقسيّ جمع قوس، وقوله: بإغراق السهام أي المبالغة في جذبها للرمي، وقوله: ينشطون بالسهم للرمي أي يرسلونه بعد الجذب من قولهم: نشط العقدة إذا حلها كما في التاح وغير. ومثله يسند لليد وصاحبها، نعم ما بعده إسناد محتاج للتحويل للملابسة فما قيل من أنّ في إسناد النشط وما بعده إلى الأيدي كلاما لا يخلو من القصور أو التقصير، وقوله: يدبرون أمرها الضمير للحرب لأنها مؤنثة. قوله: (فإنها تنزع في أعها نزعاً) يحتمل أنه كقوله: يجرج في عراقيبها نصلي أي تمد أعنتها مداً قوياً حتى تلصق الأعنة بالأعناق من غر ارتخاء لها فتصير كأنها انغمست فيها، أو هو مجاز من قولهم: نزع في القوس إذا مذها لأنه يتعدى بفي كما ذكره الأزهري، وتسبح في جريها هو مستعار من سبح في الماء لكنه الحق بالحقيقة لشهرته، وقوله: فتدبر أمر الظفر أسند التدبير إليها مجازاً لأنها سببه، وقوله: وإنما حذف أي جواب القسم، وتقديره لتبعثن أو لتقومن القيامة ونحوه. قوله:) وهو منصوب به) أي ما بعده الدال عليه، وهو قوله: يوم ترجف الراجفة منصوب بالجواب المقدر لأنه ظرف وتقديره ما مرّ وعلى ما فسره به المصنف لا بدّ من اعتبار زمان النفخة الأولى ممتدا فلا يرد أن البعث وقيام الساعة بعد النفخة الثانية ويينهما أريعون سنة فيما قيل: فلا حاجة إلى التعسف، وتكلف جعل يوم مبنياً فاعلا للجواب وتقدير. ليأتين يوم الخ. قوله: (والمراد بالراجفة الخ) فتسميتها راجفة باعتبار الأول ففيه مجاز مرسل وبه يتضح فائدة الإسناد، وانه ليس من قبيل يقوم القائم وتعريفه للعهد فيه وفيما بعده، وقوله: ترجف الإجرام الخ إشارة إلى أنّ الإسناد إليها مجازي لأنها سببه أو التجوّز في الظرف بجعل سبب الرجف راجفا قيل: ولو فسرت الراجفة بالمحركة جاز وكان حقيقة لأنّ رجف يكون بمعنى حرك وتحرك. قوله: (التابعة) من ردفه إذا تبعه ولوقوع ذلك فيها بعد الرجفة الأولى جعلت رادفة لها، وقوله: أو النفخة الثانية تفسير آخر للرادفة، وقوله: في موقع الحال من الرأجفة قيل: وهي حال مقدّرة أو هي مستأنفة كما ذكره المعرب وفي الكشاف فإن قلت: كيف جعلت يوم ترجف ظرفاً للمضمر الذي هو لتبعثن، ولا يبعثون عند النفخة الأولى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 قلت: المعنى لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع، وهو وقت النفخة الأخرى ودل على ذلك أنّ قوله: تتبعها الرادفة جعل حالاً عن الراجفة، اه، وقيل عليه: إنّ الحال غير متعينه، وعلى تسليم التعين فالحال يجب مقارنتها لذي الحال وحدوث الرادفة بعد انقضاء ايراجفة لا يفيد كونهما في يوم واحد إذ لم يتقارنا فلا بد من جعلها حالاً مقدرة وحينئذ فلا تدل على ما ذكره، ولا يخفى أنه من قلة التدبر فإنه يريد أنهم جعلوا قوله: تتبعها حالاً والأصل فيها المقارنة فلو لم يقدر ذلك الوقت متسعا لما ذهبوا إليه من غير تأويل، وقد عرفت أن جعلها حالاً مقدرة حينئذ لا وجه له. قوله: (من الوجيف) هو مصدر ومعناه وضعا شدة الاضطراب فلا يلد عليه أنه ليس في الكلام ما يدلّ على الشدة، وقوله: صفة لقلوب فهي مسوغة للابتداء به، وهو نكرة وأما كونه خبرا لأنّ تنوين قلوب للتنويع فمع إلباسه مخالف للظاهر في الابتداء بالنكرة وجعل تنوين التنويع كالوصف معنى تعسف، ولذا لم يلتفتوا له. قوله: (أبصار أصحابها) بتقدير المضاف لأنّ القلوب لا أبصار لها إلا أن تجعل بمعنى البصائر، وهو خلاف الظاهر أو هو تجوز في النسبة الإضافية لأدنى ملابسة فيكون جعل للقلوب أبصاراً ووصف الأبصار بالذل لظهور آثاره عليها، وقوله: ولذلك أي لأنّ المراد وصفها بالذل الناشئ من الخوف أضافها إلى القلوب التي هي محل الخوف ولا يضرّه تقدير المضاف فيه لأنه يكفي لمثله وقوعه كذلك بحسب الظاهر. قوله: (في الحالة الأولى) هو حاصل المعنى المراد منه يعني أنه لما أقسم على تحقق البعث، وقيام الساعة وبين ذلهم فيها وخوفهم ذكر إقرارهم بالبعث والمعاد، وردهم إلى الحياة بعد الموت فالاستفهام لاستغراب ما شاهدوه بعد الإنكار، وهذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانياً لما يقولونه إذ ذاك، وقوله: فحفرها بيان لوجه تسميتها حافرة بمعنى محفورة، ثم بين أنّ المراد بالحفر التأثير في الأرض على الاستعارة أو المجاز المرسل بإرادة المطلق من المقيد. قوله: (على النسبة) يعني أنّ حافرة بمعنى محفورة كراضية بمعنى مرضية لتأويله بذات حفر، وذو الشيء صادق بالفاعل والمفعول وهذا بناء على المعروف في أمثاله أو هو على التجوز في الإسناد على ما ارتضاه الخطيب، وقوله: تشبيه القابل بالفاعل هو على مذهب السكاكي من جعل أمثاله استعارة مكنية وتخييلية لأنه بمعنى الطريق وهي قابلة للحفر فشبه القابل للفعل بمن يفعله لتنزيله منزلته فالاستعارة في الضمير المستتر، واثبات الحافرية له تخييل على ما عرف من المذاهب فيه. قوله: (وقرئ في الحفرة (بفتح الحاء وكسر الفاء على أنه صفة مشبهة، وهي شاذة مروية عن أبي حيوة وابن أبي عبلة ومعنى حفرت أسنانه بالبناء للمجهول تغيرت وتآكلت، وقوله: فحفرت بصيغة المعلوم وكسر الفاء مطاوعه، وحفرا بفتحتين مصدره وهو دليل على أن الحافرة بمعنى المحفورة، وقوله: أئذا كنا الخ متعلق بمحذوف تقديره أنبعث ونحيا إذا الخ وقوله: على الخبر أي بدون أداة الاستفهام الإنشائي. قوله: (نخرة وهي أبلغ) قرأ الأخوان وأبو بكر ناخرة بألف والباقون نخرة بدونها كحاذر وحذر، وفعل أبلغ من فاعل وإن كانت حروفه أكثر وكثرة البنية لا تدلّ على كثرة المعنى مطلقاً والنخر البالي ويكون بمعنى الأجوف البالي، ويصح أن يراد به ذلك هنا أيضا والقراءة الأخرى موافقة لرؤوس الآي ومن العجب ما قيل: إن ناخرة مغير من نخرة للفواصل فتتخذ القراءتان في إفادة المبالغة فإنه لا معنى له عند التحقيق. قوله: (ذات خسران الخ) قال الراغب: الخسر والخسران انتقاص رأس المال وينسب إلى الإنسان فيقال: خسر فلأن والى الفعل فيقال خسرت تجارته اهـ، هذه حقيقته والمراد بالفعل ما يتعلق بالمعاملة لا كل فعل كما فيما نحن فيه فجعل الكرّة خاسرة ليس حقيقة فهو إما للنسبة بمعنى ذات خسران على ما مرّ أو المراد خاسر صاحبها على تقدير المضاف، أو التجوّز في النسبة. قوله: (والمعنى الخ) أي إن صحت الرجعة إلى الحياة والبعث فنحن في خسر لتحقق ما أنكرناه وقوله: وهو استهزاء منهم أي قولهم: تلك إذن كرة خاسرة صدر منهم على وجه الاستهزاء، بالخسر حيث أبرزوا ما قطعوا بانتفائه واستحالته في صورة المشكوك المحتمل للوقوع. قوله: (متعلق بمحذوف) أي فيه مقدّر مرتبط به معنى أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة، فإنها هينة على قدرته فإنها صيحة واحدة فالمذكور الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 تعليل للمقدر وفيه تهوين لأمر الإعادة على وجه بليغ لطيف. قوله: (والساهوة الأرض البيضاء) أي التي لا نبات ولا بناء فيها لأنّ الأرض المزروعة ترى بما فيها من الخضرة كأنها سوداء، وقد تلطف بلدينا فقال: إن الذين ترحلوا و! فوا بالهاجرة أنزلتهم في مقلتي فإذا هم بالساهرة وقوله: عين ساهرة الخ ففيه مجاز على المجاز لشهرة الأوّل التي ألحقته بالحقيقة، وقوله: وقيل اسم جهنم معطوف على قوله: الأرض البيضاء، وقوله: أو لأن سالكها الخ فالسهر بمعنا. المعروف، والتجوّز في الإسناد. قوله: (أليس قد أتاك حديثه الخ) يعني أنّ المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين له بإنذارهم بعذاب كعذاب من كذب الرسل قبلهم وهو بيان له بحاصل معناه لا إشارة إلى أن هل بمعنى قد كما مرّ في قوله: هل أتى والمقصود من الاسنفهام التذكير لا التقرير كما قيل، ومن هو أعظم منهم أي أشد كفراً كفرعون وقوله: بأن يصيبهم الخ متعلق بيسليك وقوله: يتهددهم على التنازع، أو هو متعلق بالثاني فقط والمراد بكونه مثله في الجنس والمقهوربة والخذلان دون الاستئصال مع أن المحذر منه لا يلزم وقوعه، وقوله: إذا ناداه متعلق بالحديث أو مفعول اذكر مقدرا كما مرّ بيانه، وقوله: على إرادة القول أي تقديره والتقدير وقال له: أو قائلاً له وقوله: لما في النداء الخ يعني أنّ أن تفسيرية لوجود شرطها المشهور، ويجوز أن تكون مصدرية قبلها حرف جر مقدر أي بان ناداه الخ. قوله: (هل لك ميل إلى أن تتطهر الخ) يعني لك خبر مبتدأ مقدر، والجار والمجرور متعلق به وهو في الاستعمال ورد بفي وإلى فيقدر لكل ما يناسبه، ولذا قدر المصنف ميل لأنه يتعدى بإلى والزمخشريّ قدر الرغبة وهي مما يتعدى بفي وإلى فأيّ الصلتين ذكر بعد هذا الظرف صح، وقال أبو البقاء: لما كان المعنى أدة كوك جاء بإلى فجعل الظرف متعلقا بمعنى الكلام أو بمقدر يدلّ عليه، ومن لم يتفطن لمراده قال: إنه لا يفيد شيئاً في الإعراب إلا أنه مبني على أنّ الجملة بتمامها تكون عاملا وفيه شيء ومن دفع الاعتراض بأن هل لك مجاز عن أحدثك، أو أدعوك والصلة بعد. قرينة زاد في الطنبور نغمة فتأمّل. قوله: (تتطهر الخ) تفسير لقوله: تزكى، وقوله: بالتشديد أي تشديد الزاي وأصله تتزكى فأدغمت التاء الثانية في الزاي وتقديم التزكية على الهداية لأنها تخلية، وقوله: أرشدك إلى معرفته بيان لحاصل المعنى أو لتقدير مضاف فيه لأنّ الهداية إلى معرفته هداية له ولا حاجة إلى التقريب بأنها لإيجاده في الذهن، وقوله: إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة، بيان لموقع الفاء وتعليل لتقدير المضاف فيه وهو المعرفة ويؤيده قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] . قوله: (وهذا (يعني هل لك الخ فإنه دعوة في صورة العرض والمشورة كقولك للضيف: هل لك أن تنزل عندنا وقوله: فذهب الخ يعني أنّ الفاء فصيحة وفيه مقدّر به ينتظم الكلام، وقوله: فإنه أي القلب كان المقدّم على غيره من معجزاته فهو المراد بالكبرى، والصغرى ما سواه بقرينة الفاء التعقيبية. قوله: (والأصل) إمّا أن يريد به إنه أقوى معجزاته الفعلية أو ما يبنى عليه غير. لأنّ كثيراً من معجزاته فيها كتفجير الماء بضربها وشق البحر والإضاءة ونحوه فلا حاجة إلى ما قيل من أن أصالتها بالنسبة إلى اليد البيضاء خصوصاً فإنها كالتبع لها فإنه مع تكلفه لا يسمن ولا يغني من جوع، وقوله: أو مجموع معجزاته الخ والوحدة لما ذكر، والفاء لتعقيب أوّلها أو مجموعها باعتبار أوّلها وكونها كبرى باعتبار معجزات من قبله من الرسل أو هو للزيادة المطلقة. قوله: (فكذب موسى وعصى الله الم يقل، وعصاه لما دعاه لأنّ هذا أقوى في الذم ولجمعه بين معصية الله ورسوله لأنّ التكذيب أشذ العصيان، وقوله: بعد ظهور الآية أي على الوجهين وإفراد. لما مرّ وقوله: عن الطاعة إشارة إلى أنه بمعنى ولى وأعرض، وثم لأنّ إبطال الأمر ونقضه يقتضي زمانا طويلا وقوله: ساعيا إشارة إلى أنّ الجملة حالية، وقوله: أو أدبر الخ فهو إدبار حقيقيّ وقوله: فحشر الخ تفصيل لما قبله وثم على الثاني لأنّ إدباره مرعوبا بعد تلقف ما أتى به السحرة ومكالمتهم معه وتكذيبه وعصيانه تقدم عليه بزمان طويل فكلمة، ثم لا تأباه ما لم يجعل لاستبعاد أدباره مرعوباً مع دعوى الألوهية منه كما قيل. قوله: (فجمع السحرة الخ) فالحشر بمعناه اللغوي وجمع السحرة عقب ما قصد من إبطال أمره، وجمع الجنود بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 ما فر ففيه لف ونشر مرتب، ويجوز رجوع الكل للكل وقوله: فنادى في المجمع أردا به مكانه ومقامه، وهو إما بنفسه بأن يرفع صوته بالخطاب أو بمناد يأمره بتبليغ ذلك عنه، ويؤيد الأوّل قوله: أنا ربكم الخ مع ما فيه من التجوّز في الإسناد بجعل الآمر كالفاعل مجازاً والسبب فاعلا ومثله بليغ كثير. قوله: (أو بمناد) وفي نسخة أو مناد فهو معطوف على الضمير المستتر لوجود الفاصل، وقوله: على كل من يلي أمركم كذا في بعض النسخ بالجار المتعلق بأفعل التفضيل، وهو جائز وفي نسخة من كل من يلي بمن التفضيلية وهي ظاهرة أيضا وفي بعضها كل من يلي الخ بالنصب من غير جار ويرد عليه أن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول فهو مفعول لمقدر أي علوت كل من الخ كما في قوله: واضرب منا بالسيوف القوانسا وقد مرّ تحقيقه. قوله: (أخذا منكلاَ) النكال مصدر بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم فجعله المصنف هنا صفة مصدر لأخذ المقدر وأوّله بالمشتق أي أخذا منكلا، واضافته لامية أو على معنى في، وقوله: في الآخرة الخ بيان لحاصل المعنى أو تقدير إعراب وقيل إنه منصوب على أنه مفعول مطلق لأخذ بتأويل في الأوّل أو في الثاني وقيل: إنه منصوب على الحالية، وقيل هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة كوعد الله وصبغة الله ومنكلا هنا بمعنى مخوّفاً أو عبرة، ولذا قال لمن رآه في الدنيا وقوله: أو سمعه أي سمع يأخذه في الدنيا أو في الآخرة وأو في كلام المصنف لمنع الخلو والآخرة والأولى إمّا الداران وهما الدنيا والآخرة أو الكلمتان كما ذكره المصنف، وقوله: هذه إشارة إلى قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وقوله على كلمته الآخرة على هنا للتعليل كما في قوله: {لِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [سورة الحج، الآية: 37] وهو من إضافة المسبب للسبب وهي لامية وقوله: وهو قوله الخ ذكر ضمير الكلمة باعتبار الخبر. قوله: (أو للتنكيل فيهما) أي على أنّ النكال بالمعنى المصدري، وهو مفعول له والأولى والآخرة الداران والإضافة على ما مرّ وقوله: أو لهما على أنهما بمعنى الكلمتين والإضافة لامية من إضافة المسبب للسبب، وقوله: ويجوز أن يكون مصدراً الخ فالتقدير نكل الله به نكال الآخرة الخ، وقد مرّ جواز كونه مؤكدا للجملة أيضا وغيره من الوجوه وعلى هذا فنصبه على أنه مفعول مطلق، وقد أورد عليه أمران الأوّل أنّ المصدر المؤكد لا يفيد فائدة زائدة على فعله وهنا أفاد بالإضافة معنى زائدا فكيف يكون مؤكدا الثاني إنّ الصواب أن يقول: مقدّرا فعله لا بفعله كما في شرح التلخيص، ويدفع بأن المراد بالمؤكد ليس ما اصطلح عليه النحاة ولا شك أن كل مصدر يؤكد باعتبار ما تضمنه من معنى المطلق فعله وكون المراد به ما يؤكد مضمون الجملة يأباه صريح كلامه، وأما قوله: مقدراً بفعله ففيه تسمح والباء إما زائدة في الفاعل كما في كفى بالله أو الباء للملابسة والمقدر مطلق العامل أي يقدر عامله بفعل خاص من لفظه فتدبر. قوله: (لمن كان من شأنه الخشية) الظاهر أنه أوّل به لأنّ من كان في خشية وخوف لا يحتاج للاعتبار، وقيل: إنه لقصد التعميم ليشمل من يخشى بالفعل ومن كان من شأنه ذلك، وقوله: أصعب خلقاً نصب خلقا على التمييز والأصعبية بالنسبة للمخاطبين لما مرّ من أن القدرة الذاتية يستوي عندها جميع المقدورات بلا تفاوت، وقوله: ثم بين الخ إشارة إلى أنّ الجملة مفسرة بمنزلة عطف البيان، وثم لما بين المجمل والمفصل من التفاوت الرتبي. قوله: (أفي! جعل الخ (هذا بناء على أنّ السمك الرفع أو الثخن فعلى الأوّل معناه جعلها رفيعة، وعلى الثاني معناه جعل ثخنها مرتفعا في جهة العلو، وقوله: أو ثخنها بأو الفاصلة وهو الظاهر وفي نسخة بالواو ويحتاج لجعلها بمعنى أو والثخن إن لوخط من السفل للعلو فسمك، وإن لوحظ من العلو للسفل فعمق كالدرج والدرك. ض له: (فعدّ لها (قيل: تعديلها جعلها بسيطة متشابهة الأجزاء والشكل، وليس البناء ورفع السمك مغنياً عن هذا، وقوله: مستوية أي ملساء ليس في سطحها انخفاض وارتفاع، وقوله: فتمص! امن قولهم: سوّى أمره أي أصلحه أو من قولهم: استوت الفاكهة إذا نضجت وتتميمها بما ذكر ولها متممات وأفلاك جزئية كما بين في محله والتدوير جسم كريّ مصمت مركوز في ثخن الفلك الجزئي بحيث يماس سطحه المحدب، والعقر والكواكب السيارة غير الشمس لها تداوير كما بين في علم الهيئة. قوله: (منقول من غطش) اللازم إلى المتعدي بالهمزة، وقوله: وأنما أضافه الخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 اي أضاف الليل إلى السماء لأنّ الليل والنهار بحركتها، ولم يرتض ما في الكشاف من قوله: لأنّ الليل ظلها فإنه اعترض عليه بأنه ظل الأرض لا ظلها، والجواب بأنه باعتبار ظاهر الحال في رأى العين لا محصل له والأولى ما ذصب إليه المصنف من أنه لما بينهما من الملابسة لأنه بحركتها. قوله: (وأبرز ضوء شمسها) أبرز تفسير لأخرج وضوء الشمس تفسير للضحا لأنه كما قال الراغب: انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به انتهى، ففيه مضاف مقدّر هنا لأدنى ملابسة كما مرّ وقوله: يريد النهار أي المراد بضحاها هنا النهار لوقوعه في مقابلة الليل فكني بالضوء عنه، أو المراد بقوله: أخرج ضحاها النهار كما قيل والأوّل أقرب. قوله تعالى: ( {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ) قد مرّ الكلام فيه، ومعارضته للأية الأخرى والجمع بينهما قال ابن عباس رضي الله عنهما خلق الله الأرض من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ثم دحى الأرض بعد ذلك فلا ينافي قوله: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 29] فسقط ما قيل إنه ينافي قوله: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ} ولا يمكن التوفيق بأنه خلق أصل الأرض قبل السماء ودحاها بعده لأنّ ما في الأرض بعد الدحو، وقد مرّ فيه تفصيل فتذكره. قوله: (ورعيها) قال في الكشف هو بالكسر الكلأ وبالفتح المصدر والمرعى يقع عليهما وعلى الموضع بل وعلى الزمان أيضاً فقول المصنف، وهو في الأصل لموضمع الرعي محل نظر إلا أنه لكونه أشهر معانيه جعل كأنه موضوع له كما قيل، والمرعى ما يأكله الحيوان غير الإنسان فأريد به هنا مجازاً مطلق المأكول للإنسان وغيره، فهو مجاز مرسل من قبيل المرسن، وقال الطيبي: يجوز أن يكون استعارة مصرّحة لأنّ الكلام مع منكري الحشر بشهادة قوله: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} كانه قيل: (أيها المعاندون الملزورّون) في قرن البهائم في التمتع بالدنيا والذهول عن الآخرة. قوله: (لأنها حال بإضمار قد الخ) وكلاهما مقتض لترك العاطف قيل: وعلى الوجهين لا يثبت تقدم الدحو على خلق الجبال كما مرّ في السجدة بل الأول مقتض لتقدم خلق الجبال لتقريب قد للماضي من الحال، والدحو البسط وهو غير إخراج الماء والمرعى نعم الدحو سبب لهما. قوله: (وهو مرجوح لأنّ العطف على فعلية) سبقه إليه الزجاح، وأورد عليه أنّ قوله: بناها بيان لكيفية خلق السماء، وقوله: رفع سمكها الخ بيان للبناء وليس لدحو الأرض وما بعده دخل في شيء من ذلك فكيف يعطف عليه ما هو معطوف على المجموع عطف القصة على القصة والمعتبر فيه تناسب القصتين، وهو حاصل هنا فلا ضير في الاختلاف بل فيه نوع تنبيه على ذلك هذا مع أنه يجوز عطف الأرض على السماء من حيث المعنى كأنه قيل: السماء أشد خلقا والأرض بعد ذلك أي والأرض بعد ما ذكر من السماء أشد فيكون وزان قوله: دحاها أخرج منها مآها ومرعاها، وزان قوله: بناها رفع سمكها فسواها، وحينئذ فلا يكون قوله: بعد ذلك مشعرا بتأخر دحو الأرض عن بناء السماء. قوله: (تمتيعاً لكم الخ) إشارة إلى أنّ المتاع بمعنى التمتيع فنصبه على المصدرية بفعله المقدر أو هو مفعول له قيل: والأوّل أولى لأنّ الخطاب لمنكري الحشر والمقصود هو تمتيع المؤمنين فلا يلائم جعل تمتيع الآخرين كالعرض، وأورد عليه أنّ خطاب المشافهة وإن كان خاصا بالحاضرين إلا أن حكمه عام كما تقرّر في الأصول فالمآل إلى تمتيع الجنس وأيضاً النصب على المصدرية بفعله المقدر لا يدفع المحذور لكونه استئنافاً لبيان المقصود. قوله: (الداهية الخ) أي هو بمعنى أعظم الدواهي لأنها من طم بمعنى علا كما ورد في المثل جرى الوادي فطم على القرى، وعلوها على الدواهي غلبتها عليها ومآله إلى كونها أعظم وأكبر قيل: فالوصف بالكبرى مؤكد، ولو فسر كونها طامة بكونها غالبة للخلائق لكان الوصف بالكبرى مخصصاً، وقد قيل: ما من طامّة إلا وفوقها طامّة، والغلبة والكبر من الأمور النسبية فالمراد بكونها تغلب الدواهي أنها تفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا مع أنها كما قاله الجوهري: غلبت على القيامة، والمراد بكونها كبرى إنها أعظم من جميع الدواهي مطلقا ففيه مبالغة وفائدة زائدة لا كما توهمه هؤلاء القائلون. قوله: (التي هي كبر الطامات) أي الدوإهي وفيه إشارة إلى أنّ المعنى أنها أعظم من كلى عظيم فالوصف تأسيس لا تأكيد كما مرّ مع أن الطامة الكبرى لمعين هنا كالعلم، وقوله: أو الساعة الخ قيل: فإذا ظرف لمجيء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 الساعة لا للساعة لئلا يكون الزمان في الزمان أو الظرفية عرفية من ظرفية الكل للجزء باعتبار الأوّل زمانا متسعا. قوله: (يوم يتذكر الخ) منصوب أو مبني على الفتح، وقوله: بأن يراه الخ فتذكر. كناية عن رؤية صحفه سواء نسيه لطول المدة أو لما لقي كما قيل: وهيهات لي يوم القيامة أشغال أو لكثرتها التي تعجز الحافظة عن ضبطها، وقوله في صحيفته: الضمير للإنسا للعمل لأنّ الصحيفة تضاف لكل منهما، وقوله: قد نسيها الضمير للأعمال المرادة من المفهومة من السياق، وإذا كانت ما موصولة فسعى بمعنى عمل والعائد مقدر أي سعى وقوله: بدل من إذا الخ بدل كل أو بعض وكونه بدلاً من الطامة كما قيل تعسف، وبحيث لا تخفى الخ تعليل لرؤية كل أحد، وقوله: لكل راء إشارة إلى أنه كيعطي ووقوله: وقرئ وبرزت أي بالتخفيف، وقوله: فيه ضمير الجحيم بإسناد الرؤية لها محا بخلق الله ذلك فيها. قوله: (أو أنه خطاب للرسول الخ (أو لكل راء كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [سورة السجدة، الآية: 12] الآية وهذا هو معنى قول المصنف، أو لمن تر الكفار كما في بعض النسخ وفي بعضها أي التفسيرية أي تبريزها لمن تشاهده من الكفر المراد الوعيد والتهديد. قوله: (وجواب فإذا جاءت الخ) فيه تسمح والمراد جواب إذا على شرطية لا ظرفية وهو صحيح أيضاً، وقوله: دل عليه يوم يتذكر فالتقدير ظهرت إلا ونشرت الصحف ونحوه، وقوله: أو ما بعده من التفصيل يحتمل عطفه على قوله: يوم فيكون التفصيل دليل الجواب لا هو نفسه، وهو مقدر تقديره وقع ما لا يدخل تحت الوص! انقسم الناس قسمين ونحوه، وقوله: فإمّا الخ تفصيل للجواب المقدر وعطفه على محذوف فيكون التفصيل نفسه جواباً قيل: وفيه غموض وردّ بأنه لا غموض فيه لاستقا يقال: فإذا جاءت الخ فإنّ الطاغين مأواهم الجحيم، وغيرهم في النعيم المقيم وزيادة تضر بل تفيد المبالغة وتحقيق الترتب، والثبوت على كل تقدير كما قيل: والتفصيل للحا قوله: (حتى كفر) فالطغيان هنا غير الكفر لأنّ مقابله دليل على ذلك ولولاه حمل على يشمله، وقوله: واللام الخ هذه المسألة مما اختلف فيه أهل البلدين فقيل: إن أل تقو الضمير المضاف إليه إذا احتيج إليه للربط وهو محل الخلاف بينهم، وقيل: لا بد من العائد في مثله فالتقدير هنا فإن الجحيم هي المأوى له لأنه لا بدّ من الرابط في جوالص الشرط. قوله: (للعلم بأنّ صاحب المأوى الخ) تبع الزمخشري في التعليل، وخالفه في فإنه قال: ليس الألف واللام بدلاً من الإضافة ولكن لما علم أن الطاغي هو صاحب تركت الإضافة، ودخول التعريف لأنه معروف انتهى وقد اعترض عليه أبو حيان بأنه لا منه الربط والعائد على المبتدأ فإنه ردّ مذهب الكوفيين، ولم يقدر الضمير كما قدره البصر وكذا أورد على المصنف أنه لا دلالة فيما ذكره على مدعاه فإنه لو نكر المأوى كان العلم وليست اللام عهدية لعدم سبق الذكر وليس هذا كله بشيء فإنّ الزمخشريّ تبع البصريين في التقدير أي هي المأوى له، وما ذكر. تحقيق للقرينة الدالة على المقدر والمصنف تبع الكوفيين وما ذكره تحقيق لوجه الربط بها إذا كانت بدلاً عن الإضافة ولا مانع من العهد لأنه في حكم المذكور لأن تبريزها واظهارها لهم في معنى إنها مقرهم ومأواهم. قوله: (وهي) أي لفظ هي ضمير فصل لا محل له من الإعراب أو ضمير جهنم مبتدأ والكلام يدل على الحصرس لم يصرّح به لعلمه مما بعده لا لأنه جعل الطاغي أعمّ من الكافر والعاصي لأن قوله: حتى كفر قبله يأباه فلا يتعسف بأن المعنى حتى كفر بعضهم كما قيل. قوله: (مقامه بين يدي ربه) أوّله به لأنه تعالى منزة عن المكان والزمان وفيه وجوه أخر تقدمت في سورة الرحمن، وقوله: بالمبدأ الخ لأنه لو لم يقل بالمبدأ لم يقل إن له ربا حتى يخافه، ولو لم يقل بالمعاد لم يخفه أيضاً فالإضافة للملابسة والمقام محل لمن خاف أضيف لخالقه ومقيمه فيه. قوله: (لعلمه بأنه مرد) اسم فاعل من أرداه أي أهلكه، وقوله: ليس له سواها إشارة إلى الحصر المستفاد من ضمير الفصل أو تعريف الطرفين، وقوله: متى تفسير لإيان وارساؤها إشارة إلى أن المرسي مصدر ميمي، فإنه ورد زمانا ومكانا ومصدراً واسم مفعول، وقوله: أي إقامتها بيان لحقيقة الإرساء واثباتها عطف تفسير له أي إيجادها فإنه يقال: رسا بمعنى ثبت كما قاله الراغب: ومنه الجبال الرواسي فحاصله أنه سؤال عن زمان ثبوتها ووجودها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 على هذا التفسير ومرسي مصدر فيه. قوله: (أو منتهاها ومستقرّها) تف! سير لمنتهاها كما أن تستقرّ فيه تفسير لتنتهي إليه، وتقدير الاستفهام بمتى يقتضي أن المنتهى اسم زمان كما قيل: وتفسيره بمرسى السفينة يقتضي أنه اسم مكان فلذا قيل: إنه استعارة وت! مثيل بجعل اليوم ال! متباعد فيه كشخص سائر لا يدرك، ويوصل إليه ما لم يستقرّ في مكان فجعل وقت إدراكه مستقراً له فتأمل. قوله:) في أي ضيء أنت من أن تذكر وقتها لهم) فيم خبر مقدم وأنت مبتدأ مؤخر ومن ذكراها متعلق بما تعلق به الخبر والمعنى أنت في أيّ شيء من ذكراها أي لسمت من ذكراها لهم، وتبيين وقتها في شيء- فهو نفي لذكراها لهم ولتبيين وقتها معا، والاستفهام إنكاري أمّا إنكار ذكرها فلأنه لا فائدة فيه لأنه لا يزيد الكفرة إلا طغياناً وانكاراً وأمّا إنكار الآخر فلانه ليى له تعيين زمانها لأنه من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله ولا مانع من منعه عن ذكر القيامة لهم فإنه للإنذار، وهو لا ينفعهم ولذا قال: إنما أنت منذر من يخشاها فهو كقوله: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} [سورة الأعلى، الآية: 9] فلا اختلال في كلامه كما توهم، وليس آخر كلامه مخالفا لأوّله حتى يرد أن ظاهره المنع عن تعيين الوقت، وقوله: فإنّ ذكراها الخ يدل على أنّ الممنوع الذكر والتعيين معاً فتدبر. قوله:) مما استأثره الله نعالى بعلمه) ضمن استأثر معنى اختصه فلذا عدّى كما مرّ تحقيقه وفي بعض النسخ استأثر الله، وهي لا غبار عليها فسقط الاعتراض بان الثانية هي الصواب لقول الجوهري استأثر فلان بالشيء استبدّ به. قوله: (وقيل فيم إنكار لسؤالهم الخ) مرضه لمخالفته ما يتبادر من الكلام نالمعنى فيم سؤالهم أي في أمر عظيم لا ينبغي أن يسئل عنه فيوقف على هذا على قوله: فيم، ومعنى أنت من ذكراها أنت من مذكراتها وعلاماتها، وأشراطها جمع شرط بفتحتين بمعنى علامة، وقوله: فإنّ الخ بيان لكونه علامة لها ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " أنا النذير العريان " وفي قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [سورة المدثر، الآية: 11] إيماء لذلك على وجه الملاطفة والتمليح كما قاله الإمام السهيلي قدس الله روحه. قوله: (وقيل إنه متصل الخ) فجملة فيم الخ بدل من جملة يسألونك الخ أو هي بتقدير القول أي يسألونك عن زمان قيام الساعة، ويقولون لك: في أي مرتبة أنت من علمها أي ما مبلغ علمك فيها، وقول المصنف والجواب مبتدأ خبره قوله: إلى ربك منتهاها أو آخر مثله مقدر والمراد بالذكرى العلم، ووجه تمريضه ظاهر وروي عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على أنّ المراد التعجب من كثرة ذكره لها كأنه قيل في أيّ شغل من الاهتمام بذكرها والسؤال عنها كما في الكشاف ولم يذكره المصنف لضعفه ولأنّ قوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [سورة الأعراف، الآية: 187] ينافيه كما في الانتصاف. قوله: (إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها) بيان لحاصل المعنى لا لتقدير مضاف في الكلام، وإن جاز لكنه لا حاجة إليه، ثم إنّ المراد أنّ المعنى إنما أنت منذر للخاشي لا معين للوقت المغيب علمه حتى يلحوا في السؤال عنه، ولذا أردفه بقوله وهو لا يناسب الخ ويجوز أن يكون المعنى إنما أنت منذر الخاشي لا من لا يخشى والإضافة لا تمنعه كما قيل: إنّ من يخشى صلة منذر وليس من متعلق إنما في شيء ليجعل الجزء الأخير هو المقصور عليه حتى يقال: إنه مبني على قراءة التنوين وأي فرق بين القراءتين وظاهره أنه لا يصح أن يقال: إنما هو غلام زيد أي لا عمرو، ولا وجه له ثم إنه قيل: إنّ القصر إمّا من قصر الموصوف على الصفة أي ما أنت إلا منذر لا مبين للوقت وصلة المنذر لها مدخل في القصر أو من قصر الصفة على الموصوف كما في المفتاح أي ما أنت منذر إلا من يخشاها والإضافة لمجرّد التخفيف فلا تنافيه وفيه بحث. قوله: (وهو لا يخاسب تعيين الوقت الأن الإبهام أنسب بالإنذار، ولو عين وقته لقيل إنه بعيد والزمان محتمل للتلاقي ولو بعد سنين بخلاف ما إذا أبهم فانه يريد خوفهم لاحتمال مشارفة وقوعه ولا يتوهم حينئذ أن الخوف من قربها لا منها، وهو مناف لما ذكروه فتدبر، وقوله: وتخصيص الخ فكان إنذاو غير. كالعدم لا لأنه لم يقع. قوله: (والآعمال على الأصل) أي الأصل فيه بعد اعتبار العمل والمشابهة فاندفع الاعتراض عليه بأن الأصل في الأسماء الإضافة والأعمال عارض للشبه فإن إضافته للتخفيف من غير إفادة معنى وحقه العمل. قوله: (لأنه بمعنى الحال) لمقارنة قوله: يخشى، وهو لا ينافي أنه منذر في الماضي والمستقبل حتى يقال المناسب لحال الرسالة الاستمرار، ومثله: يجوز فيه الأعمال وعدمه كما مرّ تحقيقه في قوله: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة، الآية: 3] والحال حال الحكم لا حال التكلم فتأمل. قوله: (أو في القبور) قيل: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 أو فيهما، وقوله: ولذلك الخ يعني أنّ المعنى كما في الآية الأخرى لم يلبسوا إلا ساعة من نهار فكان أصل هذا لم يلبسوا إلا ساعة من نهار عشيته أو ضحاه فاختصر، وأفادت الإضافة ذلك لأنه لو قيل: الأعشية أوضحا احتمل أن يكونا من يومين استمر فيهما اللبث، وأن يراد بكل من العشية والضحا يوم على حدة بإطلاق الجزء على الكل فلما أضيف انتفى ذلك الاحتمال لأن العشية لا يتصوّر لها ضحا إلا بكونهما في يوم واحد. قوله: (عن النبي صلى الله عليه وسلم) هو حديث موضوع، وقوله: ممن حبسه الله الخ هو عبارة عن استقصار مدّة اللبث فيها لما يلقى من البشرى والتحية في البرزخ، والموقف تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه. سورة عبس وتسمى الصاخة ولا خلاف في كونها مكية وقيل آياتها أربعون. بسم الله الرحمن الرحبم قوله: (روي أنّ ابن أم مكتوم الخ (قد اختلف في اسمه فقيل: عبد الله وقيل: عمرو، وكذلك في اسم أبيه فقيل: قيس وقيل: شريح وأما أم مكتوم فأمه بلا كلام واسمها عاتكة، وغلط الزمخشريّ في جعلها في الكشاف جدته وهو قرشيّ من كبار الصحابة، ومن المهاجرين الأوّلين وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة في أكثر غزواته وموته بالقادسية شهيداً، وقيل: بل رجع منها إلى المدينة فمات بها، وهو الأعمى المذكور في هذه السورة بلا كلام، وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقوله: صناديد جمع صنديد وهو السيد الكبير، وقوله: يدعوهم الخ جملة مستأنفة أو حالية وقد سماهم غير المصنف إلا أنه لم يذكره الطبري وابن أبي حاتم فيما رواه ولذا تركه المصنف، وهم أبو جهل وعقبة بن ربيعة وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة، وابن أم مكتوم عمي بعد نور وقيل: ولد أعمى، ولذا لقبت أمه أم مكتوم، وقوله: ولم يعالم تشاغله الخ لأنه لو علم بذلك لم يقل ما قاله: وكان تشاغل النبيّ-يخييه وإقباله عليهم رجاء لإسلامهم واسلام كثير بسبب إسلامهم، وما ذكروه من أنه لشدة سمعه كان يعرف شدة اهتمامه بهم لا صحة له إذ مثله يدرك بالبصر ولا يليق بمثله لو علمه أن يكلم النبيّءلمج! هـ، وقوله: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه أي لما علمه من قدم صحبته وقرابته من خديجة وصهارته، وقوله: واستخلفه الخ أي كان يصلي بالناس إذا ذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم للغزو، قال ابن عبد البرّ: روى أهل العلم بالنسب والسير أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرّة، ثم استخلف أبا لبابة. تنبيه: ابن أم مكتوم مكي قرشي كما مرّ، وهاجر قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم للمدينة، وقيل: بعده ومن لم يدر هذا ظنه مدنياً وإن الصناديد المذكورين من أهل مكة لم يجتمع معهم ابن أم مكتوم كما قاله ابن العربي وهو خطأ كما في سيرة الشامي. قوله: (للمبالنة) يعني لا للتعدية وقوله: علة لتولي يعني به أنّ قبله لا ما مقدرة ولم يقل إنه منصوب للاختلاف فيه، وقوله على اختلاف المذهبين أي في إعمال أي الفعلين أولى في التنازع، وإن كان بحسب المعنى علة لهما معاً. قوله: (وقرئ " ن بهمزتين الخ) قراءة الجمهور بهمزة واحدة، وقراءة زيد وغيره بهمزتين بينهما ألف للفصل بينهما والاستفهام للإنكار، وقوله: الأن جاء. الخ فالجار متعلق بمقدر، وقوله: وذكر الأعمى الخ يعني به دفع ما يتوهم من أنه من كبار الصحابة وفي هذا تحقير له، أو أنه لإيذائه للنبيّ صلى الله عليه وسلم استحق التأديب واللوم فوصفه بذلك ليس لتحقيره بل لبيان عذره، وأذا كان معذورا لم يستحق ما ذكر، وقوله: بالقوم متعلق بمقدر تقديره وتشاغله بالقوم، وقوله: لزيادة الإنكار أصل الإنكار معلوم من وصفه بالعبس والتولي فإذا كان عن العاجز كان أشد وفي الالتفات أيضاً إنكار للمواجهة بالعتب فلا حاجة للاستعانة بالمقام والغيبة مع أنه قيل إن في الغيبة والخطاب إجلالاً له صلى الله عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره لأنه لا يصدر عنه مثله كما أن في الخطاب إيناسا بعد الإيحاس، واقبالاً بعد إعراض، وهو أولى عندي. قوله: (أي وأي شيء يجعلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 دارياً بحاله) هذا بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب، وفي الدر المصون أن الترجي أجرى مجرى الاستفهام في كونه للطلب فعلق به فعل الدراية بقوله: لعله الخ ساداً مسدّ مفعوله، والتقدير لا تدري ما هو مرجي منه من التزكية والتذكرة، وقيل: مفعوله مقدر أي ما يدريك أمره وعاقبة حاله ويطلعك عليه، وقوله: لعله الخ ابتداء كلام وفي كلام المصنف ميل لهذا. قوله: (لعله يتطهر من الآثام الخ) فالترجي راجع إلى ابن أم مكتوم لا إلى النبيّ سك! فإنه غير مناسب للسياق، وفيه إشارة إلى أنّ مجرّد رجاء مثله كاف في امتناع الإعراض والعبوس، ويتلقف ويتلقى متقاربان في المعنى كما مز. قوله: (ونيه إيماء بأنّ إعراضه الخ) ضمن الإيماء معنى الإشعار فعداه بالباء ولولا ذلك تعدى بإلى والإيماء المذكور بطريق التعريض كقولك لمن يقرر مسألة لمن لا يفهمها وعنده آخر قاً بل لفهمها لعل هذا يفهم ما تقرر فانه يدل على أنه قصد تفهيم غيره، ولش بأهل لما قصده فلا وجه لما قيل من أنّ الإيماء في غاية الخفاء هنا قيل، وجعله كناية عما ذكر لأنه مزكى من الآثام فالمقصود تزكية غيره، وازدياده مما ذكر وهو كلام حسن لم يفهمه من ردّه، ثم إنّ ما قبله تخلية وهذا تحلية، ولذا عطف بأو وقدم الأوّل عليه وفيه تأمّل. قوله: (وقيل الضمير في لعله للكافرا لا للأعمى والترجي من الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه المصنف والمراد بالكافر الجنس ولعل على الأوّل أفادت أنك ما طمعت في تزكي الأعمى فأعرضت عنه، ولولا ذلك ما أعرضت وعلى الثاني المعنى إنك طمعت من الكافر في التزكي فأقبلت عليه وما يدريك أنّ ما طمعت فيه كائن قيل، ومرض المصنف هذا لعدم ذكر الكافر ولأفراد الضمير والظاهر جمعه، وقوله: إنك طمعت الخ إشارة إلى أنّ الترجي من الرسول -لمجي! ر، وأنّ الفعل واقع على قوله: لعله الخ كما مرّ، وقوله: ما طمعت فيه كائن فالترجي على ظاهره لا أنه في المستحيل بمعنى المتمني كما توهم حتى يقال إنه كناية عن تحقق المطموع فيه ووجوده فتأمّلى. قوله: (وقرا عاصم بالنصسب جواباً للعل) بحملها على ليت أختها أو لإشمامها معنى التمني لبعد المرجو عن الحصول وهذا يؤيد كون الضمير للكافر كما مرّ ومذهب الكوفيين النصب في جواب الترجي، وعليه مشى المصنف رحمه الله. قوله: (تتعرض له بالإقبال عليه (فمآل معناه إلى أنه يقبل عليه وتقديم له للحصر أو للفاصلة لأنّ قوله: عنه تلهي يفيد ما ذكر فنفى عنه، وقوله: وقرئ تصدّى أي بصيغة المجهول، وقوله: تدعي إلى التصذي تفسير لقوله: تعرّض أي كأنه دعاه داع للتصدّي له من الحرص والتهالك على إسلامه، وتصدى يكون لازماً ومتعدياً والإدغام إدغام التاء في الصاد. قوله: (وليس عليك بأس الخ) هو محتمل للوجهين في ما من كونها نافية أو استفهامية فإن الاستفهام هنا إنكاريّ وهو نفي معنى، وقوله: حتى الخ إشارة إلى أنّ الممنوع عنه في الحقيقة الإعراض عمن أسلم لا الإقبال على غيره حرصاً على إسلامه، وقوله: إن عليك إلا البلاغ أي لا أن تزكيه وتطهره حقيقة فإنه لا يقدر عليه إلا الله وهذا كان قبل الأمر بالقتال لأنّ السورة مكية. قوله: (يسرع طالباً للخير) فيه إيماء إلى أنّ قوله أوّلاً استغنى يحتمل أن يكون بمعنى استغنى بكفره عن طلب ما يهديه فلا حاجة إلى القول بأنه من الاحتباك، وذكره للغنى أو لا يدل على الفقر في مقابله وذكر المجيء والخشية ثانيا يدل على ضدهما أوّلاً فإنه تكلف، وقوله: كبوة الطريق الإض افة على معنى في أي سقوطه في الطريق إذا عثر. قوله: (يقال لهى عنه والتهى) اللهو كل ما يشغل الإنسان عما يهمه ولهى عنه كرضى ورمى فلا وجه لتعيين الأوّلى هنا، وقوله: ولعل ذكر التصدي والتلهي الخ يعني ليس مجرّد الاشتغال بالغني والتلهي عن الفقير مما يعاتب على مثله فإنه ربما اقتضى الحال مثله، وأنما المعاتب عليه كونه عن صميم القلب وتصميم العزم كما يفيد. التخصيص فيه فإن نحو أنا عرفت يحتمل التخصيص والتقوّي، وإذا أريد التخصيص يقدر تقديم الفاعل المعنوي على عامله والقرينة على الاختصاص هنا إضمار حرف الإنكار قبل الضمير المؤذن بان الكلام في الفاعل دون الفعل، ولما بين لفظ أنت ومثل من الملازمة جعل أنت كناية عن المثل في قوله: مثلك خصوصا لا ينبغي له أن يتصدى للغني، ويتلهى عن الفقير كما في الكشاف وشروحه إلا أنّ اشتغال قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله لا ينبغي ذكره لأنّ مقامه أعلى من ذلك لكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 إسناده لمثله دونه مما يحققه وكونه لحرصه على إسلامه، وتبعية غير. له يهونه ولو لم يذكر. كان أحسن فإن فيه ترك أدب لذكر ما لا يليق بمقام النبوّة. قوله: (ردع عن المعا-لب عليه) إذا كان نزول الآية في أثنائه وقوله: أو عن معاودة مثله إذا كان بعد انقضائه ووقع في نسخة عطفه بالواو، والمعنى عليها أنه في الأثناء فيزجر عنه وعن معاودته معاً وهذه موافقة لما في الكشاف، ومن قال إنّ العطف تفسيري حينئذ فقد وهم. قوله تعالى: ( {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} ) نقل عن جار الله أنه استطراد وليس باعتراض لأنه يكون بالواو وبدونها، وأمّ بالفاء فلا، وقال في الكشف: إنه ليس بثبت لأنه ينافي قوله في النحل إنّ قوله: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سووة النحل، الآية: 43] من الاعتراض وقد صرّح به النحاة كما ذكره ابن مالك في متن التسهيل من غير نقل اختلاف فيه، وقال السعد في التلويح الاعتراض يكون بالواو والفاء: واعلم فعلم المرء ينفعه فتلطف في إشارته للردّ على من أنكره لكنه محل كلام بعد فليحرر. قوله: (حفظه) على أنه من الذكر خلاف النسيان، أو أتعظ على أنه بمعنى التذكير وهو الوعظ، وقوله: والضميران يعني في أنها وذكره وكون عتابه على ما ذكر عظة لأنه مع عظمة شأنه، ومنزلته عند الله إذا عوتب على مثله فما بالك بغيره وعلى اتحاد الضميرين فلا بد من تأويل أحدهما والمصنف اختار تأويل الأوّل وغيره الثاني فقيل: إنه للآيات أو السورة أو المعاتبة والتذكير لكونه قرآناً، وعتاباً أو لأنّ المصدر في تأويل أن والفعل ورجح هذا بعدم ارتكاب التأويل قبل الاحتياج إليه، وقيل: الضمير الثاني للتذكرة لأنها بمعنى الذكر والوعظ لا لمرجع الضمير الأوّل، وأمّا كون الضمير لدعوة الإسلام فما ياباه المقام. قوله: (مثبتة فيها) فمتعلقه خاص والصحف، إما الصحف المنزلة على الأنبياء أو التي مع الملائكة منقولة من اللوح المحفوظ، وأمّا كونها عبارة عن اللوح نفسه فغير ظاهر وكذا كونها صحف المسلمين على أنه إخبار بالغيب فإنّ القرآن بمكة لم يكن في الصحف ومثله يحتاج إلى نقل، وقوله: منزهة عن أيدي الشياطين هو مأخوذ من مقابلته بقوله: بايدي سفرة فإنه يفيد القصر وهو بالنسبة إلى الثاطين، وليس بحقيقيّ كما أشير إليه في شروح الكشاف. قوله: (كتبة الخ) فسره به لأنه جمع سافر بمعنى كاتب في الأسفار كما ذكره أهل اللغة، وقوله: أو الأنبياء معطوف على الملائكة أو كتبة، ولا يخفى أنه غير مناسب لكون المراد القرآن ونبينا صلى الله عليه وسلم لم يكتبه ولم يقرأ من الصحف فإنّ من معجزاته صلى الله عليه وسلم كونه أمّياً، ولذا لم يذكره الزمخشري؟ وقال: وقيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: ينتسخون الكتب من اللوح إذا كانت السفرة كتب الملائكة وما بعده على ما بعده ففيه لف ونشر مرتب. قوله: (أو سفراء) عطف على كتبة جمع سفير كفقيه وفقهاء، وهذا على أنه جمع سافر بمعنى سفير أي رسول وواسطة، وقوله: بين الله تعالى ورسله على أنّ المراد الملائكة، وقوله: أو الأمة على أنّ المراد الأنبياء فهو ناظر لما قدمه، وقوله: من السفر أو السفارة لف ونشر مرتب على التفسيرين فالسفر كالضرب مصدر بمعشى الكتابة والسفارة بكسر السين وفتحها مصدر كالكتابة والكفالة بمعنى التوسط للإصلاج وهذا بناء على المشهور فلا ينافي ما في القاموس من جعل السفر بمعنى السفارة أيضا. قوله،: (والتركيب للكشف) يعني واضع اللغة وضع هذه المادّة بجميع تراكيبها للكشف، وقوله: كشفت وجهها ويقال: بمعناه كشفت عن وجهها وأصله كشفت القناع عن وجهها وهو الأفصح المعروف في الاستعمال وكتب اللغة، ولذا قيل: على المصنف إنه تسمح في تعبيره وإن كان المخطئ له فيه مخطئا. قوله: (أعزاء على الله) أي مكرمون معظمون عنده فهو من الكرامة بمعنى التوقير، وقوله: أو متعطفين على المؤمنين يكملونهم لأنهم وسايط في الوحي وتبليغ الشرائع والإلهام ونحوه فإن فسر بالأنبياء فهو ظاهر وعلى هذا فهو من الكرم ضد اللؤم، وقيل: إنه من قولهم لشجر العنب كرماً لتعطفه وهو معنى برأسه وهو تعسف بارد. قوله: (برؤ أتقياء (بررة جمع بر لا غير وأبرار يكون جمع بر كرب وأرباب وجمع بار كصاحب وأصحاب وإن منعه بعض النحاة لعدم اطراده واختص الجمع الأوّل بالملائكة والثاني بالآدميين في القرآن، ولسان الشارع فقال الراغب لأنّ الأوّل أبلغ لأنه جمع بر بخلاف الثاني فإنه جمع بار وليس كما قال: لما سمعت وللسيوطي فيه كلام مختل في الإتقان فإنه قال في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 الصحاح قال الفراء لا يقولون فعلة إلا والواحد فاعل ككافر، وكفره فنقله في الإتقان، ثم قال: ورد البارّ والأبرار في صفة الآدميين وبر وبررة في صفة الملائكة، ووجهه الراغب بأق الثاني أبلغ لأنه جمع بار وهو أبلغ من بر فقوله: بار أبلغ وهم وغره زيادة بنيته وهو مقيد باتحاد النوع فتدبر، وقيل في توجيهه إنّ صفات الكمال في بني آدم تكون كاملة وناقصة فوصفوا بالأبرار وهو جمع بر على الأصح عند النحاة إشارة إلى مدحهم بأكمل الأوصاف، وأما الملائكة فصفات الكمال فيهم لا تكون ناقصة فوصفوا بالبررة الذي هو جمع بر على الأصح الأفصح لأنه يدل على أصل الوصف بقطع النظر عن المبالغة فيه لعدم احتياجهم لذلك واشارة لفضيلة البشر لما في كونهم أبرارا من المجاهدة، وعصيان الجبلة فتدبر. قوله: (دعاء عليه) الدعاء هو معنى قتل الإنسان، والتعجب معنى ما أكفره، وقوله: وهو أي قوله: قتل الإنسان ما أكفره كلام في غاية الإيجاز لقلة لفظه وكثرة معناه. قوله: (يدل (أي هذا الكلام بجملته يدل بصدوره عن الله على غضبه العظيم، وهو معنى قوله: قتل الإنسان لأنه تعالى لا يتصوّر منه الدعاء فأريد به لازمه، وهو ما ذكر وقوله: ذم بليغ أي في غاية المبالغة، وهو معنى قوله: ما أكفره لأنّ التعجب أيضا لا يكون من الله كما مرّ فيكون تعجيبا لكل سامع فيدل على مبالغة في الكفران يتعجب منها كل واقف عليها، ولم يسمع هذا قبل نزول القرآن وما نسب إلى امرئ القيس من قوله: يتمنى المرءفي الصيف الشتاء فإذا جاء الشتا أنكره فهولايرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره لا أصل له ومن يعرف كلام العرب يعلم أنه من كلام المولدين دون الجاهلي، واعلم أنّ العلامة روّح الله روحه قال في هذه الآية إنه لا يرى أسلوبا أغلظ منه ولا أخثن مساو لا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للأئمة على قصر متنبه منه ولم يبينوا وجهه إلا أنّ الإمام قال: قتل الإنسان يدل على استحقاق أعظم أنواع العقاب عرفا، وقوله: ما أكفر. تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعاً وأوردد في الكشف، وغيره من الشروح بلا زيادة عليه وعلل بأنّ الدعاء ليس على حقيقته لامتناً عه منه تعالى لأنّ منشأه العجز فالمراد به إظهار السخط باعتبار جزئه الأوّل وشدة الذم باعتبار جزئه الثاني فتأمل. قوله: (بيان لما أنعم عليه الخ) يعني لما بالغ في وصفه بكفران نعم خالقه شرع في بيان ما أنعم به عليه، وقوله: خصوصاً قيد للمنعم عليه أي هو بيان للنعم التي اختص بها الإنسان من بين خلقه لأنه مختص بمجموعها والاختصاص إضافي إن أريد جنس الإنسان لأنه بالنسبة لغيره من أنواع الحيوان كما سنبينه. قوله: (والاستفهام للتحقير) وذكر الجواب لا يقتضي أنه حقيقي كما توهم لأنّ المراد بالجواب ما هو على صورة الجواب لأنه بدل من قوله من أي شيء خلقه، ولو قيل: إنه للتقرير، والتحقير من شيء المنكر كان له وجه وقوله: من مبدأ الخ من ابتدائية متعلقة بقوله: بيان، ومقابله قوله: إلى أن أتم خلقه وأنما أخره لأنه متعلق بقوله: فقدّره أطوارا أيضاً أو مقابله مقدّر بقرينة ما بعده، وقوله: ولذلك أي لكون المقصود منه التحقير أجاب بقوله: من نطفة الخ فانها حقيرة قدرة. قوله: (فهياه لما يصلح له الخ) دفع لما يخطر بالبال من أنّ الخلق بمعنى التقدير أو يتضمنه وعلى كل تقدير فعطفه بالفاء غير ظاهر بأنّ التقدير المذكور بمعنى التسوية، والمذكور هنا بمعنى التهيئة لما يصلح له أو هو تفصيل لما أجمل أوّلاً في قوله: أي شيء خلقه، والفاء تفصيلية لأنّ التفصيل يعقب الإجمال واليه أشار بقوله: أو فقدّره الخ. قوله: (ثم سهل مخرجه) فالسبيل محل خروجه من البطن، وقوله: فوهة الرحم بضم الفاء وفتح الواو المشدّدة أو بسكونها مخففة بمعنى فمه، وقوله: ألهمه أي ألهم الجنين حيث كانت رأسه من جهة العلو فإذا جاء وقت خروجه نكسها لأسفل ليسهل خروجه على ما بينه أهل الخبرة بذلك. قوله: (أو ذلل له سبيل الخير الخ) أي سهل له الطريق الذي يريد سلوكه من طريقي الخير والشرّ بأن أقدره عليه ومكنه منه والاقتدار على المراد نعمة ظاهرة بقطع النظر عن خيريته وشرّيته فلا يرد عليه أنه كيف يعد تسهيل طريق الشرّ من الئعم، وقيل: إنه عد من النعم لأنه لو لم يكن مذللاً كسبيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 الخير لم يستحق المدح أو الثواب بتركه فتأمّل. قوله: (للمبالغة في التيسير) يسبب التكرير الدال على ذلك فالضمير للسبيل، وقوله: وتعريفه أي السبيل باللام دون أن يقول سبيله بإضافته لضمير الإنسان كما هو الظاهر إذ أربد مخرجه وكذا إذا أريد سبيل الخير والشرّ فإنه سبيله أيضاً لأنه لو قيل سبيله أوهم أنه على التوزيع وأنّ لكل إنسان سبيلاَ يخصه، وهذا جار على التوجيهين كما يشير إليه قوله وفيه على المعنى الأخير فلا وجه للقول بأنه مخصوص بالثاني، وقوله: والمقصد غيرها وهو الآخرة لأنّ السبيل عبارة عن الدنيا وهي ممر والمقرّ الآخرة، وقوله: ولذلك أي لكون المقصد غيرها عقب السبيل بالإماتة إشارة إلى أنها ليست مقرّا لأحد لعدم البقاء فيها والموت هو الوصلة لذلك المقصد فلذا عد من النعم على الوجهين أيضا. قوله: (وعد الإماتة الخ) وخصصت هذه النعم بالذكر لما فيها من ذكر أحوال الإنسان من ابتدائه إلى انتهائه وما تتضمن من النعم التي هي محض فضل من الله لأنه حقير مهين خرح من مخرح البول مرتين وتكوّن من نطفة قدرة، ثم صار وعاء للعذرة، ثم صار جيفة إكرامها دفنها فإذا تأمّل ذلك العإقل علم قبح الكفر، وكفران نعم الرب سبحانه وتعالى، وقوله: في الجملة إشارة إلى أنّ ذلك هو الأء ل، ومقتضى الفطرة واظ اختص بالبعض كالمؤمنين. قوله: (والأمر بالقبر) أي وضع الإنسان في قبره وفيه إشارة إلى ما حققه أهل اللغة من أنّ معنى أقبر الميت أمر غيره بأن يجعله في قبره وقبره بمعنى دفنه في قبره، وفي قوله: تكرمة الخ إشارة إلى وجه مشروعيته، ودفن غيره من الجوانات بعد الموت غير مثروع بلا خلاف كما هو مدلول النظم فهو مباح لا مكروه، ولم يتعرض له الفقهاء فليحرر. قوله: (وفي إذا شاء إشعار الخ) وجه الإشعار لا كلام فيه وتخصيص النشور به دون الإماتة والإقبار لأنّ وقتهما معين إجمالاً على ما هو المعهود في الأعمال الطبيعية، وقيل: إنا نجزم بان أحدا من أبناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا، وليس لأحد مثل هذا الجزم في النشور. قوله: (وع للإنسان عما هو عليه) من كفران النعم المتناهي وانكاره لخالقه لكفره، وقوله: لم يقض بعد إشارة إلى أنّ لما نافية جازمة وأنّ نفيها غير منقطع والابتداء والانتهاء من نفي الماضي وعموم الإنسان وما قيل من أن المراد لم يقض من أوّل زمان تكليفه إلى زمان إماتته ما أمره به تعسف لا وجه له، وحمل لما يقض على رفع الإيجاب الكلي المساوي للسلب الجزئي دون السلب الكلي لعدم صحته فتأمّل. قوله: (اتباع للنعم الذاتية) المراد بالذاتي ما يتعلق بذاته من الذات نفسها، ولوازمها والخارجي ما يقابله فسقط ما قبل التيسير للخروج والإماتة والإقبار ليس بذأتي، وقيل: هذا تعداد للنعم المتعلقة ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه ولا يخفى ما فيه. قوله: (استئناف مبين الخ) كأنه لما أمر بالنظر إلى ما رزقه الله من أنواع المأكولات قيل كيف أحدث ذلك وأوجده بعد أن لم يكن، وقوله: على البدل منه لأن هذه الأشياء تشتمل على تكون الطعام وحدوثه، إذ المراد لينظر الإنسان إلى صبنا الماء من السماء وضقنا الأرض لإخراج النباتات المختلفة نها وايجاده أي الطعام فالعائد مقدر، وقيل: إنه بدل كل على الادّعاء وهو تكلف بعيد والقراءة بالفتح وصلا ووقفاً وفتح روش! في الوصل وكسر في الابتداء. قوله: (أي بالنبات) أي بسبب النبات فإنه يشق الأرض بخروجه منها وهذا هو المناسب لقوله: فانبتنا الخ قيل، ويحتمل أنّ المراد شقها بالعيون على أن المراد بصب الماء أمطار المطر وبهذا إجراء الأنهار ولا يخفى أن السياق يأباه مع تكلفه، وقوله: بالكراب بكسر الكاف مصدر كربت الأرض إذا قلبتها للحرث، وهو إمّا تمثيل أو المراد ما يشمل الحفر للغرس فلا يرد عليه أن الكراب لا يلائم ما بعده من التخيل والكروم والشجر كما قيل. قوله: (وأسند) أي إلله سبحانه وتعالى الشق إلى نفسه بقوله: شققنا مجازا من الإسناد إلى السبب على الوجه الثاني دون الأوّل وقد تبع فيه الزمخشري، وقد ردّه في الانتصاف بأنه تعالى موجد الأشياء، وخالقها فالإسناد إليه حقيقة وأنما ذكره الزمخشري اعتزالاً فإن أفعال العباد مخلوقة لهم عنده فلا ينبغي للمصنف أن يتابعه فيه، ورده المدقق في الكشف بأنه لشى مبنيا على ما ذكر بل لأن الفعل إنما يسند حقيقة لمن قام به لا لمن أوجده بدليل قوله: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [سورة الرعد، الآية: 2 ا] ولذا اشتق منه اسم الفاعل وهذا مما لا شبهة فيه فالاعتراض عليه ناشئ من قلة التدبر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 وما قيل من أنّ الشق يكون بمعنى الإيجاد والأحداث، وبمعنى الهيئة الحاصلة به ولا مرية في أن محدث تلك الهيئة في الأرض هو الله تعالى دون العبد فلا مانع من قيام الشق به كالإحياء والإماتة، وجعل الإسناد له حقيقياً، وأمّا القياس على الخوف والطمع فغير سديد لأنه من الكيفيات النفسانية التي يستحيل قيامها بذاته تعالى غير سديد لما عرفته من اتفاق المحققين على أن الأفعال إنما تسند في اللغة لمن قامت به لا لمن أوجدها، والإحداث المذكور قائم بالعبد وأثره بالأرض فكيف يسند إلى الله حقيقة، وما ذكره مناقشة في المثال وهو لا ينحصر فيه. قوله: (يعني الرطبة) هي بفتح فسكون القضب ما دام رطبا كما في الصحاح عن أبي عبيد، وفي المصباح الرطبة القضبة خاصة قبل أن تج! وجمعه رطاب وبعضهم يقوله: رطبة بزنة غرفة الخلي، وهو الغض من الكلا الذي ترعاه الحيوانات، وفي كتب الفقه في العشر استعمال الرطبة بمعنى البقول كالكراث ونحوه، قال شيخنا المقدسي: ولم أجده في اللغة، وقوله: تقضب أي تقطع وتجز وأصولها ثابتة في الأرض. قوله: (عظاماً) المراد بعظمها عظم أشجارها وكثرتها وأصل الغلب جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة توصف به الرقبة نفسها وصاحبها فيقال عنق أغلب ورجل أغلب لكن الأوّل هو الأغلب، والظاهر أن الثاني مجاز من وصف الكل بصفة جزئه، وقوله: وكثرة أشجارها عطف على تكاثفها عطفاً تفسيريا والمراد أنه استعارة معنوية شبه تكاثف الأوراق وعروقها بغلظ الأوداج وانتفاخ الأعصاب مع اندماج بعضها في بعض بغلظ الرقبة فلا يردان الغلظ في الأشجار أقوى لأنّ الأمر بالعكس نظرا إلى الاندماج، وتقوي البعض بالبعض حتى صارت شيئاً واحداً، كذا حققه في الكشف وهو الذي أراده المصنف بقوله: وصف به الخ وقوله: أو لأنها ذات أشجار غلاظ الخ فهو مجاز مرسل كالمرسن بمعنى الغليظ الشفة مطلقا وفيه تجوّز في الإسناد أيضا لأنّ الحدائق نفسها ليست غليظة بل الغليظ أشجارها، وقوله: مستعار أراد به الاستعارة اللغوية، وهو أعم من الاصطلاحية، وقيل: إن الاستعارة فيه مكنية. قوله: (ومرعى) بمعنى الرعي والمأكول لا اسم مكان كما توهم وإن كان مقصودا، وأب المشدد بمعنى قصد أو هيأ فسمى به المرعى، وقوله: تؤب للشتاء أي تدخر. تهيأ للتفكه بها فعطفه على الفاكهة لأنه أريد بها الرطبة بقرينة المقابلة، وقوله: فإن الأنواع الخ يعني أنه تعليل للمجموع فإنّ بعضها للناس، وبعضها للبهائم فيوزع وينزل كل على مقتضاه والعلف بفتحتين قوت الحيوان. قوله: (وصفت بها مجارّا) هذا بناء على أن صخ بمعنى أصاخ أي استمع فجعلت مستمعة مجازاً في الطرف أو الإسناد وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل لهما، وقال الراغب: الصخ شذة صوت ذي النطق فعلى هذا هي بمعنى الصائخة مجازاً أيضا وقيل الصاخة: التي تؤثر الصمم وهي مستمعة وهو من بديع الفصاحة كقوله: أصم بك الناعي وإن كان اسمعا وقوله: أصمهم سيرهم أياهم فرقتهم فهل سمعتم بسيريورث ا! فتدبره وجواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده كيشتغل كل بنفسه ونحوه مما يناسب ما بعده، أو افترق الناس وقد مرّ في النازعات مثله فتذكره. قوله: (لاشتفاله بشأنه الخ) يعني الإقبال عليهم إما للنفع أو للانتفاع وكلاهما منتف لاشتغاله بنفسه عن نفع غير. وعلمه بعدم نفعه فلذا يفر فالمجموع علة واحدة لا كل منهما كما توهمه عبارة الزمخشري، وقوله: أو للحذر الخ هو غير مناسب لما بعده. قوله: (وتأخير الأحب الخ) فهو للترقي لا للتنزل، والظاهر أنه لم يقصد ذلك لأنّ فيما ذكره نظرا لا يخفى مع اختلاف الناس، والطباع فيه وذكر المرء تغليبا أو لأنه يعلم منه المرأة بطريق المقايسة، وقوله: من أبويه قيل: لأنه جعل الأب معطوفا على الأمّ ثم عطف المجموع على الأخ لعدم ظهور كون الأب أحب إليه من الأمّ وفيه نظر ظاهر أيضا، وكذا قوله: بل من صاحبته، وبنيه اعتبر العطف للمجموع ولا يخفى تكلفه. قوله: (لكل امرئ الخ) قيل إنه جواب إذا وتركت الفاء لتقدير. مضارعا أو ماضياً بدون قد وهو تكلف، وقوله: وقرئ يعنيه أي بفتح الياء التحتية والعين المهملة، وقوله: من أسفار الصبح أي إشراقه، وقوله: مستبشرة أي مسرورة من بشر بمعنى سرّ وقوله: كدورة أي تغير في اللون، والغبار على الوجه الأسود أشنع، وقوله: الذين جمعوا الخ يعني أنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 لم يعطف لقصد اجتماع الوصفين في موصوف واحد ولجمع الصفتين القبيحتين أظهر على الوجوه ما ذكر وقوله من قرأ الخ حديث موضوع. تمت السووة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اكه وصحبه. سورة التكوير ويقال {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ولا خلاف في كونها مكية وإمّا آياتها فثمان أو تسع وعشرون على قول فيها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (لفت من كورت العمامة الخ) يعني أنه مجاز عن رفعها أي إزالتها من مكانها، وقوله: لأنّ الثوب الخ بيان لعلاقة اللزوم فيه والمانع من حمله على الحقيقة كونها من الأجرام التي لا تلف كالثياب، وأمّا كونه كريا غير منبسط فأهل الشرع لا يثبتونه فلا وجه له كما أنه لا وجه لما قيل من أنه لا مانع من حمله على حقيقته. قوله: (أو لف ضوؤها) عطف على قوله: رفعت، وهذا إمّا على أنّ الشمس مجاز عن الضوء فإنه شائع في العرف أو هو بتقدير مضاف، ويجوز أن يجعل من التجوّز في الإسناد، وقوله: فذهب انبساطه فلف الضوء مجاز عن ذهابه كما مرّ إمّا للزومه له فإنّ الثوب إذا أريد رفعه لف أو على الاستعارة التبعية بتشبيهه بالجواهر والأمور النفيسة التي إذا رفعت لفت في ثوب فلا وجه لادعاء تعذر الاستعارة هنا كما في الكشف وقد جوز فيها أن تكون مكنية أيضا، ولم يذكر المصمنف رحمه الله تعالى ما في الكشاف على هذا من جعل لف ضوئها عباوة عن إزالتها لأنها ما دامت باقية فضياؤها منبسط لأنّ مآله لغيره من الوجوه فيكون قليل المفاد لا لأنّ الله قادر على أن يطمس نورها مع بقائها كما قيل فإن مراده اللزوم العادي لا العقلي حتى يرد عليه بما لا ينكره عاقل. قوله: (أو ألقيت عن فلكها) عطف على لفت، وهو على هذا استعارة أو مجاز مرسل أو مكنى كما مر، ومعنى كون المطعون مجتمعاً ضم يديه ورجليه كما يشاهد فيمن ضرب بشدة أو طعن وقوله، والتركيب أي هذه الحروف والمادّة في جميع معانيها لا تخرج عن هذين المعنيين، وقوله: وارتفاع الشمس الخ هذا ليس بواجب بالاتفاق، ووجه الأولوية ما ذكر، وقيل: الأولى كونه مبتدا لأنّ التقدير على خلاف الأصل. قوله: (انقضت) بالقاف بمعنى سقطت ونزلت ومنه انكدار الصقر إذا نزل بسرعة على ما يأخذ. كما ذب الشعر المذكور، وهو من الكدر ضدّ الصفاء والكدرة في اللون، والكدورة في الماء والعيش كما قاله الراغب: وما ذكره من أرجوزة للعجاج مدح بها عمر بن معمر التميمي، ومنها: إذا الكرام ابتدروا الباع بدر تقضي البازي إذا البازي كسر داني جناحيه من الطود فمر أبصرخربان فضاء فانكدر يصفه بالكرم وانه لحرصه على السبق للمكارم يسرع إليها إسراع بازر أي صيدا فانقض عليه وابتدروا بمعنى بادروا، والباع الذراع وقد رمد اليدين وهو مجاز هنا عن الإحسان كما يسمى يداً، وهو منصوب بنزع الخافض وكسر بمعنى ضم جناحيه للنزول، والطود الجبل وخربان بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة والباء الموحدة جمع خرب بفتحتين، وهو ذكر الحبارى وهي طائر معروف وفي الشعر هنا مبالغة بديعة ليس هذا محلها، والنجوم لا تشمل الشمس حتى يكون تعميماً بعد تخصيص كما قيل. قوله: (أو أظلمت من كدرت الماء الخ) يعني أنه استعارة فشبه ذهاب ضوئها بتكدير الماء المذهب لصفائه ورونق منظره، وقوله: عن وجه الأرض متعلق بسيرت لأنه بمعنى أزيلت على الاستعارة أو المجاز المرسل أيضا وقوله: أو في الجو وهو ما بين الأرض والسماء فتسييرها رفعها أو نسفها كقوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [سورة النمل، الآية: 88] . قوله: (النوق الخ (أي قرب وضمع حملها وقوله: جمع عشراء كنفساء يجمع على نفاس ولا نظير لهما، وقوله: تركت مهملة أي لا راعي لها ولا طالب لها وهو إمّا بعد البعث، أو قبيل قيام الساعة حيث لا يلتفت أحد إلى ما كان عنده وخص العشار لأنها أنفس أموالهم، وقوله: أو السحائب فهو استعارة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 بتشبيه السحابة المتوقع مطرها بالناقة العشراء القريب وضع حملها وهي استعارة لطيفة مع المناسبة التامّة بينه وبين ما قبله فإن السحب تنعقد على رؤوس الجبال، وترى عندها ولا ينافيه كونه مناسباً لما بعده على الأوّل فإنه معنى حقيقي مرجح بنفسه وتعطيلها على هذا مجاز أيضاً بمعنى عدم ارتقاب مطرها لأنهم في شغل عنه. قوله: (وقرئ بالتخفيف الم يذكر كونه مجهولاً أو معلوما وظاهره إنه مجهول كالقراءة المشهورة، وكذا هو مصرح به عن بعضهم إلا أن المعرب نقل عن الرازي في اللوامح إنه غلط، وأنما هو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت لأنّ تشديده للتعدية يقال: عطلت الشيء وأعطلته فعطل، وهذه القراءة مروية عن ابن كثير ولم يذكرها في النشر فكأنها لم تصح عنده، ثم إنه أجيب عما ذكر بأنه إذا صحت الرواية بالأول فيحتمل أنه ورد متعديا على أنّ فعلت بمعنى أفعلت أو هو على الحذف والإيصال كما قيل فليحرّر. قوله: (جمعت) فالحشر بمعناه اللغوي، وهو جمعها وليس هذا الجمع للحشر كما قيل لأنه يكون مع ما بعده مكررا بل هو قبيل النفخة الأولى حين تخرج نار تفر الناس والأنعام منها حتى تجتمع. قوله: (أو بعثت للقصاص الأنه صح في الحديث أنّ الوحوس والطيور وسائر الحيوان تبعث، ويقتص لبعضها من بعض ولها من غيرها ثم تعود ترابا كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: يبقى منها ما يسرّ به الناس كالطيور المؤنسة المألوفة. قوله: (أو أميتت (هذا بناء على القول بأنها لا تحشر فإنها تفنى وهذا كناية عن العدل التامّ وأجحفت بتقديم الجيم على الحاء يعنى استأصلتهم، وأهلكتهم لا بمعنى أفقرتهم كما ترهم وتشديد حشرت للتكثير، وقوله: أحميت أي غاضت مياهها وظهرت النار في مكانها، ولذا ورد أنّ البحر غطاء جهنم، وقوله: بتفجير الخ أي تتصل وتصير بحرا واحدا، وقوله: من سجر التنور هو على الوجهين ولبعض المتأخرين هنا كلام رأينا تركه أهتم من تسويد وجه الصحف به. قوله: (قرنت بالآبدان الخ) على أن التزوي! بصعنى جعل الشيء زوجا أي مقارنا والنفوس على الأوّل بمعنى الأرواح وعلى ما بعده بمعنى الذوات، وقوله: ونفوس الكافرين الخ هذا في جهنم، وقوله: أو كل عطف على المستتر في قرنت للفصل، وقوله: بشكلها هو في الموقف فالأنبياء مع الأنبياء والأولياء مع الأولياء وهكذا. قوله: (لئد البنات) كتعد أي تقتلها بالدفن، وقوله: أو لحوق العار بالحاء المهملة والقاف مصدر لحق وما في بعض النسخ من ضبطه بلام جارة للخوف ضد إلا من تحريف لاحتياجه لتكلف بتقدير ما لا قرينة عليه، ولحوق العار بوطء الرجال لهن وهو من جهل الجاهلية والوأد القتل، وقيل: إنه مقلوب من آده بمعنى أثقله لأنها تثقل بالتراب، وهو قول لبعض أهل اللغة كما في درر المرتضى فلا وجه للاعتراض عليه بأنه ادعاء للقلب من غير داع له. قوله: (تبكيتاً لوائدها) التبكيت التوبيخ وأنما أوّله لأنه لا ذنب لها حتى تسأل عنه فكان الظاهر سؤال قاتلها لا لأنها صغيرة فإنها تحشر عاقلة وادّعا أنّ الأصل سئل عنها تكفف، والتبكيت قرره الطيبي بأن المجني عليه إذا سئل بمحضر الجاني ونسبت له الجناية دون الجاتي بعث ذلك الجاني على التفكر في حاله وحال المجني عليه فيرى براء ساحته، وانه هو المستحق للعقاب والعذاب وهذا استدراج على طريق التعريض، وهو أبلغ ص التصريح والمراد بالاستدراح سلوك طريق توصل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له حتى يبين من صدر عنه ذلك كما سئل عيسى دون الكفرة، وهو فن من البديع بديع. قوله (وقرئ سألت أي خاصمت) وسألت من الله أو من القاتل لها، وقوله: على الأخبار عنها على القراءتين فإنه لو لم يخبر عنها لقيل على القراءة الأولى قتلت بكسر التاء وعلى الثانية قتلت بضمها، وفي الكشاف نقلا عن ابن عباس أنّ هذه الآية دليل على أنّ أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بالذنب وإذا بكت الله الكافر ببراءة الموؤودة م! الذنب فما أقبح به وهو اك ي لا يظلم مثقال ذرة أن يكرّ عليها بعد هذا التبكيت ليفعل بها ما ينسى عنده فعل المبكت من العذاب الشديد السرمد انتهى، قيل: وهو استدلال بدلالة النص كدلالة منع التأفيف على منع الشتم، ونحوه وليس مبنيا على التحسين والتقبيح كما توهم وأجيب بمنع الدلالة لأنه لا يقابل حال الخالق بحال المخلوق، ولا يستقبح منه ما يستقبح منهم كما أنّ الذمي المخلد في النار يستحق قاتله الذم والعقاب، وفي الكشف بعد تسليم قاعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 التحسين والتقبيح فإشارة الآية إلى أن باعثهم على القتل لم يكن الذنب لا إلى أنّ الذنب أعنى ما تستحق به الموؤودة التعذيب معدوم من كل وجه، وفيه أنها غير مكلفة فكيف يكتب عليها الذنب انتهى، وفيه خلل من وجوه إمّا كونه مبنياً على التحسين والتقبيح فمما لا شبهة فيه وكيف ينكره ودلالة النص متفزعة على ذلك وجوابه مصرّح بذلك والمنع مبني عليه كما صرّح به في الكشف وأيضا فإن ما أورده على صاحب الكشف غير وأرد لأنه مصرج بأن المراد ما يستحق به العذاب، ولو بغير طريق التكليف، وهو إلزام لهم على مذهبهم والصحيح في الجواب عنه ما قيل إنّ تعذيب بني آدم أخذا من حقه في الدنيا، إنما يستحق بذنبه على الوجه الذي شرع فحين لم يكن للموؤودة ذنب يجوز أن يخاصم قاتلها فإمّا تعذيب الله فليس كذلد فيجوز أن يعذبهم تبعاً انتهى. قوله: (فرقت بين أصحابها) والمفرق صحف الأعمال، أصحف أخرى فيها شقيّ أو سعيد ونحوه كما روي في بعض الآثار إذا كان يوم القيامة تطاير! صحف من تحت العرش فيقع في يد المؤمن صحيفة فيها جنة عالية، وفي يد الكافر صحيفه فيها سموم وحميم، وقوله: للمبالغة في النشر بمعنييه، وهو ما يقابل الطيّ أو الجمع والتطا- التفرق، وهذا مخصوص بالمعنى الثاني وقوله: كما يكشط الخ إشارة إلى أنه استعارة لمعنى أزيلت وقوله: اعتقاب أي إبدال كل من الأخرى، وقوله: إيقادا شديدا هو معنى التسعر وضعا، وقوله: وقرأ الخ هي رواية عن هؤلاء وروي عنهم التخفيف أيضا. قوله تعالى: ( {عَلِمَتْ نَفْسٌ} الخ) معنى علمها إنها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة فإن كانت صالحة ترى في أحسن صورة وإلا ترى في أشنع هيثة كما قرّره بعض المفسرين. قوله: (ست منها في مبادي قيام الساعة الخ) قيل هو على التفسير الأول لحشرت، وعلى الثالث إذا أريد الإماتة في الدنيا عند النفخة الأولى، وقيل الظاهر أنّ المراد به ما بين النفختين لظهور أنّ الست الأولى ليست قبل النفخة الأولى وإلا لعدّت من الأشراط، فإن قلت قد ثبت أنّ موت الناس والخلائق إلا بعض الملائكة بعد النفخة الأولى فكيف يتصوّر تعطيل العشار وحشر الوحوس بزوال وحشتها من الدهشة قلت قد قيل: إنه لم يثبت وقوع الموت في ابتداء تلك النفخة، فيحتمل أن يحصل في ابتدائها دهشة تؤدي لتعطيل النوق وحشر الوحوس، ثم تؤدي تلك الدهشة لهلاك الكل وقال بعض فضلاء العصر يكفي في صحة الكلام جريانه على أحد الوجوه في تينك الخصلتين، وهو أن يكون تعطيل العشار بمعنى تعطيل السحاب وأن يكون حشر الوحوس بمعنى إماتتها ولا يلزم إجراء الكلام على جميع الوجو.، ثم قال: إنّ الأظهر أن المراد بما قبل فناء الدنيا مجموع ما قبل النفخة الأولى وما بعدها إلى النفخة الثانية فإنّ جميعه من مبادي الساعة ويكون بعض الست قبل الأولى، وهو تعطيل العشار وحشر الوحوس على وجهين والبعض الآخر فيما بعدها ولا يلزم عدّها في الأشراط مستقلة لأنها من آثاو بعضها، وقد قيل عليه أيضاً إنّ كونه بين النفختين مخالف لما قاله في سورة النبأ من أنّ الدنيا تنتهي عند النفخة الأولى فتدبر، وقوله: لأنّ المراد الخ أي هو زمان ممتد وقعت فيه تلك الأمور وعلمه النفوس إذا أحضرت. قوله: (ونفس في معنى العموم) لأنّ النكرة قد تعم في الإثبات وذكر العلامة له نكتة وأنه من استعمال ما يدل على القلة والخصوص في الكثرة والعموم كما ترد قد ورب للتكثير، وهو من العكس في كلامهم كأنه تهويل لذلك اليوم واظهار لكبرياء الله وعظمته حتى كان جميع النفوس البشرية في جنب ما خلقه من الأجرام العظام أمور قليلة، ونفوس حقيرة وقيل: إنه إذا علمت نفس من النفوس ما أحضرت من خير أو شر لزم كل نفس ذات بصيرة رجاء، أو خوف أن تكون هي تلك النفس ففي النكرة تقليل ادعائي حينئذ. قوله: (تمرة خير من جرادة) قاله ابن عمر رضي الله عنهما لبعض أهل الثأم، وقد سأله عن المحرم إذا قتل جرادة أيتصدق بتمرة فدية لها فقال: ذلك يعني لا يلزمه شيء، ولذا قال: واعجبا لأهل الشام لا يبالون بدم الحسين ويستفتون في قتل الجرادة، وهي هنا عامّة في الإثبات، ولذا ساغ الابتداء بها ولا حاجة لتأويله بالنفي أي لم تجهل، لا تساوي تمرة جرادة حتى تعم وشموغ الابتداء بها فإنه تكلف وفي شرح المفتاح إن تمرة لا عموم فيها والعموم، إنما جاء من تساوي نسبة الجزء إلى أفراد الجنس وكأنه نظر إلى منافاة العموم للوحدة والإفراد وهي إنما تنافي العموم الشمولي فتدبر. قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 (بالكواكب الرواجع الخ) النيران الشمس والقمر خصا بذلك لزيادة نورهما على نور غيرهما من الكواكب وما عداهما من السيارة هي الخمسة المسماة بالمتحيرة لأنها رجعت إلى الجهة التي تتحرك نحوها، وذلك بسبب التداوير التي تلك الكواكب مركوزة فيها لأنها غير محيطة بالأرض فحركة نصفها العالي مخالفة لحركة نصفها السافل فإذا تحرّك العالي للمشرق تحرّك السافل للمغرب، وبالعكس، وحركات الأفلاك التي فيها التداوير إذا وافقت حركة النصف الذي فيه الكواكب كان الكوكب مستقيماً سريع السير بمجموع الحركتين، اواذا خالفتها زادت حركة النصف على حركة الفلك فيكون راجعاً عن صوب حركته والشمس ليس لها تدوير على الأصح فلا رجعة لها، والقمر لسرعة حركة فلكه الحامل لتدويره لم تزد حركة تدويره عليه، ولذا سميت هذه متحيرة لأنّ لها رجعة واقامة واستقامة كما تقرّر في الهيئة، وقوله: ولذلك أي لكون المراد السيارة خاصة دون الثوابت. قوله: (السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس (لصغر حجمها بالنسبة إليها وسميت سيارة لأنّ سيرها محسوس بخلاف الثوابت، وقوله: من كنس الوحش الخ فهو في الأصل مجاز بطريق التشبيه، ثم صار بالغلبة في الاستعمال حقيقة ومعنى الكناس ما ذكره المصنف رحمه الله. ءقوله: (أقبل ظلامه أو أدبر) - فهو من الأضداد عند المصنف رحمه الله وقال الراغب: في مفرداته العسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل، ل! فهو من المشترك المعنوي عنده وليس من الأضداد، وقوله: وسعسع- قال صاحب القاموس في كتابه تحبير الموشين فيما يقال: بالسين والشين تشعشع الشهروتسعسع إذا ذهب أكثره، وكذا في القاموس ولم يذكره في الليل كغيره لكن صاحب الكشاف وكفى به ذكره في صفة الليل، ولم يجعله بمعنى أقبل ولا مقلوباً من الأوّل فالظاهر اختصاصه بمعنى الأدبار فقول المصنف رحمه الله إذا أدبر تفسير لسعسع وحده وليس من الأضداد كالأوّل، وأنما أعاد عسعس معه لبيان أنهما بمعنى واحد كما يشهد له كلام أهل اللغة ومن لم يقف على مراده قال: على هذا إنه لا يناسب ذكره في سياق كونه من الأضداد والأظهر تقديمه فتنبه. قوله تعالى: ( {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} ) مناسبته لقرينه ظاهرة على التفسيرين لأنّ ما قبله إن كان للإقبالط فهو أوّل الليل، وهذا أوّل النهار وإن كان للأدبار فهذا ملاصق له فبينهما مناسبة الجوار فلا وجه لما قيل من أنه على الأوّل أنسب. قوله: (أي أضاء) بيان لحاصل المعنى المراد منه في كلامهم قال العجاج: حتى إذا الصبح لهاتنفسا وانجاب عنهاليلهاوعسعسا لكنه وقع في النسخ هنا اختلاف ففي بعضها غرّته أي أوّله على الاستعارة من غرّة الفرس وفي بعضها غبرته بالمعجمة والباء الموحدة، ثم راء مهملة وتاء تأنيث ويصح أن يقرأ مرفوعاً ومنصوبا حينئذ، وهو أيضا استعارة بتشبيه أجزاء الظلام مع الفجر لاختلاطه بالنور بغبار مرتفع في الجوّ على هاتين النسختين، ووقع بعدهما عند إقبال روح ونسيم بعند الظرفية وفي نسخة عبر من العبارة بالعين المهملة بعدها باء موحدة، ثم راء مهملة ويعقبها عن الجارة الحرفية وهذا كله مصرّج به في الحواشي لكن الأخير مسلك من يعتمد عليه من المحشين، والمعنى عليها مختلف من وجه وتفصيله ما ذكره الإمام من أنه إشارة لتكامل الصبح ولا تكرار فيه وفي كيفية التجوّز قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز، وقيل: تنفس الصبح والثاني إنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرّك، واجتمع الحزن في قلبه فإذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح كأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس اهـ فعلى الأوّل فيه استعارة مصرحة بجعل ما يهب معه من النسيم نفساً للطفه وللاستراحة به وأسند إلى الصبح مجازاً لمقارنته له ففيه استعارة مصرحة، وتجوّز في الإسناد ولو جعل مكنية وتخييلية حسن بأن يشبه الصبح بماس وآت من مسافة بعيدة، ويثبت له التنفس المراد به هبوب نسيمه مجازاً على طريق التخييل في قوله: {يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} [سورة البقرة، الآية: 27] وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله على النسخة الأولى والثالثة، وأما الوجه الثاني الذي اختاره واستحسنه فلا يخفى ما فيه من التعسف، بل لا يصح ما لم يقدر فيه مضاف أي تنفس ليله أو يشبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 طلوع الصبح في نفسه بالتنفس، ولا يخفى حاله والنسخة الثانية فيها ميل له فتأمّل. قوله: (فإنه قاله عن الله) أي نقله لأنّ قول الرسول قول مرسله وأنما ينسب إليه لأنه واسطة فيه، وتفسيره بالقرآن هو الظاهر وجعله للأخبار عن الحشر تعسف، ومعنى كريم عزيز عند الله أو متعطف كما مرّ في السورة السابقة، ولذا لم يتعرّض له المصنف رحمه الله هنا، وقوله: كقوله شديد القوى وقد مرّ تفسيره، وبيان قوته على تحمل أعباء الرسالة وعلى كل ما يؤمر به على ما مرّ من قصة المؤتفكة. قوله: (عند الله ذي مكانة) أي مرتبة وشرف قرب لأنّ المكان والمنزل تزاد فيه الهاء إذا نقل للمرتبة المعنوية غير المحسوسة، ولما كان علو المكانة بعلو الممكن قال عند ذي العرش ليدل على عظم منزلته عند الله، وأنه مطاع أمره في الملأ الأعلى على ما حققه الزمخشريّ واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: مطاع في ملائكته فلم يهمله كما توهم. قوله: (وثم الخ) هي إشارة إلى المكان وإذا اتصل بما قبله فهو بيان لا طاعة الملائكة له، وإذا اتصل بما بعده فهو لأمانته عندهم، وقوله: قرى ثم بضم الثاء وهي عاطفة، وقوله: تفضيلاً لها لدلالتها على التراخي الرتبي، وقوله: سائر الصفات تعريفه للعهد والمراد الصفات المذكورة هنا، وقوله: كما تبهته الكفرة من البهتان أي كما تقول الكفرة في حقه ذلك بطريق الكذب، والبهتان وفي قوله: صاحبكم تكذيب لهم بالطف وجه إذ هو إيماء إلى أنه نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن فأنتم أعرف به، وبانه أتم الخلق عقلاَ وأرجحهم نبلاً وأكملهم، وأصفاهم ذهنا فلا يسند له الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون ولله در البحتري في قوله: إذا محاسني اللاقي أذل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر قوله: (واستدل الخ (المستدل هو الزمخشري وزبدته ما قرّره المصنف رحمه الله فلا وجه للنزاع فيه والقول بأنه لم يقصد الموازنة، وقوله: إذ المقصود الخ بيان وتعليل لضعفه ونفي قوله: إنما يعلمه بثر مأخوذ من كونه قول: رسول كريم عند ذي العرش فإنه دال على أنّ المتلقي منه ملك لا بشر، وقوله: افترى على الله كذبا مأخوذ من أنه أوصله إليه ملك مؤتمن عند الملائكة فكيف يكون ما بلغه كذباً على الله، وقولهم أم به جنة نفيه معلوم من قوله: وما صاحبكم بمجنون فوصفه بما ذكر للدلالة على نفي ما أسندوه له لا للإطراء في وصف جبريل دون النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أنه لو سلم ذلك كان مدحا بليغا في حقه لأنّ الملك إذا أرسل لأحد من هو معزز معظم مقرّب لدبه دل على أنّ المرسل إليه بمكانة عنده، ليس فوقها مكانة كما لا يخفى وما قيل من أنه يكفي لأداء هذا المقصود لقول رسول كريم أو ملك كريم، فالزيادة فضول تعد لكنة عند البلغاء إلا أنه كلام على السند الأخص والأسلم أن يقال في الجواب إنّ الكلام مسوق لحقية المنزل، وصدق ما فيه من أحوال القيامة وأهوالها كما تدل عليه الفاء الشبية في قوله: فلا أقسم، وهو يقتضي وصف الآني به دون المنزل عليه فلذا اقتصر على نفي ما بهت به، وأنّ الأظهر أن يتلو يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون أن حقيق بأن يقال له: سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب والحرّ تكفيه الإشارة والمسألة معروفة في الأصول. قوله: (بمطلع الشمس الأعلى) أراد به وسط السماء فإنه أعلى مكان تطلع منه في كل يوم، وقيل هو رأس السرطان والأعلى صفة مطلع. قوله: (من الظنة وهي التهمة) بضم التاء وفتح الهاء ما يتوهم به وعليه وتسكين الهاء لا يجوز إلا في ضرورة شعرية، وقول الفاضل ابن كمال في شرحه لمفتاحه أنه بسكون الهاء لا بفتحها غلط مته، وتقديم قراءة الظاء المشالة لا يسئل عنه لأنه سؤال دوري فإن سلم ذلك فوجهه أنه أنسب بالمقام لاتهام الكفرة له بما مرّ ونفي التهمة أولى من نفي البخل وأيضا التهمة تتعدى بعلى دون البخل فيما قيل، لا لأنّ نفي المحقق أولى من نفي المقدر كما قيل إذ لا وجه لتفضيل بعض القراآت المتواترة على بعض، ولا طائل في البحث عنه أيضا. قوله: (بالضاد من الضن) بالكسر والفتح قال في النثر، وهو كذلك في جميع المصاحف ولا ينافي هذا قول أبي عبيدة إنّ الضاد والظاء في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى زيادة يسيرة قد تثتبه وهو كما قال: ويعرفه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 من قرأ الخط المسند، وليس فيه اتهام لنقلة المصاحف كما توهم لأن ما نقلوه موافق للقراءة المتواترة ولا بد مما ذكره أبو عبيدة لأنهم اشترطوا في القراآت موافقة الرسم العثماني، ولولاه كانت قراءة الظاء مخالفة لها ولا ينافيه أيضاً كتابتها بالظاء في مصحف ابن مسعود فإنّ المراد المصاحف المتداولة. قوله: (والضاد) قيل: إنما اشتغلوا تحقيق مخرجهما لئلا يتوهم أنّ إحدى القراءتين بدل من الأخرى، أو عينها لكن تساهلوا فيها فلذا بينوا بعد ما بين الحرفين مخرجا وصفة، وقوله: من يمين الخ لأنّ لها مخرجين، ومنهم من يتمكن منهما واعلم أنهم اختلفوا في إبدال الضاد ظاء وعكسه هل يمتنع وتفسد به الصلاة أم لا فقيل: تفسد به، وقيل: لا تفسد واختار المتأخرون وبه أفتى شيخنا المقدسي إنه إذا أمكن الفرق بينهما فتعمد ذلك، وكان مما لم يقرأ به كما هنا وغير المعنى فسدت صلاته والا فلا لعسر التمييز بينهما خصوصاً على العجم، وقد أسلم كثير منهم في الصدر الأوّل ولم ينقل حثهم على الفرق وتعليمه من الصحابة، ولو كان لازما فعلوه ونقل وهذا هو ما عليه المتأخرون كالبزازي وصاحب المحيط وغيره. قوله: (بقول بعض المسترقة للسمع الأنها هي التي ترجم وقوله: وهو نفي الخ بيان للمقصود منه، وقوله: استضلال أي عدهم من أهل الضلال والجادة الطريق المسلوك وقوله: تذكير لمن يعلم يعني أنه صيغة جمع للعقلاء بلا تغليب فيه وضمير هو للقرآن، وليس هذا تخصيصاً بل هو منطوقه وفسر الاستقامة بما ذكر لما مرّ في قوله: فاستقم. قوله:) وإبداله الخ (لأنه بدل بعض من كل والمبدل الجا والمجرور أو المجرور فأعيد معه العامل قيل، ويجوز أن يكون بدل كل من كل لإلحاق من يشأ ذلك بالبهائم اذعاء وهو تكلف. فوله: (الاستقامة (هو مفعوله المقدر، وقوله: يا يشاؤها وقيل إنه جعل الخطاب للشائين مع عموم خطاب أين تذهبون لداعي نفي الحال الد عليه ما النافية فيكون الكلام في المشيئة الحالية، ولا مشيئة في الحال لمن لا يشاء ويأباه كو المشيئة في المستقبل ظرفا للمشيئة الحالية لأنّ أن في قوله: إلا أن يشاء الله خاصة للاستقبا وقد ردّ بأن جعل الخطاب للشائين لأنّ الكلام لهم والاستثناء تحقيق للحق ببيان أنّ مشيئتهم توطئة لمشيئة الله تعالى فلا منة لهم باستقامتهم بل الله يمن عليهم أن رزقهم الاستقامة لا لأنّ لنفي الحال كما توهمه هذا القائل لأنه غير مسلم مع أنه مشروط تقدم قرينة على خلافه كما المغني، وكلام المصنف رحمه الله لا يوأفقه أيضا. قوله: (إلا وقت أن يشاء الله الخ (تبع الزمخشري وابن جني وأبا البقاء في جواز نيابة المصدر المؤوّل من أن والفعل عن الظرف، منعه بعض النحاة وجوازه منقول عن الكوفيين وقال ابن هشام: في الباب الثامن من المغني أن وصلتها لا يعطيان حكم المصدر في النيابة عن ظرف الزمان تقول جئتك صلاة العصر يجوز جئتك أن تصلي العصر، وقال مكي أن وما معها هنا في موضع خفض بإضمار الباء إلا بأن والباء للمصاحبة أو السببية، وهذا عندي أقرب مما قرّره المصنف رحمه الله أي ليس! مشيثتكم الاستقامة بفعلكم ومشيئتكم بل هي بخلق الله ومشيئته لأنّ المشيئة لو كانت بفعل اومشيتته تسلسلت المشيآت إلى غير النهاية وفيه دلالة على أنّ أحداً لا يعمل خيرا إلا بتوفيق ولا شرآ إلا بخذلانه فله الفضل والحق عليكم باستقامتكم إذ لو لم يشأ الله الاستقامه يستقيموا واستقامتكم بمنه وفضله. قوله: (مالك الخلق كله) يعني أنّ الرب بمعنى الما وتعريف العالمين للاستغراق وقوله: وعن النبيّءشي! هو حديث موضوع ومعناه ظاهر. " السورة بحمد ألله ومنه والصلاة والسلام على أفضل مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة انفطرت وتسمى سورة إلانفطار ولا خلاف في عدد آياتها وكونها مكية. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (تساقطت متفرّقة) فهو استعارة لإزالة الكواكب حيث شبهت بجواهر قطع سلكها، وهي مصرحة أو مكنية وليس هذا الانتثار ما في قوله: درر نثرن على بساط أزرق وقوله: فتح الخ كما مرّ تفصيله في التكوير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 وما ذكر لازم من تفجيرها لأنّ معناه فتحها وشق جوانبها فيلزم ما ذكره فلا وجه لما قيل من أنه لا يدل عليه النظم وأنه مأخوذ من الأثر. قوله:) قلب ترابها) يعني أزيل التراب التي ملئت به، وكان حثى على موتاها فانفتحت وخرج من دفن فيها وهذا معنى البعثرة، وحقيقتها تبديد التراب أو نحوه وهو إنما يكون لإخراج شيء تحته فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معاً كما ذكره المصنف رحمه الله في هذه السورة، وقد يتجوّز به عن البعث والإخراج كما سيأتي في سورة العاديات حيث فسره بالبعث، والفارق بينهما أنه أسند هنا للقبور فكان على حقيقته وثمة لما فيها فكانت مجازا عما ذكر، ومن لم يقف على مراد المصنف رحمه الله زعم أنه مشترك بين النبش والإخراج وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصارا ومثله كثير في لغة العرب، وشممى نحتا وأصله بعث وأثير أي حرك وأخرج وله نظائر كبسمل، وحوقل ودمعز أي قال بسم الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله وأدام الله عزه فعلى هذا يكون معناه النبش، والإخراج معا ولا يرد عليه أن الراء ليست من أحرف الزيادة كما توهمه أبو حيان فإنه فرق بين التركيب، والنحت من كلمتين والزيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة كما فصله في المزهر نقلا عن أئمة اللغة ولكونه خلاف المألوف مرّضه المصنف رحمه الله فتدبر. قوله: (من عمل أو صدفة الخ) قد مرّ من المصنف رحمه الله في سورة القيامة تفسيره لما قدم بما عمله، ولما أخر بما لم يعمله أو ما قدم ما عمل، وما أخر ما سنه من حسنة أو سيئة أو ما قدم الصدقة وما أخر ما خلفه من متروكاته أو هما أوّل عمله وآخره فهذه وجوه أربعة، وقد اختصرها هنا على أوجز وجه، ومن لم يتأمّله ظنه مخالفاً لما مرّ والعمل شامل لثلاثة أوجه والصدقة للرابع فتدبر. قوله: (من سنة أو تركة) السنة بضم السين، والنون المراد به ما سن عمله للناس من حسنة أو سيئة وما في النسخ من الياء التحتية والهمزة تحريف من الناسخ، وهو مقابلة للعمل بمعنيين أعني ما عمله بنفسه أو أوّل ما عمله، وقوله: تركة اسم بمعنى متروك مقابل لقوله: صدقة وكونه ماضيا من الترك ناصبا الضمير ما أو مصدر مضاف للضمير لا وجه له لاحتياجه للتكلف، ولما بقي وجه أشار إليه بقوله: ويجوز الخ فما قدم ما عمله من الحسنات الداخلة في قوله من عمل، وما أخر ما فرط فيه فلله در المصنف رحمه الله في حسن سبكه. قوله: (أيّ شيء خدعك الخ) أصل معنى الغرور ما دعا الإنسان إلى ارتكاب ما لا يليق لمال أو جاه أو شهوة وماكه ما ذكره المصنف رحمه الله وقد اختلف في المراد بالإنسان هنا فقيل المراد به الكافر، وقيل: الأعم الشامل للعصاة والثاني أرجح كما في الكشف، وغيره لوقوعه بين مجمل ومفصل، وأمّا قوله: بل تكذبون الخ فإمّا ترشيح لقوّة اغترارهم بايهام أنهم أسوأ حالاً من الكافرين تغليظاً، أو لخطاب الكل بما وجد فيما بينهم وعلى هذا ينزل قول المصنف رحمه الله إضراب عما هو السبب الأصلي، الخ فلا وجه لما قيل إنه غير مناسب للعموم الراجح كما سنوضحه ثمة. قوله: (وذكر الكريم الخ) جواب عما يتوهم من أنّ التوصيف هنا بالكرم غير ملائم للمقام إذ الظاهر الوصف بما يمنع الغرور كالانتقام، والقهر بأنّ هذا أبلغ لأنّ محض الكرم لا يمنع مجازاة الجاني ولا يقتضي إهماله بل ينافيه وأنما المقتضى له الجهل أو العجز، وقوله: وتسوية الموالي الخ ترق في اقتضاء الكرم خلاف ما يتوهم فإنه لو سوى بين المطيع والعاصي لم يكن الإحسان والكرم في موقعه عند الممنون عليه، ألا ترى لو أنّ صديقاً لك أحسن إليك بشيء، ثم أعطى مثله لعدوّ له تلاشت المنة، واضمحلت الصنيعة، ولذا قيل: إنّ الكرم إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وذم بقوله: يعطي ويمنع لا بخلاولاكرما لكنها خطرات من وساوسه وقوله: فكيف الخ لأنه حينئذ يكون المانع عنه أكثر وأقوى. قوله: (والإشعار الخ) بالجرّ معطوف على المبالغة وفي نسخة والاشتغال الخ وهو معطوف على الاغترار أي للمنع عن الاغترار والاشتغال بما ذكر وقوله: فانه يقول أي كقول بعض شياطين الإنس: تكثرما استطعت من المعاصي ستلقى في غدرباً غفورا تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 قوله: (والدلالة) معطوف على المبالغة أيضا لأنّ من يتفضل بالإحسان كيف يستحق العصيان، وترك الشكر للكفران، ولذا قال بعض العارفين: لو لم أخف الله لم أعصه وعقب هذا بقوله الذي الخ مع تقدم قوله: بربك المنادي على ذلك، وقيل: إنّ هذا تلقين للحجة وهو من الكرم أيضا فإنه إذا قيل له ما غرّك الخ يتفطن للجواب الذي لقنه ويقول كرمه كما قيل: يعرف حسن الخلق والإحسان بقلة الآداب في الغلمان قوله: (مبينة للكرم) من التبيين وفي بعض النسخ من الإثبات بالمثلثة، وقوله: منبهة الغ فهو إيماء إلى إثبات ما كذبوه من البعث والجزاء توطئة لما بعده، وذلك إشارة إلى الخلق وما بعده، وقوله: والتسوية الخ أصله جعل الأشياء على سواء فتكون على وفق الحكمة ومقتضاها بإعطائها ما يتم به، وقوله: جعل البنية الخ المراد بها الجسد ومعتدلة فسره بقوله: متناسبة الأعضاء إذ لو كانت إحدى العينين أو اليدين أكبر من الأخرى كبرا مفرطا كان مشوه الخلقة كما يشهد به الحس، وقوله: بما يعتدها أي يهيؤها وفي نسخة يستعدها وأنث الضمير لتفسيره بالقوى. قوله: (عدل بعض أعضائك الخ) تفسير له على قراءة التخفيف بوجهين لأنه إمّا من عدل فلانا بفلان إذا ساوى بينهما أو من عدل بمعنى صرف، وليس الأوّل توجيها للتشديد والثاني للتخفيف كما توهم. قوله: (أي ركتك الخ (أي استفهامية والجار والمجرور متعلق بركبك، وما زائدة وجملة شاء صفة صورة والاستفهام مجاز للتعجيب ومآله إلى أنه وضعك في صورة عجيبة اقتضتها مشيئته أو في صورة متميزة متعينة أو الظرف حال أي ركبك كائنا في أيّ صورة أرادها. قوله: (وقيل شرطية) أي إن شاء تركيبك ركبك، والمعنى أنه إن شاء تركيبك في أي صورة غير هذه الصورة فعل، وقوله: وركبك جوابها وقيل جوابها محذوف ولبعده جداً أخر. ومرضه وجوّز فيها كونها موصولة، وموصوفة ومفعولاً مطلقا لركبك. قوله: (والظرف صلة عدلك) أي على الشرطية لأنّ معمول ما في حيز الشرط لا، يجوز تقديمه عليه، واعترض عليه بان أي اسم استفهام له الصدر فكيف يعمل فيه ما قبله وكونه فيه معنى التعجب أي صورة عجيبة كما في الكشاف لا يسوغه كما لا يخفى والصواب أن يتعلق بمقدر والمعترض لم يفهم مراده فإنه أراد أنها أفي الدالة على الكمال وهي صفة هنا حذف موصوفها زيادة للتفخيم، والتعجيب وأصله في صورة أيّ صورة كما تقول مررت برجل أي رجل وأي الكمالية منقولة من الاستفهام لكنها لانسلاخ معناه عنها بالكلية عمل فيها ما قبلها كما في المثال المذكور، وهذا لا شبهة فيه فمن توهم أنه هنا للاستفهام فقد وهم لكن الكلام في جواز حذف موصوف أي الكمالية، وقوله: لم يعطف أي بالفاء كما قبله وقوله: بيان لعدلك لأنّ معناه ركبك في صورة عجيبة، وهذا إذا لم يتعلق الجار بقوله: عدلك والجملة الشرطية صفة صورة والعائد محذوف. قوله: (! ! راب إلى بيان الخ) وهو إنكارهم الدين بالمعنيين أو هو إضراب عنه إلى ما هو أشدّ منه والدين له معان منها ما ذكر هنا، وقوله: أو الإسلام كما في قوله: إنّ الدين عند الله الإسلام، قيل: والإسلام هنا كناية عن التصديق بالثواب والعقاب كما في الكشاف فلا يرد عليه أنّ ما بعده معين لمعنى الجزاء، وفيه نظر، وقال الراغب بل هنا لتصحيح الثاني وابطال الأوّل كانه قيل ليس هنا مقتض لغرورهم ولكن تكذيبهم حملهم على ما ارتكبوه فهو ترق من الطمع الفارغ إلى ما هو أغلظ منه. قوله تعالى: ( {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ} الخ) جملة حالية مقررة للإنكار، ويجوز أن تكون مستأنفة والأوّل أولى، وقوله: تحقيق لما يكذبون به من الجزاء على الوجهين كأنه قيل إنكم تكذبون بالجزاء والكتبة يكتبون كل ما يصدر منكم حتى التكذيب، وليى هذا إلا للجزاء والا لكان عبثا تنزه عنه الحكيم العليم وهذا على الوجه الأوّل، ولذا قيل إنه ترجيح له وقيل: إنه استبعاد للتكذيب مع ما ذكر ورد بأنهم لا يعترفون به فلا يتم به الاستبعاد، وفيه بحث. قوله: (ورد لما يتوقعون الخ) المراد بالتسامح إما التسامح في الكتابة أو في الجزاء للكفرة لأنهم المكدّبون فلا يرد أنّ الكرام الكاتبين حافظون لأعمال المؤمنين مع التسامح عن بعض السيئات في الآخرة كما توهم. قوله: (وتعظيم الكتبة) بما وصفوا به هنا لأنّ عظمتهم تدل على عظمة شغلهم، وعظمة شغلهم تدل على عظمة جزائه إذ لو لم يكن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 ذلك عظيماً لم يوكل به العظماء كما لا يخفى، وقوله: بكونهم كراما عند الله قيل: إنه إشارة إلى أنّ التعظيم بكونهم أعزاء على الله لا بوصفهم بالكتابة والحفظ كما في الكشاف، وفيه نظر ظاهر. قوله: (عند الله (إشارة إلى أنّ معنى التعطف على المؤمنين غير مناسب هنا، وقوله: بيان لما يكتبون لأجله يعني أنها جملة مستأنفة في جواب سؤال تقديره لم يكتبون ذلك فكأنه قيل: ليجازي الأبرار بالنعيم والفجار بالجحيم، وقيل: إنه ردّ لتكذيبهم بالجزاء وجملة يصلونها حالية أو مستأنفة. قوله: (لخلودهم فيها) فهو كقوله: وما هم بخارجين منها في الدلالة على الخلود، وليس من التقوى والحصر في شيء، ثم إنّ الحصر هنا غير مقبول جمند الجماعة لعمومه للكفار والفسقة فلا وجه للقول بأنه في الكشاف أثبت التقوّي ونفي الحصر بناء على مذهبه. قوله: (وقيل: معناه الخ) قال: يغيبون الخ إشارة إلى أنه من حكاية الحال الماضية، ومرضه لأنه خلاف الظاهر فلا يرتكب من غير داع قيل: والواو على هذا للعطف فيقتضي تغاير المتعاطفين أي أنهم الآن ليسوا بغائبين عن الجحيم وعلى الأوّل للحال وأورد عليه أنّ بعض الفجار في زمرة الأحباب وبعضهم لم يخلق لذلك وعذاب القبر بعد الموت، وكلام الزمخشري يأبى حمله على ما حمله عليه فالظاهر أنّ الواو حالية في الوجهين لكنها على الأوّل حال مقدّرة وعلى الثاني هي كقوله: حصرت صدورهم، وهو غير وارد لأنه يعني أن الواو على هذا ليست للحال لانفصال ما بين صليّ النار، وعذاب القبر بالبعث وما في موقف الحساب بل للعطف فيحمل اسم الفاعل في المعطوف أعني غائبين على الحال ليغاير المعطوف عليه الذي أريد به الاستقبال، ولا ينافيه قوله: قبل ذلك فإنه بيان لحاصل المعنى، ولا ينافيه ماً ذكره من أنّ بعض الفجار الخ لأنّ الكلام على ما عرف في إخباره تعالى من التعبير عما يستقبل منها بالماضي لتحققه، والمعترض لما لم يقف على مراده قال ما قال: وما بعد الحق إلا الضلال. قوله: (سمومها في القبور) بضم السين / بمعنى حرّها أو بفتح السين بمعنى ريحها الحارة، وفي الكشاف قيل أخبر الله في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات حالة الحياة التي يحفظ فيها عمله، وحالة الآخرة التي يجازي فيها، وحال البرزخ وهو قوله: وما هم عنها بغائبين انتهى، ولم يذكر حال البرزخ للأبرار اكتفاء لعلمها من المقابلة. قوله: (دراية دار) إشارة إلى أن الخطاب في أدراك عام، وقيل: الخطاب للرّسول وقيل: للكافر، وقوله: تعجيب الخ حيث أتى بصيغة الاستفهام تحريضا للمخاطبين على إدراكه أو مبالغة في إيجاب الاستفسار عنه كأنه قيل: ما أدرأك، بيوم الدين فلا تسأل عنه إذا ذكر وجعله تعجيبا لتنزهه تعالى عن التعجب كما مر مرارا. قوله تعالى: ( {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} ) قال في الكشاف أي لا أمر إلا لله وحده، وفي الكشف الظاهر أن الأمر واحد الأوامر لقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [سورة غافر، الآية: 16] فإنّ الأمر من شأن الملك المطاع، وفيه تحقيق قوله: لا تملك نفس لنفس شيئا لدلالته على أنهم مسوسون مقهورون مشتغلون بأنفسهم، وقوله: لا أمر إلا لله وحده إبراز لمعنى الاختصاص في اللام وما ذكره هو الحق الذي لا عدول عنه لأنّ المراد بكون الأمر له أنّ التصرّف جميعه في قبضة قدرته، وهو الموافق لقوله: لا تملك الخ لأنّ معناه لا قدرة لأحد على ضر أحداً، ونفعه وكون الأمر واحد الأمور ركيك هنا فلا يلتفت إلى ما قيل من أنه لو حمل على واحد الأمور كان أشمل ولا نزاع في جواز كل منهما إنما الأمر في أيهما أظهر، وما ذكره دعوى من غير دليل، وقوله: تقرير الخ لدلالته على اشتغالهم بأنفسهم وأنهم مقهورون بسطوة الربوبية، وقوله: ورفع الخ على البدل أو هو خبر مبتدأ مقدّر ونصبه الباقون بإضمار اذكر أو يدانون لدلالة الدين عليه أو بتقدير يشتدّ الهول، ونحوه مما يدل عليه السياق وقال الزجاج إنه مبني على الفتح وهو في موضمع رفع أو جرّ، وقوله عن النبيّ الخ حديث موضوع. تمت السورة والحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. سورة المطففين لا خلاف في عدد آياتها واختلف في كونها مكية أو مدنية فقيل هي بتمامها مكية، وقيل: مدنية، وقيل: إلا ست آيات من أوّلها وقيل: مكية إلا ثمان آيات من آخرها ولا خلاف في عددها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (التطفيف البخس الخ (التفعيل فيه للتعدية أو للتكثير، وهو لا ينافي كونه من الطفيف بمعنى الحقير القليلى لأنّ كثرة الفعل بكثرة وقوعه وهو بتكراره لا بكثرة متعلقة، وقوله: روي الخ هذا يدل على أنّ أول هذه السورة نزل بالمدينة كما هو أحد الأقوال فيها كما قدمناه لا على كون السورة مدنية، والحديث المذكور صححه ابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: خمس بخمس أي خمس من المحرمات من ارتكبها يجازي بواحدة من الخمس المذكورة، والحديث أيضاً صحيح عن ابن عباس وغيره كما رواه الحاكم والطبراني وقوله: الفاحشة أصله الذنب العظيم، والمراد منه هنا الزنا وقوله: أخذوا بالسنين أي عوقبوا بالقحط. قوله تعالى: ( {إِذَا اكْتَالُواْ} الخ (اكتفى عن الوزن بالكيل لتساويهما بين الناس، وقوله: يأخذونها وافية فالسين للمبالغة دون الطلب هنا، وقوله: وأنما أبدل الخ فيه إشارة إلى تعاقب من وعلى هنا قال الفراء يقال: اكتلت على الناس استوفيت منهم واكتلت منهم أخذت ما عليهم، وقيل: على بمعنى من وقد جوّز تعلق على بيستوفون هنا واذا تعاقبا فاختيار على للدلالة على أنّ ما اكتالوه دين لهم على الناس، أو هو اكتيال يتحامل فيه فعلى فيه للمضرّة لأنه يقال: تحامل عليه إذا جار وهو محمول عليه في التعدية أو مضمن لمعنا. فأتى بها للدلالة على أنه في الأخذ دون العطاء فقوله: أو اكتيال معطوف على قوله: لما لهم الخ. قوله تعالى: ( {وَإِذَا كَالُوهُمْ} الخ) ما مرّ في الأخذ وهذا في العطاء، وقوله: كالوا للناس الخ إشارة إلى أنه فيهما من الحذف والإيصال كما صرّح به في قوله: فحذف الخ وفي توسط قوله: يخسرون بين البيان والمبين ركاكة فكان ينبغي تقديمه أو تأخيره. قوله: (ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا ( ولقد نهيتك عن بنات الأوبر ومحل الاستشهاد فيه نظر والأكمؤ جمع كماة وهي شحمة الأرض نبت معروف والعساقل ضرب منها فإن كان مفرده عسقلا فهو على القياس، وإن كان عسقولاً فاصله عساقيل وصرفه للضرورة هنا وعطفه على الأكمؤ من قبيل عطف جبريل على الملائكة، وبنات أو بر ضرب من الكماة أيضاً وهو أردؤها، وقوله: أو كالوا الخ لأنه يتعدّى للمكيل بنفسه دون المكيل له. قوله: (ولا يحسن جعل المنفصل الخ) وقح التعبير عنه بالمستكن هنا في بعض التفاسير، وهو سهو أو تساهل والمراد أنه لو جعل هم تأكيداً للضمير المنفصل هنا أغنى عن الحذف، والإيصال وتقدير المضاف إلا أنهم لم يذهبوا إليه لأنه يفوت به المقابلة المقصودة هنا مع ما فيها من الحسن البديع إذ قوبل الاكتيال بالكيل وعلى الناس بالناس ويستوفون بيخسرون، ومن الغريب هنا ما قيل إنه لو أكد به لدفع المجاز وقدر معه للناس كما أنه كذلك على تقدير مكيلهم أفاد ما ذكر مع زيادة أنهم يباشرون هذا الفعل الخسيس بأنفسهم دون الخدم فإنه مع تكلفه بارتكاب خلاف الظاهر يفوت به التصريح بالتقابل المقصود، وتأكيد ما ليس بمقصود بل هو غير صحيح لأنّ مباشرة الفعل بدون تطفيف غير مذمومة. قوله: (ويستدعي إثبات الألف بعد الواو) على ما تقرر في علم الخط من رسمها بعد واو الجمع إذا وقعت في آخر الكلام، وقوله: كصا هو الخ دفع لما يقال من أن رسم المصحف العثماني في نظائره لاد يلزم أن يوافق ما ذكره علماء الخط بأنه رسم في الرسم العثماني في نظائره فيدل على أن هذا مما جرى على الرسم فيه، وقد ذهب إليه بعض المعربين فلذا نبهوا عليه هنا وأما جعل هم الثاني مبتدأ خبره يخسرون فغير محتاج للبيان لأنّ مخالفته لما قبله ركيكة جداً فلذا لم يلتفتوا له. قوله: (فإن من ظن ذلك الخ) يعني إلا هنا لست للاستفتاح أو التنيه فهي مركبة من الهمزة ولا النافية ونفي الظن دون ال! قي! ن لأنه أبلغ لأنّ ظته إذا منع دل على منع غيره بالطريق الأولى فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ الظت بمعنى اليقين هنا، وقوله: وفيه إنكار الخ هو معنى همزة الاستفهام. قوله: (عظمه لعظم ما يكون فيه) كما أنّ جعله علة للبعث باعتبار ما فيه، وقوله: نصب مصدر أو ماض مجهولى، وقوله: أو بدل من الجار والمجرور أي باعتبار محله أو هو مبني على الفتح، وقوله: اويؤيده الخ فيه تسامح لأنه حينئذ يكون بدلاً من المجرور وحده ولذا اعترض عليه لكنه أمر سهل، وقوله: لحكمه أي لأمره وقضائه بقيامهم للجزاء وخروجهم من القبور، وقيل: المراد ليحكم عليهم بما يستحقون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 قوله: (وفي هذا الإنكار الخ الما في ذكر الظن من التجهيل مع اسم الإشارة الدال على التبعيد تحقيرا ووصف يوم قيامهم بالعظمة، وابدال يوم يقوم الخ منه فإنه يدل على استعظام ما استحقروه، والحكمة اقتضت أن لا تهمل مثقال ذرّة من خير! وشرّ وعنوان رب العالمين للمالكية، والتربية الدالة على أنه لا يفوته ظالم قوي ولا يترك حق مظ! م ضعيف وفي تعظيم أمر التطفيف إيماء إلى العدل وميزانه، وإن من لا يهمل مثل هذا كيف يهمل تعطيل قانون عدله في عباده والى هذا يشير قوله في الأثران السموات والأرضين قامت بالمكيال والميزان وناهيك بأنه وصفهم بصفات الكفرة تغليظاً، وتشديداً فتأمّل هذا المقام قفيه ما تتحير فيه الأوهام فقوله: وقيام الناس بالجر عطف على العظم، وقوله: مبالغات إشارة إلى أنّ أصل المنع فهم من قوله: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} . قوله: (رع عن التطفيف الأنه المقصود ينظر هذا الأوّل السورة للغفلة عن البعث المذكور هنا، وقوله: ما يكتب من أعمالهم يعني أنّ الكتاب بمعنى المكتوب أو مصدر بمعنى الكتابة وفيه مضاف مقدر أي مكتوب أو كتابة عملهم، وهذا دفع لما يتوهم من كون الكتاب ظرفا للكتاب لأنه حينئذ ظرف للكتابة أو للعمل المكتوب فيه مع أنّ الإمام قال: لا استبعاد في أن يوضع أحدهما في الآخر حقيقة أو ينقل ما في أحدهما للآخر أو يكون من ظرفية الكل للجزء كما فصلوه، وقوله: كتاب الخ تفسير لسجين كما يتبادر من النظم. قوله: (بين الكتابة) بيان لأنّ مرقوم من رقم الكتاب إذا أعجمه وبينه لئلا يلغو وصف الكتاب به وقوله: أو معلم الخ توجيه آخر معناه إنّ له علامة من رقم الكتاب بمعنى ختمه، وفي القاموس الرقم العلامة وقوله: من السجن بفتح السين مصدر بمعنى الوضع في السجن، وقوله: لقب به الكتاب إشارة إلى أنه علم وقوله: لأنه سبب الحبس فهو بمعنى فاعل في الأصل، وقوله: لأنه مطروح أي ملقى فهو بمعنى مفعول كأنه مسجون لما ذكر وامّا كونه من إطلاق اسم المحل على الحال ففيه نظر. قوله: (في مكان وحش) بالتوصيف أي خال ويقال: للقفر وحش وهو تحت الأرض السابعة، وقوله: اسم مكان أي الذي تحت الأرضين أيضاً فيقدر مضاف فيه أو فيما بعده كما ذكر، وقد ورد في الحديث سجين اسم مكان وهو مقابل لعليين في الجنة، وقيل: إنه مشترك بين المكان والكتاب فلا تكلف فيه، وقيل: إنه علم وقيل: إنه صفة، وعليه قول المصنف السجين بأل كما في النسخ. قوله: (بالحق أو بذلك) المراد بالحق الأمر العام قال: للاستغراق أو للجنس فلذا كانت الصفة بعده على هذا مخصصة وذلك إشارة لليوم المذكور قبله: فالصفة موضحة أو ذامة فقوله: صفة الخ فيه لف ونشر مرتب فيما يتبادر، ويحتمل أن يجري كل من الوجهين على التفسيرين، وقوله: ذامة أي لا كاشفة أو المراد أنها مرفوعة أو منصوبة على الذم كما فسره به الطيبي فيكون احتمالاً ثالثاً وعليه اقتصر الزمخشري لأنّ قوله: وما يكذب به إلا كل معتد أثيم يدل على أنّ القصد إلى المذمّة وقوله: موضحة من التوضيح أو الإيضاح والمخصص بالمعنى الذي ذكره المصنف وهو المقيد مخالف لاصطلاح النحاة في تخصيص التخصيص بالنكرات والتوضيح بالمعارف فالتوضيح أيضاً خلاف المصطلح لوقوعه في مقابلة التخصيص المذكور. قوله: (متجاوز عن النظر الخ) أي تجاوز النظر والتفكر في عجائب مصنوعاته تعالى الدالة على كمال قدرته، وعلمه والاستدلال به على اقتداره تعالى على الإعادة وغلا في تقليد أئمة الكفر والجهل حتى جعل قدرته قاصرة عن الإعادة، وعلمه قاصرا عن معرفة الأجزاء المتفرقة التي لا بد في الإعادة منها وتفسير استقصار علمه بجعله غير عالم بأنه لا يتأتى منه ذلك فأخبر به خبرا كاذبا ظاهر الفساد بعيد عن المراد، ثم إنّ المصنف عدى التجاوز بمعنى التباعد بعن وهو خطأ فإنّ المتعدي بها بمعنى العفو، وعدى الاستحالة في قوله: استحال منه الإعادة أي عده محالاً وقد استعمله كثير من المصنفين كذلك واللغة لا تساعده فانه لازم لا غير كما قرره بعض الفضلاء وكلاهما غير مسلم وقد وردا كذلك في كلام الثقات، وليس هذا محل تفصيله فلينظر كتابنا شفاء الغليل. قوله: (منهمك في الشهوات) كما تدل عليه كثرة آثامه وهو من الانهماك لا التهمك ومعناه الإكثار برغبة وحرص والمخدجة من الأمر الخداج، وهو الناقص غير التام والمراد به هنا المعوّقة مجازاً لأنّ الخداج لا يبلغ زمان تمامه كما أشار إليه بقوله: بحيث الخ، وقيل هي المنتجة ما لا نفع فيه، وقوله: عما وراءها من إدراك الحق واللذة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 الأخروية التي لا تفنى، وأساطير الأوّلين مر تفسيرها بالأباطيل التي جاء بها الأوّلون، وقوله: شواهد النقل الذي جاء به الرسل، ودلائل العقل وهي بدائع مصنوعاته تعالى. قوله: (رع) أي للأثيم عن قوله: إنها أساطير الأوّلين وكونه ردعاً عن التكذيب غير مناسب لما بعده من أنهم مطبوع على قلوبهم ولذا لم يلتفتوا له وقوله: ما كانوا الخ فاعل ران وما مصدرية، أو موصولة والعائد مقدّر. قوله: (رد لما قالوه) إشارة إلى أن بل هنا للإضراب الإبطالي، وقوله: وبيان الخ هو معنى قوله ران الخ، وقوله: أدّى بهم ضمنه معنى أفضى فعداه بالباء والى وقيل: الباء زائدة، وما موصولة وهذا القول إشارة إلى قولهم: أساطير الأوّلين وقوله: بأن الخ بيان لما أدّى وسببه، وهو متعلق بقوله: بيان وقوله: بالانهماك فيه كان الظاهر فيها بعود الضمير للمعاصي فلذا أوّل وجعل الضمير للعصيان المفهوم منه، وقوله: ذلك الإشارة للحبّ، وقوله: فعمي عليهم أي خفي ولذا عدى بعلى كما مرّ وليس معناه هنا التبس لأنّ مقتضاه أن يقال: فعمي عليهم الحق والباطل، وليس المراد به هنا العمي المعروف حتى يستشهد له بقوله صلى الله عليه وسلم: " حبك الشيء يعمي ويصم ". قوله:) فإنّ كثرة الآفعال الخ) يعني أنه يحصل من تكرار الفعل ملكة راسخة لا تقبل الزوال وصفة للنفس قارّة فيها فبكثرة المعاصي يرسخ حبها في القلب بحيث لا يزول كالصدا الذي لا يزول بسهولة، فالرين أصل معناه الصد أو الوسخ القارّ شبه به حب المعاصي الراسخ في النفس فهو استعارة مصرّحة واليه أشار صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور، وفي التفسير للرين كما نقله القرطبي عن ابن حنبل والترمذيّ وقوله: يسود إمّا من التسويد فقلبه منصوب أو من الاسوداد فهو مرفوع فجعل حب المعاصي الراسخ كالصدا المسود للفضة، ونحوها: لستره للونه الأصلي كما أنّ هذا يغيره عن فطرته، ولذا ورد أنّ ذكر الله والاستغفار صيقل القلوب هذا هو المراد، وما قيل من أنّ الذنب لما شغل بغير الله جعل ما حصل منه سوادا أو ظلمة يمنعان الإدراك غفلة عن المراد وتفسير له بما لا يدل عليه كلامه، وقوله: بإظهار اللام لكونها من كلمة أخرى. قوله: (فلا يرونه بخلاف المؤمنين الخ) لما كان الحجاب هو الساتر من ستارة بر وغيرها كحائط استعير تارة لعدم الرؤية لأنّ المحجوب لا يرى ما حجب، وتارة للإهانة لأنّ الحقير يحجب ويمنع من الدخول على الرؤساء ولذا قالت العرب: الناس ما بين مرحوب، ومحجوب أي معظم ومهان وهو بمعانيه محال أن يتصف به الله فلا يصح إطلاقه عليه تعالى كما صرّحوا به وأنما يوصف به الخلق كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ} الخ فإذا أجرى على اسم من أسمائه تعالى فهو وصف سببيّ لا حقيقيّ بل للتشبيه للخلق وحجبهم عدم رؤيتهم له وهو حاضر ناظر لهم، والرؤية أثبتها أهل الحق فنفيها عمن حجبه من الكفرة والفجرة لا مطلقا. قوله: (ومن أنكر الرؤية الخ) كالمعتزلة، وأمّا عند أهل الحق فعلى ظاهره أو هو كناية عما ذكر من الإهانة والمانعون يجعلونه استعارة تصريحية أو تمثيلية لامتناع إرادة المعنى الحقيقي منه لأنّ تخصيص الحجب بهؤلاء يقتضي أنّ غيرهم غير محجوب فيراه، ولذا استدلّ به على ذلك وغيرهم أوّله بما ذكر، وقوله: أو قدر مضافاً الخ وهو منقول عن قتادة لكنه أراد عمومه للرؤية، وغيرها من ألطافه تعالى. قوله: (ليدخلون النار ويصلونها) هو من الدخول أو الإدخال ولا يتعين الثاني كما توهم، ومعنى يصلونها يحترقون بها لا بمعناه المعروف فإنه غير صحيح هنا مع الدخول وفي نسخة يصلون بها لأنه يتعدّى بنفسه وبالباء كما في القاموس لا لأنّ المعنى غير صحيح هنا كما توهم، وعدل عن الفعلية لأنه دخول! خلود فهو ثابت لا يتغير بعد الوقوع، ولما كان في المستقبل فسره المصنف بالمضارع ليناسب يقال المعطوف عليه لا على الجملة الاسمية وإن صح وقيل: إنه فسر بفعل مجهول من الإدخال ليوافق ما قبله من قوله: محجوبون ويحسن عطف يقال عليه وفيه نظر. قوله: (تقوله لهم الزبانية) أو أهل الجنة، وقوله: تكرير للأوّل في قوله: كلا إن كتاب الفجار فيكون هذا أيضاً ردعا عن التطفيف، وقوله: ليعقب الخ من عقبه بكذا إذا جاء به على عقبه، وقوله: إشعاراً الخ يعني عقب كلا في الموضعين بما بعده للإشعار بأنّ التطفيف فجور، وأنّ ضده برّ وتقوى كما يفهم من جعلهم أبراراً. قوله: (أو رع عن التكذيب) فلا يكون تكرارا والراح الزبانية أو غيرهم، وقوله: الكلام فيه ما مرّ من قوله: مسطور بين الخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 إلا أنه يبدل قوله ثمة لا خير فيه بلا شرّ فيه، وعليّ فعيل من العلو سمي به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي درجات الجنان أو لأنه مرفوع في السماء السابعة مع الملائكة المقرّبين تعظيماً له. قوله: (يحضرونه (على أنه من الشهود بمعنى الحضور، وقوله: فيحفظونه إشارة إلى أنّ الحضور عنده كناية عن حفظه في الخارج لا في العلم، والذهن كما توهم أو يشهدون على أنه من الشهادة فقوله: يشهدون معطوف على يحضرونه لا على يحفظونه كما توهم. قوله: (على الأسرة) جمع سرير وهو معروف، والحجال جمع حجلة بفتحتين وهو بيت مريع من الثياب الفاخرة يرخى على السرير يسمى بديارنا ناموسية، وقوله: إلى ما يسرهم لم يقل إلى أعدائهم ليكون ما في آخر السورة تأسيساً فلذا لم يفسره به كما في الكشاف، وقدر هذا بقرينة المقام والمتفرجات جمع متفرجة بصيغة المفعول وهو المكان النزه النضر ذو المياه والخضر، والناس يقولون تفرّج وتنزه إذا ذهب لمثل هذه الأمكنة، وإن لم يستعمله العربيّ القح، وما قيل من أنّ ينظرون بمعنى لا ينامون من تحريف الكلم كقوله: إنّ في تعرف ضميرا على الرفع وفي وجوههم الخ مبتدأ وخبر، وقوله: خالص أي صاف مما يكدر حتى القول. قوله: (مختوم أوانيها بالمسك مكان الطين) لأنّ الختام ما يختم به كما في الصحاح، وقوله: مكان الطين أي في مكانه بأن يجعل بدلاً عنه لأنه لا طين في الجنة وطينها مسك معجون، وأنما ختم بما هو على هيئة الطين ليكون على الشكل المألوف ولأنه يختم كل ما يكرم ويصان، ولذا قال: ولعله الخ فإنه لا حاجة لختمه وليس ثمة غبار أو ذباب أو خيانة ليصان عنه بالختم. قوله: (أو الذي له ختام أي مقطع) أي آخر فإنّ الختم كما يكون بمعنى جعل ما هو كالغطاء على الفم يكون بمعنى بلوغ الآخر، والخاتمة ما يقابل الفاتحة، وهي النهاية على معنى أنّ رائحته تظهر في الانتهاء كأنه للتلذذ والى الغاية إنما تدرك رائحته إذا انقطع الشرب والا فلا وجه للتخصيص والمقطع بفتح الميم الآخر هنا، وقوله: ما يختم به لأنّ فاعلاً بالفتح يكون اسم آلة كالقالب لكنه سماعي. قوله: (يعني الرحيق الخ) وهذا هو المناسب لما بعده، ولذا قدمه أو لما ذكر من أحوالهم والبعد لعلوّ المرتبة أو لكونه في الجنة، وقوله: فليرتغب المرتغبون افتعال من الرغبة أي يجتهد كل واحد في الرغبة فيه وسبق غيره إليه وهو تفسير بالأخفى، وقوله: وفي ذلك متعلق بقوله: فليتنانس، وقدم للحصر أي فيه لا في خمور الدنيا أو للاهتمام لكنه استشكل ذكر العاطف حينئذ إذ لا يصح وفليتنافس فقيل إنه بتقدير القول أي ويقولون لشدة التلذذ من غير اختيار في ذلك الخ، وقيل: هي على تقدير حرف الشرط أو توهمه وتقديم الظرف ليكون عوضا عنه ويشغل حيزه وهو الأحسن، واعلم أنّ المنافسة فسرت بالمبادرة إلى كمال تشاهده من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فتكون أنفس منه أو مثله وهو من شرف النفس وعلوّ الهمة والفرق بينه وبين الحسد ظاهر. قوله: (علم لعين بعينها) في قوله بعينها لطف لا يخفى كما في قول الدماميني رحمه الله تعالى: بداوقدكان اختفى وخاف من مراقبه فقلت هذاقاتل بعينه وحاجبه ولا يلزم منع صرفه للعلمية والتأنيث لأن العين مؤنثة إذ هي قد تذكر بتأويل الماء والنهر ونحوه وفي قوله: بعينها إشعار بذلك لأنّ التأنيث في العين لفظي فتأمّل. قوله: (سميت تسنيماً الخ) يعني انه في الأصل مصدر سنمه بمعنى رفعه، ومنه السنام فسميت به لأنها كما قيل: تجري في الهواء فكأنها مرتفع أو لرفعة من يشربها وهذه مناسبة للوضع فليس إشارة إلى التجوّز فيه. قوله: (فإنهم يشربونها صرفاً) الضمير للمقرّبين فشرابهم صرف التسنيم لاشتغالهم عن شرب الرحيم المختوم بمحبة الحيّ القيوم كما قيل: شربنا على ذكر الحبيب مدامة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم وقوله: على المدح بأعني مقدوة، أو الحال من تسنيم لأنه علم ولا يضرّه كونه جامداً لتأويله بمشتق كجارية مع أنه غير لازم، وقوله: والكلام في الباء الخ من كونها زائدة أو بمعنى من أو صلة الامتزاج أو الالتذاذ. قوله تعالى: ( {كَانُواْ} الخ) قيل: الجمع بين الماضحي والمضارع وتعريف اليوم يدل على أنهم في نعيم الآن، وفيه نظر وقوله: متلذذين بالسخرية قدره لدلالة ما قبله عليه، وقوله: وما أرسلوا الخ هو استهزاء وتهكم بهم، وقوله: فاليوم الخ التفريع للدلالة على أنه جزاء سخريتهم في الدنيا. قوله: (هل أثيبوا) ثوّبه وأثابه بمعنى جازاه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 والاستفهام للتقرير وقال الإمام: الأولى حمله على التهكم فالتقدير يقولون: هل الخ، وقوله: ما كانوا فيه مضاف مقدر أي ثواب ما الخ وما مصدرية أو موصولة، وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع تمت السورة والحمد دلّه وحده، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه. سورة ا لانشقاق ويقال: سورة انشقت ولا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها، قيل: وترتيب هذه السور الثلاث ظاهر لأنّ في انفطرت تعريف الحفظة الكاتبين وفي المطففين مقرّ كتبهم، وفي هذه عرضها في القيامة. بسم الله الرحمن الرحبم قوله: (بالنمام) قد مرّ بيانه، وقوله: كقوله الخ إشارة إلى أنّ القرآن يفسر بعضه بعضا، وهذا مأثور عن ابن عباس ولولاه لكان تركه هنا أولى لأنّ في اختيار الانفعال ما يدل على كمال القدرة والانقياد حتى كأنها غنية عن الشق، وقال الزجاج: تنشق بهول القيامة قيل: وهو لا ينافي كونه بالغمام، والمجرّة كالمضرّة في الآثار إنها باب السماء وأهل الهيئة يقولون إنها نجوم صغار مختلطة غير متميزة في الحس. قوله: (استمعت الأنه من الإذن قال: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بشرّ عندهم أذنوا وهو مجاز عن الانقياد والطاعة، ولذا فسره بقوله: أي انقادت، وفي نسخة وانقادت وهما بمعنى، وقوله: المطواع هو الشديد الطاعة لأنه صيغة مبالغة، وقوله: يذعن أي ينقاد، وأمّا الإذعان بمعنى الإدراك فليس من كلام العرب، وإن كان له وجه من المجاز، وليس في قوله: انقياد المطواع الخ إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية كما توهم فإنها تبعية مصرّحة كما لا يخفى. قوله: (وجعلت حقيقة بالاستماع) قال المعرب الأصل حق الله عليها بذلك أي حكم عليها بتحتم الانقياد وحفيقة بمعنى جديرة وخليقة، وقوله: بسطت المراد ببسطها توسعتها من غير ارتفاع وانخفاض ولذا فسره بقوله: بان الخ، وقوله: آكامها بالمدّ جمع أكمة وهو التراب والأرض المرتفعة دون الجبال. قوله: (ما في جوفها الخ) من فسره بهذا لا يقول بأنّ إلقاء الكنوز إذا خرج الدجال ولو سلم فإنما يكون عاماً يوم القيامة وظهور بعض الكنوز قبله لا ينافيه فلا يرد عليه أنه عند خروح الدجال لا يوم القيامة، وأمّا القول بأنّ يوم القيامة وقت متسع يجوز أن يدخل فيه، وقت خروجه فما لم يقل به أحد ممن له تمييز. قوله: (وتكلفت الخ) تفعل هنا للتكلف كتحلم وقصد به المبالغة مجازاً لأن المتكلف للشيء يبالغ فيه ليظهر، ويتوهم أنه جبليئ كما بينوه في قوله: توجد. قوله.) في الإلقاء والتخلية الم يقل والتخلي لما فيه من الإيهام القبيح فإنه اشتهر استعماله في التغؤط، ومن لم يتنبه لهذا قال الأظهر: أن يقول التخلي والمراد أن هذا وإن أسند إلى الأرض فهو بفعل الله وقدرته ولا وجه لما قيل، والامتداد أيضاً لأنه لم يسند للأرض. قوله: (للأذن) الظاهر مما قبله أن يقول بالأذن، وقوله: بنوع من القدرة لأن تشقيق الأجرام العلوية نوع وتسوية البسيطة السفلية نوع آخر. قوله:) وجوابه محذوف الخ) اختلف المعربون في إذا هذه فقيل ليست بشرطية وعاملها مقدر أي اذكر أو هي مبتدأ كما بينه السمين، وقيل: شرطية جوابها محذوف، وقيل: مذكور فقيل: هو أذنت والواو زائدة أو فملاقيه كما سيأتي، وقيل: يا أيها الإنسان على حذف الفاء أو بتقدير يقال وعلى التقدير قيل: تقديره تعبثتم، وقيل: تقديره لاقى كل إنسان كدحه وقيل: هو ما صرّح به في سورتي التكوير والانفطار، وهو قوله: علمت الخ وعلى هذا العامل الشرط أو الجزاء على الخلاف فيه، وقوله: للتهويل فتقديره كان ما كان مما لا يفي به البيان. قوله: (لاقى لإنسان كدحه) قيل: أي جزاء كدحه من خير أو شز أو لاقى كدحه بنفسه لوجوده في صحيفته، أو لشهادة أعضائه ونحوه فإن الشيء له وجود في التلفظ به والكتابة وعلى هذا ما بعده تفصيل له، ويجوز عود ضمير ملاقيه للرب لكن هذا وإن ذهب إليه بعضهم لا يلائم كلام المصنف كما ستراه عقبه. قوله: (أي جهداً يؤثر فيه من كدحه الخ) تفسير للجواب على أنه لاقى كدحه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 والجهد بالضم التعب فالمعنى أنه لاقى تعباً ونصباً مؤثراً فيه غاية التأثير لما يرى من هول القيامة، وما يخشى من الحساب والعقاب فلا يقدر فيه مضاف ولا يصح تفسيره بما في القول السابق إلا أن يكون الجهد بفتح الجيم، ويفسر بالجد في العمل والمضبوط خلافه، وقوله: من كدحه الخ بيان لمعناه الوضعي وهو الخدش في الجلد أي تخريقه خروقا صغيرة فاستعير للجد في العمل، وللتعب بجامع التأثير في ظاهر البشرة فيهما كما أشار إليه الزمخشريّ. قوله:) أو فملاقيه (أي جواب إذا قوله: فملاقيه كما ذهب إليه الأخفش فيكون تقديره فهو ملاقيه ونحوه فيكون جملة فيصلح لأن يكون جواباً لإذا فإنه قد يقترن بالفاء وعلى هذا الأخير فجملة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ} الخ جملة معترضة بين الشرط والجزاء، وعلى غيره فقوله: فملاقيه معطوف على ما قبله بلا اعتراض، وضمير إليه وجزائه للرب أو للعمل. قوله: (سهلاَ) فسر. بقوله: لا يناقث! فيه أي لا يدقق في حسابه فإنّ (من نوقش الحساب عذب) كما ورد في الحديث وهو الحساب الحقيقي، وأمّا هذا فعرض كما ورد في الحديث، وأصل المناقثة إخراح الشوك من الجسد بإبرة وهو صعب جدّاً، وقوله: أي يؤتى كتابه بشماله الخ فالمراد بهما واحد ولا منافاة بين الإيتاء من وراء الظهور، وكونهم من أهل الشمال، وفي قوله: يؤتى إشارة إلى أن أوتى بمعنى المضارع وعبر به للتحقيق، وقوله: قيل الخ وجه للتوفيق وجعل يسراه كذلك بثنيها وخلعها والعياذ بالله، ثم إنّ هذا إن كان في الكفرة وما قبله في المؤمنين المتقين فلا تعرّض هنا للعصاة كما ذصب إليه أبو حيان، وقيل: إنه لا بعد في إدخالهم في أهل اليمين إمّا لأنهم يعطون كتبهم باليمين بعد الخروج من النار أو قبلها فرقا بينهم وبين الكفرة كما قيل فإن قيل: إنهم يعطونها بالشمال فتميز الكفرة بكونه من وراء الظهور كما مرّ، وهو الظاهر فتدبر. قوله: (إلى عشيرته) التفاسير على أنّ الأهل بمعنى الأقارب كما في الأوّل أو القوم مطلقاً كما في الثاني أو الزوجة كما في الثالث ومن لم يفهمه اعترض بأنه لا وجه للترديد فيه. قوله: (يتمنى الثبور) فالدعاء بمعنى الطلب وخصه بالتمني لاستحالته في الواقع بعد تقرير الخلود، وقوله: ويقول الخ إشارة لكيفية تمنيه فإنّ نداء ما لا يعقل يراد به التمني فسقط ما قيل من أنّ الدعاء إمّا بمعنى طلب التمني أو هو طلب بالنداء فكان عليه أن يعطفه بأو فتأمّل. قوله: (وقرئ ويصلي الخ) هو بضم الياء من الأفعال، وما قبله من التفعل والتصلية الإحراق وأمّا من الصلاة فنادر غير مشهور وإن سمع ونقله أهل اللغة، وقوله: في القاموس لم يسمع خطأ وإن تبعه كثير، وقوله: في الدنيا قيد مبين للمراد بقرينة خارجية أو هو تفسير لقوله: في أهله باعتبار لازمه، وقوله: بطراً بالمال الخ بيان لمعنى سروره في أهله على وجه يكون به ذماً له، وقوله: فارغاً عن الآخرة هو معناه اللازمي فهو كناية عنه. قوله: (لن يرجع إلى الله تعالى الإنكاره البعث وأمّا كونه بالموت فلا وجه له والحور معناه الرجوع، وخص بما ذكر بقرينة المقام، وقوله: إيجاب لما بعد لن ومعناه يرجع فيبعث ويجازي كما دلّ عليه قوله: إنّ ربه الخ وقوله: عالماً تفسير لقوله: بصيراً، وقوله: فلا يهمله الخ هو المراد منه بطريق الكناية وقد مرّ مرارا. قوله: (فلا أقسم) الفاء في جواب شرط مقدّر أي إذا عرفت هذا أو إذا تحققت الرجوع بالبعث فلا الخ، وقوله الحمرة الخ هذا هو المعروف حتى قيل: إنّ أبا حنيفة رحمه الله رجع عن كونه بمعنى البياض وقوله: سمي به هو على الوجهين، وقوله: من الشفقة وهي رقة القلب بالترحم والانعطاف، وفي الكشاف ومنه الشفقة وهما متقاربان لأنّ المراد الأخذ أو الاشتقاق الكبير وكل منهما مأخوذ من الآخر إلا أنّ المصنف لشهرة الشفقة جعلها أصلا، والزمخشريّ لأنها رقة معنوية جعلها فرعا للحسية وهو الأظهر ثم إنّ ما أقسم به مناسب للمقسم عليه لما فيه من الانتقال من حال إلى آخر. قوله تعالى: ( {وَمَا وَسَقَ} ) ما فيه تحتمل الموصولية والمصدرية، وقول المصنف وما جمعه على أنها موصولة عائدها مقدر، وأصل الوسق الجمع ولذا قيل وسق للحمل المعروف لاجتماعه على ظهر البعير فأريد به هنا ما ستره الليل بظلمته لأنه لاشتمال ظلامه عليه كأنه جمع فروعا منه، وقوله: فاتسق الخ يعني أنّ افتعل واستفعل بمعنى وكل منهما مطاوع فإنهما وردا كذلك في كلام العرب كما بيته الزمخشري. قوله: (مستوسقات الخ (هو عجز بيت من الرجز وهو: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 إنّ لنا قلائصا حقائقا مستوسقات لويجدن سائقا والشاهد فيه ورود مستوسقات بمعنى متسقات أي مجتمعات وقلائص جمع قلوص، وهي الناقة الفتية وحقائق جمع حقاق جمع حقة، وهي الناقة الداخلة في الرابعة ولو للتمني أو بمعناها المعروف. قوله: (أو طرده الخ (معطوف على قوله ة جمعه على أنّ الوسق بمعنى الطرد وهو بمعنى المخلوقات أيضا لأنها تذهب إلى مقرّها في الليل فكأنه يطردها له، والوسيقة بمعنى المطرودة لأنها الإبل المسروقة وهي تساق وتطرد، وقوله: وتم بدراً تفسير لقوله: اجتمع فإنه المراد به كما يقال حال متسقة بمعنى تامّة. قوله: (حالاً بعد حال) هو تفسير لحاصل المعنى المراد منه فهو شامل للوجهين في عن فإنه قيل إنها للمجاوزة وقيل: بمعنى بعد والبعدية والمجاوزة متقاربان لكنه ظاهر في الثاني، وقوله: وهو أي طبق معناه ما طابق غيره مطلقاً في الأصل، ثم إنه خص في العرف بما ذكره وهو الحال المطابقة أو بمراتب الشدة المتعاقبة فعلى الأوّل المراد حال توافقكم بحسب أعمالكم، وعلى الثاني المراتب ما ذكر من الموت وما معه، وقوله: أو هي أي المراد هنا المدّكورات كلها ودواهي الدنيا السابقة عليها، وقوله: على أنه أي طبق جمع طبقة كتخم وتخمة أو هو اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة، وأهل اللغة يسمونه جمعا وإن فرق النحاة بينهما كما هو معروف في النحو، وقوله: أو مراتب معطوف على قوله: حا لاً وقوله: وهي راجع للمراتب، والموت مرتبة أو جعله مراتب لأنه جامع لأمور كثيرة تعد مراتب، وقوله: وأهوالها التي في مواطنها فليس تفسيراً للمواطن كما توهم. قوله: (باعتبار اللفظ) فإنه مفرد وإن أريد به الجنس الذي هو جمع معنى فقد روعي في القراءتين جانب اللفظ، والمعنى أو الخطاب الإفرادي في هذه القراءة للنبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه يزاد عليها شريفة بعد أخرى من مراتب القرب أو هو تبشير بالمعراج فهو جمع طبقة، ويجوز أن يراد مراتب من الشدّة في الدنيا باعتبار ما يقاسيه من الكفرة ويعانيه في تبليغ الرسالة. قوله: (وبالكسر) أي قرئ بكسر الباء الموحدة على تأنيث الإنسان المخاطب باعتبار النفس، وقوله: على الغيبة يعني في قراءة الياء التفات من خطاب الإنسان إلى الغيبة وقوله: وعن طبق الخ أي هو إمّا صفة أي طبقاً مجاوز الطبق أو كائنا بعد طبق أو حال من الضمير في قوله: لتركبن، ولذا فسره بقوله: مجاوزاً على قراءة الإفراد ومجاوزين على قراءة الجمع ولو زاد أو مجاوزة على قراءة كسر الباء كان أتمّ لكنه أحاله إلى القياس فلا غبار عليه كما توهم، وقيل: الأوّل على الوصفية والثاني على الحالية فاقتصر على أحد الوجوه فيها وهو وجيه، وأمّا نصب طبقاً فعلى التشبيه بالظرف أو الحالية والذي في الكشاف إنه مفعول به على جعل الحال مركوبة مجازاً. قوله تعالى: ( {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ) قال الإمام: هو استفهام إنكاريّ ومثله يذكر بعد ظهور الحجة وهو هنا كذلك لأنّ ما أقسم به من التغيرات العلوية والسفلية يدل على خالق عظيم القدرة فيبعد ممن له عقلى عدم الإيمان به، والانقياد له كما فصله وأطال فيه فلينظر. قوله: (لا يخضعون (فالسجود تجوّز به عن الخضوع اللازم له أو المراد به ظاهره فالمراد بما قبله قرئ القرآن المخصوص، أو وفيه آية سجدة وقوله: لما روي الخ دليل للتفسير الثاني إلا أنّ العراقي وابن حجر قالا إنّ هذا الحديث لم يثبت فقوله: واحتج به إن أراد بالحديث كان الاحتجاج غير تام لأنّ الحديث لم يثبت ولو ثبت لم يدلّ على الوجوب، وإن أراد بما وقغ في هذه الآية أو بالآية وتذكير الضمير لأنها قرآن ففيه أيضا بحث كما قيل إلا أن الإنكار يدل في الجملة عليه، ولذا قال الشافمي رحمه الله الإنكار لطعنهم في السجود، وقول أبي هريرة ما سجدت الخ للردّ على ابن عباس فإنه ذهب إلى أنّ المفصل ليس فيه سجدة تلاوة والمفصل فيه أقوال ثلاثة فقيل: هو من القتال وقيل من الفتح، وقيل: من الحجرات قال في الكشف وهو الأصح. قوله: (بما يضمرون الخ) على التشبيه بالوعاء فهو استعارة وعلى هذا فهو في حق المنافقين ويبعده كون السورة مكية، ولذا قيل: المراد بما يضمرونه حقية الدين وإن أخفوه عنادا ولا بعد فيه كما قيل وليس في النظم ما يأباه فتدبر. قوله: (استهزاء بهم (حيث جعل العذاب مبشراً به، وقد مز تحقيقه في البقرة وقوله: أو متصل الخ على أنّ المراد بمن آمن من أسلم من هؤلاء الكفرة فآمنوا باعتبار ما مضى أو بمعنى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 يؤمنون والأوّل أظهر، ولذا اقتصر عليه الزمخشري وهو المناسب لما بعده وقوله: مقطوع فهو من المن بمعنى القطع أو من المنة بمعنى الإحسان والإنعام، وقوله: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث موضوع، وقوله: فيه أن يعطيه بتقدير الجار أي من أن يعطيه تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على خير خلقه وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة البروج لم يذكر خلاف في مكيتها ولا في عدد آياتها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (يعني البروج الاثني عشر) المعروفة فالمراد بالسماء السموات كلها أو جنسها الشامل لكل سماء لأنّ البروج فيها أو السابعة، والفلك الأعلى وهو فلك الأفلاك وهو العرش في لسان الشرع، أو سماء الدنيا لأنها تعرف منها فهو كقوله: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [سورة الملك، الآية: 5] . قوله: (شبهت بالقصور الخ) يعني أنّ أصل معنى البرج الأمر الظاهر من التبرّج، ثم صار حقيقة في العرف للقصور العالية لأنها ظاهرة للناظرين، ويقال: لما ارتفع من سور المدينة برج أيضاً وأمّا بروج السماء بالمعنى المعروف منها، وإن التحق بالحقيقة والعرف العام أيضا وعند المنجمين فهو في الأصل استعارة فإنها شبهت بالقصور لعلوّها ولأنّ النجوم نازلة فيها كسكانها ففيه استعارة مصرّحة تتبعها مكنية، وقول الطيبي إنه شبه الفلك بسور المدينة فاثبت له البروج غير مناسب لما ذكره الشيخان هنا نعم هو وجه آخر. قوله: (أو منازل القمر) أي التي سبق بيانها في سورة يس، وقوله: لظهورها لأنّ أصل معنى البرج الظاهر كما مرّ، وهو تعليل لإطلاقها على عظام الكواكب فقط لأنّ البروج غير ظاهرة حساً، وكذا المنازل بالنسبة للعامة، وقوله: أبواب السماء الواردة في لسان الشرع والأحاديث الصحيحة وقوله: فانّ النوازل تخرج منها أي مع الملائكة فجعلت مشبهة بقصور العظماء النازلة، أو أمرهم منها أو لأنها لكونها مبدأ للظهور وصفت بالظهور مجازاً في الطرف لا في النسبة كجري النهر كما قيل لأنه بعيد متكلف كما لا يخفى. قوله: (ومن يشهد في ذلك اليوم الخ) ذكروا فيه وجوها مبناها على أنه من الشهادة على الخصم أو من الشهادة بمعنى الحضور ضد المغيب فهو على الوجه الأوّل من الحضور والشاهد الخلائق المبعوثون يوم القيامة، والمشهود أهوال ذلك اليوم وعجائبه المشاهدة فيه فيكون الله أقسم بيوم القيامة، وما فيه تعظيما لذلك اليوم وتهديداً لمنكريه. قوله:) وتنكيرهما الخ) المراد بالوصف مطلق أحوالهما أو الشهادة والمراد الثاني هنا فتنكيره وتنويته للتعظيم للوصف كأنه قيل ة شهادة لا يحيط بها نطاق البيان. قوله: (أو المبالغة في الكثرة) فالتنوين للتكثير، وهدّا كما مرّ بيانه في قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [سورة التكوير، الآية: 4 ا] وأخره مع تقدمه في الكشاف لأنّ عموم النكرة في الإثبات مخالف للمعروف المقرّر في العربية وقيل: لأنه لا يتأتى فيما بعده وفيه إنه لو قصد إجراؤه فيما بعده أخره فكيف يلزم بما لم يرده. قوله: (أو النبئ) أي نبينا عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وسلام لقوله: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} [سورة النساء، الآية: 41] فالمشهود عليه أمّته وهم يشهدون على سائر الأمم وفي نسخة أو أمّته وسائر الأمم وهي أحسن لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سورة البقرة، الآية: 143] وكل نبيّ يشهد على أمّته، وهو ظاهر والشهادة في هذه الوجوه بالمعنى الأوّل، وقوله: أو عكسه فإنه على ما قبله الشاهد الله لأنه مطلع وناظر لعباده، والخلق كلهم شهود فإذا عكس فالشاهد الخلق لأنهم مقرون بوجوده بل أدلة على وحدانيته والمشهود به هو الله جل وعلا، وقوله: وهو شاهد وفي نسخة فهو شاهد. قوله: (أو يوم النحر او عرفة) فهو شاهد لمن نحر فيه أو وقف، وقوله: والحجيج هو المشهود عليه فيهما وهو جمع حاح أو اسم جمع له، وقوله: المجمع بالتشديد وصيغة اسم الفاعل وهو من يحضر الجمعة ويصليها وفي نسخة الجمع وفسر بمزدلفة وفيه أنه علم لا تدخله اللام فالله تعالى قادر على أن يحضر هذا اليوم ويجسمه ليشهد على أهله. قوله: (قيل إنه بجواب القسم الخ) فجملة قتل خبرية لا دعائية، وإن جاز ذلك أيضاً على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 التأويل وما ذكره بناء على المشهور عند النحاة من أنّ الماضي المثبت المتصرّف الذي لم يتقدم معموله تلزمه اللام، وقد في غير الاستطالة مطلقاً من غير شذوذ فإن لم يقترن بها يقدر كقوله: حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموافما إن من حديث ولا صالي وقيل: إنها لا تقدر في مثله على تفصيل في شرح التسهيل لا تمس الحاجة له هنا. قوله: (والأظهر الخ) لأنّ هذه الجملة دعائية على من تقدم، ولا يناسب القسم عليها وقوله: كما لعن إشارة إلى أنّ قتل عبارة عن أشد اللعن والطرد كما مرّ، وقوله: فإن السورة الخ تعليلى لكون هذا التقدير أظهر فإنّ سبب النزول يقتضي أنّ المقسم عليه ما يتعلق بكفار قريش، ويناسب ما ذكر فيليق تقدير هذا المذكور كما لا يخفى. قوله:) ونحوهما) الظاهر ونحوها على أنه ضمير الأرض، ووقع في النسخ بالتثنية فقيل: إنه اعتبر فيه تقديم العطف على الربط وفيه نظر والحق بالضم، والإهمال والا حقوق بضم الهمزة الشق المستطيل في الأرض جمعه أحاقيق، وقوله: كبر بكسر الباء زاد سنه وشاخ، وقوله: فقتلها أي فرماها فقتلها وجليس الملك نديمه، وقوله: فقده بالمنشار بالنون والشين المعجمة وفيه تقدير يعلم من السياق أي فكلفه الرجوع عن دينه فلم يرجع فقده الخ، وقوله: فدعا الضمير فيه للغلام أي دعا الله عليهم، وقوله: فرجف ببناء المجهول أي اهتز حتى رمى من عليه، وقوله: ليغرّق بتشديد الراء، وبناء المجهول أيضاً وانكفأت بالهمزة أي انقلبت على من فيها، وقوله: كنانتي هي جعبة السهام وهي معروفة، وقوله: فتقاعست أي تأخرت عن جانب النار لتتقيها، وقوله: فاقتحمت بالحاء المهملة أي رمت نفسها بسرعة في النار وهذا الحديث صحيح لكنه فيه زيادة وقعت في بعض طرقه، وقوله: أحل نكاح الأخوات الخ لأنه نكح اختاله فقالت له: قل ذلك لئلا يلحقها العار، وقوله: نجران هي بلاد باليمن وتنصر أي دخل في دين النصارى، وذو نواس بضتم النون وفتح الواو وفي آخره سين مهملة ملك من ملوكهم سمي به لأنّ له ذؤابتين ينوسان أي يتحرّكان على عاتقه وحمير بزنة درهم بالحاء والراء المهملتين اسم ملك اليمن، وقوله: فأحرق في النار بعد أن دعاهم إلى دين اليهودية فمن لم يجبه أحرقه. قوله:) بدل من الآخدود بدل الاشتمال (والرابط مقدر أي فيه أوال بدل من الضمير أو لأنه معلوم اتصاله به، فلا يحتاج لرابط وكذا كل ما يظهر ارتباطه فيما قيل. قوله:) صفة لها بالعظمة (أي بشدة احتراق من فيها ووجه إفادته للمبالغة أنه لم يقل موقدة بل جعلها ذات وقود أي مالكة الوقود، وهو كناية عن زيادته زيادة مفرطة لكثرة ما يرتفع به لهبها وهو الحطب الموقد به لأنّ تعريفه استغراقي وهي إذا ملكت كل موقود به عظم حريقها ولهبها، وقوله: للجنس لا ينافيه لأن الجنس يجامع الاستغراق كما سبق، وما قيل من أنه لا يقال ذو المال إلا لمن كثر ماله غير مسلم، وقوله: ذو النون يأباه. قوله:) على حافة النار) حافة بحاء مهملة وفاء مشددة الجانب يعني أنه بتقدير مضاف إذ كونهم على النار حقيقة غير متصوّر، أو هو المراد منه بدون تقدير يقال: قعد على النار بمعنى قعد على مكان قريب منها كما قال: وبات على النار الندى والمحلق كما أشار إليه في الكشاف، وقوله: وهم على ما يفعلون الخ ضمميرهم لأصحاب الأخدود والموقدين له فشهادتهم إما لهم بأن يشهد بعضهم لبعض إنه لم يقصر في خدمته في الدنيا أو شهادتهم عليهم في القيامة. قوله: (وما أنكروا) قال الراغب: نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته إمّا باللسان وامّا بالعقوبة، ومنه الانتقام انتهى. قوله: (استثناء على طريقة قوله: ولا عيب فيهم (وهو من قصيدة للنابغة أوّلها: كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب وهو نوع من البديع يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذمّ وهو معروف في كتب المعاني، وهاهنا بحيث ذكروه وهو أنّ الشاعر يعرف أنّ الفلول ليست مما يعاب بخلات الكفرة فإنهم يرون الإيمان أمرا منكراً فالاستثناء فيه على ظاهره وليس مما ذكر في شيء فكيف جعله الزمخشري منه، وتبعه من بعده ويدفع بأنه منه على كل حال لأنّ المنكر المذكور هنا لا يخلو حاله من أن يكون مشركا أو معطلاً منكرا للصانع رأسا كما يدل عليه ما مرّ من القصص فعلى الأوّل ليس المنكر هو الإيمان بالله بل نفي ما سواه وعلى الثاني هم لا يقولون بأنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 موصوف بهذه الصفات يقصر إنكارهم عليه فحق التعبير حيمئذ ما أنكروا إلا نفي آلهتهم، أو ما أنكروا إلا إثبات معبود غير معبودهم لكن لما كان مآل الإنكار إنكار المعبود بحق الموصوف بصفات الجلال والإكرام عبر بما ذكر، وعدل عما هو مقتضى الظاهر إثباتا للمنكر في ضمن ذكر نفيه فهو من ذلك القبيل لأنه تأكيد الإثبات بما يشبه النفي واليه أشار في الكشاف، وشروحه فلا وجه لما قيل في دفعه من أنّ الإيمان بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شهيد شيء لا يمكن أن يكون عيبا عند أحد فلا بد لصحة الاستثناء من تنزيله منزلة العيب أي لو كان فيهم عيب كان هذا فيكون نهاية في نفي العيب هذا إذا كان المراد ما أنكروا إلا الإيمان بالله الموصوف في اعتقادهم، أمّا لو أريد الإيمان بالله الموصوف في الواقع بهذه الصفات فالاستثناء على ظاهر. من غير مرية، والفلول جمع فل بالفتح وهو الكسر في حد السيف أو مصدر كالقعود بمعنى الكسر فيه، والقراع المضاربة بآلات الحرب والكتائب بالمثناة جمع كتيبة وهي الجيش العظيم، وفي الحواشي هنا كلام لا معنى له فتركه خير من ذكره فتدبر. قوله: (غالباً الخ) تفسير للعزيز كما أنّ منعماً الخ تفسير للحميد إشارة إلى أنّ الحمد هنا بمعنى الشكرك فإنه غلب عليه في الاستعمال، وقوله: عزيزا غالبا يخشى عقابه وقع موزوناً من بحر الوافر لكنه لا يسمى شعر العدم القصد فيه، ومثله: كثير فلا يلتفت لما توهم من أنّ تغيير عبارة الزمخشبريّ لذلك، وقوله: وقرّر ذلك أي كونه غالباً مخشياً ومنعماً مرجواً لأنّ مالكيته لنا ولما معنا يدل على عظيم الأنعام ومن يفعل مثله يرجي أعظم رجاء: واني لأرجو الله حتى كأنما أرى بعيون الظن ما الله صانع ومن كانت له هذه القدرة، وهو عالم بأفعال عبيده فهو الغالب الذي يخشاه من يعزف العواقب، وقوله: للأشعار الخ متعلق بقوله: قرّر، وقوله: به تنازعه يستحق ويؤمن فهو مقرّر لما قبله ومثبت لوجوب الإيمان ولزوم الطاعة له. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ} الخ) قوله: فلهم خبر أنّ ودخلته الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط ولا يضرّه دخول إن كما ذهب إليه الأخفش وعذاب جهنم فاعل الظرف أو مبتدأ، وقوله: بلوهم بالأذى أي اختبروا ثباتهم على الإيمان بأذيتهم لهم وهو تفسير لقوله: فتنوا وبلوا من الابتلاء وهو الاختبار، وقوله: بكفرهم إشارة إلى أنّ عذاب الكفار يضاعف بما قارنه من المعاصي كما سيأتي تقريره. قوله: (العذاب الزائد في الإحراق) الزيادة من صيغة فعيل فإنهما للمبالغة، وهو بيان للتغاير بين المتعاطفين كما هو حق العطف ولا وجه لما قيل إنهما واحدا ولو جعل من عطف الخاص على العامّ للمبالغة فيه لأنّ عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما كان أقرب ويوضحه إضافة العذاب للحريق فلا حاجة إلى القول بأنها بيانية أو الحريق مصدر. قوله: (وقيل المراد بالذين فتنوا الخ) إشارة إلى أنّ الذي اقتضاه سبب النزول أن يراد بهم كفار قريش وأذيتهم لمن أسلم في ابتداء الإسلام أو الأعمّ منهم ومن أصحاب الأخدود فإنه تذييل لما قبله، وفي جعل الحريق جزاء الفتنة دقيقة تظهر لمن له ذوق ووجهه تمريضه ظاهر مما ذكرنا. لا لأنه لم ينقل أنّ أحداً منهم تاب كما أورده أبو حيان على الزمخشريّ في ترجيحه لهذا الوجه بمقتضى التذييل وقد عرفت توجيهه فتأمّل، وقوله تعالى: {ذَلِكَ الْفَوْزُ} الإشارة إلى كون ما ذكر لهم، وقوله: (إذ الدنيا) بيان لوجه وصفه بالكبير. قوله: (فإن البطش الخ) إشارة إلى ما في وصفه بالشدة من المبالغة، وقوله: يبدى الخ تفسير له بما صرّح به في غير هذه السورة أي ومن كان قادرا على الإيجاد والإعادة إذا بطش كان بطشه في غاية الشدّة، وبهذا ظهر تعليل هذه الجملة لما سبق وعلى ما بعده وهو أظهر وقيل في وجهه إنّ الإعادة للمجازاة فهي متضمنة للبطش، والأوّل أقرب وأسدوا ما جعل البدء والإعادة في الآخرة وإنه كقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [سورة النساء، الآية: 56] ففي غاية البعد. قوله: (لمن تاب) خصه به إمّا لمناسبة مقام الإنذار أو لما في صيغة الغفور من المبالغة فأصل المغفرة لا يتوقف على التوبة، وزيادتها بما لا يعلمه إلا الله للتائبين فلا يتوهم أنّ هذا لا يوافق مذهب أهل السنة، وإنه غفلة منه لاتباعه للزمخشريّ في مثله. قوله: (المحب لمن أطاع) ففعول مبالغة، وهو بمعنى اسم الفاعل لا المفعول على أنّ المعنى يحبه خلص عباد. لأنه خلاف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 الظاهر ومحبة الله ومودته بأنعامه وإكرامه إذ المحبة بالمعنى الحقيقي لا يوصف بها الله تعالى، وقد مرّ مرارا. قوله: (خالقه) تفسير لكونه صاحب العرش لأنه السرير، وهو في صفات غير الله بمعنى آخر وقوله: الملك هو بطريق الكناية أو التجوّز ولو جعل ذو العرش بمعنى الملك أيضا جاز، وقيل: إنه الأظهر، وقوله: صفة لربك فقوله: إنه هو جملة معترضة والفصل بين الصفة والموصوف بالخبر جائز لأنه غير أجنبي كما صرّح به ابن مالك، وإن خالف فيه ابن الحاجب فإنه قال: إنه شاذ. قوله: (فإنه واجب الوجود) هذا تعليل لعظمة الذات فإن واجب الوجود تستند إليه جميع الذوات وكل الموجودات، وتامّ القدرة والحكمة تعليل لعظم الصفات كلها لأنهما من أصولها لاقتضائهما إحاطة العلم وهكذا، وقوله: وجرّه الخ جزم في الكشاف على هذه القراءة بأنه صفة للعرش لأنّ الأصل عدم الفصل بين التابع والمتبوع فلا يذهب إليه من غير داع. قوله: (ومجده علوّه وعظمته) يعني إذا وصف به العرش فمجده بهذا المعنى كما ورد في الحديث من أنّ الكرسيّ بجنب العرش كحلقة فلا فلاة وإذا وصف به الله فالمراد سعة فيضه، وكثرة جوده كما فصله الراغب. قوله: (لا يمتنع عليه مراد الخ) أي هدّا دال على العموم وانه تعالى قادر على جميع ما يريد وفاعل له فإيمان الكافر وطاعة العاصي لو أرادهما أوجدهما، وهو رد على المعتزلة في قولهم: إنه تعالى يريد إيمان الكافر وطاعة العاصي على ما عرف من مذهبهم، ولذا عدل المصنف رحمه الله تعالى عما في الكشاف إلى ما ذكر وهو مشهور. قوله: (أبدلهما من الجنود الخ (ولما لم يطابق البدل المبدل منه في الجمعية لأنه بدل كل من كل قيل: هو على حذف مضاف أي جنود فرعون، وقيل: المراد بفرعون هو وقومه واكتفى بذكره عنهم لأنهم أتباعه قيل، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه ولا يرد عليه أيضا إنه تفسير للجنود فيعود الإشكال لأنه لو أبدل كان المعطوف عليه عين الجنود إلا أن يدعي أنّ البدل هو المجموع، وهو خلاف الظاهر بخلاف ما لو قدر أعني فإنّ المفسر المجموع، والفرق مثل الصبح ظاهر. قوله: (قد عوفت تكذيبهم للرسل وما حاق بهم) أي ما حل بهم يعني به إنّ المراد بما ذكر تسلية النبيّ غتي! وتهديد الكفار لأنه بيان لأنّ الحال مستمرة على ما يرى في جميع الأعصار، وقوله: لا يرعوون عنه أي لا ينتهون ويكفون عما ذكر يقال: ارعوى عن كذا إذا انزجر وتركه، قال الأزهرفي في التهذيب: قال الليث: يقال ارعوى فلان من الجهل ارعواء حسناً ورعوى، وقال أبو عبيد الرعوي: الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له وهو نادر في هذا الباب ولا يعلم في المعتلات مثله اهـ وعدم الكف من العدول عن يكذبون إلى جعلهم في التكذيب وأنه لشذته أحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه أو البحر بالغريق فيه مع ما في تنكيره من الدلالة على تعظيمه وتهويله، ولذا قال: أشد من تكذيبهم ففيه استعارة تبعية في كلمة في، وقوله: سمعوا قصتهم أي قصة فرعون وثمود وجنودهم، وقوله: رأوا آثار هلاكهم لأنهم كانوا يمرون بديار ثمود. قوله:) ومعنى الإضراب الخ) أي هو إضراب انتقالي للأشد كأنه قيل: ليس حال هؤلاء بأعجب من حال قومك فإنهم مع علمهم بما حل بهم لم ينزجروا، وقيل: الإضراب عن قصة فرعون وثمود إلى جميع الكفار وليس بشيء، وقوله: أعجب إشارة إلى ما في الاستفهام من معنى التعجيب هنا. قوله تعالى: ( {وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} ) فيه تعريض توبيخيّ للكفار بأنهم نبذوا الله وراء ظهورهم وأقبلوا على الهوى والشهوات بوجوه انهماكهم، وقوله: لا يفوتونه الخ إشارة إلى أنّ فيه استعارة تمثيلية وقوله: بل هو قرآن الخ إضراب عن شدة تكذيبهم، وعدم كفهم عنه إلى وصف القرآن بما ذكر للإشارة إلى أنه لا ريب فيه ولا يضره تكذيب هؤلاء. قوله: (صفة للقرآن) وكذا قوله: في لوح إلا أن فيه تقديم الصفة المركبة على المفردة وهو خلاف الأصل، وقوله: وهو الهواء يعني أنه قرئ في الشواذ لوج بضم اللام وهي قراءة ابن يعمر، وغيره وأصله في اللغة الهواء والمراد به هنا مجاز إما فوق السماء السابعة فلا يرد عليه شيء. قوله: (عن النبني صلى الله عليه وسلم الخ) حديث موضوع، وقوله: جمعة وعرفة بالتنوين وهو منصرف هنا لتنكيره، ولذا أضيف له كل، وإن كان قبل ذلك غير منصرف (تمت) السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على من أنزلت عليه وعلى آله وصحبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 سورة الطارق لم يذكروا خلافا في مكيتها وفي آياتها خلاف يسير لأنه قيل: إنها ستة عشر. بسم الله الرحيم الرحيم قوله: (والكوكب البادي الخ) المذكور في كتب اللغة أنّ الطارق من الطرق وأصل معناه الضرب بوقع وشدة يسمع لها صوت، ومته المطرقة والطريق لأنّ السابلة تطرقها، ثم صار في عرف اللغة اسماً لسالك الطريق لتصوّر أنه يطرقها قدمه، واشتهر فيه حتى صار حقيقة وأصلاً بالنسبة لما عداه فلا يرد على قوله في الأصل الخ أنّ أصل معناه القرع والوقع دون ما ذكر وتسمية الآتي ليلاً طارقاً لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها، وقوله: للبادي أي للكوكب البادي. قوله: (المضيء) أصل معنى الثقب الخرق فالثاقب الخارق، ثم صار بمعنى المضيء كما في قوله: نظم الجزع ثاقبه وقد يخص بالنجوم والشهب، ولذا قيل في توجيه الإطلاق على ما ذكر أنه لتصوّر أنه ثقب الظلام أو الفلك فقوله: أو الأفلاك معطوف على الظلام ضد الضوء. قوله: (والمراد الجنس) أي بالنجم الثاقب على أنّ تعريفه للجنس، أو كوكب معروف بالثقب وشدّة الإضاءة على أنّ تعريفه للعهد، وقوله: زحل بوزن عمر ممنوع من الصرف ودخول أل عليه علم للكوكب المعروف من زحل بمعنى بعد لأنه أبعد الكواكب السيارة أي أعلاها، وقال الإمام: أنّ الثاقب غلب عليه كما غلب النجم على الثريا إمّا لأنّ ضوءه يثقب سبع سموات أو هو من ثقب بمعنى ارتفع كما ذكره الفراء لأنه أرفع السيارة مكانا فثقب يكون بمعنى أضاء وارتفع، وترك ما في الكشاف من تفسيره بالشهاب الساقط على الشيطان لظهور أنه لا يختص به. قوله: (عبر عنه أوّلاً الخ) يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال: ابتداء والنجم الثاقب لأنه أخصر وأظهر فعدل عنه تفخيما لشأنه فأقسم بما يشترك فيه هو، وغيره وهو الطارق ثم سال عنه وفسره بما ذكر للتفخيم الحاصل من الإبهام، ثم التفسير ومن الاستفهام. قوله: (أي إنّ الثأن الخ) هذا على قراءة التخفيف وعني به أنّ إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدّر، وكل نفس مبتدأ وعليها حافظ خيره، وما زائدة واللام هي الفارقة، وسماها المصنف فاصلة وهو مخالف للمعروف في اصطلاح النحاة إلا أنّ المعنى واحد، وقد قيل إنه لا حاجة لتقدير ضمير الشأن فإنه في غير المفتوحة ضعيف وأيضا يلزمه دخول اللام الفارقة على جزء الجملة الخبرية الثاني، والمعروف دخولها على الأوّل كما في حواشي التسهيل. قوله: (حافظ رقيب) الحافظ الكاتب أو مطلق الملائكة الحفظة أو الله إلا أنّ قول المصنف بعد. فلا يملي على حافظه إلا ما يسره يدل على أنّ المراد الأوّل، وقوله: فإنّ هي المخففة الخ هذا على أحد المذهبين المشهورين فيها وقيل: إنها نافية واللام بمعنى إلا قال أبو حيان وهي لغة لهذيل نقلها الأخفش. قوله: (على أنها) أي لما المشددة بمعنى إلا الاستثنائية وأنكره الجوهريّ، ورده غيره بأنه لغة لبعض العرب ثابتة، وقال الرضي: لا تجيء إلا بعد نفي ظاهر أو مقدر ولا يكون إلا في المفرغ فالخبر هنا محذوف والتقدير ما كل نفس كائنة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكون عليها حافظ ورقيب، وقوله على الوجهين لأنّ القسم كما يتلقى بأن المؤكدة يتلقى بأن النافية كثيرا كما قرّر في النحو وكل على هذا مؤكدة لأنّ نفس حينئذ نكرة في سياق النفي فتعم. قوله: (لما ذكر الخ الأنه إشارة إلى تفرع هذا على ما قبله وتوجيه لاقترانه بالفاء وليست فصيحة، وقوله: إلا ما يسره ضمير المفعول للإنسان أي ما يسر الإنسان إذا رآه وقت نشر الصحف كما قيل: وأخجلني وصحائفي سود غدا وتطلعي فيها شبيه القاري أو هو للحافظ لأنه قيل: إنه تسوءه السيئات في وقت الكتابة ويود انها لم تكن والأوّل أظهر. قوله: (جواب الاستفهام) وإن تعلق بقوله: فلينظر لأنّ المراد أنه في صورة الجواب فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متعلق به أو يقدر استفهام آخر قيل وفيه دليل على مذهب المتكلمين من أنّ الإنسان اسم لهذا الجسم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 المخصوص وأنّ الإعادة له لا للروح المجرّدة، وفيه بحث. قوله: (بمعنى ذي دفق) إشارة إلى أنّ الماء مدفوق لا دافق فلذا قيل: إنّ اسم الفاعل بمعنى المفعول كما أنّ المفعول يكون بمعنى الفاعل كحجاباً مستوراً كما مرّ، وهو كلام ظاهري والصحيح أنه بمعنى النسبة كلابن وتامر أي ذي دفق وهو صادق على الفاعل والمفعول، أو هو مجاز في الإسناد فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية كما ذهب إليه السكاكيّ أو مصرّحة بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضا أي يدفعه كما أشار إليه ابن عطية. قوله: (وهو) أي الدفع صبّ فيه دفع، والنطفة لا توصف بالصب إلا بأحد الوجوه السابقة، وما نقل عن الليث من أن دفق بمعنى انصب فدافق بمعنى منصب من غير تأويل قالوا الصحيح إنه لم يثبت كما صزج به صاحب القاموس وغيره، وقد يقال: إنه بيان لحاصل معناه في الآية لأن أهل اللغة لا يفرقون بين الحقيقة والمجاز فلا وجه لنقله هنا مع التصريح بما ذكر. قوله: (والمراد الممتزج من الماء ير ني الرحم (فصارا بالامتزاج ماء واحداً فلذا فال تعالى: من ماء ولم يقل من ماءين مع أن الإنسان لا يخلق من ماء واحد ولذا كان روح الله عيسى صلى الله عليه وسلم توالده خارق للعادة كما ذكره الحكماء، وقوله: لقوله يخرج الخ إشارة إلى أن الترائب مخصوص بالمرأة كما قال ابن الخازن في تفسيره ترائب المرأة هي عظام الصدر والنحر وقال ابن عباس هي موضعالقلادة من الصدر وعنه أنه ما بين ثدسيى المرأة اهـ، فسقط ما أورد عليه من أن مراده اختصاص الترائب بالمرأة فيكون المراد بما ذكر أنه ماء ممتزج من ماءين لكن الاختصاص ممنوع كما يعلم من تتبع كتب اللغة وقد ذكر السمين ما يقرب من كلام ابن الخازن وعليه استعمال العرب كقوله: ترائبها مصقولة كالسجنجل ولولا خوف الإطالة أوردنا له نظائر ولو سلم ما ذكره دفع أيضا بأن تعريفه للعهد والى ما ذكر أو لا يشير الزمخشري بتفسيرها بعظام الصدر حيث تكون القلادة وهو جمع تريبة، وقيل: الترائب التراقي. قوله: (ولو صح أنّ النطفة الخ (إشارة إلى ما طعن به بعض الملحدة بأن التطفة لا تخرج من بين الص! لب والترائب سواء أريد مخرجها البعيد أو القريب وفي قوله: لو صح إشارة إلى ما قاله الإمام من أنه غير صحيح فإنه مبني على تخيلات لا أصل لها فاللائق بنا أن نتبع ما نطق به الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه وندع التقليد لمثل هؤلاء. قوله:) من فضل الهضم الرابع) إشارة إلى ما تقرّر في الطب من أن الغذاء ينضهم أوّلاً في الفم بالمضغ وثانياً في المعدة بطبخها له بالحرارة الطبيعية الموقدة في مطبخها، ثم تجذب صفوته بعروق متصلة بها إلى الكبد فتهضمه هضما ثالثاً، ثم إلى الأعضاء جميعها فينهضم فيها هضماً رابعاً بعده لتنمية الأعضاء وبقائها وما زاد على ذلك ينفصل عن جميع الأعضاء إلى مقر المني بعد أن أوح فيه خلاق القوى والقدر ما يستعد به للتوليد والتخلق، وقوله: ومقرها الخ شروع في بيان ما طعن به بأنّ مقرها العروق المذكورة ومبدؤها جميع الأعضاء فكيف يكون مخرجها بين الصلب والترائب. قوله: " نّ الدماغ أعظم الأعضاء الخ) هذا شروع في الجواب بعد المنع المشار إليه بقوله: لو صح أي لا نسلم صحته، ولا يلزمنا تأويل كلام الله ليوافق خيالات هؤلاء، ولو سلم تولده من جميع الأعضاء فأعظمها في ذلك الدماغ، ولذا كان المنيّ مشابها له لونا ورطوبة، وغير ذلك ورأينا مكثر الجماع يضعف دماغه فدلنا ذلك على أنّ له دخلا قوياً في التوليد، وقوله: بالضعف الباء متعلقة بالإسراع للتعدية أي يجعل الإفراط في الجماع الضعف سريعا فيه، وقوله: وله أي للدماغ خليفة أي قائم مقامه في كل ما يكون كالمعونة المذكورة، والنخاع مثلث النون خيط أبيض في جوف عظم الرقبة ممتد إلى الصلب ويتشعب منه شعب كثيرة إلى الأضلاع وينزل إلى الترائب على ما بين في علم التشريح والصلب، والترائب أقرب إلى وعاء المني في مقره فلهما زيادة مدخل في توليدها وقرب مقرها بالنسبة إلى سائر الأعضاء، ولذلك خصا بالذكر من بينها. قوله: (وشعب كثيرة الخ) قيل عليه إن تلك الشعب أعصاب لا تجويف لها فلا تعلق لها بالدماغ، وتخصيص الترائب بالنساء غير ظاهر وقد مرّ ما فيه، ئم قيل إنّ الوجه انّ النخاع والقوى الدماغية والقلب كلها تتعاون في إبراز ذلك الفضل على ما هو عليه قابلاً للتوليد وقوله: بين الصلب والترائب عبارة مختصرة جامعة لتأثير الأعضاء الثلاثة فالترائب تشمل القلب، والكبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 وشمولها للقلب أظهر، والصلب النخاع ويتوسطه الدماغ ولم يحتج للتنبيه على مكان الكبد لظهوره لأنه دم نضج وأنما ينبه على ما خفي كالصلب والدماغ (قلت) ولو جعل قوله من بين الصلب والترائب كناية عن البدن كله لم يبعد، وقوله: وقرئ الخ والكل لغات في الصلب بمعنى واحد. قوله تعالى:) {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ} ) أي إعادة الإنسان ونثره من مقدوراته تعالى لأنه ليس بأعظم من إيجاده من نطفة تمني، وقوله: والضمير أي في قوله: إنه وضمير رجعه للإنسان، وقوله: تتعزف إشارة إلى أنّ الابتلاء الاختبار، والمراد به الاستنباء عنه كناية لازمة وهو التعرّف والتميز، وتمييز سرائره لتمييز عقائده وينبني عليه تمييز أعماله كما أشار إليه المصنف. قوله:) وهو ظرف لرجعه (وفيه وجوه أخر وهي مبنية على أن ضمير رجعه للإنسان أو للماء على معنى أنه تعالى قادر على رجع الماء إلى حاله الأوّل أو إلى مقره فلذا قيل إنه متعلق بقادر أو ناصر، وقيل: عامله مقدر كاذكر أو يرجع وأمّ ما اختاره المصنف فقد أورد عليه أنه يلزم فيه الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبيّ فأجيب تارة بأنه جائز لتوسعهم في الظروف، وأخرى بأنّ الفاصل هنا غير أجنبيئ، وقيل: إن فصله كلا فصل لأنه في نية التقديم عليه وفيه ما فيه. فوله: (من منعة (بفتح الميم والنون بمعنى القوّة، وحكي اسكان النون في لغة ضعيفة وقال الطيبي: إنه بالسكون لا غير والمفتوج جمع مانع ككاتب وكتبة وليس بمراد هنا وإن جوّز على أن المراد به أمور مانعة فإنه تعسف، وقوله: يمنعه إشارة إلى أنه لنفي المانع من نفسه ومن غير.. قوله: (ترجع) بالتاء الفوقية وبالبناء للفاعل أو المفعول فإنّ المشهور إنّ رجع يتعدى ومصدره الرجع ويلزم ومصدره الرجوع، فإن قلنا إن الرجع يكون مصدرا للازم بمعنى الرجوع أيضاً فهو ظاهر والا فنقول هو مصدر المبني للمفعول بناء على القول به أيضا فرجع المفسر به مجهول أو هو بحذف زائد الرجوع للازدواج ولا مانع أيضاً من كونه مصدر المتعدي لإوجاع الله لها لكن تجوز في نسبته للسماء وكونه مسندا لها بتقدير المفعول أي رجع الكواكب بعيد جداً، وقوله: تحرّك عنه بحذف إحدى تاءيه وأصله تتحرك فإن كان بمعنى المطر فلا تكلف فيه، وقوله: يحمل الماء من البحار هو قول ضعيف، وقوله: وعلى هذا أي على أنه مفسر بالمطر فالسماء ما علا أو السحاب بمعناه المعروف كما مر. قوله: (ما تتصدع عنه الأرض الخ) فهو اسم للنبات أو مصدر بمعنى الشق والظاهر أنه على الأوّل مجاز، وللتوصيف بما ذكر علم أنه ليس المراد القسم على البعث بنفس السماء والأرض كما في قوله: " نتم أشد خلقاً أم السماء بناها الخ فلا وجه لما قيل إنّ المقصود أنهما في أنفسهما من شواهده فتدبر. قوله: (1 ن القرآن) هذا أولى من إرجاعه لما تقدّم من القدرة على الإحياء لأنّ القرآن يتناوله وما بعده أنسب به كما في شرح الكشاف فلا وجه لإرجاعه لحديث الحشر كما قيل، وقوله: فاصل الخ فالمصدر بمعنى الفاعل وهو أحسن من كونه بمعنى المفعول، وقوله: في إبطاله الخ عدل عن قول الزمخشري في إبطال أمر الله واطفاء نور الحق لأن هذا أتم انتظاماً وإن كان ذلك أملأ فائدة. قوله: (في استدراجي لهم الخ) فالكيد هنا استعارة تبعية أو تمثيلية بتشبيه إمهال الله لهم ليستدرجهم بالكيد وبهذا يظهر تفريع أمره بإمهالهم. قوله: (فلا تشتفل الخ) الإمهال التأني، والانتظار فقوله: لا تستعجل على أنه بمعنى تأنّ فإن زمان القتال وأمرك بإهلاكهم لم يأت فالفرق بينهما ظاهر، وقوله: إمهالاً يسيراً تفسير لقوله: رويدا على أنه صفة مصدر مقدّر فإن في إعرابه وجوهاً منها هذا كما فصله المعرب. قوله: (والتكرير الخ) يعني كان مقتضى الظاهر إذا كرر للتأكيد اتحاد اللفظ فيهما فكرّر هنا مع اتحاد المعنى، وغيرت البنية إذ الأوّل من التفعيل والثاني من الأفعال ولاختلاف اللفظ فيهما أعرب الثاني بدلاً، ولو قيل إنه تأكيد كان أقرب. قوله: (وتغيير البنية لريادة التسكين) المراد بالتسكين إمّا الإمهال لأنه بمعنى التأني، وهو كالتسكين في المعنى أو ما فسره في بعض الحواشي بتسكين الغضب الذي في صدر النبيّ صلى الله عليه وسلم على الكفار بطلب التشفي منهم، ووجه دلالة التغيير في البنية على ما ذكر الإشعار بالتغاير وهو آكد من مجرد التكرار فكان كلاً منهما كلام مستقل دال على الأمر بالتأني، وهو أقوى من الدلالة بلفظ واحد فلا خفاء فيه كما قيل وأمّا القول بأن الأمر فيهما دل على الإيجاب، والأفعال دل على عدم التدريج، والتفعيل دل على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 التدريج ففيه تأسيس، والنفس إلى الجديد أرغب والى تطلب الفائدة أشوق فهو مراد القائل وليس بتوجيه آخر كما توهم فتدبر. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم) حديث موضوع (تمت) السورة حامداً لله، ومصلياً ومسلما على أفضل رسله الكرام وعلى آله وصحبه العظام، على توالي الليالي والأيام. سورة سبح وتسمى سورة الأعلى وهي مكية عند الجمهور، وقيل: مدنية لذكر العيد والف! طر فيها، وردّ بما في البخاري عن البراء ان أوّل من قدم علينا من الصحابة مصعب بن عمير رضي الله عنه وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء النبيّ-شي! ر فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم بهءلمجيييه حتى قرأت سبح اسم ربك في سور مثلها، وذكر العيد والفطر فيها غير مسلم ولو سلم فلا دلالة فيه على ذلك كما سيأتي تفصيله. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (نزه اسمه عن الإلحاد قيه) أي عن العدول عما يليق بلفظه، ومعناه بأن تذكره على وجه التعظيم فلا تذكره على وجه الاستخفاف، ولا في محل لا يليق به كالخلاء وحالة التغوّط ولا يؤوّله من غير مقتض ولا يبقيه على ظاهره أيضا إذا كان ما وضسع له غير مناسب كان يعتقد أنّ معنى العالم ذاته من غير صفة علم زائدة ثابتة له أو أن علمه حادث لأن اسم الفاعل يدل على ذلك أو يقول معنى كونه رحيما إن له قلباً رقيقاً فكما تمتنع التأويلات الزائغة تمتنع الحقائق الغير المناسبة فالإلحاد تفسيره بمعنى ينبغي تنزيهه عنه، وجعل الزمخشري نفس المعنى إلحاداً مبالغة لا يضره كما قيل. قوله: (وإطلاقه على غيره الخ (كان يصف أحداً بأنه خالق لفعله أو يقول لسيده: ربي على وجه التسوية، وقيل: كان يقول للوثن إنه إله وقوله: لا على وجه التعظيم ظاهر مما مر، وقوله: وقرئ الخ هي قراءة شاذة تنسب لعلي رضي الله عنه وهذا كله على أن الاسم مقحم وقد ذهب إليه كثير واستدلوا بالحديث فإنه قال: اجعلوها في ركوعكم وسجودكم والمجعول فيهما سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم، وبذلك استدل على أنه مقحم وعلى أن الاسم هو عين المسمى كما فصل في شروح الكشاف وقوله في الحديث الخ هو حديث صحيح رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن، وقوله: الأعلى صفة ربك وجوّز الزمخشري كونه صفة الاسم أيضا، وقوله: اجعلوها الخ لما كان في الركوع تذلل وتواضع لله ناسب ذكر عظمة الله فيه ولما كان في السجود تسفل ناسب وصفه تعالى بما يقابله فيه وهو إرشاد لوجه التعبد فيهما فافهمه فإنه من مقاصد الشارع الدقيقة، وقوله: وكانوا أي الصحابة قبل أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا يقولون في السجود والركوع ما ذكر. قوله: (خلق كل شيء الخ (العموم مستفاد من عدم ذكر المفعول كما مرّ تحقيقه وفيه ردّ على المعتزلة، وقوله: بأن جعل الخ تفسير لقوله: سوى لأن أصل معنى التسوية جعل الشيء متساويا وأريد به هنا جعل خلقه كما تقتضيه حكمته في ذاته وصفاته، ولذا قال فسوّى خلقه لأنّ متعلق التسوية هنا الخلق وليس يريدان في النظم مضافاً مقدراً حتى يقال: المناسب لقوله خلقك فسوّاك أن لا يقدر المضاف كما توهم، وهذه الصفة مبنية وموضحة للرب لأنه من التربية وهي تبليغ الشيء كما له شيئا فشيثاً. قوله: (ما به يتأتى كماله) هو شامل للحيوان وغيره بل للذوات والمعاني، ولا يضرّ عمومه قوله بعده ومعاشه فإنه من عطف الخاص على العام كعطف جبريل على الملائكة فلا يرد عليه أنه يشعر بتخصيص مفعول خلق بالحيوان، وكيف يتأتى هذا مع قوله كل شيء قبله. قوله: (أي قدر الخ) إشارة إلى أنّ التقدير هنا بمعنى جعل الأشياء على مقادير مخصوصة فإنّ له معاني أخر، وقوله: بخلق الميول بالياء التحتية جمع ميل، وهو بمعنى التوجه نحو أمر بتوجيه الطبيعة وايجابها له، وهو شامل للحيوان وغيره، وأمّا الاختياري فمخصوص بذوي الإرادة فالميول فيما له أفعال طبيعية وما بعد. في الأفعال الاختيارية، ونصب الدلائل إشارة إلى الأدلة العقلية وما بعد. للسمعية، وقوله: ما ترعاه إشارة إلى أنّ المرعى بمعنى اسم المفعول وقد مرّ تفسيره في سورة النازعات. قوله تعالى: ( {غُثَاء أَحْوَى} ) أصل الغثاء كما قاله الراغب ما يأتي به السيل من النبات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 والمراد الياب! هنا على أنه من استعمال المقيد بمعنى المطلق، وأمّا الأحوى فصفة من الحوّة، وهو السواد فلذا جاز فيه أن يكون بمعنى أسود لأنّ النبات إذا يبس اسودّ فهو صفة مؤكدة للغثاء، وأن يراد به أنه طريّ غض شديد الخضرة لأنّ الأخضر يرى في بادى النظر كالأسود وينبني على المعنيين إمحرابه وأنه صفة غثاء أو حال من المرعى أخر للفاصلة وإليه أشار بقوله: أي أخرجه، ولما فيه من التقديم والتاخير أخرجه ومرضه المصنف. قوله: (على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام) فالإسناد مجازي، وقوله: قارئا بإلهام القراءة الظاهر أنّ المراد به هنا أحد أقسام الوحي في القرآن كما ورد في حديث البخاريّ، وآونة كصلصلة الجرس وهو أن يلحقه شيء كالغشي، ويسمع صدى يقر في قلبه بألفاظ ملهمة له مثبتة في صحائف حفظه المشرّفة فيندفع عنه ما قيل: إنّ صيرورة الرسول قارئا بغير واسطة جبريل خلاف ما اشتهر في الدين ولم يقل به أحد، وأمّا كونه إشارة إلى ما روي عن جعفر الصادق من أنه كان يقرأ الكتابة ولا يكتب، وأنّ قوله: فلا تنسى لنفي مطلق النسيان عنه امتناناً عليه بأنه أوتي قوّة الحفظ كما قيل فمع بعده يأباه فاء التفريع. قوله: " ية أخرى) أي كما أنّ القرآن نفسه آية أخرى، وقوله: الإخبار به اًي بقوله: فلا تنسى لأنه أمر مستقبل مغيب عنه حين النزول، وقوله: وقيل نهي عطف بح! سب المعنى على ما قبله لأنه علم منه أنه خبر عما يستقبل ولما كان في النهي مجزوما بحذف آخر.، وقد أثبت هنا دفعه بأنّ آخره حذف للجازم والألف المذكورة للإطلاق في الفاصلة، وهو جائز ولما كان هذا خلاف الظاهر والنسيان ليس بالاختيار فلا ينهى عنه إلا أن يراد به مجازاً ترك أسبابه الاختيارية أو ترك العمل بما تضمنه، وفي ذلك ارتكاب تكلفات من غير داع لها ضعفه وأمّا كونه مخالفا لقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [سورة القيامة، الآية: 6 ا] الآيات فليس بشيء كما لا يخفى، وقد أورد عليه أنّ رسمه بالياء يقتضي أنها من البنية لا للإطلاق وكون رسم المصحف مخالفاً للقياس تكلف آخر وأمّا القول بأنّ مراده بأنّ ألفه لم تحذف للجازم فتحميل الكلام ما لا يطيقه، وأحسن منه أن يقال: رسمت ألف الإطلاق ياء لمشاكلة غيرها من الفواصل، وموافقة أصلها مع أنه قيل أيضا: إنه عند الإطلاق تردّ المحذوفة كما صرّح به الإمام المرزوقي ولو قيل: إنه خبر أريد به النهي كان أقوى وأسلم، وقوله: أصلاً في شرح المفتاح الشريفي إنه منصوب على المصدربة أي افتفاء بالكلية، وقيل: إنه تمييز محوّل عن الفاعل أي انتفى أصله وكذا قوله: رأساً بعده. قوله: (بأن نسخ تلاوته) فالنسيان كناية عن النسخ لأنّ ما لم ينسخ تلاوته من شأنه أن يتلى فيحفظ وغيره يترك فينسى فظهر فساد ما قيل من أنّ النسخ لا يوجب النسيان. قوله: (وقيل المراد الخ) ذكر فيه أربعة أوجه مبنية على أنّ الاستثناء حقيقي أو مجازي بأن يكون بمعنى القلة لأنّ المخرج في الاستثناء أقل من إلباقي ولأنّ ما شاء الله في العرف يستعمل للمجهول فكأنه قيل: إلا أمراً نادرا لا يعلم فإذا دل مثله على القلة عرفاً، والقلة قد يراد بها النفي في نحو قل من يقول: كذا مجازاً أريد بالاستثناء هنا ذلك وهذا هو الوجه الثالث والرابع المبني على التجوّز في الاستثناء فان كان على حقيقته فالنسيان إمّا بمعناه المتعارف أو بمعنى نسخ الحكم والتلاوة، والحديث المذكور صحيح رواه البخاريّ، وغيره وكانت الصلاة صلاة الفجر فإن قلت: لا ينسى النبيّ صلى الله عليه وسلم رأساً وهذا الحديث مناف له ولا يلائمه قوله: فلا تنسى لأنه لا يكون الاستثناء من النفي نفياً بل هو إثبات والحمل على التأكيد بعيد قلت: أجاب عنه بعض شراح الكشاف بأنه على هذا من قبيل قوله: ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم والمعنى فلا تنسى إلا نسيانا معدوما، وهو النسيان المتعلق به مشيئة الله أن يكون هذا النسيان نسيانا إلا أنه لا يقرّ على النسيان فيما كان من أصول الشرائع والواجبات، وقد يقرّ على ما ليس منها أو منها وهو من الآداب، والسنن كما ذكره الإمام هنا. قوله:) ما ظهر من أحوالكم) تفسير للجهر فليس المراد به معناه المعروف المخصوص بالأقوال بل الأعم بقرينة مقابله، وقوله: وما بطن تفسير لقوله: وما يخفى فهو على هذا تاكيد لجميع ما تقدّمه وتوطئة لما بعده، وقوله: أو جهرك الخ فما ظهر بمعناه الحقيقي، وقوله: وما دعاك إليه أي إلى الجهل تفسير لقوله: وما يخفى فهو على هذا تأكيد لقوله: سنقرئك فلا تنسى وقوله: فيعلم ما فيه الخ هو متفرع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 على المعنى الأوّل ويجوز تفرعه عليهما معاً. قوله: (ونعدّك) أي نجعلك مستعذاً لها ومتهيا كما في الحديث: " كل ميسر لما خلق له "، واليسرى صفة لموصوف مقدّر كما ذكره، وقوله: في حفظ الوحي متعلق باليسرى بمعنى المتيسرة فيه، وقوله: أو التدين معطوف على حفظ الوحي فالمراد به دينه وشريعته السمحة التي هي أسهل الشرائع وأشرفها. قوله: (ولهذه النكتة (أي لإرادة معنى التوفيق منه عذاه بنفسه، ولولاه عدى باللام كما في قوله: فسنيسره لليسرى، ولا دخل للأعداد في التعدية بنفسه كما توهم لأنه يقال: يسره لكذا بمعنى هيأه وأعده له كما في الأساس فهو متعد باللام. قوله: (وإئه يعلم اعتراضر) وقيل: إنه يجوز فيه أن يكون تعليلا لما قبله وفيه نظر، وقوله: استتب بمعنى استقام واستمر وهو إشارة إلى وجه تفرعه على ما قبله من قوله: ونيسرك الخ لأنّ المعنى حينئذ إنه تعالى، وفقك لحفظ وحيه ونشر شرائعه فذكر. قوله: العل هذه الشرطية الخ (جواب عما يرد من أنه مأمور بالتبليغ نفع أم لا فما وجه هذا التقييد بأنه لما بلغ وأعاد التبليغ بمكة وأصروا على العناد ولم يزدهم تذكيره إلا غروراً، وعلم الله ما هو عليه من الحرص والتحسر، المؤثر فيه كما في قوله: لعلك باخع نفسك أمره بما ذكر مشروطاً تخفيفا عليه، واعذارا في أمر، بعد ذلك بالقتال. قوله:) أو لذم المذكرين الخ (هذا هو الجواب الثاني فيكون الشرط معناه غير مراد كما في الوجه السابق بل المراد ذم هؤلاء كما تقول عظ فلانا إن سبمع منك، والمقصود تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: أو للإشعار الخ هذا هو الجواب الثالث قيل: والفرق بينه وبين الأوّل إنّ الشرط قيد لإدامة التذكير على الأوّل بخلافه على هذا فلا يلزم مجيئه بعد تكرير التذكير ويرد عليه لزوم عدم وجوب تذكيره لمن أعلمه الله بعدم إيمانه كأبي لهب مع أنه واجب لإلزام الحجة، وأمره بالإعراض إنما هو بعد التبليغ والإنذار كما صرّحوا به ثمة وفيه بحث، وقيل: المراد ذكر كل أحد بما يليق فيذكر تارك الصلاة بما يتعلق بذلك وهكذا. قوله: (وهو يتناول العارف والمتردد) أي المقر بالحشر والمتردد فيه بخلاف الجاحد المصر فإنه لا يتعظ وهو الأشقى والأقسام ثلاثة كما فصله الإمام. قوله: (الكافر فإنه أشقى من الفاسق (قيل عليه إنه أدخل المتردّد فيما قبله وهو داخل في الكافر أيضاً فلا يكون قسيما لمن يخشى على هذا فالوجه هو الثاني فإنّ المتوغل في الكفر هو المنكر وفيه بحث. قوله: (نار جهنم) فتكون على هذا كبرى صغراها نار الدنيا كما نطق به الحديث المذكور، وهذا على أنّ المراد بالأشقى الكافر فإن أريد الأشد كفرا فالكبرى الدرك الأسفل وصغراها ما عداه من الطبقات. قوله تعالى: ( {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا} الخ) ثم هنا للتفاوت الرتبي إشارة إلى أنّ خلوده أفظع من دخوله النار وصليه، ويستريح بمعنى يجد راحة وهذا مخصوص بالكفرة لا بعصاة المؤمنين ففي مسلم عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أمّا أهل النار الذي هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على انهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا علينا فينبتون نبات الحبة في حميل السبل " انتهى. قوله: (حياة تنفعه) دفع للتناقفى بين النفيين، وقوله: من الزكاء وهو كالنماء لفظا ومعنى، وقوله: أو تطهر الخ لم يقدمه على المعنى الثاني مع أنه متحد مع الأوّل في كون الزكاة فيهما بمعنى الطهارة لئلا يفصل بين المعنيين السابقين فإنهما بمعنى واحد فإنّ من تطهر عن الكفر والمعصية فهو متق وأيضا أخره لتقترن الصلاة بالزكاة فإنهما أخوان، ومن لم يتنبه لهذا قال: كان الأنسب تقديمه على الثاني لما ذكرناه. قوله:) أو أذى الزكاة) فهو تفعل من الزكاة كالتصدق من الصدقة يعني يحمل تزكي على إيتاء الزكاة فيصير كقوله: {أَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [سورة البقرة، الآية: 177] ولذا قيل عليه إنّ عادته تعالى في كلامه الشريف تقديم الصلاة على الزكاة، ورد بأنه لا ضير في مخالفة العادة مع أنّ الجاري تقديمها إذا ذكرت باسمها أمّا إذا ذكرت بفعل مأخوذ منه فلا كقوله: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [سورة القيامة، الآية: 31] وإن قيل: لا نقض به لأنه محتمل، وقوله: بقلبه ولسانه فإنه تطهير عن الكفر ولا بد من الإقرار فيه، وقوله: كقوله الخ مرّ تفسيره. قوله: (ويجوز أن يراد بالذكر الخ) فدل على وجوب تكبيرة الافتتاح لأنّ الاحتياط في العبادات واجب فلا يرد عليه أنه كيف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 يكون حجة وهو محتمل لغير ذلك، وعلى أنّ الافتتاح جائز بكل اسم الله، وعلى أنّ تكبيرة التحريم شرط لا ركن لأنّ عطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص، وإن جاز فإنه لا يكون بالفاء مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بدّ له من نكتة لمدعي، وقوعه في الكلام المعجز وحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه كما ذكره الشافعية فتأمّل. قوله: (تكبيرة التحريم) أي التي تصح بها الصلاة، وفيه إشارة لضعفه لأنها عند الشافعية ركن والمصنف شافعي، وعندنا شرط ولو كانت ركناً نافاه عطف الصلاة لأنّ مقتضاه المغايرة فيلزم عطفه على نفسه لأنه من عطف الكل على الجزء، وهو وإن كان كعطف العام لكن لا بد فيه من نكتة بلاغية وهي منعدمة كما قيل فتدبر. قوله: (وقيل: تزكى تصدّق ا! خ (هذا منقول عن عليّ كرّم الله وجهه، ورضي عنه وأورد عليه أنّ الإمام قال: إنّ السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمغة عيد، ولا فطر ويرده إنّ ما ذكر من الإجماع غير صحيح نعم هو القول الأصح وعلى تسليمه فيجوز أن يكون إخباراً عما سيأتي قبل وقوعه كما في غيره من المغيبات وفيه تأمّل. توله: (فلا تفعلون ما يسعدكم الخ) إشارة إلى أنّ الإضراب عن قوله: قد أفلح من تزكى، وقوله. للأشقين، إشارة إلى أنّ الأشقى في معنى الجمع لأنّ تعريفه للجنس فالخطاب لجميع الكفرة والالتفات لأنّ الخطاب بالذم أقوى في التوبيخ والتقريع 4 وإذا أضمر قل فلا التفات، وصرفوا عن رتبة الخطاب من الله تذليلا لهم لعدم تأهلهم له، وإذا كان الخطاب لجميع الناس فالمراد ما عدا الأنبياء والصديقين فهو كقوله: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سورة الأعلى، الآية: 16] وقوله: في الجملة إشارة إلى خروج الخواص بالقرينة العقلية. قوله: (فإن نعيمها) يعني الجنة ملذ بصيغة اسم الفاعل من ألذاذا أوجد اللذة، وقوله: بالذات بخلاف نعيم الدنيا فإنه بالعرض كدفع ألم الجوع والعطش مثلاً وهو بيان لكونه خيراً، وقوله: لا انقطاع له لقوله: أبقى، وقوله: من قد أفلح لا من أوّل السورة فانّ قوله: سنقرئك من أحوال النبيّ الخاصة به، وذكره في الصحف بعيد، ولذا قال: فإنه الخ وقوله: قال صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة بحمد الله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد واكه وصحبه أجمعين. سورة الغاشية لم يذكروا خلافا في كونها مكية ولا في عدد آياتها المذكور. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (الداهية) أصل معنى الداهية ما يفجأ الإنسان فيدهشه من المصائب، ثم عمت فقيل: داهية لكل مصيبة وتستعار للرجل الفصيح، وتفسيره بالداهية التي تغشى بيان للتأنيث وأطلاق الغاشية على يوم القيامة فلا وجه لما قيل من أنّ الأظهر ترك اليوم لأنه لو ترك لم يحتج لتوجيه التأنيث قبله إذ لو قدر موصوفه القيامة أو الساعة لم يحتج لتوجيه، وقوله: أو النار معطوف على الداهية لأنها مؤنثة غير محتاجة لتوجيه تأنيث صفتها وتوصف بأنها غاشية، ولو عطفت على يوم القيامة صح لكن الأوّل أولى. قوله تعالى: ( {خَاشِعَةً} ) بمعنى ذليلة ولم توصف بالذل ابتداء لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التهكم، وانها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع، وكذا جعلها عاملة تهكم أيضاً فالظاهر الاستعارة فيهما فقوله: ما تتعب فيه بيان لحاصسل المعنى المراد وضمير فيه للموصول، وفيه إشارة إلى وجه تأخير ناصبة، وقوله: في الوحل متعلق بخوض الإبل لأنها لكونها لا حافر لها يصعب عليها المشي في الوحل كما هو معروف، والوحل بفتحتين دماهمال الطين المبلول بالماء، وقد تسكن حاؤه في لغة مشهورة لكن الفتح أفصح، وقوله: في تلالها ووهادها جمع تل وهو المرتفع من الأرض والوهاد جمع وهدة وهو المنخفض، وفيه لف ونشر مرتب فالصعود في التلال والهبوط في الوهاد. قوله: (أو عملت الخ (إشارة إلى بعض الوجوه الأربعة المذكورة في الكشاف ولم يؤوّل خاشعة فظاهره أنّ الذل المذكور في الآخرة وعامله ناصبة إمّا بمعنى المستقبل فالجميع في الآخرة ويومئذ متعلق بالجميع معنى كما أشار إليه أوّلاً أو خاشعة مستقبل، وعاملة ناصبة بمعنى الماضي إشارة إلى عملهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 في الدنيا الذي صار هباء منثورا في الآخرة فيومئذ متعلق بخاشعة، والتقييد به لما عرفته من التهكم وهذا وإن كان خلاف الظاهر، ولذا أخره المصنف لا تعقيد فيه لظهور القرينة لأنّ العمل لا يكون في الآخرة كما لا يخفى، ولذا لم يتعرّض المصنف لكون عاملة ماضيا وناصبة مستقبل كما في الكشاف لما فيه من البعد. قوله:) تدخلها) فيه تسمح لأنّ الدخول إنما يتعدى إلى مكانها وأصلاه بمعنى أحرقه، وقوله: للمبالغة المستفادة من تكثير البنية والتفعيل، وقوله: متناهية في الحرّ من حميت النار إذا اشتد حرّها. قوله: (بلغت إناها في الحرّ) أي غايتها فيه كقوله: حميم آن وأناها بفتح الهمزة والمد والكسر، والقصر بمعنى الغاية كما في القاموس وغير. ووزن آنية هنا فاعلة، وأمّ آنية في سورة الإنسان فجمع إناء كوعاء لفظاً ومعنى ووزنه أفعلة والأصل أأنية بهمزتين ولذا أميلت الألف هنا لم ويملها أحد هناك فاحفظه. قوله: (يبيس) فعيل من اليبس وهو معروف والشبرق بزنة الزبرج رطبة وهو نبت تأكله الإبل رطبا فإذا يبس تركته كما قيل في ذم من لا ينفع شابا ولا شيخا. شباب لمن ذاقه شبرق وشيب يحاكي ضريع البوادي وقوله: شجرة نارية أي هي من الأشجار التي خلقها الله في النار وما في بعض النسخ بدل نارية بادية بالموحدة والدال المهملة من تحريف الناسخ، وفيه تفاسير أخر وهي على هذا استعارة كما أشار إليه بقوله: تشبه الضريع. قوله: (ولعله طعام هؤلاء الخ) إشارة إلى أن ما ذكر هنا بحسب الظاهر مناف لقوله: {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [سورة الحاقة، الآية: 36] ونحوه مما مرّ فيوفق بينهما بأنّ لجهنم طبقات ولأهل كل طبقة طعام وامّا أنّ الغسلين وهو الصديد في القدرة الإلهية أن يجعله على هيئة الضريع فطعامهم الغسلين الذي هو الضريع فلا يليق حمل القرآن على مثله لتعسفه. قوله: (أو المراد طعامهم) بمعنى أنّ الضريع مجاز أو كناية أريد به طعام مكروه حتى للإبل وغيرها من الحيوانات التي تلتذ برعي الشوك فلا ينافي كونه زقوما أو غسلينا وتتحاماه أي تجتنبه، وتعافه بمعنى تنفر منه وتكرهه، وقوله: كما قال الخ فإنّ وصفه بما ذكر يدل على أنه لا فائدة فيه لأنّ نفع المأكول دفع ألم الجوع وتسمين البدن فإذا خلا عن ذلك علم أنه شيء مكروه منفور عنه، وفي الكشاف إنه أريد أنه لا طعام لهم أصلا لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الناس كما يقال: ليس لفلان ظل إلا الشمس أي لا ظل له فهو تعليق بالمحال، أريد به النفي على آكد وجه كقوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وعليه يحمل قوله ولا طعام إلا من غسلين، وقوله: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ} [سورة الدخان، الآية: 43] وبه تندفع المخالفة مطلقا وهذا وجه آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وكأنّ المصنف تركه لبعده عنده لا لما قيل إنه لا يتأتى في كل محل فتأمل. قوله: (لا يسمن ولا يغني من جوع (صفة ضريع أو طعام مقدر أو مستأنف لأنه لو وصف به طعام المذكور فسد المعنى لاقتضائه ثبوت ما ذكر كما قرره الفاضل اليمني في حواشيه، وقوله: والمقصود الخ هو على الوجهين وإن كان بالثاني أنسب. قوله:) ذات بهجة (على أنه من النعومة، وكني به عن حسن المنظر أو هو من النعيم فتكون بمعنى متنعمة، وقوله: رضيت بعملها فالسعي بمعنى العمل ورضاها كناية أو مجاز عن أنه محمود العاقبة مجازي عليه أعظم الجزاء، وأنما قال: رضيت دون ترضى وإن قيل: إنه أظهر لأن مضيه بالنظر لزمان الحكم والحكم عليها بأنها متنعمة بعد مشاهدة الثواب المذكور فتدبر، وقوله: علية الخ فهو علوّ حسي أو معنوي، وقوله: يا مخاطب المراد به كل من يصلح للخطاب أو معين فعلى قراءته بالتاء الفوقية مفتوحة مع نصب لاغية هو إمّا للمخاطب، أو للغائبة المؤنثة على أن الضمير للوجوه والإسناد مجازي لأنّ السامع أصحابها، وقوله: وقرأ الخ فعلى هذا لاغية مرفوعة. قوله: (لفوا) على أنّ اللاغية مصدر بمعنى اللغو أو هو صفة كلمة وجعلها لاغية على النسب، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: ذات لغوا وهو على التجوّز في الطرف أو التشبيه لأنّ الكلمة ملغو بها لا لاغية أو صفة لنفس مقدرة وجعلها مسموعة لوصفها بما تسمع كما تقول: سمعت زيداً يقول كذا، أو تجوز في النسبة أيضا كما قيل. قوله: (يجري ماؤها لا ينقطع) عدم الانقطاع من وصف العين لأنها الماء الجاري فوصفها بالجريان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 يدل على المبالغة كما في قوله تعالى: {نَارٌ حَامِيَةٌ} ، وهذا أحسن من جعل اسم الفاعل للاستمرار بقرينة المقام وما أحسن قول بعض الصوفية العين الجارية، لمن عينه من خشية الله جارية هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وقوله: والتنكير للتعظيم أحسن من قول الزمخشري للتكثير كما في علمت نفس، وقوله: رفيعة الخ السمك الارتفاع في جهة العلو فالرفعة معنوية أو حسية، وقوله: بالفتح والضمّ أراد فتح الراء والنون أو ضمهما ويجوز كسرهما أيضا فهو مثلث ومساند جمع مسند وهو المخدة المعروفة. قوله: (بسط فاخرة (وقال الراغب: إنها في الأصل ثياب محبرة منسوبة إلى محل، ثم استعيرت للبسط وقوله: جمع زربية هي مثلثة الزاي كما صزج به أهل اللغة وتكون بمعنى المساند أيضا ومبثوثة بمعنى مفرقة، وتجوّز بها عن الفرثى فالمراد بسط مبسوطة. قوله: (نظر اعتبار (لأنه يقال: نظر إليه بمعنى تاً مّله مع أنّ قوله تعالى: كيف خلقت دالّ على أن المراد ليس مجرد الأبصار، وقوله: كيف خلقت بدل من الإبل بدل اشتمال وكيف وحدها معمول خلقت مقدّمة لصدارتها، وقوله: دالاً على كمال قدرته الخ إشارة إلى ما تضمنتة كيف من التعجب كما مرّ في قوله: كيف تكفرون بالله، وقوله: لجز الأثقال المراد بالجرّ إيصالها، والنائية بمعنى البعيدة، وقوله: باركة بالموحدة والراء المهملة وهو في الجمال كالجلوس في الناس، وقوله: للحمل بفتح الحاء مصدر، وقوله: ناهضة أي منتصبة للقيام، وقوله: بالحمل بكسر الحاء المهملة وهو ما كان على الظهر أو الرأس والباء للتعدية أو الملابسة أو المصاحبة. قوله: (طوال الأعناق الخ) الأوقار جمع وقر، وهو الحمل الثقيل ومعنى تنوء به تقوم به، وترفعه فالباء كالتي مرّت يعني أنّ طول عنقها مع عظم رأسها هو المعين لها على القيام بعد التحميل بالحمل الثقيل فإنها كالقبان المعادل برمانته للأوزان الثقيلة فهذا من الحكم العظيمة لمن اعتير. قوله: (وتحتمل العطش إلى عشر) بكسر العين، وهو الظمء بين الوردين إذا كان ثمانية أيام وهذه الأظماء معروفة وكلها مكسورة الأوّل وهي ورد وغب وربع إلى العشر وليس لها بعده اسم إلى العشرين فيقال: عشران بالتثنية، ثم هي جوائز بعد ذلك، ويجوز فتح العين أيضاً والبراري جمع برية وهي المفازة، وقوله: منافع أخر كوبرها ولبنها وقوله: لبيان متعلق بقوله: خصت. قوله: (وقيل المراد بها السحاب الخ) هذا مما ذهب إليه بعض المفسرين ولما لم تسمع الإبل بهذا المجنى جعله الزمخشريّ استعارة ووجه الشبه ظاهر والداعي لتفسيره بما ذكر لتكون المتعاطفات متناسبة على ما يقتضيه قانون البلاغة، وقد قالوا: على ما فصله الإمام أنّ وجه التناسب فيها أنّ المخاطبين هم العرب، وهم أهل أسفار على الإبل في البراري فربما انفردوا فيها، والمنفرد يتفكر لعدم رفيق يحادثه، وشاغل يشغله فيفكر فيما يقع عليه طرفه فإذا نظر لما معه رأى الإبل وإذا نظر لما فوقه رأى السماء، وإذا نظر يميناً وشمالاً رأى الجبال وإذا نظر لأسفل رأى الأرض فأمر بالنظر في خلوته لما يتعلق به النظر من هذه الأمور فبينها مناسبة بهذا الاعتباو وكل المخلوقات دالة على الصانع مأمور بالنظر فيها لكن فيها ما يشتهي كالوجوه الحسان، وما يرغب فيه وبميل له الطبع كالذهب والفضة وغيرهما فلو أمر بالنظر فيها، أو فيما يشملها لشغلته الشهوة والميل الطبيعي عن الانتقال منها إلى المراد فأمر بالنظر فيما ذكر لكونه حاضراً معهم، ولا يشتغل به ناظره عما أراد وجميع ما ذكر من المخلوقات العظيمة المحتاجة للصانع الدالة عليه دلالة ظاهرة. وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد ولذا عقب هذا بأمره بالتذكير، وقال فذكر الخ. قوله: (فهي راسخة لا تميل) كما نشاهده ونطقت به الآثار، وذهب إليه أكثر الحكماء وهل هي على الماء أو الهواء ذهب إلى كل منهما طائفة، وقيل: إنها متحركة دائما على الاستدارة وقيل إلى أسفل كما ذكره أبو علي عن بعض الحكماء والحس ياباه، وقوله: بسطت إمّا على نفي كريتها كما عليه أهل الشرع، أو هو بحسب ما نراه لعظمها وقوله وحذف الراجع أي العائد والتقدير خلقتها وهكذا، وأنما احتاج إليه لأنه بدل اشتمال كما مرّ ولا بد معه من الضمير العائد إلى المبدل منه كما صرّح به النحاة وقوله، والمعنى الخ إشارة إلى وجه ارتباط قوله: أفلا ينظرون إلى قوله: سطحت بما قبله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 من ذكر المعاد والحاصل أنهم أمروا بالنظر فيما ذكر ليستدلوا به على ذلك، وقوله: ولذلك أي لكون المعنى ما ذكر عقبه بذكر المعاد والأمر بالتذكر، وقرن بالفاء لأنه مترتب عليه أو هي فصيحة. قوله: (فلا عليك) أي ليس عليك بأس وضرر، وقوله: إن لم ينظروا بكسر الهمزة على أنها إن الشرطية وبفتحها على أنها مصدرية قبلها حرف جر مقدر وهو إشارة إلى وجه تفريعه على ما قبله، وقوله: إذ ما عليك الخ تفسير لقوله: إنما أنت مذكر، وقوله: وعن هشام عن ابن عامر، وروي عن قنبل وابن ذكوان أيضا كما في النشر وهكذا هو في النسخ وفي بعضها بدل قوله عن هشام عن الكسائيّ، واعترض عليه بأنه لم يظفر به في الكتب المشهورة وقوله: بالسين على الأصل فمانّ الصاد مبدلة منها فإنه من السطر بمعنى التسلط يقال سطر عليه إذا تسلط، وقوله: بالإشمام أي إشمام الصاد زايا باشمام الصاد سينا كما توهم فإنه لم يذكر في كتب الأداء وقد تقدم تفصيله. قوله: (لكن من تولى وكفر) يعني أنّ الاستثناء منقطع والا بمعنى لكن وبعده جملة فإن من مبتدأ متضمن لمعنى الشرط، وقوله: فيعذبه الخ خبره ومن المنقطع ما يقع بعد إلا فيه جملة، وفي الكشاف الاستثناء منقطع أي لست بمستول عليهم لكن من تولى وكفر منهم فإنّ لله الولاية عليه والقهر فيعذبه في نار جهنم فقيل: إنه لم يجعله متصلا لأنه لو كان كذلك كان مستولياً عليهم، وقد ذكر أنّ الولاية لله لا لغيره بقوله: فيعذبه الخ ومن شرطية، والأصح أنها موصولة هنا لا شرطية لمكان الفاء والشرطية فيها تكلف ولا إشكال في الانقطاع كما قيل فتدبر. قوله: (يعني عذاب الآخرة) فانه أكبر، وعذاب الدنيا بالنسبة له أصغر كما مرّ، وقوله: وقيل متصل مستثنى من ضمير عليهم متبع له فهو في محل جر، وقوله: فإنّ الخ توجيه له لأنه يدل على الاستيلاء والتسلط لكونه من النفي، وقوله: وكأنه أوعدهم الخ جواب سؤال مقدّر بأنه كيف يسلط عليهم والسورة مكية، ولم يؤمر بالقتال فيها فأجاب بأنه وعد للنبيّ لمجر ووعيد للكفار بما سيكون، وقوله: وعذاب النار في الآخرة إشارة إلى أن الاسنيلاء بغيره وهدّا زيادة عليه، وقوله: فذكر إلا من تولى الخ فيكون لمن تكرر تذكيره وفيه ما مرّ في قوله: إن نفعت الذكرى فتذكره، وقوله: ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام على التنبيه ووجه التأييد أنه استثناء منقطع عما قبله فيؤيد الانقطاع معنى لأنّ الأصل توافق القرا آت. قوله: (رجوعهم) فهو بمعنى إليه المصير كما مر مراراً. قوله: (وقرئ بالتشديد) أي إيابهم بياء مشذدة بعد همزة مكسورة، وهي قراءة شيبة وأبي جعفر قال الطبليوسي في كتاب المثلثات هذه القراءة تحتمل تأويلين أحدهما أن يكون فعالاً وأصله أوّاب فلم يعتذ بالواو الأولى حاجزاً لضعفها بالسكون فأبدل من الواو الثانية ياء لانكسار الهمزة فصار في التقدير أو يا بأتم قلبت الأولى ياء أيضاً لاجتماع ياء وواو وسكون إحداهما ولأنّ الواو الأولى إذا لم تمنع من انقلاب الثانية فهي أجدر بالانقلاب، والثاني أن يكون فيعالاً وأصله إيواباً فأعل إعلال سيد وفعله على هذا أيب، وأصله أيوب كما ذكرنا والوجه الأوّل أقيس لأنهم قالوا في مصدره التأويب والتفعيل مصدر فعل لا فيعل، ومع ذلك فقد قالوا: هو سريع الأوبة والأيبة فكأنهم آثروا الياء لخفتها انتهى فقول المصنف رحمه الله تعالى مصدر فيعل هو الوجه الثاني، وقد عرفت تحقيقه، وقوله: أو فعال هو الوجه الأوّل فيكون مثل كذب كذاباً، وقوله: قلبت الخ قيل عليه إنه مخالف لما قرّر في الصرف من أنّ الواو الموضوعة على الإدغام لا تقلب الأولى ياء، وإن انكسر ما قبلها ومثلوا له بهذا فكأنّ ابن السيد عدل عنه ليكون أتم، ثم إن ما ذكروه على تسليمه لا ينافي ورود خلافه شذوذا. قوله: (قلبها في ديوان الخ) قيل عليه أنّ التشبيه ليس بجيد لأنه لم ينطق بدوّان، ولولا جمعه على دواوين لم يعلم أصله وقد نصوا على شذوذ ديوان فلا يقاس عليه غيره ورد بأنّ عدم النطق بدوّ أن لا يلزم منه ردّه، وقد صرّحوا بأصل ديوان وقيراط بدليل الجمع فيهما وديوان لم يذكر للقياس عليه بل للتنظير به، واعترض عليه بأنّ المراد أنه لا حاجة إلى ارتكاب مخالفة القياس إذا كان عنه مندوحة لجواز كون أصله فيعالاً أو فعوالاً ولا يلزم من تنصيص النحاة على أنّ أصله دوّان النطق به فإنّ أصل قال: قول ولم ينطق به، وقد عرفت ردّ. مما ذكرناه عن ابن السيد فتذكره. قوله: (وتقديم الخبر) وهو علينا للتخصيص به تعالى فالمبالغة من جعله لازما عليه دون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 غيره مع ما في ضمير العظمة من التهويل كأنه قيل ليس حسابهم إلى6 على ملك مقتدر منتقم، والحديث المذكور موضوع كنظائره (تمت (السورة بحمد الله ومه والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الكرام. سورة الفجر هي مكية عند الجمهور وقيل إنها مدنية وفي عدد آياتها قول آخر أنها اثنتان وعشرون. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أو فلقه) بفتحتين أي ضوئه الممتدّ كالعمود وأصل معنى الفجر والفلق الشق، وجوّز فيه بعضهم سكون اللام كالشق لفظاً ومعنى والأوّل أولى، وقوله: كقوله الخ هو مؤيد للتفسيرين أمّ الأوّل فلأنه أقسم بالصبح، وأمّا الثاني فلأنه مقيد بالتنفس، وهو الإضاءة كما مرّ والنظر للقيد، وأمّا إطلاقه على الصلاة فمجاز شهور أو هو على تقدير مضاف. قوله: (أو النحر) معطوف على عرفة، وقوله: وتنكيرها أي ليال وعشر على الوجهين للتعظيم المستفاد من الإيهام أو هو للتبعيض لأنها بعض ليالي السنة أو الشهر تعظيمها لفضيلة، وثواب ليس لغيرها ولولا قصد هذا كان الظاهر تعريفها كأخواتها لأنها ليال معهودة معينة. قوله: (وقرئ وليال عشر بال! ! افة) في إعراب السمين هي قراءة ابن عباص، وبعضهم قال: ليال في هذه القراءة بدون ياء وبعضهم قال: إنه بالياء وهو القياس والمراد ليالي أيام عشر وكان من حقه على هذا أن يقال عشرة لأنّ المعدود مذكر، ويجاب عنه بأنه إذا حذف المعدود جاز الوجهان ومنه وأتبعه بست من شوّال في الحديث وسمع الكسائيّ ضمنا من الشهر خمساً انتهى، والمرجح ل! وقوعه في الفاصلة. قوله: (على أنّ المراد الخ) مراده ما مرّ وقد عرفت ما له وعليه، وقوله: شفعها ووترها بالجر بدل من الأشياء فالمراد به جميع الموجودات من الذوات والمعاني لأنها لا تخلوا من شفع ووتر، وقوله: أو الخلق بالجرّ عطف على الأشياء فالشفع وحده بمعنى جميع الخلق للازدواج فيه كما في الآية المذكورة والوتر هو الله تعالى لأنه من أسمائه، وهو بمعنى الواحد الأحد فأقسم الله بذاته وخلقه فقوله: والخالق معطوف على الخلق، وعلى هذا كان الظاهر تقديم الوتر فأخر للفاصلة. قوله: (ومن فسرهما الخ) فعلى الأوّل من هذه التفاسير الشفع العناصر لأنها أربعة والوتر الأفلاك لأنها سبعة أو تسعة، وعلى الثاني الشفع البروج لأنها اثنا عشر والوتر السيارات السبع وعلى الثالث ظاهر وعلى الرابع الشفع يوم النحر لأنه العاشر، والوتر يوم عرفة لأنه التاسع والشفع في الأوّل المزدوج بمجموعه وعلى الأخير الآخر الذي حصل به الازدواج وهو مستعمل بالمعنيين. قولط: (وقد روي مرفوعاً) إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أراد ترجيح الوجه الأخير لأنه رواه أحمد وغيره عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " العشر عشر الأضحى، والشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة " وهو حديث صحيح وفي شرح الطيبي روى الإمام أحمد والترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن الشفع والوتر فقال: " الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر " وهو التفسير الذي لا محيد عته، انتهى فلو صرف قوله وقد روي إلى الأخيرين صح لكن مراده الأوّل وقوله: أو بغيرها كالأعضاء والقلب والشفتين واللسان إلى غير ذلك مما في التفاسير. قوله: (فلعله الخ) خبر قوله: من فسرهما يعني أنّ المراد جميع الأشياء والمفسر بهذا نص على نوع منه لنكتة فقوله دلالة الخ ناظر إلى الأوّلين، وقوله: أو مدخلا معطوف على دلالة وهو ناظر لتفسيره بالصلاة، وقوله: أو مناسبة معطوف على قوله: دلالة، وهو ناظر لتفسيره باليومين المناسب لليال وضمير قبلهما مثنى للشفع والوتر، وقوله: أكثر منفعة ناظر للعناصر والعلويات وهو أوّل الوجوه فاللف مشوس، وما قيل من أنه ناظر لقوله: بغيرها لا وجه له لأنه لم يبين- ختى تذكر منفعته، ويرد على المصنف رحمه الله تعالى أنّ ما مرّ في الحديث يأباه كما لا يخفى فانه تفسير مأثور على القطع بالتعيين لا على التمثيل فكان عليه أن لا يدرجه في ذلك إلا أنه يبقى الكلام في التوفيق بين الحديثين فتأمّل. قوله: (وقرأ الخ) قال السمين قرأه الأخوان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 بالكسر وهي لغة تميم والباقون بالفتح، وهي لغة قريش ولا وجه للتخصيص بالعدد كما توهم فإنّ الأصمعيّ نقله في غيره أيضاً وروي عن أبي عمرو فتح الواو وكسر التاء، وهو إمّا لغة أو نقل حركة الراء في الوفف لما قبلها وقوله: كالحبر بكسر الحاء المهملة، وفتحها وسكون الموحدة بمعنى العالم واحد الأحبار. قوله: " ذا يمضي الخ) الظاهر أنه مجاز مرسل أو استعارة ووجه الشبه ظاهر، وقوله: لما في التعاقب بين الليل والنهار بمجيء أحدهما عقب الآخر كما في قوله: خلفه فإنّ ذهاب أحدهما ومجيء الآخر دال على القدرة الإلهية ووفور النعمة كثرتها لما في الليل من الراحة التي هي من أعظم النعم، وما في النهار من المكاسب وغيرها ولو دام أحدهما لم تتمّ النعمة وفي قوله: قوة إشارة إلى أنّ في التعاقب زيادة وقوّة وأصل النعم حاصل بدونه، وكذا الدلالة على القدرة. قوله: (او يسري فيه) على أنه تجوز في الإسناد بإسناد ما للشيء للزمان كما يسند للمكان والمقام في المثال صالح لهما، وفي تفسير البغوي سئل الأخفش عن علة سقوط يائه فقال الليل: لا يسري ولكن يسري فيه يعني أنه لما عدل عن الظاهر في المعنى وغير عما كان حقه معنى غير لفظه لأنّ الشيء يجر جنسه لألفه به كما أنه في قوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [سورة مريم، الآية: 28] لما عدل عن باغية أسقطت منه التاء ولم يقل بغية ومثله من بدائع اللغة العربية فافهمه. قوله: (وحذف الياء الخ) وكان الأصل إثباتها لأنها لام مضارع غير مجزوم لكنها حذفت للتخفيف، ولتتوافق رؤوس الآي ولذا رسمت كذلك في المصاحف ولا ينبغي أن يقال إنها حذفت لسقوطها في خط المصحف المجيد فإنه يقتضي أنّ القراءة باتباع الرسم دون رواية سابقة عليه وهو غير صحيح، والقراء مختلفون فمنهم من حذف وصلا ووفقاً ومنهم من خصه بأحدهما كما فصل في كتب الأداء، وما نقل عن أبي عمرو قال أبو حيان إنه رواية عنه. قوله: (وقرئ يسر بالتنوين الخ) هي قراءة أبي الدنيا الأعرابيّ ونوّن الفجر والوتر أيضاً وهو تنوين الترنم الحقه بالفواصل تشبيها لها بالقوافي المطلقة وهذا التنوين يدخل الفعل والحرف، والمعرف بأل المطلقة بمعنى المحركة والساكنة تسمى بعيدة كما ذكره العروضيون والتنوين الذي يلحقها يسمى غالياً. قوله: (يعتبره) أي يتأمل فيما أقسم الله به، وقوله: ويؤكد به أي بالقسم ما أقسم عليه فإنّ من له لب يدري أنّ المقسم به فيه دلائل على الوحدانية والربوبية وأتى بالاستفهام ليؤكد به ذلك كما يقولط المتكلم بعد ذكر الدليل هل دل هذا على ما قلناه، وقوله: يعتبره للقسم، وقوله: يؤكد به بصيغة المجهول للمقسم عليه وعطفه بالواو واشارة إلى أنّ الما! واحد وقوله: يحجر أن يمنع وقوله: كما سمي عقلا لمنعه صاحبه كما يمنع العقال ولذا قيل: قد عقلنا والعقل أيّ وثاق وصبرنا والصبر مرّ المذاق ونهية بضمّ النون وسكون الهاء بمعنى العقل أيضا لأنه ينهي صاحبه عما لا يليق ويسمى أيضا حصاة لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (والمقسم عليه محذوف الخ) اختلف في الجواب فقيل إنه مذكور وهو إنّ ربك لبالمرصاد، وعن مقاتل إنه هل في ذلك الخ وهل بمعنى إن وهو باطل رواية ودراية، وقيل: إنه مقدر وتقدير. ليعذبن وارتضاه المصنف رحمه الله تعالى والدليل عليه قوله: ألم تر الخ وقيل: الدليل خاتمة السورة قبله، وقوله: كما سمي بنوها شم الخ فإنه يطلق اسم الأب على نسله مجازاً شائعا حتى ألحق بالحقيقة. قوله: (على تقدير مضاف الخ (قدره لتصح البدلية فيه، والسبط ولد الولد لا ولد البنت كما توهم فلزم كون ارم اسم أمهم لا جدهم فإنه وهم، وقوله: إن صح الخ إشارة إلى عدم صحته فإنه كذب مشهور وأثر موضوع، وفي صفات تلك المدينة أمور غريبة في الكشاف طرف منها، وقوله: باسم جدهم مجازاً أو حقيقة فلا يحتاج للتقدير فيه، وقد اعترض على الشيخين بأنّ كلامهما هنا مخالف لما مرّ في تفسير قوله: {أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [سورة هود، الآية: 60] في سورة هود لدلالته على أنّ ارم ليسوا قوم هود وعاد الثانية فبين الكلامين مخالفة ظاهرة إلا أن يحمل على تعدد القولين، ونحوه كما أشاو إليه في القاموس. قوله: (ومنع صرفه الخ) التأنيث باعتبار القبيلة، وهذا على الوجوه الثلاثة، وقوله: البناء الرفيع أي العالي أو المراد طول القامات على التشبيه بالأسطوانات وقوله: أو الرفعة بعلوّ المقدار فهو استعارة، وقوله: الثبات هو طول العمر أو الوقار فهو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 استعارة أيضاً، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه لم تصح به الرواية كما ذكره ابن حجر وما ذكر عن ابن قلابة موضوع وقيل: تمريضه لمخالفته لظاهر قوله، وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر ولا يخفى أن الريح لا تنافي الصيحة كما مز، وقوله: وملك المعمورة أي الدنيا كلها ودانت أي انقادت، وطاعت وقوله: فلما تم أي البناء. قوله: (والضمير الخ) توجيه لتأنيثه والمعنى لم يخلق مثلهم شدة وطول قد ود وأعمار أو لم يخلق مثل هذه المدينة سعة وحسن بيوت وبساتين، وقوله: بالواد الباء ظرفية والجار والمجرور متعلق بجابوا أو هو حال من الفاعل أو المفعول، وقرئ بالياء وبإسقاطها كما في يسر ووادي القرى معروف. قوله: (ومضاربهم) معطوف على جنوده وهو جمع مضرب بمعنى الخيمة لا جمع مضروبة كما توهم، وقوله: يضربونها المراد يضربون أوتادها وقوله: لتعذيبه بالأوتاد المراد أنه كان يدق للمعذب أربعة أوتاد ويشده بها مبطوحاً على الأرضى، ثم يعذبه بما يريده من ضرب وإحراق وغيره، وقوله: منصوب أو مرفوع بتقدير أعني الذين أوهم الذين وعلى الأوّل هو مجرور ورجح الثاني الزمخشريّ. قوله: (ما خلط لهم) فالمعنى على هذا أنزل عليهم أنواعاً من العذاب، وهو مصدر ساطه أي خلطه كما في قول كعب: لكنها خلة قد سيط من دمها فجمع وولع وأخلاف وتبديل أريد به المفعول هنا قيل، وبه سميت الآلة المعروفة لما ذكره المصنف أو لأنها تخلط اللحم بالدم، وقوله: المضفور بالضاد المعجمة بمعنى المفتول، والطاقات جمع طاقة بمعنى طاقة وهو معروف. قوله: (وقيل شبه بالسوط الخ (هو ما ذهب إليه الزمخشري، وهو على أنّ السوط الآلة المعروفة فاستعيرت لعذاب أدون من غيره، وكني به عن ذلك وامّا استعارة الصب للعذاب فشائعة كالإذاقة يقال: صب عليه السوط وقنعه به، وغشاه وهو تمثيل وتصوير لحلوله أو لتتابعه عليه وتكرّر.، وقيل: هو من قبيل لخين الماء والإضافة بمعنى من أو اللام والصب مستعار للإنزال أي أنزل عليهم عذاباً قليلا هينا بالنسبة لما بعده والصب مشعر بالكثرة، والكثرة والقلة من الأمور النسبية أو هو من الاستعارة المصرحة والمستعار له نوع من العذاب المذكور فتدبر. قوله:) المكان الذي يترقب فيه (أي ينتظر، وقوله: الرصد جمع راصد أي يقومون به لمن يترصدونه، وقد تقدم أن مفعالاً اسم مكان أو صيغة مبالغة كمطعام ومطعان، وقد جوّز هنا كما مرّ في سورة عم فالباء تجريدية كما قيل فلا يمنع عما ذكره لكنه يلزمه إطلاق المرصاد على الله وفيه شيء والميقات موضع الإحرام ووقته بمعنى عينه وارصاده وضمنه معنى الإرادة فعداه هنا. قوله: (وهو تمثيل لإرصاده الخ) يعني قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} استعارة تمثيلية شبه كونه تعالى حافظاً لأعمال العباد مترقباً لها ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه أحد بحال من قعد على الطريق مترصدا لمن يسلكها ليأخذه فيوقع به، ما يريد ثم أطلق لفظ أحدهما على الآخر. قوله: (كأنه قيل الخ) هو بيان لاتصال قوله: فأما الإنسان الخ بما قبله ولو وجه اقترانه بالفاء بأنه مؤذن بتنافي ما بعدها لما قبلها على التعكيس فانه تعالى إذا كان مترصداً لهم مجازياً على القليل والكمير تفرع عليه طاعة العباد والجد في العبادة فهم يعكسون ذلك وينظرون للدنيا فإن نالوا منها شيئاً رضوا وإلا سخطوا، وقوله: من الآخرة من للتعليل 0 قوله: (فلا يريد إلا السعي) تبع فيه الزمخشري في قوله: لا يريد من الإنسان إلا الطاعة وقد شنع عليه في الانتصاف لابتناء كلامه على الاعتزال، وأنّ المعاصي ليست لإرادته إلا أنه لا وجه له كما في الكشف لأنه إذا كانت الإرادة بمعنى الطلب، والأمر لم يكن محل النزاع إنما النزاع إذا كانت الإرادة بالمعنى المتعارف وهي غير مرادة هنا. قوله: (اختبره بالغنى واليسر) مرّ تحقيقه في سورة الملك وأنّ المراد عامله معاملة المختبر له، وقوله: بالجاه والمال كل منهما راجع لكل منهما وليس لفاً ونشرا وإن احتمله الكلام لأنهما في حكم شيء واحد ولذا اقتصر على قوله: كرمني، ولم يقل ونعمني. قوله: (وهو خبر المبتدأ الخ) هذا هو أحد الوجهين فيه، وهو الصحيح والظرف منصوب بالخبر في نية التاخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشريّ، وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم من غير نكير كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جم غفير من المفسرين، وهو الحق الذي لا محيد عنه، وقد خالفهم في ذلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 الرضي، ومن تبعه كالدماميني في شرح المغني فقالوا: إنه إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه، من الأغراض فإن كان ثمة فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وإن جارّ أما طعامك فزيد آكل ولما ظنه محشي الطول متفقا عليه أورده على ما ذكر. المفسرون هنا، وقال: إنه خطأ والصواب أن يجعل الظرف متعلقاً بمقدر والتقدير فأمّا شأن الإنسان الخ فالظرف من تتمة الخبر المفصول به، وليس فاصلاً ثانياً كقولك: إمّا إحسان زيد إلى الفقمير فحسن لأنهم لما التزموا حذف الشرط لزم دخول أداته على فاء الجواب، وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه، ولم يشعر هؤلاء بأن ما ذكر غير متفق عليه نعم هو كما قيل: مخصوص بالظرف لتوسعهم فيه، وأما التوجيه الذي توهمه فهو على تقديره لا يصح وقوع جملة يقول: خبرا عنه إلا بتعسف كتأويله بالمصدر بتقدير أن أو جعله كقوله: تسمع بالمعيدي فقد فر من السحاب إلى الميزاب، وذهب أبو البقاء إلى أن إذا شرطية وقوله: فيقول جوابها والجملة الشرطية خبر الإنمعاق ويلزمه حذف اففاء بدون القول، وقد قيل إنه ضرورة. قوله: (ليوازن قسيمه) متعلق بالتقدير فلما ذكر الإنسان محكوما عليه علم أنّ المقصود من التفصيل هو هذا لا الظرف فوجب تقديره هو، أو ضميره هنا ليصح التفصيل ويتم التوازن فإنه إذا قدم في الأوّل اسم أو ظرف يقدم في عديله مثله نحو إما الإنسان فكفور، وأما الملك فشكور، وأما إذا أنعم على المؤمن فهو شاكر وأما إذا حرم فهو صابر. قوله: (لقصور نظره) على أمر الدنيا العاجل وسوء فكره لظنه الإكرام بسعة الرزق لا غيره: " ولو ساوت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقي شقياً منها شربة ماء " وقوله: فان الخ لأنه بقلة رزقه إذا صبر حصل له الثواب الجزيل في الآخرة واستراح من الكد وأمن من العدو وسلم من المكاره والإرزاء وأما اعتقاد الكبراء والتماس الدعاء فليس بكرإمة كما يتوهم وقوله: على قوليه، وهما أكرمني وأهانني وانهما ليسا بصواب، وقوله: ولذلك الإشارة إلى قصور النظر وسوء الفكر في الأمرين معا. قوله: (مع أن قوله الأوّل الخ) جواب سؤال مقدر وهو أنه كيف يذمه على قوله الأوّل وهو أكرمني مع أنه صادق مطابق لقول الله أكرمه، ولذا جعله الزمخشري مصروفا للثاني فقط لأف كجف يردعه عنه مع ما ذكر، والحاصل أنه ذكر الإكرام على وجه مغاير لما ذكره الله لأنه تعالى ذكر إكرامه له ليشكر، ويحسن كما أحسن الله إليه فذكره هو على وجه الافتخار والترفع به وحبه له المانع له عن بذله فهي كلمة حق أريد بها باطل، ولذا ذم على قوليه. قوله: (ولم يقل فأهانه وقدر عليه الخ) معطوف على قوله: ذمه لأنّ التقتير ليس بإهانة كما توهم لأنّ التوسعة تفضل واحسان من الله، وهي بحسب الذات مكرمة وترتب الذم جمليها بالعرض وترك الإحسان لا يكون إهانة لأنه قد يترك من غير قصد للإهانة فهو معلل بما قبله، ولذا قال: ولأنّ التوسعة ب! لعطف وترك العطف في بعضها لا يأباه كما توهم. قوله: (وقرأ ابن عامر الخ) إثبات الياء على الأصل وحذفها للاكتفاء بالكسرة وتفصيل القراآت فيها في النشر وشروح الشاطبية، وقوله: بالتشديد أي بتشديد الدال، والتقدير والتقتير بمعنى التضييق في الرزق. قوله: (بل فعلهم أسوأ من قولهم (السابق والإضراب من القبيح إلى الأقبح للترقي في ذمهم، وقوله: تهالكهم المراد به شدة بخلهم وشحهم ولذا قال: بالمال دون على المال كما هو مقتضى الظاهر أو هو متعلق بمقدر أي تهالكهم في الشح بالمال، واطلاق الفعل على الترك لأنه كف للنفس فيتضمن الفعل أو للتغليب كما عممه لفعل الجوارح والقلب، والمبرة بالفتح الإحسان. قوله: (ولا يحثون) تفسير لقوله ص: يحضون، وقوله: أهلهم هو مفعوله المقدّر ولو قدر عاما أي أحدا أو نزل منزلة اللازم للتعميم كان وجها وقوله: فضلاً الخ لأنهم إذا لم يأمروا من هو معهم ممتثل لأمرهم فكيف يأمرون غيرهم، وقوله: تحاضون أصله تتحاضون فحذفت إحدى التاءين أي يحض بعضهم بعضا، وكون المراد بقوله: فضلا عن غيرهم عن المساكين لتوهم أن المرء قد لا يحض أهله لإنفاقهم من ماله ويحض غيرهم توهم باطل وقوله: أصله وراث فأبدلت الواو تاء كما في تخمة، ونحوه وهو كثير وقوله: ذا لنم أي بتقدير المضاف ولو لم يقدر للمبالغة جاز كرجل عدل. قوله: (فإنهم كانوا لا يورثون الخ) وكان توريثهم من شريعة إسماعيل، أو مما هو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 معلوم لهم وثابت عندهم فلا يقال: السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا تعلم الحرمة، والحل إلا من الشرع والحسن والقبيح العقليين ليسا مذهبا لنا أو المراد ذم الوارث بإسرافه واتلافه ما ورثه من غير تعب كما في الكشاف قيل، وأنما تركه المصنف لأنه غير مناسب للسياق، وهو قريب مما ذكر وقوله: بالياء وهو مسند للإنسان لأنه بمعنى الناس، والتاء التفات أو بتقدير قل لهم يا محمد ذلك. قوله: (دكا بعد دك) فليس الثاني تأكيدا بل التكرير للدلالة على الاستيعاب كقرأت النحو بابا بابا وجاء القوم رجلاً رجلاً والدك قريب من الدق لفظاً ومعنى كرك ورق، وقوله: عن ذلك الإشارة لما ذكر من ترك إكرام اليتيم وما بعده. قوله: (مثل ذلك) بصيغة المجهول من التمثيل والإشارة لظهور آثار القدرة والقهر يعني أنه تعالى لا يوصف بالنزول والمجيء، ونحوه مما يوصف به الأجسام فهذا استعارة تمثيلية لما ذكر، وقوله: بحسب منازلهم أو بحسب خدماتهم وهو قريب مما ذكر وقوله: برّزت الجحيم فمجيئها متجوّز به عن إظهارها كما صرح به في آية أخرى وقوله: وفي الحديث الخ إشارة إلى تفسير آخر المجيء فيه على ظاهره، وقوله: يجرّونها جملة حالية أو مستأنفة. قوله: (أي يتذكر معاصيه) فهو من الذكر ضد النسيان، وقوله: أو يتعظ فهو من التذكير والموعظة وقوله: منفعة الذكرى أي هو بتقدير مضاف فيه أو المراد نفعها من اللام أو المراد تنزيلها منزلة العدم أو هو حكاية ما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ والتناقض إذا كانا بمعنى واحد وهو الظاهر من السياق. قوله: (واستدل به على عدم الخ) أي استدلّ به على أنّ التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلاً كما زعم المعتزلة بناء على وجوب الأصلح عندهم إذ لو وجب قبولها لوجب قبول هذا التذكر فإنه توبة إذ التوبة كما بين في الكلام هي الندم على المعصية من حيث هي معصية، والعزم على أن لا يعود لها إذا قدر عليها ولم يعتبر أحد في تعريفها كونها في الدنيا، وإن كانت النافعة منها لا تكون إلا في الدنيا وهذا التذكير هو عين الندم المذكور ولم يقبل لعدم ترتب المنفعة عليه التي هي من لوازم القبول، وفيه بحث ظاهر وعليه منع ظاهر الورود فتدبر. قوله: (أي لحياتي هذه) فاللام للتعليل ومفعول قدمت محذوف وهو الأعمال الصالحة فتمنى أن يكون عمل ما ينفعه اليوم والمراد بحياته حياته في الآخرة وقوله: وقت حياتي على أنّ اللام بمعنى وقت كما في نحو لخمس مضين ونحوه والمراد الحياة التي في الدنيا فقوله: أعمالاً صالحة على الوجهين وقيل: المعنى قدمت لأجل أن تحيا حياة نافعة لأنها لا تموت ولا تحيا حينثذ. قوله: (وليس في هذا التمني الخ) ردّ لما في الكشاف بناء على مذهبه من أن هذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم معلقاً بقصدهم، وارادتهم وانهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبرين على المعاصي كمذهب أهل الأهواء والا فما معنى التحسر لأن كونهم متحسرين لا ينافي كونهم محجورين فإنّ المحجور قد يتمنى ويتحسر على ما حجر عنه إذا كان قادرا عليه في الجملة سواء كان بالتأثير أو بالكسب الذي ذهب إليه أهل الحق وهو مقارنة قدرة العبد دمأرادته للفعل من غير أن يكون هناك له تأثيرا ومدخل في وجوده. قوله: (فإنّ المحجور الخ) هذا سند للمنع إلا أنه قيل: إنه يجامع المقدّمة الممنوعة وفي الكث! ف التمني يقع على المستحيل مع أنه حينئذ كالغريق وأهل الحق لا يقولون بسلب الاختيار بالكلية. قوله: (إن كان ممكناً منه) إن مفتوحة مصدرية وممكنا اسم مفعول من التمكين أي أقدره الله عليه وكون أن شرطية وممكنا اسم فاعل من الإمكان قيل إنه تصحيف يردّه أن التمني لا يتوقف على الإمكان فان نوقش بأن بين قوله: المحجور وهذا القول فرّقا فإنه يقول: يا ليتني قدرت على أن أقدم لحياتي، ولا يقول: يا ليتني قدمت دفع بأنه أوّل المسألة فلبحرر. قوله: (إذ الآمر كله له) ولما كان هذا يستلزم أنه لا عذاب لأحد غيره أضافه للتعظيم والتهويل فاندفع ما قيل: إنّ هذا التعليل يقتضي إطلاق العذاب دون تقييده بالإضافة وبين ظاهرهما تناف ظاهر فتدبر. قوله: (أو للإنسان) أي الضمير المضاف إليه راجع للإنسان، والمصدر مضاف للمفعول واحد مراد به من يلي العذاب من الربانية، وقوله: على بناء المفعول والمعنى أنه لا يعذب أحد من جنسه كالعصاة فلا يلزم أنهم أشد عذابا من إبليس ومن في طبقته، وأما كون المعنى لا يتحمل أحد ما يستحقه كقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 [سورة الأنعام، الآية: 164] فيأباه المقام والعذأب مصدر بمعنى التعذيب كالسلام بمعنى التسليم. قوله: (على إرادة القول) أي ويقول الله بالذات أو بواسطة الملك، وتقديره ليرتبط بما قبله والقول إكراماً له عند الموت أو البعث، وقوله: وهي التي اطمأنت الخ أي سكنت ولم تقلق وهو المناسب لوقوعه في مقابلة غير المتذكرة، وهو المقصود بقوله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [سورة الرعد، الآية: 28] والمراد بترقيها فيما ذكر أنها تتفكر في الأدلة العقلية الموصلة إلى المقصود من معرفة الله تعالى، وقوله: فتستفز دون معرفته بالفاء والزاي المعجمة أي تضطرب وتقلق قبل الوصول إلى معرفة الله تعالى فإذا وصلت إليه استغنت به عما سوإه واطمأنت به. قوله:) أو إلى الحق) معطوف بحسب المعنى على قوله: بذكر الله لأنّ المعنى المطمئنة إلى ذكر الله أو إلى ذكر الحق، وقوله: لا يريبها شك أي لا يقلقها، وقوله: أو الآمنة معطوف على ما قبله بحسب المعنى أيضا أو التقدير المطمثنة المستقرة لمعرفة الله أو النفس المؤمنة المتوفاة على الإيمان، والحاصل أن الاطمئنان إما سكون الاستفزاز في مقابلة الانتقال من الأسباب إلى المسببات واما سكون إلا من في مقابلة الخوف، والحزن أو سكون اليقين في مقابلة الريب، وقوله: قرئ بها ظاهره أنه قرئ أيتها النفس الآمنة بدل المطمثنة والذي في الكشاف أن أبيا رضي الله عنه قرأ ياءيتها النفس الآمنة المطمئنة. قرله: (إلى أمره الخ) بالموت متعلق بإرجعي على التفسيرين والمراد بأمره الحكم لا عالم الأمر والمجردات كما قيل، وموعده الأجل وهو المراد بالموت أيضا، وقوله: أو بالبعث معطوف على قوله: بالموت وما بينهما اعتراض. قوله: (ويشعر ذلك الخ) يعني أن الأمر بالرجوع يقتضي أنّ لها مقراً قبل تعلقها بالبدن في عالم الملكوت، ولولاه لما قيل: ارجعي وهذا الإشعار إنما يكون إذا كان هذا القؤل عند الموت ولذا قدمه المصنف على قوله: أو بالبعث، وقيل: إنه عند دخول الجنة، وقيل: نزلت في حمزة رضي الله تعالى عنه، وقيل: في خبيب وضي الله عنه لما صلبه المشركون كما في الكشاف والظاهر العموم، ولذا ترك المصنف هذا الوجه إلا أن خصوص السبب لا يأباه. قوله: (راضية بما " أوتيت) من النعم التي لا تتناهى ولا وجه لما قيل الظاهر أن يقول راضية عن ربها مرضية عنده فإنه غير مناسب للسياق، وقوله: في جملة عبادي يشعر بأن النفس بمعنى الذات، وما قبله يقتضي أنها بمعنى الروح فكأنه إشارة إلى جواز كل من الوجهين وسيأتي ما هو صريح فيه، وقوله: الصالحين والمقربين من الإضافة التشريفية. قوله: (فتستضيء بنورهم الخ (إشارة إلى وجه إدخالها معهم، وقوله: فإنّ الجواهر القدسية أراد بها الأرواح المجرّدة في عالم الملكوت، وقوله: كالمرايا جمع مرآة، وقد قال الحريري في درة الغواص: إنه خطأ والصمواب مرائي، وليس كما قال: وقد صححناه في شرح الدرة وليس هذا محل تفصيله يعني إذا اجتمعت يستفيض بعضها من بعض أنوار المعارف الإلهية فينعكس لكل ما في الأخرى فلذا حشرت معها لتكميلها ما تستعد به للدرجات العالية، وقوله: عن النبيّ الخ حديث موضوع وقوله: العشر محتمل عشر ذي الحجة والعشر الأخير من رمضان (تمت السورة) بحمد الله ومته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. سورة البلد لا خلاف في عدد آياتها والخلاف في كونها مكية أو مدنية بتمامها أو إلا أربع آيات من أولها ولكون هذين القولين يأباهما قوله بهذا البلد ادعى الزمخشري الإجماع على كونها مكية، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو الظاهر وأمّا احتمال نزولها بمكة بعد الهجرة فتكون مدنية على قول فبعيد. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أقسم الخ) إشارة إلى أنّ لا صلة هنا، وأنّ البلد هنا مكة شزفها الله تعالى، وقوله: وقيده الخ إشارة إلى أنّ الجملة الاسمية حالية على هذا الوجه وأنّ الخطاب له جمتن، وقوله: إظهار المزيد فضله إن كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو المتبادر فإقحام المزيد لأنّ له شرفا ذاتياً وعليه علاوة مما ذكر وغيره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 والإظهار لأنه قيد القسم بحلوله به فكأنه أقسم به لأجله وإن كان للبلد الحرام فوجهه أنّ القسم يفيد شيئين تعظيم المقسم به، وتوكيد المقسم عليه وهو تعريض بعدم شرف أهل مكة وانهم جهلوا جهلاَ عظيما لهمهم ب! خراج من هو حقيق به وبه يتم شرفه. قوله: (وإشعارا الخ) إمّا أن يعتبر هذا على ظاهره، وعمومه بناء على أنه ليس للأمكنة شرف ذاتيّ أصلا إلا الأماكن المقدسة والمعابد المطهرة، ولا مانع منه فيتسمح في قوله: أهله على أنّ المراذ به ما يقع فيه من العبادة ومن عبد الله به ومن أتاه من الملائكة بأمره تعالى، وكونه قبلة وموطناً لإجابة الدعاء، وافاضة الخير والرحمة بما فيه من ذلك وبتشريف الله له وتجلية له كما تجلى للطور، وقيل: المراد مطلق المكان دون خصوص مكة فلا ينافي الوجه الأوّل والإشعار لأن البلد المشرف على سائر البلاد إذا زاد شرفه بمرحلة يفهم منه ثبوت أصل الشرف لغيره (وفيه بحث (والحل صفة أو مصدر بمعنى الحال هنا على هذا الوجه، ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة. قوله: (وقيل حل مستحل) بزنة اسم المفعول، وتعرضك نائب فاعله أي مستحل التعرّض لأذيتك، وقوله: في غيره لأنه لا يحل فيه، وفيه تعريض بتجميم وتفريقهم بأنه لا يستحل فيه الحمام فكيف يستحل فيه دم سيد الأنام عليه الصلاة واللام والجملة على هذين الوجهين معترضة، وتجوز الحالية إن أبقينا لا على ظاهرها أو قلنا بأنها حال مقدرة في الوجه الأخير والحل على هذا ضد الحرمة، ولما فيه من البعد مرضه ولأنّ الحل يراد به الاستفبال في الوجه الأخير، وهو غير متبادر منه وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم ووعد بنصره واهلاك ضده. قوله: (ساعة من النهار الخ) إشارة إلى ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: " إن مكة لم تحل لآحد قبلي ولا بعدي وإنها أحلت لي ساعة " وهو معروف في كتب الحديث، وقوله: والوالد الخ على أن المراد به الأب الأعلى للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: ذريته على أنّ المراد آدم عليه الصلاة والسلام وما بعده على ما بعده ففيه لف ونشر، ويخمل رجوع كل لكل منهما لأنّ العرب ذرية إسماعيل. قوله: (ولشار ما على من الخ) يعني أنه أوثر ما لإرأدة الوصف فيفيد التعظيم في مقام المدح، وأنه مما لا يكتنه كنهه لثذة إبهامها، ولذا أفادت التعجب أو التعجيب وإن لم يكن استفهاماً كما ذكره الزمخشري في مواضع من الكشاف كما في قوله: بما وضعت أي أيّ مولود عظيم الشأن، وضعته وهذا على كون المراد إبراهيم والنبيّ عليهما الصلاة والسلام ظاهر أما على أنّ المراد به آدم وذريته فالتعجب من كثرتهم أو مما خص به الإنسان من خواص البشر كالنطق والعقل وحسن الصورة لا من وصف الكل بوصف البعض كما قيل: فإنه إلغاز مخل. قوله: (ومته المكابدة) لمقاساة الشدائد وأصله الشدة المؤثرة لوجع الكبد، ثم عنم فضمير منه للتعب أو لوجع الكبد وهذا أقرب وقوله: والإنسان الخ بيان لكون الإنسان خلق في التعب، ووجه التسلية إنه لم يخلق الناس للرّاحة في الدنيا، وكل من كان أعظم فهو أشدّ تعبا وقوله: لبعضهم أي لبعض قريش وقوله يغتر أي يحصل له غرور بقوته الجسمانية وأبو الأشد بالشين المعجمة وضبطه بعضهم بالمهملة كما سبق ني شرح الكشاف وكلدة كتمرة علم والأديم الجلد المدبوغ، وقوله: عكاظي منسوب إلى عكاظ وهو سوق معروف للعرب يصنع فيه أقوى الجلود وحسنها، وقوله: أو لكل أحد منهم أي ممن كثرت مكابدته وغروره والاستفهام للتعجب. قوله: (أو للأشمان) المذكور بعمومه والتهديد وإن كان عاما بحسب الظاهر فهو مصروف لمن يستحقه وعلى الأوّل الضمير يعود على ما فهم من السياق، وقوله: في ذلك الوقت أي وقت الانتقام منه، وقوله: سمعة أي رياء ليسمع به الناس. قوله: (أو بعد ذلك) الإنفاق فلم بمعنى لن وعبر بها لتحققه وقوله: يعني أنّ الله يراه عبر بالمضارع مشاكلة لما في النظم، ولذا لم يقل: رآه وليس المقصود استمراره حتى يعترض عليه، وهذا ناظر للأوّل وقوله: أو يجده للثاني وعليه فالمراد بالرؤية الوجدأن اللازم له فتدبر، وقوله: ثم قرر ذلك أي الإنكار أو كونه يرأه أو يجده فيحاسبه، ويجازيه فإنّ من قدر على ما خلقه قادر على مجازاته ومحاسبتة، والاطلاع على حاله وقوله وغيرها كالنفخ. توله: (يترج! م به (أي يبلغ به ما في ضميره والترجمة لا تختص بتفسير لسان بآخر كما توهم، وقد وردت بهذا المعنى أيضا كقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 إنّ الث! ط نين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان ويحتمل أنه على هذا استعارة. قوله: (طريقي الخير والشرّا لا يخفى إنه ذكر في سياق الامتنان فالمرإد الامتنان عليه بان هداه وبين له الطريق فسلكها تارة، وعدل عنها أخرى فلا امتنان عليه بالشرّ ولذا جعله الإمام بمعنى قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 3] ووصف مكان الخير بالرفعة والنجدية ظاهر بخلاف الشرّ فإنه هبوط من ذروة الفطرة إلى حضيض الشقوة فهو على التغليب أو على توهم المتخيلة له صعودا فتدبر. قوله: (أو الثديين) أي ثديي الأم والعرب تقول في القسم إما ونجديها ما فعلت كذا فالنجد الثدي والبطن تحته كالغور، وقوله: وأصله الخ هو على التفسيرين منقول من هذا، وقوله: فلم يشكر الخ بيان لحاصل المراد منه إذ المراد أنه مقصر مع ما أنعم به عليه من عظيم الأنعام والأيادي النعم، وقوله: وهو أي الاقتحام. قوله: (استعارها) أي العقبة لأنها استعارة مصرحة لشكر المنعم بالعمل بالأركان وشكر الإحسان بالإحسان فشبه الإعتاق والإطعام لعلو منزلته عند الله بمحل مرتفع وأثبت له الاقتحام ترشيحاً أو جعل فعله اقتحاما وصعودا شاقا وذكره بعد النجدين جعل الاستعارة في الذروة العليا من البلاغة، وقوله: لما فيهما الخ متعلق بقوله: استعارها للإشارة لوجه الشبه فسقط قول الإمام إنه لا بد فيه من تقدير أي ما أدراك ما اقتحام العقبة لأنّ العقبة غير الفك لأنه إن أراد أنها غيره بحسب الحقيقة فلا نزاع فيه، وإن أراد ادعاء ومجازاً فلا وجه له وكذا ما قيل العقبة عين والفك معنى فكيف يفسر أحدهما بالآخر، والمراد بالاقتحام فعل ذلك. قوله: (ولتعدّد المراد الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أن لا يجب تكرارها في بعض المواضع على ما فصله في المغني كما إذا دخلت على الماضي كقوله: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [سورة القيامة، الآية: 31] وما نحن فيه من ذلك فلم لم تكرر بأنّ اللازم تكرارها لفظاً أو معتى وهي مكررة هنا معنى لأنّ لا اقتحم لما فسر بما بعده كان في قوّة قولك لا فك رقبة، ولا أطعم الخ فقوله: بما أي بلفظ ما في قوله: ما أدراك ما العقبة، وقوله: موقع لم أي من غير تكرار مع الماضي وفي الآية أجوبة أخرى منها أنه لما عطف عليه كان وهو منفي أيضاً فكأنها كررت، وقيل: لا للدّعاء وقيل: مخففة من إلا وقيل: إنها للنفي فيما يستقبل فانظره في المطوّلات من النحو. قوله:) فك) الظاهر أنه بصيغة الماضي على القراءة الثانية، وكوت مصدراً عطف عليه الفعل لتأويله بالمصدر بعيد، وقوله: لتباعد الخ هو على الوجهين وهو إشارة إلى أن ثم هنا للتراخي في الرتبة، وقوله: لاستقلاله أي لكونه يستقل بكونه سببا للتجاة وشكرا جمدون الأعمال كمن آمن وصدّق تصديقا تاماً، ثم مات في يومه قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال فإنّ ذلك ينفعه ويخلصه بخلاف ما عداه فإنه لا يعتد به بدونه فعطف بثم، وإن كان مقدّماً لما ذكر. قوله: (مفعلات) أي مصادر ميمية على هذا الوزن، وقوله: وترب إذا افتقر أصله ألصق جلده بالتراب لجلوسه في حفرة لعدم ما يستره أو لإلصاق بطنه بالأرض من شذة الجوع والاستدلال بهذا على معنى الفقر موقوف على كون الصفة كاشفة وهو غير متعين، وقوله: فك رقبة بصيغة الماضي مبدلة من اقتحم وما بينهما اعتراض على هذه القراءة. قوله: (أو بموجبات (بكسر الجيم أي أسبابها فهو مجاز أريد بالمسبب سببه، أو فيه مضاف مقدر، وقوله: اليمين أي جهة اليمين التي فيها السعداء أو اليمن لكونهم ميامين على أنفسهم وغيرهم: واذاسخر الإله سعيداً لا ناس فإنهم سعداء وقوله: بما نصبناه فالآيات بمعنى الأدلة أو هي آيات القرآن المعروفة. قوله: (ولتكرير ذكر المؤمنين الخ) قال في شرح المغني: سألت بعض الأصحاب عن وجه التفرقة بين المؤمنين والكافرين حيث ترك ضمير الفصل في الأوّلين وأتى بدله باسم الإشارة وقال السمين الحكمة فيه أن اسم الإشارة يؤتى به لتمييز ما أريد به أكمل تمييز كقوله: هذا أبو الصقر البيت، ولا كذلك الضمير فإنّ اسم الإشارة البعيد يفيد التعظيم لتنزيل رفعة محله منزلة بعد درجته كما أشار إليه المصنف رحمه الله فاسم الإشارة للتعظيم، والإشارة إلى تمييزهم واستحقاقهم كمال الشهرة بخلاف أصحاب المشأمة، والضمير لا يفيد ذلك. قوله: (من أوصدت الباب) واغلاق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 أبوابها أشد لتعذيب أصحابها، وقوله: وقرأ الخ فيه رد على الزمخشري إذ نقل طعن بعضهم على هذه القراءة مع تواترها، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع (تمت السورة) بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. سورة الشمس لا خلاف في مكيتها وآياتها خمس عشرة أو ست عشرة. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (وضوئها) قال الراغب: الضحى انبساط الشمس وامتداد النهار وبه سمي الوقت وضحى برز للشمس قال تعالى: {لَا تَظمأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [سورة طه، الآية: 119] انتهى فحقيقته تباعد الشمس عن الأفق المرئي، وبروزها للناظرين ثم صارت حقيقة في وقته ثم إنه قيل: لأوّل الوقت ضمحوة ولما يليه ضحى، ولما بعده إلى قريب الزوال ضحاء بالفتح والمدّ فإذا أضيف إلى الشمس فهو مجاز عن إشراقها كما هنا فلا منافاة بين هذا وبين ما سيأتي في الضحى. قوله: (تلا طلوعه الخ) جعل المصنف التبعية باعتبار طلوعه وخروجه من الأفق والمتبوع إمّا طلوعها فهو في أوّلط الشهر فإنّ الشمس إذا طلعت من الأفق الشرقي أوّل النهار يطلع بعدها القمر تحت الشعاع فيرى بعد غروبها هلالاً أو غروبها، وذلك في ليلة البدر رابع عشر الشهر فإنه حينئذ في مقابلة الشمس والبعد بينهما نصف دور الفلك فاذا كانت الشمس في النصف الفوقاني من الفلك كان القمر في التحتاني فإذا غربت طلع القمر من الأفق الشرقي والزمخشري جعل التبعية في الإضاءة لأنه يكتسب الضوء منها فلذا قال: تلاها طالعاً عند غروبها آخذاً من نورها في النصف الأوّل من الشهر فإنه يأخذ في كل ليلة منه قدراً من النور بخلافه في النصف الثاني ومن غفل عن ذلك توهم أنّ المصنف قصد بمخالفته تخطئته، والرد عليه. قوله:) أو غروبها بها ليلة البدر) قد عرفت معناه قريباً وأنه مخالف لكلام الزمخشري فمن زعم أنهما بمعنى لم يتدبر كلامهما، وأمّا أن هذا أنسب بالمقسم به لأنه وقت ظهور سلطانه فإنه يناسب تعظيم شأنه أو ذاك لأنه وصف له بابتداء أمره فكما أنّ الضحى شباب النهار فكذا غرة الشهر كولادة القمر والنكات لا تتزاحم، وقوله: أو غروبها ليس بمناف لقول الجوهري سمي بدراً لأنه يسبق طلوعه غروب الشمس فكأنه يبدرها بالطلوع كما قيل لأنه بالتقريب فأعرفه. قوله: (في الاستدارة الخ) معطوف على قوله: تلا طلوعها الخ فيكون المراد بالتلو التأخر في الرتبة لأن جرمه دون جرمها ونوره دون نورها وهو مستمد منها وخليفة عنها. قوله: (جلى الشمس) أي أظهرها، وقوله: فإنها تتجلى الخ إشارة إلى أنّ فيه تجوّزاً في الإسناد، وقوله: انبسط النهار أي مضى منه مدّة، وقوله: أو الظلمة فجلاها بمعنى أزالها، وقوله: وإن لم الخ إشارة لترجيح الأول بذكر مرجعه واتساق ضمائره لا ليشار بها كما قيل، وقوله: الدنيا المراد بها وجه الأرض، وقوله: يغشاها اختير المضارع فيه للفاصلة ولم يقل غشاها لأنه يحتاج إلى حذف أحد مفعوليه وفيه تنبيه على استواء الأزمنة عنده تعالى والأولى أن يقال: إنّ المراد به الظلمة الحادثة بعد الضوء لا العدم الأصلي، ولا الظلمة الأصلية فإنّ هذه أظهر في الدلالة على القدرة، وهي مستقبلة بالنسبة لما قبلها فلا بدّ من تغيير التعبير ليدل على المراد. قوله: (ولما كانت واوات العطف) جواب عما استصعبه الزمخشري من أنّ الواوات إن كانت عاطفة لزم عطف معمولي عاملين على مثلهما، وإن كانت قسمية لزم ما استكرهه الخليل وسيبويه من تعدّد القسم على مقسم واحد وحاصل الدفع إنه اختار الشق الأوّل ومنع المحذور فإنها عاطفة لمعمولي عامل واحد على معمول واحد، ومثله غير ممنوع بالاتفاق كما بينه المصنف، وقوله: الجارة بنفسها على الأصح لا بالنيابة عن الباء كما قيل وقوله: من حيث الخ تعليل لنيابتها عنه فإنه لا يجوز ذكر. معها بخلاف الباء كما لا يخفى فلما نابت عن الواو القسمية، وهي نائبة عن فعل فقد نابت عن حرف القسم الجار وعن فعل القسم الناصب فكان النصب، والجر عمل عامل واحد لكن ابن الحاجب نقض هذا بمثل قوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [سورة التكوير، الآية: 17] للعطف مع تقدم صريح القسم مع أن التحقيق إن الظرف ليس معمولاً لفعل القسم لفساد المعنى إذ هو غير مقيد بالزمان حالاً كان أو مستقبلا، وإنما هو معمول لمضاف مقدّر وهو العظمة لأن الأقسام بالشيء إعظام له وأورد عليه أنّ أقسامه تعالى بشيء مستعار لإظهار عظمتة، وابانة شرفه فيجوز تقييده باعتبار جزء المعنى المراد يعني الإظهار وأيضاً إذا كان الأقسام إعظاماً لغا تقديره، وقد جوّز تجريد إذا عن الظرفية وابدالها من مدخول الواو، ولا يخفى أنه ولو سلم ما ذكره فالاستعارة إمّا تبعية أو تمثيلية وعلى كل حال فليس ثمة ما يكون متعلقاً به بحسب الصناعة، والتقدير ليتعلق به وليظهر ما أريد منه مؤكداً فلا لغوية فيه، ومثله تخيل لا محصل له. قوله: (من حيث استلزمت الخ) متعلق بقوله: النائبة والمستتر فيه للواو الأولى كضمير معها وضمير طرحه لفعل القسم، وقوله: ربطن الخ جواب لما والمجرورات القمر والنهار والليل والظروف إذا بعد الثلاثة وليس المراد بالجمع الاثنين كما قيل: لمقارنته المجرووات، وقوله: بالمجرور والظرف أراد بالمجرور الشمس المجرورة بحرف القسم وبالظرف فميا هيل: وضحاها لأنها في معنى إذا أشرقت أو لأنّ الضحى كثر استعماله بمعنى الوقت فيما قيل، ولما رأى بعضهم ما فيه من التكلف قال المراد بالظرف والمجرور هنا القمر وأذا بعده ولا يخفى ما فيه من البعد، وقوله؟ على عاملين مختلفين اتبع النحاة في هذه العبارة وفيها مضماف مقدو تقديره على معمولي عاملين مختلفين. قوله: (لإرادة معنى الوصفية) يعني أنّ أصل وضعها لما لا يعقل وقد يراد بها الصفة فإنها تقع استفهاماً للسؤال عنها فتقول زيد ما هو فيجاب بعالم أو جاهل بخلاف من فانها تختص بذوي العلم وقد أريد هنا الصفة فلذا أطلقت عليه تعالى وقد مر تفصيله في سورة النساء. قوله: (كأنه قيل والشيء القادر الخ الم يقل والباني ولأذى البناء لأنّ الصفة إمّا بمعنى المشتق فيقدر الأوّل أو ما قام بالغير فيقدر الثاني لأنّ المراد بالبناء ليس معناه المعروف بل إيجاد الإجرام العظيمة الدالة على كمال القدرة وبديع الحكمة والصنعة، ولذا فسره بما ذكر للدلالة على الوصفية المرادة هنا فسقط ما قيل من إن الأولى أن يقول وبانيها. قوله: (ولذلك أفرد ذكره (أي ذكر ما بناها مع أنّ في ذكر السماء غنية عنه للدلالة على إيجادها، وموجدها التزاماً والإشارة إلى ما ذكر من الدلالة على وجوده وكمال قدرته، وقوله: وكذا الكلام الخ أي أوثرت ما فيه لإرادة الوصفية فكأنه قيل: القادر الذي بسطها والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها. قوله: (وجعل الماآت الخ) جمع ماء بالمد على إرادة لفظها وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره لم لم تجعل ما مصدرية كما ذهب إليه الفراء والزجاج ومن تبعهما ليسلم من ارتكاب إطلاقها على الله، وكذا قال في الكشاف وليس بالوجه لقوله: فألهمها وما يؤدّي إليه من فساد النظم إلا أنه خفي على شراحه وجه الفساد كما تردد فيه أصحاب الحواشي هنا، والظاهر أن المراد بتجريده من الفاعل أنه لا يكون له فاعل ظاهر وهو ظاهر ولا مضمر لعدم مرجعه، وهذا في الأفعال كلها هنا لا في ألهم وحده كما قيل: وخلل النظم لما فيه من عطف الفعل على الاسم، ولا يخفى أنه يكفي لصحة الإضمار دلالة السياق هي موجودة هنا وأنّ العطف حينئذ على صلة ما لا عليها مع صلتها فكأنه قيل ونفس وتسويتها فإلهامها الخ ولا يرد عليه اختلال الترتيب من غير مهلة لأنّ التسوية قبل نفخ الروج، والإلهام بعدها بزمان طويل لأنّ التسوية فسرت بتعديل الأعضاء والقوى التي منها المفكرة والإلهام موقوف عليها أو لا يتم إلا بها مع أنه قد يقال: إن الترتيب فيه عرفي، ثم إنه مشترك الإلزام ولا معنى لما قيل من أن النظم العربي يوجب توافق القرائن لأنه حاصل هنا وعطف الفعل على الاسم لشى بفاسد، وإن كان خلاف الظاهر فتدبر. قوله: (بقوله {وَمَا سَوَّاهَا} ) متعلق بقوله: نظم لما فيه من معنى الارتباط وعدم الارتباط حينئذ لخفاء وجه الترتيب والعطف على ما فيه، وقوله: إلا أق! يضمر الخ إشارة إلى ما مر وهو لدفع المحذورين معا لا لدفع الأوّل فقط حتى يعترض عليه بأنه كان ينبغي تقديمه بجنبه ودفع الأوّل به ظاهر، وكذا الثاني لأن التسوية والإلهام فعلان لله فيتأتى ترتب أحدهما على الآخر وتسببه عنه، وعلى كل حال فالكلام غير خال عن الكدر. قوله: (وتنكير نفس للتكثير) هذا وما بعده من التنوين، وقوله: والمراد نفس ذ م على الثاني، وبعد تفسير الإلهام بما ذكره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 المصنف كيف ي! مال: إن ما بعده لا يناسب الثاني، نعم قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} على هذا ينبغي أن يجعل من الاستخدام ولا بعد قيه.. قوله: (وإلهام الفجور الخ) أي لا إلقاؤهما في القلب حتى يحمله ذلك على أن يفجر أو يتقي بل تعريفه بذلك بحيث يميز رشده من ضلاله كما في قوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [سورة البلد، الآية: 0 ا] ، وقوله: أو التمكين الخ أي جعله متمكناً وقادراً على كل واحد منهما سواء قلنا إنه بخلق الله كما هو مدّهب أهل الحق أو بيخلق العبد كما هو مذهب المعتزلة فلا دليل فيه لهم كما توهمه الزمخشري، والى ردّه أشار المصنف رحمه الله، واستدلاله بجعله فاعلا للتزكية والتدسية ومتوليهما ليس بشيء لأنّ الإسناد يقتضي قيامه به لا صدوره عنه، وكون إسناد مثل هذه الأفعال حقيقة يقتضي الإيجاد مصادرة فاسدة لعوده على المدعي بعينه، وبما قرّرناه علم أنّ: الأوصاف لا تنافي تفسيره بآدم. قوله: (أنماها) فالتزكية بمعنى التنمية ولو جعل بمعنى التطهير من دنس الهيولى صح أيضاً، وقوله: وحذف اللام الخ لأنّ الماضي يقترن بهقد واللام في الأغلب فحذفت لطول جملة الجواب المقتضي للتخفيف أو لسدّه مسدّها وهذا دفع لأنه لو كان جواباً اقترن باللام، وعلى هذا قوله: كذبت ثمود الخ استطراد لمناسبته للجواب، وقوله: لما أراد به أي بقوله: قد أفلح الخ وتكميل النفس هو تزكيتها بالعمل والعلم، وقوله: والمبالغة يصح عطفه على الحث وتكميل، والمبالغة إمّا بجعله محققا ماضياً وجعله عين الفلاج، أو من جعل تنقيص شيء منه خيبة وخسرانا وهذا بيان لوجه تخصيص ما ذكر بالمقسم عليه، وقوله: أقسم عليه أي على هذا القول أو التكميل، وقوله: بما يدلهم هو ما ذكر من المصنوعات العظيمة فإنها تدل على صانع موصوف بما ذكر وفاعل زكاها ضمير من لا ضمير يعود على الله، والعائد الضمير المؤنث لأنّ المراد به النفس لأنه تعسف غير لازم كما بين في شروح الكشاف، وقوله: يذكرهم الخ بما خلق لهم في الآفاق والأنفس من النعم المقتضية لشكر المنعم بها، وقوله: الذي هو أي الشكر هو منتهى العمل وهو شامل لاعتقاد الجنان وعبادة الأركان وتنزيه اللسان ولا يضرّه كون الاعتقاد نظريا لأنه زيادة غير مضرّة أو يقال: المراد بالشكر ما يظهر منه، والأوّل مما لا يطلع عليه غير الله، ومن هو صاحبه فلا غبار عليه. قوله: (وقيل هو اسثطراد الخ) أي قوله: قد أفلح الخ أمر مستطرد كما ذهب إليه الزمخشريّ والجواب ما قدّره لدلالة المذكور عليه ورد ما اختاره الزجاج، وتبعه المصنف بلزوم حذف اللام وبأنه لا يليق أن يجعلى التزكية، وهي من أدنى الكمال لاختصاصها بالعمليات مقصودة بالأقسام، ويعرض عن التحلية بالعقائد التي هي لب الألباب، وزبدة ما مخضته الأحقاب، ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين وأمّا حذف جواب القسم فكثير فصيح لا سيما في الكتاب العزيز، والمصنف لم يلتفت لشيء منه لأنّ حذف اللام كثير لا سيما وهنا ما يرجحه من الطول وقد ذكره هو في قوله: قد أفلح المؤمنون فما عدا مما بدا مع أنه أسهل من حذف الجملة بتمامها الذي اختاره هو، ولأنّ التزكية لا اختصاص لها كما أشار إليه في تفسيرها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولذا فسرها بالإنماء دون التطهير، ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحيانا لتوقف المقاصد عليها، وأمّا جعل الأوّل كناية عن الثاني فما لا داعي له فتنبه. قوله: (نقصها) أي نقص تزكيتها أو بعضها بتقصير. في التزكية، وقوله: أخفاها الخ المراد بإخفائها إخفاء استعدادها وفطرتها التي خلقت عليها، وتوله: وأصل دسى الخ هو على الثاني لأنّ الدس الإدخال وهو يستلزم الإخفاء، ويحتمل أنه عليهما والظاهر الأوّل وتقضي أي تقضض، ومعناه هوى كما في قوله: تقضي البازي إذ البازي كسر قوله: (بسبب طغيانها) فالباء سببية والطغوى مصدر بمعنى الطغيان، وجعلها الزمخشري للاستعانة في هذا الوجه، وقوله: أو بما أوعدت الخ فالطغوى على الأوّل المعاصي وطغيانها وعلى هذا هو من التجاوز عن الحد والزيادة في العذاب كما في طغى الماء إذا زاد زيادة مفرطة، والباء على هذا صلة كذبت كما في قوله: {كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [سورة الأنعام، الآية: 66] وقوله: ذي الطغوى إشارة إلى تقدير مضاف فيه أو تأويله بما ذكر، ويجوز أن يراد بالطغوى العذاب نفسه مبالغة كما يوصف بغيره من المصادر، وقوله: فأهلكوا بالطاغية استشهاد معنوقي على وصف العذاب بالطغيان، وأنه المراد هنا أو الطاغية مصدر كالكاذبة، وقوله: تفرقة بين الاسم والصفة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 فانّ ياء فعلى تقلب في الاسم الجامد واواً ليتميز منه إذا كان صفة كصديا كما قرّره النحاة، وهذا اسم لأنه مصدر وقوله: قرئ بالضم الخ قيل: يشكل على هذه القراءة قلب الياء واواً فإنه لا يفرق فيه بين الاسم والصفة وجوابه ما قاله السمين كان من حقه بقاء الياء على حالها كالسقيا، وهذا عند من يقول: طغوت بالواو فالواو أصل عنده كما قاله أبو البقاء، وقد تقدم في البقرة تفصيله. قوله: (حين قام (تفسير إذ انبعت فانبعت مطاوع بعثه بمعنى أرسله، وأقامه والمراد بقيامه مباشرته لما ذكر وقدار بزنة غلام اسم من عقر الناقة ومعناه جزار، وقوله: مالأه بالهمز بمعنى أعانه كأنه صار من ملئه وفي نسخة والاه وهو بمعنا.. قوله: (فإن أفعل الخ) والمراد إضافته لمعرفة مفضل عليه بقرينة ما في النظم فلا يرد عليه إنه إطلاق في غير محله لأنّ المضاف لنكرة حكمه الإفراد والتذكير مطلقا كالمقترن بمن، وقوله: فضل الخ يعني المراد بكون من ذكر أشقى إنه أشقى بالنسبة لمن عداه من ثمود لأنهم لم يباشروا العقر. قوله: (واحذروا) إشارة إلى أنّ نصبه على التحذير واضمار عامله واجب هنا كذا قاله المعرب: وقيل المراد أنه منصوب بتقدير ذروا واحذروا ولم يرد نصبه على التحذير كما في الكشاف لأنّ شرطه تكرير المحذر منه، أو كونه محذرا مما بعده ولك أن تقدر عظموا ناقة الله وقيل: المقدر ذروا وقوله: احذروا بيان للمعنى المراد وكلاهما مما لا وجه له أمّا الأوّل فلأن شرطه ما ذكر أو العطف عليه كما هنا، وأمّا الثاني فغنيّ عن البيان، وقوله: عقرها إشارة إلى تقدير المضاف فيه أو بيان للمراد من غير تقدير فيه، وقوله: فلا تذودوها بالذال المعجمة بمعنى تطردوها وفي نسخة تزووها بمعنى تنحوها وضمير عنها للسقيا. قوله: (فيما حذرهم الخ) أوّله بما ذكره لأنّ ما قاله لهم أمر للتحذير والتكذيب إنما يكودط في الخبر فهو هنا لخبر مقدر أو ضمني لتضمنه الأخبار بحلول العذاب إن فعلوا ما حدّرهم منه وقيل: إنّ ما قاله لهم من الأمر قاله: ناقلاً له عن الله فصح تكذيبه لأنه مخبر معنى، وقوله: فأطبق هو معنى دمدم وفي القاموس معناه أتمّ العذاب، وقوله: وهو من تكرير للفاء ووزانه فعفل، وقوله: ألبسها الشحم أي صارت سمينة من ألبسه كذا إذا غطاه فهو است! ارة. قوله: (فسوى الدمدمة بينهم أو عليهم) يعني ضمير سواها إمّا للدمدمة فالمعنى أنه جعلها سواء بينهم أو جعلها عليهم سواء أو الضمير لثمود والمعنى ما ذكر أيضاً. قوله تعالى: ( {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} (أي عاقبتها كما يخاف الملوك عاقبة ما تفعله فهو استعارة تمثيلية لإهانتهم وانهم أذ. لا عند الله فالضمير في قوله: يخاف لله وفو الأظهر ويجوز عوده للرسول صلى الله عليه وسلم أي أنه لا يخاف عاقبة إنذاره لهم وهو على الحقيقة كما إذا قيل الضمير للأشقى أي إنه لا يخاف عاقبة فعله الشنيع والواو للحال أو الاستئناف. قوله:) فلا على العطف) بالفاء وكذا هي في بعض المصاحف أيضاً، وقوله: عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الخ حديث موضوع. تصت السورة اللهمّ إني أسألك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم زكاة نفسي وتقواها فأنت وليها ومولاها. سورة والليل لا خلاف في عدد آياتها والخلاف في النزول وسببه فقيل: مكية وهو الأشهر، وقيل: مدنية، وقيل: بعضها مكيّ وبعضها مدنيّ، وقيل: نزلت نجي أ! الدحداح الأنصاري وكاًن في دار منافق ذخلة يقع منها في دار يتامى في جواره بعض بلح فيأخذ، +منهم فقال لهءجمنن: " دعفا لهم ولك بدلها نخل في الجنة " فأبى فاشتراها أبو الدحداح بحائطها وقال للنبيّ جممر: أهبها لهم بالنخلة التي في الجنة الحديث. بسم الله! رحمن الرحيم قوله: (يغشى الشمس الخ) والمقسم به الليل كله لا بعضه في بعض الوجؤه كما توهم، وقوله: ظهر على أنه من جلاء الصقل المزيل لما عليه، وهو محتمل للاستعارة المكنية أيضا، وقوله: أو تبين على أنه من التجلي بمعنى الظهور واختلاف الفعلين مضيا واستقبالاً تقدم وجهه وفي بعض شروح الكشاف أنّ الأوّل على تقدير كون المغشي النهار أو كل شيء وقوله: أو تبين الخ على تقدير كون المغشي عليه الشمس، وقيل: إن فاعل تجلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 ضمير النهار لا الشمس ولا كل شيء، ثم لا اختصاص للمعنى الأوّل بكون المغشي كل شيء ك! ما لا يخفى وكون الإسناد للنهار مجازيا لا يكفي في الدفع ولا يخفى أنه من عدم فهم المراد منه فإنه يعني أنه يحسن التقابل بينهما على ما ذكر فانّ هذا إذا أريد به زوأل الظلام فما يقابله بمعنى وجود الظلام، وهو على ما ذكهر وإذا فسر بطلوع الشمس هنا فما قبله غروبها وهو أظهر من الشمس فتدبر. قوله: (النادر الذي خلق الخ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ ما موصولة بمعنى من وأنها أوثرت لإرادة الوصفية، وأنها تحتمل المصدرية وذكر القادر ليس زائدا على معنى الوصفية كما مرّ تحقيقه بل للإشارة إلى أنّ ذكره ليستدل به على كمال القدرة الإلهية وتعريف الذكر، والأنثى على الأوّل للاستغراق أو للحقيقة أو للجنس وعلى ما بعده للعهد ويكون كقوله: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} [سورة الحجرات، الآية: 13] وقوله: من كل نوع له توالد إن كان المراد بالتوالد ما يقابل التكوّن أو يقابل ما يحصل من البيض شمل البغل والبغلة لأنّ خلقهما بالتوالد أيضاً، وإن أراد أنه يلد ويولد له خرجا قيل: والأنسب بالمقام التعميم والجار والمجرور إن تعلق بخلق خرح أوّل مخلوق من النوع، وفيه نظر وقيل: إنّ هذا دليل على أنه لا يخرج مخلوق عن الذكر والأنثى حتى لو حلف لا يكلم ذكراً ولا أنثى حنث بالخنثى، وقوله: مصدرية مرضه لما مرّ ولفوات نكتة الموصولية. قوله تعالى: ( {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} ) جواب القسم، أو هو مقدر كما مرّ تفصيله وقوله: مساعيكم جمع مسعى مصدر ميمي بمعنى السعي وهو إشارة إلى أنّ المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جمعا معنى، ولذا أخبر عنه بشتى وهو جمع شتيت أو شت بمعنى متفرّق، وفيه وجه آخر وهو أنه مفرد مصدر مؤنث كذكرى وبشرى فهو بتقدير مضاف أو مؤوّل أو بجعله عين الافتراق مبالغة. قوله: (من أعطى ا! طاعة واتقى المعصية الخ) وفي الكشاف يعني حقوق ماله وهو المناسب للإعطاء لأنّ المعروف فيه تعلقه بالمال خصوصاً، وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال لا يقال ما فسر به المصنف أحسن ليكون التفصيل شاملا للمساعي كلها وهو الحامل على مخالفة الظاهر لأنا نقول المناسب التعميم في قوله: اتقى لأنّ التقوى لها معان منها ما يشمل ما ذكره المصنف فلو لم يخصه، وعمم كما أشار إليه الزمخشري عم المساعي من غير تكلف ارتكبه، وأخر التوحيد وحقه التقديم للفاصلة ولأنه قد يؤخر الأهم لنكتة لا لأنّ من الإعطاء الإصغاء لكلمة التوحيد ومن الاتقاء الاتقاء عن الإشراك كما توهم لأنه ضغث على إبالة. قوله: (وهي ما دل على حق الخ) يعني أنّ المراد إذ عانه بكل حق فيدخل فيه التوحيد دخولاً أولياً، وقوله: للخلة بفتح الخاء والمراد الصفة والخصلة، ولما كانت مؤدّية إلى اليسر وهو الأمر السهل الذي يستريح به الناس وصفت بأنها يسرى على أنه استعارة مصرّحة أو مجاز مرسل أو تجوّز في الإسناد، وقدره لأجل التأنيث. قوله: (من يسر الفرس إذا هيأه للركوب) فعلى هذا التيسير من اليسر وهو السهولة، والمراد به التهيئة والإعداد للأمر فيكون متهيأ ومستعداً له كما في الحديث: " كل ميسر لما خلق له " وله ثلاثة معان كما كشفه في الكشف منها هذا، ومنها اللطف والخذلان، ومنها الهداية والإيصال للسعادة، والمصنف اختار الأوّل منها لأنه أشهر والى الحقيقة أقرب إلا أنه على المعنيين الآخرين يكون التيسير للعسرى مشاكلة وعلى هذا لا مشاكلة فيه كما صرّح به في الكشف. قوله: (بما أمر به) أوّله بما يشمل جميع المعاصي ليكون مقابلاً للإعطاء بما فسره به وقد عرفت ما فيه، وقوله: بإنكار مدلولها لأنّ المراد كل كلمة دلت على الحق كما مرّ، وقوله: للخلة أي الخصلة يوضحه. قوله:) تفعل من الردى (بمعنى الهلاك فمعناه ما قدمه أي هلك وأشار به لترجيحه وعلى ما بعده هو بمعنى الوقوع وفى التعبير بما ذكر إشارة إلى أنه بما قدمه من أعماله الخبيثة هو المهلك، والموقع لنفسه وهو الحافر على حتفه بظلفه وقيل: إنه للمبالغة فتدبر. قوله: (للإرشاد إلى الحق الخ) يعني أنّ على للإيجاب، ولذا تمسك به الزمخشريّ في وجوب الأصلح على الله ولا متمسك له فيه لأن لزومه علينا لسبق القضاء به وعدم تخلف المقضي عنه أو لأنه على مقتضى الحكمة، والمصلحة لا لما ذكروه. قوله: (أو أنّ علينا طريقة الهدى) رد آخر على الزمخشريّ فيما تمسف به بأن في الآية مضافا مقدراً أي إنّ علينا بيان طريق الهدى وقد بيناها فهو كقوله في الآية الأخرى، وعلى الله قصد السبيل فكل من يسلكه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 يصل إلينا وقد مرّ تفسير هذه الآية بوجوه عليها ينزل ما ذكره المصنف ولبعضهم هنا خلط يطول، والاشتغال به من الفضول. قو، له:) فنعطي في الدارين) إشارة إلى أنّ المراد بالأولى الدنيا، وفيه تتميم للرد السابق وقوله: أو ثواب الهداية للمهتدين معطوف على قوله: ما نشاء الخ أي نعطي الثواب لمن اهتدى تفضلاً منا فلا يرد عليه أنه لا وجه للتخصيص، والظاهر ثواب الهداية وعقاب الضلال لأنّ العقاب لا يعد عطاء ولو أدخله فيه احتاج للتأويل فهو كقوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [سورة العنكبوت، الآية: 27] الآية وقوله: أو فلا يضرّنا الخ لتفرده تعالى بملك ما في الدارين، وكونه في قبضة تصرّفه لا يحول بينه وبينه أحد ولا يحصله أحد حتى يضرّ عدم اهتدائه أو ينفع اهتداؤه. قوله: (تتلهب) إشارة إلى أنّ أصل تلظى تتلظى حذف منه إحدى التاءين كما قرئ به، وقوله: لا يلزمها الخ يعني أنّ المراد به ما ذكر من اللزوم وأشد العذاب كما يدل عليه الصليّ لأنه من قولهم شاة مصلية، وهي التي يحفر لها حفيرة يوضمع فيها جمر كثير وتدخل فيه إذ لا يقال: لما على الجمر وفوق النار مصليّ كما بينه في الانتصاف نقلا عن أئمة اللغة فهو دال على الأشدية، وأمّا اللزوم ممن مقابلة قوله: سيجنبها الخ فإنه يقتضي أنه لا يجنبها فاندفع ما أورد عليه من أنّ تفسير الصلى باللزوم غير ظاهر وهذا جواب عما تيل: إنّ الشقي يصلى النار، والتقيّ يتجنبها فكيف قال: لا يصلاها الخ مع أنّ الحصر اللاحق ينافي السابق لأنّ المراد بالصلى ما ذكر لا مطلق الدخول، وهو مختص بالكافر الأشقى والأتقى يتجنبها بالكلية بخلاف التقى فإنّ منهم من يدخلها فلا منافاة بين الحصرين، وما في الكشاف من أنّ الحصر ادعائي مبالغة فكأنّ غير الأشقى غير صال وغير الأتقى لا يتجنبها مبنيّ على الاعتزال وتخليد العصاة فلذا تركه المصنف. قوله: (ولذلك) أي لأن المراد الكافر الملازم لها أطلق عليه أشقى لأنه أشقى من غيره، ووصفه بما هو لازم للكفر مما ذكر وقوله: صليها أي لزوم أشدّها كما مرّ، وقوله: فلا يخالف الخ هكذا هو في النسخ وفي بعضها بالواو فقيل عليه: إنّ الأظهر الفاء مع أن الخطب فيه يسير. قوله:) يتزكى الأنه من التزكي وهو طلب أن يكون ما صرفه زكيا عند الله، وهو تصرّفه في الخير، ويجوز كونه حالاً من المفعول أيضاً وعلى البدل من الصلة لا محل له من الإعراب، ولا يرد عليه أنه لا يدخل في تعريف التابع كما توهم. قوله: (استثناء منقطع أو متصل الخ) قراءة الجمهور بمدّ ابتغاء ونصبه على الاستثناء أو على أنه مفعول له كما قاله الفراء، والاستثناء منقطع لأنه لم يندرج في النعمة فالمعنى لكنه فعل ذلك لابتغاء وجه ربه لا لرجاء عوض ولا لمكافأة يد سابقة، وقوله: عن محذوف تقديره لا يؤتى إلا ابتغاء الخ على أنه استثناء مفرغ من أعئم العلل، والأسباب فالتقدير لا يؤتى شيئاً لأجل شيء إلا لأجل طلب رضاء ربه، وأنما قدره كذلك لأنه لا يتأتى على اتصاله الاستثناء من نعمة كما مرّ والاستثناء المفرغ يختص بالنفي عند الجمهور. قوله: (لا لمكافأة نعمة) تغ في هذا التعبير الزمخشريّ وهو خطأ عند السكاكي فإنه لا يؤكد بالعطف بلا النافية بعد الحصر بما ل! الا لكنه غير مسلم كما فصلناه في غير هذا المحل. قوله: (وعد بالثواب الخ) هذا على أن ضمير يرضى للأتقى لا للرب، وهو الأنسب بالسياق واتساق الضمائر لا عكسه كما توهم. قوله:) والآيات نزلت في أبى بكر رضي الله تعالى عتة) يعني أن قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سورة اليل، الآية: 17] إلى آخر السورة نزل في حق الصدّيق رضي الله عنه كما في الأحاديث الصحيحة السند عن ابن عباس سيد المفسرين حتى قال بعض المفسرين: إنه مجمع عليه، وإن زعم بعض الشيعة أنها نزلت في عليّ رضي الله عنه وخصوص السبب لا ينافي عموم الحكم واللفظ كما توهمه الجوجريّ هنا نعم يقتضي الدخول فيه دخولاً أولياً، ولذا قال الإمام إن الآية تدل على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الأمّة. قوله: (في جماعة الخ) هم سبعة نفر منهم بلال وعامر بن فهيرة، وقال أبو إسحاق: أن أبا قحافة قال له: أراك تعتق رقابا ضمعافا فلو أعتقت رقابا جلداً يمنعونك، وكان يعتق عجائز وجواري ضعافا إذا أسلموا وكان بلال لأمّية بن خلف فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه فقال المشركون: إنما فعله ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله وما لأحد عنده من نعمة تجزي، وقوله: تولاهم المشركون أي كانوا موالي لهم يعني أنهم ملكوهم وفي نسخة يؤذيهم المشركون الخ. قوله: (أبو جهل الخ الم يرتض ما في الكشاف من أنه أبو سفيان بن حرب لأنه أسلم وقوي إسلامه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 باتفاق أهل السنة، وقوله عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الخ حديث موضوع 31 (تمت السورة والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء العظام وآله وصحبه الكرام. سورة والضحى لا خلاف في عدد آياتها ولا في كونها مكية. بسم الله الرحمن الرحبم قوله: (ووقت ارتفاع الشمس الخ) تقدّم في سورة والشمس تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعا عاليا، وارتفاع النهار بارتفاع شمسه، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى على أنه أريد الارتفاع وقدر فيه مضاف لوقوعه في مقابلة الليل أو على أنه تجوّز عن الوقت بما بقع فيه بعلاقة الحلول، وهو مجاز مشهور كما مرّ ولم يقل وقت ضوء الشمس حين أشرقت، وألقت شعاعها والمآل واحد وإن قيل إنه أن! سب لأنّ الضوء ليس له وقت مختص به بخلاف الارتفاع فتدبر. قوله: (وتخصيصه لأنّ النهار الخ) الظاهر أنّ المراد قوة غير قريبة من ضدها فلا ينتقض بما بعده إلى الزوال، ولذا عدّ شرفا يومياً للشمس وسعدا، وخص موسى عليه الصلاة والسلام بالتكليم فيه لأن الإنسان فيه غير كليل الذهن، وهو شباب النهار فلما ذكر شرف على غيره وخص القسم به، ولكونه وقت تكليم موسى هنا مناسبة أخرى للمقسم عليه، وهو أنه تعالى لم يترك النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم تفارقه ألطافه وتكليمه، وقوله: وألقى السحرة سجداً لقوله: وأن يحشر الناس ضحى وقوله: أو النهار معطوف على قوله وقت ارتفاع الشمس فهو مجرور، وكذا لو عطف على مجموع قوله: ووقت وقوله: ويؤيده وجه التأييد أنه أريد به فيه النهار لمقابلته لقوله: بياتا فيجوز أن يراد هنا لوقوعه في مقابلة الليل أيضا، فإن قلت: لا وجه للتأييد لأنه وقع ثمة في مقابلة البيات. وهو مطلق الليل، وأمّا هنا فوقع في مقابلة الليل مقيداً باشتداد ظلمته فالمناسب أن يراد به ارتفاعه وقوّة إضاءته، قلت: كذا اعترض على المصنف رحمه الله تعالى وأجيب عنه بأنه قوبل بالليل هنا وتقييده لا يوجب استعماله في غير معناه وأخذ الاشتداد من سبحا بعيد ولا يخفى ضعفه. قوله: (سكن أهله الخ) فسبحا بمعنى سكن، ونسبته إلى الليل مجازية وهو أحسن من تقدير المضاف فيه مع جوازه ولا يلزمه حذف الفاعل، أو استتار الضمير البارز ومثله لم يعهد كما توهم فإنه خطأ فاحش، وسكون أهله بعد مضيّ برهة منه، وقوله: ركد ظلامه معناه اشتد ظلامه، وهو بمضيئ بعضه أيضاً لبعد الشمس عن الأفق وأصل الركود عدم الجريان في الماء فتجوّز به عما ذكر، وعلى هذا ففي سبحا استعارة تبعية أو مكنية، وقوله: من سبحا البحر الخ فليس معنا. مطلق السكون بل سكون الأمواج ثم عمّ وهو في الأصل مجاز مرسل كالمرسن، وقوله: سبحوا بوزن عد ومصدره. قوله: (وتقديم الليل الخ) إنما كان الأصل التقدم في الليل لأنه ظلمة وعدم أصليّ، والنوم يحدث فيه بإزالته لأسباب حادثة عنده وقد مرّ الكلام عليه في أوّل سورة الأنعام وما له وعليه، وقونه: باعتبار الشرف لأنه نور وللنور شرف ذاتي على الظلمة والظاهر أنه لكثرة منافعه، أو لمناسبتة لعالم المجردات فإنها نورانية فإن فهمت فهو نور على نور، والمراد بالتقديم وقوعه ممدرا به السورة فلا يتوهم أنه غفل عن تقدّمه في قوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} [سورة الشمس، الآية: 3] لم يذكر النكتة في محلها كما قيل ولا حاجة لتكلف أنه ذكر ثمة باعتبار تجلي الشمس هإيضاح إشراقها فكأنه من تتمة قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} فلذا لم يتعرضوا له، ثم إنّ الطيبيّ طيب الله ثراه قال: إنه تعالى أقسم له بوقتين فيهما صلاته وقريب زلفاه ومناجاته إرغاما لأعدائه وتكذيبا لهم في زعم قلا. وجفائه كأنه قيل وحق قربك لدينا وزلفاك عندنا إنا اصطفيناك، وما هجرناك وقليناك فهو كقوله: وثناياك إنها إغريض فلذ دره. قوله: (ما قطعك قطع المودع) يعني أنّ التوديع مستعار استعارة تبعية للترك هنا، وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته كما قال المتنبي: حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا فلم أدر أيّ الظاعنين أشيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 وحقيقة التوديع غير متصوّرة هنا. قوله: (وقرئ بالتخفيف بمعنى ما تركك) وهذه القراءة، وإن كانت شاذة تنافي قول النحاة إنهم أماتوا ماضي ياع ويذر ومصدرهما ولذا قال في المستوفي إنه كله ورد في كلام العرب ولا عبرة بكلام النحاة فيه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وإن كان نادرا وقال في المغرب إنّ النحاة زعموا أنّ العرب أماتت ذلك، والنبيّ صلى الله عليه وسلم أفصحهم، وقد قال: لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات وقرئ ما ودعك بالتخفيف، وقال أبو الأسود: ليت شعري عن خليلي ما الذي عاله في الحب حتى ودعه وفي الحديث اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم، قال ابن جني إنّ هذه القراءة قراءة النبيّ-لمجز، وقال الطيبيئ: بعد ذكر وروده نظماً ونثرا إنه حسنه في الحديث ما فيه من الترصيع ورد العجز على الصدر، وأما هذه القراءة قإن كان مخفف وح فلا غبار عليه وهو الظاهر والممات على زعمهم شيء آخر، وقد قيل إن قريشا قالوا: لما تخلف الوحي إن محمدا ودعه ربه بالتخفيف فنزلت فيكون المحسن له قصد المشاكلة لما قالو.، وهم تكلموا بغير المعروف طنزاً منهم. قوله: (جواب القسم) على القراءتين وقد علمت متاسبة القسم لل! مقسم عليه، وحذف المفعول الخ الأحسن أن يقال: لئلا يواجه بنسبة القلا لطفاً به وشفقة عليه، وقوله: إنّ الوحي تأخر إلى آخره بضعة عشر كما مر تفصيله قي الكهف، وقوله: جروا بتثليث الجيم صغر كل شيء والمراد به هنا ولد الكلب الصغير لأن الملك لا يدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة. قوله: (فإنها باقية الخ) إشارة إلى أن الآخرة الدار الآخرة المقابلة للدنيا، وقوله: لك على هذا البيان اختصاعمه بالخيرية فيهما دون من آذاه وشمت بتأخر الوحي عنه مع أنّ عمومه لجميع الغابرين لا ضرر فيه كما قيل لأنّ اختصاص اللام ليس قصرياً كما مرّ غير مرّة مع أنه محتمل، وقد علم بالضرورة أنّ الخير المعد له صلى الله عليه وسلم خير من المعدّ لغيره كما أشار إليه بقوله+: كأنه الخ، وقوله: لا يزال لواصله الخ هذا من نفي التوديع والقلا فإنّ ذ! لك صريح في عدم المفارقة، وثبوت المواصلة ومواصلة الله لأحبابه وخاصة أنبيائه بما ذكر فلا خفاء فيه سواء جعل كناية عما ذكر أولاً وهذا بيان لاتصال هذه الآية بما قبلها، ودخول، اللام القسمية عليها يقتضي العطف فلا وجه لما قيل من أنها حالية، وض له: الدنيا هو المراد بقوله الأولى، ويحتمل أن يكون هذا كلاما مستأنفاً مؤكداً باللام، وقيل هو المتبادر من كلام المصنف رحمه الله فعلى الأوّل أقسم على أربعة اشنان منفيان واثنان مثبتان، وهو الظاهر فاللام! فيهما قسمية وسيأتي ما فيه. قوله: (او لنهاية أمرك الخ) تفسير آخر للآخرة بالنهاية والأولى بالبداية، وتعريفهما للعهد أو عوض عن المضاف، والمراد أنّ حالك لا تزال تترقى في الخير فكيف تنقطع عن الاتصال بعالم الملكوت، وهذا معطوف على ما " قبله بحسب المعنى لا على مقدّر وفي بعض النسخ أو ولنهاية الخ بواو عاطفة بعد أو تعطفه على قوله، وللأضرة! الخ على أنه تفسير للمجموع، والأولى أولى. قوله: (وعد شامل لما أعطاه الخ) الشمول من العموم المأخوذ من حذف المعطي فلذا عممه لما يشمل ماله في خاصة نفسه وما لدينه، وأمته في دنياه وآخرته وظهور الأمر وأعلاء الدين بقهر أعدإئه د راهلاكهم ونصرته، وهذا بيان لما تضمنه قوله ولسوف الخ لا له ولا لما قبله كما توهم فإنه خبط تركه أولى من ذكره. قوله: (واللام للابتداء الخ (وفائدتها أما تأكيد ما دخلت عليه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وما ذكر تبع فيه المصنف رحمه الله تعالى الزمخشري وأبا عليّ الفارسي، وقد أورد عليه أنّ تأكيده يقتضي الاعتناء به والحذف ينافيه ولذا قال ابن الحاجب إت المبتدأ المؤكد باللام لا يحذف لو أنه معها كان مع الاسم، وقد مع الفعل في عدم جواز الحذف مع أنّ هذا مناقض لما قدمه في سورة طه في قوله: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [سورة طه، الآية: 63] من أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف وأيضا هو تقدير والأصل عدمه، وردّ بأن المؤكدة الجملة لا المبتدأ وحده حتى ينافي تأكيده حذفه وأن يحذف معها إلاسم كثيرا كما ذكره النحاة، وكذا قد يحذف بعدها الفعل كقوله: وكأن قد وأمثاله مع أنه لو سلم فقد يفرق بين إنّ، وقد وهذه اللام فإنهما يؤثران في معنى ما دخلا عليه بخلاف اللام فهو قياس مع الفارق، وما ذكره في سورة طه من مغ حذف المبتدأ بعد أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 لا يقتضي منعه في كل محل وهو على غير مذهب الفارسي الذي اتبعه هنا، والنحويون يقدرون كثيراً في الكلام كما قدروا المبتدأ في نحو قمت وأصك قفاه واضرابه، وهو لأجل الصناعة دون المعنى كما نحن فيه والقول بأنه يقتضي تساوي الملفوظ والمقدر، والاسمية وغيرها تطويل بلا طائل، وأمّا كون تقدير المبتدأ في نحو لسوف يقوم زيد فيه تكرير لتقديره لزيد سوف يقوم زيد، وفيه مع ضعف التكرير ضعف الربط بالظاهر في غير مقام التفخيم فلغو فيما نحن فيه. قوله: (لا تدخل مع المضارع إلا مع النون) هذا أحد مذهبين للنحاة والآخر أنه يستثنى ما اقترن بحرف تنفيس كما هنا، أو قدّم معموله عليه نحو لإلى الله تحشرون فإنه يجوز فيه ترك التاكيد كما فصل في شروح التسهيل، والمغني فإذا فصل امتنعت النون وثبتت اللام كقوله: فوربي لسوف يجزي الذي أس طفه المرء سيئا أوجميلا فحينئذ لا يتجه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مع أن الممنوع في جواب القسم لا في المعطوف عليه كما هنا فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وأنما ذكرت اللام تأكيداً له وتذكيرا بالعطف فيه. قوله: (وجمعها) أي اللام المؤكدة الخ هو دفع لما يتراءى من التنافي بين التأكيد، وحرف التنفيس والتاخير أو لردّ أحتمال أنه لتأكيد التأخير بأنه لتأكيد المؤخر في! - ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، واللام المؤكدة لا تخصص! المضارع بالحال حتى تنافي سوف بل هي لمطلق التأكيد ويفهم معها الحال بالقرينة لأنه أنسب بالتأكيد، ومن قال: بأنها تخلصه للحال يقول إنها جردت للتأكيد هنا بقرينة ذكر سوف بعدها والأوّل أظهر. قوله: (تعديد الخ) إشارة إلى وجه الفصل وأنه كقوله: أمدّكم بأنعام الآية. قوله: (كما أحسن إلبه فيما مضى الخ) هو حل للشعر المشهور الذي نسب لعليّ كرم الله وجهه وليس له وهو: توكلت في كل ما أرتجي وفوّضت أمري إلى خالقي كما أحسن الله فيمامضى كذلك يحسن فيمابقي وقوله: أو المصادفة معطوف على العلم، وهو على هذا مجاز عن تعلق علمه به لأنّ المصادفة لا تصح في حقه تعالى لأنها ملاقاة ما لم يكن في علمه وتقديره كذا قيل، وهو على الأوّل مجاز فإنّ أصل معنى وجدته أصبتة تلى صفة ويلزمه العلم كما ذكره الرضي وهو يقتضي أنّ حقيقته المصادفة وانه في العلم مجاز وهو مخالف لكلامهم هنا فتامّله. قوله: (عن علم الحكم) جمع حكمة، وهي العلوم الحقة النافعة فالضلال مستعار من ضل في طريقه إذا سلك طريقاً غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصله للعلوم النافعة، وهو ما ذكر من الوحي وما بعده. قوله: (وقبل وجدك ضالاً الخ) فهو بمعناه الحقيقيّ، ومرضه لأنّ مثله بالنسبة لما قدّمه لا يعدّ من نعم الله تعالى على مثل نبيه صلى الله عليه وسلم التي يمتن بها عليه، وقوله: عن عمك أوجدك لف ونثر مرتب على الوجهين وكون ضلاله في الطريق لا ينافي كونه عند باب مكة فانه طريق أيضاً لدار عمه أو جده، وحليمة مرضعته صلى الله عليه وسلم وهي معروفة وهذا إشارة إلى ما رواه سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم لما سافر مع عمه أبي طالب أتاه إبليس، وأتباعه فأخذ زمام ناقته وعدل به عن الطريق فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام ونفخ إبليس نفخة وقع منها بالحبشة وردّه إلى القافلة، وكذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنه صلى الله عليه وسلم ضل، وهو صغير عن جده في شعاب مكة فرآه أبو جهل فردّه لجده وهو حديث ثابت في السير. قوله: (فقيرا ذا عيال) اعترض عليه بأن عال بمعنى افتقر يأبى مصدره العيل، وعال صار ذا عيال مصدره العول وهو واوي فلا يجوز الجمع بينهما في تفسير، وأيضاً الأحسن ترك قوله: ذا عيال لكونه ليس كذلك في أوّل أمره ولا يخفى أنه مشترك والمصنف رحمه الله تعالى ممن يجوّز استعماله في معنييه فإن قيل إن مع اختلاف المادّة غير جائز فقد يقال: إنّ المراد به ذا عيال، ودلالته على المعنى الآخر بطريق اللزوم والاستتباع، وقيل المراد: إطلاقه على كل منهما على البدل. قوله: (بما حصل لك من ربح التجارة الم يقل بما أفاء عليك من الغنائم، كما في الكشاف لأنّ السورة مكية، والغنائم إنما كانت بعد الهجرة، وقيل: إنه لم يذكر المفعول فيها ليدل على سعة الكرم والمراد آواك، وآوى لك وبك وهداك وبك ولك وأغناك وبك ولك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 فتأمّل. قوله تعالى: ( {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} الخ) قيل: إنه مرتب على ما قبله من النعم وقع في مقابلتها على اللف والنشر المشوّش، والمعنى إنك كنت يتيماً وضالاً وعائلاً فآواك وهداك وأغناك فمهما يكن من شيء فلا تنى نعمة الله عليك في هذه الثلاث، واقتد بالله فتعطف على اليتيم وترحم على السائل فقد ذقت اليتم والفقر، وقوله: {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} الخ في مقابلة قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} لعمومه وشموله كذا في الكشاف وشروحه ولم يراع الترتيب لتقديم حقوق العباد على حقه تعالى فإنه غنيّ عن العالمين لا لرعاية الفواصل فإنه يحصل بالعكس ولا للترقي أو تقديم التخلية على التحلية لأنه غير مطرد، ولو أبقى على الترتيب لم يمنع منه مانع لأنه ذكر أحواله على وفق الترتيب الخارجيّ، ثم لف على الترتيب فعدم قهر اليتيم ظاهر، وعدم زجر السائل إذا أريد به طالب العلم والمتعلم منه في مقابلة هداية إلله له في طريق النظر ممالوحي وما معه، وما بعده في مقابلة الغني وهو ظاهر. قوله: (فلا تغلبه على ماله لضعفه) مف لمق بالنهي أو الغلبة وتقييد الغلبة بكونها على ماله باعتبار الأكثر الغالب، وقوله: فلا تكهر في تهذيب الأزهري الكهر القهر والكهر عبوس الوجه والكهر الشتم اهـ، وقوله: في وجهه ليس التقييد به اتفاقياً كما قيل فإنه إنما ينهى عنه إذا كان كذلك. قوله: (فلا تزجره) أي لا تغلظ له القول ورده بقول جميل، وهذا صادق على ما إذا أريد بالسائل السائل في أمر الدين أو غيره كما في الكشاف، وقوله: فإن التحدث بها شكرها ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذا لم ئيرد به الرياء والافتخار وغيمّ الافتداء به، وقوله: وقيل المراد الخ مرضه لأنه غير مناسب لما قبله لا لكونه تخصيصاً بلا مخصص. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم) الخ هو حديث موضوع (تمت) السورة والحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام وصحبه الكرام. سورة ألم نشرح وتسمى سورة الشرح ولا خلاف في عدد آياتها وهي مكية وقيل مدنية. بسم الله الرحمن الوحيم قوله: (ألم نفسحه الخ) قال الراغب: أصل الشرح بسط اللحم ونحوه، ومنه شرح الصدر وهو بسطه بنور إلهيّ وسكينة من جهة الله وروح منه (قلت الما كان أصله بسط اللحم، وفيه مذلة وتوسيع مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه استعمل في القلب الشرح، والسعة لأنه محل الإدواك لما يسر وضده فجعل إدراكه لما فيه مسرة يزيل ما يحزنه شرحا وتوسيعاً وذلك لأنه بإلهام ونحو. مما ينفس كربه ويزيل همه بظهور ما كان غائبا عنه وخفيا عليه مما فيه مسرته كما يقال شرح الكتاب إذا وضحه، ثم استعمل في الصدو الذي هو محل القلب مبالغة فيه لأنّ اتساع الشيء يتبعه اتساع ظرفه، ولذا تسمع الناس يسمون السرور بسطا ويقال في المثل البسط صدف، ثم سموا ضدّ. ضيقاً وقبضاً، وهو من المجاز المتفرّع على الكناية بوسايط وبعد الشيوع زال الخفاء وارتفعت الوسايط فاحفظه فإنك لا تراه في غير هذا الكتاب فقوله: ألم نفسحه أي نوسعه بإلقاء ما يسره ويقوّيه، واظهار ما خفي عليه من الحكم والأحكام وتأييده وعصمته حتى علم ما لم يعلم، وعرف الله معرفة من يراه قبل كل شيء فيناجيه ويدعو عبيده لما يرتضيه، وهذا مما لا يمكن إظهاره بغير هذا القدر فتدبر. قوله: (وكان) أي عليه الصلاة والسلام غائبا حاضرا هذه جملة حالية وأكثر أصحاب الحواشي على أنّ غائبا بغين معجمة وباء موحدة بعد الهمزة اسم فاعل من الغيبة ضد الحضور، وحاضراً بحاء مهملة وضاد معجمة بعدها راء مهملة من الحضور، والمراد أنه لجمعه بين مناجاة الحق ودعوة الخلق الذي كالجمع بين الماء والنار، ولذلك نرى كثيراً من الأولياء لا يدري أمرا من أمور الدنيا حتى تلحقه العامّة بالحيوانات العجم، ونرى كثيراً من أهل الدنيا لا يخطر الحق ببا حتى يلحق بجند إبليس، وربما كان إبليس من جنده فلجمعه صلى الله عليه وسلم بين كمال الأمرين كان حاضراً مع الناس بجسده الشريف غائباً عنهم بروحه، وحاضراً عن الحق في مقام مناجاته غائبا عنه بحسب الظاهر لمن يدعوه، ولذا جعلت قرة عينه في الصلاة وسميت معراجا وحرم فيها الكلام، وقيل: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 إنه عانيا بالعين المهملة والنون من العناء وهو التعب وحاصرا بالحاء والصاد، والراء المهملات بمعنى ضيقا أي شرح صدره ووسع قلبه للمناجاة والدعوة فاستراج بعد تعبه وضيق صدره والأوّل أقرب لنظر المصنف رحمه الله تعالى فتدبر. قوله: (أو ألم نفسحه) أي نوسع الصدر الشريف فتوسيعه عبارة عن كثرة ما فيه من العلوم الإلهية وتضييقه عدمها، وقوله: أو بما يسرنا الخ فتوسيعه جعله متهيثاً لقبول الوحي مستعدّاً له والمعنى الأوّل شامل لهذا كله، ولذا قدمه: فإنّ المهم المقدم وما في قوله: بما أودعنا موصولة لتبيينها بقوله: من الحكم والعائد محذوف تقديره أودعنا.، وفي قوله: بما يسرنا مصدرية وكونها موصولة تكلف. قوله: (وقيل إنه إشارة الخ) شق الصدر الشريف مما لا شبهة فيه وقيل: إنه وقع مرارا والكلام عليه مفصل في كتب الحديث والذي مرضه المصنف إنما هو كونه مرادا من شرح الصدر هنا وهو رواية ضعيفة في سنن البيهقي وفي كون الملك الذي شق صدره جبريل توقف، وهما ملكان لم يسميا في الحديث. قوله: (أو يوم الميثاق) الظاهر أنّ المراد منه أخذ الميثاق على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في عالم الذرّ كما مرّ في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ} [سورة آل عمران، الآية: 81] ولا يخفى أنّ وقوع الشق فيه بعيد جدا، ولذا فسره بعضهم بليلة المعراج وهو بعيد من العبارة لكنه لو قيل إنّ المراد به وقت قبيل المعراج كان غير بعيد لأنه روى الشق قبله ليستعد لما سيراه في الملكوت فالميثاق بمعناه اللغوي أي الوثوق بنفسه على قدرته وتحمله، وقوله: فاستخرج الخ بيان لبقية أمر الشق كما بين في الحديث. قوله: (ولعله إشارة إلى نحو ما سبق) إن أراد لعل شق الصدر الوارد في الأحاديث إشارة لما سبق من توسيعه للمناجاة، والدعوة وإيداع العلوم والحكم فيه كما قيل فلا وجه له لصحته رواية وحمله على ظاهر. عند الجمهور، وإن أراد لعل تفسيره بما ذكر أو لعل كونه في يوم الميثاق كان أقرب إلى الصواب. قوله: (ومعنى الاستفهام الخ) بيان للمراد مع التوجيه للعطف لئلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء فيما لا محل له من الإعراب، وهو مردود أو ضعيف لا توجيه لعطف المثبت على المنفي فإنه جائز بالاتفاق، وقوله: مبالغة في إثباته لأنّ الإثبات بإبطال كالدعوى ببينة لأن إنكار النفي مستلزم للإثبات بوجه أقوى، وقوله: ولذلك أي لكون معناه ما ذكر وقع ما ذكر معطوفا عليه من غير لزوم المحذور السابق ولم يقل ونضع، وناثب فاعل عطف قوله: ووضعنا، وقوله: عبأك بكسر العين المهملة وسكون الموحدة والهمزة بمعنى الحمل مطلقاً أو الثقيل منه فالصفة كاشفة. قوله: (الذي حمله على النقيض) فالأفعال للحمل على الشيء وهو المصدر هنا كأبكاه إذا حمله على البكاء أو هو بيان لأنّ إسناده للحمل الثقيل إسناد للسبب الحامل مجازاً، والنقيض الصرير وهو معنى قوله: صوت الرحل بالحاء المهملة وهو رحل الجمل والقتب الذي يوضع عليه وقاية لظهره، وقوله: عند الانتقاض من ثقل الحمل المراد بالانتقاض بالقاف التحامل عليه، والضغط له بثقله عليه. قوله: (وهو ما ثقل عليه من فرطاته الخ) الفرطات بفتحتين جمع فرطة وهي الذنب المتقدّم يعني المراد بالحمل المنقض هنا ما صدر منه قبل البعثة مما يشق عليه تذكره، أو المراد عدم علمه بالشرائع ونحوها مما لا يدرك إلا بالوحي مع تطلبه له، وقول المصنف جهله عبارة قبيحة لجراءته على التصريح بما لم يصرح به الله فهو ترك أدب فكان عليه أن يتأدب بآداب الله فيه، فالحمل مستعار للفرطات بواسطة أن كلا منهما مما يشق ويصعب، وكذا عدم الوقوف على ما مرّ فوضحعه على الأوّل مغفرته وعلى الثاني تعليمه بالوحي ونحو.. قوله: (أو حيرثه) أي الحمل مستعار لتحيره في بعض الأمور كشكر ما أنعم به عليه وآداء حق الرسالة فهو كقوله: وجدك ضالاً فهدى فوضعه إزالة ما يؤدي للحيرة، وقوله: أو تلقي الوحي أي الحمل الثقيل الوحي وتلقيه في ابتداء أمره فوضعه عنه بتيسيره له بتدرّبه واعتياده له، وقوله: أو ما كان يرى الخ بتشبيه ما يشاهده منهم مع عجزه عن الإرشاد لعدم إطاعتهم له لعدم إذعانهم إلى الحق أو لإصرارهم على العناد بالحمل الثقيل لأنه يشق عليه ووضعه عنه بتوفيق بعضهم للإسلام كحمزة وعمر ونحوه، وقيل: إنّ قوله وضعنا الخ كناية عن عصمته وتطهيره ومن دنس الأوزار ففيه على الوجوه استعارة تمثيلية والوضع ترشيح لها. قوله: (بالنبوّة) متعلق برفعنا أو بذكرك، والمراد أنه شرف ذكره حيث خاطبه بنحو يا أيها النبيّ يا أيها الرسول، وقوله: وأفي رفع الخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 أي لا رفع أقوى من هذا وبهذا فسرت الاية كما في الشفاء، وقوله: وجعل طاعته الخ إشارة إلى قوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، والصلاة عليه إشارة إلى قوله: إنّ الله وملائكته الخ والمراد بالألقاب نحو: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} لا إلا ألقاب الاصطلاحية. قوله: (وإنما زاد لك الخ (أي في قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ} ولم يذكره في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} لتقدمه في سورة طه، وقد مرّ تفصيله هناك لأنه بذكر الفعل علم أنّ ثمة مشروحا ومرفوعا فقيل: ذكره لما قيل لك اشتد الإبهام لزيادة الانتظار وتوهم أنه أعرض عن ذكره بالكلية فإذا ذكر بعده كان أوقع في النفس وقيل: اللام للتعليل. قوله: (كضيق الصدر الخ) إشارة إلى ارتباط هذا بما قبله وأنّ الفاء للفذلكة أو للسببية، ودخلت على السبب وإن تعارف دخولها على المسبب لتسبب ذكره عن ذكره فإن ذكر أحدهما يستدعي ذكر الآخر وإن لتأكيده لتقدم ما يلوج له كما تقرر في المعاني، وقوله: كالشرح لف ونشر مرتب فيحمل العسر واليسر على تلك النعم وأضدادها، وحمل الزمخشريّ العسر على فاقة المسلمين في بدء الإسلام واليسر على ما أفيض بعد. والمصنف اختار هذا لأنه أتم فائدة وأحسن ارتباطا فأعرفه. قوله: (والوزر) أي بمعناه التعارف، وهو الفرطات والذنوب وليس هو السابق في النظم لشموله لمعان عدة منها ما ذكره بعده وهو ضلال القوم الخ فيرد عليه أنه داخل في الوزر لأنه بعض متناولاته فلا وجه لأفرادهما بالذكر كما قيل ولو حمل عليه، وقيل: إنه إشارة لبعض ما اندرج تحته لتذكر الباقي لم يبعد. قوله: (فلا تيأس الخ) إشارة إلى أنّ المقصود من ذكر ما ذكر تسليته! ، أو إلى أنّ المذكوبى ترتب على ما قبله لأنه كناية عما ذكر وقيل: إنه يفهم منه بطريق الإشارة دون العبارة، وفي الكشاف إنّ المشركين طعنوا في المؤمنين بالفاقة فسبق إلى فهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لاحتقار المسلمين فذكره بما أنعم به عليهم من النعم ثم قال فإنّ من العسر يسرا كأنه قال: خولناك ما خولنا فلا تيأس والفاء عليه فصيحة، واللام عهدية وعلى ما ذكر. المصنف سببية واللام استغراقية فتدبر. قوله: (وتنكيره) أي بسرا للتعظيم فالمراد يسر عظمي وهو يسر الداوين، وقوله: والمعنى بزنة المرضى أي المقصود مبتدأ، وقوله: في أنّ مع أي في هذا اللفظ متعلق به، وقوله: من المصاحبة بيان لما، وقوله: المبالغة خبره، وقوله: في معاقبة الخ متعلق بالمبالغة وقوله: اتصال المتقارنين بالنون فهو استعارة شبه التقارب بالتقارن، فاستعير لفظ مع لمعنى بعد وليس تبعية كما توهم، ولو أبقى على ظاهره جاز لأنّ المرء لا يخلو في حال العسر من يسر ما وأقله الصبر والتحمل، وعلى هذا لو قيل إنّ معنى قوله في الحديث: " لن ينلب عسر يسرين " إن أفاد ما هنا أنّ معه يسراً صح وقد علم أنّ بعده آخر على ما جرت به العادة أو فهم من قوله: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [سورة الطلاق، الآية: 7] إن كان نزولها متقدّماً فتامّل. قوله: (أو استئناف وعدة الخ) قال بيسر الخ إشارة إلى مغايرته للأوّل لأنه أعيد نكرة فيغايره، وأمّا العسر فأعيد معرفة فيكون عينه، وقوله: كقولك الخ إشارة إلى أنه مثال منه لأنّ الوارد للصائم فرحتان الخ فلما ذكر هذا في تفسيره علم أنه ليس تاكيداً، وقوله: قوله عليه الصلاة والسلام إشارة إلى أنه حديث مرفوع كما رواه الحاكم والطبراني، وليس من كلام ابن عباس كما وقع في كتب الأصول وأوّله لو كان العسر في حجرءضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه، وقوله: فإنّ العسر معرف الخ أي على كونه استئنافاً وعدة لأنه لو كان تأكيداً كان عين الأوّل من غير احتياج لما ذكر، وقوله: للعهد لأنّ المراد به فاقة المسلمين كما في الكشاف أو للجنس كما ذكره المصنف وبعد قوله: إنه اشئناف لم يبق وجه للسؤال عن عدم اقترانه بالواو كما قيل. قوله: (من التبليغ) وهذا أحسن من كون المراد إذا فرغت من تلقي الوحي فانصب في تبليغه، لأنّ الوحي معلوم أنّ نزوله للتبليغ فلا فائدة في الأمر به، وهذا أتم فائدة لأنّ التبليغ بعد تلقي الوحي والنعم السالفة ما تضمنه قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ} الخ، والوعد بالآتية من قوله: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} الخ وذكر الشكر ليتم ارتباطه بما قبله. قوله: (وقيل إذا فرغت من الغزو الخ) مرضه قيل لأنّ السورة مكية والأعر بالجهاد بعد الهجرة فلعله تفسير ابن عباس الذاهب إلى أنها مدنية فليتأمّل. قوله: (ولا تسأل غيره) إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور، وقوله: فإنه الخ توجيه لحصر السؤال وقصره عليه، وقوله: ثوابه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 أي ثواب الله، وقوله: عن النبيّ يكه الخ هو حديث موضوع تمت السورة بحمد الملك العلام، والصلاة والسلام على خاتم الرسل وآله وصحبه الكرام. سورة التين ويقال: سورة والتين بالواو ولا خلاف في عدد آياتها، والخلاف في كونها مكية أو مدنية وأيد الأوّل بقوله: {هَذَا الْبَلَدِ} . بسم الله الرحمئ الرحيم قوله: (خصهما من الثمار الخ) أي من بين الثمار فمن تبعيضية، وقوله: وغذا الغداء ما به نماء الجسد والدواء ما به العلاج لإزالة الأمراض ونحوها، وقوله: يلين الخ بيان لدوائيته، وقوله: ويزيل رمل المثانة بفتح الراء المهملة وسكون الميم وأراد بالمثانة مقرّ البول ورملها مرض يستولي عليها بتحجر البول بأجزاء دقيقة كالرمل يعسر معها البول، ويتأذى به فإن زاد صار حصاة وهو مرض معروف بالحجاز دمانما بيناه لأنّ بعضهم ظنه بفتح الميم وفسره باضطراب المثانة وهو خطأ. قوله: (لا فضل لها) صفة بعد صفة وفي نسخة لا فضل له فيكون خبراً بعد خبر لكنه لم يعطف وفيه شيء، والنقرس بالكسر مرض وكون الزيتون فاكهة محل نظر وهذا كله على أنّ المراد بالتين والزيتون ثمرها، وهو يطلق على الثمر والشجر كما في الكشاف، وعليه قوله: مع أنه ينبت بحسب الظاهر، وقوله: حيث لا دهنية فيه في عبارته قلاقة ظاهرة لأن مراده أنه ينبت في أماكن يابسة لا تناسب الدهنية وفيه نظر، وقوله: بالسريانية هي لغة قديمة وطور سينا وما بعده تركيب مزجيئ، وقوله: لأنهما الخ إشارة إلى أنه على تقدير مضاف أو تجوّز. قوله: (أو مسجدا الخ العل إطلاقه عليهما لأنّ فيهما شجراً من جنسهما كما قيل: يس تتلى وسط محرابه والتين والزيتون في صحنه وقوله: أو البلدان يعني دمشق، وبيت المقدس فالتعريف عهدي وهذا قول كعب وهو مجاز من تسمية المحل باسم الحال فيه، وما نقل عن شهر بن حوشب من تفسير البلدين بالكوفة والشام لا أصل له لأنّ الكوفة بلدة إسلامية اختطها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في خلافة عمر رضي الله عنه فكيف يفسر بها القرآن اللهم إلا أن يريد جبالاً بأرضها لأنّ الجودي قريب منها، وقد قيل: إنه مراده فتأمّل. قوله: (اسمان للموضع الذي هو فيه) وفي نسخة الذي فيه بدون ضمير هو الراجع للجبل فقيل: تقديره الذي حصل فيه على أن يكون ضمير الجبل مستتراً في الظرف، وضمير فيه للموضع وقال أبو حيان: لم يختلف في أنّ طور سينا جبل في الشام وهو الذي كلم الله موسى عليه الصلاة والسلام عليه ومعنى سينين ذو الشجر، وقال عكرمة حسن مبارك اهـ وقيل: المراد الموضع المخصوص الذي في الجبل وهو الموضع الذي ناجى فيه موسى عليه الصلاة والسلام ربه لا الفضاء الذي فيه الجبل كما في المعنى السابق، وهو تكلف لا حاجة إليه وفيه نظر والمشهور خلاف ما قاله أبو حيان فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة، وطور زيتا في البيت المقدس فليحرّر. قوله تعالى: ( {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} ) مما مرّ قبله لما ذكر فيه الفاكهة، والبقعة صار في قوّة أن يقال والأرض المباركة الجامعة لبركة الدين والدنيا لذكر الثمار ومحل المناجاة فحسن عطف البلد عليه، أو العطف على مجموعها كما أشار إليه في الكشف، وقوله: أي الآمن يعني أنه فعيل بمعنى فاعل من قولهم أمن بضم الميم أمانة فهو أمين وأمّان، وأنما فسره بالأمن لأنه أظهر وإن لم يسمع له اسم فاعل، وأنما يقال للشخص: أمين وأمّان ككريم وكرّام ولا يصح تفسيره بالنسب كلابن لأنه لا يصح مقابلته لما هو بمعنى المفعول وهو على هذا استعارة مصرحة، أو مكنية بتشبيه عدم الضرر لما فيه بحفظه بالوضع عند الرجل الأمين. قوله: (أو المأمون فيه) يعني أنّ فعيلاً من أمنه المتعذي بمعنى مفعول، وأمنه بمعنى لم يخفه ويحذر غوائله ولما كان المأمون الناس لا المكان أشار إلى أنه أسند إليه مجازاً وأنّ المراد أنه مأمون فيه لأنه على الحذف والإيصال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 وقد تقدم تحقيقه والمراد مكة على الوجهين. قوله: (يريد به الجنس) فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني بدليل صحة الاستثناء، وإن الأصل فيه الاتصال وقوله: تعديل فسره بقوله: بأن خص الخ وقوله: بانتصاب القامة لا منكباً كالبهائم، واجتماع خواص الكائنات من المجردات المضاهى لها بروحه، والماديات المحاكى لها بجسده فكان مجمع مجرى الغيب والشهادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفاء، وسائر المتون والشارح لما كان وما سيكون كما نسب لعلي كرّم الله وجهه وكأنه نظم فيه معنى ما نقل عنه وهو: دواؤك فيك ولا تشعر وداؤك فيك وما تبصر وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر حتى شرفه الله بأن رسم فيه بعض ما يماثل صفاته ككونه عالما مريدا قادراً مدبراً، وقال: تخلقوا بأخلاق الله لئلا يتوهم أنّ ما للسيد على العبد حرام، وبهذا فسر ابن عربي قوله: (خلق آم على صورقه) ، وقوله: نظار سائر الممكنات فجعل رأسه كالسماء وبطونها كالبروج وحواسها كالكواكب وخلق فيه قوى سبعية إلى غير ذلك وقوله: في أحسن تقويم في موضع الحال من الإنسان والتقويم فعل الله فهو بمعنى القوام أو المقوم أو فيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة والتقدير قومناه أحسن تقويم. قوله: (بأن جعلناه من أهل النار) فهو منصوب على الحال من ضمير المفعول، والسافلين العصاة وغيرهم وأسفل سافل للمتعدد المتفاوت ورددنا بمعنى غيرنا حاله، وثم للتراخي الزماني أو هو رتبي كذا في الحواشي تبعاً للمعرب والظاهر أنّ المراد ما قاله النحاة كما في التسهيل من أن رد يكون بمعنى جعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله: فرد شعورهن السود بيضا ورد وجوههن البيض سودا قوله: (أو إلى أسفل السافلين) فهو منصوب بنزع الخافض صفة لمكان، والردّ بمعنا المعروف وقوله: وهو النار أي محل النار أو النار بمعنى جهنم فإنها اشتهرت فيها والسافلين على هذا الأمكنة السافلة وهي دركاتها إلا أنّ جمعها جمع العقلاء حينئذ لا يخلو من التعسف وكونه للفاصلة أو التنزيل منزلة العقلاء لا يثلج الصدر، وما في الكشاف من أنّ المراد بهم أهل النار والدركات لأنهم أسفل السفل وأقبح الصور أحسن وأولى. قوله: (وقيل هو أرذل العمر (مرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق ولما فيه من الخفاء لأنّ المراد رددناه لما يشبه حاله الأولى في الطفولية وأمّا انقطاع الاستثناء فلا محذور فيه، وقوله: فيكون الخ تفريع على التفسير الأخير والانقطاع لأنه لم يقصد إخراجه من الحكم وهو مدار الاتصال والانفصال كما صرّح به في الأصول لا الخروح والدخول كما توهم فلا يرد عليه أنه كيف يكون منقطعا مع أنهم مردودون أيفا فهو للاستدراك لدفع ما يتوهم من أنّ التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره، ويكون الذين حينئذ مبتدأ والفاء داخلة في خبره لا للتفريع كما في الاتصال، ثم إنّ المصنف أشار إلى أنّ هذا التفسير على التفسير الثاني دون الأوّل ويصح أن يكون جارياً عليهما فتدبر. قوله: (حكأ مرتب الخ) أي إذا كان الاستثناء متصلا فهذه الجملة مترتبة عليه ومؤكدة له أو على غير. فهي داخلة على الخبر حيذ قيل، ولذا صدر بالفاء ولا يخفى أن الفاء في محزها على الثاني أيضاً كما عرفته. قوله: (فأيّ شيء يكذبك الخ) فما استفهامية والخطاب للنبيّ كييه، ومعنى يكذبك أما ينسبك إلى الكذب كفسقته إذا قلت له إنه فاسق والدين بمعنى الجزاء بعد البعث والباء بمعنى في أي يكذبك في إخبارك به أو سببية أو بسبب إخبارك به واثباته، أو المعنى ما يجعلك مكذبا بالدين على أنّ الباء صلته والدين بمعناه وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين والمعنى أنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالدين لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله ولا يرفعون لها رأساً والاستفهام للإنكار والتعجب، وقوله: بعد أي بعد هذه الدلائل على كمال القدرة، وهي الخلق في أحسن تقويم الخ فالتفريع بالفاء لأنّ الإنكار تسبب عن البيان المذكور وهو ظاهر من النظم كما أشار إليه المصنف وكلامه محتمل للوجهين فالقصر تقصمير، وقوله: دلالة أو نطقاً تفصيل للتكذيب على الوجهين بل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 الوجوه فتدبر. قوله: (وتيل ما بمعنى من) فهو استفهام عمن يعقل ومرضه لأن! هـ خلاف المعروف فلا يرتكب مع صحة بقائها على أصلها كما بينا. لك، والداعي لارتكاب هدّا أنّ المعنى عليه أظهر إذا كان المخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه إنكار توبيخيّ للمكذبين له عوو بعد ما ظهر لهم من دلائل صدقه وصحة مدعاه، وقوله: وقيل الخطاب للإنسان هذا هو الذي ارتضاه في الكشاف لسبق ذكر الإنسان، وكون الالتفات من الغيبة للخطاب وتلوين الخطاب من المحسنات فلا وجه لجعله سببا لتمريضه، وأنما وجهه أنّ الإنسان عام للمكذب، وغيره هنا فلا يصح جعله مكذبا إلا بتكلف فتأمّل. قوله: (والمعنى فما الذي يحملك على هذا الكذب) أي الكذب الذي هو التكذيب فإنه كذب محض كما قال الزمخشريّ إنّ معناه فما يجعلك كاذبا بسبب الدين تان! كاره بعد هذا الدليل يعني أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب فأي شيء يضطرك إلى أدط تكون كاذبا بسبب تكذيب الجزاء انتهى، والمصنف اختصره اختصاراً مغلقا. قوله تعالى: ( {أَلَيْسَ اللَّهُ} الخ) الاستفهام للتقرير ولذا ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: " بلى وأنا على ذلك من الشاهدين " وقوله: أليس الذي فعل ذلك الخ إشارة إلى أنه فيه قياساً منطقياً وهو ظاهر وليس هذا مبنياً على تفسير أسفل سافلين بأرذل العمر لأنّ الاستدلال يكون بالمعلوم على المجهول كما قيل: بل صادق على الوجوه لأنه لم يبين المراد بالرد ولا يلزم أن يكون من الدليل بل هو مستدل عليه لأنه على الأوّل والثاني من جملة الجزاء فيجعل كلامه من اللف والنشر مع أنه لو سلم لا باس فيه، وأحكم من الحكم أو الحكمة قيل: والثاني أظهر، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع (تمت السورة) والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده وعلى آله وصحبه.. سورة العلق وتسمى سورة اقرأ ولا خلاف في كونها مكية وأنما الخلاف في عدد آياتها فقيل: تع عشرة، وقيل: ثمان عشرة وفي أنها أوّل نازل أم لا كما في بعض النسخ، وهي أوّل سورة نزلت وقيل: الفاتحة ثم هذه اهـ، وفيل: صدرها أوّل آية نزلت في غار حراء والفاتحة أوّل سورة نزلت وبه جمع بين الحديثين، وقيل: أوّل ما نزل المدّثر. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (اقرأ القرآن) إشارة إلى أنّ مفعوله مقدر بقرينة المقام وليس منزلاً منزلة اللازم ولا اسم مفعول والباء زائدة كما قيل، وقوله: مفتتحاً الخ إشارة إلى أنّ الباء هنا للملابسة أو الاستعانة، وقدم الأوّل لما في الثاني من إيهام كون اسمه تعالى آلة لغيره وهو محتمل لأن يكون إشارة إلى أنّ الجار والمجرور هنا ظرف مستقر في موضعنصب على الحالية، ويحتمل أنه بيان لمآل المعنى فالظرف لغو والقرآن يطلق على الكل وعلى ما يشمله وأبعاضه وعلى كل حال سواء دل الأمر على الفور أم لا ليس تكليفاً بما لا يطاق، أمّا على الثاني فظاهر، وأمّا على غيره فلأن قراءته بالشروع فيه وعلى الأوّل فلا حجة فيه للشافعي في الجهر بالبسملة في كل سورة إذ لا دلالة له عليه ولو سلم فالمقابلة تدل على أنها ليست من القرآن وهو مخالف لمذهبه وفيه نظر وإن كان في الاستدلال ما فيه لأنّ الافتتاح يقتضيه ظاهراً والمقابلة تخصص القرآن بغيرها، وضمير به لربك ليتحد مرجع الضمير فيهما أو للاسم واقحام الاسم هنا وعدمه مر بيانه في أوّل الكتاب، وكون اقرأ من جملة المأمور بقراءته فيدل على وجوب نفسه خزيرة سيأتي بيانها. قوله: (الذي له الخلق) ذكر فيه وجوها أوّلها: هذا وهو أنه نزل منزلة اللازم، وهو يفيد العموم أيضاً لأنه يدل على اختصاص الخلق به وعلى أنّ كل مخلوق له أيضا كما أشار إليه المصنف بقوله: له الخلق فقدم له للدلالة على الحصر أو يقدر له مفعول عام وهو كل شيء لأنّ الحذف يدل على العموم أيضاً، وسيأتي الوجه الثالث. قوله: (ثم أفرد ما هو أشرف الخ) هو على الثاني أو على الوجهين لأنّ مآلهما واحد كما عرفت، وهو الأحسن وهذا بيان لتخصيص خلق الإنسان بالتصريح به بعد التعميم صراحة، أو كناية فقوله: أشرف على المذهب الحق ولذا غير قول الزمخشريّ أشرف من على الأرض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 وقوله: وأظهر صنعا وتدبيراً أظهر به صنعة أي مصنوعيته، ومدبريته أي كونه مدبراً أموره لأنه أنفسي مشاهد لكل أحد فهما مصدرا المبني للمفعول. قوله: (وأدل على وجوب العبادة الخ) بيان لارتباطه بما قبله ولما كانت القراءة عبادة فالأمر بها أمر بالعبادة دال على وجوبها وجميع الموجودات تدد على الصانع المنعم بالخلق وشكره بالعبادة له واجب فما هو أشرف، وأظهر أدل على ما ذكر فافهم. قوله: (أو الذي الخ) فيقدر الإنسان ويعلق الخلق بمفعول خاص والإبهام من عدم ذكره والتفخيم بالتفسير بعد الإيهام والفطرة بمعنى الخلق أو المراد أنّ الأوّل ذكر مطلقا ثم بين فتدبر. قوله: (جمعه الخ) أي قال: علق دون علقة كما في الآية الأخرى لأنّ الإنسان المراد به الجنس فهو في معنى الجمع فلذا جمع ما خلق منه ليطابقه قيل، وخصه دون غيره من التارات لأنه أدل على كمال القدرة من المضغة، وهو وإن لم يكن أم! من النطفة بالمقام فهو مستلزم لها مع مناسبة الفواصل، وأطلق عليه جمعاً وهو اسم جنس جمعي كتمرة وتمر إمّا تسمحاً أو هو جمع لغوي، ومعنى قوله: جمعه أتى به جمعا لأنّ المجموع مفرده لا هذا، ولذا قيل: فيه تسمح. قوله: (نزل أوّلاً) هذا بناء على أنّ أوّل هذه السورة أوّل نازل كما مرّ فالمراد نزل في أوّل ما أوحاه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وبين وجهه بأنّ أوّل واجب على المكلف معرفة الله تعالى وهذه الآيات دالة عليه والدال على وجوده كونه ربا وعلى فرط قدرته كونه خالقاً وكمال حكمته في جعله علقة المشار به إلى التارات، وقيل: المراد نزل في أوّل السورة ما يدل على معرفة الله وبعده ما يدل على عبادته في قوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [سورة العدق، الآية: 10] وهو بعيد من كلامه بمراحل. قوله: (تكرير) على أنّ الثاني عين الأوّل والمبالغة من تأكيد الأمر حتى كأنه أمر به ووجب عليه مرتين، وقوله: مطلق أي عن قيد التبليغ للناس أو كونه في الصلاة المذكورة بعده، وقوله: ولعله الخ إشارة إلى ما في حديث البخاري من أنه لما قال له: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ} فقال: ما أنا بقارى وما فيه نافية أو استفهامية كما بين في شرحه فقال له: {اقرأ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} الخ فلا يكون تأكيداً ولا مقيداً بما ذكر من التبليغ للناس أو بكونه في الصلاة بل الأوّل أمر له بالقراءة فلما ساله ما أقرأ أو قال له إني أميّ ولست بقارئ قال له: {اقرأ} الخ فقوله: {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} حال على هذا وعلى الأول استئناف وعلى الثاني يحتملهما، وقوله: فقيل الخ الفاء لبيان تعقيبه لما قبلها فلا يلزم طرحها وذكرها أولى فتأمّل. قوله:) الزائد في الكرم الخ) فافعل على ظاهره والمفضل عليه محذوف لقصد العموم كما في الله أكبر أي من كل كبير، وقوله: يحلم الخ فإنّ حلمه تعالى مع ما هم عليه من كفران النعم ومع عدم الخوف غاية في الكرم، وقوله: بل هو الكريم الخ يعني أنه ليس المقصود به التفضيل بل المبالغة في زيادة الكرم المطلقة لأن حقيقة الكرم إعطاء ما ينبغي لا لغرض وهو لا يشاركه فيه غيره. قوله: (الخط بالقلم) فمفعوله مقدر والجار والمجرور متعلق بالمفعول المقدر، وقوله: وقد قرئ به هي قراءة ابن الزبير علم الخط بالقلم، وقوله: لتقيد الخ متعلق بقوله: علم بيان لحكمة تعليم الله الخط لعباده، وقوله: ويعلم به البعيد من الإعلام أي يعلم بالخط الأمر البعيد، وقوله: بخلق القوي أراد بالقوى الحواس الباطنة، وقوله: فيعلمك القراءة الخ بيان للمراد منه وأنه داخل فيما ذكر دخولاًاً وّلياً. قوله: (وقد عدد الخ) المبدأ من كونه علقة ومنتهاه كونه عالماً محصلاً ما جهله من المعلومات وأخس المراتب كونه نطفة جمادية وأعلاها كمال الإنسانية، وقوله: تقريراً لربوبيته أي كونه مربياً لخلقه بترقيها في أطوارها، وقوله: كرميته حيث أنعم بوجوده، ثم أفاض عليه شآبيب جوده ظاهرة وباطنة محسوسة ومعنوية، وقوبه: عقلا هو ما يعلم من كونه خالقا لكل شيء وربا له وسمعا من قوله: علم الخ فمانّ الآيات وهي الدلائل السمعية مندرجة فيها كما أشار إليه المصنف رحمه الله والمراد هنا ما يدل على ما لا يتوقف ثبوته على الشرع كوجود الباري تعالى. قوله: (وإن لم يذكر الخ) لأنّ مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته على الإنسان فإذا قيل: كلا يكون ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم بالكفران والطغيان، وكذلك التعليل بقوله: إن الإنسان فقيل إنه قدر بعد قوله. ما لم يعلم ليشكر تلك النعم الجليلة فطغى وكفر كلا الخ، وقيل: كلا بمعنى حقاً لعدم ما يتوجه إليه الرح. قوله: (ولذلك جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحدا لأنه لا يكون ذلك في غير أفعال القلوب، وفقد وعدم ولو كانت بصرية امتنع ذلك فيها والمسألة فيها خلاف، فذهب جماعة إلى أنّ رأي البصرية تعطي حكم العلمية وجعل منه قول عائشة رضي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 الله عنها لقدر أيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الأسودان وأنشد: ولقد أراني للرماح دريئة من عن يميني تارة وأمامي قاله السمين في إعرابه. قوله: (تهديدا وتحذيرا الخ) التهديد من الخطاب والتحذير من العاقبة من ذكر الرجوع إلى الله وقد جوّز كون الخطاب للرسول والتهديد والتحذير بحاله أيضاً، وقوله: الرجعى مصدر فألفه للتأنيث. قوله: (نزلت في أبي جهل الخ) هو حديث صحيح، وأن كان في ألفاظه تفاوت فقوله: ينهي عبدا بمعنى يمنع وعبر بالنهي إشارة إلى عدم اقتداره على غير ذلك، وقال ابن عطية لم يختلف المفسرون في أنّ الناهي أبو جهل والعبد المصلى النبي صلى الله عليه وسلم، وماً في الكشاف رواية عن الحسن من أنه أمية بن خلف كان ينهي سلمان رضي الله عنه عن الصلاة فلم يلتفتوا إليه فإنه لا خلاف في أنّ إسلام سلمان كان بالمدينة بعد الهجرة فلا وجه لإيراده هنا. قوله: (وأجنحة) أراد ملائكة ذوي أجنحة وقد رآها الملعون، ولم يميز كونها ملائهكة أم لا كذا في الكشف، وبين أوّل كلامه وآخره تدافع يدفع بأدنى تأمل. قوله: (ولفظ العبد وتنكيره) يعني عدل عن قوله: ينهاك الأخصر الأظهر لما ذكر والظاهر أنه لف، ونشر مرتب فقوله: في تقبيح النهي تعليل لذكر العبد لأن العبد شأنه عبادة مولاه فنهيه عنها أقبح قبيح، وكمال العبودية من التنكير إما لأنه للتعظيم أو لدلالته على أنه لا يعرف بغير العبودية وقيل: إنه من إرخاء العنان في الكلام المنصف إذ قال: ينهي ولم يقل يؤذي وعبدا دون نبياً مختارا. قوله: (أرأيت تكريرا للتأكيد باعتبار الظاهر من تكرر اللفظ فيها وإن قيد كل واحد بقيد يجعله مغايرا لما قبله لأنه يجوز عدم التكرار وعطف القيود أو ربطها بما يقتضيه النظام والخطاب في قوله: أرأيت عام لكل من يضلح للخطاب أو للإنسان كالخطاب في قوله: إلى ربك ويجوز أن يكون للكافر المفهوم من قوله: الذي ينهي أو للنبي صلى الله عليه وسلم إذ هو يختلف كما سيأتي، وما تقدم هو الراجح لأنّ الذي ينهى عبداً يشمل النبي، والكافر فخرجا عن الخطاب من هذا الوجه كما في الكشاف يعني أنّ السياق يقتضي لأن يكون المخاطب بالرؤية غير من وقعت عليه فكونه لا يوجب الخروج لأنه تصوير لحاله وحال خصمه بعنوان كل تعسف لا يخفى، وأمّا وروده على الثالث فسيأتي بيانه مع أنه غير مقبول فوروده عليه مؤيد لتمريضه. قوله: (وكذا الذي في قوله: أرأيت الخ) أي هي أيضا تكرير لتأكيد الأولى مثل البانية وعن الزمخشري إنّ أرأيت الأولى وأختيها متوجهات إلى ألم يعلم، وهو مقدر عند الأوليين، وترك إظهاره اختصاراً كما في قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا ومثاله أن تقول لرجل أخبرني عن زيدان، وفدت عليه أخبرني عنه إن استجزته أخبرني عنه إن توسلت إليه أما يوجب حقي اهـ، والمراد ما سمعته. قوله: (والشرطية) الأولى مفعول أرأيت الأول، وهكذا الثاني وهذا على أنّ الرؤية علمية لا بصرية بناء على تجويز كل منهما لأنّ للنحاة فيها قولين ولذا ترى المصنف رحمه الله يختار هذا مرة وهذا أخرى وجعل الشرطية في موقع المفعول والجملة الاستفهامية في موقع جواب الشرط إمّا على ظاهره أو على أنهما لدلالتهما على ذلك جعلا كأنهما كذلك لسدهما مسد المفعول والجواب، وبما ذكر صرّح الرضي والدماميني في شرح التسهيل في باب اسم الإشارة فما قيل من أنّ المفعول الثاني لا رأيت لا يكون إلا جملة استفهامية مخالف لما صرحوا بأنه مختار سيبويه فلا يلتفت إليه. قوله: (وجواب الشرط) الأوّل محذوف دل عليه جواب الشرط الثاني وهو قوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ} الخ، وقد جعلوا هنا جملة الاستفهام جواباً للشرط بدون الفاء، وبه صرّج الزمخشري وارتضاه الفاضل الرضي واستشهد له بقوله تعالى: {إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 47] وقال الدماميني في شرح التسهيل إنه مشكل لعدم اقترانها بالفاء والاقتران بها في مثله واجب وقال في الكشف في تجويز كون الاستفهام جزاء الشرط بغير فاء بحث لأنّ ظاهر كلام المفصل وغيره وجوب الفاء في الجزاء الإنثائي والاستفهام وإن لم يبق على حقيقته لم يخرج من الإنشاء، وفيه كلام كتبناه في حواشي الرضي، وقوله: محذوف تقديره ألم يعلم أيضا. قوله: (الواقع موقع القسيم له) إشارة إلى أنه ليس بقسيم له حقيقة فلذا لم يعطف عليه بأو وإن كان في تقريره للمعنى عطفه عليه لمشابهته للقسيم أداء لحقي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 الشبه وعدمه لأنّ تكذيبه وتوليه ليس بمقابل لأمره بالتقوى، واهتدائه ولم يقصد به ذلك فلا يرد عليه ما قيل: إنّ الظاهر عطفه حينئذ وكون أرأيت تأكيدا لا يتوجه الاعتذار به له، وقوله: في الكشف إن أرأيت الثالث يستقل به لأنه يقابل الأوّل لتقابل الشرطين أراد به أنه كالمستقل فلا ينافي كلام المصنف رحمه الله كما توهم حتى يقال: إن المصنف ذهب إلى أنّ التقابل لا يمنع تكرير التأكيد، ولا يقتضي الاستقلال وأنما يستقل لو وقع على الشرطية، وليس كذلك ولو استقل عطف والقول بأنه ترشيح للكلام المبكت وتنبيه على حقيقة الثاني ليس بذاك اهـ، ومن العجائب ما قيل: إنّ قول المصنف أو إن كان على التكذيب إشارة إلى أنّ أو محذوفة فتأمّل. قوله:) والمعنى أخبرتي الخ) إشارة إلى أنّ أرأيت بمعنى أخبرني وقد مرّ تحقيقه وفي كلامه إشارة إلى أنّ الخطاب لغير معين، وأنه من إرخاء عنان الإنصاف والتبكيت كما مرّ، وقوله: بعض عباد الله لا ينافي كون التنوين للتعظيم كما مز لأنّ التعظيم مأخوذ من الإبهام وهو المراد هنا لا أنّ تنوينه للتبعيض كما يتوهم، وقوله: ذلك الناهي إشارة إلى أنّ اسم كان ضمير الذي، وقوله: كما يعتقده إشارة إلى أنّ انتفاء محقق وأنما أتى فيه بأن بناء على زعمه، وقوله: كما تقول بتاء الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو بنون العظمة وقوله: ألم يعلم هو الجواب لا مقول القول فافهم. قوله: (وقيل المعنى الخ) يعني أنّ الضمير المستتر في كان للعبد المصلى، وكذا في أمر والضمير في كذب وتولى ويعلم للذي ينهى وعلى الأوّل الضمائر كلها للذي ينهى وقوله: والمنهي على الهدى والناهي مكذب بيان لحاصل المعنى لا لأنّ الجملة الشرطية حالية والرؤية على هذا علمية أيضاً، وقيل: إنها بصرية والجواب مقدر كما أشار إليه بقوله: فما أعجب من ذا بقرينة قوله: أرأيت فإنه يفيد التعجب، وقوله: ألم يعلم الخ جملة مستأنفة حينئذ لتقرير ما قبلها، وتأكيده لا جواب للشرط. قوله: (وقيل الخطاب في الثانية مع الكافر) وفي الثالثة للنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو المفهوم من كلام المصنف وإن جوّز الإمام كونه للكافر أيضاً وسكت عن الأولى فالظاهر أنها لغير معين فلا يرد ما مرّ في الكشف، وقيل: إنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً فتدبر، وقوله: أتنهاه يحتمل أنه جعله مفعولاً لا لرأيت ويحتمل أنه جواب الشرط، وقوله: ودعاؤه الخ إشارة إلى أنّ أو تقسيمية بمعنى الواو هنا فتدبر. قوله: (في التعجب الخ) أراد قوله: إن كان على الهدى الخ، وأنّ ما قبله مثله أيضا وقيل: هذا على الوجهين الأخيرين لأنّ مبني الأوّل على نهيه عن الصلاة والأمر والتعجب منه ومبني الثاني على التوبيخ على نهيه عنهما مع أنّ المذكور أوّلاً أحدهما وفيه نظر، وقوله: ولم يعرّض الخ يعني لم يقل ينهاه إذا صلى أو أمر الخ وهو معطوف على قوله: ذكر أو. هو حال وقوله: لأنّ النهي الخ تعليل للمنفي لا للنفي، وقوله: فاقتصر الخ بيان لأنه حذف من الأوّل بعض ما في الثاني اكتفاء بذكره فيه للاختصار ولما كان الاختصار يحصل بالاقتصار على كل منهما أشار إلى المرجح للاقتصار على الصلاة بأن الأمر بالتقو! دعوة قولية، والصلاة دعوة فعلية والفعل أقوى من القول فاقتصر على الأقوى، وكان الظاهر لأنها لكن ذكر بتأويل الدعاء أو باعتبار كونها فعلا أو لأنه مصدر وما قيل في بيانه فخص الصلاة بالذكر لاشتماله على أحد قسمي الدعوة بخلاف الأمر بالتقوى الظاهر أنه خطأ، وأنما جعلت دعوة وأمرا لأن المقتدى به إذا فعل فعلاً في قوّة قوله: افعلوا هذا فهي أمر كما جعلها الله نهيا في آية أخرى، فمن قال: المتحقق فيها الصلاة لا الدعوة لم يفهم المراد. قوله: (أو لأنّ نهي العبد الخ) وجه آخر للدفع أي المذكور أوّلاً ليس النهي عن الصلاة بل النهي حين الصلاة وهو محتمل أن يكون لها أو لغيرها وعامّة أحوال الصلاة وجميعها لما انحصرت في تكميل نفس المصلي بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة فنهيه في تلك الحال يكون عن الصلاة والدعوة معا، ولذا ذكرا في التعجب أو التوبيخ فسقط ما قيل من أنه في بعض النسخ أحوالها والصواب أحواله كما في بعضها أي عامّة أحواله صلى الله عليه وسلم محصورة فيهما فيدل على النهي عنهما، وفيه أن المتحقق منه الصلاة لا الدعوة فتأمّل. قوله: (لتأخذنّ بناصيته الخ) أي برأسه بيان لمعناه الوضعي، وقوله: لنسحبنه هو المعنى الكنائيّ المؤمخمود منه وقوله: بنون مثددة هي رواية عن أبي عمرو، وقوله: وكتبته بالكسر مصدر بمعنى الكتابة، وقوله: على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 حكم الوقف لأنه يوقف على النون الخفيفة بالألف تشبيها لها بالتنوين، وقاعدة الرسم مبنية على حال الوقف والابتداء، وقوله: والاكتفاء باللام أي في قوله: الناصية لأنها للعهد فالمعنى ناصيته، وهو معنى كونها عوضاً عن الإضافة في مثله. قوله: (وإنما جاز لوصفها الأن النكرة تبدل من المعرفة عند الكوفيين بشرطين اتحاد اللفظ، ووصف النكرة واشترط ابن أبي الربيع الثاني دون الأوّل لئلا يكون المقصود أنقص من غيره فإذا جبرت النكارة بالوصف جاز فيه ذلك وأما البصريون فلا يشتوطون فيه غير الإفادة فلا وجه لما قاله أبو حيان هنا وقال ابن الحاجب إنه لم يقتصر على أحدهما فذكرت الأولى للتنصيص على أنها ناصية الناهي، ثم ذكر الثانية لتوصف بما يدل على علة السفع وشموله لكل ما وجد فيه ذلك، وهذا على مذهب البصريين. قوله: (ووصفها) مبتدأ خبره قوله: للمبالغة لأنها تدل على وصفه بالكذب بطريق الأولى ولأنه لثذة كذبه كان كل جزء من أجزائه يكذب، وكذا حال الخطأ وهو كقوله: تصف ألسنتهم الكذب ووجهها يصف الجمال والتجوّرّ بإسناد ما للكل إلى الجزء كما يسند إلى الجزئي في كقولهم: بنو فلان قتلوا قتيلاَ والقاتل أحدهم كما مرّ. قوله: (أهل ناديه) يحتمل تقدير المضاف، والإسناد المجازي واطلاق اسم المحل على من حل فيه، وقوله: ينتدي فيه القوم أي يجتمعون فيه للحديث ولذا سمي ناديا وندياً، وقوله: روي أن أبا جهل الخ رواه النسائيّ والترمذيّ وغير وأصله في صحيح البخاري، وقوله: ألم أنهك أي عن إظهار الصلاة عند الكعبة وقد قيل: إنّ ذلك في أوّل صلاة صلاها النبيّ ىلمجه بجماعة فالعبير بالنهي في الآية على ظاهره، وقوله: أنا أكبر بالموحدة ويجوز فيه المثلثة والمراد بالوادي وادي مكة وحرمها. قوله: (وهو في الآصل الشرط) شرط كصرد أعوان الولاة وواحده شرطي كتركي وجهتيّ، وقيل التحريك خطأ كما في الأساس. قوله: (واحدها رّبنية) بكسر فسكون واحد زبانية، وقيل: واحده زبني بالكسر نسبة إلى الزبن بالفتح وهو الدفع، ثم غير للنسب وأصل الجمع زباني فحذفت إحدى ياءيه وعوض عنها التاء كما ذكره المصنف وقال الأخفش: واحده زابن، وقيل: لا واحد له كعباديد ولم يرسم كسندع بالواو في المصاحف باتباع الرسم للفظ أو لمشاكلة قوله: فليدع، وقيل: إنه مجزوم في جواب الأمر وفيه نظر وقرئ استدعى الزبانية بالبناء للمفعول ورفع الزبانية، وقوله: وهو أي الزبانية، وقوله: كعفرية بكسر فسكون رلش على قفا الديك ويقال لها: عفارية، وقوله: على النسب يعني وكسر على تغييرات النسب كما قيل: أمسيّ بكسر الهمزة وقوله: دم على سجودك هو على ظاهره أو مجاز عن الصلاة، وقوله: أقرب الخ هو حديث صحيح في مسلم بلفظ وهو ساجد، وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع، وقوله: كإنما الخ أي كأجر من قرأ المفصل تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سورة القدر اختلف في كونها مكية أو مدنية كما اختلف في أي القولين أرجح واختلف في عدد آياتها هل هو خسى أو ست أيضاً. بسم الله الوحمن الرحيم قوله: (الضمير) يعني به الهاء في قوله: أنزلناه وهو ضمير أريد به القرآن هنا بالاتفاق كما قاله الإمام، وكأنه لم يعتد بقول من قال: إنه لجبريل عليه الصلاة والسلام أو غيره لضعفه فلا يرد عليه نقضاً، فإن قلت كونه ضمير القرآن وهو من جملته يقتضي عوده على نفسه كما أن الإشارة في نحو ذلك الكتاب تقتضي الإشارة لذلك بذلك، وتقتضي أيضاً الأخبار بجملة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} عن نفسه قلت قال: أستاذ مشايخنا السيد عيسى قدس سرّه إنه لا محذور فيه لجواز قولك: أتكلم مخبرا به عن التكلم بقولك: أتكلم، وفيه اختلاف أفرده الدواني بالتأليف أو يقال: يرجع الضمير للقرآن باعتبار وجملته وقطع النظر عن أجزائه فيخبر عن الجملة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} ، وإن كان من جملته إنا أنزلناه المندرح في جملته من غير نظر له بخصوصه، ولا بأس به وقيس الضمير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 راجع له ما عدا قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} ولا وجه له ولا حاجة في العربية لمثل هدّا التدقيق بل التضييق، والجزء من حيث هو مستقل مغاير له من حيث هو في ضمن الكل، ولذا قال الكرماني: الجزء قد يجعل علماً للكل كما يقال: قرأت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي السورة كلها. قوله: (فخمه بإضماره) أي بالتعبير عنه بضمير الغائب الذي لم يذكر قبله في السورة ما يعود عليه والضمائر المذكورة هنا كلها للقرآن غير الضمير في قوله إليه، بقوله: فإنه لله والتفخيم بمعنى التعظيم هنا وأفاد ما ذكر تعظيمه لأنه يشعر بأنه لعلوّ شأنه كأنه حاضر عند كل أحد فيعود الضمير على ما هو في قوّة المذكور، والنباهة الشهرة والشرف، وقوله: عظم الوقت معطوف على قوله: عظمه أو أسند أو فخمه ولا بعد فيه، وفي الكشاف عظم القرآن من ثلاثة أوجه أحدها: إنه أسند الدال إليه وجعله مختصاً به دون غيره، والثاني: إنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه، والثالث: الرفع من مقدار الوفت الذي أنزل فيه، أن وقال الشراح في قوله: مختصاً به إنه من باب تقديم الفاعل المعنوي نحو أنا كفيت مهمك وردّه الفاضل اليمني بأنه إنما يصح في الضمير المنفصل إمّ المتصل كما في اسم إن هنا فلا يصح فيه ذلك فالحصر هنا ليس من التقديم كما توهموه بل من سياق الكلام ومفهومه، وكان المصنف لهذا لم يتعرّض للاختصاصر، لا لأنّ الاختصاص لردّ اعتقاد غيره وهو غير ظاهر لأنه لا يلزم في كل حصر ما ذكر كما ذكره أهل المعاني، وفيما ذكر. الفاضل أيضا بحث فإنهم لم يصرّحوا باشتراط ما ذكر فتدبر. قوله: (كما عظمه بأن أسند إنزاله إليه) بضمير العظمة لأنّ ما يصدر عن العظيم عظيم فلا يتوهم أنه إنما يفيد عظمة المتكلم دون غيره، وما قيل إنّ المراد أنه أسند إلى ذاته الجليلة المعبر عنها بصيغة العظمة على طريق القصر إلا أنه اكتفى بذكر الأصل عن ذكر التبع انتهى لا وجه له لما عرفت من أن كلام المصنف لا يدل على ما ذكر بل على خلافه. قوله تعالى: ( {وَمَا أَدْرَاكَ} الخ) عن سفيان بن عيينة أنّ كل ما في القرآن من قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ} أعلم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيه من ما يدريك لم يعلمه به ووجهه ظاهر، وقوله: بأن ابتدأنا لإنزاله الخ فيه نظر لأنّ أوّل ما نزل من الآيات اقرأ أو كان بحراء نهارا ولذا ذكرت هذه السورة بعد تلك، ولم ينقل نزوله في رمضان ليلاً، وابتداء البعثة لم يكن في رمضان فانزلناه فيه على هذا تجوز في الإسناد لإسناد ما للجزء للكل أو أنزلنا بمعن أبتدأنا فهو مجاز في الطرف أو تضمين، وقوله: أو أنزله الخ هو الأصح والسفرة الملائكة كما مرّ وقوله في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ارتحاله لدار البقاء، وقوله: خير من ألف شهر المراد به المبالغة في تفضيلها على غيرها مطلقا، وقيل: المراد ألف شهر ليس فيها ليلة قدر حتى لا يلزم تفضيلها على نفسها فتأمّل. قوله: (وقيل المعنى أنزلناه في فضلها) ففيه مضاف مقدر أي في فضل ليلة القدر أو في بيانها أو حقها أو الظرفية مجازية كما في قول عمر رضي الله عنه خثيت أن ينزل فيّ قرآن ومثله كثير ففيه استعارة تبعية، وقيل: في فيه مستعارة للسببية والضمير للقرآن بالمعنى الدائر بين الكل والجزء وبمعنى السورة ولا يأباه كون قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} من السورة كما توهم لما مرّ، وبجوز أن يراد به المجموع لاشتماله على ذلك فتدبر. قوله: (وهي في أوتار العشر الأخير الخ) كونها في العشر الأخير من رمضان وفي سابعه أشهر أقوال السلف وقد ورد في الحديث، وقيل: إنها تنتقل فتكون في كل سنة في ليلة وبه جمع بين الأحاديث المتعارضة فيها، وقيل: هي معينة لا تنتقل وقيل: هي في السنة كلها، وقيل: في رمضان كله وقيل: في العشر الأوسط، وقيل: في أوتاره وقيل: في أشفاعه، وقيل: إنها لم تعلم لأحد، وقيل: إنها رفعت وقال الكرماني: إنّ هذا القول غلط قيل: وحكمة كونها في العشر الأخير أنه زمان ضعف فيزيد أجر عمله وقيل: إنه يتمّ فيه التصفية فيستعدّ الصائم لها فيه. قوله: (والداعي الخ) يعني أنه على القول بأنها أخفيت حكمة إخفائها كحكمة إخفاء ساعة الإجابة في الجمعة والاسم الأعظم من بين الأسماء، وهو أن لا يعلمها كل أحد ويجتهد من يطلبها في العبادة في غيرها ليصادفها كان يحيي ليالي رمضان كلها كما كان دأب السلف. قوله: (ولعلها السابعة. منها) أي من ليالي العشر الأخير لعلامات دلت على ذلك ولأحاديث صحيحة وردت فيها قيل وفي السورة إشارة لذلك لأنّ ضمير هي لليلة القدر، وهي سابعة عشرين من الكلمات الواقعة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 في السورة ومجموعها ثلاثون. قوله: (وتسميتها بذلك) أي بليلة القدر فالقدر إمّا بمعنى التقدير لتقدير الأرزاق والآجال فيه والمراد إظهار تقديره للملائكة إذ التقدير أزلي أو القدر بمعنى الشرف لشرفها أو شرف المنزل فيها، أو شرف الطاعة فيها أو شرف من يحييها، وقوله: فيها يفرق الآية مرّ تفسيرها في سورة الدخان وهذا على أنّ المراد بالليلة المباركة ليلة القدر كما مرّ. قوله: (لما روي الخ) رواه ابن أبي حاتم مرسلا، وقوله: فيه إسرائيلياً أي رجلا من بني إسرائيل قيل: إنه حزقيل، وقوله: لبس السلاج أراد الدرع والسلاح فغلبها، وقوله: تقاصرت إليهم أعمالهم أي ظهر لهم قصر أعمالهم بالنسبة لما أعطيت الأمم السالفة من طول الأعمار وكثرة الأعمال فعلى هذا الألف على ظاهرها، وفي الوجه الأوّل المراد التكثير فإنّ الأعداد يكنى بها عن ذلك كثيراً، وقوله: هي خير أي ثوابها مع قصرها أعظم من ثواب تلك السنين وهو تفضل وتكرم منه تعالى، على هذه الأمّة بمضاعفة أجورهم، ومن الغريب هنا ما رواه الترمذي وغيره وضعفه ابن جرير وقال غيره إنه منكر قال: قام رجل إلى الحسن رضي الله عنه لما بايع معاوية فقال: سوّدت وجوه المؤمنين فقال: لا تؤذني رحمك الله فانّ النبيّ ف قد رأى بني أمية على منبره وعددهم رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الخ فقوله: {أَلْفِ شَهْرٍ} أي تملكها بنو أمية بعدك يا محمد فعددنا مذتهم فإذا هي كذلك لا تزيد ولا تنقص يوما، وقد استدلّ به على أنّ السورة مدنية وقد عرفت ضعفه على أنه مشكل إذ لا يظهر وجه الدلالة فيه على المعنى الذى ذكره الح! سن رضي الله عنه فتأمّل. قوله تعالى: ( {وَالرُّوحُ} ) قال المعرب يجوز رفعه بالابتداء، والجار والمجرور بعده خبره وأن يرتفع بعطفه على الملائكة وفيها متعلق بتنزل والضمير لليلة، وعلى الأوّل للملائكة والجملة حالية والثاني أولى وأظهر وقوله: بيان أي استئناف بياني لا صفة شهر كما قيل: والروح جبريل أو ملائكة أخر أو جند من جنوده أو بمعنى الرحمة وقد مرّ تفصيله، وقوله: وتنزلهم مصدر مبتدأ خبره قوله: إلى الأرض وقوله: تقربهم معطوف على الخبر يعني التنزل إمّا بمعنى النزول من السماء إلى الأرض، أو بمعنى دنوهم من المؤمنين من أهل طاعته، وهذا على أحد. تفسيري سلام الآتي لا على قراءة امرئ بمعنى إنسان كما توهمه من قال: تنزلهم على هذا عن مراتبهم العلية في الاشتغال بالله أو التنزل إلى الأرض والمقابلة باعتبار كون الأوّل من أجل أمر قدر وهذا باعتبار أنه في أجل كل إنسان فهو على قراءة كل امرئ. قوله: (من أجل كل أمر قدّر) فمن بمعنى اللام متعلقة بقوله: تنزل، وهذا إعادة إلهية لحكمة خفية لا يعلمها إلا الله والا فلا حاجة لنزولهم للأرض وعلى هذا فالجار والمجرور متعلق بقوله: {تَنَزَّلُ} ، وقد قيل: إنه متعلق بقوله: سلام أي سلامة من كل أمر مخوف وهو إمّا على التوسع في الظرف فيجوز تقديمه على المصدر أو على تقديره بمقدر يفسره المذكور في الآية فالوقف على قوله: سلام، وقيل: من بمعنى الباء أي تنزل بكل أمر من الخير والشرّ كقوله: يحفظونه من أمر الله أي بأمره ومعنى نزولهم لأجله نزولهم لأجل إنفاذه وأعلامه وقوله: من كل امرئ أي بهمزة في آخره. قوله: (ما هي إلا سلامة) يعني سلام مصدر بمعنى السلامة وهو خبر مقدم فيفيد الحصر كما في نحو تميمي أنا، وقوله: لا يقدر الله فيها إلا السلامة بمعنى أنها جعلت عين السلامة وقال مجاهد: المعنى أنّ ليلة القدر سالمة من الشيطان، وأذاه فالمعنى أنه لا يوجد ولا ينفذ تقدير. ويتعلق قضاؤه لأنّ التقدير أزلي لا معنى لطيّ الزمان فيه إلا باعتبار إيجاده وتعلقه ومن غفل عن هذا قال الأظهر لا يفعل الله فيها لأن قضاء كل أمر في السنة فيها فكيف يصح حصر المقدّر فيها في السلامة فتدبر. قوله: (أو ما هي الإسلام الخ) يعني أنّ السلام مصدر بمعنى التسليم، وقوله: ما يسلمون ما مصدرية فيه أي لكثرة السلام والمسلمين فيها، وجعلها عين السلام مبالغة أيضا. قوله: (أي وقت مطلعه) أي طلوعه يعني أنّ المطلع هنا مصدر ميمي بمعنى الطلوع وقبله مضاف مقدّر بوقت لتتحد الغاية، والمغيا فيكونا من جنى واحد وهذا على قراءته بفتح اللام كما يعلم من مقابلتة بقراءة الكسر، وهي قراءة الكسائيّ وأبي عمرو في رواية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 عنه والفتح قراءة الباقين، ويحتمل أنه اسم زمان وما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى لأنّ قياس مفعل مما ضمت عين مضارعه أو فتحت فتح العين مطلقاً كما بينه النحاة فلا حاجة للتقدير فيه على هذه القراءة وأمّا على قراءة الكسر فهو شاذ أيضا لأنّ قياسه الفتح، ولا حاجة إلى التقدير فيه أيضاً لتكلفه وعلى كل حال ففي كلام المصنف نظر لا يخفى، والحديث الذي ذكره موضوع كغيره تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام. سورة البينة ويقال سورة القيامة وسورة المنفكين وسورة البرية وسورة البينة وعدد آياتها ثمان، وقيل: تع واختلف فيها فقيل: مكية، وقيل: مدنية وأيد الثاني بما ورد في الحديث من أنها لما نزلت قال جبريل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنّ الله يأمرك أن تقرئها أبيا "، ولذا جزم ابن كثير رحمه الله بأنها مدنية وهو الأصح خلافا لمن رجح مقابله. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (فإنهم كفروا بالإلحاد الخ) بيان لوجه تسمية أهل الكتاب كفارا قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع إيمانهم بكتابيهم ونبييهم بأنهم عدلوا عن الطريق المستقيم في التوحيد فكفروا بذلك فإنه قيل: إنّ اليهود مجسمة فيفهمون من السمع والرؤية في حقه تعالى ما يكون بالجارحة، وكذا النصارى لقولهم: بالتثليث وهذا يقتضي كفر جميع أهل الكتاب قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم، والظاهر خلافه، ولذا قال الماتريدي في التأويلات. إنّ من تبعيضية لأنّ أهل الكتاب منهم من آمن ومنهم من كفر والملكانية من الصارى قيل إنهم على الاعتقاد الحق، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المراد بأهل الكتاب اليهود الذين كانوا بأطراف المدينة وهم قريظة والنضير وبنو قينقاع فالظاهر أنّ من لك للتبعيض لا للتبيين، ولا يلزمه أن لا يكون بعض المشركين كافرين كما قيل لأنهم بعض من المجموع فتأمّل. قوله: (وعبدة الآصنام) المشركون من اعتقد لله شريكا صنما أو غيره والمصنف خصه مع عمومه لأنّ مشركي العرب عبدة أصنام، والمقصود هنا هم ولو عممه كان أولى. قوله: (عما كانوا عليه من دينهم الخ) متعلق بقوله: منفكين، والانفكاك المراد به المفارقة لما كان متصفا به، وأصله افتراق الأمور الملتحمة وقد حمله المصنف على ظاهره من أنهم لا يفارقون ما هم عليه حتى يحبهم الرسول أو ما ذكرا ولم يفارقوا الوعد إلى ذلك الأوان والزمخشري جعله حكاية لما زعموه فإنهم كانوا يقولون لا نفارق ما نحن فيه حتى يبعث الله النبيّ المبشر به في كتبنا، وقوله: وما تفرّق الذين الخ إلزام لهم على سبيل التوبيخ، والتعبير والمصنف جعلهما إخبارا كما قيل، وقيل: إنّ الثاني مآله للحكاية، وله وجه وجيه فتدبر والذي دعا الزمخشريّ إلى كونه حكاية ما في الغاية من الإشكال فإنها تقتضي أنهم بعد مجيء البينة انفكوا عن كفرهم، وهو مخالف للواقع فإذا كان حكاية لزعمهم تمّ وانتظم، وأما على ما ذكره المصنف فيحتاج إلى بيان أنّ المراد أنهم بعد مجيء البينة وتبيين نسخ دينهم ينفكون عن دينهم حقيقة، ولما فيهما من الخفاء لأنه ليس في الكلام ما يدلّ على أنه حكاية، ولا على ما ذكر قال الواحدي إنها أصعب آية في القرآن، ولولا ما ذكر لم تتضح الصعوبة فافهم ترشد. قوله: (فإنه مبين للحق) توجبه لإطلاق البينة على كل منهما بأنها صفة بمعنى اسم الفاعل، وقوله: أو معجز الخ تفسير آخر على أنّ البنية بمعناها المعروف، وهو المثبت للمدّعي فالمراد بها حينئذ الأمر المعجز وهو إمّا في ذات الرسول عليه الصلاة والسلام بأخلاقه وصفاته كلها أو مجموعها الخارق للعادة كما قاله الغزالي واليه أشار في البردة بقوله: كفاك بالعلم في الأمّيّ معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم وبه يعلم كونه صلى الله عليه وسلم يتيما، وقيل: إنه لئلا يكون لمخلوق عليه منة وأو في كلام المصنف في قوله: أو القرآن الخ الخلوّ أو للتخيير في التفسير وفي قوله، أو معجز لمنع الجمع لتباينهما لا لمنع الخلوّ كما توهم ومعجز الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 بالتنوين والرسول مبتدأ خبره قوله: بأخلاقه والقرآن مبتدأ خبره بإقحامه أي إعجاز. واسكاته ومن مفعوله ويجوز إضافته أيضا كما في بعض الحواشي، والمعنى واحد فيهما. قوله: (بدل من البينة بنفسه) إذا أريد به الرسول أو أريد القرآن على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل بتقدير مضاف أي بينة رسول أو وحي رسول أو معجز رسول أو كتاب رسول، أو هو خبر مبتدأ مقدّر أي هي رسول أو مبتدأ لوصفه خبره ما بعده كما ذكر. المصنف والجملة مفسرة للبينة فليست بأجنبية كما توهم، وقيل: إنها صفة ولا وجه له وقرئ رسولاً بالنصب على الحالية على قصد المبالغة بجعل الرسول بنية في نفسه كما في البدلية، وقوله: صفته أو خبره على اللف والنشر المرتب. قوله: (والرسول الخ) يعني أنه على تقدير مضاف أي مثل صحف أو على جعل النسبة إلى المفعول مجازية لأنه لما قرأ ما فيها فكأنه قرأها وهذا أحسن، وقيل: في ضمير يتلو استعارة مكنية أو الصحف مجاز عما فيها بعلاقة الحلول ففي الضمير في قوله فيها استخدام لعوده على الصحف بالمعنى الحقيقي وإذا كان المراد جبريل فالتلاوة على ظاهرها والمراد صحف الملائكة أو اللوح المحفوظ، وليست التلاوة مجازاً عن وحيه كما قيل، وقوله: إنّ الباطل الخ فتطهيرها كونها ليس فيها باطل على الاستعارة المصرّحة أو المكنية، وقوله:! انها الخ كان الظاهر عطفه بأو لأنّ تطهيرها على هذا بمعنى تطهير من يمسها، وهو تجوز في النسبة والجمع بينهما وإن جاز فيه تكلف فتدبر. قوله: (مكتوبات) تفسير لكتب ومستقيمة تفسير لقيمة، ثم بين المراد من استقامتها بنطقها بالحق وفي التيسير هي كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والقرآن مصدق لها فكأنها فيه. قوله: (عما كانوا عليه) هذا على تفسيره لمنفكين الأوّل وعممه بجعل الانفكاك عنه شاملا للتردد فيه، وقوله: أو عن وعدهم على الثاني أي تفرّقوا عن وعدهم بإتباعهم للحق بسبب إصرارهم على كفرهم ورجوعهم عن وعدهم، وقوله: بأن آمن متعلق بتفرّق وكذا قوله: بالإصرار ومعنى تفرقهم أنهم صاروا فرقا مختلفة على الأوّل وعلى الثاني بمعنى انفصالهم ومفارقتهم. قوله: (فيكون) المذكور هنا والبينة بمعناها السابق موافقا في المعنى لقوله تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ} [سورة البقرة، الآية: 89] الآية وقد مرّ تفسيرها في سورة البقرة والظاهر أنّ هذا على الوجه الثاني، وأن امكن جعله عليهما. قوله: (وأفراد أهل الكتاب) بالذكر هنا يعني في قوله: وما تفرّق الذين أوتوا الكتاب الخ بعد الجمع في قوله: من أهل الكتاب والمشركين، وقوله: على شناعة حالهم وقباحتها في الجملة أو المراد حال من لم يؤمن منهم لأنهم علموا الحق المصرّج به في كتبهم وانكارهم له أشنع من إنكار من لم يعلمه أوّلاً من المشركين فاقتصر عليهم لأنهم أشد جرما، وقوله: وأنهم الخ جواب آخر وهو المذكور في الكشاف، وحاصله أنه يعلم حال غيرهم بالطريق الأولى فلا اقتصار فيه بل هو اكتفاء واختصار لا اقتصار، وما قيل: من أنّ أفرادهم لاختصاص قوله. وما أمروا في كتبهم الخ بهم غير متجه لأنّ مقتضاه إفرادهم بعد هذا بأن يقال، وما أمر أهل الكتاب الخ فتدبر. قوله: (أي في كتبهم بما فيها) بيان لأنّ صلة الأمر مقدرة، واق الأمر بمعنى التكليف بما فيها فيعم النهي، وقوله: إلا ليعبدوا الله الخ استثناء مفرغ من أعئم العلل أي ما أمروا بشيء من الأشاء إلا لأجل عبادة الله أي طاعته، وقيل: اللام بمعنى أن والمراد ما أمروا إلا بعبادة الله، وهو تكلف وقال الماتريدي: هذه الآية علم منها معنى قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] أي إلا لأمرهم بالعبادة فيعلم المطيع من العاصي وهو كلام حسن دقيق. قوله: (لا يشركون به) تفسير لإخلاص الدين وأنه ليس بمعنى الإخلاص المتعارف هنا، وقوله: مائلين لأنّ أصل الحنف لغة الميل، والزائغة بمعنى الباطلة وأصل معناها غير المستقيمة، وقوله: ولكنهم حرّفوا وعصوا استدراك على ما سبق وبيان للمراد منه وهو معطوف على مقدر تقديره ما أتوا بما أمروا به ولكنهم الخ. قوله: (دين الملة القيمة) قيل: إنه قدّره لئلا يلزم إضافة الشيء لنفسه أو لصفته، والملة والدين بينهما تغاير اعتباري يصحح الإضافة، وقيل المراد أنّ القيمة بمعنى الملة وليس المراد أنّ موصوفة مقدر وهو أسلم من التكلف، ولو قدر الأمّة القيمة أو الكتب القيمة لتقدمها في قوله: كتب قيمة فأعيدت بلام العهد كان أحسن، والقيمة بمعنى المستقيمة والسالمة عن الخطأ، وقيل: تقديره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 الحجج القيمة. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ) الشرك يطلق على مطلق الكفر كما في قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 48] الخ ولذا استدل بهذه الآية على خلود الكفار مطلقا، ولا حاجة إليه فإنّ هذه الآية صريحة في العموم، ويكون الشرك أخص من الكفر وهو المراد هنا. قوله: (أي يوم القيامة) يعني أنّ قوله: في نار جهنم المراد به سيصيرون فيها لكنه لتحققه ترك التصريح به أو يقدر متعلقه بمعنى المستقبل فهو بمعناه الحقيقي، وقوله: أو في الحال يعني المراد أنهم في حال كفرهم في الدنيا في النار على التجوّز في النسبة أو في الطرف بإطلاق نار جهنم على ما يوجبها مجازاً مرسلاً بإطلاق اسم المسبب على السبب، ويجوز أن يكون استعارة. قوله:) واشتراك الفريقين الخ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنّ كفر المشركين أشذ من كفر أهل الكتاب ومقتضى الحكمة أن يزاد عذاب من زاد كفره على عذاب غيره، وقد سوى بينهما في هذه الآية بحسب الظاهر ولا شبهة في تفاوت الكفر كما توهم. قوله: (أي الخليقة الخ) قرأ نافع وابن ذكوان البريثة بالهمز فيهما، والباقون بياء مثذدة واختلف فيه، فقيل الأصل فيه الهمزة وعليه كلام المصنف من برأ الله الخلق بمعنى ابتدأهم واخترع خلقهم فهي فعيلة بمعنى مفعولة، والتزم تخفيفها عامة العرب كالذرّية وغيرها، وقيل: إنه غير مهموز من البر المقصور بمعنى التراب فهو أصل بنفسه والقراءتان مختلفتان أصلا، ومادة متفقتان معنى فلا يتوهم أنه يلزم انّ القراءة بالهمز خطأ كما قيل وقد يقال: إنّ المعنى متقارب لشمول الأوّلط الملائكة دون الثاني فتأمّل. قوله: (فيه مبالغات) يعني خلا عنها عديله وبينها بقولى: تقديم المدح الخ والمراد بالمدح قوله: أولئك هم خير البرية لا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ لوقوع مثله في عديله، وقوله: في مقابلة ما وصفوا به من الإيمان والعمل الصالح والخيرية أيضا ووقوعه في مقابلته، لا ينافي كونه تفضلاً من الله والمبالغة في إظهار ما ذكر والتصريح به والا فنار جهنم في مقابلة كفرهم أيضا وقوله: والحكم الخ ظاهره أنّ عند ربهم خير وهو جائز وإفادته للمبالغة لأنّ ما كان عند مليك مقتدر وسيد متفضل يكون إكراما عظيماً ووجه الجمع والتقييد غني عن البيان. قوله: (ووصفا بما تزداد لها نعيماً وتثيدا لخلود بالتأييد) ليس المراد بالوصف هنا النعت النحوي بل اللغوي لما مرّ من أنّ جنات عدن علم وكونها علماً هناك، ونكرة هنا كما قيل بعيد جدّا فجملة تجري حال لا صفة وفاعل تزداد ضمير الجنات ونعيما تمييز وجعل التأكيد من المبالغات دون الخلود لاشتراكهما في ذكره. قوله: (استئناف بما يكون لهم الخ) الظاهر أنه إخبار لا استئناف دعاء وإن جاز لأنّ الدعاء من الله بشيء معناه إيجاده مع زبادة التكريم لاستحالة معنى الدعاء الحقيقي عليه تعالى وأيضا يبعده عطف قوله: ورضوا عنه عليه كما لا يخفى والاستئناف نحوي ويجوز أن يكون بيانياً كأنه قنل لهم: فوق ذلك أمر آخر فأجيب بأن لهم ما تقرّبه عيونهم، ولا يلزم كونه للتعليل حتى يقال: يأباه قوله: ذلك الخ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر أو حالاً بتقدير قد. قوله: (ذلك أي المذكور الخ) توجيه لأفراد اسم الإشارة وفيه إشارة إلى أن مجرّد الإيمان والعمل الصالح ليس موصلاَ إلى أقصى المراتب، ورضوان من الله أكبر بل الموصل له خشية الله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ولذا قال الجنيد رحمه الله تعالى الرضا على قدر قوّة العلم والرسوخ في المعرفة فمن قال: إن الأظهر كون الإشارة لما يترتب عليه الجزاء من الإيمان والعمل الصالح فقد غفل عما ذكر وعن أنه لا يكون حينئذ لقوله: ذلك الخ كبير فائدة فتدبر. قوله: (فإنّ الخشية ملاك الأمر) المراد بالأمر السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية إذ لولا الخشية لم يترك المناهي والمعاصي، وكل من عرف الله لا بدّ أن يخشا. ولذا قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] كما مرّ تحقيقه وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع كما مرّت نظائره، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه وسلم. سورة الزلزلة آيها تسع أو ثمان وهي مدنية وقيل: مكية ورجح الأوّل في الإتقان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (اضطرابها المقدّر الخ) الاضطراب تفسير للزلزال لأنه أريد به الحاصل بالمصدر أو هو مصدر المبني للمجهول لتقدم الفعل المجهول عليه، وأصل معناه التحريك وقوله: المقدر الخ توجيه للإضافة مع أنه كان الظاهر زلزالاً يعني أنّ الإضافة للعهد، وكذا هي في الآخر لتخرج الزلازل المعهودة، وقوله: الأولى أو الثانية رد على الزمخشري إذ جزم بأنها الثانية لأن خروج الأثقال عندها إذ لا يتعين كونهما في وقت واحد أو يعتبر الوقت ممتذا فلا وجه لما قيل: إن جزمه لا موجب له. قوله: (أو الممكن لها (إشارة إلى أن الإضافة للاستغراق لأن الأصل في إضافة المصادر العموم، وفيه إشارة إلى أنه استغراق عرفي قصد به المبالغة. قوله: (وقرئ بالفتح الخ) اختلف النحاة فيه فقيل: هما مصدران، وقيل المكسور مصدر والمفتوج اسم وهو الذي ارتضاه المصنف رحمه الله تعالى فلذا جعله على هذه القراءة اسماً للحركة فيكون انتصابه على المصدرية تجوزا لسده مسدّ المصدر. قوله: (وليس في الأبنية) أي أبنية الأسماء والمصادر لا ينقاس عليها فعلال بالفتح إلا في المضاعف فإنه يجوز فيه الفتح والكسر والأغلب فيه إذا فتح أن يكون بمعنى اسم الفاعل كصلصال ووسواس بمعنى مصلصل وموسوس وليس مصدرا عند ابن مالك وأمّا في غير المضاعف فلم يسمع إلا نادرا سواء كان صفة أو اسماً جامدا وأمّا بهرام وبسطام فمعزب إن فيل: بصحة الفتح فيه، وقد قيل: إنه لم يسمع في غير أربعة ألفاظ وسيأتي تفصيله. قوله: (جمع ثقل) يعني بفتحتين قال في القاموس الثقل محركة متاع المسافر، وكل نفيس مصون وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو المفى الثاني لأنّ متاع البيت من شأنه ذلك، وهذا على الاستعارة ويجوز أن يكون يكسر فسكون بمعنى حمل البطن على التشبيه أيضاً لأنّ الحمل يسمى ثقلاَكما في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَثْقَلَت} [سورة الأعراف، الآية: 189] قاله الشريف المرتض في الدرر وأشار إلى أنه لا يطلق على ما ذكر إلا بطريق الاستعارة فمن اعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأنه بمعنى كنوز الأرض، وموتاها وهو الثقل بالكسر لا غير كما في القاموس والصحاح لم يصب، وقوله: من الدفائن إذا كان ذلك عند النفخة الأولى لأنه من أشراط الساعة وقوله: أو الأموات هو عند النفخة الثانية ففيه لف ونشر مرتب وتخصيصه بالدفائن كما في الكشاف لا وجه له والظاهر أنّ الإخراج مسبب عن الزلزال كما ينفض البساط ليخرج ما فيه من الغبار، ونحوه واختيرت الواو على الفاء تفويضا لذهن السامع كما قيل. قوله: (لما يبهرهم (أي يغلب عقولهم، ويدهشهم وأصل معنى البهر الغلبة ويكون بمعنى العجب كقوله: ثم قالوا تحبها قلت بهرا والمراد ما ذكرناه وعلى هذا فالإنسان عام ولا يلزم من السؤال للدهشة إنكار البعث، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه لشدتها قد يذهل عنها ولأنّ من الكفرة من لا ينكر البعث كأهل الكتاب فلا تلازم بين السؤال والكفر. قوله: (تحدث الخلق بلسان الحال الخ) إشارة إلى أن مفعول تحدث محذوف هنا لقصد العموم ولم يتعر ضلنصب أخبارها هل هو ينزع الخافض أو مفعول به لأن حدث، ينصب مفعولين كنبا وخبر وسيأتي، ولم يذكر المفعول هنا لأنه لا يتعلق بذكره غرض إذ الغرض تهويل اليوم، وأنه مما ينطق فيه الجماد بقطع النظر عن المحدّث كائنا من كان ولسان الحال ما يعلم بالقرائن منها. قوله: (ما لأجله رّلزالها وإخراجها) بدل من أخبارها أو من الضمير المضاف إليه بدل اشتمال، وقوله: وقيل الخ فالتحديث على حقيقته وعلى ما قبله هو أستعارة أو مجاز مرسل لمطلق الدلالة قال الإمام إلى الثاني ذهب الجمهور والمصنف رحمه الله تعالى لم يرتض به ولذا مرضه، وقوله: بما عمل عليها بصيغة المجهول فالمحدث به ما وقع على ظهرها من العباد لا ما لأجله الزلزال، والإخراج وهو قيام الساعة، وقوله: وناصبها أي ناصب إذا وسابقه إن لم نقل بتقدير عامل للبدل، وفي نسخة وناصبهما وهذا على أنّ إذا شرطية والعامل فيها جوابها. قوله: (أو أصل) معطوف على قوله: بدل أي غير تابع فهو منصوب بتحدث أصالة وإذا منصوب بمقدر على الظرفية كتقوم الساعة، ويحشر الناس أو ما ذكر على أنه مفعول به فهي خارجة عن الظرفية والثرطية، ويجوز أن تكون شرطية منصوبة بالجواب المقدر أي يكون مالاً يدرك كنهه ونحوه. قوله: (أي تحدث بسبب إيحاء ربك الخ) يعني أنّ الباء فيه سببية، وهو متعلق بتحدث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 وقوله: بأن أحدث الخ تفسير للإيحاء على أنه استعارة أو مجاز مرشل لإرادة لازمه، وفيه لف ونشر مرتب فإن كان تحديثها دلالة حالها فالإيحاء إحداث ما تدل به، وإن كان حقيقيا فالإيحاء إحداث حالة بنطقها كإيجاد الحياة وقوة التكلم فقوله: أنطقها معطوف على قوله: دلت الواقع صلة ما، وقوله: يجوز أن يكون بدلاً على أنّ الباء للتعدية فيبدل أحد المفعولين من الآخر بدل اشتمال. قوله: (يقال حدثتة كذا وبكذا) بيان لأن العرب استعملته بالباء، وبدونها وهذا مما لا خلاف فيه فلذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى إنما الخلاف في نصب الثاني هل هو على نزع الخافض أو على أنه مفعول به، وحدث وخبر ونبأ وأنبأ ملحقة بأفعال القلوب فتنصب مفعولين أو ثلاثة كحدّثت زيداً عمراً قائما كما ذهب إليه الزمخشري، ونقل عن سيبويه وابن الحاجب خطأهم فيه، وقال: إنما هو متعدّ لواحد وما جاء بعده لتعيين المفعول المطلق، وقال: إذا قلت حدثته حديثاً أو خبر الإنزاع في أنه مفعول مطلق ورد بأنه لم يفرق بين التحدّث والحديث والأوّل هو المفعول المطلق دون الثاني كيف، وهو يجر بالياء فتقول حدثته الخبر وبالخبر والمفعول المطلق لا تدخل عليه الباء، والأوّل غير مسلم فإن أثر المصدر ومتعلقه بل آلته كضربته سوطاً قد يسد مسده والثيخ أبئ من أن يخفى عليه مثله وكذا الثاني فإنه يجعل ما دخلتة الباء غير المنصوب، وفي الكشاف يجوز أن يكون المعنى يومثذ تحدّث بتحديث إن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول: نصحتني كل نصيحة بان نصحتني في الدين انتهى، وتركه المصنف رحمه الله تعالى لخفائه ولا تكلف فيه لجمع الأخبار وكون الباء فيه تجريدية، وليس بعفش بين والقرآن مصون عنه كما قاله أبو حيان وقوله: عفش بعين مهملة، وفاء وشين معجمة كلمة عوامّ المغرب معناها ما يدنس المنزل من الكناسة، ثم إن المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشريّ ذكر استعماليه ليصح إبدال أحدهما من الآخر لأنه يحل محله في بعض استعمالاته فيجوز إبداله منه، وإن كان الأوّل منصوباً وهذا مجرور ولا يرد عليهما قول أبي حيان إن الفعل المتعذي بالحرف تارة وبدونها أخرى لا يجوز في تابعه إلا موافقته في إعرايه فلا يجوز اسنغفرت الذنب العظيم بنصب الذنب وجر العظيم على اعتبار قولهم من الذنب لأنه قياس مع الفارق لأن منع البدل من المنصوب اعتبار الحال جره بالباء لامتناع النعت في مثله لأنّ البدل هو الدقصود فهو في قوّة عامل آخر، وحالة الجر هنا أصلية ومن لم يفهم مراده قال: إنه لا مساس له بالمقام وهو من الأوهام. قوله: (واللام بمعنى إلى) لأنّ المعروف تعدى الوحي بإلى كقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [سورة النحل، الآية: 68] أو هي لام التعليل أو المنفعة من غير تأويل بإلى لأنّ الأرض بتحدّثها مع العصاة يحصل لها تشف من العصاة لتفضيحها لهم بذكر قبائحهم فهي منتفعة بذلك، وهذا على تفسير التحديث بالأخباو بأعمالهم واختار اللام للفاصلة والتشفي تفعل من الشفاء، ومعنا. إزالة ما في النفس من الألم الذي هو كالمرض لها. قوله: (من مخارجهم الخ) فحمله على النفخة الأولى يقتضي اعتبار امتداده، وأمّا تفسيره بصدورهم من مواقفهم إلى الى- ة، أو ألى النار فلا يناسب ما بعده، ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية والى متعلقة بيصدر والصدور الخروج للبعث، ويومئذ منصوب بيصدر. قوله: (جزاء أعمالهم) إشارة إلى أنه على تقدير مضاف فيه لأنّ الرؤية بصرية والمرئي يومئذ جزاؤهم، أو أعمالهم تجوز بها عما يتسبب عنها من الجزاء، وقوله: تفصيل ليروا بالإضافة أو التنوين، وقوله: ولذلك قرى الخ يعني قرى بره بصيغة المجهول من الإراءة فإنه ظاهر في التفصيل لأن الفاء، وإن دلت على ذلك فقد تكون لمجرد التفريع، وقوله: بإسكان الهاء من يره وصلا فيهما وباقي السبعة يضمها موصولة بواو وصلا وساكنة وقفا. قوله: (ولعل حسنة الكافر الخ) وقد ورد في الأحاديث ما يؤيده كما هو مشهور في حديث أبي طالب، وفي الانتصاف كون حسنات الكافر لا يثاب عليها، ولا ينعم بها صحيح وأما تخفيف العذاب بسببها فغير منكر وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن حاتماً يخفف الله عنه لكرمه لكنه قيل على المصنف رحمه الله تعالى أنه نسي ما قدّمه في تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [سورة الفرقان، الآية: 23] وفي تفسير قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة هود، الآية: 6 ا] وهو المصرّح به في قوله: فلا يخفف عنهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 العذاب وبه صرّج المصنف رحمه الله تعالى أيضاً لأن أعمال الكفرة محبطة قال في شرح المقاصد بالإجماع بخلاف أصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا فإن الخلاف في إحباط عملهم بين أهل السنة، والمعتزلة معروف (قلت) يرد عليه أن الكفار مخاطبون بالتكاليف في المعاملات، والجنايات اتفاقا، واختلفوا في غيرها ولا شك أنه لا معنى للخطاب بها الأعقاب تاركها وثواب، فاعلها ثوابا وأقله التخفيف فكيف يدعي الإجماع على الإحباط بالكلية، وهو مخالف لما صرّح به في سبب نزول هذه الآية والذي يلوح للخاطر بعد استكشاف سرائر الدفاتر أنّ الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهية ويعذب على المعاصي غير الكفر أيضاً وقد صرّح به الإمام في سورة الماعون مفصلاً، وقوله: يضاعف له العذاب أي عذاب الكفر والمعصية لقوله: زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فما يقابل الكفر من العذاب لا يخفف لأنه لا يغفر أن يشرك به أي بكفره، وما في مقابلة غيره قد يخفف بالحسنات، ومعنى الإحباط المجمع عليه أنها لا تنجيهم من العذاب المخلد كأعمال غيرهم وهذا معنى كونه سراباً وهباء، وما في التبصرة وشرح المشارق وتفسير الثعلبي من أنّ أعمال الكفرة الحسنة التي لا يشترط فيها الإيمان كإنجاء الغريق، واطفاء الحريق واطعام أبناء السبيل يجزي عليها في الدنيا ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإجماع للتصريح به في الأحاديث فإن عمل في كفره حسنات، ثم أسلم اختلف فيه هل يثاب عليها في الآخرة أم لأبناء على أنّ اشتراط الإيمان في الاعتداد بالأعمال، وعدم إحباطها هل هو بمعنى وجود الإيمان عند العمل أو وجوده، ولو بعد لقوله في الحديث: " أسلمت على ما سلف لك من خير " غير مسلم ودعوى الإجماع فيه غير صحيحة لأن كون وقوع جزائهم في الدنيا دون الآخرة كالمؤمنين لأن ما في الدنيا كمؤنة السيد لعبده المطيع له، وتعهده بلوازمه بخلاف عبده العاصي له فلا يلزمهم ذلك بمقتضى الفضل، والكرم مذهب لبعضهم وذهب آخرون إلى الجزاء بالتخفيف وقال الكرماني: إنّ التخفيف واقع لكنه ليس بسبب عملهم بل لأمر آخر كشفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجائه وقال الزركشيّ من أنواع الشفاعة التخفيف عن أبي لهب لسروره بولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم واعتاقه لثويبة جاريته حين بشرته بذلك فاحفظه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، ولذا رخينا له عنان البيان وبه سقط ما أورد على المصنف رحمه الله تعالى من تناقض كلامه فتدبر. قوله: (وقيل الآية الخ الما كان الأوّل جواباً عما قيل: إنه كيف يرى كل أحد جزاء ذرات الأعمال خيرها وشرها، وأعمال الكفرة محبطة وسيئات المؤمنين منها ما يغفر، وهذا ينافي الكلية المذكورة دفعه أوّلاً بأن الإحباط بالنسبة للثواب والنعيم لا بالنسبة للتخفيف فالمراد برؤية جزاء السيئة ظهور استحقاقه له، وإن لم يقع وعلى هذا العموم غير مقصود لأن فيه قيدا مقدرا ترك لظهوره، والعلم به من آيات أخر فالتقدير {مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} إن لم يغفر أو الموصول الأول عبارة عن السعداء والثاني للأشقياء، فلا ينافي ما ذكر أيضاً ومرضه لأنه خلاف الظاهر لا لما قيل من أنه لا يناسب مذهب أهل الحق لأنه لم يصرّح بأن الإحباط لأصحاب الكبائر حتى ينافي المذهب الحق لجواز إرادة الكفار بقرينة السياق فتأمل. قوله: (لقوله أشتاتاً) الظاهر أنه تعليل لكون المراد بمن الأولى السعداء، وبالثانية الأشقياء فان الأشتات فسر بما محصله فريق في الجنة وفريق في السعير فالظاهر أن ترجع كل فقرة لطائفة ليطابق المفصل المجمل ولأن إعادة من تقتضي التغاير الحقيقي، وقيل: إنه تعليل لقوله: تفصيل قبل ولو أريد برؤية الأعمال إنها تجسم لترى ظلمانية ونورانية، أو ترى كتبها أو ترى نفسها لأنه يجوز رؤية كل شيء عرضاً وغيره فحين يراه حسنا أو مغفوراً يزداد سروره وحين يراه غير ذلك يزداد حزنه، وغمه وقد ورد في الحديث ما يؤيده فلا حاجة لما مر من الأجوبة ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر من السياق. قوله: (من قرأ سورة إذا زلزلت) الحديث هو وإن كان مروياً بسند ضعيف في تفسير الثعلبيّ فيقوّيه، ويعضده ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعاً إذا زلزلت تعدل ربع القرآن فظهر أنه حديث صحيح ليس كغيره من أحاديث الفضائل، تمت الس! ورة بحمد الله والصلاة والسلام على أعظم الرسل العظام، وآله وصحبه الكرام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 سورة العاديات لا خلاف في عدد آياتها وإن اختلف في كونها مكية أو مدنية فذهب إلى كل قوم من السلف، وأيد الثاني بما رواه المصنف رحمه الله تعالى من أنه صلى الله عليه وسلم بعث خيلاَ الخ كما رواه الحاكم رحمه الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أقسم بخيل الغزاة الخ) هذا يناسب كونها مدنية لأنه لم يكن الغزو إلا بعد الهجرة، ولذا نقل في الكشاف عن عليّ كرّم الله وجهه إنه لم يرتض هذا التفسير وفسرها بابل الحجاج لكنه لبعده عن اللفظ لم يذكره المصنف، وقوله: عند العدو أي الجري بيان لاتساق النظم مع بيان أن العاديات واويّ تصرف فيه وليس المراد بالصوت السهيل بل قولها: أج أج كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (نصبه) أي ضبحاً بفعل مقدر من لفظه، وهو مفعوله المطلق أي تضبح أو يضبحن والجملة المقدرة حالية، وقوله: فإنها تدل بالالتزام فإذا ذكرت كانت في قوّة فعل الضبح فتعمل عمله، وقوله: بمعنى ضابحة لأنّ الأصل في الحال أن تكون غير جامدة فلذا أوّلها باسم الفاعل. قوله: (فالتي توري) إشارة إلى أن أل موصولة وأنّ القدح هو الضرب والصك المعروف والإبراء يترتب عليه لأنه إخراح النار، وايقادها كما أشار إليه المصنف وإيراؤها ما يرى من صدم حوافرها للحجارة، وتسمى نار الحباحب وكون المراد به الحرب كما قيل بعيد، وفي إعرابه الوجوه السابقة، ويجوز أن ينصب على التمييز أي المورى قدحها وهو أحسنها. قوله: (ينير أهلها على العدوّ) يقال: أغار على العدوّ إذا هجم لم أجده عند الحاكم أخرجه الواحدي في أسباب النزول 868 عن ابن عباس مرفوعا، وذكر. الهثمي في المجمع 7 لم 142 وقال: رواه البزار وفيه حفص بن جميع وهو ضحعيف اهـ. وقال الحافظ في التقريب ج1ص185: حفص بن جميع ضعيف. وذكره أبن حبان في المجروحين 1 / 256. ولفظ الحديث " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلأ، فأسهب شهراً لم يأته منها خبر. فنزلت: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} ضبحت بمناحرها، إلى آخر السورة. ومعنى أسهبت: أمعنت في ال! فوب، وهي: الأرض الوأسعة، جمع " شفب ". بخيله عليهم بغتة لقتل أو نهب فالمغير صاحب الخيل وإسناده لها إما بالتجوّز في الإسناد أو بتقدير المضاف، ولا يصح التجوّز في الطرف لأنّ جمع المؤنث يأباه ولو أريد أصحابها كان حقيقة بتقدير الطوائف المغيرات فتأمّل. قوله: (في وقته) إشارة إلى أنّ نصبه على الظرفية، وقوله ة فهيجن لأن الإثارة تحريك الغبار ونحوه حتى يرتفع، وضمير به للوقت والباء ظرفية وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة لتأويلها بالجري ونحوه والأوّل أحسن فالباء سببية أو للملابسة، ويجوز كونها ظرفية أيضاً والضمير للمكان الدال عليه السياق، وذكر إثارة الغبار للإشارة إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وتخصيص الصبح لأنّ الغارة كانت معتادة فيه، والغبار إنما يظهر نهارا، وأثرن فعل معطوف على اسم وهو العاديات أو ما بعده لأن اسم الفاعل في معنى الفعل خصوصاً إذا وقع صلة وتخالفهما للتصوير في النفس، وفي الانتصاف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسبة وبالمضارع بعد الماضي كقول ابن معد يكرب: فإني قدلقيت الغول يهوي بشهب كالصحيفة صحصحان فآخذه فاضربه فخرت صريعاً لليدين وللجران ولا شذوذ فيه لأنه تابع فلا يلزمه دخول أل على الفعل فإنه ضرورة. قوله: (غبارا) هذا هو المعروف، ولذا قدّمه وكونه بمعنى الصياح، ورد في قول عمر في النياحة ما لم يكن نقع أو لقلقلة على أحد التفاسير فيه فالمراد بالصياح صياح من هجم عليه، وأوقع به لا صياح المغير المحارب، وإن جاز على بعد فيه أي هيجن الصياح بالإغارة على العدوّ. قوله: (فتوسطن) إشارة إلى أن الثلاثيّ بمعنى التفعل كما قرك! به في الشواذ، وقوله: بذلك الوقت إشارة إلى أنّ الضمير للصبح فالباء ظرفية كما مرّ وكما إذا كان للمكان، وقوله: بالعدو فالضمير للمصدر المفهوم من العاديات والباء للسببية أو الملابسة أو هو للنقع والباء للملابسة أي توسطن الجمع ملتبساً به، أو هي للتعدية إن أريد أنها وسطت الغبار والجمع مفعول به على الوجوه كلها فقول المصنف ملتبسات به راجع للأخير لا للجميع على البدل كما توهم. قوله: (روي الخ) قيل إنه لم يرو في كتب الحديث المشهورة، وقوله: فنزلت أي تبشيرا له بظفر سريته، وقوله: ويحتمل الخ هذا من البطون والإشارات الصوفية وهو على هذا تمثيل مركب أو استعارات متعدّدة، وقوله: مثل أنواو القدس جمع مثال بفتحتين بالمثلثة أي صورها، وكونه بمثناة تحتية كما في بعض النسخ بعيد وفي نسخة بدله مبدأ، وقوله: فوسطن الخ أي وصلن لمنازلهم وضمير به الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 للشوق ولبعده عن نهج التنزيل قال يحتمل. قوله: (منه كند النعمة (أي كفرها ولم يشكرها، وقوله: بلغة كندة فيه تجنيس وقع اتفاقا، وقوله: لربه متعلق بقوله: لكنود قدم للفاصلة لا للتخصيص، وقوله: جواب القسم على التفاسير، وقوله: وإن الإنسان الخ فالضمير للإنسان والإشارة للمصدر المفهوم من قوله: كنود والعلاوة للمعية هنا وفي موقعها لطف ظاهر. قوله: (يشهد على نفسه) هذا لا ينافي قوله على كنوده لأنه إذا شهد على كنوده فقد شهد على نفسه، وقوله: لظهور أثره باللام والباء فالشهادة مستعارة لظهور آثار كفرانه وعصيانه بلسان حاله، وقوله: إنّ الله فالضمير له تعالى، وقوله: فيكون وعيداً وهو تمثيل أيضا ولقرب المرجع على الثاني جوزوه وإن كان الأوّل أرجح كما أشار إليه بتقديمه وبناء تفسيره عليه لما فيه من اتساق الضمائر وعدم تفكيكها فهو لم يسوّ بينهما كما قيل. قوله: (المال) وقد ورد في القرآن بهذا المعنى كثيرا وخصه بعضهم بالمال الكثير، وقوله تعالى في آية الوصية: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} كما مرّ، وقوله: لبخيل تفسير لشديد واللام على هذا في قوله: لحب الخير للتعليل لأنه المناسب حينئذ بخلافه على ما بعده، وقوله: مبالغ فيه المبالغة من! ميغة فعيل فإنها تفيد ذلك. قوله: (بعثر) تقدم تحقيق معنى البعثرة وفي العامل في إذا أوجه قيل إنه يعثر بناء على أنها شرطية غير مضافة وقيل: ما دل عليه خبر أنّ أي إذا بعثر جوزوا، وقال الحوفي: هو يعلم وردّ بأنه لا يراد منه العلم والاعتبار في ذلك الوقت، وإنما يعتبر في الدنيا، ولذا قيل: إنّ المراد إنها على هذا مفعول به لا ظرفية ولا شرطية، وقال أبو حيان: المعنى أفلا يعلم الآن ما له إذا بعثر الخ فمفعول يعلم المحذوف هو العامل، ولا يجوز أن يعمل فيه لخبير لأنّ ما في خبران لا يتقدم عليها. قوله: (وقرئ بحثر وبحث) بالثاء المثلثة فيهما بمعنى استخرج، وقوله: جمع محصلاً الخ لما كان أصل معنى التحصيل إخراج اللب من القشور كإخرأج البرّ من التبن والذهب من المعدن كما قاله الراغب وهو يستلزم إظهار. وجمعه وتمييزه فلذا فسر هنا بكل منها كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وتخصيصه لأنه الأصل) أي أصل جميع الأعمال ما في القلب والفكر من الإرادة والنية، ولذا كانت الأعمال بالنيات وكان أوّل الفكر آخر العمل فجميع ما عداه تابع له فيدلّ على الجميع صريحاً وكناية والمرأد بها العزائم المصممة. قوله تعالى: ( {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ} الخ) بهم متعلق بخبير قدم للفاصلة، وقوله: بما أعلنوا لأنّ الخبير العالم بما بطن ويلزمه العلم بغيره بالطريق الأولى، وقوله: فيجازيهم لأن علمه تعالى كناية عن المجازاة كما مرّ تحقيقه مراراً، وقوله قال: ما التي هي لغير العقلاء فعبر بها في قوله ما في انقبور، ثم قيل بهم: وهم ضمير العقلاء، وقوله: في الحالين لأنهم في القبور أموات فألحقوا بالجمادات، وإن كان لهم حياة ما في وقت مّا لكنه الظاهر المتبادر، وأما في الحشر وبعد البعث فهم عقلاء محاسبون مسؤولون فلذا عبر بضمير العقلاء عنهم بعد ذلك. قوله: (وقرئ أن) بالفتح وخبير بلا لام لأنه مع وجود اللام علق فعل القلب عنها فكسرت فإذا سقطت لم تعلق عنه وهذه القراءة قراءة أبي السماك والضحاك وابن مزاحم وهي التي قرأ بها الحجاج، فما قيل: إنه لجراءته على كلام الله لما فتح الهمزة أسقط اللام من غير علم له بالقراءة تحامل لا حاجة لنا بمثله ولا يلزم من عدم تكفير الحجاج إن تعطل جهنم وتخرب. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم الخ) حديث موضوع، وجمعا فيه اسم المزدلفة تمت السورة بحمد الله ومنه وصلى الله وسلم على نبيه الأكرم وآله وصحبه الأنجم. سورة القارعة اختلف في آياتها هل هي عشرة أو إحدى عشرة ولا خلاف في مكيتها. بسم الله الرحمن الوحيم قوله: (سبق بيانه) وإعرابه أيضاً، وقوله: في كثرتهم هذا بناء على أنّ الفراس بمعنى الجراد كما ذكره في التأويلات، وفي الدرّ المصون إنه قيل: إنه الهمج من البعوض والقراد وغيرهما، ومثله معروف بالكثرة فما قيل عليه من أنّ الفراس لا يعرف بالكثرة حتى تشبه بها فيها إلا أن يفسر بصغار الجراد لا وجه له فكأنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 لم يسمع تفسيره به حتى تبرع به من عند.. قوله: (وذلتهم الأنه يضرب به المثل في الذلة فيقال: أذل وأضعف من فرأشة، وقوله: وانتشارهم هذا أيضاً بناء على أنه بمعنى الجراد لأنه المعروف به لقوله: كأنهم جراد منتشر وقوله: بمضمر الخ أي تقرعهم يوم الخ أو تأتي القارعة وقيل: إنه معمول للقارعة نفسها من غير تقدير وفيه نظر إلا أنه إذا تعلق بالثانية، وقيل: ما بينهما اعتراض لم يمنع منه مانع، وما قيل من أنه لا يلتئم معنى الظرف معه غير مسلم وقيل: مفعول به لا ذكر مقدّراً وقوله: كالصوف الخ مرّ تفصيله في سورة المعارج فتذكره، وقوله: لتفرق أجزائها الخ بيان لوجه الشبه. قوله: (بأن ترجحت الخ) يحتمل أنه جمع موزون، وهو العمل الذي له خطر ووزن عند الله أو جمع ميزان وثقلها رجحانها كما مرّ في الأعراف فلا يرد عليه أنها إعراض وما ذكر من صفات الأجرام، وقد قيل: إنها تجسم بصور مناسبة لها، ثم توزن فتذكر وتدبر. قوله: (ذات رضا) على أنها للنسب كلابن وتامر فلذا فسرها بقوله: أي مرضية لأنّ المرضية ذات رضا، وفي نسخة أو مرضية فهو إشارة إلى أنه إسناد مجازي أو استعارة مكنية وتخييلية كما قرّر في كتب المعاني أو هي بمعنى المفعول على التجوّز في الكلمة نفسها. تنبيه: ما كان للنسب يؤوّل بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فالحق بالجوامد وقال السيرافي إنه يقدح فيما عللوا به عدم سقوط الهاء في عيشة راضية، وفيه وجهان أحدهما: أن يكون بمعنى أنها رضيت أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم، والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة وراوية ووجه بأنّ الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فتخل بالبنية كناقة مسلية وكلبة مجرية، وهم يقولون ظبية مطفل ومشدن وباب مفعل ومفعال لا يؤنث وقد أدخلوا الهاء في بعضه كمصكة اهـ، (أقول) هدّا حقيق بالقبول محصله الجواب بوجوه أحدها إنه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل مجاز أريد به لازم معناه لأنّ من شاء شيئاً لازمه كما في حديث من بورك له في شيء فليلزمه فهو مجاز مرسل أو استعارة، ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه، الثاني إنّ الهاء للمبالغة ولا تختص بفعال، ولذا مثل براوية الثالث أنه تجوّز في المعتل لحفظ البنية ومثله إما شاذ أو لتشبيه المضاعف بالمعتل، وفي معنى الآية قلت: إذا رضي الإنسان نعمة ربه وأظهرها تحتال في حلل المجد أقامت لديه وهي راضية بما قرا! ابه من! ، ا! كر وا! حمد قوله: (فمأواه النار) فسمي المأوى إمّا على التشبيه تهكماً لأنّ أمّ الولد مأوا. ومقره، وفي التأويلات قيل: المراد أمّ رأسه أي يلقي في النار منكوساً على رأسه. قوله: (ماهية) الأصل ما هي فأدخل في آخره هاء السكت وقفاً وتحذف وصلاً قيل، وحقه أن لا يدرج لئلا تسقط لأنها ثابتة في المصحف، وقد أجيز إثباتها في الوصل، وقوله: ذات حمى مصدر كنصر، ويقال: حمي وحمو كدلو وقد يشذد وحمله على النسب بناء على أنه من حميت القدر فأنا حام والقدر محمية فلذا حملها على النسب فانه قيل بأنه من حمى النهار والقدر فحامية على ظاهرها من غير تأويل إلا أن ما ذكره المصنف رحمه الله سبقه إليه الراغب فهو إمّا بناء على أنّ الثاني لم يثبت عند. أو هو غير كثير في الاستعمال. قوله: (والهاوية من أسمائها) إن أراد أنها علم لها كما في الصحاح، وفي حواشيه لابن بري هاوية من أسماء النار فهي معرفة بغير ألف ولام، ولو كانت علما لم تنصرف في الآية والهاوية المهواة قال: يا عمرو لو نالتك أرماحنا كنت كمن أهوى به الهاوية وبه علم جواب ما سبق، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث موضوع (تمت السورة) بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيد الرسل الكرام، واكه وصحبه السادة العظام. سورة التكاثر لا خلاف في عدد آياتها وأنما الخلاف في كونها مكية أو مدنية، واستدل لكونها مدنية بما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنها نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار تفاخروا، وأخرج البخاري عن أبيّ بن كعب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 قال: كنا نرى هذا من القرآن يعني لو كان لابن آدم واديان من ذهب حتى. نزلت ألهاكم التكاثر.! وإلى الثاني ذهب الأكثرون، ورجحه صاحب الإتقان وهو الحق. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (شنلكم الخ) يعني أنّ اللهو في أصل وضعه وضع للذفلة، ثم شاع في كل شاغل وهو المراد هنا والعرف خصه بالتشاغل الذي يسرّ المرء وهو قريب من اللعب ولذا ورد بمعناه كثيرا، وقال الراغب: اللهو ما يشغلك عما يعني ويهم، وقوله: التباهي أي التفاخر بها بأن يقول: هؤلاء نحن أكثر وهؤلاء نحن أكثر، وقوله: وأصله الخ لم يحمله على أصله لأنه غير مناسب للمقام وإن غفل عنه بعضهم. قوله: (إذا استوعبتبم الخ) هو تفسير للتكاثر على هذا لا تقدير لما ذكر في النظم، وقوله: عبر الخ فهو إما كناية أو مجاز والأحسن جعله تمثيلا وجعله الزمخشري تهكماً ولخفاء التهكم فيه تركه المصنف رحمه الله ووجهه أنه كأنه قيل: أنتم في فعلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح، وقيل: وجهه أنّ زيارة القبور للاتعاظ، وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سبباً للغفلة، وقوله: * صرتم إلى المقابر أي انتقلتم لذكر من فيها فالغاية داخلة في المغيي على هذا أقول لو قيل: التهكم في التعبير بالزيارة كان وجهاً وجيها. قوله: (فكثرهم بنو عبد مناف) أي غلب بنو عبد مناف في الكثرة بني سهم وهو من باب المغالبة يقال: كاثرته فكثرني على ما هو معروف عند النحاة، وقوله: إن البغي الخ أراد به التعدي والتجاوز عن الحذ في! الحروب، وقوله: فكثرهم بنو سهم الفاء فيه فصيحة أي فعدوا الأحياء والأموات فزادوا عليهم كثرة. قوله:) وإنما حذف الملهى عنه) فلم يقل: ألهاكم عن كذا، وقوله: وهو ما يعنيهم يعني الملهى عنه لو ذكر هنا ما كان يعنيهم أن يهمهم من أمر الدين فيقال: ألهاكم التكاثر عن أمر دينكم، وقوله: للتعظيم المأخوذ من الإبهام بالحذف فإنه يفيده كما يفيده الإبهام الذكري في نحو غشيهم ما غشيهم مع ما فيه من الإشارة إلى أنه خارج عن حدّ البيان وأنه لشهرته غني عن الذكر والمبالغة لما فيه من الإشارة إلى أنّ كل ما يلهى مذموم فضلا عن أمر الدين، وقيل: المبالغة من ذهاب النفس كل مذهب وفيه نظر. قوله: (إلى أن متم وقبرتم الخ) فصيغة الماضي لتحققه أو لتغليب من مات أوّلاً أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم، وقوله: عما هو أهمّ الخ إشارة إلى أن الملهى في هذا الوجه مما يهتمّ أيضا، وإن كان الملهى عنه أهمّ بخلاف الوجه السابق فإنه لوحظ فيه عدم أهمية الملهى رأساً. قوله: (فتكون رّيارة القبور عبارة عن الموت) مع الإشارة إلى تحقق البعث لأنّ الزائر لا بد من انصرات عما زاره، ولذا قال بعض الأعراب لما سمعها بعثوا ورب الكعبة، وقال ابن عبد العزيز: لا بد ل! عئ زار أن يرجع إلى جنة أو نار وسمي بعض البلغاء القبر دهليز الآخرة. قوله: (رح وثنبيه على أن العاقل الخ) ففيه ردّ لما قبله وتنبيه على ما يأتي بعده وهو متصل بما بعد.، وما قبله كما قاله الإمام وهو لا يخالف ما نقل في المفصل عن الزجاح من أنها رح عن الاشتغال بما لا يعنيه عما يعنيه وتنبيه على الخطا فيه كما قيل. قوله: (خطأ رأيكم الخ) بيان لحاصل المعنى، وقيل: إنه للإشارة إلى أنّ العلم متعد لمفعول واحد لأنه بمعنى المعرفة لأنّ تقليل التقدير ما أمكن أول والمراد بما وراءهم وما بين أيديهم هنا واحد وهو الآني من أمور الآخرة، وكونه بمعنى الخلف هنا لا وجه له لأنّ قوله: وهو إنذار يأباه كما لا يخفى. قوله: (تكرير للتثيد) والمؤكد قد يعطف كما صرح به المفسرون والنحاة وتصريح أهل المعاني بمنعه لما بينهما من شدة الاتصال مخالف له بحسب الظاهر، وفي قول المصنف رحمه الله كغيره على أنّ الثاني أبلغ من الأوّل إشارة إلى التوفيق بين الكلامين لأنه لكونه أبلغ ثزل منزلة المغاير فعطف والأبلغية لما فيه من التأكيد، ونحوه مما يشعر به مقامه كما يقول العظيم لعبده أقول لك، ثم أقول لك لا تفعل. قوله: (أو الأوّل الخ) فلا تكرير في الإنذار والردع لتعلقه بما بعده كما مرّ والعطف، والتراخي على ظاهره، وقوله: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} الخ مرّ بيانه، وقوله: علم الأمر اليقين فالعلم مصدر مضاف للمفعول واليقين بمعنى المتيقن صفة لمقدو، وليس من إضافة العامّ للخاص كما قيل، وقوله: (كعلمكم) الخ بيان لعلم الأمر المتيقن ولفائدة الإضافة يعني لو علمتم ما بين أيديكم كما استيقنتموه شغلكم ذلك عن التباهي. قوله: (فحذف الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 الجواب) وهو ما ذكر. المصنف رحمه الله، وقوله: للتفخيم مرّ وجهه قريبا وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: عن غيره، وقوله: لا يوصف ولا يكتنه وقوله: محقق الوقوع، وجواب لو الامتناعية لا يكون كذلك والقول بأنه جواب والمضارع للمضيّ هنا أي لو كنتم ممن يعلم علمتم وتحققتم وجود العذاب، العقاب وستشاهدونه خلاف الظاهر اللائق بنظم القرآن العظيم، وقوله: أكد به أي بالقسم فالوعيد ما تضمنه جوابه أو الضمير لما ذكر من القسم وجوابه فالوعيد ما مرّ، وقوله: منه متعلق بأنذرهم يمعنى خوفهم والضمير المجرور راجع لما، وقوله: بعد إبهامه أي إبهام المنذر به المحذوف. قوله: (تكرير للتثيد) والعطف كما مرّ وقوله: إذا رأتهم أسند الرؤية لها موافقة لنظم وتفننا في تحقيق التغاير، وعلى هذا يحتمل التنازع في قوله: عين اليقين ولا يمنعه قوله بعده، ثم لتسألن الخ كما قيل لجواز حمل، ثم على الترتيب الذكري أو جعل سؤالهم بعد الورود لأنه للتوبيخ والتقريع بالسؤال عن النعيم في الجحيم لكنه أبعد من التأكيد بمراحل. قوله: (أو المراد بالأولى الخ) قيل: إنه بيان لقوله في الكشاف، ويجوز أن يراد بالرؤية العلم والأبصار، لا أنّ الأبصار عطف تفسيري للعلم، ولا أنه ابتداء كلام غير مقابل للوجه السابق كما ذكره شراحه وفيه نظر فإنه كلام بعيد مما ذكر فلينظر فيه. قوله: (أي الرؤية التي هي نفس اليقين) إشارة إلى أنّ العين هنا بمعنى النفس كما في نحو جاء زيد عينه أي نفسه وقوله: فإن علم المشاهدة الخ تعليل لكون الرؤية نفس اليقين دون غيرها من العلوم فإنّ الانكشاف بالرؤية والمشاهدة فوق سائر الانكشافات فهو أحق بأن يكون عين اليقين، فاندفع ما أورد عليه من أنّ أعلى اليقينيات الأوليات دون المشاهدات كما تقرّر في محله وقد مر في البقرة ما يتعلق بهذا المقام فعين اليقين صفة مصدر مقدر، وهذا جار على الوجو. الثلاثة. قوله: (الذي ألهاكم) خصه به للقرائن الدالة على تخصيصه كما أشار إليه بقوله: والنعيم الخ والعجب أنه مع تصريحه بما قلناه قيل: إنه بناه على الوجه الممرض في أوّل السورة، وهو غفلة منه فقوله: والخطاب الخ أي في هذا المحل، وقوله: والنعيم بما يشغله أي مخصوص هنا بما يشغله عن طاعة الله، وقوله: للقرينة هي اختصاص الخطاب في ألهاكم وزرتم والنصوص صريحة في أنّ الرزق الطيب لا يسئل عنه للأمر با! ل منه. فوله: (وقيل يعمان) أي ما ذكر وغيره وقوله: إذ كل يسأل فالسؤال ليس سؤال توبيخ كما في الوجه السابق، ويؤيده ما في الحديث الصحيح من أنه قال، وقد أكل مع أصحابه رطباً وشرب ماء باردا، والذي نفسي بيده هذا من النعيم الذي تسالون عنه يوم القامة. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) أوّله موضوع، وآخره له شاهد في سنن الحاكم والبيهقي ولفظه ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر (تمت السورة) والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. سورة والعصر روي عن الشافعيّ رحمه الله تعالى أنه قال: لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس لأنها شملت جميع علوم القرآن ولا خلاف في عدد آياتها وإنما الخلاف في كونها مكية أو مدنية فقد ذهب إلى كل منهما بعض السلف. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أقسم بصلاة العصر لفضلها) وفي نسخة لفضيلتها وفضيلتها لأنها الصلاة الوسطى عند الجمهور ولم يذكر أنه أقسم بوقت العصر نفسه لأنه لا وجه لتخصيصه، وقيل: إنه خص لفضيلة صلاته أو لخلق آدم أبي البشر فيه، وقد ورد في الحديث: " إنّ من فاتته فكأنما وتر أهله ". قوله: (أو بعصر النبوّة) فانه أشرف الإعصار لتشريف النبيّ! ز له، ولم يبينه لظهوره بخلاف فضل صلاة العصر على غيرها من الصلوات فإنه إنما يعرف من جهة السمع فلا وجه لما قيل في توجيهه من أنه فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار، وهو يقتضي أنه غير خاص بوقت حياته! ز فيعمه وما بعده إلى يوم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 القيامة وهو محتمل أيضاً. قوله: (أو بالدهر) أخر. لأن استعماله بهذا المعنى غير ظاهر، وقوله: لاشتماله الخ اشتماله على ذلك لا كلام فيه، ولذا قيل له أبو العجب إنما الكلام في كونه وجه القسم فإنه يذكر بما فيه من النعم وأضدأدها لتنبيه الإنسان لأنه مستعد للخسران والسعادة، وقوله: ما يضاف إليه لأنّ الناس تضيف كل شيء له ولذا ورد " لا تسبوا الدهر " على ما بين في شرحه، ونفيه عنه لأنّ الله لما أقسم به، وعظمه علم إنه لا خسران له ولا ذخل له فيه وإضافته للإنسان تشعر بأنه صفة له لا للزمان كما قيل: يعيبون الزمان وليس! فيه مغايب غير أهل للزمان قوله:) في مساعيهم وصرف أعمارهم) إشارة إلى أنه لا يخلو منه إنسان ولو لم يكن له غير صرف عمر. كفاه كما قيل: زيادة المرء في دنياه نقصان وقوله: والتعريف يعني في الإنسان والجنس شامل للاستغراق هنا بقرينة الاستثناء، وقوله: والتنكير يعني في خسر إذ المراد خسر عظيم ويجوز أن يكون للتنويع أي نوع من الخسران غير ما يعرفه الإنسان. قوله: (فإنهم اشتروا الخ) الباء دأخلة هنا على المتروك بقرينة ما بعد.، والسرمدية بمعنى الدائمة، وقوله: بالثابت أي في نفس الأمر والواقع بحكم الشرع والعقل بحيث لا يصح نفيه بمقتضاهما ولا وجه لتخصيصه بالأوّل لأنه يخرج منه إثبات الواجب به. قوله: (عن المعاصي) هو وما بعده متعلق بالصبر، وفيه إشارة إلى استعماليه من تعديه بعن وعلى، وقوله: ما يبلو الله أي يبتليهم من المصائب، وهو معطوف على الحق والمعنى حينئذ كقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ} إلى قوله {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 155] وقوله: وهذا الخ يعني عطف قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} على ما قبله: لا عطف قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وحده لأنّ ما بعده يأباه كما لا يخفى. قوله: (للمبالغة الأنه يدل على أنّ الخاص لكماله بلغ إلى مرتبة خرج بها عن الاندراج تحت العامّ على ما عرف في أمثاله، وقوله: (إلا أن يخص) الخ فيكون المراد بالعمل عملاً خاصا وهو ما به كمال العامل، أو الإنسان في حد ذاته كعبادته وعقائد. الفاضلة فيخرج عنه الفواضل والأعمال المتعدية هي بنفسها أو أثرها إلى الغير فيخرج عنه التواصي بالأمرين المذكورين لأنهما تكميل للغير، وهو متعد غير قاصر عليه ويكون من عطف المتغايرات. قوله: (ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر الخ) أي ذكر سببه صريحاً وهو مجموع الأمور الأربعة واعترض عليه بأنه ليس صريحا بل ضمنا، وقد ذكر سبب الخسران ضمناً أيضاً وهو غير ما ذكر وأضداده كما لا يخفى، وهو ناشئ من عدم الفرق بين السبب وسببيته وجعل الأوّل كالثاني، وهو وهم لا يخفى. قوله: (اكتفاء ببيان المقصود (أي وهو الربح بما به الفوز والحياة الأبدية والسعادة وأهلها، وقوله: إشعارا بأن ما عدا ما عد الخ يعني أنه لإشعاره بأنّ سبب الخسر ما عدا المذكور لم يذكر إذ لو ذكر جميعه طال الكلام جدا، ولو ذكر بعض منه دون بعض أخل بالمقصود وفي كلامه نوع خفاء. قوله: (أو تكرماً الخ الترك ذكر مثالبهم، ومواجهتهم بالذم ولأنه كالستر لقبائحهم وإيهام أنها لا يترتب عليها العقاب، وفي التفسير الكبير لم يذكر سبب الخسران لأنّ الخسر يحصل بالفعل كالزنا والترك كترك الصلاة بخلاف الربح فإنه إنما يكون بالفعل يعني أنّ سببه متعدد فيكون فعلا وتركا بخلاف سبب الربح فإنه لا يكون إلا فعلاً، وما عداه راجع إليه فيكون أقرب إلى الضبط لأنه يعلم منه أنّ سبب الخسران ما عدا هذا المذكور، وهو قريب مما قدمه المصنف في قوله: إشعارا بأنّ ما عدا ما عد الخ فلا يرد عليه ما قيل: إن امتثال النهي بترك المنهي عنه، وهو من أسباب الربح ولو سلم فليذكر الفعل الخ وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع (1 " تمت السورة) بحمد الله وعنه ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سورة الهمزة لا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها. بسم الله الرحمن الرحياً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 قوله: (فشاعا في الكسر الخ) وأصله كان استعارة لأنه لا يتصوّر الكسر والطعن الحقيقي إلا في الأجسام، ثم صار حقيقة عرفية فيه، وفي هذه الآية دليل على أنّ الكفار مكلفون بالفروع لذمّهم بما ذكر فلا يرد أنه كيف يذم الكافر بما ذكر وفيه ما هو أقبح منه. قوله: (وبناء فعلة) بضم الفاء وفتح العين، والفرق بين المفتوح والساكن ما ذكر وأيضاً المفتوح صيغة مبالغة بمعنى اسم الفاعل والساكن بمعنى المفعول كما في أدب الكاتب، وكأنه كثري لأن من كلامهم لقطة بالفتح، وهي بمعنى المفعول وسمع الساكن أيضا بمعنى الفاعل، وقوله: على بناء المفعول أي على البناء الذي وضع لمعنى مفعول كما قاله ابن قتيبة: وقوله فيضحك مته، ويشتم بصيغتي المجهول وهذا أصل وضعه، ثم عم لكل من يكثر الغيبة وإن لم يكن كذلك ولا يلزم أن يكون هذا بمحضر منه. فقد أجلك من يرضيك ظاهره وقدأطاعك من يعصيك مستترا فلا يرد أن ما ذكر ينافي نزول الآية في الرجلين المذكورين، وهما من عظماء قريش وتوله: الذي يأتي بالأضاحيك صفة كاشفة للمراد بالمسخرة بالفتح. قوله: (1 لأخنس بن شريق) بفتح الشين بزنة فعيل اسمه أبيّ بن عمرو الثقفي حليف بني زهرة، ولقبه به أبو سفيان لما رجع ببني زهرة عن بدر ثم أسلم وكان من المؤلفة على ما صححه ابن حجر في الإصابة وهو يقتضي أن لا يصح ما ذكره المصنف لقوله: لينبذنّ في الحطمة. قوله: (منتابا) بالكسر كمنحار بمعنى كثير الغيبة، وقوله: اغتيابه بالجر معطوف على الوليد، وقوله: ما لا تنكيره للتكثير أو للتقليل، والتحقير باعتبار أنه عند الله أحقر شيء. قوله: (بدل من كل الخ) بدل كل من كل وقيل: بدل بعض من كل ولم يجعله صفة لكل كما قيل لأن النكرة لا توصف بالمعرفة، وكون كل همزة معرفة كما قاله الزمخشري في كل نفس في سورة ق، مما لا وجه له والاشتغال بتوجيه مثله مما لا ينبغي وقد مر ثمة ما فيه وقوله: عدّة بالضم أي معداً ومدخراً والنوازل المصائب النازلة على الناس، وقوله: عدّة مرّة الخ لا محصل له معتد به، وقوله: ويؤيده أي يؤيد أنه من العدد لا من العئه بالضم فإنّ هذه القراءة دالة على ما ذكر وهو اسم معطوف على قوله: مالاً والضمير للمال، ومعنى كونه جمع عدة أنه أحصاه وضبطه فإن سلم أنه يقال جمع العدد بمعنى ضبطه فبها ونعصت والا فهو كقوله: علفتها تبناً وماء باردا وفي التأويلات أنه بمعنى جعله أصنافاً وأنواعاً كعقار ومتاع ونقوداً وهو للذي والمراد بعدده أتباعه وأنصاره كما يقال: فلان ذو عدد وعدد وقيل: إنه فعل ماض وفك إدغامه على خلاف القياس كما في قولى: إني أجود لأقوام وإن ضننوا وهو متكلف لفظاً ومعنى وقول المصنف على فك الإدغام ظاهر فيه لأنه لو كان اسما لم يكن فيه إدغام حتى يفك، وفيه نظر لأنه يقال: عد بمعنى عدد والأصل في كل مثلين التقيا الإدغام فلا حاجة إلى تكلف أنّ المراد بفك الإدغام تركه ابتداء. قوله: (تركه خالدا) خلوداً لا يتناهى أو مكثاً طويلا لأنّ مدخراته، وتداركه لمثله وبناءه وغرسه مقتض لذلك وهو استعارة تمثيلية لما ذكره من شدة محبته له أو غفلتة وطول أمله، وقوله: وفيه تعريض يعني على الوجوه كلها لا على ما عدا الأوّل كما قيل والزمخشري جعل التعريض وجها مستقلا وكأنّ المصنف لم يرتض به، وقوله: عمل من لا يظن الموت كالبناء المشيد وغرس الأشجار واجراء الأنهار ونحوه. قوله: (ردع له عن حسبانه الا عن همزه ولمزه كما توهم لبعده لفظاً ومعنى، وقوله: تحطم أي تكسر ففي الحطمة مماثلة لعمله لفظاً ومعنى، وقوله: تعلو أوساط القلوب على أنّ معنى الفؤاد وسط القلب ويستعمل بمعنى القلب ففسه وضمير عليها للقلوب لأنها إذا وصلت لوسطه اشتملت عليه وعلى جميع الجسد، وقوله: وتخصيصها الخ فعلى الأوّل هو بيان لشدّة عذابهم، وعلى الثاني أحرقت الأفئدة لأنها محل العقائد الفاسدة وقوله: تحن الخ الأجبال بالهمزة جمع جبل كأجبل ومحل الشاهد فيه ظ! اهر. قوله: (أي موثقين في أعصد! ممدودة) إشارة إلى أنّ قوله في عمد ممددة حال من ضمير عليهم، والمقاطر جمع مقطرة بالفتح وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص، ونحوهم وقوله: تقطر أي يجعل كل بجنب آخر، والحديث المذكور موضوع قمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ا-له وصحبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 سورة الفيل لا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها. بسم الله الوحمن الرحيم قوله: (وهو وإن لم يشهد الخ) الوقعة الحادثة العظيمة والحروب وجعل الرؤية هنا بصرية تجوز بها عن العلم على الاستعارة التبعية أو المجاز المرسل لأنها سببه، وكلام المصنف ظاهره الأوّل ولم يجعلها ابتداء علمية وإن لم يمنع منه مانع لأنّ هذا أبلغ، ولأنّ ألم تر حيث لم يعلق في القرآن عدى بإلى نحو ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم فهي بصرية فينبغي حمله على نظائره فتأمّل. قوله: (تذكير ما فيها من وجوه الدلالة) إشارة إلى ما قاله الإمام من أنّ الأسماء لها ذوات، وكيفيات والكيفيات يسميها المتكلمون وجه الدليل واستحقاق المدح برؤية الكيفيات لا برؤية الذوات، ولذا قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [سورة ق، الآية: 6] وما الدالة على الوصفية والتعجب فيما مرّ هي الموصولة لا الاسنفهامية كما قيل، والظاهر أنّ مراد المصنف أنّ كيف للسؤال عن الأحوال على وجه العموم فالمراد هنا التنويه، والتعجيب مما في تلك القصة من الشؤون والأحوال الدالة على ما ذكر.، وما وإن استعملت للوصف في نحو ما زيد وللتعجب في نحو ما لي لا أرى الهدهد كما صرحوا به غير مناسب للمقام فما ذكر من أنه مخصوص بالموصولة لا وجه له. قوله: (فإنها من الإرهاصات) الضمير للوقعة، وهو تعليل لكون هذه الواقعة فيها شرف للرسول صلى الله عليه وسلم والإرهاص ما يتقدم النبوّة ودعوى الرسالة مما يشبه المعجزة من الرهص! وهو أسفل الجدار وقيل: هو الترصد. قوله: (إذ روي أنها وقعت الخ) لأنّ مولده صلى الله عليه وسلم كان في ربيع الأوّل على الأشهر، وقيل: كان في رمضان وذكروا أنّ الفيل أتى مكة في المحرّم وولادته صلى الله عليه وسلم كانت بعد مجيئه بخمسين يوما، فإن قلت إنما هذا لشرف البيت ودعوة الخليل عليه الصلاة والسلام، ومصادفتة لحمله وقرب مولده صلى الله عليه وسلم اتفاقي قلت: لا مانع من الجمع بينهما ويؤيد كونه إرهاصاً قصة القرامطة وذي السويقتين، وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بركت ناقته وقال الناس: (خلأت أي حرنت فقال ما خلات، ولكن حبسها حاب! الفيل) الحديث فليس فيه ما ينافي الإرهاث كما توهم فتدبر. قوله: (وقصتها الخ) أبرهة بفتح الهمزة وسكون الموحدة التحتية والراء المهملة وهاءين قال السهيلي: معناه بالحبشة الأبيض الوجه، وهو مؤيد لقول من قال: إنّ أبرهة هذا هو أبرهة بن الصباج الحميري، وليس بأبي كيسوم الحبشي والصباح بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة والحاء المهملة والأشرم المشقوق الأنف أو الشفة، وقوله: ملك اليمن ماض أو اسم بكسر اللام مضاف، وقوله: قبل بكسر القاف وفتح الباء الموحدة بمعنى جانب وجهة، وأصحمة بالصاد والحاء المهملتين، والنجاشي علم في الأصل، ثم جعل لقباً لكل من يملك الحبشة. قوله: (سماها القليس) قال مغلطاي هو بقاف مضمومة ولام مشددة مفتوحة وبعدها مثناة تحتية ساكنة ثم سين مهملة كما في ديوان الأدب، ونقل عن القسطلي أنه بضم القاف، وفتح اللام المخففة وأمّا القليس بفتح القاف وكسر اللام المخففة فاسم قصر بصنعاء بناه القليس بن شرحبيل وضعبطه السهيلي بالنون، وقال معناه المرتفع كالقلنسوة ولم يزل باقيا حتى هدمه السفاح وليس هو الذي هدمه حمير كما قيل. قوله: (فقعد فيها) أي تغوط وفي شرح السيرة القعود الجلوس ويكون بمعنى الحدث، ومنه: (النهي عن القعود على المقابر) في الحديث كما فسره به الإمام مالك رحمه الله وهو كناية في الأصل وقوله: فيلة بكسر الفاء وفتح الياء بزنة قردة جمع فيل، وكانت ألفاً وقيل غير ذلك وقوله: عبى جيشه يقال: عبيت الجيش بغير همز هيأته، وعبات المتاع بالهمز وحكي عبأت الجيش بالهمز قال السهيلي وهو قليل، وقوله: فخرح بجيشه الباء للملابسة أو للتعدية. قوله: (برك) كذا روي لكن قال السهيلي: الفيل لا يبرك فبروكه إمّا بمعنى سقوطه على الأرض بأمر الله، أو المراد لزم مكانه كما يفعله البارك، وقيل: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 من الفيلة صنف يبرك كما تبرك الجمال انتهى، وقوله: هرول بمعنى أسرع وقوله: الحمصة هي حبة معروفة وهو بكسر المميم المشذدة وفتحها، ولم يذكر أبو حنيفة إلا الكسر كجلق وليس للكسر نظير في الأبنية إلا الحلز وهو القصير على رواية فيه فقوله: في الكشف الكسر أفصح غير مسلم وقد روي أنها كانت كبارا تكسر الرؤوس، وقوله: فترميهم الخ عبر بالمضارع لحكاية الحال واست! او تلك الصورة البديعة. قوله: (وقرئ ألم تر جدا في إظهار أثر الجازم الأن جزمه بحذف آخره فإسكان ما قبل الآخر للاجتهاد في إظهار أثر الجازم ونظيره قوله: ألم أبل كما واذا السعادة لاحظتك فلا تبل قيل: والسر فيه الإسراع إلى ذكر ما يهم من الدلالة على أمر الألوهية والنبوّة أو الإشارة، إلى الحث على تفجيل الرؤية وإن من لم يسرع لها لم يدركه حق إدراكه ولا يخفى بعده فإن تقليل البنية يدل على قلة المعنى، وهو الرؤية لا على قلة زمانه وهذا كما مرّ في صفد وأصفد. قوله: (وكيف نصب بفعل الخ (ونصبه على المصدرية أو الحالية، واختار الأول ابن هشام في المغني والمعنى أقي فعل فعل الخ وأمّا الحالية من الفاعل فممتنعة لأنّ فيه وصفه تعالى بالكيفية، وهو غير جائز وأمّا نصبه بتر لانسلاخ معنى الاستفهام عنه كما في شرح المفتاح الشريفي فقد صرّح أبو حيان بامتناعه لأنه يراعي صدارته إبقاء لحكم أصله، وهو الظاهر كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (في تعطيل الكعبة) لأنّ مقصودهم من بناء الكنيسة تعطيل الكعبة من الزوار وصرفهم للكنيسة، وقوله: وابطال عطف تفسير لقوله: تضييع لأنه من ضل عنه إذا ضاع استعير هنا للإبطال، ودمّرهم أهلكهم وأنما سماه كيداً وهو قصد المضرّة خفية وهو مظهر لقصد تخريبه لأنّ سببه حسد سكان الحرم وقصد صرف شرفهم له وهو خفي فسمي كيداً لذلك فتدبر. قوله: (جمع إبالة) بكسر الهمزة وتشديد الموحدة، وهي حزمة الحطب فاستعير لجماعة الطير، والعباديد الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه والشماطيط القطع المتفرّقة، والثوب المشقق واحده شمطيط أو لا واحد له على ما فصل في اللغة والنحو وقياس مفرده فعليل أو فعلول أو فعلال، وقوله: في تضامها أي اجتماعها، وقوله: قرئ بالياء هي قراءة أبي حنيفة لكن قد مرّ قول صاحب النشران أبا حنيفة لا قراءة له دمانّ القرا آت المنسوبة له موضوعة، وقد أثبت العلماء وضعها، وقوله: لأنه اسم جمع أي وهو لازم التذكير كما في شرح الألفية فتأنيثه لتأويله بالجماعة لا لأنه اسم جمع أي وهو لازم التذكير كما في شرح الألفية فتأنيثه لأويى بالمجماعة لا لأنه يجوز فيه الأمران كما قيل. قوله:) معرب سنك كل) وهو تركيب معناه متحجر، وقوله: من السجل بالكسر أي السجيل مأخوذ منه، وهو الدلو العظيمة إذا كانت مملوءة بالماء أو قريبة من الملء والسجل والسجيل مذكر بمعنى الدلو المذكور فمن ابتدائية، ومعنى كون الحجارة من الدلو أنها متتابعة كثيرة كالماء الذي يصبّ من الدلو ففيه استعارة مكنية وتخييلية كقوله: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [سورة الفجر، الآية: 13] وكذا كونه من الأسجال بمعنى الإرسال أيضاً، والمعنى من مثل شيء مرسل كما مرّ في سورة هود وعلى هذا هو عربي لا معرب. قوله: (أو من السجل) وهو علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار فذلك من جملته وبعض منه فقوله: ومعناه يعني على هذا الوجه الأخير، وقوله: الآكال بالضم والكسر كغراب وكتاب وهو التآكل وقوله: أو أكل حبه بتقدير مضاف أو بالإسناد المجازي فالتشبيه به لذهاب أرواحهم، وبقاء أجسادهم أو لأن الحجر بحرارته يحرق أجوافهم. قوله: (أو كتبن الخ) معطوف على قوله: كورق، وقوله: وراثته جعل الروث مأكولاً باعتبار ما كان ولم يذكر الروث لهجنته فجاء على الآداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرّق أجزاء الروث ففيه إظهار تشويه حالهم ولما في القصة من هدم الكعبة ناسب إهلاكهم بالحجارة، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع، وقوله: أعفاه بمعنى يراه وليس من العفو لأنه لا يتعدّى بالهمزة كما في كتب اللغة تصت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه. سورة قريش ويقال: سورة لئيلاف قريش كما في الحديث المذكور في آخر السورة ولا خلاف في عدد آياتها، واختلف في كونها مكية أو مدنية والجمهور على الأوّل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 بسم الله الرحمن الرحبم قوله تعالى: ( {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ) إيلاف مصدر ألفت الشيء وآلفته من الألف المعروف، قال الهروفي في الغريبين: الإيلاف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤالف إلى ملك الشام والمطلب إلى كسرى وعبد شمس، ونوفل يؤالفان ملك مصر والحبشة قال: ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح وفعله ا-لف على وزن فاعل ومصدره الأف بغير ياء بزنة قتال أو ألف الثلاثي ككتب كتاباً ويكون الفعل منه أيضاً آلف على وزن أفعل مثل آمن ومصدره إيلاف كإيمان ومنه يعلم وجه القراءة بالياء وعدمها. قوله: (متعلق بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا} الخ) ولما لم تكن الفاء في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: لأجل إشارة إلى أنّ اللام تعليلية وقوله: رحلة الشتاء الخ إن كان الآلاف من الألفة فهو مفعول به، وإن كان بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي على أو لأجل وأفراد الرحلة لا من اللبس وظهور المعنى وأصله رحلتي الشتاء، والصيف كقوله: كلوا في بعض بطنكمو تعفوا واعترض عليه أبو حيان بأنه عند سيبويه مخصوص بالضرورة، وفيه نظر وقوله: (فيتمارون) بمعنى يشترون الميرة وهي الطعام. قوله: (أو بمحذوف) معطوف على قوله: فليعبدوا والتقدير كما يدلّ عليه السياق أعجبوا {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} الخ، وتركهم عبادة الله الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمرهم بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه، وقرنه بالفاء التفريعية وقال مثل ليشمل تقدير فعلنا ذلك ونحو: فلا وجه لعده وجهاً آخر كما توهم. قوله: (أو بما قبله الخ) التضمين في الشعر هو أن يتعلق معنى البيت بما بعد. ويتوقف فهم معناه عليه وهو معيب عند الأدباء فينبغي أن لا يشبه هذا به إلا أن يريد ردّه أو يريد أنه يشبهه في مجرّد التعلق، وإن لم يتعلق فهم معناه عليه فتأمّل. قوله: (فجعلهم كعصف مثول لئيلاف قريش) وعلى هذا فلا بدّ من تأويله فالمعنى أهلكهم، ولم يسلطهم على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه، أو أهلك من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترى عليهم أحد فيتمّ لهم إلا من في الإقامة، والسفر وهذا لا ينافي كون إهلاكهم لكفرهم أيضا أو هي لام العاقبة، وقوله: وقرى ليألف بكسر اللام ونصب الفاء وجزمها على أنها لام الأمر بفتح اللام على لغة من فتح لام الأمر، وكلام المصنف رحمه ألله محتمل لهذه القراآت كلها. قوله: (وقريش ولد النضر الخ) قال أهل السير النضر بن كنانة هو قريش، وقيل: هو فهر وقريش اسمه وفهر لقبه، ومن لم يلد فهر فليس من قريش وعليه النساب ومن جاوز فهرا فليس من قريش أيضاً وخالف فيه الكلبيّ، وقوله: قريش هو مخلد بن النضر وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله وسمي قريشا من التقريش، وهو التفتيش لأنه كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم قال الحرث بن حلزة: أيها الناطق المقرّس كأ اعندعمروفهل له إبقاء وقيل: لتجمعهم والتقرّس التجمع، وقيل: التقرش التجارة فسموا به لتجارتهم. قوله: (من تصغير ترس) بفتح القاف والعامّة تكسر. وهي سمكة عظيمة، وقوله: تعبث الخ أي تتعرّض لها وتريد إغراقها لتأكل من فيها وقوله: فلا تطاق يعني تشعل النار فتذهب للخوف منها كما أنّ الأسد يخاف النار، ويهرب منها والنسبة له قرشيّ، وقريشي كما في القاموس. قوله: (وإطلاق الإيلاف الخ) وجه التفخيم ما فيه من الإبهام، ثم التبيين وتقييده بالمفعول كما مرّ في وجهي إعرابه، وقوله: وقرأ ابن عامر الخ قد عرفت وجه إثبات الياء وتركها فيما مرّ وكان الأحسن أن يذكر. مقدما مع القراآت الأخر قال السمين ومن الدليل على أنّ القرّاء يعتدون بالرواية سماعاً دون رسم المصحف أنهم اختلفوا هنا في ثبوت الياء وسقوطها في الأولى مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطأ واتفقوا على إثباتها في الثانية مع اتفاق المصاحف على سقوطها، وقد يقال: إنها رسمت في الأولى على الأصل وتركت في الثانية اكتفاء بالأولى فأشير فيهما إلى الوجهين فتدبر. قوله تعالى: ( {مِّن جُوعٍ} ) من تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم فعلى التعليل يقدر فيه مضاف أو هو علة باعثة عليه فلا يرد عليه أنّ الإطعام لا يجامع الجوع كما تيل، وقيل: هي بدلية وهذا ببركة دعوة الخليل عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 الصلاة والسلام كما مرّ، وقوله: بالرحلتين متعلق بقوله. أطعمهم، وقوله: أو الجذام هو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وهو فضل منه كما حماه عن الطاعون، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هو حديث موضوع، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. سورة الماعون وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب وعدد آياتها ست وقيل سبع وهي مكية وقيل: مدنية وقيل: نصفها الأوّل مكيّ والثاني مدنيئ ورجحه بعض المفسرين والمحدّثين. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (أرأيت) قال المعرب هي بصرية متعدّية لواحد وهو الموصول أو إخبارية متعدية لاثنين ثانيهما تقديره أليس مستحقاً للعذاب أو من هو بدليل قراءة أرأيتك فإن كاف الخطاب لا تلحق البصرية، ولا يخفى ما فيه من الخلل لأنّ حقه أن يقول أو علمية لأنّ كونها بمعنى أخبرني معنى مجازي يصح فيه كون الرؤية المتجوّز بها بصرية وعلمية كما اختلف فيه النحاة وكونها علمية لا يستلزم تعديها لاثنين لجواز كونها بمعنى عرفت متعدية لواحد وفي مغ لحوق الكاف لرأي البصرية بعد نقلها لمعنى أخبرني نظر والجملة الاستفهامية المقدّرة هنا تحتمل الاستئناف، وسدها مسد المفعول الثاني. قوله: (إلحاقاً بالمضارع) يعني حمل الماضي في حذف همزته على مضارعه المطرد فيه حذفها لأنّ بعض الأفعال قد يتبع غيره في إعلاله كما ألحق تعد بيعد وهذا أحسن مما قيل من أنّ الأولى إلحاقه بأرى ماضي الأفعال، وهذا بقطع النظر عن الهمزة في أوّله. قوله: (ولعل تصديرها) أي أرأيت بحرف الاستفهام هنا، وهو الهمزة سهل أمر الحذف فيها لمشابهته للفظ المضارع المبدوء بالهمزة لأنه كثر فيها ذلك في كلامهم حتى شابه المقيس المطرد كما صرّج به أبو حيان في شرح التسهيل فسماعها نادراً بعد غير الهمزة من أدوات الاستفهام لا ينافيه كقوله: صاح هل رأيت أو سمعت براع ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب كما قيل: إنّ مشابهة المضارع بدخول حرف الاستفهام عليه مطلقاً لما في الطلب من معنى الاستقبال. قوله: (بزيادة الكاف الأنها حرف خطاب هنا زيد لتأكيد التاء لا مفعول، وقوله: بالجزاء لأنه أحد معاني الدين ومنه كما تدين تدان، وقوله: الذي أراد به لفظه، وقوله: يؤيد الثاني لأنّ اسم الإشارة يقتضي أنه فرد معين وأيضاً ليس كل كافر منكراً للبعث من صفته ح اليتيم وعدم الحض، وحمل الفرد على الجنس بجعله عينه ادّعاء ومبالغة كما يقال الرجل زيد خلاف الظاهر، ولذا قال: يؤيد دون يدل كما أنه يحتمل أنّ المراد أنّ هذا من شأنه ولوازم جنسه، وقوله: وهو أبو جهل استئناف لتفسيره على العهدية أو جملة حالية، وقوله: أو منافق الخ هو على أنّ السورة مدنية وما قبله على أنها مكية، وقوله: قرئ ياع أي بتخفيف العين وفيه تقدير على هذا أي يترك الشفقة عليه ونحوه. قوله: (أهله وغيرهم) خصه بالأهل في سورة الفجر وعممه هنا إمّ إشارة في كل محل إلى وجه ليكون إفادة بلا إعادة، أو لأنه ثمة ذكر بعد قوله: ولا يكرمون اليتيم ونفي الإكرام دون الدفع المذكور هنا فيكون ذمّاً له بمنعه بنفسه، واتباعه وهذا بعموم المنع الذي هو أشد البخل فلا يعترض عليه بأنه كان عليه أن يوافق ما قدّمه هنا بناء على أنه يعلم من عدم حض أهله عدم حض غيرهم بالطريق الأولى مع أنه غير مسلم. قوله: ( {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ) إن كان الطعام بمعنى الإطعام، كما قاله الراغب: فهو ظاهر والا ففيه مضاف مقدّر أي بذل طعام المسكين، واختياره على الإطعام للإشعار بأنه كأنه مالك لما يعطي له كما في قوله: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [سورة الذاريات، الآية: 19] فهو بيان لثذة الاستحقاق وفيه إشارة للنهي عن الامتنان. قوله: (لعدم اعتقاده بالجزاء) يعني أنّ فعله لما ذكر ناشئ من إنكاره للبعث وهذا إن كان تعليلاً لما قبله من دفع اليتيم وعدم الحث على إطعامه فهو بيان لأنه جعل ما ذكر من إيذاء الضعيف، وعدم بذل المعروف علامة عدم الإيمان بالجزاء، وقسوة القلب مع الشح ولو بمال الغير أدل دليل عليه وهو المناسب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 لما بعده ولما في الكشاف وإن كان تعليلاً لعدم الحض إذ ذمّ به ورتب على الكفر مع أنه قد يصدر عن كثير ولا يعد إثماً كما قيل ويرد عليه إنه عبارة عن البخل وهو مذموم موبخ على مثله فتأمّل. قوله: إ ولذلك رتب الجملة الخ) أي لكون ما ذكر ناشئاً عن إنكار الجزاء رتبه بالفاء الدالة على السببية، وتفرّع ما بعدها على ما قبلها ولم يتعرّض لكونها عاطفة أو في جواب شرط مقدر كما جوّزهما المعربون، وهو على العطف من عطف الذات على الذات أو الصفة على الصفة، وامّا كون اللام التعليلية تنبو عن الجزائية للزوم الدور فإنّ المكذب يعرف به فليس بشيء لمن تأمّله. قوله: (غافلون غير مبالين) ولذا قال عن صلاتهم دون في صلاتهم والسهو يقع فيها للخواص ولا يذمّ به لأنه ليس بأمر اختياري فلذا فسر بما ذكر فإن قلت محصل تفسيره إنهم تاركون لها كما في الكشاف فكيف قيل للمصلين، قلت: المراد المتسمين بسمة أهل الصلاة أو المصلى في وفت صلاة لا ينافي ترك غيرها فتأمل. قوله:) يرون الناس أعمالهم) إشارة إلى توجيه المفاعلة فيه وهذا بعينه ما في الكشاف، وقد أورد عليه إنه أخذ المفاعلة وهي المرأة من الإراءة والأفعال المزيد ولا نظير له وإن الفاعل والمفعول في المفاعلة لا بدّ من اشتراكهما في المفعول الثاني، وفي هذا لكل منهما مفعول على حدة وأيضاً الثناء لا يرى بالبصر ففيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إلا أن تفسر الرؤية هنا بالمعرفة، أو تجعل من عموم المجاز ولا يخفى أنّ المراد إنه مفاعلة، وأصل معناه أن ترى غيرك ويراك وأريد به العمل عند الناس ليثنوا عليهم فهو بيان للمراد منه، وما ذكر لإظهار المناسبة بينه وبين ما وضع له في الجملة. قوله: (او ما يتعاور في العادة) أي ما اعتاد الناس تداوله بينهم وأخذه بطريق الاشتراك فيه كالفأس، والدلو وهو إمّا فاعول من المعن بمعنى الشيء الحقير يقال: ما له معنة قاله قطرب: أو هو مفعول من أعانه فغلب وتصرّف فيه وتفصيله في الدرّ المصون. قوله: (والفاء جزائية) أي في قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} وقوله: والمعنى الخ بيان له على الجزائية وقوله: إذا كان الخ هو الشرط المقدر المفهوم من أوّل السورة إلى قوله: فويل، وعدم المبالاة من ح اليتيم وكونه من ضعف الدين يؤخذ من تفريعه على التكذيب بالدين كما مرّ والذمّ والتوبيخ هو المقصود من ذكرهما كما مرّ تقريره، وقوله: نالسهو الخ هو الجواب والجزاء الذي هذا تفسير له فقوله: فويل الخ ترق لما هو أقو! أي إذا كان ما ذكر بهذه المثابة فما بال الغافل عن صلاته الخ، ولذا قال أحق بذللث وكون هؤلاء غير المكذبين ذكروا اسنطراداً كما قيل ليس في كلام المصنف رحمه الله ما يدل عليه إلا أنه لا يأباه وكون الصلاة عماد الدين لأنها من أعظم شعائره الظاهرة وبها يعلم إسلام المصلي، وكون الزكاة قنطرة الإسلام الموصلة له يبدلها الدال على الانقياد التامّ وباسنعطاف المبذول له بها فقد يوصله للإخلاص. قوله: (ولذلك) أي لكون هذه المذكورات أحق بالذمّ، والتوبيخ رتب الويل عليها لأنّ التعليق للحكم بالمشتق يدلّ على أنّ مأخذ الاشتقاق علته فعلة الويل السهو عن الصلاة والرياء والمنع. قوله: (أو للسببية) معطوف على قوله: الفاء جزاثية، وليس فيه ردّ على الزمخشريّ كما قيل لإجراء الوجهين على أنه من عطف الصفة على الصفة والزمخشريّ خصه بالثاني إذ ليس في كلامه تصريح ولا إيماء له فتأمّل. قوله: (وإنما وضع المصلين موضع الضمير) وهو ما أشار إليه بقوله لهم: وفيه إشارة إلى اتحاد المصلين، والمكذبين ولا يلزم أن يراد بهم هنا المنافقون لأنه يصح أن يراد المكلفون بالصلاة ولو كفارا، ولذا استدل بها على خطاب الكفار بالفروع وهذا على السببية أو على الوجهين ومعاملتهم مع الخالق من السهو، والرياء ومنع الزكاة ومع الخلق بدع اليتيم وعدم الحض، وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ موضوع كأخواته تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام. سورة الكوثر وتسمى سورة النحر ولا خلاف في عدد آياتها وفي كونها مكية أو مدنية اختلاف نقله في الروض الأنف مبني على الاختلاف في سبب نزولها على أقوال نقلها فقيل: نزلت لما قيل أبو جهل لعته الله: أنّ محمداً أبتر وقيل قاله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 العاصي بن وائل فعل هذا هي مكية وهو المشهور، وقيل: قاله كعب بن الأشرف فنزلت، وقيل: نزلت لما مات القاسم ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال العاص أصبح محمد أبتر فعلى هذين هي مدنية، وستسمع له تتمة. يسم الله الرحمن الرحيم قوله: (مكية) في النشر في مسلم وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك قال: أغفى النبي صلى الله عليه وسلم! ! اءة فر! ح رأسه متبسما إما! ال لهم: أو قالوا لى: لم ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني نزلت علي آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ} ) الخ حتى ختمها فقال: " هل تدرون ما الكوثر قالوا: اله ورسوله أعلم قال: نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمّني يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول: يا رب إنه من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ، وهو حديث صحيح يدل على أنّ البسملة نزلت مع السورة وعلى أنّ السورة مدنية، وقد أجمع من يعرفه على أنها مكية اهـ وما ذكوه من الإجماع غير صحيح لما سمعته لكن الصواب أنها مدنية (أقول البعضهم هنا تأليف صحح فيه أنها نزلت مرّتين وحينئذ فلا إشكال. قوله: " نطيناك) بنعنى أعطيناك في لغة بني تميم وأهل اليمن أيضاً ولا حاجة إلى قوله في البحر رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ كل قراءة كذلك. قوله: (الكوثر الخير الخ) فوزنه فوعل وهو يكون اسماً كجوهر وصفة ككوثر وصيغته للمبالغة، وموصوفه مقدر وهو الخير كما ذكره المصنف رحمه الله وسيأتي في الحديث بعده ما يؤيده، وقوله: روي الخ هو حديث صحيح وأوّله في مسلم وبقيته في الحاكم، وقوله: نهر في الجنة هو لا ينافي تفسيره بالخير الكثير كما ذكره المصنف رحمه الله حتى يقال إذا صح هذا الحديث فكيف يصح تفسيره بغيره لأنّ المفسرين يجعلون ما ذكر تمثيلا وقد بينه ابن عباس رضي الله عنهما لما فسره بالخير الكثير فقيل له: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فسره بالنهر المذكور، فقال: وهو من الخير الكثير أيضاً ومثله لا يقال من قبل الرأي. قوله: (أبيض من اللبن) إن صح بهذا اللفظ فهو شاذ أو هو لغة كما هو مذهب الكوفيين في تجويز بناء أفعل التفضيل من الألوان، وقوله: ألين من الزبد وصف الماء باللين مستدرك بل لا يصح لأن السيلان مرتبة فوق اللين ووصف محله وجوانبه به غير محمود فالمراد به كونه سائغا سلسالاً يشرق به شاربه، وقوله: حوض فيها أي في الجنة مرضه لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي فسرت بالنهر والتخصيص به لا داعي له هنا فيما قيل والظاهر أن المراد به ما مرّ بعينه. قوله: (وقيل أولاده الخ الم يعد لفظ قيل مع قوله: علماء لاشتراك التفاسير في كون المراد بالكوثر العقلاء من الأثة بخلافه فيما مرّ فاندفع ما قيل عليه من أنّ ظاهره يدل على اتحاد قائل تلك الأقوال وليس كذلك فكان عليه تكرير لفظ قيل مع كل منها، فإن قلت على هذا تتضح موافقة النظم في سبب النزول وعلى غيره لا يظهر وجهه، قلت: معنى الكرثر موجود له في الدنيا لكثرة أتباعه فيها ممن غذيت أرواحهم بماء الحياة من علمه، وفي الآخرة ممن يشرب من حوضه المورود ما فيه الحياة المؤبدة، وعدوّه هو الأبتر المقطوع ذنبه وأتباعه فلذا قوبل تعبيره له بالبتر بما يضاده فإنّ الكثرة تضاد القلة، ولو قيل: إنا أعطيناك حوضاً أو نهراً صفته كذا لم يطابقه، ويشاكله فلذا. جيء باسم يتضمن الخير الكثير والجمّ الغفير المضاد للبتر مما له في الدنيا والآخرة مما يجمعه لفظ الكوثر وبشمله كما فصله في الروض الأنف فلله دره. قوله: (فدم على الصلاة) أوله لما عرفت أمثاله من أمر المتلبس بالفعل وتأويله بالدوام والثبات، أو بالزيادة لئلا يلزم تحصيل الحاصل وهو مجاز، وقد مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: خالصاً أخذ الخلوص من السياق أو من تقديره متعلقاً للأمر، وقيل: هو من لام الاختصاص المصطلح وفيه نظر، وقوله: خلاف الساهي منصوب على الحال أي مخالفا للساهي أو بنز الخافض والتقدير بخلاف الساهي، وهو متعلق بدم ومأخوذ منه كما أنّ قوله: المرائي مأخوذ من كونه خالصاً أو هو إشارة إلى اتصال هذه السورة بما قبلها وأنّ هذا ناظر لقوله: فويل للمصلين الآية كما سيأتي. قوله: (شكراً لآنعامه الخ) إشارة إلى وجه ترتبه على ما قبله بالفاء، والشكر تعظيم المنعم لأنعامه سواء كان حمداً باللسان أو خدمة وعبادة بالأركان أو محبة، واعتقاد بالجنان، وكل منها يطلق عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 الشكر كما في الفاتحة فكونها أقساما للشكر غير محتاج إلى القول بأنّ القسم يطلق على الجزء كما في تقسيم الكل إلى أجزائه كما توهم، وجمعها لما ذكر ظاهر لما فيها من النية والقراءة والذكر والقيام ونحوه. قوله: (وانحر البدن التي هي الخ) بيان لوجه تخصيصها بالتقدير لا لوجه تخصيص النحر بالذكر كما توهم، والبدن بضم فسكون جمع بدنة، وهي ناقة أو بقرة تنحر نسكاً والمحاويج جمع محواج وهو كثير الحاجة لا محتاج على خلاف القياس، وقوله: لمن يدعهم بالتشديد أي يدفعهم وقد مرّ بيانه، وقوله: فالسورة الخ أي إنها متصلة بها، وقد ذكر في هذه ما يخالف ما ذكر في الأخرى ويقابله فالكوثر بمعنى الخير االكثير الشامل للأخروي يقابل تكذيب الدين لما فيه من إثباته ضمناً وكذا إذا كان بمعنى الحوض، والنهر ومقابله غير ظاهر مما ذكره المصنف رحمه الله هنا وفي تفسير قوله: فصل لربك كما أشار إليه بقوله: الساهي والمرائي فما قيل من أنه لا يتم فيه المقابلة إلا إذا أريد بالكوثر الإسلام تعسف غني عن الرد. قوله: (وقد فسرت الصلاة الخ) هذا يناسب كونها مدنية ولا يناسب كونها مكية كما جزم به المصنف رحمه الله إلا بالتكلف المعروف في مثله. قوله: (من أبغضك (جعل اسم الفاعل بمعنى المضيّ ليظهر كونه معرفة فيكون الأبتر خبره، وإذا كان المضي وغيره بالنسبة لزمان الحكم على الأصح لا لزمان التكلم وغيره وبغضه سبب لكونه، أبتر متقدم عليه ولو بالذات لم يحتج إلى أن يقول إنّ الأولى أن يجعل للاستمرار فإن من أكابر الصحابة من كان يبغضه فلما هداه الله للإيمان وذاق حلاوته كان أحب إليه من نفسه، وأعز عليه من روحه كما شوهد ذلك وعرف، وقوله: لبغضه إشارة إلى أنّ النسبة إلى المشتق تفيد عليه مأخذه فتكون أبتريته المعللة بالبغض زائلة بزواله فلا يرد أنّ من الصحابة من أبغضه في الماضي قبل إسلامه، ولم يكن أبتر فلا حاجة إلى التصدّي لدفعه. قوله: (الذي لا عقب له الخ) فهو استعارة شبه الولد والأثر الباقي بالذنب لكونه خلفه فكأنه بعده أو عدمه بعدمه وقد انقطع نسل كل من عاداه صلى الله عليه وسلم حقيقة أو حكماً لأنّ من أسلم منهم انقطع انتفاع أبيه منه بالدعاء ونحوه لأنه لا عصمة بين مسلم وكافر، وما في بعض التفاسير من أنها نزلت في أبي جهل لما قال وقد مات إبراهيم ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ محمداً أبتر سهو أو خطأ من الناسخ فإنّ أبا جهل مات قبل وفاة إبراهيم رضي الله عنه وفي الآية دليل على أنّ أولاد البنات من الذرية كما مرّ في الأنعام إذ جعل عيسى عليه الصلاة والسلام من ذرية نوح صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأمّا أنت الخ) إشارة إلى ما يفيده الضمير والتعريف من الحصر هنا فالمعنى هو الأبتر لا أنت لبقاء ذكرك ونسلك إلى القيامة، وقوله: ولك في الآخرة الخ هو من قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وفيه إشارة إلى ارتباط قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ} بما قبله لأنّ مآلها لك رفعة في الدنيا والآخرة، وقوله: ءق النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ موضوع وقربان بالضم ما يتقرّب به إلى الله اللهمّ اجعلنا ببركة القرآن العظيم، ممن يرد حوض نبيك الكريم عليه وعلى اكه أفضل صلاة وتسليم والحمد لله وحده. سورة الكافرون وتسمى سورة العبادة والإخلاص والمقشقشة من قشقش المريض إذا صح أي المبرئة من الشرك، والنفاق وهي مكية وقيل: مدنية ولا خلاف في عدد آياتها. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (يعني كفرة مخصوصين الخ) بقرينة جمع القلة بحسب أصله واسم الفاعل الدال على الثبوت بحسب الاسمية، وإنما فسره بما ذكر لئلا يلزم الكذب في إخباره تعالى بقوله: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} لأنّ منهم من أسلم فلو لم يحمل على هذا لزم أن يراد النفي في الحال أو التبري من دينهم أو مخالفة ما هو عليه لما هم عليه في الجملة، قيل: ونداؤه كر لهم في موطنهم وقوة شوكتهم بما ذكر مما يكرهونه، ووصفهم بالقلة والمراد بها الذلة دليل على أنّ الله عصمه منهم ففيه علم من أعلام النبوّة ولا بعد فيه. قوله: (روي أنّ رهطاً الخ) الرهط جماعة من الرجال وقد يخص بعدد كما دون العشرة أو غيره على ما في كتب اللغة وقد مرّ، وقوله: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 نعبد خبر يراد به الأمر وعبر به لأنه أقرب إلى الإجابة ولجعله كأنه أمر محقق يخبر عنه، وقوله: فيما يستقبل متعلق بلا أعبد، وقوله: فإن لا لا تدخل الخ هذا قول للنحاة وهو ظاهر كلام سيبويه في الكتاب وهو أغلبي أو مقيد بعدم القرينة القائمة على ما يخالفه أو هو كليّ ولا حجر في التجوّز والحمل على غيره لمقتض فلا يرد اعتراض أبي حيان، وقوله: إنه غير صحيح ونقضه ببعض الشواهد والتوفيق بينها بعد ما مرّ من الزوائد فإن أردته فراجع كتب النحو المفصلة. قوله: (أي فيما يستقبل لأنه ورّان لا أعبد) وفي نسخة في قران بدل وزان أي واقع في مقابلته أو مقارن له في النظم لفظا ومعنى لأنّ المقصود أنه في المستقبل لا يعبد معبوداتهم كما أنهم في المستقبل لا يعبدون معبوده لعدم الاعتداد بعبادتهم لله مع الإشراك المحبط لها وجعلها هباء منثوراً كما قيل: إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك وانفصل الخصام وانما جعل المقابلة قرينة على إرادة الاستقبال لأنها داخلة هنا على الاسم وهي معه لا تتقيد بزمان. قوله: (أي في الحال أو فيما سلف (قيل عليه إنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل إلا عند الكسائي وهو هنا عمل في ما وهو وارد على الزمخشري لا على المصنف رحمه الله فإنه جعله من المحتملات، ولم يجزم به فيرد عليه إلا أن يقال إنه منصوب بفعل مقدر مستأنف أو هو من حكاية الحال الماضية كباسط ذراعيه، ومعناها أن تقدر نفسك كأنك موجود في ذلك الزمان أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن وفسرها الزمخشري بأن تقدر إن ذلك الفعل الماضي واقع حال التكلم، وقال إنما يفعل هذا في الماضي المستغرب يحضر في تصوّر المخاطب ليتعجب منه وليس هذا بظاهر هنا إلا أن يقال: إن ترك عبادة ما اتفقوا على عبادته ممن نشأ بينهم مستغرب يتعجب منه، وأنما يحتاج إلى هذا إذا اشترط فيه ذلمك وكلام أهل العربية خال عنه مع أنه قد يقال: يكفي الاستغراب المقرر في قوله: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ} وهذا أتى به وسوغه مشاكلته، وإن لم يقصد به الاستغراب مع أن عبارة الزمخشري هكذا ما كنت قط عابدا فيما سلف ما عبدتم يعني لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية فكيف ترجى مني في الإسلام انتهى، وهو صريح في الاستمرار فليس بماض صرف وما أجاب به أوّلاً عبارته إن لم تنب ع! نه لا تلائمه. قوله: (أي وما عبدتم في وقت مّا) عبادة معتدا بها خالية عن الإشراك كما مرّ وكان المناسب لوزان ما قبله وقرانه أن يقول: ما عبدتم في الحال أو فيما سلف لأن هذه العبارة صريحة في الاستمرار وأنما عبر بها الزمخشري لما مرّ لأن طريقته مخالفة للمصنف رحمه الله وكأنه فسره بتفسير مجمل اعتماداً على ما قبله. قوله: (ويجوز أن يكونا) أي الجملتان في قوله، {وَلَا أَنَا عَابِدٌ} الخ تأكيدين لجملتي لا أعبد المتقدمتين وقوله: على طريقة أبلغ حيث عدل إلى الاسمية الدالة على الثبوت فتدل على ثبوت الانتفاء عنه وعنهم دائماً بعدما كان في المستقبل فلا وجه لما قيل إنه من التغليب لأنّ الأبلغية إنما هي في التأكيد الأول حيث عدل فيه إلى الاسمية، ولمغايرته له بما فيه من الاستمرار جاز عطفه بالواو فلا يرد عليه إنّ التأكيد لا يكون مع عاطف غير ثم كما قيل. قوله: (وإنما لم يقل ما عبدت الخ) قوله: ليطابق تعليل للمنفي، وقوله: لأنهم الخ تعليل للنفي وقوله: (كانوا موسومين) أي معروفين مستعار من السمة وهذا مأخوذ من إيقاع العبادة صلة موصول دالة على أنه معهود مقرر وكون عبادة الأصنام سمتهم لا كلام فيه، وقوله: لم يكن موسوماً بعبادة الله أراد العبادة البدنية الثبوتية المخالفة لشعائرهم الظاهرة كما يدل عليه جعله سمة فلا يرد كونه موحداً غير متبع لما هم عليه متجنبا لأصنامهم ورجسهم، ولا حجة في طوافه ونحوه وأتباعه شعائر إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها كانت من المكارم الغريزية عندهم، وأن كان "! حوو يتقرب بها لأنهم لا يطلعون على ما في ضميره فلا ينافي هذا كونه متعبداً بشرع قبل البعثة على القول به كما توهمه أبو حيان، وغيره ولا مخالفة بين كلام الزمخشري وكلام المصنف رحمه الله كما توهم. قوله: (وإنما قال ما دون من الخ (أطلق السؤال، وإن كان المحتاج للتأويل قوله: ما أعبد فقط لاستتباع أحدهما للآخر مع أنه أخصر وأتم، وقوله: الصفة أي المعبود بحق والمعبود بباطل، وما إذا أريد بها الصفة تطلق على ذوي العلم وغيرهم كما مرّ والى ما ذكر أشار بذكره الباطل وقرينه، وقوله: أو للمطابقة أي المشاكلة فإن الشيخين يريدان بها ذلك، وإن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 ذكرت في البديع بمعنى آخر ووجهه أن إطلاق ما على الأصنام في محزه فأطلقت على المعبود للمشاكلة وقوله: إنها مصدرية فلا تحتاج للتوجيه فهي في محل نصب على أنها مفعول مطلق. قوله: (وقيل الأوليان الخ) جعل ما في الأخيرين مصدرية لئلا يطلق على الله ووجه تمريضه أنه خلاف الظاهر لفظا ومعنى، وقوله: لا أرفضه أي أتركه وعبر به تفننا، وقوله: فليس فيه إذن الخ لأنه إخبار عنهم بأنهم مصرون على الكفر مستحقون للقتال والقتل، وهو إخبار عن الغيب وعلم من أعلام النبوة، وقوله: إذا فسر بالمتاركة ففيه حينئذ كف عن الجهاد لا إذن بالكفر فهو منسوخ. قوله: (وتقرير كل الخ) مجرور معطوف على المتاركة، وهو إشارة إلى ما في التقديم من الاختصاص على معنى دينكم مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول لي وديني مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم فالقصر للإفراد كما قرّر في محله، وقوله: وقد فسر الخ وبعضها مناسب للمتاركة وبعضها لغيره. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن ") هذا صحيح لأنه مروي في الترمذي وغيره بمعناه وهي تعدل ربع القرآن وأما بقيته فلم يصح بل قالوا إنه موضوع، وقد يقال: إنه مدرج في الحديث للتفسير كما ستراه، فإن قلت: فما وجه كونها تعدل ربع القرآن قلت: قال الإمام رحمه الله: القرآن مشتمل على أمر ونهي وكل منهما متعلق بالقلوب وأفعال الجوارح، وما فيها نهي عما يتعلق بأفعال الجوارح فلذا عدلت الربع وقيل: مقاصد القرآن أربعة توحيده تعالى ونفي عبادة غيره والأحكام، وأحوال المعاد وهي مشتملة على الثاني، ورد بأنها مشتملة على الأوّل أيضاً فكان ينبغي أن تكون نصفاً، وقيل مقاصده صفاته تعالى والنبوات والأحكام والمواعظ وهي مشتملة على أساس الأوّل وهو التوحيد، وقوله: مردة جمع ما ردوهم الطغاة من الشياطين، تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سدنا محمد واكه وصجه. سورة النصر وتسمى سورة التوديع وسورة إذا جاء ولا خلاف في عدد آياتها وهي مدنية على القول الأصح نزلت في منصرفه من خيبر وقيل: بمنى في حجة الوداع وهي آخر سورة نزلت في رواية عن ابن عباس رضي ألله عنهما. بسم الله الوحمن الرحيم قوله: ( {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ} ) العامل فيها إمّا شرطها أو جوابها ولا يمنع منهما الإضافة هنا إن قلنا بها ولا الفاء كما فصله النحاة، وقوله: إظهاره الخ المراد إظهار أمره أو نصره له نصرا عزيزا وهذا أقعد. قوله: (وفتح مكة الخ) إن كانت نزلت قبله فظاهر وإن كانت بعد. كما رواه ابن عمر رضي الله عنهما فإذا بمعنى إذ كما في التأويلات ومجيئها بمعنى إذ كثير وهي متعلقة بمقدر على هذا ككمل الأمر، وأتمّ الله النعمة على العباد مثلاً فلا يقال كيف يصح قوله: فسبح حينئذ ولا يحتاج لما في الكشف، وغيره فتأمّل والتعريف على هذا للعهد وعلى ما بعده للجنس، وقوله: وقيل: مرضه لأنّ الأصل في الإضافة العهد دون الاستغراق، والجنس وإن وردت لمعاني اللام. قوله: (وإنما عبر الخ) يعني أنه مستعار لأنّ المقدر متوجه من الأزل لوقته فكانه سائر نحوه لكن قول الراغب لمجيء الحصول ويكون في المعاني والأعيان يقتضي خلافه، وقوله: شيئاً فشيئاً أي على التدريج بحسب الاستعداد والأسباب العادية، وقوله: منها أي الأوقات، وقوله: وقد قرب الخ جملة حالية واقتصر على النصر اكتفاء أو أراد به ما يشمل الفتح. قوله: (جماعات كثيفة) استعارة والمعنى كثيرة كما في بعض النسخ، وقوله: كاهل مكة الخ إشارة إلى أنّ المراد بالناس العرب فال عهدية أو المراد الاستغراق العرفي والمراد عبدة الأصنام منهم لأنّ نصارى تغلب لم يسلموا في حياته صلى الله عليه وسلم وأعطوا الجزية، وقوله: ويدخلون الخ ترك كون رأيت بمعنى عرفت كما في الكشاف لأنه غير مثبت أو نادر. قوله: (فتعجب الخ) تيل: فالتسبيح مجاز عن التعجب بعلاقة السببية فإنّ من رأى أمراً عجيبا يقول: سبحان الله، وفي الكشاف فتعجب وأحمده فقيل: إنه يدل على أن التعجب تعجب متأمل شاكر يصح أن يؤمر به وليس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 الأمر بمعنى الخبر ورد بأنّ ماكه إلى جعل الأمر بمعنى الخبر لكنه بوجه آخر، واعلم أنه قال في الانتصاف إنّ التعجب ليس مما يؤمر به حقيقة فالمراد الإخبار بأنّ هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما أشار إليه الزمخشري انتهى، فرده المدقق بأن عطف قوله: أحمده عطف تفسيري دال على أن الأمر بالتعجب أمر بالشكر لمن تأمّل فليس كما توهمه القائل خبراً آخر فإنه كلام من لا خبر له فتدبر، وقوله: بحمد ربك الباء للملابسة، وهو حال واليه إشار المصنف بقوله: حامداً له عليه وقد مر الكلام على وجه استعمال التسبيح في التعجب فتذكره. قوله: (أو فصل فسبح على الأوّل مجاز عن التعجب وعلى هذا عن صل الأن التسبيح من أجزائها كالسجود، وقوله: فنزهه على أنه على ظاهره وحقيقته من غير تأويل بما تقدم، وقوله: وصلى ثمان ركعات قيل: هي صلاة الضحى وبه استدل من أثبتها، وقيل: هي صلاة الفتح وهي سنة أيضا إلا أنّ قوله: (فدخل الكعبة قال ابن حجر: يقتضي أنه صلاها في داخل الكعبة) والذي في الصحيحين، والسنن إنه صلاها في بيت أم هانئ وهو الصحيح فما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري لم يثبت. قوله: (أو فأثن على الله الخ) هذا هو التوجيه الرابع، وهو أعم مما قبله وصفات الجلال هي السلبية ككونه لا شريك له وصفات الإكرام غيرها كالعلم والقدرة والحمد على صفاته لتنزيلها منزلة الأفعال الاختيارية لاستنادها للذات أو باعتبار آثارها كما مر. قوله: (هضماً لنفسك (أي كسراً للنفس بتذليلها وجعلها مذنبة محتاجة للاستغفار وأصل معنى الهضم الكسر ومنه هضم الطعام وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عقفور له فقوله: " استغفر الله وأتوب إليه في اليوم والليلة كثر من سبعبن مرة " 31 (كما في البخاري وقريب منه ما رواه المصنف رحمه الله إما تعليماً لأمّته أو من تركه للأولى أحيانا أو تواضمعا كما أشار إليه المصنف بقوله: هضماً الخ، أو عما كان من سهو ولو قبل النبوّة، وقيل: اشتغاله بالنظر في مصالح الأتة كمحاربة الأعداء وتأليف المؤلفة شاغل له عن مراقبة الله، ومطالعة أسراره وفراغه عما سواه فيعده كالذنب، وإن كان طاعة لمرضاته فيتنزل ويستغفر منه، وقيل: كان دائما في الترقي فإذا ترقى عن مرتبة استغفر لما قبلها، وقيل: للطبائع غفلات مفتقرة للاستغفار قاله الكرماني. قوله: (وقيل: استئفره لأمتك) قيل ولو جعل خطاب أرأيت لكل واقف عليه تأتي أمر الاستغفار بغير تأويل وفيه تكلف لا يخفى، وقوله: وتقديم التسبيح الخ هو على جميع الوجوه في تفسير سبح واستغفر وإن كان في بعضها أظهر من بعض فلا يغرك ما قيل من أنه على الوجهين بل على الأخير فإنه أظهر والنزول في الحمد لأنه بملاحظة آثار الصفات كما مر تفصيله فتذكره. قوله: (ما رأيت شيئاً الخ) فإنه يراه العارف في كل شيء وجميع الموجودات مرآة لتجليه فهو يشاهده أوّلاً، وبالذات ثم يرى المرآة ثانيا وبالعرض ومنهم من يراه قبل كل شيء ومنهم من يرا. معه ومنهم من يراه بعده والنزول- لأنّ التسبيح بحمده توجه لكمال الخالق والاستغفار توجه لحال العبد وتقصيراته. قوله: (لمن استغفر الخ) إشارة إلى أنه تعليل لما قبله ولا وجه لجعله احتباكا وقوله: مذ خلق المكلفين، قيل: إنه رد لقوله ة في التأويلات معناه كان ولم يزل تواباً لا أنه تواب بأمر اكتسبه وأحدثه على ما يقوله: المعتزلة إنه صار تواباً إذا نشأ الخلق فتابوا فقبل توبتهم، وأما قبل ذلك فلم يكن توابا ووجهه أنّ قبول التوبة من الصفات الإضافية ولا نزاع في حدوثها واختيار تواب على غفار إشارة إلى أن الاستغفار إنما ينفع مع التوبة والندم. قوله: (واكثر الخ) فإذا على حقيقتها، وقيل: نزلت بعده بمنى في حجة الوداع فإذا بمعنى إذ كما مرّ وقد ذكره في المغني، فلا حاجة لما قيل لا بد من أن يجعل على هذا شيئاً منه مستقبلاً مترقبا باعتبار أنّ فتح مكة كان أمّ الفتوج والدستور لما يكون من بعده فهو مترقب باعتبار ما يدلّ عليه، وإن كان متحققا باعتباره في نفسه وهذا أمر لا بد منه تصحيحا للنظم فإنه تكلف لا حاجة إليه، ونعى مصدر كضرب ونعى كصهيل خبر الموت فقوله: نعى لرسول اللهءسنن أي أخبار له بقرب موته. قوله: (لدلالتها على تمام الدعوة (أي مشارفة التمام وقربه وما قارب الشيء له حكمه فهو كقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 3] لأنّ أمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار تنبيه على ذلك وكذا الأمر بالتسبيح ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا قام من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 المجلس سبحانك اللهمّ وبحمدك أسنغفرك وأتوب إليك، ولذا سميت سورة التوديع فإن قلت إذا سلم أنّ مجيء النصر والفتح والأمر بالتسبيح والاستغفار يدل على ذلك لكنها معلقة فكيف تدل عليه، قلت: هما وإن علقا وقعا في معرض الوعد ووعد الكريم يدل على قرب الموعود به لأنّ أهنأ البر عاجله، ولذا قال بعض البلغاء جعل الله عمر عداتك كعمر عداتك فسقط ما قيل من أنه إن أراد أن الأمر دال على النعي فهو معلق هنا، وإن أراد أنّ السورة دالة كليه فلا نسلمه. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ) موضوع والحمد لله على التمام، وعلى رسوله وآله وصحبه أفضل صلاة وسلام. سورة تبت وتسمى سورة المسد ولا خلاف في عدد آياتها ولا في كونها مكية. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (والتباب خسران يؤدّي إلى الهلاك) كذا فسر به السلف كما في البخاري، ومادّته تدور على القطع وهو مؤذ إلى الهلاك وقال الراغب: التباب الاستمرار في الخسران، ويقال: استتب له كذا أي استمرّ وما قيل: من أنه لم يوجد تقييده بالخسران في اللغة مما لا يلتفت إليه. قوله: (نفسه) فاليدان إمّا كناية عن الذات والنفس لما بينهما من اللزوم في الجملة أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل كما قاله: محيي السنة وودّه بأنه يشترط فيه أن يكون الكل يعدم بعدمه كالرأس، واليد ليست كذلك غير مسلم وإن ذكر في الأصول لتصريح من يقتدي به بخلافه هنا، وفي قوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة، الآية: 195] كما مرّ في سورة البقرة أو المراد بذلك الشرط أنه يعدم حقيقة أو حكماً كما في إطلاق العين على الربيثة واليد على المعطي أو المتعاطى لبعض الأفعال فإنّ ذاته من حيث اتصافها بما قصد اتصافها به تعدم بعدم ذلك العضو إذ لا تكون رؤية بدون عين كما لا يكون معطياً بغير يد فتدبر. قوله: (وقيل إنما خصتا الخ) قدّم اليدين لرميه بهما، وهذا هو المصحح للمجاز كما عرفت والجملتان دعائيتان فالأولى دعاء على يديه والثانية على نفسه، وقيل: إنه كان يحسن إلى قريش والى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويقول: إن كان الأمر لمحمد فلي عنده يد وإن كان لقريش فكذلك فاليد بمعنى النعمة، وقد أخبر بخسرانه في يده عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعند قريش والحديث المذكور صحيح رواه الشيخان وضعف كون المراد به الدنيا والآخرة لبعد.، ولذا قيل: إنّ المراد باليد حينئذ العمل لأنها سببه وآلته وهو إمّا للدنيا أو الآخرة. قوله: (والتكنية تكرمة الخ) لجري العادة على أنّ من يعظم لا يخاطب باسمه فلا ينافي كون بعض الكنى مشعراً بالذم كأبي جهل، وقول أبي حيان الاسم أشرف من الكنية ولذا تركت التسمية هنا تنقيصا له، ولذا لم تكن الأ! ا- في القرآن تطيين لعين الشمس، وعدم تكنية الأنبياء في القرآن لأنه مقام عظمة وكبرياء كسما لا يخفى، وقوله: لاشتهاره الخ يعني ليس المراد تكريمه بل تشهيره. قوله: (كانت الكنية أوفق الخ) الأوفقية باعتبار ما قصد بها الآن كما قرر في المعاني في التعريف بالعلمية فلا ينافيه قول مقماتل إنه كني بأبي لهب لحسنه واشراقه، والأب الصاحب للشيء والملازم له كما يقال أبو ا! خير فهو يدل على كونه جهنميا إمّا لأنه يعتبر في الأعلام معانيها الأصلية، وهو ملازم اليب الحقيقي فلوحظ هنا لينتقل منه إلى ملزومه وهو كونه جهنمياً أو أنه لما اشتهر بهذا الاسم، وبكونه جهنمياً دلّ اسمه على كونه جهنمياً دلالة حاتم على أنه جواد فإذا أطلق وقصد، الانتقال إلى هذا المعنى يكون كناية عنه بلا اعتبار لمعناه الأصلي، وقوله: أو ليجانس الخ أي لوافقه لفظاً ومعنى والقول بأنه ليس بتجنيس لفظي لأنه ليس في الفاصلة وهم فإنهم لم يشترطو. فيه، وقراءة أبو بالواو لحكاية الرفع الذي هو أشرف أحوال اللفظ وأسبقها، ولذا حوفظ عليه واشتهر الاسم به وأمّا تسكين الهاء في قراءة ابن كثير فلأنهما لغتان فيه نهر، ونهر!! اشاله أبو البقاء، وغيره أو لأنه مقيس في العين الحلقية، واتفقوا على فتحه في ذات لهب لأف في الفاصلة، وقال الزمخشريّ هو من التغيير في الإعلام لئلا يلتبس بمعناها الأصلي كما قالوا في شمس بن مالك شمس بضم الشين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 قوله: (إخبار بعد دعاء) أي إذا كانت يداه بمعنى! سلى عون قوله: وتب مكرّراً ولا وجه له إلا التأكيد والعطف بالواو يأباه فدفعه بأن الأولى دعائية، وهذه إخبارية عما سيحقق له في الدنيا والآخرة وعبر عنه بالماضي لتحققه كما نقل عن الفراء، والظاهر إنّ هذه الجملة حالية وقد مقدّرة كما قرئ به، وقوله: جزاني البيت للنابغة، والعاويات بالواو من عوى الكلب إذا صاح وروي العاديات بالدال المهملة من عدا عليه بمعنى بغي أو من عدا بمعنى أسرع، وقوله: ويدلّ عليه الخ لأن قد لا تدخل على أفعال الدعاء، وقوله: أو الأوّل الخ جواب آخر ببيان أنه غير مكرّر لأنّ الأوّل المراد به خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه حيث لم يفده، ولم ينفعه وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته لأن سعي المرء لإص! ح نفسه، وعمله فأخبر بأنه محروم منهما فقوله: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} إشارة لهلاك عمله، وقوله: {سَيَصْلَى} الخ لهلاك نفسه. قوله: (ومحلها النصب) أي محل ما إذا كانت استفهامية نصب على أنها مفعول به أو مفعول مطلق أي إغناء أو أي شيء، وما في ما كسب مصدرية أو موصولة بتقدير العائد، واليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله كسبه أو مكسوبه، وجوّز أبو حيان كونها استفهامية وعصام كونها نافية أي ما كسب ما بنفعه. قوله: (بماله من التتائج الخ) ما موصولة وله صلته ومن بيانية فسره على وجه يغايره ما قبله ليسلم من التكرار لجواز كون المال مكسوباً، والنتائج على أنّ المال بمعنى المواشي لأنه شاع عند العرب بهذا المعنى، والأرباج على أنه بمعناه المعروف، وما بعده على العموم والوجاهة الشرف والرفعة في المراتب الدنيوية. قوله: (أو ولده عتبة وقد افترسه أسد في طريق الشام الخ) قال ابن حجر رحمه الله: كان تحت عتبة بن أبي لهب بنت للنبيّ صلى الله عليه وسلم فلما أراد الخروج إلى الشام قال: لآتين محمدا وأوذينه فأتا.، وقال له: يا محمد إني كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنى فتدتى ثم تفل في وجهه صلى الله عليه وسلم ورد ابنته وطلقها فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " وكان أبو طالب حاضرا فكره ذلك وقال له: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة فرجع إلى أبيه، ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً فأشرف عليهم راهب من دير، وقال لهم: إنّ هذه أرض مسبعة فقال أبو لهب: أغيثوني يا معشر قريش في هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم، وهو معنى قول المصنف رحمه الله تعالى، وقد أحدق به العير بكسر العين أي أحاطت به الجمال خوفا من الأسد فجاء أسد يتشمم وجوههم حتى أتى عتبة فقتله كذا رواه أبو نعيم والبيهقي والطبراني وأهل المغارّي يقولون: عتبة أو عتيبة مصغرا، وقيل: اسمه لهب وبه كني أبو لهب وقال الطيبي إنه موضوع وضعه بعض الشيعة فإن ابن عبد البرّ في الاستيعاب، وابن الأثير في جامع الأصول قالا: إنّ عتبة بن أبي لهب أسلم هو وأخو. أسلما يوم الفتح، وسر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسلامهما ودعا لهما، وشهدا حنينا والطائف ورد بأنه لم يقف على رواية أبي نعيم، وهو ثقة إلا أنه لا يبعد الوهم في تسميته عتبة، وذكر تزوّجه ببنته صلى الله عليه وسلم ويكون صاحب القصة غيره وبه يتم التوفيق اهـ) قلت (لأبي لهب ثلاثة أولاد أحدهم أكيل السبع صاحب القصة، وفيه يقول حسان رضي الله عنه: من يرجع العام إلى أهله! اأكيل السبع بالراجع والذي صححه أهل الأثر أنّ أولاده لعنه الله ثلاثة معتب وعتبة، وهما أسلما وعتيبة مصغراً وهذا هو الذي دعا عليه النبيّ-يخفه لما طلق ابنته وفي ذلك يقول صاحب كتاب الألباب رحمه الله: سور 3 تبت / الآيان: 3 و 4 كرهت صتيبة إذ أجرما وأحببت عتبة إذ أسلما كذامعتب مسلم فاحترز وخف أن تسبّ فتى مسلما ولهب هو أحد هؤلاء فيما قيل، وقال الثعالبي ومته يعلم أنّ الأسد يطلق عليه كلب ولما أضيف إلى الله كان أعظم أفراده، وهو كلام حسن. قوله: (ومات أبو لهب الخ) قال ابن سيد الناس في السيرة إنهم ليم يحفروا له وإنما أسندوه لحائط وقذفوا عليه الحجارة من خلفه حتى واروه وقال الطبري: إن العدسة قرحة كانت العرب تهرب منها لأنها بزعمهم تعدى أشد العدوى فلما مات بها تركوه ثلاثة أيام فلما خافوا العار حفروا له الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 حفرة ودفعوه بعود حتى وقع فيها فقذفوه بالحجارة من بعد حتى واروه لعنه الله، وما ذكره المصنف رحمه الله رواية أخرى وتسميتها عدسة على التشبيه بها ويقال لمن أصابته معدوس، وقوله: فهو أي ما ذكر من أنه هالك هلاك مذلة لا يفيده ماله وولده، وكسبه شيئاً حتى لم يكفن ولم يحمل جنازته أحد من أتباعه. قوله: (وليس فيه) أي فيما ذكر هنا ما يدل على أنّ أبا لهب لا يؤمن الخ إشارة إلى ما قرّر في الأصلين في جواز التكليف بالمحال وما لا يطاق من الاستدلال بهذه الآية وأمثالها فإنّ أبا لهب وأضرابه كأبي جهل مكلفون بالإيمأن، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به ومن جملته أنهم من أهل النار لعدم إيمانهم بما جاء به، وهو جمع بين النقيضين في زمان واحد خارج عن حذ الإمكان وليس في وسع أحد، ومثله قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} [سورة ي! ، الآية: 10] الآية وقوله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الخ على وجه في تفسيرها فأجاب المصنف عما هنا بأنّ تعذيبه لا يستلزم عدم إيمانه حتى يكون تكليفاً بالمحال، ولا دلالة في الآيات الآخر على استغراق الأزمان المستقبلة بل ليس نصاً في الاستقبال، وتعيين الأشخاص وما في كتب الكلام من أنهم مخاطبون بالإيمان الإجماليّ دون التفصيليّ لا يرد عليه أنه لا يجدي بعد المخاطبة بالتفصيليّ، وعلمه كما توهم لأنهم لو علموا حالهم تفصيلاَ سقط عنهم التكليف بالكلية لأنّ فائدته العزم على الفعل والترك للثواب، والعقاب فإذا علموا أنّ الفعل لا يصدر عنهم بإخباره تعالى لم يتأت منهم العزم عليه، والتكليف بمثله غير واقع وإن جاز كما قرّره الأبهري في شرح العضد. قوله: (يعني حطب جهنم الخ) يعني أنّ الحطب هنا مستعار للخطايا والأوزار لأنها فسرت به كما نقله البغوي عن ابن جبير هنا ووجهه أنّ كلاَ منهما مبدأ للإحراق فلذا استعار له المصنف قوله: حطب جهنم، وفسره بقوله: فإنها الخ فما قيل من أنّ في دلالته على حملها حطب جهنم خفاء فالظاهر الإخلاء عن هلا االتعليل غفلة عن مراده، وقوله: على إيذائه مرّ أنه مصدر جممعنى الأذى وإن من أنكر. مخطئ. قوله: (أو النميمة فانها توقد نار الخصومة) استعارة لطيفة كاستعارة حطب جهنم للأوزاو فالحطب مستعار للنميمة كما ولم يمش بين الحيّ بالحطب الرطب وفي وصفه بالرطب بلاغة عجيبة فإنه يعسر إيقاده ويكثر دخانه يقال: فلان يحطب على فلان إذا أغرى به، وهو استعارة مشهورة وبه فسر قتادة ومجاهد والسذي. قوله: (حزمة (هي بضم وسكون ما يجمع، ويربط والحسك بحاء وسين مهملتين مفتوحتين وكاف شوك كبير وعلى هذا فهو حقيقة، وقوله: بالنصب على الشتم والذمّ فهو منصوب بمقدر كأذم ونحوه ويجوز أن يكون حالاً، وعلى القراءة المشهورة هو نعت لأنّ إضافته حقيقية إذ هو ماض أو صيغ المبالغة صفة مشبهة أو عطف بيان أو بدل أو خبر إن كان امرأته مبتدأ. قوله: ( {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} ) في الروض الأنف لم يقل في عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الصفع، والغل قال تعالى: {فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً} ، [سورة يى، الآية: 8] والجيد مع الحلي كقوله: وأحسن من عقد المليحة جيدها ولو قال عنقها كان غثاً من الكلام لأنه تهكم نحو فبشرهم بعذاب أليم أي لا جيد لها فيحلي، ولو كان لكانت حليته هذه ولتحقيرها قيل: امرأة ولم يقل زوج اه، وهو بديع جداً ولذا فسر. قتادة وابن جبير بالقلادة. قوله:) رجل ممسود الخلق (بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي ممشوق غير ممتزج الجلد كأنه جدل، وفتل. قوله: (وهو ترشيح للمجارّ) يعني على الوجه الأوّل والثاني لا الثاني فقط كما توهمه بعضهم بناء على ما مرّ منه في الوجه الأوّل وقد عرفت. حاله، وضمير هو راجج إلى قوله: {فِي جِيدِهَا} الخ لا إلى قوله: {مِّن مَّسَدٍ} فقط على معنى أنّ الحبل مجاز عن السلسلة، وكونه من مسد أي مفتول ترشيح لأنه يناسب الحبل كما توهمه بعضهم. قوله: (أو تصوير لها بصورة الحطابة) بالفتح والتشديد أي صاحبة الحطب، وحاملته فهو على هذا حقيقة إن كان على الوجه الثاك كما اقالوه ويحتمل الاستعارة التمثيلية، وحينئذ بجواز إجراؤه على الوجوه الأخر فتدبر. قوله:) أو بياناً لحالها) فهو على هذا حقيقة أيضاً، وقوله: كالزقوم الخ تمثيل أو تبيين لحطب جهنم، وقوله: سلسلة من النار فه! هـ استعارة شبه فيها سلسلة النار بالحبل المفتول، وقوله: من مسد ترشيح له، وقوله: وألظرف الخ يعني قوله: {فِي جِيدِهَا} الخ وصاحب الحال امرأته على العطف، والضمير المستتر في حمالة على خلافه أو هو خبر وحبل فاعل للظرف لكونه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 معتمدا، ويجوز أن يكون مبتدأ أو الظرف خبره والجملة حال أو خبر ثان، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم موضوع، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه. سورة الإخلاص سميت بها لما فيها من التوحيد، وتسمى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وسورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين وتسمى هي والكافرون المقشقشتين أي المبرئتين من الشرك، لأنهما بمنزلة كلمة التوحيد في النفي والإثبات واختلف في كونها مكية أو مدنية وفي عدد آياتها هل هو أربع أو خمس. بساً الله الرحمن الرحبم قوله: (1 لضمير للشأن الخ) فإن قلت: كيف يكون ضمير شأن مع قوله: في دلائل الإعجاز أن له مع أنّ حسنا بل لا يصح بدونها قلت، هو غير مسلم منه، وما قيل من أنه مختص بالجمل الشرطية بالاستقراء مردود بأنه مثل له بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ، وقيل مراده إذا أخبر عنه بجملة شرطية أو فعلية وفيه نظر لا يخفى فإن قلت المأمور بقل من شأنه إذا امتثل أن يتلفظ بالمقول وحده فلم كانت قل من المتلو فيه، وفي نظائره في القراءة المشهورة، قلت؟ المأمور به سواء كان معيناً أم لا مأمور بالإقرإر بالمقول فأثبت القول ليدل على إيجاب مقوله ولزوم الإقرار به على مرّ الدهور فتأمّل. قوله: (لأنها هي هو) أي الخبر فيه عين المخبر عنه فلم يحتج للعائد كما قرّره النحاة، وضمير أنها للجملة وهي تأكيد له بما هو في صورة المرفوع، وهو راجع للضمير، وقيل: ضمير أنها ضمير القصة وهي هو خبره والأوّل للجملة والثاني للضمير، وقوله: إذ روي الخ تصحيح لعود الضمير على ما علم من السؤال لجري ذكره في كلام آخر، وفي التاويلات إنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن نسبة الله فنزلت عليهم بأنّ المنزه عما ذكر كيف يكون له نسبة يسأل عنها، ولذا ورد في الحديث أنّ لكل شيء نسبا ونسبتي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وإن قال في الميزان إنه موضوع، وقوله: أو ما سئل الخ عطف على قوله للشأن. قوله: (وأحد بدل أو خبر ثان) هذان على كون الضمير لما سئل عنه لا على أنه للشأن كما لا يخفى والإبدال على المختار في جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقاً إذا كان فيه فائدة، ويجوز كون الله بدلاً من هو وأحد خبره أيضاً. قوله: (يدل على مجامع الخ (صفات الجلال السلبية وصفات الكمال الثبوتية، وفي نسخة وهي الثبوتية كما مرّ ومجامع جمع مجمع لا مجموع أو مجموعة، وما قيل عليه من أنّ الإلهية جامعة لجميع صفات الجلال والإكرام بل كل واحد مما ذكر ومن الأسماء الحسنى لأنّ الهوية الإلهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها، وعظمتها إلا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية، واسم الله متناول لهما جميعا فهو إشارة إلى هويته والله كالتعريف لها فلذا عقبه به ورد بأنّ لفظ الله مستجمع للصفات الثبوتية دون السلبية كما ذكره الرازي، والا لما أشرك به من يسميه بهذا الاسم ليس بشيء إذ لا يخفى أن الله قبل العلمية معناه المعبود ونحوه مما مرّ فيدل على معنى مخصوص، وبعد العلمية يدل بالذات على الذات ولما لم تكن معروفة بالكنه لوحظت بصفات هي لها كالمشخصات لسائر الأعلام فسواء أريد جميعها كما ذهب إليه المعترض أو الثبوني منها كما ذهب إليه غيره إنما يلاحظ ذلك إجمالاً فلا وجه لما استدل به من عدم الإشراك، إلا أنه إن سلم الثاني اندفع الأشكال والإيغال في كنه الأحدية، وقوله: لم يلد الخ قرينة على أنه لوحظ فيه صفات الإكرام وحدها. قوله: (1 ذ الواحد الخ) متعلق بقوله: يدل وفيه إشارة إلى أنّ همزته مبدلة من الواو لأنّ ما همزته أصلية لم يرد إلا في النفي أو مع كلمة كل، وانه ليس المراد به الواحد العددي لخلوه عن الفائدة إذ لا مثل له كما قيل، وفيه نظر وهذا بناء على عدم الفرق بين الأحدية، والواحدية وقد فرق بينهما بأنّ الأحدية تفرد الذات، والواحدية تفرد الصفات. قوله: (ما يكون منزه الذات الخ) أنحاء التركيب أقسامه من التركيب الخارجي، والذهني وهو جمع نحو بمعنى طريق فتجوّز به عما ذكر، والتعدد أيضاً إمّا خارجي أو عقلي كتعدد الكلي فهو مانع نفس تصموره عن قبول التعدد فالأحدية تقتضي عدم القسمة مطلقا سواء كان للأجزاء، أو الجزئيات وهي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 مختصة به تعالى وقوله: وما يستلزم الخ معطوف على أنحاء، وقوله: كالجسمية والتحيز مثال لما يستلزم التركيب، وما بعده لما يستلزم التعدد، ويجوز جعله أيضاً لما يستلزم التركيب العقلي إن جعل التعين والتشخص داخلا في حقيقة الإفراد كما لا يخفى ومن جعل هذا قسماً من السلوب مستقلا فقدسها. قوله: (كوجوب الوجود الخ) القدرة الذاتية التي لم تكتسب من شيء ولا بشيء، والحكمة اتقان العلم والعمل بحيث لا يحوم حوله نقص، وقوله: المقتضية صفة للأمور الثلاثة، وفيه إشارة إلى أنّ الصفات زائدة على الذات كما هو عند الأشاعرة ويلزم من عدم المشاركة في خواص الألوهية عدم المشاركة فيها أيضا، وفيه ردّ لكون الوجوب، والقدرة معللين بالألوهية كما قيل. قوله: (بلا قل) كما قرئ به في المعوّذتين أيضا، وقوله: مشاقة الرسول أي مفارقته لهم مع كونه في سوادهم في أجر، وهذا على ما فسر به أوّلاً وموادعته على أنه متاركة وجعلها عين ما ذكر مبالغة فلو قال: أو موادعته كان أولى لئلا يخالف ما مر بحسب الظاهر، ومثله سواء كان متاركة أو لا إنما يكون من الله لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد بخلاف معاتبة أبي لهب فإنه على خلق عظيم وأدب جسيم، ولو أمر بذلك لزم مواجهته به وأمّا التوحيد والعود. والرقي فما يقولوه تارة، ويبلغه أخرى فلذا وردت بهما فسقط ما قيل من أنّ قل لا تدل على أنه منه بل من الله فلا يلزم المواجهة به، وما قيل من أنه لا يصح من الله لا أعبد ما تعبدون فلا بد فيها من قل ليس بشيء لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ، ثم إنّ قوله: فلا يناسب الخ بيان لهما لأنّ الأوّل لا يناسب أن يكون منه بل من الله وهذا لا يناسب صدوره عنه لكثرة أدبه وحيائه فلدّا لم يؤمر به كما بيناه فليس في الأوّل حذف للنتيجة للقرينة اختصاراً فتقدر وكل ما هو كذلك يناسب أن يكون منه كما قيل فتدبر. قوله: (السيد المصمود إليه) فهو فعل بمعنى مفعول، وصمد بمعنى قصد فيتعدّى بنفسه، وباللام والى فقوله: المصمود تفسير له لا إشارة إلى الحذف والإيصال والسيد يطلق على الله تعالى كما في الحديث) السيد الله (خلافا لمن توهم منعه، وقال: السهيلي لا يطلق عليه تعالى مضافاً لا يقال سيد الملائكة، والناس ومعناه أنه محتاج إليه وهو الغنيّ المطلق، وقوله: وهو أي الله الموصوف بكونه صمداً والمراد بالوصف الوصف اللغوي لا الحمل كما قيل وإن كان هنا كذلك، وقد فسر الصمد بما لا جوف له وما لا يأكل ولا يشرب. قوله: (وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته) قال المحقق الدواتي: هذا لا يخلو عن كدر لأن علم المخاطب بمضمون الخبر لا يقتضي تعريفه بل إنما يقتضي أن لا يلقى إليه إلا بعد تنزيله منزلة الجاهل لأنّ إفادة لازم فائدة الخبر بمعزل عن هذا المقام فالأولى أن يقال التعريف لإفادة الحصر كقولك: زيد الرجل اكل، وهو يقتضي أن الخبر إذا كان معلوماً للمخاطب لا يخبر به إلا بتنزيله منزلة الجاهل، أو إفادة لازم فائدة الخبر أو إذا قصد الحصر، وهو ينافي ما تقرر في المعاني من أنّ كون المبتدأ والخبر معلومين لا ينافي كون الكلام مفيدا للسامع فائدة مجهولة لأنّ ما يستفيده السامع من الكلام هو انتساب أحدهما للآخر، وكونه هو هو لأنهم يعرفون الله بوجه مّا ويعرفون معنى المصمود سواء كان هو الله أو غيره عندهم، ولكن لا يعرفون أنه هو سواء كان بمعنى الفرد الكامل المعهود منه أو الجنس فعينه الله تعالى لهم على أنه إذا قصد الحصر فقد أفاد فائدة الخبر وإلا لاختل كلام أهل المعاني فيه، ومن لم يتنبه لهذا قال: إنه يلزم المصنف رحمه الله خلو الخبر عن الفائدة الا أن يقال التعريف لإفادة القصر، ولا حاجة إليه في الجملة السابقة فإنّ مفهوم أحد على تفسير المصنف رحمه الله مغن عنه مع أنهم لا يعرفون أحديته ولا يعترفون بها، وقيل: أحد في غير النفي والعدد لا يطلق على غيره تعالى بخلاف الصمد فلذا عرف فتدبر. قوله: (للإشعار بأنّ من لم يتصف الخ) أخذه من إفادة تعريف الطرفين للحصر كما صرح به الدواني فيشعر بأن من لم يتصف بالصمدية لا يستحق الألوهية لا لأنّ تعليق الصمد بالله يشعر بعلية الألوهية للصمدية بناء على أنه في الأصل صفة، وإذا كانت الصمدية نتيجة الألوهية لم يستحق الألوهية من لم يتصف به لأنه يرد عليه أنّ الألوهية للصمدية لأنه إنما يعبد لكونه محتاجاً إليه دون العكس إلا أن يقال: المراد بالألوهية مبدؤها لا لكونه معبوداً بالفعل، ولم يقل الله أحد الصمد للتنبيه على أنّ كلا من الوصفين مستقل. قوله: (لأنها كالنتيجة للاولى الخ) فهي جملة مستأنفة أو مؤكدة، وإن كانت من وجه تشبه النتيجة ومن وجه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 تشبه الدليل أمّا الأوّل فلأن الإلهية والأحدية توجب احتياح جميع ما سواه له فأشبه النتيجة في اللزوم لما قبله، وأمّا الثاني فلأنّ من كان غنياً لذاته محتاجا له ما سواه لا يكون إلا واحداً وما سواه لا يكون إلا ممكنا محتاجاً إليه فلعدم الانفكاك كان كالدليل له، ولذا قال: كالنتيجة ولم يقل نتيجة لأنها تعطف بالفاء كما تقول العالم متغير، وكل متغير حادث فالعالم حادث، والدليل معطوف عليه النتيجة لا معطوف وهذا بناء على أنّ الصمدية توجب الأحدية فهي من وجه نتيجة ومن آخر دليل، ووجهه أنّ الغني المطلق يلزم الأحدية لأنّ المركب محتاج إلى ما تركب منه، وهذا كله على أن الدليل مجرور معطوف على النتيجة، ويصح أن يرفع على الابتداء وخبره لم يلد الخ ويكون وجهاً لعدم عطف لم يلد لأن من لا مجانس له ولا مماثل له يلزمه أن يكون غنياً مطلقاً منفرداً في ذاته وألوهيته. قوله: (لأنه لم يجانس الخ) يجانس فعل مجهول أو معلوم يعني نفي الولد لأنه من جنس أبيه ولا يجانسه أحد لأنه تعالى واجب وغيره ممكن ولأنّ الولد يطلب إمّا لإعانة والده أو ليخلفه بعده، وهو لا يفني وغير محتاج إلى شيء منهما كما نبه عليه بقوله: لامتناع الحاجة الخ على طريق اللف والنشر وليس هذا إشارة إلى أن لم يلد كالنتيجة لما قبله ولذا لم يعطف كما توهم. قوله: (ولعل الاقتصار الخ) أي اقتصر على الماضي لأنه المحتاج إليه في الردّ على الكفرة فلذا لم يقل، ولن يلد وقدّم، وإن كانت المولودية في المخلوقات أسبق أو العراد الاستمرار وعبر به لمشاكلة قوله لم يولد. قوله: (وذلك) إشارة إلى كونه غير والد ولا مولود وما بعده لف ونشر فكونه لا يفتقر تعليل لكونه لم يلد كما مر، وكونه لا يسبقه أحد تعليل لكونه لم يولد وفي نسخة عدم بدل قوله: أحد كما هو المعروف في المواليد، وقيل: ذلك إشارة إلى كونه غير مولود، وقوله: يماثله تفسير لقوله: يكافثه، وقوله: من صاحبة أو غيرها إشارة إلى عمومه وتضمنه لنفي الزوجية المستلزمة لنفي الولد، وأنه يحتمل أن يكون من الكفاءة المعتبرة بين الأزواج كما في الكشاف. قوله: (وكان أصله أن يؤخر الظرف) إشارة إلى ما ذكره سيبويه ومن تبعه من النحاة من أنّ المتعارف في كلام فصحاء العرب في مثله تقديم الظرف إذا كان مستقرا وخبرا وتأخيره في غيره، وهنا قد تقدّم وليس كذلك قال السيرافي في شرح الكتاب فإن قال قائل: قد اختار سيبويه أن لا يقدم الظرف إذا لم يكن خبراً وكتاب الله أولى بأفصح اللغات قيل له: قوله له: وإن لم يكن خبراً فإن سقوطه مبطل معنى الكلام لأنك لو قلت: لم يكن كفؤاً أحد لم يكن له معنى فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن فيه ذلك انتهى، وهذا معنى قول المصنف وكان أصله الخ، وفال ابن الحاجب إنه قدم للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد فقط لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره، وفيه نظر وقوله: صلة أي لغو متعلق بمذكور وهو كفؤاً لا بيكن نتدبر. قوله: (ويجوز أن يكون حالاً الخ) فعلى هذا هو مستقر وتقديمه جار على القاعدة مع أنه لو أخر التبس بالصفة أو الصفة فحسن تقديمه من وجوه. قوله: (أو خبرا ويكون كفؤا حالاً من أحد) وجوّز تقديمه عليه، ولو تاخر كان صفة له ويجوز كونه حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبرا وهذا الوجه نقله أبو علي في الحجة عن بعض النحاة ورد بأنه ظرف ناقص لا يصح، أن يكون خبرا فإن قدو له متعلق خاص، وهو مماثل ونحوه مما تتم به الفائدة يكون فوله: كفوا زائدا فتأمّل. قوله: (ولعل ربط الجمل الخ) أي وقوع الجمل الثلاث، وهي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا متعاطفة دون ما عداها من هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه، وهذه أقسامها لأن المماثل إمّا ولد أو والد أو نظير فلتغاير الأقسام " واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضحى قواعد المعاني، وقد أشار أولاً لوجه ترك العطف فيما قبله! لأنّ الله الصمد محقق لما قبله ومبين! له " وكذا " لم يلد مؤكد ومحقق للصمدية لأن الغنيّ عن كل شيء المحتاج إليه كل ما سواه لا يكون والداً ولا- مولودا، وقوله.:! منبه اشم فاعل من التنبيه وفي نسخة مبينة اسم فاعل من البيان، وعدى بعلى لتضمنه معنى الدلالة وفي بعضها مبنية من البناء والأولى أولى، وتوله: بالتخفيف أي التسكين وهو في مقابلة الضم النقيل وهو المراد بقوله بالحركة، وقولة: غلى. جميع! المعارف الإلهية هو بطريق أفإيماء " لا صريحا ولذا قيل إنها تدل على علم الأصول الدينية وأن تعليمه وتعلمه مشروع، وقوله: والردّ على من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 ألحد من المشركين بما نسبه لله من الولد والشريك صراحة وعلى غيره دلالة. قوله: (جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن) وهو حديث صحيح مروي من طرق، وفي رواية تعدل نصفه، وما في الكشاف من أنها تعدل القرآن كله قال الدواني: لم أره في شيء من كتب الحديث والتفسير، ثم أورد هنا إشكالاً وهو أنّ الأحاديث دالة على أنه يكتب لقارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات فيكون ثواب قراءة القرآن بتمامه أضعافا مضاعفة بالنسبة لثواب قراءة هذه السورة، وأجاب قدس سره بأن للقارئ ثوابين تفصيليا بحسب قراءة الحروف والعمل، وآخر إجمالياً بسبب ختمه القراءة فثواب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يعدل ثلث ثواب الختم الإجمالي لا غيره ونظيره إذا عين أحد لمن بني له داراً في كل يوم دينارين، وعين له إذا أتمه جائزة أخرى! غير أجرته اليومية وعلى هذا القياس، وفي شرح البخاري للكرماني فإن قلت: المشقة في قراءة الثلث أكثر منها في قراءتها فكيف يكون حكمه حكمها قلت: يكون ثواب قراءة الثلث بعشر، وثواب قراءتها بقدر ثواب مرة منها لأنّ التشبيه في الأصل دون الزوائد وتع منها في مقابلة زيادة المشقة، وفي الفقه الأكبر وشروحه إنّ آيات القرآن كلها مستوية في الفضل إلا أنّ لبعضها فضيلة الذكر والمذكور كآية الكرسي ولبعضها فضيلة الذكر فقط كقصص الكفار وما ورد من فضائلها راجع إلى الدلالة ولذا لم يكن تعارض بين كونها ربعاً ونصفاً، وغيره وقيل: إنه من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله هذا محصل ما تيل في دفع السؤال، وليس فيه ما يثلج الصدر ويطمئن له البال، والذي عندي فيه إنّ للناظر في معنى كلام الله المتدبر لآياته ثواباً وللتالي له، وان لم يفهمه ثواب آخر فالمراد أنّ من تلاها مراعيا حقوق آدا. بها فاهماً دقيق معانيها كانت تلاوته لها مع تأملها، وتدبرها تعدل ثواب تلاوة ثلث القرآن من غير نظر في معانيه، أو ثلثا ليبس فيه ما يتعلق بمعرفة الله وتوحيده- ولا بدع في أشرف المعاني إذا ضم لبعض من أشرف الألفاظ أن يعدل من جنس تلك الألفاظ مقدارا كثيرا كلوح ذهب زنته عشرة مثاقيل مرصع بانفس الجواهر يساوي! ألف مثقال ذهب فصاعدا. قوله:) فإن مقاصده الخ) إشارة إلى احتوائه على أمور أخر كالدعاء والثناء، وقوله: ومن عدلها بكله الخ إشارة إلى ما في الكشاف، وقد مر ما في! وجعلها مقصودة بالذات لأن المقصود بالذات معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وهي محتوية على ذلك، وقولى: وعنه صلى الله عليه وسلم الني ليس بموضوع بل رواه الترمذي والنسائي وفي الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاَ يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت- الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فقال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله بالاسم الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أمطى) 2 يم- تحت السورة بحمد الله وعونه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سورة الفلق مختلف فيها والصحيح أنها مدنية لأن سبب نزولها سحر اليهود كما سيأتي، وهم بالمدينة كما في البخاري وغيره فلا يلتفت لمن صحح كونها مكية وكذا سورة الناس ولا خلاف في عدد آياتها. بسم الله الوحمن الرحيم قوله: (ما يفلق عنه) أي يشق وبفرق فهو فعيل بمعنى مفعول صفة مشبهة كقصص بمعنى مقصوص، وجعله بمعنى ألمفلوق عنه لا على الحذف، والإيصال في الفلق كما توهم فإنه لم يسمع فلق عنه لمناسبتة معنى التربية وإن كان من جعله مفسراً بالمفلوق كالزمخشري لاحظ فيه ذلك أيضاً حيث قال: كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات الخ. قوله: (يعم جميع الممكنات) أي الموجودات بقرينة ما بعده لأنّ مجرّد الإمكان لا يكفي في الفرض، والمراد بقوله: عرفا عرف اللغة والعرب فلا يتوهم إنه كيف يكون عرفياً، وقد ذكره أهل اللغة وفسر به، وقوله: عنها أي عن الممكنات التي في علمه تعالى وقوله: ظلمة العدم فهو كلجين الماء، والفلق بمعنى الإظهار مجازاً لا تخييلا كما قيل. قول! : (سيما ما يخرج من أصل الخ) فإنّ الفلق بمعنى الإظهار فيه أظهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 لتحققه فيه بالمعنى الحقيقي أيضاً كالعيون من الجبال والأمطار من السحاب والنبات من الأرض والأولاد من الأرحام، وقوله: يخص معطوف على قوله: يعم والضمير المستتر فيه للفلق، وقوله: ولذلك أي لاختصاصه به عرفاً، وقوله: وتخصيصه أي الصبح على هذا التفسير. قوله: (لما فيه من تغير الحال الخ) مناسبة تغير الأحوال وتبدّلها لحال المستعيد الطالب لزوال ما ألئم به من الألم ظاهرة لأنّ البيوت كالقبور والنوم أخو الموت والخارجون من منازلهم صباحا منهم من يذهب لنضرة وسروو، ومن يكون في مطالبة ديون وغموم وشرور وهكذا مما للعباد، مما هو أنموذج المعاد، والمناسبة بين هذه الحال وحال المستعيذ ظاهرة لأنها تدل على قدرة من التجأ إليه ففيها تبشير بأنه يعيذه وأيضاً من أوجده بعد العدم كيف لا يسلمه من الألم فلا وجه لما قيل من أنّ القصد للاستعاذة لا للدلالة على يوم القيامة فلا مناسبة له بالمقام، والمراد بفاتحة يوم القبامة البعث. قوله: (والإشعار بأن من قدر الخ) مع ما بين الظلمة والمكاره من المناسبة وكون الأفكار والخوف في الليل أكثر. ولرب ليل للهموم كدمل صابرته حتى ظفرت بفجر. وقوله: ولفظ الرب هنا أوقع أي أنسب وأحسن موقعاً من غيره من الأسماء كالخالق، وغيره وهو على تعميم الفلق لسائر الممكنات ظاهر لشموله للمستعيذ، والمستعاذ منه وعلى تخصيصه بالصبح أيضاً لأنه مشعر بأنه قادر مغير للأحوال ومقلب القلوب والأطوار، فيزيل الهموم وا! دار، فلا يتوهم أنه أضيف إلى الفلق فكيف يدل على ما ذكر. قوله: (من سائر أسمائه) قيل: المراد أسماؤه التي يجوز إضافتها للفلق كالخالق، والموجد فلا يرد أنّ الإعاذة رأفة ورحمة أيضا، وأمّا المالك وإن جاز إضافته فالرب أنسب أيضاً لأنّ المالك قد لا يريد التربية كمشتري الشاة للضحية، وقوله: لأنّ الإعاذة الخ جعلها نفس التربية مبالغة والمراد أنها من لوازمها ومتمماتها. قوله: (خص عالم الخلق الخ) عالم الخلق هو المجسمات والمشاهدات وعالم الأمر ما يقابله لأنه أوجد بمجرّد أمركن من غير مادة ونحوها، ويقال: عالم الشهادة وعالم الغيب والمراد بكونه خيراً كله أنه لا يصدر عنه شرفان مصدر بأمره تعالى كما يفعله ملائكة العذاب، فلم يصدر إلا الامتثال الأمر لا لقصد الشر من حيث هو شرّ فلا وجه لما قيل من أنه يجوز أن يكون ما يتوجه إلى الشخص من عالم الغيب شرّا، ولا بعد في فهم عالم الخلق من قوله: ما خلق كما قيل لأنه وإن اشتهر في كلام المشايخ والحكماء لا تأباه اللغة لأنّ غايته تخصيصه ببعض أفرأده المحسوسة، وبه فسر قوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [سورة الأعراف، الآ-: 54] فلعله ورد في لسان الشرع وعرفه. قوله: (وشرّه أختياري الخ) اللازم ما لا ينتقل عن محله والموصوف به والمتعدّي ما يقابله ومثل للأوّل بالكفر وللثاني بالظلم والمستعاذ منه الأقسام كلها فاشعاذ من أن يتصف بشيء من ذلك في نفسه أو بواسطة سريانه كما يقال طباع الشرّ تعدي، وما قيل من أنه لا يلزم من هذا التقسيم أن يكون الشرّ اللازم مستعاذا منه ليخالف ما سياتي من أنّ الاستعاذة ني هذه السورة من المضار البدنية لأنّ التقسيم ليس للمستعاذ منه، ولا معنى للاستعاذة من شرّ لا تعدى إلى المستعيذ، ولو سلم فليكن المراد مما سيأتي أنّ الاستعاذة فيها لا تختص بالإضرار العارضة للنفوس البشرية بل تعم المضار البدنية تكلف مستغني عنه وسيأتي تحقيقه. قوله: (كالكفر) مثال للاختياري اللازم وأمّا كون الكافر يستتبع ولده كما في حديث: " يهوّدانه وبنصرانه) فلا يرد لأنّ كفر الأب لم يتعدّ له، لمانما تعدى له حكمه أو تعليمه له والمراد بالطبيعي ما خلقه الله في طبيعته فلا يقال إنه لا يوافق المذهب الحق كما توهم. قوله: (ليل الخ) فنسبة الشرّ إليه مجازية كنهاره صائم وغسق من باب ضرب وعلم، وقيل: على قوله وقيل: الشلان إنه مرضه لأنه لا يناسب ما مر في سورة ص وعم في تفسير قوله: {حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [سورة النبأ، الآية: 25] بما يسيل من صديدهم؟ ولا شك أنه مناسب ثمة لعطفه على الحميم، وما ذكر هنا هو معنى أصل هذه المادّة وما وضعت له وهو لا ينافي استعماله فيه للمناسبة التامّة بين الامتلاء والسبيلافي فتأمّل. قوله: (انصباب ظلامه (إشارة إلى إنه استعارة هنا، وكذا هو في الامتلاء أيضاً وقوله: دخل ظلامه أصل معنى الوقب النقرة، وقد فسر بالمجيء أيضاً وكلام المصنف قريب منه، وقوله: وتخصيصه أي الليل مع اندراجه في عموم ما خلق، وقوله: لأنّ المضارّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 الخ فكأنه جنس آخر كما مر. قوله: (الليل أخفى للويل) هو مثل أوّل من قاله سارية العقيلي، والمعنى أفعل يخيه ما تريد فإنه أسترا لسرك وأخفى أفعل تفضيل من الإخفاء المزيد على خلاف القياس، ولخفائها تعسر هي ودفعها فيه، وقوله: ولذلك أي ما ذكر وقوله: فيغسق بكسر السين، وفتحها أي يظلم لذهاب ضوئه المستفاد من الشصس لأنه كمد اللون في نفسه أو لأنه يمتلئ- على ما قيل، أو يسرع بسير. على أنّ الغسق مستعار من السيلان، وقيل: وقوب القمر دخوله في المحاق. قوله: (ومن شرّ النفوس) جعله صفة للنفوس ليصح تأنيثه، وقوله: أو النساء أخره إشارة لترجيح الأوّل وأنه أولى ليشمل الرجال ويطابق سبب النزول كما سياتي والسواحر صفة لكل من النفوس والنساء على البدل وفي الروض الأنف إن عقد السحر التي سحر النبيءسوو بها إحدى عشرة عقدة فانزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية فانحلت بكل آية عقدة واليه أشار المصنف قال، وقال: النفاثات وكان الذي سحره رجلاَ وهو لبيد بن الأعصم اليهودي لأنّ زينب اليهودية أعانته على ذلك، والأخذة غالباً من عحل النساء وكيدهن، ولذا غلب المؤنث على المذكر هنا وهو جائز كما فصلناه في شرح الدرّة فلا يرد عليه أنّ سبب النزول لا بد من دخ! وله في النظم، وقال أبو عبيدة إنه قال النفاثات والسحر قد يكون من الذكور لأنّ جواري لبيد سحرته صلى الله عليه وسلم ورد بأنّ الصحيح رواية غيره فالحق أنه / أنث لأنه صفة للأنفس لأنّ تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة وسلطانه منها وينفثن مضم الفاء وكسرها. قوله: (والنفث النفخ مع ويق) كذا في الكشاف، وفي النشر النفث شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه فإن كان معه ريق فهو التفل، وهو مخالف له والأوّل هو الأصح لما نقله ابن القيم من أنهم إذا سحروا استعانوا على تأثير فعلهم بنفس يمازجه بعض أجزاء أنفسهم الخبيثة، واليهودي هو لبيد بن الأعصم كما مرّ، والمعوّذتان بكسر الواو والفتح خطأ والبئر تسمى بئر ذروان كما في البخاري، وقوله: فأخبره جبريل الخ الذي في البخاري أنه رأى في منامه ملكين عنده وأحدهما يخبر الآخر بذلك، وقد يجمع بين الروايتين بأنّ أحد الملكين جبريل صلوات الله وسلامه عليه، وقد روي أنّ ذلك لم يخرج من البثر لئلا ينتشر شره، وقد كفاه الله ذلك. قوله: (ولا يوجب ذلك صدق الكفرة) في فولهم: إنه مسحور وقد كذبهم الله فيه، ولذا نقل في التاويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال إنّ حديث السحر المروي هنا متروك لما يلزمه من صدق قولهم وهو مخالف لنص القرآن فأجاب المصنف عنه بأن الحديث صحيح وهو غير مراغم للنص لأنّ الكفار أرادوا بقوله: مسحور مجنون كما مرّ ولو سلم إرادة ظاهره فهو كان قبل هذه القصة أو مرادهم أنّ السحر أثر فيه، وإن ما يأتيه من الوحي من تخيلات السحر، وهو كذب أيضا لأنّ الله عصمه فيما يتعلق بالرسالة، وأنما كان يخيل له ذلك في إتيان أهله وأمر النساء خاصة ولا ضير فيه والسحر حق خلافاً لمن أنكره، ويجوز أن تسحر الأنبياء أيضا خلافا لمن قال: إنّ لسحر لا يجري عليهم فإنهم بشريجري عليهم ما يجري على البشر، ولا أعظم من القتل وأنما الممنوع تأثيره في خلل العقل وأمر النبوّة. قوله: (مستعار الخ) فشبه العزائم بعقد معقودة، والتحيل في إبطالها بالنفث للحل فهما استعارتان مصرحتان ويصح أن تكون تمثيلية، وقوله: وأفرادها الخ فتعريفها للاستغراق ولا ينافيه خصوص السبب لدخوله فيها دخولاً أوّلياً وكون كل ظلام ليس شراً ظاهر. وكم لظلام الليل عندي من يد تخبرأنّ المانوية تكذب وكون كل حسد كذلك لأنه إنما يكون شراً بإظهاره وتأثيره وليس كل حسد كذلك كما أشار إليه المصنف والمراد تخصيصها بالتعريف من بين ما أضيف إليه الشر، وكان مما يصح دخول أل عليه فلا يرد عليه أن ما خلق معرفة أيضاً. قوله: (إذا أطهر حسده) أوّله به ليتضح وجه تنكيره، ولثلا يكون قوله إذا حسد مع حاسد لغوا، وقوله: بل يخص به كما قال علي كرّم الله وجهه لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله وقال ابن المعتز رحمه الله تعالى: اصبرعلى حسدالحسو د فإنّ صبرك قاتله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 فالنارتأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ولم يذكر ما في الكشاف من قوله: رب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات ومنه (لا تحسد إلا في اثنتين) الحديث لأنه غبطة وإنما يسمى حسدا مجازا، والفرق بينهما أنّ الغبطة تمني مثل ما لغيرك مع عدم محبة زواله عنه والحسود يتمنى زوال نعمة المحسود، ولذا كان مذموماً. قوله: (وتخصيصه) أي ما ذكر من الغاسق والنفاثات والحاسد مع أنها مندرجة تحت ما خلق لأنّ ذلك هو العمدة في إضرار الإنسان، وغيره لأنّ الظلام يقع فيه المضار للإنسان وغيره من حيث لا يشعر، وكذا التحاسد يكون سبباً لمضار الإنسان وهو ظاهر ولمضار غيره فإن الحيوان إذا رأى واحدا من جنسه سبقه لشيء من المأكول أو المنكوح ربما قتله، والسحر قد يؤثر في غير الإنسان إذا رأى واحداً من جنسه سبقه لشيء من المأكول أو المنكوح ربما قتله، والسحر قد يؤثر في غير الإنسان أيضاً ولو جعل ضمير تخصيصه، وأنه للحسد وحده كان أظهر ويكون هذا توجيهاً لإنراد الحسد بالذكر وما بعده توجيه لتخصيص هذه الثلانة، وهذا أحسن وأسلم من التكلف عندي وإن اختار الأوّل أرباب الحواشي. قوله: (ويجورّ ان يواد بالفامق الخ) المراد بالقوى النفسانية شبهها بالنور لأن الإدراك ونحوه بها والخالي منها المعدنيات، واستعيرت النفاثات للقوى النباتية، والمراد نفسها وكني بالحاسد عن الحيوان لأنّ المراد بالمذكورات على هذا المواليد الثلاثة ولا يخفى ما فيه من التكلف المبني على الحكمة الباردة فتركه أولى من تنزيل التنزيل عليه. قوله: (ولعل أفرادها) أي هذه الثلاثة، وهذا تكلف آخر فإنها سبب للشر لا شر على ما ذكره، وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث صحيح رواه مسلم وابن حيان وقد أحسن المصنف هنا إذ ذكر الحديث الصحيح، وترك الحديث الموضوع الذي ذكره الزمخشريّ. سورة الناس وتسمى مع ما قبلها بالمعوذتين والمقشقشتين والصحيح أنها مدنية وآياتها ست لا سبع وان اختاره بعضهم ولا مكية لما مرّ. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (ونقل حركتها) وهي الفتحة كما قرئ خذ أربعة، وقوله: في السورتين تنبيه على ما في الكشاف من اختصاصها بهذه السورة. قوله: الما كانت الاستعاذة الخ) إشارة إلى ما رجحه ثمة من شمول الفلق لجميع الممكنات كما مرّ، وهو لا ينافي كون الاستعاذة من المضار البدنية العارضة للبدن بواسطة كل شيء من الموجودات فإن المستعيذ هو النبيّ-شح! فيما شاهده من ف! رة لحقت جسمه الشريف على ما علم من سبب النزول فليس هذا مخالفاً لما قدمه كما توهمه بعضهم وخبط فيه آخرون، وقوله: من الأضرار جمع ضرر وكان الأحسن فيه الأفراد وكسر الهمزة بعيد، وقوله: تعرض للنفوس البشرية، وهي الوسوسة وما قيل: إن شرها يلحق البدن أيضا هو من شر الوسواس أيضاً، وقوله: وخصصها بالناس لاختصاص الوسوسة بهم. قوله: (، لذي يملك أمورهم) إشارة إلى قوله: ملك الناس، وقوله: ويستحق عبادتهم إشارة إلى قوله: {إِلَهِ النَّاسِ} . قوله. (عطفاً بيان (أي لرب الناس قال أبو حيان: المشهور أن عطف البيان يكون في الجوامد والمعطوف عليه واحد، وقوله: (فإنّ الرب (الخ إشارة إلى تغايرهما مفهوما كما في رب الناس وملكهم وأتى بقد للاقتصار على أقل ما يتحقق به التغاير فلا حاجة إلى أن يقال: قد في الثاني للتكثير فإن الظاهر أنهما على نمط واحد وإن جاز تغايرهما وكون الرب لا يكون ملكاً كرب العبد، وكون الملك غير إله كما في سائر ملوك الدنيا. قوله:) وفي هذا النظم الخ (كونه حقيقياً بالإعادة من الربوبية لأنّ المربي يحفظ ما يريبه والقدرة من كونه ملكا وكونه غير ممنوع من الإلهية لأنه لو عجز عن دفع الموانع لم يكن إلهاً إذ الإله منزه عن العجز، وقوله: إشعارا معطوف على قوله: دلالة، وكذا قوله تدرّج وضمنه معنى الاطلاع ولذا عدا. بعلى. قوله: (الناظر في المعارف) أي المتوجه لمعرفة خالقه، وقوله: إن له ربا أي سيدا متفضلاً عليه وقوله: يتغلغل أي يتعمق ويدخل وأصل التغلغل دخول الماء الجاري بين النبات، والأشجار وكان أصله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 تغلل فأبدلت إحدى لاميه غينا وفي التعبير به إشارة إلى ما في النظر من التدبر بلطف، وقوله: غني عن الكل الخ الغني من كونه ملكا عظيما، ومصارف جمع مصرف وهو مصدر ميمي بمعنى الصرف، وقوله: المستحق الخ من كونه إلها. قوله: (في وجوه الاستعاذة الخ) المعتادة صفة لوجوه فإن عادة من ألنم به مهمّ أن يرفع أمره لسيده ومربيه كوالد به فإن لم يقدرا على رفعه رفعه لملكه وسلطانه فإن لم يزل ظلامته شكاه إلى ملك الملوك، ومن إليه المشتكي والمفزع ونزل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات فلذا لم يكتف بواحد منها، وتدرج فيها كما عرفت ولولا هذا التنزيل لم يتحقق التدرج المذكور، وما قيل من أن الإتيان بصورة التعداد وترك العاطف دلالة على هذا لا يلائم كلام المصنف، وعطف البيان فإنه ينافي التعدّد وليس مثله بمحل العطف حتى يدعي تركه لما ذكر، وفيه إشارة إلى عظم المستعاذ منه وأنّ الآفة النفسانية أعظم من المضار البدنية حيث لم يكرر ذلك المستعاذ به ثمة وكرره هنا إظهارا للاهتمام في هذه دون تلك. قوله: (وتكرير الناس الخ) فإنّ الإظهار أنسب بالإيضاح المسوق له عطف البيان وأدل على شرف الإنسان فإن الإظهار في مقام الإضمار يدل على التعظيم، والتفخيم وإن لم يكن في لفظ المظهر إشعار بذلك كما صرح به الإمام المرزوقي في أوّل شرح الحماسة، وقيل: لا تكرار هنا فإنه يجوز أن يراد بالعام بعض أفراده فالناس الأوّل بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية والثاني الكهول والشبان لأنهم المحتاجون لمن يسوسفم، والثالث الشيوخ لأنهم المتعبدون المتوجهون لله وفيه تأمّل. قوله: (الوسوسة (قال ابن مالك فعلل ضربان صحيح كدحرج وثنائي مكرر نحو كبكب وصلصل ولهما مصدران مطردان فعللة وفعلال بالكسر كزلزال، وهو أقي! فيه وامّا الفتح فإن ورد فيه فشاذ لكنه كثر في المكرر كتمتام، وفأفاء وهو للمبالغة كفعال في الثلائي كما قالوا: ثرثار للمكثر ووطواط للضعيف والحق أنه صفة وجعله مصدراً كوسواص أريد به الموسوس، ونحوه تجوّزاً عن الشيطان أو بتقدير ذي مما لا داعي له كما جنح إليه الزمخشريّ وتبعه المصنف، وليس في الكلام فعلال بالفتح في غير المضاعف غير خزعال بمعجمتين ناقة بها ظلع، وزاد ثعلب قهقاراً وقال: غيره هو جمع وقيل: صوابه قهقر وزاد غيره قسطال، وهو الغبار وفي التسهيل فعوال بالكسر يكون مصدر فوعل كحيقال وظاهر كلام المصنف أنه اسم مصدر والفرق بين المصدر واسم المصدر أنّ اسم الحدث إن اعتبر فيه صدوره من الفاعل فمصدر والا فهو اسم مصدر، وقال الرضي: اسم المصدر ما بدئ بميم زائدة كمقتل أو كان اسم عين استعمل بمعنى المصدر وفيه كلام ليس هذا محل بسطه. قوله: (الخناس) هو صيغة مبالغة أو نسبة، وقوله: وذلك كالقوّة الوهمية تنظير لا تفسير وتمثيل فإنّ السياق لا يساعده، وكذا قوله من الجنة وما قيل من أنّ التشبيه في الخنوس والوسوسة، كما قيل: فإنّ الوهم شيطان رجيم لا محصل له، وقوله: بيان للوسواس بمعنى الموسوس، وقوله: من جهة الجنة إشارة إلى أن من ابتدائية كما في الكشاف، وإذا قدر قطعه رفعاً ونصباً حسن الوقف على الخناس وجوّز فيه الحالية من ضمير يوسوس والبدلية من قوله: من شر بإعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من الوسواس على أنّ من تبعيضية والوسوسة من جهة الجنة بان يلقى في قلبه علمهم بالغيب ونفعهم وضرهم ومن جهة الناس كذلك بالكهانة والتنجيم. قوله: (وفيه تعسف (لأنه بناء على ما نقل عن الكليّ من أنه يقال: ناس من الجن والمعروف خلافه مع ما فيه من جعل قسم الشيء قسيماً له، ومثله لا يناسب بلاغة القرآن، وإن سلم صحته والتعسف سلوك غير الجادة والمراد به التكلف بلا طائل. قوله: (إلا أن يراد الخ) فيكتفي بالكسرة عن الياء، وهذا مع تكلفه أقرب مما قبله، وقد قرى قوله تعالى من حيث أفاض الناس بكسر الناس شذوذاً، ثم إنه قيل: إنّ حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفا وكذا حروف الفاتحة بعدد السنين التي نزل فيها القرآن، وهو سر بديع كما قيل إنّ الحروف فيه أو لها باء وآخرها سين فكأنه قيل بس لأنه كاف عن كا! ما سواه إشارة إلى قوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [سورة الأنعام، الآية: 38] ومثله من الرموز كثير لكن لا ينبغي أن يقال إنه مراد الله تعالى، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع. اللهم إنك تعلم أني مخضت أيامي عن بذرتها وأعلمت مطايا الجدّ وجياد النظر في ميادين حلبتها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 حتى بيض نسخة عمري المشيب، وأبلي بلبسه بردى القشيب، ونثر خريفه خضر أوراقي، وأشغل الرأس شيبا واستنارت به آفاقي، فرأيت ما ضاع من متاع حياتي، وقمت لألتقط ما انتثر من در الأوقاف وندمت على ترك التجارة، وناهيك بعدم الربح من خسارة لولا برهة جاد بها أبو العجب على ما به من فتنة وفينة بعد فينة في خدمة الكتاب والسنة: فإن كان هذا الدمع يجري صبابة على غيرسعدي فهودمع مضيغ وما تفيد الجواهر ضالاً في يباب، سكانه سعال وضباب، وقصوره صمّ الصخور وأنهاره السراب وما ينفع البذر على صفوان المسيل، وما يغني عرق الجبين من أتى السوق بنقضه بعد الأصيل، غير أني أتوسل إلى الكريم، بكلامه القديم ورسوله العظيم أن يعزني بعز. الذي لا يضام، ويدخلني حصن حفظه الذي لا يرام، ويغنيني عما سواه، ويشرح صدري لكل ما يرضاه يا ظاهراً إليه مرجع ضمائرنا، اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وبصائرنا. وليس يخيب من يرجو كريماً وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418